You are on page 1of 305

‫سورة السراء‬

‫سُورَة السْراءِ مَكيّة وآياتها إحدى عشرة ومائة‬


‫بِسمِ الّلهِ الرحمَن ال ّرحِيـمِ‬

‫‪1‬‬ ‫الية ‪:‬‬


‫القول فـي تأويـل قوله تعالـى‬
‫حرَا مِ ِإَلىَ ا ْلمَ سْجِدِ القْ صَى الّذِي‬
‫س َرىَ بِ َعبْدِ هِ َليْلً مّ نَ ا ْلمَ سْجِدِ ا ْل َ‬
‫سبْحَانَ الّذِي أَ ْ‬
‫{ ُ‬
‫سمِيعُ ال َبصِيرُ }‪.‬‬
‫ح ْوَلهُ ِل ُن ِريَ ُه مِنْ آيَاتِنَآ ِإنّهُ ُهوَ ال ّ‬
‫بَارَ ْكنَا َ‬
‫سبْحانَ اّلذِي‬
‫قال أبو جعفر مـحمد بن جرير الطبري‪ :‬يعنـي تعالـى ذكره بقوله تعالـى‪ُ :‬‬
‫ل تنزيها للذي أسرى بعبده وتبرئة له مـما يقول فـيه الـمشركون من أ نّ‬
‫أ سْرَى ب َع ْبدِه لَـيْ ً‬
‫له من خـلقه شريكا‪ ،‬وأن له صاحبة وولدا‪ ،‬وعاوّا له وتعظيـما عما أضافوه إلـيه‪ ،‬ونسبوه‬
‫من جهالتهم وخطأ أقوالهم‪.‬‬
‫و قد ب ـيّنت ف ـيـما م ضى ق بل‪ ،‬أن قوله سبحان ا سم وُ ضع مو ضع ال ـمصدر‪ ،‬فن صب‬
‫لوقو عه موق عه ب ـما أغ نى عن إعاد ته ف ـي هذا ال ـموضع‪ .‬و قد كان بعض هم يقول‪ :‬ن صب‬
‫لنه غير موصوف‪ ،‬وللعرب فـي التسبـيح أماكن تستعمله فـيها‪ .‬فمنها الصلة‪ ،‬كان كثـير‬
‫س ّبحِينَ‪ :‬فلول أنـه كان مـن‬
‫ِنـ الــ ُم َ‬
‫كانـ م َ‬
‫ّهـ َ‬‫مـن أهـل التأويــل يتأوّلون قول ال‪ :‬فَلَوْل أن ُ‬
‫ُمـ لَوْل‬
‫الــمصلـين‪ .‬ومنهـا السـتثناء‪ ،‬كان بعضهـم يتأول قول ال تعالــى‪ :‬ألَــمْ أقُلْ َلك ْ‬
‫سبّحُونَ‪ :‬لول ت ستثنون‪ ،‬وز عم أن ذلك ل غة لب عض أ هل ال ـيـمن‪ ،‬وي ستشهد ل صحة تأوي ـله‬
‫تُ َ‬
‫سطُهمْ ألَـم أقُلْ َلكُ مْ لَ ْولَ‬
‫ن قال‪ :‬قَال أوْ َ‬
‫ص ِبحِينَ وَل يَ سْ َت ْثنُو َ‬
‫سمُوا لَـ َيصْ ِر ُمنّها مُ ْ‬
‫ذلك بقوله‪ :‬إذْ أقْ َ‬
‫ن فذكرهم تركهم الستثناء‪ .‬ومنها النور‪ ،‬وكان بعضهم يتأوّل فـي الـخبر الذي رُوي‬
‫سبّحو َ‬
‫تُ َ‬
‫شيْء»‬
‫ج ِه ِه ما أ ْد َركَ تْ مِ نْ َ‬
‫سبُحاتُ َو ْ‬
‫ت ُ‬
‫ح َرقَ ْ‬
‫عن النبـيّ صلى ال عليه وسلم‪« :‬لَوْل ذل كَ لَ َء ْ‬
‫أنه عنى بقوله‪ :‬سبحات وجهه‪ :‬نور وجهه‪.‬‬
‫ن اّلذِي أ سْرَى ِب َع ْبدِ هِ‪ ،‬قال أ هل التأوي ـل‪ .‬ذ كر‬
‫سبْحا َ‬
‫وبن ـحو الذي قل نا ف ـي تأوي ـل قوله‪ُ :‬‬
‫من قال ذلك‪:‬‬
‫‪ 16621‬ـ حدث نا ال ـحسن بن يح يى‪ ،‬قال‪ :‬أخبر نا ع بد الرزاق‪ ،‬قال‪ :‬أخبر نا الثور يّ‪ ،‬عن‬
‫عثمان بن مو هب‪ ،‬عن مو سى بن طل ـحة‪ ،‬عن النب ـيّ صلى ال عل يه و سلم أ نه سُئل عن‬
‫ن السّوءِ»‪.‬‬
‫سبْحانَ ال‪ ،‬قال‪« :‬إ ْنزَاهُ الّلهِ عَ ِ‬
‫التسبـيح أن يقول النسان‪ُ :‬‬
‫‪ 16622‬ـ حدثنا القاسم‪ ،‬قال‪ :‬حدثنا الـحسين‪ ،‬قال‪ :‬حدثنا عبدة بن سلـيـمان‪ ،‬عن الـحسن‬
‫بن صالـح‪ ،‬عن ا بن أب ـي ن ـجيح‪ ،‬عن م ـجاهد قوله‪ :‬سبحان ال‪ :‬قال‪ :‬إنكاف ل‪ .‬و قد‬
‫ذكر نا من الَثار ف ـي ذلك ما ف ـيه الكف ـاية ف ـيـما م ضى من كتاب نا هذا ق بل‪ .‬وال سراء‬
‫وال سّرى‪ :‬سير اللـيـل‪ .‬فمن قال‪ :‬أَ سْرى‪ ،‬قال‪ :‬يُسري إسراء ومن قال‪ :‬سرى‪ ،‬قال‪ :‬يَسري‬
‫سُ َرىً‪ ،‬كما قال الشاعر‪:‬‬
‫عنْ سُراها لَـيْتُ‬
‫س َر ْيتُولَـمْ يَـِلتْنِـي َ‬
‫ت ُدجّى َ‬
‫ولَـيْـلَ ٍة ذَا ِ‬
‫ويروى‪ :‬ذات ندى سَريْت‪.‬‬
‫ويعنـي بقوله‪ :‬لَـيْلً من اللـيـل‪ .‬وكذلك كان حُذيفة بن الـيـمان يقرؤها‪.‬‬
‫‪ 16623‬ـ حدثنا أبو كريب‪ ،‬قال‪ :‬سمعت أبـا بكر بن عياش ورجل يحدّث عنده بحديث حين‬
‫أُ سري ب ـالنبـيّ صلى ال عل يه و سلم فقال له‪ :‬ل ت ـجيء ب ـمثل عا صم ول زر‪ ،‬قال‪ :‬قرأ‬
‫سجِدِ‬
‫حرَامِ إلــى الــَم ْ‬
‫جدِ الــ َ‬
‫حُذيفـة‪« :‬سُـبْحانَ اّلذِي أس ْـرَى ِب َع ْبدِهِـ مِنَـ اللّــيْـلِ منَـ الــمَس ِ‬
‫القْصَى» وكذا قرأ عبد ال‪.‬‬
‫حرَا ِم فإنه اختُلف فـيه وفـي معناه‪ ،‬فقال بعضهم‪ :‬يعنـي من‬
‫جدِ الـ َ‬
‫سِ‬‫ن الـ َم ْ‬
‫وأما قوله‪ :‬مِ َ‬
‫الـحرم‪ ،‬وقال‪ :‬الـحرم كله م سجد‪ .‬وقد بـيّنا ذلك فـي غير موضع من كتابنا هذا‪ .‬وقال‪:‬‬
‫وقد ذُكر لنا أن النبـيّ صلى ال عليه وسلم كان لـيـلة أُسري به إلـى الـمسجد القصى‬
‫كان نائما فـي بـيت أمّ هانىء ابنة أبـي طالب‪ .‬ذكر من قال ذلك‪:‬‬
‫‪ 16624‬ـ حدثنا ا بن حميد‪ ،‬قال‪ :‬حدثنا سلـمة‪ ،‬قال‪ :‬حدثنا مـحمد بن إسحاق‪ ،‬قال‪ :‬ثن ـي‬
‫م ـحمد بن ال سائب‪ ،‬عن أب ـي صالـح بن ب ـاذام عن أ مّ هانىء ب نت أب ـي طالب‪ ،‬ف ـي‬
‫م سرى النب ـيّ صلى ال عل يه و سلم‪ ،‬أن ها كا نت تقول‪ :‬ما أُ سري بر سول ال صلى ال عل يه‬
‫وسـلم إلّ وهـو فــي بــيتـي نائم عندي تلك اللــيـلة‪ ،‬فصـلـى العشاء الَخرة‪ ،‬ثـم نام‬
‫ون ـمنا‪ ،‬فل ـما كان ُقبَ ـيـل الف جر‪ ،‬أهبّ نا ر سول ال صلى ال عل يه و سلم‪ ،‬فل ـما صلـى‬
‫لخِرَ ِة كمَا رأيْ تِ ب َهذَا‬
‫ال صبح و صلـينا م عه قال‪ « :‬يا أُ مّ هانِىءٍ َل َقدْ صَلّـيْتُ َم َعكُ مُ العِشا َء ا َ‬
‫ن كمَا‬
‫ت صَل َة ال َغدَاةِ َم َعكُ مُ الَ َ‬
‫ت ال ـمَ ْقدِسِ فَ صَلّـيْتُ فِ ـيهِ‪ ،‬ثُ مّ صَلّـيْ ُ‬
‫جئْ تُ بَ ـيْ َ‬
‫الوَادِي‪ ،‬ثُ مّ ِ‬
‫َترَيْنَ»‪.‬‬
‫وقال آخرون‪ :‬بل أُسرى به من الـمسجد‪ ،‬وفـيه كان حين أسرى به‪ .‬ذكر من قال ذلك‪:‬‬
‫‪16625‬ـ حدثنا مـحمد بن بشار‪ ،‬قال‪ :‬حدثنا مـحمد بن جعفر بن عدي‪ ،‬عن سعيد بن أبـي‬
‫عروبة‪ ،‬عن قتادة‪ ،‬عن أنس بن مالك‪ ،‬عن مالك بن صعصعة‪ ،‬وهو رجل من قومه قال‪ :‬قال‬
‫س ِمعْتُ‬
‫ن النائ مِ وال ـيَقْظانِ‪ ،‬إذْ َ‬
‫ت ب ـي َ‬
‫ع ْن َد البَ ـيْ ِ‬
‫نب ـيّ ال صلى ال عل يه و سلم‪« :‬بَ ـيْنا أ نا ِ‬
‫ص ْدرِي إلـى‬
‫ن ماءِ َز ْمزَ مَ‪َ ،‬فشَرَ حَ َ‬
‫ب فِـيها مِ ْ‬
‫ت بطَ سْتٍ ِم نْ ذَهَ ٍ‬
‫حدُ الثلثَةِ‪ ،‬فأتِـي ُ‬
‫قائلً يَقُولُ‪ ،‬أ َ‬
‫ج قَلْبِـي‬
‫ستَـخْرَ َ‬
‫َكذَا و َكذَا» قال قتادة‪ :‬قلت‪ :‬ما يعنـي به؟ قال‪ :‬إلـى أسفل بطنه قال‪« :‬فـا ْ‬
‫ح ْكمَةً‪ ،‬ثُ مّ أتِ ـيتُ ِبدَابّةٍ أبْ ـيَض»‪،‬‬
‫حشِ يَ إي ـمَانا َو ِ‬
‫فغُ سلَ بِ ـمَاءِ َز ْمزَ مَ ثُ مّ أُعِيدَ مَكانَ هُ‪ ،‬ثُ مّ ُ‬
‫خطْ ُو هُ‬
‫ل لَ هُ ال ُبرَا قُ‪ ،‬فَوْ قَ الـحِمارِ َودُو نَ ال َبغْلِ‪ ،‬يَقَ عُ َ‬
‫وفـي رواية أخرى‪ِ « :‬بدَابّة بَـ ْيضَاءَ يُقا ُ‬
‫حمِلْتُ عَلَـيْهِ‪ ،‬ثُمّ ا ْنطَلَقْنا حتـى أتَـيْنا إلـى بَـيْتِ الـمَ ْقدِسِ فَصَلّـيْتُ فِـيِه‬
‫طرْفِ هِ‪ ،‬ف ُ‬
‫ُم ْن َتهَى َ‬
‫ج بِـي إلـى السّماءِ ال ّدنْـيا»‪ ...‬فذكر الـحديث‪.‬‬
‫عرِ َ‬
‫ن والـ ُمرْسَلِـينَ إماما‪ُ ،‬ثمّ ُ‬
‫بـال ّنبِـيّـي َ‬
‫حدثنا ابن الـمثنى‪ ،‬قال‪ :‬حدثنا خالد بن الـحرث‪ ،‬قال‪ :‬حدثنا سعيد‪ ،‬عن قتادة‪ ،‬عن أنس‬
‫بن مالك‪ ،‬عن مالك‪ ،‬يعنـي ابن صعصعة رجل من قومه‪ ،‬عن النبـيّ صلى ال عليه وسلم‪،‬‬
‫نـحوه‪.‬‬
‫حدثنا ابن الـمثنى‪ ،‬قال‪ :‬حدثنا ابن أبـي عد يّ‪ ،‬عن سعيد‪ ،‬عن قتادة‪ ،‬عن أنس بن مالك‪،‬‬
‫عن مالك بن صعصعة ر جل من قو مه‪ ،‬قال‪ :‬قال نب ـيّ ال صلى ال عل يه و سلم‪ ،‬ثم ذ كر‬
‫نـحوه‪.‬‬
‫‪16626‬ـ حدثنا ابن حميد‪ ،‬قال‪ :‬حدثنا سلـمة‪ ،‬قال‪ :‬قال مـحمد بن إسحاق‪ :‬ثنـي عمرو بن‬
‫ع بد الرح من‪ ،‬عن ال ـحسن بن أب ـي ال ـحسن‪ ،‬قال‪ :‬قال ر سول ال صلى ال عل يه و سلم‪:‬‬
‫شيْئا‪،‬‬
‫ل فَ َه َمزَن ـي بِقَدمِ هِ‪ ،‬فجَلَ سْتُ فَلَ ـمْ أ َر َ‬
‫حجْ ِر جا َءنِ ـي ج ْبرِي ـ ُ‬
‫«بَ ـيْنا أ نا نائ مٌ ف ـي ال ـ ِ‬
‫ْتـ‬
‫شيْئا‪َ ،‬ف ُعد ُ‬
‫َسـتُ فَلَــمْ أرَ َ‬
‫ضجَعي‪ ،‬فجا َءنِــي الثّانِــيَ َة َف َهمَ َزنِــي ب َق َدمِهـِ‪ ،‬فَجَل ْ‬
‫ْتـ لِــمَ ْ‬
‫َفعُد ُ‬
‫ضدِي فَ ُقمْ تُ َم َع هُ‪ ،‬فخَرَ جَ‬
‫ضجَعي‪ ،‬فجاءَن ـي الثّاِلثَ َة َفهَ َم َزنِ ـي ب َق َدمِ هِ‪َ ،‬فجَلَ سْتُ‪ ،‬فَأخَذَ ب َع ُ‬
‫لِ ـ َم ْ‬
‫خ َذيْه ِـ‬
‫بِــي إلــى بــابِ الــَمسْجدِ‪ ،‬فإذَا دَابّةٌ بَــْيضَاءُ بــينَ الــحِمارِ وال َبغْلِ‪ ،‬لَهُـ فِــي َف ِ‬
‫خرَجَ مَعي‪ ،‬ل‬
‫حمَلَنـي عَلَـيْ ِه ثُمّ َ‬
‫جَناحان َيحْ ِفزُ بِهما ِرجْلَـيْهِ‪َ ،‬يضَعُ َيدَ ُه فِـي ُم ْن َتهَى طَرْفهِ‪ ،‬ف َ‬
‫يَفُوتُنـي وَل أفُوتُهُ»‪.‬‬
‫‪ 16627‬ـ حدثنا الربـيع بن سلـيـمان‪ ،‬قال‪ :‬أخبرنا ابن وهب‪ ،‬عن سلـيـمان بن بلل‪،‬‬
‫عن شريك بن أبـي نـمر‪ ،‬قال‪ :‬سمعت أنسا يحدثنا عن لـيـلة الـمسرى برسول ال صلى‬
‫ال عل يه و سلم من م سجد الكع بة أ نه جاءه ثل ثة ن فر ق بل أن يو حى إل ـيه و هو نائم ف ـي‬
‫الــمسجد الــحرام‪ ،‬فقال أوّلهـم‪ :‬أيهـم هـو؟ قال أوسـطهم‪ :‬هـو خيرهـم‪ ،‬فقال أحدهـم‪ :‬خذوا‬
‫خير هم‪ ،‬فكا نت تلك الل ـيـلة‪ ،‬فل ـم ير هم حت ـى جاءوا ل ـيـلة أخرى ف ـيـما يرى قل به‬
‫والنبـيّ صلى ال عليه وسلم تنام عيناه‪ ،‬ول ينام قلبه‪ .‬وكذلك النبـياء تنام أعينهم‪ ،‬ول تنام‬
‫قلوبهم فلـم يكلـموه حتـى احتـملوه فوضعوه عند بئر زمزم‪ ،‬فتوله منهم جبرئيـل علـيه‬
‫ال سلم‪ ،‬فش قّ ما ب ـين ن ـحره إل ـى لبّ ته‪ ،‬حت ـى فرغ من صدره وجو فه‪ ،‬فغ سله من ماء‬
‫زمزم حت ـى أنق ـى جو فه‪ ،‬ثم أُت ـي بط ست من ذ هب ف ـيه تَ ْورٌ م ـحشوّ إي ـمانا وحك مة‪،‬‬
‫فح شا به جو فه و صدره ولغاديده‪ ،‬ثم أطب قه ثم ر كب البراق‪ ،‬ف سار حت ـى أت ـى به إل ـى‬
‫بـيت الـمقدس فصلـى فـيه بـالنّبـيـين والـمرسلـين إماما‪ ،‬ثم عرج به إلـى السماء‬
‫الدنــيا‪ ،‬فضرب بــابـا مـن أبوابهـا‪ ،‬فناداه أهـل السـماء‪ :‬مـن هذا؟ قال‪ :‬هذا جبرائيــل‪،‬‬
‫قـيـل‪ :‬من معك؟ قال‪ :‬مـحمد‪ ،‬قـيـل‪ :‬أَ َو قَد بُعث إلـيه؟ قال‪ :‬ن عم‪ ،‬قالوا‪ :‬فمرحبـا به‬
‫وأهلً‪ ،‬فـيستبشر به أهل السماء‪ ،‬ل يعلـم أهل السماء بـما يريد ال بأهل الرض حتـى‬
‫يُعلـمهم‪ ،‬فوجد فـي السماء الدنـيا آدم‪ ،‬فقال له جبرائيـل‪ :‬هذا أبوك‪ ،‬فسلّـم علـيه‪ ،‬فردّ‬
‫ل يـا بنــي‪ ،‬فنعـم البـن أنـت‪ ،‬ثـم مضـى بـه إلــى السـماء‬
‫علــيه‪ ،‬فقال‪ :‬مرحبــا بـك وأه ً‬
‫الثان ـية‪ ،‬ف ـاستفتـح جبرائي ـل ب ـابـا من أبواب ها‪ ،‬فق ـيـل‪ :‬من هذا؟ فقال‪ :‬جبرئي ـل‪،‬‬
‫ق ـيـل‪ :‬و من م عك؟ قال‪ :‬م ـحمد‪ ،‬ق ـيـل‪ :‬أو قد أر سل إل ـيه؟ قال‪ :‬ن عم قد أُر سل إل ـيه‪،‬‬
‫فقـيـل‪ :‬مرحبـا به وأهلً‪ ،‬ففُتـح لهما فلـما صعد فـيها فإذا هو بنهرين يجريان‪ ،‬فقال‪ :‬ما‬
‫هذان النهران يا جبرائيـل؟ قال‪ :‬هذا النـيـل والفرات عنصرهما ثم عرج به إلـى السماء‬
‫الثالثـة‪ ،‬فــاستفتـح جبرائيــل بــابـا مـن أبوابهـا‪ ،‬فقــيـل‪ :‬مـن هذا؟ قال‪ :‬جبرئيــل‪،‬‬
‫ق ـيـل‪ :‬و من م عك؟ قال‪ :‬م ـحمد‪ ،‬ق ـيـل‪ :‬أَ َو قَد بُ عث إل ـيه؟ قال‪ :‬ن عم قد بُ عث إل ـيه‪،‬‬
‫قـيـل‪ :‬مرحبـا به وأهلً‪ ،‬ففُتـح له فإذا هو بنهر علـيه قبـاب وقصور من لؤلؤ وزبرجد‬
‫ل ال‪ ،‬فذهب يش مّ ترابه‪ ،‬فإذا هو مسك أذفر‪ ،‬فقال‪ :‬يا‬
‫وياقوت‪ ،‬وغير ذلك مـما ل يعلـمه إ ّ‬
‫جبرائي ـل ما هذا الن هر؟ قال‪ :‬هذا الكو ثر الذي خ بأ لك ر بك ف ـي الَخرة ثم عرج به إل ـى‬
‫الرابعة‪ ،‬فقالوا به مثل ذلك ثم عرج به إلـى الـخامسة‪ ،‬فقالوا له مثل ذلك ثم عرج به إلـى‬
‫ال سادسة‪ ،‬فقالوا له م ثل ذلك ثم عرج به إل ـى ال سابعة‪ ،‬فقالوا له م ثل ذلك‪ ،‬وكلّ سماه ف ـيها‬
‫أنب ـياء قد سماهم أ نس‪ ،‬فوع يت من هم إدر يس ف ـي الثان ـية‪ ،‬وهارون ف ـي الراب عة‪ ،‬وآ خر‬
‫فـي الـخامسة لـم أحفظ اسمه‪ ،‬وإبراهيـم فـي السادسة‪ ،‬وموسى فـي السابعة بتفضيـل‬
‫ي أحـد ثم عل به فوق ذلك ب ـما ل‬
‫كلمـه ال‪ ،‬فقال موسـى‪ :‬رب ل ـم أظنّـ أن ير فع علــ ّ‬
‫ب العزّة‪ ،‬فتدلـى فكان‬
‫ل ال‪ ،‬حتـى جاء سدرة الـمنتهى‪ ،‬ودنا بـاب الـجبّـار ر ّ‬
‫يعلـمه إ ّ‬
‫قاب قو سين أو أد نى‪ ،‬فأو حى إل ـى عبده ما شاء‪ ،‬وأو حى ال ف ـيـما أو حى خم سين صلة‬
‫عل ـى أم ته كل يوم ول ـيـلة‪ ،‬ثم ه بط حت ـى بلغ مو سى ف ـاحتبسه‪ ،‬فقال‪ :‬يا م ـحمد ماذا‬
‫عهد إلـيك ربك؟ قال‪« :‬عهد إلـيّ خمسين صلة علـى أمتـي كل يوم ولـيـلة» قال‪ :‬إن‬
‫أمتـك ل تسـتطيع ذلك‪ ،‬فــارجع فلــيخفف عنـك وعنهـم‪ ،‬فــالتفتّ إلــى جبرائيــل كأنـه‬
‫ي ستشيره ف ـي ذلك‪ ،‬فأشار إل ـيه أن ن عم‪ ،‬فعاد به جبرائي ـل حت ـى أت ـى ال ـجبّـارَ عزّ‬
‫ب خ فف ع نا‪ ،‬فإن أمت ـي ل ت ستطيع هذا»‪ ،‬فو ضع ع نه ع شر‬
‫وجلّ و هو مكا نه‪ ،‬فقال‪« :‬ر ّ‬
‫صلوات ثم رجع إلـى موسى علـيه السلم فـاحتبسه‪ ،‬فلـم يزل يردّده موسى إلـى ربه‬
‫حت ـى صارت إل ـى خ مس صلوات‪ ،‬ثم احتب سه ع ند ال ـخمس‪ ،‬فقال‪ :‬يا م ـحمد قد وال‬
‫ت بن ـي إ سرائيـل عل ـى أد نى من هذه ال ـخمس‪ ،‬فضعفوا وتركوه‪ ،‬فأم تك أض عف‬
‫راود ُ‬
‫أج سادا وقلوب ـا وأب صارا وأ سماعا‪ ،‬ف ـارجع فل ـيخفف ع نك ر بك‪ ،‬كلّ ذلك ي ـلتفت إل ـى‬
‫جبرئيـل لـيشير علـيه‪ ،‬ول يكره ذلك جبرئيـل‪ ،‬فرفعه عند الـخمس‪ ،‬فقال‪« :‬يا ر بّ إن‬
‫أمتــي ضعاف أجسـادهم وقلوبهـم وأسـماعهم وأبصـارهم‪ ،‬فخفـف عنـا»‪ ،‬قال الــجبّـار جلّ‬
‫جلله‪ :‬يا مـحمد‪ ،‬قال‪« :‬لبّـيك وسعديك»‪ ،‬فقال‪ :‬إنـي ل يُبدّل القول لديّ كما كتبت علـيك‬
‫ف ـي أ مّ الكتاب‪ ،‬ولك بكلّ ح سنة ع شر أمثال ها‪ ،‬و هي خم سون ف ـي أ مّ الكتاب‪ ،‬و هي خ مس‬
‫ل حسنة عشر‬
‫علـيك فرجع إلـى موسى‪ ،‬فقال‪ :‬كيف فعلت؟ فقال‪« :‬خفّف عنـي‪ ،‬أعطانا بك ّ‬
‫أمثالهـا»‪ ،‬قال‪ :‬قـد وال راودت بنــي إسـرائيـل علــى أدنـى مـن هذا فتركوه فــارجع‬
‫فلـيخفف عنك أيضا‪ ،‬قال‪« :‬يا موسى قد وال استـحيـيت من ربـي مـما أختلف إلـيه»‪،‬‬
‫قال‪ :‬فـاهبط بـاسم ال‪ ،‬فـاستـيقظ وهو فـي الـمسجد الـحرام‪.‬‬
‫وأولـى القوال فـي ذلك بـالصواب‪ ،‬أن يقال‪ :‬إن ال عزّ وجلّ أخبر أنه أسرى بعبده من‬
‫ال ـمسجد ال ـحرام‪ ،‬وال ـمسجد ال ـحرام هو الذي يتعار فه الناس ب ـينهم إذا ذكروه‪ ،‬وقوله‪:‬‬
‫جدِ القْ صَى يعن ـي‪ :‬م سجد ب ـيت ال ـمقدس‪ ،‬وق ـيـل له‪ :‬الق صى‪ ،‬ل نه أب عد‬
‫سِ‬‫إل ـى ال ـمَ ْ‬
‫الـمساجد التـي تزار‪ ،‬ويُبتَغى فـي زيارته الفضل بعد الـمسجد الـحرام‪ .‬فتأويـل الكلم‬
‫تنزي ها ل‪ ،‬و تبرئة له م ـما ن ـحله ال ـمشركون من الشراك والنداد وال صاحبة‪ ،‬و ما يجلّ‬
‫عنه جلّ جلله‪ ،‬الذي سار بعبده لـيلً من بـيته الـحرام إلـى بـيته القصى‪.‬‬
‫ثم اختلف أهل العلـم فـي صفة إسراء ال تبـارك وتعالـى بنبـيه صلى ال عليه وسلم‬
‫من ال ـمسجد ال ـحرام إل ـى ال ـمسجد الق صى‪ ،‬فقال بعض هم‪ :‬أ سرى ال بج سده‪ ،‬ف سار به‬
‫ل ـيلً عل ـى البُراق من ب ـيته ال ـحرام إل ـى ب ـيته الق صى حت ـى أتاه‪ ،‬فأراه ما شاء أن‬
‫يريه من عجائب أمره وعبره وعظيـم سُلطانه‪ ،‬فجمعت له به النبـياء‪ ،‬فصلـى بهم هُنالك‪،‬‬
‫وعَرج به إلـى السماء حتـى صعد به فوق السموات السبع‪ ،‬وأوحى إلـيه هنالك ما شاء أن‬
‫يوحي ثم رجع إلـى الـمسجد الـحرام من لـيـلته‪ ،‬فصلـى به صلة الصبح‪ .‬ذكر من قال‬
‫ذلك‪ ،‬وذكر بعض الروايات التـي رُويت عن رسول ال صلى ال عليه وسلم بتصحيحه‪:‬‬
‫‪ 16628‬ـ حدثنا يونس بن عبد العلـى‪ ،‬قال‪ :‬أخبرنا ابن وهب‪ ،‬قال‪ :‬أخبرنـي يونس بن‬
‫يزيد‪ ،‬عن ابن شهاب‪ ،‬قال‪ :‬أخبرنـي ابن الـمسيب وأبو سلـمة بن عبد الرحمن أن رسول‬
‫ال صـلى ال عليـه وسـلم أُسـري بـه علــى البُراق‪ ،‬وهـي دابّة إبراهيــم التــي كان يزور‬
‫عل ـيها الب ـيت ال ـحرام‪ ،‬ي قع حافر ها مو ضع طرف ها‪ ،‬قال‪ :‬فمرّت بع ير من عيرات قر يش‬
‫بواد من تلك الود ية‪ ،‬فنفرت الع ير‪ ،‬وف ـيها بع ير عل ـيه غرارتان‪ :‬سوداء‪ ،‬وزرقاء‪ ،‬حت ـى‬
‫أتـى رسول ال صلى ال عليه وسلم إيـلـياء فأتـى بقدحين‪ :‬قدح خمر‪ ،‬وقدح لبن‪ ،‬فأخذ‬
‫رسول ال صلى ال عليه وسلم قدح اللبن‪ ،‬فقال له جبرئيـل‪ :‬هُديت إلـى الفطرة‪ ،‬لو أخذت‬
‫قدح ال ـخمر غوت أم تك‪ .‬قال ا بن شهاب‪ :‬فأخبرن ـي ا بن ال ـمسيب أن ر سول ال صلى ال‬
‫عليه وسلم لقـي هناك إبراهيـم وعيسى‪ ،‬فنعتهم رسول ال صلى ال عليه وسلم‪ ،‬فقال‪« :‬فأمّا‬
‫خرَجَ ِمنْ‬
‫ح َمرُ كأنّـمَا َ‬
‫شنُو َءةَ‪ ،‬وأمّا عِيسَى َف َرجْلٌ أ ْ‬
‫ن رِجالِ َ‬
‫س كأنّهُ مِ ْ‬
‫ضرْبٌ َرجْلُ الرأ ِ‬
‫مُوسَى فَ َ‬
‫شبَ هُ وََل ِد هِ ِب هِ»‬
‫سعُودِ الثّقَـفِـيّ وأمّا إ ْبرَاهِيـمُ فأنا أ ْ‬
‫ن مَ ْ‬
‫عرْوَ ُة بْ ُ‬
‫شبَ هُ َم نْ رأيْ تُ ِب هِ ُ‬
‫دِيـمَاسٍ‪ ،‬فأ ْ‬
‫فلـما رجع رسول ال صلى ال عليه وسلم‪ ،‬حدّث قريشا أنه أُسري به‪ .‬قال عبد ال‪ :‬فـارتدّ‬
‫ناس كثـير بعد ما أسلـموا‪ ،‬قال أبو سلـمة‪ :‬فأتـى أبو بكر الصدّيق‪ ،‬فقـيـل له‪ :‬هل لك‬
‫فـي صاحبك‪ ،‬يزعم أنه أسري به إلـى بـيت الـمقدس ثم رجع فـي لـيـلة واحدة‪ ،‬قال‬
‫أ بو ب كر‪ :‬أَ َو قال ذلك؟ قالوا‪ :‬ن عم‪ ،‬قال‪ :‬فأش هد إن كان قال ذلك ل قد صدق‪ ،‬قالوا‪ :‬أفتش هد أ نه‬
‫جاء الشام فـي ل ـيـلة واحدة؟ قال‪ :‬إنـي أصدّقه بأبعد من ذلك‪ ،‬أصدّقه بخبر السماء‪ .‬قال‬
‫أ بو سلـمة‪ :‬سمعت جابر بن ع بد ال يقول‪ :‬سمعت ر سول ال صلى ال عل يه و سلم يقول‪:‬‬
‫ن آياتِه وأنا‬
‫ع ْ‬
‫ت فَ َمثّلَ الّل ُه لـي بَـيْتَ الـمَ ْقدِسِ‪ ،‬فَطَفِقُت ُأخْبرُ ُهمْ َ‬
‫«لَـمّا َك ّذ َب ْتنِـي ُقرَيْ شٌ ُقمْ ُ‬
‫أ ْنظُرُ إلَـيْهِ»‪.‬‬
‫‪16629‬ــ حدثنــي يونـس‪ ،‬قال‪ :‬أخبرنـا ابـن وهـب‪ ،‬قال‪ :‬ثنــي يعقوب بـن عبـد الرحمـن‬
‫الزهري‪ ،‬عن أبـيه‪ ،‬عن عبد الرحمن بن هاشم بن عتبة بن أبـي وقاص‪ ،‬عن أنس بن مالك‪،‬‬
‫قال‪ :‬ل ـما جاء جبرائي ـل عل ـيه ال سلم ب ـالبراق إل ـى ر سول ال صلى ال عل يه و سلم‪،‬‬
‫فكأنها ضربت بذنبها‪ ،‬فقال لها جبرئيـل‪ :‬مه يا براق‪ ،‬فوال إن ركبك مثله فسار رسول ال‬
‫صلى ال عليه وسلم‪ ،‬فإذا هو بعجوز ناء عن الطريق‪ :‬أي علـى جنب الطريق‪.‬‬
‫قال أو جعفر‪ :‬ينبغي أن يقال‪ :‬نائية‪ ،‬ولكن أسقط منها التأنـيث‪.‬‬
‫فقال‪ « :‬ما هذه يا جبرائي ـل؟» قال‪ :‬سر يا م ـحمد‪ ،‬ف سار ما شاء ال أن ي سير‪ ،‬فإذا ش يء‬
‫يدعوه متنـحيا عن الطريق يقول‪ :‬هلـمّ يا مـحمد‪ ،‬قال جبرائيـل‪ :‬سر يا مـحمد‪ ،‬فسار ما‬
‫شاء ال أن ي سير قال‪ :‬ثم لق ـيه خ ـلق من ال ـخلئق‪ ،‬فقال أحد هم‪ :‬ال سلم عل ـيك يا أوّل‪،‬‬
‫والسـلم علــيك يـا آخـر‪ ،‬والسـلم علــيك يـا حاشـر‪ ،‬فقال له جبرائيــل‪ :‬اردد السـلم يـا‬
‫مـحمد‪ ،‬قال‪ :‬فردّ السلم ثم لقـيه الثانـي‪ ،‬فقال له مثل مقالة الوّلـين حتـى انتهى إلـى‬
‫ب ـيت ال ـمقدس‪ ،‬فعرض عل ـيه الـماء والل بن والـخمر‪ ،‬فتناول ر سول ال صلى ال عل يه‬
‫وسلم اللبن‪ ،‬فقال له جبرائيـل‪ :‬أصبت يا مـحمد الفطرة‪ ،‬ولو شربت الـماء لغرقت وغرقت‬
‫أمتك‪ ،‬ولو شربت الـخمر لغويت وغوت أمتك‪ .‬ثم بعث له آدم فمن دونه من النبـياء‪ ،‬فأمّهم‬
‫رسول ال صلى ال عليه وسلم تلك اللـيـلة‪ ،‬ثم قال له جبرائيـل‪ :‬أما العجوز التـي رأيت‬
‫ل بقدر ما بق ـي من ع مر تلك العجوز‪ ،‬وأ ما‬
‫عل ـى جا نب الطر يق‪ ،‬فل ـم ي بق من الدن ـيا إ ّ‬
‫الذي أراد أن تــميـل إلــيه‪ ،‬فذاك عد ّو ال إبلــيس‪ ،‬أراد أن تــميـل إلــيه وأمـا الذيـن‬
‫سلّـموا علـيك‪ ،‬فذاك إبراهيـم وموسى وعيسى‪.‬‬
‫‪ 16630‬ـ حدثنـي علـيّ بن سهل‪ ،‬قال‪ :‬حدثنا حجاج‪ ،‬قال‪ :‬أخبرنا أبو جعفر الرازي‪ ،‬عن‬
‫الرب ـيع بن أ نس‪ ،‬عن أب ـي العال ـية الريا حي‪ ،‬عن أب ـي هريرة أو غيره شك أ بو جع فر‬
‫حرَا ِم إلــى‬
‫جدِ الــ َ‬
‫سِ‬‫ِنـ الــَم ْ‬
‫لم َ‬‫ِهـ لَــيْ ً‬
‫أسـرَى ِب َع ْبد ِ‬
‫سـبْحانَ اّلذِي ْ‬
‫فــي قول ال عزّ وجلّ‪ُ :‬‬
‫سجِ ِد القْصـَى اّلذِي بــا َركْنا حَوْلَ هُ‪ِ ،‬ل ُن ِريَهُـ مِن ْـ آياتِنـا إنّهُـ هُ َو السـّميع البَ صِيرُ قال‪ :‬جاء‬
‫الــَم ْ‬
‫جبرائيـل إلـى النبـيّ صلى ال عليه وسلم ومعه ميكائيـل‪ ،‬فقال جبرائيـل لـميكائيـل‪:‬‬
‫ائتن ـي بط ست من ماء زمزم كي ـما أط هر قل به‪ ،‬وأشرح له صدره‪ ،‬قال‪ :‬فش قّ عن بط نه‪،‬‬
‫فغسـله ثلث مرّات‪ ،‬واختلف إلــيه ميكائيــل بثلث طسـات مـن ماء زمزم‪ ،‬فشرح صـدره‪،‬‬
‫ونزع ما كان فـيه من غلّ‪ ،‬ومله حلـما وعلـما وإيـمانا ويقـينا وإسلما‪ ،‬وختـم بـين‬
‫كتفـيه بخاتـم النبوّة‪ ،‬ثم أتاه بفرس فحمل علـيه كلّ خطوة منه منتهى طرفه وأقصى بصره‪.‬‬
‫قال‪ :‬فسـار وسـار معـه جبرائيــل علــيه السـلم‪ ،‬فأتــى علــى قوم يزرعون فــي يوم‬
‫ويح صدون ف ـي يوم‪ ،‬كل ـما ح صدوا عاد ك ما كان‪ ،‬فقال النب ـي صلى ال عل يه و سلم‪ « :‬يا‬
‫جبْرائي ـلُ ما َهذَا؟» قال‪ :‬هؤلء ال ـمـجاهدون ف ـي سبـيـل ال‪ ،‬تُضا عف ل هم ال ـحسنة‬
‫بسبع مئة ضعف‪ ،‬وما أنفقوا من شيء فهو يخـلفه وهو خير الرازقـين ثم أتـى علـى قوم‬
‫تُرضخ رؤوسهم بـالصخر‪ ،‬كلـما رضخت عادت كما كانت‪ ،‬ل يفتر عنهم من ذلك شيء‪،‬‬
‫فقال‪« :‬ما هؤلء يا جَبرائِيـل؟» قال‪ :‬هؤلء الذين تتثاقل رؤوسهم عن الصلة الـمكتوبة ثم‬
‫أتـى علـى قوم علـى أقبـالهم رقاع‪ ،‬وعلـى أدبـارهم رقاع‪ ،‬يسرحون كما تسرح البل‬
‫والغنــم‪ ،‬ويأكلون الضريـع والزقّوم ورضـف جهنــم وحجارتهـا‪ ،‬قال‪« :‬مـا هَؤُلء يـا‬
‫جبْرِائيــلُ؟» قال‪ :‬هؤلء الذيـن ل يؤدّون صـدقات أموالهـم‪ ،‬ومـا ظلــمهم ال شيئا‪ ،‬ومـا ال‬
‫َ‬
‫بظلم للعبـيد ثم أتـى علـى قوم بـين أيديهم لـحم نضيج فـي قدور‪ ،‬ولـحم آخر نـيء‬
‫قذر خبــيث‪ ،‬فجعلوا يأكلون مـن النــيء‪ ،‬ويدعَون النضيـج الطي ّب‪ ،‬فقال‪« :‬مـا هَؤُلء يـا‬
‫جبْ َرئِيـلُ؟» قال‪ :‬هذا الرجل من أمتك‪ ،‬تكون عنده الـمرأة الـحلل الطيّب‪ ،‬فـيأتـي امرأة‬
‫َ‬
‫ل طيبـا‪ ،‬فتأتـي‬
‫خبـيثة فـيبـيت عندها حتـى يصبح‪ ،‬والـمرأة تقوم من عند زوجها حل ً‬
‫رجلً خبـيثا‪ ،‬فتبـيت معه حتـى تصبح‪ .‬قال‪ :‬ثم أتـى علـى خشبة فـي الطريق ل يـمرّ‬
‫جبْ َرئِيـلُ؟» قال‪ :‬هذا مثَل أقوام من‬
‫بها ثوب إلّ شقّته‪ ،‬ول شيء إلّ خرقته‪ ،‬قال‪« :‬ما َهذَا يا َ‬
‫ـ‬
‫عدُون َ‬
‫ـرَاطٍ تُو ِ‬
‫أمتـك يقعدون علــى الطريـق فــيقطعونه‪ .‬ثـم قرأ‪ :‬وَل تَ ْق ُعدُوا ِبكُلّ ص ِ‬
‫َوتَ صُدّونَ‪ ...‬الَية‪ .‬ثم أتـى علـى رجل قد جمع حزمة حطب عظيـمة ل يستطيع حملها‪،‬‬
‫جبْرائِيـلُ؟» قال‪ :‬هذا الرجل من أمتك تكون عنده أمانات‬
‫وهو يزيد علـيها‪ ،‬فقال‪« :‬ما هذا يا َ‬
‫الناس ل يقدر علـى أدائها‪ ،‬وهو يزيد علـيها‪ ،‬ويريد أن يحملها‪ ،‬فل يستطيع ذلك ثم أتـى‬
‫علـى قوم تقرض ألسنتهم وشفـاههم بـمقاريض من حديد‪ ،‬كلـما قرضت عادت كما كانت‬
‫ج ْب َرئِيــلُ؟» فقال‪ :‬هؤلء خطبــاء أمتـك‬
‫ل يفتـر عنهـم مـن ذلك شيـء‪ ،‬قال‪« :‬مـا هؤلء يـا َ‬
‫خطب ـاء الفت نة يقولون ما ل يفعلون ثم أت ـى عل ـى ج حر صغير يخرج م نه ثور عظي ـم‪،‬‬
‫ج ْب َرئِي ـلُ؟» قال‪:‬‬
‫فج عل الثور ير يد أن ير جع من ح يث خرج فل ي ستطيع‪ ،‬فقال‪ « :‬ما َهذَا يا َ‬
‫هذا الر جل يتكل ـم ب ـالكلـمة العظي ـمة‪ ،‬ثم يندم عل ـيها‪ ،‬فل ي ستطيع أن يردّ ها ثم أت ـى‬
‫علــى واد‪ ،‬فوجـد ريحـا طيبـة بــاردة‪ ،‬وفــيه ريـح الــمسك‪ ،‬وسـمع صـوتا‪ ،‬فقال‪« :‬يـا‬
‫سكِ‪ ،‬وَمـا َهذَا‬
‫ِيحـ الــم ْ‬
‫ِهـ الرّائحَةُ الّتــي َكر ِ‬
‫ط ّيبَ ُة البــا ِردَةُ وَهذ ِ‬
‫ّيحـ ال ّ‬
‫ِهـ الر ُ‬
‫جبْرائِيــلُ مـا َهذ ِ‬
‫َ‬
‫ال صّوْتُ؟» قال‪ :‬هذا صوت ال ـجنة تقول‪ :‬يا ر بّ آتن ـي ما وعدتن ـي‪ ،‬ف قد كثرت غرف ـي‬
‫واسـتبرقـي وحريري وسـندسي وعبقري‪ ،‬ولؤلؤي ومرجانــي‪ ،‬وفضتــي وذهبــي‪،‬‬
‫وأكواب ـي و صحافـي وأب ـاريقـي‪ ،‬وفواك هي ون ـخـلـي ورمان ـي‪ ،‬ولبن ـي وخمري‪،‬‬
‫ل م سلـم وم سلـمة‪ ،‬ومؤ من ومؤم نة‪ ،‬و من آ من ب ـي‬
‫فآتن ـي ما وعدتن ـي‪ ،‬فقال‪ :‬ل كِ ك ّ‬
‫وبرسـلـي‪ ،‬وعمـل صـالـحا ولــم يُشرك بــي‪ ،‬ولــم يتــخذ مـن دونــي أندادا‪ ،‬ومـن‬
‫خشينـي فهو آمن‪ ،‬ومن سألنـي أعطيته‪ ،‬ومن أقرضنـي جزيته‪ ،‬ومن توكّل علـيّ كفـيته‪،‬‬
‫إنـي أنا ال ل إله إلّ أنا ل أخـلف الـميعاد‪ ،‬وقد أفلـح الـمؤمنون‪ ،‬وتبـارك ال أحسن‬
‫ال ـخالقـين‪ ،‬قالت‪ :‬قد رض يت ثم أت ـى عل ـى واد ف سمع صوتا منكرا‪ ،‬وو جد ري حا منت نة‪،‬‬
‫ج ْبرَئيـلُ وَما َهذَا ال صّوْتُ؟» قال‪ :‬هذا صوت جهنـم‪ ،‬تقول‪ :‬يا ر بّ‬
‫ح يا َ‬
‫فقال‪« :‬ما َه ِذ ِه الرّي ُ‬
‫آتنــي مـا وعدتنــي‪ ،‬فقـد كثرت سـلسلـي وأغللــي‪ ،‬وسـعيري وجحيــمي‪ ،‬وضريعـي‬
‫وغ سّاقـي‪ ،‬وعذابـي وعقابـي‪ ،‬وقد بعُد قعري واشتدّ حرّي‪ ،‬فآتنـي ما وعدتنـي‪ ،‬قال‪ :‬لك‬
‫ل جبّــار ل يؤمـن بــيوم‬
‫كلّ مشرك ومشركـة‪ ،‬وكافـر وكافرة‪ ،‬وك ّل خبــيث وخبــيثة‪ ،‬وك ّ‬
‫الـحساب‪ ،‬قالت‪ :‬قد رضيت قال‪ :‬ثم سار حتـى أتـى بـيت الـمقدس‪ ،‬فنزل فربط فرسه‬
‫إلـى صخرة‪ ،‬ثم دخـل فصلـى مع الـملئكة فلـما قُضيت الصلة‪ .‬قالوا‪ :‬يا جبرئيـل من‬
‫هذا م عك؟ قال‪ :‬م ـحمد‪ ،‬فقالوا‪َ :‬أوَ قَد أُر سل إل ـيه؟ قال‪ :‬ن عم‪ ،‬قالوا‪ :‬حيّاه ال من أخ و من‬
‫خــلـيفة‪ ،‬فنعـم الخ ونعـم الــخـلـيفة‪ ،‬ونعـم الــمـجيء جاء قال‪ :‬ثـم لقــي أرواح‬
‫النبــياء فأثنوا علــى ربهـم‪ ،‬فقال إبراهيــم‪ :‬الــحمد ل الذي اتــخذنـي خــلـيلً‬
‫وأعطانـي ملكا عظيـما‪ ،‬وجعلنـي أمّة قانتا ل يؤتـمّ بـي‪ ،‬وأنقذنـي من النار‪ ،‬وجعلها‬
‫ي بردا وسـلما ثـم إن موسـى أثنـى علــى ربـه فقال‪ :‬الــحمد ل الذي كلّــمنـي‬
‫علــ ّ‬
‫تكلـيـما‪ ،‬وجعل هلك آل فرعون ونـجاة بنـي إسرائيـل علـى يدي‪ ،‬وجعل من أمتـي‬
‫قوما يهدون بـالـحقّ وبه يعدلون ثم إن داود علـيه السلم أثنى علـى ربه‪ ،‬فقال‪ :‬الـحمد‬
‫ل الذي ج عل ل ـي مل كا عظي ـما وعلّ ـمنـي الزّبور‪ ،‬وألن ل ـي ال ـحديد‪ ،‬و سخّر ل ـي‬
‫ال ـجبـال ي سبحن والط ير‪ ،‬وأعطان ـي ال ـحكمة وف صل ال ـخطاب ثم إن سلـيـمان أث نى‬
‫علـى ربه‪ ،‬فقال‪ :‬الـحمد ل الذي سخّر لـي الرياح‪ ،‬وسخّر لـي الشياطين‪ ،‬يعملون لـي‬
‫مـا شئت مـن مــحاريب وت ـماثـيـل وجف ـان كالــجواب‪ ،‬وقدور راسـيات‪ ،‬وعلّ ـمنـي‬
‫من طق الط ير‪ ،‬وآتان ـي من كلّ ش يء فضلً‪ ،‬و سخّر ل ـي جنود الشياط ين وال نس والط ير‪،‬‬
‫وفضّلنـي علـى كثـير من عبـاده الـمؤمنـين‪ ،‬وآتانـي ملكا عظيـما ل ينبغي لحد من‬
‫بعدي‪ ،‬وجعل ملكي ملكا طيبـا لـيس علـيّ فـيه حساب ثم إن عيسى علـيه السلم أثنى‬
‫علـى ربه‪ ،‬فقال‪ :‬الـحمد ل الذي جعلنـي كلـمته وجعل مثلـي مثل آدم خـلقه من تراب‪،‬‬
‫ثـم قال له‪ :‬كـن فــيكون‪ ،‬وعلــمنـي الكتاب والــحكمة والتوراة والنــجيـل‪ ،‬وجعلنــي‬
‫أخـلق من الطين كهيئة الطير‪ ،‬فأنفخ فـيه‪ ،‬فـيكون طيرا بإذن ال‪ ،‬وجعلنـي أبرىء الكنه‬
‫والبرص‪ ،‬وأحيــي الــموتـى بإذن ال‪ ،‬ورفعنــي وطهرنــي‪ ،‬وأعاذنــي وأمـي مـن‬
‫الشيطان الرجي ـم‪ ،‬فل ـم ي كن للشيطان عل ـينا سبـيـل قال‪ :‬ثم إن م ـحمدا صلى ال عل يه‬
‫وسـلم أثنـى علــى ربـه‪ ،‬فقال‪« :‬كُّلكُم ْـ أثْنَى عَلــى َربّهـِ‪ ،‬وأنـا ُمثْنٍـ عَلــى َربّــي»‪ ،‬فقال‪:‬‬
‫حمَةً للعالَ ـمِينَ‪ ،‬وكافةً للناس َبشِيرا َو َنذِيرا‪ ،‬وأ ْنزَلَ عَل ـيّ‬
‫ح ْمدُ لِلّ ِه الذِي أرْ سَلَنِـي َر ْ‬
‫«ال ـ َ‬
‫ل ُأ ّمتِـي وَسَطا‪،‬‬
‫جعَ َ‬
‫خ ِرجَتْ للناسِ‪َ ،‬و َ‬
‫خ ْيرَ أُمةٍ ُأ ْ‬
‫ل ُأمّتـي َ‬
‫جعَ َ‬
‫شيْءٍ‪َ ،‬و َ‬
‫ن كُلّ َ‬
‫ن فِـيه ِتبْـيا ُ‬
‫الفُرقَا َ‬
‫صدْري‪َ ،‬و َوضَ عَ عَنـي ِوزْرِي َورَفَ عَ‬
‫ح لـي َ‬
‫شرَ َ‬
‫خرُو نَ‪َ ،‬و َ‬
‫لِ‬‫ل ُأ ّمتِـي هُ مُ الوّلُو نَ وَهُ مُ ا َ‬
‫جعَ َ‬
‫َو َ‬
‫جعَلَنــي فــاتـحا خاتِــما» قال إبراهيــم‪ :‬بهذا فضلكـم مــحمد‪ .‬قال‪ :‬أبـو‬
‫لــي ِذ ْكرِي‪َ ،‬و َ‬
‫جعفـر‪ :‬وهـو الرازي‪ :‬خاتــم النبوّة‪ ،‬وفــاتـح بــالشفـاعة يوم القــيامة ثـم أتــى إلــيه‬
‫بآنـية ثلثة مغطاة أفواهها‪ ،‬فأتـى بإناء منها فـيه ماء‪ ،‬فقـيـل‪ :‬اشرب‪ ،‬فشرب منه يسيرا‬
‫ثم دفع إلـيه إناء آخر فـيه لبن‪ ،‬فقـيـل له‪ :‬اشرب‪ ،‬فشرب منه حتـى روى ثم دفع إلـيه‬
‫إناء آخر فـيه خمر‪ ،‬فقـيـل له‪ :‬اشرب‪ ،‬فقال‪« :‬ل أريده قد رويت» فقال له جبرئيـل صلى‬
‫حرّم عل ـى أم تك‪ ،‬ولو شر بت من ها ل ـم يتب عك من أم تك إلّ‬
‫ستُـ َ‬
‫ال عل يه و سلم‪ :‬أ ما إن ها َ‬
‫عرَج بـه إلــى سـماء الدنــيا‪ ،‬فــاستفتـح جبرائيــل بــابـا مـن أبوابهـا‪،‬‬
‫القلــيـل‪ ،‬ثـم َ‬
‫فق ـيـل‪ :‬من هذا؟ قال‪ :‬جبرائي ـل‪ ،‬ق ـيـل‪ :‬و من م عك؟ فقال‪ :‬م ـحمد‪ ،‬قالوا‪َ :‬أوَ قَد أُر سل‬
‫إل ـيه‪ ،‬قال‪ :‬ن عم‪ ،‬قالوا‪ :‬حيّاه ال من أخ ومن خ ـلـيفة‪ ،‬فن عم الخ ون عم الـخـلـيفة‪ ،‬ون عم‬
‫ال ـمـجيء جاء فدخ ـل فإذا هو بر جل تا مّ ال ـخـلق ل ـم ين قص من خ ـلقه ش يء‪ ،‬ك ما‬
‫ين قص من خ ـلق الناس‪ ،‬عل ـى ي ـمينه ب ـاب يخرج م نه ر يح طي بة‪ ،‬و عن شماله ب ـاب‬
‫يخرج منه ريح خبـيثة‪ ،‬إذا نظر إلـى البـاب الذي عن يـمينه ضحك واستبشر‪ ،‬وإذا نظر‬
‫شيْخُ التّامُ الـخَـلْقِ‬
‫ج ْب َرئِيـلَ َمنْ َهذَا ال ّ‬
‫إلـى البـاب الذي عن شماله بكى وحزن‪ ،‬فقلت‪« :‬يا َ‬
‫ن البـابـانِ؟» قال‪ :‬هذا أبوك آدم‪ ،‬وهذا البـاب‬
‫شيْءٌ‪ ،‬وَما َهذَا ِ‬
‫ن خَـلْقِ ِه َ‬
‫اّلذِي لَـمْ َينْقُ صْ ِم ْ‬
‫الذي عن ي ـمينه ب ـاب ال ـجنة‪ ،‬إذا ن ظر إل ـى من يدخ ـله من ذرّي ته ض حك وا ستبشر‪،‬‬
‫والبـاب الذي عن شماله بـاب جهنـم‪ ،‬إذا نظر إلـى من يدخـله من ذرّيته بكى وحزن ثم‬
‫صعد به جبرئيـل صلى ال عليه وسلم إلـى السماء الثانـية فـاستفتـح‪ ،‬فقـيـل‪ :‬من هذا؟‬
‫قال‪ :‬جبرائي ـل‪ ،‬ق ـيـل‪ :‬و من م عك؟ قال‪ :‬م ـحمد ر سول ال‪ ،‬فقالوا‪ :‬أَ َو قَد أُر سل إل ـيه؟‬
‫قال‪ :‬نعـم‪ ،‬قالوا‪ :‬حيّاه ال مـن أخ ومـن خــلـيفة‪ ،‬فنعـم الخ ونعـم الــخـلـيفة‪ ،‬ونعـم‬
‫ن الشابّـانِ؟» قال‪ :‬هذا‬
‫ج ْب َرئِيـلُ مَ نْ َهذَا ِ‬
‫الـمـجيء جاء‪ ،‬قال‪ :‬فإذا هو بشابـين‪ ،‬فقال‪« :‬يا َ‬
‫عي سى ا بن مري ـم‪ ،‬ويح يى بن زكر يا اب نا ال ـخالة‪ ،‬قال‪ :‬ف صعد به إل ـى ال سماء الثال ثة‪،‬‬
‫ف ـاستفتـح‪ ،‬فقالوا‪ :‬من هذا؟ قال‪ :‬جبرائي ـل‪ ،‬قالوا‪ :‬و من م عك؟ قال‪ :‬م ـحمد‪ ،‬قالوا‪ :‬أَ َو قَد‬
‫أُرسل إلـيه؟ قال‪ :‬نعم‪ ،‬قالوا‪ :‬حيّاه ال من أخ ومن خـلـيفة‪ ،‬فنعم الخ ونعم الـخـلـيفة‪،‬‬
‫ونعـم الــمـجيء جاء‪ ،‬قال‪ :‬فدخــل فإذا هـو برجـل قـد فَض َل علــى الناس كلهـم فــي‬
‫جبْرائِيـلُ‬
‫ن َهذَا يا ِ‬
‫الـحُسن‪ ،‬كما فُضّل القمرُ لـيـلة البدر علـى سائر الكواكب‪ ،‬قال‪َ « :‬م ْ‬
‫حسْنِ؟» قال‪ :‬هذا أخوك يو سف ثم صعد به إل ـى ال سماء‬
‫اّلذِي فَضَلَ عل ـى النّا سِ ف ـي ال ـ ُ‬
‫الراب عة‪ ،‬ف ـاستفتـح‪ ،‬فق ـيـل‪ :‬من هذا؟ قال جبرائي ـل‪ ،‬قالوا‪ :‬و من م عك؟ قال‪ :‬م ـحمد‪،‬‬
‫قالوا‪َ :‬أ َو قَد أُر سل إل ـيه؟ قال‪ :‬ن عم‪ ،‬قالوا‪ :‬حيّاه ال من أخ و من خ ـلـيفة‪ ،‬فن عم الخ ون عم‬
‫َنـ َهذَا يـا‬
‫الــخـلـيفة‪ ،‬ونعـم الــمـجيء جاء قال‪ :‬فدخــل‪ ،‬فإذا هـو برجـل‪ ،‬قال‪« :‬م ْ‬
‫جبْرَئي ـلُ؟» قال‪ :‬هذا إدر يس رف عه ال مكا نا عل ـيّا‪ .‬ثم صعد به إل ـى ال سماء ال ـخامسة‪،‬‬
‫َ‬
‫ف ـاستفتـح جبرائي ـل‪ ،‬فقالوا‪ :‬من هذا؟ فقال‪ :‬جبرائي ـل‪ ،‬قالوا‪ :‬و من م عك؟ قال‪ :‬م ـحمد‪،‬‬
‫قالوا‪َ :‬أ َو قَد أُر سل إل ـيه؟ قال‪ :‬ن عم‪ ،‬قالوا‪ :‬حيّاه ال من أخ و من خ ـلـيفة‪ ،‬فن عم الخ ون عم‬
‫يقصـ‬
‫ّ‬ ‫الــخـلـيفة‪ ،‬ونعـم الــمـجيء جاء ثـم دخــل فإذا هـو برجـل جالس وحوله قوم‬
‫حوْلَ هُ؟» قال‪ :‬هذا هارون الـمـحبب‬
‫ن هَؤُل ِء اّلذِي نَ َ‬
‫ج ْب َرئِيـلُ َومَ ْ‬
‫ن َهذَا يا َ‬
‫علـيهم‪ ،‬قال‪« :‬مَ ْ‬
‫فـي قومه‪ ،‬وهؤلء بنو إسرائيـل ثم صعد به إلـى السماء السادسة‪ ،‬فـاستفتـح جبرائيـل‪،‬‬
‫فق ـيـل له‪ :‬من هذا؟ قال‪ :‬جبرائي ـل‪ ،‬قالوا‪ :‬و من م عك؟ قال‪ :‬م ـحمد‪ ،‬قالوا‪َ :‬أوَ قَد أُر سل‬
‫إل ـيه؟ قال‪ :‬نعم‪ ،‬قالوا‪ :‬حيّاه ال من أخ ومن خـلـيفة‪ ،‬فنعم الخ ونعم الـخـلـيفة‪ ،‬ونعم‬
‫ن َهذَا؟»‬
‫جبْرائِيـلُ َم ْ‬
‫الـمـجيء جاء فإذا هو برجل جالس‪ ،‬فجاوزه‪ ،‬فبكى الرجل‪ ،‬فقال‪« :‬يا َ‬
‫قال‪ :‬موسى‪ ،‬قال‪َ « :‬فمَا بـالُ ُه َيبْكي؟» قال‪ :‬تزعم بنو إسرائيـل أنـي أكرم بنـي آدم علـى‬
‫ال‪ ،‬وهذا رجل من بنـي آدم قد خـلفنـي فـي دنـيا‪ ،‬وأنا فـي أخرى‪ ،‬فلو أنه بنفسه لـم‬
‫صعَد به إلـى السماء السابعة‪ ،‬فـاستفتـح جبرائيـل‪،‬‬
‫أبـال‪ ،‬ولكن مع كلّ نبـيّ أمته ثم َ‬
‫فقــيـل‪ :‬مـن هذا؟ قال‪ :‬جبرائيــل‪ ،‬قالوا‪ :‬ومـن معـك؟ قال‪ :‬مــحمد‪ ،‬قالوا‪ :‬أَ َو قَد أُرسـل‬
‫إل ـيه؟ قال‪ :‬نعم‪ ،‬قالوا‪ :‬حيّاه ال من أخ ومن خـلـيفة‪ ،‬فنعم الخ ونعم الـخـلـيفة‪ ،‬ونعم‬
‫الـمـجيء جاء‪ ،‬قال‪ :‬فدخـل فإذا هو برجل أشمط جالس عند بـاب الـجنة علـى كرسي‪،‬‬
‫جلوسـ بــيض الوجوه‪ ،‬أمثال القراطيـس‪ ،‬وقوم فــي ألوانهـم شيـء‪ ،‬فقام هؤلء‬
‫ٍ‬ ‫وعنده قوم‬
‫الذين فـي ألوانهم شيء‪ ،‬فدخـلوا نهرا فـاغتسلوا فـيه‪ ،‬فخرجوا وقد خـلص من ألوانهم‬
‫ش يء‪ ،‬ثم دخ ـلوا نهرا آ خر‪ ،‬ف ـاغتسلوا ف ـيه‪ ،‬فخرجوا و قد خ ـلص من ألوان هم ش يء‪ ،‬ثم‬
‫دخ ـلوا نهرا آ خر ف ـاغتسلو ف ـيه‪ ،‬فخرجوا و قد خ ـلص من ألوان هم ش يء‪ ،‬ف صارت م ثل‬
‫شمَ طُ‪ ،‬ثُ مّ مَ نْ‬
‫ن َهذَا ال ْ‬
‫جبْ َرئِيـلُ مَ ْ‬
‫ألوان أصحابهم‪ ،‬فجاءوا فجلسوا إلـى أصحابهم‪ ،‬فقال‪« :‬يا َ‬
‫ِهـ النهَارُ الّتــي‬
‫شيْءٌ‪ ،‬وَمـا َهذ ِ‬
‫ِمـ َ‬
‫ِينـ فــي ألْوَا ِنه ْ‬
‫َنـ هَؤُل ِء اّلذ َ‬
‫هَؤُل ِء البِــيضُ ُوجُو ُههُمـْ‪َ ،‬وم ْ‬
‫شمِط علـى الرض‪،‬‬
‫ت ألْوَا ُنهُ مْ؟» قال‪ :‬هذا أبوك إبراهيـم أوّل من َ‬
‫َدخَـلُوا‪َ ،‬فجَاءُوا َو َقدْ صَفَ ْ‬
‫وأ ما هؤلء الب ـيض الوجوه‪ :‬فقوم ل ـم يُ ـ ْلبِسوا إي ـمانهم بظل ـم‪ ،‬وأ ما هؤلء الذ ين ف ـي‬
‫ألوانهـم شيـء‪ ،‬فقوم خــلطوا عملً صـالـحا وآخـر شيئا‪ ،‬فتابوا‪ ،‬فتاب ال علــيهم‪ ،‬وأمـا‬
‫النهار‪ :‬فأولها رحمة ال‪ ،‬وثانـيها‪ :‬نعمة ال‪ ،‬والثالث‪ :‬سقاهم ربهم شرابـا طهورا قال‪ :‬ثم‬
‫ل أ حد خل من أم تك عل ـى‬
‫انت هى إل ـى ال سّدرة‪ ،‬فق ـيـل له‪ :‬هذه ال سدرة ينت هي إل ـيها ك ّ‬
‫سنتك‪ ،‬فإذا هي شجرة يخرج من أصلها أنهار من ماء غير آسن‪ ،‬وأنهار من لبن لـم يتغير‬
‫طعمه‪ ،‬وأنهار من خمر لذّة للشاربـين‪ ،‬وأنهار من عسل مصفّـى‪ ،‬وهي شجرة يسير الراكب‬
‫فــي ظلّهـا سـبعين عامـا ل يقطعهـا‪ ،‬والورقـة منهـا مغطيـة للمـة كلهـا‪ ،‬قال‪ :‬فغشيهـا نور‬
‫الــخلّق عزّ وجلّ‪ ،‬وغشيتهـا الــملئكة أمثال الغربــان حيـن يقعـن علــى الشجرة‪ ،‬قال‪:‬‬
‫فكلــمه عنـد ذلك‪ ،‬فقال له‪ :‬سـل‪ ،‬فقال‪« :‬اتــخذتَ إبراهيــم خــلـيلً‪ ،‬وأعطيتـه مُلكـا‬
‫عظيــما‪ ،‬وكلــمت موسـى تكلــيـما‪ ،‬وأعطيـت داود ملكـا عظيــما‪ ،‬وألنـت له الــحديد‪،‬‬
‫و سخرت له ال ـجبـال‪ ،‬وأعط يت سلـيـمان مل كا عظي ـما‪ ،‬و سخرت له ال ـجنّ وال نس‬
‫والشياطيـن‪ ،‬وسـخرت له الرياح‪ ،‬وأعطيتـه ملكـا ل ينبغـي لحـد مـن بعده‪ ،‬وعلّــمت عيسـى‬
‫التوراة والنـجيـل‪ ،‬وجعلته يبرىء الكمه والبرص‪ ،‬ويحيـي الـموتـى بإذن ال‪ ،‬وأعذته‬
‫وأمـه مـن الشيطان الرجيــم‪ ،‬فلــم يكـن للشيطان علــيهما سـبـيـل»‪ .‬فقال له ربـه‪ :‬قـد‬
‫اتـخذتك حبـيبـا وخـلـيلً‪ ،‬وهو مكتوب فـي التوراة‪ :‬حبـيب ال وأرسلتك إلـى الناس‬
‫كافّة بشيرا ونذيرا‪ ،‬وشرحت لك صدرك‪ ،‬ووضعت عنك وزرك‪ ،‬ورفعت لك ذكرك‪ ،‬فل أذكر‬
‫إلّ ذكرت معي‪ ،‬وجعلت أمتك أمة وسطا‪ ،‬وجعلت أمتك هم الوّلون والَخرون‪ ،‬وجعلت أمتك‬
‫ل تـجوز لهم خطبة‪ ،‬حتـى يشهدوا أنك عبدي ورسولـي‪ ،‬وجعلت من أمتك أقواما قلوبهم‬
‫أناجيـلهم‪ ،‬وجعلتك أوّل النّبـيـين خَـلْقا‪ ،‬وآخرهم َبعْثا‪ ،‬وأوّلَهم يُ ْقضَى له‪ ،‬وأعطيتك سبعا‬
‫من الـمثانـي‪ ،‬ل ـم يُعط ها نب ـيّ قبلك‪ ،‬وأعطي تك الكو ثر‪ ،‬وأعطيتك ثمان ـية أسهم السلم‬
‫والهجرة‪ ،‬وال ـجهاد‪ ،‬وال صدقة‪ ،‬وال صلة‪ ،‬و صوم رمضان‪ ،‬وال مر ب ـالـمعروف‪ ،‬والن هي‬
‫عن ال ـمنكر‪ ،‬وجعل تك ف ـاتـحا وخات ـما‪ ،‬فقال النب ـيّ صلى ال عل يه و سلم‪« :‬فضَّلنِ ـي‬
‫حدِيثِ‪ ،‬وأرْ سََلنِـي إلـى‬
‫ح الكَلِـمِ َوخَوَاتِـيـمَهُ‪َ ،‬وجَوَامِ َع الـ َ‬
‫َربّـي ب سِتّ‪ :‬أعْطانِـي فَوَاتِـ َ‬
‫ت ل ـيَ‬
‫ش ْهرٍ‪ ،‬وُأحِلّ ْ‬
‫ن مَ سِيرَةِ َ‬
‫عدُوّي الرُعْ بَ ِم ْ‬
‫النّا سِ كافّ ًة َبشِيرا َو َنذِيرا‪َ ،‬و َقذَ فَ فِ ـي قُلُو بِ َ‬
‫طهُورا َومَ سْجِدا‪ ،‬قال‪َ :‬و َفرَ ضَ‬
‫ت ل ـي الرْ ضُ كُلّ ها َ‬
‫جعِلَ ْ‬
‫حدٍ َقبْلِ ـي‪ ،‬و ُ‬
‫لَ‬‫الغَنائ مُ ولَـمْ تَ ـحِلّ َ‬
‫خمْ سِينَ‬
‫خمْسِينَ صَلةٍ» فلـما رجع إلـى موسى‪ ،‬قال‪ :‬بِـم أُمرت يا مـحمد‪ ،‬قال‪« :‬ب َ‬
‫ي َ‬
‫عَلـ ّ‬
‫صَلةً»‪ ،‬قال‪ :‬ارجع إلـى ربك فـاسأله التّـخفـيف‪ ،‬فإن أمتك أضعف المـم‪ ،‬فقد لقـيت‬
‫مـن بنــي إسـرائيـل شدّة‪ ،‬قال‪ :‬فرجـع النبــيّ صـلى ال عليـه وسـلم إلــى ربـه فسـأله‬
‫الت ـخفـيف‪ ،‬فو ضع ع نه عشرا‪ ،‬ثم رجع إل ـى مو سى‪ ،‬فقال‪ :‬ب كم أُمرت؟ قال‪« :‬بأ ْر َبعِي نَ»‪،‬‬
‫ت من بنـي‬
‫قال‪ :‬ارجع إلـى ربك فـاسأله التـخفـيف‪ ،‬فإن أمتك أضعف المـم‪ ،‬وقد لقـي ُ‬
‫إسرائيـل شدّة‪ ،‬قال‪ :‬فرجع إلـى ربه‪ ،‬فسأله التـخفـيف‪ ،‬فوضع عنه عشرا‪ ،‬فرجع إلـى‬
‫موسى‪ ،‬فقال‪ :‬بكم أُمرت؟ قال‪ُ« :‬أ ِمرْتُ ِبثَلثِـينَ»‪ ،‬فقال له موسى‪ :‬ارجع إلـى ربك فـاسأله‬
‫الت ـخفـيف‪ ،‬فإن أم تك أض عف الم ـم‪ ،‬و قد لق ـيت من بن ـي إ سرائيـل شدّة‪ ،‬قال‪ :‬فر جع‬
‫إلـى ربه فسأله التـخفـيف‪ ،‬فوضع عنه عشرا‪ ،‬فرجع إلـى موسى فقال‪ :‬بكم أمرت؟ قال‪:‬‬
‫«بعشر ين»‪ ،‬قال‪ :‬ار جع إل ـى ر بك ف ـاسأله الت ـخفـيف‪ ،‬فإن أم تك أض عف الم ـم‪ ،‬و قد‬
‫لق ـيت من بن ـي إ سرائيـل شدة‪ ،‬قال‪ :‬فر جع إل ـى ر به ف سأله الت ـخفـيف‪ ،‬فو ضع ع نه‬
‫عشرا‪ ،‬فرجـع إلــى موسـى‪ ،‬فقال‪ :‬لكـم أمرت؟ قال‪ :‬قال‪ :‬ارجـع إلــى ربـك فــاسأله‬
‫الت ـخفـيف‪ ،‬فإن أم تك أض عف الم ـم‪ ،‬و قد لق ـيت من بن ـي إ سرائيـل شدّة‪ ،‬قال‪ :‬فر جع‬
‫علـى حياء إلـى ربه فسأله التـخفـيف‪ ،‬فوضع عنه خمسا‪ ،‬فرجع إلـى موسى‪ ،‬فقال‪ :‬بكم‬
‫أمرت؟ قال‪« :‬بخمـس»‪ ،‬قال‪ :‬ارجـع إلــى ربـك فــاسأله التــخفـيف‪ ،‬فإن أمتـك أضعـف‬
‫ْتـ إلــى َربّــي حتــى‬
‫جع ُ‬‫المــم‪ ،‬وقـد لقــيتُ مـن بنــي إسـرائيـل شدّة‪ ،‬قال‪َ « :‬قدْ َر َ‬
‫حيَـيْت فَمَا أ نا رَاجِ عٌ إلَ ـيْهِ»‪ ،‬فق ـيـل له‪ :‬أ ما إ نك ك ما صبرت نف سك عل ـى خ مس‬
‫ستَـ ْ‬
‫ا ْ‬
‫صلوات فإنه نّ يجزين عنك خمسين صلة‪ ،‬فإن كلّ حسنة بعشر أمثالها‪ ،‬قال‪ :‬فرضي مـحمد‬
‫صلى ال عل يه و سلم كلّ الر ضا‪ ،‬فكان مو سى أشدّ هم عل ـيه ح ين مرّ به‪ ،‬وخير هم له ح ين‬
‫رجع إلـيه‪.‬‬
‫حدثنـي مـحمد بن عبـيد ال‪ ،‬قال‪ :‬أخبرنا أبو النضر هاشم بن القاسم‪ ،‬قال‪ :‬حدثنا أبو‬
‫ك أبو جعفر عن أبـي‬
‫جعفر الرازي‪ ،‬عن الربـيع بن أنس‪ ،‬عن أبـي العالـية أو غيره ش ّ‬
‫سمِيعُ البَ صِيرُ قال‪ :‬جاء‬
‫سرَى ِب َع ْبدِه‪ ...‬إلـى قوله‪ :‬إنّ هُ ُهوَ ال ّ‬
‫ن اّلذِي أ ْ‬
‫سبْحا َ‬
‫هريرة فـي قوله‪ُ :‬‬
‫جبرائي ـل إل ـى النب ـيّ صلى ال عل يه و سلم‪ ،‬فذ كر ن ـحو حد يث عل ـيّ بن سهل‪ ،‬عن‬
‫حجاج‪ ،‬إل أنـه قال‪ :‬جاء جبرائيــل ومعـه مكائيــل‪ ،‬وقال فــيه‪ :‬وإذا بقوم يسـرحون كمـا‬
‫تسرح النعام يأكلون الضريع والزقوم‪ ،‬وقال فـي كل موضع قال علـيّ‪« :‬ما هؤلء»‪« ،‬من‬
‫هؤلء يا جبرئيـل»‪ ،‬وقال فـي موضع «تقرض ألسنتهم» «تقص ألسنتهم»‪ ،‬وقال أيضا فـي‬
‫موضع قال علـيّ فـيه‪« :‬ونعم الـخـلـيفة»‪ .‬قال فـي ذكر الـخمر‪ ،‬فقال‪« :‬ل أريده قد‬
‫رويت»‪ ،‬قال جبرئيـل‪ :‬قد أصبت الفطرة يا مـحمد‪ ،‬إنها ستـحرم علـى أمتك‪ ،‬وقال فـي‬
‫ل أحد خل علـى سبـيـلك من‬
‫سدرة الـمنتهى أيضا‪ :‬هذه السدرة الـمنتهى‪ ،‬إلـيها ينتهي ك ّ‬
‫أمتك وقال أيضا فـي الورقة منها‪« :‬تظلّ الـخـلق كلهم‪ ،‬تغشاها الـملئكة مثل الغربـان‬
‫ب ال عزّ وجلّ» وسائر الـحديث مثل حديث علـيّ‪.‬‬
‫حين يقعن علـى الشجرة‪ ،‬من حُ ّ‬
‫‪16631‬ـ حدثنا مـحمد بن عبد العلـى‪ ،‬قال‪ :‬حدثنا مـحمد بن ثور‪ ،‬عن معمر‪ ،‬عن أبـي‬
‫هارون العبدي‪ ،‬عن أب ـي سعيد ال ـخدري وحدثن ـي ال ـحسن بن يح يى‪ ،‬قال‪ :‬أخبر نا ع بد‬
‫الرزاق‪ ،‬قال‪ :‬حدثنا معمر‪ ،‬قال‪ :‬أخبرنا أبو هارون العبدي‪ ،‬عن أبـي سعيد الـخدري‪ ،‬واللفظ‬
‫سجِد‬
‫ن اّلذِي أس ْـرَى ِب َعبْدِهِـ لَــيْلً مِنَـ الــمَ ْ‬
‫لــحديث الــحسن بـن يحيـى‪ ،‬فــي قوله‪ :‬سُـبْحا َ‬
‫جدِ القْصَى قال‪ :‬حدثنا النبـيّ صلى ال عليه وسلم عن لـيـلة أُسري‬
‫سِ‬‫حرَا ِم إلـى الـ َم ْ‬
‫الـ َ‬
‫ضطَ ِربَتان وَهُ َو ال ُبرَاقُ‪،‬‬
‫ب بـالبَغْلِ‪ ،‬لَ ُه أذُنانِ ُم ْ‬
‫شبَ ُه الدّوَا ّ‬
‫ت ِبدَابّ ٍة ِهيَ أ ْ‬
‫به فقال نبـيّ ال‪ُ« :‬أتِـي ُ‬
‫صرِهِ‪،‬‬
‫ع ْندَ ُم ْن َتهَى بَ َ‬
‫ن َت ْر َكبُ هُ ال ْنبِـيا ُء َقبْلِـي‪َ ،‬ف َر ِكبْتُ هُ‪ ،‬فـانْطََلقَ بِـي َيضَ عُ َيدَ هُ ِ‬
‫وَ ُهوَ اّلذِي كا َ‬
‫عرّ جْ عَلَـيْ ِه ثُ مّ‬
‫ضيْ تُ وَلَـمْ أ َ‬
‫ح ّمدُ عَلـى رِ سِْلكَ أسأ ْلكَ‪َ ،‬ف َم َ‬
‫ع نْ يَـمِينِـي‪ :‬يا مُـ َ‬
‫س ِمعْتُ ِندَاءً َ‬
‫فَ َ‬
‫عرّ جْ عَلَـيْ ِه ثُ مّ‬
‫حمّدُ عَلـى رِ سُلِكَ أسأ ْلكَ‪َ ،‬ف َمضَيْ تُ وَلـمْ أ َ‬
‫ن شِمالـي‪ :‬يا مُـ َ‬
‫ع ْ‬
‫س ِمعْتُ ِندَاءً َ‬
‫َ‬
‫ن زِينَةِ الدّنـيْا رَا ِفعَ ًة َيدَها‪ ،‬تَقُولُ‪:‬‬
‫ل زِينَ ٍة مِ ْ‬
‫طرِي قِ‪ ،‬فَرأيْ تُ عَلَـيْها ِم نْ كُ ّ‬
‫ستَ ْقبَلْتُ امْرأ ًة فِـي ال ّ‬
‫اْ‬
‫عرّجْ عَلَـيْها‪ ،‬ثُمّ أتَـيْتُ بَـيْتَ الـمَ ْقدِسِ‪ ،‬أوْ‬
‫حمّدُ علـى رِسْلِكَ أسأ ْلكَ‪َ ،‬ف َمضْيتُ وَلَـمْ أ َ‬
‫يا مُـ َ‬
‫ن ال ْنبِـياءُ تُوثِقُ بِها‪،‬‬
‫ن الدّابَةِ فَأ ْوثْ ْقتُها بـالـحَلْقَةِ التـي كانَ ِ‬
‫جدَ القْصَى‪َ ،‬ف َنزَلْتُ عَ ِ‬
‫سِ‬‫قالَ الـمَ ْ‬
‫جهِ كَ‪ ،‬فَقُلْ تُ‪:‬‬
‫ت فِـي َو ْ‬
‫ج ْب َرئِيـل‪ :‬ماذَا رأيْ َ‬
‫جدَ فَ صَلّـيْتُ فِـيهِ‪ ،‬فقالَ لِـي َ‬
‫سِ‬‫ثُ مّ َدخَـلْتُ الـمَ ْ‬
‫عرّ جْ عَلَـيْهِ‪،‬‬
‫ضيْ تُ ولَـمْ أ َ‬
‫ن يا مُـحَ ّمدُ عَلـى رِ سِْلكَ أسأ ْلكَ‪َ ،‬فمَ َ‬
‫ن يَـمِينِـي أ ْ‬
‫ع ْ‬
‫س ِمعْتُ ِندَاءً َ‬
‫َ‬
‫س ِمعْتُ ِندَاءً عَ نْ‬
‫ي الـيَهُودِ‪ ،‬أمَا َلوَ أنّ كَ َوقَـفْتَ عَلَـيْهِ لَت َه ّودَ تْ ُأ ّمتُ كَ‪ ،‬قال‪ :‬ثُ مّ َ‬
‫قالَ‪ :‬ذَا كَ داعِ َ‬
‫عرّ جْ عَلَ ـيْهِ‪ ،‬قال‪ :‬ذَا كَ دا عي‬
‫ضيْ تُ وَلَ ـمْ أ َ‬
‫ح ّمدُ عَل ـى رِ سِْلكَ أ سأ ْلكَ‪َ ،‬ف َم َ‬
‫ن يا مُ ـ َ‬
‫يَ سارِي أ ْ‬
‫صرَتْ ُأ ّمتُ كَ‪ ،‬قُلْ تُ‪ :‬ثُ مّ استْ َقبََل َتنِـي امْرأةٌ عَلَـيْها مِ نْ‬
‫ك لَوْ َوقَـفْتَ عَلَـيْهِ َل َتنَ ّ‬
‫النّ صَارَى‪ ،‬أمَا إنّ َ‬
‫ّجـ‬
‫عر ْ‬‫ْتـ ولَــمْ أُ َ‬
‫ضي ُ‬‫ِسـلِكَ‪ ،‬أسـأ ْلكَ‪َ ،‬فمَ َ‬
‫ِنـ زِينَ ِة الدّنــيْا رَا ِفعَةً َيدَهـا تَقُولُ عَلــى ر ْ‬
‫كُلّ زِينَ ٍة م ْ‬
‫عَلَ ـيْها‪ ،‬قال‪ :‬تِلْ كَ الدّن ـيْا َت َز ّينَ تْ لَ كَ‪ ،‬أمَا إنّ كَ َلوْ َوقَ ـفْتَ عَلَ ـيْها لخْتارَ تْ ُأ ّمتُ كَ ال ّدنْ ـيا‬
‫ل لِ ـي‪:‬‬
‫خ ْمرٌ‪ ،‬فَقِ ـيـ َ‬
‫خرُ فِ ـي ِه َ‬
‫لَ‬‫حدُهُ ما فِ ـيهِ لَب نٌ‪ ،‬وا َ‬
‫خرَةِ‪ ،‬ثُ مّ ُأتِ ـيتُ بإنا َءيْ نِ أ َ‬
‫لِ‬‫عل ـى ا َ‬
‫طرَةَ»‪.‬‬
‫خذْتَ ال ِف ْ‬
‫طرَةَ أ ْو قالَ‪ :‬أ َ‬
‫صبْتَ ال ِف ْ‬
‫ش ِر ْبتُهُ‪ ،‬قال‪ :‬أ َ‬
‫ن فَ َ‬
‫خذْتُ الّلبَ َ‬
‫شئْتَ‪ ،‬فَأ َ‬
‫ب أ ّيهُما ِ‬
‫اشْرَ ْ‬
‫قال معمـر‪ :‬وأخبرنــي الزهري‪ ،‬عـن ابـن الــمسيب أنـه قــيـل له‪ :‬أمـا إنـك لو أخذت‬
‫الـخمر غوت أمتك‪.‬‬
‫قال أبو هارون فـي حديث أبـي سعيد‪« :‬ثُ مّ جِي َء بـالـمِ ْعرَاجِ اّلذِي َت ْعرُ جُ فِـيهِ أرْوَا حُ‬
‫حدّ بَ صَرَ ُه إلَـيْ ِه َفعُرِ جَ بِنا‬
‫ت ألَـمْ َترَ إلـى الـ َميّتِ َكيْ فَ ُي ِ‬
‫َبنِـي آدَ مَ فإذَا ُهوَ أحْ سَنُ ما رأيْ ُ‬
‫ن هَذا؟‬
‫ج ْبرَائِيـلُ‪ ،‬فَقـيـلَ َم ْ‬
‫ستَ ْفتَـحَ َ‬
‫فِ ـيهِ حت ـى ا ْن َت َهيْ نا إلـى ب ـابِ ال سّماءِ الدّن ـيْا‪ ،‬ف ـا ْ‬
‫ح ّمدٌ‪ ،‬قِ ـيـلَ‪ :‬أوَ َقدْ ُأرْ سِلَ إلَ ـيْهِ؟ قال‪َ :‬نعَ مْ‪،‬‬
‫ن َمعَ كَ؟ قال‪ :‬مُ ـ َ‬
‫ج ْب َرئِي ـلُ؟ قِ ـيـلَ‪َ :‬ومَ ْ‬
‫قال‪َ :‬‬
‫س ْبعُونَ‬
‫س ال سّماءَ يُقال لَ هُ إ سْماعِيـلُ‪َ ،‬معَ هُ َ‬
‫حرُ ُ‬
‫فَ َفتَ ـحُوا وَ سَلّـمُوا عَلَ ـيّ‪ ،‬وَإذَا مَلَ كٌ ُم َوكّلٌ َي ْ‬
‫جنُودَ َربّ كَ إلّ ُهوَ وَإذَا أ نا ِبرَجُلٍ‬
‫ألْ فَ مَلَ كٍ مَ َع كُلّ مَلَ كٍ ِم ْنهُ مْ ِمئَ ُة ألْ فٍ‪ ،‬ثم قرأ‪ :‬وَ ما َيعْلَ ـمُ ُ‬
‫ح ُذرّ ّيتِ هِ‪ ،‬فإذَا كانَ تْ‬
‫َك َه ْيئَتِ ِه يَوْ َم خَـلَقَهُ الّل هُ لَـمْ َي َت َغّيرْ ِمنْ ُه شَيْءٌ‪ ،‬فإذَا هُ َو ُت ْعرَض عَلَـيْ ِه أرْوَا ُ‬
‫ح كا ِفرٍ‬
‫ن رُو َ‬
‫جعَلُوا كِتابَ ُه فِـي عِلّـيِـينَ وَإذَا كا َ‬
‫ط ّيبَةٌ‪ ،‬ا ْ‬
‫ح َ‬
‫ط ّيبَةٌ‪َ ،‬ورِي ٌ‬
‫رُوح مُ ْؤمِ نٍ‪ ،‬قالَ‪ :‬رُو حٌ َ‬
‫ن َهذَا؟‬
‫ج ْبرَائِيـلُ مَ ْ‬
‫جعَلُوا كِتابَ ُه فِـي سِجيّـلٍ‪ ،‬فَقُلْ تُ‪ :‬يا َ‬
‫خبِـيثَةٌ‪ ،‬ا ْ‬
‫خبِـيثَةٌ َورِي حٌ َ‬
‫قالَ‪ :‬رُو حٌ َ‬
‫قال‪ :‬أبُوك َـ آدَمـُ‪ ،‬فَس َـلّـمَ عَلــيّ َو َرحّب َـ بِــي َودَعـا لِــي ِبخَيرٍ وَقال‪َ :‬مرْحَبــا بــال ّنبِـيّ‬
‫الصّالِـحِ والوََل ِد الصّالِـحِ‪ ،‬ثُمّ َنظَرْتُ فإذَا أنا بقَوْمٍ َلهُ ْم مَشافِ ُر كمَشافِرِ البلِ‪َ ،‬وقَدْ ُوكّلَ ِبهِمْ مَنْ‬
‫ِنـ أسـافِِل ِهمْ‪ ،‬قُلْتـُ‪ :‬يـا‬
‫ُجـ م ْ‬
‫خر ُ‬‫ِنـ نارٍ َي ْ‬
‫صـخْرا م ْ‬
‫ِمـ َ‬
‫جعَلُ فــي أفْوَا ِهه ْ‬
‫ُمـ ُي ْ‬
‫َي ْأخُ ُذ بِــمَشا ِفرِ ِهمْ‪ ،‬ث ّ‬
‫ظرْتُ فإذَا أنا بَ َق ْومٍ‬
‫ن هَؤُلءِ؟ قال‪َ :‬هؤُل ِء اّلذِينَ َي ْأكُلُونَ أمْوَالَ الـ َيتَامَى ظُلْـما‪ُ .‬ثمّ َن َ‬
‫جَب ْرئِيـلُ مَ ْ‬
‫ن جُلُودِهِ ْم و ُي َردّ فِـي أفْوَا ِههِمْ‪ ،‬ثُمّ يُقال‪ :‬كُلُوا كمَا أكَ ْلتُـمْ‪ ،‬فإذَا أ ْكرَ ُه ما خَـَلقَ اللّهُ َلهُمْ‬
‫حذَي ِم ْ‬
‫ُي ْ‬
‫ن لُ ـحُومَ‬
‫ج ْبرَائِي ـلُ؟ قال‪َ :‬هؤُلءِ ال َهمّازُو نَ اللّ ـمازُونَ الذِي نَ يأكُلُو َ‬
‫ذل كَ‪ ،‬قُلْ تُ‪ :‬مَ نْ َهؤُلءِ يا َ‬
‫حمٌ‬
‫ظرْ تُ فإذَا أنا بِقَوْ مٍ عَلـى ما ِئدَةٍ عَلَـيْها لَـ ْ‬
‫عرَاضِهِ مْ بـالسّبّ ثُ مّ َن َ‬
‫النّا سِ‪َ ،‬ويَ َقعُو نَ فِـي أ ْ‬
‫جيَ فٌ‪ ،‬فَجعلُوا يَـمِيـلُونَ عَلـى الـجِيفِ‬
‫حوَْلهُ مْ ِ‬
‫حمِ‪ ،‬وَإذَا َ‬
‫ت مِ نَ اللـ ْ‬
‫َمشْوِ يّ كأحْ سَنِ ما رأيْ ُ‬
‫ع َمدُوا‬
‫جبْرَا ِئيَ ـلُ؟ قالَ‪َ :‬هؤُل ِء الزّناةُ َ‬
‫ن ذل كَ الل ـحْمَ‪ ،‬قُلْ تُ‪َ :‬م نْ هَؤلءِ يا َ‬
‫ن ِمنْ ها َو َيدَعُو َ‬
‫يَأكُلُو َ‬
‫ت فإذَا أنا بِ َقوْ مٍ َلهُ مْ بُطو نٌ كأنّها‬
‫ظرْ ُ‬
‫ل اللّ هُ َلهُ مْ ث مّ َن َ‬
‫حرّ مَ الّل هُ عَلَـيْ ِهمْ‪َ ،‬و َت َركُوا ما أحَ ّ‬
‫إلـى مَا َ‬
‫ن ثارُوا‪ ،‬فَ ـيَـمِيـلُ بأحَدِهِ مْ‬
‫عوْ نَ‪ ،‬فإذَا َمرّ ِبهِ مْ آلُ ِفرْعَ ْو َ‬
‫ل فِرْ َ‬
‫البُ ـيُوتُ وَهِ يَ عل ـى سابِلَةِ آ ِ‬
‫شيّا قُلْتُ‪:‬‬
‫عِ‬‫غدُوّا وَ َ‬
‫ن بأ ْرجُِلهِمْ‪ ،‬وَهُمْ ُي ْعرَضُونَ عَلـى النارِ ُ‬
‫عوْ َ‬
‫ل فِرْ َ‬
‫َبطْنُ ُه فَـيَقَعُ‪ ،‬فَـ َيتَوَطئُو ُهمْ آ ُ‬
‫ج ْبرَائِيــلُ؟ قال‪َ :‬هؤُلءِ أكََلةُ الرّبــا‪ ،‬رَبــا فِــي ُبطُو ِنهِمـْ‪َ ،‬ف َمثَُلهُم ْـ َك َمثَلِ اّلذِي‬
‫مَن ْـ َهؤُلء يـا َ‬
‫شيْطا نُ مِن ال ـمَسّ ثُ مّ َنظَرْ تُ‪ ،‬فإذَا أ نا ِبنِ ساءٍ ُمعَلّقا تٍ ِب ُث ُد ّيهِ نّ‪َ ،‬ونِ ساءٌ ُم َنكّ ساتٌ‬
‫خبّطُ ُه ال ّ‬
‫َيتَ ـ َ‬
‫ج ْبرَئِيـلُ؟ قال‪ :‬ه نّ اللتـي َي ْزنِ ـينَ َويَ ْقتُ ْل نَ أوْلدَهُ نّ قالَ‪ :‬ثُ مّ‬
‫بأ ْرجُِلهِ نّ‪ ،‬قُلْ تُ‪ :‬مَ نْ َهؤُل ِء يا ِ‬
‫جهُ هُ كال َق َمرِ لَـيْـلَةَ‬
‫ن ُأ ّمتِ هِ‪ ،‬وَ َو ْ‬
‫حوْل ُه َتبَ عٌ ِم ْ‬
‫ص َعدْنا إلـى ال سّما ِء الثّانِـيَةِ‪ ،‬فإذَا أنا بِـيُوسُف و َ‬
‫َ‬
‫ضيْنا إلـى ال سّما ِء الثّاِلثَةِ‪ ،‬فإذا أنا بـا ْبنِـيَ الـخالَةِ‬
‫ال َبدْرِ‪ ،‬فَ سَلّـمَ عَلـيّ َو َرحّ بَ بِـي‪ ،‬ثُ ّم مَ َ‬
‫شعْرُهُ ما‪ ،‬فَ سَلّـما عَل ـيّ‪َ ،‬ورَحبّ ـابِـي ثُ مّ‬
‫حبَهُ‪ ،‬ثِ ـيابُهما َو َ‬
‫حدُهُما صَا ِ‬
‫شبِ هُ أ َ‬
‫عيَ سى‪ُ ،‬ي ْ‬
‫يَحيَى َو ِ‬
‫َمضَيْنَا إل ـى ال سّماءِ الرّا ِبعَةِ‪ ،‬فإذا أ نا بإدْرِيَس‪ ،‬فَ سَلّـمَ عَل ـيّ َورَحّب َو َقدْ قالَ اللّ هُ‪َ :‬ورَ َفعْناه‬
‫حوْلَهُ‬
‫ب فِـي قَ ْومِهِ‪َ ،‬‬
‫ن الـمُـحَبّ ِ‬
‫ضيْنا إلـى السّماءِ الـخامِسَةِ‪ ،‬فإذَا أنا بِهارُو َ‬
‫مَكانا عَلِـيّا ثُمّ َم َ‬
‫حيَ ِة تَكادُ لِ ـحْ َيتُهُ‬
‫َتبَ عٌ َكثِ ـيرٌ ِم نْ ُأ ّمتِ هِ» فَوَ صَفَ ُه ال ّنبِ ـي صلى ال عل يه و سلم‪« :‬طَوِي ـلُ اللّ ـ ْ‬
‫ضيْ نا إل ـى ال سّماءِ ال سّادِسَ ِة فإذَا أ نا ب ـمُوسَى ْب نِ‬
‫ب ثُ مّ َم َ‬
‫تَ ـمَسّ سُ ّرتَهُ‪ ،‬فَ سلّـمَ عل ـيّ َو َرحَ َ‬
‫شعْ ِر لَ ْو كا نَ عَلَ ـيْهِ َقمِي صَانِ‬
‫عمْرا نَ» فَوَ صَفَ ُه ال ّنبِ ـيّ صلى ال عل يه و سلم فقالَ‪َ « :‬كثِ ـيرُ ال ّ‬
‫ِ‬
‫س أنّ ـي أ ْكرَ مُ ال ـخَـلْقِ عَل ـى اللّ هِ‪َ ،‬ف َهذَا أ ْكرَ مُ‬
‫شعْرُ ُه ِم ْنهُمَا قالَ مُو سَى‪َ :‬تزْعَ مُ النّا ُ‬
‫خرَ جَ َ‬
‫َ‬
‫ن ُأ ّمتِ ِه ثُ مّ‬
‫ن َت ِبعَ هُ مِ ْ‬
‫ل َنبِـيّ َومَ ْ‬
‫حدَ هُ لَـمْ أ ُك نْ أُبـالـي‪ ،‬وََل ِك نْ كُ ّ‬
‫عَلـى الّل هِ ِمنّـي‪ ،‬وَلَ ْو كا نَ َو ْ‬
‫َهـ إلــى البَــيْتِ‬
‫ظ ْهر ُ‬
‫ُسـِندٌ َ‬
‫َمضَيْنـا إلــى السـّماءِ السـّا ِبعَةِ‪ ،‬فإذَا أنـا بإبْرَاهِيــمَ وَ ُهوَ جالِس م ْ‬
‫الـ َمعْمُو َر فَ سَلّـمَ عَلـيّ وَقال‪َ :‬مرْحبـا بـالنّبِـيّ ال صّالِـحِ وَاَلوََلدِ ال صّالِـحِ‪ ،‬فَقِـيـلَ‪ :‬هذَا‬
‫مَكانُ كَ َومَكا نُ ُأمّتِك‪ ،‬ثُ مّ تَل‪ :‬إ نّ أوْلَ ـى النّا سِ ب ـا ْبرَاهِيـمَ لّلذِي نَ ا ّت َبعُوا وَهَذا ال ّنبِ ـيّ وَاّلذِي نَ‬
‫آ َمنُوا‪ ،‬وَالّل هُ وَلِ ـيّ ال ـمُ ْؤ ِمنِـينَ ثُ مّ َدخَ ـلْتُ البَ ـيْتَ ال ـ َم ْعمُورَ فَ صَلّـيْتُ فِ ـيهِ‪ ،‬وَإذَا هُوَ‬
‫شجَرَ ٍة إ نْ‬
‫ظرْ تُ فإذَا أنا ب َ‬
‫ن إلـى َيوْ ِم القِـيامَ ِة ثُ مّ َن َ‬
‫ك ل َيعُودُو َ‬
‫س ْبعُونَ ألْ فَ مَلَ ٍ‬
‫ل يَوْ مٍ َ‬
‫َي ْدخُـلُهُ كُ ّ‬
‫ش ْعبَتَـيْنِ‪،‬‬
‫ش ّعبَ تْ ُ‬
‫جرِي قَدْ َت َ‬
‫ن تَـ ْ‬
‫عيْ ٌ‬
‫لمّةَ‪ ،‬فإذَا فِـي أ صْلِها َ‬
‫طيَ ٌة َهذِ هِ ا ُ‬
‫كانَ تْ ال َو َرقَةُ ِمنْها لُـمغَ ّ‬
‫ج ْبرَائِيــلُ؟ قال‪ :‬أم ّا َهذَا‪َ :‬فهُ َو َن ْهرُ ال ّرحْمَةِ‪ ،‬وأم ّا هذَا‪َ :‬فهُ َو الكَ ْو َثرُ الذِي‬
‫فَقُلْتـُ‪ :‬مـا هذَا يـا َ‬
‫خذْتُ‬
‫خرَ‪ ،‬ثُمّ َأ َ‬
‫ن َذ ْنبِـي وَما تَأ ّ‬
‫غ َتسَلْتُ فِـي َن ْهرِ الرّحمَةِ َفغُ ِفرَ لِـي ما تَ َقدّمَ مِ ْ‬
‫أعْطاكَ ُه اللّهُ‪ ،‬فـا ْ‬
‫طرَ‬
‫خَ‬‫س َمعَتْ‪ ،‬وَل َ‬
‫ن رأتْ‪ ،‬وَل ُأذُنٌ َ‬
‫عيْ ٌ‬
‫جنّة‪ ،‬فإذَا فِـيها ما ل َ‬
‫عَلـى الكَ ْو َثرِ حتـى َدخَـلْتُ الـ َ‬
‫طيْرٌ كأنّها ال ُبخْ تُ»‬
‫ل الـمُ َق ّتبَةُ‪ ،‬وإذَا فِـيها َ‬
‫ن كأنّ ُه جُلُودُ البِ ِ‬
‫شرٍ‪ ،‬وَإذَا فِـيها ُرمّا ٌ‬
‫عَلـى قَلْ بِ َب َ‬
‫لرْجُو أ نْ‬
‫عمَةٌ‪ ،‬قالَ‪« :‬أكََلتْ ها أ ْنعَ مُ ِمنْ ها يا أب ـا َب ْكرٍ‪ ،‬وإنّ ـي َ‬
‫ط ْيرَ لَنا ِ‬
‫ن تِل كَ ال ّ‬
‫فقالَ أبُو َب ْكرِ‪ :‬إ ّ‬
‫ن أنْ تِ؟ فَقالَ تْ‪ :‬ل َز ْيدِ بْ نِ حارِثَة» َف َبشّ َر بِ ها‬
‫ت فِ ـيها جا ِريَةً‪ ،‬فَ سأ ْلتُها‪ :‬لَ ـمَ ْ‬
‫تَأكُلَ ِمنْ ها‪ ،‬ورأيْ ُ‬
‫خمْسِينَ‬
‫ن اللّ َه أ َمرَنِـي بأمْرِهِ‪َ ،‬وفَرَض عَلـيّ َ‬
‫رَسُولُ الّلهِ صلى ال عليه وسلم َزيْدا قالَ‪« :‬ثُ ّم إ ّ‬
‫خمْ سِينَ صَلةَ‪،‬‬
‫صَلةً‪َ ،‬فمَ َررْ تُ عَل ـى مُو سَى‪ ،‬فقالَ‪ :‬بِ ـ َم أمَرَ كَ َربّ كَ؟ قُلْ تُ‪َ :‬فرَ ضَ عَل ـيّ َ‬
‫جعْ تُ إلـى َربّـي‬
‫ن يَقُومُوا بِهذَا‪ ،‬فَ َر َ‬
‫ن ُأ ّمتَ كَ لَ ْ‬
‫قالَ‪ :‬ا ْرجِ عْ إلـى َربّ كَ فأسألْ ُه التّـخْفِـيفَ‪ ،‬فإ ّ‬
‫ل أ ْرجِعُـ إل ـى َربّــي إذَا‬
‫جعْ تُ إلــى مُوسـَى‪ ،‬فَلَــمْ أزَ ْ‬
‫عشْرا‪ ،‬ثُمّـ رَ َ‬
‫عنّــي َ‬
‫فَ سأ ْلتُهُ فَ َوضَ عَ َ‬
‫ّكـ‬
‫ِعـ إلــى َرب َ‬
‫ل مُوسـَى‪ :‬ا ْرج ْ‬
‫صـلَوَاتٍ‪ ،‬فَقا َ‬
‫ْسـ َ‬
‫خم َ‬
‫ْتـ بِــمُوسَى حتــى فَرَض عَلَــيّ َ‬
‫َمرَر ُ‬
‫حيَـيْتُ» أ ْو قالَ‪« :‬قُلْت‪ :‬ما‬
‫ستَـ ْ‬
‫ت إلـى َربّـي حتـى ا ْ‬
‫جعْ ُ‬
‫فـاسألْ ُه التّـخْفِـيفَ‪ ،‬فَقُلْتُ‪َ :‬قدْ َر َ‬
‫شرِ‬
‫سنَ ُة ِبعَ ْ‬
‫ن صَلةً‪ ،‬ال ـحَ َ‬
‫خمْ سِي َ‬
‫ت َ‬
‫خمْسِ صَلَوَا ِ‬
‫أ نا ِبرَاجِ عٍ‪ ،‬فَق ـيـلَ ل ـي‪ :‬إ نّ لَ كَ بِهذِ هِ ال ـ َ‬
‫ن هَ مّ‬
‫عشْرا‪َ ،‬ومَ ْ‬
‫عمِلَ ها ُك ِتبَ تْ لَ هُ َ‬
‫سنَة‪َ ،‬و َم نْ َ‬
‫سنَ ٍة فَلَ ـمْ َي ْعمَلْ ها ُكتِب تْ َل هُ حَ َ‬
‫أ ْمثَالِهَا‪َ ،‬و َم نْ هَ مّ ِبحَ َ‬
‫حدَةً»‪.‬‬
‫عمِلَها ُك ِتبَتْ وَا ِ‬
‫شيْئا‪ ،‬فإنْ َ‬
‫بِسيَئَ ٍة فَلَـم َي ْعمَلْها لَـمْ ُت ْكتَبْ َ‬
‫حدثنا ابن حميد‪ ،‬قال‪ :‬حدثنا سلـمة‪ ،‬عن مـحمد بن إسحاق‪ ،‬قال‪ :‬ثنـي روح بن القاسم‪،‬‬
‫عن أبـي هارون عمارة بن جوين العبدي‪ ،‬عن أبـي سعيد الـخدري وحدثنا ابن حميد‪ ،‬قال‪:‬‬
‫حدث نا سلـمة‪ ،‬قال‪ :‬وثن ـي أ بو جع فر‪ ،‬عن أب ـي هارون‪ ،‬عن أب ـي سعيد‪ ،‬قال‪ :‬سمعت‬
‫ن فِ ـي بَ ـيْتِ ال ـمَ ْقدِسِ‪ُ ،‬أتِ ـيَ‬
‫النب ـيّ صلى ال عل يه و سلم يقول‪« :‬لَ ـمّا َفرَغْ تُ مِ ـمّا كا َ‬
‫ضرَ‪،‬‬
‫ع ْينَـيْهِ إذا حَ َ‬
‫ن ِمنْ هُ‪ ،‬وَهُ َو اّلذِي يَـ ُمدّ إلَـيْ ِه َم ّي ُتكُ مْ َ‬
‫ط أحْ سَ َ‬
‫شيْئا قَ ّ‬
‫بـالـمِ ْعرَاجِ‪ ،‬ولَـمْ أ َر َ‬
‫ب الـحَ َفظَةِ‪،‬‬
‫ل لَ ُه بـا ُ‬
‫ب يُقا ُ‬
‫ن البْوَا ِ‬
‫ص َعدَنِـي صَاحِبـي فِـي ِه حتـى ا ْن َتهَى إلـى بـابٍ مِ َ‬
‫فَأ ْ‬
‫ل مَلَ كٍ ِم ْنهُ مْ‬
‫شرَ ألْ فَ مَلَ كٍ‪ ،‬تَـحْت َيدَ يْ كُ ّ‬
‫عَ‬‫ل لَ ُه إ سْماعِيـلُ‪ ،‬تَـحْتَ َيدَي هِ اثْنا َ‬
‫عَلَـيْ ِه مَلَ كٌ يُقا ُ‬
‫شرَ ألْ فَ مَلَ كٍ» فقال ر سول ال صلى ال عل يه و سلم ح ين حدّث هذا ال ـحديث‪ « :‬ما‬
‫عَ‬‫اثْ نا َ‬
‫جنُودَ َربّ كَ إلّ ُهوَ» ثم ذ كر ن ـحو حد يث مع مر‪ ،‬عن أب ـي هارون إل أ نه قال ف ـي‬
‫َيعْلَ ـمُ ُ‬
‫ْتـ فِــيها جا ِريَةً‪ ،‬فسـألتُها لِــمَنْ أنْتـِ؟ َو َقدْ‬
‫جنّةَ فَرأي ُ‬
‫ُمـ َدخَــلَ بِــيَ الــ َ‬
‫حديثـه‪ :‬قال‪« :‬ث ّ‬
‫ن حا ِرثَةَ» فبشّر بها رسول ال صلى ال عليه وسلم زيد‬
‫ن رأ ْيتُها‪ ،‬فَقالَتْ‪ِ :‬لزَ ْيدِ ْب ِ‬
‫ج َب ْتنِـي حي َ‬
‫عَ‬‫أْ‬
‫بن حارثة‪ ،‬ثم انتهى حديث ابن حميد عن سلـمة إلـى ههنا‪.‬‬
‫حدثنا الـحسن بن يحيى‪ ،‬قال‪ :‬أخبرنا عبد الرزاق‪ ،‬قال‪ :‬أخبرنا معمر‪ ،‬عن الزهري‪ ،‬عن‬
‫ابن الـمسيب‪ ،‬عن أبـي هريرة‪ ،‬أن رسول ال صلى ال عليه وسلم وصف لصحابه لـيـلة‬
‫شبَ هً بِ صَاحِ ِب ُكمْ ِمنْ هُ‪.‬‬
‫لأْ‬
‫أُسري به إبراهيـمَ وموسى وعيسى فقال‪« :‬أمّا إ ْبرَاهِيـمُ فَلَـمْ أ َر َرجُ ً‬
‫حمَرُ بـينَ‬
‫لأْ‬
‫شنُوءَةَ‪ .‬وأمّا عِيسَى فَرجُ ٌ‬
‫ن رِجالِ ُ‬
‫ج ْعدٌ أ ْقنَى‪ ،‬كأنّه مِ ْ‬
‫طوَالٌ َ‬
‫وأمّا مُوسَى فَ َرجُلٌ آ َدمٌ ِ‬
‫طرُ‬
‫خرَجَ مِنْ دِيـماَسٍ كأنّ رأسَهُ يَ ْق ُ‬
‫جهِ‪ ،‬كأنّه َ‬
‫ش ْعرِ َكثِـيرُ خِيلنِ ال َو ْ‬
‫طوِيـلِ سَبطُ ال ّ‬
‫القَصِيرِ وال ّ‬
‫سعُودٍ»‪.‬‬
‫ن َم ْ‬
‫عرْ َوةُ بْ ُ‬
‫ت بِهِ ُ‬
‫شبَ ُه مِنْ رأيْ ُ‬
‫ماءً‪ ،‬وَما ِبهِ ماءٌ‪ ،‬أ ْ‬
‫حدثنا ابن حميد‪ ،‬قال‪ :‬حدثنا سلـمة‪ ،‬عن مـحمد‪ ،‬عن الزهري‪ ،‬عن سعيد بن الـمسيب‪،‬‬
‫عن رسول ال صلى ال عليه وسلم بنـحوه‪ ،‬ولـم يقل عن أبـي هريرة‪.‬‬
‫‪ 16632‬ـ حدثنا الـحسن بن يحيى‪ ،‬قال‪ :‬أخبرنا عبد الرزاق‪ ،‬قال‪ :‬أخبرنا معمر‪ ،‬عن قتادة‪،‬‬
‫عن أنس‪ ،‬أن النبـيّ صلى ال عليه وسلم ُأتِـي بـالبراق لـيـلة أُسري به مسرجا ملـجما‬
‫لـيركبه‪ ،‬فـاستصعب علـيه‪ ،‬فقال له جبرئيـل‪ :‬ما يحملك علـى هذا‪ ،‬فوال ما ركبك أحد‬
‫قطّ أكرم علـى ال منه قال‪ :‬فـارفض عرقا‪.‬‬
‫سبْحانَ اّلذِي‬
‫‪ 16633‬ـ حدثنا بشر‪ ،‬قال‪ :‬حدثنا يزيد‪ ،‬قال‪ :‬حدثنا سعيد‪ ،‬عن قتادة‪ ،‬فـي قوله‪ُ :‬‬
‫حوْلَهُ أسري‬
‫جدِ القْصَى اّلذِي بـا َركْنا َ‬
‫جدِ الـحَرَامِ إلـى الـ َمسْ ِ‬
‫سرَى ِب َعبْدِ ِه لَـيْلً مِنَ الـ َمسْ ِ‬
‫أْ‬
‫ِب َنبِـيّ ال عشاء من مكة إلـى بـيت الـمقدس‪ ،‬فصلـى نبـيّ ال فـيه‪ ،‬فأراه ال من آياته‬
‫وأمره بـما شاء لـيـلة أسري به‪ ،‬ثم أصبح بـمكة‪ .‬ذُ كر لنا أن نب ـيّ ال صلى ال عليه‬
‫ع ْندَ‬
‫ل َلهَا ال ُبرَا قُ‪ ،‬فَوْ قَ الـحِمارِ َودُو نَ ال َبغْلِ‪َ ،‬يضَ عُ حا ِفرَ هُ ِ‬
‫حمِلْ تُ عَلـى دَابّةٍ يُقا ُ‬
‫وسلم قال‪ُ « :‬‬
‫ُم ْنتَهَى طَ ْرفِهـِ» فحدث نبــيّ ال بذلك أهـل مكـة‪ ،‬فكذب بـه الــمشركون وأنكروه وقالوا‪ :‬يـا‬
‫مــحمد تــخبرنا أ نك أتــيت بــيت ال ـمقدس‪ ،‬وأقبلت مـن لــيـلتك‪ ،‬ثم أصـبحت عند نا‬
‫بـمكة‪ ،‬فما كنت تـجيئنا به‪ ،‬وتأتـي به قبل هذا الـيوم مع هذا فصدقه أبو بكر‪ ،‬فسمّي أبو‬
‫بكر الصدّيق من أجل ذلك‪.‬‬
‫‪ 16634‬ـ حدثنا ابن أبـي الشوارب‪ ،‬قال‪ :‬حدثنا عبد الواحد بن زياد‪ ،‬قال‪ :‬حدثنا سلـيـمان‬
‫الشيبـانـي‪ ،‬عن عبد ال بن شدّاد‪ ،‬قال‪ :‬لـما كان لـيـلة أُسري برسول ال صلى ال عليه‬
‫وسـلم أتــي بدابـة يقال لهـا البراق‪ ،‬دون البغـل وفوق الــحمار‪ ،‬تضـع حافرهـا عنـد منتهـى‬
‫ظفر ها فل ـما أت ـى ب ـيت ال ـمقدس ُأتِ ـيَ بإناء ين‪ :‬إناء من ل بن‪ ،‬وإناء من خ مر‪ ،‬فشرب‬
‫اللبن‪ .‬قال‪ :‬فقال له جبرائيـل‪ :‬هديت وهديت أمتك‪.‬‬
‫وقال آخرون م ـمن قال‪ :‬أ سرى ب ـالنبـيّ صلى ال عل يه و سلم إل ـى ال ـمسجد الق صى‬
‫بنفسه وجسمه أسرى به علـيه السلم‪ ،‬غير أنه لـم يدخـل بـيت الـمقدس‪ ،‬ولـم يصلّ‬
‫فـيه‪ ،‬ولـم ينزل عن البراق حتـى رجع إلـى مكة‪ .‬ذكر من قال ذلك‪:‬‬
‫‪ 16635‬ـ حدثنا مـحمد بن بشار‪ ،‬قال‪ :‬حدثنا يحيى بن سعيد القطان‪ ،‬قال‪ :‬حدث نا سفـيان‪،‬‬
‫قال‪ :‬ثنـي عاصم بن بهدلة عن زرّ بن حبـيش‪ ،‬عن حُذيفة بن الـيـمان‪ ،‬أنه قال فـي هذه‬
‫سجِ ِد القْ صَى قال‪:‬‬
‫حرَامِ إلـى الـ َم ْ‬
‫سجِدِ الـ َ‬
‫ن الـ َم ْ‬
‫سرَى ِب َع ْبدِ ِه لَـيْلً ِم َ‬
‫ن اّلذِي أ ْ‬
‫سبْحا َ‬
‫الَية‪ُ :‬‬
‫ل ف ـيه ر سول ال صلى ال عل يه و سلم‪ ،‬ولو صلـى ف ـيه لك تب عل ـيكم أل صلة‬
‫ل ـم ي ص ّ‬
‫فـيه‪ ،‬كا كتب علـيكم الصلة عند الكعبة‪.‬‬
‫حدثنا أبو كريب‪ ،‬قال‪ :‬سمعا أبـا بكر بن عياش‪ ،‬ورجل يحدّث عنده بحديث حين أسري‬
‫ب ـالنبـيّ صلى ال عل يه و سلم‪ ،‬فقال له‪ :‬ل ت ـجِيء ب ـمثل عا صم ول زرّ قال‪ :‬قال حُذي فة‬
‫لزرّ بـن حبــيش قال‪ :‬وكان زِرّ رجلً شريفــا مـن أشراف العرب‪ ،‬قال‪ :‬قرأ حُذيفـة سُـبْحانَ‬
‫سجِدِ القْ صَى اّلذِي بـا َركْنا‬
‫سجِدِ الـحَرَامِ إلـى الـ َم ْ‬
‫ن الـ َم ْ‬
‫ن اللّـيْـلِ مِ َ‬
‫سرَى ِب َعبْدِ ِه مِ َ‬
‫اّلذِي أ ْ‬
‫ن آياتِ نا إنّ هُ ُه َو ال سّميعُ البَ صِيرُ وكذا قرأ ع بد ال‪ ،‬قال‪ :‬وهذا ك ما يقولون‪ :‬إ نه‬
‫حَوَْل هُ‪ِ ،‬ل ُن ِريَ ُه مِ ْ‬
‫دخـل الـمسجد فصلـى فـيه‪ ،‬ثم دخـل فربط دابته‪ ،‬قال‪ :‬قلت‪ :‬وال قد دخـله‪ ،‬قال‪ :‬من‬
‫أ نت فإن ـي أعرف وج هك ول أدري ما ا سمك‪ ،‬قال‪ :‬قلت‪ :‬زر بن حب ـيش‪ ،‬قال‪ :‬ما عملك‬
‫سـبْحانَ اّلذِي‬
‫هذا؟ قال‪ :‬قلت‪ :‬مـن قبَل القرآن‪ ،‬قال‪ :‬مـن أخـذ بــالقرآن أفلــح‪ ،‬قال‪ :‬فقلت‪ُ :‬‬
‫حوْلَ هُ قال‪:‬‬
‫لقْ صَى اّلذِي بـا َركْنا َ‬
‫جدِ ا َ‬
‫جدِ الـحَرَامِ إلـى الـ َمسْ ِ‬
‫سرَى ِب َعبْدِ ِه لَـيْلً مِ نَ الـ َمسْ ِ‬
‫أ ْ‬
‫فنظر إلـيّ فقال‪ :‬يا أصلع‪ ،‬هل ترى دخـله؟ قال‪ :‬قلت‪ :‬ل وال‪ ،‬قال حُذيفة‪ :‬أجل وال الذي‬
‫ل إله إل هو ما دخـله‪ ،‬ولو دخـله لوجبت علـيكم صلة فـيه‪ ،‬ل وال ما نزل عن البراق‬
‫حتـى رأى الـجنة والنار‪ ،‬وما أع ّد ال فـي الَخرة أجمع وقال‪ :‬تدري ما البراق؟ قال‪ :‬دابة‬
‫دون البغل وفوق الـحمار‪ ،‬خطوه مدّ البصر‪.‬‬
‫وقال آخرون‪ :‬بل أسري بروحه‪ ،‬ولـم يسر بجسده‪ .‬ذكر من قال ذلك‪:‬‬
‫‪16636‬ـ حدثنا ابن حميد‪ ،‬قال‪ :‬حدثنا سلـمة‪ ،‬عن مـحمد بن إسحاق‪ ،‬قال‪ :‬ثنـي يعقوب بن‬
‫عتبة بن الـمغيرة بن الخنس أن معاوية بن أبـي سفـيان‪ ،‬كان إذا سئل عن مسرى رسول‬
‫ال صلى ال عليه وسلم قال‪ :‬كانت رؤيا من ال صادقة‪.‬‬
‫‪16637‬ـ حدثنا ابن حميد‪ ،‬قال‪ :‬حدثنا سلـمة‪ ،‬عن مـحمد‪ ،‬قال‪ :‬ثنـي بعض آل أبـي بكر‪،‬‬
‫أن عائشة كانت تقول‪ :‬ما فقد جسد رسول ال صلى ال عليه وسلم‪ ،‬ولكن ال أسرى بروحه‪.‬‬
‫‪ 16638‬ـ حدث نا ا بن حم يد‪ ،‬قال‪ :‬حدث نا سلـمة‪ ،‬قال ا بن إ سحاق‪ :‬فل ـم يُن كر ذلك من قول ها‬
‫ل ِفتْنَ ًة للنّا سِ ولقول ال ف ـي‬
‫جعَلْ نا الرّؤْ يا الت ـي أ َريْنا كَ إ ّ‬
‫ال ـحسن أن هذه الَ ية نزلت وَ ما َ‬
‫ظرْ‬
‫الـخبر عن إبراهيـم‪ ،‬إذ قال لبنه‪ :‬يا بنـيّ إنّـي أرَى فِـي الـمَنامِ أنّـي أ ْذ َبحُ كَ فـانْ ُ‬
‫ماذَا َترَى ثم مضى علـى ذلك‪ ،‬فعرفت أن الوحي يأتـي بـالنبـياء من ال أيقاظا ونـياما‪،‬‬
‫عيْ سَى َوقَ ْلبِـي يَقْظا نُ» ف ـال أعل ـم أ يّ‬
‫وكان ر سول ال صلى ال عل يه و سلم يقول‪« :‬تَنا مُ َ‬
‫ي حالته كان نائما أو يقظانا كلّ‬
‫ذلك كان قد جاءه ؤعاين فـيه من أمر ال ما عاين علـى أ ّ‬
‫ذلك حقّ وصدق‪.‬‬
‫وال صواب من القؤل ف ـي ذلك عند نا أن يقال‪ :‬إن ال أ سرى بعبده م ـحمد صلى ال عل يه‬
‫وسلم من الـمسجد الـحرام إلـى الـمسجد القصى‪ ،‬كما أخبر ال عبـاده‪ ،‬وكما تظاهرت‬
‫به الخب ـار عن ر سول ال صلى ال عل يه و سلم‪ ،‬أن ال حمله عل ـى البراق ح ين أتاه به‪،‬‬
‫وصلـى هنالك بـمن صلـى من النبـياء والرسل‪ ،‬فأراه ما أراه من الَيات ول معنى لقول‬
‫من قال‪ :‬أ سرى برو حه دون ج سده‪ ،‬لن ذلك لو كان كذلك ل ـم ي كن ف ـي ذلك ما يو جب أن‬
‫يكون ذلك دل ـيلً عل ـى نبوّ ته‪ ،‬ول ح جة له عل ـى ر سالته‪ ،‬ول كان الذ ين أنكروا حق ـيقة‬
‫ذلك من أهل الشرك‪ ،‬وكانوا يدفعون به عن صدقه فـيه‪ ،‬إذ لـم يكن منكرا عندهم‪ ،‬ول عند‬
‫أ حد من ذوي الفطرة ال صحيحة من بن ـي آدم أن يرى الرائي من هم ف ـي ال ـمنام ما عل ـى‬
‫مسيرة سنة‪ ،‬فكيف ما هو علـى مسيرة شهر أو أقلّ؟ وبعد‪ ،‬فإن ال إنـما أخبر فـي كتابه‬
‫أ نه أ سرى بعبده‪ ،‬ول ـم يخبر نا أ نه أ سرى بروح عبده‪ ،‬ول ـيس جائزا ل حد أن يتعدّى ما قال‬
‫ن أن ذلك جائز‪ ،‬إذ كانت العرب تفعل ذلك فـي كلمها‪ ،‬كما قال‬
‫ال إلـى غيره‪ .‬فإن ظ نّ ظا ّ‬
‫قائلهم‪:‬‬
‫ب غي ِركِ بـا ْلعَناقِ‬
‫سبْتُ بُغامَ رَاحَِلتِـي عَناقاوَما ِهيَ َويْ َ‬
‫حِ‬‫َ‬
‫يعن ـي‪ :‬ح سبت بغام راحلت ـي صوت عناق‪ ،‬فحذف ال صوت واكتف ـى م نه ب ـالعناق‪ ،‬فإن‬
‫العرب تف عل ذلك ف ـيـما كان مفهو ما مراد ال ـمتكلـم من هم به من الكلم‪ .‬فأ ما ف ـيـما ل‬
‫دللة علــيه إل بظهوره‪ ،‬ول يوصـل إلــى معرفـة مراد الــمتكلّـم إل ببــيانه‪ ،‬فإنهـا ل‬
‫تـحذف ذلك ول دللة تدلّ علـى أن مراد ال من قوله‪ :‬أ سْرَى ِب َع ْبدِ ِه أسرى بروح عبده‪ ،‬بل‬
‫الدلة الواضحة‪ ،‬والخبـار الـمتتابعة عن رسول ال صلى ال عليه وسلم أن ال أسرى به‬
‫علــى دابـة يُقال لهـا البراق ولو كان السـراء بروحـه لــم تكـن الروح مــحمولة علــى‬
‫البراق‪ ،‬إذ كانـت الدواب ّـ ل تــحمل إل الجسـام‪ .‬إل أن يقول قائل‪ :‬إن معنـى قولنـا‪ :‬أسـرى‬
‫بروحـه‪ :‬رأى فــي الــمنام أنـه أسـرى بجسـده علــى البراق‪ ،‬فــيكذب حينئذٍ بــمعنى‬
‫الخبــار التــي رُويـت عـن رسـول ال صـلى ال عليـه وسـلم‪ ،‬أن جبرئيــل حمله علــى‬
‫البراق‪ ،‬لن ذلك إذا كان منامـا علــى قول قائل هذا القول‪ ،‬ولــم تكـن الروح عنده مــما‬
‫تركب الدوابّ‪ ،‬ولـم يحمل علـى البراق جسم النبـيّ صلى ال عليه وسلم‪ ،‬لـم يكن النبـيّ‬
‫صلى ال عليه وسلم علـى قوله حُمل علـى البراق ل جسمه‪ ،‬ول شيء منه‪ ،‬وصار المر‬
‫عنده كبعض أحلم النائمين‪ ،‬وذلك دفع لظاهر التنزيـل‪ ،‬وما تتابعت به الخبـار عن رسول‬
‫ال صلى ال عليه وسلم‪ ،‬وجاءت به الَثار عن الئمة من الصحابة والتابعين‪.‬‬
‫َهـ يقول تعالــى ذكره‪ :‬الذي جعلنـا حوله البركـة لسـكانه فــي‬
‫حوْل ُ‬
‫وقوله‪ :‬اّلذِي بــاركْنا َ‬
‫ن آياتِنا يقول تعالـى ذكره‪ :‬كي نرى‬
‫معايشهم وأقواتهم وحروثهم وغروسهم‪ .‬وقوله‪ِ :‬لنُ ِريَ هُ ِم ْ‬
‫عبد نا م ـحمدا من آيات نا‪ ،‬يقول‪ :‬من عبر نا وأدلت نا وحجج نا‪ ،‬وذلك هو ما قد ذكرت ف ـي‬
‫الخبـار التـي رويتها آنف ـا‪ ،‬أن رسول ال صلى ال عل يه وسلم أر يه فـي طريقه إلـى‬
‫بـيت الـمقدس‪ ،‬وبعد مصيره إلـيه من عجائب العبر والـمواعظ‪ .‬كما‪:‬‬
‫‪ 16639‬ـ حدثنا بشر‪ ،‬قال‪ :‬حدثنا يزيد‪ ،‬قال‪ :‬حدثنا سعيد‪ ،‬عن قتادة‪ ،‬قوله‪ِ :‬ل ُن ِريَ ُه مِ نْ آياتِنا ما‬
‫أراه ال من الَيات والعبر فـي طريق بـيت الـمقدس‪.‬‬
‫سمِيعُ البَ صِي ُر يقول تعال ـى ذكره‪ :‬إن الذي أ سرى بعبده هو ال سميع ل ـما‬
‫وقوله‪ :‬إنّ هُ ُهوَ ال ّ‬
‫يقول هؤلء ال ـمشركون من أ هل م كة ف ـي م سرى م ـحمد صلى ال عل يه و سلم من م كة‬
‫إلــى بــيت الــمقدس‪ ،‬ولغيـر ذلك مـن قولهـم وقول غيرهـم‪ ،‬البصـير بــما يعملون مـن‬
‫العمال‪ ،‬ل يخفـى علـيه شيء من ذلك‪ ،‬ول يعزب عنه علـم شيء منه‪ ،‬بل هو مـحيط‬
‫بجميعه علـما‪ ،‬ومـحصيه عددا‪ ،‬وهو لهم بـالـمرصاد‪ ،‬لـيجزى جميعهم بـما هم أهله‪.‬‬
‫سمِيعُ البَ صِيرُ لن مع نى‬
‫وكان ب عض الب صريـين يقول‪ :‬ك سرت «إن» من قوله‪ :‬إنّ ُه هَ َو ال ّ‬
‫الكلم‪ :‬قل يا مـحمد‪ :‬سبحان الذي أسرى بعبده‪ ،‬وقل‪ :‬إنه هو السميع البصير‪.‬‬

