You are on page 1of 313

‫تابع ‪ :‬تفسير سورة المائدة‬

‫‪83‬‬ ‫الية ‪:‬‬


‫ع ُي َنهُ ْم تَفِي ضُ‬
‫س ِمعُواْ مَآ أُنزِلَ إِلَى الرّ سُولِ َت َرىَ أَ ْ‬
‫{وَِإذَا َ‬ ‫القول ف ـي تأوي ـل قوله تعال ـى‪:‬‬
‫حقّ يَقُولُونَ َر ّبنَآ آ َمنّا فَا ْك ُتبْنَا مَ َع الشّاهِدِينَ }‪..‬‬
‫ع َرفُواْ ِمنَ ا ْل َ‬
‫ن ال ّدمْعِ ِممّا َ‬
‫مِ َ‬
‫يقول تعالـى ذكره‪ :‬وإذا سمع هؤلء الذ ين قالوا إنا ن صارى الذ ين و صفت لك يا مـحمد‬
‫صفتهم أ نك ت ـجدهم أقرب الناس مودّة للذ ين آمنوا‪ ,‬ما أنزل إل ـيك من الكتاب يتل ـى‪َ ,‬ترَى‬
‫ع ُي َنهُ مْ تَفِـيضُ ِم نَ ال ّدمْ عِ‪ .‬وفـيض العين من الدمع‪ :‬امتلؤها منه ثم سيلنه منها كفـيض‬
‫أْ‬
‫النهر من الـماء‪ ,‬وفـيض الناء‪ ,‬وذلك سيلنه عن شدّة امتلئه ومنه قول العشى‪:‬‬
‫حدَارَا‬
‫ن إمّا َوكِيفـا وإمّا انْـ ِ‬
‫فَفـاضَتْ ُدمُوعِي فَطَلّ الشّؤو ِ‬
‫حقّ يقول‪ :‬فـيض دموعهم لـمعرفتهم بأن الذي يتلـى علـيهم‬
‫ن الـ َ‬
‫ع َرفُوا مِ َ‬
‫وقوله‪ :‬مِـمّا َ‬
‫من كتاب ال الذي أنزله إلـى رسول ال حقّ‪ .‬كما‪:‬‬
‫‪ 9699‬ـ حدث نا هناد بن ال سريّ‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا يو نس بن بك ير‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا أ سبـاط بن ن صر‬
‫الهمدانـي‪ ,‬عن إسماعيـل بن عبد الرحمن السديّ‪ ,‬قال‪ :‬بعث النـجاشيّ إلـى النبـيّ صلى‬
‫ال عليه وسلم اثنى عشر رجلً يسألونه ويأتونه بخبره‪ ,‬فقرأ علـيهم رسول ال صلى ال عليه‬
‫و سلم القرآن فبكوا‪ .‬وكان من هم سبعة رهب ـان وخم سة ق سيسون‪ ,‬أو خم سة رهب ـان و سبعة‬
‫ع ُي َنهُم ْـ تَفِــيضُ مِنَـ‬
‫ل َترَى أ ْ‬
‫ل إلــى الرّسـُو ِ‬
‫قسـيسون‪ ,‬فأنزل ال فــيهم‪ :‬وَإذَا سَـِمعُوا مـا ُأنْزِ َ‬
‫ال ّدمْعِ‪ ...‬إلـى آخر الَية‪.‬‬
‫‪ 9700‬ـ حدثنا عمرو بن علـيّ‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا عمر بن علـيّ بن مقدّم‪ ,‬قال‪ :‬سمعت هشام بن‬
‫عروة يحدّث عن أبـيه‪ ,‬عن عبد ال بن الزبـير‪ ,‬قال‪ :‬نزلت فـي النـجاشيّ وأصحابه‪ :‬وَإذَا‬
‫ن ال ّدمْعِ‪.‬‬
‫ع ُي َن ُهمْ تَفِـيضُ مِ َ‬
‫ل َترَى أ ْ‬
‫س ِمعُوا ما ُأ ْنزِلَ إلـى ال ّرسُو ِ‬
‫َ‬
‫حدثنا هناد‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا عبدة بن سلـيـم‪ ,‬عن هشام بن عروة‪ ,‬عن أبـيه‪ ,‬فـي قوله‪َ :‬ترَى‬
‫حقّ قال‪ :‬ذلك فـي النـجاشيّ‪.‬‬
‫ع ُي َن ُهمْ تَفِـيضُ ِمنَ ال ّدمْعِ مِـمّا عَرفُوَا مِنَ الـ َ‬
‫أْ‬
‫حدثنا هناد وابن وكيع‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا أبو معاوية‪ ,‬عن هشام بن عروة‪ ,‬عن أبـيه‪ ,‬قال‪ :‬كانوا‬
‫ع ُي َنهُ مْ‬
‫ل َترَى أ ْ‬
‫س ِمعُوا ما ُأ ْنزِلَ إل ـى الرّ سُو ِ‬
‫يرون أن هذه الَ ية أنزلت ف ـي الن ـجاشيّ‪ :‬وَإذَا َ‬
‫ن ال ّدمْعِ‪.‬‬
‫تَفِـيضُ مِ َ‬
‫‪ 9701‬ـ حدث نا هناد‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا يو نس بن بك ير‪ ,‬قال‪ :‬قال ا بن إ سحاق‪ ,‬سألت الزهري عن‬
‫الَيات‪ :‬ذَلِك َـ بأنّـ ِم ْنهُم ْـ قِسـّيسِينَ َورُهْبــانا وأ ّنهُم ْـ ل يَس ْـَت ْكبِرُونَ وَإذَا سَـِمعُوا مـا ُأ ْنزِلَ إلــى‬
‫ن قالُوا سَلما‬
‫ع ُي َنهُ مْ تَفِـيضُ ِم نَ ال ّدمْ عِ‪ ...‬الَية‪ .‬وقوله وَإذَا خاطَ َبهُ مُ الـجاهِلُو َ‬
‫الرّ سُولِ َترَى أ ْ‬
‫قال‪ :‬ما زلت أسمع علـماءنا يقولون‪ :‬نزلت فـي النـجاشيّ وأصحابه‪.‬‬
‫ن معنى الكلم‪ :‬وإذا‬
‫وأما قوله‪ :‬يَقولُونَ فإنه لو كان بلفظ اسم كان نصبـا علـى الـحال‪ ,‬ل ّ‬
‫سمعوا ما أنزل إل ـى الر سول ترى أعين هم تف ـيض من الد مع م ـما عرفوا من ال ـحقّ‪,‬‬
‫قائلـين ربنا آمنا‪ .‬ويعنـي بقوله تعالـى ذكره‪ :‬يَقُولُو نَ َر َبنّا آمَنا أنهم يقولون‪ :‬يا ربنا صدّقنا‬
‫لـما سمعنا ما أنزلته إلـى نبـيك مـحمد صلى ال عليه وسلم من كتابك‪ ,‬وأقررنا به أنه من‬
‫عندك وأنه الـحقّ ل شكّ فـيه‪.‬‬
‫وأما قوله‪ :‬فـا ْك ُتبْنا مَعَ الشّا ِهدِينَ فإنه رُوي عن ابن عبـاس وغيره فـي تأويـله‪ ,‬ما‪:‬‬
‫‪ 9702‬ـ حدث نا به هناد قال‪ :‬حدث نا وك يع‪ ,‬وحدث نا ا بن وك يع‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا أب ـي وا بن ن ـمير‬
‫جمي عا‪ ,‬عن إ سرائيـل‪ ,‬عن سماك‪ ,‬عن عكر مة‪ ,‬عن ا بن عب ـاس ف ـي قوله‪ :‬ا ْك ُتبْ نا مَ عَ‬
‫ن قال‪ :‬أمة مـحمد صلى ال عليه وسلم‪.‬‬
‫الشّاهِدِي َ‬
‫‪ 9703‬ـ حدثنا القاسم‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا الـحسين‪ ,‬قال‪ :‬ثنـي حجاج‪ ,‬عن ابن جريج‪ :‬فـا ْك ُتبْنا مَ عَ‬
‫ن مع أمة مـحمدصلى ال عليه وسلم‪.‬‬
‫الشّاهِدِي َ‬
‫حدثن ـي ال ـمثنى‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا ع بد ال بن صالـح‪ ,‬قال‪ :‬ثن ـي معاو ية‪ ,‬عن عل ـيّ بن‬
‫ن يعنون بـالشاهدين‪ :‬م ـحمدا صلى‬
‫أب ـي طلـحة‪ ,‬عن ا بن عبـاس‪ :‬فـا ْك ُتبْنا مَ َع الشّاهِدِي َ‬
‫ال عليه وسلم وأمته‪.‬‬
‫حدثنـي الـحرث‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا عبد العزيز‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا إسرائيـل‪ ,‬عن سماك‪ ,‬عن عكرمة‪,‬‬
‫عن ابن عبـاس‪ ,‬فـي قوله‪ :‬فـا ْك ُتبْنا مَ عَ الشّا ِهدِي نَ قال مـحمد صلى ال عليه وسلم وأمته‪,‬‬
‫أنهم شهدوا أنه قد بلّغ‪ ,‬وشهدوا أن الرسل قد بلّغت‪.‬‬
‫حدثنـا الربــيع‪ ,‬قال‪ :‬حدثنـا أسـد بـن موسـى‪ ,‬قال‪ :‬حدثنـا يحيـى بـن زكريـا‪ ,‬قال‪ :‬ثنــي‬
‫إسرائيـل‪ ,‬عن سماك‪ ,‬عن عكرمة‪ ,‬عن ابن عبـاس‪ ,‬مثل حديث الـحرثق بن عبد العزيز‪,‬‬
‫غير أنه قال‪ :‬وشهدوا للرسل أنهم قد بّلغُوا‪.‬‬
‫ن متأوّل هذا التأوي ـل ق صد بتأوي ـله هذا إل ـى مع نى قول ال تعال ـى ذكره‪ :‬و َكذَلِ كَ‬
‫فكأ ّ‬
‫شهِيدا فذ هب ا بن‬
‫ش َهدَاءَ عل ـى النّا سِ َو َيكُو نَ الرّ سُولُ عَلَ ـ ْيكُ ْم َ‬
‫جعَلْنا كم أمّةً وَ سَطا ِل َتكُونُوا ُ‬
‫َ‬
‫ش َهدَاءَ عل ـى النّا سِ و هم أ مة‬
‫عب ـاس أل ـى أن الشاهد ين هم الشهداء ف ـي قوله‪ِ :‬ل َتكُونوا ُ‬
‫مـحمد صلى ال عليه وسلم‪.‬‬
‫وإذا كان التأوي ـل ذلك‪ ,‬كان مع نى الكلم‪ :‬يقولون رب نا آم نا ف ـاكتبنا مع الشاهد ين الذ ين‬
‫يشهدون لنبـيائك يوم القـيامة أنهم قد بلّغوا أمـمهم رسالتك‪.‬‬
‫ولو قال قائل‪ :‬مع نى ذلك‪ :‬ف ـاكتبنا مع الشاهد ين الذ ين يشدون أن ما أنزل ته إل ـى ر سولك‬
‫س ِمعُوا ما ُأ ْنزِلَ إلـى الرّسُولِ َترَى‬
‫من الكتب ح قّ‪ ,‬كان صوابـا لن ذلك خاتـمة قوله‪ :‬وَإذَا َ‬
‫حقّ يَقُولُو نَ َربّ نا آمَنّا ف ـا ْك ُتبْنا مَ عَ الشّا ِهدِي نَ‬
‫ع َرفُوا مِ نَ ال ـ َ‬
‫ع ُي َنهُ مْ تَفِ ـيضُ ِم نَ ال ّدمْ عِ مِ ـمّا َ‬
‫أْ‬
‫وذلك صفة من ال تعال ـى ذكره ل هم بإي ـمانهم ل ـما سمعوا من كتاب ال‪ ,‬فتكون م سألتهم‬
‫أي ضا ال أن يجعل هم مـمن صحت عنده شهادتهم بذلك‪ ,‬ويُـلـحقهم فـي الثواب والـجزاء‬
‫جعَلْنا مَ عَ الشّا ِهدِي نَ‪ ,‬وأثبتنا‬
‫جعْل‪ ,‬يقول‪ :‬فـا ْ‬
‫منازلهم‪ .‬ومعنى الكتاب فـي هذا الـموضع‪ :‬الـ َ‬
‫معهم فـي عدادهم‪.‬‬

‫‪84‬‬ ‫الية ‪:‬‬


‫طمَ عُ أَن‬
‫ن ا ْلحَ قّ َو َن ْ‬
‫ن بِاللّ هِ َومَا جَآ َءنَا مِ َ‬
‫ل نُ ْؤمِ ُ‬
‫{ َومَا َلنَا َ‬ ‫القول فـي تأويـل قوله تعالـى‪:‬‬
‫ُي ْدخِلَنَا َر ّبنَا مَعَ ا ْلقَ ْومِ الصّاِلحِينَ }‪..‬‬
‫وهذا خبر من ال تعال ـى ذكره عن هؤلء القوم الذ ين و صف صفتهم ف ـي هذه الَيات‪,‬‬
‫أنهم إذا سمعوا ما أنزل إلـى رسوله مـحمد صلى ال عليه وسلم من كتابه‪ ,‬آمنوا به وصدّقوا‬
‫ن ال ـحَقّ‬
‫كتاب ال‪ ,‬وقالوا‪ :‬ما ل نا ل نؤ من ب ـال؟ يقول‪ :‬ل نق ّر بوحدان ـية ال و ما جَاءَ نا مِ َ‬
‫يقول‪ :‬ومـا جاءنـا مـن عنـد ال مـن كتابـه وآي تنزيــله‪ ,‬ونــحن نطمـع بإيــماننا بذلك أن ْـ‬
‫ْمـ الصـّالِـحِينَ يعنــي بــالقوم الصـالـحين‪ :‬الــمؤمنـين بــال‬
‫َعـ القَو ِ‬
‫ُي ْدخِــلَنا رَبّنـا م َ‬
‫ال ـمطيعين له‪ ,‬الذ ين ا ستـحقوا من ال ال ـجنة بطاعت هم إياه‪ .‬وإن ـما مع نى ذلك‪ :‬ون ـحن‬
‫نطمع أن يدخـلنا ربنا مع أهل طاعته مداخـلهم من جنته يوم القـيامة‪ ,‬ويـلـحق منازلنا‬
‫بـمنازلهم ودرجاتنا بدرجاتهم فـي جناته‪.‬‬
‫وبنـحو الذي قلنا فـي ذلك قال أهل التأويـل‪ .‬ذكر من قال ذلك‪:‬‬
‫‪ 9704‬ـ حدثنـي يونس بن عبد العل ـى‪ ,‬قال‪ :‬أخبرنا ابن و هب‪ ,‬قال‪ :‬قال ابن زيد فـي‬
‫طمَعُـ أن ْـ ُي ْدخِ ـلَنا َربّ نا مَعَـ ال َقوْمِـ‬
‫قوله‪ :‬وَمـا لَ نا ل نُ ْؤمِ نُ ب ـاللّهِ وَمـا جاءَ نا مِ نَ ال ـحَقّ َو َن ْ‬
‫الصّالِـحِينَ قال‪« :‬ال َقوْم الصالـحون»‪ :‬رسول ال صلى ال عليه وسلم وأصحابه‪.‬‬
‫‪85‬‬ ‫الية ‪:‬‬
‫حتِهَا ال ْنهَارُ‬
‫ت َتجْرِي مِن َت ْ‬
‫جنّا ٍ‬
‫{ َفَأثَا َبهُ مُ اللّ ُه بِمَا قَالُواْ َ‬ ‫القول ف ـي تأوي ـل قوله تعال ـى‪:‬‬
‫سنِينَ }‪..‬‬
‫جزَآ ُء ا ْل ُمحْ ِ‬
‫ن فِيهَا َوذَِلكَ َ‬
‫خَاِلدِي َ‬
‫يقول تعالــى ذكره‪ :‬فجزاهـم ال بقولهـم‪ :‬فجزاهـم ال بقولهـم‪ :‬ربنـا آمنـا فــاكتبنا مـع‬
‫الشاهد ين‪ ,‬و ما ل نا ل نؤ من ب ـال و ما جاء نا من ال ـحقّ‪ ,‬ونط مع أن يدخ ـلنا رب نا مع القوم‬
‫ل ْنهَا ُر يعنــي‪ :‬بسـاتـين تــجري مـن تــحت‬
‫ح ِتهَا ا َ‬
‫ِنـ تَــ ْ‬
‫ّاتـ تَــجْري م ْ‬
‫جن ٍ‬ ‫الصـالـحين َ‬
‫ن فِـيَها يقول‪ :‬دائما فـيها مكثهم‪ ,‬ل يخرجون منها ول يحولون عنها‪.‬‬
‫أشجارها النهار خَاِلدِي َ‬
‫سنِـينَ يقول‪ :‬وهذا الذي جزيت هؤلء القائلـين بـما وصفت عنهم من‬
‫حِ‬‫جزَاءُ الـمُـ ْ‬
‫ك َ‬
‫وذَلِ َ‬
‫ق ـيـلهم عل ـى ما قالوا من ال ـجنات الت ـي هم ف ـيها خالدون‪ ,‬جزاء كلّ م ـحسن ف ـي‬
‫قـيـله وفعله‪ .‬وإحسان الـمـحسن فـي ذلك أن يوحد ال توحيدا خالصا مـحضا ل شرك‬
‫فــيه‪ ,‬ويق ّر بأنبــياء ال ومـا جاءت بـه مـن عنـد ال مـن الكتـب‪ ,‬ويؤدّي فرائضـه‪ ,‬ويجتنـب‬
‫ِنـ‬
‫ّاتـ تَــجْرِي م ْ‬
‫جن ٍ‬ ‫معاصـيه‪ ,‬فذلك كمال إحسـان الــمـحسنـين الذيـن قال ال تعالــى‪َ :‬‬
‫ن فـيها‪.‬‬
‫تَـحْتِها النهَارُ خاِلدِي َ‬

‫‪86‬‬ ‫الية ‪:‬‬


‫ـحَابُ‬
‫ـ كَ َفرُواْ َو َك ّذبُو ْا بِآيَاتِنَـآ ُأوْلَــِئكَ أَص ْ‬
‫{وَاّلذِين َ‬ ‫القول فــي تأويــل قوله تعالــى‪:‬‬
‫جحِيمِ }‪..‬‬
‫ا ْل َ‬
‫يقول تعالــى ذكره‪ :‬وأمـا الذيـن جحدوا توحيـد ال‪ ,‬وأنكروا نبوّة مــحمد صـلى ال عليـه‬
‫وسلم‪ ,‬وكذّبوا بآيات كتابه‪ ,‬فإن أولئك أصحاب الـجحيـم‪ ,‬يقول‪ :‬هم سكانها واللبثون فـيها‪.‬‬
‫والـجحيـم‪ :‬ما اشتدّ من النار‪ ,‬وهو الـجاحم والـجحيـم‪.‬‬
‫‪87‬‬ ‫الية ‪:‬‬
‫ل اللّ ُه َلكُ مْ َولَ‬
‫ط ّيبَا تِ مَآ َأحَ ّ‬
‫ح ّرمُواْ َ‬
‫ن آ َمنُو ْا لَ ُت َ‬
‫{ َيَأ ّيهَا اّلذِي َ‬ ‫القول فـي تأويـل قوله تعالـى‪:‬‬
‫ل ُيحِبّ ا ْل ُم ْع َتدِينَ }‪..‬‬
‫ن الّلهَ َ‬
‫َت ْعتَدُوَ ْا إِ ّ‬
‫يقول تعالـى ذكره‪ :‬يا أيها الذين صدّقوا ال ورسوله‪ ,‬وأقرّوا بـما جاءهم به نبـيهم صلى‬
‫طيّبـاتِ ما َأحَلّ َلكُ مْ يعنـي بـالطيبـات‪:‬‬
‫ح ّرمُوا َ‬
‫ال عليه وسلم أنه ح قّ من عند ال ل تُـ َ‬
‫اللذيذات التــي تشتهيهـا النفوس وتــميـل إلــيها القلوب‪ ,‬فتــمنعوها إياهـا‪ ,‬كالذي فعله‬
‫القسيسون والرهبـان‪ ,‬فحرّموا علـى أنفسهم الن ساء والـمطاعم الطيبة والـمشارب اللذيذة‪,‬‬
‫وحبس فـي الصوامع بعضهم أنفسهم‪ ,‬وساح فـي الرض بعضهم‪ .‬يقول تعالـى ذكره‪ :‬فل‬
‫حدّ ال الذي حدّ لكـم فــيـما أحلّ لكـم‬
‫تفعلوا أيهـا الــمؤمنون كمـا فعـل أولئك‪ ,‬ول تعتدوا َ‬
‫حدّه‪ ,‬فت ـخالفوا بذلك طاع ته‪ ,‬فإن ال ل يح بّ‬
‫حدّ هُ الذي َ‬
‫وف ـيـما حرّم عل ـيكم فت ـجاوزوا َ‬
‫من اعتدى حدّه الذي حدّه لـخـلقه فـيـما أحلّ لهم وحرّم علـيهم‪.‬‬
‫وبنـحو الذي قلنا فـي ذلك قال أهل التأويـل‪ .‬ذكر من قال ذلك‪:‬‬
‫‪ 9705‬ـ حدثنـي أبو حصين عبد ال بن أحمد بن يونس‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا عبثر أبو زبـيد‪ ,‬قال‪:‬‬
‫طيّبـاتِ ما‬
‫ح ّرمُوا َ‬
‫ن آ َمنُوا ل تُـ َ‬
‫حدثنا حصين‪ ,‬عن أبـي مالك فـي هذه الَية‪ :‬يا أيّها اّلذِي َ‬
‫أحَلّ الّلهُ َلكُمْ‪ ...‬الَية‪ ,‬قال‪ :‬عثمان بن مظعون وأناس من الـمسلـمين حرّموا علـيهم النساء‪,‬‬
‫وامتنعوا من الطعام الطيّب‪ ,‬وأراد بعضهم أن يقطع َذكَره‪ ,‬فنزت هذه الَية‪.‬‬
‫‪ 9706‬ـ حدثنا حميد بن مسعدة‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا يزيد بن زريع‪ ,‬قال‪ :‬ثنـي خالد الـحذاء‪ ,‬عن‬
‫عكر مة‪ ,‬قال‪ :‬كان أناس من أ صحاب النب ـيّ صلى ال عل يه و سلم هموا ب ـالـخصاء وترك‬
‫طيّبـاتِ ما أحَلّ الّل هُ َلكُ مْ‬
‫ن آ َمنُوا ل تُـحَ ّرمُوا َ‬
‫اللـحم والنساء‪ ,‬فنزلت هذه الَية‪ :‬يا أيّها اّلذِي َ‬
‫ب الـ ُم ْعتَدِينَ‪.‬‬
‫ن اللّ َه ل ُيحِ ّ‬
‫وَل َت ْعتَدُوا إ ّ‬
‫‪9707‬ـ حدثنـي يعقوب قال‪ :‬حدثنا ابن علـية‪ ,‬عن خالد‪ ,‬عن عكرمة‪ :‬أن رجالً أرادوا كذا‬
‫طيّب ـاتِ ما‬
‫ن آ َمنُوا ل تُ ـحَ ّرمُوا َ‬
‫وكذا‪ ,‬وأرادوا كذا وكذا‪ ,‬وأن يخت صوا‪ ,‬فنزلت‪ :‬يا أيّ ها اّلذِي َ‬
‫أحَلّ الّلهُ َل ُكمْ إلـى قوله‪ :‬اّلذِي أ ْنتُـمْ ِبهِ مُؤ ِمنُونَ‪.‬‬
‫ن آ َمنُوا ل‬
‫‪ 9708‬ـ حدثنا ابن وكيع‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا جرير‪ ,‬عن مغيرة‪ ,‬عن إبراهيـم‪ :‬يا أيّها اّلذِي َ‬
‫طيّبـاتِ ما أحَلّ الّل ُه َلكُ مْ قال‪ :‬كانوا حرّموا الطيب واللـحم‪ ,‬فأنزل ال تعالـى هذا‬
‫حرّمُوا َ‬
‫تُـ َ‬
‫فـيهم‪.‬‬
‫حدثنا ابن وكيع‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا عبد الوهاب الثقـفـي‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا خالد‪ ,‬عن عكرمة‪ :‬أن أناسا‬
‫ِينـ آ َمنُوا ل‬
‫قالوا‪ :‬ل نتزوّج‪ ,‬ول نأكـل‪ ,‬ول نفعـل كذا وكذا‪ .‬فأنزل ال تعالــى‪ :‬يـا أيّهـا اّلذ َ‬
‫ل اللّ ُه َل ُكمْ وَل َت ْع َتدُوا إنّ الّلهَ ل ُيحِبّ الـ ُم ْع َتدِينَ‪.‬‬
‫تُـحَ ّرمُوا طَيّبـاتِ ما أحَ ّ‬
‫‪ 9709‬ـ حدثنا الـحسن بن يحيى‪ ,‬قال‪ :‬أخبرنا عبد الرزاق‪ ,‬قال‪ :‬أخبرنا معمر‪ ,‬عن أيوب‪,‬‬
‫عن أبـي قِلبة قال‪ :‬أراد أناس من أصحاب النبـيّ صلى ال عليه وسلم أن يرفضوا الدنـيا‬
‫ويتركوا النساء ويترهبوا‪ ,‬فقام رسول ال صلى ال عليه وسلم فغلظ فـيهم الـمقالة‪ ,‬ثم قال‪:‬‬
‫شدّ َد ال عَلَـ ْي ِهمْ‪ ,‬فأولئك بَقَايَاهُ مْ‬
‫سهِمْ َف َ‬
‫ش ّددُوا علـى أ ْنفُ ِ‬
‫شدِيدِ‪َ ,‬‬
‫ن كَان َقبْلَكُ مْ بـالتّ ْ‬
‫«إنـما هَل كَ مَ ْ‬
‫عتَــمِرُوا‪ ,‬واس ْـتَقِـيـمُوا‬
‫شرِكُوا بـه شيئا‪ ,‬وحجّوا وا ْ‬
‫ع ُبدُوا ال ول ُت ْ‬
‫فــي الدّيار والصّـوَامِع‪ ,‬ا ْ‬
‫ل اللّ هُ َلكُ مْ‪...‬‬
‫طيّبـاتِ ما أحَ ّ‬
‫ح ّرمُوا َ‬
‫ن آ َمنُوا ل تُـ َ‬
‫ستَ ِقمْ َلكُ مْ»‪ .‬قال‪ :‬ونزلت فـيهم‪ :‬يا أيّها اّلذِي َ‬
‫يَ ْ‬
‫الَية‪.‬‬
‫‪ 9710‬ـ حدث نا ال ـحسن بن يح يى‪ ,‬قال‪ :‬أخبر نا ع بد الرزاق‪ ,‬قال‪ :‬أخبر نا مع مر‪ ,‬عن قتادة‪,‬‬
‫طيّبـاتِ ما أحَلّ الّل ُه َلكُ مْ قال‪ :‬نزلت فـي أناس من أصحاب النبـيّ‬
‫فـي قوله‪ :‬ل تُـحَ ّرمُوا َ‬
‫صلى ال عليه وسلم‪ ,‬أرادوا أن يتـخـلوا من اللبـاس ويتركوا النساء ويتزهدوا‪ ,‬منهم علـيّ‬
‫بن أبـي طالب وعثمان بن مظعون‪.‬‬
‫‪ 9711‬ـ حدثنا ابن وكيع‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا أبـي‪ ,‬عن سفـيان‪ ,‬عن زياد بن فـياض‪ ,‬عن أبـي‬
‫أنـ َتكُونُوا قِسـّيسينَ‬
‫ـ ْ‬ ‫عبـد الرحمـن‪ ,‬قال‪ :‬قال النبــيّ صـلى ال عليـه وسـلم‪« :‬ل آ ُم ُركُم ْ‬
‫َورُهْبـانا»‪.‬‬
‫‪ 9712‬ـ حدث نا ب شر بن معاذ‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا جا مع بن حماد‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا يز يد بن زر يع‪ ,‬عن‬
‫طيّبـاتِ ما أحَلّ الّل ُه َلكُمْ‪ ...‬الَية‬
‫ح ّرمُوا َ‬
‫ن آ َمنُوا ل تُـ َ‬
‫سعيد‪ ,‬عن قتادة‪ ,‬فـي قوله‪ :‬يا أيّها اّلذِي َ‬
‫ذكر لنا أن رجالً من أصحاب النبـيّ صلى ال عليه وسلم رفضوا النساء واللـحم وأرادوا‬
‫أن يت ـخذوا ال صوامع فل ـما بلغ ذلك ر سول ال صلى ال عل يه و سلم‪ ,‬قال‪« :‬ل ـيس ف ـي‬
‫خبّرنا أن ثلثة نفر علـى عهد رسول‬
‫دينـي َترْكُ النّساءِ واللّـحْم‪ ,‬ول اتّـخَاذُ الصّوَامِعِ»‪ .‬و ُ‬
‫ال صلى ال عليه وسلم اتفقوا‪ ,‬فقال أحمدهم‪ :‬أما أنا فأقوم اللـيـل ل أنام‪ ,‬وقال أحدهم‪ :‬أما‬
‫أنا فأصوم النهار فل أفطر‪ ,‬وقال الَخر‪ :‬أما أنا فل أتـي النساء‪ .‬فبعث رسول ال صلى ال‬
‫عليه وسلم إلـيهم‪ ,‬فقال‪« :‬ألَـمْ ُأ َن ّبأْ أ ّنكُ مُ اتّفَ ْقتُـمْ علـى َكذَا؟» قالوا‪ :‬بلـى يا رسول ال‪ ,‬وما‬
‫ن رَغِ بَ عَ نْ‬
‫طرُ وآتِ ـي النّ ساءَ‪ ,‬فَمَ ْ‬
‫أرد نا إل ال ـخير‪ .‬قال‪َ« :‬ل ِكنّ ـي أقُو مُ وأنا مُ وأ صُومُ وُأفْ ِ‬
‫س ِمنّـي»‪ .‬وكان فـي بعض القراءة‪« :‬من رغب عن سنتك فلـيس من أمتك‬
‫س ّنتِـي فَلَـيْ َ‬
‫ُ‬
‫وقد ضلّ عن سواء السبـيـل»‪ .‬وذكر لنا أن نبـيّ ال صلى ال عليه وسلم قال لناس من‬
‫خوَانُهُم ف ـي الدّور‬
‫س ِهمْ فَشدّدَ ال عَلَ ـ ْي ِهمْ‪ ,‬فهَؤُلء إ ْ‬
‫أ صحابه‪« :‬إ نّ مَن قبل كم شدّدوا عل ـى انْفُ ِ‬
‫شيْئا‪ ,‬وأقِــيـمُوا الصـّلةَ‪ ,‬وآتُوا الزّكاة‪ ,‬وصـُومُوا‬
‫شرِكُوا بـه َ‬
‫ع ُبدُوا ال ول ُت ْ‬
‫ـوَامِعِ‪ ,‬ا ْ‬
‫والص ّ‬
‫ستَقَم لكم»‪.‬‬
‫ستَقِـيـمُوا ُي ْ‬
‫عتَـ ِمرُوا‪ ,‬وا ْ‬
‫حجّوا وا ْ‬
‫َرمَضَانَ‪ ,‬و ُ‬
‫‪9713‬ـ حدثنـي مـحمد بن الـحسين‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا أحمد بن مفضل‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا أسبـاط‪ ,‬عن‬
‫ل اللّ هُ َلكُ مْ وَل َت ْعتَدُوا إ نّ الّل َه ل ُيحِ بّ‬
‫طيّبـاتِ ما أحَ ّ‬
‫ح ّرمُوا َ‬
‫ن آ َمنُوا ل تُـ َ‬
‫السديّ‪ :‬يا أيّها اّلذِي َ‬
‫ن وذلك أن ر سول ال صلى ال عل يه و سلم جلس يو ما‪ ,‬فذكّر الناس‪ ,‬ثم قام ول ـم‬
‫ال ـ ُم ْع َتدِي َ‬
‫يزدهـم علــى التــخويف‪ ,‬فقال أناس مـن أصـحاب رسـول ال صـلى ال عليـه وسـلم كانوا‬
‫ي بن أبـي طالب‪ ,‬وعثمان بن مظعون‪ :‬ما حقنا إن لـم نـحدث عملً فإن‬
‫عشرة‪ ,‬منهم علـ ّ‬
‫الن صارى قد حرّموا علـى أنف سهم‪ ,‬فن ـحن نـحرّم‪ .‬فحرّم بعض هم أ كل اللـحم وال َودَك وأن‬
‫يأ كل ب ـالنهار‪ ,‬وحرّم بعض هم النوم‪ ,‬وحرّم بعض هم الن ساء‪ ,‬فكان عثمان بن مظعون م ـمن‬
‫حرّم النسـاء‪ ,‬وكان ل يدنـو مـن أهله ول يدنون منـه‪ ,‬فأتـت امرأتـه عائشـة وكان يقال لهـا‪:‬‬
‫الـحولء‪ ,‬فقالت لها عائشة ومَن عندها من نساء النبـيّ صلى ال عليه وسلم‪ :‬ما بـالك يا‬
‫حولء متغيرة اللون‪ ,‬ل تــمتشطين ول تطيبــين؟ فقالت‪ :‬وكيـف أتطيـب وأمتشـط ومـا وقـع‬
‫علـيّ زوجي ول رفع عنـي ثوبـا منذ كذا وكذا فجعلن يضحكن من كلمها‪ ,‬فدخـل رسول‬
‫ح ُككُنّ؟» قالت‪ :‬يا رسول ال‪ ,‬الـحولء‬
‫ضِ‬‫ال صلى ال عليه وسلم وهن يضحكن‪ ,‬فقال‪« :‬ما يُ ْ‬
‫سألتها عن أمر ها‪ ,‬فقالت‪ :‬ما ر فع عن ـي زو جي ثوب ـا م نذ كذا وكذا‪ .‬فأر سل إل ـيه فدعاه‪,‬‬
‫عثْما نُ؟» قال‪ :‬إنـي تركته ل لكي أتـخـلـى للعبـادة‪ .‬وق صّ علـيه‬
‫فقال‪« :‬ما بَـاُلكَ يا ُ‬
‫أمره‪ ,‬وكان عثمان قـد أراد أن َيجُبّـ نفسـه‪ ,‬فقال رسـول ال صـلى ال عليـه وسـلم‪« :‬أقْسَـمْتُ‬
‫جعْت َـ فَوَا َقعْت َـ أهْلَكـَ» فقال‪ :‬يـا رسـول ال إنــي صـائم‪ .‬قال‪« :‬أ ْفطِرْ» فأفْطَر‬
‫ك إلّ َر َ‬
‫عَلَــيْ َ‬
‫وأت ـى أهله‪ .‬فرج عت ال ـحَوْلء إل ـى عائ شة قد اكت ـحلت وامتش طت وتطي بت‪ ,‬فضح كت‬
‫عائ شة فقالت‪ :‬ما ب ـالك يا حولء؟ فقالت‪ :‬إ نه أتا ها أ مس‪ .‬فقال ر سول ال صلى ال عل يه‬
‫ح ّرمُوا النّ ساءَ وَالطّعا مَ والّنوْ مَ؟ أل إنّ ـي أنا ُم وأقُو مُ وأ ْفطِرُ وأُ صُومُ‬
‫ل أقْوَا مٍ َ‬
‫و سلم‪ « :‬ما ب ـا ُ‬
‫ِينـ آ َمنُوا ل‬
‫سـنّتِـي فَلَــيْسَ ِمنّــي»‪ .‬فنزلت‪ :‬يـا أيّهـا اّلذ َ‬
‫َنـ ُ‬
‫ِبـ ع ْ‬
‫َنـ رَغ َ‬
‫ِحـ النّسـاءَ‪َ ,‬فم ْ‬
‫وأ ْنك ُ‬
‫ب نف سك‪ ,‬فإن هذا هو‬
‫طيّب ـاتِ ما أحَلّ الّل ُه َلكُ مْ وَل َت ْع َتدُوا يقول لعثمان‪ :‬ل ت ـج ّ‬
‫حرّمُوا َ‬
‫تُ ـ َ‬
‫العتداء‪ .‬وأمر هم أن يكفّروا أي ـمانهم‪ ,‬فقال‪ :‬ل يؤاخذك مُ الّل ُه ب ـاللّغوِ فِ ـي أيْ ـمَا ِن ُكمْ وََل ِك نْ‬
‫خ ُذ ُكمْ بِـمَا عَ ّق ْدتُـمُ الَيـمَانَ‪.‬‬
‫يُؤَا ِ‬
‫‪ 9714‬ـ حدثنـي الـمثنى‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا عبد ال بن صالـح‪ ,‬قال‪ :‬ثنـي معاوية‪ ,‬عن علـيّ‪,‬‬
‫ل اللّ هُ َلكُ مْ قال‪ :‬هم‬
‫طيّب ـاتِ ما أحَ ّ‬
‫ح ّرمُوا َ‬
‫ن آ َمنُوا ل تُ ـ َ‬
‫عن ا بن عب ـاس‪ ,‬قوله‪ :‬يا أيّ ها اّلذِي َ‬
‫رهط من أصحاب النبـيّ صلى ال عليه وسلم قالوا‪ :‬نقطع مذاكيرنا‪ ,‬ونترك شهوات الدنـيا‪,‬‬
‫ون سيح ف ـي الرض ك ما تف عل الرهب ـان‪ .‬فبلغ ذلك النب ـيّ صلى ال عل يه و سلم‪ ,‬فأر سل‬
‫إل ـيهم‪ ,‬فذ كر ذلك ل هم‪ ,‬فقالوا‪ :‬ن عم‪ ,‬فقال ر سول ال صلى ال عل يه و سلم‪َ« :‬ل ِكنّ ـي أ صُومُ‬
‫سنّتِـي‬
‫خذْ بِ ُ‬
‫ن لَـمْ َي ْأ ُ‬
‫خذَ بِ سُ ّنتِـي َفهُوَ ِمنّـي‪َ ,‬ومَ ْ‬
‫نأَ‬
‫وأ ْفطُرِ وأُ صَلّـي وأنا مُ وأ ْنكِ حُ النّساءَ‪َ ,‬فمَ ْ‬
‫فَلَـيْسَ ِمنّـي»‪.‬‬
‫حدثن ـي م ـحمد بن سعد‪ ,‬قال‪ :‬ثن ـي أب ـي‪ ,‬قال‪ :‬ثن ـي ع مي‪ ,‬قال‪ :‬ثن ـي أب ـي‪ ,‬عن‬
‫ت ما أحَلّ الّل ُه َلكُ مْ وذلك‬
‫طيّبـا ِ‬
‫ح ّرمُوا َ‬
‫ن آ َمنُوا ل تُـ َ‬
‫أبـيه‪ ,‬عن ابن عبـاس قوله‪ :‬يا أيّها اّلذِي َ‬
‫أن رجالً من أ صحاب م ـحمد صلى ال عل يه و سلم من هم عثمان بن مظعون حرّموا النّ ساءَ‬
‫س ِهمْ‪ ,‬وأخذوا الشف ـار ل ـيقطعوا مذاكير هم ل كي تنق طع الشهوة ويتفرّغوا‬
‫وَاللّ ـحْمَ عل ـى أنْفُ ِ‬
‫لعبـادة ربهم‪ .‬فأُخبر بذلك النبـيّ صلى ال عليه وسلم‪ ,‬فقال‪« :‬ما أ َر ْدتُـمْ؟» فقالوا‪ :‬أردنا أن‬
‫نق طع الشهوة ع نا ونتفرّغ لعب ـادة رب نا ونل هو عن الن ساء‪ .‬فقال ر سول ال صلى ال عل يه‬
‫ج النّساءَ»‪ .‬فقالوا‪ :‬نطيع رسول‬
‫وسلم‪« :‬لَـمْ أُو َمرُ ِبذَلِكَ‪ ,‬وََل ِكنّـي ُأ ِمرْتُ فِـي دِينِـي أ نْ أ َتزَوّ َ‬
‫طيّبـاتِ ما أحَلّ الّل ُه َلكُمْ‪,‬‬
‫ال صلى ال عليه وسلم‪ .‬فأنزل ال‪ :‬يا أيّها اّلذِينَ آ َمنُوا ل تُـحَ ّرمُوا َ‬
‫ب الـ ُم ْعتِدينَ‪ ...‬إلـى قوله‪ :‬اّلذِي أنُتـ ْم بِهِ ُم ْؤ ِمنُونَ‪.‬‬
‫ن اللّ َه ل ُيحِ ّ‬
‫وَل َت ْعتَدُوا إ ّ‬
‫‪9715‬ـ حدثنا القاسم‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا الـحسين‪ ,‬قال‪ :‬ثنـي حجاج‪ ,‬عن ابن جريج‪ ,‬عن مـجاهد‪,‬‬
‫قال‪ :‬أراد رجال منهـم عثمان بـن مظعون وعبـد ال بـن عمرو أن يتبتلوا ويخْصـوا أنفسـهم‪,‬‬
‫ويـلبسوا الـمسوح‪ ,‬فنزلت هذه الَية إلـى قوله‪ :‬واتّقُوا ال اّلذِي أ ْنتُـمْ ِب ِه مُ ْؤ ِمنُو نَ‪ .‬قال ابن‬
‫جريج عن عكرمة‪ :‬إن عثمان بن مظعون‪ ,‬وعلـيّ بن أبـي طالب‪ ,‬وابن مسعود‪ ,‬والـمقداد‬
‫بـن السـود‪ ,‬وسـالـما مولــى أبــي حذيفـة فــي أصـحاب تبتّلوا‪ ,‬فجلسـوا فــي البــيوت‬
‫واعتزلوا النساء ولبسوا الـمسوح وحرّموا طيبـات الطعام واللبـاس‪ ,‬إل ما أكل ولبس أهل‬
‫ال سياحة من بن ـي إ سرائيـل‪ ,‬وهمّوا ب ـالختصاء‪ ,‬وأجمعوا لق ـيام الل ـيـل و صيام النهار‪,‬‬
‫ن اللّ َه ل ُيحِ بّ‬
‫طيّبـاتِ ما أحَلّ الّل ُه َلكُ مْ وَل َت ْع َتدُوا إ ّ‬
‫فنزلت‪ :‬يا أيّها اّلذِي نَ آ َمنُوا ل تُـحَ ّرمُوا َ‬
‫ن يقول‪ :‬ل تسـَتنّوا بغيـر سـنة الــمسلـمين‪ ,‬يريـد مـا حرّموا مـن النسـاء والطعام‬
‫الــُم ْع َتدِي َ‬
‫واللبــاس‪ ,‬ومـا أجمعوا له مـن صـيام النهار وقــيام اللــيـل‪ ,‬ومـا همّوا له مـن الخصـاء‪.‬‬
‫سكُ ْم حَقّا‪ ,‬وَإ نّ‬
‫لنْفُ ِ‬
‫ن ِ‬
‫فلـما نزلت فـيهم بعث إلـيهم رسول ال صلى ال عليه وسلم‪ ,‬فقال‪« :‬إ ّ‬
‫س ّنتَنا»‪ .‬فقالوا‪ :‬الله مّ‬
‫طرُوا وَ صَلّوا وَنامُوا فَلَ ـيْسَ مِنّا َم نْ َترَ كَ ُ‬
‫ع ُي ِنكُ مْ حَقّا‪ ,‬صُومُوا وأفْ ِ‬
‫لِءَ َ‬
‫أسلَـمْنا واتبعنا ما أنزلت‪.‬‬
‫‪9716‬ـ حدثنـي يونس بن عبد العلـى‪ ,‬قال‪ :‬أخبرنا ابن وهب‪ ,‬عن ابن زيد فـي قوله‪ :‬يا‬
‫ُمـ قال‪ :‬قال أبىّ‪ :‬ضاف عبدَ ال بـن‬
‫ّهـ َلك ْ‬
‫طيّبــاتِ مـا أحَلّ الل ُ‬
‫حرّمُوا َ‬
‫ِينـ آ َمنُوا ل تُــ َ‬
‫أيّهـا اّلذ َ‬
‫روا حة ضي فٌ‪ ,‬ف ـانقلب ا بن روا حة ول ـم يتع شّ‪ ,‬فقال لهله‪ :‬ما عشيتِه؟ فقالت‪ :‬كان الطعام‬
‫قل ـيلً ف ـانتظرت أن تأت ـي‪ .‬قال‪ :‬فحب ستِ ضيف ـي من أجل ـي؟ فطعا مك عل ـيّ حرام إن‬
‫ذق ته فقالت‪ :‬هي و هو عل ـيّ حرام إن ذق ته إن ل ـم تذ قه وقال الض يف‪ :‬هو عل ـيّ حرام إن‬
‫لــم تذوقوه فلــما رأى ذلك‪ ,‬قال ابـن رواحـة‪ :‬قرّبــي طعامـك‪ ,‬كلوا بسـم ال وغدا إلــى‬
‫سنْتَ»‬
‫النب ـيّ صلى ال عل يه و سلم‪ ,‬فأ خبره‪ ,‬فقال ر سول ال صلى ال عل يه و سلم‪َ « :‬ق ْد أحْ َ‬
‫طيّب ـاتِ ما أحَلّ الّل ُه َلكُ مْ‪ ...‬وقرأ حت ـى‬
‫فنزلت هذه الَ ية‪ :‬يا أيّ ها اّلذِي نَ آ َمنُوا ل تُ ـحَ ّرمُوا َ‬
‫ن إذا قلت‪:‬‬
‫خ ُذكُ ْم بِـمَا عَ ّق ْدتُـمُ الَيـمَا َ‬
‫ن يُؤَا ِ‬
‫خ ُذكُ مُ الّل ُه بـالّلغُ ِو فِـي إيـمَانِ ُكمْ وََلكِ ْ‬
‫بلغ‪ :‬ل يُؤَا ِ‬
‫وال ل أذوقه‪ ,‬فذلك العقد‪.‬‬
‫‪ 9717‬ـ حدث نا عمرو بن عل ـيّ‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا أ بو عا صم‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا عثمان بن سعيد‪ ,‬قال‪:‬‬
‫حدثنا عكرمة‪ ,‬عن ابن عبـاس‪ :‬أن رجلً أتـى النبـيّ صلى ال عليه وسلم‪ ,‬فقال‪ :‬يا رسول‬
‫ال‪ ,‬إن ـي إذا أ صبت من الل ـحم انتشرت وأخذتن ـي شهوت ـي‪ ,‬فحرّ مت الل ـحم‪ .‬فأنزل ال‬
‫ل اللّ هُ َلكُ مْ وَل َت ْعتَدُوا إ نّ الّل َه ل‬
‫طيّبـاتِ ما أحَ ّ‬
‫ح ّرمُوا َ‬
‫ن آ َمنُوا ل تُـ َ‬
‫تعالـى ذكره‪ :‬يا أيّها اّلذِي َ‬
‫ُيحِبّ الـ ُم ْع َتدِينَ‪.‬‬
‫‪ 9718‬ـ حدثنا عمرو بن علـيّ‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا يزيد بن زريع‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا خالد الـحذّاء‪ ,‬عن‬
‫عكرمة‪ ,‬قال‪ :‬ه مّ أناس من أصحاب رسول ال صلى ال عليه وسلم بترك النساء والـخصاء‪,‬‬
‫ل اللّ ُه َل ُكمْ‪ ...‬الَية‪.‬‬
‫طيّبـاتِ ما أحَ ّ‬
‫ح ّرمُوا َ‬
‫فأنزل ال تعالـى‪ :‬يا أيّها اّلذِينَ آ َمنُوا ل تُـ َ‬
‫واختلفوا فـي معنى العتداء الذي قال تعالـى ذكره‪ :‬وَل َت ْع َتدُوا إنّ الّل َه ل ُيحِبّ الـ ُم ْع َتدِينَ‬
‫فقال بعضهم‪ :‬العتداء الذي نهي ال عنه فـي هذا الـموضع هو ما كان عثمان بن مظعون‬
‫همّ به من جبّ نفسه‪ ,‬فنهى عن ذلك‪ ,‬وقـيـل له‪ :‬هذا هو العتداء‪ .‬ومـمن قال ذلك السديّ‪.‬‬
‫حدثنا مـحمد بن الـحسين‪ ,‬قال‪ :‬ثنـي أحمد بن الـمفضل‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا أسبـاط‪ ,‬عنه به‪.‬‬
‫وقال آخرون‪ :‬بل ذلك هو ما كان ال ـجماعة من أ صحاب ر سول ال صلى ال عل يه و سلم‬
‫همّوا به من تـحريـم النساء والطعام واللبـاس والنوم‪ ,‬فُنهوا أن يفعلوا ذلك وأن يس َتنّوا بغير‬
‫سنة نبـيهم مـحمد صلى ال عليه وسلم‪ .‬ومـمن قال ذلك عكرمة‪.‬‬
‫‪9719‬ـ حدثنا القاسم‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا الـحسين‪ ,‬قال‪ :‬ثنـي حجاج‪ ,‬عن ابن جريج‪ ,‬عنه به‪.‬‬
‫وقال بعض هم‪ :‬بل ذلك ن هي من ال تعال ـى ذكره أن يت ـجاوز ال ـحلل إل ـى ال ـحرام‪.‬‬
‫ذكر من قال ذلك‪:‬‬
‫‪9720‬ـ حدثنا ابن وكيع‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا الـمـحاربـي‪ ,‬عن عاصم‪ ,‬عن الـحسن‪ :‬يا أيّها اّلذِينَ‬
‫طيّبـاتِ ما أحَلّ الّلهُ َل ُكمْ وَل َت ْع َتدُوا قال‪ :‬ل تعتدوا إلـى ما حرّم علـيكم‪.‬‬
‫آ َمنُوا ل تُـحَ ّرمُوا َ‬
‫ل ش يء‪,‬‬
‫و قد ب ـيّنا أن مع نى العتداء‪ :‬ت ـجاوز ال ـمرء ماله إل ـى ما ل ـيس له ف ـي ك ّ‬
‫ف ـيـما م ضى ب ـما أغ نى عن إعاد ته‪ .‬وإذ كان ذلك كذلك‪ ,‬وكان ال تعال ـى ذكره قد ع مّ‬
‫بقوله‪ :‬ل َت ْع َتدُوا النهي عن العدوان كله‪ ,‬كان الواجب أن يكون مـحكوما لـما عمه بـالعموم‬
‫حتـى يخصه ما يجب التسلـيـم له‪ .‬ولـيس لحد أن يتعدّى حدّ ال تعالـى فـي شي من‬
‫ن اللّ هَ‬
‫ل أو حرّم‪ ,‬فمن تعدّاه فهو داخـل فـي جملة من قال تعالـى ذكره‪ :‬إ ّ‬
‫الشياء مـما أح ّ‬
‫ل ُيحِ بّ ال ـمُ ْع َتدِينَ‪ .‬وغ ير م ستـحيـل أن تكون الَ ية نزلت ف ـي أ مر عثمان بن مظعون‬
‫والرهط الذين همّوا من أصحاب رسول ال صلى ال عليه وسلم بـما همّوا به من تـحريـم‬
‫ل ال ل هم عل ـى أنف سهم‪ ,‬ويكون مرادا بحكم ها كلّ من كان ف ـي م ثل معنا هم‬
‫ب عض ما أح ّ‬
‫ل ما حرّم ال عل ـيه أو ت ـجاوز حدّا حدّه ال‬
‫ل ال له أو أح ّ‬
‫م ـمن حرّم عل ـى نف سه ما أح ّ‬
‫ل لهم علـى أنفسهم إنـما‬
‫له‪ ,‬وذلك أن الذين همّوا بـما همّوا به من تـحريـم بعض ما أح ّ‬
‫ن لهم وح ّد إلـى غيره‪.‬‬
‫عوتبوا علـى ما همّوا به من تـجاوزهم ما س ّ‬

‫‪88‬‬ ‫الية ‪:‬‬


‫طيّبا وَاتّقُو ْا اللّ هَ اّلذِ يَ أَنتُم‬
‫للً َ‬
‫{ َوكُلُو ْا ِممّا َر َزقَكُ مُ اللّ هُ حَ َ‬ ‫القول فـي تأويـل قوله تعالـى‪:‬‬
‫بِ ِه مُ ْؤ ِمنُونَ }‪..‬‬
‫يقول تعالـى ذكره لهؤلء الـمؤمنـين الذين نهاهم أن يحرّموا طيبـات ما أحلَ ال لهم‪:‬‬
‫كلوا أيها الـمؤمنون من رزق ال الذي رزقكم وأحله لكم حللً طيبـا‪ .‬كما‪:‬‬
‫‪ 9721‬ـ حدثنا القاسم‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا الـحسين‪ ,‬قال‪ :‬ثنـي حجاج‪ ,‬عن ابن جريج‪ ,‬عن عكرمة‪:‬‬
‫ل ال لهم من الطعام‪.‬‬
‫طيّبـا يعنـي‪ :‬ما أح ّ‬
‫وكُلُوا مِـمّا َرزَ َق ُكمُ اللّ ُه حَللً َ‬
‫وأما قوله‪ :‬وَاتّقُوا الّل َه اّلذِي أ ْنتُـمْ بِ هِ ُم ْؤ ِمنُو نَ فإنه يقول‪ :‬وخافوا أيها الـمؤمنون أن تعتدوا‬
‫ل لكـم‪ ,‬واحذروه فــي ذلك أن‬
‫فــي حدوده‪ ,‬فتــحلوا مـا حرّم علــيكم وتــحرّموا مـا أح ّ‬
‫ت ـخالفوه ف ـينزل ب كم سخطه‪ ,‬أو ت ستوجبوا به عقوب ته‪ .‬اّلذِي أ ْنتُ ـمْ به ُم ْؤ ِمنُو نَ يقول‪ :‬الذي‬
‫أنتـم بوحدانـيته مقرّون وبربوبـيته مصدّقون‪.‬‬
‫‪89‬‬ ‫الية ‪:‬‬
‫خذُكُم ِبمَا‬
‫خ ُذكُ مُ الّل ُه بِالّلغْ ِو فِ يَ َأ ْيمَانِكُ مْ وَلَـكِن ُيؤَا ِ‬
‫{لَ يُؤَا ِ‬ ‫القول فـي تأويـل قوله تعالـى‪:‬‬
‫ن أَهْلِيكُ مْ أَ ْو كِ سْ َو ُت ُهمْ أَوْ‬
‫ط ِعمُو َ‬
‫سطِ مَا ُت ْ‬
‫ن أَوْ َ‬
‫ن مِ ْ‬
‫شرَ ِة مَ سَاكِي َ‬
‫عَ‬‫طعَا مُ َ‬
‫ن فَكَفّا َرتُ هُ ِإ ْ‬
‫عَقّدتّ مُ ال ْيمَا َ‬
‫ل َثةِ َأيّا مٍ ذَلِ كَ كَفّارَ ُة َأ ْيمَانِكُ مْ ِإذَا حَلَ ْفتُ مْ وَاحْ َفظُوَ ْا َأ ْيمَا َنكُ مْ َكذَلِ كَ‬
‫صيَامُ ثَ َ‬
‫َتحْرِيرُ َرقَبَ ٍة َفمَن لّ ْم َيجِ ْد فَ ِ‬
‫شكُرُونَ }‪..‬‬
‫ُي َبيّنُ الّلهُ َل ُكمْ آيَا ِتهِ َلعَّل ُكمْ َت ْ‬
‫يقول تعال ـى ذكره للذ ين كانوا حرّموا عل ـى أنف سهم الطيب ـات من أ صحاب ر سول ال‬
‫صلى ال عل يه و سلم وكانوا حرّموا ذلك بأي ـمان حلفوا ب ها‪ ,‬فنها هم عن ت ـحريـمها‪ ,‬وقال‬
‫لهم‪ :‬ل يؤاخذكم ربكم بـاللغو فـي أيـمانكم‪ .‬كما‪:‬‬
‫‪ 9722‬ـ حدثنـي مـحمد بن سعد‪ ,‬قال‪ :‬ثنـي أبـي‪ ,‬قال‪ :‬ثنـي عمي‪ ,‬قال‪ :‬ثنـي أبـي‪,‬‬
‫طيّبـاتِ ما‬
‫حرّمُوا َ‬
‫ن آ َمنُوا ل تُـ َ‬
‫عن أبـيه‪ ,‬عن ابن عبـاس‪ ,‬قال‪ :‬لـما نزلت‪ :‬يا أيّها اّلذِي َ‬
‫أحَلّ الّل ُه َلكُ مْ ف ـي القوم الذ ين كانوا حرّموا الن ساء والل ـحم عل ـى أنف سهم‪ ,‬قالوا‪ :‬يا ر سول‬
‫خ ُذكُ مُ اللّهُـ‬
‫ال‪ ,‬كيـف ن صنع بأي ـماننا التــي حلف نا علــيها؟ فأنزل ال تعالــى ذكره‪ :‬ل يُؤَا ِ‬
‫بـاللّغْ ِو فِـي أيـمَا ِنكُمْ‪ ...‬الَية‪.‬‬
‫فهذا يدلّ علـى ما قلنا من أن القوم كانوا حرّموا علـى أنفسهم بأيـمان حلفوا بها‪ ,‬فنزلت‬
‫هذه الَية بسببهم‪.‬‬
‫واختل فت القراء ف ـي قراءة ذلك‪ ,‬فقرأ ته عا مة قرّاء ال ـحجاز وب عض الب صريـين‪ :‬وََلكِ نْ‬
‫ن بتشد يد القاف‪ ,‬ب ـمعنى‪ :‬وكدت ـم الي ـمان وردّدت ـموها‬
‫ليْ ـمَا َ‬
‫خ ُذكُ مْ بِ ـمَا عَ ّق ْدتُ ـمُ ا َ‬
‫يُؤَا ِ‬
‫وقرّاء الكوف ـيـين‪« :‬بِ ـمَا عَ َق ْدتُــُم الَي ـمَانَ» بت ـخفـيف القاف‪ ,‬ب ـمعنى‪ :‬أوجبت ـموها‬
‫علـى أنفسكم‪ ,‬وعزمت علـيها قلوبكم‪.‬‬
‫وأولــى القراءتــين بــالصواب فــي ذلك قراءة مـن قرأ بتــخفـيف القاف‪ ,‬وذلك أن‬
‫العرب ل تكاد تسـتعمل فعلت فــي الكلم‪ ,‬إل فــيـما يكون فــيه تردّد مرّة بعـد مرّة‪ ,‬مثـل‬
‫قولهم‪ :‬شدّدت علـى فلن فـي كذا إذا كرّر علـيه الشدّ مرّة بعد أخرى‪ ,‬فإذا أرادوا الـخبر‬
‫شدّدت عل ـيه ب ـالتـخفـيف‪ .‬و قد أج مع ال ـجميع ل خلف‬
‫عن ف عل مرّة واحدة ق ـيـل‪َ :‬‬
‫بـينهم أن الـيـمين التـي تـجب بـالـحنث فـيها الكفـارة تلزم بـالـحنث فـي حلف‬
‫مرّة واحدة وإن لــم يكرّرهـا الــحالف مرّات‪ ,‬وكان معلومـا بذلك أن ال مؤاخـذ الــحالف‬
‫العاقـد قلبـه علــى حلفـه وإن لــم يكرّره ولــم يردّده وإذا كان ذلك كذلك لــم يكـن لتشديـد‬
‫القاف مـن عقّدتــم وجـه مفهوم‪ .‬فتأويــل الكلم إذن‪ :‬ل يؤاخذكـم ال أيهـا الــمؤمنون مـن‬
‫أي ـمانكم ب ـما لغوت ـم ف ـيه‪ ,‬ول كن يؤاخذ كم ب ـما أوجبت ـموه عل ـى أنف سكم من ها وعقدت‬
‫عل ـيه قلوب كم‪ .‬و قد ب ـينا ال ـيـمين الت ـي هي ل غو والت ـي ال مؤا خذ الع بد ب ها‪ ,‬والت ـي‬
‫فـيها الـحنث والتـي ل حنث فـيها‪ ,‬فـيـما مضى من كتابنا هذا فكرهنا إعادة ذلك فـي‬
‫هذا الـموضع‪.‬‬
‫ن فإن هنادا‪:‬‬
‫وأما قوله‪ :‬بِـمَا عَ ّق ْدتُـمُ الَيـمَا َ‬
‫‪ 9723‬ـ حدثنا قال‪ :‬حدثنا وكيع‪ ,‬عن سفـيان‪ ,‬عن ابن أبـي نـجيح‪ ,‬عن مـجاهد‪ :‬وََلكِ نْ‬
‫ن قال‪ :‬بـما تعمدتـم‪.‬‬
‫ليَـما َ‬
‫خ ُذ ُكمْ بِـمَا عَ ّق ْدتُـمُ ا َ‬
‫يَؤَا ِ‬
‫حدث نا ا بن وك يع‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا أب ـي‪ ,‬عن سفـيان‪ ,‬عن ا بن أب ـي ن ـجيح‪ ,‬عن م ـجاهد‪,‬‬
‫مثله‪.‬‬
‫‪ 9724‬ـ حدث نا ب شر‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا يز يد‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا سعيد‪ ,‬عن قتادة‪ ,‬عن ال ـحسن‪ :‬وََل ِك نْ‬
‫ليَـمانَ يقول‪ :‬ما تعمدتَ فـيه الـمأثم‪ ,‬فعلـيك فـيه الكفـارة‪.‬‬
‫خ ُذ ُكمْ بِـمَا عَ ّق ْدتُـمُ ا َ‬
‫يَؤَا ِ‬
‫شرَ ِة مَساكِينَ‪.‬‬
‫عَ‬‫طعَامُ َ‬
‫القول فـي تأويـل قوله تعالـى‪َ :‬فكَفّـا َرتُهُ إ ْ‬
‫اختلف أ هل التأوي ـل ف ـي الهاء الت ـي ف ـي قوله‪َ :‬فكَفّ ـا َرتُهُ عل ـى ما هي عائدة‪ ,‬و من‬
‫ذ كر ما؟ فقال بعض هم‪ :‬هي عائدة عل ـى « ما» الت ـي ف ـي قوله‪ :‬بِ ـمَا عَ ّق ْدتُ ـ ُم الَي ـمَانَ‪.‬‬
‫ذكر من قال ذلك‪:‬‬
‫‪ 9725‬ـ حدث نا ا بن بشار‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا ا بن أب ـي عد يّ‪ ,‬عن عوف‪ ,‬عن ال ـحسن ف ـي هذه‬
‫خذُكُمُـ اللّهُـ بــالّلغْ ِو فِــي إيــمَا ِن ُكمْ قال‪ :‬هـو أن تــحلف علــى الشيـء وأنـت‬
‫الَيـة‪ :‬ل ُيؤَا ِ‬
‫يخي ـل إل ـيك أ نه ك ما حل فت ول ـيس كذلك‪ ,‬فل يؤاخذ كم ال‪ ,‬فل كف ـارة‪ ,‬ول كن ال ـمؤاخذة‬
‫والكفـارة فـيـما حلفت علـيه علـى علـم‪.‬‬
‫‪ 9726‬ـ حدث نا ا بن حم يد‪ ,‬وا بن وك يع‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا جر ير‪ ,‬عن من صور‪ ,‬عن مغيرة‪ ,‬عن‬
‫ن قال‪ :‬ما عقد‬
‫ليَـما َ‬
‫خ ُذكُمْ بِـمَا عَ ّق ْدتُـمُ ا َ‬
‫ن يَؤَا ِ‬
‫الشعبـي‪ ,‬قال‪ :‬اللغو لـيس فـيه كفـارة وََلكِ ْ‬
‫فـيه يـمينه فعلـيه الكفـارة‪.‬‬
‫‪ 9727‬ـ حدثن ـي يعقوب‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا هشي ـم‪ ,‬قال‪ :‬أخبر نا ح صين‪ ,‬عن أب ـي مالك‪ ,‬قال‪:‬‬
‫اليــمان ثلث‪ :‬يــمين تكف ّر‪ ,‬ويــمين ل تكف ّر‪ ,‬ويــمين ل يؤاخـذ بهـا صـاحبها‪ .‬فأمـا‬
‫ال ـيـمين الت ـي تك فر‪ ,‬ف ـالرجل يحلف عل ـى ال مر ل يفعله ثم يفعله‪ ,‬فعل ـيه الكف ـارة‪.‬‬
‫وأ ما ال ـيـمين الت ـي ل تك فر‪ :‬ف ـالرجل يحلف عل ـى ال مر يتع مد ف ـيه الكذب‪ ,‬فل ـيس‬
‫ف ـيه كف ـارة‪ .‬وأ ما ال ـيـمين الت ـي ل يؤا خذ ب ها صاحبها‪ :‬ف ـالرجل يحلف عل ـى ال مر‬
‫يرى أنه كما حلف علـيه فل يكون كذلك‪ ,‬فلـيس علـيه فـيه كفـارة‪ ,‬وهو اللغو‪.‬‬
‫‪ 9728‬ـ حدث نا يعقوب‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا هشي ـم‪ ,‬قال‪ :‬أخبر نا ا بن أب ـي ل ـيـلـى‪ ,‬عن عطاء‪,‬‬
‫قال‪ :‬قالت عائشة‪ :‬لغو الـيـمين ما لـم يعقد علـيه الـحالف قلبه‪.‬‬
‫‪ 9729‬ـ حدثن ـي يعقوب‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا ا بن عل ـية‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا هشام‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا حماد‪ ,‬عن‬
‫إبراهيـم‪ ,‬قال‪ :‬لـيس فـي لغو الـيـمين كفـارة‪.‬‬
‫‪9730‬ـ حدثنـي يونس بن عبد العلـى‪ ,‬قال‪ :‬أخبرنا ابن وهب‪ ,‬قال‪ :‬أخبرنـي يونس‪ ,‬عن‬
‫ابن شهاب‪ ,‬أن عروة حدثه أن عائشة قالت‪ :‬أيـمان الكفـارة كلّ يـمين حلف فـيها الرجل‬
‫ن ل ـيتركنّ‪ ,‬فذلك ع قد الي ـمان الت ـي‬
‫عل ـى جدّ من المور ف ـي غ ضب أو غيره ل ـيفعل ّ‬
‫خ ُذكُ مُ الّل هُ بـالّلغْ ِو فِـي إيـمَانِ ُكمْ وََلكِ نْ‬
‫فرض ال فـيها الكفـارة‪ ,‬وقال تعالـى ذكره‪ :‬ل ُيؤَا ِ‬
‫ليَـمانَ‪.‬‬
‫خ ُذ ُكمْ بِـمَا عَ ّق ْدتُـمُ ا َ‬
‫يَؤَا ِ‬
‫‪ 9731‬ـ حدثن ـي يو نس‪ ,‬قال‪ :‬أخبر نا ا بن و هب‪ ,‬قال‪ :‬أخبرن ـي معاو ية بن صالـح‪ ,‬عن‬
‫يحيى بن سعيد‪ ,‬وعن علـيّ بن أبـي طلـحة‪ ,‬قال‪ :‬لـيس فـي لغو الـيـمين كفـارة‪.‬‬
‫‪9732‬ـ حدثنا بشر‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا جامع بن حماد‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا يزيد‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا سعيد‪ ,‬عن قتادة‪,‬‬
‫ن يقول‪ :‬ما تعمدت فـيه الـمأثم فعلـيك‬
‫ليَـما َ‬
‫خ ُذكُ مْ بِـمَا عَ ّق ْدتُـمُ ا َ‬
‫ن يَؤَا ِ‬
‫عن الـحسن‪ :‬وََلكِ ْ‬
‫فـيه الكفـارة‪ .‬قال‪ :‬وقال قتادة‪ :‬أما اللغو فل كفـارة فـيه‪.‬‬
‫حدثنا هناد‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا عبدة‪ ,‬عن سعيد‪ ,‬عن قتادة‪ ,‬عن الـحسن‪ ,‬قال‪ :‬ل كفـارة فـي لغو‬
‫الـيـمين‪.‬‬
‫‪ 9733‬ـ حدثنا ابن وكيع‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا عمرو العنقزي‪ ,‬عن أسبـاط‪ ,‬عن السديّ‪ :‬لـيس فـي‬
‫لغو الـيـمين كفـارة‪.‬‬
‫فمعنى الكلم عل ـى هذا التأوي ـل‪ :‬ل يؤاخذكم ال ب ـاللغو فـي أيـمانكم‪ ,‬ولكن يؤاخذ كم‬
‫بـما عقدتـم اليـمان‪ ,‬فكفـارة ما عقدتـم منها‪ :‬إطعام عشرة مساكين‪.‬‬
‫وقال آخرون‪ :‬الهاء فــي قوله‪ :‬فَكَفّــا َرتُهُ عائدة علــى اللغـو‪ ,‬وهـي كنايـة عنـه‪ .‬قالوا‪:‬‬
‫وإنـما معنى الكلم‪ :‬ل يؤاخذكم ال بـاللغو فـي أيـمانكم إذا كفرتـموه‪ ,‬ولكن يؤاخذكم إذا‬
‫عقدتـم اليـمان فأقمتـم علـى الـمضيّ علـيه بترك الـحنث والكفـارة فـيه‪ ,‬والقامة‬
‫علـى الـمضيّ علـيه غير جائزة لكم‪ ,‬فكفّـارة اللغو منها إذا حنثتـم فـيه‪ :‬إطعام عشرة‬
‫مساكين‪ .‬ذكر من قال ذلك‪:‬‬
‫‪ 9734‬ـ حدثنـي الـمثنى‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا عبد ال بن صالـح‪ ,‬قال‪ :‬ثنـي معاوية بن صالـح‪,‬‬
‫ن قال‪:‬‬
‫ليَـما َ‬
‫خ ُذكُمْ بِـمَا عَ ّق ْدتُـ ُم ا َ‬
‫عن علـيّ بن أبـي طلـحة‪ ,‬عن ابن عبـاس قوله‪ :‬ل يُؤَا ِ‬
‫هو الرجل يحلف علـى أمر ضرار أن يفعله فل يفعله فـيرى الذي هو خير منه‪ ,‬فأمره ال‬
‫خ ُذكُ مْ بِـمَا عَ ّق ْدتُـمُ‬
‫أن يكفر عن يـمينه ويأتـي الذي هو خير‪ .‬وقال مرّة أخرى قوله‪ :‬ليُؤَا ِ‬
‫ن قال‪ :‬واللغو من الـيـمين هي التـي تكفر‬
‫ليَـمانَ‪ ...‬إلـى قوله‪ :‬بِـمَا عَ ّق ْدتُـمُ اليـمَا َ‬
‫اَ‬
‫ل ال له ول ـم يت ـحوّل ع نه ول ـم‬
‫ل يؤا خذ ال ب ها‪ ,‬ول كن من أقام عل ـى ت ـحريـم ما أح ّ‬
‫يكفّر عن يـمينه‪ ,‬فتلك التـي يؤاخذ بها‪.‬‬
‫‪ 9735‬ـ حدث نا هناد‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا ح فص بن غياث‪ ,‬عن داود بن أب ـي ه ند‪ ,‬عن سعيد بن‬
‫ليَـمانَ قال‪ :‬هو الذي يحلف علـى الـمعصية فل‬
‫خ ُذكُ مْ بِـمَا عَ ّق ْدتُـمُ ا َ‬
‫جبـير‪ ,‬قوله‪ :‬ل ُيؤَا ِ‬
‫يفـي‪ ,‬فـيكفّر‪.‬‬
‫‪ 9736‬ـ حدثنا مـحمد بن الـمثنى‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا عبد الوهاب‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا داود‪ ,‬عن سعيد بن‬
‫خ ُذكُ مُ اللّ هُ بـالّلغْوِ فِـي أيـمَا ِن ُكمْ قال‪ :‬هو الرجل يحلف علـى الـمعصية فل‬
‫جبـير‪ :‬ل ُيؤَا ِ‬
‫ع ّق ْدتُ ـمُ‬
‫خذُكُ مْ ب ـما َ‬
‫يؤاخذه ال تعال ـى‪ ,‬يكفّر عن ي ـمينه ويأت ـي الذي هو خ ير وَل ِك نْ ُيؤَا ِ‬
‫ن الرجـل يحلف علــى الــمعصية ثـم يقــيـم علــيها‪ ,‬فكفــارته إطعام عشرة‬
‫ليْــمَا َ‬
‫اَ‬
‫مساكين‪.‬‬
‫‪ 9737‬ـ حدثنـي يعقوب‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا ا بن عُلَ ـية‪ ,‬قال‪ :‬أخبر نا داود‪ ,‬عن سعيد بن جبـير‪,‬‬
‫قال ف ـي ل غو ال ـيـمين‪ :‬هي ال ـيـمين ف ـي ال ـمعصية‪ ,‬فقال‪ :‬أو ل تقرأ فتف هم؟ قال‪ :‬ل‬
‫ن قال‪ :‬فل يؤاخذه‬
‫خ ُذكُ مْ بِـمَا عَ ّق ْدتُـمُ الَيـمَا َ‬
‫ن يُؤَا ِ‬
‫خ ُذكُ مُ اللّ ُه بـاللّغْ ِو فِـي أيـما ِنكُمْ وََلكِ ْ‬
‫يُؤَا ِ‬
‫ع ْرضَةً‬
‫جعَلُوا اللّه ـَ ُ‬
‫ـيها‪ .‬قال‪ :‬وقال‪ :‬وَل تَـ ـ ْ‬
‫ـالـمقام علــ‬
‫ـن يؤاخذه بــ‬
‫ـاللغاء‪ ,‬ولكـ‬
‫بــ‬
‫لِءَيـمَا ِن ُكمْ‪.‬‬
‫حدثن ـي يعقوب‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا هشي ـم‪ ,‬قال‪ :‬أخبر نا أ بو ب شر‪ ,‬عن سعيد بن جب ـير‪ ,‬ف ـي‬
‫خ ُذكُ مُ الّل ُه ب ـالّلغْوِ فِ ـي أي ـمَا ِن ُكمْ قال‪ :‬هو الر جل يحلف عل ـى ال ـمعصية فل‬
‫قوله‪ :‬ل يُؤَا ِ‬
‫يؤاخذه ال بتركها إن تركها‪ .‬قلت‪ :‬وكيف يصنع؟ قال‪ :‬يكفّر يـمينه‪ ,‬ويترك الـمعصية‪.‬‬
‫‪ 9738‬ـ حدثن ـي يح يى بن جع فر‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا يز يد بن هارون‪ ,‬قال‪ :‬أخبر نا جو يبر‪ ,‬عن‬
‫خ ُذكُ ُم اللّ ُه بـالّلغْ ِو فِـي أيـما ِنكُمْ قال‪ :‬الـيـمين الـمكفرة‪.‬‬
‫الضحاك‪ ,‬فـي قوله‪ :‬ل يُؤَا ِ‬
‫‪ 9739‬ـ حدثنا هناد‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا أبو الحوص‪ ,‬عن مغيرة‪ ,‬عن إبراهيـم‪ ,‬قال‪ :‬اللغو‪ :‬يـمين‬
‫ل يؤاخذ بها صاحبها‪ ,‬وفـيها كفـارة‪.‬‬
‫والذي هو أولـى عندي بـالصواب فـي ذلك‪ ,‬أن تكون الهاء فـي قوله‪َ :‬فكَفّـا َرتُهُ عائدة‬
‫ن لـما قدّمنا فـيـما مضى قبل أن من‬
‫علـى «ما» التـي فـي قوله‪ :‬بِـمَا عَ ّق ْدتُـمُ الَيـمَا َ‬
‫لزم ته ف ـي ي ـمينه كف ـارة وأو خذ ب ها‪ ,‬غ ير جائز أن يقال ل ـمن قد أو خذ‪ :‬ل يؤاخذه ال‬
‫خ ُذكُ مُ الّل ُه بـالّلغْوِ فِـي أيـما ِن ُكمْ دلـيـل واضح أنه ل‬
‫بـاللغو وفـي قوله تعالـى‪ :‬ل يُؤَا ِ‬
‫يكون مؤاخذ بوجه من الوجوه من أخبرنا تعالـى ذكره أنه غير مؤاخذ‪.‬‬
‫خ ُذكُ مُ الّل ُه بـالّلغْ ِو فِـي أيـما ِنكُمْ‬
‫ن ظا نّ أنه إنـما عنى تعالـى ذكره بقوله‪ :‬ل ُيؤَا ِ‬
‫فإن ظ ّ‬
‫ب ـالعقوبة عل ـيها ف ـي الَخرة إذا حنثت ـم وكفّرت ـم‪ ,‬ل أ نه ل يؤاخذ هم ب ها ف ـي الدن ـيا‬
‫بتكف ـير فإن إخب ـار ال تعال ـى ذكره وأمره ونه يه ف ـي كتا به عل ـى الظا هر العا مّ عند نا‬
‫بــما قـد دللنـا علــى صـحة القول بـه فــي غيـر هذا الــموضع فأغنـى عـن إعادتـه‪ ,‬دون‬
‫البـاطن العا ّم الذي ل دللة علـى خصوصه فـي عقل ول خبر ول دللة من عقل ول خبر‪,‬‬
‫ّهـ بــالّلغْ ِو فِــي أيــما ِن ُكمْ بعـض معانــي‬
‫ُمـ الل ُ‬
‫خذُك ُ‬
‫أنـه عنـى تعالــى ذكره بقوله‪ :‬ل ُيؤَا ِ‬
‫الــمؤاخذة دون جميعهـا‪ .‬وإذ كان ذلك كذلك‪ ,‬وكان مـن لزمتـه كفــارة فــي يــمين حنـث‬
‫فـيها مؤاخذا بها بعقوبة فـي ماله عاجلة‪ ,‬كان معلوما أنه غير الذي أخبرنا تعالـى ذكره أنه‬
‫ل يؤاخذه بها‪ .‬وإذا كان الصحيح من التأويـل فـي ذلك ما قلنا بـالذي علـيه دللنا‪ ,‬فمعنى‬
‫الكلم إذن‪ :‬ل يؤاخذكم ال أيها الناس بلغو من القول واليـمان إذا لـم تتعمدوا بها معصية‬
‫ال تعال ـى ول خلف أمره ول ـم تق صدوا ب ها إث ما‪ ,‬ول كن يؤاخذ كم ب ـما تعمدت ـم به ال ثم‬
‫وأوجبتـموه علـى أنفسكم وعزمت علـيه قلوبكم‪ ,‬ويكفر ذلك عنكم‪ ,‬فـيغطى علـى سيء‬
‫ما كان منكم من كذب وزُور قول ويـمـحوه عنكم‪ ,‬فل يتبعكم به ربكم إطعام عشرة مساكين‬
‫من أوسط ما تطعمون أهلـيكم‪.‬‬
‫ن أهْلِـيكُمْ‪.‬‬
‫ط ِعمُو َ‬
‫سطِ ما ُت ْ‬
‫القول فـي تأويـل قوله تعالـى‪ :‬مِنْ أ ْو َ‬
‫ن أهْلِـيكُمْ}‪ :‬أعدله‪ .‬كما‪:‬‬
‫ط ِعمُو َ‬
‫سطِ ما ُت ْ‬
‫ن أو َ‬
‫يعنـي تعالـى ذكره بقوله‪{ :‬مِ ْ‬
‫‪ 9740‬ـ حدثنـي يونس‪ ,‬قال‪ :‬أخبرنا ابن وهب‪ ,‬قال‪ :‬أخبرنا ابن جريج‪ ,‬قال‪ :‬سمعت عطاء‬
‫يقول فـي هذه الَية‪ِ :‬م نْ أوْ سَطِ ما ُتطْ ِعمُو نَ أهْلِـي ُكمْ أ ْو كِ سْ َو ُت ُهمْ قال عطاء‪ :‬أوسطه‪ :‬أعدله‪,‬‬
‫ن أهْلِـي ُكمْ فقال بعضهم‪ :‬معناه‪:‬‬
‫ط ِعمُو َ‬
‫سطِ ما ُت ْ‬
‫واختلف أهل التأويـل فـي معنى قوله‪ :‬مِ نْ أوْ َ‬
‫من أو سط ما يط عم من أجناس الطعام الذي يقتا ته أ هل بلد ال ـمكفر أهال ـيهم‪ .‬ذ كر من قال‬
‫ذلك‪:‬‬
‫‪9741‬ـ حدثنا هناد‪ ,‬قال‪ :‬أخبرنا شريك‪ ,‬عن عبد ال بن حنَشَ‪ ,‬عن السود‪ ,‬قال‪ :‬سألته عن‪:‬‬
‫ن أهْلِـيكُمْ قال‪ :‬الـخبز والتـمر والزيت والسمن‪ ,‬وأفضله اللـحم‪.‬‬
‫ط ِعمُو َ‬
‫سطِ ما ُت ْ‬
‫أ ْو َ‬
‫حدثنا هناد‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا وكيع‪ ,‬وحدثنا ابن وكيع‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا أبـي‪ ,‬عن سفـيان‪ ,‬عن عبد‬
‫ال بن حنَ شَ‪ ,‬قال‪ :‬سألت ال سود بن يز يد‪ ,‬عن ذلك‪ ,‬فقال‪ :‬الـخبز والت ـمر‪ .‬زاد هناد فـي‬
‫حديثه‪ :‬الزيت‪ ,‬قال‪ :‬وأحسبه الـخـلّ‪.‬‬
‫‪ 9742‬ـ حدث نا هناد وا بن وك يع‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا أ بو الحوص‪ ,‬عن عا صم الحول‪ ,‬عن ا بن‬
‫ط ِعمُونَ أهْلِـي ُكمْ قال‪ :‬من أوسط ما يطعم أهله‬
‫سطِ ما تُ ْ‬
‫سيرين‪ ,‬عن ابن عمر فـي قوله‪ :‬مِنْ أ ْو َ‬
‫ال ـخبز والت ـمر‪ ,‬وال ـخبز وال سمن وال ـخبز والز يت‪ ,‬و من أف ضل ما يطعم هم‪ :‬ال ـخبز‬
‫واللـحم‪.‬‬
‫حدث نا ا بن وك يع‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا م ـحمد بن فضي ـل‪ ,‬عن ل ـيث‪ ,‬عن ا بن سيرين‪ ,‬عن ا بن‬
‫ُونـ أهْلِــي ُكمْ الــخبز واللــحم‪ ,‬والــخبز والسـمن‪ ,‬والــخبز‬
‫طعِم َ‬
‫ْسـطِ مـا ُت ْ‬
‫ِنـ أو َ‬
‫عمـر‪ :‬م ْ‬
‫والـجبن‪ ,‬والـخبز والـخـلّ‪.‬‬
‫حدثنا ابن بشار‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا عبد الرحمن‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا سفـيان‪ ,‬عن عبد ال بن حنش‪ ,‬قال‪:‬‬
‫سألت السود بن يزيد عن أوسط ما تطعمون أهلـيكم؟ قال‪ :‬الـخبز والتـمر‪.‬‬
‫حدثنا ابن بشار‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا يحيى‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا سفـيان‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا عبد ال بن حنش‪ ,‬قال‪:‬‬
‫سألت السود بن يزيد‪ ,‬فذكر مثله‪.‬‬
‫‪ 9743‬ـ حدث نا ا بن بشار‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا ع بد الرح من‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا سعيد بن ع بد الرح من‪ ,‬عن‬
‫ن أهْلِـي ُكمْ قال‪ :‬الـخبز‬
‫ط ِعمُو َ‬
‫سطِ ما ُت ْ‬
‫مـحمد بن سيرين‪ ,‬عن عبـيدة السلـمانـي‪ :‬مِ نْ أوْ َ‬
‫والسمن‪.‬‬
‫حدث نا هناد‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا وك يع‪ ,‬وحدث نا ا بن وك يع‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا أب ـي‪ ,‬عن سعيد بن ع بد‬
‫الرحمن‪ ,‬عن ابن سيرين‪ ,‬قال‪ :‬سألت عبـيدة عن ذلك‪ ,‬فذكر مثله‪.‬‬
‫حدث نا ا بن بشار‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا أز هر‪ ,‬قال‪ :‬أخبر نا ا بن عون‪ ,‬عن م ـحمد بن سيرين‪ ,‬عن‬
‫ن أهْلِـي ُكمْ الـخبز والسمن‪.‬‬
‫ط ِعمُو َ‬
‫سطِ ما ُت ْ‬
‫عبـيدة‪ :‬مِنْ أ ْو َ‬
‫‪ 9744‬ـ حدث نا هناد‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا وك يع‪ ,‬وحدث نا ا بن وك يع‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا أب ـي‪ ,‬عن يز يد بن‬
‫إبراهي ـم‪ ,‬عن ا بن سيرين‪ ,‬قال‪ :‬كانوا يقولون‪ :‬أفضله ال ـخبز والل ـحم‪ ,‬وأو سطه‪ :‬ال ـخبز‬
‫والسمن‪ ,‬وأخسه‪ :‬الـخبز والتـمر‪.‬‬
‫‪9745‬ـ حدثنا هناد‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا وكيع‪ ,‬وحدثنا ابن وكيع‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا أبـي‪ ,‬عن الربـيع‪ ,‬عن‬
‫الـحسن‪ ,‬قال‪ :‬خبز ولـحم‪ ,‬أو خبز وسمن‪ ,‬أو خبز ولبن‪.‬‬
‫‪ 9746‬ـ حدث نا هناد وا بن وك يع‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا ع مر بن هارون‪ ,‬عن أب ـي م صلـح‪ ,‬عن‬
‫ط ِعمُونَ أهْلِـي ُكمْ قال‪ :‬الـخبز واللـحم والـمرقة‪.‬‬
‫سطِ ما تُ ْ‬
‫الضحاك فـي قوله‪ :‬مِنْ أ ْو َ‬
‫‪ 9747‬ـ حدثنا ابن بشار‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا عبد الرحمن‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا زائدة‪ ,‬عن يحيى بن حبـان‬
‫الطائي‪ ,‬قال‪ :‬كنت عند شريح‪ ,‬فأتاه رجل‪ ,‬فقال‪ :‬إنـي حلفت علـى يـمين فأثمت قال شريح‪:‬‬
‫ما حملك عل ـى ذلك؟ قال‪ :‬قدّر عل ـيّ‪ ,‬ف ما أو سط ما أط عم أهل ـي؟ قال له شر يح‪ :‬ال ـخبز‬
‫والز يت وال ـخـلّ ط يب‪ .‬قال‪ :‬فأعاد عل ـيه‪ ,‬فقال له شر يح ذلك ثلث مرار ل يزيده شر يح‬
‫عل ـى ذلك‪ .‬فقال له‪ :‬أرأ يت إن أطع مت ال ـخبز والل ـحم؟ قال‪ :‬ذاك أر فع طعام أهلك وطعام‬
‫الناس‪.‬‬
‫‪ 9748‬ـ حدثنا هناد‪ ,‬قال‪ :‬ينا أبو خالد الحمر‪ ,‬عن حجاج‪ ,‬عن أبـي إسحاق‪ ,‬عن الـحرث‪,‬‬
‫عن عل ـيّ‪ ,‬قال ف ـي كف ـارة ال ـيـمين‪ :‬يغدي هم ويعشّي هم خبزا وزي تا‪ ,‬أو خبزا و سمنا‪ ,‬أو‬
‫خلً وزيتا‪.‬‬
‫‪ 9749‬ـ حدثنا هناد وا بن وكيع‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا أبو أسامة‪ ,‬عن زبرقان‪ ,‬عن أبـي رز ين‪ :‬مِ نْ‬
‫ن أهْلِـيكُمْ خبز وزيت وخـلّ‪.‬‬
‫ط ِعمُو َ‬
‫سطِ ما ُت ْ‬
‫أ ْو َ‬
‫‪ 9750‬ـ حدثنا ابن وكيع‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا عبد العلـى‪ ,‬عن هشام بن مـحمد‪ ,‬قال‪ :‬أكلة واحدة‬
‫خبـز ولــحم‪ .‬قال‪ :‬وهـو مـن أوسـط مـا تطعمون أهلــيكم‪ ,‬وإنكـم لتأكلون الــخبـيص‬
‫والفـاكهة‪.‬‬
‫‪ 9751‬ـ حدثنا ابن وكيع‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا عبد العلـى‪ ,‬وحدثنا هناد‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا أبو أسامة‪ ,‬عن‬
‫هشام‪ ,‬عن الـحسن قال فـي كفـارة الـيـمين‪ :‬يجزيك أن تطعم عشرة مساكين أكله واحدة‬
‫ل وزي تا حت ـى‬
‫خبزا ول ـحما‪ ,‬فإن ل ـم ت ـجد فخبزا و سمنا ولب نا‪ ,‬فإن ل ـم ت ـجد فخبزا وخ ّ‬
‫يشبعوا‪.‬‬
‫حدثنا ابن وكيع‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا ابن نـمير‪ ,‬عن زبرقان‪ ,‬قال‪ :‬سألت أبـا رزين‪ ,‬عن كفـارة‬
‫الـيـمين ما يطعم؟ قال‪ :‬خبزا وخلّ وزيتا من أوسط ما تطعمون أهلـيكم‪ ,‬وذلك قدر قوتهم‬
‫يوما واحدا‪.‬‬
‫ثم اختلف قائلو ذلك فـي َمبَْلغِه‪ .‬فقال بعضهم‪ :‬مبلغ ذلك نصف صاع من حنطة‪ ,‬أو صاع‬
‫من سائر الـحبوب غيرها‪ .‬ذكر من قال ذلك‪:‬‬
‫‪ 9752‬ـ حدثنا هناد‪ ,‬حدثنا وكيع‪ ,‬وحدثنا ابن وكيع‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا أبـي‪ ,‬عن عبد ال بن عمرو‬
‫بن مرّة‪ ,‬عن أب ـيه‪ ,‬عن إبراهي ـم‪ ,‬عن ع مر‪ ,‬قال‪ :‬إن ـي أحلف عل ـى ال ـيـمين ثم يبدو‬
‫لـي‪ ,‬فإذا رأيتنـي قد فعلت ذلك فأطعم عشرة مساكين لكل مسكين مدّان من حِنطة‪.‬‬
‫‪9753‬ـ حدثنا هناد‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا أبو معاوية‪ ,‬ويعلـى عن العمش‪ ,‬عن شقـيق‪ ,‬عن يسار بن‬
‫نُــمير‪ ,‬قال‪ :‬قال عمـر‪ :‬إنــي أحلف أن ل أعطـي أقوامـا ثـم يبدو لــي أن أعطيهـم‪ ,‬فإذا‬
‫ل مسـكينـين صـاعا مـن برّ أو‬
‫رأيتنــي فعلت ذلك‪ ,‬فأطعـم عنــي عشرة مسـاكين بــين ك ّ‬
‫صاعا من تـمر‪.‬‬
‫‪9754‬ـ حدثنا هناد ومـحمد بن العلء قال‪ :‬حدثنا وكيع‪ ,‬وحدثنا ابن وكيع قال‪ :‬حدثنا أبـي‪,‬‬
‫عن ا بن أب ـي ل ـيـلـى‪ ,‬عن عمرو بن ُمرّة‪ ,‬عن ع بد ال بن سلـمة‪ ,‬عن عل ـيّ‪ ,‬قال‪:‬‬
‫ل مسكين نصف صاع من حنطة‪.‬‬
‫كفـارة الـيـمين إطعام عشرة مساكين‪ ,‬لك ّ‬
‫سطِ ما‬
‫‪ 9755‬ـ حدث نا هناد‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا أ بو الحوص‪ ,‬عن مغيرة‪ ,‬عن إبراهي ـم‪ :‬مِ نْ أوْ َ‬
‫ل مسكين‪.‬‬
‫ُتطْ ِعمُونَ أهْلِـي ُكمْ نصف صاع برّ ك ّ‬
‫‪ 9756‬ـ حدث نا هناد‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا ح فص عن ع بد الكري ـم ال ـجزري‪ ,‬قال‪ :‬قلت ل سعيد بن‬
‫جبـير‪ :‬أجمعهم؟ قال‪ :‬ل‪ ,‬أعطهم مدّينَ من حنطة‪ ,‬مدّا لطعامه ومدّا لدامه‪.‬‬
‫حدثنا أبو كريب‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا وكيع‪ ,‬وحدثنا ابن وكيع‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا أبـي‪ ,‬عن سفـيان‪ ,‬عن‬
‫عبد الكريـم الـحزري‪ ,‬قال‪ :‬قلت لسعيد‪ ,‬فذكر نـحوه‪.‬‬
‫‪ 9757‬ـ حدث نا هناد‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا أ بو ز يد‪ ,‬عن ح صين‪ ,‬قال‪ :‬سألت الشعب ـي‪ ,‬عن كف ـارة‬
‫الـيـمين‪ ,‬فقال‪ :‬مكوكين‪ :‬مكوكا لطعامه‪ ,‬ومكوكا لدامه‪.‬‬
‫‪ 9758‬ـ حدث نا ا بن وك يع‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا ع بد العل ـى‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا هشام‪ ,‬عن عطاء‪ ,‬عن ا بن‬
‫عبـاس‪ ,‬قال‪ :‬لك ّل مسكين مدّين‪.‬‬
‫حدثنـا هناد‪ ,‬قال‪ :‬حدثنـا أبـو أسـامة‪ ,‬عـن هشام‪ ,‬عـن عطاء‪ ,‬عـن ابـن عبــاس‪ ,‬قال‪ :‬لكلّ‬
‫مسكين مدّين من برّ فـي كفـارة الـيـمين‪.‬‬
‫‪9759‬ـ حدثنا هناد‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا وكيع‪ ,‬وحدثنا ابن وكيع‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا أبـي‪ ,‬عن سفـيان‪ ,‬عن‬
‫ابن أبـي نـجيح‪ ,‬عن مـجاهد‪ ,‬قال‪ :‬مدّان من طعام لكلّ مسكين‪.‬‬
‫‪ 9760‬ـ حدثنـي يعقوب‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا ابن عُلَـية‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا سعد بن يزيد أبو سَلَـمة‪ ,‬قال‪:‬‬
‫سـألت جابر بـن زيـد عـن إطعام الــمسكين فــي كفــارة الــيـمين‪ ,‬فقال‪ :‬أكلة‪ .‬قلت‪ :‬فإن‬
‫الـحسن يقول‪ :‬مكوك برّ‪ ,‬ومكوك تـمر‪ ,‬فما ترى فـي مكوك برّ؟ فقال‪ :‬إن مكوك برّ ل‪ ,‬أو‬
‫مكوك تـمر ل‪ .‬قال يعقوب‪ :‬قال ا بن عُلَـية وقال أبو سلـمة بـيده‪ ,‬كأ نه يراه حسنا‪ ,‬وقلب‬
‫أبو سلـمة يده‪.‬‬
‫‪ 9761‬ـ حدث نا هناد‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا أ بو أ سامة‪ ,‬عن هشام‪ ,‬عن ال ـحسن‪ :‬أ نه كان يقول ف ـي‬
‫كفـارة الـيـمين فـيـما وجب فـيه الطعام‪ :‬مكوك تـمر‪ ,‬ومكوك برّ لكلّ مسكين‪.‬‬
‫‪ 9762‬ـ حدث نا هناد‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا وك يع‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا أب ـي‪ ,‬عن الرب ـيع‪ ,‬عن ال ـحسن قال‪,‬‬
‫قال‪ :‬إن جمعهم أشبعهم إشبـاعة واحدة‪ ,‬وإن أعطاهم أعطاهم مكوكا مكوكا‪.‬‬
‫حدث نا يعقوب‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا ا بن عل ـية‪ ,‬عن يو نس‪ ,‬قال‪ :‬كان ال ـحسن يقول‪ :‬فإن أعطا هم‬
‫فـي أيديهم فمكوك برّ ومكوك تـمر‪.‬‬
‫‪ 9763‬ـ حدثنا ابن وكيع‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا عبـيد ال‪ ,‬عن إسرائيـل‪ ,‬عن السديّ‪ ,‬عن أبـي مالك‬
‫فـي كفّـارة الـيـمين‪ :‬نصف صاع لكلّ مسكين‪.‬‬
‫‪ 9764‬ـ حدثنا ابن وكيع‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا ابن علـية‪ ,‬عن أبـيه‪ ,‬عن الـحكم‪ ,‬فـي قوله‪ :‬إطعا مُ‬
‫ل مسكين‪.‬‬
‫طعِمُونَ أهْلِـي ُكمْ قال‪ :‬إطعام نصف صاع لك ّ‬
‫سطِ ما ُت ْ‬
‫شرَةِ مَساكِين ِمنْ أ ْو َ‬
‫عَ‬‫َ‬
‫‪9765‬ــ حدثنـا ابـن بشار‪ ,‬قال‪ :‬حدثنـا عبـد الرحمـن‪ ,‬قال‪ :‬حدثنـا زائدة‪ ,‬عـن مغيرة‪ ,‬عـن‬
‫طعِمُونَ أهْلِـي ُكمْ نصف صاع‪.‬‬
‫ط ما ُت ْ‬
‫إبراهيـم‪ ,‬قال‪ :‬أ ْوسَ ِ‬
‫‪ 9766‬ـ حُدثت عن الـحسين بن الفرج‪ ,‬قال‪ :‬سمعت أبـا معاذ الفضل بن خالد‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا‬
‫عب ـيد بن سلـيـمان‪ ,‬قال‪ :‬سمعت الضحاك بن مزا حم يقول ف ـي قوله‪ :‬فَكفّ ـا َرتُهُ إطْعا مُ‬
‫ل مسكين‪ :‬نصف صاع من تـمر أو برّ‪.‬‬
‫شرَةِ مَساكِينَ قال‪ :‬الطعام لك ّ‬
‫عَ‬‫َ‬
‫وقال آخرون‪ :‬بل مبلغ ذلك من كلّ شيء من الـحبوب مدّ واحد‪ .‬ذكر من قال ذلك‪:‬‬
‫‪ 9767‬ـ حدثنا هناد وأبو كريب‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا وكيع‪ ,‬وحدثنا ابن وكيع‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا أبـي‪ ,‬عن‬
‫هشام الدّستَوائي‪ ,‬عن يحيى بن أبـي كثـير‪ ,‬عن أبـي سلـمة‪ ,‬عن زيد بن ثابت‪ ,‬أنه قال‬
‫فـي كفـارة الـيـمين‪ :‬مدّ من حنطة لكلّ مسكين‪.‬‬
‫‪ 9768‬ـ حدثنا هناد‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا أبو معاوية‪ ,‬عن داود بن أبـي هند‪ ,‬عن عكرمة‪ ,‬عن ابن‬
‫ل مسكين ُربْعه إدامُه‪.‬‬
‫عبـاس‪ ,‬قال فـي كفّـارة الـيـمين‪ :‬مدّ من حنطة لك ّ‬
‫حدث نا هناد وأ بو كر يب‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا وك يع‪ ,‬عن سفـيان‪ ,‬عن داود بن أب ـي ه ند‪ ,‬عن‬
‫عكرمة‪ ,‬عن ابن عبـاس‪ ,‬نـحوه‪.‬‬
‫‪ 9769‬ـ حدثنا ابن وكيع‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا جرير‪ ,‬عن ابن عجلن‪ ,‬عن نافع‪ ,‬عن ابن عمر‪ :‬إطعام‬
‫ل مسكين مدّ‪.‬‬
‫عشرة مساكين لك ّ‬
‫حدث نا هناد وأ بو كر يب‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا وك يع‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا العمري‪ ,‬عن نا فع‪ ,‬عن ا بن ع مر‪,‬‬
‫ل مسكين‪.‬‬
‫قال‪ :‬مدّ من حنطة لك ّ‬
‫‪ 9770‬ـ حدثنا هناد‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا أبو الحوص‪ ,‬عن يحيى بن سعيد‪ ,‬عن نافع‪ ,‬عن ابن عمر‪:‬‬
‫أنه كان يكفّر الـيـمين بعشرة أمداد بـالـمدّ الصغر‪.‬‬
‫‪ 9771‬ـ حدثنا ابن وكيع‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا ابن مهدي‪ ,‬عن حماد بن سلـمة‪ ,‬عن عبـيد ال‪ ,‬عن‬
‫القاسم وسالـم فـي كفّـارة الـيـمين‪ :‬ما يطعم؟ قال‪ :‬م ّد لكلّ مسكين‪.‬‬
‫‪9772‬ـ حدثنا هناد‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا أبو الحوص‪ ,‬عن يحيى بن سعيد‪ ,‬عن سلـيـمان بن يسار‪,‬‬
‫قال‪ :‬كان الناس إذا كفّر أحدهم‪ ,‬كفّر بعشرة أمداد بـالـمدّ الصغر‪.‬‬
‫‪ 9773‬ـ حدث نا هناد‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا ع مر بن هارون‪ ,‬عن ا بن جر يج‪ ,‬عن عطاء ف ـي قوله‪:‬‬
‫ن قال‪ :‬عشرة أمداد لعشَرة مساكين‪.‬‬
‫عشَرَ ِة مَساكِي َ‬
‫إطْعامُ َ‬
‫‪9774‬ـ حدثنا بشر‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا جامع بن حماد‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا يزيد‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا سعيد‪ ,‬عن قتادة‪,‬‬
‫طعِمُون َـ أهْلِــي ُكمْ قال‪ :‬كان يقال‪ :‬البرّ‬
‫ن مِن ْـ أوْس َـطِ مـا ُت ْ‬
‫شرَةِ مَسـاكِي َ‬
‫عَ‬‫عـن الــحسن‪ :‬إطْعامُـ َ‬
‫والتـمر‪ ,‬لكلّ مسكين م ّد من تـمر وم ّد من برّ‪.‬‬
‫‪ 9775‬ـ حدثنا أبو كريب وهناد‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا وكيع‪ ,‬وحدثنا ابن وكيع‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا أبـي‪ ,‬عن‬
‫ل مسكين‪.‬‬
‫مالك بن ِمغْول‪ ,‬عن عطاء‪ ,‬قال‪ :‬مدّ لك ّ‬
‫سطِ ما‬
‫‪ 9776‬ـ حدثنـي يونس‪ ,‬قال‪ :‬أخبرنا ابن وهب‪ ,‬قال‪ :‬قال ابن زيد فـي قوله‪ :‬مِ نْ أوْ َ‬
‫ن أهْلِـي ُكمْ قال‪ :‬من أوسط ما تعولونهم‪ .‬قال‪ :‬وكان الـمسلـمون رأوا أوسط ذلك مدّا‬
‫ُتطْ ِعمُو َ‬
‫ب ـمدّ ر سول ال صلى ال عل يه و سلم من حن طة‪ .‬قال ا بن ز يد‪ :‬هو الو سط م ـما يقوت به‬
‫أهله‪ ,‬لـيس بأدناه ول بأرفعه‪.‬‬
‫‪9777‬ـ حدثنـي يونس‪ ,‬قال‪ :‬أخبرنا ابن وهب‪ ,‬قال‪ :‬أخبرنـي يحيى بن عبد ال بن سالـم‪,‬‬
‫طعِمُونَ أهْلِـي ُكمْ قال‪ :‬مدّ‪.‬‬
‫ط ما ُت ْ‬
‫عن يحيى بن سعيد‪ ,‬عن سعيد بن الـمسيب‪ِ :‬منْ أ ْوسَ ِ‬
‫وقال آخرون‪ :‬بل ذلك غَداء وعَشاء‪ .‬ذكر من قال ذلك‪:‬‬
‫‪9778‬ــ حدثنـا هناد‪ ,‬قال‪ :‬حدثنـا أبـو خالد الحمـر‪ ,‬عـن حجاج‪ ,‬عـن أبــي إسـحاق‪ ,‬عـن‬
‫الـحرث‪ ,‬عن علـيّ‪ ,‬قال فـي كفّـارة الـيـمين‪ :‬يغدّيهم ويعشيهم‪.‬‬
‫‪ 9779‬ـ حدث نا هناد‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا ع مر بن هارون‪ ,‬عن مو سى بن عب ـيدة‪ ,‬عن م ـحمد بن‬
‫كعب القرظي فـي كفّـارة الـيـمين قال‪ :‬غداء وعشاء‪.‬‬
‫‪9780‬ـ حدثنا هناد‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا وكيع‪ ,‬وحدثنا ابن وكيع‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا أبـي‪ ,‬عن سفـيان‪ ,‬عن‬
‫يونس‪ ,‬عن الـحسن‪ ,‬قال‪ :‬يغدّيهم ويعشيهم‪.‬‬
‫ط ِعمُونَـ أهْلِــي ُكمْ‪ :‬مـن أوسـط مـا يطعـم‬
‫وقال آخرون‪ :‬إنــما عنـى بقوله‪ :‬مِن ْـ أوْسَـطِ مـا ُت ْ‬
‫ال ـمكفّر أهله‪ .‬قال‪ :‬إن كان م ـمن يش بع أهله أش بع ال ـمساكين العشرة‪ ,‬وإن كان م ـمن ل‬
‫يشبع هم لعجزه عن ذلك أطع هم ال ـمساكين عل ـى قدر ما يف عل من ذلك بأهله ف ـي ع سره‬
‫ويسره‪ .‬ذكر من قال ذلك‪:‬‬
‫‪ 9781‬ـ حدثنـي الـمثنى‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا عبد ال بن صالـح‪ ,‬قال‪ :‬ثنـي معاوية بن صالـح‪,‬‬
‫ن مِ نْ‬
‫عشَرَ ِة مَ ساكِي َ‬
‫عن عل ـيّ بن أب ـي طل ـحة‪ ,‬عن ا بن عب ـاس‪ ,‬قوله‪َ :‬فكَفّ ـا َرتُهُ إطْعا مُ َ‬
‫ل فعلـى ما تطعم‬
‫ن أهْلِـيكُمْ قال‪ :‬إن كنت تشبع أهلك فأشبع الـمساكين‪ ,‬وإ ّ‬
‫ط ِعمُو َ‬
‫سطِ ما ُت ْ‬
‫أوْ َ‬
‫أهلك بقدره‪.‬‬
‫حدثن ـي م ـحمد بن سعد‪ ,‬قال‪ :‬ثن ـي أب ـي‪ ,‬قال‪ :‬ثن ـي ع مي‪ ,‬قال‪ :‬ثن ـي أب ـي‪ ,‬عن‬
‫ن أهْلِـيكُمْ وهو‬
‫ط ِعمُو َ‬
‫سطِ ما ُت ْ‬
‫عشَرَ ِة مَساكِين مِنْ أوْ َ‬
‫أبـيه‪ ,‬عن ابن عبـاس‪َ :‬فكَفّـا َرتُ ُه إطْعامُ َ‬
‫ل مسكين من نـحو ما تطعم أهلك من الشبع‪ ,‬أو نصف صاع من برّ‪.‬‬
‫أن تطعم ك ّ‬
‫‪9782‬ـ حدثنا أبو كريب‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا وكيع‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا أبـي‪ ,‬عن إسرائيـل‪ ,‬عن جابر‪ ,‬عن‬
‫عامر‪ ,‬عن ابن عبـاس‪ ,‬قال‪ :‬من عسرهم ويسرهم‪.‬‬
‫‪9783‬ـ حدثنا هناد‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا وكيع‪ ,‬عن إسرائيـل‪ ,‬عن جابر‪ ,‬عن عامر‪ ,‬قال‪ :‬من عسرهم‬
‫ويسرهم‪.‬‬
‫‪ 9784‬ـ حدث نا ا بن بشار‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا ا بن مهدي‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا سفـيان‪ ,‬عن سلـيـمان بن‬
‫ن أهْلِـيكُمْ قال‪ :‬قوتهم‪.‬‬
‫ط ِعمُو َ‬
‫سطِ ما ُت ْ‬
‫أبـي الـمغيرة‪ ,‬عن سعيد بن جبـير‪ :‬مِنْ أ ْو َ‬
‫حدثنـا هناد وأبـو كريـب‪ ,‬قال‪ :‬حدثنـا وكيـع‪ ,‬وحدثنـا ابـن وكيـع‪ ,‬قال‪ :‬حدثنـا أبــي‪ ,‬عـن‬
‫ط ِعمُو نَ‬
‫سطِ ما ُت ْ‬
‫سفـيان‪ ,‬عن سلـيـمان العبسي‪ ,‬عن سعيد بن جبـير‪ ,‬فـي قوله‪ :‬مِ نْ أوْ َ‬
‫أهْلِـيكُمْ قال‪ :‬قوتهم‪.‬‬
‫‪ 9785‬ـ حدثنا أبو حميد‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا حكام بن سلـم‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا عنبسة‪ ,‬عن سلـيـمان بن‬
‫طعِمُو نَ أهْلِـي ُكمْ قال‪ :‬كانوا‬
‫سطِ ما ُت ْ‬
‫عبـيد العبسي‪ ,‬عن سعيد بن جبـير فـي قوله‪ِ :‬م نْ أوْ َ‬
‫ُونـ‬
‫ط ِعم َ‬
‫ْسـطِ مـا ُت ْ‬
‫ِنـ أو َ‬
‫يفضلون الــحرّ علــى العبـد والكبــير علــى الصـغير‪ ,‬فنزلت‪ :‬م ْ‬
‫أهْلِـيكُمْ‪.‬‬
‫حدثنـا الــحرث‪ ,‬قال‪ :‬حدثنـا عبـد العزيـز‪ ,‬قال‪ :‬حدثنـا قــيس بـن الربــيع‪ ,‬عـن سـالـم‬
‫الفطـس‪ ,‬عـن سـعيد بـن جبــير‪ ,‬قال‪ :‬كانوا يطعمون الكبــير مـا ل يطعمون الصـغير‪,‬‬
‫ويطعمون الـحرّ ما ل يطعمون العبد‪ ,‬فقال‪ِ :‬منْ أ ْوسَطِ ما ُتطْ ِعمُونَ أهْلِـي ُكمْ‪.‬‬
‫‪ 9786‬ـ حدثنا أبو كريب‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا هشيـم‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا جويبر‪ ,‬عن الضحاك‪ ,‬فـي قوله‪:‬‬
‫ط ِعمُون َـ أهْلِــيكُمْ قال‪ :‬إن كنـت تشبـع أهلك فأشبعهـم‪ ,‬وإن كنـت ل تشبعهـم‪,‬‬
‫مِن ْـ أوْس َـطِ مـا ُت ْ‬
‫فعلـىقدر ذلك‪.‬‬
‫حدثنـي الـحرث‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا عبد العزيز‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا شيبـان النـحويّ‪ ,‬عن جابر‪ ,‬عن‬
‫ن أهْلِـيكُمْ قال‪ :‬من عسرهم ويسرهم‪.‬‬
‫ط ِعمُو َ‬
‫سطِ ما ُت ْ‬
‫عامر‪ ,‬عن ابن عبـاس‪ :‬مِنْ أ ْو َ‬
‫‪ 9787‬ـ حدثنا يونس‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا سفـيان عن سلـيـمان‪ ,‬عن سعيد بن جبـير‪ ,‬قال‪ :‬قال‬
‫ابن عبـاس‪ :‬كان الرجل يقوت بعض أهله قوتا دونا وبعضهم قوتا فـيه سعة‪ ,‬فقال ال‪ :‬مِ نْ‬
‫ن أهْلِـيكُمْ الـخبز والزيت‪.‬‬
‫ط ِعمُو َ‬
‫سطِ ما ُت ْ‬
‫أ ْو َ‬
‫ن أهْلِـي ُكمْ عندنا قول من قال‪ :‬من‬
‫طعِمُو َ‬
‫سطِ ما ُت ْ‬
‫وأولـى القوال فـي تأويـل قوله‪ :‬مِنْ أوْ َ‬
‫أوسط ما تطعمون أهلـيكم فـي القلة والكثرة‪ .‬وذلك أن أحكام رسول ال صلى ال عليه وسلم‬
‫ف ـي الكفّ ـارات كل ها بذلك وردت‪ ,‬وذلك كحك مة صلى ال عل يه و سلم ف ـي كفّ ـارة الو طء‬
‫ف ـي ش هر رمضان بخم سة ع شر صاعا ب ـين ستـين م سكينا لكلّ م سكين ر بع صاع‪ .‬ول‬
‫يعرف له صلى ال عليه وسلم شيء من الكفـارات أمر بإطعام خبز وإدام ول بغَداء وعَشاء‪.‬‬
‫فإذا كان ذلك كذلك‪ ,‬وكا نت كف ـارة الـيـمين إحدى الكف ـارات الت ـي تلزم من لزم ته‪ ,‬كان‬
‫سيبـيـلها سبـيـل ما تول ـى ال ـحكم ف ـيه صلى ال عل يه و سلم من أن الوا جب عل ـى‬
‫مكفّر ها من الطعام مقدار لل ـمساكين العشرة‪ ,‬م ـحدود بكي ـل دون جمع هم عل ـى غداء أو‬
‫عشاء مخبوز مأدوم‪ ,‬إذ كانت سنته صلى ال عليه وسلم فـي سائر الكفـارات كذلك‪ .‬فإذ كان‬
‫صحيحا ما قل نا ب ـما به ا ستشهدنا‪ ,‬فب ـيّن أن تأوي ـل الكلم‪ :‬ول كن يؤاخذ كم ب ـما عقدت ـم‬
‫اليـمان‪ ,‬فكفـارته إطعام عشرة مساكين من أعدل إطعامكم أهلـيكم‪ ,‬وأن «ما» التـي فـي‬
‫ط ِعمُو نَ أهْلِـي ُكمْ بـمعنى الـمصدر‪ ,‬ل بـمعنى السماء‪ .‬وإذا كان ذلك‬
‫سطِ ما ُت ْ‬
‫قوله‪ :‬مِ نْ أوْ َ‬
‫كذلك‪ ,‬فأعدل أقوات ال ـموسع عل ـى أهله مدّان‪ ,‬وذلك ن صف صاع ف ـي رب عه إدا مه‪ ,‬وذلك‬
‫أعل ـى ما ح كم به النب ـيّ صلى ال عل يه و سلم ف ـي كف ـارة ف ـي إطعام م ساكين‪ ,‬وأعدل‬
‫أقوات ال ـمقتر عل ـى أهلهم ّد وذلك ر بع صاع‪ ,‬و هو أد نى ما ح كم به ف ـي كف ـارة ف ـي‬
‫إطعام مساكين‪ .‬وأما الذين رأوا إطعام الـمساكين فـي كفـارة الـيـمين الـخيز واللـحم‬
‫و ما ذكر نا عن هم ق بل‪ ,‬والذ ين رأوا أن يغدّوا أو يعشوا‪ ,‬والذ ين رأوا أن يغدوا ويعشوا‪ ,‬فإنهـم‬
‫ن أهْلِـي ُكمْ‪ :‬من أوسط الطعام الذي تطعمونه‬
‫ط ِعمُو َ‬
‫سطِ ما ُت ْ‬
‫ذهبوا إلـى تأوي ـل قوله‪ :‬مِ نْ أوْ َ‬
‫ن أهْلِ ـي ُكمْ ا سما ل م صدرا‪,‬‬
‫ط ِعمُو َ‬
‫سطِ ما ُت ْ‬
‫أهل ـيكم‪ ,‬فجعلوا « ما» الت ـي ف ـي قوله‪ :‬مِ نْ أوْ َ‬
‫فأوجبوا علـى الكفّر إطعام الـمساكين من أعدل ما يطعم أهله من الغذية‪ .‬وذلك مذهب لول‬
‫ما ذكر نا من سنن ف ـي الكف ـارات غير ها الت ـي ي جب إل ـحاق أشكال ها ب ها‪ ,‬وأن كف ـارة‬
‫الـيـمين لها نظيرة وشبـيهة يجب إلـحاقها بها‪.‬‬
‫القول فـي تأويـل قوله تعالـى‪ :‬أ ْو ِكسْ َو ُت ُهمْ‪.‬‬
‫يعنــي تعالــى ذكره بذلك‪ :‬فكفّــارة مـا عقدتــم مـن اليــمان إطعام عشرة مسـاكين أو‬
‫كسوتهم‪ .‬يقول إما أن تطعموهم أو تكسوهم‪ ,‬والـخيار فـي ذلك إلـى الـمكفّر‪.‬‬
‫واختلف أ هل التأوي ـل ف ـي الك سوة الت ـي ع نى ال بقوله‪ :‬أوْ كِ سْ َو ُت ُهمْ فقال بعض هم‪ :‬ع نى‬
‫بذلك كسوة ثوب واحد‪ .‬ذكر من قال ذلك‪:‬‬
‫‪ 9788‬ـ حدثنا ابن وكيع‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا ابن علـية‪ ,‬عن ابن أبـي نـجيح‪ ,‬عن مـجاهد فـي‬
‫كسوة الـمساكين فـي كفّـارة الـيـمين‪ :‬أدناه ثوب‪.‬‬
‫حدثنا هناد‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا وكيع‪ ,‬وحدثنا ابن وكيع‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا أبـي‪ ,‬عن سفـيان‪ ,‬عن ابن‬
‫أبـي نـجيح‪ ,‬عن مـجاهد‪ ,‬قال‪ :‬أدناه ثوب‪ ,‬وأعله ما شئت‪.‬‬
‫‪ 9789‬ـ حدث نا هناد وأ بو كر يب‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا وك يع‪ ,‬عن الرب ـيع‪ ,‬عن ال ـحسن‪ ,‬قال ف ـي‬
‫كفّـارة الـيـمين فـي قوله‪ :‬أ ْو ِكسْوَت ُهمْ ثوب لكلّ مسكين‪.‬‬
‫‪ 9790‬ـ حدثنا ابن وكيع‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا ابن مهد يّ‪ ,‬عن وهيب‪ ,‬عن ابن طاوس‪ ,‬عن أبـيه‪ :‬أوْ‬
‫ِكسْ َو ُت ُهمْ قال‪ :‬ثوب‪.‬‬
‫حدثنا هناد‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا عبـيدة‪ ,‬وحدثنا ابن حميد وابن وكيع‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا جرير جميعا‪ ,‬عن‬
‫منصور‪ ,‬عن مـجاهد‪ ,‬فـي قوله‪ :‬أوْ ِكسْ َو ُت ُهمْ قال‪ :‬ثوب‪.‬‬
‫‪ 9791‬ـ حدث نا ا بن حم يد‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا جر ير‪ ,‬عن من صور‪ ,‬عن م ـجاهد‪ ,‬ف ـي قوله‪ :‬أوْ‬
‫ِكسْ َو ُت ُهمْ قال‪ :‬ثوب ثوب‪ .‬قال منصور‪ :‬القميص‪ ,‬أو الرداء‪ ,‬أو الزار‪.‬‬
‫‪ 9792‬ـ حدثنا أبو كريب وهناد‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا وكيع‪ ,‬وحدثنا ابن وكيع‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا أبـي‪ ,‬عن‬
‫إ سرائيـل‪ ,‬عن جابر‪ ,‬عن أب ـي جع فر‪ ,‬ف ـي قوله‪ :‬أوْ كِ سْ َو ُت ُهمْ قال‪ :‬ك سوة الشتاء وال صيف‬
‫ثوب ثوب‪.‬‬
‫‪ 9793‬ـ حدثنا هناد‪ ,‬قال‪ :‬قال حدثنا عمر بن هارون‪ ,‬عن ابن جريج‪ ,‬عن عطاء فـي قوله‪:‬‬
‫ل مسكين‪.‬‬
‫أ ْو ِكسْ َو ُت ُهمْ قال‪ :‬ثوب ثوب لك ّ‬
‫‪ 9794‬ـ حدث نا هناد‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا عبدة بن سلـمان‪ ,‬عن سعيد بن أب ـي عرو بة‪ ,‬عن أب ـي‬
‫معشر‪ ,‬عن إبراهيـم‪ ,‬فـي قوله‪ :‬أ ْو ِكسْ َو ُت ُهمْ قال‪ :‬إذا كساهم ثوبـا ثوبـا أجزأ عنه‪.‬‬
‫‪ 9795‬ـ حدث نا ا بن وك يع‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا إ سحاق بن سلـيـمان الرازي‪ ,‬عن ا بن سنان‪ ,‬عن‬
‫حماد‪ ,‬قال‪ :‬ثوب أو ثوبـان‪ ,‬وثوب ل بدّ منه‪.‬‬
‫‪ 9796‬ـ حدثنا القاسم‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا الـحسين‪ ,‬قال‪ :‬ثنـي حجاج‪ ,‬عن ابن جريج‪ ,‬عن عطاء‬
‫ل إنسان‪ ,‬وقد كانت العبـاءة تقضي يومئذ‬
‫الـخُراسانـي‪ ,‬عن ابن عبـاس قال‪ :‬ثوب ثوب لك ّ‬
‫من الكسوة‪.‬‬
‫حدثنـي الـمثنى‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا عبد ال بن صالـح‪ ,‬عن معاوية بن صالـح‪ ,‬عن علـيّ بن‬
‫شمْلة‪.‬‬
‫أبـي طلـحة‪ ,‬عن ابن عبـاس‪ :‬أ ْو ِكسْ َو ُتهُ ْم قال‪ :‬الكسوة‪ :‬عبـاءة لك ّل مسكين أو َ‬
‫‪ 9797‬ـ حدثنـي الـحرث‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا عبد العزيز‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا إسرائيـل‪ ,‬عن السديّ‪ ,‬عن‬
‫أبـي مالك‪ ,‬قال‪ :‬ثوب‪ ,‬أو قميص‪ ,‬أو رداء‪ ,‬أو إزار‪.‬‬
‫‪ 9798‬ـ حدثنـي مـحمد بن سعد‪ ,‬قال‪ :‬ثنـي أبـي‪ ,‬قال‪ :‬ثنـي عمي‪ ,‬قال‪ :‬ثنـي أبـي‪,‬‬
‫عن أبـيه‪ ,‬عن ابن عبـاس قال‪ :‬إن اختار صاحب الـيـمين الكسوة‪ ,‬كسا عشرة أناسيّ كلّ‬
‫إنسان عبـاءة‪.‬‬
‫‪ 9799‬ـ حدثنـي يونس‪ ,‬قال‪ :‬أخبرنا ابن وهب‪ ,‬قال‪ :‬أخبرنا ابن جريج‪ ,‬قال‪ :‬سمعت عطاء‬
‫يقول فـي قوله‪ :‬أ ْو ِكسْ َو ُت ُهمْ الكسوة‪ :‬ثوب ثوب‪.‬‬
‫وقال بعضهم‪ :‬عنى بذلك‪ :‬الكسوة ثوبـين ثوبـين‪ .‬ذكر من قال ذلك‪:‬‬
‫‪9800‬ـ حدثنا هناد‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا عبـيدة‪ ,‬وحدثنا ابن وكيع‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا أبو معاوية جميعا‪ ,‬عن‬
‫داود بن أبـي هند عن سعيد بن الـمسيب‪ ,‬فـي قوله‪ :‬أ ْو ِكسْ َو ُتهُ ْم قال‪ :‬عبـاءة وعمامة‪.‬‬
‫حدثنـا هناد وأبـو كريـب‪ ,‬قال‪ :‬حدثنـا وكيـع‪ ,‬وحدثنـا ابـن وكيـع‪ ,‬قال‪ :‬حدثنـا أبــي‪ ,‬عـن‬
‫سفـيان‪ ,‬عن داود ا بن أب ـي ه ند‪ ,‬عن سعيد بن ال ـمسيب‪ ,‬قال‪ :‬عما مة ي ـلُفّ ب ها رأ سه‪,‬‬
‫وعبـاءة يـلتـحف بها‪.‬‬
‫‪9801‬ــ حدث نا ابـن وك يع‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا مــحمد بـن ع بد ال النصـاري‪ ,‬عن أشعـث‪ ,‬عن‬
‫الـحسن وابن سيرين‪ ,‬قال‪ :‬ثوبـين ثوبـين‪.‬‬
‫‪9802‬ـ حدثنا ابن وكيع‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا عبد العلـى‪ ,‬عن يونس‪ ,‬عن الـحسن‪ ,‬قال‪ :‬ثوبـين‪.‬‬
‫حدثنا ابن وكيع‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا أبـي‪ ,‬عن سفـيان‪ ,‬عن يونس‪ ,‬عن الـحسن‪ ,‬مثله‪.‬‬
‫حدثنـا أبـو كريـب وهناد‪ ,‬قال‪ :‬حدثنـا وكيـع‪ ,‬عـن سـفـيان‪ ,‬عـن يونـس بـن عبــيد‪ ,‬عـن‬
‫الـحسن‪ ,‬قال‪ :‬ثوبـان ثوبـان لكلّ مسكين‪.‬‬
‫‪ 9803‬ـ حدثنا هناد‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا ابن الـمبـارك‪ ,‬عن عاصم الحول‪ ,‬عن ابن سيرين‪ ,‬عن‬
‫أبـي موسى‪ :‬أنه حلف علـى يـمين‪ ,‬فكسا ثوبـين من ُمعَقّدة البحرين‪.‬‬
‫حدثنا هناد وأبو كريب‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا وكيع‪ ,‬عن يزيد بن إبراهيـم‪ ,‬عن ابن سيرين‪ :‬أن أبـا‬
‫موسى كسا ثوبـين من معقدة البحرين‪.‬‬
‫‪9804‬ـ حدثنا هناد‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا أبو أسامة‪ ,‬عن هشام‪ ,‬عن مـحمد بن عبد العلـى‪ :‬أن أبـا‬
‫موسى الشعري حلف علـى يـمين‪ ,‬فرأى أن يكفّر ففعل‪ ,‬وكسا عشرةً ثوبـين ثوبـين‪.‬‬
‫‪ 9805‬ـ حدثنا ابن وكيع‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا عبد العلـى‪ ,‬عن هشام‪ ,‬عن مـحمد‪ :‬أن أبـا موسى‬
‫حلف علـى يـمين فكفّر‪ ,‬فكسا عشرة مساكين ثوبـين ثوبـين‪.‬‬
‫حدثنا أبو كريب‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا هشيـم‪ ,‬عن داود بن أبـي هند‪ ,‬عن سعيد بن الـمسيب‪ ,‬قال‪:‬‬
‫عبـاءة وعمامة لكل مسكين‪.‬‬
‫‪9806‬ـ حدثنا أبو كريب‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا هشيـم‪ ,‬عن جويبر‪ ,‬عن الضحاك‪ ,‬مثله‪.‬‬
‫‪ 9807‬ـ حدثن ـي يعقوب‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا ا بن عل ـية‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا داود بن أب ـي ه ند‪ ,‬قال‪ :‬قال‬
‫رجل عند سعيد بن الـمسيب‪« :‬أو كأُ سْوَتهم» فقال سعيد‪ :‬ل إنـما هي‪« :‬أو كسوتهم»‪ .‬قال‪:‬‬
‫فقلت‪ :‬يا أبـا مـحمد ما كسوتهم؟ قال‪ :‬لكلّ مسكين عبـاءة وعمامة‪ ,‬عبـاءة يـلتـحف بها‪,‬‬
‫وعمامة يشدّ بها رأسه‪.‬‬
‫‪ 9808‬ـ حُدثت عن الـحسين بن الفرج‪ ,‬قال‪ :‬سمعت أبـا معاذ الفضل بن خالد‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا‬
‫ِسـ َو ُت ُهمْ قال‪ :‬الكسـوة لكلّ‬
‫عبــيد بـن سـلـمان‪ ,‬قال‪ :‬سـمعت الضحاك يقول فــي قوله‪ :‬أوْ ك ْ‬
‫مسكين‪ :‬رداء وإزار‪ ,‬كنـحو ما يجد من الـميسرة والفـاقة‪.‬‬
‫وقال آخرون‪ :‬بـل عَنَى بذلك‪ :‬كسـوتهم‪ :‬ثوب جامـع‪ ,‬كالــملـحفة والكسـاء والشيـء الذي‬
‫يصلـح للبس والنوم‪ .‬ذكر من قال ذلك‪:‬‬
‫‪9809‬ــ حدثنـا هناد بـن السـريّ‪ ,‬قال‪ :‬حدثنـا أبـو الحوص‪ ,‬عـن مغيرة‪ ,‬عـن حماد‪ ,‬عـن‬
‫إبراهيـم‪ ,‬قال‪ :‬الكسوة‪ :‬ثوب جامع‪.‬‬
‫‪ 9810‬ـ حدث نا هناد وا بن وك يع قال‪ :‬حدث نا ا بن فضي ـل‪ ,‬عن مغيرة‪ ,‬عن إبراهي ـم‪ ,‬ف ـي‬
‫قوله‪ :‬أوْ كِ سْ َو ُت ُهمْ قال‪ :‬ثوب جامع‪ .‬قال‪ :‬وقال مغيرة‪ :‬والثوب الـجامع الـمِلـحفة أو الكساء‬
‫أو نـحوه‪ ,‬ول نرى الدرع والقميص والـخِمار ونـحوه جامعا‪.‬‬
‫حدث نا ا بن وك يع‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا أب ـي‪ ,‬عن سفـيان‪ ,‬عن مغيرة‪ ,‬عن إبراهي ـم‪ ,‬قال‪ :‬ثوب‬
‫جامع‪.‬‬
‫حدثنا ابن وكيع‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا ابن إدريس‪ ,‬عن أبـيه‪ ,‬عن مغيرة‪ ,‬عن إبراهيـم‪ ,‬قال‪ :‬ثوب‬
‫جامع‪.‬‬
‫حدث نا أ بو كر يب‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا هشي ـم‪ ,‬عن مغيرة‪ ,‬عن إبراهي ـم‪ :‬أ ْو كِ سْ َو ُت ُهمْ قال‪ :‬ثوب‬
‫جامع لكلّ مسكين‪.‬‬
‫حدثنا ابن بشار‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا عبد الرحمن‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا سفـيان وشعبة‪ ,‬عن الـمغيرة‪ ,‬عن‬
‫إبراهيـم فـي قوله‪ :‬أ ْو ِكسْ َو ُت ُهمْ قال‪ :‬ثوب جامع‪.‬‬
‫‪9811‬ـ حدثنا ابن الـمثنى‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا ابن أبـي عديّ‪ ,‬عن شعبة‪ ,‬عن الـمغيرة‪ ,‬مثله‪.‬‬
‫وقال آخرون‪ :‬عنى بذلك كسوة إزار ورداء وقميص‪ .‬ذكر من قال ذلك‪:‬‬
‫‪ 9812‬ـ حدثنا ابن وكيع‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا عبد العلـى‪ ,‬عن بردة‪ ,‬عن نافع‪ ,‬عن ابن عمر‪ ,‬قال‬
‫فـي الكسوة فـي الكفّـارة‪ :‬إزار‪ ,‬ورداء‪ ,‬وقميص‪.‬‬
‫وقال آخرون‪ :‬كل ما كسا فـيجزي‪ ,‬والَية علـى عمومها‪ .‬ذكر من قال ذلك‪:‬‬
‫‪ 9813‬ـ حدثنا هناد‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا عبد السلم بن حرب‪ ,‬عن لـيث‪ ,‬عن مـجاهد‪ ,‬قال‪ :‬يجزي‬
‫فـي كفّـارة الـيـمين ك ّل شيء إلّ ال ّتبّـان‪.‬‬
‫‪ 9814‬ـ حدثنا هناد وأبو كريب‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا وكيع‪ ,‬وحدثنا ابن وكيع‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا أبـي‪ ,‬عن‬
‫سفـيان‪ ,‬عن أشعث‪ ,‬عن الـحسن‪ ,‬قال‪ :‬يجزىء عمامة فـي كفّـارة الـيـمين‪.‬‬
‫‪ 9815‬ـ حدثنا أبو كريب‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا وكيع‪ ,‬وحدثنا ابن وكيع‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا أبـي‪ ,‬عن أويس‬
‫الصيرفـي‪ ,‬عن أبـي الهيثم‪ ,‬قال‪ :‬قال سلـمان‪ :‬نعم الثوب ال ّتبّـان‪.‬‬
‫‪ 9816‬ـ حدثنـي الـحرث‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا عبد العزيز‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا سفـيان‪ ,‬عن الشيبـانـي‪,‬‬
‫عن الـحكم‪ ,‬قال‪ :‬عمامة يـلفّ بها رأسه‪.‬‬
‫وأول ـى القوال ف ـي ذلك عند نا ب ـالصحة وأشبه ها بتأوي ـل القرآن قول من قال‪ :‬ع نى‬
‫بقوله‪ :‬أ ْو كِ سْ َو ُت ُهمْ‪ :‬ما وقع علـيه اسم كسوة مـما يكون ثوبـا فصاعدا‪ ,‬لن ما دون الثوب‬
‫ل خلف بـين جميع الـحجة أنه لـيس مـما دخـل فـي حكم الَية‪ ,‬فكان ما دون قدر ذلك‬
‫خارجا من أن يكون ال تعالـى عناه بـالنقل الـمستفـيض‪ ,‬والثوب وما فوقه داخـل فـي‬
‫حكم الَية‪ ,‬إذ لـم يأت من ال تعالـى وحي ول من رسوله صلى ال عليه وسلم خبر ولـم‬
‫يكن من المة إجماع بأنه غير داخـل فـي حكمها‪ ,‬وغير جائز إخراج ما كان ظاهر الَية‬
‫مـحتـمله من حكم الَية إلّ بحجة يجب التسلـيـم لها‪ ,‬ول حجة بذلك‪.‬‬
‫القول فـي تأويـل قوله تعالـى‪ :‬أ ْو تَـحْرِيرُ رَ َقبَةٍ‪.‬‬
‫يعنـي تعالـى ذكره بذلك‪ :‬أو ف كّ عبد من أسر العبودة وذلها‪ .‬وأصل التـحرير‪ :‬الف كّ من‬
‫السر‪ ,‬ومنه قول الفرزدق بن غالب‪:‬‬
‫ن جِعالِ‬
‫طيّ َة ب ِ‬
‫غدَانَ َة إ ّننِـي حَ ّر ْر ُت ُكمْفوَ َه ْب ُتكُ ْم لعَ ِ‬
‫أ َبنِـي ُ‬
‫يعن ـي بقوله‪« :‬حررت كم»‪ :‬فك كت رقاب كم من ذلّ الهجاء ولزوم العار‪ .‬وق ـيـل‪ :‬ت ـحرير‬
‫رق بة‪ ,‬وال ـمـحرّر صاحب الرق بة‪ ,‬لن العرب كان من شأن ها إذا أ سرت أ سيرا أن ت ـجمع‬
‫يديه إلـى عنقه بقـيد أو حبل أو غير ذلك‪ ,‬وإذا أطلقته من السر أطلقت يديه وحلتهما مـما‬
‫كانتا به مشدودتـين إلـى الرقبة‪ .‬فجرى الكلم عند إطلقهم السير‪ ,‬بـالـخبر عن فكّ يديه‬
‫عن رقبته‪ ,‬وهم يريدون الـخبر عن إطلقه من أسره‪ ,‬كما يقال‪ :‬قبض فلن يده عن فلن‪ :‬إذا‬
‫أمسك يده عن نواله وبسط فـيه لسانه‪ :‬إذا قال فـيه سوءا‪ ,‬فـيضاف الفعل إلـى الـجارحة‬
‫التـي يكون بها ذلك الفعل دون فـاعله‪ ,‬لستعمال الناس ذلك بـينهم وعلـمهم بـمعنى ذلك‬
‫حرِيرُ َر َقبَةٍ أضيف التـحرير إلـى الرقبة وإن‬
‫فكذلك ذلك فـي قول ال تعالـى ذكره‪ :‬أ ْو تَـ ْ‬
‫لـم يكن هناك غلّ فـي رقبته ول شدّ يد إلـيها‪ ,‬وكان الـمراد بـالتـحرير نفس العبد بـما‬
‫جرّى استعمال الناس ذلك بـينهم لـمعرفتهم بـمعناه‪.‬‬
‫وصفنا من َ‬
‫ل رق بة كا نت‬
‫فإن قال قائل‪ :‬أف كل الرقاب معنىّ بذلك أو بعض ها؟ ق ـيـل‪ :‬بل معنىّ بذلك ك ّ‬
‫سـلـيـمة مـن القعاد والعمـى والــخرس وقطـع الــيدين أو شللهمـا والــجنون الــمطبق‪,‬‬
‫ونظائر ذلك‪ ,‬فإن من كان به ذلك أو ش يء م نه من الرقاب‪ ,‬فل خلف ب ـين ال ـجميع من‬
‫ال ـحجة أ نه ل يجزي ف ـي كفّ ـارة ال ـيـمين‪ .‬فكان معلو ما بذلك أن ال تعال ـى ذكره ل ـم‬
‫يعنـه بــالتـحرير فــي هذه الَيـة‪ .‬فأمـا الصـغير والكبــير والــمسلـم والكافـر‪ ,‬فإنهـم‬
‫معنـيون به‪.‬‬
‫وبنـحو الذي قلنا فـي ذلك قال جماعة من أهل العلـم‪ .‬ذكر من قال ذلك‪:‬‬
‫‪ 9817‬ـ حدثنا هناد‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا مغيرة‪ ,‬عن إبراهيـم‪ ,‬أنه كان يقول‪ :‬من كانت علـيه رقبة‬
‫واج بة‪ ,‬ف ـاشترى نَ سَمة‪ ,‬قال‪ :‬إذا أنقذ ها من ع مل أجزأ ته‪ ,‬ول يجوز ع تق من ل يع مل فأ ما‬
‫الذي يعمل‪ ,‬كالعور ونـحوه‪ .‬وأما الذي ل يعمل فل يجزي كالعمى والـمقعد‪.‬‬
‫‪ 9818‬ـ حدث نا هناد‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا هشي ـم‪ ,‬عن يو نس‪ ,‬عن ال ـحسن‪ ,‬قال‪ :‬كان يكره ع تق‬
‫الـمخبّل فـي شيء من الكفـارات‪.‬‬
‫‪ 9819‬ـ حدث نا هناد‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا هشي ـم‪ ,‬عن مغيرة‪ ,‬عن إبراهي ـم‪ :‬أ نه كان ل يرى ع تق‬
‫الـمغلوب علـى عقله يجزىء فـي شيء من الكفـارات‪.‬‬
‫ل صحيح‪ ,‬ويجزىء ال صغير ف ـيها‪.‬‬
‫وقال بعض هم‪ :‬ل يجزىء ف ـي الكفّ ـارة من الرقاب إ ّ‬
‫ذكر من قال ذلك‪:‬‬
‫‪ 9820‬ـ حدث نا هناد‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا وك يع‪ ,‬عن سفـيان‪ ,‬عن ا بن جر يج‪ ,‬عن عطاء‪ ,‬قال‪ :‬ل‬
‫يجزىء فـي الرقبة إلّ صحيح‪.‬‬
‫‪9821‬ـ حدثنا هناد‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا وكيع‪ ,‬عن سفـيان‪ ,‬عن ابن جريج‪ ,‬عن عطاء‪ ,‬قال‪ :‬يجزىء‬
‫الـمولود فـي السلم من رقبة‪.‬‬
‫‪ 9822‬ـ حدثنا أبو كريب‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا وكيع‪ ,‬عن العمش‪ ,‬عن إبراهيـم‪ ,‬قال‪ :‬ما كان فـي‬
‫ل مـا صـام وصـلّـى‪ ,‬ومـا كان لــيس بــمؤمنة‬
‫القرآن مـن رقبـة مؤمنـة‪ .‬فل يجزىء إ ّ‬
‫فـالصبـيّ يجزىء‪.‬‬
‫وقال بعضهم‪ :‬ل يقال للـمولود رقبة إلّ بعد مدّة تأتـي علـيه‪ .‬ذكر من قال ذلك‪:‬‬
‫‪ 9823‬ـ حدثنـي مـحمد بن يزيد الرفـاعي‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا يحيى بن زكريا بن أبـي زائدة‪,‬‬
‫عن م ـحمد بن شع يب بن شابور‪ ,‬عن النعمان بن ال ـمنذر‪ ,‬عن سلـيـمان‪ ,‬قال‪ :‬إذا وُلد‬
‫الصبـيّ فهو نسمة‪ ,‬وإذا انقلب ظهرا لبطن فهو رقبة‪ ,‬وإذا صلّـى فهو مؤمنة‪.‬‬
‫ل رقبة‪ ,‬فأيّ‬
‫والصواب من القول فـي ذلك عندنا أن يقال‪ :‬إن ال تعالـى ع ّم بذكر الرقبة ك ّ‬
‫رق بة حرّر ها ال ـمكفر ي ـمينه ف ـي كفّ ـارته ف قد أدّى ما كلف‪ ,‬إلّ ما ذكر نا أن ال ـحجة‬
‫مـجمعة علـى أن ال تعالـى لـم يعنه بـالتـحرير‪ ,‬فذلك خارج من حكم الَية‪ ,‬وما عدا‬
‫ذلك فجائز تـحريره فـي الكفـار بظاهر التنزيـل‪ .‬والـمكفّر مخير فـي تكفـير يـمينه‬
‫الت ـي ح نث ف ـيها بإحدى هذه ال ـحالت الثلث الت ـي سماها ال ف ـي كتا به‪ ,‬وذلك‪ :‬إطعام‬
‫عشرة مساكين من أوسط ما يطعم أهله‪ ,‬أو كسوتهم‪ ,‬أو تـحرير رقبة‪ ,‬بإجماع من الـجميع‬
‫ن أن ما قلنا من أن ذلك إجماع من الـجميع لـيس‬
‫ن ظا ّ‬
‫ل خلف بـينهم فـي ذلك‪ .‬فإن ظ ّ‬
‫كما قلنا لِـمَا‪:‬‬
‫‪ 9824‬ـ حدثنا مـحمد بن عبد الـملك بن أبـي الشوارب‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا عبد الواحد بن زياد‪,‬‬
‫قال‪ :‬حدث نا سلـيـمان الشيب ـانـي‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا أ بو الض حى‪ ,‬عن م سروق‪ ,‬قال‪ :‬جاء نعمان‬
‫بن مقرّن إل ـى ع بد ال‪ ,‬فقال‪ :‬إن ـي آل ـيت من الن ساء والفراش فقرأ ع بد ال هذه الَ ية‪ :‬ل‬
‫ن قال‪ :‬فقال نعمان‪:‬‬
‫ل اللّ ُه َلكُ مْ وَل َت ْع َتدُوا إ نّ الّل هَ ل ُيحِ بّ ال ـ ُم ْع َتدِي َ‬
‫تُ ـحَ ّرمُوا طَيّب ـاتِ ما أحَ ّ‬
‫إنـما سألتك لكونـي أتـيت علـى هذه الَية‪ .‬فقال عبد ال‪ :‬ائت النساء ونـم وأعتق رقبة‪,‬‬
‫فإنك موسر‪.‬‬
‫حدثن ـي يو نس‪ ,‬أخبر نا ا بن و هب‪ ,‬قال‪ :‬ثن ـي جر ير بن حازم أن سلـيـمان الع مش‬
‫حدثه عن إبراهيـم بن يزيد النـخعي‪ ,‬عن همام بن الـحرث‪ :‬أن نعمان بن مقرّن سأل عبد‬
‫ال بن مسعود‪ ,‬فقال‪ :‬إنـي حلفت أن ل أنام علـى فراشي سنة فقال ابن مسعود‪ :‬يا أ ّيهَا اّلذِينَ‬
‫طيّبـاتِ ما أحَلّ الّل هُ َلكُ مْ كفّر عن يـمينك ونـم علـى فراشك قال‪ :‬بـم‬
‫آ َمنُوا ل تُـحَ ّرمُوا َ‬
‫أكفر عن يـمينـي؟ قال‪ :‬أعتق رقبة فإنك موسر‪.‬‬
‫ون ـحو هذا من الخب ـار الت ـي رو يت عن ا بن م سعود وا بن ع مر وغيره ما‪ ,‬فإن ذلك‬
‫منهك كان علـى وجه الستـحبـاب لـمن أمروه بـالتكفـير بـما أمروه بـالتكفـير به‬
‫ل ب ـالرقبة‪ ,‬ل نه ل ـم‬
‫من الرقاب‪ ,‬ل عل ـى أ نه كان ل يجزى عند هم التكف ـير لل ـموسر إ ّ‬
‫ل ب ـالرقبة‪ .‬وال ـجميع من‬
‫ين قل أ حد عن أ حد من هم أ نه قال‪ :‬ل يجزى ال ـموسرَ التكف ـيرُ إ ّ‬
‫علــماء المصـار قديــمهم وحديثهـم مــجمعون علــى أن التكفــير بغيـر الرقاب جائز‬
‫للـموسر‪ ,‬ففـي ذلك مكتفـىً عن الستشهاد علـى صحة ما قلنا فـي ذلك بغيره‪.‬‬
‫جدْ َفصِيامُ ثَلث ٍة أيّامٍ‪.‬‬
‫القول فـي تأويـل قوله تعالـى‪َ :‬فمَنْ لَـمْ ي ِ‬
‫يقول تعالــى ذكره‪ :‬فمـن لــم يجـد لكفــارة يــمينه التــي لزمـه تكفــيرها مـن الطعام‬
‫والكسوة والرقاب ما يكفرها به علـى ما فرضنا علـيه وأوجبناه فـي كتابنا وعلـى لسان‬
‫رسولنا مـحمد صلى ال عليه وسلم َفصِيَامُ ثَلثَ ِة أيّامٍ يقول‪ :‬فعلـيه صيام ثلثة أيام‪.‬‬
‫جدْ ومت ـى ي ستـحقّ ال ـحانث ف ـي‬
‫ثم اختلف أ هل العل ـم ف ـي مع نى قوله‪َ :‬فمَ نْ لَ ـمْ َي ِ‬
‫يـمينه الذي قد لزمته الكفـارة اسم غير واجد حتـى يكون مـمن له الصيام فـي ذلك؟ فقال‬
‫بعض هم‪ :‬إذا ل ـم ي كن لل ـحانث ف ـي و قت تكف ـيره عن ي ـمينه إلّ قدر قو ته وقوت عياله‬
‫يو مه ول ـيـلته فإن له أن يكفّر ب ـالصيام‪ ,‬فإن كان عنده ف ـي ذلك الوقت قو ته وقوت عياله‬
‫يومه ولـيـلته ومن الفضل ما يطعم عشرة مساكين أو ما يكسوهم‪ ,‬لزمه التكفـير بـالطعام‬
‫أو الكسوة ولـم يجزه الصيام حينئذٍ ومـمن قال ذلك الشافعي‪ .‬حدثنا بذلك عنه الربـيع‪.‬‬
‫َنـ أوجـب الطعام علــى مـن كان عنده درهمان مـن أوجبـه‬
‫َصـدَ إن شاء ال م ْ‬
‫وهذا القول ق َ‬
‫علـى من عنده ثلثة دراهم‪ .‬وبنـحو ذلك‪:‬‬
‫‪ 9825‬ـ حدثنا هناد‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا ابن الـمبـارك‪ ,‬عن حماد بن سلـمة‪ ,‬عن عبد الكري ـم‪,‬‬
‫ل ثلثـة دراهـم أطعـم‪ .‬قال‪ :‬يعنــي فــي‬
‫عـن سـعيد ابـن جبــير‪ ,‬قال‪ :‬إذا لــم يكـن له إ ّ‬
‫الكفـارة‪.‬‬
‫‪ 9826‬ـ حدثنا القاسم‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا الـحسين‪ ,‬قال‪ :‬ثنـي معتـمر بن سلـيـمان‪ ,‬قال‪ :‬قلت‬
‫لع مر بن را شد‪ :‬الر جل يحلف‪ ,‬ول يكون عنده من الطعام إلّ بقدر ما يكفّر؟ قال‪ :‬كان قتادة‬
‫يقول‪ :‬يصوم ثلثة أيام‪.‬‬
‫‪ 9827‬ـ حدث نا القا سم‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا ال ـحسين‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا ال ـمعتـمر بن سلـيـمان‪ ,‬قال‪:‬‬
‫حدثنا يونس بن عبـيد‪ ,‬عن الـحسن قال‪ :‬إذا كان عنده درهمان‪.‬‬
‫‪9828‬ـ حدثنا القاسم‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا الـحسين‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا معتـمر‪ ,‬عن حماد‪ ,‬عن عبد الكريـم‬
‫بن أبـي أمية‪ ,‬عن سعيد بن جبـير‪ ,‬قال‪ :‬ثلثة دراهم‪.‬‬
‫وقال آخرون‪ :‬جائز لـمن لـم يكن عنده مِئتا درهم أن يصوم وهو مـمن ل يجد‪.‬‬
‫وقال آخرون‪ :‬جائز ل ـمن ل ـم ي كن عنده ف ضل عن رأس ماله يت صرّف به ل ـمعاشه ما‬
‫يكفّر به ب ـالطعام أن ي صوم‪ ,‬إلّ أن يكون له كف ـاية من ال ـمال ما يت صرّف به ل ـمعاشه‬
‫ومن الفضل عن ذلك ما يكفّر به عن يـمينه‪ .‬وهذا قول كان يقوله بعض متأخري الـمتفقهة‪.‬‬
‫والصواب من القول فـي ذلك عندنا‪ ,‬أن من لـم يكن عنده فـي حال حنثه فـي يـمينه‬
‫إلّ قدر قوته وقوت عياله يومه ولـيـلته ل فضل له عن ذلك‪ ,‬يصوم ثلثة أيام‪ ,‬وهو مـمن‬
‫دخـل فـي جملة من ل يجد ما يطعم أو يكسو أو يعتق‪ .‬وإن كان عنده فـي ذلك الوقت من‬
‫الفضل عن قوته وقوت عياله يومه ولـيـلته ما يطعم أو يكسو عشرة مساكين أو يُعتق رقبة‪,‬‬
‫ق قد‬
‫فل يجزيه حينئ ٍذ الصوم لن إحدى الـحالت الثلث حينئ ٍذ من إطعام أو كسوة أو عتق ح ّ‬
‫أوج به ال تعال ـى ف ـي ماله وجوب الد ين‪ ,‬و قد قا مت ال ـحجة بأن ال ـمفلس إذا فر قّ ماله‬
‫بـين غرمائه أنه ل يترك ذلك الـيوم إلّ ما ل بدّ له من قوته وقوت عياله يومه ولـيـلته‪,‬‬
‫فكذلك حكم الـمعدم بـالدين الذي أوجبه ال تعالـى فـي ماله بسبب الكفّـارة التـي لزمت‬
‫ماله‪.‬‬
‫واختلف أهل العلـم فـي صفة الصوم الذي أوجبه ال فـي كفـارة الـيـمين‪ ,‬فقال بعضهم‪:‬‬
‫صفته أن يكون مواصلً بـين اليام الثلثة غير مفرّقها‪ .‬ذكر من قال ذلك‪:‬‬
‫‪ 9829‬ـ حدثنا مـحمد بن العلء‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا وكيع‪ ,‬عن سفـيان‪ ,‬عن لـيث‪ ,‬عن مـجاهد‪,‬‬
‫ل قضاء رمضان‪ ,‬فإنه عدّة من أيام أخر‪.‬‬
‫ل صوم فـي القرآن فهو متتابع إ ّ‬
‫قال‪ :‬ك ّ‬
‫‪ 9830‬ـ حدثنا أبو كريب وهناد‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا وكيع‪ ,‬وحدثنا ابن وكيع‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا أبـي‪ ,‬عن‬
‫أبــي جعفـر‪ ,‬عـن الربــيع بـن أنـس‪ ,‬قال‪ :‬كان أبــيّ بـن كعـب يقرأ‪« :‬فصـيام ثلثـة أيام‬
‫متتابعات»‪.‬‬
‫حدثنا عبد العلـى بن واصل السديّ‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا عبـيد ال بن موسى‪ ,‬عن أبـي جعفر‬
‫الرازي‪ ,‬عن الرب ـيع ا بن أ نس‪ ,‬عن أب ـي العال ـية‪ ,‬عن أب ـيّ بن ك عب‪ ,‬أ نه كان يقرأ‪:‬‬
‫«فصيام ثلثة أيام متتابعات»‪.‬‬
‫‪ 9831‬ـ حدث نا ا بن وك يع‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا يز يد بن هارون‪ ,‬عن قز عة بن سويد‪ ,‬عن سيف بن‬
‫سلـيـمان‪ ,‬عن مـجاهد‪ ,‬قال‪ :‬فـي قراءة عبد ال‪« :‬فصيام ثلثة أيام متتابعات»‪.‬‬
‫‪ 9832‬ـ حدثنا هناد‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا ا بن الـمبـارك‪ ,‬عن ا بن عون‪ ,‬عن إبراهي ـم‪ ,‬قال‪ :‬ف ـي‬
‫قراءتنا‪َ « :‬فصِيامُ ثَلثَةِ أيّامٍ ُم َتتَابِعاتٍ»‪.‬‬
‫حدثنا ابن وكيع‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا ابن علـية‪ ,‬عن ابن عون‪ ,‬عن إبراهيـم‪ ,‬مثله‪.‬‬
‫‪ 9833‬ـ حدثنا ابن وكيع‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا جرير‪ ,‬عن مغيرة‪ ,‬عن إبراهيـم‪ :‬فـي قراءة أصحاب‬
‫عبد ال‪« :‬فصيام ثلثة أيام متتابعات»‪.‬‬
‫‪ 9834‬ـ حدثنا هناد وأبو كريب‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا وكيع‪ ,‬عن سفـيان‪ ,‬عن جابر‪ ,‬عن عامر‪ ,‬قال‪:‬‬
‫فـي قراءة عبد ال‪« :‬فصيام ثلثة أيام متتابعات»‪.‬‬
‫‪ 9835‬ـ حدثنا ابن وكيع‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا مـحمد بن حميد‪ ,‬عن معمر‪ ,‬عن أبـي إسحاق‪ :‬فـي‬
‫قراءة عبد ال‪« :‬فصيام ثلثة أيام متتابعات»‪.‬‬
‫‪ 9836‬ـ حدثنا ابن وكيع‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا مـحمد بن حميد‪ ,‬عن معمر‪ ,‬عن العمش‪ ,‬قال‪ :‬كان‬
‫أصحاب عبد ال يقرءون‪« :‬فصيام ثلثة أيام متتابعات»‪.‬‬
‫‪9837‬ـ حدثنا أبو كريب‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا وكيع‪ ,‬قال‪ :‬سمعت سفـيان‪ ,‬يقول‪ :‬إذا فرّق صيام ثلثة‬
‫أيام ل ـم يجزه‪ .‬قال‪ :‬و سمعته يقول ف ـي ر جل صام ف ـي كف ـارة ي ـمين ثم أف طر‪ ,‬قال‪:‬‬
‫يستقبل الصوم‪.‬‬
‫‪ 9838‬ـ حدث نا ب شر بن معاذ‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا جا مع بن حماد‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا يز يد بن زر يع‪ ,‬قال‪:‬‬
‫حدث نا سعيد‪ ,‬عن قتادة‪ ,‬قوله‪ :‬فَ صِيامُ ثَلثَةِ أيّا مٍ قال‪ :‬إذا ل ـم ي جد طعا ما وكان ف ـي ب عض‬
‫القراءة‪« :‬فصيام ثلثة أيام متتابعات»‪ .‬وبه كان بأخذ قتادة‪.‬‬
‫‪ 9839‬ـ حدثنـي الـمثنى‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا عبد ال بن صالـح‪ ,‬قال‪ :‬ثنـي معاوية بن صالـح‪,‬‬
‫عن عل ـيّ بن أب ـي طل ـحة‪ ,‬عن ا بن عب ـاس‪ ,‬قال‪ :‬هو ب ـالـخيار ف ـي هؤلء الثل ثة‬
‫الوّل فـالوّل‪ ,‬فإن لـم يجد من ذلك شيئا فصيام ثلثة أيام متتابعات‪.‬‬
‫ن أن ي صومهنّ ك يف شاء م ـجتـمعات ومفترقات‪ .‬ذ كر‬
‫وقال آخرون‪ :‬جائز ل ـمن صامه ّ‬
‫من قال ذلك‪:‬‬
‫ل ما ذكر ال فـي القرآن من‬
‫‪9840‬ـ حدثنـي يونس‪ ,‬قال‪ :‬أخبرنا أشهب‪ ,‬قال‪ :‬قال مالك‪ :‬ك ّ‬
‫الصيام‪ ,‬فأن يصام تبـاعا أعجب‪ ,‬فإن فرّقها رجوت أن تـجزي عنه‪.‬‬
‫والصـواب مـن القول فــي ذلك عندنـا أن يقال‪ :‬إن ال تعالــى أوجـب علــى مـن لزمتـه‬
‫كفــارة يــمين إذا لــم يجـد إلــى تكفــيرها بــالطعام أو الكسـوة أو العتـق سـبـيلً‪ ,‬أن‬
‫يكفّرهـا بصـيام ثلثـة أيام‪ ,‬ول ـم يشرط فــي ذلك متتابعـة‪ ,‬فكيف ما صـامهنّ ال ـمكفّر مفرّ قة‬
‫ومتتابعة أجزأه لن ال تعالـى إنـما أوجب علـيه صيام ثلثة أيام‪ ,‬فكيفما أتـى بصومهنّ‬
‫أجزأ‪ .‬فأما ما رُوي عن أبـيّ وابن مسعود من قراءتهما «فصيام ثلثة أيام متتابعات» فذلك‬
‫خلف ما فـي مصاحفنا‪ ,‬وغير جائز لنا أن نشهد بشيء لـيس فـي مصاحفنا من الكلم أنه‬
‫من كتاب ال‪ .‬غير أنـي أختار للصائم فـي كفّـارة الـيـمين أن يتابع بـين اليام الثلثة‬
‫ول يفرّق‪ ,‬ل نه ل خلف ب ـين ال ـجميع أ نه إذا ف عل ذلك ف قد أجزأ ذلك ع نه من كفّ ـارته‪.‬‬
‫ب إل ـيّ وإن كان الَ خر‬
‫و هم ف ـي غ ير ذلك مختلفون‪ ,‬فف عل ما ل يختلف ف ـي جوازه أح ّ‬
‫جائزا‪.‬‬
‫القول فــي تأويــل قوله تعالــى‪ :‬ذَلِكَـ كَفّــارَةُ أيــمَا ِنكُمْ إذَا حَلَ ْفتُــمْ وَاحْ َفظُوا أيــمَا َن ُكمْ‬
‫شكُرُونَ‪.‬‬
‫ن اللّ ُه َل ُكمْ آياتِ ِه َلعَّل ُكمْ َت ْ‬
‫كذَِلكَ ُيبَـيّ ُ‬
‫ِكـ هذا الذي ذكرت لكـم أنـه كَفّــارَ ُة أيــمانِ ُكمْ مـن إطعام‬
‫يعنــي تعالــى ذكره بقوله‪ :‬ذَل َ‬
‫العشرة ال ـمساكين أو ك سوتهم أو ت ـحرير الرق بة‪ ,‬و صيام الثل ثة اليام إذا ل ـم ت ـجدوا من‬
‫ذلك شيئا هـو كفــارة أيــمانكم التــي عقدتــموها إذَا حَلَ ْفتُــمْ وَاحْ َفظُوا أيهـا الذيـن آمنوا‬
‫ن اللّ هُ‬
‫أيـمَا َنكُمْ أن تـحنثوا فـيها ثم تضيعوا الكفـارة فـيها بـما وصفته لكم‪َ .‬كذَلِ كَ ُيبَـيّ ُ‬
‫َلكُ مْ آياتِ ِه ك ما ب ـين ل كم كف ـارة أي ـمانكم‪ ,‬كذلك يب ـين ال ل كم جم يع آيا ته‪ ,‬يعن ـي‪ :‬أعلم‬
‫دينه‪ ,‬فـيوضحها لكم‪ ,‬لئل يقول الـمضيع الـمفرّط فـيـما ألزمه ال‪ :‬لـم أعلـم حكم ال‬
‫ن يقول‪ :‬لتشكروا ال علـى هدايته إياكم وتوفـيقه لكم‪.‬‬
‫فـي ذلك‪َ .‬لعَّلكُ ْم َتشْ ُكرُو َ‬

‫‪90‬‬ ‫الية ‪:‬‬


‫خ ْمرُ وَا ْل َميْ سِرُ وَالن صَابُ‬
‫{يَ ـَأيّهَا اّلذِي نَ آ َمنُواْ ِإنّمَا ا ْل َ‬ ‫القول ف ـي تأوي ـل قوله تعال ـى‪:‬‬
‫ن }‪..‬‬
‫ج َت ِنبُو ُه َلعَّلكُ ْم تُفِْلحُو َ‬
‫ش ْيطَانِ فَا ْ‬
‫عمَلِ ال ّ‬
‫لمُ ِرجْسٌ مّنْ َ‬
‫وَال ْز َ‬
‫وهذا ب ـيان من ال تعال ـى ذكره للذ ين حرّموا عل ـى أنف سهم الن ساء والنوم والل ـحم من‬
‫أ صحاب النب ـيّ صلى ال عل يه و سلم تشب ها من هم ب ـالقسيسين والرهب ـان‪ ,‬فأنزل ال ف ـيهم‬
‫ح ّرمُوا‬
‫ن آ َمنُوا ل تُـ َ‬
‫علـى نبـيه صلى ال عليه وسلم كتابه ينهاهم عن ذلك‪ ,‬فقال‪ :‬يا أيّها اّلذِي َ‬
‫ل اللّ ُه َلكُ مْ فنهاهم بذلك عن تـحريـم ما أحلّ ال لهم من الطيبـات‪ .‬ثم قال‪:‬‬
‫طيّبـاتِ ما أحَ ّ‬
‫َ‬
‫ول تعتدوا أيضا فـي حدودي‪ ,‬فتـحلوا ما حرّمت علـيكم‪ ,‬فإن ذلك لكم غير جائز كما غير‬
‫ب الـمعتدين‪ .‬ثم أخبرهم عن الذي حرّم علـيهم‬
‫جائز لكم تـحريـم ما حللت‪ ,‬وإنـي ل أح ّ‬
‫مـما إذا استـحلوه‪ ,‬وتقدّموا علـيه كانوا من الـمعتدين فـي حدوده‪ ,‬فقال لهم‪ :‬يا أيها الذين‬
‫صدّقوا ال ور سوله‪ ,‬إن ال ـخمر الت ـي تشربون ها وال ـميسر الذي تت ـياسرونه والن صاب‬
‫التـي تذبحون عندها والزلم التـي تستقسمون بها ِرجْسٌ يقول‪ :‬إثم و َنتْن‪ ,‬سخِطه ال وكرهه‬
‫جزُر‪ ,‬وذبح كم للن صاب‪,‬‬
‫ن يقول‪ :‬شرب كم ال ـخمر‪ ,‬وقمار كم عل ـى ال ـ ُ‬
‫شيْطَا ِ‬
‫ل ال ّ‬
‫عمَ ِ‬
‫ل كم ِم نْ َ‬
‫واستقسامكم بـالزلم من تزيـين الشيطان لكم‪ ,‬ودعائه إياكم إلـيه‪ ,‬وتـحسينه لكم‪ ,‬ل من‬
‫العمال التــي ندبكـم إلــيها ربكـم‪ ,‬ول مــما يرضاه لكـم‪ ,‬بـل هـو مــما يسـخطه لكـم‪.‬‬
‫ف ـاجْ َت ِنبُوهُ يقول‪ :‬ف ـاتركوه وارفضوه‪ ,‬ول تعل ـموه‪َ .‬لعَّلكُ مْ تُفْلِ ـحُونَ يقول‪ :‬ل كي تن ـجحوا‬
‫فتدركوا الفلح عند ربكم‪ ,‬بترككم ذلك‪ .‬وقد بـينا معنى الـخمر والـميسر والزلم فـيـما‬
‫م ضى فكره نا إعاد ته‪ .‬وأ ما الن صاب‪ ,‬فإن ها ج مع ن صب‪ ,‬و قد ب ـينا مع نى الن صب بشواهده‬
‫فـيـما مضى‪.‬‬
‫ورُوِي عن ابن عبـاس فـي معنى الرجس فـي هذا الـموضع‪ ,‬ما‪:‬‬
‫‪ 9841‬ـ حدثن ـي به ال ـمثنى‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا ع بد ال بن صالـح‪ ,‬قال‪ :‬ثن ـي معاو ية بن‬
‫شيْطا نِ‬
‫ل ال ّ‬
‫عمَ ِ‬
‫صالـح‪ ,‬عن عل ـيّ بن أب ـي طل ـحة‪ ,‬عن ا بن عب ـاس‪ ,‬قوله‪ِ :‬رجْ سٌ مِ نْ َ‬
‫يقول‪ :‬سخط‪.‬‬
‫وقال ابن زيد فـي ذلك‪ ,‬ما‪:‬‬
‫‪ 9842‬ـ حدثنـي به يونس‪ ,‬قال‪ :‬أخبرنا ابن وهب‪ ,‬قال‪ :‬أخبرنا ابن وهب‪ ,‬قال‪ :‬قال ابن زيد‬
‫شيْطانِ قال‪ :‬الرجس‪ :‬الشرّ‪.‬‬
‫عمَلِ ال ّ‬
‫س مِنَ َ‬
‫فـي قوله‪ :‬رِجْ ٌ‬

‫‪91‬‬ ‫الية ‪:‬‬


‫ن أَن يُوقِ عَ َب ْي َنكُ مُ ا ْل َعدَاوَةَ وَا ْل َب ْغضَآءَ فِي‬
‫شيْطَا ُ‬
‫القول ف ـي تأوي ـل قوله تعال ـى‪ِ{ :‬إنّمَا ُيرِيدُ ال ّ‬
‫عنِ الصّلَ ِة َفهَلْ َأ ْن ُتمْ مّن َتهُونَ }‪..‬‬
‫صدّ ُكمْ عَن ِذكْرِ الّلهِ وَ َ‬
‫خمْرِ وَا ْل َم ْيسِرِ َو َي ُ‬
‫ا ْل َ‬
‫يقول تعالـى ذكره‪ :‬إنـما يريد لكم الشيطان شرب الـخمر والـمياسرة بـالقداح ويحسن‬
‫ذلك لكـم إرادة منـه أن يوقـع بــينكم العداوة والبغضاء فــي شربكـم الــخمر ومياسـرتكم‬
‫بـالقداح‪ ,‬لـيعادي بعضكم بعضا‪ ,‬ويبغّضَ بعضكم إلـى بعض‪ ,‬فـيشتت أمركم بعد تألـيف‬
‫ع نْ ِذ ْكرِ ال يقول‪ :‬ويصرفكم‬
‫ص ّد ُكمْ َ‬
‫ال بـينكم بـاليـمان وجمعه بـينكم بأخوة السلم‪ .‬ويَ ُ‬
‫بغل بة هذه ال ـخمر ب سكرها إيا كم عل ـيكم وب ـاشتغالكم بهذا ال ـميسر عن ذ كر ال الذي به‬
‫صلح دن ـياكم وآخرت كم‪ ,‬و عن ال صلة الت ـي فرض ها عل ـيكم رب كم‪َ .‬فهَلْ أ ْنتُ ـمْ ُم ْن َتهُو نَ‬
‫يقول‪ :‬فهل أنتـم منتهون عن شرب هذه‪ ,‬والـمياسرة بهذا‪ ,‬وعاملون بـما أمركم به ربكم من‬
‫أداء ما فرض علـيكم من الصلة لوقاتها‪ ,‬ولزوم ذكره الذي به نـجح طلبـاتكم فـي عاجل‬
‫دنـياكم وآخرتكم‪.‬‬
‫واختلف أهـل التأويــل فــي السـبب الذي مـن أجله نزلت هذه الَيـة‪ ,‬فقال بعضهـم‪ :‬نزلت‬
‫بسبب كان من عمر بن الـخطاب‪ ,‬و هو أنه ذ كر مكروه عاقبة شربها لرسول ال صلى ال‬
‫عليه وسلم‪ ,‬وسأل ال تـحريـمها‪ .‬ذكر من قال ذلك‪:‬‬
‫‪ 9843‬ـ حدث نا هناد بن ال سريّ‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا وك يع‪ ,‬عن إ سرائيـل‪ ,‬عن أب ـي إ سحاق‪ ,‬عن‬
‫أبـي مي سرة‪ ,‬قال‪ :‬قال عمر‪ :‬الله مّ ب ـين لنا فـي الـخمر بـيانا شافـيا قال‪ :‬فنزلت الَية‬
‫سرِ قُلْ فِـيهِما إثْمٌ َكبِـيرٌ َومَنافِعُ للنّاسِ قال‪:‬‬
‫خمْرِ والـ َم ْي ِ‬
‫التـي فـي البقرة‪ :‬يَسألُو َنكَ عَنِ الـ َ‬
‫فدُ عي ع مر فقرئت عل ـيه‪ ,‬فقال‪ :‬الله مّ ب ـين ل نا ف ـي ال ـخمر ب ـيانا شاف ـيا فنزلت الَ ية‬
‫فـي النساء‪ :‬ل تَ ْق َربُوا ال صّلةَ وأ ْنتُـمْ سُكارَى حتـى َتعْلَـمُوا ما َتقُولُو نَ‪ .‬قال‪ :‬وكان منادي‬
‫النبـيّ صلى ال عليه وسلم ينادي إذا حضرت الصلة‪ :‬ل يقربنّ الصلة السكران قال‪ :‬فدُعي‬
‫ع مر‪ ,‬فقرئت عل ـيه‪ ,‬فقال‪ :‬الله مّ ب ـين ل نا ف ـي ال ـخمر ب ـيانا شاف ـيا قال‪ :‬فنزلت الَ ية‬
‫خمْرُ وَال ـ َم ْيسِرُ والنْ صَابُ والزْل مُ‬
‫الت ـي ف ـي ال ـمائدة‪ :‬يا أيّ ها اّلذِي نَ آ َمنُوا إنّ ـمَا ال ـ َ‬
‫ِرجْ سٌ‪ ...‬إل ـى قوله‪َ :‬فهَلْ أ ْنتُ ـمْ ُم ْنتَهُو نَ فل ـما انت هى إل ـى قوله‪َ :‬فهَلْ أ ْنتُ ـ ْم ُم ْنتَهُو نَ قال‬
‫عمر‪ :‬انتهينا انتهينا‬
‫حدث نا هناد‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا ا بن أب ـي زائدة‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا أب ـي‪ ,‬عن أب ـي إ سحاق‪ ,‬عن أب ـي‬
‫مي سرة‪ ,‬قال‪ :‬قال ع مر‪ :‬الله مّ ب ـين ل نا ف ـي ال ـخمر ب ـيانا شاف ـيا‪ ,‬فإن ها تذ هب ب ـالعقل‬
‫والـمال ثم ذكر نـحو حديث وكيع‪.‬‬
‫حدثنا ابن وكيع‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا أبو أسامة‪ ,‬عن زكريا‪ ,‬عن أبـي إسحاق‪ ,‬عن أبـي ميسرة‪,‬‬
‫قال‪ :‬قال عمر بن الـخطاب‪ :‬اللهمّ بـين لنا فذكر نـحوه‪.‬‬
‫حدثنا ابن وكيع‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا أبـي‪ ,‬عن أبـيه وإسرائيـل‪ ,‬عن أبـي إسحاق‪ ,‬عن أبـي‬
‫ميسرة‪ ,‬عن عمر بن الـخطاب‪ ,‬مثله‪.‬‬
‫حدثنـا هناد‪ ,‬قال‪ :‬حدثنـا يونـس بـن بكيـر‪ ,‬قال‪ :‬حدثنـا زكريـا بـن أبــي زائدة‪ ,‬عـن أبــي‬
‫إسحاق‪ ,‬عن أبـي ميسرة‪ ,‬عن عمر بن الـخطاب‪ ,‬مثله‪.‬‬
‫‪ 9844‬ـ حدث نا هناد‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا يو نس بن بك ير‪ ,‬قال‪ :‬ثن ـي أ بو مع شر ال ـمدنـي‪ ,‬عن‬
‫م ـحمد بن ق ـيس‪ ,‬قال‪ :‬ل ـما قدم ر سول ال صلى ال عل يه و سلم ال ـمدينة أتاه الناس‪ ,‬و قد‬
‫كانوا يشربون ال ـخمر ويأكلون ال ـميسر‪ ,‬ف سألوه عن ذلك‪ ,‬فأنزل ال تعال ـى‪ :‬يَ سْئَلُو َنكَ عَ نِ‬
‫ن نَ ْف ِعهِ ما فقالوا‪ :‬هذا‬
‫سرِ قُلْ فِ ـيهِما إثْ مٌ َكبِ ـيرٌ وَمنَافِ عُ للنا سِ وإ ْث ُمهُماأ كبرُ ِم ْ‬
‫خ ْمرِ وال ـ َميْ ِ‬
‫ال ـ َ‬
‫شيء قد جاء فـيه رخصة‪ ,‬نأكل الـميسر ونشرب الـخمر‪ ,‬ونستغفر من ذلك‪ .‬حتـى أتـى‬
‫رجل صلة الـمغرب‪ ,‬فجعل يقرأ‪ :‬قل يا أيها الكافرون‪ ,‬أعبد ما تعبدون‪ ,‬ول أنتـم عابدون‬
‫ِينـ آ َمنُوا ل تَ ْق َربُوا‬
‫مـا أعبـد‪ .‬فجعـل ل يجوّد ذلك ول يدري مـا يقرأ‪ ,‬فأنزل ال‪ :‬يـا أيّهـا اّلذ َ‬
‫ال صّلةَ وأ ْنتُ ـمْ سُكارَى فكان الناس يشربون ال ـخمر حت ـى يج يء و قت ال صلة ف ـيدعَون‬
‫شربهـا‪ ,‬فــيأتون الصـلة وهـم يعلــمون مـا يقولون‪ .‬فلــم يزالوا كذلك حتــى أنزل ال‬
‫ب والزْل مُ‪ ...‬إل ـى قوله‪َ :‬فهَلْ أ ْنتُ ـ ْم ُم ْنتَهُو نَ‬
‫تعال ـى‪ :‬إنّ ـمَا ال ـخ ْمرُ وال ـ َم ْيسِرُ والنْ صَا ُ‬
‫فقالوا‪ :‬انتهينا يا رب‬
‫وقال آخرون‪ :‬نزلت هذه الَيـة بسـبب سـعد بـن أبــي وقاص‪ ,‬وذلك أنـه كان لَحَى رجلً‬
‫عل ـى شراب له ما‪ ,‬فضر به صاحبه بلَ ـحْيِ ج مل‪ ,‬ففزر أن فه‪ ,‬فنزلت ف ـيهما‪ .‬ذ كر الروا ية‬
‫بذلك‪:‬‬
‫‪ 9845‬ـ حدث نا م ـحمد بن ال ـمثنى‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا م ـحمد بن جع فر‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا شع بة عن‬
‫سماك بن حرب‪ ,‬عن م صعب ا بن سعد عن أب ـيه سعد‪ ,‬أ نه قال‪ :‬صنع ر جل من الن صار‬
‫طعامـا فدعانـا‪ ,‬قال‪ :‬فشربنـا الــخمر حتــى انتشينـا‪ ,‬فتفــاخرت النصـار وقريـش‪ ,‬فقالت‬
‫النصار‪ :‬نـحن أفضل منكم‪ .‬قال‪ :‬فأخذ رجل من النصار لـحي جمل فضرب به أنف سعد‬
‫ِينـ آ َمنُوا إنّــمَا الــخَ ْمرُ‬
‫ففزره‪ ,‬فكان سـعد أفزر النـف‪ .‬قال‪ :‬فنزلت هذه الَيـة‪ :‬يـا أيّهـا اّلذ َ‬
‫والـ َم ْيسِرُ‪ ...‬إلـى آخر الَية‪.‬‬
‫حدث نا هناد‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا أ بو الحوص‪ ,‬عن سماك‪ ,‬عن م صعب بن سعد‪ ,‬قال‪ :‬قال سعد‪:‬‬
‫شر بت مع قوم من الن صار‪ ,‬فضر بت رجلً من هم أظ نّ بف كّ ج مل فك سرته‪ ,‬فأت ـيت النب ـيّ‬
‫ن آ َمنُوا‬
‫صلى ال عل يه و سلم فأ خبرته‪ ,‬فل ـم أل بث أن نزل ت ـحريـم ال ـخمر‪ :‬يا أيّ ها اّلذِي َ‬
‫سرُ‪ ...‬إلـى آخر الَية‪.‬‬
‫خ ْمرُ وَالـ َم ْي ِ‬
‫إنّـمَا الـ َ‬
‫حدثنا هناد‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا ابن أبـي زائدة‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا إسرائيـل‪ ,‬عن سماك‪ ,‬عن مصعب بن‬
‫سعد‪ ,‬عن أبـيه‪ ,‬قال‪ :‬شربت الـخمر مع قوم من النصار‪ ,‬فذكر نـحوه‪.‬‬
‫‪ 9846‬ـ حدثنـي يونس‪ ,‬قال‪ :‬أخبرنا ابن وهب‪ ,‬قال‪ :‬أخبرنـي عمرو بن الـحرث أن ابن‬
‫شهاب أ خبره أن سالـم بن ع بد ال حد ثه‪ :‬أن أوّل ما حرّ مت ال ـخمر‪ ,‬أن سعد بن أب ـي‬
‫خ ْمرُ‬
‫وقاص وأصـحابـا له شربوا‪ ,‬فــاقتتلوا‪ ,‬فكسـروا أنـف سـعد‪ ,‬فأنزل ال‪ :‬إنّــمَا الــ َ‬
‫وَالـ َم ْيسِرُ‪ ...‬الَية‪.‬‬
‫وقال آخرون‪ :‬نزلت فـي قبـيـلتـين من قبـائل النصار‪ .‬ذكر من قال ذلك‪:‬‬
‫‪ 9847‬ـ حدث نا ال ـحسين بن عل ـيّ ال صدائي‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا حجاج بن ال ـمنهال‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا‬
‫ربـيعة بن كلثوم‪ ,‬عن جبـير‪ ,‬عن أبـيه‪ ,‬عن سعيد بن جبـير‪ ,‬عن ابن عبـاس‪ ,‬قال‪ :‬نزل‬
‫ت ـحريـم ال ـخمر ف ـي قب ـيـلتـين من قب ـائل الن صار‪ ,‬شربوا حت ـى إذا ثملوا عبِث‬
‫بعضهم ببعض فلـما أن صحوا جعل الرجل منهم يرى الثر بوجهه ولـحيته‪ ,‬فـيقول‪ :‬فعل‬
‫بــي هذا أخـي فلن وكانوا إخوة لــيس فــي قلوبهـم ضغائن وال لو كان بــي رءوفــا‬
‫رحي ـما ما ف عل ب ـي هذا حت ـى وق عت ف ـي قلوب هم الضغائن‪ ,‬فأنزل ال‪ :‬إنّ ـمَا ال ـخَ ْمرُ‬
‫سرُ‪ ...‬إلـى قوله‪َ :‬فهَلْ أ ْنتُـمْ ُم ْن َتهُو نَ‪ .‬فقال ناس من الـمتكلفـين‪ :‬هي رجس‪ ,‬وهي‬
‫والـ َميْ ِ‬
‫ِينـ آ َمنُوا‬
‫فــي بطـن فلن قتـل يوم بدر‪ ,‬وقتـل فلن يوم أحـد‪ ,‬فأنزل ال‪ :‬لَــيْسَ علــى اّلذ َ‬
‫ط ِعمُوا‪ ...‬الَية‪.‬‬
‫عمِلُوا الصّالِـحاتِ جُناحٌ فِـيـما َ‬
‫وَ‬
‫‪ 9848‬ـ حدث نا م ـحمد بن خ ـلف‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا سعيد بن م ـحمد ال ـجرمي‪ ,‬عن أب ـي‬
‫ت ـميـلة‪ ,‬عن سلم مول ـى ح فص بن أب ـي ق ـيس‪ ,‬عن أب ـي بريدة‪ ,‬عن أب ـيه‪ ,‬قال‪:‬‬
‫ب ـينـما ن ـحن قعود عل ـى شراب ل نا ون ـحن نشرب ال ـخمر حلّ‪ ,‬إذ ق مت حت ـى آت ـيَ‬
‫ر سول ال صلى ال عل يه و سلم فأ سلـم عل ـيه‪ ,‬و قد نزل ت ـحريـم ال ـخمر‪ :‬يا أيّ ها اّلذِي نَ‬
‫شيْطا نِ‪ ...‬إلـى آخر‬
‫عمَلِ ال ّ‬
‫سرُ والنْ صَابُ والزْل مُ ِرجْ سٌ مِ نْ َ‬
‫خ ْمرُ وَالـ َميْ ِ‬
‫آ َمنُوا إنّـمَا الـ َ‬
‫ل أ ْنتُـمْ ُم ْنتَهُونَ‪ ,‬فجئت إلـى أصحابـي فقرأتها علـيهم‪ ,‬إلـى قوله‪َ :‬فهَلْ أ ْنتُـمْ‬
‫الَيتـين‪ :‬فَهَ ْ‬
‫ُم ْن َتهُو نَ‪ .‬قال‪ :‬وبعض القوم شرْبته فـي يده قد شرب بعضا وبقـي بعض فـي الناء‪ ,‬فقال‬
‫بـالناء تـحت شفته العلـيا كما يفعل الـحجام‪ ,‬ثم صبوا ما فـي بـاطيتهم‪ ,‬فقالوا‪ :‬انتهينا‬
‫ربنا‪ ,‬انتهينا ربّنا‬
‫وقال آخرون‪ :‬إنـما كانت العداوة والبغضاء كانت تكون بـين الذين نزلت فـيهم هذه الَية‬
‫بسـبب الــميسر ل بسـبب السـكر الذي يحدث لهـم مـن شرب الــخمر‪ ,‬فلذلك نهاهـم ال عـن‬
‫الـميسر‪ .‬ذكر من قال ذلك‪:‬‬
‫‪ 9849‬ـ حدث نا ب شر‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا جا مع بن حماد‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا يز يد بن زر يع قال ب شر‪ :‬و قد‬
‫سمعته من يز يد وحدثن ـيه قال‪ :‬حدث نا سعيد‪ ,‬عن قتادة‪ ,‬قال‪ :‬كان الر جل ف ـي ال ـجاهلـية‬
‫يقا مر عل ـى أهله وماله‪ ,‬ف ـيقعد حزي نا سلـيبـا ين ظر إل ـى ماله ف ـي يدي غيره‪ ,‬فكا نت‬
‫تورث بــينهم عداو ًة وبغضاء‪ ,‬فنهـى ال عـن ذلك وقدّم فــيه وال أعلــم بــالذي يُصـْلـح‬
‫خـلقه‪.‬‬
‫وال صواب من القول ف ـي ذلك عند نا أن يقال‪ :‬إن ال تعال ـى قد سمى هذه الشياء الت ـي‬
‫سماها فـي هذه الَية رجسا وأمر بـاجتنابها‪.‬‬
‫وقـد اختلف أهـل التأويــل فــي السـبب الذي مـن أجله نزلت هذه الَيـة‪ ,‬وجائز أن يكون‬
‫نزول ها كان ب سبب دعاء ع مر ر ضي ال ع نه ف ـي أ مر ال ـخمر‪ ,‬وجائز أن يكون ذلك كان‬
‫بسبب ما نال سعدا من النصاريّ عند انتشائهما من الشراب‪ ,‬وجائز أن يكون كان من أجل ما‬
‫كان ي ـلـحق أحد هم ع ند ذهاب ماله ب ـالقمار من عداوة من يَ سَرَه وبغ ضه‪ .‬ول ـيس عند نا‬
‫بأيّ ذلك كان خبر قاطع للعذر‪ ,‬غير أنه أي ذلك كان‪ ,‬فقد لزم حكم الَية جميع أهل التكلـيف‪,‬‬
‫وغير ضائرهم الـجهل بـالسبب الذي له نزلت هذه الَية‪ ,‬فـالـخمر والـميسر والنصاب‬
‫والزلم ر جس من ع مل الشيطان فرض عل ـى جم يع من بلغ ته الَ ية من التكل ـيف اجتناب‬
‫ج َت ِنبُو ُه َلعَّل ُكمْ تُفْلِـحُونَ‪.‬‬
‫جميع ذلك‪ ,‬كما قال تعالـى‪ :‬فـا ْ‬

‫‪92‬‬ ‫الية ‪:‬‬


‫ُمـ‬
‫ح َذرُواْ َفإِن تَوَّل ْيت ْ‬
‫ّهـ وََأطِيعُو ْا الرّسـُولَ وَا ْ‬
‫{وََأطِيعُواْ الل َ‬ ‫القول فــي تأويــل قوله تعالــى‪:‬‬
‫لغُ ا ْل ُمبِينُ }‪..‬‬
‫فَاعَْلمُوَاْ َأ ّنمَا عََلىَ َرسُوِلنَا ا ْلبَ َ‬
‫يقول تعالــى ذكره‪ :‬إنــما الــخمر والــميسر والنصـاب والزلم رجـس مـن عمـل‬
‫الشيطان فــاجتنبوه‪ ,‬وأطيعوا ال وأطيعوا الرسـول فــي اجتنابكـم ذلك واتبــاعكم أمره‬
‫فـيـما أمركم به من النزجار عما زجركم عنه من هذه الـمعانـي التـي بـينها لكم فـي‬
‫هذه الَ ية وغير ها‪ ,‬وخالفوا الشيطان ف ـي أمره إيا كم ب ـمعصية ال ف ـي ذلك وف ـي غيره‪,‬‬
‫ح َذرُوا يقول‪ :‬واتقوا‬
‫فإ نه إن ـما يب غي ل كم العداوة والبغضاء ب ـينكم ب ـالـخمر وال ـميسر‪ .‬وا ْ‬
‫ال وراقبوه أن يراكم عندما نهاكم عنه من هذه المور التـي حرّمها علـيكم فـي هذه الَية‬
‫ن تَوَلّـيْتُـمْ يقول‪ :‬فإن أنتـم‬
‫وغيرها‪ ,‬أو يفقدكم عندما أمركم به فتوبقوا أنفسكم وتهلكوها‪ .‬فإ ْ‬
‫لـم تعملوا بـما أمرناكم به وتنتهوا عما نهيناكم عنه ورجعتـم مدبرين عما أنتـم علـيه من‬
‫اليـمان والتصديق بـال وبرسوله واتبـاع ما جاءكم به نبـيكم فـاعْلَـمُوا أنّـمَا علـى‬
‫رَ سُولِنا البَل غُ الـ ُمبِـينُ يقول‪ :‬ف ـاعلـموا أنه لـيس علـى من أر سلناه إلـيكم بـالنذارة‬
‫غير إبلغكم الرسالة التـي أرسل بها إلـيكم‪ ,‬مبـينة لكم بـيانا يوضح لكم سبـيـل الـحقّ‬
‫والطريق الذي أمرتـم أن تسلكوه وأما العقاب علـى التولـية والنتقام بـالـمعصية‪ ,‬فعلـى‬
‫الـمرسَل إلـيه دون الرسل‪ .‬وهذا من ال تعالـى وعيد لـمن تولـى عن أمره ونهيه‪ ,‬يقول‬
‫لهم تعالـى ذكره‪ :‬فإن تولـيتـم عن أمري ونهي‪ ,‬فتوقعوا عقابـي واحذروا سخطي‪.‬‬
‫‪93‬‬ ‫الية ‪:‬‬
‫جنَا حٌ فِيمَا‬
‫عمِلُواْ ال صّاِلحَاتِ ُ‬
‫ن آ َمنُواْ وَ َ‬
‫{َليْ سَ عَلَى اّلذِي َ‬ ‫القول ف ـي تأوي ـل قوله تعال ـى‪:‬‬
‫ِبـ‬
‫ّهـ ُيح ّ‬
‫ْسـنُواْ وَالل ُ‬
‫ُمـ اتّقَواْ وَّأح َ‬
‫ُمـ اتّقَواْ وَآ َمنُو ْا ث ّ‬
‫عمِلُو ْا الصـّاِلحَاتِ ث ّ‬
‫طعِمُوَ ْا ِإذَا مَا اتّقَواْ وَآ َمنُواْ َو َ‬
‫َ‬
‫حسِنِينَ }‪..‬‬
‫ا ْل ُم ْ‬
‫خمْرُ‬
‫يقول تعالـى ذكره للقوم الذ ين قالوا إذ أنزل ال تـحريـم الـخمر بقوله‪ :‬إنّـمَا الـ َ‬
‫ج َت ِنبُوهُ‪ :‬ك يف ب ـمن هلك من‬
‫شيْطا نِ ف ـا ْ‬
‫ل ال ّ‬
‫عمَ ِ‬
‫ب والزْل مُ ِرجْ سٌ مِ نْ َ‬
‫وَال ـ َميْسِر والنْ صَا ُ‬
‫عمِلُوا ال صّالِـحاتِ‬
‫ن آ َمنُوا و َ‬
‫إخوان نا وه مُ يشربون ها وب نا و قد ك نا نشرب ها‪ :‬لَ ـيْسَ عل ـى اّلذِي َ‬
‫منكم حرج فـيـما شربوا من ذلك فـي الـحال التـي لـم يكن ال تعالـى حرّمه علـيهم‪,‬‬
‫عمِلُوا ال صّالِـحاتِ يقول‪ :‬إذا ما اتقـى ال الحياء منهم‪ ,‬فخافوه وراقبوه‬
‫إذَا ما اتّ َقوْا وآ َمنُوا و َ‬
‫فـي اجتنابهم ما حرّم علـيهم منه وصدّقوا ال ورسوله فـيـما أمراهم ونهاهم‪ ,‬فأطاعوهما‬
‫عمِلُوا الصـّالِـحَاتِ يقول‪ :‬واكتسـبوا مـن العمال مـا يرضاه ال فــي ذلك‬
‫فــي ذلك كله‪ .‬و َ‬
‫مـما كلفهم بذلك ربهم‪ .‬ثُ ّم اتّقَوْا وآ َمنُوا يقول‪ :‬ثم خافوا ال وراقبوه بـاجتنابهم مـحارمه بعد‬
‫ذلك التكلــيف أيضـا‪ ,‬فثبتوا علــى اتقاء ال فــي ذلك واليــمان بـه‪ ,‬ولــم يغيروا ولــم‬
‫سنُوا يقول‪ :‬ثم خافوا ال‪ ,‬فدعاهم خوفهم ال إلـى الحسان‪ .‬وذلك الحسان‬
‫يبدّلو‪ .‬ثُمّ اتّقَوْا وأحْ َ‬
‫هو العمل بـما لـم يفرضه علـيهم من العمال‪ ,‬ولكنه نوافل تقرّبوا بها إلـى ربهم طلب‬
‫سنِـينَ يقول‪ :‬وال يح بّ ال ـمتقرّبـين إل ـيه‬
‫رضاه وهرب ـا من عقا به‪ .‬وَاللّ ُه ُيحِ بّ ال ـمُـحْ ِ‬
‫بنوافـل العمال التــي يرضاهـا‪ .‬فــالتقاء الوّل‪ :‬هـو التقاء بتلقــي أمـر ال بــالقبول‬
‫والت صديق والدينو نة به والع مل والتقاء الثان ـي‪ :‬التقاء ب ـالثبـات عل ـى الت صديق وترك‬
‫التبديـل والتغيـير والتقاء الثالث‪ :‬هو التقاء بـالحسان والتقرب بنوافل العمال‪.‬‬
‫فإن قال قائل‪ :‬ما الدلـيـل علـى أن التقاء الثالث هو التقاء بـالنوافل دون أن يكون ذلك‬
‫بـالفرائض؟ قـيـل‪ :‬إنه تعالـى ذكره قد أخبر عن وضعه الـجناح عن شاربـي الـخمر‬
‫التـي شربوها قبل تـحريـمه إياها إذا هم اتقوا ال فـي شربها بعد تـحريـمها وصدّقوا‬
‫ال ورسوله فـي تـحريـمها وعملوا الصالـحات من الفرائض‪ .‬ول وجه لتكرير ذلك‪ ,‬وقد‬
‫مضى ذكره فـي آية واحدة‪.‬‬
‫وبنـحو الذي قلنا من أن هذه الَية نزلت فـيـما ذكرنا أنها نزلت فـيه‪ ,‬جاءت الخبـار‬
‫عن الصحابة والتابعين‪ .‬ذكر من قال ذلك‪:‬‬
‫‪ 9850‬ـ حدثنا هناد بن السري وأبو كريب‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا وكيع‪ ,‬وحدثنا ابن وكيع‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا‬
‫أبــي‪ ,‬عـن إسـرائيـل عـن سـماك‪ ,‬عـن عكرمـة‪ ,‬عـن ابـن عبــاس‪ ,‬قال‪ :‬لــما تــحريـم‬
‫الــخمر قالوا‪ :‬يـا رسـول ال‪ ,‬فكيـف بأصـحابنا الذيـن ماتوا وهـم يشربون الــخمر؟ فنزلت‪:‬‬
‫عمِلُوا الصّالِـحاتِ جُناحٌ‪ ...‬الَية‪.‬‬
‫ن آ َمنُوا و َ‬
‫لَـيْسَ علـى اّلذِي َ‬
‫حدثنا ابن وكيع‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا عبد ال‪ ,‬عن إسرائيـل بإسناده‪ ,‬نـحوه‪.‬‬
‫‪ 9851‬ـ حدثنا مـحمد بن بشار‪ ,‬قال‪ :‬ثنـي عبد الكبـير بن عبد الـمـجيد‪ ,‬قال‪ :‬أخبرنا‬
‫عبــاد بن را شد‪ ,‬عن قتادة‪ ,‬عن أنـس بن مالك‪ ,‬قال‪ :‬ب ـينا أ نا أديـر الكأس علــى أب ـي‬
‫طل ـحة وأب ـي عب ـيدة بن ال ـجرّاح ومعاذ بن ج بل و سهيـل بن ب ـيضاء وأب ـي دجا نة‪,‬‬
‫حت ـى مالت رءو سهم من خ ـلـيط ب سر وت ـمر‪ ,‬ف سمعنا مناد يا ينادي‪ :‬أل إن ال ـخمر قد‬
‫حرّ مت قال‪ :‬ف ما دخ ـل عل ـينا داخ ـل ول خرج م نا خارج حت ـى أهرق نا الشراب وك سرنا‬
‫أمـ سـلـيـم ثـم خرجنـا إلــى‬
‫القلل‪ .‬وتوضـأ بعضنـا واغتسـل بعضنـا فأصـبنا مـن طيـب ّ‬
‫ِينـ آ َمنُوا إنّــمَا الــخَ ْمرُ‬
‫الــمسجد‪ ,‬وإذا رسـول ال صـلى ال عليـه وسـلم يقرأ‪ :‬يـا أيّهـا اّلذ َ‬
‫ج َت ِنبُو ُه َلعَّلكُ مْ تُفْلِـحُونَ‪ ...‬إلـى‬
‫شيْطا نِ فـا ْ‬
‫ل ال ّ‬
‫عمَ ِ‬
‫ب والزْل مُ ِرجْ سٌ مِ نْ َ‬
‫سرُ والنْ صَا ُ‬
‫وَالـ َميْ ِ‬
‫قوله‪َ :‬فهَلْ أ ْنتُ ـمْ ُم ْن َتهُو نَ‪ .‬فقال ر جل‪ :‬يا ر سول ال‪ ,‬ف ما منزلة من مات م نا و هو يشرب ها؟‬
‫ط ِعمُوا‪...‬‬
‫ح فِ ـيـما َ‬
‫جنَا ٌ‬
‫عمِلُوا ال صّالِـحاتِ ُ‬
‫فأنزل ال تعال ـى‪ :‬لَ ـيْسَ عل ـى اّلذِي نَ آ َمنُوا و َ‬
‫الَية‪ .‬فقال رجل لقتادة‪ :‬سمعته من أنس بن مالك؟ قال‪ :‬نعم‪ ,‬وقال رجل لنس بن مالك‪ :‬أنت‬
‫سمعته من رسول ال صلى ال عليه وسلم؟ قال‪ :‬نعم‪ ,‬وحدثنـي من لـم يكذب‪ ,‬وال ما كنا‬
‫نكذب ول ندري ما الكذب‪.‬‬
‫‪ 9852‬ـ حدثنا هناد‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا ابن أبـي زائدة‪ ,‬قال‪ :‬أخبرنا إسرائيـل‪ ,‬عن أبـي إسحاق‪,‬‬
‫عـن البراء‪ ,‬قال‪ :‬لــما حرّمـت الــخمر قالوا‪ :‬كيـف بأصـحابنا الذيـن ماتوا وهـم يشربون‬
‫طعِمُوا‪...‬‬
‫جنَاحٌـ فِــيـما َ‬
‫عمِلُوا الصـّالِـحاتِ ُ‬
‫الــخمر؟ فنزلت‪ :‬لَــيْسَ علــى اّلذِينَـ آ َمنُوا و َ‬
‫الَية‪.‬‬
‫حدث نا م ـحمد بن ال ـمثنى‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا م ـحمد بن جع فر‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا شع بة‪ ,‬عن أب ـي‬
‫إسحاق‪ ,‬قال‪ :‬قال البراء‪ :‬مات ناس من أصحاب رسول ال صلى ال عليه وسلم وهم يشربون‬
‫الـخمر‪ ,‬فلـما نزل تـحريـمها‪ ,‬قال أناس من أصحاب النبـيّ صلى ال عليه وسلم‪ :‬فكيف‬
‫عمِلُوا‬
‫بأصـحابنا الذيـن ماتوا وهـم يشربونهـا؟ فنزلت هذه الَيـة‪ :‬لَــيْسَ علــى اّلذِينَـ آ َمنُوا و َ‬
‫الصّالِـحاتِ‪ ...‬الَية‪.‬‬
‫‪ 9853‬ـ حدث نا هناد‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا ا بن أب ـي زائدة‪ ,‬قال‪ :‬أخبر نا داود‪ ,‬عن ا بن جر يج‪ ,‬عن‬
‫ط ِعمُوا‬
‫جنَا حٌ فِ ـيـما َ‬
‫ت ُ‬
‫عمِلُوا ال صّالِـحا ِ‬
‫ن آ َمنُوا و َ‬
‫م ـجاهد‪ ,‬قال‪ :‬نزلت‪ :‬لَ ـيْسَ عل ـى اّلذِي َ‬
‫فـيـمن قُتل ببدر وأُحد مع مـحمد صلى ال عليه وسلم‪.‬‬
‫‪ 9854‬ـ حدث نا ا بن وك يع‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا خالد بن مخ ـلد‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا عل ـيّ بن م سهر‪ ,‬عن‬
‫ن آ َمنُوا‬
‫العمش‪ ,‬عن إبراهيـم عن علقمة‪ ,‬عن عبد ال‪ ,‬قال‪ :‬لـما نزلت‪ :‬لَـيْسَ علـى اّلذِي َ‬
‫ط ِعمُوا قال ر سول ال صلى ال عل يه و سلم‪« :‬قِ ـيـلَ‬
‫جنَا حٌ فِ ـيـما َ‬
‫عمِلُوا ال صّالِـحاتِ ُ‬
‫وَ‬
‫لـي أنْتَ ِم ْن ُهمْ»‪.‬‬
‫‪ 9855‬ـ حدثنا بشر بن معاذ‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا جامع بن حماد‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا يزيد‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا سعيد‪,‬‬
‫ط ِعمُوا‪ ...‬إلـى‬
‫جنَاحٌ فِـيـما َ‬
‫عمِلُوا الصّالِـحاتِ ُ‬
‫ن آ َمنُوا و َ‬
‫عن قتادة‪ ,‬قوله‪ :‬لَـيْسَ علـى اّلذِي َ‬
‫ن لـما أنزل ال تعالـى ذكره تـحريـم الـخمر فـي سورة‬
‫سنِـي َ‬
‫حِ‬‫قوله‪ :‬وَاللّهُ ُيحِبّ الـمُـ ْ‬
‫ال ـمائدة ب عد سورة الحزاب‪ ,‬قال ف ـي ذلك رجال من أ صحاب ر سول ال صلى ال عل يه‬
‫وسلم‪ :‬أصيب فلن يوم بدر وفلن يوم أُحد وهم يشربونها‪ ,‬فنـحن نشهد أنهم من أهل الـجنة‬
‫ط ِعمُوا‬
‫جنَا حٌ فِـيـما َ‬
‫ت ُ‬
‫عمِلُوا ال صّالِـحا ِ‬
‫فأنزل ال تعالـى ذكره‪ :‬لَـيْسَ علـى اّلذِي نَ آ َمنُوا و َ‬
‫ـ‬
‫ـ ُيحِب ّ‬
‫ـنُوا وَاللّه ُ‬
‫ـ اتّقَوْا وأحْس َ‬
‫ـ اتّ َقوْا وآ َمنُوا ثُم ّ‬
‫عمِلُوا الصـّالِـحاتِ ثُم ّ‬
‫إذَا مـا اتّ َقوْا وآ َمنُوا و َ‬
‫سنِـينَ يقول‪ :‬شرب ها القوم عل ـى تقوى من ال وإح سان و هي ل هم يومئذٍ حلل‪ ,‬ثم‬
‫حِ‬‫ال ـمُـ ْ‬
‫حرّمت بعدهم‪ ,‬فل جناح علـيهم فـي ذلك‪.‬‬
‫‪ 9856‬ـ حدثنـي الـمثنى‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا عبد ال بن صالـح‪ ,‬قال‪ :‬ثنـي معاوية بن صالـح‪,‬‬
‫عمِلُوا‬
‫عن عل ـيّ بن أب ـي طل ـحة‪ ,‬عن ا بن عب ـاس‪ ,‬قوله‪ :‬لَ ـيْسَ عل ـى اّلذِي نَ آ َمنُوا و َ‬
‫ط ِعمُوا قالوا‪ :‬يا ر سول ال‪ ,‬ما نقول لخوان نا الذ ين مضوا‪ ,‬كانوا‬
‫جنَا حٌ فِ ـيـما َ‬
‫ال صّالِـحاتِ ُ‬
‫عمِلُوا‬
‫س علـــى اّلذِينــَ آ َمنُوا و َ‬
‫يشربون الـــخمر ويأكلون الـــميسر؟ فأنزل ال‪ :‬لَـــيْ َ‬
‫ط ِعمُوا يعن ـي ق بل الت ـحريـم إذا كانوا م ـحسنـين متق ـين‪.‬‬
‫جنَا حٌ فِ ـيـما َ‬
‫ت ُ‬
‫ال صّالِـحا ِ‬
‫وقال مرّة أخرى‪ :‬ل ـيس عل ـى الذ ين آمنوا وعملوا ال صالـحات جناح ف ـيـما طعموا من‬
‫عظَةٌ‬
‫ن جاءَهُ َموْ ِ‬
‫الـحرام قبل أن يحرّم علـيهم إذا ما اتقوا وأحسنوا بعد ما حرّم وهو قوله‪َ :‬فمَ ْ‬
‫ن رَبّ ِه فـا ْن َتهَى فَلَهُ ما سَلَفَ‪.‬‬
‫مِ ْ‬
‫حدثن ـي م ـحمد بن سعد‪ ,‬قال‪ :‬ثن ـي أب ـي‪ ,‬قال‪ :‬ثن ـي ع مي‪ ,‬قال‪ :‬ثن ـي أب ـي‪ ,‬عن‬
‫ح فِـيـما‬
‫جنَا ٌ‬
‫عمِلُوا ال صّالِـحاتِ ُ‬
‫أبـيه‪ ,‬عن ابن عبـاس‪ ,‬قوله‪ :‬لَـيْسَ علـى اّلذِي نَ آ َمنُوا و َ‬
‫طعِمُوا يعنــي بذلك رجالً مـن أصـحاب النبــيّ صـلى ال عليـه وسـلم ماتوا وهـم يشربون‬
‫َ‬
‫ال ـخمر ق بل أن ت ـحرّم ال ـخمر‪ ,‬فل ـم ي كن عل ـيهم ف ـيها جناح ق بل أن ت ـحرّم‪ ,‬فل ـما‬
‫حرّ مت قالوا‪ :‬ك يف تكون عل ـينا حرا ما و قد مات إخوان نا و هم يشربون ها؟ فأنزل ال تعال ـى‬
‫عمِلُوا‬
‫ط ِعمُواإذا ما اتّ َقوْا وآ َمنُوا و َ‬
‫جنَاحٌ فِـيـما َ‬
‫عمِلُوا الصّالِـحاتِ ُ‬
‫ن آ َمنُوا و َ‬
‫لَـيْسَ علـى اّلذِي َ‬
‫الصـّالِـحاتِ يقول‪ :‬لــيس علــيهم حرج فــيـما كانوا يشربون قبـل أن أحرّمهـا إذا كانوا‬
‫مـحسنـين متقـين‪ ,‬وال يحب الـمـحسنـين‪.‬‬
‫‪9857‬ـ حدثنـي مـحمد بن عمرو‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا أبو عاصم‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا عيسى‪ ,‬عن ابن أبـي‬
‫عمِلُوا ال صّالِـحاتِ‬
‫ن آ َمنُوا و َ‬
‫نـجيح‪ ,‬عن مـجاهد‪ ,‬فـي قول ال تعالـى‪ :‬لَـيْسَ علـى اّلذِي َ‬
‫ط ِعمُوا لـمن كان يشرب الـخمر مـمن قتل مع مـحمد صلى ال عليه وسلم‬
‫جنَا حٌ فِـيـما َ‬
‫ُ‬
‫ببدر وأُحد‪.‬‬
‫‪ 9858‬ـ حُدثت عن الـحسين بن الفرج‪ ,‬قال‪ :‬سمعت أبـا معاذ الفضل بن خالد‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا‬
‫عمِلُوا ال صّالِـحاتِ‬
‫ن آ َمنُوا و َ‬
‫عب ـيد بن سلـيـمان‪ ,‬عن الضحاك‪ ,‬قوله‪ :‬لَ ـيْسَ عل ـى اّلذِي َ‬
‫حرّ مت‪ ,‬سألوا نب ـيّ ال صلى ال عل يه و سلم‪,‬‬
‫جنَا حٌ‪ ...‬الَ ية‪ :‬هذا ف ـي شأن ال ـخمر ح ين ُ‬
‫ُ‬
‫فقالوا‪ :‬إخواننا الذين ماتوا وهم يشربونها؟ فأنزل ال هذه الَية‪.‬‬

‫‪94‬‬ ‫الية ‪:‬‬


‫ص ْيدِ َتنَالُ هُ‬
‫ن ال ّ‬
‫{يَـَأيّهَا اّلذِي نَ آ َمنُواْ َل َيبُْل َو ّنكُ مُ اللّ ُه ِبشَيْ ٍء مّ َ‬ ‫القول فـي تأويـل قوله تعالـى‪:‬‬
‫عذَابٌ أَلِيمٌ }‪..‬‬
‫ك فَلَهُ َ‬
‫ع َتدَىَ َب ْعدَ ذَِل َ‬
‫ح ُكمْ ِل َيعَْلمَ اللّ ُه مَن َيخَافُ ُه بِا ْل َغيْبِ َفمَنِ ا ْ‬
‫َأ ْيدِي ُكمْ َو ِرمَا ُ‬
‫صيْدِ يقول‪:‬‬
‫ن ال ّ‬
‫شيْءٍ مِ َ‬
‫يقول تعالـى ذكره‪ :‬يا أيها الذين صدّقوا ال ورسوله لَـ َيبْلُ َو ّن ُكمُ اللّ ُه ِب َ‬
‫لـيختبرنكم ال بشيء من الصيد‪ ,‬يعنـي‪ :‬ببعض الصيد‪ .‬وإنـما أخبرهم تعالـى ذكره أ نه‬
‫يبلوهم بشيء‪ ,‬لنه لـم يبلهم بصيد البحر وإنـما ابتلهم بصيد البرّ‪ ,‬فـالبتلء ببعض لـم‬
‫يــمتنع‪ .‬وقوله‪ :‬تَنالُه أ ْيدِيكُم ْـ يعنــي‪ :‬إمـا بــالـيد‪ ,‬كالبــيض والفراخ وإمـا بإصـابة النبـل‬
‫والرماح‪ ,‬وذلك كالـحمر والبقر والظبـاء‪ ,‬فـيـمتـحنكم به فـي حال إحرامكم بعمرتكم أو‬
‫بحجكم‪.‬‬
‫وبنـحو ذلك قالت جماعة من أهل التأويـل‪ .‬ذكر من قال ذلك‪:‬‬
‫‪ 9859‬ـ حدثنا هناد‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا ابن أبـي زائدة‪ ,‬قال‪ :‬أخبرنا ورقاء‪ ,‬عن ابن أبـي نـجيح‪,‬‬
‫حكُ ْم قال‪ :‬أيدي كم‬
‫ص ْيدِ تَنالُ هُ أ ْيدِيكُ مْ َورِما ُ‬
‫شيْءٍ ِم نَ ال ّ‬
‫عن مـجاهد‪ ,‬فـي قوله‪ :‬لَـ َيبْلُ َو ّن ُكمُ الّل هُ ِب َ‬
‫صغار الصيد‪ ,‬أخذ الفراخ والبـيض‪ .‬و «الرماح»‪ ,‬قال‪ :‬كبـار الصيد‪.‬‬
‫حدثنا هناد‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا ابن أبـي زائدة‪ ,‬عن داود‪ ,‬عن ابن جريج‪ ,‬عن مـجاهد‪ ,‬مثله‪.‬‬
‫حدثنـي مـحمد بن عمرو‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا أبو عاصم‪ ,‬عن عيسى‪ ,‬عن ابن أبـي نـجيح‪ ,‬عن‬
‫حكُ مْ قال‪ :‬النبل‪ ,‬ورماحكم تنال كبـير الصيد‪ ,‬وأيديكم‬
‫مـجاهد‪ ,‬فـي قوله‪ :‬تَنالُ هُ أ ْيدِيكُ مْ َورِما ُ‬
‫تنال صغير الصيد‪ ,‬أخذ الفراخ والبـيض‪.‬‬
‫‪9860‬ـ حدثنا هناد‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا وكيع‪ ,‬وحدثنا ابن وكيع‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا أبـي‪ ,‬عن سفـيان‪ ,‬عن‬
‫حكُ مْ‬
‫ن الصّ ْيدِ تَنالُ هُ أ ْيدِيكُ مْ َورِما ُ‬
‫حميد العرج‪ ,‬عن مـجاهد فـي قوله‪ :‬لَـ َيبْلُ َو ّن ُكمُ الّل ُه ِبشَيْ ٍء مِ َ‬
‫قال‪ :‬ما ل يستطيع أن يفرّ من الصيد‪.‬‬
‫حدثنا ابن بشار‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا يحيى بن سعيد وعبد الرحمن‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا سفـيان‪ ,‬عن حميد‬
‫العرج‪ ,‬عن مـجاهد‪ ,‬مثله‪.‬‬
‫‪ 9861‬ـ حدثنـي الـمثنى‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا عبد ال‪ ,‬قال‪ :‬ثنـي معاوية بن صالـح‪ ,‬عن علـيّ‬
‫بن أب ـي طل ـحة‪ ,‬عن ا بن عب ـاس‪ ,‬قوله‪ :‬أ ْيدِيكُ مْ َورِماحُكُ مْ قال‪ :‬هو الضع يف من ال صيد‬
‫وصغيره‪ ,‬يبتلـي ال تعالـى به عبـاده فـي إحرامهم حتـى لو شاءوا نالوه بأيديهم‪ ,‬فنهاهم‬
‫ال أن يقربوه‪.‬‬
‫حدثنـي الـحرث‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا عبد العزيز‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا سفـيان الثوري‪ ,‬عن حميد العرج‪,‬‬
‫ص ْيدِ تَنالُ هُ‬
‫ن ال ّ‬
‫شيْءٍ ِم َ‬
‫ن آ َمنُوا لَ ـ َيبْلُ َو ّن ُكمُ اللّ هُ ِب َ‬
‫ول ـيث عن م ـجاهد ف ـي قوله‪ :‬يا أيّ ها اّلذِي َ‬
‫ح ُكمْ قال‪ :‬الفراخ والبـيض‪ ,‬وما ل يستطيع أن يفرّ‪.‬‬
‫أ ْيدِي ُكمْ َورِما ُ‬
‫ك فَلَهُ‬
‫ع َتدَى َب ْعدَ ذَلِ َ‬
‫ن يَخافُهُ بـال َغيْبِ َفمَنِ ا ْ‬
‫القول فـي تأويـل قوله تعالـى‪ :‬لِـ َيعْلَـمَ الّلهُ مَ ْ‬
‫ب ألِـيـمُ‪.‬‬
‫عذَا ٌ‬
‫َ‬
‫يعن ـي تعال ـى ذكره‪ :‬ل ـيختبرنكم ال أي ها ال ـمؤمنون بب عض ال صيد ف ـي حال إحرام كم‪,‬‬
‫كي يعل ـم أ هل طا عة ال والي ـمان به وال ـمنتهون إل ـى حدوده وأمره ونه يه‪ ,‬من الذي‬
‫يخاف ال‪ ,‬فـيتقـي ما نهاه عنه ويجتنبه خوف عقابه بـالغيب‪ ,‬بـمعنى‪ :‬فـي الدنـيا بحيث‬
‫ل يراه‪ .‬وقد بـينا أن الغيب إنـما هو مصدر قول القائل‪ :‬غاب عنـي هذا المر فهو يغيب‬
‫غيبـا وغيبة‪ ,‬وأن ما لـم يعاين فإن العرب تسميه غيبـا‪.‬‬
‫فتأويـل الكلم إذن‪ :‬لـيعلـم أولـياء ال من يخاف ال فـيتقـي مـحارمه التـي حرّمها‬
‫علـيه من الصيد وغيره‪ ,‬بحيث ل يراه ول يعاينه‪.‬‬
‫ع َتدَى َب ْعدَ ذَلِ كَ فإ نه يعن ـي‪ :‬ف من ت ـجاوز ح ّد ال الذي حدّه له ب عد ابتلئه‬
‫وأما قوله‪ :‬فَمَ نِ ا ْ‬
‫بت ـحريـم ال صيد عل ـيه و هو حرام‪ ,‬ف ـاستـحلّ ما حرم ال عل ـيه م نه بأخذه وقتله فَلَ هُ‬
‫ب من ال ألِـيـمٌ يعنـي‪ :‬مؤلـم موجع‪.‬‬
‫عذَا ٌ‬
‫َ‬