‫‪2‬‬ ‫الية ‪:‬‬


‫سرَائِيلَ َألّ‬
‫جعَ ْلنَا هُ ُهدًى ّلبَنِي إِ ْ‬
‫{وَآ َتيْنَآ مُو سَى ا ْل ِكتَا بَ َو َ‬ ‫القول ف ـي تأوي ـل قوله تعال ـى‪:‬‬
‫َت ّتخِذُو ْا مِن دُونِي َوكِيلً }‪.‬‬
‫يقول تعالــى ذكره‪ :‬سـبحان الذي أسـرى بعبده لــيلً وآتــى موسـى الكتاب‪ ،‬وردّ الكلم‬
‫إلـى وآتَـيْنا وقد ابتدأ بقوله أسرى لـما قد ذكرنا قبل فـيـما مضى من فعل العرب فـي‬
‫نظائر ذلك من ابتداء الـخبر بـالـخبر عن الغائب‪ ،‬ثم الرجوع إلـى الـخطاب وأشبـاهه‪.‬‬
‫سرَائِيـلَ يقول‪ :‬وجعلنا‬
‫جعَلْنا هُ ُهدًى ِل َبنِـي إ ْ‬
‫وعنى بـالكتاب الذي أوت ـى موسى‪ :‬التوراة‪َ .‬و َ‬
‫الكتاب الذي هو التوراة بـيانا للـحقّ‪ ،‬ودلـيلً لهم علـى مـحجة الصواب فـيـما افترض‬
‫علـيهم‪ ،‬وأمرهم به‪ ،‬ونهاهم عنه‪.‬‬
‫ن دُونِ ـي َوكِيلً اختل فت القرّاء ف ـي قراءة ذلك‪ ،‬فقرأ ته عا مة قرّاء‬
‫خذُوا مِ ْ‬
‫وقوله‪ :‬ألّ َتتّ ـ ِ‬
‫خذُوا ب ـالتاء ب ـمعنى‪ :‬وآت ـينا مو سى الكتاب بأن ل تت ـخذوا يا‬
‫ل َتتّ ـ ِ‬
‫ال ـمدينة والكو فة أ ّ‬
‫خذُوا» بـالـياء‬
‫ن دُونِـي وَكيِلً‪ .‬وقرأ ذلك بعض قرّاء البصرة‪« :‬ألّ َيتّـ ِ‬
‫بنـي إسرائيـل مِ ْ‬
‫عل ـى ال ـخبر عن بن ـي إ سرائيـل‪ ،‬ب ـمعنى‪ :‬وجعلناه هدى لبن ـي إ سرائيـل‪ ،‬أل يتّ ـخذ‬
‫بنو إسرائيـل‪ ،‬من دونـي وكيلً‪ ،‬وهما قراءتان صحيحتا الـمعنى‪ ،‬متفقتان غير مختلفتـين‪،‬‬
‫فبأيته ما قرأ القارىء فم صيب ال صواب‪ ،‬غ ير أن ـي أو ثر القراءة ب ـالتاء‪ ،‬لن ها أش هر ف ـي‬
‫القراءة وأشدّ ا ستفـاضة ف ـيهم من القراءة ب ـالـياء‪ .‬ومع نى الكلم‪ :‬وآت ـينا مو سى الكتاب‬
‫وجعلناه هدى لبن ـي إ سرائيـل أل تت ـخذوا حف ـيظا ل كم سواي‪ .‬و قد ب ـينا مع نى الوكي ـل‬
‫فـيـما مضى‪ .‬وكان مـجاهد يقول‪ :‬معناه فـي هذا الـموضع‪ :‬الشريك‪.‬‬
‫‪ 16640‬ـ حدثن ـي م ـحمد بن عمرو‪ ،‬قال‪ :‬حدث نا أ بو عا صم‪ ،‬قال‪ :‬حدث نا عي سى‪ ،‬عن ا بن‬
‫خذُوا ِمنْ دُونِـي َوكِيلً قال‪ :‬شريكا‪.‬‬
‫أبـي نـجيح‪ ،‬عن مـجاهد‪ ،‬فـي قوله‪ :‬ألّ َتتّـ ِ‬
‫ل للذي أقا مه‬
‫وكأن م ـجاهدا جعل إقا مة من أقام شيئا سوى ال مقا مه شريكا م نه له‪ ،‬ووكي ً‬
‫مقام ال‪ .‬وبنـحو الذي قلنا فـي تأويـل هذه الَية‪ ،‬قال أهل التأويـل‪ .‬ذكر من قال ذلك‪:‬‬
‫‪ 16641‬ـ حدث نا ب شر‪ ،‬قال‪ :‬حدث نا يز يد‪ ،‬قال‪ :‬حدث نا سعيد‪ ،‬عن قتادة‪ ،‬قوله‪ :‬وآتَ ـيْنا مُو سَى‬
‫سرَائِيـلَ جعله ال ل هم هدى‪ ،‬يخرج هم من الظل ـمات إل ـى‬
‫جعَلْنا ُه ُهدًى ِل َبنِ ـي إ ْ‬
‫الكِتا بَ َو َ‬
‫النور‪ ،‬وجعله رحمة لهم‪.‬‬

‫‪3‬‬ ‫الية ‪:‬‬


‫شكُورا }‪.‬‬
‫عبْدا َ‬
‫حمَ ْلنَا مَعَ نُوحٍ ِإّنهُ كَانَ َ‬
‫ن َ‬
‫القول فـي تأويـل قوله تعالـى‪ُ { :‬ذرّيّ َة مَ ْ‬
‫يقول تعالــى ذكره‪ :‬سـبحان الذي أسـرى بعبده لــيلً مـن الــمسجد الــحرام إلــى‬
‫الـمسجد القصى‪ ،‬وآتـينا موسى الكتاب وجعلناه هدى لبنـي إسرائيـل ذريّة من حملنا مع‬
‫ل ثناؤه بهذا القرآن من أجناس الم ـم‪،‬‬
‫نوح‪ .‬وع نى ب ـالذرية‪ :‬جم يع من احت ـجّ عل ـيه ج ّ‬
‫ل من عل ـى الرض من بن ـي‬
‫نكّ‬
‫عرب هم وعجم هم من بن ـي إ سرائيـل وغير هم‪ ،‬وذلك أ ّ‬
‫آدم‪ ،‬ف هم من ذر ية من حمله ال مع نوح ف ـي ال سفـينة‪ .‬وبن ـحو الذي قل نا ف ـي ذلك‪ ،‬قال‬
‫أهل التأويـل‪ .‬ذكر من قال ذلك‪:‬‬
‫حمَلْنا مَ َع نُو حٍ‬
‫ن َ‬
‫‪ 16642‬ـ حدثنا بشر‪ ،‬قال‪ :‬حدثنا يزيد‪ ،‬قال‪ :‬حدثنا سعيد‪ ،‬عن قتادة ُذ ّريّ َة مَ ْ‬
‫والناس كلهم ذرّية من أنـجى ال فـي تلك السفـينة وذُكر لنا أنه ما نـجا فـيها يومئذٍ غير‬
‫نوح وثلثة بنـين له‪ ،‬وامرأته وثلث نسوة‪ ،‬وهم‪ :‬سام‪ ،‬وحام‪ ،‬ويافث فأما سام‪ :‬فأبو العرب‬
‫وأما حام‪ :‬فأبو الـحبش وأما يافث‪ :‬فأبو الروم‪.‬‬
‫حمَلْنا‬
‫ن َ‬
‫حدثنا ابن عبد العلـى‪ ،‬قال‪ :‬حدثنا مـحمد بن ثور‪ ،‬عن معمر‪ ،‬عن قتادة‪َ :‬ذ ّريّ َة مَ ْ‬
‫مَعَ نُوحٍ قال‪ :‬بنوه ثلثة ونساؤهم‪ ،‬ونوح وامرأته‪.‬‬
‫‪16643‬ــ حدثنـا ابـن عبـد العلــى‪ ،‬قال‪ :‬حدثنـا مــحمد بـن ثور‪ ،‬عـن معمـر‪ ،‬قال‪ :‬قال‬
‫مـجاهد‪ :‬بنوه ونساؤهم ونوح‪ ،‬ولـم تكن امرأته‪.‬‬
‫وقد بـيّنا فـي غير هذا الـموضع فـيـما مضى بـما أغنى عن إعادته‪.‬‬
‫شكُورا يعن ـي بقوله تعال ـى ذكره‪« :‬إ نه» إن نو حا‪ ،‬والهاء من ذ كر‬
‫عبْدا َ‬
‫وقوله‪ :‬إنّ هُ كا نَ َ‬
‫نوح‪ ،‬كان عبدا شكورا ل علـى نعمه‪.‬‬
‫وقد اختلف أهل التأويـل فـي السبب الذي سماه ال من أجله شكورا‪ ،‬فقال بعضهم‪ :‬سماه‬
‫ال بذلك لنه كان يحمد ال علـى طعامه إذا طعمه‪ .‬ذكر من قال ذلك‪:‬‬
‫‪ 16644‬ـ حدث نا م ـحمد بن بشار‪ ،‬قال‪ :‬حدث نا يح يى وع بد الرح من بن مهدي‪ ،‬قال‪ :‬حدث نا‬
‫سفـيان‪ ،‬عن التـيـمي‪ ،‬عن أب ـي عثمان‪ ،‬عن سلـمان‪ ،‬قال‪ :‬كان نوح إذا لبس ثوبـا أو‬
‫أكل طعاما حمد ال‪ ،‬فسمّي عبدا شكورا‪.‬‬
‫‪ 16645‬ـ حدثنا ابن بشار‪ ،‬قال‪ :‬حدثنا يحيى وعبد الرحمن‪ ،‬قال‪ :‬حدثنا سفـيان‪ ،‬عن أبـي‬
‫حصين‪ ،‬عن عبد ال بن سنان‪ ،‬عن سعيد بن مسعود بـمثله‪.‬‬
‫حدثنا أبو كريب‪ ،‬قال‪ :‬حدثنا أبو بكر‪ ،‬عن أبـي حصين‪ ،‬عن عبد ال بن سنان‪ ،‬عن سعيد‬
‫عبْدا‬
‫بن م سعود قال‪ :‬ما ل بس نوح جديدا ق طّ‪ ،‬ول أ كل طعا ما ق طّ إل ح مد ال فلذلك قال ال‪َ :‬‬
‫شكُورا‪.‬‬
‫َ‬
‫حدثنـا مــحمد بـن عبـد العلــى‪ ،‬قال‪ :‬حدثنـا الــمعتـمر بـن سـلـيـمان‪ ،‬قال‪ :‬ثنــي‬
‫سفـيان الثوري‪ ،‬قال‪ :‬ثنـي أيوب‪ ،‬عن أبـي عثمان النهدي‪ ،‬عن سلـمان‪ ،‬قال‪ :‬إنـما سمى‬
‫نوح عبدا شكورا أنه كان إذا لبس ثوبـا حمد ال‪ ،‬وإذا أكل طعاما حمد ال‪.‬‬
‫‪16646‬ــ حدثنـا القاسـم‪ ،‬قال‪ :‬حدثنـا الــحسين‪ ،‬قال‪ :‬ثنــي حجاج‪ ،‬عن ابـن جريـج‪ ،‬عن‬
‫شكُورا قال‪ :‬إنه‬
‫عبْدا َ‬
‫ح من بنـي إسرائيـل وغيرهم إنّ ُه كا نَ َ‬
‫حمَلْنا مَ َع نُو ٍ‬
‫مـجاهد ُذ ّريّةَ َم نْ َ‬
‫لـم يجدّد ثوبـا قطّ إل حمد ال‪ ،‬ولـم يبل ثوبـا قطّ إل حمد ال‪ ،‬وإذا شرب شربة حمد ال‪،‬‬
‫قال‪ :‬الـحمد ل الذي سقانـيها علـى شهوة ولذّة وصحة‪ ،‬ولـيس فـي تفسيرها‪ ،‬وإذا شرب‬
‫شربة قال هذا‪ ،‬ولكن بلغنـي ذا‪.‬‬
‫‪ 16647‬ـ حدثن ـي القا سم‪ ،‬قال‪ :‬حدث نا ال ـحسين‪ ،‬قال‪ :‬حدث نا أ بو فضالة‪ ،‬عن الن ضر بن‬
‫شفـي‪ ،‬عن عمران بن سلـيـم‪ ،‬قال‪ :‬إنـما سمّى نوح عبدا شكورا أنه كان إذا أكل الطعام‬
‫ـحمد ل الذي‬
‫ـي وإذا شرب قال‪ :‬الــ‬
‫ـي‪ ،‬ولو شاء أجاعنــ‬
‫ـحمد ل الذي أطعمنــ‬
‫قال‪ :‬الــ‬
‫سـقانـي‪ ،‬ولو شاء أظمأنــي وإذا لبـس ثوبــا قال‪ :‬الــحمد ل الذي كسـانـي‪ ،‬ولو شاء‬
‫أعرانــي وإذا لبـس نعلً قال‪ :‬الــحمد ل الذي حذانــي‪ ،‬ولو شاء أحفــانـي وإذا قضـى‬
‫حاجة قال‪ :‬الـحمد ل الذي أخرج عنـي أذاه‪ ،‬ولو شاء حبسه‪ .‬وقال آخرون فـي ذلك بـما‪.‬‬
‫‪ 16648‬ـ حدثنـي به يونس‪ ،‬قال‪ :‬أخبرنا ابن وهب‪ ،‬قال‪ :‬ثنـي عبد الـجبـار بن عمر أن‬
‫ابن أبـي مريـم حدّثه‪ ،‬قال‪ :‬إنـما سمى ال نوحا عبدا شكورا‪ ،‬أنه كان إذا خرج البراز منه‬
‫قال‪ :‬الـحمد ل الذي سوّغنـيك طيبـا‪ ،‬وأخرج عنـي أذاك‪ ،‬وأبقـى منفعتك‪ .‬وقال آخرون‬
‫فـي ذلك بـما‪:‬‬
‫‪ 16649‬ـ حدثنا به بشر‪ ،‬قال‪ :‬حدثنا يزيد‪ ،‬قال‪ :‬حدثنا سعيد‪ ،‬عن قتادة‪ ،‬قال ال لنوح إنّ ُه كا نَ‬
‫شكُورا ذكر لنا أنه لـم يستـجد ثوبـا ق طّ إل حمد ال‪ ،‬وكان يأمر إذا استـجدّ الرجل‬
‫عبْدا َ‬
‫َ‬
‫ثوبـا أن يقول‪ :‬الـحمد ل الذي كسانـي ما أتـجمّل به‪ ،‬وأواري به عورتـي‪.‬‬
‫حدثنا مـحمد بن عبد العلـى‪ ،‬قال‪ :‬حدثنا مـحمد بن ثور‪ ،‬عن معمر‪ ،‬عن قتادة إنّهُ كانَ‬
‫شكُورا قال‪ :‬كان إذا لبس ثوبـا قال‪ :‬الـحمد ل‪ ،‬وإذا أخـلقه قال‪ :‬الـحمد ل‪.‬‬
‫عبْدا َ‬
‫َ‬

‫‪5‬‬ ‫و‬ ‫‪4‬‬ ‫الية ‪:‬‬


‫سدُنّ فِي الرْ ضِ‬
‫ى َبنِي إِسْرَائِيلَ فِي ا ْل ِكتَابِ َلتُفْ ِ‬
‫ض ْينَآ إَِل َ‬
‫القول فـي تأويـل قوله تعالـى‪َ { :‬وقَ َ‬
‫شدِيدٍ‬
‫ْسـ َ‬
‫عبَادا لّنَآ ُأوْلِي َبأ ٍ‬
‫ُمـ ِ‬
‫عدُ أُولهُمَا َب َعثْنَا عََل ْيك ْ‬
‫ُنـ عُُلوّا َكبِيرا * َفإِذَا جَآءَ َو ْ‬
‫ْنـ وََل َتعْل ّ‬
‫َمرّ َتي ِ‬
‫َفجَاسُو ْا خِلَلَ ال ّديَارِ َوكَانَ َوعْدا مّ ْفعُولً }‪.‬‬
‫وقد بـيّنا ف ـيـما م ضى ق بل أن معنى القضاء‪ :‬الفراغ من الش يء‪ ،‬ثم ي ستعمل فـي كلّ‬
‫مفروغ منه‪ ،‬فتأويـل الكلم فـي هذا الـموضع‪ :‬وفرغ ربك إلـى بنـي إسرائيـل فـيـما‬
‫أنزل مـن كتابـه علــى موسـى صـلوات ال وسـلمه علــيه بإعلمـه إياهـم‪ ،‬وإخبــاره لهـم‬
‫سدُنّ فِـي الرْ ضِ َم ّرتَـيْنِ يقول‪ :‬لتعصنّ ال يا معشر بنـي إسرائيـل ولتـخالفنّ أمره‬
‫َلتُفْ ِ‬
‫ف ـي بلده مرّت ـين وََل َتعْلُ نّ عَُلوّا َكبِ ـيرا يقول‪ :‬ولتسـتكبرنّ علــى ال ب ـاجترائكم عل ـيه‬
‫استكبـارا شديدا‪ .‬وبنـحو الذي قلنا فـي ذلك‪ ،‬قال أهل التأويـل‪ .‬ذكر من قال ذلك‪:‬‬
‫ضيْنا‬
‫‪ 16650‬ـ حدثنـي يونس‪ ،‬قال‪ :‬أخبرنا ابن وهب‪ ،‬قال‪ :‬قال ابن زيد‪ ،‬فـي قول ال‪َ :‬و َق َ‬
‫سرَائيِـلَ قال‪ :‬أعلـمناهم‪.‬‬
‫إلـى َبنِـي إ ْ‬
‫‪16651‬ـ حدثنـي علـيّ بن داود‪ ،‬قال‪ :‬حدثنا أبو صالـح‪ ،‬قال‪ :‬ثنـي معاوية‪ ،‬عن علـيّ‪،‬‬
‫ضيْنا إلـى َبنِـي إسْرَائِيـلَ يقُول‪ :‬أعلـمناهم‪.‬‬
‫عن ابن عبـاس‪ ،‬فـي قوله‪َ :‬وقَ َ‬
‫وقال آخرون‪ :‬معنى ذلك‪ :‬وقضينا علـى بنـي إسرائيـل فـي أ مّ الكتاب‪ ،‬وسابق علـمه‪.‬‬
‫ذكر من قال ذلك‪:‬‬
‫‪16652‬ـ حدثنـي مـحمد بن سعد‪ ،‬قال‪ :‬ثنـي أبـي‪ ،‬قال‪ :‬ثنـي عمي‪ ،‬قال‪ :‬ثنـي أبـي‪،‬‬
‫سرَائِيـلَ قال‪ :‬هو قضاء قضى علـيهم‪.‬‬
‫ضيْنا إلـى َبنِـي إ ْ‬
‫عن أبـيه‪ ،‬عن ابن عبـاس‪َ ،‬و َق َ‬
‫ضيْ نا إل ـى‬
‫‪ 16653‬ـ حدث نا ب شر‪ ،‬قال‪ :‬حدث نا يز يد‪ ،‬قال‪ :‬حدث نا سيعد‪ ،‬عن قتادة‪ ،‬قوله‪َ :‬و َق َ‬
‫ل قضاء قضاه علـى القوم كما تسمعون‪.‬‬
‫سرَائِيـ َ‬
‫َبنِـي إ ْ‬
‫وقال آخرون‪ :‬معنى ذلك‪ :‬أخبرنا‪ .‬ذكر من قال ذلك‪:‬‬
‫‪ 16654‬ـ حدث نا م ـحمد بن عمرو‪ ،‬قال‪ :‬حدث نا أ بو عا صم‪ ،‬قال‪ :‬حدث نا عي سى وحدثن ـي‬
‫الــحرث‪ ،‬قال‪ :‬حدثنـا الــحسن‪ ،‬قال‪ :‬حدثنـا ورقاء‪ ،‬جميعـا عـن ابـن أبــي نــجيح‪ ،‬عـن‬
‫ِتابـ قال‪ :‬أخبرنـا بنــي‬
‫إسـرَائِيـلَ فِــي الك ِ‬
‫ضيْنـا إلــى َبنِــي ْ‬
‫مــجاهد فــي قوله‪َ :‬وقَ َ‬
‫إسرائيـل‪.‬‬
‫ضيْنـا وإن كان الذي‬
‫ل هذه القوال تعود معانــيها إلــى مـا قلت فــي معنـى قوله‪َ :‬وقَ َ‬
‫وك ّ‬
‫ن بـالتاء‬
‫سدُ ّ‬
‫اخترنا من التأويـل فـيه أشبه بـالصواب لجماع القرّاء علـى قراءة قوله َلتُفْ ِ‬
‫دون ال ـياء‪ ،‬ولو كان مع نى الكلم‪ :‬وقضي نا عل ـيهم ف ـي الكتاب‪ ،‬لكا نت القراءة ب ـالـياء‬
‫أولـى منها بـالتاء‪ ،‬ولكن معناه لـما كان أعلـمناهم وأخبرناهم‪ ،‬وقلنا لهم‪ ،‬كانت التاء أشبه‬
‫وأولـى للـمخاطبة‪ .‬وكان فساد بنـي إسرائيـل فـي الرض الـمرّة الولـى ما‪:‬‬
‫‪ 16655‬ـ حدثنـي به هارون‪ ،‬قال‪ :‬حدثنا عمرو بن حماد‪ ،‬قال‪ :‬حدثنا أسبـاط‪ ،‬عن السديّ‬
‫فـي خبر ذكره عن أبـي صالـح‪ ،‬وعن أبـي مالك‪ ،‬عن ابن عبـاس‪ ،‬وعن مرّة‪ ،‬عن عبد‬
‫ن فكان أوّل‬
‫ن فِـي الرْ ضِ َم ّرتَـيْ ِ‬
‫سدُ ّ‬
‫ال أن ال عهد إلـى بنـي إسرائيـل فـي التوراة َلتُفْ ِ‬
‫الفسادين‪ :‬قتل زكريا‪ ،‬فبعث ال علـيهم ملك النبط‪ ،‬وكان يُدعى صحابـين فبعث الـجنود‪،‬‬
‫وكان أ ساورته من أ هل ف ـارس‪ ،‬ف هم أولو بأس شد يد‪ ،‬فت ـحصنت ب نو إ سرائيـل‪ ،‬وخرج‬
‫فــيهم بختنصـر يتــيـما مسـكينا‪ ،‬إنــما خرج يسـتطعم‪ ،‬وتلطـف حتــى دخــل الــمدينة‬
‫فأتـى مـجالسهم‪ ،‬فسمعهم يقولون‪ :‬لو يعلـم عدوّنا ما قُذف فـي قلوبنا من الرعب بذنوبنا‬
‫ما أرادوا قتالنا‪ ،‬فخرج بختنصرحين سمع ذلك منهم‪ ،‬واشتدّ القـيام علـى الـجيش‪ ،‬فرجعوا‪،‬‬
‫شدِيدٍ‪ ،‬فَجا سُوا‬
‫عدُ أُولهُ ما َب َعثْ نا عَلَ ـ ْي ُكمْ عب ـادا لنَا أُول ـى َبأْ سٍ َ‬
‫وذلك قول ال‪ :‬فإذَا جاء َو ْ‬
‫خِللَ الدّيارِ وكا نَ َوعْدا مَفْعولً ثم إن بنـي إسرائيـل تـجهّزوا‪ ،‬فغزوا النبط‪ ،‬فأصابوا منهم‬
‫ل َو َبنِـينَ‪،‬‬
‫واستنقذوا ما فـي أيديهم‪ ،‬فذلك قول ال ُثمّ َردَدْنا َل ُكمُ ال َكرّةَ عَلَـ ْي ِهمْ وأ ْم َددْناكُمْ بأمْوَا ٍ‬
‫جعَلْنا ُكمْ أ ْكثَرَ َنفِـيرا يقول‪ :‬عددا‪.‬‬
‫َو َ‬
‫‪ 16656‬ـ حدثن ـي يو نس‪ ،‬قال‪ :‬أخبر نا ا بن و هب‪ ،‬قال‪ :‬قال ا بن ز يد‪ :‬كان إف سادهم الذي‬
‫يف سدون ف ـي الرض مرّت ـين‪ :‬ق تل زكر يا ويح يى بن زكر يا‪ ،‬سلط ال عل ـيهم سابور ذا‬
‫الكتاف ملكا من ملوك فـارس‪ ،‬من قتل زكريا‪ ،‬وسلّط علـيهم بختنصر من قتل يحيى‪.‬‬
‫‪ 16657‬ـ حدث نا ع صام بن رواد بن ال ـجراح‪ ،‬قال‪ :‬حدث نا أب ـي‪ ،‬قال‪ :‬حدث نا سفـيان بن‬
‫سعيد الثوري‪ ،‬قال‪ :‬حدثنا منصور بن الـمعتـمر‪ ،‬عن ربعي بن حراش‪ ،‬قال‪ :‬سمعت حُذيفة‬
‫ع َتدَوْا‬
‫ل لَـمّا ا ْ‬
‫سرَائِيـ َ‬
‫ن َبنِـي إ ْ‬
‫بن الـيـمان يقول‪ :‬قال رسول ال صلى ال عليه وسلم‪« :‬إ ّ‬
‫سبْعَ مئَةِ‬
‫خ َتنَ صّر‪ ،‬وكا نَ الّل ُه مَّلكَ هُ َ‬
‫َوعَلَوْا‪َ ،‬وقَتَلُوا ال ْنبِـياءَ‪َ ،‬بعَ ثَ الّل هُ عَلَـ ْيهِمْ مَلِ كَ فـارِسَ ُب ْ‬
‫صرَهَا َو َفتَـحَها‪َ ،‬و َقتَلَ عَلـي دَمِ َز َك ِريّا‬
‫سَنةٍ‪ ،‬فَسارَ إلَـ ْيهِمْ حتـى َدخَـلَ بَـيْتَ الـمَ ْقدِسِ فَحا َ‬
‫ستَـخْرَجَ‬
‫ي بَـيْتِ الـمَ ْقدِسِ‪ ،‬وَا ْ‬
‫ل ْنبِـياءِ‪ ،‬وَ سَلَبَ حُلـ ّ‬
‫سبِـي أهْلَها َو َبنِـي ا َ‬
‫س ْبعِينَ ألْفـا‪ ،‬ثُ مّ َ‬
‫َ‬
‫ن حُلِ ـيَ حت ـى أ ْورَدَ ُه ب ـابِلَ» قال حُذي فة‪ :‬فق تل‪ :‬يا‬
‫عجَلَ ٍة مِ ْ‬
‫ن ألْف ـا َو ِمئَةَ ألْ فِ َ‬
‫سبْعِي َ‬
‫ِمنْ ها َ‬
‫ن بْنُ دَا ُو َد مِنْ‬
‫ل بَنا ُه سُلَـيْـما ُ‬
‫رسول ال لقد كان بـيت الـمقدس عظيـما عند ال؟ قال‪« :‬أجَ ْ‬
‫ع ُم ُد ُه ذَهَبـا‪،‬‬
‫ن ذَهَ بٍ َوبَلطَ ًة مِ نْ َفضّةٍ‪ ،‬و ُ‬
‫جدٍ‪ ،‬وكا نَ بَلطُ هُ بَلطَ ًة مِ ْ‬
‫ذَهَ بٍ َو ُدرّ وَياقُو تٍ َو َز َبرْ َ‬
‫ختَنَ صّر بهذ هِ‬
‫عيْ نٍ‪ ،‬فَسا َر ُب ْ‬
‫طرْفَةِ َ‬
‫خرَ َل ُه الشّياطي نَ َي ْأتُو َن ُه ِب ِهذِ ِه الشْيا ِء فِءَ َ‬
‫سّ‬‫أعْطا هُ الّل ُه ذل كَ‪ ،‬و َ‬
‫سنَ ٍة ُت َع ّذبُهُ مُ الـمَـجُوسُ‬
‫ل فِـي َي َديِ هِ ِم َئةَ َ‬
‫سرَائيـ َ‬
‫الشيْا ِء حتـى َنزَلَ بِها بـابِلَ‪ ،‬فَأقا َم َبنُوا إ ْ‬
‫ح َمهُ مْ‪ ،‬فأ ْوحَى إلـى مَلِ كِ‬
‫وأبْنا ُء الـمَـجُوسِ‪ ،‬فِـي ِهمُ ال ْنبِـياءُ وأبْنا ُء ال ْنبِـياءِ ثُ مّ إ نّ الّل هَ َر ِ‬
‫مِن ْـ مُلُوكِـ فــارِسَ يُقالُ لُهُـ كُورَسـُ‪ ،‬وكانَـ مُ ْؤمِنـا‪ ،‬أن ْـ سِـرْ بَقايَا َبنِــي إس ْـرَائِيـلَ حتــى‬
‫ت الـمَ ْقدِسِ حتـى َردّ هُ إلَـيْهِ‪ ،‬فَأقا مَ‬
‫سرَائِيـل وحُلـيّ بَـيْ ِ‬
‫س ِببَنـي إ ْ‬
‫س َتنْ ِقذَ ُهمْ‪ ،‬فَسارَ كُورَ ُ‬
‫تَ ْ‬
‫سنَةِ‪ ،‬ثُ مّ إ ّنهُ مْ عادُوا فِ ـي ال ـمَعاصِي‪ ،‬فَ سَّلطَ اللّ هُ عَلَ ـ ْي ِهمْ‬
‫ن لِلّ هِ ِمئَ َة َ‬
‫سرَائِيـلَ ُمطِيعي َ‬
‫َبنُوا إ ْ‬
‫ل حت ـى أتاهُ مْ بَ ـيْتَ‬
‫سرَائِيـ َ‬
‫خ َتنَ صّر‪َ ،‬ف َغزَا َبنِ ـي إ ْ‬
‫غزَا مَ َع ُب ْ‬
‫ا ْبطِيانْ ـحُوسَ‪ ،‬فَ َغزَا ب ْأبْناءِ مَ نْ َ‬
‫ع ْدتُـمْ‬
‫سرَائِيـلَ إ نْ ُ‬
‫حرَ قَ بَـيْتَ الـمَ ْقدِسِ‪ ،‬وَقالَ َلهُ مْ‪ :‬يا َبنِـي إ ْ‬
‫الـمَ ْقدِسِ‪ ،‬فَ سَبـي أهْلَها‪ ،‬وأ ْ‬
‫سّيرَ اللّ هُ عَلَ ـ ْي ِهمُ‬
‫عدْ نا عَلَ ـ ْيكُمْ ب ـالسّبـاءِ‪ ،‬فَعادُوا فِ ـي ال ـمَعاصِي‪ ،‬فَ َ‬
‫فِ ـي ال ـمَعاصِي ُ‬
‫حرِ‪ ،‬فَسَبـاهُمْ‬
‫ك رُو ِميّةَ‪ ،‬يُقالُ َل ُه قاقِسُ بْنُ إسْبـايُوس‪َ ،‬فغَزَا ُهمْ فِـي ال َبرّ وال َب ْ‬
‫السّبـاءَ الثّالِثَ مَلِ َ‬
‫حرَ قَ بَـيْتَ الـمَ ْقدِسِ بـالنّـيرانِ» فقال رسول ال صلى‬
‫سبَى حُلِـيّ بَـيْتِ الـمَ ْقدِسِ‪ ،‬وأ ْ‬
‫وَ َ‬
‫ت الــمَ ْقذِسِ‪ ،‬و َي ُردّهُـ الــَمهْ ِديّ إلــى بَــيْتِ‬
‫ال عليـه وسـلم‪« :‬هذَا مِن ْـ ص َـْنعَ ِة حُلِــيّ بَــيْ ِ‬
‫سبْ ُع ِمئَ ٍة سَفِـينَةٍ‪ُ ،‬يرْ سَى بِها عَلـى يافـا حتـى ُتنْقَلَ إلـى‬
‫الـمَ ْقدِسِ‪ ،‬وَ ُهوَ ألْ فُ سَفِـينَةٍ و َ‬
‫خرِينَ»‪.‬‬
‫لِ‬‫جمَعُ اللّهُ الوّلِـينَ وا َ‬
‫بَـيْتِ الـمَ ْقذِسِ‪ ،‬وبِها َي ْ‬
‫‪16658‬ـ حدثنا ابن حميد‪ ،‬قال‪ :‬حدثنا سلـمة‪ ،‬قال‪ :‬ثنـي ابن إسحاق‪ ،‬قال‪ :‬كان مـما أنزل‬
‫ال عل ـى مو سى ف ـي خبره عن بن ـي إ سرائيـل‪ ،‬وف ـي أحداث هم ما هم ف ـاعلون بعده‪،‬‬
‫سدّنّ فِ ـي الرْ ضِ َم ّرتَ ـيْنِ‪ ،‬وََل َتعْلُ نّ‬
‫ل فِ ـي الكتا بِ َلتُفْ ِ‬
‫سرَائِيـ َ‬
‫ضيْ نا إل ـى َبنِ ـي إ ْ‬
‫فقال‪َ :‬وقَ َ‬
‫ج َهنّـمَ للْكافرِي نَ حَ صِيرا فكانت بنو إسرائيـل‪ ،‬وفـيهم‬
‫جعَلْنا َ‬
‫عُُلوّا َكبِـيرا‪ ...‬إلـى قوله‪َ :‬و َ‬
‫الحداث والذنوب‪ ،‬وكان ال ف ـي ذلك متـجاوزا عنهم‪ ،‬متعطفـا علـيهم مـحسنا إلـيهم‪،‬‬
‫فكان مـما أُنزل بهم فـي ذنوبهم ما كان قدّم إلـيهم فـي الـخبر علـى لسان موسى مـما‬
‫أنزل بهـم فــي ذنوبهـم‪ .‬فكان أول مـا أنزل بهـم مـن تلك الوقائع‪ ،‬أن ملكـا منهـم كان يُدعـي‬
‫صديقة‪ ،‬وكان ال إذا ملّك الـملِك علـيهم‪ ،‬بعث نبـيا يسدّده ويرشده‪ ،‬ويكون فـيـما بـينه‬
‫وب ـين ال‪ ،‬ويحدث إل ـيه ف ـي أمر هم‪ ،‬ل ينزل عل ـيهم الك تب‪ ،‬إن ـما يؤمرون ب ـاتبـاع‬
‫التوراة والحكام التــي فــيها‪ ،‬وينهونهـم عـن الــمعصية‪ ،‬ويدعونهـم إلــى مـا تركوا مـن‬
‫الطاعة فلـما ملك ذلك الـملك‪ ،‬بعث ال معه شعياء أمُصيا‪ ،‬وذلك قبل مبعث زكريا ويحيى‬
‫وعيسـى وشعياء الذي بشّر بعيسـى ومــحمد‪ ،‬فملك ذلك الــملك بنــي إسـرائيـل وبــيت‬
‫الـمقدس زمانا فلـما انقضى ملكه عظمت فـيهم الحداث‪ ،‬وشعياء معه‪ ،‬بعث ال علـيهم‬
‫ت مئة ألف را ية‪ ،‬فأق بل سائرا حت ـى نزل ن ـحو ب ـيت‬
‫سنـحاريب ملك ب ـابل‪ ،‬وم عه س ّ‬
‫ال ـمقدس‪ ،‬وال ـملك مر يض ف ـي ساقه قر حة‪ ،‬فجاء النب ـيّ شعياء‪ ،‬فقال له‪ :‬يا ملك بن ـي‬
‫إسرائيـل إن سنـحاريق ملك بـابل‪ ،‬قد نزل بك هو وجنوده ستّ مئة ألف راية‪ ،‬وقد هابهم‬
‫الناس وفرَقوا منهـم‪ ،‬فكـبر ذلك علــى الــملك‪ ،‬فقال‪ :‬يـا نبــيّ ال هـل أتاك وحـي مـن ال‬
‫فـيـما حدث‪ ،‬فتـخبرنا به كيف يفعل ال بنا وبسنـحاريب وجنوده؟ فقال له النبـيّ علـيه‬
‫ال سلم‪ :‬ل ـم يأتن ـي و حي أحدث إل ـيّ ف ـي شأ نك‪ .‬فب ـيناهم عل ـى ذلك‪ ،‬أو حى ال إل ـى‬
‫شعياء النبـيّ‪ :‬أن ائت ملك بنـي إسرائيـل‪ ،‬فمره أن يوصي وصيته‪ ،‬ويستـخـلف علـى‬
‫ملكه من شاء من أهل بـيته‪ .‬فأتـى النبـيّ شيعاء ملك بـين إسرائيـل صديقة‪ ،‬فقال له‪ :‬إن‬
‫ربك قد أوحى إلـيّ أن آمرك أن توصي وصيتك‪ ،‬وتستـخـلف من شئت علـى مُلكك من‬
‫أ هل ب ـيتك‪ ،‬فإ نك م يت فل ـما قال ذلك شعياء ل صديقة‪ ،‬أق بل عل ـى القبلة‪ ،‬ف صلـى و سبح‬
‫ودعا وبكى‪ ،‬فقال وهو يبكي ويتضرّع إلـى ال بقلب مخـلص وتوكل وصبر وصدق وظ نّ‬
‫صادق‪ .‬اللهمّ ربّ الربـاب‪ ،‬وإله الَلهة‪ ،‬قدّوس الـمتقدسين‪ ،‬يا رحمن يا رحيـم‪ ،‬الـمترحم‬
‫الرؤوف الذي ل تأخذه سنة ول نوم‪ ،‬اذكرنـي بعملـي وفعلـي وحُسن قضائي علـى بنـي‬
‫إسرائيـل وذلك كله كان منك‪ ،‬فأنت أعلـم به من نفسي سرّي وعلنـيتـي لك وإن الرحمن‬
‫استـجاب له‪ ،‬وكان عبدا صالـحا‪ ،‬فأوحى ال إلـى شعياء أن يخبر صديقة الـملك أن ربه‬
‫قد استـجاب له وقبل منه ورحمه‪ ،‬وقد رأى بكاءه‪ ،‬وقد أخّر أجله خمس عشرة سنة‪ ،‬وأنـجاه‬
‫من عدوّه سنـحاريب ملك ب ـابل وجنوده‪ ،‬فأت ـى شعياء النب ـيّ إل ـى ذلك ال ـملك فأ خبره‬
‫بذلك‪ ،‬فلـما قال له ذلك ذهب عنه الوجع‪ ،‬وانقطع عنه الشرّ والـحزن‪ ،‬وخ ّر ساجدا وقال‪ :‬يا‬
‫إلهي وإله آبـائي‪ ،‬لك سجدت وسبّحت وكرمت وعظمت‪ ،‬أنت الذي تعطي الـمُلك من تشاء‪،‬‬
‫وتنزعـه مــمن تشاء‪ ،‬وتعزّ مـن تشاء‪ ،‬وتذلّ مـن تشاء‪ ،‬عالــم الغيـب والشهادة‪ ،‬أنـت الوّل‬
‫والَخر‪ ،‬والظاهر والبـاطن‪ ،‬وأنت ترحم وتستـجيب دعوة الـمضطرّين‪ ،‬أنت الذي أحببت‬
‫دعوتـي ورحمت تضرّعي فلـما رفع رأسه‪ ،‬أوحى ال إلـى شعياء إن قل للـملك صديقة‬
‫فــيأمر عبدا مـن عبــيده بــالتـينة‪ ،‬فــيأتـيه بــماء التــين فــيجعله علــى قرحتـه‬
‫ف ـيشفـى‪ ،‬وي صبح و قد برأ‪ ،‬فف عل ذلك فشف ـي‪ .‬وقال ال ـملك لشعياء النب ـيّ‪ :‬سل ر بك أن‬
‫يجعل لنا علـما بـما هو صانع بعدوّنا هذا‪ .‬قال‪ :‬فقال ال لشعياء النبـيّ‪ :‬قل له‪ :‬إنـي قد‬
‫كفـيتك عدوّك‪ ،‬وأنـجيتك منه‪ ،‬وإنهم سيصبحون موتـى كلهم إلّ سنـحاريب وخمسة من‬
‫كتا به فل ـما أ صبحوا جاء هم صارخ ينبئ هم‪ ،‬ف صرخ عل ـى ب ـاب ال ـمدينة‪ :‬يا ملك بن ـي‬
‫إ سرائيـل‪ ،‬إن ال قد كف ـاك عدوّك ف ـاخرج‪ ،‬فإن سنـحاريب و من م عه قد هلكوا فل ـما‬
‫خرج الـملك التـمس سنـحاريب‪ ،‬فلـم يُوجد فـي الـموتـى‪ ،‬فبعث الـملك فـي طلبه‪،‬‬
‫فأدركه الطلب فـي مغارة وخمسة من كتابه‪ ،‬أحدهم بختنصر‪ ،‬فجعلوهم فـي الـجوامع‪ ،‬ثم‬
‫أتوا ب هم ملك بن ـي إسرائيـل فلـما رآهم خرّ ساجدا من ح ين طل عت الشمس حتـى كا نت‬
‫الع صر‪ ،‬ثم قال ل سنـحاريب‪ :‬ك يف ترى ف عل رب نا ب كم؟ أل ـم يقتل كم بحوله وقوّ ته‪ ،‬ون ـحن‬
‫وأنت ـم غافلون؟ فقال سنـحاريب له‪ :‬قد أتان ـي خبر رب كم‪ ،‬ون صره إيا كم‪ ،‬ورحم ته الت ـي‬
‫رحمكم بها قبل أن أخرج من بلدي‪ ،‬فلـم أطع مرشدا‪ ،‬ولـم يـلقنـي فـي الشقوة إلّ قلة‬
‫عقلـي‪ ،‬ولو سمعت أو عقلت ما غزوتكم‪ ،‬ولكن الشقوة غلبت علـيّ وعلـى من معي‪ ،‬فقال‬
‫ملك بن ـي إ سرائيـل‪ :‬ال ـحمد ل ر بّ العزّة الذي كف ـاناكم ب ـما شاء‪ ،‬إن رب نا ل ـم يُب قك‬
‫ومن معك لكرامة بك علـيه‪ ،‬ولكنه إنـما أبقاك ومن معك لـما هو شرّ لك‪ ،‬لتزدادوا شقوة‬
‫فـي الدنـيا‪ ،‬وعذابـا فـي الَخرة‪ ،‬ولتـخبروا من وراءكم بـما لقـيتـم من فعل ربنا‪،‬‬
‫ولتنذر من بعدكم‪ ،‬ولول ذلك ما أبقاكم‪ ،‬فلدمُك ودم من معك أهون علـى ال من دم قراد لو‬
‫قتلته‪ .‬ثم إن ملك بنـي إسرائيـل أمر أمير حرسه‪ ،‬فقذف فـي رقابهم الـجوامع‪ ،‬وطاف بهم‬
‫ل يوم خبزتـين من شعير‬
‫سبعين يوما حول بـيت الـمقدس إيـلـيا‪ ،‬وكان يرزقهم فـي ك ّ‬
‫لكل رجل منهم‪ ،‬فقال سنـحاريب لـملك بنـي إسرائيـل‪ :‬القتل خير مـما يفعل بنا‪ ،‬فـافعل‬
‫ما أمرت فنقل بهم الـملك إلـى سجن القتل‪ ،‬فأوحى ال إلـى شعياء النبـيّ أن قل لـملك‬
‫بن ـي إ سرائيـل ير سل سنـحاريب و من م عه ل ـينذروا من وراء هم‪ ،‬ول ـيكرمهم ويحمل هم‬
‫حت ـى يبلغوا بلد هم فبلّغ النب ـيّ شعياء ال ـملك ذلك‪ ،‬فف عل‪ ،‬فخرج سنـحاريب و من م عه‬
‫حت ـى قدموا ب ـابل فل ـما قدموا ج مع الناس فأ خبرهم ك يف ف عل ال بجنوده‪ ،‬فقال له كهّا نه‬
‫و سحرته‪ :‬يا ملك ب ـابل قد ك نا نق صّ عل ـيك خبر رب هم و خبر نب ـيهم‪ ،‬وو حى ال إل ـى‬
‫نب ـيهم‪ ،‬فل ـم تطع نا‪ ،‬و هي أمّة ل ي ستطيعها أ حد مع رب هم‪ ،‬فكان أ مر سنـحاريب م ـما‬
‫خوّفوا‪ ،‬ثم كفـاهم ال تذكرة وعبرة‪ ،‬ثم لبث سنـحاريب بعد ذلك سبع سنـين‪ ،‬ثم مات‪.‬‬
‫‪ 16659‬ـ حدثنا ابن حميد‪ ،‬قال‪ :‬حدثنا سلـمة‪ ،‬عن ابن إسحاق‪ ،‬قال‪ :‬لـما مات سنـحاريب‬
‫استـخـلف بختنصر ابن ابنه علـى ما كان علـيه جدّه يعمل بعمله‪ ،‬ويقضي بقضائه‪ ،‬فلبث‬
‫سـبع عشرة سـنة‪ .‬ثـم قبـض ال ملك بنــي إسـرائيـل صـديقة فمرج أمـر بنــي إسـرائيـل‬
‫وتنافسوا الـمُلك‪ ،‬حتـى قتل بعضهم بعضا علـيه‪ ،‬ونبـيهم شعياء معهم ل يذعنون إلـيه‪،‬‬
‫ول يقبلون م نه فل ـما فعلوا ذلك‪ ،‬قال ال ف ـيـما بلغ نا لشعياء‪ :‬قم ف ـي قو مك أُو حِ عل ـى‬
‫ي أنطـق ال لسـانه بــالوحي فقال‪ :‬يـا سـماء اسـتـمعي‪ ،‬ويـا أرض‬
‫لسـانك فلــما قام النبــ ّ‬
‫أن صتـي‪ ،‬فإن ال ير يد أن يق صّ شأن بن ـي إ سرائيـل الذ ين رب ـاهم بنعم ته‪ ،‬وا صطفـاهم‬
‫لنفسه‪ ،‬وخصّهم بكرامته‪ ،‬وفضّلهم علـى عبـاده‪ ،‬وفضلهم بـالكرامة‪ ،‬وهم كالغنـم الضائعة‬
‫التـي ل راعي لها‪ ،‬فآوى شاردتها‪ ،‬وجمع ضالتها‪ ،‬وجبر كسيرها‪ ،‬وداوى مريضها‪ ،‬وأسمن‬
‫مهزولهـا‪ ،‬وحفـظ سـمينها فلــما فعـل ذلك بطرت‪ ،‬فتناطحـت كبــاشها فقتـل بعضهـا بعضـا‪،‬‬
‫حت ـى ل ـم ي بق من ها ع ظم صحيح ي خبر إل ـيه آ خر ك سير‪ ،‬فوي ـل لهذه ال مة ال ـخاطئة‪،‬‬
‫وويـل لهؤلء القوم الـخاطئين الذين ل يدرون أين جاءهم الـحين‪ .‬إن البعير ربـما يذكر‬
‫وط نه ف ـينتابه‪ ،‬وإن ال ـحمار رب ـما يذ كر الَر يّ الذي ش بع عل ـيه ف ـيراجعه‪ ،‬وإن الثور‬
‫ربـما يذكر الـمرج الذي سمن فـيه فـينتابه‪ ،‬وإن هؤلء القوم ل يدرون من حيث جاءهم‬
‫الــحين‪ ،‬وهـم أولو اللبــاب والعقول‪ ،‬لــيسوا ببقـر ول حميـر وإنــي ضارب لهـم مثلً‬
‫فلـيسمعوه‪ :‬قل لهم‪ :‬كيف ترون فـي أرض كانت خواء زمانا‪ ،‬خربة مواتا ل عمران فـيها‪،‬‬
‫وكان لها ربّ حكيـم قويّ‪ ،‬فأقبل علـيها بـالعمارة‪ ،‬وكره أن تـخرب أرضه وهو قويّ‪ ،‬أو‬
‫يقال ضيع وهو حكيـم‪ ،‬فأحاط علـيها جدارا‪ ،‬وشيّد فـيها قصرا‪ ،‬وأنبط فـيها نهرا‪ ،‬وصف‬
‫ف ـيها غرا سا من الزيتون والرمان والن ـخيـل والعناب‪ ،‬وألوان الثمار كل ها‪ ،‬وول ـى ذلك‬
‫واستـحفظه قـيـما ذا رأي وهمّة‪ ،‬حفـيظا قويا أمينا‪ ،‬وتأنى طلعها وانتظرها فلـما أطلعت‬
‫جاء طلعهـا خروبــا‪ ،‬قالوا‪ :‬بئسـت الرض هذه‪ ،‬نرى أن يهدم جدرانهـا وقصـرها‪ ،‬ويدفـن‬
‫نهرها‪ ،‬ويقبض قـيّـمها‪ ،‬ويحرق غراسها حتـى تصير كما كانت أوّل مرّة‪ ،‬خربة مواتا ل‬
‫عمران فـيها‪ .‬قال ال لهم‪ :‬فإن الـجدار ذمتـي‪ ،‬وإن القصر شريعتـي‪ ،‬وإن النهر كتابـي‪،‬‬
‫وإن القَــيّـمَ نبِــيـي‪ ،‬وإن الغراس هـم‪ ،‬وإن الــخروب الذي أطلع الغراس أعمالهـم‬
‫ال ـخبـيثة‪ ،‬وإن ـي قد قض يت عل ـيهم قضاء هم عل ـى أنف سهم‪ ،‬وإ نه مَثلٌ ضر به ال ل هم‬
‫يتقرّبون إلــيّ بذبـح البقـر والغنــم‪ ،‬ول ـيس ينالنــي الل ـحم ول آكله‪ ،‬ويدّعون أن يتقرّبوا‬
‫ب ـالتقوى والك فّ عن ذ بح الن فس الت ـي حرمت ها‪ ،‬فأيدي هم مخضو بة من ها‪ ،‬وث ـيابهم متزملة‬
‫بدمائ ها‪ ،‬يشيدون ل ـي الب ـيوت م ساجد‪ ،‬ويطهرون أجواف ها‪ ،‬وين ـجسون قلوب هم وأج سامهم‬
‫ويدنسـونها‪ ،‬ويزوّقون لــي البــيوت والــمساجد ويزينونهـا‪ ،‬ويخرّبون عقولهـم وأحلمهـم‬
‫ويف سدونها‪ ،‬فأ يّ حا جة ل ـي إل ـى تشي ـيد الب ـيوت ول ـيست أ سكنها‪ ،‬وأ يّ حا جة إل ـى‬
‫تزويق الـمساجد ولست أدخـلها‪ ،‬إن ـما أمرت برفع ها لذكر فـيها وأ سبح فـيها‪ ،‬ولتكون‬
‫معلــما لــمن أراد أن يصـلـي فــيها‪ ،‬يقولون‪ :‬لو كان ال يقدر علــى أن يجمـع ألفتنـا‬
‫لـجمعها‪ ،‬ولو كان ال يقدر علـى أن يفقّه قلوبنا لفقهها‪ ،‬فـاعمد إلـى عودين يابسين‪ ،‬ثم‬
‫ائت به ما ناديه ما ف ـي أج مع ما يكونون‪ ،‬ف قل للعود ين‪ :‬إن ال يأمرك ما أن تكو نا عودا واحدا‬
‫فلـما قال لهما ذلك‪ ،‬اختلطا فصارا واحدا‪ ،‬فقال ال‪ :‬قل لهم‪ :‬إنـي قدرت علـى ألفة العيدان‬
‫الـيابسة وعلـى أن أولّف بـينها‪ ،‬فكيف ل أقدر علـى أن أجمع ألفتهم إن شئت‪ ،‬أم كيف ل‬
‫أقدر علـى أن أفقّه قلوبهم‪ ،‬وأنا الذي صوّرتها يقولون‪ :‬صمنا فلـم يرفع صيامنا‪ ،‬وصلّـينا‬
‫فل ـم تنوّر صلتنا‪ ،‬وت صدّقنا فل ـم تز كّ صدقاتنا‪ ،‬ودعو نا ب ـمثل حن ـين ال ـحمام‪ ،‬وبكي نا‬
‫ل ذلك ل نسـمع‪ ،‬ول يُسـتـجاب لنـا قال ال‪ :‬فسـلهم مـا الذي‬
‫بــمثل عواء الذئب‪ ،‬فــي ك ّ‬
‫يــمنعنـي أن أسـتـجيب لهـم‪ ،‬ألسـت أسـمع السـامعين‪ ،‬وأبصـر الناظريـن‪ ،‬وأقرب‬
‫الــمـجيبـين‪ ،‬وأرحـم الراحميـن؟ ألنّـ ذات يدي قلت كيـف ويداي مبسـوطتان بــالـخير‪،‬‬
‫أنفق كيف أشاء‪ ،‬ومفـاتـيح الـخزائن عندي ل يفتـحها ول يغلقها غيري أل وإن رحمتـي‬
‫و سعت كلّ ش يء‪ ،‬إن ـما يترا حم ال ـمتراحمون بفضل ها أو لن البخ ـل يعترين ـي أو ل ست‬
‫أكرم الكرم ين والفتاح ب ـالـخيرات‪ ،‬أجود من أع طى‪ ،‬وأكرم من سُئل لو أ نّ هؤلء القوم‬
‫نظروا لنفسـهم بــالـحكمة التــي نوّرت فــي قلوبهـم فنبذوهـا‪ ،‬واشتروا بهـا الدنــيا‪ ،‬إذن‬
‫لب صروا من ح يث أتوا‪ ،‬وإذن ليقنوا أن أنف سهم هي أعدى العداة ل هم‪ ،‬فك يف أر فع صيامهم‬
‫وهم يـلبسونه بقول الزور‪ ،‬ويتقوّون علـيه بطعمة الـحرام؟ وكيف أنوّر صلتهم‪ ،‬وقلوبهم‬
‫صاغية إلـى من يحاربنـي ويحادّنـي‪ ،‬وينتهك مـحارمي؟ أم كيف تزكو عندي صدقاتهم‬
‫وهم يتصدّقون بأموال غيرهم؟ وإنـما أوجر علـيها أهلها الـمغصوبـين أم كيف أستـجيب‬
‫لهم دعاءهم وإنـما هو قول بألسنتهم والفعل من ذلك بعيد؟ وإنـما أستـجيب للداعي اللـين‪،‬‬
‫وإنـما أسمع من قول الـمستضعف الـمسكين‪ ،‬وإن من علمة رضاي رضا الـمساكين فلو‬
‫رحموا ال ـمساكين‪ ،‬وقرّبوا الضعف ـاء‪ ،‬وأن صفوا ال ـمظلوم‪ ،‬ون صروا ال ـمغصوب‪ ،‬وعدلوا‬
‫للغائب‪ ،‬وأدّوا إل ـى الرملة وال ـيتـيـم وال ـمسكين‪ ،‬وكلّ ذي ح قّ ح قه‪ ،‬ثم لو كان ينب غي‬
‫أن أكل ـم الب شر إذن لكل ـمتهم‪ ،‬وإذن لك نت نور أب صارهم‪ ،‬و سمع آذان هم‪ ،‬ومعقول قلوب هم‪،‬‬
‫وإذن لدعمت أركانهم‪ ،‬فكنت قوّة أيديهم وأرجلهم‪ ،‬وإذن لثبّت ألسنتهم وعقولهم‪ .‬يقولون لـمّا‬
‫سمعوا كلمي‪ ،‬وبلغتهم رسالتـي بأنها أقاويـل منقولة‪ ،‬وأحاديث متوارثة‪ ،‬وتآلـيف مـما‬
‫تؤلف السحرة والكهنة‪ ،‬وزعموا أنهم لو شاءوا أن يأتوا بحديث مثله فعلوا‪ ،‬وأن يطلعوا علـى‬
‫الغ يب ب ـما تو حي إل ـيهم الشياط ين طلعوا‪ ،‬وكل هم ي ستـخفـى ب ـالذي يقول وي سرّ‪ ،‬و هم‬
‫يعلـمون أنـي أعلـم غيب السموات والرض‪ ،‬وأعلـم ما يبدون وما يكتـمون وإنـي قد‬
‫قض يت يوم خ ـلقت ال سموات والرض قضاء أثب ته عل ـى نف سي‪ ،‬وجعلت دونه أجلً مؤجلً‪،‬‬
‫ل بدّ أنه واقع‪ ،‬فإن صدقوا بـما ينتـحلون من لـم الغيب‪ ،‬فلـيخبروك متـى أنفذه‪ ،‬أو فـي‬
‫أيـ زمان يكون‪ ،‬وإن كانوا يقدرون علــى أن يأتوا بــما يشاءون‪ ،‬فلــيأتوا بــمثل القُدرة‬
‫ّ‬
‫التـي بها أمضيت‪ ،‬فإنـي مظهره علـى الدين كله ولو كره الـمشركون‪ ،‬وإن كانوا يقدرون‬
‫علــى أن يقولوا مـا يشاءون فلــيؤلّفوا مثـل الــحكمة التــي أدبر بهـا أمـر ذلك القضاء إن‬
‫كانوا صـادقـين‪ ،‬فإنــي قـد قضيـت يوم خــلقت السـموات والرض أن أجعـل النبوّة فــي‬
‫الُجراء‪ ،‬وأن أحوّل الــملك فــي الرعاء‪ ،‬والعزّ فــي الذلء‪ ،‬والقوّة فــي الضعفــاء‪،‬‬
‫والغنـى فــي الفقراء‪ ،‬والثروة فــي القلء‪ ،‬والــمدائن فــي الفلوات‪ ،‬والَجام فــي‬
‫الـمفـاوز‪ ،‬والبردى فـي الغيطان‪ ،‬والعلـم فـي الـجهلة‪ ،‬والـحكم فـي الميـين‪ ،‬فسلهم‬
‫متـى هذا‪ ،‬ومن القائم بهذا‪ ،‬وعلـى يد من أسنه‪ ،‬ومن أعوان هذه المر وأنصاره إن كانوا‬
‫يعلـمون فإنـي بـاعث لذلك نبـيا أمّيا‪ ،‬لـيس أعمى من عميان‪ ،‬ول ضالً من ضالّـين‪،‬‬
‫ولـيس بفظّ ول غلـيظ‪ ،‬ول صخّاب فـي السواق‪ ،‬ول متزين بـالفُحش‪ ،‬ول قوّال للـخنا‪،‬‬
‫ل خـلق كريـم‪ ،‬أجعل السكينة لبـاسه‪ ،‬والبرّ شعاره‪ ،‬والتقوى‬
‫أسدده لكل جميـل‪ ،‬أهب له ك ّ‬
‫ضميره‪ ،‬والــحكمة معقوله‪ ،‬والصـدق والوفــاء طبــيعته‪ ،‬والعفـو والعرف خــلقه والعدل‬
‫والـمعروف سيرته‪ ،‬والـحقّ شريعته‪ ،‬والهدى إمامه‪ ،‬والسلم ملّته‪ ،‬وأحمد اسمه‪ ،‬أهدي به‬
‫بعد الضللة‪ ،‬وأعلـم به بعد الـجهالة‪ ،‬وأرفع به بعد الـخمالة‪ ،‬وأشهر به بعد النكرة‪ ،‬وأكثر‬
‫به ب عد القلّة‪ ،‬وأغن ـي به ب عد العي ـلة‪ ،‬وأج مع به ب عد الفُر قة‪ ،‬وأؤلّف به قلوب ـا مختل فة‪،‬‬
‫وأهواء مشت تة‪ ،‬وأم ـما متفرّ قة‪ ،‬وأج عل أم ته خ ير أمّة أُخر جت للناس‪ ،‬تأ مر ب ـالـمعروف‪،‬‬
‫وتن هى عن ال ـمنكر‪ ،‬توحيدا ل ـي‪ ،‬وإي ـمانا وإخل صا ب ـي‪ ،‬ي صلون ل ـي ق ـياما وقعودا‪،‬‬
‫وركوعـا وسـجودا‪ ،‬يُقاتلون فــي سـبـيـلـي صـفوفـا وزحوفــا‪ ،‬ويخرجون مـن ديارهـم‬
‫وأموالهـم ابتغاء رضوانــي‪ ،‬ألهمهـم التكبــير والتوحيـد‪ ،‬والتسـبـيح والــحمد والــمدحة‪،‬‬
‫والتــمـجيد لــي فــي مسـاجدهم ومــجالسهم ومضاجعهـم ومتقلبهـم ومثواهـم‪ ،‬يكـبرون‬
‫ويهلّلون‪ ،‬ويقدّسـون علــى رؤوس السـواق‪ ،‬ويطهرون لــي الوجوه والطراف‪ ،‬ويعقدون‬
‫الث ـياب ف ـي الن صاف‪ ،‬قرب ـانهم دماؤ هم‪ ،‬وأناجي ـلهم صدورهم‪ ،‬رهب ـان ب ـاللـيـل‪،‬‬
‫لــيوث بــالنهار‪ ،‬ذلك فضلــي أوتــيه مـن أشاء‪ ،‬وأنـا ذو الفضـل العظيــم‪ .‬فلــما فرغ‬
‫نبـيهم شعياء إلـيهم من مقالته‪ ،‬عدوا علـيه فـيـما بلغنـي لـيقتلوه‪ ،‬فهرب منهم‪ ،‬فلقـيته‬
‫شجرة‪ ،‬فـانفلقت فدخـل فـيها‪ ،‬وأدركه الشيطان فأخذ بهدبة من ثوبه فأراهم إياها‪ ،‬فوضعوا‬
‫الـمنشار فـي وسطها فنشروها حتـى قطعوها‪ ،‬وقطعوه فـي وسطها‪.‬‬
‫قال أبو جعفر‪ :‬فعلـى القول الذي ذكرنا عن ابن عبـاس من رواية السديّ‪ ،‬وقول ابن زيد‪،‬‬
‫كان إفساد بنـي إسرائيـل فـي الرض الـمرّة الولـى قتلهم زكريا نبـيّ ال‪ ،‬مع ما كان‬
‫سلف من هم ق بل ذلك وبعده‪ ،‬إل ـى أن ب عث ال عل ـيهم من أحلّ عل ـى يده ب هم نقم ته من‬
‫معاصـي ال‪ ،‬وعتوّهـم علــى ربهـم‪ .‬وأمـا علــى قول ابـن إسـحاق الذي روينـا عنـه‪ ،‬فكان‬
‫إفسادهم الـمرّة الولـى ما وصف من قتلهم شعياء بن أمصيا نبـيّ ال‪ .‬وذكر ابن إسحاق‬
‫أن بعض أهل العلـم أخبره أن زكريا مات موتا ولـم يُقتل‪ ،‬وأن الـمقتول إنـما هو شعياء‪،‬‬
‫وأن بختنصر هو الذي سُلّط علـى بنـي إسرائيـل فـي الـمرّة الولـى بعد قتلهم شعياء‪.‬‬
‫حدثنا بذلك ابن حميد‪ ،‬عن سلـمة عنه‪.‬‬
‫وأ ما إف سادهم ف ـي الرض ال ـمرّة الَخرة‪ ،‬فل اختلف ب ـين أ هل العل ـم أ نه كان قتل هم‬
‫يحيى بن زكريا‪ .‬وقد اختلفوا فـي الذي سلّطه ال علـيهم منتقما به منهم عند ذلك‪ ،‬وأنا ذاكر‬
‫اختلفهم فـي ذلك إن شاء ال‪.‬‬
‫وأما قوله‪ :‬وََل َتعْلُ نّ عُلُوّا َكبِـيرا فقد ذكرنا قول من قال‪ :‬يعنـي به‪ :‬استكبـارهم علـى ال‬
‫بـالـجراءة علـيه‪ ،‬وخلفهم أمره‪ .‬وكان مـجاهد يقول فـي ذلك ما‪:‬‬
‫‪ 16660‬ـ حدثن ـي م ـحمد بن عمرو‪ ،‬قال‪ :‬حدث نا أ بو عا صم‪ ،‬قال‪ :‬حدث نا عي سى‪ ،‬عن ا بن‬
‫أبـي نـجيح‪ ،‬عن مـجاهد وََل َتعْلُنّ عُُلوّا َكبِـيرا قال‪ :‬ولتعلنّ الناس علوّا كبـيرا‪.‬‬
‫حدث نا ال ـحارث‪ ،‬قال‪ :‬حدث نا ال ـحسين‪ ،‬قال‪ :‬حدث نا ورقاء‪ ،‬عن ا بن أب ـي ن ـجيح‪ ،‬عن‬
‫مـجاهد‪ ،‬مثله‪.‬‬
‫عدُ أُولهُما يعنـي‪ :‬فإذا جاء وعد أولـى الـمرّتـين اللتـين يفسدون‬
‫وأما قوله‪ :‬فإذَا جاءَ وَ ْ‬
‫بهما فـي الرض كما‪:‬‬
‫‪ 16661‬ـ حدثن ـي يو نس‪ ،‬قال‪ :‬أخبر نا ا بن و هب‪ ،‬قال‪ :‬قال ا بن ز يد‪ ،‬ف ـي قوله‪ :‬فإذَا جاءَ‬
‫عدُ أُولهُمـا قال‪ :‬إذا جاء وعـد أولــى تــينك الــمرّتـين اللتــين قضينـا إلــى بنــي‬
‫َو ْ‬
‫سدُنّ فِـي الرْضِ َم ّرتَـيْنِ‪.‬‬
‫إسرائيـل َلتُ ْف ِ‬
‫س شَدِيدٍ فَجا سُوا خِللَ الدّيارِ‪ ،‬وكا نَ وَعْدا مَ ْفعُولً‬
‫وقوله‪َ :‬ب َعثْنا عَلَـ ْيكُمْ عِبـادا لَنا أُولـي َبأْ ٍ‬
‫يعنـي تعالـى ذكره بقوله‪َ :‬ب َعثْنا عَلَـ ْيكُمْ وجّهنا إلـيكم‪ ،‬وأرسلنا علـيكم عِبـادا لَنا أُولـي‬
‫ل الدّيارِ‪ ،‬وكا نَ وَعدا‬
‫شدِيدٍ يقول‪ :‬ذوي بطش فـي الـحروب شديد‪ .‬وقوله‪ :‬فَجا سُوا خِل َ‬
‫َبأْ سٍ َ‬
‫مَ ْفعُولً يقول‪ :‬فتردّدوا بـين الدور والـمساكن‪ ،‬وذهبوا وجاءوا‪ .‬يقال فـيه‪ :‬جاس القوم بـين‬
‫الديار وجا سوا ب ـمعنى وا حد‪ ،‬وج ست أ نا أجوس جو سا وجو سانا‪ .‬وبن ـحو الذي قل نا ف ـي‬
‫ذلك‪ ،‬رُوي الـخبر عن ابن عبـاس‪:‬‬
‫‪16662‬ـ حدثنـي علـيّ بن داود‪ ،‬قال‪ :‬حدثنا عبد ال‪ ،‬قال‪ :‬ثنـي معاوية‪ ،‬عن علـيّ‪ ،‬عن‬
‫ابن عبـاس فَجاسُوا خِللَ الدّيارِ قال‪ :‬مشوا‪.‬‬
‫وكان بعـض أهـل الــمعرفة بكلم العرب مـن أهـل البصـرة يقول‪ :‬معنـى جاسـوا‪ :‬قتلوا‪،‬‬
‫ويستشهد لقوله ذلك ببـيت حسان‪:‬‬
‫ض العَساكِرِ‬
‫عرْ َ‬
‫عدَاءَ ُ‬
‫ح ّم ٍدفَجاسَ ِبهِ ال ْ‬
‫س ْيفِ مُـ َ‬
‫َو ِمنّا اّلذِي لقـى ب َ‬
‫وجائز أن يكون معناه‪ :‬فجا سوا خلل الديار‪ ،‬فقتلو هم ذاهب ـين وجائ ين‪ ،‬ف ـيصحّ التأويلن‬
‫وكانـ وَعْدا مَ ْفعُولً وكان جوس القوم الذيـن نبعـث علــيهم خلل‬
‫َ‬ ‫جميعـا‪ .‬ويعنــي بقوله‪:‬‬
‫ديارهم وعدا من ال لهم مفعولً ذلك ل مـحالة‪ ،‬لنه ل يخـلف الـميعاد‪.‬‬
‫شدِيدٍ ف ـيـما كان من‬
‫ثم اختلف أ هل التأوي ـل ف ـي الذ ين ع نى ال بقوله‪ :‬أُول ـي َبأْ سٍ َ‬
‫فعل هم ف ـي ال ـمرّة الول ـى ف ـي بن ـي إ سرائيـل ح ين بعثوا عل ـيهم‪ ،‬و من الذ ين ب عث‬
‫عل ـيهم ف ـي ال ـمرّة الَخرة‪ ،‬و ما كان من صنعهم ب هم‪ ،‬فقال بعض هم‪ :‬كان الذي ب عث ال‬
‫علـيهم فـي الـمرّة الولـى جالوت‪ ،‬وهو من أهل الـجزيرة‪ .‬ذكر من قال ذلك‪:‬‬
‫‪16663‬ـ حدثنـي مـحمد بن سعد‪ ،‬قال‪ :‬حدثنا أبـي‪ ،‬قال‪ :‬ثنـي عمي‪ ،‬قال‪ :‬ثنـي أبـي‪،‬‬
‫عدُ أُولهُ ما َب َعثْ نا عَلَ ـ ْي ُكمْ عِب ـادا لَ نا أُول ـي‬
‫عن أب ـيه‪ ،‬عن ا بن عب ـاس‪ ،‬قوله‪ :‬فَإذَا جاءَ َو ْ‬
‫وكانـ َوعْدا مَ ْفعُولً قال‪ :‬بعـث ال علــيهم جالوت‪ ،‬فجاس‬
‫َ‬ ‫ل الدّيارِ‪،‬‬
‫شدِي ٍد فَجاسـُوا خِل َ‬
‫ْسـ َ‬
‫َبأ ٍ‬
‫خلل ديار هم‪ ،‬وضرب عل ـيهم ال ـخراج والذلّ‪ ،‬ف سألوا ال أن يب عث ل هم مل كا يُقاتلون ف ـي‬
‫سـبـيـل ال‪ ،‬فبعـث ال طالوت‪ ،‬فقاتلوا جالوت‪ ،‬فنصـر ال بنــي إسـرائيـل‪ ،‬وقُتـل جالوت‬
‫بـيدي داود‪ ،‬ورجع ال إلـى بنـي إسرائيـل ملكهم‪.‬‬
‫عدُ‬
‫‪ 16664‬ـ حدث نا ب شر‪ ،‬قال‪ :‬حدث نا يز يد‪ ،‬قال‪ :‬حدث نا سعيد‪ ،‬عن قتادة‪ ،‬قوله‪ :‬فإذَا جاءَ وَ ْ‬
‫شدِيدٍ‪ ،‬فجا سُوا خِللَ الدّيارِ‪ ،‬وكا نَ وَعْدا مَ ْفعُولً‬
‫أُولهُما َب َعثْنا عَلَـ ْي ُكمْ عِبـادا لَنا أُولـي َبأْ سٍ َ‬
‫قضاء قضى ال علـى القوم كما تسمعون‪ ،‬فبعث علـيهم فـي الولـى جالوت الـجزري‪،‬‬
‫فسبى وقتل‪ ،‬وجاسوا خلل الديار كما قال ال‪ ،‬ثم رجع القوم علـى دخن فـيهم‪.‬‬
‫حدثنا مـحمد بن عبد العلـى‪ ،‬قال‪ :‬حدثنا مـحمد بن ثور‪ ،‬عن معمر‪ ،‬عن قتادة‪ ،‬قال‪:‬‬
‫أما الـمرّة الولـى فسلّط ال علـيهم جالوت‪ ،‬حتـى بعث طالوت ومعه داود‪ ،‬فقتله داود‪.‬‬
‫وقال آخرون‪ :‬بـل بعـث علــيهم فــي الــمرّة الولــى سـنـحاريب‪ ،‬وقـد ذكرنـا بعـض‬
‫قائلـي ذلك فـيـما مضى ونذكر ما حضرنا ذكره مـمن لـم نذكره قبل‪.‬‬
‫‪16665‬ـ حدثنـي يعقوب بن إبراهيـم‪ ،‬قال‪ :‬حدثنا ابن علـية‪ ،‬عن أبـي الـمعلـى‪ ،‬قال‪:‬‬
‫شدِيدٍ قال‪:‬‬
‫سمعت سعيد بن جب ـير‪ ،‬يقول ف ـي قوله‪َ :‬ب َعثْ نا عَلَ ـ ْي ُكمْ عِب ـادا لَ نا أُول ـي َبأْ سٍ َ‬
‫بعـث ال تبــارك وتعالــى علــيهم فــي الــمرّة الولــى سـنـحاريب مـن أهـل أثور‬
‫ونـينوى فسألت سعيدا عنها‪ ،‬فزعم أنها الـموصل‪.‬‬
‫‪ 16666‬ـ حدثنا القاسم‪ ،‬قال‪ :‬حدثنا الـحسين‪ ،‬قال‪ :‬ثنـي حجاج عن ابن جريج‪ ،‬قال‪ :‬ثنـي‬
‫يعلـى بن مسلـم بن سعيد بن جبـير‪ ،‬أنه سمعه يقول‪ :‬كان رجل من بنـي إسرائيـل يقرأ‪،‬‬
‫شدِيدٍ بكـى وفــاضت عيناه‪ ،‬وطبـق‬
‫ْسـ َ‬
‫حتــى إذا بلغ َب َعثْنـا عَلَــْيكُمْ عِبــادا لَنـا أُولــي َبأ ٍ‬
‫الـمصحف‪ ،‬فقال ذلك ما شاء ال من الزمان‪ ،‬ثم قال‪ :‬أي ربّ أرنِـي هذا الرجل الذي جعلت‬
‫هلك بن ـي إ سرائيـل عل ـى يد يه‪ ،‬فأُري ف ـي ال ـمنام م سكينا بب ـابل‪ ،‬يقال له بختن صر‪،‬‬
‫ف ـانطلق ب ـمال وأع بد له‪ ،‬وكان رجلً مو سرا‪ ،‬فق ـيـل له أ ين تر يد؟ قال‪ :‬أر يد الت ـجارة‪،‬‬
‫حتــى نزل دارا ببــابل‪ ،‬فــاستكراها لــيس فــيها أحـد غيره‪ ،‬فجعـل يدعـو الــمساكين‬
‫ويـلطف بهم حتـى لـم يبق أحد‪ ،‬فقال‪ :‬هل بقـي مسكين غيركم؟ قالوا‪ :‬نعم‪ ،‬مسكين بف جّ‬
‫آل فلن مر يض يقال له بختن صر‪ ،‬فقال لغل ـمته‪ :‬انطلقوا‪ ،‬حت ـى أتاه‪ ،‬فقال‪ :‬ما ا سمك؟ قال‪:‬‬
‫بختنصر‪ ،‬فقال لغلـمته‪ :‬احتـملوه‪ ،‬فنقله إلـيه ومرّضه حتـى برأ‪ ،‬فكساه وأعطاه نفقة‪ ،‬ثم‬
‫آذن السرائيـلـي بـالرحيـل‪ ،‬فبكى بختنصر‪ ،‬فقال السرائيـلـي‪ :‬ما يبكيك؟ قال‪ :‬أبكي‬
‫أ نك فعلت ب ـي ما فعلت‪ ،‬ول أ جد شيئا أجز يك‪ ،‬قال‪ :‬بل ـى شيئا ي سيرا‪ ،‬إن مل كت أطعتن ـي‬
‫فجعل الَخر يتبعه ويقول‪ :‬تستهزىء بـي؟ ول يـمنعه أن يعطيه ما سأله‪ ،‬إلّ أنه يرى أنه‬
‫يستهزىء به‪ ،‬فبكى السرائيـلـي وقال‪ :‬ولقد علـمت ما يـمنعك أن تعطينـي ما سألتك‪،‬‬
‫إلّ أن ال ير يد أن ين فذ ما قد قضاه وك تب ف ـي كتا به وضرب الد هر من ضر به فقال يو ما‬
‫صيحون‪ ،‬و هو ملك ف ـارس بب ـابل‪ :‬لو أ نا بعث نا طل ـيعة إل ـى الشام قالوا‪ :‬و ما ضرّك لو‬
‫فعلت؟ قال‪ :‬فمـن ترون؟ قالوا‪ :‬فلن‪ ،‬فبعـث رجلً وأعطاه مئة ألف‪ ،‬وخرج بختنصـر فــي‬
‫ل ل ـيأكل ف ـي مطب خه فل ـما قدم الشام ورأى صاحب الطل ـيعة أك ثر‬
‫مطب خه‪ ،‬ل ـم يخرج إ ّ‬
‫أرض ال فرسا ورجلً جلدا‪ ،‬فكسر ذلك فـي ذرعه‪ ،‬فلـم يسأل‪ ،‬قال‪ :‬فجعل بختنصر يجلس‬
‫مـجالس أهل الشام ف ـيقول‪ :‬ما يـمنعكم أن تغزوا ب ـابل‪ ،‬فلو غزوت ـموها ما دون بـيت‬
‫مالها شيء‪ ،‬قالوا‪ :‬ل نُـحسن القتال‪ ،‬قال‪ :‬فلو أنكم غزوتـم‪ ،‬قالوا‪ :‬إنا ل نـحسن القتال ول‬
‫نقا تل حت ـى أن فذ م ـجالس أ هل الشام‪ ،‬ثم رجعوا فأ خبر الطل ـيعة ملك هم ب ـما رأى‪ ،‬وج عل‬
‫بختن صر يقول لفوارس ال ـملك‪ :‬لو دعان ـي ال ـملك ل خبرته غ ير ما أ خبره فلن فرُ فع ذلك‬
‫إلـيه‪ ،‬فدعاه فأخبره الـخبر وقال‪ :‬إن فلنا لـما رأى أكثر أرض ال فرسا ورجلً جلدا‪ ،‬كبر‬
‫ل جالست أهله‪،‬‬
‫ذلك فـي روعه ولـم يسألهم عن شيء‪ ،‬وإنـي لـم أدع مـجلسا بـالشام إ ّ‬
‫فقلت لهـم كذا وكذا‪ ،‬وقالوا لــي كذا وكذا‪ ،‬الذي ذكـر سـعيد بـن جبــير أنـه قال لهـم‪ ،‬قال‬
‫الطلـيعة لبختنصر‪ :‬إنك فضحتنـي لك مئة ألف وتنزع عما قلت‪ ،‬قال‪ :‬لو أعطيتنـي بـيت‬
‫مال ب ـابل ما نز عت‪ ،‬ضرب الد هر من ضر به فقال ال ـملك‪ :‬لو بعث نا جريدة خي ـل إل ـى‬
‫ل انثنوا ما قدروا علـيه‪ ،‬قالوا‪ :‬ما ضرّك لو فعلت؟ قال‪:‬‬
‫الشام‪ ،‬فإن وجدوا مساغا ساغوا‪ ،‬وإ ّ‬
‫فمن ترون؟ قالوا‪ :‬فلن‪ ،‬قال‪ :‬بل الرجل الذي أخبرنـي ما أخبرنـي‪ ،‬فدعا بختنصر وأرسله‪،‬‬
‫وانت ـخب م عه أرب عة آلف من فر سانهم‪ ،‬ف ـانطلقوا فجا سوا خلل الديار‪ ،‬ف سبوا ما شاء ال‬
‫ول ـم يخربوا ول ـم يقتلوا‪ .‬ومات صيحون ال ـملك قالوا‪ :‬ا ستـخـلفوا رجلً‪ ،‬قالوا‪ :‬عل ـى‬
‫رسلكم حتـى تأتـي أصحابكم فإنهم فرسانكم‪ ،‬لن ينقضوا علـيكم شيئا‪ ،‬أمهلوا فأمهلوا حتـى‬
‫جاء بختنصر بـالسبـي وما معه‪ ،‬فقسمه فـي الناس‪ ،‬فقالوا‪ :‬ما رأينا أحدا أحق بـالـملك‬
‫من هذا‪ ،‬فملّكوه‪.‬‬
‫‪16667‬ــ حدثنــي يونـس بـن عبـد العلــى‪ ،‬قال‪ :‬أخبرنـا ابـن وهـب‪ ،‬قال‪ :‬أخبرنــي‬
‫سلـيـمان بن بلل‪ ،‬عن يحيى بن سعيد قال‪ :‬سمعت سعيد بن الـمسيب يقول‪ :‬ظهر بختنصر‬
‫علـى الشام‪ ،‬فخرّب بـيت الـمقدس وقتلهم‪ ،‬ثم أتـى دمشق‪ ،‬فوجد بها دما يغلـي علـى‬
‫كبـا‪ :‬أي كناسة‪ ،‬فسألهم ما هذا الدم؟ قالوا‪ :‬أدركنا آبـاءنا علـى هذا وكلـما ظهر علـيه‬
‫الكبـا ظهر‪ ،‬قال‪ :‬فقتل علـى ذلك الدم سبعين ألفـا من الـمسلـمين وغيرهم‪ ،‬فسكن‪.‬‬
‫وقال آخرون‪ :‬يعنـي بذلك قوما من أهل فـارس‪ ،‬قالوا‪ :‬ولـم يكن فـي الـمرّة الولـى‬
‫قتال‪ .‬ذكر من قال ذلك‪:‬‬
‫‪ 16668‬ـ حدثن ـي م ـحمد بن عمرو‪ ،‬قال‪ :‬حدث نا أ بو عا صم‪ ،‬قال‪ :‬حدث نا عي سى‪ ،‬عن ا بن‬
‫شدِيدٍ‬
‫س َ‬
‫عدُ أُولهُما َب َعثْنا عَلَـ ْي ُكمْ عِبـادا لَنا أُولـي َبأْ ٍ‬
‫أبـي نـجيح‪ ،‬عن مـجاهد فإذَا جاءَ وَ ْ‬
‫فَجا سُوا خللَ الدّيارِ قال‪ :‬من جاءهم من فـارس يتـجسسون أخبـارهم‪ ،‬ويسمعون حديثهم‪،‬‬
‫مع هم بختن صر‪ ،‬فو عى أحاديث هم من ب ـين أ صحابه‪ ،‬ثم رج عت ف ـارس ول ـم ي كن قتال‪،‬‬
‫ونُصرت علـيهم بنو إسرائيـل‪ ،‬فهذا وعد الولـى‪.‬‬
‫حدثنـي الـحرث‪ ،‬قال‪ :‬حدثنا الـحسين‪ ،‬قال‪ :‬حدثنا ورقاء‪ ،‬عن ابن أبـي نـجيح‪ ،‬عن‬
‫شدِيدٍ ج ند جاء هم من ف ـارس يت ـجسسون‬
‫م ـجاهد َب َعثْنَا عَلَ ـ ْيكُمْ عِب ـادا لَ نا أُول ـي َبأْ سٍ َ‬
‫أخبـارهم‪ ،‬ثم ذكر نـحوه‪.‬‬
‫حدثنا القاسم‪ ،‬قال‪ :‬حدثنا الـحسين‪ ،‬قال‪ :‬ثنـي حجاج‪ ،‬عن ابن جريج‪ ،‬عن مـجاهد فإذَا‬
‫شدِيدٍ قال‪ :‬ذلك أي من جاء هم من‬
‫عدُ أُولهُ ما َب َعثْ نا عَلَ ـ ْيكُمْ عِب ـادا لَ نا أُول ـي َبأْ سٍ َ‬
‫جاءَ وَ ْ‬
‫فـارس‪ ،‬ثم ذكر نـحوه‪.‬‬
‫‪6‬‬ ‫الية ‪:‬‬
‫ِينـ‬
‫ل َو َبن َ‬
‫ِمـ وََأ ْم َددْنَاك ُم ِبَأمْوَا ٍ‬
‫ُمـ ا ْل َكرّةَ عََل ْيه ْ‬
‫ُمـ رَ َددْن َا َلك ُ‬
‫القول فــي تأويــل قوله تعالــى {ث ّ‬
‫جعَ ْلنَا ُكمْ َأ ْكثَرَ َنفِيرا }‪.‬‬
‫َو َ‬
‫يقول تعال ـى ذكره‪ :‬ثم أدلنا كم يا بن ـي إ سرائيـل عل ـى هؤلء القوم الذ ين و صفهم جلّ‬
‫ثناؤه أ نه يبعث هم عل ـيهم‪ ،‬وكا نت تلك الدالة والكرّة ل هم عل ـيهم‪ ،‬ف ـيـما ذ كر ال سديّ ف ـي‬
‫خبره أن بنـي إسرائيـل غزوهم‪ ،‬وأصابوا منهم‪ ،‬واستنقذوا ما فـي أيديهم منهم‪ .‬وفـي قول‬
‫آخرين‪ :‬إطلق الـملك الذي غزاهم ما فـي يديه من أسراهم‪ ،‬ور ّد ما كان أصاب من أموالهم‬
‫علـيهم من غير قتال‪ .‬وفـي قول ابن عبـاس الذي رواه عطية عنه هي إدالة ال إياهم من‬
‫ل ذلك بأ سانـيده ف ـيـما م ضى وأ ْم َددْناكُ مْ بأمْوَالٍ‬
‫عدوّ هم جالوت حت ـى قتلوه‪ ،‬و قد ذكر نا ك ّ‬
‫َو َبنِـينَ يقول‪ :‬وزدنا فـيـما أعطيناكم من الموال والبنـين‪.‬‬
‫جعَلْناكُم ْـ أ ْكثَ َر نَفِــيرا يقول‪ :‬وصـيرناكم أكثـر ع َددَ نافرٍ منهـم‪ .‬وبنــحو الذي قلنـا‬
‫وقوله‪َ :‬و َ‬
‫فـي ذلك‪ ،‬قال أهل التأويـل‪ .‬ذكر من قال ذلك‪:‬‬
‫جعَلْناكُ مْ أ ْك َثرَ‬
‫‪ 16669‬ـ حدث نا ب شر‪ ،‬قال‪ :‬حدث نا يز يد‪ ،‬قال‪ :‬حدث نا سعيد‪ ،‬عن قتادة‪ ،‬قوله َو َ‬
‫نَفِـيرا‪ :‬أي عددا‪ ،‬وذلك فـي زمن داود‪.‬‬
‫جعَلْناكُمْ أ ْك َثرَ‬
‫‪16670‬ـ حدثنـي موسى‪ ،‬قال‪ :‬حدثنا عمرو‪ ،‬قال‪ :‬حدثنا أسبـاط‪ ،‬عن السديّ َو َ‬
‫نَفِـيرا يقول‪ :‬عددا‪.‬‬
‫‪16671‬ـ حدثنـي يونس‪ ،‬قال‪ :‬أخبرنا ابن وهب‪ ،‬قال‪ :‬قال ابن زيد‪ ،‬فـي قوله‪ :‬ثُمّ َر َددْنا َلكُمُ‬
‫جعَلْناكُ مْ‬
‫ال َكرّةَ عَلَـ ْي ِهمْ لبنـي إسرائيـل‪ ،‬بعد أن كانت الهزيـمة‪ ،‬وانصرف الَخرون عنهم َو َ‬
‫أ ْكثَ َر نَفِـيرا قال‪ :‬جعلناكم بعد هذا أكثر عددا‪.‬‬
‫‪ 16672‬ـ حدثنا مـحمد بن عبد العلـى‪ ،‬قال‪ :‬حدثنا مـحمد بن ثور عن معمر‪ ،‬عن قتادة‬
‫ُثمّ َردَدْنا َل ُكمُ ال َكرّةَ عَلَـ ْي ِهمْ ثم رددت الكرّة لبنـي إسرائيـل‪.‬‬
‫‪16673‬ـ حدثنـي مـحمد بن سنان القزّاز‪ ،‬قال‪ :‬حدثنا أبو عاصم‪ ،‬عن سفـيان‪ ،‬فـي قوله‪:‬‬
‫ن قال‪ :‬أربعة آلف‪.‬‬
‫وأ ْم َددْناكُمْ بأمْوَال و َبنِـي َ‬