‫‪95‬‬ ‫الية ‪:‬‬


‫حرُمٌ َومَن َقتَلَهُ‬
‫ص ْيدَ وََأ ْن ُتمْ ُ‬
‫ل تَ ْقتُلُو ْا ال ّ‬
‫{يَـَأيّهَا اّلذِينَ آ َمنُواْ َ‬ ‫القول فـي تأويـل قوله تعالـى‪:‬‬
‫ل ّم ْنكُ مْ َهدْيا بَالِ َغ ا ْل َك ْعبَةِ َأوْ كَفّارَةٌ‬
‫عدْ ٍ‬
‫حكُ مُ بِ ِه ذَوَا َ‬
‫ن ال ّنعَ مِ َي ْ‬
‫ل مِ َ‬
‫جزَآ ٌء ّمثْلُ مَا قَتَ َ‬
‫مِنكُم ّم َت َعمّدا فَ َ‬
‫عمّا سَلَف َو َم نْ عَادَ َف َينْتَقِ مُ الّل هُ‬
‫ل َأ ْمرِ هِ عَفَا الّل هُ َ‬
‫صيَاما ّل َيذُو قَ َوبَا َ‬
‫عدْلُ ذَلِ كَ ِ‬
‫طعَا مُ مَ سَاكِينَ أَو َ‬
‫َ‬
‫عزِيزٌ ذُو ا ْنتِقَامٍ }‪..‬‬
‫ِمنْهُ وَاللّهُ َ‬
‫يقول تعال ـى ذكره‪ :‬يا أي ها الذ ين صدّقوا ال ور سوله ل تَ ْقتُلُوا ال صّ ْيدَ الذي ب ـينت ل كم‪,‬‬
‫بحجـ أو عمرة‬
‫ّ‬ ‫ُمـ يقول‪ :‬وأنتــم مــحرمون‬
‫حر ٌ‬‫وهـو صـيد البرّ دون صـيد البحـر وأ ْنتُــمْ ُ‬
‫حرَام وهذه امرأة‬
‫وال ـحُرُم‪ :‬ج مع حرام‪ ,‬والذ كر والن ثى ف ـيه بل فظ وا حد‪ ,‬تقول‪ :‬هذا ر جل َ‬
‫حرَام‪ ,‬فإذا ق ـيـل مُ ـحْرم‪ ,‬ق ـيـل لل ـمرأة م ـحرمة‪ .‬والحرام‪ :‬هو الدخول ف ـيه‪ ,‬يقال‪:‬‬
‫َ‬
‫أحرم القوم‪ :‬إذا دخ ـلوا ف ـي الش هر ال ـحرام‪ ,‬أو ف ـي ال ـحرم‪ .‬فتأوي ـل الكلم‪ :‬ل تقتلوا‬
‫ن َقتَلَ هُ ِم ْنكُ مْ ُم َت َع ّمدًا فإن هذا إعلم من ال‬
‫الصيد وأنتـم مـحرمون بح جّ أو عمرة‪ .‬وقوله‪َ :‬ومَ ْ‬
‫تعالـى ذكره عبـاده حكم القاتل من الـمـحرمين الصيد الذي نهاه عن قتله متعمدا‪.‬‬
‫ثـم اختلف أ هل التأويــل فــي صفة العمـد الذي أوجـب ال عل ـى صـاحبه به الكفــارة‬
‫والـجزاء فـي قتله الصيد‪ .‬فقال بعضهم‪ :‬هو العمد لقتل الصيد مع نسيان قاتله إحرامه فـي‬
‫حال قتله‪ ,‬وقال‪ :‬إن قتله وهو ذاكر إحرامه متعمدا قتله فل حكم علـيه وأمره إلـى ال‪ .‬قالوا‪:‬‬
‫وهذا أجلّ أمرا من أن يحكم علـيه أو يكون له كفّـارة‪ .‬ذكر من قال ذلك‪:‬‬
‫‪ 9862‬ـ حدث نا سفـيان بن وك يع‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا ا بن عي ـينة‪ ,‬عن ا بن أب ـي ن ـجيح‪ ,‬عن‬
‫ن ال ّنعَ مِ من قتله من كم نا سيا لحرا مه‬
‫ل ما َقتَلَ مِ َ‬
‫ن َقتَلَ هُ ِم ْنكُ مْ ُم َت َع ّمدًا َفجَزَاءٌ ِمثْ ُ‬
‫م ـجاهد‪َ :‬ومَ ْ‬
‫متعمدا لقتله‪ ,‬فذلك الذي يُحكم علـيه‪ .‬فإن قتله ذاكرا لـحُرْمه متعمدا لقتله‪ ,‬لـم يحكم علـيه‪.‬‬
‫حدثنا ابن وكيع وابن حميد‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا جرير‪ ,‬عن لـيث‪ ,‬عن مـجاهد فـي الذي يقتل‬
‫الصيد متعمدا‪ ,‬وهو يعلـم أنه مـحرم ومتعمد قتله‪ ,‬قال‪ :‬ل يحكم علـيه‪ ,‬ول ح جّ له‪ .‬وقوله‪:‬‬
‫ن َقتَلَ هُ ِم ْنكُ مْ ُم َت َعمّدا قال‪ :‬هو الع مد ال ـمكفر‪ ,‬وف ـيه الكف ـارة وال ـخطأ أن ي صيبه‪ ,‬و هو‬
‫َومَ ْ‬
‫ناس إحرامه‪ ,‬متعمدا لقتله‪ ,‬أو يصيبه وهو يريد غيره‪ ,‬فذلك يحكم علـيه مرّة‪.‬‬
‫حدثن ـي م ـحمد بن عمرو‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا أ بو عا صم‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا عي سى‪ ,‬عن ا بن أب ـي‬
‫حرُمٌ‪َ ,‬و َمنْ َقتَلَ ُه ِم ْنكُمْ ُم َت َع ّمدًا غير ناس لـحرمه‬
‫نـجيح‪ ,‬عن مـجاهد‪ :‬ل تَ ْقتُلُوا الصّ ْيدُ وأ ْنتُـمْ ُ‬
‫ول مر يد غيره‪ ,‬ف قد حلّ ول ـيست له رخ صة‪ .‬و من قتله نا سيا أو أراد غيره فأخ طأ به‪ ,‬فذلك‬
‫العمد الـمكفر‪.‬‬
‫ن َقتَلَ ُه ِم ْنكُ مْ‬
‫حدث نا يعقوب‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا هشي ـم‪ ,‬عن ل ـيث‪ ,‬عن م ـجاهد‪ ,‬ف ـي قوله‪َ :‬ومَ ْ‬
‫ُم َت َعمّدا قال‪ :‬متعمدا لقتله‪ ,‬ناسيا لحرامه‪.‬‬
‫حدثنـي يحيى بن طلـحة الـيربوعي‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا الفضيـل بن عياض‪ ,‬عن لـيث‪ ,‬عن‬
‫مـجاهد‪ ,‬قال‪ :‬العمد هو الـخطأ الـمكفّر‪.‬‬
‫حدثنا الـحسن بن عرفة‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا يونس بن مـحمد‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا عبد الواحد بن زياد‪,‬‬
‫قال‪ :‬حدث نا لـيث قال‪ :‬قال مـجاهد‪ :‬قوله ال‪َ :‬ومَ نْ َقتَلَ هُ ِم ْنكُ مْ ُم َت َعمّدا َفجَزَا ٌء ِمثْلُ ما َقتَلَ مِ نَ‬
‫ال ّنعَ مِ قال‪ :‬ف ـالعمد الذي ذ كر ال تعال ـى أن ي صيب ال صيد و هو ير يد غيره ف ـيصيبه‪ ,‬فهذا‬
‫العمد الـمكفّر فأما الذي يصيبه غي َر ناس ول مريد لغيره‪ ,‬فهذا ل يحكم علـيه‪ ,‬هذا أجَلّ من‬
‫أن يحكم علـيه‪.‬‬
‫حدث نا ا بن وك يع‪ ,‬وم ـحمد بن ال ـمثنى‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا م ـحمد بن جع فر‪ ,‬عن شع بة‪ ,‬عن‬
‫الهيثم‪ ,‬عن الـحكم‪ ,‬عن مـجاهد‪ ,‬أنه قال فـي هذه الَية‪َ :‬ومَ نْ َقتَلَ هُ ِم ْنكُ مْ ُم َتعَمّدا قال‪ :‬يقتله‬
‫متعمدا لقتله‪ ,‬ناسيا لحرامه‪.‬‬
‫حدثنا ابن الـمثنى‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا ابن أبـي عديّ‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا شعبة‪ ,‬عن الهيثم‪ ,‬عن الـحكم‪,‬‬
‫عن مـجاهد‪ ,‬مثله‪.‬‬
‫ن َقتَلَ هُ ِم ْنكُ مْ ُم َت َعمّدا‬
‫‪ 9863‬ـ حدثنا هناد‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا ابن أبـي زائدة‪ ,‬قال‪ :‬قال ابن جريج‪َ :‬ومَ ْ‬
‫غير ناس لـحُرمه ول مريد غيره‪ ,‬فقد حلّ ولـيست له رخصة‪ .‬ومن قتله ناسيا لـحرمه أو‬
‫أراد غيره فأخطأ به‪ ,‬فذلك العمد الـمكفّر‪.‬‬
‫ن َقتَلَ هُ‬
‫‪ 9864‬ـ حدثنا ابن وكيع‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا سهل بن يوسف‪ ,‬عن عمرو‪ ,‬عن الـحسن‪َ :‬ومَ ْ‬
‫ع َتدَى َب ْعدَ ذلك متعمدا للصيد يذكر إحرامه‪.‬‬
‫ِم ْنكُمْ ُم َت َعمّدا للصيد ناسيا لحرامه‪ ,‬فمن ا ْ‬
‫حدث نا عمرو بن عل ـيّ‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا م ـحمد بن أب ـي عد يّ‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا إ سماعيـل بن‬
‫م سلـم‪ ,‬قال‪ :‬كان ال ـحسن يفت ـي ف ـيـمن ق تل ال صيد متعمدا ذاكرا لحرا مه‪ :‬ل ـم يح كم‬
‫علـيه‪ .‬قال إسماعيـل‪ ,‬وقال حماد عن إبراهيـم‪ ,‬مثل ذلك‪.‬‬
‫‪9865‬ـ حدثنا عمرو بن علـيّ‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا عفـان بن مسلـم‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا حماد بن سلـمة‪,‬‬
‫ن َقتَلَ ُه ِم ْنكُ مْ‬
‫قال‪ :‬أمرنـي جعفر بن أبـي وحشية أن أسأل عمرو بن دينار عن هذه الَية‪َ :‬و َم ْ‬
‫ن ال ّنعَ مِ‪ ...‬الَ ية‪ ,‬ف سألته‪ ,‬فقال‪ :‬كان عطاء يقول‪ :‬هو ب ـالـخيار‬
‫جرَاءٌ ِمثْلُ ما َقتَلَ مِ َ‬
‫ُم َت َعمّدا َف َ‬
‫أ يّ ذلك شاء فعل‪ ,‬إن شاء أهدى وإن شاء أطعم وإن شاء صام‪ .‬فأخبرت به جعفرا‪ ,‬وقلت‪ :‬ما‬
‫سمعتَ فـيه؟ فتلكأ ساعة ثم جعل يضحك‪ ,‬ول يخبرنـي‪ ,‬ثم قال‪ :‬كان سعيد بن جبـير يقول‪:‬‬
‫يحكم علـيه من النعم هديا بـالغ الكعبة‪ ,‬فإن لـم يجد يحكم علـيه ثمنه‪ ,‬فقوّم طعاما فتصدّق‪,‬‬
‫فإن لـم يجد علـيه حكم الصيام فـيه من ثلثة أيام إلـى عشرة‪.‬‬
‫حدثنا ابن البرقـي‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا ابن أبـي مريـم‪ ,‬قال‪ :‬أخبرنا نافع بن يزيد‪ ,‬قال أخبرنـي‬
‫ابن جريج‪ ,‬قال‪ :‬قال مـجاهد‪َ :‬ومَ نْ َقتَلَ هُ ِم ْنكُ مْ ُم َت َعمّدا غير ناس لـحُرمه ول مريد غيره فقد‬
‫حلّ ولـيست له رخصة‪ ,‬ومن قتله ناسيا أو أراد غيره فأخطأ به‪ ,‬فذلك العمد الـمكفّر‪.‬‬
‫‪ 9866‬ـ حدثنا يونس‪ ,‬قال‪ :‬أخبرنا ابن وهب‪ ,‬قال‪ :‬قال ابن زيد‪ :‬أما الذي يتعمد فـيه الصيد‬
‫وهو ناس لـحرمه أو جاهل أن قتله غير مـحرّم‪ ,‬فهؤلء الذين يحكم علـيهم‪ .‬فأما من قتله‬
‫متعمدا ب عد ن هي ال و هو يعرف أ نه م ـحروم وأ نه حرام‪ ,‬فذلك يو كل إل ـى نق مة ال‪ ,‬وذلك‬
‫الذي جعل ال علـيه النقمة‪.‬‬
‫ن َقتَلَ ُه ِم ْنكُ مْ‬
‫حدثنـي يعقوب‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا هشيـم‪ ,‬عن لـيث‪ ,‬عن مـجاهد‪ ,‬فـي قوله‪َ :‬ومَ ْ‬
‫ُم َت َعمّدا قال‪ :‬متعمدا لقتله‪ ,‬ناسيا لحرامه‪.‬‬
‫وقال آخرون‪ :‬بل ذلك هو الع مد من ال ـمـحرم لق تل ال صيد ذاكرا ل ـحُرمه‪ .‬ذ كر من قال‬
‫ذلك‪:‬‬
‫‪9867‬ـ حدثنا هناد‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا وكيع‪ ,‬وحدثنا ابن وكيع‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا أبـي‪ ,‬عن سفـيان‪ ,‬عن‬
‫ابن جريج‪ ,‬عن عطاء‪ ,‬قال‪ :‬يحكم علـيه فـي العمد والـخطإ والنسيان‪.‬‬
‫‪ 9868‬ـ حدث نا هناد‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا ا بن أب ـي زائدة‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا ا بن جر يج‪ ,‬وحدث نا عمرو بن‬
‫علـيّ‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا أبو عاصم‪ ,‬عن ابن جريج‪ ,‬قال‪ :‬قال طاوس‪ :‬وال ما قال ال إلّ‪َ :‬و َمنْ َقتَلَهُ‬
‫ِم ْنكُمْ ُم َت َعمّدا‪.‬‬
‫‪ 9869‬ـ حدثنـي يعقوب بن إبراهي ـم‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا هشيـم‪ ,‬قال‪ :‬أخبرنـي بعض أ صحابنا‬
‫عـن الزهري أنـه قال‪ :‬نزل القرآن بــالعمد‪ ,‬وجرت السـنة فــي الــخطإ‪ .‬يعنــي فــي‬
‫الـمـحرم يصيب الصيد‪.‬‬
‫‪ 9870‬ـ حدثنـي الـمثنى‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا عبد ال بن صالـح‪ ,‬قال‪ :‬ثنـي معاوية بن صالـح‪,‬‬
‫ص ْيدَ‬
‫ن آ َمنُوا ل تَ ْقتُلُوا ال ّ‬
‫عن عل ـيّ بن أب ـي طل ـحة‪ ,‬عن ا بن عب ـاس‪ ,‬قوله‪ :‬يا أيّ ها اّلذِي َ‬
‫حرُ مٌ قال‪ :‬إن قتله متعمدا أو ناسيا حكم علـيه‪ ,‬وإن عاد متعمدا عجلت له العقوبة‪ ,‬إلّ‬
‫وأ ْنتُـمْ ُ‬
‫أن يعفو ال‪.‬‬
‫‪ 9871‬ـ حدثنا ابن وكيع‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا أبـي‪ ,‬عن العمش‪ ,‬عن عمرو بن مرّة‪ ,‬عن سعيد بن‬
‫جبـير‪ ,‬قال‪ :‬إنـما جعلت الكفّـارة فـي العمد‪ ,‬ولكن غلّظ علـيهم فـي الـخطأ كي يتقوا‪.‬‬
‫حدثنا عمرو بن علـيّ‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا أبو معاوية ووكيع‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا العمش‪ ,‬عن عمرو بن‬
‫مرّة‪ ,‬عن سعيد بن جبـير‪ ,‬نـحوه‪.‬‬
‫حدثنا ابن البرقـي‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا ابن أبـي مريـم‪ ,‬قال‪ :‬أخبرنا نافع بن يزيد‪ ,‬قال‪ :‬أخبرنا‬
‫ابن جريج‪ ,‬قال‪ :‬كان طاوس يقول‪ :‬وال ما قال ال إلّ‪َ :‬ومَنْ َقتَلَ ُه ِم ْنكُ ْم ُم َتعَمّدا‪.‬‬
‫وال صواب من القول ف ـي ذلك عند نا‪ ,‬أن يقال‪ :‬إن ال تعال ـى حرّم ق تل صيد البرّ عل ـى‬
‫كل م ـحرم ف ـي حال إحرا مه ما دام حرا ما‪ ,‬بقوله‪ :‬يا أيّ ها اّلذِي نَ آ َمنُوا ل تَ ْقتُلُوا ال صّ ْيدَ ثم‬
‫بــين حكـم مـن قتـل مـا قتـل مـن ذلك فــي حال إحرامـه متعمدا لقتله‪ ,‬ولــم يخصـص بـه‬
‫الـمتعمد قتله فـي حال نسيانه إحرامه‪ ,‬ول الـمخطىء فـي قتله فـي حال ذكره إحرامه‪,‬‬
‫بل ع ّم ف ـي التنزي ـل بإيجاب كلّ قا تل صيد ف ـي حال إحرا مه متعمدا‪ .‬وغ ير جائز إحالة‬
‫ظاهر التنزيـل إلـى بـاطن من التأويـل ل دللة علـيه من ن صّ كتاب ول خبر لرسول‬
‫ال صلى ال عل يه و سلم ول إجماع من ال مة ول دللة من ب عض هذه الوجوه‪ .‬فإذ كان ذلك‬
‫كذلك‪ ,‬فسواء كان قاتل الصيد من الـمـحرمين عامدا قتله ذاكرا لحرامه‪ ,‬أو عامدا قتله ناسيا‬
‫لحرامه‪ ,‬أو قاصدا غيره فقتله ذاكرا لحرامه‪ ,‬فـي أ نّ علـى جميعهم من الـجزاء ما قال‬
‫ربنا تعالـى وهو‪ :‬مثل ما قتل من ال ّنعَم يحكم بِ هِ ذوا عدل من الـمسلـمين أو كفّـارة طعام‬
‫مسـاكين أو عدل ذلك صـياما وهذا قول عطاء والزهري الذي ذكرناه عنهمـا‪ ,‬دون القول الذي‬
‫قاله مـجاهد‪.‬‬
‫وأما ما يـلزم بـالـخطأ قاتله‪ ,‬فقد بـينا القول فـيه فـي كتابنا «كتاب لطيف القول فـي‬
‫أحكام الشرائع» ب ـما أغ نى عن ذكره ف ـي هذا ال ـموضع‪ .‬ول ـيس هذا ال ـموضع مو ضع‬
‫ذكره‪ ,‬لن ق صدنا ف ـي هذا الكتاب الب ـانة عن تأوي ـل التنزي ـل‪ ,‬ول ـيس ف ـي التنزي ـل‬
‫للـخطإ ذكر فنذكر أحكامه‪.‬‬
‫ن ال ّنعَ مِ فإ نه يقول‪ :‬وعل ـيه كف ـارة وبدل‪ ,‬يعن ـي بذلك‪:‬‬
‫ل ما َقتَلَ ِم َ‬
‫جزَاءٌ ِمثْ ُ‬
‫وأ ما قوله‪ :‬فَ َ‬
‫جزاء الصيد الـمقتول يقول تعالـى ذكره‪ :‬فعلـى قاتل الصيد جزاء الصيد الـمقتول مثل ما‬
‫ل مِنَ ال ّن َعمِ»‪.‬‬
‫جزَاؤُ ُه ِمثْلُ ما قَتَ َ‬
‫قتل من النعم‪ .‬وقد ذكر أن ذلك فـي قراءة عبد ال‪َ « :‬ف َ‬
‫وقـد اختلفـت القرّاء فــي قراءة ذلك‪ ,‬فقرأتـه عامـة قرّاء الــمدينة وبعـض البصـريـين‪:‬‬
‫« َفجَزَا ُء ِمثْلِ ما َقتَلَ ِم نَ ال ّنعَ مِ» بإضا فة ال ـجزاء إل ـى ال ـمثل وخ فض ال ـمثل‪ .‬وقرأ ذلك‬
‫عا مة قرّاء الكوف ـيـين‪َ :‬فجَزَا ٌء ِمثْلُ ما َقتَلَ بتنو ين «ال ـجزاء» ور فع «ال ـمثل» بتأوي ـل‪:‬‬
‫فعلـيه جزاء مثل ما قتل‪.‬‬
‫ل مـا َقتَلَ بتنويـن‬
‫جزَاءٌ ِمثْ ُ‬
‫وأولــى القراءتــين فــي ذلك بــالصواب قراءة مـن قرأ‪ :‬فَ َ‬
‫«الـجزاء» ورفع «الـمثل»‪ ,‬لن الـجزاء هو الـمثل‪ ,‬فل وجه لضافة الشيء إلـى نفسه‪.‬‬
‫وأحسب أن الذ ين قرءوا ذلك ب ـالضافة‪ ,‬رأوا أن الوا جب علـى قاتل ال صيد أن يجزى مثله‬
‫من ال صيد ب ـمثل من الن عم ول ـيس كذلك كالذي ذهبوا إل ـيه‪ ,‬بل الوا جب عل ـى قاتله أن‬
‫يجزى الـمقتول نظيره من النعم‪ .‬وإذ كان ذلك كذلك‪ ,‬فـالـمثل هو الـجزاء الذي أوجبه ال‬
‫تعالــى علــى قاتـل الصـيد‪ ,‬ولن يضاف الشيـء إلــى نفسـه‪ ,‬ولذلك لــم يقرأ ذلك قارىء‬
‫عل ـمناه ب ـالتنوين ون صب ال ـمثل‪ .‬ولو كان ال ـمثل غ ير ال ـجزاء ل ـجاز ف ـي ال ـمثل‬
‫الن صب إذا نون ال ـجزاء‪ ,‬ك ما ن صب ال ـيتـيـم إذ كان غ ير الطعام ف ـي قوله‪ :‬أ ْو إطْعا مٌ‬
‫س َغبَةٍ َيتِـيـما ذَا مَ ْق َربَةٍ وكما نصب الموات والحياء ونون الكفـات فـي قوله‪:‬‬
‫فِـي ذِي مَ ْ‬
‫ض كِف ـاتا أحْياءً وأ ْموَا تا إذ كان الكف ـات غ ير الحياء والموات‪ .‬وكذلك‬
‫جعَلِ الرْ َ‬
‫ألَ ـمْ نَ ـ ْ‬
‫ال ـجزاء‪ ,‬لو كان غ ير ال ـمثل لت سعت القراءة ف ـي ال ـمثل ب ـالنصب إذا نوّن ال ـجزاء‪,‬‬
‫ولكـن ذلك ضاق فلــم يقرأه أحـد بتنويـن الــجزاء ونصـب الــمثل‪ ,‬إذ كان الــمثل هـو‬
‫الـجزاء‪ ,‬وكان معنى الكلم‪ :‬ومن قتله منكم متعمدا‪ ,‬فعلـيه جزاء هو مثل ما قتل من النعم‪.‬‬
‫ثم اختلف أهل العلـم فـي صفة الـجزاء‪ ,‬وكيف يجزى قاتل الصيد من الـمـحرمين ما‬
‫قتل بـمثله من النعم‪ .‬فقال بعضهم‪ :‬ينظر إلـى أشبه الشياء به شبها من النعم‪ ,‬فـيجزيه به‬
‫ويُهديه إلـى الكعبة‪ .‬ذكر من قال ذلك‪:‬‬
‫‪9872‬ـ حدثنـي مـحمد بن الـحسين‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا أحمد بن مفضل‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا أسبـاط‪ ,‬عن‬
‫جزَاءٌ ما َقتَلَ مِ نَ ال ّنعَ مِ قال‪ :‬أ ما جزاء م ثل ما ق تل من‬
‫ال سديّ‪ ,‬قوله‪َ :‬ومَ نْ َقتَلَ ُه ِم ْنكُ مْ ُم َت َعمّدا َف َ‬
‫الن عم‪ ,‬فإن ق تل نعا مة أو حمارا فعل ـيه بد نة‪ ,‬وإن ق تل بقرة أو أيّلً أو َأرْوَى فعل ـيه بقرة‪ ,‬أو‬
‫ل أو أرنبـا فعلـيه شاة‪ .‬وإن قتل ضبّـا أو حربـاء أو يربوعا‪ ,‬فعلـيه سخـلة قد‬
‫قتل غزا ً‬
‫أكلت العشب وشربت اللبن‪.‬‬
‫‪ 9873‬ـ حدث نا ا بن حم يد‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا هارون بن ال ـمغيرة‪ ,‬عن أب ـي م ـجاهد‪ ,‬قال‪ :‬سئل‬
‫عطاء‪ :‬أيغرم ف ـي صغير ال صيد ك ما يغرم ف ـي كب ـيره؟ قال‪ :‬أل ـيس يقول ال تعال ـى‪:‬‬
‫ن ال ّن َعمِ؟‬
‫ل ما َقتَلَ مِ َ‬
‫َفجَزَاءٌ ِمثْ ُ‬
‫‪ 9874‬ـ حدثنا هناد‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا ابن أبـي زائدة‪ ,‬قال‪ :‬أخبرنا ابن جريج‪ ,‬قال‪ :‬قال مـجاهد‪:‬‬
‫ن ال ّن َعمِ قال‪ :‬علـيه من النعم مثله‪.‬‬
‫ن َقتَلَهُ ِم ْن ُكمْ ُم َت َعمّدا َفجَزَا ٌء ِمثْلُ ما َقتَلَ مِ َ‬
‫َومَ ْ‬
‫‪ 9875‬ـ حدث نا هناد‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا جر ير‪ ,‬عن من صور‪ ,‬عن ال ـحكم‪ ,‬عن مق سم‪ ,‬عن ا بن‬
‫ن ال ّنعَ مِ قال‪ :‬إذا أ صاب ال ـمـحرم ال صيد و جب‬
‫عب ـاس‪ ,‬ف ـي قوله‪َ :‬فجَزَا ٌء ِمثْلُ ما َقتَلَ مِ َ‬
‫علـيه جزاؤه من النعم‪ ,‬فإن وجد جزاءه ذبحه فتصدّق به‪ ,‬فإن لـم يجد جزاءه قوّم الـجزاء‬
‫دراهم ثم قوّم الدراهم حنطة ثم صام مكان كلّ نصف صاع يوما‪ .‬قال‪ :‬وإنـما أريد بـالطعام‬
‫الصوم‪ ,‬فإذا وجد طعاما وجد جزاء‪.‬‬
‫حدثنا ابن وكيع وابن حميد‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا جرير‪ ,‬عن منصور‪ ,‬عن الـحكم‪ ,‬عن مقسم‪ ,‬عن‬
‫ُمـ َهدْيـا بــالِغَ ال َك ْعبَةِ أوْ‬
‫عدْلٍ ِم ْنك ْ‬
‫حكُم ُـ بِه ِـ َذوَا َ‬
‫جزَاءٌ ِمثْلُ مـا َقتَلَ مِن َـ ال ّنعَم ِـ َي ْ‬
‫ابـن عبــاس‪َ :‬ف َ‬
‫ك صِياما قال‪ :‬إذا أ صاب ال ـمـحرم ال صيد ح كم عل ـيه‬
‫ل ذَلِ َ‬
‫عدْ ُ‬
‫كَفّ ـارَةٌ طَعا مُ مَ ساكِينَ أوْ َ‬
‫جزاؤه من النعم‪ ,‬فإن لـم يجد نظركم ثمنه قال ابن حميد‪ :‬نظركم قـيـمته فقوّم علـيه ثمنه‬
‫طعا ما‪ ,‬ف صام مكان كل ن صف صاع يو ما‪ ,‬أو كفّ ـارة طعام م ساكين‪ ,‬أو عدل ذلك صياما‪.‬‬
‫قال‪ :‬إنـما أريد بـالطعام‪ :‬الصيام‪ ,‬فإذا وجد الطعام وجد جزاءه‪.‬‬
‫حدث نا ا بن وك يع‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا يز يد بن هارون‪ ,‬عن سفـيان بن ح سين‪ ,‬عن ال ـحكم‪ ,‬عن‬
‫جزَاءٌ ِمثْلُ ما َقتَلَ مِنَ ال ّن َعمِ فإن لـم يجد هديا‪,‬‬
‫مقسم‪ ,‬عن ابن عبـاس‪َ :‬ومَنْ َقتَلَهُ ِم ْن ُكمْ ُم َتعَ ّمدًا َف َ‬
‫قوّم الهدى علـيه طعاما وصام عن كلّ صاع يومين‪.‬‬
‫حدث نا هناد‪ .‬قال‪ :‬ع بد بن حم يد‪ ,‬عن من صور‪ ,‬عن ال ـحكم‪ ,‬عن مق سم‪ ,‬عن ا بن عب ـاس‬
‫ل ِم ْنكُ مْ‬
‫عدْ ٍ‬
‫حكُ ُم بِ ِه ذَوا َ‬
‫ن ال ّنعَ مِ َي ْ‬
‫ل مِ َ‬
‫ل مَا قَتَ َ‬
‫ن َقتَلَ ُه ِم ْنكُ مْ ُم َت َع ّمدًا َفجَزَاءٌ ِمثْ ُ‬
‫ف ـي هذه الَ ية‪َ :‬ومَ ْ‬
‫َهدْيا بـالِغَ ال َك ْعبَةِ قال‪ :‬إذا أصاب الرجل الصيد حكم علـيه‪ ,‬فإن لـم يكن عنده قوّم علـيه‬
‫ك نصف صاع يوما‪.‬‬
‫ثمنه طعام ثم صام لل ّ‬
‫‪ 9876‬ـ حدثنا أبو كريب ويعقوب‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا هشيـم‪ ,‬قال‪ :‬أخبرنا عبد الـملك بن عمير‪,‬‬
‫عن قب ـيصة بن جابر‪ ,‬قال‪ :‬ابتدرت و صاحب ل ـي ظب ـيا ف ـي العق بة‪ ,‬فأ صبته‪ .‬فأت ـيت‬
‫ع مر بن ال ـخطاب فذكرت ذلك له‪ ,‬فأق بل عل ـيّ ر جل إل ـى جن به‪ ,‬فنظرا ف ـي ذلك‪ ,‬فقال‪:‬‬
‫اذبح كبشا‪.‬‬
‫حدثن ـي يعقوب‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا هشي ـم‪ ,‬قال‪ :‬أخبر نا ح صين‪ ,‬عن الشعب ـي‪ ,‬قال‪ :‬أخبرن ـي‬
‫قبـيصة بن جابر نـحوا مـما حدّث به عبد الـملك‪.‬‬
‫‪ 9877‬ـ حدث نا هناد‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا وك يع‪ ,‬عن ال ـمسعودي‪ ,‬عن ع بد ال ـملك بن عم ير‪ ,‬عن‬
‫قب ـيصة بن جابر‪ ,‬قال‪ :‬ق تل صاحب ل ـي ظب ـيا و هو م ـحرم‪ ,‬فأمره ع مر أن يذ بح شاة‪,‬‬
‫فـيتصدّق بلـحمها و ُيسْقِـي إهابها‪.‬‬
‫‪9878‬ـ حدثنا هناد‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا ابن أبـي زائدة‪ ,‬عن داود بن أبـي هند‪ ,‬عن بكر بن عبد ال‬
‫الـمزنـي‪ ,‬قال‪ :‬قتل رجل من العراب وهو مـحرم ظبـيا‪ ,‬فسأل عمر‪ ,‬فقال له عمر‪ :‬أهد‬
‫شاة‪.‬‬
‫‪9879‬ـ حدثنا هناد‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا أبو الحوص‪ ,‬عن حصين‪ ,‬وحدثنا أبو هشام الرفـاعي‪ ,‬قال‪:‬‬
‫حدث نا ا بن فضي ـل‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا ح صين‪ ,‬عن الشعب ـيّ‪ ,‬قال‪ :‬قال قب ـيصة بن جابر‪ :‬أ صبت‬
‫ظب ـيا وأ نا م ـحرم‪ ,‬فأت ـيت ع مر ف سألته عن ذلك‪ ,‬فأر سل إل ـى ع بد الرح من بن عوف‪,‬‬
‫فقلت‪ :‬يا أم ير ال ـمؤمنـين إن أمره أهون من ذلك قال‪ :‬فضربن ـي ب ـالدرّة حت ـى سابقته‬
‫عدوا‪ .‬قال‪ :‬ثم قال‪ :‬قتلت ال صيد وأ نت م ـحرم ثم تُغ مص الفت ـيا؟ قال‪ :‬فجاء ع بد الرح من‪,‬‬
‫فحكما شاة‪.‬‬
‫‪ 9880‬ـ حدثنـي الـمثنى‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا عبد ال بن صالـح‪ ,‬قال‪ :‬ثنـي معاوية بن صالـح‪,‬‬
‫ل مِ نَ‬
‫ن َقتَلَ ُه ِم ْنكُمْ ُم َت َع ّمدًا َفجَزَا ٌء ِمثْلُ ما قَتَ َ‬
‫عن علـيّ بن أبـي طلـحة‪ ,‬عن ابن عبـاس‪َ :‬ومَ ْ‬
‫ال ّنعَ مِ قال‪ :‬إذا قتل الـمـحرم شيئا من الصيد حكم علـيه‪ ,‬فإن قتل ظبـيا أو نـحوه فعلـيه‬
‫شاة تذبح بـمكة‪ ,‬فإن لـم يجد فإطعام ستة مساكين‪ ,‬فإن لـم يجد فصيام ثلثة أيام‪ ,‬فإن قتل‬
‫أيّلً أو نـحوه فعلـيه بقرة وإن قتل نعامة أو حمار وحش أو نـحوه فعلـيه بدنة من البل‪.‬‬
‫‪ 9881‬ـ حدث نا م ـحمد بن بشار‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا أ بو عا صم‪ ,‬قال‪ :‬أخبر نا ا بن جر يج‪ ,‬قال‪ :‬قلت‬
‫لعطاء‪ :‬أرأيـت إن قتلت صـيدا فإذا هـو أعور أو أعرج أو منقوص أغرم مثله؟ قال‪ :‬نعـم‪ ,‬إن‬
‫شئت‪ .‬قلت‪ :‬أُوف ـي أح بّ إل ـيك؟ قال‪ :‬ن عم‪ .‬وقال عطاء‪ :‬وإن قتلت ولد الظب ـي فف ـيه ولد‬
‫شاة‪ ,‬وإن قتلت ولد بقرة وحشية ففـيه ولد بقرة إنسية مثله‪ ,‬فكل ذلك علـى ذلك‪.‬‬
‫‪9882‬ـ حُدثت عن الـحسين بن الفرج‪ ,‬قال‪ :‬سمعت أبـا معاذ الفضل بن خالد‪ ,‬قال‪ :‬أخبرنا‬
‫عبـيد بن سلـيـمان البـاهلـي‪ ,‬قال‪ :‬سمعت الضحاك بن مزاحم يقول‪َ :‬فجَزَا ٌء ِمثْلُ ما قَتَلَ‬
‫ن ال ّنعَمِ‪ :‬ما كان من صيد البرّ مـما لـيس له قرن الـحمار والنعامة فعلـيه مثله من البل‪,‬‬
‫مِ َ‬
‫وما كان ذا قرن من صيد الب ّر من وعل أو أيـل فجزاؤه من البقر‪ ,‬وما كان من ظبـي فمن‬
‫الغنـم مثله‪ ,‬وما كان من أرنب ففـيها ثنـية‪ ,‬وما كان من يربوع وشبهه ففـيه حمل صغير‪,‬‬
‫وما كان من جرادة أو نـحوها ففـيه قبضة من طعام‪ ,‬وما كان من طير البرّ ففـيه أن يقوّم‬
‫ويتصدّق بثمنه‪ ,‬وإن شاء صام لكلّ نصف صاع يوما‪ .‬وإن أصاب فرخ طير برية أو بـيضها‬
‫ف ـالقـيـمة ف ـيها طعام أو صوم عل ـى الذي يكون ف ـي الط ير‪ .‬غ ير أ نه قد ذ كر ف ـي‬
‫ب ـيض النعام إذا إ صابها ال ـمـحرم أن يح مل الف حل عل ـى عدّة من أ صاب من الب ـيض‬
‫علـى بِكارة البل‪ ,‬فما لقح منها أهداه إلـى البـيت‪ ,‬وما فسد منها فل شيء فـيه‪.‬‬
‫‪ 9883‬ـ حدثنا ابن البرقـي‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا ابن أبـي مريـم‪ ,‬قال‪ :‬أخبرنا نافع‪ ,‬قال‪ :‬أخبرنـي‬
‫ا بن جر يج‪ ,‬قال‪ :‬قال م ـجاهد‪ :‬من قتله يعن ـي ال صيد نا سيا‪ ,‬أو أراد غيره فأخ طأ به‪ ,‬فذلك‬
‫العمد الـمكفّر‪ ,‬فعلـيه مثله هديا بـالغ الكعبة‪ ,‬فإن لـم يجد ابتاع بثمنه طعاما‪ ,‬فإن لـم يجد‬
‫صام عن كلّ مدّ يوما‪ .‬وقال عطاء‪ :‬فإن أصاب إنسان نعامة‪ ,‬كان له إن كان ذا يسار ما شاء‪,‬‬
‫جزَاءٌ أو كذا‬
‫إن شاء يهدي جزورا أو عَدلها طعاما أو عدلها صياما‪ ,‬أيهنّ شاء من أجل قوله‪َ :‬ف َ‬
‫قال‪ :‬فكلّ شيء فـي القرآن أوأو‪ ,‬فلـيختر منه صاحبه ما شاء‪.‬‬
‫‪ 9884‬ـ حدثنا ابن البرقـي‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا ابن أبـي مريـم‪ ,‬قال‪ :‬أخبرنا نافع‪ ,‬قال‪ :‬أخبرنـي‬
‫ابن جريج‪ ,‬قال‪ :‬أخبرنـي الـحسن بن مسلـم‪ ,‬قال‪ :‬من أصاب من الصيد ما يبلغ أن يكون‬
‫طعَام‬
‫ل مـا َقتَلَ مَنَـ ال ّنعَمـِ‪ .‬وأمـا كفّــارَة َ‬
‫جزَاءٌ ِمثْ ُ‬
‫شاة فصـاعدا‪ ,‬فذلك الذي قال ال تعالــى‪ :‬فَ َ‬
‫مَ سَاكِين فذلك الذي ل يبلغ أن يكون ف ـيه هدي‪ ,‬العصفور يق تل فل يكون فـيه‪ .‬قال‪ :‬أو عدل‬
‫ذلك صياما‪ ,‬عدل النعامة‪ ,‬أو عدل العصفور‪ ,‬أو عدل ذلك كله‪.‬‬
‫وقال آخرون‪ :‬بل يقوّم الصيد الـمقتول قـيـمته من الدراهم‪ ,‬ثم يشتري القاتل بقـيـمته‬
‫ِندّا من النعم‪ ,‬ثم يهديه إلـى الكعبة‪ .‬ذكر من قال ذلك‪:‬‬
‫‪9885‬ـ حدثنـي يعقوب بن إبراهيـم‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا هشيـم‪ ,‬قال‪ :‬أخبرنا عبدة‪ ,‬عن إبراهيـم‪,‬‬
‫قال‪ :‬ما أصاب الـمـحرم من شيء حكم فـيه قـيـمته‪.‬‬
‫حدثنا مـحمد بن الـمثنى‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا مـحمد بن جعفر‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا شعبة‪ ,‬عن حماد‪ ,‬قال‪:‬‬
‫سمعت إبراهيـم يقول‪ :‬فـي كلّ شيء من الصيد ثمنه‪.‬‬
‫وأول ـى القول ـين ف ـي تأوي ـل الَ ية‪ ,‬ما قال ع مر وا بن عب ـاس و من قال بقوله ما‪ :‬إن‬
‫ل ما َقتَلَ ِم نَ‬
‫جزَاءٌ ِمثْ ُ‬
‫ال ـمقتول من ال صيد يجزى ب ـمثله من الن عم‪ ,‬ك ما قال ال تعال ـى‪ :‬فَ َ‬
‫ن ال ّنعَ مِ لن‬
‫ال ّنعَ مِ وغير جائز أن يكون مثل الذي قتل من الصيد دراهم وقد قال ال تعالـى‪ :‬مِ َ‬
‫الدراهم لـيست من النعم فـي شيء‪.‬‬
‫فإن قال قائل‪ :‬فإن الدراهم وإن لـم تكن مثلً للـمقتول من الصيد‪ ,‬فإنه يشتري بها الـمثل‬
‫من النعم‪ ,‬فـيهديه القاتل‪ ,‬فـيكون بفعله ذلك كذلك جازيا بـما قتل من الصيد مثلً من النعم؟‬
‫قــيـل له‪ :‬أفرأيـت إن كان الــمقتول مـن الصـيد صـغيرا أو كبــيرا أو سـلـيـما‪ ,‬أو كان‬
‫ل صغيرا أو معيبـا‪ ,‬أيجوز له‬
‫الـمقتول من الصيد كبـيرا أو سلـيـما بقـيـمته من النعم إ ّ‬
‫أن يشتري بقــيـمته خلفـه وخلف صـفته فــيهديه‪ ,‬أم ل يجوز ذلك له‪ ,‬وهـو ل يجـد إلّ‬
‫خلفه؟ فإن زعم أنه ل يجوز له أن يشتري بقـيـمته إلّ مثله‪ ,‬تُرك قوله فـي ذلك لن أهل‬
‫هذه ال ـمقالة يزعمون أ نه ل يجوز له أن يشتري بق ـيـمته ذلك ف ـيهديه إلّ ما يجوز ف ـي‬
‫شرَى مثل الـمقتول من الصيد بقـيـمته وإهداءها وقد يكون الـمقتول‬
‫الضحايا‪ ,‬وإذا أجازوا ِ‬
‫صغيرا معيب ـا‪ ,‬أجازوا ف ـي الهدي ما ل يجوز ف ـي الضا حي‪ ,‬وإن ز عم أ نه ل يجوز أن‬
‫ل ما يجوز فـي الضحايا أوضح بذلك من قوله الـخلفَ لظاهر‬
‫يشتري بقـيـمته فـيهديه إ ّ‬
‫التنزيـل وذلك أن ال تعالـى أوجب علـى قاتل الصيد من الـمـحرمين عمدا الـمثل من‬
‫النعم إذا وجدوه وقد زعم قائل هذه الـمقالة أنه ل يجب علـيه الـمثل من النعم وهو إلـى‬
‫ذلك واجد سبـيلً‪.‬‬
‫ويقال لقائل‪ :‬ذلك‪ :‬أرأيت إن قال قائل آخر‪ :‬ما عل ـى قا تل ما ل تبلغ من الصيد قـيـمته‬
‫ما يصاب به من النعم ما يجوز فـي الضاحي من إطعام ول صيام‪ ,‬لن ال تعالـى إنـما‬
‫خ ير قا تل ال صيد من ال ـمـجرمين ف ـي أ حد الثل ثة الشياء الت ـي سماها ف ـي كتا به‪ ,‬فإذا‬
‫لـم يكن له إلـى واحد من ذلك سبـيـل سقط عنه فرض الَخرين‪ ,‬لن الـخيار إنـما كان‬
‫له وله إل ـى الثل ثة سبـيـل فإذا ل ـم يكون له إل ـى ب عض ذلك سبـيـل فرض ال ـجزاء‬
‫عنه‪ ,‬لنه لـيس مـمن عُنـي بـالَية نظير الذي قلت أنت إنه إذا لـم يكن الـمقتول من‬
‫الصيد يبلغ قـيـمته ما يصاب من النعم مـما يجوز فـي الضحايا‪ ,‬فقد سقط فرض الـجزاء‬
‫بـالـمثل من النعم عنه‪ ,‬وإن ـما عل ـيه الـجزاء بـالطعام أو الصيام هل بـينك وبـينه‬
‫فرق من أصل أو نظير؟ فلن يقول فـي أحدهما قولً إلّ ألزم فـي الَخر مثله‪.‬‬
‫عدْلٍ ِم ْن ُكمْ َهدْيا بـالِغَ ال َك ْعبَةِ‪.‬‬
‫ح ُكمُ بِ ِه ذَوَا َ‬
‫القول فـي تأويـل قوله تعالـى‪َ :‬ي ْ‬
‫يقول تعالـى ذكره‪ :‬يحكم بذلك الـجزاء الذي هو مثل الـمقتول من الصيد من النعم عدلن‬
‫منكم‪ ,‬يعنـي‪ :‬فقـيهان عالـمان من أهل الدين والفضل‪َ .‬هدْيا يقول‪ :‬يقضي بـالـجزاء ذوا‬
‫عدل أن يُهدي فـيبلغ الكعبة‪ .‬والهاء فـي قوله «يحكم به» عائدة علـى الـجزاء‪ ,‬ووجه حكم‬
‫العدل ـين إذا أرادا أن يحك ما ب ـمثل ال ـمقتول من ال صيد من الن عم عل ـى القا تل أن ينظرا‬
‫إل ـى ال ـمقتول وي ستوصفـاه‪ ,‬فإن ذ كر أ نه أ صاب ظب ـيا صغيرا حك ما عل ـيه من ولد‬
‫الضأن بنظيـر ذلك الذي قتله فــي السـنّ والــجسم‪ ,‬فإن كان الذي أصـاب مـن ذلك كبــيرا‬
‫حك ما عل ـيه من الضأن بكب ـير‪ ,‬وإن كان الذي أ صاب حمار و حش حك ما عل ـيه ببقرة إن‬
‫كان الذي أصاب كبـيرا من البقر‪ ,‬وإن كان صغيرا فصغيرا‪ ,‬وإن كان الـمقتول ذكرا فمثله‬
‫مـن ذكور البقـر‪ ,‬وإن كان أنثـى فمثله مـن البقـر أنثـى‪ ,‬ثـم كذلك ينظران إلــى أشبـه الشياء‬
‫بـالـمقتول من الصيد شبها من النعم فـيحكمان علـيه به كما قال تعالـى‪.‬‬
‫وبـمثل الذي قلنا فـي ذلك‪ ,‬قال أهل التأويـل علـى اختلف فـي ذلك بـينهم‪ .‬ذكر من‬
‫قال ذلك بنـحو الذي قلنا فـيه‪:‬‬
‫‪ 9886‬ـ حدثنا هناد بن السريّ‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا ابن أبـي زائدة‪ ,‬قال‪ :‬أخبرنا داود بن أبـي هند‪,‬‬
‫عن ب كر بن ع بد ال ال ـمزنـي‪ ,‬قال‪ :‬كان رجلن من العراب م ـحرمَين‪ ,‬فأحاش أحده ما‬
‫ظبـيا فقتله الَخر‪ ,‬فأتـيا عمر وعنده عبد الرحمن بن عوف‪ ,‬فقال له عمر‪ :‬وما ترى؟ قال‪:‬‬
‫شاة‪ .‬قال‪ :‬وأنا أرى ذلك‪ ,‬اذهبـا فأهديا شاة فلـما مضيا‪ ,‬قال أحدهما لصاحبه‪ :‬ما درى أمير‬
‫ال ـمؤمنـين ما يقول حت ـى سأل صاحبه‪ .‬ف سمعها ع مر‪ ,‬فردّه ما فقال‪ :‬هل تقرآن سورة‬
‫ل مِنك مْ‪ .‬ثم قال‪ :‬ا ستعنت ب صاحبـي‬
‫عدْ ٍ‬
‫حكُ مُ بِ هِ ذَوَا َ‬
‫ال ـمائدة؟ فقال‪ :‬ل‪ .‬فقرأ ها عل ـيهما‪َ :‬ي ْ‬
‫هذا‪.‬‬
‫‪ 9887‬ـ حدثنا أبو كريب ويعقوب‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا هشيـم‪ ,‬قال‪ :‬أخبرنا عبد الـملك بن عمَير‪,‬‬
‫عن قبـيصة بن جابر‪ ,‬قال‪ :‬ابتدرت أنا وصاحب لـي ظبـيا فـي العقبة‪ ,‬فأصبته‪ .‬فأتـيت‬
‫ع مر بن ال ـخطاب‪ ,‬فذكرت ذلك له‪ ,‬فأق بل عل ـى ر جل إل ـى جن به‪ ,‬فنظرا ف ـي ذلك‪ .‬قال‪:‬‬
‫فقال‪ :‬اذبـح كبشـا قال يعقوب فــي حديثـه‪ :‬فقال لــي اذبـح شاة‪ .‬فــانصرفت فأتــيت‬
‫صـاحبـي‪ ,‬فقلت‪ :‬إن أميـر الــمؤمنـين لــم يدر مـا يقول فقال صـاحبـي‪ :‬انــحر ناقتـك‬
‫فسمعها عمر بن الـخطاب‪ ,‬فأقبل علـيّ ضربـا بـالدرّة‪ ,‬وقال‪ :‬تقتل الصيد وأنت مـحرم‬
‫عدْلٍ ِم ْنكُ مْ هذا ابن عوف وأنا‬
‫حكُ مُ ِب هِ َذوَا َ‬
‫ص الفتـيا إن ال تعالـى يقول فـي كتابه‪َ :‬ي ْ‬
‫و َت ْغمِ ُ‬
‫عمر‪.‬‬
‫حدثن ـي يعقوب‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا هشي ـم‪ ,‬قال‪ :‬أخبر نا ح صين‪ ,‬عن الشعب ـي‪ ,‬قال‪ :‬أخبرن ـي‬
‫قبـيصة بن جابر‪ ,‬بنـحو ما حدّث به عبد الـملك‪.‬‬
‫‪ 9888‬ـ حدث نا هناد وأ بو هشام‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا وك يع‪ ,‬عن ال ـمسعودي‪ ,‬عن ع بد ال ـملك بن‬
‫عمير‪ ,‬عن قبـيصة بن جابر‪ ,‬قال‪ :‬خرجنا (حجاجا) فكنا إذا صلـينا الغداة‪ ,‬اقتدرنا رواحلنا‬
‫نتــماشى نتــحدّث‪ .‬قال‪ :‬فبــينـما نــحن ذات غداة إذ سـنـح لنـا ظبــيٌ أو برَح‪ ,‬فرماه‬
‫خشَشاءه‪ ,‬فركب َردْعَه ميتا‪ .‬قال‪ :‬فعظُمنا علـيه فلـما قدمنا مكة‪,‬‬
‫رجل منا بحجر‪ ,‬فما أخطأ ُ‬
‫خرجت معه حتـى أتـينا عمر‪ ,‬فق صّ علـيه القصة‪ ,‬قال‪ :‬وإذا إلـى جنبه رجل كأن وجهه‬
‫قُلْ بُ فضة يعنـي عبد الرحمن بن عوف فـالتفت إلـى صاحبه فكلـمه قال‪ :‬ثم أقبل علـيّ‬
‫الرجل‪ ,‬قال‪ :‬أعمدا قتلته أم خطأ؟ قال الرجل‪ :‬لقد تعمدت رميه‪ ,‬وما أردت قتله‪ .‬فقال عمر‪ :‬ما‬
‫أراك إلّ قد أشر كت ب ـين الع مد وال ـخطأ‪ ,‬اع مد إل ـى شاة ف ـاذبحها‪ ,‬وت صدّق بل ـحمها‪,‬‬
‫وأسـق إهابهـا قال‪ :‬فقمنـا مـن عنده‪ ,‬فقلت‪ :‬أيهـا الرجـل عظـم شعائر ال فمـا درى أميـر‬
‫الـمؤمنـين ما يفتـيك حتـى سأل صاحبه‪ ,‬اعمد إلـى ناقتك فـانـحرها ففعل ذاك‪ .‬قال‬
‫عدْلٍ ِم ْنكُمـْ‪ .‬قال‪ :‬فبلغ عمـر‬
‫ِهـ ذَوَا َ‬
‫ُمـ ب ِ‬
‫حك ُ‬‫قبــيصة‪ :‬ول أذكـر الَيـة مـن سـورة الــمائدة‪َ :‬ي ْ‬
‫مقالت ـي‪ ,‬فل ـم يفجأ نا إلّ وم عه الدرّة‪ ,‬قال‪ :‬فعل صاحبـي ضرب ـا ب ـالدرّة‪ ,‬وج عل يقول‪:‬‬
‫أقتلت فـي الـحرم وسفّهت الـحكم قال‪ :‬ثم أقبل علـيّ فقلت‪ :‬يا أمير الـمؤمنـين‪ ,‬ل أحلّ‬
‫ن فسيح‬
‫لك الـيوم شيئا يحرم علـيك منـي‪ .‬قال‪ :‬يا قبـيصة بن جابر‪ ,‬إنـي أراك شاب الس ّ‬
‫الصـدر بَــيّن اللسـان‪ ,‬وإن الشاب يكون فــيه تسـعة أخلق حسـنة وخــلق سـيّء‪ ,‬فــيفسد‬
‫الـخـلق السيء الخلق الـحسنة‪ ,‬فإياك وعثرات الشبـاب‬
‫‪ 9889‬ـ حدثنا ابن وكيع‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا ابن عيـينة‪ ,‬عن مخارق‪ ,‬عن طارق‪ ,‬قال‪ :‬أوطأ أربد‬
‫ضبّـا فقتله وهو مـحرم‪ ,‬فأتـى عمر لـيحكم علـيه‪ ,‬فقال له عمر‪ :‬احكم معي فحكما فـيه‬
‫عدْلٍ ِم ْن ُكمْ‪.‬‬
‫حكُ ُم بِهِ َذوَا َ‬
‫جديا قد جمع الـماء والشجر‪ ,‬ثم قال عمر‪َ :‬ي ْ‬
‫‪ 9890‬ـ حدث نا ب شر بن معاذ‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا جا مع بن حماد‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا يز يد بن زر يع‪ ,‬قال‪:‬‬
‫حدثنا سعيد‪ ,‬عن قتادة قال‪ :‬ذ كر لنا أن رجلً أصاب صيدا‪ ,‬فأت ـى ا بن عمر فسأله عن ذلك‬
‫وعنده ع بد ال بن صفوان‪ ,‬فقال ا بن ع مر ل بن صفوان‪ :‬إ ما إن أقول فت صدّقنـي‪ ,‬وإ ما أن‬
‫تقول فأصدّقك فقال ابن صفوان‪ :‬بل أنت فقل فقال ابن عمر‪ ,‬ووافقه علـى ذلك عبد ال بن‬
‫صفوان‪.‬‬
‫‪9891‬ـ حدثنـي يعقوب‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا هشيـم‪ ,‬قال‪ :‬أخبرنا هشام‪ ,‬عن ابن سيرين‪ ,‬عن شريح‪,‬‬
‫ب إلـيّ من الثعلب‪.‬‬
‫أنه قال‪ :‬لو وجدت حكما عدلً لـحكمت فـي الثعلب جديا‪ ,‬وجديٌ أح ّ‬
‫‪9892‬ـ حدثنا ابن بشار‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا مـحمد بن بكير‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا سعيد‪ ,‬عن قتادة‪ ,‬عن أبـي‬
‫مـجلز‪ :‬أن رجلً سأل ا بن عمر عن ر جل أصاب صيدا وهو مـحرم‪ ,‬وعنده ابن صفوان‪,‬‬
‫فقال له ابن عمر‪ :‬إما أن تقول فأصدّقك‪ ,‬أو أقول فتصدّقنـي قال‪ :‬قل وأصدّقك‪.‬‬
‫‪ 9893‬ـ حدثنا ابن بشار‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا عبد الرحمن‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا شعبة‪ ,‬عن منصور‪ ,‬عن أبـي‬
‫وائل‪ ,‬قال‪ :‬أخبرنــي ابـن جريـر البجلــي‪ ,‬قال‪ :‬أصـبت ظبــيا وأنـا مــحرم‪ ,‬فذكرت ذلك‬
‫لعمر‪ ,‬فقال‪ :‬ائت رجلـين من إخوانك فلـيحكما علـيك فأتـيت عبد الرحمن وسعدا‪ ,‬فحكما‬
‫ي تـيسا أعفر‪ .‬قال أبو جعفر‪ :‬العفر‪ :‬البـيض‪.‬‬
‫علـ ّ‬
‫حدثنا مـحمد بن الـمثنى‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا مـحمد بن جعفر‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا شعبة‪ ,‬عن منصور‬
‫بإسناده عن عمر‪ ,‬مثله‪.‬‬
‫‪ 9894‬ـ حدثنا عبد الـحميد‪ ,‬قال‪ :‬أخبرنا إسحاق‪ ,‬عن شريك‪ ,‬عن أشعث بن سوار‪ ,‬عن ابن‬
‫سيرين‪ ,‬قال‪ :‬كان ر جل عل ـى نا قة و هو م ـحرم‪ ,‬فأب صر ظب ـيا يأوي إل ـى أك مة‪ ,‬فقال‪:‬‬
‫لنظرْ أنا أسبق إلـى هذه الكمة أم هذا الظبـي؟ فوقعت عنز من الظبـاء تـحت قوائم ناقته‬
‫فقتلتهـا‪ .‬فأتــى عمـر‪ ,‬فذكـر ذلك له‪ ,‬فحكـم علــيه هو وابـن عوف عنزا عفراء‪ .‬قال‪ :‬وهـي‬
‫البـيضاء‪.‬‬
‫‪ 9895‬ـ حدثنـي يعقوب‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا ابن علـية‪ ,‬قال‪ :‬أخبرنا أيوب‪ ,‬عن مـحمد‪ :‬أن رجلً‬
‫أو طأ ظب ـيا و هو م ـحرم‪ .‬فأت ـى ع مر فذ كر ذلك له وإل ـى جن به ع بد الرح من بن عوف‪,‬‬
‫فأقبل علـى عبد الرحمن فكلـمه‪ ,‬ثم أقبل علـى الرجل‪ ,‬فقال‪ :‬أهد عنزا عفراء‬
‫‪ 9896‬ـ حدثن ـي يعقوب‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا هشي ـم‪ ,‬قال‪ :‬أخبر نا مغيرة‪ ,‬عن إبراهي ـم أ نه كان‬
‫يقول‪ :‬ما أصاب الـمـحرم من شيء لـم يـمض فـيه حكومة‪ ,‬استقبل به‪ ,‬فـيحكم فـيه‬
‫ذوا عدل‪.‬‬
‫‪ 9897‬ـ حدث نا م ـحمد بن ال ـمثنى‪ ,‬قال‪ :‬ثن ـي و هب بن جر ير‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا شع بة‪ ,‬عن‬
‫يعلـي‪ ,‬عن عمرو بن حبشي قال‪ :‬سمعت رجلً يسأل عبد ال بن عمر عن رجل أصاب ولد‬
‫أرنب فقال‪ :‬فـيه ولد ماعز فـيـما أرى أنا‪ .‬ثم قال لـي‪ :‬أكذاك؟ فقلت‪ :‬أنت أعلـم منـي‪.‬‬
‫ل ِم ْنكُمْ‪.‬‬
‫عدْ ٍ‬
‫ح ُكمُ بِ ِه ذَوَا َ‬
‫فقال‪ :‬قال ال تعالـى‪َ :‬ي ْ‬
‫‪9898‬ـ حدثنا ابن بشار‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا ابن أبـي عديّ‪ ,‬وسهل بن يوسف‪ ,‬عن حميد‪ ,‬عن بكر‪:‬‬
‫أن رجل ـين أب صرا ظب ـيا وه ما م ـحرمان‪ ,‬فتراه نا‪ ,‬وج عل كل وا حد منه ما ل ـمن سبق‬
‫إلـيه‪ .‬فسبق إلـيه أحدهما‪ ,‬فرماه بعصاه فقتله‪ .‬فلـما قدما مكة‪ ,‬أتـيا عمر يختصمان إلـيه‬
‫وعنده ع بد الرح من بن عوف‪ .‬فذكرا ذلك له‪ ,‬فقال ع مر‪ :‬هذا قمار‪ ,‬ول أجيزه ثم ن ظر إل ـى‬
‫عبد الرحمن‪ ,‬فقال‪ :‬ما ترى؟ قال‪ :‬شاة‪ .‬فقال عمر‪ :‬وأنا أرى ذلك‪ .‬فلـما قـفّـى الرجلن من‬
‫عند عمر‪ ,‬قال أحدهما لصاحبه‪ :‬ما درى عمر ما يقول حتـى سأل الرجل فردّهما عمر فقال‪:‬‬
‫عدْلٍ ِم ْنكُ مْ وأ نا ع مر‪ ,‬وهذا ع بد‬
‫حكُ مُ بِ ِه ذَوَا َ‬
‫إن ال تعالــى ل ـم يرض بعمـر وحده فقال‪َ :‬ي ْ‬
‫الرحمن بن عوف‪.‬‬
‫وقال آخرون‪ :‬بـل ينظـر العدلن إلــى الصـيد الــمقتول فــيقوّمانه قــيـمته دراهـم‪ ,‬ثـم‬
‫يأمران أن يشتري بذلك من النعم هديا‪ .‬فـالـحاكمان يحكمان فـي قول هؤلء بـالقـيـمة‪,‬‬
‫وإنـما يحتاج إلـيهما لتقويـم الصيد قـيـمته فـي الـموضع الذي أصابه فـيه‪ .‬وقد ذكرنا‬
‫عن إبراهي ـم الن ـخعي ف ـيـما م ضى ق بل أ نه كان يقول‪ :‬ما أ صاب ال ـمـحرم من ش يء‬
‫حكم فـيه قـيـمته‪ ,‬وهو قول جماعة من متفقهة الكوفـيـين‪.‬‬
‫حكُ ُم بِ هِ‪ ,‬وقوله‪:‬‬
‫وأ ما قوله‪َ :‬هدْ يا فإ نه م صدر عل ـى ال ـحال من الهاء الت ـي ف ـي قوله‪َ :‬ي ْ‬
‫ب ـالِغَ ال َك ْعبَةِ من ن عت الهدي و صفته‪ .‬وإن ـما جاز أن ين عت به و هو مضاف إل ـى معر فة‪,‬‬
‫لنه فـي معنى النكرة‪ ,‬وذلك أن معنى قوله‪ :‬بـالِغَ ال َك ْعبَ ِة يبلغ الكعبة‪ ,‬فهو وإن كان مضافـا‬
‫طرُنا فو صف‬
‫ض مُ ـ ْم ِ‬
‫فمعناه التنو ين‪ ,‬ل نه ب ـمعنى ال ستقبـال‪ ,‬و هو نظ ير قوله‪َ :‬هذَا عارِ ٌ‬
‫بقوله‪« :‬مـمطرنا» عارضا‪ ,‬لن فـي «مـمطرنا» معنى التنوين‪ ,‬لن تأويـله الستقبـال‪,‬‬
‫فمعناه‪ :‬هذا عارض يـمطرنا‪ ,‬فكذلك ذلك فـي قوله‪َ :‬هدْيا بـالِغَ ال َك ْعبَةِ‪.‬‬
‫القول فـي تأويـل قوله تعالـى‪ :‬أ ْو كَفّـارَةٌ طعَامٌ مسَاكِينَ‪.‬‬
‫يقول تعالــى ذكره‪ :‬أو علــيه كفــارة طعام مسـاكين‪ .‬والكفّــارة معطوفـة علــى‬
‫جزَاءٌ ِمثْلُ ما َقتَلَ ِمنَ ال ّن َعمِ‪.‬‬
‫«الـجزاء» فـي قوله‪َ :‬ف َ‬
‫واختلف القرّاء فـي قراءة ذلك‪ ,‬فقرأته عامة قرّاء أهل الـمدينة‪ :‬أ ْو كَفّـارَ ٌة طعَا ِم م سَاكِينَ‬
‫بـالضافة‪ .‬وأما قرّاء أهل العراق‪ ,‬فإن عامتهم قرءوا ذلك بتنوين الكفّـارة ورفع الطعام‪ :‬أوْ‬
‫كَفّـار ٌة طعَامُ مسَاكِينَ‪.‬‬
‫وأول ـى القراءت ـين ف ـي ذلك عند نا ب ـالصواب‪ ,‬قراءة من قرأ بتنو ين الكف ـارة ور فع‬
‫الطعام‪ ,‬للعلة التـي ذكرناها فـي قوله‪َ :‬فجَزَا ٌء ِمثْلُ ما َقتَلَ ِمنَ ال ّن َعمِ‪.‬‬
‫ن فقال بعضهم‪ :‬معنى ذلك‬
‫واختلف أهل التأويـل فـي معنى قوله‪ :‬أ ْو كَفّـارَةٌ طعَا مُ م سَاكِي َ‬
‫أن القا تل و هو م ـحرم صيدا عمدا‪ ,‬ل يخ ـلو من وجوب ب عض هذه الشياء الثل ثة الت ـي‬
‫ذكر ال تعالـى من مثل الـمقتول هديا بـالغ الكعبة‪ ,‬أو طعام مسكين كفّـارة لـما فعل‪ ,‬أو‬
‫عدل ذلك صياما‪ ,‬ل نه مخ ير ف ـي أ يّ ذلك شاء ف عل‪ ,‬وأ نه بأي ها كان ك فر ف قد أدّى الوا جب‬
‫عل ـيه وإن ـما ذلك إعلم من ال تعال ـى عب ـاده أن قا تل ذلك ك ما و صف لن يخرج حك مه‬
‫من إحدى الـخلل الثلثة‪ .‬قالوا‪ :‬فحكمه إن كان علـى الـمثل قادرا أن يحكم علـيه بـمثل‬
‫الـمقتول من النعم‪ ,‬ل يجزيه غير ذلك ما دام للـمثل واجدا‪ .‬قالوا‪ :‬فإن لـم يكن له واجدا‪ ,‬أو‬
‫لـم يكن للـمقتول مثل من النعم‪ ,‬فكفّـارته حينئذٍ إطعام مساكين‪ .‬ذكر من قال ذلك‪:‬‬
‫‪ 9899‬ـ حدثنـي الـمثنى‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا عبد ال بن صالـح‪ ,‬قال‪ :‬ثنـي معاوية بن صالـح‪,‬‬
‫ل مِ نَ‬
‫ن َقتَلَ ُه ِم ْنكُمْ ُم َت َعمّدا َفجَزَا ٌء ِمثْلُ ما قَتَ َ‬
‫عن علـيّ بن أبـي طلـحة‪ ,‬عن ابن عبـاس‪َ :‬ومَ ْ‬
‫عدْلُ ذَلِ كَ صِياما‬
‫عدْلٍ ِم ْنكُ مْ َهدْيا بَـالِغَ ال َك ْعبَةِ أو كَفّـارَ ٌة طعَا مُ م سَاكِينَ أوْ َ‬
‫حكُ مُ ِب ِه ذَوَا َ‬
‫ال ّنعَ مِ َي ْ‬
‫لِ ـ َيذُوقَ وَب ـالَ أ ْمرِ هِ قال‪ :‬إذ ق تل ال ـمـحرم شيئا من ال صيد ح كم عل ـيه ف ـيه‪ ,‬فإن ق تل‬
‫ظب ـيا أو ن ـحوه فعل ـيه شاة تذ بح ب ـمكة‪ .‬فإن ل ـم يجد ها‪ ,‬فإطعام ستة م ساكين‪ .‬فإن ل ـم‬
‫ي جد ف صيام ثل ثة أيام‪ .‬وإن ق تل أيلً أو ن ـحوه‪ ,‬فعل ـيه بقرة‪ .‬فإن ل ـم ي جد‪ ,‬أط عم عشر ين‬
‫مسـكينا‪ ,‬فإن لــم يجـد صـام عشريـن يومـا‪ .‬وإن قتـل نعامـة أو حمار أو وحـش أو نــحوه‪,‬‬
‫فعلـيه بدنة من البل‪ .‬فإن لـم يجد أطعم ثلثـين مسكينا‪ ,‬فإن لـم يجد صام ثلثـين يوما‪.‬‬
‫والطعام مدّ م ّد يشبعهم‪.‬‬
‫‪ 9900‬ـ حدثنـي مـحمد بن سعد‪ ,‬قال‪ :‬ثنـي أبـي‪ ,‬قال‪ :‬ثنـي عمي‪ ,‬قال‪ :‬ثنـي أبـي‪,‬‬
‫ن آ َمنُوا ل تَ ْقتُلُوا‬
‫عن أب ـيه‪ ,‬عن ا بن عب ـاس قوله‪ :‬النب ـي صلى ال عل يه و سلم يا أيّ ها اّلذِي َ‬
‫ل ِم ْنكُم ْـ فــالكفّـارة مـن قتـل مـا دون‬
‫عدْ ٍ‬
‫حكُمُـ بِهِـ ذَوَا َ‬
‫حرُمـٌ‪ ...‬إلــى قوله‪َ :‬ي ْ‬
‫الصّـيْدَ وأ ْنتُــمْ ُ‬
‫الرنب إطعام‪.‬‬
‫‪9901‬ـ حدثنا هناد‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا جرير‪ ,‬عن منصور‪ ,‬عن الـحكم‪ ,‬عن ابن عبـاس‪ ,‬قال‪ :‬إذا‬
‫أصاب الـمـحرم الصيد حكم علـيه جزاؤه من النعم‪ ,‬فإن وجد جزاء ذبحه فتصدّق به‪ ,‬وإن‬
‫لـم يجد جزاءه قوّم الـجزاء دراهم‪ ,‬ثم قوّمت الدراهم حنطة‪ ,‬ثم صام مكان كلّ صاع يوما‪.‬‬
‫قال‪ :‬إنـما أريد بـالطعام‪ :‬الصوم‪ ,‬فإذا وجد جزاء‪.‬‬
‫‪9902‬ـ حدثنا ابن وكيع‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا حميد بن عبد الرحمن‪ ,‬عن زهير‪ ,‬عن جابر‪ ,‬عن عطاء‬
‫صيَاما لِـ َيذُوقَ قال‪ :‬إنـما الطعام لـمن لـم يجد الهدي‪.‬‬
‫ل ذَِلكَ ِ‬
‫عدْ ُ‬
‫ومـجاهد وعامر‪ :‬أوْ َ‬
‫‪ 9903‬ـ حدثن ـي يعقوب‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا هشي ـم‪ ,‬قال‪ :‬أخبر نا مغيرة‪ ,‬عن إبراهي ـم أ نه كان‬
‫يقول‪ :‬إذا أصـاب الــمـحرم شيئا مـن الصـيد علــيه جزاؤه مـن النعـم‪ ,‬فإن لــم يجـد قُوّم‬
‫الـجزاء دراهم‪ ,‬ثم قوّمت الدراهم طعاما‪ ,‬ثم صام لكلّ نصف صاع يوما‪.‬‬
‫‪9904‬ــ حدثنـا ابـن حميـد‪ ,‬قال‪ :‬حدثنـا جريـر‪ ,‬عـن مغيرة‪ ,‬عـن حماد‪ ,‬قال‪ :‬إذا أصـاب‬
‫ال ـمـحرم ال صيد فح كم عل ـيه‪ ,‬فإن ف ضل م نه ما ل يت ـمّ ن صف صاع صام له يو ما‪ ,‬ول‬
‫يكون ال صوم إل عل ـى من ل ـم ي جد ث من هدي ف ـيحكم عل ـيه الطعام‪ .‬فإن ل ـم ي كن عنده‬
‫طعام يت صدّق به‪ ,‬ح كم عل ـيه ال صوم‪ ,‬ف صام مكان كلّ ن صف صاع يو ما‪ .‬كَفّ ـارَ ٌة طعَا مُ‬
‫عدْلُ ذَلِ كَ صِياما من ال ـجزاء إذا ل ـم ي جد ما‬
‫م سَاكِينَ قال‪ :‬ف ـيـما ل يبلغ ث من هدي‪ .‬أوْ َ‬
‫يشتري به هد يا‪ ,‬أو ما يت صدّق به‪ ,‬م ـما ل يبلع ث من هدي‪ ,‬ح كم عل ـيه ال صيام مكان كلّ‬
‫نصف صاع يوما‪.‬‬
‫‪ 9905‬ـ حدثنا هناد‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا ابن أبـي زائدة‪ ,‬قال‪ :‬أخبرنا ابن جريج‪ ,‬قال‪ :‬قال مـجاهد‪:‬‬
‫ن ال ّنعَ مِ قال‪ :‬عل ـيه من الن عم مثله هد يا ب ـالغ‬
‫جزَاءٌ ِمثْلُ ما َقتَلَ مِ َ‬
‫ن قَتَلَ هُ ِم ْنكُ مْ ُم َت َعمّدا َف َ‬
‫ومَ ْ‬
‫الكعبة‪ ,‬ومن لـم يجد ابتاع بقـيـمته طعاما‪ ,‬فـيطعم كلّ مسكين مدّين‪ ,‬فإن لـم يجد صام‬
‫ل مدّين يوما‪.‬‬
‫عن ك ّ‬
‫‪9906‬ـ حدثنـي مـحمد بن الـحسين‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا أحمد بن مفضل‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا أسبـاط‪ ,‬عن‬
‫ن عادَ فَ ـ َي ْنتَ ِقمُ اللّ هُ ِم ْن ُه قال‪ :‬إذ ق تل صيدا‬
‫ن َقتَلَ ُه ِم ْنكُ مْ ُم َت َعمّدا‪ ...‬إل ـى قوله‪َ :‬ومَ ْ‬
‫ال سدي‪َ :‬ومَ ْ‬
‫فعلـيه جزاؤه مثل ما قتل من النعم‪ ,‬فإن لـم يجد ما حكم علـيه قوّم الفداء كم هو درهما‪,‬‬
‫وقدّر ثمـن ذلك بــالطعام علــى الــمسكين‪ ,‬فصـام عـن كلّ مسـكين يومـا‪ ,‬ول يحلّ طعام‬
‫الـمسكين‪ ,‬لن من وجد الطعام مسكين فهو يجد الفداء‪.‬‬
‫‪ 9907‬ـ حدث نا عمرو بن عل ـيّ‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا أ بو عا صم‪ ,‬عن ا بن جر يج‪ ,‬قال‪ :‬قال ل ـي‬
‫جزَاءٌ‬
‫الـحسن بن مسلـم‪ :‬من أصاب الصيد مـما جزاؤه شاة‪ ,‬فذلك الذي قال ال تعالـى‪َ :‬ف َ‬
‫ل ِم ْنكُ مْ وما كان من كفّـارة طعام مساكين م ثل الع صفورة‬
‫عدْ ٍ‬
‫حكُ مُ ِب ِه ذَوَا َ‬
‫ن ال ّنعَ مِ َي ْ‬
‫ما َقتَلَ ِم َ‬
‫صيَاما قال عدل النعامة أو العصفور‪ ,‬أو عدل‬
‫ل ذلك ِ‬
‫يقتل ول يبلغ أن يكون فـيه هدي أو عدْ ُ‬
‫ذلك كله‪ .‬فذكرت ذلك لعطاء‪ ,‬فقال‪ :‬ك ّل شيـء فــي القرآن «أو أو»‪ ,‬فلصـاحبه أن يختار مـا‬
‫شاء‪.‬‬
‫‪9908‬ـ حدثنا عمرو بن علـيّ‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا يزيد بن هارون‪ ,‬قال‪ :‬أخبرنا سفـيان بن حسين‪,‬‬
‫حرُ مٌ َومَ نْ َقتَلَ هُ‬
‫عن الـحكم‪ ,‬عن مقسم‪ ,‬عن ابن عبـاس‪ ,‬فـي قوله ل تَ ْقتُلُوا ال صّ ْيدَ وأ ْنتُـمْ ُ‬
‫ن ال ّنعَ مِ فإن لـم يجد جزاء‪ ,‬قوّم علـيه الـجزاء طعاما ثم‬
‫ل ما َقتَلَ ِم َ‬
‫جزَاءٌ ِمثْ ُ‬
‫ِم ْنكُ مْ ُم َت َعمّدا فَ َ‬
‫صاع لك ّل صاع يومين‪,‬‬
‫وقال آخرون‪ :‬معنـى ذلك‪ :‬أن للقاتـل صـيدا عمدا وهـو مــحرم‪ ,‬الــخيار بــين إحدى‬
‫الكفّ ـارات الثلث و هي ال ـجزاء ب ـمثله من الن عم والطعام وال صوم‪ .‬قالوا‪ :‬وإن ـما تأوي ـل‬
‫عدْلُ ذَلِ كَ صِياما فعل ـيه أن‬
‫جزَاءٌ ِمثْلُ ما َقتَلَ ِم نَ ال ّنعَ مِ أوْ كَفّ ـارَ ٌة طعَا مُ م سَاكِينَ أوْ َ‬
‫قوله‪َ :‬ف َ‬
‫يجزي ب ـمثله من الن عم‪ ,‬أو يكفّر بإطعام م ساكين أو بعدل الطعام من ال صيام‪ .‬ذ كر من قال‬
‫ذلك‪:‬‬
‫‪ 9909‬ـ حدث نا هناد بن ال سريّ‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا ا بن أب ـي زائدة‪ ,‬قال‪ :‬أخبر نا ا بن جر يج‪ ,‬عن‬
‫عدْلٍ ِم ْنكُمْ َهدْيا بـالِغَ‬
‫حكُمُ ِب ِه ذَوَا َ‬
‫ن ال ّنعَمِ َي ْ‬
‫ل ما َقتَلَ ِم َ‬
‫جزَاءٌ ِمثْ ُ‬
‫عطاء‪ ,‬فـي قول ال تعالـى‪ :‬فَ َ‬
‫عدْلُ ذَلِكَ صِياما قال‪ :‬إن أصاب إنسان مـحرم نعامة‪ ,‬فإن‬
‫ال َك ْعبَة أوْ كَفّـارَ ٌة طعَامُ مسَاكِينَ أوْ َ‬
‫ل شيء‬
‫له أن كان ذا يسار أن يهدي ما شاء جزورا أو عدلها طعاما أو عدلها صياما‪ .‬قال‪ :‬ك ّ‬
‫فـي القرآن «أو أو»‪ ,‬فلـيختر منه صاحبه ما شاء‪.‬‬
‫‪ 9910‬ـ حدثن ـي يعقوب‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا هشي ـم‪ ,‬قال‪ :‬أخبر نا حجاج‪ ,‬عن عطاء‪ ,‬ف ـي قوله‪:‬‬
‫َمـ قال‪ :‬مـا كان فــي القرآن «أو كذا أو كذا»‪ ,‬فصـاحبه فــيه‬
‫ِنـ ال ّنع ِ‬
‫لم َ‬‫ل مـا قَتَ َ‬
‫َفجَزَاءٌ ِمثْ ُ‬
‫ي ذلك شاء فعل‪.‬‬
‫بـالـخيار‪ ,‬أ ّ‬
‫‪9911‬ـ حدثنا ابن وكيع‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا أسبـاط وعبد اوعلـى‪ ,‬عن داود‪ ,‬عن عكرمة‪ ,‬قال‪ :‬ما‬
‫كان فـي القرآن «أو أو»‪ ,‬فهو فـيه بـالـخيار‪ ,‬وما كان «فمن لـم يجد» فـالوّل‪ ,‬ثم الذي‬
‫يـلـيه‪.‬‬
‫‪9912‬ـ حدثنا ابن وكيع‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا حفص‪ ,‬عن عمرو‪ ,‬عن الـحسن‪ ,‬مثله‪.‬‬
‫‪9913‬ـ حدثنـي يعقوب‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا هشيـم‪ ,‬قال‪ :‬أخبرنا لـيث‪ ,‬عن عطاء ومـجاهد‪ ,‬أنهما‬
‫َمـ قال‪ :‬مـا كان فــي القرآن «أو كذا أو كذا»‪,‬‬
‫ِنـ ال ّنع ِ‬
‫لم َ‬‫قال فــي قوله‪َ :‬فجَزَا ٌء ِمثْلُ مـا قَتَ َ‬
‫فصاحبه فـيه بـالـخيار أي ذلك شاء فعل‪.‬‬
‫‪9914‬ـ حدثنـي يعقوب‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا هشيـم‪ ,‬عن جويبر‪ ,‬عن الضحاك‪ :‬ما كان فـي القرآن‬
‫«أو كذا أو كذا»‪ ,‬فصاحبه فـيه بـالـخيار‪ ,‬أيّ ذلك شاء فعل‪.‬‬
‫‪ 9915‬ـ حدثنا القاسم‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا الـحسين‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا هشيـم‪ ,‬قال‪ :‬أخبرنا أبو حمزة‪ ,‬عن‬
‫الــحسن‪ .‬قال‪ :‬وأخبرنـا عبــيدة‪ ,‬عن إبراهيــم قال‪ :‬ك ّل شيـء فــي القرآن «أو أو»‪ ,‬ف هو‬
‫ي ذلك شاء فعل‪.‬‬
‫بـالـخيار‪ ,‬أ ّ‬
‫‪9916‬ـ حدثنا هناد‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا حفص‪ ,‬عن لـيث‪ ,‬عن مـجاهد‪ ,‬عن ابن عبـاس‪ ,‬قال‪ :‬كل‬
‫ل شيء فمن لـم يجد فـالول‪ ,‬ثم الذي‬
‫شيء فـي القرآن «أو أو» فصاحبه مخير فـيه‪ ,‬وك ّ‬
‫يـلـيه‪.‬‬
‫واختلف القائلون بتـخيـير قاتل الصيد من الـمـحرمين بـين الشياء الثلثة فـي صفة‬
‫اللزم له مـن التكفــير بــالطعام والصـوم إذا اختار الكفّــارة بأحدهمـا دون الهدي‪ ,‬فقال‬
‫بعض هم‪ :‬إذا اختار التكف ـير بذلك‪ ,‬فأن الوا جب عل ـيه أن يقوّم ال ـمثل من الن عم طعا ما‪ ,‬ثم‬
‫ل مدّ يوما‪ .‬ذكر من قال ذلك‪:‬‬
‫يصوم مكان ك ّ‬
‫‪ 9917‬ـ حدثنا هناد‪ ,‬قال‪ :‬أخبرنا ابن أبـي زائدة‪ ,‬قال‪ :‬أخبرنا ابن جريج‪ ,‬قال‪ :‬قلت لعطاء‪:‬‬
‫عدْلُ ذَلِ كَ صِياما؟ قال‪ :‬إن أ صاب ما عدله شاة أق ـيـمت الشاة طعا ما‪ ,‬ثم ج عل مكان‬
‫ما أوْ َ‬
‫كلّ مدّ يوما يصومه‪.‬‬
‫وقال آخرون‪ :‬بل الوا جب عل ـيه إذا أراد التكف ـير ب ـالطعام أو ال صوم‪ ,‬أن يقوّم ال صيد‬
‫الـمقتول طعاما‪ ,‬ثم يتصدق بـالطعام إن اختار الصدقة‪ ,‬وإن اختار الصوم صام‪.‬‬
‫ل مدّ يوما‪ .‬وقال آخرون‪ :‬يصوم مكان‬
‫ثم اختلفوا أيضا فـي الصوم‪ ,‬فقال بعضهم‪ :‬يصوم لك ّ‬
‫كلّ نصف صاع يوما‪ .‬وقال آخرون‪ :‬يصوم مكان كلّ صاع يوما‪.‬‬
‫ذكر من قال‪ :‬الـمتقوّم للطعام هو الصيد الـمقتول‪:‬‬
‫‪ 9918‬ـ حدث نا ب شر بن معاذ‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا جا مع بن حماد‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا يز يد بن زر يع‪ ,‬قال‪:‬‬
‫الصـْيدَ‪ ...‬الَيـة‪ ,‬قال‪ :‬كان قتادة يقول‪:‬‬
‫ّ‬ ‫ِينـ آ َمنُوا ل تَ ْقتُلُوا‬
‫حدثنـا شعبـة‪ ,‬عـن قتادة‪ :‬يـا أيّهـا اّلذ َ‬
‫يحكمان ف ـي الن عم‪ ,‬فإن كان ل ـيس صيده ما يبلغ ذلك‪ ,‬نظروا ثم نه فقوّموه طعا ما‪ ,‬ثم صام‬
‫ل صاع يومين‪.‬‬
‫مكان ك ّ‬
‫وقال آخرون‪ :‬ل معنـى للتكفــير بــالطعام‪ ,‬لن مـن وجـد سـبـيلً إلــى التكفــير‬
‫بـالطعام‪ ,‬فهو واجد إلـى الـجزاء بـالـمثل من النعم سبـيلً‪ ,‬ومن وجد إلـى الـجزاء‬
‫بـالـمثل من النعم سبـيلً لـم يجزه التكفـير بغيره‪ .‬قالوا‪ :‬وإنـما ذكر ال تعالـى ذكره‬
‫الكفّـارة بـالطعام فـي هذا الـموضع لـيدلّ علـى صفة التكفـير بـالصوم ل أنه جعل‬
‫التكف ـير ب ـالطعام إحدى الكفّ ـارات الت ـي يك فر ب ها ق تل ال صيد‪ ,‬و قد ذكرناه تأوي ـل ذلك‬
‫فـيـما مضى قبل‪.‬‬
‫ل مِ نَ ال ّنعَ مِ أن‬
‫جزَاءٌ ِمثْلُ ما قَتَ َ‬
‫وأولـى القوال بـالصواب عندي فـي قوله ال تعالـى‪َ :‬ف َ‬
‫يكون مرادا به‪ :‬فعلـى قاتله متعمدا مثل الذي قتل من النعم‪ ,‬ل القـيـمة إن اختار أن يجزيه‬
‫ب ـالـمثل من الن عم وذلك أن الق ـيـمة إن ـما هي من الدنان ـير أو الدرا هم أو الدنان ـير‬
‫لـيست للصيد بـمثل‪ ,‬وال تعالـى إنـما أوجب الـجزاء مثلً من النعم‪.‬‬
‫ِكـ‬
‫عدْلُ ذَل َ‬
‫َامـ مسـَاكِينَ أوْ َ‬
‫وأولــى القوال بــالصواب عندي فــي قوله‪ :‬أ ْو كَفّــارَ ٌة طع ُ‬
‫صـِياما‪ :‬أن يكون تــخيـيرا‪ ,‬وأن يكون للقاتـل الــخيار فــي تكفــيره بقتله الصـيد وهـو‬
‫مـحرم بأيّ هذه الكفـارات الثلث شاء‪ ,‬لن ال تعالـى جعل ما أوجب فـي قتل الصيد من‬
‫ال ـجزاء والكف ـارة عقو بة لفعله‪ ,‬وتكف ـيرا لذن به ف ـي إتل فه ما أتلف من ال صيد الذي كان‬
‫حراما علـيه إتلفه فـي حال إحرامه‪ ,‬وقد كان حللً له قبل حال إحرامه‪ ,‬كما جعل الفدية‬
‫من صيام أو صدقة أو نسك فـي حلق الشعر الذي حلقه الـمـحرم فـي حال إحرامه‪ ,‬وقد‬
‫كان له حل قه ق بل حال إحرا مه‪ ,‬ثم م نع من حل قه ف ـي حال إحرا مه نظ ير ال صيد‪ ,‬ثم ج عل‬
‫علـيه إن حلقه جزاء من حلقه إياه‪ ,‬فأجمع الـجميع علـى أنه فـي حلقه إياه إذا حلقه من‬
‫إيذائه مخ ير ف ـي تكف ـيره‪ ,‬فعل ـيه ذلك بأ يّ الكف ـارات الثلث شاء‪ ,‬فمثله إن شاء ال قا تل‬
‫ي الكفـارات الثلث شاء‪,‬‬
‫الصيد من الـمـحرمين‪ ,‬وأنه مخير فـي تكفـيره قتله الصيد بأ ّ‬
‫ل فرق بـين ذلك‪ .‬ومن أبى ما قلنا فـيه‪ ,‬قـيـل له‪ :‬حكم ال تعالـى عل ـى قا تل الصيد‬
‫ب ـالـمثل من الن عم‪ ,‬أو كفّ ـارة طعام م ساكين‪ ,‬أو عدله صياما‪ ,‬ك ما ح كم عل ـى ال ـحالق‬
‫بفد ية من صيام أو صدقة أو ن سك‪ ,‬فزع مت أن أحده ما مخ ير ف ـي تكف ـير ما ج عل م نه‪,‬‬
‫عوض بأ يّ الثلث شاء‪ ,‬وأنكرت أن يكون ذلك للَخر‪ ,‬فهل بـينك وبـين من عكس علـيك‬
‫ال مر ف ـي ذلك فج عل ال ـخيار ف ـيه ح يث أب ـيت وأ بى ح يث جعل ته له فرق من أ صل أو‬
‫نظير؟ فلن يقول فـي أحدهما قولً‪ ,‬إل ألزم فـي الَخر مثله‪.‬‬
‫ثـم اختلفوا فــي صـفة التقويــم إذا أراد التكفــير بــالطعام‪ ,‬فقال بعضهـم‪ :‬يقوّم الصـيد‬
‫قــيـمته بــالـموضع الذي أصـابه فــيه‪ ,‬وهـو قول إبراهيــم النــخعي‪ ,‬وحماد‪ ,‬وأبــي‬
‫حن ـيفة‪ ,‬وأب ـي يو سف‪ ,‬وم ـحمد‪ ,‬و قد ذكرت الروا ية عن إبراهي ـم وحماد ف ـيـما م ضى‬
‫ل علـى ذلك‪ ,‬وهو نصّ قول أبـي حنـيفة وأصحابه‪.‬‬
‫بـما يد ّ‬
‫وقال آخرون‪ :‬بل يقوّم ذلك بسعر الرض التـي يكفّر بها‪ .‬ذكر من قال ذلك‪:‬‬
‫‪9919‬ـ حدثنا هناد‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا ابن أبـي زائدة‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا إسرائيـل‪ ,‬عن جابر‪ ,‬عن عامر‪,‬‬
‫قال ف ـي م ـحرم أ صاب صيدا بخرا سان‪ ,‬قال‪ :‬يكفّر ب ـمكة أو ب ـمنى‪ ,‬وقال‪ :‬يقوّم الطعام‬
‫بسعر الرض التـي يكفّر بها‪.‬‬
‫‪ 9920‬ـ حدثنا أبو كريب‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا أبو يـمان‪ ,‬عن إسرائيـل‪ ,‬عن جابر‪ ,‬عن الشعبـي‪,‬‬
‫فـي رجل أصاب صيدا بخراسان‪ ,‬قال‪ :‬يحكم علـيه بـمكة‪.‬‬
‫وال صواب من القول ف ـي ذلك عند نا‪ ,‬أن قا تل ال صيد إذا جزاه ب ـمثله من الن عم‪ ,‬فإن ـما‬
‫يجزيه بنظيره فـي خـلق وقدره فـي ج سمه من أقرب الشياء به شبها من النعل ـم‪ ,‬فإ نْ‬
‫جزاه بــالطعام قوّمـه قــيـمته بــموضعه الذي أصـابه فــيه‪ ,‬لنـه هنالك وجـب علــيه‬
‫التكف ـير ب ـالطعام‪ ,‬ثم إن شاء أط عم ب ـالـموضع الذي أ صابه ف ـيه وإن شاء ب ـمكة وإن‬
‫شاء بغ ير ذلك من ال ـمواضع ح يث شاء لن ال تعال ـى إن ـما شرط بلوغ الكع بة ب ـالهدي‬
‫فـي قتل الصيد دون غيره من جزائه‪ ,‬فللـجازي بغير الهدى أن يجزيه بـالطعام والصوم‬
‫حيث شاء من الرض‪.‬‬
‫وبـمثل الذي قلنا فـي ذلك قال جماعة من أهل العلـم‪ .‬ذكر من قال ذلك‪:‬‬
‫‪ 9921‬ـ حدث نا هناد‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا ا بن أب ـي زائدة‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا ا بن أب ـي عرو بة‪ ,‬عن أب ـي‬
‫معشر‪ ,‬عن إبراهيـم قال‪ :‬ما كان من دم فبـمكة‪ ,‬وما كان من صدقة أو صوم حيث شاء‪.‬‬
‫وقد خالف ذلك مخالفون‪ ,‬فقالوا‪ :‬ل يجزىء الهدى والطعام إل بـمكة‪ ,‬فأما الصوم فإن كفر‬
‫به يصوم حيث شاء من الرض‪ .‬ذكر من قال ذلك‪:‬‬
‫‪ 9922‬ـ حدث نا هناد‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا وك يع‪ ,‬وحدث نا ا بن وك يع‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا أب ـي‪ ,‬عن حماد بن‬
‫سلـمة‪ ,‬عن قـيس بن سعد‪ ,‬عن عطاء‪ ,‬قال‪ :‬الدم والطعام بـمكة‪ ,‬والصيام حيث شاء‪.‬‬
‫‪ 9923‬ـ حدث نا هناد‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا وك يع‪ ,‬وحدث نا ا بن وك يع‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا أب ـي‪ ,‬عن مالك بن‬
‫ج بـمكة‪.‬‬
‫مغول‪ ,‬عن عطاء‪ ,‬قال‪ :‬كفّـارة الـح ّ‬
‫‪ 9924‬ـ حدثنا عمرو بن علـيّ‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا أبو عاصم‪ ,‬عن ابن جريج‪ ,‬قال‪ :‬قلت‪ :‬لعطاء‪:‬‬
‫ل ما‬
‫جزَاءٌ ِمثْ ُ‬
‫أين يتصدّق بـالطعام إن بدا له؟ قال‪ :‬بـمكة من أجل أنه بـمنزله الهدي‪ ,‬قال‪ :‬فَ َ‬
‫ن ال ّنعَ مِ أ ْو َهدْيا بـالِغَ ال َك ْعبَ ِة من أجل أنه أصابه فـي حرم يريد البـيت فجزاؤه عند‬
‫َقتَلَ مِ َ‬
‫البـيت‪.‬‬
‫فأ ما الهدي‪ ,‬فإ نه جرّاء ما ق تل من ال صيد‪ ,‬فلن يجزئه من كفّ ـارة ما ق تل من ذلك إل أن‬
‫يبلغـه الكعبـة طيبــا‪ ,‬وينــحره أو يذبحـه‪ ,‬ويتصـدّق بـه علــى مسـاكين الــحرم‪ .‬ويعنــي‬
‫ب ـالكعبة ف ـي هذا ال ـموضع‪ :‬ال ـحرم كله‪ ,‬ول ـمن قدم بهد ية الوا جب من جزاء ال صيد أن‬
‫ينـحره فـي كلّ وقت شاء قبل يوم النـحر وبعده‪ ,‬ويطعمه وكذلك إن كفّر بـالطعام فله أن‬
‫ب وحيث أحبّ‪ ,‬وإن كفّر بـالصوم فكذلك‪.‬‬
‫يكفّر به متـى أح ّ‬
‫وبنـحو الذي قلنا فـي ذلك قال أهل التأويـل‪ ,‬خل ما ذكرنا من اختلفهم فـي التكفـير‬
‫بـالطعام علـى ما قد بـينا فـيـما مضى‪ .‬ذكر من قال ذلك‪:‬‬
‫‪9925‬ـ حدثنا هناد‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا ابن أبـي زائدة‪ ,‬قال‪ :‬أخبرنا ابن جريج‪ ,‬قال‪ :‬قلت لعطاء‪ :‬أوْ‬
‫ب إلـيّ‪.‬‬
‫ل ذَِلكَ صِياما هل لصيامه وقت؟ قال‪ :‬ل‪ ,‬إذ شاء وحيث شاء‪ ,‬وتعجيـله أح ّ‬
‫عدْ ُ‬
‫َ‬
‫‪ 9926‬ـ حدث نا هناد‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا ا بن أب ـي زائدة‪ ,‬قال‪ :‬أخبر نا ا بن جر يج‪ ,‬قال‪ :‬قلت لعطاء‪:‬‬
‫ج أو العمرة‪ ,‬فأرسل بجزائه إلـى الـحرم فـي الـمـحرّم أو‬
‫رجل أصاب صيدا فـي الـح ّ‬
‫غيره من الشهور‪ ,‬أيجزىء عنه؟ قال‪ :‬نعم ثم قرأ‪َ :‬هدْيا بـالِغَ ال َك ْعبَ ِة قال هناد‪ :‬قال يحيى‪ :‬وبه‬
‫نأخذ‪.‬‬
‫‪9927‬ـ حدثنا هناد‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا ابن أبـي زائدة‪ ,‬قال‪ :‬أخبرنا ابن جريج وابن أبـي سلـيـم‪,‬‬
‫عن عطاء‪ ,‬قال‪ :‬إذا قد مت م كة بجزاء صيد ف ـانـحره‪ ,‬فإن ال تعال ـى يقول‪َ :‬هدْ يا ب ـالِغَ‬
‫ال َك ْعبَةِ إل أن يقدّم فـي العشر‪ ,‬فـيؤخر إلـى يوم النـحر‪.‬‬
‫‪ 9928‬ـ حدث نا هناد‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا ا بن أب ـي زائدة‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا ا بن جر يج‪ ,‬عن عطاء‪ ,‬قال‪:‬‬
‫يتصدّق الذي يصيب الصيد بـمكة‪ ,‬فإن ال تعالـى يقول‪ :‬هدْيا بـالِغَ ال َك ْعبَةِ‪.‬‬
‫ل ذَِلكَ صِياما‪.‬‬
‫عدْ ُ‬
‫القول فـي تأويـل قوله تعالـى‪ :‬أوْ َ‬
‫يعنــي تعالــى ذكره بذلك‪ :‬أو علــى قاتـل الصـيد مــحرما عدل الصـيد الــمقتول مـن‬
‫الصـيام‪ ,‬وذلك أن يقوّم الصـيد حي ّا غيـر مقتول مـن الطعام بــالـموضع الذي قتله فــيه‬
‫الـمـحرم‪ ,‬ثم يصوم مكان كلّ مدّ يوما وذلك أن النبـيّ صلى ال عليه وسلم عدل الـمدّ من‬
‫الطعام بصوم يوم فـي كفّـارة الـمواقع فـي شهر رمضان‪.‬‬
‫ل صاع فـي جزاء الصيد صوم يوم قـياسا علـى حكم‬
‫فإن قال قائل‪ :‬فهلّ جعلت مكان ك ّ‬
‫النب ـي صلى ال عل يه و سلم ف ـي نظيره‪ ,‬وذلك حك مه عل ـى ك عب بن عجرة‪ ,‬إذ أمره أن‬
‫يطعـم إن كفـر بــالطعام فَرْقـا مـن طعام وذلك ثلثـة آصـع بــين سـتة مسـاكين‪ ,‬فإن كفّر‬
‫بـالصيام أن يصوم ثلثة أيام‪ ,‬فجعل اليام الثلثة فـي الصوم عدلً من إطعام ثلثة آصع‪,‬‬
‫فإن ذلك بـالكفـارة فـي جزاء الصيد أشبه من الكفـارة فـي قتل الصيد بكفـارة الـمواقع‬
‫امرأ ته ف ـي ش هر رمضان؟ ق ـيـل‪ :‬إن الق ـياس إن ـما هو ردّ الفروع ال ـمختلف ف ـيها‬
‫إلـى نظائرها من الصول الـمـجمع علـيها‪ ,‬ول خلف بـين الـجميع من الـحجة‪ ,‬أنه‬
‫ل يجزىء مكفرّا كفّر ف ـي ق تل ال صيد ب ـالصوم‪ ,‬أن يعدل صوم يوم ب صاع طعام‪ .‬فإن كان‬
‫ذلك‪ ,‬وكان غير جائز خلفها فـيـما حدّث به من الدين مـجمعة علـيه صحّ بذلك أن حكم‬
‫معادلة الصوم الطعام فـي قتل الصيد مخالف حكم معادلته إياه فـي كفّـارة الـحلق‪ ,‬إذا كان‬
‫غير جائز‪ ,‬وداخـل علـى آخر قـياسا وإنـما يجوز أن يقاس الفرع علـى الصل‪ ,‬وسواء‬
‫قال قائل‪ :‬هل رددت ح كم ال صوم ف ـي كفّ ـارة ق تل ال صيد عل ـى حك مه ف ـي حلق الذى‬
‫ف ـيـما يعدل به من الطعام وآ خر قال‪ :‬هل رددت ح كم ال صوم ف ـي ال ـحلق عل ـى حك مه‬
‫فـي كفّـارة قتل الصيد فـيـما يعدل به من الطعام‪ ,‬فتوجب علـيه مكان كل مدّ‪ ,‬أو مكان‬
‫كل نصف صاع صوم يوم‪.‬‬
‫وقد بـينا فـيـما مضى قبل أن ال َعدْل فـي كلم العرب بـالفتـح‪ ,‬وهو قدر الشيء من‬
‫غ ير جن سه‪ ,‬وأن ال ِعدْل هو قدره من جن سه‪ .‬و قد كان ب عض أ هل العل ـم بكلم العرب يقول‪:‬‬
‫ع ْدلً ح سنا‪ .‬قال‪ :‬وال َعدْل أي ضا ب ـالفتـح‪ :‬ال ـمثل‪,‬‬
‫عدَلْت بهذا َ‬
‫ال َعدْل م صدر من قول القائل‪َ :‬‬
‫عدْل‬
‫عدْل الــمتاع‪ ,‬بأن كسـروا العيـن مـن ِ‬
‫ولكنهـم فرّقوا بــين العدل فــي هذا وبــين ِ‬
‫ك صِياما‬
‫عدْلُ ذَلِ َ‬
‫عدْلٌ وقول ال عزّ وجلّ‪ :‬أوْ َ‬
‫ال ـمتاع‪ ,‬وفت ـحوها من قول هم‪ :‬وَل يُ ْقبَلُ ِمنْ ها َ‬
‫حجَر رزين‪.‬‬
‫كما قالوا‪ :‬امرأة رزان‪ ,‬و َ‬
‫وقال بعض هم‪ :‬ال َعدْل‪ :‬هو الق سط ف ـي ال ـحقّ‪ ,‬وال ِعدْل ب ـالكسر‪ :‬ال ـمثل‪ ,‬و قد ب ـينا ذلك‬
‫بشواهد فـيـما مضى‪ .‬وأما نصب «الصيام» فأنه علـى التفسير كما يقال عندي ملء ز قّ‬
‫سمنا‪ ,‬وقدر رطل عسلً‪.‬‬
‫وينـحو الذي قلنا ذلك قال جماعة من أهل التأويـل‪ .‬ذكر من قال ذلك‪:‬‬
‫‪ 9929‬ـ حدث نا م ـحمد بن بشار‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا أ بو عا صم‪ ,‬قال‪ :‬أخبر نا ا بن جر يج‪ ,‬قال‪ :‬قلت‬
‫ل يوما يؤخذ ز عم ب صيام‬
‫عدْل الطعام من ال صيام‪ .‬قال‪ :‬لك ّ‬
‫لعطاء‪ :‬ما عَدل ذلك صياما؟ قال‪َ :‬‬
‫رمضان وبـالظهار‪ .‬وزعم أن ذلك رأى يراه ولـم يسمعه من أحد‪ ,‬ولـم تـمض به سنة‪.‬‬
‫قال‪ :‬ثم عاودته بعد ذلك بحين‪ ,‬قلت‪ :‬ما عدل ذلك صياما؟ قال‪ :‬إن أصاب ما عدله شاة‪ ,‬قوّمت‬
‫ل مدّ يوما‪ .‬قال‪ :‬ولـم أسأله‪ :‬هذا رأي أو سنة مسنونة؟‬
‫طعاما ثم صام مكان ك ّ‬
‫‪ 9930‬ـ حدثنـي يعقوب بن إبراهيـم‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا هشيـم‪ ,‬قال‪ :‬أخبرنا أبو بشر‪ ,‬عن سعيد‬
‫عدْلُ ذَِلكَ صِياما قال‪ :‬بصوم ثلثة أيام‪ ,‬إلـى عشرة أيام‪.‬‬
‫بن جبـير‪ ,‬فـي قوله عزّ وجلّ‪ :‬أوْ َ‬
‫ل ذَلِ كَ صِياما من‬
‫عدْ ُ‬
‫‪ 9931‬ـ حدثنا ابن حميد‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا جرير‪ ,‬عن مغيرة‪ ,‬عن حماد‪ :‬أوْ َ‬
‫ال ـجزاء إذا ل ـم ي جد ما يشتري به هد يا أو ما يت صدّق به م ـما ل يبلغ ث من هدي‪ ,‬ح كم‬
‫علـيه الصيام مكان كلّ نصف صاع يوما‪.‬‬
‫‪ 9932‬ـ حدثنـي الـمثنى‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا عبد ال بن صالـح‪ ,‬قال‪ :‬ثنـي معاوية بن صالـح‪,‬‬
‫ل ذَلِ كَ صِياما قال‪ :‬إذ ق تل ال ـمـحرم‬
‫عدْ ُ‬
‫عن عل ـي بنأب ـي طل ـحة‪ ,‬عن ا بن عب ـاس‪ :‬أوْ َ‬
‫شيئا من ال صيد ح كم عل ـيه ف ـيه‪ ,‬فإن ق تل ظب ـيا أو ن ـحوه فعل ـيه شاة تذ بح ب ـمكة‪ ,‬فإن‬
‫لـم يجد فإطعام ستة مساكين‪ ,‬فإن لـم يجد فصيام ثلثة أيام‪ .‬وإن قتل أيّلً أو نـحوه فعلـيه‬
‫بقرة‪ ,‬فإن لـم يجد أطعم عشرين مسكينا‪ ,‬فإن لـم يجد صام عشرين يوما وإن قتل نعامة أو‬
‫حمار وحش أو نـحوه‪ ,‬فعلـيه بدنة من البل‪ ,‬فإن لـم يجد أطعم ثلثـين مسكينا‪ ,‬فإن لـم‬
‫يجد صام ثلثـين يوما‪ ,‬والطعام مدّ مدّ يشبعهم‪.‬‬
‫‪ 9933‬ـ حدث نا ا بن البرق ـي‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا عمرو بن أب ـي سلـمة‪ ,‬عن سعيد‪ ,‬ال ـمـحرم‬
‫يصيب الصيد فـيكون علـيه الفدية شاة‪ ,‬أو البقرة أو البدنة‪ ,‬فإن لـم يجد فما عدل ذلك من‬
‫ل مسكين‬
‫الصيام أو الصدقة؟ قال‪ :‬ثمن ذلك فإن لـم يجد ثمنه قوّم ثمنه طعاما يتصدّق به لك ّ‬
‫ل مدّ يوما‪.‬‬
‫مدّ‪ ,‬ثم يصوم لك ّ‬
‫القول فـي تأويـل قوله تعالـى‪ :‬لِـ َيذُوقَ َوبَـالَ أ ْمرِهِ‪.‬‬
‫يقول جلّ ثناؤه‪ :‬أوج بت عل ـى قا تل ال صيد م ـحرما ما أوج بت من ال ـحقّ أو الكفّ ـارة‬
‫الذي ذكرت فـي هذه الَية‪ ,‬كي يذوق وبـال أمره وعذابه‪ ,‬يعنـي «بأمره»‪ :‬ذنبه وفعله الذي‬
‫فعله من قتله ما نهاه ال عزّ وجلّ عن قتله فـي حال أحرامه يقول‪ :‬فألزمته الكفّـارة التـي‬
‫ألزم ته إيا ها‪ ,‬لذي قه عقو بة ذن به بإلزا مه الغرا مة‪ ,‬والع مل ببد نه م ـما يتع به ويش قّ عل ـيه‪.‬‬
‫ل َفَأخَذْنا هُ أخْذا‬
‫عوْ نُ الرّ سُو َ‬
‫وأصل الوبـال‪ :‬الشدّة فـي الـمكروه‪ .‬ومنه قول ال‪َ :‬فعَصى فِرْ َ‬
‫َوبِـيلً‪.‬‬
‫ِهـ أن الكفّــارات اللزمـة الموال‬
‫ل أ ْمر ِ‬
‫وقـد بــين تعالــى ذكره بقوله‪ :‬لِــَيذُوقَ َوبَــا َ‬
‫والبدان عقوبــات منـه لــخـلقه‪ ,‬وإن كانـت تــمـحيصا لهـم‪ ,‬وكفّــارة لذنوبهـم التــي‬
‫كفرّوها بها‪.‬‬
‫وبنـحو الذي قلنا فـي ذلك قال أهل التأويـل‪ .‬ذكر من قال ذلك‪:‬‬
‫‪ 9934‬ـ حدثنـي مـحمد بن الـحسين‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا أحمد بن مفضل‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا أسبـاط‪,‬‬
‫عن السدي‪ :‬أما وَبـال أمره‪ ,‬فعقوبة أمره‪.‬‬
‫ن عادَ فَـيَ ْنتَ ِقمُ الّلهُ ِم ْنهُ‪.‬‬
‫عمّا سََلفَ َومَ ْ‬
‫القول فـي تأويـل قوله تعالـى‪ :‬عَفـا اللّهُ َ‬
‫ل ثناؤه لعبــاده الــمؤمنـين بـه ورسـوله صـلى ال عليـه وسـلم‪ :‬عفــا ال أيهـا‬
‫يقول ج ّ‬
‫ال ـمؤمنون ع ما سلف من كم ف ـي جاهل ـيتكم من إ صابتكم ال صيد وأنت ـم حرم وقتلكموه‪ ,‬فل‬
‫يؤاخذ كم ب ـما كان من كم ف ـي ذلك ق بل ت ـحريـمه إياه عل ـيكم‪ ,‬ول ي ـلزمكم له كفّ ـارة‬
‫فـي مال ول نفس‪ ,‬ولكن من عاد منكم لقتله وهو مـحرم بعد تـحريـمه بـالـمعنى الذي‬
‫يقتله فـي حال كفره وقبل تـحريـمه علـيه من استـحلله قتله‪ ,‬فـينتقم ال منه‪.‬‬
‫وقد يحتـمل أن يكون ذلك فـي معناه‪ :‬من عاد لقتله بعد تـحريـمه فـي السلم فـينتقم‬
‫ال منه فـي الَخرة‪ ,‬فأما فـي الدنـيا فإن علـيه من الـجزاء والكفّـارة فـيها ما بـينت‪.‬‬
‫واختلف أهل التأويـل فـي تأويـل ذلك فقال بعضهم نـحو الذي قلنا فـيه‪ .‬ذكر من قال‬
‫ذلك‪:‬‬
‫‪9935‬ـ حدثنا هناد‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا ابن أبـي زائدة‪ ,‬قال‪ :‬أخبرنا ابن جريج‪ ,‬قال‪ :‬قلت لعطاء‪ :‬ما‬
‫عَفَـا الّل ُه عمّا سََلفَ؟ قال‪ :‬عما كان فـي الـجاهلـية‪ ,‬قال‪ :‬قلت‪ :‬وما َو َم نْ عا َد فَـ َي ْنتَ ِقمُ اللّ هُ‬
‫ِمنْهُ؟ قال‪ :‬من عاد فـي السلم‪ ,‬فـينتقم ال منه‪ ,‬وعلـيه مع ذلك الكفّـارة‪.‬‬
‫‪ 9936‬ـ حدث نا ا بن بشار‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا أ بو عا صم‪ ,‬قال‪ :‬أخبر نا ا بن جر يج‪ ,‬قال‪ :‬قلت لعطاء‪,‬‬
‫فذكر نـحوه‪ ,‬وزاد فـيه‪ ,‬وقال‪ :‬وإن عاد فقتل علـيه الكفّـارة‪ .‬قلت‪ :‬هل فـي العود من حدّ‬
‫العلـم؟ قال‪ :‬ل‪ ,‬قلت‪ :‬فترى حقا علـى المام أن يعاقبه؟ قال‪ :‬هو ذنب أذنبه فـيـما بـينه‬
‫وبـين ال‪ ,‬ولكن يفتدي‪.‬‬
‫حدثنا سفـيان‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا م ـحمد بن ب كر‪ ,‬وأ بو خالد‪ ,‬عن ابن جر يج‪ ,‬عن عطاء‪َ :‬ومَ نْ‬
‫عادَ فَ ـ َينْتَ ِقمُ الّل ُه ِمنْ هُ قال‪ :‬ف ـي ال سلم‪ ,‬وعل ـيه مع ذلك الكفّ ـارة‪ ,‬قلت‪ :‬عل ـيه من المام‬
‫عقوبة؟ قال‪ :‬ل‪.‬‬
‫حدثنا هناد‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا وكيع‪ ,‬وحدثنا ابن وكيع‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا أبـي‪ ,‬عن سفـيان‪ ,‬عن ابن‬
‫ن عادَ قال‪ :‬ف ـي‬
‫جر يج‪ ,‬عن عطاء‪ :‬عَف ـا اللّ هُ عَمّا سََلفَ ع ما كان ف ـي ال ـجاهلـية‪َ ,‬و َم ْ‬
‫السلم‪ ,‬فَـ َي ْنتَقِ ُم اللّ هُ ِمنْ هُ وعلـيه الكفّـارة‪ .‬قال‪ :‬قلت لعطاء‪ :‬فعلـيه من المام عقوبة؟ قال‪:‬‬
‫ل‪.‬‬
‫حدثنا مـحمد بن بشار‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا عبد الرحمن‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا سفـيان‪ ,‬عن ابن جريج‪ ,‬عن‬
‫عطاء‪ ,‬قال‪ :‬يح كم عل ـيه ف ـي ال ـخطإ والع مد والن سيان وكل ـما أ صاب قال ال عزّ وجلّ‪:‬‬
‫ن عا َد فَـيَ ْنتَ ِقمُ الّل ُه ِمنْ ُه مع الكفّـارة‪.‬‬
‫عمّا سََلفَ قال‪ :‬ما كان فـي الـجاهلـية‪َ ,‬ومَ ْ‬
‫عَفـا اللّ هُ َ‬
‫قال سفـيان‪ :‬قال ابن جريج‪ :‬فقلت‪ :‬أيعاقبه السلطان؟ قال‪ :‬ل‪.‬‬
‫‪ 9937‬ـ حدثنا ابن وكيع‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا مـحمد بن بكر وأبو خالد‪ ,‬عن ابن جريج‪ ,‬قال‪ :‬قلت‬
‫عمّا سَلَفَ؟ قال‪ :‬عما كان فـي الـجاهلـية‪.‬‬
‫لعطاء‪ :‬عَفـا اللّهُ َ‬
‫‪ 9938‬ـ حدثنـي يعقوب‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا هشيـم‪ ,‬عن أبـي بشر‪ ,‬عن عطاء بن أبـي ربـاح‪,‬‬
‫أنه قال‪ :‬يحكم علـيه كلـما عاد‪.‬‬
‫‪ 9939‬ـ حدث نا هناد‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا جر ير‪ ,‬عن من صور‪ ,‬عن م ـجاهد‪ ,‬قال‪ :‬كل ـما أ صاب‬
‫الـمـحرم الصيد ناسيا حكم علـيه‪.‬‬
‫‪9940‬ــ حدثنــي يحيـى بـن طلــحة الــيربوعي‪ ,‬قال‪ :‬حدثنـا فضيــل بـن عياض‪ ,‬عـن‬
‫منصور‪ ,‬عن إبراهيـم‪ ,‬قال‪ :‬كلـما أصاب الصيد الـمـحرم حكم علـيه‪.‬‬
‫حدثنا عمرو بن علـيّ‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا سفـيان بن عيـينة‪ ,‬عن ابن أبـي نـجيح‪ ,‬عن عطاء‪,‬‬
‫قال‪ :‬من قتل الصيد ثم عاد حكم علـيه‪.‬‬
‫‪9941‬ـ حدثنا عمرو‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا سفـيان بن عيـينة‪ ,‬عن داود بن أبـي هند‪ ,‬عن سعيد بن‬
‫جبـير‪ ,‬قال‪ :‬يحكم علـيه فـيخـلع‪ ,‬أو يترك‪.‬‬
‫‪ 9942‬ـ حدثنا عمرو‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا عبد الوهاب‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا داود بن أبـي هند‪ ,‬عن سعيد بن‬
‫جبـير‪ :‬الذي يصيب الصيد وهو مـحرم فـيحكم علـيه ثم يعود؟ قال‪ :‬يحكم علـيه‪.‬‬
‫‪ 9943‬ـ حدثنا عمرو‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا كثـير بن هشام‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا الفرات بن سلـمان‪ ,‬عن عبد‬
‫الكريـم‪ ,‬عن عطاء‪ ,‬قال‪ :‬يحكم علـيه كلـما عاد‪.‬‬
‫وقال آخرون‪ :‬معنى ذلك‪ :‬عفـا ال عما سلف منكم فـي ذلك فـي الـجاهلـية‪ ,‬ومن عاد‬
‫فـي السلم فـينتقم ال منه بإلزامه الكفّـارة‪ .‬ذكر من قال ذلك‪:‬‬
‫‪ 9944‬ـ حدثنـي ابن البرقـي‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا عمرو‪ ,‬عن زهير‪ ,‬عن سعيد بن جبـير وعطاء‪,‬‬
‫فـي قول ال تعالـى‪َ :‬و َم نْ عا َد فَـ َي ْنتَ ِقمُ اللّ ُه ِمنْ ُه قال‪ :‬ينتقم ال‪ ,‬يعنـي بـالـجزاء‪ .‬عفـا‬
‫ف فـي الـجاهلـية‪.‬‬
‫عمّا سَلَ َ‬
‫ال َ‬
‫ن َقتَلَ منكم الصيد حراما فـي أوّل‬
‫ل مَ ْ‬
‫ن قَتْ ِ‬
‫وقال آخرون‪ :‬فـي ذلك‪ :‬عفـا ال عما سلف ِم ْ‬
‫مرّة‪ ,‬ومن عاد ثانـية لقتله بعد أولـى حراما‪ ,‬فـال ولـيّ النتقام منه دون كفّـارة تلزمه‬
‫لقتله إياه‪ .‬ذكر من قال ذلك‪:‬‬
‫‪ 9945‬ـ حدثنـي الـمثنى‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا عبد ال بن صالـح‪ ,‬قال‪ :‬ثنـي معاوية بن صالـح‪,‬‬
‫عن لـيّ بن أبـي طلـحة‪ ,‬عن ابن عبـاس‪ :‬من قتل شيئا من الصيد خطأ وهو مـحرم‪,‬‬
‫حكم علـيه فـيه مرّة واحدة‪ ,‬فإن عاد يقال له‪ :‬ينتقم ال منك‪ ,‬كما قال ال عزّ وجلّ‪.‬‬
‫‪9946‬ـ حدثنا يحيى بن طلـحة الـيربوعي‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا فضيـل بن عياض‪ ,‬عن هشام‪ ,‬عن‬
‫عكرمة‪ ,‬عن ابن عبـاس‪ ,‬قال‪ :‬إذا أصاب الـمـحرم الصيد حكم علـيه‪ ,‬فإن عاد لـم يحكم‬
‫عل ـيه‪ ,‬وكان ذلك إل ـى ال عزّ وجلّ‪ ,‬إن شاء عاق به وإن شاء عف ـا ع نه‪ .‬ثم قرأ هذه الَ ية‪:‬‬
‫عزِيزٌ ذُو ا ْنتِقامٍ‪.‬‬
‫ن عا َد فَـ َي ْنتَ ِقمُ اللّ ُه ِمنْهُ وَالّلهُ َ‬
‫َومَ ْ‬
‫‪ 9947‬ـ حدثنا هناد‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا يحيى بن أبـي زائدة‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا داود‪ ,‬عن عامر‪ ,‬قال‪ :‬جاء‬
‫رجل إلـى شريح‪ ,‬فقال‪ :‬إنـي أصبت صيدا وأنا مـحرم‪ .‬فقال‪ :‬هل أصبت قبل ذلك شيئا؟‬
‫قال‪ :‬ل‪ .‬قال‪ :‬لو قلت نعم وكلتك إلـى ال‪ ,‬يكون هو ينتقم منك‪ ,‬إنه عزيز ذو انتقام قال داود‪:‬‬
‫فذكرت ذلك لسعيد بن جبـير‪ ,‬فقال‪ :‬بل يحكم علـيه‪ ,‬أو يخـلع‪.‬‬
‫‪ 9948‬ـ حدثنـي أبو السائب وعمرو بن علـيّ‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا أبو معاوية‪ ,‬عن العمش‪ ,‬عن‬
‫إبراهي ـم‪ ,‬قال‪ :‬إذا أ صاب الر جل ال صيد و هو م ـحرم‪ ,‬وق ـيـل له أ صبت صيدا م ثل هذا؟‬
‫قال‪ :‬فإن قال‪ :‬نعم‪ ,‬قـيـل له‪ :‬اذهب‪ ,‬فـينتقم ال منك وإن قال ل‪ ,‬حكم علـيه‪.‬‬
‫‪ 9949‬ـ حدثنا مـحمد بن الـمثنى‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا ابن أبـي عد يّ‪ ,‬عن شعبة‪ ,‬عن سلـيـمان‪,‬‬
‫عن إبراهي ـم ف ـي الذي يق تل ال صيد‪ ,‬ثم يعود‪ ,‬قال‪ :‬كانوا يقولون‪ :‬من عاد ل يح كم عل ـيه‪,‬‬
‫أمره إلـى ال عزّ وجلّ‪.‬‬
‫حدث نا عمرو‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا ا بن عي ـينة‪ ,‬عن داود بن أب ـي ه ند‪ ,‬عن الشعب ـي‪ :‬أن رجلً‬
‫أتـى شريحا‪ ,‬فقال‪ :‬أصبت صيدا‪ .‬قال‪ :‬أصبت قبله صيدا؟ قال‪ :‬ل‪ ,‬قال‪ :‬أما إنك لو قلت نعم‪,‬‬
‫لـم أحكم علـيك‪.‬‬
‫حدثنا عمرو‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا ابن أبـي عديّ‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا داود‪ ,‬عن الشعبـيّ‪ ,‬عن شريح‪ ,‬مثله‪.‬‬
‫حدث نا عمرو‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا أ بو عا صم‪ ,‬عن الش عث‪ ,‬عن م ـحمد‪ ,‬عن شر يح ف ـي الذي‬
‫يصيب الصيد‪ ,‬قال‪ :‬يحكم علـيه‪ ,‬فإن عاد انتقم ال منه‪.‬‬
‫‪ 9950‬ـ حدثنا ابن حميد‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا حكام بن سلـم‪ ,‬عن عنبسة‪ ,‬عن سالـم‪ ,‬عن سعيد بن‬
‫عدْلٍ مِن ُكمْقال‪ :‬يحكم‬
‫حكُ مُ ِب ِه ذَوَا َ‬
‫ن ال ّنعَ مِ َي ْ‬
‫ل ما َقتَلَ ِم َ‬
‫جزَاءٌ ِمثْ ُ‬
‫ن َقتَلَ ُه ِم ْنكُ مْ ُم َت َعمّدا فَ َ‬
‫جبـير‪َ :‬و َم ْ‬
‫علـيه فـي العمد مرّة واحدة‪ ,‬فإن عاد لـم يحكم علـيه وقـيـل له‪ :‬اذهب ينتقم ال منك‪,‬‬
‫ويحكم علـيه فـي الـخطأ أبدا‪.‬‬
‫‪9951‬ـ حدثنا ابن وكيع‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا أبـي‪ ,‬عن سفـيان‪ ,‬عن خصيف‪ ,‬عن سعيد بن جبـير‪,‬‬
‫قال‪ :‬رخص فـي قتل الصيد مرّة‪ ,‬فمن عاد لـم يدعه ال تعالـى حتـى ينتقم منه‪.‬‬
‫حدثنا هناد‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا وكيع‪ ,‬عن سفـيان‪ ,‬عن خصيف‪ ,‬عن سعيد بن جبـير‪ ,‬مثله‪.‬‬
‫حدثنا عمرو بن علـيّ‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا يحيى بن سعيد وابن أبـي عديّ جميعا‪ ,‬عن هشام‪ ,‬عن‬
‫عكرمة‪ ,‬عن ابن عبـاس‪ ,‬فـيـمن أصاب صيدا‪ ,‬فحكم علـيه‪ ,‬ثم عاد‪ ,‬قال‪ :‬ل يحكم‪ ,‬ينتقم‬
‫ال منه‪.‬‬
‫‪ 9952‬ـ حدثنا عمرو‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا ابن عيـينة‪ ,‬عن ابن أبـي نـجيح‪ ,‬عن مـجاهد‪ :‬إنـما‬
‫ن َقتَلَ ُه ِم ْنكُ مْ ُم َت َعمّدا يقول‪ :‬متعمدا لقتله نا سيا لحرا مه‪ ,‬فذلك الذي يح كم‬
‫قال ال عزّ وجلّ‪َ :‬و َم ْ‬
‫علـيه‪ ,‬فإن عاد ل يحكم علـيه‪ ,‬وقـيـل له‪ :‬ينتقم ال منك‪.‬‬
‫حدثنـا عمرو‪ ,‬قال‪ :‬حدثنـا كثــير بـن هشام‪ ,‬قال‪ :‬حدثنـا الفرات بـن سـلـمان‪ ,‬عـن عبـد‬
‫الكريـم‪ ,‬عن مـجاهد‪ :‬إن عاد لـم يحكم علـيه‪ ,‬وقـيـل له‪ :‬ينتقم ال منك‪.‬‬
‫‪ 9953‬ـ حدث نا عمرو‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا يح يى بن سعيد‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا الش عث‪ ,‬عن الـحسن ف ـي‬
‫الذي يصيب الصيد‪ ,‬فـيحكم علـيه ثم يعود‪ ,‬قال‪ :‬ل يحكم علـيه‪.‬‬
‫وقال آخرون‪ :‬معنى ذلك‪ :‬عفـا ال عما سلف من قتلكم الصيد قبل تـحريـم ال تعالـى‬
‫ذلك علـيكم‪ ,‬ومن عاد لقتله بعد تـحريـم ال إياه علـيه عالـما بتـحريـمه ذلك علـيه‪,‬‬
‫عامدا لقتله‪ ,‬ذاكرا لحرامـه‪ ,‬فإن ال هـو الــمنتقم منـه‪ ,‬ول كفّــارة لذنبـه ذلك‪ ,‬ول جزاء‬
‫يـلزمه له فـي الدنـيا‪ .‬ذكر من قال ذلك‪:‬‬
‫‪ 9954‬ـ حدثنـي يونس بن عبد العلـى‪ ,‬قال‪ :‬أخبرنا ابن وهب‪ ,‬قال‪ :‬قال ابن زيد‪ ,‬فـي‬
‫قوله‪َ :‬ومَ نْ عادَ فَ ـيَ ْنتَ ِقمُ الّل هُ ِمنْ ُه قال‪ :‬من عاد ب عد ن هي ال ب عد أن يعرف أ نه م ـحرّم وأ نه‬
‫ذا كر لُ ـحْرمِه ل ـمْ ين بغ ل حد أن يح كم عل ـيه‪ ,‬ووكلوه إل ـى نق مة ال عزّ وجلّ‪ .‬فأ ما الذي‬
‫يتعمد قتل الصيد وهو ناس لـحرمه‪ ,‬أو جاهل أن قتله مـحرّم‪ ,‬فهؤلء الذين يحكم علـيهم‪.‬‬
‫فأما من قتله متعمدا بعد نهي ال وهو يعرف أنه مـحرم وأنه حرام‪ ,‬فذلك يوكل إلـى نقمة‬
‫ال‪ ,‬فذلك الذي جعل ال علـيه النقمة‪ .‬وهذا شبـيه بقول مـجاهد الذي ذكرناه قبل‪.‬‬
‫وقال آخرون‪ :‬عُنـي بذلك شخص بعينه‪ .‬ذكر من قال ذلك‪:‬‬
‫‪ 9955‬ـ حدث نا عمرو بن عل ـيّ‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا معت ـمر بن سلـيـمان‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا ز يد أ بو‬
‫الـمعلـى‪ :‬أن رجلً أصاب صيدا وهو مـحرم‪ُ ,‬فتُـجوّز له عنه‪ .‬ثم عاد‪ ,‬فأرسل ال علـيه‬
‫نارا فأحرقته‪ ,‬فذلك قوله‪َ :‬و َمنْ عا َد فَـ َي ْنتَ ِقمُ اللّ ُه ِمنْ ُه قال‪ :‬فـي السلم‪.‬‬
‫وأولـى القوال فـي ذلك بـالصواب عندنا‪ ,‬قول من قال‪ :‬معناه‪ :‬ومن عاد فـي السلم‬
‫لقتله بعد نهي ال تعالـى عنه‪ ,‬فـينتقم ال منه‪ ,‬وعلـيه مع ذلك الكفّـارة‪ ,‬لن ال عز وجلٍ‬
‫إذ أ خبر أ نه ينت قم م نه ل ـم يخبر نا‪ ,‬و قد أو جب عل ـيه ف ـي قتله ال صيد عمدا ما أو جب من‬
‫جزَاءٌ ِمثْلُ ما َقتَلَ ِم نَ ال ّنعَ مِ أ نه قد أزال‬
‫ال ـجزاء أو الكفّ ـارة بقوله‪َ :‬و َم نْ َقتَلَ ُه ِم ْنكُ مْ ُم َت َعمّدا َف َ‬
‫عنه الكفّـارة فـي الـمرّة الثانـية والثالثة‪ ,‬بل أعلـم عبـاده ما أوجب من الـحكم علـى‬
‫قا تل ال صيد من ال ـمـحرمين عمدا‪ ,‬ثم أ خبر أ نه منت قم م ـمن عاد‪ ,‬ول ـم ي قل‪ :‬ول كفّ ـارة‬
‫علـيه فـي الدنـيا‪.‬‬
‫فإن ظنّ ظانّ أن الكفّـارة مزيـلة للعقاب‪ ,‬ولو كانت الكفّـارة لزمة له فـي الدنـيا لبطل‬
‫ل أن يخالف بــين عقوبــات‬
‫ـ خطـأ‪ .‬وذلك أن ال عزّ وج ّ‬
‫العقاب فــي الَخرة‪ ,‬فقـد ظن ّ‬
‫ب ف ـيزيد ف ـي عقوب ته عل ـى ب عض معا صيه م ـما ين قص من‬
‫معا صيه ب ـما شاء‪ ,‬وأح ّ‬
‫ب عض‪ ,‬وين قص من ب عض م ـما يز يد ف ـي ب عض‪ ,‬كالذي ف عل من ذلك ف ـي مخالف ته ب ـين‬
‫عقوب ته الزان ـي الب كر والزان ـي الث ـيب ال ـمـحصن‪ ,‬وب ـين سارق ر بع دينار وب ـين‬
‫ل مـن ذلك فكذلك خالف بــين عقوبتـه قاتـل الصـيد مـن الــمـحرمين عمدا ابتداء‬
‫سـارق أق ّ‬
‫وبــين عقوبتـه عودا بعـد بدء‪ ,‬فأوجـب علــى البــاديء الــمثل مـن النعـم‪ ,‬أو الكفّــارة‬
‫بـالطعام‪ ,‬أو العدل من الصيام‪ ,‬وجعل ذلك عقوبة جرمه بقوله‪ :‬لِـيذُوقَ وَبـالَ أ ْمرِ هِ وجعل‬
‫علـى العائد بعد البدء‪ ,‬وزاده من عقوبته ما أخبر عبـاده أنه فـاعل من النتقام تغلـيظا منه‬
‫للعود بعد البدء‪ .‬ولو كانت عقوبـاته علـى الشياء متفقة‪ ,‬لوجب أن ل يكون حدّ فـي شيء‬
‫مخالفــا حدّا فــي غيره‪ ,‬ول عقاب فــي الَخرة أغلظ مـن عقاب‪ ,‬وذلك خلف مـا جاء بـه‬
‫مـحكم الفرقان‪ .‬وقد زعم بعض الزاعمين أن معنى ذلك‪ :‬ومن عاد فـي السلم بعد نهي ال‬
‫عـن قتله لقتله بــالـمعنى الذي كان القوم يقتلونـه فــي جاهلــيتهم‪ ,‬فعفــا لهـم عنـه عنـد‬
‫تـحريـم قتله علـيهم‪ ,‬وذلك قتله علـى استـحلل قتله‪ .‬قال‪ :‬فأما إذا قتله علـى غير ذلك‬
‫الوجـه‪ ,‬وذلك أن يقتله علــى وجـه الفسـوق ل علــى وجـه السـتـحلل‪ ,‬فعلــيه الــجزاء‬
‫والكفّ ـارة كل ـما عاد‪ .‬وهذا قول ل نعل ـم قائلً قاله من أ هل التأوي ـل‪ ,‬وكف ـي خ طأ بقوله‬
‫خروجه عن أقوال أهل العلـم لو لـم يكن علـى خطئه دللة سواه‪ ,‬فكيف وظاهر التنزيـل‬
‫ن عا َد فَ ـ َي ْنتَ ِقمُ اللّ ُه ِمنْ ُه كل عائد لق تل ال صيد‬
‫ي نبىء عن ف ساده؟ وذلك أن ال ع مّ بقوله‪َ :‬ومَ ْ‬
‫ب ـالـمعنى الذي تقدم الن هي م نه به ف ـي أوّل الَ ية‪ ,‬ول ـم يخ صّ به عائدا من هم دون عائد‪,‬‬
‫فمن ادّعي فـي التنزيـل ما لـيس فـي ظاهره كلف البرهان علـى دعواه من الوجه الذي‬
‫يجب التسلـيـم له‪.‬‬
‫وأ ما من ز عم أن مع نى ذلك‪ :‬و من عاد ف ـي قتله متعمدا ب عد بدء لق تل تقدّم م نه ف ـي حال‬
‫عمّا سََلفَ إنـما هو‪ :‬عفـا عما سلف من‬
‫إحرامه فـينتقم ال منه‪ ,‬فإن معنى قوله‪ :‬عَفـا اللّهُ َ‬
‫ذنبه بقتله الصيد بدءا‪ ,‬فإن فـي قول ال تعالـى‪ :‬لِـ َيذُوقَ وَبـالَ أ ْمرِهِ دلـيلً واضحا علـى‬
‫أن القول فـي ذلك غير ما قال لن العفو عن الـجرم ترك الـمؤاخذة به‪ ,‬ومن أذيق وبـال‬
‫جرمه فقد عوقب به‪ ,‬وغير جائز أن يقال لـمن عوقب قد عفـي عنه‪ ,‬وخبر ال أصدق من‬
‫أن يقع فـيه تناقض‪.‬‬
‫فإن قال قائل‪ :‬و ما ين كر أن يكون قا تل ال صيد من ال ـمـحرمين ف ـي أوّل مرّة قـد أذ يق‬
‫وبـال أمره بـما ألزم من الـجزاء والكفّـارة‪ ,‬وعفـي له من العقوبة بأكثر من ذلك مـما‬
‫كان ل عزّ وجلّ أن يعاق به به؟ ق ـيـل له‪ :‬فإن كان ذلك جائزا أن يكون تأوي ـل الَ ية عندك‬
‫وإن كان مخالفـا لقول أهل التأويـل‪ ,‬فما ينكر أن يكون النتقام الذي أوعده ال علـى العود‬
‫ب عد البدء‪ ,‬هو تلك الزيادة الت ـي عف ـاها ع نه ف ـي أوّل مرّة م ـما كان له فعله به مع الذي‬
‫أذاقه من وبـال أمره‪ ,‬فـيذيقه فـي عوده بعد البدء وبـال أمره الذي أذاقه الـمرّة الولـى‪,‬‬
‫ويترك عفوه عما عفـا عنه فـي البدء‪ ,‬فـيؤاخذه به؟ فلـم يقل فـي ذلك شيئا إل ألزم فـي‬
‫الَخر مثله‪.‬‬
‫عزِيزٌ ذُو ا ْنتِقامٍ‪.‬‬
‫القول فـي تأويـل قوله تعالـى‪ :‬وَالّلهُ َ‬
‫يقول عزّ وجلّ‪ :‬وال من ـيع ف ـي سلطانه‪ ,‬ل يقهره قا هر‪ ,‬ول ي ـمنعه من النتقام م ـمن‬
‫انتقم منه‪ ,‬ول من عقوبة من أراد عقوبته مانع‪ ,‬لن الـخـلق خـلقه‪ ,‬والمر أمره‪ ,‬له العزّة‬
‫والـمنعة‪ .‬وأما قوله‪ :‬ذُو انتِقام فإنه يعنـي به‪ :‬معاقبته لـمن عصاه علـى معصيته إياه‪.‬‬

‫‪96‬‬ ‫الية ‪:‬‬


‫ِلسـيّارَةِ‬
‫ُمـ وَل ّ‬
‫ُهـ َمتَاعا ّلك ْ‬
‫طعَام ُ‬
‫صـْيدُ ا ْل َبحْرِ َو َ‬
‫ُمـ َ‬
‫{ُأحِلّ َلك ْ‬ ‫القول فــي تأويــل قوله تعالــى‪:‬‬
‫شرُونَ }‪..‬‬
‫حَ‬‫حرُما وَاتّقُواْ الّلهَ اّل ِذيَ إَِل ْيهِ ُت ْ‬
‫ص ْيدُ ا ْل َبرّ مَا ُد ْم ُتمْ ُ‬
‫ح ّرمَ عََل ْي ُكمْ َ‬
‫َو ُ‬
‫حرِ وهو ما صيد طربّـا‪ .‬كما‪:‬‬
‫يقول تعالـى ذكره‪ُ :‬أحِلّ َل ُكمْ أيها الـمؤمنون صَ ْيدُ ال َب ْ‬
‫‪9956‬ـ حدثنـي يعقوب‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا هشيـم‪ ,‬قال‪ :‬أخبرنا عمر بن أبـي سلـمة‪ ,‬عن أبـيه‪,‬‬
‫ص ْيدُه‪:‬‬
‫حرِ قال‪َ :‬‬
‫ل َلكُ مْ صَ ْيدُ ال َب ْ‬
‫عن أبـي هريرة‪ ,‬قال‪ :‬قال عمر بن الـخطاب فـي قوله‪ُ :‬أحِ ّ‬
‫ما صِيدَ منه‪.‬‬
‫‪ 9957‬ـ حدث نا ا بن حم يد‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا جر ير‪ ,‬عن مغيرة‪ ,‬عن سماك‪ ,‬قال‪ :‬حُد ثت‪ ,‬عن ا بن‬
‫ل لكم صيد البحر‪ .‬قال‪ :‬فَصْيدُه‪ :‬ما أخذ‪.‬‬
‫عبـاس‪ ,‬قال‪ :‬خطب أبو بكر الناس‪ ,‬فقال‪ :‬أح ّ‬
‫‪9958‬ـ حدثنـي يعقوب‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا هشيـم‪ ,‬قال‪ :‬أخبرنا حصين‪ ,‬عن سعيد بن جبـير‪ ,‬عن‬
‫حرِ قال‪ :‬صيده‪ :‬ما صيد منه‪.‬‬
‫ص ْيدُ ال َب ْ‬
‫ابن عبـاس‪ ,‬فـي قوله‪ُ :‬أحِلّ َل ُكمْ َ‬
‫‪9959‬ــ حدثنـا سـلـيـمان بـن عمـر بـن خالد البرقــي‪ ,‬قال‪ :‬حدثنـا مــحمد بـن سـلـمة‬
‫ص ْيدُ ال َبحْرِ‬
‫ل َلكُ مْ َ‬
‫ال ـحرانـي‪ ,‬عن خ صيف‪ ,‬عن عكر مة‪ ,‬عن ا بن عب ـاس‪ ,‬ف ـي قوله‪ُ :‬أحِ ّ‬
‫صيْدهُ الطريّ‪.‬‬
‫قال‪َ :‬‬
‫حدثنا ابن حميد‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا يحيى بن واضح‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا الهذيـل بن بلل‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا عبد‬
‫صيْدُه‪ :‬ما‬
‫ص ْيدُ ال َبحْ ِر قال‪َ :‬‬
‫ل َلكُ مْ َ‬
‫ال بن عبـيد بن عمير‪ ,‬عن ابن عبـاس‪ ,‬فـي قوله‪ُ :‬أحِ ّ‬
‫صِيدَ‪.‬‬
‫حدثن ـي م ـحمد بن سعد‪ ,‬قال‪ :‬ثن ـي أب ـي‪ ,‬قال‪ :‬ثن ـي ع مي‪ ,‬قال‪ :‬ثن ـي أب ـي‪ ,‬عن‬
‫حرِ قال‪ :‬الطريّ‪.‬‬
‫ص ْيدُ ال َب ْ‬
‫أبـيه‪ ,‬عن ابن عبـاس‪ُ ,‬أحِلّ َل ُكمْ َ‬
‫حدثنا ابن وكيع‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا الـحسن بن علـيّ الـجعفـي أو الـحسين‪ ,‬ش كّ أبو جعفر‬
‫عن الـحكم بن أبـان‪ ,‬عن عكرمة‪ ,‬قال‪ :‬كان ابن عبـاس يقول‪ :‬صيد البحر‪ :‬ما اصطاده‪.‬‬
‫‪9960‬ـ حدثنا أبو كريب‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا ابن يـمان‪ ,‬عن سفـيان‪ ,‬عن أبـي حصين‪ ,‬عن سعيد‬
‫حرِ قال‪ :‬الطري‪.‬‬
‫صيْدُ ال َب ْ‬
‫ل َل ُكمْ َ‬
‫بن جبـير‪ُ :‬أحِ ّ‬
‫‪ 9961‬ـ حدثنا ابن حميد‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا حكام‪ ,‬عن عنبسة‪ ,‬عن الـحجاج‪ ,‬عن العلء بن بدر‪,‬‬
‫عن أبـي سلـمة‪ ,‬قال‪ :‬صيد البحر‪ :‬ما صيد‪.‬‬
‫حدثنا ابن وكيع‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا أبـي‪ ,‬عن سفـيان‪ ,‬عن أبـي حصين‪ ,‬عن سعيد بن جبـير‪:‬‬
‫حرِ قال‪ :‬الطريّ‪.‬‬
‫ص ْيدُ ال َب ْ‬
‫ُأحِلّ َل ُكمْ َ‬
‫حدثنا ابن وكيع‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا حميد بن عبد الرحمن‪ ,‬عن سفـيان‪ ,‬عن أبـي حصين‪ ,‬عن‬
‫سعيد بن جبـير مثله‪.‬‬
‫حدثنا ابن بشار‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا عبد الرحمن بن مهدي‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا سفـيان‪ ,‬عن أبـي حصين‪,‬‬
‫صيْ ُد ال َبحْرِ قال‪ :‬السمك الطريّ‪.‬‬
‫ل َل ُكمْ َ‬
‫عن سعيد بن جبـير‪ُ :‬أحِ ّ‬
‫‪ 9962‬ـ حدثنا مـحمد بن الـحسين‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا أحمد بن مفضل‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا أسبـاط‪ ,‬عن‬
‫حرِ أما صيد البحر‪ :‬فهو السمك الطريّ‪ ,‬هي الـحيتان‪.‬‬
‫ص ْيدُ ال َب ْ‬
‫السديّ‪ُ :‬أحِلّ َل ُكمْ َ‬
‫‪9963‬ــ حدثنـا القاسـم‪ ,‬قال‪ :‬حدثنـا الــحسين‪ ,‬قال‪ :‬حدثنـا أبـو سـفـيان‪ ,‬عـن معمـر‪ ,‬عـن‬
‫الزهري‪ ,‬عن سعيد بن ال ـمسيب‪ ,‬قال‪ :‬صيده‪ :‬ما ا صطدته طريّا‪ .‬قال مع مر‪ :‬وقال قتادة‪:‬‬
‫صيده‪ :‬ما اصطدته‪.‬‬
‫‪9964‬ـ حدثنـي مـحمد بن عمرو‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا أبو عاصم‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا عيسى‪ ,‬عن ابن أبـي‬
‫حرِ قال‪ :‬حيتانه‪.‬‬
‫ص ْيدُ ال َب ْ‬
‫نـجيح‪ ,‬عن مـجاهد فـي قول ال‪ُ :‬أحِلّ َل ُكمْ َ‬
‫‪ 9965‬ـ حدثنا ابن البرقـي‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا عمر بن أبـي سلـمة‪ ,‬قال‪ :‬سئل سعيد عن صيد‬
‫ص ْيدُه‪ :‬ما اصطدتَ‪.‬‬
‫البحر‪ ,‬فقال‪ :‬قال مكحول‪ :‬قال زيد بن ثابت‪َ :‬‬
‫‪ 9966‬ـ حدثنا ابن حميد‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا جرير‪ ,‬عن لـيث‪ ,‬عن مـجاهد‪ ,‬فـي قوله‪ُ :‬أحِلّ َلكُ مْ‬
‫سيّارَ ِة قال‪ :‬ي صطاد ال ـمـحرم وال ـمـحلّ من الب حر‪,‬‬
‫حرِ َوطَعامُ ُه مَتا عا َلكُ مْ ولل ّ‬
‫صيْدُ ال َب ْ‬
‫َ‬
‫ويأكل من صيده‪.‬‬
‫‪9967‬ـ حدثنا عمرو بن عبد الـحميد‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا ابن عيـينة‪ ,‬عن عمرو‪ ,‬عن عكرمة‪ ,‬قال‪:‬‬
‫قال أ بو ب كر‪ :‬طعام الب حر‪ :‬كلّ ما ف ـيه‪ .‬وقال جابر بن ع بد ال‪ :‬ما ح صر ع نه فكُلْ‪ .‬وقال‪:‬‬
‫كل ما فـيه يعنـي‪ :‬جميع ما صيد‪.‬‬
‫‪ 9968‬ـ حدثنا سعيد بن الربـيع‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا سفـيان‪ ,‬عن عمرو‪ ,‬سمع عكرمة يقول‪ :‬قال‬
‫سيّارَةِ قال‪ :‬هو كل ما فـيه‪.‬‬
‫أبو بكر‪َ :‬وطَعامُهُ مَتاعا َل ُكمْ ولل ّ‬
‫وع نى ب ـالبحر ف ـي هذا ال ـموضع‪ :‬النهار كل ها والعرب ت سمي النهار بحارا‪ ,‬ك ما قال‬
‫حرِ‪.‬‬
‫ظهَرَ الفَسادُ فـي ال َبرّ وال َب ْ‬
‫تعالـى ذكره‪َ :‬‬
‫فتأوي ـل الكلم‪ :‬أحلّ ل كم أي ها ال ـمؤمنون طر يّ سمك النهار الذي صدتـموه ف ـي حال‬
‫حلكم وحرمكم‪ ,‬وما لـم تصيدوه من طعامه الذي قتله ثم رمي به إلـى ساحله‪.‬‬
‫واختلف أ هل التأوي ـل ف ـي مع نى قوله‪َ :‬وطَعامُ هُ فقال بعض هم‪ :‬عُن ـي بذلك‪ :‬ما قذف به‬
‫إلـى ساحله ميتا‪ ,‬نـحو الذي قلنا فـي ذلك‪ .‬ذكر من قال ذلك‪:‬‬
‫‪ 9969‬ـ حدث نا ا بن حم يد‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا جر ير‪ ,‬عن مغيرة‪ ,‬عن سماك‪ ,‬قال‪ :‬حد ثت‪ ,‬عن ا بن‬
‫ل لكم صيد البحر وطعامه متاعا لكم‪ ,‬وطعامُه‪:‬‬
‫عبـاس‪ ,‬قال‪ :‬خطب أبو بكر الناس‪ ,‬فقال‪ :‬أح ّ‬
‫ما قذف‪.‬‬
‫‪9970‬ـ حدثنـي يعقوب‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا هشيـم‪ ,‬قال‪ :‬أخبرنا عمر بن أبـي سلـمة‪ ,‬عن أبـيه‪,‬‬
‫عـن أبــي هريرة‪ ,‬قال‪ :‬كنـت بــالبحرين‪ ,‬فسـألونـي عمـا قذف البحـر‪ ,‬قال‪ :‬فأفتــيتهم أن‬
‫يأكلوا‪ .‬فل ـما قد مت عل ـى ع مر بن ال ـخطاب ر ضي ال ع نه‪ ,‬ذكرت ذلك له‪ ,‬فقال ل ـي‪:‬‬
‫ب ـم أفت ـيتهم؟ قال‪ :‬قلت‪ :‬أفت ـيتهم أن يأكلوا‪ ,‬قال‪ :‬لو أفت ـيتهم بغ ير ذلك لعلو تك ب ـالدرّة‪.‬‬
‫ص ْيدُ ال َبحْرِ َوطَعامُ هُ مَتاعا َلكُ ْم فصيده‪:‬‬
‫ل َلكُ مْ َ‬
‫قال‪ :‬ثم قال‪ :‬إن ال تعالـى قال فـي كتابه‪ُ :‬أحِ ّ‬
‫ما صيد منه‪ ,‬وطعامه‪ :‬ما قذف‪.‬‬
‫‪9971‬ـ حدثنـي يعقوب‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا هشيـم‪ ,‬قال‪ :‬أخبرنا حصين‪ ,‬عن سعيد بن جبـير‪ ,‬عن‬
‫طعَامُ ُه َمتَاعا َل ُكمْ قال‪ :‬طعامه‪ :‬ما قذف‪.‬‬
‫حرِ و َ‬
‫صيْدُ ال َب ْ‬
‫ل َل ُكمْ َ‬
‫ابن عبـاس‪ُ :‬أحِ ّ‬
‫حدثن ـي يعقوب‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا ا بن عل ـية‪ ,‬عن سلـيـمان الت ـيـمي‪ ,‬عن أب ـي م ـجلز‪,‬‬
‫حرِ َوطَعامُ ُه قال‪ :‬طعامه‪ :‬ما قذف‪.‬‬
‫صيْدُ ال َب ْ‬
‫ل َل ُكمْ َ‬
‫عن ابن عبـاس‪ ,‬فـي قوله‪ُ :‬أحِ ّ‬
‫حدثنـا ابـن وكيـع‪ ,‬قال‪ :‬حدثنـا أبـو خالد الحمـر‪ ,‬عـن سـلـيـمان التــيـمي‪ ,‬عـن أبــي‬
‫مـجلز‪ ,‬عن ابن عبـاس‪ ,‬مثله‪.‬‬
‫‪ 9972‬ـ حدثنا ابن وكيع‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا حسين بن علـيّ‪ ,‬عن زائدة‪ ,‬عن سماك‪ ,‬عن عكرمة‪,‬‬
‫ل ما ألقاه البحر‪.‬‬
‫عن ابن عبـاس‪ ,‬قال‪ :‬طعامه‪ :‬ك ّ‬
‫ي أو الـحسين بن علـيّ الـجعفـي‪,‬‬
‫‪9973‬ـ حدثنا ابن وكيع‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا الـحسن بن علـ ّ‬
‫شكّ أبو جعفر عن الـحكم بن أبـان‪ ,‬عن عكرمة‪ ,‬عن ابن عبـاس‪ ,‬قال‪ :‬طعامه‪ :‬ما لفظ من‬
‫ميتته‪.‬‬
‫حدثنا ابن حميد‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا يحيى بن واضح‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا الهذيـل بن بلل‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا عبد‬
‫حرِ َوطَعامُ ُه قال‪ :‬طعامه‪ :‬ما وجد‬
‫ال بن عبـيد بن عمير‪ ,‬عن ابن عبـاس‪ُ :‬أحِلّ َلكُ ْم صَ ْيدُ ال َب ْ‬
‫علـى الساحل ميتا‪.‬‬
‫حدث نا أ بو كر يب‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا ا بن ي ـمان‪ ,‬عن سفـيان‪ ,‬عن سلـيـمان الت ـيـمي‪ ,‬عن‬
‫أبـي مـجلز‪ ,‬عن ابن عبـاس‪ ,‬قال‪ :‬طعامه‪ :‬ما قذف به‪.‬‬
‫‪ 9974‬ـ حدثنا سعيد بن الربـيع‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا سفـيان‪ ,‬عن عمرو‪ ,‬سمع عكرمة يقول‪ :‬قال‬
‫أبو بكر رضي ال عنه‪َ :‬وطَعامُهُ مَتاعا َل ُكمْ قال‪ :‬طعامه‪ :‬هو كلّ ما فـيه‪.‬‬
‫‪9975‬ـ حدثنـي مـحمد بن الـمثنى‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا الضحاك بن مخـلد‪ ,‬عن ابن جريج‪ ,‬قال‪:‬‬
‫أخبرنـي عمرو بن دينار عن عكرمة مولـى ابن عبـاس‪ ,‬قال‪ :‬قال أبو بكر‪َ :‬وطَعامُ ُه مَتاعا‬
‫َلكُ مْ قال‪ :‬طعا مه‪ :‬ميت ته‪ .‬قال عمرو‪ :‬و سمع أب ـا الشعثاء يقول‪ :‬ما ك نت أح سب طعا مه إل‬
‫مالـحه‪.‬‬
‫حدثنا مـحمد بن الـمثنى‪ ,‬قال‪ :‬ثنـي الضحاك بن مخـلد‪ ,‬عن ابن جريج‪ ,‬قال‪ :‬أخبرنـي‬
‫أبو بكر بن حفص بن عمر بن سعد‪ ,‬عن عكرمة‪ ,‬عن ابن عبـاس‪ ,‬فـي قوله‪َ :‬وطَعامُهُ مَتاعا‬
‫َل ُكمْ قال‪ :‬طعامه‪ :‬ميتته‪.‬‬
‫‪9976‬ـ حدثنا حميد بن مسعدة‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا يزيد بن زريع‪ ,‬عن عثمان‪ ,‬عن عكرمة‪َ :‬وطَعامُهُ‬
‫مَتاعا َل ُكمْ قال‪ :‬طعامه‪ :‬ما قذف‪.‬‬
‫‪ 9977‬ـ حدثنا بن عبد العلـى‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا معمر بن سلـيـمان‪ ,‬قال‪ :‬سمعت عبـيد ال‪,‬‬
‫عن نافع‪ ,‬قال‪ :‬جاء عبد الرح من إل ـى عبد ال‪ ,‬فقال‪ :‬الب حر قد ألق ـى حيتا نا كثـيرة؟ قال‪:‬‬
‫صيْدُ‬
‫ل َلكُ مْ َ‬
‫فنهاه عن أكل ها‪ ,‬ثم قال‪ :‬يا نا فع هات ال ـمصحف فأت ـيته به‪ ,‬فقرأ هذه الَ ية‪ُ :‬أحِ ّ‬
‫ال َبحْرِ َوطَعامُهُ مَتاعا َل ُكمْ قال‪ :‬قلت‪ :‬طعامه‪ :‬هو الذي ألقاه‪ .‬قال‪ :‬فألـحقه‪ ,‬فمره بأكله‪.‬‬
‫حدث نا ا بن بشار‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا ع بد الوهاب‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا أيوب‪ ,‬عن نا فع أن ع بد الرح من بن‬
‫أبـي هريرة سأل ابن عمر‪ ,‬فقال‪ :‬إن البحر قذف حيتانا كثـيرة ميتة أفنأكلها؟ قال‪ :‬ل تأكلوها‬
‫فل ـما ر جع ع بد ال إل ـى أهله‪ ,‬أ خذ ال ـمصحف‪ ,‬فقرأ سورة ال ـمائدة‪ ,‬فأت ـى عل ـى هذه‬
‫سيّارَةِ قال‪ :‬اذهب‪ ,‬فقل له‪ :‬فلـيأكله‪ ,‬فإنه طعامه‬
‫الَية‪َ :‬وطَعامُهُ مَتاعا َل ُكمْ ولل ّ‬
‫حدثنــي يعقوب‪ ,‬قال‪ :‬حدثنـا ابـن علــية‪ ,‬قال‪ :‬أخبرنـا أيوب‪ ,‬عـن نافـع‪ ,‬عـن ابـن عمـر‪,‬‬
‫بنـحوه‪.‬‬
‫حدثنـي الـمثنى‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا الضحاك بن مخـلد‪ ,‬عن ابن جريج‪ ,‬قال‪ :‬أخبرنـي عمرو‬
‫بن دينار‪ ,‬عن عكرمة‪ ,‬مولـى ابن عبـاس‪ ,‬قال‪ :‬قال أبو بكر رضي ال عنه‪َ :‬وطَعامُهُ مَتاعا‬
‫َل ُكمْ قال‪ :‬ميتته‪ ,‬قال عمرو‪ :‬سمعت أبـا الشعثاء يقول‪ :‬ما كنت أحسب طعامه‪ :‬إل مالـحه‪.‬‬
‫حدث نا م ـحمد بن الـمثنى‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا الضحاك بن مخ ـلد‪ ,‬عن ا بن جر يج‪ ,‬قال‪ :‬أخبر نا‬
‫نافع أن عبد الرح من بن أب ـي هريرة سأل ا بن ع مر عن حيتان كثـيرة ألقاها الب حر‪ ,‬أمي تة‬
‫هي؟ قال‪ :‬نعم فنهاه عن ها‪ .‬ثم دخـل البـيت‪ ,‬فد عا بـالـمصحف‪ ,‬فقرأ تلك الَ ية‪ُ :‬أحِلّ َلكُ مْ‬
‫حرِ َوطَعامُ ُه مَتا عا َلكُ مْ قال‪ :‬طعامه‪ :‬كل شيء أخرج منه فكُلْه فلـيس به بأس‪ ,‬وكل‬
‫ص ْيدُ ال َب ْ‬
‫َ‬
‫شيء فـيه يؤكل ميتا أو بساحله‪.‬‬
‫‪ 9978‬ـ حدثنا القاسم‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا الـحسين‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا أبو سفـيان‪ ,‬عن معمر‪ ,‬قال قتادة‪:‬‬
‫طعامه‪ :‬ما قذف منه‪.‬‬
‫‪ 9979‬ـ حدثنا ابن وكيع‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا أبو خالد‪ ,‬عن لـيث‪ ,‬عن شهر‪ ,‬عن أبـي أيوب‪ ,‬قال‪:‬‬
‫ما لفظ البحر فهو طعامه‪ ,‬وإن كان ميتا‪.‬‬
‫‪9980‬ـ حدثنا هناد‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا أبو الحوص‪ ,‬عن لـيث‪ ,‬عن شهر‪ ,‬قال‪ :‬سئل أبو أيوب عن‬
‫ص ْيدُ ال َبحْرِ َوطَعامُهُ مَتاعا قال‪ :‬هو ما لفظ البحر‪.‬‬
‫ل َل ُكمْ َ‬
‫قول ال تعالـى‪ُ :‬أحِ ّ‬
‫وقال آخرون‪ :‬عنـي بقوله‪َ :‬وطَعامُ هُ‪ :‬الـملـيح من السمك‪ .‬فـيكون تأويـل الكلم علـى‬
‫ل حال‪ ,‬إحللكم وإحرامكم‪ .‬ذكر من‬
‫ذلك من تأويـلهم‪ :‬أحلّ لكم سمك البحر وملـيحه فـي ك ّ‬
‫قال ذلك‪:‬‬
‫‪ 9981‬ـ حدث نا سلـيـمان عمرو بن خالد البرق ـي‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا م ـحمد بن سلـمة‪ ,‬عن‬
‫خصيف‪ ,‬عن عكرمة‪ ,‬عن ابن عبـاس‪َ :‬وطَعامُ ُه قال‪ :‬طعامه الـمالـح منه‪.‬‬
‫حدثن ـي ال ـمثنى‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا ع بد ال بن صالـح‪ ,‬قال‪ :‬ثن ـي معاو ية بن صالـح‪ ,‬عن‬
‫ي بن أبـي طلـحة‪ ,‬عن ابن عبـاس‪َ :‬وطَعامُ هُ مَتاعا َلكُمْ يعنـي بطعامه‪ :‬مالـحه‪ ,‬وما‬
‫علـ ّ‬
‫قذف البحر من مالـحه‪.‬‬
‫حدثن ـي م ـحمد بن سعد‪ ,‬قال‪ :‬ثن ـي أب ـي‪ ,‬قال‪ :‬ثن ـي ع مي‪ ,‬قال‪ :‬ثن ـي أب ـي‪ ,‬عن‬
‫أبـيه‪ ,‬عن ابن عبـاس‪َ :‬وطَعامُ ُه مَتاعا َل ُكمْ وهو الـمالـح‪.‬‬
‫‪9982‬ـ حدثنا أبو كريب‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا ابن يـمان‪ ,‬عن سفـيان‪ ,‬عن مـجمع التـيـمي‪ ,‬عن‬
‫عكرمة‪ ,‬فـي قوله‪ :‬مَتاعا َل ُكمْ قال‪ :‬الـملـيح‪.‬‬
‫‪ 9983‬ـ حدثنا أبو كريب‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا ابن يـمان‪ ,‬عن سفـيان‪ ,‬عن سالـم الفطس وأبـي‬
‫حصين‪ ,‬عن سعيد بن جبـير‪ ,‬قال‪ :‬الـملـيح‪.‬‬
‫‪ 9984‬ـ حدثنا أبو كريب‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا ابن يـمان‪ ,‬عن سفـيان‪ ,‬عن منصور‪ ,‬عن إبراهيـم‪:‬‬
‫َوطَعامُهُ مَتاعا َل ُكمْ قال‪ :‬الـملـيح وما لفظ‪.‬‬
‫‪ 9985‬ـ حدثنا ابن حميد‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا حكام‪ ,‬عن عنبسة‪ ,‬عن سالـم‪ ,‬عن سعيد بن جبـير‪,‬‬
‫حرِ َوطَعامُ هُ مَتا عا َلكُ مْ قال‪ :‬يأت ـي الر جل أ هل الب حر ف ـيقول‪:‬‬
‫ل َلكُ مْ صَ ْيدُ ال َب ْ‬
‫فـي قوله‪ُ :‬أحِ ّ‬
‫«أطعمون ـي»‪ ,‬فإن قال‪« :‬غري ضا»‪ ,‬ألقوا شبكت هم ف صادروا له‪ ,‬وإن قال‪« :‬أطعمون ـي من‬
‫طعامكم»‪ ,‬أطعموه من سمكهم الـمالـح‪.‬‬
‫حرِ‬
‫ل َلكُ مْ صَ ْيدُ ال َب ْ‬
‫حدث نا ا بن وك يع‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا ا بن فضي ـل‪ :‬عن عطاء‪ ,‬عن سعيد‪ُ :‬أحِ ّ‬
‫َوطَعامُهُ قال‪ :‬الـمنبوذ‪ ,‬السمك الـمالـح‪.‬‬
‫حدثنا ابن وكيع‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا أبـي‪ ,‬عن سفـيان‪ ,‬عن أبـي حصين‪ ,‬عن سعيد بن جبـير‪:‬‬
‫طعَامُهُ قال‪ :‬الـمالـح‪.‬‬
‫َو َ‬
‫طعَامُ ُه قال‪:‬‬
‫حدثنا ابن وكيع‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا أبـي‪ ,‬عن سفـيان‪ ,‬عن منصور‪ ,‬عن إبراهيـم‪ :‬و َ‬
‫هو مالـحه‪ .‬ثم قال‪ :‬ما قذف‪.‬‬
‫‪ 9986‬ـ حدثنا ابن معاذ‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا جامع بن حماد‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا يزيد بن زريع‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا‬
‫سعيد‪ ,‬عن قتادة‪َ :‬وطَعامُ ُه قال‪ :‬مـملوح السمك‪.‬‬
‫حدث نا هناد‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا ا بن أب ـي زائدة‪ ,‬قال‪ :‬أخبرن ـي الثوري‪ ,‬عن من صور‪ ,‬قال‪ :‬كان‬
‫إبراهيـم يقول‪ :‬طعامه‪ :‬السمك الـملـيح‪ .‬ثم قال بعدُ‪ :‬ما قذف به‪.‬‬
‫حدثنا هناد‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا ابن أبـي زائدة‪ ,‬قال‪ :‬أخبرنا الثوري‪ ,‬عن أبـي حصين‪ ,‬عن سعيد‬
‫طعَامُهُ‪ :‬الـملـيح‪.‬‬
‫بن جبـير‪ ,‬قال‪َ :‬‬
‫‪ 9987‬ـ حدثنا هناد‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا ابن أبـي زائدة‪ ,‬قال‪ :‬أخبرنا إسرائيـل‪ ,‬عن عبد الكريـم‪,‬‬
‫طعَامُهُ‪ :‬السمك الـملـيح‪.‬‬
‫عن مـجاهد‪ ,‬قال‪َ :‬‬
‫‪9988‬ـ حدثنا ابن بشار‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا مـحمد بن جعفر‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا شعبة‪ ,‬عن أبـي بشر‪ ,‬عن‬
‫سعيد بن جب ـير ف ـي هذه الَ ية‪َ :‬وطَعامُ ُه مَتا عا َلكُ مْ قال‪ :‬ال صير‪ .‬قال شع بة‪ :‬فقلت لب ـي‬
‫بشر‪ :‬ما الصيّر؟ قال‪ :‬الـمالـح‪.‬‬
‫حدثنا ابن الـمثنى‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا هشام بن الولـيد‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا شعبة‪ ,‬عن أبـي بشر‪ ,‬عن‬
‫جع فر بن أب ـي وحش ية‪ ,‬عن سعيد بن جب ـير‪ ,‬قوله‪َ :‬وطَعامُ ُه مَتا عا َلكُ مْ قال‪ :‬ال صّير‪ .‬قال‪:‬‬
‫قلت‪ :‬ما الصير؟ قال‪ :‬الـمالـح‪.‬‬
‫‪9989‬ـ حدثنـي مـحمد بن الـحسين‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا أحمد بن مفضل‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا أسبـاط‪ ,‬عن‬
‫السديّ‪َ :‬وطَعامُهُ مَتاعا َل ُكمْ قال‪ :‬أما طعامه فهو الـمالـح‪.‬‬
‫‪9990‬ــ حدثنـا القاسـم‪ ,‬قال‪ :‬حدثنـا الــحسين‪ ,‬قال‪ :‬حدثنـا أبـو سـفـيان‪ ,‬عـن معمـر‪ ,‬عـن‬
‫الزهري‪ ,‬عن سعيد بن الـمسيب‪َ :‬وطَعامُ ُه مَتاعا َلكُ مْ قال‪ :‬طعامه‪ :‬ما تزوّدت مـملوحا فـي‬
‫سفرك‪.‬‬
‫‪ 9991‬ـ حدثنا عمرو بن عبد الـحميد وسعيد بن الربـيع الرازي‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا سفـيان عن‬
‫عمرو‪ ,‬قال‪ :‬قال جابر بن زيد‪ :‬كنا نتـحدّث أن طعامه ملـيحه‪ ,‬ونكره الطافـي منه‪.‬‬
‫طعَامُهُ‪ :‬ما فـيه‪ .‬ذكر من قال ذلك‪:‬‬
‫وقال آخرون‪َ :‬‬
‫‪9992‬ـ حدثنا ابن وكيع‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا ابن عيـينة‪ ,‬عن عمرو‪ ,‬عن عكرمة‪ ,‬قال‪ :‬طعام البحر‪:‬‬
‫ما فـيه‪.‬‬
‫‪9993‬ـ حدثنا ابن وكيع‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا أبـي‪ ,‬عن حريث‪ ,‬عن عكرمة‪َ :‬وطَعامُ ُه مَتاعا َلكُمْ قال‪:‬‬
‫ما جاء به البحر بوجه‪.‬‬
‫‪ 9994‬ـ حدث نا ا بن وك يع‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا حم يد بن ع بد الرح من‪ ,‬عن ح سن بن صالـح‪ ,‬عن‬
‫لـيث‪ ,‬عن مـجاهد‪ ,‬قال‪ :‬طعامه‪ :‬كلّ ما صيد منه‪.‬‬
‫وأولـى هذه القوال بـالصواب عندنا‪ ,‬قول من قال‪ :‬طعامه‪ :‬ما قذفه البحر أو حسر عنه‬
‫صيْدُ‬
‫ل َلكُمْ َ‬
‫فوجد ميتا علـى ساحله‪ .‬وذلك أن ال تعالـى ذكر قبله صيد الذي يصاد‪ ,‬فقال‪ُ :‬أحِ ّ‬
‫ل لكم صيدُ‬
‫ال َبحْ ِر فـالذي يجب أن يعطف علـيه فـي الـمفهوم ما لـم يصد منه‪ ,‬فقال‪ :‬أح ّ‬
‫ما صدتـموه من البحر وما لـم تصيدوه منه‪ .‬وأما الـملـيح‪ ,‬فإنه ما كان منه ملّـح بعد‬
‫حرِ فل و جه لتكريره‪ ,‬إذ ل ف ـائدة‬
‫صيْدُ ال َب ْ‬
‫ل َلكُ مْ َ‬
‫ال صطياد‪ ,‬ف قد دخ ـل ف ـي جملة قوله‪ُ :‬أحِ ّ‬
‫ص ْيدُ ال َبحْرِ فل‬
‫ل َلكُ مْ َ‬
‫ف ـيه‪ .‬و قد أعل ـم عب ـاده تعال ـى إحلله ما صيد من الب حر بقوله ُأحِ ّ‬
‫ف ـائدة أن يقال ل هم ب عد ذلك‪ :‬ومل ـيحه الذي صيد حلل ل كم‪ ,‬لن ما صيد م نه ف قد ب ـين‬
‫حرِ وال يتعال ـى عن أن يخا طب‬
‫ل َلكُ مْ صَ ْيدُ ال َب ْ‬
‫ت ـحلـيـله طر يا كان أو مل ـيحا بقوله‪ُ :‬أحِ ّ‬
‫عبـاده بـما ل يفـيدهم به فـائدة‪.‬‬
‫وقد رُوِي عن رسول ال صلى ال عليه وسلم بنـحو الذي قلنا خبر‪ ,‬وإن كان بعض نقلته‬
‫يقـف به علـى ناقله عنه من الصحابة‪ ,‬وذلك ما‪:‬‬
‫‪ 9995‬ـ حدثنا به هناد بن السريّ‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا عبدة بن سلـيـمان‪ ,‬عن مـحمد بن عمرو‪,‬‬
‫ل َلكُ مْ‬
‫قال‪ :‬حدثنا أبو سلـمة‪ ,‬عن أبـي هريرة‪ ,‬قال‪ :‬قال رسول ال صلى ال عليه وسلم‪ُ :‬أحِ ّ‬
‫طعَامُهُ»‪.‬‬
‫طعَامُهُ‪ :‬ما لَ َفظَ ُه َميْتا فَهُ َو َ‬
‫حرِ َوطَعامُ ُه مَتاعا َل ُكمْ قال‪َ « :‬‬
‫صيْدُ ال َب ْ‬
‫َ‬
‫وقد وقـف هذا الـحديث بعضهم علـى أبـي هريرة‪.‬‬
‫‪ 9996‬ـ حدثنا هناد‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا ابن أبـي زائدة‪ ,‬عن مـحمد بن عمرو‪ ,‬عن أبـي سلـمة‪,‬‬
‫حرِ َوطَعامُ ُه قال‪ :‬طعامه‪ :‬ما لفظه ميتا‪.‬‬
‫ص ْيدُ ال َب ْ‬
‫عن أبـي هريرة فـي قوله‪ُ :‬أحِلّ َل ُكمْ َ‬
‫سيّارَةِ‪.‬‬
‫القول فـي تأويـل قوله تعالـى‪ :‬مَتاعا َل ُكمْ ولل ّ‬
‫يعنـي تعالـى ذكره بقوله‪ :‬مَتاعا َل ُكمْ منفعة لـمن كان منكم مقـيـما أو حاضرا فـي بلده‬
‫سيّارة يقول‪ :‬ومنف عة أي ضا ومت عة لل سائرين من أرض إل ـى‬
‫ي ستـمتع بأكله وينت فع به‪ .‬ولل ّ‬
‫أرض‪ ,‬ومسافرين يتزوّدونه فـي سفرهم ملـيحا‪ .‬والسيّارة‪ :‬جمع سيّار‪.‬‬
‫وبنـحو الذي قلنا فـي ذلك قال أهل التأويـل‪ .‬ذكر من قال ذلك‪:‬‬
‫‪ 9997‬ـ حدثنـي يعقوب‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا هشيـم‪ ,‬قال‪ :‬أخبرنـي أبو إسحاق‪ ,‬عن عكرمة‪ ,‬أنه‬
‫سيّارَةِ قال‪ :‬لـمن كان بحضرة البحر‪ ,‬وللسيّارَةِ السفر‪.‬‬
‫قال فـي قوله‪ :‬مَتاعا َل ُكمْ ولل ّ‬
‫‪9998‬ـ حدثنـي يعقوب‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا ابن علـية‪ ,‬عن سعيد بن أبـي عروبة‪ ,‬عن قتادة‪ ,‬فـي‬
‫قوله‪َ :‬وطَعامُ ُه مَتا عا َلكُ مْ ولل سيّارَ ِة ما قذف الب حر‪ ,‬و ما يتزوّدون فــي أ سفـارهم من هذا‬
‫الـمالـح‪ .‬يتأوّلها علـى هذا‪.‬‬
‫حدث نا ب شر بن معاذ‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا جا مع بن حماد‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا يز يد بن زر يع‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا‬
‫سيّارَةِ‪ :‬مـملوح السمك ما يتزوّدون فـي أسفـارهم‪.‬‬
‫سعيد‪ ,‬عن قتادة‪َ :‬وطَعامُ ُه مَتاعا َل ُكمْ ولل ّ‬
‫‪ 9999‬ـ حدث نا سلـيـمان بن عمرو بن خالد البرق ـي‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا م سكين بن بك ير‪ ,‬قال‪:‬‬
‫وللسـيّارَةِ قال‪ :‬هـم‬
‫ّ‬ ‫حدثنـا عبـد السـلم بـن حبــيب النــجاري‪ ,‬عـن الــحسن فــي قوله‪:‬‬
‫الـمـحرمون‪.‬‬
‫‪ 10000‬ـ حدثنـي مـحمد بن الـحسين‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا أحمد بن مفضل‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا أسبـاط‪,‬‬
‫سيّارَ ِة أ ما طعا مه‪ :‬ف هو ال ـمالـح م نه‪ ,‬بلغ يأ كل م نه‬
‫عن ال سديّ‪َ :‬وطَعامُ ُه مَتا عا َلكُ مْ ولل ّ‬
‫السيّارة فـي السفـار‪.‬‬
‫‪10001‬ـ حدثنا الـمثنى‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا أبو صالـح‪ ,‬قال‪ :‬ثنـي معاوية بن صالـح‪ ,‬عن علـيّ‬
‫سيّارَ ِة قال‪ :‬طعامه‪ :‬مالـحه وما‬
‫بن أبـي طلـحة‪ ,‬عن ابن عبـاس‪َ :‬وطَعامُ ُه مَتاعا َلكُ مْ ولل ّ‬
‫قذف البحر منه يتزوّده الـمسافر‪ .‬وقال مرّة أخرى‪ :‬مالـحه وما قذفه البحر‪ ,‬فمالـحه يتزوّده‬
‫الـمسافر‪.‬‬
‫‪ 10002‬ـ حدثنـي مـحمد بن سعد‪ ,‬قال‪ :‬ثنـي أبـي‪ ,‬قال‪ :‬ثنـي عمي‪ ,‬قال‪ :‬ثنـي أبـي‪,‬‬
‫سيّارَ ِة يعنـي الـمالـح فـيتزوّده‪.‬‬
‫عن أبـيه‪ ,‬عن ابن عبـاس‪َ :‬وطَعامُهُ مَتاعا َل ُك ْم ولل ّ‬
‫وكان مـجاهد يقول فـي ذلك بـما‪:‬‬
‫‪10003‬ـ حدثنـي مـحمد بن عمر‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا أبو عاصم‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا عيسى‪ ,‬عن ابن أبـي‬
‫نـجيح‪ ,‬عن مـجاهد‪َ :‬وطَعامُ ُه مَتاعا َل ُكمْ قال‪ :‬أهل القرى‪ ,‬وللسيّارة‪ :‬أهل المصار‪.‬‬
‫حدثنا القاسم‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا الـحسين‪ ,‬قال‪ :‬ثنـي حجاج‪ ,‬عن ابن جريج‪ ,‬عن مـجاهد‪ ,‬قوله‪:‬‬
‫سيّارَةِ‪ :‬قال‪ :‬أهل المصار وأجناس الناس كلهم‪.‬‬
‫مَتاعا َل ُكمْ قال لهل القرى‪ ,‬ولل ّ‬
‫وهذا الذي قاله م ـجاهد من أن ال سيارة هم أ هل الم صار ل و جه له مفهوم‪ ,‬إل أن يكون‬
‫أراد بقوله هم أ هل الم صار‪ :‬هم ال ـمسافرون من أهل المصار‪ ,‬ف ـيجب أن يدخ ـل ف ـي‬
‫ذلك كلّ سـيارة مـن أهـل المصـار كانوا أو مـن أهـل القُرى‪ ,‬فأمـا السـيّارة فل يشمـل‬
‫الـمقـيـمين فـي أمصارهم‪.‬‬
‫حرُما‪.‬‬
‫ص ْيدُ ال َبرّ ما ُد ْمتُـمْ ُ‬
‫ح ّرمَ عَلَـ ْي ُكمْ َ‬
‫القول فـي تأويـل قوله تعالـى‪َ :‬و ُ‬
‫يعنـي تعالـى ذكره‪ :‬وحرّم علـيكم أيها الـمؤمنون صيد البرّ ما دمتـم حرما‪ ,‬يقول‪ :‬ما‬
‫كنتـم مـحرمين لـم تـحلوا من إحرامكم‪.‬‬
‫حرّ مَ عَلَ ـ ْيكُمْ‬
‫ثم اختلف أ هل العل ـم ف ـي ال ـمعنى الذي عن ـي ال تعال ـى ذكره بقوله‪َ :‬و ُ‬
‫ص ْيدُ ال َبرّ فقال بعض هم‪ :‬عن ـي بذلك‪ :‬أ نه حرّم عل ـينا كلّ معان ـي صيد البرّ من ا صطياد‬
‫َ‬
‫وأكل وقتل وبـيع وشراء وإمساك وتـملك‪ .‬ذكر من قال ذلك‪:‬‬
‫‪ 10004‬ـ حدثن ـي يعقوب‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا هشي ـم‪ ,‬عن يز يد بن أب ـي زياد‪ ,‬عن ع بد ال بن‬
‫الـحرث‪ ,‬عن نوفل‪ ,‬عن أبـيه‪ ,‬قال‪ :‬ح جّ عثمان بن عفـان‪ ,‬فح جّ علـيّ معه‪ .‬قال‪ :‬فُأتِـي‬
‫بلـحم صيد صاده حلل‪ ,‬فأكل منه ولـم يأكل علـيّ‪ ,‬فقال عثمان‪ :‬وال ما صدنا ول أمرنا‬
‫حرُما‪.‬‬
‫ص ْيدُ ا ْل َبرّ ما ُد ْمتُـمْ ُ‬
‫ول أشرنا فقال علـيّ‪َ :‬وحُ ّرمَ عَلَـيْ ُكمْ َ‬
‫‪10005‬ـ حدثنا ابن حميد‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا هارون بن الـمغيرة‪ ,‬عن عمرو بن أبـي قـيس‪ ,‬عن‬
‫سماك‪ ,‬عن صبـيح بن عب ـيد ال العب سي‪ ,‬قال‪ :‬ب عث عثمان بن عف ـان أب ـا سفـيان بن‬
‫الــحرث علــى ال َعرُوض‪ ,‬فنزل قديدا‪ ,‬فمرّ بـه رجـل مـن أهـل الشام معـه بــاز وصـقر‪,‬‬
‫ف ـاستعاره م نه‪ ,‬ف ـاصطاد به من ال ـيعاقـيب‪ ,‬فجعله نّ ف ـي حظيرة‪ .‬فل ـما مرّ به عثمان‬
‫ن إل ـيه‪ ,‬فقال عثمان‪ :‬كلوا فقال بعض هم‪ :‬حت ـى يج يء عل ـيّ بن أب ـي‬
‫طبخه نّ‪ ,‬ثم قدمه ّ‬
‫طالب‪ .‬فل ـما جاء فرأى ما ب ـين أيدي هم‪ ,‬قال عل ـيّ‪ :‬إ نا لن نأ كل م نه فقال عثمان‪ :‬مالك ل‬
‫ل أكله وأنا مـحرم‪ .‬فقال عثمان‪ :‬بـيّن لنا فقال علـيّ‪ :‬يا أيّها‬
‫تأكل؟ فقال‪ :‬هو صيد‪ ,‬ول يح ّ‬
‫حرُ مٌ فقال عثمان‪ :‬أو ن ـحن قتلناه؟ فقرأ عل ـيه‪ُ :‬أحِلّ َلكُ مْ‬
‫ص ْيدَ وأ ْنتُ ـمْ ُ‬
‫اّلذِي نَ آ َمنُوا لتَ ْقتُلُوا ال ّ‬
‫حرُما‪.‬‬
‫ص ْيدُ ال َبرّ ما ُد ْمتُـمْ ُ‬
‫ح ّرمَ عَلَـ ْي ُكمْ َ‬
‫سيّارَةِ َو ُ‬
‫حرِ َوطَعامُ ُه مَتاعا َل ُكمْ ولل ّ‬
‫صيْدُ ال َب ْ‬
‫َ‬
‫‪ 10006‬ـ حدث نا ت ـميـم بن ال ـمنتصر وع بد ال ـحميد بن ب ـيان القناد‪ ,‬قال‪ :‬أخبر نا أ بو‬
‫إسحاق الزرق‪ ,‬عن شريك‪ ,‬عن سماك بن حرب‪ ,‬عن صبـيح بن عبـيد ال العبسي‪ ,‬قال‪:‬‬
‫استعمل عثمان بن عفـان أبـا سفـيان بن الـحرث علـى ال َعرُوض‪ .‬ثم ذكر نـحوه‪ ,‬وزاد‬
‫فـيه‪ :‬قال‪ :‬فمكث عثمان ما شاء ال أن يـمكث‪ ,‬ثم أتـى فقـيـل له بـمكة‪ :‬هل لك فـي‬
‫ابن أبـي طالب أهدي له صفـيف حمار فهو يأكل منه فأرسل إلـيه عثمان وسأله عن أكل‬
‫ال صفـيف‪ ,‬فقال‪ :‬أ ما أ نت فتأ كل‪ ,‬وأ ما ن ـحن فتنها نا؟ فقال‪ :‬إ نه صيد عام أوّل‪ ,‬وأ نا حلل‪,‬‬
‫فلـيس علـيّ بأكله بأس‪ ,‬وصِي َد ذلك يعنـي الـيعاقـيب وأنا مـحرم‪ ,‬وذُبحن وأنا حرام‪.‬‬
‫‪ 10007‬ـ حدث نا عمران بن مو سى القزّاز‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا ع بد الوارث بن سعيد‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا‬
‫يونس‪ ,‬عن الـحسن‪ :‬أن عمر بن الـخطاب لـم يكن يرى بأسا بلـحم الصيد للـمـحرم‪,‬‬
‫وكرهه علـيّ بن أبـي طالب رضي ال عنه‪.‬‬
‫‪ 10008‬ـ حدث نا م ـحمد بن ع بد ال بن بز يع‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا ب شر بن ال ـمفضل‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا‬
‫سعيد‪ ,‬عن قتادة‪ ,‬عن سعيد بن الـمسيب‪ :‬أن علـيّا كره لـحم الصيد للـمـحرم علـى كلّ‬
‫حال‪.‬‬
‫‪ 10009‬ـ حدثنا م ـحمد بن الـمثنى‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا مـحمد بن جع فر‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا شع بة‪ ,‬عن‬
‫يزيد بن أبـي زياد‪ ,‬عن عبد ال بن الـحرث‪ :‬أنه شهد عثمان وعلـيّا أُتـيا بلـحم‪ ,‬فأكل‬
‫عثمان ولـم يأكل علـيّ‪ ,‬فقال عثمان‪ :‬أنـحن صدنا أو صيد لنا؟ فقرأ علـيّ هذه الَية‪ُ :‬أحِلّ‬
‫حرُما‪.‬‬
‫ص ْيدُ ال َبرّ ما ُدمُتـمْ ُ‬
‫ح ّرمَ عَلَـ ْي ُكمْ َ‬
‫سيّارَةِ َو ُ‬
‫حرِ َوطَعامُ ُه مَتاعا َل ُكمْ ولل ّ‬
‫صيْدُ ال َب ْ‬
‫َل ُكمْ َ‬
‫‪ 10010‬ـ حدثن ـي يعقوب‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا هشي ـم‪ ,‬قال‪ :‬أخبر نا ع مر بن أب ـي سلـمة‪ ,‬عن‬
‫أبـيه‪ ,‬قال‪ :‬ح جّ عثمان بن عفـان‪ ,‬فح جّ معه علـيّ‪ ,‬فأُتـي بلـحم صيد صاده حلل‪ ,‬فأكل‬
‫م نه و هو م ـحرم‪ ,‬ول ـم يأ كل م نه عل ـيّ‪ ,‬فقال عثمان‪ :‬إ نه صيد ق بل أن ن ـحرم‪ .‬فقال له‬
‫علـيّ‪ :‬ونـحن قد بدا لنا وأهالـينا لنا حلل‪ ,‬أفـيحللن لنا الـيوم؟‬
‫‪ 10011‬ـ حدثنا ابن حميد‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا هارون‪ ,‬عن عمرو‪ ,‬عن عبد الكريـم‪ ,‬عن مـجاهد‪,‬‬
‫عن ع بد ال بن ال ـحرث بن نو فل‪ :‬أن عل ـيّا أُت ـي بش قّ عَجُز حمار و هو م ـحرم‪ ,‬فقال‪:‬‬
‫إنـي مـحرم‪.‬‬
‫‪ 10012‬ـ حدثنا ابن بزيع‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا بشر بن الـمفضل‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا سعيد‪ ,‬عن يعلـى بن‬
‫ل حال ما كان مـحرما‪.‬‬
‫حكيـم‪ ,‬عن عكرمة‪ ,‬عن ابن عبـاس‪ :‬أنه كان يكرهه علـى ك ّ‬
‫‪10013‬ـ حدثنا ابن بشار‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا أبو عاصم‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا ابن جريج‪ ,‬قال‪ :‬أخبرنا نافع أن‬
‫ابن عمر كان يكره كل شيء من الصيد وهو حرام‪ ,‬أُخذ له أو لـم يؤخذ له‪ ,‬وشيقة وغيرها‪.‬‬
‫حدثنا ابن الـمثنى‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا يحيى بن سعيد القطان‪ ,‬عن عبد ال‪ ,‬قال‪ :‬أخبرنـي نافع‪:‬‬
‫أن ابن عمر كان ل يأكل الصيد وهو مـحرم وإن صاده الـحلل‪.‬‬
‫‪ 10014‬ـ حدث نا ا بن بشار‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا أ بو عا صم‪ ,‬قال‪ :‬أخبر نا ا بن جر يج‪ ,‬قال‪ :‬أخبرن ـي‬
‫الـحسن بن مسلـم بن يناق‪ :‬أن طاوسا كان ينهى الـحرام عن أكل الصيد وشيقة وغيرها‬
‫صيد له أو لـم يصد له‪.‬‬
‫‪ 10015‬ـ حدثنا عبد العلـى‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا خالد بن الـحرث‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا الشعث‪ ,‬قال‪ :‬قال‬
‫ال ـحسن‪ :‬إذا صاد ال صيد ثم أحرم ل ـم يأ كل من ل ـحمه حت ـى يحلّ‪ .‬فإن أ كل م نه و هو‬
‫مـحرم لـم ير الـحسن علـيه شيئا‪.‬‬
‫‪ 10016‬ـ حدث نا ا بن حم يد‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا حكام وهارون عن عنب سة‪ ,‬عن سالـم‪ ,‬قال‪ :‬سألت‬
‫سعيد بن جب ـير‪ ,‬عن ال صيد ي صيده ال ـحلل‪ ,‬أيأ كل م نه ال ـمـحرم؟ فقال‪ :‬سأذكر لك من‬
‫حرُ مٌ فن هي عن قتله‪ ,‬ثم‬
‫صيْدَ وأ ْنتُ ـمْ ُ‬
‫ن آ َمنُوا ل تَ ْقتُلُوا ال ّ‬
‫ذلك‪ ,‬إن ال تعال ـى قال‪ :‬يا أيّ ها اّلذِي َ‬
‫حرِ‬
‫صيْدُ ال َب ْ‬
‫ل َلكُ مْ َ‬
‫ل مِ نَ ال ّنعَ مِ ثم قال تعالـى‪ُ :‬أحِ ّ‬
‫جزَاءٌ ِمثْلُ ما قَتَ َ‬
‫قال‪َ :‬ومَ نْ َقتَلَ ُه ِم ْنكُ ْم ُم َتعَمّدا َف َ‬
‫سيّارَةِ قال‪ :‬يأت ـي الر جل أ هل الب حر ف ـيقول‪ :‬أطعمون ـي فإن قال‪:‬‬
‫َوطَعامُ هُ مَتا عا َلكُ مْ ولل ّ‬
‫«غريضا»‪ ,‬ألقوا شبكتهم فصادوا له‪ ,‬وإن قال‪ :‬أطعمونـي من طعامكم أطعموه من سمكهم‬
‫حرُ ما و هو عل ـيك حرام‪ ,‬صدته أو‬
‫ص ْيدُ ال َبرّ ما ُدمْتُ ـمْ ُ‬
‫حرّ مَ عَلَ ـ ْي ُكمْ َ‬
‫ال ـمالـح‪ .‬ثم قال‪َ :‬و ُ‬
‫صاده حلل‪.‬‬
‫حرُما ما‬
‫ص ْيدُ ال َبرّ ما ُد ْمتُـمْ ُ‬
‫حرّ مَ عَلَـ ْي ُكمْ َ‬
‫وقال آخرون‪ :‬إنـما عنى ال تعالـى بقوله‪َ :‬و ُ‬
‫اسـتـحدث الــمـحرم صـيده فــي حال إحرامـه أو ذبحـه‪ ,‬أو أسـتـحدث له ذلك فــي تلك‬
‫الـحال‪ .‬فأما ما ذبحه حلل وللـحلل فل بأس بأكله للـمـحرم‪ ,‬وكذلك ما كان فـي ملكه‬
‫قبل حال إحرامه فغير مـحرّم علـيه إمساكه‪ .‬ذكر من قال ذلك‪:‬‬
‫‪ 10017‬ـ حدثنـي مـحمد بن عبد ال بن بزيع‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا بشر بن الـمفضل‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا‬
‫سعيد‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا قتادة‪ ,‬أن سعيد بن ال ـمسيب حد ثه‪ ,‬عن أب ـي هريرة‪ ,‬أ نه سئل عن صيد‬
‫صاده حلل أيأكله ال ـمـحرم؟ قال‪ :‬فأفتاه هو بأكله‪ ,‬ثم لق ـي ع مر بن ال ـخطاب فأ خبره‬
‫بـما كان من أمره‪ ,‬فقال‪ :‬لو أفتـيتهم بغير هذا لوجعت لك رأسك‬
‫‪ 10018‬ـ حدثنا أحمد بن عبدة الضبـيّ‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا أبو عوانة‪ ,‬عن عمر بن أبـي سلـمة‪,‬‬
‫عن أب ـيه‪ ,‬قال‪ :‬نزل عثمان بن عف ـان ال َعرْج و هو م ـحرم‪ ,‬فأهدى صاحب العَرْج له قَ طا‪,‬‬
‫قال‪ :‬فقال لصحابه‪ :‬كلوا فإنه إنـما اصطيد علـى اسمي قال‪ :‬فأكلوا ولـم يأكل‪.‬‬
‫‪ 10019‬ـ حدثنا ابن بشار وابن الـمثنى‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا ابن أبـي عد يّ‪ ,‬عن سعيد‪ ,‬عن قتادة‪,‬‬
‫عن سعيد بن الـمسيب‪ :‬أن أبـا هريرة كان بـالربذة‪ ,‬فسألوه عن لـحم صيد صاده حلل‪.‬‬
‫ثم ذكر نـحو حديث ابن بزيع عن بشر‪.‬‬
‫حدثنا ابن الـمثنى‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا مـحمد بن جعفر‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا شعبة‪ ,‬عن قتادة‪ ,‬عن سعيد بن‬
‫الـمسيب‪ ,‬عن أبـي هريرة‪ ,‬عن عمر‪ ,‬نـحوه‪.‬‬
‫‪10020‬ـ حدثنا ابن الـمثنى‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا ابن أبـي عد يّ‪ ,‬عن شعبة‪ ,‬عن أبـي إسحاق‪ ,‬عن‬
‫أب ـي الشعثاء‪ ,‬قال‪ :‬سألت ا بن ع مر عن ل ـحم صيد يُهد يه ال ـحلل إل ـى ال ـحرام‪ ,‬فقال‪:‬‬
‫أكله عمر‪ ,‬وكان ل يرى به بأسا‪ .‬قال‪ :‬قلت‪ :‬تأكله؟ قال‪ :‬عمر خير منـي‪.‬‬
‫حدث نا ا بن ال ـمثنى‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا يح يى بن سعيد‪ ,‬عن شع بة‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا أ بو إ سحاق‪ ,‬عن‬
‫أب ـي الشعثاء‪ ,‬قال‪ :‬سألت ا بن ع مر عن صيد صاده حلل يأ كل م نه حرام؟ قال‪ :‬كان ع مر‬
‫يأكله‪ .‬قال‪ :‬قلت‪ :‬فأنت؟ قال‪ :‬كان عمر خيرا منـي‪.‬‬
‫‪ 10021‬ـ حدثنا ابن الـمثنى‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا ابن أبـي عد يّ‪ ,‬عن هشام‪ ,‬عن يحيى‪ ,‬عن أبـي‬
‫سلـمة‪ ,‬عن أبـي هريرة‪ ,‬قال‪ :‬استفتانـي رجل من أهل الشام فـي لـحم صيد أصابه وهو‬
‫مــحرم‪ ,‬فأمرتـه أن يأكله‪ .‬فأتــيت عمـر بـن الــخطاب فقلت له‪ :‬إن رجلً مـن أهـل الشام‬
‫ا ستفتانـي ف ـي ل ـحم صيد أ صابه و هو م ـحرم‪ .‬قال‪ :‬ف ما أفت ـيته؟ قال‪ :‬قلت أفت ـيته أن‬
‫يأكله‪ .‬قال‪ :‬فوالذي نفسي بـيده لو أفتـيته بغير ذلك لعلوتك بـالدرّة وقال عمر‪ :‬إنـما نهيت‬
‫أن تصطاده‪.‬‬
‫‪ 10022‬ـ حدثنا أبو كريب‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا مصعب بن الـمقدام‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا خارجة عن زيد بن‬
‫أسلـم‪ ,‬عن عطاء‪ ,‬عن كعب‪ ,‬قال‪ :‬أقبلت فـي أناس مـحرمين‪ ,‬فأصبنا لـحم حمار وحش‪,‬‬
‫فسألنـي الناس عن أكله‪ ,‬فأفتـيتهم بأكله وهم مـحرمون‪ .‬فقدمنا علـى عمر‪ ,‬فأخبروه أنـي‬
‫أفتـيتهم بأكل حمار الوحش وهم مـحرمون‪ ,‬فقال عمر‪ :‬قد أمّرته علـيكم حتـى ترجعوا‪.‬‬
‫‪ 10023‬ـ حدثن ـي يعقوب‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا هشي ـم‪ ,‬قال‪ :‬أخبر نا يح يى بن سعيد‪ ,‬عن سعيد بن‬
‫الـمسيب‪ ,‬عن أبـي هريرة‪ ,‬قال‪ :‬مررت بـالربذة‪ ,‬فسألنـي أهلها عن الـمـحرم يأكل ما‬
‫صاده الـحلل‪ ,‬فأفتـيتهم أن يأكلوه‪ .‬فلقـيت عمر بن الـخطاب‪ ,‬فذكرت ذلك له‪ ,‬قال‪ :‬فبـم‬
‫أفتـيتهم؟ قال‪ :‬أفتـيتهم أن يأكلوا‪ .‬قال‪ :‬لو أفتـيتهم بغير ذلك لـخالفتك‪.‬‬
‫‪10024‬ـ حدثنا ابن حميد‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا يحيى بن واضح‪ ,‬عن يونس‪ ,‬عن أبـي الشعثاء الكندي‪,‬‬
‫قال‪ :‬قلت ل بن ع مر‪ :‬كيـف ترى ف ـي قوم حرام لقوا قو ما حللً ومعهـم ل ـحم صيد‪ ,‬فإمـا‬
‫بـاعوهم وإما أطعموهم؟ فقال‪ :‬حلل‪.‬‬
‫‪ 10025‬ـ حدث نا سعيد بن يح يى الموي‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا م ـحمد بن سعيد‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا هشام‪,‬‬
‫يعنـي ابن عروة‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا عروة‪ ,‬عن يحيى بن عبد الرحمن بن حاطب‪ ,‬أن عبد الرحمن‬
‫حد ثه‪ :‬أنه اعتـمر مع عثمان بن عفـان فـي ر كب فـيهم عمرو بن العاص حتـى نزلوا‬
‫بـالروحاء‪ ,‬فقُرّب إلـيهم طير وهم مـحرمون‪ ,‬فقال لهم عثمان‪ :‬كلوا فإنـي غير آكله فقال‬
‫عمرو بن العاص‪ :‬أتأمرنا بـما لست آكلً؟ فقال عثمان‪ :‬إنـي لول أظنّ أنه صيد من أجلـي‬
‫لكلت‪ .‬فأكل القوم‪.‬‬
‫‪ 10026‬ـ حدثنا ابن الـمثنى‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا مـحمد بن جعفر‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا شعبة‪ ,‬عن هشام بن‬
‫عروة‪ ,‬عن أبـيه‪ :‬أن الزبـير كان يتزوّد لـحوم الوحش وهو مـحرم‪.‬‬
‫‪ 10027‬ـ حدث نا ع بد ال ـحميد بن ب ـيان‪ ,‬قال‪ :‬أخبر نا إ سحاق‪ ,‬عن شر يك‪ ,‬عن سماك بن‬
‫حرب‪ ,‬عن عكر مة‪ ,‬عن ا بن عب ـاس‪ ,‬قال‪ :‬ما صيد أو ذ بح وأ نت حلل ف هو لك حلل‪ ,‬و ما‬
‫صيد أو ذبح وأنت حرام فهو علـيك حرام‪.‬‬
‫حدثنا ابن حميد‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا هارون‪ ,‬عن عمرو‪ ,‬عن سماك‪ ,‬عن عكرمة‪ ,‬عن ابن عبـاس‪,‬‬
‫قال‪ :‬ما صيد من شيء وأنت حرام فهو علـيك حرام‪ ,‬وما صيد من شيء وأنت حلل فهو لك‬
‫حلل‪.‬‬
‫‪ 10028‬ـ حدثنـي مـحمد بن سعد‪ ,‬قال‪ :‬ثنـي أبـي‪ ,‬قال‪ :‬ثنـي عمي‪ ,‬قال‪ :‬ثنـي أبـي‪,‬‬
‫حرُما فجعل الصيد حراما‬
‫حرّ مَ عَلَـيْ ُكمْ صَ ْيدُ ال َبرّ ما ُد ْمتُـمْ ُ‬
‫عن أبـيه‪ ,‬عن ابن عبـاس‪َ :‬و ُ‬
‫علـى الـمـحرم صيده وأكله ما دام حراما‪ ,‬وإن كان الصيد صيد قبل أن يحرم الرجل فهو‬
‫حلل‪ ,‬وإن صاده حرام لـحلل فل يحلّ له أكله‪.‬‬
‫‪ 10029‬ـ حدثنـي يعقوب‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا هشيـم‪ ,‬قال‪ :‬سألت أبـا بشر عن الـمـحرم يأكل‬
‫م ـما صاده ال ـحلل‪ ,‬قال‪ :‬كان سعيد بن جب ـير وم ـجاهد يقولن‪ :‬ما صيد ق بل أن يحرم‬
‫أكل منه‪ ,‬وما صيد بعد ما أحرم لـم يأكل منه‪.‬‬
‫‪ 10030‬ـ حدث نا ا بن بشار‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا أ بو عا صم‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا ا بن جر يج‪ ,‬قال‪ :‬كان عطاء‬
‫يقول إذا سـئل فــي العلنــية أيأكـل الــحرام الوشيقـة والشيـء الــيابس؟ يقول بــينـي‬
‫ل فل تبـع‬
‫وبــينه‪ :‬ل أسـتطيع أن أبــين لك فــي مــجلس‪ ,‬إن ذبـح قبـل أن يحرم فكـل‪ ,‬وإ ّ‬
‫لـحمه ول تبتع‪.‬‬
‫حرُمـا‬
‫حرّمَـ عَلَــْيكُمْ صَـْيدُ ال َبرّ مـا ُد ْمتُــمْ ُ‬
‫وقال آخرون‪ :‬إنــما عنـى ال تعالــى بقوله‪َ :‬و ُ‬
‫وحرّ مَ علـيكم اصطياده‪ .‬قالوا‪ :‬فأما شراؤه من مالك يـملكه وذبحه وأكله بعد أن يكون ملكه‬
‫إياه علـى غير وجه الصطياد له وبـيعه وشراؤه جائز‪ .‬قالوا‪ :‬والنهي من ال تعالـى عن‬
‫صيده فـي حال الحرام دون سائر الـمعانـي‪ .‬ذكر من قال ذلك‪:‬‬
‫‪ 10031‬ـ حدثن ـي ع بد ال بن أح مد بن شبو يه‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا ا بن أب ـي مري ـم‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا‬
‫يحيـى بـن أيوب‪ ,‬قال‪ :‬أخبرنــي يحيـى‪ ,‬أن أبــا سـلـمة اشترى قَطـا وهـو بــالعرج وهـو‬
‫مـحرم ومعه مـحمد بن الـمنكدر‪ ,‬فأكله‪ .‬فعاب علـيه ذلك الناس‪.‬‬
‫ل معان ـي‬
‫وال صواب ف ـي ذلك من القول عند نا أن يقال‪ :‬إن ال تعال ـى ع ّم ت ـحريـم ك ّ‬
‫صيد البرّ علـى الـمـحرم فـي حال إحرامه من غير أن يخ صّ من ذلك شيئا دون شيء‪,‬‬
‫ف كل معان ـي ال صيد حرام عل ـى ال ـمـحرم ما دام حرا ما ب ـيعه وشراؤه وا صطياده وقتله‬
‫وغ ير ذلك من معان ـيه‪ ,‬إلّ أن يجده مذبو حا قد ذب حه حلل ل ـحلل‪ ,‬ف ـيحلّ له حينئذٍ أكله‪,‬‬
‫للثابت من الـخبر عن رسول ال صلى ال عليه وسلم‪ ,‬الذي‪:‬‬
‫‪ 10032‬ـ حدثناه يعقوب بن إبراهيـم‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا يحيى بن سعيد‪ ,‬عن ابن جريج‪ .‬وحدثنـي‬
‫عبد ال بن أبـي زياد‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا مكي بن إبراهيـم‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا عبد الـملك بن جريج‪ ,‬قال‪:‬‬
‫أخبرنـي مـحمد بن الـمنكدر‪ ,‬عن معاذ بن عبد الرحمن بن عثمان‪ ,‬عن أبـيه عبد الرحمن‬
‫حرُم‪ ,‬فأهدي لنا طائر‪ ,‬فم نا من أ كل‬
‫بن عثمان‪ ,‬قال‪ :‬كنا مع طل ـحة بن عبـيد ال ونـحن ُ‬
‫ومنا من تورّع فلـم يأكل‪ .‬فلـما استـيقظ طلـحة وفّق من أكل‪ ,‬وقال‪ :‬أكلناه مع رسول ال‬
‫صلى ال عليه وسلم‪.‬‬
‫فإن قال قائل‪ :‬فما أ نت قائل فـيـما رُوي عن الصعب بن جثا مة‪ :‬أنه أَ ْهدَى إل ـى ر سول‬
‫حرُ مٌ»‪ .‬وفـيـما رُوِي‬
‫ال صلى ال عليه وسلم ِرجْلَ حمار وحش يقطر دما‪ ,‬فردّه فقال‪« :‬إنّا ُ‬
‫عن عائشة‪« :‬أن وشيقة ظبـي أهديت إلـى رسول ال صلى ال عليه وسلم وهو مـحرم‪,‬‬
‫فردّ ها»‪ ,‬و ما أش به ذلك من الخب ـار؟ ق ـيـل‪ :‬إ نه ل ـيس ف ـي وا حد من هذه الخب ـار‬
‫التـي جاءت بهذا الـمعنى بـيان أن رسول ال صلى ال عليه وسلم ردّ من ذلك ما ردّ وقد‬
‫ذبحه الذابح إذ ذبحه‪ ,‬وهو حلل لـحلل‪ ,‬ثم أهداه إلـى رسول ال صلى ال عليه وسلم وهو‬
‫حرام فردّه وقال‪ :‬إ نه ل يحلّ ل نا ل نا حرم وإن ـما ذ كر ف ـيه أ نه أهدي لر سول ال صلى ال‬
‫عليه وسلم لـحم صيد فردّه‪ ,‬وقد يجوز أن يكون ردّه ذلك من أجل أن ذابحه ذبحه أو صائده‬
‫صاده من أجله صلى ال عليه وسلم وهو مـحرم‪ ,‬وقد بـين خبر جابر عن النبـيّ صلى ال‬
‫حرِ ِم حَلَلٌ‪ ,‬إلّ ما صَادَهُ أ ْو صِيدَ َل هُ»‪ .‬معنى ذلك‬
‫حمُ صَ ْيدِ ال َبرّ للـمُـ ْ‬
‫عليه وسلم بقوله‪« :‬لَـ ْ‬
‫كله‪ .‬فإذْ كان كل الـخبرين صحيحا مخرجهما‪ ,‬فواجب التصديق بهما وتوجيه كل واحد منهما‬
‫إلـى الصحيح من وجه‪ ,‬وأن يقال ردّه ما ردّ من ذلك من أجل أنه كان صيد من أجله‪ ,‬وإذنه‬
‫ف ـي كل ما أذن ف ـي أكله م نه من أ جل أ نه ل ـم ي كن صيد ل ـمـحرم ول صاده م ـحرم‪,‬‬
‫فـيصحّ معنى الـخبرين كلـيهما‪.‬‬
‫حرّ مَ عَلَـ ْيكُمْ‬
‫واختلفوا فـي صفة الصيد الذي عنى ال تعالـى بـالتـحريـم فـي قوله‪َ :‬و ُ‬
‫ل مـا كان يعيـش فــي البرّ والبحـر‬
‫حرُمـا فقال بعضهـم‪ :‬صـيد البرّ‪ :‬ك ّ‬
‫صَـيْدُ ال َبرّ مـا ُد ْمتُــمْ ُ‬
‫وإنـما صيد البحر ما كان يعيش فـي الـماء دون البرّ ويأوي إلـيه‪ .‬ذكر من قال ذلك‪:‬‬
‫‪ 10033‬ـ حدثنا هناد بن السريّ‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا وكيع‪ ,‬وحدثنا ابن وكيع‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا أبـي‪ ,‬عن‬
‫حرُما قال‪ :‬ما كان‬
‫حرّ مَ عَلَـ ْي ُكمْ ص ْيدُ ال َبرّ ما ُدمْتُـمْ ُ‬
‫حدَير‪ ,‬عن أبـي مـجلز‪َ :‬و ُ‬
‫عمران بن ُ‬
‫يعيش فـي البرّ والبحر ل يصيده‪ ,‬وما كان حياته فـي الـماء فذاك‪.‬‬
‫‪ 10034‬ـ حدثن ـي يعقوب بن إبراهي ـم‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا هشي ـم‪ ,‬قال‪ :‬أخبر نا ال ـحجاج‪ ,‬عن‬
‫عطاء‪ ,‬قال‪ :‬ما كان يع يش ف ـي البرّ فأ صابه ال ـمـحرم فعل ـيه جزاؤه‪ ,‬ن ـحو ال سلـحفـاة‬
‫والسرطان والضفـادع‪.‬‬
‫حدثنـا ابـن حميـد‪ ,‬قال‪ :‬حدثنـا هارون بـن الــمغيرة‪ ,‬عـن عمرو بـن أبــي قــيس‪ ,‬عـن‬
‫ل ش يء عاش ف ـي البرّ والب حر‪ ,‬فأ صابه ال ـمـحرم فعل ـيه‬
‫ال ـحجاج‪ ,‬عن عطاء‪ ,‬قال‪ :‬ك ّ‬
‫الكفّـارة‪.‬‬
‫‪ 10035‬ـ حدثنا أبو كريب وأبو السائب‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا ابن إدريس‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا يزيد بن أبـي‬
‫زياد‪ ,‬عن عبد الـملك‪ ,‬عن سعيد بن جبـير‪ ,‬قال‪ :‬خرجنا حجاجا معنا رجل من أهل السواد‬
‫معه شصوص طير ماء‪ ,‬فقال له أبـي حين أحرمنا‪ :‬اعزل هذا عنا‬
‫‪ 10036‬ـ وحدث نا به أ بو كر يب مرّة أخرى‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا ا بن إدر يس‪ ,‬قال‪ :‬سمعت يز يد بن‬
‫أبـي زياد‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا حجاج‪ ,‬عن عطاء‪ :‬أنه كره للـمـحرم أن يذبح الدجاج الزنـجي‪ ,‬لن‬
‫له أصلً فـي البرّ‪.‬‬
‫وقال بعضهم‪ :‬صيد البرّ ما كان كونه فـي البرّ أكثر من كونه فـي الب حر‪ .‬ذ كر من قال‬
‫ذلك‪:‬‬
‫‪10037‬ـ حدثنا مـحمد بن بشار‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا أبو عاصم‪ ,‬قال ابن جريج‪ :‬أخبرناه‪ ,‬قال‪ :‬سألت‬
‫عطاء عن ابن الـماء‪ ,‬أصيد برّ‪ ,‬أم بحر؟ وعن أشبـاهه‪ ,‬فقال‪ :‬حيث يكون أكثر فهو صيده‪.‬‬
‫‪10038‬ـ حدثنا القاسم‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا الـحسين‪ ,‬قال‪ :‬ثنـي وكيع‪ ,‬عن سفـيان‪ ,‬عن رجل‪ ,‬عن‬
‫عطاء بن أبـي ربـاح‪ ,‬قال‪ :‬أكثر ما يكون حيث يُفرِخ‪ ,‬فهو منه‪.‬‬
‫حشَرُونَ‪.‬‬
‫القول فـي تأويـل قوله تعالـى‪ :‬وَاتّقُوا اللّ َه اّلذِي إلَـيْهِ تُـ ْ‬
‫وهذا تقدّم من ال تعالـى ذكره إلـى خـلقه بـالـحذر من عقابه علـى معاصيه‪ ,‬يقول‬
‫تعال ـى‪ :‬واخشوا ال أي ها الناس‪ ,‬واحذروه بطاع ته ف ـيـما أمر كم به من فرائ ضه وف ـيـما‬
‫نهاكم عنه فـي هذه الَيات التـي أنزلها علـى نبـيكم صلى ال عليه وسلم من النهي عن‬
‫ال ـخمر وال ـميسر والن صاب والزلم‪ ,‬و عن إ صابة صيد البرّ وقتله ف ـي حال إحرام كم‪,‬‬
‫وفـي غيرها‪ ,‬فإن ال مصيركم ومرجعكم فـيعاقبكم بـمعصيتكم إياه‪ ,‬ومـجازيكم فمثـيبكم‬
‫علـى طاعتكم له‪.‬‬

‫‪97‬‬ ‫الية ‪:‬‬


‫ش ْهرَ‬
‫ّاسـ وَال ّ‬
‫َامـ ِقيَاما لّلن ِ‬
‫حر َ‬ ‫ْتـ ا ْل َ‬
‫ّهـ ا ْل َك ْعبَ َة ا ْل َبي َ‬
‫جعَلَ الل ُ‬
‫{َ‬ ‫القول فــي تأويــل قوله تعالــى‪:‬‬
‫ن اللّ هَ‬
‫سمَاوَاتِ وَمَا فِي الرْ ضِ وََأ ّ‬
‫ل ِئ َد ذَلِ كَ ِل َتعَْلمُوَ ْا أَ نّ الّل َه َيعْلَ مُ مَا فِي ال ّ‬
‫حرَا مَ وَا ْل َهدْ يَ وَالْقَ َ‬
‫ا ْل َ‬
‫شيْءٍ عَلِيمٌ }‪..‬‬
‫ِبكُلّ َ‬
‫يقول تعالـى ذكره‪ :‬صير ال الكع بة الب ـيت الـحرام قواما للناس الذ ين ل قوام ل هم‪ ,‬من‬
‫شهْرَ‬
‫رئ يس يح جز قوي هم عن ضعيف هم وم سيئهم عن م ـحسنهم وظال ـمهم عن مظلوم هم وال ّ‬
‫الـحَرَامَ وال َهدْ يَ والقل ِئدَ فحجز بكلّ واحد من ذلك بعضهم عن بعض‪ ,‬إذ لـم يكن لهم قـيام‬
‫غيره‪ ,‬وجعلها معالـم لدينهم ومصالـح أمورهم‪.‬‬
‫والكعبة فـيـما قـيـل كعبة لتربـيعها‪ .‬ذكر من قال ذلك‪:‬‬
‫‪ 10039‬ـ حدث نا ا بن وك يع‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا أب ـي‪ ,‬عن سفـيان‪ ,‬عن ا بن أب ـي ن ـجيح عن‬
‫مـجاهد قال‪ :‬إنـما سميت الكعبة لنها مربعة‪.‬‬
‫‪10040‬ـ حدثنا ابن وكيع‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا هاشم بن القاسم‪ ,‬عن أبـي سعيد الـمؤدّب‪ ,‬عن النضر‬
‫بن عربـي‪ ,‬عن عكرمة‪ ,‬قال‪ :‬إنـما سميت الكعبة لتربـيعها‪.‬‬
‫وق ـيـل قِ ـياما للنّا سِ ب ـالـياء‪ ,‬و هو من ذوات الواو‪ ,‬لك سرة القاف و هي ف ـاء الف عل‪,‬‬
‫فجعلت الع ين م نه ب ـالكسرة ياء‪ ,‬ك ما ق ـيـل ف ـي م صدر‪« :‬ق مت» ق ـياما‪ ,‬و « صمت»‬
‫صياما‪ ,‬فحوّلت العين من الف عل وهي واء ياء لكسرة فـائه‪ ,‬وإنـما هو فـي الصل‪ :‬قمت‬
‫حرَامَ قِـياما للنّا سِ فحوّلت‬
‫جعَلَ الّل هُ ال َك ْعبَ َة البَـيْتَ الـ َ‬
‫قواما‪ ,‬وصمت صواما‪ .‬وكذلك قوله‪َ :‬‬
‫واوها ياء‪ ,‬إذ هي «قوام»‪ .‬وقد جاء ذلك من كلمهم مقولً علـى أصله الذي هو أصله‪ ,‬قال‬
‫الراجز‪:‬‬
‫(قِوَامُ ُدنْـيا َوقِوَا ُم دِين )‬
‫فجاء بـه بــالواو علــى أصـله‪ .‬وجعـل تعالــى ذكره الكعبـة والشهـر الــحرام والهدي‬
‫والقلئد قواما لـمن كان يحترم ذلك من العرب ويعظمه‪ ,‬بـمنزلة الرئيس الذي يقوم به أمر‬
‫تبـاعه‪.‬‬
‫وأما الكعبة فـالـحرم كله‪ ,‬وسماها ال تعالـى حراما لتـحريـمه إياها أن يصاد صيدها‬
‫أو يختلـى خلها أو يعضد شجرها‪ .‬وقد بـينا ذلك بشواهده فـيـما مضى قبل‪.‬‬
‫حرَامَ وال َه ْديَ وَالقَل ِئدَ يقول تعالـى ذكره‪ :‬وجعل الشهر الـحرام والهدي‬
‫ش ْهرَ الـ َ‬
‫وقوله‪ :‬وَال ّ‬
‫والقلئد أيضا قـياما للناس‪ ,‬كما جعل الكعبة البـيت الـحرام لهم قـياما‪ .‬والناس الذين جعل‬
‫ذلك ل هم ق ـياما مختلف ف ـيهم‪ ,‬فقال بعض هم‪ :‬ج عل ال ذلك ف ـي ال ـجاهلـية ق ـياما للناس‬
‫كل هم‪ .‬وقال بعض هم‪ :‬بل عَنَى به العر بَ خا صة‪ .‬وب ـمثل الذي قل نا ف ـي تأوي ـل القوام قال‬
‫ل اللّهُ ال َك ْعبَ َة البَـيْتَ الـحَرَامَ قِـياما‬
‫جعَ َ‬
‫أهل التأويـل‪ .‬ذكر من قال‪ :‬عنى ال تعالـى بقوله‪َ :‬‬
‫للنّاسِ القوام علـى نـحو ما قلنا‪:‬‬
‫‪ 10041‬ـ حدثنا هناد‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا ابن أبـي زائدة‪ ,‬قال‪ :‬أخبرنا من سمع خَصيفـا يحدّث عن‬
‫س قال‪ :‬قواما للناس‪.‬‬
‫حرَامَ قِـيَاما لِلنّا ِ‬
‫مـجاهد فـي‪ :‬جعلَ الّلهُ ا ْل َك ْعبَ َة ا ْلبَـيْتَ الـ َ‬
‫‪10042‬ـ حدثنا ابن وكيع‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا عبـيد ال‪ ,‬عن إسرائيـل‪ ,‬عن خصيف‪ ,‬عن سعيد بن‬
‫س قال‪ :‬صلحا لدينهم‪.‬‬
‫جبـير‪ :‬قِـياما للنّا ِ‬
‫‪ 10043‬ـ حدث نا هناد‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا ا بن أب ـي زائدة‪ ,‬قال‪ :‬أخبر نا داود‪ ,‬عن ا بن جر يج‪ ,‬عن‬
‫جعَلَ الّل ُه ا ْل َك ْعبَةَ ا ْلبَـيْتَ الـحَرامَ قـيَاما للنّا سِ قال‪ :‬حين ل يرجون جنة ول‬
‫مـجاهد فـي‪َ :‬‬
‫يخافون نارا‪ ,‬فشدّد ال ذلك بـالسلم‪.‬‬
‫حدث نا هناد‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا ا بن أب ـي زائدة‪ ,‬عن إ سرائيـل‪ ,‬عن أب ـي الهي ثم‪ ,‬عن سعيد بن‬
‫ت الـحَرَامَ قِـياما للنّاسِ قال‪ :‬شدّة لدينهم‪.‬‬
‫ل اللّ ُه ال َك ْعبَةَ البَـيْ َ‬
‫جعَ َ‬
‫جبـير‪ ,‬قوله‪َ :‬‬
‫حدثنا ابن وكيع‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا أبـي‪ ,‬عن إسرائيـل‪ ,‬عن أبـي الهيثم‪ ,‬عن سعيد بن جبـير‪,‬‬
‫مثله‪.‬‬
‫‪ 10044‬ـ حدثنـي مـحمد بن سعد‪ ,‬قال‪ :‬ثنـي أبـي‪ ,‬قال‪ :‬ثنـي عمي‪ ,‬قال‪ :‬ثنـي أبـي‪,‬‬
‫جعَلَ الّل ُه ال َك ْعبَ َة البَ ـيْتَ ال ـحَرَامَ قِ ـياما للنّا سِ قال‪:‬‬
‫عن أب ـيه‪ ,‬عن ا بن عب ـاس‪ ,‬قوله‪َ :‬‬
‫قـيامها أن يأمن من توجه إلـيها‪.‬‬
‫‪10045‬ـ حدثنـي الـمثنى‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا عبد ال بن صالـح‪ ,‬قال‪ :‬ثنـي معاوية‪ ,‬عن علـيّ‪,‬‬
‫ش ْهرَ ال ـحَرَامَ‬
‫جعَلَ الّل هُ ال َك ْعبَ َة البَ ـيْتَ ال ـحَرَامَ قِ ـياما للنّا سِ وال ّ‬
‫عن ا بن عب ـاس‪ ,‬قوله‪َ :‬‬
‫وَال َه ْديَ وَالقَل ِئدَ يعنـي قـياما لدينهم‪ ,‬ومعالـم لـحجهم‪.‬‬
‫‪ 10046‬ـ حدثنـي مـحمد بن الـحسين‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا أحمد بن مفضل‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا أسبـاط‪,‬‬
‫حرَامَ وال َهدْ يَ وَالقَل ِئدَ‬
‫ش ْهرَ الـ َ‬
‫حرَا َم قِـياما للنّا سِ وال ّ‬
‫جعَلَ الّل ُه ال َك ْعبَةَ البَـيْتَ الـ َ‬
‫عن السديّ‪َ :‬‬
‫جعل ال هذه الربعة قـياما للناس‪ ,‬هو قوام أمرهم‪.‬‬
‫وهذه القوال وإن اختلفت من قائلها ألفـاظها‪ ,‬فإن معانـيها آيـلة إلـى ما قلنا فـي ذلك‬
‫من أن القوام للش يء هو الذي به صلحه‪ ,‬كال ـملك الع ظم قوام رعي ته و من ف ـي سلطانه‪,‬‬
‫ل نه مدبر أمر هم وحا جز ظال ـمهم عن مظلوم هم والدا فع عن هم مكروه من بغا هم وعادا هم‪.‬‬
‫وكذلك كانت الكعبة والشهر الـحرام والهدي والقلئد قوام أمر العرب الذي كان به صلحهم‬
‫ف ـي ال ـجاهلـية‪ ,‬و هي ف ـي ال سلم لهله معال ـم حج هم ومنا سكهم ومتوجه هم ل صلتهم‬
‫وقبلتهم التـي بـاستقبـالها يتـمّ فرضهم‪.‬‬
‫وبنـحو الذي قلنا فـي ذلك قالت جماعة أهل التأويـل‪ .‬ذكر من قال ذلك‪:‬‬
‫‪ 10047‬ـ حدثنا ب شر بن معاذ‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا جامع بن حماد‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا يزيد بن زر يع‪ ,‬قال‪:‬‬
‫حرَامَ‬
‫ش ْهرَ الـ َ‬
‫س وال ّ‬
‫حرَامَ قِـياما للنّا ِ‬
‫ل اللّهُ ال َك ْعبَ َة البَـيْتَ الـ َ‬
‫جعَ َ‬
‫حدثنا سعيد‪ ,‬عن قتادة‪ ,‬قوله‪َ :‬‬
‫ْيـ والقَلئدَ حواجـز أبقاهـا ال بــين الناس فــي الــجاهلـية فكان الرجـل لو جرّ كلّ‬
‫وال َهد َ‬
‫جريرة ثم ل ـجأ إل ـى ال ـحرم ل ـم يُتناول ول ـم يُقرب‪ .‬وكان الر جل لو لق ـي قا تل أب ـيه‬
‫فـي الشهر الـحرام لـم يعرض له ولـم يقربه‪ .‬وكان الرجل إذا أراد البـيت تقلد قلدة من‬
‫سمُر‪,‬‬
‫ش عر فأحم ته ومنع ته من الناس‪ ,‬وكان إذا ن فر تقلد قلدة من الذ خر أو من ال ـحاء ال ّ‬
‫فمنعته من الناس حتـى يأتـي أهله حواجز أبقاها ال بـين الناس فـي الـجاهلـية‪.‬‬
‫جعَلَ اللّ ُه ال َك ْعبَةَ‬
‫‪10048‬ـ حدثنا يونس‪ ,‬قال‪ :‬أخبرنا ابن وهب‪ ,‬قال‪ :‬قال ابن زيد‪ ,‬فـي قوله‪َ :‬‬
‫حرَامَ وال َهدْ يَ والقَل ِئدَ قال‪ :‬كان الناس كلهم فـيهم‬
‫ش ْهرَ الـ َ‬
‫البَـيْتَ الـحَرَامَ قِـياما للنّا سِ وال ّ‬
‫ملوك تدفع بعض هم عن ب عض‪ .‬قال‪ :‬ولـم ي كن ف ـي العرب ملوك تدفع بعض هم عن ب عض‪,‬‬
‫فجعل ال تعالـى لهم البـيت الـحرام قـياما يدفع بعضهم عن بعض به‪ ,‬والشهر الـحرام‬
‫كذلك يد فع ال بعض هم عن ب عض ب ـالشهر ال ـحرم والقلئد‪ .‬قال‪ :‬وي ـلقـى الر جل قا تل‬
‫أخيه أو ابن عمه فل يعرض له‪ .‬وهذا كله قد نسخ‪.‬‬
‫‪ 10049‬ـ حدثنـي مـحمد بن سعد‪ ,‬قال‪ :‬ثنـي أبـي‪ ,‬قال‪ :‬ثنـي عمي‪ ,‬قال‪ :‬ثنـي أبـي‪,‬‬
‫عن أبـيه‪ ,‬عن ابن عبـاس‪ :‬وَالقَل ِئدَ كان ناس بتقلدون لـحاء الشجر فـي الـجاهلـية إذا‬
‫أرادوا الـحجّ‪ ,‬فـيعرفون بذلك‪.‬‬
‫وقد أتـينا علـى البـيان عن ذكر الشهر الـحرام والهدي والقلئد فـيـما مضى‪ ,‬بـما‬
‫أغنى عن إعادته فـي هذا الـموضع‪.‬‬
‫سمَوَاتِ وَما فِـي‬
‫القول فـي تأويـل قوله تعالـى‪ :‬ذَلِ كَ ِل َتعْلَـمُوا أ نّ الّل هَ َيعْلَـمُ ما فِـي ال ّ‬
‫شيْءٍ عَلِـيـمٌ‪.‬‬
‫الرْضِ وأنّ الّل َه ِبكُلّ َ‬
‫يعن ـي تعال ـى ذكره بقوله‪ :‬ذَل كَ ت صيـيره الكع بة الب ـيت ال ـحرام ق ـياما للناس والش هر‬
‫صـيّرت لكـم أيهـا الناس ذلك قــياما كـي‬
‫الــحرام والهدي والقلئد‪ .‬يقول تعالــى ذكره‪َ :‬‬
‫تعلــموا أن مـن أُحدِث لكـم لــمصالـح دنــياكم مـا أحدث مــما بـه قوامكـم‪ ,‬علــما منـه‬
‫بـمنافعكم ومضارّكم أنه كذلك يعلـم جميع ما فـي السموات وما فـي الرض مـما فـيه‬
‫صـلح عاجلكـم وآجلكـم‪ ,‬ولتعلــموا أنـه بكلّ شيـء علــيـم‪ ,‬ل يخفــى علــيه شيـء مـن‬
‫أموركـم وأعمالكـم‪ ,‬وهـو مــحصيها علــيكم حتــى يجازي الــمـحسن منكـم بإحسـانه‬
‫والـمسيء منكم بإساءته‪.‬‬