‫‪7‬‬ ‫الية ‪:‬‬


‫عدُ‬
‫س ْأ ُتمْ فََلهَا َفإِذَا جَآءَ َو ْ‬
‫س ُكمْ وَِإ نْ أَ َ‬
‫س ْنتُمْ لنْفُ ِ‬
‫س ْن ُتمْ َأحْ َ‬
‫القول فـي تأويـل قوله تعالـى {إِ نْ َأحْ َ‬
‫جدَ َكمَا َدخَلُوهُ َأوّلَ َمرّةٍ وَِل ُي َتّبرُو ْا مَا عََلوْاْ َت ْتبِيرا }‪.‬‬
‫سِ‬‫لخِرَ ِة ِل َيسُوءُواْ ُوجُو َه ُكمْ وَِل َي ْدخُلُواْ ا ْل َم ْ‬
‫اَ‬
‫س ْنتُـمْ يا‬
‫ن أحْ َ‬
‫يقول تعالـى ذكره لبنـي إسرائيـل فـيـما قضى إلـيهم فـي التوراة‪ :‬إ ْ‬
‫بنـي إسرائيـل‪ ،‬فأطعتـم ال وأصلـحتـم أمركم‪ ،‬ولزمتـم أمره ونهيه أحْس ْنتُـمْ وفعلتـم‬
‫س ُكمْ لنّكم إنـما تنفعون بفعلتكم ما تفعلون من ذلك أنفسكم فـي الدنـيا‬
‫لنْفُ ِ‬
‫ما فعلتـم من ذلك َ‬
‫والَخرة‪ .‬أما فـي الدنـيا فإن ال يدفع عنكم من بغاكم سوءا‪ ،‬وينـمي لكم أموالكم‪ ،‬ويزيدكم‬
‫إلـى قوّتكم قوّة‪ .‬وأما فـي الَخرة فإن ال تعالـى يثـيبكم به جنانه وإ نْ أس ْأتُـمْ يقول‪ :‬وإن‬
‫ع صيتـم ال وركبت ـم ما نها كم ع نه حينئذٍ‪ ،‬فإل ـى أنف سكم ت سيئون‪ ،‬لن كم ت سخطون بذلك‬
‫علـى أنفسكم ربكم‪ ،‬فـيسلط علـيكم فـي الدنـيا عدوّكم‪ ،‬ويـمكّن منكم من بغاكم سوءا‪،‬‬
‫ن أ س ْأتُـمْ فل ها وال ـمعنى‪:‬‬
‫ويخ ـلدكم ف ـي الَخرة ف ـي العذاب ال ـمهين‪ .‬وقال جلّ ثناؤه وَإ ْ‬
‫ن َر ّبكَ أوْحى لَها والـمعنى‪ :‬أوحى إلـيها‪.‬‬
‫فإلـيها كما قالبأ ّ‬
‫خرَةِ يقول‪ :‬فإذا جاء وعـد الــمرّة الَخرة مـن مرّتــي إفسـادكم يـا‬
‫لِ‬‫عدُ ا َ‬
‫وقوله‪ :‬فإذَا جاءَ َو ْ‬
‫بنـي إسرائيـل فـي الرض لِـ َيسُوءُوا ُوجُو َه ُكمْ يقول‪ :‬لـيسوء مـجيء ذلك الوعد للـمرّة‬
‫الَخرة وجوهكم فـيقبّحها‪.‬‬
‫و قد اختلف القرّاء ف ـي قراءة قوله لِ ـيْسُوءُوا ُوجُو َهكُ ْم فقرأ ذلك عامّة قرّاء أ هل ال ـمدينة‬
‫والب صرة لِ ـ َيسُوءُوا ُوجُو َهكُ مْ ب ـمعنى‪ :‬ل ـيسوء العب ـاد أولو البأس الشد يد الذ ين يبعث هم ال‬
‫جدَ‬
‫سِ‬‫عل ـيكم وجوه كم‪ ،‬وا ستشهد قارئوا ذلك ل صحة قراءتهـم كذلك بقوله وَلِ ـيَ ْدخُـلُوا ال ـ َم ْ‬
‫وقالوا‪ :‬ذلك خبر عن الـجميع فكذلك الواجب أن يكون قوله لِـ َيسُوءُوا‪ .‬وقرأ ذلك عامّة قرّاء‬
‫الكوفـة‪« :‬لِــَيسُوءَ ُوجُو َهكُمـْ» علــى التوحيـد وبــالـياء‪ .‬وقـد يحتــمل ذلك وجهيـن مـن‬
‫التأويـل أحدهما ما قد ذكرت‪ ،‬والَخر منهما‪ :‬لـيسوء ال وجوهكم‪ .‬فمن وجّه تأويـل ذلك‬
‫إلـى لـيسوء مـجيء الوعد وجوهَكم‪ ،‬جعل جواب قوله «فإذا» مـحذوفـا‪ ،‬وقد استغنـي‬
‫ب ـما ظ هر عنه‪ ،‬وذلك ال ـمـحذوف «جاء»‪ ،‬ف ـيكون الكلم تأويـله‪ :‬فإذا جاء وعد الَخرة‬
‫ل ـيسوء وجوه كم جاء‪ .‬و من وجّ َه تأوي ـله إل ـى‪ :‬ل ـيسوء ال وجوه كم‪ ،‬كان أي ضا ف ـي‬
‫الكلم مـحذوف‪ ،‬قد استغنـي هنا عنه بـما قد ظهر منه‪ ،‬غير أن ذلك الـمـحذوف سوى‬
‫«جاء»‪ ،‬ف ـيكون مع نى الكلم حينئذٍ‪ :‬فإذا جاء و عد الَخرة بعثنا هم ل ـيسوء ال وجوه كم‪،‬‬
‫ف ـيكون الــمضمر بعثناهـم‪ ،‬وذلك جواب «إذا» حينئذٍ‪ .‬وقرأ ذلك ب عض أ هل العربــية من‬
‫الكوف ـيـين‪ِ« :‬لنَ سُو َء ُوجُو َهكُ مْ» عل ـى و جه ال ـخبر من ال تب ـارك وتعال ـى ا سمه عن‬
‫نفسه‪.‬‬
‫وكان م ـجيء و عد ال ـمرّة الَخرة ع ند قتل هم يح يى‪ .‬ذ كر الروا ية بذلك‪ ،‬وال ـخبر ع ما‬
‫جاءهم من عند ال حينئذٍ كما‪:‬‬
‫ي فـي الـحديث‬
‫‪ 16674‬ـ حدثنا موسى‪ ،‬قال‪ :‬حدثنا عمرو‪ ،‬قال‪ :‬حدثنا أسبـاط‪ ،‬عن السد ّ‬
‫الذي ذكرنـا إسـناده قبـل أن رجلً مـن بنــي إسـرائيـل رأى فــي النوم أن خراب بــيت‬
‫الـمقدس وهلك بنـي إسرائيـل علـى يدي غلم يتـيـم ابن أرملة من أهل بـابل‪ ،‬يدعى‬
‫بختن صر‪ ،‬وكانوا ي صدقون فت صدق رؤيا هم‪ ،‬فأق بل ف سأل ع نه حت ـى نزل عل ـى أ مه و هو‬
‫يحتطب‪ ،‬فلـما جاء وعلـى رأسه حزمة من حطب ألقاها‪ ،‬ثم قعد فـي جانب البـيت فضمه‪،‬‬
‫ثم أعطاه ثلثة دراهم‪ ،‬فقال‪ :‬اشتر لنا بها طعاما وشرابـا‪ ،‬فـاشترى بدرهم لـحما وبدرهم‬
‫خبزا وبدر هم خمرا‪ ،‬فأكلوا وشربوا حت ـى إذا كان ال ـيوم الثان ـي ف عل به ذلك‪ ،‬حت ـى إذا‬
‫كان الـيوم الثالث فعل ذلك‪ ،‬ثم قال له‪ :‬إنـي أُح بّ أن تكتب لـي أمانا إن أنت ملكت يوما‬
‫من الد هر‪ ،‬فقال‪ :‬أت سخر ب ـي؟ فقال‪ :‬إن ـي ل أ سخر بك‪ ،‬ول كن ما عل ـيك أن تت ـخذ ب ها‬
‫عندي يدا‪ ،‬فكلــمته أمـه‪ ،‬فقالت‪ :‬ومـا علــيك إن كان ذلك وإلّ لــم ينقصـك شيئا‪ ،‬فكتـب له‬
‫أما نا‪ ،‬فقال له‪ :‬أرأ يت إن جئت والناس حولك قد حالوا ب ـينـي وب ـينك‪ ،‬ف ـاجعل ل ـي آ ية‬
‫تعرفنـي بها قال‪ :‬نرفع صحيفتك علـى قصبة أعرفك بها‪ ،‬فكساه وأعطاه‪ .‬ثم إن ملك بنـي‬
‫إ سرائيـل كان يكرم يح يى بن زكر يا‪ ،‬ويدن ـي م ـجلسه‪ ،‬وي ستشيره ف ـي أمره‪ ،‬ول يق طع‬
‫أمرا دونه‪ ،‬وأنه هوى أن يتزوّج ابنة امرأة له‪ ،‬فسأل يحيى عن ذلك‪ ،‬فنهاه عن نكاحها وقال‪:‬‬
‫ل ست أرضا ها لك‪ ،‬فبلغ ذلك أم ها فحقدت عل ـى يح يى ح ين نهاه أن يتزوّج ابنت ها‪ ،‬فعمدت أ مّ‬
‫الـجارية حين جلس الـملك علـى شرابه‪ ،‬فألبستها ثـيابـا رقاقا حمرا‪ ،‬وطيّبتها وألبستها‬
‫من الـحُلـيّ‪ ،‬وقـيـل‪ :‬إنها ألبستها فوق ذلك كساء أسود‪ ،‬وأرسلتها إلـى الـملك‪ ،‬وأمرتها‬
‫أن ت سقـيه‪ ،‬وأن تعرض له نف سها‪ ،‬فإن أراد ها عل ـى نف سها أ بت عل ـيه حت ـى يعطي ها ما‬
‫سألته‪ ،‬فإذا أعطاها ذلك سألته أن يأتـي برأس يحيى بن زكريا فـي طست‪ ،‬ففعلت‪ ،‬فجعلت‬
‫ت سقـيه وتعرض له نف سها فل ـما أ خذ ف ـيه الشراب أراد ها علــى نف سها‪ ،‬فقالت‪ :‬ل أف عل‬
‫حتـى تعطينـي ما أسألك‪ ،‬فقال‪ :‬ما الذي تسألـينـي؟ قالت‪ :‬أسألك أن تبعث إلـى يحيى بن‬
‫زكريا‪ ،‬فأوتَـى برأسه فـي هذا الطست‪ ،‬فقال‪ :‬ويحك سلـينـي غير هذا‪ ،‬فقالت له‪ :‬ما أريد‬
‫ل هذا‪ .‬قال‪ :‬فل ـما ألّ ـحت عل ـيه ب عث إل ـيه‪ ،‬فأت ـى برأ سه‪ ،‬والرأس يتكل ـم‬
‫أن أ سألك إ ّ‬
‫حتـى وضع بـين يديه وهو يقول‪ :‬ل يحلّ لك ذلك فلـما أصبح إذا دمه يغلـي‪ ،‬فأمر بتراب‬
‫فألقـى علـيه‪ ،‬فرقـى الدم فوق التراب يغلـي‪ ،‬فألقـى علـيه التراب أيضا‪ ،‬فـارتفع الدم‬
‫فوقـه فلــم يزل يــلقـي علــيه التراب حتــى بلغ سـور الــمدينة وهـو يغلــى وبلغ‬
‫صـيحابـين‪ ،‬فثار فــي الناس‪ ،‬وأراد أن يبعـث علــيهم جيشـا‪ ،‬ويؤمّر علــيهم رجلً‪ ،‬فأتاه‬
‫بختنصـر وكلّــمه وقال‪ :‬إن الذي كنـت أرسـلته تلك الــمرّة ضعيـف‪ ،‬وإنــي قـد دخــلت‬
‫الــمدينة وسـمعت كلم أهلهـا‪ ،‬فــابعثنـي‪ ،‬فبعثـه‪ ،‬فسـار بختنصـر حتــى إذا بلغوا ذلك‬
‫الــمكان تــحصنوا منـه فــي مدائنهـم‪ ،‬فلــم يطقهـم‪ ،‬فلــما اشتدّ علــيهم الــمقام وجاع‬
‫أصـحابه‪ ،‬أرادوا الرجوع‪ ،‬فخرجـت إلــيهم عجوز مـن عجائز بنــي إسـرائيـل فقالت‪ :‬أيـن‬
‫أم ير ال ـجند؟ فأت ـى ب ها إل ـيه‪ ،‬فقالت له‪ :‬إ نه بلغن ـي أ نك تر يد أن تر جع بجندك ق بل أن‬
‫تفت ـح هذه ال ـمدينة‪ ،‬قال‪ :‬ن عم‪ ،‬قد طال مقا مي‪ ،‬وجاع أ صحابـي‪ ،‬فل ست أ ستطيع ال ـمقام‬
‫فوق الذي كان منـي‪ ،‬فقالت‪ :‬أرأيتك إن فتـحت لك الـمدينة أتعطينـي ما سألتك‪ ،‬وتقتل من‬
‫أمر تك بقتله‪ ،‬وتك فّ إذا أمر تك أن تك فّ؟ قال‪ :‬ن عم‪ ،‬قالت‪ :‬إذا أ صبحت ف ـاقسم جندك أرب عة‬
‫أربـاع‪ ،‬ثم أقم علـى كلّ زاوية ربعا‪ ،‬ثم ارفعوا بأيديكم إلـى السماء فنادوا‪ :‬إنا نستفتـحك‬
‫يا أل بدم يح يى بن زكر يا‪ ،‬فإن ها سوف ت سّاقط ففعلوا‪ ،‬فت ساقطت ال ـمدينة‪ ،‬ودخ ـلوا من‬
‫جوانبهـا‪ ،‬فقالت له‪ :‬اقتـل علــى هذا الدم حتــى يسـكن‪ ،‬وانطلقـت بـه إلــى دم يحيـى وهـو‬
‫علـى تراب كثـير‪ ،‬فقتل علـيه حتـى سكن سبعين ألفـا وامرأة فلـما سكن الدم قالت له‪:‬‬
‫ك فّ يدك‪ ،‬فإن ال تب ـارك وتعال ـى إذا ق تل نب ـيّ ل ـم يرض‪ ،‬حت ـى يق تل من قتله‪ ،‬و من‬
‫ر ضي قتله‪ ،‬وأتاه صاحب ال صحيفة ب صحيفته‪ ،‬فك فّ ع نه و عن أ هل ب ـيته‪ ،‬وخرّب ب ـيت‬
‫ال ـمقدس‪ ،‬وأ مر به أن تطرح ف ـيه ال ـجيف‪ ،‬وقال‪ :‬من طرح ف ـيه جي فة فله جزي ته تلك‬
‫ال سنة‪ ،‬وأعا نه عل ـى خرا به الروم من أ جل أن بن ـي إ سرائيـل قتلوا يح يى‪ ،‬فل ـما خرّ به‬
‫بختن صر ذ هب م عه بوجوه بن ـي إ سرائيـل وأشراف هم‪ ،‬وذ هب بدان ـيال وعل ـيا وعزار يا‬
‫وميشائيـل‪ ،‬هؤلء كلهم من أولد النبـياء وذهب معه برأس جالوت فلـما قدم أرض بـابل‬
‫و جد صحابـين قد مات‪ ،‬فملك مكا نه‪ ،‬وكان أكرم الناس عل ـيه دان ـيال وأ صحابه‪ ،‬فح سدهم‬
‫الـمـجوس علـى ذلك‪ ،‬فوشوا بهم إلـيه وقالوا‪ :‬إن دانـيال وأصحابه ل يعبدون إلهك‪ ،‬ول‬
‫يأكلون مـن ذبــيحتك‪ ،‬فدعاهـم فسـألهم‪ ،‬فقالوا‪ :‬أجـل إن لنـا ربــا نعبده‪ ،‬ولسـنا نأكـل مـن‬
‫ذب ـيحتكم‪ ،‬فأ مر بخدّ فخدّ ل هم‪ ،‬فألقوا ف ـيه و هم ستة‪ ،‬وألق ـى مع هم سبعا ضار يا ل ـيأكلهم‪،‬‬
‫فقال‪ :‬انطلقوا فلنأكـل ولنشرب‪ ،‬فذهبوا فأكلوا وشربوا‪ ،‬ثـم راحوا فوجدوهـم جلوسـا والسـبع‬
‫مفترش ذراعيـه بــينهم‪ ،‬ولــم يخدش منهـم أحدا‪ ،‬ولــم ينكأه شيئا‪ ،‬ووجدوا معهـم رجلً‪،‬‬
‫فعدّوهم فوجدوهم سبعة‪ ،‬فقالوا‪ :‬ما بـال هذا السابع إنـما كانوا ستة؟ فخرج إلـيهم السابع‪،‬‬
‫وكان ملَكا من الـملئكة‪ ،‬فلطمه لطمة فصار فـي الوحش‪ ،‬فكان فـيهم سبع سنـين‪ ،‬ل يراه‬
‫ل أتاه حتـى ينكحه‪ ،‬يقتصّ منه ما كان يصنع بـالرجال ثم إنه رجع ورد ال علـيه‬
‫وحشيّ إ ّ‬
‫مُل كه‪ ،‬فكانوا أكرم خ ـلق ال عل ـيه‪ .‬ثم إن ال ـمـجوس َوشَوا به ثان ـية‪ ،‬فألقوا أ سدا ف ـي‬
‫بئر قـد ضَرِي‪ ،‬فكانوا يــلقون إل ـيه ال صخرة فــيأخذها‪ ،‬فألقوا إل ـيه دانــيال‪ ،‬فقام السـد‬
‫فـي جانب‪ ،‬وقام دانـيال فـي جانب ل يـمسه‪ ،‬فأخرجوه‪ ،‬وقد كان قبل ذلك خدّ لهم خدّا‪،‬‬
‫فأوقد فـيه نارا‪ ،‬حتـى إذا أججها قذفهم فـيها‪ ،‬فأطفأها ال علـيهم ولـم ينلهم منها شيء‪.‬‬
‫شبَه‪ ،‬وصدره‬
‫ثم إن بختنصر رأى بعد ذلك فـي منامه صنـما رأسه من ذهب‪ ،‬وعنقه من َ‬
‫من حد يد‪ ،‬وبط نه أخلط ذ هب وف ضة وقوار ير‪ ،‬ورجله من فخار فب ـينا هو قائم ين ظر‪ ،‬إذ‬
‫جاءت صخرة من السماء من ِقبَل القبلة‪ ،‬فكسرت الصنـم فجعلته هشيـما‪ ،‬فـاستـيقظ فزعا‬
‫وأُن سيها‪ ،‬فد عا ال سحرة والكه نة‪ ،‬ف سألهم‪ ،‬فقال‪ :‬أخبرون ـي ع ما رأ يت فقالوا له‪ :‬ل‪ ،‬بل أ نت‬
‫أخبرنا ما رأيت فنعبره لك‪ .‬قال‪ :‬ل أدري‪ ،‬قالوا له‪ :‬فهؤلء الفتـية الذين تكرم هم‪ ،‬فـادعهم‬
‫فـاسألهم‪ ،‬فإن هم لـم يخبروك بـما رأيت فما تصنع بهم؟ قال‪ :‬أقتلهم فأرسل إلـى دانـيال‬
‫وأ صحابه‪ ،‬فدعا هم‪ ،‬فقال ل هم‪ :‬أخبرون ـي ماذا رأ يت؟ فقال له دان ـيال‪ :‬بل أ نت أخبر نا ما‬
‫رأ يت فن عبره لك قال‪ :‬ل أدري قد ن سيتها فقال له دان ـيال‪ :‬ك يف نعل ـم رؤ يا ل ـم ت ـخبرنا‬
‫بها؟ فأمر البوّاب أن يقتلهم‪ ،‬فقال دانـيال للبوّاب‪ :‬إن الـملك إنـما أمر بقتلنا من أجل رؤياه‪،‬‬
‫فأخّرنا ثلثة أيام‪ ،‬فإن نـحن أخبرنا الـملك برؤياه وإل فـاضرب أعناقنا فأجّلهم فدعوا ال‬
‫فلــما كان الــيوم الثالث أبصـر كـل رجـل منهـم رؤيـا بختنصـر علــى حدة‪ ،‬فأتوا البوّاب‬
‫فأخبروه‪ ،‬فدخـل علـى الـملك فأخبره‪ ،‬فقال‪ :‬أدخـلهم علـيّ وكان بختنصر ل يعرف من‬
‫رؤياه شيئا‪ ،‬إل شيئا يذكرونه‪ ،‬فقالوا له‪ :‬أنت رأيت كذا وكذا‪ ،‬فقصوها علـيه‪ ،‬فقال‪ :‬صدقتـم‬
‫قالوا‪ :‬نـحن نعبرها لك‪ .‬أما الصنـم الذي رأيت رأسه من ذهب‪ ،‬فإنه ملك حسن مثل الذهب‪،‬‬
‫وكان قد ملك الرض كل ها وأ ما الع نق من الشّبَه‪ ،‬ف هو ملك اب نك ب عد‪ ،‬ي ـملك ف ـيكون مل كه‬
‫ح سنا‪ ،‬ول يكون م ثل الذ هب وأ ما صدره الذي من حد يد ف هو ملك أ هل ف ـارس‪ ،‬ي ـملكون‬
‫بعدك اب نك‪ ،‬فــيكون ملك هم شديدا م ثل ال ـحديد وأ ما بط نه الخلط‪ ،‬فإ نه يذ هب ملك أ هل‬
‫فــارس‪ ،‬ويتنازع الناس الــملك فــي كلّ قريـة‪ ،‬حتــى يكون الــملك يــملك الــيوم‬
‫وال ـيومين‪ ،‬والشهـر والشهر ين‪ ،‬ثـم يُق تل‪ ،‬فل يكون للناس قوام علــى ذلك‪ ،‬كمـا ل ـم يكـن‬
‫لل صنـم قوام عل ـى رجل ـين من فخار فب ـينـما هم كذلك‪ ،‬إذ ب عث ال تعال ـى نب ـيا من‬
‫أرض العرب‪ ،‬فأظهره علــى بقــية مُلك أهـل فــارس‪ ،‬وبقــية مُلك ابنـك وملكـك‪ ،‬فدمره‬
‫وأهل كه حت ـى ل يبق ـى م نه ش يء‪ ،‬ك ما جاءت ال صخرة فهد مت ال صنـم فع طف عل ـيهم‬
‫بختن صر فأحب هم‪ .‬ثم إن ال ـمـجوس وشوا بدان ـيال‪ ،‬فقالوا‪ :‬إن دان ـيال إذا شرب ال ـخمر‬
‫لــم يــملك نفسـه أن يبول‪ ،‬وكان ذلك فــيهم عارا‪ ،‬فجعـل لهـم بختنصـر طعامـا‪ ،‬فأكلوا‬
‫وشربوا‪ ،‬وقال للبوّاب‪ :‬انظر أوّل من يخرج علـيك يبول‪ ،‬فـاضربه بـالطبرزين‪ ،‬وإن قال‪:‬‬
‫أنا بختنصر‪ ،‬فقل‪ :‬كذبت‪ ،‬بختنصر أمرنـي‪ .‬فحبس ال عن دانـيال البول‪ ،‬وكان أوّل من قام‬
‫من القوم ير يد البول بختن صر‪ ،‬فقام مدلً‪ ،‬وكان ذلك ل ـيلً‪ ،‬ي سحب ث ـيابه فل ـما رآه البوّاب‬
‫شدّ علــيه‪ ،‬فقال‪ :‬أنـا بختنصـر‪ ،‬فقال‪ :‬كذبـت‪ ،‬بختنصـر أمرنــي أن أقتـل أوّل مـن يخرج‪،‬‬
‫فضربه فقتله‪.‬‬
‫‪16675‬ـ حدثنـي يعقوب بن إبراهيـم‪ ،‬قال‪ :‬حدثنا ابن علـية‪ ،‬عن أبـي الـمعلـى‪ ،‬قال‪:‬‬
‫سمعت سعيد بن جبـير‪ ،‬قال‪ :‬بعث ال علـيهم فـي الـمرّة الولـى سنـحاريب‪ .‬قال‪ :‬فردّ‬
‫ال ل هم الكرّة عل ـيهم‪ ،‬ك ما قال قال‪ :‬ثم ع صوا رب هم وعادوا ل ـما نهوا ع نه‪ ،‬فب عث عل ـيهم‬
‫ف ـي ال ـمرّة الَخرة بختن صر‪ ،‬فق تل ال ـمقاتلة‪ ،‬و سبى الذرّ ية‪ ،‬وأ خذ ما و جد من الموال‪،‬‬
‫ودخ ـلوا ب ـيت ال ـمقدس‪ ،‬ك ما قال ال عزّ وجلّ‪ :‬وَلِ ـ َيدْخُـلُوا ال ـمَسْجدَ كمَا َدخَ ـلُوهُ أ ّولَ‬
‫َمرّةٍ وَلـ ُي َتبّرُوا ما عََلوْا َت ْتبِـيرا دخـلوه فتبّروه وخرّبوه وألقوا فـيه ما استطاعوا من العذرة‬
‫عدْنا فرحمهم فردّ‬
‫ع ْدتُـمْ ُ‬
‫ح َمكُ مْ وَإ نْ ُ‬
‫والـحيض والـجيف والقذر‪ ،‬فقال ال عَ سَى َر ّبكُ مْ أ نْ َي ْر َ‬
‫إلـيهم ملكهم وخـلص من كان فـي أيديهم من ذرّية بنـي إسرائيـل‪ ،‬وقال لهم‪ :‬إن عدتـم‬
‫عدنا‪ .‬فقال أبو الـمعلـى‪ ،‬ول أعلـم ذلك‪ ،‬إلّ من هذا الـحديث‪ ،‬ولـم َيعِدهم الرجعة إلـى‬
‫ملكهم‪.‬‬
‫‪ 16676‬ـ حدثنـي مـحمد بن عمرو‪ ،‬قال‪ :‬حدثنا أبو عاصم‪ ،‬قال‪ :‬حدثنا عيسى وحدثنـي‬
‫الــحرث‪ ،‬قال‪ :‬حدثنـا الــحسن‪ ،‬قال‪ :‬حدثنـا ورقاء‪ ،‬جميعـا عـن ابـن أبــي نــجيح‪ ،‬عـن‬
‫ع ُد الَخرَ ِة لـ َيسُوءُوا وُجوهَك مْ قال‪ :‬بعث ال ملك فـارس ببـابل جيشا‪،‬‬
‫مـجاهد فإذَا جاء وَ ْ‬
‫وأمر علـيهم بختنصر‪ ،‬فأتوا بنـي إسرائيـل‪ ،‬فدمروهم‪ ،‬فكانت هذه الَخرة ووعدها‪.‬‬
‫حدث نا القا سم‪ ،‬قال‪ :‬حدث نا ال ـحسين‪ ،‬قال‪ :‬ثن ـي حجاج‪ ،‬عن ا بن جر يج‪ ،‬عن م ـجاهد‪،‬‬
‫نـحوه‪.‬‬
‫‪16677‬ـ حدثنا القاسم‪ ،‬قال‪ :‬حدثنا الـحسين‪ ،‬قال‪ :‬ثنـي حجاج‪ ،‬عن ابن جريج‪ ،‬قال‪ :‬ثنـي‬
‫يعلـى بن مسلـم‪ ،‬عن سعيد بن جبـير‪ ،‬قال‪ :‬لـما ضرب لبختنصر الـملك بجرانه‪ ،‬قال‪:‬‬
‫ثل ثة ف من ا ستأخر من كم بعد ها فل ـيـمش إل ـى خشب ته‪ ،‬فغزا الشام‪ ،‬فذلك ح ين ق تل وأخرج‬
‫بــيت الــمقدس‪ ،‬ونزع حلــيته‪ ،‬فجعلهـا آنــية لــيشرب فــيها الــخمور‪ ،‬وخوانـا يأكـل‬
‫علـيه الـخنازير‪ ،‬وحمل التوراة معه‪ ،‬ثم ألقاها فـي النار‪ ،‬وقدم فـيـما قدم به مئة وصيف‬
‫منهم دانـيال وعزريا وحنانـيا ومشائيـل‪ ،‬فقال لنسان‪ :‬أصلـح لـي أجسام هؤلء لعلـي‬
‫أختار منهم أربعة يخدموننـي‪ ،‬فقال دانـيال لصحابه‪ :‬إنـما نصروا علـيكم بـما غيرتـم‬
‫مـن ديـن آبــائكم‪ ،‬ل تأكلوا لــحم الــخنزير‪ ،‬ول تشربوا الــخمر‪ ،‬فقالوا للذي يصـلـح‬
‫أجسامهم‪ :‬هل لك أن تطعمنا طعاما‪ ،‬هو أهون علـيك فـي الـمؤونة مـما تطعم أصحابنا‪،‬‬
‫فإن ل ـم ن سمن قبل هم رأ يت رأ يك‪ ،‬قال‪ :‬ماذا؟ قال‪ :‬خ بز الشع ير والكرّاث‪ ،‬فف عل ف سمنوا ق بل‬
‫أصـحابهم‪ ،‬فأخذهـم بختنصـر يخدمونـه فبــينـما هـم كذلك‪ ،‬إذ رأى بختنصـر رؤيـا‪ ،‬فجلس‬
‫فنسيها فعاد فرقد فرآها‪ ،‬فقام فنسيها‪ ،‬ثم عاد فرقد فرآها‪ ،‬فخرج إلـى الـحجرة‪ ،‬فنسيها فلـما‬
‫أصبح دعا العل ـماء والكهّان‪ ،‬فقال‪ :‬أخبرونـي بـما رأيت البـارحة‪ ،‬وأوّلوا لـي رؤياي‪،‬‬
‫وإل فلـيـمش كل رجل منكم إلـى خشبته‪ ،‬موعدكم ثالثة‪ .‬فقالوا‪ :‬هذا لو أخبرنا برؤياه وذكر‬
‫كلمـا لــم أحفظـه‪ ،‬قال‪ :‬وجعـل دانــيال كلــما مرّ بـه أحـد مـن قرابتـه يقول‪ :‬لو دعانــي‬
‫الـملك لخبرته برؤياه‪ ،‬ولوّلتها له‪ ،‬قال‪ :‬فجعلوا يقولون‪ :‬ما أحمق هذا الغلم السرائيـلـي‬
‫إلـى أن مرّ به كهل‪ ،‬فقال له ذلك‪ ،‬فرجع إلـيه فأخبره‪ ،‬فدعاه فقال‪ :‬ماذا رأيت؟ قال‪ :‬رأيت‬
‫ت ـمثالً‪ ،‬قال‪ :‬إ يه‪ ،‬قال‪ :‬ورأ سه من ذ هب‪ ،‬قال‪ :‬إ يه‪ ،‬قال‪ :‬وعن قه من ف ضة‪ ،‬قال‪ :‬إ يه‪ ،‬قال‪:‬‬
‫وصدره من حديد‪ ،‬قال‪ :‬إيه‪ ،‬قال‪ :‬وبطنه من صُفر‪ ،‬قال‪ :‬إيه‪ ،‬قال‪ :‬ورجله من آنُك‪ ،‬قال‪ :‬إيه‪،‬‬
‫قال‪ :‬وقدماه مـن فخار‪ ،‬قال‪ :‬هذا الذي رأيـت؟ قال‪ :‬إيـه‪ ،‬قال‪ :‬فجاءت حصـاة فوقعـت فــي‬
‫رأسه‪ ،‬ثم فـي عنقه‪ ،‬ثم فـي صدره‪ ،‬ثم فـي بطنه‪ ،‬ثم فـي رجلـيه‪ ،‬ثم فـي قدميه‪ ،‬قال‪:‬‬
‫فأهلكته‪ .‬قال‪ :‬فما هذا؟ قال‪ :‬أما الذهب فإنه ملكك‪ ،‬وأما الفضة فملك ابنك من بعدك‪ ،‬ثم ملك‬
‫ابن ابنك‪ ،‬قال‪ :‬وأما الفخار فملك النساء‪ ،‬فكساه جبة ترثون‪ ،‬وسوّره وطاف به فـي القر ية‪،‬‬
‫وأجاز خاتـمه فلـما رأت ذلك فـارس‪ ،‬قالوا‪ :‬ما المر إل أمر هذا السرائيـلـي‪ ،‬فقالوا‪:‬‬
‫ائتوه من نـحو الفتـية الثلثة‪ ،‬ول تذكروا له دانـيال‪ ،‬فإنه ل يصدقكم علـيه‪ ،‬فأتوه‪ ،‬فقالوا‪:‬‬
‫إن هؤلء الفتــية الثلثـة لــيسوا علــى دينـك‪ ،‬وآيـة ذلك أنـك إن قرّبـت إلــيهم لــحم‬
‫الـخنزير والـخمر لـم يأكلوا ولـم يشربوا فأمر بحطب كثـير فوضع‪ ،‬ثم أرقاهم علـيه‪،‬‬
‫ثم أو قد ف ـيه نارا‪ ،‬ثم خرج من آ خر الل ـيـل يبول‪ ،‬فإذا هم يت ـحدّثون‪ ،‬وإذا مع هم را بع‬
‫يروح عل ـيهم ي صلـي‪ ،‬قال‪ :‬من هذا يا دان ـيال؟ قال‪ :‬هذا جبري ـل‪ ،‬إ نك ظل ـمتهم‪ ،‬قال‪:‬‬
‫ظلـمتهم ُمرْ بهم ينزلوا فأمر بهم فنزلوا‪ ،‬قال‪ :‬ومسخ ال تعالـى بختنصر من الدوا بّ كلها‪،‬‬
‫ب رأ سه رأس سبع من ال سبـاع ال سد‪ ،‬و من الط ير الن سر‪،‬‬
‫ل صنف من الدوا ّ‬
‫فج عل من ك ّ‬
‫وملك ابنه فرأى كفـا خرجت بـين لوحين‪ ،‬ثم كتبت سطرين‪ ،‬فدعا الكهان والعلـماء فلـم‬
‫يجدوا لهم فـي ذلك علـما‪ ،‬فقالت له أمه‪ :‬إنك لو أعدت إلـى دانـيال منزلته التـي كانت‬
‫له من أب ـيك أ خبرك‪ ،‬وكان قد جف ـاه‪ ،‬فدعاه‪ ،‬فقال‪ :‬إن ـي مع يد إل ـيك منزل تك من أب ـي‪،‬‬
‫فأخبرنـي ما هذان السطران؟ قال‪ :‬أما أن تعيد إلـيّ منزلتـي من أبـيك‪ ،‬فل حاجة لـي‬
‫بها‪ ،‬وأما هذان السطران فإنك تقتل اللـيـلة‪ ،‬فأخرج من فـي القصر أجمعين‪ ،‬وأمر بقـفله‪،‬‬
‫ن أ هل القر ية ف ـي نف سه م عه سيف‪ ،‬فقال‪ :‬من‬
‫فأق ـفلت البواب عل ـيه‪ ،‬وأدخ ـل م عه آم َ‬
‫جاءك مـن خــلق ال فــاقتله‪ ،‬وإن قال أنـا فلن وبعـث ال علــيه البطـن‪ ،‬فجعـل يــمشي‬
‫حتـى كان شطر اللـيـل‪ ،‬فرقد ورقد صاحبه ثم نبهه البطن‪ ،‬فذهب يـمشي والَخر نائم‪،‬‬
‫فرجع فـاستـيقظ به‪ ،‬فقال له‪ :‬أنا فلن‪ ،‬فضربه بـالسيف فقتله‪.‬‬
‫سنْتُـمْ‬
‫ن أحْ َ‬
‫‪ 16678‬ـ حدث نا ب شر‪ ،‬قال‪ :‬حدث نا يز يد‪ ،‬قال‪ :‬حدث نا سعيد‪ ،‬عن قتادة‪ ،‬قوله‪ :‬إ ْ‬
‫خرَ ِة آخر العقوبتـين لِـيَسُوءُوا وُجوهَك مْ‬
‫لِ‬‫عدُ ا َ‬
‫ن أس ْأتُـمْ فَلَها فإذا جاءَ وَ ْ‬
‫سكُمْ وَإ ْ‬
‫لنْفُ ِ‬
‫سنْتُـمْ َ‬
‫أحْ َ‬
‫وَلِـ َي ْدخُـلُوا الـ َمسْجدَ كمَا َدخَـلُوهُ أوّل َمرّ ٍة كما دخـله عدوّهم قبل ذلك وَلـ ُي َتبّرُوا ما عََلوْا‬
‫َت ْتبِـيرا فبعث ال علـيهم فـي الَخرة بختنصر الـمـجوسي البـابلـي‪ ،‬أبغض خـلق ال‬
‫إلـيه‪ ،‬فسبـا وقتل وخرّب بـيت الـمقدس‪ ،‬وسامهم سوء العذاب‪.‬‬
‫حدثنا مـحمد بن عبد العلـى‪ ،‬قال‪ :‬حدثنا مـحمد بن ثور‪ ،‬عن معمر‪ ،‬عن قتادة‪ ،‬قال‪:‬‬
‫خرَةِ من الـمرتـين لِـ َيسُوءُوا ُوجُو َهكُ مْ قال‪ :‬لـيقبحوا وجوهكم وَلـ ُي َتّبرُوا‬
‫لِ‬‫عدُ ا َ‬
‫فإذَا جاءَ َو ْ‬
‫مـا عَلَوْا َت ْتبِــيرا قال‪ :‬يدمّروا مـا علوا تدميرا‪ ،‬قال‪ :‬هـو بختنصـر‪ ،‬بعثـه ال علــيهم فــي‬
‫الـمرّة الَخرة‪.‬‬
‫‪16679‬ـ حدثنـي مـحمد بن سعد‪ ،‬قال‪ :‬ثنـي أبـي‪ ،‬قال‪ :‬ثنـي عمي‪ ،‬قال‪ :‬ثنـي أبـي‪،‬‬
‫عن أبــيه‪ ،‬عن ا بن عب ـاس‪ ،‬قال‪ :‬فل ـما أفسـدوا ب عث ال علــيهم ف ـي الــمرّة الَخرة‬
‫بختنصر‪ ،‬فخرّب الـمساجد وتبّرما علوا تتبـيرا‪.‬‬
‫‪16680‬ــ حدثنـا ابـن حميـد‪ ،‬قال‪ :‬حدثنـا سـلـمة‪ ،‬قال‪ :‬ثنــي ابـن إسـحاق‪ ،‬قال‪ :‬فــيـما‬
‫بلغن ـي‪ ،‬ا ستـخـلف ال عل ـى بن ـي إ سرائيـل ب عد ذلك‪ ،‬يعن ـي ب عد قتل هم شعياء رجلً‬
‫من هم يقال له‪ :‬نا شة بن آموص‪ ،‬فب عث ال ال ـخضر نب ـيا‪ ،‬وكان ر سول ال صلى ال عل يه‬
‫خضِرا‪ ،‬لنَ هُ جَلَ سَ عَل ـى َفرْوَةٍ‬
‫ضرُ َ‬
‫س ّميَ ال ـخَ ِ‬
‫و سلم ف ـيـما قد بلغنــي يقول‪« :‬إنّ ـمَا ُ‬
‫ضرَاءَ» قال‪ :‬وا سم ال ـخضر ف ـيـما كان و هب بن من به‬
‫خ ْ‬
‫ي َت ْهتَزّ َ‬
‫عنْ ها وَه َ‬
‫بَ ـيْضَاءَ‪ ،‬فَقا مَ َ‬
‫يزعم عن بنـي إسرائيـل‪ :‬أرميا بن حلفـيا‪ ،‬وكان من سبط هارون بن عمران‪.‬‬
‫‪16681‬ـ حدثنـي مـحمد بن سهل بن عسكر‪ ،‬ومـحمد بن عبد الـملك بن زنـجويه‪ ،‬قال‪:‬‬
‫حدث نا إ سماعيـل بن ع بد الكري ـم‪ ،‬قال‪ :‬حدث نا ع بد ال صمد بن مع قل‪ ،‬عن و هب بن من به‪.‬‬
‫وحدثنـا ابـن حميـد قال‪ :‬حدثنـا سـلـمة‪ ،‬عن ابـن إسـحاق ع من ليتهـم‪ ،‬عن وهـب بـن منبـه‬
‫الـيـمانـي‪ ،‬واللفظ لـحديث ابن حميد أنه كان يقول‪ :‬قال ال تبـارك وتعالـى لرميا حين‬
‫بع ثه نب ـيا إل ـى بنــي إ سرائيـل‪ :‬يا إرم يا من ق بل أن أخ ـلقك اختر تك‪ ،‬و من ق بل أن‬
‫أصوّرك فـي بطن أمك قدّستك‪ ،‬ومن قبل أن أخرجك من بطن أمك طهّرتك‪ ،‬ومن قبل أن‬
‫تبلغ ال سعي نبأ تك‪ ،‬و من ق بل أن تبلغ الشدّ اختر تك‪ ،‬ول مر عظي ـم اختبأ تك فب عث ال إرم يا‬
‫إلـى ذلك الـملك من بنـي إسرائيـل يسدّده ويرشده‪ ،‬ويأتـيه بـالـخبر من ال فـيـما‬
‫بــينه وبــين ال قال‪ :‬ثـم عظمـت الحداث فــي بنــي إسـرائيـل‪ ،‬وركبوا الــمعاصي‪،‬‬
‫واسـتـحلّوا الــمـحارم‪ ،‬ونَسـوا مـا كان ال تعالــى صـنع بهـم‪ ،‬ومـا نــجاهم من عدوّهـم‬
‫سنـحاريب وجنوده‪ .‬فأو حى ال تعال ـى إل ـى إرمياء‪ :‬أن ائت قو مك من بن ـي إ سرائيـل‪،‬‬
‫واق صص عل ـيهم ما آمرك به‪ ،‬وذكّر هم نعمت ـي عل ـيهم‪ ،‬وعرّف هم أحداث هم‪ ،‬فقال إرمياء‪:‬‬
‫إنــي ضعيـف إن لــم تقوّنــي‪ ،‬وعاجـز إن لــم تبلّغنــي‪ ،‬ومخطىء إن لــم تسـدّدنـي‪،‬‬
‫ومخذول إن لـم تنصرنـي‪ ،‬وذلـيـل إن لـم تعزّنـي‪ .‬قال‪ :‬ال تبـارك وتعالـى‪ :‬أ َو لـم‬
‫تعل ـم أن المور كل ها ت صدر عن مشيئت ـي‪ ،‬وأن القلوب كل ها والل سنة ب ـيدي‪ ،‬أقلب ها ك يف‬
‫شئت‪ ،‬فتطيعنـي‪ ،‬وإنـي أنا ال الذي ل شيء مثلـي‪ ،‬قامت السموات والرض وما فـيهنّ‬
‫بكلــمتـي‪ ،‬وأنـا كلّــمت البحار‪ ،‬ففهمـت قولــي‪ ،‬وأمرتهـا فعقلت أمري‪ ،‬وحدَدت علــيها‬
‫ب ـالبطحاء فل تَعدّي حدّي‪ ،‬تأت ـي بأمواج كال ـجبـال‪ ،‬حت ـى إذا بل غت حدّي ألب ستها مذلّة‬
‫طاعت ـي خوف ـا واعتراف ـا لمري إن ـي م عك‪ ،‬ولن ي صل إل ـيك ش يء م عي‪ ،‬وإن بعث تك‬
‫إلـى خـلق عظيـم من خـلقـي‪ ،‬لتبلغهم رسالتـي‪ ،‬ولتستـحق بذلك مثل أجر من تبعك‬
‫منهم ل ينقص ذلك من أجورهم شيئا‪ ،‬وإن تقصّر عنها فلك مثل وزر من تركب فـي عماه ل‬
‫ينقص ذلك من أوزارهم شيئا انطلق إلـى قومك فقل‪ :‬إن ال ذكر لكم صلح آبـائكم‪ ،‬فحمله‬
‫ذلك علـى أن يستتـيبكم يا معشر البناء‪ ،‬وسلهم كيف وجد آبـاؤهم مغبّة طاعتـي‪ ،‬وكيف‬
‫وجدوا هم مغبّة مع صيتـي‪ ،‬و هل عل ـموا أن أحدا قبل هم أطاعن ـي فشق ـي بطاعت ـي‪ ،‬أو‬
‫ع صانـي ف سعد ب ـمعصيتـي‪ ،‬فإن الدّوا بّ م ـما تذ كر أوطان ها ال صالـحة‪ ،‬فتنتاب ها‪ ،‬وإن‬
‫هؤلء القوم قد رتعوا ف ـي مروج الهَلَ كة‪ .‬أ ما أحب ـارهم ورهب ـانهم ف ـاتـخذوا عب ـادي‬
‫خ َولً ل ـيعبدوهم دون ـي وت ـحكّموا ف ـيهم بغ ير كتاب ـي حت ـى أجهلو هم أمري‪ ،‬وأن سوهم‬
‫ذكري‪ ،‬وغروهـم منــي‪ .‬أمـا أمراؤهـم وقاداتهـم فبطروا نعمتــي‪ ،‬وأمنوا مكري‪ ،‬ونبذوا‬
‫كتابـي‪ ،‬ونسوا عهدي‪ ،‬وغيروا سنتـي‪ ،‬فـادّان لهم عبـادي بـالطاعة التـي ل تنبغي إل‬
‫لـي‪ ،‬فهم يطيعونهم فـي معصيتـي‪ ،‬ويتابعونهم علـى البدع التـي يبتعدعون فـي دينـي‬
‫جراءة علـيّ وغرّة و ِفرْية علـيّ وعلـى رسلـي‪ ،‬فسبحان جللـي وعل ّو مكانـي‪ ،‬وعظم‬
‫شأن ـي‪ ،‬ف هل ينب غي لب شر أن يُطاع ف ـي مع صيتـي‪ ،‬و هل ينب غي ل ـي أن أخ ـلق عب ـادا‬
‫أجعلهم أربـابـا من دونـي‪ .‬وأما قرّاؤهم وفقهاؤهم فـيتعبدون فـي الـمساجد‪ ،‬ويتزيّنون‬
‫بعمارت ها لغيري‪ ،‬لطلب الدن ـيا ب ـالدين‪ ،‬ويتفقّهون ف ـيها لغ ير العل ـم‪ ،‬ويتعلّ ـمون ف ـيها‬
‫لغ ير الع مل‪ .‬وأ ما أولد النب ـياء‪ ،‬فمكثرون مقهورون مغيّرون‪ ،‬يخوضون مع ال ـخائضين‪،‬‬
‫ويت ـمنّون عل ـيّ م ثل نُ صرة آب ـائهم والكرا مة الت ـي أكرمت هم ب ها‪ ،‬ويزعمون أن ل أحدَ‬
‫أولـى بذلك منهم منـي بغير صدق ول تفكر ول تدبّر‪ ،‬ول يذكرون كيف كان صبر آبـائهم‬
‫جدّ هم ف ـي أمري ح ين غ ير ال ـمغيّرهن‪ ،‬وك يف بذلوا أنف سهم ودماء هم‪،‬‬
‫ل ـي‪ ،‬وك يف كان ِ‬
‫صدَقوا حتـى ع ّز أمري‪ ،‬وظهر دينـي‪ ،‬فتأنّـيت بهؤلء القوم لعلهم يستـجيبون‪،‬‬
‫فصبروا و َ‬
‫فأطْوَلت لهـم‪ ،‬وصـفحت عنهـم‪ ،‬لعلهـم يرجعون‪ ،‬فأكثرت ومددت لهـم فــي العمـر لعلهـم‬
‫يتذكرون‪ ،‬فأعذرت فــي كـل ذلك‪ ،‬أمطـر علــيهم السـماء‪ ،‬وأنبـت لهـم الرض‪ ،‬وألبسـهم‬
‫العاف ـية وأظهر هم علــى العدوّ فل يزدادون إل طغيا نا وبُعدا منــي‪ ،‬فحت ـى متــى هذا؟‬
‫ن لهـم فتنـة يتــحيرُ‬
‫أبــي يتــمرّسون أم إياي يخادعون؟ وإنــي أحلف بعزّتــي لقــيض ّ‬
‫ف ـيها ال ـحلـيـم‪ ،‬ويضلّ ف ـيها رأي ذي الرأي‪ ،‬وحك مة ال ـحكيـم‪ ،‬ثم ل سلطنّ عل ـيهم‬
‫جبـارا قاسيا عاتـيا‪ ،‬ألبسه الهيبة‪ ،‬وأنتزع من صدره الرأفة والرحمة والبـيان‪ ،‬يتبعه عدد‬
‫وسواد مثل سواد اللـيـل الـمظلـم‪ ،‬له عساكر مثل قطع السحاب‪ ،‬ومراكب أمثال العجاج‪،‬‬
‫كأن خف ـيق رايا ته طيران الن سور‪ ،‬وأن حملة فُر سانه كوبر العقب ـان‪ .‬ثم أو حى ال إلــى‬
‫إرميا‪ :‬إنـي مهلك بنـي إسرائيـل بـيافث‪ ،‬ويافث أهل بـابل‪ ،‬وهم من ولد يافث بن نوح‪.‬‬
‫ثم ل ـما سمع إرم يا و حي ر به صاح وب كى وش قّ ث ـيابه‪ ،‬ونبذَ الرماد عل ـى رأ سه وقال‪:‬‬
‫ملعون يوم ولدت ف ـيه‪ ،‬ويوم لق ـيت التوراة‪ ،‬و من شرّ أيا مي يوم ولدت ف ـيه‪ ،‬ف ما أُبق ـيت‬
‫آ خر النب ـياء إل ل ـما هو أشرّ عل ـيّ لو أراد ب ـي خيرا ما جعلن ـي آ خر النب ـياء من‬
‫بنــي إسـرائيـل‪ ،‬فمـن أجلــي تصـيبهم الشّقوة والهلك فلــما سـمع ال تضرّع الــخضر‬
‫وبكاءه‪ ،‬وكيف يقول‪ ،‬ناداه‪ :‬يا إرميا أش قّ ذلك علـيك فـيـما أوحيت لك؟ قال‪ :‬نعم يا ر بّ‬
‫أهلكْن ـي ق بل أن أرى ف ـي بن ـي إ سرائيـل ما ل أ سرّ به فقال ال‪ :‬وعزّت ـي العزيزة ل‬
‫أهلك ب ـيت ال ـمقدس وبن ـي إ سرائيـل حت ـى يكون ال مر من ِقبَلك ف ـي ذلك ففرح ع ند‬
‫ذلك إرميا لـما قال له ربه‪ ،‬وطابت نفسه‪ ،‬وقال‪ :‬ل‪ ،‬والذي بعث موسى وأنبـياءه بـالـحقّ‬
‫ل آمر ربـي بهلك بنـي إسرائيـل أبدا ثم أتـى ملك بنـي إسرائيـل فأخبره ما أوحى ال‬
‫إلـيه فـاستبشر وفرح وقال‪ :‬إن يعذّبنا ربنا فبذنوب كثـيرة قدّمناها لنفسنا‪ ،‬وإن عفـا عنا‬
‫فبقدر ته‪ .‬ثم إن هم لبثوا ب عد هذا الو حي ثلث سنـين ل ـم يزدادوا إل مع صية وت ـماديا ف ـي‬
‫الشرّ‪ ،‬وذلك حين اقترب هلكهم فقلّ الوحي حين لـم يكونوا يتذكرون الَخرة‪ ،‬وأمسك عنهم‬
‫حين ألهتهم الدنـيا وشأُنها‪ ،‬فقال لهم ملكهم‪ :‬يا بنـي إسرائيـل‪ ،‬انتهوا عما أنتـم علـيه قبل‬
‫أن يـمسكم بأس ال‪ ،‬وقبل أن يُبعث علـيكم قوم ل رحمة لهم بكم‪ ،‬وإن ربكم قريب التوبة‪،‬‬
‫مب سوط ال ـيدين ب ـالـخير‪ ،‬رحي ـم ب ـمن تاب إل ـيه‪ .‬فأبَوا عل ـيه أن ينزِعوا عن ش يء‬
‫مـما هم علـيه وإن ال قد ألقـى فـي قلب بختنصر بن نـجور زاذان بن سنـحاريب بن‬
‫دارياس بن ن ـمرود بن ف ـالـخ بن عابر بن ن ـمرود صاحب إبراهي ـم الذي حاجّه ف ـي‬
‫ربه‪ ،‬أن يسير إلـى بـيت الـمقدس‪ ،‬ثم يفعل فـيه ما كان جدّه سنـحاريب أراد أن يفعل‪،‬‬
‫فخرج ف ـي ستّ مئة ألف را ية ير يد أ هل ب ـيت ال ـمقدس فل ـما ف صل سائرا أت ـى ملك‬
‫بن ـي إ سرائيـل ال ـخبر أن بختن صر قد أق بل هو وجنوده يريد كم‪ ،‬فأر سل ال ـملك إل ـى‬
‫إرميا‪ ،‬فجاءه فقال‪ :‬يا إرميا أين ما زعمت لنا أن ربك أوحى إلـيك أن ل يهلك أهل بـيت‬
‫الــمقدس‪ ،‬حتــى يكون منـك المـر فــي ذلك؟ فقال إرميـا للــملك‪ :‬إن ربــي ليخــلف‬
‫ال ـميعاد‪ ،‬وأ نا به وائق‪ .‬فل ـما اقترب ال جل ود نا انقطاع ملك هم وعزم ال عل ـى هلك هم‪،‬‬
‫ستْفتِه‪ ،‬وأمَرَه بـالذي يُستفتَـى فـيه‬
‫بعث ال مَلَكا من عنده‪ ،‬فقال له‪ :‬اذهب إلـى إرميا فـا َ‬
‫فأقبل الـمَلك إلـى إرمياء‪ ،‬وكان قد تـمثّل له رجلً من بنـي إسرائيـل‪ ،‬فقال له إرميا‪ :‬من‬
‫أنت؟ قال‪ :‬رجل من بنـي إسرائيـل أستفتـيك فـي بعض أمري فأذن له‪ ،‬فقال له الـمَلَك‪:‬‬
‫ي ال أتـيتك أستفتـيك فـي أهل رحمي‪ ،‬وصلت أرحامهم بـما أمرنـي ال به‪ ،‬لـم‬
‫يا نبـ ّ‬
‫آت إلــيهم إل حسـنا‪ ،‬ولــم آلُهـم كرامـة‪ ،‬فل تزيدهـم كرامتــي إياهـم إل إسـخاطا لــي‪،‬‬
‫فأفتنـي فـيهم يا نب ـيّ ال فقال له‪ :‬أحسن ف ـيـما بـينك وب ـين ال‪ ،‬و صل ما أمرك ال‬
‫أن ت صل‪ ،‬وأب شر بخ ير وان صرف ع نه‪ .‬فم كث أيا ما‪ ،‬ثم أق بل إل ـيه ف ـي صورة ذلك الذي‬
‫جاءه‪ ،‬فقعد بـين يديه‪ ،‬فقال له إرميا‪ :‬من أنت؟ قال‪ :‬أنا الرجل الذي أتـيتك أستفتـيك فـي‬
‫شأن أهلـي‪ ،‬فقال له نبـيّ ال‪َ :‬أوَ ما ظهرت لك أخلقهم بعد‪ ،‬ولـم تر منهم الذي تـحبّ؟‬
‫فقال‪ :‬يا نب ـيّ ال‪ ،‬والذي بع ثك ب ـالـحقّ ما أعل ـم كرا مة يأت ـيها أ حد من الناس ل هل‬
‫رحمه إل قد أتـيتها إلـيهم وأفضل من ذلك‪ ،‬فقال النبـيّ‪ :‬ارجع إلـى أهلك فأحسن إلـيهم‪،‬‬
‫أ سأل ال الذي ي صلـح عب ـاده ال صالـحين أن ي صلـح ذات ب ـينكم‪ ،‬وأن يجمع كم عل ـى‬
‫مرضاته‪ ،‬ويجنبكم سخطه فقال الـمَلك من عنده‪ ،‬فلبث أياما وقد نزل بختنصر وجنوده حول‬
‫ب ـيت ال ـمقدس‪ ،‬وم عه خلئق من قو مه كأمثال ال ـجراد‪ ،‬ففزع من هم ب نو إ سرائيـل فز عا‬
‫شديدا‪ ،‬وشق ذلك علـى ملك بنـي إسرائيـل‪ ،‬فدعا إرميا‪ ،‬فقال‪ :‬يا نبـيّ ال أين ما وعدك‬
‫ال؟ فقال‪ :‬إنـي بربـي واثق‪ .‬ثم إن الـملك أقبل إلـى إرميا وهو قاعد علـى جدار بـيت‬
‫الـمقدس يضحك ويستبشر بنصر ربه الذي وعده‪ ،‬فقعد بـين يديه فقال له إرميا‪ :‬من أنت؟‬
‫قال‪ :‬أ نا الذي ك نت أت ـيتك ف ـي شأن أهل ـي مرّت ـين‪ ،‬فقال له النب ـيّ‪َ :‬أ َو لَ ـم يأ نِ ل هم أن‬
‫ل شيء كان‬
‫يـمتنعوا من الذي هم فـيه مقـيـمون علـيه؟ فقال له الـملك‪ :‬يا نبـيّ ال‪ ،‬ك ّ‬
‫يصيبنـي منهم قبل الـيوم كنت أصبر علـيه‪ ،‬وأعلـم أن مأربهم فـي ذلك سخطي فلـما‬
‫أت ـيتهم ال ـيوم رأيت هم ف ـي ع مل ل ير ضي ال ول يح به ال عزّ وجلّ‪ .‬فقال له نب ـيّ ال‪:‬‬
‫عل ـى أ يّ ع مل رأيت هم؟ قال‪ :‬يا نب ـيّ ال رأيت هم عل ـى ع مل عظي ـم من سخط ال‪ ،‬فلو‬
‫كانوا عل ـى م ثل ما كانوا عل ـيه ق بل ال ـيوم ل ـم يشتدّ عل ـيهم غضب ـي‪ ،‬و صبرت ل هم‬
‫ورجوتهم‪ ،‬ولكن غضبت الـيوم ل ولك‪ ،‬فأتـيتك لخبرك خبرهم‪ ،‬وإنـي أسألك بـال الذي‬
‫بعثك بـالـحقّ إل ما دعوت علـيهم ربك أن يهلكهم فقال إرميا‪ :‬يا مالك السموات والرض‪،‬‬
‫إن كانوا علـى ح قّ وصواب فأبقهم‪ ،‬وإن كانوا علـى سخطك وعمل ل ترضاه فأهلكهم‪ .‬فما‬
‫خرجت الكلـمة مِن فـي إرميا حتـى أرسل ال صاعقة من السماء فـي بـيت الـمقدس‪،‬‬
‫فـالتهب مكان القربـان‪ ،‬وخسف بسبعة أبواب من أبوابها فلـما رأى ذلك إرميا صاح وش قّ‬
‫ل ش يء‬
‫ث ـيابه‪ ،‬ون بذ الرماد عل ـى رأ سه وقال‪ :‬يا ملك ال سموات والرض ب ـيدك ملكوت ك ّ‬
‫وأنـت أرحـم الراحميـن أيـن ميعادك الذي وعدتنــي؟ فنودي إرميـا‪ :‬إنهـم لــم يصـبهم الذي‬
‫أصابهم إل بفتـياك التـي أفتـيت بها رسولنا فـاستـيقن النبـيّ صلى ال عليه وسلم أنها‬
‫فتــياه التــي أفتــى بهـا ثلث مرّات‪ ،‬وأنـه رسـول ربـه‪ .‬ثـم إن إرميـا طار حتــى خالط‬
‫الو حش‪ ،‬ودخ ـل بختن صر وجنوده ب ـيت ال ـمقدس‪ ،‬فوطىء الشام‪ ،‬وق تل بن ـي إ سرائيـل‬
‫ل رجل منهم ترسه ترابـا ثم‬
‫حتـى أفناهم‪ ،‬وخرّب بـيت الـمقدس‪ ،‬أمر جنوده أن يـمل ك ّ‬
‫يقذ فه ف ـي ب ـيت ال ـمقدس‪ ،‬فقذفوا ف ـيه التراب حت ـى ملوه‪ ،‬ثم ان صرف راج عا إل ـى‬
‫أرض ب ـابل‪ ،‬واحت ـمل م عه سبـايا بن ـي إ سرائيـل‪ ،‬وأمر هم أن يجمعوا من كان ف ـي‬
‫ب ـيت ال ـمقدس كل هم‪ ،‬ف ـاجتـمع عنده كلّ صغير وكب ـير من بن ـي إ سرائيـل‪ ،‬ف ـاختار‬
‫ي فلــما خرجـت غنائم جنده‪ ،‬وأراد أن يقسـمها فــيهم‪ ،‬قالت له‬
‫منهـم سـبعين ألف صـبـ ّ‬
‫الـملوك الذين كانوا معه‪ :‬أيها الـملك لك غنائمنا كلها‪ ،‬واقسم بـيننا هؤلء الصبـيان الذين‬
‫ل رجل منهم أربعة أغلـمة‪ ،‬وكان من أولئك‬
‫اخترتهم من بنـي إسرائيـل‪ ،‬ففعل‪ ،‬وأصاب ك ّ‬
‫الغل ـمان دان ـيال وحنان ـيا وعزار يا وميشائي ـل و سبعة آلف من أ هل ب ـيت داود‪ ،‬وأ حد‬
‫عشر ألفـا من سبط يوسف بن يعقوب‪ ،‬وأخيه بنـيامين‪ ،‬وثمانـية آلف من سبط أشر بن‬
‫يعقوب‪ ،‬وأربعة عشر ألفـا من سبط زبـالون بن يعقوب ونفثالـي بن يعقوب‪ ،‬وأربعة آلف‬
‫من سبط يهوذا بن يعقوب‪ ،‬وأرب عة آلف من سبط روب ـيـل ولوي ابن ـي يعقوب‪ .‬و من‬
‫بقـى من بنـي إسرائيـل‪ ،‬وجعلهم بختنصر ثلث فرق‪ ،‬فثلثا َأقَرّ بـالشام‪ ،‬وثلثا قتل‪ ،‬وذهب‬
‫بآن ـية ب ـيت ال ـمقدس حت ـى أقدم ها ب ـابل‪ ،‬وذ هب ب ـالصبـيان ال سبعين اللف حت ـى‬
‫أقدمهـم بــابل‪ ،‬فكانـت هذه الوقعـة الولــى التــي أنزل ال ببنــي إسـرائيـل بــاحداثهم‬
‫وظل ـمهم‪ .‬فل ـما ولّ ـي بختن صر عن هم راج عا إل ـى ب ـابل ب ـمن م عه من سبـايا بن ـي‬
‫إسرائيـل‪ ،‬أقبل أرميا علـى حمار له معه عصير ثم ذكر قصته حين أماته ال مئة عام‪ ،‬ثم‬
‫بعثه‪ ،‬ثم خبر رؤيا بختنصر وأمر دانـيال‪ ،‬وهلك بختنصر‪ ،‬ورجوع من بقـي من بنـي‬
‫إ سرائيـل ف ـي أيدي أ صحاب بختن صر ب عد هل كه إل ـى الشام‪ ،‬وعمارة ب ـيت ال ـمقدس‪،‬‬
‫وَأ ْمرَ عُزيرَ وكيف ردّ ال علـيه التوراة‪.‬‬
‫‪16682‬ـ حدثنا ابن حميد‪ ،‬قال‪ :‬حدثنا سلـمة عن ابن إسحاق‪ ،‬قال‪ :‬ثم عمدت بنو إسرائيـل‬
‫حدِثون الحداث‪ ،‬يعنــي بعـد مهلك عُزيرَ‪ ،‬ويعود ال علــيهم‪ ،‬ويبعـث فــيهم‬
‫بعـد ذلك ي ُ‬
‫الر سل‪ ،‬ففري قا يكذّبون‪ ،‬وفري قا يقتلون‪ ،‬حت ـى كان آ خر من ب عث ال ف ـيهم من أنب ـيائهم‬
‫زكريا ويحيى بن زكريا وعيسى ابن مريـم‪ ،‬وكانوا من بـيت آل داود‪.‬‬
‫‪ 16683‬ـ حدثنا ابن حميد‪ ،‬قال‪ :‬حدثنا سلـمة‪ ،‬قال‪ :‬ثنـي مـحمد بن إسحاق‪ ،‬عن عمر بن‬
‫عبد ال بن عروة‪ ،‬عن عبد ال بن الزبـير أنه قال‪ ،‬وهو يحدّث عن قتل يحيى بن زكريا قال‪:‬‬
‫ما قُتل يحيى بن زكريا إل بسبب امرأة بغيّ من بغايا بنـي إسرائيـل كان فـيهم ملك‪ ،‬وكان‬
‫يحيى بن زكريا تـحت يدي ذلك الـملك‪ ،‬فهمّت ابنة ذلك الـملك بأبـيها‪ ،‬فقالت‪ :‬لو أنـي‬
‫ت تزوّجن ـي ودع ته‬
‫تزوّ جت بأب ـي ف ـاجتـمع ل ـي سلطانه دون الن ساء‪ ،‬فقالت له‪ :‬يا أب ِ‬
‫إلـى نفسها‪ ،‬فقال لها‪ :‬يا بنـية إن يحيى بن زكريا ل يحل لنا هذا‪ ،‬فقالت‪ :‬من لـي بـيحيى‬
‫بـن زكريـا؟ ضيّق علــيّ‪ ،‬وحال بــينـي وبــين أن أتزوّج بأبــي‪ ،‬فأغلِب َـ علــى مُلكـه‬
‫ودنـياه دون النساء قال‪ :‬فأمرت اللعابـين ومـحلت بذلك لجل قتل يحيى بن زكريا‪ ،‬فقالت‪:‬‬
‫ادخـلوا علـيه فـالعبوا‪ ،‬حتـى إذا فرغتـم فإنه سيُحَكمكم‪ ،‬فقولوا‪ :‬دم يحيى بن زكريا‪ ،‬ول‬
‫تقبلوا غيره‪ .‬وكان اسم الـملك رواد‪ ،‬واسم ابنته البغيّ‪ ،‬وكان الـملك فـيهم إذا حدّث فكذب‪،‬‬
‫أو و عد فأخ ـلف‪ ،‬خ ـلع ف ـاستُبدل به غير ُه فل ـما ألعبوه وك ثر عج به من هم‪ ،‬قال‪ :‬سلونـي‬
‫أعطكم‪ ،‬فقالوا له‪ :‬نسألك دم يحيى بن زكريا أعطنا إياه قال‪ :‬ويحكم سلونـي غير هذا فقالوا‪:‬‬
‫ل ن سألك شيئا غيره‪ .‬فخاف عل ـى مل كه إن هو أخ ـلفهم أن يُ سْتـحَلّ بذلك خَ ـلْعه‪ ،‬فب عث‬
‫إل ـى يح يى بن زكر يا و هو جالس ف ـي م ـحرابه ي صلـي‪ ،‬فذبحوه ف ـي ط ست ثم حزّوا‬
‫رأ سه‪ ،‬ف ـاحتـمله ر جل ف ـي يده والدم يح مل ف ـي الطّ سْت م عه‪ .‬قال‪ :‬فطلع برأ سه يحمله‬
‫حت ـى وق ـف به عل ـى ال ـملك‪ ،‬ورأ سه يقول ف ـي يدي الذي يحمله ل يحلّ لك ذلك فقال‬
‫رجل من بنـي إسرائيـل‪ :‬أيها الـملك لو أنك وه بت لـي هذا الدم؟ فقال‪ :‬وما تصنع به؟‬
‫قال‪ :‬أطهر منه الرض‪ ،‬فإنه كان قد ضيقها علـينا‪ ،‬فقال‪ :‬أعطوه هذا الدم‪ ،‬فأخذه فجعله فـي‬
‫قلة‪ ،‬ثم عمد به إلـى بـيت فـي الـمذبح‪ ،‬فوضع القلة فـيه‪ ،‬ثم أغلق علـيه‪ ،‬ففـار فـي‬
‫القُلّة حتـى خرج منها من تـحت البـاب من البـيت الذي هو فـيه فلـما رأى الرجل ذلك‪،‬‬
‫فَظع به‪ ،‬فأخرجه فجعله فـي فلة من الرض‪ ،‬فجعل يفور وعظمت فـيهم الحداث‪ .‬ومنهم‬
‫من يقول‪ :‬أقرّ مكانه فـي القربـان ولـم يحوّل‪.‬‬
‫‪ 16684‬ـ حدثنا ابن حميد‪ ،‬قال‪ :‬حدثنا سلـمة‪ ،‬قال‪ :‬قال ابن إسحاق‪ :‬فلـما رفع ال عيسى‬
‫من ب ـين أظهر هم وقتلوا يح يى بن زكر يا (وب عض الناس يقول‪ :‬وقتلوا زكر يا)‪ ،‬ابت عث ال‬
‫علــيهم ملكـا مـن ملوك بــابل يقال له خردوس‪ ،‬فسـار إلــيه بأهـل بــابل حتــى دخــل‬
‫عل ـيهم الشام فلــما ظهـر عل ـيهم أ مر رأسـا من رؤوس جنده يد عى نبور زاذان صـاحب‬
‫القتل‪ ،‬فقال له‪ :‬إنـي قد كنت حلفت بإلهي لئن أظهرنا علـى أهل بـيت الـمقدس لقتلنهم‬
‫حت ـى ت سيـل دماؤ هم ف ـي و سط عسكري‪ ،‬إل أن ل أ جد أحدا أقتله فأ مر أن يقتل هم حت ـى‬
‫يبلغ ذلك من هم نبور زاذان‪ ،‬فدخ ـل ب ـيت ال ـمقدس‪ ،‬فقال ف ـي البق عة الت ـي كانوا يقربون‬
‫فـيها قربـانهم‪ ،‬فوجد فـيها دما يغلـي‪ ،‬فسألهم فقال‪ :‬يا بنـي إسرائيـل‪ ،‬ما شأن هذا الدم‬
‫الذي يغلـي‪ ،‬أخبرونـي خبره ول تكتـمونـي شيئا من أمره؟ فقالوا‪ :‬هذا دم قربـان كان لنا‬
‫كنا قرّبناه فلـم ُيتَقبّل منا‪ ،‬فلذلك هو يغلـي كما تراه ولقد قرّبنا منذ ثمان مئة سنة القربـان‬
‫ص َدقْتـمونـي الـخبر قالوا له‪ :‬لو كان كأوّل زماننا لقُبل‬
‫فتقبّل منا إل هذا القربـان قال‪ :‬ما َ‬
‫منا‪ ،‬ولكنه قد انقطع منا الـمُلك والنبوّة والوحي‪ ،‬فلذلك لـم يُتقبل منا فذبح منهم نبور زاذان‬
‫عل ـى ذلك الدم سبع مئة و سبعين رو حا من رؤو سهم‪ ،‬فل ـم يهدأ فأ مر ب سبع مئة غلم من‬
‫غلــمانهم فذبحوا علــى الدم فلــم يهدأ فأمـر بسـبعة آلف مـن شيعهـم وأزواجهـم‪ ،‬فذبحهـم‬
‫عل ـى الدم فل ـم يبرد ول ـم يهدأ فل ـما رأى نبور زاذان أن الدم ل يهدأ قال ل هم‪ :‬ويْ ـلكم يا‬
‫بنـي إسرائيـل‪ ،‬أصدقونـي واصبروا علـى أمر ربكم فقد طال ما ملكتـم فـي الرض‬
‫تفعلون فـيها ما شئتـم قبل أن ل أترك منكم نافخ نار‪ ،‬ل أنثى ول ذكرا إل قتلته فلـما رأوا‬
‫الــجهد وشدّة القتـل صـدقوه الــخبر‪ ،‬فقالوا له‪ :‬إن هذا دم نبــيّ منـا كان ينهانـا عـن أمور‬
‫كثـيرة من سخط ال‪ ،‬فلو أطعناه فـيها لكان أرشد لنا‪ ،‬وكان يخبرنا بأمركم‪ ،‬فلـم نصدّقه‪،‬‬
‫َنـ‬
‫فقتلناه‪ ،‬فهذا دمـه فقال لهـم نبور زاذان‪ :‬مـا كان اسـمه؟ قالوا‪ :‬يحيـى بـن زكريـا‪ ،‬فقال‪ :‬ال َ‬
‫صدَقْتـمونـي ب ـمثل هذا ينت قم رب كم من كم فل ـما رأى نبور زاذان أن هم صدقوه خرّ ساجدا‬
‫َ‬
‫وقال لــمن حوله‪ :‬غلقوا البواب‪ ،‬أبواب الــمدينة‪ ،‬وأخرجوا مـن كان ههنـا مـن جيـش‬
‫خردوس‪ .‬وخلفـي بنـي إسرائيـل ثم قال‪ :‬يا يحيى بن زكريا‪ ،‬قد علـم ربـي وربك ما‬
‫قد أ صاب قو مك من أجلك‪ ،‬و ما قُ تل من هم من أجلك‪ ،‬ف ـاهدأ بإذن ال ق بل أن ل أبق ـي من‬
‫قومك أحدا فهدأ دم يحيى بن زكريا بإذن ال‪ ،‬ورفع نبور زاذان عنهم القتل وقال‪ :‬آمنت بـما‬
‫آمنت به بنو إسرائيـل‪ ،‬وصدّقت وأيقنت أنه ل ر بّ غيره‪ ،‬ولو كان معه آخر لـم يصلـح‪،‬‬
‫ولو كان له شريـك لــم تسـتـمسك السـموات والرض‪ ،‬ولو كان له ولد لــم يصـلـح‪،‬‬
‫فتبـارك وتقدّس‪ ،‬وتسبح وتكبر وتعظم‪ ،‬ملك الـملوك الذي له ملك السموات السبع والرض‬
‫ومـا فــيهنّ‪ ،‬ومـا بــينهما‪ ،‬وهـو علــى كـل شيـء قديـر‪ ،‬فله الــحلـم والعلــم والعزّة‬
‫والـجبروت‪ ،‬وهو الذي بسط الرض وألقـى فـيها رواسي لئل تزول‪ ،‬فكذلك ينبغي لربـي‬
‫أن يكون ويكون مُلكـه‪ .‬فأوحـى ال إلــى رأس مـن رؤوس بقــية النبــياء أن نبور زاذان‬
‫حبُور صـدوق والــحبور بــالعبرانـية‪ :‬حديـث اليــمان‪ .‬وإن نبور زاذان قال لبنــي‬
‫َ‬
‫إ سرائيـل‪ :‬يا بن ـي إ سرائيـل‪ ،‬إن عد ّو ال خردوس أمرن ـي أن أق تل من كم حت ـى ت سيـل‬
‫دماؤكم وسط عسكره‪ ،‬وإنـي لست أستطيع أن أعصيه‪ .‬قالوا له‪ :‬افعل ما أُمرت به‪ .‬فأمرهم‬
‫فحفروا خندقا وأمر بأموالهم من الـخيـل والبغال والـحمير والبقر والغنـم والبل‪ ،‬فذبحها‬
‫حتـى سال الدم فـي العسكر‪ ،‬وأمر بـالقتلـى الذين كانوا قبل ذلك‪ ،‬فطُرحوا علـى ما قُتل‬
‫من مواشيهم حتـى كانوا فوقهم‪ ،‬فلـم يظ نّ خردوس إل أن ما كان فـي الـخندق من بنـي‬
‫إسـرائيـل‪ .‬فلــما بلغ الدم عسـكره‪ ،‬أرسـل إلــى نبور زاذان أن ارفـع عنهـم‪ ،‬فقـد بلغتنــي‬
‫دماؤهم‪ ،‬وقد انتقمت منهم بـما فعلوا‪ .‬ثم انصرف عنهم إلـى أرض بـابل‪ ،‬وقد أفنى بنـي‬
‫إسرائيـل أو كاد‪ ،‬وهي الوقعة الَخرة التـي أنزل ال ببنـي إسرائيـل‪ .‬يقول ال ع ّز ذكره‬
‫سدُنّ‬
‫سرَائِيـلَ فِ ـي الكِتا بِ لتَفْ ِ‬
‫ضيْ نا إل ـى َبنِ ـي إ ْ‬
‫لنب ـيه م ـحمد صلى ال عل يه و سلم‪َ :‬وقَ َ‬
‫ع ُد أُولهُ ما َب َعثْ نا عَلَ ـيْكمْ عِب ـادا لَ نا‬
‫فِ ـي الرْ ضِ َم ّرتَ ـيْنِ وََل َتعْلُ نّ عُلُوّا َكبِ ـيرا فإذَا جاءَ وَ ْ‬
‫ُمـ ال َكرّةَ عَلَــيْ ِهمْ‬
‫ُمـ َر َددْن َا َلك ُ‬
‫وكانـ وَعْدا مَ ْفعُولً ث ّ‬
‫َ‬ ‫شدِيدٍ فَجاسـُوا خِللَ الدّيارِ‬
‫ْسـ َ‬
‫أُولــي َبأ ٍ‬
‫س ُكمْ وَإ نْ أس ْأتُـمْ‬
‫لنْفُ ِ‬
‫س ْنتُـمْ َ‬
‫س ْنتُـمْ أحْ َ‬
‫جعَلْناكُ ْم أ ْكثَرَ نَفِـيرا إ نْ أحْ َ‬
‫وأ ْم َددْناكُ مْ بأمْوَالٍ َو َبنِـينَ َو َ‬
‫خرَ ِة ل ـ َيسُوءُوا ُوجُو َهكُ مْ وَلِ ـيَ ْدخُـلُوا ال ـ َمسْجدَ كمَا َدخَ ـلُوهُ أوّلَ َمرّةٍ‬
‫لِ‬‫عدُ ا َ‬
‫فَلَ ها فإذَا جاءَ وَ ْ‬
‫ج َهنّـمَ للكافرِي نَ‬
‫جعَلْنا َ‬
‫عدْنا َو َ‬
‫ع ْدتُـمْ ُ‬
‫ن َي ْرحَ َمكُ مْ وَإ نْ ُ‬
‫ولِـ ُيتَ ّبرُوا ما عَلَوْا َتتْبـيرا عَ سَى َر ّبكُ مْ أ ْ‬
‫حَ صِيرا وعسى من ال ح قّ‪ ،‬فكا نت الوق عة الولـى‪ :‬بختنصرَ وجنوده‪ ،‬ثم ردّ ال لكم الكرّة‬
‫عل ـيهم‪ ،‬وكا نت الوق عة الَخرة خردوس وجنوده‪ ،‬و هي كا نت أع ظم الوقعت ـين‪ ،‬ف ـيها كان‬
‫خراب بلدهم‪ ،‬وقتل رجالهم‪ ،‬وسبى ذراريهم ونسائهم‪ .‬يقول ال تبـارك وتعالـى‪ :‬وَلـ ُي َتّبرُوا‬
‫ما عََلوْا َت ْتبِ ـيرا ثم عاد ال عل ـيهم‪ ،‬فأك ثر عدد هم‪ ،‬ونشر هم ف ـي بلد هم‪ ،‬ثم َبدّلوا وأحدثوا‬
‫الحداث‪ ،‬واسـتبدلوا بكتابهـم غيره‪ ،‬وركبوا الــمعاصي‪ ،‬واسـتـحلوا الــمـحارم وضيّعوا‬
‫الـحدود‪.‬‬
‫عتّاب رجل من‬
‫‪ 16685‬ـ حدثنا ابن حميد‪ ،‬قال‪ :‬حدثنا سلـمة‪ ،‬عن ابن إسحاق‪ ،‬عن أبـي َ‬
‫تغلب كان ن صرانـيا عمرا من دهره‪ ،‬ثم أ سلـم ب عد‪ ،‬فقرأ القرآن‪ ،‬وف قه ف ـي الد ين‪ ،‬وكان‬
‫عمّر فـي السلم أربعين سنة‪ .‬قال‪ :‬كان‬
‫فـيـما ذكر أنه كان نصرانـيا أربعين سنة‪ ،‬ثم ُ‬
‫آ خر أنب ـياء بن ـي إ سرائيـل نب ـيا بع ثه ال إل ـيهم‪ ،‬فقال ل هم‪ :‬يا بن ـي إ سرائيـل إن ال‬
‫يقول ل كم‪ :‬إن ـي قد سلبت أ صواتكم‪ ،‬وأبغضت كم بكثرة أحداث كم فهَمّوا به ل ـيقتلوه‪ ،‬فقال ال‬
‫تبـارك وتعالـى له‪ :‬ائتهم واضرب لـي ولهم مثلً‪ ،‬فقل لهم‪ :‬إن ال تبـارك وتعالـى يقول‬
‫لكـم‪ :‬اقضوا بــينـي وبــين كرمـي ألــم أختـر له البلد‪ ،‬وطيبـت له الــَمدَرة‪ ،‬وحظرتـه‬
‫بـالسياج‪ ،‬وعرشته السويق والشوك والسياج والعَوْ سَج‪ ،‬وأحطته بردائي‪ ،‬ومنعته من العالـم‬
‫وفضّل ته‪ ،‬فلق ـينـي ب ـالشوك وال ـجذوع‪ ،‬و كل شجرة ل تؤ كل؟ ما لهذا اخترت البلدة‪ ،‬ول‬
‫حطْته بردائي‪ ،‬ول منعته من‬
‫عرَشتْه السويق‪ ،‬ول ُ‬
‫حظَرته بـالسّياج‪ ،‬ول َ‬
‫طيّبت الـمَدَرة‪ ،‬ول َ‬
‫العالــم فضلتكـم وأتــمـمت علــيكم نعمتــي‪ ،‬ثـم اسـتقبلتـمونـي بكلّ مـا أكره مـن‬
‫مع صيتـي وخلف أمري لَ ـمَهْ إن ال ـحمار ل ـيعرف مذوده لَ ـمَهْ إن البقرة لتعرف سيدها‬
‫وقد حلفت بعزتـي العزيزة‪ ،‬وبذراعي الشديد لَخذ نّ ردائي‪ ،‬ولمرج نّ الـحائط‪ ،‬ولجعلنكم‬
‫تــحت أرجـل العالــم‪ .‬قال‪ :‬فوثبوا علــى نبــيهم فقتلوه‪ ،‬فضرب ال علــيهم الذلّ‪ ،‬ونزع‬
‫ل وصـغار وجزيـة يؤدّونهـا‪،‬‬
‫منهـم الــملك‪ ،‬فلــيسوا فــي أمـة مـن المــم إل وعلــيهم ذ ّ‬
‫والـملك فـي غيرهم من الناس‪ ،‬فلن يزالوا كذلك أبدا‪ ،‬ما كانوا علـى ما هم علـيه‪.‬‬
‫قال‪ :‬قال‪ :‬فهذا ما انتهى إلـينا من جماع أحاديث بنـي إسرائيـل‪.‬‬
‫‪ 16686‬ـ حدثن ـي يو نس‪ ،‬قال‪ :‬أخبر نا ا بن و هب‪ ،‬قال‪ :‬قال ا بن ز يد‪ ،‬ف ـي قوله‪ :‬فإذَا جاءَ‬
‫ل َمرّةٍ وَلِ ـ ُي َتّبرُوا ما‬
‫جدَ كمَا َدخَ ـلُوهُ أوّ َ‬
‫سِ‬‫خرَة لِ ـيَسُوءُوا ُوجُو َهكُ مْ وَلِ ـ َي ْدخُـلُوا ال ـمَ ْ‬
‫لِ‬‫عدُ ا َ‬
‫َو ْ‬
‫عََلوْا َت ْتبِـيرا قال‪ :‬كانت الَخرة أشدّ من الولـى بكثـير‪ ،‬قال‪ :‬لن الولـى كانت هزيـمة‬
‫فقـط‪ ،‬والَخرة كان التدميـر‪ ،‬وأحرق بختنصـر التوراة حتــى لــم يبـق منهـا حرف واحـد‪،‬‬
‫وخرب الـمسجد‪.‬‬
‫‪ 16687‬ـ حدثنا أبو السائب‪ ،‬قال‪ :‬حدثنا أبو معاوية‪ ،‬عن العمش‪ ،‬عن الـمنهال‪ ،‬عن سعيد‬
‫بن جب ـير‪ ،‬عن ا بن عب ـاس‪ ،‬قال‪ :‬ب عث عي سى ا بن مري ـم يح يى بن زكر يا‪ ،‬ف ـي اثن ـي‬
‫عشر من الـحواريـين يعلّـمون الناس‪ .‬قال‪ :‬فكان فـيـما نهاهم عنه‪ ،‬نكاح ابنة الخ‪ .‬قال‪:‬‬
‫وكانت لـملكهم ابنة أخ تعجبه يريد أن يتزوّجها‪ ،‬وكانت لها كل يوم حاجة يقضيها فلـما بلغ‬
‫ذلك أم ها قالت ل ها‪ :‬إذا دخ ـلت عل ـى ال ـملك ف سألك حاج تك‪ ،‬فقول ـي‪ :‬حاجت ـي أن تذ بح‬
‫لـي يحيى بن زكريا فلـما دخـلت علـيه سألها حاجتها‪ ،‬فقالت‪ :‬حاجتـي أن تذبح يحيى بن‬
‫زكريا‪ ،‬فقال‪ :‬سلـي غير هذا فقالت‪ :‬ما أسألك إل هذا قال‪ :‬فلـما أبت علـيه دعا يحيى ودعا‬
‫بطسـت فذبحـه‪ ،‬فبدرت قطرة مـن دمـه علــى الرض‪ ،‬فلــم تزل تغلــي حتــى بعـث ال‬
‫بختن صر عل ـيهم‪ ،‬فجاء ته عجوز من بن ـي إ سرائيـل‪ ،‬فدلّ ته عل ـى ذلك الدم‪ .‬قال‪ :‬فألق ـى‬
‫ال فـي نفسه أن يقتل علـى ذلك الدم منهم حتـى يسكن‪ ،‬فقتل سبعين ألفـا منهم من سنّ‬
‫واحد فسكن‪.‬‬
‫ل مَرّ ٍة يقول‪ :‬ول ـيدخـل عدوّ كم الذي أبع ثه‬
‫سجِدَ كمَا َدخَ ـلُوهُ أوّ َ‬
‫وقوله‪ :‬وَلِ ـ َي ْدخُـلُوا ال ـ َم ْ‬
‫عل ـيكم م سجد ب ـيت ال ـمقدس قهرا من هم ل كم وغل بة‪ ،‬ك ما دخ ـلوه أوّل مرّة ح ين أف سدتـم‬
‫الفساد الوّل فـي الرض‪.‬‬
‫وأ ما قوله‪ :‬وَلِ ـيُ َتّبرُوا ما عَلَوْا َت ْتبِ ـيرا فإ نه يقول‪ :‬ول ـيدمّروا ما غلبوا عل ـيه من بلد كم‬
‫تدميرا‪ .‬يقال منـه‪ :‬دمّرت البلد‪ :‬إذا خرّبتـه وأهلكـت أهله‪َ .‬و َتبَر َتبْرا َوتَبــارا‪ ،‬و َتّبرْت ُه أتبّرُه‬
‫ن إلّ َتبَـارا يعنـي‪ :‬هلكا‪ .‬وبنـحو‬
‫تتبـيرا‪ .‬ومنه قول ال تعالـى ذكره وَل تَ ِزدِ الظّالِـمِي َ‬
‫الذي قلنا فـي ذلك‪ ،‬قال أهل التأويـل‪ .‬ذكر من قال ذلك‪:‬‬
‫‪ 16688‬ـ حدثنا القاسم‪ ،‬قال‪ :‬حدثنا الـحسين‪ ،‬قال‪ :‬ثنـي حجاج‪ ،‬عن ابن جريج‪ ،‬قال‪ :‬قال‬
‫ابن عبـاس‪ :‬وَلِـ ُيتَ ّبرُوا ما عََلوْا َت ْتبِـيرا قال‪ :‬تدميرا‪.‬‬
‫‪ 16689‬ـ حدثنا مـحمد بن عبد العلـى‪ ،‬قال‪ :‬حدثنا مـحمد بن ثور‪ ،‬عن معمر‪ ،‬عن قتادة‬
‫وَلِـ ُي َتبّرُوا ما عَلَوْا َت ْتبِـيرا قال‪ :‬يدمروا ما علوا تدميرا‪.‬‬

‫‪8‬‬ ‫الية ‪:‬‬


‫ج َهنّ مَ‬
‫جعَلْنَا َ‬
‫عدْنَا َو َ‬
‫ح َمكُ مْ وَِإ نْ عُدتّ مْ ُ‬
‫سىَ َر ّبكُ مْ أَن َيرْ َ‬
‫القول ف ـي تأوي ـل قوله تعال ـى‪{ :‬عَ َ‬
‫حصِيرا }‪.‬‬
‫لِ ْلكَا ِفرِينَ َ‬
‫ل رب كم يا بن ـي إ سرائيـل أن يرحم كم ب عد انتقا مه من كم ب ـالقوم‬
‫يقول تعال ـى ذكره‪ :‬لع ّ‬
‫الذين يبعثهم ال علـيكم لـيسوء مبعثه علـيكم وجوهكم‪ ،‬ولـيدخـلوا الـمسجد كما دخـلوه‬
‫أوّل مرّة‪ ،‬ف ـيستنقذكم من أيدي هم‪ ،‬وينتشل كم من الذلّ الذي يحله ب كم‪ ،‬ويرفع كم من ال ـخمولة‬
‫الت ـي ت صيرون إل ـيها‪ ،‬ف ـيعزّكم ب عد ذلك‪ .‬و«ع سى» من ال‪ :‬وا جب‪ .‬وف عل ال ذلك ب هم‪،‬‬
‫فكثر عددهم بعد ذلك‪ ،‬ورفع خَساستهم‪ ،‬وجعل منهم الـملوك والنبـياء‪ ،‬فقال جلّ ثناؤه لهم‪:‬‬
‫وإن عدت ـم يا مع شر بن ـي إ سرائيـل ل ـمعصيتـي وخلف أمري‪ ،‬وق تل ر سلـي‪ ،‬عد نا‬
‫ل والصـّغار بكـم‪ ،‬فعادوا‪ ،‬فعاد ال علــيهم بعقابـه‬
‫علــيكم بــالقتل والسـّبـاء‪ ،‬وإحلل الذ ّ‬
‫وإحلل سخطه بهم‪ .‬وبنـحو الذي قلنا فـي ذلك‪ ،‬قال أهل التأويـل‪ .‬ذكر من قال ذلك‪:‬‬
‫‪ 16690‬ـ حدثنا أبو كريب‪ ،‬قال‪ :‬حدثنا ابن عطية‪ ،‬عن عمر بن ثابت‪ ،‬عن أبـيه‪ ،‬عن سعيد‬
‫عدْ نا قال‪:‬‬
‫ع ْدتُ ـمْ َ‬
‫ن َي ْرحَمكُ مْ وَإ نْ ُ‬
‫بن جب ـير‪ ،‬عن ا بن عب ـاس‪ ،‬ف ـي قوله‪ :‬عَ سَى َر ّبكُ مْ أ ْ‬
‫عادوا فعاد‪ ،‬ثـم عادوا فعاد‪ ،‬ثـم عادوا فعاد‪ .‬قال‪ :‬فسـلّط ال علــيهم ثلثـة ملوك مـن ملوك‬
‫فـارس‪ :‬سندبـادان وشهربـادان وآخر‪.‬‬
‫حدثن ـي م ـحمد بن سعد‪ ،‬قال‪ :‬ثن ـي أب ـي‪ ،‬قال‪ :‬ثن ـي ع مي‪ ،‬قال‪ :‬ثن ـي أب ـي‪ ،‬عن‬
‫أبـيه‪ ،‬عن ابن عبـاس‪ ،‬قال‪ :‬قال ال تبـارك وتعالـى بعد الولـى والَخرة‪ :‬عَ سَى َر ّبكُ مْ‬
‫عدْنا قال‪ :‬فعادوا فسلّط ال علـيهم الـمؤمنـين‪.‬‬
‫ع ْدتُـمْ ُ‬
‫ح َم ُكمْ وَإنْ ُ‬
‫ن َيرْ َ‬
‫أْ‬
‫‪ 16691‬ـ حدث نا ب شر‪ ،‬قال‪ :‬حدث نا يز يد‪ ،‬قال‪ :‬حدث نا سعيد‪ ،‬عن قتادة‪ ،‬قال عَ سَى َربّكُ مْ أ نْ‬
‫عدْنا قال‪ :‬عاد القوم بشرّ ما يحضرهم‪،‬‬
‫ع ْدتُـمْ ُ‬
‫ح َمكُ مْ فعاد ال علـيهم بعائدته ورحمته وَإ نْ ُ‬
‫َيرْ َ‬
‫فبعث ال علـيهم ما شاء أن يبعث من نقمته وعقوبته‪ .‬ثم كان ختام ذلك أن بعث ال علـيهم‬
‫ل فـي آية‬
‫هذا الـحيّ من العرب‪ ،‬فهم فـي عذاب منهم إلـى يوم القـيامة قال ال عزّ وج ّ‬
‫أخرى وَإذْ تَأذّ نَ َربّ كَ لَ ـ َي ْبعَثنّ عَلَ ـ ْيهِمْ إل ـى يَوْ مِ القِ ـيامَةِ‪ ...‬الَ ية‪ ،‬فب عث ال عل ـيهم هذا‬
‫الـحيّ من العرب‪.‬‬
‫‪16692‬ـ حدثنا مـحمد بن عبد العلـى‪ ،‬قال‪ :‬حدثنا مـحمد بن ثور‪ ،‬عن معمر‪ ،‬عن قتادة‪،‬‬
‫عدْ نا فعادوا‪ ،‬فب عث ال عل ـيهم م ـحمدا صلى ال‬
‫ع ْدتُ ـمْ ُ‬
‫حمَكُ مْ وَإ نْ ُ‬
‫ن َي ْر َ‬
‫قال عَ سَى رَ ّبكُ ْم أ ْ‬
‫عليه وسلم‪ ،‬فهم يعطون الـجزية عن يد وهم صاغرون‪.‬‬
‫‪ 16693‬ـ حدثنـي يونس‪ ،‬قال‪ :‬أخبرنا ابن وهب‪ ،‬قال‪ :‬قال ابن زيد‪ ،‬فـي قول ال تعالـى‪:‬‬
‫ع ْدتُ ـمْ ل ـما صنعتـم ل ـمثل هذا من ق تل يح يى‬
‫حمَكُ مْ قال ب عد هذا وَإ نْ ُ‬
‫ن َي ْر َ‬
‫عَ سَى رَ ّبكُ ْم أ ْ‬
‫عدْنا إلـيكم بـمثل هذا‪.‬‬
‫وغيره من النبـياء ُ‬
‫ِينـ حَصـِيرا اختلف أهـل التأويــل فــي تأويــل ذلك‪ ،‬فقال‬
‫ج َهنّــمَ للكا ِفر َ‬
‫جعَلْنـا َ‬
‫وقوله‪َ :‬و َ‬
‫بعضهم‪ :‬وجعلنا جهنـم للكافرين سجنا يسجنون فـيها‪ .‬ذكر من قال ذلك‪:‬‬
‫‪ 16694‬ـ حدث نا م ـحمد بن مَ سْعدة‪ ،‬قال‪ :‬حدث نا جع فر بن سلـيـمان‪ ،‬عن أب ـي عمران‬
‫حصِيرا قال‪ :‬سجنا‪.‬‬
‫ج َهنّـ َم للكا ِفرِين َ‬
‫جعَلْنا َ‬
‫وَ‬
‫‪16695‬ـ حدثنـي مـحمد بن سعد‪ ،‬قال‪ :‬ثنـي أبـي‪ ،‬قال‪ :‬ثنـي عمي‪ ،‬قال‪ :‬ثنـي أبـي‪،‬‬
‫ن حَ صِيرا يقول‪ :‬جعل ال مأواهم‬
‫ج َهنّـ َم للكا ِفرِي َ‬
‫جعَلْنا َ‬
‫عن أبـيه‪ ،‬عن ابن عبـاس‪ ،‬قوله‪َ :‬و َ‬
‫فـيها‪.‬‬
‫‪ 16696‬ـ حدثنا مـحمد بن عبد العلـى‪ ،‬قال‪ :‬حدثنا مـحمد بن ثور‪ ،‬عن معمر‪ ،‬عن قتادة‬
‫حصُورا‪.‬‬
‫حصِيرا قال‪ :‬مَـحْبِسا َ‬
‫ج َهنّـ َم للكا ِفرِينَ َ‬
‫جعَلْنا َ‬
‫َو َ‬
‫ن حَ صِيرا‬
‫ج َهنّـمَ للْكا ِفرِي َ‬
‫جعَلْنا َ‬
‫حدثنا بشر‪ ،‬قال‪ :‬حدثنا يزيد‪ ،‬قال‪ :‬حدثنا سعيد‪ ،‬عن قتادة َو َ‬
‫يقول‪ :‬سجنا‪.‬‬
‫‪ 16697‬ـ حدثنـي مـحمد بن عمرو‪ ،‬قال‪ :‬حدثنا أبو عاصم‪ ،‬قال‪ :‬حدثنا عيسى وحدثنـي‬
‫الــحارث‪ ،‬قال‪ :‬حدثنـا الــحسن‪ ،‬قال‪ :‬حدثنـا ورقاء جميعـا‪ ،‬عـن ابـن أبــي نــجيح‪ ،‬عـن‬
‫حصِيرا قال‪ :‬يحصرون فـيها‪.‬‬
‫مـجاهد فـي قول ال تعالـى‪َ :‬‬
‫حدث نا القاسـم‪ ،‬قال‪ :‬حدثنـا الــحسين‪ ،‬قال‪ :‬ثنــي حجاج‪ ،‬عن ابـن جريـج‪ ،‬عن مــجاهد‬
‫حصِيرا قال‪ :‬يُحصرون فـيها‪.‬‬
‫ج َهنّـ َم للْكا ِفرِينَ َ‬
‫جعَلْنا َ‬
‫َو َ‬
‫جعَلْ نا‬
‫‪ 16698‬ـ حدثن ـي يو نس‪ ،‬قال‪ :‬أخبر نا ا بن و هب‪ ،‬قال‪ :‬قال ا بن ز يد‪ ،‬ف ـي قوله‪َ :‬و َ‬
‫حصِيرا سجنا يسجنون فـيها حصروا فـيها‪.‬‬
‫ن َ‬
‫ج َهنّـمَ للكافِرِي َ‬
‫َ‬
‫حدث نا عل ـيّ بن داود‪ ،‬قال‪ :‬حدث نا ع بد ال بن صالـح‪ ،‬قال‪ :‬ثن ـي معاو ية‪ ،‬عن عل ـيّ‪،‬‬
‫حصِيرا يقول‪ :‬سجنا‪.‬‬
‫ج َهنّـ َم للكا ِفرِينَ َ‬
‫جعَلْنا َ‬
‫عن ابن عبـاس‪ ،‬قوله َو َ‬
‫وقال آخرون‪ :‬معناه‪ :‬وجعلنا جهنـم للكافرين فراشا ومهادا‪ .‬ذكر من قال ذلك‪:‬‬
‫‪ 16699‬ـ حدثنا مـحمد بن عبد العلـى‪ ،‬قال‪ :‬حدثنا مـحمد بن ثور‪ ،‬عن معمر‪ ،‬قال‪ :‬قال‬
‫الـحسن‪ :‬الـحصير‪ :‬فِراش ومِهاد‪.‬‬
‫وذ هب ال ـحسن بقوله هذا إل ـى أن ال ـحصير ف ـي هذا ال ـموضع عن ـي به ال ـحصير‬
‫الذي ُيبْ سط ويفترش‪ ،‬وذلك أن العرب ت سمى الب ساط ال صغير ح صيرا‪ ،‬فوجّه ال ـحسن مع نى‬
‫ج َهنّـمَ‬
‫ن َ‬
‫الكلم إلـى أن ال تعالـى جعل جهنـم للكافرين به بساطا ومهادا‪ ،‬كما قال‪َ :‬لهُ مْ مِ ْ‬
‫مِهادٌ َومِ نْ فَ ْو ِقهِ مْ غَوَا شٍ وهو وجه حسن وتأويـل صحيح‪ .‬وأما الَخرون‪ ،‬فوجهوه إلـى أنه‬
‫فعي ـل من ال ـحصر الذي هو ال ـحبس‪ .‬و قد ب ـيّنت ذلك بشواهده ف ـي سورة البقرة‪ ،‬و قد‬
‫ت سمي العرب ال ـملك ح صيرا ب ـمعنى أ نه م ـحصور‪ :‬أي م ـحجوب عن الناس‪ ،‬ك ما قال‬
‫لبـيد‪:‬‬
‫ب الـحَصِي ِر قِـيامُ‬
‫ب الرّقابِ كأ ّن ُه ْمجِنّ َلدَى بـا ِ‬
‫َومَقامَةٍ غُلْ ِ‬
‫يعنــي بــالـحصير‪ :‬الــملك‪ ،‬ويقال للبخيــل‪ :‬حصـور وحصـر‪ :‬لــمنعه مـا لديـه مـن‬
‫الـمال عن أهل الـحاجة‪ ،‬وحبسه إياه عن النفقة‪ ،‬كما قال الخطل‪:‬‬
‫ح بـالكأْسِ نا َد َمنِـيل بـالـحَصُورِ وَل فِـيها ِبسَوّارِ‬
‫ب ُمرْب ٍ‬
‫وَشارِ ٍ‬
‫ويروى‪ :‬ب سآر‪ .‬وم نه ال ـحصر ف ـي ال ـمنطق لمتناع ذلك عل ـيه‪ ،‬واحتب ـاسه إذا أراده‪.‬‬
‫ومنـه أيضـا الــحصور عـن النسـاء لتعذّر ذلك علــيه‪ ،‬وامتناعـه مـن الــجماع‪ ،‬وكذلك‬
‫الـحصر فـي الغائط‪ :‬احتبـاسه عن الـخروج‪ ،‬وأصل ذلك كله واحد وإن اختلفت ألفـاظه‪.‬‬
‫فأما الـحصيران‪ :‬فـالـجنبـان‪ ،‬كماقال الطرّماح‪:‬‬
‫ن‬
‫ن بـادِ ِ‬
‫حصِي َريْ ِ‬
‫ل مَ ْفرُوشِ الـ َ‬
‫قَلِـيلً َتتَلّـى حاجَ ًة ُثمّ عُولِـ َي ْتعَلـى كُ ّ‬
‫يعنـي بـالـحصيرين‪ :‬الـجنبـين‪.‬‬
‫ن حَ صِيرا‬
‫ج َهنَـمٍ للْكافرِي َ‬
‫جعَلْنا َ‬
‫والصواب من القول فـي ذلك عندي أي يقال‪ :‬معنى ذلك‪َ :‬و َ‬
‫فراشـا ومهادا ل يزايــله مـن الــحصير الذي بــمعنى البسـاط‪ ،‬لن ذلك إذا كان كذلك كان‬
‫جام عا مع نى ال ـحبس والمتهاد‪ ،‬مع أن ال ـحصير ب ـمعنى الب ساط ف ـي كلم العرب أش هر‬
‫منه بـمعنى الـحبس‪ ،‬وأنها إذا أرادت أن تصف شيئا بـمعنى حبس شيء‪ ،‬فإنـما تقول‪ :‬هو‬
‫له حاصر أو مـحصر فأما الـحصير فغير موجود فـي كلمهم‪ ،‬إل إذا وصفته بأنه مفعول‬
‫بـه‪ ،‬فــيكون فــي لفـظ فعيــل‪ ،‬ومعناه مفعول بـه أل ترى بــيت لبــيد‪ :‬لدى بــاب‬
‫الــحصير؟ فقـل‪ :‬لدى بــاب الــحصير‪ ،‬لنـه أراد‪ :‬لدى بــاب الــمـحصور‪ ،‬فصـرف‬
‫ل إلـى فعيـل‪ .‬فأما فعيـل فـي الـحصر بـمعنى وصفه بأنه الـحاصر‪ .‬فذلك ما ل‬
‫مفعو ً‬
‫نـجده فـي كلم العرب‪ ،‬فلذلك قلت‪ :‬قول الـحسن أولـى بـالصواب فـي ذلك‪ .‬وقد زعم‬
‫بعض أهل العربـية من أهل البصرة أن ذلك جائز‪ ،‬ول أعلـم لـما قال وجها يصحّ إل بعيدا‬
‫و هو أن يقال‪ :‬جاء ح صير ب ـمعنى حا صر‪ ،‬ك ما ق ـيـل‪ :‬عل ـيـم ب ـمعنى عال ـم‪ ،‬وشه يد‬
‫بـمعنى شاهد‪ ،‬ولـم يسمع ذلك مستعملً فـي الـحاصر كما سمعنا فـي عالـم وشاهد‪.‬‬

‫‪ 9‬و ‪10‬‬ ‫الية ‪:‬‬


‫ن ِي ْهدِي لِلّتِي هِ يَ َأقْوَ مُ َو ُي َبشّ ُر ا ْلمُ ْؤ ِمنِي نَ‬
‫ن هَ ـذَا ا ْل ُقرْآ َ‬
‫القول ف ـي تأوي ـل قوله تعال ـى‪ِ{ :‬إ ّ‬
‫عذَابا‬
‫ع َت ْدنَا َلهُ مْ َ‬
‫خرَةِ َأ ْ‬
‫لِ‬‫ن لَ ُي ْؤ ِمنُو نَ بِا َ‬
‫ن اّلذِي َ‬
‫ن َلهُ مْ َأجْرا َكبِيرا * وَأ ّ‬
‫ت أَ ّ‬
‫ن َي ْعمَلُو نَ ال صّالِحَا ِ‬
‫اّلذِي َ‬
‫أَلِيما }‪.‬‬
‫يقول تعالـى ذكره‪ :‬إن هذا القرآن الذي أنزلناه علـى نبـينا مـحمد صلى ال عليه وسلم‬
‫يرشد ويسدّد من اهتدى به لّلتِـي هِ يَ أقْوَ مُ يقول‪ :‬للسبـيـل التـي هي أقوم من غيرها من‬
‫ل ثناؤه‪ :‬فهذا القرآن يهدي‬
‫السبل‪ ،‬وذلك دين ال الذي بعث به أنبـياءه وهو السلم‪ .‬يقول ج ّ‬
‫عبــاد ال الــمهتدين بـه إلــى قصـد السـبـيـل التــي ضلّ عنهـا سـائر أهـل الــملل‬
‫الـمكذّبـين به‪ ،‬كما‪:‬‬
‫ن َهذَا‬
‫‪ 16700‬ـ حدثن ـي يو نس‪ ،‬قال‪ :‬أخبر نا ا بن و هب‪ ،‬قال‪ :‬قال ا بن ز يد‪ ،‬ف ـي قوله‪ :‬إ ّ‬
‫َمـ قال‪ :‬للتــي هـي أصـوب‪ :‬هـو الصـواب وهـو الــحقّ قال‪:‬‬
‫ِيـ أقْو ُ‬
‫ُرآنـ َي ْهدِي لّلتِــي ه َ‬
‫الق َ‬
‫وال ـمخالف هو الب ـاطل‪ .‬وقرأ قول ال تعال ـى‪ :‬فِ ـيها ُكتُ بٌ قَ ـيّـمَ ٌة قال‪ :‬ف ـيها ال ـحقّ‬
‫جعَلْ َلهُ عِوْجا قَـيّـما يقول‪ :‬قـيـما مستقـيـما‪.‬‬
‫لـيس فـيها عوج‪ .‬وقرأ ولَـمْ نَـ ْ‬
‫شرُ الـمُ ْؤ ِمنِـينَ يقول‪ :‬ويبشر أيضا مع هدايته من اهتدى به للسبـيـل القصد‬
‫وقوله‪َ :‬و ُي َب ّ‬
‫الذين يؤمنون بـال ورسوله‪ ،‬ويعملون فـي دنـياهم بـما أمرهم ال به‪ ،‬وينتهون عما نهاهم‬
‫ُمـ أجْرا مـن ال علــى إيــمانهم وعملهـم الصـالـحات َكبِــيرا يعنــي ثوابــا‬
‫عنـه بأن له ْ‬
‫عظيـما‪ ،‬وجزاء جزيلً‪ ،‬وذلك هو الـجنة التـي أعدّها ال تعالـى لـمن رضي عمله‪ ،‬كما‪:‬‬
‫‪16701‬ـ حدثنا القاسم‪ ،‬قال‪ :‬حدثنا الـحسين‪ ،‬قال‪ :‬ثنـي حجاج‪ ،‬عن ابن جريج أنّ َلهُمْ أجْرا‬
‫َكبِـيرا قال‪ :‬الـجنة‪ ،‬وكلّ شيء فـي القرآن أجر كبـير‪ ،‬أجر كريـم‪ ،‬ورزق كريـم فهو‬
‫ن َل ُهمْ أجْرا َكبِـيرا نصب مه‪ ،‬كما‪:‬‬
‫الـجنة‪ ،‬وأن فـي قوله‪ :‬أ ّ‬
‫‪16702‬ـ حدثنا القاسم‪ ،‬قال‪ :‬حدثنا الـحسين‪ ،‬قال‪ :‬ثنـي حجاج‪ ،‬عن ابن جريج أنّ َلهُمْ أجْرا‬
‫َكبِـيرا قال‪ :‬الـجنة‪ ،‬وكلّ شيء فـي القرآن أجر كبـير‪ ،‬أجر كريـم‪ ،‬ورزق كريـم فهو‬
‫الـجنة‪ ،‬وأن فـي قوله‪ :‬أنّ َلهُمْ أجْرا َكبِـيرا نصب يقول‪ :‬أعددنا لهم‪ ،‬لقدومهم علـى ربهم‬
‫عذَابـا ألِـيـما يعنـي موجعا‪ ،‬وذلك عذاب جهنـم‪.‬‬
‫يوم القـيامة َ‬
‫‪11‬‬ ‫الية ‪:‬‬
‫عجُولً‬
‫لنْسَانُ َ‬
‫ناِ‬
‫خيْرِ َوكَا َ‬
‫لنْسَانُ بِالشّ ّر دُعَآءَ ُه بِا ْل َ‬
‫{ َو َيدْعُ ا ِ‬ ‫القول فـي تأويـل قوله تعالـى‪:‬‬
‫}‪.‬‬
‫يقول تعالـى ذكره مذكرا عبـاده أياديه عند هم‪ ،‬ويدعو النسان علـى نفسه وولده وماله‬
‫بـالشرّ‪ ،‬فـيقول‪ :‬الله ّم أهلكه والعنه عند ضجره وغضبه‪ ،‬كدعائه بـالـخير‪ :‬يقول‪ :‬كدعائه‬
‫ر به بأن يهب له العاف ـية‪ ،‬ويرزقه السلمة فـي نف سه وماله وولده‪ ،‬يقول‪ :‬فلو استـجيب له‬
‫فـي دعائه علـى نفسه وماله وولده بـالشرّ كما يستـجاب له فـي الـخير هلك‪ ،‬ولكن ال‬
‫بفضله ل يستـجيب له فـي ذلك‪ .‬وبنـحو الذي قلنا فـي ذلك‪ ،‬قال أهل التأويـل‪ .‬ذكر من‬
‫قال ذلك‪:‬‬
‫‪16703‬ـ حدثنـي مـحمد بن سعد‪ ،‬قال‪ :‬ثنـي أبـي‪ ،‬قال‪ :‬ثنـي عمي‪ ،‬قال‪ :‬ثنـي أبـي‪،‬‬
‫خ ْيرِ وكا نَ النْ سان‬
‫شرّ دعاءَه ب ـالـ َ‬
‫عن أب ـيه‪ ،‬عن ا بن عب ـاس‪ ،‬قوله‪َ :‬و َيدْ عُ النْ سانُ ب ـال ّ‬
‫ل يعنــي قول الن سان‪ :‬الله ّم الع نه واغ ضب عل ـيه‪ ،‬فلو ُيعَ جل له ذلك ك ما يُعجِل له‬
‫عجُو ً‬
‫َ‬
‫ج ِنبِهْ أ ْو قَاعِدا أَ ْو قائِ ما أن‬
‫ضرّ دَعَانَا لِ ـ َ‬
‫ال ـخير‪ ،‬لهلك‪ ،‬قال‪ :‬ويقال‪ :‬هو وإذَا مَ سّ النْ سَانَ ال ّ‬
‫يكشف ما به من ضرّ‪ ،‬يقول تبـارك وتعالـى‪ :‬لو أنه ذكرنـي وأطاعنـي‪ ،‬واتبع أمري عند‬
‫الـخير‪ ،‬كما يدعونـي عند البلء‪ ،‬كان خيرا له‪.‬‬
‫‪ 16704‬ـ حدث نا ب شر‪ ،‬قال‪ :‬حدث نا يز يد‪ ،‬قال‪ :‬حدث نا سعيد‪ ،‬عن قتادة‪ ،‬قوله‪َ :‬و َيدْع النْ سَانُ‬
‫عجُولً يدعو علـى ماله‪ ،‬فـيـلعن ماله وولده‪ ،‬ولو‬
‫خيْ ِر وكا نَ النْ سَانُ َ‬
‫بـالشّرّ دعاءَ هُ بـالـ َ‬
‫استـجاب ال له لهلكه‪.‬‬
‫حدثنا مـحمد بن عبد العلـى‪ ،‬قال‪ :‬حدثنا مـحمد بن ثور‪ ،‬عن معمر‪ ،‬عن قتادة و َيدْ عُ‬
‫خيْرِ قال‪ :‬يدعـو علــى نفسـه بــما لو اسـتـجيب له هلك‪،‬‬
‫َهـ بــالـ َ‬
‫شرّ دُعاء ُ‬
‫ن بــال ّ‬
‫النْسـا ُ‬
‫وعلـى خادمه‪ ،‬أو علـى ماله‪.‬‬
‫‪16705‬ــ حدثنـا القاسـم‪ ،‬قال‪ :‬حدثنـا الــحسين‪ ،‬قال‪ :‬ثنــي حجاج‪ ،‬عن ابـن جريـج‪ ،‬عن‬
‫ل قال‪ :‬ذلك دعاء‬
‫وكانـ النْسـانُ عَجو ً‬
‫َ‬ ‫خيْرِ‬
‫َهـ بــالـ َ‬
‫شرّ دُعاء ُ‬
‫ن بــال ّ‬
‫ْعـ النْسـا ُ‬
‫مــجاهد َو َيد ُ‬
‫النسان بـالشرّ علـى ولده وعلـى امرأته‪ ،‬فـيعجل‪ :‬فـيدعو علـيه‪ ،‬ول يحب أن يصيبه‪.‬‬
‫ل فقال م ـجاهد و من ذكرت قوله‪ :‬معناه‪:‬‬
‫عجُو ً‬
‫ن النْ سانُ َ‬
‫واختلف ف ـي تأوي ـل قوله‪ :‬وكا َ‬
‫وكان النسان عَجولً‪ ،‬بـالدعاء علـى ما يكره‪ ،‬أن يُستـجاب له فـيه‪.‬‬
‫وقال آخرون‪ :‬ع نى بذلك آدم أ نه ع جل ح ين ن فخ ف ـيه الروح ق بل أن ت ـجري ف ـي جم يع‬
‫جسده‪ ،‬فرام النهوض‪ ،‬فوصف ولده بـالستعجال‪ ،‬لـما كان من استعجال أبـيهم آدم القـيام‪،‬‬
‫قبل أن يتـمّ خـلقه‪ .‬ذكر من قال ذلك‪:‬‬
‫‪ 16706‬ـ حدثنا مـحمد بن الـمثنى‪ ،‬قال‪ :‬حدثنا مـحمد بن جعفر‪ ،‬قال‪ :‬حدثنا شُعبة‪ ،‬عن‬
‫الـحكم‪ ،‬عن إبراهيـم‪ ،‬أن سلـمان الفـارسيّ‪ ،‬قال‪ :‬أوّل ما خـلق ال من آدم رأسه‪ ،‬فجعل‬
‫ينظـر وهـو يُخــلق‪ ،‬قال‪ :‬وبقــيت رجله فلــما كان بعـد العصـر قال‪ :‬يـا ربّـ عَجّل قبـل‬
‫عجُولً‪.‬‬
‫اللـيـل‪ ،‬فذلك قوله‪ :‬وكانَ النْسانُ َ‬
‫‪ 16707‬ـ حدث نا أ بو كر يب‪ ،‬قال‪ :‬حدث نا عثمان بن سعيد‪ ،‬قال‪ :‬حدث نا ب شر بن عمارة‪ ،‬عن‬
‫أب ـي رَوْق‪ ،‬عن الضحاك عن ا بن عب ـاس‪ ،‬قال‪ :‬ل ـما ن فخ ال ف ـي آدم من رو حه أ تت‬
‫النف خة من قبَل رأ سه‪ ،‬فج عل ل يجرى شيء من ها ف ـي ج سده‪ ،‬إل صار لـحما ود ما فل ـما‬
‫انتهت النفخة إلـى سرّته‪ ،‬نظر إلـى جسده‪ ،‬فأعجبه ما رأى من جسده فذهب لـينهض فلـم‬
‫ضجِرا ل صبر له عل ـى‬
‫ل قال‪َ :‬‬
‫عجُو ً‬
‫ن النْ سانُ َ‬
‫يقدر‪ ،‬ف هو قول ال تب ـارك وتعال ـى‪ :‬وكا َ‬
‫سرّاء‪ ،‬ول ضرّاء‪.‬‬

‫‪12‬‬ ‫الية ‪:‬‬


‫جعَلْنَآ آيَةَ‬
‫ن َف َمحَوْنَآ آ َي َة الّْليْلِ َو َ‬
‫جعَلْنَا الّْليْلَ وَال ّنهَارَ آ َي َتيْ ِ‬
‫القول ف ـي تأوي ـل قوله تعال ـى‪َ { :‬و َ‬
‫َصـلْنَاهُ‬
‫شيْءٍ ف ّ‬
‫ل َ‬
‫السـنِينَ وَا ْلحِسـَابَ َوكُ ّ‬
‫ع َددَ ّ‬
‫ُمـ وَِل َتعَْلمُواْ َ‬
‫ْصـرَةً ِل َت ْب َتغُو ْا فَضْلً م ّن ّر ّبك ْ‬
‫ال ّنهَارِ ُمب ِ‬
‫تَ ْفصِيلً }‪.‬‬
‫يقول تعالـى ذكره‪ :‬ومن نعمته علـيكم أيها الناس‪ ،‬مخالفته بـين علمة اللـيـل وعلمة‬
‫النهار‪ ،‬بإظلمه علمة اللـيـل‪ ،‬وإضاءته علمة النهار‪ ،‬لتسكنوا فـي هذا‪ ،‬وتتصرّفوا فـي‬
‫ابتغاء رزق ال الذي قدره لكـم بفضله فــي هذا‪ ،‬ولتعلــموا بــاختلفهما عدد السـنـين‬
‫ل شَيْ ٍء فَ صّلْناه‬
‫وانقضاء ها‪ ،‬وابتداء دخول ها‪ ،‬وح ساب ساعات النهار والل ـيـل وأوقات ها وكُ ّ‬
‫تَفْ صِيلً يقول‪ :‬وكلّ شيء بـيناه بـيانا شافـيا لكم أيها الناس لتشكروا ال علـى ما أنعم به‬
‫علـيكم من نع مه‪ ،‬وتـخـلصوا له العب ـادة‪ ،‬دون الَل هة والوثان‪ .‬وبن ـحو الذي قل نا ف ـي‬
‫ذلك قال أهل التأويـل‪ .‬ذكر من قال ذلك‪:‬‬
‫‪ 16708‬ـ حدث نا ا بن حم يد‪ ،‬قال‪ :‬حدث نا جر ير‪ ،‬عن ع بد العز يز بن رُف ـيع‪ ،‬عن أب ـي‬
‫الطُف ـيـل‪ ،‬قال‪ :‬قال ا بن الكَوّاء لعل ـيّ‪ :‬يا أم ير ال ـمؤمنـين‪ ،‬ما هذه الّلطْ خة الت ـي ف ـي‬
‫القمر؟ فقال‪ :‬و ْيحَك أما تقرأ القرآن َفمَـحَوْنا آ َيةَ اللّـيْـلِ‪ ،‬فهذه مـحوه‪.‬‬
‫‪16709‬ـ حدثنا أبو كريب‪ ،‬قال‪ :‬حدثنا طلق‪ ،‬عن زائدة‪ ،‬عن عاصم‪ ،‬عن علـيّ بن ربـيعة‪،‬‬
‫قال‪ :‬سـأل ابـن الكوّاء علــيا فقال‪ :‬مـا هذا السـواد فــي القمـر؟ فقال علــيّ‪َ :‬فمَــحَوْنا آ َيةَ‬
‫صرَ ًة هُ َو الـمَـحْو‪.‬‬
‫جعَلْنا آيَ َة النهارِ ُمبْ ِ‬
‫اللّـيْـلِ و َ‬
‫‪16710‬ــ حدثنـا ابـن بشار‪ ،‬قال‪ :‬حدثنـا عبـد الرحمـن‪ ،‬قال‪ :‬حدثنـا إسـرائيـل‪ ،‬عـن أبــي‬
‫إسحاق‪ ،‬عن عبد ال بن عمر‪ ،‬قال‪ :‬كنت عند علـيّ‪ ،‬فسأله ابن ال َكوّاء عن السواد الذي فـي‬
‫القمر؟ فقال‪ :‬ذاك آية اللـيـل مُـحِيت‪.‬‬
‫‪16711‬ـ حدثنا ابن أبـي الشوارب‪ ،‬قال‪ :‬حدثنا يزيد بن زُريع‪ ،‬قال‪ :‬حدثنا عمران بن حُدير‪،‬‬
‫عن رفـيع بن أبـي كثـير قال‪ :‬قال علـيّ بن أبـي طالب رضوان ال علـيه‪ :‬سَلُوا عما‬
‫شئتـم‪ ،‬فقام ابن الكوّاء فقال‪ :‬ما السواد الذي فـي القمر‪ ،‬فقال‪ :‬قاتلك ال‪ ،‬هل سألت عن أمر‬
‫دينك وآخرتك؟ قال‪ :‬ذلك مَـحْو اللـيـل‪.‬‬
‫‪16712‬ـ حدثنـي زكريا بن يحيى بن أبـان الـمصريّ‪ ،‬قال‪ :‬حدثنا ابن عُفَـير‪ ،‬قال‪ :‬حدثنا‬
‫حبُلـي‪ ،‬عن عبد ال بن عمرو‬
‫حيَـيّ بن عبد ال‪ ،‬عن أبـي عبد الرحمن الـ ُ‬
‫ابن لَهيعة‪ ،‬عن ُ‬
‫جعَلْنـا‬
‫بـن العاص‪ ،‬أن رجلً قال لعلــيّ‪ :‬مـا السـواد الذي فــي القمـر؟ قال‪ :‬إن ال يقول‪ :‬و َ‬
‫صرَةً‪.‬‬
‫جعَلْنا آيَ َة النّهارِ ُمبْ ِ‬
‫اللّـيْـلَ والنّهار آ َيتَـيْنِ َفمَـحَوْنا آيَ َة اللّـيْـلِ َو َ‬
‫‪16713‬ـ حدثنـي مـحمد بن سعد‪ ،‬قال‪ :‬ثنـي أبـي‪ ،‬قال‪ :‬ثنـي عمي‪ ،‬قال‪ :‬ثنـي أبـي‪،‬‬
‫ن َفمَ ـحَوْنا آيَ َة اللّ ـيْـلِ‬
‫جعَلْ نا اللّ ـيْـلَ والنّهارَ آ َيتَ ـيْ ِ‬
‫عن أب ـيه‪ ،‬عن ا بن عب ـاس‪ ،‬قوله‪َ :‬و َ‬
‫قال‪ :‬هو السواد بـاللـيـل‪.‬‬
‫حدثنـا القاسـم‪ ،‬قال‪ :‬حدثنـا الــحسين‪ ،‬قال‪ :‬ثنــي حجاج‪ ،‬عـن ابـن جريـج‪ ،‬قال‪ :‬قال ابـن‬
‫عب ـاس‪ :‬كان الق مر يض يء ك ما تض يء الش مس‪ ،‬والق مر آ ية الل ـيـل‪ ،‬والش مس آ ية النهار‪،‬‬
‫فمـحونا آية اللـيـل‪ :‬السواد الذي فـي القمر‪.‬‬
‫‪ 16714‬ـ حدثنا أبو كريب‪ ،‬قال‪ :‬حدثنا ابن أبـي زائدة‪ ،‬قال‪ :‬ذكر ابن جريج‪ ،‬عن مـجاهد‪،‬‬
‫جعَلْ نا الل ـيْـلَ وال ّنهَارَ آ َيتَ ـيْنِ قال‪ :‬الش مس آ ية النهار‪ ،‬والق مر آ ية الل ـيـل‬
‫ف ـي قوله‪َ :‬و َ‬
‫َفمَـحَوْنا آ َيةَ اللّـيْـلِ قال‪ :‬السواد الذي فـي القمر‪ ،‬وكذلك خـلقه ال‪.‬‬
‫حدث نا القاسـم‪ ،‬قال‪ :‬حدثنـا الــحسين‪ ،‬قال‪ :‬ثنــي حجاج‪ ،‬عن ابـن جريـج‪ ،‬عن مــجاهد‬
‫جعَلْنا اللّـيْـل والنهارَ آ َيتَـيْنِ قال‪ :‬لـيلً ونهارا‪ ،‬كذلك خـلقهما ال‪.‬‬
‫َو َ‬
‫جعَ ْلنَا آيَةَ‬
‫‪16715‬ـ قال ابن جريج‪ :‬وأخبرنا عبد ال بن كثـير‪ ،‬قال‪ :‬فَمَـحَوْنا آ َيةَ اللّـيْـلِ َو َ‬
‫سدْفَة النهار‪.‬‬
‫صرَةً قال‪ :‬ظلـمة اللـيـل و ُ‬
‫النّهارِ ُم ْب ِ‬
‫جعَلْنا اللّـيْـلَ‬
‫‪ 16716‬ـ حدثنا بشر‪ ،‬قال‪ :‬حدثنا يزيد‪ ،‬قال‪ :‬حدثنا سعيد‪ ،‬عن قتادة‪ ،‬قوله‪َ :‬و َ‬
‫ْصـرَةً‪ :‬أي منــيرة‪ ،‬وخــلق‬
‫جعَلْنـا آ َيةَ النّهارِ ُمب ِ‬
‫ن َفمَــحَوْنا آيَ َة اللّــيْـلِ َو َ‬
‫والنّهارَ آ َيتَــيْ ِ‬
‫الشمس أنور من القمر وأعظم‪.‬‬
‫حدثنــي مــحمد بـن عمرو‪ ،‬قال‪ :‬حدثنـا أبـو عاصـم وحدثنــي الــحرث‪ ،‬قال‪ :‬حدثنـا‬
‫جعَلْ نا اللّ ـيْـلَ‬
‫ال ـحسن‪ ،‬قال‪ :‬حدث نا ورقاء‪ ،‬جمي عا عن ا بن أب ـي ن ـجيح‪ ،‬عن م ـجاهد َو َ‬
‫ل ونهارا‪ ،‬كذلك جعلهما ال‪.‬‬
‫والنّهارَ آ َيتَـيْنِ قال‪ :‬لـي ً‬
‫صرَةً فقال ب عض ن ـحويـي‬
‫جعَلْ نا آ َيةَ النّهارِ ُمبْ ِ‬
‫واختلف أ هل العرب ـية ف ـي مع نى قوله‪َ :‬و َ‬
‫الكوفـة معناهـا‪ :‬مضيئة‪ ،‬وكذلك قوله‪ :‬والنّهار ُمبْصـرا معناه‪ :‬مضيئا‪ ،‬كأنـه ذهـب إلــى أنـه‬
‫ق ـيـل مب صرا‪ ،‬لضاء ته للناس الب صر‪ .‬وقال آخرون‪ :‬بل هو من أب صر النهار‪ :‬إذا صار‬
‫الناس يبصـرون فــيه فهـو مبصـر‪ ،‬كقولهـم‪ :‬رجـل مــجبن‪ :‬إذا كان أهله وأصـحابه جبناء‪،‬‬
‫ورجل مضعف‪ :‬إذا كانت رواته ضعفـاء‪ ،‬فكذلك النهار مبصرا‪ :‬إذا كان أهله بصراء‪.‬‬
‫‪ 16717‬ـ حدثنا بشر‪ ،‬قال‪ :‬حدثنا يزيد‪ ،‬قال‪ :‬حدثنا سعيد‪ ،‬عن قتادة ل َت ْب َتغُوا فَضْلً ِم نْ َر ّبكُ مْ‬
‫قال‪ :‬جعل لكم سبحا طويلً‪.‬‬
‫شيْءٍ فَص ّـلْناهُ‬
‫ل َ‬
‫‪16718‬ــ حدثنـا بشـر‪ ،‬قال‪ :‬حدثنـا يزيـد‪ ،‬قال‪ :‬حدثنـا سـعيد‪ ،‬عـن قتادة وكُ ّ‬
‫تَ ْفصِيلً‪ :‬أي بـيّناه تبـيـينا‪.‬‬

‫‪13‬‬ ‫الية ‪:‬‬


‫خرِ جُ َل هُ يَوْ مَ‬
‫عنُ ِق هِ َو ُن ْ‬
‫ل ِإنْ سَانٍ أَ ْل َز ْمنَا هُ طَآ ِئرَ هُ فِي ُ‬
‫القول ف ـي تأوي ـل قوله تعال ـى‪َ { :‬وكُ ّ‬
‫الْ ِقيَامَ ِة ِكتَابا يَلْقَاهُ َم ْنشُورا }‪.‬‬
‫ل إنسان ألزمناه ما قضى له أنه عامله‪ ،‬وهو صائر إلـيه من شقاء‬
‫يقول تعالـى ذكره‪ :‬وك ّ‬
‫أو سعادة بعمله ف ـي عن قه ل يف ـارقه‪ .‬وإن ـما قوله أ ْل َزمْنا ُه طا ِئرَ ُه م ثل ل ـما كا نت العرب‬
‫تتفـاءل به أو تتشاءم من سوانـح الطير وبوارحها‪ ،‬فأعلـمهم جلّ ثناؤه أن كلّ إنسان منهم‬
‫قد ألزمه ربه طائره فـي عنقه نـحسا كان ذلك الذي ألزمه من الطائر‪ ،‬وشقاء يورده سعيرا‪،‬‬
‫أو كان سعدا يورده جنات عدن‪ .‬وبن ـحو الذي قل نا ف ـي ذلك‪ ،‬قال أ هل التأوي ـل‪ .‬ذ كر من‬
‫قال ذلك‪:‬‬
‫‪16719‬ـ حدثنـي مـحمد بن بشار‪ ،‬قال‪ :‬حدثنا معاذ بن هشام‪ ،‬قال‪ :‬ثنـي أبـي‪ ،‬عن قتادة‪،‬‬
‫ل إنْسانٍ‬
‫طيَرَ َة وكُ ّ‬
‫ع ْدوَى وَل ِ‬
‫عن جابر بن عبد ال أن نبـيّ ال صلى ال عليه وسلم قال‪« :‬ل َ‬
‫عنُقِهِ»‪.‬‬
‫أ ْل َزمْنا ُه طائِرَه فِـي ُ‬
‫‪16720‬ـ حدثنـي مـحمد بن سعد‪ ،‬قال‪ :‬ثنـي أبـي‪ ،‬قال‪ :‬ثنـي عمي‪ ،‬قال‪ :‬ثنـي أبـي‪،‬‬
‫عنُ ِق ِه قال‪ :‬الطائر‪ :‬عمله‪ ،‬قال‪:‬‬
‫ن أ ْل َزمْنا هُ طا ِئرَ ُه فِ ـي ُ‬
‫ل إنْ سا ٍ‬
‫عن أب ـيه‪ ،‬عن ا بن عبـاس وكُ ّ‬
‫والطائر فـي أشياء كثـيرة‪ ،‬فمنه التشاؤم الذي يتشاءم به الناس بعضهم من بعض‪.‬‬
‫حدث نا القا سم‪ ،‬قال‪ :‬حدث نا ال ـحسين‪ ،‬قال‪ :‬ثن ـي حجاج‪ ،‬عن ا بن جر يج‪ ،‬قال‪ :‬أخبرن ـي‬
‫عنُ ِقهِ قال‪ :‬عمله‬
‫ل إنْسانٍ ألْزمْنا ُه طا ِئرَهُ فِـي ُ‬
‫عطاء الـخراسانـي عن ابن عبـاس‪ ،‬قوله‪ :‬وكُ ّ‬
‫و ما قدر عل ـيه‪ ،‬ف هو ملز مه أين ـما كان‪ ،‬فزائل م عه أين ـما زال‪ .‬قال ا بن جر يج‪ :‬وقال‪:‬‬
‫طائره‪ :‬عمله‪.‬‬
‫‪16721‬ـ قال‪ :‬ابن جريج‪ :‬وأخبرنـي عبد ال بن كثـير‪ ،‬عن مـجاهد‪ ،‬قال‪ :‬عمله وما كتب‬
‫ال له‪.‬‬
‫حدثنـي مـحمد بن عمرو‪ ،‬قال‪ :‬حدثنا أبو عاصم‪ ،‬قال‪ :‬حدثنا عيسى وحدثنـي الـحرث‪،‬‬
‫قال‪ :‬حدثنا الـحسن‪ ،‬قال‪ :‬حدثنا ورقاء جميعا عن ابن أبـي نـجيح‪ ،‬عن مـجاهد‪ :‬طائره‪:‬‬
‫عمله‪.‬‬
‫حدثنا ابن بشار‪ ،‬قال‪ :‬حدثنا عبد الرحمن‪ ،‬قال‪ :‬حدثنا سفـيان وحدثنا ابن حميد‪ ،‬قال‪ :‬حدثنا‬
‫عنُقِهِ قال‪:‬‬
‫حكام‪ ،‬عن عمرو جميعا عن منصور‪ ،‬عن مـجاهد وكُلّ إنْسانٍ أ ْل َزمْنا ُه طائِرَهُ فِـي ُ‬
‫عمله‪.‬‬
‫حدثنا ابن حميد‪ ،‬قال‪ :‬حدثنا جرير‪ ،‬عن منصور‪ ،‬عن مـجاهد‪ ،‬مثله‪.‬‬
‫‪ 16722‬ـ حدثن ـي وا صل بن ع بد العل ـى‪ ،‬قال‪ :‬حدث نا ا بن فضي ـل‪ ،‬عن ال ـحسن بن‬
‫عمرو الفق ـيـمي‪ ،‬عن ال ـحكم‪ ،‬عن م ـجاهد‪ ،‬ف ـي قوله‪ :‬و ُكلّ إنْ سانٍ أ ْل َزمْنا ُه طا ِئرَ ُه فِ ـي‬
‫عنُقِه ِـ قال‪ :‬مـا مـن مولدو يولد إل وفــي عنقـه ورقـة مكتوب فــيها شقــيّ أو سـعيد‪ .‬قال‪:‬‬
‫ُ‬
‫وسمعته يقول‪ :‬أولئك ينالهم نصيبهم من الكتاب‪ ،‬قال‪ :‬هو ما سبق‪.‬‬
‫ل إنْسانٍ أ ْل َزمْناهُ‬
‫‪16723‬ـ حدثنا بشر‪ ،‬قال‪ :‬حدثنا يزيد‪ ،‬قال‪ :‬حدثنا سعيد‪ ،‬عن قتادة‪ ،‬قوله‪ :‬وكُ ّ‬
‫عُنقِهِ‪ :‬إي وال بسعادته وشقائه بعمله‪.‬‬
‫طا ِئرَ ُه فِـي ُ‬
‫حدثنا ابن عبد العلـى‪ ،‬قال‪ :‬حدثنا مـحمد بن ثور‪ ،‬عن معمر‪ ،‬عن قتادة‪ :‬طائره‪ :‬عمله‪.‬‬
‫فإن قال قائل‪ :‬وكيف قال‪ :‬ألزمناه طائره فـي عنقه إن كان المر علـى ما وصفت‪ ،‬ولـم‬
‫ي قل‪ :‬ألزمناه ف ـي يد يه ورجل ـيه أو غ ير ذلك من أعضاء الـجسد؟ قـيـل‪ :‬لن الع نق هو‬
‫موضـع السـمات‪ ،‬وموضـع القلئد والطوقـة‪ ،‬وغيـر ذلك مــما يزيـن أو يشيـن‪ ،‬فجرى كلم‬
‫العرب بنسبة الشياء اللزمة بنـي آدم وغيرهم من ذلك إلـى أعناقهم وكثر استعمالهم ذلك‬
‫حتــى أضافوا الشياء اللزمـة سـائر البدان إلــى العناق‪ ،‬كمـا أضافوا جنايات أعضاء‬
‫البدان إلـى الـيد‪ ،‬فقالوا‪ :‬ذلك بـما كسبت يداه‪ ،‬وإن كان الذي جرّ علـيه لسانه أو فرجه‪،‬‬
‫عنُ ِقهِ‪.‬‬
‫فكذلك قوله أ ْل َزمْناهُ طا ِئرَهُ فِـي ُ‬
‫خرِجُ َل هُ َيوْ مَ القِ ـيامَةِ كتاب ـا يَ ـلْقاهُ َم ْنشُورا فقرأه‬
‫واختل فت القرّاء ف ـي قراءة قوله‪ :‬ونُ ـ ْ‬
‫خرِجُ بـالنون لَ هُ‬
‫بعض أهل الـمدينة ومكة‪ ،‬وهو نافع وابن كثـير وعامة قرّاء العراق ونُـ ْ‬
‫ْمـ القِــيامَ ِة كِتابــا يَــلْقاه َم ْنشُورا بفتــح الــياء مـن يَــلْقاه وتــخفـيف القاف منـه‪،‬‬
‫يَو َ‬
‫ب ـمعنى‪ :‬ون ـخرج له ن ـحن يوم الق ـيامة ردّا عل ـى قوله أ ْل َزمْنا هُ ون ـحن ن ـخرج له يوم‬
‫القــيامة كتاب عمله منشورا‪ .‬وكان بعـض قرّاء أهـل الشام يوافـق هؤلء علــى قراءة قوله‬
‫ونُــخْرِجُ ويخالفهـم فــي قوله يَــلْقاهُ فــيقرؤه‪« :‬يُــلَقّاهُ» بضـم الــياء وتشديـد القاف‪،‬‬
‫بـمعنى‪ :‬ونـخرج له نـحن يوم القـيامة كتابـا يـلقاه‪ ،‬ثم يردّه إلـى ما لـم يس ّم فـاعله‪،‬‬
‫فـيقول‪ :‬يـلقـى النسان ذلك الكتاب منشورا‪ .‬وذكر عن مـجاهد ما‪:‬‬
‫‪ 16724‬ـ حدثنا أحمد بن يوسف‪ ،‬قال‪ :‬حدثنا القاسم‪ ،‬قال‪ :‬حدثنا يزيد‪ ،‬عن جرير بن حازم‬
‫خرَ جُ َل ُه يَوْ مَ القِ ـيامَ ِة كِتاب ـا» قال‪ :‬يز يد‪ :‬يعن ـي‬
‫عن حم يد‪ ،‬عن م ـجاهد أ نه قرأ ها‪َ « ،‬و َي ْ‬
‫يَخرج الطائر كتاب ـا‪ ،‬هكذا أح سبه قرأها بفتـح ال ـياء‪ ،‬وهي قراءة الـحسن البصري وابن‬
‫مــحيصن وكأن مـن قرأ هذه القراءة وجّـه تأويــل الكلم إلــى‪ :‬ويخرج له الطائر الذي‬
‫ألزمناه عنق النسان يوم القـيامة‪ ،‬فـيصير كتابـا يقرؤه منشورا‪.‬‬
‫وقرأ ذلك بعـض أهـل الــمدينة‪« :‬و ُيخَرجُـ لَهـُ» بضـم الــياء علــى مذهـب مـا لــم يسـمّ‬
‫فـاعله‪ ،‬وكأنه وجّه معنى الكلم إلـى ويخرج له الطائر يوم القـيامة كتابـا‪ ،‬يريد‪ :‬ويخرج‬
‫ال ذلك الطائر قد صيره كتابـا‪ ،‬إل أنه نـحاه نـحو ما لـم يسمّ فـاعله‪.‬‬
‫ج بـالنون وضمها َلهُ َيوْمَ‬
‫وأولـى القراءات فـي ذلك بـالصواب‪ ،‬قراءة من قرأه‪ :‬ونُـخْرِ ُ‬
‫القـيامَةِ كِتابـا يَـلقاهُ م ْنشُورا بفتـح الـياء وتـخفـيف القاف‪ ،‬لن الـخبر جري قبل ذلك‬
‫عـن ال تعالــى أنـه الذي ألزم خــلقه مـا ألزم مـن ذلك فــالصواب أن يكون الذي يــلـيه‬
‫خبرا ع نه‪ ،‬أ نه هو الذي يخر جه ل هم يوم الق ـيامة‪ ،‬أن يكون ب ـالنون ك ما كان ال ـخبر الذي‬
‫قبله بــالنون‪ .‬وأمـا قوله‪ :‬يَــلقاهُ فإنّـ فــي إجماع الــحجة مـن القرّاء علــى تصـويب مـا‬
‫اختر نا من القراءة ف ـي ذلك‪ ،‬وشذوذ ما خال فه ال ـحجة الكاف ـية ل نا عل ـى تقارب مع نى‬
‫القراءت ـين‪ :‬أعن ـي ض مّ ال ـياء وفت ـحها ف ـي ذلك‪ ،‬وتشد يد القاف وت ـخفـيفها ف ـيه فإذا‬
‫كان ال صواب ف ـي القراءة هو ما اختر نا ب ـالذي عل ـيه دلل نا‪ ،‬فتأوي ـل الكلم‪ :‬وكلّ إن سان‬
‫منكـم يـا معشـر بنــي آدم‪ ،‬ألزمناه نــحسه وسـعده‪ ،‬وشقاءه وسـعادته‪ ،‬بــما سـبق له فــي‬
‫علـمنا أنه صائر إل ـيه‪ ،‬وعامل من الـخير والشرّ ف ـي عن قه‪ ،‬فل يجاوز فـي شيء من‬
‫أعماله ما قضي نا عل ـيه أ نه عامله‪ ،‬و ما كتب نا له أ نه صائر إل ـيه‪ ،‬ون ـحن ن ـخرج له إذا‬
‫واف ـانا كتاب ـا ي صادفه منشورا بأعماله الت ـي عمل ها ف ـي الدن ـيا‪ ،‬وبطائره الذي كتب نا له‪،‬‬
‫ل ما سلف ف ـي الدن ـيا‪ .‬وبن ـحو‬
‫وألزمناه إياه ف ـي عن قه‪ ،‬قد أح صى عل ـيه ر به ف ـيه ك ّ‬
‫الذي قلنا فـي ذلك‪ ،‬قال أهل التأويـل‪ .‬ذكر من قال ذلك‪:‬‬
‫‪16725‬ـ حدثنـي مـحمد بن سعد‪ ،‬قال‪ :‬ثنـي أبـي‪ ،‬قال‪ :‬ثنـي عمي‪ ،‬قال‪ :‬ثنـي أبـي‪،‬‬
‫عن أبـيه‪ ،‬عن ابن عبـاس‪ ،‬ونُـخرِجُ لَ ُه يَوْ َم القِـيامَةِ كِتابـا يَـلقاهُ َم ْنشُورا قال‪ :‬هو عمله‬
‫الذي عمل أحصي علـيه‪ ،‬فأخرج له يوم القـيامة ما كتب علـيه من العمل يـلقاه منشورا‪.‬‬
‫ج لَهُ َيوْمَ القِـيامَةِ‬
‫‪16726‬ـ حدثنا بشر‪ ،‬قال‪ :‬حدثنا يزيد‪ ،‬قال‪ :‬حدثنا سعيد‪ ،‬عن قتادة ونُـخرِ ُ‬
‫كِتابـا يَـلقا ُه َم ْنشُورا‪ :‬أي عمله‪.‬‬
‫‪ 16727‬ـ حدثنا القاسم‪ ،‬قال‪ :‬حدثنا الـحسين‪ ،‬قال‪ :‬حدثنا أبو سفـيان‪ ،‬عن معمر‪ ،‬عن قتادة‬
‫عنُ ِق ِه قال‪ :‬عمله ونُ ـخرِجُ َل ُه قال‪ :‬ن ـخرج ذلك الع مل كِتاب ـا يَ ـلقاهُ‬
‫ألزَمنا هُ طا ِئرَ ُه فِ ـي ُ‬
‫ع نِ الشّمالِ َقعِيدٌ يا ا بن آدم ب سطت لك‬
‫ع نِ ال ـيَـمِينِ وَ َ‬
‫َم ْنشُورا قال مع مر‪ :‬وتل ال ـحسن‪َ :‬‬
‫صحيفتك‪ ،‬ووكل بك ملَكان كري ـمان‪ ،‬أحده ما عن ي ـمينك‪ ،‬والَ خر عن ي سارك‪ .‬فأ ما الذي‬
‫عن يـمينك فـيحفظ حسناتك‪ .‬وأما الذي عن شمالك فـيحفظ سيئاتك‪ ،‬فـاعمل ما شئت‪ ،‬أقلل‬
‫أو أكثـر‪ ،‬حتــى إذا متّـ طُو يت صـحيفتك‪ ،‬فجعلت فــي عنقـك معـك فــي قبرك‪ ،‬حت ـى‬
‫سكَ الـيَ ْومَ عَلَـيكَ حَسِيبـا‬
‫تـخرج يوم القـيامة كتابـا يـلقاه منشورا اقرأ كِتابَ كَ َكفَـى ِبنَفْ ِ‬
‫قد عدل وال علـيك من جعلك حسيب نفسك‪.‬‬
‫حدثنا ابن عبد العلـى‪ ،‬قال‪ :‬حدثنا مـحمد بن ثور‪ ،‬عن معمر‪ ،‬عن قتادة‪ :‬طائره‪ :‬عمله‪،‬‬
‫ونـخرج له بذلك العمل كتابـا يـلقاه منشورا‪.‬‬
‫عنُقِ هِ‪ :‬أي حظه‪،‬‬
‫ن ألزَمنا هُ طائِرَ ُه فِـي ُ‬
‫ل إنْ سا ٍ‬
‫وقد كان بعض أهل العربـية يتأوّل قوله وكُ ّ‬
‫من قولهم‪ :‬طار سهم فلن بكذا‪ :‬إذا خرج سهمه علـى نصيب من النصبـاء وذلك وإن كان‬
‫قولً له وجه‪ ،‬فإن تأويـل أهل التأويـل علـى ما قد بـينت‪ ،‬وغير جائز أن يتـجاوز فـي‬
‫تأوي ـل القرآن ما قالوه إل ـى غيره‪ ،‬عل ـى أن ما قاله هذا القائل‪ ،‬إن كان ع نى بقوله ح ظه‬
‫من العمل والشقاء والسعادة‪ ،‬فلـم يبعد معنى قوله من معنى قولهم‪.‬‬

‫‪14‬‬ ‫الية ‪:‬‬


‫حسِيبا }‪.‬‬
‫ك ا ْليَ ْومَ عََل ْيكَ َ‬
‫ى ِبنَ ْفسِ َ‬
‫القول فـي تأويـل قوله تعالـى‪{ :‬اقْرَأْ َكتَا َبكَ كَ َف َ‬
‫يقول تعالــى ذكره‪ :‬ونُــخرِجُ لَهُـ َيوْم َـ القِــيامَ ِة كِتابــا يَــلقا ُه َمنْشُورا فــيقال له‪ :‬اقرأْ‬
‫كِتابَ كَ َكفَـى ِبنَفسكَ الـيَ ْومَ عَلَـيكَ حَ سِيبـا فترك ذكر قوله‪ :‬فنقول له‪ ،‬اكتفـاء بدللة الكلم‬
‫علــيه‪ .‬وعنـى بقوله‪ :‬اقرأْ كِتابَكـَ‪ :‬اقرأ كتاب عملك الذي عملتـه فــي الدنــيا‪ ،‬الذي كان‬
‫سكَ ال ـيَ ْومَ عَلَ ـيكَ حَ سِيبـا يقول‪ :‬ح سبك‬
‫كاتب ـانا يكتب ـانه‪ ،‬ون ـحصيه عل ـيك َكفَ ـى َبنَف ِ‬
‫الـيوم نفسك علـيك حاسبـا يحسب علـيك أعمالك‪ ،‬فـيحصيها علـيك‪ ،‬ل نبتغي علـيك‬
‫شاهدا غيرها‪ ،‬ول نطلب علـيك مـحصيا سواها‪.‬‬
‫سكَ‬
‫‪ 16728‬ـ حدثنا بشر‪ ،‬قال‪ :‬حدثنا يزيد‪ ،‬قال‪ :‬حدثنا سعيد‪ ،‬عن قتادة اقرأ كِتابَ كَ كَفَـى ِبنَف ِ‬
‫حسِيبـا سيقرأ يومئذٍ من لـم يكن قارئا فـي الدنـيا‪.‬‬
‫الـيَ ْومَ عَلَـيكَ َ‬

‫‪15‬‬ ‫الية ‪:‬‬


‫سهِ َومَن ضَلّ َفإِ ّنمَا َيضِلّ عََل ْيهَا‬
‫ن ا ْه َتدَىَ َفِإ ّنمَا َي ْهتَدي ِلنَفْ ِ‬
‫القول فـي تأويـل قوله تعالـى‪{ :‬مّ ِ‬
‫حّتىَ َن ْبعَثَ َرسُولً }‪.‬‬
‫ن َ‬
‫خ َرىَ َومَا ُكنّا ُم َعذّبِي َ‬
‫ل َتزِرُ وَازِرَةٌ ِو ْزرَ ُأ ْ‬
‫َو َ‬
‫ق فـاتبعه‪ ،‬وذلك دين ال الذي ابتعث‬
‫يقول تعالـى ذكره‪ :‬من استقام علـى طريق الـح ّ‬
‫به نبـيه مـحمدا صلى ال عليه وسلم علـيه وسلـم فإنّـما يَهتَدي ِلنَفسِهِ يقول‪ :‬فلـيس ينفع‬
‫بلزومه الستقامة‪ ،‬وإيـمانه بـال ور سوله غير نفسه َومَ نْ ضَلّ يقول‪ :‬ومن جار عن قصد‬
‫السبـيـل‪ ،‬فأخذ علـى غير هدى‪ ،‬وكفر بـال وبـمـحمد صلى ال عليه وسلم وبـما جاء‬
‫به من عند ال من الـحقّ‪ ،‬فلـيس يضرّ بضلله وجوره عن الهدى غير نفسه‪ ،‬لنه يوجب‬
‫لها بذلك غضب ال وألـيـم عذابه‪ ..‬وإنـما عنى بقوله فإنّـمَا يَضِلّ عَلَـيها فإنـما يكسب‬
‫خرَى يعنــي تعالــى‬
‫إثـم ضلله علــيها ل علــى غيرهـا‪ .‬وقوله‪ :‬وَل َتزِرُ وَازِرَةٌ ِو ْزرَ ُأ ْ‬
‫خرَى لن معناها‪:‬‬
‫ذكره‪ :‬ول تـحمل حاملة حمل أخرى غيرها من الَثام‪ .‬وقال‪ :‬وَا ِزرَةٌ ِو ْزرَ ُأ ْ‬
‫ول تزر نفس وازرة وزر نفس أخرى‪ .‬يقال منه‪ :‬وزرت كذا أزره وزرا‪ ،‬والوزر‪ :‬هو الثم‪،‬‬
‫ن زِينَةِ ال َقوْمِ وكأن معنى الكلم‪ :‬ول تأثم‬
‫حمّلْنا أ ْوزَارا مِ ْ‬
‫يجمع أوزارا‪ ،‬كما قال تعالـى‪ :‬وََل ِكنّا ُ‬
‫آثمة إثم أخرى‪ ،‬ولكن علـى كل نفس إثمها دون إثم غيرها من النفس‪ ،‬كما‪:‬‬
‫‪ 16729‬ـ حدث نا ب شر‪ ،‬قال‪ :‬حدث نا يز يد‪ ،‬قال‪ :‬حدث نا سعيد‪ ،‬عن قتادة وَل َتزِرُ وَا ِزرَةٌ ِوزْرَ‬
‫أُخرَى‪ :‬وال ما يحمل ال علـى عبد ذنب غيره‪ ،‬ول يؤاخذ إل بعمله‪.‬‬
‫وقوله‪ :‬وَما ُكنّا َم َعذّبِ ـينَ حتـى َن ْبعَ ثَ رَ سُولً يقول تعالـى ذكره‪ :‬وما كنا مهلكي قوم إل‬
‫بعد العذار إلـيهم بـالرسل‪ ،‬وإقامة الـحجة علـيهم بـالَيات التـي تقطع عذرهم‪ .‬كما‪:‬‬
‫‪ 16730‬ـ حدثنا بشر‪ ،‬قال‪ :‬حدثنا يزيد‪ ،‬قال‪ :‬حدثنا سعيد‪ ،‬عن قتادة‪ ،‬قوله‪ :‬وَما ُكنّا ُم َع ّذبِـينَ‬
‫ث رَ سُولً‪ :‬إن ال تبـارك وتعالـى لـيس يعذب أحدا حتـى يسبق إلـيه من ال‬
‫حتـى َن َبعَ َ‬
‫خبرا‪ ،‬أو يأتـيه من ال بـيّنة‪ ،‬ولـيس معذّبـا أحدا إل بذنبه‪.‬‬
‫‪16731‬ـ حدثنا مـحمد بن عبد العلـى‪ ،‬قال‪ :‬حدثنا مـحمد بن ثور‪ ،‬عن معمر‪ ،‬عن قتادة‪،‬‬
‫عن أب ـي هريرة‪ ،‬قال‪ :‬إذا كان يوم الق ـيامة‪ ،‬ج مع ال تب ـارك وتعال ـى ن سم الذ ين ماتوا‬
‫ف ـي الفترة وال ـمعتوه وال صمّ والب كم‪ ،‬والشيوخ الذ ين جاء ال سلم و قد خرفوا‪ ،‬ثم أر سل‬
‫رسولً‪ ،‬أن ادخـلوا النار‪ ،‬فـيقولون‪ :‬كيف ولـم يأتنا رسول‪ ،‬وايـم ال لو دخـلوها لكانت‬
‫علـيهم بردا وسلما‪ ،‬ثم يرسل إلـيهم‪ ،‬فـيطيعه من كان يريد أن يطيعه قبل قال أبو هريرة‪:‬‬
‫ن حتـى نَبعَثَ َرسُولً‪.‬‬
‫اقرءوا إن شئتـم وَما كُنا ُم َع ّذبِـي َ‬
‫حدث نا القا سم‪ ،‬قال‪ :‬حدث نا ال ـحسين‪ ،‬قال‪ :‬حدث نا أ بو سفـيان‪ ،‬عن مع مر‪ ،‬عن همام‪ ،‬عن‬
‫أبـي هريرة نـحوه‪.‬‬

‫‪16‬‬ ‫الية ‪:‬‬


‫القول فـي تأويـل قوله تعالـى‪{ :‬وَِإذَآ َأ َردْنَآ أَن ّنهْلِ كَ َق ْريَةً َأ َم ْرنَا ُم ْترَفِيهَا فَفَ سَقُو ْا فِيهَا َفحَ قّ‬
‫ل فَ َد ّم ْرنَاهَا َت ْدمِيرا }‪.‬‬
‫عََل ْيهَا الْ َقوْ ُ‬
‫اختلف القرّاء ف ـي قراءة قوله أ َمرْ نا ُمتْ َرفِ ـيها فقرأت ذلك عا مة قرّاء ال ـحجاز والعراق‬
‫أ َمرْ نا بق صر اللف وغ ير مد ها وت ـخفـيف ال ـميـم وفت ـحها‪ .‬وإذا قرىء ذلك كذلك‪ ،‬فإن‬
‫الغلب من تأوي ـله‪ :‬أمر نا مترف ـيها ب ـالطاعة‪ ،‬فف سقوا ف ـيها ب ـمعصيتهم ال‪ ،‬وخلف هم‬
‫أمره‪ ،‬كذلك تأوّله كثـير مـمن قرأه كذلك‪ .‬ذكر من قال ذلك‪:‬‬
‫‪ 16732‬ـ حدثنا القاسم‪ ،‬قال‪ :‬حدثنا الـحسين‪ ،‬قال‪ :‬ثنـي حجاج‪ ،‬عن ابن جريج‪ ،‬قال‪ :‬قال‬
‫ابن عبـاس أ َمرْنا ُمتْرَفـيها قال‪ :‬بطاعة ال‪ ،‬فعصوا‪.‬‬
‫‪ 16733‬ـ حدثنا القاسم‪ ،‬قال‪ :‬حدثنا الـحسين‪ ،‬قال‪ :‬حدثنا شريك‪ ،‬عن سلـمة أو غيره‪ ،‬عن‬
‫سعيد بن جبـير‪ ،‬قال‪ :‬أمرنا بـالطاعة فعصوا‪.‬‬
‫وقـد يحتــمل أيضـا إذا قرىء كذلك أن يكون معناه‪ :‬جعلناهـم أمراء ففسـقوا فــيها‪ ،‬لن‬
‫العرب تقول‪ :‬هو أمير غير مأمور‪ .‬وقد كان بعض أهل العلـم بكلم العرب من أهل البصرة‬
‫ج لتصحيحه ذلك‬
‫يقول‪ :‬قد يتوجّه معناه إذا قرىء كذلك إلـى معنى أكثرنا مترفـيها‪ ،‬ويحتـ ّ‬
‫خ ْيرُ الــمَالِ ُم ْهرَةٌ‬
‫بــالـخبر الذي رُوي عـن رسـول ال صـلى ال عليـه وسـلم أنـه قال‪َ « :‬‬
‫َم ْأمُورَةٌ أوْ سِـكّ ٌة َم ْأبُورَةٌ» ويقول‪ :‬إن معنـى قوله‪ :‬مأمورة‪ :‬كثــيرة النسـل‪ .‬وكان بعـض أهـل‬
‫العلــم بكلم العرب مـن الكوفــيـين ينكـر ذلك مـن قــيـله‪ ،‬ول يجيزنـا أمرنـا‪ ،‬بــمعنى‬
‫أكثرنـا إل بــمدّ اللف مـن أمرنـا‪ .‬ويقول فــي قوله «مهرة مأمورة»‪ :‬إنــما قــيـل ذلك‬
‫ن َمأْزُورَا تٍ غي َر َم ْأجُورَات»‬
‫جعْ َ‬
‫علـى التبـاع لـمـجيء مأبورة بعدها‪ ،‬كما قـيـل‪« :‬ا ْر ِ‬
‫فهمز مأزورات لهمز مأجورات‪ ،‬وهي من وزرت إتبـاعا لبعض الكلم بعضا‪ .‬وقرأ ذلك أبو‬
‫عثمان «أ ّمرْنا» بتشديد الـميـم‪ ،‬بـمعنى المارة‪.‬‬
‫‪16734‬ـ حدثنا أحمد بن يوسف‪ ،‬قال‪ :‬حدثنا القاسم‪ ،‬قال‪ :‬حدثنا هشيـم عن عوف‪ ،‬عن أبـي‬
‫عثمان النهدي أنه قرأ‪« :‬أمّرْنا» مشدّدة من المارة‪.‬‬
‫وقد تأوّل هذا الكلم علـى هذا التأويـل‪ ،‬جماعة من أهل التأويـل‪ .‬ذكر من قال ذلك‪:‬‬
‫‪ 16735‬ـ حدثنا علـيّ بن داود‪ ،‬قال‪ :‬حدثنا أبو صالـح‪ ،‬قال‪ :‬ثنـي معاوية‪ ،‬عن علـيّ‪،‬‬
‫عن ا بن عب ـاس‪ ،‬قوله‪« :‬أ ّمرْ نا مُترَفِ ـيها» يقول‪ :‬سلطنا أشرار ها فع صوا ف ـيها‪ ،‬فإذا فعلوا‬
‫ج ِرمِيها لِـيَـ ْمكُرُوا‬
‫ل َقرْيَ ٍة أكا ِبرَ مُـ ْ‬
‫جعَلنا فِـي كُ ّ‬
‫ذلك أهلكتهم بـالعذاب‪ ،‬وهو قوله‪ :‬وكذل كَ َ‬
‫فِـيها‪.‬‬
‫‪16736‬ـ حدثنـي الـحرث‪ ،‬قال‪ :‬حدثنا القاسم‪ ،‬قال‪ :‬سمعت الكسائي يحدّث عن أبـي جعفر‬
‫الرازي‪ ،‬عن الربـيع بن أنس‪ ،‬أنه قرأها‪« :‬أ ّمرْنا» وقال‪ :‬سلّطنا‪.‬‬
‫‪ 16737‬ـ حدث نا القا سم‪ ،‬قال‪ :‬حدث نا ال ـحسين‪ ،‬قال‪ :‬ثن ـي حجاج‪ ،‬عن أب ـي ح فص‪ ،‬عن‬
‫الربـيع‪ ،‬عن أبـي العالـية‪ ،‬قال‪« :‬أ ّمرْنا» مثقلة‪ :‬جعلنا علـيها مترفـيها‪ :‬مستكبريها‪.‬‬
‫‪ 16738‬ـ حدثنـي مـحمد بن عمرو‪ ،‬قال‪ :‬حدثنا أبو عاصم‪ ،‬قال‪ :‬حدثنا عيسى‪ ،‬وحدثنـي‬
‫الـحرث قال‪ :‬حدثنا الـحسن‪ ،‬قال‪ :‬حدثنا ورقاء‪ ،‬جميعا عن ابن أبـي نـجيح‪ ،‬عن مـجاهد‬
‫فـي قول ال تبـارك وتعالـى‪« :‬أ ّمرْنا مُت َرفِـيها» قال‪ :‬بعثنا‪.‬‬
‫حدث نا القا سم‪ ،‬قال‪ :‬حدث نا ال ـحسين‪ ،‬قال‪ :‬ثن ـي حجاج‪ ،‬عن ا بن جر يج‪ ،‬عن م ـجاهد‪،‬‬
‫مثله‪.‬‬
‫وذكر عن الـحسن البصري أنه قرأ ذلك‪« :‬آ َمرْنا» بـمدّ اللف من أمرنا‪ ،‬بـمعنى‪ :‬أكثرنا‬
‫فسقتها‪ .‬وقد وجّه تأويـل هذا الـحرف إلـى هذا التأويـل جماعة من أهل التأويـل‪ ،‬إل أن‬
‫الذ ين حدّثو نا ل ـم ي ـميزوا ل نا اختلف القراءات ف ـي ذلك‪ ،‬وك يف قرأ ذلك ال ـمتأوّلون‪ ،‬إل‬
‫القلـيـل منهم‪ .‬ذكر من تأوّل ذلك كذلك‪:‬‬
‫‪16739‬ـ حدثنـي مـحمد بن سعد‪ ،‬قال‪ :‬ثنـي أبـي‪ ،‬قال‪ :‬ثنـي عمي‪ ،‬قال‪ :‬ثنـي أبـي‪،‬‬
‫عن أبـيه‪ ،‬عن ابن عبـاس‪ ،‬قوله‪« :‬وَإذَا أ َردْنا أنْ ُنهِلكَ َقرْيَ ًة آ َمرْنا مُت َرفِـيها فَفَسَقُوا فِـيها»‬
‫يقول‪ :‬أكثرنا عددهم‪.‬‬
‫‪16740‬ــ حدثنـا هناد‪ ،‬قال‪ :‬حدثنـا أبـو الحوص‪ ،‬عـن سـماك‪ ،‬عـن عكرمـة قوله‪« :‬آ َمرْنـا‬
‫ُمتْ َرفِـيها» قال‪ :‬أكثرناهم‪.‬‬
‫‪ 16741‬ـ حدثن ـي يعقوب بن إبراهي ـم‪ ،‬قال‪ :‬حدث نا ا بن عل ـية‪ ،‬عن أب ـي رجاء‪ ،‬عن‬
‫الـحسن‪ ،‬فـي قوله أ َمرْنا ُم ْت َرفِـيها قال‪ :‬أكثرناهم‪.‬‬
‫‪ 16742‬ـ حُدثت عن الـحسين‪ ،‬قال‪ :‬سمعت أبـا معاذ‪ ،‬يقول‪ :‬أخبرنا عبد بن سلـيـمان‪،‬‬
‫قال‪ :‬سمعت الضحاك يقول فـي قوله أ َمرْنا ُم ْترَفـيها يقول‪ :‬أكثرنا مترفـيها‪ :‬أي كبراءها‪.‬‬
‫‪ 16743‬ـ حدث نا ب شر‪ ،‬قال‪ :‬حدث نا يز يد‪ ،‬قال‪ :‬حدث نا سعيد‪ ،‬عن قتادة‪ ،‬قوله‪« :‬وَإذَا أ َردْ نا أ نْ‬
‫ُنهْل كَ َق ْريَةً آ َمرْ نا ُمتْ َرفِ ـيها فَفَ سَقُوا فِ ـيها‪َ ،‬فحَ قّ عَلَ ـيْها القَوْلُ» يقول‪ :‬أكثر نا مترف ـيها‪ :‬أي‬
‫جبــابرتها‪ ،‬ففسـقوا فــيها وعملوا بــمعصية ال َف َد ّمرْناهـا َتدْميرا‪ .‬وكان يقول‪ :‬إذا أراد ال‬
‫بقوم صلحا‪ ،‬بعث علـيهم مصلـحا‪ .‬وإذا أراد بهم فسادا بعث علـيهم مفسدا‪ ،‬وإذا أراد أن‬
‫يهلكها أكثر مترفـيها‪.‬‬
‫حدثنا مـحمد بن عبد العلـى‪ ،‬قال‪ :‬حدثنا مـحمد بن ثور‪ ،‬عن معمر‪ ،‬عن قتادة آ َمرْنا‬
‫ُمتْ َرفِـيها قال‪ :‬أكثرناهم‪.‬‬
‫‪ 16744‬ـ حدث نا م ـحمد بن ع بد العل ـى‪ ،‬قال‪ :‬حدث نا م ـحمد بن ثور‪ ،‬عن مع مر‪ ،‬عن‬
‫الزهري‪ ،‬قال‪ :‬دخـل رسول ال صلى ال عليه وسلم يوما علـى زينب وهو يقول‪« :‬ل إلَ هَ‬
‫ل َهذَا»‬
‫ب ُفتِ ـحَ ال ـيَ ْومَ مِ نْ َردْ مِ َي ْأجُو جَ وَم ْأجُو جَ ِمثُ ُ‬
‫شرَ قَ ِد اقْ َترَ َ‬
‫ن َ‬
‫ب مِ ْ‬
‫إلّ الّل هُ َويْ ـلٌ ل ْل َعرَ ِ‬
‫وحلق بـين إبهامه والتـي تلـيها‪ ،‬قالت‪ :‬يا رسول ال أنهلك وفـينا الصالـحون؟ قال‪َ « :‬ن َعمْ‬
‫خبَثُ»‪.‬‬
‫إذَا َك ُثرَ الـ َ‬
‫‪16745‬ـ حدثنـي يونس‪ ،‬قال‪ :‬أخبرنا ابن وهب‪ ،‬قال‪ :‬قال ابن زيد فـي قوله‪ :‬وَإذَا أرَدْنا أنْ‬
‫ُنهْل كَ َق ْريَةٍ أ َمرْنا ُم ْت َرفِـيها فَفَ سَقُوا فِـيها قال‪ :‬ذكر بعض أهل العلـم أن أمرنا‪ :‬أكثرنا‪ .‬قال‪:‬‬
‫والعرب تقول للش يء الكث ـير أ ِمرَ لكثر ته‪ .‬فأ ما إذا و صف القوم بأن هم كثروا‪ ،‬فإ نه يقال‪ :‬أ مر‬
‫بنو فلن‪ ،‬وأمر القوم يأمرون أمرا‪ ،‬وذلك إذا كثروا وعظم أمرهم‪ ،‬كما قال لبـيد‪.‬‬
‫إنْ ُي ْغ َبطُوا ُي ْه َبطُوا وَإنْ َأ َمرُوايَوْما يَصِيرُوا للقُلّ والنّ َفدِ‬
‫شيْئا إمْرا قال‪ :‬عظيـما‪،‬‬
‫ت َ‬
‫جئْ َ‬
‫ل ثناؤه لَ َقدْ ِ‬
‫والمر الـمصدر‪ ،‬والسم المر‪ ،‬كما قال ال ج ّ‬
‫وحكي فـي مثل شرّ إمْر‪ :‬أي كثـير‪.‬‬
‫وأولـى القراءات فـي ذلك عندي بـالصواب قراءة من قرأ أ َمرْنا ُم ْترَفِـيها بقصر اللف‬
‫مـن أمرنـا وتــخفـيف الــميـم منهـا‪ ،‬لجماع الــحجة مـن القرّاء علــى تصـويبها دون‬
‫غيرها‪ .‬وإذا كان ذلك هو الولـى بـالصواب بـالقراءة‪ ،‬فأولـى التأويلت به تأويـل من‬
‫تأوّله‪ :‬أمر نا أهل ها ب ـالطاعة فع صوا وف سقوا ف ـيها‪ ،‬فح قّ عل ـيهم القول‪ :‬لن الغلب من‬
‫مع نى أمر نا‪ :‬ال مر‪ ،‬الذي هو خلف الن هي دون غيره‪ ،‬وتوج يه معان ـي كلم ال جلّ ثناؤه‬
‫إلـى الشهر العرف من معانـيه‪ ،‬أولـى ما وجد إلـيه سبـيـل من غيره‪.‬‬
‫ومعنى قوله‪ :‬فَفَسَقُوا فِـيهَا‪ :‬فخالفوا أمر ال فـيها‪ ،‬وخرجوا عن طاعته َفحَقّ عَلَـيْها ال َقوْلُ‬
‫يقول‪ :‬فو جب علــيهم بــمعصيتهم ال وف سوقهم فــيها‪ ،‬وع يد ل الذي أو عد من كفـر به‪،‬‬
‫وخالف ر سله‪ ،‬من الهلك ب عد العذار والنذار ب ـالرسل وال ـحجج فَ َد ّمرْنا ها َتدْميرا يقول‪:‬‬
‫فخرّبناها عند ذلك تـخريبـا‪ ،‬وأهلكنا من كان فـيها من أهلها إهلكا‪ ،‬كما قال الفرزدق‪:‬‬
‫ظهْرا َف َدمّرَ ُهمْ دَمارا‬
‫وكانَ َل ُه ْم كَبكْرِ َثمُو َد لَـمّارَغا ُ‬