‫‪98‬‬ ‫الية ‪:‬‬


‫شدِيدُ ا ْلعِقَابِ وََأنّ الّلهَ غَفُو ٌر رّحِيمٌ }‪..‬‬
‫{اعَْل ُموَاْ َأنّ الّلهَ َ‬ ‫القول فـي تأويـل قوله تعالـى‪:‬‬
‫يقول تعالـى ذكره‪ :‬اعلـموا أيها الناس أن ربكم الذي يعلـم ما فـي السموات وما فـي‬
‫الرض‪ ,‬ول يخف ـى عل ـيه ش يء من سرائر أعمال كم وعلن ـيتها‪ ,‬و هو يح صيها عل ـيكم‬
‫لــيجازيكم بهـا‪ ,‬شديـد عقا به من عصـاه وت ـمرّد علــيه عل ـى مع صيته إياه‪ ,‬و هو غفور‬
‫الذنوب من أطا عه وأناب إل ـيه ف ساترٌ عل ـيه وتار كٌ فضيح ته ب ها‪ ,‬رحي ـم به أن يعاق ـيه‬
‫علـى ما سلف من ذنوبه بعد إنابته وتوبته منها‪.‬‬
‫‪99‬‬ ‫الية ‪:‬‬
‫ل ِإلّ ا ْلبَلَ غُ وَالّل ُه َيعْلَ مُ مَا ُت ْبدُو نَ وَمَا‬
‫{مّا عَلَى الرّ سُو ِ‬ ‫القول ف ـي تأوي ـل قوله تعال ـى‪:‬‬
‫َت ْك ُتمُونَ }‪..‬‬
‫وهذا مـن ال تعالــى ذكره تهديـد لعبــاده ووعيـد‪ ,‬يقول تعالــى ذكره‪ :‬لــيس علــى‬
‫رسـولنا الذي أرسـلناه إلــيكم أيهـا الناس بإنذاركـم عقابنـا بــين يدي عذاب شديـد وإعذارنـا‬
‫ل أن يؤدي إلـيكم رسالتنا‪ ,‬ثم إلـينا الثواب علـى الطاعة‪,‬‬
‫إلـيكم بـما فـيه قطع حججكم‪ ,‬إ ّ‬
‫وعلـينا العقاب علـى الـمعصية‪ .‬وَالّل ُه َيعْلَـمُ ما ُت ْبدُو نَ وَما َت ْكتُـمُونَ يقول‪ :‬وغير خفـيّ‬
‫علـينا الـمطيع منكم القابل رسالتنا العامل بـما أمرته بـالعمل به من العاصي التارك العمل‬
‫بـما أمرته بـالعمل به لنا نعلـم ما عمله العامل منكم فأظهره بجوارحه ونطق به لسانه‪.‬‬
‫ن يعنـي‪ :‬ما تـخفونه فـي أنفسكم من إيـمان وكفر أو يقـين وش كّ ونفـاق‪.‬‬
‫وَما َت ْكتُـمُو َ‬
‫يقول تعال ـى ذكره‪ :‬ف من كان كذلك ل يخف ـى عل ـيه ش يء من ضمائر ال صدور وظوا هر‬
‫أعمال النفوس‪ ,‬مـما فـي السموات وما فـي الرض‪ ,‬وبـيده الثواب والعقاب‪ ,‬فحقـيق أن‬
‫يُتقَـى وأن يطاع فل يعصَى‪.‬‬
‫‪100‬‬ ‫الية ‪:‬‬
‫َكـ َكثْرَةُ‬
‫جب َ‬‫عَ‬
‫ّبـ وَلَ ْو أَ ْ‬
‫طي ُ‬‫ِيثـ وَال ّ‬
‫خب ُ‬ ‫َسـتَوِي ا ْل َ‬
‫لي ْ‬‫{قُل ّ‬ ‫القول فــي تأويــل قوله تعالــى‪:‬‬
‫خبِيثِ فَاتّقُواْ الّل َه َيأُوْلِي ال ْلبَابِ َلعَّل ُكمْ تُفِْلحُونَ }‪..‬‬
‫ا ْل َ‬
‫يقول تعال ـى ذكره لنب ـيه م ـحمد صلى ال عل يه و سلم‪ :‬قل يا م ـحمد ل يعتدل الردىء‬
‫خبِـيثِ يقول‪ :‬ل‬
‫جبَ كَ َك ْثرَ ُة الـ َ‬
‫عَ‬‫والـجيد‪ ,‬والصالـح والطالـح‪ ,‬والـمطيع والعاصي‪ .‬وََلوْ أ ْ‬
‫يعتدل العاصي والـمطيع ل عند ال ولو كثر أهل الـمعاصي فعجبت من كثرتهم‪ ,‬لن أهل‬
‫طا عة ال هم ال ـمفلـحون الف ـائزون بثواب ال يوم الق ـيامة وإن قلوا دون أ هل مع صيته‪,‬‬
‫ن أهل معاصيه هم الخسرون الـخائبون وإن كثروا‪ .‬يقول تعالـى ذكره لنبـيه صلى ال‬
‫وإ ّ‬
‫ن من كثرة من يع صى ال ف ـيـمهله ول يعاجله ب ـالعقوبة فإن الع قبى‬
‫عل يه و سلم‪ :‬فل تعجب ّ‬
‫الصالـحة لهل طاعة ال عنده دونهم‪ .‬كما‪:‬‬
‫‪ 10050‬ـ حدثنـي مـحمد بن الـحسين‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا أحمد بن مفضل‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا أسبـاط‪,‬‬
‫خبِـيثِ قال‪ :‬الـخبـيث‪ :‬هم‬
‫جبَكَ َك ْثرَةُ الـ َ‬
‫عَ‬‫طيّبُ وََلوْ أ ْ‬
‫عن السديّ‪ :‬ل يَسْتَوِي الـخَبِـيثُ وَال ّ‬
‫الـمشركون والطيّب‪ :‬هم الـمؤمنون‪.‬‬
‫وهذا الكلم وإن كان مخرجه مخرج الـخطاب لرسول ال صلى ال عليه وسلم‪ ,‬فـالـمراد‬
‫به بعض أتبـاعه‪ ,‬يدلّ علـى ذلك قوله‪ :‬فـاتّقُوا الّلهَ يا أُولـي اللْبـابِ َلعَّل ُكمْ تُفْلِـحُونَ‪.‬‬
‫ب َلعَّل ُكمْ تُفْلِـحُونَ‪.‬‬
‫القول فـي تأويـل قوله تعالـى‪ :‬فـاتّقُوا الّلهَ يا أُولـي اللْبـا ِ‬
‫يقول تعالــى ذكره‪ :‬واتقوا ال بطاعتـه فــيـما أمركـم ونهاكـم‪ ,‬واحذروا أن يسـتـحوذ‬
‫علــيكم الشيطان بإعجابكـم كثرة الــخبـيث‪ ,‬فتصـيروا منهـم‪ .‬يـا أؤلــي اللْبــابِ يعنــي‬
‫بذلك‪ :‬أهل العقول والـحجا‪ ,‬الذين عقلوا عن ال آياته‪ ,‬وعرفوا مواقع حججه‪َ .‬لعَّلكُمْ تُفْلِـحُونَ‬
‫يقول‪ :‬اتقوا ال لتفلـحوا‪ :‬أي كي تنـجحوا فـي طلبتكم ما عنده‪.‬‬

‫‪101‬‬ ‫الية ‪:‬‬


‫شيَآ َء إِن ُت ْبدَ َلكُمْ تَسُ ْؤ ُكمْ‬
‫عنْ َأ ْ‬
‫ل تَسْأَلُواْ َ‬
‫{ َيَأ ّيهَا اّلذِينَ آ َمنُواْ َ‬ ‫القول فـي تأويـل قوله تعالـى‪:‬‬
‫غفُورٌ حَلِيمٌ }‪..‬‬
‫ع ْنهَا وَاللّهُ َ‬
‫ن ُت ْبدَ َل ُكمْ عَفَا اللّهُ َ‬
‫ن ُي َنزّلُ الْ ُقرْآ ُ‬
‫ع ْنهَا حِي َ‬
‫سأَلُواْ َ‬
‫وَإِن َت ْ‬
‫ذكر أن هذه الَية أنزلت علـى رسول ال صلى ال عل يه وسلم بسبب مسائل كان يسألها‬
‫إياه أقوام‪ ,‬امتــحانا له أحيانـا‪ ,‬واسـتهزاء أحيانـا‪ ,‬فــيقول له بعضهـم‪ :‬مـن أبــي؟ ويقول له‬
‫بعض هم إذا ضلت ناق ته‪ :‬أ ين ناقت ـي؟ فقال ل هم تعال ـى ذكره‪ :‬ل ت سألوا عن أشياء من ذلك‪,‬‬
‫ن ُت ْبدَ َلكُ مْ تَ سُ ْؤ ُكمْ يقول‪ :‬إن أبدي نا ل كم حق ـيقة ما‬
‫كم سألة ع بد ال بن حذا فة إياه من أبوه‪ ,‬إ ْ‬
‫تسألون عنه ساءكم إبداؤها وإظهارها‪.‬‬
‫وبن ـحو الذي قل نا ف ـي ذلك تظاهرت الخب ـار عن أ صحاب ر سول ال صلى ال عل يه‬
‫وسلم‪ .‬ذكر الرواية بذلك‪:‬‬
‫‪ 10051‬ـ حدثنا أبو كريب‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا بعض بنـي نفـيـل‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا زهير بن معاوية‪,‬‬
‫قال‪ :‬حدثنا أبو الـجويرية‪ ,‬قال‪ :‬قال ابن عبـاس لعرابـي من بنـي سلـيـم‪ :‬هل تدري‬
‫ن ُت ْبدَ َلكُ مْ تَ سُ ْؤ ُكمْ؟ حت ـى‬
‫ع نْ أشْيا َء إ ْ‬
‫ف ـيـما أنزلت هذه الَ ية يا أيّ ها اّلذِي نَ آ َمنُوا ل تَ سْأَلُوا َ‬
‫فرغ مـن الَيـة‪ ,‬فقال‪ :‬كان قوم يسـألون رسـول ال صـلى ال عليـه وسـلم اسـتهزاء‪ ,‬فــيقول‬
‫الرجل‪ :‬من أبـي؟ والرجل تضلّ ناقته فـيقول‪ :‬أين ناقتـي؟ فأنزل ال فـيهم هذه الَية‪.‬‬
‫‪ 10052‬ـ حدثنـي مـحمد بن الـمثنى‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا أبو عامر وأبو داود‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا هشام‪,‬‬
‫عـن قتادة‪ ,‬عـن أنـس‪ ,‬قال‪ :‬سـأل الناس رسـول ال صـلى ال عليـه وسـلم حتــى أحفوه‬
‫ن شَيْ ٍء إلّ بَ ـ ّي ْنتُ ُه َلكُ مْ»‪ .‬قال‬
‫سأَلُونِـي عَ ْ‬
‫ب ـالـمسألة‪ ,‬ف صعد ال ـمنبر ذات يوم‪ ,‬فقال‪« :‬ل تَ ْ‬
‫أنس‪ :‬فجعلت أنظر يـمينا وشمالً‪ ,‬فأرى كلْ إنسان لفّـا ثوبه يبكي فأنشأ رجل كان ذا لحى‬
‫حذَافَةُ»‪ .‬قال‪ :‬فأنشأ عمر‬
‫ك ُ‬
‫يدعى إلـى غير أبـيه‪ ,‬فقال‪ :‬يا رسول ال‪ ,‬من أبـي؟ فقال‪« :‬أبُو َ‬
‫فقال‪ :‬رضي نا ب ـال ربّ ـا وب ـالسلم دي نا وب ـمـحمد صلى ال عل يه و سلم ر سولً‪ ,‬وأعوذ‬
‫خ ْيرِ‬
‫شرّ وال ـ َ‬
‫ب ـال من سوء الف تن فقال ر سول ال صلى ال عل يه و سلم‪« :‬لَ ـمْ أرَ فِ ـي ال ّ‬
‫جنّةُ وَالنّارُ حت ـى رأ ْيتُهُ ما َورَاءَ ال ـحائِطِ»‪ .‬وكان قتادة‬
‫ت لِ ـيَ ال ـ َ‬
‫كال ـيَوْم قَ طّ‪ ,‬إّن هُ صُ ّورَ ْ‬
‫عنْ أشْياءَ إنْ ُت ْبدَ َل ُكمْ َتسُ ْؤ ُكمْ‪.‬‬
‫يذكر هذا الـحديث عند هذه الَية‪ :‬ل تَسأَلُوا َ‬
‫‪ 10053‬ـ حدثن ـي م ـحمد بن مع مر البحران ـي‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا روح بن عب ـادة‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا‬
‫شع بة‪ ,‬قال‪ :‬أخبرن ـي مو سى بن أ نس‪ ,‬قال‪ :‬سمعت أن سا يقول‪ :‬قال ر جل‪ :‬يا ر سول ال من‬
‫ن ُت ْبدَ َلكُ مْ‬
‫ع نْ أشْيا َء إ ْ‬
‫أب ـي؟ قال‪« :‬أبُو كَ فُل نٌ»‪ .‬قال‪ :‬فنزلت‪ :‬يا أيّ ها اّلذِي نَ آ َمنُوا ل تَ سْألُوا َ‬
‫َتسُ ْؤ ُكمْ‪.‬‬
‫حدثنا بشر بن معاذ‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا يزيد بن زريع‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا سعيد‪ ,‬عن قتادة‪ ,‬فـي قوله‪ :‬يا‬
‫ن أشْياءَ إنْ ُت ْبدَ َل ُكمْ تَسُ ْؤ ُكمْ قال‪ :‬فحُدّثنا أن أنس بن مالك حدثهم‪ :‬أن‬
‫سأَلُوا عَ ْ‬
‫أيّها اّلذِينَ آ َمنُوا ل تَ ْ‬
‫ر سول ال صلى ال عل يه و سلم سألوه حت ـى أحفوه ب ـالـمسألة‪ ,‬فخرج عل ـيهم ذات يوم‬
‫شيْءٍ إلّ بَـ ّي ْنتُهُ َلكُمْ» فأشفق أصحاب رسول‬
‫ن َ‬
‫فصعد الـمنبر‪ ,‬فقال‪« :‬ل تَسْأَلُونِـي الـيَ ْومَ عَ ْ‬
‫ال صلى ال عليه وسلم أن يكون بـين يديه أمر قد حضر‪ ,‬فجعلت ل ألتفت يـمينا ول شمالً‬
‫إلّ وجدت كلّ لف ـاّ رأ سه ف ـي ثو به يب كي‪ .‬فأن شأ ر جل كان يُلحَى ف ـيدعى إل ـى غ ير‬
‫حذَا فة»‪ .‬قال‪ :‬ثم قام ع مر أو قال‪ :‬فأن شأ‬
‫أب ـيه‪ ,‬فقال‪ :‬يا نب ـيّ ال من أب ـي؟ قال‪« :‬أبُو كَ ُ‬
‫ل عائذا‬
‫عمر فقال‪ :‬رضينا بـال ربّـا وبـالسلم دينا وبـمـحمد صلى ال عليه وسلم رسو ً‬
‫بـال أو قال‪ :‬أعوذ بـال من سوء الفتن‪ .‬قال‪ :‬وقال رسول ال صلى ال عليه وسلم‪« :‬لَـمْ‬
‫ُونـ‬
‫جنّةُ والنّارُ حتــى رأ ْي ُتهُمـا د َ‬
‫ت لــيَ الــ َ‬
‫صـّورَ ْ‬
‫شرّ كالــيَ ْو ِم قَطـّ‪ُ ,‬‬
‫خ ْيرِ وال ّ‬
‫أرَ فِــي الــ َ‬
‫الـحا ِئطِ»‪.‬‬
‫‪ 10054‬ـ حدثنا أحمد بن هشام وسفـيان بن وكيع‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا معاذ‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا ا بن عون‪,‬‬
‫شيَاءَ إنْ ُت ْبدَ‬
‫سأَلُوا عَنْ أ ْ‬
‫قال‪ :‬سألت كرمة مولـى ابن عبـاس عن قوله‪ :‬يا أيّها اّلذِينَ آ َمنُوا ل تَ ْ‬
‫ع نْ‬
‫سأَلُونِـي َ‬
‫َلكُ مْ تَ سُ ْؤ ُكمْ قال‪ :‬ذاك يوم قام ف ـيهم النب ـي صلى ال عل يه و سلم‪ ,‬فقال‪« :‬ل تَ ْ‬
‫خ َب ْر ُتكُ مْ ِب هِ» قال‪ :‬فقام ر جل‪ ,‬فكره ال ـمسلـمون مقَا مه يومئذ‪ ,‬فقال‪ :‬يا ر سول ال‬
‫شيْءٍ إلّ أ ْ‬
‫َ‬
‫حذَافَة» قال‪ :‬فنزلت هذه الَية‪.‬‬
‫ك ُ‬
‫من أبـي؟ قال‪« :‬أبُو َ‬
‫‪ 10055‬ـ حدثنا ال ـحسين بن يحيى‪ ,‬قال‪ :‬أخبر نا عبد الرزاق‪ ,‬قال‪ :‬أخبرنا مع مر‪ ,‬عن ا بن‬
‫ن ُت ْبدَ َلكُ مْ تَ سُ ْؤ ُكمْ ف ـي ر جل قال‪ :‬يا‬
‫سأَلُوا عَ نْ أشْياءَ إ ْ‬
‫طاوس‪ ,‬عن أب ـيه قال‪ :‬نزلت‪ :‬ل تَ ْ‬
‫رسول ال من أبـي؟ قال‪« :‬أبُوك فلن»‪.‬‬
‫حدثنا القاسم‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا الـحسين‪ ,‬قال‪ :‬ثنـي سفـيان‪ ,‬عن معمر‪ ,‬عن قتادة‪ ,‬قال‪ :‬سألوا‬
‫النب ـي صلى ال عل يه و سلم حت ـى أكثروا عل ـيه‪ ,‬فقام مغضب ـا خطيب ـا‪ ,‬فقال‪ :‬سَلُونـي‬
‫ح ّد ْث ُتكُ مْ» فقام رجل فقال‪ :‬من أبـي؟‬
‫شيْءٍ ما ُدمْ تُ فـي مَقامي إلّ َ‬
‫ن َ‬
‫ع ْ‬
‫سأَلُونِـي َ‬
‫فَوَاللّ هِ ل تَ ْ‬
‫حذَافَة» واشتدّ غضبه وقال‪ « :‬سَلُونِـي» فلـما رأى الناس ذلك كثر بكاؤهم‪ ,‬فجثا‬
‫ك ُ‬
‫قال‪« :‬أبُو َ‬
‫عمر علـى ركبتـيه فقال‪ :‬رضينا بـال ربّـا‪ ,‬قال معمر‪ :‬قال الزهري‪ :‬قال أنس مثل ذلك‪:‬‬
‫فجثا عمر علـى ركبتـيه‪ ,‬فقال‪ :‬رضينا بـال ربـا‪ ,‬وبـالسلم دينا‪ ,‬وبـمـحمد صلى ال‬
‫عليه وسلم رسولً‪ ,‬فقال رسول ال صلى ال عليه وسلم‪« :‬أمَا وَاّلذِي نَفْسِي بِـيَدِهِ‪ ,‬لَ َق ْد صُ ّورَتْ‬
‫ْضـ َهذَا الــحا ِئطِ‪ ,‬فَلَــمْ أرَ كالــيَ ْومِ فِــي الــخَ ْيرِ‬
‫عر ِ‬‫لــيَ الــجَنّ ُة وَالنّارُ آنِفــا فِــي َ‬
‫شرّ»‪ .‬قال الزهر يّ‪ :‬فقالت أ مّ ع بد ال بن حُذا فة‪ :‬ما رأ يت ولدا أع قّ م نك ق طّ‪ ,‬أتأ من أن‬
‫وال ّ‬
‫تكون أ مك قار فت ما قارف أ هل ال ـجاهلـية‪ ,‬فتفضح ها عل ـى رؤوس الناس فقال‪ :‬وال لو‬
‫ألـحقنـي بعبد أسود للـحقته‪.‬‬
‫‪ 10056‬ـ حدثنـي مـحمد بن الـحسين‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا أحمد بن مفضل‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا أسبـاط‪,‬‬
‫شيَاءَ إ نْ ُت ْبدَ َلكُ مْ تَ سُ ْؤ ُك ْم قال‪ :‬غضب رسول ال‬
‫ع نْ أ ْ‬
‫سأَلُوا َ‬
‫ن آ َمنُوا ل تَ ْ‬
‫عن السديّ‪ :‬يا أيّها اّلذِي َ‬
‫سأَلُونِـي عَ نْ‬
‫صلى ال عل يه و سلم يو ما من اليام فقام خطيب ـا‪ ,‬فقال‪ « :‬سَلُونِـي فإ ّنكُ مْ ل تَ ْ‬
‫حذَا قة‪,‬‬
‫سهْم يقال له ع بد ال بن ُ‬
‫ل أ ْن َب ْأتُكُ مْ بِ هِ» فقام إل ـيه ر جل من قر يش من بن ـي َ‬
‫شَيْء إ ّ‬
‫ن ف ـيه‪ ,‬قال‪ :‬فقال يا ر سول ال من أب ـي؟ قال‪« :‬أبُو كَ فُل نٌ» فدعاه لب ـيه فقام‬
‫وكان يُطع َ‬
‫إلـيه عمر‪ ,‬فقبّل رجله وقال‪ :‬يا رسول ال‪ ,‬رضينا بـال ربـا‪ ,‬وبك نبـيا‪ ,‬وبـالسلم دينا‪,‬‬
‫وب ـالقرآن إما ما‪ ,‬ف ـاعف ع نا عف ـا ال ع نك فل ـم يزل به حت ـى ر ضي‪ ,‬ف ـيومئذ قال‪:‬‬
‫جرُ»‪.‬‬
‫«الوََلدُ لل ِفرَاش وللعا ِهرِ الـحَ َ‬
‫‪ 10057‬ـ حدثنـي الـحرث‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا عبد العزيز‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا قـيس‪ ,‬عن أبـي حصين‪,‬‬
‫عـن أبــي صـالـح‪ ,‬عـن أبــي هريرة‪ ,‬قال‪ :‬خرج رسـول ال صـلى ال عليـه وسـلم وهـو‬
‫غضب ـان م ـحمارّ وجه هُ‪ ,‬حت ـى جلس عل ـى ال ـمنبر‪ ,‬فقام إل ـيه ر جل‪ ,‬فقال أ ين أب ـي؟‬
‫حذَافَةُ»‪ .‬فقام ع مر بن ال ـخطاب‬
‫قال‪« :‬ف ـي النّارِ» فقام آ خر فقال‪ :‬من أب ـي؟ قال‪« :‬أبُو كَ ُ‬
‫فقال‪ :‬رضينـا بــال ربــا‪ ,‬وبــالسلم دينـا‪ ,‬وبــمـحمد صـلى ال عليـه وسـلم نبــيا‪,‬‬
‫وبـالقرآن إماما‪ ,‬إنا يا رسول ال حديثو عهد بجاهلـية وشرك‪ ,‬وال يعلـم من آبـاؤنا‪ .‬قال‪:‬‬
‫ن ُت ْبدَ َل ُكمْ َتسُ ْؤ ُكمْ‪.‬‬
‫شيَاءَ إ ْ‬
‫نأْ‬
‫سأَلُوا عَ ْ‬
‫فسكن غضبه‪ ,‬ونزلت‪ :‬يا أيّها اّلذِينَ آ َمنُوا ل َت ْ‬
‫وقال آخرون‪ :‬نزلت هذه الَية علـى رسول ال صلى ال عليه وسلم من أجل مسألة سائل‬
‫سأله عن شيء فـي أمر الـحجّ‪ .‬ذكر من قال ذلك‪:‬‬
‫‪10058‬ـ حدثنا أبو كريب‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا منصور بن وردان السديّ‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا علـيّ بن عبد‬
‫ستَطاعَ إلَ ـيْهِ‬
‫نا ْ‬
‫ج البَ ـيْتِ َم ِ‬
‫ح ّ‬
‫العل ـى‪ ,‬قال‪ :‬ل ـما نزلت هذه الَ ية‪ :‬وَلّل هِ عل ـى النّا سِ ِ‬
‫ل عام؟ فسكت‪ ,‬ثم قال‪:‬‬
‫سبِـيلً قالوا‪ :‬يا رسول ال أفـي كلّ عام؟ فسكت‪ ,‬ثم قالوا‪ :‬أفـي ك ّ‬
‫َ‬
‫عنْ أشْياءَ إنْ ُت ْبدَ‬
‫سأَلُوا َ‬
‫ن آ َمنُوا ل تَ ْ‬
‫جبَتْ» فأنزل ال هذه الَية‪ :‬يا أيّها اّلذِي َ‬
‫«ل‪ ,‬ولَ ْو قُلْتُ َنعَمْ َل َو َ‬
‫َل ُكمْ َتسُ ْؤ ُكمْ‪.‬‬
‫‪10059‬ـ حدثنا أبو كريب‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا عبد الرحمن بن سلـيـمان‪ ,‬عن إبراهيـم بن مسلـم‬
‫ال َهجَر يّ‪ ,‬عن ابن عياض‪ ,‬عن أبـي هريرة‪ ,‬قال‪ :‬قال رسول ال صلى ال عليه وسلم‪« :‬إ نّ‬
‫ل عام يا رسول ال؟ فأعرض عنه‪ ,‬حتـى عاد‬
‫اللّهَ َكتَبَ عَلَـ ْي ُكمُ الـحَجّ» فقال رجل‪ :‬أفـي ك ّ‬
‫مرّت ـين أو ثل ثا‪ ,‬فقال‪َ « :‬م نِ ال سّائِلُ؟» فقال فلن‪ ,‬فقال‪« :‬والذي نَفْ سِي بِ ـيَدِهِ‪ ,‬لَ ْو قُلْ تُ َنعَ مْ‬
‫جبَ تْ عَلَـ ْي ُكمْ ما أطَ ْقتُـموه‪ ,‬وََلوْ َت َر ْكتُـمُو ُه َلكَ َفرْتـمْ»‪ .‬فأنزل ال هذه الَية‪ :‬يا‬
‫جبَ تْ‪ ,‬وَلَوْ َو َ‬
‫لَ َو َ‬
‫ن أشْيا َء إن ُت ْبدَ َل ُكمْ َتسُ ْؤ ُكمْ حتـى ختـم الَية‪.‬‬
‫سأَلُوا عَ ْ‬
‫أيّها اّلذِينَ آ َمنُوا ل َت ْ‬
‫‪ 10060‬ـ حدثن ـي م ـحمد بن عل ـيّ بن ال ـحسين بن شق ـيق‪ ,‬قال سمعت أب ـي‪ ,‬قال‪:‬‬
‫أخبرنا الـحسين بن واقد‪ ,‬عن مـحمد بن زياد‪ ,‬قال‪ :‬سمعت أبـا هريرة يقول‪ :‬خطبنا رسول‬
‫ب اللّ هُ عَلَ ـ ْي ُكمْ ال ـحَجّ»‪ .‬فقام م ـحصن‬
‫ال صلى ال عل يه و سلم فقال‪ « :‬يا أيّهَا النّا سُ‪َ ,‬كتَ َ‬
‫جبَ تْ‬
‫جبَ تْ‪ ,‬ولَوْ َو َ‬
‫ت َنعَ مْ َل َو َ‬
‫ل عام يا رسول ال؟ فقال‪« :‬أمَا إنّـي َلوْ قُلْ ُ‬
‫السديّ‪ ,‬فقال‪ :‬أفـي ك ّ‬
‫ع ْنكُمـْ‪ ,‬فإنّــمَا هَلَكَـ مَن ْـ كَانَـ َقبَْلكُم ْـ بِسُـؤَاِل ِهمْ‬
‫ثُمّـ َت َر ْكتُــمْ َلضَلَ ْلتُــمْ‪ .‬اس ْـُكتُوا عَنّى مـا سَـكَتّ َ‬
‫ن ُت ْبدَ‬
‫شيَاءَ إ ْ‬
‫نأْ‬
‫سأَلُوا عَ ْ‬
‫ن آ َمنُوا ل تَ ْ‬
‫ختِل ِفهِمْ علـى أ ْنبِـيائِهمْ» فأنزل ال تعالـى‪ :‬يا أيّها اّلذِي َ‬
‫وا ْ‬
‫َل ُكمْ َتسُ ْؤ ُكمْ إلـى آخر الَية‪.‬‬
‫حدثنا ابن حميد‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا يحيى بن واضح‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا الـحسين وقد‪ ,‬عن مـحمد بن‬
‫زيادة‪ ,‬قال‪ :‬سمعت أبـا هريرة يقول‪ :‬خطبنا رسول ال صلى ال عليه وسلم‪ ,‬فذكر مثله‪ ,‬إل‬
‫ن مـحْصَن السديّ‪.‬‬
‫أنه قام‪ :‬فقام عُكاشة اب ِ‬
‫‪ 10061‬ـ حدثنا زكريا بن يحيى بن أبـان الـمصري‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا أبو زيد عبد الرحمن بن‬
‫أب ـي الع مر‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا أ بو مط يع معاو ية بن يح يى‪ ,‬عن صفوان بن عمرو‪ ,‬قال‪ :‬ثن ـي‬
‫سلـيـم بن عا مر‪ ,‬قال‪ :‬سمعت أب ـا أما مة الب ـاهلـي يقول‪ :‬قام ر سول ال صلى ال عل يه‬
‫وسلم فـي الناس فقال‪ُ « :‬كتِبَ عَلَـيْ ُكمُ الـحَجّ» فقام رجل من العراب‪ ,‬فقال‪ :‬أفـي كل عام؟‬
‫قال‪ :‬فعل كلم رسول ال صلى ال عليه وسلم وأسكت وأغضب واستغضب‪ .‬فمكث طويلً ثم‬
‫ن أقُولَ َنعَ مْ‪,‬‬
‫ن ال سّائِلُ؟» فقال العراب ـيّ‪ :‬أ نا ذا‪ ,‬فقال‪َ « :‬و ْيحَ كَ ماذَا ُي ْؤ ِمنُ كَ أ ْ‬
‫تكل ـم فقال‪َ :‬م ِ‬
‫ك اّلذِينَ قبَْلكُمْ أ ِئمّ ُة الـحَرَجِ‪ ,‬وَاللّهُ‬
‫ت َلكَ َف ْرتُـمْ؟ أل إنّ ُه إنّـمَا أهْلَ َ‬
‫جبَ ْ‬
‫جبَتْ‪ ,‬وَلَوْ َو َ‬
‫ت َنعَمُ َل َو َ‬
‫وََلوْ قُلْ ُ‬
‫ح ّرمْ تُ عَلَ ـيْ ُكمْ ِمنْ ها مَ ْوضِ َع خُ فّ َل َوقَ ْعتُ ـمْ‬
‫جمِي عَ ما فِ ـي الرْ ضِ َو َ‬
‫لَ ْو أنّ ـي أحْلَلْ تُ َلكُ مْ َ‬
‫سأَلُوا عَ نْ أشْياءَ‪ ...‬إلـى آخر‬
‫فِـيهِ» قال‪ :‬فأنزل ال تعالـى عند ذلك يا أيّها اّلذِي نَ آ َمنُوا ل تَ ْ‬
‫الَية‪.‬‬
‫‪ 10062‬ـ حدثنـي مـحمد بن سعد‪ ,‬قال‪ :‬ثنـي أبـي‪ ,‬قال‪ :‬ثنـي عمي‪ ,‬قال‪ :‬ثنـي أبـي‪,‬‬
‫شيَاء إ نْ ُت ْبدَ َلكُ مْ تَ سُ ْؤ ُكمْ‬
‫نأْ‬
‫ع ْ‬
‫سأَلُوا َ‬
‫عن أبـيه‪ ,‬عن ابن عبـاس‪ ,‬قوله‪ :‬يا أيّها اّلذِي نَ آ َمنُوا ل تَ ْ‬
‫ِبـ عَلَــيْ ُكمُ‬
‫وذلك أن رسـول ال صـلى ال عليـه وسـلم أذّن فــي الناس‪ ,‬فقال‪« :‬يـا قَوْمـِ‪ُ ,‬كت َ‬
‫غضِ بَ ر سول ال‬
‫ال ـحَجّ» فقام ر جل من بن ـي أ سد فقال‪ :‬يا ر سول ال‪ ,‬أف ـي كلّ عام؟ فأُ ْ‬
‫جبَ تْ‪,‬‬
‫حمّ ِد بَ ـ َيدِ ِه لَ ْو قُلْ تُ َنعَ مْ لَ َو َ‬
‫س مُ ـ َ‬
‫صلى ال عل يه و سلم غضب ـا شديدا‪ ,‬فقال‪« :‬وَاّلذِي نَفْ ُ‬
‫ُمـ ِبشَيْءٍ‬
‫َنـ َلكَ َف ْرتُــمْ فــا ْت ُركُونِـي مـا تَ َر ْك ُتكُمـْ‪ ,‬فإذَا أ َم ْر ُتك ْ‬
‫ط ْعتُـمْ‪ ,‬وِإذ ْ‬
‫اسـَت َ‬
‫َتـ مـا ْ‬
‫جب ْ‬‫وََلوْ َو َ‬
‫عنْ هُ»‪ .‬فأنزل ال تعال ـى‪ :‬يا أيّ ها اّلذِ ين آ َمنُوا ل‬
‫ن شَيْء ف ـا ُن َتهُوا َ‬
‫ف ـا ْفعَلُوا‪ ,‬وإذَا َن َه ْي ُتكُ مْ عَ ْ‬
‫ن ُت ْبدَ َلكُ مْ تَ سُ ْؤ ُكمْ‪ .‬نها هم أن ي سألوا عن م ثل الذي سألت الن صارى من‬
‫ن أشْيا َء إ ْ‬
‫سأَلُوا عَ ْ‬
‫تَ ْ‬
‫الـمائدة‪ ,‬فأصبحوا بها كافرين فنهى ال تعالـى عن ذلك‪ ,‬وقال‪ :‬ل تسألوا عن أشياء إن نزل‬
‫القرآن فـيها بتغلـيظ ساءكم ذلك‪ ,‬ولكن انتظروا فإذا نزل القرآن فإ ّنكُ مْ ل تسألون عن شيء‬
‫إل وجدتـم تبـيانه‪.‬‬
‫حدثنـي الـمثنى‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا عبد ال بن صالـح‪ ,‬قال‪ :‬ثنـي معاوية بن صالـح‪ ,‬قال‪:‬‬
‫ن أشْياءَ‬
‫سأَلُوا عَ ْ‬
‫حدثنا علـيّ بن أبـي طلـحة‪ ,‬عن ابن عبـاس‪ ,‬قوله‪ :‬يا أيّها اّلذِين آ َمنُوا ل َت ْ‬
‫ن ُت ْبدَ َلكُ مْ قال‪ :‬ل ـما أنزلت آ ية ال ـحجّ‪,‬‬
‫ن يُنزّل ال ُقرْآ ِ‬
‫عنْ ها حِي َ‬
‫سأَلُوا َ‬
‫ن ُت ْبدَ َلكُ مْ تَ سُ ْؤ ُكمْ وإ نْ تَ ْ‬
‫إ ْ‬
‫ن اللّ َه قَ ْد َكتَ بَ عَلَـ ْي ُكمْ‬
‫نادى النبـي صلى ال عليه وسلم فـي الناس‪ ,‬فقال «يا أيّها النّا سُ‪ ,‬إ ّ‬
‫ج َفحُجّوا» فقالوا‪ :‬يا ر سول ال‪ ,‬أعا ما واحدا أم كل عام؟ فقال «ل بَلْ عا ما وَاحِدا‪ ,‬وََلوْ‬
‫ال ـحَ ّ‬
‫جبَ تْ َلكَ َف ْرتُـمْ» ثم قال ال تعالـى‪ :‬يا أيّها اّلذِين آ َمنُوا ل تَ سْأَلُوا‬
‫جبَ تْ‪ ,‬وََلوْ َو َ‬
‫قُلْ تُ كُلّ عا مٍ لَ َو َ‬
‫ن أشْيا َء إ نْ ُت ْبدَ َلكُ مْ تَ سُ ْؤ ُكمْ قال‪ :‬سألوا النب ـي صلى ال عل يه و سلم عن أشياء فوعظ هم‪,‬‬
‫ع ْ‬
‫َ‬
‫فـانتهوا‪.‬‬
‫‪ 10063‬ـ حدثن ـي م ـحمد بن عمرو‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا أ بو عا صم‪ ,‬عن عي سى‪ ,‬عن ا بن أب ـي‬
‫ن ُت ْبدَ َلكُ مْ تَ سُ ْؤ ُكمْ‬
‫سأَلُوا عَ نْ أشْياءَ إ ْ‬
‫نـجيح‪ ,‬عن مـجاهد‪ ,‬فـي قوله‪ :‬يا أيّها اّلذِين آ َمنُوا ل تَ ْ‬
‫قال‪ :‬ذكر رسول ال صلى ال عليه وسلم الـحجّ‪ ,‬فقـيـل‪ :‬أواجب هو يا رسول ال كلّ عام؟‬
‫َتـ مـا أطَ ْقتُــمْ‪ ,‬وَلَ ْو لَــمْ ُتطِيقُوا َلكَ َف ْرتُــمْ» ثـم قال‪:‬‬
‫جب ْ‬‫جبَتـْ‪ ,‬وَلَوْ َو َ‬
‫قال‪« :‬ل‪ ,‬لَ ْو قُ ْلتُهـا لَ َو َ‬
‫ع نْ‬
‫سأََلنِـي َ‬
‫خبَ ْرتُ هُ‪ ,‬وإ نْ َ‬
‫لأْ‬
‫شيْءٍ إ ّ‬
‫ن َ‬
‫سأَُلنِـي َرجُلٌ ف ـي مَ ـجِْلسِي َهذَا عَ ْ‬
‫« سَلُونِـي فَل يَ ْ‬
‫حذَافَ ُة بْ نُ قَـيْسٍ» فقام عمر‪ ,‬فقال‪ :‬يا‬
‫ك ُ‬
‫أبِـيهِ» فقام إلـيه رجل‪ ,‬فقال‪ :‬من أبـي؟ قال‪« :‬أبُو َ‬
‫رسول اصلى ال عليه وسلم رضينا بـال ربـا‪ ,‬وبـالسلم دينا‪ ,‬وبـمـحمد صلى ال عليه‬
‫وسلم نبـيا‪ ,‬ونعوذ بـال من غضبه وغضب رسوله‪.‬‬
‫وقال آخرون‪ :‬بل نزلت هذه الَية من أجل أنهم سألوا رسول ال صلى ال عليه وسلم عن‬
‫البحيرة والسائبة والوصيـلة والـحامي‪ .‬ذكر من قال ذلك‪:‬‬
‫‪ 10064‬ـ حدثنـي إسحاق بن إبراهيـم بن حبـيب بن الشهيد‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا عتاب بن بشير‪,‬‬
‫ع نْ أشْياءَ قال‪ :‬هي البحيرة والسائبة‬
‫سأَلُوا َ‬
‫عن خصيف‪ ,‬عن مـجاهد‪ ,‬عن ابن عبـاس ل تَ ْ‬
‫والو صيـلة وال ـحام‪ .‬أل ترى أ نه يقول ب عد ذلك‪ :‬ما ج عل ال من كذا ول كذا؟ قال‪ :‬وأ ما‬
‫سأَلها قَوْمٌ مِنْ َقبِْلكُمْ‬
‫عكرمة فإنه قال‪ :‬إنهم كانوا يسألونه عن الَيات فنهوا عن ذلك‪ .‬ثم قال‪َ :‬قدْ َ‬
‫ن قال‪ :‬فقلت‪ :‬قد حدثن ـي م ـجاهد بخلف هذا ا بن عب ـاس‪ ,‬ف ما لك‬
‫صبَحُوا ب ها كَافِري َ‬
‫ثُ مّ أ ْ‬
‫تقول هذا؟ فقال َهيْهَ‪.‬‬
‫‪ 10065‬ـ حدث نا ا بن وك يع‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا يز يد بن هارون‪ ,‬عن ا بن عون‪ ,‬عن عكر مة عن‬
‫الع مش‪ ,‬قال‪ :‬هو الذي سأل ر سول ال صلى ال عل يه و سلم‪ :‬من أب ـي؟‪ .‬وقال سعيد بن‬
‫جبـير‪ :‬هم الذين سألوا رسول ال صلى ال عليه وسلم عن البحيرة والسائبة‪.‬‬
‫وأولــى القوال بــالصواب فــي ذلك قول مـن قال‪ :‬نزلت هذه الَيـة مـن أجـل إكثار‬
‫السائلـين رسول ال صلى ال عليه وسلم الـمسائل‪ ,‬كمسئلة ابن حذافة إياه من أبوه‪ ,‬ومسئلة‬
‫سائله إذ قال‪« :‬إ نّ الّل هَ َفرَ ضَ عَلَـيْ ُكمْ الـحَجّ»‪ :‬أفـي كلّ عام؟ وما أشبه ذلك من الـمسائل‪,‬‬
‫لتظا هر الخب ـار بذلك عن ال صحابة والتابع ين وعا مة أ هل التأوي ـل‪ ,‬وأ ما القول الذي رواه‬
‫م ـجاهد عن ا بن عب ـاس‪ ,‬فقول غ ير بع يد من ال صواب‪ ,‬ول كن الخب ـار ال ـمتظاهرة عن‬
‫الصحابة والتابعين بخلفه‪ ,‬وكرهنا القول به من أجل ذلك‪ .‬علـى أنه غير مستنكر أن تكون‬
‫ال ـمسئلة عن البحيرة وال سائبة والو صيـلة وال ـحام كا نت ف ـيـما سألوا النب ـي صلى ال‬
‫عليه وسلم عنه من الـمسائل التـي كره ال لهم السؤال عنها‪ ,‬كما كره ال لهم الـمسئلة عن‬
‫ال ـحجّ‪ ,‬أكلّ عام هو أم عا ما واحدا؟ وك ما كره لع بد ال بن حذا فة م سئلته عن أب ـيه‪ ,‬فنزلت‬
‫ل مخبر منهم ببعض ما نزلت الَية من أجله وأجل‬
‫الَية بـالنهي عن الـمسائل لها‪ ,‬فأخبر ك ّ‬
‫غيره‪ .‬وهذا القول أول ـى القوال ف ـي ذلك عندي ب ـالصحة‪ ,‬لن مخارج الخب ـار بجم يع‬
‫الـمعانـي التـي ذُكرت إصحاح‪ ,‬فتوجيهها إلـى الصواب من وجودها أوْلـى‪.‬‬
‫ع ْنهَا‬
‫ن ُت ْبدَ َل ُكمْ عَفـا اللّهُ َ‬
‫ن ُي َنزّلُ ال ُقرْآ ُ‬
‫عنْها حِي َ‬
‫سأَلُوا َ‬
‫القول فـي تأويـل قوله تعالـى‪ :‬وَإنْ َت ْ‬
‫وَالّلهُ غَفُو ٌر حَلِـيـمٌ‪:‬‬
‫يقول تعال ـى ذكره للذ ين نها هم من أ صحاب ر سول ال صلى ال عل يه و سلم‪ ,‬عن م سألة‬
‫رسول ال صلى ال عليه وسلم‪ ,‬عما نهاهم عن مسألتهم إياه عنه‪ ,‬من فرائض لـم يفرضها‬
‫ال علـيهم‪ ,‬وتـحلـيـل أمور لهم يحللها لهم‪ ,‬وتـحريـم أشياء لـم يحرّمها علـيهم قبل‬
‫نزول القرآن بذلك‪ :‬أي ها ال ـمؤمنون ال سائلون ع ما سألوا ع نه ر سولـي م ـما ل ـم أنزل به‬
‫كتاب ـا ول ح يا‪ ,‬ل ت سألوا ع نه‪ ,‬فإن كم إن أظ هر ذلك ل كم تب ـيان بو حي وتنزي ـل ساءكم لن‬
‫التنزيــل بذلك إذا جاءكـم يجيئكـم بــما فــيه امتــحانكم واختبــاركم‪ ,‬إمـا بإيجاب عمـل‬
‫علـيكم‪ ,‬ولزوم فرض لكم‪ ,‬وفـي ذلك علـيكم مشقة ولزوم مؤنة وكلفة وإما بتـحريـم ما‬
‫لو لـم يأتكم بتـحريـمه وحي كنتـم من التقدّم علـيه فـي فسحة وسعة وإما بتـحلـيـل‬
‫ما تعتقدون تـحريـمه‪ ,‬وفـي ذلك لكم مساءة لنقلكم عما كنتـم ترونه حقا إلـى ما كنتـم‬
‫ترونه بـاطلً‪ ,‬ولكنكم إن سألتـم عنها بعد نزول القرآن بها وبعد ابتدائكم شأن أمرها فـي‬
‫كتاب ـي إل ـى ر سولـي إل ـيكم‪ ,‬ب ـين ل كم ما أنزل ته إل ـيه من إت ـيان كتاب ـي وتأوي ـل‬
‫تنزي ـلـي وو حي وذلك نظ ير ال ـخبر الذي رُو يَ عن ب عض أ صحاب ر سول ال صلى ال‬
‫عليه وسلم‪ ,‬الذي‪:‬‬
‫‪ 10066‬ـ حدث نا به هناد بن ال سريّ‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا أ بو معاو ية‪ ,‬عن داود بن أب ـي ه ند‪ ,‬عن‬
‫مكحول‪ ,‬عـن أبــي ثعلبـة الــخشنـي‪ ,‬قال‪« :‬إن ال تعالــى فرض فرائض فل تضيعوهـا‪,‬‬
‫ونهى عن أشياء فل تنتهكوها‪ ,‬وحدّ حدودا فل تعتدوها‪ ,‬وعفـا عن أشياء من غير نسيان فل‬
‫تبحثوا عنها»‪.‬‬
‫‪ 10067‬ـ حدثنا هناد‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا ابن أبـي زائدة‪ ,‬قال‪ :‬أخبرنا ابن جريج‪ ,‬عن عطاء‪ ,‬قال‪:‬‬
‫ل فــاستـحلوه ومـا حرّم‬
‫كان عبــيد بـن عميـر يقول‪ :‬إن ال تعالــى أحلّ وحرّم‪ ,‬فمـا أح ّ‬
‫فـاجتنبوه‪ ,‬وترك من ذلك أشياء لـم يحلها ولـم يحرّمها فذلك عفو من ال عفـاه ثم يتلو‪ :‬يا‬
‫ن ُت ْبدَ َل ُكمْ َتسُ ْؤ ُكمْ‪.‬‬
‫ن أشْياءَ إ ْ‬
‫سأَلُوا عَ ْ‬
‫أيّها اّلذِين آ َمنُوا ل َت ْ‬
‫حدث نا ا بن ال ـمثنى‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا الضحاك‪ ,‬قال‪ :‬أخبر نا ا بن جر يج‪ ,‬قال‪ :‬أخبرن ـي عطاء‪,‬‬
‫عن عبـيد ابن عمير‪ ,‬أنه كان يقول‪ :‬إن ال حرّم وأحلّ‪ ,‬ثم ذكر نـحوه‪.‬‬
‫عنْها فإنه يعنـي به‪ :‬عفـا ال لكم عن مسألتكم عن الشياء التـي‬
‫وأما قوله‪ :‬عَفـا اللّ هُ َ‬
‫سألتـم عنها رسول ال صلى ال عليه وسلم الذي كره ال لكم مسألتكم إياه عنها‪ ,‬أن يؤاخذكم‬
‫ب ها‪ ,‬أو يعاقب كم عل ـيها‪ ,‬إن عرف من ها توبت كم وإنابت كم‪ .‬وَاللّ هُ غَفُورٌ يقول‪ :‬وال ساتر ذنوب‬
‫مـن تاب منهـا‪ ,‬فتارك أن يصـفحه فــي الَخرة حَلِــيـمٌ أن يعاقبـه بهـا لتغمده التائب منهـا‬
‫برحمته وعفوه‪ ,‬عن عقوبته علـيها‪.‬‬
‫وبنـحو الذي قلنا فـي ذلك رُوي الـخبر عن ابن عبـاس الذي ذكرناه آنفـا‪ .‬وذلك ما‪:‬‬
‫‪10068‬ـ حدثنـي به مـحمد بن سعد‪ ,‬قال‪ :‬ثنـي أبـي‪ ,‬قال‪ :‬ثنـي أبـي‪ ,‬عن أبـيه‪ ,‬عن‬
‫شيَا َء إن نزل القرآن ف ـيها بتغل ـيظ ساءكم ذلك‪ ,‬ول كن انتظروا‬
‫سأَلُوا عَ نْ أ ْ‬
‫ا بن عب ـاس‪ :‬ل ت ْ‬
‫فإذا نزل القرآن‪ ,‬فإنكم ل تسألون عن شيء إل وجدتـم تبـيانه‪.‬‬

‫‪102‬‬ ‫الية ‪:‬‬


‫سأََلهَا قَ ْومٌ مّن َقبِْلكُمْ ُث ّم َأصْ َبحُو ْا ِبهَا كَافِرِينَ }‪..‬‬
‫{ َقدْ َ‬ ‫القول في تأويل قوله تعالى‪:‬‬
‫يقول تعالــى ذكره‪ :‬قـد سـأل الَيات قوم مـن قبلكـم‪ :‬فلــما آتاهموهـا ال‪ ,‬أصـبحوا بهـا‬
‫جاحدين منكرين أن تكون دللة علـى حقـيقة ما احتـجّ بها علـيهم‪ ,‬وبرهانا علـى صحة‬
‫ما جعلت برها نا عل ـى ت صحيحه‪ ,‬كقوم صالـح الذ ين سألوا الَ ية فل ـما جاءت هم النا قة آ ية‬
‫عطُوها كفروا بها وما‬
‫عقروها‪ ,‬وكالذين سألوا عيسى مائدة تنزل علـيهم من السماء‪ :‬فلـما ُأ ْ‬
‫أشبه ذلك‪ ,‬فحذّر ال تعالـى الـمؤمنـين بنبـيه صلى ال عليه وسلم أن يسلكوا سبـيـل مَن‬
‫قبلهم من المـم التـي هلكت بكفرهم بآيات ال لـما جاءتهم عند مسألتهموها‪ ,‬فقال لهم‪ :‬ل‬
‫ت سألوا الَيات‪ ,‬ول تبحثوا عن أشياء إن ت بد ل كم ت سؤكم‪ ,‬ف قد سأل الَيات من قبل كم قوم فل ـما‬
‫أوتوها أصبحوا بها كافرين‪ .‬كالذي‪:‬‬
‫‪ 10069‬ـ حدثنـي مـحمد بن سعد‪ ,‬قال‪ :‬ثنـي أبـي قال‪ :‬ثنـي عمي‪ ,‬قال‪ :‬ثنـي أبـي‪,‬‬
‫ن أشْيا َء إ نْ ُت ْبدَ َلكُ مْ تَ سُ ْؤ ُكمْ نهاهم‬
‫سأَلُوا عَ ْ‬
‫عن أبـيه‪ ,‬عن ابن عبـاس‪ :‬يا أيّها اّلذِي نَ آ َمنُوا ل تَ ْ‬
‫أن ي سألوا عن م ثل الذي سألت الن صارى من ال ـمائدة‪ ,‬فأ صبحوا ب ها كافر ين‪ ,‬فن هى ال عن‬
‫ذلك‪.‬‬
‫‪ 10070‬ـ حدثنـي مـحمد بن الـحسين‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا أحمد بن مفضل‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا أسبـاط‪,‬‬
‫ن َقبْلِكُ مْ قد سأل الَيات قوم من قبلكم‪ ,‬وذلك حين قـيـل له‪ :‬غيّر‬
‫عن السديّ‪َ :‬قدْ سأَلهَا قَوْ مٌ مِ ْ‬
‫لنا الصفـا ذهبـا‪.‬‬

‫‪103‬‬ ‫الية ‪:‬‬


‫ل حَا مٍ‬
‫ل سَآ ِئبَةٍ َولَ وَ صِيلَةٍ َو َ‬
‫ل اللّ ُه مِن َبحِيرَةٍ َو َ‬
‫جعَ َ‬
‫{مَا َ‬ ‫القول فـي تأويـل قوله تعالـى‪:‬‬
‫ن }‪..‬‬
‫ل َيعْقِلُو َ‬
‫ى اللّ ِه ا ْل َكذِبَ وََأ ْكثَرُ ُهمْ َ‬
‫ن اّلذِينَ كَ َفرُو ْا يَ ْف َترُونَ عََل َ‬
‫وَلَـكِ ّ‬
‫يقول تعال ـى ذكره‪ :‬ما ب حر ال بحيرة‪ ,‬ول سيب سائبة‪ ,‬ول و صل و صيـلة‪ ,‬ول ح مي‬
‫حاميا‪ ,‬ولكنكم الذين فعلتـم ذلك أيها الكفرة‪ ,‬فحرّمتـموه افتراء علـى ربكم‪ .‬كالذي‪:‬‬
‫‪ 10071‬ـ حدثن ـي م ـحمد بن ع بد ال بن ع بد ال ـحكم‪ ,‬قال‪ :‬ثن ـي أب ـي وشع يب بن‬
‫الل ـيث‪ ,‬عن الل ـيث‪ ,‬عن ا بن الهاد‪ :‬وحدثن ـي يو نس‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا ع بد ال بن يو سف‪ ,‬قال‪:‬‬
‫ثن ـي الل ـيث‪ ,‬قال‪ :‬ثن ـي ا بن الهاد‪ ,‬عن ا بن شهاب‪ ,‬عن سعيد بن ال ـمسيب‪ ,‬عن أب ـي‬
‫عيّ‬
‫ع ْمرَو بْنَ عا ِمرٍ الـخزَا ِ‬
‫هريرة‪ ,‬قال‪ :‬سمعت رسول ال صلى ال عليه وسلم يقول‪« :‬رأيْتُ َ‬
‫سيّبَ السّا ِئبَةَ»‪.‬‬
‫ن َ‬
‫ل مَ ْ‬
‫صبَهُ فِـي النّارِ‪ ,‬وكانَ أوّ َ‬
‫َيجُ ّر قُ ْ‬
‫‪ 10072‬ـ حدثنا هناد بن السريّ‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا يونس بن بكير‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا مـحمد بن إسحاق‪,‬‬
‫قال‪ :‬ثنـي م ـحمد بن إبراهيـم بن الـحرث‪ ,‬عن أبـي صالـح‪ ,‬عن أبـي هريرة‪ ,‬قال‪:‬‬
‫ع ْمرَو ب نَ‬
‫سمعت ر سول ال صلى ال عل يه و سلميقول لك ثم بن ال ـجون‪ « :‬يا أ ْكثَ مُ‪ ,‬رأيْ تُ َ‬
‫شبَ َه ِب َرجُلٍ ِمنْ كَ ِب هِ وَل بِ هِ‬
‫صبَهُ فِـي النّارِ‪َ ,‬فمَا رأيْ تُ َرجْلً أ ْ‬
‫جرّ قُ ْ‬
‫خ ْندَ فٍ َي ُ‬
‫ن ِ‬
‫حيّ بْ نِ َق َمعَ َة ب ِ‬
‫لُـ َ‬
‫ِمنْ كَ» فقال أك ثم‪ :‬أخ شى أن يضرّن ـي شب هه يا ر سول ال‪ .‬فقال ر سول ال صلى ال عل يه‬
‫ل مَ نْ غ ير د ين إ سماعيـل وبحّر البحيرة‪ ,‬و سيب‬
‫و سلم‪« :‬ل‪ ,‬إنّ كَ ُم ْؤمِ نٌ وَ ُهوَ كافِرٌ‪ ,‬إنّ هُ أوّ ُ‬
‫السائبة‪ ,‬وحمى الـحامي»‪.‬‬
‫‪ 10073‬ـ حدثنا هناد‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا يونس‪ ,‬قال‪ :‬ثنـي هشام بن سعد‪ ,‬عن زيد بن أسلـم‪ ,‬أن‬
‫ن ُمدْلِـجٍ‪ ,‬كانَتْ‬
‫حرَ البَحائِر َرجُلٌ ِم ْ‬
‫ن َب ّ‬
‫ل مَ ْ‬
‫ع َرفْتُ أوّ َ‬
‫رسول ال صلى ال عليه وسلم قال‪َ « :‬قدْ َ‬
‫ن لِلّهِ‪ ,‬ثُمّ احْتاجَ إلَـيْهما َفشَرِبَ‬
‫ظهُورَهُما وقال‪ :‬هاتا ِ‬
‫حرّمَ ألْبـا َنهُما و ُ‬
‫جدَعَ آذَا َنهُما َو َ‬
‫لَ ُه ناقَتانِ‪ ,‬فَ َ‬
‫صبِهِ»‪.‬‬
‫ل النّارِ رِيحُ ُق ْ‬
‫ظهُورَهُما» قالَ‪« :‬فَلَ َقدْ رأ ْيتُ ُه فِـي النّارِ يُ ْؤذِي أهْ َ‬
‫ب ُ‬
‫ألْبـا َنهُما َو َركِ َ‬
‫‪ 10074‬ـ حدث نا هناد‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا عب ـيدة‪ ,‬عن م ـحمد بن عمرو‪ ,‬عن أب ـي سلـمة‪ ,‬عن‬
‫عرِضَ تْ علـيّ النّا ُر فَرأيْ تُ فِـيها‬
‫أبـي هريرة‪ ,‬قال‪ :‬قال رسول ال صلى ال عليه وسلم‪ُ « :‬‬
‫غيّ َر دِي نَ إ ْبرَاهِيـمَ‬
‫صبَهُ فِـي النّارِ‪ ,‬وَ ُهوَ أوّلُ َم نْ َ‬
‫ف َيجُرّ قُ ْ‬
‫خ ْندَ ٍ‬
‫ن ِ‬
‫ن فُلن ابْ ِ‬
‫ع ْمرَو ابْ نَ فُلن ابْ ِ‬
‫َ‬
‫ن رأيْ تُ بِ ِه أ ْكثَ مُ بْ نُ الـجَ ْونِ»‪ .‬فقال أكثم‪ :‬يا رسول ال‪ ,‬أيضرّنـي‬
‫شبَ ُه مَ ْ‬
‫سيّبَ ال سّا ِئبَةَ‪ ,‬وأ ْ‬
‫وَ َ‬
‫شبههه؟ قال‪« :‬ل‪ ,‬ل ّنكَ ُمسْلِـمٌ‪ ,‬وَإنّ ُه كافِرٌ»‪.‬‬
‫‪ 10075‬ـ حدث نا ال ـحسن بن يح يى‪ ,‬قال‪ :‬أخبر نا ع بد الرزاق‪ ,‬قال‪ :‬رأ يت عمرو بن عا مر‬
‫الـخزاعي يجرّ قصبه فـي النار‪ ,‬وهو أوّل من سيب السوائب‪.‬‬
‫‪10076‬ـ حدثنا الـحسن بن يحيى‪ ,‬قال‪ :‬أخبرنا عبد الرزاق‪ ,‬قال‪ :‬أخبرنا معمر‪ ,‬عن زيد بن‬
‫سيّبَ ال سّوَائبَ‬
‫ن َ‬
‫عرِ فُ أوّلَ َم ْ‬
‫أ سلـم‪ ,‬قال‪ :‬قال ر سول ال صلى ال عل يه و سلم‪« :‬إنّ ـي لَ ْ‬
‫ن لُ ـحَيَ أخُو‬
‫ع ْمرُو بْ ُ‬
‫ل الّل هِ؟ قال‪َ « :‬‬
‫ع ْهدَ إ ْبرَاهِي ـمَ» قالُوا‪َ :‬م نْ ُهوَ يا رَ سُو َ‬
‫غّيرَ َ‬
‫وأوّلَ َم نْ َ‬
‫ل مَ نْ‬
‫عرِفُ أوّ َ‬
‫لْ‬‫ل النّارِ‪ .‬وإنّـي َ‬
‫صبَهُ فِـي النّارِ‪ ,‬يُ ْؤذِي رِيحُ هُ أهْ َ‬
‫َبنِـي َكعْبٍ‪ ,‬لَ َقدْ رأ ْيتُ ُه َيجُرّ قُ ْ‬
‫ن َبنِ ـي ُمدْلِ ـجٍ كانَ تْ َل ُه ناقَتا نِ‪,‬‬
‫َبحّ َر البَحا ِئرَ»‪ .‬قالوا‪ :‬من هو يا ر سول ال؟ قال‪َ « :‬رجُلٌ مِ ْ‬
‫ب ألْب ـا َنهُما َب ْعدَ ذَلِ كَ‪ ,‬فَلَ َقدْ رأ ْيتُ هُ فِ ـي النّارِ هُوَ وهُمَا‬
‫َفجَدَ عَ آذَا َنهُ ما َوحَرّ مَ ألْب ـا َنهُما‪ ,‬ثُ ّم شَرِ َ‬
‫خبِطانِ ِه بأخفْـا ِفهِما»‪.‬‬
‫َيعَضّانِ ِه بأفْوَا ِههِما‪ ,‬و َي ْ‬
‫ن هذه النا قة‪ :‬إذا شق ها‪ ,‬أ ْبحَرُها بحرا‪ ,‬والنا قة‬
‫والبحيرة‪ :‬الفَعي ـلة‪ ,‬من قول القائل‪ :‬بَحر تُ أذ َ‬
‫حرُ من البل‪ :‬فهو‬
‫مبحورة‪ ,‬ثم تصرف الـمفعولة إلـى فعَيـلة‪ ,‬فـيقال‪ :‬هي بحيرة‪ .‬وأما ال َب ِ‬
‫حرَ البعيـر يبح ُر َبحَرا‪ ,‬ومنـه قول‬
‫الذي قـد أصـابه داء مـن كثرة شرب الــماء‪ ,‬يقال منـه‪َ :‬ب ِ‬
‫الشاعر‪:‬‬
‫سمِ ال َبحِرُ‬
‫حمّى الـمِي َ‬
‫حزّ ب ُ‬
‫لعِْلطَ ّنكَ َوسَما ل تُفـارِ ُقهُكما ُي َ‬
‫َ‬
‫وبنـحو الذي قلنا فـي معنى البحيرة‪ ,‬جاء الـخبر عن رسول ال صلى ال عليه وسلم‪.‬‬
‫‪ 10077‬ـ حدثنا عبد الـحميد بن بـيان‪ ,‬قال‪ :‬أخبرنا مـحمد بن زيزيد‪ ,‬عن إسماعيـل بن‬
‫أبـي خالد‪ ,‬عن أبـي إسحاق عن أبـي الحوص‪ ,‬عن أبـيه‪ ,‬قال‪ :‬دخـلت علـى النبـيّ‬
‫ت ُت ْنتِـجُها مُسَلّـمَةً‬
‫صلى ال عليه وسلم‪ ,‬فقال النبـيّ صلى ال عليه وسلم‪« :‬أرأيْتَ إبِلَكَ ألَسْ َ‬
‫حرُ مٌ؟» قال‪ :‬نعم‪,‬‬
‫ل َهذِ ِه ُ‬
‫جدَعُها تَقُولُ َه ِذ هِ َبحِيرَةٌ‪َ ,‬و َتشُ قّ آذَانَها تَقُو ُ‬
‫خذُ الـمُوسَى َفتَـ ْ‬
‫آذَانُها‪ ,‬فَت ْأ ُ‬
‫شيْءٌ»‪.‬‬
‫حرّمُ عَلَـ ْيكَ ِمنْهُ َ‬
‫ل ماِلكَ َلكَ حَللٌ ل ُي َ‬
‫حدّ‪ ,‬كُ ّ‬
‫شدّ‪َ ,‬ومُوسَى اللّ ِه أ َ‬
‫عدَ اللّ ِه أ َ‬
‫ن سا ِ‬
‫قال‪« :‬فإ ّ‬
‫حدث نا م ـحمد بن ال ـمثنى‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا م ـحمد بن جع فر‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا شع بة‪ ,‬عن أب ـي‬
‫إسحاق‪ ,‬قال‪ :‬سمعت أبـا الحوص‪ ,‬عن أبـيه‪ ,‬قال أتـيت رسول ال صلى ال عليه وسلم‬
‫صحَاحا آذَانُ ها فَتَع ِمدُ إل ـى ال ـمُوسَى َفتَقْطَ ُع آذَانَ ها فَتَقُولُ َه ِذ هِ‬
‫ل قَ ْومِ كَ ِ‬
‫فَقال‪« :‬هَلْ ُت ْنتِ ـجُ إبِ ُ‬
‫حرُ مٌ‪ ,‬فَتُـحَ ّرمُها عَلَـ ْيكَ وَعلـى أهْلِ كَ؟» قال‪ :‬نعم‪.‬‬
‫ل َهذِ ِه ُ‬
‫ُبحْرٌ‪َ ,‬و َتشُقّها أوْ َتشُ قّ جُلُودَها َفتَقُو ُ‬
‫ع ُد ال‬
‫حدّ» وربـما قال‪ « :‬سَا ِ‬
‫عدُ اللّ ُه أشَدّ‪ ,‬ومُو سَى اللّ هِ أ َ‬
‫ك اللّ هُ لَ كَ حِلّ‪ ,‬وَسا ِ‬
‫قال‪« :‬فإ نّ ما آتا َ‬
‫ن مُوسَاكَ»‪.‬‬
‫حدّ مِ ْ‬
‫ع ِدكَ‪ ,‬ومُوسَى ال أ َ‬
‫ن سَا ِ‬
‫شدّ مِ ْ‬
‫أَ‬
‫وأما السائبة‪ :‬فإنها الـمسيبة الـمخلة‪ ,‬وكانت الـجاهلـية يفعل ذلك أحدهم ببعض مواشيه‪,‬‬
‫فـيحرم النتفـاع به علـى نفسه‪ ,‬كما كان بعض أهل السلم يعتق عبده سائبة فل ينتفع به‬
‫ول بولئه‪ .‬وأخرجـت الــمسيبة بلفـظ السـائبة‪ ,‬كمـا قــيـل‪« :‬عِيشَة رَاضِيَة»‪ ,‬بــمعنى‪:‬‬
‫مرضية‪.‬‬
‫وأما الوصيـلة‪ ,‬فإن النثى من نعمهم فـي الـجاهلـية كانت إذا أتأمت بطنا بذكر وأنثى‪,‬‬
‫قـيـل‪ :‬قد وصلت النثى أخاها‪ ,‬بدفعها عنه الذبح‪ ,‬فسموها وصيـلة‪.‬‬
‫وأما الـحامي‪ :‬فإنه الفحل من النعم يحمى ظهره من الركوب‪ ,‬والنتفـاع بسبب تتابع أولد‬
‫تـحدث من ِفحْلَته‪.‬‬
‫وقد اختلف أهل التأويـل فـي صفـات الـمسميات بهذه السماء وما السبب الذي من أجله‬
‫كانت تفعل ذلك‪ .‬ذكر الرواية بـما قـيـل فـي ذلك‪:‬‬
‫‪ 10078‬ـ حدثنا ابن حميد‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا سلـمة بن الفضل‪ ,‬عن ابن إسحاق‪ ,‬عن مـحمد بن‬
‫إبراهيـم بن الـحرث التـيـمي أن أبـا صالـح السمان‪ ,‬حدثه أنه سمع أبـا هريرة يقول‪:‬‬
‫سمعت ر سول ال صلى ال عل يه و سلم يقول لك ثم بن ال ـجون ال ـخواعي‪ « :‬يا أ ْكثَ مُ رأيْ تُ‬
‫شبَ َه ِبرَجُلٍ‬
‫ن َرجُلٍ أ ْ‬
‫جرّ قُ صْبَ ُه فِ ـي النّارِ‪ ,‬فَمَا رأيْ تُ مِ ْ‬
‫خ ْندَ فٍ َي ُ‬
‫ن ِ‬
‫ن قَ َمعَ َة بْ ِ‬
‫حيّ بْ ِ‬
‫ن لُ ـ َ‬
‫ع ْمرَ بْ َ‬
‫َ‬
‫ِمنْ كَ ِب هِ وَل بِ ِه ِمنْ كَ» فقال أك ثم‪ :‬أيضرّن ـي شب هه يا نب ـيّ ال؟ قال‪« :‬ل‪ ,‬ل نك مُ ْؤ ِم نٌ وَ ُهوَ‬
‫سوَائِب فِـي ِهمْ»‪.‬‬
‫سيّبَ ال ّ‬
‫غيّ َر دِينَ إسْماعِيـلَ َونَصَبَ الوْثانَ‪َ ,‬و َ‬
‫كا ِفرٌ‪ ,‬وإنّهُ كانَ أوّلَ َمنْ َ‬
‫وذلك أن الناقة إذا تابعت ثنتـي عشرة إناثا لـيس فـيها ذكر سيبت‪ ,‬فلـم يركب ظهرها‬
‫ولـم يجزّ وبرها ولـم يشرب لبن ها إل ض يف‪ .‬ف ما نتـجت بعد ذلك من أنثى شُ قّ أذنها ثم‬
‫خـلـي سبـيـلها مع أمها فـي البل‪ ,‬فلـم يركب ظهرها ولـم يجزّ وبرها ولـم يشرب‬
‫لبن ها إل ض يف‪ ,‬ك ما فُعِل بأم ها ف هي البحيرة اب نة ال سائبة‪ .‬والو صيـلة‪ :‬أن الشاة إذا نت ـجت‬
‫ع شر إناث متتابعات ف ـي خم سة أب طن ل ـيس ف ـيهنّ ذ كر جعلت و صيـلة‪ ,‬قالوا‪ :‬و صلت‪,‬‬
‫فكان ما ولدت بعد ذلك لذكورهم دون إناثهم‪ ,‬إل أن يـموت منها شيء فـيشتركون فـي أكله‬
‫ذكورهم وإناثهم‪ .‬والـحامي‪ :‬أن الفحل إذا نتـج له عشر إناث متتابعات لـيس بـينهنّ ذكر‬
‫حمِي ظهره‪ ,‬ولـم يركب‪ ,‬ولـم يجزّ وبره‪ ,‬ويخـلـى فـي إبله يضرب فـيها‪ ,‬ل ينتفع به‬
‫ُ‬
‫ِنـ َبحِيرَةٍ وَل سـا ِئبَةٍ وَل وَصـِيـلَةٍ وَل‬
‫ّهـ م ْ‬
‫ل الل ُ‬
‫جعَ َ‬
‫بغيـر ذلك‪ .‬يقول ال تعالــى ذكره‪ :‬مـا َ‬
‫حامٍ‪ ....‬إلـى قوله‪َ :‬ولَ ي ْه َتدُونَ‪.‬‬
‫‪ 10079‬ـ حدث نا ا بن بشار قال‪ :‬حدث نا ع بد الرح من‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا سفـيان‪ ,‬عن الع مش‪ ,‬عن‬
‫ن َبحِيرَةٍ وَل سا ِئبَةٍ وَل وَ صِيـلَةٍ‬
‫جعَلَ الّل هُ مِ ْ‬
‫أبـي الضحى‪ ,‬عن مسروق فـي هذه الَية‪ :‬ما َ‬
‫ن كلم منه قال‪ :‬فأتـيت علقمة فسألته‪ ,‬فقال‪:‬‬
‫وَل حا ٍم قال أبو جعفر‪ :‬سقط علـيّ فـيـما أظ ّ‬
‫ما تريد إلـى شيء كانت تصنعه أهل الـجاهلـية؟‬
‫‪ 10080‬ـ حدثنـي يحيى بن إبراهيـم الـمسعودي‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا أبـي‪ ,‬عن أبـيه‪ ,‬عن جده‪,‬‬
‫جعَلَ الّل هُ ِم نْ‬
‫عن العمش‪ ,‬عن مسلـم‪ ,‬قال‪ :‬أتـيت علقمة‪ ,‬فسألته عن قول ال تعالـى‪ :‬ما َ‬
‫حامـ فقال‪ :‬ومـا تصـنع بهذا؟ إنــما هذا شيـء مـن فعـل‬
‫َبحِيرَةٍ وَل سـا ِئبَةٍ وَل وَصـِيـلَةٍ وَل ٍ‬
‫الـجاهلـية قال‪ :‬فأتـيت مسروقا‪ ,‬فسألته‪ ,‬فقال‪ :‬البحيرة‪ :‬كانت الناقة إذا ولدت بطنا خمسا أو‬
‫سـبعا‪ ,‬شقوا أذنهـا وقالوا‪ :‬هذه بحيرة‪ .‬قال‪ :‬وَل سـائبَةٍ قال‪ :‬كان الرجـل يأخـذ بعـض ماله‪,‬‬
‫فــيقول‪ :‬هذه سـائبة‪ .‬قال‪ :‬وَل وَصـِيـلَ ٍة قال‪ :‬كانوا إذا ولدت الناقـة الذكـر أكله الذكور دون‬
‫الناث‪ ,‬وإذا ولدت ذكرا وأن ثى ف ـي ب طن قالوا‪ :‬و صلت أخا ها‪ ,‬فل يأكلونه ما قال‪ :‬فإذا مات‬
‫الذكـر‪ ,‬أكله الذكور دون الناث‪ .‬قال‪ :‬ول حام‪ ,‬قال‪ :‬كان البعيـر إذا ولد وولد ولده‪ ,‬قالوا‪ :‬قـد‬
‫قضى هذا الذي علـيه‪ ,‬فلـم ينتفعوا بظهره‪ ,‬قالوا‪ :‬هذا حام‪.‬‬
‫حدث نا ا بن وك يع‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا م ـحمد بن عب ـيد‪ ,‬عن الع مش‪ ,‬عن م سلـم بن صبـيح‪,‬‬
‫جعَلَ الّل هُ ِم نْ َبحِيرَةٍ وَل سا ِئبَ ٍة قال‪ :‬ما تصنع بهذا؟ هذا شيء‬
‫قال‪ :‬سألت علقمة‪ ,‬عن قوله‪ :‬ما َ‬
‫كان يفعله أهل الـجاهلـية‪.‬‬
‫‪ 10081‬ـ حدثنا ابن وكيع‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا يحيى بن يـمان ويحيى بن آدم‪ ,‬عن إسرائيـل‪ ,‬عن‬
‫ل اللّ هُ مِ نْ َبحِيرَ ٍة قال‪ :‬البحيرة‪ :‬الت ـي قـد ولت‬
‫جعَ َ‬
‫أبــي إسـحاق‪ ,‬عن أبــي الحوص‪ :‬ما َ‬
‫خمسة أبطن ثم تركت‪.‬‬
‫‪ 10082‬ـ حدثنا ابن حميد‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا جرير بن عبد الـحميد‪ ,‬عن مغيرة‪ ,‬عن الشعبـي‪ :‬ما‬
‫ِنـ َبحِيرَةٍ قال‪ :‬البحيرة‪ :‬الــمخضرمة‪ .‬وَل سـا ِئبَ ٍة والسـائبة‪ :‬مـا سـيب للهدي‪.‬‬
‫ّهـ م ْ‬
‫جعَلَ الل ُ‬
‫َ‬
‫والو صيـلة‪ :‬إذا ولدت ب عد أرب عة أب طن ف ـيـما يرى جر ير ثم ولدت ال ـخامس ذكرا وأن ثى‬
‫وصلت أخاها‪ .‬والـحام‪ :‬الذي قد ضرب أولد أولده فـي البل‪.‬‬
‫حدثنـا ابـن وكيـع‪ ,‬قال‪ :‬حدثنـا جريـر‪ ,‬عـن مغيرة‪ ,‬عـن الشعبــيّ بنــحوه‪ ,‬إل أنـه قال‪:‬‬
‫والوصيـلة‪ :‬التـي ولدت بعد أربعة أبطن ذكرا وأنثى قالوا وصلت أخاها‪ .‬وسائر الـحديث‬
‫مثل حديث ابن حميد‪.‬‬
‫‪ 10083‬ـ حدثنا ابن وكيع‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا إسحاق الزرق‪ ,‬عن زكريا‪ ,‬عن الشعبـي‪ ,‬أنه سئل‬
‫عن البحيرة‪ ,‬فقال‪ :‬هي الت ـي ت ـجدع آذان ها‪ .‬و سئل عن ال سائبة‪ ,‬فقال‪ :‬كانوا يهدون لَلهت هم‬
‫البل والغنـم فـيتركونها عند آلهتهم لتذبح‪ ,‬فتـخـلط بغنـم الناس‪ ,‬فل يشرب ألبـانها إل‬
‫الرجال‪ ,‬فإذا مات منها شيء أكله الرجال والنساء جميعا‪.‬‬
‫‪ 10084‬ـ حدثن ـي م ـحمد بن عمرو‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا أ بو عا صم‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا عي سى‪ ,‬عن ا بن‬
‫جعَلَ الّلهُ ِمنْ َبحِيرَةٍ وما معها‪ :‬البحيرة‬
‫أبـي نـجيح‪ ,‬عن مـجاهد‪ ,‬فـي قول ال تعالـى‪ :‬ما َ‬
‫من ال بل‪ ,‬يحرّم أ هل ال ـجاهلـية وبر ها وظهر ها ول ـحمها ولبن ها إل عل ـى الرجال‪ ,‬ف ما‬
‫ولدت من ذكر وأنثى فهو علـى هيئتها‪ ,‬وإن ماتت اشترك الرجال والنساء فـي أكل لـحمها‪,‬‬
‫ضرَب الـجمل من ولد البحيرة فهو الـحامي والسائبة من الغنـم علـى نـحو ذلك إل‬
‫فإذا َ‬
‫أن ها ما ولدت من ولد ب ـينها وب ـين ستة أولد كان عل ـى هيئت ها‪ ,‬فإذا ولدت ف ـي ال سابع‬
‫ذكرا أو أنثـى أو ذكريـن‪ ,‬ذبحوه فأكله رجالهـم دون نسـائهم وإن توأمـت أنثـى وذكرا فهـي‬
‫وصيـلة‪ ,‬ترك ذبح الذكر بـالنثى‪ ,‬وإن كانتا أنثـيـين تركتا‪.‬‬
‫‪ 10085‬ـ حدثنـي مـحمد بن سعد‪ ,‬قال‪ :‬ثنـي أبـي‪ ,‬قال‪ :‬ثنـي عمي‪ ,‬قال‪ :‬ثنـي أبـي‪,‬‬
‫ن َبحِيرَةٍ وَل سا ِئبَ ٍة فـالبحيرة‪ :‬الناقة‪ ,‬كان الرجل‬
‫جعَلَ الّل ُه مِ ْ‬
‫عن أبـيه‪ ,‬عن ابن عبـاس‪ :‬ما َ‬
‫إذا ولدت خمسة أبطن‪ ,‬فـيعمد إلـى الـخامسة‪ ,‬فما لـم يكن سَقْبـا‪ ,‬فـيبتك آذانها‪ ,‬ول يجزّ‬
‫لها وبرا‪ ,‬ول يذوق لها لبنا‪ ,‬فتلك البحيرة‪ .‬وَل سا ِئبَةٍ كان الرجل يسيب من ماله ما شاء‪ .‬وَل‬
‫وَ صِيـلَةٍ ف هي الشاة إذا ولدت سبعا‪ ,‬ع مد إل ـى ال سابع‪ ,‬فإن كان ذكرا ذ بح‪ ,‬وإن كا نت أن ثى‬
‫تركت‪ ,‬وإن كان فـي بطنها اثنان ذكر وأنثى فولدتهما‪ ,‬قالوا‪ :‬وصلت أخاها‪ ,‬فـيتركان جميعا‬
‫ـ كان الرجـل يكون له الفحـل فإذا لقـح عشرا‬
‫ل يذبحان‪ ,‬فتلك الوصـيـلة‪ .‬وقوله‪ :‬وَل حام ٍ‬
‫قـيـل‪ :‬حام‪ ,‬فـاتركوه‬
‫‪10086‬ـ حدثنـي الـمثنى‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا عبد ال بن صالـح‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا معاوية بن صالـح‪,‬‬
‫ن َبحِيرَةٍ وَل سائِبَةٍ‬
‫ل اللّ ُه مِ ْ‬
‫جعَ َ‬
‫عن عل ـيّ بن أب ـي طل ـحة‪ ,‬عن ا بن عب ـاس‪ ,‬قوله‪ :‬ما َ‬
‫لـيسيبوها لصنامهم‪ .‬وَل َوصِيـلَةٍ يقول‪ :‬الشاة‪ .‬وَل حامٍ يقول‪ :‬الفحل من البل‪.‬‬
‫‪ 10087‬ـ حدثنا بشر بن معاذ‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا يزيد بن زريع‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا سعيد‪ ,‬عن قتادة‪ ,‬قوله‪:‬‬
‫ل اللّ هُ مِن ْـ َبحِيرَةٍ وَل سـا ِئبَةٍ وَل وَصـِيـلَةٍ وَل حا مٍ تشد يد شدّده الشيطان عل ـى أهـل‬
‫جعَ َ‬
‫مـا َ‬
‫الـجاهلـية فـي أموالهم‪ ,‬وتغلـيظ علـيهم‪ ,‬فكانت البحيرة مثل البل إذا نتـج الرجل خمسا‬
‫من إبله نظر البطن الـخامس‪ ,‬فإن كانت سقبـا ذبح فأكله الرجال دون النساء‪ ,‬وإن كان ميتة‬
‫اشترك فـيه ذكرهم وأنثاهم‪ ,‬وإن كانت حائلً وهي النثى تركت فبتكت أذنها‪ ,‬فلـم يجزّ لها‬
‫وبر ولـم يشرب لها لبن ولـم يركب لها ظهر ولـم يذكر ل علـيها اسم‪ .‬وكانت السائبة‪:‬‬
‫يسيبون ما بدا لهم من أموالهم‪ ,‬فل تـمتنع من حوض أن تشرع فـيه ول من حمى أن ترتع‬
‫ف ـيه‪ .‬وكا نت الو صيـلة من الشاء‪ :‬من الب طن ال سابع‪ ,‬إذا كان جد يا ذ بح فأكله الرجال دون‬
‫الن ساء‪ ,‬وإن كان مي تة اشترك ف ـيه ذكر هم وأنثا هم‪ ,‬وإن جاءت بذ كر وأن ثى ق ـيـل و صلت‬
‫أخاهـا فمنعتـه الذبـح‪ .‬والــحام‪ :‬كان الفحـل إذا ركـب مـن بنــي بنــيه عشرة أو ولد ولده‪,‬‬
‫قـيـل حام‪ ,‬حمى ظهره‪ ,‬فلـم يزم ولـم يخطم ولـم يركب‪.‬‬
‫‪ 10088‬ـ حدثنـي مـحمد بن الـحسين‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا أحمد بن مفضل‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا أسبـاط‪,‬‬
‫ن َبحِيرَةٍ وَل سائِبَةٍ وَل وَ صِيـلَةٍ وَل حا مٍ ف ـالبحيرة من ال بل‪:‬‬
‫ل اللّ ُه مِ ْ‬
‫جعَ َ‬
‫عن ال سديّ‪ :‬ما َ‬
‫كا نت النا قة إذا نت ـجت خم سة أب طن‪ ,‬إن كان ال ـخامس سقبـا ذبحوه فأهدوه إل ـى آلهت هم‬
‫وكا نت أ مه من عرض ال بل‪ ,‬وإن كا نت ُربَ عة ا ستـحيوها‪ ,‬وشقوا أذن أم ها‪ ,‬وجزّوا وبر ها‪,‬‬
‫جزْ ل هم ف ـي د ية‪ ,‬ول ـم يحلبوا ل ها لب نا‪ ,‬ول ـم يجزّوا ل ها‬
‫وخ ـلوها ف ـي البطحاء‪ ,‬فل ـم تَ ـ ُ‬
‫وبرا‪ ,‬ول ـم يحملوا عل ـى ظهر ها‪ ,‬و هي من النعام الت ـي حرّ مت ظهور ها‪ .‬وأ ما ال سائبة‪:‬‬
‫فهو الرجل يسيب من ماله ما شاء علـى وجه الشكر إن كثر ماله‪ ,‬أو برأ من وجع‪ ,‬أو ركب‬
‫نا قة فأن ـجح‪ ,‬فإ نه ي سمي ال سائبة ير سلها فل يعرض ل ها أ حد من العرب إل أ صابته عقو بة‬
‫ف ـي الدن ـيا‪ .‬وأ ما الو صيـلة‪ ,‬ف من الغن ـم‪ ,‬هي الشاة إذا ولدت ثل ثة أب طن أو خم سة‪ ,‬فكان‬
‫آ خر ذلك جد يا ذبحوه وأهدوه لب ـيت الَل هة‪ ,‬وإن كا نت عَنا قا ا ستـحيوها‪ ,‬وإن كا نت جد يا‬
‫وعناقـا اسـتـحيوا الــجدي مـن أجـل العناق‪ ,‬فإنهـا وصـيـلة وصـلت أخاهـا‪ .‬وأمـا لــحام‪:‬‬
‫فــالفحل يضرب فــي البـل عشـر سـنـين‪ ,‬ويقال‪ :‬إذا ضرب ولد ولده قــيـل‪ :‬قـد حمـي‬
‫ظهره‪ ,‬فــيتركونه ل يــمسّ‪ ,‬ول ينــحر أبدا‪ ,‬ول يــمنع مـن كل يريده‪ ,‬وهـو مـن النعام‬
‫التـي حرمت ظهورها‪.‬‬
‫‪10089‬ــ حدثنـا الــحسن بـن يحيـى‪ ,‬قال‪ :‬أخبرنـا عبـد الرزاق‪ ,‬قال‪ :‬أخبرنـا معمـر‪ ,‬عـن‬
‫ن َبحِيرَةٍ وَل سا ِئبَةٍ وَل وَ صِيـلَةٍ وَل‬
‫جعَلَ الّل ُه مِ ْ‬
‫الزهري‪ ,‬عن ابن الـمسيب‪ ,‬فـي قوله‪ :‬ما َ‬
‫حا مٍ قال‪ :‬البحيرة من البل التـي يـمنع درّها للطواغيت‪ .‬والسائبة من البل‪ :‬كانوا يسيبونها‬
‫لطواغيتهـم‪ .‬والوصـيـلة مـن البـل كانـت الناقـة تبكـر بأنثـى‪ ,‬ثـم تثنــي بأنثـى‪ ,‬فــيسمونها‬
‫الو صيـلة‪ ,‬يقولون‪ :‬و صلت اثنت ـين ل ـيس ب ـينهما ذ كر‪ ,‬فكانوا يجدعون ها لطواغيت هم‪ ,‬أو‬
‫يذبحونها‪ ,‬الشكّ من أبـي جعفر‪ .‬والـحام‪ :‬الفحل من البل‪ ,‬كان يضرب الضراب الـمعدود‪,‬‬
‫فإذا بلغ ذلك‪ ,‬قالوا‪ :‬هذا حام‪ ,‬قد ح مى ظهره فترك‪ ,‬ف سموه ال ـحام‪ .‬قال مع مر‪ ,‬قال قتادة‪ :‬إذا‬
‫ضرب عشرة‪.‬‬
‫حدث نا ال ـحسن بن يح يى‪ ,‬قال‪ :‬أخبر نا ع بد الرزاق‪ ,‬قال‪ :‬أخبر نا مع مر‪ ,‬عن قتادة‪ ,‬قال‪:‬‬
‫البحيرة من البل‪ :‬كانت الناقة إذا نتـجت خمسة أبطن‪ ,‬فإن كان الـخامس ذكرا كان للرجال‬
‫دون النساء‪ ,‬وإن كانت أنثى بتكوا آذانها‪ ,‬ثم أرسلوها‪ ,‬فلـم ينـحروا لها ولدا‪ ,‬ولـم يشربوا‬
‫ل ها لب نا‪ ,‬ول ـم يركبوا ل ها ظهرا‪ .‬وأ ما ال سائبة‪ ,‬فإن هم كانوا ي سيبون ب عض إبل هم‪ ,‬فل ت ـمنع‬
‫حوضا أن تشرع فـيه‪ ,‬ول مرعى أن ترتع فـيه‪ .‬والوصيـلة‪ :‬الشاة‪ :‬كانت إذا ولدت سبعة‬
‫أبطن‪ ,‬فإن كان السابع ذكرا ذبح وأكله الرجال دون النساء‪ ,‬وإن كانت أنثى تركت‪.‬‬
‫‪10090‬ـ حُدثت عن الـحسين بن الفرج‪ ,‬قال‪ :‬سمعت أبـا معاذ الفضل بن خالد‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا‬
‫ل اللّ ُه مِنْ َبحِيرَةٍ وَل سا ِئبَةٍ وَل وَصِيـلَةٍ وَل حامٍ أما‬
‫جعَ َ‬
‫عبـيد بن سلـمان‪ ,‬عن الضحاك‪ :‬ما َ‬
‫البحيرة‪ :‬فكانت النا قة إذا نتـجوها خمسة أب طن نـحروا الـخامس إن كان سقبـا‪ ,‬وإن كان‬
‫ُربَ عة شقوا أذن ها وا ستـحيوها‪ ,‬و هي بحيرة‪ .‬وأ ما ال سقب فل يأ كل ن ساؤهم م نه‪ ,‬و هو خالص‬
‫لرجال هم‪ ,‬فإن ما تت النا قة أو نت ـجوها مي تا فرجال هم ون ساؤهم ف ـيه سواء يأكلون م نه‪ .‬وأ ما‬
‫السائبة‪ :‬فكان يسيب الرجل من ماله من النعام‪ ,‬فـيهمل فـي الـحمى فل ينتفع بظهره ول‬
‫بولده‪ ,‬ول بلب نه‪ ,‬ول بشعره‪ ,‬ول ب صوفه‪ .‬وأ ما الو صيـلة‪ ,‬فكا نت الشاة إذا ولدت سبعة أب طن‬
‫ذبحوا السـابع إذا كان جديـا‪ ,‬وإن كان عناقـا اسـتـحيوه‪ ,‬وإن كان جديـا وعناقـا اسـتـحيوهما‬
‫كل ـيهما‪ ,‬وقالوا‪ :‬إن ال ـجدي و صلته أخ ته‪ ,‬فحرم ته عل ـينا‪ .‬وأ ما ال ـحامي‪ :‬ف ـالفحل إذا‬
‫ركبوا أولد ولده‪ ,‬قالوا‪ :‬قـد حمـى هذا ظهره‪ ,‬وأحرز أولد ولده‪ ,‬فل يركبونـه‪ ,‬ول يــمنعونه‬
‫من حمى شجر‪ ,‬ول حوض مّا شرع فـيه‪ ,‬وإن لـم يكن الـحوض لصاحبه‪ ,‬وكانت من إبلهم‬
‫طائ فة ل يذكرون ا سم ال عل ـيها ف ـي ش يء من شأن هم‪ ,‬ل إن ركبوا‪ ,‬ول إن حملوا‪ ,‬ول إن‬
‫جعَلَ الّل ُه مِ نْ َبحِيرَةٍ‬
‫حلبوا‪ ,‬ول إن نتـجوا‪ ,‬ول إن بـاعوا‪ ,‬ففـي ذلك أنزل ال تعالـى‪ :‬ما َ‬
‫وَل سا ِئبَةٍ‪ ...‬إلـى قوله‪ :‬وأ ْكثَرُ ُهمْ ل َيعْقِلُونَ‪.‬‬
‫ل اللّ هُ‬
‫جعَ َ‬
‫‪10091‬ـ حدثنـي يونس‪ ,‬قال‪ :‬أخبرنا ابن وهب‪ ,‬قال‪ :‬قال ابن زيد‪ ,‬فـي قوله‪ :‬ما َ‬
‫ن َبحِيرَةٍ وَل سا ِئبَةٍ وَل وَ صِيـلَةٍ وَل حا مٍ قال‪ :‬هذا ش يء كا نت تع مل به أ هل ال ـجاهلـية‪,‬‬
‫مِ ْ‬
‫وقد ذهب‪ .‬قال‪ :‬البحيرة‪ :‬كان الرجل يجدع أذنى ناقته ثم يعتقها‪ ,‬كما يعتق جاريته وغلمه‪ ,‬ل‬
‫تــحلب‪ ,‬ول تركـب‪ .‬والسـائبة‪ :‬يسـيبها بغيـر تــجديع‪ .‬والــحام‪ :‬إذا نتــج له سـبع إناث‬
‫متوالـيات حمت لـحمها أن يؤكل‪.‬‬
‫حدثنا يونس‪ ,‬قال‪ :‬أخبرنا ابن وهب‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا عبد ال بن يوسف‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا اللـيث بن‬
‫سعد‪ ,‬قال‪ :‬ثن ـي ا بن الهاد‪ ,‬عن ا بن شهاب‪ ,‬قال‪ :‬قال سعيد بن ال ـمسيب‪ :‬ال سائبة‪ :‬الت ـي‬
‫كانت تسيب فل يحمل علـيها شيء‪ .‬والبحيرة‪ :‬التـي يـمنع درّها للطواغيت فل يحلبها أحد‪.‬‬
‫والو صيـلة‪ :‬النا قة الب كر تب كر أوّل نتاج ال بل بأن ثى‪ ,‬ثم تثن ـي ب عد بأن ثى‪ ,‬وكانوا ي سمونها‬
‫للطواغيـت‪ ,‬يدعونهـا الوصـيـلة‪ ,‬إن وصـلت إحداهمـا بــالخرى‪ .‬والــحامي‪ :‬فحـل البـل‬
‫يضرب الع شر من ال بل‪ ,‬فإذا ن قص ضرا به يدعو نه للطواغ يت‪ ,‬وأعفوه من ال ـحمل‪ ,‬فل ـم‬
‫يحملوا علـيه شيئا‪ ,‬وسموه الـحامي‪.‬‬
‫وهذه أمور كا نت ف ـي ال ـجاهلـية فأبطل ها ال سلم‪ ,‬فل نعرف قو ما يعملون ب ها ال ـيوم‪.‬‬
‫فإذا كان ذلك كذلك‪ ,‬وكان ما كانت الـجاهلـية تعمل به ل يوصل إلـى علـمه إذ لـم يكن‬
‫له ف ـي ال سلم ال ـيوم أ ثر‪ ,‬ول ف ـي الشرك نعر فه إل ب خبر‪ ,‬وكا نت الخب ـار ع ما كانوا‬
‫يفعلون من ذلك مختل فة الختلف الذي ذكر نا ف ـالصواب من القول ف ـي ذلك أن يقال‪ :‬أ ما‬
‫معانـي هذه السماء‪ ,‬فما بـينا فـي ابتداء القول فـي تأويـل هذه الَية‪ .‬وأما كيفـية عمل‬
‫القوم فـي ذلك‪ ,‬فما ل علـم لنا به‪ .‬وقد وردت الخبـار بوصف عملهم ذلك علـى ما قد‬
‫حكي نا‪ ,‬وغ ير ضائر ال ـجهل بذلك إذا كان ال ـمراد من عل ـمه ال ـمـحتاج إل ـيه‪ ,‬مو صلً‬
‫إلـى حقـيقته‪ ,‬وهو أن القوم كانوا مـحرمين من أنعامهم علـى أنفسهم ما لـم يحرمه ال‬
‫ل ذلك حلل‪,‬‬
‫اتبــاعا منهـم خطوات الشيطان‪ ,‬فوبخهـم ال تعالــى بذلك‪ ,‬وأخـبرهم أن ك ّ‬
‫فـالـحرام من كلّ شيء عندنا‪ ,‬ما حرّم ال تعالـى ورسوله صلى ال عليه وسلم‪ ,‬بن صّ أو‬
‫دلـيـل‪ .‬والـحلل منه‪ :‬ما أحلّه ال ورسوله كذلك‪.‬‬
‫القول فـي تأويـل قوله تعالـى‪ :‬وََلكِ نّ اّلذِي نَ كَ َفرُوا يَ ْف َترُو نَ علـى الّل ِه ال َكذِ بَ وأ ْك َثرُهُ مْ ل‬
‫َيعْقِلُونَ‪.‬‬
‫اختلف أهل التأويـل فـي الـمعنـيّ بـالذين كفروا فـي هذا الـموضع والـمراد بقوله‪:‬‬
‫وأ ْك َثرُهُ مْ ل َيعْقِلُو نَ‪ .‬فقال بعضهم‪ :‬الـمعنـيّ بـالذين كفروا‪ :‬الـيهود‪ ,‬وبـالذين ل يعقلون‪:‬‬
‫أهل الوثان‪ .‬ذكر من قال ذلك‪:‬‬
‫‪ 10092‬ـ حدثنا ابن وكيع‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا أبو أسامة‪ ,‬عن سفـيان‪ ,‬عن دواد بن أبـي هند‪ ,‬عن‬
‫ب قال‪ :‬أ هل الكتاب‪.‬‬
‫م ـحمد بن أب ـي مو سى‪ :‬وََلكِ نّ اّلذِي نَ كَ َفرُوا يَ ْف َترُو نَ عل ـى الّل ِه ال َكذِ َ‬
‫ن قال‪ :‬أهل الوثان‪.‬‬
‫وأ ْك َثرُ ُهمْ ل َيعْقِلُو َ‬
‫وقال آخرون‪ :‬بـل هـم أهـل ملة واحدة‪ ,‬ولكـن «الــمفترين» الــمتبوعون‪ ,‬و«الذيـن ل‬
‫يعقلون»‪ :‬التبـاع‪ .‬ذكر من قال ذلك‪:‬‬
‫‪ 10093‬ـ حُد ثت عن ال ـحسين بن الفرج‪ ,‬قال‪ :‬سمعت أب ـا معاذ‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا خار جة‪ ,‬عن‬
‫داود بن أب ـي ه ند‪ ,‬عن الشعب ـيّ ف ـي قوله‪ :‬وََلكِ نّ اّلذِي نَ َك َفرُوا يَ ْف َترُو نَ عل ـى اللّ هِ ال َكذِ بَ‬
‫ن هم التبـاع‪ .‬وأما «الذين افتروا»‪ ,‬يعقلون أنهم افتروا‪.‬‬
‫وأ ْك َثرُ ُهمْ ل َيعْقِلُو َ‬
‫ن اّلذِي نَ‬
‫وأولـى القوال فـي ذلك عندنا بـالصواب أن يقال‪ :‬إن الـمعنـيـين بقوله‪ :‬وََل ِك ّ‬
‫كَ َفرُوا َي ْفتَرُو نَ عل ـى اللّ هِ ال َكذِ بَ الذ ين بحروا البحائر‪ ,‬و سيبوا ال سوائب‪ ,‬وو صلوا الو صائل‪,‬‬
‫وحموا ال ـحوامي م ثل عمرو بن ل ـحي وأشكاله‪ ,‬م ـمن سنوا ل هل الشرك ال سنن الرديئة‬
‫ل ما‬
‫وغيروا دين ال دين الـحقّ وأضافوا إلـى ال تعالـى أنه هو الذي حرّم ما حرّموا وأح ّ‬
‫أحلوا‪ ,‬افتراء علـى ال الكذب وهم يعلـمون‪ ,‬واختلقا علـيه الفك وهم يعمهون‪ .‬فكذّبهم ال‬
‫تعالـى فـي قـيـلهم ذلك‪ ,‬وإضافتهم إلـيه ما أضافوا من تـحلـيـل ما أحلوا وتـحريـم‬
‫ما حرموا‪ ,‬فقال تعالـى ذكره‪ :‬ما جعلت من بحيرة ول سائبة‪ ,‬ولكن الكفـار هم الذين يفعلون‬
‫ُونـ هـم‬
‫ُمـ ل َيعْقِل َ‬
‫ذلك ويفترون علــى ال الكذب‪ .‬وأن يقال‪ :‬إن الــمعنـيـين بقوله وأ ْك َثرُه ْ‬
‫أتبـاع من سنّ لهم هذه السنن من جهلة الـمشركين‪ ,‬فهم ل شكّ أنهم أكثر من الذين لهم سنوا‬
‫ذلك فو صفهم ال تعال ـى بأن هم ل يعقلون‪ ,‬لن هم ل ـم يكونوا يعقلون أن الذ ين سنوا ل هم تلك‬
‫السنن‪ ,‬وأخبروهم أنها من عند ال كذبة فـي إخبـارهم أفكة‪ ,‬بل ظنوا أنهم فـيـما يقولون‬
‫مــحقون فــي إخبــارهم صـادقون‪ .‬وإنــما معنـى الكلم‪ :‬وأكثرهـم ل يعقلون أن ذلك‬
‫التـحريـم الذي حرّمه هؤلء الـمشركون وأضافوه إلـى ال تعالـى كذب وبـاطل‪ .‬وهذا‬
‫القول الذي قل نا ف ـي ذلك نظ ير قول الشعب ـيّ الذي ذكرناه‪ ,‬ول مع نى لقول من قال‪ :‬عن ـي‬
‫بـالذي كفروا‪ :‬أهل الكتاب‪ ,‬وذلك أن النكير فـي ابتداء الَية من ال تعالـى علـى مشركي‬
‫العرب‪ ,‬فـالـختـم بهم أولـى من غيرهم‪ ,‬إذ لـم يكن عرض فـي الكلم ما يصرف من‬
‫أجله عنهم إلـى غيرهم‪ .‬وبنـحو ذلك كان يقول قتادة‪.‬‬
‫‪10094‬ـ حدثنا بشر بن معاذ‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا يزيد‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا سعيد‪ ,‬عن قتادة‪ ,‬قوله‪ :‬وأ ْك َثرُهُ ْم ل‬
‫َيعْقِلُو نَ يقول‪ :‬ل يعقلون ت ـحريـم الشيطان الذي يحرّم عل ـيهم‪ ,‬إن ـما كان من الشيطان ول‬
‫يعقلون‪.‬‬

‫‪104‬‬ ‫الية ‪:‬‬


‫ى مَآ أَنزَلَ اللّهُـ وَإِلَى الرّسـُولِ‬
‫{وَِإذَا قِيلَ َلهُم ْـ َتعَالَوْاْ إَِل َ‬ ‫القول فــي تأويــل قوله تعالــى‪:‬‬
‫ل َي ْه َتدُونَ }‪..‬‬
‫شيْئا َو َ‬
‫ج ْدنَا عََليْ ِه آبَا َءنَآ أَوََل ْو كَانَ آبَاؤُ ُهمْ لَ َيعَْلمُونَ َ‬
‫س ُبنَا مَا َو َ‬
‫حْ‬‫قَالُواْ َ‬
‫يقول تعالـىّ ذكره‪ :‬وإذا قـيـل لهؤلء الذين يبحرون البحائر ويسيبون السوائب الذين ل‬
‫يعقلون أنهـم بإضافتهـم تــحريـم ذلك إلــى ال تعالــى يفترون علــى ال الكذب‪ :‬تعالوا‬
‫إل ـى تنزي ـل ال وآي كتا به وإل ـى ر سوله‪ ,‬لبتب ـين ل كم كذب ق ـيـلكم ف ـيـم تضيفو نه‬
‫إل ـى ال تعال ـى من ت ـحريـمكم ما ت ـحرّمون من هذه الشياء‪ ,‬أجابوا من دعا هم إل ـى‬
‫ذلك‪ ,‬بأن يقولوا‪ :‬حسبنا ما وجدنا علـيه من قبلنا آبـاءنا يعملون به‪ ,‬ويقولون‪ :‬نـحن لهم تبع‬
‫وهم لنا أئمة وقادة‪ ,‬وقد اكتفـينا بـما أخذنا عنهم ورضينا بـما كانوا علـيه من تـحريـم‬
‫وت ـحلـيـل‪ .‬قال ال تعال ـى ذكره لنب ـيه م ـحمد صلى ال عل يه و سلم‪ :‬ولو كان آب ـاء‬
‫هؤلء القائل ـين هذه ال ـمقالة ل يعل ـمون شيئا‪ ,‬يقول‪ :‬ل ـم يكونوا يعل ـمون أن ما يضيفو نه‬
‫إل ـى ال تعال ـى من ت ـحريـم البحيرة وال سائبة والو صيـلة وال ـحام كذب وفر ية عل ـى‬
‫ال‪ ,‬ل حق ـيقة لذلك ول صحة لن هم كانوا أتب ـاع ال ـمفترين ابتدءوا ت ـحريـم ذلك افتراء‬
‫عل ـى ال بق ـيـلهم ما كانوا يقولون من إضافت هم إل ـى ال تعال ـى ما يضيفون ما كانوا‬
‫فـيـما هم به عاملون من ذلك علـى استقامة وصواب‪ ,‬بل كانوا علـى ضللة وخطأ‪.‬‬
‫‪105‬‬ ‫الية ‪:‬‬
‫ل َيضُ ّركُ مْ مّن ضَلّ ِإذَا‬
‫سكُمْ َ‬
‫{ َيَأ ّيهَا اّلذِي نَ آ َمنُواْ عََل ْيكُ ْم َأنْفُ َ‬ ‫القول فـي تأويـل قوله تعالـى‪:‬‬
‫جمِيعا َف ُي َن ّب ُئكُمْ ِبمَا ُك ْن ُتمْ َت ْعمَلُونَ }‪..‬‬
‫ج ُع ُكمْ َ‬
‫ا ْه َت َديْ ُتمْ إِلَى الّل ِه مَ ْر ِ‬
‫ُسـكُمْ فأصـلـحوها‪ ,‬واعملوا فــي‬
‫ِينـ آ َمنُوا عَلَــْيكُ ْم أنْف َ‬
‫يقول تعالــى ذكره‪ :‬يـا أيّهـا اّلذ َ‬
‫ضرّكُ مْ مَ نْ‬
‫خل صها من عقاب ال تعال ـى‪ ,‬وانظروا ل ها ف ـيـما يقرّب ها من رب ها‪ ,‬فإ نه لَ َي ُ‬
‫ضَلّ يقول‪ :‬ل يضرّ كم من ك فر و سلك غ ير سبـيـل ال ـحقّ إذا أنت ـم اهتديت ـم وآمنت ـم‬
‫بربكم وأطعتـموه فـيـما أمركم به وفـيـما نهاكم عنه‪ ,‬فحرّمتـم حرامه وحللتـم حلله‪.‬‬
‫ُسـكُ ْم بــالغراء‪ ,‬والعرب تغري مـن الصـفـات ب «علــيك»‪ ,‬و«عندك»‬
‫ونصـب قوله‪ :‬أنْف َ‬
‫و«دونك» و«إلـيك»‪.‬‬
‫واختلف أهل التأويـل فـي تأويـل ذلك‪ ,‬فقال بعضهم‪ :‬معناه‪ :‬يا أيها الذين آمنوا علـيكم‬
‫أنف سكم إذا أمرت ـم ب ـالـمعروف ونهيت ـم عن ال ـمنكر فل ـم يُق بل من كم ذلك‪ .‬ذ كر من قال‬
‫ذلك‪:‬‬
‫‪ 10095‬ـ حدثنا سوّار بن عبد ال‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا أبـي‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا أبو الشهب‪ ,‬عن الـحسن‪:‬‬
‫ن ضَلّ‬
‫ضرّكُمْ مَ ْ‬
‫س ُكمْ لَ َي ُ‬
‫ن آ َمنُوا عَلَـ ْيكُمْ أ ْنفُ َ‬
‫أن هذه الَية قرئت علـى ابن مسعود‪ :‬يا أيّها اّلذِي َ‬
‫إذَا ا ْه َت َد ْيتُ ـمْ فقال ا بن م سعود‪ :‬ل ـيس هذا بزمان ها‪ ,‬قولو ها ما قبلت من كم فإذا ردّت عل ـيكم‬
‫فعلـيكم أنفسكم‪.‬‬
‫حدثنا ا بن وكيع‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا أبو أسامة‪ ,‬عن أبـي الشهب‪ ,‬عن الـحسن‪ ,‬قال‪ :‬ذكر عن‬
‫ن آ َمنُوا ثم ذكر نـحوه‪.‬‬
‫ابن مسعود يا أيّها اّلذِي َ‬
‫حدثنـا يعقوب‪ ,‬قال‪ :‬حدثنـا ابـن علــية‪ ,‬عـن يونـس‪ ,‬عـن الــحسن‪ ,‬قال‪ :‬قال رجـل لبـن‬
‫ل إذَا ا ْه َت َد ْيتُـمْ؟‬
‫ض ّركُ مْ مَ نْ ضَ ّ‬
‫ل يَ ُ‬
‫س ُكمْ َ‬
‫م سعود‪ :‬ألـم يقل ال‪ :‬يا أيّها اّلذِي نَ آ َمنُوا عَلَـ ْي ُكمْ أنْفُ َ‬
‫قال‪ :‬لـيس هذا بزمانها‪ ,‬قولوها ما قُبلت منكم فإذا ردّت علـيكم فعلـيكم أنفسكم‪.‬‬
‫‪ 10096‬ـ حدث نا ال ـحسن بن عر فة‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا شب ـابة بن سوّار‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا الرب ـيع بن‬
‫ت ف ـي هذه اليام فل ـم‬
‫صبـيح‪ ,‬عن سفـيان بن عقال‪ ,‬قال‪ :‬ق ـيـل ل بن ع مر‪ :‬لو جل س َ‬
‫ض ّركُ مْ َم نْ ضَلّ إذَا ا ْه َت َد ْيتُـمْ فقال‬
‫س ُكمْ لَ َي ُ‬
‫تأمر ولـم تنه‪ ,‬فإن ال تعالـى يقول‪ :‬عَلَـيْ ُكمْ أنْفُ َ‬
‫ابن عمر‪ :‬إنها لـيست لـي ول لصحابـي‪ ,‬لن رسول ال صلى ال عليه وسلم قال‪« :‬أل‬
‫فلـيبلغ الشاهد الغائب» فكنا نـحن الشهود وأنتـم ال َغيَب‪ ,‬ولكن هذه الَية لقوام يجيئون من‬
‫بعدنا إن قالوا لـم يقبل منهم‪.‬‬
‫‪ 10097‬ـ حدث نا أح مد بن ال ـمقدام‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا ال ـمعتـمر بن سلـيـمان‪ ,‬قال‪ :‬سمعت‬
‫أبـي‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا قتادة‪ ,‬عن أبـي مازن قال‪ :‬انطلقت علـى عهد عثمان إلـى الـمدينة‪ ,‬فإذا‬
‫س ُكمْ فقال أكثرهم‪ :‬لـم يجيءْ‬
‫قوم من الـمسلـمين جلوس‪ ,‬فقرأ أحدهم هذه الَية‪ :‬عَلَـ ْي ُكمْ أنْفُ َ‬
‫تأويـل هذه الَية الـيوم‪.‬‬
‫حدثنا مـحمد بن بشار‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا عمرو بن عاصم‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا الـمعتـمر‪ ,‬عن أبـيه‪,‬‬
‫عن قتادة‪ ,‬عن أبـي مازن‪ ,‬بنـحوه‪.‬‬
‫‪ 10098‬ـ حدث نا م ـحمد بن بشار‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا م ـحمد بن جع فر وأ بو عا صم‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا‬
‫عوف‪ ,‬عن سوّار بن شبـيب‪ ,‬قال‪ :‬كنت عند ابن عمر‪ ,‬إذ أتاه رجل جلـي ٌد فـي العين‪ ,‬شديد‬
‫الل سان‪ ,‬فقال‪ :‬يا أب ـا ع بد الرح من ن ـحن ستة كل هم قد قرءوا القرآن فأ سرع ف ـيه‪ ,‬وكل هم‬
‫م ـجتهد ل يألو‪ ,‬وكل هم بغ يض إل ـيه أن يأت ـي دناءة‪ ,‬و هم ف ـي ذلك يش هد بعض هم عل ـى‬
‫ب عض ب ـالشرك‪ .‬فقال ر جل من القوم‪ :‬وأي دناءة تر يد أك ثر من أن يش هر بعض هم عل ـى‬
‫بعض بـالشرك؟ قال‪ :‬فقال الرجل‪ :‬إنـي لست إياك أسأل‪ ,‬أنا أسأل الشيخ‪ .‬فأعاد علـى عبد‬
‫ال الـحديث‪ ,‬فقال عبد ال بن عمر‪ :‬لعلك ترى ل أبـا لك إنـي سآمرك أن تذهب فتقتلهم؟‬
‫ن آ َمنُوا عَلَـ ْي ُكمْ‬
‫عظهم وانههم‪ ,‬فإن عصوك فعلـيك بنفسك‪ ,‬فإن ال تعالـى يقول‪ :‬يا أيّها اّلذِي َ‬
‫جمِي عا فَ ـ ُي َن ّبئُكمْ بِ ـمَا ُك ْنتُ ـمْ‬
‫ج ُعكُ مْ َ‬
‫ض ّركُ مْ مَ نْ ضَلّ إذَا ا ْه َت َد ْيتُ ـمْ إل ـى اللّ هِ َم ْر ِ‬
‫س ُكمْ لَ َي ُ‬
‫أنْفُ َ‬
‫َت ْعمَلُونَ‪.‬‬
‫حدثنا الـحسن بن يحيى‪ ,‬قال‪ :‬أخبرنا عبد الرزاق‪ ,‬قال‪ :‬أخبر نا معمر‪ ,‬عن الـحسن‪ :‬أن‬
‫ن ضَلّ إذَا ا ْه َت َد ْيتُـمْ قال‪ :‬إن هذا‬
‫سكُ ْم لَ َيضُ ّركُمْ َم ْ‬
‫ابن مسعود سأله رجل عن قوله‪ :‬عَلَـيْ ُكمْ أنْ ُف َ‬
‫ل ـيس بزمان ها‪ ,‬إن ها ال ـيوم مقبولة‪ ,‬ولك نه قد أو شك أن يأت ـي زمان تأمرون ب ـالـمعروف‬
‫ل إذا‬
‫فـيصنع بكم كذا وكذا أو قال‪ :‬فل يق بل من كم فحينئذ عل ـيكم أنف سكم‪ ,‬ل يضرّ كم من ض ّ‬
‫اهتديتـم‪.‬‬
‫حدثنا الـحسن بن يحيى‪ ,‬قال‪ :‬أخبرنا عبد الرزاق‪ ,‬قال‪ :‬أخبرنا معمر‪ ,‬عن قتادة‪ ,‬عن رجل‬
‫قال‪ :‬كنت فـي خلفة عثمان بـالـمدينة فـي حلقة فـيهم أصحاب النبـيّ صلى ال عليه‬
‫ن ضَلّ إذَا‬
‫ضرّكُ مْ مَ ْ‬
‫س ُكمْ لَ َي ُ‬
‫س ِندُون إل ـيه‪ ,‬فقرأ ر جل‪ :‬عَلَ ـ ْي ُكمْ أنْفُ َ‬
‫و سلم‪ ,‬فإذا ف ـيهم ش يخ يُ ْ‬
‫ا ْه َت َديْتُـمْ فقال الشيخ‪ :‬إنـما تأويـلها آخر الزمان‪.‬‬
‫حدثنا بشر بن معاذ‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا يزيد بن زريع‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا سعيد‪ ,‬عن قتادة‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا أبو‬
‫مازن ر جل من صالـحي الزد من بن ـي ال ـجدّان‪ ,‬قال‪ :‬انطل قت ف ـي حياة عثمان إل ـى‬
‫الـمدينة‪ ,‬فقعدت إلـى حلقة فـيها أصحاب رسول ال صلى ال عليه وسلم‪ ,‬فقرأ رجل من‬
‫ن القوم‪ :‬دع هذه الَية‪,‬‬
‫ن ضَلّ إذَا ا ْه َتدَ ْيتُـمْ قال‪ :‬فقال رجل من أس ّ‬
‫ضرّكُمْ مَ ْ‬
‫القوم هذه الَية ل َي ُ‬
‫فإنـما تأويـلها فـي آخر الزمان‪.‬‬
‫‪10099‬ـ حدثنا القاسم‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا الـحسين‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا ابن فضالة‪ ,‬عن معاوية بن صالـح‪,‬‬
‫عن جبـير بن نفـير‪ ,‬قال‪ :‬كنت فـي حلقة فـيها أصحاب رسول ال صلى ال عليه وسلم‪,‬‬
‫وإنـي لصغر القوم‪ ,‬فتذاكروا المر بـالـمعروف والنهي عن الـمنكر‪ ,‬فقلت أنا‪ :‬ألـيس‬
‫ن ضَلّ إذَا ا ْه َت َد ْيتُ ـمْ؟‬
‫س ُكمْ لَ َيضُ ّركُ ْم مَ ْ‬
‫ن آ َمنُوا عَلَ ـ ْيكُمْ أنْفُ َ‬
‫ال يقول ف ـي كتا به‪ :‬يا أيّ ها اّلذِي َ‬
‫فأقبلوا علــيّ بلسـان واحـد‪ ,‬وقالوا‪ :‬تنزع بآيـة مـن القرآن ل تعرفهـا ول تدري مـا تأويــلها‬
‫حتـى تـمنـيت أنـي لـم أكن تكلـمت‪ .‬ثم أقبلوا يتـحدثون فلـما حضر قـيامهم‪ ,‬قالوا‪:‬‬
‫إ نك غلم حدث ال سنّ‪ ,‬وإ نك نز عت بآ ية ل تدري ما هي‪ ,‬وع سى أن تدرك ذلك الزمان إذا‬
‫رأيت شحّا مطاعا‪ ,‬وهو متبعا وإعجاب كل ذي رأي برأيه‪ ,‬فعلـيك بنفسك ل يضرّك من ضلّ‬
‫إذا اهتديت‬
‫‪ 10100‬ـ حدث نا هناد‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا ل ـيث بن هارون‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا إ سحاق الرازي‪ ,‬عن أب ـي‬
‫جعفر‪ ,‬عن الربـيع بن أنس‪ ,‬عن أبـي العالـية‪ ,‬عن عبد ال بن مسعود‪ ,‬فـي قوله‪ :‬يا أيّها‬
‫ُمـ جميعـا‬
‫جعُك ْ‬
‫ّهـ َم ْر ِ‬
‫َنـ ضَلّ إذَا ا ْه َت َد ْيتُــمْ إلــى الل ِ‬
‫ُمـ م ْ‬
‫ُسـكُ ْم لَ َيضُ ّرك ْ‬
‫ِينـ آ َمنُوا عَلَــيْ ُكمْ أنْف َ‬
‫اّلذ َ‬
‫فَـ ُينَ ّب ُئ ُكمْ بِـمَا ُك ْنتُـمْ َت ْعمَلُو نَ قال‪ :‬كانوا عند عبد ال بن مسعود جلوسا‪ ,‬فكان بـين رجلـين‬
‫ما يكون ب ـين الناس‪ ,‬حت ـى قام كلّ وا حد منه ما إل ـى صاحبه‪ ,‬فقال ر جل من جل ساء ع بد‬
‫ال‪ :‬أل أقوم فآمره ما ب ـالـمعروف وأنهاه ما عن ال ـمنكر؟ فقال آ خر إل ـى جن به‪ :‬عل ـيك‬
‫ل إذَا ا ْه َت َد ْيتُـمْ قال‪ :‬فسمعها‬
‫ض ّركُ مْ مَ نْ ضَ ّ‬
‫ل يَ ُ‬
‫س ُكمْ َ‬
‫بنفسك‪ ,‬فإن ال تعالـى يقول‪ :‬عَلَـ ْي ُكمْ أنْفُ َ‬
‫ا بن م سعود‪ ,‬فقال‪َ :‬م هْ ل ـم يجىء تأوي ـل هذه بعدُ‪ ,‬إن القرآن أنزل ح يث أنزل وم نه آي قد‬
‫ن ق بل أن ينزلن‪ ,‬وم نه ما و قع تأوي ـلهنّ عل ـى ع هد النب ـيّ صلى ال عل يه‬
‫م ضى تأوي ـله ّ‬
‫ن ب عد النب ـيّ صلى ال عل يه و سلم ب ـيسير‪ ,‬وم نه آي ي قع‬
‫و سلم‪ ,‬وم نه آي قد و قع تأوي ـله ّ‬
‫ن ب عد الـيوم‪ ,‬ومنه آي ي قع تأوي ـلهنّ ع ند ال ساعة علـى ما ذكر من أ مر ال ساعة‪,‬‬
‫تأوي ـله ّ‬
‫ومنه آي يقع تأويـلهنّ يوم الـحساب علـى ما ذكر من أمر الـحساب والـجنة والنار فما‬
‫دامت قلوبكم واحدة وأهواؤكم واحدة ولـم تلبسوا شيعا ولـم يذق بعضكم بأس بعض‪ ,‬فأمروا‬
‫وانهوا فإذا اختلفت القلوب والهواء وألبستـم شيعا وذاق بعضكم بأس بعض‪ ,‬فـامرؤ ونفسه‪,‬‬
‫فعند ذلك جاء تأويـل هذه الَية‪.‬‬
‫حدثنـا القاسـم‪ ,‬قال‪ :‬حدثنـا الــحسين‪ ,‬قال‪ :‬ثنــي حجاج‪ ,‬عـن أبــي جعفـر الرازي‪ ,‬عـن‬
‫الرب ـيع بن أ نس‪ ,‬عن أب ـي العال ـية‪ ,‬عن ا بن م سعود‪ :‬أ نه كان ب ـين رجل ـين ب عض ما‬
‫يكون بـين الناس‪ ,‬حتـى قام كلّ واحد منهما إلـى صاحبه‪ ,‬ثم ذكر نـحوه‪.‬‬
‫‪ 10101‬ـ حدثنـي أحمد بن الـمقدام‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا حرمي‪ ,‬قال‪ :‬سمعت الـحسن يقول‪ :‬تأوّل‬
‫ض ّركُمْ‬
‫ل يَ ُ‬
‫س ُكمْ َ‬
‫أصحاب النبـيّ صلى ال عليه وسلم هذه الَية‪ :‬يا أيّها اّلذِي نَ آ َمنُوا عَلَـ ْي ُكمْ أنْفُ َ‬
‫ن ضَلّ إذَا ا ْه َت َد ْيتُـمْ فقال بعض أصحابه‪ :‬دعوا هذه الَية فلـيست لكم‬
‫مَ ْ‬
‫‪10102‬ـ حدثنـي إسماعيـل بن إسرائيـل اللَل الرملـي‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا أيوب بن سويد‪ ,‬قال‪:‬‬
‫حدثنا عتبة بن أبـي حكيـم‪ ,‬عن عمرو بن جارية اللـخميّ‪ ,‬عن أبـي أمية الشعبـانـي‪,‬‬
‫س ُكمْ فقال‪ :‬لقد‬
‫قال‪ :‬سألت أبـا ثعلبة الـخشنـي عن هذه الَية‪ :‬يا أيّها اّلذِي نَ آ َمنُوا عَلَـ ْي ُكمْ أنْفُ َ‬
‫سألتَ عنها خبـيرا‪ ,‬سألتُ عنها رسول ال صلى ال عليه وسلم‪ ,‬فقال‪« :‬أبـا َثعَْلبَ َة ا ْئتَـ ِمرُوا‬
‫ل ذِي‬
‫شحّا مُطاعا وإعْجا بَ كُ ّ‬
‫بـالـمَ ْعرُوفِ‪َ ,‬وتَناهَوْا عَ نِ الـمُ ْن َكرِ‪ ,‬فإذَا رأيْ تَ ُدنْـيا ُم ْؤ َثرَةً و ُ‬
‫سكِ َي ْو َم ِئذٍ بِـ ِمثْلِ اّلذِي أ ْنتُـمْ‬
‫ن َب ْعدِ كُ ْم أيّامَ الصّبرِ‪ ,‬للـ ُمتَـمَ ّ‬
‫سكَ أرَى مِ ْ‬
‫رأي بِرأيِهِ‪َ ,‬فعَلَـ ْيكَ نَفْ َ‬
‫جرِ‬
‫ن عامِلً»‪ .‬قالوا‪ :‬يا رسول ال‪ ,‬كأجر خمسين عاملً منهم؟ قال‪« :‬ل‪ ,‬كأ ْ‬
‫خمْسِي َ‬
‫جرِ َ‬
‫عَلَـيْهِ كأ ْ‬
‫ن عامِلً ِم ْن ُكمْ»‪.‬‬
‫خ ْمسِي َ‬
‫َ‬
‫حدثنا علـيّ بن سهل‪ ,‬قال‪ :‬أخبرنا الولـيد بن مسلـم‪ ,‬عن ابن الـمبـارك وغيره‪ ,‬عن‬
‫عتبة بن أبـي حكيـم‪( ,‬عن عمرو بن جارية اللـخمي) عن أبـي أمية الشعبـانـي‪ ,‬قال‪:‬‬
‫سكُ ْم لَ‬
‫ن آ َمنُوا عَلَـ ْي ُكمْ أنْفُ َ‬
‫سألت أبـا ثعل بة الـخشنـي‪ :‬ك يف نصنع بهذه الَ ية‪ :‬يا أيّها اّلذِي َ‬
‫ت عن ها ر سول ال‬
‫ت عن ها خب ـيرا‪ ,‬سأل ُ‬
‫ن ضَلّ إذَا ا ْه َت َد ْيتُ ـمْ؟ فقال أ بو ثعل بة‪ :‬سأل َ‬
‫َيضُ ّركُ مْ مَ ْ‬
‫ن الـ ُمنْ َكرِ‪ ,‬حتـى إذَا رأيْتَ‬
‫صلى ال عليه وسلم‪ ,‬فقال‪« :‬ا ْئتَـ ِمرُوا بـالـمَ ْعرُوفِ‪َ ,‬وتَناهَوْا عَ ِ‬
‫سكَ‪َ ,‬و َذرْ عَوَا ّمهُ مْ‬
‫ل ذِي رأي بِرأيِ هِ‪َ ,‬فعَلَـ ْيكَ ِبخُ َويْ صَ ِة نَفْ ِ‬
‫شحّا مُطاعا وَ َهوًى ُم ّتبَعا وإعْجا بَ كُ ّ‬
‫ُ‬
‫ن ِم ْنكُمْ»‪.‬‬
‫خ ْمسِي َ‬
‫ل فِـيها كأجْرِ َ‬
‫جرُ العامِ ِ‬
‫فإنّ َورَا َءكُمْ أيّاما أ ْ‬
‫وقال آخرون‪ :‬معنـى ذلك‪ :‬أن العبـد إذا عمـل بطاعـة ال لــم يضرّه مـن ضلّ بعده وهلك‪.‬‬
‫ذكر من قال ذلك‪:‬‬
‫‪ 10103‬ـ حدثنـي مـحمد بن سعد‪ ,‬قال‪ :‬ثنـي أبـي‪ ,‬قال‪ :‬ثنـي عمي‪ ,‬قال‪ :‬ثنـي أبـي‪,‬‬
‫ض ّركُ مْ مَ نْ ضَلّ‬
‫ل يَ ُ‬
‫س ُكمْ َ‬
‫عن أب ـيه‪ ,‬عن ا بن عب ـاس‪ ,‬قوله‪ :‬يا أيّ ها اّلذِي نَ آ َمنُوا عَلَ ـ ْي ُكمْ أنْفُ َ‬
‫يقول‪ :‬إذا ما العبد أطاعنـي فـيـما أمرته من الـحلل والـحرام‪ ,‬فل يضرّه من ضلّ بعدُ‬
‫إذا عمل بـما أمرته به‪.‬‬
‫‪10104‬ـ حدثنـي الـمثنى‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا عبد ال بن صالـح‪ ,‬قال‪ :‬ثنـي معاوية بن صالـح‪,‬‬
‫ض ّركُمْ مَنْ ضَلّ إذَا‬
‫س ُكمْ لَ َي ُ‬
‫عن علـيّ بن أبـي طلـحة‪ ,‬عن ابن عبـاس‪ ,‬قوله‪ :‬عَلَـ ْي ُكمْ أنْفُ َ‬
‫ا ْه َت َديْتُـمْ يقول‪ :‬أطيعوا أمري‪ ,‬واحفظوا وصيتـي‪.‬‬
‫‪ 10105‬ـ حدث نا هناد‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا ل ـيث بن هارون‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا إ سحاق الرازي‪ ,‬عن أب ـي‬
‫جعفر الرازي‪ ,‬عن صفوان بن الـجون‪ ,‬قال‪ :‬دخـل علـيه شاب من أصحاب الهواء‪ ,‬فذكر‬
‫ص ب ها أول ـياءه يا أيّ ها‬
‫شيئا من أمره‪ ,‬فقال صفوان‪ :‬أل أدلك عل ـى خا صة ال الت ـي خ ّ‬
‫ض ّركُمْ َمنْ ضَلّ‪ ...‬الَية‪.‬‬
‫س ُكمْ لَ َي ُ‬
‫اّلذِينَ آ َمنُوا عَلَـيْ ُكمْ أنْ ُف َ‬
‫‪ 10106‬ـ حدثنا عبد الكريـم بن أبـي عمير‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا أبو الـمطرف الـمخزوميّ‪ ,‬قال‪:‬‬
‫ن ضَلّ إذَا‬
‫ل َيضُ ّركُ مْ مَ ْ‬
‫سكُمْ َ‬
‫حدث نا جو يبر‪ ,‬عن الضحاك‪ ,‬عن ا بن عب ـاس‪ ,‬قال‪ :‬عَلَ ـ ْي ُكمْ أنْفُ َ‬
‫ا ْه َت َديْتُـمْ ما لـم يكن سيف أو سوط‪.‬‬
‫‪10107‬ـ حدثنا علـيّ بن سهل‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا ضمرة بن ربـيعة‪ ,‬قال‪ :‬تل الـحسن هذه الَية‪:‬‬
‫ن ضَلّ إذَا ا ْه َت َد ْيتُـمْ فقال الـحسن‪ :‬الـحمد ل‬
‫ل َيضُ ّركُمْ مَ ْ‬
‫سكُمْ َ‬
‫ن آ َمنُوا عَلَـ ْيكُ ْم أنْفُ َ‬
‫يا أيّها اّلذِي َ‬
‫بها والـحمد ل علـيها‪ ,‬ما كان مؤمن فـيـما مضى ول مؤمن فـيـما بقـي إل وإلـى‬
‫جانبه منافق يكره عمله‪.‬‬
‫س ُكمْ ف ـاعملوا بطا عة ال لَ‬
‫وقال آخرون‪ :‬بل مع نى ذلك‪ :‬يا أيّ ها اّلذِي نَ آ َمنُوا عَلَ ـ ْيكُمْ أنْفُ َ‬
‫ن ضَلّ إذَا ا ْه َت َد ْيتُ ـمْ فأمَرت ـم ب ـالـمعروف ونهيت ـم عن ال ـمنكر‪ .‬ذ كر من قال‬
‫َيضُ ّركُ مْ مَ ْ‬
‫ذلك‪:‬‬
‫‪10108‬ـ حدثنا ابن حميد‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا حكام بن سلـم‪ ,‬عن عنبسة‪ ,‬عن سعد البقال‪ ,‬عن سعيد‬
‫ن ضَلّ إذَا ا ْه َت َد ْيتُ ـمْ قال‪ :‬إذا أمر تَ ب ـالـمعروف ونه يت عن‬
‫بن ال ـمسيب‪ :‬لَ َيضُ ّركُ ْم مَ ْ‬
‫الـمنكر‪ ,‬ل يضرّك من ضلّ إذا اهتديت‪.‬‬
‫‪10109‬ـ حدثنا ابن وكيع‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا يحيى بن يـمان‪ ,‬عن سفـيان‪ ,‬عن أبـي العميس‪ ,‬عن‬
‫ل إذَا ا ْه َت َد ْيتُـمْ قال‪ :‬إذا أمرتـم‬
‫ض ّركُ ْم مَ نْ ضَ ّ‬
‫ل يَ ُ‬
‫س ُكمْ َ‬
‫أبـي البختري‪ ,‬عن حذيفة‪ :‬عَلَـ ْيكُمْ أنْفُ َ‬
‫ونهيتـم‪.‬‬
‫‪ 10110‬ـ حدثنا هناد‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا وكيع‪ ,‬وحدثنا ابن وكيع‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا أبـي‪ ,‬عن ابن أبـي‬
‫ض ّركُ مْ مَ نْ ضَلّ‬
‫خالد‪ ,‬عن قـيس بن أبـي حازم‪ ,‬قال‪ :‬قال أبو بكر‪ :‬تقرءون هذه الَية‪ :‬لَ َي ُ‬
‫إذَا ا ْه َت َد ْيتُ ـمْ وإن الناس إذا رأوا الظال ـم قال ا بن وك يع‪ :‬فل ـم يأخذوا عل ـى يد يه‪ ,‬أوش كَ أن‬
‫يعمّهم ال بعقابه‪.‬‬
‫حدث نا ا بن وك يع‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا جر ير وا بن فضي ـل‪ ,‬عن ب ـيان‪ ,‬عن ق ـيس‪ ,‬قال‪ :‬قال أ بو‬
‫ضرّكُم ْـ مَن ْـ ضَلّ إذَا‬
‫بكـر‪ :‬إنكـم تقرءون هذه الَيـة‪ :‬يـا أيّهـا اّلذِين َـ آ َمنُوا عَلَــْيكُمْ أ ْنفُس َـُكمْ لَ َي ُ‬
‫ا ْه َت َديْتُـمْ وإن القوم إذا رأوا الظالـم فلـم يأخذوا علـى يديه‪ ,‬يعمهم ال بعقابه‪.‬‬
‫حدث نا ا بن وك يع‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا جر ير‪ ,‬عن إ سماعيـل‪ ,‬عن ق ـيس‪ ,‬عن أب ـي ب كر‪ ,‬عن‬
‫النبـيّ صلى ال عليه وسلم‪ ,‬فذكر نـحوه‪.‬‬
‫‪ 10111‬ـ حدثنا مـحمد بن الـحسين‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا أحمد بن مفضل‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا أسبـاط‪ ,‬عن‬
‫ن ضَلّ إذَا ا ْه َت َد ْيتُـمْ يقول‪ :‬مروا‬
‫ل َيضُ ّركُ مْ مَ ْ‬
‫سكُمْ َ‬
‫ن آ َمنُوا عَلَـ ْي ُكمْ أنْفُ َ‬
‫السديّ‪ ,‬قوله‪ :‬يا أيّها اّلذِي َ‬
‫ب ـالـمعروف وانهوا عن ال ـمنكر‪ .‬قال أ بو ب كر بن أب ـي قحا فة‪ :‬يا أي ها الناس ل تغترّوا‬
‫ن ب ـالـمعروف وتنهو نّ‬
‫سكُمْ ف ـيقول أحد كم عل ـيّ نف سي‪ .‬وال لتأمر ّ‬
‫بقول ال‪ :‬عَل ـي ُكمْ أنْفُ َ‬
‫عن الـمنكر أو لتستعملنّ علـيكم شراركم فلـيسومنكم سوء العذاب‪ ,‬ثم لـيدعون ال خياركم‬
‫فل يستـجيب لهم‪.‬‬
‫حدث نا أ بو هشام الرف ـاعي‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا ا بن فضي ـل‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا ب ـيان‪ ,‬عن ق ـيس بن‬
‫أب ـي حازم‪ ,‬قال‪ :‬قال أ بو ب كر و هو عل ـى ال ـمنبر‪ :‬يا أي ها الناس إن كم تقرءون هذه الَ ية‬
‫ل إذَا ا ْه َت َد ْيتُ ـمْ وإن الناس إذا رأوا الظال ـم فل ـم‬
‫ض ّركُ مْ مَ نْ ضَ ّ‬
‫ل يَ ُ‬
‫عل ـى غ ير موضع ها‪َ :‬‬
‫يأخذوا علـى يديه‪ ,‬عمهم ال بعقابه‪.‬‬
‫‪10112‬ــ حدثنــي الــحرث‪ ,‬قال‪ :‬حدثنـا عبـد العزيـز‪ ,‬قال‪ :‬ثنــي عيسـى بـن الــمسيب‬
‫البجل ـي‪ ,‬حدث نا ق ـيس بن أب ـي حازم‪ ,‬قال‪ :‬سمعت أب ـا ب كر ال صدّيق ر ضي ال ع نه يقرأ‬
‫ن ضَلّ إذَا ا ْه َت َد ْيتُـمْ فقال‪ :‬سمعت‬
‫ل َيضُ ّركُ مْ مَ ْ‬
‫سكُمْ َ‬
‫ن آ َمنُوا عَلَـ ْيكُمْ أ ْنفُ َ‬
‫هذه الَ ية‪ :‬يا أيّها اّلذِي َ‬
‫رسول ال صلى ال عليه وسلم يقول‪« :‬إذَا رأى النّا سُ الـمُ ْن َكرَ فَلَـمْ ُي َغيّرُو ُه والظّالِـمَ فَلَـمْ‬
‫شكُ أنْ َي ُع ّم ُهمُ الّلهُ ِمنْ ُه ِبعِقابٍ»‪.‬‬
‫َي ْأخُذُوا علـى َي َديْهِ‪ ,‬فَـيُو ِ‬
‫حدثنا الربـيع‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا أسد بن موسى‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا سعيد بن سالـم‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا منصور‬
‫بـن دينار‪ ,‬عن عبـد ال ـملك بن ميسـرة‪ ,‬عن ق ـيس بـن أبــي حازم‪ ,‬قال‪ :‬صـعد أ بو بكـر‬
‫الـمنبر‪ ,‬منبر رسول ال صلى ال عليه وسلم‪ ,‬فحمد ال وأثنى علـيه‪ ,‬ثم قال‪ :‬يا أيها الناس‬
‫إنكم لتتلون آية من كتاب ال‪ ,‬وتعدّونها رخصة وال ما أنزل ال فـي كتابه أشدّ منها‪ :‬يا أيّها‬
‫ض ّركُم ْـ مَن ْـ ضَلّ إذَا ا ْه َت َد ْيتُــمْ وال لتأمرنّـ بــالـمعروف‪,‬‬
‫اّلذِينَـ آ َمنُوا عَلَــيْ ُكمْ أنْفُسَـُكمْ لَ َي ُ‬
‫ولتنهونّ عن الـمنكر‪ ,‬أو لـيعمنكم ال منه بعقاب‪.‬‬
‫حدثنا مـحمد بن سيّار‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا إسحاق بن إدريس‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا سعيد بن زيد‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا‬
‫م ـجالد بن سعيد‪ ,‬عن ق ـيس بن أب ـي حازم‪ ,‬قال‪ :‬سمعت أب ـا ب كر يقول وهوي خ طب‬
‫ن آ َمنُوا عَلَ ـ ْي ُكمْ‬
‫الناس‪ :‬يا أي ها الناس إن كم تقرءون هذه الَ ية‪ ,‬ول تدرون ما هي‪ :‬يا أيّ ها اّلذِي َ‬
‫ض ّركُمْ مَ نْ ضَلّ إذَا ا ْه َت َد ْيتُـمْ وإنـي سمعت رسول ال صلى ال عليه وسلم يقول‪:‬‬
‫س ُكمْ لَ َي ُ‬
‫أنْفُ َ‬
‫ع ّم ُهمُ الّلهُ ِبعِقابٍ»‪.‬‬
‫ن النّاسَ إذَا رَأوْا ُم ْنكَرا فَلَـمْ ُي َغّيرُوهُ َ‬
‫«إ ّ‬
‫وقال آخرون‪ :‬بل معنى هذه الَية‪ :‬ل يضرّكم من حاد عن قصد السبـيـل وكفر بـال من‬
‫أهل الكتاب‪ .‬ذكر من قال ذلك‪:‬‬
‫‪ 10113‬ـ حدثنـي يعقوب‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا هشيـم‪ ,‬عن أبـي بشر‪ ,‬عن سعيد بن جبـير‪ ,‬فـي‬
‫ل إذَا ا ْه َت َد ْيتُـمْ قال‪ :‬يعنـي‪ :‬من ضلّ من أهل الكتاب‪.‬‬
‫ض ّركُ ْم مَنْ ضَ ّ‬
‫ل يَ ُ‬
‫قوله‪َ :‬‬
‫حدثنا ابن بشار‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا مـحمد بن جعفر‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا شعبة‪ ,‬عن أبـي بشر‪ ,‬عن سعيد‬
‫ل إذَا ا ْه َت َد ْيتُـمْ قال‪ :‬أنزلت فـي أهل الكتاب‪.‬‬
‫ض ّر ُكمْ مَنْ ضَ ّ‬
‫بن جبـير فـي هذه الَية‪ :‬ل يَ ُ‬
‫وقال آخرون‪ :‬عنـي بذلك كلّ من ضلّ عن دين ال الـحقّ‪ .‬ذكر من قال ذلك‪:‬‬
‫‪ 10114‬ـ حدثنـي يونس بن عبد العلـى‪ ,‬قال‪ :‬أخبرنا ابن وهب‪ ,‬قال‪ :‬قال ابن زيد‪ ,‬فـي‬
‫ن ضَلّ إذَا ا ْه َتدَ ْيتُـمْ قال‪ :‬كان الرجل إذا‬
‫ضرّكُ مْ مَ ْ‬
‫س ُكمْ لَ َي ُ‬
‫ن آ َمنُوا عَلَـ ْي ُكمْ أنْفُ َ‬
‫قوله‪ :‬يا أيّها اّلذِي َ‬
‫أسـلـم‪ ,‬قالوا له‪ :‬سـفّهت آبــاءك وضللّتهـم‪ ,‬وفعلت وفعلت‪ ,‬وجعلت آبــاءك كذا وكذا‪ ,‬كان‬
‫ضرّكُ مْ‬
‫س ُكمْ لَ َي ُ‬
‫ن آ َمنُوا عَلَـ ْي ُكمْ أنْفُ َ‬
‫ينبغي لك أن تنصرهم وتفعل فقال ال تعالـى‪ :‬يا أيّها اّلذِي َ‬
‫ن ضَلّ إذَا ا ْه َت َد ْيتُـمْ‪.‬‬
‫مَ ْ‬
‫وأول ـى هذه القوال‪ ,‬وأ صحّ التأويلت عند نا بتأوي ـل هذه الَ ية ما رُوي عن أب ـي ب كر‬
‫س ُكمْ‪ :‬الزموا الع مل بطا عة ال‪ ,‬وب ـما‬
‫ن آ َمنُوا عَلَ ـ ْي ُكمْ أنْفُ َ‬
‫ال صدّيق ف ـيها‪ ,‬و هو‪ :‬يا أيّ ها اّلذِي َ‬
‫ن ضَلّ إذَا ا ْه َت َد ْيتُـمْ يقول‪ :‬فإنه ل يضرّكم‬
‫ل َيضُ ّركُ مْ مَ ْ‬
‫أمركم به‪ ,‬وانتهوا عما نهاكم ال عنه‪َ .‬‬
‫ضلل مـن ضلّ إذا أنتــم رمتــم العمـل بطاعـة ال‪ ,‬وأدّيتــم فــيـمن ضلّ مـن الناس مـا‬
‫ألزم كم ال به ف ـيه من فرض ال مر ب ـالـمعروف والن هي عن ال ـمنكر‪ ,‬الذي يرك به أو‬
‫يحاول ركوبه‪ ,‬والخذ علـى يديه إذا رام ظلـما لـمسلـم أو معاهد ومنعه منه فأبى النزوع‬
‫عن ذلك‪ ,‬ول ضير علـيكم فـي تـماديه فـي غيه وضلله إذا أنتـم اهتديتـم وأدّيتـم حقّ‬
‫ال تعالـى فـيه‪.‬‬
‫وإنـما قلنا ذلك أولـى التأويلت فـي ذلك بـالصواب‪ ,‬لن ال تعالـى أمر الـمؤمنـين‬
‫أن يقوموا ب ـالقسط ويتعاونوا عل ـى البرّ والتقوى و من الق ـيام ب ـالقسط‪ :‬ال خذ عل ـى يد‬
‫الظال ـم و من التعاون عل ـى البرّ والتقوى‪ :‬ال مر ب ـالـمعروف‪ .‬وهذا مع ما تظاهرت به‬
‫الخبـار عن رسول ال صلى ال عل يه وسلم من أمره بـالمر بـالـمعروف والنهي عن‬
‫الـمنكر ولو كان للناس َترْك ذلك‪ ,‬لـم يكن للمر به معنى إل فـي الـحال التـي رخص‬
‫فـيه رسول ال صلى ال عليه وسلم ترك ذلك‪ ,‬وهي حال العجز عن القـيام به بـالـجوارح‬
‫الظاهرة فـيكون مرخ صا له تر كه إذا قام حينئذ بأداء فرض ال عل ـيه فـي ذلك بقل به‪ .‬وإذا‬
‫كان ما و صفنا من التأوي ـل ب ـالَية أول ـى‪ ,‬فب ـيّن أ نه قد دخ ـل ف ـي مع نى قوله‪ :‬إذا‬
‫ا ْه َت َديْتُـمْ ما قاله حذيفة وسعيد بن الـمسيب‪ ,‬من أن ذلك‪ :‬أذا أمرتـم بـالـمعروف ونهيتـم‬
‫عن الـمنكر‪ ,‬ومعنى ما رواه أبو ثعلبة الـخشنـي عن رسول ال صلى ال عليه وسلم‪.‬‬
‫جمِيعا فَـ ُي َن ّب ُئكُمْ بِـمَا ُك ْنتُـ ْم َت ْعمَلُونَ‪.‬‬
‫القول فـي تأويـل قوله تعالـى‪ :‬إلـى اللّ ِه َم ْرجِ ُع ُكمْ َ‬
‫يقول تعالــى ذكره لل ـمؤمنـين من عبــاده‪ :‬اعملوا أي ها الــمؤمنون ب ـما أمرتكـم به‪,‬‬
‫وانتهوا عما نهيتكم عنه‪ ,‬ومروا أهل الزيغ والضلل وما حاد عن سبـيـلـي بـالـمعروف‪,‬‬
‫وانهو هم عن ال ـمنكر فإن قبلوا فل هم ول كم‪ ,‬وإن ت ـمادوا ف ـي غي هم وضللهـم فإن إل ـيّ‬
‫مرجع جميعكم ومصيركم فـي الَخرة ومصيرهم‪ ,‬وأنا العالـم بـما يعمل جميعكم من خير‬
‫وشرّ‪ ,‬فأُخبر هناك كلّ فريق منكم بـما كان يعمله فـي الدنـيا ثم أجازيه علـى عمله الذي‬
‫قدم به علـيّ جزاءه حسب استـحقاقه‪ ,‬فإنه ل يخفـى علـيّ عمل عامل منكم من ذكر أو‬
‫أنثى‪.‬‬

‫‪106‬‬ ‫الية ‪:‬‬


‫ح َدكُمُ ا ْلمَ ْوتُ‬
‫حضَرَ َأ َ‬
‫شهَادَ ُة َب ْي ِنكُ ْم ِإذَا َ‬
‫ن آ َمنُو ْا َ‬
‫{يِا َأ ّيهَا اّلذِي َ‬ ‫القول فـي تأويـل قوله تعالـى‪:‬‬
‫ض فَأَ صَابَ ْتكُم‬
‫ن أَنتُ ْم ضَ َر ْبتُ ْم فِي الرْ ِ‬
‫غ ْي ِركُ مْ إِ ْ‬
‫ن مِ نْ َ‬
‫خرَا ِ‬
‫عدْلٍ ّم ْنكُ مْ َأوْ آ َ‬
‫ن ذَوَا َ‬
‫صيّةِ ا ْثنَا ِ‬
‫حِي نَ ا ْلوَ ِ‬
‫ش َترِي ِب هِ َثمَنا وَلَ ْو كَا نَ‬
‫ن بِاللّ هِ ِإ نِ ا ْر َت ْبتُ مْ لَ َن ْ‬
‫حبِ سُو َن ُهمَا مِن َب ْعدِ ال صّلَ ِة َفيُقْ سِمَا ِ‬
‫ت َت ْ‬
‫مّ صِيبَ ُة ا ْلمَوْ ِ‬
‫ن الَ ِثمِينَ }‪..‬‬
‫شهَادَ َة الّلهِ ِإنّآ ِإذَا ّلمِ َ‬
‫ذَا ُقرْ َبىَ َولَ َن ْك ُتمُ َ‬
‫ِينـ آ َمنُوا شَهادَ ُة بَــْي ِنكُمْ يقول‪ :‬لــيشهد‬
‫يقول تعالــى ذكره للــمؤمنـين بـه‪ :‬يـا أيّهـا اّلذ َ‬
‫عدْلٍ ِم ْنكُم ْـ‬
‫صيّةِ يقول‪ :‬و قت الوصـية‪ ,‬اثْنانِـ ذَوَا َ‬
‫ت حِينَـ الوَ ِ‬
‫ح َدكُمُـ ال ـمَوْ ُ‬
‫حضَرَ أ َ‬
‫بــينكم إذَا َ‬
‫يقول‪ :‬ذوا رشد وعقل وحِجا من الـمسلـمين‪ .‬كما‪:‬‬
‫‪ 10115‬ـ حدثنا مـحمد بن بشار‪ ,‬وعبـيد ال بن يوسف الـجبـيري‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا مؤمل بن‬
‫ش ِهدُوا ذَوَ يْ‬
‫إ سماعيـل‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا شع بة‪ ,‬عن قتادة‪ ,‬عن سعيد بن ال ـمسيب‪ ,‬ف ـي قوله‪ :‬وأ ْ‬
‫ل ِم ْنكُمْ قال‪ :‬ذوا عقل‪.‬‬
‫عدْ ٍ‬
‫َ‬
‫عدْلٍ ِم ْنكُ مْ فقال بعضهم‪ :‬عنـي به‪ :‬من أهل‬
‫واختلف أهل التأويـل فـي تأويـل قوله‪َ :‬ذوَا َ‬
‫ملتكم‪ .‬ذكر من قال ذلك‪:‬‬
‫‪ 10116‬ـ حدثنا حميد بن مسعدة‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا يزيد بن زريع‪ ,‬عن سعيد‪ ,‬عن قتادة‪ ,‬عن سعيد‬
‫بن الـمسيب‪ ,‬قال‪ :‬شاهدان ذوا عدل منكم من الـمسلـمين‪.‬‬
‫‪ 10117‬ـ حدث نا عمروان بن مو سى القزّاز‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا ع بد الوارث بن سعيد‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا‬
‫عدْلٍ ِم ْن ُكمْ من الـمسلـمين‪.‬‬
‫إسحاق بن سويد‪ ,‬عن يحيى بن يعمر‪ ,‬فـي قوله‪ :‬اثْنانِ َذوَا َ‬
‫حدثنا ابن بشار وابن الـمثنى‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا ابن أبـي عديّ‪ ,‬عن سعيد‪ ,‬عن قتادة‪ ,‬عن سعيد‬
‫عدْلٍ ِم ْن ُكمْ قال‪ :‬اثنان من أهل دينكم‪.‬‬
‫ن ذَوَا َ‬
‫بن الـمسيب‪ ,‬فـي قوله‪ :‬اثْنا ِ‬
‫‪10118‬ـ حدثنا أبو كريب‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا ابن إدريس‪ ,‬عن أشعث‪ ,‬عن ابن سيرين‪ ,‬عن عبـيدة‪,‬‬
‫ل ِم ْنكُ ْم قال‪ :‬من الـملة‪.‬‬
‫عدْ ٍ‬
‫قال‪ :‬سألته‪ ,‬عن قول ال تعالـى‪ :‬اثْنانِ ذَوَا َ‬
‫حدثنا أبو كريب‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا ابن إدريس‪ ,‬عن هشام‪ ,‬عن ابن سيرين‪ ,‬عن عبـيدة‪ ,‬بـمثله‪,‬‬
‫إل أنه قال فـيه‪ :‬من أهل الـملة‪.‬‬
‫حدثن ـي يعقوب‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا ا بن عل ـية‪ ,‬عن هشام‪ ,‬عن ا بن سيرين‪ ,‬قال‪ :‬سألت عب ـيدة‬
‫عدْلٍ ِم ْن ُكمْ قال‪ :‬من أهل الـملة‪.‬‬
‫ن ذَوَا َ‬
‫عن هذه الَية‪ :‬اثْنا ِ‬
‫حدثنا ابن وكيع‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا أبـي‪ ,‬عن ابن عون‪ ,‬عن ابن سيرين‪ ,‬عن عبـيدة‪ ,‬مثله‪.‬‬
‫حدث نا ا بن وك يع‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا ح سين‪ ,‬عن زائدة‪ ,‬عن هشام‪ ,‬عن ا بن سيرين‪ ,‬قال‪ :‬سألت‬
‫عبـيدة‪ ,‬فذكر مثله‪.‬‬
‫‪ 10119‬ـ حدثنا ابن وكيع‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا ابن مهدي‪ ,‬عن حماد‪ ,‬عن ابن أبـي نـجيح‪ ,‬وقال‪:‬‬
‫حدثنا مالك بن إسماعيـل‪ ,‬عن حماد بن زيد‪ ,‬عن ابن أبـي نـجيح‪ ,‬عن مـجاهد‪ ,‬مثله‪.‬‬
‫‪ 10120‬ـ حدثنـي مـحمد بن سعد‪ ,‬قال‪ :‬ثنـي أبـي‪ ,‬قال‪ :‬ثنـي عمي‪ ,‬قال‪ :‬ثنـي أبـي‪,‬‬
‫عدْلٍ ِم ْن ُكمْ قال‪ :‬ذوا عدل من أهل السلم‪.‬‬
‫عن أبـيه‪ ,‬عن ابن عبـاس‪َ :‬ذوَا َ‬
‫عدْلٍ‬
‫‪ 10121‬ـ حدثن ـي يو نس‪ ,‬قال‪ :‬أخبر نا ا بن و هب‪ ,‬قال‪ :‬قال ا بن ز يد‪ ,‬ف ـي قوله‪ :‬ذَوَا َ‬
‫ِم ْنكُمْ قال‪ :‬من الـمسلـمين‪.‬‬
‫حدثنـا بشـر بـن معاذ‪ ,‬قال‪ :‬حدثنـا يزيـد‪ ,‬قال‪ :‬حدثنـا سـعيد‪ ,‬عـن قتادة‪ ,‬قال‪ :‬كان سـعيد بـن‬
‫عدْلٍ ِم ْن ُكمْ‪ :‬أي من أهل السلم‪.‬‬
‫ن ذَوَا َ‬
‫الـمسيب يقول‪ :‬اثْنا ِ‬
‫حيـ الــموصي‪ ,‬وذلك قول رُوِي عـن عكرمـة‬
‫ّ‬ ‫وقال آخرون‪ :‬عنــي بذلك‪ :‬ذوا عدل مـن‬
‫وعبـيدة وعدّة غيرهما‪.‬‬
‫واختلفوا ف ـي صفة الثن ـين اللذ ين ذكره ما ال ف ـي هذه الَ ية ما هي‪ ,‬و ما ه ما؟ فقال‬
‫بعضهم‪ :‬هما شاهدان يشهدان علـى وصية الـموصي‪ .‬وقال آخرون‪ :‬هما وصيان‪.‬‬
‫وتأوي ـل الذ ين زعموا أنه ما شاهدان‪ ,‬قوله‪ :‬شَهادَةُ بَ ـ ْينِ ُكمْ ل ـيشهد شاهدان ذوا عدل من كم‬
‫علـى وصيتكم‪ .‬وتأويـل الذين قالوا‪ :‬هما وصيان ل شاهدان‪ ,‬قوله‪ :‬شَهادَةُ بَـ ْي ِن ُكمْ بـمعنى‬
‫ال ـحضور والشهود ل ـما يو صيهما به ال ـمريض‪ ,‬من قولك‪ :‬شهدت و صية فلن‪ ,‬ب ـمعنى‬
‫حضرته‪.‬‬
‫عدْلٍ ِم ْنكُ مْ تأويـل من تأوّله بـمعنى‪ :‬أنهما من أهل‬
‫وأولـى التأويـلـين بقوله‪ :‬اثْنا نِ َذوَا َ‬
‫الـملة دون من تأوّله أنهما من حيّ الـموصي‪.‬‬
‫وإن ـما قل نا ذلك أول ـى التأوي ـلـين ب ـالَية‪ ,‬لن ال تعال ـى عم ال ـمؤمنـين بخطاب هم‬
‫صيّةِ‬
‫ت حِي نَ الوَ ِ‬
‫ح َدكُ مُ ال ـمَوْ ُ‬
‫ضرَ أ َ‬
‫بذلك ف ـي قوله‪ :‬يا أيّ ها اّلذِي نَ آ َمنُوا شَهادَ ُة بَ ـ ْي ِنكُمْ إذَا حَ َ‬
‫عدْلٍ ِم ْنكُ مْ فغير جائز أن يُصرف ما عمه ال تعالـى إلـى الـخصوص إل بحجة‬
‫ن ذَوَا َ‬
‫اثْنا ِ‬
‫يجـب التسـلـيـم لهـا‪ .‬وإذ كان ذلك كذلك‪ ,‬فــالواجب أن يكون العائد مـن ذكرهـم علــى‬
‫العموم‪ ,‬كما كان ذكرهم ابتداء علـى العموم‪.‬‬
‫وَأوْلَـى الـمعنـيـين بقوله‪ :‬شَهادَةُ بَـ ْي ِنكُمْ الـيـمين‪ ,‬ل الشهادة التـي يقوم بها من عنده‬
‫شهادة لغيره ل ـمن هي عنده عل ـى من هي عل ـيه ع ند ال ـحكام لنّا ل نعل ـم ل تعال ـى‬
‫حكمـا يجـب فــيه علــى الشاهـد الــيـمين‪ ,‬فــيكون جائزا صـرف الشهادة فــي هذا‬
‫الـموضع إلـى الشهادة التـي يقوم بها بعض الناس عند الـحكام والئمة‪ .‬وفـي حكم الَية‬
‫فــي هذه الــيـمين علــى ذوي العدل‪ ,‬وعلــى مـن قام مقامهـم فــي الــيـمين بقوله‪:‬‬
‫ن بـاللّهِ أوضح الدلـيـل علـى صحة ما قلنا فـي‬
‫ن َب ْعدِ ال صّل ِة فَـيُقْسمِا ِ‬
‫ح ِبسُوَنهُما ِم ْ‬
‫تَـ ْ‬
‫ذلك مـن أن الشهادة فــيه اليــمان دون الشهادة التــي يقضـي بهـا للــمشهود له علــى‬
‫الـمشهود علـيه‪ ,‬وفساد ما خالفه‪ .‬فإن قال قائل‪ :‬فهل وجدت في حكم ال تعالى يمينا تجب‬
‫على المدّ عي فتو جه قولك في الشهادة في هذا المو ضع إلى ال صحة؟ فإن قلت‪ :‬ل‪ ,‬تبين ف ساد‬
‫تأويلك ذلك على ما تأوّلت‪ ,‬لنه يجب على هذا التأويل أن يكون المقسمان في قوله‪ :‬فإ نْ عُثرَا‬
‫لوْلَيا نِ َفيُقْ سِمانِ بالّل هِ‬
‫حقّ عََل ْيهِ مُ ا َ‬
‫ستَ َ‬
‫نا ْ‬
‫ن اّلذِي َ‬
‫خرَا نِ يَقُوما نِ مَقا َمهُما مِ َ‬
‫س َتحَقّا إثْما فآ َ‬
‫على أ ّنهُما ا ْ‬
‫ن شَها َد ِتهِ ما ه ما المدعي ين‪ .‬وإن قلت بلى‪ ,‬ق يل لك‪ :‬و في أ يّ ح كم ال تعالى‬
‫لشَها َدتُ نا أحَ قّ مِ ْ‬
‫وجدت ذلك؟ ق يل‪ :‬وجد نا ذلك في أك ثر المعا ني‪ ,‬وذلك في حكم الر جل يدّ عي قِبَل رجل مالً‪,‬‬
‫فيقرّ به المدّ عي عل يه قبله ذلك ويد عي قضاءه‪ ,‬فيكون القول قول ر بّ الد ين‪ ,‬والر جل يعترف‬
‫في يد الرجل السلعة‪ ,‬فيزعم المعترَفة في يده أنه اشتراها من المدّعي أو أن المدّعي وهبها له‪,‬‬
‫وما أش به ذلك مما يك ثر إح صاؤه‪ .‬وعلى هذا الو جه أوجب ال تعالى في هذا المو ضع اليم ين‬
‫على المدّعيين اللذين عثرا على الجانيين فيما جنيا فيه‪.‬‬
‫ل ِم ْنكُ مْ‪ .‬فقال بعض‬
‫عدْ ٍ‬
‫واختلف أهل العربية في الرافع قوله‪ :‬شَهادَ ُة َب ْي ِنكُ مْ‪ ,‬وقوله‪ :‬اثْنا نِ ذَوَا َ‬
‫ُمـ شهادة اثنيـن ذوي عدل‪ ,‬ثـم ألقيـت الشهادة وأقيـم‬
‫نحويـي البصـرة‪ :‬معنـى قوله‪ :‬شَهادَ ُة َب ْينِك ْ‬
‫الثنان مقامها‪ ,‬فارتفعا بما كانت الشهادة به مرتفعة لو جعلت في الكلم‪ .‬قال‪ :‬وذلك في حذف‬
‫ما حذف منه وإقامة ما أقيم مقام المحذوف‪ ,‬نظير قوله‪ :‬وَاسأَلِ ال َقرْيَ َة وإنما يريد‪ :‬واسأل أهل‬
‫القر ية‪ ,‬وانت صبت القر ية بانت صاب ال هل وقا مت مقا مه‪ ,‬ثم ع طف قوله‪« :‬أو آخران» على‬
‫«الثنين»‪.‬‬
‫وقال بعض نحويي الكوفة‪ :‬رفع الثنين بالشهادة‪ :‬أي ليشهدكم اثنان من المسلمين‪ ,‬أو آخران‬
‫من غيركم‪ .‬وقال آخر منهم‪ :‬رفعت الشهادة ب «إذا حضر»‪ .‬وقال‪ :‬إنما رفعت بذلك لنه قال‪:‬‬
‫ل الخلق‪ ,‬لنه‬
‫«إذا حضر»‪ ,‬فجعلها شهادة محذوفة مستأنفة‪ ,‬ليست بالشهادة التي قد رفعت لك ّ‬
‫ن غي ِركُمْ‪ ,‬وهذه شهادة ل تقع إل في هذا الحال‪ ,‬وليست مما ثبت‪.‬‬
‫ن مِ ْ‬
‫خرَا ِ‬
‫قال تعالى ذكره‪ :‬أوْ آ َ‬
‫ضرَ‬
‫ح َ‬
‫وأولى هذه القوال في ذلك عندي بالصواب‪ ,‬قول من قال‪ :‬الشهادة مرفوعة بقوله‪ :‬إذَا َ‬
‫ض َر بمعنـى‪ :‬عنـد حضور أحدكـم الموت‪ ,‬والثنان مرفوع بالمعنـى المتوهـم‪,‬‬
‫ح َ‬
‫لن قوله‪ :‬إذا َ‬
‫وهو أن يش هد اثنان‪ ,‬فاكت في من ق يل أن يش هد بما قد جري من ذكر الشهادة في قوله‪ :‬شَهادَةُ‬
‫َب ْي ِنكُمْ‪.‬‬
‫وإنما قلنا ذلك أولى بالصواب‪ ,‬لن الشهادة مصدر في هذا الموضع‪ ,‬والثنان اسم‪ ,‬والسم ل‬
‫يكون مصـدرا‪ ,‬غيـر أن العرب قـد تضـع السـماء مواضـع الفعال‪ .‬فالمـر وإن كان كذلك‪,‬‬
‫فصرف كل ذلك إلى أصحّ وجوهه ما وجدنا إليه سبيلً أولى بنا من صرفه إلى أضعفها‪.‬‬
‫ن مِنْ غي ِركُمْ‪.‬‬
‫خرَا ِ‬
‫القول في تأويل قوله تعالى‪ :‬أ ْو آ َ‬
‫يقول تعالى ذكره للمؤمن ين‪ :‬ليش هد بين كم إذا ح ضر أحد كم الموت عدلن من الم سلمين‪ ,‬أو‬
‫آخران من غير المسلمين‪.‬‬
‫ن مِنْ غي ِر ُكمْ فقال بعضهم‪ :‬معناه‪ :‬أو آخران‬
‫خرَا ِ‬
‫وقد اختلف أهل التأويل في تأويل قوله‪ :‬أ ْو آ َ‬
‫من غير أهل ملتكم نحو الذي قلنا فيه‪ .‬ذكر من قال ذلك‪:‬‬
‫‪ 10122‬ـ حدثنا حميد بن مسعدة‪ ,‬وبشر بن معاذ‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا يزيد بن زريع‪ ,‬عن سعيد‪ ,‬عن‬
‫ن غي ِركُمْ من أهل الكتاب‪.‬‬
‫ن مِ ْ‬
‫خرَا ِ‬
‫قتادة‪ ,‬عن سعيد بن المسيب‪ :‬أوْ آ َ‬
‫حدث نا مح مد بن بشار‪ ,‬ومح مد بن المث نى‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا مح مد بن جع فر‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا شع بة‪,‬‬
‫خرَانِ ِمنْ غي ِر ُكمْ‪ :‬من أهل الكتاب‪.‬‬
‫قال‪ :‬سمعت قتادة يحدّث‪ ,‬عن سعيد بن المسيب‪ :‬أ ْو آ َ‬
‫حدثني أبو حفص الجبيري عبيد ال بن يوسف‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا مؤمل بن إسماعيل‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا‬
‫شعبة‪ ,‬عن قتادة‪ ,‬عن سعيد بن المسيب‪ ,‬مثله‪.‬‬
‫حدثنا محمد بن بشار‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا ابن أبي عديّ‪ ,‬عن سعيد‪ ,‬عن قتادة‪ ,‬عن سعيد‪ ,‬مثله‪.‬‬
‫‪ 10123‬ـ حدثني يعقوب‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا هشيم‪ ,‬قال‪ :‬أخبرنا مغيرة‪ ,‬عن إبراهيم وسليمان التيّمي‪,‬‬
‫ن غي ِر ُكمْ قال‪ :‬من غير أهل ملتكم‪.‬‬
‫خرَانِ مِ ْ‬
‫عن سعيد بن المسيب‪ ,‬أنهما قال في قوله‪ :‬أ ْو آ َ‬
‫‪ 10124‬ـ حدثني يعقوب‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا هشيم‪ ,‬قال‪ :‬أخبرنا مغيرة‪ ,‬قال‪ :‬ثني من سمع سعيد بن‬
‫جبير‪ ,‬يقول‪ ,‬مثل ذلك‪.‬‬
‫‪10125‬ـ حدثني يعقوب‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا هشيم‪ ,‬قال‪ :‬أخبرنا التيمي‪ ,‬عن أبي مجلز‪ ,‬قال‪ :‬من غير‬
‫أهل ملتكم‪.‬‬
‫‪ 10126‬ـ حدث نا ا بن بشار‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا مح مد بن جع فر‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا شع بة‪ ,‬عن مغيرة‪ ,‬عن‬
‫إبراهيم‪ ,‬مثله‪.‬‬
‫‪10127‬ـ حدثنا ابن وكيع‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا جرير‪ ,‬عن مغيرة‪ ,‬عن إبراهيم‪ ,‬قال‪ :‬إن كان قربه أحد‬
‫من المسلمين أشهدهم‪ ,‬وإل أشهد رجلين من المشركين‪.‬‬
‫‪10128‬ـ حدثنا عمرو بن عليّ‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا قتيبة‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا هشيم‪ ,‬عن المغيرة‪ ,‬عن إبراهيم‪,‬‬
‫ن غي ِر ُكمْ قال‪ :‬من غير أهل ملتكم‪.‬‬
‫خرَانِ مِ ْ‬
‫وسعيد بن جبير‪ ,‬في قوله‪ :‬أ ْو آ َ‬
‫خرَا نِ‬
‫حدثنا عمرو‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا يحيى بن سعيد‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا سعيد‪ ,‬عن قتادة‪ ,‬عن سعيد‪ :‬أ ْو آ َ‬
‫ن غي ِركُمْ قال‪ :‬من أهل الكتاب‪.‬‬
‫مِ ْ‬
‫حدثنـا عمرو‪ ,‬قال‪ :‬حدثنـا محمـد بـن سـواء‪ ,‬قال‪ :‬حدثنـا سـعيد‪ ,‬عـن قتادة‪ ,‬عـن سـعيد بـن‬
‫المسيب‪ ,‬مثله‪.‬‬
‫حدثنا هناد‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا وكيع‪ ,‬وحدثنا ابن وكيع‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا أبي‪ ,‬عن شعبة‪ ,‬عن قتادة‪ ,‬عن‬
‫سعيد بن المسيب‪ ,‬مثله‪.‬‬
‫‪ 10129‬ـ حدثنا عمران بن موسى‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا عبد الوارث بن سعيد‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا إسحاق بن‬
‫ل ِم ْنكُ مْ من الم سلمين‪ ,‬فإن لم تجدوا من‬
‫عدْ ٍ‬
‫ن ذَوَا َ‬
‫سويد‪ ,‬عن يح يى بن يع مر‪ ,‬في قوله‪ :‬اثْنا ِ‬
‫المسلمين‪ ,‬فمن غير المسلمين‪.‬‬
‫‪ 10130‬ـ حدثنا المثنى‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا عبد العلى‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا داود‪ ,‬عن عامر‪ ,‬عن شريح‪ ,‬في‬
‫عدْلٍ‬
‫ن ذَوَا َ‬
‫صيّ ِة اثْنا ِ‬
‫حدَكُمُ المَوْتُ حِينَ الوَ ِ‬
‫حضَ َر أ َ‬
‫ن آ َمنُوا شَهادَ ُة َب ْينِكُمْ إذَا َ‬
‫هذه الَية‪ :‬يا أيّها اّلذِي َ‬
‫ُمـ قال‪ :‬إذا كان الرجـل بأرض غربـة ولم يجـد مسـلما يشهده على‬
‫ِنـ غي ِرك ْ‬
‫َانـ م ْ‬
‫خر ِ‬ ‫ُمـ أ ْو آ َ‬
‫ِم ْنك ْ‬
‫وصـيته‪ ,‬فأشهـد يهوديّا أو نصـرانيا أو مجوسـيا‪ ,‬فشهادتهـم جائزة‪ .‬فإن جاء رجلن مسـلمان‬
‫خ َريْن‪.‬‬
‫لَ‬‫فشهدا بخلف شهادتهما‪ ,‬أجيزت شهادة المسلمين‪ ,‬وأبطلت شهادة ا َ‬
‫‪10131‬ـ حدثني يعقوب‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا هشيم‪ ,‬قال‪ :‬أخبرنا العمش‪ ,‬عن إبراهيم‪ ,‬عن شريح‪ :‬أنه‬
‫كان ل يجيـز شهادة اليهود والنصـارى على مسـلم إل فـي الوصـية‪ ,‬ول يجيـز شهادتهمـا على‬
‫الوصية إل إذا كانوا في سفر‪.‬‬
‫حدثنا عمرو بن عليّ‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا أبو معاوية ووكيع‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا العمش‪ ,‬عن إبراهيم‪ ,‬عن‬
‫شريح‪ ,‬قال‪ :‬ل تجوز شهادة اليهود والنصارى إل في سفر‪ ,‬ول تجوز في سفر إل في وصية‪.‬‬
‫حدثنا ابن وكيع‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا أبي‪ ,‬عن العمش‪ ,‬عن إبراهيم‪ ,‬عن شريح‪ ,‬نحوه‪.‬‬
‫‪ 10132‬ـ حدثنا عمرو بن عل يّ‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا محمد بن عبد ال بن الزبير السدي‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا‬
‫سفيان‪ ,‬عن منصور عن إبراهيم‪ ,‬قال‪ :‬كتب هشام بن هبيرة لمسلمة عن شهادة المشركين على‬
‫المسلمين‪ ,‬فكتب‪ :‬ل تجوز شهادة المشركين على المسلمين إل في وصية‪ ,‬ول يجوز في وصية‬
‫إل أن يكون الرجل مسافرا‪.‬‬
‫‪ 10133‬ـ حدثنا أبو كريب‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا ابن إدريس‪ ,‬عن أشهب‪ ,‬عن ابن سيرين‪ ,‬عن عبيدة‪,‬‬
‫ن مِنْ غي ِركُمْ قال‪ :‬من غير الملة‪.‬‬
‫خرَا ِ‬
‫قال‪ :‬سألته عن قول ال تعالى‪ :‬أ ْو آ َ‬
‫حدثنا أبو كريب‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا ابن إدريس‪ ,‬عن هشام‪ ,‬عن ابن سيرين‪ ,‬عن عبيدة‪ ,‬بمثله‪.‬‬
‫حدث ني يعقوب‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا ا بن عل ية‪ ,‬عن هشام‪ ,‬عن ا بن سيرين‪ ,‬قال‪ :‬سألت عبيدة‪ ,‬عن‬
‫ذلك فقال‪ :‬من غير أهل الملة‪.‬‬
‫حدثنا ابن وكيع‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا جرير‪ ,‬عن هشام‪ ,‬عن ابن سيرين‪ ,‬عن عبيدة‪ ,‬قال‪ :‬من غير‬
‫أهل الصلة‪.‬‬
‫حدثنا ابن وكيع‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا ابن إدريس‪ ,‬عن هشام‪ ,‬عن ابن سيرين‪ ,‬عن عبيدة‪ ,‬قال‪ :‬من‬
‫غير أهل دينكم‪.‬‬
‫حدثنا ابن وكيع‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا حسين‪ ,‬عن زائدة‪ ,‬عن هشام‪ ,‬عن ابن سيرين‪ ,‬عن عبيدة‪ ,‬قال‪:‬‬
‫من غير أهل الملة‪.‬‬
‫حدثنا عمرو بن عليّ‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا أبو داود‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا أبو حرّة‪ ,‬عن محمد بن سيرين‪ ,‬عن‬
‫ن مِنْ غي ِركُمْ قال‪ :‬من غير أهل ملتكم‪.‬‬
‫خرَا ِ‬
‫عبيدة‪ :‬أ ْو آ َ‬
‫حدثنا عمرو بن عل يّ‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا عبد الرحمن بن عثمان‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا هشام بن محمد‪ ,‬قال‪:‬‬
‫ن مِنْ غي ِركُمْ قال‪ :‬من غير أهل ملتكم‪.‬‬
‫خرَا ِ‬
‫سألت سعيد بن جبير عن قول ال‪ :‬أ ْو آ َ‬
‫‪ 10134‬ـ حدث نا ا بن وك يع‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا مالك بن إ سماعيل‪ ,‬عن حماد بن ز يد‪ ,‬عن ا بن أ بي‬
‫نجيح‪ ,‬عن مجاهد‪ ,‬مثله‪.‬‬
‫حدثنا عمرو‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا أبو داود‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا حماد بن زيد‪ ,‬عن ابن أبي نجيح‪ ,‬عن مجاهد‪,‬‬
‫قال‪ :‬من غير أهل ملتكم‪.‬‬
‫‪ 10135‬ـ حدثني محمد بن سعد‪ ,‬قال‪ :‬ثني أبي‪ ,‬قال‪ :‬ثني عمي‪ ,‬قال‪ :‬ثني أبي‪ ,‬عن أبيه‪ ,‬عن‬
‫ن غي ِر ُكمْ قال‪ :‬من غير أهل السلم‪.‬‬
‫خرَانِ مِ ْ‬
‫ابن عباس‪ :‬أ ْو آ َ‬
‫ن مِنْ‬
‫خرَا ِ‬
‫‪10136‬ـ حدثنا أبو كريب‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا أبو بكر بن عياش‪ ,‬قال‪ :‬قال أبو إسحاق‪ :‬أوْ آ َ‬
‫غي ِركُ مْ قال‪ :‬من اليهود والن صارى‪ .‬قال‪ :‬قال شر يح‪ :‬ل تجوز شهادة اليهود يّ والن صرانيّ إل‬
‫في وصية‪ ,‬ول تجوز في وصية إل في سفر‪.‬‬
‫‪ 10137‬ـ حدث ني يعقوب‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا هش يم‪ ,‬قال‪ :‬أخبر نا زكر يا‪ ,‬عن الش عبي‪ :‬أن رجلً من‬
‫المسلمين حضرته الوفاة بدَقُوقَا‪ ,‬ولم يجد أحدا من المسلمين يشهده على وصيته‪ ,‬فأشهد رجلين‬
‫من أهل الكتاب‪ .‬فقدما الكوفة‪ ,‬فأتيا الشعري فأخبراه‪ ,‬وقدما بتركته ووصيته‪ ,‬فقال الشعري‪:‬‬
‫هذا أ مر لم ي كن ب عد الذي كان في ع هد ر سول ال صلى ال عل يه و سلم‪ .‬فأحلفه ما‪ ,‬وأم ضى‬
‫شهادتهما‪.‬‬
‫‪ 10138‬ـ حدثنا عمرو بن عل يّ‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا أبو داود‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا شعبة‪ ,‬عن مغيرة الزرق‪,‬‬
‫عن الشعبيّ‪ :‬أن أبا موسى قضى بها بَدقُوقا‪.‬‬
‫‪ 10139‬ـ حدث نا عمرو‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا عثمان بن الهي ثم‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا عوف‪ ,‬عن مح مد‪ ,‬أ نه كان‬
‫ُمـ شاهدان مـن المسـلمين وغيـر‬
‫ِنـ غي ِرك ْ‬
‫َانـ م ْ‬
‫خر ِ‬ ‫ُمـ أ ْو آ َ‬
‫عدْلٍ ِم ْنك ْ‬
‫ْنانـ ذَوَا َ‬
‫يقول فـي قوله‪ :‬اث ِ‬
‫المسلمين‪.‬‬
‫ن مِنْ غي ِركُمْ‪ :‬من‬
‫خرَا ِ‬
‫‪10140‬ـ حدثني يونس‪ ,‬قال‪ :‬أخبرنا ابن وهب‪ ,‬قال‪ :‬قال ابن زيد‪ :‬أ ْو آ َ‬
‫غير أهل السلم‪.‬‬
‫حدثني المثنى‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا إسحاق‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا عبد الرحمن بن سعد‪ ,‬قال‪ :‬أخبرنا أبو حفص‪,‬‬
‫عن ليث‪ ,‬عن مجاهد‪ ,‬قال‪ :‬من غير أهل السلم‪.‬‬
‫‪10141‬ـ حدثني يونس‪ ,‬قال‪ :‬أخبرنا ابن وهب‪ ,‬قال‪ :‬أخبرني عبد ال بن عياش‪ ,‬قال‪ :‬قال زيد‬
‫بن أ سلم في هذه الَ ية‪ :‬شَهادَةُ َب ْي ِنكُ مْ‪ ...‬الَ ية كل ها‪ .‬قال‪ :‬كان ذلك في ر جل تُ ُوفّ يَ ول يس عنده‬
‫أ حد من أ هل ال سلم‪ ,‬وذلك في أوّل ال سلم والرض حرب والناس كفار‪ ,‬إل أن ر سول ال‬
‫صلى ال عل يه و سلم وأ صحابه بالمدي نة‪ ,‬وكان الناس يتوارثون بالو صية‪ ,‬ثم نُ سخت الو صية‬
‫وفُرضت الفرائض‪ ,‬وعمل المسلمون بها‪.‬‬
‫حيّكم وعشيرتكم‪ .‬ذكر من قال ذلك‪:‬‬
‫وقال آخرون‪ :‬بل معنى ذلك‪ :‬أو آخران من غير َ‬
‫جهْم‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا عوف‪ ,‬عن‬
‫‪10142‬ـ حدثنا عمرو بن عليّ‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا عثمان بن الهيثم بن ال َ‬
‫ن غي ِركُمْ قال‪ :‬شاهدان من قومكم ومن غير‬
‫خرَانِ ِم ْ‬
‫عدْلٍ ِم ْنكُمْ أوْ آ َ‬
‫الحسن‪ ,‬في قوله‪ :‬اثْنانِ َذوَا َ‬
‫قومكم‪.‬‬
‫‪10143‬ــ حدثنـا عمرو‪ ,‬قال‪ :‬حدثنـا أبـو داود‪ ,‬قال‪ :‬حدثنـا صـالح بـن أبـي الخضـر‪ ,‬عـن‬
‫الزهريـّ‪ ,‬قال‪ :‬مضـت السـنة أن ل تجوز شهادة كافـر فـي حضـر ول سـفر‪ ,‬إنمـا هـي فـي‬
‫المسلمين‪.‬‬
‫حدثنا بشر بن معاذ‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا يزيد‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا سعيد‪ ,‬عن قتادة‪ ,‬قال‪ :‬كان الحسن يقول‪:‬‬
‫ن غي ِركُ ْم قال‪ :‬من غير عشيرته‪.‬‬
‫ن مِ ْ‬
‫خرَا ِ‬
‫ل ِم ْن ُكمْ أي من عشيرته أوْ آ َ‬
‫عدْ ٍ‬
‫اثْنانِ ذَوَا َ‬
‫‪10144‬ـ حدثنا ابن وكيع‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا أبو أسامة‪ ,‬عن ثابت بن زيد‪ ,‬عن عاصم‪ ,‬عن عكرمة‪:‬‬
‫خرَانِ ِمنْ غي ِر ُكمْ قال‪ :‬من غير أهل حيكم‪.‬‬
‫أ ْو آ َ‬
‫حدث نا ا بن وك يع‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا ا بن مهد يّ‪ ,‬عن ثا بت بن ز يد‪ ,‬عن عا صم‪ ,‬عن عكر مة‪ :‬أوْ‬
‫خرَانِ ِمنْ غي ِر ُكمْ قال‪ :‬من غير حيكم‪.‬‬
‫آَ‬
‫حدثنا عمرو بن عل يّ‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا أبو داود‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا ثابت بن زيد‪ ,‬عن عاصم الحول‪,‬‬
‫خرَانِـ مِن ْـ غي ِركُم ْـ قال‪ :‬مـن غيـر أهـل حيـه يعنـي مـن‬
‫عـن عكرمـة فـي قول ال تعالى‪ :‬أوْ آ َ‬
‫المسلمين‪.‬‬
‫خرَانِ‬
‫حدثني الحرث بن محمد‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا عبد العزيز‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا مبارك‪ ,‬عن الحسن‪ :‬أ ْو آ َ‬
‫ن غي ِركُمْ قال‪ :‬من غير عشيرتك‪ ,‬ومن غير قومك كلهم من المسلمين‪.‬‬
‫مِ ْ‬
‫‪10145‬ـ حدثنا الحسن بن يحيى قال‪ :‬أخبرنا عبد الرزاق‪ ,‬قال‪ :‬أخبرنا معمر‪ ,‬عن أيوب‪ ,‬عن‬
‫ن غي ِر ُكمْ قال‪ :‬مسلمين من غير حيكم‪.‬‬
‫ن مِ ْ‬
‫خرَا ِ‬
‫ابن سيرين‪ ,‬عن عبيدة‪ ,‬قوله‪ :‬أوْ آ َ‬
‫‪10146‬ـ حدثني المثنى‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا عبد ال بن صالح‪ ,‬قال‪ :‬ثني الليث‪ ,‬قال‪ :‬ثني عقيل‪ ,‬قال‪:‬‬
‫ُمـ‬
‫ح َدك ُ‬
‫حضَرَ أ َ‬
‫ُمـ إذَا َ‬
‫ِينـ آ َمنُوا شَهادَةُ َب ْي ِنك ْ‬
‫سـألت ابـن شهاب عـن قول ال تعالى‪ :‬يـا أيّهـا اّلذ َ‬
‫ن قلت‪ :‬أرأيت الثنين اللذين ذكر ال من غير‬
‫المَوْ تُ‪ ...‬إلى قوله‪ :‬وَالّل ُه ل َي ْهدِي ال َقوْ َم الفا سِقِي َ‬
‫أهل المرء الموصي أهما من المسلمين أم هما من أهل الكتاب؟ وأرأيت الَخرين اللذين يقومان‬
‫مقامهما‪ ,‬أتراهما من غير أهل المرء الموصي؟ أم هما من غير المسلمين؟ قال ابن شهاب‪ :‬لم‬
‫نسمع في هذه الَية عن رسول ال صلى ال عليه وسلم ول عن أئمة العامة سنة أذكرها‪ ,‬وقد‬
‫كنا نتذاكرها أناسا من علمائنا أحيانا‪ ,‬فل يذكرون فيها سنة معلومة ول قضاء من إمام عادل‪,‬‬
‫ولكنه يختلف فيها رأيهم‪ .‬وكان أعجبهم فيها رأيا إلينا الذين كانوا يقولون‪ :‬هي فيما بين أهل‬
‫الميراث من المسلمين‪ ,‬يشهد بعضهم الميت الذي يرثونه ويغيب عنه بعضهم‪ ,‬ويشهد من شهده‬
‫على ما أو صى به لذوي القر بى في خبرون من غاب ع نه من هم ب ما حضروا من و صية‪ ,‬فإن‬
‫سلموا جازت وصيته وإن ارتابوا أن يكونوا بدّلوا قول الميت وآثروا بالوصية من أرادوا ممن‬
‫لم يوص ل هم الم يت بش يء حلف اللذان يشهدان على ذلك ب عد ال صلة و هي صلة الم سلمين‪,‬‬
‫فيق سمان بال‪ :‬إن ارتب تم ل نشتري به ثم نا ولو كان ذا قر بى‪ ,‬ول نك تم شهادة ال‪ ,‬إ نا إذا ل من‬
‫الَثمين فإذا أقسما على ذلك جازت شهادتهما وأيمانهما ما لم يعثر على أنهما استحقا إثما في‬
‫ش يء من ذلك‪ ,‬فإن ع ثر قام آخران مقامه ما من أ هل الميراث من الخ صم الذ ين ينكرون ما‬
‫شهد به عليه الوّلن المستحلفان أوّل مرّة‪ ,‬فيقسمان بال‪ :‬لشهادتنا على تكذيبكما أو إبطال ما‬
‫شهدتمـا بـه ومـا اعتدينـا‪ ,‬إنـا إذن لمـن الظالميـن ذلك أدنـى أن يأتوا بالشهادة على وجههـا‪ ,‬أو‬
‫يخافوا أن تر ّد أيمان بعد أيمانهم‪ ...‬الَية‪.‬‬
‫وأولى التأويل ين في ذلك عند نا بال صواب تأو يل من تأوّله‪ :‬أو آخران من غ ير أ هل ال سلم‬
‫وذلك أن ال تعالى عرّف عباده المؤمنيـن عنـد الوصـية شهادة اثنيـن مـن عدول المؤمنيـن أو‬
‫اثنين من غير المؤمنين‪ ,‬ول وجه لن يقال في الكلم صفة شهادة مؤمنين منكم أو رجلين من‬
‫غير عشيرتكم‪ ,‬وإنما يقال‪ :‬صفة شهادة رجلين من عشيرتكم أو من غير عشيرتكم‪ ,‬أو رجلين‬
‫من المؤمنين أو من غير المؤمنين‪ .‬فإذ كان ل وجه لذلك في الكلم‪ ,‬فغير جائز صرف مغلق‬
‫ل ِم ْنكُ مْ إن ما‬
‫عدْ ٍ‬
‫كلم ال تعالى إل إلى أح سن وجو هه‪ .‬و قد دلل نا ق بل على أن قوله تعالى‪ :‬ذَوَا َ‬
‫هو من أهل دينكم وملتكم بما فيه كفاية لمن وفق لفهمه‪ .‬وإذا صحّ ذلك بما دللنا عليه‪ ,‬فمعلوم‬
‫ن مِ نْ غي ِركُ مْ إنما هو‪ :‬أو آخران من غير أهل دينكم وملتكم‪ .‬وإذ كان‬
‫خرَا ِ‬
‫أن معنى قوله‪ :‬أ ْو آ َ‬
‫ذلك كذلك‪ ,‬فسـواء كان الَخران اللذان مـن غيـر أهـل ديننـا يهودييـن كانـا أو نصـرانيين أو‬
‫مجوسيين أو عابدي وثن أو على أ يّ دين كانا‪ ,‬لن ال تعالى لم يخصص آخرين من أهل ملة‬
‫ل يكونا من (غير) أهل السلم‪.‬‬
‫بعينها دون ملة بعد أ ّ‬
‫ض فَأصَا َبتْ ُكمْ ُمصِيبَةُ ال َموْتِ‪.‬‬
‫ن أ ْن ُتمْ ضَ َر ْب ُتمْ فِي الرْ ِ‬
‫القول في تأويل قوله تعالى‪ :‬إ ْ‬
‫يقول تعالى ذكره للمؤمنيـن‪ :‬صـفة شهادة بينكـم إذا حضـر أحدكـم الموت و قت الوصـية‪ ,‬أن‬
‫يشهد اثنان ذوا عدل منكم أيها المؤمنون أو رجلن آخران من غير أهل ملتكم‪ ,‬إن أنتم سافرتم‬
‫ذاهبين وراجعين في الرض‪ .‬وقد بينا فيما مضى السبب الذي من أجله قيل للمسافر الضارب‬
‫ْتـ يقول‪ :‬فنزل بكـم الموت‪ .‬ووجـه أكثـر التأويـل هذا‬
‫فـي الرض‪ .‬فَأصـَا َب ْتكُمْ مُصـِيبَ ُة المَو ِ‬
‫المو ضع إلى مع نى التعق يب دون التخي ير وقالوا‪ :‬معناه‪ :‬شهادة بين كم إذا ح ضر أحد كم الموت‬
‫حين الوصية اثنان ذوا عدل منكم‪ ,‬إن وجدا‪ ,‬فإن لم يوجدا فآخران من غيركم‪ ,‬وإنما فعل ذلك‬
‫من فعله‪ ,‬ل نه و جه مع نى الشهادة في قوله‪ :‬شَهادَ ُة َب ْي ِنكُ مْ إلى مع نى الشهادة ال تي تو جب للقوم‬
‫قيام صاحبها عند الحاكم‪ ,‬أو يبطلها‪ .‬ذكر بعض من تأوّل ذلك كذلك‪:‬‬
‫‪ 10147‬ـ حدث نا عمران بن مو سى القزّاز‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا ع بد الوارث بن سعيد‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا‬
‫ل ِم ْنكُمْ من المسلمين‪ ,‬فإن لم تجدوا من‬
‫عدْ ٍ‬
‫إسحاق بن سويد‪ ,‬عن يحيى بن يعمر‪ ,‬في قوله‪ :‬ذَوَا َ‬
‫المسلمين فمن غير المسلمين‪.‬‬
‫‪ 10148‬ـ حدثنا محمد بن بشار ومحمد بن المثنى‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا ابن أبي عدي‪ ,‬عن سعيد‪ ,‬عن‬
‫خرَانِ ِمنْ غيرِكُمْ قال‪ :‬اثنان من‬
‫عدْلٍ ِم ْنكُمْ أ ْو آ َ‬
‫قتادة‪ ,‬عن سعيد بن المسيب في قوله‪ :‬اثْنانِ َذوَا َ‬
‫أهل دينكم‪ ,‬أو آخران من غيركم من أهل الكتاب إذا كان ببلد ل يجد غيرهم‪.‬‬
‫‪ 10149‬ـ حدثنا ابن المثنى‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا عبد العلى‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا داود‪ ,‬عن عامر‪ ,‬عن شريح‬
‫خرَان ِـ مِن ْـ غيرِكُم ْـ قال‪ :‬إذا كان الرجـل بأرض‬
‫فـي هذه الَيـة‪ :‬شَهادَ ُة َب ْينِكُمـْ‪ ...‬إلى قوله‪ :‬أ ْو آ َ‬
‫غر بة ولم ي جد م سلما يشهده على و صيته‪ ,‬فأش هد يهود يا أو ن صرانيا أو مجو سيا‪ ,‬فشهادت هم‬
‫جائزة‪.‬‬
‫‪ 10150‬ـ حدث ني مح مد بن الح سين‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا أح مد بن مف ضل‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا أ سباط‪ ,‬عن‬
‫عدْلٍ‬
‫ن ذَوَا َ‬
‫ح َدكُ مُ المَوْ تُ حِي نَ الوَ صِيّ ِة اثْنا ِ‬
‫ضرَ أ َ‬
‫ح َ‬
‫ن آ َمنُوا شَهادَ ُة َب ْي ِنكُ مْ إذَا َ‬
‫ال سديّ‪ :‬يا أيّ ها اّلذِي َ‬
‫ن أ ْنتُ ْم ضَ َر ْبتَ ْم فِي الرْ ضِ‬
‫ن غي ِركُ مْ في ال سفر‪ ,‬إ ْ‬
‫ن مِ ْ‬
‫خرَا ِ‬
‫ِم ْنكُ مْ قال‪ :‬هذا في الح ضر‪ ,‬أوْ آ َ‬
‫فَأ صَا َبتْ ُكمْ مُ صِيبَةُ ال َموْ تِ هذا في الر جل يدر كه الموت في سفره ول يس بحضر ته أ حد من‬
‫المسلمين‪ ,‬فيدعو رجلين من اليهود والنصارى والمجوس‪ ,‬فيوصي إليهما‪.‬‬
‫‪10151‬ــ حدثنـا القاسـم‪ ,‬قال‪ :‬حدثنـا الحسـين‪ ,‬قال‪ :‬حدثنـا هشيـم‪ ,‬قال‪ :‬أخبرنـا مغيرة‪ ,‬عـن‬
‫إبراه يم‪ ,‬و سعيد بن جبير‪ ,‬أنه ما قال في هذه الَ ية‪ :‬يا أيّ ها اّلذِي نَ آ َمنُوا شَهادَةُ َب ْي ِنكُ مْ‪ ...‬الَ ية‪,‬‬
‫قال‪ :‬إذا ح ضر الرجلَ الوفاة في سفر‪ ,‬فيش هد رجل ين من الم سلمين‪ ,‬فإن لم ي جد رجل ين من‬
‫المسلمين فرجلين من أهل الكتاب‪.‬‬
‫ي بن أبي‬
‫‪ 10152‬ـ حدثني المثنى‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا عبد ال بن صالح‪ ,‬قال‪ :‬ثني معاوية‪ ,‬عن عل ّ‬
‫عدْلٍ ِم ْنكُ ْم فهذا ل من‬
‫طل حة‪ ,‬عن ا بن عباس‪ :‬يا أيّ ها اّلذِي نَ آ َمنُوا شَهادَةُ َب ْي ِنكُ مْ‪...‬إلى قوله‪ :‬ذَوَا َ‬
‫خرَانِ‬
‫مات وعنده المسلمون‪ ,‬فأمره ال أن يشهد على وصيته عدلين من المسلمين‪ .‬ثم قال‪ :‬أ ْو آ َ‬
‫ت فهذا لمن مات وليس عنده أحد‬
‫ض َر ْبتُمْ فِي الرْضِ فَأصَا َب ْت ُكمْ مُصِيبَةُ ال َموْ ِ‬
‫ن أ ْنتُمْ َ‬
‫ن غي ِركُمْ إ ْ‬
‫مِ ْ‬
‫من المسلمين‪ ,‬فأمره ال تعالى بشهادة رجلين من غير المسلمين‪.‬‬
‫ووَجّه ذلك آخرون إلى مع نى التخي ير‪ ,‬وقالوا‪ :‬إن ما ع ني بالشهادة في هذا المو ضع اليمان‬
‫على الو صية ال تي أو صى إليه ما وائتمان الم يت إياه ما على ما ائتمنه ما عل يه من مال ليؤدّياه‬
‫إلى ورثتـه بعـد وفاتـه إن ارتيـب بهمـا‪ .‬قالوا‪ :‬وقـد يأمـن الرجـل على ماله مـن رآه موضعـا‬
‫للمانة‪ ,‬من مؤمن وكافر‪ ,‬في السفر والحضر‪ .‬وقد ذكرنا الرواية عن بعض من قال هذا القول‬
‫فيما مضى‪ ,‬وسنذكر بقيته إن شاء ال تعالى بعد‪.‬‬
‫ن باللّ هِ إ نِ ا ْر َت ْبتُ مْ ل َنشْ َترِي بِ هِ‬
‫حبِ سُو َنهُما ِم نْ َب ْعدِ ال صّل ِة َفيُقْ سِما ِ‬
‫القول في تأويل قوله تعالى‪َ :‬ت ْ‬
‫ن ذَا ُق ْربَى‪.‬‬
‫َثمَنا وََلوْ كا َ‬
‫يقول تعالى ذكره للمؤمنين به وبرسوله‪ :‬شهادة بينكم إذا حضر أحدكم الموت‪ ,‬إن شهد اثنان‬
‫ذوا عدل منكم‪ ,‬أو كان أوصى إليهما‪ ,‬أو آخران من غيركم‪ ,‬إن كنتم في سفر فحضرتكم المنية‬
‫فأو صيتم إليه ما ودفع تم إليه ما ما كان مع كم من مال وتر كة لورثت كم‪ ,‬فإذا أن تم أو صيتم إليه ما‬
‫ودفعتم إليهما ما كان معكم من مال فأصابتكم مصيبة الموت‪ ,‬فأدّيا إلى ورثتكم ما ائتمنتموها‬
‫وادّعوا عليهمـا خيانـة خاناهـا ممـا ائتمنـا عليـه‪ ,‬فإن الحكـم فيهمـا حينئذ أن تحبسـوهما‪ ,‬يقول‪:‬‬
‫تسـتوقفونهما بعـد الصـلة‪ .‬وفـي الكلم محذوف اجتزىء بدللة مـا ظهـر منـه على مـا حذف‪,‬‬
‫وهو‪ :‬فأصابتكم مصيبة الموت وقد أسندتم وصيتكم إليهما ودفعتم إليهما ما كان معكم من مال‪,‬‬
‫ن ا ْرتَ ْبتُ مْ يقول‪ :‬يحلفان بال إن اتهمتموه ما‬
‫سمَانِ بال إ ِ‬
‫فإن كم تحب سونهما من ب عد ال صلة‪َ .‬فيُقْ ِ‬
‫بخيانة فيما ائتمنا عليه من تغيير وصية أوصى إليهما بها‪ ,‬أو تبديلها‪ .‬والرتياب‪ :‬هو التهام‪.‬‬
‫ل َنشْتَري بـه َثمَنـا يقول‪ :‬يحلفان بال لنشتري بأيماننـا بال ثمنـا‪ ,‬يقول‪ :‬ل نحلف كاذبيـن على‬
‫عوض نأخذه عليه وعلى مال نذهب به أو لح قّ نجحده لهؤلء القوم الذين أوصى إلينا وإليهم‬
‫وصيتهم‪ .‬والهاء في قوله «بِهِ» من ذكر ال‪ ,‬والمعني به الحلف والقَسَم ولكنه لما كان قد جرى‬
‫قبل ذلك ذكر القسم به‪ ,‬فيعرف من معنى الكلم‪ ,‬واكتفي به من إعادة ذكر القسم والحلف‪ .‬وََلوْ‬
‫كانَ ذَا قُ ْربَى يقول‪ :‬يقسمان بال ل نطلب بإقسامنا بال عوضا فنكذب فيها لحد‪ ,‬ولو كان الذي‬
‫نقسم به له ذا قرابة منا‪.‬‬
‫وبنحو الذي قلنا في ذلك رُوِي الخبر عن ابن عباس‪ .‬ذكر من قال ذلك‪:‬‬
‫‪10153‬ـ حدثني المثنى‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا عبد ال بن صالح‪ ,‬قال‪ :‬ثني معاوية بن صالح‪ ,‬عن عليّ‬
‫خرَا نِ مِ نْ غي ِركُ مْ إ نْ أ ْنتُ مْ ضَ َر ْبتُم ْـ فِي الرْ ضِ‬
‫بـن أ بي طلحـة‪ ,‬عن ابـن عباس‪ ,‬قوله‪ :‬أ ْو آ َ‬
‫فَأصَا َبتْ ُكمْ مُصِيبَةُ ال َموْتِ فهذا لمن مات وليس عنده أحد من المسلمين‪ ,‬فأمره ال بشهادة رجلين‬
‫من غير المسلمين‪ ,‬فإن ارت يب في شهادتهما استحلفا بعد الصلة بال‪ :‬لم نشتر بشهادتنا ثمنا‬
‫قليلً‪.‬‬
‫حبِ سُو َنهُما ِم نْ َب ْعدِ ال صّل ِة من صلة الَخرين‪ .‬ومعنى الكلم‪ :‬أو آخران من غيركم‬
‫وقوله‪َ :‬ت ْ‬
‫تحبسونهما من بعد الصلة إن ارتبتم بهما‪ ,‬فيقسمان بال ل نشتري به ثمنا ولو كان ذا قربَى‪.‬‬
‫ن َب ْعدِ ال صّلةِ‬
‫حبِ سُو َنهُما ِم ْ‬
‫واختلفوا في ال صلة ال تي ذكر ها ال تعالى في هذه الَ ية فقال‪َ :‬ت ْ‬
‫فقال بعضهم‪ :‬هي صلة العصر‪ .‬ذكر من قال ذلك‪:‬‬
‫‪ 10154‬ـ حدث ني يعقوب‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا هش يم‪ ,‬قال‪ :‬أخبر نا زكر يا‪ ,‬عن الش عبي‪ :‬أن رجلً من‬
‫المسلمين حضرته الوفاة بدقوقا‪ ,‬فلم يجد أحدا من المسلمين يشهده على وصيته‪ ,‬فأشهد رجلين‬
‫مـن أهـل الكتاب‪ .‬قال‪ :‬فقدمـا الكوفـة‪ ,‬فأتيـا الشعريّـ فأخـبراه‪ ,‬وقدمـا بتركتـه ووصـيته‪ ,‬فقال‬
‫الشعري‪ :‬هذا أمـر لم يكـن بعـد الذي كان فـي عهـد رسـول ال صـلى ال عليـه وسـلم‪ .‬قال‪:‬‬
‫فأحلفهما بعد العصر باال‪ :‬ما خانا ول كذبا ول بدّل ول كتما ول غيّرا‪ ,‬وإنها لوصية الرجل‬
‫وتركته‪ .‬قال‪ :‬فأمضى شهادتهما‪.‬‬
‫‪10155‬ـ حدثنا ابن بشار وعمرو بن عليّ‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا محمد بن جعفر‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا شعبة‪ ,‬عن‬
‫خرَان ِـ مِن ْـ غي ِركُم ْـ قال‪ :‬إذا كان الرجـل بأرض الشرك‬
‫أبـي بشـر‪ ,‬عـن سـعيد بـن جـبير‪ :‬أوْ آ َ‬
‫فأوصى إلى رجلين من أهل الكتاب‪ ,‬فإنهما يحلفان بعد العصر‪.‬‬
‫‪ 10156‬ـ حدث نا ا بن بشار‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا مح مد بن جع فر‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا شع بة‪ ,‬عن مغيرة‪ ,‬عن‬
‫إبراهيم‪ ,‬بمثله‪.‬‬
‫‪ 10157‬ـ حدثنا بشر‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا يزيد‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا سعيد‪ ,‬عن قتادة‪ ,‬قوله‪ :‬يا أيّها اّلذِي نَ آ َمنُوا‬
‫ت فهذا رجل مات بغربة من الرض وترك تركته‬
‫شَهادَ ُة َبيْنكُ مْ‪ ...‬إلى‪ :‬فَأ صَا َب ْتكُمْ مُ صِيبَ ُة المَوْ ِ‬
‫وأو صى بو صيته وش هد على و صيته رجلن‪ ,‬فإن ارت يب في شهادته ما ا ستحلفا ب عد الع صر‪.‬‬
‫وكان يقال عندها تصير اليمان‪.‬‬
‫‪ 10158‬ـ حدثنا القاسم‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا الحسين‪ ,‬قال‪ :‬ثني هشيم‪ ,‬قال‪ :‬أخبرنا مغيرة‪ ,‬عن إبراهيم‬
‫و سعيد بن جبير‪ ,‬أنه ما قال في هذه الَ ية‪ :‬يا أيّ ها اّلذِي نَ آ َمنُوا شَهادَةُ َب ْي ِنكُ مْ قال‪ :‬إذا ح ضر‬
‫الرجل الوفاة في سفر‪ ,‬فليشهد رجلين من المسلمين‪ ,‬فإن لم يجد فرجلين من أهل الكتاب‪ ,‬فإذا‬
‫قدما بتركته‪ ,‬فإن صدّقهما الورثة قبل قولهما‪ ,‬وإن اتهموهما أحلفا بعد صلة العصر‪ :‬بال ما‬
‫غيّرنا‪.‬‬
‫خنّا‪ ,‬ول َ‬
‫كذبنا‪ ,‬ول كتمنا‪ ,‬ول ُ‬
‫حدثنا عمرو بن عليّ‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا يحيى بن القطان‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا زكريا‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا عامر‪ :‬أن‬
‫رجلً توفي بدقوقا‪ ,‬فلم يجد من يشهده على وصيته إلّ رجلين نصرانيين من أهلها‪ ,‬فأحلفهما‬
‫غيّرا‪ ,‬وإن هذه الو صية‪.‬‬
‫أ بو مو سى دبر صلة الع صر في م سجد الكو فة‪ :‬بال ما كت ما ول َ‬
‫فأجازها‪.‬‬
‫وقال آخرون‪ :‬بل يستحلفان بعد صلة أهل دينهما وملتهما‪ .‬ذكر من قال ذلك‪:‬‬
‫‪ 10159‬ـ حدث ني مح مد بن الح سين‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا أح مد بن مف ضل‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا أ سباط‪ ,‬عن‬
‫ل ِم ْنكُ مْ قال‪ :‬هذا في الوصية عند‬
‫عدْ ٍ‬
‫ن آ َمنُوا شَهادَ ُة َب ْي ِنكُ مْ‪ ...‬إلى قوله‪ :‬ذَوَا َ‬
‫السديّ‪ :‬يا أيّها اّلذِي َ‬
‫خرَا نِ‬
‫الموت يوصي ويشهد رجلين من المسلمين على ماله وعليه‪ ,‬قال‪ :‬هذا في الحضر‪ :‬أ ْو آ َ‬
‫ت هذا الرجل يدركه‬
‫ض َربْتُ مْ فِي الرْ ضِ فَأ صَا َب ْت ُكمْ مُ صِيبَ ُة المَوْ ِ‬
‫ن غي ِركُ مْ في السفر إ نْ أ ْنتُ مْ َ‬
‫مِ ْ‬
‫الموت في سفره ول يس بحضر ته أ حد من الم سلمين‪ ,‬فيد عو رجل ين من اليهود والن صارى‬
‫والمجوس‪ ,‬فيو صي إليه ما ويد فع إليه ما ميرا ثه‪ ,‬فيقبلن به‪ ,‬فإن ر ضي أ هل الم يت الو صية‬
‫ـلطان‪ ,‬فذلك قوله‪:‬‬
‫ـا إلى السـ‬
‫ـن‪ ,‬وإن ارتابوا رفعوهمـ‬
‫ـاحبهم تركوا الرجليـ‬
‫وعرفوا مال صـ‬
‫حبِ سُو َنهُما م نْ َب ْعدِ ال صّلةِ‪ ...‬إن ا ْر َت ْبتُ مْ‪ .‬قال عبد ال بن عباس‪ :‬كأني أنظر إلى العِلْجين حين‬
‫َت ْ‬
‫انت هى به ما إلى أ بي مو سى الشعري في داره‪ ,‬فف تح ال صحيفة فأن كر أ هل الم يت وخوّنوه ما‪,‬‬
‫فأراد أ بو مو سى أن ي ستحلفهما ب عد الع صر‪ ,‬فقلت له‪ :‬إنه ما ل يباليان صلة الع صر‪ ,‬ول كن‬
‫استحلفهما بعد صلتهما في دينهما‪ ,‬فيوقف الرجلن بعد صلتهما في دينهما‪ ,‬ويحلفان بال ل‬
‫نشتري ثمنا قليلً ولو كان ذا قربى‪ ,‬ول نكتم شهادة ال‪ ,‬إنا إذن لمن الَثمين‪ ,‬أن صاحبهم لبهذا‬
‫أوصـى‪ ,‬وإن هذه لتركتـه‪ .‬فيقول لهمـا المام قبـل أن يحلفـا‪ :‬إنكمـا إن كنتمـا كتمتمـا أو خنتمـا‬
‫فضحتك ما في قومك ما‪ ,‬ولم ت جز لك ما شهادة وعاقبتك ما فإذا قال له ما ذلك‪ ,‬فإن ذلك أد نى أن‬
‫يأتوا بالشهادة على وجهها‪.‬‬
‫وأولى القولين في ذلك بالصواب عندنا‪ ,‬قول من قال‪ :‬تحبسونهما من بعد صلة العصر لن‬
‫ال تعالى عرّف الصلة في هذا الموضع بإدخال اللف واللم فيها‪ ,‬ول تدخلهما العرب إلّ في‬
‫معروف‪ ,‬إما في جنس‪ ,‬أو في واحد معهود معروف عند المتخاطبين‪ .‬فإذا كان كذلك‪ ,‬وكانت‬
‫الصلة في هذا الموضع مجمعا على أنه لم يعن بها جميع الصلوات‪ ,‬لم يجز أن يكون مرادا‬
‫بها صلة المستحلف من اليهود والنصارى‪ ,‬لن لهم صلوات ليست واحدة‪ ,‬فيكون معلوما أنها‬
‫المعنية بذلك‪ .‬فإذ كان ذلك كذلك‪ ,‬صحّ أنها صلة بعينها من صلوات المسلمين‪ .‬وإذ كان ذلك‬
‫كذلك‪ ,‬وكان النبيّ صلى ال عليه وسلم صحيحا عنه أنه إذ لعن بين العجلنيين لعن بينهما‬
‫ن َب ْعدِ‬
‫حبِ سُو َنهُما ِم ْ‬
‫بعد العصر دون غيرها من ال صلوات‪ ,‬كان معلوما أن التي عنيت بقوله‪َ :‬ت ْ‬
‫ال صّل ِة هي ال صلة ال تي كان ر سول ال صلى ال عل يه و سلم يتخير ها ل ستحلف من أراد‬
‫تغل يظ اليم ين عل يه‪ .‬هذا مع ما ع ند أ هل الك فر بال من تعظ يم ذلك الو قت‪ ,‬وذلك لقر به من‬
‫شتَري به َثمَنا ما‪:‬‬
‫غروب الشمس‪ .‬وكان ابن زيد يقول في قوله‪ :‬ل َن ْ‬
‫‪10160‬ـ حدثني به يونس بن عبد العلى‪ ,‬قال‪ :‬أخبرنا ابن وهب‪ ,‬قال‪ :‬قال ابن زيد في قوله‪:‬‬
‫ش َترِي ِبهِ َثمَنا قال‪ :‬نأخذ به رشوة‪.‬‬
‫ل َن ْ‬
‫ل ِثمِينَ‪.‬‬
‫القول في تأويل قوله تعالى‪ :‬وَل َن ْكتُ ُم شَهادَ َة اللّ ِه إنّا إذًا َل ِمنَ ا َ‬
‫اختلفـت القراءة فـي قراءة ذلك‪ ,‬فقرأتـه عامـة قرّاء المصـار‪ :‬وَل َن ْكتُمُـ شَهادَ َة اللّهِـ بإضافـة‬
‫الشهادة إلى ال‪ ,‬وخفض اسم ال تعالى يعني‪ :‬ل نكتم شهادة ال عندنا‪ .‬وذكر عن الشعبيّ أنه‬
‫كان يقرؤه كالذي‪:‬‬
‫‪10161‬ـ حدثنا ابن وكيع‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا أبو أسامة‪ ,‬عن ابن عون‪ ,‬عن عامر‪ ,‬أنه كان يقرأ‪ :‬وَل‬
‫ن بقطع اللف وخفض اسم ال‪ .‬هكذا حدثنا به ابن وكيع‪.‬‬
‫ل ِثمِي َ‬
‫َن ْكتُمُ شَهادَ ًة آللّهِ‪ ,‬إنّا إذًا َل ِمنَ ا َ‬
‫وكأن الش عبيّ و جه مع نى الكلم إلى أنه ما يق سمان بال ل نشتري به ثم نا ول نكتـم شهادة‬
‫عندنا‪ ,‬ثم ابتدأ يمينا باستفهام بال أنهما إن اشتريا بأيمانهما ثمنا أو كتما شهادته عندهما لمن‬
‫الَثمين‪.‬وقد رُوِي عن الشعبيّ في قراءة ذلك رواية تخالف هذه الرواية‪ ,‬وذلك ما‪:‬‬
‫‪ 10162‬ـ حدث ني أحمد بن يو سف الثعل بي‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا القا سم بن سلم‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا عباد بن‬
‫ل ِثمِي نَ‪ .‬قال أحمد‪,‬‬
‫ناَ‬
‫عباد‪ ,‬عن ابن عون‪ ,‬عن الشعبيّ‪ ,‬أنه قرأ‪ :‬وَل َن ْكتُ مُ شَهادَ ًة الّل ِه إنّا إذا َلمِ َ‬
‫قال أبـو عبيـد‪ :‬تنوّن شهادة‪ ,‬ويخفـض «ال» على التصـال‪ .‬قال‪ :‬وقـد رواهـا بعضهـم بقطـع‬
‫اللف على الستفهام‪.‬‬
‫وحف ظي أ نا لقراءة الش عبيّ بترك ال ستفهام‪ .‬وقرأ ها بعض هم‪« :‬وَل َن ْكتُ مُ شَهادَ ًة الّل هِ» بتنو ين‬
‫الشهادة ونصب اسم «ال»‪ ,‬بمعنى‪ :‬ول نكتم ال شهادة عندنا‪.‬‬
‫وأولى القراءات في ذلك عندنا بالصواب‪ ,‬قراءة من قرأ‪ :‬وَل َن ْكتُمُ شَهادَةَ الّل ِه بإضافة الشهادة‬
‫إلى اسم «ال» وخفض اسم «ال»‪ ,‬لنها القراءة المستفيضة في قراءة المصار التي ل يتناكر‬
‫صحتها المة‪ .‬وكان ابن زيد يقول في معنى ذلك‪ :‬ول نكتم شهادة ال وإن كان صاحبها بعيدا‪.‬‬
‫‪10163‬ـ حدثني بذلك يونس‪ ,‬قال‪ :‬أخبرنا ابن زيد عنه‪.‬‬