‫‪17‬‬ ‫الية ‪:‬‬


‫ح َوكَ َفىَ ِب َربّ كَ ِب ُذنُو بِ‬
‫القول فـي تأويـل قوله تعالـى‪َ { :‬وكَ مْ أَهَْل ْكنَا مِ نَ ا ْل ُقرُو نِ مِن َب ْعدِ نُو ٍ‬
‫خبِيرَا َبصِيرا }‪.‬‬
‫عبَادِ ِه َ‬
‫ِ‬
‫وهذا وعيد من ال تعالـى ذكره مكذّبـي رسوله مـحمد صلى ال عليه وسلم من مشركي‬
‫قريـش‪ ،‬وتهديدهـم لهـم بــالعقاب‪ ،‬وإعلم منـه لهـم‪ ،‬أنهـم إن لــم ينتهوا عمـا هـم علــيه‬
‫مقـيـمون من تكذيبهم رسوله علـيه الصلة والسلم أنه مـحلّ بهم سخطه‪ ،‬ومنزل بهم من‬
‫عقابـه مـا أنزل بــمن قبلهـم مـن المــم الذيـن سـلكوا فــي الكفـر بــال‪ ،‬وتكذيـب رسـله‬
‫سبـيـلهم‪ .‬يقول ال تعالـى ذكره‪ :‬وقد أهلكنا أيها القوم من قبلكم من بعد نوح إلـى زمانكم‬
‫قرو نا كث ـيرة كانوا من جحود آيات ال والك فر به‪ ،‬وتكذ يب ر سله‪ ،‬عل ـى م ثل الذي أنت ـم‬
‫عل ـيه‪ ،‬ول ستـم بأكرم عل ـى ال تعال ـى من هم‪ ،‬ل نه ل منا سبة ب ـين أ حد وب ـين ال جلّ‬
‫ثناؤه‪ ،‬ف ـيعذّب قو ما ب ـما ل يعذّب به آخر ين‪ ،‬أو يع فو عن ذنوب ناس ف ـيعاقب عل ـيها‬
‫ل ثناؤه‪ :‬فأنـيبوا إلـى طاعة ال ربكم‪ ،‬فقد بعثنا إلـيكم رسولً ينبهكم علـى‬
‫آخرين يقول ج ّ‬
‫حجج نا عل ـيكم‪ ،‬ويوقظ كم من غفلت كم‪ ،‬ول ـم ن كن لنعذّب قو ما حت ـى نب عث إل ـيهم ر سولً‬
‫منب ها ل هم عل ـى ح جج ال‪ ،‬وأنت ـم عل ـى ف سوقكم مق ـيـمون‪ ،‬وكف ـى بر بك يا م ـحمد‬
‫بذنوب عبـاده خبـيرا يقول‪ :‬وحسبك يا مـحمد بـال خابرا بذنوبن خـلقه عالـما‪ ،‬فإنه ل‬
‫يخفـى علـيه شيء من أفعال مشركي قومك هؤلء‪ ،‬ول أفعال غيرهم من خـلقه‪ ،‬هو بجميع‬
‫ذلك عالـم خابر بصير‪ ،‬يقول‪ :‬يبصر ذلك كله فل يغيب عنه منه شيء‪ ،‬ول يعزب عنه مثقال‬
‫ذرّة فـي الرض ول فـي السماء‪ ،‬ول أصغر من ذلك ول أكبر‪ .‬وقد اختلف فـي مبلغ مدّة‬
‫القرن‪:‬‬
‫‪ 16746‬ـ فحدث نا م ـجاهد بن مو سى‪ ،‬قال‪ :‬حدث نا يز يد‪ ،‬قال‪ :‬حدث نا حماد بن سلـمة‪ ،‬عن‬
‫أبـي مـحمد بن عبد ال بن أبـي أوفـى‪ ،‬قال‪ :‬القرن‪ :‬عشرون ومئة سنة‪ ،‬فبُعث رسول ال‬
‫صلى ال عليه وسلم فـي أوّل قرن كان‪ ،‬وآخرهم يزيد بن معاوية‪.‬‬
‫وقال آخرون‪ :‬بل هو مئة سنة‪ .‬ذكر من قال ذلك‪:‬‬
‫‪16747‬ـ حدثنا حسان بن مـحمد بن عبد الرحمن الـحمصي أبو الصلت الطائي‪ ،‬قال‪ :‬حدثنا‬
‫سلمة بن حواس‪ ،‬عن م ـحمد بن القا سم‪ ،‬عن ع بد ال بن ب سر ال ـمازنـي‪ ،‬قال‪ :‬و ضع‬
‫النبــيّ صـلى ال عليـه وسـلم يده علــى رأسـه وقال‪« :‬س َـَيعِيشُ هذَا الغُلم قَرْنـا» قلت‪ :‬كـم‬
‫سنَةٍ»‪.‬‬
‫القرن؟ قال‪ِ « :‬مئَ ُة َ‬
‫‪ 16748‬ـ حدث نا ح سان بن م ـحمد‪ ،‬قال‪ :‬حدث نا سلمة بن حواس‪ ،‬عن م ـحمد بن القا سم‪،‬‬
‫قال‪ :‬ما زل نا نعدّ له حت ـى ت ـمّت مئة سنة ثم مات‪ ،‬قال أ بو ال صلت‪ :‬أخبرن ـي سلمة أن‬
‫مـحمد بن القاسم هذا كان ختن عبد ال بن بسر‪ .‬وقال آخرون فـي ذلك بـما‪:‬‬
‫‪16749‬ـ حدثنا إسماعيـل بن موسى الفزاري‪ ،‬قال‪ :‬أخبرنا عمر بن شاكر‪ ،‬عن ابن سيرين‪،‬‬
‫سنَةً»‪.‬‬
‫ن َ‬
‫قال‪ :‬قال رسول ال صلى ال عليه وسلم‪« :‬ال َقرْنُ أ ْر َبعُو َ‬
‫ل رفع‪ ،‬لن معنى‬
‫وقوله‪ :‬وكَفَـى ِب َربّ كَ أدخـلت البـاء فـي قوله‪ِ :‬ب َربّ كَ وهو فـي مـح ّ‬
‫الكلم‪ :‬وكف ـاك ر بك‪ ،‬وح سبك ر بك بذنوب عب ـاده خب ـيرا‪ ،‬دللة عل ـى ال ـمدح وكذلك‬
‫تفعل العرب فـي كلّ كلم كان بـمعنى الـمدح أو الذ مّ‪ ،‬تدخـل فـي السم البـاء والسم‬
‫ال ـمدخـلة عل ـيه الب ـاء ف ـي مو ضع ر فع لتدلّ بدخول ها عل ـى ال ـمدح أو الذ مّ كقول هم‪:‬‬
‫أكرم به رجلً‪ ،‬وناهيك به رجلً‪ ،‬وجاد بثوبك ثوبـا‪ ،‬وطاب بطعامكم طعاما‪ ،‬وما أشبه ذلك‬
‫من الكلم‪ ،‬ولو أ سقطت الب ـاء م ـما دخ ـلت ف ـيه من هذه ال سماء رف عت‪ ،‬لن ها ف ـي‬
‫مـحلّ رفع‪ ،‬كما قال الشاعر‪:‬‬
‫غيّبَ الـ َمرْءُ ُمخْبرا‬
‫عمّا َ‬
‫ب الـمَرْ ِء َه ْديُه ُكَفَـى ال َهدْىُ َ‬
‫خبِرنُـي عَنْ غائ ِ‬
‫و ُي ْ‬
‫فأما إذا لـم يكن فـي الكلم مدح أو ذمّ فل يدخـلون فـي السم البـاء ل يجوز أن يقال‪:‬‬
‫قام بأخيك‪ ،‬وأنت تريد‪ :‬قام أخوك‪ ،‬إل أن تريد‪ :‬قام رجل آخر به‪ ،‬وذلك معنى غير الـمعنى‬
‫الوّل‪.‬‬

‫‪18‬‬ ‫الية ‪:‬‬


‫عجّ ْلنَا لَ ُه فِيهَا مَا َنشَآ ُء ِلمَن ّنرِيدُ ثُمّ‬
‫ن ُيرِيدُ ا ْلعَاجِلَةَ َ‬
‫القول فـي تأويـل قوله تعالـى‪{ :‬مّن كَا َ‬
‫ج َهنّمَ َيصْلهَا َم ْذمُوما ّم ْدحُورا }‪.‬‬
‫جعَ ْلنَا لَ ُه َ‬
‫َ‬
‫يقول تعال ـى ذكره‪ :‬من كان طل به الدن ـيا العاجلة ول ها يع مل وي سعى‪ ،‬وإيا ها يبت غي‪ ،‬ل‬
‫عجّلْ نا لَ ُه فِ ـيها ما نَشاءُ‬
‫يو قن ب ـمعاد‪ ،‬ول ير جو ثواب ـا ول عقاب ـا من ر به عل ـى عمله َ‬
‫ن ُنرِيدُ يقول‪ :‬يع جل ال له ف ـي الدن ـيا ما يشاء من ب سط الدن ـيا عل ـيه‪ ،‬أو تقت ـيرها‬
‫لِ ـمَ ْ‬
‫ج َهنّ ـمَ‬
‫جعَلْ نا لَ ُه َ‬
‫ل ـمن أراد ال أن يف عل ذلك به‪ ،‬أو إهل كه ب ـما يشاء من عقوب ـاته‪ .‬ثُ مّ َ‬
‫يَصْلها يقول‪ :‬ثم أصلـيناه عند مقدمه علـينا فـي الَخرة جهنـم‪َ ،‬م ْذمُوما علـى قلة شكره‬
‫إيانـا‪ ،‬وسـوء صـنـيعه فــيـما سـلف مـن أيادينـا عنده فــي الدنــيا َم ْدحُورا يقول‪ :‬مبعدا‪:‬‬
‫مقصى فـي النار‪ .‬وبنـحو الذي قلنا فـي ذلك‪ ،‬قال أهل التأويـل‪ .‬ذكر من قال ذلك‪:‬‬
‫ن ُيرِيدُ‬
‫ن كا َ‬
‫‪ 16750‬ـ حدث نا ب شر‪ ،‬قال‪ :‬حدث نا يز يد‪ ،‬قال‪ :‬حدث نا سعيد‪ ،‬عن قتادة‪ ،‬قوله‪ :‬مَ ْ‬
‫س َدمَه وطلب ته‬
‫ن نُرِيدُ يقول‪ :‬من كا نت الدن ـيا همّه و َ‬
‫عجّلْ نا َل ُه فِ ـيها ما نَشا ُء لِ ـمَ ْ‬
‫العاجِلَةَ َ‬
‫ج َهنّ ـمَ‬
‫جعَلْنَا لَ ُه َ‬
‫ون ـيته‪ ،‬عجّل ال له ف ـيها ما يشاء‪ ،‬ثم اضطّره إل ـى جهن ـم‪ .‬قال‪ :‬ث مّ َ‬
‫َيصْلَهَا َم ْذمُوما َمدْحُورا مذموما فـي نعمة ال مدحورا فـي نقمة ال‪.‬‬
‫‪16751‬ــ حدثنـا القاسـم‪ ،‬قال‪ :‬حدثنـا الــحسين‪ ،‬قال‪ :‬ثنــي أبـو طيبـة شيـخ مـن أهـل‬
‫ن ُنرِيدُ قال‪:‬‬
‫عجّلْنا لَ ُه فِـيها ما نَشاءُ لِـمَ ْ‬
‫الـمصيصة‪ ،‬أنه سمع أبـا إسحاق الفزاري يقول‪َ :‬‬
‫لـمن نريد هلكته‪.‬‬
‫‪16752‬ـ حدثنـي علـيّ بن داود‪ ،‬قال‪ :‬حدثنا عبد ال‪ ،‬قال‪ :‬ثنـي معاوية‪ ،‬عن علـيّ‪ ،‬عن‬
‫ابن عبـاس‪ ،‬قوله َم ْذمُوما يقول‪ :‬ملوما‪.‬‬
‫‪ 16753‬ـ حدثن ـي يو نس‪ ،‬قال‪ :‬أخبر نا ا بن و هب‪ ،‬قال‪ :‬قال ا بن ز يد‪ ،‬ف ـي قوله‪ :‬مَ نْ كا نَ‬
‫ن ُنرِيدُ قال‪ :‬العاجلة‪ :‬الدنـيا‪.‬‬
‫عجّلْنا َلهُ فِـيها ما نَشاءُ لِـمَ ْ‬
‫ُيرِيدُ الْعاجِلَةَ َ‬
‫‪19‬‬ ‫الية ‪:‬‬
‫س ْع َيهَا وَهُ َو مُ ْؤ ِم نٌ َفأُوَلئِ كَ‬
‫س َعىَ لَهَا َ‬
‫خرَةَ وَ َ‬
‫لِ‬‫القول ف ـي تأوي ـل قوله تعال ـى‪َ { :‬و َم نْ َأرَادَ ا َ‬
‫شكُورا }‪.‬‬
‫س ْع ُيهُم ّم ْ‬
‫كَانَ َ‬
‫يقول تعال ـى ذكره‪ :‬من أراد الَخرة وإيا ها طلب‪ ،‬ول ها ع مل عمل ها‪ ،‬الذي هو طا عة ال‬
‫وما يرضيه عنه‪ .‬وأضاف السعي إلـى الهاء واللف‪ ،‬وهي كناية عن الَخرة‪ ،‬فقال‪ :‬وسعى‬
‫للَخرة سعى الَخرة‪ ،‬ومعناه‪ :‬وعمل لها عملها لـمعرفة السامعين بـمعنى ذلك‪ ،‬وأن معناه‪:‬‬
‫وسعى لها سعيه لها وهو مؤمن‪ ،‬يقول‪ :‬هو مؤمن مصدّق بثواب ال‪ ،‬وعظيـم جزائه علـى‬
‫ل ثناؤه‪ :‬فَأوُلئِ كَ يعن ـي‪ :‬ف من‬
‫سعيه ل ها‪ ،‬غ ير مكذّب به تكذ يب من أراد العاجلة‪ ،‬يقول ال ج ّ‬
‫شكُورا وش كر ال إيا هم عل ـى سعيهم ذلك‬
‫سعْ ُي ُهمْ يعن ـي عمل هم بطا عة ال َم ْ‬
‫ن َ‬
‫ف عل ذلك كا َ‬
‫حسن جزائه لهم علـى أعمالهم الصالـحة‪ ،‬وتـجاوزه لهم عن سيئها برحمته‪ .‬كما‪:‬‬
‫خرَةَ‬
‫لِ‬‫ن أرَادَ ا َ‬
‫‪ 16754‬ـ حدثنا بشر‪ ،‬قال‪ :‬حدثنا يزيد‪ ،‬قال‪ :‬حدثنا سعيد‪ ،‬عن قتادة‪ ،‬قوله‪َ :‬ومَ ْ‬
‫شكُورا شكر ال لهم حسناتهم‪ ،‬وتـجاوز عن‬
‫س ْعيُ ُهمْ َم ْ‬
‫ن فَأُوَل ِئكَ كانَ َ‬
‫س ْعيَها وَهُ َو مُ ْؤمِ ٌ‬
‫سعَى َلهَا َ‬
‫َو َ‬
‫سيئاتهم‪.‬‬

‫‪20‬‬ ‫الية ‪:‬‬


‫لخِرَ ُة َأ ْك َبرُ‬
‫ْضـ وَلَ َ‬
‫ُمـ عََلىَ َبع ٍ‬
‫ضه ْ‬‫ْفـ فَضّلْنَا َبعْ َ‬
‫القول فــي تأويــل قوله تعالــى {انظُ ْر َكي َ‬
‫َدرَجَاتٍ وََأ ْك َبرُ تَ ْفضِيلً }‪.‬‬
‫يقول تعالـى ذكره لنبـيه مـحمد صلى ال عليه وسلم‪ :‬انظر يا مـحمد بعين قلبك إلـى‬
‫هذين الفريقـين اللذين هم أحدهما الدار العاجلة‪ ،‬وإياها يطلب‪ ،‬ولها يعمل والَخر الذي يريد‬
‫الدار الَخرة‪ ،‬ول ها ي سعى موق نا بثواب ال عل ـى سعيه‪ ،‬ك يف فضّل نا أ حد الفريق ـين عل ـى‬
‫الَ خر‪ ،‬بأن ب صرّنا هذا رشده‪ ،‬وهديناه لل سبـيـل الت ـي هي أقوم‪ ،‬وي سرناه للذي هو أهدى‬
‫وأرشد‪ ،‬وخذلنا هذا الَخر‪ ،‬فأضللناه عن طريق الـحقّ‪ ،‬وأغشينا بصره عن سبـيـل الرشد‬
‫َجاتـ يقول‪ :‬وفريـق مريـد الَخرة أكـبر فــي الدار الَخرة درجات بعضهـم‬
‫ٍ‬ ‫خرَ ُة أ ْكبَرُ َدر‬
‫لِ‬‫وَل َ‬
‫عل ـى ب عض لتف ـاوت منازل هم بأعمال هم ف ـي ال ـجنة وأ كبر تفضيلً بتفضي ـل ال بعض هم‬
‫عل ـى ب عض من هؤلء الفر يق الَخر ين ف ـي الدن ـيا ف ـيـما ب سطنا ل هم ف ـيها‪ .‬وبن ـحو‬
‫الذي قلنا فـي ذلك‪ ،‬قال أهل التأويـل‪ .‬ذكر من قال ذلك‪:‬‬
‫ظرْ َكيْ فَ فَضّلْنا‬
‫‪ 16759‬ـ حدثنا بشر‪ ،‬قال‪ :‬حدثنا يزيد‪ ،‬قال‪ :‬حدثنا سعيد‪ ،‬عن قتادة‪ ،‬قوله ا ْن ُ‬
‫ـ وأ ْك َبرُ تَفْصـِيلً وإن‬
‫خرَ ُة أ ْكبَ ُر دَرَجات ٍ‬
‫لِ‬‫ـ عَلــى بَعضـٍ‪ :‬أي فــي الدنــيا وَل َ‬
‫ضهُم ْ‬
‫َبعْ َ‬
‫للـمؤمنـين فـي الـجنة منازل‪ ،‬وإن لهم فضائل بأعمالهم‪ .‬وذكر لنا أن نبـيّ ال صلى ال‬
‫جمِ ُيرَى فِ ـي مَشارِ قِ‬
‫جنّةِ وأ سْفَِل ِهمْ َد َرجَةً كالنّ ـ ْ‬
‫ل ال ـ َ‬
‫ن ب ـينَ أعْلَ ـى أهْ ِ‬
‫عل يه و سلم قال‪« :‬إ ّ‬
‫الرْضِ و َمغَارِبها»‪.‬‬
‫‪21‬‬ ‫الية ‪:‬‬
‫لخِرَ ُة َأ ْك َبرُ‬
‫ْضـ وَلَ َ‬
‫ُمـ عََلىَ َبع ٍ‬
‫ضه ْ‬‫ْفـ فَضّلْنَا َبعْ َ‬
‫القول فــي تأويــل قوله تعالــى {انظُ ْر َكي َ‬
‫َدرَجَاتٍ وََأ ْك َبرُ تَ ْفضِيلً }‪.‬‬
‫يقول تعالـى ذكره لنبـيه مـحمد صلى ال عليه وسلم‪ :‬انظر يا مـحمد بعين قلبك إلـى‬
‫هذين الفريقـين اللذين هم أحدهما الدار العاجلة‪ ،‬وإياها يطلب‪ ،‬ولها يعمل والَخر الذي يريد‬
‫الدار الَخرة‪ ،‬ول ها ي سعى موق نا بثواب ال عل ـى سعيه‪ ،‬ك يف فضّل نا أ حد الفريق ـين عل ـى‬
‫الَ خر‪ ،‬بأن ب صرّنا هذا رشده‪ ،‬وهديناه لل سبـيـل الت ـي هي أقوم‪ ،‬وي سرناه للذي هو أهدى‬
‫وأرشد‪ ،‬وخذلنا هذا الَخر‪ ،‬فأضللناه عن طريق الـحقّ‪ ،‬وأغشينا بصره عن سبـيـل الرشد‬
‫َجاتـ يقول‪ :‬وفريـق مريـد الَخرة أكـبر فــي الدار الَخرة درجات بعضهـم‬
‫ٍ‬ ‫خرَ ُة أ ْكبَرُ َدر‬
‫لِ‬‫وَل َ‬
‫عل ـى ب عض لتف ـاوت منازل هم بأعمال هم ف ـي ال ـجنة وأ كبر تفضيلً بتفضي ـل ال بعض هم‬
‫عل ـى ب عض من هؤلء الفر يق الَخر ين ف ـي الدن ـيا ف ـيـما ب سطنا ل هم ف ـيها‪ .‬وبن ـحو‬
‫الذي قلنا فـي ذلك‪ ،‬قال أهل التأويـل‪ .‬ذكر من قال ذلك‪:‬‬
‫ظرْ َكيْ فَ فَضّلْنا‬
‫‪ 16759‬ـ حدثنا بشر‪ ،‬قال‪ :‬حدثنا يزيد‪ ،‬قال‪ :‬حدثنا سعيد‪ ،‬عن قتادة‪ ،‬قوله ا ْن ُ‬
‫ـ وأ ْك َبرُ تَفْصـِيلً وإن‬
‫خرَ ُة أ ْكبَ ُر دَرَجات ٍ‬
‫لِ‬‫ـ عَلــى بَعضـٍ‪ :‬أي فــي الدنــيا وَل َ‬
‫ضهُم ْ‬
‫َبعْ َ‬
‫للـمؤمنـين فـي الـجنة منازل‪ ،‬وإن لهم فضائل بأعمالهم‪ .‬وذكر لنا أن نبـيّ ال صلى ال‬
‫جمِ ُيرَى فِ ـي مَشارِ قِ‬
‫جنّةِ وأ سْفَِل ِهمْ َد َرجَةً كالنّ ـ ْ‬
‫ل ال ـ َ‬
‫ن ب ـينَ أعْلَ ـى أهْ ِ‬
‫عل يه و سلم قال‪« :‬إ ّ‬
‫الرْضِ و َمغَارِبها»‪.‬‬

‫‪22‬‬ ‫الية ‪:‬‬


‫خ َر فَتَ ْق ُعدَ َم ْذمُوما ّمخْذُولً }‪.‬‬
‫جعَل مَعَ الّل ِه إِلَـها آ َ‬
‫القول فـي تأويـل قوله تعالـى {لّ َت ْ‬
‫يقول تعال ـى ذكره لنب ـيه م ـحمد صلى ال عل يه و سلم‪ :‬ل ت ـجعل يا م ـحمد مع ال‬
‫شريكـا فــي ألوه ته وعب ـادته‪ ،‬ولكـن أخــلص له العبــادة‪ ،‬وأفرد له اللو هة‪ ،‬فإنـه ل إله‬
‫غيره‪ ،‬فإ نك إن ت ـجعل م عه إل ها غيره‪ ،‬وتع بد م عه سواه‪ ،‬تق عد مذمو ما يقول‪ :‬ت صير ملو ما‬
‫علـى ما ضيعت من شكر ال علـى ما أنعم به علـيك من نعمه‪ ،‬وتصيـيرك الشكر لغير‬
‫من أولك ال ـمعروف‪ ،‬وف ـي إشرا كك ف ـي ال ـحمد من ل ـم يشر كه ف ـي النع مة عل ـيك‬
‫غيره‪ ،‬مخذولً قـد أسـلـمك ربـك لــمن بغاك سـوءا‪ ،‬وإذا أسـلـمك ربـك الذي هـو ناصـر‬
‫أولـيائه لـم يكن لك من دونه ولـيّ ينصرك ويدفع عنك‪ .‬كما‪:‬‬
‫جعَلْ مَ َع اللّ هِ‬
‫‪ 16760‬ـ حدثنا بشر‪ ،‬قال‪ :‬حدثنا يزيد‪ ،‬قال‪ :‬حدثنا سعيد‪ ،‬عن قتادة‪ ،‬قوله ل تَـ ْ‬
‫خذُولً يقول‪ :‬مذمومـا فــي نعمـة ال‪ .‬وهذا الكلم وإن كان خرج‬
‫خرَ َفتَ ْق ُعدَ َم ْذمُومـا َم ْ‬
‫إلَهـا آ َ‬
‫عل ـى و جه ال ـخطاب النب ـيّ ل صلى ال عل يه و سلم‪ ،‬ف هو معن ـيّ به جم يع من لز مه‬
‫التكلـيف من عبـاد ال جلّ وعزّ‪.‬‬
‫‪23‬‬ ‫الية ‪:‬‬
‫حسَانا ِإمّا َيبُْلغَنّ‬
‫ضىَ َر ّبكَ َألّ َت ْع ُبدُوَ ْا ِإلّ ِإيّاهُ َوبِا ْلوَاِل َديْنِ ِإ ْ‬
‫القول فـي تأويـل قوله تعالـى { َوقَ َ‬
‫ل َت ْنهَرْ ُهمَا َوقُل ّل ُهمَا قَ ْولً َكرِيما }‪.‬‬
‫حدُ ُهمَا أَ ْو كِلَ ُهمَا فَلَ تَقُل ّل ُهمَآ ُأفّ َو َ‬
‫عِن َدكَ ا ْل ِك َبرَ َأ َ‬
‫يعنـي بذلك تعالـى ذكره حكم ربك يا مـحمد بأمره إياكم أل تعبدوا إل ال‪ ،‬فإنه ل ينبغي‬
‫أن يعبد غيره‪.‬‬
‫وقد اختلفت ألفـاظ أهل التأويـل فـي تأويـل قوله َوقَضَى َربّ كَ وإن كان معنى جميعهم‬
‫فـي ذلك واحدا‪ .‬ذكر ما قالوا فـي ذلك‪:‬‬
‫‪16761‬ـ حدثنـي علـيّ بن داود‪ ،‬قال‪ :‬حدثنا عبد ال بن صالـح‪ ،‬قال‪ :‬ثنـي معاوية‪ ،‬عن‬
‫ل إيّاه يقول‪ :‬أمر‪.‬‬
‫ك ألّ َت ْع ُبدُوا إ ّ‬
‫علـيّ‪ ،‬عن ابن عبـاس َو َقضَى َربّ َ‬
‫‪ 16762‬ـ حدثنا ابن حميد‪ ،‬قال‪ :‬حدثنا الـحكم بن بشير‪ ،‬قال‪ :‬حدثنا زكريا بن سلم‪ ،‬قال‪:‬‬
‫ت ربك‪ ،‬وبـانت منك‬
‫جاء رجل إلـى الـحسن‪ ،‬فقال‪ :‬إنه طلق امرأته ثلثا‪ ،‬فقال‪ :‬إنك عصي َ‬
‫امرأتك‪ ،‬فقال الرجل‪ :‬قضى ال ذلك علـيّ‪ ،‬قال الـحسن‪ ،‬وكان فصيحا‪ :‬ما قضى ال‪ :‬أي ما‬
‫ل إيّاهُـ فقال الناس‪ :‬تكلــم الــحسن فــي‬
‫أمـر ال‪ ،‬وقرأ هذه الَيـة َوقَضَى َربّكَـ ألّ َت ْع ُبدُوا إ ّ‬
‫القدر‪.‬‬
‫‪ 16763‬ـ حدث نا ب شر‪ ،‬قال‪ :‬حدث نا يز يد‪ ،‬قال‪ :‬حدث نا سعيد‪ ،‬عن قتادة‪ ،‬قوله َوقَضَى َربّ كَ ألّ‬
‫َت ْعبُدُوا إلّ إيّا هُ‪ :‬أي أمر ربك فـي أل تعبدوا إل إياه‪ ،‬فهذا قضاء ال العاجل‪ ،‬وكان يُقال فـي‬
‫بعض الـحكمة‪ :‬من أرضى والديه‪ :‬أرض خالقه‪ ،‬ومن أسخط والديه‪ ،‬فقد أسخط ربه‪.‬‬
‫حدثنا ابن عبد العلـى‪ ،‬قال‪ :‬حدثنا مـحمد بن ثور‪ ،‬عن معمر‪ ،‬عن قتادة وَ َو َقضَى َربّ كَ‬
‫ل إيّاهُـ قال‪ :‬أمـر أل تعبدوا إل إياه‪ ،‬وفــي حرف ابـن مسـعود‪« :‬وَصـّى َربّك َـ ألّ‬
‫ألّ َت ْعبُدوا إ ّ‬
‫َت ْعبُدُوا إلّ إيّاهُ»‪.‬‬
‫‪16764‬ـ حدثنا أبو كريب‪ ،‬قال‪ :‬حدثنا يحيى بن عيسى‪ ،‬قال‪ :‬حدثنا نصير بن أبـي الشعث‪،‬‬
‫قال‪ :‬ثنـي ابن حبـيب بن أبـي ثابت‪ ،‬عن أبـيه‪ ،‬قال‪ :‬أعطانـي ابن عبـاس مصحفـا‪،‬‬
‫فقال‪ :‬هذا عل ـى قراءة أب ـيّ بن ك عب‪ ،‬قال أ بو كر يب‪ :‬قال يح يى‪ :‬رأ يت ال ـمصحف ع ند‬
‫نصير فـيه‪َ « :‬و َوصّى رَ ّبكَ» يعنـي‪ :‬وقضى ربك‪.‬‬
‫‪16765‬ــ حدثنـا القاسـم‪ ،‬قال‪ :‬حدثنـا الــحسين‪ ،‬قال‪ :‬ثنــي حجاج‪ ،‬عن ابـن جريـج‪ ،‬عن‬
‫مـجاهد َوقَضَى َر ّبكَ ألّ َت ْع ُبدُوا إلّ إيّا ُه قال‪ :‬وأوصى ربك‪.‬‬
‫‪ 16766‬ـ حدثنـي يونس‪ ،‬قال‪ :‬أخبرنا ابن وهب‪ ،‬قال‪ :‬قال ابن زيد‪ ،‬فـي قوله َو َقضَى َربّ كَ‬
‫ل إيّا ُه قال‪ :‬أمر أل تعبدوا إل إياه‪.‬‬
‫ألّ َت ْع ُبدُوا إ ّ‬
‫‪ 16767‬ـ حدثن ـي ال ـحرث‪ ،‬قال‪ :‬حدث نا القا سم‪ ،‬قال‪ :‬حدث نا هشي ـم‪ ،‬عن أب ـي إ سحاق‬
‫الكوفــي‪ ،‬عن الضحاك بن مزاحـم‪ ،‬أ نه قرأ ها‪َ « :‬ووَصـّى َربّكـَ» وقال‪ :‬إن هم ألصـقوا الواو‬
‫بـالصاد فصارت قافـا‪.‬‬
‫وقوله‪ :‬وَبــالوَاِل َديْنِ إحْسـانا يقول‪ :‬وأمركـم بــالوالدين إحسـانا أن تــحسنوا إلــيهما‬
‫وتبرّوهمـا‪ .‬ومعنـى الكلم‪ :‬وأمركـم أن تــحسنوا إلــى الوالديـن فلــما حذفـت «أن» تعلق‬
‫القضاء بــالحسان‪ ،‬كمـا يقال فــي الكلم‪ :‬آمرك بـه خيرا‪ ،‬وأوصـيك بـه خيرا‪ ،‬بــمعنى‪:‬‬
‫آمرك أن تفعـل به خيرا‪ ،‬ثـم تــحذف «أن» فــيتعلق المـر والوصـية بــالـخير‪ ،‬كمـا قال‬
‫الشاعر‪:‬‬
‫خيْرا بها كأننا جافُونا‬
‫ن دَهْماءَ إ ْذ َتشْكُوناومِنْ أبـي دَهْماءَ إ ْذ يُوصِينا َ‬
‫جبْتُ مِ ْ‬
‫عِ‬‫َ‬
‫وعمل يوصينا فـي الـخير‪.‬‬
‫حدُهُ ما أ ْو كِلهُ ما فقرأ ذلك عا مة‬
‫ع ْندَ كَ ال ِك َبرَ أ َ‬
‫واختل فت القرّاء ف ـي قراءة قوله إمّا َيبُْلغَ نّ ِ‬
‫قرّاء أ هل ال ـمدينة والب صرة‪ ،‬وب عض قرّاء الكوف ـيـين‪ :‬إمّا َيبُْلغَ نّ عل ـى التوح يد عل ـى‬
‫توج يه ذلك إل ـى أحده ما لن أحده ما وا حد‪ ،‬فوحدوا َيبُْلغَ نّ لتوحيده‪ ،‬وجعلوا قوله أوْ كِلهُ ما‬
‫معطوف ـا عل ـى ال حد‪ .‬وقرأ ذلك عا مة قرّاء الكوف ـيـين‪« :‬إ ما َيبْلُغا نّ» عل ـى التثن ـية‬
‫وكسر النون وتشديدها‪ ،‬وقالوا‪ :‬قد ذكر الوالدان قبل‪ ،‬وقوله‪َ « :‬يبْلُغا نّ» خبر عنهما بعد ما قدّم‬
‫أسماءهما‪ .‬قالوا‪ :‬والفعل إذا جاء بعد السم كان الكلم أن يكون فـيه دلـيـل علـى أنه خبر‬
‫عن اثنـين أو جماعة‪ .‬قالوا‪ :‬والدلـيـل علـى أنه خبر عن اثنـين فـي الفعل الـمستقبل‬
‫صمّوا ثم‬
‫حدُهُ ما أ ْو كِلهُ ما كلم م ستأنف‪ ،‬ك ما ق ـيـل‪َ :‬ف َعمُوا وَ َ‬
‫اللف والنون‪ .‬قالوا‪ :‬وقوله أ َ‬
‫سرّوا النّـجْوَى ثم ابتدأ فقال اّلذِي نَ‬
‫صمّوا َكثِـيرٌ منهُ مْ وكقوله وأ َ‬
‫عمُوا وَ َ‬
‫تَاب الّل هُ عَلَـيْ ِهمْ‪ ،‬ثم َ‬
‫ظَلَـمُوا‪.‬‬
‫وأولـى القراءتـين بـالصواب عندي فـي ذلك‪ ،‬قراءة من قرأه إما َيبُْلغَ نّ علـى التوحيد‬
‫علـى أنه خبر عن أحدهما‪ ،‬لن الـخبر عن المر بـالحسان فـي الوالدين‪ ،‬قد تناهى عند‬
‫حدُهُما أوْ كِلهُما‪.‬‬
‫ع ْن َدكَ ال ِكبَرَ أ َ‬
‫ن إحْسانا ثم ابتدأ قوله إمّا َيبُْلغَنّ ِ‬
‫قوله وَبـالوَاِل َديْ ِ‬
‫ل َلهُما أُفَ يقول‪ :‬فل تؤفف من شيء تراه من أحدهما أو منهما مـما يتأذّى به‬
‫وقوله‪ :‬فَل تَقُ ْ‬
‫الناس‪ ،‬ولكن اصبر علـى ذلك منهما‪ ،‬واحتسب فـي الجر صبرك علـيه منهما‪ ،‬كما صبرا‬
‫علـيك فـي صغرك‪ .‬وبنـحو الذي قلنا فـي ذلك قال أهل التأويـل‪ .‬ذكر من قال ذلك‪:‬‬
‫‪ 16768‬ـ حدثنا مـحمد بن بشار‪ ،‬قال‪ :‬حدثنا مـحمد بن مـحبب‪ ،‬قال‪ :‬حدثنا سفـيان‪ ،‬عن‬
‫لـيث‪ ،‬عن مـجاهد‪ ،‬فـي قوله‪ :‬فَل تَ ُقلْ َلهُما أُ فّ وَل َت ْن َهرْهُما قال‪ :‬إن بلغا عندك من الكبر‬
‫ما يبولن ويخرآن‪ ،‬فل تقل لهما أفّ تقذّرهما‪.‬‬
‫حدثنا القاسم‪ ،‬قال‪ :‬حدثنا الـحسين‪ ،‬قال‪ :‬ثنـي حجاج‪ ،‬عن ابن جريج‪ ،‬عن مـجاهد‪ :‬إما‬
‫َيبْلُغا نّ عِندك ال كبر فل تَقُل له ما أف ح ين ترى الذى‪ ،‬وت ـميط عنه ما ال ـخلء والبول‪ ،‬ك ما‬
‫كانا يـميطانه عنك صغيرا‪ ،‬ول تؤذهما‪.‬‬
‫ل ما‬
‫و قد اختلف أ هل ال ـمعرفة بكلم العرب ف ـي مع نى «أ فّ»‪ ،‬فقال بعض هم‪ :‬معناه‪ :‬ك ّ‬
‫غلظ من الكلم وقبُح‪ .‬وقال آخرون‪ :‬ال فّ‪ :‬وسخ الظفـار والتف كلّ ما رفعت بـيدك من‬
‫ت رفع ها ب ـالتنوين وغ ير التنو ين‬
‫الرض من ش يء حق ـير‪ .‬وللعرب ف ـي «أُ فّ» لغات س ّ‬
‫وخفض ها كذلك ون صبها ف من خ فض ذلك ب ـالتنوين‪ ،‬و هي قراءة عا مة أ هل ال ـمدينة‪ .‬شبه ها‬
‫بــالصوات التــي ل معنـى لهـا‪ ،‬كقولهـم فــي حكايـة الصـوت غاق غاق‪ ،‬فخفضوا القاف‬
‫ونوّنوها‪ ،‬وكان حكمها السكون‪ ،‬فإنه ل شيء يعربها من أجل مـجيئها بعد حرف ساكن وهو‬
‫اللف‪ ،‬فكرهوا أن يجمعوا بــين سـاكنـين‪ ،‬فحرّكوا إلــى أقرب الــحركات مـن السـكون‪،‬‬
‫وذلك الكسر‪ ،‬لن الـمـجزوم إذا حرّك‪ ،‬فإنـما يحرّك إلـى الكسر‪ .‬وأما الذين خفضوا بغير‬
‫تنوين‪ ،‬وهي قراءة عامة قرّاء الكوفـيـين والبصريـين‪ ،‬فإنهم قالوا‪ :‬إنـما يدخـلون التنوين‬
‫فــيـما جاء مـن الصـوات ناقصـا‪ ،‬كالذي يأتــي علــى حرفــين مثـل‪ :‬مَه وصـَه وبَخ‪،‬‬
‫فـيتـمـم بـالتنوين لنقصانه عن أبنـيه السماء‪ .‬قالوا‪ :‬وأ فّ تا مّ ل حاجة بنا إلـى تتـمته‬
‫بغيره‪ ،‬ل نه قد جاء عل ـى ثل ثة أحرف‪ .‬قالوا‪ :‬وإن ـما ك سرنا الف ـاء الثان ـية لئل ن ـجمع‬
‫بـين ساكنـين‪ .‬وأما من ض مّ ونوّن‪ ،‬فإنه قال‪ :‬هو اسم كسائر السماء التـي تُعرب ولـيس‬
‫بصوت‪ ،‬وعدل به عن الصوات‪ .‬وأما من ض ّم ذلك بغير تنوين‪ ،‬فإنه قال‪ :‬لـيس هو بـاسم‬
‫متـمكن فـيُعرب بإعراب السماء الـمتـمكنة‪ ،‬وقالوا‪ :‬نضمه كما نض مّ قوله لِّل ِه المْرُ ِم نْ‬
‫ن َب ْعدُ‪ ،‬وكما نض ّم السم فـي النداء الـمفرد‪ ،‬فنقول‪ :‬يا زيد‪ .‬ومن نصبه بغير تنوين‪،‬‬
‫َقبْلُ َومِ ْ‬
‫و هو قراءة ب عض ال ـمكيـين وأهـل الشام فإ نه شب هه بقول هم‪ :‬مدّ يا هذا وردّ‪ .‬و من نصـب‬
‫بـالتنوين‪ ،‬فإنه أعمل الفعل فـيه‪ ،‬وجعله اسما صحيحا‪ ،‬فـيقول‪ :‬ما قلت له‪ :‬أفـا ول تفـا‪.‬‬
‫وكان بعـض نــحويـي البصـرة يقول‪ُ :‬قرِئت‪ :‬أفـّ‪ ،‬وأفــا لغـة جعلوهـا مثـل نعتهـا‪ .‬وقرأ‬
‫ف لك» علـى الـحكاية‪ :‬أي ل تقل لهما هذا‬
‫بعضهم «أُفّ»‪ ،‬وذلك أن بعض العرب يقول‪« :‬أ ّ‬
‫القول‪ .‬قال‪ :‬والرفع قبـيح‪ ،‬لنه لـم يجيء بعده بلم‪ ،‬والذ ين قالوا‪« :‬أُ فّ» فك سروا كثـير‪،‬‬
‫وهو أجود‪ .‬وكسر بعضهم ونوّن‪ .‬وقال بعضهم‪ُ« :‬أفّـي»‪ ،‬كأنه أضاف هذا القول إلـى نفسه‪،‬‬
‫فقال‪ُ :‬أفّـي هذا لكما‪ ،‬والـمكسور من هذا منوّن وغير منوّن علـى أنه اسم غير متـمكن‪،‬‬
‫ن ـحو أ مس و ما أشب هه‪ ،‬وال ـمفتوح بغ ير تنو ين كذلك‪ .‬وقال ب عض أ هل العرب ـية‪ :‬كل هذه‬
‫ت تدخ ـل ف ـي «أ فّ» حكا ية تش به ب ـالسم مرّة وب ـالصوت أخرى‪ .‬قال‪:‬‬
‫ال ـحركات ال س ّ‬
‫وأكثر ما تُكسر الصوات بـالتنوين إذا كانت علـى حرفـين مثل صه ومه وبخ‪ .‬وإذا كانت‬
‫ُفـ مثـل ُمدّ يُشبـه‬
‫علــى ثلثـة أحرف شبهـت بــالدوات «أفـّ» مثـل‪ :‬لــيت و َمدّ‪ ،‬وأ ّ‬
‫بـالدوات‪ .‬وإذا قال أَفّ مثل صَهّ‪ .‬وقالوا سمعت مِضّ يا هذا ومِضّ‪ .‬وحُكي عن الكسائي أنه‬
‫ض ومِ ضّ»‪ ،‬وهذا كأ فّ وأ فّ‪ .‬و من قال‪ُ« :‬أفّ ـا» جعله‬
‫قال‪ :‬سمعت « ما علـمك أهلك إل مِ ّ‬
‫سحْقا وبُعدا‪.‬‬
‫مثل ُ‬
‫ل َلهُ ما أُ فّ»‬
‫والذي هو أول ـى ب ـالصحة عندي ف ـي قراءة ذلك‪ ،‬قراءة من قرأه‪« :‬فل تَقُ ْ‬
‫بك سر الف ـاء بغ ير تنو ين لعلّت ـين إحداه ما‪ :‬أن ها أش هر اللغات ف ـيها وأف صحها ع ند العرب‬
‫والثانـية‪ :‬أن حظّ كلّ ما لـم يكن له معرَب من الكلم السكون فلـما كان ذلك كذلك‪ .‬وكانت‬
‫الف ـاء ف ـي أ فّ حظ ها الوقوف‪ ،‬ثم ل ـم ي كن إل ـى ذلك سبـيـل لجت ـماع ال ساكنـين‬
‫حرّك أن يحرّك إلـى الكسر حرّكت إلـى الكسر‪ ،‬كما قـيـل‪:‬‬
‫فـيه‪ ،‬وكان حكم الساكن إذا ُ‬
‫شدّ و ُر ّد البـاب‪.‬‬
‫ُمدّ و ُ‬
‫ل ثناؤه‪ :‬ول تزجُرهما‪ .‬كما‪:‬‬
‫وقوله‪ :‬وَل َت ْنهَرْهُما يقول ج ّ‬
‫‪ 16769‬ـ حدثنا مـحمد بن إسماعيـل الحمَسي‪ ،‬قال‪ :‬حدثنا مـحمد بن عبـيد‪ ،‬قال‪ :‬حدثنا‬
‫ل َلهُما أُفَ وَل َت ْنهَرْهُما قال‪:‬‬
‫واصل الرّقاشَيّ‪ ،‬عن عطاء ابن أبـي رَبـاح‪ ،‬فـي قوله‪ :‬وَل تَقُ ْ‬
‫ل تنفض يدك علـى والديك‪ .‬يقال منه‪ :‬نَهرَه يَنهره َنهْرا‪ ،‬وانتهره ينتهره انتهارا‪.‬‬
‫وأما قوله‪َ :‬وقُلْ َلهُما قَ ْولً َكرِيـما فإنه يقول جلّ ثناؤه‪ :‬وقل لهما قولً جميلً حسنا‪ .‬كما‪:‬‬
‫‪ 16770‬ـ حدثنا القا سم‪ ،‬قال‪ :‬حدث نا ال ـحسين‪ ،‬قال‪ :‬ثنـي حجاج‪ ،‬عن ابن جر يج َوقُلْ َلهُما‬
‫قَ ْولً َكرِيـما قال‪ :‬أحسن ما تـجد من القول‪.‬‬
‫‪ 16771‬ـ حدثنا القاسم‪ ،‬قال‪ :‬حدثنا الـحسين‪ ،‬قال‪ :‬حدثنا الـمتعمر بن سلـيـمان‪ ،‬عن عبد‬
‫ال بن الـمختار‪ ،‬عن هشام بن عروة‪ ،‬عن أبـيه‪ ،‬عن عمر بن الـخطاب قَ ْولً َكرِيـما قال‪:‬‬
‫ل تـمتنع من شيء يريدانه‪.‬‬
‫قال أبو جعفر‪ :‬وهذا الـحديث خطأ‪ ،‬أعنـي حديث هشام بن عُروة‪ ،‬إنـما هو عن هشام بن‬
‫عروة‪ ،‬عـن أبــيه‪ ،‬لــيس فــيه عمـر‪ ،‬حدّث عـن ابـن عُلــية وغيره‪ ،‬عـن عبـد ال بـن‬
‫الـمختار‪.‬‬
‫‪ 16772‬ـ حدثنا بشر بن معاذ‪ ،‬قال‪ :‬حدثنا يزيد‪ ،‬قال‪ :‬حدثنا سعيد‪ ،‬عن قتادة َوقُلْ َلهُما قَ ْولً‬
‫ل لـيّنا سهلً‪.‬‬
‫َكرِيـما‪ :‬أي قو ً‬
‫حدثنا مـحمد بن عبد العلـى‪ ،‬قال‪ :‬حدثنا مـحمد بن ثور‪ ،‬عن معمر‪ ،‬عن قتادة‪ ،‬مثله‪.‬‬
‫حرْملة بن عمران‪ ،‬عن أبـي‬
‫‪ 16773‬ـ حدثنـي يونس‪ ،‬قال‪ :‬أخبرنا ابن وهب‪ ،‬قال‪ :‬ثنـي َ‬
‫ل فـي القرآن من‬
‫ل ما ذكر ال عزّ وج ّ‬
‫ال َهدّاج التّـجِيبـي‪ ،‬قال‪ :‬قلت لسعيد بن الـمسيب‪ :‬ك ّ‬
‫ل َكرِيــما مـا هذا القول الكريــم؟ فقال ابـن‬
‫برّ الوالديـن‪ ،‬فقـد عرفتـه‪ ،‬إلّ قوله َوقُلْ َلهُمـا قَ ْو ً‬
‫الـمسيب‪ :‬قول العبد الـمذنب للسيد الفظّ‪.‬‬

‫‪24‬‬ ‫الية ‪:‬‬


‫ب ا ْرحَ ْم ُهمَا‬
‫حمَةِ َوقُل رّ ّ‬
‫ح الذّلّ مِ نَ ال ّر ْ‬
‫جنَا َ‬
‫القول فـي تأويـل قوله تعالـى‪{ :‬وَاخْفِ ضْ َل ُهمَا َ‬
‫صغِيرا }‪.‬‬
‫َكمَا َر ّبيَانِي َ‬
‫يقول تعالـى ذكره‪ :‬وكن لهما ذلـيلً رحمة منك بهما تطيعهما فـيـما أمراك به مـما‬
‫لـم يكن ل معصية‪ ،‬ول تـخـلفهما فـيـما أحبّـا‪ .‬وبنـحو الذي قلنا فـي ذلك‪ ،‬قال أهل‬
‫التأويـل‪ .‬ذكر من قال ذلك‪:‬‬
‫‪16774‬ـ حدثنا ابن بشار‪ ،‬قال‪ :‬حدثنا عبد الرحمن‪ ،‬قال‪ :‬حدثنا سفـيان‪ ،‬عن هشام بن عروة‪،‬‬
‫حمَةِ قال‪ :‬ل تــمتنع مـن شيـء‬
‫ِنـ ال ّر ْ‬
‫لم َ‬‫َاحـ الذّ ّ‬
‫ِضـ َلهُمـا جن َ‬
‫عـن أبــيه‪ ،‬فــي قوله وَاخْف ْ‬
‫يُحبـانه‪.‬‬
‫حدثنا أبو كريب‪ ،‬قال‪ :‬حدثنا الشجعي‪ ،‬قال‪ :‬سمعت هشام بن عروة‪ ،‬عن أبـيه‪ ،‬فـي قوله‬
‫ن ال ّرحْمَ ِة قال‪ :‬هو أن تل ـين له ما حت ـى ل ت ـمتنع من ش يء‬
‫ل مِ َ‬
‫وَاخْفِض َلهُ ما جنَا حَ الذّ ّ‬
‫أحبّـاه‪.‬‬
‫حدثن ـي م ـحمد بن ع بد ال بن ع بد ال ـحكم‪ ،‬قال‪ :‬حدث نا أيوب بن سويد‪ ،‬قال‪ :‬حدث نا‬
‫حمَةِ قال‪:‬‬
‫ن ال ّر ْ‬
‫ح الذّلّ مِ َ‬
‫الثوري‪ ،‬عن هشام بن عروة‪ ،‬عن أبـيه‪ ،‬فـي قوله وَاخْ ِفضْ َلهُما جنَا َ‬
‫ل تـمتنع من شيء أحبـاه‪.‬‬
‫حدثنـي يعقوب‪ ،‬قال‪ :‬حدثنا ابن عُلَـية‪ ،‬عن عبد ال بن الـمختار‪ ،‬عن هشام بن عروة‪،‬‬
‫حمَ ِة قال‪ :‬هو أن ل تـمتنع من شيء‬
‫ل مِ نَ ال ّر ْ‬
‫ض َلهُما جنَا حَ الذّ ّ‬
‫عن أبـيه‪ ،‬فـي قوله وَاخْفِ ْ‬
‫يريدانه‪.‬‬
‫‪ 16775‬ـ حدثنا أبو كريب‪ ،‬قال‪ :‬حدثنا الـمقرىء أبو عبد الرحمن‪ ،‬عن حرملة بن عمران‪،‬‬
‫حمَةِ‬
‫ن ال ّر ْ‬
‫عن أبـي الهداج‪ ،‬قال‪ :‬قلت لسعيد بن الـمسيب‪ :‬ما قوله وَاخْفِضْ َلهُما جنَاحَ الذّلّ مِ َ‬
‫ظ الغلـيظ‪.‬‬
‫قال‪ :‬ألـم تر إلـى قول العبد الـمذنب للسيد الف ّ‬
‫ل ب ضم الذال والذّلّة م صدران من الذل ـيـل‪ ،‬وذلك أن يتذلل‪ ،‬ول ـيس بذل ـيـل ف ـي‬
‫والذّ ّ‬
‫ل ذلة وذلً‪ ،‬وذلك نظير القلّ والقلة‪ ،‬إذا أسقطت الهاء‬
‫الـخـلقة من قول القائل‪ :‬قد ذَلَلت لك أذ ّ‬
‫ض مت الذال من الذّلّ‪ ،‬والقاف من القُلّ‪ ،‬وإذا أثب تت الهاء كُ سِرت الذال من الذّلة‪ ،‬والقاف من‬
‫القِلّة‪ ،‬لـما قال العشى‪:‬‬
‫( َومَا ُكنْتُ قُلّ قبلَ ذلكَ أ ْز َيبَـا )‬
‫ير يد‪ :‬القلة‪ .‬وأ ما الذّل بك سر الذال وإ سقاط الهاء فإ نه م صدر من الذّلول من قول هم‪ :‬دا بة‬
‫جعَلَ‬
‫ذَلول‪ :‬بـينة الذلّ‪ ،‬وذلك إذا كانت لـينة غير صعبة‪ .‬ومنه قول ال جلّ ثناؤه‪ :‬هُ َو اّلذِي َ‬
‫ّكـ ذُلُلً‪ .‬وكان‬
‫سـبُلَ َرب َ‬
‫ل يُجمـع ذلك ذُلُلً‪ ،‬كمـا قال جلّ ثناؤه‪ :‬فــاسُْلكِي ُ‬
‫ْضـ ذَلُو ً‬
‫ُمـ الر َ‬
‫َلك ُ‬
‫مـجاهد يتأوّل ذلك أنه ل يتوعّر علـيها مكان سلكته‪.‬‬
‫واختلفت القرّاء فـي قراءة ذلك‪ ،‬فقرأته عامّة قرّاء الـحجاز والعراق والشام وَاخْفِ ضْ َلهُما‬
‫ل بض مّ الذال علـى أنه مصدر من الذلـيـل‪ .‬وقرأ ذلك سعيد بن جبـير وعاصم‬
‫جنَا حَ الذّ ّ‬
‫ح الذّلّ» بكسر الذال‪.‬‬
‫جحْ َد ِريّ‪« :‬جنَا َ‬
‫الـ َ‬
‫‪ 16776‬ـ حدثنا ابن حميد‪ ،‬قال‪ :‬حدثنا بهز بن أسد‪ ،‬قال‪ :‬حدثنا أبو عَوانة‪ ،‬عن أبـي بشر‪،‬‬
‫ن ال ّرحْمَ ِة قال‪ :‬كن لهما ذلـيلً‪ ،‬ول‬
‫ض َلهُما جُناحَ الذّلّ ِم َ‬
‫عن سعيد بن جبـير أنه قرأ‪« :‬وَاخْ ِف ْ‬
‫تكن لهما ذلولً‪.‬‬
‫‪ 16777‬ـ حدث نا ن صر بن عل ـيّ‪ ،‬قال‪ :‬أخبرن ـي ع مر بن شق ـيق‪ ،‬قال‪ :‬سمعت عا صما‬
‫حمَةِ» قال‪ :‬كن لهما ذلـيلً‪ ،‬ول تكن لهما‬
‫ن الرّ ْ‬
‫ل مِ َ‬
‫ض َلهُما جنَا جَ الذّ ّ‬
‫الـجحدري يقرأ‪« :‬وَاخْفِ ْ‬
‫ذَلولً‪.‬‬
‫حدثنا ابن بشار‪ ،‬قال‪ :‬حدثنا عمر بن شقـيق‪ ،‬عن عاصم‪ ،‬مثله‪.‬‬
‫قال أ بو جع فر‪ :‬وعل ـى هذا التأوي ـل الذي تأوّله عا صم كان ينب غي أن تكون قراء ته ب ضم‬
‫الذال ل بكسرها‪.‬‬
‫حدثنا نصر وابن بشار وحُدثت عن الفراء‪ ،‬قال‪ :‬ثنـي هشيـم‪ ،‬عن أبـي بشر جعفر بن‬
‫ض َلهُ ما جنَا حَ الذّلّ»‪ .‬قال الفرّاء‪ :‬وأخبرن ـي‬
‫إياس‪ ،‬عن سعيد بن جب ـير‪ ،‬أ نه قرأ‪« :‬وَاخفِ ْ‬
‫ل أيضا‪ ،‬فسألت أبـا بكر‬
‫الـحكيـم بن ظهير‪ ،‬عن عاصم بن أبـي النّـجود‪ ،‬أنه قرأها الذّ ّ‬
‫ل قرأها عاصم‪.‬‬
‫فقال‪ :‬الذّ ّ‬
‫صغِيرا فإنه يقول‪ :‬ادع ال لوالديك بـالرحمة‪،‬‬
‫وأما قوله‪َ :‬وقُلْ رَبّ ارْح ْمهُما كمَا َربّـيَانِـي َ‬
‫ي فــي‬
‫ربـ ارحمهمـا‪ ،‬وتعطـف علــيهما بــمغفرتك ورحمتـك‪ ،‬كمـا تعطّفــا علــ ّ‬
‫ّ‬ ‫وقـل‬
‫صغري‪ ،‬فرحمانـي وربـيانـي صغيرا‪ ،‬حتـى استقللت بنفسي‪ ،‬واستغنـيت عنهما‪ .‬كما‪:‬‬
‫ح الذّلّ‬
‫‪ 16778‬ـ حدثنا بشر‪ ،‬قال‪ :‬حدثنا يزيد‪ ،‬قال‪ :‬حدثنا سعيد‪ ،‬عن قتادة وَاخْفِ ضْ َلهُما جنَا َ‬
‫صغِيرا هكذا عُلّـمتـم‪ ،‬وبهذا أمرتـم‪ ،‬خذوا‬
‫حمْهُما كمَا َربّـيانِـي َ‬
‫حمَةِ َوقُلْ رَ بّ ا ْر َ‬
‫ن ال ّر ْ‬
‫مِ َ‬
‫تعلـيـم ال وأدبه‪.‬‬
‫ذُكر لنا أن نبـيّ ال صلى ال عليه وسلم خرج ذات يوم وهو مادّ يديه رافع صوته يقول‪:‬‬
‫سحَقَهُ»‪ .‬ولكن كانوا يرون‬
‫حدَهُما ثُ مّ َدخَـلَ النّا َر َبعْ َد ذل كَ فَأ ْب َعدَ ُه اللّ هُ وأ ْ‬
‫ن أ ْدرَ كَ وَاِلدَي هِ أ ْو أ َ‬
‫«مَ ْ‬
‫أنه من َبرّ والديه‪ ،‬وكان فـيه أدنى تُقـي‪ ،‬فإن ذلك ُمبْلِغه جسيـم الـخير‪ .‬وقال جماعة من‬
‫صغِيرا منسوخ بقوله‪:‬‬
‫ح ْمهُما كمَا َربّـيانِـي َ‬
‫ل ثناؤه‪َ :‬وقُل رَ بّ ار َ‬
‫أهل العلـم‪ :‬إن قول ال ج ّ‬
‫شرِكِينَ وَلَو كانُوا أُول ـي قُربَى من َب ْعدِ ما‬
‫ستَغْ ِفرُوا للْ ـ ُم ْ‬
‫ن لل ّنبِ ـيّ واّلذِي نَ آ َمنُوا أن يَ ْ‬
‫ما كا َ‬
‫جحِيـمِ‪ .‬ذكر من قال ذلك‪:‬‬
‫ن َلهُم أ ّنهُم أصْحابُ الـ َ‬
‫َتبَـيّ َ‬
‫‪16779‬ـ حدثنـي علـيّ بن داود‪ ،‬قال‪ :‬حدثنا أبو صالـح‪ ،‬قال‪ :‬ثنـي معاوية‪ ،‬عن علـيّ‪،‬‬
‫صغِيرا ثم أنزل ال عزّ وجلّ بعد‬
‫ح ْمهُما كمَا َربّـيانِـي َ‬
‫عن ابن عبـاس‪ ،‬قوله‪َ :‬وقُل رَ بّ ار َ‬
‫س َتغْفِرُوا للْـ ُمشْ ِركِينَ وَلَو كانُوا أُولـي قُربَى‪.‬‬
‫ن آ َمنُوا أن َي ْ‬
‫هذا‪ :‬ما كانَ لل ّنبِـيّ وَاّلذِي َ‬
‫‪16780‬ـ حدثنا ابن حميد‪ ،‬قال‪ :‬حدثنا يحيى بن واضح‪ ،‬قال‪ :‬حدثنا الـحسين‪ ،‬عن يزيد‪ ،‬عن‬
‫حدُهُما أو كِلهُما‪ ...‬إلـى‬
‫ع ْندَ كَ ال ِك َبرَ أ َ‬
‫عكرمة‪ ،‬قال فـي سورة بنـي إسرائيـل إمّا َيبْلُغا نّ ِ‬
‫صغِيرا فن سختها الَ ية الت ـي ف ـي براءة ما كا نَ‬
‫حمْهُ ما كمَا َربّ ـيانِـي َ‬
‫ب ا ْر َ‬
‫قوله وَقُل رَ ّ‬
‫شرِكِينَ وََلوْ كانُوا أُولـي ُق ْربَى‪ ...‬الَية‪.‬‬
‫س َتغْ ِفرُوا للْـ ُم ْ‬
‫لل ّنبِـيّ وَاّلذِينَ آ َمنُوا أنْ َي ْ‬
‫حدثنـا القاسـم‪ ،‬قال‪ :‬حدثنـا الــحسين‪ ،‬قال‪ :‬ثنــي حجاج‪ ،‬قال‪ :‬قال ابـن جريـج‪ ،‬قال ابـن‬
‫ن لل ّنبِ ـيّ‬
‫ح ْمهُ ما‪ ...‬الَ ية‪ ،‬قال‪ :‬ن سختها الَ ية الت ـي ف ـي براءة ما كا َ‬
‫عب ـاس َوقُلْ رَ بّ ا ْر َ‬
‫شرِكينَ‪ ...‬الَية‪.‬‬
‫ستَغْ ِفرُوا للْـمُ ْ‬
‫ن َي ْ‬
‫ن آ َمنُوا أ ْ‬
‫وَاّلذِي َ‬
‫و قد ت ـحتـمل هذه الَ ية أن تكون وإن كان ظاهر ها عامّا ف ـي كلّ الَب ـاء بغ ير مع نى‬
‫ب ارحمهما إذا‬
‫النسخ‪ ،‬بأن يكون تأويـلها علـى الـخصوص‪ ،‬فـيكون معنى الكلم‪ :‬وقل ر ّ‬
‫كا نا مؤمن ـين‪ ،‬ك ما رَب ـيانـي صغيرا‪ ،‬فتكون مرادا ب ها ال ـخصوص عل ـى ما قل نا غ ير‬
‫عنَى بقول ربـيانـي‪ :‬نَـمّيَانـي‪.‬‬
‫منسوخ منها شيء‪ .‬و َ‬

‫‪25‬‬ ‫الية ‪:‬‬


‫س ُكمْ إِن َتكُونُو ْا صَاِلحِينَ َفِإنّ هُ كَا نَ‬
‫القول فـي تأويـل قوله تعالـى { ّر ّبكُ مْ أَعْلَ مُ ِبمَا فِي نُفُو ِ‬
‫لِلوّابِينَ غَفُورا }‪.‬‬
‫س ُكمْ من تعظي ـمكم أ مر‬
‫يقول تعال ـى ذكره َر ّبكُ مْ أي ها الناس أعْلَ ـ ُم من كم بِ ـمَا فِ ـي ُنفُو ِ‬
‫آبــائكم وأمهاتكـم وتكرمتهـم‪ ،‬والبرّ بهـم‪ ،‬ومـا فــيها مـن اعتقاد السـتـخفـاف بحقوقهـم‪،‬‬
‫والعقوق لهـم‪ ،‬وغيـر ذلك مـن ضمائر صـدوركم‪ ،‬ل يخفــى علــيه شيـء مـن ذلك‪ ،‬وهـو‬
‫م ـجازيكم عل ـى حَ سَن ذلك و سيّئه‪ ،‬ف ـاحذروا أن تُضمروا ل هم سوءا‪ ،‬وتعقِدوا ل هم عقو قا‪.‬‬
‫إنـ َتكُونُوا صـَالِـحِينَ يقول‪ :‬إن أنتــم أصـلـحتـم نــياتكم فــيهم‪ ،‬وأطعتــم ال‬
‫وقوله ْ‬
‫فـيـما أمركم به من البرّ بهم‪ ،‬والقـيام بحقوقهم علـيكم‪ ،‬بعد هفوة كانت منكم‪ ،‬أو زلة فـي‬
‫واجب لهم علـيكم مع القـيام بـما ألزمكم فـي غير ذلك من فرائضه‪ ،‬فإنه كان للوّابـين‬
‫ب عد الزّلة‪ ،‬والتائب ـين ب عد الهَفْوة غفورا ل هم‪ .‬وبن ـحو الذي قل نا ف ـي تأوي ـل ذلك‪ ،‬قال أ هل‬
‫التأويـل‪ .‬ذكر من قال ذلك‪:‬‬
‫‪16781‬ـ حدثنا أبو كريب‪ ،‬قال‪ :‬حدثنا ابن إدريس‪ ،‬قال‪ :‬سمعت أبـي وعمي عن حبـيب بن‬
‫س ُكمْ قال‪ :‬البـادرة تكون من‬
‫أبـي ثا بت‪ ،‬عن سعيد بن جبـير َر ّبكُ مْ أعْلَـمُ بِـمَا فِـي نُفُو ِ‬
‫س ُكمْ‪.‬‬
‫الرجل إلـى أبويه ل يريد بذلك إل الـخير‪ ،‬فقال‪ :‬ر ّبكُمْ أعْلَـمُ بِـمَا فِـي نُفُو ِ‬
‫حدثنا أ بو ال سائب‪ ،‬قال‪ :‬حدث نا ابن إدر يس‪ ،‬قال‪ :‬أخبرنـي أب ـي‪ ،‬عن حبـيب بن أبـي‬
‫ثابت‪ ،‬عن سعيد بن جبـير‪ ،‬بـمثله‪.‬‬
‫‪ 16782‬ـ حدثنا ابن حميد‪ ،‬قال‪ :‬حدثنا الـحكم بن بشير‪ ،‬قال‪ :‬حدثنا عمرو‪ ،‬عن حبـيب بن‬
‫لوّابِـينَ غَفُورا قال‪ :‬هو الرجل تكون منه البـادرة إلـى‬
‫أبـي ثابت‪ ،‬فـي قوله فإنّ ُه كا نَ ل َ‬
‫أبويه وفـي نـيته وقلبه أنه ل يؤاخَذ به‪.‬‬
‫ن للَوّابِ ـينَ غَفُورا فقال بعض هم‪ :‬هم‬
‫واختلف أ هل التأوي ـل‪ ،‬ف ـي تأوي ـل قوله‪ :‬فإنّ ُه كا َ‬
‫الـمسبّحون‪ .‬ذكر من قال ذلك‪:‬‬
‫‪16783‬ـ حدثنـي سلـيـمان بن عبد الـجبـار‪ ،‬قال‪ :‬حدثنا مـحمد بن الصلت‪ ،‬قال‪ :‬حدثنا‬
‫أبو كدينة وحدثنـي ابن سنان القزاز‪ ،‬قال‪ :‬حدثنا الـحسين بن الـحسن الشقر‪ ،‬قال‪ :‬حدثنا‬
‫أبو كدينة‪ ،‬عن عطاء‪ ،‬عن سعيد بن جبـير‪ ،‬عن ابن عبـاس فإنّهُ كانَ للوّابِـينَ غَفُورا قال‪:‬‬
‫الـمسبحين‪.‬‬
‫‪ 16784‬ـ حدثنـي الـحارث‪ ،‬قال‪ :‬حدثنا الـحسن‪ ،‬قال‪ :‬حدثنا أبو خيثمة زهير‪ ،‬قال‪ :‬حدثنا‬
‫أبو إسحاق‪ ،‬عن أبـي ميسرة‪ ،‬عن عمرو بن شرحبـيـل‪ ،‬قال‪ :‬الوّاب‪ :‬الـمسبح‪.‬‬
‫وقال آخرون‪ :‬هم الـمطيعون الـمـحسنون‪ .‬ذكر من قال ذلك‪:‬‬
‫‪16785‬ـ حدثنـي علـيّ بن داود‪ ،‬قال‪ :‬حدثنا أبو صالـح‪ ،‬قال‪ :‬ثنـي معاوية‪ ،‬عن علـيّ‪،‬‬
‫ن للَوّابِـينَ غَفُورا يقول‪ :‬للـمطيعين الـمـحسنـين‪.‬‬
‫عن ابن عبـاس‪ ،‬قوله فإنّ ُه كا َ‬
‫لوّابِـينَ‬
‫‪16786‬ـ حدثنا بشر‪ ،‬قال‪ :‬حدثنا يزيد‪ ،‬قال‪ :‬حدثنا سعيد‪ ،‬عن قتادة‪ ،‬قوله فإنّهُ كانَ ل َ‬
‫غَفُورا قال‪ :‬هم الـمطيعون‪ ،‬وأهل الصلة‪.‬‬
‫حدث نا ا بن ع بد العل ـى‪ ،‬قال‪ :‬حدث نا م ـحمد بن ثور‪ ،‬عن مع مر‪ ،‬عن قتادة فإ نه كا نَ‬
‫للَوّابِـينَ غَفُورا قال‪ :‬للـمطيعين الـمصلـين‪.‬‬
‫وقال آخرون‪ :‬بل هم الذين يصلون بـين الـمغرب والعشاء‪ .‬ذكر من قال ذلك‪:‬‬
‫‪ 16787‬ـ حدثنـي يونس‪ ،‬قال‪ :‬أخبرنا ابن وهب‪ ،‬عن أبـي صخر حميد بن زياد‪ ،‬عن ابن‬
‫الـمنكدر يرفعه فإنّ ُه كان للَوّابِـينَ غَفُورا قال‪ :‬الصلة بـين الـمغرب والعشاء‪.‬‬
‫ضحَى‪ .‬ذكر من قال ذلك‪:‬‬
‫وقال آخرون‪ :‬هم الذين يصلّون ال ّ‬
‫‪ 16788‬ـ حدث نا عمرو بن عل ـيّ‪ ،‬قال‪ :‬حدث نا رب ـاح أ بو سلـيـمان الرقاء‪ ،‬قال‪ :‬سمعت‬
‫غفُورا قال‪ :‬الذين يصلون صلة‬
‫لوّابِـينَ َ‬
‫عونا العُقـيـلـيّ يقول فـي هذه الَية فإنّ ُه كا نَ ل َ‬
‫الضحى‪.‬‬
‫وقال آخرون‪ :‬بل هو الراجع من ذنبه‪ ،‬التائب منه‪ .‬ذكر من قال ذلك‪:‬‬
‫‪ 16789‬ـ حدثنا أحمد بن الولـيد القرش يّ‪ ،‬قال‪ :‬حدثنا مـحمد بن جعفر‪ ،‬قال‪ :‬حدثنا شعبة‪،‬‬
‫غفُورا‬
‫لوّابِـينَ َ‬
‫عن يحيى بن سعيد‪ ،‬عن سعيد بن الـمسيب أنه قال فـي هذه الَية فإنّ ُه كانَ ل َ‬
‫قال‪ :‬الذي يصيب الذنب ثم يتوب ثم يصيب الذنب ثم يتوب‪.‬‬
‫حدثنا ابن الـمثنى‪ ،‬قال‪ :‬حدثنا سلـيـمان بن داود‪ ،‬عن شعبة‪ ،‬عن يحيى بن سعيد‪ ،‬عن‬
‫سعيد بن الـمسيب‪ ،‬قال‪ :‬هو الذي يذنب ثم يتوب‪ ،‬ثم يذنب ثم يتوب فـي هذا الَية فإنّ هُ كا نَ‬
‫للَوّابِـينَ غَفُورا‪.‬‬
‫حدثنا مـجاهد بن موسى‪ ،‬قال‪ :‬حدثنا يزيد‪ ،‬قال‪ :‬أخبرنا يحيى بن سعيد‪ ،‬أنه سمع سعيد بن‬
‫لوّابِ ـينَ غَفُورا قال‪ :‬هو الذي يذ نب ثم يتوب‪ ،‬ثم‬
‫سأَل عن هذه الَ ية فإنّ ُه كا نَ ل َ‬
‫ال ـمسيب يُ ْ‬
‫يذنب ثم يتوب‪.‬‬
‫حدثنـي يونس‪ ،‬قال‪ :‬أخبرنا ابن وهب‪ ،‬قال‪ :‬ثنـي جرير بن حازم‪ ،‬عن يحيى بن سعيد‪،‬‬
‫عن سعيد بن الـمسيب‪ ،‬بنـحوه‪.‬‬
‫حدث نا م ـحمد بن ع بد العل ـى‪ ،‬قال‪ :‬حدث نا م ـحمد بن ثور‪ ،‬عن مع مر‪ ،‬عن سعيد بن‬
‫الـمسيب‪ ،‬بنـحوه‪.‬‬
‫حدثنـي يونس‪ ،‬قال‪ :‬أخبرنا ابن وهب‪ ،‬قال‪ :‬ثنـي مالك‪ ،‬عن يحيى بن سعيد‪ ،‬عن سعيد‬
‫غفُورا قال‪ :‬هو العبد يذنب ثم يتوب‪ ،‬ثم يذنب ثم يتوب‪.‬‬
‫لوّابِـينَ َ‬
‫بن الـمسيب فإنّ ُه كانَ ل َ‬
‫حدثن ـي يو نس‪ ،‬قال‪ :‬أخبر نا ا بن و هب‪ ،‬قال‪ :‬أخبرن ـي الل ـيث بن سعد‪ ،‬عن يح يى بن‬
‫سعيد‪ ،‬قال‪ :‬سمعت سعيد بن الـمسيب يقول‪ :‬فذكر مثله‪.‬‬
‫حدثنا الـحسن بن يحيى‪ ،‬قال‪ :‬أخبرنا عبد الرزّاق‪ ،‬قال‪ :‬أخبرنا الثّوريّ ومعمر‪ ،‬عن يحيى‬
‫بن سعيد‪ ،‬عن ابن الـمسيب‪ ،‬قال‪ :‬الوّاب‪ :‬الذي يذنب ثم يتوب‪ ،‬ثم يذنب ثم يتوب‪ ،‬ثم يذنب‬
‫ثم يتوب‪.‬‬
‫‪ 16790‬ـ حدثنا ابن بشار‪ ،‬قال‪ :‬حدثنا مـحمد بن جعفر‪ ،‬قال‪ :‬حدثنا شعبة‪ ،‬عن أبـي بشر‪،‬‬
‫ن للَوّابِـينَ غَفُورا قال‪ :‬الراجعين إلـى الـخير‪.‬‬
‫عن سعيد بن جبـير فـي هذه الَية فإنّهُ كا َ‬
‫حدثنا ابن الـمثنى‪ ،‬قال‪ :‬حدثنا عبد الصمد وأبو داود وهشام‪ ،‬عن شعبة‪ ،‬عن أبـي بشر‪،‬‬
‫عن سعيد بن جبـير‪ ،‬بنـحوه‪.‬‬
‫‪ 16791‬ـ حدثنا ابن بشار‪ ،‬قال‪ :‬حدثنا عبد الرحمن‪ ،‬قال‪ :‬حدثنا سفـيان وحدثنا ابن حم يد‪،‬‬
‫قال‪ :‬حدثنا حكام‪ ،‬عن عمرو‪ ،‬جميعا عن منصور‪ ،‬عن مـجاهد‪ ،‬عن عبـيد بن عمير فإنّ هُ‬
‫كان للوّابِـين غَفُورا قال‪ :‬الذي يذكر ذنوبه فـي الـخلء‪ ،‬فـيستغفر ال منها‪.‬‬
‫‪ 16792‬ـ حدث نا ال ـحسن بن يح يى‪ ،‬قال‪ :‬أخبر نا ع بد الرزاق‪ ،‬قال‪ :‬أخبر نا الثور يّ‪ ،‬عن‬
‫منصور‪ ،‬عن مـجاهد‪ ،‬قال‪ :‬الوّاب‪ :‬الذي يذكر ذنوبه فـي الـخلء فـيستغفر ال منها‪.‬‬
‫حدثنا مـحمد بن الـمثنى‪ ،‬قال‪ :‬حدثنا مـحمد بن جعفر‪ ،‬قال‪ :‬حدثنا شعبة‪ ،‬عن منصور‪،‬‬
‫عن مـجاهد‪ ،‬عن عبـيد بن عمير‪ ،‬أنه قال فـي هذه الَية إّن ُه كان للوّابِ ـينَ غَفُورا قال‪:‬‬
‫الذي يذكر ذنبه ثم يتوب‪.‬‬
‫حدثنــي مــحمد بـن عمرو‪ ،‬قال‪ :‬حدثنـا أبـو عاصـم‪ ،‬قال‪ :‬حدثنـا عيسـى‪ ،‬وحدثنــي‬
‫الــحارث‪ ،‬قال‪ :‬حدثنـا الــحسن‪ ،‬قال‪ :‬حدثنـا ورقاء‪ ،‬جميعـا‪ ،‬عـن ابـن أبــي نــجيح‪ ،‬عـن‬
‫مـجاهد‪ ،‬فـي قوله جلّ ثناؤه للوّابِـين غَفُورا قال‪ :‬الوّابون‪ :‬الراجعون التائبون‪.‬‬
‫حدث نا القا سم‪ ،‬قال‪ :‬حدث نا ال ـحسين‪ ،‬قال‪ :‬ثن ـي حجاج‪ ،‬عن ا بن جر يج‪ ،‬عن م ـجاهد‪،‬‬
‫مثله‪.‬‬
‫قال ابن جريج‪ ،‬عن يحيى بن سعيد‪ ،‬عن سعيد بن الـمسيب‪ :‬الرجل يذنب ثم يتوب ثلثا‪.‬‬
‫حدثنا ابن حميد‪ ،‬قال‪ :‬حدثنا جرير‪ ،‬عن منصور‪ ،‬عن مـجاهد‪ ،‬عن عبـيد بن عمير‪ ،‬قوله‬
‫فإنّه كان للوّابِـين غَفُورا قال‪ :‬الذي يتذكر ذنوبه‪ ،‬فـيستغفر ال لها‪.‬‬
‫‪ 16793‬ـ حدثنـي يونس‪ ،‬قال‪ :‬أخبرنا ابن وهب‪ ،‬قال‪ :‬أخبرنـي ابن شريح‪ ،‬عن عقبة بن‬
‫م سلـم‪ ،‬عن عطاء بن ي سار‪ ،‬أ نه قال ف ـي قوله فإنّ هُ كان للوّابِ ـين غَفُورا يذ نب الع بد ثم‬
‫يتوب‪ ،‬فـيتوب ال علـيه ثم يذنب فـيتوب‪ ،‬فـيتوب ال علـيه ثم يذنب الثالثة‪ ،‬فإن تاب‪،‬‬
‫تاب ال علـيه توبة ل تُـمْـحَى‪.‬‬
‫وقد رُوي عن عبـيد بن عمير‪ ،‬غير القول الذي ذكرنا عن مـجاهد‪ ،‬وهو ما‪:‬‬
‫‪16794‬ــ حدثنـا الــحسن بـن يحيـى‪ ،‬قال‪ :‬أخبرنـا عبـد الرزاق‪ ،‬قال‪ :‬أخبرنـا مــحمد بـن‬
‫م سلـم‪ ،‬عن عمرو بن دينار‪ ،‬عن عب ـيد بن عم ير‪ ،‬ف ـي قوله فإنّ هُ كان للوّابِ ـين غَفُورا‬
‫قال‪ :‬كنا َن ُعدّ الوّاب‪ :‬الـحفـيظ‪ ،‬أن يقول‪ :‬اللهمّ اغفر لـي ما أصبت فـي مـجلسي هذا‪.‬‬
‫وأولـى القوال فـي ذلك بـالصواب‪ ،‬قول من قال‪ :‬الوّاب‪ :‬هو التائب من الذنب‪ ،‬الراجع‬
‫من مع صية ال إل ـى طاع ته‪ ،‬وم ـما يكر هه إل ـى ما يرضاه‪ ،‬لن الوّاب إن ـما هو فعّال‪،‬‬
‫من قول القائل‪ :‬آب فلن من كذا إما من سفره إلـى منزله‪ ،‬أو من حال إلـى حال‪ ،‬كما قال‬
‫عبَـيد بن البرص‪:‬‬
‫ت ل َيئُوبُ‬
‫ب الـمَوْ ِ‬
‫وغائِ ُ‬ ‫غ ْيبَةٍ َيئُوبُ‬
‫وكُلّ ذِي َ‬
‫فهو يئوب أوبـا‪ ،‬وهو رجل آئب من سفره‪ ،‬وأوّاب من ذنوبه‪.‬‬