‫‪107‬‬ ‫الية ‪:‬‬


‫ن يِقُومَا نُ مَقَا َم ُهمَا مِ نَ‬
‫خرَا ِ‬
‫س َتحَقّآ ِإثْما فَآ َ‬
‫ع ِثرَ عََلىَ َأ ّن ُهمَا ا ْ‬
‫{ َفإِ نْ ُ‬ ‫القول في تأويل قوله تعالى‪:‬‬
‫ع َت َد ْينَآ ِإنّا إِذا ّلمِ نَ‬
‫شهَا َد ِت ِهمَا َومَا ا ْ‬
‫شهَا َد ُتنَا َأحَ قّ مِن َ‬
‫سمَانِ بِاللّ ِه َل َ‬
‫حقّ عََل ْيهِ مُ الوَْليَا نِ َفيُقْ ِ‬
‫س َت َ‬
‫اّلذِي نَ ا ْ‬
‫الظّالِمِينَ }‪..‬‬
‫ع ِثرَ‪ :‬فإن اطلع منه ما‪ ,‬أو ظ هر‪ .‬وأ صل الع ثر‪ :‬الوقوع على‬
‫يع ني تعالى ذكره بقوله‪ :‬فإ نْ ُ‬
‫الشيء والسقوط عليه‪ ,‬ومن ذلك قولهم‪ :‬عثرت إصبع فلن بكذا‪ :‬إذا صدمته وأصابته‪ ,‬ووقعت‬
‫عليه ومنه قول العشى ميمون بن قيس‪:‬‬
‫ل لَعا‬
‫ع َث َرتْفالتّعْسُ أدْنى لهَا مِنْ أنْ أقو َ‬
‫ن لَ ْوثٍ عَ َفرْناةً إذَا َ‬
‫ِبذَا ِ‬
‫يعني بقوله‪« :‬عثرت»‪ :‬أصاب ميسم خفها حجر أو غيره‪ ,‬ثم يستعمل ذلك في كلّ واقع على‬
‫جدٍ قَ َردَةً»‪ ,‬بمعنى‪ :‬وقعت‪.‬‬
‫ع َثرَتْ على الغزل بَأخَرَة‪ ,‬فلم َت َدعْ ب َن ْ‬
‫شيء كان عنه خفيا‪ ,‬كقولهم‪َ « :‬‬
‫س َتحَقّا إثْما فإنه يقول تعالى ذكره‪ :‬فإن اطلع من الوصيين اللذين ذكر‬
‫وأما قوله‪ :‬على أ ّنهُما ا ْ‬
‫ال أمرهما في هذه الَية بعد حلفهما بال‪ :‬ل نشتري بأيماننا ثمنا‪ ,‬ولو كان ذا قُربى‪ ,‬ول نكتم‬
‫شهادة ال على أنهما استحقا إثما‪ ,‬يقول‪ :‬على أنهما استوجبا بأيمانهما التي حلفا بها إثما‪ ,‬وذلك‬
‫غيّر نا‪ ,‬فإن وجدا قد‬
‫أن يطلع على أنه ما كا نا كاذب ين في أيمانه ما بال ما خنّا‪ ,‬ول بدّل نا‪ ,‬ول َ‬
‫غيّرا وصـيته‪ ,‬أو بدّل‪ ,‬فأثمـا بذلك من حلفهمـا بربهمـا فَآخَرَا نِ‬
‫خانـا من مال الميـت شيئا‪ ,‬أو َ‬
‫ن مَقا َمهُما يقول‪ :‬يقوم حينئذٍ مقامهما من ورثة الميت الوليان الموصى إليهما‪.‬‬
‫يَقُوما ِ‬
‫وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل‪ .‬ذكر من قال ذلك‪:‬‬
‫‪10164‬ـ حدثنا محمد بن بشار‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا محمد بن جعفر‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا شعبة‪ ,‬عن أبي بشر‪,‬‬
‫ن مِ نْ غي ِركُ ْم قال‪ :‬إذا كان الر جل بأرض الشرك فأو صى إلى‬
‫خرَا ِ‬
‫عن سعيد بن جبير‪ :‬أ ْو آ َ‬
‫رجل ين من أ هل الكتاب‪ ,‬فإنه ما يحلفان ب عد الع صر‪ ,‬فإذا اطلع عليه ما ب عد حلفه ما أنه ما خا نا‬
‫شيئا‪ ,‬حَلَف أولياء الميت إنه كان كذا وكذا‪ ,‬ثم استحقّوا‪.‬‬
‫‪ 10165‬ـ حدث نا ا بن بشار‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا مح مد بن جع فر‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا شع بة‪ ,‬عن مغيرة‪ ,‬عن‬
‫إبراهيم‪ ,‬بمثله‪.‬‬
‫‪10166‬ـ حدثني المثنى‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا عبد ال بن صالح‪ ,‬قال‪ :‬ثني معاوية بن صالح‪ ,‬عن عليّ‬
‫ن غي ِركُ مْ من غير المسلمين تحبسونهما‬
‫خرَا نِ ِم ْ‬
‫بن أبي طلحة‪ ,‬عن ابن عباس‪ ,‬في قوله‪ :‬أوْ آ َ‬
‫من بعد الصلة‪ ,‬فإن ارتِي بَ في شهادتهما‪ ,‬استحلفا بعد الصلة بال‪ :‬ما اشترينا بشهادتنا ثمنا‬
‫ل فإن اطلع الولياء على أن الكا ِفرَين كذبا في شهادتهما‪ ,‬قام رجلن من الولياء فحلفا بال‪:‬‬
‫قلي ً‬
‫س َتحَقّا إثْ ما يقول‪ :‬إن‬
‫ع ِثرَ على أ ّنهُ ما ا ْ‬
‫إن شهادة الكافر ين باطلة‪ ,‬وإ نا لم َن ْع َتدِ فذلك قوله‪ :‬فإ نْ ُ‬
‫ن مَقا َمهُما يقول‪ :‬من الولياء‪ ,‬فحلفا بال‪ :‬إن شهادة‬
‫اطلع على أن الكافرين كذبا‪ ,‬فَآخَرَا نِ يَقُوما ِ‬
‫الكافرين باطلة‪ ,‬وإنّا لم نعتد‪ .‬فتردّ شهادة الكافرين‪ ,‬وتجوز شهادة الولياء‪.‬‬
‫ع ِثرَ على أ ّنهُ ما‬
‫‪ 10167‬ـ حدث نا ب شر‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا يز يد‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا سعيد‪ ,‬عن قتادة‪ :‬فإ نْ ُ‬
‫س َتحَقّا إثْما أي اطلع منهما على خيانة أنهما كذبا أو كتما‪.‬‬
‫اْ‬
‫واختلف أ هل التأو يل في المع نى الذي له ح كم ال تعالى ذكره على الشاهد ين باليمان فنقل ها‬
‫إلى الَخر ين ب عد أن عُثِر عليه ما أنه ما ا ستحقا إث ما‪ .‬فقال بعض هم‪ :‬إن ما ألزمه ما اليم ين إذا‬
‫ارت يب في شهادته ما على الم يت في و صيته أ نه أو صى لغ ير الذي يجوز في ح كم ال سلم‪,‬‬
‫وذلك أن يش هد أ نه أو صى بماله كله‪ ,‬أو أو صى أن يفضّل ب عض ولده بب عض ماله‪ .‬ذ كر من‬
‫قال ذلك‪:‬‬
‫‪ 10168‬ـ حدثني محمد بن سعد‪ ,‬قال‪ :‬ثني أبي‪ ,‬قال‪ :‬ثني عمي‪ ,‬قال‪ :‬ثني أبي‪ ,‬عن أبيه‪ ,‬عن‬
‫عدْلٍ‬
‫ح َدكُم ُـ المَوْتـُ‪ ...‬إلى قوله‪َ :‬ذوَا َ‬
‫ضرَ أ َ‬
‫ح َ‬
‫ابـن عباس‪ :‬يـا أيّهـا اّلذِين َـ آ َمنُوا شَهادَ ُة َب ْينِكُم ْـ إذَا َ‬
‫ن أ ْنتُ ْم ضَ َر ْبتُ ْم فِي‬
‫خرَا نِ ِم نْ غي ِركُ مْ من غ ير أ هل ال سلم‪ ,‬إ ْ‬
‫ِم ْنكُ مْ من أ هل ال سلم‪ ,‬أ ْو آ َ‬
‫الرْ ضِ‪ ...‬إلى‪َ :‬فيُقْ سِمانِ بالّل هِ يقول‪ :‬فيحلفان بال بعد الصلة‪ ,‬فإن حلفا على شيء يخالف ما‬
‫أنزل ال تعالى من الفريضة‪ ,‬يعني الّلذَي نِ ليسا من أهل السلم‪ ,‬فآخران يقومان مقامهما من‬
‫صيَ بهذا‪ ,‬أو‪ :‬إنهما لكاذبان‪ ,‬ولشهادتنا أحقّ من‬
‫أولياء الميت‪ ,‬فيحلفان بال‪ :‬ما كان صاحبنا ليو ِ‬
‫شهادتهما‪.‬‬
‫‪ 10169‬ـ حدث ني مح مد بن الح سين‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا أح مد بن مف ضل‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا أ سباط‪ ,‬عن‬
‫السديّ‪ ,‬قال‪ :‬يوقف الرجلن بعد صلتهما في دينهما‪ ,‬يحلفان بال‪ :‬ل نشتري به ثمنا ولو كان‬
‫ذا قُر بى ول نك تم شهادة ال‪ ,‬إنّا إذن ل من الَثم ين إن صاحبكم لبهذا أو صى‪ ,‬وإن هذه لترك ته‬
‫فإذا شهدا‪ ,‬وأجاز المام شهادتهمـا على مـا شهدا‪ ,‬قال لولياء الرجـل‪ :‬اذهبوا فاضربوا فـي‬
‫الرض وا سألوا عنه ما‪ ,‬فإن أن تم وجد تم عليه ما خيا نة أو أحدا يط عن عليه ما ردد نا شهادته ما‬
‫ن عليهما أو هما غير مرضيين عندهم‪ ,‬أو اطّلع‬
‫فينطلق الولياء فيسألون‪ ,‬فإن وجدوا أحدا يطع ُ‬
‫على أنه ما خا نا شيئا من المال وجدوه عنده ما‪ ,‬فأق بل الولياء فشهدوا ع ند المام وحلفوا بال‪:‬‬
‫لشهادت نا إنه ما لخائنان متهمان في دينه ما مطعون عليه ما أح قّ من شهادته ما ب ما شهدا‪ ,‬و ما‬
‫حقّ‬
‫س َت َ‬
‫نا ْ‬
‫ن اّلذِي َ‬
‫ستَحَقّا إثْما فَآخَرَا نِ يَقُوما نِ مَقا َمهُما ِم َ‬
‫اعتدينا‪ .‬فذلك قوله‪ :‬فإ نْ عُثرَ على أ ّنهُما ا ْ‬
‫عََل ْي ِهمُ الوْلَيانِ‪.‬‬
‫وقال آخرون‪ :‬بل إن ما ألزم الشاهدان اليم ين‪ ,‬لنه ما ادّع يا أ نه أو صى له ما بب عض المال‪.‬‬
‫وإنما ينقل إلى الَخرين من أجل ذلك إذا ارتابوا بدعواهما‪ .‬ذكر من قال ذلك‪:‬‬
‫‪10170‬ـ حدثنا عمران بن موسى القزّاز‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا عبد الوارث بن سعد‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا إسحاق‬
‫ن َب ْعدِ ال صّل ِة فَيُقْ سِمانِ باللّ هِ قال‪ :‬زعما‬
‫حبِ سُو َنهُما ِم ْ‬
‫بن سويد‪ ,‬عن يحيى بن يعمر في قوله‪َ :‬ت ْ‬
‫خرَا نِ‬
‫س َتحَقّا إثْ ما أي بدعواه ما لنف سهما‪ ,‬فَآ َ‬
‫ع ِثرَ على أ ّنهُ ما ا ْ‬
‫أ نه أو صى له ما بكذا وكذا‪ ,‬فإ نْ ُ‬
‫ن صاحبنا لم يوص إليكما بشيء مما تقولن‪.‬‬
‫حقّ عََل ْي ِهمُ الوْلَيانِ أ ّ‬
‫س َت َ‬
‫ن اّلذِينَ ا ْ‬
‫ن مَقا َمهُما مِ َ‬
‫يَقُوما ِ‬
‫وال صواب من القول في ذلك عند نا‪ ,‬أن الشاهد ين ألز ما اليم ين في ذلك باتهام ور ثة الم يت‬
‫إياهما فيما دفع إليهما الميت من ماله‪ ,‬ودعواهم قبلها خيانة مال معلوم المبلغ‪ ,‬ونقلت بعد إلى‬
‫الور ثة ع ند ظهور الري بة ال تي كا نت من الور ثة فيه ما‪ ,‬و صحة الته مة عليه ما بشهادة شا هد‬
‫عليه ما أو على أحده ما‪ ,‬فيحلف الوارث حينئذٍ مع شهادة الشا هد عليه ما أو على أحده ما إن ما‬
‫صحح دعواه إذا ح قق ح قه‪ ,‬أو القرار يكون من الشهود بب عض ما ادّ عى عليه ما الوارث أو‬
‫ل ببينة‪ ,‬ثم ل‬
‫بجميعه‪ ,‬ثم دعواهما في الذي أقرّا به من مال الميت ما ل يقبل فيه دعواهما إ ّ‬
‫يكون لهما على دعواهما تلك بينة‪ ,‬فينقل حينئذٍ اليمين إلى أولياء الميت‪.‬‬
‫وإنما قلنا ذلك أولى القوال في ذلك بالصحة‪ ,‬لنا ل نعلم من أحكام السلم حكما يجب فيه‬
‫اليميـن على الشهود ارتيـب بشهادتهمـا أو لم يرتـب بهـا‪ ,‬فيكون الحكـم فـي هذه الشهادة نظيرا‬
‫ح بخبر عن الررسول صلى ال عليه وسلم ول بإجماع من المة‪,‬‬
‫لذلك‪ .‬ولم نجد ذلك كذلك ص ّ‬
‫لن ا ستحلف الشهود في هذا المو ضع من ح كم ال تعالى‪ ,‬فيكون أ صلً م سلما‪ .‬والمقول إذا‬
‫خرح من أن يكون أ صلً أو نظيرا ل صل في ما تناز عت ف يه ال مة‪ ,‬كان واض حا ف ساده‪ .‬وإذا‬
‫فسد هذا القول بما ذكرناه‪ ,‬فالقول بأن الشاهدين استحلفا من أجل أنهما ادّعيا على الميت وصية‬
‫له ما بمال من ماله أف سد من أ جل أن أ هل العلم ل خلف بين هم في أن من ح كم ال تعالى أن‬
‫مدّعيا لو ادّعى في مال ميت وصية أن القول قول ورثة المدّعي في ماله الوصية مع أيمانهم‪,‬‬
‫دون قول مدّعي ذلك مع يمينه‪ ,‬وذلك إذا لم يكن للمدّعي بينة‪ .‬وقد جعل ال تعالى اليمين في‬
‫عثِر على‬
‫هذه الَية على الشهود إذا ارتيب بهما‪ ,‬وإنما نقل اليمان عنهم إلى أولياء الميت‪ ,‬إذا ُ‬
‫أن الشهود اسـتحقوا إثمـا فـي أيمانهـم فمعلوم بذلك فسـاد قول مـن قال‪ :‬ألزم اليميـن الشهود‬
‫لدعوا هم لنف سهم و صية أو صى ب ها ل هم الم يت في ماله‪ ,‬على أن ما قل نا في ذلك عن أ هل‬
‫التأو يل هو التأو يل الذي وردت به الخبار عن ب عض أ صحاب ر سول ال صلى ال عل يه‬
‫وسلم‪ ,‬أن رسول ال صلى ال عليه وسلم قضى به حين نزلت هذه الَية بين الذين نزلت فيهم‬
‫وبسببهم‪ .‬ذكر من قال ذلك‪:‬‬
‫‪ 10171‬ـ حدثني ابن وكيع‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا يحيى بن آدم‪ ,‬عن يحيى بن أبي زائدة‪ ,‬عن محمد بن‬
‫أبي القاسم‪ ,‬عن عبد الملك بن سعيد بن جبير‪ ,‬عن أبيه‪ ,‬عن ابن عباس‪ ,‬قال‪ :‬خرج رجل من‬
‫ب ني سهم مع تم يم الدارّي وعد يّ بن بداء‪ ,‬فمات ال سهميّ بأرض ل يس في ها م سلم‪ ,‬فل ما قد ما‬
‫بترك ته‪ ,‬فقدوا جا ما من ف ضة مخوّ صا بالذ هب‪ ,‬فأحلفه ما ر سول ال صلى ال عل يه و سلم‪ .‬ثم‬
‫وعديـ بـن بداء‪ .‬فقام رجلن مـن أولياء‬
‫ّ‬ ‫الداريـ‬
‫ّ‬ ‫وُجـد الجام بمكـة‪ ,‬فقالوا‪ :‬اشتريناه مـن تميـم‬
‫ال سهميّ فحل فا‪ :‬لشهادت نا أح قّ من شهادته ما‪ ,‬وأن الجام ل صاحبهم‪ .‬قال‪ :‬وفي هم أنزلت‪ :‬يا أيّ ها‬
‫اّلذِينَ آ َمنُوا شَهادَةُ َب ْي ِن ُكمْ‪.‬‬
‫‪ 10172‬ـ حدث نا الح سن بن أ بي شع يب الحرا ني‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا مح مد بن سلمة الحرا ني‪ ,‬قال‪:‬‬
‫حدثنا محمد بن إسحاق‪ ,‬عن أبي النضر‪ ,‬عن زاذان مولى أ ّم هانىء ابنة أبي طالب‪ ,‬عن ابن‬
‫حضَرَ أح َدكُ مُ المَ ْو تُ‬
‫ن آ َمنُوا شَهادَ ُة َب ْي ِنكُ ْم إذَا َ‬
‫عباس‪ ,‬عن تمم الدرا يّ في هذه الَية‪ :‬يا أيّها اّلذِي َ‬
‫قال‪ :‬برىء الناس من ها غيري وغ ير عد يّ بن بداء‪ ,‬وكا نا نصـرانيين يختلفان إلى الشام ق بل‬
‫السلم‪ ,‬فأتيا الشام لتجارتهما‪ ,‬وقدم عليهما مولى لبني سهم‪ ,‬يقال له بديل بن أبي مريم بتجارة‪,‬‬
‫ومعه جام فضة يريد بن الملك‪ ,‬وهو عظم تجارته‪ ,‬فمرض‪ ,‬فأوصى إليهما وأمرهما أن يبلغا‬
‫ما ترك أهله‪ .‬قال تم يم‪ :‬فل ما مات‪ ,‬أخذ نا ذلك الجام‪ ,‬فبعناه بألف در هم فق سمناه أ نا وعد يّ بن‬
‫بداء‪( ,‬فل ما قدم نا إلى أهله دفع نا إلي هم ما كان مع نا‪ ,‬وفقدوا الجام ف سألونا ع نه) فقل نا‪ :‬ما ترك‬
‫غير هذا‪ ,‬وما دفع إلينا غيره‪ .‬قال تميم‪ :‬فلما أسلمت بعد قدوم رسول ال صلى ال عليه وسلم‬
‫المدينة تأثمت من ذلك‪ ,‬فأتيت أهله فأخبرتهم الخبر‪ ,‬وأدّيت إليهم خمسمائة درهم‪ ,‬وأخبرتهم أن‬
‫عند صاحبي مثلها‪ ,‬فأتوا به رسول ال صلى ال عليه وسلم‪ ,‬فسألهم البينة فلم يجدوا‪ ,‬فأمرهم‬
‫أن ي ستحلفوه ب ما يع ظم به على أ هل دي نه‪ ,‬فحلف‪ ,‬فأنزل ال تعالى‪ :‬يا أيّ ها اّلذِي نَ آ َمنُوا شَهادَةُ‬
‫ن َب ْعدَ أيمانِهِ مْ فقام عمرو بن العاص‪ ,‬ورحل آخر منهم‪ ,‬فحلفا‪,‬‬
‫ن ُت ّردّ أيمَا ٌ‬
‫َب ْي ِنكُ مْ‪ ...‬إلى قوله‪ :‬أ ْ‬
‫فنزعت الخمسمائة من عديّ بن بداء‪.‬‬
‫‪ 10173‬ـ حدث نا القا سم‪ :‬حدث نا الح سين‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا أ بو سفيان‪ ,‬عن مع مر‪ ,‬عن قتادة وا بن‬
‫سيرين وغيره‪ .‬قال‪ :‬وثنا الحجاج‪ ,‬عن ابن جريج‪ ,‬عن عكرمة‪ ,‬دخل حديث بعضهم في بعض‪:‬‬
‫يا أيّها اّلذِينَ آ َمنُوا شَهادَةُ َب ْي ِنكُمْ‪ ...‬الَية‪ ,‬قال‪ :‬كان عديّ وتميم الداريّ وهما من لخم نصرانيان‬
‫يتجران إلى مكة في الجاهلية‪ .‬فلما هاجر رسول ال صلى ال عليه وسلم حوّل متجرهما إلى‬
‫المدينة‪ ,‬فقدم ابن أبي مارية مولى عمرو بن العاص المدينة‪ ,‬وهو يريد الشام تاجرا‪ .‬فخرجوا‬
‫جميعا‪ ,‬حتى إذا كانوا ببعض الطريق مرض ابن أبي مارية‪ ,‬فكتب وصيته بيده ثم د سّها في‬
‫متا عه‪ ,‬ثم أو صى إليه ما‪ .‬فل ما مات‪ ,‬فت حا متا عه‪ ,‬فأخذا ما أرادا‪ .‬ثم قد ما على أهله فدف عا ما‬
‫أرادا‪ ,‬ففتح أهله متاعه‪ ,‬فوجدوا كتابه وعهده وما خرج به‪ ,‬وفقدوا شيئا فسألوهما عنه‪ ,‬فقالوا‪:‬‬
‫هذا الذي قبضنا له ودفع إلينا قال لهما أهله‪ :‬فباع شيئا أو ابتاعه؟ قال‪ :‬ل‪ .‬قالوا‪ :‬فهل استهلك‬
‫من متا عه شيئا؟ قال‪ :‬ل‪ .‬قالوا‪ :‬ف هل تجرَ تجارة؟ قال‪ :‬ل‪ .‬قالوا‪ :‬فإ نا قد فقد نا بع ضه فاته ما‪,‬‬
‫فرفعوه ما إلى ر سول ال صلى ال عل يه و سلم‪ ,‬فنزلت هذه الَ ية‪ :‬يا أيّ ها اّلذِي نَ آ َمنُوا شَهادَةُ‬
‫ل ِثمِي نَ قال‪ :‬فأمر رسول ال صلى ال‬
‫ناَ‬
‫ضرَ أح َدكُ مُ المَوْ تُ‪ ...‬إلى قوله‪ :‬إنّا إذًا َلمِ َ‬
‫َب ْي ِنكُ مْ إذَا حَ َ‬
‫عل يه و سلم أن ي ستحلفوهما في دبر صلة الع صر‪ :‬بال الذي ل إله إلّ هو‪ ,‬ما قبض نا له غ ير‬
‫هذا ول كتم نا قال‪ :‬فمكث نا ما شاء ال أن نم كث‪ ,‬ثم ظ هر معه ما على إناء من ف ضة منقوش‬
‫مموّه بذ هب‪ ,‬فقال أهله‪ :‬هذا من متا عه‪ ,‬قال‪ :‬ن عم‪ ,‬ولك نا اشتريناه م نه ون سينا أن نذكره ح ين‬
‫حلفنـا‪ ,‬فكرهنـا أن نكذّب أنفسـنا فترافعوا إلى رسـول ال صـلى ال عليـه وسـلم‪ ,‬فنزلت الَيـة‬
‫س َتحَقّ عََل ْيهِ مُ‬
‫ن يَقُوما نِ مَقا َمهُ ما مِ نَ اّلذِي نَ ا ْ‬
‫خرَا ِ‬
‫س َتحَقّا إثْ ما فَآ َ‬
‫ع ِثرَ على أ ّنهُ ما ا ْ‬
‫الخرى‪ :‬فإن ُ‬
‫الوْلَيا نِ فأ مر ر سول ال صلى ال عل يه و سلم رجل ين من أ هل الم يت أن يحل فا على ما كت ما‬
‫ي صلى ال عل يه و سلم‪ ,‬وكان يقول‪:‬‬
‫غيّ با وي ستحقانه‪ .‬ثم إن تمي ما الدار يّ أ سلم وبا يع ال نب ّ‬
‫وَ‬
‫صدق ال ورسوله‪ ,‬أنا أخذت الناء‪.‬‬
‫‪ 10174‬ـ حدث ني يو نس‪ ,‬قال‪ :‬أخبر نا ا بن و هب‪ ,‬قال‪ :‬قال ا بن ز يد‪ ,‬في قوله‪ :‬يا أيّ ها اّلذِي نَ‬
‫ل ِم ْنكُ مْ‪ ...‬الَ ية كل ها‪,‬‬
‫عدْ ٍ‬
‫صيّ ِة اثْنا نِ ذَوَا َ‬
‫ت حِي نَ الوَ ِ‬
‫ح َدكُ مُ المَوْ ُ‬
‫حضَرَ أ َ‬
‫آ َمنُوا شَهادَ ُة َب ْي ِنكُ مْ إذَا َ‬
‫قال‪ :‬هذا شيء حين لم يكن السلم إلّ بالمدينة‪ ,‬وكانت الرض كلها كفرا‪ ,‬فقال ال تعالى‪ :‬يا‬
‫عدْل ِم ْنكُ مْ من‬
‫ن ذَوَا َ‬
‫صيّ ِة اثْنا ِ‬
‫ح َدكُ ُم المَوْ تُ حِي نَ الوَ ِ‬
‫حضَرَ أ َ‬
‫أيّ ها اّلذِي نَ آ َمنُوا شَهادَةُ َب ْي ِنكُ ْم إذَا َ‬
‫ن غي ِركُ مْ من غير أهل السلم‪ ,‬إ نْ أ ْنتُ مْ ضَ َر ْبتُ مْ فِي الرْ ضِ فَأ صَا َبتْ ُكمْ‬
‫ن مِ ْ‬
‫خرَا ِ‬
‫المسلمين‪ ,‬أوْ آ َ‬
‫ت قال‪ :‬كان الر جل يخرج م سافرا والعرب أ هل ك فر‪ ,‬فع سى أن يموت في سفره‬
‫مُ صِيبَةُ ال َموْ ِ‬
‫في سند و صيته إلى رجل ين من هم‪ ,‬فيق سمان بال إن ارتب تم في أمره ما إذا قال الور ثة‪ :‬كان مع‬
‫س َتحَقّا إثْما‬
‫ع ِثرَ على أ ّنهُما ا ْ‬
‫صاحبنا كذا وكذا‪ ,‬فيقسمان بال‪ :‬ما كان معه إلّ هذا الذي قلنا‪ .‬فإنْ ُ‬
‫حقّ عََل ْيهِ مُ الَوْلَيا نِ بالميت‬
‫س َت َ‬
‫ن اّلذِي نَ ا ْ‬
‫ن مَقا َمهُما مِ َ‬
‫ن يَقُوما ِ‬
‫إنما حلفا على باطل وكذب‪ .‬فَآخَرَا ِ‬
‫ن ذكرنا أنه كان مع‬
‫ن الظّالِمِي َ‬
‫ع َتدَيْنا إنّا إذا َلمِ َ‬
‫ق مِ نْ شَها َد ِتهِما وَما ا ْ‬
‫ن باللّ هِ َلشَها َد َتنَا أحَ ّ‬
‫َفيُقْ سِما ِ‬
‫صاحبنا كذا وكذا‪ ,‬قال هؤلء‪ :‬لم يكن معه‪ .‬قال‪ :‬ثم عثر على بعض المتاع عندهما‪ ,‬فلما عثر‬
‫ن َي ْأتُوا‬
‫على ذلك ردّت القَ سَامة على وارثه‪ ,‬فأقسما‪ ,‬ثم ضمن هذان‪ .‬قال ال تعالى‪ :‬ذَلِكَ أ ْدنَى أ ْ‬
‫سمَعوا وَاللّهُ ل َيهْدِي‬
‫ن فتبطل أيمانُهم‪ ,‬وَاتّقُوا الّلهَ وَا ْ‬
‫ن ُترَ ّد أيمَا ٌ‬
‫جهِها أوْ يَخافُوا أ ْ‬
‫بالشّهادَ ِة على َو ْ‬
‫ن الكاذبين الذين يحلفون على الكذب‪ .‬وقال ابن زيد‪ :‬قدم تميم الداريّ وصاحب له‪,‬‬
‫القَ ْومَ الفاسِقِي َ‬
‫وكا نا يومئذٍ مشرك ين ولم يكو نا أ سلما‪ ,‬فأ خبرا أنه ما أو صى إليه ما ر جل‪ ,‬وجاءا بترك ته‪ ,‬فقال‬
‫أولياء الميت‪ :‬كان مع صاحبنا كذا وكذا‪ ,‬وكان معه إبريق فضة وقال الَخران‪ :‬لم يكن معه إلّ‬
‫الذي جئنا به‪ .‬فحلفا خلف الصلة‪ .‬ثم عثر عليهما بعد والبريق معهما فلما عثر عليهما ردّت‬
‫القسامة على أولياء الميت بالذي قالوا مع صاحبهم‪ ,‬ثم ضمنها الذي حلف ليه الوليان‪.‬‬
‫‪ 10175‬ـ حدثنا الربيع‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا الشافع يّ‪ ,‬قال‪ :‬أخبرنا سعيد بن معاذ بن موسى الجعفر يّ‪,‬‬
‫عن بكير بن معروف‪ ,‬عن مقاتل بن حيان‪ ,‬قال بكر‪ :‬قال مقاتل‪ :‬أخذت هذا التفسير عن مجاهد‬
‫ل ِم ْنكُ مْ أن رجل ين ن صرانيين من أ هل دَارِ ين‪,‬‬
‫عدْ ٍ‬
‫ن ذَوَا َ‬
‫والح سن والضحاك في قول ال‪ :‬اثْنا ِ‬
‫أحده ما تميمي والَ خر يماني‪ ,‬صاحبَهما مولى لقريش في تجارة‪ ,‬فركبوا الب حر ومع القرش يّ‬
‫مال معلوم قـد علمـه أولياؤه مـن بيـن آنيـة وبزَ ورِقَة‪ .‬فمرض القرشيـّ‪ ,‬فجعـل وصـيته إلى‬
‫الداريّين‪ ,‬فمات‪ .‬وقبض الداريان المال والوصية‪ ,‬فدفعاه إلى أولياء الميت‪ ,‬وجاءا ببعض ماله‪.‬‬
‫وأن كر القوم قلة المال‪ ,‬فقالوا للداريّ ين‪ :‬إن صاحبنا قد خرج م عه بمال أك ثر م ما اتيتمو نا به‪,‬‬
‫فهل باع شيئا أو اشترى شيئا ف ُوضِعَ فيه؟ أو هل طال مرضه فأنفق على نفسه؟ قال‪ :‬ل‪ .‬قالوا‪:‬‬
‫فإنكما خنتمانا فقبضوا المال ورفعوا أمرهما إلى النبيّ صلى ال عليه وسلم‪ ,‬فأنزل ال تعالى‪:‬‬
‫ن آ َمنُوا شَهادَ ُة َب ْي ِنكُ مْ‪ ...‬إلى آ خر الَ ية‪ .‬فل ما نزل‪ :‬أن يُحب سا من ب عد ال صلة‪ ,‬أ مر‬
‫يا أيّ ها اّلذِي َ‬
‫النبيّ صلى ال عليه وسلم فقاما بعد الصلة‪ ,‬فحلفا بال ربّ السموات ما ترك مولكم من المال‬
‫إلّ ما أتيناكم به‪ ,‬وإنا ل نشتري بأيماننا ثمنا قليلً من الدنيا ولو كان ذا قُربى‪ ,‬ول نكتم شهادة‬
‫ال‪ ,‬إنّا إذن لمن الَثمين فلما حلفا خُلّي سبيلهما‪ .‬ثم إنهم وجدوا بعد ذلك إناء من آنية الميت‪,‬‬
‫فأُخِذ الداريان فقال‪ :‬اشتريناه منه في حياته وكذبا‪ ,‬فكُلّفا البينة فلم يقدرا عليها‪ .‬فرفعوا ذلك إلى‬
‫ع ِثرَ يقول‪ :‬فإن اطّلع على أنهما استحقا إثما‪,‬‬
‫النبيّ صلى ال عليه وسلم‪ ,‬فأنزل ال تعالى‪ :‬فإن ُ‬
‫يعني الداريّين إن َكتَما حقّا‪ ,‬فآخران من أولياء الميت يقومان مقامهما من الذين استحقّ عليهم‬
‫الوليان‪ ,‬فيقسمان بال إن مال صاحبنا كان كذا وكذا‪ ,‬وإن الذي ُيطْلَب ِقبَل الدار يّين لحقّ‪ ,‬وما‬
‫اعتدي نا‪ ,‬إنّا إذن ل من الظالم ين‪ .‬هذا قول الشاهد ين أولياء الم يت‪ ,‬ذلك أد نى أن يأتوا بالشهادة‬
‫على وجهها‪ ,‬يعني‪ :‬الداريين والناس أن يعودوا لمثل ذلك‪.‬‬
‫قال أبو جعفر‪ :‬ففيما ذكرنا من هذه الخبار التي روينا دليل واضح على صحة ما قلنا من‬
‫أن حكم ال تعالى باليمين على الشاهدين في هذا الموضع‪ ,‬إنما هو من أجل دعوى ورثته على‬
‫الم سنَد إليه ما الو صية خيا نة في ما د فع الم يت من ماله إليه ما‪ ,‬أو غ ير ذلك م ما ل يبرأ في ها‬
‫المدّعي ذلك قبله إلّ بيمين‪ ,‬وإن نقل اليمين إلى ورثة الميت‪ ,‬بما أوجبه ال تعالى بعد أن عثر‬
‫ن القوم ادّعوا فيما‬
‫ظهِر على كذبهما فيها‪ ,‬إ ّ‬
‫على الشاهدين أنهما استحقّا إثما في أيمانهما‪ ,‬ثم ُ‬
‫صحّ أنه كان للميت دعوى من انتقال ملك عنه إليهما ببعض ما تزول به الملك‪ ,‬مما يكون‬
‫اليمين فيها على ورثة الميت دون المدّعَى‪ ,‬وتكون البينة فيها على المدعي وفساد ما خالف في‬
‫هذه الَية ما قلنا من التأويل‪ .‬وفيها أيضا البيان الواضح على أن معنى الشهادة التي ذكرها ال‬
‫ن َيرْمو نَ‬
‫تعالى في أوّل هذه القصة إنما هي اليمين‪ ,‬كما قال ال تعالى في مواضع أخر‪ :‬واّلذِي َ‬
‫حدِهِ مْ أ ْربَ عُ شَهادا تٍ باللّ ِه إنّ ُه لمِ نَ ال صّادقينَ‪,‬‬
‫سهُ ْم فشَهادَةُ أ َ‬
‫ل أنْفُ ُ‬
‫ش َهدَاءُ إ ّ‬
‫جهُ مْ ولَ مْ ي ُك نْ لهُ مْ ُ‬
‫َأزْوَا َ‬
‫فالشهادة في هذا المو ضع معنا ها الق سم من قول القائل‪ :‬أش هد بال إ نه ل من ال صادقين‪ ,‬وكذلك‬
‫ح َدكُ مُ المَوْ تُ حِي نَ الوَ صِيّ ِة أن يق سم‬
‫ضرَ أ َ‬
‫ح َ‬
‫مع نى قوله‪ :‬شَهادَ ُة َب ْينِكُ مْ إن ما هو قَ سَم بين كم‪ ,‬إذَا َ‬
‫ُمـ إن كانـا ائتمنـا على مـا قال‪ ,‬فارتيـب بهمـا‪ ,‬أو ائتمـن آخران مـن غيـر‬
‫ل ِم ْنك ْ‬
‫عدْ ٍ‬
‫اثْنان ذَوَا َ‬
‫المؤمن ين فاته ما‪ .‬وذلك أن ال تعالى لمّا ذ كر ن قل اليم ين من اللذ ين ظ هر على خيانته ما إلى‬
‫ن شَها َد ِتهِما‪ .‬ومعلوم أن أولياء الميت المدّعين ِقبَل‬
‫الَخرين‪ ,‬قال‪َ :‬فيُقْسِمانِ باللّ ِه َلشَها َدتُنا أحَقّ مِ ْ‬
‫اللذين ظهر على خيانتهما‪ ,‬غير جائز أن يكون شهداء بمعنى الشهادة التي يؤخذ بها في الحكم‬
‫ح قّ مدّعى عليه لمدّع‪ ,‬لنه ل يعلم ل تعالى حكم قضى فيه لحد بدعواه‪ ,‬ويمينه على مدّعًى‬
‫عليه بغير بينة ول إقرار من المدّعى عليه ول برهان‪ .‬فإذا كان معلوما أن قوله‪ :‬لشَهادَتُنا أحَقّ‬
‫ن شَهادَ ِتهِ ما إن ما معناه‪ :‬ق سمنا أح قّ من ق سمهما‪ ,‬وكان ق سم اللذ ين ع ثر على أنه ما أث ما هو‬
‫مِ ْ‬
‫ن شَها َد ِتهِ ما صح أن مع نى قوله‪ :‬شَهادَ ِة َب ْينِكُ مْ‬
‫الشهادة ال تي ذ كر ال تعالى في قوله‪ :‬أحَ قّ مِ ْ‬
‫ن شَها َد ِتهِما وأنها بمعنى القسم‪.‬‬
‫حقّ مِ ْ‬
‫بمعنى الشهادة في قوله‪َ :‬لشَها َدتُنا أ َ‬
‫َيانـ فقرأ ذلك قرّاء الحجاز‬
‫ِمـ الوْل ِ‬
‫حقّ عََل ْيه ُ‬
‫اسـَت َ‬
‫ِينـ ْ‬
‫ِنـ اّلذ َ‬
‫واختلفـت القرّاء فـي قراءة قوله‪ :‬م َ‬
‫حقّ عََل ْيهِ مُ الوْلَيا نِ» ب ضم التاء‪ .‬ورُوِي عن عل يّ وأ بي بن‬
‫س ُت ِ‬
‫ن اّلذِي نَ ا ْ‬
‫والعراق والشام‪« :‬مِ َ‬
‫حقّ عََل ْي ِهمُ بفتح التاء‪.‬‬
‫ستَ َ‬
‫ناْ‬
‫ن اّلذِي َ‬
‫كعب والحسن البصري أنهم قرءوا ذلك‪ :‬مِ َ‬
‫واختل فت أي ضا في قراءة قوله‪ :‬الوْلَيا نِ فقرأ ته عامّة قرّاء أ هل المدي نة والشام والب صرة‪:‬‬
‫الوْلَيا نِ‪ ,‬وقرأ ذلك عا مة قرّاء أ هل الكو فة‪« :‬الول ين»‪ .‬وذ كر عن الح سن الب صري أ نه كان‬
‫حقّ عََل ْي ِهمُ الَوّلنِ»‪.‬‬
‫س َت َ‬
‫ن اّلذِينَ ا ْ‬
‫يقرأ ذلك‪« :‬مِ َ‬
‫حقّ عََليْهِم» قراءة من قرأ بض مّ التاء‪,‬‬
‫س ُت ِ‬
‫نا ْ‬
‫ن اّلذِي َ‬
‫وأولى القراءت ين بال صواب في قوله‪ِ « :‬م َ‬
‫لجماع الحجة من القرّاء عليه‪ ,‬مع مساعدة عامّة أهل التأويل على صحة تأويله‪ ,‬وذلك إجماع‬
‫ق المؤتمنان على مال الم يت ال ثم‬
‫عامت هم على أن تأويله‪ :‬فآخران من أهل الم يت الذين ا ستح ّ‬
‫فيهم‪ ,‬يقومان مقام المستحقّ الثم فيهما بخيانتهما ما خانا من مال الميت‪ .‬وقد ذكرنا قائل ذلك‬
‫أو أكثر قائليه فيما مضى قبل‪ ,‬ونحن ذاكروا باقيهم إن شاء ال تعالى ذلك‪.‬‬
‫‪ 10176‬ـ حدث ني مح مد بن عمرو‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا أ بو عا صم‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا عي سى‪ ,‬عن ا بن أ بي‬
‫نجيح‪ ,‬عن مجاهد في قول ال تعالى‪ :‬شَهادَةُ َب ْي ِنكُ مْ أن يموت المؤمن فيحضر موته مسلمان أو‬
‫كافران ل يحضره غير اثنين منهم‪ ,‬فإن رضي ورثته ما عاجل عليه من تركته فذاك‪ ,‬وحلف‬
‫الشاهدان إن اته ما ل صادقان‪ ,‬فإن ع ثر و جد ل طخ حلف الثنان الوليان من الور ثة‪ ,‬فا ستحقا‪,‬‬
‫وأبطل أيمان الشاهدين‪.‬‬
‫ـح التاء‪ ,‬أرادوا أن يوجهوا تأويله إلى‪ :‬فَآخران يقومان‬
‫ـن قرءوا ذلك بفتـ‬
‫ـب أن الذيـ‬
‫وأحسـ‬
‫مقامه ما مقام المؤتمن ين اللذ ين ع ثر على خيانته ما في الق سم وال ستحقاق به عليه ما دعواه ما‬
‫قبلهمـا مـن الذيـن اسـتحقّ على المؤتمنيـن على المال على خيانتهمـا القيام مقامهمـا فـي القسـم‬
‫وال ستحقاق في الوليان بالم يت‪ .‬وكذلك كا نت قراءة من رُوِ يت هذه القراءة ع نه‪ ,‬فقرأ ذلك‪:‬‬
‫حقّ بف تح التاء على مع نى‪ :‬الوليان بالم يت وماله‪ .‬وذلك مذ هب صحيح وقراءة‬
‫ن اّلذِي نَ ا ستَ َ‬
‫مِ َ‬
‫غ ير مدفو عة صحتها‪ ,‬غ ير أ نا نختار الخرى لجماع الح جة من القرّاء علي ها مع موافقت ها‬
‫التأويل الذي ذكرنا عن الصحابة والتابعين‪.‬‬
‫‪ 10177‬ـ حدثنا ابن وكيع‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا يحيى بن آدم‪ ,‬عن إسرائيل‪ ,‬عن أبي إسحاق‪ ,‬عن أبي‬
‫س ُتحِقّ عََل ْي ِهمُ الَوْلَيانِ»‪.‬‬
‫ناْ‬
‫عبد الرحمن وكريب عن عليّ‪ ,‬أنه كان يقرأ‪ِ « :‬منَ اّلذِي َ‬
‫‪ 10178‬ـ حدثنا ابن وكيع‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا مالك بن إسماعيل‪ ,‬عن حماد بن زيد‪ ,‬عن وائل مولى‬
‫ي بن كعب‪ ,‬أنه كان يقرأ‪ِ « :‬منَ اّلذِينَ‬
‫أبي عبيد‪ ,‬عن يحيى بن عقيل عن يحيى بن يعمر‪ ,‬عن أب ّ‬
‫س ُتحِقّ عََل ْيهِ ُم الَوْلَيانِ»‪.‬‬
‫اْ‬
‫لوْلَيانِـ عندي‪ ,‬فقراءة مـن قرأ‪ :‬الوْلَيانِـ بصـحة‬
‫وأمـا أولى القراءات بالصـواب فـي قوله‪ :‬ا َ‬
‫معناها وذلك لن معنى‪ :‬فآخران يقومان مقامهما من الذين استحق فيهم الثم‪ ,‬ثم حذف «الثم»‬
‫وأقيم مقامه «الوليان»‪ ,‬لنهما هما اللذان ظلما وأثما فيهما بما كان من خيانة اللذين استحقا‬
‫الثم وعثر عليهما بالخيانة منهما فيما كان ائتمنهما عليه الميت‪ ,‬كما قد بينا فيما مضى من‬
‫فعل العرب مثل ذلك من حذفهم الفعل اجتزاء بالسم‪ ,‬وحذفهم السم اجتزاء بالفعل‪ .‬ومن ذلك‬
‫ح َدكُمُـ المَوْتُـ حِينَـ‬
‫ضرَ أ َ‬
‫ح َ‬
‫مـا قـد ذكرنـا فـي تأويـل هذه القصـة‪ ,‬وهـو قوله‪ :‬شَهادَ ُة َب ْي ِنكُم ْـ إذَا َ‬
‫شتَرِي به َثمَ نا‬
‫ن ا ْرتَ ْبتُ مْ ل َن ْ‬
‫صيّةِ اثْنا نِ ومعناه‪ :‬أن يش هد اثنان‪ ,‬وك ما قال‪َ :‬فيُقْ سِمان باللّ هِ إ ِ‬
‫الوَ ِ‬
‫فقال « به»‪ ,‬فعاد بالهاء على ا سم «ال» وإن ما المع نى‪ :‬ل نشتري بق سمنا بال‪ ,‬فاجتزىء بالعود‬
‫على ا سم ال بالذ كر‪ ,‬والمراد به‪ :‬ل نشتري بالق سم بال ا ستغناء بف هم ال سامع بمعناه عن ذ كر‬
‫اسم القسم‪ .‬وكذلك اجتزىء بذكر الوليين من ذكر الثم الذي استحقه الخائنان لخيانتهما إياها‪,‬‬
‫ع ِثرَ‬
‫إذ كان قد جرى ذكر ذلك بما أغنى السامع عند سماعه إياه عن إعادته‪ ,‬وذلك قوله‪ :‬فإ نْ ُ‬
‫س َتحَقّا إثْما‪ .‬وأما الذين قرءوا ذلك «الوّلين» فإنهم قصدوا في معناه إلى الترجمة‬
‫على أ ّنهُما ا ْ‬
‫بـه عـن «الذيـن»‪ ,‬فأخرجوا ذلك على وجـه الجمـع‪ ,‬إذ كان «الذيـن» جمعـا وخفضـا‪ ,‬إذ كان‬
‫«الذين» مخفوضا‪ .‬وذلك وجه من التأويل‪ ,‬غير أنه إنما يقال للشيء أوّل إذا كان له آخر هو‬
‫له أوّل‪ ,‬وليس للذين استحقّ عليهم الثم آخرهم له أوّل‪ ,‬بل كانت أيمان الذين عثر على أنهما‬
‫استحقا إثما قبل إيمانهم‪ ,‬فهم إلى أن يكونوا إذ كانت أيمانهم آخرا أولى أن يكونوا آخرين من‬
‫أن يكونوا أوّلين وأيمانهم آخرة لولى قبلها‪ .‬وأما القراءة التي حكيت عن الحسن‪ ,‬فقراءة عن‬
‫قراءة الحجة من القرّاء شاذّة‪ ,‬وكفى بشذوذها عن قراءتهم دليلً على بعدها من الصواب‪.‬‬
‫ن إذا قرىء كذلك‪ ,‬فقال بعض نحويي البصرة‪:‬‬
‫واختلف أهل العربية في الرافع لقوله‪ :‬الوْلَيا ِ‬
‫ن مَقا َمهُ ما وقال‪ :‬إن ما جاز أن‬
‫ن يَقوما ِ‬
‫خرَا ِ‬
‫ل من «آخران» في قوله‪ :‬فآ َ‬
‫يز عم أ نه ر فع ذلك بد ً‬
‫ن اّلذِي نَ‬
‫ن مَقامهمَا ِم َ‬
‫يبدل الوليان و هو معر فة من آخران و هو نكرة‪ ,‬ل نه ح ين قال‪ :‬يَقُوما ِ‬
‫ا سْتحقّ عََل ْيهِم كان كأنه قد حدّهما حتى صارا كالمعرفة في المعنى‪ ,‬فقال‪« :‬الوْلَيا نِ»‪ ,‬فأجرى‬
‫المعرفة عليهما بدلً‪ .‬قال‪ :‬ومثل هذا مما يجري على المعنى كثير‪ .‬واستشهد لصحة قوله ذلك‬
‫بقول الراجز‪:‬‬
‫ت نُذورَاوبَادِنا مُقَلّدا َمنْحورَا‬
‫عََليّ ي ْو َم يمِْلكُ المُورَاصَ ْو َم شُهورٍ َوجَب ْ‬
‫قال‪ :‬فجعله «عليّ واجب»‪ ,‬لنه في المعنى قد أوجب‪.‬‬
‫وكان بعـض نحويـي الكوفـة ينكـر ذلك ويقول‪ :‬ل يجوز أن يكون «الوليان» بدلً مـن‬
‫ن فلم يت مّ‬
‫ن يَقُوما ِ‬
‫خرَا ِ‬
‫«آخران» من أجل أنه قد نَ سَق «فيقسمان» على «يقومان» في قوله‪ :‬فَآ َ‬
‫الخبر عند من قال‪ :‬ل يجوز البدال قبل إتمام الخبر‪ ,‬كما قال‪ :‬غير جائز «مررت برجل قام‬
‫زيد وقعد» وزيد بدل من رجل‪.‬‬
‫وال صواب من القول في ذلك عندي أن يقال‪« :‬الوليان» مرفوعان ب ما لم ي سمّ فاعله‪ ,‬و هو‬
‫حقّ عََل ْيهِم» وأنهما موضع الخبر عنهما‪ ,‬فعمل فيهما ما كان عاملً في الخبر عنهما‬
‫س ُت ِ‬
‫قوله‪« :‬ا ْ‬
‫وذلك أن معنى الكلم‪ :‬فآخران يقومان مقامهما من الذين استحقّ عليهم الثم بالخيانة‪ ,‬فوضع‬
‫جعَ ْلتُ مْ سقايَةَ الحا جّ وعِمارَةَ‬
‫«الوليان» مو ضع «ال ثم» ك ما قال تعالى في مو ضع آ خر‪ :‬أ َ‬
‫خرِ ومعناه‪ :‬أجعلتـم سـقاية الحاج وعمارة المسـجد‬
‫لِ‬‫ْمـ ا َ‬
‫ّهـ واليَو ِ‬
‫َنـ بالل ِ‬
‫َنـ آم َ‬
‫حرَام كم ْ‬
‫جدِ ال َ‬
‫َسـ ِ‬
‫الم ْ‬
‫شرِبُوا فِي قُلُو ِبهِ مُ ال ِعجْلَ ِبكُ ْفرِهِ مْ‪ ,‬وكما‬
‫الحرام كإيمان من آمن بال واليوم الَخر؟ وكما قال‪ :‬وُأ ْ‬
‫قال بعض الهذليين‪:‬‬
‫ط‬
‫صرَاصِرَ ِة القِطا ِ‬
‫خرْسِ ال ّ‬
‫خ ْم ٍرمِنَ ال ُ‬
‫ُي َمشّي َب ْينَنا حانُوتُ َ‬
‫وهـو يعنـي صـاحب حانوت خمـر‪ ,‬فأقام الحانوت مقامـه لنـه معلوم أن الحانوت ل يمشـي‪,‬‬
‫ولكن ل ما كان معلوما عنده أ نه ل يخ فى على سامعه ما ق صد إليه من معناه حذف الصاحب‪,‬‬
‫حقّ عََل ْيهِ مُ الَوْلَيا نِ» إنما هو من الذين‬
‫س ُت ِ‬
‫نا ْ‬
‫ن اّلذِي َ‬
‫واجتزأ بذكر الحانوت منه‪ ,‬فكذلك قوله‪ِ « :‬م َ‬
‫استحقّ فيهم خيانتهما‪ ,‬فحذفت «الخيانة» وأقيم «المختانان» مقامها‪ ,‬فعمل فيهما ما كان يعمل‬
‫في المحذوف ولو ظ هر‪ .‬وأ ما قوله‪« :‬علي هم» في هذا المو ضع‪ ,‬فإن معنا ها‪ :‬في هم‪ ,‬ك ما قال‬
‫ن يعنـي‪ :‬فـي ملك سـليمان‪ ,‬وكمـا قال‪:‬‬
‫سـَليْما َ‬
‫ْكـ ُ‬
‫ِينـ على مُل ِ‬
‫تعالى‪ :‬وَا ّت َبعُوا مـا َتتْلُوا الشّياط ُ‬
‫ع ال ّنخْلِ ف «في» توضع موضع «على»‪ ,‬و «على» في موضع «في» كل‬
‫جذُو ِ‬
‫لصَّل َب ّنكُمْ فِي ُ‬
‫وُ‬
‫واحدة منهما تعاقب صاحبتها في الكلم‪ ,‬ومنه قول الشاعر‪:‬‬
‫َمتَى ما ُت ْن ِكرُوها َت ْع ِرفُوهاعلى أقْطارِها عََلقٌ نَفِيثُ‬
‫س َتحَقّا إثْما فَآخَرَا نِ‬
‫عثَر على أ ّنهُما ا ْ‬
‫وقد تأوّلت جماعة من أهل التأويل قول ال تعالى‪« :‬فإ نْ ُ‬
‫حقّ عََل ْيهِمُـ الَوْلَيانـِ» أنهمـا رجلن آخران مـن المسـلمين‪ ,‬أو‬
‫يَقُومانِـ مَقا َمهُمـا مِنَـ اّلذِينَـ اس ْـُت ِ‬
‫سمَين الوّلين‪ .‬ذكر من قال ذلك‪:‬‬
‫رجلن أعدل من المُق ِ‬
‫‪ 10179‬ـ حدثنا محمد بن المثنى‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا عبد العلى‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا داود بن أبي هند‪ ,‬عن‬
‫ت حِي نَ‬
‫ح َدكُ مُ ال َموْ ُ‬
‫ضرَ أ َ‬
‫ن آ َمنُوا شَهادَةُ َب ْي ِنكُ مْ إذَا حَ َ‬
‫عامر‪ ,‬عن شريح في هذه الَية‪ :‬يا أيّها اّلذِي َ‬
‫غرْبة‪ ,‬ولم يجد‬
‫ن غي ِركُ مْ قال‪ :‬إذا كان الرجل بأرض ُ‬
‫خرَا نِ مِ ْ‬
‫ل ِم ْنكُ مْ أوْ آ َ‬
‫عدْ ٍ‬
‫صيّة اثْنا نِ ذَوَا َ‬
‫الوَ ِ‬
‫م سلما يشهده على و صيته‪ ,‬فأش هد يهود يا أو ن صرانيا أو مجو سيا‪ ,‬فشهادت هم جائزة‪ .‬فإن جاء‬
‫رجلن مسلمان‪ ,‬فشهدا بخلف شهادتهم‪ ,‬أجيزت شهادة المسلمين وأبطلت شهادة الَخرين‪.‬‬
‫ع ِثرَ أي‬
‫‪ 10180‬ـ حدث نا ب شر بن معاذ‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا يز يد‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا سعيد‪ ,‬عن قتادة‪ :‬فإ نْ ُ‬
‫اطلع منهما على خيانة على أنهما كذبا أو كتما‪ ,‬فشهد رجلن هما أعدل منهما بخلف ما قال‪,‬‬
‫أجيزت شهادة الَخرين وأبطلت شهادة الوّلين‪.‬‬
‫‪10181‬ـ حدثنا ابن وكيع‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا جرير‪ ,‬عن عبد الملك‪ ,‬عن عطاء‪ ,‬قال‪ :‬كان ابن عباس‬
‫س ُتحِقّ عََل ْيهِ مُ الوَّليْ نِ» قال‪ :‬ك يف يكون «الَوْلَيان»‪ ,‬أرأ يت لو كان الوليان‬
‫نا ْ‬
‫يقرأ‪ِ « :‬م نَ اّلذِي َ‬
‫صغيرين؟‬
‫حدثنا هناد وابن وكيع‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا عبدة‪ ,‬عن عبد الملك‪ ,‬عن عطاء‪ ,‬عن ابن عباس‪ ,‬قال‪:‬‬
‫س ُتحِقّ عََل ْيهِ مُ الوَّليْ نِ» قال‪ :‬وقال‪ :‬أرأ يت لو كان الوليان صغيرين‪,‬‬
‫نا ْ‬
‫كان يقرأ‪ِ « :‬م نَ اّلذِي َ‬
‫كيف يقومان مقامهما؟‬
‫قال المام أ بو جع فر‪ :‬فذ هب ا بن عباس في ما أرى إلى ن حو القول الذي حك يت عن شر يح‬
‫عدْلن مـن‬
‫وقتادة‪ ,‬مـن أن ذلك رجلن آخران مـن المسـلمين يقومان مقام النصـرانِييّن‪ ,‬أو َ‬
‫سمَين‪ .‬وفي إجماع جميع أهل‬
‫المسلمين هما أعدل وأجوز شهادة من الشاهدين الوّلين أو المُق ِ‬
‫العلم على أن ل حكم ل تعالى يجب فيه على شاهد يمين فيما قام به من الشهادة‪ ,‬دليل واضح‬
‫خرَا نِ يَقُوما نِ‬
‫على أن غير هذا التأويل الذي قاله الحسن ومن قال بقوله في قول ال تعالى‪ :‬فَآ َ‬
‫مَقا َمهُما أولى به‪.‬‬
‫ن فإن معناه عندنا‪ :‬الولى بالميت من المقسمين الوّلين فالولى‪ ,‬وقد يحتمل‬
‫وأما قوله الوْلَيا ِ‬
‫أن يكون معناه‪ :‬الولى باليميـن منهمـا فالولى‪ ,‬ثـم حذف «منهمـا» والعرب تفعـل ذلك فتقول‪:‬‬
‫فلن أفضل‪ ,‬وهي تريد أفضل منك‪ ,‬وذلك إذا وضع أفعل موضع الخبر‪ .‬وإن وقع موقع السم‬
‫وأدخلت فيه اللف واللم‪ ,‬فعلوا ذلك أيضا إذا كان جوابا لكلم قد مضى‪ ,‬فقالوا‪ :‬هذا الفضل‪,‬‬
‫وهذا الشرف يريدون هو الشرف منك‪ .‬وقال ابن زيد‪ :‬معنى ذلك‪ :‬الوليان بالميت‪.‬‬
‫‪10182‬ـ حدثني يونس‪ ,‬عن ابن وهب‪ ,‬عنه‪.‬‬
‫ع َت َديْنا إنّا إذَنْ َل ِمنَ‬
‫ن شَهاد ِتهِم وَما ا ْ‬
‫حقّ مِ ْ‬
‫القول في تأويل قوله تعالى‪َ :‬فيُقْسِمانِ باللّ ِه َلشَها َدتُنا أ َ‬
‫الظّالِمِينَ‪.‬‬
‫يقول تعالى ذكره‪ :‬فيُقسـم الَخران اللذان يقومان مقام اللذيـن عثـر على أنهمـا اسـتحقا إثمـا‬
‫بخيانتهما مال الميت الوليان باليمين والميت من الخائنين‪َ :‬لشَهادَتُنا أحَ قّ مِ نْ شَها َد ِتهِما يقول‪:‬‬
‫ليماننا أح قّ من أيمان المقسمين المستحقين الثم وأيمانهما الكاذبة في أنهما قد خانا في كذا‬
‫ع َت َديْنا يقول‪ :‬وما تجاوزنا الح قّ في‬
‫وكذا من مال ميتنا‪ ,‬وكذا في أيمانهما التي حلفا بها‪ .‬وَما ا ْ‬
‫ن الظّاِلمِي نَ يقول‪ :‬إنا‬
‫أيماننا‪ .‬وقد بينا أن معنى العتداء‪ :‬المجاوزة في الشيء حدّه‪ .‬إنّا إذَ نْ َلمِ َ‬
‫ن يأخذ‬
‫عدَادِ مَ ْ‬
‫ن يقول‪َ :‬لمِ نْ ِ‬
‫ن الظّالِمِي َ‬
‫إن كنا اعتدينا في أيماننا‪ ,‬فحلفنا مبطلين فيها كاذبين‪ ,‬لمِ َ‬
‫ما ليس له أخذه‪ ,‬ويقتطع بأيمانه الفاجرة أموال الناس‪.‬‬

‫‪108‬‬ ‫الية ‪:‬‬


‫جهِه َآ أَ ْو َيخَافُوَ ْا أَن ُت َردّ‬
‫شهَادَةِ عََلىَ َو ْ‬
‫ِكـ َأ ْد َنىَ أَن َي ْأتُواْ بِال ّ‬
‫{ذَل َ‬ ‫القول فـي تأويـل قوله تعالى‪:‬‬
‫س َمعُواْ وَاللّ ُه لَ َي ْهدِي الْ َق ْومَ الْفَاسِقِينَ }‪..‬‬
‫َأ ْيمَانٌ َب ْعدَ َأ ْيمَا ِن ِهمْ وَاتّقُوا الّلهَ وَا ْ‬
‫يع ني تعالى ذكره بقوله‪ :‬ذل كَ‪ :‬هذا الذي قلت ل كم في أ مر الو صياء إذا ارتب تم في أمر هم‬
‫حبْسهم بعد الصلة‪ ,‬واستحلفكم إياهم على ما‬
‫واتهمتموهم بخيانة المال من أوصى إليهم من َ‬
‫ن َي ْأتُوا بالشّهادَةِ على وجهِها يقول‪ :‬هذا الفعل إذا فعلتم بهم‬
‫ادّعى ِقبَلهم أولياء الميت أدْنى َلهُم أ ْ‬
‫أقرب ل هم أن ي صدقُوا في أيمان هم‪ ,‬ول يكتموا‪ ,‬ويقرّوا بالح قّ‪ ,‬ول يخونوا‪ .‬أوْ يَخافُوا أ نْ ُت َردّ‬
‫عثِر عليهم أنهم استحقوا إثما في أيمانهم‬
‫ن َب ْعدَ أيمَانِهِمْ يقول أو يخافوا هؤلء الوصياء إن ُ‬
‫أيمَا ٌ‬
‫بال‪ ,‬أن تردّ أيمانهم على أولياء الميت بعد أيمانهم التي عثر عليها أنها كذب‪ ,‬فيستحقوا بها ما‬
‫ادّعوا ِقبَل هم من حقوق هم‪ ,‬في صدقوا حينئذٍ في أيمان هم وشهادت هم مخا فة الفضي حة على أنف سهم‬
‫وحذرا أن يستحقّ عليهم ما خانوا فيه أولياء الميت وورثته‪.‬‬
‫وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل وقد تقدمت الرواية بذلك عن بعضهم‪ ,‬نحن ذاكرو‬
‫الرواية في ذلك عن بعض من بقي منهم‪.‬‬
‫‪10183‬ـ حدثني المثنى‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا عبد ال بن صالح‪ ,‬قال‪ :‬ثني معاوية بن صالح‪ ,‬عن عليّ‬
‫اسـَتحَقّا إثْمـا يقول‪ :‬إن اطلع على أن‬
‫ع ِثرَ على أ ّنهُمـا ْ‬
‫بـن أبـي طلحـة‪ ,‬عـن ابـن عباس‪ :‬فإن ُ‬
‫الكافرين كذبا‪ ,‬فآخَرَا نِ يَقُومَا نِ مَقَا َم ُهمَا يقول‪ :‬من الولياء‪ ,‬فحلفا بال أن شهادة الكافرين باطلة‬
‫وأنّا لم نعتدِ‪ ,‬فتردّ شهادة الكافرين وتجوز شهادة الولياء‪ .‬يقول تعالى ذكره‪ :‬ذلك أدنى أن يأتي‬
‫ـس على شهود‬
‫ـم‪ .‬وليـ‬
‫ـد أيمانهـ‬
‫ـا‪ ,‬أو يخافوا أن تردّ أيمان بعـ‬
‫الكافرون بالشهادة على وجههـ‬
‫المسلمين أقسام‪ ,‬وإنما القسام إذا كانوا كافرين‪.‬‬
‫‪ 10184‬ـ حدثنا بشر بن معاذ‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا يزيد بن زريع‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا سعيد‪ ,‬عن قتادة‪ ,‬قوله‪:‬‬
‫ذَلِ كَ أدْنَى أ نْ َي ْأتُوا بالشّهادَةِ‪ ...‬الَ ية‪ ,‬يقول‪ :‬ذلك أحرى أن ي صدقوا في شهادت هم‪ ,‬وأن يخافوا‬
‫العقاب‪.‬‬
‫ن ُت َردّ‬
‫‪10185‬ـ حدثني يونس‪ ,‬قال‪ :‬أخبرنا ابن وهب‪ ,‬قال‪ :‬قال ابن زيد‪ ,‬في قوله‪ :‬أوْ يَخافُوا أ ْ‬
‫أيمَانٌ َب ْعدَ أيمَا ِن ِهمْ قال‪ :‬فتبطل أيمانهم‪ ,‬وتؤخذ أيمان هؤلء‪.‬‬
‫وقال آخرون‪ :‬معنـى ذلك‪ :‬تحبسـونهما مـن بعـد الصـلة‪ ,‬ذلك أدنـى أن يأتوا بالشهادة على‬
‫وجهها‪ ,‬وعلى أنهما استحقا إثما‪ ,‬فآخران يقومان مقامهما‪ .‬ذكر من قال ذلك‪:‬‬
‫‪ 10186‬ـ حدث ني مح مد بن الح سين‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا أح مد بن مف ضل‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا أ سباط‪ ,‬عن‬
‫السديّ‪ ,‬قال‪ :‬يوقف الرجلن بعد صلتهما في دينهما‪ ,‬فيحلفان بال ل نشتري به ثمنا قليلً ولو‬
‫كان ذا قُر بى‪ ,‬ول نك تم شهادة ال‪ ,‬إ نا إذن ل من الَثم ين‪ ,‬إ نّ صاحبكم لبهذا أو صى‪ ,‬وإن هذه‬
‫لتركته فيقول لهما المام قبل أن يحلفا‪ :‬إنكما إن كنتما كتمتما أو خنتما فضحتكما في قومكما‬
‫ولم أجـز لكمـا شهادة وعاقبتكمـا‪ .‬فإن قال لهمـا ذلك‪ ,‬فإن ذلك أدنـى أن يأتوا بالشهادة على‬
‫وجهها‪.‬‬
‫القول في تأويل قوله تعالى‪ :‬وَاتّقُوا اللّهَ وَاس َمعُوا وَالّلهُ ل يَهدِي الْ َق ْومَ الْفَاسِقِينَ‪.‬‬
‫يقول تعالى ذكره‪ :‬وخافوا ال أيهـا الناس‪ ,‬وراقبوه فـي أيمانكـم أن تحلفوا بهـا كاذبـة وأن‬
‫تذهبوا بها مال من يحرم عليكم ماله‪ ,‬وأن تخونوا من ائتمنكم‪ .‬واس َمعُوا يقول‪ :‬اسمعوا ما يقال‬
‫لكـم ومـا توعظون بـه‪ ,‬فاعملوا بـه وانتهوا إليـه‪ .‬وَاللّهُـ ل َي ْهدِي ال َقوْم َـ الفاسِـقِينَ يقول‪ :‬وال ل‬
‫يوفق من فسق عن أمر ربه فخالفه وأطاع الشيطان وعصى ربه‪.‬‬
‫وكان ابن زيد يقول‪ :‬الفاسق في هذا الموضع‪ :‬هو الكاذب‪.‬‬
‫‪ 10187‬ـ حدث ني يو نس‪ ,‬قال‪ :‬أخبر نا ا بن و هب‪ ,‬قال‪ :‬قال ا بن ز يد‪ :‬وَاللّ ُه ل َي ْهدِي ال َقوْ مَ‬
‫الفاسقِينَ‪ :‬الكاذبين يحلفون على الكذب‪.‬‬
‫ل أن ال تعالى ع ّم ال خبر بأ نه ل يهدي‬
‫ول يس الذي قال ا بن زيـد من ذلك عندي بمدفوع‪ ,‬إ ّ‬
‫جم يع الف ساق‪ ,‬ولم يخ صص من هم بع ضا دون ب عض ب خبر ول ع قل‪ ,‬فذلك على معا ني الف سق‬
‫كلها حتى يخصص شيئا منها ما يجب التسليم له فيسلم له‪.‬‬
‫ثـم اختلف أهـل العلم فـي حكـم هاتيـن الَيتيـن‪ ,‬هـل هـو منسـوخ‪ ,‬أو هـو محكـم ثابـت؟ فقال‬
‫بعضهم‪ :‬هو منسوخ‪ .‬ذكر من قال ذلك‪:‬‬
‫‪ 10188‬ـ حدث نا أ بو كر يب‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا ا بن إدر يس‪ ,‬عن ر جل‪ ,‬قد سماه‪ ,‬عن حماد‪ ,‬عن‬
‫إبراهيم‪ ,‬قال‪ :‬هي منسوخة‪.‬‬
‫‪ 10189‬ـ حدثني محمد بن سعد‪ ,‬قال‪ :‬ثني أبي‪ ,‬قال‪ :‬ثني عمي‪ ,‬قال‪ :‬ثني أبي‪ ,‬عن أبيه‪ ,‬عن‬
‫ابن عباس قال‪ :‬هي منسوخة‪ .‬يعني هذه الَية‪ :‬يا أيّها اّلذِينَ آ َمنُوا شَهادَ ُة َب ْينِ ُكمْ‪ ...‬الَية‪.‬‬
‫وقال جماعة‪ :‬هي محكمة وليست بمنسوخة‪ .‬وقد ذكرنا قول أكثرهم فيما مضى‪.‬‬
‫والصواب من القول في ذلك أن حكم الَية منسوخ‪ ,‬وذلك أن من حكم ال تعالى ذكره الذي‬
‫عل يه أ هل ال سلم‪ ,‬من لدن ب عث ال تعالى ذكره نبيه محمدا صلى ال عل يه و سلم‪ ,‬إلى يوم نا‬
‫هذا‪ ,‬أن من ادّعِيَ عليه دعوى مما يملكه بنو آدم أن المدّعى عليه ل يبرئه مما ا ّدعِيَ عليه إلّ‬
‫اليم ين إذا لم ي كن للمدّ عي بي نة ت صحح دعواه‪ ,‬وأ نه إن اعترف و في يدي المدّ عى سلعة له‪,‬‬
‫فادّعى أنها له دون الذي في يده‪ ,‬فقال الذي هي في يده‪ :‬بل هي لي اشتريتها من هذا المدّعي‪,‬‬
‫أن القول قول من زعم الذي هي في يده أنه اشتراها منه دون من هي في يده مع يمينه إذا لم‬
‫ي كن للذي هي في يده بي نة تح قق به دعواه الشراء م نه‪ .‬فإذ كان ذلك ح كم ال الذي ل خلف‬
‫ف يه ب ين أ هل العلم‪ ,‬وكا نت الَيتان اللتان ذ كر ال تعالى ذكره فيه ما أ مر و صية المو صي إلى‬
‫عدلين من المسلمين أو إلى آخرَيْن من غيرهم‪ ,‬إنما ألزَم النبيّ صلى ال عليه وسلم فيما ذكر‬
‫ع نه الو صيين اليم ين ح ين ادّ عى عليه ما الور ثة ما ادّعوا ثم لم يُلزم المدّ عى عليه ما شيئا إذ‬
‫حلفـا‪ ,‬حتـى اعترفـت الورثـة فـي أيديهمـا مـا اعترفوا مـن الجام أو البريـق أو غيـر ذلك مـن‬
‫أموال هم فزع ما أنه ما اشترياه من ميت هم‪ ,‬فحينئذٍ ألزم ال نبيّ صلى ال عل يه و سلم ور ثة الم يت‬
‫عيَ ين بدعواه ما ما وجدا في أيديه ما من مال الم يت أ نه له ما‬
‫اليم ين‪ ,‬لن الو صيين تحوّل مدّ ِ‬
‫اشتريـا ذلك منـه فصـارا مقرّيـن بالمال للميـت مدّعييـن منـه الشراء‪ ,‬فاحتاجـا حينئذٍ إلى بينـة‬
‫ت صحح دعواه ما وور ثة الم يت ر بّ ال سلعة أولى باليم ين منه ما‪ ,‬فذلك قوله تعالى‪ :‬فإ نْ عُثرَ‬
‫حقّ عََل ْيهِ مُ الوْلَيا نِ َفيُقْ سِمانِ بالّل هِ‬
‫ستَ َ‬
‫نا ْ‬
‫ن اّلذِي َ‬
‫خرَا نِ يَقُوما نِ مَقا َمهُما مِ َ‬
‫س َتحَقّا إثْما فآ َ‬
‫على أ ّنهُما ا ْ‬
‫ن شَها َد ِتهِ ما‪ ...‬الَ ية‪ .‬فإذ كان تأو يل ذلك كذلك فل و جه لدعوى مدّع أن هذه‬
‫َلشَها َدتُ نا أحَ قّ مِ ْ‬
‫الَ ية من سوخة‪ ,‬ل نه غ ير جائز أن يق ضى على ح كم من أحكام ال تعالى ذكره أ نه من سوخ إلّ‬
‫ب خبر يق طع العذر إ ما من ع ند ال أو من ع ند ر سوله صلى ال عل يه و سلم‪ ,‬أو بورود الن قل‬
‫الم ستفيض بذلك‪ ,‬فأ ما ول خبر بذلك‪ ,‬ول يد فع صحته ع قل‪ ,‬فغ ير جائز أن يق ضى عل يه بأ نه‬
‫منسوخ‪.‬‬

‫‪109‬‬ ‫الية ‪:‬‬


‫ج ْبتُ مْ قَالُو ْا لَ عِلْ مَ لَنَآ ِإنّ كَ‬
‫ل مَاذَآ ُأ ِ‬
‫جمَ عُ الّل ُه الرّ سُلَ َفيَقُو ُ‬
‫{ َيوْ مَ َي ْ‬ ‫القول في تأو يل قوله تعالى‪:‬‬
‫لمُ ا ْل ُغيُوبِ }‪..‬‬
‫أَنتَ عَ ّ‬
‫يقول تعالى ذكره‪ :‬واتقوا ال أي ها الناس‪ ,‬وا سمعوا وع ظه إيا كم وتذكيره ل كم‪ ,‬واحذروا يوم‬
‫يج مع ال الر سل‪ .‬ثم حذف «واحذروا» واكت فى بقوله‪ :‬وَاتّقُوا اللّ هَ وا سمَعُوا عن إظهاره‪ ,‬ك ما‬
‫قال الراجز‪:‬‬
‫عيْناها‬
‫ت َهمّالَةً َ‬
‫غدَ ْ‬
‫عَلَ ْفتُها ِتبْنا وَما ًء بارِداحتى َ‬
‫يريد‪ :‬وسقيتها ماء باردا‪ ,‬فاستغنى بقوله «علفتها تبنا» من إظهار سقيتها‪ ,‬إذ كان السامع إذا‬
‫ّسـلَ حذف «واحذروا» لعلم السـامع‬
‫ّهـ الر ُ‬
‫َعـ الل ُ‬
‫جم ُ‬‫ْمـ َي ْ‬
‫سـمعه عرف معناه‪ .‬فكذلك فـي قوله‪ :‬يَو َ‬
‫معناه‪ ,‬اكتفاء بقوله‪ :‬واتّقُوا الّلهَ واس َمعُوا إذ كان ذلك تحذيرا من أمر ال تعالى خلقه عقابه على‬
‫معاصيه‪.‬‬
‫ج ْبتُمْ فإنه يعني به‪ :‬ما الذي أجابتكم به أممكم حين دعوتموهم إلى توحيدي‬
‫وأما قوله‪ :‬ماذَا أُو ِ‬
‫والقرار بي والعمل بطاعتي والنتهاء عن معصيتي؟ قالوا‪ :‬ل علم لنا‪.‬‬
‫اختلف أ هل التأو يل في تأو يل ذلك‪ ,‬فقال بعض هم‪ :‬مع نى قول هم‪ :‬ل عِلْ َم لَ نا لم ي كن ذلك من‬
‫الر سل إنكارا أن يكونوا كانوا عالم ين ب ما عملت أمم هم‪ ,‬ولكن هم ذهلوا عن الجواب من هول‬
‫ذلك اليوم‪ ,‬ثم أجابوا بعد أن ثابت إليهم عقولهم بالشهادة على أممهم‪ .‬ذكر من قال ذلك‪:‬‬
‫‪ 10190‬ـ حدث ني مح مد بن الح سين‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا أح مد بن مف ضل‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا أ سباط‪ ,‬عن‬
‫ج ْبتُ مْ قالُوا ل عِلْ مَ لَنا قال‪ :‬ذلك أنهم لما نزلوا منزلً‬
‫جمَ عُ الّل هُ الرّ سُلَ َفيَقُولُ ماذَا ُأ ِ‬
‫السديّ‪ :‬يَوْ مَ َي ْ‬
‫ذهلت فيه العقول‪ ,‬فلما سئلوا‪ ,‬قالوا‪ :‬ل علم لنا‪ .‬ثم نزلوا منزلً آخر‪ ,‬فشهدوا على قومهم‪.‬‬
‫‪ 10191‬ـ حدثنا ابن حميد‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا حكام‪ ,‬عن عنبسة‪ ,‬قال‪ :‬سمعت الحسن يقول‪ ,‬في قوله‪:‬‬
‫جمَعُ الّلهُ ال ّرسُلَ‪ ....‬الَية‪ ,‬قال‪ :‬من هول ذلك اليوم‪.‬‬
‫يَ ْومَ َي ْ‬
‫‪10192‬ــ حدثنـا الحسـن بـن يحيـى‪ ,‬قال‪ :‬أخبرنـا عبـد الرزاق‪ ,‬قال‪ :‬أخبرنـا الثوريـّ‪ ,‬عـن‬
‫ج ْبتُ مْ فيفزعون‪ ,‬فيقول‪ :‬ماذا‬
‫جمَ عُ الّل ُه الرّ سُلَ َفيَقُولُ ماذَا ُأ ِ‬
‫العمش‪ ,‬عن مجاهد في قوله‪ :‬يَوْ مَ َي ْ‬
‫أجبتم؟ فيقولون‪ :‬ل عِ ْل َم لَنا‪.‬‬
‫وقال آخرون‪ :‬معنى ذلك‪ :‬ل علم لنا إل ما علمتنا‪ .‬ذكر من قال ذلك‪:‬‬
‫‪ 10193‬ـ حدث نا مح مد بن بشار‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا مؤ مل‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا سفيان‪ ,‬عن الع مش‪ ,‬عن‬
‫ج ْبتُمْ فيقولون‪ :‬قالُوا ل عِلْمَ لَنا إلّ ما عَّل ْمتَنا‬
‫جمَعُ الّل ُه الرّسُلَ َفيَقُولُ ماذَا ُأ ِ‬
‫مجاهد‪ ,‬في قوله‪ :‬يَ ْومَ َي ْ‬
‫لمُ ال ُغيُوبِ‪.‬‬
‫إ ّنكَ أنْتَ عَ ّ‬
‫وقال آخرون‪ :‬معنى ذلك‪ :‬قالوا ل علم لنا إل علم أنت أعلم به منا‪ .‬ذكر من قال ذلك‪:‬‬
‫‪10194‬ـ حدثني المثنى‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا عبد ال بن صالح‪ ,‬قال‪ :‬ثني معاوية بن صالح‪ ,‬عن عليّ‬
‫ج ْبتُمْ قالُوا ل عِلْمَ لَنا إل‬
‫ل ماذَا ُأ ِ‬
‫جمَعُ الّلهُ الرّسُلَ َفيَقُو ُ‬
‫بن أبي طلحة‪ ,‬عن ابن عباس‪ ,‬قوله‪َ :‬يوْمَ َي ْ‬
‫علم أنت أعلم به منا‪.‬‬
‫ج ْبتُمْ‪ :‬ماذا عملوا بعدكم؟ وماذا أحدثوا؟‪ .‬ذكر من قال ذلك‪:‬‬
‫وقال آخرون‪ :‬معنى ذلك ماذَا ُأ ِ‬
‫جمَعُ‬
‫‪10195‬ـ حدثنا القاسم‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا الحسين‪ ,‬قال‪ :‬ثني حجاج‪ ,‬عن ابن جريج‪ ,‬قوله‪ :‬يَوْمَ َي ْ‬
‫ج ْبتُ مْ‪ :‬ماذا عملوا بعدكم‪ ,‬وماذا أحدثوا بعدكم؟ قالوا‪ :‬قالُوا ل عِلْ مَ لَنا إلّ‬
‫اللّ ُه الرّ سُلَ َفيَقُولُ ماذَا ُأ ِ‬
‫لمُ ال ُغيُوبِ‪.‬‬
‫ك أنْتَ عَ ّ‬
‫مَا عَّل ْمتَنا إ ّن َ‬
‫وأولى القوال بالصواب قول من قال‪ :‬معناه‪ :‬ل علم لنا إل علم أنت أعلم به منا‪ ,‬لنه تعالى‬
‫ل مَا عَّل ْم َتنَا إنّ كَ أنْ تَ عَلّ ُم ال ُغيُو بِ‪ :‬أي أنك ل يخفى‬
‫ذكره أخبر عنهم أنهم قالوا‪ :‬ل عِلْ مَ لَنا إ ّ‬
‫عليك ما عندنا من علم ذلك ول غيره من خفي العلوم وجليها‪ .‬فإنما نفي القوم أن يكون لهم بما‬
‫سـئلوا عنـه مـن ذلك علم ل يعلمـه هـو تعالى ذكره‪ ,‬ل أنهـم نفوا أن يكونوا علموا مـا شاهدوا‪,‬‬
‫كيف يجوز أن يكون ذلك كذلك وهو تعالى ذكره يخبر عنهم أنهم يخبرون بما أجابتهم به المم‬
‫جعَلْناكُم ْـ ُأ ّمةً وَسـَطا‬
‫وأنهـم سـيشهدون على تبليغهـم الرسـالة شهداء‪ ,‬فقال تعالى ذكره‪ :‬و َكذَلِك َـ َ‬
‫شهِيدا‪.‬‬
‫ش َهدَاءَ على النّاسِ َو َيكُونَ ال ّرسُولُ عََل ْي ُكمْ َ‬
‫ِل َتكُونُوا ُ‬
‫وأ ما الذي قاله ا بن جر يج من أن معناه‪ :‬ماذا عملت ال مم بعد كم؟ وماذا أحدثوا؟ فتأو يل ل‬
‫معنى له‪ ,‬لن النبياء لم يكن عندها من العلم بما يحدث بعدها إل ما أعلمها ال من ذلك‪ ,‬وإذا‬
‫سئلت عما عملت المم بعدها والمر كذلك فإنما يقال لها‪ :‬ماذا عرّفناك أنه كائن منهم بعدك؟‬
‫وظاهر خبر ال تعالى ذكره عن مسألته إياهم يدلّ على غير ذلك‬

‫‪110‬‬ ‫الية ‪:‬‬


‫ن مَ ْريَ َم ا ْذكُرْ ِن ْع َمتِي عََليْ كَ وَعََلىَ وَاِل َدتِ كَ‬
‫{ِإ ْذ قَالَ اللّ هُ َيعِي سَى ابْ َ‬ ‫القول في تأويل قوله تعالى‪:‬‬
‫ح ْكمَةَ وَالتّ ْورَاةَ‬
‫َابـ وَا ْل ِ‬
‫ُكـ ا ْل ِكت َ‬
‫ّاسـ ف ِي ا ْل َم ْهدِ َو َكهْلً وَِإذْ عَّل ْمت َ‬
‫ّمـ الن َ‬
‫ُسـ ُتكَل ُ‬
‫ُوحـ الْ ُقد ِ‬
‫ّكـ ِبر ِ‬
‫ِإذْ َأيّدت َ‬
‫طيْرا ِبِإ ْذنِي َو ُت ْبرِى ُء ال ْكمَهَ‬
‫ن َ‬
‫خ فِيهَا فَ َتكُو ُ‬
‫ط ْيرِ ِبِإذْنِي فَتَنفُ ُ‬
‫ن َك َهيْئَ ِة ال ّ‬
‫ن الطّي ِ‬
‫ل ْنجِيلَ وَِإذْ َتخْلُقُ ِم َ‬
‫وَا ِ‬
‫ج ْئ َتهُ ْم بِا ْلبَ ّينَا تِ فَقَالَ‬
‫ك ِإذْ ِ‬
‫سرَائِيلَ عَن َ‬
‫ج ا ْلمَو َتىَ ِبِإ ْذنِ يِ وَِإذْ كَ َففْ تُ َبنِ يَ إِ ْ‬
‫وَال ْبرَ صَ ِبِإ ْذنِي وَِإ ْذ ُتخْرِ ُ‬
‫حرٌ ّمبِينٌ }‪..‬‬
‫سْ‬‫ن هَـذَا ِإلّ ِ‬
‫اّلذِينَ كَ َفرُو ْا ِم ْن ُهمْ إِ ْ‬
‫يقول تعالى ذكره لعباده‪ :‬احذروا يوم يج مع ال الر سل فيقول ل هم‪ :‬ماذا أجابت كم أمم كم في‬
‫سف‬
‫ك بِرُوحِ ال ُقدُ ِ‬
‫الدنيا إذ قالَ اللّ ُه يا عيِسَى ا ْبنَ َم ْريَمَ ا ْذكُرْ ِن ْع َمتِي عََليْكَ وعَلى وَاِل َدتِكَ إ ْذ أيّدتُ َ‬
‫«إذْ» من صلة «أجبتم»‪ ,‬كأن معناها‪ :‬ماذا أجابت عيسى المم التي أرسل إليها عيسى‪.‬‬
‫فإن قال قائل‪ :‬وكيف سئلت الرسل عن إجابة المم إياها في عهد عيسى‪ ,‬ولم يكن في عهد‬
‫عيسـى مـن الرسـل إل أقلّ ذلك؟ قيـل‪ :‬جائز أن يكون ال تعالى عنـى بقوله‪ :‬فيقول ماذا أجبتـم‬
‫الرسل الذين كانوا أرسلوا في عهد عيسى‪ .‬فخرج الخبر مخرج الجميع‪ ,‬والمراد منهم من كان‬
‫ج َمعُوا َلكُ مْ والمراد‪ :‬واحد‬
‫س قَدْ َ‬
‫ن قالَ َلهُ مُ النّا سُ إ نّ النّا َ‬
‫في عهد عيسى‪ ,‬كما قال تعالى‪ :‬اّلذِي َ‬
‫من الناس‪ ,‬وإن كان مخرج الكلم على جميع الناس‪.‬‬
‫ن َم ْريَ مَ ا ْذكُ ْر ِن ْعمَتِي عََليْ كَ َوعَلى وَاِل َدتِ كَ إذْ‬
‫ومعنى الكلم‪ :‬إذْ قالَ الّل ُه حين قال يا عِي سَى ا ْب َ‬
‫أ ّي ْدتُ كَ ِبرُو حِ ال ُقدُ سِ يقول‪ :‬يا عي سى‪ ,‬اذ كر أياد يّ عندك وع ند والد تك‪ ,‬إذ قوّي تك بروح القدس‬
‫وأعنتك به‪.‬‬
‫وقد اختلف أهل العربية في أيدتك ما هو من الفعل‪ ,‬فقال بعضهم‪ :‬هو فعلتك‪ ,‬كما في قولك‪:‬‬
‫قوّيتك فعلت من القوّة‪.‬‬
‫وقال آخرون‪ :‬بل هو فاعل تك من ال يد‪ .‬و ُروِي عن مجا هد أ نه قرأ‪« :‬إذْ آ َي ْدتُ كَ» بمع نى‪:‬‬
‫أفعلتك من القوّة واليد‪ .‬وقوله‪ِ :‬برُوحِ القُدسِ يعني بجبريل‪ ,‬يقول‪ :‬إذ أعنتك بجبريل‪ .‬وقد بينت‬
‫معنى ذلك وما معنى ال ُقدُس فيما مضى بما أغنى عن إعادته في هذا الموضع‪.‬‬
‫ح ْكمَةَ والتّ ْورَاةَ‬
‫القول في تأويل قوله تعالى‪ُ :‬تكَلّمُ النّاسَ فِي ال َم ْهدِ و َكهْلً وَإذْ عَّل ْمتُكَ الكِتابَ وال ِ‬
‫ل ْكمَهَ‬
‫طيْرا بإ ْذنِي َو ُت ْبرِى ُء ا َ‬
‫ن َ‬
‫خ فِيها فَ َتكُو ُ‬
‫ط ْيرِ بإذْنِي فَ َتنْفُ ُ‬
‫ن َك َهيْئَ ِة ال ّ‬
‫ن الطّي ِ‬
‫وال ْنجِيلَ وَإذْ َتخْلُقُ ِم َ‬
‫ج ْئ َتهُ ْم بالبَيّنا تِ فقالَ‬
‫ك إذْ ِ‬
‫عنْ َ‬
‫سرَائِيلَ َ‬
‫ج المَ ْوتَى بإ ْذنِي وَإذْ كَ َففْ تُ َبنِي إ ْ‬
‫ل ْبرَ صَ بإ ْذنِي وَإ ْذ ُتخْرِ ُ‬
‫وا َ‬
‫سحْرٌ ُمبِينٌ‪.‬‬
‫ل ِ‬
‫ن َهذَا إ ّ‬
‫اّلذِينَ كَ َفرُوا ِم ْن ُهمْ إ ْ‬
‫يقول تعالى ذكره م خبرا عن قِيله لعي سى‪ :‬ا ْذ ُكرْ ِن ْعمَتِي عََليْ كَ وَعَلى وَاِل َدتِ كَ إ ْذ أ ّيدْتُ كَ ِبرُو حِ‬
‫س في حال تكلي مك الناس في الم هد وكهلً‪ .‬وإن ما هذا خبر من ال تعالى ذكره أ نه أيّده‬
‫ال ُقدُ ِ‬
‫بروح القُدس صغيرا في الم هد وكهلً كبيرا‪ ,‬فردّ «الك هل» على قوله في «الم هد» لن مع نى‬
‫ُكـ‬
‫ِهـ أوْ قاعِدا أو قائمـا‪ .‬وقوله‪ :‬وَإذْ عَّل ْمت َ‬
‫ج ْنب ِ‬
‫ذلك‪ :‬صـغيرا‪ ,‬كمـا قال ال تعالى ذكره‪ :‬دَعانـا ِل َ‬
‫ح ْكمَةَ والتّ ْورَا َة وال ْنجِيلَ يقول‪ :‬واذ كر أي ضا نعم تي عل يك إذ علم تك الكتاب‪ :‬و هو‬
‫الكِتا بَ وال ِ‬
‫الخط‪ ,‬والحكمة‪ :‬وهي الفهم بمعاني الكتاب الذي أنزلته إليك وهو النجيل‪ .‬وَإ ْذ َتخْلُقُ مِنَ الطّينِ‬
‫ط ْيرِ يقول‪ :‬ك صورة الط ير‪ ,‬بإذْنِي يع ني بقوله َتخْلُ قُ‪ :‬تع مل وت صلح من الط ين‪َ ,‬ك ِه ْيئَةِ‬
‫َك َه ْيئَةٍ ال ّ‬
‫طيْرِ بإ ْذنِي يقول‪ :‬بعوني على ذلك وعلم مني‪َ .‬ف َتنْفُخُ فِيها يقول‪ :‬فتنفخ في الهيئة‪ ,‬فتكون الهيئة‬
‫ال ّ‬
‫ل ْكمَ هَ يقول‪ :‬وتشفي الكمه‪ :‬وهو العمى الذي ل يبصر شيئا‬
‫طيْرا بإ ْذنِي و ُت ْبرِىءُ ا َ‬
‫والصورة َ‬
‫المطموس البصر‪ ,‬والبْرَ صَ بإ ْذنِي‪ .‬وقد بينت معاني هذه الحروف فيما مضى من كتابنا هذا‬
‫مفسرا بشواهده بما أغنى عن إعادته في هذا الموضع‪.‬‬
‫ج ْئ َتهُمْ بال َبيّناتِ يقول‪ :‬واذكر أيضا نعمتي عليك‪ ,‬بكّفي‬
‫عنْكَ إذْ ِ‬
‫ت َبنِي إسْرَائِيلَ َ‬
‫وقوله‪ :‬وَإ ْذ كَفَفْ ُ‬
‫ج ْئ َتهُ مْ بالبَ ّينَا تِ يقول‪ :‬إذ جئت هم بالدلة‬
‫ع نك ب ني إ سرائيل إذ كففت هم ع نك و قد هّموا بقتلك‪ ,‬إذْ ِ‬
‫ل اّلذِي نَ كَ َفرُوا ِم ْنهُ مْ يقول تعالى‬
‫والعلم المعجزة على نبوّ تك وحق ية ما أر سلتك به إلي هم‪ .‬فَقا َ‬
‫حرٌ ُمبِينٌ‪.‬‬
‫سْ‬‫ن َهذَا إلّ ِ‬
‫ذكره‪ :‬فقال الذين جحدوا نبوّتك وكذّبوك من بني إسرائيل‪ :‬إ ْ‬
‫واختل فت القرّاء في قراءة ذلك‪ ,‬فقرأ ته قرّاء أ هل المدي نة وب عض أ هل الب صرة‪ :‬إ نْ َهذَا إلّ‬
‫ن يعني‪ :‬يبين عما أتى به لمن رآه ونظرا إليه أنه سحر ل حقيقة له‪ .‬وقرأ ذلك عامّة‬
‫حرٌ ُمبِي ٌ‬
‫سْ‬‫ِ‬
‫قراء الكوفة‪« :‬إنْ َهذَا إلّ ساحِرٌ ُمبِينٌ» بمعنى‪ :‬ما هذا‪ ,‬يعني به عيسى‪ ,‬إل ساحر مبين‪ ,‬يقول‪:‬‬
‫يبين بأفعاله وما يأتي به من هذه المور العجيبة عن نفسه أنه ساحر ل نبيّ صادق‪.‬‬
‫والصـواب مـن القول فـي ذلك أنهمـا قراءتان معروفتان صـحيحتا المعنـى متفقتان غيـر‬
‫مختلفت ين‪ ,‬وذلك أن كلّ من كان مو صوفا بف عل ال سحر ف هو مو صوف بأ نه ساحر‪ ,‬و من كان‬
‫ل على فاعله وال صفة تدلّ على‬
‫مو صوفا بأ نه ساحر فإ نه مو صوف بف عل ال سحر‪ ,‬فالف عل دا ّ‬
‫ـ ذلك قرأ القارىء‬
‫ل على صـفته والفاعـل يدلّ على فعله فبأي ّ‬
‫موصـوفها‪ ,‬والموصـوف يد ّ‬
‫فمصيب الصواب في قراءته‪.‬‬

‫‪111‬‬ ‫الية ‪:‬‬


‫ن أَ نْ آ ِمنُواْ بِي َو ِبرَ سُولِي قَالُوَاْ آمَنّا‬
‫ت إِلَى ا ْلحَوَا ِريّي َ‬
‫حيْ ُ‬
‫{وَِإذْ َأ ْو َ‬ ‫القول في تأو يل قوله تعالى‪:‬‬
‫ش َهدْ ِبَأ ّننَا ُمسِْلمُونَ }‪..‬‬
‫وَا ْ‬
‫يقول تعالى ذكره‪ :‬واذكر أيضا يا عيسى إذ ألقيت إلى الحواريين‪ ,‬وهم وزراء عيسى على‬
‫دينه‪ .‬وقد بينا معنى ذلك ولم قيل لهم الحواريون فيما مضى بما أغنى عن إعادته‪.‬‬
‫حيْ تُ وإن كا نت متف قة المعا ني‪ ,‬فقال‬
‫و قد اختلف ألفاظ أ هل التأو يل في تأو يل قوله‪ :‬وَإذْ أ ْو َ‬
‫بعضهم بما‪:‬‬
‫‪ 10196‬ـ حدثني به محمد بن الحسين‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا أحمد بن مفضل‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا أسباط‪ ,‬عن‬
‫حيْتُ إلى الحَوَا ِريّينَ يقول قذفت في قلوبهم‪.‬‬
‫السديّ‪ :‬وَإذْ أ ْو َ‬
‫وقال آخرون‪ :‬معنى ذلك‪ :‬ألهمتهم‪.‬‬
‫فتأو يل الكلم إذن‪ :‬وإذ ألق يت إلى الحواري ين أن صدّقوا بي وبر سولي عي سى‪ ,‬فقالوا‪ :‬آمّ نا‪:‬‬
‫ن يقول‪ :‬واش هد علي نا بأن نا‬
‫ش َهدْ علي نا بأنّ نا مُ سِْلمُو َ‬
‫أي صدّقنا ب ما أمرت نا أن نؤ من يا رب نا‪ .‬وا ْ‬
‫خاضعون لك بالذلة سامعون‪ ,‬مطيعون لمرك‪.‬‬

‫‪112‬‬ ‫الية ‪:‬‬


‫ك أَن ُينَزّلَ‬
‫س َتطِيعُ َربّ َ‬
‫ن َيعِيسَى ا ْبنَ َم ْريَمَ هَلْ يَ ْ‬
‫{ِإ ْذ قَالَ ا ْلحَوَا ِريّو َ‬ ‫القول في تأويل قوله تعالى‪:‬‬
‫ل اتّقُو ْا اللّ َه إِن ُك ْنتُم مّ ْؤ ِمنِينَ }‪..‬‬
‫سمَآ ِء قَا َ‬
‫عََل ْينَا مَآ ِئدَ ًة مّنَ ال ّ‬
‫يقول تعالى ذكره‪ :‬واذ كر يا عي سى أي ضا نعم تي عل يك‪ ,‬إذ أوح يت إلى الحواري ين أن آمنوا‬
‫ن ال سّماءِ ف‬
‫ن ُي َنزّلَ عََليْنا ما ِئدَةً مِ َ‬
‫ستَطِيعُ َربّ كَ أ ْ‬
‫بي وبرسولي‪ ,‬إذ قالوا لعيسى ابن مريم‪ :‬هَلْ يَ ْ‬
‫«إذ» الثانية من صلة «أوحيت»‪.‬‬
‫ستَطِيعُ َربّ كَ فقرأ ذلك جماعة من الصحابة والتابعين‪« :‬هَلْ‬
‫واختلفت القرّاء في قراءة قوله‪ :‬يَ ْ‬
‫ستَطِييِعُ» بالتاء « َربّ كَ» بالنصب‪ ,‬بمعنى‪ :‬هل تستطيع أن تسأل ربك‪ ,‬وهل تستطيع أن تدعو‬
‫تَ ْ‬
‫ربـك أو هـل تسـتطيع وترى أن تدعوه؟ وقالوا‪ :‬لم يكـن الحواريون شاكّيـن أن ال تعالى ذكره‬
‫قادر أن ينزل عليهم ذلك‪ ,‬وإنما قالوا لعيسى‪ :‬هل تستطيع أنت ذلك؟‬
‫‪ 10197‬ـ حدثنا ابن وكيع قال‪ :‬حدثنا محمد بن بشر‪ ,‬عن نافع‪ ,‬عن ابن عمر‪ ,‬عن ابن أبي‬
‫مليكـة‪ ,‬قال‪ :‬قالت عائشـة‪ :‬كان الحواريون ل يشكّون أن ال قادر أن ينزل عليهـم مائدة‪ ,‬ولكـن‬
‫قالوا‪ :‬يا عيسى‪ ,‬هل تستطيع ربّك؟‬
‫‪ 10198‬ـ حدثني أحمد بن يوسف الثعلبي‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا القاسم بن سلم‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا ابن مهدي‪,‬‬
‫عن جابر بن يزيد بن رفاعة‪ ,‬عن حيان بن مخارق‪ ,‬عن سعيد بن جبير أنه قرأها كذلك‪« :‬هَلْ‬
‫ستَطِيعُ َر ّبكَ» وقال‪ :‬تستطيع أن تسأل ربك؟ وقال‪ :‬أل ترى أنهم مؤمنون؟‬
‫َت ْ‬
‫ستَطِيعُ بالياء َربّ كَ بمعنى‪ :‬أن ينزّل علينا ربّك‪,‬‬
‫ل يَ ْ‬
‫وقرأ ذلك عامة قراء المدينة والعراق‪ :‬هَ ْ‬
‫كما يقول الرجل لصاحبه‪ :‬أتستطيع أن تنهض معنا في كذا؟ وهو يعلم أنه يستطيع‪ ,‬ولكنه إنما‬
‫يريد‪ :‬أتنهض معنا فيه؟ وقد يجوز أن يكون مراد قارئه كذلك‪ :‬هل يستجيب لك ربك ويطيعك‬
‫أن تنزّل علينا؟‬
‫وأولى القراءت ين عندي بال صواب قراءة من قرأ ذلك‪َ :‬هلْ يَ سْ َتطِيعُ بالياء َربّ كَ بر فع الر بّ‪,‬‬
‫بمعنى‪ :‬هل يستجيب لك إن سألته ذلك ويطيعك فيه؟‬
‫ن من‬
‫وإن ما قل نا ذلك أولى القراءت ين بال صواب ل ما بي نا ق بل من أن قوله‪ :‬إذْ قالَ الحَوَا ِريّو َ‬
‫صلة «إذ أوحيت»‪ ,‬وأن معنى الكلم‪ :‬وإذ أوحيت إلى الحواريين أن آمنوا بي وبرسولي إذْ قالَ‬
‫س َتطِيعُ َربّكَ‪ .‬فبين إذ كان ذلك كذلك‪ ,‬أن ال تعالى ذكره قد‬
‫ل يَ ْ‬
‫الحَوَا ِريّونَ يا ع ِيسَى ابْنَ َم ْريَمَ هَ ْ‬
‫كره منهـم مـا قالوا مـن ذلك واسـتعظمه‪ ,‬وأمرهـم بالتوبـة ومراجعـة اليمان مـن قيلهـم ذلك‪,‬‬
‫والقرار ل بالقدرة على كلّ شيء‪ ,‬وتصديق رسوله فيما أخبرهم عن ربهم من الخبار‪ .‬وقد‬
‫ن ففي استتابة‬
‫قال عيسى لهم عند قيلهم ذلك له استعظاما منه لما قالوا‪ :‬اتّقُوا الّلهَ إنْ ُك ْنتُمْ مُ ْؤ ِمنِي َ‬
‫ال إيا هم‪ ,‬ودعائه ل هم إلى اليمان به وبر سوله صلى ال عل يه و سلم ع ند قيل هم ما قالوا من‬
‫ذلك‪ ,‬وا ستعظام نبيّ ال صلى ال عل يه و سلم كلمت هم‪ ,‬الدللة الكاف ية من غير ها على صحة‬
‫القراءة فـي ذلك بالياء ورفـع الربّـ إذ كان ل معنـى فـي قولهـم لعيسـى لو كانوا قالوا له‪ :‬هـل‬
‫تستطيع أن تسأل ربك أن ينزّل علينا مائدة من السماء؟ أن تستكبر هذا الستكبار‪.‬‬
‫فإن ظ نّ ظا نّ أن قول هم ذلك له إن ما هو ا ستعظام من هم‪ ,‬لن ذلك من هم كان م سألة آ ية‪ ,‬فإن‬
‫الَية إنما يسألها النبياء من كان بها مكذّبا‪ ,‬ليتقرّر عنده حقيقة ثبوتها وصحة أمرها‪ ,‬كما كانت‬
‫م سألة قر يش نبي نا محمدا صلى ال عل يه و سلم أن يحوّل ل هم ال صفا ذه با ويفجّر فجاج م كة‬
‫أنهارا من سأله من مشركي قومه‪ ,‬وكما كانت مسألة صالح الناقة من مكذّبي قومه‪ ,‬ومسألة‬
‫شعيب أن يسقط كِ سْفا من السماء من كفار من أرسل إليهم‪ .‬وكان الذين سألوا عيسى أن يسأل‬
‫ر به أن ينزّل علي هم مائدة من ال سماء‪ ,‬على هذا الو جه كا نت م سألتهم‪ ,‬ف قد أحل هم الذ ين قرءوا‬
‫ل الذي ظنوا أن هم نزّهوا رب هم ع نه‪ ,‬أو يكونوا‬
‫ذلك بالتاء ون صب الر بّ محلّ أع ظم من المح ّ‬
‫سألوا ذلك عي سى و هم موقنون بأ نه ل نبيّ مبعوث ور سول مر سل‪ ,‬وأن ال تعالى على ما‬
‫سألوا من ذلك قادر‪ .‬فإن كانوا سألوا ذلك و هم كذلك‪ ,‬وإن ما كا نت م سألتهم إياه ذلك على ن حو‬
‫ما يسأل أحدهم نبيه‪ ,‬إذا كان فقيرا أن يسأل له ربه أن يغنيه‪ ,‬وإن عرضت به حاجة أن يسأل‬
‫له ربه أن يقضيها‪ ,‬فأنّي ذلك من مسألة الَية في شيء؟ بل ذلك سؤال ذي حاجة عرضت له‬
‫إلى ر به‪ ,‬فسأل نبيه م سألة ربه أن يقضيها له‪ .‬وخبر ال تعالى عن القوم ينبىء بخلف ذلك‪,‬‬
‫ط َمئِنّ‬
‫ن نَأكُلَ ِمنْها َو َت ْ‬
‫ن قَالُوا ُنرِيدُ أ ْ‬
‫وذلك أنهم قالوا لعيسى‪ ,‬إذ قال لهم‪ :‬اتّقُوا الّلهَ إنْ ُك ْنتُمْ مُ ْؤ ِمنِي َ‬
‫صدَ ْقتَنا‪ .‬فقد أنبأ هذا من قيلهم أنهم لم يكونوا يعلمون أن عيسى قد صدقهم‪,‬‬
‫ن قَ ْد َ‬
‫قُلُوبُنا َو َنعْلَ مَ أ ْ‬
‫ول اطمأنت قلوبهم إلى حقيقة نبوّته‪ ,‬فل بيان أبين من هذا الكلم في أن القوم كانوا قد خالطوا‬
‫قلوبهم مرض وشكّ في دينهم وتصديق رسولهم‪ ,‬وأنهم سألوا ما سألوا من ذلك اختبارا‪.‬‬
‫وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل‪ .‬ذكر من قال ذلك‪:‬‬
‫‪ 10199‬ـ حدثنا القاسم‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا الحسين‪ ,‬قال‪ :‬ثني حجاج‪ ,‬عن ليث‪ ,‬عن عقيل‪ ,‬عن ابن‬
‫عباس‪ ,‬أ نه كان يحدّث عن عي سى صلى ال عل يه و سلم أ نه قال لب ني إ سرائيل‪ :‬هل ل كم أن‬
‫تصوموا ل ثلثين يوما‪ ,‬ثم تسألوه فيعطيَكم ما سألتم؟ فإن أجر العامل على من عمل له ففعلوا‬
‫ثم قالوا‪ :‬يا معلم الخير‪ ,‬قلت لنا‪ :‬إن أجر العامل على من عمل له‪ ,‬وأمرتنا أن نصوم ثلثين‬
‫س َتطِيعُ َربّكَ أنْ‬
‫يوما ففعلنا‪ ,‬ولم نكن نعمل لحد ثلثين يوما إل أطعمنا حين نفرغ طعاما َفهَلْ يَ ْ‬
‫ل ِمنْ ها‬
‫ن ُك ْنتُ مْ مُ ْؤ ِمنِي نَ قالُوا ُنرِيدُ أ نْ َن ْأكُ َ‬
‫ُينَزّلَ عََليْ نا ما ِئدَةً ِم نَ ال سّماءِ قال عي سى اتّقُوا اللّ َه إ ْ‬
‫ع ّذبُ ُه أحَدا مِ نَ‬
‫صدَ ْقتَنا َونَكو نَ عََليْها مِ نَ الشّا ِهدِي نَ‪ ...‬إلى قوله‪ :‬ل أ َ‬
‫ن َقدْ َ‬
‫ن قُلُوبُنا َو َنعْلَ مَ أ ْ‬
‫ط ِمئَ ّ‬
‫َو َت ْ‬
‫العَالِميَن قال‪ :‬فأقبلت الملئكة تطير بمائدة من السماء عليها سبعة أحوات وسبعة أرغفة‪ ,‬حتى‬
‫وضعتها بين أيديهم‪ ,‬فأكل منها آخر الناس كما أكل منها أوّلهم‪.‬‬
‫‪ 10200‬ـ حدث ني مح مد بن الح سين‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا أح مد بن مف ضل‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا أ سباط‪ ,‬عن‬
‫ن ُينَزّلَ عََليْ نا ما ِئدَ ًة مِ نَ ال سّما ِء قالوا‪ :‬هل يطي عك ر بك إن سألته؟‬
‫س َتطِيعُ َربّ كَ أ ْ‬
‫ل يَ ْ‬
‫ال سديّ‪ :‬هَ ْ‬
‫فأنزل ال عليهم مائدة من السماء فيها جميع الطعام إل اللحم فأكلوا منها‪.‬‬
‫وأمـا المائدة فإنهـا الفاعلة‪ ,‬مـن ماد فلن القوم َيمِيدُهـم َميْدا‪ :‬إذا أطعمهـم ومارهـم ومنـه قول‬
‫رؤبة‪:‬‬
‫ن ال ُممْتادْ‬
‫س ال ُم ْترَفِينَ النْدادْإلى أمِيرِ المُ ْؤ ِمنِي َ‬
‫ُن ْهدِي رُءُو َ‬
‫يعني بقوله‪ :‬الممتاد‪ :‬المُ سْ َت ْعطَي‪ ,‬فالمائدة المطعِمة سميت «الخِوا نَ» بذلك‪ ,‬لنها تطعم الَكل‬
‫مما عليها‪ .‬والمائد‪ :‬المدارُ به في البحر‪ ,‬يقال‪ :‬ماد َيمِيدُ َميْدا‪.‬‬
‫ن ُك ْنتُ مْ مُ ْؤ ِمنِي نَ فإنه يعني‪ :‬قال عيسى للحواريين القائلين له‪ :‬هَلْ‬
‫ل اتّقُوا اللّ هَ إ ْ‬
‫وأما قوله‪ :‬قا َ‬
‫ن ال سّماءِ‪ :‬راقبوا ال أيها القوم‪ ,‬وخافوا أن ينزل ب كم من‬
‫س َتطِي ُع رَبّ كَ أ نْ ُي َنزّلَ عََليْ نا ما ِئدَ ًة مِ َ‬
‫يَ ْ‬
‫ال عقو بة على قول كم هذا‪ ,‬فإن ال ل يعجزه ش يء أراده‪ ,‬و في شك كم في قدرة ال على إنزال‬
‫مائدة من السماء كفر به‪ ,‬فاتقوا ال أن ينزل بكم نقمته إن كنتم مؤمنين يقول‪ :‬إن كنتم مصدقيّ‬
‫ن ُي َنزّلَ عََليْنا ما ِئدَ ًة مِنَ‬
‫ستَطِيعُ َربّكَ أ ْ‬
‫ل يَ ْ‬
‫على ما أتوعدكم به من عقوبة ال إياكم على قولكم‪ :‬هَ ْ‬
‫السّماءِ‪.‬‬

‫‪113‬‬ ‫الية ‪:‬‬


‫ص َدقْ َتنَا‬
‫ط َمئِ نّ قُلُوبُنَا َو َنعْلَ َم أَن قَدْ َ‬
‫ل ِمنْهَا َو َت ْ‬
‫{قَالُو ْا ُنرِيدُ أَن ّن ْأكُ َ‬ ‫القول في تأو يل قوله تعالى‪:‬‬
‫ن الشّاهِدِينَ }‪..‬‬
‫َو َنكُونَ عََل ْيهَا مِ َ‬
‫يعنـي تعالى ذكره بذلك‪ :‬قال الحواريون مجيـبي عيسـى على قوله لهـم‪ :‬اتّقُوا اللّهَـ إن ْـ ُك ْنتُم ْـ‬
‫ن ال سّماءِ‪ :‬أنّا إنما قلنا ذلك وسألناك‬
‫ستَطِيعُ َربّ كَ أ نْ ُي َنزّلَ عََليْنا مائِدَ ًة مِ َ‬
‫ل يَ ْ‬
‫ن في قولكم هَ ْ‬
‫مُ ْؤ ِمنِي َ‬
‫ط َمئِنّـ قُلُوبُنـا يقول‪:‬‬
‫أن تسـأل لنـا ربنـا لنأكـل مـن المائدة‪ ,‬فنعلم يقينـا قدرتـه على كلّ شيـء و َت ْ‬
‫وتسـكن قلوبنـا وتسـتقرّ على وحدانيتـه وقدرتـه على كلّ مـا شاء وأراد‪ ,‬ونعلم أن قـد صـدقتنا‪,‬‬
‫ونعلم أنك لم تكذّبنا في خبرك أنك ل رسول مرسل ونبيّ مبعوث‪ .‬و َنكُو نَ عََليْها يقول‪ :‬ونكون‬
‫ن الشّاهِدِي نَ يقول‪ :‬ممن يشهد أن ال أنزلها حجة لنفسه علينا في توحيده وقدرته‬
‫على المائدة‪ ,‬مِ َ‬
‫على ما شاء ولك على صدقك في نبوّتك‪.‬‬
‫‪114‬‬ ‫الية ‪:‬‬
‫سمَآءِ‬
‫{قَالَ عِي سَى ابْ نُ َم ْريَ مَ الّلهُ مّ َربّنَآ أَنزِلْ عََليْنَا مَآ ِئدَ ًة مّ نَ ال ّ‬ ‫القول في تأو يل قوله تعالى‪:‬‬
‫خ ْيرُ الرّا ِزقِينَ }‪..‬‬
‫ت َ‬
‫خ ِرنَا وَآ َيةً ّم ْنكَ وَارْ ُز ْقنَا وَأَن َ‬
‫ن َلنَا عِيدا لوِّلنَا وَآ ِ‬
‫َتكُو ُ‬
‫وهذا خبر من ال تعالى ذكره عن نبيه عيسى صلى ال عليه وسلم أنه أجاب القوم إلى ما‬
‫سألوه من مسألة ربه مائدة تنزل عليهم من السماء‪.‬‬
‫خرِ نا فقال بعض هم‪ :‬معناه‪:‬‬
‫ثم اختلف أ هل التأو يل في تأو يل قوله‪َ :‬تكُو نُ لَ نا عِيدا لَوّلِ نا وآ ِ‬
‫نتخذ اليوم الذي نزلت فيه عيدا نعظمه نحن ومن بعدنا‪ .‬ذكر من قال ذلك‪:‬‬
‫‪ 10201‬ـ حدث ني مح مد بن الح سين‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا أح مد بن المف ضل‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا أ سباط‪ ,‬عن‬
‫خرِنا يقول‪ :‬نتخذ اليوم الذي نزلت فيه عيدا نعظمه نحن‬
‫لوّلِنا وآ ِ‬
‫ن َلنَا عِيدا َ‬
‫السديّ‪ ,‬قوله‪َ :‬تكُو ُ‬
‫ومن بعدنا‪.‬‬
‫ن لَنا‬
‫‪ 10202‬ـ حدثنا بشر بن معاذ‪,‬قال‪ :‬حدثنا يزيد‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا سعيد‪ ,‬عن قتادة‪ ,‬قوله‪َ :‬تكُو ُ‬
‫خرِنا قال‪ :‬أرادوا أن تكون لعقبهم من بعدهم‪.‬‬
‫عِيدا لِ َءوّلِنا وآ ِ‬
‫‪10203‬ـ حدثنا القاسم‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا الحسين‪ ,‬قال‪ :‬ثني حجاج‪ ,‬عن ابن جريج‪ ,‬قوله‪ :‬أ ْنزِلْ عََليْنا‬
‫خرِنا مَن بعدهم منهم‪.‬‬
‫ن السّماءِ َتكُونُ لَنا عِيدا لَوّلِنا قال‪ :‬الذين هم أحياء منهم يومئذ وآ ِ‬
‫مائِد ًة مِ َ‬
‫‪10204‬ــ حدثنـي الحرث‪ ,‬قال‪ :‬حدثنـا عبـد العزيـز‪ ,‬قال‪ :‬قال سـفيان‪َ :‬تكُونُـ لَنـا عِيدا قالوا‪:‬‬
‫نصلي فيه نزلت مرّتين‪.‬‬
‫وقال آخرون‪ :‬معناه‪ :‬نأكل منها جميعا‪ .‬ذكر من قال ذلك‪:‬‬
‫‪ 10205‬ـ حدثنا القاسم‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا الحسين‪ ,‬قال‪ :‬ثني حجاج‪ ,‬عن ليث‪ ,‬عن عقيل‪ ,‬عن ابن‬
‫عباس‪ ,‬أنه قال‪ :‬أكل منها يعني من المائدة حين وضعت بين أيديهم آخر الناس كما أكل منها‬
‫أوّلهم‪.‬‬
‫وقال آخرون‪ :‬معنى قوله عِيدا عائدة من ال تعالى علينا حجة وبرهانا‪.‬‬
‫وأولى القوال بال صواب قول من قال‪ :‬معناه‪ :‬تكون ل نا عيدا‪ ,‬نع بد ربنا في اليوم الذي تنزل‬
‫فيه ونصلي له فيه‪ ,‬كما يعيّد الناس في أعيادهم‪ .‬لن المعروف من كلم الناس المستعمل بينهم‬
‫في العيد ما ذكرنا دون القول الذي قاله من قال معناه‪ :‬عائدة من ال علينا وتوجيه معاني كلم‬
‫ال إلى المعروف من كلم من خو طب به أولى من توجي هه إلى المجهول م نه ما و جد إل يه‬
‫السبيل‪.‬‬
‫خرِ نا فإن الولى من تأويله بال صواب قول من قال‪ :‬تأويله للحياء م نا‬
‫وأ ما قوله‪ :‬لَوّلِ نا وآ ِ‬
‫اليوم ومن يجيء بعدنا منا للعلة التي ذكرناها في قوله‪َ :‬تكُونُ لَنا عِيدا لن ذلك هو الغلب من‬
‫معناه‪.‬‬
‫وأما قوله‪ :‬وآيَ ًة ِمنْ كَ فإن معناه‪ :‬وعلمة وحجة منك يا ر بّ على عبادك في وحدانيتك‪ ,‬وفي‬
‫خ ْيرُ الرّازِقِي نَ‪ :‬وأعط نا من‬
‫صدق على أ ني ر سول إلي هم ب ما أر سلتني به‪ .‬وَا ْرزُقْ نا وأنْ تَ َ‬
‫ن ول نكد‪.‬‬
‫عطائك‪ ,‬فإنك يا ربّ خير من يعطي وأجود من تفضّل‪ ,‬لنه ل يدخل عطاءه م ّ‬
‫وقد اختلف أهل التأويل في المائدة‪ ,‬هل أنزلت عليهم أم ل؟ وما كانت؟ فقال بعضهم‪ :‬نزلت‬
‫وكانت حوتا وطعاما‪ ,‬فأكل القوم منها‪ ,‬ولكنها رفعت بعد ما نزلت بأحداث منهم أحدثوها فيما‬
‫بينهم وبين ال تعالى‪ .‬ذكر من قال ذلك‪:‬‬
‫‪ 10206‬ـ حدث نا مح مد بن المث نى‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا مح مد بن جع فر‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا شع بة‪ ,‬عن أ بي‬
‫إسحاق‪ ,‬عن أبي عبد الرحمن السلمي‪ ,‬قال‪ :‬نزلت المائدة خبزا وسمكا‪.‬‬
‫‪ 10207‬ـ حدثني الحسين بن عل يّ الصدائي‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا أبي‪ ,‬عن الفضيل‪ ,‬عن عطية‪ ,‬قال‪:‬‬
‫المائدة سمكة فيها طعم كلّ طعام‪.‬‬
‫حدثنا ا بن وكيع‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا عب يد ال‪ ,‬عن فضيل‪ ,‬عن م سروق‪ ,‬عن عط ية‪ ,‬قال‪ :‬المائدة‪:‬‬
‫سمك فيه من طعم كلّ طعام‪.‬‬
‫حدث نا ا بن وك يع‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا يح يى بن آدم‪ ,‬عن إ سرائيل‪ ,‬عن أ بي إ سحاق‪ ,‬عن أ بي ع بد‬
‫الرحمن‪ ,‬قال‪ :‬نزلت المائدة خبزا وسمكا‪.‬‬
‫‪ 10208‬ـ حدثني محمد بن سعد‪ ,‬قال‪ :‬ثني أبي‪ ,‬قال‪ :‬ثني عمي‪ ,‬قال‪ :‬ثني أبي‪ ,‬عن أبيه‪ ,‬عن‬
‫ابن عباس‪ ,‬قال‪ :‬نزلت على عيسى ابن مريم والحواريين خوان عليه خبز وسمك يأكلون منه‬
‫أينما نزلوا إذا شاءوا‪.‬‬
‫‪ 10209‬ـ حدثنا الحسن بن يحيى‪ ,‬قال‪ :‬أخبرنا عبد الرزاق‪ ,‬قال‪ :‬أخبرنا المنذر بن النعمان‪,‬‬
‫ن لَنا عِيدا قال‪ :‬نزل‬
‫ن ال سّما ِء َتكُو ُ‬
‫أنه سمع وهب بن من به يقول في قوله‪ :‬أ ْنزِلْ عََليْنا مائِد ًة مِ َ‬
‫عليهم قِر صَة من شعير وأحوات‪ .‬قال الحسن‪ :‬قال أبو بكر‪ :‬فحدّثت به عبد الصمد بن معقل‪,‬‬
‫فقال‪ :‬سـمعت وهبـا وقيـل له‪ :‬ومـا كان ذلك يغنـي عنهـم؟ فقال‪ :‬ل شيـء ولكـن ال حثـا بيـن‬
‫أضعافه نّ البر كة‪ ,‬فكان قوم يأكلون ثم يخرجون‪ ,‬ويج يء آخرون فيأكلون ثم يخرجون‪ ,‬ح تى‬
‫أكلوا جميعهم وأفضلوا‪.‬‬
‫‪ 10210‬ـ حدثنا ا بن وكيع‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا عب يد ال‪ ,‬عن إ سرائيل‪ ,‬عن أ بي يحيى‪ ,‬عن مجا هد‪,‬‬
‫قال‪ :‬هو الطعام ينزل عليهم حيث نزلوا‪.‬‬
‫‪ 10211‬ـ حدث ني مح مد بن عمرو‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا أ بو عا صم‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا عي سى‪ ,‬عن ا بن أ بي‬
‫ن ال سّما ِء قال‪ :‬مائدة علي ها طعام أبَوْ ها ح ين‬
‫نج يح‪ ,‬عن مجا هد‪ ,‬في قول ال تعالى‪ :‬مائدَ ًة مِ َ‬
‫عرض عليهم العذاب إن كفروا فأبوا أن تنزل عليهم‪.‬‬
‫‪ 10212‬ـ حدثنا القاسم‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا الحسين‪ ,‬قال‪ :‬ثني حجاج‪ ,‬عن أبي معشر‪ ,‬عن إسحاق بن‬
‫ع بد ال‪ :‬أن المائدة نزلت على عي سى ا بن مر يم‪ ,‬علي ها سبعة أرغ فة و سبعة أحوات‪ ,‬يأكلون‬
‫منها ما شاءوا‪ .‬قال‪ :‬فسرق بعضهم منها‪ ,‬وقال‪ :‬لعلها ل تنزل غدا فرفعت‪.‬‬
‫‪ 10213‬ـ حدثنا المثنى‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا عبد العلى‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا داود‪ ,‬عن سماك بن حرب‪ ,‬عن‬
‫ر جل من ب ني ع جل قال‪ :‬صليت إلى ج نب عمار بن يا سر‪ ,‬فل ما فرغ‪ ,‬قال‪ :‬هل تدري ك يف‬
‫كان شأن مائدة بني إسرائيل؟ قال‪ :‬فقلت ل‪ .‬قال‪ :‬إنهم سألوا عيسى ابن مريم مائدة يكون عليها‬
‫طعام يأكلون م نه ل ين فد‪ ,‬قال‪ :‬فق يل ل هم‪ :‬فإن ها مقي مة ل كم ما لم تخبئوا أو تخونوا أو ترفعوا‪,‬‬
‫فإن فعلتم فإني أعذّبكم عذابا ل أعذّبه أحدا من العالمين‪ .‬قال‪ :‬فما تمّ يومهم حتى خبئوا ورفعوا‬
‫وخانوا‪ ,‬فعُذّبوا عذابا لم يعذّبه أحدا من العالمين‪ .‬وإنكم معشر العرب كنتم تتبعون أذناب البل‬
‫والشاء‪ ,‬فبعث ال فيكم رسولً من أنفسكم تعرفون حسبه ونسبه‪ ,‬وأخبركم على لسان نبيكم أنكم‬
‫سـتظهرون على العرب‪ ,‬ونهاكـم أن تكنزوا الذهـب والفضـة‪ ,‬وايـم ال ل يذهـب الليـل والنهار‬
‫حتى تكنزوهما ويعذّبكم عذابا أليما‬
‫‪10214‬ـ حدثنا الحسن بن قزعة البصريّ‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا سفيان بن حبيب‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا سعيد‪ ,‬عن‬
‫قتادة‪ ,‬عن حلس بن عمرو‪ ,‬عن عمار بن يا سر‪ ,‬قال‪ :‬قال ر سول ال صلى ال عل يه و سلم‪:‬‬
‫خرُوا‬
‫خرُوا وَل َي ْر َفعُوا ِلغَد‪ ,‬فَخانُوا وَا ّد َ‬
‫ن ل َيخُونُوا وَل َي ّد ِ‬
‫خبْزا وَلحْما‪ ,‬وُأ ِمرُوا أ ْ‬
‫« َنزَلَتِ المَائدَ ُة ُ‬
‫سخُوا ِقرَدَ ًة َوخَنازِيرَ»‪.‬‬
‫َو َر َفعُوا‪َ ,‬ف ُم ِ‬
‫حدثني محمد بن عبد ال بن بزيع‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا يوسف بن خالد‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا نافع بن مالك‪,‬‬
‫عن عكرمة عن ابن عباس في المائدة‪ ,‬قال‪ :‬كانت طعاما ينزل عليهم من السماء حيثما نزلوا‪.‬‬
‫ذكر من قال ذلك‪:‬‬
‫‪ 10215‬ـ حدثنا محمد بن بشار‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا ابن أبي عد يّ‪ ,‬عن سعيد‪ ,‬عن قتادة‪ ,‬عن خلس‬
‫بن عمرو‪ ,‬عن عمار‪ ,‬قال‪ :‬نزلت المائدة‪ ,‬وعليها ثمر من ثمر الجنة‪ ,‬فأمروا أن ل يخبئوا ول‬
‫يخونوا ول يدّخروا‪ .‬قال‪ :‬فخان القوم وخبئوا وادخروا‪ ,‬فحوّلهم ال قردة وخنازير‪.‬‬
‫‪ 10216‬ـ حدثنا بشر‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا يزيد‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا سعيد‪ ,‬عن قتادة‪ ,‬قال‪ :‬ذكر لنا أنها كانت‬
‫مائدة ينزل عليها الثمر من ثمار الجنة‪ ,‬وأمروا أن ل يخبئوا ول يخونوا ول يدّخروا لغد‪ ,‬بلء‬
‫ابتلهم ال به‪ ,‬وكانوا إذا فعلوا شيئا من ذلك أنبأهم به عيسى‪ ,‬فخان القوم فيه فخبئوا وادّخروا‬
‫لغد‪.‬‬
‫وقال آخرون‪ :‬كان عليها من كلّ طعام إل اللحم‪ .‬ذكر من قال ذلك‪:‬‬
‫‪10217‬ـ حدثنا أبو كريب‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا جرير‪ ,‬عن عطاء‪ ,‬عن ميسرة‪ ,‬قال‪ :‬كانت إذا وضعت‬
‫ل طعام‪.‬‬
‫المائدة لبني إسرائيل‪ ,‬اختلفت عليها اليدي بك ّ‬
‫‪ 10218‬ـ حدث نا ا بن وك يع‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا يح يى بن آدم‪ ,‬عن شر يك‪ ,‬عن عطاء‪ ,‬عن مي سرة‬
‫وزاذان‪ ,‬قال‪ :‬كانت اليدي تختلف عليها بكل طعام‪.‬‬
‫حدثني الحرث‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا عبد العزيز‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا سفيان الثور يّ‪ ,‬عن عطاء بن السائب‪,‬‬
‫ن ُي َنزّلَ عََليْ نا ما ِئدَ ًة مِ نَ ال سّما ِء قال‪ :‬رأوا اليدي‬
‫ستَطِيعُ َربّ كَ أ ْ‬
‫ل يَ ْ‬
‫عن زاذان ومي سرة في‪ :‬هَ ْ‬
‫تختلف عليها بكلّ شيء إل اللحم‪.‬‬
‫وقال آخرون‪ :‬لم ينزل ال على بني إسرائيل مائدة‪ :‬ثم اختلف قائلو هذه المقالة فقال بعضهم‪:‬‬
‫إنما هذا مثل ضربه ال تعالى لخلقه نهاهم به عن مسألة نبيّ ال الَيات‪ .‬ذكر من قال ذلك‪:‬‬
‫‪ 10219‬ـ حدثنا ابن وكيع‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا يحيى بن آدم‪ ,‬عن شريك‪ ,‬عن ليث‪ ,‬عن مجاهد‪ ,‬في‬
‫ن السّماءِ قال‪ :‬مثل ضرب‪ ,‬لم ينزل عليهم شيء‪.‬‬
‫قوله‪ :‬أ ْنزِلْ عََليْنا مائِد ًة مِ َ‬
‫عذَابا ل أع ّذبُه أحَدا مِ نَ‬
‫ع ّذُب هُ َ‬
‫ن َيكْ ُفرْ َب ْعدُ ِم ْنكُ مْ فإنّي أُ َ‬
‫وقال آخرون‪ :‬إن القوم لما قيل لهم‪َ :‬فمَ ْ‬
‫العاَلمِينَ استعْفَوا منها فلم تنزل‪ .‬ذكر من قال ذلك‪:‬‬
‫‪ 10220‬ـ حدثنا بشر بن معاذ‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا يزيد بن زريع‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا سعيد‪ ,‬عن قتادة‪ ,‬قال‪:‬‬
‫كان الحسن يقول لما قيل لهم‪َ :‬فمَ نْ َيكْ ُفرْ َب ْعدُ ِم ْنكُ مْ‪ ....‬إلى آخر الَية‪ ,‬قالوا‪ :‬ل حاجة لنا فيها‬
‫فلم تنزل‪.‬‬
‫حدث نا ا بن المث نى‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا مح مد بن جع فر‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا شع بة‪ ,‬عن من صور بن زاذان‪,‬‬
‫عن الحسن أنه قال في المائدة‪ :‬لم تنزل‪.‬‬
‫‪ 10221‬ـ حدثني الحرث‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا القاسم بن سلم‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا حجاج‪ ,‬عن ابن جريج‪ ,‬عن‬
‫مجاهـد‪ ,‬قال‪ :‬مائدة عليهـا طعام أبوهـا حيـن عرض عليهـم العذاب إن كفروا‪ ,‬فأبَوْا أن تنزل‬
‫عليهم‪.‬‬
‫والصـواب مـن القول عندنـا فـي ذلك أن يقال‪ :‬إن ال تعالى أنزل المائدة على الذيـن سـألوا‬
‫عيسى مسألته ذلك ربه‪ .‬وإنما قلنا ذلك للخبر الذي روينا بذلك عن رسول ال صلى ال عليه‬
‫وسلم وأصحابه وأهل التأويل من بعدهم غير من انفرد بما ذكرنا عنه‪ .‬وبعد‪ ,‬فإن ال تعالى ل‬
‫يخلف وعده ول ي قع في خبره الخلف‪ ,‬وقد قال تعالى مخبرا في كتا به عن إجا بة نبيه عي سى‬
‫صلى ال عل يه و سلم ح ين سأله ما سأله من ذلك‪ :‬إنّي ُمنَزّلُهَا عََل ْيكُ مْ‪ ,‬وغ ير جائز أن يقول‬
‫تعالى ذكره إني منزلها عليكم‪ ,‬ثم ل ينزلها لن ذلك منه تعالى خبر‪ ,‬ول يكون منه خلف ما‬
‫ن َيكْ ُفرْ َب ْعدُ‬
‫يخبر‪ .‬ولو جاز أن يقول‪ :‬إني منزلها عليكم‪ ,‬ثم ل ينزلها عليهم‪ ,‬جاز أن يقول‪َ :‬فمَ ْ‬
‫ن ثم يكفر منهم بعد ذلك فل يعذّبه‪ ,‬فل يكون‬
‫ع ّذبُ هُ أحَدا مِن العاَلمِي َ‬
‫عذَابا ل أُ َ‬
‫ع ّذبُ هُ َ‬
‫ِم ْنكُ مْ فإنّي أُ َ‬
‫لوعده ول لوعيده حقيقة ول صحة‪ ,‬وغير جائز أن يوصف ربنا تعالى بذلك‪.‬‬
‫وأما الصواب من القول فيما كان على المائدة‪ ,‬فأن يقال‪ :‬كان عليها مأكول‪ ,‬وجائز أن يكون‬
‫كان سـمكا وخبزا‪ ,‬وجائز أن يكون كان ثمرا مـن ثمـر الجنـة وغيـر نافـع العلم بـه ول ضارّ‬
‫الجهل به إذا أقرّ تالي الَية بظاهر ما احتمله التنزيل‪.‬‬

‫‪115‬‬ ‫الية ‪:‬‬


‫ع ّذبُ هُ‬
‫ي أُ َ‬
‫{قَالَ اللّ ُه إِنّي ُم َنزّلُهَا عََل ْيكُ مْ فَمَن َيكْ ُفرْ َب ْعدُ مِنكُ مْ َفِإنّ َ‬ ‫القول في تأو يل قوله تعالى‪:‬‬
‫ن }‪..‬‬
‫ن ا ْلعَاَلمِي َ‬
‫ع ّذبُ ُه َأحَدا مّ َ‬
‫ل أُ َ‬
‫عذَابا ّ‬
‫َ‬
‫وهذا جواب من ال تعالى القوم فيما سألوا نبيهم عيسى مسألة ربهم من إنزاله مائدة عليهم‪,‬‬
‫ن َيكْ ُفرْ َب ْعدُ ِم ْنكُ مْ يقول‪:‬‬
‫فقال تعالى ذكره‪ :‬إ ني منزل ها علي كم أي ها الحواريون فمطعكمو ها‪َ .‬فمَ ْ‬
‫فمن يجحد بعد إنزالها عليكم وإطعامكموها منكم رسالتي إليه وينكر نبوّة نبي عيسى صلى ال‬
‫عل يه و سلم ويخالف طاع تي في ما أمر ته ونهي ته‪ ,‬فإ ني أعذّ به عذا با ل أعذّ به أحدا من عال مي‬
‫زما نه‪ .‬فف عل القوم‪ ,‬فجحدوا وكفروا ب عد ما أنزلت علي هم في ما ذ كر ل نا‪ ,‬فعذّبوا في ما بلغ نا بأن‬
‫مسخوا قردة وخنازير‪ .‬كالذي‪:‬‬
‫‪10222‬ــ حدثنـا بشـر‪ ,‬قال‪ :‬حدثنـا يزيـد‪ ,‬قال‪ :‬حدثنـا سـعيد‪ ,‬عـن قتادة‪ ,‬قوله‪ :‬إنّي ُم َنزّلُهَا‬
‫عََل ْي ُكمْ‪ ....‬الَية‪ ,‬ذكر لنا أنهم حوّلوا خنازير‪.‬‬
‫‪ 10223‬ـ حدثنا ابن بشار‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا عبد الوهاب ومحمد بن أبي عد يّ‪ ,‬ومحمد بن جعفر‪,‬‬
‫عن عوف‪ ,‬عن أ بي المغيرة القوّاس‪ ,‬عن ع بد ال بن عمرو‪ ,‬قال‪ :‬إن أشدّ الناس عذابا ثل ثة‪:‬‬
‫المنافقون‪ ,‬ومن كفر من أصحاب المائدة‪ ,‬وآل فرعون‪.‬‬
‫حدثنا الحسن بن عرفة‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا المعتمر بن سليمان‪ ,‬عن عوف‪ ,‬قال‪ :‬سمعت أبا المغيرة‬
‫ن ك فر من أ صحاب‬
‫القوّاس يقول‪ :‬قال ع بد ال بن عمرو‪ :‬إن أشدّ الناس عذا با يوم القيا مة‪ :‬مَ ْ‬
‫المائدة‪ ,‬والمنافقون‪ ,‬وآل فرعون‪.‬‬
‫‪10224‬ـ حدثنا محمد بن الحسين‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا أحمد بن مفضل‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا أسباط‪ ,‬عن السديّ‪,‬‬
‫ع ّذُب هُ أحَدا ِم نَ العاَلمِي نَ‬
‫عذَابا ل أُ َ‬
‫ع ّذبُ هُ َ‬
‫قوله‪َ :‬فمَ نْ َيكْ ُف ْر َبعْ ُد ِم ْنكُ مْ بعد ما جاء ته المائدة‪ ,‬فإنّي ُأ َ‬
‫يقول‪ :‬أعذّبه بعذاب ل أعذّبه أحدا من العالمين غير أهل المائدة‪.‬‬

‫‪116‬‬ ‫الية ‪:‬‬


‫خذُونِي وَُأمّ يَ‬
‫س ا ّت ِ‬
‫ن َم ْريَمَ أَأَنتَ قُلتَ لِلنّا ِ‬
‫{وَِإذْ قَالَ الّل ُه َيعِيسَى ابْ َ‬ ‫القول في تأويل قوله تعالى‪:‬‬
‫ت قُلْتُ ُه فَ َقدْ‬
‫ن َأقُولَ مَا َليْ سَ لِي ِبحَ قّ إِن كُن ُ‬
‫ن لِ يَ َأ ْ‬
‫س ْبحَا َنكَ مَا َيكُو ُ‬
‫ن اللّ هِ قَالَ ُ‬
‫ن مِن دُو ِ‬
‫إِلَ ـ َهيْ ِ‬
‫لمُ ا ْل ُغيُوبِ }‪..‬‬
‫ك ِإ ّنكَ أَنتَ عَ ّ‬
‫سَ‬‫ل أَعَْلمُ مَا فِي نَ ْف ِ‬
‫عَِل ْمتَ ُه َتعَْلمُ مَا فِي نَ ْفسِي َو َ‬
‫يقول تعالى ذكره‪ :‬يوم يج مع ال الر سل‪ ,‬فيقول ماذا أجب تم‪ ,‬إذ قال ال يا عي سى ا بن مر يم‬
‫أأ نت قلت للناس اتخذو ني وأ مي إله ين من دون ال؟ وق يل‪ :‬إن ال قال هذا القول لعي سى ح ين‬
‫رفعه إليه في الدنيا‪ .‬ذكر من قال ذلك‪:‬‬
‫‪10225‬ـ حدثنا محمد بن الحسين‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا أحمد بن مفضل‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا أسباط‪ ,‬عن السديّ‪:‬‬
‫ن اللّ هِ قال‪ :‬لما‬
‫ن دُو ِ‬
‫ن مَ ْ‬
‫ي إَل َهيْ ِ‬
‫خذُونِي وُأمّ َ‬
‫ل اللّه يا عِي سَى ابْ نَ َم ْريَ مَ أأنْ تَ قُلْ تَ للنّا سِ ا ّت ِ‬
‫وَإ ْذ قا َ‬
‫رفع ال عيسى ابن مريم إليه‪ ,‬قالت النصارى ما قالت‪ ,‬وزعموا أن عيسى أمرهم بذلك‪ ,‬فسأله‬
‫ل ما َليْ سَ لي ِبحَ قَ إ نْ ُكنْ تُ قُ ْلتُ هُ فَ َقدْ عَِل ْمتَ ُه َتعْلَ مُ‬
‫ن أقُو َ‬
‫سبْحا َنكَ ما َيكُو نُ لي أ ْ‬
‫عن قوله‪ ,‬ف قالَ ُ‬
‫شيْء‬
‫ت على كُلّ َ‬
‫ك أنْ تَ عَلّ مُ ال ُغيُو بِ‪ ....‬إلى قوله‪ :‬وأنْ َ‬
‫سكَ إنّ َ‬
‫ما فِي نَفْ سِي وَل أعْلَ مُ ما فِي نَفْ ِ‬
‫شهِيدٌ‪.‬‬
‫َ‬
‫وقال آخرون‪ :‬بل هذا خبر من ال تعالى ذكره عن أنه يقول لعيسى ذلك في القيامة‪ .‬ذكر من‬
‫قال ذلك‪:‬‬
‫‪ 10226‬ـ حدثنا القاسم‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا الحسين‪ ,‬قال‪ :‬ثني حجاج‪ ,‬عن ابن جريج‪ :‬وَإذْ قالَ الّل هُ يا‬
‫ن اللّ ِه قال‪ :‬والناس ي سمعون‪,‬‬
‫ن مِ نْ دُو ِ‬
‫خذُونِي وُأمّ يَ إَل َهيْ ِ‬
‫ت قُلْ تَ للنّا سِ ا ّت ِ‬
‫ن َمرْي مَ أأنْ َ‬
‫عِي سَى ابْ َ‬
‫فراجعه بما قد رأيت‪ ,‬وأقرّ له بالعبودية على نفسه‪ ,‬فعلم من كان يقول في عيسى ما يقول أنه‬
‫إنما كان يقول باطلً‪.‬‬
‫‪ 10227‬ـ حدثنا ابن حميد‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا جرير‪ ,‬عن عطاء‪ ,‬عن ميسرة‪ ,‬قال‪ :‬قالَ الّل هُ يا عِي سَى‬
‫خذُونِي وُأمّ يَ إَل َهيْ نِ ِم نْ دُو نِ الّل ِه فأرعدت مفا صله‪ ,‬وخ شي أن‬
‫ت قُلْ تَ للنّا سِ ا ّت ِ‬
‫ن مَرْي مَ أأنْ َ‬
‫ابْ َ‬
‫ت قُ ْلتُ ُه فَ َقدْ عَِل ْمتَهُ‪...‬‬
‫ن ُكنْ ُ‬
‫س لِي ِبحَقَ إ ْ‬
‫ن لِي أنْ أقُولَ مَا َليْ َ‬
‫سبْحا َنكَ مَا َيكُو ُ‬
‫يكون قد قال‪ ,‬ف قَالَ ُ‬
‫الَية‪.‬‬
‫‪10228‬ـ حدثنا الحسن بن يحيى‪ ,‬قال‪ :‬أخبرنا عبد الرزاق‪ ,‬قال‪ :‬أخبرنا معمر‪ ,‬عن قتادة‪ ,‬في‬
‫ن دُو نِ الّل ِه متى يكون ذلك؟‬
‫خذُونِي وُأمّ يَ إَل َهيْ نِ مِ ْ‬
‫ت للنّا سِ ا ّت ِ‬
‫ت قُلْ َ‬
‫ن َمرْي مَ أأنْ َ‬
‫قوله‪ :‬يا عِي سَى ابْ َ‬
‫صدْ ُق ُهمْ‪.‬‬
‫ن ِ‬
‫قال‪ :‬يوم القيامة‪ ,‬أل ترى أنه يقول‪َ :‬هذَا يَومُ َينْفَعُ الصّادقِي َ‬
‫فعلى هذا التأو يل الذي تأوّله ا بن جر يج ي جب أن يكون «وإذْ» بمع نى «وإذا»‪ ,‬ك ما قال في‬
‫موضع آخر‪ :‬وََلوْ َترَى إذْ َفزِعُوا‪ ,‬بمعنى‪ :‬يفزعون‪ .‬وكما قال أبو النجم‪:‬‬
‫عدْنٍ فِي العَلليّ العُل‬
‫جنّاتِ َ‬
‫جزَى َ‬
‫عنّا إذْ َ‬
‫جزَا ُه اللّهُ َ‬
‫ُثمّ َ‬
‫والمعنى‪ :‬إذا جزى‪ .‬وكما قال السود‪:‬‬
‫ب الشّيخُ َمذْهَبا‬
‫ن أل لم يذْهَ ِ‬
‫ن فإنّمَايَقُلْ ْ‬
‫فالَنَ إ ْذ هازَ ْلتُهُ ّ‬
‫ن من قال في ذلك بقول ابن جريج هذا‪ ,‬وجّه تأويل الَية إلى‪ :‬فَمَ نْ‬
‫بمعنى‪ :‬إذا هازلته نّ‪ .‬وكأ ّ‬
‫ن في الدنيا وأعذّبه أيضا في الَخرة‪,‬‬
‫ن ا ْلعَالِمي َ‬
‫ع ّذبُهُ َأحَدا مِ َ‬
‫ل أُ َ‬
‫عذَابا َ‬
‫ع ّذبُهُ َ‬
‫َيكْ ُفرْ بعدُ ِم ْنكُمْ فَإنّي أُ َ‬
‫ن دُونِ الّلهِ‪.‬‬
‫ي إَل َهيْنِ مِ ْ‬
‫خذُونِي وُأ ّم َ‬
‫ت للنّاسِ ا ّت ِ‬
‫إذْ قالَ الّلهُ يا عِيسَى ابْنَ َمرْيمَ أأنْتَ قُلْ َ‬
‫وأولى القول ين عند نا بال صواب في ذلك‪ ,‬قول من قال بقول ال س ّديّ‪ :‬و هو أن ال تعالى قال‬
‫ذلك لعيسـى حيـن رفعـه إليـه‪ ,‬وأن الخـبر خـبر عمـا مضـى لعلتيـن‪ :‬إحداهمـا‪ :‬أن «إذ» إنمـا‬
‫تصاحب في الغلب من كلم العرب المستعمل بينها الماضي من الفعل‪ ,‬وإن كانت قد تدخلها‬
‫أحيانا في موضع الخبر عما يحدث إذا عرف السامعون معناها وذلك غير فاشٍ ول فصيح في‬
‫كلمهـم‪ ,‬فتوجيـه معانـي كلم ال تعالى إلى الشهـر العرف مـا وجـد إليـه السـبيل أولى مـن‬
‫توجيه ها إلى الج هل الن كر‪ .‬والخرى‪ :‬أن عيسى لم يش كّ هو ول أ حد من ال نبياء أن ال ل‬
‫يغ فر لمشرك مات على شر كه‪ ,‬فيجوز أن يتو هم على عي سى أن يقول في الَخرة مجي با لر به‬
‫تعالى‪ :‬إن تعذّب من اتخذ ني وأ مي إله ين من دو نك فإن هم عبادك‪ ,‬وإن تغ فر ل هم فإ نك أ نت‬
‫العزيز الحكيم‪.‬‬
‫فإن قال قائل‪ :‬و ما كان و جه سؤال ال عي سى‪ :‬أأ نت قلت للناس اتخذو ني وأ مي إله ين من‬
‫دون ال‪ ,‬و هو العالم بأن عي سى لم ي قل ذلك؟ ق يل‪ :‬يحت مل ذلك وجه ين من التأو يل‪ :‬أحده ما‪:‬‬
‫تحذير عيسى عن قيل ذلك ونهيه‪ ,‬كما يقول القائل لَخر‪ :‬أفعلت كذا وكذا؟ مما يعلم المقول له‬
‫ذلك أن القائل ي ستعظم ف عل ما قال له‪« :‬أفعل ته» على و جه الن هي عن فعله والتهد يد له ف يه‪.‬‬
‫والَ خر‪ :‬إعل مه أن قو مه الذ ين فارق هم قد خالفوا عهده وبدّلوا دين هم بعده‪ ,‬فيكون بذلك جام عا‬
‫إعلمه حالهم بعده وتحذيره له قيله‪.‬‬
‫وأما تأويل الكلم‪ :‬فإنه‪ :‬أأنت قلت للناس اتخذوني وأمي إلهين‪ ,‬أي معبودين تعبدونهما من‬
‫دون ال؟ قال عي سى‪ :‬تنزي ها لك يا ر بّ وتعظي ما أن أف عل ذلك أو أتكلم به‪ ,‬ما يكون لي أن‬
‫أقول ما ل يس لي بح قّ يقول‪ :‬ل يس لي أن أقول ذلك لن هي ع بد مخلوق وأ مي أ مة لك‪ ,‬ف هل‬
‫ت قُلْتُ ُه فَ َقدْ عَِل ْمتَ هُ‪ ,‬يقول‪ :‬إ نك ل يخ فى عل يك ش يء‪,‬‬
‫ن ُكنْ ُ‬
‫يكون للع بد وال مة ادّعاء ربوب ية؟ إ ْ‬
‫وأنت عالم أني لم أقل ذلك ولم آمرهم به‪.‬‬
‫لمُ ال ُغيُوبِ‪.‬‬
‫ك إ ّنكَ أنْتَ عَ ّ‬
‫سَ‬‫القول في تأويل قوله تعالى‪َ :‬تعَْلمُ ما فِي نَ ْفسِي وَل أعَْلمُ ما فِي نَ ْف ِ‬
‫يقول تعالى ذكره مخبرا عن نبيه عيسى صلى ال عليه وسلم أنه يبرأ إليه مما قالت فيه وفي‬
‫ن لِي أ نْ‬
‫سبْحا َنكَ مَا َيكُو ُ‬
‫أ مه الكفرة من الن صارى أن يكون دعا هم إل يه أو أمر هم به‪ ,‬فقال‪ُ :‬‬
‫أقُولَ مَا َليْ سَ لِي ِبحَ قَ إ نْ ُكنْ تُ قُ ْلتُ ُه فَ َقدْ عَِل ْم َت ُه ثم قال‪َ :‬تعْلَ مُ ما فِي نَفْ سِي يقول‪ :‬إنك يا ر بّ ل‬
‫يخفي عليك ما أضمرته نفسي مما لم أنطلق به ولم أظهره بجوارحي‪ ,‬فكيف بما قد نطقت به‬
‫وأظهرته بجوارحي؟ يقول‪ :‬لو كنت قد قلت للناس أتخذوني وأمي إلهين من دون ال كنت قد‬
‫علم ته‪ ,‬ل نك تعلم ضمائر النفوس م ما لم تن طق به فك يف ب ما قد نط قت به‪ .‬وَل أعْلَ مُ ما فِي‬
‫سكَ يقول‪ :‬ول أعلم أ نا ما أخفي ته ع ني فلم تطلع ني عل يه‪ ,‬ل ني إن ما أعلم من الشياء ما‬
‫نَفْ ِ‬
‫ب يقول‪ :‬إنك أنت العالم بخفيات المور التي ل يطلع عليها سواك‬
‫أعلمتنيه إنّكَ أنْتَ عَلّمُ ال ُغيُو ِ‬
‫ول يعلمها غيرك‪.‬‬

‫‪117‬‬ ‫الية ‪:‬‬


‫ع ُبدُو ْا اللّ َه َربّي َو َر ّب ُكمْ َوكُنتُ‬
‫{مَا قُلْتُ َل ُهمْ ِإلّ مَآ َأ َمرْ َتنِي بِ ِه أَنِ ا ْ‬ ‫القول في تأويل قوله تعالى‪:‬‬
‫شهِيدٌ }‪..‬‬
‫شيْءٍ َ‬
‫ت ال ّرقِيبَ عََل ْي ِهمْ وَأَنتَ عََلىَ كُلّ َ‬
‫شهِيدا مّا ُدمْتُ فِي ِهمْ فََلمّا َت َو ّفيْ َتنِي كُنتَ أَن َ‬
‫عََل ْي ِهمْ َ‬
‫وهذا خبر من ال تعالى ذكره عن قول عيسى‪ ,‬يقول‪ :‬ما قلت لهم إل الذي أمرتني به من‬
‫شهِيدا يقول‪ :‬وكنت‬
‫ع ُبدُوا ال َربّي و َر ّب ُكمْ و ُكنْتُ عََل ْيهِ ْم َ‬
‫القول أن أقوله لهم‪ ,‬وهو أن قلت لهم ا ْ‬
‫على ما يفعلونه وأنا بين أظهرهم شاهدا عليهم وعلى أفعالهم وأقوالهم‪ .‬فَلمّا تو ّف ْيتَني يقول‪ :‬فلما‬
‫ت الرّقِيبَ عَلَي ِهمْ يقول‪ :‬كنت أنت الحفيظ عليهم دوني‪ ,‬لني إنما شهدت‬
‫قبضتني إليك‪ُ ,‬كنْتُ أنْ َ‬
‫من أعمالهم ما عملوه وأنا بين أظهرهم‪.‬‬
‫وفي هذا تبيان أن ال تعالى إنما عرّفه أفعال القوم ومقالتهم بعد ما قبضه إليه وتوفاه بقوله‪:‬‬
‫شهِيدٌ يقول‪ :‬وأنت‬
‫شيْء َ‬
‫ن دُونِ الّلهِ‪ ...‬وأنْتَ على كُلّ َ‬
‫ن مِ ْ‬
‫خذُونِي وُأ ّميَ إَل َهيْ ِ‬
‫ت للنّاسِ ا ّت ِ‬
‫أأنْتَ قُلْ َ‬
‫تشهد على كل شيء‪ ,‬لنه ل يخفى عليك شيء‪ ,‬وأما أنا فإنما شهدت بعض الشياء‪ ,‬وذلك ما‬
‫ظهْ ُر القوم‪ ,‬فإنما أنا أشهد على ذلك الذي عاينت ورأيت وشهدت‪.‬‬
‫عاينت وأنا مقيم بين أ َ‬
‫ت الرّقِيبَ عََل ْي ِهمْ قال أهل التأويل‪ .‬ذكر من قال ذلك‪:‬‬
‫وبنحو الذي قلنا في قوله‪ُ :‬كنْتَ أنْ َ‬
‫‪10229‬ـ حدثني محمد بن الحسين‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا أحمد بن مفضل‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا أسباط‪ ,‬عن‬
‫ت الرّقِيبَ عََل ْي ِهمْ أما الرقيب‪ :‬فهو الحفيظ‪.‬‬
‫السديّ‪ُ :‬كنْتَ أنْ َ‬
‫ت أنْتَ‬
‫‪10230‬ـ حدثنا القاسم‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا الحسين‪ ,‬قال‪ :‬ثني حجاج‪ ,‬عن ابن جريج‪ُ :‬كنْ َ‬
‫الرّقِيبَ عََل ْي ِهمْ قال‪ :‬الحفيظ‪.‬‬
‫وكانت جماعة من أهل العلم تقول‪ :‬كان جواب عيسى الذي أجاب به ربه من ال تعالى‬
‫توقيفا منه له فيه‪ .‬ذكر من قال ذلك‪:‬‬
‫‪10231‬ـ حدثنا ابن وكيع‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا ابن يمان‪ ,‬عن سفيان‪ ,‬عن معمر‪ ,‬عن ابن طاوس‪ ,‬عن‬
‫ل مَا‬
‫سبْحا َنكَ مَا َيكُونُ لِي أنْ أقُو َ‬
‫ن دُونِ الّلهِ قالَ ُ‬
‫خذُونِي وُأ ّميَ إَل َه ْينِ مِ ْ‬
‫ت للنّاسِ ا ّت ِ‬
‫أبيه‪ :‬أأنْتَ قُلْ َ‬
‫حقَ قال‪ :‬ال وقّفه‪.‬‬
‫َليْسَ لِي ِب َ‬
‫حدثنا ابن وكيع‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا أبو داود الحفري‪ ,‬قال‪ :‬قرىء على سفيان‪ ,‬عن معمر‪ ,‬عن ابن‬
‫خذُونِي وُأ ّميَ إَل َهيْنِ‬
‫س ا ّت ِ‬
‫ج عيسى وال وقّفه‪ :‬أأنْتَ قُلْتَ للنّا ِ‬
‫طاوس‪ ,‬عن أبيه طاوس‪ ,‬قال‪ :‬احت ّ‬
‫ن اللّهِ‪ ...‬الَية‪.‬‬
‫ن دُو ِ‬
‫مِ ْ‬
‫‪10232‬ـ حدثنا ابن وكيع‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا جريج‪ ,‬عن عطاء‪ ,‬عن ميسرة‪ ,‬قال‪ :‬قال ال تعالى‪ :‬يا‬
‫ن اللّهِ؟ قال‪ :‬فأرعدت مفاصله‪,‬‬
‫ن مِنْ دُو ِ‬
‫خذُونِي وُأ ّميَ إَل َهيْ ِ‬
‫ت قُلْتَ للنّاسِ ا ّت ِ‬
‫ن َمرْيمَ أأنْ َ‬
‫عِيسَى ابْ َ‬
‫ت قُلْتُهُ‬
‫حقَ إنْ ُكنْ ُ‬
‫ن أقُولَ مَا َليْسَ لِي ِب َ‬
‫ن لِي أ ْ‬
‫سبْحا َنكَ مَا َيكُو ُ‬
‫وخشي أن يكون قد قالها‪ ,‬ف قالَ ُ‬
‫لمُ ال ُغيُوبِ‬
‫سكَ إ ّنكَ أنْتَ عَ ّ‬
‫فَ َقدْ عَِل ْمتَ ُه َتعَْلمُ ما فِي نَ ْفسِي وَل أعَْلمُ ما فِي َن ْف ِ‬

‫‪118‬‬ ‫الية ‪:‬‬


‫حكِيمُ‬
‫ت ا ْل َعزِيزُ ا ْل َ‬
‫عبَا ُدكَ وَإِن َتغْ ِفرْ َل ُهمْ َفِإنّكَ أَن َ‬
‫{إِن ُت َع ّذ ْب ُهمْ َفإِ ّن ُهمْ ِ‬ ‫القول في تأويل قوله تعالى‪:‬‬
‫}‪..‬‬
‫يقول تعالى ذكره‪ :‬إن تعذّب هؤلء الذين قالوا هذه المقالة بإماتتك إياهم عليها‪ ,‬فإنهم عبادك‪,‬‬
‫مستسلمون لك‪ ,‬ل يمتنعون مما أردت بهم ول يدفعون عن أنفسهم ضرّا ول أمرا تنالهم به‪.‬‬
‫وإن تغفر لهم بهدايتك إياهم إلى التوبة منها فتستر عليهم‪ ,‬فإنك أنت العزيز في انتقامه ممن‬
‫أراد النتقام منه ل يقدر أحد يدفعه عنه‪ ,‬الحكيم في هدايته من هدى من خلقه إلى التوبة‬
‫وتوفيقه من وفق منهم لسبيل النجاة من العقاب‪ .‬كالذي‪:‬‬
‫‪10233‬ـ حدثنا محمد بن الحسين‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا أحمد بن مفضل‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا أسباط‪ ,‬عن السديّ‬
‫ن ُت َع ّذبْ ُهمْ فإ ّنهُمْ عِبا ُدكَ وَإنْ َتغْ ِفرْ َل ُهمْ فتخرجهم من النصرانية وتهديهم إلى السلم‪,‬‬
‫في قوله‪ :‬إ ْ‬
‫حكِيمُ وهذا قول عيسى في الدنيا‪.‬‬
‫ت ال َعزِيزُ ال َ‬
‫فإ ّنكَ أنْ َ‬
‫‪10234‬ـ حدثنا الحسن بن يحيى‪ ,‬قال‪ :‬أخبرنا عبد الرزاق‪ ,‬قال‪ :‬أخبرنا معمر‪ ,‬عن قتادة‪ ,‬في‬
‫حكِيمُ قال‪ :‬وال ما كانوا طعّانين‬
‫ت ال َعزِيزُ ال َ‬
‫قوله‪ :‬إنْ ُت َع ّذ ْبهُمْ فإ ّن ُهمْ عِبا ُدكَ وَإنْ َتغْ ِف ْر َل ُهمْ فإ ّنكَ أنْ َ‬
‫ول لعّانين‪.‬‬

‫‪119‬‬ ‫الية ‪:‬‬


‫جرِي‬
‫جنّاتٌ َت ْ‬
‫صدْ ُق ُهمْ َل ُهمْ َ‬
‫ن ِ‬
‫{قَالَ الّلهُ هَـذَا َي ْومُ يَنفَ ُع الصّا ِدقِي َ‬ ‫القول في تأويل قوله تعالى‪:‬‬
‫عنْ ُه ذَِلكَ الْفَ ْو ُز ا ْل َعظِيمُ }‪..‬‬
‫ع ْنهُمْ َو َرضُواْ َ‬
‫ضيَ الّلهُ َ‬
‫حتِهَا ال ْنهَارُ خَاِلدِينَ فِيهَآ َأبَدا رّ ِ‬
‫مِن َت ْ‬
‫اختلفت القرّاء في قراءة قوله‪َ :‬هذَا يَ ْومُ َينْفَ ُع الصّا ِدقِينَ فقرأ ذلك بعض أهل الحجاز‬
‫والمدينة‪َ « :‬هذَا يَ ْومَ َينْفَ ُع الصّا ِدقِينَ» بنصب «يوم»‪ .‬وقرأ بعض أهل الحجاز وبعض أهل‬
‫المدينة وعامّة قرّاء أهل العراق‪َ :‬هذَا يَ ْومُ َينْفَ ُع الصّا ِدقِينَ برفع يوم‪ .‬فمن رفعه رفعه بهذا‪,‬‬
‫وجعل «يوم» اسما‪ ,‬وإن كانت إضافته غير محضة‪ ,‬لنه صار كالمنعوت‪ .‬وكان بعض أهل‬
‫العربية يزعم أن العرب يعملون في إعراب الوقات مثل اليوم والليلة عملهم فيما بعدها‪ ,‬إن‬
‫كان ما بعدها رفعا رفعوها‪ ,‬كقولهم‪ :‬هذا يو ُم يركب المير‪ ,‬وليل ُة يصدر الحاج‪ ,‬ويومُ أخوك‬
‫منطلق وإن كان ما بعدها نصبا نصبوها‪ ,‬وكذلك كقولهم‪ :‬هذا يومَ خرج الجيش وسار الناس‪,‬‬
‫ن من قرأ هذا هكذا‬
‫وليلةَ قتل زيد ونحو ذلك‪ ,‬وإن كان معناها في الحالين‪« :‬إذ»‪ ,‬و«إذا»‪ .‬وكأ ّ‬
‫رفعا وجه الكلم إلى أنه من قيل ال يوم القيامة‪ ,‬وكذلك كان السديّ يقول في ذلك‪.‬‬
‫‪10235‬ـ حدثني محمد بن الحسين‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا أحمد بن مفضل‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا أسباط‪ ,‬عن‬
‫ن صِ ْد ُقهُمْ هذا فصل من كلم عيسى‪ ,‬وهذا يوم القيامة‪.‬‬
‫السديّ‪ :‬قالَ اللّ ُه َهذَا يَ ْو ُم َينْفَعُ الصّادِقِي َ‬
‫ن أقُولَ‬
‫سبْحا َنكَ مَا َيكُونُ لِي أ ْ‬
‫يعني السدي بقوله‪« :‬هذا فصل من كلم عيسى» أن قوله‪ُ :‬‬
‫ل عن عيسى أنه‬
‫حكِيمُ من خبر ال عزّ وج ّ‬
‫مَا َليْسَ لِي ِبحَقَ‪ ...‬إلى قوله‪ :‬فإ ّنكَ أنْتَ ال َعزِيزُ ال َ‬
‫قاله في الدنيا بعد أن رفعه إليه‪ ,‬وأن ما بعد ذلك من كلم ال لعباده يوم القيامة‪ .‬وأما النصب‬
‫في ذلك‪ ,‬فإنه يتوجه من وجهين‪ :‬أحدهما‪ :‬أن إضافة «يوم» ما لم تكن إلى اسم تجعله نصبا‪,‬‬
‫لن الضافة غير محضة‪ ,‬وإنما تكون الضافة محضة إذا أضيف إلى اسم صحيح‪ .‬ونظير‬
‫اليوم في ذلك الحين والزمان وما أشبههما من الزمنة‪ ,‬كما قال النابغة‪:‬‬
‫شيْبُ وَا ِزعُ‬
‫ح وال ّ‬
‫ن عا َتبْتُ ال َمشِيبَ على الصّباوقَلْتُ أَلمّا أصْ ُ‬
‫على حِي َ‬
‫والوجه الَخر‪ :‬أن يكون مرادا بالكلم هذا المر وهذا الشأن‪َ « ,‬ي ْومَ َينْفَعُ الصّا ِدقِينَ» فيكون‬
‫صدْ ُق ُهمْ‪.‬‬
‫ن ِ‬
‫اليوم حينئذ منصوبا على الوقت والصفة‪ ,‬بمعنى‪ :‬هذا المر في َي ْومَ َينْفَ ُع الصّا ِدقِي َ‬
‫وأولى القراءتين في ذلك عندي بالصواب‪َ « :‬هذَا َي ْومَ َينْفَ ُع الصّا ِدقِينَ» بنصب اليوم على أنه‬
‫سبْحا َنكَ‬
‫منصوب على الوقت والصفة‪ ,‬لن معنى الكلم‪ :‬أن ال تعالى أجاب عيسى حين قال‪ُ :‬‬
‫ت ال َعزِيزُ‬
‫ن ُكنْتُ قُ ْلتُ ُه فَ َقدْ عَِل ْمتَهُ‪ ....‬إلى قوله‪ :‬فإنّكَ أنْ َ‬
‫حقَ إ ْ‬
‫س لِي ِب َ‬
‫ل مَا َليْ َ‬
‫مَا َيكُونُ لِي أنْ أقُو َ‬
‫ص ْدقُ ُهمْ‬
‫حكِيمُ فقال له عزّ وجلّ‪ :‬هذا القول النافع أو هذا الصدق النافع يَ ْومَ َينْفَ ُع الصّا ِدقِينَ ِ‬
‫ال َ‬
‫فاليوم وقت القول والصدق النافع‪.‬‬
‫فإن قال قائل‪ :‬فما موضع «هذا»؟ قيل رفع فإن قال‪ :‬فأين رافعه؟ قيل مضمر‪ ,‬وكأنه قال‪:‬‬
‫صدْ ُق ُهمْ‪ ,‬كما قال الشاعر‪:‬‬
‫قال ال عزّ وجلّ‪ :‬هذا‪ ,‬هذا يَ ْومَ َينْفَ ُع الصّا ِدقِينَ ِ‬
‫شرِ‬
‫خيُْلكَ يا ابْنَ ِب ْ‬
‫جرِيهَذَا وَل َ‬
‫أما تَرَى السّحابَ َك ْيفَ َي ْ‬
‫يريد‪ :‬هذا هذا‪ ,‬ول خيلك‪.‬‬
‫فتأويل الكلم إذا كان المر على ما وصفنا لما بينا‪ :‬قال ال لعيسى‪ :‬هذا القول النافع في َي ْومَ‬
‫حتِها النهارُ‬
‫جرِي ِمنْ َت ْ‬
‫جنّاتٌ َت ْ‬
‫صدْ ُق ُهمْ ذلك في الَخرة عند ال‪َ .‬ل ُهمْ َ‬
‫ن في الدنيا ِ‬
‫َينْفَعُ الصّادِقِي َ‬
‫ت تجري من تحتها النهار في الَخرة ثوابا لهم من ال عزّ‬
‫يقول‪ :‬للصادقين في الدنيا جنا ٌ‬
‫وجلّ‪ ,‬على ما كان من صدقهم الذي صدقوا ال فيما وعدوه‪ ,‬فوفوا به ل‪ ,‬فوفي ال عزّ وجلّ‬
‫ن فِيها أبَدا يقول‪ :‬باقين في الجنات التي أعطاهموها أبدا دائما‬
‫لهم ما وعدهم من ثوابه‪ .‬خاِلدِي َ‬
‫لهم فيها نعيم ل ينتقل عنهم ول يزول‪ .‬وقد بينا فيما مضى أن معنى الخلود‪ :‬الدوام والبقاء‪.‬‬
‫عنْ ُه ذَِلكَ ال َف ْوزُ ال َعظِيمُ‪.‬‬
‫ع ْن ُهمْ َو َرضُوا َ‬
‫ضيَ الّلهُ َ‬
‫القول في تأويل قوله تعالى‪ :‬رَ ِ‬
‫يقول تعالى ذكره‪ :‬رضي ال عن هؤلء الصادقين الذين صدقوا في الوفاء له بما وعدوه من‬
‫ع ْنهُ يقول‪ :‬ورضوا هم عن ال تعالى في وفائه لهم‬
‫العمل بطاعته واجتناب معاصيه‪ ,‬و َرضُوا َ‬
‫بما وعدهم على طاعتهم إياه‪ ,‬فيما أمرهم ونهاهم من جزيل ثوابه‪ .‬ذلكَ ال َف ْوزُ ال َعظِيمُ يقول‪ :‬هذا‬
‫الذي أعطاهم ال من الجنات التي تجري من تحتها النهار‪ ,‬خالدين فيها‪ ,‬مرضيّا عنهم‪,‬‬
‫وراضين عن ربهم‪ ,‬هو الظفر العظيم بالطّلِبة وإدراك الحاجة التي كانوا يطلبونها في الدنيا‪,‬‬
‫ولها كانوا يعملون فيها‪ ,‬فنالوا ما طلبوا وأدركوا ما أملوا‪.‬‬

‫‪120‬‬ ‫الية ‪:‬‬


‫شيْءٍ‬
‫ل َ‬
‫سمَاوَاتِ وَالرْ ضِ وَمَا فِيهِ نّ وَ ُهوَ عََلىَ كُ ّ‬
‫ك ال ّ‬
‫{لّل هِ مُلْ ُ‬ ‫القول في تأو يل قوله تعالى‪:‬‬
‫قَدِيرٌ }‪..‬‬
‫ت والرْ ضِ يقول‪ :‬له سلطان ال سموات‬
‫سمَوَا ِ‬
‫يقول تعالى ذكره‪ :‬أي ها الن صارى لِّل ِه مُلْ كُ ال ّ‬
‫والرض‪ ,‬وَ ما فِيهِ نّ دون عي سى الذ ين تزعمون أ نه إله كم ودون أ مه‪ ,‬ودون جم يع من في‬
‫السموات ومن في الرض فإن السموات والرض خلق من خلقه وما فيه نّ وعيسى وأمه من‬
‫بعـض ذلك بالحلول والنتقال‪ ,‬يدلن بكونهمـا فـي المكان الذي همـا فيـه بالحلول فيـه والنتقال‬
‫أنهمـا عبدان مملوكان لمـن له ملك السـموات والرض ومـا فيهنـّ‪ .‬ينبههـم وجميـع خلقـه على‬
‫ل شَيْ ٍء قَدِيرٌ يقول تعالى‬
‫موضـع حجتـه عليهـم ليدبروه ويعتـبروه‪ ,‬فيعقلوا عنـه‪ .‬وَ ُهوَ على كُ ّ‬
‫ذكره‪ :‬وال الذي له ملك السـموات والرض ومـا فيهنـّ‪ ,‬قادر على إفنائهـن وعلى إهلكهـن‬
‫وإهلك عي سى وأ مه و من في الرض جمي عا ك ما ابتدأ خلق هم‪ ,‬ل يعجزه ذلك ول ش يء أراده‬
‫لن قدرته القدرة التي ل يشبهها قدرة وسلطانه السلطان الذي ل يشبهه سلطان ول مملكة‪.‬‬

‫سورة النعام‬
‫سورة النعام مكية‬
‫وآياتها خمس وستون ومائة‬
‫بسم ال الرحمن الرحيم‬

‫‪1‬‬ ‫الية ‪:‬‬


‫القول في تأويل قوله تعالى‪:‬‬
‫ل الظُّلمَا تِ وَالنّو َر ثْ مّ اّلذِي نَ كَ َفرُو ْا ِب َر ّبهِ مْ‬
‫جعَ َ‬
‫ت وَالرْ ضَ َو َ‬
‫سمَاوَا ِ‬
‫ح ْمدُ لّل هِ اّلذِي خَلَ قَ ال ّ‬
‫{ا ْل َ‬
‫َي ْعدِلُونَ }‪.‬‬
‫ح ْمدُ للّ هِ‪ :‬الح مد الكا مل ل وحده ل شر يك له‪ ,‬دون جم يع النداد‬
‫يع ني تعالى ذكره بقوله ال َ‬
‫والَلهة‪ ,‬ودون ما سواه مما تعبده كفرة خلقه من الوثان والصنام‪ .‬وهذا كلم مخرجه مخرج‬
‫الخـبر ُينْحَى بـه نحـو المـر‪ ,‬يقول‪ :‬أخلصـوا الحمـد والشكـر للذي خلقكـم أيهـا الناس وخلق‬
‫ال سموات والرض‪ ,‬ول تشركوا م عه في ذلك أحدا شيئا‪ ,‬فإ نه الم ستوجب علي كم الح مد بأياد يه‬
‫عندكم ونعمة عليكم‪ ,‬ل من تعبدونه من دونه وتجعلونه له شريكا من خلقه‪ .‬وقد بينا الفصل‬
‫بين معنى الحمد والشكر بشواهده فيما مضى قبل‪.‬‬
‫ل الظُّلمَاتِ والنّورَ‪.‬‬
‫جعَ َ‬
‫القول في تأويل قوله تعالى‪َ :‬و َ‬
‫يقول تعالى ذكره‪ :‬الحمد ل الذي خلق السموات والرض‪ ,‬وأظلم الليل وأنار النهار‪ .‬كما‪:‬‬
‫‪ 10236‬ـ حدث ني مح مد بن الح سين‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا أح مد بن مف ضل‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا أ سباط‪ ,‬عن‬
‫ل الظّلُمَاتِ والنّو َر قال‪ :‬الظلمات‪ :‬ظلمة الليل‪ ,‬والنور‪ :‬نور النهار‪.‬‬
‫جعَ َ‬
‫السديّ‪َ :‬و َ‬
‫‪ 10237‬ـ حدث نا ب شر بن معاذ‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا يز يد بن زر يع‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا سعيد‪ ,‬عن قتادة‪ ,‬أ ما‬
‫ل الظّلْمَا تِ والنّو ِر فإنه خلق السموات قبل‬
‫جعَ َ‬
‫ت والرْ ضَ َو َ‬
‫سمَوَا ِ‬
‫ح ْمدُ لّل هِ اّلذِي خَلَ قَ ال ّ‬
‫قوله‪ :‬ال َ‬
‫الرض‪ ,‬والظلمة قبل النور‪ ,‬والجنة قبل النار‪.‬‬
‫جعَلَ»؟ قيـل‪ :‬إن العرب تجعلهـا ظرفـا للخـبر والفعـل‪,‬‬
‫فإن قال قائل‪ :‬فمـا معنـى قوله إذن « َ‬
‫فتقول‪ :‬جعلت أفعـل كذا‪ ,‬وجعلت أقوم وأقعـد‪ ,‬تدلّ بقولهـا «جعلت» على اتصـال الفعـل‪ ,‬كمـا‬
‫تقول‪ :‬عل قت أف عل كذا‪ ,‬ل أن ها في نف سها ف عل‪ ,‬يدلّ على ذلك قول القائل‪ :‬جعلت أقوم‪ ,‬وأ نه ل‬
‫ج عل هناك سوى القيام‪ ,‬وإن ما دلّ بقوله «جعلت» على ات صال الف عل ودوا مه‪ ,‬و من ذلك قول‬
‫الشاعر‪:‬‬
‫ي قا ِدرِ‬
‫طرِيقَ ْ‬
‫ك س ْوفَ تسُْلكُ فَارِداوالمَ ْوتُ ُم ْك َتنِعٌ َ‬
‫عمْتَ أ ّن َ‬
‫و َز َ‬
‫جرِ‬
‫حنْثُ ال َيمِينِ على الّلئِيمِ الفا ِ‬
‫جعَلْ َتحَلّلْ ِمنْ َيمِي ِنكَ إ ّنمَا ِ‬
‫فا ْ‬
‫ل من غير التحليل‪ .‬فكذلك‬
‫يقول «فاجعل تحلّل» بمعنى‪ :‬تحلل شيئا بعد شيء‪ ,‬ل أن هناك جع ً‬
‫كلّ ج عل في الكلم إن ما هو دل يل على ف عل له ات صال‪ ,‬ل أن له خ طا في مع نى الف عل فقوله‪:‬‬
‫ل الظّلُماتِ والنّورَإنما هو أظلم ليلهما وأنار نهارهما‪.‬‬
‫جعَ َ‬
‫َو َ‬
‫ن كَ َفرُوا ِب َر ّب ِهمْ َي ْعدِلُونَ‪.‬‬
‫القول في تأويل قوله تعالى‪ُ :‬ثمّ اّلذِي َ‬
‫يقول تعالى ذكره معجّبا خلقه المؤمنين من كفرة عباده ومحتجّا على الكافرين‪ :‬إن الله الذي‬
‫يجـب عليكـم أي ها الناس حمده هو الذي خلق ال سموات والرض‪ ,‬الذي ج عل منهمـا معايشكـم‬
‫وأقواتكـم وأقوات أنعامكـم التـي بهـا حياتكـم‪ ,‬فمـن السـموات ينزل عليكـم الغيـث وفيهـا تجري‬
‫الشمس والقمر باعتقاب واختلف لمصالحكم ومنافعكم بها‪ .‬والذين يجحدون نعمة ال عليهم بما‬
‫أن عم ال علي هم ب ما أن عم به علي هم من خلق ذلك ل هم ول كم أي ها الناس برب هم الذي ف عل ذلك‬
‫وأحدا ثه َي ْعدِلُو نَ‪ :‬يجعلون له شري كا في عبادت هم إياه‪ ,‬فيعبدون م عه الَل هة والنداد وال صنام‬
‫والوثان‪ ,‬ول يس من ها ش يء شر كه في خلق ش يء من ذلك ول في إنعا مه علي هم ب ما أن عم به‬
‫عليهم‪ ,‬بل هو المنفرد بذلك كله‪ ,‬وهم يشركون في عبادتهم إياه غيره‪ .‬فسبحان ال ما أبلغها من‬
‫حجة وأوجزها من عظة‪ ,‬لمن فكّر فيها بعقل وتدبرها بفهم ولقد قيل إنها فاتحة التوراة‪.‬‬
‫‪ 10238‬ـ حدث نا سفيان بن وك يع‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا ع بد العز يز بن ع بد ال صمد العمّي‪ ,‬عن أ بي‬
‫ح ْمدُ لّل هِ‬
‫عمران الجونّي‪ ,‬عن عبد ال بن رباح‪ ,‬عن كعب‪ ,‬قال‪ :‬فاتحة التوراة فاتحة النعام‪ :‬ال َ‬
‫ن كَ َفرُوا ِب َر ّب ِهمْ َي ْعدِلُونَ‪.‬‬
‫جعَلَ الظّلُماتِ والنّورَ ُثمّ اّلذِي َ‬
‫سمَوَاتِ والرْضَ و َ‬
‫اّلذِي خََلقَ ال ّ‬
‫‪ 10239‬ـ حدثنا ابن وكيع‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا زيد بن حباب‪ ,‬عن جعفر بن سليمان‪ ,‬عن أبي عمران‬
‫الجونّي‪ ,‬عن عبد ال ابن رباح‪ ,‬عن كعب‪ ,‬مثله‪ .‬وزاد فيه‪ :‬وخاتمة التوراة خاتمة هود‪.‬‬
‫يقال من م ساواة الش يء بالش يء‪ :‬عدلت هذا بهذا‪ ,‬إذا ساويته به عدلً‪ .‬وأ ما في الح كم إذا‬
‫عدَلْت فيه أعدل عدلً‪.‬‬
‫أنصفت فيه‪ ,‬فإنك تقول‪َ :‬‬
‫وينحو الذي قلنا في تأويل قوله‪َ :‬يعْدِلُونَ قال أهل التأويل‪.‬‬
‫ذكر من قال ذلك‪:‬‬
‫‪ 10240‬ـ حدث ني مح مد بن عمرو‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا أ بو عا صم‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا عي سى‪ ,‬عن ا بن أ بي‬
‫ن قال‪ :‬يشركون‪.‬‬
‫نجيح‪ ,‬عن مجاهد‪َ :‬ي ْعدِلُو َ‬
‫عنِي به أهل الكتاب‪.‬‬
‫عنِي بذلك‪ ,‬فقال بعضهم‪ُ :‬‬
‫ثم اختلف أهل التأويل فيمن ُ‬
‫ذكر من قال ذلك‪:‬‬
‫‪ 10241‬ـ حدث نا ا بن حم يد‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا يعقوب الق مى‪ ,‬عن جع فر بن أ بي المغيرة‪ ,‬عن ا بن‬
‫السـمَوَاتِ‬
‫َقـ ّ‬‫ّهـ اّلذِي خَل َ‬
‫ح ْمدُ لل ِ‬
‫أبزى‪ ,‬قال‪ :‬جاءه رجـل مـن الخوارج يقرأ عليـه هذه الَيـة‪ :‬ال َ‬
‫ل الظُّلمَات ِـ والنّورِ ثُمّـ اّلذِين َـ كَ َفرُوا ِبرَ ّبهِم ْـ َيعْدِلُون َـ قال له‪ :‬أليـس الذيـن كفروا‬
‫جعَ َ‬
‫والرْض َـ و َ‬
‫برب هم يعدلون؟ قال‪ :‬بلى‪ .‬قال‪ :‬وان صرف ع نه الر جل‪ ,‬فقال له ر جل من القوم‪ :‬يا ا بن أبزى‪,‬‬
‫إن هذا قد أراد تف سير هذه غ ير هذا‪ ,‬إ نه ر جل من الخوارج فقال‪ :‬ردّوه عل يّ فل ما جاءه قال‪:‬‬
‫هل تدري في من نزلت هذه الَ ية؟ قال‪ :‬ل‪ .‬قال إن ها نزلت في أ هل الكتاب‪ ,‬اذ هب ول تضع ها‬
‫على غير حدّها‪.‬‬
‫وقال آخرون‪ :‬بل عُنى بها المشركون من عبدة الوثان‪.‬‬
‫ذكر من قال ذلك‪:‬‬
‫‪ 10242‬ـ حدث نا ب شر بن معاذ‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا يز يد بن زر يع‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا سعيد‪ ,‬عن قتادة‪ :‬ثُ مّ‬
‫اّلذِينَ كَ َفرُوا ِب َر ّبهِمْ َي ْعدِلُونَ قال‪ :‬هؤلء أهل صراحة‪.‬‬
‫‪10243‬ـ حدثنا محمد بن الحسين‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا أحمد بن مفضل‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا أسباط‪ ,‬عن السدي‪:‬‬
‫ُثمّ اّلذِينَ كَ َفرُوا ِب َر ّبهِمْ َي ْعدِلُونَ قال‪ :‬هم المشركون‪.‬‬
‫ن كَ َفرُوا‬
‫‪ 10244‬ـ حدثني يونس‪ ,‬قال‪ :‬أخبرنا ابن وهب‪ ,‬قال‪ :‬قال ابن زيد‪ ,‬في قوله‪ :‬ثُ مّ اّلذِي َ‬
‫عدْل ول ندّ‪ ,‬ول يس م عه‬
‫ن قال‪ :‬الَل هة ال تي عبدو ها عدلو ها بال قال‪ :‬ول يس بال ِ‬
‫ِبرَ ّبهِ مْ َي ْعدِلُو َ‬
‫آلهة‪ ,‬ول اتخذ صاحبة ول ولدا‪.‬‬
‫وأولى القوال في ذلك بال صواب عندي أن يقال‪ :‬إن ال تعالى أ خبر أن الذ ين كفروا برب هم‬
‫يعدلون‪ ,‬فع مّ بذلك جم يع الكفار‪ ,‬ولم يخ صص من هم بع ضا دون ب عض‪ ,‬فجميع هم داخلون في‬
‫ذلك‪ :‬يهودهـم‪ ,‬ونصـاراهم‪ ,‬ومجوسـهم‪ ,‬وعبدة الوثان منهـم ومـن غيرهـم مـن سـائر أصـناف‬
‫الكفر‪.‬‬

‫‪2‬‬ ‫الية ‪:‬‬


‫ضىَ َأجَلً وََأجَلٌ مّسمّى عِندَ ُه ثُمّ‬
‫ن ثُ ّم قَ َ‬
‫{هُ َو اّلذِي خَلَ َقكُمْ مّن طِي ٍ‬ ‫القول في تأويل قوله تعالى‪:‬‬
‫أَن ُتمْ َت ْمتَرُونَ }‪..‬‬
‫ِينـ أن ال الذي خلق السـموات والرض‪,‬‬
‫ِنـ ط ٍ‬
‫ُمـ م ْ‬
‫يعنـي تعالى ذكره بقوله‪ُ :‬هوَ اّلذِي خَلَ َقك ْ‬
‫وأظلم ليلهما وأنار نهارهم‪ ,‬فكفر به مع إنعامه عليهم الكافرون‪ ,‬وعدلوا به من ل ينفعهم ول‬
‫يضرّ هم‪ .‬هو الذي خلق كم أي ها الناس من ط ين وإن ما يع ني بذلك تعالى ذكره أن الناس وََلدُ مَن‬
‫خَلَقه من طين‪ ,‬فأخرج ذلك مخرج الخطاب لهم‪ ,‬إذ كانوا وََلدَه‪.‬‬
‫وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل‪.‬‬
‫ذكر من قال ذلك‪:‬‬
‫‪ 10245‬ـ حدثنا بشر بن معاذ‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا يزيد‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا سعيد‪ ,‬عن قتادة‪ ,‬قوله‪ُ :‬هوَ اّلذِي‬
‫ن طِينٍ بدء الخلق خلق ال آدم من طين‪.‬‬
‫خَلَ َق ُكمْ مِ ْ‬
‫‪ 10246‬ـ حدث ني المث نى‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا أ بو حذي فة‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا ش بل‪ ,‬عن ا بن أ بي نج يح‪ ,‬عن‬
‫ن طِينٍ قال‪ :‬هو آدم‪.‬‬
‫مجاهد‪ :‬هُ َو اّلذِي خَلَ َق ُكمْ مِ ْ‬
‫‪ 10247‬ـ حدث ني مح مد بن الح سين‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا أح مد بن مف ضل‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا أ سباط‪ ,‬عن‬
‫السديّ‪ :‬أما خَلَقكم من طين‪ :‬فآدم‪.‬‬
‫‪ 10248‬ـ حدثنا القاسم‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا الحسين‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا أبو تميلة‪ ,‬عن عبيد بن سليمان‪ ,‬عن‬
‫الضحاك بن مزاحم‪ ,‬قال‪ :‬خلق آدم من طين‪ ,‬وخلق الناس من سللة من ماء مهين‪.‬‬
‫‪ 10249‬ـ حدثني يونس‪ ,‬قال‪ :‬أخبرنا ابن وهب‪ ,‬قال‪ :‬قال ابن زيد في قوله‪ :‬خَلَ َقكُ مْ مِ نْ طِي نٍ‬
‫قال‪ :‬خلق آدم من طين‪ ,‬ثم خلقنا من آدم حين أخذنا من ظهره‪.‬‬
‫ع ْندَهُ‪.‬‬
‫ل ُمسَمّى ِ‬
‫القول في تأويل قوله تعالى‪ُ :‬ثمّ قَضَى أجَلً وأجَ ٌ‬
‫اختلف أهل التأويل في تأويل ذلك‪ ,‬فقال بعضهم‪ :‬معنى قوله‪ :‬ثُ مّ قَضَى أجَلً‪ :‬ثم قضى لكم‬
‫َهـ وذلك مـا بيـن أن‬
‫ع ْند ُ‬
‫ُسـمّى ِ‬
‫لم َ‬‫أيهـا الناس أجلً‪ ,‬وذلك مـا بيـن أن يُخلق إلى أن يموت وأجَ ٌ‬
‫يموت إلى أن يبعث‪ .‬ذكر من قال ذلك‪:‬‬
‫‪ 10250‬ـ حدثنا ابن وكيع‪ ,‬وهناد بن السريّ‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا وكيع‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا أبي‪ ,‬عن أبي بكر‬
‫سمّى‬
‫ل مُ َ‬
‫الهذل يّ‪ ,‬عن الح سن‪ ,‬في قوله‪ :‬قَضَى أجَلً قال‪ :‬ما ب ين أن يخلق إلى أن يموت‪ .‬وأجَ ٌ‬
‫ع ْندَ ُه قال‪ :‬ما بين أن يموت إلى أن يبعث‪.‬‬
‫ِ‬
‫‪ 10251‬ـ حدثنا بشر بن معاذ‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا يزيد بن زريع‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا سعيد‪ ,‬عن قتادة‪ ,‬قوله‪:‬‬
‫ل حيا تك إلى أن تموت وأجَل مو تك إلى أن‬
‫ع ْندَ هُ كان يقول‪ :‬أج َ‬
‫سمّى ِ‬
‫ثُ مّ قَضَى أجَلً وأجَلٌ مُ َ‬
‫تبعث‪ ,‬فأنت بين أجلين من ال تعالى‪.‬‬
‫‪ 10252‬ـ حدثنا القاسم‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا الحسين‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا أبو تميلة‪ ,‬عن عبيد بن سليمان‪ ,‬عن‬
‫ع ْندَ هُ قال‪ :‬قضى أجل الموت‪ ,‬وكلّ نفس أجلها‬
‫ل مُ سَمّى ِ‬
‫الضحاك بن مزاحم‪ :‬قَضَى أجَلً وأجَ ٌ‬
‫ع ْندَ هُ يعني‪ :‬أجل الساعة ذهاب‬
‫سمّى ِ‬
‫ل مُ َ‬
‫خرَ اللّ هُ نَفْسا إذَا جَا َء أجَلُها‪ .‬وأجَ ٌ‬
‫الموت‪ .‬قال‪ :‬وَلَ نْ ُي َؤ ّ‬
‫الدنيا والفضاء إلى ال‪.‬‬
‫وقال آخرون‪ :‬بل معنى ذلك‪ :‬ثم قضى الدنيا وعنده الَخرة‪ .‬ذكر من قال ذلك‪:‬‬
‫‪ 10253‬ـ حدثنا ابن وكيع‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا يحيى بن آدم‪ ,‬عن سفيان‪ ,‬عن أبي حصين‪ ,‬عن سعيد‬
‫ع ْندَ ُه الَخرة‪.‬‬
‫سمّى ِ‬
‫بن جبير‪ ,‬عن ابن عباس قوله‪ :‬أجَلً قال‪ :‬الدنيا‪ .‬وأجَلٌ ُم َ‬
‫‪ 10254‬ـ حدثنا ابن وكيع‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا أبو عاصم‪ ,‬عن زكريا بن إسحاق‪ ,‬عن ابن أبي نجيح‪,‬‬
‫سمّى الدنيا‪.‬‬
‫ل ُم َ‬
‫عن مجاهد‪َ :‬قضَى أجَلً قال‪ :‬الَخرة عنده‪ .‬وأجَ ٌ‬
‫حدثنا محمد بن عمرو‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا أبو عاصم‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا عيسى‪ ,‬عن ابن أبي نجيح‪ ,‬عن‬
‫سمّى قال‪ :‬الدنيا‪.‬‬
‫مجاهد‪ :‬أجَلً قال‪ :‬الَخرة عنده‪ .‬وأجَلٌ ُم َ‬
‫حدثنا محمد بن عمرو‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا أبو عاصم‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا عيسى‪ ,‬عن ابن أبي نجيح‪ ,‬عن‬
‫سمّى قال‪ :‬الدنيا‪.‬‬
‫مجاهد‪ :‬أجَلً قال‪ :‬الَخرة عنده‪ .‬وأجَلٌ ُم َ‬
‫‪ 10255‬ـ حدث نا مح مد بن ع بد العلى‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا مح مد بن ثور‪ ,‬عن مع مر‪ ,‬عن قتادة‬
‫ع ْندَ هُ قال‪ :‬ق ضى أ جل الدن يا من ح ين خل قك إلى أن‬
‫سمّى ِ‬
‫ل مُ َ‬
‫والح سن‪ :‬ثُ مّ قَضَى أجَلً وأجَ ٌ‬
‫ع ْندَ ُه يوم القيامة‪.‬‬
‫سمّى ِ‬
‫ل ُم َ‬
‫تموت‪ .‬وأجَ ٌ‬
‫‪ 10256‬ـ حدث نا هناد‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا وك يع‪ ,‬عن إ سرائيل‪ ,‬عن جابر‪ ,‬عن مجا هد وعكر مة‪ :‬ثُ مّ‬
‫ع ْندَ ُه قال‪ :‬هو أجل البعث‪.‬‬
‫سمّى ِ‬
‫ع ْندَ ُه قال‪ :‬قضى أجل الدنيا‪ .‬وأجَلٌ ُم َ‬
‫سمّى ِ‬
‫قَضَى أجَلً وأجَلٌ ُم َ‬
‫‪ 10257‬ـ حدثنا ابن وكيع‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا أبي‪ ,‬عن إسرائيل‪ ,‬عن جابر‪ ,‬عن مجاهد وعكرمة‪ :‬ثُ مّ‬
‫ع ْندَ ُه الَخرة‪.‬‬
‫سمّى ِ‬
‫قَضَى أجَلً قال‪ :‬الموت‪ .‬وأجَلٌ ُم َ‬
‫حدثنا الحسن بن يحيى‪ ,‬قال‪ :‬أخبرنا عبد الرزاق‪ ,‬قال‪ :‬أخبرنا معمر‪ ,‬عن قتادة والحسن‪ ,‬في‬
‫ع ْندَ هُ قال‪ :‬ق ضى أ جل الدن يا م نذ يوم خل قت إلى أن تموت‪,‬‬
‫سمّى ِ‬
‫ل مُ َ‬
‫قوله‪ :‬ثُ مّ قَضَى أجَلً وأجَ ٌ‬
‫وأجل مسمى عنده يوم القيامة‪.‬‬
‫حدثنا ابن وكيع وابن حميد‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا جرير‪ ,‬عن منصور‪ ,‬عن مجاهد‪ :‬قَضَى أجَلً قال‪:‬‬
‫ع ْندَ ُه قال‪ :‬البعث‪.‬‬
‫سمّى ِ‬
‫أجل الدنيا‪ .‬وأجَلٌ ُم َ‬
‫حدث ني المث نى‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا ع بد ال بن صالح‪ ,‬قال‪ :‬ث ني معاو ية بن صالح‪ ,‬عن عل يّ بن‬
‫ع ْندَ ُه يعني‪ :‬أجل الموت‪ .‬والجل المسمى‪:‬‬
‫سمّى ِ‬
‫طلحة‪ ,‬عن ابن عباس‪ :‬ثُ ّم قَضَى أجَلً وأجَلٌ مُ َ‬
‫أجل الساعة‪ ,‬الوقوف عند ال‪.‬‬
‫‪ 10258‬ـ حدث نا مح مد بن الح سين‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا أح مد بن المف ضل‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا أ سباط‪ ,‬عن‬
‫ع ْندَهُ يوم القيامة‪.‬‬
‫سمّى ِ‬
‫ل ُم َ‬
‫السديّ َقضَى أجَلً قال‪ :‬أما قضى أجلً‪ :‬فأجل الموت‪ .‬وأجَ ٌ‬
‫وقال آخرون في ذلك بما‪:‬‬
‫‪ 10259‬ـ حدثني به محمد بن سعد‪ ,‬قال‪ :‬ثني أبي‪ ,‬قال‪ :‬ثني عمي‪ ,‬قال‪ :‬ثني أبي‪ ,‬عن أبيه‪,‬‬
‫ع ْن َد ُه قال‪ :‬أ ما قوله‪ :‬قَضَي أجَلً ف هو‬
‫سمّى ِ‬
‫ل مُ َ‬
‫عن ا بن عباس‪ ,‬في قوله‪ :‬ثُ مّ قَضَي أجَلً وأجَ ٌ‬
‫ع ْن َد هُ‪ :‬هو أجل موت‬
‫سمّى ِ‬
‫ل مُ َ‬
‫النوم تقبض فيه الروح ثم ترجع إلى صاحبها حين اليقظة‪ .‬وأجَ ٌ‬
‫النسان‪.‬‬
‫وقال آخرون بما‪:‬‬
‫ن ثُ مّ‬
‫ن طِي ٍ‬
‫‪ 10260‬ـ حدث ني به يو نس‪ ,‬قال‪ :‬أخبر نا ا بن و هب‪ ,‬في قوله‪ :‬هُ َو اّلذِي خَلَ َقكُ مْ ِم ْ‬
‫ن قال‪ :‬خلق آدم من طين‪ ,‬ثم خلقنا من آدم‪ ,‬أخذنا‬
‫ع ْندَ ُه ثُ مّ أ ْنتُ مْ َت ْم َترُو َ‬
‫سمّى ِ‬
‫قَضَى أجَلً وأجَلٌ مُ َ‬
‫من ظهره‪ ,‬ثم أخذ الجل والميثاق في أجل واحد مسمى في هذه الحياة الدنيا‪.‬‬
‫وأولى القوال في ذلك عندي بالصواب قول من قال‪ :‬معناه‪ :‬ثم قضى أجل هذه الحياة الدنيا‪,‬‬
‫ع ْهدَهُ وهو أجل البعث عنده‪.‬‬
‫سمّى ّ‬
‫ل ُم َ‬
‫وَأجَ ٌ‬
‫وإن ما ق يل ذلك أولى بال صواب‪ ,‬ل نه تعالى ن به خل قه على مو ضع حج ته علي هم من أنف سهم‪,‬‬
‫فقال لهم‪ :‬أيها الناس‪ ,‬إن الذي يعدل به كفاركم الَلهة والنداد هو الذي خلقكم فابتدأكم وأنشأكم‬
‫من طين‪ ,‬فجعلكم صورا أجساما أحياء بعد إذ كنتم طينا جمادا‪ ,‬ثم قضى آجال حياتكم لفنائكم‬
‫ع ْندَ ُه لعادتكم‬
‫سمّى ِ‬
‫ومماتكم‪ ,‬ليعيدكم ترابا وطينا كالذي كنتم قبل أن ينشأكم ويخلقكم‪ .‬وَأجَلٌ مُ َ‬
‫ن باللّ هِ و ُك ْنتُ مْ أمْوات‬
‫أحياء وأج ساما كالذي كن تم ق بل ممات كم‪ .‬وذلك نظ ير قوله‪َ :‬كيْ فَ َتكْ ُفرُو َ‬
‫جعُونَ‪.‬‬
‫حيِي ُكمْ ُثمّ إَليْ ِه ُترْ َ‬
‫حيَا ُكمْ ُثمّ ُي ِم ْيتُ ُكمْ ُثمّ ُي ُ‬
‫فأ ْ‬
‫القول في تأويل قوله تعالى‪ُ :‬ثمّ أ ْن ُتمْ َت ْمتُرُونَ‪.‬‬
‫يقول تعالى ذكره‪ :‬ثـم أنتـم تشكون فـي قدرة مـن قدر على خلق السـموات والرض‪ ,‬وإظلم‬
‫الليل وإنارة النهار‪ ,‬وخلقكم من طين حتى صيركم بالهيئة التي أنتم بها على إنشائه إياكم من‬
‫بعد مماتكم وفنائكم‪ ,‬وإيجاده إياكم بعد عدمكم‪ .‬والمرية في كلم العرب هي الش كّ‪ ,‬وقد بينت‬
‫ذلك بشواهده في غير هذا الموضع فيما مضى قبل بما أغنى عن إعادته‪ .‬وقد‪:‬‬
‫‪ 10261‬ـ حدث ني يو نس‪ ,‬قال‪ :‬أخبر نا ا بن و هب‪ ,‬قال‪ :‬قال ا بن ز يد‪ :‬ثُ مّ أ ْنتُ مْ َت ْمتَرُو نَ قال‪:‬‬
‫الشكّ‪ .‬قال‪ :‬وقرأ قول ال‪ :‬فِي ِمرْيَ ٍة منْ ُه قال‪ :‬في شكّ منه‪.‬‬
‫‪ 10262‬ـ حدث ني مح مد بن الح سين‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا أح مد بن المف ضل‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا أ سباط‪ ,‬عن‬
‫السديّ‪ُ :‬ثمّ أ ْن ُتمْ َت ْمتَرُونَ بمثله‪.‬‬

‫‪3‬‬ ‫الية ‪:‬‬


‫القول في تأويل قوله تعالى‪:‬‬
‫سبُونَ }‪..‬‬
‫ج ْه َركُمْ َو َيعَْلمُ مَا َت ْك ِ‬
‫س ّر ُكمْ َو َ‬
‫سمَاوَاتِ َوفِي الرْضِ َيعَْلمُ ِ‬
‫{وَ ُه َو اللّ ُه فِي ال ّ‬
‫يقول تعالى ذكره‪ :‬إن الذي له اللو هة ال تي ل تنب غي لغيره الم ستحق علي كم إخلص الح مد‬
‫له بآلئه عندكم أيها الناس الذي يعدل به كفاركم من سواه‪ ,‬هو ال الذي هو في السموات وفي‬
‫ج ْه َركُ مْ فل يخفى عليه شيء‪ ,‬يقول‪ :‬فربكم الذي يستحقّ عليكم الحمد‬
‫س ّر ُكمْ و َ‬
‫الرض‪ ,‬و َيعْلَ مُ ِ‬
‫وي جب علي كم إخلص العبادة له‪ ,‬هو هذا الذي صفته‪ ,‬ل من يقدر ل كم على ضرّ ول ن فع ول‬
‫يعمل شيئا ول يدفع عن نفسه سواء أريد بها‪.‬‬
‫ْسـبُونَ يقول‪ :‬ويعلم مـا تعملون وتجرحون‪ ,‬فيحصـي ذلك عليكـم‬
‫َمـ مـا َتك َ‬
‫وأمـا قوله‪َ :‬و َيعْل ُ‬
‫ليجازيكم به عند معادكم إليه‪.‬‬

‫‪4‬‬ ‫الية ‪:‬‬


‫عنْهَـا‬
‫ـ ِإلّ كَانُواْ َ‬
‫ـ َر ّبهِم ْ‬
‫ـ آيَات ِ‬
‫ـ آيَ ٍة مّن ْ‬
‫{وَمَـا َت ْأتِيهِـم مّن ْ‬ ‫القول فـي تأويـل قوله تعالى‪:‬‬
‫ُمعْ ِرضِينَ }‪..‬‬
‫ن آيا تِ‬
‫يقول تعالى ذكره‪ :‬وما تأتي هؤلء الكفار الذين بربهم يعدلون أوثانهم وآلهتهم آيةٍ مِ ْ‬
‫َربّهِ مْ يقول‪ :‬ح جة وعل مة ودللة من ح جج رب هم ودلل ته وأعل مه على وحداني ته وحقي قة‬
‫عنْ ها ُم ْع ِرضِي نَ يقول‪ :‬إل أعرضوا‬
‫نبوّ تك يا مح مد و صدق ما أتيت هم به من عندي‪ ,‬إلّ كانُوا َ‬
‫عنها‪ ,‬يعني عن الَية‪ ,‬فصدّوا عن قبولها والقرار بما شهدت على حقيقته ودلت على صحته‪,‬‬
‫جهلً منهم بال واغترارا بحلمه عنهم‪.‬‬
‫‪5‬‬ ‫الية ‪:‬‬
‫{فَ َقدْ َك ّذبُو ْا بِا ْلحَ قّ لَمّا جَآءَهُ مْ فَ سَ ْوفَ َي ْأتِيهِ مْ َأ ْنبَا ُء مَا كَانُو ْا بِ هِ‬ ‫القول في تأو يل قوله تعالى‪:‬‬
‫ستَ ْهزِءُونَ }‪..‬‬
‫َي ْ‬
‫ق ل ما جاء هم‪ ,‬وذلك الح قّ هو مح مد‬
‫يقول تعالى ذكره‪ :‬ف قد كذب هؤلء العادلون بال الح ّ‬
‫صلى ال عليه وسلم‪ ,‬كذّبوا به‪ ,‬وجحدوا نبوّته لما جاءهم قال ال لهم متوعدا على تكذيبهم إياه‬
‫وجحود هم نبوّ ته‪ :‬سوف يأ تي المكذب ين بك يا مح مد من قو مك وغير هم أنْباءُ ما كَانُوا بِ هِ‬
‫س َتهْزِءُونَ يقول‪ :‬سوف يأتيهم أخبار استهزائهم بما كانوا به يستهزءون من آياتي وأدلتي التي‬
‫يَ ْ‬
‫آتيتهم‪ .‬ثم وفى لهم بوعيده لما تمادوا في غيهم وع َتوْا على ربهم‪ ,‬فقتلهم يوم بدر بالسيف‪.‬‬

‫‪6‬‬ ‫الية ‪:‬‬


‫ذكر من قال ذلك‪:‬‬
‫سمَآءَ‬
‫ض مَا لَمْ ُن َمكّن ّلكُمْ وََأرْسَ ْلنَا ال ّ‬
‫{أَلَمْ َيرَوْ ْا كَمْ أَهَْل ْكنَا مِن َقبْلِهِم مّن َقرْ نٍ ّم ّكنّاهُمْ فِي الرْ ِ‬
‫ِمـ َقرْنا‬
‫ِمـ وََأ ْنشَأْنَا مِن َب ْعدِه ْ‬
‫ِمـ َفأَهَْل ْكنَاهُم ْـ ِب ُذنُو ِبه ْ‬
‫ح ِته ْ‬
‫جرِي مِن َت ْ‬
‫جعَلْنَا ال ْنهَارَ َت ْ‬
‫عََليْهِم ّمدْرَارا َو َ‬
‫خرِينَ }‪..‬‬
‫آَ‬
‫يقول تعالى ذكره لنبيه محمد صلى ال عليه وسلم‪ :‬ألم ير هؤلء المكذّبون بآياتي الجاحدون‬
‫نبوّ تك‪ ,‬كثرة من أهل كت من قبل هم من القرون‪ ,‬و هم ال مم الذ ين وطأت ل هم البلد والرض‬
‫وطأة لم أوطئها لكم‪ ,‬وأعطيتهم فيها ما لم أعطكم‪ .‬كما‪:‬‬
‫‪10263‬ـ حدثنا الحسن بن يحيى‪ ,‬قال‪ :‬أخبرنا عبد الرزاق‪ ,‬قال‪ :‬أخبرنا معمر‪ ,‬عن قتادة‪ ,‬في‬
‫ن َل ُكمْ يقول‪ :‬أعطيناهم ما لم نعطكم‪.‬‬
‫ض مَا َلمْ ُن َمكّ ْ‬
‫قوله‪َ :‬م ّكنّا ُهمْ فِي الرْ ِ‬
‫قال أبو جعفر‪ :‬أمطرت فأخرجت لهم الشجار ثمارها‪ ,‬وأعطتهم الرض َريْع نباتها‪ ,‬وجابوا‬
‫صـخور جبالهـا‪ ,‬ودرّت عليهـم السـماء بأمطارهـا‪ ,‬وتفجرت مـن تحتهـم عيون المياه بينابيعهـا‬
‫بإذني‪ ,‬فغمطوا نعمة ربهم وعصوا رسول خالقهم وخالفوا أمر بارئهم‪ ,‬وبغوا حتى حُ قّ عليهم‬
‫قولي‪ ,‬فأخذتهم بما اجترحوا من ذنوبهم وعاقبتهم بما اكتسبت أيديهم‪ ,‬وأهلكت بعضهم بالرجفة‬
‫وبعضهم بالصيحة وغير ذلك من أنواع العذاب‪.‬‬
‫ومعنى قوله‪ :‬وأرْ سَ ْلنَا ال سّماءَ عََل ْيهِ مْ مِدرَارا المطر‪ ,‬ويعني بقوله‪« :‬مدرارا»‪ :‬غزيرة دائمة‪.‬‬
‫خرِي نَ يقول وأحدث نا من بعد هم الذ ين أهلكنا هم قر نا آخر ين فابتدأ نا‬
‫ن َب ْعدِهِ مْ َقرْ نا آ َ‬
‫شأْنَا مِ َ‬
‫وأ ْن َ‬
‫سواهم‪.‬‬
‫ن َلكُ مْ ومن المخاطب بذلك؟ فقد‬
‫ض ما لَ مْ ُن َمكّ ْ‬
‫فإن قال قائل‪ :‬فما وجه قوله‪ :‬مَكنّاهُ ْم فَي الرْ ِ‬
‫ن قَرْ نٍ؟ قيل‪ :‬إن‬
‫ن قَبِْلهِ مْ مِ ْ‬
‫ابتدأ الخبر في أوّل الَية عن قوم غيب بقوله‪ :‬ألَ مْ َيرَوْا كَم أهَْل ْكنَا مِ ْ‬
‫ن قَرْ نٍ‬
‫ن َلكُمْ هو المخبر عنهم بقوله‪ :‬ألَمْ َيرَوُا كَ ْم أهَْلكْنا مِ نْ َقبِْلهِمْ مِ ْ‬
‫المخاطب بقوله‪ :‬ما لَمْ ُن َمكّ ْ‬
‫ولكن في الخبر معنى القول‪ ,‬ومعناه‪ :‬قل يا محمد لهؤلء القوم الذين كذّبوا بالح قّ لما جاءهم‪:‬‬
‫ن َلكُ مْ‪ .‬والعرب إذا أخبرت‬
‫ن قَرْ نٍ َم َكنّاهُ مْ في الرْ ضِ ما لَمْ ُن ْمكّ ْ‬
‫ألَ مْ َيرَوْا كَ ْم أهَْلكْنا مِ نْ َقبِْلهِ مْ ِم ْ‬
‫خـبرا عـن غائب وأدخلت فيـه قولً فعلت ذلك فوجهـت الخـبر أحيانـا إلى الخـبر عـن الغائب‪,‬‬
‫وأحيانا إلى الخطاب‪ ,‬فتقول‪ :‬قلت لعبد ال‪ :‬ما أكرمه‪ ,‬وقلت لعبد ال‪ :‬ما أكرمك‪ ,‬وتخبر عنه‬
‫أحيانا على وجه الخبر عن الغائب ثم تعود إلى الخطاب‪ ,‬وتخبر على وجه الخطاب له ثم تعود‬
‫إلى الخبر عن الغائب‪ .‬وذلك في كلمها وأشعارها كثير فاش وقد ذكرنا بعض ذلك فيما مضى‬
‫ب ما أغ نى عن إعاد ته في هذا المو ضع‪ .‬و قد كان ب عض نحوي الب صرة يقول في ذلك‪ :‬كأ نه‬
‫ج َريْ نَ ِبهِ مْ‬
‫أ خبر ال نبي صلى ال عل يه و سلم ثم خاط به مع هم وقال‪ :‬ح تى إذَا ُك ْنتُ مْ فِي الفُلْ كِ َو َ‬
‫ط ّيبَةٍ فجاء بلفظ الغائب وهو يخاطب‪ ,‬لنه المخاطب‪.‬‬
‫ح َ‬
‫ِبرِي ٍ‬

‫‪7‬‬ ‫الية ‪:‬‬


‫ل اّلذِي نَ‬
‫{وََلوْ َنزّ ْلنَا عََليْ كَ ِكتَابا فِي ِق ْرطَا سٍ فََلمَ سُوهُ ِبَأ ْيدِيهِ مْ لَقَا َ‬ ‫القول في تأويل قوله تعالى‪:‬‬
‫حرٌ ّمبِينٌ }‪..‬‬
‫سْ‬‫كَ َفرُواْ ِإنْ هَـذَآ ِإلّ ِ‬
‫وهذا إخبار مـن ال تعالى ذكره نـبيه محمدا صـلى ال عليـه وسـلم عـن هؤلء القوم الذيـن‬
‫يعدلون بربهـم الوثان والَلهـة والصـنام‪ .‬يقول تعالى ذكره‪ :‬وكيـف يتفقّهون الَيات‪ ,‬أم كيـف‬
‫يستدلون على بطلن ما هم عليه مقيمون من الكفر بال وجحود نبوّتك بحجج ال وآياته وأدلته‪,‬‬
‫وهم لعنادهم الح قّ وبعدهم من الرشد‪ ,‬لو أنزلت عليك يا محمد الوحي الذي أنزلته عليك مع‬
‫رسولي في قرطاس يعاينونه ويم سّونه بأيديهم وينظرون إليه ويقرءونه منه معلقا بين السماء‬
‫والرض بحقيقة ما تدعوهم إليه وصحة ما تأتيهم به من توحيدي وتنزيلي‪ ,‬لقال الذين يعدلون‬
‫حرٌ ُمبِين‪ :‬أي ما هذا الذي جئتنا به إل‬
‫سْ‬‫بي غيري فيشركون في توحيدي سواي‪ :‬إ نْ َهذَا إلّ ِ‬
‫ن يقول‪ :‬مبين ل من تدبره وتأمله أ نه‬
‫سحر سحرت به أعين نا‪ ,‬لي ست له حقي قة ول صحة ُمبِي ٌ‬
‫سحر ل حقيقة له‪.‬‬
‫وبنحو الذي قلنا في ذلك قال جماعة من أهل التأويل‪ .‬ذكر من قال ذلك‪:‬‬
‫‪10264‬ـ حدثني محمد بن عمرو‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا أبو عاصم‪ ,‬قال‪ :‬ثني عيسى‪ ,‬عن ابن أبي نجيح‪,‬‬
‫عن مجا هد في قول ال تعالى‪ :‬كِتا با في قِرْطا سٍ فََلمَ سُوهُ بأ ْيدِيهِ مْ قال‪ :‬فم سوه ونظروا إل يه لم‬
‫يصدّقوا به‪.‬‬
‫‪ 10265‬ـ حدثنا بشر بن معاذ‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا يزيد‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا سعيد‪ ,‬عن قتادة‪ ,‬قوله‪ :‬وََلوْ َنزّلْنا‬
‫عََليْ كَ كِتا با في قِرْطا سٍ فََلمَ سُو ُه بأيدِيهِ مْ يقول‪ :‬فعاينوه معاي نة لقال الذ ين كفروا‪ :‬إ نْ َهذَا إلّ‬
‫سحْرٌ ُمبِينٌ‪.‬‬
‫ِ‬
‫‪ 10266‬ـ حدثني محمد بن سعد‪ ,‬قال‪ :‬ثني أبي‪ ,‬قال‪ :‬ثني عمي‪ ,‬قال‪ :‬ثني أبي‪ ,‬عن أبيه‪ ,‬عن‬
‫ك كِتابا فِي ِقرْطا سٍ فََلمَ سُو ُه بأيْدِيهِ مْ يقول‪ :‬لو نزلنا من السماء‬
‫ابن عباس‪ ,‬قوله‪ :‬وََلوْ َنزّ ْلنَا عََليْ َ‬
‫صحفا فيها كتاب فلمسوه بأيديهم‪ ,‬لزادهم ذلك تكذيبا‪.‬‬
‫‪ 10267‬ـ حدث ني مح مد بن الح سين‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا أح مد بن المف ضل‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا أ سباط‪ ,‬عن‬
‫ك كِتابا في ِقرْطاسٍ‪ :‬الصحف‪.‬‬
‫السديّ‪ :‬وََلوْ َنزّلْنا عََل ْي َ‬
‫حدثنا الحسن بن يحيى‪ ,‬قال‪ :‬أخبرنا عبد الرزّاق‪ ,‬قال‪ :‬أخبرنا معمر‪ ,‬عن قتادة‪ ,‬في قوله‪:‬‬
‫حرٌ ُمبِينٌ‪.‬‬
‫سْ‬‫ن َهذَا إلّ ِ‬
‫في ِقرْطاسٍ يقول‪ :‬في صحيفة‪ ,‬فََل َمسُو ُه بأيْدي ِهمْ لقال الذين كفروا‪ :‬إ ْ‬

‫‪8‬‬ ‫الية ‪:‬‬


‫القول في تأويل قوله تعالى‪:‬‬
‫ضيَ ال ْمرُ ُثمّ لَ يُنظَرُونَ }‪..‬‬
‫{ َوقَالُو ْا لَوْل أُنزِلَ عََل ْيهِ مََلكٌ وَلَ ْو أَنزَ ْلنَا مَلَكا لّ ُق ِ‬
‫يقول تعالى ذكره‪ :‬قال هؤلء المكذّبون بآيا تي العادلون بي النداد والَل هة‪ :‬يا مح مد لك لو‬
‫دعوتهم إلى توحيدي والقرار بربوبيتي‪ ,‬وإذا أتيتهم من الَيات والعبر بما أتيتهم به واحتججت‬
‫عليهم بما احتججت عليهم مما قطعت به عذرهم‪ :‬هلّ نزل عليك ملك من السماء في صورته‬
‫ي صدقّك على ما جئ نا به‪ ,‬ويش هد لك بحقي قة ما تدّ عي من أن ال أر سلك إلي نا ك ما قال تعالى‬
‫م خبرا عن المشرك ين في قيل هم ل نبيّ ال صلى ال عل يه و سلم‪ :‬وقَالُوا ما ِل َهذَا الرّ سُولِ َي ْأكُلُ‬
‫ن َمعَ ُه َنذِيرا وَلَ ْو أ ْنزَ ْلنَا مَلَكا لَ ُقضِ يَ ال ْمرُ‬
‫الطّعا مِ و َي ْمشِي فِي ال سْوَاقِ َلوْل ُأ ْنزِلَ إَل ْي ِه مَلَ كٌ َف َيكُو َ‬
‫طرُونَ يقول‪ :‬ولو أنزلنا مَلَكا على ما سألوا ثم كفروا ولم يؤمنوا بي وبرسولي‪ ,‬لجاءهم‬
‫ثُمّ ل َي ْن ُ‬
‫العذاب عاجلً غ ير آ جل‪ ,‬ولم ينظروا فيؤخروا بالعقو بة مراج عة التو بة‪ ,‬ك ما فعلت ب من قبل هم‬
‫من المم التي سألت الَيات ثم كفرت بعد مجيئها من تعجيل النقمة وترك النظار‪ .‬كما‪:‬‬
‫‪ 10268‬ـ حدث ني مح مد بن الح سين‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا أح مد بن مف ضل‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا أ سباط‪ ,‬عن‬
‫طرُونَ يقول‪ :‬لجاءهم العذاب‪.‬‬
‫ضيَ ال ْمرُ ُثمّ ل َي ْن ُ‬
‫السديّ‪ :‬وََلوْ أ ْنزَ ْلنَا مَلَكا لَ ُق ِ‬
‫‪ 10269‬ـ حدث نا ب شر‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا يز يد‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا سعيد‪ ,‬عن قتادة‪ :‬وََلوْ أ ْنزَلْنَا مَلَ كا لَ ُقضِ يَ‬
‫المْ ُر ُثمّ ل َي ْنطُرُونَ يقول‪ :‬ولو أنهم أنزلنا إليهم ملكا ثم لم يؤمنوا لم ينظروا‪.‬‬
‫‪ 10270‬ـ حدث ني مح مد بن عمرو‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا أ بو عا صم‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا عي سى‪ ,‬عن ا بن أ بي‬
‫نجيح‪ ,‬عن مجاهد‪ ,‬في قول ال تعالى‪َ :‬لوْل ُأ ْنزِلَ عََليْ ِه مَلَكٌ في صورته‪ ,‬وَلَ ْو أ ْنزَلْنَا مَلَكا َل ُقضِيَ‬
‫المْ ُر لقامت الساعة‪.‬‬
‫‪ 10271‬ـ حدثنا ابن وكيع‪ ,‬عن أبيه‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا أبو أسامة‪ ,‬عن سفيان‪ ,‬عن سفيان الثوري‪,‬‬
‫ضيَ ال ْمرُ قال‪ :‬لقامت الساعة‪.‬‬
‫عن عكرمة‪ :‬ل ُق ِ‬
‫حدثنا الحسن بن يحيى‪ ,‬قال‪ :‬أخبرنا عبد الرزاق‪ ,‬قال‪ :‬أخبرنا معمر‪ ,‬عن قتادة‪ :‬وَلَ ْو أ ْنزَ ْلنَا‬
‫ضيَ ال ْمرُ قال‪ :‬يقول‪ :‬لو أنزل ال مَلَكا ثم لم يؤمنوا‪ ,‬لعجل لهم العذاب‪.‬‬
‫مَلَكا لَ ُق ِ‬
‫وقال آخرون في ذلك بما‪.‬‬
‫‪10272‬ـ حدثنا أبو كريب‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا عثمان بن سعيد‪ ,‬قال‪ :‬أخبرنا بشر‪ ,‬عن عمار‪ ,‬عن أبي‬
‫طرُونَ قال‪ :‬لو‬
‫روق‪ ,‬عن الضحاك‪ ,‬عن ابن عباس‪ ,‬قوله‪ :‬وََلوْ أ ْنزَ ْلنَا مَلَكا لَ ُقضِيَ المْرُ ثُمّ ل َي ْن ُ‬
‫أتاهم ملك في صورته لماتوا‪ ,‬ثم لم يؤخروا طرفة عين‪.‬‬

‫‪9‬‬ ‫الية ‪:‬‬


‫القول في تأويل قوله تعالى‪:‬‬
‫ن }‪..‬‬
‫سنَا عََل ْيهِم مّا يَ ْل ِبسُو َ‬
‫جعَ ْلنَاهُ َرجُلً وَلََل َب ْ‬
‫جعَ ْلنَا ُه مَلَكا ّل َ‬
‫{وََل ْو َ‬
‫يقول تعالى ذكره‪ :‬ولو جعلنا رسولنا إلى هؤلء العادلين بي‪ ,‬القائلين‪ :‬لول أنزل على محمد‬
‫ملك بتصـديقه ملكـا ينزل عليهـم مـن السـماء‪ ,‬ويشهـد بتصـديق محمـد صـلى ال عليـه وسـلم‬
‫جعَ ْلنَا هُ َرجُلً يقول‪ :‬لجعلناه في صورة رجل من البشر‪ ,‬لنهم ل يقدرون أن‬
‫ويأمرهم باتباعه‪َ ,‬ل َ‬
‫يروا الملك في صورته‪ .‬يقول‪ :‬وإذا كان ذلك كذلك‪ ,‬فسواء أنزلت عليهم بذلك ملكا أو بشرا‪ ,‬إذ‬
‫ك نت إذا أنزلت علي هم مَلَ كا إن ما أنزله ب صورة إن سيّ‪ ,‬وحج جي في كل تا الحالت ين علي هم ثاب ته‬
‫بأنك صادق وأن ما جئتهم به حقّ‪.‬‬
‫وبنحو الذي قلنا في ذلك قال بعض أهل التأويل‪ .‬ذكر من قال ذلك‪:‬‬
‫‪ 10273‬ـ حدثنا أبو كريب‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا عثمان بن سعيد‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا بشر بن عمار‪ ,‬عن أبي‬
‫جعَلْناه َرجُلً يقول‪ :‬مـا أتا هم إل فـي‬
‫جعَ ْلنَا هُ مَلَ كا َل َ‬
‫روق‪ ,‬عن الضحاك‪ ,‬عن ا بن عباس‪ :‬وَلوْ َ‬
‫صورة رجل‪ ,‬لنهم ل يستطيعون النظر إلى الملئكة‪.‬‬
‫‪ 10274‬ـ حدث ني مح مد بن عمرو‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا أ بو عا صم‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا عي سى‪ ,‬عن ا بن أ بي‬
‫جعَلْناه َرجُلً في صورة رجل في خلق رجل‪.‬‬
‫جعَ ْلنَا ُه مَلَكا َل َ‬
‫نجيح‪ ,‬عن مجاهد‪ :‬وَلوْ َ‬
‫‪ 10275‬ـ حدث نا ب شر‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا يز يد بن زر يع‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا سعيد‪ ,‬عن قتادة‪ ,‬قوله‪ :‬وَلوْ‬
‫جعَلْناه َرجُلً يقول‪ :‬لو بعثنا إليهم ملكا لجعلناه في صورة آدمي‪.‬‬
‫جعَ ْلنَاهُ مَلَكا َل َ‬
‫َ‬
‫جعَ ْلنَا هُ‬
‫حدثني محمد بن عبد العلى‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا محمد بن ثور‪ ,‬عن معمر‪ ,‬عن قتادة‪ :‬وَلوْ َ‬
‫جعَلْناه َرجُلً يقول‪ :‬في صورة آدميّ‪.‬‬
‫مَلَكا َل َ‬
‫حدثنا الحسن بن يحيى‪ ,‬قال‪ :‬أخبرنا عبد الرزاق‪ ,‬حدثنا قال‪ :‬أخبرنا معمر‪ ,‬عن قتادة‪ ,‬مثله‪.‬‬
‫جعَ ْلنَا هُ مَلَكا‬
‫‪ 10276‬ـ حدثني يونس‪ ,‬قال‪ :‬أخبرنا ابن وهب‪ ,‬قال‪ :‬قال ابن زيد‪ ,‬في قوله‪ :‬ولَ ْو َ‬
‫جعَلْناه َرجُلً قال‪ :‬لجعلنا ذلك الملك في صورة رجل‪ ,‬لم نرسله في صورة الملئكة‪.‬‬
‫َل َ‬
‫القول في تأويل قوله تعالى‪ :‬وَلَل َبسْنا عََل ْيهِمْ ما يَ ْل ِبسُونَ‪.‬‬
‫يع ني تعالى ذكره بقوله‪ :‬وَلَلبَ سْنا عََل ْيهِ مْ‪ :‬ولو أنزل نا مل كا من ال سماء م صدّقا لك يا مح مد‪,‬‬
‫شاهدا لك عند هؤلء العادلين بي الجاحدين آياتك على حقيقة نبوّتك‪ ,‬فجعلناه في صورة رجل‬
‫من ب ني آدم إذ كانوا ل يطيقون رؤ ية الملَك ب صورته ال تي خلف ته ب ها‪ ,‬الت بس علي هم أمره فلم‬
‫يدروا ملك هو أم أنسيّ‪ ,‬فلم يوقنوا به أنه ملك ولم يصدّقوا به‪ ,‬وقالوا‪ :‬ليس هذا ملكا‪ ,‬وللبسنا‬
‫علي هم ما يلب سونه على أنف سهم من حقيق ية أمرك و صحة برها نك وشاهدك على نبوّ تك‪ .‬يقال‬
‫ب أ ْلبَسُهُ ُلبْسا‪ ,‬والّلبُوس‪ :‬اسم‬
‫منه‪َ :‬لبَسْتُ عليهم المر أ ْلبِسُ ُه َلبْسا‪ :‬إذا خلطته عليهم‪ ,‬وَلبِسْتُ الثو َ‬
‫الثياب‪.‬‬
‫وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل‪ .‬ذكر من قال ذلك‪:‬‬
‫‪10277‬ـ حدثني المثنى‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا عبد ال بن صالح‪ ,‬قال‪ :‬ثني معاوية بن صالح‪ ,‬عن علي‬
‫بن أبي طلحة‪ ,‬عن ابن عباس قوله‪ :‬وَلَل َبسْنا عََل ْي ِهمْ ما يَ ْل ِبسُونَ يقول‪ :‬لشبهنا عليهم‪.‬‬
‫‪ 10278‬ـ حدثنا بشر‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا يزيد‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا سعيد‪ ,‬عن قتادة‪ :‬وَلَلبَ سْنا عََل ْيهِ مْ ما يَ ْلبِ سُونَ‬
‫يقول‪ :‬ما لبس قوم على أنفسهم إل لبس ال عليهم واللبس‪ :‬إنما هو من الناس‪.‬‬
‫‪ 10279‬ـ حدث نا مح مد بن الح سين‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا أح مد بن المف ضل‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا أ سباط‪ ,‬عن‬
‫السديّ‪ :‬وَلَل َبسْنا عََل ْي ِهمْ ما يَ ْلبِسُونَ يقول‪ :‬شبّهنا عليهم ما يشبهون على أنفسهم‪.‬‬
‫وقد رُوي عن ابن عباس في ذلك قول آخر‪ ,‬وهو ما‪:‬‬
‫‪ 10280‬ـ حدثني به محمد بن سعيد‪ ,‬قال‪ :‬ثني أبي‪ ,‬قال‪ :‬ثني عمي‪ ,‬قال‪ :‬ثني أبي‪ ,‬عن أبيه‪,‬‬
‫ن ف هم أ هل الكتاب فارقوا دينهم وكذّبوا رسلهم‪,‬‬
‫عن ا بن عباس‪ ,‬قوله‪ :‬وَلَلبَ سْنا عََل ْيهِ مْ ما يَ ْلبِ سُو َ‬
‫وهو تحريف الكلم عن مواضعه‪.‬‬
‫‪10281‬ـ حدثت عن الحسين‪ ,‬قال‪ :‬سمعت أبا معاذ‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا عبيد بن سليمان‪ ,‬قال‪ :‬سمعت‬
‫ن يع ني التحر يف‪ :‬هم أ هل الكتاب‪ ,‬فرّقوا ودين هم‬
‫الضحاك‪ ,‬في قوله‪ :‬وَلَلبَ سْنا عََل ْيهِ ْم ما يَ ْلبِ سُو َ‬
‫وكذّبوا رسلهم‪ ,‬فلبس ال عليهم ما لبسوا على أنفسهم‪.‬‬
‫و قد بي نا في ما م ضى ق بل أن هذه الَيات من أوّل ال سورة بأن تكون في أ مر المشرك ين من‬
‫عبدة الوثان أشبه منها بأمر أهل الكتاب من اليهود والنصارى‪ ,‬بما أغنى عن إعادته‪.‬‬

‫‪10‬‬ ‫الية ‪:‬‬


‫سخِرُو ْا ِم ْنهُ مْ مّا‬
‫ستُ ْهزِىءَ ِبرُ سُلٍ مّن قَبْلِ كَ َفحَا قَ بِاّلذِي نَ َ‬
‫{وََل َقدِ ا ْ‬ ‫القول في تأويل قوله تعالى‪:‬‬
‫س َتهْزِءُونَ }‪..‬‬
‫كَانُواْ ِبهِ َي ْ‬
‫يقول تعالى ذكره لنبيه محمد صلى ال عليه وسلم مسليا عنه بوعيده المستهزئين به عقوبة‬
‫ما يلقى منهم من أذى الستهزاء به والستخفاف في ذات ال‪ :‬هوّن عليك يا محمد ما أنت ل‬
‫ق من هؤلء الم ستهزئين بك الم ستخفين بح قك ف يّ و في طاع تي‪ ,‬وا مض ل ما أمر تك به من‬
‫الدعاء إلى توحيدي والقرار بي والذعان لطاع تي فإن هم إن تمادوا في غي هم وأ صرّوا على‬
‫المقام على كفر هم‪ ,‬ن سلك ب هم سبيل أ سلفهم من سائر ال مم غير هم من تعج يل النق مة ل هم‬
‫وحلول المثلث بهم‪ ,‬فقد استهزأت أمم من قبلك برسل أرسلتهم إليهم بمثل الذي أرسلتك به إلى‬
‫س َتهْزِءُونَ يع ني‬
‫خرُوا ِم ْنهُ مْ ما كَانُوا بِ ِه يَ ْ‬
‫سِ‬‫قو مك‪ ,‬وفعلوا م ثل ف عل قو مك بك‪َ ,‬فحَا قَ باّلذِي نَ َ‬
‫بقوله‪ :‬فحاقَـ فنزل وأحاط بالذيـن هزئوا برسـلهم ومـا كانُوا بِهِـ يَسـْتهْ ِزئُونَ يقول‪ :‬العذاب الذي‬
‫كانوا يهزءون به وينكرون أن يكون واقعا بهم على ما أنذرتهم رسلهم‪ .‬يقال منه‪ :‬حاق بهم هذا‬
‫حيَقانا‪.‬‬
‫حيُوقا و َ‬
‫حيْقا و ُ‬
‫المر َيحِيقُ بهم َ‬
‫وبنحو الذي قلنا في ذلك قال جماعة من أهل التأويل‪ .‬ذكر من قال ذلك‪:‬‬
‫‪ 10282‬ـ حدث ني مح مد بن الح سين‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا أح مد بن المف ضل‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا أ سباط‪ ,‬عن‬
‫ستَ ْهزِءُونَ يقول‪ :‬وقع بهم العذاب‬
‫خرُوا ِم ْنهُ مْ من الرسل‪ ,‬ما كَانُوا بِ هِ يَ ْ‬
‫سِ‬‫ن َ‬
‫السديّ‪ :‬فَحا قَ باّلذِي َ‬
‫الذي استهزءوا به‪.‬‬
‫‪11‬‬ ‫الية ‪:‬‬
‫القول في تأويل قوله تعالى‪:‬‬
‫ظرُواْ َك ْيفَ كَانَ عَا ِقبَ ُة ا ْل ُم َكذّبِينَ }‪..‬‬
‫{قُلْ سِيرُواْ فِي الرْضِ ُثمّ ا ْن ُ‬
‫ن بك الجاحد ين‬
‫يقول تعالى ذكره‪ :‬قل يا مح مد لهؤلء العادل ين بي الوثان والنداد الم َكذّبي َ‬
‫ْضـ يقول‪ :‬جولوا فـي بلد المكذبيـن رسـلهم‬
‫حقيقـة مـا جئتـم بـه مـن عندي‪ :‬سـِيرُوا فِي الر ِ‬
‫الجاحديـن آياتـي مـن قبلهـم مـن ضُرَبائهـم وأشكالهـم مـن الناس‪ .‬ثُمّـ ا ْنظُرُوا َكيْفَـ كَانَـ عا ِقبَةُ‬
‫ال ْم َكذّبِي نَ يقول‪ :‬ثم انظروا ك يف أعقب هم تكذيب هم ذلك الهلك والع طب وخزي الدن يا وعار ها‪,‬‬
‫ل ب هم من سخط ال علي هم من البور وخراب الديار وعف ّو الَثار‪ .‬فاع تبروا به‪ ,‬إن لم‬
‫و ما ح ّ‬
‫تنهكم حلومكم‪ ,‬ولم تزجركم حجج ال عليكم‪ ,‬فما أنتم مقيمون عليه من التكذيب‪ ,‬فاحذروا مثل‬
‫مصارعهم واتقوا أن يحلّ بكم مثل الذي ح ّل بهم‪ .‬وكان قتادة يقول في ذلك بما‪:‬‬
‫‪ 10283‬ـ حدثنا بشر بن معاذ‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا يزيد‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا سعيد‪ ,‬عن قتادة‪ ,‬قوله‪ :‬قُلْ سِيرُوا‬
‫ض ُثمّ ا ْنظُرُوا َك ْيفَ كَانَ عاقِبَ ُة ال ْم َك ّذبِينَ دمر ال عليهم وأهلكهم ثم صيرهم إلى النار‪.‬‬
‫فِي الرْ ِ‬

‫‪12‬‬ ‫الية ‪:‬‬


‫القول في تأويل قوله تعالى‪:‬‬
‫ج َمعَ ّنكُ مْ إَِلىَ َيوْ مِ‬
‫حمَ َة َل َي ْ‬
‫ى نَفْ سِهِ ال ّر ْ‬
‫سمَاوَاتِ وَالرْ ضِ قُل لّل ِه َكتَ بَ عََل َ‬
‫{قُل لّمَن مّا فِي ال ّ‬
‫س ُهمْ َف ُهمْ لَ يُ ْؤ ِمنُونَ }‪..‬‬
‫سرُوَاْ َأنْ ُف َ‬
‫خِ‬‫الْ ِقيَامَ ِة لَ َريْبَ فِي ِه اّلذِينَ َ‬
‫يقول تعالى ذكره لنبيه صلى ال عليه وسلم‪ :‬قل يا محمد لهؤلء العادلين بربهم‪ :‬لمن ما في‬
‫ال سموات والرض؟ يقول‪ :‬ل من ملك ما في ال سموات والرض‪ .‬ثم أ خبرهم أن ذلك ل الذي‬
‫استعبد كلّ شيء وقهر كل شيء بملكه وسلطانه‪ ,‬ل للوثان والنداد ول لما يعبدونه ويتخذونه‬
‫إلها من الصنام التي ل تملك لنفسها نفعا ول تدفع عنها ضرّا‪.‬‬
‫وقوله‪َ :‬كتَ بَ على نَفْ سِ ِه ال ّرحْمَ َة يقول‪ :‬قضي أنه بعباده رحيم‪ ,‬ل يعجل عليهم بالعقوبة ويقبل‬
‫منهـم النابـة والتوبـة‪ .‬وهذا مـن ال تعالى ذكره اسـتعطاف للمعرضيـن عنـه إلى القبال إليـه‬
‫بالتو بة‪ ,‬يقول تعالى ذكره‪ :‬أن هؤلء العادل ين بي الجاحد ين نبوّ تك يا مح مد‪ ,‬إن تابوا وأنابوا‬
‫قبلت توبتهم‪ ,‬وإني قد قضيت في خلقي أن رحمتي وسعت كل شيء‪ .‬كالذي‪:‬‬
‫‪10284‬ـ حدثنا ابن بشار‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا أبو أحمد‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا سفيان‪ ,‬عن العمش‪ ,‬عن ذكوان‪,‬‬
‫ن الخَلْ قِ َكتَ بَ كِتابا‪ :‬إ نّ‬
‫عن أبي هريرة‪ ,‬عن النبي صلى ال عليه وسلم‪ ,‬قال‪َ« :‬لمّا َفرَ غَ اللّ ُه مِ َ‬
‫ضبِي»‪.‬‬
‫غ َ‬
‫سبَقَتْ َ‬
‫َرحْمَتي َ‬
‫‪ 10285‬ـ حدثنا محمد بن المثنى‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا عبد الوهاب‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا داود‪ ,‬عن أبي عثمان‪,‬‬
‫عن سليمان‪ ,‬قال‪« :‬إن ال تعالى لما خلق السماء والرض‪ ,‬خلق مائة رح مة‪ ,‬كل رح مة ملء‬
‫مـا بيـن السـماء إلى الرض‪ ,‬فعنده تسـع وتسـعون رحمـة‪ ,‬وقسـّم رحمةً بيـن الخلئق فبهـا‬
‫يتعاطفون وبهـا تشرب الوحـش والطيـر الماء‪ ,‬فإذا كان يوم القيامـة قصـرها ال على المتقيـن‬
‫وزادهم تسعا وتسعين»‪.‬‬
‫حدثنا ابن المثنى‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا ابن أبي عد يّ‪ ,‬عن داود‪ ,‬عن أبي عثمان‪ ,‬عن سلمان نحوه‪,‬‬
‫إل أن ابن أبي عديّ لم يذكر في حديثه وبها تشرب الوحش والطير الماء‪.‬‬
‫‪ 10286‬ـ حدثنا محمد بن عبد العلى‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا محمد بن ثور‪ ,‬عن معمر‪ ,‬عن عاصم بن‬
‫سليمان‪ ,‬عن أ بي عثمان عن سليمان‪ ,‬قال‪ :‬ن جد في التوراة عطفت ين‪ :‬أن ال خلق ال سموات‬
‫والرض‪ ,‬ثم خلق مئة رح مة أو‪ :‬ج عل مئة رح مة ق بل أن يخلق الخلق‪ ,‬ثم خلق الخلق فو ضع‬
‫بين هم رح مة واحدة‪ ,‬وأم سك عنده ت سعا وت سعين رح مة‪ ,‬قال‪ :‬في ها يتراحمون‪ ,‬وب ها يتباذلون‪,‬‬
‫ن الناقة‪ ,‬وبها َت ْنئِج البقرة‪ ,‬وبها تيعر الشاة‪ ,‬وبها تتّابع‬
‫وبها يتعاطفون‪ ,‬وبها يتزاورون‪ ,‬وبها تح ّ‬
‫الط ير‪ ,‬وب ها تتّا بع الحيتان في الب حر فإذا كانوا يوم القيا مة ج مع ال تلك الرح مة إلى ما عنده‪,‬‬
‫ورحمته أفضل وأوسع‪.‬‬
‫حدثنـا الحسـن بـن يحيـى‪ ,‬قال‪ :‬أخبرنـا عبـد الرزاق‪ ,‬قال‪ :‬أخبرنـا معمـر‪ ,‬عـن عاصـم بـن‬
‫حمَةَ‪ ...‬الَ ية‪ ,‬قال‪:‬‬
‫سليمان‪ ,‬عن أ بي عثمان الهدى‪ ,‬عن سلمان‪ ,‬في قوله‪َ :‬كتَ بَ على نَفْ سِ ِه ال ّر ْ‬
‫أ نا ن جد في التوراة عطفت ين‪ ,‬ثم ذ كر نحوه‪ ,‬إل أ نه ما قال‪« :‬وب ها تتّا بع الط ير‪ ,‬وب ها تتّا بع‬
‫الحيتان في البحر‪.‬‬
‫‪10287‬ـ حدثنا محمد بن العلى‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا محمد بن ثور‪ ,‬عن معمر‪ ,‬قال‪ :‬قال ابن طاوس‪,‬‬
‫عـن أبيـه‪ :‬إن ال تعالى لمـا خلق الخلق‪ ,‬لم يعطـف شيـء على شيـء‪ ,‬حتـى خلق مئة رحمـة‪,‬‬
‫فوضع بينهم رحمة واحدة‪ ,‬فعطف بعض الخلق على بعض‪.‬‬
‫حدثني الحسن بن يحيى‪ ,‬قال‪ :‬أخبرنا عبد الرزاق‪ ,‬قال‪ :‬أخبرنا معمر‪ ,‬عن ابن طاوس‪ ,‬عن‬
‫أبيه بمثله‪.‬‬
‫‪ 10288‬ـ حدثنا ابن عبد العلى‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا محمد بن ثور‪ ,‬عن معمر‪ ,‬قال‪ :‬وأخبرني الحكم‬
‫ل من القضاء ب ين خل قه‪ ,‬أخرج‬
‫بن أبان‪ ,‬عن عكر مة ح سبته أ سنده قال‪ :‬إذا فرغ ال عزّ وج ّ‬
‫كتابا من تحت العرش فيه‪« :‬إن رحمتي سبقت غضبي‪ ,‬وأنا أرحم الراحمين» قال‪ :‬فيخرج من‬
‫ل أ هل الج نة‪ ,‬ول أعل مه إل قال‪« :‬مثل»‪ ,‬وأ ما م ثل فل أش كّ‬
‫النار م ثل أ هل الج نة‪ ,‬أو قال مث ً‬
‫مكتوبا ها هنا‪ ,‬وأشار الحكم إلى نحره‪ ,‬عتقاء ال‪ .‬فقال رجل لعكرمة‪ :‬يا أبا عبد ال‪ ,‬فإن ال‬
‫عذَا بٌ مُقِي مٌ قال‪ :‬ويلك أولئك‬
‫خرُجُوا مِ نَ النّارِ ومَا هُ مْ بخَارِجي نَ ِمنْها وَلهُ مْ َ‬
‫ن َي ْ‬
‫يقول‪ُ :‬يرِيدُو نَ أ ْ‬
‫أهلها الذين هم أهلها‪.‬‬
‫حدثنا الحسن بن يحيى‪ ,‬قال‪ :‬أخبرنا عبد الرزاق‪ ,‬قال‪ :‬أخبرنا مع مر‪ ,‬عن الحكم بن أبان‪,‬‬
‫عن عكر مة ح سبت أ نه أ سنده قال‪ :‬إذا كان يوم القيا مة أخرج ال كتا با من ت حت العرش‪ ,‬ثم‬
‫ن النّارِ‬
‫ن َيخْ ُرجُوا مِ َ‬
‫نأْ‬
‫ذكر نحوه‪ ,‬غير أنه قال‪ :‬فقال رجل‪ :‬يا أبا عبد ال‪ ,‬أرأيت قوله‪ُ :‬يرِيدُو َ‬
‫وسائر الحديث مثل حديث ابن عبد العلى‪.‬‬
‫حدث نا الح سن بن يح يى‪ ,‬قال‪ :‬أخبر نا ع بد الرزاق‪ ,‬قال‪ :‬أخبر نا مع مر‪ ,‬عن همام بن من به‪,‬‬
‫ق َكتَ بَ‬
‫قال‪ :‬سمعت أبا هريرة يقول‪ :‬قال رسول ال صلى ال عليه وسلم «َلمّا َقضَى الّل ُه الخَلْ َ‬
‫ضبِي»‪.‬‬
‫غ َ‬
‫سبَقَتْ َ‬
‫ن َرحْ َمتِي َ‬
‫ع ْندَهُ فَ ْوقَ ال َعرْشِ‪ :‬إ ّ‬
‫ب َفهُوَ ِ‬
‫فِي كِتا ٍ‬
‫‪ 10289‬ـ حدثنا بشر بن معاذ‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا يزيد بن زريع‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا سعيد‪ ,‬عن قتادة‪ ,‬عن‬
‫أ بي أيوب‪ ,‬عن ع بد ال بن عمرو‪ ,‬أ نه كان يقول‪ :‬إن ل مئة رح مة‪ ,‬فأه بط رح مة إلى أ هل‬
‫ب الرض وهوامّها وما بين‬
‫الدنيا يتراحم بها الج نّ والنس وطائر السماء وحيتان الماء ودوا ّ‬
‫الهواء واختزن ع ند ت سعا وت سعين رح مة‪ ,‬ح تى إذا كان يوم القيا مة اختلج الرح مة ال تي كان‬
‫أهبطها إلى أهل الدنيا‪ ,‬فحواها إلى ما عنده‪ ,‬فجعلها في قلوب أهل الجنة وعلى أهل الجنة‪.‬‬
‫‪ 10290‬ـ حدث نا الح سن بن يح يى‪ ,‬قال‪ :‬أخبر نا ع بد الرزاق‪ ,‬قال‪ :‬أخبر نا مع مر‪ ,‬عن قتادة‪,‬‬
‫قال‪ :‬قال ع بد ال بن عمرو‪ :‬أن ال مئة رح مة‪ ,‬أه بط من ها إلى الرض رح مة واحدة يترا حم‬
‫بها الجن والنس والطير والبهائم وهوّام الرض‪.‬‬
‫‪10291‬ـ حدثنا محمد بن عوف‪ ,‬قال‪ :‬أخبرنا أبو المغيرة عبد القدوس بن الحجاج‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا‬
‫صفوان بن عمرو‪ ,‬قال‪ :‬ثني أبو المخارق زهير بن سالم‪ ,‬قال‪ :‬قال عمر لكعب‪ :‬ما أوّل شيء‬
‫ابتداه ال مـن خلقـه؟ فقال كعـب‪ :‬كتـب ال كتابـا لم يكتبـه بقلم ول مداد‪ ,‬ولكنـه كتـب بأصـبعه‬
‫يتلوها الزبرجد واللؤلؤ والياقوت‪« :‬أنا ال ل إله إل أنا سبقت رحمتي غضبي»‪.‬‬
‫ج َم َعنّ ُكمْ إلى َي ْومِ ال ِقيَامَ ِة ل َريْبَ فِيهِ‪.‬‬
‫القول في تأويل قوله تعالى‪َ :‬ل َي ْ‬
‫جمَ َع ّنكُ مْ لم قسم‪ .‬ثم اختلف أهل العربية في جالبها‪ ,‬فكان بعض‬
‫وهذه اللم التي في قوله‪َ :‬ل َي ْ‬
‫ج َم َع ّنكُ مْ‪ ,‬قال‪:‬‬
‫ت بعد ها‪َ :‬ل َي ْ‬
‫نحو يي الكو فة يقول‪ :‬إن شئت جعلت الرح مة غا ية كلم‪ ,‬ثم ا ستأنف َ‬
‫حمَةَ أّن هُ‬
‫ج َم َع ّنكُ مْ كما قال‪َ :‬كتَ بَ على نَفْ سِ ِه ال ّر ْ‬
‫وإن شئت جعلته في موضع نصب‪ ,‬يعني كتب َل َي ْ‬
‫ل ِم ْنكُ مْ سُوءًا ِبجَهالَةٍ ير يد‪ :‬ك تب أنه من عمل من كم‪ .‬قال‪ :‬والعرب تقول في الحروف‬
‫عمِ َ‬
‫مَ نْ َ‬
‫التـي يصـلح معهـا جواب كلم اليمان بأن المفتوحـة وباللم‪ ,‬فيقولون‪ :‬أرسـلت إليـه أن يقوم‪,‬‬
‫جنُنّ ُه حتى حِي نٍ‪.‬‬
‫سُ‬‫وأرسلت إليه ليقوم نّ‪ .‬قال‪ :‬وكذلك قوله‪ :‬ثُ مّ َبدَا َلهُ مْ ِم نْ َب ْعدِما رَأُوا الَيا تِ ليَ ْ‬
‫قال وهو في القرآن كثير إل ترى أنك لو قلت‪ :‬بدا لهم أن يسجنوه‪ ,‬لكان صوابا؟ وكان بعض‬
‫ج َمعَ ّن ُكمْ لن معنى كتاب كأنه قال‪ :‬وال ليجمعنكم‪.‬‬
‫نحوي البصرة يقول‪ :‬نصبت لم َل َي ْ‬
‫حمَةَ غاية‪ ,‬وأن يكون‬
‫ب على نَفْ سِ ِه ال ّر ْ‬
‫والصواب من القول في ذلك عندي أن يكون قوله‪َ :‬كتَ َ‬
‫ُمـ خـبر مبتدإ‪ ,‬ويكون معنـى الكلم حينئد‪ :‬ليجمعنكـم ال أيهـا العادلون بال ليوم‬
‫ج َم َع ّنك ْ‬
‫قوله‪َ :‬ل َي ْ‬
‫القيامة الذي ل ريب فيه لينتقم منكم بكفركم به‪.‬‬
‫ب قد عمل‬
‫ج َمعَ ّنكُ مْ لن قوله‪َ :‬كتَ َ‬
‫وإنما قلت‪ :‬هذا القول أولى بالصواب من إعمال كتب في َل َي ْ‬
‫ج َم َع ّن ُكمْ لنه ل يتعدى إلى اثنين‪.‬‬
‫في الرحمة‪ ,‬فغير جائز وقد عمل في الرحمة أن يعمل في‪َ :‬ل َي ْ‬
‫حمَ َة أنه بفتح أن؟ قيل‪ :‬إن‬
‫فإن قال قائل‪ :‬فما أنت قائل في قراءة من قرأ‪َ :‬كتَبَ على نَفْسِهِ ال ّر ْ‬
‫ذلك إذ قرىء كذلك‪ ,‬فإن «أن» بيان عن الرح مة وترج مة عن ها‪ ,‬لن مع نى الكلم‪ :‬كتاب على‬
‫نفسه الرحمة أن يرحم (من تاب) من عباده بعد اقتراف السوء بجهالة‪ ,‬ويعفو والرحمة يترجم‬
‫جمَ َع ّنكُ مْ إلى يَوْ ِم ال ِقيَامَةِ فيكون مبينا به‬
‫عنها‪ ,‬ويبين معناها بصفتها‪ ,‬وليس من صفة الرحمة َل َي ْ‬
‫عنهـا‪ .‬فإن كان ذلك كذلك‪ ,‬فلم يبـق إل أن ينصـب بنيـة تكريـر كتـب مرة أخرى معـه‪ ,‬ول‬
‫ضرورة بالكلم إلى ذلك فتوجه إلى ما ليس بموجود في ظاهر‪.‬‬
‫ك ف يه‪ ,‬يقول‪ :‬في أن ال يجمع كم إلى يوم القيا مة‬
‫وأ ما تأو يل قول ل َريْ بَ فِي ِه فإ نه ل يش ّ‬
‫ل عامل منكم أجر ما عمل من حسن أوسيّىء‪.‬‬
‫فيحشركم إليه جميعا‪ ,‬ثم يؤتى ك ّ‬
‫سهُمْ َف ُهمْ ل ي ْؤ ِمنُونَ‪.‬‬
‫سرُوا أنْ ُف َ‬
‫خِ‬‫القول في تأويل قوله تعالى‪ :‬اّلذِينَ َ‬
‫ُسـُهمْ العادليـن بـه الوثان والصـنام يقول تعالى‬
‫َسـرُوا أنْف َ‬
‫ِينـ خ ِ‬
‫يعنـي تعالى ذكره بقوله‪ :‬اّلذ َ‬
‫ذكره‪ :‬ليجمع نّ ال الذين خ سروا أنفسهم‪ ,‬يقول‪ :‬الذين أهلكوا أنفسهم وغبنوها بادعائهم ل الندّ‬
‫والعديل‪ ,‬فأبقوها بإيجابهم سخط ال وأليم عقابه في المعاد‪ .‬وأصل الخسار‪ :‬ال َغبْن‪ ,‬يقال منه‪:‬‬
‫خسر الرجل في البيع‪ :‬إذا غبن‪ ,‬كما قال العشى‪:‬‬
‫سرَ الخاسِرِ‬
‫خَ‬‫ح ْك ِمهِول ُيبَالي َ‬
‫ل يأخُ ُذ الرّشْ َوةَ فَي ُ‬
‫وقد بينا ذلك في غير هذا الموضع بما أغنى عن إعادته‪ .‬وموضوع «الذين» في قوله‪ :‬اّلذِينَ‬
‫ج َم َعنّكُ مْ على وجه البيان عنها‪.‬‬
‫س ُهمْ نصب على الردّ على الكاف والميم في قوله‪َ :‬ل َي ْ‬
‫سرُوا أنْفُ َ‬
‫خَ ِ‬
‫ج َم َع ّنكُمـْ‪ .‬وقوله‪َ :‬فهُم ْـ ل يُ ْؤ ِمنُونَـ‬
‫وذلك أن الذيـن خسـروا أنفسـهم‪ ,‬هـم الذيـن خوطبوا بقوله‪َ :‬ل َي ْ‬
‫يقول‪ :‬فهـم لهلكهـم أنفسـهم وغبنهـم إياه حظهـا ل يؤمنون‪ ,‬أي ل يوحدون ال ول يصـدّقون‬
‫بوعده ووعيده ول يقرون بنبوّة محمد صلى ال عليه وسلم‪.‬‬

‫‪13‬‬ ‫الية ‪:‬‬


‫سمِيعُ ا ْلعَلِيمُ }‪..‬‬
‫سكَنَ فِي الّْليْلِ وَال ّنهَارِ وَ ُهوَ ال ّ‬
‫{وََل ُه مَا َ‬ ‫القول في تأويل قوله تعالى‪:‬‬
‫يقول تعالى ذكره‪ :‬ل يؤمـن هؤلء العادلون بال الوثان‪ ,‬فيخلصـوا له التوحيـد ويفردوا له‬
‫ن فِي الّليْلِ والنّهارِ يقول‪ :‬وله ملك كل شيء‪ ,‬لنه‬
‫سكَ َ‬
‫الطاعة ويقرّوا باللوهية جهلً‪ .‬وَلَ ُه ما َ‬
‫ل شيـء مـن خلق ال إل وهـو سـاكن الليـل والنهار‪ ,‬فمعلوم بذلك أن معناه مـا وصـفنا‪ .‬وَ ُهوَ‬
‫سمِيعُ ما يقول هؤلء المشركون ف يه من ادّعائ هم له شري كا‪ ,‬و ما يقول غير هم من خلف‬
‫ال ّ‬
‫ذلك‪ .‬العَلِي مُ بما يضمرونه في أنفسهم وما يظهرونه بجوارحهم‪ ,‬ل يخفى عليه شيء من ذلك‪,‬‬
‫فهو يحصيه عليهم‪ ,‬ليوفي كلّ إنسان ثواب ما اكتسب وجزاء ما عمل‪.‬‬
‫سكَنَ قال أهل التأويل‪ .‬ذكر من قال ذلك‪:‬‬
‫وبنحو الذي قلنا في تأويل قوله‪َ :‬‬
‫‪ 10292‬ـ حدث ني مح مد بن الح سين‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا أح مد بن المف ضل‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا أ سباط‪ ,‬عن‬
‫سكَنَ فِي الّليْلِ والنّهارِ يقول‪ :‬ما استقرّ في الليل والنهار‪.‬‬
‫السديّ‪ :‬وََلهُ ما َ‬

‫‪14‬‬ ‫الية ‪:‬‬


‫طعِ مُ‬
‫سمَاوَاتِ وَالرْ ضِ وَهُ َو ُي ْ‬
‫طرِ ال ّ‬
‫خذُ وَِليّا فَا ِ‬
‫غ ْيرَ اللّ ِه َأ ّت ِ‬
‫ل أَ َ‬
‫{قُ ْ‬ ‫القول في تأو يل قوله تعالى‪:‬‬
‫ن ا ْل ُمشْ ِركَينَ }‪.‬‬
‫ن مِ َ‬
‫ل َتكُونَ ّ‬
‫ن َأسَْلمَ َو َ‬
‫ل مَ ْ‬
‫ن أَوّ َ‬
‫ن َأكُو َ‬
‫ت أَ ْ‬
‫ل ُيطْ َعمُ قُلْ ِإّنيَ ُأ ِمرْ ُ‬
‫َو َ‬
‫يقول تعالى ذكره لنبيه محمد صلى ال عليه وسلم‪ :‬قل يا محمد لهؤلء المشركين العادلين‬
‫برب هم الوثان وال صنام‪ ,‬والمنكر ين عل يك إخلص التوح يد لر بك‪ ,‬الداع ين إلى عبادة الَل هة‬
‫والوثان‪ :‬أشياء غير ال تعالى أتخذ وليا وأستنصره وأستعينه على النوائب والحوادث؟ كما‪:‬‬
‫‪ 10293‬ـ حدث ني مح مد بن الح سين‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا أح مد بن المف ضل‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا أ سياط‪ ,‬عن‬
‫خذُ وَِليّا قال‪ :‬أما الوليّ‪ :‬فالذي يتولونه ويقرون بالربوبية‪.‬‬
‫غ ْيرُ الّلهِ أ ّت ِ‬
‫السديّ‪ :‬قُلْ أ َ‬
‫ت والرْ ضِ يقول أشيئا غ ير ال فا طر ال سموات والرض أت خذ ول يا؟ ففا طر‬
‫سمَوَا ِ‬
‫طرِ ال ّ‬
‫فا ِ‬
‫ت والرْ ضِ مبتدعهما‬
‫سمَوا ِ‬
‫السموات من نعت ال وصفته ولذلك خفض‪ .‬ويعني بقوله‪ :‬فاطِرِ ال ّ‬
‫ومبتدئهما وخالقهما‪ .‬كالذي‪:‬‬
‫‪ 10294‬ـ حدثنا به ابن وكيع‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا يحيى بن سعيد القطان‪ ,‬عن سفيان‪ ,‬عن إبراهيم بن‬
‫مهاجر‪ ,‬عن مجاهد‪ ,‬قال‪ :‬سمعت ابن عباس يقول‪ :‬كنت ل أدري ما فاطر السموات والرض‪,‬‬
‫حتى أتاني أعرابيان يختصمان في بئر‪ ,‬فقال أحدهما لصاحبه‪ :‬أنا فطرتها‪ ,‬يقول‪ :‬أنا ابتدأتها‪.‬‬
‫‪ 10295‬ـ حدث نا مح مد بن الح سين‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا أح مد بن المف ضل‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا أ سباط‪ ,‬عن‬
‫ت والرْضِ قال‪ :‬خالق السموات والرض‪.‬‬
‫سمَوَا ِ‬
‫طرِ ال ّ‬
‫السديّ‪ :‬فا ِ‬
‫‪10296‬ـ حدثنا الحسن بن يحيى‪ ,‬قال‪ :‬أخبرنا عبد الرزاق‪ ,‬قال‪ :‬أخبرنا معمر‪ ,‬عن قتادة‪ ,‬في‬
‫ض قال‪ :‬خالق السموات والرض‪.‬‬
‫ت والرْ ِ‬
‫سمَوَا ِ‬
‫قوله‪ :‬فاطِرِ ال ّ‬
‫ل تَرى مِ نْ ُفطُورٍ‬
‫طرُ ها َفطْرا و ُفطُورا‪ ,‬وم نه قوله‪ :‬هَ ْ‬
‫طرُ ها ويَ ْف ِ‬
‫يقال من ذلك‪ :‬فطر ها ال يَ ْف ُ‬
‫يع ني‪ :‬شقو قا و صدوعا‪ ,‬يقال‪ :‬سيف فُطَار‪ :‬إذا ك ثر ف يه التش قق‪ ,‬و هو ع يب ف يه وم نه قول‬
‫عنترة‪:‬‬
‫س ْيفِي كالعقيق ِة فهو ِك ْمعِيسِلحي ل أفلّ ول فُطارَا‬
‫وَ‬
‫ت َيتَ َفطّرْ نَ ِم نْ‬
‫سمَوَا ِ‬
‫ومن يقال‪ :‬فَطَر نا بُ الج مل‪ :‬إذا تش قق اللحم فخرج وم نه قوله‪ :‬تَكادُ ال ّ‬
‫فَ ْو ِقهِنّ‪ :‬أي يتشقّقن ويتصدعن‪.‬‬
‫طعَ ُم فإنه يعني‪ :‬وهو َيرْوُق خلقه ول ُيرْزَق‪ .‬كما‪:‬‬
‫وأما قوله‪ :‬وَهُ َو ُيطْ ِعمُ وَل ُي ْ‬
‫‪ 10297‬ـ حدث ني مح مد بن الح سين‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا أح مد بن المف ضل‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا أ سباط‪ ,‬عن‬
‫ط ِعمُ وَل ُيطْ َعمُ قال‪ :‬يَ ْرزُق‪ ,‬ول ُيرْزَق‪.‬‬
‫السديّ‪ :‬وَ ُهوَ ُي ْ‬
‫طعَ مُ أي أنه يطعم خلقه‪ ,‬ول يأكل‬
‫طعِ مُ وَل ُي ْ‬
‫وقد ذكر عن بعضهم أنه كان يقول ذلك‪ :‬وَهُ َو ُي ْ‬
‫هو‪ .‬ول معنى لذلك لقلة القراءة به‪.‬‬
‫شرِكينَ‪.‬‬
‫ن أسْلَمَ وَل َتكُونَنّ ِمنَ ال ُم ْ‬
‫ل مَ ْ‬
‫القول في تأويل قوله تعالى‪ :‬قُلْ إنّي ُأ ِمرْتُ أنْ أكُونَ أوّ َ‬
‫يقول تعالى ذكره ل نبيه مح مد صلى ال عل يه و سلم‪ :‬قل يا مح مد للذ ين يدعو نك إلى اتخاذ‬
‫الَل هة أولياء من دون ال ويحثّو نك على عبادت ها‪ :‬أغ ير ال فا طر ال سموات والرض‪ ,‬و هو‬
‫يرزقني وغيري‪ ,‬ول يرزقه أحد‪ ,‬أتخذ وليا هو له عبد مملوك وخلق مخلوق؟ وقل لهم أيضا‪:‬‬
‫إني أمرني ربي أن أكون أوّل من أسلم‪ ,‬يقول‪ :‬أوّل من خضع له بالعبودية وتذلل لمره ونهيه‬
‫ن من‬
‫ن ال ْمشُ ِركِينَ يقول‪ :‬وقل‪ :‬وقيل لي ل تكون ّ‬
‫ن مِ َ‬
‫وانقاد له من أهل دهري وزماني‪ .‬وَل َتكُونَ ّ‬
‫ت بدلً من «ق يل لي»‪,‬‬
‫المشرك ين بال الذ ين يجعلون الَل هة والنداد شركاء وج عل قوله‪ُ :‬أ ِمرْ ُ‬
‫ن من‬
‫ت معناه‪ :‬قيل لي‪ ,‬فكأنه قيل‪ :‬قل إني قيل لي‪ :‬كن أوّل من أسلم‪ ,‬ول تكون ّ‬
‫لن قوله‪ُ :‬أ ِمرْ ُ‬
‫المشركين فاجتزىء بذكر المر من ذكر القول‪ ,‬إذ كان المر معلوما أنه قول‪.‬‬

‫‪15‬‬ ‫الية ‪:‬‬


‫عظِيمٍ }‪..‬‬
‫ب يَ ْومٍ َ‬
‫عذَا َ‬
‫صيْتُ َربّي َ‬
‫ع َ‬
‫{قُلْ ِإّنيَ َأخَافُ إِنْ َ‬ ‫القول في تأويل قوله تعالى‪:‬‬
‫يقول تعالى ذكره لنبيه محمد صلى ال عليه وسلم‪ :‬قل لهؤلء المشركين العادلين بال الذين‬
‫يدعو نك إلى عبادة أوثان هم‪ :‬إن ر بي نها ني عن عبادة ش يء سواه‪ ,‬وإ ني أخاف إن ع صيت‬
‫ر بي‪ ,‬فعبدت ها عذاب يوم عظ يم‪ ,‬يع ني عذاب يوم القيا مة‪ .‬وو صفه تعالى بالع ظم لع ظم هوله‬
‫وفظاعة شأنه‪.‬‬
‫‪16‬‬ ‫الية ‪:‬‬
‫حمَهُ َوذَِلكَ الْ َف ْوزُ ا ْل ُمبِينُ }‪..‬‬
‫عنْ ُه يَ ْو َم ِئذٍ فَ َقدْ َر ِ‬
‫صرَفْ َ‬
‫{مّن ُي ْ‬ ‫القول في تأويل قوله تعالى‪:‬‬
‫ع ْنهُ‬
‫ن يُصْ َرفْ َ‬
‫اختلف القرّاء في قراءة ذلك‪ ,‬فقرأته عامّة قراء الحجاز والمدينة والبصرة‪ :‬مَ ْ‬
‫يَ ْو َم ِئذٍ بضـم الياء وفتـح الراء‪ ,‬بمعنـى‪ :‬من يصـرف ع نه العذاب يومئد‪ .‬وقرأ ذلك عامـة قراء‬
‫ع ْنهُ» بفتح الياء وكسر الراء‪ ,‬بمعنى‪ :‬من يصرف ال عنه العذاب يومئد‪.‬‬
‫ن ُيصْ َرفْ َ‬
‫الكوفة «مَ ْ‬
‫عنْ هُ» بفتح الياء وكسر‬
‫ص ِرفْ َ‬
‫وأولى القراءتين في ذلك بالصواب عندي‪ ,‬قراءة من قرأه‪« :‬يَ ْ‬
‫ـ على صـحة ذلك‪ ,‬وأن القراءة فيـه بتسـمية فاعله‪ .‬ولو كانـت‬
‫حمَه ُ‬
‫الراء‪ ,‬لدللة قوله‪ :‬فَ َقدْ َر ِ‬
‫حمَ هُ أن‬
‫ن يُ صْ َرفُ على و جه ما لم ي سمّ فاعله‪ ,‬كان الوجه في قوله‪ :‬فَ َقدْ َر ِ‬
‫القراءة في قوله‪ :‬مَ ْ‬
‫حمَ ُه دليل على بين أن‬
‫يقال‪« :‬فقد رُحِم» غير مسمى فاعله وفي تسمية الفاعل في قوله‪ :‬فَ َقدْ َر ِ‬
‫عنْهـُ»‪ .‬وإذا كان ذلك هـو الوجـه الولى بالقراءة‪ ,‬فتأويـل‬
‫َصـ ِرفُ َ‬
‫َنـ ي ْ‬
‫ذلك كذلك فـي قوله‪« :‬م ْ‬
‫ك هُ َو ال َف ْوزُ ال ُمبِينُ‪ .‬ويعني بقوله‪:‬‬
‫حمَهُ وذَلِ َ‬
‫ع ْنهُ من خلقه َي ْو ِم ِئذٍ عذابه فَ َقدْ َر ِ‬
‫ن يَصْ ِرفْ َ‬
‫الكلم‪ :‬مَ ْ‬
‫ذَلِ كَ‪ :‬و صرف ال ع نه العذاب يوم القيا مة‪ ,‬ورحم ته إياه الفَ ْوزُ أي النجاة من الهل كة والظ فر‬
‫بالطلبة ال ُمبِينُ يعني الذي بين لمن رآه أنه الظفر بالحاجة وإدراك الطلبة‪.‬‬
‫ع ْنهُ يَ ْو َم ِئذٍ قال أهل التأويل‪ .‬ذكر من قال ذلك‪:‬‬
‫ن َيصْ ِرفْ َ‬
‫وبنحو الذي قلنا في قوله‪ :‬مَ ْ‬
‫‪10298‬ـ حدثنا الحسن بن يحيى‪ ,‬قال‪ :‬أخبرنا عبد الرزاق‪ ,‬قال‪ :‬أخبرنا معمر‪ ,‬عن قتادة‪ ,‬في‬
‫حمَ ُه قال‪ :‬من يصرف عنه العذاب‪.‬‬
‫عنْ ُه يَ ْو َم ِئذٍ فَ َقدْ َر ِ‬
‫ص َرفْ َ‬
‫ن يُ ْ‬
‫قوله مَ ْ‬

‫‪17‬‬ ‫الية ‪:‬‬


‫القول في تأويل قوله تعالى‪:‬‬
‫شيْءٍ‬
‫ل َ‬
‫خ ْيرٍ َفهُوَ عََلىَ كُ ّ‬
‫سسْكَ ِب َ‬
‫سكَ اللّ ُه ِبضُرّ فَلَ كَاشِ فَ لَ ُه ِإلّ ُهوَ وَإِن َيمْ َ‬
‫سْ‬‫{وَإِن َيمْ َ‬
‫قَدُيرٌ }‪..‬‬
‫يقول تعالى ذكـر لنـبيه صـلى ال عليـه وسـلم‪ :‬يـا محمـد‪ ,‬إن يصـبك ال بضرّ‪ ,‬يقول‪ :‬بشدّة‬
‫وشظف في عيشك وضيق فيه‪ ,‬فلن يكشف ذلك عنك إل ال الذي أمرك أن تكون أوّل من أسلم‬
‫لمره ونه يه‪ ,‬وأذ عن له من أ هل زما نك‪ ,‬دون ما يدعوك العادلون به إلى عباد ته من الوثان‬
‫خيْرٍ يقول‪ :‬وإن ي صبك بخ ير‪ :‬أي‬
‫سكَ ِب َ‬
‫سْ‬‫ل ش يء سواها من خل قه‪ .‬وَإ نْ َيمْ َ‬
‫وال صنام ودون ك ّ‬
‫ل شَيْءٍ‬
‫برخاء في عيش وسعة في الرزق وكثرة في المال فتق ّر أ نه أ صابك بذلك‪َ ,‬فهُوَ على كُ ّ‬
‫قَدِيرٌ يقول تعالى ذكره‪ :‬وال الذي أصابك بذلك فهو على كل شيء قدير‪ ,‬هو القادر على نفعك‬
‫ل شيء يريده قادر‪ ,‬ل يعجزه شيء يريده ول يمتنع منه شيء طلبه‪ ,‬ليس‬
‫وضرّك‪ ,‬وهو على ك ّ‬
‫كالَلهة الذليلة المهينة التي ل تقدر على اجتلب نفع على أنفسها ول غيرها ول دفع ضر عنها‬
‫ول غير ها يقول تعالى ذكره‪ :‬فك يف تع بد من كان هكذا؟ أم ك يف ل تخلص العبادة‪ ,‬وتقرّ ل من‬
‫كان بيده الضرّ والنفع والثواب والعقاب وله القدرة الكاملة والعزّة الظاهرة؟‬
‫‪18‬‬ ‫الية ‪:‬‬
‫خبِيرُ }‪..‬‬
‫حكِيمُ ا ْل َ‬
‫عبَادِهِ وَ ُهوَ ا ْل َ‬
‫{وَ ُه َو الْقَا ِهرُ فَ ْوقَ ِ‬ ‫القول في تأويل قوله تعالى‪:‬‬
‫يعني تعالى ذكره بقوله‪« :‬وهو» نفسه يقول‪ :‬وال القاهر فوق عباده‪ .‬ويعني بقوله‪ :‬القا ِهرُ‪:‬‬
‫المذلل الم ستعبد خل قه العالي علي هم‪ .‬وإن ما قال‪« :‬فوق عباده»‪ ,‬ل نه و صف نف سه تعالى بقهره‬
‫إياهم‪ ,‬ومن صفة كلّ قاهر شيئا أن يكون مستعليا عليه‪.‬‬
‫فمع نى الكلم إذن‪ :‬وال الغالب عباده‪ ,‬المذلّل هم‪ ,‬العالي علي هم بتذليله ل هم وخل قه إيا هم‪ ,‬ف هو‬
‫حكِيمُ يقول‪ :‬وال الحكيم في علّوه على عباده وقهره إياهم‬
‫فوقهم بقهره إياهم‪ ,‬وهم دونه‪ .‬وهُ َو ال َ‬
‫بقدرتـه وفـي سـائر تدبيره‪ ,‬الخـبير بمصـالح الشياء ومضارّهـا‪ ,‬الذي ل يخفـى عليـه عواقـب‬
‫المور وبواديها‪ ,‬ول يقع في تدبيره خلل‪ ,‬ول يدخل حكمه دخل‪.‬‬

‫‪19‬‬ ‫الية ‪:‬‬


‫شهِيدٌ ِبيْنِي َو َب ْي َنكُ مْ وَأُوحِ يَ‬
‫شهَاد ًة قُلِ اللّ ِه َ‬
‫شيْ ٍء َأ ْكبَرُ َ‬
‫{قُلْ أَ يّ َ‬ ‫القول في تأو يل قوله تعالى‪:‬‬
‫ش َهدُ قُلْ‬
‫ل َأ ْ‬
‫خرَىَ قُل ّ‬
‫ن مَ عَ الّل ِه آِلهَ ًة ُأ ْ‬
‫ن أَ ّ‬
‫ش َهدُو َ‬
‫ن لُنذِ َركُ مْ بِ هِ َومَن بَلَ َغ َأ ِئ ّنكُ مْ َل َت ْ‬
‫إِلَ يّ هَـذَا الْ ُقرْآ ُ‬
‫حدٌ وَِإ ّننِي َبرِي ٌء ّممّا ُتشْ ِركُونَ }‪..‬‬
‫ِإ ّنمَا هُ َو إِلَـهٌ وَا ِ‬
‫يقول تعالى ذكره ل نبيه مح مد صلى ال عل يه و سلم‪ :‬قل يا مح مد لهؤلء المشرك ين الذ ين‬
‫يكذبون ويجحدون نبوّتك من قومك‪ :‬أيّ شيء أعظم شهادة وأكبر‪ ,‬ثم أخبرهم بأن أكبر الشياء‬
‫شهادة ال الذي ل يجوز أن ي قع في شهاد ته ما يجوز أن ي قع في شهادة غيره من خل قه من‬
‫السهو والخطأ والغلط والكذب‪ ,‬ثم قل لهم‪ :‬إن الذي هو أكبر الشياء شهادة شهيد بيني وبينكم‪,‬‬
‫بالمحقّ منا من المبطل والرشيد منا في فعله وقوله من السفيه‪ ,‬وقد رضينا به حكما بيننا‪.‬‬
‫وبنحو الذي قلنا في ذلك قال جماعة أهل التأويل‪ .‬ذكر من قال ذلك‪:‬‬
‫‪ 10299‬ـ حدث ني مح مد بن عمرو‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا أ بو عا صم‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا عي سى‪ ,‬عن ا بن أ بي‬
‫ي شَيْ ٍء أ ْكبَ ُر شَهادَ ًة قال‪ :‬أمر محمد أن يسأل قريشا‪ ,‬ثم‬
‫نجيح‪ ,‬عن مجاهد في قول ال تعالى‪ :‬أ ّ‬
‫شهِيدٌ َب ْينِي َو َب ْي َن ُكمْ‪.‬‬
‫أمر أن يخبرهم فيقول‪ :‬الّلهُ َ‬
‫حدث ني المث نى‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا أ بو حذي فة‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا ش بل‪ ,‬عن ا بن أ بي نج يح‪ ,‬عن مجا هد‪,‬‬
‫نحوه‪.‬‬
‫ن بَلَغَ‪.‬‬
‫لنْ ِذ َر ُكمْ بِهِ َومَ ْ‬
‫ن ُ‬
‫حيَ إليّ َهذَا القُرآ ُ‬
‫القول في تأويل قوله تعالى‪ :‬وأُو ِ‬
‫يقول تعالى ذكره لنبيه محمد صلى ال عليه وسلم‪ :‬قل لهؤلء المشركين الذين يكذّبونك‪ :‬الّلهُ‬
‫ل ْنذِ َركُ مْ ب هِ عقابه‪ ,‬وأنذر به من بلغه من سائر الناس‬
‫ن ِ‬
‫شهِيدٌ َب ْينِي َو َب ْي َنكُ مْ وُأحِ يَ إل يّ َهذَا ال ُقرْآ ُ‬
‫َ‬
‫غير كم‪ ,‬إن لم ين ته إلى الع مل ب ما ف يه وتحل يل حلله وتحر يم حرا مه واليمان بجمي عه‪ ,‬نزولَ‬
‫نقمة ال به‪.‬‬
‫وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل‪ .‬ذكر من قال ذلك‪:‬‬
‫ي شَيْ ٍء أ ْك َبرُ‬
‫‪ 10300‬ـ حدث نا ب شر‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا يز يد‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا سعيد‪ ,‬عن قتادة‪ ,‬قوله‪ :‬أ ّ‬
‫ن بَلَ َغ ذكر لنا أن نبيّ ال‬
‫ل ْنذِ َركُمْ ِبهِ َو َم ْ‬
‫ن ِ‬
‫شهِيدٌ َب ْينِي َو َب ْي َنكُمْ وُأحِيَ إليّ َهذَا القُرآ ُ‬
‫شَهادَ ًة قُلِ الّل ُه َ‬
‫ن بََلغَ هُ آ َيةٌ‬
‫ن كِتا بِ ال‪ ,‬فإنّ ُه مَ ْ‬
‫س بَّلغُوا وَلَ ْو آ َيةً مِ ْ‬
‫صلى ال عليه وسلم كان يقول‪« :‬يا أيّها النّا ُ‬
‫خذَهُ‪ ,‬أ ْو تَ َركَهُ»‪.‬‬
‫ن كِتابِ اللّ ِه فقد بلغه أ ْمرُ اللّهِ‪ ,‬أ َ‬
‫مِ ْ‬
‫حدثنا الحسن بن يحيى‪ ,‬قال‪ :‬أخبرنا عبد الرزاق‪ ,‬قال‪ :‬أخبرنا معمر‪ ,‬عن قتادة‪ ,‬في قوله‪:‬‬
‫ن بََلغَ هُ آ َيةٌ ِم نْ‬
‫ن اللّ هِ‪َ ,‬فمَ ْ‬
‫ن بَلَ غَ أن ال نبيّ صلى ال عل يه و سلم قال‪« :‬بَّلغُوا عَ ِ‬
‫ل ْنذِ َركُ مْ ِب هِ َومَ ْ‬
‫ِ‬
‫كِتابِ اللّهِ‪ ,‬فَ َقدْ بََلغَ ُه أ ْمرُ اللّهِ»‪.‬‬
‫‪ 10301‬ـ حدث نا هناد‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا وك يع‪ ,‬وحدث نا ا بن وك يع‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا أ بي‪ ,‬عن مو سى بن‬
‫ل ْن ِذرَكُ مْ ِب هِ َومَ نْ بَلَ َغ قال‪ :‬من بل غه القرآن فكأن ما رأى‬
‫عبيدة‪ ,‬عن مح مد بن ك عب القر ظي‪ِ :‬‬
‫ش َهدُونَ‪.‬‬
‫النبيّ صلى ال عليه وسلم‪ .‬ثم قرأ‪َ :‬و َمنْ بَلَ َغ أ ِئ ّنكُمْ َل َت ْ‬
‫‪10302‬ـ حدثنا ابن وكيع‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا حميد بن عبد الرحمن‪ ,‬عن حسن بن صالح‪ ,‬قال‪ :‬سألت‬
‫لي ثا‪ :‬هل ب قي أ حد لم تبل غه الدعوة؟ قال‪ :‬كان مجا هد يقول‪ :‬حيث ما يأ تي القرآن ف هو داع و هو‬
‫ش َهدُونَ‪.‬‬
‫ن بَلَغَ أ ِئ ّن ُكمْ َل َت ْ‬
‫ل ْنذِ َر ُكمْ بِهِ َومَ ْ‬
‫نذير‪ .‬ثم قرأ‪ُ :‬‬
‫‪ 10303‬ـ حدث ني مح مد بن عمرو‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا أ بو عا صم‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا عي سى‪ ,‬عن ا بن أ بي‬
‫نجيح‪ ,‬عن مجاهد‪َ :‬و َمنْ بَلَغَ‪ :‬من أسلم من العجم وغيرهم‪.‬‬
‫حدث ني المث نى‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا أ بو حذي فة‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا ش بل‪ ,‬عن ا بن أ بي نج يح‪ ,‬عن مجا هد‪,‬‬
‫مثله‪.‬‬
‫حدث ني المث نى‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا إ سحاق‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا خالد بن يز يد‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا أ بو مع شر‪ ,‬عن‬
‫ن بَلَ غَ قال‪ :‬من بلغه القرآن‪ ,‬فقد أبلغه محمد صلى ال‬
‫ل ْن ِذ َركُ مْ ِب هِ َومَ ْ‬
‫محمد بن كعب في قوله‪ِ :‬‬
‫عليه وسلم‪.‬‬
‫‪10304‬ـ حدثني المثنى‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا عبد ال بن صالح‪ ,‬قال‪ :‬ثني معاوية بن صالح‪ ,‬عن عليّ‬
‫ل ْنذِ َركُ مْ ِب ِه يعني أهل مكة‪َ ,‬ومَ نْ بَلَ غَ‬
‫ن ِ‬
‫بن أبي طلحة‪ ,‬عن ابن عباس‪ ,‬قوله‪ :‬وُأحِ يَ َهذَا القُرآ ُ‬
‫يعني‪ :‬ومن بلغه هذا القرآن فهو له نذير‪.‬‬
‫حدث نا يو نس‪ ,‬قال‪ :‬أخبر نا ا بن و هب‪ ,‬قال‪ :‬سمعت سفيان الثورّي يحدّث‪ ,‬ل أعل مه إلّ عن‬
‫ن بَلَغَ العجم‪.‬‬
‫لنْ ِذ َر ُكمْ بِ ِه العرب َومَ ْ‬
‫ن ِ‬
‫حيَ َهذَا القُرآ ُ‬
‫مجاهد‪ ,‬أنه قال في قوله‪ :‬وُأ ِ‬
‫‪ 10305‬ـ حدث نا مح مد بن الح سين‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا أح مد بن المف ضل‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا أ سباط‪ ,‬عن‬
‫ن بَلَغَ أما «من بلغ»‪ :‬فمن بلغه القرآن فهو له نذير‪.‬‬
‫ل ْنذِ َر ُكمْ بِهِ َومَ ْ‬
‫السديّ‪ِ :‬‬
‫‪ 10306‬ـ حدثني يونس بن عبد العلى‪ ,‬قال‪ :‬أخبرنا ابن وهب‪ ,‬قال‪ :‬قال ابن زيد في قوله‪:‬‬
‫ن بَلَ غَ قال‪ :‬يقول‪ :‬من بل غه القرآن فأ نا نذيره‪ .‬وقرأ‪ :‬يا أيّ ها‬
‫ل ْنذِ َركُ مْ بِ هِ َومَ ْ‬
‫ن ِ‬
‫وُأحِ يَ َهذَا القُرآ ُ‬
‫جمِي عا قال‪ :‬ف من بل غه القرآن‪ ,‬فر سول ال صلى ال عل يه و سلم‬
‫النّا سُ إنّي رَ سُولُ الّل ِه إَل ْيكُ مْ َ‬
‫نذيره‪.‬‬
‫فمع نى هذا الكلم‪ :‬لنذر كم بالقرآن أي ها المشركون‪ ,‬وأنذر من بل غه القرآن من الناس كل هم‪,‬‬
‫ف «مَ نْ» موضع نصب بوقوع «أنذر» عليه‪ ,‬و «بلغ» في صلته‪ ,‬وأسقطت الهاء العائدة على‬
‫«مَنْ» في قوله‪« :‬بَلَغَ» لستعمال العرب ذلك في صلت «من‪ ,‬وما‪ ,‬والذي»‪.‬‬
‫ل إنّمَا ُهوَ‬
‫شهَدُ قُ ْ‬
‫خرَى قُلْ ل أ ْ‬
‫ن مَ َع اللّ هِ آِل َهةً ُأ ْ‬
‫ش َهدُو نَ أ ّ‬
‫القول في تأو يل قوله تعالى‪ :‬أ ِئ ّنكُ مْ َل َت ْ‬
‫حدٌ وَإ ّننِي َبرِى ٌء ِممّا ُتشْ ِركُونَ‪.‬‬
‫إلَهٌ وَا ِ‬
‫يقول تعالى ذكره ل نبيه مح مد صلى ال عل يه و سلم‪ :‬قل لهؤلء المشرك ين الجاحد ين نبوّ تك‪,‬‬
‫العادل ين بال ربا غيره‪ :‬أئن كم أيها المشركون لتشهدون أن مع ال آلهة أخرى‪ ,‬يقول‪ :‬تشهدون‬
‫خرَى» ولم يقل‪« :‬أخر» والَلهة جمع‪,‬‬
‫أن معه معبودات غيره من الوثان والصنام‪ .‬وقال‪ُ« :‬أ ْ‬
‫لوَل»‪ ,‬ول‬
‫ُونـ الُولى ولم يقـل «ا ُ‬
‫ل ال ُقر ِ‬
‫لن الجموع يلحقهـا التأنيـث‪ ,‬كمـا قال تعالى‪ :‬فَمَا با ُ‬
‫«الوّلين»‪ .‬ثم قال لنبيه محمد صلى ال عليه وسلم‪ :‬قل يا محمد‪ ,‬ل أشهد بما تشهدون أن مع‬
‫حدٌ يقول‪ :‬إنما هو معبود واحد‪ ,‬ل شريك‬
‫ال آلهة أخرى‪ ,‬بل أجحد ذلك وأنكره‪ .‬إنّما هُ َو إلَ هٌ وَا ِ‬
‫ن يقول‪ :‬قل وإنني بريء من‬
‫له فيما يستوجب على خلقه من العبادة‪ .‬وَإ ّننِي بَرِىءٌ ِممّا ُتشْ ِركُو َ‬
‫كلّ شر يك تدعو نه ل وتضيفو نه إلى شرك ته وتعبدو نه م عه‪ ,‬ل أع بد سوى ال شيئا ول أد عو‬
‫غيره إلها‪ .‬وقد ذكر أن هذه الَية نزلت في قوم من اليهود بأعيانهم من وجه لم تثبت صحته‪.‬‬
‫وذلك ما‪:‬‬
‫‪ 10307‬ـ حدثنا به هناد بن السريّ وأبو كريب‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا يونس بن بكير‪ ,‬قال‪ :‬ثني محمد‬
‫بن إ سحاق قال‪ :‬ث ني مح مد بن أ بي مح مد مولى ز يد بن ثا بت‪ ,‬قال‪ :‬ث ني سعيد بن جبير أو‬
‫عكرمة‪ ,‬عن ابن عباس‪ ,‬قال‪ :‬جاء النحام بن زيد وقردم بن كعب وبحر يّ بن عمير‪ ,‬فقالوا‪ :‬يا‬
‫محمد أما تعلم مع ال إلها غيره؟ فقال رسول ال صلى ال عليه وسلم‪« :‬ل إلَ َه إلّ الّل هُ ِبذَلِ كَ‬
‫شيْ ٍء أ ْكبَرُ شَهادَ ًة قُلِ اللّ هُ‬
‫ُب ِعثْ تُ‪ ,‬وَإلى ذل كَ أدْعُو» فأنزل ال تعالى في هم و في قول هم‪ :‬قُلْ أ يّ َ‬
‫شهِيدٌ َب ْينِي َو َب ْينَ ُكمْ إلى قوله‪ :‬ل ي ْؤمِنون‪.‬‬
‫َ‬

‫‪20‬‬ ‫الية ‪:‬‬


‫ن َأ ْبنَآءَهُ ُم اّلذِي نَ‬
‫{اّلذِي نَ آ َت ْينَاهُ مُ ا ْل ِكتَا بَ َي ْعرِفُو َن ُه كَمَا َي ْع ِرفُو َ‬ ‫القول في تأو يل قوله تعالى‪:‬‬
‫ل يُ ْؤ ِمنُونَ }‪..‬‬
‫س ُهمْ َفهُمْ َ‬
‫خسِرُوَ ْا َأنْ ُف َ‬
‫َ‬
‫يقول تعالى ذكره‪ :‬الذيـن آتيناهـم الكتاب التوراة والنجيـل‪ ,‬يعرفون أنمـا هـو إله واحـد ل‬
‫س ُهمْ من‬
‫ن خَ سِروا أنْفُ َ‬
‫جماعة الَلهة‪ ,‬وأن محمدا نبيّ مبعوث‪ ,‬كما يعرفون أبناءهم‪ .‬وقوله‪ :‬اّلذِي َ‬
‫س ُهمْ أهلكو ها وألقو ها في نار جه نم بإنكار هم‬
‫سرُوا أنْفُ َ‬
‫ن عت «الذ ين» الولى‪ ,‬ويع ني بقوله‪ :‬خَ ِ‬
‫محمدا أ نه ل ر سول مر سل‪ ,‬و هم بحقي قة ذلك عارفون َفهُ مْ ل يُ ْؤ ِمنُو نَ يقول‪ :‬ف هم بخ سارتهم‬
‫بذلك أنفسهم ل يؤمنون‪ .‬وقد قيل‪ :‬إن معنى خسارتهم أنفسهم‪ :‬أن كل عبد له منزل في الجنة‬
‫ومنزل في النار فإذا كان يوم القيا مة جعل ال لهل الج نة منازل أهل النار في الجنة‪ ,‬وجعل‬
‫لهل النار منازل أهل الجنة في النار‪ ,‬فذلك خسران الخاسرين منهم لبيعهم منازلهم من الجنة‬
‫بمنازل أهل الجنة من النار‪ ,‬بما فرط منهم في الدنيا من معصيتهم ال وظلمهم أنفسهم‪ ,‬وذلك‬
‫س ُهمْ فِيها خاِلدُونَ‬
‫ن ال ِف ْردَوْ ِ‬
‫معنى قول ال تعالى‪ :‬اّلذِينَ َي ِرثُو َ‬
‫ن أبْناءَ هم قال أ هل‬
‫وبن حو ما قل نا في مع نى قوله‪ :‬اّلذِي نَ آتيْناهُ مُ الكِتا بِ َي ْع ِرفُونَ ُه ك ما َيعْ ِرفُو َ‬
‫التأويل‪ .‬ذكر من قال ذلك‪:‬‬
‫‪ 10308‬ـ حدث نا ب شر بن معاذ‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا يز يد‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا سعيد‪ ,‬عن قتادة‪ ,‬قوله‪ :‬اّلذِي نَ‬
‫ن ال سلم د ين ال‪ ,‬وأن محمدا ر سول‬
‫ن أبْناءَهُ مْ يعرفون أ ّ‬
‫ب َيعْ ِرفُونَ هُ كَ ما َي ْعرِفُو َ‬
‫آ َتيْناهُ مُ الكِتا ٍ‬
‫ال‪ ,‬يجدونه مكتوبا عندهم في التوراة والنجيل‪.‬‬
‫حدث نا الح سن بن يح يى‪ ,‬قال‪ :‬أخبر نا ع بد الرزاق‪ ,‬عن مع مر‪ ,‬عن قتادة‪ ,‬في قوله‪ :‬اّلذِي نَ‬
‫ن أبْناءَهُ مْ النصارى واليهود‪ ,‬يعرفون رسول ال في كتابهم‪,‬‬
‫ب َيعْ ِرفُونَ هُ كما َي ْعرِفُو َ‬
‫آ َتيْناهُ مُ الكِتا َ‬
‫كما يعرفون أبناءهم‪.‬‬
‫‪ 10309‬ـ حدث نا مح مد بن الح سين‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا أح مد بن المف ضل‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا أ سباط‪ ,‬عن‬
‫ن أبْناءَ ُهمْ‬
‫السديّ‪ :‬اّلذِينَ آ َتيْنا ُهمُ الكِتابَ َي ْع ِرفُونَهُ كما َيعْ ِرفُو َ‬
‫‪ 10310‬ـ حدث نا القا سم‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا الح سين‪ ,‬قال‪ :‬ث ني حجاج‪ ,‬عن ا بن جر يج‪ ,‬قوله‪ :‬اّلذِي نَ‬
‫ب َيعْ ِرفُونَ ُه كما َي ْعرِفُو نَ أبْناءَهُ مْ‪ :‬يعني النبيّ صلى ال عليه وسلم قال‪ :‬زعم أهل‬
‫آ َتيْناهُ مُ الكِتا َ‬
‫المدينة عن أهل الكتاب ممن أسلم‪ ,‬أنهم قالوا‪ :‬وال لنحن أعرف به من أبنائنا من أجل الصفة‬
‫والنعت الذي نجده في الكتاب وأما أبناؤنا فل ندري ما أحدث النساء‪.‬‬

‫‪21‬‬ ‫الية ‪:‬‬


‫ن ا ْفتَ َرىَ عَلَى اللّ ِه َكذِبا أَ ْو َكذّ بَ بِآيَاتِ هِ ِإّن هُ لَ‬
‫{ َو َم نْ َأظْلَ مُ ِممّ ِ‬ ‫القول في تأو يل قوله تعالى‪:‬‬
‫ح الظّاِلمُونَ }‪..‬‬
‫يُفْلِ ُ‬
‫ّهـ َكذِبـا‪,‬‬
‫ّنـ افْ َترَى على الل ِ‬
‫يقول تعالى ذكره‪ :‬ومـن أشدّ اعتداء وأخطأُ فعلً وأخطـل قولً ِمم ِ‬
‫يع ني‪ :‬م من اختلق على ال ق يل با طل‪ ,‬واخترق من نف سه عل يه كذ با‪ ,‬فز عم أن له شري كا من‬
‫خل قه وإل ها يع بد من دو نه ك ما قاله المشركون من عبدة الوثان‪ ,‬أو ادّ عى له ولدا أو صاحبة‬
‫ب بآياتِ ِه يقول‪ :‬أو كذّب بحججه وأعلمه وأدلته التي أعطاها رسله‬
‫كما قالته النصارى‪ .‬أوْ َكذّ َ‬
‫على حقيقة نبوّتهم كذّ بت بها اليهود‪ .‬إنّه ل يُفْلِ حُ الظّاِلمُو نَ يقول‪ :‬إنه ل يفلح القائلون على ال‬
‫الباطل‪ ,‬ول يدركون البقاء في الجنان‪ ,‬والمفترون عليه الكذب والجاحدون بنبوّة أنبيائه‪.‬‬
‫‪22‬‬ ‫الية ‪:‬‬
‫شرَكَآ ُؤكُ مُ‬
‫ن ُ‬
‫شرَكُو ْا َأيْ َ‬
‫ن َأ ْ‬
‫جمِيعا ثُ مّ نَقُولُ لِّلذِي َ‬
‫حشُرُهُ مْ َ‬
‫{ َو َيوْ مَ َن ْ‬ ‫القول في تأو يل قوله تعالى‪:‬‬
‫عمُونَ }‪..‬‬
‫اّلذِينَ كُن ُتمْ َتزْ ُ‬
‫يقول تعالى ذكره‪ :‬إن هؤلء المفتر ين على ال كذ با والمكذّب ين بآيا ته‪ ,‬ل يفلحون اليوم في‬
‫الدنيا ول يوم نحشرهم جميعا‪ ,‬يعني‪ :‬ول في الَخرة‪ .‬ففي الكلم محذوف قد استغني بذكر ما‬
‫ظهر عما حذف‪.‬‬
‫جمِيعـا فقوله‪« :‬ويوم‬
‫ُمـ َ‬
‫حشُرُه ْ‬
‫ْمـ َن ْ‬
‫وتأويـل الكلم‪ :‬إنـه ل يفلح الظالمون اليوم فـي الدنيـا َو َيو َ‬
‫نحشرهـم»‪ ,‬مردود على المراد فـي الكلم‪ ,‬لنـه وإن كان محذوفـا منـه فكأنـه فيـه لمعرفـة‬
‫شرَكاؤُك ُم يقول‪ :‬ثـم نقول إذا حشرنـا هؤلء‬
‫ْنـ ُ‬
‫ش َركُوا أي َ‬
‫ِينـ أ ْ‬
‫ل لّلذ َ‬
‫السـامعين بمعناه‪ .‬ثـم نَقُو ُ‬
‫المفتريـن على ال الكذب بادّعائهـم له فـي سـلطانه شريكـا والمكذّبيـن بآياتـه ورسـله‪ ,‬فجمعنـا‬
‫ن أن هم ل كم آل هة من دون ال‪ ,‬افتراء‬
‫عمُو َ‬
‫ن ُك ْنتُ ْم تَزْ ُ‬
‫ن شُرَكا ُؤكُ مُ اّلذِي َ‬
‫جميع هم يوم القيا مة‪ :‬أيْ َ‬
‫وكذبا‪ ,‬وتدعونهم من دونه أربابا‪ ,‬فأتوا بهم إن كنتم صادقين‪.‬‬

‫‪23‬‬ ‫الية ‪:‬‬


‫ش ِركِينَ }‪..‬‬
‫ن ِف ْتنَ ُت ُهمْ ِإلّ أَن قَالُواْ وَالّلهِ َر ّبنَا مَا ُكنّا ُم ْ‬
‫{ ُثمّ َلمْ َتكُ ْ‬ ‫القول في تأويل قوله تعالى‪:‬‬
‫يقول تعالى ذكره‪ :‬ثم لم ي كن قول هم إذ قل نا ل هم‪ :‬أ ين شركاؤ كم الذ ين كن تم تزعمون إجا بة‬
‫ن كذبا‬
‫شرِكِي َ‬
‫ن قالُوا وَاللّ ِه َربّنا ما ُكنّا ُم ْ‬
‫منهم لنا عن سؤالنا إياهم ذلك إذ فتناهم فاختبرناهم‪ ,‬إلّ أ ْ‬
‫منهم في أيمانهم على قيلهم ذلك‪.‬‬
‫ثم اختلف القراء في قراءة ذلك‪ ,‬فقرأته جماعة من قرّاء المدينة والبصرة وبعض الكوفيين‪:‬‬
‫ل قيلهم وَاللّ ِه َربّنا ما ُكنّا ُمشْ ِركِي نَ‬
‫ن ِف ْت َنتَهُ مْ» بالنصب‪ ,‬بمعنى‪ :‬لم يكن اختبارنا لهم إ ّ‬
‫«ثُ مّ لَ مْ َتكُ ْ‬
‫غير أنهم يقرءون َت ُكنْ بالتاء على التأنيث وإن كانت للقول ل للفتنة لمجاورته الفتنة وهي خبر‪,‬‬
‫وذلك عند أهل العربية شاذّ غير فصيح في الكلم وقد رُوِي بيت للبيد بنحو ذلك‪ ,‬وهو قوله‪:‬‬
‫ع ّردَتْ إقْدامُها‬
‫َف َمضَى َو َقدّمَها وكانَتْ عادَةًمنهُ إذا هيَ َ‬
‫فقال‪« :‬وكانت» بتأنيث القدام لمجاورته قوله‪ :‬عادة‪.‬‬
‫ن قالُوا بنحو‬
‫لأْ‬
‫وقرأ ذلك جماعة من قرّاء الكوفيين‪« :‬ثمّ لَمْ َي ُكنْ» بالياء « ِف ْتنَ َتهُمْ» بالنصب إ ّ‬
‫المعنـى الذي قصـده الَخرون الذيـن ذكرنـا قراءتهـم‪ ,‬غيـر أنهـم ذكروا يكون لتذكيـر أن وهذه‬
‫القراءة عندنا أولى القراءتين بالصواب‪ ,‬لن «أنْ» أثبت في المعرفة من الفتنة‪.‬‬
‫واختلف أهل التأويل في تأويل قوله‪ :‬ثُمّ لَ ْم َتكُنْ ِف ْت َن ُتهُمْ فقال بعضهم‪ :‬معناه‪ :‬ثم لم يكن قولهم‪.‬‬
‫ذكر من قال ذلك‪:‬‬
‫‪10311‬ـ حدثنا الحسن بن يحيى‪ ,‬قال‪ :‬أخبرنا عبد الرزاق‪ ,‬قال‪ :‬أخبرنا معمر‪ ,‬قال‪ :‬قال قتادة‬
‫ن ِف ْتنَ ُت ُهمْ قال‪ :‬مقالتهم‪ .‬قال معمر‪ :‬وسمعت غير قتادة يقول‪ :‬معذرتهم‪.‬‬
‫في قوله‪ُ :‬ثمّ َلمْ َتكُ ْ‬
‫‪ 10312‬ـ حدث نا القا سم‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا الح سين‪ ,‬قال‪ :‬ث ني حجاج‪ ,‬عن ا بن جر يج‪ ,‬عن عطاء‬
‫ن ِف ْت َنتُ ُهمْ قال‪ :‬قولهم‪.‬‬
‫الخراساني‪ ,‬عن ابن عباس‪ ,‬قوله‪ُ :‬ثمّ َلمْ َتكُ ْ‬
‫حدث ني مح مد بن سعد‪ ,‬قال‪ :‬ث ني أ بي‪ ,‬قال‪ :‬ث ني ع مي‪ ,‬قال‪ :‬ث ني أ بي‪ ,‬عن أب يه‪ ,‬عن ا بن‬
‫ن ِفتْ َن ُتهُ مْ إلّ أ نْ قالُوا‪ ...‬الَ ية‪ ,‬ف هو كلم هم‪ ,‬قالوا‪ :‬واللّ ِه َربّنَا ما كُنَا‬
‫عباس‪ ,‬قوله‪ :‬ثُ مّ لَ مْ َتكُ ْ‬
‫ُمشْ ِركِينَ‪.‬‬
‫‪ 10313‬ـ حُد ثت عن الح سين بن الفرج‪ ,‬قال‪ :‬سمعت أ با معاذ الف ضل بن خالد يقول‪ :‬حدث نا‬
‫عبيد بن سليمان‪ ,‬قال سمعت الضحاك‪ُ :‬ثمّ َلمْ َت ُكنْ ِف ْت َنتُ ُهمْ يعني كلمهم‪.‬‬
‫وقال آخرون‪ :‬معنى ذلك معذرتهم‪ .‬ذكر من قال ذلك‪:‬‬
‫‪ 10314‬ـ حدث نا ا بن بشار وا بن المث نى‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا مح مد بن جع فر‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا شع بة‪ ,‬عن‬
‫ن ِف ْت َنتُ ُهمْ قال‪ :‬معذرتهم‪.‬‬
‫قتادة‪ُ :‬ثمّ َلمْ َتكُ ْ‬
‫ن ِف ْتنَ ُتهُ ْم إلّ أ نْ‬
‫حدثنا بشر بن معاذ‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا يزيد‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا سعيد‪ ,‬عن قتادة‪ :‬ثُ مّ لَ مْ َتكُ ْ‬
‫قالُوا وَاللّ ِه َربّنا ما ُكنّا ُمشْ ِركِينَ يقول‪ :‬اعتذارهم بالباطل والكذب‪.‬‬
‫وال صواب من القول في ذلك أن يقال معناه‪ :‬ثم لم ي كن قيل هم ع ند فتنت نا إيا هم اعتذارا م ما‬
‫ش ِركِي نَ فوض عت الفت نة مو ضع‬
‫سلف من هم من الشرك بال‪ ,‬إل أ نْ قالُوا وَالّل ِه َربّ نا ما كُنّا ُم ْ‬
‫القول لمعر فة ال سامعين مع نى الكلم‪ .‬وإن ما الفت نة‪ :‬الختبار والبتلء‪ ,‬ول كن ل ما كان الجواب‬
‫من القوم غير واقع هنالك إلّ عند الختبار‪ ,‬وضعت الفتنة التي هي الختبار موضع الخبر عن‬
‫جوابهم ومعذرتهم‪.‬‬
‫ش ِركِينَ فقرأ ذلك عامة قرّاء المدينة‬
‫واختلفت القرّاء أيضا في قراءة قوله‪ :‬وَالّل ِه َربّنا ما ُكنّا ُم ْ‬
‫وب عض الكوفي ين والب صريين‪ :‬وَالّل هِ َربّ نا خف ضا على أن «الرب» ن عت ل‪ .‬وقرأ ذلك جما عة‬
‫من التابعين‪« :‬واللّ ِه َربّنا» بالنصب بمعنى‪ :‬وال يا ربنا‪ ,‬وهي قراءة عامة قرّاء أهل الكوفة‪.‬‬
‫وأولى القراءتين عندي بالصواب في ذلك قراءة من قرأ‪« :‬وَاللّ ِه َربّنا» بنصب الربّ‪ ,‬بمعنى‪:‬‬
‫شرَكا ُؤكُ ُم اّلذِي نَ ُك ْنتُ مْ َتزْعُمو نَ‬
‫ن ُ‬
‫يا رب نا‪ .‬وذلك أن هذا جواب من الم سئولين المقول ل هم‪ :‬أيْ َ‬
‫وكان مـن جواب القوم لربهـم‪ :‬وال يـا ربنـا مـا كنـا مشركيـن‪ ,‬فنفوا أن يكونوا قالوا ذلك فـي‬
‫الدنيا‪ .‬يقول ال تعالى لمحمد صلى ال عليه وسلم‪ :‬انظر كيف كذبوا على أنفسهم وضلّ عنهم‬
‫ن ما كنا ندعو لك شريكا ول ندعو سواك‪.‬‬
‫ش ِركِي َ‬
‫ما كانوا يفترون‪ ,‬ويعني بقوله‪ :‬ما ُكنّا ُم ْ‬

‫‪24‬‬ ‫الية ‪:‬‬


‫ـ مّـا كَانُواْ‬
‫ع ْنهُم ْ‬
‫ـهِمْ َوضَلّ َ‬
‫ى أَنفُس ِ‬
‫ـ َك َذبُواْ عََل َ‬
‫{انظُ ْر َكيْف َ‬ ‫القول فـي تأويـل قوله تعالى‪:‬‬
‫يَ ْف َترُونَ }‪..‬‬
‫يقول تعالى ذكره لنبيه محمد صلى ال عليه وسلم‪ :‬انظر يا محمد فاعلم كيف كذب هؤلء‬
‫المشركون العادلون بربهم الوثان والصنام في الَخرة‪ ,‬عند لقاء ال على أنفسهم بقيلهم‪ :‬وال‬
‫يا ربنا ما كنا مشركين‪ ,‬واستعملوا هنالك الخلق التي كانوا بها متخلقين في الدنيا من الكذب‬
‫والفرية‪.‬‬
‫ومع نى الن ظر في هذا المو ضع‪ :‬الن ظر بالقلب ل الن ظر بالب صر‪ ,‬وإن ما معناه‪ :‬تبين‪ ,‬فاعلم‬
‫ك يف كذبوا في الَخرة‪ .‬وقال‪« :‬كذبوا»‪ ,‬ومعناه‪ :‬يكذبون‪ ,‬ل نه ل ما كان ال خبر قد م ضى في‬
‫ع ْنهُ مْ ما كانُوا يَ ْف َترُو نَ يقول‪ :‬وفارق هم‬
‫الَ ية قبل ها صار كالش يء الذي قد كان وو جد‪ .‬وضَلّ َ‬
‫النداد وال صنام و تبرّءوا من ها‪ ,‬ف سلكوا غ ير سبيلها لن ها هل كت‪ ,‬وأع يد الذ ين كانوا يعبدون ها‬
‫اجتزاء‪ ,‬ثم أخذوا بما كانوا يفترونه من قيل هم في ها على ال وعبادتهم إياه وإشراكهم إيا ها في‬
‫سلطان ال‪ ,‬فضلّت عن هم‪ ,‬وعو قب عابدو ها بفريت هم‪ .‬و قد بي نا في ما م ضى أن مع نى الضلل‪:‬‬
‫ال خذ على غ ير الهدى‪ .‬و قد ذ كر أن هؤلء المشرك ين يقولون هذا القول ع ند معاينت هم سعة‬
‫رحمة ال يومئذٍ‪ .‬ذكر الرواية بذلك‪.‬‬
‫‪ 10315‬ـ حدثنا ابن حميد‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا حكام‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا عمرو‪ ,‬عن مطرف‪ ,‬عن المنهال بن‬
‫عمرو‪ ,‬عـن سـعيد بـن جـبير‪ ,‬قال‪ :‬أتـى رجـل ابـن عباس‪ ,‬فقال‪ :‬قال ال‪ :‬وَاللّهِـ َربّنـا مـا كُنّا‬
‫ن فإنه لما رأوا أنه ل يدخل الجنة إلّ أهل السلم فقالوا‪ :‬تعالو لنجحد قالُوا وَالّل ِه َربّنا‬
‫ُمشْ ِركِي َ‬
‫حدِيثا‪.‬‬
‫ن فختم ال على أفواههم وتكلمت أيديهم وأرجلهم وَل َي ْك ُتمُونَ الّلهَ َ‬
‫شرِكِي َ‬
‫ما ُكنّا ُم ْ‬
‫‪ 10316‬ـ حدث ني مح مد بن عمرو‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا أ بو عا صم‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا عي سى‪ ,‬عن ا بن أ بي‬
‫ن قال‪ :‬قول أهل الشرك حين‬
‫نجيح‪ ,‬عن مجاهد‪ ,‬في قول ال تعالى‪ :‬وَاللّ ِه َربّنا ما ُكنّا ُمشْ ِركِي َ‬
‫رأوا الذنوب تغفر‪ ,‬ول يغفر ال لمشرك‪ ,‬انظر كيف كذبوا على أنفسهم بتكذيب ال إياهم‪.‬‬
‫حدث ني المث نى‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا أ بو حذي فة‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا ش بل‪ ,‬عن ا بن أ بي نج يح‪ ,‬عن مجا هد‪,‬‬
‫بنحوه‪.‬‬
‫‪10317‬ـ حدثني المثنى‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا عبد ال بن صالح‪ ,‬قال‪ :‬ثني معاوية بن صالح‪ ,‬عن عليّ‬
‫حدِيثا‬
‫ن ال َ‬
‫ن ثم قال‪ :‬ول َي ْكتُمو َ‬
‫شرِكِي َ‬
‫بن أبي طلحة‪ ,‬عن ابن عباس‪ ,‬قوله‪ :‬وَاللّ ِه َربّنا ما ُكنّا ُم ْ‬
‫بجوارحهم‪.‬‬
‫‪ 10318‬ـ حدث نا ا بن وك يع‪ ,‬قال حدث نا أ بي‪ ,‬عن حمزة الزيات‪ ,‬عن ر جل يقال له هشام‪ ,‬عن‬
‫ن قال‪ :‬حلفوا واعتذروا‪,‬‬
‫ن قالُوا وَاللّ هِ َربّنا ما ُكنّا ُمشْ ِركِي َ‬
‫سعيد بن جبير‪ :‬ثُ مّ لَ مْ َتكُ نْ ِف ْت َن ُتهُ مْ إلّ أ ْ‬
‫قالوا‪ :‬وال ربنا‪.‬‬
‫حدث ني المث نى‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا قبي صة بن عق بة‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا سفيان‪ ,‬عن سعيد بن جبير‪ ,‬قال‪:‬‬
‫أقسموا واعتذروا‪ :‬وال ربنا‪.‬‬
‫حدث نا هناد‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا وك يع‪ ,‬عن حمزة الزيات‪ ,‬عن ر جل يقال له هشام‪ ,‬عن سعيد بن‬
‫جبير بنحوه‪.‬‬
‫‪ 10319‬ـ حدثنا هناد‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا أ بو معاو ية‪ ,‬عن سفيان بن زياد العصفري‪ ,‬عن سعيد بن‬
‫ش ِركِي نَ قال‪ :‬ل ما أ مر بإخراج رجال من النار من أ هل‬
‫جبير‪ ,‬في قوله‪ :‬وَالّل ِه َربّ نا ما كُنّا ُم ْ‬
‫التوح يد‪ ,‬قال من في ها من المشرك ين‪ :‬تعالوا نقول‪ :‬ل إله إلّ ال‪ ,‬لعل نا نخرج مع هؤلء قال‪:‬‬
‫ظرْ َكيْف َـ َك َذبُوا على‬
‫فلم يصـدّقوا‪ ,‬قال‪ :‬فحلفوا‪ :‬وَاللّهِـ َربّنـا مـا كُنّا ُمشْ ِركِين َـ قال‪ :‬فقال ال‪ :‬ا ْن ُ‬
‫ع ْنهُ ْم ما كانُوا يَ ْف َترُونَ‪.‬‬
‫سهِمْ َوضَلّ َ‬
‫أنْ ُف ِ‬
‫ع ْنهُ مْ ما‬
‫‪ 10320‬ـ حدثنا بشر بن معاذ‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا يزيد‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا سعيد‪ ,‬عن قتادة‪َ :‬وضَلّ َ‬
‫كانُوا يَ ْف َترُونَ‪ :‬أي يشركون به‪.‬‬
‫حدثنا الحرث‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا عبد العزيز‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا المنهال بن عمرو‪ ,‬عن سعيد بن جبير‪,‬‬
‫ش ِركِي نَ قال‪ :‬ل ما رأى المشركون أ نه ل يد خل‬
‫عن ا بن عباس‪ ,‬في قوله‪ :‬وَالّل هِ َربّ نا ما كُنّا ُم ْ‬
‫ش ِركِي نَ‪ .‬فسئلوا‪ ,‬فقالوا ذلك‪ ,‬فختم‬
‫ل مسلم‪ ,‬قالوا‪ :‬تعالوا إذا سئلنا قلنا وَالّل هِ َربّنا ما ُكنّا ُم ْ‬
‫الجنة إ ّ‬
‫ال على أفواههم وشهدت عليهم جوارحهم بأعمالهم‪ ,‬فو ّد الذين كفروا حين رأوا ذلك َل ْو تُ سَوّى‬
‫حدِيثا‪.‬‬
‫ن اللّ َه َ‬
‫ل َي ْك ُتمُو َ‬
‫ِب ِهمُ الرْضُ َو َ‬
‫حدثني الحرث‪ ,‬قال‪ :‬ثني عبد العزيز‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا مسلم بن خلف‪ ,‬عن ابن أبي نجيح‪ ,‬عن‬
‫مجا هد قال‪ :‬يأ تي على الناس يوم القيا مة ساعة ل ما رأى أ هل الشرك أ هل التوح يد ُيغْ فر ل هم‪,‬‬
‫ع ْنهُ مْ ما كانُوا‬
‫سهِمْ َوضَلّ َ‬
‫ن قال‪ :‬ا ْنظُرْ َكيْ فَ َك َذبُوا على أ ْنفُ ِ‬
‫فيقولوا‪ :‬وَاللّ ِه َربّ نا ما كُنّا ُمشْ ِركِي َ‬
‫يَ ْف َترُونَ‪.‬‬
‫حدثني الحرث‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا عبد العزيز‪ ,‬قال حدثنا سفيان عن رجل‪ ,‬عن سعيد بن جبير‪ ,‬أنه‬
‫كان يقول‪ :‬وَالّل ِه رَبّنا ما ُكنّا ُمشْ ِركِي نَ يخفضها‪ .‬قال‪ :‬أقسموا واعتذروا‪ .‬قال الحرث‪ :‬قال عبد‬
‫العزيز‪ ,‬قال سفيان مرّة أخرى‪ ,‬ثني هشام‪ ,‬عن سعيد بن جبير‪.‬‬

‫‪25‬‬ ‫الية ‪:‬‬


‫ى قُلُو ِبهِ مْ َأ ِكنّ ًة أَن يَفْ َقهُو هُ‬
‫جعَلْنَا عََل َ‬
‫{ َو ِم ْنهُ مْ مّن يَ سْ َتمِعُ إَِليْ كَ َو َ‬ ‫القول في تأو يل قوله تعالى‪:‬‬
‫ن كَ َفرُوَاْ‬
‫حّتىَ ِإذَا جَآءُو كَ ُيجَادِلُونَ كَ يَقُولُ اّلذِي َ‬
‫َوفِ يَ آذَا ِنهِ مْ َوقْرا وَإِن َيرَوْ ْا كُلّ آ َي ٍة لّ يُ ْؤ ِمنُو ْا ِبهَا َ‬
‫ن هَـذَآ ِإلّ َأسَاطِيرُ الوّلِينَ }‪..‬‬
‫إِ ْ‬
‫يقول تعالى ذكره‪ :‬و من هؤلء العادل ين برب هم الوثان وال صنام من قو مك يا مح مد من‬
‫ي ستمع إل يك‪ ,‬يقول‪ :‬من ي ستمع القرآن م نك‪ ,‬وي ستمع ما تدعوه إل يه من توح يد ر بك وأمره‬
‫ونه يه‪ ,‬ول يف قه ما تقول ول يوع يه قل به‪ ,‬ول يتدبره ول ي صغي له سمعه ليتفق هه فيف هم ح جج‬
‫ال عليه في تنزيله الذي أنزله عليك‪ ,‬إنما يسمع صوتك وقراءتك وكلمك‪ ,‬ول يعقل عنك ما‬
‫تقول لن ال قد ج عل على قل به أكنّة‪ .‬و هي ج مع كنان‪ ,‬و هو الغطاء م ثل سنان وأ سنة‪ ,‬يقال‬
‫ض َم ْكنُو نٌ وهو‬
‫منه‪ :‬أكننت الشيء في نفسي باللف‪ ,‬وك َننَ تُ الشيء إذا غطيته‪ ,‬ومن ذلك َبيْ ٌ‬
‫الغطاء‪ ,‬ومنه قول الشاعر‪:‬‬
‫ن كِنانُناظِلّ ُب ْردٍ ُم َرحّلُ‬
‫عيْ ٍ‬
‫َتحْتَ َ‬
‫يعني غطاءهم الذي يكنّهم‪.‬‬
‫وفِي آذَانهِ مْ َوقْرا يقول تعالى ذكره‪ :‬وج عل في آذان هم ثقلً و صمما عن ف هم ما تتلو علي هم‬
‫والصـغاء لمـا تدعوهـم إليـه‪ .‬والعرب تفتـح الواو من «الوَقْر» فـي الذن‪ :‬و هو الث قل فيهـا‪,‬‬
‫وتكسرها في الحمل‪ ,‬فتقول‪ :‬هو ِوقْر الدابة‪ ,‬ويقال من الحِمل‪ :‬أوقرت الدابة فهي مُوقَرة‪ ,‬ومن‬
‫السمع‪ :‬وقرت سمعه فهو موقور‪ ,‬ومنه قول الشاعر‪:‬‬
‫س ْمعَها )‬
‫(ولي هامَ ٌة قَدْ َوقَ َر الضّرْبُ َ‬
‫وقد ذكر سماعا منهم‪ :‬و َقرَ تْ أذنه‪ :‬إذا ثقلت‪ ,‬فهي موقورة‪ ,‬وأوقَرت النخلة فهي مُوقر‪ ,‬كما‬
‫قيل‪ :‬امرأة طامث وحائض‪ ,‬لنه لح ظّ فيه للمذكر‪ ,‬فإذا أريد أن ال أوقرها قيل موقرة‪ .‬وقال‬
‫ن اللّ ُه َلكُ مْ‬
‫ن يَفْ َقهُو ُه بمعنى‪ :‬أن ل يفقهوه‪ ,‬كما قال‪ُ :‬ي َبيّ ُ‬
‫جعَلْ نا على قُلو ِبهِ مْ أ ِكنّ ًة أ ْ‬
‫تعالى ذكره‪َ :‬و َ‬
‫ن إنما جعل على القلب لئل يفقهه ل ليفقهه‪.‬‬
‫ن َتضِلّوا بمعنى‪ :‬أن ل تضلوا‪ ,‬لن الك ّ‬
‫أْ‬
‫وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل‪ .‬ذكر من قال ذلك‪:‬‬
‫‪ 10321‬ـ حدث نا الح سن بن يح يى‪ ,‬قال‪ :‬أخبر نا ع بد الرزاق‪ ,‬قال‪ :‬أخبر نا مع مر‪ ,‬عن قتادة‪:‬‬
‫ن يَفْ َقهُو هُ وفِي آذَا ِنهِ مْ َوقْرا قال‪ :‬يسمعونه بآذانهم ول يعون منه شيئا‪,‬‬
‫جعَلْنا على قُلو ِبهِ مْ أ ِكنّةً أ ْ‬
‫َو َ‬
‫كمثل البهيمة التي تسمع النداء ول تدري ما يقال لها‪.‬‬
‫‪ 10322‬ـ حدث ني مح مد بن الح سين‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا أح مد بن المف ضل قال‪ :‬حدث نا أ سباط‪ ,‬عن‬
‫ن قلوبهم ل‬
‫جعَلْنا على قُلو ِبهِ مْ أ ِكنّةً أ نْ َيفْ َقهُو هُ وفِي آذَا ِنهِ مْ َوقْرا أما أكنة‪ :‬فالغطاء‪ ,‬أك ّ‬
‫السديّ‪َ :‬و َ‬
‫يفقهون الحقّ‪ ,‬وفِي آذَا ِنهِمْ َوقْرا قال صمم‪.‬‬
‫‪ 10323‬ـ حدث ني مح مد بن عمرو‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا أ بو عا صم‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا عي سى‪ ,‬عن ا بن أ بي‬
‫ك قال‪ :‬قريش‪.‬‬
‫ن َيسْ َتمِعُ إَل ْي َ‬
‫نجيح‪ ,‬عن مجاهد في قول ال‪َ :‬و ِم ْن ُهمْ مَ ْ‬
‫حدثني المثنى‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا حذيفة‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا شبل‪ ,‬عن ابن أبي نجيح‪ ,‬عن مجاهد‪ ,‬مثله‪.‬‬
‫ك يُجادِلُونَ كَ يَقُولُ‬
‫ل آيَ ٍة ل ُي ْؤ ِمنُوا بِها ح تى إذَا جَاءُ َ‬
‫ن َيرَوْا كُ ّ‬
‫القول في تأو يل قوله تعالى‪ :‬وَإ ْ‬
‫ل أساطِيرُ الوّلِينَ‪.‬‬
‫ن َهذَا إ ّ‬
‫اّلذِينَ كَ َفرُوا إ ْ‬
‫يقول تعالى ذكره‪ :‬وإن هؤلء العادلون بربهـم الوثان والصـنام‪ ,‬الذيـن جعلت على قلوبهـم‬
‫أكنة أن يفقهوا عنك ما يسمعون منك‪ ,‬كُلّ آ َيةٍ‪ :‬يقول‪ :‬كل حجة وعلمة تدلّ أهل الحِجا والفهم‬
‫على توح يد ال و صدق قولك وحقي قة نبّو تك ل يُ ْؤ ِمنُوا بِ ها يقول‪ :‬ل ي صدّقون ب ها ول يقرّون‬
‫بأنها دالة على ما هي عليه دالة‪ .‬حتى إذَا جَاءُو كَ يُجادِلُونَ كَ يقول‪ :‬حتى إذا صاروا إليك بعد‬
‫ن كَ َفرُوا‬
‫ل اّلذِي َ‬
‫معاينتهم الَيات الدالة على حقيقة ما جئتهم به يجادلونك‪ ,‬يقول‪ :‬يخاصمونك‪ .‬يَقُو ُ‬
‫ي ال صلى ال عل يه و سلم إذا‬
‫يع ني بذلك الذ ين جحدوا آيات ال وأنكروا حقيقت ها‪ ,‬يقولون ل نب ّ‬
‫ج بها عليهم وبيانه الذي بينه لهم‪ :‬إ نْ َهذَا إلّ أساطِيرُ الوّلِي نَ أي ما‬
‫سمعوا حجج ال التي احت ّ‬
‫هذا إلّ أساطير الوّلين‪ .‬والساطير‪ :‬جمع إ سْطارة وأُ سْطورة مثل أفكوهة وأضحوكة‪ ,‬وجائز‬
‫ِتابـ‬
‫أن يكون الواحـد أسـطارا مثـل أبيات وأبابيـت وأقوال وأقاويـل‪ ,‬مـن قول ال تعالى‪ :‬وك ٍ‬
‫سطْرا‪ .‬فإن كان من هذا‪ ,‬فإن تأويله‪ :‬ما هذا إلّ ما كت به الوّلون‪.‬‬
‫طرْ َ‬
‫سطَرَ يَ سْ ُ‬
‫سطُورٍ من َ‬
‫مَ ْ‬
‫و قد ذ كر عن ا بن عباس وغيره أن هم كانوا يتأوّلو نه بهذا التأو يل‪ ,‬ويقولون معناه‪ :‬إن هذا إلّ‬
‫أحاديث الوّلين‪.‬‬
‫‪ 10324‬ـ حدث ني بذلك المثنى بن إبراه يم‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا ع بد ال بن صالح‪ ,‬قال‪ :‬ثني معاو ية‪,‬‬
‫عن عليّ بن أبي طلحة‪ ,‬عن ابن عباس‪.‬‬
‫‪ 10325‬ـ حدث ني مح مد بن الح سين‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا أح مد بن مف ضل‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا أ سباط‪ ,‬عن‬
‫السديّ‪ ,‬أما‪ :‬أساطِيرُ الوّلِينَ فأساجيع الوّلين‪.‬‬
‫وكان ب عض أ هل العلم و هو أ بو عبيدة مع مر بن المث نى بكلم العرب يقول‪ :‬ال سطارة‪ :‬ل غة‬
‫ـم‪:‬‬
‫ـطورة‪ ,‬وقال بعضهـ‬
‫ـم‪ :‬واحده أسـ‬
‫الخرافات والترّهات‪ .‬وكان الخفـش يقول‪ :‬قال بعضهـ‬
‫إسطارة قال‪ :‬ول أراه إلّ من الجمع الذي ليس له واحد‪ ,‬نحو العبابيد والمذاكير والبابيل‪ .‬قال‪:‬‬
‫عجّوْل‪ ,‬ولم أجد العرب تعرف له‬
‫وقال بعضهم‪ :‬واحد البابيل‪ :‬إبّيل وقال بعضهم‪ :‬إبّوْل‪ ,‬مثل ِ‬
‫شمْطاط‪,‬‬
‫واحدا‪ ,‬وإن ما هو مثل عباد يد ل واحد ل ها‪ .‬وأ ما الشماط يط‪ ,‬فإن هم يزعمون أن واحده ِ‬
‫ل جمعـا‬
‫ل هذه لهـا واحـد‪ ,‬إلّ أنـه لم يسـتعمل ولم يتكلم بـه‪ ,‬لن هذا المثال ل يكون إ ّ‬
‫قال‪ :‬وك ّ‬
‫قال‪ :‬وسمعت العرب الف صحاء تقول‪ :‬أرسل خيله أباب يل‪ ,‬تر يد جماعات‪ ,‬فل تتكلم ب ها موحدة‪.‬‬
‫وكانت مجادلتهم رسول ال صلى ال عليه وسلم التي ذكرها ال في هذه الَية فيما ذكر‪ ,‬ما‪:‬‬
‫‪ 10326‬ـ حدثني به محمد بن سعد‪ ,‬قال‪ :‬ثني أبي‪ ,‬قال‪ :‬ثني عمي‪ ,‬قال‪ :‬ثني أبي‪ ,‬عن أبيه‪,‬‬
‫ُوكـ يُجادِلُونَكـَ‪ ...‬الَيـة‪ :‬قال‪ :‬هـم المشركون يجادلون‬
‫عـن ابـن عباس‪ ,‬قوله‪ :‬حتـى إذَا جَاء َ‬
‫المسلمين في الذبيحة‪ ,‬يقولون‪ :‬أما ما ذبحتم وقتلتم فتأكلون‪ ,‬وأما ما قتل ال فل تأكلون‪ ,‬وأنتم‬
‫تتبعون أمر ال تعالى‪.‬‬

‫‪26‬‬ ‫الية ‪:‬‬


‫س ُهمْ وَمَا‬
‫ل أَنفُ َ‬
‫عنْ هُ وَإِن ُيهِْلكُو نَ ِإ ّ‬
‫عنْ ُه َو َي ْنأَوْ نَ َ‬
‫{وَهُ ْم َي ْنهَوْ نَ َ‬ ‫القول في تأو يل قوله تعالى‪:‬‬
‫شعُرُونَ }‪..‬‬
‫َي ْ‬
‫عنْهُـ فقال بعضهـم‪ :‬معناه‪:‬‬
‫عنْهُـ ويَنأوْنَـ َ‬
‫اختلف أ هل التأويـل فـي تأو يل قوله‪ :‬وَهُم ْـ َي ْنهَوْ نَ َ‬
‫هؤلء المشركون المكذّبون بآيات ال‪ ,‬ينهون الناس عـن اتباع محمـد صـلى ال عليـه وسـلم‬
‫والقبول منه‪ ,‬وينأون عنه‪ :‬يتباعدون عنه‪ .‬ذكر من قال ذلك‪:‬‬
‫‪ 10327‬ـ حدثنا ا بن وكيع‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا ح فص بن غياث وهان يء بن سعيد‪ ,‬عن حجاج‪ ,‬عن‬
‫عنْ هُ قال‪ :‬يتخلفون عن ال نبيّ صلى ال عل يه‬
‫عنْ هُ و َي ْنأَوْ نَ َ‬
‫سالم‪ ,‬عن ا بن الحنف ية‪ :‬وَهُ مْ َي ْنهَ ْو نَ َ‬
‫وسلم ول يجيبونه‪ ,‬وينهون الناس عنه‪.‬‬
‫‪ 10328‬ـ حدثنا المثنى‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا عبد ال بن صالح‪ ,‬قال‪ :‬ثني معاوية بن صالح‪ ,‬عن عل يّ‬
‫عنْ هُ يع ني‪ :‬ينهون الناس عن‬
‫عنْ ُه و َي ْنأَوْ نَ َ‬
‫بن أ بي طل حة‪ ,‬عن ا بن عباس‪ ,‬قوله‪ :‬وَهُ مْ َي ْنهَ ْو نَ َ‬
‫عنْ ُه يعني‪ :‬يتباعدون عنه‪.‬‬
‫محمد أن يؤمنوا به‪ .‬و َي ْنأَ ْونَ َ‬
‫‪ 10329‬ـ حدث ني مح مد بن الح سين‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا أح مد بن المف ضل‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا أ سباط‪ ,‬عن‬
‫عنْ ُه أن يتبع محمد ويتباعدون هم منه‪.‬‬
‫عنْ ُه و َي ْنأَ ْونَ َ‬
‫السديّ‪ :‬وَ ُهمْ َي ْنهَ ْونَ َ‬
‫‪ 10330‬ـ حدثني محمد بن سعد‪ ,‬قال‪ :‬ثني أبي‪ ,‬قال‪ :‬ثني عمي‪ ,‬قال‪ :‬ثني أبي‪ ,‬عن أبيه‪ ,‬عن‬
‫عنْهُ يقول‪ :‬ل يلقونه‪ ,‬ول يدعون أحدا يأتيه‪.‬‬
‫عنْ ُه و َي ْنأَ ْونَ َ‬
‫ابن عباس‪ ,‬قوله‪ :‬وَ ُهمْ َي ْنهَ ْونَ َ‬
‫ع ْن هُ‬
‫‪ 10331‬ـ حُدثت عن الحسين بن الفرج‪ ,‬قال‪ :‬سمعت أبا معاذ يقول في قوله‪ :‬وَهُ مْ َي ْنهَوْ نَ َ‬
‫يقول‪ :‬عن محمد صلى ال عليه وسلم‪.‬‬
‫عنْ هُ‬
‫‪ 10332‬ـ حدث نا ب شر‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا يز يد‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا سعيد‪ ,‬عن قتادة‪ ,‬قوله‪ :‬وَهُ ْم َي ْنهَوْ نَ َ‬
‫عنْ ُه جمعوا النهي والنأي‪ .‬والنأي‪ :‬التباعد‪.‬‬
‫و َي ْنأَ ْونَ َ‬
‫ع ْن هُ عن القرآن أن يُسمع له ويعمل بما فيه‪ .‬ذكر من‬
‫وقال بعضهم‪ :‬بل معناه‪ :‬وَهُ مْ َي ْنهَوْ نَ َ‬
‫قال ذلك‪:‬‬
‫‪10333‬ـ حدثنا الحسن بن يحيى‪ ,‬قال‪ :‬أخبرنا عبد الرزاق‪ ,‬قال‪ :‬أخبرنا معمر‪ ,‬عن قتادة‪ ,‬في‬
‫عنْ هُ‬
‫ع ْن ُه قال‪ :‬ينهون عن القرآن‪ ,‬وعن النبيّ صلى ال عليه وسلم‪ .‬و َي ْنأَوْ نَ َ‬
‫قوله‪ :‬وَهُ مْ َي ْنهَ ْو نَ َ‬
‫ويتباعدون عنه‪.‬‬
‫‪ 10334‬ـ حدث نا مح مد بن عمرو‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا أ بو عا صم‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا عي سى‪ ,‬عن ا بن أ بي‬
‫عنْهُ يقول يتباعدون‪.‬‬
‫عنْ ُه قال قريش عن الذكر‪ .‬و َي ْنأَ ْونَ َ‬
‫نجيح‪ ,‬عن مجاهد‪ ,‬قوله‪ :‬وَ ُه ْم َي ْنهَوْنَ َ‬
‫حدثني المثنى‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا أبو حذيفة‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا شبل‪ ,‬عن ابن أبي نجيح‪ ,‬عن مجاهد‪ :‬وَهُمْ‬
‫عنْ ُه قريش عن الذكر‪ ,‬ينأون عنه‪ :‬يتباعدون‪.‬‬
‫عنْ ُه و َي ْنَأوْنَ َ‬
‫َي ْنهَوْنَ َ‬
‫حدثنا محمد بن عبد العلى‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا محمد بن ثور‪ ,‬عن معمر‪ ,‬عن قتادة‪ :‬وَهُ مْ َي ْنهَ ْو نَ‬
‫عنْ ُه قال‪ :‬ينهون عن القرآن وعن النبيّ صلى ال عليه وسلم‪ ,‬ويتباعدون عنه‪.‬‬
‫عنْ ُه و َي ْنَأوْنَ َ‬
‫َ‬
‫عنْ ُه قال‪:‬‬
‫‪ 10335‬ـ حدثني يونس‪ ,‬قال‪ :‬أخبرنا ابن وهب‪ ,‬قال‪ :‬قال ابن زيد‪ ,‬في قوله‪َ :‬ي ْنأَوْ نَ َ‬
‫ينأون عنه‪ :‬يبعدون‪.‬‬
‫وقال آخرون‪ :‬مع نى ذلك‪ :‬و هم ينهون عن أذى مح مد صلى ال عل يه و سلم‪ ,‬وينأون ع نه‪:‬‬
‫يتباعدون عن دينه واتباعه‪ .‬ذكر من قال ذلك‪:‬‬
‫‪ 10336‬ـ حدث نا هناد‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا وك يع وقبي صة‪ ,‬وحدث نا ا بن وك يع‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا أ بي‪ ,‬عن‬
‫سفيان‪ ,‬عن حبيب بن أبي ثابت‪ ,‬عمن سمع ابن عباس يقول‪ :‬نزلت في أبي طالب‪ ,‬كان ينهى‬
‫عن محمد أن يُ ْؤذَي وينأي عما جاء به أن يؤمن به‪.‬‬
‫حدثنا ابن بشار‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا عبد الرحمن‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا سفيان‪ ,‬عن حبيب بن أبي ثابت‪ ,‬قال‪:‬‬
‫عنْ ُه قال‪ :‬نزلت في أبي طالب ينهي‬
‫عنْ ُه و َي ْنأَ ْو نَ َ‬
‫ثني من سمع ابن عباس يقول‪ :‬وَهُ مْ َي ْنهَ ْو نَ َ‬
‫عنه أن يؤذي‪ ,‬وينأي عما جاء به‪.‬‬
‫حدثنا الحسن بن يحيى‪ ,‬أخبرنا عبد الرزاق‪ ,‬قال‪ :‬أخبرنا الثور يّ‪ ,‬عن حبيب بن أبي ثابت‪,‬‬
‫عنْ ُه قال‪ :‬نزلت في أ بي طالب كان ين هي‬
‫عنْ ُه و َي ْنأَ ْو نَ َ‬
‫ع من سمع ا بن عباس‪ :‬وَهُ ْم َي ْنهَوْ نَ َ‬
‫المشركين أن يؤذوا محمدا‪ ,‬وينأي عما جاء به‪.‬‬
‫‪ 10337‬ـ حدث نا هناد‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا عبدة‪ ,‬عن إ سماعيل بن أ بي خالد‪ ,‬عن القا سم بن مخيمرة‪,‬‬
‫قال‪ :‬كان أبو طالب ينهي عن النبيّ صلى ال عليه وسلم ول يصدّقه‪.‬‬
‫‪ 10338‬ـ حدثنا ابن وكيع قال‪ :‬حدثنا أبي ومحمد بن بشر‪ ,‬عن إسماعيل بن أبي خالد‪ ,‬عن‬
‫عنْ ُه قال‪ :‬نزلت في أبي طالب‪ .‬قال ابن‬
‫عنْ ُه و َي ْنأَ ْو نَ َ‬
‫القاسم بن مخيمرة‪ ,‬في قوله‪ :‬وَهُ مْ َي ْنهَ ْو نَ َ‬
‫وكيع‪ :‬قال بشر‪ :‬كان أبو طالب ينهي عن النبيّ صلى ال عليه وسلم أن يؤذي‪ ,‬ول يصدّق به‪.‬‬
‫حدثنا هناد‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا يونس بن بكير‪ ,‬عن أبي محمد السديّ‪ ,‬عن حبيب بن أبي ثابت‪,‬‬
‫ع ْن هُ نزلت في‬
‫عنْ ُه و َي ْنأَوْ نَ َ‬
‫قال‪ :‬ثني من سمع ابن عباس يقول في قول ال تعالى‪ :‬وَهُ مْ َي ْنهَ ْو نَ َ‬
‫أبي طالب كان ينهي عن أذى محمد‪ ,‬وينأى عما جاء به أن يتبعه‪.‬‬
‫‪ 10339‬ـ حدثنا هناد‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا وكيع‪ ,‬عن إسماعيل بن أبي خالد‪ ,‬عن القاسم بن مخيمرة‪,‬‬
‫عنْ ُه قال‪ :‬نزلت في أبي طالب‪.‬‬
‫عنْ ُه و َي ْنأَ ْونَ َ‬
‫في قوله‪ :‬وَ ُه ْم َي ْنهَوْنَ َ‬
‫‪ 10340‬ـ حدث نا ا بن وك يع‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا عب يد ال بن مو سى‪ ,‬عن ع بد العز يز بن سياه‪ ,‬عن‬
‫عنْهُ‪.‬‬
‫عنْ ُه و َي ْنأَ ْونَ َ‬
‫حبيب‪ ,‬قال‪ :‬ذاك أبو طالب‪ ,‬في قوله‪ :‬وَ ُهمْ َي ْنهَ ْونَ َ‬
‫‪ 10341‬ـ حدثنا يونس‪ ,‬قال‪ :‬أخبرنا ابن وهب‪ ,‬قال‪ :‬ثني سعيد بن أبي أيوب‪ ,‬قال‪ :‬قال عطاء‬
‫ع ْن ُه أنها نزلت في أبي طالب‪ ,‬أنه كان ينهى‬
‫عنْ ُه و َي ْنَأوْ نَ َ‬
‫بن دينار في قوله ال‪ :‬وَهُ ْم َي ْنهَوْ نَ َ‬
‫الناس عن إيذاء رسول ال صلى ال عليه وسلم وينأى عما جاء به من الهدى‪.‬‬
‫عنْ ُه عن اتباع محمد صلى‬
‫وأولى هذه القوال بتأويل الَية‪ ,‬قول من قال‪ :‬تأويله‪ :‬وَهُ ْم َي ْنهَوْنَ َ‬
‫ن عن اتبا عه‪ .‬وذلك أن الَيات قبل ها جرت بذ كر‬
‫ال عل يه و سلم من سواهم من الناس‪ ,‬وينأوْ َ‬
‫جماعة المشركين العادلين به‪ ,‬والخبر عن تكذيبهم رسول ال صلى ال عليه وسلم والعراض‬
‫ع ْن هُ خبرا عنهم‪ ,‬إذ‬
‫عما جاءهم به من تنزيل ال ووحيه‪ ,‬فالواجب أن يكون قوله‪ :‬وَهُ مْ َي ْنهَوْ نَ َ‬
‫لم يأت نا ما يدلّ على ان صراف ال خبر عن هم إلى غير هم‪ ,‬بل ما ق بل هذه الَ ية و ما بعد ها يدلّ‬
‫على صحة ما قلنا من أن ذلك خبر عن جماعة مشركي قوم رسول ال صلى ال عليه وسلم‬
‫ص منهم‪.‬‬
‫دون أن يكون خبرا عن خا ّ‬
‫وإذ كان ذلك كذلك‪ ,‬فتأو يل الَ ية‪ :‬وإن ير هؤلء المشركون يا مح مد كلّ آ ية ل يؤمنوا ب ها‪,‬‬
‫حتى إذا جاءوك يجادلونك‪ ,‬يقولون‪ :‬إن هذا الذي جئتنا به إل أحاديث الوّلين وأخبارهم‪ ,‬وهم‬
‫س ُهمْ‬
‫ن إلّ َأنْفُ َ‬
‫ينهون عن ا ستماع التنز يل وينأون ع نك‪ ,‬فيبعدون م نك و من اتبا عك‪ .‬وإ نْ ُيهِْلكُو َ‬
‫يقول‪ :‬و ما يهلكون بصدّهم عن سبيل ال وإعراضهم عن تنزيله وكفرهم برب هم إل أنفسهم ل‬
‫شعُرُو نَ‬
‫غيرها‪ ,‬وذلك أنهم يكسبونها بفعلهم ذلك سخط ال وأليم عقابه وما ل قبل لها به‪ .‬وَما َي ْ‬
‫يقول‪ :‬وما يدرون ما هم مكسبوها من الهلك والعطب بفعلهم‪ .‬والعرب تقول لكلّ من بعد عن‬
‫ش يء‪ :‬قد نأي ع نه‪ ,‬ف هو ينأي نأ يا‪ ,‬وم سموع من هم‪َ :‬نَأيْتُك بمع نى نأ يت ع نك وأ ما إذا أرادوا‪:‬‬
‫أبعدتك عني‪ ,‬قالوا‪ :‬أنأيتك‪ .‬ومن نأيتك بمعنى نأيت عنك قول الحطيئة‪:‬‬
‫ط ْيفٍ خَيالَ‬
‫َنَأ ْتكَ أُمامَ ُة إل سُؤَالَوأ ْبصَرْتَ ِمنْها ب َ‬

‫‪27‬‬ ‫الية ‪:‬‬


‫ـ‬
‫{وََل ْو تَ َرىَ ِإذْ ُوقِفُواْ عَلَى النّارِ فَقَالُو ْا يََل ْيتَنَـا ُن َردّ َولَ ُن َكذّب َ‬ ‫القول فـي تأويـل قوله تعالى‪:‬‬
‫ن ا ْلمُ ْؤ ِمنِينَ }‪..‬‬
‫بِآيَاتِ َر ّبنَا َو َنكُونَ مِ َ‬
‫يقول تعالى ذكره لنبيه محمد صلى ال عليه وسلم‪ :‬وَلَ ْو َترَى يا محمد هؤلء العادلين بربهم‬
‫ال صنام والوثان الجاحد ين نبوّ تك الذ ين و صفت لك صفتهم‪ ,‬إذْ ُوقِفُوا يقول‪ :‬إذ حب سوا‪ ,‬على‬
‫النّا ِر يعني في النار‪ ,‬فوضعت «على» موضع «في» كما قال‪ :‬وَا ّت َبعُوا ما َتتْلُوا الشّياطِي نُ على‬
‫مُ ْلكِ سََليْمانَ بمعنى في ملك سليمان‪ .‬وقيل‪ :‬وَلَ ْو َترَى إذْ ُوقِفُوا ومعناه‪ :‬إذا وقفوا لما وصفنا قبل‬
‫في ما م ضى أن العرب قد ت ضع «إذ» مكان «إذا»‪ ,‬و«إذا» مكان «إذ»‪ ,‬وإن كان ح ظّ «إذ» أن‬
‫ت صاحب من الخبار ما قد و جد فق ضى‪ ,‬وح ظّ «إذا» أن ت صاحب من الخبار ما لم يو جد‪,‬‬
‫ولكن ذلك كما قال الراجز وهو أبو النجم‪:‬‬
‫ن في العلليّ العُل‬
‫عدْ ٍ‬
‫جزَى جنّاتِ َ‬
‫عنّا إ ْذ َ‬
‫جزَا ُه اللّهُ َ‬
‫طهَثمّ َ‬
‫ب َ‬
‫ع ْمرِهِ ر ّ‬
‫مدّ لنا في ُ‬
‫فقال‪« :‬ثـم جزاه ال عنـا إذ جزى»‪ ,‬فوضـع «إذ» مكان «إذا»‪ .‬وقيـل‪ُ « :‬وقِفوا» ولم يقـل‬
‫«أوقفوا»‪ ,‬لن ذلك هو الف صيح من كلم العرب‪ ,‬يقال‪ :‬وق فت الدا بة وغير ها بغ ير ألف إذا‬
‫حبستها‪ ,‬وكذلك وقفت الرض إذا جعلتها صدقة حبيسا‪ ,‬بغير ألف‪ .‬وقد‪:‬‬
‫ي كلهما‪ ,‬عن أبي‬
‫‪ 10342‬ـ حدثني الحارث‪ ,‬عن أبي عبيد‪ ,‬قال‪ :‬أخبرني اليزيد يّ والصمع ّ‬
‫عمرو‪ ,‬قال‪ :‬ما سمعت أحدا من العرب يقول‪« :‬أوقفت الشيء» باللف‪ .‬قال‪ :‬إل أني لو رأيت‬
‫رجلً بمكان‪ ,‬فقلت‪ :‬ما أوقفك هاهنا؟ باللف لرأيته حسنا‪ .‬فَقَالُوا يا َل ْي َتنَا ُنرَدّ يقول‪ :‬فقال هؤلء‬
‫المشركون بربهم إذ حبسوا في النار‪ :‬يا ليتنا نر ّد إلى الدنيا حتى نتوب ونراجع طاعة ال‪ ,‬وَل‬
‫ن المُ ْؤ ِمنِي نَ يقول‪ :‬ونكون‬
‫ن مِ َ‬
‫ُن َكذّبَ بآياتِ َربّنا يقول‪ :‬ول نكذّب بحجج ربنا ول نجحدها‪َ ,‬و َنكُو َ‬
‫من المصدّقين بال وحججه ورسله‪ ,‬متبعي أمره ونهيه‪.‬‬
‫واختلفت القرّاء في قراءة ذلك‪ ,‬فقرأته عامة قرّاء الحجاز والمدينة والعراقيين‪« :‬يا َل ْيتَنا ُنرَدّ‬
‫ن المُ ْؤ ِمنِي نَ» بمعنى‪ :‬يا ليتنا نردّ‪ ,‬ولسنا نكذّب بآيات ربنا ولكن‬
‫وَل ُن َكذّ بُ بآياتِ َربّنا َو َنكُو نُ مِ َ‬
‫نكون من المؤمنين‪ .‬وقرأ ذلك بعض قرّاء الكوفة‪ :‬يا َل ْيتَنا ُن َردّ وَل ُن َكذّبَ بآياتِ َربّنا َو َنكُونَ ِمنَ‬
‫ن بمعنى يا ليتنا نردّ‪ ,‬وأن ل نكذّب بآيات ربنا ونكون من المؤمنين‪.‬‬
‫المُ ْؤ ِمنِي َ‬
‫وتأوّلوا في ذلك شيئا‪:‬‬
‫‪10343‬ـ حدّثنيه أحمد بن يوسف‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا القاسم بن سلم‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا حجاج‪ ,‬عن هارون‪,‬‬
‫قال‪ :‬في حرف ابن مسعود‪« :‬يا َل ْيتَنا ُن َردّ فَل ُن َكذّبَ» بالفاء‪.‬‬
‫وذكـر عـن بعـض قرّاء أهـل الشام أنـه قرأ ذلك‪« :‬يـا َل ْيتَنـا ُن َردّ وَل ُن َكذّبـُ» بالرفـع و َنكُونَـ‬
‫بالنصـب‪ .‬كأنـه وجـه تأويله إلى أنهـم تمنوا الردّ وأن يكونوا مـن المؤمنيـن‪ ,‬وأخـبروا أنهـم ل‬
‫يكذّبون بآيات ربهم إن ردّوا إلى الدنيا‪.‬‬
‫واختلف أ هل العرب ية في مع نى ذلك من صوبا ومرفو عا‪ ,‬فقال ب عض نحو يي الب صرة‪ :‬وَل‬
‫ن نصب لنه جواب للتمني‪ ,‬وما بعد الواو كما بعد الفاء‪.‬‬
‫ن المُ ْؤ ِمنِي َ‬
‫ُن َكذّ بَ بآيا تِ َربّنا َو َنكُو نَ ِم َ‬
‫قال‪ :‬وإن شئت رفعـت وجعلتـه على غيـر التمنـي‪ ,‬كأنهـم قالوا‪ :‬ول نكذّب وال بآيات ربنـا‪,‬‬
‫ونكون وال من المؤمنين هذا إذا كان على ذا الوجه كان منقطعا من الوّل‪ .‬قال‪ :‬والرفع وجه‬
‫الكلم‪ ,‬لنه إذا نصب جعلها واو عطف‪ ,‬فإذا جعلها واو عطف‪ ,‬فكأنهم قد تمنوا أن ل يكذبوا‬
‫وأن يكونوا من المؤمن ين‪ .‬قال‪ :‬وهذا وال أعلم ل يكون‪ ,‬لن هم لم يتمنوا هذا‪ ,‬إن ما تمنوا الردّ‪,‬‬
‫وأ خبروا أن هم ل يكذّبون ويكونون من المؤمن ين‪ .‬وكان ب عض نحو يي الكو فة يقول‪ :‬لو ن صب‬
‫«نكذّب» و «نكون» على الجواب بالواو لكان صوابا قال‪ :‬والعرب تجيب بالواو و«ثم»‪ ,‬كما‬
‫تج يب بالفاء‪ ,‬يقولون‪ :‬ل يت لي مالً فأعط يك‪ ,‬ول يت لي مالً وأعط يك و ثم أعط يك‪ .‬قال‪ :‬و قد‬
‫تكون نصبا على الصرف‪ ,‬كقولك‪ :‬ل يسعني شيء ويعجز عنك‪.‬‬
‫ب النصب في هذا‪ ,‬لنه ليس بتم نّ منهم‪ ,‬إنما هو خبر أخبروا به عن‬
‫وقال آخر منهم‪ :‬ل أح ّ‬
‫عنْهُ وإنما يكون التكذيب‬
‫أنفسهم أل ترى أن ال تعالى قد كذبهم فقال‪ :‬وََلوْ ُردّوا َلعَادُوا ِلمَا ُنهُوا َ‬
‫للخبر ل للتمني‪ .‬وكان بعضهم ينكر أن يكون الجواب بالواو‪ ,‬وبحرف غير الفاء‪ ,‬وكان يقول‪:‬‬
‫إن ما الواو مو ضع حال‪ ,‬ل ي سعني ش يء ويض يق ع نك‪ :‬أي و هو يض يق ع نك‪ .‬قال‪ :‬وكذلك‬
‫الصرف في جميع العربية‪ .‬قال‪ :‬وأما الفاء فجواب جزاء‪ ,‬ما قمت فآتيك‪ :‬أي لو قمت لتيناك‪.‬‬
‫ن فإن ما جاز‪ ,‬لن هم قالوا‪ :‬يا‬
‫قال‪ :‬فهذا ح كم ال صرف والفاء‪ .‬قال‪ :‬وأ ما قوله‪ :‬وَل ُن َكذّ بَ ونكُو َ‬
‫ليت نا نردّ في غ ير الحال ال تي وقُفِنْا في ها على النار‪ ,‬فكان وقف هم في تلك‪ ,‬فتمنوا أن ل يكونوا‬
‫ى صـاحب هذه المقالة فـي قوله هذا‪ :‬ولو ترى إذ ُوقِفوا على‬
‫وقفوا فـي تلك الحالة‪ .‬وكأن معن ّ‬
‫النار‪ ,‬فقالوا‪ :‬قد وقف نا علي ها مكذّب ين بآيات رب نا كفارا‪ ,‬ف يا ليت نا نردّ إلي ها فنو قف علي ها غ ير‬
‫مكذّبين بآيات ربنا ول كفارا‪ .‬وهذا تأويل يدفعه ظاهر التنزيل‪ ,‬وذلك قول ال تعالى‪ :‬وَلَ ْو ُردّوا‬
‫ن فأخبر ال تعالى أنهم في قيلهم ذلك كذبة‪ ,‬والتكذيب ل يقع‬
‫عنْ هُ وإ ّنهُم لكا ِذبُو َ‬
‫َلعَادُوا ِلمَا ُنهُوا َ‬
‫في التمني‪ ,‬ولكن صاحب هذه المقالة أظ نّ به أنه لم يتدبر التأويل ولزم سنن العربية‪ .‬والقراءة‬
‫ن المُ ْؤ ِمنِينَ» بالرفع‬
‫ب بآياتِ َربّنا َو َنكُونَ مِ َ‬
‫التي ل أختار غيرها في ذلك‪« :‬يا َل ْيتَنا ُن َردّ وَل ُنكَذّ َ‬
‫في كليه ما‪ ,‬بمع نى‪ :‬يا ليت نا نردّ‪ ,‬ول سنا نكذّب بآيات رب نا إن ردد نا‪ ,‬ولك نا نكون من المؤمن ين‬
‫على و جه ال خبر من هم ع ما يفعلون إن هم ردّوا إلى الدن يا‪ ,‬ل على التم ني من هم أن ل يكذّبوا‬
‫بآيات رب هم ويكونوا من المؤمن ين لن ال تعالى ذكره قد أ خبر عن هم أن هم لو ردّوا لعادوا ل ما‬
‫نهوا ع نه‪ ,‬وأن هم كذ بة في قيل هم ذلك‪ .‬ولو كان قيل هم ذلك على و جه التم ني ل ستحال تكذيب هم‬
‫ف يه‪ ,‬لن التمني ل يكذّب‪ ,‬وإن ما يكون التصديق والتكذ يب في الخبار‪ .‬وأ ما النصب في ذلك‪,‬‬
‫ن بقارئه أ نه برجاء تأو يل قراءة ع بد ال ال تي ذكرنا ها ع نه‪ ,‬وذلك قراء ته ذلك‪ « :‬يا‬
‫فإ ني أظ ّ‬
‫ن المُ ْؤ ِمنِي نَ» على وجه جواب التمني بالفاء‪ .‬وهو إذا‬
‫ب بآيا تِ َربّنا َو َنكُو نَ ِم َ‬
‫َل ْيتَنا ُن َردّ فَل ُن َكذّ َ‬
‫قرىء بالفاء كذلك ل ش كّ في صحة إعرابه‪ ,‬ومعناه في ذلك أن تأويله إذا قرىء كذلك‪ :‬لو أنا‬
‫حكَي عن العرب من‬
‫رُددنا إلى الدنيا ما كذّبنا بآيات ربنا‪ ,‬ولكنا من المؤمنين‪ .‬فإن يكن الذي َ‬
‫السماء منهم الجواب بالواو و«ثم» كهئية الجواب بالفاء صحيحا‪ ,‬فل ش كّ في صحة قراءة من‬
‫قرأ ذلك‪ :‬يا َل ْيتَنا ُن َردّ وَل ُن َكذّبَ بآياتِ َربّنا َو َنكُونَ نصبا على جواب التمني بالواو‪ ,‬على تأويل‬
‫قراءة ع بد ال ذلك بالفاء‪ ,‬وإل فإن القراءة بذلك بعيدة المع نى من تأو يل التنز يل‪ .‬ول ست أعلم‬
‫سماع ذلك من العرب صحيحا‪ ,‬بل المعروف من كلمها الجواب بالفاء والصرف بالواو‪.‬‬

‫‪28‬‬ ‫الية ‪:‬‬


‫ن مِن َقبْلُ وََلوْ ُردّو ْا َلعَادُواْ ِلمَا ُنهُواْ‬
‫{بَلْ َبدَا َلهُ مْ مّا كَانُو ْا ُيخْفُو َ‬ ‫القول في تأويل قوله تعالى‪:‬‬
‫عنْ ُه وَِإ ّنهُمْ َلكَا ِذبُونَ }‪..‬‬
‫َ‬
‫يقول تعالى ذكره‪ :‬ما ق صد هؤلء العادل ين برب هم الجاحد ين نبوّ تك يا مح مد في قيل هم إذْ‬
‫وقفوا على النار‪ :‬يا ليت نا نردّ ول نكذّب بآيات رب نا ونكون من المؤمن ين‪ ,‬ال سي والند َم على‬
‫ترك اليمان بال والتصديق بك لكن بهم الشفاق مما هو نازل بهم من عقاب ال وأليم عذابه‬
‫على معاصـيهم التـي كانوا يخفونهـا عـن أعيـن الناس ويسـترونها منهـم‪ ,‬فأبداهـا ال منهـم يوم‬
‫ل َبدَا َلهُ مْ‬
‫القيامة وأظهرها على رءوس الشهاد‪ ,‬ففضحهم بها ثم جازاهم بها جزاءهم‪ .‬يقول‪ :‬بَ ْ‬
‫ن من أعمالهم السيئة التي كانوا يخفونها‪ ,‬مِ نْ َقبْلُ ذلك في الدنيا‪ ,‬فظهرت‪ .‬وََلوْ‬
‫ما كانُوا ُيخْفُو َ‬
‫ْهـ يقول‪ :‬لرجعوا إلى مثـل العمـل‬
‫عن ُ‬‫ُردّوا يقول‪ :‬ولو ردّوا إلى الدنيـا فأمهلوا َلعَادُوا لِم َا ُنهُوا َ‬
‫الذي كانوا يعملونه في الدنيا قبل ذلك من جحود آيات ال والكفر به والعمل بما يسخط عليهم‬
‫ربهم‪ .‬وإ ّنهُ مْ لَكا ِذبُو نَ في قيلهم‪ :‬لو رُددنا لم نكذّب بآيات ربنا وكنا من المؤمنين‪ ,‬لنهم قالوه‬
‫حين قالوه خشية العذاب ل إيمانا بال‪.‬‬
‫وبالذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل‪ .‬ذكر من قال ذلك‪:‬‬
‫‪ 10344‬ـ حدث ني مح مد بن الح سين‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا أح مد بن المف ضل‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا أ سباط‪ ,‬عن‬
‫ن َقبْلُ يقول‪ :‬بدت لهم أعمالهم في الَخرة التي أخفوها في‬
‫ن مِ ْ‬
‫ل َبدَا َلهُمْ ما كانُوا ُيخْفُو َ‬
‫السديّ‪ :‬بَ ْ‬
‫الدنيا‪.‬‬
‫‪10345‬ـ حدثنا الحسن بن يحيى‪ ,‬قال‪ :‬أخبرنا عبد الرزاق‪ ,‬قال‪ :‬أخبرنا معمر‪ ,‬عن قتادة‪ ,‬في‬
‫ن َقبْلُ قال‪ :‬من أعمالهم‪.‬‬
‫ل َبدَا َل ُهمْ ما كانُوا ُيخْفُونَ مِ ْ‬
‫قوله‪ :‬بَ ْ‬
‫‪ 10346‬ـ حدثنا بشر بن معاذ‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا يزيد‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا سعيد‪ ,‬عن قتادة‪ ,‬قوله‪ :‬وََلوْ ُردّوا‬
‫عنْهُ يقول‪ :‬ولو وصل ال لهم دنيا كدنياهم‪ ,‬لعادوا إلى أعمالهم أعمال السوء‪.‬‬
‫َلعَادُوا ِلمَا ُنهُوا َ‬

‫‪29‬‬ ‫الية ‪:‬‬


‫حيَا ُتنَا ال ّد ْنيَا َومَا َنحْنُ ِب َم ْبعُوثِينَ }‪..‬‬
‫ل َ‬
‫ن ِهيَ ِإ ّ‬
‫{ َوقَالُوَ ْا إِ ْ‬ ‫القول في تأويل قوله تعالى‪:‬‬
‫وهذا خبر من ال تعالى ذكره عن هؤلء المشركين العادلين به الوثان والصنام الذين ابتدأ‬
‫ن هِ يَ إلّ حَياتُ نا الدّنيْا ي خبر عن هم أن هم‬
‫هذه ال سورة بال خبر عن هم‪ ,‬يقول تعالى ذكره‪ :‬وَقالُوا إ ْ‬
‫ينكرون أن ال يحي خلقه بعد أن يميتهم‪ ,‬ويقولون‪ :‬ل حياة بعد الممات ول بعث ول نشور بعد‬
‫الفناء‪ .‬ف هم بجحود هم ذلك وإنكار هم ثواب ال وعقا به في الدار الَخرة‪ ,‬ل يبالون ما أتوا و ما‬
‫ركبوا من إثم ومعصية لنهم ل يرجون ثوابا على إيمان بال وتصديق برسوله وعمل صالح‬
‫ب عد موت‪ ,‬ول يخافون عقا با على كفر هم بال ور سوله و سيّىء من ع مل يعملو نه‪ .‬وكان ا بن‬
‫ز يد يقول‪ :‬هذا خبر من ال تعالى عن هؤلء الكفرة الذ ين وُقفوا على النار‪ ,‬أن هم لو ردّوا إلى‬
‫حنُ ِب َم ْبعُوثِينَ‪.‬‬
‫ن ِهيَ حيَاتُنا الدّنيَا وَما َن ْ‬
‫الدنيا لقالوا‪ :‬إ ْ‬
‫‪ 10347‬ـ حدثنا يونس‪ ,‬قال‪ :‬أخبرنا ابن وهب‪ ,‬قال‪ :‬قال ابن زيد‪ ,‬في قوله‪ :‬وََلوْ ُردّوا َلعَادُوا‬
‫حنُ ِب َم ْبعُوثِينَ‪.‬‬
‫ن ِهيَ إلّ حياتُنا ال ّدنْيا وَما َن ْ‬
‫عنْ ُه وقالوا حين يردّون‪ :‬إ ْ‬
‫ِلمَا ُنهُوا َ‬
‫‪30‬‬ ‫الية ‪:‬‬
‫ل أََليْسَـ هَــذَا بِا ْلحَقّـ قَالُواْ‬
‫ى رَ ّبهِم ْـ قَا َ‬
‫{وََل ْو تَ َرىَ ِإذْ ُوقِفُواْ عََل َ‬ ‫القول فـي تأويـل قوله تعالى‪:‬‬
‫ب ِبمَا كُنتُمْ َتكْ ُفرُونَ }‪..‬‬
‫بََلىَ َو َر ّبنَا قَالَ َفذُوقُواْ ال َعذَا َ‬
‫يقول تعالى ذكره‪َ :‬لوْ َترَى يـا محمـد هؤلء القائليـن‪ :‬مـا هـي إل حياتنـا الدنيـا ومـا نحـن‬
‫بمبعوثين‪ ,‬إذْ ُوقِفُوا يوم القيامة‪ :‬أي حبسوا‪ ,‬على َر ّبهِ مْ يعني‪ :‬على حكم ال وقضائه فيهم‪ .‬قالَ‬
‫أَليْ سَ َهذَا بالحَ قّ يقول‪ :‬فقيل لهم‪ :‬أليس هذا البعث والنشر بعد الممات الذي كنتم تنكرونه في‬
‫َابـ يقول‪ :‬فقال ال تعالى ذكره‬
‫الدنيـا حقـا؟ فأجابوا فقالُوا بَلى وال إنـه لحقـّ‪ .‬قالَ َفذُوقُوا ال َعذ َ‬
‫ُونـ يقول‪ :‬بتكذيبكـم بـه‬
‫ُمـ َتكْ ُفر َ‬
‫لهـم‪ :‬فذوقوا العذاب الذي كنتـم بـه فـي الدنيـا تكذّبون‪ ,‬بِمَا ُك ْنت ْ‬
‫وجحودكموه الذي كان منكم في الدنيا‪.‬‬

‫‪31‬‬ ‫الية ‪:‬‬


‫عةُ َب ْغتَةً‬
‫حّتىَ ِإذَا جَآ َء ْتهُ مُ ال سّا َ‬
‫ن َك ّذبُو ْا بِلِقَآءِ الّل هِ َ‬
‫{ َقدْ خَ سِرَ اّلذِي َ‬ ‫القول في تأويل قوله تعالى‪:‬‬
‫ظهُورِ ِهمْ َألَ سَآءَ مَا َيزِرُونَ }‪..‬‬
‫حمِلُونَ َأ ْوزَارَ ُهمْ عََلىَ ُ‬
‫طنَا فِيهَا وَ ُهمْ َي ْ‬
‫سرَ َتنَا عََلىَ مَا َفرّ ْ‬
‫حْ‬‫قَالُواْ َي َ‬
‫سرَ اّلذِي نَ َك ّذبُوا بِلِقاءِ الّل ِه قد هلك وو كس في بيع هم اليمان‬
‫يع ني تعالى ذكره بقوله‪َ :‬قدْ خَ ِ‬
‫بالك فر الذ ين كذّبوا بلقاء ال‪ ,‬يع ني‪ :‬الذ ين أنكروا الب عث ب عد الممات والثواب والعقاب والج نة‬
‫والنار‪ ,‬من مشركي قريش ومن سلك سبيلهم في ذلك‪ .‬حتى إذَا جا َء ْتهُ مُ ال سّاعَةُ يقول‪ :‬حتى إذا‬
‫جاءتهـم السـاعة التـي يبعـث ال فيهـا الموتـى مـن قبورهـم‪ .‬وإنمـا أدخلت اللف واللم فـي‬
‫«ال ساعة»‪ ,‬لن ها معرو فة المع نى ع ند المخا طبين ب ها‪ ,‬وأن ها مق صود ب ها ق صد ال ساعة ال تي‬
‫وصفت‪ .‬ويعني بقوله‪َ :‬ب ْغتَةً‪ :‬فجأة من غير علم مَن تفجؤه بوقت مفاجأتها إياه‪ ,‬يقال منه‪ :‬بغتّه‬
‫أبغته َب ْغتَة‪ :‬إذا أخذتَه‪ ,‬كذلك قالُوا يا حَسْ َرتَنا على ما فَ ّرطْنا فِيها يقول تعالى ذكره‪ :‬وكس الذين‬
‫كذّبوا بلقاء ال‪ ,‬ببيعهم منازل هم من الج نة بمنازل من اشتروا منازله من أ هل الج نة من النار‪,‬‬
‫فإذا جاءتهم الساعة بغتة‪ ,‬قالوا إذا عاينوا ما باعوا وما اشتروا وتبيّنوا خسارة صفقة بيعهم التي‬
‫سلفت منهم في الدنيا تندما وتلهفا على عظيم الغبن الذي غَبنوه أنفسهم وجليل الخسران الذي ل‬
‫ل منه‪ :‬يا حَسْ َرتَنا على ما َفرّطْنا فِيها يقول‪ :‬يا ندامتنا على ما ضيعنا فيها يعني في‬
‫خسران أج ّ‬
‫سرَ‬
‫صفقتهم تلك‪ .‬والهاء واللف في قوله‪ :‬فِيها من ذكر الصفقة‪ ,‬ولكن اكتفى بدللة قوله‪ :‬قَدْ خَ ِ‬
‫اّلذِي نَ َك ّذبُوا بِلِقا ِء اللّ ِه عليها من ذكرها‪ ,‬إذ كان معلوما أن الخسران ل يكون إل في صفقة بيع‬
‫قد خسرت‪ .‬وإنما معنى الكلم‪ :‬قد وكس الذين كذّبوا بلقاء ال‪ ,‬ببيعهم اليمان الذي يستوجبون‬
‫به من ال رضوا نه وجن ته بالك فر الذي ي ستوجبون به م نه سخطه وعقوب ته‪ ,‬ول يشعرون ما‬
‫عليهم من الخ سران في ذلك حتى تقوم ال ساعة‪ ,‬فإذا جاءتهم الساعة بغتة فرأوا ما لحقهم من‬
‫س َرتَنا على ما فَ ّرطْنا فِيها‪.‬‬
‫حْ‬‫الخسران في بيعهم قالوا حينئذ تندما‪ .‬يا َ‬
‫وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل‪ .‬ذكر من قال ذلك‪:‬‬
‫‪ 10348‬ـ حدث ني مح مد بن الح سين‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا أح مد بن المف ضل‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا أ سباط‪ ,‬عن‬
‫سرَتَنا على ما َفرّطْ نا فِي ها أ ما « يا ح سرتنا»‪ :‬فندامت نا على ما فرّط نا في ها‬
‫ال سديّ‪ ,‬قوله‪ :‬يا حَ ْ‬
‫فضيعنا من عمل الجنة‪.‬‬
‫‪ 10349‬ـ حدثنا محمد بن عمارة السديّ‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا يزيد بن مهران‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا أبو بكر بن‬
‫عياش‪ ,‬عن العمش‪ ,‬عن أبي صالح‪ ,‬عن أبي سعيد‪ ,‬عن النبيّ صلى ال عليه وسلم‪ ,‬في قوله‪:‬‬
‫حسْ َرتَنا»‪.‬‬
‫جنّ ِة َفيَقُولُونَ يا َ‬
‫ن ال َ‬
‫سرَتَنا قال‪َ « :‬يرَى أ ْهلُ النّارِ مَنازِلَ ُهمْ مِ َ‬
‫حْ‬‫يا َ‬
‫ظهُورِ ِهمْ أل سا َء ما َيزِرُونَ‪.‬‬
‫حمِلُونَ أ ْوزَارَهُ ْم على ُ‬
‫القول في تأويل قوله تعالى‪ :‬وَ ُه ْم َي ْ‬
‫ظهُورِهِ مْ‪ .‬وقوله وَهُ مْ‬
‫حمِلُو نَ أ ْوزَارَهُ مْ على ُ‬
‫يقول تعالى ذكره‪ :‬وهؤلء الذين كذّبوا بلقاء ال َي ْ‬
‫حمِلُو نَ أ ْوزَارَهُ مْ يقول‪ :‬آثام هم وذنوب هم‪ ,‬واحد ها ِوزْر‪ ,‬يقال م نه‪َ :‬و َزرَ الر جل‬
‫من ذكر هم‪َ .‬ي ْ‬
‫َيزِرُ‪ :‬إذا أثم‪ ,‬فإن أريد أنهم أثموا قيل‪ :‬قد ُو ِزرَ القوم فهم يُو َزرُو نَ وهم موزورون‪ .‬وقد زعم‬
‫بعضهم‪ :‬أن الوزر‪ :‬الثقل والحمل‪ .‬ولست أعرف ذلك كذلك في شاهد ول من رواية ثقة عن‬
‫ِمـ لن الحمـل قـد يكون على الرأس والمنكـب وغيـر‬
‫ظهُورِه ْ‬
‫العرب‪ .‬وقال تعالى ذكره‪ :‬على ُ‬
‫ذلك‪ ,‬فبّين موضع حملهم ما يحملون من ذلك‪ ,‬وذكر أن حملهم أوزارهم يومئذ على ظهورهم‬
‫نحو الذي‪:‬‬
‫‪ 10350‬ـ حدثنا ابن حميد‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا الحكم بن بشير بن سلمان‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا عمرو بن قيس‬
‫الملئي‪ ,‬قال‪ :‬إن المؤ من إذا خرج من قبره ا ستقبله عمله في أح سن صورة وأطي به ري حا‪,‬‬
‫فيقول له‪ :‬هل تعرف ني؟ فيقول‪ :‬ل‪ ,‬إل أن ال قد ط يب ري حك وح سن صورتك‪ .‬فيقول‪ :‬كذلك‬
‫شرُ‬
‫حُ‬‫كنت في الدنيا‪ ,‬أنا عملك الصالح‪ ,‬طالما ركبتك في الدنيا فاركبني أنت اليوم وتل‪ :‬يَوْ مَ َن ْ‬
‫ال ُمتّقِينَـ إلى ال ّرحْمَنِـ َوفْدا‪ .‬وإن الكافـر يسـتقبله أقبـح شيـء صـورة وأنتنـه ريحـا‪ ,‬فيقول‪ :‬هـل‬
‫تعرفني؟ فيقول‪ :‬ل إل أن ال قد قبّح صورتك وأنتن ريحك‪ .‬فيقول‪ :‬كذلك كنت في الدنيا‪ ,‬أنا‬
‫ن أ ْوزَارَهُ مْ على‬
‫حمِلُو َ‬
‫عملك ال سيىء طال ما ركبت ني في الدن يا فأ نا اليوم أرك بك وتل‪ :‬وَهُ ْم َي ْ‬
‫ظهُورِهِمْ أل ساءَ ما َي ِزرُونَ‪.‬‬
‫ُ‬
‫‪ 10351‬ـ حدث نا مح مد بن الح سين‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا أح مد بن المف ضل‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا أ سباط‪ ,‬عن‬
‫ظهُورِهِ مْ قال‪ :‬ليس من رجل ظالم يموت فيدخل قبره إل‬
‫حمِلُو نَ أ ْوزَارَهُ مْ على ُ‬
‫السديّ‪ :‬وَهُ مْ َي ْ‬
‫جاء رجل قبيح الوجه أسود اللون منتن الريح عليه ثياب دنسة‪ ,‬حتى يدخل معه قبره‪ ,‬فإذا رآه‬
‫قال له‪ :‬ما أقبح وجهك قال‪ :‬كذلك كان عملك قبيحا‪ .‬قال‪ :‬ما أنتن ريحك قال‪ :‬كذلك كان عملك‬
‫منت نا‪ .‬قال‪ :‬ما أد نس ثيا بك قال‪ :‬فيقول‪ :‬إن عملك كان دن سا‪ .‬قال‪ :‬من أ نت؟ قال‪ :‬أ نا عملك‪.‬‬
‫قال‪ :‬فيكون م عه في قبره فإذا ب عث يوم القيا مة‪ ,‬قال له‪ :‬إ ني ك نت أحملك في الدن يا باللذات‬
‫والشهوات‪ ,‬فأ نت اليوم تحمل ني‪ .‬قال‪ :‬فير كب على ظهره في سوقه ح تى يدخله النار فذلك قوله‪:‬‬
‫ظهُورِ ِهمْ‪.‬‬
‫حمِلُونَ أ ْوزَارَ ُهمْ على ُ‬
‫َي ْ‬
‫وأما قوله تعالى‪ :‬أل سا َء ما َيزِرُو نَ فإنه يعني‪ :‬أل ساء الوزر الذي يزرون‪ :‬أي الثم الذي‬
‫يأثمونه بكفرهم بربهم‪ .‬كما‪:‬‬
‫‪10352‬ـ حدثنا الحسن بن يحيى‪ ,‬قال‪ :‬أخبرنا عبد الرزاق‪ ,‬قال‪ :‬أخبرنا معمر‪ ,‬عن قتادة‪ ,‬في‬
‫ن قال‪ :‬ساء ما يعملون‪.‬‬
‫قوله‪ :‬أل ساءَ ما َي ِزرُو َ‬

‫‪32‬‬ ‫الية ‪:‬‬


‫ِينـ‬
‫خ ْيرٌ لّّلذ َ‬
‫خرَ ُة َ‬
‫لِ‬‫ِبـ وََلهْ ٌو وَلَلدّارُ ا َ‬
‫ل َلع ٌ‬
‫حيَا ُة ال ّدنْيَآ ِإ ّ‬
‫{وَمَا ا ْل َ‬ ‫القول فـي تأويـل قوله تعالى‪:‬‬
‫َيتّقُونَ َأفَلَ َتعْقِلُونَ }‪..‬‬
‫وهذا تكذيب من ال تعالى ذكره هؤلء الكفار المنكرين البعث بعد الممات في قولهم إنْ هِيَ‬
‫ن ِب َم ْبعُوثِي نَ‪ ,‬يقول تعالى ذكره مكذبا لهم في قيلهم ذلك‪ :‬ما الحَيا ُة ال ّدنْيا‬
‫إلّ حَياتُنا ال ّدنْيا وَما َنحْ ُ‬
‫ب وَلهْوٌ يقول‪ :‬ما باغي لذّات الحياة التي أدنيت لكم وقرّبت منكم في داركم‬
‫أيها الناس‪ ,‬إلّ َلعِ ٌ‬
‫هذه ونعيم ها و سرورها في ها والمتلذّذ ب ها والمنا فس علي ها‪ ,‬إل في ل عب ول هو لن ها ع ما قل يل‬
‫تزول عن الم ستمتع ب ها والمتلذّذ في ها بملذ ها‪ ,‬أو تأت يه اليام بفجائع ها و صروفها فتُ ِمرّ عل يه‬
‫وتكدرُ كاللعب اللهي الذي يسرع اضمحلل لهوه ولعبه عنه‪ ,‬ثم يعقبه منه ندما ويورثه منه‬
‫خ ْيرٌ لّلذِينَ‬
‫خرَ ُة َ‬
‫لِ‬‫ترحا‪ .‬يقول‪ :‬ل تغترّوا أيها الناس بها‪ ,‬فإن المغترّ بها عما قليل يندم‪ .‬وللدّارُ ا َ‬
‫َيتّقُو نَ يقول‪ :‬وللعمل بطاعته والستعداد للدار الَخرة بالصالح من العمال التي تبقي منافعها‬
‫لهلها ويدوم سرور أهلها فيها‪ ,‬خير من الدار التي تفني فل يبقى لعمالها فيها سرور ول يدوم‬
‫ُونـ يقول‪ :‬للذيـن يخشون ال فيتقونـه بطاعتـه واجتناب معاصـيه‬
‫ِينـ َيتّق َ‬
‫لهـم فيهـا نعيـم‪ .‬لّلذ َ‬
‫والمسارعة إلى رضاه‪ .‬أفَل َتعْقِلُو نَ يقول‪ :‬أفل يعقل هؤلء المكذّبون بالبعث حقيقة ما نخبرهم‬
‫به من أن الحياة الدنيا لعب ولهو‪ ,‬وهم يرون من ُيخْترم منهم ومن ينهلك فيموت ومن تنو به‬
‫فيهـا النوائب وتصـيبه المصـائب وتفجعـه الفجائع؟ ففـي ذلك لمـن عقـل مدّكـر ومزدجـر عـن‬
‫الخلقـ‬
‫َ‬ ‫الركون إليهـا واسـتعباد النفـس لهـا‪ ,‬ودليـل واضـح على أن لهـا مدبرا ومصـرفا يلزم‬
‫إخلصُ العبادة له بغير إشراك شيء سواه معه‪.‬‬

‫‪33‬‬ ‫الية ‪:‬‬


‫{ َقدْ َنعْلَ مُ ِإّن ُه َل َيحْ ُزنُ كَ اّلذِي يَقُولُو نَ َفِإ ّنهُ مْ لَ ُي َك ّذبُونَ كَ وَلَ ـكِنّ‬ ‫القول في تأو يل قوله تعالى‪:‬‬
‫حدُونَ }‪..‬‬
‫جَ‬‫ن بِآيَاتِ اللّ ِه َي ْ‬
‫الظّالِمِي َ‬
‫يقول تعالى ذكره لنبيه محمد صلى ال عليه وسلم‪ :‬قد نعلم يا محمد إنه ليحزنك الذي يقول‬
‫المشركون‪ ,‬وذلك قولهم له‪ :‬إنه كذّاب‪ ,‬فإنهم ل يكذّبونك‪.‬‬
‫واختل فت القرّاء في قراءة ذلك بمع نى‪ :‬أن هم ل يكذّبو نك في ما أتيت هم به من و حي ال‪ ,‬ول‬
‫ل فل يؤمنون به‪.‬‬
‫يدفعون أن يكون ذلك صحيحا بل يعلمون صحته‪ ,‬ولكنهم يجحدون حقيقته قو ً‬
‫وكان بعض أهل العلم بكلم العرب يحكي عن العرب أنهم يقولون‪ :‬أكذبت الرجل‪ :‬إذا أخبرت‬
‫أ نه جاء بالكذب ورواه‪ .‬قال‪ :‬ويقولون‪ :‬كذب ته‪ :‬إذا أخبرت أ نه كاذب‪ .‬وقرأ ته جما عة من قرّاء‬
‫المدي نة والعراقي ين والكو فة والب صرة‪ :‬فإ ّنهُ مْ ل ُيكَذّبونَ كَ بمع نى‪ :‬أن هم ل يكذّبو نك عل ما‪ ,‬بل‬
‫يعلمون أنك صادق‪ ,‬ولكنهم يكذّبونك قولً‪ ,‬عنادا وحسدا‪.‬‬
‫والصـواب مـن القول فـي ذلك عندي أن يقال‪ :‬إنهمـا قراءتان مشهورتان قـد قرأ بكلّ واحدة‬
‫منهما جماعة من القرّاء‪ ,‬ولكل واحدة منهما في الصحة مخرج مفهوم‪ .‬وذلك أن المشركين ل‬
‫ش كّ أ نه كان من هم قوم يكذّبون ر سول ال صلى ال عل يه و سلم ويدفعو نه ع ما كان ال تعالى‬
‫خصه به من النبوّة فكان بعضهم يقول‪ :‬هو شاعر‪ ,‬وبعضهم يقول‪ :‬هو كاهن‪ ,‬وبعضهم يقول‪:‬‬
‫هو مجنون وينفي جميعهم أن يكون الذي أتاهم به من وحي السماء ومن تنزيل ر بّ العالمين‬
‫قولً‪ .‬وكان بعضهم قد تبين أمره وعلم صحة نبوّته‪ ,‬وهو في ذلك يعاند ويجحد نبوّته حسدا له‬
‫وبغ يا‪ .‬فالقارىء‪« :‬فإن هم ل ُي ْك ِذبُو نك» يع ني به‪ :‬أن الذ ين كانوا يعرفون حقي قة نبوّ تك و صدق‬
‫قولك فيمـا تقول‪ ,‬يجحدون أن يكون مـا تتلوه عليهـم مـن تنزيـل ال ومـن عنـد ال قولً‪ ,‬وهـم‬
‫يعلمون أن ذلك من ع ند ال عل ما صحيحا م صيبٌ‪ .‬ل ما ذكر نا من أ نه قد كان في هم من هذه‬
‫ن أبْناءَهُمْ‬
‫ن آ َتيْناهُمْ الكِتابَ َي ْعرِفُو َنهُ كمَا َي ْعرِفو َ‬
‫صفته‪ .‬وفي قول ال تعالى في هذه السورة‪ :‬اّلذِي َ‬
‫أوضح الدليل على أنه قد كان فيهم العناد في جحود نبوّته صلى ال عليه وسلم‪ ,‬مع علم منهم‬
‫بـه وصـحة نبوّتـه‪ .‬وكذلك القارىء‪« :‬فإنهـم ل ُي َك ّذبُونَكـَ»‪ :‬يعنـي‪ :‬أنهـم ل يكذّبون رسـول ال‬
‫صلى ال عليه وسلم إل عنادا ل جهلً بنبوّته وصدق لهجته مصيبٌ‪ .‬لما ذكرنا من أنه قد كان‬
‫فيهم مَن هذه صفته‪ .‬وقد ذهب إلى كلّ واحد من هذين التأويلين جماعة من أهل التأويل‪.‬‬
‫ذكر من قال‪ :‬معنى ذلك‪ :‬فإنهم ل يكذّبونك‪ ,‬ولكنهم يجحدون الح قّ على علم منهم بأنك نبيّ‬
‫ل صادق‪.‬‬
‫‪ 10353‬ـ حدثنا هناد‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا أبو معاوية‪ ,‬عن إسماعيل بن أبي خالد‪ ,‬عن أبي صالح‪ ,‬في‬
‫حزُنُ كَ اّلذِي يَقُولُو نَ فإ ّنهُ مْ ل ُي َك ّذبُونَ كَ قال‪ :‬جاء جبريل إلى النبيّ صلى ال‬
‫قوله‪َ :‬قدْ َنعْلَ مُ إنّ ُه َل َي ْ‬
‫عليه وسلم ذات يوم وهو جالس حزين‪ ,‬فقال له‪ :‬ما يحزنك؟ فقال‪« :‬كذّبني هؤلء»‪ .‬قال‪ :‬فقال‬
‫جحَدُونَ‪.‬‬
‫له جبريل‪ :‬إنهم ل يكذّبونك هم يعلمون أنك صادق‪ ,‬وََل ِكنّ الظّاِلمِينَ بآياتِ الّل ِه َي ْ‬
‫حدثنا ا بن وكيع‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا أ بو معاوية‪ ,‬عن إ سماعيل‪ ,‬عن أبي صالح‪ ,‬قال‪ :‬جاء جبر يل‬
‫إلى النبيّ صلى ال عليه وسلم وهو جالس حزين‪ ,‬فقال له‪ :‬ما يحزنك؟ فقال‪« :‬كذّبني هَؤلءِ»‪.‬‬
‫ّهـ‬
‫بآياتـ الل ِ‬
‫ِ‬ ‫ِينـ‬
‫ِنـ الظّالِم َ‬
‫فقال له جبريـل‪ :‬إنهـم ل يكذّبونـك‪ ,‬إنهـم ليعلمون أنـك صـادق‪ ,‬وََلك ّ‬
‫جحَدُونَ‪.‬‬
‫َي ْ‬
‫‪10354‬ـ حدثنا الحسن بن يحيى‪ ,‬قال‪ :‬أخبرنا عبد الرزاق‪ ,‬قال‪ :‬أخبرنا معمر‪ ,‬عن قتادة‪ ,‬في‬
‫جحَدُونَ قال‪ :‬يعلمون أنك رسول ال ويجحدون‪.‬‬
‫ت اللّ ِه َي ْ‬
‫ن بآيا ِ‬
‫قوله‪ :‬وََلكِنّ الظّاِلمِي َ‬
‫‪ 10355‬ـ حدث نا مح مد بن الح سين‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا أح مد بن المف ضل‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا أ سباط‪ :‬عن‬
‫ن بآيا تِ اللّ هِ‬
‫ن الظّاِلمِي َ‬
‫ن فإ ّنهُ مْ ل ُي َكذّبونَ كَ وََلكِ ّ‬
‫ح ُزنُ كَ اّلذِي يَقُولُو َ‬
‫السديّ‪ ,‬في قوله‪ :‬قَدْ َنعْلَ مُ إّن هُ َل َي ْ‬
‫جحَدُو نَ ل ما كان يوم بدر‪ ,‬قال الخ نس بن شر يق لب ني زهرة‪ :‬يا ب ني زهرة‪ ,‬إن محمدا ا بن‬
‫َي ْ‬
‫أختكم‪ ,‬فأنتم أحقّ من كفّ عنه فإنه إن كان نبيا لم تقاتلونه اليوم؟ وإن كان كاذبا كنتم أحقّ من‬
‫كفّ عن ابن أخته‪ ,‬قفوا ههنا حتى ألقي أبا الحكم‪ ,‬فإن غلب محمد صلى ال عليه وسلم رجعتم‬
‫سالمين‪ ,‬وإن غُلب مح مد فإن قوم كم ل ي صنعون ب كم شيئا فيؤمئذ سمي الخ نس‪ ,‬وكان ا سمه‬
‫أب يّ‪ .‬فالت قى الخ نس وأ بو ج هل‪ ,‬فخل الخ نس بأ بي ج هل‪ ,‬فقال‪ :‬يا أ با الح كم‪ ,‬أ خبرني عن‬
‫محمد أصادق هو أم كاذب؟ فإنه ليس ههنا من قريش أحد غيري وغيرك يسمع كلمنا‪ .‬فقال‬
‫أبو جهل‪ :‬ويحك‪ ,‬وال إن محمدا لصادق‪ ,‬وما كذب محمد قطّ‪ ,‬ولكن إذا ذهب بنوقصيّ باللواء‬
‫ِنـ‬
‫َكـ وََلك ّ‬
‫ُمـ ل ُي َك ّذبُون َ‬
‫والحجابـة والسـقاية والنبوّة‪ ,‬فماذا يكون لسـائر قريـش؟ فذلك قوله‪ :‬فإ ّنه ْ‬
‫ن فآيات ال محمد صلى ال عليه وسلم‪.‬‬
‫حدُو َ‬
‫جَ‬‫ن بآياتِ اللّ ِه َي ْ‬
‫الظّالِمِي َ‬
‫‪ 10356‬ـ حدث ني الحرث بن مح مد‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا ع بد العز يز‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا ق يس‪ ,‬عن سالم‬
‫ن بآياتِ‬
‫الفطس‪ ,‬عن سعيد بن جبير‪ :‬فإ ّنهُمْ ل ُي َك ّذبُونَكَ قال‪ :‬ليس يكذّبون محمدا‪ ,‬وََلكِنّ الظّاِلمِي َ‬
‫حدُونَ‪.‬‬
‫جَ‬‫اللّ ِه َي ْ‬
‫ذكر من قال ذلك بمعنى‪ :‬فإنهم ل يكذّبونك ولكنهم يكذّبون ما جئت به‪:‬‬
‫‪ 10357‬ـ حدثنا محمد بن بشار‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا عبد الرحمن بن مهدي‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا سفيان‪ ,‬عن‬
‫أبي إسحاق‪ ,‬عن ناجية‪ ,‬قال‪ :‬قال أبو جهل للنبيّ صلى ال عليه وسلم‪ :‬ما نتهمك‪ ,‬ولكن نتهم‬
‫حدُونَ‪.‬‬
‫جَ‬‫الذي جئت به‪ .‬فأنزل ال تعالى‪ :‬فإ ّنهُمْ ل ُي َك ّذبُو َنكَ وََل ِكنّ الظّاِلمِينَ بآياتِ الّلهِ َي ْ‬
‫حدثنا ابن وكيع‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا يحيى بن آدم‪ ,‬عن سفيان‪ ,‬عن أبي إسحاق‪ ,‬عن ناجية بن كعب‪:‬‬
‫أن أبا جهل قال للنبيّ صلى ال عليه وسلم‪ :‬إنا ل نكذّبك‪ ,‬ولكن نكذّب الذي جئت به‪ .‬فأنزل ال‬
‫حدُونَ‪.‬‬
‫جَ‬‫ن بآياتِ اللّ ِه َي ْ‬
‫ن الظّاِلمِي َ‬
‫تعالى‪ :‬فإ ّن ُهمْ ل ُي َك ّذبُو َنكَ وََلكِ ّ‬
‫وقال آخرون‪ :‬معنى ذلك‪ :‬فإنهم ل يبطلون ما جئتهم به‪ .‬ذكر من قال ذلك‪:‬‬
‫‪ 10358‬ـ حدث نا ا بن وك يع‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا إ سحاق بن سليمان‪ ,‬عن أ بي مع شر‪ ,‬عن مح مد بن‬
‫كعب‪ :‬فإ ّن ُهمْ ل ُي َك ّذبُو َنكَ قال‪ :‬ل يبطلون ما في يديك‪.‬‬
‫جحَدُو نَ فإ نه يقول‪ :‬ول كن المشرك ين بال بح جج ال‬
‫ت اللّ ِه َي ْ‬
‫وأ ما قوله‪ :‬وََلكِ نّ الظّاِلمِي نَ بآيا ِ‬
‫وآي كتابـه ورسـوله يجحدون‪ ,‬فينكرون صـحة ذلك كله‪ .‬وكان السـديّ يقول‪ :‬الَيات فـي هذا‬
‫الموضع معنيّ بها محمد صلى ال عليه وسلم‪ ,‬وقد ذكرنا الرواية بذلك عنه قبل‪.‬‬

‫‪34‬‬ ‫الية ‪:‬‬


‫صبَرُواْ عََلىَ مَا ُك ّذبُواْ وَأُوذُواْ‬
‫ت رُ سُلٌ مّن َقبْلِ كَ فَ َ‬
‫{وََل َقدْ ُك ّذبَ ْ‬ ‫القول في تأو يل قوله تعالى‪:‬‬
‫ل ُم َبدّلَ ِلكَِلمَاتِ اللّ ِه وَلَقدْ جَآ َءكَ مِن ّن َبإِ ا ْل ُم ْرسَلِينَ }‪..‬‬
‫ص ُرنَا َو َ‬
‫حّتىَ َأتَاهُ ْم نَ ْ‬
‫َ‬
‫وهذا ت سلية من ال تعالى ذكره ل نبيه مح مد صلى ال عل يه و سلم‪ ,‬وتعز ية له ع ما ناله من‬
‫الم ساءة بتكذ يب قو مه إياه على ما جاء هم به من الح قّ من ع ند ال‪ .‬يقول تعالى ذكره‪ :‬إن‬
‫يكذّبك يا محمد هؤلء المشركون من قومك‪ ,‬فيجحدوا نبوّتك‪ ,‬وينكروا آيات ال أنها من عنده‪,‬‬
‫فل يحزنك ذلك‪ ,‬واصبر على تكذيبهم إياك وما تلقى منهم من المكروه في ذات ال‪ ,‬حتى يأتي‬
‫نصر ال‪ ,‬فقد ُكذّبت رسل من قبلك أرسلتهم إلى أممهم فنالوهم بمكروه‪ ,‬فصبروا على تكذيب‬
‫قوم هم إيا هم ولم يثن هم ذلك من المض يّ ل مر ال الذي أمر هم به من دعاء قوم هم إل يه‪ ,‬ح تى‬
‫ح كم ال بين هم وبين هم ول ُم َبدّلَ لكَِلمَا تِ ال ول مغ ير لكلمات ال‪ .‬وكلما ته تعالى‪ :‬ما أنزل ال‬
‫إلى نبيه محمد صلى ال عليه وسلم من وعده إياه النصر على من خالفه وضادّه‪ ,‬والظفر على‬
‫من تولى عنه وأدبر‪ .‬ولَ َقدْ جَاءَكَ ِمنْ َنبَإ ال ُمرْسَلِينَ يقول‪ :‬ولقد جاءك يا محمد من خبر من كان‬
‫قبلك من الرسل وخبر أممهم‪ ,‬وما صنعتُ بهم حين جحدوا آياتي وتمادوا في غيهم وضللهم‬
‫أنباء‪ .‬وترك ذكر «أنباء» لدللة «من» عليها‪ ,‬يقول تعالى ذكره‪ :‬فانتظر أنت أيضا من النصرة‬
‫والظفر مثل الذي كان مني كان قبلك من الرسل‪ ,‬إذ كذّبهم قومك‪ ,‬واقتد بهم في صبرهم على‬
‫ما لقوا من قومهم‪.‬‬
‫وبنحو ذلك تأوّل من تأوّل هذه الَية من أهل التأويل‪ .‬ذكر من قال ذلك‪:‬‬
‫‪ 10359‬ـ حدثنا بشر بن معاذ‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا يزيد بن زريع‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا سعيد‪ ,‬عن قتادة‪ ,‬قوله‪:‬‬
‫ِكـ فَصـَبرُوا على مـا ُك ّذبُوا يعزي نـبيه صـلى ال عليـه وسـلم كمـا‬
‫ِنـ َقبْل َ‬
‫ُسـلٌ م ْ‬
‫َتـ ر ُ‬
‫وَلَ َق ْد ُك ّذب ْ‬
‫ت سمعون‪ ,‬وي خبره أن الر سل قد كذ بت قبله ف صبروا على ما كذّبوا ح تى ح كم ال و هو خ ير‬
‫الحاكمين‪.‬‬
‫‪10360‬ـ حدثني المثنى‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا إسحاق‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا أبو زهير‪ ,‬عن جويبر‪ ,‬عن الضحاك‪:‬‬
‫ن َقبْلِكَ قال‪ :‬يعزي نبيه صلى ال عليه وسلم‪.‬‬
‫وَلَ َق ْد ُك ّذبَتْ ُرسُلٌ مِ ْ‬
‫ت رُسُلٌ‬
‫‪10361‬ـ حدثنا القاسم‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا الحسين‪ ,‬قال‪ :‬ثني حجاج‪ ,‬عن ابن جرير‪ :‬وَلَ َق ْد ُكذّبَ ْ‬
‫ن قَبِْلكَ‪ ...‬الَية‪ ,‬قال‪ :‬يعزّي نبيه صلى ال عليه وسلم‪.‬‬
‫مِ ْ‬

‫‪35‬‬ ‫الية ‪:‬‬


‫طعْتَ أَن َت ْب َتغِ يَ نَفَقا‬
‫ستَ َ‬
‫عرَاضُهُ مْ َفإِن ا ْ‬
‫ك إِ ْ‬
‫ن َكبُرَ عََليْ َ‬
‫{وَإِن كَا َ‬ ‫القول في تأو يل قوله تعالى‪:‬‬
‫ن مِ نَ‬
‫ج َمعَهُ مْ عَلَى ا ْل ُه َدىَ فَلَ َتكُو َن ّ‬
‫سمَآءِ َف َت ْأتِ َيهُ ْم بِآيَةٍ وَلَ ْو شَآءَ الّل ُه َل َ‬
‫ض أَ ْو سُلّما فِي ال ّ‬
‫فِي الرْ ِ‬
‫ا ْلجَاهِلِينَ }‪..‬‬
‫يقول تعالى ذكره‪ :‬إن كان عظم عليك يا محمد إعراض هؤلء المشركين عنك وانصرافهم‬
‫عن تصديقك فيما جئتهم به من الح قّ الذي بعثتك به‪ ,‬فش قّ ذلك عليك ولم تصبر لمكروه ما‬
‫طعْتَ أ نْ َت ْب َتغِ يَ َنفَ قا فِي الرْ ضِ يقول‪ :‬فإن ا ستطعت أن تت خذ سَرَيا في‬
‫س َت َ‬
‫نا ْ‬
‫ينالك من هم فَإ ِ‬
‫حرَتِه‪ ,‬فتذهـب فيـه أ ْو سُـلّما فِي السـّماءِ يقول‪ :‬أو‬
‫جَ‬‫الرض‪ ,‬مثـل نافقاء اليربوع‪ ,‬وهـي أحـد ِ‬
‫مصعدا تصعد فيه كالدرج وما أشبهها‪ ,‬كما قال الشاعر‪:‬‬
‫سمَوَاتِ السّلليمُ‬
‫ل ُيحْ ِرزُ ال َمرْءَ أحْجا ُء البلدِ وَل ُي ْبنَي لَ ُه في ال ّ‬
‫َف َتأْ ِت َي ُهمْ بآيَةٍ يعني بعلمة وبرهان على صحة قولك غير الذي أتيتك‪ ,‬فافعل‪.‬‬
‫وبنحو الذي قلنا في ذلك قال بعض أهل التأويل‪ .‬ذكر من قال ذلك‪:‬‬
‫‪ 10362‬ـ حدثنا المثنى‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا عبد ال بن صالح‪ ,‬قال‪ :‬ثني معاوية بن صالح‪ ,‬عن عل يّ‬
‫ن َت ْب َتغِ يَ‬
‫طعْتَ أ ْ‬
‫ستَ َ‬
‫ضهُ مْ فإ نِ ا ْ‬
‫عرَا ُ‬
‫ن كا نَ َك ُبرَ عََليْ كَ إ ْ‬
‫بن أبي طل حة‪ ,‬عن ا بن عباس‪ ,‬قوله‪ :‬وَإ ْ‬
‫نَفَقا فِي الرْضِ أ ْو سُلّما فِي السّماءِ والنفق‪ :‬السرب‪ ,‬فتذهب فيه فتأتيهم بآية‪ ,‬أو تجعل لك سلما‬
‫في السماء‪ ,‬فتصعد عليه فتأتيهم بآية أفضل مما أتيناهم به فافعل‪.‬‬
‫‪ 10363‬ـ حدثنا الحسن بن يحيى‪ ,‬قال‪ :‬أخبرنا عبد الرزاق‪ ,‬قال‪ :‬أخبرنا معمر‪ ,‬عن قتادة في‬
‫ن َت ْبتَغِ يَ نَفَ قا فِي الرْ ضِ قال‪ :‬سربا‪ ,‬أوْ سُلّما فِي ال سّما ِء قال‪ :‬يع ني‬
‫طعْتَ أ ْ‬
‫س َت َ‬
‫نا ْ‬
‫قوله‪ :‬فإ ِ‬
‫الدرج‪.‬‬
‫‪ 10364‬ـ حدث ني مح مد بن الح سين‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا أح مد بن المف ضل‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا أ سباط‪ ,‬عن‬
‫ي نَفَ قا فِي الرْ ضِ أوْ سُلّما فِي‬
‫ن َت ْب َتغِ َ‬
‫طعْتَ أ ْ‬
‫س َت َ‬
‫ضهُ مْ فإ نِ ا ْ‬
‫عرَا ُ‬
‫ن َك ُبرَ عََليْ كَ إ ْ‬
‫السديّ‪ :‬وَإ نْ كا َ‬
‫السّماءِ أما النفق‪ :‬فالسرب‪ ,‬وأما السلم‪ :‬فالمصعد‪.‬‬
‫‪ 10365‬ـ حدث نا القا سم‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا الح سين‪ ,‬قال‪ :‬ث ني حجاج‪ ,‬عن ا بن جر يج‪ ,‬عن عطاء‬
‫ض قال‪ :‬سربا‪.‬‬
‫الخراساني‪ ,‬عن ابن عباس‪ ,‬قوله‪ :‬نَفَقا فِي الرْ ِ‬
‫وترك جواب الجزاء‪ ,‬فلم يذكر لدللة الكلم عليه ومعرفة السامعين بمعناه‪ ,‬وقد تفعل العرب‬
‫ذلك فيما كان يفهم معناه عند المخاطبين به‪ ,‬فيقول الرجل منهم للرجل‪ :‬إن استطعت أن تنهض‬
‫مع نا في حاجت نا إن قدرت على معونت نا‪ ,‬ويحذف الجواب‪ ,‬و هو ير يد‪ :‬إن قدرت على معونت نا‬
‫فافعـل‪ ,‬فأمـا إذا لم يعرف المخاطـب والسـامع معنـى الكلم إل بإظهار الجواب لم يحذفوه‪ ,‬ل‬
‫يقال‪ :‬إن تقـم‪ ,‬فتسـكت وتحذف الجواب لن المقول ذلك له ل يعرف جوا به إل بإظهاره‪ ,‬حتـى‬
‫يقال‪ :‬إن ت قم ت صب خيرا‪ ,‬أو‪ :‬إن ت قم فح سن‪ ,‬و ما أش به ذلك‪ .‬ونظ ير ما في الَ ية م ما حذف‬
‫جوابه وهو مراد لفهم المخاطب لمعنى الكلم قول الشاعر‪:‬‬
‫ل‬
‫حظَ ِممّا َنعِيشُ ول َتذْهَبْ بكِ ال ّترّهاتُ في الهْوَا ِ‬
‫فَب َ‬
‫والمعنى‪ :‬فبحظّ مما نعيش فعيشي‪.‬‬
‫ن الجاهِلِينَ‪.‬‬
‫ن مِ َ‬
‫ج َم َعهُمْ على ال ُهدَى فَل َتكُونَ ّ‬
‫القول في تأويل قوله تعالى‪ :‬وََلوْ شا َء اللّ ُه َل َ‬
‫يقول تعالى ذكره‪ :‬إن الذ ين يكذّبو نك من هؤلء الكفار يـا مح مد فيحزنـك تكذيبهـم إياك‪ ,‬لو‬
‫أشاء أن أجمعهم على استقامة من الدين وصواب من محجة السلم حتى تكون كلمة جميعكم‬
‫عليـ لنـي القادر على ذلك‬
‫ّ‬ ‫واحدة وملتكـم وملتهـم واحدة‪ ,‬لجمعْتهـم على ذلك‪ ,‬ولم يكـن بعيدا‬
‫بلط في‪ ,‬ولك ني لم أف عل ذلك ل سابق عل مي في خل قي ونا فذ قضائي في هم من ق بل أن أخلق هم‬
‫ن م من ل يعلم أن ال لو‬
‫ن الجاهِلِي نَ يقول‪ :‬فل تكون ّ‬
‫ن يا مح مد مِ َ‬
‫وأ صوّر أج سامهم‪ .‬فَل َتكُونَ ّ‬
‫شاء لجمـع على الهدى مـن الكافريـن بـه اختيارا ل اضطرارا‪ ,‬فإنـك إذا علمـت صـحة ذلك لم‬
‫ي كبر عل يك إعراض من أعرض من المشرك ين ع ما تدعوه إل يه من الح قّ وتكذ يب من كذّ بك‬
‫منهم‪.‬‬
‫وبنحو الذي قلنا في ذلك قال بعض أهل التأويل‪ .‬ذكر من قال ذلك‪:‬‬
‫‪10366‬ـ حدثني المثنى‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا عبد ال بن صالح‪ ,‬قال‪ :‬ثني معاوية بن صالح‪ ,‬عن عليّ‬
‫بن أبي طلحة‪ ,‬عن ابن عباس‪ :‬يقول ال سبحانه‪ :‬لو شئت لجمعتهم على الهدى أجمعين‪.‬‬
‫وفي هذا الخبر من ال تعالى الدللة الواض حة على خطإ ما قال أ هل التفو يض من القدر ية‬
‫المنكرون أن يكون عند ال لطائف لمن شاء توفيقه من خلقه‪ ,‬يُلطف بها له حتى يهتدي للح قّ‪,‬‬
‫فينقاد له وين يب إلى الرشاد‪ ,‬فيذ عن به ويؤثره على الضلل والك فر بال وذلك أ نه تعالى ذكره‬
‫أخبر أنه لو شاء الهداية لجميع من كفر به حتى يجتمعوا على الهدى فعل‪ ,‬ول شكّ أنه لو فعل‬
‫ذلك بهم كانوا مهتدين ل ضللً‪ ,‬وهم لو كانوا مهتدين كان ل شكّ أن كونهم مهتدين كان خيرا‬
‫لهم‪ .‬وفي تركه تعالى ذكره أن يجمعهم على الهدى ترك منه أن يفعل بهم في دينهم بعض ما‬
‫هو خ ير ل هم ف يه م ما هو قادر على فعله ب هم و قد ترك فعله ب هم‪ ,‬و في تر كه ف عل ذلك ب هم‬
‫ل السـباب التـي بهـا يصـلون إلى الهدايـة ويتسـببون بهـا إلى‬
‫أوضـح الدليـل أنـه لم يعطهـم ك ّ‬
‫اليمان‪.‬‬

‫‪36‬‬ ‫الية ‪:‬‬


‫ن وَا ْلمَ ْو َتىَ َي ْب َع ُثهُ مُ اللّ هُ ثُ مّ إَِليْ هِ‬
‫س َمعُو َ‬
‫ن يَ ْ‬
‫س َتجِيبُ اّلذِي َ‬
‫{ِإنّمَا يَ ْ‬ ‫القول في تأو يل قوله تعالى‪:‬‬
‫جعُونَ }‪..‬‬
‫ُيرْ َ‬
‫ن عليـك إعراض هؤلء‬
‫يقول تعالى ذكره لنـبيه محمـد صـلى ال عليـه وسـلم‪ :‬ل يكـبر ّ‬
‫المعرضين عنك وعن الستجابة لدعائك إذا دعوتهم إلى توحيد ربهم والقرار بنبوّتك‪ ,‬فإنه ل‬
‫ي ستجيب لدعائك إلى ما تدعوه إل يه من ذلك إل الذ ين ف تح ال أ سماعهم لل صغاء إلى الح قّ‬
‫وسـهّل لهـم اتباع الرشـد‪ ,‬دون مـن ختـم ال على سـمعه فل يفقـه مـن دعائك إياه إلى ال وإلى‬
‫صمّ ُبكْ مٌ‬
‫اتباع الح قّ إل ما تف قه النعام من أ صوات رعات ها‪ ,‬ف هم ك ما و صفهم به ال تعالى‪ُ :‬‬
‫عمْ يٌ َفهُ مْ ل َيعْقِلُو نَ‪ .‬وال َم ْوتَى َي ْب َع ُثهُ مُ الّل هُ يقول‪ :‬والكفار يبعثهم ال مع الموتى‪ ,‬فجعلهم تعالى‬
‫ُ‬
‫ذكره في عداد المو تى الذ ين ل ي سمعون صوتا ول يعقلون دعاء ول يفقهون قولً‪ ,‬إذ كانوا ل‬
‫يتدبرون ححج ال ول يعتبرون آياته ول يتذكرون فينزجرون عما هم عليه من تكذيب رسل‬
‫ال وخلفهم‪.‬‬
‫وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل‪ .‬ذكر من قال ذلك‪:‬‬
‫‪ 10367‬ـ حدث ني مح مد بن عمرو‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا أ بو عا صم‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا عي سى‪ ,‬عن ا بن أ بي‬
‫ن المؤمنون للذكر‪ .‬والمَ ْوتَى الكفار‪ ,‬حين َي ْب َع ُثهُ مُ‬
‫س َمعُو َ‬
‫ب اّلذِي نَ يَ ْ‬
‫س َتجِي ُ‬
‫نجيح‪ ,‬عن مجاهد‪ :‬إنّما يَ ْ‬
‫اللّ ُه مع الموتى‪.‬‬
‫حدث ني المث نى‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا أ بو حذي فة‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا ش بل‪ ,‬عن ا بن أ بي نج يح‪ ,‬عن مجا هد‪,‬‬
‫مثله‪.‬‬
‫‪ 10368‬ـ حدث ني ب شر بن معاذ‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا يز يد‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا سعيد‪ ,‬عن قتادة‪ ,‬قوله‪ :‬إنّ ما‬
‫ن قال‪ :‬هذا مثل المؤمن سمع كتاب ال فانتفع به وأخذ به وعقله‪ ,‬والذين‬
‫س َمعُو َ‬
‫ن يَ ْ‬
‫ستَجِيبُ اّلذِي َ‬
‫يَ ْ‬
‫كذّبوا بآياتنا صمّ وبكم‪ ,‬وهذا مثل الكافر أصمّ أبكم‪ ,‬ل يبصر هدى ول ينتفع به‪.‬‬
‫‪ 10369‬ـ حدثنا ابن وكيع‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا أبو أسامة‪ ,‬عن سفيان الثور يّ‪ ,‬عن محمد بن جحادة‪,‬‬
‫ن المؤمنون‪ .‬وال َم ْوتَى قال‪ :‬الكفار‪.‬‬
‫س َمعُو َ‬
‫س َتجِيبُ اّلذِينَ َي ْ‬
‫عن الحسن‪ :‬إنّما َي ْ‬
‫حدث ني ا بن بشار‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا ع بد الرح من‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا سفيان‪ ,‬عن مح مد بن جحادة‪ ,‬قال‪:‬‬
‫س َمعُونَ وال َم ْوتَى َي ْب َعثُ ُهمْ الّلهُ قال‪ :‬الكفار‪.‬‬
‫ب اّلذِينَ َي ْ‬
‫ستَجِي ُ‬
‫سمعت الحسن يقول في قوله‪ :‬إنّما َي ْ‬
‫ن فإنه يقول تعالى‪ :‬ثم إلى ال يرجعون‪ ,‬المؤمنون الذين استجابوا‬
‫جعُو َ‬
‫وأما قوله‪ :‬ثُ مّ إَليْ ِه ُي ْر َ‬
‫ل والر سول‪ ,‬والكفار الذ ين يحول ال بين هم وب ين أن يفقهوا ع نك شيئا‪ ,‬فيث يب هذا الؤ من على‬
‫ما سلف من صالح عمله في الدنيا بما وعد أهل اليمان به من الثواب‪ ,‬ويعاقب هذا الكافر بما‬
‫أوعد أهل الكفر به من العقاب‪ ,‬ل يظلم أحدا منهم مثقال ذرّة‪.‬‬

‫‪37‬‬ ‫الية ‪:‬‬


‫ن اللّ هَ قَا ِدرٌ عََلىَ أَن‬
‫ل ُنزّلَ عََل ْي ِه آيَ ٌة مّن ّربّ هِ قُلْ ِإ ّ‬
‫{ َوقَالُو ْا لَ ْو َ‬ ‫القول في تأو يل قوله تعالى‪:‬‬
‫ل َيعَْلمُونَ }‪..‬‬
‫ن َأ ْكثَرَ ُهمْ َ‬
‫ل آيَةً وَلَـكِ ّ‬
‫ُينَزّ ٍ‬
‫يقول تعالى ذكره‪ :‬وقال هؤلء العادلون بربهم المعرضون عن آياته‪ :‬لَوْل ُنزّلَ عََليْ ِه آ َيةٌ مِنْ‬
‫َربّهِ يقول‪ :‬قالوا‪ :‬هل نزل على محمد آية من ربه كما قال الشاعر‪:‬‬
‫طرَي لَوْل ال َك ِميّ المُ َقنّعا‬
‫ج ِد ُكمْبني ضَ ْو َ‬
‫َت ُعدّونَ عَ ْقرَ النّيبِ أ ْفضَلَ َم ْ‬
‫طعَامَ َويْمشِي فِي‬
‫ل ي ْأكُلُ ال ّ‬
‫بمعنى‪ :‬هّل الكمّي‪ .‬والَية العلمة‪ ,‬وذلك أنهم قالُوا‪ :‬ما ِل َهذَا الرّسُو ِ‬
‫جنّةٌ ي ْأكُلُ ِمنْها‪ .‬قال‬
‫ن َمعَهُ َنذِيرا أوْ يُلْقَي إلَيهِ َك ْنزٌ أوْ َتكُونُ َل ُه َ‬
‫ل ُأ ْنزِلَ إَليْ ِه مََلكٌ فيكو َ‬
‫السْوَاقِ لَ ْو َ‬
‫ال تعالى ل نبيه مح مد صلى ال عل يه و سلم‪ :‬قل يا مح مد لقائلي هذه المقالة لك‪ :‬إن ال قادر‬
‫على أن ينزل آية‪ ,‬يعني‪ :‬حُجة على ما يريدون ويسألون وََل ِك نّ أ ْك َثرَهُ مْ ل َيعَْلمُو نَ يقول‪ :‬ولكن‬
‫ن نزْل ها من البلء‪ ,‬ول‬
‫أك ثر الذ ين يقولون ذلك في سألونك آ ية‪ ,‬ل يعلمون ما علي هم في الَ ية إ ّ‬
‫يدرون مـا وجـه ترك إنزال ذلك عليـك‪ ,‬ولو علموا السـبب الذي مـن أجله لم أنزّلهـا عليـك لم‬
‫يقولوا ذلك ولم يسألوكه‪ ,‬ولكن أكثرهم ل يعلمون ذلك‪.‬‬
‫‪38‬‬ ‫الية ‪:‬‬
‫حيْ ِه ِإلّ ُأمَ مٌ‬
‫جنَا َ‬
‫{وَمَا مِن دَآبّةٍ فِي الرْ ضِ َولَ طَا ِئرٍ َيطِيرُ ِب َ‬ ‫القول في تأو يل قوله تعالى‪:‬‬
‫شرُونَ }‪..‬‬
‫حَ‬‫شيْءٍ ُث ّم إَِلىَ َر ّبهِمْ ُي ْ‬
‫طنَا فِي ال ِكتَابِ مِن َ‬
‫َأ ْمثَاُلكُمْ مّا فَ ّر ْ‬
‫يقول تعالى ذكره ل نبيه مح مد صلى ال عل يه و سلم‪ :‬قل لهؤلء المعرض ين ع نك المكذّب ين‬
‫بآيات ال‪ :‬أيها القوم‪ ,‬ل تحسبنّ ال غافلً عما تعملون‪ ,‬أو أنه غير مجازيكم على ما تكسبون‪,‬‬
‫وكيف يغفل عن أعمالكم أو يترك مجازاتكم عليها وهو غير غافل عن عمل شيء د بّ على‬
‫الرض صغير أو كبير ول ع مل طائر طار بجناح يه في الهواء؟ بل ج عل ذلك كله أجنا سا‬
‫ت له ك ما ك ما تت صرّفون‪,‬‬
‫مجن سة وأ صنافا م صنفة‪ ,‬تعرف ك ما تعرفون وتت صرّف في ما سخُر ْ‬
‫ومحفوظ عليها ما عملت من عمل لها وعليها‪ ,‬ومثبت كلّ ذلك من أعمالها في أ ّم الكتاب‪ ,‬ثم‬
‫أنه تعالى ذكره مميتها ثم منشرها ومجازيها يوم القيامة جزاء أعمالها‪ .‬يقول‪ :‬فالر بّ الذي لم‬
‫ب في الرض والط ير في الهواء ح تى ح فظ علي ها حركات ها‬
‫يض يع ح فظ أعمال البهائم والدوا ّ‬
‫وأفعالها وأثبت ذلك منها في أ مّ الكتاب وحشرها ثم جازاها على ما سلف منها في دار البلء‪,‬‬
‫أحرى أن ل يضيـع أعمالكـم ول يفرط فـي حفـظ أفعالكـم التـي تجترحونهـا أيهـا الناس حتـى‬
‫يحشر كم فيجازي كم على جميع ها‪ ,‬إن خيرا فخيرا وإن شرّا فشرّا‪ ,‬إذ كان قد خ صكم من نع مه‬
‫وبسط عليكم من فضله ما لم يع ّم به غيركم في الدنيا‪ ,‬وكنتم بشكره أحقّ وبمعرفة واجبه عليكم‬
‫أولى لما أعطاكم من الع قل الذي به ب ين الشياء تميزون والفهم الذي لم يع طه البهائم والط ير‬
‫الذي به بين مصالحكم ومضارّكم تفرّقون‪.‬‬
‫وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل‪ .‬ذكر من قال ذلك‪:‬‬
‫‪ 10370‬ـ حدث ني مح مد بن عمرو‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا أ بو عا صم‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا عي سى‪ ,‬عن ا بن أ بي‬
‫نجيح‪ ,‬عن مجاهد‪ ,‬في قوله‪ُ :‬أ َممٌ أمْثاُلكُمْ أصناف مصنفة تعرف بأسمائها‪.‬‬
‫حدث ني المث نى‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا أ بو حذي فة‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا ش بل‪ ,‬عن ا بن أ بي نج يح‪ ,‬عن مجا هد‪,‬‬
‫مثله‪.‬‬
‫‪10371‬ـ حدثنا الحسن بن يحيى‪ ,‬قال‪ :‬أخبرنا عبد الرزاق‪ ,‬قال‪ :‬أخبرنا معمر‪ ,‬عن قتادة‪ ,‬في‬
‫ل ُأمَمٌـ أمْثاُلكُم ْـ يقول‪ :‬الطيـر أمـة‪,‬‬
‫حيْهِـ إ ّ‬
‫قوله‪ :‬وَمَا مِن ْـ دَابّةٍ فِي الرْضِـ وَل طا ِئرٍ َيطِيرُ ِبجَنا َ‬
‫والنس أمة‪ ,‬والجنّ أمة‪.‬‬
‫‪ 10372‬ـ حدث ني مح مد بن الح سين‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا أح مد بن مف ضل‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا أ سباط‪ ,‬عن‬
‫ل خلقٌ أمثالُكم‪.‬‬
‫السديّ‪ ,‬قوله‪ :‬إلّ ُأ َممٌ أمْثاُل ُكمْ يقول‪ :‬إ ّ‬
‫‪ 10373‬ـ حدثنا القاسم‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا الحسين‪ ,‬قال‪ :‬ثني حجاج‪ ,‬عن ابن جريج‪ ,‬في قوله‪َ :‬ومَا‬
‫ن دَابّةٍ فِي الرْ ضِ وَل طائِ ٍر يَطِيرُ ِبجَناحَيْ ِه إلّ ُأمَ ٌم أمْثالُكُ مْ قال‪ :‬الذرّة فوق ها من ألوان ما‬
‫مِ ْ‬
‫خلق ال من الدوابّ‪.‬‬
‫شيْءٍ فإن معناه‪ :‬ما ضيعنا إثبات شيء منه‪ .‬كالذي‪:‬‬
‫ن َ‬
‫وأما قوله‪ :‬ما َفرّطْنا فِي الكِتابِ مِ ْ‬
‫‪10374‬ـ حدثني المثنى‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا عبد ال بن صالح‪ ,‬قال‪ :‬ثني معاوية بن صالح‪ ,‬عن عليّ‬
‫شيْ ٍء ما تركنا شيئا إلّ قد كتبناه في أمّ‬
‫ب مِنْ َ‬
‫بن أبي طلحة‪ ,‬عن ابن عباس‪ :‬ما فَ ّرطْنا فِي الكِتا ٍ‬
‫الكتاب‪.‬‬
‫‪ 10375‬ـ حدث ني يو نس‪ ,‬قال‪ :‬أخبر نا ا بن و هب‪ ,‬قال‪ :‬قال ا بن ز يد في قوله‪ :‬ما َف ّرطْ نا فِي‬
‫شيْءٍ قال‪ :‬لم نغفل الكتاب‪ ,‬ما من شيء إلّ وهو في الكتاب‪.‬‬
‫ن َ‬
‫الكِتابِ مِ ْ‬
‫شيْ ٍء قال‪ :‬كل هم‬
‫ب مِ نْ َ‬
‫وحدثنـي به يو نس مرّة أخرى‪ ,‬قال في قوله‪ :‬ما فَ ّرطْ نا فِي الكِتا ِ‬
‫مكتوب في أمّ الكتاب‪.‬‬
‫شرُو نَ فإن أ هل التأو يل اختلفوا في مع نى حشر هم الذي عناه ال‬
‫حَ‬‫وأما قوله‪ :‬ثُ مّ إلى َر ّبهِ مْ ُي ْ‬
‫شرُها مَوْتها‪ .‬ذكر من قال ذلك‪:‬‬
‫حْ‬‫تعالى في هذا الموضع‪ .‬فقال بعضهم‪َ :‬‬
‫‪ 10376‬ـ حدثني محمد بن عمارة السديّ‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا عبيد ال بن موسى‪ ,‬عن إسرائيل‪ ,‬عن‬
‫ن دَابّةٍ فِي الرْ ضِ وَل طائِ ٍر يَطِيرُ‬
‫سعيد‪ ,‬عن م سروق‪ ,‬عن عكر مة‪ ,‬عن ا بن عباس‪ :‬وَمَا مِ ْ‬
‫شرُها‪.‬‬
‫حْ‬‫حيْ ِه إلّ ُأ َممٌ أمْثاُل ُكمْ قال ابن عباس‪ :‬موت البهائم َ‬
‫ِبجَنا َ‬
‫حدث ني مح مد بن سعد‪ ,‬قال‪ :‬ث ني أ بي‪ ,‬قال‪ :‬ث ني ع مي‪ ,‬قال‪ :‬ث ني أ بي‪ ,‬عن أب يه‪ ,‬عن ا بن‬
‫ن قال‪ :‬يعني بالحشر‪ :‬الموت‪.‬‬
‫شرُو َ‬
‫عباس‪ُ :‬ثمّ إلى َر ّبهِ ْم ُيحْ َ‬
‫‪ 10377‬ـ حُد ثت عن الح سين بن الفرج‪ ,‬قال‪ :‬سمعت أ با معاذ الف ضل بن خالد‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا‬
‫شرُو نَ يع ني بالح شر‪:‬‬
‫حَ‬‫عب يد بن سليم‪ ,‬قال‪ :‬سمعت الضحاك يقول في قوله‪ :‬ثُ مّ إلى َر ّبهِ مْ ُي ْ‬
‫الموت‪.‬‬
‫وقال آخرون‪ :‬الحشر في هذا الموضع يعني به الجمع لبعث الساعة وقيام القيامة‪ .‬ذكر من‬
‫قال ذلك‪:‬‬
‫‪ 10378‬ـ حدثنا محمد بن عبد العلى‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا محمد بن ثور‪ ,‬عن معمر‪ ,‬وحدثنا الحسن‬
‫بن يح يى‪ ,‬قال‪ :‬أخبر نا ع بد الرزاق‪ ,‬قال‪ :‬أخبر نا مع مر‪ ,‬عن جع فر بن برقان‪ ,‬عن يز يد بن‬
‫شيْءٍ ثُ مّ إلى َربّهِ مْ‬
‫الصمّ‪ ,‬عن أبي هريرة‪ ,‬في قوله‪ :‬إلّ ُأمَ ٌم أمْثالُكُ مْ ما َف ّرطْنا فِي الكِتا بِ ِم نْ َ‬
‫ل ش يء‪ ,‬فيبلغ‬
‫حشَرُو نَ قال‪ :‬يح شر ال الخلق كل هم يوم القيا مة‪ ,‬البهائم‪ ,‬والدوا بّ‪ ,‬والط ير‪ ,‬وك ّ‬
‫ُي ْ‬
‫من عدل ال يومئذٍ أن يأ خذ للجماء من القرناء‪ ,‬ثم يقول‪ :‬كو ني ترا با‪ ,‬فذلك يقول الكا فر‪ :‬يا‬
‫ت تُرابا‪.‬‬
‫َل ْيتَني ُكنْ ُ‬
‫‪ 10379‬ـ حدثنا محمد بن عبد العلى‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا محمد بن ثور‪ ,‬عن معمر‪ ,‬وحدثنا الحسن‬
‫بن يحيى‪ ,‬قال‪ :‬أخبرنا عبد الرزاق‪ ,‬قال‪ :‬أخبرنا معمر عن العمش‪ ,‬ذكره عن أبي ذرّ‪ ,‬قال‪:‬‬
‫بي نا أ نا ع ند ر سول ال صلى ال عل يه و سلم‪ ,‬إذ انتط حت عنزان‪ ,‬فقال ر سول ال صلى ال‬
‫َسـيَ ْقضِي‬
‫ّهـ َيدْرِي‪ ,‬و َ‬
‫ِنـ الل ُ‬
‫ُونـ فِيمـا ا ْن َتطَحت َا»؟ قالوا‪ :‬ل ندري‪ ,‬قال‪َ« :‬لك ِ‬
‫عليـه وسـلم‪« :‬أ َت ْدر َ‬
‫َب ْي َنهُما»‪.‬‬
‫حدثني المثنى‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا إسحاق بن سليم‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا مطر بن خليفة‪ ,‬عن منذر الثوري‪,‬‬
‫عن أبي ذرّ قال‪ :‬انتطحت شاتان عند النبيّ صلى ال عليه وسلم‪ ,‬فقال لي‪« :‬يا أبا َذرّ أ َت ْدرِي‬
‫سيَ ْقضِي َب ْينَهُما»‪ .‬قال أبو ذرّ‪ :‬لقد تركنا رسول‬
‫ن الّل ُه َيدْرِي وَ َ‬
‫فِيمَ ا ْن َتطَحتَا»؟ قلت‪ :‬ل‪ ,‬قال‪َ« :‬لكِ ِ‬
‫ال صلى ال عليه وسلم‪ ,‬وما يقلب طائر جناحيه في السماء إلّ ذكرنا منه علما‪.‬‬
‫ل دابة وطائر محشور‬
‫والصواب من القول في ذلك عندي أن يقال‪ :‬إن ال تعالى أخبر أن ك ّ‬
‫إل يه‪ ,‬وجائز أن يكون معنيا بذلك ح شر القيا مة‪ ,‬وجائز أن يكون معنيا به حشر الموت‪ ,‬وجائز‬
‫أن يكون معنيا به الحشران جميعا‪ .‬ول دللة في ظاهر التنزيل ول في خبر عن النبيّ صلى‬
‫حشَرُو نَ إذ كان الح شر في كلم العرب‪:‬‬
‫ال عل يه و سلم أ يّ ذلك المراد بقوله‪ :‬ثُ مّ إلى َر ّبهِ مْ ُي ْ‬
‫ب يعني مجموعة‪ :‬فإذ كان الجمع‬
‫ل لَ هُ أوّا ٌ‬
‫ط ْيرَ َمحْشُو َرةً كُ ّ‬
‫الجمع‪ ,‬ومن ذلك قول ال تعالى‪ :‬وال ّ‬
‫هو الح شر وكان ال تعالى جام عا خل قه إل يه يوم القيا مة وجامع هم بالموت‪ ,‬كان أ صوب القول‬
‫ل طائر محشور إلى‬
‫في ذلك أن يُع ّم بمعنى الَية ما عمه ال بظاهرها‪ ,‬وأن يقال‪ :‬كلّ دابة وك ّ‬
‫ن ولم‬
‫حشَرُو َ‬
‫ال ب عد الفناء وب عد ب عث القيا مة‪ ,‬إذ كان ال تعالى قد ع مّ بقوله‪ :‬ثُ مّ إلى َر ّبهِ مْ ُي ْ‬
‫يخصص به حشرا دون حشر‪.‬‬
‫حيْ هِ و هل يط ير الطائر إلّ بجناح يه؟ ف ما‬
‫فإن قال قائل‪ :‬ف ما و جه قوله‪ :‬وَل طائِرٍ َيطِيرُ ِبجَنا َ‬
‫في الخبر عن طيرانه بالجناحين من الفائدة؟ قيل‪ :‬قد قدمنا القول فيما مضى أن ال تعالى أنزل‬
‫هذا الكتاب بلسان قوم وبلغاتهم وما يتعارفونه بينهم ويستعملونه في منطقهم خاطبهم‪ ,‬فإذ كان‬
‫من كلم هم إذا أرادوا المبال غة في الكلم أن يقولوا‪ :‬كل مت فل نا بف مي‪ ,‬ومش يت إل يه برجلي‪,‬‬
‫وضرب ته بيدي خاطب هم تعالى بنظ ير ما يتعارفو نه في كلم هم وي ستعملونه في خطاب هم‪ ,‬و من‬
‫حدَةٌ‪.‬‬
‫ن َن ْعجَ ًة ولي َن ْعجَةٌ وَا ِ‬
‫سعُو َ‬
‫ن َهذَا أخي َل ُه تسْعٌ َو ِت ْ‬
‫ذلك قوله تعالى‪ :‬إ ّ‬

‫‪39‬‬ ‫الية ‪:‬‬


‫شإِ اللّهُـ‬
‫ن َكذّبُو ْا بِآيَاتِنَا صُـمّ َو ُبكْمٌـ فِي الظُّلمَا تِ مَن َي َ‬
‫{وَاّلذِي َ‬ ‫القول فـي تأويـل قوله تعالى‪:‬‬
‫ستَقِيمٍ }‪..‬‬
‫ى صِرَاطٍ ّم ْ‬
‫جعَلْهُ عََل َ‬
‫شأْ َي ْ‬
‫ُيضْلِلْهُ َومَن َي َ‬
‫يقول تعالى ذكره‪ :‬والذ ين كذبوا بح جج ال وأعل مه وأدل ته‪ ,‬صمّ عن سماع ال حق بك مٌ عن‬
‫القيل به في الظُّلمَا تِ يعني‪ :‬في ظلمة الكفر حائر فيها‪ ,‬يقول‪ :‬هو مرتطم في ظلمات الكفر‪ ,‬ل‬
‫يبصر آيات ال فيعتبر بها‪ ,‬ويعلم أن الذي خلقه وأنشأه فدبره وأحكم تدبيره وقدّره أحسن تقدير‬
‫وأعطاه القوّة و صحح له آلة ج سمه‪ ,‬لم يخل قه عب ثا ولم ير كه سدى‪ ,‬ولم يع طه ما أعطاه من‬
‫ل ل ستعمالها في طاع ته و ما يرض يه دون مع صيته و ما ي سخطه‪ ,‬ف هو لحير ته في‬
‫الَلت إ ّ‬
‫ظلمات الكفر وتردّده في غمراتها‪ ,‬غافل عما ال قد أثبت له في أ مّ الكتاب وما هو به فا عل‬
‫يوم يح شر إل يه مع سائر ال مم‪ .‬ثم أ خبر تعالى أ نه المضلّ من يشاء إضلله من خل قه عن‬
‫ب هداي ته فموف قه بفضله وطوله‬
‫اليمان إلى الك فر والهادي إلى ال صراط الم ستقيم من هم من أح ّ‬
‫ل من‬
‫لليمان به وترك الكفر به وبرسله وما جاءت به أنبياؤه‪ ,‬وأنه ل يهتدي من خلقه أحد إ ّ‬
‫سبق له في أ مّ الكتاب السعادة‪ ,‬ول يضلّ منهم أحد إلّ من سبق له فيها الشقاء‪ ,‬وأن بيده الخير‬
‫كله‪ ,‬وإليه الفضل كله‪ ,‬له الخلق والمر‪.‬‬
‫وبنحو الذي قلنا في ذلك قال قتادة‪.‬‬
‫‪10380‬ـ حدثنا بشر‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا يزيد‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا سعيد‪ ,‬عن قتادة‪ :‬صُ ّم و ُبكْم هذا مثل الكافر‬
‫أصمّ أبكم‪ ,‬ل يبصر هدى ول ينتفع به‪ ,‬صمّ عن الحقّ في الظلمات ل يستطيع منها خروجا له‬
‫متسكع فيها‪.‬‬

‫‪40‬‬ ‫الية ‪:‬‬


‫غ ْيرَ الّل هِ‬
‫عذَا بُ الّل هِ َأوْ َأ َت ْتكُ مْ ال سّاعَ ُة أَ َ‬
‫{قُلْ َأرََأ ْيتُكُم ِإ نْ َأتَاكُ مْ َ‬ ‫القول في تأو يل قوله تعالى‪:‬‬
‫َتدْعُونَ إِن كُن ُتمْ صَادِقِينَ }‪..‬‬
‫اختلف أ هل العرب ية في مع نى قوله‪ :‬أرأ ْي َتكُ مْ فقال ب عض نحويّي الب صرة‪ :‬الكاف ال تي ب عد‬
‫التاء من قوله‪ :‬أرأ ْي َتكُ مْ إن ما جاءت للمخاط بة‪ ,‬وتر كت التاء مفتو حة ك ما كا نت للوا حد‪ ,‬قال‪:‬‬
‫وهي مثل كاف رُوَيدك زيدا‪ ,‬إذا قلت‪ :‬أرود زيدا‪ ,‬هذه الكاف ليس لها موضع مسمى بحرف ل‬
‫ر فع ن صب‪ ,‬وإن ما هي في المخاط بة م ثل كاف ذاك‪ ,‬وم ثل ذلك قول العرب‪ :‬أب صرك زيدا‪,‬‬
‫يدخلون الكاف للمخاطبة‪.‬‬
‫ن أتاكُ مْ أرأي تم‪ ,‬قال‪ :‬وهذه الكاف تد خل للمخاط بة مع‬
‫وقال آخرون من هم‪ :‬مع نى‪ :‬أرأيْ َتكُ مْ إ ْ‬
‫التوك يد‪ ,‬والتاء وحد ها هي ال سم‪ ,‬ك ما أدخلت الكاف ال تي تفرّق ب ين الوا حد والثن ين والجم يع‬
‫في المخاط بة كقول هم‪ :‬هذا‪ ,‬وذاك‪ ,‬وتلك‪ ,‬وأولئك‪ ,‬فتد خل الكاف للمخاط بة ولي ست با سم‪ ,‬والتاء‬
‫ل زيد‪ ,‬يراد‪:‬‬
‫هو السم للواحد والجميع‪ُ ,‬ت ِركَ تْ على حال واحدة‪ ,‬ومثل ذلك قولهم‪ :‬ليسك ثم إ ّ‬
‫سيّك زيد‪ ,‬فيراد‪ :‬ول سيما زيد‪ ,‬وبلك‪ ,‬فيراد بلى‪ ,‬في معنى‪ :‬ولبئسك رجلً ولنعمك‬
‫ليس ول ِ‬
‫رجلً وقالوا‪ :‬انظرك زيدا ما أصنع به‪ ,‬وأبصرك ما أصنع به‪ ,‬بمعنى أبصرُه‪ .‬وحكى بعضهم‪:‬‬
‫أبصـركم ما أ صنع به‪ ,‬يراد‪ :‬أبصـروا‪ ,‬وانظركـم زيدا‪ :‬أي انظروا‪ .‬وح كي عن ب عض بنـي‬
‫كلب‪ :‬أتعلمـك كان أحـد أشعـر مـن ذي الرمـة؟ فأدخـل الكاف‪ .‬وقال بعـض نحوّيـي الكوفـة‪:‬‬
‫أرأي تك عمرا أكثرُ الكلم‪ ,‬ف يه ترك اله مز‪ .‬قال‪ :‬والكاف من أرأي تك في مو ضع ن صب‪ ,‬كأن‬
‫الصل‪ :‬أرأيت نفسك على غير هذه الحال؟ قال‪ :‬فهذا يثنى ويجمع ويؤنث‪ ,‬فيقال‪ :‬أرأيتما كما‬
‫وأرأيتمو كم وأ َر ْيتُ ّنكُ نّ أو قع فعله على نف سه‪ ,‬و سأله عن ها‪ ,‬ثم ك ثر به الكلم ح تى تركوا التاء‬
‫موحدة للتذكير والتأنيث والتثنية والجمع‪ ,‬فقالوا‪ :‬أرأيتكم زيدا ما صنع‪ ,‬وأرأيتكن زيدا ما صنع‪,‬‬
‫فوحدوا التاء و ّثنُوا الكاف وجمعوها فجعلوها بدلً من التاء‪ ,‬كما قال‪ :‬هاؤُ مُ ا ْقرَءُوا كِتابِيَ هْ وهاءَ‬
‫يا رجل‪ ,‬وهاؤُما‪ ,‬ثم قالوا‪ :‬هاكم‪ ,‬اكتفى بالكاف والميم مما كان يثنى ويجمع‪ ,‬فكأن الكاف في‬
‫مو ضع ر فع إذ كا نت بدلً من التاء‪ ,‬ورب ما وحدت للتثن ية والج مع والتذك ير والتأن يث‪ ,‬و هي‬
‫كقول القائل‪ :‬عليك زيدا‪ ,‬الكاف في موضع خفض‪ ,‬والتأويل رفع‪ .‬فأما ما يجلب فأكثر ما يقع‬
‫على ال سماء‪ ,‬ثم تأ تي بال ستفهام‪ ,‬فيقال‪ :‬أرأي تك زيدا هل قام‪ ,‬لن ها صارت بمع نى‪ :‬أ خبرني‬
‫عن زيد‪ ,‬ثم بين عما يستخبر‪ ,‬فهذا أكثر الكلم‪ ,‬ولم يأت الستفهام ثنيها‪ ,‬لم يقل‪ :‬أرأيتك هل‬
‫قمت‪ ,‬لنهم أرادوا أن يبينوا عمن يسأل‪ ,‬ثم تبين الحالة التي يسأل عنها‪ ,‬وربما جاء بالخير ولم‬
‫يأت بالسم‪ ,‬فقالوا‪ :‬أرأيت زيدا هل يأتينا‪ ,‬وأرأيتك أيضا‪ ,‬وأرأيت زيدا إن أتيته هل يأتينا إذا‬
‫كانت بمعنى أخبرني‪ ,‬فيقال باللغات الثلث‪.‬‬
‫وتأويل الكلم‪ :‬قل يا محمد لهؤلء العادلين بال الوثان والصنام‪ ,‬أخبروني إن جاءكم أيها‬
‫القوم عذاب ال‪ ,‬كالذي جاء مـن قبلكـم مـن المـم الذيـن هلك بعضهـم بالرجفـة‪ ,‬وبعضهـم‬
‫بالصاعقة‪ ,‬أو جاءتكم الساعة التي تنشرون فيها من قبوركم وتبعثون لموفق القيامة‪ ,‬أغير ال‬
‫هناك تدعون لكشف ما نزل بكم من البلء أو إلى غيره من آلهتكم تفزعون لينجيكم مما نزل‬
‫ب كم من عظ يم البلء إ نْ ُك ْنتُ مْ صَا ِدقِينَ يقول‪ :‬إن كن تم محقّ ين في دعوا كم وزعم كم أن آلهت كم‬
‫تدعونها من دون ال تنفع أو تضرّ‪.‬‬

‫‪41‬‬ ‫الية ‪:‬‬


‫ن مَا‬
‫ن َفيَ ْكشِ فُ مَا َتدْعُو نَ إَِل ْي هِ ِإ نْ شَآءَ َوتَن سَوْ َ‬
‫{بَلْ ِإيّا هُ َتدْعُو َ‬ ‫القول في تأو يل قوله تعالى‪:‬‬
‫ُتشْ ِركُونَ }‪..‬‬
‫يقول تعالى ذكره مكذّبـا لهؤلء العادليـن بـه الوثان‪ :‬مـا أنتـم أيهـا المشركون بال الَلهـة‬
‫والنداد إن أتا كم عذاب ال أو أتت كم ال ساعة بم ستجيرين بش يء غ ير ال في حال شدّة الهول‬
‫النازل ب كم من آل هة وو ثن و صنم‪ ,‬بل تدعون هناك رب كم الذي خلق كم و به ت ستغيثون وإل يه‬
‫ن إَليْ هِ يقول‪ :‬فيفرّج عن كم ع ند ا ستغاثتكم به‬
‫تفزعون دون كل ش يء غيره‪َ .‬ف َي ْكشِ فُ ما َتدْعُو َ‬
‫وتضرّعكم إليه عظيم البلء النازل بكم إن شاء أن يفرّج ذلك عنكم‪ ,‬لنه القادر على كلّ شيء‬
‫ُونـ يقول‪:‬‬
‫ْسـ ْونَ مـا ُتشْ ِرك َ‬
‫ومالك ك ّل شيـء دون مـا تدعونـه إلهـا مـن الوثان والصـنام‪ .‬و َتن َ‬
‫وتنسون حين يأتيكم عذاب ال أو تأتيكم الساعة بأهوالها ما تشركونه مع ال في عبادتكم إياه‪,‬‬
‫فتجعلونه له ندّا من وثَن َوصَنم‪ ,‬وغير ذلك مما تعبدونه من دونه وتدعونه إلها‪.‬‬
‫‪42‬‬ ‫الية ‪:‬‬
‫ضرّآءِ‬
‫خ ْذنَاهُ مْ بِا ْل َبأْ سَآءِ وَال ّ‬
‫{وََل َقدْ َأرْ سَلنَآ إَِلىَ ُأمَ مٍ مّن َقبْلِ كَ َفَأ َ‬ ‫القول في تأو يل قوله تعالى‪:‬‬
‫ضرّعُونَ }‪..‬‬
‫َلعَّل ُهمْ َيتَ َ‬
‫يقول تعالى ذكره متوعدا لهؤلء العادلين به الصنام‪ ,‬ومحذّرهم أن يسلك بهم إن هم تمادوا‬
‫في ضللهم سبيل من سلك سبيلهم من المم قبلهم في تعجيل ال عقوبته لهم في الدنيا‪ ,‬ومخبرا‬
‫نبيه عن سنته في الذين خلوا قبلهم من المم على منهاجهم في تكذيب الرسل‪ :‬وَلَ َق ْد أرْ سَلْنا يا‬
‫ُمـ بال َبأْسـاءِ يقول‪ :‬فأمرناهـم‬
‫ِكـ فأخَذْناه ْ‬
‫ِنـ قَبْل َ‬
‫َمـ يعنـي‪ :‬إلى جماعات وقرون‪ ,‬م ْ‬
‫محمـد إلى ُأم ٍ‬
‫ونهيناهـم‪ ,‬فكذّبوا رسـلنا وخالفوا أمرنـا ونهينـا‪ ,‬فامتحناهـم بالبتلء بالبأسـاء‪ ,‬وهـي شدّة الفقـر‬
‫والضيـق فـي المعيشـة والضّرّاء وهـي السـقام والعلل العارضـة فـي الجسـام‪ .‬وقـد بينـا ذلك‬
‫بشواهده ووجوه إعرابه في سورة البقرة بما أغني عن إعادته في هذا الموضع‪ .‬وقوله‪َ :‬لعَّلهُ مْ‬
‫ن يقول‪ :‬فعل نا ذلك ب هم ليتضرّعوا إل يّ‪ ,‬ويخل صوا لي العبادة‪ ,‬ويفردوا رغبت هم إل يّ‬
‫ضرّعُو َ‬
‫َيتَ َ‬
‫دون غيري بالتذلل منهـم لي بالطا عة والسـتكانة من هم إليّـ بالنابـة‪ .‬و في الكلم محذوف قـد‬
‫خذْناهُ مْ‪.‬‬
‫ن َقبْلِ كَ فَأ َ‬
‫ا ستغني ب ما دلّ عل يه الظا هر عن إظهاره من قوله‪ :‬وَلَ َقدْ أرْ سَلْنا إلى ُأمَ مٍ مِ ْ‬
‫وإنما كان سبب أخذه إياهم تكذيبهم الرسل وخلفهم أمره‪ ,‬ل إرسال الرسل إليهم‪ .‬وإذ كان ذلك‬
‫ل فكذّبوهم‪ ,‬فأخذناهم بالبأساء‪.‬‬
‫كذلك‪ ,‬فمعلوم أن معنى الكلم‪ :‬ولقد أرسلنا إلى أمم من قبلك رس ً‬
‫والتضرّع‪ :‬هو التفعل من الضراعة‪ ,‬وهي الذلة والستكانة‪.‬‬

‫‪43‬‬ ‫الية ‪:‬‬


‫ضرّعُواْ وَلَ ـكِن قَ سَتْ قُلُو ُبهُ مْ َو َزيّ نَ‬
‫سنَا َت َ‬
‫{فَلَوْل ِإ ْذ جَآءَهُ مْ َبأْ ُ‬ ‫القول في تأو يل قوله تعالى‪:‬‬
‫ن مَا كَانُوّا َي ْعمَلُونَ }‪..‬‬
‫شيْطَا ُ‬
‫َل ُهمُ ال ّ‬
‫وهذا أي ضا من الكلم الذي ف يه متروك ا ستغني بدللة الظا هر عن ذكر ما ترك‪ ,‬وذلك أ نه‬
‫تعالى ذكره أخبر عن المم التي كذّبت رسلها أنه أخذهم بالبأساء والضرّاء ليتضرعوا‪ ,‬ثم قال‪:‬‬
‫فلول إذ جاء هم بأ سنا تضرّعوا‪ ,‬ولم ي خبر ع ما كان من هم من الف عل ع ند أخذه إيا هم بالبأ سأء‬
‫والضرّاء‪.‬‬
‫ومعنى الكلم‪ :‬ولقد أرسلنا إلى أمم من قبلك فأخذناهم بالبأساء والضرّاء لعلهم يتضرّعون فلم‬
‫ل في هذا المو ضع‪ :‬فهلّ‪ ,‬والعرب إذ‬
‫يتضرّعوا‪ ,‬فلول إذا جاء هم بأ سنا تضرّعوا‪ .‬ومع نى‪ :‬فَلَ ْو َ‬
‫أوْلت «لول» ا سما مرفو عا جعلت ما بعد ها خبرا وتلقت ها بال مر‪ ,‬فقالت‪ ,‬فلول أخوك لزر تك‪,‬‬
‫ولول أبوك لضرب تك‪ ,‬وإذا أوْلت ها فعلً‪ ,‬أو لم تول ها ا سما‪ ,‬جعلو ها ا ستفهاما‪ ,‬فقالوا‪ :‬لول جئ نا‬
‫خ ْر َتنِي إلى أجَلٍ َقرِي بٍ‬
‫فنكرمك‪ ,‬ولول زرت أخاك فنزورك‪ ,‬بمعنى هلّ‪ .‬كما قال تعالى‪َ :‬لوْل أ ّ‬
‫صدّق وكذلك تفعل ب «لوما» مثل فعلها ب «لول»‪.‬‬
‫فأ ّ‬
‫فتأويـل الكلم إذن‪ :‬فهل إذ جاء بأسـنا هؤلء المـم المكذّبـة رسـلها الذيـن لم يتضرّعوا عنـد‬
‫أخذناهم بالبأساء والضرّاء‪ ,‬تضرّعوا فاستكانوا لربهم وخضعوا لطاعته‪ ,‬فيصرف ربهم عنهم‬
‫بأ سه و هو عذا به و قد بي نا مع نى البأس في غ ير هذا الموضوع ب ما أغ نى عن إعاد ته في هذا‬
‫ُمـ يقول‪ :‬ولكـن أقاموا على تكذيبهـم رسـلهم‪ ,‬وأصـروا على ذلك‬
‫ت قُلُو ُبه ْ‬
‫َسـ ْ‬
‫ِنـ ق َ‬
‫الموضـع‪ .‬وََلك ْ‬
‫وا ستكبروا عن أ مر رب هم‪ ,‬ا ستهانة بعقاب ال وا ستخفافا بعذا به وق ساوة قلب من هم‪َ .‬و َزيّ نَ َلهُ مُ‬
‫ن ما كَانُوا َي ْعمَلُونَ يقول‪ :‬وحسن لهم الشيطان ما كانوا يعملون من العمال التي يكرهها‬
‫شيْطَا ُ‬
‫ال ّ‬
‫ال ويسخطها منهم‬