‫‪ 26‬و ‪27‬‬ ‫الية ‪:‬‬


‫القول فــي تأويــل قوله تعالــى {وَآت ِـ ذَا الْ ُق ْر َبىَ حَقّه ُـ وَا ْلمِس ْـكِينَ وَابْن َـ الس ّـبِيلِ َولَ ُت َب ّذرْ‬
‫ش ْيطَانُ ِل َربّ ِه كَفُورا }‪.‬‬
‫شيَاطِينِ َوكَانَ ال ّ‬
‫ن كَانُوَاْ ِإخْوَانَ ال ّ‬
‫ن ا ْل ُم َبذّرِي َ‬
‫َت ْبذِيرا * إِ ّ‬
‫ت ذَا ال ُقرْبى فقال بعضهم‪ :‬عَنى به‪ :‬قرابة‬
‫اختلف أهل التأويـل فـي الـمعنـيّ بقوله وآ ِ‬
‫الـميت من قِبل أبـيه وأمه‪ ،‬أمرا ال جلّ ثناؤه عبـاده بصلتها‪ .‬ذكر من قال ذلك‪:‬‬
‫‪ 16795‬ـ حدث نا عمرا نُ بن مو سى‪ ،‬قال‪ :‬حدث نا ع بد الوارث بن سعيد‪ ،‬قال‪ :‬حدث نا حب ـيب‬
‫عطِي قرابتـي زكاة مالـي‪ ،‬فقال‪ :‬إن لهم فـي‬
‫الـمعلـم‪ ،‬قال‪ :‬سأل رجل الـحسن‪ ،‬قال‪ :‬أُ ْ‬
‫ذلك لـحقا سوى الزكاة‪ ،‬ثم تل هذه الَية وآت ذا ال ُقرْبى حَقّهُ‪.‬‬
‫‪16796‬ــ حدثنـا القاسـم‪ ،‬قال‪ :‬حدثنـا الــحسين‪ ،‬قال‪ :‬ثنــي حجاج‪ ،‬عن ابـن جريـج‪ ،‬عن‬
‫عكرمة‪ ،‬قوله وآتِ ذَا ال ُقرْبى حَ ّق ُه قال‪ :‬صلته التـي تريد أن تصله بها ما كنت تريد أن تفعله‬
‫إلـيه‪.‬‬
‫‪16797‬ـ حدثنـي مـحمد بن سعد‪ ،‬قال‪ :‬ثنـي أبـي‪ ،‬قال‪ :‬ثنـي عمي‪ ،‬قال‪ :‬ثنـي أبـي‪،‬‬
‫سبِـيـلِ قال‪ :‬هو‬
‫سكِينَ وَابْ نَ ال ّ‬
‫عن أبـيه‪ ،‬عن ابن عبـاس‪ ،‬قوله وآ تِ ذَا ال ُقرْبى حَقّ هُ وَالـ ِم ْ‬
‫أن تصل ذا القربة والـمسكين وتـحسُن إلـى ابن السبـيـل‪.‬‬
‫وقال آخرون‪ :‬بل عنى به قرابه رسول ال صلى ال عليه وسلم‪ .‬ذكر من قال ذلك‪:‬‬
‫‪ 16798‬ـ حدثنـي مـحمد بن عمارة السدي‪ ،‬قال‪ :‬حدثنا إسماعيـل بن أبـان‪ ،‬قال‪ :‬حدثنا‬
‫الصـبـاح بـن يحيـى الــمَزنـيّ‪ ،‬عـن السـّديّ‪ ،‬عـن أبــي الديــلـم‪ ،‬قال‪ :‬قال علــيّ بـن‬
‫ال ـحسين عل ـيهما ال سلم لر جل من أ هل الشام‪ :‬أقرأت القرآن؟ قال‪ :‬ن عم‪ ،‬قال‪ :‬أف ما قرأت‬
‫ف ـي بن ـي إ سرائيـل وآ تِ ذَا ال ُقرْ بى حَقّ ُه قال‪ :‬وإن كم للقْرا بة الت ـي أ مر ال جلّ ثناؤه أن‬
‫يُؤتـي حقه؟ قال‪ :‬نعم‪.‬‬
‫وأول ـى التأوي ـلـين عندي ب ـالصواب‪ ،‬تأوي ـل من تأوّل ذلك أن ها ب ـمعنى و صية ال‬
‫عب ـاده ب صلة قراب ـات أنف سهم وأرحام هم من قِبَل آب ـائهم وأمهات هم‪ ،‬وذلك أن ال عزّ وجلّ‬
‫عَقّب ذلك عقــيب حَضّه عبــاده علــى بر الَبــاء والمّهات‪ ،‬فــالواجب أن يكون ذلك‬
‫حضّا علـى صلة أنسابهم دون أنساب غيرهم التـي لـم يجر لها ذكر‪ .‬وإذا كان ذلك كذلك‪،‬‬
‫َ‬
‫فتأويـل الكلم‪ :‬وأعط يا مـحمد ذا قرابتك حقه من صلتك إياه‪ ،‬وبرّك به‪ ،‬والعطف علـيه‪.‬‬
‫وخرج ذلك َمخْرج ال ـخطاب لنب ـيّ ال صلى ال عل يه و سلم‪ ،‬وال ـمراد بحك مه جم يع من‬
‫ل َت ْعبُدُوا إلّ‬
‫لزمته فرائض ال‪ ،‬يدلّ علـى ذلك ابتداؤه الوصية بقوله جلّ ثناؤه‪َ :‬و َقضَى َربّكَ أ ّ‬
‫حدُهُ ما فوجّه ال ـخطاب بقوله َوقَضَى َربّ كَ‬
‫ع ْندَ كَ ال ِك َبرَ أ َ‬
‫إيّا هُ وَب ـالوَاِل َديْنِ إحْ سانا إمّا َيبُْلغَ نّ ِ‬
‫إلـى نبـيّ ال صلى ال عليه وسلم‪ ،‬ثم قال ألّ َت ْع ُبدُوا إلّ إيّا هُ فرجع بـالـخطاب به إلـى‬
‫ع ْندَ كَ إلـى إفراده به‪ .‬والـمعنـيّ بكل ذلك‬
‫الـجميع‪ ،‬ثم صرف الـخطاب بقوله إمّا َيبُْلغَ نّ ِ‬
‫جم يع من لزم ته فرائض ال عزّ وجلّ‪ ،‬أفرد ب ـالـخطاب ر سول ال صلى ال عل يه و سلم‬
‫وحده‪ ،‬أو عمّ به هو وجميع أمته‪.‬‬
‫سكِينَ و هو الذلّة من أ هل ال ـحاجة‪ .‬و قد دلل نا ف ـيـما م ضى عل ـى مع نى‬
‫وقوله‪ :‬وال ـ ِم ْ‬
‫ل يعنــي‪:‬‬
‫الــمسكين بــما أغنـى عـن إعادتـه فــي هذا الــموضع‪ .‬وقوله وَابْنَـ السّـبِـيـ ِ‬
‫الــمسافر الــمنقطع بـه‪ ،‬يقول تعالــى‪ :‬وصـِل قرابتـك‪ ،‬فأعطـه حقـه مـن صـلتك إياه‪،‬‬
‫والـمسكين ذا الـحاجة‪ ،‬والـمـجتاز بك الـمنقطع به‪ ،‬فأعنه‪ ،‬وقوّه علـى قطع سفره‪ .‬وقد‬
‫قـيـل‪ :‬إنـما عنى بـالمر بإتـيان ابن السبـيـل حقه أن يضاف ثلثة أيام‪.‬‬
‫والقول الوّل عندي أولـى بـالصواب‪ ،‬لن ال تعالـى لـم يخصُصْ من حقوقه شيئا دون‬
‫ق له أن يُعطاه من ضيافة أو‬
‫شيء فـي كتابه‪ ،‬ول علـى لسان رسوله‪ ،‬فذلك عا ّم فـي كلّ ح ّ‬
‫حمولة أو َمعُونة علـى سفره‪.‬‬
‫وقوله وَل ُت َب ّذرْ َت ْبذِيرا يقول‪ :‬ول تفرّق يـا مــحمد مـا أعطاك ال مـن مال فــي معصـيته‬
‫تفريقا‪ .‬وأصل التبذير‪ :‬التفريق فـي السّرَف ومنه قول الشاعر‪:‬‬
‫ن ِفسْقِ ال ِعرَاقِ الـ ُمبَ ّذرِ‬
‫ن جِوَارُ ُهمْأعاصِيرَ مِ ْ‬
‫س أجارُونا فَكا َ‬
‫أُنا ٌ‬
‫وبنـحو الذي قلنا فـي ذلك‪ ،‬قال أهل التأويـل‪ .‬ذكر من قال ذلك‪:‬‬
‫‪ 16799‬ـ حدثنـي مـحمد بن عبـيد الـمـحاربـي‪ ،‬قال‪ :‬حدثنا أبو الحوص‪ ،‬عن أبـي‬
‫إسحاق‪ ،‬عن أبـي العبـيدين‪ ،‬قال‪ :‬قال عبد ال فـي قوله وَل ُت َب ّذرْ َت ْبذِيرا قال‪ :‬التبذير فـي‬
‫غير الـحقّ‪ ،‬وهو السراف‪.‬‬
‫حدث نا ا بن بشار‪ ،‬قال‪ :‬حدث نا ع بد الرح من‪ ،‬قال‪ :‬حدث نا سفـيان‪ ،‬عن سلـمة‪ ،‬عن م سلـم‬
‫البطين‪ ،‬عن أبـي العبـيدين‪ ،‬قال‪ :‬سُئل عبد ال عن الـمبذّر فقال‪ :‬النفـاق فـي غير حقّ‪.‬‬
‫حدثنا مـحمد بن الـمثنى‪ ،‬قال‪ :‬حدثنا مـحمد بن جعفر‪ ،‬قال‪ :‬حدثنا شعبة‪ ،‬عن الـحكم‪،‬‬
‫قال‪ :‬سمعت يحيى بن الـجزار يحدّث عن أبـي العبُـيدين‪ ،‬ضرير البصر‪ ،‬أنه سأل عبد ال‬
‫بن مسعود عن هذه الَية ول ُت َبذّرْ َت ْبذِيرا قال‪ :‬إنفـاق الـمال فـي غير حقه‪.‬‬
‫حدثن ـي زكر يا بن يح يى بن أب ـي زائدة‪ ،‬قال‪ :‬حدث نا ا بن إدر يس‪ ،‬عن الع مش‪ ،‬عن‬
‫الـحكم‪ ،‬عن يحيى بن الـجزار‪ ،‬عن أبـي العُبـيدين‪ ،‬عن عبد ال‪ ،‬مثله‪.‬‬
‫حدثنـي يعقوب‪ ،‬قال‪ :‬حدثنا ابن علـية‪ ،‬قال‪ :‬أخبرنا شعبة‪ ،‬عن الـحكم بن عتـيبة‪ ،‬عن‬
‫يحيى بن الـجزار أن أبـا العبـيدين‪ ،‬كان ضرير البصر‪ ،‬سأل ابن مسعود فقال‪ :‬ما التبذير؟‬
‫فقال‪ :‬إنفـاق الـمال فـي غير حقه‪.‬‬
‫حدث نا خلد بن أ سلـم‪ ،‬قال‪ :‬أخبر نا الن ضر بن شمي ـل‪ ،‬قال‪ :‬أخبر نا ال ـمسعودي‪ ،‬قال‪:‬‬
‫أخبرنا سلـمة بن كُهيـل‪ ،‬عن أبـي العُبـيدين‪ ،‬وكا نت به زَما نة‪ ،‬وكان عبد ال يعرف له‬
‫ذلك‪ ،‬فقال‪ :‬يا أبـا عبد الرحمن‪ ،‬ما التبذير؟ فذكر مثله‪.‬‬
‫حدث نا أح مد بن من صور الرمادي‪ ،‬قال‪ :‬حدث نا أ بو ال ـحوءَب‪ ،‬عن عمار بن زُر يق‪ ،‬عن‬
‫أبـي إسحاق‪ ،‬عن حارثة بن مُضرِب‪ ،‬عن أبـي العُبـيدين‪ ،‬عن عبد ال بن مسعود‪ ،‬قال‪:‬‬
‫كنا أصحاب مـحمد صلى ال عليه وسلم نتـحدّث أن التبذير‪ :‬النفقة فـي غير حقه‪.‬‬
‫حدث نا ا بن ال ـمثنى‪ ،‬قال‪ :‬حدث نا يح يى بن كث ـير الع نبري‪ ،‬قال‪ :‬حدث نا شع بة‪ ،‬قال‪ :‬ك نت‬
‫أمشي مع أبـي إسحاق فـي طريق الكوفة‪ ،‬فأتـى علـى دار تُبنى بج صّ وآجر‪ ،‬فقال‪ :‬هذا‬
‫التبذير فـي قول عبد ال‪ :‬إنفـاق الـمال فـي غير حقه‪.‬‬
‫‪16800‬ـ حدثنـي مـحمد بن سعد‪ ،‬قال‪ :‬ثنـي أبـي‪ ،‬قال‪ :‬ثنـي عمي‪ ،‬قال‪ :‬ثنـي أبـي‪،‬‬
‫عن أبـيه‪ ،‬عن ابن عبـاس‪ ،‬قوله وَل ُت َبذّرْ َت ْبذِيرا قال‪ :‬الـمبذّر‪ :‬الـمنفق فـي غير حقه‪.‬‬
‫حدثنا القاسم‪ ،‬قال‪ :‬حدثنا الـحسين‪ ،‬قال‪ :‬حدثنا عبـاد‪ ،‬عن حصين‪ ،‬عن عكرمة‪ ،‬عن ابن‬
‫عبـاس‪ ،‬قال‪ :‬الـمبذّر‪ :‬الـمنفق فـي غير حقه‪.‬‬
‫حدثنـا القاسـم‪ ،‬قال‪ :‬حدثنـا الــحسين‪ ،‬قال‪ :‬ثنــي حجاج‪ ،‬عـن ابـن جريـج‪ ،‬عـن عطاء‬
‫الـخراسانـي‪ ،‬عن ابن عبـاس‪ ،‬قال‪ :‬ل تنفق فـي البـاطل‪ ،‬فإن الـمبذّر‪ :‬هو الـمسرف‬
‫فـي غير حقّ‪.‬‬
‫قال ابن جريج وقال مـجاهد‪ :‬لو أنفق إنسان ماله كله فـي الـحقّ ما كان تبذيرا‪ ،‬ولو أنفق‬
‫مدّا فـي بـاطل كان تبذيرا‪.‬‬
‫‪16801‬ـ حدثنا بشر‪ ،‬قال‪ :‬حدثنا يزيد‪ ،‬قال‪ :‬حدثنا سعيد‪ ،‬عن قتادة‪ ،‬قوله وَل ُت َب ّذرْ َت ْبذِيرا قال‪:‬‬
‫التبذير‪ :‬النفقة فـي معصية ال‪ ،‬وفـي غير الـحقّ وفـي الفساد‪.‬‬
‫‪ 16802‬ـ حدثن ـي يو نس‪ ،‬قال‪ :‬أخبر نا ا بن و هب‪ ،‬قال‪ :‬قال ا بن ز يد ف ـي قوله وآ تِ ذَا‬
‫سبِـيـلِ قال‪ :‬بدأ بـالوالدين قبل هذا‪ ،‬فلـما فرغ من الوالدين‬
‫ال ُق ْربَى حَ ّقهُ وَالـمِسْكينَ وَابْنَ ال ّ‬
‫وحقهما‪ ،‬ذكر هؤلء وقال ل ُتبَ ّذرْ َت ْبذِيرا‪ :‬ل تعطِ فـي معاصي ال‪.‬‬
‫ن الـمفرّقـين أموالهم فـي‬
‫ن فإنه يعنـي‪ :‬إ ّ‬
‫ن الـ ُمبَ ّذرِينَ كانُوا إخْوَا نَ الشّياطِي ِ‬
‫وأما قوله إ ّ‬
‫معاصي ال الـمنفقـيها فـي غير طاعته أولـياء الشياطين وكذلك تقول العرب لكلّ ملزم‬
‫ن ِل َربّ هِ كَفُورا يقول‪ :‬وكان الشيطان لنعمة ربه‬
‫شيُطا ُ‬
‫ن ال ّ‬
‫سنة قوم وتابع أثرهم‪ :‬هو أخوهم وكا َ‬
‫التــي أنعمهـا علــيه جحودا ل يشكره علــيه‪ ،‬ولكنـه يكفرهـا بترك طاعـة ال‪ ،‬وركوبـه‬
‫معصيته‪ ،‬فكذلك إخوانه من بنـي آدم الـمبذّرون أموالهم فـي معاصي ال‪ ،‬ل يشكرون ال‬
‫علـى نعمه علـيهم‪ ،‬ولكنهم يخالفون أمره ويع صُونه‪ ،‬ويستنون فـيـما أنعم ال علـيهم به‬
‫من الموال التـي خوّلهموها وجل ع ّز سنته من ترك الش كر علـيها‪ ،‬وتلقّـيها بـالكُفران‪.‬‬
‫كالذي‪:‬‬
‫إنـ‬
‫‪16803‬ــ حدثنــي يونـس‪ ،‬قال‪ :‬أخبرنـا ابـن وهـب‪ ،‬قال‪ :‬قال ابـن زيـد‪ ،‬فــي قوله ّ‬
‫ن ل َربّ هِ‬
‫شيْطا ُ‬
‫ن وكا نَ ال ّ‬
‫خوَا نَ الشّياطي ِ‬
‫ال ـ ُم َبذّرِينَ‪ :‬إن ال ـمنفقـين ف ـي معا صي ال كانُوا إ ْ‬
‫كَفُورا‪.‬‬

‫‪28‬‬ ‫الية ‪:‬‬


‫حمَ ٍة مّن ّربّ كَ َت ْرجُوهَا فَقُل‬
‫ع ْنهُ مُ ا ْب ِتغَآءَ َر ْ‬
‫القول ف ـي تأوي ـل قوله تعال ـى {وَإِمّا ُت ْعرِضَ نّ َ‬
‫ّل ُهمْ قَ ْولً ّم ْيسُورا }‪.‬‬
‫يقول تعال ـى ذكره‪ :‬وإن تعرض يا م ـحمد عن هؤلء الذ ين أمر تك أن تؤت ـيهم حقوق هم‬
‫إذا وجدت إلـيها السبـيـل بوجهك عند مسألتهم إياك‪ ،‬ما ل تـجد إلـيه سبـيلً‪ ،‬حياء منهم‬
‫حمَةٍ مِ نْ َربّ كَ يقول‪ :‬انتظار رزق تنتظره من عند ربك‪ ،‬وترجو تـيسير‬
‫ورحمة لهم ا ْبتِغا َء َر ْ‬
‫ل ميسـورا‪ .‬يقول‪ :‬ولكـن عدهـم وعدا جميلً‪ ،‬بأن‬
‫ال إياه لك‪ ،‬فل تؤيسـهم‪ ،‬ولكـن قـل لهـم قو ً‬
‫تقول‪ :‬سيرزق ال فأعطيكم‪ ،‬وما أشبه ذلك من القول اللـين غير الغلـيظ‪ ،‬كما قال جلّ ثناؤه‬
‫وأمّا السّائِلَ فَلَ َت ْن َهرْ‪ .‬وبنـحو الذي قلنا فـي ذلك‪ ،‬قال أهل التأويـل‪ .‬ذكر من قال ذلك‪:‬‬
‫‪ 16804‬ـ حدثنا مـحمد بن بشار‪ ،‬قال‪ :‬حدثنا عبد الرحمن‪ ،‬عن سفـيان‪ ،‬عن منصور‪ ،‬عن‬
‫ن َربّ كَ َت ْرجُوها قال‪ :‬انتظار الرزق فَقُلْ َلهُ مْ قَ ْولً‬
‫حمَةٍ مِ ْ‬
‫ع ْنهُ مُ ا ْبتِغاءَ َر ْ‬
‫إبراهيـم وإمّا ُتعْ ِرضَ نّ َ‬
‫َم ْيسُورا قال‪ :‬لـينا َت ِعدُهم‪.‬‬
‫‪ 16805‬ـ حدثنا القاسم‪ ،‬قال‪ :‬حدثنا الـحسين‪ ،‬قال‪ :‬ثنـي حجاج‪ ،‬عن ابن جريج‪ ،‬عن عطاء‬
‫حمَةَ َربّ كَ‬
‫سمُونَ َر ْ‬
‫ن َربّ كَ قال‪ :‬رزق أهُ ْم يَقْ ِ‬
‫حمَةٍ ِم ْ‬
‫ال ـخُراسانـي‪ ،‬عن ا بن عب ـاس ا ْبتِغاءَ َر ْ‬
‫ش َت ُهمْ‪.‬‬
‫سمْنا بَـ ْي َنهُ ْم َمعِي َ‬
‫نَـحْنُ َق َ‬
‫‪ 16806‬ـ حدثنا عمران بن موسى‪ ،‬قال‪ :‬حدثنا عبد الوارث‪ ،‬قال‪ :‬حدثنا عمارة‪ ،‬عن عكرمة‪،‬‬
‫ّكـ َت ْرجُوهـا قال‪ :‬انتظار رزق مـن ال‬
‫ِنـ َرب َ‬
‫حمَ ٍة م ْ‬
‫ُمـ ا ْبتِغاءَ َر ْ‬
‫ع ْنه ُ‬
‫َنـ َ‬
‫فــي قوله وَإمّا ُت ْعرِض ّ‬
‫يأتـيك‪.‬‬
‫‪16807‬ــ حدثنـا القاسـم‪ ،‬قال‪ :‬حدثنـا الــحسين‪ ،‬قال‪ :‬ثنــي حجاج‪ ،‬عن ابـن جريـج‪ ،‬عن‬
‫ن َربّ كَ َت ْرجُوها قال‪ :‬إن سألوك فلـم يجدوا‬
‫حمَةٍ مِ ْ‬
‫ع ْنهُ مُ ا ْبتِغاءَ َر ْ‬
‫عكرمة‪ ،‬قوله وَإمّا ُتعْ ِرضَ نّ َ‬
‫عدْهـم‬
‫ل َميْسـُورا قال‪ِ :‬‬
‫عندك مـا تعطيهـم ابتغاء رحمـة‪ ،‬قال‪ :‬رزق تنتظره ترجوه فَقُلْ َلهُم ْـ قَ ْو ً‬
‫عدَ ًة حسنة‪ :‬إذا كان ذلك‪ ،‬إذا جاءنا ذلك فعلنا‪ ،‬أعطيناكم‪ ،‬فهو القول الـميسور‪.‬‬
‫ِ‬
‫قال ابن جريج‪ ،‬قال مـجاهد‪ :‬إن سألوك فلـم يكن عندك ما تعطيهم‪ ،‬فأعرضت عنهم ابتغاء‬
‫ل م ْيسُورا‪.‬‬
‫رحمة‪ ،‬قال‪ :‬رزق تنتظره فَقُلْ َل ُهمْ قَ ْو ً‬
‫‪ 16808‬ـ حدثنـي مـحمد بن عمرو‪ ،‬قال‪ :‬حدثنا أبو عاصم‪ ،‬قال‪ :‬حدثنا عيسى وحدثنـي‬
‫الــحارث‪ ،‬قال‪ :‬حدثنـا الــحسن قال‪ :‬حدثنـا ورقاء‪ ،‬جميعـا‪ ،‬عـن ابـن أبــي نــجيح‪ ،‬عـن‬
‫ن َر ّبكَ قال‪ :‬انتظار رزق ال‪.‬‬
‫ل ا ْبتِغا َء َرحْمَ ٍة مِ ْ‬
‫مـجاهد‪ ،‬فـي قول ال عزّ وج ّ‬
‫‪ 16809‬ـ حدثنا ابن بشار‪ ،‬قال‪ :‬حدثنا يحيى‪ ،‬قال‪ :‬حدثنا سفـيان‪ ،‬عن العمش‪ ،‬عن أبـي‬
‫حمَ ٍة مِنْ َر ّبكَ َت ْرجُوها قال‪ :‬ابتغاء الرزق‪.‬‬
‫ضحَى‪ ،‬عن عبـيدة فـي قوله ا ْبتِغاءَ َر ْ‬
‫ال ّ‬
‫‪16810‬ـ حدثنا ابن حميد‪ ،‬قال‪ :‬حدثنا حكام‪ ،‬عن عمرو‪ ،‬عن عطاء‪ ،‬عن سعيد وإمّا ُت ْعرِضَ نّ‬
‫ـ قَ ْولً َميْسـُورا أي‬
‫ـ َت ْرجُوهـا قال‪ :‬أي رزق تنتظره فَقُلْ َلهُم ْ‬
‫ـ َربّك َ‬
‫حمَ ٍة مِن ْ‬
‫ـ ا ْبتِغاءَ َر ْ‬
‫ع ْنهُم ُ‬
‫َ‬
‫معروفـا‪.‬‬
‫‪ 16811‬ـ حدثنا مـحمد بن عبد العلـى‪ ،‬قال‪ :‬حدثنا مـحمد بن ثور‪ ،‬عن معمر‪ ،‬عن قتادة‬
‫ل َميْسُورا قال‪ :‬عدهم خيرا‪ .‬وقال الـحسن‪ :‬قل لهم قولً لـينا وسهلً‪.‬‬
‫فَقُلْ َل ُهمْ قَ ْو ً‬
‫‪ 16812‬ـ حُد ثت عن ال ـحسين بن الفرج‪ ،‬قال‪ :‬سمعت أب ـا معاذ يقول‪ :‬حدث نا عب ـيد بن‬
‫عنْهُم يقول‪ :‬ل نـجد شيئا‬
‫سلـيـمان‪ ،‬قال‪ :‬سمعت الضحاك يقول‪ ،‬ف ـي قوله وَإمّا ُت ْع ِرضَ نّ َ‬
‫ّكـ يقول‪ :‬انتظار الرزق مـن ربـك‪ ،‬نزلت فــيـمن كان يسـأل‬
‫ِنـ َرب َ‬
‫حمَ ٍة م ْ‬
‫تعطيهـم ا ْبتِغا َء رَ ْ‬
‫النبـيّ صلى ال عليه وسلم من الـمساكين‪.‬‬
‫حدث نا م ـحمد بن ال ـمثنى‪ ،‬قال‪ :‬ثن ـي حر مي بن عمارة‪ ،‬قال‪ :‬حدث نا شع بة‪ ،‬قال‪ :‬ثن ـي‬
‫ل َل ُهمْ قَ ْولً َم ْيسُورا قال‪ :‬الرفق‪.‬‬
‫عمارة‪ ،‬عن عكرمة فـي قول ال فَقُ ْ‬
‫وكان ابن زيد يقول فـي ذلك ما‪:‬‬
‫‪ 16813‬ـ حدثن ـي به يو نس‪ ،‬قال‪ :‬أخبر نا ا بن و هب‪ ،‬قال‪ :‬قال ا بن ز يد‪ ،‬ف ـي قوله‪ :‬وإمّا‬
‫حمَةٍ ِم نْ َربّ كَ َترْجو ها إذا خش يت إن‬
‫عنْهُم عن هؤلء الذ ين أو صيناك ب هم ا ْبتِغاءَ َر ْ‬
‫ُتعْ ِرضَ نّ َ‬
‫أعطيتهـم‪ ،‬أن يتقوّوا بهـا علــى معاصـي ال عزّ وجلّ‪ ،‬ويسـتعينوا بهـا علــيها‪ ،‬فرأيـت أن‬
‫تـمنعهم خيرا‪ ،‬فإذا سألوك فَقُلْ َل ُه ْم قَ ْولً َم ْيسُورا قولً جميلً‪ :‬رزقك ال‪ ،‬بـارك ال فـيك‪.‬‬
‫وهذا القول الذي ذكرناه عن ابن زيد مع خلفه أقوال أهل التأويـل فـي تأويـل هذه الَية‪،‬‬
‫بع يد ال ـمعنى‪ ،‬م ـما يدلّ عل ـيه ظاهر ها‪ ،‬وذلك أن ال تعال ـى قال لنب ـيه صلى ال عل يه‬
‫حمَةٍ ِم نْ َربّ كَ َت ْرجُوها فأمره أن يقول إذا كان إعراضه عن‬
‫ع ْنهُ مُ ا ْبتِغاءَ َر ْ‬
‫وسلم وَإمّا ُت ْعرِضَ نّ َ‬
‫القوم الذ ين ذكر هم انتظار رح مة م نه يرجو ها من ر به قَ ْولً َميْ سُورا وذلك العراض ابتغاء‬
‫الرحمة‪ ،‬لن يخـلو من أحد أمر ين‪ :‬إ ما أن يكون إعراضا م نه ابتغاء رحمة من ال يرجوها‬
‫لنفسه‪ ،‬فـيكون معنى الكلم كما قلناه‪ ،‬وقاله أهل التأويـل الذين ذكرنا قولهم‪ ،‬وخلف قوله أو‬
‫يكون إعراضا منه ابتغاء رحمة من ال يرجوها للسائلـين الذين ُأمِر نبـيّ ال صلى ال عليه‬
‫وسلم بزعمه أن يـمنعهم ما سألوه خشية علـيهم من أن ينفقوه فـي معاصي ال‪ ،‬فمعلوم أن‬
‫سخط ال عل ـى من كان غ ير مأمون م نه صَرْف ما ُأعْ طي من نف قة ل ـيتقوّى ب ها عل ـى‬
‫طاعة ال فـي معاصيه‪ ،‬أخوف من رجاء رحمته له‪ ،‬وذلك أن رحمة ال إنـما ترجى لهل‬
‫طاع ته‪ ،‬ل ل هل معا صيه‪ ،‬إل أن يكون أراد توج يه ذلك إل ـى أن نب ـيّ ال صلى ال عل يه‬
‫و سلم أ مر ب ـمنعهم ما سألوه‪ ،‬ل ـينـيبوا من معا صي ال‪ ،‬ويتوبوا ب ـمنعه إيا هم ما سألوه‪،‬‬
‫فـيكون ذلك وجها يحتـمله تأويـل الَية‪ ،‬وإن كان لقول أهل التأويـل مخالفـا‪.‬‬

‫‪29‬‬ ‫الية ‪:‬‬


‫ل ا ْلبَ سْطِ‬
‫طهَا كُ ّ‬
‫ل َتبْ سُ ْ‬
‫عُنقِ كَ َو َ‬
‫ك َمغْلُولَ ًة إَِلىَ ُ‬
‫ل َيدَ َ‬
‫جعَ ْ‬
‫القول ف ـي تأوي ـل قوله تعال ـى { َولَ َت ْ‬
‫حسُورا }‪.‬‬
‫َفتَ ْقعُدَ مَلُوما ّم ْ‬
‫ل ضر به ال تب ـارك وتعال ـى لل ـمـمتنع من النف ـاق ف ـي ال ـحقوق الت ـي‬
‫وهذا مث ٌ‬
‫أوجب ها ف ـي أموال ذوي الموال‪ ،‬فجعله كال ـمشدودة يده إل ـى عن قه‪ ،‬الذي ل يقدر عل ـى‬
‫الخذ بها والعطاء‪.‬‬
‫وإنـما معنى الكلم‪ :‬ول تـمسك يا مـحمد يدك بخلً عن النفقة فـي حقوق ال‪ ،‬فل تنفق‬
‫ل البَ سْطِ‬
‫فـيها شيئا إمساك الـمغلولة يده إلـى عنقه‪ ،‬الذي ل يستطيع بسطها وَل َتبْ سُطْها كُ ّ‬
‫ل البسـط‪ ،‬فتَبقــى ل شيـء عندك‪ ،‬ول تــجد إذا سـئلت شيئا‬
‫يقول‪ :‬ول تبسـطها بــالعطية ك ّ‬
‫تعطيـه سـائلك فَتَ ْق ُعدَ مَلُومـا مَــحْسُورا يقول‪ :‬فتقعـد يــلومك سـائلوك إذا لــم تعطهـم حيـن‬
‫سألوك‪ ،‬وتلو مك نف سك عل ـى ال سراع ف ـي مالك وذها به‪ ،‬م ـحسورا يقول‪َ :‬معِيب ـا‪ ،‬قد‬
‫ان ُقطِع بك‪ ،‬ل شيء عندك تنفقه‪ .‬وأصله من قولهم للدابة التـي قد سير علـيها حتـى ان َقطَع‬
‫أحسـرُها‪،‬‬
‫ِ‬ ‫َسـرْت الدابـة فأنـا‬
‫سـيرها‪ ،‬وكلّت ورَزحَت مـن السـير‪ ،‬بأنـه حَسـِير‪ .‬يقال منـه‪ :‬ح َ‬
‫سرَ‬
‫وأح سُرها حَ سْرا‪ ،‬وذلك إذا أنضيته بـالسير وحَ سَرته بـالـمسألة إذا سألته فألـحفت وحَ َ‬
‫ب إلَ ـ ْيكَ‬
‫الب صرُ ف هو َيحْ سِر‪ ،‬وذلك إذا بلغ أق صى ال ـمنظر فكَلّ‪ .‬وم نه قوله عزّ وجلّ‪َ :‬ينْقَلِ ْ‬
‫البَ صَرُ خا سِئا وَ ُهوَ حَ سِيرٌ (الـملك‪ 4 :‬وكذلك ذلك فـي كلّ شيء كَلّ وأزحف حتـى َيضْنَى‪.‬‬
‫وبنـحو الذي قلنا فـي ذلك‪ ،‬قال أهل التأويـل‪ .‬ذكر من قال ذلك‪:‬‬
‫‪ 16814‬ـ حدثنا مـحمد بن بشار‪ ،‬قال‪ :‬حدثنا هودة‪ ،‬قال‪ :‬حدثنا عوف‪ ،‬عن الـحسن‪ ،‬فـي‬
‫ك قال‪ :‬ل ت ـجعلها مغلولة عن النف قة وَل َتبْ سُطْها‪:‬‬
‫عنُقِ َ‬
‫ك َمغْلُولَ ًة إل ـى ُ‬
‫ل َيدَ َ‬
‫قوله وَل تَ ـجْعَ ْ‬
‫تبذّر بسرف‪.‬‬
‫‪16815‬ـ حدثنا ابن حميد‪ ،‬قال‪ :‬حدثنا يوسف بن بهز‪ ،‬قال‪ :‬حدثنا حوشب‪ ،‬قال‪ :‬كان الـحسن‬
‫َسـطِ َفتَ ْق ُعدَ مَلُومـا‬
‫ْسـطْها كُلّ الب ْ‬
‫ِكـ وَل َتب ُ‬
‫عنُق َ‬
‫َكـ َمغْلُولَ ًة إلــى ُ‬
‫جعَلْ َيد َ‬
‫إذا تل هذه الَيـة وَل تَــ ْ‬
‫سخْطي فأ سُلبَك ما‬
‫حسُورا يقول‪ :‬ل تطفّف برزق ـي عن غ ير رضاي‪ ،‬ول تضعْه ف ـي ُ‬
‫مَ ـ ْ‬
‫فـي يديك‪ ،‬فتكون حسيرا لـيس فـي يديك منه شيء‪.‬‬
‫‪16816‬ـ حدثنـي مـحمد بن سعد‪ ،‬قال‪ :‬ثنـي أبـي‪ ،‬قال‪ :‬ثنـي عمي‪ ،‬قال‪ :‬ثنـي أبـي‪،‬‬
‫سطِ‬
‫سطْها كُلّ البَ ْ‬
‫عنُقُك وَل َتبْ ُ‬
‫ل َيدَكَ َمغْلُولَ ًة إلـى ُ‬
‫عن أبـيه‪ ،‬عن ابن عبـاس‪ ،‬قوله وَل تَـجْعَ ْ‬
‫عنُقِ كَ يقول‪:‬‬
‫جعَلْ َيدَ كَ َمغْلُوَلةً إلـى ُ‬
‫حسُورا يقول هذا فـي النفقة‪ ،‬يقول ل تَـ ْ‬
‫َفتَ ْقعُدَ مَلُوما مـ ْ‬
‫سطْها كُلّ البَ سْطِ يعن ـي التبذ ير َفتَ ْق ُعدَ مَلُو ما يقول‪ :‬ي ـلوم نف سه‬
‫ل تب سطها ب ـالـخير وَل َتبْ ُ‬
‫حسُورا يعنـي‪ :‬ذهب ماله كله فهو مـحسور‪.‬‬
‫علـى ما فـات من ماله مَـ ْ‬
‫حدثنــي علــي‪ ،‬قال‪ :‬حدثنـا أبـو صـالـح‪ ،‬قال‪ :‬ثنــي معاويـة‪ ،‬عـن علــي‪ ،‬عـن ابـن‬
‫عنُ ِقكَ يعنـي بذلك البخـل‪.‬‬
‫جعَلْ َي َدكَ َمغْلُوَلةً إلـى ُ‬
‫عبـاس‪ ،‬قوله وَل تـ ْ‬
‫ل َيدَ كَ‬
‫‪ 16817‬ـ حدثنا بشر‪ ،‬قال‪ :‬حدثنا يزيد‪ ،‬قال‪ :‬حدثنا سعيد‪ ،‬عن قتادة‪ ،‬قوله وَل تَـجْعَ ْ‬
‫سطِ يقول‪:‬‬
‫ل البَ ْ‬
‫ك أي ل تـمسكها عن طاعة ال‪ ،‬ول عن حقه وَل تبْ سُطْها كُ ّ‬
‫عنُقِ َ‬
‫َمغْلُولَ ًة إلـى ُ‬
‫ل تنفق ها ف ـي معصـية ال‪ ،‬ول ف ـيـما ي صلـح لك‪ ،‬ول ينب غي لك‪ ،‬و هو ال سراف‪ .‬قوله‬
‫حسُورا قال‪ :‬ملو ما ف ـي عب ـاد ال‪ ،‬م ـحسورا عل ـى ما سلف من دهره‬
‫َفتَ ْقعُدَ مَلُو ما مَ ـ ْ‬
‫وفرّط‪.‬‬
‫حدث نا م ـحمد بن ع بد العل ـى‪ ،‬قال‪ :‬حدث نا م ـحمد بن ثور‪ ،‬عن مع مر‪ ،‬عن قتادة وَل‬
‫سطْها كُلّ‬
‫ك قال‪ :‬فـي النفقة‪ ،‬يقول‪ :‬ل تـمسك عن النفقة وَل َت ْب ُ‬
‫عنُ ِق َ‬
‫ك َمغْلُولَ ًة إلـى ُ‬
‫ل َيدَ َ‬
‫تَـجْعَ ْ‬
‫حسُورا يقول‪ :‬ناد ما عل ـى ما‬
‫البَ سْطِ يقول‪ :‬ل تبذر تبذيرا َفتَ ْق ُعدَ مَلُو ما ف ـي عب ـاد ال مَ ـ ْ‬
‫فرط منك‪.‬‬
‫‪ 16818‬ـ حدث نا القا سم‪ ،‬قال‪ :‬حدث نا ال ـحسين‪ ،‬قال‪ :‬ثن ـي حجاج‪ ،‬عن ا بن جر يج‪ ،‬قال‪ :‬ل‬
‫ل البَ سْطِ فـيـما نهيتك َفتَ ْق ُعدَ‬
‫تـمسك عن النفقة فـيـما أمرتك به من الـحق وَل َتبْ سُطْها كُ ّ‬
‫مَلُوما قال‪ :‬مذنبـا مَـحْسُورا قال‪ :‬منقطعا بك‪.‬‬
‫جعَلْ‬
‫‪ 16819‬ـ حدثنـي يونس‪ ،‬قال‪ :‬أخبرنا ابن وهب‪ ،‬قال‪ :‬قال ابن زيد‪ ،‬فـي قوله وَل تَـ ْ‬
‫سطِ فـي‬
‫سطْها كُلّ البَ ْ‬
‫ك قال‪ :‬مغلولة ل تبسطها بخير ول بعطية وَل َتبْ ُ‬
‫عنُقِ َ‬
‫َيدَ كَ َمغْلولَ ًة إلـى ُ‬
‫الـحق والبـاطل‪ ،‬فـينفَذ ما معك‪ ،‬وما فـي يديك‪ ،‬فـيأتـيك من يريد أن تعطيه فـيحسر‬
‫بك‪ ،‬فـيـلومك حين أعطيت هؤلء‪ ،‬ولـم تعطهم‪.‬‬

‫‪30‬‬ ‫الية ‪:‬‬


‫سطُ الرّزْ قَ لِمَن َيشَآءُ َويَ ْق ِدرُ ِإنّ ُه كَا نَ ِب ِعبَادِ هِ‬
‫القول ف ـي تأوي ـل قوله تعال ـى {إِ نّ َربّ كَ َيبْ ُ‬
‫خبِيرا َبصِيرا }‪.‬‬
‫َ‬
‫يقول تعالـى ذكره لنبـيه مـحمد صلى ال عل يه وسلم‪ :‬إن ربك يا مـحمد يبسط رز قه‬
‫ل ـمن يشاء من عب ـاده‪ ،‬ف ـيوسع عل ـيه‪ ،‬ويقدر عل ـى من يشاء‪ ،‬يقول‪ :‬وُيقَتّر عل ـى من‬
‫خبِـيرا‪ :‬يقول‪ :‬إن ربك ذو خبرة بعبـاده‪ ،‬ومن‬
‫ن ِب ِعبَـادِ ِه َ‬
‫يشاء منهم‪ ،‬فـيضيّق علـيه إّنهُ كَا َ‬
‫الذي تصـلـحه السـعة فــي الرزق وتفسـده ومـن الذي يصـلـحه القتار والضيـق ويهلكـه‪.‬‬
‫بصـيرا‪ :‬يقول‪ :‬هـو ذو بصـر بتدبــيرهم وسـياستهم‪ ،‬يقول‪ :‬فــانته يـا مــحمد إلــى أمرنـا‬
‫ف ـيـما أمرناك ونهيناك من ب سط يدك ف ـيـما تب سطها ف ـيه‪ ،‬وف ـيـمن تب سطها له‪ ،‬ومِن‬
‫كف ها ع من تكف ها ع نه‪ ،‬وتكف ها ف ـيه‪ ،‬فن ـحن أعل ـم ب ـمصالـح العب ـاد م نك‪ ،‬و من جم يع‬
‫الـخـلق وأبصر بتدبـيرهم‪ ،‬كالذي‪:‬‬
‫‪ 16820‬ـ حدثن ـي يو نس‪ ،‬قال‪ :‬أخبر نا ا بن و هب‪ ،‬قال‪ :‬قال ا بن ز يد‪ ،‬ثم أخبر نا تب ـارك‬
‫وتعال ـى ك يف ي صنع‪ ،‬فقال‪ :‬إ نّ َربّ كَ َيبْ سُط ال ّرزْ قَ لِ ـمَنْ يَشاءُ َويَ ْق ِدرُ قال‪ :‬يقدر‪ :‬يقلّ‪ ،‬و كل‬
‫ش يء ف ـي القرآن يَ ْقدِر كذلك ثم أ خبر عب ـاده أ نه ل يرزَؤُه ول يئُوده أن لو ب سط عل ـيهم‪،‬‬
‫ن ُي َنزّلُ ب َق َدرٍ‬
‫سطَ اللّ هُ ال ّرزْ قَ ِلعِبـادِ ِه َل َبغَوْا فِـي الرْ ضِ وَل ِك ْ‬
‫ولكن نظرا لهم منه‪ ،‬فقال‪ :‬وََلوْ بَ َ‬
‫خبِ ـيرٌ بَ صِي ٌر قال‪ :‬والعرب إذا كان ال ـخصب وبُ سِط عل ـيهم َأشِروا‪،‬‬
‫ما يَشاءُ إنّ ُه بِعب ـادِ ِه َ‬
‫شغِلوا عن ذلك‪.‬‬
‫وقتل بعضهم بعضا‪ ،‬وجاء الفساد‪ ،‬فإذا كان السنة ُ‬

‫‪31‬‬ ‫الية ‪:‬‬


‫ن نَ ْر ُزقُهُ مْ وَِإيّاكُم إ نّ‬
‫خشْيَ َة ِإمْل قٍ ّنحْ ُ‬
‫القول ف ـي تأوي ـل قوله تعال ـى { َولَ تَ ْقتُُلوَاْ َأوْل َدكُ ْم َ‬
‫خطْئا َكبِيرا }‪.‬‬
‫ن ِ‬
‫َقتْلَ ُهمْ كَا َ‬
‫ن إحْ سانا‪ ،‬وَل‬
‫يقول تعال ـى ذكره‪َ :‬وقَضَى َربّ كَ يا م ـحمد ألّ َت ْع ُبدُوا إلّ إيّا هُ وَب ـالوَاِل َديْ ِ‬
‫شيَةَ إمْلقٍ فموضع تقتلوا نُصب عطفـا علـى أل تعبدوا‪.‬‬
‫خْ‬‫تَ ْقتُلُوا أوْل َد ُكمْ َ‬
‫شيَ َة إمْلقٍـ خوف إقتار وفقـر‪ .‬وقـد بــيّنا ذلك بشواهده فــيـما مضـى‪،‬‬
‫خْ‬‫ويعنــي بقوله‪َ :‬‬
‫ل ثناؤه ذلك للعرب‪ ،‬لنهـم كانوا يقتلون الناث مـن‬
‫وذكرنـا الروايـة فــيه‪ .‬وإنــما قال ج ّ‬
‫أولدهم خوف العيـلة علـى أنفسهم بـالنفـاق علـيهن‪ ،‬كما‪:‬‬
‫‪ 16821‬ـ حدثنا بشر‪ ،‬قال‪ :‬حدثنا يزيد‪ ،‬قال‪ :‬حدثنا سعيد‪ ،‬عن قتادة‪ ،‬قوله ول تَ ْقتُلُوا أوْل َدكُ مْ‬
‫خشْيَة إمْل قٍ‪ :‬أي خش ية الف ـاقة‪ ،‬و قد كان أ هل ال ـجاهلـية يقتلون أولد هم خش ية الف ـاقة‪،‬‬
‫َ‬
‫فوعظهم ال فـي ذلك‪ ،‬وأخبرهم أن رزقهم ورزق أولدهم علـى ال‪ ،‬فقال‪ :‬نَـحْنُ َن ْرزُ ُقهُ مْ‬
‫طأً كَبـيرا‪.‬‬
‫خ ْ‬
‫ن ِ‬
‫ن َقتَْلهُمْ كا َ‬
‫وإيّا ُكمْ إ ّ‬
‫خشْيَة‬
‫حدثنا مـحمد بن عبد العلـى‪ ،‬قال‪ :‬حدثنا مـحمد بن ثور‪ ،‬عن معمر‪ ،‬عن قتادة َ‬
‫إمْلقٍ قال‪ :‬كانوا يقتلون البنات‪.‬‬
‫‪ 16822‬ـ حدثنا القاسم‪ ،‬قال‪ :‬حدثنا الـحسين‪ ،‬قال‪ :‬ثنـي حجاج‪ ،‬عن ابن جريج‪ ،‬قال‪ :‬قال‬
‫شيَة إمْلقٍ قال‪ :‬الفـاقة والفقر‪.‬‬
‫خْ‬‫مـجاهد وَل تَ ْقتُلُوا أوْل َدكُمْ َ‬
‫‪16823‬ـ حدثنـي علـيّ‪ ،‬قال‪ :‬حدثنا أبو صالـح‪ ،‬قال‪ :‬ثنـي معاوية‪ ،‬عن علـيّ‪ ،‬عن ابن‬
‫شيَة إمْلقٍ يقول‪ :‬الفقر‪.‬‬
‫خْ‬‫عبـاس‪ ،‬قوله َ‬
‫طأً َكبِـيرا فإن القراء اختلفت فـي قراءته فقرأته عامّة قراء أهل‬
‫خ ْ‬
‫ن َقتَْلهُمْ كان ِ‬
‫وأما قوله‪ :‬إ ّ‬
‫طأً َكبِـيرا بكسر الـخاء مِن الـخطإِ وسكون الطاء‪ .‬وإذا‬
‫خ ْ‬
‫ن َقتْلَهُ مْ كان ِ‬
‫الـمدينة والعراق إ ّ‬
‫خطِئت‬
‫قرىء ذلك كذلك‪ ،‬كان له وجهان من التأويـل‪ :‬أحدهما أن يكون اسما من قول القائل‪َ :‬‬
‫خطِئ تَ‪ :‬إذا أذنب تَ عمدا‪ ،‬وأخطأت‪:‬‬
‫فأنا َأخْطَأ‪ ،‬بـمعنى‪ :‬أذنبت وأث مت‪ .‬ويُحكى عن العرب‪َ :‬‬
‫خطَأ بفتـح‬
‫إذا وقع منك الذنب خَطَأ علـى غير عمد منك له‪ .‬والثانـي‪ :‬أن يكون بـمعنى َ‬
‫حذْر‪،‬‬
‫حذَر و ِ‬
‫ال ـخاء والطاء‪ ،‬ثم ك سرت ال ـخاء و سكنت الطاء‪ ،‬ك ما ق ـيـل‪ :‬قِتْب وقَتَب و َ‬
‫خطَأ بفت ـح ال ـخاء والطاء م صدر من‬
‫ونَ ـجِس ونَ ـجَس‪ .‬وال ـخِطْء ب ـالكسر ا سم‪ ،‬وال ـ َ‬
‫خطِىء الرجل وقد يكون اسما من قولهم‪ :‬أخطأ‪ .‬فأما الـمصدر منه فـالخطاء‪ .‬وقد‬
‫قولهم‪َ :‬‬
‫خطِىء‪ ،‬بـمعنى أخطأ‪ ،‬كما قال الشاعر‪:‬‬
‫قـيـل‪َ :‬‬
‫طئْنَ كاههِل‬
‫خِ‬‫َل ْهفَ ِه ْندٍ إ ْذ َ‬
‫طأً» بفتـح الـخاء‬
‫خَ‬‫بـمعنى‪ :‬أخطأن‪ .‬وقرأ ذلك بعض قرّاء أهل الـمدينة‪« :‬إنّ َقتَْلهُ ْم كانَ َ‬
‫والطاء مقصورا علـى توجيهه إلـى أنه اسم من قولهم‪ :‬أخطأ فلن خطأ‪ .‬وقرأه بعض قراء‬
‫خطَاء بنـحو معنى من قرأه‬
‫أهل مكة‪« :‬إنّ َقتْلهُمْ كان خَطاءً» بفتـح الـخَاء والطاء‪ ،‬وم ّد الـ َ‬
‫خطأ بفتـح الـخاء والطاء‪ ،‬غير أنه يخالفه فـي مدّ الـحرف‪.‬‬
‫وكان عا مة أ هل العل ـم بكلم العرب من أ هل الكو فة وب عض الب صريـين من هم يرون أن‬
‫خطْء بك سر ال ـخاء و سكون‬
‫خطَأ ب ـمعنى وا حد‪ ،‬إلّ أن بعض هم ز عم أن ال ـ ِ‬
‫خطْء وال ـ َ‬
‫ال ـ ِ‬
‫الطاء ف ـي القراءة أك ثر‪ ،‬وأَن ال ـخطأ بفت ـح ال ـخاء والطاء ف ـي كلم الناس أف شى‪ ،‬وأ نه‬
‫خطْء بكسر الـخاء وسكون الطاء‪ ،‬فـي شيء من كلمهم وأشعارهم‪ ،‬إل فـي‬
‫لـم يسمع الـ ِ‬
‫بـيت أنشده لبعض الشعراء‪:‬‬
‫غ ِرسَتْ فِـي الرْضِ تُ ْؤتَبرُ‬
‫خطْءُ فـاحِشَةٌ وال ِبرّ نافِلَةٌك َعجْوَة ُ‬
‫الـ ِ‬
‫خطْء بكسر الـخاء وسكون الطاء وفتـحهما‪.‬‬
‫وقد ذكرت الفرق بـين الـ ِ‬
‫وأول ـى القراءات ف ـي ذلك عند نا ب ـالصواب‪ ،‬القراءة الت ـي عل ـيها قراء أ هل العراق‪،‬‬
‫وعامة أهل الـحجاز‪ ،‬لجماع الـحجة من القراء علـيها‪ ،‬وشذوذ ما عداها‪ .‬وإن معنى ذلك‬
‫خطَأ من الفعل‪ ،‬لنهم إنـما كانوا يقتلونهم عمدا ل خطأ‪ ،‬وعلـى عمدهم‬
‫كان إثما وخطيئة‪ ،‬ل َ‬
‫ذلك عاتبهـم ربهـم‪ ،‬وتقدم إلــيهم بــالنهي عنـه‪ .‬وبنــحو الذي قلنـا فــي ذلك‪ ،‬قال أهـل‬
‫التأويـل‪ .‬ذكر من قال ذلك‪:‬‬
‫‪ 16824‬ـ حدثنـي مـحمد بن عمرو‪ ،‬قال‪ :‬حدثنا أبو عاصم‪ ،‬قال‪ :‬حدثنا عيسى وحدثنـي‬
‫الــحارث‪ ،‬قال‪ :‬حدثنـا الــحسن‪ ،‬قال‪ :‬حدثنـا ورقاء‪ ،‬جميعـا عـن ابـن أبــي نــجيح‪ ،‬عـن‬
‫طأً َكبِـيرا قال‪ :‬أي خطيئة‪.‬‬
‫خ ْ‬
‫مـجاهد ِ‬
‫حدثنا القا سم‪ ،‬قال‪ :‬حدثنا ال ـحسين‪ ،‬قال‪ :‬ثنـي حجاج‪ ،‬عن ابن جريج‪ ،‬عن مـجاهد إ نّ‬
‫طأً َكبِـيرا قال‪ :‬خطيئة‪ .‬قال ابن جريج‪ ،‬وقال ابن عبـاس‪ :‬خِطأ‪ :‬أي خطيئة‪.‬‬
‫خ ْ‬
‫ن ِ‬
‫َقتْلَ ُهمْ كا َ‬

‫‪32‬‬ ‫الية ‪:‬‬


‫سبِيلً }‪.‬‬
‫حشَةً َوسَآءَ َ‬
‫القول فـي تأويـل قوله تعالـى { َولَ تَ ْق َربُو ْا ال ّز َنىَ ِإنّ ُه كَانَ فَا ِ‬
‫حشَةً يقول‪ :‬إن‬
‫ن فـا ِ‬
‫يقول تعالـى ذكره‪ :‬وقضى أيضا أن ل تَ ْق َربُوا أيها الناس الزّنا إّن هُ كا َ‬
‫الزّ نا كان ف ـاحشة وَ سا َء سَبـيلً يقول‪ :‬و ساء طر يق الز نا طري قا‪ ،‬لن طر يق أ هل مع صية‬
‫ال‪ ،‬والـمخالفـين أمره‪ ،‬فأسوى ْء به طريقا يورد صاحبه نار جهنـم‪.‬‬

‫‪33‬‬ ‫الية ‪:‬‬


‫َقـ وَمَن ُقتِلَ‬
‫ّهـ ِإلّ بِالح ّ‬
‫ّمـ الل ُ‬
‫حر َ‬‫ْسـ الّتِي َ‬
‫القول فــي تأويــل قوله تعالــى { َولَ تَ ْقتُلُواْ النّف َ‬
‫ن َم ْنصُورا }‪.‬‬
‫جعَ ْلنَا لِوَِلّيهِ سُ ْلطَانا فَلَ ُيسْرِف فّي الْ َقتْلِ ِإّنهُ كَا َ‬
‫َمظْلُوما فَ َقدْ َ‬
‫ّهـ قتلهـا إلّ‬
‫ّمـ الل ُ‬
‫حر َ‬‫ْسـ التــي َ‬
‫يقول جـل ثناؤه‪ :‬وقضـى أيضـا أن ل تَ ْقتُلُوا أيهـا الناس النّف َ‬
‫حقّ وحقها أن ل تقتل إل بكفر بعد إسلم‪ ،‬أو زنا بعد إحصان‪ ،‬أو قود نفس‪ ،‬وإن كانت‬
‫بـالـ َ‬
‫كافرة لـم يتقدّم كفرها إسلم‪ ،‬فأن ل يكون تقدم قتلها لها عهد وأمان‪ ،‬كما‪:‬‬
‫‪ 16825‬ـ حدث نا ب شر‪ ،‬قال‪ :‬حدث نا يز يد‪ ،‬قال‪ :‬حدث نا سعيد‪ ،‬عن قتادة‪ ،‬قوله وَل ت ْقتُلُوا النّفْ سَ‬
‫حقّ وإنا وال ما نعلـم بحلّ دم امرىء مسلـم إلّ بإحدى ثلث‪ ،‬إل‬
‫حرّمَ الّل ُه إلّ بـالـ َ‬
‫التـي َ‬
‫رجلً قتـل متعمدا‪ ،‬فعلــيه القَوَد‪ ،‬أو زَنـى بعـد إحصـانه فعلــيه الرجـم أو كفـر بعـد إسـلمه‬
‫فعلـيه القتل‪.‬‬
‫‪ 16826‬ـ حدثنا ابن وكيع‪ ،‬قال‪ :‬حدثنا ابن عيـينة‪ ،‬عن الزهر يّ‪ ،‬عن عُروة أو غيره‪ ،‬قال‪:‬‬
‫ق ـيـل لب ـي ب كر‪ :‬أتق تل من يرى أن ل يؤدي الزكاة‪ ،‬قال‪ :‬لو منعون ـي شيئا م ـما أقروا‬
‫به لر سول ال صلى ال عل يه و سلم لقاتلت هم‪ .‬فق ـيـل لب ـي ب كر‪ :‬أل ـيس قال ر سول ال‬
‫صمُوا‬
‫ع َ‬
‫صلى ال عليه وسلم‪ُ« :‬أ ِمرْتُ أنْ أُقاتِلَ النّاسَ حتـى يَقُولُوا‪ :‬ل إلَه إلّ اللّهُ‪ ،‬فإذَا قالُوها َ‬
‫ل ِبحَقّها‪ ،‬وحِسا ُب ُهمْ عَلـى الّلهِ» فقال أبو بكر‪ :‬هذا من حقها‪.‬‬
‫ِمنّـي دِماء ُهمْ وأمْوالُهم إ ّ‬
‫‪ 16827‬ـ حدثنـي موسى بن سهل‪ ،‬قال‪ :‬حدثنا عمرو بن هاشم‪ ،‬قال‪ :‬حدثنا سلـيـمان بن‬
‫حيان‪ ،‬عن حم يد الطوي ـل‪ ،‬عن أ نس بن مالك‪ ،‬قال‪ :‬قال ر سول ال صلى ال عل يه و سلم‪:‬‬
‫ت أنْ أُقاتِل النّاسِ حتـى يقُولُوا ل إلَه إلّ اللّهُ‪ ،‬فإذَا قالُوها عَصمُوا ِمنّى دِماءهُمْ وأمْوالهُمْ‬
‫«ُأ ِمرْ ُ‬
‫إلّ ِبحَقّهـا وحِسـابُهمْ عَلــى اللّهـِ» قــيـل‪ :‬ومـا حقهـا؟ قال‪« :‬زِنـا بَعْد إحْصـانٍ‪ ،‬وكُ ْفرٌ بَعْد‬
‫ل نَفْسٍ فَـيُ ْقتَلُ بِها»‪.‬‬
‫إيـمَانٍ‪ ،‬و َقتْ ُ‬
‫ن قُتِل َمظْلُوما يقول‪ :‬ومن قتل بغير الـمعانـي التـي ذكرنا أنه إذا قتل بها كان‬
‫وقوله‪ :‬و َم ْ‬
‫جعَلْ نا لِولِ ـيّ ِه سُلْطانا يقول‪ :‬ف قد جعل نا لول ـيّ ال ـمقتول ظل ـما سلطانا عل ـى‬
‫ل بح قّ فَ َقدْ َ‬
‫قت ً‬
‫قاتل ولـيه‪ ،‬فإن شاء استقاد منه فقتله بولـيه‪ ،‬وإن شاء عفـا عنه‪ ،‬وإن شاء أخذ الدية‪.‬‬
‫و قد اختلف أ هل التأوي ـل ف ـي مع نى ال سلطان الذي جُ عل لول ـيّ ال ـمقتول‪ ،‬فقال بعض هم‬
‫فـي ذلك‪ ،‬نـحو الذي قُلنا‪ .‬ذكر من قال ذلك‪:‬‬
‫‪ 16828‬ـ حدثنـي مـحمد بن سعد‪ ،‬قال‪ :‬ثنـي أبـي‪ ،‬قال‪ :‬ثنـي عمي‪ ،‬قال ثنـي أبـي‪،‬‬
‫ل بـالـحَقّ َومَ نْ ُقتِل‬
‫حرّ مَ اللّ هُ إ ّ‬
‫عن أبـيه‪ ،‬عن ابن عبـاس‪ ،‬قوله ول تَ ْقتَلُوا النّفْ سَ التـي َ‬
‫ل أنزلها يطلبها ولـيّ الـمقتول‪،‬‬
‫جعَلْنا لولـيّه سُلْطانا قال‪ :‬بـيّنة من ال عزّ وج ّ‬
‫َمظْلُوما فَ َقدْ َ‬
‫العَقْل‪ ،‬أو ال َقوَد‪ ،‬وذلك السلطان‪.‬‬
‫‪16829‬ـ حدثنا مـحمد بن بشار‪ ،‬قال‪ :‬حدثنا عبد الرحمن‪ ،‬قال‪ :‬حدثنا سفـيان‪ ،‬عن جُويبر‪،‬‬
‫جعَلْ نا لِولِ ـيّهِ سُلْطانا قال‪ :‬إن شاء عف ـا‪ ،‬وإن شاء‬
‫عن الضحاك بن مزا حم‪ ،‬ف ـي قوله‪ :‬فَ َقدْ َ‬
‫أخذ الدية‪.‬‬
‫وقال آخرون‪ :‬بل ذلك السلطان‪ :‬هو القتل‪ .‬ذكر من قال ذلك‪:‬‬
‫ن قُتِل مَظْلُوما‬
‫‪ 16830‬ـ حدثنا بشر‪ ،‬قال‪ :‬حدثنا يزيد‪ ،‬قال‪ :‬حدثنا سعيد‪ ،‬عن قتادة‪ ،‬قوله‪َ :‬ومَ ْ‬
‫جعَلْنا لِولِـيّ ِه سُلْطانا وهو القَوَد الذي جعله ال تعالـى‪.‬‬
‫فَ َقدْ َ‬
‫وأولـى التأويـلـين بـالصواب ف ـي ذلك تأويـل من تأول ذلك‪ :‬أن السلطان الذي ذكر‬
‫ال تعالـى فـي هذا الـموضع ما قاله ابن عبـاس‪ ،‬من أن لولـيّ القتـيـل القتل إن شاء‬
‫وإن شاء أخذ الدية‪ ،‬وإن شاء العفو‪ ،‬لصحة الـخبر عن رسول ال صلى ال عل يه وسلم أنه‬
‫ن يَقْتُل أ ْو يأْخُذ‬
‫نأ ْ‬
‫ن ب ـي ِ‬
‫خ ْيرِ ال ّنظَريْ ِ‬
‫قال يوم فت ـح م كة‪« :‬أل وَ من قُتِل َل ُه قَتِ ـيـلٌ فَهُو ِب َ‬
‫ال ّديَة» وقد بـيّنت الـحكم فـي ذلك فـي كتابنا‪ :‬كتاب الـجراح‪.‬‬
‫ف فــي ال َقتْلِ اختلفـت القرّاء فــي قراءة ذلك‪ ،‬فقرأتـه عامّة قرّاء الكوفـة‪:‬‬
‫وقوله‪ :‬فَل يُس ْـ ِر ْ‬
‫«فل تُ سْ ِرفْ» بـمعنى الـخطاب لرسول ال صلى ال عليه وسلم‪ ،‬والـمراد به هو والئمة‬
‫مـن بعده‪ ،‬يقول‪ :‬فل تقتـل بــالـمقتول ظُلْــما غيـر قاتله‪ ،‬وذلك أن أهـل الــجاهلـية كانوا‬
‫يفعلون ذلك إذا قتل رجل رجلً عمد ولـيّ القتـيـل إلـى الشريف من قبـيـلة القاتل‪ ،‬فقتله‬
‫بولــيه‪ ،‬وترك القاتـل‪ ،‬فنهـى ال عزّ وجلّ عـن ذلك عبــاده‪ ،‬وقال لرسـوله علــيه الصـلة‬
‫والسلم‪ :‬قتل غير القاتل بـالـمقتول معصية وسرف‪ ،‬فل تقتل به غير قاتله‪ ،‬وإن قتلت القاتل‬
‫ُسـ ِرفْ‬
‫بــالـمقتول فل تــمثّل بـه‪ .‬وقرأ ذلك عامـة قرّاء أهـل الــمدينة والبصـرة‪ :‬فَل ي ْ‬
‫بـالـياء‪ ،‬بـمعنى فل يسرف ولـيّ الـمقتول‪ ،‬فـيقتل غير قاتل ولـيه‪ .‬وقد قـيـل‪ :‬عنى‬
‫به‪ :‬فل يسرف القاتل الول لولـي الـمقتول‪.‬‬
‫والصواب من‬
‫ـا الــمعنى‪ ،‬وذلك أن خطاب ال‬
‫ـا قراءتان متقاربتـ‬
‫ـي ذلك عندي‪ ،‬أن يقال‪ :‬إنهمـ‬
‫القول فــ‬
‫تبـارك وتعالـى نبـيه صلى ال عليه وسلم بأمر أو نهى فـي أحكام الدين‪ ،‬قضاء منه بذلك‬
‫عل ـى جم يع عب ـاده‪ ،‬وكذلك أمره ونه يه بعض هم‪ ،‬أ مر م نه ون هى جميع هم‪ ،‬إل ف ـيـما دلّ‬
‫ف ـيه عل ـى أ نه مخ صوص به ب عض دون ب عض‪ ،‬فإذا كان ذلك كذلك ب ـما قد ب ـيّنا ف ـي‬
‫كتاب نا (كتاب الب ـيان‪ ،‬عن أ صول الحكام) فمعلوم أن خطا به تعال ـى بقوله فَل تُ سْ ِرفْ ف ـي‬
‫ال َقتْلِ نبـيه صلى ال عليه وسلم‪ ،‬وإن كان موجّها إلـيه أنه معنّى به جميع عبـاده‪ ،‬فكذلك‬
‫نهيه ولـيّ الـمقتول أو القاتل عن السراف فـي القتل‪ ،‬والتعدّي فـيه نهى لـجميعهم‪ ،‬فبأيّ‬
‫ذلك قرأ القارىء فمصيب صواب القراءة فـي ذلك‪.‬‬
‫وقد اختلف أهل التأويـل فـي تأويـلهم ذلك نـحو اختلف القرّاء فـي قراءتهم إياه‪ .‬ذكر‬
‫من تأوّل ذلك بـمعنى الـخطاب لرسول ال صلى ال عليه وسلم‪:‬‬
‫‪ 16831‬ـ حدثنا ابن بشار‪ ،‬قال‪ :‬حدثنا عبد الرحمن‪ ،‬قال‪ :‬حدثنا سفـيان‪ ،‬عن منصور‪ ،‬عن‬
‫ل قال‪ :‬ل تقتل غير قاتله‪ ،‬ول تـمثّل به‪.‬‬
‫س ِرفْ فـي ال َقتْ ِ‬
‫طلق بن حبـيب‪ ،‬فـي قوله‪ :‬فَل ُت ْ‬
‫حدثنا ابن حميد‪ ،‬قال‪ :‬حدثنا جرير‪ .‬عن منصور‪ ،‬عن طلق بن حبـيب‪ ،‬بنـحوه‪.‬‬
‫‪ 16832‬ـ حدث نا ال ـحسن بن يح يى‪ ،‬قال‪ :‬أخبر نا ع بد الرزاق‪ ،‬قال‪ :‬أخبر نا الثوري‪ ،‬عن‬
‫خصيف‪ ،‬عن سعيد بن جبـير‪ ،‬فـي قوله‪ :‬فَل ُتسْ ِرفْ فـي ال َقتْلِ قال‪ :‬ل تقتل اثنـين بواحد‪.‬‬
‫‪16833‬ـ حُدثت عن الـحسين بن الفرج‪ ،‬قال‪ :‬سمعت أبـا معاذ‪ ،‬يقول‪ :‬أخبرنا عبـيد‪ ،‬قال‪:‬‬
‫ل إنّ هُ كان َمنْ صُورا كان هذا ب ـمكة‪،‬‬
‫سرِفْ ف ـي ال َقتْ ِ‬
‫سمعت الضحاك يقول ف ـي قوله‪ :‬فَل تُ ْ‬
‫ونب ـيّ ال صلى ال عل يه و سلم ب ها‪ ،‬و هو أوّل ش يء نزل من القرآن ف ـي شأن الق تل‪ ،‬كان‬
‫ال ـمشركون يغتالون أ صحاب النبـيّ صلى ال عل يه و سلم‪ ،‬فقال ال تب ـارك وتعال ـى‪ :‬من‬
‫قتلكـم مـن الــمشركين‪ ،‬فل يحملنّكـم قتله إياكـم عـن أن تقتلوا له أبــا أو أخـا أو أحدا مـن‬
‫عشير ته‪ ،‬وإن كانوا مشرك ين‪ ،‬فل تقتلوا إل قاتل كم وهذا ق بل أن تنزل براءة‪ ،‬وق بل أن يؤمروا‬
‫سرِفْ فـي ال َقتْلِ يقول‪ :‬ل تق تل غير قاتلك‪ ،‬وهي الـيوم‬
‫بقتال الـمشركين‪ ،‬فذلك قوله‪ :‬فَل تُ ْ‬
‫عنِـي‬
‫ل لهم أن يقتلوا إل قاتلهم‪ .‬ذكر من قال‪ُ :‬‬
‫علـى ذلك الـموضع من الـمسلـمين‪ ،‬ل يح ّ‬
‫ولـيّ الـمقتول‪:‬‬
‫‪16834‬ـ حدثنـي يعقوب‪ ،‬قال‪ :‬حدثنا ابن علـية‪ ،‬قال‪ :‬حدثنا أبو رجاء‪ ،‬عن الـحسن‪ ،‬فـي‬
‫جعَلْ نا لِولِ ـيّ ِه سُلْطانا قال‪ :‬كان الر جل يُق تل ف ـيقول ول ـيه‪ :‬ل‬
‫قوله‪َ :‬ومَ نْ ُقتِلَ َمظْلُو ما فَ َقدْ َ‬
‫أرضى حتـى أقتل به فلنا وفلنا من أشراف قبـيـلته‪.‬‬
‫‪ 16835‬ـ حدثنا مـحمد بن عبد العلـى‪ ،‬قال‪ :‬حدثنا مـحمد بن ثور‪ ،‬عن معمر‪ ،‬عن قتادة‬
‫فَل ُتسْ ِرفْ فـي ال َقتْلِ قال‪ :‬ل تقتل غير قاتلك‪ ،‬ول تـمثّل به‪.‬‬
‫س ِرفْ ف ـي ال َقتْلِ قال‪ :‬ل‬
‫حدث نا ب شر‪ ،‬قال‪ :‬حدث نا يز يد‪ ،‬قال‪ :‬حدث نا سعيد‪ ،‬عن قتادة فَل يُ ْ‬
‫يقتل غير قاتله من َقتَل بحديدة قُتل بحديدة ومن قَتَل بخشبة قُتِل بخش بة ومن قَ تل بحجر قُتل‬
‫عتَـى النّا سِ علـى‬
‫ن م نْ أ ْ‬
‫بحجر‪ .‬ذُكر لنا أن نبـيّ ال صلى ال عليه وسلم كان يقول‪« :‬إ ّ‬
‫حرَ مِ‬
‫ن فِـي الـجاهِلِـيّةِ‪ ،‬أ ْو َقتَلَ فِـي َ‬
‫لثَةً‪َ :‬رجُلٌ َقتَلَ غيرَ قاتِلِ هِ‪ ،‬أ ْو َقتَلَ ب َدخَ ٍ‬
‫ل ثَناؤُ هُ ثَ َ‬
‫اللّ هِ جَ ّ‬
‫اللّهِ»‪.‬‬
‫‪ 16836‬ـ حدثنـي يونس‪ ،‬قال‪ :‬أخبرنا ابن وهب قال‪ :‬سمعته‪ ،‬يعنـي ابن زيد‪ ،‬يقول فـي‬
‫جعَلْ نا لِوَلِ ـيّ ِه سُلْطانا قال‪ :‬إن العرب كا نت إذا قُ تل‬
‫ل َمظْلُو ما فَ َقدْ َ‬
‫ن قُتِ َ‬
‫قول ال جلّ ثناؤه َومَ ْ‬
‫منهم قتـيـل‪ ،‬لـم يرضوا أن يقتلوا قاتل صاحبهم‪ ،‬حتـى يقتلوا أشرف من الذي قتله‪ ،‬فقال‬
‫جعَلَنا ِلوَلِـيّ ِه سُلْطانا ينصره وينتصف من حقه فل يُ سْ ِرفْ فِـي ال َقتْلِ يقتل‬
‫ل ثناؤه فَ َقدْ َ‬
‫ال ج ّ‬
‫عنِـي به القاتل‪:‬‬
‫بريئا‪ .‬ذكر من قال ُ‬
‫‪16837‬ـ حدثنا القاسم‪ ،‬قال‪ :‬حدثنا الـحسين‪ ،‬قال‪ :‬ثنـي حجاج‪ ،‬عن ابن جريج‪ ،‬عن عبد ال‬
‫بن كثـير عن مـجاهد فَل ُيسْ ِرفْ فِـي ال َقتْلِ قال‪ :‬ل يسرف القاتل فـي القتل‪.‬‬
‫وقـد ذكرنـا الصـواب مـن القراءة فــي ذلك عندنـا‪ ،‬وإذا كان كل وجهـي القراءة عندنـا‬
‫صوابـا‪ ،‬فكذلك جم يع أو جه تأوي ـله الت ـي ذكرنا ها غ ير خارج و جه من ها من ال صواب‪،‬‬
‫ل ثناؤه ب عض خ ـلقه عن ال سراف ف ـي الق تل‪،‬‬
‫لحت ـمال الكلم ذلك وإن ف ـي ن هي ال ج ّ‬
‫نهى منه جميعَهم عنه‪.‬‬
‫عنِـي بـالهاء التـي فـي‬
‫ن َمنْصُورا فإن أهل التأويـل اختلفوا فـيـمن ُ‬
‫وأما قوله‪ :‬إنّ ُه كا َ‬
‫ّهـ وعلــى مـا هـي عائدة‪ ،‬فقال بعضهـم‪ :‬هـي عائدة علــى ولــيّ الــمقتول‪ ،‬وهـو‬
‫قوله إن ُ‬
‫الـمعنـيّ بها‪ ،‬وهو الـمنصور علـى القاتل‪ .‬ذكر من قال ذلك‪:‬‬
‫‪16838‬ـ حدثنا ابن عبد العلـى‪ ،‬قال‪ :‬حدثنا مـحمد بن ثور‪ ،‬عن معمر‪ ،‬عن قتادة إنّ ُه كانَ‬
‫َمنْصُورا قال‪ :‬هو دفع المام إلـيه‪ ،‬يعنـي إلـى الولـيّ‪ ،‬فإن شاء قتل‪ ،‬وإن شاء عفـا‪.‬‬
‫عنِ ـي ب ها ال ـمقتول‪ ،‬فعل ـى هذا القول هي عائدة عل ـى «مَن» ف ـي‬
‫وقال آخرون‪ :‬بل ُ‬
‫قوله‪َ :‬ومَنْ ُقتِلَ َمظْلُوما‪ .‬ذكر من قال ذلك‪:‬‬
‫‪16839‬ـ حدثنا القاسم‪ ،‬قال‪ :‬حدثنا الـحسين‪ ،‬قال‪ :‬ثنـي حجاج‪ ،‬عن ابن جريج‪ ،‬عن عبد ال‬
‫ن َمنْصُورا إن الـمقتول كان منصورا‪.‬‬
‫بن كثـير‪ ،‬عن مـجاهد إنّ ُه كا َ‬
‫عنِـي بها دم الـمقتول‪ ،‬وقالوا‪ :‬معنى الكلم‪ :‬إن دم القتـيـل كان منصورا‬
‫وقال آخرون‪ُ :‬‬
‫علـى القاتل‪.‬‬
‫عنِ ـي ب ها الول ـيّ‪ ،‬وعل ـيه عادت‪ ،‬ل نه هو‬
‫وأش به ذلك ب ـالصواب عندي‪ .‬قول من قال ُ‬
‫الـمظلوم‪ ،‬وولـيه الـمقتول‪ ،‬وهي إلـى ذكره أقرب من ذكر الـمقتول‪ ،‬وهو الـمنصور‬
‫ل ثناؤه ق ضى ف ـي كتا به ال ـمنزل‪ ،‬أن سلّطه عل ـى قا تل ول ـيه‪ ،‬وحكّ مه‬
‫أي ضا‪ ،‬لن ال ج ّ‬
‫ف ـيه‪ ،‬بأن ج عل إل ـيه قتله إن شاء‪ ،‬وا ستبقاءه عل ـى الد ية إن أح بّ‪ ،‬والع فو ع نه إن رأى‪،‬‬
‫وكف ـى بذلك نُ صرة له من ال جلّ ثناؤه‪ ،‬فلذلك قل نا‪ :‬هو ال ـمعنـيّ ب ـالهاء الت ـي ف ـي‬
‫ن َمنْصُورا‪.‬‬
‫قوله‪ :‬إنّ ُه كا َ‬