‫‪44‬‬ ‫الية ‪:‬‬


‫حّتىَ ِإذَا‬
‫ل شَيْ ٍء َ‬
‫ب كُ ّ‬
‫حنَا عََل ْيهِ مْ َأ ْبوَا َ‬
‫{فََلمّا نَ سُواْ مَا ُذ ّكرُواْ ِب ِه َفتَ ْ‬ ‫القول في تأويل قوله تعالى‪:‬‬
‫ن }‪..‬‬
‫خ ْذنَا ُهمْ َب ْغتَةً َفِإذَا ُهمْ ّمبِْلسُو َ‬
‫فَ ِرحُو ْا ِبمَآ أُو ُتوَاْ َأ َ‬
‫يعني تعالى ذكره بقوله‪ :‬فََلمّا نَسُوا ما ُذكّرُوا بِ ِه فلما تركوا العمل بما أمرناهم به على ألسن‬
‫رسلنا‪ .‬كالذي‪:‬‬
‫‪ 10381‬ـ حدثنا المثنى‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا عبد ال بن صالح‪ ,‬قال‪ :‬ثني معاوية بن صالح‪ ,‬عن علي‬
‫بن أبي طلحة‪ ,‬عن ابن عباس‪ ,‬قوله‪ :‬فََلمّا َنسُوا ما ُذ ّكرُوا ِبهِ يعني‪ :‬تركوا ما َذكّروا به‪.‬‬
‫‪10382‬ـ حدثنا القاسم‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا قال‪ :‬الحسين‪ ,‬قال‪ :‬ثني حجاج‪ ,‬عن ابن جريج‪ ,‬قوله‪ :‬نَسُوا‬
‫ما ُذ ّكرُوا ِبهِ قال‪ :‬ما دعاهم ال إليه ورسلِهِ‪ ,‬أبوه وردّوه عليهم‪.‬‬
‫شيُءٍ يقول‪ :‬بدلنـا مكان البأسـاء الرخاء والسـعة فـي العيـش ومكان‬
‫َف َتحْنَا عََل ْيهِم ْـ أبْوَاب َـ كُلّ َ‬
‫الضراء الصحة والسلمة في البدان والجسام استدراجا منّا لهم‪ .‬كالذي‪:‬‬
‫‪ 10383‬ـ حدثني محمد بن عمرو‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا أبو عاصم‪ ,‬قال‪ :‬ثني عيسى‪ ,‬وحدثني المثنى‪,‬‬
‫قال‪ :‬حدث نا أ بو حذي فة‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا ش بل‪ ,‬عن ا بن أ بي نج يح‪ ,‬عن مجا هد في قوله ال‪َ :‬ف َتحْنَا‬
‫ل شَيُ ٍء قال‪ :‬رخاء الدنيا ويسرها على القرون الولى‪.‬‬
‫عََل ْي ِهمْ أبْوَابَ كُ ّ‬
‫‪10384‬ـ حدثنا الحسن بن يحيى‪ ,‬قال‪ :‬أخبرنا عبد الرزاق‪ ,‬قال‪ :‬أخبرنا معمر‪ ,‬عن قتادة‪ ,‬في‬
‫شيُ ٍء قال‪ :‬يعني الرخاء وسعة الرزق‪.‬‬
‫ب كُلّ َ‬
‫حنَا عََل ْي ِهمْ أبْوَا َ‬
‫قوله‪َ :‬ف َت ْ‬
‫‪ 10385‬ـ حدث ني مح مد بن الح سين‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا أح مد بن مف ضل‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا أ سباط‪ .‬عن‬
‫شيُءٍ يقول‪ :‬من الرزق‪.‬‬
‫ب كُلّ َ‬
‫حنَا عََل ْيهِ ْم أبْوَا َ‬
‫السدّي‪ ,‬قوله‪َ :‬فتَ ْ‬
‫ل شَيُءٍ وقد علمت أن باب الرحمة وباب‬
‫حنَا عََل ْيهِ مْ أبْوَا بَ كُ ّ‬
‫فإن قال لنا قائل‪ :‬وكيف قيل‪َ :‬ف َت ْ‬
‫التوبة لم يفتح لهم‪ ,‬وأبواب أخر غيره كثيرة؟ قيل‪ :‬إن معنى ذلك على غير الوجه الذي ظننت‬
‫من معناه‪ ,‬وإنما معنى ذلك‪ :‬فتحنا عليهم استدراجا منا لهم أبواب كلّ ما كنا سددنا عليهم بابه‬
‫عند أخذنا إياهم بالبأساء والضرّاء‪ ,‬ليتضرّعوا‪ ,‬إذ لم يتضرّعوا وتركوا أمر ال‪ .‬لن آخر هذا‬
‫الكلم مردود على أوله‪ ,‬وذلك كما قال تعالى في موضع آخر من كتابه‪ :‬ومَا أرْ سَلْنا فِي قَ ْريَةٍ‬
‫سنَ َة حتى‬
‫س ّيئَةِ الحَ َ‬
‫ن ثُ مّ َبدّ ْلنَا َمكَان ال ّ‬
‫خذْنا أهْلَها بالبأْسا ِء والضرّاءِ َلعَّلهُ مْ َيتَضرّعُو َ‬
‫لأَ‬
‫ن َنبِ يّ إ ّ‬
‫مِ ْ‬
‫شعُرُو نَ ففتح ال على القوم‬
‫خ ْذنَاهُ مْ َب ْغتَةً وَهُ ْم ل َي ْ‬
‫سرّاءُ فَأ َ‬
‫ضرّاءُ وال ّ‬
‫عَ َفوْا وقالُوا َقدْ مَ سّ آبا َءنَا ال ّ‬
‫الذ ين ذ كر في هذه الَ ية (أن هم ن سوا ما) ذكر هم بقوله‪ :‬فَلَمّا نَ سُوا ما ُذكّرُوا بِ ِه َف َتحْنَا عََل ْيهِ مْ‬
‫شيُءٍ هو تبديله ل هم مكان ال سيئة ال تي كانوا في ها في حال امتحا نه إيا هم من ض يق‬
‫ل َ‬
‫أبْوَا بَ كُ ّ‬
‫العيش إلى الرخاء والسعة‪ ,‬ومن الضرّ في الجسام إلى الصحة والعافية‪ ,‬وهو فتح أبواب كلّ‬
‫شيُءٍ فرد قوله‪:‬‬
‫ل َ‬
‫حنَا عََل ْيهِ مْ أ ْبوَا بَ كُ ّ‬
‫شيء كان أغلق بابه عليهم مما جرى ذكره قبل قوله‪َ :‬ف َت ْ‬
‫شيُءٍ عليه‪ .‬ويعني تعالى بقوله‪ :‬حتى إذَا َف ِرحُوا ِبمَا ُأتُوا يقول‪ :‬حتى إذا‬
‫ب كُلّ َ‬
‫حنَا عََل ْيهِمْ أ ْبوَا َ‬
‫َفتَ ْ‬
‫فرح هؤلء المكذّبون ر سلهم بفتح نا علي هم أبواب ال سعة في المعي شة وال صحة في الج سام‪.‬‬
‫كالذي‪:‬‬
‫‪ 10386‬ـ حدث ني مح مد بن الح سين‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا أح مد بن المف ضل‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا أ سباط‪ ,‬عن‬
‫السدي‪ :‬حتى إذَا َفرِحُوا ِبمَا أُوتُوا من الرزق‪.‬‬
‫‪ 10387‬ـ حدث نا الحرث‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا القا سم بن سلم‪ ,‬قال‪ :‬سمعت ع بد الرح من بن مهدي‪,‬‬
‫يحدث عن حماد بن زيد‪ ,‬قال‪ :‬كان رجل يقول‪ :‬رحم ال رجلً تل هذه الَية ثم فكر فيها ماذا‬
‫خذْنا ُهمْ َب ْغتَةً‪.‬‬
‫أريد بها‪ :‬حتى إذَا َف ِرحُوا ِبمَا أُوتُوا أ َ‬
‫‪ 10388‬ـ حدث ني الحرث‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا القا سم‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا ا بن أ بي رجاء من أ هل الث غر‪ ,‬عن‬
‫ُمـ َب ْغتَةً قال‪ :‬أمهلوا‬
‫خذْناه ْ‬
‫عبـد ال بـن المبارك‪ ,‬عـن محمـد بـن النضـر الحارثـي‪ ,‬فـي قوله‪ :‬أ َ‬
‫عشرين سنة‪.‬‬
‫خذْناهُ مْ َب ْغتَ ًة أتيناهم بالعذاب فجأة وهم غارّون ل يشعرون أن ذلك‬
‫ويعني تعالى ذكره بقوله أ َ‬
‫كائن ول هو بهم حال‪ .‬كما‪:‬‬
‫‪ 10389‬ـ حدثنا القاسم‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا الحسين‪ ,‬قال‪ :‬ثني حجاج‪ ,‬عن ابن جريج‪ :‬حتى إذَا فَ ِرحُوا‬
‫خذْنا ُهمْ َب ْغتَةً قال‪ :‬أعجب ما كانت إليهم وأغرّها لهم‪.‬‬
‫ِبمَا أُوتُوا أ َ‬
‫‪ 10390‬ـ حدث نا مح مد بن الح سين‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا أح مد بن المف ضل‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا أ سباط‪ ,‬عن‬
‫خذْنا ُهمْ َب ْغتَةً يقول‪ :‬أخذهم العذاب بغتة‪.‬‬
‫السديّ أ َ‬
‫‪ 10391‬ـ حدث ني مح مد بن عمرو‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا أ بو عا صم‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا عي سى‪ ,‬عن ا بن أ بي‬
‫خذْناهُمْ َب ْغتَ ًة وقال‪ :‬فجأة آمنين‪.‬‬
‫نجيح‪ ,‬عن مجاهد‪ :‬أ َ‬
‫وأما قوله‪ :‬فإذَا هُ مْ ُمبْلِ سُونَ فإنهم هالكون‪ ,‬منقطعة حججهم‪ ,‬نادمون على ما سلف منهم من‬
‫تكذيبهم رسلهم‪ .‬كالذي‪:‬‬
‫‪ 10392‬ـ حدث ني مح مد بن الح سين‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا أح مد بن المف ضل‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا أ سباط‪ ,‬عن‬
‫السديّ‪ :‬فإذَا ُه ْم ُمبْلِسُونَ قال‪ :‬فإذا هم مهلكون متغير حالهم‪.‬‬
‫‪ 10393‬ـ حدث ني الحرث‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا ع بد العز يز‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا ش يخ‪ ,‬عن مجا هد‪ :‬فإذَا هُ مْ‬
‫ن قال‪ :‬فإذا هم مهلكون‪.‬‬
‫ُمبِْلسُو َ‬
‫‪ 10394‬ـ حدثني يونس‪ ,‬قال‪ :‬أخبرنا ابن وهب‪ ,‬قال‪ :‬قال ابن زيد‪ ,‬في قوله‪ :‬فإذَا هُ مْ ُمبْلِ سُونَ‬
‫قال‪ :‬المبلسـّ‪ :‬الذي قـد نزل بـه الشرّ الذي ل يدفعـه‪ ,‬والمبلس أشدّ مـن المسـتكين‪ ,‬وقرأ‪ :‬فَمَا‬
‫ُمـ‬
‫خذْناه ْ‬
‫ُونـ وكان أوّل مرّة فيـه معاتبـة وتقيّة‪ ,‬وقرأ قول ال‪ :‬أ َ‬
‫ِمـ وَمـا َي َتضَرّع َ‬
‫اسـتَكانُوا ِل َر ّبه ْ‬
‫ْ‬
‫ُمـ‬
‫ّنـ َله ُ‬
‫ضرّعُوا حتـى بلغ‪َ :‬و َزي َ‬
‫ُمـ بأسـُنا َت َ‬
‫ُونـ فَلَوْل إ ْذ جاءَه ْ‬
‫ضرّع َ‬
‫ُمـ َيتَ َ‬
‫ضرّاءِ َلعَّله ْ‬
‫بالبأْسـاء وال ّ‬
‫خذْناهُ مْ‬
‫ن ما كانُوا َي ْعمَلُو نَ ثم جاء أمر ليس فيه تقية‪ ,‬وقرأ‪ :‬حتى إذَا فَ ِرحُوا بِما أُوتُوا أ َ‬
‫شيْطا ُ‬
‫ال ّ‬
‫ن فجاء أمر ليس فيه تقية‪ ,‬وكان الوّل لو أنهم تضرّعوا كشف عنهم‪.‬‬
‫َب ْغتَةً فإذَا ُهمْ ُمبِْلسُو َ‬
‫‪ 10395‬ـ حدثني سعيد بن عمرو السكوني‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا بقية بن الوليد‪ ,‬عن أبي شريح ضبارة‬
‫بن مالك‪ ,‬عن أ بي ال صلت‪ ,‬عن حرملة أ بي عبد الرح من‪ ,‬عن عق بة بن م سلم‪ ,‬عن عق بة بن‬
‫ع ْبدَ ُه فِي ُدنْياه‪ ,‬إ ّنمَا هُوَ‬
‫عامر‪ ,‬قال‪ :‬قال رسول ال صلى ال عليه وسلم‪« :‬إذَا رَأيْتَ الّلهَ ُي ْعطِي َ‬
‫ح ْمدُ لِلّ ِه رَبّ العاَلمِينَ‪.‬‬
‫ستِ ْدرَاجٌ» ثم تل هذه الَية‪ :‬فََلمّا َنسُوا ما ُذكّرُوا بِ ِه إلى قوله‪ :‬وال َ‬
‫اْ‬
‫وحّدث بهذا الحديث عن محمد بن حرب‪ ,‬عن ابن لهيعة‪ ,‬عن عقبة بن مسلم‪ ,‬عن عقبة بن‬
‫سأَلُونَ على‬
‫عامر‪ ,‬أن النبيّ صلى ال عليه وسلم‪ ,‬قال‪« :‬إذَا رََأيْ تَ اللّ َه تَعالى ُيعْطِي العِبادَ ما يَ ْ‬
‫س ِت ْدرَاجٌ ِمنْ هُ َلهُ مْ» ثم تل‪ :‬فََلمّا نَ سُوا ما ُذكّرُوا بِ هِ َف َتحْنا عََل ْيهِ مْ أبْوَا بَ‬
‫معَا صِيهِم إيّا هُ‪ ,‬فإ ّنمَا ذل كَ ا ْ‬
‫شيْءٍ‪ ...‬الَية‪.‬‬
‫كُلّ َ‬
‫وأصـل البلس فـي كلم العرب عنـد بعضهـم‪ :‬الحزن على الشيـء والندم عليـه‪ .‬وعنـد‬
‫بعضهـم‪ :‬انقطاع الحُجـة وال سكوت عنـد انقطاع الحجـة‪ .‬وع ند بعض هم‪ :‬الخشوع‪ ,‬وقالوا‪ :‬هو‬
‫المخذول المتروك‪ ,‬ومنه قول العجاج‪:‬‬
‫ع ِرفُهُ وأبَْلسَا‬
‫ح هَلْ َت ْع ِرفُ رَسْما ُم ْك َرسَاقالَ َن َعمْ أ ْ‬
‫يا صَا ِ‬
‫فتأويل قوله‪« :‬وأبلسا» عند الذين زعموا أن البلس‪ :‬انقطاع الحجة والسكوت عنده‪ ,‬بمعنى‪:‬‬
‫أنه لم يحر جوابا‪ .‬وتأوّله الَخرون بمعنى الخشوع‪ ,‬وترك أهله إياه مقيما بمكانه‪ .‬والَخرون‪:‬‬
‫بمعنى الحزن والندم‪ ,‬يقال منه‪ :‬أبلس الرجل إبلسا‪ ,‬ومنه قيل لبليس‪ :‬إبليس‪.‬‬

‫‪45‬‬ ‫الية ‪:‬‬


‫ح ْمدُ للّ ِه رَبّ ا ْلعَاَلمِينَ }‪..‬‬
‫ن ظََلمُواْ وَا ْل َ‬
‫{فَقُطِعَ دَا ِبرُ الْ َق ْومِ اّلذِي َ‬ ‫القول في تأويل قوله تعالى‪:‬‬
‫ِينـ ظََلمُوا فاسـتؤصل القوم الذيـن عتوا على‬
‫ْمـ اّلذ َ‬
‫ُطعـ دَا ِبرَ ال َقو ِ‬
‫يعنـي تعالى ذكره بقوله‪ :‬فَق َ‬
‫ل أهلك بغتـة‪ ,‬إذ جاء هم‬
‫رب هم وكذّبوا ر سله وخالفوا أمره عن آخر هم‪ ,‬فلم يترك منهـم أ حد إ ّ‬
‫عذاب ال وبنحو الذي قلنا في ذلك‪ ,‬قال جماعة من أهل التأويل‪ .‬ذكر من قال ذلك‪:‬‬
‫‪ 10396‬ـ حدث ني مح مد بن الح سين‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا أح مد بن المف ضل‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا أ سباط‪ ,‬عن‬
‫ن ظََلمُوا يقول‪ :‬فقطع أصل الذين ظلموا‪.‬‬
‫السديّ‪ :‬فَ ُقطِعَ دابِرُ القَ ْومِ اّلذِي َ‬
‫‪10397‬ـ حدثني يونس‪ ,‬قال‪ :‬أخبرنا ابن وهب‪ ,‬قال‪ :‬قال ابن زيد‪ ,‬في قوله‪ :‬فَ ُقطِعَ دابِرُ القَوْمِ‬
‫اّلذِينَ ظََلمُوا‪ .‬قال‪ :‬استُؤْصلوا‪.‬‬
‫ودابر القوم‪ :‬الذي يدبر هم‪ ,‬و هو الذي يكون في أدبار هم وآخر هم‪ ,‬يقال في الكلم‪ :‬قد دبر‬
‫القوم فلن يدبرهم دبرا ودبورا إذا كان آخرهم‪ ,‬ومنه قول أمية‪:‬‬
‫صرُوا‬
‫صرْفا ول ا ْن َت َ‬
‫ب حَصّ دا ِبرَ ُهمْفما اسْتطاعُوا له َ‬
‫فأُهِْلكُوا بعَذَا ٍ‬
‫ب العاَلمِي نَ يقول‪ :‬والثناء الكا مل‪ ,‬والش كر التا مّ ل ر بّ العالم ين على إنعا مه‬
‫ح ْمدُ لِّل ِه رَ ّ‬
‫وال َ‬
‫على رسله وأهل طاعته‪ ,‬بإظهار حججهم على من خالفهم من أهل الكفر‪ ,‬وتحقيق عداتهم ما‬
‫وعدوهم على كفرهم بال وتكذيبهم رسله‪ ,‬من نقم ال وعاجل عذابه‪.‬‬

‫‪46‬‬ ‫الية ‪:‬‬


‫ختَ مَ عََلىَ قُلُو ِبكُ مْ‬
‫س ْم َع ُكمْ وََأبْ صَارَ ُكمْ َو َ‬
‫خذَ الّل هُ َ‬
‫{قُلْ َأرََأيْتُ مْ ِإ نْ َأ َ‬ ‫القول في تأويل قوله تعالى‪:‬‬
‫صدِفُونَ }‪..‬‬
‫ليَاتِ ُثمّ ُهمْ َي ْ‬
‫ص ّرفُ ا َ‬
‫ف نُ َ‬
‫ظرْ َكيْ َ‬
‫غ ْيرُ اللّ ِه َي ْأتِي ُكمْ ِبهِ ا ْن ُ‬
‫ن إِلَـهٌ َ‬
‫مّ ْ‬
‫يقول تعالى ذكره لنبيه محمد صلى ال عليه وسلم‪ :‬قل يا محمد لهؤلء العادلين بي الوثان‬
‫والصـنام المكذّبيـن بـك‪ :‬أرأيتـم أيهـا المشركون بال غيره إن أصـمكم ال فذهـب بأسـماعكم‬
‫ل ول تب صروا‬
‫ختَ مَ عَلى قُلُو ِبكُ مْ فط بع علي ها ح تى ل تفقهوا قو ً‬
‫وأعمال كم فذ هب بأب صاركم‪َ ,‬و َ‬
‫حجة ول تفهموا مفهوما‪ ,‬أيّ إله غير ال الذي له عبادة كل عابد يأتيكم به يقول‪ :‬ير ّد عليكم ما‬
‫ذ هب ال به من كم من ال سماع والب صار والفهام فتعبدوه أو تشركوه في عبادة رب كم الذي‬
‫يقدر على ذهابه بذلك منكم وعلى ردّه عليكم إذا شاء‪.‬‬
‫وهذا من ال تعالى تعليم نبيه الحجة على المشركين به‪ ,‬يقول له‪ :‬قل لهم‪ :‬إن الذين تعبدونهم‬
‫مـن دون ال ل يملكون لكـم ضرّا ول نفعـا‪ ,‬وإنمـا يسـتحقّ العبادة عليكـم مـن كان بيده الضرّ‬
‫والن فع والق بض والب سط‪ ,‬القادر على كل ما أراد ل العا جز الذي ل يقدر على ش يء‪ .‬ثم قال‬
‫ظرْ َكيْ فَ نُ صَرّف الَيا تِ يقول‪ :‬ان ظر ك يف نتا بع‬
‫تعالى ل نبيه مح مد صلى ال عل يه و سلم‪ :‬انْ ُ‬
‫ص ِدفُونَ يقول‪ :‬ثم‬
‫عليهم الحجج ونضرب لهم المثال والعبر ليعتبروا ويذكروا فينيبوا‪ .‬ث مّ هُ مْ يَ ْ‬
‫هم مع متابعتنا عليهم الحجج وتنبيهنا إياهم بالعبر عن الدّكار والعتبار يعرضون‪ ,‬يقال منه‪:‬‬
‫صـدف فلن عنـي بوجهـه فهـو يَص ْـِدفُ صـُدوفا وصـَدفا‪ :‬أي عدل وأعرض‪ ,‬ومنـه قول ابـن‬
‫الرقاع‪:‬‬
‫ل سُو ٍء ُيتّقَى صُ ُدفُ‬
‫ن كُ ّ‬
‫سنَهوهُنّ ع ْ‬
‫حَ‬‫نأْ‬
‫ن حدِيثا قُلْ َ‬
‫إذا َذكَرْ َ‬
‫وقال لَبيد‪:‬‬
‫لزُرُ‬
‫جنَ عََليْها ال ّريْط وا ُ‬
‫ل صَا ِدفَةًأشباهَ ِ‬
‫ُيرْوِي قَوا ِمحَ قبلَ الّليْ ِ‬
‫فإن قال قائل‪ :‬وك يف ق يل‪ :‬مَ نْ إَل ٌه غيرُ الّل ِه َيِإتِيكُ مْ بِ هِ فو حد الهاء‪ ,‬و قد م ضى الذ كر ق بل‬
‫س ْم َعكُمْ وأبْ صَا َر ُكمْ وَختَ مَ على قُلُو ِبكُ مْ؟ ق يل‪ :‬جائز أن تكون‬
‫خذَ اللّ ُه َ‬
‫نأَ‬
‫بالج مع فقال‪ :‬أرأ ْيتُ مْ إ ْ‬
‫الهاء عائدة على السمع‪ ,‬فتكون موحدة لتوحيد السمع‪ ,‬وجائز أن تكون معنيا بها‪ :‬من إله غير‬
‫ال يأتي كم ب ما أ خذ من كم من ال سمع والب صار والفئدة‪ ,‬فتكون موحدة لتوح يد « ما»‪ ,‬والعرب‬
‫تفعل ذلك إذا كنت عن الفعال وحدت الكناية وإن كثر ما يكنى بها عنه من الفاعيل‪ ,‬كقوله‪:‬‬
‫إقبالك وإدبارك يعجبني‪ .‬وقد قيل‪ :‬إن الهاء التي في به كناية عن الهدى‪.‬‬
‫ن قال أهل التأويل‪ .‬ذكر من قال ذلك‪:‬‬
‫ص ِدفُو َ‬
‫وينحو ما قلنا في تأويل قوله َي ْ‬
‫‪ 10398‬ـ حدث ني مح مد بن عمرو‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا أ بو عا صم‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا عي سى‪ ,‬عن ا بن أ بي‬
‫ن قال‪ :‬يعرضون‪.‬‬
‫ص ِدفُو َ‬
‫نجيح‪ ,‬عن مجاهد‪ ,‬في قوله‪ :‬يَ ْ‬
‫حدث ني المث نى‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا أ بو حذي فة‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا ش بل‪ ,‬عن ا بن أ بي نج يح‪ ,‬عن مجا هد‪,‬‬
‫مثله‪.‬‬
‫‪10399‬ـ حدثني المثنى‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا عبد ال بن صالح‪ ,‬قال‪ :‬ثني معاوية بن صالح‪ ,‬عن عليّ‬
‫ن قال‪ :‬يعدلون‪.‬‬
‫ص ِدفُو َ‬
‫بن أبي طلحة‪ ,‬عن ابن عباس‪ ,‬قوله‪َ :‬ي ْ‬
‫‪10400‬ـ حدثنا الحسن بن يحيى‪ ,‬قال‪ :‬أخبرنا عبد الرزاق‪ ,‬قال‪ :‬قأخبرنا معمر‪ ,‬عن قتادة‪ ,‬في‬
‫ن قال‪ :‬يعرضون عنها‪.‬‬
‫صرّف الَياتِ ث ّم ُهمْ َيصْ ِدفُو َ‬
‫قوله‪ُ :‬ن َ‬
‫‪ 10401‬ـ حدثني محمد بن الحسين‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا أحمد بن المفضل‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا أسباط‪ ,‬السديّ‪:‬‬
‫صدِفُونَ قال‪ :‬يصدّون‪.‬‬
‫ُثمّ ُهمْ َي ْ‬

‫‪47‬‬ ‫الية ‪:‬‬


‫ك ِإلّ‬
‫ل ُيهْلَ ُ‬
‫ج ْهرَةً هَ ْ‬
‫ب اللّ هِ َب ْغتَ ًة أَ ْو َ‬
‫عذَا ُ‬
‫ن َأتَاكُ مْ َ‬
‫{قُلْ َأرََأيْ َتكُ ْم إِ ْ‬ ‫القول في تأويل قوله تعالى‪:‬‬
‫الْقَ ْو ُم الظّالِمُونَ }‪..‬‬
‫يقول تعالى ذكره ل نبيه مح مد صلى ال عل يه و سلم‪ :‬قل يا محمـد لهؤلء العادل ين برب هم‬
‫الوثان المكذّبين بأنك لي رسولي إليهم‪ ,‬أخبروني إن أتاكم عذاب ال وعقابه على ما تشركون‬
‫به من الوثان والنداد‪ ,‬وتكذيبكم إياي بعد الذي قد عاينتم من البرهان على حقيقة قولي‪َ .‬ب ْغتَةً‬
‫جهْرَ ًة يقول‪ :‬أو أتاكم عذاب ال وأنتم تعاينونه وتنظرون‬
‫يقول‪ :‬فجأة على غرّة ل تشعرون‪ .‬أ ْو َ‬
‫ل من كان يع بد غ ير من‬
‫ن يقول‪ :‬هل يهلك ال م نا ومن كم إ ّ‬
‫ل القَوْم الظّالِمُو َ‬
‫إل يه‪َ .‬هلْ ُيهْلَك إ ّ‬
‫جهْرة في غير هذا‬
‫ق علينا العبادة وترك عبادة من يستحق علينا العبادة‪ .‬وقد بينا معنى ال َ‬
‫يستح ّ‬
‫الموضع بما أغنى عن إعادته وأنها من الجهار‪ ,‬وهو إظهار الشيء للعين‪ .‬كما‪:‬‬
‫‪ 10402‬ـ حدث ني مح مد بن عمرو‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا أ بو عا صم‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا عي سى‪ ,‬عن ا بن أ بي‬
‫ج ْهرَةً قال‪ :‬وهم ينظرون‪.‬‬
‫نجيح‪ ,‬عن مجاهد‪َ :‬‬
‫حدثني المثنى‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا أبو حذيفة‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا شبل‪ ,‬عن ابن أبي نجيح‪ ,‬عن مجاهد‪ :‬قُلْ‬
‫ج ْهرَ ًة وهم ينظرون‪.‬‬
‫ب اللّ ِه َب ْغتَةً فجأة آمنين‪ ,‬أوْ َ‬
‫عذَا ُ‬
‫ن أتا ُكمْ َ‬
‫أرَأيْ َت ُكمْ إ ْ‬
‫‪48‬‬ ‫الية ‪:‬‬
‫ن َفمَ نْ آ َم نَ وَأَ صْلَحَ‬
‫ل ُم َبشّرِي نَ َومُن ِذرِي َ‬
‫{ َومَا ُنرْ سِلُ ا ْل ُمرْ سَلِينَ ِإ ّ‬ ‫القول في تأويل قوله تعالى‪:‬‬
‫فَلَ خَ ْوفٌ عََل ْيهِمْ َولَ ُه ْم َيحْ َزنُونَ }‪..‬‬
‫يقول تعالى ذكره‪ :‬و ما نر سل ر سلنا إلّ ببشارة أ هل الطا عة ل نا بالج نة والفوز ال مبين يوم‬
‫القيامـة‪ ,‬جزاء منـا لهـم على طاعتنـا‪ ,‬وبانذار مـن عصـانا وخالف أمرنـا‪ ,‬عقوبتنـا إياه على‬
‫معصيتنا يوم القيا مة‪ ,‬جزاء منا على معصيتنا‪ ,‬لنعذر إل يه‪ ,‬فيهلك إن هلك عن بي نة‪ .‬فَمَ نْ آ َم نَ‬
‫وأ صْلَحَ يقول‪ :‬فمن صدّق من أرسلنا إليه من رسلنا إنذارهم إياه‪ ,‬وقبل منهم ما جاءوه به من‬
‫خوْ فٌ عََل ْيهِ مْ ع ند قدوم هم على رب هم من عقا به وعذا به‬
‫ع ند ال وع مل صالحا في الدن يا‪ ,‬فَل َ‬
‫ح َزنُو نَ ع ند ذلك على ما خلفوا وراء هم في‬
‫الذي أعدّه ال لعدائه وأ هل معا صيه‪ :‬وَل هُ مْ َي ْ‬
‫الدنيا‪.‬‬

‫‪49‬‬ ‫الية ‪:‬‬


‫ب ِبمَا كَانُواْ يَ ْفسُقُونَ }‪..‬‬
‫سهُمُ ا ْل َعذَا ُ‬
‫ن َك ّذبُو ْا بِآيَا ِتنَا َي َم ّ‬
‫{وَاّلذِي َ‬ ‫القول في تأويل قوله تعالى‪:‬‬
‫يقول تعالى ذكره‪ :‬وأما الذين كذّبوا بمن أرسلنا إليه من رسلنا وخالفوا أمرنا ونهينا ودافعوا‬
‫حجت نا‪ ,‬فإنهم يباشر هم عذابنا وعقاب نا على تكذيب هم ما كذّبوا به من حجج نا بِمَا كانُوا يَفْ سُقُونَ‬
‫يقول‪ :‬بما كانوا يكذبون‪ .‬وكان ابن زيد يقول‪ :‬كل فسق في القرآن‪ ,‬فمعناه الكذب‪.‬‬
‫‪10403‬ـ حدثني بذلك يونس‪ ,‬قال‪ :‬أخبرنا ابن وهب عنه‪.‬‬
‫‪50‬‬ ‫الية ‪:‬‬
‫خزَآئِ نُ الّل هِ وَل أَعْلَ ُم ا ْل َغيْ بَ وَل َأقُولُ‬
‫ل َأقُولُ َلكُ مْ عِندِي َ‬
‫{قُل ّ‬ ‫القول في تأويل قوله تعالى‪:‬‬
‫ع َمىَ وَا ْل َبصِيرُ َأفَلَ َتتَ َف ّكرُونَ }‪..‬‬
‫ل َيسْتَوِي ال ْ‬
‫ي قُلْ هَ ْ‬
‫حىَ إَِل ّ‬
‫ل مَا يُو َ‬
‫َل ُكمْ ِإنّي مََلكٌ ِإنْ َأ ّتبِعُ ِإ ّ‬
‫يقول تعالى ذكره‪ :‬قل لهؤلء المنكر ين نبوّ تك‪ :‬ل ست أقول ل كن إ ني الر بّ الذي له خزائن‬
‫ل الر بّ الذي ل يخ فى عل يه‬
‫ال سموات والرض وأعلم غيوب الشياء الخف ية ال تي ل يعلم ها إ ّ‬
‫ش يء‪ ,‬فتكذّبو ني ف يم أقول من ذلك لنه ل ينب غي أن يكون ربّا إلّ من له ملك كلّ شيء وبيده‬
‫كلّ ش يء و من ل يخ فى عل يه خاف ية‪ ,‬وذلك هو ال الذي ل إله غيره‪ .‬وَل أقُولُ َلكُ مْ إنّي مَلَ كٌ‬
‫لنّه ل ينب غي لملك أن يكون ظاهرا ب صورته لب صار الب شر في الدن يا‪ ,‬فتجحدوا ما أقول ل كم‬
‫ل ما يُوحَى إليّ يقول‪ :‬قل لهم‪ :‬ما أتبع فيما أقول لكم وأدعوكم إليه إلّ وحي‬
‫ن أ ّتبِعُ إ ّ‬
‫من ذلك‪ .‬إ ْ‬
‫ال الذي يوحيه إل يّ وتنزيله الذي ينزله عل يّ‪ ,‬فأمضي لوحيه وأئتمر لمره‪ ,‬وقد أتيتكم بالحجج‬
‫القاطعة من ال عذركم على صحة قولي في ذلك‪ ,‬وليس الذي أقول من ذلك بمنكر في عقولكم‬
‫ول مستحيل كونه بل ذلك مع وجود البرهان على حقيقته هو الحكمة البالغة‪ ,‬فما وجه إنكاركم‬
‫لذلك؟ وذلك تنـبيه مـن ال تعالى نـبيه صـلى ال عليـه وسـلم على موضـع حجتـه على منكري‬
‫عمَى والبَ صِيرُ يقول تعالى ذكره‪ :‬قل يا محمد لهم‪:‬‬
‫ستَوِي ال ْ‬
‫ل يَ ْ‬
‫نبوّته من مشركي قومه‪ .‬قُلْ هَ ْ‬
‫هل يستوي العمى عن الح قّ والبصير به؟ والعمى هو الكافر الذي قد عمى عن حجج ال‬
‫فل يتبين ها فيتبع ها‪ .‬والب صير‪ :‬المؤ من الذي قد أب صر آيات ال وحج جه فاقتدى ب ها وا ستضاء‬
‫ج علي كم به‬
‫ن يقول لهؤلء الذي كذّبوا بآيات ال‪ :‬أفل تتفكرون في ما أحت ّ‬
‫بضيائ ها‪ .‬أفَل َتتَ َفكّرُو َ‬
‫أيها القوم من هذه الحجج‪ ,‬فتعلموا صحة ما أقول وأدعوكم إليه من فساد ما أنتم عليه مقيمون‬
‫من إشراك الوثان والنداد بال ربكم وتكذيبكم إياي‪ ,‬مع ظهور حجج صدقي لعينكم‪ ,‬فتَدَعُوا‬
‫ما أنتم عليه من الكفر مقيمون إلى ما أدعوكم إليه من اليمان الذي به تفوزون؟‬
‫وبنحو الذي قلنا في تأويل ذلك قال جماعة من أهل التأويل‪ .‬ذكر من قال ذلك‪:‬‬
‫‪ 10404‬ـ حدث ني مح مد بن عمرو‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا أ بو عا صم‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا عي سى‪ ,‬عن ا بن أ بي‬
‫عمَى وال َبصِيرُ قال‪ :‬الضالّ والمهتدى‪.‬‬
‫ستَوِي ال ْ‬
‫نجيح‪ ,‬عن مجاهد‪ ,‬في قول ال تعالى‪ :‬قُلْ َهلْ َي ْ‬
‫حدث ني المث نى‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا أ بو حذي فة‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا ش بل‪ ,‬عن ا بن أ بي نج يح‪ ,‬عن مجا هد‪,‬‬
‫مثله‪.‬‬
‫ستَوِي‬
‫ل يَ ْ‬
‫‪ 10405‬ـ حدثنا بشر‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا يزيد‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا سعيد‪ ,‬عن قتادة‪ ,‬في قوله‪ :‬قُلْ هَ ْ‬
‫عمَى والبَ صِيرُ‪ ...‬الَية قال‪ :‬العمى‪ :‬الكافر الذي قد عمي عن ح قّ ال وأمره ونعمه عليه‬
‫ال ْ‬
‫والبصير‪ :‬العبد المؤمن الذي أبصر بصرا نافعا‪ ,‬فوحد ال وحده‪ ,‬وعمل بطاعة ربه‪ ,‬وانتفع بما‬
‫آتاه ال‪.‬‬

‫‪51‬‬ ‫الية ‪:‬‬


‫حشَرُوَ ْا إَِلىَ َر ّبهِ ْم َليْ سَ َلهُ مْ مّن‬
‫ن أَن ُي ْ‬
‫{وَأَن ِذرْ بِ ِه اّلذِي نَ َيخَافُو َ‬ ‫القول في تأويل قوله تعالى‪:‬‬
‫ل شَفِيعٌ ّلعَّل ُهمْ َيتّقُونَ }‪..‬‬
‫دُونِهِ وَِليّ َو َ‬
‫يقول تعالى ذكره لنبيه محمد صلى ال عليه وسلم‪ :‬وأ ْنذِ ْر يا محمد بالقرآن الذي أنزلناه إليك‬
‫حشَروا إلى َر ّبهِ مْ عل ما من هم بأن ذلك كائن ف هم م صدّقون بو عد ال‬
‫نيْ‬
‫ن يَخافُون أ ْ‬
‫القوم اّلذِي َ‬
‫ووعيده‪ ,‬عاملون ب ما ير ضي ال‪ ,‬دائمون في ال سعي في ما ينقذ هم في معاد هم من عذاب ال‪.‬‬
‫ي ينصرهم فيستنقذهم منه‪ .‬وَل‬
‫ن دُونهِ وَليّ أي ليس لهم من عذاب ال إن عذّبهم ول ّ‬
‫َليْسَ َلهُمْ مِ ْ‬
‫شَفِي ٌع يشفع لهم عند ال تعالى فيخلصهم من عقابه‪َ .‬لعَّلهُمْ َيتّقُونَ يقول‪ :‬أنذرهم كي يتقوا ال في‬
‫أنف سهم‪ ,‬فيطيعوا رب هم ويعملوا لمعاد هم‪ ,‬ويحذروا سخطه باجتناب معا صيه‪ .‬وق يل‪ :‬وأ ْن ِذرْ بِ هِ‬
‫حشَرو نَ‪ ,‬فوضعت «المخافة» موضع «العلم»‬
‫حشَروا ومعناه‪ :‬يعلمون أنهم ْي ْ‬
‫ن ُي ْ‬
‫نأ ْ‬
‫اّلذِي نَ يَخافُو َ‬
‫لن خوفهم كان من أجل علمهم بوقوع ذلك ووجوده من غير شكّ منهم في ذلك‪ .‬وهذا أمر من‬
‫ال تعالى نبيه محمدا صلى ال عليه وسلم بتعليم أصحابه ما أنزل ال إليه من وحيه وتذكيرهم‬
‫والقبال علي هم بالنذار و صدّه عن المشرك ين به ب عد العذار إلي هم وب عد إقا مة الح جة علي هم‪,‬‬
‫حتى يكون ال هو الحاكم في أمرهم بما يشاء من الحكم فيهم‪.‬‬
‫‪52‬‬ ‫الية ‪:‬‬
‫ج َه هُ‬
‫ن َر ّبهُ مْ بِا ْل َغدَاةِ وَا ْل َعشِ يّ ُيرِيدُو نَ َو ْ‬
‫ن َيدْعُو َ‬
‫ط ُردِ اّلذِي َ‬
‫{ َولَ َت ْ‬ ‫القول في تأويل قوله تعالى‪:‬‬
‫ِنـ‬
‫ُونـ م َ‬
‫ُمـ َفتَك َ‬
‫شيْءٍ َف َتطْ ُردَه ْ‬
‫ِمـ مّن َ‬
‫ِنـ حِسـَا ِبكَ عََل ْيه ْ‬
‫ِنـ حِسـَا ِبهِم مّن شَيْءٍ وَمَا م ْ‬
‫ْكـ م ْ‬
‫مَا عََلي َ‬
‫الظّالِمِينَ }‪..‬‬
‫ذُكر أن هذه الَية نزلت على رسول ال صلى ال عليه وسلم في سبب جماعة من ضعفاء‬
‫الم سلمين قال المشركون له‪ :‬لو طردت هؤلء ع نك لغشيناك وحضر نا مجل سك‪ .‬ذ كر من قال‬
‫ذلك‪:‬‬
‫‪ 10406‬ـ حدثنا هناد بن السريّ‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا أبو زيد‪ ,‬عن أشعث‪ ,‬عن كُردوس الثعلبي‪ ,‬عن‬
‫ابن مسعود‪ ,‬قال‪ :‬مرّ المل من قريش بالنبيّ صلى ال عليه وسلم وعنده صهيب وعمار وبلل‬
‫وخباب ونحوهم من ضعفاء المسلمين‪ ,‬فقالوا‪ :‬يا محمد أرضيت بهؤلء من قومك‪ ,‬هؤلء الذين‬
‫ن ال علي هم من بين نا‪ ,‬أن حن نكون تب عا لهؤلء؟ اطرد هم ع نك‪ ,‬فلعلك إن طردت هم أن نتب عك‬
‫م ّ‬
‫طرُ ِد اّلذِينَـ َيدْعُونَـ َربّهُم ْـ بال َغدَاةِ وَال َعشِيّـ ُيرِيدونَـ َوجْهَه و َكذَلِكَـ َفتَنّا‬
‫فنزلت هذه الَيـة‪ :‬وَل َت ْ‬
‫ض ُهمْ ِب َبعْضٍ‪ ...‬إلى آخر الَية‪.‬‬
‫َبعْ َ‬
‫حدثنا جرير‪ ,‬عن أشعث‪ ,‬عن كردوس الثعلبي‪ ,‬عن عبد ال‪ ,‬قال‪ :‬مرّ المل من قريش على‬
‫رسول ال صلى ال عليه وسلم‪ ,‬ثم ذكر نحوه‪.‬‬
‫‪10407‬ـ حدثني أبو السائب‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا حفص بن غياث‪ ,‬عن أشعث‪ ,‬عن كردوس‪ ,‬عن ابن‬
‫عباس‪ ,‬قال‪ :‬مر على رسول ال صلى ال عليه وسلم مل من قريش‪ ,‬ثم ذكر نحوه‪.‬‬
‫‪10408‬ـ حدثني الحسين بن عمرو بن محمد العنقزي‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا أبي‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا أسباط‪ ,‬عن‬
‫ال سديّ‪ ,‬عن أ بي سعيد الزد يّ وكان قارىء الزد عن أ بي الكنود‪ ,‬عن خباب‪ ,‬في قول ال‬
‫جهَ هُ‪ ...‬إلى قوله‪ :‬فَ َتكُو نَ ِم نَ‬
‫ن َيدْعُو نَ َر ّبهُ مْ بالغَدَاةِ وَال َعشِ يّ ُيرِيدُو نَ َو ْ‬
‫تعالى‪ :‬وَل َتطْ ُردِ اّلذِي َ‬
‫الظّالِمي نَ قال‪ :‬جاء القرع بن حابس التميمي وعيينة بن حصن الفزاري‪ ,‬فوجدوا النبيّ صلى‬
‫ال عل يه و سلم قاعدا مع بلل و صهيب وعمار وخباب‪ ,‬في أناس من ضعفاء المؤمن ين‪ ,‬فل ما‬
‫رأو هم حوله حقرو هم‪ ,‬فأتوه فقالوا‪ :‬إ نا نح بّ أن تج عل ل نا م نك مجل سا تعرف ل نا العرب به‬
‫فضل نا‪ ,‬فإن وفود العرب تأت يك فن ستحيي أن ترا نا العرب مع هؤلء الع بد‪ ,‬فإذا ن حن جئناك‬
‫فأقمهم عنا‪ ,‬فإذا نحن فرغنا فاقعد معهم إن شئت قال‪َ « :‬نعَ مْ» قالوا‪ :‬فاكتب لنا عليك بذلك كتابا‬
‫قال‪ :‬فدعا بالصحيفة‪ ,‬ودعا عليّا ليكتب‪ ,‬قال‪ :‬ونحن قعود في ناحية‪ ,‬إذ نزل جبريل بهذه الَية‪:‬‬
‫شيْءٍ وَما‬
‫جهَ ُه ما عََليْكَ مِنْ حِسا ِب ِهمْ مِنْ َ‬
‫ن َر ّبهُمْ بال َغدَاةِ وَال َعشِيّ ُي ِردُونَ َو ْ‬
‫ن َيدْعُو َ‬
‫وَل َتطْ ُردِ اّلذِي َ‬
‫ضهُ مْ ِب َبعْ ضٍ‬
‫ن مِ نَ الظّاِلمِي نَ‪ ,‬ثم قال‪ :‬وكذَلِ كَ َف َتنّا َب ْع َ‬
‫شيْء َف َتطْ ُردَهُ مْ َف َتكُو َ‬
‫ن حِسا ِبكَ عََل ْيهِ مْ ِم نْ َ‬
‫مِ ْ‬
‫ك اّلذِي نَ‬
‫س اللّ هُ بأعْلَ مَ بالشّاكِرِي نَ‪ ,‬ثم قال‪ :‬وَإذا جاءَ َ‬
‫ن َب ْينِ نا أَليْ َ‬
‫ن اللّ هُ عََل ْيهِ مْ ِم ْ‬
‫ِليَقُولُوا أ ُهؤَل ِء مَ ّ‬
‫حمَةَ‪ .‬فألقى رسول ال صلى ال عليه‬
‫سهِ ال ّر ْ‬
‫ن بآياتِنا فَقُلْ سَلمٌ عََل ْيكُ مْ َكتَ بَ َر ّبكُ مْ على نَفْ ِ‬
‫يُ ْؤ ِمنُو َ‬
‫حمَةَ‪.‬‬
‫وسلم الصحيفة من يده‪ ,‬ثم دعانا‪ ,‬فأتيناه وهو يقول‪ :‬سَلمٌ عََل ْيكُ ْم َكتَبَ َر ّبكُمْ على نَفْسِهِ ال ّر ْ‬
‫سكَ مَ عَ اّلذِي نَ َيدْعُو نَ‬
‫ص ِبرْ نَفْ َ‬
‫فكنا نقعد معه‪ ,‬فإذا أراد أن يقوم قام وتركنا‪ ,‬فأنزل ال تعالى‪ :‬وَا ْ‬
‫ع ْنهُم ْـ ُترِيدُ زِينَ َة الحيَا ِة ال ّدنْيـا قال‪ :‬فكان‬
‫عيْناك َـ َ‬
‫جهَهُـ وَل َت ْعدُ َ‬
‫َربّهُم ْـ بال َغدَاةِ وَال َعشِيّـ ُيرِيدُونَـ َو ْ‬
‫ر سول ال صلى ال عل يه و سلم يق عد مع نا ب عد‪ ,‬فإذا بلغ ال ساعة ال تي يقوم في ها قم نا وتركناه‬
‫حتى يقوم‪.‬‬
‫حدثني محمد بن الحسين‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا أحمد بن المفضل‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا أسباط‪ ,‬عن السديّ‪ ,‬عن‬
‫أبي سعيد الزديّ‪ ,‬عن أبي الكنود‪ ,‬عن خباب بن الرق‪ ,‬بنحو حديث الحسين بن عمرو إلّ أنه‬
‫ن الظّاِلمِي نَ‪ ,‬ثم‬
‫ن مِ َ‬
‫قال في حديثه‪ :‬فلما رأوهم حوله نَفّروهم‪ ,‬فأتوه فخَلَوا به‪ .‬وقال أيضا‪ :‬فَ َتكُو َ‬
‫ضهُ مْ ِب َبعْ ضٍ‪ ...‬الَ ية‪ .‬وقال أي ضا‪ :‬فدعا نا فأتيناه‬
‫ذ كر القرع و صاحبه‪ ,‬فقال‪ :‬و َكذَل كَ َفتَنّا َب ْع َ‬
‫وهو يقول‪ « :‬سَلمٌ عََل ْيكُ مْ» فدنونا منه يومئذٍ حتى وضعنا ركبنا على ركبتيه‪ ,‬وسائر الحد يث‬
‫نحوه‪.‬‬
‫‪ 10409‬ـ حدث نا الح سن بن يح يى‪ ,‬قال‪ :‬أخبر نا ع بد الرزاق‪ ,‬قال‪ :‬أخبر نا مع مر‪ ,‬عن قتادة‪,‬‬
‫وحدثنا محمد بن عبد العلى‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا محمد بن ثور‪ ,‬عن معمر‪ ,‬عن قتادة والكلبي‪ :‬أن ناسا‬
‫س ّركَ أن نتب عك فاطرد عنا فل نا وفلنا‬
‫من كفار قر يش قالوا لل نبيّ صلى ال عل يه و سلم‪ :‬إن َ‬
‫ِيـ‬
‫ُمـ بالغَدَاةِ وَال َعش ّ‬
‫ُونـ َر ّبه ْ‬
‫ِينـ َيدْع َ‬
‫ناسـا مـن ضعفاء المسـلمين‪ .‬فقال ال تعالى‪ :‬وَل َتطْ ُردِ اّلذ َ‬
‫جهَه‪.‬‬
‫ُيرِيدونَ َو ْ‬
‫‪ 10410‬ـ حدث نا ب شر‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا يز يد‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا سعيد‪ ,‬عن قتادة‪ ,‬قوله‪ :‬وَل َتطْ ُردِ اّلذِي نَ‬
‫ضهُ مْ ِب َبعْ ضٍ‪ ...‬الَ ية‪ ,‬قال‪ :‬و قد قال‬
‫ن َربّهُ مْ بالغَدَا ِة وَال َعشِ يّ‪ ...‬إلى قوله‪ :‬و َكذَلِ كَ َفتَنّا َبعْ َ‬
‫َيدْعُو َ‬
‫قائلون من الناس لر سول ال صلى ال عل يه و سلم‪ :‬يا مح مد إن سرّك أن نتب عك فاطرد ع نا‬
‫فل نا وفل نا لناس كانوا دون هم في الدن يا ازدرا هم المشركون‪ .‬فأنزل ال تعالى هذه الَ ية إلى‬
‫آخرها‪.‬‬
‫‪ 10411‬ـ حدث ني مح مد بن عمرو‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا أ بو عا صم‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا عي سى‪ ,‬عن ا بن أ بي‬
‫طرُ ِد اّلذِين َـ َيدْعُون َـ َربّهُم ْـ بالغَدَاةِ وَال َعشِيّـ بلل وابـن أم ّـ عبـد كانـا‬
‫نجيـح‪ ,‬عـن مجاهـد‪ :‬وَل َت ْ‬
‫يجالسان محمدا صلى ال عليه وسلم‪ ,‬فقالت قريش محقرتهما‪ :‬لولهما وأمثالهما لجالسناه فنهي‬
‫ن قال‪ :‬قل سلم عليكم فيما بين ذلك في هذا‪.‬‬
‫عن طردهم‪ ,‬حتى قوله‪ :‬أَليْسَ الّلهُ بأعَْلمَ بالشّا ِكرِي َ‬
‫‪10412‬ـ حدثني المثنى‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا أبو حذيفة‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا سفيان‪ ,‬عن المقدام بن شريح‪ ,‬عن‬
‫ي صلى ال عليه وسلم‪ ,‬منهم‬
‫أبيه‪ ,‬قال‪ :‬قال سعيد‪ :‬نزلت هذه الَية في ستة من أصحاب النب ّ‬
‫ا بن م سعود‪ ,‬قال‪ :‬ك نا ن سبق إلى ال نبيّ صلى ال عل يه و سلم‪ ,‬وند نو م نه ون سمع م نه‪ ,‬فقالت‬
‫شيّ‪.‬‬
‫ن َيدْعُونَ َر ّب ُهمْ بالغَدَاةِ وَال َع ِ‬
‫قريش‪ُ :‬يدْني هؤلء دوننا؟ فنزلت‪ :‬وَل َتطْ ُردِ اّلذِي َ‬
‫‪ 10413‬ـ حدثنا القاسم‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا الحسين‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا حجاج‪ ,‬عن ابن جريج‪ ,‬عن عكرمة‪,‬‬
‫شرُوا إلى َر ّبهِ مْ‪ ...‬الَ ية‪ .‬قال‪ :‬جاء عت بة بن ربي عة‬
‫ن ُيحْ َ‬
‫في قوله‪ :‬وأ ْن ِذرْ بِ ِه اّلذِي نَ يَخافُو نَ أ ْ‬
‫وشي بة بن ربي عة ومط عم بن عد يّ والحرث بن نو فل وقر ظة بن ع بد عمرو بن نو فل في‬
‫أشراف من ب ني ع بد مناف من الكفار إلى أ بي طالب‪ ,‬فقالوا‪ :‬يا أ با طالب لو أن ا بن أخ يك‬
‫يطرد ع نه موالي نا وحلفاء نا‪ ,‬فإن ما هم عبيد نا وع سفاؤنا‪ ,‬كان أع ظم في صدورنا وأطوع له‬
‫عندنا وأدنى لتباعنا إياه وتصديقنا له قال‪ :‬فأتى أبو طالب النبيّ صلى ال عليه وسلم‪ ,‬فحدثه‬
‫بالذي كلموه بـه‪ ,‬فقال عمـر بـن الخطاب‪ :‬لو فعلت ذلك حتـى تنظـر مـا الذي يريدون وإلم‬
‫شرُوا إلى َر ّبهِ مْ‬
‫ن ُيحْ َ‬
‫ن يَخافُون أ ْ‬
‫ي صيرون من قول هم فأنزل ال تعالى هذه الَ ية‪ :‬وأ ْنذِ ْر بِ هِ اّلذِي َ‬
‫ن َر ّبهُ مْ بال َغدَاةِ وَال َعشِ يّ‬
‫ن َيدْعُو َ‬
‫ط ُردِ اّلذِي َ‬
‫ن دُونِ هِ وَلِ يّ وَل شَفِي عٌ َلعَّلهُ مْ َيتّقُو نَ وَل َت ْ‬
‫لَيْس َلهُ مْ مِ ْ‬
‫جهَ هُ‪ ...‬إلى قوله‪ :‬أَليْ سَ الّل ُه بأعْلَ مَ بالشّا ِكرِي نَ‪ .‬قال‪ :‬وكانوا‪ :‬بللً وعمار بن يا سر‬
‫ُيرِيدُو نَ َو ْ‬
‫و سالما مولى أ بي حذي فة و صبيحا مولى أ سيد و من الحلفاء‪ :‬ا بن م سعود‪ ,‬والمقداد بن عمرو‪,‬‬
‫ومسعود‪ ,‬ابن القاري‪ ,‬وواقد بن عبد ال الحنظلي‪ ,‬وعمرو بن عبد عمر ذو الشمال ين‪ ,‬ومرثد‬
‫بن أبي مرثد‪ ,‬وأبو مرثد من غنيّ حليف حمزة بن عبد المطلب‪ ,‬وأشباههم من الحفاء‪ .‬ونزلت‬
‫ن اللّهُ‬
‫ضهُمْ ِب َبعْضٍ ِليَقُولُوا أهَؤُل ِء مَ ّ‬
‫في أئمة الكفر من قريش والموالي والحلفاء‪ :‬و َكذَلِكَ َف َتنّا َبعْ َ‬
‫ن َب ْينِنا‪ ...‬الَية فلما نزلت أقبل عمر بن الخطاب فاعتذر من مقالته‪ ,‬فأنزل ال تعالى‪:‬‬
‫عََل ْيهِ مْ مِ ْ‬
‫ل سَلمٌ عََل ْي ُكمْ‪ ...‬الَية‪.‬‬
‫ن بآياتِنا فَقُ ْ‬
‫وَإذَا جا َءكَ اّلذِينَ ُي ْؤ ِمنُو َ‬
‫‪ 10414‬ـ حدثني يونس بن عبد العلى‪ ,‬قال‪ :‬أخبرنا ابن وهب‪ ,‬قال‪ :‬قال ابن زيد‪ :‬قال رجل‬
‫للن يّ صلى ال عليه وسلم‪ :‬إني أستحيي من ال أن يراني مع سلمان وبلل وذويهم‪ ,‬فاطردهم‬
‫ِيـ‬
‫ُمـ بال َغدَاةِ وال َعش ّ‬
‫ُونـ رَ ّبه ْ‬
‫ِينـ َيدْع َ‬
‫طرُدِ اّلذ َ‬
‫عنـك وجالس فلنـا وفلنـا قال‪ :‬فنزل القرآن‪ :‬وَل َت ْ‬
‫ن ما بينك وبين أن تكون من الظالمين إلّ أن‬
‫ن الظّاِلمِي َ‬
‫ن مِ َ‬
‫جهَ هُ فقرأ حتى بلغ‪َ :‬ف َتكُو َ‬
‫ُيرِيدُو نَ َو ْ‬
‫ن َب ْينِنا أَليْ سَ الّل هُ‬
‫ضهُ مْ ِب َبعْ ضٍ ِليَقُولُوا أهَؤُل ِء مَ نّ الّل هُ عََل ْيهِ مْ مِ ْ‬
‫تطردهم‪ .‬ثم قال‪ :‬و َكذَلِ كَ َف َتنّا َبعْ َ‬
‫بأعْلَمَـ بالشّا ِكرِينـَ‪ .‬ثـم قال‪ :‬وهؤلء الذيـن أمروك أن تطردهـم فأبلغهـم منـى السـلم وبشّرهـم‪,‬‬
‫ن بآياتِنا فَقُلْ سَلمٌ عََل ْيكُ مْ َكتَ بَ َر ّبكُ مْ‬
‫ن يُ ْؤ ِمنُو َ‬
‫وأخبرهم أني قد غفرت لهم وقرأ‪ :‬وَإذَا جاءَ كَ اّلذِي َ‬
‫ِينـ قال‪:‬‬
‫ج ِرم َ‬
‫سـبِيلُ ال ُم ْ‬
‫ن َ‬‫َسـَتبِي َ‬
‫َياتـ وِلت ْ‬
‫ُفصـلُ ال ِ‬
‫ِكـ ن ّ‬
‫ْسـِه ال ّرحْمَ َة فقرأ حتـى بلغ‪ :‬وكذَل َ‬
‫على نَف ِ‬
‫لتعرفها‪.‬‬
‫واختلف أ هل التأو يل في الدعاء الذي كان هؤلء الر هط الذ ين ن هى ال نبيه صلى ال عل يه‬
‫وسلم عن طردهم يدعون ربهم به‪ ,‬فقال بعضهم‪ :‬هي الصلوات الخمس‪ .‬ذكر من قال ذلك‪:‬‬
‫‪ 10415‬ـ حدثنا المثنى‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا عبد ال بن صالح‪ ,‬قال‪ :‬ثني معاوية بن صالح‪ ,‬عن عل يّ‬
‫بن أ بي طل حة‪ ,‬عن ا بن عباس‪ ,‬قوله‪ :‬وَل َتطْ ُردِ اّلذِي نَ َيدْعُو نَ َر ّبهُ مْ بال َغدَاةِ وال َعشِ يّ يع ني‪:‬‬
‫يعبدون ربهم بالغداة والعشيّ‪ ,‬يعني الصلوات المكتوبة‪.‬‬
‫‪10416‬ـ حدثنا المثنى‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا الحجاج بن المنهال‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا حماد‪ ,‬عن أبي حمزة‪ ,‬عن‬
‫جهَ هُ قال‪ :‬هي ال صلوات الخ مس‬
‫إبراه يم‪ ,‬في قوله‪َ :‬يدْعُو نَ َر ّبهُ مْ بال َغدَاةِ وال َعشِ يّ ُيرِيدُو نَ َو ْ‬
‫الفرائض‪ ,‬ولو كان يقول القصّاص هلك من لم يجلس إليهم‪.‬‬
‫‪ 10417‬ـ حدث نا هناد بن ال سريّ وا بن وك يع‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا ا بن فض يل‪ ,‬عن الع مش‪ ,‬عن‬
‫جهَ ُه قال‪ :‬هي الصلة‪.‬‬
‫شيّ ُيرِيدُونَ َو ْ‬
‫ن َر ّبهُمْ بال َغدَاةِ وال َع ِ‬
‫ط ُردِ اّلذِينَ َيدْعُو َ‬
‫إبراهيم‪ :‬وَل َت ْ‬
‫‪ 10418‬ـ حدث ني المث نى‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا أ بو حذي فة‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا ش بل‪ ,‬عن ا بن أ بي نج يح‪ ,‬عن‬
‫ن َيدْعُونَ َر ّب ُهمْ بالغَدَا ِة وال َعشِيّ الصلة المفروضة‪ :‬الصبح والعصر‪.‬‬
‫مجاهد‪ :‬وَل َتطْ ُردِ اّلذِي َ‬
‫‪ 10419‬ـ حدث ني مو سى بن ع بد الرح من الكندي‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا ح سن الجع في‪ ,‬قال‪ :‬أ خبرني‬
‫حمزة بن المغيرة‪ ,‬عن حمزة بن عي سى‪ ,‬قال‪ :‬دخلت على الح سن ف سألته‪ ,‬فقلت‪ :‬يا أ با سعيد‪,‬‬
‫ن َر ّبهُ مْ بال َغدَاةِ وَال َعشِ يّ أ هم هؤلء الق صّاص؟‬
‫ن َيدْعُو َ‬
‫سكَ مَ َع اّلذِي َ‬
‫صبِرْ نَفْ َ‬
‫أرأ يت قول ال‪ :‬وَا ْ‬
‫قال‪ :‬ل‪ ,‬ولكنهم المحافظون على الصلوات في الجماعة‪.‬‬
‫‪10420‬ـ حدثني محمد بن عمرو‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا أبو عاصم‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا عيسى‪ ,‬وحدثني الحرث‪,‬‬
‫قال‪ :‬حدثنا الحسين قال‪ :‬حدثنا ورقاء جميعا‪ ,‬عن ابن أبي نجيح‪ ,‬عن مجاهد في قول ال‪ :‬اّلذِينَ‬
‫َيدْعُونَ َر ّب ُهمْ بالغَدَا ِة وال َعشِيّ قال‪ :‬الصلة المكتوبة‪.‬‬
‫‪ 10421‬ـ حُدثت عن الحسين بن الفرج‪ ,‬قال‪ :‬سمعت أبا معاذ‪ ,‬قال‪ :‬أخبرنا عبيد‪ ,‬قال‪ :‬سمعت‬
‫الضحاك يقول في قوله‪َ :‬يدْعُو نَ َر ّبهُ مْ بال َغدَاةِ وَال َعشِ يّ قال‪ :‬يعبدون ربهم بالغداة والعش يّ يعني‬
‫الصلة المفروضة‪.‬‬
‫سكَ مَ عَ‬
‫ص ِبرْ نَفْ َ‬
‫‪ 10422‬ـ حدثنا بشر‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا يزيد‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا سعيد‪ ,‬عن قتادة‪ ,‬قوله‪ :‬وَا ْ‬
‫شيّ هما الصلتان‪ :‬صلة الصبح وصلة العصر‪.‬‬
‫ن َر ّبهُمْ بال َغدَاةِ وَال َع ِ‬
‫اّلذِينَ َيدْعُو َ‬
‫‪ 10423‬ـ حدث ني ا بن البر قي‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا ا بن أ بي مر يم‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا يح يى بن أيوب‪ ,‬قال‪:‬‬
‫سكَ مَعَ اّلذِينَ‬
‫ص ِبرْ نَفْ َ‬
‫حدثنا محمد بن عجلن‪ ,‬عن نافع‪ ,‬عن عبد ال بن عمر في هذه الَية‪ :‬وَا ْ‬
‫َيدْعُونَ َر ّب ُهمْ بالغَدَا ِة وَالعَشيّ‪ ...‬الَية‪ ,‬أنهم الذين يشهدون الصلوات المكتوبة‪.‬‬
‫‪ 10424‬ـ حدث نا ا بن بشار‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا ع بد الرح من‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا سفيان‪ ,‬عن من صور‪ ,‬عن‬
‫ن رَ ّب ُهمْ بال َغدَاةِ وَالعَشيّ قال‪ :‬الصلوات الخمس‪.‬‬
‫ن َيدْعُو َ‬
‫سكَ مَعَ اّلذِي َ‬
‫ص ِبرْ نَ ْف َ‬
‫مجاهد وإبراهيم‪ :‬وَا ْ‬
‫حدثنا ابن بشار‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا يحيى‪ ,‬عن سفيان‪ ,‬عن منصور‪ ,‬عن مجاهد‪ ,‬مثله‪.‬‬
‫‪10425‬ـ حدثنا القاسم‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا الحسين‪ ,‬قال‪ :‬ثني حجاج‪ ,‬عن ابن جريج‪ ,‬عن مجاهد‪ :‬وَل‬
‫ن َيدْعُو نَ َر ّبهُ مْ بالغَدَاةِ وَال َعشِ يّ قال‪ :‬المصلين المؤمنين بلل وابن أ مّ عبد‪ .‬قال ابن‬
‫َتطْ ُردِ اّلذِي َ‬
‫جريج‪ :‬وأخبرني عبد ال بن كثير‪ ,‬عن مجاهد‪ ,‬قال‪ :‬صليت الصبح مع سعيد بن المسيب‪ ,‬فلما‬
‫سـلم المام ابتدر الناس القاصـّ‪ ,‬فقال سـعيد‪ :‬مـا أسـرعهم إلى هذا المجلس قال مجاهـد‪ :‬فقلت‪:‬‬
‫ن َر ّبهُ مْ بال َغدَاةِ وَال َعشِ يّ‬
‫ن َيدْعُو َ‬
‫ط ُردِ اّلذِي َ‬
‫يتأوّلون ما قال ال تعالى‪ .‬قال‪ :‬و ما قال؟ قلت‪ :‬وَل تَ ْ‬
‫قال‪ :‬وفي هذا ذا؟ إنما ذاك في الصلة التي انصرفنا عنها الَن‪ ,‬إنما ذاك في الصلة‪.‬‬
‫‪10426‬ـ حدثنا القاسم‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا الحسين‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا وكيع‪ ,‬عن أبيه‪ ,‬عن منصور‪ ,‬عن عبد‬
‫الرحمن بن أبي عمرة‪ ,‬قال‪ :‬الصلة المكتوبة‪.‬‬
‫‪ 10427‬ـ حدثنا المثنى‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا إسحاق‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا وكيع‪ ,‬عن إسرائيل‪ ,‬عن جابر‪ ,‬عن‬
‫عامر‪ ,‬قال‪ :‬هي الصلة‪.‬‬
‫حدثنا المثنى‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا إسحاق‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا وكيع‪ ,‬عن أبيه‪ ,‬عن إسرائيل‪ ,‬عن عامر‪ ,‬قال‪:‬‬
‫هي الصلة‪.‬‬
‫ن َيدْعُو نَ‬
‫حدث نا ب شر‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا يز يد‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا سعيد‪ ,‬عن قتادة‪ ,‬قوله‪ :‬وَل َتطْ ُردِ اّلذِي َ‬
‫جهَهُ يقول‪ :‬صلة الصبح وصلة العصر‪.‬‬
‫شيّ ُيرِيدُونَ َو ْ‬
‫َربّ ُهمْ بال َغدَاةِ وَال َع ِ‬
‫‪ 10428‬ـ حدث نا ا بن حم يد‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا جر ير‪ ,‬عن من صور‪ ,‬عن مجا هد‪ ,‬قال‪ :‬صلى ع بد‬
‫الرحمن في مسجد الرسول‪ ,‬فلما صلى قام فاستند إلى حجرة النبيّ صلى ال عليه وسلم‪ ,‬فانثال‬
‫ص ِبرْ‬
‫الناس عليه‪ ,‬فقال‪ :‬يا أيها الناس إليكم فقيل‪ :‬يرحمك ال‪ ,‬إنما جاءوا يريدون هذه الَية‪ :‬وَا ْ‬
‫ن َيدْعُونَ َر ّب ُهمْ بال َغدَاةِ وَالعَشيّ فقال‪ :‬وهذا عُني بهذا إنما هو في الصلة‪.‬‬
‫سكَ مَعَ اّلذِي َ‬
‫نَ ْف َ‬
‫وقال آخرون‪ :‬هي الصلة ولكن القوم لم يسألوا رسول ال صلى ال عليه وسلم طرد هؤلء‬
‫الضعفاء عن مجل سه ول تأخير هم عن مجل سه‪ ,‬وإي ما سألوه تأخير هم عن ال صفّ الوّل ح تى‬
‫يكونوا وراءهم في الصفّ‪ .‬ذكر من قال ذلك‪:‬‬
‫‪ 10429‬ـ حدثني محمد بن سعد‪ ,‬ثني أبي‪ ,‬قال‪ :‬ثني عمي‪ ,‬قال‪ :‬ثني أبي‪ ,‬عن أبيه‪ ,‬عن ابن‬
‫عباس‪ ,‬قوله‪ :‬و َكذِلِ كَ َفتَنّا َب ْعضَهُ مْ ِب َبعْ ضٍ‪ ...‬الَ ية‪ ,‬ف هم أناس كانوا مع ال نبيّ صلى ال عل يه‬
‫وسلم من الفقراء‪ ,‬فقال أناس من أشراف الناس‪ :‬نؤمن لك‪ ,‬وإذا صلينا فأخ ّر هؤلء الذين معك‬
‫فليصلوا خلفنا‬
‫وقال آخرون‪ :‬بل معنى دعائهم كان ذكرهم ال تعالى‪ .‬ذكر من قال ذلك‪:‬‬
‫‪ 10430‬ـ حدثنا ابن وكيع‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا أبي‪ ,‬وحدثنا هناد‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا وكيع‪ ,‬عن سفيان‪ ,‬عن‬
‫ن َيدْعُونَ َر ّب ُهمْ بالغَدَا ِة وَال َعشِيّ قال‪ :‬أهل الذكر‪.‬‬
‫منصور‪ ,‬عن إبراهيم‪ ,‬قوله‪ :‬وَل َتطْ ُردِ اّلذِي َ‬
‫ن رَ ّبهُ مْ‬
‫ن َيدْعُو َ‬
‫طرُدِ اّلذِي َ‬
‫‪ 10431‬ـ حدث نا ا بن وك يع‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا جر ير‪ ,‬عن من صور‪ :‬وَل َت ْ‬
‫بالغَدَا ِة وَال َعشِيّ قال‪ :‬هم أهل الذكر‪.‬‬
‫ن َر ّبهُمْ‬
‫ن َيدْعُو َ‬
‫حدثنا ابن حميد‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا جرير‪ ,‬عن منصور‪ ,‬عن إبراهيم‪ :‬وَل َتطْ ُردِ اّلذِي َ‬
‫بالغَدَا ِة وَال َعشِيّ قال‪ :‬ل تطردهم عن الذكر‪.‬‬
‫وقال آخرون‪ :‬بل كان ذلك تعلمهم القرآن وقراءته‪ .‬ذكر من قال ذلك‪:‬‬
‫‪ 10432‬ـ حدثني المثنى‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا إسحاق‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا وكيع‪ ,‬عن إسرائيل‪ ,‬عن جابر‪ ,‬عن‬
‫ي قال‪ :‬كان يقرئهم القرآن‬
‫سكَ مَعَ اّلذِينَ َيدْعُونَ َر ّبهُمْ بال َغدَاةِ وَالعَش ّ‬
‫ص ِبرْ نَفْ َ‬
‫أبي جعفر‪ ,‬قوله‪ :‬وَا ْ‬
‫النبي صلى ال عليه وسلم‪.‬‬
‫عنَى بدعائهم ربهم عبادَتهم إياه‪ .‬ذكر من قال ذلك‪:‬‬
‫وقال آخرون‪ :‬بل َ‬
‫‪ 10433‬ـ حُدثت عن الحسين‪ ,‬قال‪ :‬سمعت أبا معاذ‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا عبيد بن سليمان‪ ,‬قال‪ :‬سمعت‬
‫الضحاك يقول في قوله‪َ :‬يدْعُو نَ َر ّبهُ مْ بالغَدَا ِة وَالعَش يّ قال‪ :‬يع ني‪ :‬يعبدون‪ ,‬أل تر أ نه قال‪ :‬ل‬
‫جرَمَ أنّما َتدْعُو َننِي إَليْ ِه يعني‪ :‬تعبدونه‪.‬‬
‫َ‬
‫والصواب من القول في ذلك أن يقال‪ :‬إن ال تعالى نهى نبيه محمدا صلى ال عليه وسلم أن‬
‫والعشيـ والدعاء ل يكون بذكره وتمجيده والثناء عليـه‬
‫ّ‬ ‫يطرد قومـا كانوا يدعون ربهـم بالغداة‬
‫قولً وكلمـا‪ ,‬وقـد يكون بالعمـل له بالجوارح العمال التـي كان عليهـم فرضهـا وغيرهـا مـن‬
‫النوافل التي ترضي والعامل له عابده بما هو عامل له وقد يجوز أن يكون القوم كانوا جامعين‬
‫هذه المعا ني كل ها‪ ,‬فو صفهم ال بذلك بأن هم يدعو نه بالغداة والعش يّ‪ ,‬لن ال قد سمى العبادة‬
‫س َيدْخُلُونَ‬
‫ع نْ عِبا َدتِي َ‬
‫س َتكْ ِبرُونَ َ‬
‫س َتجِبْ َلكُ مْ إ نّ اّلذِي نَ يَ ْ‬
‫دعاء‪ ,‬فقال تعالى‪ :‬وَقالَ َر ّبكُ مُ ا ْدعُونِي أ ْ‬
‫ص من الدعاء‪ ,‬ول قول أولى بذلك بال صحة‬
‫خرِي نَ‪ .‬و قد يجوز أن يكون ذلك على خا ّ‬
‫ج َهنّ مَ دَا ِ‬
‫َ‬
‫من وصف القوم بما وصفهم ال به من أنهم كانوا يدعون ربهم بالغداة والعشيّ فيعمّون بالصفة‬
‫التي وصفهم بها ربهم ول يخصون منها بشيء دون شيء‪ .‬فتأويل الكلم إذن‪ :‬يا محمد أنذر‬
‫القرآن الذي أنزلته إليك‪ ,‬الذين يعلمون أنهم إلى ربهم محشورون‪ ,‬فهم من خوف ورودهم على‬
‫ال الذي ل شفيع لهم من دونه ول نصير‪ ,‬في العمل له دائبون إذ أعرض عن إنذارك واستماع‬
‫مـا أنزل ال عليـك المكذّبون بال واليوم اخـر مـن قومـك اسـتكبارا على ال‪ .‬ول تطردهـم ول‬
‫تُقْ صِهم‪ ,‬فتكون م من وض َع الق صاء في غ ير موض عه فأق صى وطرد من لم ي كن له طرده‬
‫وإق صاؤه‪ ,‬وقرّب من لم ي كن له تقدي مه بقر به وإدناءَه فإن الذ ين نهي تك عن طرد هم هم الذ ين‬
‫يدعون رب هم في سألون عفوه ومغفر ته ل صالح أعمال هم وأداء ما ألزم هم من فرائ ضه ونوا فل‬
‫تطوّعهـم وذكرهـم إيان بألسـنتهم بالغداة والعشيـّ‪ ,‬يلتمسـون بذلك القربـة إلى ال والدن ّو مـن‬
‫ن شَيءٍ‪ ,‬يقول‪ :‬ما عليك من حساب ما رزقتهم من الرزق من‬
‫ن حِسا ِب ِهمْ مِ ْ‬
‫رضاه‪ .‬ما عََليْ كَ مِ ْ‬
‫شيء‪ ,‬وما عليهم من حساب ما رزقتك من الرزق من شيء‪ ,‬فتطردهم حذار محاسبتي إياك‬
‫طرُدَهُ مْ‪ :‬جواب لقوله‪ :‬ما عََليْ كَ مِ نْ حِ سابِ ِهمْ مِ نْ‬
‫ب ما خوّلت هم في الدن يا من الرزق‪ .‬وقوله‪ :‬فَ َت ْ‬
‫ط ُردِ‬
‫شيْءٍ وَمَا مِ نْ حِ سَا ِبكَ عَليْهِم ِم نْ شَيءٍ‪ .‬وقوله‪ :‬فَ َتكُو نَ ِم نَ الظّاِلمِي نَ جواب لقوله‪ :‬وَل َت ْ‬
‫َ‬
‫ن َر ّبهُمْ‪.‬‬
‫اّلذِينَ َيدْعُو َ‬

‫‪53‬‬ ‫الية ‪:‬‬


‫ن اللّ هُ عََل ْيهِم‬
‫ضهُ مْ ِب َبعْ ضٍ ّليَقُولوَ ْا أَهَـؤُل ِء مَ ّ‬
‫{ َو َكذَلِ كَ َف َتنّا َبعْ َ‬ ‫القول في تأويل قوله تعالى‪:‬‬
‫س اللّ ُه ِبأَعَْلمَ بِالشّاكِرِينَ }‪..‬‬
‫مّن َب ْينِنَآ أََليْ َ‬
‫ضهُ ْم ِب َبعْضٍ وكذلك اختبرنا وابتلينا‪ .‬كالذي‪:‬‬
‫يعني تعالى ذكره بقوله‪ :‬و َكذَِلكَ َفتَنّا َب ْع َ‬
‫‪ 10434‬ـ حدثنا محمد بن عبد العلى‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا محمد بن ثور‪ ,‬عن معمر‪ ,‬وحدثنا الحسين‬
‫ضهُ مْ ِب َبعْ ضٍ‬
‫بن يحيى‪ ,‬قال‪ :‬أخبرنا عبد الرزاق‪ ,‬قال‪ :‬أخبرنا معمر‪ ,‬عن قتادة‪َ :‬و َكذَلِ كَ َفتَنّا َب ْع َ‬
‫يقول‪ :‬ابتلينا بعضهم ببعض‪.‬‬
‫وقد دللنا فيما مضى من كتابنا هذا على معنى الفتنة‪ ,‬وأنها الختبار والبتلء‪ ,‬بما أغنى عن‬
‫إعادته في هذا الموضع‪ .‬وإنما فتنة ال تعالى بعض خلقه ببعض‪ ,‬مخالفته بينهم فيما قسم لهم‬
‫من الرزاق والخلق‪ ,‬فج عل بع ضا غن يا وبع ضا فقيرا وبع ضا قو يا وبع ضا ضعي فا‪ ,‬فأحوج‬
‫بعضهم إلى بعض‪ ,‬اختبارا منه لهم بذلك‪.‬‬
‫وبنحو الذي قلنا في ذلك قال جماعة من أهل التأويل‪ .‬ذكر من قال ذلك‪:‬‬
‫‪10435‬ـ حدثني المثنى‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا عبد ال بن صالح‪ ,‬قال‪ :‬ثني معاوية بن صالح‪ ,‬عن عليّ‬
‫ضهُ مْ ِب َبعْ ضٍ يعني أنه جعل بعضهم أغنياء‬
‫بن أبي طلحة‪ ,‬عن ابن عباس‪ ,‬قوله‪ :‬و َكذَلِ كَ َف َتنّا َبعْ َ‬
‫ن ال عليهم من بيننا يعني‪ :‬هداهم ال‪ .‬وإنما‬
‫وبعض هم فقراء‪ ,‬فقال الغنياء للفقراء‪ :‬أهؤلء م ّ‬
‫قالوا ذلك استهزاء وسخرية‪.‬‬
‫ن َب ْينِنا يقول تعالى‪ :‬أختبرنا الناس بالغنى والفقر‬
‫ن اللّ هُ عََل ْيهِ مْ مِ ْ‬
‫وأما قوله‪ِ :‬ليَقُولُوا أهَؤُل ِء مَ ّ‬
‫والعزّ والذلّ والقوّة والضعـف والهدى والضلل‪ ,‬كـي يقول مـن أضله ال وأعماه عـن سـبيل‬
‫ن ال علي هم بالهدى والر شد و هم فقراء ضعفاء أذلء‬
‫الح قّ للذ ين هدا هم ال ووفق هم‪ :‬أهؤلء م ّ‬
‫س اللّ ُه بأعَْلمَ‬
‫من بيننا ونحن أغنياء أقوياء استهزاء بهم‪ ,‬ومعاداة للسلم وأهله‪ .‬يقول تعالى‪ :‬أَليْ َ‬
‫ِينـ وهذا منـه تعالى إجابـة لهؤلء المشركيـن الذيـن أنكروا أن يكون ال هدى أهـل‬
‫بالشّاكر َ‬
‫الم سكنة والض عف للح قّ‪ ,‬وخذل هم ع نه و هم أغنياء‪ ,‬وتقر ير ل هم أ نا أعلم ب من كان من خل قي‬
‫شاكرا نعم تي م من هو ل ها كا فر‪ ,‬فمنّي على من من نت عل يه من هم بالهدا ية جزاء شكره إياي‬
‫على نعم تي‪ ,‬وتخذلي من خذلت من هم عن سبيل الرشاد عقو بة كفرا نه إياي نعم تي ل لغ نى‬
‫الغنيـ منهـم ول لفقـر الفقيـر لن الثواب والعقاب ل يسـتحقه أحـد إلّ جزاء على عمله الذي‬
‫ّ‬
‫اكتسبه ل على غناه وفقره‪ ,‬لن الغنى والفقر والعجز والقوّة ليس من أفعال خلقي‪.‬‬

‫‪54‬‬ ‫الية ‪:‬‬


‫ب َربّكُ مْ‬
‫لمٌ عََل ْيكُ مْ َكتَ َ‬
‫ن يُ ْؤ ِمنُو نَ بِآيَا ِتنَا فَقُلْ سَ َ‬
‫{وَِإذَا جَآءَ كَ اّلذِي َ‬ ‫القول في تأويل قوله تعالى‪:‬‬
‫غفُورٌ‬
‫ّهـ َ‬
‫َصـلَحَ َفَأن ُ‬
‫ِهـ وَأ ْ‬
‫َابـ مِن َب ْعد ِ‬
‫ُمـ ت َ‬
‫جهَالَ ٍة ث ّ‬
‫سـوَءًا ِب َ‬
‫ُمـ ُ‬
‫ل مِنك ْ‬
‫عمِ َ‬
‫ّهـ مَن َ‬
‫ْسـِه ال ّرحْمَ َة َأن ُ‬
‫عََلىَ نَف ِ‬
‫ّرحِيمٌ }‪..‬‬
‫عنَى بها الذين نه يّ‬
‫اختلف أهل التأويل في الذين عنى ال تعالى بهذه الَية‪ :‬فقال بعضهم‪َ :‬‬
‫ال نبيه عن طردهم‪ ,‬وقد مضت الرواية بذلك عن قائليه‪.‬‬
‫وقال آخرون‪ :‬عنى بها قوما استفتوا النبيّ صلى ال عليه وسلم في ذنوب أصابوها عظام‪,‬‬
‫فلم يؤيسهم ال من التوبة‪ .‬ذكر من قال ذلك‪:‬‬
‫‪ 10436‬ـ حدثنا محمد بن بشار‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا يحيى بن سعيد‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا سفيان‪ ,‬عن مجمع‪,‬‬
‫قال‪ :‬سمعت ماهان‪ ,‬قال‪ :‬جاء قوم إلى النبيّ صلى ال عليه وسلم قد أصابوا ذنوبا عظاما‪ .‬قال‬
‫ن بآياتِ نا‬
‫ك اّلذِي نَ يُ ْؤ ِمنُو َ‬
‫ماهان‪ :‬ف ما إخاله ردّ علي هم شيئا‪ .‬قال‪ :‬فأنزل ال هذه الَ ية‪ :‬وَإذَا جاءَ َ‬
‫فَقُلْ سَلمٌ عََل ْي ُكمْ‪ ...‬الَية‪.‬‬
‫حدثنا هناد‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا قيصة‪ ,‬عن سفيان‪ ,‬عن مجمع‪ ,‬عن ماهان‪ :‬أن قوما جاءوا إلى النبيّ‬
‫صـلى ال عليـه وسـلم‪ ,‬فقالوا‪ :‬يـا محمـد إنـا أصـبنا ذنوبـا عظامـا فمـا إخاله ردّ عليهـم شيئا‪,‬‬
‫ن بآياتِنا فَقُلْ سَلمٌ عََل ْيكُ مْ َكتَ بَ َر ّبكُ مْ على‬
‫ن ي ْؤ ِمنُو َ‬
‫ك اّلذِي َ‬
‫فانصرفوا‪ ,‬فأنزل ال تعالى‪ :‬وَإذَا جاءَ َ‬
‫حمَة قال‪ :‬فدعاهم‪ ,‬فقرأها عليهم‪.‬‬
‫نَ ْفسِ ِه الرّ ْ‬
‫حدث نا المث نى‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا أ بو نع يم‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا سفيان‪ ,‬عن مج مع التمي مي‪ ,‬قال‪ :‬سمعت‬
‫ماهان يقول‪ ,‬فذكر نحوه‪.‬‬
‫وقال آخرون‪ :‬بل عُ ني ب ها قوم من المؤمن ين كانوا أشاروا على ال نبيّ صلى ال عل يه و سلم‬
‫بطرد القوم الذ ين نهاه ال عن طرد هم‪ ,‬فكان ذلك من هم خطيئة‪ ,‬فغفر ها ال ل هم وع فا عن هم‪,‬‬
‫وأمر نبيه صلى ال عليه وسلم إذا أتوه أن يبشرهم بأن قد غفر لهم خطيئتهم التي سلفت منهم‬
‫بمشورتهم على النبيّ صلى ال عليه وسلم بطرد القوم الذين أشاروا عليه بطردهم‪ .‬وذلك قول‬
‫عكرمة وعبد الرحمن بن زيد‪ ,‬وقد ذكرنا الرواية عنهما بذلك قبل‪.‬‬
‫وأولى القوال في ذلك عندي بتأو يل الَ ية‪ ,‬قول من قال‪ :‬المعنيون بقوله‪ :‬وَإذَا جاءَ كَ اّلذِي نَ‬
‫يُ ْؤ ِمنُونَ بآياتِنا فَقُلْ سَلمٌ عََل ْيكُمْ غير الذين نُهي ال النبيّ صلى ال عليه وسلم عن طردهم‪ ,‬لن‬
‫ن يُ ْؤ ِمنُو نَ بآياتنا خبر مستأنف بعد تقضي الخبر عن الذين نهى ال نبيه‬
‫قوله‪ :‬وَإذَا جاءَ كَ اّلذِي َ‬
‫صلى ال عليه وسلم عن طردهم‪ ,‬ولو كانوا هم لقيل‪« :‬وإذا جاءوك فقل سلم علي كم»‪ ,‬وفي‬
‫ابتداء ال الخبر عن قصة هؤلء وتر كه وصل الكلم بالخبر عن الوّلين ما ينبىء عن أنهم‬
‫غيرهم‪.‬‬
‫فتأويل الكلم إذ كان المر على ما وصفنا‪ :‬وإذا جاءك يا محمد القوم الذين يصدّقون بتنزيلنا‬
‫وأدلتنـا وحججنـا فيقرّون بذلك قولً وعملً‪ ,‬مسـترشديك عـن ذنوبهـم التـي سـلفت منهـم بينـي‬
‫وبينهم‪ ,‬هل لهم منها توبة؟ فل تؤيسهم منها‪ ,‬وقل لهم‪ :‬سلم عليكم‪ :‬أمنة ال لكم من ذنوبكم أن‬
‫حمَة يقول‪ :‬قضى ربكم الرحمة بخلقه‪,‬‬
‫ب رَ ّبكُمْ على نَفْسِ ِه الرّ ْ‬
‫يعاقبكم عليها بعد توبتكم منها‪َ ,‬كتَ َ‬
‫ن َب ْعدِهِ وأصْلَحَ فإنّه غَفُورٌ رَحيمٌ‪.‬‬
‫عمِلَ ِم ْن ُكمْ سُوءًا ِبجَهالَ ٍة ثمّ تابَ مِ ْ‬
‫أنّه مَنْ َ‬
‫ل ِم ْنكُمْ سُوءًا فيحعلون‬
‫عمِ َ‬
‫واختلفت القراء في قراءة ذلك‪ ,‬فقرأته عامة قراء المدنيين‪ :‬أنّه مَنْ َ‬
‫عفُورٌ َرحِي مٌ»‬
‫ن َب ْعدِ هِ وأ صْلَحَ فإنّه َ‬
‫«أ نّ» منصوبة على الترجمة بها عن الرح مة‪« ,‬ث ّم تا بَ ِم ْ‬
‫على ائتناف «إ نه» ب عد الفاء فيك سرونها ويجعلون ها أداة ل مو ضع ل ها‪ ,‬بمع نى‪ :‬ف هو له غفور‬
‫رحيم‪ ,‬أو فله المغفرة والرحمة‪ .‬وقرأهما بعض الكوفيين بفتح اللف منهما جميعا‪ ,‬بمعنى‪ :‬كتب‬
‫ل ِم ْنكُ مْ سُوءًا ِبجَهالَ ٍة عن الرح مة فإنّ هُ‬
‫عمِ َ‬
‫رب كم على نف سه الرح مة‪ ,‬ثم تر جم بقوله‪ :‬أنّه مَ نْ َ‬
‫غَفُورٌ رَحي مٌ‪ ,‬فيع طف «فأ نه» الثان ية على «أ نه» الولى‪ ,‬ويجعله ما ا سمين من صوبين على ما‬
‫بينت‪ .‬وقرأ ذلك بعض المكيين وعامة قرّاء أهل العراق من الكوفة والبصرة بكسر اللف من‬
‫«إنه» و «فإنه» على البتداء‪ ,‬وعلى أنهما أداتان ل موضع لهما‪.‬‬
‫ب رَ ّبكُ مْ على نَفْ سِهِ‬
‫وأولى القراءات في ذلك عندي بالصواب‪ ,‬قراءة من قرأهما بالكسر‪َ « :‬كتَ َ‬
‫حمَةَ‬
‫ب رَ ّبكُ ْم على نَفْ سِ ِه الرّ ْ‬
‫ال ّرحْمَ َة إنّ هُ» على ابتداء الكلم‪ ,‬وأن الخبر قد انت هى عند قوله‪َ :‬كتَ َ‬
‫ثم ا ستؤنف ال خبر ع ما هو فا عل تعالى ذكره ب من ع مل سوءا بجهال ثم تاب وأ صلح م نه‪.‬‬
‫عمِلَ ِم ْنكُمْ سُوءًا ِبجَهالَةٍ‪ :‬أنه من اقترف منكم ذنبا‪ ,‬فجهل باقترافه إياه‪ .‬ثُمّ‬
‫ومعنى قوله‪ :‬أّنهُ َمنْ َ‬
‫تا بَ وأ صْلَحَ فأنه غَفُورٌ لذنبه إذا تاب وأناب وراجع بطاعة ال وترك العود إلى مثله مع الندم‬
‫على ما فرط منه‪َ .‬رحِيمٌ بالتائب أن يعاقبه على ذنبه بعد توبته منه‪ .‬ذكر من قال ذلك‪:‬‬
‫عمِلَ‬
‫‪ 10437‬ـ حدث نا ا بن وك يع‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا أ بو خالد الح مر‪ ,‬عن عثمان‪ ,‬عن مجا هد‪ :‬مَ نْ َ‬
‫ِم ْنكُمْ سُوءًا ِبجَهالَ ٍة قال‪ :‬من جهل أنه ل يعلم حللً من حرام‪ ,‬ومن جهالته ركب المر‪.‬‬
‫‪10438‬ـ حدثنا ابن وكيع‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا أبو خالد‪ ,‬عن جويبر‪ ,‬عن الضحاك‪ ,‬مثله‪.‬‬
‫ن ال سّو َء ِبجَهالَةٍ قال‪ :‬من‬
‫حدثنا ابن وكيع‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا جرير‪ ,‬عن ليث‪ ,‬عن مجاهد‪َ :‬ي ْعمَلُو َ‬
‫عمل بمعصية ال‪ ,‬فذاك منه جهل حتى يرجع‪.‬‬
‫حدثني الحرث‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا عبد العزيز‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا بكر بن خنيس‪ ,‬عن ليث‪ ,‬عن مجاهد‪,‬‬
‫ل من عمل بخطيئة فهو بها جاهل‪.‬‬
‫ل ِم ْنكُمْ سُوءًا ِبجَهالَ ٍة قال‪ :‬ك ّ‬
‫عمِ َ‬
‫في قوله‪ :‬مَنْ َ‬
‫‪10439‬ـ حدثني الحرث‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا عبد العزيز‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا خالد بن دينار أبو خلدة‪ ,‬قال‪ :‬كنا‬
‫ن بآياتِ نا فَقُلْ سَلمٌ عََل ْيكُ مْ َكتَ بَ َر ّبكُ مْ‬
‫ن يُ ْؤ ِمنُو َ‬
‫ك اّلذِي َ‬
‫إذا دخل نا على أ بي العال ية قال‪ :‬وَإذَا جاءَ َ‬
‫حمَةَ‪.‬‬
‫على نَ ْفسِه ال ّر ْ‬

‫‪55‬‬ ‫الية ‪:‬‬


‫ن }‪..‬‬
‫ج ِرمِي َ‬
‫سبِيلُ ا ْل ُم ْ‬
‫س َتبِينَ َ‬
‫ليَاتِ وَِل َت ْ‬
‫{ َو َكذَِلكَ ن َفصّلُ ا َ‬ ‫القول في تأويل قوله تعالى‪:‬‬
‫يعني تعالى ذكره بقوله‪ :‬و َكذَلِ كَ نُفَ صّلُ الَيا تِ وكما فصلنا لك في هذه السورة من ابتدائها‬
‫وفاتح ها يا مح مد إلى هذا المو ضع حجت نا على المشرك ين من عبدة الوثان وأدلت نا‪ ,‬وميزنا ها‬
‫ل حقّ ينكره أهل الباطل من سائر أهل الملل‬
‫لك وبينّاها‪ ,‬كذلك نفصل لك أعلمنا وأدلتنا في ك ّ‬
‫غيرهم‪ ,‬فنبينها لك حتى تبين حقه من باطله وصحيحه من سقيمه‪.‬‬
‫ن فقرأ ذلك عامة قرّاء أهل المدينة‪:‬‬
‫جرِمِي َ‬
‫سبِيلُ ال ُم ْ‬
‫ن َ‬
‫ستَبِي َ‬
‫واختلفت القرّاء في قراءة قوله‪ :‬وِلتَ ْ‬
‫سبِيل ال ُمجْ ِرمِي نَ» بن صب ال سبيل‪ ,‬على أن «ت ستبين» خطاب لل نبيّ صلى ال‬
‫ن بالتاء « َ‬
‫ستَبِي َ‬
‫وِلتَ ْ‬
‫عل يه و سلم كأن معناه عند هم‪ :‬ولت ستبين أ نت يا مح مد سبيل المجرم ين‪ .‬وكان ا بن ز يد يتأوّل‬
‫ذلك‪ :‬ولتستبين أنت يا محمد سبيل المجرمين الذين سألوك طرد النفر الذين سألوه طردهم عنه‬
‫من أصحابه‪.‬‬
‫سـبِيل‬
‫‪10440‬ــ حدثنـي يونـس‪ ,‬قال‪ :‬أخبرنـا ابـن وهـب‪ ,‬قال‪ :‬قال ابـن زيـد‪« :‬وَِلتَسـْتبِينَ َ‬
‫ال ُمجْ ِرمِينَ» قال‪ :‬الذين يأمرونك بطرد هؤلء‪.‬‬
‫ل ال ُمجْ ِرمِي نَ بر فع ال سبيل‬
‫سبِي ُ‬
‫ن بالتاء َ‬
‫س َتبِي َ‬
‫وقرأ ذلك ب عض المكي ين وب عض الب صريين‪ :‬وِلتَ ْ‬
‫على أن القصد للسبيل‪ ,‬ولكنه يؤنثها‪ .‬وكأن معنى الكلم عندهم‪ :‬وكذلك نفصّل الَيات ولتتضح‬
‫سبِيلُ‬
‫لك وللمؤمن ين طر يق المجرم ين‪ .‬وقرأ ذلك عا مة قراء أ هل الكو فة‪« :‬وِلتَ سْ َتبِينَ» بالياء َ‬
‫ال ُمجْ ِرمِي نَ بر فع ال سبيل على أن الف عل لل سبيل ولكن هم يذكرو نه‪ .‬ومع نى هؤلء في هذا الكلم‪,‬‬
‫س َتبِينَ ورفع السبيل واحدٌ‪ ,‬وإنما الختلف بينهم في تذكير‬
‫ومعنى من قرأ ذلك بالتاء في‪ :‬وِلتَ ْ‬
‫السبيل وتأنيثها‪.‬‬
‫وأولى القراءت ين بال صواب عندي في «ال سبيل» الر فع‪ ,‬لن ال تعالى ذكره ف صّل آيا ته في‬
‫كتابه وتنزيله‪ ,‬ليت َبيّن الح قّ بها من الباطل جميع من خوطب بها‪ ,‬ل بعض دون بعض‪ .‬ومن‬
‫قرأ «السبيل» بالنصب‪ ,‬فإنما جعل تبيين ذلك محصورا على النبيّ صلى ال عليه وسلم‪ .‬وأما‬
‫ن فسواء ُقرِئت بالتاء أو بالياء‪ ,‬لن من العرب من يذكر السبيل وهم‬
‫القراءة في قوله‪ :‬وَِلتَ سْ َتبِي َ‬
‫تميم وأهل نجد‪ ,‬ومنهم من يؤنث السبيل وهم أهل الحجاز‪ ,‬وهما قراءتان مستفيضتان في قرّاء‬
‫الم صار ولغتان مشهورتان من لغات العرب‪ ,‬ول يس في قراءة ذلك بإحداه ما خلف لقراء ته‬
‫بالخرى ول وجه لختيار إحداهما على الخرى بعد أن يرفع السبيل للعلة التي ذكرنا‪.‬‬
‫وبنحو الذي قلنا في تأويل قوله‪ :‬نُفصّلُ الَياتِ قال أهل التأويل‪.‬‬
‫‪ 10441‬ـ حدثني المثنى‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا إسحاق‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا عبد الرزاق‪ ,‬قال‪ :‬أخبرنا معمر‪ ,‬عن‬
‫ك نُ َفصّلُ الَياتِ نبين الَيات‪.‬‬
‫قتادة‪ :‬وكذَِل َ‬
‫‪10442‬ـ حدثني يونس‪ ,‬قال‪ :‬أخبرنا ابن وهب‪ ,‬قال‪ :‬قال ابن زيد في‪ :‬نُ َفصّلُ الَياتِ‪ :‬نبين‪.‬‬

‫‪56‬‬ ‫الية ‪:‬‬


‫ع ُبدَ اّلذِينَ َتدْعُونَ مِن دُونِ الّل ِه قُلْ لّ َأ ّتبِعُ‬
‫ن أَ ْ‬
‫{قُلْ ِإنّي ُنهِيتُ أَ ْ‬ ‫القول في تأويل قوله تعالى‪:‬‬
‫ن ا ْل ُم ْه َتدِينَ }‪..‬‬
‫أَهْوَآ َء ُكمْ قَ ْد ضَلَلْتُ إِذا َومَآ َأ َناْ مِ َ‬
‫يقول تعالى ذكره لنبيه محمد صلى ال عليه وسلم‪ :‬قل يا محمد لهؤلء المشركين بربهم من‬
‫قومك‪ ,‬العادلين به الوثان والنداد‪ ,‬الذين يدعونك إلى موافقتهم على دينهم وعبادة الوثان‪ :‬إن‬
‫ال نهانـي أن أعبـد الذيـن تدعون مـن دونـه‪ ,‬فلن أتبعكـم على مـا تدعوننـي إليـه مـن ذلك ول‬
‫أوافقكم عليه‪ ,‬ول أعطيكم محبتكم وهواكم فيه‪ ,‬وإن فعلت ذلك فقد تركت محجة الح قّ وسلكت‬
‫على غ ير الهدى‪ ,‬ف صرت ضالّ مثل كم على غ ير ا ستقامة‪ .‬وللعرب في «ضللت» لغتان‪ :‬ف تح‬
‫اللم وكسرها‪ ,‬واللغة الفصيحة المشهورة هي فتحها‪ ,‬وبها قرأ عامة قراء المصار‪ ,‬وبها نقرأ‬
‫لشهرتها في العرب وأما الكسر فليس بالغالب في كلمها والقراء بها قليلون‪ ,‬فمن قال ضَلَلْ تُ‬
‫قال أضِلّ‪ ,‬ومـن قال ضَلِلْتُـ قال فـي المسـتقبل َأضَلّ‪ ,‬وكذلك القراءة عندنـا فـي سـائر القرآن‪:‬‬
‫وقالوا أئِذا ضَلَلْنا بفتح اللم‪.‬‬

‫‪57‬‬ ‫الية ‪:‬‬


‫{قُلْ ِإنّي عََلىَ َب ّينَةٍ مّن ّربّي َو َك ّذ ْبتُم بِ ِه مَا عِندِي مَا تَ سْ َت ْعجِلُونَ‬ ‫القول في تأويل قوله تعالى‪:‬‬
‫خيْرُ ا ْلفَاصِلِينَ }‪..‬‬
‫حقّ وَ ُه َو َ‬
‫ص ا ْل َ‬
‫حكْ ُم ِإلّ للّ ِه يَقُ ّ‬
‫ن ا ْل ُ‬
‫بِ ِه إِ ِ‬
‫ل يا محمد لهؤلء العادلين بربهم‪ ,‬الداعين لك‬
‫يقول تعالى ذكره لنبيه صلى ال عليه وسلم‪ :‬قُ ْ‬
‫ن ربي أي إني على بيان قد تبينته وبرهان قد وضح لي‬
‫إلى الشراك بربك‪ :‬إنّي على َب ّينَ ٍة مِ ْ‬
‫من ر بي‪ ,‬يقول‪ :‬من توحيده‪ ,‬و ما أ نا عل يه من إخلص عبودي ته من غ ير إشراك ش يء به‬
‫وكذلك تقول العرب‪ :‬فلن على بينـة مـن هذا المـر‪ :‬إذا كان على بيان منـه‪ ,‬ومـن ذلك قول‬
‫الشاعر‪:‬‬
‫شرَا‬
‫ع ِترَا ِفهِوقَوْلِ سُ َو ْي ٍد قدْ كَ َف ْي ُت ُكمْ ِب ْ‬
‫ن بَعدَ ا ْ‬
‫أ َب ّينَ ًة َت ْبغُو َ‬
‫ع ْندِي‬
‫و َك ّذ ْب ُتمْ بِهِ يقول‪ :‬وكذبتم أنتم بربكم‪ .‬والهاء في قوله «به» من ذكر الربّ جل وعزّ‪ .‬ما ِ‬
‫س َتعْجِلُونَ ِب هِ يقول‪ :‬ما الذي ت ستعجلون من ن قم ال وعذابه بيدي‪ ,‬ول أنا على ذلك بقادر‪.‬‬
‫ما تَ ْ‬
‫وذلك أنهـم قالوا حيـن بعـث ال نـبيه محمدا صـلى ال عليـه وسـلم بتوحيده‪ ,‬فدعاهـم إلى ال‬
‫حرَ وأ ْن ُتمْ ُت ْبصِرُونَ وقالوا للقرآن‪:‬‬
‫سْ‬‫ن ال ّ‬
‫شرٌ ِمثُْلكُ ْم أفَتأْتو َ‬
‫وأخبرهم أنه رسوله إليهم‪ :‬هَلْ َهذَا إلّ َب َ‬
‫هـو أضغاث أحلم‪ .‬وقال بعضهـم‪ :‬بـل هـو اختلق اختلقـه‪ .‬وقال آخرون‪ :‬بـل محمـد شاعـر‪,‬‬
‫فليأتنا بآية كما أرسل الوّلون فقال ال لنبيه صلى ال عليه وسلم‪ :‬أجبهم بأن الَيات بيد ال ل‬
‫بيدك‪ ,‬وإنما أنت رسول‪ ,‬وليس عليك إلّ البلغ لما أرسلت به‪ ,‬وإن ال يقضي الحقّ فيهم وفيك‬
‫خ ْيرُ الفاصلِينَ‪ :‬أي وهو خير من‬
‫ويفصل به بينك وبينهم فيتبين المح قّ منكم والمب طل‪ .‬و ُهوَ َ‬
‫بين وميز بين المح قّ والمبطل وأعدلهم‪ ,‬لنه ل يقع في حكمه وقضائه حيف إلى أحد لوسيلة‬
‫له إل يه ول لقرا بة ول منا سبة‪ ,‬ول في قضائه جور ل نه ل يأ خذ الرشوة في الحكام فيجوز‪,‬‬
‫س َرعُ الفَاصِلين»‪.‬‬
‫فهو أعدل الحكام وخير الفاصلين‪ .‬وقد ذكر لنا في قراءة عبد ال‪« :‬و ُهوَ أ ْ‬
‫‪10443‬ـ حدثنا محمد بن بشار‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا محمد بن جعفر‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا شعبة‪ ,‬عن أبي بشر‪,‬‬
‫عن سعيد بن جبير أنه قال‪ :‬في قراءة عبد ال‪« :‬يقضي الحقّ وهو أسرع الفاصلين»‪.‬‬
‫واختل فت القراء في قراءة قوله‪َ « :‬يقْضِي الحَ قّ» فقرأه عا مة قرّاء الحجاز والمدي نة وب عض‬
‫حكْ مُ إلّ لِّل هِ َيقُ صّ الحَ قّ بالصاد بمعنى القصص‪ ,‬وتأوّلوا في‬
‫قرّاء أهل الكوفة والبصرة‪ :‬إن ال ُ‬
‫ن ال َقصَصِ‪ .‬وذكر ذلك عن ابن عباس‪.‬‬
‫حسَ َ‬
‫ن نَقُصّ عََل ْيكَ أ ْ‬
‫ذلك قول ال تعالى‪َ :‬نحْ ُ‬
‫‪ 10444‬ـ حدثنا ابن وكيع‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا ابن عيينة‪ ,‬عن عمرو بن دينار‪ ,‬عن عطاء‪ ,‬عن ابن‬
‫حسَنَ ال َقصَصِ‪.‬‬
‫كأْ‬
‫حنُ نَقُصّ عََل ْي َ‬
‫حقّ‪ ,‬وقال‪َ :‬ن ْ‬
‫ص ال َ‬
‫عباس‪ ,‬قال‪ :‬يَقُ ّ‬
‫حكْ مُ إلّ لِّل هِ َيقْضِي الحَ قّ» بالضاد من‬
‫وقرأ ذلك جما عة من قرّاء الكو فة والب صرة‪« :‬إن ال ُ‬
‫خ ْيرُ الفا صلِينَ وأن‬
‫القضاء بمع نى الح كم والف صل بالقضاء‪ .‬واع تبروا صحة ذلك بقوله‪ :‬وَ ُهوَ َ‬
‫الفصل بين المختلفين إنما يكون بالقضاء ل بالقصص‪.‬‬
‫وهذه القراءة عندنا أولى القراءتين بالصواب لما ذكرنا لهلها من العلة‪ .‬فمعنى الكلم إذن‪:‬‬
‫ل ال الذي ل‬
‫ما الح كم في ما ت ستعجلون به أي ها المشركون من عذاب ال وفي ما بي ني وبين كم‪ ,‬إ ّ‬
‫يجور في حك مه‪ ,‬وبيده الخلق وال مر‪ ,‬يق ضي الح قّ بي ني وبين كم‪ ,‬و هو خ ير الفا صلين بين نا‬
‫بقضائه وحكمه‪.‬‬

‫‪58‬‬ ‫الية ‪:‬‬


‫ستَ ْعجِلُونَ ِب هِ لَ ُقضِ يَ ال ْمرُ َب ْينِي َو َب ْي َنكُ مْ‬
‫{قُل ّلوْ َأ نّ عِندِي مَا تَ ْ‬ ‫القول في تأويل قوله تعالى‪:‬‬
‫وَالّلهُ َأعَْلمُ بِالظّالِمِينَ }‪..‬‬
‫يقول تعالى ذكره لنبيه محمد صلى ال عليه وسلم‪ :‬قل يا محمد لهؤلء العادلين بربهم الَلهة‬
‫والوثان المكذّبيك فيما جئتهم به‪ ,‬السائليك أن تأتيهم بآية استعجالً منهم بالعذاب‪ :‬لو أن بيدي‬
‫ما تستعجلون به من العذاب لقضي المر بيني وبينكم ففصل ذلك أسرع الفصل بتعجيلي لكم‬
‫ما تسألوني من ذلك وتستعجلونه‪ ,‬ولكن ذلك بيد ال الذي هو أعلم بوقت إرساله على الظالمين‬
‫الذ ين يضعون عبادت هم ال تي ل تنب غي أن تكون إلّ ل فـي غ ير موضع ها فيعبدون من دو نه‬
‫الَل هة وال صنام‪ ,‬و هو أعلم بو قت النتقام من هم وحال القضاء بي ني وبين هم‪ .‬و قد ق يل‪ :‬مع نى‬
‫ضيَ ال ْمرُ َب ْينِي َو َب ْي َن ُكمْ الذبح للموت‪.‬‬
‫قوله‪ :‬لَ ُق ِ‬
‫‪10445‬ـ حدثنا ابن وكيع‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا أبو خالد الحمر‪ ,‬عن ابن جريج‪ ,‬قال‪ :‬بلغني في قوله‪:‬‬
‫ضيَ المْ ُر قال‪ :‬ذبح الموت‪.‬‬
‫لَ ُق ِ‬
‫سرَةِ إ ْذ قُضِ يَ ال ْمرُ وَهُ مْ فِي غَفَْلةٍ‬
‫وأح سب أن قائل هذا النوع نزع لقوله‪ :‬وأ ْنذِرْهُ مْ َيوْ َم الحَ ْ‬
‫ل على معنى ما قاله هذا القائل في‬
‫فإنه رُوي عن النبيّ صلى ال عليه وسلم في ذلك قصة تد ّ‬
‫قضاء المر‪ ,‬وليس قوله‪ :‬لَ ُقضِ يَ ال ْمرُ َب ْينِي َو َب ْينَكُ مْ من ذلك في شيء‪ ,‬وإنما هذا أمر من ال‬
‫تعالى نبيه محمدا صلى ال عل يه و سلم أن يقول ل من ا ستعجله ف صل القضاء بي نه وبين هم من‬
‫قوله بآيـة يأتيهـم بهـا‪ :‬لو أن العذاب والَيات بيدي وعندي لعاجلتكـم بالذي تسـألوني مـن ذلك‪,‬‬
‫ولكنه بيد من هو أعلم بما يصلح خلقه مني ومن جميع خلقه‪.‬‬

‫‪59‬‬ ‫الية ‪:‬‬


‫ل هُوَ َو َيعْلَمُـ مَا فِي ا ْل َبرّ‬
‫{وَعِندَهُـ مَفَاتِحُـ ا ْل َغيْب ِـ لَ َيعَْلمُهَآ ِإ ّ‬ ‫القول فـي تأويـل قوله تعالى‪:‬‬
‫ل فِي‬
‫ل يَابِسٍ ِإ ّ‬
‫حبّ ٍة فِي ظُُلمَاتِ الرْضِ َولَ َرطْبٍ َو َ‬
‫حرِ َومَا َتسْ ُقطُ مِن َورَقَ ٍة ِإلّ َيعَْل ُمهَا َولَ َ‬
‫وَا ْل َب ْ‬
‫ِكتَابٍ ّمبِينٍ }‪..‬‬
‫ع ْندَ هُ مَقاتِ حُ ال َغيْ بِ والمفا تح‪ :‬ج مع مِفْتَح‪ ,‬يقال ف يه‪ :‬مِفْتَح ومِ ْفتَاح‪ ,‬ف من قال مِفْتَح‬
‫يقول‪ :‬وَ ِ‬
‫جمعه مَفَاتح‪ ,‬ومن قال مِفْتاح جمعه َمفَاتِيح‪.‬‬
‫ب خزائن الغيب‪ ,‬كالذي‪:‬‬
‫ع ْندَ ُه مَفاتِحُ ال َغيْ ِ‬
‫ويعني بقوله‪ :‬وَ ِ‬
‫‪ 10446‬ـ حدث ني مح مد بن الح سين‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا أح مد بن المف ضل‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا أ سباط‪ ,‬عن‬
‫ح ال َغيْبِ قال‪ :‬يقول‪ :‬خزائن الغيب‪.‬‬
‫ع ْندَهُ مَفاتِ ُ‬
‫السديّ‪َ :‬و ِ‬
‫‪ 10447‬ـ حدثنا ابن وكيع‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا أبي‪ ,‬عن مسعر‪ ,‬عن عمرو بن مرّة‪ ,‬عن عبد ال بن‬
‫سلمة‪ ,‬عن ابن مسعود‪ ,‬قال‪ :‬أعطي نبيكم كلّ شيء إلّ مفاتح الغيب‪.‬‬
‫‪ 10448‬ـ حدث نا القا سم‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا الح سين‪ ,‬قال‪ :‬ث ني حجاج‪ ,‬عن ا بن جر يج‪ ,‬عن عطاء‬
‫عةِ‬
‫ع ْندَ هُ عِلْ مُ ال سّا َ‬
‫ن اللّ هَ ِ‬
‫ن خ مس‪ :‬إ ّ‬
‫ب قال‪ :‬ه ّ‬
‫ع ْندَ ُه مفاتِ خُ ال َغيْ ِ‬
‫الخرا ساني‪ ,‬عن ا بن عباس‪َ :‬و ِ‬
‫خبِيرٌ‪.‬‬
‫و ُي َنزّلُ ال َغيْثَ‪ ...‬إلى‪ :‬إنّ الّلهَ عَلِيمٌ َ‬
‫فتأويل الكلم إذن‪ :‬وال أعلم بالظّالمين من خلقه وما هم مستحقوه وما هو بهم صانع‪ ,‬فإن‬
‫عنده علم ما غاب علمه عن خلقه‪ ,‬فلم يطلعوا عليه ولم يدركوه ولم يعلموه ولن يدركوه‪ .‬و َيعْلَ مُ‬
‫حرِ يقول‪ :‬وعنده علم ما لم يغب أيضا عنكم‪ ,‬لن ما في البرّ والبحر مما هو‬
‫ما في ال َبرّ وال َب ْ‬
‫ظا هر للع ين يعل مه العباد‪ .‬فكان مع نى الكلم‪ :‬وع ند ال علم ما غاب عن كم أي ها الناس م ما ل‬
‫تعلمو نه ولن تعلموه م ما ا ستأثر بعل مه نف سه‪ ,‬ويعلم أي ضا مع ذلك جم يع ما يعل مه جميع كم‪ ,‬ل‬
‫يخفى عليه شيء‪ ,‬لنه ل شيء إل ما يخفى عن الناس أو ما ل يخفى عليهم‪ .‬فأخبر ال تعالى‬
‫أن عنده علم كل شيء كان ويكون وما هو كائن مما لم يكن بعد‪ ,‬وذلك هو الغيب‪.‬‬
‫ت الرْ ضِ وَل‬
‫حبّ ٍة فِي ظُلُما ِ‬
‫ط مِ نْ َو َرقَ ٍة إلّ َيعْلمُها وَل َ‬
‫القول في تأويل قوله تعالى‪ :‬وَما تَ سْقُ ُ‬
‫رَطْبٍ وَل يابِسٍ إلّ فِي كِتابٍ ُمبِينٍ‪.‬‬
‫يقول تعالى ذكره‪ :‬ول تسقط ورقة في الصحاري والبراري ول في المصار والقرى إل ال‬
‫ب ُمبِي نٍ يقول‪ :‬ول شيء‬
‫ل فِي كِتا ِ‬
‫حبّةٍ فِي ظُلُما تِ الرْ ضِ وَل َرطْ بٍ وَل يابِ سٍ إ ّ‬
‫يعلمها‪ .‬وَل َ‬
‫أيضا مما هو موجود أو مما سيوجد ولم يوجد بعد‪ ,‬إل وهو مثبت في اللوح المحفوظ‪ ,‬مكتوب‬
‫ذلك فيه ومرسوم عدده ومبلغه والوقت الذي يوجد فيه والحال التي يفني فيها‪ .‬ويعني بقولين‬
‫ُمبِين‪ :‬أنه يبين عن صحة ما هو فيه بوجود ما رسم فيه على ما رسم‪.‬‬
‫فإن قال قائل‪ :‬و ما و جه إثبا ته في اللوح المحفوظ والكتاب ال مبين ما ل يخ فى عل يه‪ ,‬و هو‬
‫بجمي عه عالم ل يخاف نسـيانه؟ ق يل له‪ :‬ل تعالى ف عل ما شاء‪ ,‬وجائز أن يكون كان ذلك م نه‬
‫امتحانا منه لحفظته واختبارا للمتوكلين بكتابة أعمالهم‪ ,‬فإنهم فيما ذكر مأمورون بكتابة أعمال‬
‫العباد ثم بعرضها على ما أثبته ال من ذلك في اللوح المحفوظ‪ ,‬حتى أثبت فيه ما أثبت كل يوم‬
‫ن وجائز أن يكون ذلك لغير ذلك مما‬
‫س َت ْنسِخُ ما ُك ْنتُ مْ َت ْعمَلُو َ‬
‫وقيل‪ :‬إن ذلك معنى قوله‪ :‬إنّا ُكنّا نَ ْ‬
‫ج بها على بعض ملئكته وأما على بني آدم وغير ذلك‪ .‬وقد‪:‬‬
‫هو أعلم به‪ ,‬إما بحجة يحت ّ‬
‫‪ 10449‬ـ حدثني زياد بن يحيى الحساني أبو الخطاب‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا مالك بن سعير‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا‬
‫العمش‪ ,‬عن يزيد بن أبي زياد‪ ,‬عن عبد ال بن الحرث‪ ,‬قال‪ :‬ما في الرض من شجرة ول‬
‫كمغرز إبرة‪ ,‬إل عليها ملك موكل بها يأتي ال‪ ,‬يعلمه يبسها إذا يبست ورطوبتها إذا رطبت‪.‬‬

‫‪60‬‬ ‫الية ‪:‬‬


‫ج َرحْتُم بِال ّنهَارِ ثُ مّ َي ْب َعثُكُ مْ‬
‫{وَ ُه َو اّلذِي َيتَ َوفّاكُم بِالّليْلِ َو َيعْلَ مُ مَا َ‬ ‫القول في تأو يل قوله تعالى‪:‬‬
‫جعُ ُكمْ ُثمّ ُي َن ّب ُئكُم ِبمَا كُنتُ ْم َت ْعمَلُونَ }‪..‬‬
‫سمّى ُثمّ إَِليْ ِه َم ْر ِ‬
‫ضىَ َأجَلٌ ّم َ‬
‫فِيهِ ِليُ ْق َ‬
‫يقول تعالى ذكره لنبيه صلى ال عليه وسلم‪ :‬وقل لهم يا محمد‪ ,‬وال أعلم بالظالمين‪ :‬وال‬
‫حتُمْ بالنّهارِ يقول‪ :‬ويعلم ما‬
‫ج َر ْ‬
‫هو الذي يتوفى أرواحكم بالليل فيقبضها من أجسادكم‪َ ,‬و َيعْلَمُ ما َ‬
‫كسبتم من العمال بالنهار‪ .‬ومعنى التوفّي في كلم العرب‪ :‬استيفاء العدد‪ ,‬كما قال الشاعر‪:‬‬
‫حدْوَل تَ َوفّاهُ ْم قُ َريْشٌ فِي ال َع َددْ‬
‫إنّ بني الدردِ َل ْيسُوا ِمنْ أ َ‬
‫بمع نى‪ :‬لم تدخل هم قر يش في العدد‪ .‬وأ ما الجتراح ع ند العرب‪ :‬ف هو ع مل الر جل بيده أو‬
‫رجله أو فمه‪ ,‬وهي الجوارح عندهم جوارح البدن فيما ذكر عنهم‪ ,‬ثم يقال لكل مكتسب عملً‪:‬‬
‫جارح‪ ,‬لستعمال العرب ذلك في هذه الجوارح‪ ,‬ثم كثر ذلك في الكلم ح تى قيل لكلّ مكتسب‬
‫كسبا بأيّ أعضاء جسمه اكتسب‪ :‬مجترح‪.‬‬
‫وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل‪ .‬ذكر من قال ذلك‪:‬‬
‫‪ 10450‬ـ حدث ني مح مد بن الح سين‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا أح مد بن المف ضل‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا أ سباط‪ ,‬عن‬
‫حتُمْ بالنّهارِ أما «يتوفاكم بالليل»‪ :‬ففي النوم‪ ,‬وأما‬
‫جرَ ْ‬
‫السديّ‪ :‬وَ ُهوَ اّلذِي َيتَ َوفّاكُمْ بالّليْلِ َو َيعْلَمُ ما َ‬
‫«يعلم ما جرحتم بالنهار» فيقول‪ :‬ما اكتسبتم من الثم‪.‬‬
‫‪10451‬ـ حدثني المثنى‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا عبد ال بن صالح‪ ,‬قال‪ :‬ثني معاوية بن صالح‪ ,‬عن عليّ‬
‫حتُ مْ بالنّهارِ يع ني‪ :‬ما‬
‫ج َر ْ‬
‫بن أ بي طل حة‪ ,‬عن ا بن عباس‪ :‬وَهُ َو اّلذِي َيتَ َوفّاكُ ْم بالّليْلِ َو َيعْلَ مُ ما َ‬
‫اكتسبتم من الثم‪.‬‬
‫‪10452‬ـ حدثنا محمد بن عبد العلى‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا محمد بن ثور‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا معمر‪ ,‬عن قتادة‪:‬‬
‫حتُمْ بالنّهارِ قال‪ :‬ما عملتم بالنهار‪.‬‬
‫ج َر ْ‬
‫ما َ‬
‫حدثنا الحسن بن يحيى‪ ,‬قال‪ :‬أخبرنا عبد الرزاق‪ ,‬قال‪ :‬أخبرنا معمر‪ ,‬عن قتادة‪ ,‬مثله‪.‬‬
‫‪ 10453‬ـ حدثنا بشر بن معاذ‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا يزيد بن زريع‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا سعيد‪ ,‬عن قتادة‪ ,‬قوله‪:‬‬
‫حتُ مْ بالنّهارِ‪ :‬أي ما عمل تم من ذ نب‬
‫ج َر ْ‬
‫وَ ُهوَ اّلذِي َيتَ َوفّاكُ مْ بالّليْلِ يع ني بذلك‪ :‬نوم هم و َيعْلَ مُ ما َ‬
‫فهو يعلمه‪ ,‬ل يخفى عليه شيء من ذلك‪.‬‬
‫‪ 10454‬ـ حدث نا المث نى‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا أ بو حذي فة‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا ش بل‪ ,‬عن ا بن أ بي نج يح‪ ,‬عن‬
‫ج َرحْتُ مْ بالنّها ِر قال‪ :‬أما وفاته إياهم بالليل فمنامهم‪,‬‬
‫مجاهد‪ :‬وَ ُهوَ اّلذِي َي َت َوفّاكُ مْ بالّليْلِ َو َيعْلَ مُ ما َ‬
‫وأما «ما جرحتم بالنهار» فيقول‪ :‬ما اكتسبتم بالنهار‪.‬‬
‫وهذا الكلم وإن كان خبرا من ال تعالى عن قدرته وعلمه‪ ,‬فإن فيه احتجاجا على المشركين‬
‫به الذ ين كانوا ينكرون قدر ته على إحيائ هم ب عد ممات هم وبعث هم ب عد فنائ هم‪ ,‬فقال تعالى محتجّا‬
‫سمّى‬
‫حتُ مْ بالنّهارِ ثُ مّ َي ْب َع ُثكُ ْم فِي ِه ِليُقْضَى أجَلٌ مُ َ‬
‫ج َر ْ‬
‫علَي هم‪ :‬وَهُ َو اّلذِي َيتَ َوفّاكُ ْم بالّليْلِ َو َيعْلَ مُ ما َ‬
‫ل م سمّى وأن تم َترَوْن ذلك‬
‫يقول‪ :‬فالذي يق بض أرواح كم بالل يل ويبعث كم في النهار‪ ,‬لتبلغوا أج ً‬
‫وتعلمون صـحته‪ ,‬غيـر منكـر له القدرة على قبـض أرواحكـم وإفنائكـم ثـم ردّهـا إلى أجسـادكم‬
‫وإنشائكـم بعـد مماتكـم‪ ,‬فإن ذلك نظيـر مـا تعاينون وتشاهدون‪ ,‬وغ ير منكـر ل من قدر على ما‬
‫تعاينون مـن ذلك القدرة على مـا لم تعاينوه‪ ,‬وإن الذي لم تروه ولم تعاينوه مـن ذلك شـبيه مـا‬
‫رأيتم وعاينتم‪.‬‬
‫ج ُعكُ مْ ثُ مّ ُي َن ّب ُئكُ مْ ِبمَا‬
‫القول في تأويل قوله تعالى‪ :‬ثُ مّ َي ْب َع ُثكُ مْ في هِ ِليُ ْقضَى أجَلٌ مُ سَمّى ثُ مّ إَليْ هِ َم ْر ِ‬
‫ُك ْنتُمْ َت ْعمَلُونَ‪.‬‬
‫يعني تعالى ذكره‪ :‬ثم يبعثكم‪ ,‬يثيركم ويوقظكم من منامكم فيه‪ ,‬يعني في النهار‪ .‬والهاء التي‬
‫ُسـمّى يقول‪ :‬ليقضـي ال الجـل الذي سـماه‬
‫فـي‪« :‬فيـه» راجعـة على النهار‪ِ .‬ليُقْض َى أجَلٌ م َ‬
‫ـ يقول‪ :‬ثـم إلى ال معادكـم‬
‫ج ُعكُم ْ‬
‫ـ َم ْر ِ‬
‫ـ إَليْه ِ‬
‫لحياتكـم‪ ,‬وذلك الموت‪ ,‬فيبلغ مدتـه ونهايتـه‪ .‬ثُم ّ‬
‫ومصيركم‪ .‬ثُ مّ ُي َن ّب ُئكُ مْ ِبمَا ُك ْنتُ مْ َت ْعمَلُو نَ يقول‪ :‬ثم يخبركم بما كنتم تعملون في حياتكم الدنيا‪ ,‬ثم‬
‫يجازيكم بذلك‪ ,‬إن خيرا فخير وإن شرّا فشرّ‪.‬‬
‫وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل‪ .‬ذكر من قال ذلك‪:‬‬
‫‪ 10455‬ـ حدث ني مح مد بن عمرو‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا أ بو عا صم‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا عي سى‪ ,‬عن ا بن أ بي‬
‫نجيح‪ ,‬عن مجاهد‪ُ :‬ثمّ َي ْب َع ُثكُمْ فِي ِه قال‪ :‬في النهار‪.‬‬
‫‪10456‬ـ حدثنا محمد بن عبد العلى‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا محمد بن ثور‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا معمر‪ ,‬عن قتادة‪:‬‬
‫ُثمّ َي ْب َعثُ ُكمْ فِي ِه في النهار‪ ,‬والبعث‪ :‬اليقظة‪.‬‬
‫حدثنا الحسن بن يحيى‪ ,‬قال‪ :‬أخبرنا عبد الرزاق‪ ,‬قال‪ :‬أخبرنا معمر‪ ,‬عن قتادة‪ ,‬مثله‪.‬‬
‫‪ 10457‬ـ حدث نا مح مد بن الح سين‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا أح مد بن المف ضل‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا أ سباط‪ ,‬عن‬
‫السديّ‪ُ :‬ثمّ َي ْب َعثُ ُكمْ فِي ِه قال‪ :‬في النهار‪.‬‬
‫‪10458‬ـ حدثنا القاسم‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا الحسين‪ ,‬قال‪ :‬ثني حجاج‪ ,‬عن ابن جريج‪ ,‬قال‪ :‬قال عبد ال‬
‫بن كثير‪ُ :‬ثمّ َي ْبعَ ُث ُكمْ فِيهِ قال‪ :‬يبعثكم في المنام‪.‬‬
‫سمّى وذلك الموت‪ .‬ذكر من قال ذلك‪:‬‬
‫ِليُ ْقضَى أجَلٌ ُم َ‬
‫‪ 10459‬ـ حدث ني المث نى‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا أ بو حذي فة‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا ش بل‪ ,‬عن ا بن أ بي نج يح‪ ,‬عن‬
‫سمّى وهو الموت‪.‬‬
‫مجاهد‪ِ :‬ليُ ْقضَى أجَلٌ ُم َ‬
‫‪10460‬ـ حدثنا محمد بن الحسين‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا أحمد بن مفضل‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا أسباط‪ ,‬عن السديّ‪:‬‬
‫سمّى قال‪ :‬هو أجل الحياة إلى الموت‪.‬‬
‫ِليُ ْقضَى أجَلٌ ُم َ‬
‫‪10461‬ـ حدثنا القاسم‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا الحسين‪ ,‬قال‪ :‬ثني حجاج‪ ,‬عن ابن جريج‪ ,‬قال‪ :‬قال عبد ال‬
‫سمّى قال‪ :‬مدتهم‪.‬‬
‫ل ُم َ‬
‫بن كثير‪ِ :‬ليُ ْقضَى أجَ ٌ‬

‫‪61‬‬ ‫الية ‪:‬‬


‫حّتىَ ِإذَا جَآءَ‬
‫ح َفظَةً َ‬
‫عبَادِ هِ َو ُيرْ سِلُ عََليْكُم َ‬
‫{وَ ُه َو الْقَا ِهرُ فَوْ قَ ِ‬ ‫القول في تأو يل قوله تعالى‪:‬‬
‫ل يُ َف ّرطُونَ }‪..‬‬
‫ح َدكُمُ ا ْل َموْتُ َت َو ّفتْهُ ُرسُُلنَا وَ ُهمْ َ‬
‫َأ َ‬
‫يقول تعالى ذكره‪ :‬وَهُ َو القا ِهرُ‪ :‬وال الغالب خلقـه العالي عليهـم بقدرتـه‪ ,‬ل المقهور مـن‬
‫ح َفظَةً وهـي ملئكتـه الذيـن‬
‫ُمـ َ‬
‫ْسـلُ عََل ْيك ْ‬
‫أوثانهـم وأصـنامهم المذلل المغلوب عليـه لذلتـه‪َ .‬و ُير ِ‬
‫ل ونهارا‪ ,‬يحفظون أعمالكم ويحصونها‪ ,‬ول يفرّطون في حفظ ذلك وإحصائه ول‬
‫يتعاقبونكم لي ً‬
‫يضيعون‪.‬‬
‫وبنحو ما قلنا في ذلك قال أهل التأويل‪ .‬ذكر من قال ذلك‪:‬‬
‫‪ 10462‬ـ حدث نا مح مد بن الح سين‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا أح مد بن المف ضل‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا أ سباط‪ ,‬عن‬
‫ظةً قال‪ :‬هي المعقبات من الملئكة‪ ,‬يحفظونه ويحفظون عمله‪.‬‬
‫السديّ‪ ,‬قوله‪ :‬و ُي ْرسِلُ عََل ْي ُكمْ حَ َف َ‬
‫‪ 10463‬ـ حدثنا بشر بن معاذ‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا يزيد بن زريع‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا سعيد‪ ,‬عن قتادة‪ ,‬قوله‪:‬‬
‫ت تَ َو ّفتْ هُ رُ سُلُنا وَهُ مْ ل‬
‫ح َدكُ مْ ال َموْ ُ‬
‫وَ ُهوَ القاهِ ُر فَوْ قَ عِبادِ هِ َويُر سِلُ عََل ْيكُ مْ حَ َفظَ ًة ح تى إذَا جاءَ أ َ‬
‫ن يقول‪ :‬حفظة يا ا بن آدم يحفظون عليك عملك ورزقك وأجلك إذا توفيت ذلك قبضت‬
‫يُ َفرّطُو َ‬
‫ت تَ َو ّفتْ هُ رُ سُلُنا وَهُ ْم ل يُ َفرّطو نَ‪ .‬يقول تعالى ذكره‪ :‬إن‬
‫ح َدكُ ُم المَوْ ُ‬
‫إلى ر بك‪ .‬ح تى إذا جا َء أ َ‬
‫رب كم يحفظ كم بر سل يع قب بين ها ير سلهم إلي كم بحفظ كم‪ ,‬وبح فظ أعمال كم إلى أن يحضر كم‬
‫الموت وينزل بكم أمر ال‪ ,‬فإذا جاء ذلك أحدكم توفاه أملكنا الموكلون بقبض الرواح ورسلنا‬
‫المرسلون به وهم ل يفرّطون في ذلك فيضيعونه‪.‬‬
‫فإن قال قائل‪ :‬أو ل يس الذي يق بض الرواح ملك الموت‪ ,‬فك يف ق يل‪َ :‬ت َوفّتْ ُه رُ سُلُنا والر سل‬
‫ل ِبكُ مْ؟ قيل‪ :‬جائز أن يكون‬
‫ت اّلذِي ُوكّ َ‬
‫ل َيتَ َوفّاكُ مْ مَلَ كُ ال َموْ ِ‬
‫جملة وهو واحد؟ أو ليس قد قال‪ :‬قُ ْ‬
‫ال تعالى أعان ملك الموت بأعوان من عنده‪ ,‬فيتولون ذلك بأ مر ملك الموت‪ ,‬فيكون «التوفّي»‬
‫مضا فا‪ ,‬وإن كان ذلك من ف عل أعوان ملك الموت إلى ملك الموت‪ ,‬إذ كان فعل هم ما فعلوا من‬
‫أعوانـ السـلطان وجلد مـن جلدوه بأمـر السـلطان إلى‬
‫ُ‬ ‫ذلك بأمره كمـا يضاف قَت ْل مـن قَت َل‬
‫السلطان‪ ,‬وإن لم يكن السلطان باشر ذلك بنفسه ول وَِليَه بيده‪ .‬وقد تأول ذلك كذلك جماعة من‬
‫أهل التأويل‪ .‬ذكر من قال ذلك‪:‬‬
‫‪ 10464‬ـ حدث نا أ بو كر يب‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا ا بن إدر يس‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا الح سن بن عب يد ال‪ ,‬عن‬
‫ن قال‪ :‬كان ا بن‬
‫ت تَ َو ّفتْ ُه رُ سُلُنا وَهُ مْ ل يُ َف ّرطُو َ‬
‫ح َدكُ مُ المَوْ ُ‬
‫إبراه يم‪ ,‬في قوله‪ :‬ح تى إذا جاءَ أ َ‬
‫عباس يقول‪ :‬لملك الموت أعوان من الملئكة‪.‬‬
‫حدثني أبو السائب‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا ابن إدريس‪ ,‬عن الحسن بن عبيد ال‪ ,‬في قوله‪ :‬تَ َو ّفتْ ُه رُ سُلُنا‬
‫ن قال‪ :‬سئل ابن عباس عنها‪ ,‬فقال‪ :‬إن لملك الموت أعوانا من الملئكة‪.‬‬
‫وَ ُهمْ ل يُ َف ّرطُو َ‬
‫‪ 10465‬ـ حدثنا محمد بن بشار‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا عبد الرحمن‪ ,‬قال‪ :‬سفيان‪ ,‬عن الحسن بن عبيد‬
‫ال‪ ,‬عن إبراهيم في قوله‪ :‬تَ َو ّفتْ ُه ُرسُلُنا وَ ُهمْ ل يُ َفرّطُونَ قال‪ :‬أعوان ملك الموت‪.‬‬
‫حدث نا ا بن بشار‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا ع بد الرح من‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا سفيان‪ ,‬عن من صور‪ ,‬عن إبراه يم‪:‬‬
‫ن قال‪ :‬الرسل توفي النفس‪ ,‬ويذهب بها ملك الموت‪.‬‬
‫تَ َو ّفتْهُ ُرسُلُنا وَ ُه ْم ل يُ َف ّرطُو َ‬
‫‪ 10466‬ـ حدث نا هناد‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا ح فص‪ ,‬عن الح سن بن عب يد ال‪ ,‬عن إبراه يم‪ ,‬عن ا بن‬
‫ن قال‪ :‬الرسل توفي النفس‪ ,‬ويذهب بها ملك الموت‪.‬‬
‫عباس‪ :‬تَ َو ّفتْهُ ُرسُلُنا وَ ُه ْم ل يُ َف ّرطُو َ‬
‫حدثنا هناد‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا حفص‪ ,‬عن الحسن بن عبيد ال‪ ,‬عن ابن عباس‪َ :‬ت َوفّتْ ُه رُسُلُنا وَ ُهمْ ل‬
‫يُ َفرّطُونَ قال‪ :‬أعوان ملك الموت من الملئكة‪.‬‬
‫حدث نا هناد‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا قبي صة‪ ,‬عن سفيان‪ ,‬عن الح سن بن عب يد ال‪ ,‬عن إبراه يم‪ :‬تَ َو ّفتْ هُ‬
‫رُسُلُنا قال‪ :‬هم الملئكة أعوان ملك الموت‪.‬‬
‫‪10467‬ـ حدثنا محمد بن عبد العلى‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا محمد بن ثور‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا معمر‪ ,‬عن قتادة‪:‬‬
‫تَ َو ّفتْ ُه رُسُلُنا قال‪ :‬إن ملك الموت له رسل فيرسل ويرفع ذلك إليه‪ .‬وقال الكلبي‪ :‬إن ملك الموت‬
‫هو يلي ذلك‪ ,‬فيدفعه إن كان مؤمنا إلى ملئكة الرحمة‪ ,‬وإن كان كافرا إلى ملئكة العذاب‪.‬‬
‫‪ 10468‬ـ حدث نا الح سن بن يح يى‪ ,‬قال‪ :‬أخبر نا ع بد الرزاق‪ ,‬قال‪ :‬أخبر نا مع مر‪ ,‬عن قتادة‪:‬‬
‫تَ َو ّفتْهُ ُرسُلُنا قال‪ :‬يلي قبضها الرسل‪ ,‬ثم يدفعونها إلى ملك الموت‪.‬‬
‫‪10469‬ـ حدثنا الحسن بن يحيى‪ ,‬قال‪ :‬أخبرنا عبد الرزاق‪ ,‬قال‪ :‬أخبرنا الثوريّ‪ ,‬عن منصور‪,‬‬
‫عن إبراهيم في قوله‪ :‬تَ َو ّفتْ ُه رُ سُلُنا قال‪ :‬يتوفاه الرسل‪ ,‬ثم يقبض منهم ملك الموت النفس‪ .‬قال‬
‫الثوري‪ :‬وأخبرني الحسن بن عبيد ال‪ ,‬عن إبراهيم‪ ,‬قال‪ :‬هم أعوان لملك الموت‪ .‬قال الثوري‪:‬‬
‫وأ خبرني ر جل عن مجا هد‪ ,‬قال‪ :‬جعلت الرض لملك الموت م ثل الط ست يتناول من ح يث‬
‫شاء‪ ,‬وجعلت له أعوان يتوفون النفس ثم يقبضها منهم‪.‬‬
‫حدث نا ا بن وك يع‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا ا بن إدر يس‪ ,‬عن الح سن بن عب يد ال‪ ,‬عن إبراه يم‪ ,‬عن ا بن‬
‫عباس‪ ,‬في قوله‪ :‬تَ َو ّفتْهُ ُرسُلُنا قال‪ :‬أعوان ملك الموت من الملئكة‪.‬‬
‫حدثنا ا بن وكيع‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا أبي‪ ,‬عن سفيان‪ ,‬عن الحسن بن عبيد ال‪ ,‬عن إبراهيم‪ ,‬قال‪:‬‬
‫الملئكة أعوان ملك الموت‪.‬‬
‫حدث نا ا بن وك يع‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا قبي صة‪ ,‬عن سفيان‪ ,‬عن من صور‪ ,‬عن إبراه يم‪ :‬تَ َو ّفتْ ُه رُ سُلُنا‬
‫قال‪ :‬يتوفونه‪ ,‬ثم يدفعونه إلى ملك الموت‪.‬‬
‫‪ 10470‬ـ حدثني المثنى‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا إسحاق‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا عبد ال بن أبي جعفر‪ ,‬قال‪ :‬سألت‬
‫الربيـع بـن أنـس‪ ,‬عـن ملك الموت‪ ,‬أهـو وحده الذي يقبـض الرواح؟ قال‪ :‬هـو الذي يلي أمـر‬
‫الرواح‪ ,‬وله أعوان على ذلك‪ ,‬أل ت سمع إلى قول ال تعالى‪ :‬ح تى إذَا جا َء ْتهُ مْ رُ سُلُنا َيتَ َوفّ ْو َنهُ مْ‬
‫وقال‪ :‬تَ َو ّفتْ ُه رُ سُلُنا وَهُ مْ ل ُي َفرّطُو نَ غ ير أن ملك الموت هو الذي ي سير كلّ خ طو م نه من‬
‫المشرق إلى المغرب‪ .‬قلت‪ :‬أين تكون أرواح المؤمنين؟ قال‪ :‬عند السدرة في الجنة‪.‬‬
‫‪ 10471‬ـ حدثنا الحسن بن يحيى‪ ,‬قال‪ :‬أخبرنا عبد الرزاق‪ ,‬قال‪ :‬أخبرنا محمد بن مسلم‪ ,‬عن‬
‫إبراهيم بن مي سرة‪ ,‬عن مجاهد‪ ,‬قال‪ :‬ما من أ هل ب يت ش عر ول مدر إل وملك الموت يط يف‬
‫بهم كلّ يوم مرّتين‪.‬‬
‫وقـد بينـا أن معنـى التفريـط‪ :‬التضييـع‪ ,‬فيمـا مضـى قبـل‪ .‬وكذلك تأوّله المتأوّلون فـي هذا‬
‫الموضع‪.‬‬
‫‪ 10472‬ـ حدثنا المثنى‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا عبد ال بن صالح‪ ,‬قال‪ :‬ثني معاوية بن صالح‪ ,‬عن عل يّ‬
‫بن أبي طلحة‪ ,‬عن ابن عباس‪ ,‬قوله‪ :‬وَ ُهمْ ل يُ َفرّطُونَ يقول‪ :‬ل يضيعون‪.‬‬
‫‪ 10473‬ـ حدث ني مح مد بن الح سين‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا أح مد بن المف ضل‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا أ سباط‪ ,‬عن‬
‫ن قال‪ :‬ل يضيعون‪.‬‬
‫السديّ‪ :‬وَ ُهمْ ل يُ َف ّرطُو َ‬

‫‪62‬‬ ‫الية ‪:‬‬


‫حكْمُـ وَ ُهوَ أَس ْـ َرعُ‬
‫ل لَهُـ ا ْل ُ‬
‫{ثُمّـ رُدّوَ ْا إَِلىَ اللّه ِـ مَ ْولَهُمُـ ا ْلحَقّـ َأ َ‬ ‫القول فـي تأويـل قوله تعالى‪:‬‬
‫ا ْلحَاسِبِينَ }‪..‬‬
‫يقول تعالى ذكره‪ :‬ثم ردّت الملئكة الذين توفوهم فقبضوا نفوسهم وأرواحهم إلى ال سيدهم‬
‫حكْ مُ يقول‪ :‬أل له الح كم والقضاء دون من سواه من جم يع خل قه‪ .‬وَهُ َو أ سْ َرعُ‬
‫الح قّ‪ .‬أل َل ُه ال ُ‬
‫الحا سِبِينَ يقول‪ :‬وهو أسرع من حسب عددكم وأعمالكم وآجالكم وغير ذلك من أموركم أيها‬
‫الناس‪ ,‬وأحصاها وعرف مقاديرها ومبالغها‪ ,‬لنه ل يحسب بعقد َيدٍ‪ ,‬ولكنه يعلم ذلك ول يخفى‬
‫صغَرُ ِم نْ ذَلِ كَ‬
‫لرْ ضِ ول أ ْ‬
‫ت ول في ا َ‬
‫سمَوَا ِ‬
‫عنْ ُه ِمثْقَالُ َذرّ ٍة في ال ّ‬
‫عليه منه خافية‪ ,‬و ل َي ْعزُ بُ َ‬
‫ل في ِكتَابٍ ُمبِينٍ‪.‬‬
‫ول َأ ْكبَرُ إ ّ‬

‫‪63‬‬ ‫الية ‪:‬‬


‫ضرّعا‬
‫َهـ َت َ‬
‫َاتـ ا ْل َبرّ وَا ْل َبحْ ِر َتدْعُون ُ‬
‫ُمـ مّن ظُُلم ِ‬
‫{قُلْ مَن ُي َنجّيك ْ‬ ‫القول فـي تأويـل قوله تعالى‪:‬‬
‫ن الشّاكِرِينَ }‪..‬‬
‫ن هَـذِهِ َل َنكُو َننّ مِ َ‬
‫ن أَنجَانَا مِ ْ‬
‫َوخُ ْف َيةً ّلئِ ْ‬
‫يقول تعالى ذكره لنبيه صلى ال عليه وسلم‪ :‬قل يا محمد لهؤلء العادلين بربهم الداعين لك‬
‫إلى عبادة أوثانهم‪ :‬من الذين ينجيكم من ظلمات البرّ إذا ضللتم فيه فتحريتم فأظلم عليكم الهدى‬
‫والمح جة؟ و من ظلمات الب حر إذا ركبتموه فأخطأ تم ف يه المح جة فأظلم علي كم ف يه ال سبيل فل‬
‫تهتدون له‪ ,‬غيـر ال الذي مفزعكـم حينئذ بالدعاء تضرّعـا منكـم إليـه واسـتكانة جهرا وخفيـة؟‬
‫ن َهذِ ِه يا ربّ‪ :‬أي من هذه‬
‫ج ْي َتنَا مِ ْ‬
‫يقول‪ :‬وإخفاء للدعاء أحيانا‪ ,‬وإعلنا وإظهارا‪ ,‬تقولون‪َ :‬لئِن أ ْن َ‬
‫ن الشّاكِري نَ يقول‪ :‬لنكون نّ ممن يوحدك بالشكر ويخلص لك‬
‫ن مِ َ‬
‫الظلمات التي نحن فيها‪َ ,‬ل َنكُونَ ّ‬
‫العبادة دون من كنا نُشركه معك في عبادتك‪ .‬وبنحو ما قلنا في ذلك قال أهل التأويل‪ .‬ذكر من‬
‫قال ذلك‪:‬‬
‫‪10474‬ـ حدثني محمد بن سعيد‪ ,‬قال‪ :‬ثني أبي‪ ,‬قال‪ :‬ثني عمي‪ ,‬قال‪ :‬ثني أبي‪ ,‬عن أبيه‪ ,‬عن‬
‫ضرّعـا َوخُ ْفيَةً يقوله‪ :‬إذا‬
‫حرِ َتدْعُونَهُـ تَ َ‬
‫ابـن عباس‪ ,‬قوله‪ :‬قُلْ مَن ْـ ُي َنجّيكُم ْـ مِن ْـ ظُلُمات ِـ ال َبرّ وال َب ْ‬
‫أضلّ الرجل الطريق دعا ال لئن أنجينا من هذه لنكوننّ من الشاكرين‪.‬‬
‫‪ 10475‬ـ حدث نا ب شر بن معاذ‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا يز يد‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا سعيد‪ ,‬عن قتادة‪ ,‬قوله‪ :‬قُلْ مَ نْ‬
‫حرِ يقول‪ :‬من كرب البرّ والبحر‪.‬‬
‫ن ظُلُماتِ ال َبرّ وال َب ْ‬
‫ُي َنجّي ُكمْ مِ ْ‬
‫‪64‬‬ ‫الية ‪:‬‬
‫القول في تأويل قوله تعالى‪:‬‬
‫ن }‪..‬‬
‫ب ُثمّ أَنتُ ْم ُتشْ ِركُو َ‬
‫{قُلِ الّلهُ ُي َنجّي ُكمْ ّم ْنهَا َومِن كُلّ َكرْ ٍ‬
‫يقول تعالى ذكره ل نبيه مح مد صلى ال عل يه و سلم‪ :‬قل لهؤلء العادل ين برب هم سواه من‬
‫الَلهة إذا أنت استفهمتهم عمن به يستعينون عند نزول الكرب بهم في البرّ والبحر‪ :‬ال القادر‬
‫على فرج كم ع ند حلول الكرب ب كم‪ ,‬ينجي كم من عظ يم النازل ب كم في البرّ والب حر من هَ مَ‬
‫ل سوى ذلك وهم‪ ,‬ل آلهتكم التي تشركون بها في عبادته‪,‬‬
‫الضلل وخوف الهلك ومن كرب ك ّ‬
‫ول أوثان كم ال تي تعبدون ها من دو نه‪ ,‬ال تي ل تقدر ل كم على ن فع ل ضرّ‪ ,‬ثم أن تم ب عد تفضيله‬
‫عليكم بكشف النازل بكم من الكرب ودفع الحال بكم من جسم الهمّ تعدلون به آلهتكم وأصنامكم‬
‫فتشركونها في عبادتكم إياه‪ ,‬وذلك منكم جهل بواجب حقه عليكم وكفر لياديه عندكم وتعرّض‬
‫منكم لنزال عقوبته عاجل بكم‪.‬‬
‫‪65‬‬ ‫الية ‪:‬‬
‫عذَابا مّن فَ ْو ِقكُ مْ أَ ْو مِن‬
‫{قُلْ هُ َو الْقَا ِدرُ عََلىَ أَن َي ْبعَ ثَ عََل ْيكُ مْ َ‬ ‫القول في تأو يل قوله تعالى‪:‬‬
‫ت َلعَّلهُ مْ‬
‫ليَا ِ‬
‫ظرْ َكيْ فَ نُ صَ ّرفُ ا َ‬
‫شيَعا َو ُيذِي قَ َب ْعضَكُ مْ َبأْ سَ َبعْ ضٍ ا ْن ُ‬
‫س ُكمْ ِ‬
‫ت َأ ْرجُلِكُ مْ أَ ْو يَ ْلبِ َ‬
‫َتحْ ِ‬
‫يَفْ َقهُونَ }‪..‬‬
‫يقول تعالى ذكره ل نبيه صلى ال عل يه و سلم‪ :‬قل لهؤلء العادل ين برب هم غيره من ال صنام‬
‫والوثان يـا محمـد‪ :‬إن الذي ينجيكـم مـن ظلمات البرّ والبحـر ومـن كلّ كرب ثـم تعودون‬
‫للشراك به‪ ,‬وهو القادر على أن يرسل عليكم عذابا من فوقكم أو من تحت أرجلكم‪ ,‬لشرككم‬
‫به وادّعائكم معه إلها آخر غيره وكفرانكم نعمه مع إسباغه عليكم آلءه ومننه‪.‬‬
‫وقد اختلف أهل التأويل في معنى العذاب الذي توعد ال به هؤلء القوم أن يبعثه عليهم من‬
‫فوق هم أو من ت حت أرجل هم‪ ,‬فقال بعض هم‪ :‬أ ما العذاب الذي توعد هم به أن يبع ثه عل يه من‬
‫فوقهم‪ :‬فالرجم وأما الذي توعدهم أن يبعثه عليهم من تحتهم‪ :‬فالخسف‪ .‬ذكر من قال ذلك‪:‬‬
‫‪ 10476‬ـ حدثنا محمد بن بشار وابن وكيع‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا عبد الرحمن‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا سفيان‪ ,‬عن‬
‫ن َتحْتِ أ ْرجُِلكُمْ‬
‫ن فَ ْو ِقكُمْ أوْ مِ ْ‬
‫عذَابا مِ ْ‬
‫السديّ‪ ,‬عن أبي مالك‪ :‬قُلْ هُ َو القَا ِدرُ على أنْ َي ْبعَثَ عََل ْيكُمْ َ‬
‫قال‪ :‬الخسف‪.‬‬
‫‪ 10477‬ـ حدثنا سفيان‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا يحيى بن آدم‪ ,‬عن الشجعي‪ ,‬عن سفيان‪ ,‬عن السديّ‪ ,‬عن‬
‫أبي مالك وسعيد بن جبير‪ ,‬مثله‪.‬‬
‫‪ 10478‬ـ حدثنا ابن وكيع‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا قال‪ :‬أبو سلمة‪ ,‬عن شبل‪ ,‬عن ابن نجيح‪ ,‬عن مجاهد‪:‬‬
‫ن َتحْتِ أ ْرجُِل ُكمْ قال الخسف‪.‬‬
‫عذَابا مِنْ فَ ْو ِق ُكمْ أوْ مِ ْ‬
‫ن َي ْبعَثَ عََل ْي ُكمْ َ‬
‫قُلْ هُ َو القَا ِدرُ على أ ْ‬
‫‪ 10479‬ـ حدث نا مح مد بن الح سين‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا أح مد بن المف ضل‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا أ سباط‪ ,‬عن‬
‫عذَابا مِنْ فَ ْو ِقكُ ْم فعذاب السماء‪ ,‬أوْ مِنْ َتحْتِ أ ْرجُِلكُمْ‬
‫ن َي ْبعَثَ عََل ْيكُمْ َ‬
‫السديّ‪ :‬قُلْ ُهوَ القَادِرُ على أ ْ‬
‫فيخسف بكم الرض‪.‬‬
‫‪ 10480‬ـ حدث ني يو نس‪ ,‬قال‪ :‬أخبر نا ا بن و هب‪ ,‬قال‪ :‬قال ا بن ز يد في قوله‪ :‬قُلْ هُ َو القَا ِدرُ‬
‫ن َتحْ تِ أ ْرجُِلكُ مْ قال‪ :‬كان ابن مسعود يصيح وهو‬
‫عذَابا ِم نْ فَ ْو ِقكُ مْ أ ْو مِ ْ‬
‫على أ نْ َي ْبعَ ثَ عََل ْيكُ مْ َ‬
‫في المجلس أو على الم نبر‪ :‬أل أي ها الناس إ نه نزل ب كم‪ ,‬إن ال يقول‪ :‬قُلْ ُهوَ القَادِرُ على أ نْ‬
‫ن َتحْ تِ‬
‫ن فَ ْوقِكُ مْ لو جاء كم عذاب من ال سماء لم ي بق من كم أحدا‪ ,‬أوْ مِ ْ‬
‫عذَا با مِ ْ‬
‫َي ْبعَ ثَ عََل ْيكُ مْ َ‬
‫شيَعا َو ُيذِي قَ َب ْعضَكُ مْ بأْ سَ‬
‫س ُكمْ ِ‬
‫أ ْرجُلِكُ مْ لو خسف بكم الرض أهلككم ولم يبق منكم أحدا‪ ,‬أ ْو يَ ْلبِ َ‬
‫َبعْضٍ أل إنه نزل بكم أسوأ الثلث‪.‬‬
‫خدَ مَ و سفلةَ‬
‫وقال آخرون‪ :‬عَنَى بالعذاب من فوق كم‪ :‬أئ مة ال سوء‪ ,‬أو من ت حت أرجل كم‪ :‬ال َ‬
‫الناس‪ .‬ذكر من قال ذلك‪:‬‬
‫‪ 10481‬ـ حدثني يونس‪ ,‬قال‪ :‬أخبر نا ا بن وهب‪ ,‬قال‪ :‬سمعت خلدا يقول‪ :‬سمعت عامر بن‬
‫عذَابا‬
‫ن َي ْبعَ ثَ عََل ْيكُ مْ َ‬
‫ل هُ َو القَا ِدرُ على أ ْ‬
‫عبد الرحمن يقول‪ :‬إن ابن عباس كان يقول في هذه‪ :‬قُ ْ‬
‫ن َتحْ تِ أ ْرجُِلكُ مْ فأ ما العذاب من فوق كم‪ :‬فأئ مة ال سوء‪ .‬وأ ما العذاب من ت حت‬
‫ن فَ ْوقِكُ مْ أوْ مِ ْ‬
‫مِ ْ‬
‫أرجلكم‪ :‬فخدم السوء‪.‬‬
‫حدثني المثنى‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا عبد ال بن صالح‪ ,‬قال‪ :‬ثني معاوية بن صالح‪ ,‬عن عليّ بن أبي‬
‫عذَابا مِنْ فَ ْو ِقكُمْ يعني‪ :‬من أمرائكم‪,‬‬
‫طلحة‪ ,‬عن ابن عباس‪ :‬قُلْ ُهوَ القَا ِدرُ على أنْ َي ْبعَثَ عََل ْيكُمْ َ‬
‫ن َتحْتِ أ ْرجُِلكُ ْم يعني‪ :‬سفلتكم‪.‬‬
‫أ ْو مِ ْ‬
‫وأولى التأويل ين في ذلك بال صواب عندي قول من قال‪ :‬ع نى بالعذاب من فوق هم الر جم أو‬
‫الطوفان و ما أش به ذلك م ما ينزل علي هم من فوق رءو سهم‪ ,‬و من ت حت أرجل هم‪ :‬الخ سف و ما‬
‫أشبهـه‪ .‬وذلك أن المعروف فـي كلم العرب مـن معنـى «فوق» و «تحـت» الرجـل‪ ,‬هـو ذلك‬
‫دون غيره‪ ,‬وإن كان لما رُوي عن ابن عباس في ذلك وجه صحيح‪ ,‬غير أن الكلم إذا تنوزع‬
‫في تأويله فحمله على الغلب الش هر من معناه أح قّ وأولى من غيره ما لم يأت ح جة مان عة‬
‫من ذلك يجب التسليم لها‪.‬‬
‫س َبعْضٍ‪.‬‬
‫ضكُمْ بأْ َ‬
‫شيَعا َو ُيذِيقَ َب ْع َ‬
‫سكُمْ ِ‬
‫القول في تأويل قوله تعالى‪ :‬أ ْو يَ ْل ِب َ‬
‫يقول تعالى ذكره‪ :‬أو يخلطكم شيعا‪ :‬فرقا‪ ,‬واحدتها شيعة‪ ,‬وأما قوله‪ :‬يَ ْلبِ سَ ُكمْ فهو من قولك‪:‬‬
‫َلبَ سْتُ عل يه ال مر‪ ,‬إذا خل طت‪ ,‬فأ نا ألبِ سُه‪ .‬وإن ما قلت إن ذلك كذلك‪ ,‬ل نه ل خلف ب ين القرّاء‬
‫س يَ ْلبِ سُ‪ ,‬وذلك هو معنى الخلط‪ .‬وإنما‬
‫في ذلك بكسر الباء‪ ,‬ففي ذلك دليل َبيّ نٌ على أنه من َلبَ َ‬
‫عنى بذلك‪ :‬أو يخلطكم أهواء مختلفة وأحزابا مفترقة‪.‬‬
‫وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل‪ .‬ذكر من قال ذلك‪:‬‬
‫‪10482‬ـ حدثنا ابن وكيع‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا أبو أسامة‪ ,‬عن شبل‪ ,‬عن ابن أبي نجيح‪ ,‬عن مجاهد‪ :‬أوْ‬
‫شيَعا الهواء المفترقة‪.‬‬
‫يَ ْل ِبسَ ُكمْ ِ‬
‫‪10483‬ـ حدثنا حدثنا محمد بن الحسين‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا أحمد بن المفضل‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا أسباط‪ ,‬عن‬
‫شيَعا قال‪ :‬يفرّق بينكم‪.‬‬
‫السديّ‪ :‬أ ْو يَ ْل ِبسَ ُكمْ ِ‬
‫حدثني محمد بن عمرو‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا أبو عاصم‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا عيسى‪ ,‬عن ابن أبي نجيح‪ ,‬عن‬
‫شيَعا قال‪ :‬ما كان منكم من التفرّق والختلف‪.‬‬
‫سكُمْ ِ‬
‫مجاهد‪ :‬أ ْو يَ ْل ِب َ‬
‫شيَعا‬
‫س ُكمْ ِ‬
‫‪ 10484‬ـ حدثني يونس‪ ,‬قال‪ :‬أخبرنا ابن وهب‪ ,‬قال‪ :‬قال ابن زيد في قوله‪ :‬أ ْو يَ ْلبِ َ‬
‫قال‪ :‬الذي فيه الناس اليوم من الختلف والهواء وسفك دماء بعضهم بعضا‪.‬‬
‫‪ 10485‬ـ حدثني محمد بن سعد‪ ,‬قال‪ :‬ثني أبي‪ ,‬قال‪ :‬ثني عمي‪ ,‬قال‪ :‬ثني أبي‪ ,‬عن أبيه‪ ,‬عن‬
‫شيَعا قال‪ :‬الهواء والختلف‪.‬‬
‫ابن عباس‪ ,‬قوله‪ :‬أ ْو يَ ْل ِبسَ ُكمْ ِ‬
‫حدثني المثنى‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا عبد ال بن صالح‪ ,‬قال‪ :‬ثني معاوية بن صالح‪ ,‬عن عليّ بن أبي‬
‫شيَعا يعني بالشيع‪ :‬الهواء المختلفة‪.‬‬
‫س ُكمْ ِ‬
‫طلحة‪ ,‬عن ابن عباس‪ :‬أ ْو يَ ْلبِ َ‬
‫ض فإ نه يع ني‪ :‬بق تل بعض كم ب يد ب عض‪ ,‬والعرب تقول‬
‫س َبعْ ٍ‬
‫ضكُ مْ بأْ َ‬
‫وأ ما قوله‪َ :‬و ُيذِي قَ َب ْع َ‬
‫للر جل ينال ب سلح فيقتله به‪ :‬قد أذاق فلن فل نا الموت وأذا قه بأ سه‪ .‬وأ صل ذلك من ذوق‬
‫الطعام و هو يطع مه‪ ,‬ثم ا ستعمل ذلك في كلّ ما و صل إلى الر جل من لذّة وحلوة أو مرارة‬
‫ومكروه وألم‪ .‬وقد بينت معنى البأس في كرم العرب فيما مضى بما أغنى عن إعادته في هذا‬
‫الموضع‪.‬‬
‫وبنحو ما قلنا في ذلك قال أإهل التأويل‪ .‬ذكر من قال ذلك‪:‬‬
‫‪ 10486‬ـ حدث ني مح مد بن الح سين‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا أح مد بن المف ضل‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا أ سباط‪ ,‬عن‬
‫ض بالسيوف‪.‬‬
‫السديّ‪َ :‬و ُيذِيقَ َبعْضَكمْ َبأْسَ َبعْ ٍ‬
‫‪ 10487‬ـ حدث ني المث نى‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا أ بو النعمان عارم‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا حماد‪ ,‬عن أ بي هارون‬
‫العبدي‪ ,‬عن عوف البكالي‪ ,‬أنه في قوله‪َ :‬و ُيذِي قَ َبعْضَك ْم َبأْ سَ َبعْ ضٍ قال‪ :‬هي وال الرجال في‬
‫أيديهم الحراب يطعنون في خواصركم‪.‬‬
‫‪10488‬ـ حدثني المثنى‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا عبد ال بن صالح‪ ,‬قال‪ :‬ثني معاوية بن صالح‪ ,‬عن عليّ‬
‫بن أبي طلحة‪ ,‬عن ابن عباس‪َ :‬و ُيذِيقَ َب ْعضَكمْ َبأْسَ َبعْضٍ قال‪ :‬يسلط بعضكم على بعض بالقتل‬
‫والعذاب‪.‬‬
‫‪ 10489‬ـ حدثنا سعيد بن الربيع الرازي‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا سفيان‪ ,‬عن ابن أبي نجيح‪ ,‬عن مجاهد‪,‬‬
‫شيَعا َو ُيذِي قَ َب ْعضَك مْ َبأْ سَ َبعْ ضٍ وعذاب‬
‫قال‪ :‬عذاب هذه المة أهل القرار بالسيف‪ ,‬أوْ يَ ْلبِ سُ ُكمْ ِ‬
‫أهل التكذيب‪ :‬الصيحة والزلزلة‪.‬‬
‫ثم اختلف أهل التأويل فيمن عُني بهذ الَية‪ ,‬فقال بعضهم‪ :‬عُني بها المسلمون من أمة محمد‬
‫صلى ال عليه وسلم‪ ,‬وفيهم نزلت‪ .‬ذكر من قال ذلك‪:‬‬
‫‪ 10490‬ـ حدثني محمد بن عيسى الدامغاني‪ ,‬قال‪ :‬أخبرنا ابن المبارك‪ ,‬عن الربيع بن أنس‪,‬‬
‫ن فَ ْو ِقكُ مْ‪ ...‬الَ ية‪ ,‬قال‪:‬‬
‫عذَابا مِ ْ‬
‫ن َي ْبعَ ثَ عََل ْيكُ مْ َ‬
‫عن أبي العالية‪ ,‬في قوله‪ :‬قُلْ ُهوَ القا ِدرُ على أ ْ‬
‫ن اثنتان ب عد وفاة ر سول ال صلى ال عل يه و سلم بخ مس‬
‫فه نّ أر بع وكله نّ عذاب‪ ,‬فجاء منه ّ‬
‫وعشر ين سنة‪ ,‬فألب سوا شي عا وأذ يق بعض هم بأس ب عض‪ ,‬وبق يت اثنتان‪ ,‬فه ما ل بدّ واقعتان‪,‬‬
‫يعني‪ :‬الخسف والمسخ‪.‬‬
‫‪ 10491‬ـ حدث ني مح مد بن عمرو‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا أ بو عا صم‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا عي سى‪ ,‬عن ا بن أ بي‬
‫ن َتحْ تِ أ ْرجُِلكُ مْ لمة محمد صلى ال عليه وسلم‪,‬‬
‫نجيح‪ ,‬عن مجاهد‪ ,‬في قوله‪ :‬مِ نْ فَ ْو ِقكُ مْ أوْ مِ ْ‬
‫شيَعا قال‪ :‬ما كان فيكم من الفتن والختلف‪.‬‬
‫وأعفاكم منه‪ ,‬وأعفاكم منه‪ .‬أ ْو يَ ْل ِبسَ ُكمْ ِ‬
‫حدث ني المث نى‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا أ بو حذي فة‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا ش بل‪ ,‬عن ا بن أ بي نج يح‪ ,‬عن مجا هد‪,‬‬
‫مثله‪.‬‬
‫‪ 10492‬ـ حدث نا ب شر‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا يز يد‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا سعيد‪ ,‬عن قتادة‪ :‬قُلْ هُ َو القا ِدرُ على أ نْ‬
‫عذَابا‪ ...‬الَية‪ ,‬ذكر لنا أن رسول ال صلى ال عليه وسلم صلى ذات يوم الصبح‬
‫َي ْبعَ ثَ عََل ْيكُ مْ َ‬
‫فأطال ها‪ ,‬فقال له ب عض أهله‪ :‬يا نبيّ ال ل قد صليت صلة ما ك نت ت صليها قال‪« :‬إنّ ها صَلة‬
‫غبَةٍ َورَ ْهبَةٍ‪ ,‬وإنّي سألْتُ ربّي فِي ها ثَل ثا‪ :‬سأ ْلتُه أ نْ ل يُ سَلّط على أمّ تي عَدوّا ِم نْ غيرِهِ مْ‬
‫رَ ْ‬
‫شيَعا‬
‫سهُمْ ِ‬
‫ن ل يَ ْلبِ َ‬
‫سنَ َة فأعْطانِي ها وسأ ْلتُ ُه أ ْ‬
‫ن ل يُ سَلّطَ على ُأمّتِي ال ّ‬
‫َفيُهِْل َكهُ مْ فَأعْطانِيها وسأ ْلتُهُ أ ْ‬
‫س َبعْ ضٍ‪َ ,‬ف َمنَعنِيها»‪ ,‬ذُكر لنا أن نبيّ ال صلى ال عليه وسلم كان يقول‪:‬‬
‫ضهُ مْ َبأْ َ‬
‫ل ُيذِي قَ َب ْع َ‬
‫َو َ‬
‫خذَلَهُ مْ حتى يَأتِ يَ أ ْمرَ‬
‫ن َ‬
‫ضرّهُ مْ مَ ْ‬
‫ن على الحَ قّ ظاهرَي نَ ل يَ ُ‬
‫«ل َتزَال طائ َفةٌ مِ نْ أ ّمتِي يُقاتِلُو َ‬
‫اللّهِ»‪.‬‬
‫‪10493‬ـ حدثنا أحمد بن الوليد القرشيّ وسعيد بن الربيع الرازي‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا سفيان بن عيينة‬
‫عـن عمرو‪ ,‬سـمع جابرا يقول‪ :‬لمـا أنزل ال تعالى على النـبي صـلى ال عليـه وسـلم‪ :‬قُلْ ُهوَ‬
‫جهِ كَ»‪ ,‬أوْ‬
‫ن َتحْ تِ أ ْرجُِلكُ مْ قال‪« :‬أعُوذ بِ َو ْ‬
‫عذَا با ِم نْ فَ ْو ِقكُ مْ أ ْو مِ ْ‬
‫القا ِدرُ على أ نْ َي ْبعَ ثَ عََل ْيكُ مْ َ‬
‫سرٌ»‪ ,‬أو «أهْوَنُ»‪.‬‬
‫ض قال‪« :‬هَاتَانِ أ ْي َ‬
‫شيَعا َو ُيذِيقَ َب ْعضَكمْ َبأْسَ َبعْ ٍ‬
‫يَ ْل ِبسَ ُكمْ ِ‬
‫حدثنا ابن وكيع‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا ابن عيينة‪ ,‬عن عمرو‪ ,‬عن جابر‪ ,‬قال‪ :‬لما نزلت‪ :‬قُلْ ُهوَ القادِرُ‬
‫س ُكمْ‬
‫ن َتحْتِ أ ْرجُِل ُكمْقال‪َ « :‬نعُوذ بِكَ‪َ ,‬نعُوذ بِكَ» أ ْو يَ ْلبِ َ‬
‫عذَابا ِمنْ فَ ْو ِقكُمْ أ ْو مِ ْ‬
‫على أنْ َي ْبعَثَ عََل ْيكُمْ َ‬
‫شِيعا قال‪ُ « :‬هوَ أ ْهوَنٌ»‪.‬‬
‫‪10494‬ـ حدثني زياد بن عبيد ال المزني‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا مروان بن معاوية الفزاريّ‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا‬
‫أبو مالك‪ ,‬قال ثني نافع بن خالد الخزاعي‪ ,‬عن أبيه‪ :‬أن النبي صلى ال عليه وسلم خفيفة تامة‬
‫عطَانِي ا ْث َن َتيْ نِ‪,‬‬
‫سةٍ وَر ْهبَةٍ‪ ,‬فَسألْتُ اللّ َه فِيها ثَلثا فأ ْ‬
‫الركوع والسجود فقال‪َ « :‬ق ْد كَانَ تْ صَلةَ رَغْ َ‬
‫ن َقبَْلكُمْ فأعْطانيها‪ ,‬وسألْتُ الّلهَ أنْ ل‬
‫حدَةٌ‪ .‬سألْتُ الّلهَ أنْ ل يُصِي َب ُكمْ ِب َعذَابِ أصَابَ بِ ِه مَ ْ‬
‫وبَقِيَ وَا ِ‬
‫ضكُ مْ بأْ سَ‬
‫شيَعا َو ُيذِي قَ َبعْ ُ‬
‫س ُكمْ ِ‬
‫ن ل يَ ْلبِ ُ‬
‫ح َب ْيضَ َتكُ مْ فأعْطانِيها‪ ,‬وسأ ْلتُ ُه أ ْ‬
‫س َتبِي ُ‬
‫يُ سَلّطَ عََل ْيكُ مْ عَدوّا يَ ْ‬
‫َبعْضٍ‪َ ,‬فمَنَعنِيها»‪ .‬قال أبو مالك‪ :‬فقلت له‪ :‬أبوك سمع هذا من رسول ال صلى ال عليه وسلم؟‬
‫فقال‪ :‬نعم سمعته يحدث بها القوم أنه سمعها من في رسول ال صلى ال عليه وسلم‪.‬‬
‫‪ 10495‬ـ حدثني محمد بن عبد العلى‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا محمد بن ثور عن معمر‪ ,‬عن أيوب‪ ,‬عن‬
‫أبي قلبة‪ ,‬عن أبي الشعث‪ ,‬عن أبي أسماء الرّحبيّ‪ ,‬عن شدّاد بن أوس يرفعه إلى النبي صلى‬
‫ال عليه وسلم‪ ,‬أنه قال‪« :‬إ نّ الّل هَ َزوَى ل يَ الرْ ضَ حتى رأيْ تُ مَشارِقَها و َمغَا ِربَها‪ ,‬وَإ نّ مُلْ كَ‬
‫نل‬
‫حمَرَ وال ْبيَضَ‪ ,‬وإنّي سألْتُ رَبي أ ْ‬
‫ن ال ْ‬
‫عطِيتُ ال َك ْن َزيْ ِ‬
‫سيَبْلُ َغ ما زُوِيَ لي ِمنْها‪ ,‬وإنّي أُ ْ‬
‫ُأمّتي َ‬
‫س َبعْ ضٍ‪ ,‬فقال‪ :‬يا محمد‪ ,‬إنّي‬
‫ضهُ مْ بأْ َ‬
‫شيَعا وَل ُيذِي قَ َب ْع َ‬
‫س ُهمْ ِ‬
‫ن ل يَ ْلبَ َ‬
‫سنَةٍ عامّةٍ وأ ْ‬
‫ُيهْلَ كَ قَوْمي بِ َ‬
‫ل ّمتِ كَ أ نْ ل أُهِْل َكهُ مْ بِ سَنَ ٍة عا ّمةٍ وَل أُ سَلّطَ عََليْه مْ‬
‫ط ْيتُ كَ ُ‬
‫عَ‬‫إذَا َقضَيْ تُ َقضَا ًء فإنّ ُه ل ُي َردّ‪ ,‬وإنّي أ ْ‬
‫ضهُمْ يَ ْقتُلُ َبعْضا و َب ْعضُهُمْ‬
‫ضهُم ُيهْلِكُ َبعْضا و َب ْع ُ‬
‫عدُوّا ِممّنْ سِوَا ُهمْ َف ُيهِْلكَهُمْ بِعامّ ِة حتى َيكُونَ َب ْع ُ‬
‫َ‬
‫سبِي َبعْ ضا»‪ ,‬فقال ال نبي صلى ال عل يه و سلم‪« :‬إنّي أخا فُ على ُأمّتِي الئمّ َة المُضلّي نَ‪ ,‬فإذا‬
‫يَ ْ‬
‫ع ْن ُهمْ إلى يَ ْو ِم القِيامَةِ»‪.‬‬
‫س ُيفُ فِي ُأ ّمتِي َلمْ َيرْفَعْ َ‬
‫ُوضِعَ ال ّ‬
‫حدثنا الحسن بن يحيى‪ ,‬قال‪ :‬أخبرنا عبد الرزاق‪ ,‬قال‪ :‬أخبرنا مع مر‪ ,‬قال‪ :‬أخبرني أيوب‪,‬‬
‫عن أبي قلبة‪ ,‬عن أبي الشعث‪ ,‬عن أبي أسماء الرحبي‪ ,‬عن شدّاد بن أوس‪ ,‬قال‪ :‬قال رسول‬
‫ال صلى ال عل يه و سلم‪ ,‬فذ كر نحوه‪ ,‬إل أ نه قال‪ :‬وقال ال نبي صلى ال عل يه و سلم‪« :‬إنّي ل‬
‫ل الئمّةَ ال ُمضِلّينَ»‪.‬‬
‫ف على ُأ ّمتِي إ ّ‬
‫أخا ُ‬
‫‪ 10496‬ـ حدث نا مح مد بن ع بد اوعلى‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا مح مد بن ثور‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا مع مر‪ ,‬عن‬
‫الزهري‪ ,‬قال‪ :‬را قب خباب بن الرَ ثّ‪ ,‬وكان بدر يا‪ ,‬ال نبي صلى ال عل يه و سلم و هو ي صلي‪,‬‬
‫حتى إذا فرغ وكان في الصبح قال له‪ :‬يا رسول ال‪ ,‬لقد رأيتك تصلي صلة ما رأيتك صليت‬
‫عطَانِي ا ْث َن َتيْ نِ و َم َن َعنِي‬
‫مثلها قال‪« :‬أجَلْ‪ ,‬إنّها صَل ُة رَغَ بَ َورَهَ بٍ‪ ,‬سألْتُ رَبي ثَل ثَ خِ صَالٍ فأ ْ‬
‫عطَانِي‪,‬‬
‫عدُوّا فأ ْ‬
‫ن ل يُسَلّطَ عََل ْينَا َ‬
‫عطَانِي‪ ,‬وسأ ْلتُهُ أ ْ‬
‫حدَ ًة سأ ْلتُ ُه أنْ ل ُيهِْل َكنَا ِبمَا أهْلَكَ ِب ِه المَمَ فأ ْ‬
‫وَا ِ‬
‫شيَعا‪َ ,‬ف َم َن َعنِي»‪.‬‬
‫سنَا ِ‬
‫ن ل يَ ْل ِب ْ‬
‫سأَ ْلتُهُ أ ْ‬
‫وَ‬
‫حدث نا الح سن بن يح يى‪ ,‬قال‪ :‬أخبر نا ع بد الرزاق‪ ,‬قال‪ :‬أخبر نا مع مر‪ ,‬عن الزهري‪ ,‬في‬
‫شيَ عا قال‪ :‬را قب خباب بن الرث‪ ,‬وكان بدر يا‪ ,‬ر سول ال صلى ال عل يه‬
‫قوله‪ :‬أوْ يُ ْلبِ سَ ُكمْ ِ‬
‫ث خصلتٍ»‪.‬‬
‫وسلم‪ ,‬فذكر نحوه‪ ,‬إل أنه قال‪ :‬ثَل َ‬
‫حدثنا الحسن بن يحيى‪ ,‬قال‪ :‬أخبرنا عبد الرزاق‪ ,‬قال‪ :‬أخبرنا معمر‪ ,‬عن عمرو بن دينار‪,‬‬
‫قال‪ :‬سمعت جابر بن عبد ال يقول‪ :‬لما نزلت على النبي صلى ال عليه وسلم‪ :‬قُلْ ُه َو القادِرُ‬
‫جهِ كَ» أ ْو مِ نْ‬
‫ن فَ ْو ِقكُ مْ قال النبي صلى ال عليه وسلم‪« :‬أعُوذُ ِب َو ْ‬
‫عذَابا ِم ْ‬
‫ن َي ْبعَ ثَ عََل ْيكُ مْ َ‬
‫على أ ْ‬
‫شيَعـا قال‪َ « :‬هذِه ِـ‬
‫جهِكـَ» أوْ يَ ْلبِس َـُكمْ ِ‬
‫َتحْت ِـ أ ْرجُلِكُم ْـ قال النـبي صـلى ال عليـه وسـلم‪ :‬أعُوذُ بِ َو ْ‬
‫أهْ َونْ»‪.‬‬
‫‪ 10497‬ـ حدثني يعقوب بن إبراهيم‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا ابن علية‪ ,‬عن يونس‪ ,‬عن الحسن‪ :‬أن النبي‬
‫حدَا ًة سأ ْلتُ ُه أ نْ ل يُ سَّلطَ على‬
‫عطِي تُ ثَلثا َو ُم ِنعْ تُ وَا ِ‬
‫صلى ال عليه وسلم قال‪« :‬سألْتُ رَبي فأُ ْ‬
‫ج َم ُعهُم ْـ على ضَللَةٍ‬
‫ل َي ْ‬
‫ل يُس َـلّطْ عََل ْيهِم ْـ جُوعـا‪َ ,‬و َ‬
‫ض َتهُمـْ‪َ ,‬و َ‬
‫ح َبيْ َ‬
‫عدُوّا مِن ْـ غَيرهِم ْـ يَس ْـتَبِي ُ‬
‫ُأمّتِي َ‬
‫ض ُهمْ َبأْسَ َبعْضٍ‪َ ,‬ف ُم ِنعْتُ»‪.‬‬
‫شيَعا َو ُيذِيقَ َب ْع َ‬
‫س ُهمْ ِ‬
‫ن ل يَ ْل ِب َ‬
‫عطِي ُتهُنّ‪ .‬وسأ ْلتُهُ أ ْ‬
‫فأُ ْ‬
‫‪ 10498‬ـ حدث ني مح مد بن الح سين‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا أح مد بن المف ضل‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا أ سباط‪ ,‬عن‬
‫عطَانِي ثَل ثا‬
‫ال سديّ‪ ,‬قال‪ :‬قال ر سول ال صلى ال عل يه و سلم‪« :‬إنّي سألْتُ رَ بي خِ صَالً‪ ,‬فأ ْ‬
‫عدُوّا‬
‫ظ ِهرَ عََل ْيهِ مْ َ‬
‫حدَةً‪ ,‬سأ ْلتُهُ أ نْ ل َتكْ ُفرَ ُأمّتِي صَفْقَةً وَاحدَ ًة فأعْطانِي ها‪ ,‬و سأ ْلتُ ُه ل ُي ْ‬
‫َو َم َنعَنِي وَا ِ‬
‫ن قَبِْلهِ مْ فأَعْطانِيها‪ ,‬وسأ ْلتُهُ أ نْ‬
‫عذّ بَ ِب ِه المَ مَ مِ ْ‬
‫ن غيرِهِ مْ فأعْطانيها‪ ,‬وسأ ْلتُ ُه أ نْ ل ُيعَ ّذ َبهُ مْ ِبمَا َ‬
‫مِ ْ‬
‫س ُهمْ َب ْي َنهُمْ‪َ ,‬ف َم َن َعنِيها»‪.‬‬
‫جعَلَ َب ْأ َ‬
‫ل َي ْ‬
‫‪ 10499‬ـ حدثنا القاسم‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا الحسين‪ ,‬قال‪ :‬ثني حجاج‪ ,‬عن أبي بكر‪ ,‬عن الحسن‪ ,‬قال‪:‬‬
‫لما نزلت هذه الَية‪ ,‬قوله‪َ :‬و ُيذِيقَ َبعْضَكمْ َبأْسَ َبعْضٍ قال الحسن‪ :‬ثم قال لمحمد صلى ال عليه‬
‫ن فقام ر سول ال صلى ال‬
‫ف الَيا تِ َلعَّلهُ مْ يَفْ َقهُو َ‬
‫صرّ ُ‬
‫ظرْ َكيْ فَ نُ َ‬
‫و سلم و هو يشهده علي هم‪ :‬ا ْن ُ‬
‫عل يه و سلم‪ ,‬فتو ضأ‪ ,‬ف سأل ر به أن ل ير سل علي هم عذا با من فوق هم أو من ت حت أرجل هم ول‬
‫يلبس أمته شيعا ويذيق بعضم بأس بعض كما أذاق بني إسرائيل‪ ,‬فهبط إليه جبريل عليه السلم‬
‫فقال‪ :‬يا محمد إنك سألت ربك أربعا‪ ,‬فأعطاك اثنتين ومنعك اثنتين‪ :‬لن يأتيهم عذاب من فوقهم‬
‫ل أمة اجتمعت على تكذيب نبيها ور ّد كتاب‬
‫ول من تحت أرجلهم يستأصلهم فإنهما عذابان لك ّ‬
‫ربهـا ولكنهـم يلبسـهم شيعـا ويذيـق بعضهـم بأس بعـض‪ ,‬وهذان عذابان لهـل القرار بالكتاب‬
‫والت صديق بال نبياء‪ ,‬ول كن يعذّبون بذنوب هم وأو حي إل يه‪ :‬فإمّا َنذْ َهبَ نّ بِ كَ فإنّا ِم ْنهُ مْ ُم ْنتَ ِقمُو نَ‬
‫ع ْدنَاهُ مْ من العذاب العذاب وأنت ح يّ‪ ,‬فإنّا عََل ْيهِ مْ مُ ْق َت ِدرُو نَ‪.‬‬
‫يقول‪ :‬من أمتك‪ ,‬أوْ ُن ِر َينّ كَ اّلذِي َو َ‬
‫ن أرَى ُأ ّمتِي ُي َعذِبُ‬
‫نأْ‬
‫شدّ مِ ْ‬
‫فقام نبي ال صلى ال عليه وسلم‪ ,‬فراجع ربه‪ ,‬فقال‪« :‬أيّ مُصِيبَ ٍة أ َ‬
‫ن ُيتْ ِركُوا أ نْ يَقُولُوا آ َمنّا وَهُ مْ ل ُي ْف ِتنُو نَ وَلَ َقدْ‬
‫َبعْضُها َبعْضا؟» وأُوحي إليه‪ :‬الم أحَ سِبَ النّا سُ أ ْ‬
‫ن فأعلمه أن أمته لم تخ صّ دون‬
‫صدَقُوا وَ ْل َيعَْلمَ نّ الكاذِبي َ‬
‫ن اللّ هُ اّلذِي نَ َ‬
‫ن مِ نْ َقبِْلهِ مْ فَ ْل َيعَْلمَ ّ‬
‫َفتَنّا اّلذِي َ‬
‫عدُو نَ رَبّ‬
‫ل رَ بّ إما ُت ِر َينّي ما يُو َ‬
‫المم بالفتن‪ ,‬وأنها ستُبلى كما ابتليت المم‪ .‬ثم أنزل عليه‪ :‬قُ ْ‬
‫جعَلَنِي فِي ال َقوْ مِ الظّاِلمِي نَ فتعوّذ نبيّ ال‪ ,‬فأعاذه ال‪ ,‬لم ير من أم ته إل الجما عة والل فة‬
‫فَلَ َت ْ‬
‫ص بها ناس منهم دون‬
‫والطاعة‪ .‬ثم أنزل عليه آية حذّر فيها أصحابه الفتنة‪ ,‬فأخبره أنه إنما يخ ّ‬
‫شدِيدُ ال ِعقَابِ فخصّ‬
‫ن اللّ َه َ‬
‫ن اّلذِينَ ظََلمُوا ِم ْن ُكمْ خاصّةً وَاعَْلمُوا أ ّ‬
‫صيْبَ ّ‬
‫ناس‪ ,‬فقال‪ :‬واتّقُوا ِف ْتنَةً ل ُت ِ‬
‫بها أقواما من أصحاب محمد صلى ال عليه وسلم بعده وعصم بها أقواما‪.‬‬
‫‪ 10500‬ـ حدثنا القاسم‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا الحسين‪ ,‬قال‪ :‬ثني حجاج‪ ,‬عن أبي جعفر‪ ,‬عن الربيع بن‬
‫أنس‪ ,‬عن أبي العالية قال‪ :‬لما جاء جبريل إلى النبي صلى ال عليه وسلم فأخبره بما يكون في‬
‫ظ ِهرْ عََل ْي ِهمْ أ ْفضََلهُمْ تَ ِقّيةً»‪.‬‬
‫أمته من الفرقة والختلف‪ ,‬فشقّ ذلك عليه‪ ,‬ثم دعا فقال‪« :‬اللهمّ أ ْ‬
‫‪ 10501‬ـ حدثني المثنى‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا أبو السود‪ ,‬قال‪ :‬أخبرنا ابن لهيعة‪ ,‬عن خالد بن يزيد‪,‬‬
‫ن فَ ْو ِقكُ مْ‬
‫عذَابا مِ ْ‬
‫عن أبي الزبير‪ ,‬قال‪ :‬لما نزلت هذه الَية‪ :‬قُلْ ُه َو القادِ ُر على أ نْ َي ْبعَ ثَ عََل ْيكُ مْ َ‬
‫قال رسـول ال صـلى ال عليـه وسـلم‪« :‬أعُوذُ باللّهِـ مِن ْـ ذَلِكـَ» قال‪ :‬أوْ مِن ْـ َتحْت ِـ أ ْرجُِل ُكمْقال‬
‫سرُ» ولو استعاذه لعاذه‪.‬‬
‫شيَعا قال‪َ « :‬ه ِذهِ أ ْي َ‬
‫س ُكمْ ِ‬
‫ن ذَِلكَ» قال أوْ يَ ْل ِب َ‬
‫«أعوذُ باللّ ِه مِ ْ‬
‫‪10502‬ـ حدثني المثنى‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا إسحاق‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا المؤمل البصريّ‪ ,‬قال‪ :‬أخبرنا يعقوب‬
‫بن إ سماعيل بن ي سار المدي ني‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا ز يد بن أ سلم‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا ز يد بن أ سلم‪ ,‬قال‪ :‬ل ما‬
‫شيَعا‬
‫سكُم ِ‬
‫ت أ ْرجُِلكُمْ أو يَ ْلبِ َ‬
‫عذَابا مِن فَو ِقكُم أو مِن َتحْ ِ‬
‫نزلت‪ :‬قُل ُهوَ القَادِرُ على أن َي ْبعَثَ عََل ْيكُمْ َ‬
‫جعُوا َبعْدي كُفّارا‬
‫ْضـ قال رسـول ال صـلى ال عليـه وسـلم‪« :‬ل تَر ِ‬
‫ْسـ َبع ٍ‬
‫ُمـ َبأ َ‬
‫ضك ْ‬‫ِيقـ َب ْع َ‬
‫و ُيذ َ‬
‫ض بال سّيوفِ» فقالوا‪ :‬ونحن نشهد أن ل إله إل ال وأنك رسول ال؟‬
‫ضكُ مْ رِقا بَ َبعْ ٍ‬
‫َيضْرِ بُ َب ْع ُ‬
‫صرّف الَيا تِ َلعَلّهُم‬
‫ف نُ َ‬
‫ظرْ َكيْ َ‬
‫قال‪« :‬ن عم» فقال ب عض الناس‪ :‬ل يكون هذا أبدا فأنزل ال‪ :‬ا ْن ُ‬
‫ستَ َقرّ َوسَوفَ َتعَْلمُونَ‪.‬‬
‫ل ِلكُلّ َن َبإٍ ُم ْ‬
‫حقّ قُل َلسْتُ عََل ْي ُكمْ بِ َوكِي ٍ‬
‫يَفْ َقهُونَ و َكذّبَ ِبهِ قَو ُمكَ وَهُ َو ال َ‬
‫وقال آخرون‪ :‬عُنى ببعضها أهل الشرك وببعضها أهل السلم‪ .‬ذكر من قال ذلك‪:‬‬
‫‪10503‬ـ حدثني المثنى‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا سويد بن نصر‪ ,‬قال‪ :‬أخبرنا ابن المبارك‪ ,‬عن هارون بن‬
‫عذَابا‬
‫موسى‪ ,‬عن حفص بن سليمان‪ ,‬عن الحسن‪ ,‬في قوله‪ :‬قُل ُهوَ القَا ِدرُ على أن َي ْبعَثَ عََل ْيكُمْ َ‬
‫ضكُ مْ َبأْ سَ َبعْ ضٍ‬
‫شيَعا و ُيذِي قَ َبعْ َ‬
‫سكُم ِ‬
‫مِن فَوقِكُم أو مِن َتحْ تِ أ ْرجُِلكُ مْ قال‪ :‬هذا للمشركين‪ ,‬أو يَ ْلبِ َ‬
‫قال هذا للمسلمين‪.‬‬
‫والصـواب مـن القول عندي أن يقال‪ :‬إن ال تعالى توعده بهذه الَيـة أهـل الشرك بـه منعبدة‬
‫الوثان وإيا هم خا طب ب ها‪ ,‬لن ها ب ين إخبار هم عن هم وخطاب ل هم‪ ,‬وذلك أن ها تتلو قوله‪ :‬قُلْ‬
‫ن الشّا ِكرِينَ‬
‫ن أنجانا مِنْ َه ِذ ِه َل َنكُونَنّ مِ َ‬
‫خ ْفيَةً َل ِئ ْ‬
‫حرِ َتدْعُو َن ُه َتضَرّعا َو ُ‬
‫ن ظُُلمَاتِ ال َبرّ وال َب ْ‬
‫ُي َنجّيكُمْ مِ ْ‬
‫ن كُلّ َكرْ بٍ ثُ مّ أ ْنتُ مْ ُتشْ ِركُو نَ ويتلوها قوله‪ :‬و َكذّ بَ بِ هِ قَ ْومُ كَ وَهُ َو الحَ قّ‬
‫قُلِ اللّ هُ ُي ْنجّيكُ مْ ِمنُها َو ِم ْ‬
‫وغيـر جائز أن يكون المؤمنون كانوا بـه مكذّبيـن‪ .‬فإذا كان غيـر جائز أن يكون ذلك كذلك‪,‬‬
‫وكا نت هذه الَ ية ب ين هات ين الَيت ين‪ ,‬كان بي نا أن ذلك وع يد ل من تقدّم و صف ال إياه بالشرك‬
‫وتأ خر ال خبر ع نه بالتكذ يب‪ ,‬ل ل من لم ي جر له ذ كر غ ير أن ذلك وإن كان كذلك فإ نه قد ع مّ‬
‫وعيده بذلك كل من سلك سبيلهم من أ هل الخلف على ال وعلى ر سوله والتكذ يب بآيات ال‬
‫من هذه وغير ها‪ .‬وأ ما الخبار ال تي رُوِ يت عن ر سول ال صلى ال عل يه و سلم أ نه قال‪:‬‬
‫حدَ ًة فجائز أن هذه الَية نزلت في ذلك الوقت‬
‫عطَانِي ا ْث َن َتيْ نِ َو َم َن َعنِي وَا ِ‬
‫«سألْتُ رَبي ثَلثا‪ ,‬فأ ْ‬
‫وعيدا لمن ذكرت من المشركين ومن كان على منهاجهم من المخالفين ربهم‪ ,‬فسأل رسول ال‬
‫صـلى ال عليـه وسـلم ربـه أن يعيـذ أمتـه ممـا ابتلى بـه المـم الذيـن اسـتوجبوا مـن ال تعالى‬
‫بمعصيتهم إياه هذه العقوبات فأعاذهم بدعائه إياه ورغبته إياه من المعاصي التي يستحقون بها‬
‫من هذه الخلل الربع من العقوبات أغلظها‪ ,‬ولم يعذهم من ذلك ما يستحقون به اثنتين منها‪.‬‬
‫وأما الذ ين تأوّلوا أنه عني بجميع ما في هذه الَية هذه المة‪ ,‬فإني أراهم تأوّلون أن في هذه‬
‫ال مة من سيأتي من معا صي ال وركوب ما ي سخط ال ن حو الذي ركب من قبل هم من المم‬
‫ال سالفة من خل فه والك فر به‪ ,‬فيحلّ ب هم مثل الذي حلّ بمن قبل هم من الثلث والنّقِمات وكذلك‬
‫ن اثنتان بعد رسول ال صلى ال عليه وسلم أنه قال‪:‬‬
‫قال أبو العالية ومن قال بقوله‪ :‬جاء منه ّ‬
‫ب ثُ مّ‬
‫س َيبِيتُونَ على َلهْ ٍو وََلعِ ٍ‬
‫سفٌ َومَ سْخٌ َو َقذْ فٌ» وأ نّ قَوْما مِ نْ ُأ ّمتِ هِ َ‬
‫لمّ ِة خَ ْ‬
‫س َيكُونُ فِي َهذِ ِه ا ُ‬
‫«َ‬
‫يُصْ ِبحُونَ ِق َردَةً َوخَنازِيرَ وذلك إذا كان‪ ,‬فل شكّ أنه نظير الذي في المم الذين عتوا على ربهم‬
‫في التكذيب وجحدوا آياته‪ .‬وقد رُوِي نحو الذي روي عن أبي العالية‪ ,‬عن أبيّ‪.‬‬
‫‪ 10504‬ـ حدث نا هناد‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا وك يع‪ ,‬وحدث نا سفيان‪ ,‬قال‪ :‬أخبر نا أ بي‪ ,‬عن أ بي جع فر‬
‫الرازي‪ ,‬عن الرب يع‪ ,‬عن أ بي العال ية‪ ,‬عن أب يّ بن ك عب‪ :‬قُل هُ َو القَا ِدرُ على أن َي ْبعَ ثَ عََل ْيكُ مْ‬
‫شيَعا قال‪ :‬أربع خلل‪ ,‬وكله نّ عذاب‪ ,‬وكله نّ‬
‫سكُم ِ‬
‫عذَابا مِن فَو ِقكُم أو مِن َتحْ تِ أ ْرجُِلكُ مْ أو يَ ْلبِ َ‬
‫َ‬
‫واقع قبل يوم القيامة‪ ,‬فمضت اثنتان بعد وفاة النبي صلى ال عليه وسلم بخمس وعشرين سنة‪:‬‬
‫أُلبسوا شيعا‪ ,‬وأذيق بعضهم بأس بعض‪ ,‬وثنتان واقعتان ل محالة‪ :‬الخسف‪ ,‬والرجم‪.‬‬
‫ت َلعَّلهُم يَفْ َقهُونَ‪.‬‬
‫صرّف الَيا ِ‬
‫القول في تأويل قوله تعالى‪ :‬ا ْنظُرْ َك ْيفَ ُن َ‬
‫يقول تعالى ذكره ل نبيه مح مد صلى ال عل يه و سلم‪ :‬ان ظر يا مح مد بع ين قل بك إلى ترديد نا‬
‫حجج نا على هؤلء المكذّب ين برب هم الجاحد ين نع مه وت صريفناها في هم‪َ .‬لعَّلهُ مْ يَفْ َقهُو نَ يقول‪:‬‬
‫ليفقهوا ذلك ويعتـبروه‪ ,‬فيذكروا ويزدجروا عمـا هـم عليـه مقيمون ممـا يسـخطه ال منهـم مـن‬
‫عبادة الوثان وال صنام‪ ,‬والتكذ يب بكتاب ال تعالى ور سوله صلى ال عل يه و سلم‪ ).‬ذ كر من‬
‫قال ذلك‬

‫‪67-66‬‬ ‫الية ‪:‬‬


‫{ َو َكذّ بَ بِ ِه قَ ْومُ كَ وَهُ َو ا ْلحَ قّ قُل لّ سْتُ عََل ْيكُ مْ بِ َوكِيلٍ * ّلكُلّ َن َبٍإ مّ سْتَ َقرّ‬ ‫تأو يل قوله تعالى‪:‬‬
‫ف َتعَْلمُونَ }‪..‬‬
‫َوسَ ْو َ‬
‫يقول تعالى ذكره‪َ :‬و َكذّ بَ يا مح مد قَ ْومُ كَ ب ما تقول وت خبر وتو عد من الوع يد‪ .‬وَ ُهوَ الحَ قّ‬
‫عدْنا هم على مُقام هم على شرك هم من ب عث العذاب من فوق هم أو من‬
‫يقول‪ :‬والوع يد الذي أو َ‬
‫تحت أرجلهم أو َلبْسهم شيعا‪ ,‬وإذاقة بعضهم بأس بعض‪ ,‬الح قّ الذي ل ش كّ فيه أنه واقع‪ ,‬إن‬
‫هم لم يتوبوا وينيبوا مما هم عليه مقيمون من معصية ال والشرك به إلى طاعة ال واليمان‬
‫ل لَ سْتُ عََل ْيكُ مْ ِبوَكيلٍ يقول‪ :‬قل لهم يا محمد‪ :‬لست عليكم بحفيظ ول رقيب‪ ,‬وإنما رسول‬
‫به‪ .‬قُ ْ‬
‫ستَ َقرٌ يقول‪ :‬ل كل خبر مُ سْت َقرّ‪ ,‬يع ني قَرار ي ستقرّ عنده‬
‫أبلغ كم م ما أر سلت به إلي كم‪ِ .‬لكُلّ َن َبإٍ مُ ْ‬
‫ونهايـة ينتهـي إليهـا‪ ,‬فيتـبين حقـه وصـدقه مـن كذبـه وباطله‪ .‬وَس َـ ْوفَ َتعَْلمُونَـ يقول‪ :‬وسـوف‬
‫تعلمون أي ها المكذبون ب صحة ما أ خبركم به من وع يد ال إيا كم أي ها المشركون وحقي ته ع ند‬
‫حلول عذابه بكم‪ .‬فرأوا ذلك وعاينوه فقتلهم يومئذ بأوليائه من المؤمنين‪.‬‬
‫وبنحو الذي قلنا من التأويل في ذلك قال أهل التأويل‪ .‬ذكر من قال ذلك‪:‬‬
‫‪ 10505‬ـ حدث ني مح مد بن الح سين‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا أح مد بن المف ضل‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا أ سباط‪ ,‬عن‬
‫ب بِ ِه قَ ْومُ كَ وَ ُهوَ الحَ قّ يقول‪ :‬كذ بت قر يش بالقرآن‪ ,‬و هو الح قّ‪ .‬وأ ما الوك يل‪:‬‬
‫ال سّديّ‪َ :‬و َكذّ َ‬
‫ستَقَرٌ‪ :‬فكان نبأ القرآن استقر يوم بدر بما كان يعدهم من العذاب‪.‬‬
‫ل َن َبإٍ ُم ْ‬
‫فالحفيظ‪ :‬وأما ِلكُ ّ‬
‫‪ 10506‬ـ حدثني المثني قال حدثنا أبو حذيفة قال حدثنا شبل عن ابن أبي نجيح عن مجاهد‬
‫لكل نبأ مستقر بكل نبأ حقيقة أما في الدنيا وأما في الَخرة وسوف تعلمون ما كان في الدنيا‬
‫فسوف ترونه‪ ,‬وما كان في الَخرة فسوف يبدو لكم‪.‬‬
‫‪ 10507‬ـ حدثني المثنى‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا عبد ال بن صالح‪ ,‬عن معاوية‪ ,‬عن عل يّ بن أبي طلحة‪,‬‬
‫ل َن َبإٍ ُمسْتَ َقرٌ يقول‪ :‬حقيقة‪.‬‬
‫عن ابن عباس‪ ,‬قوله‪ِ :‬لكُ ّ‬
‫‪ 10508‬ـ حدثني محمد بن سعد‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا أبي‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا عمي‪ ,‬قال‪ :‬ثني أبي‪ ,‬عن أبيه‪,‬‬
‫ستَ َقرٌ وَسَ ْوفَ َتعَْلمُو نَ يقول‪ :‬فعل وحقيقة‪ ,‬ما كان منه في الدنيا‬
‫ل َن َبإٍ مُ ْ‬
‫عن ابن عباس‪ ,‬قوله‪ِ :‬لكُ ّ‬
‫وما كان منه في الَخرة‪.‬‬
‫وكان الح سن يتأوّل في ذلك أن الفت نة ال تي كا نت ب ين أ صحاب ر سول ال صلى ال عل يه‬
‫وسلم‪.‬‬
‫‪ 10509‬ـ حدثني المثنى‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا سويد بن نصر‪ ,‬قال‪ :‬أخبرنا ابن المبارك‪ ,‬عن جعفر بن‬
‫حبِ سَت عقوب ها ح تى إذا ع مل ذنب ها أر سلت‬
‫ل َن َبإٍ مُ سْتَ َقرٌ قال‪ُ :‬‬
‫حيان‪ ,‬عن الح سن أ نه قرأ‪ِ :‬لكُ ّ‬
‫عقوبتها‪.‬‬

‫‪68‬‬ ‫الية ‪:‬‬


‫حّتىَ‬
‫ع ْنهُ مْ َ‬
‫عرِ ضْ َ‬
‫ن فِ يَ آيَاتِنَا َفأَ ْ‬
‫ن َيخُوضُو َ‬
‫{وَِإذَا رََأيْ تَ اّلذِي َ‬ ‫القول في تأو يل قوله تعالى‪:‬‬
‫ش ْيطَانُ فَلَ تَ ْق ُع ْد َب ْعدَ ال ّذكْ َرىَ مَعَ ا ْلقَ ْومِ الظّاِلمِينَ }‪..‬‬
‫س َينّكَ ال ّ‬
‫غ ْيرِهِ وَِإمّا يُن ِ‬
‫حدِيثٍ َ‬
‫َيخُوضُواْ فِي َ‬
‫يقول تعالى ذكره ل نبيه مح مد صلى ال عل يه و سلم‪ :‬وإذَا رأيْ تَ يا مح مد المشرك ين اّلذِي نَ‬
‫ن فِي آياتِنَا ال تي أنزلنا ها إل يك‪ ,‬ووحيْ نا الذي أوحيناه إل يك‪ ,‬و «خوض هم في ها» كان‬
‫َيخُوضُو َ‬
‫صدّ عن هم‬
‫ع ْنهُ مْ يقول‪ :‬ف ُ‬
‫عرِ ضْ َ‬
‫سبّهم من أنزل ها وتكلم ب ها وتكذيب هم ب ها‪ .‬فأ ْ‬
‫ا ستهزاءهم ب ها و َ‬
‫حدِي ثٍ غي ِر هِ يقول‪ :‬ح تى يأخذوا في‬
‫بوج هك‪ ,‬و قم عن هم ول تجلس مع هم‪ ,‬ح تى َيخُوضُوا فِي َ‬
‫شيْطَا نُ يقوله‪ :‬وإن أن ساك‬
‫ك ال ّ‬
‫س َينّ َ‬
‫حد يث غ ير ال ستهزاء بآيات ال من حديث هم بين هم‪ .‬وإمّا ُينْ ِ‬
‫الشيطان نَهيْنا إياك عن الجلوس معهم والعراض عنهم في حال خوصهم في آياتنا ثم ذكرت‬
‫ذلك‪ ,‬فق هم عن هم ول تق عد ب عد ذكرك ذلك مع القوم الظالم ين الذ ين خاضوا في غ ير الذي ل هم‬
‫الخوض فيه لما خاضوا به فيه وذلك هو معنى ظلمهم في هذا الموضع‪.‬‬
‫وينحو ما قلنا في ذلك قال أهل التأويل‪ .‬ذكر من قال ذلك‪:‬‬
‫‪10510‬ـ حدثنا الحسن بن يحيى‪ ,‬قال‪ :‬أخبرنا عبد الرزاق‪ ,‬قال‪ :‬أخبرنا معمر‪ ,‬عن قتادة‪ ,‬في‬
‫ث غيرِ ِه قال‪:‬‬
‫حدِي ٍ‬
‫ع ْنهُمْ حتى َيخُوضُوا فِي َ‬
‫عرِضْ َ‬
‫ن فِي آيا ِتنَا فأ ْ‬
‫ن َيخُوضُو َ‬
‫قوله‪ :‬وإذَا رأيْتَ اّلذِي َ‬
‫نهاه ال أن يجلس مع الذين يخوضون في آيات ال يكذّبون بها‪ ,‬فإن نسي فل يقعد بعد الذكرى‬
‫مع القوم الظالمين‪.‬‬
‫حدثنا ابن بشار‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا مؤمل‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا سفيان‪ ,‬عن السديّ‪ ,‬عن أبي مالك وسعيد بن‬
‫ت اّلذِينَ َيخُوضُونَ فِي آيا ِتنَا قال‪ :‬الذين يكذبون بآياتنا‪.‬‬
‫جبير‪ ,‬في قوله‪ :‬وإذَا رأيْ َ‬
‫‪ 10511‬ـ حدث ني مح مد بن الح سين‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا أح مد بن المف ضل‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا أ سباط‪ ,‬عن‬
‫ث غيرِ هِ‬
‫حدِي ٍ‬
‫ع ْنهُ مْ ح تى َيخُوضُوا فِي َ‬
‫عرِ ضْ َ‬
‫ن َيخُوضُو نَ فِي آياتِنَا فأ ْ‬
‫ت اّلذِي َ‬
‫ال سديّ‪ :‬وإذَا رأيْ َ‬
‫ن قال‪ :‬كان المشركون إذا جالسوا‬
‫شيْطَا نُ فَل تَ ْق ُع ْد َبعْ َد ال ّذكْرَى مَ َع ال َقوْ مِ الظّالِمي َ‬
‫س َي ّنكَ ال ّ‬
‫وإمّا ُينْ ِ‬
‫المؤمنين وقعوا في النبي صلى ال عليه وسلم والقرآن فسبّوه واستهزءوا به‪ ,‬فأمرهم ال أن ل‬
‫يقعدوا معهم حتى يخوضوا في حديث غيره‪.‬‬
‫ت فتقعد معهم‪ ,‬فإذا ذكرت فقم‪.‬‬
‫ن يقول‪َ :‬نسِي َ‬
‫ش ْيطَا ُ‬
‫س َي ّنكَ ال ّ‬
‫‪ :‬وإمّا ُينْ ِ‬
‫‪ 10512‬ـ حدث ني المث نى‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا أ بو حذي فة‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا ش بل‪ ,‬عن ا بن أ بي نج يح‪ ,‬عن‬
‫ن فِي آيا ِتنَا قال‪ :‬يكذّبون بآياتنا‪.‬‬
‫مجاهد‪ :‬يخُوضُو َ‬
‫‪10513‬ـ حدثني يحيى بن طلحة اليربوعي‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا فُضيل بن عياض‪ ,‬عن ليث‪ ,‬عن أبي‬
‫جعفر‪ ,‬قال ل تجالسوا أهل الخصومات‪ ,‬فإنهم الذين يخوضون في آيات ال‪.‬‬
‫ي بن‬
‫‪ 10514‬ـ حدثني المثنى‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا أبو صالح‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا معاوية بن صالح‪ ,‬عن عل ّ‬
‫ن فَ ّرقُوا‬
‫ن فِي آياتِنَا‪ ,‬وقوله‪ :‬اّلذِي َ‬
‫أ بي طل حة‪ ,‬عن ا بن عباس‪ ,‬قوله‪ :‬وإذَا رأيْ تَ اّلذِي نَ َيخُوضُو َ‬
‫ُمـ ال َبيّناتـُ‪,‬‬
‫ِنـ َب ْعدِ مـا جاءَه ُ‬
‫ختَلَفُوا م ْ‬
‫ِينـ تَ َف ّرقُوا وَا ْ‬
‫ل َتكُونُوا كاّلذ َ‬
‫شيَعـا‪ ,‬وقوله‪َ :‬و َ‬
‫ُمـ وكَانُوا ِ‬
‫دِينَه ْ‬
‫وقوله‪ :‬أ نْ أقِيمُوا الدّي نَ وَل َتتَ َف ّرقُوا فِيه‪ ,‬ونحو هذا في القرآن قال‪ :‬أمر ال المؤمنين بالجماعة‬
‫ونهاهم عن الختلف وال ُفرْقة‪ ,‬وأخبرهم أنه إنما هلك من كان قبلهم بالمِراء والخصومات في‬
‫دين ال‪.‬‬
‫‪ 10515‬ـ حدث نا القا سم‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا الح سين قال‪ :‬ث ني حجاج‪ ,‬عن ا بن جر يج‪ ,‬عن مجا هد‪,‬‬
‫ن َيخُوضُونَ فِي آيا ِتنَا قال‪ :‬يستهزءون بها‪ .‬قال‪ :‬نهى رسول ال صلى ال‬
‫ت اّلذِي َ‬
‫قوله‪ :‬وإذَا رأيْ َ‬
‫ن َيخُوضُو نَ‬
‫عليه وسلم أن يقعد معهم إل أن ينسى فإذا ذكر فليقم‪ .‬فذلك قوله‪ :‬وإذَا رأيْ تَ اّلذِي َ‬
‫ن فَل تَ ْق ُعدْ َب ْعدَ‬
‫شيْطَا ُ‬
‫ك ال ّ‬
‫س َينّ َ‬
‫حدِي ثٍ غيرِ هِ وإمّا ُينْ ِ‬
‫ع ْنهُ مْ ح تى َيخُوضُوا فِي َ‬
‫عرِ ضْ َ‬
‫فِي آياتِنَا فأ ْ‬
‫ال ّذكْرَى مَ عَ ال َقوْ ِم الظّالِمي نَ‪ .‬قال ابن جريج‪ :‬كان المشركون يجلسون إلى النبي صلى ال عليه‬
‫ن فِي‬
‫ن َيخُوضُو َ‬
‫و سلم يُحبّون أن ي سمعوا م نه‪ ,‬فإذا سمعوا ا ستهزءوا فنوزلت‪ :‬وإذَا رأيْ تَ اّلذِي َ‬
‫ع ْن ُهمْ‪ ...‬الَية‪.‬‬
‫عرِضْ َ‬
‫آيا ِتنَا فأ ْ‬
‫حدثنا ابن وكيع‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا أبي‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا سفيان‪ ,‬عن منصور‪ ,‬عن مجاهد‪ :‬وإذَا رأيْ تَ‬
‫اّلذِينَ َيخُوضُونَ فِي آيا ِتنَا قال‪ :‬يكذّبون‪.‬‬
‫‪10516‬ـ حدثنا ابن وكيع‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا عبد ال‪ ,‬عن إسرائيل‪ ,‬عن السدي‪ ,‬عن أبي مالك‪ ,‬قوله‪:‬‬
‫حدِي ثٍ غي ِر ِه يع ني‪:‬‬
‫ع ْنهُ مْ ح تى َيخُوضُوا فِي َ‬
‫عرِ ضْ َ‬
‫ن فِي آياتِنَا فأ ْ‬
‫وإذَا رأيْ تَ اّلذِي نَ َيخُوضُو َ‬
‫ن فَل تَ ْق ُعدْ َب ْعدَ ال ّذ ْكرَى مَعَ ال َقوْمِ الظّالِمي نَ إن نسيت َف َذكَرت فل‬
‫ش ْيطَا ُ‬
‫س َي ّنكَ ال ّ‬
‫المشركين‪ .‬وإمّا ُينْ ِ‬
‫تجلس معهم‪.‬‬
‫‪69‬‬ ‫الية ‪:‬‬
‫شيْءٍ وَلَ ـكِن ِذ ْكرَىَ‬
‫ن مِ نْ حِ سَا ِبهِم مّن َ‬
‫ن َيتّقُو َ‬
‫{ َومَا عَلَى اّلذِي َ‬ ‫القول في تأو يل قوله تعالى‪:‬‬
‫ن }‪..‬‬
‫َلعَّل ُهمْ َيتّقُو َ‬
‫يقول تعالى ذكره‪ :‬و من ات قى ال فخا فه فأطا عه في ما أمره به واجت نب ما نهاه ع نه‪ ,‬فل يس‬
‫عليه بترك العراض عن هؤلء الخائضين في آيات ال في حال خوضهم في آيات ال شيء‬
‫من تب عه في ما بي نه وب ين ال‪ ,‬إذا لم ي كن تر كه العراض عن هم ر ضا ب ما هم ف يه وكان ال‬
‫بحقو قه متق يا‪ ,‬ول عل يه من إثم هم بذلك حرج‪ ,‬ول كن ِل ُي ْعرِضوا عن هم حينئذ‪ِ .‬ذ ْكرَى ل مر ال‪.‬‬
‫ن يقول‪ :‬ليتقوا‪ .‬ومعنى الذكرى‪ :‬الذكرُ‪ ,‬والذكر والذكرى بمعنى وقد يجوز أن يكون‬
‫َلعَّلهُ مْ َيتّقُو َ‬
‫ذكرى في موضع ورفع فأما النصب فعلى ما وصفت من تأويل‪ :‬ولكن ليعرضوا عنهم ذكري‬
‫وأمـا الرفـع فعلى تأويـل‪ :‬ومـا على الذيـن يتقون مـن حسـابهم شيـء بترك العراض‪ ,‬ولكـن‬
‫إعراضهم ذكرى لمر ال لعلهم يتقون‪ .‬وقد ذكر أن النبي صلى ال عليه وسلم إنما أمر بالقيام‬
‫عن المشرك ين إذا خاضوا في آيات ال‪ ,‬ل نه قيا مه عن هم كان م ما يكرهو نه‪ ,‬فقال ال له‪ :‬إذا‬
‫خاضوا في آيات ال فقم عنهم ليتقوا الخوض فيها ويتركوا ذلك‪ .‬ذكر من قال ذلك‪:‬‬
‫‪10517‬ــ حدثنـا القاسـم‪ ,‬قال‪ :‬حدثنـا الحسـين‪ ,‬قال‪ :‬ثنـي حجاج‪ ,‬عنـا بـن جريـج‪ ,‬قال‪ :‬كان‬
‫المشركون يجلسـون إلى النـبي صـلى ال عليـه وسـلم يحبون أن يسـمعوا منـه‪ ,‬فإذا سـمعوا‬
‫ع ْنهُ مْ ح تى َيخُوضُوا فِي‬
‫عرِ ضْ َ‬
‫ن فِي آياتِنَا فأَ ْ‬
‫ن َيخُوضُو َ‬
‫ا ستهزءوا‪ ,‬فنزلت‪ :‬وإذَا رأيْ تَ اّلذِي َ‬
‫حدِي ثٍ غيرِ هِ‪ ...‬الَ ية‪ ,‬قال‪ :‬فج عل إذا ا ستتهزءوا قام فحذروا وقالوا‪ :‬ل ت ستهزءوا فيقوم فذلك‬
‫َ‬
‫شيْءٍ إن‬
‫ن حِ سَا ِبهِمْ ِم نْ َ‬
‫ن َيتّقُو نَ مِ ْ‬
‫قوله‪َ :‬لعَّلهُ مْ َيتّقُو نَ أن يخوضوا فيقوم‪ .‬ونزل‪ :‬وَمَا عَلَى اّلذِي َ‬
‫ن إذَا‬
‫قعدوا مع هم‪ ,‬ول من ل تقعدوا‪ .‬ثم ن سخ ذلك قوله بالمدي نة‪َ :‬وقَدْ َنزَلَ عََل ْيكُ مْ فِي ال ِكتَا بِ أ ْ‬
‫ت اللّ ِه ُيكْ َفرُ بِها فَل تَ ْق ُعدُوا َم َعهُمْ حتى َيخُوضُوا فِي حَديثٍ غيرِ ِه إ ّنكُمْ إذًا ِمثُْلهُمْ‪ ,‬فنسخ‬
‫س ِمعْ ُتمْ آيا ِ‬
‫َ‬
‫شيْءٍ‪ ...‬الَية‪.‬‬
‫حسَا ِب ِهمْ مِنْ َ‬
‫ن مِنْ ِ‬
‫قوله‪َ :‬ومَا عَلَى اّلذِينَ َيتّقُو َ‬
‫‪ 10518‬ـ حدث ني مح مد بن الح سين‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا أح مد بن المف ضل‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا أ سباط‪ ,‬عن‬
‫شيْءٍ يقوله‪ :‬من حساب الكفار من شيء‪.‬‬
‫ن حِ سَا ِبهِمْ ِم نْ َ‬
‫ن َيتّقُو نَ مِ ْ‬
‫السديّ‪ ,‬قوله‪َ :‬ومَا عَلَى اّلذِي َ‬
‫ن ِذكْرَى يقول‪ :‬إذا ذكرتُ فقم‪َ .‬لعَّلهُ ْم َيتّقُونَ مساءتكم إذا رأوكم ل تجالسونهم‪ ,‬استحيوا منكم‬
‫وََلكِ ْ‬
‫فكفوا عنكم‪ .‬ثم نسخها ال بعد‪ ,‬فنهاهم أن يجلسوا معهم أبدا‪ ,‬قال‪َ :‬و َقدْ َنزَلَ عََل ْيكُ مْ فِي ال ِكتَا بِ‬
‫ت الّلهِ ُيكْ َفرُ بِها‪ ...‬الَية‪.‬‬
‫س ِم ْعتُمْ آيا ِ‬
‫ن إذَا َ‬
‫أْ‬
‫‪ 10519‬ـ حدث ني مح مد بن عروة‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا أ بو عا صم‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا عي سى‪ ,‬عن ا بن أ بي‬
‫شيْءٍ إن قعدوا‪ ,‬ولكن ل تقعد‪.‬‬
‫حسَا ِبهِمْ ِمنْ َ‬
‫ن ِ‬
‫ن َيتّقُونَ مِ ْ‬
‫نجيح‪ ,‬عن مجاهد‪َ :‬ومَا عَلَى اّلذِي َ‬
‫حدث ني المث نى‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا أ بو حذي فة‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا ش بل‪ ,‬عن ا بن أ بي نج يح‪ ,‬عن مجا هد‪,‬‬
‫مثله‪.‬‬
‫‪10520‬ـ حدثنا ابن وكيع‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا عبيد ال‪ ,‬عن إسرائيل‪ ,‬عن السدي‪ ,‬عن أبي مالك‪َ :‬ومَا‬
‫ن ِذكْرَى قال‪ :‬وما عليك أن يخوضوا في آيات ال‬
‫شيْءٍ وََل ِك ْ‬
‫ن َ‬
‫ن حِ سَا ِبهِمْ ِم ْ‬
‫عَلَى اّلذِي نَ َيتّقُو نَ ِم ْ‬
‫إذا فعلت ذلك‪.‬‬

‫‪70‬‬ ‫الية ‪:‬‬


‫حيَاةُ ال ّدنْي َا‬
‫ُمـ ا ْل َ‬
‫غ ّر ْته ُ‬
‫ُمـ َلعِبا وََلهْوا وَ َ‬
‫خذُواْ دِي َنه ْ‬
‫ِينـ ا ّت َ‬
‫{ َو َذرِ اّلذ َ‬ ‫القول فـي تأويـل قوله تعالى‪:‬‬
‫عدْلٍ لّ‬
‫ل شَفِي عٌ وَإِن َت ْعدِلْ كُلّ َ‬
‫ن اللّ هِ وَلِ يّ َو َ‬
‫سبَتْ َليْ سَ َلهَا مِن دُو ِ‬
‫س ِبمَا كَ َ‬
‫َو َذ ّكرْ بِ هِ أَن ُتبْ سَلَ نَفْ ٌ‬
‫عذَابٌـ أَلِيمٌـ بِمَا كَانُواْ‬
‫حمِيم ٍـ َو َ‬
‫شرَابٌـ مّن ْـ َ‬
‫ك اّلذِين َـ ُأبْس ِـلُو ْا بِمَا كَس َـبُواْ َلهُم ْـ َ‬
‫خذْ ِمنْهَآ ُأوْلَــئِ َ‬
‫يُ ْؤ َ‬
‫َيكْ ُفرُونَ }‪..‬‬
‫يقول تعالى ذكره لنـبيه محمـد صـلى ال عليـه وسـلم‪ :‬ذر هؤلء الذيـن اتخذوا ديـن ال‬
‫وطاعتهم إياه لعبا ولهوا‪ ,‬فجعلوا حظوظهم من طاعتهم إياه اللعب بآياته واللهو والستهزاء بها‬
‫إذا سمعوها وتليت عليهم‪ ,‬فأعرض عنهم‪ ,‬فإني لهم بالمرصاد‪ ,‬وإني لهم من وراء النتقام منهم‬
‫والعقوبة لهم على ما يفعلون وعلى اغترارهم بزينة الحياة الدنيا ونسيانهم المدار إلى ال تعالى‬
‫والمصير إليه بعد الممات‪ .‬كالذي‪:‬‬
‫‪ 10521‬ـ حدث ني مح مد بن عروة‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا أ بو عا صم‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا عي سى‪ ,‬عن ا بن أ بي‬
‫خذُوا دِي َنهُ مْ َلعِ با وَلهْوا قال‪ :‬كقوله‪َ :‬ذرْنِي َومَ نْ‬
‫ن ا ّت َ‬
‫نج يح‪ ,‬عن مجا هد‪ ,‬في قوله ال‪َ :‬و َذرِ اّلذِي َ‬
‫خَلَقْتُ َوحِيدا‪.‬‬
‫حدث ني المث نى‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا أ بو حذي فة‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا ش بل‪ ,‬عن ا بن أ بي نج يح‪ ,‬عن مجا هد‪,‬‬
‫مثله‪.‬‬
‫ج ْد ُتمُوهُ مْ وكذلك قال عدد من‬
‫حيْ ثُ َو َ‬
‫ن َ‬
‫و قد ن سخ ال تعالى هذه الَ ية بقوله‪ :‬فا ْقتُلُوا ال ُمشْ ِركِي َ‬
‫أهل التأويل‪ .‬ذكر من قال ذلك‪:‬‬
‫‪ 10522‬ـ حدثني المثنى‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا حجاج بن المنهال‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا همام بن يحيى‪ ,‬عن قتادة‪:‬‬
‫خذُوا دِي َن ُهمْ َلعِبا وَلهْوا ثم أنزل في سورة براءة‪ ,‬فأمر بقتالهم‪.‬‬
‫ن ا ّت َ‬
‫َو َذرِ اّلذِي َ‬
‫حدثنا ابن وكيع‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا عبدة بن سليمان‪ ,‬قال‪ :‬قرأت علي بن أبي عروبة‪ ,‬فقال‪ :‬هكذا‬
‫ُمـ َلعِبـا وَلهْوا ثـم أنزل ال تعالى ذكره براءة‪ ,‬وأمـر‬
‫خذُوا دِينَه ْ‬
‫ِينـ ا ّت َ‬
‫سـمعته مـن قتادة‪َ :‬وذَ ِر اّلذ َ‬
‫جدْ ُتمُو ُهمْ‪.‬‬
‫حيْثُ َو َ‬
‫ن َ‬
‫بقتالهم‪ ,‬فقال‪ :‬فا ْقتُلُوا ال ُمشْ ِركِي َ‬
‫سبَتْ فإ نه يع ني به‪ :‬وذ كر يا مح مد بهذا القرآن‬
‫س بِمَا كَ َ‬
‫وأ ما قوله‪َ :‬وذَكّر ِب ِه أ نْ ُتبْ سَلَ نَفْ ٌ‬
‫ن تَضِلّوا‬
‫ن اللّ ُه َلكُمْ أ ْ‬
‫س بمعنى‪ :‬أن ل تبسل‪ ,‬كما قال‪ُ :‬ي َبيّ ُ‬
‫هؤلء المولين عنك وعنه أن ُتبْسَل نَفْ ٌ‬
‫بمعنى‪ :‬أن ل تضلوا‪ .‬وإنما معنى الكلم‪ :‬وذكر به ليؤمنوا ويتبعوا ما جاءهم من عند ال من‬
‫الحقّ‪ ,‬فل ُت ْبسَل أنفسهم بما كسبت من الوزار ولكن حذفت «ل» لدللة الكلم علها‪.‬‬
‫س فقال بعضهم‪ :‬معنى ذلك‪ :‬أن تُ سْلَم‪ .‬ذكر‬
‫ن ُتبْ سَلَ نَفْ ٌ‬
‫واختلف أهل التأويل في تأويل قوله‪ :‬أ ْ‬
‫من قال ذلك‪:‬‬
‫‪ 10523‬ـ حدثنا حدثنا ابن حميد‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا يحيى بن واضح‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا الحسين بن واقد‪,‬‬
‫ت قال‪ :‬تسلم‪.‬‬
‫سبَ ْ‬
‫ن ُت ْبسَلَ نَفْسٌ ِبمَا َك َ‬
‫عن يزيد النحويّ‪ ,‬عن عكرمة‪ ,‬قوله‪ :‬أ ْ‬
‫‪ 10524‬ـ حدثنا محمد بن عبد العلى‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا محمد بن ثور‪ ,‬عن معمر‪ ,‬عن الحسن‪ :‬أ نْ‬
‫س قال‪ :‬أن ِتسْلَم‪.‬‬
‫ل ُت ْبسَلَ نَفْ ٌ‬
‫حدثنا الحسن بن يحيى‪ ,‬قال‪ :‬أخبرنا عبد الرزاق‪ ,‬قال‪ :‬أخبرنا معمر‪ ,‬عن الحسن‪ ,‬مثله‪.‬‬
‫‪ 10525‬ـ حدث ني مح مد بن عمرو‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا أ بو عا صم‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا عي سى‪ ,‬عن ا بن أ بي‬
‫ن ُت ْبسَلَ قال‪ :‬تسلم‪.‬‬
‫نجيح‪ ,‬عن مجاهد في قوله ال تعالى ذكره‪ :‬أ ْ‬
‫حدثني المثنى‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا أبو حذيفة‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا شبل‪ ,‬عن ابن أبي نجيح‪ ,‬عن مجاهد‪ :‬أ نْ‬
‫ُت ْبسَلَ نَفْسٌ قال‪ :‬تسلم‪.‬‬
‫ن ُأبْ سِلُوا‬
‫حدثنا ابن حميد‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا حكلم‪ ,‬عن عنبسة‪ ,‬عن ليث‪ ,‬عن مجا هد‪ :‬أوَلئِ كَ اّلذِي َ‬
‫أسلموا‪.‬‬
‫وقال آخرون‪ :‬بل معنى ذلك‪ :‬تحبس‪ .‬ذكر من قال ذلك‪:‬‬
‫‪ 10526‬ـ حدثنا محمد بن عبد العلى‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا محمد بن ثور‪ ,‬عن معمر‪ ,‬عن قتادة‪ :‬أ نْ‬
‫ُت ْبسَلَ نَفْسٌ قال‪ :‬تؤخذ فتحبس‪.‬‬
‫حدثنا الحسن بن يحيى‪ ,‬قال‪ :‬أخبرنا عبد الرزاق‪ ,‬قال‪ :‬أخبرنا معمر‪ ,‬عن قتادة‪ ,‬مثله‪.‬‬
‫س ِبمَا‬
‫‪ 10527‬ـ حدثني يونس‪ ,‬قال‪ :‬أخبرنا ابن وهب‪ ,‬قال‪ :‬ابن زيد‪ ,‬في قوله‪ :‬أ نْ ُتبْ سَلَ نَفْ ٌ‬
‫سبَتْ‪ :‬أن تؤخذ نفس بما كسبت‪.‬‬
‫َك َ‬
‫وقال آخرون‪ :‬معناه‪ :‬تفضح‪ .‬ذكر من قال ذلك‪:‬‬
‫‪ 10528‬ـ حدث ني المث نى‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا ع بد ال بن صالح‪ ,‬عن عل يّ بن أ بي طل حة‪ ,‬عن ا بن‬
‫ن ُت ْبسَلَ نَفْس ِبمَا َكسَبَتْ يقول‪ :‬تفضح‪.‬‬
‫عباس‪َ :‬و َذ ّكرْ بِهِ أ ْ‬
‫وقال آخرون‪ :‬معناه‪ :‬أن تجزى‪ .‬ذكر من قال ذلك‪:‬‬
‫‪10529‬ـ حدثنا ابن حميد‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا يحيى بن واضح‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا الحسين بن واقد‪ ,‬قال‪ :‬قال‬
‫ن ُت ْبسَلَ‪ :‬أن تجزى‪.‬‬
‫الكلبي‪ :‬أ ْ‬
‫وأصل البسال‪ :‬التحريم‪ ,‬يقال منه‪ :‬أبسلت المكان‪ :‬إذا حرمته فلم تقر به ومنه قوله الشاعر‪:‬‬
‫ل َمتِي َوعِتابي‬
‫َب َكرَتْ تَلُو ُمكَ َب ْعدَ وَ ْهنٍ فِي ال ّندَىبَسْلٌ عََل ْيكَ مَ َ‬
‫أي حرام ومنه قولهم‪ :‬وعتابي أسد آسد‪ ,‬ويراد به‪ :‬ل يقربه شيء‪ ,‬فكأنه قد حرم نفسه‪ .‬ثم‬
‫يجعل ذلك صفة لكل شديد يُتحامى لشدّته‪ ,‬ويقال‪ :‬أعط الراقي ُبسْلَتَهُ‪ ,‬يراد بذلك‪ :‬أجرته‪ ,‬شراب‬
‫بسيل‪ :‬بمعنى متروك‪ ,‬وكذلك المبسل بالجريرة‪ ,‬وهو المرتهن بها‪ ,‬قيل له مبسل لنه محرّم من‬
‫كلّ شيء إل مما رهن فيه وأسلم به ومنه قول عوف بن الحوص الكلبي‪:‬‬
‫ج ْر ٍمبَعَوْناهُ وَل ب َدمٍ ُمرَاقِ‬
‫وإبْسالي َب ِنيّ ب َغ ْيرِ ُ‬
‫شنْ َفرَي‪:‬‬
‫وقال ال ّ‬
‫سمِيرَ اللّيالي ُم ْبسَلً بالجَرا ِئرِ‬
‫هُناِلكَ ل أ ْرجُو حيَا ًة َتسُ ّرنِي َ‬
‫فتأويل الكلم إذن‪ :‬وذكّر بالقرآن هؤلء الذين يخوضون في آياتنا وغيرَهم ممن سلك سبيلهم‬
‫من المشركين‪ ,‬كيل تبسل نفي بذنوبها وكفرها بربها‪ ,‬وترتهن فتغلق بما كسبت من إجرامها‬
‫ن دُو نِ الّل ِه يقول‪ :‬ليس لها حين تسلم بذنوبها فترتهن بما كسبت من‬
‫في عذاب ال‪َ .‬ليْ سَ لهَا مِ ْ‬
‫آيامها أحد ينصرها فينقذها من ال الذي جازاها بذنوبها جزاءها‪ ,‬ول شفيع يشفع لها‪ ,‬لوسيلة‬
‫له عنده‪.‬‬
‫خذْ ِمنْها‪.‬‬
‫ل ل ُي ْؤ َ‬
‫عدْ ٍ‬
‫القول في تأويل قوله تعالى‪ :‬وَإنْ َت ْعدِلْ كُلّ َ‬
‫عدْلٍيعني‪ :‬كلّ‬
‫ن َت ْعدِلْ النفس التي أبسلت بما كسبت‪ ,‬يعني وإن تعدل كُلّ َ‬
‫يقول تعالى ذكره‪ :‬وَإ ْ‬
‫ذلكـ صـِياما‬
‫َ‬ ‫عدْلُ‬
‫ع ْدلً‪ .‬ومنـه قول ال تعالى ذكره‪ :‬أوْ َ‬
‫عدَ َل يعدِلُ‪ :‬إذا فدى‪َ ,‬‬
‫فداء‪ ,‬يقال منـه‪َ :‬‬
‫وهو ما عادله من غير نوعه‪.‬‬
‫وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل‪ .‬ذكر من قال ذلك‪:‬‬
‫‪ 10530‬ـ حدثنا محمد بن عبد العلى‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا محمد بن ثور‪ ,‬عن معمر‪ ,‬عن قتادة‪ :‬وَإ نْ‬
‫خذْ ِمنْها قال‪ :‬لو جاءت بملء الرض ذهبا لم يُقبل منها‪.‬‬
‫عدْلٍ ل يُ ْؤ َ‬
‫َت ْعدِلْ كُلّ َ‬
‫‪ 10531‬ـ حدث نا مح مد بن الح سين‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا أح مد بن المف ضل‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا أ سباط‪ ,‬عن‬
‫خذْ ِمنْ ها ف ما َي ْعدِل ها‪ ,‬لو جاءت بملء الرض ذه با‬
‫عدْلٍ ل يُ ْؤ َ‬
‫ن َت ْعدِلْ كُلّ َ‬
‫ال سديّ في قوله‪ :‬وَإ ْ‬
‫لتفتدى به ما ُقبِل منها‪.‬‬
‫‪ 10532‬ـ حدث ني يو نس‪ ,‬قال‪ :‬أخبر نا ا بن و هب‪ ,‬قال‪ :‬قال ا بن ز يد في قوله‪ :‬وَإ نْ َت ْعدِلْ كُلّ‬
‫خذْ ِمنْ ها قال‪ :‬وأن تعدل‪ :‬وإن تف تد يكون له الدن يا و ما في ها يفتدي ب ها ل يؤخذْ م نه‬
‫ل ل يُ ْؤ َ‬
‫عدْ ٍ‬
‫َ‬
‫ع َدلً عن نفسه‪ ,‬ل يقبل منه‪.‬‬
‫َ‬
‫وقد تأوّل ذلك بعض أهل العلم بالعربية بمعنى‪ :‬وإن تَقْ سِط كلّ قِ سْط ل يُقبل منها وقال إنها‬
‫ل تائب في الدنيا فإن ال تعالى يقبل‬
‫التوبة في الحياة‪ .‬وليس لما قال من ذلك معنى‪ ,‬وذلك أن ك ّ‬
‫توبته‪.‬‬
‫عذَا بٌ ألِي مٌ‬
‫حمِي مٍ وَ َ‬
‫شرَا بٌ مِ نْ َ‬
‫سبُوا َلهُ مْ َ‬
‫القول في تأويل قوله تعالى‪ :‬أُوَلئِ كَ اّلذِي نَ ُأبْ سَلُوا ِبمَا كَ َ‬
‫ِبمَا كَانُوا َيكْ ُفرُونَ‪.‬‬
‫يقول تعالى ذكره‪ :‬وهؤلء الذ ين إن فدوا أنف سهم من عذاب ال يوم القيا مة ك ّل فداء لم يؤ خذ‬
‫سبُوا يقول‪ :‬أسلموا لعذاب ال‪ ,‬فرُهنوا به جزاء بما كسبوا في الدنيا‬
‫ن ُأبْسِلُوا ِبمَا كَ َ‬
‫منهم‪ ,‬هم اّلذِي َ‬
‫حمِيمٍـ والحميـم‪ :‬هـو الحارّ فـي كلم العرب‪ ,‬وإنمـا هـو‬
‫شرَابٌـ مِن ْـ َ‬
‫مـن الَثام والوزار‪َ .‬لهُم ْـ َ‬
‫محموم صُرف إلى فعيل‪ ,‬ومنه قيل للحمّام‪ :‬حمام‪ ,‬لسخانه الجسم ومنه قول مرقش‪:‬‬
‫حمِيمْ‬
‫طرَ ٌةفِيها كِباءٌ ُم َعدّ و َ‬
‫ل ُممْسًى َلهَا مِ ْق ِ‬
‫في كُ ّ‬
‫يعني بذلك ماءً حارّا ومنه قول أبي ذويب الهُذلي في صفة فرس‪:‬‬
‫حمِيمَ فإنّ ُه َي َتبَضّعُ‬
‫ض َبتْإلّ ال َ‬
‫س ُتغْ ِ‬
‫َت ْأبَى ِب ِد ْرتِها إذَا ما ا ْ‬
‫يع ني بالحم يم‪ :‬عرق الفرس‪ .‬وإن ما ج عل تعالى ذكره لهؤلء الذ ين و صف صفتهم في هذه‬
‫الَ ية شرا با من حم يم‪ ,‬لن الحارّ من الماء ل يُروِي من ع طش‪ ,‬فأ خبر أن هم إذا عطشوا في‬
‫ب ألِي مٌ‬
‫عذَا ٌ‬
‫جهنم لم يغاثوا بماء يرويهم‪ ,‬ولكن بما يزيدون به عطشا على ما بهم من العطش‪ ,‬و َ‬
‫يقول‪ :‬ول هم أي ضا مع الشراب الحم يم من ال العذاب الل يم والهوان المق يم‪ .‬بِمَا كانُوا َيكْ ُفرُو نَ‬
‫يقول‪ :‬بما كان من كفرهم في الدنيا بال وإنكارهم توحيده وعبادتهم معه آلهة دونه‪.‬‬
‫‪ 10533‬ـ حدث ني مح مد بن الح سين‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا أحم يد بن المف ضل‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا أ سباط‪ ,‬عن‬
‫سبُوا قال‪ :‬يقال‪ :‬أسلِموا‪.‬‬
‫ن ُأ ْبسِلُوا ِبمَا َك َ‬
‫السديّ‪ :‬أُوَل ِئكَ اّلذِي َ‬
‫‪10534‬ـ حدثني المثنى‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا عبد ال بن صالح‪ ,‬قال‪ :‬ثني معاوية بن صالح‪ ,‬عن عليّ‬
‫ن ُأ ْبسِلُوا قال‪ :‬فضحوا‪.‬‬
‫بن أبي طلحة‪ ,‬عن ابن عباس‪ :‬أُوَل ِئكَ اّلذِي َ‬
‫‪ 10535‬ـ حدث ني يو نس‪ ,‬قال‪ :‬أخبر نا ا بن و هب‪ ,‬قال‪ :‬قال ا بن ز يد في قوله‪ :‬أُوَلئِ كَ اّلذِي نَ‬
‫سبُوا قال‪ :‬أخذوا بما كسبوا‪.‬‬
‫ُأ ْبسِلُوا ِبمَا َك َ‬

‫‪71‬‬ ‫الية ‪:‬‬


‫{قُلْ َأ َندْعُواْ مِن دُو نِ الّل هِ مَا لَ يَن َفعُنَا َولَ َيضُرّنَا َو ُنرَدّ عََلىَ‬ ‫القول في تأو يل قوله تعالى‪:‬‬
‫صحَابٌ َيدْعُونَ ُه إِلَى‬
‫ح ْيرَا نَ َل ُه أَ ْ‬
‫شيَاطِي نُ فِي الرْ ضِ َ‬
‫س َتهْ َو ْتهُ ال ّ‬
‫أَعْقَا ِبنَا َب ْعدَ ِإذْ َهدَانَا اللّ هُ كَاّلذِي ا ْ‬
‫ن ُهدَى اللّ ِه هُ َو ا ْل ُه َدىَ وَُأ ِم ْرنَا ِل ُنسْلِ َم ِلرَبّ ا ْلعَاَلمِينَ }‪..‬‬
‫ل إِ ّ‬
‫ا ْل ُهدَى ا ْئ ِتنَا قُ ْ‬
‫وهذا تَنبيه من ال تعالى ذكره نبيه صلى ال عليه وسلم على حجته على مشركي قومه من‬
‫عبدة الوثان‪ ,‬يقول له تعالى ذكره‪ :‬قـل يـا محمـد لهؤلء العادليـن بربهـم الوثان والنداد‬
‫والَمر ين لك باتباع دين هم وعبادة ال صنام مع هم‪ ,‬أند عو من دون ال حجرا أو خش با ل يقدر‬
‫على نفعنـا أو ضرّنـا‪ ,‬فنخصـه بالعبادة دون ال‪ ,‬وندع عبادة الذي بيده الضرّ والنفـع والحياة‬
‫والموت‪ ,‬إن كنتم تعقلون فتميزون بين الخير والشرّ‪ ,‬فل ش كّ أنكم تعلمون أن خدمة ما يرتجى‬
‫نف عه وير هب ضرّه أح قّ وأولى وأولى من خد مة من ل ير جى نف عه ول يخ شى ضرّه‪ .‬و ُن َردّ‬
‫على َأعْقَابِنَا يقول‪ :‬ونردّ إلى أدبار نا فنر جع القهقري خلف نا لم نظ فر بحاجت نا‪ .‬و قد بي نا مع نى‬
‫ل طالب حا جة لم يظ فر ب ها ردّ على ع قبيه في ما م ضى‬
‫الردّ على الع قب‪ ,‬وأن العرب تقول لك ّ‬
‫بما أغنى عن إعادته في هذا الموضع‪ .‬وإنما يراد به في هذا الموضع‪ :‬ونرد من السلم إلى‬
‫الكفر بعد إذ هدانا ال فوفقنا له‪ ,‬فيكون مثَلنا في ذلك مثَل الرجل الذي ا سْتتبعه الشيطان يهوى‬
‫س َتهْ َوتْهُ‪ :‬استفعلته‪ ,‬من قول القائل‪ :‬هوى فلن إلى كذا يهوي إليه‪,‬‬
‫في الرض حيران‪ .‬وقوله‪ :‬ا ْ‬
‫ن النّا سِ َتهْوِي إَل ْيهِ مْ بمع نى‪ :‬تنزع إلي هم وتريد هم‪.‬‬
‫جعَلْ أ ْف ِئدَةً مِ َ‬
‫و من قول ال تعالى ذكره‪ :‬فا ْ‬
‫حيَرانا‬
‫حيْرةً و َ‬
‫وأما حيران‪ :‬فإنه فعلن من قول القائل‪ :‬قد حار فلن في الطريق فهو يحار فيه َ‬
‫ح ْيرُورَةً‪ ,‬وذلك إذا ضلّ فلم يه تد للمح جة له أ صحاب يدعو نه إلى الهدى‪ ,‬يقول‪ :‬لهذا الحيران‬
‫وَ‬
‫الذي قد ا ستهوته الشياط ين في الرض أ صحاب على المح جة وا ستقامة ال سبيل‪ ,‬يدعو نه إلى‬
‫المحجـة لطريـق الهدى الذي هـم عليـه‪ ,‬يقولون له‪ :‬ائتنـا وترك إجراء حيران‪ ,‬لن «فعلن»‪,‬‬
‫و كل ا سم كان على «فعلن» م ما أنثاه «فعلى» فإ نه ل يُجرى في كلم العرب في معر فة ول‬
‫نكرة‪ .‬وهذا مثل ضربه ال تعالى لمن كفر بال بعد إيمانه فاتبع الشياطين من أهل الشرك بال‬
‫وأ صحابه الذ ين كانوا أ صحابه في حال إ سلمه المقيمون على الد ين الح قّ يدعو نه إلى الهدى‬
‫الذي هم عل يه مقيمون وال صواب الذي هم به متم سكون‪ ,‬و هو له مفارق وع نه زائل‪ ,‬يقولون‬
‫له‪ :‬ائْت نا‪ ,‬ف كن مع نا على ا ستقامة وهدى و هو يأ بى ذلك‪ ,‬ويت بع دوا عي الشيطان ويع بد الَل هة‬
‫والوثان‪.‬‬
‫وبمثل الذي قلنا في ذلك قال جماعة من أهل التأويل‪ ,‬وخالف في ذلك جماعة‪ .‬ذكر من قال‬
‫ذلك‪ :‬مثل ما قلنا‬
‫‪ 10536‬ـ حدث ني مح مد بن الح سين‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا أح مد بن المف ضل‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا أ سباط‪ ,‬عن‬
‫ن الّل هِ ما ل َينْ َفعُ نا وَل َيضُرّ نا َو ُن َردّ على أعْقابِ نا َب ْعدَ إ ْذ َهدَا نا اللّ هُ‬
‫ن دُو ِ‬
‫ال سديّ‪ :‬قُلْ أ َندْعُو مِ ْ‬
‫ب َيدْعُونَ ُه إلى ال ُهدَى ا ْئتِ نا قال‪ :‬قال‬
‫ن لَ هُ أ صحَا ٌ‬
‫ح ْيرَا َ‬
‫ن فِي الرْ ضِ َ‬
‫س َتهْ َوتْ ُه الشّياطِي ُ‬
‫كاّلذِي ا ْ‬
‫المشركون للمؤمن ين‪ :‬اتبعوا سبيلنا ول يضرّ نا هذه الَل هة ونردّ على أعقاب نا ب عد إذ هدا نا ال‪,‬‬
‫فيكون مثلنا كمثل الذي استهوته الشياطين في الرض‪ ,‬يقول‪ :‬مثلكم إن كفرتم بعد اليمان كمثل‬
‫ل الطريـق‪ ,‬فحيرتـه الشياطيـن واسـتهوته فـي الرض‪,‬‬
‫رجـل كان مـع قوم على الطريـق‪ ,‬فض ّ‬
‫وأصحابه على الطريق‪ ,‬فجعلوا يدعونه إليهم‪ ,‬يقولون ائتنا فإنا على الطريق‪ ,‬فأبى أن يأتيهم‪.‬‬
‫فذلك مثـل مـن يتبعكـم بعـد المعرفـة بمحمـد‪ ,‬ومحمـد الذي يدعـو إلى الطريـق‪ ,‬والطريـق هـو‬
‫السلم‪.‬‬
‫ي بن أبي طلحة‪ ,‬عن‬
‫‪10537‬ـ حدثني المثنى‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا أبو صالح‪ ,‬قال‪ :‬ثني معاوية‪ ,‬عن عل ّ‬
‫ن اللّ هِ ما ل َينْ َفعُنا وَل َيضُرّنا َو ُن َردّ على أعْقابِنا قال‪ :‬هذا مثل‬
‫ن دُو ِ‬
‫ابن عباس‪ ,‬قوله‪ :‬أ َندْعُو مِ ْ‬
‫ضربه ال للَلهة ومن يدعو إليها وللدعاة الذين يدعون إلى ال‪ ,‬كمثل رجل ضلّ عن الطريق‪,‬‬
‫إذ ناداه مناد‪ :‬يا فلن ابن فلن هلمّ إلى الطريق وله أصحاب يدعونه‪ :‬يا فلن هلمّ إلى الطريق‬
‫فإن اتبع الداعي الوّل انطلق به حتى يلقيه في الهلكة‪ ,‬وإن أجاب من يدعوه إلى الهدى اهتدى‬
‫إلى الطريق‪ ,‬وهذه الداعية التي تدعو في البرية من الغيلن‪ ,‬يقول‪ :‬مثل من يعبد هؤلء الَلهة‬
‫من دون ال‪ ,‬فإنه يرى أنه في شيء حتى يأتيه الموت فيستقبل الهلكة والندامة‪ .‬وقوله‪ :‬كاّلذِي‬
‫س َتهْ َوتْ ُه الشّياطِي نُ فِي الرْ ضِ‪ :‬وهم الغيلن يدعونه باسمه واسم أبيه واسم جدّه‪ ,‬فيتبعها فيرى‬
‫اْ‬
‫أ نه في ش يء في صبح و قد ألق ته في الهل كة ورب ما أكل ته‪ ,‬أو تلق يه في مضلة من الرض يهلك‬
‫فيها عطشا‪ ,‬فهذا مثل من أجاب الَلهة التي تعبد من دون ال عزّ وجلّ‪.‬‬
‫‪10538‬ـ حدثنا محمد بن عبد العلى‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا محمد بن ثور‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا معمر‪ ,‬عن قتادة‪:‬‬
‫س َتهْ َوتْهُ الشّياطِينُ فِي الرْضِ قال‪ :‬أضلته في الرض حيران‪.‬‬
‫اْ‬
‫‪ 10539‬ـ حدث ني مح مد بن عمرو‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا أ بو عا صم‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا عي سى عن ا بن أ بي‬
‫ضرّنا قال‪ :‬الوثان‪.‬‬
‫نجيح‪ ,‬عن مجاهد‪ ,‬في قوله‪ :‬ما ل َينْ َفعُنا وَل َي ُ‬
‫‪ 10540‬ـ حدثني محمد بن عمرو‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا أبو عاصم‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا عيسى‪ ,‬وحدثني المثنى‪,‬‬
‫قال‪ :‬حدث نا أ بو حذي فة قال‪ :‬حدث نا ش بل‪ ,‬عن ا بن أ بي نج يح‪ ,‬عن مجا هد في قول ال تعالى‪:‬‬
‫ح ْيرَا نَ قال‪ :‬ر جل حيران يدعوه أ صحابه إلى الطر يق‪ ,‬كذلك‬
‫س َتهْ َوتْهُ الشّياطِي نُ فِي الرْ ضِ َ‬
‫ا ْ‬
‫مثل من يضلّ بعد إذ هدى‪.‬‬
‫حدثنا محمد بن عبد العلى‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا محمد بن ثور‪ ,‬عن معمر‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا رجل‪ ,‬عن‬
‫مجا هد‪ ,‬قال‪ :‬حيران هذا م ثل ضر به ال للكا فر‪ ,‬يقول‪ :‬الكا فر حيران يدعوه الم سلم إلى الهدى‬
‫فل يجيب‪.‬‬
‫ل أ َندْعُو مِ نْ دُو نِ‬
‫‪ 10541‬ـ حدثنا بشر‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا يزيد‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا سعيد‪ ,‬عن قتادة‪ ,‬قوله‪ :‬قُ ْ‬
‫ِينـ علّمهـا ال محمدا وأصـحابه‬
‫َبـ العاَلم َ‬
‫ُسـِلمَ ِلر ّ‬
‫ّهـ مـا ل َينْ َفعُنـا وَل َيضُرّنـا حتـى بلغ‪ِ :‬لن ْ‬
‫الل ِ‬
‫يخاصمون بها أهل الضللة‪.‬‬
‫وقال آخرون في تأويل ذلك‪ ,‬بما‪:‬‬
‫‪ 10542‬ـ حدثني به محمد بن سعد‪ ,‬قال‪ :‬ثني أبي‪ ,‬قال‪ :‬ثني عمي‪ ,‬قال‪ :‬ثني أبي‪ ,‬عن أبيه‪,‬‬
‫ح ْيرَا نَ َل ُه أ صحَابٌ َيدْعُونَ ُه إلى‬
‫س َتهْ َوتْهُ الشّياطِي نُ فِي الرْ ضِ َ‬
‫عن ا بن عباس‪ ,‬قوله‪ :‬كاّلذِي ا ْ‬
‫ال ُهدَى ف هو الر جل الذي ل ي ستجيب لهدى ال‪ ,‬و هو ر جل أطاع الشيطان وع مل في الرض‬
‫ل عنـه‪ ,‬وله أصـحاب يدعونـه إلى الهدى ويزعمون أن الذي‬
‫الحقـ وض ّ‬
‫ّ‬ ‫بالمعصـية وحار عـن‬
‫يأمرونه هدى‪ ,‬يقول ال ذلك لوليائهم من النس‪ :‬إن الهدى هدى ال‪ ,‬والضللة ما تدعو إليه‬
‫الجنّ‪.‬‬
‫فكأن ا بن عباس على هذه الروا ية يرى أن أ صحاب هذا الحيران الذ ين يدعو نه إن ما يدعو نه‬
‫إلى الضلل ويزعمون أن ذلك هدى‪ ,‬وأن ال أكذب هم بقوله‪ :‬قُلْ إ نّ ُهدَى الّل ِه هُ َو ال ُهدَى ل ما‬
‫يدعوه إليه أصحابه‪.‬‬
‫وهذا تأو يل له و جه لو لم ي كن ال سمى الذي د عا الحيران إل يه أ صحاب هدى‪ ,‬وكان ال خبر‬
‫بذلك عن أ صحابه الدعاة له إلى ما دعوه إل يه‪ ,‬أن هم هم الذ ين سموه‪ ,‬ول كن ال سماه هدى‪,‬‬
‫وأ خبر عن أ صحاب الحيران أن هم يدعو نه إل يه‪ .‬وغ ير جائز أن ي سمي ال الضلل هدى لن‬
‫ذلك كذب‪ ,‬وغيـر جائز وصـف ال بالكذب لن ذلك وصـفه بمـا ليـس مـن صـفته‪ .‬وإنمـا كان‬
‫يجوز توج يه ذلك إلى ال صواب لو كان ذلك خبرا من ال عن الدا عي الحيران أن هم قالوا له‪:‬‬
‫تعال إلى الهدى فأمـا وهـو قائل‪ :‬يدعونـه إلى الهدى‪ ,‬فغيـر جائز أن يكون ذلك وهـم كانوا‬
‫يدعونه إلى الضلل‪.‬‬
‫وأما قوله‪ :‬ا ْئتِنا فإن معناه‪ :‬يقولون‪ :‬ائتنا هل ّم إلينا فحذف القول لدللة الكلم عليه‪ .‬وذكر عن‬
‫ابن مسعود أنه كان يقرأ ذلك‪« :‬يدعونه إلى الهدى بينا»‪.‬‬
‫‪10543‬ـ حدثنا بذلك ابن وكيع‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا غندر‪ ,‬عن شعبة‪ ,‬عن أبي إسحاق‪ ,‬قال‪ :‬قراءة عبد‬
‫ال‪« :‬يدعونه إلى الهدى بينا»‪.‬‬
‫‪ 10544‬ـ حدث نا القاسم‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا الح سين‪ ,‬قال‪ :‬ثني حجاج‪ ,‬عن ا بن جر يج‪ ,‬قال‪ :‬أخبرني‬
‫ع بد ال بن كث ير أ نه سمع مجاهدا يقول‪ :‬في قراءة ا بن م سعود‪« :‬ل ُه أ صحابٌ يدعون هُ إلى‬
‫الهدَى بينا»‪ .‬قال‪ :‬الهدى‪ :‬الطريق‪ ,‬أنه بين‪.‬‬
‫وإذا قرىء ذلك كذلك‪ ,‬كان البين من صفة الهدى‪ ,‬ويكون نصب البين على القطع من الهدى‪,‬‬
‫كأنه قيل‪ :‬يدعونه إلى الهدى البين‪ ,‬ثم نصب «البين» لما حذفت اللف واللم‪ ,‬وصار نكرة من‬
‫صفة المعر فة‪ .‬وهذه القراءة ال تي ذكرنا ها عن ا بن م سعود تؤ يد قول من قال‪ :‬الهدى في هذا‬
‫الموضع‪ :‬هو الهدى‪ ,‬على الحقيقة‪.‬‬
‫ن ُهدَى الّلهِ ُهوَ ال ُهدَى وُأمِرْنا َل ُنسِْلمَ ِلرَبّ العاَلمِينَ‪.‬‬
‫القول في تأويل قوله تعالى‪ :‬قُلْ إ ّ‬
‫يقول تعالى ذكره لنـبيه محمـد صـلى ال عليـه وسـلم‪ :‬قـل يـا محمـد لهؤلء العادليـن بربهـم‬
‫الوثان القائليـن لصـحابك‪ :‬اتبعوا سـبيلنا ولنحمـل خطاياكـم فإنـا على هدى‪ :‬ليـس المـر كمـا‬
‫ن ُهدَى اللّ هِ هُو الهدَى يقول‪ :‬إن طريق ال الذي بينه لنا وأوضحه وسبيلنا الذي أمرَنا‬
‫زعمتم إ ّ‬
‫بلزو مه ودينه الذي شرعه لنا فبينه‪ ,‬هو الهدى والستقامة التي ل ش كّ فيها‪ ,‬ل عبادة الوثان‬
‫ب العاَلمِي نَ‬
‫ق ونت بع البا طل‪ .‬وُأ ِمرْ نا ِلنُ سْلِمَ ِلرَ ّ‬
‫وال صنام ال تي ل تضرّ ول تن فع‪ ,‬فل نترك الح ّ‬
‫وربـ كلّ شيـء‪ ,‬تعالى وجهـه‪ ,‬لنسـلم له‪ :‬لنخضـع له بالذلة والطاعـة‬
‫ّ‬ ‫يقول‪ :‬وأمرنـا ربنـا‬
‫والعبود ية‪ ,‬فنخلص ذلك له دون ما سواه من النداد والَل هة‪ .‬و قد بي نا مع نى ال سلم بشواهده‬
‫فيما مضى من كتابنا بما أغنى عن إعادته‪ ,‬وقيل‪ :‬وُأ ِمرْنا ِلنُ سْلِمَ بمعنى‪ :‬وأمرنا كي نسلم‪ ,‬وأن‬
‫ب العالم ين‪ ,‬لن العرب ت ضع « كي» واللم ال تي بمع نى « كي» مكان «أن» و «أن»‬
‫ن سلم لر ّ‬
‫مكانها‪.‬‬
‫‪72‬‬ ‫الية ‪:‬‬
‫حشَرُونَ }‪..‬‬
‫{وََأنْ َأقِيمُو ْا الصّلةَ وَاتّقُوهُ وَهُ َو اّل ِذيَ إَِليْ ِه ُت ْ‬ ‫القول في تأويل قوله تعالى‪:‬‬
‫يقول تعالى ذكره‪ :‬وأمرنا أن أقيموا الصلة‪ .‬وإنما قيل‪ :‬وأنْ أقِيمُوا الصّلةَ فعطف ب «أن»‬
‫ن أقِيمُوا على معنى‪:‬‬
‫على اللم من «ِلنُ سْلِمَ» لن قوله‪« :‬لنسلم»‪ ,‬معناه‪ :‬أن نسلم‪ ,‬فردّ قوله‪ :‬وأ ْ‬
‫ل الم ستقبل من الفعال‪,‬‬
‫«لن سلم»‪ ,‬إذ كا نت اللم ال تي في قوله‪« :‬لن سلم»‪ ,‬ل ما ل ت صحب إ ّ‬
‫وكا نت «أن» من الحروف ال تي تدلّ على ال ستقبال دللة اللم ال تي في «لن سلم»‪ ,‬فع طف ب ها‬
‫علي ها لتفاق معنييه ما في ما ذكرت ف «أن» في مو ضع ن صب بالر ّد على اللم‪ .‬وكان ب عض‬
‫نحويي البصرة يقول‪ :‬إما أن يكون ذلك‪ :‬أمرنا لنسلم لر بّ العالمين‪ ,‬وأن أقيموا الصلة‪ ,‬يقول‪:‬‬
‫أمرنا كي نسلم‪ ,‬ك ما قال‪ :‬وُأ ِمرْ تُ أ نْ أكُو نَ مِ نَ ال ُم ْؤ ِمنِي نَ‪ :‬أي إنما أمرت بذلك‪ ,‬ثم قال‪ :‬وأ نْ‬
‫أقِيمُوا الصـّلةَ واتقوه‪ :‬أي ُأ ِمرْنـا أن أقيموا الصـلة أو يكون أوصـل الفعـل باللم‪ ,‬والمعنـى‪:‬‬
‫أمرت أن أكون‪ ,‬ك ما أو صل الف عل باللم في قوله‪ :‬هُ مْ ل َر ّبهِ مْ َيرْ َهبُو نَ‪ .‬فتأو يل الكلم‪ :‬وأمر نا‬
‫ب العالم ين‬
‫بإقا مة ال صلة‪ ,‬وذلك أداؤ ها بحدود ها ال تي فر ضت علي نا‪ .‬وَاتّقُو ُه يقول‪ :‬واتقوا ر ّ‬
‫الذي أمر نا أن ن سلم له‪ ,‬فخافوه واحذروا سخطه بأداء ال صلة المفرو ضة علي كم والذعان له‬
‫شرُونَ يقول‪ :‬وربكم ربّ العالمين هو الذي إليه‬
‫بالطاعة وإخلص العبادة له‪ .‬وَ ُهوَ اّلذِي إَل ْي ِه ُتحْ َ‬
‫تحشرون فتجمعون يوم القيامة‪ ,‬فيجازي كلّ عامل منكم بعمله‪ ,‬وتوفّى كل نفس ما كسبت‪.‬‬
‫‪73‬‬ ‫الية ‪:‬‬
‫ل كُن‬
‫سمَاوَاتِ وَالرْ ضَ بِا ْلحَ قّ َويَوْ َم يَقُو ُ‬
‫ق ال ّ‬
‫{وَ ُه َو اّلذِي خَلَ َ‬ ‫القول في تأو يل قوله تعالى‪:‬‬
‫خبِيرُ }‪..‬‬
‫حكِيمُ ا ْل َ‬
‫شهَادَةِ وَهُ َو ا ْل َ‬
‫خ فِي الصّ َورِ عَاِلمُ ا ْل َغيْبِ وَال ّ‬
‫حقّ وَلَ ُه ا ْلمُ ْلكُ َي ْومَ يُنفَ ُ‬
‫َفيَكُونُ قَوُْلهُ ا ْل َ‬
‫يقول تعالى ذكره ل نبيه مح مد صلى ال عل يه و سلم‪ :‬قل يا محمـد لهؤلء العادل ين برب هم‬
‫النداد‪ ,‬الداع يك إلى عبادة الوثان‪ :‬أمر نا لن سلم لر بّ العالم ين الذي خلق ال سموات بالح قّ‪ ,‬ل‬
‫من ل ينفع ول يضرّ ول يسمع ول يبصر‪.‬‬
‫َقـ فقال بعضهـم‪ :‬معنـى ذلك‪ :‬وهـو الذي خلق‬
‫واختلف أهـل التأويـل فـي تأويـل قوله‪ :‬بالح ّ‬
‫السـموات والرض حقّا وصـوابا‪ ,‬ل باطلً وخطـأ‪ ,‬كمـا قال تعالى ذكره‪ :‬وَمـا خَلَقْنـا السـّماءَ‬
‫ل قالوا‪ :‬وأدخلت فيه الباء واللف واللم‪ ,‬كما تفعل العرب في نظائر‬
‫والرْ ضَ وَما َب ْي َنهُما باطِ ً‬
‫ذلك‪ ,‬فتقول‪ :‬فلن يقول بالح قّ‪ ,‬بمع نى أ نه يقول الح قّ‪ .‬قالوا‪ :‬ول ش يء في قوله بالح قّ غ ير‬
‫إ صابته ال صواب ف يه‪ ,‬ل أن الح قّ مع نى غ ير القول‪ ,‬وإن ما هو صفة للقول إذا كان ب ها القول‬
‫كان القائل موصـوفا بالقول بالحقّـ وبقول الحقـّ‪ .‬قالوا‪ :‬فكذلك خلق السـموات والرض حكمـة‬
‫من حكم ال‪ ,‬فال موصوف بالحكمة خلقهما وخلق ما سواهما من سائر خلقه‪ ,‬ل أن ذلك ح قّ‬
‫سوى خَلْ ِقهِما خَلَ َقهُما به‪.‬‬
‫طوْعا أ ْو َكرْها‪.‬‬
‫وقال آخرون‪ :‬معنى ذلك‪ :‬خلق السموات والرض بكلمه وقوله لهما‪ :‬ا ْئتِيا َ‬
‫ل كُ نْ‬
‫ى به كل مه‪ .‬وا ستشهدوا لقيل هم ذلك بقوله‪َ :‬ويَوْ َم يَقُو ُ‬
‫قالوا‪ :‬فالح قّ في هذا المو ضع معن ّ‬
‫ن قَوْلُ هُ الحَ قّ الح قّ هو قوله وكل مه‪ .‬قالوا‪ :‬وال خلق الشياء بكل مه وقيله ك ما خلق به‬
‫َفيَكُو ُ‬
‫الشياء غ ير المخلو قة‪ .‬قالوا‪ :‬فإذ كان ذلك كذلك‪ ,‬و جب أن يكون كلم ال الذي خلق به الخلق‬
‫غير مخلوق‪.‬‬
‫ن فإن أهل العربية اختلفوا في العامل في «يَوْ َم يَقُولُ» وفي‬
‫وأما قوله‪َ :‬ويَوْ مَ يَقُولُ ُك نْ َف َيكُو ُ‬
‫معنـى ذلك فقال بعـض نحويـي البصـرة‪« :‬اليوم» مضاف إلى «يقول كـن فيكون»‪ ,‬قال‪ :‬وهـو‬
‫ن صب ول يس له خبر ظا هر‪ ,‬وال أعلم‪ ,‬و هو على ما ف سرت لك‪ .‬كأ نه يع ني بذلك أن ن صبه‬
‫خ فِي ال صّورِ‪ ,‬قال‪ :‬وقال بعض هم‪:‬‬
‫على‪« :‬واذ كر يوم يقول كن فيكون» قال‪ :‬وكذلك‪ :‬يَوْ َم ُينْفَ ُ‬
‫يوم ينفخ في الصور عالم الغيب والشهادة‪ .‬وقال بعضهم‪ :‬يقول كن فيكون‪ ,‬للصّور خاصة‪.‬‬
‫فمعنى الكلم على تأويلهم‪ :‬يوم يقول للصور كن فيكون قوله الحق‪ ,‬يوم ينفخ فيه عالم الغيب‬
‫ُنـ‬
‫ْمـ يَقُولُ ك ْ‬
‫والحقـ بالقول‪ .‬وقوله‪ :‬يَو َ‬
‫ّ‬ ‫والشهادة فيكون «القول» حينئذٍ مرفوعـا ب «الحقـّ»‪,‬‬
‫خ فِي الصّورِ صلة «الحقّ»‪.‬‬
‫َفيَكُونُ وَ َي ْومَ ُينْفَ ُ‬
‫ُونـ معنىّ بـه كلّ مـا كان ال معيده فـي الَخرة بعـد إفنائه‬
‫ُنـ فَ َيك ُ‬
‫وقال آخرون‪ :‬بـل قوله‪ :‬ك ْ‬
‫ومنشئه بعد إعدا مه‪ .‬فالكلم على مذ هب هؤلء متناه ع ند قوله‪ :‬كُ نْ َف َيكُو نُ وقوله‪ :‬قَوُْل ُه الحَ قّ‬
‫خبر مبتدأ‪.‬‬
‫وتأويله‪ :‬و هو الذي خلق ال سموات والرض بالح قّ‪ ,‬ويوم يقول للشياء‪ :‬كن فيكون‪ ,‬خلقه ما‬
‫بالح قّ بعد فنائهما‪ .‬ثم ابتدأ الخبر عن قوله ووعده خلقه أنه معيدهما بعد فنائهما عن أنه ح قّ‪,‬‬
‫فقال‪ :‬قوله هذا الح قّ الذي ل ش كّ ف يه‪ ,‬وأ خبر أن له الملك يوم ين فخ في ال صور‪ ,‬ف يوم يُن فخ‬
‫في ال صور يكون على هذا التأو يل من صلة «المُلك»‪ .‬و قد يجوز على هذا التأو يل أن يكون‬
‫خ فِي الصّو ِر من صلة «الحقّ»‪.‬‬
‫قوله‪ :‬يَ ْو َم ُينْفَ ُ‬
‫وقال آخرون‪ :‬بل مع نى الكلم‪ :‬ويوم يقول ل ما ف ني‪ « :‬كن» فيكون قوله الح قّ‪ ,‬فج عل القول‬
‫مرفوعا بقوله‪َ :‬و َيوْ مَ يَقُولُ ُك نْ َف َيكُو نُ وجعل قوله‪« :‬كن فيكون» للقول محلّ‪ ,‬وقوله‪ :‬يَوْ مَ ُينْ َف خُ‬
‫فِي ال صّو ِر من صلة «الح قّ»‪ .‬كأ نه وجّه تأو يل ذلك إلى‪ :‬ويومئذ قوله الح قّ يوم ُينْ فخ في‬
‫ال صور‪ .‬وإن ج عل على هذا التأو يل‪ :‬يوم ين فخ في ال صور‪ ,‬بيا نا عن اليوم الوّل‪ ,‬كان وج ها‬
‫خ فِي ال صّورِ وقوله‪ :‬يَوْ َم ُينْفَ خُ في‬
‫ق مرفوعا بقوله‪َ :‬يوْ مَ ُينْ َف ُ‬
‫صحيحا‪ ,‬ولو جعل قوله‪ :‬قَوُْل ُه الحَ ّ‬
‫ن من صلته كان جائزا‪.‬‬
‫الصورِ محلّ وقوله‪َ :‬و َي ْومَ يَقُولُ ُكنْ َف َيكُو ُ‬
‫والصـواب مـن القول فـي ذلك عندي أن يقال‪ :‬إن ال تعالى ذكره أخـبر أنـه المنفرد بخلق‬
‫ال سموات والرض دون كلّ ما سواه‪ ,‬معرّ فا من أشرك به من خل قه جهله في عبادة الوثان‬
‫والصنام وخطأ ما هم عليه مقيمون من عبادة ما ل يضرّ ول ينفع ول يقدر على اجتلب نفع‬
‫إلى نفسه ول دفع ضرّ عنها‪ ,‬ومحتجّا عليهم في إنكارهم البعث بعد الممات والثواب والعقاب‬
‫بقدرتـه على ابتداع ذلك ابتداء‪ ,‬وأن الذي ابتدع ذلك غيـر متعذّر عليـه إفناؤه ثـم إعادتـه بعـد‬
‫إفنائه‪ ,‬فقال‪ :‬و هو الذي خلق أي ها العادلون برب هم من ل ين فع ول يضرّ ول يقدر على ش يء‪,‬‬
‫ال سمواتِ والر ضَ بالح قّ‪ ,‬ح جة على خل قه‪ ,‬ليعرفوا ب ها صانعها ولي ستدلوا ب ها على عظ يم‬
‫ُونـ يقول‪ :‬ويوم يقول حيـن تبدّل‬
‫ُنـ َف َيك ُ‬
‫لك ْ‬‫ْمـ يَقُو ُ‬
‫قدرتـه وسـلطانه‪ ,‬فيخلصـوا له العبادة‪َ .‬و َيو َ‬
‫الرض غيـر الرض والسـموات كذلك‪« :‬كـن فيكون»‪ ,‬كمـا شاء تعالى ذكره‪ ,‬فتكون الرض‬
‫غير الرض عند قوله «كن»‪ ,‬فيكون متناهيا‪ .‬وإذا كان كذلك معناه وجب أن يكون في الكلم‬
‫محذوف يدلّ عليـه الظاهـر‪ ,‬ويكون معنـى الكلم‪ :‬ويوم يقول لذلك كـن فيكون تبدّل غيـر‬
‫ت والرْ ضَ بالحَ قّ ثم ابتدأ‬
‫سمَوَا ِ‬
‫ال سموات والرض‪ ,‬ويدلّ على ذلك قوله‪ :‬وَ ُهوَ اّلذِي خَلَ قَ ال ّ‬
‫الخبر عن القول فقال‪ :‬قَوْلُ ُه الحَ قّ بمعنى‪ :‬وعده هذا الذي وعد تعالى ذكره من تبديله السموات‬
‫ك يَوْ َم ُينْفَ خُ فِي ال صّورِ‬
‫والرض غ ير الرض وال سموات‪ ,‬الح قّ الذي ل شك ف يه‪ ,‬وََل ُه المُلْ ُ‬
‫فيكون قوله‪ :‬يَوْ مَ ُينْفَ خُ فِي ال صّورِ من صلة «الملك»‪ ,‬ويكون مع نى الكلم‪ :‬ول الملك يومئذ‬
‫لن النف خة الثان ية في ال صور حال تبد يل ال ال سموات والرض وغيره ما‪ .‬وجائز أن يكون‬
‫ن َف َيكُو نُ محلّ‬
‫ل كُ نْ َف َيكُو نُ‪ ,‬ويكون قوله‪ :‬كُ ْ‬
‫القول‪ ,‬أع نى قوله‪:‬الحَ قّ مرفو عا بقوله‪ :‬ويَوْ مَ يَقُو ُ‬
‫للقول مرافعا‪ .‬فيكون تأويل الكلم‪ :‬وهو الذي خلق السموات والرض بالحقّ‪ ,‬ويوم يبدّلها غير‬
‫السموات والرض فيقول لذلك كن فيكون قوله الحقّ‪.‬‬
‫وأما قوله‪ :‬وَل ُه المُلْكُ يَوْمَ ُينْ َفخُ فِي الصّورِ فإنه خَصّ بالخبر عن ملكه يومئذ‪ ,‬وإن كان المُلك‬
‫له خالصا في كلّ وقت في الدنيا والَخرة لنه عنى تعالى ذكره أنه ل منازع له فيه يومئذ ول‬
‫مدّعى له‪ ,‬وأنه المنفرد به دون كلّ من كان ينازعه فيه في الدنيا من الجبابرة فأذعن جميعهم‬
‫يومئذ له به‪ ,‬وعلموا أنهم كانوا من دعواهم في الدنيا في باطل‪.‬‬
‫واختلف في معنى الصور في هذا الموضع‪ ,‬فقال بعضهم‪ :‬هو قرن ينفخ فيه نفختان‪ :‬إحداهما‬
‫لفناء من كان حيّا على الرض‪ ,‬والثان ية لن شر كلّ م يت‪ .‬واعتلوا لقول هم ذلك بقوله‪َ :‬ونُ ِف خَ فِي‬
‫ن شاءَ اللّ ُه ثُ مّ نُ ِف خَ‬
‫ن فِي الرْ ضِ إلّ َم ْ‬
‫ت َومَ ْ‬
‫سمَوَا ِ‬
‫ن فِي ال ّ‬
‫سمَوَاتِ َومَ ْ‬
‫ص ِعقَ مَ نْ فِي ال ّ‬
‫ال صّورِ ف َ‬
‫خرَى فإذَا هُ ْم قِيا مٌ َي ْنظُرُو نَ وبالخبر الذي روى عن رسول ال صلى ال عليه وسلم أ نه‬
‫فِي هِ ُأ ْ‬
‫خ فِي هِ»‪ .‬وقال آخرون‪ :‬الصور في هذا الموضع‪ :‬جمع‬
‫ن ُينْفَ ُ‬
‫قال إذْ سئل عن الصور‪« :‬هُ َو َقرْ ٌ‬
‫صورة ينفخ فيها روحها فتحيا‪ ,‬كقولهم سُور لسور المدينة‪ ,‬وهو جمع سورة‪ ,‬كما قال جرير‪:‬‬
‫خشّعُ )‬
‫(سُورُ ال َمدِينَةِ والجِبالُ ال ُ‬
‫والعرب تقول‪ :‬نفخ في الصور‪ ,‬ونفخ الصورَ‪ .‬ومن قولهم‪ :‬نفخ الصور‪ ,‬قول الشاعر‪:‬‬
‫خ الصّورُ‬
‫ن حتى ُينْفَ َ‬
‫خرَاسا ُ‬
‫ج ْعدَة لم تُ ْفتَح ُقهُ ْن ُد ُزكُمْوَل ُ‬
‫ن َ‬
‫َلوْل اب ُ‬
‫وال صواب من القول في ذلك عند نا ما تظاهرت به الخبار عن ر سول ال صلى ال عل يه‬
‫ج ْب َهتَ هُ َي ْن َتظِرُ َمتَى يُ ْو َمرُ َف ُينْفَ خُ» وأنه قال‪:‬‬
‫حنَى َ‬
‫وسلم‪ ,‬أنه قال‪« :‬إ نّ إ سْرَافِيلَ َقدِ ا ْلتَقَ َم ال صّورَ َو َ‬
‫خ فِي هِ»‪ .‬وذكر عن ابن عباس أنه كان يقول في قوله‪ :‬يَوْ مَ ُينْفَ خُ فِي ال صّورِ‬
‫«ال صّورُ قَرْ نٌ ُينْ َف ُ‬
‫عاِلمُ ال َغيْبِ وَالشّهادَةِ يعني‪ :‬أن عالم الغيب والشهادة هو الذي ينفخ في الصور‪.‬‬
‫ي بن‬
‫‪ 10545‬ـ حدثني به المثنى‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا عبد ال بن صالح‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا معاوية‪ ,‬عن عل ّ‬
‫أبي طلحة‪ ,‬عن ابن عباس‪ ,‬في قوله‪ :‬عالِ مُ ال َغيْ بِ والشّهادَ ِة يعني‪ :‬أن عالم الغيب والشهادة هو‬
‫الذي ينفخ في الصور‪.‬‬
‫فكأن ا بن عباس تأوّل في ذلك أن قوله‪ :‬عالِ مُ ال َغيْ بِ وَالشّهادَةِ ا سم الفا عل الذي لم ي سمّ في‬
‫خ فِي ال صّو ِر وأن مع نى الكلم‪ :‬يوم ين فخ ال في ال صور عالم الغ يب والشهادة‪,‬‬
‫قوله‪ :‬يَوْ َم ُينْفَ ُ‬
‫كما تقول العرب‪ :‬أُكل طعامُك عبد ال‪ ,‬فتظهر اسم الَكل بعد أن قد جرى الخبر بما لم يسمّ‬
‫ْبـ‬
‫ِمـ ال َغي ِ‬
‫آكله‪ .‬وذلك وإن كان وجهـا غيـر مدفوع‪ ,‬فإن أحسـن مـن ذلك أن يكون قوله‪ :‬عال ُ‬
‫سمَوَاتِ والرْ ضَ بالحَ قّ‪.‬‬
‫وَالشّهادَةِ مرفوعا على أنه نعت ل الذي» في قوله‪ :‬وَ ُهوَ اّلذِي خَلَ قَ ال ّ‬
‫ورُوِي عنه أيضا أنه كان يقول‪ :‬الصور في هذا الموضع‪ :‬النفخة الولى‪.‬‬
‫‪ 10546‬ـ حدثني محمد بن سعد‪ ,‬قال‪ :‬ثني أبي‪ ,‬قال‪ :‬ثني عمي‪ ,‬قال‪ :‬ثني أبي‪ ,‬عن أبيه‪ ,‬عن‬
‫ابن عباس‪ ,‬قوله‪ :‬يَوْ مَ ُينْ َف خُ فِي ال صّورِ عالِ ُم ال َغيْ بِ والشّهادَ ِة يعني بالصور‪ :‬النفخة الولى‪ ,‬ألم‬
‫ن شاءَ ال ثمّ‬
‫ل مَ ْ‬
‫سمَوَاتِ َو َمنْ فِي الرْضِ إ ّ‬
‫ص ِعقَ مَنْ فِي ال ّ‬
‫تسمع أنه يقول‪َ :‬ونُفِخ فِي الصّو ِر فَ َ‬
‫ظرُونَ‪.‬‬
‫خرَى يعني الثانية‪ ,‬فإذَا ُهمْ قِيامٌ َي ْن ُ‬
‫خ فِيهِ ُأ ْ‬
‫نُفِ َ‬
‫ب والشّهادَةِ عالم ما تعاينون أي ها الناس‪ ,‬فتشاهدو نه‪ ,‬و ما يغ يب عن‬
‫ويع ني بقوله‪ :‬عالِ ُم ال َغيْ ِ‬
‫حواسكم وأبصاركم فل تحسونه ول تبصرونه‪ ,‬وهو الحكيم في تدبيره وتصريفه خلقه من حال‬
‫الوجود إلى العدم‪ ,‬ثم من حال العدم والفناء إلى الوجود‪ ,‬ثم في مجازات هم بما يجازيهم به من‬
‫ثواب أو عقاب‪ ,‬خبير بكلّ ما يعملونه ويكسبونه من حسن وسيء‪ ,‬حافظ ذلك عليهم‪ ,‬ليحازيهم‬
‫على كل ذلك‪ .‬يقول تعالى ذكره‪ :‬فاحذروا أيها العادلون بربكم عقابه‪ ,‬فإ نه عليم بكلّ ما تأتون‬
‫وتذرون‪ ,‬وهو لكم من وراء الجزاء على ما تعلمون‪.‬‬

‫‪74‬‬ ‫الية ‪:‬‬


‫َاكـ‬
‫ّيـ َأر َ‬
‫َصـنَاما آِلهَ ًة ِإن َ‬
‫خذُ أ ْ‬
‫ِيهـ آ َزرَ َأ َت ّت ِ‬
‫ِيمـ لب ِ‬
‫{وَِإ ْذ قَالَ ِإ ْبرَاه ُ‬ ‫القول فـي تأويـل قوله تعالى‪:‬‬
‫َوقَ ْو َمكَ فِي ضَلَلٍ ّمبِينٍ }‪..‬‬
‫ج به‬
‫يقول تعالى ذكره لنبيه محمد صلى ال عليه وسلم‪ :‬واذكر يا محمد لحجاجك الذي تحا ّ‬
‫قو مك وخ صومتك إيا هم في آلهت هم و ما تراجع هم في ها‪ ,‬م ما نلق يه إل يك ونعلم كه من البرهان‪,‬‬
‫والدللة على باطل ما عليه قومك مقيمون وصحة ما أنت عليه مقيم من الدين وحقية ما نت‬
‫عليهم محتج‪ ,‬حجا جَ إبراهيم خليلي قومه‪ ,‬ومراجعته إياهم في باطل ما كانوا عليه مقيمين من‬
‫خذْ ُه إماما وا ْق َتدِ به‪,‬‬
‫عبادة الوثان‪ ,‬وانقطاعه إلى ال والرضا به واليا وناصرا دون الصنام فات ِ‬
‫واج عل سيرته في قو مك لنف سك مثالً‪ ,‬إذ قال لب يه مفار قا لدي نه وعائ با عباد ته ال صنام دون‬
‫بارئه وخالقه‪ :‬يا آزر‪.‬‬
‫ثم اختلف أهل العلم في المعن يّ بآزر‪ ,‬وما هو؟ اسم أم صفة؟ وإن كان اسما‪ ,‬فمن المسمى‬
‫به؟ فقال بعضهم‪ :‬هو اسم أبيه‪ .‬ذكر من قال ذلك‪:‬‬
‫‪ 10547‬ـ حدث ني مح مد بن الح سين‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا أح مد بن المف ضل‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا أ سباط‪ ,‬عن‬
‫لبِي ِه آزَ َر قال‪ :‬اسم أبيه آزر‪.‬‬
‫ل إبْراهِيمُ َ‬
‫السديّ‪ :‬وَإ ْذ قا َ‬
‫‪10548‬ـ حدثنا ابن حميد‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا سلمة بن الفضل‪ ,‬قال‪ :‬ثني محمد بن إسحاق‪ ,‬قال‪ :‬آزر‪:‬‬
‫أ بو إبراه يم‪ .‬وكان في ما ذ كر ل نا وال أعلم رجلً من أ هل كُوثَى‪ ,‬من قر ية بال سواد‪ ,‬سواد‬
‫الكوفة‪.‬‬
‫‪ 10549‬ـ حدث ني ا بن البر قي‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا عمرو بن أ بي سلمة‪ ,‬قال‪ :‬سمعت سعيد بن ع بد‬
‫العزيز يذكر‪ ,‬قال‪ :‬هو آزر‪ ,‬وهو تارح‪ ,‬مثل إسرائيل ويعقوب‪.‬‬
‫وقال آخرون‪ :‬إنه ليس أبا إبراهيم‪ .‬ذكر من قال ذلك‪:‬‬
‫‪ 10550‬ـ حدثنا محمد بن حميد وسفيان بن وكيع‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا جرير‪ ,‬عن ليث‪ ,‬عن مجاهد‪,‬‬
‫قال‪ :‬ليس آزر أبا إبراهيم‪.‬‬
‫حدثني الحرث‪ ,‬قال‪ :‬ثني عبد العزيز‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا الثوريّ‪ ,‬قال‪ :‬أخبرني رجل‪ ,‬عن ابن أبي‬
‫ل إبْراهِيمُ لَبي ِه آ َزرَ قال‪ :‬آزر لم يكن بأبيه إنما هو صنم‪.‬‬
‫نجيح عن مجاهد‪ :‬وَإ ْذ قا َ‬
‫حدثنا ابن وكيع‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا يحيىبن يمان‪ ,‬عن سفيان‪ ,‬عن ابن أبي نجيح‪ ,‬عن مجاهد‪ ,‬قال‪:‬‬
‫آزر‪ :‬اسم صنم‪.‬‬
‫‪ 10551‬ـ حدث نا مح مد بن الح سين‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا أح مد بن المف ضل‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا أ سباط‪ ,‬عن‬
‫لبِي ِه آزَ َر قال‪ :‬اسم أبيه‪ .‬ويقال‪ :‬ل‪ ,‬بل اسمه تارج‪ ,‬واسم الصنم‬
‫ل إبْرَاهِي مُ َ‬
‫السديّ‪ ,‬قال‪ :‬وَإ ْذ قا َ‬
‫آزر يقول‪ :‬أتتخذ آزر أصناما آلهة‪.‬‬
‫وقال آخرون‪ :‬هو سبّ وعيب بكلمهم‪ ,‬ومعناه‪ :‬معوجّ‪ .‬كأنه تأوّل أنه عابه بزيغه واعوجاجه‬
‫عن الحقّ‪.‬‬
‫واختلفت القرّاء في قراءة ذلك‪ ,‬فقرأته عامة قرّاء المصار‪ :‬وَإذْ قالَ إ ْبرَاهِي مُ لَبي هِ آ َزرَ بفتح‬
‫«آزر» على إتباعه الب في الخفض‪ ,‬ولكنه لما كان اسما أعجميا فتحوه إذ لم يجرّوه وإن كان‬
‫في مو ضع خ فض‪ .‬وذ كر عن أ بي ز يد المدي ني والح سن الب صري أنه ما كا نا يقرآن ذلك‪:‬‬
‫«آزرُ»‪ ,‬بالرفع على النداء‪ ,‬بمعنى‪« :‬يا آزرُ»‪ .‬فأما الذي ذكر عن السديّ من حكايته أن آزر‬
‫اسم صنم‪ ,‬وإنما نصبه بمعنى‪« :‬أتتخذ آزر أصناما آلهة‪ ,‬فقول من الصواب من جهة العربية‬
‫بعيد وذلك أن العرب ل تنصب اسما بفعل بعد حرف الستفهام‪ ,‬ل تقول‪ :‬أخاك أكلمت‪ ,‬وهي‬
‫تريد‪ :‬أكلمت أخاك‪.‬‬
‫والصـواب مـن القراءة فـي ذلك عندي‪ ,‬قراءة مـن قرأ بفتـح الراء مـن «آزر»‪ ,‬على إتباعـه‬
‫إعراب «الب»‪ ,‬وأنه في موضع خفض‪ ,‬ففُتح إذ لم يكن جاريا لنه اسم عجميّ‪ .‬وإنما أجيزت‬
‫قراءة ذلك كذلك لجماع الحجة من القراء عليه‪.‬‬
‫وإذ كان ذلك هو ال صواب من القراءة وكان غ ير جائز أن يكون من صوبا بالف عل الذي ب عد‬
‫حرف الستفهام‪ ,‬صحّ لك فتحه من أحد وجهين‪ :‬إما أن يكون اسما لبي إبراهيم صلوات ال‬
‫عل يه وعلى جميـع أ نبيائه ور سله‪ ,‬فيكون فـي موضـع خ فض ردّا على الب‪ ,‬ولك نه ف تح ل ما‬
‫ذكرت من أنه لما كان اسما أعجميّا ترك إجراؤه‪ ,‬ففتح كما فتح العرب في أسماء العجم‪ .‬أو‬
‫يكون نعتـا له‪ ,‬فيكون أيضـا خفضـا بمعنـى تكريـر اللم عليـه‪ ,‬ولكنـه لمـا خرج مخرج أحمـر‬
‫وأسـود ترك إجراؤه وفعـل له كمـا يفعـل بأشكاله‪ .‬فيكون تأويـل الكلم حينئذ‪ :‬وإذ قال إبراهيـم‬
‫ل أ حد هذ ين الوجه ين‪,‬‬
‫لب يه آزر‪ :‬أتت خذ أ صناما آل هة؟ وإن لم يكون له وج هة في ال صواب إ ّ‬
‫فأولى القولين بالصواب منهما عندي‪ ,‬قول من قال‪ :‬هو اسم أبيه لن ال تعالى أخبر أنه أبوه‪.‬‬
‫وهو القول المحفوظ من قول أهل العلم دون القول الَخر الذي زعم قائله أنه نعت‪.‬‬
‫فإن قال قائل‪ :‬فإن أ هل الن ساب إن ما ين سبون إبراه يم إلى تارح‪ ,‬فك يف يكون آزر ا سما له‬
‫والمعروف به من ال سم تارح؟ ق يل له‪ :‬غ ير محال أن يكون له ا سمان‪ ,‬ك ما لكث ير من الناس‬
‫في دهرنا هذا‪ ,‬وكان ذلك فيما مضى لكثير منهم‪ .‬وجائز أن يكون لقبا‪ ,‬وال تعالى أعلم‪.‬‬
‫خذُ أصْناما آِلهَة إنّي أرَاكَ َوقَ ْو َمكَ فِي ضَللٍ ُمبِينٍ‪.‬‬
‫القول في تأويل قوله تعالى‪ :‬أ َت ّت ِ‬
‫وهذا خبر من ال تعالى ذكره عن قيل إبراهيم لبيه آزر أنه قال‪ :‬أتتخذ أصناما آلهة تعبدها‬
‫وتتخذها ربّا دون ال الذي خلقك ف سوّاك ورز قك والصنام‪ :‬جمع صنم‪ ,‬التمثال من حجر أو‬
‫خشب أو من غير ذلك في صورة إنسان‪ ,‬وهو الوثن‪ .‬وقد يقال للصورة المصوّرة على صورة‬
‫ن يقول‪ :‬إني أراك يا‬
‫ك فِي ضَللٍ ُمبِي ٍ‬
‫النسان في الحائط غيره‪ :‬صنم ووثن‪ .‬إنّي أرَا كَ َوقَ ْومَ َ‬
‫آزر وقومك الذين يعبدون معك الصنام ويتخذونها آلهة في ضَللٍ يقول‪ :‬في زوال عن محجة‬
‫ال حق‪ ,‬وعدول عن سبيل ال صواب ُمبِ ين يقول‪ :‬ي تبين ل من أب صره أ نه جور عن ق صد ال سبيل‬
‫وزوال عن مح جة الطر يق القو يم‪ .‬يع ني بذلك‪ :‬أ نه قد ضلّ هو و هم عن توح يد ال وعباد ته‬
‫الذي استوجب عليهم إخلص العبادة له بآلئه عندهم‪ ,‬دون غيره من الَلهة والوثان‪.‬‬

‫‪75‬‬ ‫الية ‪:‬‬


‫ن مِ نَ‬
‫سمَاوَاتِ وَالرْ ضِ وَِل َيكُو َ‬
‫ت ال ّ‬
‫{ َو َكذَلِ كَ ُنرِ يَ ِإ ْبرَاهِي مَ مََلكُو َ‬ ‫القول في تأويل قوله تعالى‪:‬‬
‫ا ْلمُو ِقنِينَ }‪..‬‬
‫يعني تعالى ذكره بقوله‪ :‬و َكذَلِ كَ‪ :‬وكما أريناه الب صيرة في دي نه والح قّ في خلف ما كانوا‬
‫عليه من الضلل‪ ,‬نريه ملكوت السموات والرض‪ ,‬يعني ملكه وزيدت فيه التاء كما زيدت في‬
‫«الجبروت» من الجبر‪ ,‬وكما قيل‪ :‬رهبوت خير من رحموت‪ ,‬بمعنى‪ :‬رهبة خير من رحمة‪.‬‬
‫وحكي عن العرب سماعا‪ :‬له ملكوت اليمن والعراق‪ ,‬بمعنى‪ :‬له ملك ذلك‪.‬‬
‫ت والرْ ضِ فقال بعضهم‪:‬‬
‫سمَوَا ِ‬
‫واختلف أهل التأويل في تأويل قوله‪ُ :‬نرِي إ ْبرَاهِي مَ مََلكُو تَ ال ّ‬
‫معنى ذلك‪ :‬نريه خلق السموات والرض‪ .‬ذكر من قال ذلك‪:‬‬
‫‪ 10552‬ـ حدث ني المث نى‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا ع بد ال بن صالح‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا معاو ية بن صالح‪ ,‬عن‬
‫ت والرْ ضِ‪ :‬أي خلق‬
‫سمَوَا ِ‬
‫عل يّ بن أبي طلحة‪ ,‬عن ابن عباس‪ ,‬قوله‪ُ :‬نرِي إ ْبرَاهِي مَ مََلكُو تَ ال ّ‬
‫السموات والرض‪.‬‬
‫‪ 10553‬ـ حدث نا ب شر بن معاذ‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا سعيد‪ ,‬عن قتادة‪ :‬و َكذَلِ كَ ُنرِي إبْرَاهِي َم مََلكُو تَ‬
‫سمَوَاتِ والرْضِ‪ :‬أي خلق السموات والرض‪ ,‬وليكون من الموقنين‪.‬‬
‫ال ّ‬
‫حدث ني مح مد بن سعد‪ ,‬قال‪ :‬ث ني أ بي‪ ,‬قال‪ :‬ث ني ع مي‪ ,‬قال‪ :‬ث ني أ بي‪ ,‬عن أب يه‪ ,‬عن ا بن‬
‫ت والرْضِـ يعنـي بملكوت السـموات والرض‪:‬‬
‫عباس‪ :‬و َكذَلِكَـ ُنرِي إ ْبرَاهِيمَـ مََلكُوتَـ السّـمَوَا ِ‬
‫خلق السموات والرض‪.‬‬
‫وقال آخرون‪ :‬معنى الملكوت‪ :‬الملك بنحو التأويل الذي أوّلناه‪ .‬ذكر من قال ذلك‪:‬‬
‫‪ 10554‬ـ حدثنا ابن حميد‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا يحيى بن واضح‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا عمر بن أبي زائدة‪ ,‬قال‪:‬‬
‫ض قال‪:‬‬
‫سمَوَاتِ والرْ ِ‬
‫سمعت عكرمة‪ ,‬وسأله رجل عن قوله‪َ :‬و َكذَلِ كَ ُنرِى إ ْبرَاهِي مَ مََلكُو تَ ال ّ‬
‫هو الملك‪ ,‬غير أنه بكلم النبَط «ملكوتَا»‪.‬‬
‫‪10555‬ــ حدث نا ا بن وك يع‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا أ بي‪ ,‬عن ا بن أ بي زائدة‪ ,‬عن عكر مة‪ ,‬قال‪ :‬هي‬
‫بالنبطية‪« :‬ملكوتا»‪.‬‬
‫وقال آخرون‪ :‬معنى ذلك‪ :‬آيات السموات والرض‪ .‬ذكر من قال ذلك‪:‬‬
‫‪10556‬ـ حدثنا هناد بن السريّ‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا وكيع‪ ,‬عن سفيان‪ ,‬عن منصور‪ ,‬عن مجاهد‪ :‬نُرِى‬
‫ض قال‪ :‬آيات السموات والرض‪.‬‬
‫ت والرْ ِ‬
‫سمَوَا ِ‬
‫إ ْبرَاهِيمَ مََلكُوتَ ال ّ‬
‫حدثني محمد بن عمرو‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا أبو عاصم‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا عيسى‪ ,‬عن ابن أبي نجيح‪ ,‬عن‬
‫ض قال‪ :‬آيات‪.‬‬
‫ت والرْ ِ‬
‫سمَوَا ِ‬
‫مجاهد‪ ,‬في قول ال تعالى ذكره‪ :‬و َكذَِلكَ ُنرِى إ ْبرَاهِيمَ مََلكُوتَ ال ّ‬
‫‪ 10557‬ـ حدث ني المث نى‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا أ بو حذي فة‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا ش بل‪ ,‬عن ا بن أ بي نج يح‪ ,‬عن‬
‫ت والرْضِ قال‪ :‬تفرّجت لبراهيم السموات السبع‪.‬‬
‫سمَوَا ِ‬
‫مجاهد‪ :‬و َكذَلِكَ ُنرِى إ ْبرَاهِيمَ مََلكُوتَ ال ّ‬
‫حتى العرش‪ ,‬فنظر فيهن‪ .‬وتفرّجت له الرضون السبع‪ ,‬فنظر فيهنّ‪.‬‬
‫‪ 10558‬ـ حدث ني مح مد بن الح سين‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا أح مد بن المف ضل‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا أ سباط عن‬
‫ن مِ نَ المُوقِنِي نَ قال‪ :‬أقيم على صخرة‪,‬‬
‫ت والرْ ضِ وَِل َيكُو َ‬
‫سمَوَا ِ‬
‫السديّ‪ :‬و َكذَلِ كَ ُنرِى مََلكُو تَ ال ّ‬
‫وفتحـت له السـموات‪ ,‬فنظـر إلى مُلك ال فيهـا حتـى نظـر إلى مكانـه فـي الجنـة وفتحـت له‬
‫جرَ هُ فِي ال ّدنْ يا يقول‪ :‬آتيناه مكا نه‬
‫الرضون ح تى نظر إلى أ سفل الرض‪ ,‬فذلك قوله‪ :‬وآ َتيْناه أ ْ‬
‫في الجنة‪ .‬ويقال‪ :‬أجره‪ :‬الثناء الحسن‪.‬‬
‫حدثنا القاسم‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا الحسين‪ ,‬قال‪ :‬ثني حجاج‪ ,‬عن ابن جريج‪ ,‬عن القاسم بن أبي بزّة‪,‬‬
‫ت والرْ ضِ قال‪ :‬فر جت له ال سموات‬
‫سمَوَا ِ‬
‫ت ال ّ‬
‫عن مجا هد‪ ,‬قوله‪ :‬و َكذَلِ كَ ُنرِى إبْرَاهِي مَ مََلكُو َ‬
‫فنظر إلى ما فيهن حتى انتهى بصره إلى العرش وفرّجت له الرضون السبع فنظر ما فيهن‪.‬‬
‫‪ 10559‬ـ حدث نا ا بن حم يد‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا حكام‪ ,‬عن عنب سة‪ ,‬عن سالم‪ ,‬عن سعيد بن جبير‪:‬‬
‫ت والرْ ضِ قال‪ :‬ك شف له عن أد يم ال سموات والرض‬
‫سمَوَا ِ‬
‫ت ال ّ‬
‫و َكذَلِ كَ ُنرِى إ ْبرَاهِي مَ مََلكُو َ‬
‫ب العزّة ل إله إلّ‬
‫حتى نظر إليه نّ على صخرة‪ ,‬والصخرة على حوت‪ ,‬والحوت على خاتم ر ّ‬
‫ال‪.‬‬
‫‪ 10560‬ـ حدثنا هناد وا بن وكيع‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا أ بو معاوية‪ ,‬عن عاصم‪ ,‬عن أبي عثمان‪ ,‬عن‬
‫سلمان‪ ,‬قال‪ :‬ل ما رأى إبراه يم ملكوت ال سموات والرض‪ ,‬رأى عبدا على فاح شة‪ ,‬فد عا عل يه‬
‫فهلك ثم رأى آ خر على فاح شة‪ ,‬فد عا عل يه فهلك ثم رأى آ خر على فاح شة‪ ,‬فد عا عل يه فهلك‪,‬‬
‫فقال‪ :‬أنزلوا عبدى ل يهلك عبادي‬
‫‪ 10561‬ـ حدثنا هناد‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا قبيصة‪ ,‬عن سفيان‪ ,‬عن طلحة بن عمرو‪ ,‬عن عطاء‪ ,‬قال‪:‬‬
‫ل ما ر فع ال إبراه يم في الملكوت في ال سموات‪ ,‬أشرف فرأى عبدا يز نى‪ ,‬فد عا عل يه فهلك ثم‬
‫رفع فأشرف فرأى عبدا يزنى‪ ,‬فدعا عليه فهلك ثم رفع فأشرف فرأى عبدا يزنى‪ ,‬فدعا عليه‪,‬‬
‫فنودي‪ :‬على رَسْلك يا إبراهيم فإنك عبد مستجاب لك وإني من عبدى على ثلث‪ :‬إما أن يتوب‬
‫إليّ فأتوب عليه‪ ,‬وإما أن أخرج منه ذرّية طيبة‪ ,‬وإما أن يتمادى فيما هو فيه‪ ,‬فأنا من ورائه‬
‫‪ 10562‬ـ حدث نا ا بن بشار‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا ا بن أ بي عد يّ وح مد بن جع فر‪ ,‬وع بد الوهاب‪ ,‬عن‬
‫عوف‪ ,‬عن أسامة‪ :‬أن إبراهيم خليل الرحمن حدّث نفسه أنه أرحم الخلق‪ ,‬وأن ال رفعه حتى‬
‫أشرف على أهل الرض‪ ,‬فأبصر أعمالهم فلما رآهم يعملون بالمعاصي‪ ,‬قال‪ :‬اللهمّ دمّر عليهم‬
‫فقال له ربه‪ :‬أنا أرحم بعبادي منك‪ ,‬اهبط فلعلهم أن يتوبوا إليّ ويرجعوا‬
‫وقال آخرون‪ :‬بل مع نى ذلك ما أ خبر تعالى أ نه أراه من النجوم والق مر والش مس‪ .‬ذ كر من‬
‫قال ذلك‪:‬‬
‫‪ 10563‬ـ حدث نا ا بن وك يع‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا أ بو خالد الح مر‪ ,‬عن جو يبر‪ ,‬عن الضحاك‪ :‬و َكذَلِ كَ‬
‫ت والرْضِ قال‪ :‬الشمس والقمر والنجوم‪.‬‬
‫سمَوَا ِ‬
‫ت ال ّ‬
‫ُنرِى إ ْبرَاهِيمَ مََلكُو َ‬
‫‪ 10564‬ـ حدث نا ا بن بشار‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا ع بد الرح من‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا سفان‪ ,‬عن من صور‪ ,‬عن‬
‫سمَوَاتِ والرْضِ قال‪ :‬الشمس والقمر‪.‬‬
‫مجاهد‪ :‬و َكذَِلكَ ُنرِى إ ْبرَاهِي َم مََلكُوتَ ال ّ‬
‫‪ 10565‬ـ حدثنا المث نى‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا ع بد ال بن صالح‪ ,‬قال‪ :‬ثني معاو ية‪ ,‬عن عل يّ بن أ بي‬
‫ض يعني به‪ :‬نريه‬
‫سمَوَاتِ والرْ ِ‬
‫طلحة‪ ,‬عن ا بن عباس‪ ,‬قوله‪ :‬و َكذَلِ كَ ُنرِى إ ْبرَاهِي مَ مََلكُو تَ ال ّ‬
‫الشمس والقمر والنجوم‪.‬‬
‫‪ 10566‬ـ حدثنا محمد بن عبد العلى‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا محمد بن ثور‪ ,‬عن معمر‪ ,‬عن قتادة‪ ,‬قال‪:‬‬
‫خبِىء إبراهيمُـ عليـه السـلم مـن جبار مـن الجبابرة‪ ,‬فجُعـل له رزقـه فـي أصـابعه‪ ,‬فإذا مصّـ‬
‫ُ‬
‫أصبعا من أصابعه وجد فيها رزقا‪ .‬فلما خرج أراه ال ملكوت السموات والرض فكان ملكوت‬
‫السموات‪ :‬الشمس والقمر والنجوم‪ ,‬وملكوت الرض‪ :‬الجبال والشجر والبحار‪.‬‬
‫حدثنا بشر بن معاذ‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا سعيد‪ ,‬عن قتادة‪ :‬ذكر لنا أن نبيّ ال إبراهيم عليه السلم‬
‫ص أصبعا من‬
‫سرَب‪ ,‬وجعل رزقه في أطرافه‪ ,‬فجعل ل يمُ ّ‬
‫فُرّ به من جبار مترف‪ ,‬فجعل في َ‬
‫سرَب أراه ال ملكوت السموات‪ ,‬فأراه شمسا‬
‫أصابعه إلّ وجد فيها رزقا فلما خرج من ذلك ال ّ‬
‫وقمرا ونجومـا وسـحابا وخلقـا عظيمـا وأراه ملكوت الرض‪ ,‬فأراه جبالً وبحورا وأنهارا‬
‫وشجرا ومن كلّ الدواب‪ ,‬وخلقا عظيما‪.‬‬
‫وأولى القوال فـي تأويـل ذلك بالصـواب‪ ,‬قول من قال‪ :‬عنـى ال تعالى بقوله‪ :‬و َكذَلِكَـ نُرِى‬
‫ض أنه أراه ملك السموات والرض‪ ,‬وذلك ما خلق فيهما من‬
‫ت والرْ ِ‬
‫سمَوَا ِ‬
‫إ ْبرَاهِي مَ مََلكُو تَ ال ّ‬
‫الشمس والقمر والنجوم والشجر والدوابّ وغير ذلك من عظيم سلطانه فيهما‪ ,‬وجلّى له بواطن‬
‫المور وظواهرها لما ذكرنا قبل من معنى الملكوت في كلم العرب فيما مضى قبل‪.‬‬
‫ن المُو ِقنِي نَ فإنه يعني‪ :‬أنه أراه ملكوت السموات والرض ليكون ممن‬
‫ن مِ َ‬
‫وأما قوله‪ :‬وَِل َيكُو َ‬
‫يتوحد بتوحيد ال‪ ,‬ويعلم حقية ما هداه له وبصره إياه من معرفة وحدانيته وما عليه قومه من‬
‫الضللة من عبادتهم واتخاذهم آلهة دون ال تعالى‪.‬‬
‫وكان ابن عباس يقول في تأويل ذلك‪ ,‬ما‪:‬‬
‫‪ 10567‬ـ حدثني به محمد بن سعد‪ ,‬قال‪ :‬ثني أبي‪ ,‬قال‪ :‬ثني عمي‪ ,‬قال‪ :‬ثني أبي‪ ,‬عن أبيه‪,‬‬
‫ن أ نه جلى له ال مر سرّه وعلني ته‪ ,‬فلم يَ خف عل يه‬
‫ن المُو ِقنِي َ‬
‫عن ا بن عباس‪ ,‬قوله‪ :‬وَِل َيكُو نَ مِ َ‬
‫شيء من أعمال الخلئق فلما جعل يلعن أصحاب الذنوب‪ ,‬قال ال‪ :‬إنك ل تستطيع هذا‪ ,‬فردّه‬
‫ال كما كان قبل ذلك‪.‬‬
‫فتأو يل ذلك على هذا التأو يل‪ :‬أريناه ملكوت ال سموات والرض‪ ,‬ليكون م من يو قن علم كلّ‬
‫شيء حسّا ل خبرا‪.‬‬
‫‪ 10568‬ـ حدث ني العباس بن الول يد‪ ,‬قال‪ :‬أ خبرني أ بي‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا أ بو جابر‪ ,‬قال‪ :‬وحدث نا‬
‫الوزاعي أيضا قال‪ :‬ثني خالد بن اللجلج‪ ,‬قال‪ :‬سمعت عبد الرحمن بن عياش يقول‪ :‬صلى‬
‫ب نا ر سول ال صلى ال عل يه و سلم ذات غداة‪ ,‬فقال له قائل‪ :‬ما رأ يت أ سعد م نك الغداة قال‪:‬‬
‫ح ّمدُ؟ قُلْتُ‪ :‬أنْتَ‬
‫صمُ الملُ العْلَى يا ُم َ‬
‫ختَ ِ‬
‫«وَمالي َو َقدْ أتانِي رَبي فِي أحْسَنِ صُو َرةٍ‪ ,‬فقال‪ :‬ففِي َم َي ْ‬
‫ت والرْ ضِ»‪ .‬ثم تل هذه الَية‪ :‬و َكذَلِ كَ ُنرِي‬
‫سمَوَا ِ‬
‫ن َكتِفَ يّ‪َ ,‬فعَِلمْ تُ ما فِي ال ّ‬
‫أعْلَ مُ فَوضَ عَ َي َد هُ بي َ‬
‫ت والرْضِ وَِل َيكُونَ ِمنَ المُو ِقنِينَ‪.‬‬
‫سمَوَا ِ‬
‫إ ْبرَاهِيمَ مََلكُوتَ ال ّ‬

‫‪76‬‬ ‫الية ‪:‬‬


‫ل رَأَى كَ ْوكَبا قَالَ هَـذَا َربّي فََلمّآ َأفَلَ قَالَ‬
‫ج نّ عََليْ هِ الّْليْ ُ‬
‫{فَلَمّا َ‬ ‫القول في تأويل قوله تعالى‪:‬‬
‫لفِلِينَ }‪..‬‬
‫باَ‬
‫ل ُأحِ ّ‬
‫جنّةُ‪ ,‬يقال م نه‪ :‬ج نّ عل يه الل يل‪ ,‬وجنّه الل يل‪ ,‬وأجنّه‪,‬‬
‫يقول تعالى ذكره‪ :‬فل ما واراه الل يل و َ‬
‫وَأجَنّ عليه‪ ,‬وإذا ألقيت «على» كان الكلم باللف أفصح منه بغير اللف‪« ,‬أجنه الليل» أفصح‬
‫من «أجن عليه»‪ ,‬و «جنّ عليه الليل» أفصح من «جنّه»‪ ,‬وكل ذلك مقبول مسموع من العرب‪.‬‬
‫جنَانا‪ ,‬ومن‬
‫جنُونا و َ‬
‫جنّا و ُ‬
‫جنّه الليل في أسد وأجنّه وجنّه في تميم‪ ,‬والمصدر من ج نّ عليه َ‬
‫وَ‬
‫ن من ذلك‪ ,‬لنهم استَجنّوا عن أعين بني آدم‬
‫ن الليل‪ ,‬والج ّ‬
‫ن إجْنانا‪ ,‬ويقال‪ :‬أتى فلن في جِ ّ‬
‫أج ّ‬
‫جنّ ومنه قول الهُذليّ‪:‬‬
‫ل ما توارى عن أبصار الناس فإن العرب تقول فيه‪ :‬قد َ‬
‫فل ُيرَوْن وك ّ‬
‫سدَفُ الدْ َهمُ‬
‫جنّ ُه ال ّ‬
‫وَماءٍ َو َردْتُ ُق َبيْلَ ال َكرَى َو َقدْ َ‬
‫عبِيد‪:‬‬
‫وقال َ‬
‫ب‬
‫جنّ ُه الّليْلُ َمرْهُو ِ‬
‫صدَى َمخُوفٍ إذا ما َ‬
‫ح البومُ فِي ِه معَ ال ّ‬
‫خرْقٍ َتصِي ُ‬
‫َو َ‬
‫ومنه‪ :‬أجننت الميت‪ :‬إذا واريته في اللحد‪ ,‬وجننته‪ .‬وهو نظير جنون الليل في معنى‪ :‬غطيته‪.‬‬
‫ن به فيغطيه ويواريه‪.‬‬
‫ومنه قيل للترس‪ِ :‬مجَنّ‪ ,‬لنه َيجُنّ من استج ّ‬
‫وقوله‪ :‬رَأى كَ ْوكَ با يقول‪ :‬أب صر كوك با ح ين طلع قالَ َهذَا رَ بي‪ .‬فرُوي عن ا بن عباس في‬
‫ذلك‪ ,‬ما‪:‬‬
‫‪ 10569‬ـ حدثني به المثنى‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا أبو صالح‪ ,‬قال‪ :‬ثني معاوية بن صالح‪ ,‬عن عل يّ بن‬
‫ت والرْ ضِ وَِل َيكُو نَ ِم نَ‬
‫سمَوَا ِ‬
‫أبي طلحة‪ ,‬عن ابن عباس‪ ,‬قوله‪ :‬و َكذَلِ كَ ُنرِي إ ْبرَاهِي مَ مََلكُو تَ ال ّ‬
‫ل رَأى كَ ْوكَبا قالَ َهذَا رَبي فعبده‬
‫المُو ِقنِي نَ يعني به‪ :‬الشمس والقمر والنجوم‪ .‬فََلمّا جَ نّ عََل ْي هِ الّليْ ُ‬
‫ح تى غاب‪ ,‬فل ما غاب قال‪ :‬ل أح بّ الَفل ين فل ما رأى الق مر باز غا قال‪ :‬هذا ر بي فعبده ح تى‬
‫ن من القوم الضالّ ين‪ .‬فل ما رأى الش مس باز غة‬
‫غاب فل ما غاب قال‪ :‬لئن لم يهد ني ر بي لكون ّ‬
‫قال‪ :‬هذا ربي‪ ,‬هذا أكبر فعبدها حتى غابت فلما غابت قال‪ :‬يا قوم إني بريء مما تشركون‪.‬‬
‫جنّ عََليْ ِه الّليْلُ رأى‬
‫‪10570‬ـ حدثني بشر‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا يزيد‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا سعيد‪ ,‬عن قتادة‪ :‬فَلَمّا َ‬
‫ن علم أن ربه دائم ل يزول فقرأ حتى بلغ‪َ :‬هذَا‬
‫لفِلِي َ‬
‫باَ‬
‫ل ل ُأحِ ّ‬
‫ل قا َ‬
‫ل َهذَا رَبي فََلمّا أفَ َ‬
‫كَ ْوكَبا قا َ‬
‫رَبي َهذَا أ ْكبَ ُر رأى خلقا هو أكبر من الخلقين الوّلين وأنور‪.‬‬
‫وكان سبب قيل إبراهيم ذلك‪ ,‬ما‪:‬‬
‫‪10571‬ـ حدثني به محمد بن حميد‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا سلمة بن الفضل‪ ,‬قال‪ :‬ثني محمد بن إسحاق‪,‬‬
‫فيما ذكر لنا وال أعلم‪ :‬أن آزر كان رجلً من أهل كُوثَى من قرية بالسواد سوادِ الكوفة‪ ,‬وكان‬
‫حجّة على قومه ورسولً‬
‫إذ ذاك مُلْك المشرق لنمرود بن كنعان فلما أراد ال أن يبعث إبراهيم ُ‬
‫إلى عباده‪ ,‬ولم يكن فيما بين نوح وإبراهيم نبيّ إلّ هود وصالح فلما تقارب زمان إبراهيم الذي‬
‫أراد ال ما أراد‪ ,‬أتى أصحابُ النجوم نمرود‪ ,‬فقالوا له‪ :‬تعلّ مْ أنا نجد في عِلْمنا أن غلما يولد‬
‫في قري تك هذه يقال له إبراه يم‪ ,‬يفارق دين كم ويك سر أوثان كم في ش هر كذا وكذا من سنة كذا‬
‫وكذا‪ .‬فل ما دخلت ال سنة التي وصف أ صحاب النجوم لنمرود‪ ,‬ب عث نمرود إلى كلّ امرأة حبلى‬
‫ل ما كان من أ ّم إبراه يم امرأة آزر‪ ,‬فإ نه لم يعلم بحبل ها‪ ,‬وذلك أن ها‬
‫بقري ته‪ ,‬فحب سها عنده‪ ,‬إ ّ‬
‫ح َدثَة في ما ُيذْكَر لم يعرف الحبل في بطن ها‪ .‬ولما أراد ال أن يبلغ بولدها أراد أن‬
‫كانت امرأة َ‬
‫ل غلم ولد في ذلك الشهر من تلك السنة حذَرا على ملكه‪ ,‬فجعل ل تلد امرأة غلما في‬
‫يقتل ك ّ‬
‫ذلك الش هر من تلك ال سنة إلّ أ مر به فذُ بح فل ما َوجَدت أ مّ إبراه يم الطّلْق‪ ,‬خر جت ليلً إلى‬
‫صنَع مع المولود‪ ,‬ثم‬
‫مغارة كا نت قري با من ها‪ ,‬فولدت في ها إبراه يم‪ ,‬وأ صلحت من شأ نه ما يُ ْ‬
‫سدّت عليه المغارة‪ ,‬ثم رجعت إلى بيتها‪ .‬ثم كانت تطالعه في المغارة‪ ,‬فتنظر ما فعل‪ ,‬فتجده‬
‫حيّا يم صّ إبها مه‪ ,‬يزعمون وال أعلم أن ال ج عل رزق إبراه يم في ها و ما يجيئه من م صه‪.‬‬
‫وكان آزر فيمـا يزعمون‪ ,‬سـأل أمّـ إبراهيـم عـن حملهـا مـا فعـل؟ فقالت‪ :‬ولدت غلمـا فمات‪.‬‬
‫فصـدّقها‪ ,‬فسـكت عنهـا‪ .‬وكان اليوم فيمـا يذكرون على إبراهيـم فـي الشباب كالشهـر والشهـر‬
‫كال سنة‪ ,‬فلم يل بث إبراه يم في المغارة إلّ خم سة ع شر شهرا‪ ,‬ح تى قال ل مه‪ :‬أخرجي ني أن ظر‬
‫فأخرجتـه عِشاء‪ ,‬فنظـر وتفكـر فـي خلق السـموات والرض‪ ,‬وقال‪ :‬إن الذي خلقنـي ورزقنـي‬
‫وأطعم ني و سقاني لر بي‪ ,‬ما لي إله غيره ثم ن ظر في ال سماء فرأى كوك با‪ ,‬قال‪ :‬هذا ر بي ثم‬
‫ب الَفلين ثم طلع القمر فرآه بازغا‪ ,‬قال‪:‬‬
‫أتبعه ينظر إليه ببصره‪ ,‬حتى غاب‪ ,‬فلما أفل‪ :‬ل أح ّ‬
‫لكوننـ مـن القوم‬
‫ّ‬ ‫هذا ربـي ثـم أتبعـه بصـره حتـى غاب‪ ,‬فلمـا أفَلَ قال‪ :‬لئن لم يهدنـي ربـي‬
‫عظَ مَ الشمس‪ ,‬ورأى شيئا هو أعظم نورا من‬
‫الضالين فلما دخل عليه النهار وطلعت الشمس‪ ,‬أَ ْ‬
‫كلّ شيـء رآه قبـل ذلك‪ ,‬فقال‪ :‬هذا ربـي‪ ,‬هذا أكـبر فلمـا أفلت قال‪ :‬يـا قوم إنـي برىء ممـا‬
‫تشركون‪ ,‬إ ني وج هت وج هي للذي ف طر ال سموات والرض حني فا و ما أ نا من المشرك ين‪ .‬ثم‬
‫رجع إبراهيم إلى أبيه آزر وقد استقامت وجهته وعرف ربه وبرىء من دين قومه‪ ,‬إلّ أنه لم‬
‫يبادئهم بذلك‪ .‬وأخبر أنه ابنه‪ ,‬وأخبرته أمّ إبراهيم أنه ابنه‪ ,‬وأخبرته بما كانت صنعت من شأنه‪,‬‬
‫ف سُ ّر بذلك آزر وفرح فر حا شديدا‪ .‬وكان آزر ي صنع أ صنام قو مه ال تي يعبدون ها‪ ,‬ثم يعطي ها‬
‫إبراهي مَ يبيعها‪ ,‬فيذهب بها إبراهيم فيما يذكرون‪ ,‬فيقول‪ :‬من يشتري ما يضرّه ول ينفعه؟ فل‬
‫يشتري ها م نه أ حد‪ ,‬وإذا بارت عل يه‪ ,‬وذ هب ب ها إلى ن هر فضرب ف يه رءو سها‪ ,‬وقال‪ :‬اشر بي‬
‫استهزاءً بقومه وما هم عليه من الضللة حتى فشا عيبه إياها واستهزاؤه بها في قومه وأهل‬
‫قريته‪ ,‬من غير أن يكون ذلك بلغ نُمرود الملك‪.‬‬
‫وأنكر قوم من غير أهل الرواية هذا القول الذي رُوي عن ابن عباس‪ ,‬وعمن رُوِي عنه من‬
‫ي ابتعثه بالرسالة‬
‫أن إبراهيم قال للكوكب أو للقمر‪ :‬هذا ربي وقالوا‪ :‬غير جائز أن يكون ل نب ّ‬
‫ل ما يعبد من دونه‬
‫أتى عليه وقت من الوقات وهو بالغ إلّ وهو ل موحد وبه عارف ومن ك ّ‬
‫برىء‪ .‬قالوا‪ :‬ولو جاز أن يكون قد أتى عليه بعض الوقات وهو به كافر لم يجز أن يختصه‬
‫بالرسالة‪ ,‬لنه ل معنى فيه إلّ وفي غيره من أهل الكفر به مثله‪ ,‬وليس بين ال وبين أحد من‬
‫خلقه مناسبة فيحابيه باختصاصه بالكرامة‪ .‬قالوا‪ :‬وإنما أكرم من أكرم منهم لفضله في نفسه‪,‬‬
‫فأثابه لستحقاقه الثواب بما أثابه من الكرامة‪ .‬وزعموا أن خبر ال عن قيل إبراهيم عند رؤيته‬
‫الكوكـب أو القمـر أو الشمـس‪« :‬هذا ربـي»‪ ,‬لم يكـن لجهله بأن ذلك غيـر جائز أن يكون ربـه‬
‫وإنمـا قال ذلك على وجـه النكار منـه أن يكون ذلك ربـه‪ ,‬وعلى العيـب لقومـه فـي عبادتهـم‬
‫ج من الصنام‪ ,‬ولم تكن مع ذلك‬
‫ن وأبه َ‬
‫الصنام‪ ,‬إذ كان الكوكب والقمر والشمس أضوأَ وأحْ سَ َ‬
‫معبودة‪ ,‬وكانت آفلة زائلة غير دائمة‪ ,‬والصنام التي دونها في الحسن وأصغر منها في الجسم‪,‬‬
‫ـ أن ل تكون معبودة ول آلهـة‪ .‬قالوا‪ :‬وإنمـا قال ذلك لهـم معارضـة‪ ,‬كمـا يقول أحـد‬
‫أحق ّ‬
‫المتناظرين لصاحبه معارضا له في قول باطل قال به بباطل من القول على وجه مطالبته إياه‬
‫بالفرقان ب ين القول ين الفا سدين عنده اللذ ين ي صحح خ صمه أحده ما ويدّ عي ف ساد الَ خر‪ .‬وقال‬
‫آخرون من هم‪ :‬بل ذلك كان م نه في حال طفولي ته وق بل قيام الح جة عل يه‪ ,‬وتلك حال ل يكون‬
‫فيهـا كفـر ول إيمان‪ .‬وقال آخرون منهـم‪ :‬وإنمـا معنـى الكلم‪ :‬أهذا ربـي على وجـه النكار‬
‫والتوب يخ أي ل يس هذا ر بي‪ .‬وقالوا‪ :‬قد تف عل العرب م ثل ذلك‪ ,‬فتحذف اللف ال تي تدلّ على‬
‫معنى الستفهام‪ .‬وزعموا أن من ذلك قول الشاعر‪:‬‬
‫رفُونِي وقالُوا يا خُوَيِل ُد ل ُترَعْفقلتُ وأنكرْتُ ال ُوجُو َه ُهمُ ُهمُ‬
‫يعني‪« :‬أهم هم»؟ قالوا‪ :‬ومن ذلك قول أوس‪:‬‬
‫ن ِمنْ َقرِ‬
‫ث اب ُ‬
‫شعَيْ ُ‬
‫سهْمٍ أ ْم ُ‬
‫ن َ‬
‫ش َعيْثُ ب ُ‬
‫ت دَارِيا ُ‬
‫َل َع ْم ُركَ ما أ ْدرِي وإنْ ُكنْ َ‬
‫بمعنى‪ :‬أشعيث بن سهم؟ فحذف الولف‪ .‬ونظائر ذلك‪ .‬وأما تذكير «هذا» في قوله‪ :‬فََلمّا رأى‬
‫ل َهذَا رَبي فإنما هو على معنى‪ :‬هذا الشيء الطالع ربي‪.‬‬
‫الشمْسَ بازِغَ ًة قا َ‬
‫لكُونَ نّ مِ نَ القَوْ مِ‬
‫ن لَ مْ َي ْه ِدنِي رَبي َ‬
‫وفي خبر ال تعالى عن قيل إبراهيم حين أفل القمر‪َ :‬ل ِئ ْ‬
‫ن الدليل على خطأ هذه القوال التي قالها هؤلء القوم‪ .‬وأن الصواب من القول في ذلك‪:‬‬
‫الضّالّي َ‬
‫القرار بخبر ال تعالى الذي أخبر به عنه والعراض عما عداه‪.‬‬
‫ل فإن معناه‪ :‬فلما غاب وذهب‪ .‬كما‪:‬‬
‫وأما قوله فََلمّا أفَ َ‬
‫‪10572‬ـ حدثنا ابن حميد‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا سلمة بن الفضل‪ ,‬قال‪ :‬قال ابن إسحاق‪ :‬الفول‪ :‬الذهاب‪,‬‬
‫ل ُأفُولً وَأفْلً‪ :‬إذا غاب ومنه قول ذي الرّمة‪.‬‬
‫ل النجم يأفُلُ ويأْفِ ُ‬
‫يقال منه‪ :‬أفَ َ‬
‫مصابيحُ َل ْيسَتْ بالّلوَاتِي يَقُودُها ُنجُومٌ وَل بالَفلتِ الدّوَاِلكِ‬
‫ويقال‪ :‬أين أفلت عنا؟ بمعنى‪ :‬أين غبت عنا‪.‬‬

‫‪77‬‬ ‫الية ‪:‬‬


‫{فَلَمّآ رَأَى الْ َق َمرَ بَازِغا قَالَ هَ ـذَا رَبّي فَلَمّآ َأفَلَ قَالَ َلئِن لّ مْ‬ ‫القول في تأو يل قوله تعالى‪:‬‬
‫ن الْقَ ْو ِم الضّالّينَ }‪..‬‬
‫ن مِ َ‬
‫َي ْهدِنِي َربّي لكُونَ ّ‬
‫يقول تعالى ذكره‪ :‬فلمـا طلع القمـر فرآه إبراهيـم طالعـا وهـو بزوغـه‪ ,‬يقال منـه‪ :‬بزغـت‬
‫الشمـس تبزُغ بُزوغـا إذا طلعـت‪ ,‬وكذلك القمـر‪ .‬قالَ َهذَا رَبـي فَلَمّا أفَلَ يقول‪ :‬فلمـا غاب‪ ,‬قالَ‬
‫ن ال َقوْ مِ الضّالّي نَ‪ :‬أي‬
‫لكُون نّ مِ َ‬
‫ق في توحيده َ‬
‫إبراهيم‪ :‬لَئ نْ لَ ْم َي ْهدِنِي رَبي ويوفقني لصابة الح ّ‬
‫من القوم الذ ين أخطئوا الح قّ في ذلك‪ ,‬فلم ي صيبوا الهدى‪ ,‬وعبدوا غ ير ال‪ .‬و قد بي نا مع نى‬
‫الضلل في غير هذا الموضع بما أغنى عن إعادته في هذا الموضع‪.‬‬
‫‪78‬‬ ‫الية ‪:‬‬
‫القول في تأويل قوله تعالى‪:‬‬
‫شمْ سَ بَازِغَ ًة قَالَ هَـذَا َربّي هَـذَآ َأ ْك َبرُ فََلمّآ َأفَلَ تْ قَالَ يَ َقوْ مِ ِإنّي َب ِريَءٌ ّممّا‬
‫{فَلَماّ رَأَى ال ّ‬
‫ُتشْ ِركُونَ }‪..‬‬
‫غةً فل ما رأى إبراه يم الش مس طال عة‪ ,‬قالَ‬
‫س بازِ َ‬
‫شمْ َ‬
‫يع ني تعالى ذكره (بقوله)‪ :‬فَلَمّا رأى ال ّ‬
‫هَذا الطالع رَبـي َهذَا أ ْك َبرُ يعنـي‪ :‬هذا أكـبر مـن الكوكـب والقمـر‪ ,‬فحذف «ذلك» لدللة الكلم‬
‫ل إبراهيم لقومه‪ :‬يا قَوْ َم إنّي َبرِي ٌء ِممّا ُتشْ ِركُو نَ‪ :‬أي من‬
‫عليه‪ .‬فََلمّا أفَلَتْ يقول‪ :‬فلما غابت‪ ,‬قا َ‬
‫عبادة الَلهة والصنام ودعائه إلها مع ال تعالى‪.‬‬

‫‪79‬‬ ‫الية ‪:‬‬


‫حنِيفا َومَآ‬
‫سمَاوَاتِ وَالرْ ضَ َ‬
‫طرَ ال ّ‬
‫جهِ يَ لِّلذِي َف َ‬
‫جهْ تُ َو ْ‬
‫{ِإنّي َو ّ‬ ‫القول في تأويل قوله تعالى‪:‬‬
‫ن ا ْل ُمشْ ِركِينَ }‪..‬‬
‫َأ َناْ مِ َ‬
‫وهذا خبر من ال تعالى ذكره عن خليله إبراهيم عليه السلم‪ ,‬أنه لما تبين له الح قّ وعرفه‪,‬‬
‫شهد شهادة الح قّ‪ ,‬وأظهر خلف قومه أهل الباطل وأهل الشرك بال‪ ,‬ولم يأخذه في ال لومة‬
‫لئم‪ ,‬ولم ي ستوحش من ق يل الح قّ والثبات عل يه‪ ,‬مع خلف جم يع قو مه لقوله وإنكار هم إياه‬
‫عل يه‪ ,‬وقال ل هم‪ :‬يا قوم إ ني بر يء م ما تشركون مع ال الذي خلق ني وخلق كم في عباد ته من‬
‫آلهت كم وأ صنامكم‪ ,‬إ ني وج هت وج هي في عباد تي إلى الذي خلق ال سموات والرض‪ ,‬الدائم‬
‫الذي يبقى ول يفنى ويحيي ويميت‪ ,‬ل إلى الذي يفنَى ول يبقَى ويزول ول يدوم ول يضرّ ول‬
‫ينفع‪ .‬ثم أخبرهم تعالى ذكره أن توجيهه وجهه لعبادته بإخلص العبادة له والستقامة في ذلك‬
‫لربه على ما يجب من التوحيد‪ ,‬ل على الوجه الذي يوجه له وجهه من ليس بحنيف‪ ,‬ولكنه به‬
‫مشرك‪ ,‬إذ كان توجيه الوجه ل على التحنيف غير نافع موجهه بل ضارّه ومهلكه‪ .‬وَما أنا ِم نَ‬
‫ال ُمشْ ِركِينَ يقول‪ :‬ولست منكم أي لست ممن يدين دينكم ويتبع ملتكم أيها المشركون‪.‬‬
‫وبنحو الذي قلنا في ذلك كان ابن زيد يقول‪.‬‬
‫‪10573‬ــ حدثنـي يو نس‪ ,‬قال‪ :‬أخبر نا ا بن و هب‪ ,‬قال‪ :‬قال ا بن ز يد في قول قوم إبراه يم‬
‫سمَوَاتِ والرْ ضَ فقالوا‪ :‬ما‬
‫طرَ ال ّ‬
‫جهِ يَ لّلذِي فَ َ‬
‫جهْ تُ َو ْ‬
‫لبراهيم‪ :‬تركت عبادة هذه؟ فقال‪ :‬إنّي َو ّ‬
‫حنِيفا قال‪ :‬مخلصا‪ ,‬ل أشركه كما تشركون‪.‬‬
‫جئت بشيء ونحن نعبده ونتوجهه‪ ,‬فقال‪ :‬ل َ‬

‫‪80‬‬ ‫الية ‪:‬‬


‫ل َأخَافُ مَا‬
‫{ َوحَآجّ ُه قَ ْومُ ُه قَالَ َأ ُتحَاجّ َونّي فِي اللّ هِ َو َقدْ َهدَانِي َو َ‬ ‫القول في تأويل قوله تعالى‪:‬‬
‫شيْءٍ عِلْما َأفَلَ َت َت َذكّرُونَ }‪..‬‬
‫ل َ‬
‫شيْئا َوسِعَ َربّي كُ ّ‬
‫ُتشْ ِركُونَ بِ ِه ِإلّ أَن َيشَآ َء َربّي َ‬
‫يقول تعالى ذكره‪ :‬وجادل إبراه يم قو مه في توح يد ال وبراء ته من ال صنام وكان جدال هم‬
‫إياه قول هم‪ :‬إن آلهت هم ال تي يعبدون ها خ ير من إل هه‪ .‬قالَ إبراه يم‪ :‬أتُحاجّونِي فِي الّل هِ يقول‪:‬‬
‫أتجادلونني في توحيدي ال وإخلصي العمل له دون ما سواه من آلهة‪َ ,‬و َقدْ َهدَا نِ يقول‪ :‬وقد‬
‫ت أن ل ش يء يستحقّ أن ُيعْ بد‬
‫وفقني ربي لمعرفة وحداني ته‪ ,‬وب صّرني طريق الح قّ حتى ألِفْ ُ‬
‫ن بِ هِ يقول‪ :‬ول أر هب من آلهت كم ال تي تدعون ها من دو نه شيئا‬
‫ش ِركُو َ‬
‫سواه‪ .‬ول أخَا فُ ما ُت ْ‬
‫ينال ني في نف سي من سوء ومكروه وذَلك أن هم قالوا له‪ :‬إ نا نخاف أن تم سك آلهت نا ب سوء من‬
‫خبْل‪ ,‬لذكرك إياها بسوء فقال لهم إبراهيم‪ :‬ل أخاف ما تشركون بال من هذه الَلهة‬
‫َبرَص أو َ‬
‫شيْئا يقول‪ :‬ولكن خوفي‬
‫أن تنالني بضرّ ول مكروه‪ ,‬لنها ل تنفع ول تَضرّ إلّ أ نْ يَشاءَ رَبي َ‬
‫من ال الذي خلق ني وخلق ال سموات والرض‪ ,‬فإ نه إن شاء أن ينال ني في نف سي أو مالي ب ما‬
‫شاء من فناء أو بقاء أو زيادة أو نقصان أو غير ذلك نالني به‪ ,‬لنه القادر على ذلك‪.‬‬
‫وبنحو الذي قلنا في ذلك كان ابن جريج يقول‪.‬‬
‫جرَيج‪ :‬وَحاجّ هُ قَ ْو ُم هُ‬
‫‪ 10574‬ـ حدثنا القاسم‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا الح سين‪ ,‬قال‪ :‬ثني حجاج‪ ,‬عن ابن ُ‬
‫ن قال‪ :‬دعا قومه مع ال آلهة‪ ,‬وخوّفوه بآلهتهم أن يصيبه منها‬
‫قال أتُحاجّونِي فِي الّل هِ َو َقدْ َهدَا ِ‬
‫شرِكُو نَ‬
‫ن قال‪ :‬قد عرفت ربي‪ ,‬ل أخا فُ ما ُت ْ‬
‫خبل‪ ,‬فقال إبراه يم‪ :‬أتُحاجّونِي فِي اللّ هِ َو َقدْ َهدَا ِ‬
‫بِهِ‪.‬‬
‫ل ش يء فل يخ فى عل يه ش يء‪ ,‬ل نه خالق كلّ‬
‫شيْءٍ عِلْ ما يقول‪ :‬وعلم ر بي ك ّ‬
‫ل َ‬
‫وَ سِ َع رَ بي كُ ّ‬
‫شيء‪ ,‬وليس كالَلهة التي ل تضرّ ول تنفع ول تفهم شيئا‪ ,‬وإنما هي خشبة منحوتة وصورة‬
‫ن يقول‪ :‬أفل تع تبرون أي ها الجهلة فتعقلوا خ طأ ما أن تم عل يه مقيمون من‬
‫ممثّلة‪ .‬أفَل َت َتذَ ّكرُو َ‬
‫عبادت كم صورة م صوّرة وخش بة منحو تة‪ ,‬ل تقدر على ضرّ ول على ن فع ول تف قه شيئا ول‬
‫ل شيء والعالم‬
‫تعقله‪ ,‬وترككم عبادة من خلقكم وخلق كلّ شيء‪ ,‬وبيده الخير وله القدرة على ك ّ‬
‫لكلّ شيء‪.‬‬

‫‪81‬‬ ‫الية ‪:‬‬


‫شرَ ْكتُم بِاللّ ِه مَا لَ مْ‬
‫شرَ ْكتُ مْ َولَ َتخَافُو نَ َأ ّنكُ مْ َأ ْ‬
‫{ َو َكيْ فَ َأخَا فُ مَآ َأ ْ‬ ‫القول في تأويل قوله تعالى‪:‬‬
‫ن إِن كُن ُتمْ َتعَْلمُونَ }‪..‬‬
‫ق بِالمْ ِ‬
‫ن َأحَ ّ‬
‫ل بِهِ عََل ْي ُكمْ سُ ْلطَانا َفَأيّ الْ َفرِي َقيْ ِ‬
‫ُينَزّ ْ‬
‫وهذا جواب إبراه يم لقو مه ح ين خوّفوه من آلهت هم أن تم سه لذكره إيا ها ب سوء في نف سه‬
‫بمكروه‪ ,‬فقال ل هم‪ :‬وك يف أخاف وأر هب ما أشركتموه في عبادت كم رب كم فعبدتموه من دو نه‬
‫و هو ل يضرّ ول ين فع ولو كا نت تن فع أو تض ّر لدف عت عن أنف سها ك سرى إيا ها وضر بى ل ها‬
‫بالفأس‪ ,‬وأنتم ل تخافون ال الذي خلقكم ورزقكم وهو القادر على نفعكم وضرّكم في إشراككم‬
‫في عبادتكم إياه ما لَ مْ ُي َنزّلْ ِب هِ عََل ْيكُ مْ سُلْطانا يعني‪ :‬ما لم يعطكم على إشراككم إياه في عبادته‬
‫لمْ نِ يقول‪ :‬أنا‬
‫ن أحَ قّ با َ‬
‫حجة‪ ,‬ولم يضع لكم عليه برهانا‪ ,‬ولم يجعل لكم به عذرا‪ .‬فَأ يّ ال َفرِي َقيْ ِ‬
‫أح قّ بال من من عاق بة عباد تي ر بي مخل صا له العبادة حني فا له دي ني بريئا من عبادة الوثان‬
‫والصنام‪ ,‬أم أنتم الذين تعبدون من دون ال أصناما لم يجعل ال لكم بعبادتكم إياها برهانا ول‬
‫ج به عليكم‪ ,‬فقولوا‬
‫ن ُك ْنتُمْ َتعَْلمُونَ يقول‪ :‬إن كنتم تعلمون صدق ما أقول وحقيقة ما أحت ّ‬
‫حجة؟ إ ْ‬
‫وأخبروني أيّ الفريقين أحقّ بالمن‪.‬‬
‫وبنحو الذي قلنا في ذلك‪ ,‬كان محمد بن إسحاق يقول فيما‪:‬‬
‫‪ 10575‬ـ حدث نا ا بن حم يد‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا سَلَمة‪ ,‬قال‪ :‬قال مح مد بن إ سحاق‪ ,‬في قوله‪ :‬و َكيْ فَ‬
‫شرَ ْكتُمْ وَل تَخافُو نَ أ ّنكُمْ أشْر ْكتُمْ بالّلهِ يقول‪ :‬كيف أخاف وثنا تعبدون من دون ال ل‬
‫ف ما أ ْ‬
‫أخا ُ‬
‫يضرّ ول ين فع‪ ,‬ول تخافون أن تم الذي يضرّ وين فع‪ ,‬و قد جعل تم م عه شركاء ل تضرّ ول تن فع‪.‬‬
‫ن ُك ْنتُ مْ َتعَْلمُو نَ‪ :‬أي بالمن من عذاب ال في الدنيا والَخرة الذي‬
‫ق بالمْ نِ إ ْ‬
‫ن أحَ ّ‬
‫فَأ يّ ال َفرِي َقيْ ِ‬
‫يعبـد‪ ,‬الذي بيده الضرّ والنفـع؟ أم الذي يعبـد مـا ل يضرّ ول ينفـع؟ يضرب لهـم المثال‪,‬‬
‫ويصرّف لهم العبر‪ ,‬ليعلموا أن ال هو أحقّ أن يُخاف ويعبد مما يعبدون من دونه‪.‬‬
‫‪ 10576‬ـ حدثني المثنى‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا إسحاق‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا عبد ال بن أبي جعفر‪ ,‬عن أبيه‪ ,‬عن‬
‫ش َر ْكتُ مْ وَل‬
‫الرب يع‪ ,‬قال‪ :‬أفلج ال إبراه يم عل يه ال سلم ح ين خا صمهم‪ ,‬فقال‪ :‬و َكيْ فَ أخا فُ ما أ ْ‬
‫ن ُك ْنتُ مْ‬
‫ن أحَ قّ بالمْ نِ إ ْ‬
‫ش َر ْكتُ مْ باللّ ِه ما لَ ْم ُينَزّلْ ِب هِ عََل ْيكُ مْ سُلْطانا فَأ يّ ال َفرِي َقيْ ِ‬
‫ن أنّك مْ أ ْ‬
‫تَخافو َ‬
‫جتُنا آ َتيْناها إ ْبرَاهِيمَ على قَ ْومِهِ‪.‬‬
‫حّ‬‫َتعَْلمُونَ‪ .‬ثم قال‪َ :‬وتِ ْلكَ ُ‬
‫‪10577‬ـ حدثني المثنى‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا أبو حذيفة مالك قال‪ :‬حدثنا شبل‪ ,‬عن ابن أبي نجيح‪ ,‬عن‬
‫ن هي حجة إبراهيم عليه السلم‪.‬‬
‫حقّ بالمْ ِ‬
‫نأَ‬
‫مجاهد‪ :‬قول إبراهيم حين سألهم‪ :‬أيّ ال َفرِيقَي ِ‬
‫حدثني محمد بن عمرو‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا أبو عاصم‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا عيسى‪ ,‬عن ابن أبي نجيح‪ ,‬عن‬
‫ن أحَ قّ بالمْ نِ قال‪ :‬وهي حجة‬
‫مجاهد في قول ال تعالى عن إبراهيم حين سألهم‪ :‬فَأ يّ ال َفرِي َقيْ ِ‬
‫إبراهيم عليه السلم‪.‬‬
‫‪ 10578‬ـ حدث نا القا سم‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا الح سين‪ ,‬قال‪ :‬ث ني حجاج‪ ,‬عن ا بن جر يج‪ ,‬قال‪ :‬فَأ يّ‬
‫ن أ من يع بد ر با واحدا‪ ,‬أم من يع بد أربا با كثيرة؟ يقول‬
‫ن ُك ْنتُ ْم َتعَْلمُو َ‬
‫نإ ْ‬
‫لمْ ِ‬
‫ال َفرِي َقيْ نِ أحَ قّ با َ‬
‫قومه‪ :‬الذين آمنوا بربّ واحد‪.‬‬
‫‪ 10579‬ـ حدث ني يو نس‪ ,‬قال‪ :‬أخبر نا ا بن و هب‪ ,‬قال‪ :‬قال ا بن ز يد‪ ,‬في قوله‪ :‬فَأ يّ ال َفرِي َقيْ نِ‬
‫ن أ من خاف غ ير ال ولم يخ فه؟ أم من خاف ال ولم ي خف غيره؟‬
‫ن ُك ْنتُ مْ َتعَْلمُو َ‬
‫لمْ نِ إ ْ‬
‫أحَ قّ با َ‬
‫ن آ َمنُوا وَل ْم يَ ْلبِسُوا إيمَا َنهُمْ ِبظُ ْلمٍ‪ ...‬الَية‪.‬‬
‫فقال ال تعالى‪ :‬اّلذِي َ‬

‫‪82‬‬ ‫الية ‪:‬‬


‫{اّلذِي نَ آ َمنُو ْا وَلَ مْ يَ ْلبِ سُوَاْ إِيمَا َنهُ مْ ِبظُلْ مٍ ُأوْلَـ ِئكَ َلهُ مُ المْ نُ وَهُ مْ‬ ‫القول في تأويل قوله تعالى‪:‬‬
‫ّم ْهتَدُونَ }‪..‬‬
‫ن آ َمنُوا‬
‫اختلف أ هل التأو يل في الذي أ خبر تعالى ذكره ع نه أ نه قال هذا القول‪ ,‬أع ني‪ :‬اّلذِي َ‬
‫وَل مْ يَ ْلبِ سُوا إيمَا َنهُ مْ ِبظُلْ مٍ‪ ...‬الَ ية‪ .‬فقال بعض هم‪ :‬هذا ف صل القضاء من ال ب ين إبراه يم خليله‬
‫عليه السلم وبين من حاجّه من قومه من أهل الشرك بال‪ ,‬إذ قال لهم إبراهيم‪ :‬و َكيْ فَ أخا فُ‬
‫ش َر ْكتُمْ باللّهِ ما َلمْ ُي َنزّلْ بِهِ عََل ْيكُمْ سُلْطانا فَأيّ ال َفرِي َقيْنِ أحَق بالمْنِ‬
‫ن أ ّنكُمْ أ ْ‬
‫ش َر ْكتُمْ وَل تَخافُو َ‬
‫ما أ ْ‬
‫إنْ ُك ْنتُمْ َتعَْلمُونَ؟ فقال ال تعالى فاصلً بينه وبينهم‪ :‬الذين صدّقوا ال‪ ,‬وأخلصوا له العبادة‪ ,‬ولم‬
‫َيخْلِطوا عبادتهم إياه وتصديقهم له بظلم‪ ,‬يعني‪ :‬بشرك‪ ,‬ولم يشركوا في عبادته شيئا‪ ,‬ثم جعلوا‬
‫عبادت هم ل خال صا أح قّ بال من من عقا به مكروه عباد ته من الذ ين يشركون في عبادت هم إياه‬
‫الوثان والصنام‪ ,‬فإنهم الخائفون من عقابه مكروه عبادتهم أما في عاجل الدنيا فإنهم وجلون‬
‫سخْط ال بهم‪ ,‬وأما في الَخرة فإنهم الموقنون بأليم عذاب ال‪ .‬ذكر من قال ذلك‪:‬‬
‫من حلول ُ‬
‫‪ 10580‬ـ حدث نا ا بن حم يد‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا سلمة بن الف ضل‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا أح مد بن إ سحاق‪ ,‬قال‪:‬‬
‫يقول ال تعالى ذكره‪ :‬اّلذِينَ آ َمنُوا وَلمْ يَ ْل ِبسُوا إيمَا َن ُهمْ ِبظُلْمٍ‪ :‬أي الذين أخلصوا كإخلص إبراهيم‬
‫ك َلهُ مُ المْ نُ‬
‫صلى ال عليه وسلم لعبادة ال وتوحيده‪ .‬ولم يَ ْلبِ سُوا إيما َنهُ مْ بظُلْ مٍ أي بشرك‪ ,‬أُوَلئِ َ‬
‫وَهُ مْ ُم ْه َتدُو نَ المن من العذاب والهدى في الحجة بالمعرفة والستقامة يقول ال تعالى‪َ :‬وتِلْ كَ‬
‫حكِيمٌ عَليمٌ‪.‬‬
‫ك َ‬
‫ن َربّ َ‬
‫ن نَشاءُ إ ّ‬
‫ت مَ ْ‬
‫جتُنا آ َتيْناها إ ْبرَاهِيمَ على قَ ْومِهِ َن ْرفَعُ َدرَجا ٍ‬
‫حّ‬‫ُ‬
‫ن أحَق‬
‫‪10581‬ـ حدثني يونس‪ ,‬قال‪ :‬أخبرنا بن وهب‪ ,‬قال‪ :‬قال بن زيد‪ ,‬في قوله‪ :‬فأيّ ال َفرِي َقيْ ِ‬
‫ن قال‪ :‬فقال ال وقضى بينهم‪ :‬اّلذِي نَ آ َمنُوا ولَ ْم يَ ْلبِ سُوا إيمَا َنهُ مْ ِبظُلْ مٍ قال‪:‬‬
‫ن ُك ْنتُ مْ َتعَْلمُو َ‬
‫نإ ْ‬
‫لمْ ِ‬
‫با َ‬
‫ن فأما الذنوب فليس يبرى منها أحد‪.‬‬
‫ن وهم ُم ْه َتدُو َ‬
‫بشرك‪ ,‬قال‪ :‬أوَل ِئكَ َل ُهمُ المْ ُ‬
‫وقال آخرون‪ :‬هذا جواب من قوم إبراه يم صلى ال عل يه و سلم لبراه يم ح ين قال ل هم‪ :‬أ يّ‬
‫الفريقيـن أحقّـ بالمـن؟ فقالوا له‪ :‬الذيـن آمنوا بال فوحدوه أحقّـ بالمـن إذا لم يلبسـوا إيمانهـم‬
‫بظلم‪ .‬ذكر من قال ذلك‪:‬‬
‫‪ 10582‬ـ حدثنا القاسم‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا الح سين‪ ,‬قال‪ :‬ثني حجاج‪ ,‬عن ابن جريج‪ :‬فأ يّ ال َفرِي َقيْ نِ‬
‫ن ُك ْنتُ مْ َتعَْلمُو نَ أمن يعبد ربا واحدا أم من يعبد أربابا كثيرة؟ يقول قومه‪ :‬اّلذِي نَ‬
‫لمْ نِ إ ْ‬
‫أحَ قّ با َ‬
‫آ َمنُوا وَلمْ يَ ْل ِبسُوا إيمَانَ ُهمْ ِبظُ ْلمٍ بعبادة الوثان‪ ,‬وهي حجة إبراهيم أُوَل ِئكَ َل ُهمُ المْنَ وَ ُهمْ ُم ْه َتدُونَ‪.‬‬
‫وأولى القوليـن فـي ذلك عندي بالصـواب‪ ,‬قول مـن قال‪ :‬هذا خـبر مـن ال تعالى عـن أول‬
‫الفريقين بالمن‪ ,‬وفصل قضاء منه بين إبراهيم صلى ال عليه وسلم وبين قومه‪ ,‬وذلك أن ذلك‬
‫لو كان من قول قوم إبراه يم الذ ين كانوا يعبدون الوثان ويشركون ها في عبادة ال‪ ,‬لكانوا قد‬
‫أقرّوا بالتوح يد واتبعوا إبراه يم على ما كانوا يخالفو نه ف يه من التوح يد‪ ,‬ولك نه ك ما ذكرت من‬
‫تأويله بدءا‪.‬‬
‫واختلف أ هل التأو يل في المع نى الذي عناه ال تعالى بقوله‪ :‬ولَ ْم يَ ْلبِ سُوا إيمَا َنهُ مْ ِبظُلْ ٍم فقال‬
‫بعضهم‪ :‬بشرك‪ .‬ذكر من قال ذلك‪:‬‬
‫‪ 10583‬ـ حدث نا أ بو كر يب‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا ا بن إدر يس‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا الع مش‪ ,‬عن إبراه يم‪ ,‬عن‬
‫ن آ َمنُوا ولَ مْ يَ ْلبِ سُوا إيمَا َنهُ مْ ِبظُلْ مٍ ش قّ ذلك‬
‫علق مة‪ ,‬عن ع بد ال قال‪ :‬ل ما نزلت هذه الَ ية‪ :‬اّلذِي َ‬
‫على أصحاب رسول ال صلى ال عليه وسلم‪ ,‬قال‪ :‬فقال رسول ال صلى ال عليه وسلم‪« :‬أل‬
‫عظِي مٌ؟»‪ .‬قال أبو كريب‪ ,‬قال ابن إدريس‪ :‬حدثنيه أولً‬
‫شرْ كَ َلظُلْ مٌ َ‬
‫ل لُ ْقمَا نَ‪ :‬إ نّ ال ّ‬
‫َترَوْ نَ إلى قَوْ ِ‬
‫أبي عن أبان بن تغلب عن العمش‪ ,‬ثم سمعته قيل له‪ :‬من العمش؟ قال‪ :‬نعم‪.‬‬
‫حدثني عيسى بن عثمان بن عيسى الرملي قال‪ :‬ثني عمي يحيى بن عيسى‪ ,‬عن العمش‪,‬‬
‫ن آ َمنُوا ولَمْ يَ ْلبِسُوا إيمَانَهُمْ ِبظُلْمٍ شقّ‬
‫عن إبراهيم‪ ,‬عن علقمة‪ ,‬عن عبد ال‪ ,‬قال‪ :‬لما نزلت‪ :‬اّلذِي َ‬
‫ذلك على المسلمين‪ ,‬فقالوا‪ :‬يا رسول ال ما منا أحد إل وهو يظلم نفسه‪ ,‬فقال رسول ال صلى‬
‫عظِيمٌ؟»‪.‬‬
‫ش ْركَ َلظُ ْلمٌ َ‬
‫ل لُ ْقمَانَ ل ْبنِهِ‪ :‬إنّ ال ّ‬
‫ن إلى قَوْ ِ‬
‫س َمعُو َ‬
‫س ِبذَلِكَ‪ ,‬أل َت ْ‬
‫ال عليه وسلم «َليْ َ‬
‫حدثنا هناد‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا وكيع‪ ,‬عن العمش‪ ,‬عن إبراهيم‪ ,‬عن علقمة‪ ,‬عن عبد ال‪ ,‬قال‪ :‬لما‬
‫نزلت هذه الَية‪ :‬اّلذِي نَ آ َمنُوا ولَ مْ يَ ْلبِ سُوا إيمَا َنهُ مْ ِبظُلْ ٍم ش قّ ذلك على أصحاب رسول ال صلى‬
‫ال عل يه و سلم‪ ,‬وقالوا‪ :‬أي نا لم يظلم نف سه؟ قال‪ :‬فقال ر سول ال صلى ال عل يه و سلم‪َ« :‬ليْ سَ‬
‫عظِيمٌ»‪.‬‬
‫شرْكَ َلظُ ْلمٌ َ‬
‫ن ال ّ‬
‫ظنّونَ‪ ,‬وإ ّنمَا ُهوَ َكمَا قالَ ُل ْقمَانُ ل ْبنِهِ‪ :‬ل ُتشْ ِركْ باللّهِ إ ّ‬
‫َكمَا َت ُ‬
‫حدث نا هناد‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا أ بو معاو ية‪ ,‬عن الع مش‪ ,‬عن إبراه يم‪ ,‬عن علق مة‪ ,‬عن ع بد ال‪,‬‬
‫قال‪ :‬ل ما نزلت هذه الَ ية‪ :‬اّلذِي نَ آ َمنُوا ولَ ْم يَ ْلبِ سُوا إيمَا َنهُ مْ ِبظُلْ مٍ ش قّ ذلك على الناس‪ ,‬فقالوا يا‬
‫رسول ال‪ ,‬وأينا ل يظلم نفسه؟ فقال‪« :‬إنّ ُه َليْ سَ َكمَا َت ْعنُو نَ‪ ,‬أَلَ ْم تَ سْ َمعُوا ما قالَ ال َع ْبدُ ال صّالِحُ‪:‬‬
‫شرْك»‪.‬‬
‫عظِيمٌ؟ إنما ُهوَ ال ّ‬
‫ن الشّ ْركَ َلظُ ْلمٌ َ‬
‫ش ِركْ باللّهِ إ ّ‬
‫يا ُب َنيّ ل ُت ْ‬
‫‪ 10584‬ـ حدث نا ا بن بشار‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا ع بد الرح من‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا سفيان‪ ,‬عن الع مش‪ ,‬عن‬
‫ن آ َمنُوا وَل ْم يَ ْلبِسُوا إيمَا َنهُمْ ِبظُ ْلمٍ قال‪ :‬بشرك‪.‬‬
‫إبراهيم‪ ,‬عن علقمة‪ ,‬في قوله‪ :‬اّلذِي َ‬
‫‪10585‬ـ حدثني يحيى بن طلحة اليربوعي‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا فضيل‪ ,‬عن منصور‪ ,‬عن إبراهيم‪ ,‬في‬
‫ن آ َمنُوا وَلمْ يَ ْل ِبسُوا إيمَانَ ُهمْ ِبظُ ْلمٍ قال‪ :‬بشرك‪.‬‬
‫قوله‪ :‬اّلذِي َ‬
‫حدثنا ابن وكيع‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا جرير عن العمش‪ ,‬عن إبراهيم‪ ,‬عن علقمة‪ ,‬عن عبد ال‪ ,‬قال‪:‬‬
‫ل ما نزلت هذه الَ ية‪ :‬اّلذِي نَ آ َمنُوا ولَ مْ يَ ْلبِ سُوا إيمَا َنهُ مْ ِبظُلْ مٍ ش قّ ذلك على أ صحاب ر سول ال‬
‫صلى ال عليه وسلم‪ ,‬وقالوا‪ :‬أينا لم يلبس إيمانه بظلم؟ فقال النبي صلى ال عليه وسلم‪َ« :‬ليْسَ‬
‫عظِيمٌ؟»‪.‬‬
‫ش ْركَ ِلظُ ْلمٌ َ‬
‫ل لُ ْقمَانَ‪ :‬إنّ ال ّ‬
‫س َمعُوا قَوْ َ‬
‫ِبذَِلكَ‪ ,‬أَلمْ َت ْ‬
‫‪10586‬ـ حدثنا ابن وكيع‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا جرير وابن إدريس‪ ,‬عن الشيباني‪ ,‬عن أبي بكر بن أبي‬
‫ن آ َمنُوا وَل ْم يَ ْل ِبسُوا إيمَا َنهُ ْم بِظُ ْلمٍ قال‪ :‬بشرك‪.‬‬
‫موسى‪ ,‬عن السود بن هلل‪ ,‬عن أبي بكر اّلذِي َ‬
‫ن آ َمنُوا ولَ مْ‬
‫حدثنا هناد‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا قبيصة‪ ,‬عن يونس بن أبي إسحاق‪ ,‬عن أبي بكر‪ :‬اّلذِي َ‬
‫يَ ْل ِبسُوا إيمَا َنهُ ْم بِظُ ْلمٍ قال‪ :‬بشرك‪.‬‬
‫‪ 10587‬ـ حدثنا هناد‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا وكيع‪ ,‬عن سعيد بن عبيد الطائي‪ ,‬عن أبي الشعر العبدي‪,‬‬
‫عن أبيه‪ ,‬أن زيد بن صُوْحان سأل سلمان‪ ,‬فقال‪ :‬يا أبا عبد ال آية من كتاب ال قد بلغت مني‬
‫ن آ َمنُوا ولَ مْ يَ ْلبِ سُوا إيمَا َنهُ مْ ِبظُلْ مٍ؟ فقال سلمان‪ :‬هو الشرك بال تعالى‪ .‬فقال زيد‪:‬‬
‫كلّ مبلغ‪ :‬اّلذِي َ‬
‫ما يسرني بها أنى لم أسمعها منك وأن لي مثل كل شيء أمسيت أملكه‪.‬‬
‫‪10588‬ـ حدثنا ابن وكيع‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا أبي‪ ,‬عن سعيد بن عبيد‪ ,‬عن أبي الشعر‪ ,‬عن أبيه‪ ,‬عن‬
‫سلمان‪ ,‬قال‪ :‬بشرك‪.‬‬
‫‪ 10589‬ـ حدثنا ابن بشار وابن وكيع‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا عبد الرحمن بن مهدي‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا سفيان‪,‬‬
‫قال‪ :‬حدثنا نُسير بن ذُعْلوق‪ ,‬عن درسب‪ ,‬عن حذيفة‪ ,‬في قوله‪ :‬ولَ ْم يَ ْلبِ سُوا إيمَا َنهُ مْ ِبظُلْ مٍ قال‪:‬‬
‫بشرك‪.‬‬
‫حدثني المثنى‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا عمرو بن عون‪ ,‬قال‪ :‬أخبرنا هشيم‪ ,‬عن أبي إسحاق الكوفيّ‪ ,‬عن‬
‫رجل‪ ,‬عن عيسى‪ ,‬عن حذيفة‪ ,‬في قوله‪ :‬وََلمْ يَ ْل ِبسُوا إيمَا َنهُمْ ِبظُ ْلمٍ قال‪ :‬بشرك‪.‬‬
‫‪ 10590‬ـ حدثني المثنى‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا عارم أبو النعمان‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا حماد بن زيد‪ ,‬عن عطاء‬
‫بـن السـائب‪ ,‬عـن سـعيد بـن جـبير وغيره‪ ,‬أن ابـن عباس كان يقول‪ :‬اّلذِين َـ آ َمنُوا ولَم ْـ يَ ْلبِسـُوا‬
‫إيمَانَ ُهمْ ِبظُ ْلمٍ قال‪ :‬بشرك‪.‬‬
‫حدثني المثنى‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا عبد ال بن صالح‪ ,‬قال‪ :‬ثني معاوية‪ ,‬عن علي‪ ,‬عن ابن عباس‪,‬‬
‫ن آ َمنُوا وَلمْ يَ ْل ِبسُوا إيمَانَ ُهمْ ِبظُ ْلمٍ يقول‪ :‬بكفر‪.‬‬
‫قوله‪ :‬اّلذِي َ‬
‫حدث ني مح مد بن سعد‪ ,‬قال‪ :‬ث ني أ بي‪ ,‬قال‪ :‬ث ني ع مي‪ ,‬قال ث ني أ بي‪ ,‬عن أب يه‪ ,‬عن بن‬
‫ن الشّرْ كَ َلظُلْ مٌ‬
‫ن آ َمنُوا ولَ مْ يَ ْلبِ سُوا إيمَا َنهُ مْ ِبظُلْ مٍ يقول‪ :‬لم يلب سوا إيمان هم‪ ,‬وقال إ ّ‬
‫عباس‪ :‬اّلذِي َ‬
‫عظِيمٌ‪.‬‬
‫َ‬
‫‪10591‬ـ حدثنا نصر بن عليّ الجهضمي‪ ,‬قال‪ :‬ثني أبي‪ ,‬بن قال‪ :‬حدثنا جرير بن حازم‪ ,‬عن‬
‫ن آ َمنُوا ولَمْ يَ ْلبِ سُوا إيمَانَهُمْ ِبظُلْمٍ فلما‬
‫عليّ بن زيد‪ ,‬عن المسيب‪ :‬أن عمر بن الخطاب قرأ‪ :‬اّلذِي َ‬
‫قرأها فزع‪ ,‬فأتى أبيّ بن كعب‪ ,‬فقال‪ :‬يا أبا المنذر قرأت من آية من كتاب ال من يَسلم؟ فقال‪:‬‬
‫مـا هـي؟ فقرأ عليـه فأينـا ل يظلم نفسـه؟ فقال‪ :‬عفـر ال لك‪ ,‬أمـا سـمعت ال تعالى يقوله‪ :‬إنّـ‬
‫عظِيمٌ؟ إنما هو‪ :‬ولم يلبسوا إيمانهم بشرك‪.‬‬
‫الشّ ْركَ َلظُ ْلمٌ َ‬
‫‪10592‬ـ حدثنا ابن وكيع‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا يزيد بن هارون‪ ,‬عن حماد بن سلمة‪ ,‬عن عليّ بن زيد‬
‫بن جدعان‪ ,‬يوسف بن مهران‪ ,‬عن ا بن عباس‪ :‬أن عمر دخل منزله‪ ,‬فقرأ في المصحف فمرّ‬
‫ن آ َمنُوا ولَ مْ يَ ْلبِ سُوا إيمَا َنهُ مْ ِبظُلْ مٍ فأتى ُأ ّبيّا فأخبره‪ ,‬فقال‪ :‬يا أمير المؤمنين إنما‬
‫بهذه الَية‪ :‬اّلذِي َ‬
‫هو الشرك‪.‬‬
‫ي بن زيد‪,‬‬
‫‪ 10593‬ـ حدثني المثنى‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا الحجاج بن المنهال‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا حماد‪ ,‬عن عل ّ‬
‫عن يو سف بن مهران عن مهران‪ :‬أن ع مر بن الخطاب كان إذا د خل بي ته ن شر الم صحف‬
‫فقرأه‪ ,‬فدخل ذات يوم فقرأ‪ ,‬فأتى على هذه الَية‪ :‬اّلذِي نَ آ َمنُوا ولَ مْ يَ ْلبِ سُوا إيمَا َنهُ مْ ِبظُلْ مٍ أَُلئِ كَ َلهُ مُ‬
‫ن فاشت غل وأ خذ رداءه‪ ,‬ثم أ تى أب يّ بن ك عب‪ ,‬فقال‪ :‬يا أ با المنذر فتل هذه‬
‫المْ نُ وَهُ مْ ُم ْه َتدُو َ‬
‫الَ ية‪ :‬اّلذِي نَ آ َمنُوا ولَ ْم يَ ْلبِ سُوا إيمَا َنهُ مْ ِبظُلْ مٍ و قد ترى أ نا نظلم ونف عل ونف عل؟ فقال‪ :‬يا أم ير‬
‫عظِي ٌم إنما ذلك الشرك‪.‬‬
‫ش ْركَ َلظُلْمٌ َ‬
‫ن ال ّ‬
‫المؤمنين‪ ,‬إن هذا ليس بذاك‪ ,‬يقول ال تعالى‪ :‬إ ّ‬
‫‪ 10594‬ـ حدث نا هناد‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا بن فض يل‪ ,‬عن مطرف‪ ,‬عن أ بي عثمان عمرو بن سالم‪,‬‬
‫قال‪ :‬قرأ عمر بن الخطاب هذه الَية‪ :‬اّلذِي نَ آ َمنُوا ولَ ْم يَ ْلبِ سُوا إيمَا َنهُ مْ ِبظُلْ مٍ فقال عمر‪ :‬قد أفلح‬
‫من لم يَلْبس إيمانه بظلم فقال أبيّ‪ :‬يا أمير المؤمنين‪ :‬ذاك الشرك‪.‬‬
‫حدث نا ا بن وك يع‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا أ سباط‪ ,‬عن مح مد بن مطرف‪ ,‬عن بن سالم‪ ,‬قال‪ :‬ع مر بن‬
‫الخطاب فذكره نحوه‪.‬‬
‫‪10595‬ـ حدثنا محمد بن بشار‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا عبد الرحمن‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا سفيان‪ ,‬عن أبي إسحاق‪,‬‬
‫عن أبي ميسرة‪ ,‬في قوله‪ :‬آ َمنُوا وَلمْ يَ ْل ِبسُوا إيمَا َن ُهمْ ِبظُلْ ٍم قال‪ :‬بشرك‪.‬‬
‫حدثنا ابن وكيع‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا أبي‪ ,‬عن سفيان‪ ,‬عن أبي إسحاق‪ ,‬عن أبي ميسرة‪ ,‬مثله‪.‬‬
‫‪ 10596‬ـ حدثنا ابن وكيع‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا حسين‪ ,‬عن عل يّ‪ ,‬عن زائدة‪ ,‬عن الحسن بن عبيد ال‪,‬‬
‫عن إبراهيم‪ :‬وَل ْم يَ ْل ِبسُوا إيمَا َنهُ ْم بِظُ ْلمٍ قال‪ :‬بشرك‪.‬‬
‫‪ 10597‬ـ حدثنا بشر بن معاذ‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا يزيد بن زريع قال‪ :‬حدثنا سعيد‪ ,‬عن قتادة‪ ,‬قوله‪:‬‬
‫اّلذِينَ آ َمنُوا وَلمْ يَ ْل ِبسُوا إيمَا َن ُهمْ ِبظُلْمٍ‪ :‬أي بشرك‪.‬‬
‫حدثنا بن وكيع‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا حميد‪ ,‬عن أبيه‪ ,‬عن أبي إسحاق‪ ,‬عن أبي ميسرة‪ ,‬مثله‪.‬‬
‫‪ 10598‬ـ حدث ني مح مد بن عمرو‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا أ بو عا صم‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا عي سى‪ ,‬عن ا بن أ بي‬
‫نجيح‪ ,‬عن مجاهد‪ :‬اّلذِينَ آ َمنُوا وَلمْ يَ ْل ِبسُوا إيمَا َن ُهمْ ِبظُلْ ٍم قال‪ :‬بعبادة الوثان‪.‬‬
‫حدث ني المث نى‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا أ بو حذي فة‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا ش بل‪ ,‬عن ا بن أ بي نج يح‪ ,‬عن مجا هد‪,‬‬
‫مثله‪.‬‬
‫‪ 10599‬ـ حدث نا مح مد بن الح سين‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا أح مد بن المف ضل‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا أ سباط‪ ,‬عن‬
‫السديّ‪ :‬وَلمْ يَ ْل ِبسُوا إيمَا َنهُمْ ِبظُ ْلمٍ قال‪ :‬بشرك‪.‬‬
‫‪ 10600‬ـ حدثني يونس بن عبد العلى‪ ,‬قال‪ :‬أخبرنا ابن وهب‪ ,‬قال‪ :‬قال ابن زيد في قوله‪:‬‬
‫وَلمْ يَ ْل ِبسُوا إيمَا َنهُمْ ِبظُ ْلمٍ قال‪ :‬بشرك‪.‬‬
‫حدثني محمد بن عبد العلى‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا محمد بن ثور‪ ,‬عن معمر‪ ,‬عن العمش‪ ,‬أن بن‬
‫مسعود قال لما نزلت‪ :‬ولَ مْ يَ ْلبِ سُوا إيمَانَهُ مْ ِبظُلْ مٍ كبر ذلك على المسلمين‪ ,‬فقالوا‪ :‬يا رسول ال‪,‬‬
‫ل لُ ْقمَان‪ :‬إ نّ‬
‫سمِ ْع ُتمْ قَوْ َ‬
‫ما م نا أ حد إل و هو يظلم نف سه فقال ال نبي صلى ال عل يه و سلم‪« :‬أ ما َ‬
‫عظِيمٌ»‪.‬‬
‫الشّ ْركَ َلظُ ْلمٌ َ‬
‫حدثنا بن حميد‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا حكام‪ ,‬عن عنبسة‪ ,‬عن محمد بن عبد الرحمن‪ ,‬عن القاسم بن‬
‫أبي بزّة‪ ,‬عن مجاهد‪ ,‬في قوله‪ :‬وَلمْ يَ ْل ِبسُوا إيمَا َنهُمْ ِبظُ ْلمٍ قال‪ :‬عبادة الوثان‪.‬‬
‫‪ 10601‬ـ حدثنا بن وكيع‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا محمد بن بشر‪ ,‬عن مسعر‪ ,‬عن أبي حصين‪ ,‬عن أبي‬
‫عبد الرحمن‪ ,‬قال‪ :‬بشرك‪.‬‬
‫‪10602‬ـ حدثنا ابن حميد‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا سلمة‪ ,‬قال‪ :‬قال بن إسحاق‪ :‬ولَ ْم يَ ْلبِسُوا إيمَا َنهُمْ ِبظُلْمٍ قال‬
‫بشرك‪.‬‬
‫وقال آخرون‪ :‬بل معنى ذلك‪ :‬ولم يخلطوا إيمانهم بشيء من معاني الظلم‪ .‬وذلك ِفعْلُ ما نهى‬
‫ص به معنى من‬
‫ال عن فعله أو ترك ما أمر ال بفعله وقالوا‪ :‬الَية على العموم‪ ,‬لن ال لم يخ ّ‬
‫معاني الظلم‪ .‬قالوا‪ :‬فإن قال لنا قائل‪ :‬أفل أمن في الَخرة إل لمن لم يعص ال في صغيرة ول‬
‫كبيرة‪ ,‬وإل لمن لقى ال ول ذنب له؟ قلنا‪ :‬إن ال عنى بهذه الَية خاصا من خلقه دون الجميع‬
‫منهم والذي عنى بها وأراده بها خليله إبراهيم صلى ال عليه وسلم‪ ,‬فأما غيره فإنه إذا لقي ال‬
‫ل يشرك به شيئا ف هو في مشيئ ته إذا كان قد أ تى ب عض معا صيه ال تي ل تبلغ أن تكون كفرا‪,‬‬
‫فإن شاء لم يؤم نه من عذا به‪ ,‬وإن شاء تف ضل عل يه فع فا ع نه‪ .‬قالوا‪ :‬وذلك قول جما عة من‬
‫ال سلف وإن كانوا مختلف ين في المع نى بالَ ية‪ ,‬فقال بعض هم‪ :‬ع نى ب ها إبراه يم‪ .‬وقال بعض هم‪:‬‬
‫عنى بها المهاجرين من أصحاب رسول ال صلى ال عليه وسلم‪.‬‬
‫عنَى بهذه الَية‪ :‬إبراهيم خليل الرحمن صلى ال عليه وسلم‪:‬‬
‫ذكر من قال‪َ :‬‬
‫‪ 10603‬ـ حدثنا بن وكيع‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا يحيى بن يمان وحميد بن عبد الرحمن‪ ,‬عن قيس بن‬
‫الربيع‪ ,‬عن زياد بن علقة‪ ,‬عن زياد بن حرملة‪ ,‬عن عل يّ‪ ,‬قال‪ :‬هذه الَية لبراهيم صلى ال‬
‫عليه وسلم خاصة‪ ,‬ليس لهذه المة منها شيء‪.‬‬
‫ع ِنيَ بها المهاجرون خاصة‪:‬‬
‫وذكر من قال‪ُ :‬‬
‫‪ 10604‬ـ حدثنا ابن وكيع‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا يحيى بن يمان وحميد بن عبد الرحمن‪ ,‬عن قيس بن‬
‫ن آ َمنُوا ولَ مْ يَ ْلبِ سُوا إيمَا َنهُ مْ ِبظُلْ مٍ قال‪ :‬هي لمن هاجر إلى‬
‫الربيع‪ ,‬عن سماك‪ ,‬عن عكرمة‪ :‬اّلذِي َ‬
‫المدينة‪.‬‬
‫وأولى القولين بالصحة في ذلك‪ ,‬ما صح في ذلك‪ ,‬ما صحّ به الخبر عن رسول ال صلى ال‬
‫عليه وسلم‪ ,‬وهو الخبر الذي رواه بن مسعود عنه أنه قال‪« :‬الظّلْ مُ اّلذِي َذكَرَ ُه الّل هُ َتعَالى فِي‬
‫َهذَا المَ ْوضِعِ ُه َو الشّ ْركُ»‪.‬‬
‫ن فإنه يعني‪ :‬هؤلء الذين آمنوا ولم يخلطوا إيمانهم‬
‫وأما قوله‪ :‬أُوَلئِ كَ َلهُ مُ المْ نُ وَهُ مْ ُم ْه َتدُو َ‬
‫ن يقول‪ :‬وهم المصيبون سبيل الرشاد‬
‫بشرك‪ ,‬لهم المن يوم القيامة من عذاب ال‪ ,‬وَهُ ْم ُم ْهتَدُو َ‬
‫والسالكون طريق النجاة‪.‬‬

‫‪83‬‬ ‫الية ‪:‬‬


‫جتُنَآ آ َت ْينَاهَآ ِإ ْبرَاهِي مَ عََلىَ قَ ْومِ ِه نَ ْرفَ ُع دَ َرجَا تٍ مّن‬
‫حّ‬‫{ َوتِلْ كَ ُ‬ ‫القول في تأو يل قوله تعالى‪:‬‬
‫حكِيمٌ عَلِيمٌ }‪..‬‬
‫ن َر ّبكَ َ‬
‫ّنشَآءُ إِ ّ‬
‫جتُنـا قوله إبراهيـم لمخاصـميه مـن قومـه المشركيـن‪ :‬أيّـ‬
‫حّ‬‫يعنـي تعالى ذكره بقوله‪َ :‬وتِلْكَـ ُ‬
‫الفريقين أح قّ بالمن‪ ,‬أمن يعبد ربا واحدا مخلصا له الدين والعبادة أم من يعبد أربابا كثيرة؟‬
‫وإجابتهم إياه بقولهم‪ :‬بل من يعبد ربا واحدا مخلصا له الدين والعبادة أم من يعبد أربابا كثيرة؟‬
‫ق بالمن وقضاؤهم له على أنفسهم‪ ,‬فكان في‬
‫وإجابتهم إياه بقولهم‪ :‬بل من يعبد ربا واحدا أح ّ‬
‫ذلك ق طع عذر هم وانقطاع حجت هم وا ستعلء ح جة إبراه يم علي هم‪ ,‬ف هي الح جة ال تي آتا ها ال‬
‫إبراهيم على قومه كالذي‪:‬‬
‫‪ 10605‬ـ حدثني الحارث‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا عبد العزيز‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا سفيان الثور يّ‪ ,‬عن رجل‪ ,‬عن‬
‫ن آ َمنُوا وَلمْ يَ ْل ِبسُوا إيمَا َن ُهمْ ِبظُ ْلمٍ‪.‬‬
‫جتُنا آ َتيْناها إ ْبرَاهِيمَ على قَ ْو ِمهِ قال‪ :‬هي اّلذِي َ‬
‫حّ‬‫ك ُ‬
‫مجاهد‪َ :‬وتِ ْل َ‬
‫‪ 10606‬ـ حدث ني الحارث‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا ع بد العز يز‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا يح يى بن زكر يا‪ ,‬عن ا بن‬
‫جر يج‪ ,‬عن مجا هد‪ ,‬قال‪ :‬قال إبراه يم ح ين سأل‪ :‬أي الفريق ين أح قّ بال من؟ قال‪ :‬هي ح جة‬
‫إبراهيم‪ .‬وقوله‪ :‬وآ َت ْينَاها إ ْبرَاهِي مَ على قَ ْومِه يقول‪ :‬لقناها إبراهيم وبصرناه إياها وعرفناه على‬
‫ن َنشَاءُ‪.‬‬
‫قومه‪َ .‬نرْفَعُ درجاتٍ مِ َ‬
‫ن َنشَاءُ‬
‫ت مِ َ‬
‫واختلفت القرّاء في قراءة ذلك‪ ,‬فقرأته عامة قرّاء الحجاز والبصرة‪َ :‬ن ْرفَ عُ درجا ٍ‬
‫بإضافة الدرجات إلى من‪ ,‬بمعنى‪ :‬نرفع الدرجات لمن نشاء‪ .‬وقرأ ذلك عامة قراء الكوفة َن ْرفَعُ‬
‫درجا تٍ مِ نَ َنشَاءُ بتنوين «الدرجات»‪ ,‬بمعنى نرفع من نشاء درجات‪ .‬والدرجات‪ :‬جمع درجة‬
‫وهي المرتبة‪ ,‬وأصل ذلك مراقي السلم ودرجه‪ ,‬ثم تستعمل في ارتفاع المنازل والمراتب‪.‬‬
‫ل واحدة منهما أئمة من‬
‫والصواب من القول في ذلك عندي أن يقال‪ :‬هما قراءتان قد قرأ بك ّ‬
‫القرّاء متقارب معناهما وذلك أن من رُفِ عت درج ته ف قد رُفع في الدّر جَ‪ .‬ومن رُفع في الدرج‬
‫ف قد رُفِ عت درج ته‪ ,‬فبأيته ما قرأ القارىء فم صيب ال صواب في ذلك فمع نى الكلم إذن‪ :‬وتلك‬
‫حجتنا آتيناها إبراهيم على قومه فرفعنا بها درجته عليهم وشرّفناه بها عليهم في الدنيا والَخرة‬
‫ن َنشَاءُ أي‬
‫ت مِ َ‬
‫فأما في الدنيا فآتيناه فيها أجره‪ ,‬وأما في الَخرة فهو من الصالحين‪َ ,‬ن ْرفَعُ درجا ٍ‬
‫بما فعل من ذلك وغيره‪.‬‬
‫حكِي مٌ عَلِي مٌ فإنه يعني‪ :‬إن ربك يا محمد حكيم في سياسته خلقه وتلقينه‬
‫ن َربّ كَ َ‬
‫وأما قوله‪ :‬إ ّ‬
‫أنبياءه الحجج على أممهم المكذّبة لهم الجاحدة توحيد ربهم‪ ,‬وفي غير ذلك من تدبيره‪ ,‬عليم بما‬
‫يئول إل يه أ مر ر سله‪ ,‬والمر سل إلي هم من ثَبات ال مم على تكذيب هم إيا هم وهلك هم على ذلك‬
‫وإنابتهم وتوبتهم منه بتوحيد ال تعالى وتصديق رسله والرجوع إلى طاعته‪ ,‬يقول تعالى ذكره‬
‫لنبيه صلى ال عليه وسلم‪ :‬تأ سّ يا محمد في نفسك وقومك المكذبيك والمشركين بأبيك خليلي‬
‫إبراهيم صلى ال عليه وسلم‪ ,‬واصبر على ما ينوبك منهم صبره‪ ,‬فإني بالذي يئول إليه أمرك‬
‫وأمرهم عالم التدبير فيك وفيهم حكيم‪.‬‬

‫‪84‬‬ ‫الية ‪:‬‬


‫ل َه َديْنَا َونُوحا َه َديْنَا مِن َقبْلُ‬
‫سحَاقَ َو َيعْقُو بَ كُ ّ‬
‫{ َووَ َهبْنَا لَ هُ إِ ْ‬ ‫القول في تأو يل قوله تعالى‪:‬‬
‫سنِينَ }‪..‬‬
‫حِ‬‫جزِي ا ْل ُم ْ‬
‫سىَ وَهَارُونَ َو َكذَِلكَ َن ْ‬
‫سفَ َومُو َ‬
‫َومِن ُذ ّر ّيتِهِ دَاوُودَ َوسَُل ْيمَانَ وََأيّوبَ َويُو ُ‬
‫يقول تعالى ذكره‪ :‬فجزي نا إبراه يم صلى ال عل يه وسلم على طاعته إيا نا وإخل صه توح يد‬
‫ر به‪ ,‬ومفارقته ف ين قومه المشركين بال‪ ,‬بأن رفع نا درجته في علي ين‪ ,‬وآتيناه أجره في الدن يا‬
‫ووهب نا له أولدا خ صصناهم بالنبوّة‪ ,‬وذريّة شرّفنا هم م نا بالكرا مة وفضلنا هم على العالم ين‪,‬‬
‫ل َه َديْنَا يقول‪ :‬هدي نا جميع هم ل سبيل الرشاد‪ ,‬فوفقنا هم‬
‫من هم اب نه إ سحاق‪ ,‬وا بن اب نه يعقوب‪ .‬كُ ّ‬
‫للحقّـ والصـواب من الديان‪َ .‬ونُوحـا َه َديْ نا مِ نْ َقبْلُ يقوله‪ :‬وهدينـا لمثـل الذي هدينـا إبراهيـم‬
‫وإسحاق ويعقوب من الحقّ والصواب فوفقناه له‪ ,‬نوحا من قبل إبراهيم وإسحاق ويعقوب‪َ .‬و ِمنْ‬
‫ن ُذ ّريّتِ ِه من ذكر نوح‪ ,‬وذلك أن ال تعالى ذكر في سياق‬
‫ُذرّ ّيتِ هِ دَا ُودَ والهاء التي في قوله‪َ :‬ومِ ْ‬
‫الَيات التـي تتلو هذه الَيـة لوطـا‪ ,‬فقال‪ :‬وإس ْـمَاعِيلَ واليَسَـعَ َويُونُس وَلُوطـا َوكُلّ َفضّلْنـا على‬
‫العاَلمِينَ ومعلوم أن لوطا لم يكن من ذرية إبراهيم صلى ال عليه وسلم أجمعين‪ .‬فإذا كان ذلك‪,‬‬
‫وكان معطوفا على أسماء من سمينا من ذرّيته‪ ,‬كان ل ش كّ أنه لو أريد بالذرية ذرّية إبراهيم‬
‫ل ما د خل يو نس ولوط في هم‪ ,‬ول ش كّ أن لو طا ل يس من ذرّ ية إبراه يم ولك نه من ذرّ ية نوح‪,‬‬
‫فلذلك وجب أن تكون الهاء في «الذرّية» من ذكر نوح‪.‬‬
‫فتأويا الكلم‪ :‬ونوحا وفقنا للحق والصواب من قبل إبراهيم وإسحاق ويعقوب‪ ,‬وهدينا أيضا‬
‫من ذرّ ية نوح داود و سليمان‪ .‬وداود‪ :‬هو داود بن إي شا‪ .‬و سليمان هو اب نه سليمان بن داود‬
‫وأيوب هو أيوب بن موص بن روح بن عيص بن إسحاق بن إبراهيم‪ .‬ويوسف‪ :‬هو يوسف‬
‫بن يعقوب بن إ سحاق بن إبراه يم‪ .‬ومو سى‪ :‬هو مو سى بن عمران بن ي صهر بن قا هث بن‬
‫ن يقول تعالى ذكره‪ :‬جزينـا‬
‫ْسـنِ َ‬
‫جزِي ال ُمح ِ‬
‫ِكـ َن ْ‬
‫لوي بـن يعقوب‪ .‬وهارون‪ :‬أخـو موسـى‪ .‬و َكذَل َ‬
‫نوحـا بصـبره على مـا امتحـن بـه فينـا بأن هديناه فوفقناه لصـابة الحقّـ الذي خذلنـا عنـه مـن‬
‫ع صانا فخالف أمر نا ونهي نا من قو مه‪ ,‬وهدي نا من ذرّي ته مِ نْ بعده مَن ذ كر تعالى ذكره من‬
‫أنبيائه لمثل الذي هديناه له‪ .‬وكما جزينا هؤلء بحسن طاعتهم إيانا وصبرهم على المحن فينا‪,‬‬
‫ل محسن‪.‬‬
‫كذلك نجزي بالحسان ك ّ‬

‫‪85‬‬ ‫الية ‪:‬‬


‫ن الصّالِحِينَ }‪..‬‬
‫ل مّ َ‬
‫سىَ وَإِ ْليَاسَ كُ ّ‬
‫ح َيىَ َوعِي َ‬
‫{ َو َز َك ِريّا َو َي ْ‬ ‫القول في تأويل قوله تعالى‪:‬‬
‫يقول تعالى ذكره‪ :‬وهدينـا أيضـا لمثـل الذي هدينـا له نوحـا مـن الهدى والرشاد مـن ذرّيتـه‬
‫زكريا بن أزن ابن بركيا ويحيى بن زكريا‪ ,‬وعيسى ابن مريم ابنة عمران بن أشيم بن أمور‬
‫بن حزقيا‪ ,‬وإلياس‪.‬‬
‫واختلفوا في إلياس‪ ,‬فكان ا بن إ سحاق يقول‪ :‬هو إلياس بن ي سى بن فنخاص بن العيزار بن‬
‫هارون ابـن عمران ابـن أخـي موسـى نـبيّ ال صـلى ال عليـه وسـلم‪ .‬وكان غيره يقول‪ :‬هـو‬
‫إدريس وممن ذكر ذلك عنه عبد ال بن مسعود‪.‬‬
‫‪ 10607‬ـ حدثنا محمد بن بشار‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا أبو أحمد‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا إسرائيل‪ ,‬عن أبي إسحاق‪,‬‬
‫عن عبيدة بن ربيعة‪ ,‬عن عبد ال بن مسعود‪ ,‬قال‪ :‬إدريس‪ :‬هو إلياس‪ ,‬وإسرائيل‪ :‬هو يعقوب‪.‬‬
‫وأ ما أ هل الن ساب فآن هم يقولون‪ :‬إدر يس جدّ نوح بن لمْك بن متوشلخ بن أخنوخ وأخنوخ‪:‬‬
‫هو إدريس بن يرد بن مهلئيل‪ .‬وكذلك رُوِي عن وهب بن منبه‪.‬‬
‫والذي يقول أ هل الن ساب أش به بال صواب‪ ,‬وذلك أن ال تعالى ن سب إل يه في هذه الَ ية إلى‬
‫نوح وجعله من ذرّيته ونوح‪ :‬ابن إدريس عند أهل العلم‪ ,‬فمحال أن يكون جدّ أبيه منسوبا إلى‬
‫أنه من ذريته‪.‬‬
‫ن ال صّاِلحِينَ يقول‪ :‬من ذكرناه من هؤلء الذ ين سمينا من ال صالحين‪ ,‬يع ني‪:‬‬
‫وقوله‪ :‬كُلّ ِم َ‬
‫زكريا‪ ,‬ويحيى‪ ,‬وعيسى‪ ,‬وإلياس صلى ال عليهم‪.‬‬
‫‪86‬‬ ‫الية ‪:‬‬
‫ـ وَلُوطا َوكُلّ َفضّلْنَـا عَلَى‬
‫ـعَ َويُونُس َ‬
‫ـمَاعِيلَ وَا ْليَس َ‬
‫{وَإِس ْ‬ ‫القول فـي تأويـل قوله تعالى‪:‬‬
‫ا ْلعَاَلمِينَ }‪..‬‬
‫يقول تعالى ذكره‪ :‬وهدينا أيضا من ذرّية نوح إسماعيل‪ ,‬وهو إسماعيل بن إبراهيم والليسع‪:‬‬
‫هو اليسع بن أخطوب بن العجوز‪.‬‬
‫َسـعَ بلم واحدة‬
‫واختلف القرّاء فـي قراءة اسـمه‪ ,‬فقرأتـه عامـة قرّاء الحجاز والعراق‪ :‬والي َ‬
‫ل اللف‬
‫مخف فة‪ .‬و قد ز عم قوم أ نه «يف عل»‪ ,‬من قول القائل‪ :‬وَ سِعَ يَ سَعُ‪ ,‬ول تكاد العرب تُدخِ ُ‬
‫واللم على ا سم يكون على هذه ال صورة‪ ,‬أع ني‪ :‬على « َيفْ عل»‪ ,‬ل يقولون‪ :‬رأ يت اليز يد‪ ,‬ول‬
‫حرّي به المدح‪ ,‬كما‬
‫أتاني التجيب‪ ,‬ول مررت باليشكر‪ ,‬إل في ضرورة شعر‪ ,‬وذلك أيضا إذا ُت ُ‬
‫قال بعضهم‪:‬‬
‫جدْنا الوَلِيدَ ْبنَ ال َيزِيدَ مُبارَكاشَدِيدا بأعْبا ِء الخِلَفَ ِة كاهِلُ ْه‬
‫َو َ‬
‫فأدخل في «اليزيد» اللف واللم‪ ,‬وذلك لدخاله إياهما في الوليد‪ ,‬فأتبعه اليزيد بمثل لفظه‪.‬‬
‫وقرأ ذلك جماعة من قرّاء الكوفيين‪ :‬والّليْ سَعَ بلمين وبالتشديد‪ ,‬وقالوا‪ :‬إذا قرىء كذلك كان‬
‫أشبه بأسماء العجم‪ .‬وأنكروا التخفيف وقالوا‪ :‬ل نعرف في كلم العرب اسما على «يفعل» فيه‬
‫ألف ولم‪.‬‬
‫والصواب من القراءة في ذلك عندي قراءة من قرأه بلم واحدة مخففة‪ ,‬لجماع أهل الخبار‬
‫على أن ذلك هو المعروف من اسمه دون التشديد‪ ,‬مع أنه اسم أعجم يّ فينطق به على ما هو‬
‫به‪ .‬وإنما ل يستقيم دخول اللف واللم فيما جاء من أسماء العرب على «يفعل»‪ ,‬وأما السم‬
‫الذي يكون أعجميّا فإنما ينطق به على ما سموا به‪ ,‬فإن غُير منه شيء إذا تكلمت العرب فإنما‬
‫يغير بتقويم حرف منه من غير حذف ول زيادة فيه ول نقصان‪ ,‬واللّيسع إذا شدّد لحقته زيادة‬
‫لم ت كن ف يه ق بل التشد يد‪ .‬وأخرى أ نه لم يح فظ عن أ حد من أ هل العلم علم نا أ نه قال‪ :‬ا سمه‬
‫س هو يونس بن‬
‫«ليسع»‪ ,‬فيكون مشدّدا عند دخول اللف واللم اللتين تدخلن للتعريف ويُونُ َ‬
‫متى ولُوطا وكلّ َفضّلْنا من ذرية نوح ونوحا‪ ,‬لهم بيّنا الحقّ ووفقناهم له‪ .‬وفضلنا جميعهم عَلى‬
‫العَاَلمِينَ يعني‪ :‬على عالم أزمانهم‪.‬‬
‫‪87‬‬ ‫الية ‪:‬‬
‫ج َت َبيْنَاهُم ْـ وَ َه َد ْينَاهُم ْـ إَِلىَ‬
‫{ َومِن ْـ آبَا ِئهِم ْـ َوذُ ّريّا ِتهِم ْـ وَِإخْوَا ِنهِم ْـ وَا ْ‬ ‫القول فـي تأويـل قوله تعالى‪:‬‬
‫ستَقِيمٍ }‪..‬‬
‫صِرَاطٍ ّم ْ‬
‫يقول تعالى ذكره‪ :‬وهدينـا أيضـا مـن آباء هؤلء الذيـن سـماهم تعالى ذكره ومـن ذرّياتهـم‬
‫للحقـ والديـن الخالص الذي ل شرك فيـه‪ ,‬فوفقناهـم له‪.‬‬
‫ّ‬ ‫وإخوانهـم آخريـن سـواهم لم يسـمهم‬
‫ج َت َب ْينَاهُ مْ يقول‪ :‬واخنترنا هم لدين نا وبلغ ر سالتنا إلى من أر سلناهم إل يه‪ ,‬كالذي اختر نا م من‬
‫وَا ْ‬
‫سمينا يقال منه‪ :‬اجتبى فلن لنفسه كذا‪ :‬إذا اختاره واصطفاه يجتبيه اجتباء‪ .‬وكان مجاهد يقول‬
‫في ذلك‪ ,‬ما‪:‬‬
‫‪ 10608‬ـ حدثني به محمد بن عمرو‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا أبو عاصم‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا عيسى‪ ,‬عن ابن أبي‬
‫ج َت َب ْينَا ُهمْ قال‪ :‬أخلصناهم‪.‬‬
‫نجيح‪ ,‬عن مجاهد في قوله ال تعالى ذكره‪ :‬وَا ْ‬
‫حدثني المثنى‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا أبو حذيفة‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا شبل‪ ,‬عن بن أبي نجيح‪ ,‬عن مجاهد‪ ,‬مثله‪.‬‬
‫ستَقِيمٍ يقول‪ :‬وسدّدناهم فأرشدناهم إلى طريق غير معوّج‪ ,‬وذلك دين‬
‫صرَاطٍ مُ ْ‬
‫وَ َه َد ْينَاهُ مْ إلى ِ‬
‫ال الذي ل عوج فيه‪ ,‬وهو السلم الذي ارتضاه ال ربنا لنبيائه‪ ,‬وأمر به عباده‪.‬‬

‫‪88‬‬ ‫الية ‪:‬‬


‫ح ِبطَ‬
‫ش َركُواْ َل َ‬
‫عبَادِهِ وََلوْ َأ ْ‬
‫{ذَِلكَ ُهدَى اللّهِ َي ْهدِي بِهِ مَن َيشَآ ُء مِنْ ِ‬ ‫القول في تأويل قوله تعالى‪:‬‬
‫ع ْن ُهمْ مّا كَانُو ْا َي ْعمَلُونَ }‪..‬‬
‫َ‬
‫يع ني تعالى ذكره بقوله‪ :‬ذَلِ كَ ُهدَى الّل ِه هذا الهدى الذي هد يت به من سميت من ال نبياء‬
‫والر سل فوفقت هم به ل صابة الد ين الح قّ‪ ,‬الذي نالوا بإ صابتهم إياه ر ضا رب هم وشرف الدن يا‬
‫وكرامة الَخرة‪ ,‬هو هدى ال‪ ,‬يقول‪ :‬هو توفيق ال ولطفه‪ ,‬الذي يوفق به من يشاء ويلطف به‬
‫ل من أح بّ من خل قه‪ ,‬ح تى ُينِ يب إلى طا عة ال وإخلص الع مل له وإقراره بالتوح يد ور فض‬
‫ن يقول‪ :‬ولو أشرك هؤلء ال نبياء‬
‫ع ْنهُ مْ ما كانُوا َي ْعمَلُو َ‬
‫حبِ طَ َ‬
‫شرَكُوا َل َ‬
‫الوثان وال صنام‪ .‬وَلَ ْو أ ْ‬
‫ع ْنهُمْ يقول‪ :‬لبطل‪ ,‬فذهب عنهم أجر‬
‫حبِطَ َ‬
‫الذين سميناهم بربهم تعالى ذكره‪ ,‬فعبدوا معه غيره‪َ ,‬ل َ‬
‫أعمالهم التي كانوا يعلمون‪ ,‬لن ال ل يقبل مع الشرك به عملً‪.‬‬
‫‪89‬‬ ‫الية ‪:‬‬
‫حكْ مَ وَال ّن ُبوّ َة فَإِن َيكْ ُفرْ بِهَا‬
‫ن آ َت ْينَاهُ مُ ا ْل ِكتَا بَ وَا ْل ُ‬
‫{أُوْلَ ـ ِئكَ اّلذِي َ‬ ‫القول في تأو يل قوله تعالى‪:‬‬
‫هَـؤُل ِء فَ َقدْ َوكّ ْلنَا ِبهَا قَوْما ّل ْيسُواْ ِبهَا ِبكَافِرِينَ }‪..‬‬
‫يعني تعالى ذكره بقوله‪ :‬أُوَلئِ كَ هؤلء الذين سميناهم من أنبيائه ورسله نوحا وذرّيته الذين‬
‫ن آ َت ْينَاهُ مُ ال ِكتَا بَ يعني بذلك صحف‬
‫هداهم لدين السلم واختارهم لرسالته إلى خلقه‪ ,‬هم اّلذِي َ‬
‫حكْ مَ يعني‪ :‬الفهم‬
‫إبراهيم وموسى وزَبور داود وإنجيل عيسى صلوات ال عليهم أجمعين‪ .‬وال ُ‬
‫بالكتاب ومعرفة ما فيه من الحكام‪ .‬و ُروِي عن مجاهد في ذلك ما‪:‬‬
‫‪ 10609‬ـ حدثني المثنى‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا مسلم بن إبراهيم‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا أبان‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا مالك بن‬
‫حكْمَ وال ّنبُ ّوةَ قال‪ :‬الحكم‪ :‬هو اللبّ‪.‬‬
‫شدّاد‪ ,‬عن مجاهد‪ :‬وال ُ‬
‫وع نى بذلك مجا هد إن شاء ال ما قلت لن الل بّ هو الع قل‪ ,‬فكأ نه أراد‪ :‬أن ال آتا هم الع قل‬
‫بالكتاب‪ ,‬وهو بمعنى ما قلنا أنه الفهم به‪ .‬وقد بينا معنى النبوّة والحكم فيما مضى بشواهدهما‪,‬‬
‫فأغنى ذلك عن إعادته‪.‬‬
‫القول في تأويل قوله تعالى‪ :‬فإنْ َيكْ ُفرْ ِبهَا َه ُؤلَ ِء فَ َقدْ َوكّلْنا ِبهَا قَوْما َل ْيسُوا ِبهَا بكافِرِينَ‪.‬‬
‫يقول تعالى ذكره‪ :‬فإن يكفر يا محمد بآيات كتابي الذي أنزلته إليك‪ ,‬فيجحد هؤلء المشركون‬
‫العادلون بربهم‪ ,‬كالذي‪:‬‬
‫‪ 10610‬ـ حدثني عل يّ بن داود‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا أبو صالح‪ ,‬قال‪ :‬ثني معاوية بن صالح‪ ,‬عن عل يّ‬
‫ن َيكْ ُفرْ بِها هَؤُل ِء يقول‪ :‬إن يكفروا بالقرآن‪.‬‬
‫بن أبي طلحة‪ ,‬عن ابن عباس‪ :‬فإ ْ‬
‫ثم اختلف أهل التأويل في المعنى بهؤلء‪ ,‬فقال بعضهم‪ :‬عُني بهم كفار قريش‪ ,‬وعنى بقوله‪:‬‬
‫ن النصار‪ .‬ذكر من قال ذلك‪:‬‬
‫فَ َقدْ َوكّ ْلنَا بها قَوْما َل ْيسُوا ِبهَا ِبكَافِري َ‬
‫‪ 10611‬ـ حدثنا محمد بن بشار‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا سليمان‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا أبو هلل‪ ,‬عن قتادة‪ ,‬في قوله‬
‫ال تعالى‪ :‬فإنْ َيكْ ُف ْر بهَا هَؤل ِء قال‪ :‬أهل مكة‪ ,‬فقد وكلنا بها أهل المدينة‪.‬‬
‫‪ 10612‬ـ حدثنا ابن وكيع‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا عبدة بن سليمان‪ ,‬عن جويبر‪ ,‬عن الضحاك‪ :‬فَ َقدْ َوكّلْنا‬
‫بِها قَوْما َل ْيسُوا بِها بكافِرينَ قال‪ :‬النصار‪.‬‬
‫حدث ني المث نى‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا إ سحاق‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا ع بد الرح من بن مغراء‪ ,‬عن جو يبر‪ ,‬عن‬
‫الضحاك‪ :‬فإ نْ َيكْ ُف ْر بهَا هَؤلءِ قال‪ :‬إن يكفر بها أهل مكة‪ ,‬فقد وكلنا بها أهل المدينة النصار‬
‫ليسوا بها بكافرين‪.‬‬
‫‪ 10613‬ـ حدث نا مح مد بن الح سين‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا أح مد بن المف ضل‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا أ سباط‪ ,‬عن‬
‫السديّ‪ :‬فإنْ َيكْ ُفرْ بهَا هَؤلءِ يقول‪ :‬إن يكفر بها قريش فقد وكلنا بها النصار‪.‬‬
‫‪ 10614‬ـ حدثنا القاسم‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا الحسين‪ ,‬قال‪ :‬ثني حجاج‪ ,‬عن ابن جريج‪ :‬فإ نْ َيكْ ُفرْ بهَا‬
‫هَؤل ِء أهل مكة فَ َقدْ َوكّلْنا بِها قَوْما َل ْيسُوا ِبهَا بِكافِرينَ أهل المدينة‪.‬‬
‫‪10615‬ـ حدثني محمد بن سعد‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا أبي‪ ,‬قال‪ :‬ثني عمي‪ ,‬قال‪ :‬ثني أبي‪ ,‬عن أبيه‪ ,‬عن‬
‫ن قال‪ :‬كان أ هل‬
‫ن َيكْ ُفرْ بهَا هَؤل ِء فَ َقدْ َوكّلْنَا بِ ها قَوْ ما َليْ سُوا ب ها بِكا ِفرِي َ‬
‫ا بن عباس قوله‪ :‬فإ ْ‬
‫المدينة قد تبوّؤا الدار واليمان قبل أن يقدم عليهم رسول ال صلى ال عليه وسلم‪ ,‬فلما أنزل‬
‫ال علي هم الَيات ج حد ب ها أ هل م كة‪ ,‬فقال ال تعالى‪ :‬فإ نْ َيكْ ُفرْ بهَا هَؤل ِء فَ َقدْ َوكّلْنَا بِ ها قَوْ ما‬
‫َل ْيسُوا بِها بِكافِرِينَ‪ .‬قال عطية‪ :‬ولم أسمع هذا من ابن عباس‪ ,‬ولكن سمعته من غيره‪.‬‬
‫ي بن أبي طلحة‪ ,‬عن‬
‫‪10616‬ـ حدثني المثنى‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا أبو صالح‪ ,‬قال‪ :‬ثني معاوية‪ ,‬عن عل ّ‬
‫ن َيكْ ُفرْ بهَا هَؤلءِ ي عن أ هل م كة‪ .‬يقول‪ :‬إن يكفروا بالقرآن فَ َقدْ َوكّلْنَا ب ها قَوْ ما‬
‫ا بن عباس‪ :‬فإ ْ‬
‫ن يعني أهل المدينة والنصار‪.‬‬
‫َل ْيسُوا بِها ِبكَافِرِي َ‬
‫وقال آخرون‪ :‬معنى ذلك‪ :‬فإن يكفر بها أهل مكة‪ ,‬فقد وكلنا بها الملئكة‪ .‬ذكر من قال ذلك‪:‬‬
‫‪ 10617‬ـ حدثنا بن وكيع‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا أبو أسامة‪ ,‬عن عوف‪ ,‬عن أبي رجاء‪ :‬فإ نْ َيكْ ُفرْ بهَا‬
‫ن قال‪ :‬هم الملئكة‪.‬‬
‫هَؤل ِء فَ َقدْ َوكّ ْلنَا بِها قَوْما َل ْيسُوا بِها ِبكَا ِفرِي َ‬
‫حدثنا بن بشار‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا محمد بن جعفر وابن أبي عديّ‪ ,‬وعبد الوهاب‪ ,‬عن عوف‪ ,‬عن‬
‫أبي رجاء‪ ,‬مثله‪.‬‬
‫فإنـ َيكْ ُفرْ بهَا هَؤلءِ يعنـي قريشـا‪ ,‬وبقوله‪ :‬فَ َقدْ َوكّلْنَا بِهـا قَوْمـا‬
‫وقال آخرون‪ :‬عنـي بقوله‪ْ :‬‬
‫النبياء الذين سماهم في الَيات التي مضت قبل هذه الَية‪ .‬ذكر من قال ذلك‪:‬‬
‫‪ 10618‬ـ حدثنا بشر بن معاذ‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا يزيد بن زريع‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا سعيد‪ ,‬عن قتادة‪ ,‬قوله‪:‬‬
‫ن َيكْ ُفرْ بهَا هَؤلءِ يعني أهل مكة‪ ,‬فَ َقدْ َوكّ ْلنَا بِها قَوْما َليْ سُوا بِها ِبكَافِرِي نَ وهم النبياء الثمانية‬
‫فإ ْ‬
‫ن َهدَى اللّ ُه فَ ِب ُهدَا ُهمُ ا ْقتَدِهْ‪.‬‬
‫عشر الذين قال ال‪ :‬أوَل ِئكَ اّلذِي َ‬
‫حدثنا محمد بن عبد العلى‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا محمد بن ثور‪ ,‬عن معمر‪ ,‬عن قتادة‪ :‬فإ نْ َيكْ ُفرْ بهَا‬
‫ن يعني‪ :‬النبيين الذين‬
‫هَؤل ِء قال‪ :‬يعني‪ :‬قوم محمد‪ ,‬ثم قال‪ :‬فَ َقدْ َوكّ ْلنَا بِها قَوْما َليْسُوا بِها ِبكَا ِفرِي َ‬
‫ن َهدَى اللّ ُه َف ِبهُدَا ُهمْ ا ْق َتدِهْ‪.‬‬
‫قصّ قبل هذه الَية قصصهم‪ ,‬ثم قال‪ :‬أوَل ِئكَ اّلذِي َ‬
‫وأولى هذه القوال في تأويل ذلك بالصواب‪ ,‬قول من قال‪ :‬عنى بقوله‪ :‬فإ نْ َيكْ ُفرْ بهَا هَؤلءِ‬
‫كفار قريش‪ ,‬فَ َقدْ َوكّ ْلنَا بِها قَوْما َليْسُوا بِها ِبكَا ِفرِينَ يعني به‪ :‬النبياء الثمانية عشر الذين سماهم‬
‫ال تعالى ذكره في الَيات ق بل هذه الَ ية‪ .‬وذلك أن ال خبر في الَيات قبل ها عن هم م ضى و في‬
‫ال تي بعد ها عن هم ذ كر‪ ,‬ف ما بينه ما بأن يكون خبرا عن هم َأوْلَى وأح قّ من أن يكون خبرا عن‬
‫غيرهم‪.‬‬
‫فتأويل الكلم إذا كان ذلك كذلك‪ :‬فإن يكفر قومك من قريش يا محمد بآياتنا‪ ,‬وكذّبوا وجحدوا‬
‫حقيقتهـا‪ ,‬فقـد سـاتحفظناها واسـترعينا القيام بهـا رسـلنا وأنبياءنـا مـن قبلك الذيـن ل يجحدون‬
‫حقيقتها ول يكذّبون بها‪ ,‬ولكنهم يصدّقون بها ويؤمنون بصحتها‪ .‬وقد قال بعضم‪ :‬معنى قوله‪:‬‬
‫فَ َقدْ َوكّ ْلنَا بِها قَوْما‪ :‬رزقناها قوما‪.‬‬

‫‪90‬‬ ‫الية ‪:‬‬


‫سأَُلكُمْ عََليْ ِه َأجْرا‬
‫ن َهدَى اللّ ُه َف ِبهُدَاهُمُ ا ْق َتدِهْ قُل لّ أَ ْ‬
‫{أُوْلَـ ِئكَ اّلذِي َ‬ ‫القول في تأويل قوله تعالى‪:‬‬
‫ن }‪..‬‬
‫ن هُ َو ِإلّ ِذ ْك َرىَ لِ ْلعَاَلمِي َ‬
‫إِ ْ‬
‫يقول تعالى ذكره‪ :‬أُوَلئِ كَ‪ :‬هؤلء القوم الذ ين وكل نا بآيات نا ولي سوا ب ها بكافر ين‪ ,‬هم الذ ين‬
‫هداهـم ال لدينـه الحقـّ‪ ,‬وحفـظ مـا وكلوا بحفظـه مـن آيات كتابـه والقيام بحدوده واتباع حلله‬
‫وحرامه والعمل بما فيه من أمر ال والنتهاء عما فيه من نهيه‪ ,‬فوقهم جلّ ثناؤه لذلك‪َ .‬فبِ ُهدَاهُمُ‬
‫ـ يقول تعالى ذكره‪ :‬فبالعمـل الذي عملوا والمنهاج الذي سـلكوا وبالهدى الذي هديناهـم‬
‫ا ْقتَدِه ْ‬
‫ل للّه ف يه ر ضا‬
‫والتوف يق الذي وفقنا هم‪ ,‬اقتده يا مح مد‪ :‬أي فاع مل و خذ به وا سكله‪ ,‬فإ نه عم ٌ‬
‫ومنهاج من سلكه اهتدى‪.‬‬
‫ن أنهم النبياء‬
‫وهذا التأويل على مذهب من تأوّل قوله‪ :‬فَ َقدْ َوكّ ْلنَا بِها قَوْما َليْ سُوا بِها ِبكَافِري َ‬
‫ن في الَيات المتقد مة‪ ,‬و هو القول الذي اخترناه في تأو يل ذلك‪ .‬وأ ما على تأو يل من‬
‫سمّوْ َ‬
‫الم َ‬
‫تأوّل ذلك أن القوم الذين وكلوا بها هم أهل المدينة‪ ,‬أو أنهم هم الملئكة‪ ,‬فإنهم جعلوا قوله‪ :‬فإنْ‬
‫َيكْ ُفرْ بِها هَؤُل ِء فَ َقدْ َوكّ ْلنَا بِها قَوْما َليْ سُوا بهَا بِكا ِفرِي نَ اعتراضا بين الكلمين‪ ,‬ثم ردّوا قوله‪:‬‬
‫حكْمَ وال ّنبُوةَ‪ .‬ذكر‬
‫ن َهدَى ال َف ِب ُهدَاهُمُ ا ْق َتدِ ْه على قوله‪ :‬أُوَلئِكَ اّلذِي نَ آ َتيْناهُ مُ ال ِكتَابَ وال ُ‬
‫أُوَلئِكَ اّلذِي َ‬
‫من قال ذلك‪:‬‬
‫‪10619‬ـ حدثنا القاسم‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا الحسين‪ ,‬قال‪ :‬ثني حجاج‪ ,‬عن ابن جريج‪ ,‬قوله‪ :‬وَوَ َه ْبنَا لَهُ‬
‫ن َهدَى اللّ ُه َف ِبهُدَا ُهمُ ا ْق َتدِهْ يا محمد‪.‬‬
‫إسْحاق َو َيعْقُوبَ‪ ...‬إلى قوله‪ :‬أُوَل ِئكَ اّلذِي َ‬
‫ن َهدَى‬
‫‪10620‬ـ حدثني يونس‪ ,‬قال‪ :‬أخبرنا ابن وهب‪ ,‬قال‪ :‬قال بن زيد‪ ,‬في قوله‪ :‬أُوَلئِكَ اّلذِي َ‬
‫اللّ ُه يا محمد‪َ ,‬ف ِبهُدَا ُهمُ ا ْق َتدِهْ ول تقتد بهؤلء‪.‬‬
‫‪ 10621‬ـ حدث ني مح مد بن الح سين‪ ,‬قال‪ :‬ث ني أح مد بن المف ضل‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا أ سباط‪ ,‬عن‬
‫ن َهدَى اللّ ُه َفبِ ُهدَاهُ مُ‬
‫ال سديّ‪ ,‬قال‪ :‬ثم ر جع إلى ال نبي صلى ال عل يه و سلم‪ ,‬فقال‪ :‬أُوَلئِ كَ اّلذِي َ‬
‫ا ْقتَدِهْ‪.‬‬
‫‪10622‬ـ حدثنا عليّ بن داود‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا عبد ال بن صالح‪ ,‬قال‪ :‬ثني معاوية بن صالح‪ ,‬عن‬
‫عل يّ بن أ بي طل حة‪ ,‬عن ا بن عباس‪ ,‬قال‪ :‬ثم قال في ال نبياء الذ ين سماهم في هذه الَ ية‪:‬‬
‫َفبِ ُهدَا ُهمُ ا ْقتَدِهْ‪.‬‬
‫ومع نى القتداء في كلم العرب بالر جل‪ :‬اتباع أثره وال خذ بهد يه‪ ,‬يقال‪ :‬فلن يقدو فل نا إذا‬
‫نحا نحوه واتبع أثره‪ِ ,‬قدَ ًة و ُقدْوَ ًة و ِقدْوَة و ِقدْية‪.‬‬
‫ل ِذ ْكرَى ل ْلعَالمِينَ‪.‬‬
‫القول في تأويل قوله تعالى‪ :‬قُلْ ل أسأُل ُكمْ عََل ْيهِ أجْرا إنْ ُهوَ إ ّ‬
‫يقول تعالى ذكره لنبيه محمد صلى ال عليه وسلم‪ :‬قل لهؤلء الذين أمرتك أن تذكرهم بآياتي‬
‫أن تَب سل ن فس ب ما ك سبت من مشكري قو مك يا مح مد‪ :‬ل أ سألكم على تذكيري إيا كم والهدى‬
‫الذي أدعوكم إل يه والقرآن الذي جئت كم به‪ ,‬عو ضا أعتا ضه من كم عل يه وأجرا آخذه من كم‪ ,‬و ما‬
‫ل من كان مثل كم م من هو مق يم على با طل بأس ال أن يحلّ ب كم‬
‫ذلك م ني إل تذك ير ل كم ولك ّ‬
‫وسخطه أن ينزل بكم على شرككم به وكفركم‪ ,‬وإنذار لجميعكم بين يدي عذاب شديد‪ ,‬لتذكروا‬
‫وتنزجوا‪.‬‬

‫‪91‬‬ ‫الية ‪:‬‬


‫شرٍ مّن‬
‫{ َومَا َق َدرُواْ الّلهَ حَقّ َق ْدرِ هِ ِإ ْذ قَالُو ْا مَآ أَنزَلَ الّلهُ عََلىَ َب َ‬ ‫القول في تأويل قوله تعالى‪:‬‬
‫جعَلُونَ ُه َقرَاطِي سَ ُت ْبدُونَهَا‬
‫سىَ نُورا وَ ُهدًى لّلنّا سِ َت ْ‬
‫ن أَنزَلَ ا ْل ِكتَا بَ اّلذِي جَآ َء بِ ِه مُو َ‬
‫شيْءٍ قُلْ مَ ْ‬
‫َ‬
‫ن }‪..‬‬
‫ض ِهمْ يَ ْل َعبُو َ‬
‫ل اللّ ُه ُثمّ َذرْهُمْ فِي خَ ْو ِ‬
‫ن َكثِيرا وَعُّل ْم ُتمْ مّا َل ْم َتعَْلمُوَاْ أَن ُتمْ َولَ آبَا ُؤ ُكمْ قُ ِ‬
‫َو ُتخْفُو َ‬
‫يقول تعالى ذكره‪ :‬ومَا َقدَروا اللّه َـ حَق ّـ َقدْرِه ِـ ومـا أجلوا ال حق ّـ إجلله‪ ,‬ول عظموه حق ّـ‬
‫شيْءٍ يقول‪ :‬حيـن قالوا‪ :‬لم ينزل ال على آدمـي‬
‫ِنـ َ‬
‫تعظيمـه‪ .‬إذْ قَالُوا مـا أ ْنزَلَ اللّه على َبشَ ٍر م ْ‬
‫كتابا ول حيا‪.‬‬
‫شيْءٍ وفي تأويل‬
‫واختلف أهل التأويل في المعنى بقوله‪ :‬إذْ قَالُوا ما أ ْنزَلَ اللّه على َبشَ ٍر مِ نْ َ‬
‫ذلك فقال بعضهـم‪ :‬كان قائل ذلك رجلً مـن اليهود‪ .‬ثـم اختلفوا فـي اسـم ذلك الرجـل‪ ,‬فقال‬
‫بعض هم‪ :‬كان ا سمه مالك بن ال صيف‪ .‬وقال بعض هم‪ :‬كان ا سمه فَنْحاص‪ .‬واختلفوا أي ضا في‬
‫السبب الذي من أجله قال ذلك‪ .‬ذكر من قال‪ :‬كان قائل ذلك مالك بن الصيف‪:‬‬
‫‪10623‬ـ حدثنا ابن حميد‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا يعقوب القمي‪ ,‬عن جعفر بن أبي المغيرة‪ ,‬عن سيعد بن‬
‫جبير‪ ,‬قال‪ :‬جاء رجل من اليهود يقال له مالك بن الصيف يخاصم النبي صلى ال عليه وسلم‪,‬‬
‫فقال له النـبي صـلى ال عليـه وسـلم‪« :‬أ ْنشُدكَـ بالذِي أ ْنزَلَ الت ْورَاةَ على مُوسـَى‪ ,‬أمـا تَجِد فِي‬
‫سمِينَ؟» وكان حبرا سمينا‪ ,‬فغضب فقال‪ :‬وال ما أنزل ال على‬
‫حبْر ال ّ‬
‫ن اللّ َه ُي ْبغِ ضُ ال َ‬
‫الت ْورَا ِة أ ّ‬
‫ب شر من ش يء فقال له أ صحابه الذ ين م عه‪ :‬وي حك ول مو سى؟ فقال‪ :‬وال ما أنزل ال على‬
‫شيْءٍ‬
‫شرٍ مِ نْ َ‬
‫ب شر من ش يء فأنزل ال‪ :‬ومَا َقدَروا الّل هَ حَ قّ َق ْدرِ هِ إذْ قَالُوا ما أ ْنزَلَ اللّه على َب َ‬
‫ن أ ْنزَلَ ال ِكتَابَ اّلذِي جا َء بِهِ مُوسَى‪ ...‬الَية‪.‬‬
‫قُلْ مَ ْ‬
‫‪ 10624‬ـ حدث نا القا سم‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا الح سين‪ ,‬قال‪ :‬ث ني حجاج‪ ,‬عن ا بن جر يج‪ ,‬عن عكر مة‪,‬‬
‫شيْءٍ قال‪ :‬نزلت في مالك‬
‫شرٍ مِ نْ َ‬
‫قوله‪ :‬ومَا َقدَروا الّل َه حَ قّ َق ْدرِ ِه إذْ قَالُوا ما أ ْنزَلَ اللّه على َب َ‬
‫ب اّلذِي جاءَ بِ هِ مُو سَى‬
‫ن أ ْنزَلَ الكِتا ِ‬
‫حمّدُ َم ْ‬
‫بن الصيف كان من قريظة من أحبار اليهود قُلْ يا ُم َ‬
‫نُورا وَ ُهدًى للنّاسِ‪ ...‬الَية‪.‬‬
‫ذكر من قال‪ :‬نزلت في فنحاص اليهودي‪:‬‬
‫‪ 10625‬ـ حدث ني مو سى بن هارون‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا عمرو بن حماد‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا أ سباط‪ ,‬عن‬
‫شيْءٍ قال‪ :‬قال فنحاص‬
‫ن َ‬
‫شرٍ مِ ْ‬
‫ال سديّ‪ :‬ومَا َقدَروا الّل هَ حَ قّ َق ْدرِ هِ إ ْذ قَالُوا ما أ ْنزَلَ اللّه على َب َ‬
‫اليهودي‪ :‬ما أنزل ال على محمد من شيء‪.‬‬
‫وقال آخرون‪ :‬بل عنى بذلك جماعة من اليهود سألوا النبي صلى ال عل يه وسلم آيات م ثل‬
‫آيات موسى‪ .‬ذكر من قال ذلك‪:‬‬
‫‪ 10626‬ـ حدثنا هناد‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا يونس‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا أبو معشر المدني‪ ,‬عن محمد بن كعب‬
‫حتَ بٍ‪ ,‬فقالوا‪ :‬يا أ با‬
‫القر ظي‪ ,‬قال‪ :‬جاء ناس من يهود إلى ال نبي صلى ال عل يه و سلم و هو ُم ْ‬
‫القا سم‪ ,‬أل تأتي نا بكتاب من ال سماء ك ما جاء به مو سى ألوا حا يحمل ها من ع ند ال فأنزل ال‪:‬‬
‫ن ال سّماءِ فَ َقدْ سألُوا مُو سَى أ ْك َبرَ مِ نَ ذَلِ كَ فَقالُوا أرِنا‬
‫ل الكِتا بِ أن ُت َنزّلَ عََل ْيهِ مْ كِتابا ِم َ‬
‫يَسأُلكَ أهْ ُ‬
‫ج ْهرَةً‪ ...‬الَ ية‪ ,‬فج ثا ر جل من يهود‪ ,‬فقال‪ :‬ما أنزل ال عل يك ول على مو سى ول على‬
‫اللّ هَ َ‬
‫عيسى ول على أحد شيئا فأنزل ال‪ :‬ومَا قَدَروا اللّ هَ حَ قّ قَ ْدرِ هِ قال محمد بن ك عب‪ :‬ما علموا‬
‫ب اّلذِي جاءَ ِب هِ مُو سَى‬
‫ل مَ نْ أ ْنزَلَ ال ِكتَا َ‬
‫شيْءٍ قُ ْ‬
‫كيـف ال إذْ قَالُوا ما أ ْنزَلَ اللّه على َبشَرٍ ِم نْ َ‬
‫حدٍ»‪.‬‬
‫نُورا فحلّ رسول ال صلى ال عليه وسلم حبوته‪ ,‬وجعل يقول‪« :‬ول عَلَى َأ َ‬
‫‪ 10627‬ـ حدثنا بشر بن معاذ‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا يزيد‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا سعيد‪ ,‬عن قتادة‪ :‬ومَا َقدَروا الّل هَ‬
‫ضهِمْ يَ ْل َعبُونَ هم اليهود‬
‫شيْءٍ‪ ...‬إلى قوله‪ :‬فِي خَ ْو ِ‬
‫ن َ‬
‫شرٍ مِ ْ‬
‫حَقّ قَ ْدرِ ِه إذْ قَالُوا ما أ ْنزَلَ اللّه على َب َ‬
‫والنصارى‪ ,‬قوم آتاهم ال علما فلم يهتدوا به ولم يأخذوا به ولم يعلموا به‪ ,‬فذمهم ال في عملهم‬
‫ذلك‪ ,‬ذ كر ل نا أن أ با الدرداء كان يقول‪ :‬إ نّ من أك ثر ما أ نا مخا صم به غدا أن يقال‪ :‬يا أ با‬
‫الدرداء قد علمت‪ ,‬فماذا علمت فيما علمت؟‪.‬‬
‫ي بن أبي‬
‫‪ 10628‬ـ حدثني المثنى‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا عبد ال بن صالح‪ ,‬قال‪ :‬ثني معاوية‪ ,‬عن عل ّ‬
‫شيْءٍ‬
‫ن َ‬
‫شرٍ مِ ْ‬
‫طلحة‪ ,‬عن ابن عباس‪ ,‬قوله‪ :‬ومَا َقدَروا الّل َه حَقّ َق ْدرِ ِه إذْ قَالُوا ما أ ْنزَلَ اللّه على َب َ‬
‫يعني‪ :‬من بني إسرائيل‪ .‬قالت اليهود‪ :‬يا محمد أنزّل ال عليك كتابا؟ قال‪« :‬نعم» قالوا‪ :‬وال ما‬
‫ب اّلذِي جاءَ ِب هِ مُو سَى نُورا‬
‫أنزل ال من السماء كتابا‪ .‬فأنزل ال‪ :‬قُلْ يا محمد مَ نْ أ ْنزَلَ ال ِكتَا َ‬
‫وَ ُهدًى الناس‪ ...‬إلى قوله‪ :‬وَل آباؤ ُكمْ قال‪ :‬ال أنزله‪.‬‬
‫ل ثناؤه عن مشر كي قر يش أن هم قالوا‪ :‬ما أنزل ال على‬
‫وقال آخرون‪ :‬هذا خبر من ال ج ّ‬
‫بشر من شيء‪ .‬ذكر من قال ذلك‪:‬‬
‫‪ 10629‬ـ حدثنا القاسم‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا الح سين‪ ,‬قال‪ :‬ثني حجاج‪ ,‬قال‪ :‬قال ابن جر يج‪ :‬قال عبد‬
‫ال بن كثير‪ :‬إنه سمع مجاهدا يقول‪ :‬وَما َقدَرُوا اللّ َه حَ قّ َقدْرِ ِه إذْ قالُوا ما أ ْنزَلَ الّل هُ على َبشَرٍ‬
‫ل الكِتابَـ اّلذِي جا َء بِهِـ مُوسـَى نُورا‬
‫شيْءٍ قالهـا مشركـو قريـش‪ ,‬قال‪ :‬وقوله‪ :‬قُلْ مَن ْـ أنْزَ َ‬
‫مِن ْـ َ‬
‫ن َكثِيرا قال‪ :‬هم يهود الذ ين يبدون ها ويخفون‬
‫جعَلُونَ هُ َقرَاطِي سَ ُت ْبدُونَ ها و ُتخْفُو َ‬
‫و ُهدًى للنّا سِ َت ْ‬
‫كثيرا‪ .‬قال‪ :‬وقوله‪َ :‬وعُّل ْم ُتمْ ما َلمْ َتعَْلمُوا أ ْن ُتمْ وَل آباؤ ُكمْ قال‪ :‬هذه للمسلمين‪.‬‬
‫ي بن أبي‬
‫‪ 10630‬ـ حدثني المثنى‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا عبد ال بن صالح‪ ,‬قال‪ :‬ثني معاوية‪ ,‬عن عل ّ‬
‫طلحـة‪ ,‬عـن ابـن عباس‪ ,‬قوله‪ :‬وَمـا َق َدرُوا اللّهُـ حَقّـ َق ْدرِهِـ قال‪ :‬هـم الكفار لم يؤمنوا بقدرة ال‬
‫عليهم‪ ,‬فمن آمن أن ال على كلّ شيء قدير فقد قدر ال حقّ قدره‪ ,‬ومن لم يؤمن بذلك فلم يقدر‬
‫ال حقّ قدره‪.‬‬
‫‪ 10631‬ـ حدث ني المث نى‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا أ بو حذي فة‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا ش بل‪ ,‬عن ا بن أ بي نج يح‪ ,‬عن‬
‫حقّ قَ ْدرِهِ يقول‪ :‬مشركو قريش‪.‬‬
‫مجاهد‪ :‬ومَا قَ َدرُوا اللّ َه َ‬
‫وأولى هذه القوال بال صواب في تأو يل ذلك قول من قال‪ :‬ع ني بقوله‪ :‬و ما قَ َدرُوا ال حَ قّ‬
‫قَ ْدرِهِ مشركو قريش‪ .‬وذلك أن ذلك في سياق الخبر عنهم أ ّولً‪ ,‬فأن يكون ذلك أيضا خبرا عنهم‬
‫أشبه من أن يكون خبرا عن اليهود ولما يجر لهم ذكر يكون هذا به متصلً‪ ,‬مع ما في الخبر‬
‫عمن أخبر ال عنه في هذه الَية من إنكاره أن يكون ال أنزل على بشر شيئا من الكتب وليس‬
‫ذلك مما تدين به اليهود‪ ,‬بل المعروف من دين اليهود القرار بصحف إبراهيم وموسى وزبور‬
‫داود‪ .‬وإذا لم يكن بما روي من الخبر بأن قائل ذلك كان رجلً من اليهود خبر صحيح متصل‬
‫ال سند‪ ,‬ول كان على أن ذلك كان كذلك من أ هل التأو يل إجماع‪ ,‬وكان ال خبر من أوّل ال سورة‬
‫ومبتدئَ ها إلى هذا المو ضع خبرا عن المشركين من عبدة الوثان‪ ,‬وكان قوله‪ :‬وَ ما َق َدرُوا حَ قّ‬
‫اللّ َه َقدْرِ ِه موصولً بذلك غير مفصول منه‪ ,‬لم يجز لنا أن ندّعي أن ذلك مصروف عما هو به‬
‫ن أن الذ ين تأوّلوا ذلك خبرا‬
‫ل بح جة ي جب الت سليم ل ها من خبر أو ع قل ولك ني أظ ّ‬
‫مو صول إ ّ‬
‫جعَلُو َن هُ َقرَاطي سَ‬
‫ن الكتا بَ اّلذِي بِ ِه مُو سَى نُورا وَ ُهدًى للنّا سِ َي ْ‬
‫ل مَ ْ‬
‫عن اليهود‪ ,‬وجدوا قوله‪« :‬قُ ْ‬
‫ن َكثِيرا وعُّل ْمتُ مْ ما لَ مْ َتعَْلمُوا أ ْنتُ مْ وَل آباؤكُ مْ» فوجهوا تأويل ذلك إلى أنه لهل‬
‫ُي ْبدُونَها و ُيخْفُو َ‬
‫التوراة‪ ,‬فقرءوه على وجه الخطاب لهم‪ :‬تجعلونه قراطِيس تبدونها وتخفون كثيرا وعلّمتم ما لم‬
‫تعلموا أن تم ول آباؤ كم فجعلوا ابتداء الَ ية خبرا عن هم‪ ,‬إذ كا نت خاتمت ها خطا با ل هم عند هم‪.‬‬
‫وغ ير ذلك من التأو يل والقراءة أش به بالتنز يل‪ ,‬ل ما و صفت ق بل من أن قوله‪ :‬وَ ما َق َدرُوا الّل هَ‬
‫حَ قّ قَ ْدرِ ِه في سياق ال خبر عن مشر كي العرب وعبدة الوثان‪ ,‬و هو به مت صل‪ ,‬فالولى أن‬
‫يكون ذلك خبرا عنهم‪.‬‬
‫جعَلُو َن هُ َقرَاطِي سَ ُي ْبدُونَها و ُيخْفُو نَ َكثِيرا» أن يكون بالياء‬
‫والصوب من القراءة في قوله‪َ « :‬ي ْ‬
‫ل بالتاء‪ ,‬على معنى أن اليهود يجعلونه قراطيس يبدونها ويخفون كثيرا‪ ,‬ويكن الخطاب بقوله‪:‬‬
‫قُلْ منْ أنزلَ الكتابَ لمشركي قريش‪ .‬وهذا هو المعنى الذي قصده مجاهد إن شاء ال في تأويل‬
‫ذلك‪ ,‬وكذلك كان يقرأ‪.‬‬
‫‪ 10632‬ـ حدث ني المث نى‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا الحجاج بن المنهال‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا حماد‪ ,‬عن أيوب‪ ,‬عن‬
‫ن َكثِيرا»‪.‬‬
‫جعَلُونَ ُه قَرَاطِيسَ ُي ْبدُونَها و ُيخْفُو َ‬
‫مجاهد أنه كان يقرأ هذا الحرف‪َ « :‬ي ْ‬
‫ب اّلذِي جاءَ بِ ِه مُو سَى نُورا وَ ُهدًى للنّا سِ‬
‫القول في تأو يل قوله تعالى‪« :‬قُلْ َم نْ أ ْنزَلَ الكِتا َ‬
‫ن َكثِيرا»‪.‬‬
‫جعَلُونَ ُه قَرَاطِيسَ ُي ْبدُونَها و ُيخْفُو َ‬
‫َي ْ‬
‫يقول تعالى ذكره لنبيه محمد صلى ال عليه وسلم قُلْ يا محمد لمشركي قومك القائلين لك‪:‬‬
‫مـا أنزل على بشـر مـن شيـء‪ ,‬قـل مَن ْـ أ ْنزَلَ الكِتابَـ اّلذِي جا َء بِهِـ مُوسـَى نُورًا يعنـي‪ :‬جلء‬
‫وضياء من ظلمة الضللة وَ ُهدًى للنّا سِ يقول‪ :‬بيانا للناس‪ ,‬يبين لهم له الح قّ من الباطل فيما‬
‫جعَلُو َن هُ جعله خطا با‬
‫أش كل علي هم من أ مر دين هم‪ ,‬يجعلو نه قراط يس يبدون ها‪ .‬ف من قرأ ذلك‪َ :‬ت ْ‬
‫جعَلُونَ هُ» فتأويله في‬
‫لليهود على ما بيّ نت من تأو يل من تأوّل ذلك كذلك‪ ,‬و من قرأه بالياء‪َ « :‬ي ْ‬
‫قراءتـه‪ :‬يجعله أهله قراطيـس‪ ,‬وجرى الكلم فـي «يبدونهـا» بذكـر القراطيـس‪ ,‬والمراد منـه‪:‬‬
‫المكتوب في القراطيس‪ ,‬يراد يبدون كثيرا مما يكتبون في القراطيس‪ ,‬فيظهرونه للناس ويخفون‬
‫كثيرا مما يثبتو نه في القراطيس في سرّونه ويكتمو نه الناس‪ .‬وم ما كانوا يكتمونه إيا هم ما فيها‬
‫من أمر محمد صلى ال عليه وسلم ونبوّته‪ .‬كالذي‪:‬‬
‫‪ 10633‬ـ حدث ني المث نى‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا أ بو حذي فة‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا ش بل‪ ,‬عن ا بن أ بي نج يح‪ ,‬عن‬
‫مجاهد‪َ « :‬قرَاطِيسَ ُي ْبدُونَها و ُيخْفُونَ َكثِيرا»‪ :‬اليهود‪.‬‬
‫‪10634‬ـ حدثنا القاسم‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا الحسين‪ ,‬قال‪ :‬ثني حجاج‪ ,‬عن ابن جريج‪ ,‬عن عكرمة‪ :‬قُلْ‬
‫جعَلُونَ ُه قَرَاطِيسَ ُيبْدونَها» يعني‬
‫س َي ْ‬
‫ن أ ْنزَلَ الكِتابَ اّلذِي ِبهِ مُوسَى نُورًا و ُهدًى للنّا ِ‬
‫يا محمد «مَ ْ‬
‫يهود ل ما أظهروا من التوراة‪ .‬و ُيخْفُو نَ َكثِيرا م ما أخفوا من ذ كر مح مد صلى ال عل يه و سلم‬
‫جعَلُونَ هُ‬
‫و ما أنزل عل يه قال ا بن جريـج‪ :‬وقال ع بد ال بن كثيـر‪ :‬إ نه سمع مجاهدا يقول‪َ « :‬ي ْ‬
‫ن َكثِيرا» قال‪ :‬هم يهود الذين يبدونها ويخفون كثيرا‪.‬‬
‫قَرَاطِيسَ ُي ْبدُونها و ُيخْفُو َ‬
‫القول فـي تأويـل قوله تعالى‪َ :‬وعُّل ْمتُم ْـ مـا لَم ْـ َتعَْلمُوا أ ْنتُم ْـ ول آبا ُؤكُم ْـ قُلِ اللّهُـ ثُمّـ َذرْهُم ْـ فِي‬
‫ض ِهمْ يَ ْل َعبُونَ‪.‬‬
‫خَ ْو ِ‬
‫يقول تعالى ذكره‪ :‬وعلّمكم ال جلّ ثناؤه الكتاب الذي أنزله إليكم ما لم تعلموا أنتم من أخبار‬
‫من قبل كم و من أنباء من بعد كم و ما هو كائن في معاد كم يوم القيا مة‪ ,‬وَل آبا ُؤكُ مْ يقول‪ :‬ولم‬
‫يُعلمْه آباؤكم أيها المؤمنون بال من العرب وبرسوله صلى ال عليه وسلم‪ .‬كالذي‪:‬‬
‫‪ 10635‬ـ حدث ني المث نى‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا الحجاج بن المنهال‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا حماد‪ ,‬عن أيوب‪ ,‬عن‬
‫مجاهد‪َ :‬وعُّل ْم ُتمْ معشر العرب ما َلمْ َتعَْلمُوا أ ْن ُتمْ وَل آبا ُؤ ُكمْ‪.‬‬
‫‪10636‬ـ حدثنا القاسم‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا الحسين‪ ,‬قال‪ :‬ثني حجاج‪ ,‬عن ابن جريج‪ ,‬قال‪ :‬قال عبد ال‬
‫بـن كثيـر‪ :‬إنـه سـمع مجاهدا يقول فـي قوله‪ :‬وَعُّل ْمتُم ْـ مـا لَم ْـ َتعَْلمُوا أ ْنتُم ْـ وَل آبا ُؤكُم ْـ قال‪ :‬هذه‬
‫للمسلمين‪.‬‬
‫ل ثناؤه نبيه محمدا صلى ال عل يه و سلم أن يج يب‬
‫وأ ما قوله‪ :‬قُلِ اللّ هُ فإ نه أ مر من ال ج ّ‬
‫ب اّلذِي جاءَ بِهِ‬
‫ن أ ْنزَلَ الكِتا َ‬
‫استفهامه هؤلء المشركين عما أمره باستفهامهم عنه بقوله‪« :‬قُلْ َم ْ‬
‫جعَلُو َن ُه قَرَاطِي سَ ُي ْبدُونها و ُيخْفُو نَ َكثِيرا» بقيله‪ :‬ال‪ ,‬كأمره إياه في‬
‫مُو سَى نُورًا وَ ُهدًى للنّا سِ َي ْ‬
‫حرِ َتدْعُونَ ُه َتضَرّ عا‬
‫ن ظُلُما تِ ال َبرّ وال َب ْ‬
‫ن ُي َنجّيكُ مْ مِ ْ‬
‫مو ضع آ خر في هذه ال سورة بقوله‪ :‬قُلْ مَ ْ‬
‫ن َهذِ هِ َل َنكُونَ نّ ِم نَ الشّا ِكرِي نَ فأمره باستفهام المشركين عن ذلك‪ ,‬كما أمره‬
‫ن أنجَانَا مِ ْ‬
‫َوخُ ْف َيةً لِئ ْ‬
‫ن شَيْء ع من أنزل الكتاب الذي به مو سى نُورا‬
‫با ستفهامهم إذْ قالُوا ما أ ْنزَلَ اللّ ُه على بَشَر مِ ْ‬
‫ن كُلّ َكرْب ثُ مّ أ ْنتُ مْ‬
‫وهدى للناس‪ .‬ثم أمره بالجا بة ع نه هنالك بقيله‪ :‬قُلِ اللّ هُ ُي َنجّيكُ مْ ِمنْ ها َو ِم ْ‬
‫ُتشْ ِركُونَ كما أمره بالجابة ههنا عن ذلك بقيله‪ :‬ال أنزله على موسى‪ .‬كما‪:‬‬
‫ي بن أبي طلحة‪ ,‬عن‬
‫‪10637‬ـ حدثني المثنى‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا أبو صالح‪ ,‬قال‪ :‬ثني معاوية‪ ,‬عن عل ّ‬
‫ل الكِتابَ اّلذِي جاءَ ِبهِ مُوسَى نُورًا وَ ُهدًى للنّاسِ قال‪ :‬ال أنزله‪.‬‬
‫ن أنْزَ َ‬
‫ابن عباس‪ :‬قُلْ مَ ْ‬
‫ولو قيـل‪ :‬معناه‪« :‬قـل هـو ال» على وجـه المـر مـن ال له بالخـبر عـن ذلك ل على وجـه‬
‫ل الكِتابَ مسألة من المشركين لمحمد صلى ال عليه وسلم‪,‬‬
‫ل مَنْ أ ْنزَ َ‬
‫الجواب إذ لم يكن قوله‪ :‬قُ ْ‬
‫فيكون قوله‪ :‬قُلِ اللّ هُ جوا با ل هم عن م سألتهم‪ ,‬فإن ما هو أ مر من ال لمح مد بم سألة القوم‪ :‬من‬
‫أنزل الكتاب‪ ,‬فيجب أن يكون الجواب منهم غير الذي قاله ابن عباس من تأويله كان جائزا من‬
‫أجل أنه استفهام‪ ,‬ول يكون للستفهام جواب وهو الذي اخترنا من القول في ذلك لما بينا‪.‬‬
‫ضهِ مْ يَ ْل َعبُو نَ فإنه يقول لنبيه محمد صلى ال عليه وسلم‪ :‬ثم ذر‬
‫خ ْو ِ‬
‫وأما قوله‪ :‬ثُ مّ َذرْهُ مْ فِي َ‬
‫هؤلء المشركين العادلين بربهم الوثان والصنام بعد احتجاجك عليهم في قيلهم ما أ ْنزَلَ الّل هُ‬
‫ن أ ْنزَلَ الكِتا بَ اّلذِي جا َء بِ ِه مُو سَى نُورا وَ ُهدًى للنّا سِ وإجاب تك‬
‫شيْءٍ بقولك مَ ْ‬
‫ن َ‬
‫شرٍ مِ ْ‬
‫على َب َ‬
‫ِمـ يعنـي‪ :‬فيمـا يخوضون فيـه مـن‬
‫ضه ْ‬‫ذلك بأن الذي أنزله ال الذي أنزل عليـك كتابـه فـي خَ ْو ِ‬
‫باطلهم وكفرهم بال وآياته‪ ,‬يقول‪ :‬يستهزءون ويسخرون‪ .‬وهذا من ال وعيد لهؤلء المشركين‬
‫ل ثناؤه‪ :‬ثم دع هم ل عبين يا مح مد‪ ,‬فإ ني من وراء ما هم ف يه من‬
‫وتهد يد ل هم يقول ال ج ّ‬
‫ل بهم إن تمادوا في غيّهم سخطي‪.‬‬
‫استهزائهم بآياتي بالمرصاد وأذيفهم بأسي‪ ,‬وأح ّ‬

‫‪92‬‬ ‫الية ‪:‬‬


‫ن َي َديْهِ وَِلتُنذِرَ أُمّ‬
‫صدّقُ اّلذِي َبيْ َ‬
‫{وَهَـذَا ِكتَابٌ أَنزَ ْلنَاهُ ُمبَارَكٌ مّ َ‬ ‫القول في تأويل قوله تعالى‪:‬‬
‫ل ِتهِمْ ُيحَا ِفظُونَ }‪..‬‬
‫ن بِهِ وَ ُهمْ عََلىَ صَ َ‬
‫خرَةِ ُي ْؤ ِمنُو َ‬
‫لِ‬‫ن يُ ْؤ ِمنُونَ بِا َ‬
‫الْ ُق َرىَ َو َمنْ حَوَْلهَا وَاّلذِي َ‬
‫يقول تعالى ذكره‪ :‬وَ َهذَا القرآن يا مح مد كِتا بٌ و هو ا سم من أ سماء القرآن قد بين ته وبي نت‬
‫معناه في ما م ضى ق بل ب ما أغ نى عن إعاد ته‪ .‬ومعناه‪ :‬مكتوب‪ ,‬فو ضع الكتاب مكان المكتوب‪.‬‬
‫أ ْنزَلْناهُ يقول‪ :‬أوحيناه إليك‪ ,‬مُبارَكٌ وهو مفاعل من البركة‪ ,‬مُصَ ّدقٌ اّلذِي بينَ َي َديْهِ يقول‪ :‬صدّق‬
‫هذا الكتاب ما قبله من ك تب ال التي أنزلها على أنبيائه قبلك‪ ,‬لم يخالفها ول بنبأ‪ ,‬وهو مع نى‬
‫«نورا وهدى للناس»‪ ,‬يقول‪ :‬هو الذي أنزل إل يك يا مح مد هذا الكتاب مبار كا م صدّقا كتاب‬
‫موسى وعيسى وغير ذلك من كتب ال‪ ,‬ولكنه جلّ ثناؤه ابتدأ الخبر عنه‪ ,‬إذ كان قد تقدّم الخبر‬
‫عـن ذلك مـا يدلّ على أنـه بـه متصـل‪ ,‬فقال‪ :‬وهذا كتاب أنزلناه إليـك مبارك‪ ,‬ومعناه‪ :‬وكذلك‬
‫أنزلت إليك كتابي هذا مباركا‪ ,‬كالذي أنزلت من التوراة إلى موسى هدى ونورا‪.‬‬
‫حوَْلهَا فإنه يقول‪ :‬أنزلنا إليك يا محمد هذا الكتاب مصدّقا ما‬
‫وأما قوله‪ :‬وَِل ُت ْن ِذرَ أُمّ ال ُقرَى َومَنْ َ‬
‫قبله من الك تب‪ ,‬ولتنذر به عذاب ال وبأ سه من في أ مّ القرى و هي م كة و من حول ها شر قا‬
‫وغر با من العادل ين برب هم غيره من الَل هة والنداد‪ ,‬والجاحد ين بر سله وغير هم من أ صناف‬
‫الكفار‪.‬‬
‫وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل‪ .‬ذكر من قال ذلك‪:‬‬
‫‪10638‬ـ حدثني المثنى‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا أبو صالح‪ ,‬قال‪ :‬ثني معاوية بن صالح‪ ,‬عن عليّ بن أبي‬
‫حوْلَهَا يعني بأ ّم القرى‪ :‬م كة و من حولها‬
‫طل حة‪ ,‬عن ا بن عباس‪ ,‬قوله‪ :‬وَِل ُت ْن ِذرَ أُ مّ ال ُقرَى َو َم نْ َ‬
‫من القرى إلى المشرق والمغرب‪.‬‬
‫حدث ني مح مد بن سعد‪ ,‬قال‪ :‬ث ني أ بي‪ ,‬قال‪ :‬ث ني ع مي‪ ,‬قال‪ :‬ث ني أ بي‪ ,‬عن أب يه‪ ,‬عن ا بن‬
‫حوْلَها‪ :‬الرض كلها‪.‬‬
‫ن حَوَْلهَا وأمّ القرى‪ :‬مكة‪ ,‬و َمنْ َ‬
‫عباس‪ ,‬قوله‪ :‬وَِل ُت ْن ِذرَ ُأمّ ال ُقرَى َومَ ْ‬
‫‪10639‬ـ حدثنا محمد بن عبد العلى‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا محمد بن ثور‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا معمر‪ ,‬عن قتادة‪:‬‬
‫وَِل ُت ْن ِذرَ أُ مّ ال ُقرَى قال‪ :‬هي مكة‪ .‬وبه عن معمر‪ ,‬عن قتادة‪ ,‬قال‪ :‬بلغني أن الرض ُدحِيت من‬
‫مكة‪.‬‬
‫حدثنا بشر‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا يزيد‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا سعيد‪ ,‬عن قتادة‪ ,‬قوله‪ :‬وَِل ُت ْن ِذرَ ُأمّ ال ُقرَى َومَن حَوَْلهَا‬
‫كنا نحدّث أن أمّ القرى‪ :‬مكة‪ ,‬وكنا نحدّث أن منها دُحيت الرض‪.‬‬
‫‪ 10640‬ـ حدث نا مح مد بن الح سين‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا أح مد بن المف ضل‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا أ سباط‪ ,‬عن‬
‫حوَْلهَا أما أ مّ القرى‪ :‬فهي مكة وإنما سميت أ مّ القرى‪ ,‬لنها أول‬
‫السديّ‪ :‬وَِل ُت ْنذِرَ أُم ال ُقرَى َومَ نْ َ‬
‫بيت وضع بها‪ .‬وقد بينا فيما مضى العلة التي من أجلها سميت مكة أ ّم القرى بما أغنى عن‬
‫إعادته في هذا الموضع‪.‬‬
‫ُمـ على صـَل ِت ِهمْ‬
‫ـ وَه ْ‬
‫ُونـ بِه ِ‬
‫لخِرةِ ُي ْؤ ِمن َ‬
‫ـ با َ‬
‫ِينـ يُ ْؤ ِمنُون َ‬
‫القول فـي تأويـل قوله تعالى‪ :‬واّلذ َ‬
‫يُحا ِفظُونَ‪.‬‬
‫يقول تعالى ذكره‪ :‬و من كان يؤمن بقيام ال ساعة والمعاد في الَخرة إلى ال ويصدق بالثواب‬
‫والعقاب‪ ,‬فإنـه يؤمـن بهذا الكتاب الذي أنزلناه إليـك يـا محمـد ويصـدّق بـه ويقرّ بأن ال أنزله‪,‬‬
‫ويحا فظ على ال صلوات المكتوبات ال تي أمره ال بإقامت ها ل نه منذر من بل غه وع يد ال على‬
‫الكفر به وعلى معاصيه‪ ,‬وإنما يجحد به وبما فيه ويكذب أهل التكذيب بالمعاد والجحود لقيام‬
‫الساعة‪ ,‬لنه ل يرجو من ال إن عمل بما فيه ثوابا‪ ,‬ول يخاف إن لم يجتنب ما يأمره باجتنابه‬
‫عقابا‪.‬‬

‫‪93‬‬ ‫الية ‪:‬‬


‫ل أُ ْوحِ يَ إِلَ يّ وَلَ مْ‬
‫ن َأظْلَ مُ ِممّ نِ ا ْف َترَىَ عَلَى الّل ِه َكذِبا أَ ْو قَا َ‬
‫{ َو َم ْ‬ ‫القول في تأويل قوله تعالى‪:‬‬
‫غ َمرَا تِ ا ْل َموْ تِ‬
‫ن فِي َ‬
‫سأُنزِلُ ِمثْلَ مَآ َأنَزلَ الّل هُ وََلوْ َت َرىَ ِإذِ الظّاِلمُو َ‬
‫شيْءٌ وَمَن قَالَ َ‬
‫ح إَِليْ ِه َ‬
‫يُو َ‬
‫ب ا ْلهُو نِ ِبمَا كُنتُ مْ تَقُولُو نَ عَلَى اللّ هِ‬
‫عذَا َ‬
‫جزَوْ نَ َ‬
‫س ُكمُ ا ْليَوْ مَ ُت ْ‬
‫خ ِرجُوَ ْا َأنْفُ َ‬
‫سطُوَاْ َأ ْيدِيهِ مْ َأ ْ‬
‫وَا ْلمَل ِئكَ ُة بَا ِ‬
‫ن آيَاتِ ِه َتسْ َت ْك ِبرُونَ }‪..‬‬
‫حقّ َو ُك ْنتُمْ عَ ْ‬
‫غ ْيرَ ا ْل َ‬
‫َ‬
‫ن ا ْفتَرَى على اللّ هِ َكذِ با‪ :‬و من أخطُأ قولً وأجه ُل فعلً‬
‫يع ني جلّ ذكره بقوله‪َ :‬ومَ نْ أظْلَ مُ ِممّ ْ‬
‫ممن افترى على ال كذبا‪ ,‬يعني‪ :‬ممن اختلق على ال كذبا‪ ,‬فادّعى عليه أنه بعثه نبيا وأرسله‬
‫نذيرا‪ ,‬وهو في دعواه مبطل وفي قيله كاذب‪ .‬وهذا تسفيه من ال لمشركي العرب وتجهيل منه‬
‫ي ال صلى ال عليه وسلم‬
‫سيْلِمة لنب ّ‬
‫لهم في معارضة عبد ال بن سعد بن أبي سَرْح والحنفي مُ َ‬
‫بدعوى أحده ما النبوّة ودعوى الَ خر أ نه قد جاء بم ثل ما جاء به ر سول ال صلى ال عل يه‬
‫وسلم‪ ,‬ونفي منه عن نبيه محمد صلى ال عليه وسلم اختلق الكذب عليه ودعوى الباطل‪.‬‬
‫وقد اختلف أهل التأويل في ذلك‪ ,‬فقال بعضهم فيه نحو الذي قلنا فيه‪ .‬ذكر من قال ذلك‪:‬‬
‫‪ 10641‬ـ حدث نا القا سم‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا الح سين‪ ,‬قال ث ني حجاج‪ ,‬عن ا بن جر يج‪ ,‬عن عكر مة‪,‬‬
‫شيْ ٌء قال‪ :‬نزلت‬
‫ح إَليْ هِ َ‬
‫ن أظْلَ مُ ِممّ نِ ا ْف َترَى على الّل ِه َكذِ با أوْ قالَ أُوحِ يَ إل يّ وَلَ مْ يُو َ‬
‫قوله‪َ :‬ومَ ْ‬
‫ل ما أنْزَلَ‬
‫ي بن حنيفة فيما كان يسجّع ويتكهن به‪َ .‬ومَنْ قالَ سُأنْزِلُ ِمثْ َ‬
‫في مسيلمة أخي بني عد ّ‬
‫سرْح‪ ,‬أخي بني عامر بن لؤي‪ ,‬كان يكتب للنبي صلى‬
‫ال نزلت في عبد ال بن سعد بن أبي َ‬
‫ال عل يه و سلم‪ ,‬وكان في ما يُملِي «عز يز حك يم»‪ ,‬فيك تب «غفور رح يم»‪ ,‬فيغيره‪ ,‬ثم يقرأ عل يه‬
‫كذا وكذا ل ما حوّل‪ ,‬فيقول‪َ « :‬نعَ مْ سواء» فرجع عن ال سلم ول حق بقريش وقال لهم‪ :‬ل قد كان‬
‫ينزل عليه «عزيز حكيم»‪ ,‬فأحوّله ثم أقول لما أكتب‪ ,‬فيقول نعم سواء ثم رجع إلى السلم قبل‬
‫فتح مكة‪ ,‬إذ نزل النبيّ صلى ال عليه وسلم ب َمرّ‪.‬‬
‫وقال بعضهم‪ :‬بل نزل ذلك في عبد ال بن سعد خاصة‪ .‬ذكر من قال ذلك‪:‬‬
‫‪ 10642‬ـ حدث ني مح مد بن الح سين‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا أح مد بن المف ضل قال‪ :‬حدث نا أ سباط‪ ,‬عن‬
‫شيْءٌ‪ ...‬إلى‬
‫ح إَليْ ِه َ‬
‫ن افْ َترَى على الّل هِ َكذِ با أوْ قالَ أُوحِ يَ إل يّ وَل مْ يُو َ‬
‫ن أظْلَ مُ ِممّ ِ‬
‫ال سديّ‪َ :‬ومَ ْ‬
‫ب الهُو نِ قال‪ :‬نزلت في ع بد ال بن سعد بن أ بي سرح أ سلم‪ ,‬وكان يك تب‬
‫ن عذَا َ‬
‫جزَوْ َ‬
‫قوله‪ُ :‬ت ْ‬
‫للنبيّ صلى ال عليه وسلم‪ ,‬فكان إذا أملى عليه «سميعا عليما»‪ ,‬كتب هو‪« :‬عليما حكيما» وإذا‬
‫قال‪« :‬عليما حكيما» كتب‪« :‬سميعا عليما»‪ .‬فش كّ وكفر‪ ,‬وقال‪ :‬إن كان محمد يوحى إليه فقد‬
‫أوح يَ إل يّ‪ ,‬وإن كان ال ينزله ف قد أنزلت مثل ما أنزل ال‪ ,‬قال مح مد‪ « :‬سميعا علي ما»‪ ,‬فقلت‬
‫أنا‪« :‬عليما حكيما»‪ .‬فلحق بالمشركين‪ ,‬ووشى بعمار وجبير عند ابن الحضرم يّ أو لبني عبد‬
‫الدار‪ ,‬فأخذو هم فعذّبوا ح تى كفروا‪ .‬وجُدع أذن عمار يومئذ‪ ,‬فانطلق عمار إلى ال نبيّ صلى ال‬
‫عل يه و سلم‪ ,‬فأ خبره ب ما ل قي والذي أعطا هم من الك فر‪ ,‬فأ بى ال نبيّ صلى ال عل يه و سلم أن‬
‫ن َب ْعدِ إيمَانِ ِه إلّ َمنْ‬
‫يتوله‪ ,‬فأنزل ال في شأن ابن أبي سَرح وعمار وأصحابه‪ :‬مَنْ كَ َفرَ بالّل ِه مِ ْ‬
‫ص ْدرًا فالذي أُكره عمار وأصحابه‪ ,‬والذي‬
‫شرَ حَ بالكُ ْفرِ َ‬
‫ن مَ نْ َ‬
‫ن بالِيمَا نِ وََلكِ ْ‬
‫ط َمئِ ّ‬
‫ُأ ْكرِ هَ َوقَ ْلبُ هُ ُم ْ‬
‫شرح بالكفر صدرا فهو ابن أبي سرح‪.‬‬
‫شيْءٌ مسيلمة الكذّاب‪ .‬ذكر من قال ذلك‪:‬‬
‫ح إَليْ ِه َ‬
‫حيَ إليّ وَلمْ يُو َ‬
‫وقال آخرون‪ :‬بل القائل‪ :‬أُو ِ‬
‫‪ 10643‬ـ حدثنا بشر بن معاذ‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا يزيد بن زريع‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا سعيد‪ ,‬عن قتادة‪ ,‬قوله‪:‬‬
‫ل ما أ ْنزَلَ الّل هُ ذكر لنا أن هذه الَية‬
‫ن قالَ سُأنْزِلُ ِمثْ َ‬
‫شيْءٌ َومَ ْ‬
‫أ ْو قالَ أُوحِ يَ إل يّ وَل مْ يُو حَ إَل ْي هِ َ‬
‫نزلت في مسيلمة‪ .‬ذكر لنا أن نبيّ ال صلى ال عليه وسلم قال‪« :‬رأيْ تُ فِيما َيرَى النّائ مُ كأ نّ‬
‫خ ُتهُ ما فَطارَا‪,‬‬
‫خهُ ما‪ ,‬فنَ َف ْ‬
‫ن انْ ُف ْ‬
‫يأ ِ‬
‫ن ذَهَ بٍ‪ ,‬ف َكبُرَا عَل يّ وأهمّانِي‪َ ,‬فأُوحِ يَ إل ّ‬
‫ن مِ ْ‬
‫فِي َيدِي سِوَا َريْ ِ‬
‫سيّ»‬
‫ب صَنْعاءَ ال َعنْ ِ‬
‫ن أنا َب ْي َنهُما‪َ :‬كذّا بُ اليَمامَ ِة مُ سَيِْلمَةُ‪ ,‬وكذّا ُ‬
‫فَأوّ ْل ُتهُما فِي مَنامي ال َكذّا َبيْ نِ الّل َذيْ ِ‬
‫وكان يقال له السود‪.‬‬
‫‪ 10644‬ـ حدثنا محمد بن عبد العلى‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا محمد بن ثور‪ ,‬عن معمر‪ ,‬عن قتادة‪ ,‬قال‪:‬‬
‫شيْءٌ قال‪ :‬نزلت في مسيلمة‪.‬‬
‫حيَ إليّ وَلم يُوحَ إَل ْيهِ َ‬
‫أُو ِ‬
‫حدثنا الحسن بن يحيى‪ ,‬قال‪ :‬أخبرنا عبد الرزاق‪ ,‬قال‪ :‬أخبرنا معمر‪ ,‬عن قتادة‪ ,‬وزاد فيه‪:‬‬
‫ن مِنْ‬
‫وأخبرني الزهري أن النبيّ صلى ال عليه وسلم قال‪َ « :‬بيْنا أنا نائمٌ رأيْتُ فِي َيدِي سِوَا َريْ ِ‬
‫خ ُتهُ ما فَطارَا‪ ,‬فَأوّلْت ذل كَ َكذّا بَ اليَمامَةِ‪,‬‬
‫خهُ ما‪َ ,‬فنَ َف ْ‬
‫ن انْ ُف ْ‬
‫ذَهَ بٍ‪َ ,‬فكَ ُبرَ ذل كَ عَل يّ‪َ ,‬فأُوحِ يَ إل يّ أ ِ‬
‫سيّ»‪.‬‬
‫ب صَنْعاءَ العَن ِ‬
‫و َكذّا َ‬
‫ن أظْلَ مُ ِممّ نِ ا ْف َترَى على‬
‫وأولى القوال في ذلك عندي بال صواب‪ ,‬أن يقال‪ :‬إن ال قال‪َ :‬و َم ْ‬
‫ح إَليْ ِه شَيْ ٌء ول َتمَانُ َع بين علماء المة أن ابن أبي سرح كان‬
‫ي إليّ وَل ْم يُو َ‬
‫ال َكذِبا أ ْو قالَ أُوحِ َ‬
‫ممن قال‪ :‬إني قد قلت مثل ما قال محمد‪ ,‬وأنه ارتدّ عن إسلمه ولحق بالمشركين‪ .‬فكان ل شكّ‬
‫بذلك من قيله مفتر يا كذ با‪ .‬وكذلك ل خلف ب ين الجم يع أن م سيلمة والعن سيّ الكذّاب ين ادّع يا‬
‫على ال كذبا أنه بعثهما نبيين‪ ,‬وقال كلّ واحد منهما‪ :‬إن ال أوحي إليه وهو كاذب في قيله‪.‬‬

‫‪94‬‬ ‫الية ‪:‬‬


‫القول في تأويل قوله تعالى‪:‬‬
‫ظهُو ِركُ مْ وَمَا َن َرىَ‬
‫ج ْئ ُتمُونَا ُفرَا َدىَ كَمَا خَلَ ْقنَاكُ مْ أَ ّولَ َمرّةٍ َو َت َر ْكتُ مْ مّا خَوّ ْلنَاكُ مْ َورَا َء ُ‬
‫{وََل َقدْ ِ‬
‫ن‬
‫عمُو َ‬
‫ش َركَآءُ لَقَد تّ َقطّعَ َب ْي َنكُمْ َوضَلّ عَنكُم مّا كُنتُمْ َتزْ ُ‬
‫ع ْم ُتمْ َأ ّن ُهمْ فِي ُكمْ ُ‬
‫ن زَ َ‬
‫َم َعكُمْ شُ َفعَآ َء ُكمُ اّلذِي َ‬
‫وهذا خبر من ال جلّ ثناؤه ع ما هو قائل يوم القيا مة لهؤلء العادل ين به الَل هة والنداد‪,‬‬
‫يخبر عباده أنه يقول لهم عند ورودهم عليه‪:‬لقد جئتمونا فرادى ويعني بقوله‪ :‬فرادى»‪ :‬وحدانا‬
‫ل مال معهم ول أثاث ول رفيق ول شيء مما كان ال خوّلهم في الدنيا‪ .‬كمَا خَلَقْناكُمْ أوّل َمرّة‬
‫ل ثناؤه في بطون أمهات هم‪ ,‬ل ش يء‬
‫غ ْرلً حفاة ك ما ولدت هم أمهات هم‪ ,‬وك ما خلق هم ج ّ‬
‫عُراة غُلْفا ُ‬
‫عليهم ول معهم مما كانوا يتباهون به في الدنيا‪ .‬وفرادى‪ :‬جمع‪ ,‬يقال لواحد ها‪ :‬فرد‪ ,‬كما قال‬
‫نابغة بني ذُبيان‪:‬‬
‫صيْقَل ال َف َردِ‬
‫س ْيفِ ال ّ‬
‫عهُطاوِي ال َمصِيرِ ك َ‬
‫شيَ أكَارِ ُ‬
‫ِمنْ َوحْشِ َوجْرَ َة مَ ْو ِ‬
‫و َفرَد و َفرِيد‪ ,‬كما يقال‪َ :‬وحَد و َوحِد و َوحِيد في واحد «الوحاد»‪ ,‬وقد يجمع ال َفرْد الفُراد‪ ,‬كما‬
‫يجمع ال َوحْد ال ُوحَاد‪ ,‬ومنه قول الشاعر‪:‬‬
‫صعَ َقتْها صَوَاهِلُهْ‬
‫ترَى ال ّنعَراتِ ال ّزرْقِ فوقَ لَبانهفُرادَ َو َم ْثنَى أ ْ‬
‫وكان يو نس الجرم يّ في ما ذ كر ع نه يقول‪ :‬فراد‪ :‬ج مع فرد‪ ,‬ك ما ق يل‪ :‬توءم وتؤام للجي مع‪,‬‬
‫ومنه الفرادى وال ّردَافى والغوانى‪ .‬ويقال‪ :‬رجل فرد‪ ,‬وامرأة فَرْد‪ ,‬إذا لم يكن لها أخ‪ ,‬وقد َفرَدَ‬
‫الرجل فهو يَ ْفرُد فُرودا‪ ,‬يراد به تفرد‪ ,‬فهو فارد‪.‬‬
‫‪10645‬ـ حدثني يونس‪ ,‬قال‪ :‬أخبرنا ابن وهب‪ ,‬قال‪ :‬قال ابن زيد‪ ,‬قال‪ :‬أخبرني عمرو أن ابن‬
‫أ بي هلل حد ثه أ نه سمع القر طبي يقول‪ :‬قرأت عائ شة زوج ال نبيّ صلى ال عل يه و سلم قول‬
‫ج ْئ ُتمُو نا ُفرَادَى كمَا خَلَقْناكُ مْ أوّل َمرّةٍ فقالت‪ :‬وا سوأتاه‪ ,‬إن الرجال والن ساء يحشرون‬
‫ال‪ :‬وَلَ َقدْ ِ‬
‫جميعا ينظر بعضهم إلى سوأة بعض فقال رسول ال صلى ال عليه وسلم‪ِ« :‬لكُلّ ا ْمرِىءٍ ِم ْنهُ مْ‬
‫َنـ‬
‫ـع ْ‬‫ضهُم ْ‬
‫ل َبعْ ُ‬
‫شغِ َ‬
‫ظرُ الرّجالُ إلى النّسـاءِ ول النّسـاءُ إلى الرّجالِ‪ُ ,‬‬
‫ْنـ ُي ْغنِيهـِ‪ ,‬ل َي ْن ُ‬
‫يَ ْو َم ِئذٍ شأ ٌ‬
‫َبعْضٍ»‪.‬‬
‫ظهُو ِركُمْ فإنه يقول‪ :‬خَلّفتم أيها القوم ما مكناكم في الدنيا‬
‫وأما قوله‪َ :‬و َت َر ْكتُمْ ما خَوّلْناكُمْ َورَاءَ ُ‬
‫م ما كن تم تتباهون به في ها خلف كم في الدن يا‪ ,‬فلم تحملوه مع كم‪ .‬وهذا تعي ير من ال جلّ ثناؤه‬
‫لهؤلء المشرك ين بمباهات هم ال تي كانوا يتباهون ب ها في الدن يا بأموال هم‪ ,‬وكلّ ما مَلّك ته غيرَك‬
‫وأعطي ته ف قد خوّل ته‪ ,‬يقال م نه‪ :‬خال الر جل يخال أشدّ الخيال بك سر الخاء‪ ,‬و هو خائل‪ ,‬وم نه‬
‫قول أبي النجم‪:‬‬
‫ل ال ُمخَوّلِ‬
‫ن خَوَ ِ‬
‫عطَى فلمْ َي ْبخَلْ وَلمْ ُي َبخِّلكُومَ ال ّذرَا مِ ْ‬
‫أْ‬
‫وقد ذكر أن أبا عمرو بن العلء كان ينشد بين زهير‪:‬‬
‫ن َي ْيسِرُوا يُغلُوا‬
‫ن يُسألُوا ُي ْعطُوا وَإ ْ‬
‫خوِلُواوَإ ْ‬
‫س َتخْوَلُوا المَالَ ُي ْ‬
‫هنالكَ إنْ ُي ْ‬
‫وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل‪ .‬ذكر من قال ذلك‪.‬‬
‫‪ 10646‬ـحدثني مح مد بن الح سين‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا أح مد بن المف ضل‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا أ سباط‪ ,‬عن‬
‫ظهُو ِر ُكمْ في الدنيا‪.‬‬
‫السديّ‪َ :‬و َت َر ْكتُ ْم ما خَوّلْنا ُكمْ من المال والخدم َورَاءَ ُ‬
‫شرَكاءُ‪.‬‬
‫ع ْمتُمْ أ ّن ُهمْ فِي ُكمْ ُ‬
‫ن زَ َ‬
‫القول في تأويل قوله تعالى‪ :‬وَما َنرَى َم َع ُكمْ شُفَعا َء ُكمُ اّلذِي َ‬
‫يقول تعالى ذكره لهؤلء العادليـن بربهـم النداد يوم القيامـة‪ :‬مـا نرى معكـم شفعاءكـم الذيـن‬
‫كنتم في الدنيا تزعمون أنهم يشفعون لكم عند ربكم يوم القيامة‪ .‬وقد ذكر أن هذه الَية نزلت‬
‫في الن ضر بن الحرث لقيله‪ :‬إن اللت وال ُعزّى يشفعان له ع ند ال يوم القيا مة‪ .‬وق يل‪ :‬إن ذلك‬
‫كان قول كافة عبدة الوثان‪ .‬ذكر من قال ذلك‪.‬‬
‫‪ 10647‬ـ حدث ني مح مد بن الح سين‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا أح مد بن المف ضل‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا أ سباط‪ ,‬عن‬
‫شرَكاءُ فإن المشركين كانوا‬
‫ع ْمتُ مْ أ ّنهُ مْ فِيكُ مْ ُ‬
‫ن زَ َ‬
‫السديّ‪ :‬أما قوله‪ :‬وَما َنرَى َم َعكُ ْم شُفَعا َءكُ مُ اّلذِي َ‬
‫يزعمون أنهم كانوا يعبدون الَلهة لنهم شفعاء يشفعون لهم عند ال وأن هذه الَلهة شركاء ل‪.‬‬
‫‪ 10648‬ـ حدثنا القاسم‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا الحسين‪ ,‬قال‪ :‬ثني حجاج‪ ,‬قال‪ :‬قال ابن جريج‪ :‬أخبرني‬
‫الحكم بن أبان عن عكرمة‪ ,‬قال‪ :‬قال النضر بن الحرث‪ :‬سوف تشفع لي اللت والعزّى فنزلت‬
‫شرَكاءَ‪.‬‬
‫ل َمرّةٍ‪ ...‬إلى قوله‪ُ :‬‬
‫ج ْئ ُتمُونا فُرَادَى كمَا خَلَقْنا ُكمْ أوّ َ‬
‫هذه الَية‪ :‬وَلَ َق ْد ِ‬
‫عمُونَ‪.‬‬
‫ع ْن ُكمْ ما ُك ْنتُمْ َتزْ ُ‬
‫القول في تأويل قوله تعالى‪ :‬لَ َقدْ َت َقطّعَ َب ْي َنكُمْ َوضَلّ َ‬
‫يقول تعالى م خبرا عن قيله يوم القيا مة لهؤلء المشرك ين به النداد‪ :‬لَ َق ْد تَ َقطّ عَ َب ْي َنكُ مْ يع ني‪:‬‬
‫توا صلَهم الذي كان بين هم في الدن يا‪ ,‬ذ هب ذلك اليوم‪ ,‬فل توا صل بين هم ول توادّ ول تنا صر‪,‬‬
‫وقد كانوا في الدنيا يتواصلون ويتناصرون فاضمحلّ ذلك كله في الَخرة‪ ,‬فل أحد منهم ينصر‬
‫صاحبه ول يواصله‪.‬‬
‫وبنحو ما قلنا في ذلك قال أهل التأويل‪ .‬ذكر من قال ذلك‪.‬‬
‫‪ 10649‬ـ حدث ني محمد بن عمرو‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا أ بو عا صم‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا عي سى‪ ,‬عن ا بن أ بي‬
‫نجيح‪ ,‬عن مجاهد‪ :‬لَ َقدْ تَ َقطّ َع َب ْينَ ُكمْ البين‪ :‬تواصلهم‪.‬‬
‫حدثني المثنى‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا أبو خذيفة‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا شبل‪ ,‬عن ابن أبي نجيح‪ ,‬عن مجاهد‪ :‬لَ َقدْ‬
‫تَ َقطّعَ َب ْي َنكُ ْم قال‪ :‬تواصلَهم في الدنيا‪.‬‬
‫‪ 10650‬ـ حدثنا محمد بن عبد العلى‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا محمد بن ثور‪ ,‬عن معمر‪ ,‬عن قتادة‪ :‬لَ َقدْ‬
‫تَ َقطّعَ َب ْي َنكُ ْم قال‪ :‬وصْلكم‪.‬‬
‫وحدثنا الحسن بن يحيى‪ ,‬قال‪ :‬أخبرنا عبد الرزاق‪ ,‬قال‪ :‬أخبرنا معمر‪ ,‬عن قتادة‪ ,‬في قوله‪:‬‬
‫لَ َقدْ تَ َقطّ َع َب ْينَ ُكمْ قال‪ :‬ما كان بينكم من الوصل‪.‬‬
‫‪10651‬ـ حدثني المثنى‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا عبد ال بن صالح‪ ,‬قال‪ :‬ثني معاوية بن صالح‪ ,‬عن عليّ‬
‫ن يع ني‪ :‬الرحام‬
‫عمُو َ‬
‫ع ْنكُ مْ ما ُك ْنتُ مْ َتزْ ُ‬
‫بن أ بي طل حة‪ ,‬عن ا بن عباس‪َ :‬ل َقدْ تَ َقطّ عَ َب ْي َنكُ مْ َوضَلّ َ‬
‫والمنازل‪.‬‬
‫‪ 10652‬ـ حدثني مح مد بن الح سين‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا أح مد بن المفضل‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا أ سباط‪ ,‬عن‬
‫السديّ‪ :‬لَ َقدْ تَ َقطّ َع َب ْينَ ُكمْ يقول‪ :‬تقطع ما بينكم‪.‬‬
‫‪10653‬ـ حدثنا أبو كريب‪ ,‬قال‪ :‬قال أبو بكر بن عياش‪ :‬لَ َق ْد تَ َقطّعَ َب ْي َنكُمْ‪ :‬التواصل في الدنيا‪.‬‬
‫واختل فت القرّاء في قوله‪َ :‬ب ْي َنكُ مْ‪ .‬فقرأ ته عا مة قرّاء أ هل المدي نة ن صبا بمع نى‪ :‬ل قد تق طع ما‬
‫ّعـ َب ْي ُنكُمـْ» رفعا‪ ,‬بمعنـى‪ :‬لقـد تقطـع‬
‫بينكـم‪ .‬وقرأ ذلك عامـة قرّاء مكـة والعراقييـن‪« :‬لَ َقدْ تَ َقط َ‬
‫وصلكم‪.‬‬
‫والصـواب مـن القول عندي فـي ذلك أن يقال‪ :‬إنهمـا قراءتان مشهورتان باتفاق المعنـى‪,‬‬
‫فبأيتهما قرأ القارىء فمصيب الصواب‪ ,‬وذلك أن العرب قد تنصب «بين» في موضع السم‪,‬‬
‫ذكر سماعا منها‪ :‬إيابى نحوك ودُونَك وسواءَك‪ ,‬نصبا في موضع الرفع‪ ,‬وقد ذكر عنها سماعا‬
‫الرفع في «بين» إذا كان الفعل لها وجُعلت اسما وينشد بيت مهلهل‪:‬‬
‫ن جاَليْها جَرُو ِر برفع «بين» إذْ كانت اسما‪ .‬غير أن الغلب‬
‫ن رِماحَهُ مْ أشْطا نُ ِب ْئرٍبعييدٍ بي ُ‬
‫كأ ّ‬
‫عليهم في كلمهم النصب فيها في حال كونها صفة وفي حال كونها اسما‪.‬‬
‫عمُونَ فإنه يقول‪ :‬وحاد عن طريقكم ومنهاجكم ما كنتم من‬
‫ع ْنكُمْ ما ُك ْنتُمْ َتزْ ُ‬
‫وأما قوله‪َ :‬وضَلّ َ‬
‫آلهتكم تزعمون أنه شريك ربكم‪ ,‬وأنه لكم شفيع عند ربكم‪ ,‬فل يشفع لكم اليوم‪.‬‬

‫‪95‬‬ ‫الية ‪:‬‬


‫القول في تأويل قوله تعالى‪:‬‬
‫خرِ جُ ا ْل َميّ تِ ِم نَ ا ْلحَ يّ ذَِلكُ مُ الّل هُ َفَأنّىَ‬
‫ن ا ْل َميّ تِ َو ُم ْ‬
‫خرِ جُ ا ْلحَ يّ مِ َ‬
‫ن اللّ َه فَالِ قُ ا ْلحَ بّ وَالّن َوىَ ُي ْ‬
‫{إِ ّ‬
‫ن}‬
‫تُ ْؤ َفكُو َ‬
‫وهذا ت نبيه من ال جلّ ثناؤه هؤلء العادل ين به الَل هة والوثان على مو ضع حج ته علي هم‪,‬‬
‫وتعريف منه لهم خطأ ما هم عليه مقيمون من إشراك الصنام في عبادتهم إياه‪ .‬يقول تعالى‬
‫ل ما تعبدون من الَلهة والوثان‪ ,‬هو ال الذي فلق‬
‫ذكره‪ :‬إن الذي له العبادة أيها الناس دون ك ّ‬
‫ل ما‬
‫ب من كلّ ما ين بت من النبات‪ ,‬فأخرج م نه الزرع والنوى من ك ّ‬
‫الح بّ‪ ,‬يعنِي‪ :‬ش قّ الح ّ‬
‫يغرس مما له نواة‪ ,‬فأخرج منه الشجر‪ .‬والحبّ جمع حبة‪ ,‬والنوى‪ :‬جمع النواة‪.‬‬
‫وبنحو الذي قلنا في ذلك قال جماعة من أهل التأويل‪ .‬ذكر من قال ذلك‪.‬‬
‫‪ 10654‬ـ حدثني مح مد بن الح سين‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا أح مد بن المفضل‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا أ سباط‪ ,‬عن‬
‫ب عن ال سنبلة‪ ,‬وفالق‬
‫ن اللّ َه فالِ قُ الحَ بّ والّنوَى أ ما فالق الح بّ والنوى‪ :‬ففالق الح ّ‬
‫ال سديّ‪ :‬إ ّ‬
‫النواة عن النخلة‪.‬‬
‫‪ 10655‬ـ حدث ني مح مد بن ع بد العلى‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا مح مد بن ثور‪ ,‬عن مع مر‪ ,‬عن قتادة‪:‬‬
‫ب والنوى عن النبات‪.‬‬
‫فالِقُ الحَبّ والّنوَى قال‪ :‬يفلق الح ّ‬
‫‪ 10656‬ـ حدث ني يو نس‪ ,‬قال‪ :‬أخبر نا ا بن و هب‪ ,‬قال‪ :‬قال ا بن ز يد‪ ,‬في قوله‪ :‬فالِ قُ الحَ بّ‬
‫والّنوَى قال‪ :‬ال فالق ذلك‪ ,‬فل قه فأن بت م نه ما أن بت فلق النواة فأخرج من ها نبات نخلة‪ ,‬وفلق‬
‫الحبة فأخرج نبات الذي خلق‪.‬‬
‫وقال آخرون‪ :‬معنى «فالق» خالق‪ .‬ذكر من قال ذلك‪.‬‬
‫‪ 10657‬ـ حدثنا هناد بن السريّ‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا مروان بن معاوية‪ ,‬عن جويبر‪ ,‬عن الضحاك‪,‬‬
‫ب والنّوَى قال‪ :‬خالق الحبّ والنوى‪.‬‬
‫ن اللّ َه فالِقُ الحَ ّ‬
‫في قوله‪ :‬إ ّ‬
‫حدثنا ابن وكيع‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا المحاربي‪ ,‬عن جويبر‪ ,‬عن الضحاك‪ ,‬مثله‪.‬‬
‫‪10658‬ـ حدثني محمد بن سعد‪ ,‬قال‪ :‬ثني أبي‪ ,‬قال‪ :‬ثني عمي‪ ,‬قال‪ :‬ثني أبي‪ ,‬عن أبيه‪ ,‬عن‬
‫ن اللّ َه فالِقُ الحَبّ والّنوَى قال‪ :‬خالق الحبّ والنوى‪.‬‬
‫ابن عباس‪ ,‬قوله‪ :‬إ ّ‬
‫وقال آخرون‪ :‬معنى ذلك أنه فلق الشقّ الذي في الحبة والنواة‪ .‬ذكر من قال ذلك‪.‬‬
‫‪ 10659‬ـ حدثني محمد بن عمرو‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا أبو عاصم‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا عيسى‪ ,‬عن ابن أبي‬
‫جريج‪ ,‬عن مجاهد‪ ,‬في قول ال‪ :‬فاِلقُ الحَبّ والنّوَى قال‪ :‬الشقان اللذان فيهما‪.‬‬
‫حدث ني المث نى‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا أ بو حذي فة‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا ش بل‪ ,‬عن ا بن أ بي نج يح‪ ,‬عن مجا هد‪,‬‬
‫مثله‪.‬‬
‫‪ 10660‬ـ حدثني المثنى‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا معلى بن أسد‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا خالد‪ ,‬عن حصين‪ ,‬عن أبي‬
‫ب والنّوَى قال‪ :‬الشقّ الذي يكون في النواة وفي الحنطة‪.‬‬
‫ن اللّ َه فالِقُ الحَ ّ‬
‫مالك‪ ,‬في قول ال‪ :‬إ ّ‬
‫حدثنا ابن حميد‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا حكام‪ ,‬عن عنبسة‪ ,‬عن محمد بن عبد الرحمن بن أبي ليلى‪,‬‬
‫عن القاسم ابن أبي بزّة‪ ,‬عن مجاهد‪ :‬فاِلقُ الحَبّ وَالنّوَى قال‪ :‬الشقان اللذان فيهما‪.‬‬
‫‪ 10661‬ـ حُد ثت عن الح سين بن الفرج‪ ,‬قال‪ :‬سمعت أ با معاذ‪ ,‬قال‪ :‬ث ني عب يد بن سليمان‪,‬‬
‫قال‪ :‬سمعت الضحاك يقول في قوله‪ :‬فالِقُ الحَبّ والنّوَى يقول‪ :‬خالق الحبّ والنوى‪ ,‬يعني‪ :‬كل‬
‫حبة‪.‬‬
‫ل ثناؤه أت بع ذلك‬
‫وأولى القوال في ذلك بال صواب عندي ما قدم نا القول به‪ ,‬وذلك أن ال ج ّ‬
‫بإخباره عن إخرا جه الح يّ من الم يت والميـت مـن الحيـّ‪ ,‬فكان معلوما بذلك أ نه إن ما ع نى‬
‫ب عن النبات والنوى عن الغروس والشجار‪ ,‬ك ما هو مخرج‬
‫بإخباره عن نف سه أ نه فالق الح ّ‬
‫الح يّ من الم يت والم يت من الح يّ‪ .‬وأ ما القول الذي حُ كي عن الضحاك في مع نى فالق أ نه‬
‫خالق‪ ,‬فقولٌ إن لم ي كن أراد به أ نه خالق م نه النبات والغروس بفل قه إياه‪ ,‬ل أعرف له وجها‪,‬‬
‫لنه ل يُعرف في كلم العرب فلق ال الشيء بمعنى‪ :‬خلق‪.‬‬
‫خرِ جُ الحَ يّ مِ نَ ال َميّ تِ و ُمخْرِ جُ ال َميّ تِ مِ نَ الحَ يّ ذَِلكُ مُ الّل ُه فَأنّى‬
‫القول في تأويل قوله تعالى‪ُ :‬ي ْ‬
‫تُ ْؤ َفكُونَ‪.‬‬
‫ب الم يت‪ ,‬ومخرج الح بّ الم يت من ال سنبل‬
‫ي من الح ّ‬
‫يقول تعالى ذكره‪ :‬يخرج ال سنبل الح ّ‬
‫ي من النوى الميت‪ ,‬والنوى الميت من الشجر الح يّ‪ .‬والشجر ما دام قائما‬
‫الح يّ‪ ,‬والشجر الح ّ‬
‫ف والنبات على ساقه لم يي بس‪ ,‬فإن العرب ت سميه حيّا‪ ,‬فإذا ي بس وج فّ أو‬
‫على أ صوله لم يج ّ‬
‫قطع من أصله سموه ميتا‪.‬‬
‫وبنحو الذي قلنا في ذلك قال جماعة من أهل التأويل‪ .‬ذكر من قال ذلك‪.‬‬
‫‪ 10662‬ـ حدثني مح مد بن الح سين‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا أح مد بن المفضل‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا أ سباط‪ ,‬عن‬
‫ن ال َميّتِ فيخرج السنبلة الحية من الحبة الميتة‪ ,‬ويخرج الحبة الميتة‬
‫خرِجُ الحَيّ مِ َ‬
‫السديّ‪ ,‬أما‪ُ :‬ي ْ‬
‫من السنبلة الحية‪ ,‬ويخرج النخلة الحية من النواة الميتة‪ ,‬ويخرج النواة الميتة من النخلة الحية‪.‬‬
‫خرِ جُ‬
‫‪ 10663‬ـ حدثنا ابن وكيع‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا أبي‪ ,‬عن سفيان‪ ,‬عن السديّ‪ ,‬عن أبي مالك‪ُ :‬ي ْ‬
‫ن الحَ يّ قال‪ :‬النخلة من النواة والنواة من النخلة‪ ,‬والحبة من‬
‫ج ال َميّ تِ ِم َ‬
‫خرِ ُ‬
‫ت و ُم ْ‬
‫ن ال َميّ ِ‬
‫الحَ يّ ِم َ‬
‫السنبلة والسنبلة من الحبة‪.‬‬
‫وقال آخرون بما‪:‬‬
‫‪ 10664‬ـ حدثني به المثنى‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا عبد ال بن صالح‪ ,‬قال‪ :‬ثني معاوية بن صالح‪ ,‬عن‬
‫ق الحَ بّ والنّوَى ُيخْرِ جُ الحَ يّ مِ نَ ال َميّ تِ‬
‫ن اللّ َه فالِ ُ‬
‫عل يّ ابن أبي طلحة‪ ,‬عن ابن عباس‪ :‬قوله‪ :‬إ ّ‬
‫ي قال‪ :‬يخرج النطفة الميتة من الحيّ‪ ,‬ثم يخرج من النطفة بشرا حيّا‪.‬‬
‫حّ‬‫ت مِنَ ال َ‬
‫خرِجُ ال َميّ ِ‬
‫و ُم ْ‬
‫وإنما اخترنا التأويل الذي اخترنا في ذلك‪ ,‬لنه عقيب قوله‪ :‬إ نّ الّل َه فالِ قُ الحَ بّ والنّوَى على‬
‫ن الحَ يّ وإن كان خبرا من ال عن إخراجه‬
‫خرِ جُ ال َميّ تِ ِم َ‬
‫ن ال َميّ تِ و ُم ْ‬
‫ج الحَ يّ مِ َ‬
‫خرِ ُ‬
‫أن قوله‪ُ :‬ي ْ‬
‫من الح بّ السنبل ومن السنبل الح بّ‪ ,‬فإنه داخل في عمومه ما رُوي عن ابن عباس في تأويل‬
‫ل حيّ أخرجه ال من جسم ميت‪.‬‬
‫ل ميت أخرجه ال من جسم حيّ‪ ,‬وك ّ‬
‫ذلك وك ّ‬
‫ن يقول‪ :‬فأيّ وجوه‬
‫وأما قوله‪ :‬ذَِلكُمُ اللّ ُه فإنه يقول‪ :‬فاعل ذلك كله ال جلّ جلله‪ .‬فَأنّى تُ ْؤ َفكُو َ‬
‫الص ّد عن الح قّ أيها الجاهلون تصدّون عن الصواب وتُصرفون‪ ,‬أفل تتدبرون فتعلمون أنه ل‬
‫ينبغـي أن يجعـل لمـن أنعـم عليكـم بفلق الحبّـ والنوى‪ ,‬فأخرج لكـم مـن يابـس الحبّـ والنوى‬
‫زروعا وحروثا وثمارا تتغذون ببعضـه وتفكهون ببعضـه‪ ,‬شريـك فـي عبادتـه مـا ل يضرّ ول‬
‫ينفع ول يسمع ول يبصر؟‬

‫‪96‬‬ ‫الية ‪:‬‬


‫القول في تأويل قوله تعالى‪:‬‬
‫سبَانا ذَِلكَ تَ ْقدِيرُ ا ْل َعزِيزِ ا ْلعَلِيمِ }‪.‬‬
‫حْ‬‫شمْسَ وَالْ َق َمرَ ُ‬
‫سكَنا وَال ّ‬
‫جعَلَ الّْليْلَ َ‬
‫صبَاحِ َو َ‬
‫ل ْ‬
‫{فَالِقُ ا ِ‬
‫يعني بقوله‪ :‬فالِ قُ ال صْباحِ شا قّ عمود الصبح عن ظلمة الليل وسواده‪ .‬والصباح‪ :‬مصدر‬
‫من قول القائل‪ :‬أصبحنا إصباحا‪.‬‬
‫وبنحو ما قلنا في ذلك قال عامة أهل التأويل‪ .‬ذكر من قال ذلك‪.‬‬
‫‪ 10665‬ـ حدثنا ابن وكيع‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا المحاربي‪ ,‬عن جويبر‪ ,‬عن الضحاك‪ :‬فالِ قُ ال صْباحِ‬
‫قال‪ :‬إضاءة الصبح‪.‬‬
‫‪ 10666‬ـ حدثني محمد بن عمرو‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا أبو عاصم‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا عيسى‪ ,‬عن ابن أبي‬
‫نجيح‪ ,‬عن مجاهد‪ :‬فالِقُ الصْباحِ قال‪ :‬إضاءة الفجر‪.‬‬
‫حدث ني المث نى‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا أ بو حذي فة‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا ش بل‪ ,‬عن بن أ بي نج يح‪ ,‬عن مجا هد‪,‬‬
‫مثله‪.‬‬
‫‪10667‬ـ حدثنا الحسن بن يحيى‪ ,‬قال‪ :‬أخبرنا عبد الرزاق‪ ,‬قال‪ :‬أخبرنا معمر‪ ,‬عن قتادة‪ ,‬في‬
‫قوله‪ :‬فاِلقُ الصْباحِ قال‪ :‬فالق الصبح‪.‬‬
‫‪10668‬ـ حدثني المثنى‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا أبو صالح‪ ,‬قال‪ :‬ثني معاوية بن صالح‪ ,‬عن عليّ بن أبي‬
‫ح يعنـي بالصـباح‪ :‬ضوء الشمـس باالنهار‪,‬‬
‫ِقـ الصـْبا ِ‬
‫طلحـة‪ ,‬عـن ابـن عباس‪ ,‬فـي قوله‪ :‬فال ُ‬
‫وضوء القمر بالليل‪.‬‬
‫‪ 10669‬ـ حدثنا ابن حميد‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا حكام‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا عنبسة‪ ,‬عن محمد بن عبد الرحمن‬
‫بن أبي ليلى‪ ,‬عن القاسم ابن أبي بزّة‪ ,‬عن مجاهد‪ :‬فاِلقُ الصْباحِ قال‪ :‬فالق الصبح‪.‬‬
‫حدثنا به ابن حميد مرّة بهذا السناد‪ ,‬عن مجاهد‪ ,‬فقال في قوله‪ :‬فالِقُ الصْباحِ قال‪ :‬إضاءة‬
‫الصبح‪.‬‬
‫‪ 10670‬ـ حدثني يونس‪ ,‬قال‪ :‬أخبرنا بن وهب‪ ,‬قال‪ :‬قال بن زيد‪ ,‬في قوله‪ :‬فالِ قُ ال صْباحِ‬
‫قال‪ :‬فلق الصباح عن الليل‪.‬‬
‫‪ 10671‬ـ حدثت عن الحسين بن الفرج‪ ,‬قال‪ :‬سمعت أبا معاذ‪ ,‬يقول‪ :‬حدثنا عبيد بن سليمان‪,‬‬
‫قال‪ :‬سمعت الضحاك يقول في قوله‪ :‬فاِلقُ الصْباحِ يقول‪ :‬خالق النور‪ ,‬نور النهار‪.‬‬
‫وقال آخرون‪ :‬معنى ذلك‪ :‬خالق الليل والنهار‪ .‬ذكر من قال ذلك‪:‬‬
‫‪ 10672‬ـ حدثنا محمد بن سعد‪ ,‬قال‪ :‬ثني أبي‪ ,‬قال‪ :‬ثني عمي‪ ,‬قال‪ :‬ثني أبي‪ ,‬عن أبيه‪ ,‬عن‬
‫ل سكَنا» يقول‪ :‬خلق الليل والنهار‪ ,‬وذكر عن‬
‫ابن عباس في قوله‪« :‬فال قُ الصباحِ وجاعلُ اللي ِ‬
‫ح بفتح اللف كأنه تأوّل ذلك بمعنى جمع‬
‫الحسن البصري أنه كان يقرأ في قوله‪ :‬فالِ قُ ال صْبا ِ‬
‫صبح‪ ,‬كأنه أراد صبح كلّ يوم‪ ,‬فجعله أصباحا ولم يبلغنا عن أحد سواه أنه قرأ كذلك‪ .‬والقراءة‬
‫ال تي ل ن ستجيز غير ها بك سر اللف فالِ قُ ال صْباحِ لجماع الح جة من القراءة وأ هل التأو يل‬
‫على صحة ذلك ورفض خلفه‪.‬‬
‫سكَنا» فإن القرّاء اختلفت في قراءته‪ ,‬فقرأ ذلك عامة قرّاء الحجاز‬
‫ل َ‬
‫علُ الّليْ ِ‬
‫وأما قوله‪« :‬وَجا ِ‬
‫ل الّليْلِ» باللف‪ .‬على لفـظ السـم ورفعـه عطفا على‬
‫والمدينـة وبعـض البصـريين‪« :‬وَجاعِ ُ‬
‫«فالق»‪ ,‬وخ فض «الل يل» بإضا فة «جا عل» إل يه‪ ,‬ون صب «الش مس» و «الق مر» عطفا على‬
‫موضع «الليل» لن «الليل» وإن كان مخفوضا في اللفظ فإنه في موضع النصب‪ ,‬لنه مفعول‬
‫سكَنا بينه وبين الليل‬
‫«جاعل»‪ ,‬وحَسُن عطف ذلك على معنى الليل ل على لفظه‪ ,‬لدخول قوله‪َ :‬‬
‫قال الشاعر‪:‬‬
‫ن مِنَ الحاجاتِ أ ْو حاجَةً ِب ْكرَا‬
‫عوَا ٍ‬
‫ب حاجَةٍ َ‬
‫ُقعُودا َلدَى ال ْبوَابِ طُلّ َ‬
‫فنصب الحاجة الثانية عطفا بها على معنى الحاجة الولى‪ ,‬ل على لفظها لن معناها النصب‬
‫وإن كانت في اللفظ خفضا‪ .‬وقد يجيء مثل هذا أيضا معطوفا بالثاني على معنى الذي قبله ل‬
‫على لفظه‪ ,‬وإن لم يكن بينهما حائل‪ ,‬كما قال بعضهم‪:‬‬
‫شكْ َو ٍة وزِنادَ رَاعِ‬
‫ظرُهُ أتانَا ُمعَلّقَ َ‬
‫َف َب ْينَا َنحْنُ َن ْن ُ‬
‫شمْسَ على « َفعَلَ» بمعنى الفعل الماضي‬
‫سكَنا وال ّ‬
‫جعَلَ الّليْلَ َ‬
‫وقرأ ذلك عامة قرّاء الكوفيين‪َ :‬و َ‬
‫ون صب «الل يل»‪ .‬وال صواب من القول في ذلك عند نا أن يقال‪ :‬إنه ما قراءتان م ستفيضتان في‬
‫قراءة الم صار‪ ,‬متفق تا المع نى غ ير مختلفت يه‪ ,‬فبأيته ما قرأ القارىء ف هو م صيب في العراب‬
‫والمعنى‪ .‬وأخبر جلّ ثناؤه أنه جعل الليل سكنا‪ ,‬لنه يسكن فيه كلّ متحرك بالنهار ويهدأ فيه‪,‬‬
‫فيستقرّ في مسكنه ومأواه‪.‬‬
‫حسْبانا‪.‬‬
‫شمْسَ وال َق َمرَ ُ‬
‫القول في تأويل قوله تعالى‪ :‬وال ّ‬
‫قال أبو جعفر‪ :‬اختلف أهل التأويل في ذلك‪ ,‬فقال بعضهم‪ :‬معنى ذلك‪ :‬وجعل الشمس والقمر‬
‫يجريان في أفلكهما بحساب‪ .‬ذكر من قال ذلك‪:‬‬
‫‪10673‬ـ حدثني المثنى‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا عبد ال بن صالح‪ ,‬قال‪ :‬ثني معاوية بن صالح‪ ,‬عن عليّ‬
‫حسْبانا يعني‪ :‬عدد اليام والشهور والسنين‪.‬‬
‫شمْسَ وال َق َمرَ ُ‬
‫بن أبي طلحة‪ ,‬عن بن عباس‪ :‬وال ّ‬
‫‪ 10674‬ـ حدثني محمد بن سعد‪ ,‬قال‪ :‬ثني أبي‪ ,‬قال‪ :‬ثني عمي‪ ,‬قال‪ :‬ثني أبي‪ ,‬عن أبيه عن‬
‫جعِل لهما‪.‬‬
‫حسْبانا قال‪ :‬يجريان إلى أجل ُ‬
‫شمْسَ وال َق َمرَ ُ‬
‫بن عباس‪ :‬وال ّ‬
‫‪ 10675‬ـ حدثني مح مد بن الح سين‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا أح مد بن المفضل‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا أ سباط‪ ,‬عن‬
‫حسْبانا يقول‪ :‬بحساب‪.‬‬
‫شمْسَ وال َق َمرَ ُ‬
‫السدي وال ّ‬
‫‪10676‬ـ حدثني المثنى‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا إسحاق‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا عبد ال بن أبي جعفر‪ ,‬عن أبيه‪ ,‬عن‬
‫شمْ سَ وال َق َمرَ حُ سْبانا قال‪ :‬الش مس والق مر في ح ساب‪ ,‬فإذا خلت أيامه ما‬
‫الرب يع‪ ,‬في قوله‪ :‬وال ّ‬
‫فذاك آخر الدهر وأوّل الفزع الكبر ذَِلكَ تَ ْقدِيرُ ال َعزِيزِ العَلِيمِ‪.‬‬
‫‪10677‬ـ حدثنا الحسن بن يحيى‪ ,‬قال‪ :‬أخبرنا عبد الرزاق‪ ,‬قال‪ :‬أخبرنا معمر‪ ,‬عن قتادة‪ ,‬في‬
‫حسْبانا قال‪ :‬يدوران في حساب‪.‬‬
‫شمْسَ وال َق َمرَ ُ‬
‫قوله‪ :‬وال ّ‬
‫‪ 10678‬ـ حدث نا القا سم‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا الح سين‪ ,‬قال‪ :‬ث ني حجاج‪ ,‬عن بن جر يج‪ ,‬عن مجا هد‪:‬‬
‫شمْ سَ وال َق َمرَ‬
‫سبَحُونَ‪ ,‬ومثل قوله‪ :‬وال ّ‬
‫شمْ سُ وال َق َمرُ حُ سْبانا قال‪ :‬هو مثل قوله‪ :‬كُلّ في فَلَ كٍ يَ ْ‬
‫وال ّ‬
‫حسْبانا‪.‬‬
‫ُ‬
‫وقال آخرون‪ :‬معنى ذلك‪ :‬وجعل الشمس والقمر ضياء‪ .‬ذكر من قال ذلك‪:‬‬
‫شمْسَ وال َق َمرَ‬
‫‪10679‬ـ حدثنا بشر بن معاذ‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا يزيد‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا سعيد‪ ,‬عن قتادة‪ :‬وال ّ‬
‫حسْبانا أي ضياء‪.‬‬
‫ُ‬
‫وأولى القولين في تأويل ذلك عندي بالصواب تأويل من تأوّله‪ :‬وجعل الشمس والقمر يجريان‬
‫جعِل لها‪.‬‬
‫بحساب وعدد لبلوغ أمرها ونهاية آجالهما‪ ,‬ويدوران لمصالح الخلق التي ُ‬
‫وإن ما قل نا ذلك أولى التأويل ين بالَ ية‪ ,‬لن ال تعالى ذِكره ذ كر قبله أياد يه ع ند خل قه وع ظم‬
‫سلطانه‪ ,‬بفلقه الصباح لهم وإخراج النبات والغراس من الحبّ والنوى‪ ,‬وعقب ذلك بذكره خلق‬
‫النجوم لهدايتهـم فـي البرّ والبحـر‪ ,‬فكان وصـفه إجراء الشمـس والقمـر لمنافعهـم أشبـه بهذا‬
‫المو ضع من ذ كر إضاءته ما ل نه قد و صف ذلك قبلُ قوله‪ :‬فالِ قُ ال صْباحِ فل مع نى لتكريره‬
‫مرّة أخرى في آ ية واحدة لغ ير مع نى‪ .‬والح سبان في كلم العرب‪ :‬ج مع ح ساب‪ ,‬ك ما الشبهان‬
‫ت الحِ ساب‬
‫ج مع شهاب و قد ق يل‪ :‬إن الح سبان في هذا المو ضع م صدر من قول القائل‪ :‬حَ سَبْ ُ‬
‫سبَته‪ :‬أي حسابه‪ .‬وأحسب‬
‫أحْ سُبه حِسابا وحُ سْبانا‪ .‬وحُكي عن العرب على ال حُ سْبان فلن وحِ ْ‬
‫أن قتادة فـي تأويـل ذلك بمعنـى الضياء‪ ,‬ذهـب إلى شيـء يرْوَى عـن ابـن عباس فـي قوله‪ :‬أوْ‬
‫شمْ سَ وال َق َمرَ حُ سْبانا إلى ذلك‬
‫ُيرْ سِلَ عََليْها حُ سْبانا ِم نَ ال سّماءِ قال‪ :‬نارا‪ ,‬فوجه تأويل قوله‪ :‬وال ّ‬
‫التأويـل‪ .‬وليـس هذا مـن ذلك المعنـى فـي شيـء‪ .‬وأمـا «الحِسـْبان» بكسـر الحاء‪ :‬فإنـه جمـع‬
‫الحِسبانة‪ :‬وهي الوسادة الصغيرة‪ ,‬وليست من الوليين أيضا في شيء‪ ,‬يقال‪ :‬حَ سِبته‪ :‬أجلسته‬
‫شمْ سَ‬
‫جعَلَ‪ .‬وكان ب عض الب صريين يقول‪ :‬معناه‪ :‬و وال ّ‬
‫علي ها‪ ,‬ون صب قوله‪ :‬حُ سْبانا بقوله‪َ :‬و َ‬
‫سبِيلهِ‪ :‬أي‬
‫ن يَضِلّ عَنْ َ‬
‫وال َق َمرَ حُسْبانا أي بحساب‪ ,‬فحذف الباء كما حذفها من قوله‪ :‬هُوَ أعْلَمُ مَ ْ‬
‫أعلم بمن يضلّ عن سبيله‪.‬‬
‫القول في تأويل قوله تعالى‪ :‬ذلك تَ ْقدِيرُ ال َعزِيرِ العَلِيمِ‪.‬‬
‫جعْلُه الل يل سكَنا‬
‫يقول تعالى ذكره‪ :‬وهذا الف عل الذي و صفه أ نه فعله‪ ,‬و هو فَلْقُه ال صباح َو َ‬
‫والش مس والق مر حُ سبانا‪ ,‬تقد ير الذي ع ّز سلطانه‪ ,‬فل يقدر أ حد أراده ب سوء وعقاب أو انتقام‬
‫من المتناع منه‪ ,‬العليم بمصالح خلقه وتدبيرهم ل تقدير الصنام والوثان التي ل تسمع ول‬
‫تبصر ول تفقه شيئا ول تعلقه ول تضرّ ول تنفع‪ ,‬وإن أريدت بسوء لم تقدر على المتناع منه‬
‫ممن أرادها به‪ .‬يقول جلّ ثناؤه‪ :‬وأخلِصوا أيها الجهلة عبادتكم لفاعل هذه الشياء‪ ,‬ول تشركوا‬
‫في عبادته شيئا غيره‪.‬‬

‫‪97‬‬ ‫الية ‪:‬‬


‫القول في تأويل قوله تعالى‪:‬‬
‫ت لِقَوْ مٍ‬
‫ليَا ِ‬
‫حرِ َقدْ فَ صّ ْلنَا ا َ‬
‫ل َلكُ مُ ال ّنجُو مَ ِل َت ْه َتدُو ْا بِهَا فِي ظُُلمَا تِ ا ْل َبرّ وَا ْل َب ْ‬
‫جعَ َ‬
‫{وَ ُهوَ اّلذِي َ‬
‫َيعَْلمُونَ }‪.‬‬
‫يقول تعالى ذكره‪ :‬وال الذي جعـل لكـم أيهـا الناس النجوم أدلة فـي البرّ والبحـر إذا ضللتـم‬
‫الطر يق‪ ,‬أو تحير تم فلم تهتدوا في ها ليل ت ستدلون ب ها على المح جة‪ ,‬فتهتدون ب ها إلى الطر يق‬
‫والمح جة فت سلكونه‪ ,‬وتنجون ب ها من ظلمات ذلك‪ ,‬ك ما قال جلّ ثناؤه‪َ :‬وعَلما تٍ وَبال ّنجْ مِ هُ مْ‬
‫َي ْهتَدُو نَ‪ :‬أي من ضلل الطريق في البرّ والبحر‪ ,‬وعنى بالظلمات‪ :‬ظلمة الليل‪ ,‬وظلمة الخطأ‬
‫ت لِقَوْ ٍم َيعَْلمُو نَ يقول قد ميزنا الدلة‬
‫والضلل‪ ,‬وظلمة الرض أو الماء‪ .‬وقوله‪َ :‬قدْ فَ صّ ْلنَا الَيا ِ‬
‫وفرّقنا الحجج فيكم وبيناها أيها لناس ليتدبرها أولو العلم بال منكم ويفهمها أولو الحجاج منكم‪,‬‬
‫فينيبوا من جهلهم الذي هم عليه مقيمون‪ ,‬وينزجروا عن خطأ فعلهم الذي هم عليه ثابتون‪ ,‬ول‬
‫يتمادوا عنادا للّه مع علمهم بأن ما هم عليه مقيمون خطأ في غيهم‪.‬‬
‫وبنحو ما قلنا في ذلك قال جماعة من أهل التأويل‪ .‬ذكر من قال ذلك‪:‬‬
‫‪10680‬ـ حدثني محمد بن سعد‪ ,‬قال‪ :‬ثني أبي‪ ,‬قال‪ :‬ثني عمي‪ ,‬قال‪ :‬ثني أبي‪ ,‬عن أبيه‪ ,‬عن‬
‫ل َلكُم ْـ ال ّنجُوم َـ ِل َت ْه َتدُوا بِهـا فِي ظُلُماتِـ ال َبرّ وال َبحْ ِر قال‪ :‬يضلّ‬
‫جعَ َ‬
‫ابـن عباس قوله‪ :‬وَ ُهوَ اّلذِي َ‬
‫الرجل وهو في الظلمة والجور عن الطريق‪.‬‬

‫‪98‬‬ ‫الية ‪:‬‬


‫القول في تأويل قوله تعالى‪:‬‬
‫ت لِقَ ْو ٍم يَفْ َقهُونَ }‪.‬‬
‫ليَا ِ‬
‫ستَ ْو َدعٌ َقدْ َفصّلْنَا ا َ‬
‫ستَ َقرّ َو ُم ْ‬
‫حدَةٍ َف ُم ْ‬
‫شَأكُم مّن نّفْسٍ وَا ِ‬
‫{وَ ُهوَ اّل ِذيَ أَن َ‬
‫يقول تعالى ذكره‪ :‬وإله كم أي ها العادلون بال غيره الّذي أنْشأكُ مْ يع ني‪ :‬الذي ابتدأ خلق كم من‬
‫حدَ ٍة يعني‪ :‬من آدم عليه السلم كما‪:‬‬
‫ن نَفْسٍ وَا ِ‬
‫غير شيء فأوجدكم بعد أن لم تكونوا شيئا مِ ْ‬
‫‪ 10681‬ـ حدثني مح مد بن الح سين‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا أح مد بن المفضل‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا أ سباط‪ ,‬عن‬
‫حدَةٍ قال‪ :‬آدم عليه السلم‪.‬‬
‫ن نَفْسٍ وَا ِ‬
‫السّديّ‪ :‬مِ ْ‬
‫‪10682‬ـ حدثنا بشر بن معاذ‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا يزيد‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا سعيد‪ ,‬عن قتادة‪ ,‬قوله‪ :‬وَهُ َو اّلذِي‬
‫حدَ ٍة من آدم عليه السلم‪.‬‬
‫ن نَفْسٍ وَا ِ‬
‫أنْشأ ُكمْ مِ ْ‬
‫ستَ ْو َدعٌ فإن أ هل التأو يل في تأويله مختلفون فقال بعض هم‪ :‬مع نى ذلك‪:‬‬
‫ستَ َقرّ ومُ ْ‬
‫وأ ما قوله‪ :‬مُ ْ‬
‫وهو الذي أنشأكم من نفس واحدة‪ ,‬فمنكم مستقرّ في الرحم ومنكم مستودع في القبر‪ ,‬حتى يبعثه‬
‫ال لنشر القيامة‪ .‬ذكر من قال ذلك‪:‬‬
‫‪ 10683‬ـ حدثنا أبو كريب‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا أبو معاوية‪ ,‬عن إسماعيل بن أبي خالد‪ ,‬عن إبراهيم‪,‬‬
‫ستَ ْودَعَها قال‪ :‬مستقرّها في الرحام‪ ,‬ومستودعها حيث تموت‪.‬‬
‫ستَ َقرّها و ُم ْ‬
‫عن عبد ال‪َ :‬يعَْلمُ ُم ْ‬
‫حدثنـي يعقوب‪ ,‬قال‪ :‬حدثنـا هشيـم‪ ,‬عـن إسـماعيل‪ ,‬عـن إبراهيـم‪ ,‬عـن عبـد ال أنـه قال‪:‬‬
‫المستودع حيث تموت‪ ,‬والمستقرّ‪ :‬ما في الرحم‪.‬‬
‫حد ثت عن عب يد ال بن مو سى‪ ,‬عن إ سرائيل‪ ,‬عن ال سّديّ‪ ,‬عن مرّة‪ ,‬عن ع بد ال بن‬
‫مسعود‪ ,‬قال‪ :‬المستقرّ الرحم‪ ,‬والمستودع‪ :‬المكان الذي تموت فيه‪.‬‬
‫‪10684‬ـ حدثني محمد بن عبيد المحاربي‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا محمد بن فضيل وعليّ بن هاشم‪ ,‬عن‬
‫ستَ ْودَعَها قال‪ :‬م ستقرّها في الرحام‪,‬‬
‫إ سماعيل بن أ بي خالد‪ ,‬عن إبراه يم‪َ :‬يعْلَ مُ مُ سْتَ َقرّها ومُ ْ‬
‫ومستودعها في الرض حيث تموت فيها‪.‬‬
‫‪ 10685‬ـ حدثنا أبو كريب وأبو السائب‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا بن إدريس‪ ,‬عن ليث‪ ,‬عن مِقْ سِم‪ ,‬قال‪:‬‬
‫مستقرّها في الصلب حيث تأوي إليه‪ ,‬ومستودعها حيث تموت‪.‬‬
‫وقال آخرون‪ :‬الم ستودع‪ :‬ما كان في أ صلب الَباء‪ ,‬والم ستقرّ‪ :‬ما كان في بطون الن ساء‬
‫وبطون الرض أو على ظهورها‪ .‬ذكر من قال ذلك‪:‬‬
‫‪ 10686‬ـ حدث ني يعقوب بن إبراه يم‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا بن عل ية‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا كلثوم بن جبر‪ ,‬عن‬
‫ستَ ْو َدعٌ قال‪ :‬مستودَعون ما كانوا في أصلب الرجال‪ ,‬فإذا‬
‫ستَ َقرّ و ُم ْ‬
‫سعيد بن جبير‪ ,‬في قوله‪َ :‬فمُ ْ‬
‫قرّوا في أرحام النساء أو على ظهر الرض أو في بطنها‪ ,‬فقد استقرّوا‪.‬‬
‫حدث نا ا بن حم يد‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا بن عط ية‪ ,‬عن كلثوم بن جبر‪ ,‬عن سعيد بن جبير‪ :‬مُ سْتَ َقرّ‬
‫ستَ ْو َدعٌ قال‪ :‬المستودعون‪ :‬ما كانوا في أصلب الرجال‪ ,‬فإذا قرّوا في أرحام النساء أو على‬
‫ومُ ْ‬
‫ظهر الرض فقد استقروا‪.‬‬
‫‪10687‬ـ حدثنا محمد بن المثنى‪ ,,‬قال‪ :‬حدثنا محمد بن جعفر‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا شعبة‪ ,‬عن المغيرة‬
‫ستَ ْو َدعَها قال‪ :‬المستودع‬
‫بن النعمان‪ ,‬عن سعيد بن جبير‪ ,‬قال‪ :‬قال بن عباس‪َ :‬يعْلَ ُم مُسْتَ َقرّها ومُ ْ‬
‫في الصلب والمستقرّ‪ :‬ما كان على وجه الرض أو في الرض‪.‬‬
‫وقال آخرون‪ :‬بل معنى ذلك‪ :‬فمستقرّ في الرض على ظهورها ومستوع عند ال‪ .‬ذكر من‬
‫قال ذلك‪:‬‬
‫‪ 10688‬ـ حدث نا بن وك يع‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا يح يى بن سمان‪ ,‬عن سفيان‪ ,‬عن المغيرة‪ ,‬عن أ بي‬
‫حذْلَم‪ ,‬عن سعيد بن جبير‪ ,‬عن ابن عباس‪« :‬المستقرّ»‪ :‬الرض‪ ,‬و «المستودع»‬
‫الخير تميم بن َ‬
‫عند الرحمن‪.‬‬
‫‪ 10689‬ـ حدثنا بن وكيع‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا عبيد ال‪ ,‬عن إسرائيل‪ ,‬بن أبي نجيح‪ ,‬عن مجاهد‪,‬‬
‫قال‪« :‬المستقرّ» الرض‪ ,‬و «المستودع»‪ :‬عند ربك‪.‬‬
‫‪ 10690‬ـ حدث نا الح سن بن يح يى‪ ,‬قال‪ :‬أخبر نا ع بد الرزاق‪ ,‬قال‪ :‬أخبر نا ا بن عيي نة‪ ,‬عن‬
‫إسماعيل بن أبي خالد‪ ,‬عن إبراهيم‪ ,‬قال‪ :‬عبد ال‪ :‬مستقرّها في الدنيا‪ ,‬ومستودعها في الَخرة‬
‫ستَ َقرّ َو ُمسْتَ ْودَع‪.‬‬
‫يعني‪َ :‬فمُ ْ‬
‫‪10691‬ـ حدثني المثنى‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا سويد بن نصر‪ ,‬قال‪ :‬أخبرنا بن المبارك‪ ,‬عن شعبة‪ ,‬عن‬
‫أبي بشر‪ ,‬عن سعيد بن جبير‪ ,‬قال‪« :‬المستودع»‪ :‬في الصلب‪ ,‬و «المستقرّ»‪ :‬في الَخرة وعلى‬
‫وجه الرض‪.‬‬
‫وقال آخرون‪ :‬معنى ذلك‪ :‬فمستقرّ في الرحم ومستودع في الصلب‪ .‬ذكر من قال ذلك‪:‬‬
‫‪ 10692‬ـ حدث نا هناد‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا أ بو الحوص‪ ,‬عن أ بي الحرث‪ ,‬عن عكر مة‪ ,‬عن ا بن‬
‫ستَ ْودَع قال‪ :‬م ستقرّ في الر حم‪ ,‬وم ستودع في صلب لم يخلق‬
‫ستَ َقرّ َومُ ْ‬
‫عباس‪ ,‬في قول ال‪َ :‬فمُ ْ‬
‫وسيخلق‪.‬‬
‫‪ 10693‬ـ حدث نا بن وك يع‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا جر ير‪ ,‬عن يح يى الجابر‪ ,‬عن عكر مة‪ :‬فَمُ سْتَ َقرّ‬
‫ستَ ْودَع قال‪ :‬المستقر‪ :‬الذي قد استقرّ في الرحم‪ ,‬والمستودع‪ :‬الذي قد استودع في الصلب‪.‬‬
‫َو ُم ْ‬
‫‪ 10694‬ـ حدثنا ابن حميد‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا جرير‪ ,‬عن مغيرة‪ ,‬عن أبي الخير تميم‪ ,‬عن سعيد بن‬
‫ستَ َقرّ َومُ سْتَ ْودَع؟ قال‪ :‬المستقرّ‪ :‬في الرحم‪ ,‬والمستودع‪ :‬ما‬
‫جبير‪ ,‬قال بن عباس‪ :‬سَلْ فقلت‪َ :‬فمُ ْ‬
‫استودع في الصلب‪.‬‬
‫حدث نا أ بو كر يب وأ بو ال سائب‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا ا بن إدر يس‪ ,‬عن قابوس‪ ,‬عن أب يه‪ ,‬عن ا بن‬
‫ربـ‬
‫ّ‬ ‫ُسـتَ ْودَع قال‪ :‬المسـتقرّ‪ :‬الرحـم‪ ,‬والمسـتودع‪ :‬مـا كان عنـد‬
‫ُسـتَ َقرّ َوم ْ‬
‫عباس‪ ,‬فـي قوله‪َ :‬فم ْ‬
‫العالمين مما هو خالقه ولم يخلق‪.‬‬
‫حدث ني يعقوب‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا هش يم‪ ,‬قال‪ :‬أخبر نا أ بو ب شر‪ ,‬عن سعيد بن جبير‪ ,‬عن ا بن‬
‫ستَ َقرّها َومُسْتَ ْو َدعَها قال‪ :‬المستقرّ‪ :‬ما كان في الرحم مما هو حيّ ومما‬
‫عباس‪ ,‬في قوله‪َ :‬يعْلَمُ مُ ْ‬
‫قد مات والمستودع‪ :‬ما في الصلب‪.‬‬
‫‪ 10695‬ـ حدثني يعقوب‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا هشيم‪ ,‬قال‪ :‬أخبرنا أبو بشر‪ ,‬عن سعيد بن جبير‪ ,‬قال‪:‬‬
‫قال لي بن عباس‪ ,‬وذلك قبل أن يخرج وجهي‪ :‬أتزوجت يا بن جبير؟ قال‪ :‬قلت‪ :‬ل‪ ,‬وما أريد‬
‫ذاك يومي هذا‪ .‬قال‪ :‬فقال‪ :‬أما إنه مع ذلك سيخرج ما كان في صلبك من المستودعين‪.‬‬
‫حدثنا بن بشار‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا محمد بن جعفر‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا شعبة‪ ,‬عن أبي بشر‪ ,‬عن سعيد بن‬
‫جـبير‪ ,‬قال‪ :‬قال لي ابـن عباس‪ :‬تزوّجتـَ؟ قلت‪ :‬ل‪ .‬قال‪ :‬فضرب ظهري وقال‪ :‬مـا كان مـن‬
‫مستودع في ظهرك سيخرج‪.‬‬
‫حدث ني مح مد بن سعد‪ ,‬قال‪ :‬ث ني أ بي‪ ,‬قال‪ :‬ث ني ع مي‪ ,‬قال‪ :‬ث ني أ بي‪ ,‬عن أب يه‪ ,‬عن ا بن‬
‫ستَ َقرّ َومُسْتَ ْودَع قال‪ :‬المستقرّ في الرحام‪ ,‬والمستودع في الصلب لم يخلق وهو‬
‫عباس قوله‪َ :‬فمُ ْ‬
‫خالقه‪.‬‬
‫حدثني المثنى‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا عبد ال بن صالح‪ ,‬قال‪ :‬ثني معاوية بن صالح‪ ,‬عن عليّ بن أبي‬
‫ستَ ْودَع قال‪ :‬المستقرّ في الرحم‪ ,‬والمستودع‪ :‬ما استودع في‬
‫ستَ َقرّ َومُ ْ‬
‫طلحة‪ ,‬عن ابن عباس‪َ :‬فمُ ْ‬
‫أصلب الرجال والدواب‪.‬‬
‫‪ 10696‬ـ حدثنا بن وكيع‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا جرير‪ ,‬عن ليث‪ ,‬عن مجاهد‪ ,‬قال‪ :‬المستقرّ‪ :‬ما استقرّ‬
‫في الرحم والمستودع‪ :‬ما استودع في الصلب‪.‬‬
‫حدثنا بن وكيع‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا جرير‪ ,‬عن مغيرة‪ ,‬عن أبي الخير تميم‪ ,‬عن سعيد بن جبير‪,‬‬
‫عن ابن عباس‪ ,‬بنحوه‪.‬‬
‫‪ 10697‬ـ حدثنا هناد‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا عبيدة بن حميد‪ ,‬عن عمار الدهني‪ ,‬عن رجل‪ ,‬عن كريب‪,‬‬
‫قال‪ :‬دعاني بن عباس‪ ,‬فقال‪ :‬اكتب‪« :‬بسم ال الرحمن الرحيم‪ .‬من عبد ال بن عباس إلى فلن‬
‫حبر تيماء سلم عل يك‪ ,‬فإ ني أح مد إل يك ال‪ ,‬الذي ل إله إل هو‪ ,‬أ ما ب عد» قال‪ :‬فقلت‪ :‬تبدؤه‬
‫تقول‪ :‬السلم عليك؟ فقال‪ :‬إن ال هو السلم‪ .‬ثم قال‪ :‬اكتب «سلم عليك‪ ,‬أما بعد فحدّثني عن‬
‫مسـتقرّ ومسـتودع»‪ .‬قال‪ :‬ثـم بعثنـي بالكتاب إلى اليهودي‪ ,‬فأعطيتـه إياه فلمـا نظـر إليـه قال‪:‬‬
‫مرحبا بكتاب خليلي من المسلمين فذهب بي إلى بيته‪ ,‬ففتح أسفاطا له كبيرة‪ ,‬فجعل يطرح تلك‬
‫الشياء ل يلتفـت إليهـا‪ .‬قال‪ :‬قلت‪ :‬مـا شأنـك؟ قال‪ :‬هذه أشياء كتبهـا اليهود حتـى أخرج سـفر‬
‫مو سى عل يه ال سلم‪ ,‬قال‪ :‬فن ظر إل يه مرتّ ين‪ ,‬فقال‪ :‬الم ستقرّ‪ :‬الر حم‪ .‬قال‪ :‬ثم قرأ‪ :‬وُن ِقرّ فِي‬
‫ستَ َقرّ و َمتَا عٌ قال‪ :‬م ستقرّة فوق الرض‪ ,‬وم ستقره‬
‫ض مُ ْ‬
‫الرْحَام ما نَشاءُ‪ ,‬وقرأ‪ :‬وََلكُ ْم فِي الرْ ِ‬
‫في الرحم‪ ,‬ومستقرّة تحت الرض‪ ,‬حتى يصير إلى الجنة أو إلى النار‪.‬‬
‫ستَ َقرّ‬
‫‪ 10698‬ـ حدث نا هناد‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا قبي صة‪ ,‬عن سفيان‪ ,‬عن ا بن جر يج‪ ,‬عن عطاء‪َ :‬فمُ ْ‬
‫ستَ ْو َدعٌ قال‪ :‬الم ستقرّ‪ :‬ما ا ستقرّ في أرحام الن ساء‪ ,‬والم ستودع‪ :‬ما ا ستودع في أ صلب‬
‫َومُ ْ‬
‫الرجال‪.‬‬
‫حدثنا بن وكيع‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا عبد ال‪ ,‬عن سفيان‪ ,‬عن بن جريج‪ ,‬عن عطاء‪ ,‬قال‪ :‬المستقرّ‪:‬‬
‫الرحم‪ ,‬والمستودع‪ :‬في أصلب الرجال‪.‬‬
‫حدث نا بن وك يع‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا روح بن عبادة‪ ,‬عن ا بن جر يج‪ ,‬عن عطاء‪ ,‬و عن ا بن أ بي‬
‫نجيح‪ ,‬عن مجاهد‪ ,‬قال‪ :‬المستقرّ‪ :‬الرحم‪ ,‬والمستودع‪ :‬في الصلب‪.‬‬
‫حدثني محمد بن عروة‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا أبو عاصم‪ ,‬قال‪ :‬ثني عيسى‪ ,‬عن بن أبي نجيح‪ ,‬عن‬
‫ستَ َقرّ‪ :‬ما استقرّ في أرحام النساء َو ُمسْتَ ْودَع ما كان في أصلب الرجال‪.‬‬
‫مجاهد‪َ :‬فمُ ْ‬
‫حدث ني المث نى‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا أ بو حذي فة‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا ش بل‪ ,‬عن بن أ بي نج يح‪ ,‬عن مجا هد‪,‬‬
‫بنحوه‪.‬‬
‫حدث نا بن حم يد وا بن وك يع قال‪ :‬حدث نا جر ير‪ ,‬عن ل يث‪ ,‬عن مجا هد‪ ,‬قال‪ :‬الم ستقرّ‪ :‬ما‬
‫استقرّ في الرحم‪ ,‬والمستودع‪ :‬ما استودع في الصلب‪.‬‬
‫حدثنا بن وكيع‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا يحيى بن يمان‪ ,‬عن سفيان‪ ,‬عن ابن أبي نجيح‪ ,‬عن مجاهد‪,‬‬
‫قال‪ :‬المستقرّ‪ :‬الرحم‪ ,‬والمستودع‪ :‬الصلب‪.‬‬
‫‪ 10699‬ـ حدثنا بن وكيع‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا معاذ بن معاذ‪ ,‬عن ابن عون‪ ,‬قال‪ :‬أتينا إبراهيم عند‬
‫المساء‪ ,‬فأخبرونا أنه قد مات فقلنا‪ :‬هل سأله أحد عن شيء؟ قالوا‪ :‬عبد الرحمن بن السود عن‬
‫المستقرّ والمستودع فقال‪ :‬المستقر في الرحم‪ ,‬والمستودع‪ :‬في الصلب‪.‬‬
‫حدث نا حم يد بن م سعدة‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا ب شر بن المف ضل‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا ا بن عون‪ ,‬قال‪ :‬أتيت نا‬
‫إبراهيم‪ ,‬و قد مات‪ ,‬قال‪ :‬فحدث ني بعض هم أن عبد الرح من بن ال سود سأله ق بل أن يموت عن‬
‫المستقرّ والمستودع‪ ,‬فقال المستقرّ‪ :‬في الرحم‪ ,‬والمستودع‪ :‬في الصلب‪.‬‬
‫حدث ني يعقوب بن إبراه يم‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا بن عل ية‪ ,‬عن ا بن عون‪ ,‬قال‪ :‬أتي نا منزل إبراه يم‪,‬‬
‫فسألنا عنه‪ ,‬فقالوا‪ :‬قد توفي‪ ,‬وسأله عبد الرحمن بن السود‪ ,‬فذكره نحوه‪.‬‬
‫حدثني به يعقوب بن إبراهيم‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا بن علية‪ ,‬عن ابن عون‪ ,‬أنه بلغه أن عبد الرحمن‬
‫بن السود سأل إبراهيم‪ ,‬عن ذلك‪ ,‬فذكر نحوه‪.‬‬
‫حدث نا عب يد ال بن مح مد الفريا بي‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا ضمرة بن ربي عة‪ ,‬عن العلء بن هارون‪,‬‬
‫قال‪ :‬انتهيت إلى منزل إبراهيم حين قبض‪ ,‬فقلت لهم‪ :‬هل سأله أحد عن شيء‪ ,‬قالوا‪ :‬سأله عبد‬
‫الرح من بن ال سود عن م ستقرّ وم ستودع‪ ,‬فقال‪ :‬أ ما الم ستقرّ‪ :‬ف ما ا ستقرّ في أرحام الن ساء‪,‬‬
‫والمستودع‪ :‬ما في أصلب الرجال‪.‬‬
‫ستَ َقرّ‬
‫حدثنا أبو كريب وأ بو السائب‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا بن إدريس‪ ,‬عن ليث‪ ,‬عن مجاهد في َفمُ ْ‬
‫ستَ ْودَع قال‪ :‬المستقرّ‪ :‬الرحم‪ ,‬والمستودع‪ :‬الصلب‪.‬‬
‫َو ُم ْ‬
‫‪ 10700‬ـ حدثني يونس‪ ,‬قال‪ :‬ثني سفيان‪ ,‬عن رجل حدثه عن سعيد بن جبير‪ ,‬قال‪ :‬قال لي‬
‫بن عباس‪ :‬أل تنكح؟ ثم قال‪ :‬أنا إني أقول لك هذا وإني لعلم أن ال مخرج من صلبك ما كان‬
‫فيه مستودعا‪.‬‬
‫‪ 10701‬ـ حدثني مح مد بن الح سين‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا أح مد بن المفضل‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا أ سباط‪ ,‬عن‬
‫السديّ‪ ,‬قال‪ :‬المستقر في الرحم‪ ,‬والمستودع‪ :‬في الصلب‪.‬‬
‫ستَ ْو َدعٌ قال‪:‬‬
‫ستَ َقرّ َومُ ْ‬
‫حدثنا بشر بن معاذ‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا سعيد‪ ,‬عن قتادة‪ ,‬عن ابن عباس‪َ :‬فمُ ْ‬
‫مستقر في الرحم‪ ,‬ومستودع‪ :‬في الصلب‪.‬‬
‫‪ 10702‬ـ حدث نا مح مد بن ع بد العلى‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا مح مد بن ثور‪ ,‬عن مع مر‪ ,‬عن قتادة‪:‬‬
‫ستَ ْودَع قال‪ :‬مستقرّ‪ :‬في الرحم‪ ,‬ومستودع‪ :‬في الصلب‪.‬‬
‫ستَ َقرّ َو ُم ْ‬
‫َفمُ ْ‬
‫‪ 10703‬ـ حدثت عن الحسين بن الفرج‪ ,‬قال‪ :‬سمعت أبا معاذ‪ ,‬يقول‪ :‬حدثنا عبيد بن سليمان‪,‬‬
‫ستَ ْودَع أ ما «م ستقر»‪ :‬ف ما ا ستقرّ في الر حم‪ ,‬وأ ما «م ستودع» في‬
‫عن الضحاك‪ :‬فَمُ سْتَ َقرّ َومُ ْ‬
‫الصلب‪.‬‬
‫‪10704‬ــ حدثنـي يونـس‪ ,‬قال‪ :‬أخبرنـا ابـن وهـب‪ ,‬قال‪ :‬قال ابـن زيـد‪ ,‬فـي قوله‪َ :‬فمُس ْـتَقَرّ‬
‫ستَ ْودَع قال‪ :‬مستقرّ في الرحام‪ ,‬ومستودع‪ :‬في الصلب‪.‬‬
‫َو ُم ْ‬
‫‪ 10705‬ـ حدث ني المث نى‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا الحجاج بن المنهال‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا حماد‪ ,‬عن عطاء بن‬
‫السائب‪ ,‬عن سعيد بن جبير وأبي حمزة‪ ,‬عن إبراهيم‪ ,‬قال‪« :‬مستقر ومستودع»‪ ,‬المستقرّ‪ :‬في‬
‫الرحم‪ ,‬والمستودع‪ :‬في الصلب‪.‬‬
‫وقال آخرون‪ :‬المستقر‪ :‬في القبر‪ ,‬والمستودع‪ :‬في الدنيا‪ .‬ذكر من قال ذلك‪:‬‬
‫‪ 10706‬ـ حدثنا بشر بن معاذ‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا يزيد بن زريع‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا سعيد‪ ,‬عن قتادة‪ ,‬قال‪:‬‬
‫كان الحسن يقول‪ :‬مستقرّ‪ :‬في القبر‪ ,‬ومستودع‪ :‬في الدنيا‪ .‬وأوشك أن يلحق بصاحبه‪.‬‬
‫ستَ ْودَع‬
‫ستَ َقرّ َومُ ْ‬
‫وأولى التأويلت في ذلك بال صواب‪ ,‬أن يقال‪ :‬إن ال جلّ ثناؤه ع مّ بقوله‪ :‬فَمُ ْ‬
‫كلّ خلقـه الذي أنشـأ مـن نفـس واحدة مسـتقرّا ومسـتودعا‪ ,‬ولم يخصـص مـن ذلك معنـى دون‬
‫معنى‪ .‬ول شك أن من بني آدم مستقرا في الرحم ومستودعا في الصلب‪ ,‬ومنهم من هو مستقرّ‬
‫على ظ هر الرض أو بطنها ومستودع في أ صلب الرجال‪ ,‬ومن هم مستقرّ في ال قبر م ستودع‬
‫على ظ هر الرض‪ ,‬فكلّ م ستقرّ أو م ستودع بمع نى من هذه المعا ني فدا خل في عموم قوله‪:‬‬
‫ستَ ْو َدعٌ ومراد به‪ :‬إل أن يأتي خبر يجب التسليم له بأنه معنى به معنى دون معنى‬
‫ستَ َقرّ َومُ ْ‬
‫َفمُ ْ‬
‫وخاصّ دون عامّ‪.‬‬
‫ُسـتَ ْودَع فقرأت ذلك عامـة قراء أهـل المدينـة‬
‫ُسـتَقَرّ َوم ْ‬
‫واختلفـت القرّاء فـي قراءة قوله‪َ :‬فم ْ‬
‫ستَ ْودَع بمع نى‪ :‬فمن هم من ا ستقره ال في مقرّه ف هو م ستقرّ‪ ,‬ومن هم من‬
‫ستَ َقرّ َومُ ْ‬
‫والكو فة‪َ :‬فمُ ْ‬
‫استودعه ال فيما استودعه فيه‪ .‬وقرأ ذلك بعض أهل المدينة وبعض أهل البصرة‪« :‬فمُ سْتَ ِقرٌ»‬
‫بكسر القاف بمعنى‪ :‬فمنهم من استقر فهو مستودع فيه في مقرّه فهو مست ِقرّ به‪.‬‬
‫ُسـتَ َق ّر بمعنـى‪:‬‬
‫وأولى القراءتيـن بالصـواب عندي وإن كان لكليهمـا عندي وجـه صـحيح‪ :‬فم ْ‬
‫ا ستقرّه ال في م ستقرّه‪ ,‬ليأتلف المع نى ف يه و في «الم ستودع» في أن كلّ وا حد منه ما لم ي سمّ‬
‫فاعله‪ ,‬و في إضا فة ال خبر بذلك إلى ال في أ نه الم ستق ّر هذا والم ستودع هذا وذلك أن الجم يع‬
‫ُسـتَ ْو َدعٌ بفتـح الدال على وجـه مـا لم يسـمّ فاعله‪ ,‬فإجراء الوّل‪,‬‬
‫مجمعون على قراءة قوله‪َ :‬وم ْ‬
‫أعني قوله‪« :‬فمستقرّ» عليه أشبه من عدوله عنه‪.‬‬
‫ن يقول تعالى‪ :‬قد بينا الحجج وميزنا الدلة والعلم‬
‫وأما قوله‪ :‬قَدْ فَ صّ ْلنَا الَيا تِ ل َقوْ مٍ يَ ْف َقهُو َ‬
‫وأحكمناهـا لقوم يفقهون مواقـع الحجـج ومواضـع العـبر ويفهمون الَيات والذكـر‪ ,‬فإنهـم إذا‬
‫اعتبروا بما نبهتهم عليه من إنشائي من نفس واحدة ما عاينوا من البشر وخلقي ما خلقت منها‬
‫من عجائب اللوان والصور‪ ,‬علموا أن ذلك من فعل من ليس له مثل ول شرك فيشركوه في‬
‫عبادتهم إياه‪ .‬كما‪:‬‬
‫‪10707‬ـ حدثنا بشر بن معاذ‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا يزيد‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا سعيد‪ ,‬عن قتادة‪ :‬قَدْ فَصّلْنا الَياتِ‬
‫لِقَ ْو ٍم يَفْ َقهُونَ يقول‪ :‬قد بينا الَيات لقوم يفقهون‪.‬‬

‫‪99‬‬ ‫الية ‪:‬‬


‫القول في تأويل قوله تعالى‪:‬‬
‫خضِرا ّنخْرِجُ ِمنْهُ‬
‫جنَا ِمنْهُ َ‬
‫خ َر ْ‬
‫شيْ ٍء فََأ ْ‬
‫خ َرجْنَا بِهِ َنبَاتَ كُلّ َ‬
‫سمَآءِ مَآءً َفَأ ْ‬
‫{وَ ُهوَ اّلذِيَ أَنزَلَ مِنَ ال ّ‬
‫ش َتبِها‬
‫عنَا بٍ وَالزّ ْيتُو نَ وَال ّرمّا نَ ُم ْ‬
‫جنّا تٍ ّم نْ َأ ْ‬
‫ل مِن طَ ْلعِهَا ِقنْوَا نٌ دَا ِنيَةٌ َو َ‬
‫حبّا ّم َترَاكِبا َومِ نَ ال ّنخْ ِ‬
‫َ‬
‫ت لّقَ ْو ٍم يُ ْؤ ِمنُونَ }‪.‬‬
‫ليَا ٍ‬
‫ن فِي ذَِلكُمْ َ‬
‫غ ْيرَ ُمتَشَابِ ٍه ا ْنظُرُوَ ْا إِِلىَ َث َمرِهِ ِإذَآ َأ ْث َمرَ َو َي ْنعِ ِه إِ ّ‬
‫َو َ‬
‫يقول تعالى ذكره‪ :‬وال الذي له العبادة خالصـة ل شركـة فيـه لشيـء سـواه‪ ,‬هـو الله الّذي‬
‫شيْءٍ فأخرج نا بالماء الذي أنزلناه من ال سماء من‬
‫ل َ‬
‫خرَجْ نا به َنبَا تَ كُ ّ‬
‫سمَاء مَاءً فأ ْ‬
‫ن ال ّ‬
‫َأ ْنزَلَ مِ َ‬
‫غذاء النعام والبهائم والطيـر والوحشـس‪ ,‬وأرزاق بنـي آدم وأقواتهـم مـا يتغذّون بـه ويأكلونـه‬
‫فينبتون عليه وينمون‪.‬‬
‫ل شَيْءٍ‪ :‬فأخرجنا به ما ينبت به كلّ شيء وينمو عليه‬
‫جنَا بِ هِ نَبا تَ كُ ّ‬
‫خ َر ْ‬
‫وإنما معنى قوله‪ :‬فَأ ْ‬
‫ل ش يء هو أ صناف‬
‫وي صلح‪ .‬ولو ق يل معناه‪ :‬فأخرج نا به نبات جم يع أنواع النبات فيكون ك ّ‬
‫النبات‪ ,‬كان مذهبا وإن كان الوجه الصحيح هو القول الوّل‪.‬‬
‫خضِرا يقول‪ :‬فأخرج نا م نه يع ني من الماء الذي أنزلناه من ال سماء‬
‫خ َرجْ نا ِمنْ هُ َ‬
‫وقوله‪ :‬فأ ْ‬
‫طرَةً‪,‬‬
‫ضرُ‪ :‬هـو الخضـر‪ ,‬كقول العرب‪ :‬أرنيهـا نَمرَةً ُأ ِركْهـا َم ِ‬
‫خضرا رطبا مـن الزرع والخَ ِ‬
‫خضَرا َوخَضارة‪ ,‬والخضـر‪ :‬رطـب البقول‪ ,‬ويقال‪ :‬نخلة خضيرة‪ :‬إذا‬
‫الرضـ َ‬
‫ُ‬ ‫ضرَت‬
‫يقال‪ :‬خَ ِ‬
‫كانـت ترمـي ببسـرها أخضـر قبـل أن ينضـج‪ ,‬وقـد اختُضـر الرجـل واغتضـر‪ :‬إذا مات شابّا‬
‫خرِ جُ ِمنْ ُه حَبّا ُمتَ َركِبا يقول‪:‬‬
‫مصـححا‪ ,‬ويقال‪ :‬هو لك خضرا مضرا‪ :‬أي هنيئا مريئا‪ .‬قوله‪ُ :‬ن ْ‬
‫نخرج من الخضر حبّا‪ ,‬يعني‪ :‬ما في السنبل‪ ,‬سنبل الحنطة والشعير والرز‪ ,‬وما أشبه ذلك من‬
‫السنابل التي حبها يركب بعضه بعضا‪.‬‬
‫وبنحو الذي قلنا في ذلك قال جماعة أهل التأويل‪ .‬ذكر من قال ذلك‪:‬‬
‫‪ 10708‬ـ حدث ني مح مد بن الح سين‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا أح مد بن مف ضل‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا أ سباط‪ ,‬عن‬
‫حبّا ُم َترَاكِبا فهذا السنبل‪.‬‬
‫خرِجُ ِمنْ ُه َ‬
‫السديّ‪ ,‬قوله‪ِ :‬منْه خَضِرا ُن ْ‬
‫ن دَا ِنيَةٌ‪.‬‬
‫ل مِنْ طَ ْلعِها ِقنْوَا ٌ‬
‫القول في تأويل قوله تعالى‪َ :‬و ِمنَ ال ّنخْ ِ‬
‫يقول تعالى ذكره‪ :‬ومـن النخـل مـن طلعهـا قنوان دانيـة ولذلك رفعـت «القنوان»‪ .‬والقنوان‪:‬‬
‫صنْو‪ ,‬وهو ال ِعذْق‪ ,‬يقال للواحد‪ :‬هو قِنو و ُقنْو و َقنَا‪ :‬يثنى قِنوا نِ‪,‬‬
‫جمع ِقنْو‪ ,‬كما الصنوان‪ :‬جمع ِ‬
‫ويج مع قِنوا نٌ و ُقنْوا نٌ‪ ,‬قالوا في ج مع قليله‪ :‬ثل ثة أقناء‪ ,‬وال ِقنْوان‪ :‬من ل غة الحجاز‪ ,‬والقنوان‪:‬‬
‫من لغة قيس وقال امرؤ القيس‪:‬‬
‫حمَرَا وقنيان جميعا وقال آ خر‪ :‬لَهَا َذنَ بٌ‬
‫سرِ أ ْ‬
‫ت أُ صُوُلهُوَمالَ بِ ِق ْنوَا نٍ مِ نَ البُ ْ‬
‫فأثّ تْ أعالِي هِ وآدَ ْ‬
‫شذّرِ‬
‫حمَ لل ّتخْطارِ َب ْعدَ ال ّت َ‬
‫سَ‬‫ت ِبهِوأ ْ‬
‫كالْ ِقنْ ِو قَدْ َمذِلَ ْ‬
‫وتميم تقول‪ :‬قنيان بالياء‪ .‬ويعني بقوله‪« :‬دانية»‪ :‬قريبة متهدلة‪.‬‬
‫وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل‪ .‬ذكر من قال ذلك‪:‬‬
‫‪10709‬ـ حدثنا المثنى‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا عبد ال بن صالح‪ ,‬قال‪ :‬ثني معاوية بن صالح‪ ,‬عن عليّ‬
‫بن أبي طلحة‪ ,‬عن ابن عباس‪ِ :‬قنْوَا نٌ دَا ِنيَ ٌة يعني بالقنوان الدانية‪ :‬قصار النخل لصقة عذوقها‬
‫بالرض‪.‬‬
‫ن طَ ْلعِها‬
‫‪10710‬ـ حدثنا بشر بن معاذ‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا يزيد‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا سعيد‪ ,‬عن قتادة‪ ,‬قوله‪ :‬مِ ْ‬
‫ن دَانِيَ ٌة قال‪ :‬عذوق متهدلة‪.‬‬
‫ِقنْوَا ٌ‬
‫ن دَا ِنيَةٌ‬
‫حدث نا محمـد بن العلى‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا مح مد بن ثور‪ ,‬عن مع مر‪ ,‬عن قتادة‪ِ :‬قنْوَا ٌ‬
‫يقول‪ :‬متهدلة‪.‬‬
‫‪ 10711‬ـ حدثنا هناد‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا وكيع‪ ,‬وحدثنا ابن وكيع‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا أبي‪ ,‬عن سفيان‪ ,‬عن‬
‫ن دَا ِنيَةٌ قال‪ :‬قريبة‪.‬‬
‫أبي إسحاق‪ ,‬عن البراء‪ ,‬في قوله‪ِ :‬قنْوَا ٌ‬
‫حدث نا الح سن بن يح يى‪ ,‬قال‪ :‬أخبر نا ع بد الرزاق‪ ,‬قال‪ :‬أخبر نا الثوري‪ ,‬عن أ بي إ سحاق‪,‬‬
‫ن دَا ِنيَةٌ قال‪ :‬قريبة‪.‬‬
‫عن البراء بن عازب‪ِ :‬قنْوَا ٌ‬
‫حدثني محمد بن سعيد‪ ,‬قال‪ :‬ثني أبي‪ ,‬قال‪ :‬ثني عمي‪ ,‬قال‪ :‬ثني أبي‪ ,‬عن أبيه‪ ,‬عن ابن‬
‫ن دَا ِنيَةٌ قال‪ :‬الدانية لتهدّل العذوق من الطلع‪.‬‬
‫عباس‪ ,‬قوله‪َ :‬و ِمنَ ال ّنخْلِ ِمنْ طَُلعِها ِقنْوَا ٌ‬
‫‪ 10712‬ـ حُدثت عن الحسين بن الفرج‪ ,‬قال‪ :‬سمعت أبا معاذ‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا عبيد بن سليمان‪,‬‬
‫ن طَلْعها ِقنْوَا نٌ دَا ِنيَ ٌة يعني‪ :‬النخل القصار‬
‫ن ال ّنخْلِ ِم ْ‬
‫قال‪ :‬سمعت الضحاك يقول في قوله‪َ :‬ومِ َ‬
‫الملتزقة بالرض‪ ,‬والقنوان‪ :‬طلعه‪.‬‬
‫ش َتبِها وَغيرَ ُمتَشابِه‪.‬‬
‫ن وال ّرمّانِ ُم ْ‬
‫عنَابٍ وال ّز ْيتُو َ‬
‫ت مِنْ أ ْ‬
‫جنّا ٍ‬
‫القول في تأويل قوله تعالى‪َ :‬و َ‬
‫يقول تعالى ذكره‪ :‬وأخرجنا أيضا جنات من أعناب‪ ,‬يعني‪ :‬بساتين من أعناب‪.‬‬
‫ت نصبا‪ ,‬غير أن التاء كسرت لنها‬
‫جنّا ٍ‬
‫واختلف القرّاء في قراءة ذلك‪ ,‬فقرأه عامة القرّاء‪َ :‬و َ‬
‫تاء جمع المؤنث‪ ,‬وهي تخفض ي موضع النصب‪ .‬وقد‪:‬‬
‫‪ 10713‬ـ حدثني الحارث‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا القاسم بن سلم‪ ,‬عن الكسائي‪ ,‬قال‪ :‬أخبرنا حمزة‪ ,‬عن‬
‫َابـ بالرفـع‪ ,‬فرفـع «جنات» على إتباعهـا «القنوان» فـي‬
‫عن ٍ‬ ‫ِنـ أ ْ‬
‫ّاتـ م ْ‬
‫جن ٍ‬ ‫العمـش‪ ,‬أنـه قرأ‪َ :‬و َ‬
‫العراب‪ ,‬وإن لم تكن من جنسها‪ ,‬كما قال الشاعر‪:‬‬
‫سيْفا َورُ ْمحَا‬
‫جكِ في الوَغَى ُمتَقَلّدا َ‬
‫ورأيْت زَ ْو َ‬
‫عنَا بٍ لجماع الح جة من‬
‫جنّا تٍ ِم نْ أ ْ‬
‫والقراءة ال تي ل أتج يز أن يُقرأ ذلك إل ب ها الن صب َو َ‬
‫القرّاء على تصويبها والقراءة بها ورفضهم ما عداها‪ ,‬و ُبعْد معنى ذلك من الصواب إذ قرىء‬
‫ّانـ عطـف بالزيتون على «الجنات» بمعنـى‪ :‬وأخرجنـا الزيتون‬
‫ُونـ وال ّرم ِ‬
‫رفعا‪ .‬وقوله‪ :‬وال ّز ْيت َ‬
‫والرمان مشتبها وغير متشابه‪.‬‬
‫شتَبِها وَغيرَ ُمتَشابِه ما‪:‬‬
‫وكان قتادة يقول في معنى ُم ْ‬
‫جنّا تٍ‬
‫‪ 10714‬ـ حدثنا بشر بن معاذ‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا يزيد‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا سعيد‪ ,‬عن قتادة‪ ,‬قوله‪َ :‬و َ‬
‫ش َتبِها وَغيرَ ُمتَشابِه قال‪ :‬مشتبها ورقه‪ ,‬مختلفا تمره‪.‬‬
‫ن وال ّرمّانِ ُم ْ‬
‫عنَابٍ وال ّز ْيتُو َ‬
‫مِنْ أ ْ‬
‫وجائز أن يكون مرادا به‪ :‬مشتبها في الخلق مختلفا في الطعم ومعنى الكلم‪ :‬وشجر الزيتون‬
‫والرمان‪ ,‬فاكتفى من ذكر الشجر بذكر ثمره‪ ,‬كما قيل‪ :‬وَاسأل ال َق ْريَ َة فاكتفى بذكر القرية من‬
‫ذكر أهلها‪ ,‬لمعرفة المخاطبين بذلك بمعناه‪.‬‬
‫القول في تأويل قوله تعالى‪ :‬ا ْنظُرُوا إلى َث َمرِ ِه إذَا أ ْث َمرَ َو َي ْنعِهِ‪.‬‬
‫اختل فت القرّاء في قراءة ذلك‪ ,‬فقرأ ته عا مة قرّاء أ هل المدي نة وب عض أ هل الب صرة‪ :‬ا ْنظُرُوا‬
‫إلى َث َمرِ هِ بفتح الثاء والميم‪ ,‬وقرأه بعض قراء أهل مكة وعامة قرّاء الكوفيين‪ :‬إلى ُث ُمرِ ِه بضم‬
‫فكأنـ مـن فتـح الثاء والميـم مـن ذلك وجّه معنـى الكلم‪ :‬انظروا إلى ثمـر هذه‬
‫ّ‬ ‫الثاء والميـم‪.‬‬
‫الشجار التي سمينا من النخل والعناب والزيتون والرمان إذا أثمر وأن ال ّثمَر جمع ثمرة‪ ,‬كما‬
‫القَ صَب جمع قصبة‪ ,‬والخشب جمع خشبة‪ .‬وكأن من ض مّ الثاء والميم‪ ,‬وجه ذلك إلى أنه جمع‬
‫جرُب جمع جراب‪ .‬وقد‪:‬‬
‫حمُر جمع حمار‪ ,‬وال ُ‬
‫ثمار‪ ,‬كما ال ُ‬
‫‪ 10715‬ـ حدثني المثنى‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا إسحاق‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا عبد الرحمن بن أبي حماد‪ ,‬عن ابن‬
‫إدر يس‪ ,‬عن الع مش‪ ,‬عن يح يى بن وثاب‪ ,‬أ نه كان يقرأ‪« :‬إلى ُثمُرِ هِ» يقول‪ :‬هو أ صناف‬
‫المال‪.‬‬
‫‪ 10716‬ـ حدثني المثنى‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا إسحاق‪ ,‬حدثنا بن أبي حماد‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا محمد بن عبيد‬
‫ال‪ ,‬عن قيس بن سعد‪ ,‬عن مجاهد‪ ,‬قال ال ّثمُر‪ :‬هو المال‪ ,‬وال ّثمَر‪ :‬ثمر النخل‪.‬‬
‫ظرُوا إلى ُث ُمرِ ِه بض مّ الثاء والميم‪,‬‬
‫وأولى القراءتين في ذلك عند بالصواب‪ ,‬قراءة من قرأ‪ :‬انْ ُ‬
‫حبـ الزرع‬
‫ّ‬ ‫لن ال جلّ ثناؤه وصـف أصـنافا مـن المال‪ ,‬كمـا قال يحيـى بـن وثاب‪ .‬وكذلك‬
‫المتراكب‪ ,‬وقنوان النخل الدانية‪ ,‬والجنات من العناب والزيتون والرمان‪ ,‬فكان ذلك أنواعا من‬
‫الثمر‪ ,‬فجمعت الثمرة ثَمرا ثم جمع الثمر ثمارا‪ ,‬ثم جمع ذلك فقيل‪« :‬انظروا إلى ُثمُره»‪ ,‬فكان‬
‫ذلك جمع الثمار‪ ,‬والثمار جمع الثمرة‪ ,‬وإثماره‪ :‬عقد الثمر‪.‬‬
‫وأما قوله‪َ :‬و َي ْنعِهِ فإنه نضجه وبلوغه حين يبلغ‪ .‬وكان بعض أهل العلم بكلم العرب من أهل‬
‫صحْب‪:‬‬
‫الب صرة يقول في « َي ْنعِ هِ» إذا فت حت ياؤه‪ :‬هو ج مع يا نع‪ ,‬ك ما التّجْر‪ :‬ج مع تا جر‪ ,‬وال ّ‬
‫جمع صاحب‪ .‬وكان بعض أهل م كة ينكر ذلك ويرى أنه مصدر‪ ,‬من قولهم‪ :‬ينع الثمر ف هو‬
‫َييْنَع َينْعا‪ ,‬ويح كي في م صدره عن العرب لغات ثلثا‪ :‬يَنْع‪ ,‬و ُينْ عٌ‪ ,‬ويَنَع‪ ,‬وكذلك في النّضْج‬
‫الّنضْج والنّضَج‪.‬‬
‫وأما في قراءة من قرأ ذلك‪« :‬ويَا ِنعِهِ» فإنه يعني به‪ :‬وناضجه وبالغه وقد يجوز في مصدره‬
‫ينُوعا‪ ,‬ومسموع عند العرب‪ :‬أينعت الثمرة تونع إيناعا ومن لغة اللذين قالوا َينَع‪ ,‬قول الشاعر‪:‬‬
‫س َكرَ ٍةحَوَْلهَا ال ّز ْيتُونُ َقدْ َينَعا‬
‫ع ْن َد دَ ْ‬
‫فِي قِبابٍ ِ‬
‫وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل‪ .‬ذكر من قال ذلك‪:‬‬
‫‪10717‬ـ حدثني المثنى‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا عبد ال بن صالح‪ ,‬قال‪ :‬ثني معاوية بن صالح‪ ,‬عن عليّ‬
‫بن أبي طلحة‪ ,‬عن ابن عباس‪ :‬و َي ْنعِهِ يعني‪ :‬إذا نضج‪.‬‬
‫حدث ني مح مد بن سعد‪ ,‬قال‪ :‬ث ني أ بي‪ ,‬قال‪ :‬ث ني ع مي‪ ,‬قال‪ :‬ث ني أ بي‪ ,‬عن أب يه‪ ,‬عن ا بن‬
‫عباس قوله‪ :‬ا ْنطُرُوا إلى َث َمرِهِ إذَا أ ْث َمرَ َو َي ْنعِ ِه قال‪ :‬ينعه‪ :‬نضجه‪.‬‬
‫ظرُوا إلى َثمَرِ ِه إذَا‬
‫‪ 10718‬ـ حدث نا ب شر‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا يز يد‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا سعيد‪ ,‬عن قتادة‪ :‬ا ْن ُ‬
‫أ ْثمَ َر و َي ْنعِ ِه أي نضجه‪.‬‬
‫حدثنا الحسن بن يحيى‪ ,‬قال‪ :‬أخبرنا عبد الرزاق‪ ,‬قال‪ :‬أخبرنا معمر‪ ,‬عن قتادة‪ ,‬في قوله‪:‬‬
‫َو َي ْنعِ ِه قال‪ :‬نضجه‪.‬‬
‫‪ 10719‬ـ حدثني مح مد بن الح سين‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا أح مد بن المفضل‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا أ سباط‪ ,‬عن‬
‫السديّ‪ :‬و َي ْنعِهِ يقول‪ :‬ونضجه‪.‬‬
‫‪ 10720‬ـ حُدثت عن الحسين بن الفرج‪ ,‬قال‪ :‬سمعت أبا معاذ‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا عبيد بن سليمان‪,‬‬
‫قال‪ :‬سمعت الضحاك يقول في قوله‪َ :‬و َي ْنعِهِ قال‪ :‬يعني‪ :‬نضجه‪.‬‬
‫حدثنا القاسم‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا الح سين‪ ,‬قال‪ :‬ثني حجاج‪ ,‬عن ابن جر يج‪ ,‬قال‪ :‬قال ابن عباس‪:‬‬
‫َو َي ْنعِ ِه قال‪ :‬نضجه‪.‬‬
‫ن فِي ذَلكَ لَياتٍ لِ َق ْومٍ يُ ْؤ ِمنُونَ‪.‬‬
‫القول في تأويل قوله تعالى‪ :‬إ ّ‬
‫ل ش يء‪,‬‬
‫يقول تعالى ذكره‪ :‬إن في إنزال ال تعالى من ال سماء الماء الذي أخرج به نبات ك ّ‬
‫والخ ضر الذي أخرج م نه الح بّ المترا كب‪ ,‬و سائر ما عدّد في هذه الَ ية من صنوف خل قه‬
‫ليَا تٍ يقول‪ :‬في ذلكم أيها الناس إذا أنتم نظرتم إلى ثمره عند عقد ثمره‪ ,‬وعند ينعه وانتهائه‪,‬‬
‫َ‬
‫فرأي تم اختلف أحواله وت صرّفه في زياد ته ونموّه‪ ,‬علم تم أن له مدبرا ل يس كمثله ش يء‪ ,‬ول‬
‫ل له دون الَل هة والنداد‪ ,‬وكان ف يه ح جج وبرهان وبيان لَقوْ مٍ يُ ْؤ ِمنُو نَ يقول‪:‬‬
‫ت صلح العبادة إ ّ‬
‫ـ بذلك تعالى ذكره القوم الذيـن‬
‫لقوم يصـدّقون بوحدانيـة ال وقدرتـه على مـا يشاء‪ .‬وخص ّ‬
‫يؤمنون‪ ,‬لنهم هم المنتفعون بحجج ال والمعتبرون بها‪ ,‬دون من قد طبع على قلبه فل يعرف‬
‫حقّا من باطل ول يتبين هدى من ضللة‪.‬‬

‫‪100‬‬ ‫الية ‪:‬‬


‫القول في تأويل قوله تعالى‪:‬‬
‫سبْحَانَهُ َو َتعَاَلىَ عَمّا‬
‫خ َرقُواْ َل ُه َبنِي نَ َو َبنَا تٍ ِب َغ ْيرِ عِلْ مٍ ُ‬
‫ج نّ َوخَلَ َقهُ مْ َو َ‬
‫جعَلُو ْا لّل ِه شُ َركَآءَ ا ْل ِ‬
‫{ َو َ‬
‫ن}‬
‫َيصِفُو َ‬
‫ج نّ كما قال‬
‫ل ثناؤه‪ :‬وجعل هؤلء العادلون بربهم الَلهة والنداد ل شُ َركَاءَ ال ِ‬
‫يعني بذلك ج ّ‬
‫جنّةِ نَسـَبا‪ .‬وفـي الجنّـ وجهان مـن النصـب‪ :‬أحدهمـا أن يكون‬
‫جعَلُوا َب ْينَهُـ وبينَـ ال ِ‬
‫جلّ ثناؤه‪َ :‬و َ‬
‫تفسيرا للشركاء‪ ,‬والَخرة‪ :‬أن يكون معنى الكلم‪« :‬وجعلوا ل الجنّ شركاء وهو خالقهم»‪.‬‬
‫واختلفوا في قراءة قوله‪َ :‬وخََل َقهُ مْ فقرأ ته قرّاء الم صار‪َ :‬وخَلَ َقهُ ْم على معنـى أن ال خلق هم‬
‫منفردّا بخلقه إياهم‪ .‬وذكر عن يحيى بن يعمر ما‪:‬‬
‫‪ 10721‬ـ حدث ني به أح مد بن يو سف‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا القا سم بن سلم‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا حجاج‪ ,‬عن‬
‫هارون‪ ,‬عن وا صل مولى أ بي عيي نة‪ ,‬عن يح يى بن عق يل‪ ,‬عن يح يى بن يع مر‪ ,‬أ نه قال‪:‬‬
‫ش َركَا َء الجِنّ وخَلْ َق ُهمْ»‬
‫«ُ‬
‫ن شركاء ل في خلقه إيانا‪.‬‬
‫بجزم اللم بمعنى أنهم قالوا‪ :‬إن الج ّ‬
‫وأولى القراءتين بالصواب قراءة من قرأ ذلك َوخَلَ َق ُهمْ لجماع الحجة من القرّاء عليها‪.‬‬
‫خ َرقُوا اختلقوا‪ ,‬يقال‪ :‬اختلق‬
‫خرَقُوا َل ُه َبنِي نَ َوبَنا تٍ بغيرِ عِلْم فإ نه يع ني بقوله‪َ :‬‬
‫وأ ما قوله‪َ :‬و َ‬
‫فلن على فلن كذبا واخترقه‪ :‬إذا افتعله وافتراه‪.‬‬
‫وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل‪ .‬ذكر من قال ذلك‪.‬‬
‫‪ 10722‬ـ حدثني المثنى‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا أبو صالح‪ ,‬قال‪ :‬ثني معاوية‪ ,‬عن عل يّ بن أبي طلحة‪,‬‬
‫خرَقُوا لَ ُه َبنِي نَ َوبَنا تٍ يعني أنهم‬
‫ن وال خلقهم َو َ‬
‫شرَكَا َء الجِ ّ‬
‫جعَلُوا لِّل ِه ُ‬
‫عن ا بن عباس‪ ,‬قوله‪َ :‬و َ‬
‫تخرّصوا‪.‬‬
‫‪10723‬ـ حدثني محمد بن سعد‪ ,‬قال‪ :‬ثني أبي‪ ,‬قال‪ :‬ثني عمي‪ ,‬قال‪ :‬ثني أبي‪ ,‬عن أبيه‪ ,‬عن‬
‫خ َرقُوا َلهُ َبنِينَ َوبَناتٍ بغيرِ عِ ْلمٍ قال‪ :‬جعلو له بنين وبنات بغير علم‪.‬‬
‫ابن عباس‪ ,‬قوله‪َ :‬و َ‬
‫‪ 10724‬ـ حدثني محمد بن عمرو‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا أبو عاصم‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا عيسى‪ ,‬عن ابن أبي‬
‫ت بغيرِ عِلْم قال‪ :‬كذبوا‪.‬‬
‫خ َرقُوا َلهُ َبنِينَ َوبَنا ٍ‬
‫نجيح‪ ,‬عن مجاهد‪َ :‬و َ‬
‫حدث ني المث نى‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا أ بو حذي فة‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا ش بل‪ ,‬عن ا بن أ بي نج يح‪ ,‬عن مجا هد‪,‬‬
‫مثله‪.‬‬
‫ش َركَاءَ‬
‫جعَلُوا لِلّهِ ُ‬
‫‪10725‬ـ حدثنا بشر‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا يزيد‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا سعيد‪ ,‬عن قتادة‪ ,‬قوله‪َ :‬و َ‬
‫ن كذَبوا‪ ,‬سبحانه وتعالى ع ما ي صفون ع ما يكذّبون أ ما العرب فجعلوا له البنات ول هم ما‬
‫الجِ ّ‬
‫يشتهون مـن الغلمان‪ ,‬وأمـا اليهود فجعلوا بينـه وبيـن الجنـة نسـبا‪ ,‬ولقـد علمـت الجنـة إنهـم‬
‫لمحضرون‪.‬‬
‫‪ 10726‬ـ حدث نا مح مد بن ع بد العلى‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا مح مد بن ثور‪ ,‬عن مع مر‪ ,‬عن قتادة‪:‬‬
‫ت بغيرِ عِ ْلمٍ قال‪ :‬خرصوا له بنين وبنات‪.‬‬
‫خ َرقُوا َلهُ َبنِينَ َوبَنا ٍ‬
‫َو َ‬
‫‪ 10727‬ـ حدثني مح مد بن الح سين‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا أح مد بن المفضل‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا أ سباط‪ ,‬عن‬
‫ت بغيرِ عِلْ مٍ يقول‪ :‬قطعوا له بنين وبنات‪ ,‬قالت العرب‪ :‬الملئ كة‬
‫خ َرقُوا َل هُ َبنِي نَ َوبَنا ٍ‬
‫السديّ‪َ :‬و َ‬
‫بناة ال‪ ,‬وقالت اليهود والنصارى‪ :‬المسيح وعزيز ابنا ال‪.‬‬
‫خرَقُوا لَ ُه َبنِينَ‬
‫‪10728‬ـ حدثني يونس‪ ,‬قال‪ :‬أخبرنا ابن وهب‪ ,‬قال‪ :‬قال ابن زيد‪ ,‬في قوله‪َ :‬و َ‬
‫َوبَناتٍـ بغيرِ عِلْمٍـ قال‪ :‬خرقوا‪ :‬كذبوا لم يكـن ل بنون ول بنات‪ ,‬قالت النصـارى‪ :‬المسـيح ابـن‬
‫ال‪ ,‬وقال المشركون‪ :‬الملئكة بنات ال‪ ,‬فكلّ خرقوا الكذب‪ .‬وخرقوا‪ :‬اخترقوا‪.‬‬
‫جعَلُوا‬
‫‪ 10729‬ـ حدثنا القاسم‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا الحسين‪ ,‬قال‪ :‬ثني حجاج‪ ,‬عن ابن جريج‪ ,‬قوله‪َ :‬و َ‬
‫خرَقُوا لَ ُه قال ابن جريج‪ :‬قال مجاهد‪ :‬خرقوا‪ :‬كذبوا‪.‬‬
‫شرَكَا َء الجِنّ قال‪ :‬قول الزنادقة‪َ .‬و َ‬
‫لِلّ ِه ُ‬
‫‪10730‬ـ حدثنا ابن وكيع‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا أبو أسامة‪ ,‬عن جويبر‪ ,‬عن الضحاك‪َ :‬وخَ َرقُوا لَ ُه َبنِينَ‬
‫َوبَناتٍ قال‪ :‬وصفوا له‪.‬‬
‫خرَقُوا لَ هُ َبنِي نَ‬
‫‪ 10731‬ـ حدثنا عمران بن موسى‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا عبد الوارث‪ ,‬عن أبي عمر‪َ :‬و َ‬
‫َوبَناتٍ قال‪ :‬تفسيرها‪ :‬وكذبوا‪.‬‬
‫الجنـ وشركاء فـي عبادتهـم إياه‪ ,‬وهـو المنفـر‪ ,‬بخلقهـم بغيـر‬
‫ّ‬ ‫فتأويـل الكلم إذن‪ :‬وجعلو ل‬
‫خ َرقُوا َل ُه َبنِي نَ َوبَنا تٍ يقول‪ :‬وتخرّصوا ل كذبا‪ ,‬فافتعلوا له بنين‬
‫شريك ول معين ول ظهير‪َ .‬و َ‬
‫وبنات بغير علم منهم بحقيقة ما يقولون‪ ,‬ولكن جهلً بال وبعظمته وأنه ل ينبعي لمن كان إلها‬
‫أن يكون له بنون وبنات ول صاحبة‪ ,‬ول أن يشركه في خلقه شريك‪.‬‬
‫عمّا َيصِفُونَ‪.‬‬
‫سبْحانَهُ َوتَعالى َ‬
‫القول في تأويل قوله تعالى‪ُ :‬‬
‫يقول تعالى ذكره‪ :‬تنزّه ال وعل فارتفـع عـن الذي يصـفه بـه هؤلء الجهلة مـن خلقـه فـي‬
‫ادّعائهم له شركاء من الج نّ واختراقهم له بنين وبنات وذلك ل ينبغي أن يكون من صفته لن‬
‫ذلك مـن صـفة خلقـه الذيـن يكون منهـم الجماع الذي يحدث عنـه الولد‪ ,‬والذيـن تضطرّهـم‬
‫لضعف هم الشهوات إلى اتخاذ ال صاحبة لقضاء اللذّات‪ ,‬ول يس ال تعالى ذكره بالعا جز فيضطره‬
‫شيءٌ إلى شيءٍ‪ ,‬ول بالضعيـف المحتاج فتدعوه حاجتـه إلى النسـاء إلى اتخاذ صـاحبة لقضاء‬
‫لذّة‪ .‬وقوله‪َ :‬تعَالَى تفا عل من العلوّ والرتفاع‪ .‬ورُوِي عن قتادة في تأو يل قوله‪ :‬عَمّا يَ صِفُونَ‬
‫أنه يكذّبون‪.‬‬
‫سبْحانَهُ َوتَعالى عَمّا‬
‫‪ 10732‬ـ حدث نا ب شر‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا يز يد‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا سعيد‪ ,‬عن قتادة‪ُ :‬‬
‫ن عما يكذبون‪.‬‬
‫َيصِفُو َ‬
‫وأحسب أن قتادة عنى بتأويله ذلك كذلك‪ ,‬أنهم يكذبون في وصفهم ال بما كانوا يصفونه من‬
‫ادّعائهم له بنين وبنات‪ ,‬ل أنه وجه تأويل الوصف إلى الكذب‪.‬‬

‫‪101‬‬ ‫الية ‪:‬‬


‫القول في تأويل قوله تعالى‪:‬‬
‫شيْءٍ وهُ َو ِبكُلّ‬
‫ل َ‬
‫حبَةٌ َوخَلَ قَ كُ ّ‬
‫ن لّ ُه صَا ِ‬
‫سمَاوَاتِ وَالرْ ضِ َأّنىَ َيكُو نُ َل هُ وََلدٌ وَلَ مْ َتكُ ْ‬
‫{ َبدِي عُ ال ّ‬
‫شيْءٍ عَلِيمٌ }‬
‫َ‬
‫يقول تعالى ذكره‪ :‬ال الذي جعـل هؤلء الكفرة بـه له الجنّـ شركاء وخرقوا له بنيـن وبنات‬
‫ض يعني مبتدعها ومحدثها وموجدها بعد أن لم تكن‪ .‬كما‪:‬‬
‫لرْ ِ‬
‫سمَواتِ وا َ‬
‫بغير علم‪َ ,‬بدِيعُ ال ّ‬
‫سمَوَاتِ‬
‫‪ 10733‬ـ حدثني يونس‪ ,‬قال‪ :‬أخبرنا ابن وهب‪ ,‬قال‪ :‬قال ابن زيد‪ ,‬في قوله‪َ :‬بدِي عُ ال ّ‬
‫والرْضِ قال‪ :‬هو الذي ابتدع خلقهما جلّ جلله فخلقهما ولم تكونا شيئا قبله‪.‬‬
‫حبَةٌ والولد إنما يكون من الذكر من النثى‪ ,‬ول ينبغي أن‬
‫أنّى َيكُو نُ َل هُ وََلدٌ وَل مْ َتكُ نْ َل ْه صَا ِ‬
‫يكون ل سبحانه صاحبة فيكون له ولد وذلك أ نه هو الذي خلق كل ش يء‪ .‬يقول‪ :‬فإذا كان ل‬
‫شيء إلّ ال خلقه‪ ,‬فأنى يكون ل ولد ولم تكن له صاحبة فيكون له منها ولد‬
‫شيْءٍ عَلِيمٌ‪.‬‬
‫شيْءٍ وَهُ َو ِبكُلّ َ‬
‫ل َ‬
‫القول في تأويل قوله تعالى‪َ :‬وخَلقَ كُ ّ‬
‫ل مـا تدّعون أيهـا العادلون بال‬
‫يقول تعالى ذكره‪ :‬وال خلق ك ّل شيـء ول خالق سـواه‪ ,‬وك ّ‬
‫الوثان من دو نه خل قه و عبيده‪ ,‬ملكا كان الذي تدعو نه ربّا وتزعمون أ نه له ولد أو جنيّا أو‬
‫إنسيّا‪.‬‬
‫ل شيء‪ ,‬ل يخ فى عليه ما خلق ول شيء م نه‪,‬‬
‫شيْءٍ عَلِي مٌ يقول‪ :‬وال الذي خلق ك ّ‬
‫ل َ‬
‫وَ ُهوَ ِبكُ ّ‬
‫ول يعزب عنـه مثقال ذرّة فـي الرض ول فـي السـماء‪ ,‬عالم بعددكـم وأعمالكـم وأعمال مـن‬
‫دعوتموه ربّا أو ل ولدا‪ ,‬وهو محصيها عليكم وعليهم حتى يجازي كلّ بعمله‪.‬‬

‫‪102‬‬ ‫الية ‪:‬‬


‫القول في تأويل قوله تعالى‪:‬‬
‫شيْءٍ َوكِيلٌ }‬
‫ى كُلّ َ‬
‫ع ُبدُوهُ وَهُوَ عََل َ‬
‫شيْءٍ فَا ْ‬
‫ل هُ َو خَاِلقُ كُلّ َ‬
‫{ذَِل ُكمُ اللّ ُه َربّ ُكمْ ل إِلَـهَ ِإ ّ‬
‫ل شيء عليم‪ ,‬هو ال ربكم أيها العادلون بال‬
‫ل شيء وهو بك ّ‬
‫يقول تعالى ذكره‪ :‬الذي خلق ك ّ‬
‫الجنـ شركاء‪ ,‬وآلهتكـم التـي ل تملك نفعا ول ضرّا ول تفعـل‬
‫ّ‬ ‫الَلهـة والوثان‪ ,‬والجاعلون له‬
‫ن شركاء ال‪,‬‬
‫ل هُ َو وهذا تكذ يب من ال جلّ ثناؤه للذ ين زعموا أن الج ّ‬
‫خيرا ول شرّا‪ .‬ل إله إ ّ‬
‫ل ش يء‪,‬‬
‫يقول جلّ ثناؤه ل هم‪ :‬أي ها الجاهلون إ نه ل ش يء له اللوه ية والعبادة إلّ الذي خلق ك ّ‬
‫وهو بكل شيء عليم‪ ,‬فإنه ل ينبغي أن تكون عبادتكم وعبادة جميع من في السموات والرض‬
‫إلّ له خال صة بغ ير شر يك تشركو نه في ها‪ ,‬فإ نه خالق كلّ ش يء وبارئه و صانعه‪ ,‬وح قّ على‬
‫ـ يقول‪ :‬فذلوا له بالطاعـة والعبادة والخدمـة‪,‬‬
‫ع ُبدُوه ُ‬
‫المصـنوع أن يفرد صـانعه بالعبادة‪ .‬فا ْ‬
‫ل شَيْءٍ َوكِيلٌ يقول‪ :‬وال على كلّ مـا خلق مـن شيـء رقيـب‬
‫واخضعوا له بذلك‪ .‬وَ ُهوَ على كُ ّ‬
‫وحفيظ يقوم بأرزاق جميعه وأقواته وسياسته وتدبيره وتصريفه بقدرته‪.‬‬
‫‪103‬‬ ‫الية ‪:‬‬
‫القول في تأويل قوله تعالى‪:‬‬
‫خبِيرُ }‬
‫{لّ ُت ْد ِركُهُ ال ْبصَارُ وَهُ َو ُي ْد ِركُ البْصَارَ وَ ُهوَ الّلطِيفُ ا ْل َ‬
‫اختلف أ هل التأو يل في تأو يل قوله‪ :‬ة ُتدْ ِركُ ُه البْ صَارُ وَ ُهوَ ُي ْدرِ كُ البْ صَارُ فقال بعض هم‪:‬‬
‫معناه‪ :‬ل تحيط به البصار وهو يحيط بها‪ .‬ذكر من قال ذلك‪.‬‬
‫‪10734‬ـ حدثني محمد بن سعد‪ ,‬قال‪ :‬ثني أبي‪ ,‬قال‪ :‬ثني عمي‪ ,‬قال‪ :‬ثني أبي‪ ,‬عن أبيه‪ ,‬عن‬
‫ابن عباس‪ ,‬قوله‪ :‬ل ُت ْد ِركُهُ ال ْبصَارُ وَهُ َو ُي ْدرِكُ ال ْبصَارَ يقول‪ :‬ل يحيط بصر أحد بالملك‪.‬‬
‫‪ 10735‬ـ حدثنا بشر‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا يزيد‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا سعيد‪ ,‬عن قتادة‪ ,‬قوله‪ :‬ل ُت ْد ِركُ ُه البْ صَارُ‬
‫وَ ُهوَ ُي ْد ِركُ ال ْبصَارَ وهو أعظم من أن تدركه البصار‪.‬‬
‫‪ 10736‬ـ حدث ني سعد بن ع بد ال بن ع بد الح كم‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا خالد بن ع بد الرح من‪ ,‬قال‪:‬‬
‫ضرَةٌ إلى َربّها ناظِرَ ٌة قال‪ :‬هم‬
‫حدثنا أبو عرفجة‪ ,‬عن عطية العوفي‪ ,‬في قوله‪ُ :‬وجُو هٌ َي ْو َمئِ ٍذ نا ِ‬
‫ينظرون إلى ال‪ ,‬ل تح يط أب صارهم به من عظم ته وب صرُه يح يط ب هم‪ ,‬فذلك قوله‪ :‬ل ُتدْركُ هُ‬
‫البْصَارُ‪ ...‬الَية‪.‬‬
‫ل آ َمنْتـُ»‬
‫َقـ قا َ‬
‫َهـ ال َغر ُ‬
‫واعتلّ قائلو هذه المقالة لقولهـم هذا بأن قالوا‪ :‬إن ال قال‪« :‬فَلَمّا أ ْدرَك ُ‬
‫شكـ أن الغرق غيـر موصـوف‬
‫قالوا‪ :‬فوصـف ال تعالى ذكره الغرق بأنـه أدرك فرعون‪ ,‬ول ّ‬
‫بأنـه رآه‪ ,‬ول هـو ممـا يجوز وصـفه بأنـه يرى شيئا‪ .‬قالوا‪ :‬فمعنـى قوله‪ :‬ل ُت ْد ِركُه ُـ البْصـَارُ‬
‫ل ثناؤه مخبرا عن قيل‬
‫بمعنى‪ :‬ل تراه بعيدا‪ ,‬لن الشيء قد يدرك الشيء ول يراه‪ ,‬كما قال ج ّ‬
‫ج ْمعَا نِ‬
‫أصحاب موسى صلى ال عليه وسلم حين قرب منهم أصحاب فرعون‪ :‬فََلمّا َترَاءَى ال َ‬
‫صحَابُ مُوسَى إنّا َل ُمدْ َركُون لن ال قد كان وعد نبيه موسى صلى ال عليه وسلم أنهم ل‬
‫قَالَ أ ْ‬
‫سرِ ِبعِبادِي فاضْرِ بْ َلهُ مْ طَرِيقا فِي ال َبحْ ِر َيبَ سا ل‬
‫نأ ْ‬
‫حيْ نا إلى مُو سَى أ ْ‬
‫يدركون لقوله‪ :‬ولَ َقدْ أ ْو َ‬
‫تَخا فُ َدرَكا وَل َتخْشَى‪ .‬قالوا‪ :‬فإن كان الش يء قد يرى الش يء ول يدر كه ويدر كه ول يراه‪,‬‬
‫فكان معلوما بذلك أن قوله‪ :‬ل ُت ْد ِركُ ُه البْ صَارُ من مع نى ل تراه الب صار بمعزل‪ ,‬وأن مع نى‬
‫ذلك‪ :‬ل تح يط به الب صار لن الحا طة به غ ير جائزة‪ .‬قالوا‪ :‬فالمؤمنون وأ هل الج نة يرون‬
‫ربهم بأبصارهم ول تدركه أبصارهم‪ ,‬بمعنى‪ :‬أنها ل تحيط به إذ كان غير جائز أن يوصف‬
‫ال بأن شيئا يح يط به‪ .‬قالوا‪ :‬ونظ ير جواز و صفه بأ نه يرى ول يدرك جواز و صفه بأ نه يُعلم‬
‫ن َبشَيْ ٍء مِ نْ عِ ْل ِم ِه إلّ ِبمَا شاءَ‪ .‬قالوا‪ :‬فنفى جلّ‬
‫ول يحاط به‪ ,‬وكما قال جلّ ثناؤه‪ :‬وَل ُيحِيطُو َ‬
‫ل ب ما شاء‪ .‬قالوا‪ :‬ومع نى العلم في هذا‬
‫ثناؤه عن خل قه أن يكونوا يحيطون بش يء من عل مه إ ّ‬
‫ل بما شاء نفي‬
‫الموضع‪ :‬المعلوم قالوا‪ :‬فلم يكن في نفيه عن خلقه أن يحيطوا بشيء من علمه إ ّ‬
‫عن أن يعلموه‪ .‬قالوا‪ :‬فإذا لم ي كن في ن في الحا طة بالش يء علما ن في للعلم به‪ ,‬كان كذلك لم‬
‫ي كن في ن في إدراك ال عن الب صر ن في رؤي ته له‪ .‬قالوا‪ :‬وك ما جاز أن يعلم الخلق أشياء ول‬
‫يحيطون ب ها علما‪ ,‬كذلك جائز أو يروا رب هم بأب صارهم ول يدركوه بأب صارهم‪ ,‬إذ كان مع نى‬
‫الرؤ ية غ ير مع نى الدراك‪ ,‬ومع نى الدراك غ ير مع نى الرؤ ية‪ ,‬وأن مع نى الدراك‪ :‬إن ما هو‬
‫الحاطة‪ ,‬كما قال ابن عباس في الخبر الذي ذكرناه قبل‪.‬‬
‫ـ البْصـَارُ ل تراه‬
‫قالوا‪ :‬فإن قال لنـا قائل‪ :‬ومـا أنكرتـم أن يكون معنـى قوله‪ :‬ل ُت ْد ِركُه ُ‬
‫الب صار؟ قل نا له‪ :‬أنكر نا ذلك‪ ,‬لن ال جلّ ثناؤه أ خبر في كتا به أن وجوها في القيا مة إل يه‬
‫ناظرة‪ ,‬وأن رسول ال صلى ال عليه وسلم أخبر أمته أنهم سيرون ربهم يوم القيامة كما ُيرَى‬
‫الق مر ليلة البدر وك ما ترون الش مس ل يس دون ها سحاب‪ .‬قالوا‪ :‬فإذ كان ال قد أ خبر في كتا به‬
‫بما أخبر وحققت أخبار رسول ال صلى ال عليه وسلم بما ذكرنا عنه من قيله صلى ال عليه‬
‫ظرَةٌ أنـه نظـر أبصـار العيون ل جلّ‬
‫ُوهـ يَ ْو َم ِئ ٍذ ناضِرَ ٌة إلى ربّهـا نا ِ‬
‫وسـلم أن تأويـل قوله‪ُ :‬وج ٌ‬
‫جلله‪ ,‬وكان كتاب ال يصـدّق بعضـه بعضا‪ ,‬وكان مـع ذلك غيـر جائز أن يكون أحـد هذيـن‬
‫الخبرين ناسخا للَخر‪ ,‬إذ كان غير جائز في الخبار لما قد بينا في كتابنا‪« :‬كتاب لطيف البيان‬
‫عن أ صول الحكام» وغيره عُلم أن مع نى قوله‪ :‬ل ُت ْد ِركُ هُ البْ صَارُ غ ير مع نى قوله‪ُ :‬وجُو هٌ‬
‫يَ ْو َم ِئ ٍذ ناضِرَ ٌة إلى َربّهـا ناظِرَ ٌة فإن أهـل الجنـة ينظرون بأبصـارهم يوم القيامـة إلى ال ول‬
‫يدركونـه بهـا‪ ,‬تصـديقا ل فـي كل الخـبرين وتسـليما لمـا جاء بـه تنزيله على مـا جاء بـه فـي‬
‫السورتين‪.‬‬
‫وقال آخرون‪ :‬معنى ذلك‪ :‬ل تراه البصار وهو يرى البصار‪ .‬ذكر من قال ذلك‪.‬‬
‫‪10737‬ـ حدثنا محمد بن الحسين‪ ,‬حدثنا أحمد بن المفضل‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا أسباط‪ ,‬عن السديّ‪ :‬ل‬
‫ُتدْ ِركُ ُه البْصَارُ ل يراه شيء‪ ,‬وهو يرى الخلئق‪.‬‬
‫‪10738‬ـ حدثنا هناد‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا وكيع‪ ,‬عن إسماعيل بن أبي خالد‪ ,‬عن عامر‪ ,‬عن مسروق‪,‬‬
‫عن عائشة‪ ,‬قالت‪ :‬من حدّثك أن رسول ال صلى ال عليه وسلم رأى ربه فقد كذب ل ُتدْ ِركُ هُ‬
‫شرٍ أ نْ ُيكَّلمَ هُ الّل ُه إلّ َوحْيا أ ْو مِ نْ َورَاءِ حِجا بٍ ولكن‬
‫البْ صَارُ وَهُ َو ُي ْدرِ كُ البْ صَارَ وَما كا نَ ِل َب َ‬
‫قد رأى جبريل في صورته مرّتين‪.‬‬
‫‪ 10739‬ـ حدث نا ا بن وك يع‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا أ بي‪ ,‬عن إ سماعيل بن أ بي خالد‪ ,‬عن عا مر‪ ,‬عن‬
‫مسروق‪ ,‬قال‪ :‬قلت لعائشة‪ :‬يا أ مّ المؤمنين‪ :‬هل رأى محمد ربه؟ فقالت‪ :‬سبحان ال‪ ,‬لقد ق فّ‬
‫خبِيرُ ‪.‬‬
‫شعري مما قلت ثم قرأت‪ :‬ل ُت ْد ِركُهُ ال ْبصَارُ وَهُ َو ُي ْدرِكُ ال ْبصَارَ وَ ُهوَ الّلطِيفُ ال َ‬
‫حدثنا ابن وكيع‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا عبد العلى وابن علية‪ ,‬عن داود‪ ,‬عن الشعبي‪ ,‬عن مسروق‪,‬‬
‫عن عائشة بنحوه‪.‬‬
‫‪10740‬ـ حدثنا ابن حميد‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا جرير‪ ,‬عن مغيرة‪ ,‬عن الشعبيّ‪ ,‬قال‪ :‬قالت عائشة‪ :‬من‬
‫ِكـ‬
‫ُهـ البْصـَارُ وَ ُه َو ُيدْر ُ‬
‫قال‪ :‬إن أحدا رأى ربـه فقـد أعظـم الفريـة على ال‪ ,‬قال ال‪ :‬ل ُتدْ ِرك ُ‬
‫البْصَارَ‪.‬‬
‫فقال قائلو هذه المقالة‪ :‬مع نى الدراك في هذا المو ضع‪ :‬الرؤ ية‪ ,‬وأنكروا أن يكون ال يُرى‬
‫ضرَ ٌة إلى ربّهـا ناظِرَ ٌة بمعنـى‬
‫ـ َي ْو َم ِئذٍ نا ِ‬
‫بالبصـار فـي الدنيـا والَخرة‪ .‬وتأوّلوا قوله‪ُ :‬وجُوه ٌ‬
‫انتظارها رحمة ال وثوابه‪.‬‬
‫وتأوّل بعضهم في الخبار التي رُوِيت عن رسول ال صلى ال عليه وسلم بتصحيح القول‬
‫برؤية أهل الجنة ربهم يوم القيامة تأويلت‪ .‬وأنكر بعضهم مجيئها‪ ,‬ودافعوا أن يكون ذلك من‬
‫قول رسول ال صلى ال عل يه وسلم‪ ,‬وردوا القول فيه إلى عقولهم‪ ,‬فزعموا أن عقولهم ُتحِيل‬
‫جواز الرؤيـة على ال عزّ وجلّ بالبصـار وأتوا فـي ذلك بضروب مـن التمويهات‪ ,‬وأكثروا‬
‫ل ما زعموا أن هم علموا به صحة قول هم ذلك‬
‫القول ف يه من ج هة ال ستخراجات‪ .‬وكان من أج ّ‬
‫من الدل يل أن هم لم يجدوا أب صارهم ترى شيئا إلّ ما باين ها دون ما ل صقها‪ ,‬فإن ها ل ترى ما‬
‫لصقها‪ .‬قالوا‪ :‬فما كان للبصار مباينا مما عاين ته‪ ,‬فإن بي نه وبينها فضاء وفر جة‪ .‬قالوا‪ :‬فإن‬
‫ص اليوم‪ ,‬فقد وجب أن يكون‬
‫كا نت البصار ترى ربها يوم القيامة على ن حو ما تُرَى الشحا ُ‬
‫الصانع محدودا‪ .‬قالوا‪ :‬ومن وصفه بذلك‪ ,‬فقد وصفه بصفات الجسام التي يجوز عليها الزيادة‬
‫والنقصـان‪ .‬قالوا‪ :‬وأخرى‪ ,‬أن مـن شأن البصـار أن تدرك اللوان كمـا مـن شأن السـماع أن‬
‫تدرك ال صوات‪ ,‬ومن شأن المتنشم أن يدرك العراف‪ .‬قالوا‪ :‬ف من الو جه الذي فسد أن يكون‬
‫جائزا أن يق ضى للسـمع بغيـر إدراك ال صوات وللمتن سم إلّ بإدراك العراف‪ ,‬فسـد أن يكون‬
‫ل بإدراك اللوان‪ .‬قالوا‪ :‬ول ما كان غ ير جائز أن يكون ال تعالى ذكره‬
‫جائزا القضاء للب صر إ ّ‬
‫موصوفا بأنه ذو لون‪ ,‬صحّ أنه غير جائز أن يكون موصوفا بأنه مرئيّ‪.‬‬
‫وقال آخرون‪ :‬معنى ذلك‪ :‬ل تدركه أبصار الخلئق في الدنيا‪ ,‬وأما في الَخرة فإنها تدركه‪.‬‬
‫وقال أهل هذه المقالة‪ :‬الدراك في هذا الموضع‪ :‬الرؤية‪.‬‬
‫واعتلّ أ هل هذه المقالة لقول هم هذا بأن قالوا‪ :‬الدراك وإن كان قد يكون في ب عض الحوال‬
‫بغير معنى الرؤية‪ ,‬فإن الرؤية من أحد معانيه وذلك أنه غير جائز أن يلحق بصره شيئا فيراه‬
‫و هو ل ما أب صره وعاي نه غ ير مُدرِك وإن لم ي حط بأجزائه كل ها رؤ ية‪ .‬قالوا‪ :‬فرؤ ية ما عاي نه‬
‫الرائي إدراك له دون ما لم يره‪ .‬قالوا‪ :‬و قد أ خبر ال أن وجوها يوم القيا مة إل يه ناظرة‪ ,‬قالوا‪:‬‬
‫فمحال أن تكون إل يه ناظرة و هي له غ ير مدر كة رؤيةً‪ .‬قالوا‪ :‬وإذا كان ذلك كذلك وكان غ ير‬
‫جائز أن يكون في أخبار ال تضادّ وتعارض‪ ,‬و جب و صحّ أن قوله‪ :‬ل ُت ْد ِركُ هُ البْ صَارُ على‬
‫الخ صوص ل على العموم‪ ,‬وأن معناه‪ :‬ل تدر كه الب صار في الدن يا و هو يدرك الب صار في‬
‫ُوهـ يَ ْو َم ِئذٍ ناضِرَ ٌة إلى َربّهـا‬
‫الدنيـا والَخرة‪ ,‬إذ كان ال قـد اسـتثنى مـا اسـتثنى منـه بقوله‪ُ :‬وج ٌ‬
‫ظرَةٌ‪.‬‬
‫نا ِ‬
‫ل أنه جائز أن يكون معنى الَية‪:‬‬
‫وقال آخرون من أهل هذه المقالة‪ :‬الَية على الخصوص‪ ,‬إ ّ‬
‫ل تدركـه أبصـار الظالميـن فـي الدنيـا والَخرة‪ ,‬وتدركـه أبصـار المؤمنيـن وأولياء ال‪ .‬قالوا‪:‬‬
‫وجائز أن يكون معناها‪ :‬ل تدركه البصار بالنهاية والحاطة وأما بالرؤية فبلى‪ .‬قالوا‪ :‬وجائز‬
‫أن يكون معناها‪ :‬ل تدركه البصار في الدنيا وتدركه في الَخرة‪ ,‬وجائز أن يكون معناها‪ :‬ل‬
‫تدركه أبصار من يراه بالمعنى الذي يدرك به القديم أبصار خلقه‪ ,‬فيكون الذي نفى عن خلقه‬
‫من إدراك أبصارهم إياه‪ ,‬هو الذي أثبته لنفسه‪ ,‬إذ كانت أبصارهم ضعيفة ل تنفذ إلّ فيما قوّاها‬
‫جلّ ثناؤه على النفوذ فيه‪ ,‬وكانت كلها متجلية لبصره ل يخفى عليه منها شيء‪ .‬قالوا‪ :‬ول شكّ‬
‫في خصوص قوله‪ :‬ل ُت ْدرِكُ ُه البْ صَارُ وأن أولياء ال سيرونه يوم القيامة بأبصارهم‪ ,‬غير أنّا‬
‫ل ندري أ يّ معا ني الخ صوص الرب عة أر يد بالَ ية‪ .‬واعتلوا بت صحيح القول بأن ال يرى في‬
‫الَخرة بنحو عِلَل الذين ذكرنا قبل‪.‬‬
‫وقال آخرون‪ :‬الَية على العموم‪ ,‬ولن يدرك ال بصر أحد في الدنيا والَخرة ولكن ال يحدث‬
‫لوليائه يوم القيامة حاسة سادسة سوى حواسهم الخمس فيرونه بها‪.‬‬
‫واعتلوا لقولهم هذا‪ ,‬بأن ال تعالى ذكره نفى عن البصار أن تدركه من غير أن يدل فيها أو‬
‫بآيـة غيرهـا على خصـوصها‪ .‬قالوا‪ :‬وكذلك أخـبر فـي آيـة أخرى أن وجوها إليـه يوم القيامـة‬
‫ناظرة‪ .‬قالوا‪ :‬قأخبار ال ل تتبا ين ول تتعارض‪ ,‬وكل ال خبرين صحيح معناه على ما جاء به‬
‫التنزيل‪.‬‬
‫واعتلوا أيضا من جهة العقل بأن قالوا‪ :‬إن كان جائزا أن نراه في الَخرة بأبصارنا هذه وإن‬
‫ل حا سة خُل قت لدراك مع نى من‬
‫ز يد في قوا ها و جب أن نراه في الدن يا وإن ضع فت‪ ,‬لن ك ّ‬
‫المعا ني ف هي وإن ضع فت كل الض عف ف قد تدرك مع ضعف ها ما خل قت لدرا كه وإن ض عف‬
‫إدراك ها إياه ما لم تعدم‪ .‬قالوا‪ :‬فلو كان في الب صر أن يدرك صانعه في حال من الحوال أو‬
‫وقت من الوقات ويراه‪ ,‬وجب أن يكون يدركه في الدنيا ويراه فيها وإن ضعف إدراكه إياه‪.‬‬
‫قالوا‪ :‬فل ما كان ذلك غ ير موجود من أب صارنا في الدن يا‪ ,‬كان غ ير جائز أن تكون في الَخرة‬
‫ل ما كان من شأنها إدراكه في الدنيا‪ .‬قالوا‪ :‬فلما كان ذلك‬
‫إلّ بهيئتها في الدنيا أنها ل تدرك إ ّ‬
‫كذلك‪ ,‬وكان ال تعالى ذكره قـد أخـبر أن وجوها فـي الَخرة تراه‪ ,‬علم أنهـا تراه بغيـر حاسـة‬
‫البصر‪ ,‬إذ كان غير جائز أن يكون خبره إلّ حقّا‪.‬‬
‫وال صواب من القول في ذلك عند نا ما تظاهرت به الخبار عن ر سول ال صلى ال عل يه‬
‫شمْ سَ‬
‫ن ال ّ‬
‫ستَرَ ْونَ َر ّبكُ مْ يَوْ مَ القِيامَةِ كمَا َترَ ْو نَ ال َق َمرَ َليَْلةَ ال َب ْدرِ‪ ,‬وكمَا َترَوْ َ‬
‫وسلم أنه قال‪« :‬إ ّنكُ مْ َ‬
‫حجُوبُونَ كما قال جلّ ثناؤه‪ :‬كَلّ‬
‫عنْهُ يَ ْو َم ِئذٍ َم ْ‬
‫ن َيرَ ْونَهُ‪ ,‬والكا ِفرُونَ َ‬
‫سحَابٌ» فالمُ ْؤ ِمنُو َ‬
‫س دُونَها َ‬
‫َليْ َ‬
‫حجُوبُو نَ‪ .‬فأما ما اعتلّ به منكرو رؤية ال يوم القيامة بالبصار‪ ,‬لما‬
‫ن َربّه مْ يَ ْو َم ِئذٍ َل َم ْ‬
‫إ ّنهُ مْ عَ ْ‬
‫كا نت ل ترى إلّ ما باين ها‪ ,‬وكان بين ها وبي نه فضاء وفر جة‪ ,‬وكان ذلك عند هم غ ير جائز أن‬
‫تكون رؤيـة ال بالبصـار كذلك لن فـي ذلك إثبات حدّ له ونهايـة‪ ,‬فبطـل عندهـم لذلك جواز‬
‫ل مما سّا ل كم أو‬
‫الرؤ ية عل يه‪ ,‬وأ نه يقال ل هم‪ :‬هل علم تم مو صوفا بالتدب ير سوى صانعكم إ ّ‬
‫مباينا؟ فإن زعموا أنهـم يعلمون ذلك كلفوا تـبيينه‪ ,‬ول سـبيل إلى ذلك‪ .‬وإن قالوا‪ :‬ل نعلم ذلك‪,‬‬
‫قيل لهم‪ :‬أو ليس قد علمتموه ل مماسّا لكم ول مباينا‪ ,‬وهو موصوف بالتدبير والفعل‪ ,‬ولم يجب‬
‫ل مماسـّا لكـم أو مباينا أن يكون‬
‫عندكـم إذ كنتـم لم تعلموا موصـوفا بالتدبيـر والفعـل غيره إ ّ‬
‫م ستحيلً العلم به و هو مو صوف بالتدب ير والف عل‪ ,‬ل مما سّ ول مبا ين؟ فإن قالوا‪ :‬ذلك كذلك‪,‬‬
‫قيل لهم‪ :‬فما تنكرون أن تكون البصار كذلك ل ترى إلّ ما باينها‪ ,‬وكانت بينه وبينها فرجة قد‬
‫تراه وهـو غيـر مبايـن لهـا‪ ,‬ول فرجـة بينهـا وبينـه ول فضاء‪ ,‬كمـا ل تعلم القلوب موصـوفا‬
‫ل مما سّا لها أو مباينا وقد علمته عندكم ل كذلك؟ هل بينكم وبين من أنكر أن يكون‬
‫بالتدبير إ ّ‬
‫مو صوفا بالتدب ير والف عل معلوما ل مما سّا للعالم به أو مباينا وأجاز أن يكون مو صوفا برؤ ية‬
‫البصار ل مماسّا لها ول مباينا فرق؟ ثم يُسألون الفرق بين ذلك‪ ,‬فلن يقولوا في شيء من ذلك‬
‫ل ألزموا في الَ خر مثله‪ .‬وكذلك ي سألون في ما اعتلوا به في ذلك‪ ,‬إن من شأن الب صار‬
‫قولً إ ّ‬
‫إدراك اللوان‪ ,‬ك ما أن من شأن السماع إدراك ال صوات‪ ,‬و من شأن المتن سم درك العراف‪,‬‬
‫ف من الو جه الذي ف سد أن يقت ضى ال سمع لغ ير درك ال صوات ف سد أن تقت ضى الب صار لغ ير‬
‫ل ذا‬
‫درك اللوان‪ .‬فيقال ل هم‪ :‬أل ستم لم تعلموا في ما شاهد تم وعاين تم مو صوفا بالتدب ير والف عل إ ّ‬
‫لون‪ ,‬و قد علمتموه مو صوفا بالتدب ير ل ذا لون؟ فإن قالوا ن عم‪ ,‬ل يجدوا من القرار بذلك بدّا‬
‫إلّ أن يكذبوا‪ ,‬فيزعموا أن هم قد رأوا وعاينوا مو صوفا بالتدب ير والف عل غ ير ذي لون‪ ,‬فيكلفوا‬
‫بيان ذلك‪ ,‬ول سـبيل إليـه‪ ,‬فيقال لهـم‪ :‬فإذ كان ذلك كذلك فمـا أنكرتـم أن تكون البصـار فيمـا‬
‫شاهدتم وعاينتم لم تجدوها تدرك إلّ اللوان‪ ,‬كما لم تجدوا أنفسكم تعلم موصوفا بالتدبير إلّ ذا‬
‫لون و قد وجدتمو ها علم ته مو صوفا بالتدب ير غ ير ذي لون؟ ثم ي سألون الفرق ب ين ذلك‪ ,‬فلن‬
‫يقولوا في أحدهما شيئا إلّ ألزموا في الَخر مثله‪ .‬ولهل هذه المقالة مسائل فيها تلبيس كرهنا‬
‫ذكر ها وإطالة الكتاب ب ها وبالجواب عن ها‪ ,‬إذ لم ي كن ق صدنا في كتاب نا هذا ق صد الك شف عن‬
‫تمويهات هم‪ ,‬بل ق صدنا ف يه البيان عن تأو يل آي الفرقان‪ .‬ولك نا ذكر نا القدر الذي ذكر نا‪ ,‬ليعلم‬
‫الناظر في كتابنا هذا أنهم ل يرجعون من قولهم إلّ إلى ما لبّس عليهم الشيطان مما يسهل على‬
‫أهل الحقّ البيان عن فساده‪ ,‬وأنهم ل يرجعون في قولهم إلى آية من التنزيل محكمة ول رواية‬
‫عن ر سول ال صلى ال عل يه و سلم صحيحة ول سقيمة‪ ,‬ف هم في الظلمات يخبطون‪ ,‬و في‬
‫العمياء يتردّدون‪ ,‬نعوذ بال من الحيرة والضللة‬
‫خبِيرُ فإ نه يقول‪ :‬وال تعالى ذكره المي سر له من إدراك الب صار‪,‬‬
‫وأ ما قوله‪ :‬وَ ُهوَ الّلطِي فُ ال َ‬
‫والمتأتي له من الحاطة بها رؤية ما يعسر على البصار من إدراكها إياه وإحاطتها به ويتعذّر‬
‫خبِيرُ يقول‪ :‬العليم بخلقه وأبصارهم والسبب الذي له تعذّر عليها إدراكه فلطف بقدرته‪,‬‬
‫عليها‪ .‬ال َ‬
‫فه يأ أب صار خل قه هيئة ل تدر كه‪ ,‬و خبر بعل مه ك يف تدبير ها وشئون ها و ما هو أ صلح بخل قه‪.‬‬
‫كالذي‪:‬‬
‫‪ 10741‬ـ حدثنا هناد‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا وكيع‪ ,‬وحدثنا ابن وكيع‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا أبي‪ ,‬عن أبي جعفر‬
‫خبِيرُ قال‪ :‬اللطيـف‬
‫ِيفـ ال َ‬
‫الرازي‪ ,‬عـن الربيـع بـن أنـس‪ ,‬عـن أبـي العاليـة‪ ,‬فـي قوله‪ :‬الّلط ُ‬
‫باستخراجها‪ ,‬الخبير بمكانها‪.‬‬

‫‪104‬‬ ‫الية ‪:‬‬


‫القول في تأويل قوله تعالى‪:‬‬
‫ع ِميَ َفعََل ْيهَا َومَآ َأ َناْ عََل ْي ُكمْ ِبحَفِيظٍ }‬
‫صرَ فَِلنَ ْفسِهِ َومَنْ َ‬
‫{ َقدْ جَآ َء ُكمْ بَصَآ ِئرُ مِن ّربّ ُكمْ َفمَنْ َأ ْب َ‬
‫ل ثناؤه نبيه محمدا صلى ال عل يه و سلم أن يقول لهؤلء الذ ين نبه هم‬
‫وهذا أ مر من ال ج ّ‬
‫خبِيرُ على حججه‬
‫ن الّل َه فالِقُ الحَ بّ والّنوَى‪ ...‬إلى قوله‪ :‬وَهُ َو الّلطِي فُ ال َ‬
‫هذه الَيات من قوله‪ :‬إ ّ‬
‫علي هم‪ ,‬وعلى تبيين خل قه مع هم‪ ,‬العادل ين به الوثان والنداد‪ ,‬والمكذّب ين بال ور سوله مح مد‬
‫صلى ال عليه وسلم وما جاءهم من عند ال‪ .‬قل لهم يا محمد‪ :‬قد جاءكم أيها العادلون بال‬
‫والمكذّبون رسوله بَصَا ِئرُ مِنْ َر ّبكُمْ أي ما تبصرون به الهدى من الضلل واليمان من الكفر‪.‬‬
‫وهي جمع بصيرة‪ ,‬ومنه قول الشاعر‪:‬‬
‫ع َتدٌ وَأَي‬
‫حمَلُوا َبصَائِرَ ُهمْ على أكْتا ِف ِهمْو َبصِي َرتِي َيعْدُو بِها َ‬
‫َ‬
‫يعني بالبصيرة‪ :‬الحجة البينة الظاهرة‪ .‬كما‪:‬‬
‫‪ 10742‬ـ حدث ني يو نس‪ ,‬قال‪ :‬أخبر نا ا بن و هب‪ ,‬قال‪ :‬قال ا بن ز يد‪ ,‬في قوله‪َ :‬قدْ جا َءكُ مْ‬
‫ن رَبكُ مْ قال‪ :‬الب صائر‪ :‬الهدى ب صائر في قلوب هم لدين هم‪ ,‬ولي ست بب صائر الرءوس‪.‬‬
‫بَ صَائرُ ِم ْ‬
‫صدُورِ قال‪ :‬إن ما ال ّديّ نُ ب صره‬
‫ب ال تي فِي ال ّ‬
‫وقرأ‪ :‬فإنّ ها ل َتعْمَى البْ صَارُ وََل ِك نْ َتعْمَى القُلُو ُ‬
‫وسمعه في هذا القلب‪.‬‬
‫‪ 10743‬ـ حدث نا ب شر بن معاذ‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا يز يد‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا سعيد‪ ,‬عن قتادة‪ :‬قَدْ جا َءكُ مْ‬
‫ن َربّ ُكمْ أي بينة‪.‬‬
‫َبصَا ِئرُ مِ ْ‬
‫صرَ فَلِنَفْ سِهِ يقول‪ :‬فمن تبين حجج ال وعرفها وأقرّ بها وآمن بما دلته عليه‬
‫ن أبْ َ‬
‫وقوله‪َ :‬فمَ ْ‬
‫من توحيد ال وتصديق رسوله وما جاء به‪ ,‬فإنما أصاب ح ظّ نفسه ولنفسه عمل‪ ,‬وإياها بغى‬
‫عمِ يَ َفعََليْها يقول‪ :‬ومن لم يستدلّ بها ولم يصدّق بما دلته عليه من اليمان بال‬
‫الخير‪َ .‬ومَ نْ َ‬
‫ورسوله وتنزيله‪ ,‬ولكنه عمي عن دللتها التي تدلّ عليها‪ ,‬يقول‪ :‬فنفسَه ضرّ وإليها أساء ل إلى‬
‫غيرها‪.‬‬
‫وأما قوله‪ :‬وَما أنا عََل ْيكُمْ ِبحَفِيظٍ يقول‪ :‬وما أنا عليكم برقيب أحصي عليكم أعمالكم وأفعالكم‪,‬‬
‫وإنما أنا رسول أبلغكم ما أُرسلت به إليكم‪ ,‬وال الحفيظ عليكم الذي ل يخفى عليه شيء من‬
‫أعمالكم‪.‬‬

‫‪105‬‬ ‫الية ‪:‬‬


‫القول في تأويل قوله تعالى‪:‬‬
‫ليَاتِ وَِليَقُولُو ْا َدرَسْتَ وَِل ُن َب ّينَهُ ِلقَ ْومٍ َيعَْلمُونَ }‪.‬‬
‫صرّفُ ا َ‬
‫{ َو َكذَِلكَ ُن َ‬
‫يقول تعالى ذكره‪ :‬كمـا صـرّفت لكـم أيهـا الناس الَيات والحجـج فـي هذه السـورة وبينتهـا‪,‬‬
‫فعرّفتكمو ها في توحيدي وت صديق ر سولي وكتا بي وو صيتكم علي ها‪ ,‬فكذلك أب ين ل كم آيا تي‬
‫وحججي في كلّ ما جهلتموه فلم تعرفوه من أمري ونهيي‪ .‬كما‪:‬‬
‫‪ 10744‬ـ حدثني مح مد بن الح سين‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا أح مد بن المفضل‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا أ سباط‪ ,‬عن‬
‫ت لهؤلء العادل ين برب هم‪ ,‬ك ما صرّفتها في هذه ال سورة‪ ,‬ولئل‬
‫صرّفُ الَيا ِ‬
‫ال سديّ‪ :‬و َكذَلِ كَ نُ َ‬
‫يقول‪ :‬درست‪.‬‬
‫واختلفت القرّاء في قراءة ذلك‪ ,‬فقرأته عامة قرّاء أهل المدينة والكوفة‪ :‬وَِليَقُولُوا َدرَسْتَ يعني‬
‫قرأت أنت يا محمد بغير ألف‪ .‬وقرأ ذلك جماعة من المتقدّمين منهم ابن عباس على اختلف‬
‫عنه فيه‪ ,‬وغيره وجماعة من التابعين‪ ,‬وهو قراءة بعض قرّاء أهل البصرة‪«:‬وَِليَقُولُوا دَارَسْتَ»‬
‫بألف‪ ,‬بمعنـى‪ :‬قارأت وتعلمتَـ مـن أهـل الكتاب‪ .‬و ُروِى عـن قتادة أنـه كان يقرؤه‪ُ « :‬درِسَـتْ»‬
‫بمعنى‪ :‬قرئت وتليت‪ .‬وعن الحسن أنه كان يقرؤه‪َ « :‬د َرسَتْ» بمعنى‪ :‬انمحت‪.‬‬
‫َسـتَ بتأويـل‪ :‬قرأت‬
‫وأولى القراءات فـي ذلك عندي بالصـواب قراءة مـن قرأه‪ :‬وَِليَقُولُوا َدر ْ‬
‫وتعلمت لن المشركين كذلك كانوا يقولون للنبيّ صلى ال عليه وسلم وقد أخبر ال عن قيلهم‬
‫جمِ يّ وَ َهذَا لِسانٌ‬
‫عَ‬‫ن اّلذِي يُ ْلحِدو نَ إَليْ هِ أ ْ‬
‫شرٌ لِسا ُ‬
‫ذلك بقوله‪ :‬وََل َقدْ َنعْلَ مُ أ ّنهُ مْ يَقُولُو نَ إ ّنمَا ُيعَّلمُ ُه َب َ‬
‫ع َربِ يّ ُمبِي نٌ فهذا خبر من ال ينبىء عنهم أنهم كانوا يقولون‪ :‬إنما يتعلم محمد ما يأتيكم به من‬
‫َ‬
‫غيره‪ .‬فإذ كان ذلك كذلك‪ ,‬فقراءة‪ :‬وَِليَقُولُوا دَرَ سْتَ يا مح مد‪ ,‬بمع نى‪ :‬تعل مت من أ هل الكتاب‪,‬‬
‫أشبـه بالحقّـ وأولى بالصـواب مـن قراءة مـن قرأه‪« :‬دَارَس ْـتَ» بمعنـى‪ :‬قارأتهـم وخاصـمتهم‪,‬‬
‫وغير ذلك من القراءات‪.‬‬
‫اختلف أهل التأويل في تأويل ذلك على قدر اختلف القراءة في قراءته‪.‬‬
‫ذكر من قرأ ذلك وَِليَقُولُوا َد َرسْتَ من المتقدمين‪ ,‬وتأويله بمعنى‪ :‬تعلمت وقرأت‪.‬‬
‫‪ 10745‬ـ حدث ني المث نى‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا ع بد ال بن صالح‪ ,‬قال‪ :‬ث ني معاو ية بن صالح‪ ,‬قال‪:‬‬
‫حدث نا علي بن أ بي طل حة‪ ,‬عن ا بن عباس‪ :‬وَِليَقُولُوا َدرَ سْتَ قالوا‪ :‬قرأت وتعل مت تقول ذلك‬
‫قريش‪.‬‬
‫‪ 10746‬ـ حدثنا ابن وكيع‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا عبيد ال‪ ,‬عن إسرائيل‪ ,‬عن أبي يحيى‪ ,‬عن مجاهد‪:‬‬
‫ت قال‪ :‬قرأت وتعلمت‪.‬‬
‫وَِليَقُولُوا َدرَسْ َ‬
‫حدثنا هناد‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا وكيع‪ ,‬وحدثنا ابن وكيع‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا أبي‪ ,‬عن إسرائيل وافقه‪ ,‬عن‬
‫ت قال‪ :‬قرأت وتعلمت‪.‬‬
‫أبي إسحاق عن التيمي‪ ,‬عن ابن عباس‪ :‬وَِليَقُولُوا َدرَسْ َ‬
‫‪ 10747‬ـ حدث نا مح مد بن الح سين‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا أح مد بن المف ضل‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا أ سباط‪ ,‬عن‬
‫السديّ‪ :‬وَِليَقُولُوا َدرَسْتَ يقول‪ :‬قرأت الكتب‪.‬‬
‫‪ 10748‬ـ حُدثت عن الحسين بن الفرج‪ ,‬قال‪ :‬سمعت أبا معاد يقول‪ :‬ثنى عبيد بن سليمان‪,‬‬
‫قال‪ :‬سمعت الضحاك يقول في قوله‪َ :‬د َرسْتَ يقول‪ :‬تعلمت وقرأت‪.‬‬
‫حدثنا أبو كريب‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا بن عطية‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا إسرائيل‪ ,‬عن أبي إسحاق‪ ,‬عن التيمي‪,‬‬
‫قال‪ :‬قلت لبن عباس‪ :‬أرأيت قوله‪ :‬دَ َرسْتَ؟ قال‪ :‬قرأت وتعلمت‪.‬‬
‫حدث نا ا بن حم يد‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا حكام‪ ,‬عن عنب سة‪ ,‬عن أ بي إ سحاق‪ ,‬عن التي مي‪ ,‬عن ا بن‬
‫عباس‪ ,‬مثله‪.‬‬
‫ذكر من قال ذلك دَا َرسْتَ وتأوّله بمعنى‪ :‬جادلت من المتقدمين‪.‬‬
‫‪ 10749‬ـ حدثنا عمران بن موسى‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا عبد الوارث‪ ,‬عن حميد‪ ,‬عن مجاهد‪ ,‬عن ابن‬
‫عباس‪« :‬دا َرسْتَ» يقول‪ :‬قارأت‪.‬‬
‫حدثني يعقوب‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا ابن علية‪ ,‬عن أيوب‪ ,‬عن سعيد بن جبير‪ ,‬عن ابن عباس‪ ,‬أنه‬
‫كان يقرؤها‪« :‬وَِليَقُولُوا دَارَسْتَ» أحسبه قال‪ :‬قارأت أهل الكتاب‪.‬‬
‫حدثني محمد بن بشار‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا عبد الرحمن‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا سفيان‪ ,‬عن أبي إسحاق‪ ,‬عن‬
‫التميمي‪ ,‬عن ابن عباس‪« :‬وَِليَقُولُوا دَا َرسْتَ» قال‪ :‬قارأت وتعلمت‪.‬‬
‫حدث نا مح مد بن المث نى‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا أ بو داود‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا شع بة‪ ,‬عن أ بي إ سحاق‪ ,‬قال‪:‬‬
‫سمعت التميمي يقول‪ :‬سألت ابن عباس عن قوله‪« :‬وَِليَقُولُوا دَا َرسْتَ» قال‪ :‬قارأت وتعلمت‪.‬‬
‫حدثنا ابن وكيع‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا ابن علية‪ ,‬عن أبي المعلى‪ ,‬عن سعيد بن جبير‪ ,‬قال‪ :‬كان ابن‬
‫عباس يقرؤها‪« :‬دَا َرسْتَ»‪.‬‬
‫حدث نا المث نى‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا آدم الع سقلني‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا شع بة‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا أ بو المعلى‪ ,‬قال‪:‬‬
‫سمعت سعيد بن جبير يقول‪ :‬كان ا بن عباس يقرأ‪« :‬دَارَ سْتَ» باللف‪ ,‬بجزم ال سين ون صب‬
‫التاء‪.‬‬
‫حدثنا الحسين بن يحيى‪ ,‬قال‪ :‬أخبرنا عبد الرزاق‪ ,‬قال‪ :‬أخبرنا ابن عيينة‪ ,‬عن عمرو بن‬
‫دينار قال‪ :‬أخـبرني عمرو بـن كيسـان‪ ,‬أن ابـن عباس كان يقرأ‪« :‬دَارَس ْـتَ» تلوت‪ ,‬خاصـمت‪,‬‬
‫جادلت‪.‬‬
‫حدثنا أبو كريب وابن وكيع‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا سفيان بن عيينة‪ ,‬عن عمرو بن دينار‪ ,‬عن عمرو‬
‫بن كيسان‪ ,‬قال ابن عباس في‪« :‬دَا َرسْتَ» قال‪ :‬تلوت‪ ,‬خاصمت‪ ,‬جادلت‪.‬‬
‫‪ 10750‬ـ حدثنا ابن بشار‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا محمد بن جعفر‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا شعبة‪ ,‬عن أبي بشر‪ ,‬عن‬
‫سعيد بن جبير في هذه الَية‪« :‬وَِليَقُولُوا دَا َرسْتَ» قال‪ :‬قارأت‪.‬‬
‫حدثني المثنى‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا آدم‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا شعبة‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا أبو بشر‪ ,‬عن سعيد بن جبير‪,‬‬
‫أنه قرأ‪« :‬دَارَسْتَ» باللف أيضا منتصبة التاء‪ ,‬وقال‪ :‬قارأت‪.‬‬
‫حدث ني المث نى‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا الحجاج‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا أ بو عوا نة‪ ,‬عن أ بي ب شر‪ ,‬عن سعيد بن‬
‫جبير أنه قرأ‪« :‬دَا َرسْتَ» أي ناسخت‪.‬‬
‫حدثني محمد بن عمرو‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا أبو عاصم‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا عيسى‪ ,‬عن ابن أبي نجيح‪ ,‬عن‬
‫مجاهد‪ ,‬في قول ال‪« :‬دَارَسْتَ» قال‪ :‬فاقهت‪ :‬قرأت على يهود وقرءوا عليك‪.‬‬
‫حدث ني المث نى‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا أ بو حذي فة‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا ش بل‪ ,‬عن ا بن أ بي نج يح‪ ,‬عن مجا هد‪:‬‬
‫«وَِليَقُولُوا دَا َرسْتَ» قال‪ :‬قارأت‪ ,‬قرأت على يهود وقرءوا عليك‪.‬‬
‫حدث ني المث نى‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا عمرو بن عون‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا هش يم‪ ,‬عن جو يبر‪ ,‬عن الضحاك‪,‬‬
‫في قوله‪« :‬دَا َرسْتَ» يعني‪ :‬أهل الكتاب‪.‬‬
‫حدثنا ابن وكيع‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا ابن عيينة‪ ,‬عن ابن أبي نجيح‪ ,‬عن مجاهد‪« :‬دَارَ سْتَ» قال‪:‬‬
‫قرأت على يهود‪ ,‬وقرءوا عليك‪.‬‬
‫حدث ني مح مد بن سعد‪ ,‬قال‪ :‬ث ني أ بي‪ ,‬قال‪ :‬ث ني ع مي‪ ,‬قال‪ :‬ث ني أ بي‪ ,‬عن أب يه‪ ,‬عن ا بن‬
‫عباس‪ ,‬في قوله‪ :‬وَِليَقُولُوا دَارَسْتَ قال‪ :‬قالوا دارست أهل الكتاب‪ ,‬وقرأت الكتب وتعلمتها‪.‬‬
‫ذكر من قرأ ذلك « ُد ِرسَتْ» بمعنى‪ :‬نبئت وقرئت‪ ,‬على وجه ما لم يسمّ فاعله‪:‬‬
‫‪ 10751‬ـ حدث نا عمران بن مو سى القزّاز‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا ع بد الوارث بن سعيد‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا‬
‫ـتَ» أي قرئت‬
‫َياتـ وَِليَقُولُوا ُدرِس ْ‬
‫ُصـرّفُ ال ِ‬
‫ِكـ ن َ‬
‫الحسـين المعلم وسـعيد‪ ,‬عـن قتادة‪« :‬و َكذَل َ‬
‫وتُعلّمت‪.‬‬
‫‪10752‬ـ حدثنا محمد بن عبد العلى‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا محمد بن ثور‪ ,‬عن معمر‪ ,‬قال‪ :‬قال قتادة‪:‬‬
‫« ُد ِرسَتْ» قرئت‪ .‬وفي حرف ابن مسعود‪« :‬درس»‪.‬‬
‫ذ كر من قرأ ذلك‪َ « :‬درَ سَتْ» بمع نى‪ :‬انم حت وتقاد مت أي هذا الذي تتلوه علي نا قد مرّ ب نا‬
‫قديما وتطاولت مدّته‪:‬‬
‫‪10753‬ـ حدثنا بشر بن معاذ‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا يزيد‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا سعيد‪ ,‬عن قتادة‪ ,‬قال‪ :‬كان الحسن‬
‫يقرأ‪« :‬وَِليَقُولُوا َدرَسْتَ»‪ :‬أي انمحت‪.‬‬
‫‪ 10754‬ـ حدثني المثنى‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا آدم‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا شعبة‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا أبو إسحاق الهمذاني‪,‬‬
‫قال في قراءة ابن مسعود‪َ « :‬د َرسَتْ» بغير ألف‪ ,‬بنصب السين ووقف التاء‪.‬‬
‫‪ 10755‬ـ حدث نا الح سن بن يح يى‪ ,‬قال‪ :‬أخبر نا ع بد الرزاق‪ ,‬قال‪ :‬أخبر نا ا بن عيي نة‪ ,‬عن‬
‫عمرو بن دينار‪ ,‬قال‪ :‬سمعت ابن الزبير يقول‪ :‬إن صبيانا ههنا يقرءون‪« :‬دَارَسْتَ» وإنما هي‬
‫« َد َرسَتْ»‪.‬‬
‫‪ 10756‬ـ حدث نا مح مد بن عبد العلى‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا مح مد بن ثور‪ ,‬عن مع مر‪ ,‬قال الح سن‪:‬‬
‫«وَِليَقُولُوا َد َرسَتْ» يقول‪ :‬تقادمت وانمحت‪.‬‬
‫وقرأ ذلك آخرون‪َ « :‬درَس»‪ ,‬من درس الشيء‪ :‬تله‪.‬‬
‫‪ 10757‬ـ حدث نا أح مد بن يو سف الثعل بي‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا أ بو عبيدة‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا حجاج‪ ,‬عن‬
‫هارون‪ ,‬قال‪ :‬هي فِي حرف أب يّ بن ك عب وا بن م سعود‪« :‬وَِليَقُولُوا َدرَ سَ» قال يع ني ال نبيّ‬
‫صلى ال عليه وسلم قرأ‪.‬‬
‫وإنما جاز أن يقال مرّة َد َرسَتْ‪ ,‬ومرّة َدرَس‪ ,‬فيخاطب مرّة ويخبر مرّة‪ ,‬من أجل القول‪.‬‬
‫وقد بينا أولى هذه القراءات في ذلك بالصواب عندنا‪ ,‬والدللة على صحة ما اخترنا منها‪.‬‬
‫ن يقول تعالى ذكره‪ :‬كما صرّفنا الَيات والعبر والحجج‬
‫وأما تأويل قوله‪ :‬وَِل ُن َب ّينَ ُه لِقَوْم َيعَْلمُو َ‬
‫في هذه ال سورة لهؤلء العادل ين برب هم الَل هة والنداد‪ ,‬كذلك ن صرّف ل هم الَيات في غير ها‪,‬‬
‫كيل يقولوا لر سلولنا الذي أر سلناه إلي هم إن ما تعل مت ما تأتي نا به تتلوه علي نا من أ هل الكتاب‪,‬‬
‫فينزجروا عـن تكذيبهـم إياه وتقوّلهـم عليـه الفـك والزور‪ ,‬ولنـبين تصـريفنا الَيات الحقّـ لقوم‬
‫الحقـ إذا تـبين لهـم‪ ,‬فيتبعوه ويقبلوه‪ ,‬وليسـوا كمـن إذا بيـن لهـم عموا عنـه فلم يعقلوه‬
‫ّ‬ ‫يعلمون‬
‫وازدادوا من الفهم به بعدا‪.‬‬

‫‪107-106‬‬ ‫الية ‪:‬‬


‫القول في تأويل قوله تعالى‪:‬‬
‫ن * وََلوْ شَآءَ الّل ُه مَآ‬
‫ش ِركِي َ‬
‫ع نِ ا ْل ُم ْ‬
‫عرِ ضْ َ‬
‫{ا ّتبِ عْ مَآ أُوحِ يَ إَِليْ كَ مِن ّربّ كَ ل إِلَـ َه ِإلّ ُهوَ وَأَ ْ‬
‫جعَ ْلنَاكَ عََل ْي ِهمْ حَفِيظا َومَآ أَنتَ عََل ْيهِم ِب َوكِيلٍ }‪.‬‬
‫َأشْ َركُواْ َومَا َ‬
‫يقول تعالى ذكره لنبيه محمد صلى ال عليه وسلم‪ :‬اتبع يا محمد ما أمرك به ربك في وحيه‬
‫الذي أوحاه إليك‪ ,‬فاعمل به‪ ,‬وانزجر عما زجرك عنه فيه‪ ,‬ودع ما يدعوك إليه مشركو قومك‬
‫ل هُ َو يقول‪ :‬ل معبود ي ستحقّ عل يك إخلص العبادة‬
‫من عبادة الوثان وال صنام‪ ,‬فإ نه ل إله إ ّ‬
‫له إل ال الذي هـو فالق الحبّـ والنوى وفالق الصـباح وجاعـل الليـل سـكنا والشمـس والقمـر‬
‫عنِ المُشركي نَ‪ ,‬يقول‪ :‬ودع عنك جدالهم وخصومتهم‪ .‬ثم نسخ ذلك جلّ ثناؤه‬
‫عرِ ضْ َ‬
‫حسبانا‪ .‬وَأ ْ‬
‫ج ْدتُمُو ُهمْ‪ ...‬الَية‪ .‬كما‪:‬‬
‫حيْثُ َو َ‬
‫ن َ‬
‫بقوله في براءة‪ :‬فاقْتُلُوا ال ُمشْركِي َ‬
‫‪10758‬ـ حدثني المثنى‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا عبد ال بن صالح‪ ,‬قال‪ :‬ثني معاوية بن صالح‪ ,‬عن عليّ‬
‫ن ونحوه مما أمر ال المؤمنين‬
‫بن أبي طلحة عن ابن عباس‪ ,‬أما قوله‪ :‬وأعْر ضْ عَن ال ُمشْركِي َ‬
‫ج ْد ُتمُو ُهمْ‪.‬‬
‫حيْثُ َو َ‬
‫بالعفو عن المشركين‪ ,‬فإنه نسخ ذلك قوله‪ :‬ا ْقتُلُوا ال ُمشْركِينَ َ‬
‫جعَلْنا كَ عَلَيهِ مْ حَفِيظا وَ ما أنْ تَ‬
‫ش َركُوا وَ ما َ‬
‫القول في تأو يل قوله تعالى‪ :‬وََلوْ شا َء اللّ هُ ما أ ْ‬
‫عََل ْي ِهمْ بِ َوكِيلٍ‪.‬‬
‫ل ثناؤه ل نبيه مح مد صلى ال عل يه و سلم‪ :‬أعرض عن هؤلء المشرك ين بال‪ ,‬ودع‬
‫يقول ج ّ‬
‫ش َركُوا يقول‪ :‬لو أرادوا بـك هدايتهـم‬
‫عنـك جدالهـم وخصـومتهم ومسـابّتهم‪ .‬وَلَ ْو شاءَ اللّه ُـ مـا أ ْ‬
‫وا ستنقاذهم من ضللت هم لل طف ل هم بتوفي قه إيا هم فلم يشركوا به شيئا ول آمنوا بك فاتبعوك‬
‫ل ثناؤه‪ :‬وإنما‬
‫جعَلْناكَ عََل ْيهِمْ حَفِيظا يقول ج ّ‬
‫وصدّقوا ما جئتهم به من الحقّ من عند ربك‪ .‬وَما َ‬
‫بعثتك إليهم رسولً مبلغا‪ ,‬ولم نبعثك حافظا عليهم ما هم عاملوه وتحصي ذلك عليهم‪ ,‬فإن ذلك‬
‫ِمـ ِب َوكِيلٍ يقول‪ :‬ولسـت عليهـم بقيـم تقوم بأرزاقهـم وأقواتهـم‪ ,‬ول‬
‫ْتـ عََل ْيه ْ‬
‫إلينـا دونـك‪ .‬وَمـا أن َ‬
‫بحفظهم فيما لم يجعل إليك حفظه من أمرهم‪.‬‬
‫وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل‪ .‬ذكر من قال ذلك‪:‬‬
‫‪10759‬ـ حدثني المثنى‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا عبد ال بن صالح‪ ,‬قال‪ :‬ثني معاوية بن صالح‪ ,‬عن عليّ‬
‫بن أبي طلحة‪ ,‬عن ابن عباس‪ ,‬قوله‪ :‬وَلَ ْو شاءَ الّل هُ ما أشْ َركُوا يقول سبحانه‪ :‬لو شئت لجمعتهم‬
‫على الهدى أجمعين‪.‬‬

‫‪108‬‬ ‫الية ‪:‬‬


‫القول في تأويل قوله تعالى‪:‬‬
‫عمََلهُ مْ‬
‫عدْوا ِب َغيْرِ عِلْ مٍ َكذَلِ كَ َز ّينّا ِلكُلّ ُأمّةٍ َ‬
‫سبّواْ الّل هَ َ‬
‫ن َيدْعُو نَ مِن دُو نِ الّل هِ َفيَ ُ‬
‫سبّواْ اّلذِي َ‬
‫ل تَ ُ‬
‫{ َو َ‬
‫ج ُع ُهمْ َفيُ َن ّب ُئ ُهمْ ِبمَا كَانُواْ َي ْعمَلُونَ }‪.‬‬
‫ُثمّ إَِلىَ َر ّبهِ ْم مّ ْر ِ‬
‫يقول تعالى ذكره ل نبيه مح مد صلى ال عل يه و سلم وللمؤمن ين به‪ :‬ول ت سبّوا الذ ين يد عو‬
‫المشركون مـن دون ال مـن الَلهـة والنداد‪ ,‬فيسـبّ المشركون ال جهلً منهـم بربهـم واعتداء‬
‫بغير علم‪ .‬كما‪:‬‬
‫‪10760‬ـ حدثني المثنى‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا أبو صالح‪ ,‬قال‪ :‬ثني معاوية بن صالح‪ ,‬عن عليّ بن أبي‬
‫عدْوًا بغيرِ عِلْ مٍ‬
‫سبّوا الّل هَ َ‬
‫ن دُون ال َفيَ ُ‬
‫ن مِ ْ‬
‫طلحة‪ ,‬عن ابن عباس‪ ,‬قوله‪ :‬وَل تَ سُبوا اّلذِي نَ َيدْعُو َ‬
‫ن ربك فنهاهم ال أن يسبوا أوثانهم فيسبوا‬
‫قال‪ :‬قالوا‪ :‬يا محمد لتنتهينّ عن سبّ آلهتنا أو لنهجو ّ‬
‫عدْوا بغير علم‪.‬‬
‫ال َ‬
‫‪ 10761‬ـ حدثنا بشر بن معاذ‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا يزيد قال‪ :‬حدثنا سعيد‪ ,‬عن قتادة‪ ,‬قوله‪ :‬وَل تَ سُبوا‬
‫ْمـ كان المسـلمون يسـبون أوثان الكفار‪,‬‬
‫عدْوًا بغيرِ عِل ٍ‬
‫ّهـ َ‬
‫َسـبّوا الل َ‬
‫ِنـ دُون ال َفي ُ‬
‫ُونـ م ْ‬
‫ِينـ َيدْع َ‬
‫اّلذ َ‬
‫سبّوا لربهم‪ ,‬فإنهم قوم جهلة ل علم لهم بال‪.‬‬
‫فيردّون ذلك عليهم‪ ,‬فنهاهم ال أن يست ِ‬
‫‪ 10762‬ـ حدث نا مح مد بن الح سين‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا أح مد بن المف ضل‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا أ سباط‪ ,‬عن‬
‫عدْوًا بغيرِ عِلْ مٍ قال‪ :‬ل ما ح ضر أ با‬
‫سبّوا الّل هَ َ‬
‫ن دُون ال فَيَ ُ‬
‫ن َيدْعُو نَ مِ ْ‬
‫ال سديّ‪ :‬وَل تَ سُبوا اّلذِي َ‬
‫طالب الموت‪ ,‬قالت قريش‪ :‬انطلقوا بنا‪ ,‬فلندخل على هذا الرجل فلنأمره أن ينهي عنا ابن أخيه‪,‬‬
‫فإ نا ن ستحي أن نقتله ب عد مو ته‪ ,‬فتقول العرب‪ :‬كان يمن عه فل ما مات قتلوه فانطلق أ بو سفيان‪,‬‬
‫وأ بو ج هل‪ ,‬والن ضر بن الحرث‪ ,‬وأم ية وأبَ يّ اب نا خلف‪ ,‬وعق بة بن أ بي مع يط‪ ,‬وعمرو بن‬
‫العاص‪ ,‬والسـود بـن البختريـّ‪ ,‬وبعثوا رجلً منهـم يقال له المطلب‪ ,‬قالوا‪ :‬اسـتأذن على أبـي‬
‫طالب فأتـى أبـا طالب فقال‪ :‬هؤلء مشيخـة قومـك‪ ,‬يريدون الدخول عليـك‪ .‬فأذن لهـم‪ ,‬فدخلوا‬
‫عل يه‪ ,‬فقالوا‪ :‬يا أ با طالب‪ ,‬أ نت كبير نا و سيدنا‪ ,‬وإن محمدا قد آذا نا وآذى آلهت نا‪ ,‬فنح بّ أن‬
‫تدعوه فتنهاه عن ذ كر آلهت نا‪ ,‬ولنَدعَه وإل هه‪ .‬فدعاه‪ ,‬فجاء ال نبيّ صلى ال عل يه و سلم‪ ,‬فقال له‬
‫أ بو طالب‪ :‬هؤلء قو مك وب نو ع مك‪ .‬قال ر سول ال صلى ال عل يه و سلم‪ « :‬ما ُترِيدُو نَ؟»‬
‫قالوا‪ :‬نر يد أن تدع نا وآلهت نا وند عك وإل هك‪ .‬قال له أ بو طالب‪ :‬قد أن صفك قو مك‪ ,‬فاق بل من هم‬
‫ن َتكَّل ْمتُ مْ بِها‬
‫ي كَِلمَةً إ ْ‬
‫ط ْي ُتكُ مْ َهذَا َهلْ أ ْنتُ ْم ُمعْطِ ّ‬
‫عَ‬‫فقال النبيّ صلى ال عليه وسلم‪« :‬أرأ ْيتُ مْ إ نْ أ ْ‬
‫مََل ْكتُ مُ ال َعرَ بَ‪َ ,‬ودَانَ تْ َلكُ ْم بِ ها ال َعجَ ُم بالخَرَا جِ؟» قال أ بو ج هل‪ :‬ن عم وأب يك لنعطينك ها وع شر‬
‫ل اللّ هُ» فَأبَوْا واشمأزوا‪ .‬قال أبو طالب‪ :‬يا ابن أخي قل‬
‫أمثالها‪ ,‬فما هي؟ قال‪« :‬قُولُوا‪ :‬ل إَل هَ إ ّ‬
‫غير ها‪ ,‬فإن قو مك قد فزعوا من ها قال‪ « :‬يا عَ مّ ما أ نا باّلذِي أقُولُ غيَر ها ح تى ي ْأتُوا بالشمْ سِ‬
‫ضعُوها فِي َيدِي‪ ,‬وََلوْ أ َت ْونِي بالشمْ سِ فَ َوضَعُوها فِي َيدِي ما قُلْت غيَرها»‪ .‬إرادة أن يؤيسهم‪.‬‬
‫َفيَ َ‬
‫ن عن شتمك آلهتنا‪ ,‬أو لنشتمنك ولنشتم نّ من يأمرك فذلك قوله َفيَسُبّوا الّلهَ‬
‫فغضبوا وقالوا‪ :‬لتكف ّ‬
‫عدْوًا بغيرِ عِ ْلمٍ‪.‬‬
‫َ‬
‫حدث نا مح مد بن ع بد العلى‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا مح مد بن ثور‪ ,‬عن مع مر‪ ,‬عن قتادة‪ ,‬قال‪ :‬كان‬
‫ب الكفار ال عدوا بغ ير علم‪ ,‬فأنزل ال‪ :‬وَل تَ سُبوا اّلذِي نَ‬
‫الم سلمون ي سبون أ صنام الكفار في س ّ‬
‫عدْوًا بغيرِ عِ ْلمٍ‪.‬‬
‫سبّوا اللّهَ َ‬
‫ن دُون ال فَ َي ُ‬
‫َيدْعُونَ مِ ْ‬
‫سبّوا اللّ هَ‬
‫‪ 10763‬ـ حدث ني يو نس‪ ,‬قال‪ :‬أخبر نا ا بن و هب‪ ,‬قال‪ :‬قال ا بن ز يد‪ ,‬في قوله‪َ :‬فيَ ُ‬
‫عدْوًا بغيرِ عِ ْلمٍ قال‪ :‬إذا سببت إلهه سبّ إلهك‪ ,‬فل تسبوا آلهتهم‪.‬‬
‫َ‬
‫عدْوًا بغيرِ عِلْ مٍ بفتح العين‬
‫سبّوا الّل هَ َ‬
‫وأجمعت الجمعة من قرّاء المصار على قراءة ذلك‪َ :‬فيَ ُ‬
‫عدْوًا على أ نه م صدر من قول القائل‪ :‬عدا فلن على‬
‫وت سكين الدال‪ ,‬وتخف يف الواو من قوله‪َ :‬‬
‫ع ْدوًا وعدوانا‪ ,‬والعتداء‪ :‬إن ما هو افتعال من ذلك‪ .‬رُوى‬
‫فلن‪ :‬إذا ظل مه واعتدى عل يه‪َ ,‬ي ْعدُو َ‬
‫عن الحسن البصري أنه كان يقرأ ذلك‪« :‬عدوّا» مشددة الواو‪.‬‬
‫‪ 10764‬ـ حدثني بذلك أحمد بن يوسف‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا القاسم بن سلم‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا حجاج‪ ,‬عن‬
‫ع ُدوّا مضمومة العين مثقلة‪.‬‬
‫سبّوا اللّهَ ُ‬
‫هارون‪ ,‬عن عثمان بن سعد‪َ :‬فيَ ُ‬
‫ع ُدوّا» يوجـه تأويله إلى أنهـم‬
‫وقـد ذكـر عـن بعـض البصـريين أنـه قرأ ذلك‪َ « :‬فيَسـُبوا اللّه َـ َ‬
‫عدُوّى‬
‫خذُوا َ‬
‫َبـ العاَلمِينـَ‪ ,‬وكمـا قال‪ :‬ل َت ّت ِ‬
‫لر ّ‬‫ع ُدوّ لي إ ّ‬
‫ُمـ َ‬
‫جماعـة‪ ,‬كمـا قال جلّ ثناؤه‪ :‬فإ ّنه ْ‬
‫عدُ ّوكُ مْ أوْلِياءَ ويجعل نصب «العدوّ» حينئذ على الحال من ذكر المشركين في قوله‪َ :‬فيَ سُبوا‪.‬‬
‫َو َ‬
‫فيكون تأويـل الكلم‪ :‬ول تسـبوا أيهـا المؤمنون الذيـن يدعـو المشركون مـن دون ال‪ ,‬فيسـبّ‬
‫المشركون ال أعداءُ ال بغيـر علم‪ .‬وإذا كان التأويـل هكذا كان العدوّ مـن صـفة المشركيـن‬
‫ونعت هم‪ ,‬كأ نه ق يل‪ :‬في سبّ المشركون أعداء ال بغ ير علم‪ ,‬ول كن العد ّو ل ما خرج مخرج النكرة‬
‫وهو نعت للمعرفة نصب على الحال‪.‬‬
‫والصواب من القراءة عندي في ذلك قراءة من قرأ بفتح العين وتخفيف الواو لجماع الحجة‬
‫من القراء على قراءة ذلك كذلك‪ ,‬وغير جائز خلفها فيما جاءت مجمعة عليه‪.‬‬
‫ج ُعهُ مْ َف ُي َن ّبئُهُ مْ بِمَا‬
‫عمََلهُ مْ ثُ مّ إلى َربّهِ مْ َمرْ ِ‬
‫القول في تأو يل قوله تعالى‪َ :‬كذَلِ كَ َزيّ نا ِلكُلّ ُأمّةٍ َ‬
‫كانُوا َي ْعمَلُونَ‪.‬‬
‫يقول تعالى ذكره‪ :‬ك ما زيّ نا لهؤلء العادل ين برب هم الوثان وال صنام عبادة الوثان وطا عة‬
‫ل جما عة اجتم عت على ع مل من‬
‫الشيطان بخذلن نا إيا هم عن طا عة الرح من‪ ,‬كذلك زي نا لك ّ‬
‫العمال مـن طاعـة ال ومعصـيته عملهـم الذي هـم عليـه مجتمعون‪ ,‬ثـم مرجعهـم بعـد ذلك‬
‫وم صيرهم إلى رب هم فينبئ هم ب ما كانوا يعملون‪ ,‬يقول‪ :‬فيوقف هم وي خبرهم بأعمال هم ال تي كانوا‬
‫يعملون ب ها في الدنيا‪ ,‬ثم يجازي هم ب ها إن كان خيرا فخ ير وإن كان شرّا فشرّ‪ ,‬أو يع فو بفضله‬
‫ما لم يكن شركا أو كفرا‪.‬‬

‫‪109‬‬ ‫الية ‪:‬‬


‫القول في تأويل قوله تعالى‪:‬‬
‫ش ِع ُركُ مْ‬
‫ليَا تُ عِندَ الّل ِه َومَا ُي ْ‬
‫ل ِإ ّنمَا ا َ‬
‫ن ِبهَا قُ ْ‬
‫ج ْهدَ َأ ْيمَا ِنهِ مْ َلئِن جَآ َء ْتهُ مْ آ َيةٌ ّل ُي ْؤ ِمنُ ّ‬
‫سمُو ْا بِاللّ هِ َ‬
‫{وََأقْ َ‬
‫ت لَ ُي ْؤ ِمنُونَ }‪.‬‬
‫َأ ّنهَآ ِإذَا جَآءَ ْ‬
‫يقول تعالى ذكره‪ :‬حلف بال هؤلء العادلون بال جهد حلفهم‪ ,‬وذلك أوكد ما قدوا عليه من‬
‫اليمان وأ صعبها وأشدّ ها‪َ :‬لئِ نْ جا َء ْتهُ مْ آ َيةٌ يقول‪ :‬قالوا‪ :‬نق سم بال لئن جاءت نا آ ية ت صدّق ما‬
‫تقول يا محمد مثل الذي جاء من قبلنا من المم‪َ .‬ليُ ْؤ ِمنُنّ بِها يقول‪ :‬قالوا‪ :‬لنصدقنّ بمجيئها بك‪,‬‬
‫وأنك ل رسول مرسل‪ ,‬وأن ما جئتنا به ح قّ من عند ال‪ .‬وقيل‪« :‬ليؤمن نّ بها»‪ ,‬فأخرج الخبر‬
‫ع ْندَ اللّهِ وهو‬
‫عن الَية والمعنى لمجيء الَية‪ .‬يقول لنبيه صلى ال عليه وسلم‪ :‬قُلْ إ ّنمَا الَياتُ ِ‬
‫تل‬
‫شعِ ُركُمْ يقول وما يدريكم إنّها إذَا جاءَ ْ‬
‫ل أحد من خلقه‪ .‬وَما ُي ْ‬
‫القادر على إتيانكم بها دون ك ّ‬
‫يُ ْؤ ِمنُو نَ‪ .‬وذكر أن الذين سألوه الَية من قومه هم الذين آيس ال نبيه من إيمانهم من مشركي‬
‫قومه‪ .‬وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل‪ .‬ذكر من قال ذلك‪:‬‬
‫‪ 10765‬ـ حدثني محمد بن عمرو‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا أبو عاصم‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا عيسى‪ ,‬عن ابن أبي‬
‫ن سألت قر يش‬
‫جهَلُو َ‬
‫ن بِ ها إلى قوله‪َ :‬ي ْ‬
‫ن جا َء ْتهُ مْ آ َيةٌ َل ُي ْؤ ِمنُ ّ‬
‫نج يح‪ ,‬عن مجا هد‪ ,‬في قول ال‪َ :‬لئِ ْ‬
‫ن بها‪.‬‬
‫محمدا صلى ال عليه وسلم أن يأتيهم بآية‪ ,‬واستحلفهم ليؤمن ّ‬
‫‪ 10766‬ـ حدث ني المث نى‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا أ بو حذي فة‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا ش بل‪ ,‬عن ا بن أ بي نج يح‪َ :‬لئِ نْ‬
‫ن بِها ثم ذكر مثله‪.‬‬
‫جا َء ْتهُ ْم آيَ ٌة َليُ ْؤ ِمنُ ّ‬
‫‪ 10767‬ـ حدثنا هناد‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا يونس بن بكير‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا أبو معشر‪ ,‬عن محمد بن كعب‬
‫القر ظي‪ ,‬قال‪ :‬كلم ر سولُ ال صلى ال عل يه و سلم قريشا‪ ,‬فقالوا‪ :‬يا مح مد تخبر نا أن مو سى‬
‫كان معـه عصـا يضرب بهـا الحجـر فانفجرت منـه اثنتـا عشرة عينا‪ ,‬وتخبرنـا أن عيسـى كان‬
‫يحيي الموتى‪ ,‬وتخبرنا أن ثمود كانت لهم ناقة؟ فأتنا بشيء من الَيات حتى نصدّقك فقال النبيّ‬
‫ن آ ِت َيكُ مْ بِ هِ؟» قالوا‪ :‬تجعل لنا الصفا ذهبا‪ ,‬فقال لهم‪:‬‬
‫شيْ ٍء ُتحِبو نَ أ ْ‬
‫صلى ال عليه وسلم‪« :‬أ يّ َ‬
‫ص ّدقُونِي؟» قالوا‪ :‬نعم وال لئن فعلت لنتبغك أجمعون فقام رسول ال صلى ال‬
‫«فإ نْ َفعَلْ تُ تُ َ‬
‫عل يه و سلم يد عو‪ ,‬فجاءه جبر يل عل يه ال سلم‪ ,‬فقال‪ :‬لك ما شئت إن شئت أ صبح ذهبا‪ ,‬ولئن‬
‫أرسـل آيـة فلم يصـدّقوا عنـد ذلك لنعذّبنهـم‪ ,‬وإن شئت فاتركهـم حتـى يتوب تائبهـم‪ .‬فقال‪« :‬بَلْ‬
‫جهَلُونَ‪.‬‬
‫سمُوا بال‪ ...‬إلى قوله‪َ :‬ي ْ‬
‫ب تائِ ُب ُهمْ»‪ .‬فأنزل ال تعالى‪ :‬وأ ْق َ‬
‫َيتُو َ‬
‫ت ل يُؤ ِمنُونَ‪.‬‬
‫القول في تأويل قوله تعالى‪ :‬وَما ُيشْ ِع ُر ُكمْ أنّها إذَا جاءَ ْ‬
‫ُونـ فقال‬
‫َتـ ل يُؤ ِمن َ‬
‫ُمـ أنّهـا إذَا جاء ْ‬
‫ش ِع ُرك ْ‬
‫اختلف أهـل التأويـل فـي المخاطـبين بقوله‪ :‬وَمـا ُي ْ‬
‫شعِ ُركُمْ المشركون المقسمون بال لئن جاءتهم آية ليؤمننّ‪ ,‬وانتهى‬
‫بعضهم‪ :‬خوطب بقوله‪ :‬وَما ُي ْ‬
‫ش ِع ُركُ مْ ثم ا ستؤنف الح كم علي هم بأن هم ل يؤمنون ع ند مجيئ ها ا ستئنافا‬
‫ال خبر ع ند قوله‪ :‬وَ ما ُي ْ‬
‫مبتدأ‪ .‬ذكر من قال ذلك‪:‬‬
‫‪ 10768‬ـ حدثني محمد بن عمرو‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا أبو عاصم‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا عيسى‪ ,‬عن ابن أبي‬
‫ش ِع ُركُ مْ قال‪ :‬ما يدري كم‪ .‬قال‪ :‬ثم أ خبر عن هم أن هم ل‬
‫نج يح‪ ,‬عن مجا هد‪ ,‬في قول ال‪ :‬وَ ما ُي ْ‬
‫يؤمنون‪.‬‬
‫حدثني المثنى‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا أبو حذيفة‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا شبل‪ ,‬عن ابن أبي نجيح‪ ,‬عن مجاهد‪ :‬وَما‬
‫شعِ ُر ُكمْ وما يدريكم أنّها إذَا جاءَتْ؟ قال‪ :‬أوجب عليهم أنها إذا جاءت ل يُ ْؤ ِمنُونَ‪.‬‬
‫ُي ْ‬
‫‪ 10769‬ـ حدثني المثنى‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا إسحاق‪ ,‬قال‪ :‬سمعت عبد ال بن زيد يقول‪ :‬إنما الَيات‬
‫ت ل يُؤ ِمنُونَ‪.‬‬
‫عند ال‪ ,‬ثم تستأنف فيقول‪ :‬أنّها إذَا جاءَ ْ‬
‫حدثنا القاسم‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا الحسين‪ ,‬قال‪ :‬ثني حجاج‪ ,‬عن ابن جريج‪ ,‬عن مجاهد‪ ,‬قوله‪ :‬إ ّنمَا‬
‫ش ِع ُركُ مْ‪ :‬وما يدريكم أنكم تؤمنون إذا جاءت ثم استقبل يخبر عنهم فقال‪:‬‬
‫ع ْن َد اللّ هِ وَما ُي ْ‬
‫الَيا تُ ِ‬
‫ت ل يُؤ ِمنُونَ‪.‬‬
‫إذَا جاءَ ْ‬
‫وعلى هذا التأو يل قراءة من قرأ ذلك بك سر ألف‪« :‬أنّ ها» على أن قوله‪« :‬أنّ ها إذَا جاءَ تْ ل‬
‫يُؤ ِمنُونَ» خبر مبتدأ منقطع عن الوّل‪ ,‬وممن قرأ ذلك كذلك بعض قرّاء المكيين والبصريين‪.‬‬
‫وقال آخرون منهم‪ :‬بل ذلك خطاب من ال نبيه صلى ال عليه وسلم وأصحابه‪ ,‬قالوا‪ :‬وذلك‬
‫أن الذ ين سألوا ر سول ال صلى ال عل يه و سلم أن يأ تي بآ ية‪ ,‬المؤمنون به‪ .‬قالوا‪ :‬وإن ما كان‬
‫سبب مسألتهم إياه ذلك أن المشركين حلفوا أن الَية أذا جاءت آمنوا‪ ,‬واتبعوا رسول ال صلى‬
‫ال عل يه و سلم‪ ,‬فقال أ صحاب ر سول ال صلى ال عل يه و سلم‪ :‬سل يا ر سول ال ر بك ذلك‬
‫فسأل‪ ,‬فأنزل ال في هم وفي مسألتهم إياه ذلك‪ ,‬قل للمؤمنين بك يا محمد‪ :‬إنما الَيات عند ال‪,‬‬
‫ومـا يشعركـم أيهـا المؤمنون بأن الَيات إذا جاءت هؤلء المشركيـن بال أنهـم ل يؤمنون بـه‬
‫ففتحوا اللف من «أن»‪ .‬وممن قرأ ذلك كذلك عامة قرّاء أهل المدينة والكوفة‪ ,‬وقالوا‪ :‬أدخلت‬
‫حرَا مٌ‬
‫جدَ‪ ,‬وفي قوله‪َ :‬و َ‬
‫ن صلة‪ ,‬كما أدخلت في قوله‪ :‬ما َم َنعَ كَ ألّ تَ سْ ُ‬
‫«ل» في قوله‪ :‬ل يُ ْؤ ِمنُو َ‬
‫جعُو نَ وإن ما المع نى‪ :‬وحرام علي هم أن يرجعوا‪ ,‬و ما من عك أن‬
‫على َق ْريَةٍ أهَْلكْنا ها أ ّنهُ مْ ل َيرْ ِ‬
‫تسجد‪.‬‬
‫وقد تأوّل قوم قرءوا ذلك بفتح اللف من‪ :‬أنّها بمعنى‪ :‬لعلها‪ ,‬وذكروا أن ذلك كذلك في قراءة‬
‫أبَ يّ بن ك عب‪ .‬و قد ذُكـر عن العرب سماعا من ها‪ :‬اذ هب إلى ال سوق أ نك تشتري لي شيئا‪,‬‬
‫بمعنى‪ :‬لعلك تشتري وقد قيل‪ :‬إن قول عديّ بن زيد العبادي‪:‬‬
‫ضحَى ال َغدِ‬
‫ن َم ِنيّتِيإلى ساعَ ٍة فِي اليَومِ أوْ فِي ُ‬
‫أعاذِلَ ما ُي ْدرِيك أ ّ‬
‫بمعنى‪ :‬لعلّ منيتي وقد أنشدوني بيت ُدرَيد بن الصّمة‪:‬‬
‫َذرِيني ُأطَ ّوفْ فِي البِلدِ ل ّننِيأرَى ما َت َريْنَ أوْ َبخِيلً ُمخَّلدَا‬
‫بمعنى‪ :‬لعلني‪ .‬والذي أنشدني أصحابنا عن الفراء‪« :‬لعلني أرى ما ترين»‪ .‬وقد أنشد أيضا‬
‫ح َمّيرِ‪:‬‬
‫بيت توبة بن ال ُ‬
‫ن َترَانِي أزُورُها‬
‫ك يا َتيْسا نَزَا فِي َمرِيرَ ِة ُم َعذّبَ َليْلَى أ ْ‬
‫َلعَل َ‬
‫«َل ّهنَك يا تيسا»‪ ,‬بمعنى‪ :‬لنك التي في معنى لعلك وأنشد بيت أبي النجم العجلي‪:‬‬
‫ن شِوَائِهِ‬
‫ن ادْنُ ِمنْ لِقا ِئهِإنا ُن َغدّي ال َق ْومَ مِ ْ‬
‫شيْبا َ‬
‫تلَ‬
‫قُلْ ُ‬
‫يعني‪ :‬لعنا نغدي القوم‪.‬‬
‫وأولى التأويلت في ذلك بتأو يل الَ ية‪ ,‬قول من قال‪ :‬ذلك خطاب من ال للمؤمن ين به من‬
‫ش ِعرُكُ مْ أنّها إذَا جاءَ تْ ل يُؤ ِمنُو نَ‪ ,‬وأن قوله «أنها» بمعنى‪:‬‬
‫أصحاب رسوله‪ ,‬أعنى قوله‪ :‬وَما ُي ْ‬
‫«لعلها»‪.‬‬
‫وإنما كان ذلك أولى تأويلته بالصواب لستفاضة القراءة في قرّاء المصار بالياء من قوله‪:‬‬
‫شعِ ُركُ مْ خطابا للمشرك ين‪ ,‬لكا نت القراءة في قوله‪ :‬ل ُي ْؤ ِمنُو نَ‬
‫ل يُ ْؤ ِمنُو نَ ولو كان قوله‪ :‬وَ ما ُي ْ‬
‫بالتاء‪ ,‬وذلك وإن كان قـد قرأه بعـض قراء المكييـن كذلك‪ ,‬فقراءة خارجـة عمـا عليـه قرّاء‬
‫المصار‪ ,‬وكفى بخلف جميعهم لها دليلً على ذهابها وشذوذها‪.‬‬
‫وإنمـا معنـى الكلم‪ :‬ومـا يدريكـم أيهـا المؤمنون لعلّ الَيات إذا جاءت هؤلء المشركيـن ل‬
‫يؤمنون فيعاجَلوا بالنقمة والعذاب عند ذلك ول يؤخّروا به‪.‬‬

‫‪110‬‬ ‫الية ‪:‬‬


‫القول في تأويل قوله تعالى‪:‬‬
‫ط ْغيَا ِنهِمْ َي ْع َمهُونَ }‪.‬‬
‫{ َونُقَّلبُ َأ ْف ِئ َدتَ ُهمْ وََأبْصَارَ ُهمْ َكمَا َلمْ يُ ْؤ ِمنُو ْا بِ ِه أَ ّولَ َمرّةٍ َو َن َذرُهُ ْم فِي ُ‬
‫قال أبو جعفر‪ :‬اختلف أهل التأويل في تأويل ذلك‪ ,‬فقال بعضهم‪ :‬معنى ذلك‪ :‬لو أنا جئناهم‬
‫بآ ية ك ما سألوا ما آمنوا كما لم يؤمنوا بما قبلها أوّل مرّة‪ ,‬لن ال حال بين هم وب ين ذلك‪ .‬ذ كر‬
‫من قال ذلك‪:‬‬
‫‪10770‬ـ حدثني محمد بن سعد‪ ,‬قال‪ :‬ثني أبي‪ ,‬قال‪ :‬ثني عمي‪ ,‬قال‪ :‬ثني أبي‪ ,‬عن أبيه‪ ,‬عن‬
‫ب أ ْف ِئدَ َتهُ مْ وأبْ صَارَهُمْ كما لَ مْ يُ ْؤ ِمنُوا بِ هِ أوّلَ َمرّة‪ ...‬الَية‪ ,‬قال‪ :‬لما جحد‬
‫ابن عباس‪ ,‬قوله‪َ :‬ونُقَلّ ُ‬
‫ل أمر‪.‬‬
‫المشركون ما أنزل ال لم تثبت قلوبهم على شيء و ُردّت عن ك ّ‬
‫‪ 10771‬ـ حدثني يونس‪ ,‬قال‪ :‬أخبرنا ابن وهب‪ ,‬قال‪ :‬قال ابن زيد‪ ,‬في قوله‪َ :‬ونُقَّل بُ أ ْف ِئ َدتَهُ مْ‬
‫ل مَرّة‪.‬‬
‫وأ ْبصَارَ ُهمْ قال‪ :‬نمنعهم من ذلك كما فعلنا بهم أوّل مرّة‪ .‬وقرأ‪ :‬كما َلمْ ُي ْؤ ِمنُوا ِبهِ أوّ َ‬
‫‪ 10772‬ـ حدثنا القاسم‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا الحسين‪ ,‬قال‪ :‬ثني حجاج‪ ,‬عن ابن جريج‪ ,‬عن مجا هد‪:‬‬
‫ب أفْ ِئ َد َتهُ مْ وأبْ صَارَ ُهمْ قال‪ :‬نحول بينهم وبين اليمان‪ ,‬ولو جاءتهم كل آية فل يؤمنون‪ ,‬كما‬
‫َونُقَلّ ُ‬
‫حلنا بينهم وبين اليمان أوّل مرّة‪.‬‬
‫وقال آخرون‪ :‬معنـى ذلك‪ :‬ونقلب أفئدتهـم وأبصـارهم لو ردّوا مـن الَخرة إلى الدنيـا‪ ,‬فل‬
‫يؤمنون كما فعلنا بهم ذلك‪ ,‬فلم يؤمنوا في الدنيا‪ .‬قالوا‪ :‬وذلك نظير قوله‪ :‬وََل ْو رُدّوا لعَادُوا ِلمَا‬
‫عنْهُ‪ .‬ذكر من قال ذلك‪:‬‬
‫ُنهُوا َ‬
‫‪10773‬ـ حدثني المثنى‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا عبد ال بن صالح‪ ,‬قال‪ :‬ثني معاوية بن صالح‪ ,‬عن عليّ‬
‫بن أبي طلحة‪ ,‬عن ابن عباس‪ ,‬قال‪ :‬أخبر ال سبحانه ما العباد قائلون قبل أن يقولوه وعملهم‬
‫جنْ بِ‬
‫سرَتا على ما فَ ّرطْ تُ فِي َ‬
‫س يا حَ ْ‬
‫خبِ ير‪ :‬إ نْ تَقُولَ نَفْ ٌ‬
‫قبل أن يعملوه‪ ,‬قال‪ :‬وَل ُي َن ّبئُ كَ ِمثْلَ َ‬
‫ن َترَى‬
‫ن ال ُمتّقِي نَ أوْ تَقُولَ حِي َ‬
‫ت مِ َ‬
‫ن اللّ هَ َهدَانِي َل ُكنْ ُ‬
‫ن ال سّاخِرِينَ أ ُو تَقُولَ َلوْ أ ّ‬
‫اللّ هِ وَإ نْ كنْ تُ َلمِ َ‬
‫ن يقول‪ :‬من المهتد ين‪ .‬فأ خبر ال سبحانه‪ ,‬أن هم لو‬
‫ن مِ نَ ال ُمحْ سِني َ‬
‫ب لَ ْو أ نّ لي َكرّ ًة فأكُو َ‬
‫ال َعذَا َ‬
‫ردّوا لعادوا ل ما نهوا ع نه‪ ,‬وإن هم لكاذبون‪ ,‬وقال‪َ :‬ونُقَلّ بُ أ ْف ِئ َد َتهُ مْ وأبْ صَارَ ُهمْ ك ما لَ مْ يُ ْؤ ِمنُوا ِب هِ‬
‫ل َمرّة قال‪ :‬لو ردوا إلى الدنيا لحيل بينهم وبين الهدى‪ ,‬كما حلنا بينهم وبينه أوّل مرّة وهم‬
‫أوّ َ‬
‫في الدنيا‪.‬‬
‫وأولى التأويلت في ذلك عندي بال صواب أن يقال‪ :‬إن ال جلّ ثناؤه أ خبر عن هؤلء الذ ين‬
‫ن ب ها‪ ,‬أ نه يقلب أفئدت هم وأب صارهم وي صرّفها‬
‫أق سموا بال ج هد أيمان هم لئن جاءت هم آ ية ليؤمن ّ‬
‫ل َمرّة‬
‫ن قوله‪ :‬كما لَ ْم يُ ْؤ ِمنُوا بِ هِ أوّ َ‬
‫كيف شاء‪ ,‬وأن ذلك بيده يقيمه إذا شاء ويزيغه إذا أراد‪ ,‬وأ ّ‬
‫دليل على محذوف من الكلم‪ ,‬وأن قوله «كما» تشبيه ما بعده بشيء قبله‪ .‬وإذ كان ذلك كذلك‪,‬‬
‫فالواجـب أن يكون معنـى الكلم‪ :‬ونقلب أفئدتهـم فنزيغهـا عـن اليمان‪ ,‬وأبصـارهم عـن رؤيـة‬
‫الح قّ ومعرفة موضع الحجة‪ ,‬وإن جاءتهم الَية التي سألوها فل يؤمنوا بال ورسوله وما جاء‬
‫به من عند ال كما لم يؤمنوا بتقليبنا إياها قبل مجيئها مرّة قبل ذلك‪ .‬وإذا كان ذلك تأويله كانت‬
‫الهاء من قوله‪ :‬كَما َلمْ يُ ْؤ ِمنُوا بِ ِه كناية ذكر التقليب‪.‬‬
‫القول في تأويل قوله تعالى‪َ :‬و َن َذرُ ُهمْ فِي طُغيا ِنهِ ْم َي ْعمَهُونَ‪.‬‬
‫يقول تعالى ذكره‪ :‬ونذر هؤلء المشركيـن الذيـن أقسـموا بال جهـد أيمانهـم لئن جاءتهـم آيـة‬
‫ن بها عند مجيئها في تمرّدهم على ال واعتدائهم في حدوده‪ ,‬يتردّدون ل يهتدون لحقّ ول‬
‫ليؤمن ّ‬
‫يبصرون صوابا‪ ,‬قد غلب عليهم الخذلن واستحوذ عليهم الشيطان‪.‬‬

You might also like