‫‪34‬‬ ‫الية ‪:‬‬


‫حّتىَ َيبْلُ غَ‬
‫ل ا ْل َيتِي مِ ِإلّ بِالّتِي هِ يَ َأحْ سَنُ َ‬
‫ل تَ ْق َربُواْ مَا َ‬
‫{ َو َ‬ ‫القول ف ـي تأوي ـل قوله تعال ـى‪:‬‬
‫شدّهُ وَأَ ْوفُو ْا بِا ْل َعهْدِ ِإنّ ا ْل َع ْهدَ كَانَ َمسْؤُولً }‪.‬‬
‫َأ ُ‬
‫يقول تعال ـى ذكره‪ :‬وق ضى أي ضا أن ل تقربوا مال ال ـيتـيـم بأ كل‪ ،‬إ سرافـا وبدارا أن‬
‫َي ْكبَروا‪ ،‬ولكـن اقرَبوه بــال َفعْلَة التــي هـي أحسـن‪ ،‬والــخَـلّة التــي هـي أجمـل‪ ،‬وذلك أن‬
‫تتصرّفوا فـيه له بـالتثمير والصلح والـحيطة‪ .‬وكان قتادة يقول فـي ذلك ما‪:‬‬
‫‪ 16840‬ـ حدث نا ب شر‪ ،‬قال‪ :‬حدث نا يز يد‪ ،‬قال‪ :‬حدث نا سعيد‪ ،‬عن قتادة‪ ،‬قوله‪ :‬وَل تَ ْق َربُوا مالَ‬
‫ن ل ـما نزلت هذه الَ ية‪ ،‬اشت ّد ذلك عل ـى أ صحاب ر سول‬
‫ل ب ـاّلتِـي هِ يَ أحْ سَ ُ‬
‫ال ـ َيتِـيـمِ إ ّ‬
‫ال صـلى ال عليـه وسـلم‪ ،‬فكانوا ل يخالطونهـم فــي طعام أو أكـل ول غيره‪ ،‬فأنزل ال‬
‫سدَ مِنَ الـمُصْلِـحِ فكانت هذه‬
‫تبـارك وتعالـى وَإن تُـخاِلطُو ُهمْ فإخْوا ُنكُمْ وَاللّهُ َيعْلَـ ُم الـمُ ْف ِ‬
‫لهم فـيها ُرخْصة‪.‬‬
‫حدث نا م ـحمد بن ع بد العل ـى‪ ،‬قال‪ :‬حدث نا م ـحمد بن ثور‪ ،‬عن مع مر‪ ،‬عن قتادة وَل‬
‫ن قال‪ :‬كانوا ل يخالطون هم ف ـي مال ول مأكل‬
‫ي أحْ سَ ُ‬
‫ل ال ـ َيتِـيـمِ إلّ بـالّتِـي هِ َ‬
‫تَ َق ْربُوا ما َ‬
‫ول مركب‪ ،‬حتـى نزلت وإنْ تُـخالِطُو ُه ْم فإخْوَا ُن ُكمْ‪ .‬وقال ابن زيد فـي ذلك ما‪:‬‬
‫‪ 16841‬ـ حدثنـي يونس‪ ،‬قال‪ :‬أخبرنا ابن وهب‪ ،‬قال‪ :‬قال ابن زيد‪ ،‬فـي قوله‪َ :‬ولَ َت ْقرَبُوا‬
‫حسَنُ قال‪ :‬الكل بـالـمعروف‪ ،‬أن تأكل معه إذا احتـجت‬
‫يأْ‬
‫مالَ الـيتِـيـمِ إلّ بـاّلتِـي ِه َ‬
‫إلـيه‪ ،‬كان أُبـيّ يقول ذلك‪.‬‬
‫ّهـ يقول‪ :‬حتــى يبلغ وقـت اشتداده فــي العقـل‪ ،‬وتدبــير ماله‪،‬‬
‫شد ُ‬‫ُغـ أ ُ‬
‫وقوله‪ :‬حتــى َيبْل َ‬
‫وصـلح حاله فــي دينـه وأ ْوفُوا بــال َع ْهدِ يقول‪ :‬وأوفوا بــالعقد الذي تعاقدون الناس فــي‬
‫الصـلـح بــين أهـل الــحرب والسـلم‪ ،‬وفــيـما بــينكم أيضـا‪ ،‬والبــيوع والشربـة‬
‫سئُولً يقول‪ :‬إن ال جلّ ثناؤه سائل نا قض‬
‫ن مَ ْ‬
‫ن ال َع ْهدَ كا َ‬
‫والجارات‪ ،‬وغ ير ذلك من العقود إ ّ‬
‫العهد عن نقضه إياه‪ ،‬يقول‪ :‬فل تنقصوا العهود الـجائزة بـينكم‪ ،‬وبـين من عاهدتـموه أيها‬
‫الناس فتـخفروه‪ ،‬وتغدروا بـمن أعطيتـموه ذلك‪ .‬وإنـما عنى بذلك أن العهد كان مطلوبـا‬
‫يقال فـي الكلم‪ :‬لـيسئلنّ فلن عهد فلن‪.‬‬

‫‪35‬‬ ‫الية ‪:‬‬


‫خيْرٌ‬
‫ك َ‬
‫ستَقِيمِ ذَلِ َ‬
‫سطَاسِ ا ْلمُ ْ‬
‫القول فـي تأويـل قوله تعالـى {وََأ ْوفُوا ا ْل َكيْلَ إِذا كِ ْلتُ مْ َو ِزنُو ْا بِالقِ ْ‬
‫ن َتأْوِيلً }‪.‬‬
‫حسَ ُ‬
‫وََأ ْ‬
‫يقول تعالــى ذكره‪َ :‬و قضـى أن أ ْوفُوا ال َكيْــلَ للناس إذَا كِ ْلتُــمْ لهـم حقوقهـم قِبَلَكـم‪ ،‬ول‬
‫تبخَسـُوهم َو ِزنُوا بــال ِقسْطاسِ الــُمسْتَقِـيـمِ يقول‪ :‬وقَضَى أو زنوا أيضـا إذا وزنتــم لهـم‬
‫ب ـالـميزان ال ـمستقـيـم‪ ،‬و هو العدل الذي ل اعوجاج ف ـيه‪ ،‬ول دَغَل‪ ،‬ول خدي عة‪ .‬و قد‬
‫اختلف أهل التأويـل فـي معنى القسطاس‪ ،‬فقال بعضهم‪ :‬هو القبـان‪ .‬ذكر من قال ذلك‪:‬‬
‫‪ 16842‬ـ حدث نا م ـحمد بن بشار‪ ،‬قال‪ :‬حدث نا صفوان بن عي سى‪ ،‬قال‪ :‬حدث نا ال ـحسن بن‬
‫ستَقِـيـمِ قال‪ :‬ال َقبّـان‪.‬‬
‫ذكوان‪ ،‬عن الـحسن‪َ :‬وزِنُوا بـال ِقسْطاسِ الـ ُم ْ‬
‫وقال آخرون‪ :‬هو العدل بـالرومية‪ .‬ذكر من قال ذلك‪:‬‬
‫‪16843‬ـ حدثنا علـيّ بن سهل‪ ،‬قال‪ :‬حدثنا حجاج‪ ،‬عن ابن جريج‪ ،‬عن مـجاهد‪ :‬القِسطاس‪:‬‬
‫العدل ب ـالرومية‪ .‬وقال آخرون‪ :‬هو ال ـميزان صغر أو كبر وف ـيه لغتان‪ :‬القِ سطاس بك سر‬
‫القاف‪ ،‬والقُسطاس بضمها‪ ،‬مثل القِرطاس والقُرطاس وبـالكسر يقرأ عامّة قرّاء أهل الكوفة‪،‬‬
‫وبـالضمّ يقرأ عامة قرّاء أهل الـمدينة والبصرة‪ ،‬وقد قرأ به أيضا بعض قرّاء الكوفـيـين‪،‬‬
‫وبأيتهمـا قرأ القارىء فمصـيب‪ ،‬لنهمـا لغتان مشهورتان‪ ،‬وقراءتان مسـتفـيضتان فــي قرّاء‬
‫المصار‪.‬‬
‫خ ْيرٌ يقول‪ :‬إيفــاؤكم أيهـا الناس مـن تكيــلون له الكيــل‪ ،‬ووزنكـم بــالعدل‬
‫وقوله‪ :‬ذلك َـ َ‬
‫ن تأْوِيلً‬
‫خ ْيرٌ َلكُ ْم من بخ سكم إيا هم ذلك‪ ،‬وظل ـمكموهم ف ـيه‪ .‬وقوله‪ :‬وأحْ سَ ُ‬
‫ل ـمن توفون له َ‬
‫يقول‪ :‬وأح سن مردودا عل ـيكم وأول ـى إل ـيه ف ـيه فعل كم ذلك‪ ،‬لن ال تب ـارك وتعال ـى‬
‫يرضى بذلك علـيكم‪ ،‬فـيُحسن لكم علـيه الـجزاء‪ .‬وبنـحو الذي قلنا فـي ذلك‪ ،‬قال أهل‬
‫التأويـل‪ .‬ذكر من قال ذلك‪:‬‬
‫‪ 16844‬ـ حدث نا ب شر‪ ،‬قال‪ :‬حدث نا يز يد‪ ،‬قال‪ :‬حدث نا سعيد‪ ،‬عن قتادة‪ ،‬قوله‪ :‬وأ ْوفُوا ال َكيْ ـلَ‬
‫ل أي خير ثوابـا وعاقبة‪.‬‬
‫حسَنُ َتأْوِي ً‬
‫خ ْيرٌ وأ ْ‬
‫ستَقِـيـمِ ذلكَ َ‬
‫س الـمُ ْ‬
‫كِ ْلتُـمْ َو ِزنُوا بـال ِقسْطا ِ‬
‫وأخبرنا أن ا بن عبـاس كان يقول‪ :‬يا معشر الـموالـي‪ ،‬إنكم وَلِـيتـم أمر ين بهما هلك‬
‫ي ال صلى ال عليه وسلم‬
‫الناس قبلكم‪ :‬هذا الـمِكيال‪ ،‬وهذا الـمِيزان‪ .‬قال‪ :‬وذُكر لنا أن نبـ ّ‬
‫ل أ ْبدَلَ هُ الّل هُ فِـي‬
‫ل مَخافَ ُة اللّ هِ‪ ،‬إ ّ‬
‫حرَا مٍ ثُ مّ َيدَعُ هُ‪ ،‬لَـيْسَ ِب هِ إ ّ‬
‫كان يقول‪« :‬ل يَ ْق ِدرُ َرجُلٌ علـى َ‬
‫خيْرٌ َل ُه مِنْ ذلكَ»‪.‬‬
‫خرَةِ ما هُ َو َ‬
‫لِ‬‫عاجِلِ ال ّدنْـيا َقبْلَ ا َ‬
‫حدثنا مـحمد بن عبد العلـى‪ ،‬قال‪ :‬حدثنا مـحمد بن ثور‪ ،‬عن معمر‪ ،‬عن قتادة وأحْسَنُ‬
‫َتأْوِيلً قال‪ :‬عاقبة وثوابـا‪.‬‬

‫‪36‬‬ ‫الية ‪:‬‬


‫سمْعَ وَا ْل َبصَرَ وَالْ ُفؤَادَ كُلّ‬
‫ف مَا َليْسَ َلكَ ِبهِ عِ ْلمٌ إِنّ ال ّ‬
‫ل تَقْ ُ‬
‫القول فـي تأويـل قوله تعالـى { َو َ‬
‫ع ْنهُ َمسْؤُولً }‪.‬‬
‫أُولـ ِئكَ كَانَ َ‬
‫اختلف أهل التأويـل فـي تأويـل قوله‪ :‬وَل تَقْـفُ ما لَـيْسَ لَ كَ بِ هِ عِلْـمٌ فقال بعضهم‪:‬‬
‫معناه‪ :‬ول تقل ما لـيس لك به علـم‪ .‬ذكر من قال ذلك‪:‬‬
‫‪16845‬ـ حدثنـي علـيّ بن داود‪ ،‬قال‪ :‬حدثنا أبو صالـح‪ ،‬قال‪ :‬ثنـي معاوية‪ ،‬عن علـيّ‪،‬‬
‫ك بِهِ عِلْـمٌ يقول‪ :‬ل تقل‪.‬‬
‫عن ابن عبـاس‪ ،‬قوله‪ :‬وَل تَقْـفُ ما لَـيْسَ َل َ‬
‫‪ 16846‬ـ حدثنا بشر‪ ،‬قال‪ :‬حدثنا يزيد‪ ،‬قال‪ :‬حدثنا سعيد‪ ،‬عن قتادة وَل تَقْـفُ ما لَـيْسَ لَ كَ‬
‫سئُولً ل ت قل رأ يت ول ـم تر‪،‬‬
‫عنْ ُه مَ ْ‬
‫صرَ والفُؤَا َد كُلّ أُوَلئِ كَ كا نَ َ‬
‫سمْعَ والبَ َ‬
‫ن ال ّ‬
‫بِ هِ عِلْ ـمٌ إ ّ‬
‫وسمعت ولـم تسمع‪ ،‬فإن ال تبـارك وتعالـى سائلك عن ذلك كله‪.‬‬
‫حدث نا م ـحمد بن ع بد العل ـى‪ ،‬قال‪ :‬حدث نا م ـحمد بن ثور‪ ،‬عن مع مر‪ ،‬عن قتادة وَل‬
‫تَقْـفُ ما لَـيْسَ لَ كَ ِب هِ عِلْـمٌ قال‪ :‬ل تقل رأيت ولـم تر‪ ،‬وسمعت ولـم تسمع‪ ،‬وعلـمت‬
‫ولـم تعلـم‪.‬‬
‫‪ 16847‬ـ حُدثت عن مـحمد بن ربـيعة‪ ،‬عن إسماعيـل الزرق‪ ،‬عن أبـي عمر البزار‪،‬‬
‫عن ابن الـحنفـية قال‪ :‬شهادة الزور‪.‬‬
‫وقال آخرون‪ :‬بل معناه‪ :‬ول ترم‪ .‬ذكر من قال ذلك‪:‬‬
‫‪ 16848‬ـ حدثنـي مـحمد بن سعد‪ ،‬قال‪ :‬ثنـي أبـي‪ ،‬قال ثنـي عمي‪ ،‬قال‪ :‬ثنـي أبـي‪،‬‬
‫عن أبـيه‪ ،‬عن ابن عبـاس‪ ،‬قوله وَل تَقْـفُ ما لَـيْسَ لَكَ ِبهِ عِلْـمٌ يقول‪ :‬ل ترم أحدا بـما‬
‫لـيس لك به علـم‪.‬‬
‫‪ 16849‬ـ حدثنـي مـحمد بن عمرو‪ ،‬قال‪ :‬حدثنا أبو عاصم‪ ،‬قال‪ :‬حدثنا عيسى وحدثنـي‬
‫الــحارث‪ ،‬قال‪ :‬حدثنـا الــحسن‪ ،‬قال‪ :‬حدثنـا ورقاء‪ ،‬جميعـا‪ ،‬عـن ابـن أبــي نــجيح‪ ،‬عـن‬
‫مـجاهد وَل تَقْـفُ ول ترمِ‪.‬‬
‫حدث نا القا سم‪ ،‬قال‪ :‬حدث نا ال ـحسين‪ ،‬قال‪ :‬ثن ـي حجاج‪ ،‬عن ا بن جر يج‪ ،‬عن م ـجاهد‪،‬‬
‫مثله‪.‬‬
‫وهذان التأويلن متقارب ـا الـمعنى‪ ،‬لن القول ب ـما ل يعل ـمه القائل يدخ ـل ف ـيه شهادة‬
‫الزور‪ ،‬ورمى الناس بـالبـاطل‪ ،‬وادّعاء سماع ما لـم يسمعه‪ ،‬ورؤية ما لـم يره‪ .‬وأصل‬
‫القـفو‪ :‬العضه والبهت‪ .‬ومنه قول النبـيّ صلى ال عليه وسلم‪« :‬نَـحْنُ َبنُو الّنضْ ِر بْ نِ كِنانَة‬
‫ن أبِـينا»‪ ،‬وكان بعض البصريـين ينشد فـي ذلك بـيتا‪:‬‬
‫ل نَقْـفُو أمّنا وَل َن ْنتَفِـي مِ ُ‬
‫شعْنَ التّقافِـيا‬
‫ن سا ِكٌن ِبهِنّ الـحَياءُ ل ُي ِ‬
‫شمّ ال َعرَانِـي ِ‬
‫َو ِمثْلُ ال ّدمَى ُ‬
‫يعنــي بــالتقافـي‪ :‬التقاذف‪ .‬ويزعـم أن معنـى قوله ل تَقْــفُ ل تتبـع مـا ل تعلــم‪ ،‬ول‬
‫يعنـيك‪ .‬وكان بعض أهل العربـية من أهل الكوفة‪ ،‬يزعم أن أصله القـيافة‪ ،‬وهي اتبـاع‬
‫ال ثر وإذ كان ك ما ذكروا و جب أن تكون القراءة‪« :‬وَل تَقُ ـفْ» ب ضم القاف و سكون الف ـاء‪،‬‬
‫مثـل‪ :‬ول تقـل‪ .‬قال‪ :‬والعرب تقول‪ :‬قــفوت أثره‪ ،‬وقُــفت أثره‪ ،‬فتقدّم أحيانـا الواو علــى‬
‫عثَى‬
‫ثوَ‬
‫الفـاء وتؤخرها أحيانا بعدها‪ ،‬كما قـيـل‪ :‬قاع الـجمل الناقة‪ :‬إذا ركبها و َقعَا وعا َ‬
‫وأنشد سماعا من العرب‪.‬‬
‫ن َقرِيبٍلَعا َقكَ ِمنْ دُعا ٍء ال ّذئْبِ عاقِ‬
‫ولَ ْو أنّـي َرمَ ْي ُتكَ مِ ْ‬
‫يعنـي عائق‪ ،‬ونظائر هذا كثـيرة فـي كلم العرب‪.‬‬
‫وأولـى القوال فـي ذلك بـالصواب قول من قال‪ :‬معنى ذلك‪ :‬ل تقل للناس وفـيهم ما ل‬
‫علـم لك به‪ ،‬فترميهم بـالبـاطل‪ ،‬وتشهد علـيهم بغير الـحقّ‪ ،‬فذلك هو القـفو‪.‬‬
‫وإنـما قلنا ذلك أولـى القوال فـيه بـالصواب‪ ،‬لن ذلك هو الغالب من استعمال العرب‬
‫القـفو فـيه‪.‬‬
‫ل فإن معناه‪ :‬إن ال سائل هذه‬
‫عنْ ُه مَ سْئُو ً‬
‫ك كا نَ َ‬
‫ل أُوَلئِ َ‬
‫صرَ والفُؤَادَ كُ ّ‬
‫سمْعَ والبَ َ‬
‫ن ال ّ‬
‫وأما قوله إ ّ‬
‫العضاء عما قال صاحبها‪ ،‬من أنه سمع أو أبصر أو علـم‪ ،‬تشهد علـيه جوارحه عند ذلك‬
‫بـالـحقّ‪ ،‬وقال «أولئك»‪ ،‬ولـم يقل «تلك»‪ ،‬كما قال الشاعر‪:‬‬
‫ك اليّامِ‬
‫ُذمّ الـمَنازِلَ َب ْعدَ َمنْزِلَ ِة الّلوَىوال َعيْشَ َب ْعدِ أُوَل ِئ َ‬
‫وإنـما قـيـل‪ :‬أولئك‪ ،‬لن أولئك وهؤلء للـجمع القلـيـل الذي يقع للتذكير والتأنـيث‪،‬‬
‫وهذه وتلك للـجمع الكثـير فـالتذكير للقلـيـل من بـاب َأنْ كان التذكير فـي السماء قبل‬
‫التأن ـيث‪ .‬لك التذك ير لل ـجمع الوّل‪ ،‬والتأن ـيث لل ـجمع الثان ـي‪ ،‬و هو ال ـجمع الكث ـير‪،‬‬
‫لن العرب تـجعل الـجمع علـى مثال السماء‪.‬‬

‫‪ 37‬و ‪38‬‬ ‫الية ‪:‬‬


‫خرِ قَ الرْ ضَ وَلَن‬
‫القول فـي تأويـل قوله تعالـى‪َ { :‬ولَ َتمْ شِ فِي الرْ ضِ َمرَحا ِإنّ كَ لَن َت ْ‬
‫ع ْن َد رَ ّبكَ َم ْكرُوها }‪.‬‬
‫سيّئُهُ ِ‬
‫ن َ‬
‫ل ذَِلكَ كَا َ‬
‫ل * كُ ّ‬
‫جبَالَ طُو ً‬
‫َتبْلُغَ ا ْل ِ‬
‫خرِقَ الرْ ضَ‬
‫يقول تعال ـى ذكره‪ :‬ول ت ـمش ف ـي الرض مختالً م ستكبرا إنّ كَ َل نْ تَ ـ ْ‬
‫يقول‪ :‬إنك لن تقطع الرض بـاختـيالك‪ ،‬كما قال رُؤْبة‪:‬‬
‫وقاتِـمِ العماقِ خاوِي الـ ُمخْ َترَق‬
‫ل بفخرك وكبرك‪ ،‬وإنـما هذا نهي‬
‫يعنـي بـالـمخترق‪ :‬الـمقطع وََلنْ تَبلُ َغ الـجِبـالَ طُو ً‬
‫خيَلء‪ ،‬وتقدم م نه إل ـيهم ف ـيه معرّف هم بذلك أن هم ل‬
‫من ال عب ـاده عن ال كبر والف خر وال ـ ُ‬
‫ينالون بكـبرهم وفخارهـم شيئا يقصـر عنـه غيرهـم‪ .‬وبنــحو الذي قلنـا فــي ذلك‪ ،‬قال أهـل‬
‫التأويـل‪ .‬ذكر من قال ذلك‪:‬‬
‫‪ 16850‬ـ حدثنا بشر‪ ،‬قال‪ :‬حدثنا يزيد‪ ،‬قال‪ :‬حدثنا سعيد‪ ،‬عن قتادة‪ ،‬قوله وَل تَـمْشِ فِـي‬
‫ن َتبْلُغَ الـجِبـالِ طُولً يعنـي بكبرك ومرحك‪.‬‬
‫ن تَـخْ ِرقَ الرْضَ وَلَ ْ‬
‫الرْضِ َمرَحا إ ّنكَ لَ ْ‬
‫حدث نا ا بن ع بد العل ـى‪ ،‬قال‪ :‬حدث نا م ـحمد بن ثور‪ ،‬عن مع مر‪ ،‬عن قتادة وَل تَ ـمْشِ‬
‫ـ َمرَحـا قال‪ :‬ل تــمش فــي الرض فخرا وكـبرا‪ ،‬فإن ذلك ل يبلغ بـك‬
‫فِــي الرْض ِ‬
‫الـجبـال‪ ،‬ول تـخرق الرض بكبرك وفخرك‪.‬‬
‫‪ 16851‬ـ حدثنا القاسم‪ ،‬قال‪ :‬حدثنا الـحسين‪ ،‬قال‪ :‬ثنـي حجاج‪ ،‬عن ابن جريج وَل تَـمْشِ‬
‫فِـي الرْضِ قال‪ :‬ل تفخر‪.‬‬
‫وقــيـل‪ :‬ل تــمش مرَحـا‪ ،‬ولــم يقـل مرِحـا‪ ،‬لنـه لــم يرد بــالكلم‪ :‬ل تكـن مرِحـا‪،‬‬
‫ف ـيجعله من ن عت ال ـماشي‪ ،‬وإن ـما أر يد ل ت ـمرح ف ـي الرض مرَ حا‪ ،‬فف سر ال ـمعنى‬
‫الـمراد من قوله‪ :‬ول تـمش‪ ،‬كما قال الراجز‪:‬‬
‫حبّـا ما َلهُ مَزيدُ‬
‫سخُونُ وال َعصِيدُوالتّـ ْمرُ َ‬
‫جبُ ُه ال ّ‬
‫ُي ْع ِ‬
‫فقال‪ :‬حبـا‪ ،‬لن فـي قوله‪ :‬يعجبه‪ ،‬معنى يحبّ‪ ،‬فأخرج قوله‪ :‬حبـا‪ ،‬من معناه دون لفظه‪.‬‬
‫سيّئُ ُه ع ْن َد َربّ كَ َم ْكرُوهـا فإن القرّاء اختلفـت ف ـيه‪ ،‬فقرأه ب عض قرّاء‬
‫وقوله‪ :‬كُلّ ذل كَ كا نَ َ‬
‫سيّئُ ُه ع ْن َد رَبّ كَ َم ْكرُوها علـى الضافة بـمعنى‪:‬‬
‫ن َ‬
‫الـمدينة وعامة قرّاء الكوفة كُلّ ذل كَ كا َ‬
‫ل َت ْع ُبدُوا إلّ‬
‫كلّ هذا الذي ذكر نا من هذه المور الت ـي عدد نا من مبتدإ قول نا َوقَضَى رَبّ كَ أ ّ‬
‫س ّيئُ ُه يقول‪ :‬سيىء ما عددنا علـيك‬
‫إيا هُ‪ ...‬إلـى قولنا وَل تَـمْشِ فِـي الرْ ضِ َمرَحا كا نَ َ‬
‫س ّيئُهُ بـالضافة‪ ،‬لن‬
‫ن َ‬
‫ل ذلكَ كا َ‬
‫عند ربك مكروها‪ .‬وقال قارئو هذه القراءة‪ :‬إنـما قـيـل كُ ّ‬
‫ل َت ْعبُدُوا إلّ إيّا هُ أمورا‪ ،‬هي أمر بـالـجميـل‪ ،‬كقوله‬
‫فـيـما عددنا من قوله َو َقضَى َربّ كَ أ ّ‬
‫ل ما فـيه نهيا‬
‫ت ذَا ال ُق ْربَى حَقّهُ وما أشبه ذلك‪ ،‬قالوا‪ :‬فلـيس ك ّ‬
‫وَبـالوَال َديْنِ إحْسانا‪ ،‬وقوله وآ ِ‬
‫س ّيئُهُ‪ .‬وقرأ عامة قرّاء أ هل‬
‫عن سيئة‪ ،‬بل ف ـيه نهى عن سيئة‪ ،‬وأمر بح سنات‪ ،‬فلذلك قرأنا َ‬
‫ل ما‬
‫سيّئَةً» وقالوا‪ :‬إنـما عنى بذلك‪ :‬ك ّ‬
‫ن َ‬
‫الـمدينة والبصرة وبعض قرّاء الكوفة‪« :‬كُلّ ذلكَ كا َ‬
‫شيَةَ إمْلقٍ ولـم يدخـل فـيه ما قبل ذلك‪ .‬قالوا‪ :‬وكلّ ما‬
‫خْ‬‫عددنا من قولنا وَل تَ ْقتُلُوا أوْل َدكُمْ َ‬
‫عددنـا من ذلك الــموضع إل ـى هذا ال ـموضع سـيئة ل حسـنة فــيه‪ ،‬فــالصواب قراءتـه‬
‫ب ـالتنوين‪ .‬و من قرأ هذه القراءة‪ ،‬فإ نه ينب غي أن يكون من ن ـيته أن يكون ال ـمكروه مقد ما‬
‫ل ذلك كان مكرو ها سيئة ل نه إن ج عل قوله‪:‬‬
‫عل ـى ال سيئة‪ ،‬وأن يكون مع نى الكلم عنده‪ :‬ك ّ‬
‫ل ذلك كان سـيئة عنـد ربـك‬
‫مكروهـا نعدّ السـيئة مـن نعـت السـيئة‪ ،‬لزمـه أن تكون القراءة‪ :‬ك ّ‬
‫مكروهة‪ ،‬وذلك خلف ما فـي مصاحف الـمسلـمين‪.‬‬
‫ل ذل كَ كا نَ س ّيئُهُ عل ـى‬
‫وأول ـى القراءت ـين عندي ف ـي ذلك ب ـالصواب قراءة من قرأ كُ ّ‬
‫ل َت ْعبُدُوا إلّ‬
‫ّكـ أ ّ‬
‫إضافـة السـيىء إلــى الهاء‪ ،‬بــمعنى‪ :‬كلّ ذلك الذي عددنـا مـن َوقَضَى َرب َ‬
‫سيّئُ ُه لن فـي ذلك أمورا منهيا عنها‪ ،‬وأمورا مأمورا بها‪ ،‬وابتداء الوصية والعهد‬
‫إيّا هُ‪ ...‬كانَ َ‬
‫من ذلك ال ـموضع دون قوله وَل تَ ْقتُلُوا أوْلدَكُ مْ إن ـما هو ع طف عل ـى ما تقدّم من قوله‬
‫ل َت ْعبُدُوا إلّ إيّا هُ فإذا كان ذلك كذلك‪ ،‬فقرأته بإضافة السيىء إلـى الهاء أولـى‬
‫َو َقضَى َربّ كَ أ ّ‬
‫وأحقّ من قراءته سيئ ًة بـالتنوين‪ ،‬بـمعنى السيئة الواحدة‪.‬‬

‫فتأوي ـل الكلم إذن‪ :‬كلّ هذا الذي ذكر نا لك من المور الت ـي عددنا ها عل ـيك كان سيئه‬
‫مكروها عند ربك يا مـحمد‪ ،‬يكرهه وينهى عنه ول يرضاه‪ ،‬فـاتق مواقعته والعمل به‪.‬‬
‫‪39‬‬ ‫الية ‪:‬‬
‫جعَلْ مَ عَ الّل هِ‬
‫ل َت ْ‬
‫ح ْكمَةِ َو َ‬
‫ك رَبّ كَ ِم نَ ا ْل ِ‬
‫حىَ إَِليْ َ‬
‫القول فـي تأويـل قوله تعالـى {ذَلِ كَ ِممّآ أَ ْو َ‬
‫ج َه ّنمَ مَلُوما ّم ْدحُورا }‪.‬‬
‫خرَ َفتُلْ َقىَ فِي َ‬
‫إِلَـها آ َ‬
‫يقول تعالـى ذكره‪ :‬هذا الذي بـيّنا لك يا مـحمد من الخلق الـجميـلة التـي أمرناك‬
‫ح ْكمَةِ يقول‪ :‬من الـحكمة‬
‫ن الـ ِ‬
‫بجميـلها‪ ،‬ونهيناك عن قبـيحها مِـمّا أ ْوحَى إلَـ ْيكَ َربّ كَ ِم َ‬
‫التـي أوحيناها إلـيك فـي كتابنا هذا‪ ،‬كما‪:‬‬
‫‪ 16852‬ـ حدثنـي يونس‪ ،‬قال‪ :‬أخبرنا ابن وهب‪ ،‬قال‪ :‬قال ابن زيد‪ ،‬فـي قوله ذل كَ مِـمّا‬
‫ح ْكمَةِ قال‪ :‬القرآن‪.‬‬
‫ن الـ ِ‬
‫أ ْوحَى إلَـ ْيكَ َر ّبكَ مِ َ‬
‫وقد بـيّنا معنى الـحكمة فـيـما مضى من كتابنا هذا‪ ،‬بـما أغنى عن إعادته فـي هذا‬
‫الـموضع‪.‬‬
‫ج َهنّـمَ مَلُوما َم ْدحُورا يقول‪ :‬ول تـجعل مع ال‬
‫خ َر فَتُلْقَـى فِـي َ‬
‫ل مَعَ الّلهِ إلها آ َ‬
‫وَل تَـجْعَ ْ‬
‫شريكا فـي عبـادتك‪ ،‬فتُلقـى فـي جهنـم ملوما تلومك نفسك وعارفوك من الناس َم ْدحُورا‬
‫يقول‪ُ :‬م ْبعَدا مقصيا فـي النار‪ ،‬ولكن أخـلص العبـادة ل الواحد القهّار‪ ،‬فتنـجوَ من عذابه‪.‬‬
‫وبنـحو الذي قلنا فـي قوله مَلُوما َم ْدحُورا قال أهل التأويـل‪ .‬ذكر من قال ذلك‪:‬‬
‫‪16853‬ـ حدثنـي علـيّ بن داود‪ ،‬قال‪ :‬حدثنا عبد ال بن صالـح‪ ،‬قال‪ :‬ثنـي معاوية‪ ،‬عن‬
‫علـيّ‪ ،‬عن ابن عبـاس‪ ،‬فـي قوله‪ :‬مَلُوما َم ْدحُورا يقول‪ :‬مطرودا‪.‬‬
‫‪ 16854‬ـ حدثنا مـحمد بن عبد العلـى‪ ،‬قال‪ :‬حدثنا مـحمد بن ثور‪ ،‬عن معمر‪ ،‬عن قتادة‬
‫مَلُوما َم ْدحُورا قال‪ :‬ملوما فـي عبـادة ال‪ ،‬مدحورا فـي النار‪.‬‬

‫‪40‬‬ ‫الية ‪:‬‬


‫ُمـ‬
‫ِنـ ا ْلمَل ِئكَةِ ِإنَاثا ِإ ّنك ْ‬
‫خذَ م َ‬
‫ِينـ وَا ّت َ‬
‫َصـفَا ُكمْ َربّكُم بِا ْل َبن َ‬
‫القول فــي تأويــل قوله تعالــى‪َ{ :‬أ َفأ ْ‬
‫عظِيما }‪.‬‬
‫ن قَ ْولً َ‬
‫َلتَقُولُو َ‬
‫يقول تعال ـى ذكره للذ ين قالوا من مشر كي العرب‪ :‬ال ـملئكة بنات ال أفأ صْفـاكُمْ أي ها‬
‫ن الـمَلئِكَ ِة إناثا‬
‫خذَ مِ َ‬
‫ن يقول‪ :‬أفخصكم ربكم بـالذكور من الولد واتّـ َ‬
‫الناس َر ّبكُمْ بـالبَنـي َ‬
‫وأنت ـم ل ترضون هن لنف سكم‪ ،‬بل تئدون هن‪ ،‬وتقتلون هن‪ ،‬فجعلت ـم ل ما ل ترضو نه لنف سكم‬
‫عظِيــما يقول تعالــى ذكره لهؤلء الــمشركين الذيـن قالوا مـن الفريـة‬
‫ُونـ قَ ْولً َ‬
‫ُمـ َلتَقُول َ‬
‫إ ّنك ْ‬
‫ل عظيـما‪،‬‬
‫علـى ال ما ذكرنا‪ :‬إنكم أيها الناس لتقولون بقـيـلكم‪ :‬الـملئكة بنات ال‪ ،‬قو ً‬
‫وتفترون علـى ال فرية منكم‪ .‬وكان قتادة يقول فـي ذلك ما‪:‬‬
‫خذَ مِ نَ‬
‫‪ 16855‬ـ حدث نا م ـحمد‪ ،‬قال‪ :‬حدث نا م ـحمد بن ثور‪ ،‬عن مع مر‪ ،‬عن قتادة واتّ ـ َ‬
‫الـمَل ِئكَ ِة إناثا قال‪ :‬قالت الـيهود‪ :‬الـملئكة بنات ال‪.‬‬
‫‪41‬‬ ‫الية ‪:‬‬
‫ن ِل َي ّذكّرُو ْا وَمَا َيزِيدُهُ مْ ِإلّ‬
‫القول ف ـي تأوي ـل قوله تعال ـى‪{ :‬وَلَ َقدْ صَ ّر ْفنَا فِي هَ ـذَا ا ْل ُقرْآ ِ‬
‫نُفُورا }‪.‬‬
‫صـ ّرفْتا لهؤلء الــمشركين الــمفترين علــى ال فِــي َهذَا‬
‫يقول تعالــى ذكره‪ :‬وَلَ َق ْد َ‬
‫ُرآنـ ال ِعبَر والَيات والــحجج‪ ،‬وضربنـا لهـم فــيه المثال‪ ،‬وحذّرناهـم فــيه وأنذرناهـم‬
‫الق ِ‬
‫لِـيَ ّذ ّكرُوا يقول‪ :‬لـيتذكروا تلك الـحجج علـيهم‪ ،‬فـيعقلوا خطأ ما هم علـيه مقـيـمون‪،‬‬
‫ويعتبروا بـالعبر‪ ،‬فـيتعظوا بها‪ ،‬وينـيبوا من جهالتهم‪ ،‬فما يعتبرون بها‪ ،‬ول يتذكرون بـما‬
‫ل نُفُورا يقول‪ :‬إل ذهابــا عـن‬
‫يرد علــيهم مـن الَيات والنّذر‪ ،‬ومـا يزيدهـم تذكيرنـا إياهـم إ ّ‬
‫الـحقّ‪ ،‬وبُعدا منه وهربـا‪ .‬والنفور فـي هذا الـموضع مصدر من قولهم‪ :‬نفر فلن من هذا‬
‫المر ينفِر منه نَفْرا ونفورا‪.‬‬

‫‪42‬‬ ‫الية ‪:‬‬


‫ل ْبتَغَوْ ْا إَِلىَ ذِي‬
‫ُونـ إِذا ّ‬
‫َهـ آِلهَ ٌة كَمَا يَقُول َ‬
‫َانـ َمع ُ‬
‫القول فــي تأويــل قوله تعالــى‪{ :‬قُلْ ّل ْو ك َ‬
‫سبِيلً }‪.‬‬
‫ا ْل َعرْشِ َ‬
‫يقول تعالـى ذكره لنبـيه مـحمد صلى ال عليه وسلم‪ :‬قل يا مـحمد لهؤلء الـمشركين‬
‫الذين جعلوا مع ال إلها آخر‪ :‬لو كان المر كما تقولون‪ :‬من أن معه آلهة‪ ،‬ولـيس ذلك كما‬
‫تقولون‪ ،‬إذن لبتغت تلك الَلهة القُربة من ال ذي العرش العظيـم‪ ،‬والتـمست الزّلْفة إلـيه‪،‬‬
‫والـمرتبة منه‪ .‬كما‪:‬‬
‫‪ 16856‬ـ حدث نا ب شر‪ ،‬قال‪ :‬حدث نا يز يد‪ ،‬قال‪ :‬حدث نا سعيد‪ ،‬عن قتادة‪ ،‬قوله‪ :‬قُلْ لَ ْو كا نَ َمعَ هُ‬
‫سـبِـيلً يقول‪ :‬لو كان معـه آلهـة إذن لعرفوا‬
‫ُونـ إذًا ل ْب َتغَوْا إلــى ذِي ال َعرْش ِـ َ‬
‫آِلهَ ٌة كمَا يَقُول َ‬
‫فضله ومرتبته ومنزلته علـيهم‪ ،‬فـابتغوا ما يقرّبهم إلـيه‪.‬‬
‫حدث نا م ـحمد بن ع بد العل ـى‪ ،‬قال‪ :‬حدث نا م ـحمد بن ثور‪ ،‬عن مع مر‪ ،‬عن قتادة إذًا‬
‫ل قال‪ :‬لبتغَوا القُرب إلـيه‪ ،‬مع أنه لـيس كما يقولون‪.‬‬
‫سبِـي ً‬
‫ل ْب َتغَوْا إلـى ذِي ال َعرْشِ َ‬

‫‪ 43‬و ‪44‬‬ ‫الية ‪:‬‬


‫القول فــي تأويــل قوله تعالــى‪{ :‬سُـْبحَانَهُ َو َتعَاَلىَ عَمّا يَقُولُون َـ عُُلوّا َكبِيرا * تُس َـبّحُ لَهُـ‬
‫حهُمْ‬
‫سبِي َ‬
‫ل تَفْ َقهُونَ َت ْ‬
‫ح ْمدَهِ وَلَـكِن ّ‬
‫ح ِب َ‬
‫ل ُيسَبّ ُ‬
‫شيْءٍ ِإ ّ‬
‫سبْعُ وَالرْضُ َومَن فِيهِنّ وَإِن مّن َ‬
‫سمَاوَاتُ ال ّ‬
‫ال ّ‬
‫ِإنّ ُه كَانَ حَلِيما غَفُورا }‪.‬‬
‫وهذا تنزيه من ال تعالـى ذكره نفسه عما وصفه به الـمشركون‪ ،‬الـجاعلون معه آلهة‬
‫غيره‪ ،‬الـمضيفون إلـيه البنات‪ ،‬فقال‪ :‬تنزيها ل وعلوّا له عما تقولون أيها القوم‪ ،‬من الفرية‬
‫والكذب‪ ،‬فإن مـا تضيفون إلــيه مـن هذه المور لــيس مـن صـفته‪ ،‬ول ينبغـي أن يكون له‬
‫صفة‪ .‬كما‪:‬‬
‫سبْحانَ ُه َوتَعال ـى عَمّا‬
‫‪ 16857‬ـ حدث نا ب شر‪ ،‬قال‪ :‬حدث نا يز يد‪ ،‬قال‪ :‬حدث نا سعيد‪ ،‬عن قتادة ُ‬
‫يَقُولُو نَ عُلُوّا َكبِ ـيرا ي سبح نف سه إذ ق ـيـل عل ـيه البهتان‪ .‬وقال تعال ـى‪ :‬عَمّا يَقُولُو نَ عُُلوّا‬
‫ولـم يقل‪ :‬تعالـيا‪ ،‬كما قال‪َ :‬و َت َبتّلْ إلَـيْ ِه َت ْبتِـيلً كما قال الشاعر‪:‬‬
‫ت ال ِفدَا ُء ل َك ْعبَةٍ َه ّد ْمتَهاونَ َق ْرتَها بـ َي َد ْيكَ كُلّ َمنَ ّق ِر‬
‫أنْ َ‬
‫طّيرِ‬
‫حطِيـمِ فَطارَ كُلّ ُم َ‬
‫ن الـ َ‬
‫ُمنِ َع الـحَمامُ مَقِـيـلَهُ ِمنْ سَقْـفِهاومِ َ‬
‫سبْعُ والرْ ضُ َومَ نْ فِـيهِنّ يقول‪ :‬تنزّه ال أيها الـمشركون عما‬
‫سمَواتُ ال ّ‬
‫ح لَ هُ ال ّ‬
‫سبّ ُ‬
‫وقوله‪ :‬تُ َ‬
‫ن من الـمؤمنـين به‬
‫وصفتـموه به إعظاما له وإجللً‪ ،‬السموات السبع والرض‪ ،‬ومن فـيه ّ‬
‫من الـملئكة والنس والـجنّ‪ ،‬وأنتـم مع إنعامه علـيكم‪ ،‬وجميـل أياديه عندكم‪ ،‬تفترون‬
‫علـيه بـما َت ْفتَرون‪.‬‬
‫حمْدِ هِ يقول جلّ ثناؤه‪ :‬و ما من ش يء من خ ـلقه إل ي سبح‬
‫ح ِب َ‬
‫سبّ ُ‬
‫ل يُ َ‬
‫شيْءٍ إ ّ‬
‫ن مِ نْ َ‬
‫وقوله‪ :‬وَإ ْ‬
‫بحمده‪ ،‬كما‪:‬‬
‫‪ 16858‬ـ حدثن ـي به نصر بن عبد الرح من الَ ْودِ يّ‪ ،‬قال‪ :‬حدث نا مـحمد بن يعلَ ـى‪ ،‬عن‬
‫موسى بن عبـيدة‪ ،‬عن زيد بن أسلـم‪ ،‬عن جابر بن عبد ال‪ ،‬قال‪ :‬قال رسول ال صلى ال‬
‫ن تَقُولَ‬
‫ل ْبنِ ِه يا ُبنَـيّ آ ُمرُ كَ أ ْ‬
‫ن نُوحا قالَ ِ‬
‫ح ا ْبنَ هُ؟ إ ّ‬
‫شيْءٍ أ َمرَ بِ ِه نُو ٌ‬
‫خبِ ُركُ مْ ِب َ‬
‫عليه وسلم‪« :‬أل ُأ ْ‬
‫سبِـيحُ الـخَـ ْلقِ‪ ،‬وبِها ُت ْرزَ قُ الـخَـ ْلقُ‪ ،‬قالَ‬
‫ح ْمدِ هِ فإنّها صَلةُ الـخَـ ْلقِ‪َ ،‬وتَ ْ‬
‫سبْحانَ الّل ِه و ِب َ‬
‫ُ‬
‫ح ْمدِهِ»‪.‬‬
‫سبّحُ ِب َ‬
‫ل ُي َ‬
‫شيْءٍ إ ّ‬
‫اللّهُ وَإنْ ِمنْ َ‬
‫‪ 16859‬ـ حدثنا ابن حميد‪ ،‬قال‪ :‬حدثنا يحيى بن واضح‪ ،‬قال‪ :‬حدثنا عيسى بن عبـيد‪ ،‬قال‪:‬‬
‫ن أحدكم دابته ول ثوبه‪ ،‬فإن كلّ شيء يسبح بحمده‪.‬‬
‫سمعت عكرمة يقول‪ :‬ل َيعِيب ّ‬
‫‪16860‬ـ حدثنا ابن حميد‪ ،‬قال‪ :‬حدثنا يحيى بن واضح‪ ،‬قال‪ :‬حدثنا الـحسين‪ ،‬عن يزيد‪ ،‬عن‬
‫لسْطوانة تسبح‪.‬‬
‫حمْدِ ِه قال‪ :‬الشجرة تسبح‪ ،‬وا ُ‬
‫ح ِب َ‬
‫سبّ ُ‬
‫شيْءٍ إلّ ُي َ‬
‫ن َ‬
‫ن مِ ْ‬
‫عكرمة وَإ ْ‬
‫‪ 16861‬ـ حدثنا ابن حميد‪ ،‬قال‪ :‬حدثنا يحيى بن واضح وزيد بن حبـاب‪ ،‬قال‪ :‬حدثنا جرير‬
‫أبو الـخطاب‪ ،‬قال‪ :‬كنا مع يزيد الرقاشي ومعه الـحسن فـي طعام‪ ،‬فقدّموا الـخوان‪ ،‬فقال‬
‫يزيد الرقاشي‪ :‬يا أبـا سعيد يسبح هذا الـخوان‪ :‬فقال‪ :‬كان يسبح مرّة‪.‬‬
‫‪ 16862‬ـ حدثنـي يعقوب‪ ،‬قال‪ :‬حدثنا هشيـم‪ ،‬قال‪ :‬أخبرنا جويبر‪ ،‬عن الضحاك‪ ،‬ويونس‪،‬‬
‫ل شيء فـيه الروح‪.‬‬
‫ح ْمدِهِ قال‪ :‬ك ّ‬
‫سبّح ِب َ‬
‫ل ُي َ‬
‫شيْءٍ إ ّ‬
‫عن الـحسن أنهما قال فـي قوله‪ :‬وَإنْ ِمنْ َ‬
‫‪ 16863‬ـ حدثنا مـحمد بن بشار‪ ،‬قال‪ :‬حدثنا عبد الكبـير بن عبد الـمـجيد‪ ،‬قال‪ :‬حدثنا‬
‫سفـيان‪ ،‬عن منصور‪ ،‬عن إبراهيـم‪ ،‬قال‪ :‬الطعام يسبح‪.‬‬
‫‪16864‬ـ حدثنا ابن عبد العلـى‪ ،‬قال‪ :‬حدثنا مـحمد بن ثور‪ ،‬عن معمر عن قتادة وَإ نْ مِ نْ‬
‫حمْدِ ِه قال‪ :‬ك ّل شيء فـيه الروح يسبح‪ ،‬من شجر أو شيء فـيه الروح‪.‬‬
‫ح ِب َ‬
‫سبّ ُ‬
‫شيْءٍ إلّ ُي َ‬
‫َ‬
‫‪ 16865‬ـ حدثنا بشر‪ ،‬قال‪ :‬حدثنا يزيد‪ ،‬قال‪ :‬حدثنا سعيد‪ ،‬عن قتادة‪ ،‬عن عبد ال بن أبـيَ‪،‬‬
‫عن عبد ال بن عمرو‪ ،‬أن الرجل إذا قال‪ :‬ل إله إل ال‪ ،‬فهي كلـمة الخلص التـي ل يقبل‬
‫ل حتـى يقولها‪ ،‬فإذا قال الـحمد ل‪ ،‬فهي كلـمة الشكر التـي لـم يشكر ال‬
‫ال من أحد عم ً‬
‫ع بد ق طّ حت ـى يقول ها‪ :‬فإذا قال ال أ كبر‪ ،‬ف هي ت ـمل ما ب ـين ال سماء والرض‪ ،‬فإذا قال‬
‫سبحان ال‪ ،‬ف هي صلة ال ـخلئق الت ـي ل ـم َيدْ عُ الّل َه أ حد من خ ـلقه إل نوّره ب ـالصلة‬
‫والتسبـيح‪ ،‬فإذا قال ل حول ول قوّة إل بـال‪ ،‬قال‪ :‬أسلـم عبدي واستسلـم‪.‬‬
‫ح ُهمْ يقول تعالــى ذكره‪ :‬ولكـن ل تفقهون تسـبـيح مـا عدا‬
‫وقوله‪ :‬وَلكِن ْـ ل تَفْ َقهُونَـ تَس ْـبِـي َ‬
‫تسبـيح من كان يسبح بـمثل ألسنتكم إنّ ُه كانَ حَلِـيـما يقول‪ :‬إن ال كان حلـيـما ل يعجل‬
‫علـى خـلقه‪ ،‬الذين يخالفون أمره‪ ،‬ويكفرون به‪ ،‬ولول ذلك لعاجل هؤلء الـمشركين الذين‬
‫يدعون م عه الَل هة والنداد ب ـالعقوبة غَفُورا يقول‪ :‬ساترا عل ـيهم ذنوب هم‪ ،‬إذا هم تابوا من ها‬
‫بـالعفو منه لهم‪ ،‬كما‪:‬‬
‫ن حَلِ ـيـما عن‬
‫‪ 16866‬ـ حدثنا ب شر‪ ،‬قال‪ :‬حدثنا يزيد‪ ،‬قال‪ :‬حدث نا سعيد‪ ،‬عن قتادة إنّ ُه كا َ‬
‫خـلقه‪ ،‬فل يعجل كعجلة بعضهم علـى بعض غَفُورا لهم إذا تابوا‪.‬‬

‫‪45‬‬ ‫الية ‪:‬‬


‫ن لَ يُ ْؤ ِمنُو نَ‬
‫جعَلْنَا َب ْينَ كَ َو َبيْ نَ اّلذِي َ‬
‫ن َ‬
‫القول ف ـي تأوي ـل قوله تعال ـى‪{ :‬وَِإذَا َقرَأْ تَ ا ْلقُرآ َ‬
‫ستُورا }‪.‬‬
‫حجَابا ّم ْ‬
‫لخِرَ ِة ِ‬
‫بِا َ‬
‫يقول تعالــى ذكره‪ :‬وإذا قرأت يـا مــحمد القرآن علــى هؤلء الــمشركين الذيـن ل‬
‫ي صدّقون ب ـالبعث‪ ،‬ول يقرّون ب ـالثواب والعقاب‪ ،‬جعل نا ب ـينك وب ـينهم حجاب ـا‪ ،‬يح جب‬
‫قلوبهـم عـن أن يفهموا مـا تقرؤه علــيهم‪ ،‬فــينتفعوا بـه‪ ،‬عقوبـة منـا لهـم علــى كفرهـم‪.‬‬
‫والـحجاب ههنا‪ :‬هو الساتر‪ ،‬كما‪:‬‬
‫‪ 16867‬ـ حدثنا بشر‪ ،‬قال‪ :‬حدثنا يزيد‪ ،‬قال‪ :‬حدثنا سعيد‪ ،‬عن قتادة‪ ،‬قوله‪ :‬وَإذَا قَرأ تَ القُرآ نَ‬
‫ن ب ـالَخرة حِجابـا مَ سْتُورا الـحجاب الـمستور أك نة‬
‫ن ل يُ ْؤ ِمنُو َ‬
‫جعَلْنا بَ ـ ْي َنكَ وب ـينَ اّلذِي َ‬
‫َ‬
‫علـى قلوبهم أن يفقهوه وأن ينتفعوا به‪ ،‬أطاعوا الشيطان فـاستـحوذ علـيهم‪.‬‬
‫ستُورا قال‪ :‬هي‬
‫حدثنا مـحمد‪ ،‬قال‪ :‬حدثنا مـحمد بن ثور‪ ،‬عن معمر‪ ،‬عن قتادة حِجابـا مَ ْ‬
‫الكنة‪.‬‬
‫‪ 16868‬ـ حدثنـي يونس‪ ،‬قال‪ :‬أخبرنا ابن وهب‪ ،‬قال‪ :‬قال ابن زيد‪ ،‬فـي قوله‪ :‬وَإذَا قَرأ تَ‬
‫خرَةِ حِجاب ـا مَ سْتُورا قال‪ :‬قال أُب ـيّ‪ :‬ل‬
‫لِ‬‫ن ب ـا َ‬
‫ن ل يُ ْؤ ِمنُو َ‬
‫جعَلْ نا بَ ـ ْي َنكَ وب ـينَ اّلذِي َ‬
‫ن َ‬
‫القُرآ َ‬
‫يفقهونه‪ ،‬وقرأ قُلُو ُب ُهمْ فِـي أ ِكنّ ٍة وفِـي آذَا ِن ِهمْ َو ْقرٌ ل يخـلص ذلك إلـيهم‪.‬‬
‫وكان ب عض ن ـحويـيّ أ هل الب صرة يقول‪ :‬مع نى قوله حِجاب ـا مَ سْتُورا حِجاب ـا ساترا‪،‬‬
‫ولك نه أخرج و هو ف ـاعل ف ـي ل فظ ال ـمفعول‪ ،‬ك ما يقال‪ :‬إ نك مشئوم عل ـينا ومي ـمون‪،‬‬
‫وإنـما هو شائم ويامن‪ ،‬لنه من شأمهم ويـمنهم‪ .‬قال‪ :‬والـحجاب ههنا‪ :‬هو الساتر‪ .‬وقال‪:‬‬
‫م ستورا‪ .‬وكان غيره من أ هل العرب ـية يقول‪ :‬مع نى ذلك‪ :‬حجاب ـا م ستورا عن العب ـاد فل‬
‫يرونه‪.‬‬
‫وهذا القول الثانــي أظهـر بــمعنى الكلم أن يكون الــمستور هـو الــحجاب‪ ،‬فــيكون‬
‫معناه‪ :‬أن ل سترا عن أبصار الناس فل تدركه أبصارهم‪ ،‬وإن كان للقول الوّل وجه مفهوم‪.‬‬

‫‪46‬‬ ‫الية ‪:‬‬


‫جعَلْنَا عََلىَ قُلُو ِبهِ مْ َأ ِكنّ ًة أَن يَفْ َقهُو هُ َوفِ يَ آذَا ِنهِ مْ َوقْرا‬
‫{ َو َ‬ ‫القول ف ـي تأوي ـل قوله تعال ـى‪:‬‬
‫حدَهُ وَلّوْاْ عََلىَ َأ ْدبَارِ ِهمْ نُفُورا }‪.‬‬
‫ن َو ْ‬
‫وَِإذَا َذكَرْتَ َر ّبكَ فِي الْ ُقرْآ ِ‬
‫يقول تعال ـى ذكره‪ :‬وجعل نا عل ـى قلوب هؤلء الذ ين ل يؤمنون ب ـالَخرة ع ند قراء تك‬
‫علـيهم القرآن أكنة وهي جمع كِنان‪ ،‬وذلك ما يتغشّاها من خِذلن ال إياهم عن فهم ما يُتلـى‬
‫عل ـيهم وفِ ـي آذانِه مْ َوقْرا يقول‪ :‬وجعل نا ف ـي آذان هم وقرا عن سماعه‪ ،‬و صمـما‪ .‬والوَ قر‬
‫حمْل‪ .‬وقوله‪ :‬وَإذَا َذ َكرْت َـ َربّك َـ فــي‬
‫بــالفتـح فــي الذن‪ :‬الثقـل‪ .‬والوِقـر بــالكسر‪ :‬الــ ِ‬
‫حدَهُـ يقول‪ :‬وإذا قلت‪ :‬ل إله إل ال فــي القرآن وأنـت تتلوه وَّلوْا علــى أدْبــارِ ِهمْ‬
‫ال ُقرْآنِـ َو ْ‬
‫نُفُورا يقول‪ :‬انفضوا‪ ،‬فذهبوا ع نك نفورا من قولك ا ستكبـارا له وا ستعظاما من أن يوحّد ال‬
‫تعالـى‪ .‬وبـما قلنا فـي ذلك‪ ،‬قال بعض أهل التأويـل‪ .‬ذكر من قال ذلك‪:‬‬
‫‪ 16869‬ـ حدثنا بشر‪ ،‬قال‪ :‬حدثنا يزيد‪ ،‬قال‪ :‬حدثنا سعيد‪ ،‬عن قتادة‪ ،‬قوله‪ :‬وَإذَا َذ َكرْ تَ َربّ كَ‬
‫حدَ هُ وَلّوْا وإن ال ـمسلـمين ل ـما قالوا‪ :‬ل إله إل ال‪ ،‬أن كر ذلك ال ـمشركون‬
‫فِ ـي القُرآ نِ َو ْ‬
‫و كبرت عل ـيهم‪ ،‬ف صافها إبل ـيس وجنوده‪ ،‬فأ بى ال إل أن ي ـمضيها وين صرها ويفل ـجها‬
‫ويظهر ها علـى من ناوأها‪ ،‬إن ها كل ـمة من خا صم بها فل ـج‪ ،‬ومن قاتل بها نُ صِر‪ ،‬إن ـما‬
‫يعرفها أهل هذه الـجزيرة من الـمسلـمين‪ ،‬التـي يقطعها الراكب فـي لـيال قلئل ويسير‬
‫الدهر فـي فِئام من الناس ل يعرفونها ول يقرّون بها‪.‬‬
‫‪ 16870‬ـ حدثنـي يونس‪ ،‬قال‪ :‬أخبرنا ابن وهب‪ ،‬قال‪ :‬قال ابن زيد‪ ،‬فـي قوله‪ :‬وَإذَا َذ َكرْ تَ‬
‫ح َد هُ وَلّوْا علـى أدْبـارِ ِهمْ نُفُورا قال‪ :‬بغضا لـما تكلـم به لئل يسمعوه‪،‬‬
‫ك فِـي القُرآ نِ َو ْ‬
‫َربّ َ‬
‫ك ما كان قوم نوح يجعلون أ صابعهم ف ـي آذان هم لئل ي سمعوا ما يأمر هم به من ال ستغفـار‬
‫والتو بة‪ ،‬وي ستغشُون ث ـيابهم‪ ،‬قال‪ :‬ي ـلتفون بث ـيابهم‪ ،‬ويجعلون أ صابعهم ف ـي آذان هم لئل‬
‫يسمعوا ول يُنظر إلـيهم‪.‬‬
‫عنِ ـي بقوله وَلّوْا عل ـى أدْب ـارِ ِهمْ نُفُورا الشياط ين‪ ،‬وإن ها تهرب من‬
‫وقال آخرون‪ :‬إن ـما ُ‬
‫قراءة القرآن‪ ،‬وذكر ال‪ .‬ذكر من قال ذلك‪:‬‬
‫‪ 16871‬ـ حدثن ـي ال ـحسين بن م ـحمد الذارع‪ ،‬قال‪ :‬حدث نا روح بن ال ـمسيب أ بو رجاء‬
‫الكلب ـي‪ ،‬قال‪ :‬حدث نا عمرو بن مالك‪ ،‬عن أب ـي ال ـجوزاء‪ ،‬عن ا بن عب ـاس‪ ،‬ف ـي قوله‪:‬‬
‫حدَهُ وَّلوْا عَلـى أدْبـارِ ِهمْ نُفُورا هم الشياطين‪.‬‬
‫وَإذَا َذكَرْتَ َر ّبكَ فِـي القُرآنِ َو ْ‬
‫والقول الذي قلنا فـي ذلك أشبه بـما دلّ علـيه ظاهر التنزيـل‪ ،‬وذلك أن ال تعالـى أتبع‬
‫خرِةِ حِجابـا مَ سْتُورا‬
‫لِ‬‫ن ل يُؤ ِمنُو نَ بـا َ‬
‫ن اّلذِي َ‬
‫جعَلْنا بَـ ْي َنكَ وبـي َ‬
‫ن َ‬
‫ت القُرآ َ‬
‫ذلك قوله وَإذَا قَرأ َ‬
‫فأن يكون ذلك خبرا عنهم أولـى إذ كان بخبرهم متصلً من أن يكون خبرا عمن لـم يجز له‬
‫ذكر‪ .‬وأما النفور‪ ،‬فإنها جمع نافر‪ ،‬كما القعود جمع قاعد‪ ،‬والـجلوس جمع جالس وجائز أن‬
‫يكون مصدرا أخرج من غير لفظه‪ ،‬إذ كان قوله وَّلوْا بـمعنى‪ :‬نفروا‪ ،‬فـيكون معنى الكلم‪:‬‬
‫نفروا نفورا‪ ،‬كما قال امرؤ القـيس‪:‬‬
‫ت صَ ْعبَ ٌة أيّ إذْللِ‬
‫ت فَذَلّ ْ‬
‫رُضْ ُ‬
‫إذا كان رُضْت بـمعنى‪ :‬أذللت‪ ،‬فأخرج الذلل من معناه‪ ،‬ل من لفظه‪.‬‬

‫‪47‬‬ ‫الية ‪:‬‬


‫س َتمِعُونَ إَِليْ كَ وَِإ ْذ هُ مْ‬
‫ن بِ ِه ِإذْ يَ ْ‬
‫س َت ِمعُو َ‬
‫القول ف ـي تأوي ـل قوله تعال ـى‪ّ { :‬نحْ نُ َأعْلَ مُ بِمَا يَ ْ‬
‫ل َرجُلً ّمسْحُورا }‪.‬‬
‫ل الظّالِمُونَ إِن َت ّت ِبعُونَ ِإ ّ‬
‫َنجْ َوىَ ِإذْ َيقُو ُ‬
‫يقول تعال ـى ذكره‪ :‬ن ـحن أعل ـم يا م ـحمد ب ـما ي ستـمع به هؤلء الذ ين ل يؤمنون‬
‫ب ـالَخرة من مشر كي قو مك‪ ،‬إذ ي ستـمعون إل ـيك وأ نت تقرأ كتاب ال وَإ ْذ هُ مْ نَ ـجْوَى‪.‬‬
‫وكان ب عض أ هل العرب ـية من أ هل الب صرة يقول‪ :‬الن ـجوى‪ :‬فعل هم‪ ،‬فجعل هم هم الن ـجوى‪،‬‬
‫ن إلّ َرجُلً‬
‫ل الظّالِـمُونَ إنْ َت ّت ِبعُو َ‬
‫كما يقول‪ :‬هم قوم رضا‪ ،‬وإنـما رضا‪ :‬فعلهم‪ .‬وقوله إذْ َيقُو ُ‬
‫سحُورا يقول‪ :‬ح ين يقول ال ـمشركون ب ـال ما تتبعون إل رجلً م سحورا‪ .‬وع نى ف ـيـما‬
‫مَ ْ‬
‫ُذكِر بـالنـجوى‪ :‬الذين تشاوروا فـي أمر رسول ال صلى ال عليه وسلم فـي دار النّدوة‪.‬‬
‫وبنـحو الذي قلنا فـي ذلك‪ ،‬قال أهل التأويـل‪ .‬ذكر من قال ذلك‪:‬‬
‫‪ 16872‬ـ حدثنـي مـحمد بن عمرو‪ ،‬قال‪ :‬حدثنا أبو عاصم‪ ،‬قال‪ :‬حدثنا عيسى وحدثنـي‬
‫الــحارث‪ ،‬قال‪ :‬حدثنـا الــحسن‪ ،‬قال‪ :‬حدثنـا ورقاء‪ ،‬جميعـا عـن ابـن أبــي نــجيح‪ ،‬عـن‬
‫ن إلَـ ْيكَ قال‪ :‬هي مثل قـيـل الولـيد بن الـمُغيرة ومن معه فـي دار‬
‫مـجاهد إذْ َيسْتَـ ِمعُو َ‬
‫الندوة‪.‬‬
‫حدث نا القا سم‪ ،‬قال‪ :‬حدث نا ال ـحسين‪ ،‬قال‪ :‬ثن ـي حجاج‪ ،‬عن ا بن جر يج‪ ،‬عن م ـجاهد‪،‬‬
‫نـحوه‪.‬‬
‫‪ 16873‬ـ حدث نا ب شر‪ ،‬قال‪ :‬حدث نا يز يد‪ ،‬قال‪ :‬حدث نا سعيد‪ ،‬عن قتادة‪ .‬قوله‪ :‬إ ْذ يَ سْتَـ ِمعُونَ‬
‫ل الظّالِـمُونَ‪ ...‬الَية‪ ،‬ونـجواهم أن زعموا أنه مـجنون‪ .‬وأنه‬
‫إلَـ ْيكَ وَإذْ هُ ْم نَـجْوَى إ ْذ يَقُو ُ‬
‫ساحر‪ ،‬وقالوا‪ :‬أساطِيرُ الوّلِـينَ‪.‬‬
‫سحُورا إلـى‬
‫ن إلّ َرجُلً مَ ْ‬
‫ن َت ّتبِعُو َ‬
‫وكان بعض أهل العربـية من أهل البصرة يذهب بقوله إ ْ‬
‫سحْرا‪ ،‬والـمسحّر من‬
‫سحْر‪ :‬أي له رثة‪ ،‬والعرب تسمي الرئة َ‬
‫معنى‪ :‬ما تتبعون إل رجلً له َ‬
‫ل أو شرب من آدم يّ وغيره‪:‬‬
‫سحْره‪ ،‬وكذلك يقال ل كل ما أكَ َ‬
‫قول هم للر جل إذا ج بن‪ :‬قد انت فخ َ‬
‫سحّر‪ ،‬كما قال لبـيد‪:‬‬
‫مَسحور و ُم َ‬
‫سحّر‬
‫ن َهذَا النامِ الـمُ َ‬
‫عصَافِـيرُ مِ ْ‬
‫ن فإنّنا َ‬
‫ن تَسأَلَـينا فِـيـم نَـحْ ُ‬
‫فإ ْ‬
‫وقال آخرون‪:‬‬
‫حرُ بـالطعام وبـالشراب )‬
‫سَ‬‫(و ُن ْ‬
‫أي نغذّي بهمـا‪ .‬فكأن معناه عنده كان‪ :‬إن تتبعون إل رجلً له رئة‪ ،‬يأكـل الطعام‪ ،‬ويشرب‬
‫الشراب‪ ،‬ل مَلَكـا ل حاجـة بـه إلــى الطعام والشراب‪ ،‬والذي قال مـن ذلك غيـر بعيـد مـن‬
‫الصواب‪.‬‬

‫‪48‬‬ ‫الية ‪:‬‬


‫ض َربُواْ لَك َـ ال ْمثَالَ َفضَلّواْ فَلَ يَس ْـتَطِيعْونَ‬
‫ْفـ َ‬
‫ظرْ َكي َ‬
‫القول فــي تأويــل قوله تعالــى‪{ :‬ا ْن ُ‬
‫سبِيلً }‪.‬‬
‫َ‬
‫يقول تعال ـى ذكره‪ :‬ان ظر يا م ـحمد بع ين قل بك ف ـاعتبر ك يف مثّلوا لك المثال‪ ،‬وشبهوا‬
‫لك الشبـاه‪ ،‬بقولهم‪ :‬هو مسحور‪ ،‬وهو شاعر‪ ،‬وهو مـجنون َفضَلّوا يقول‪ :‬فجاروا عن قصد‬
‫سـبِـيلً يقول‪ :‬فل يهتدون لطريـق الــحقّ‬
‫َسـتَطِيعُونَ َ‬
‫السـبـيـل بقــيـلهم مـا قالوا فَل ي ْ‬
‫لضلل هم ع نه وبُعد هم م نه‪ ،‬وأن ال قد خذل هم عن إ صابته‪ ،‬ف هم ل يقدرون عل ـى ال ـ َمخْرَج‬
‫مـما هم فـيه من كفرهم بتوفقّهم إلـى اليـمان به‪ ،‬كما‪:‬‬
‫‪ 16874‬ـ حدثن ـي م ـحمد بن عمرو‪ ،‬قال‪ :‬حدث نا أ بو عا صم‪ ،‬قال‪ :‬حدث نا عي سى‪ ،‬عن ا بن‬
‫أب ـي ن ـجيح‪ ،‬عن م ـجاهد وحدثن ـي ال ـحارث‪ ،‬قال‪ :‬حدث نا ال ـحسن‪ ،‬قال‪ :‬حدث نا ورقاء‪،‬‬
‫سـبِـيلً قال‪ :‬مخرجـا‪ ،‬الولــيد بـن‬
‫َسـَتطِيعُونَ َ‬
‫عـن ابـن أبــي نــجيح‪ ،‬عـن مــجاهد فَل ي ْ‬
‫الـمغيرة وأصحابه أيضا‪.‬‬
‫ظرْ‬
‫حدثنا القاسم‪ ،‬قال‪ :‬حدثنا الـحسين‪ ،‬قال‪ :‬ثنـي حجاج‪ ،‬عن ابن جريج‪ ،‬عن مـجاهد ا ْن ُ‬
‫سـبِـيلً مخرجـا الولــيد بـن الــمغيرة‬
‫ن َ‬‫َسـَتطِيعُو َ‬
‫َكـ المْثالَ فَضَلّوا فَل ي ْ‬
‫ضرَبُوا ل َ‬
‫ْفـ َ‬
‫َكي َ‬
‫وأصحابه‪.‬‬

‫‪49‬‬ ‫الية ‪:‬‬


‫جدِيدا }‪.‬‬
‫عظَاما َورُفَاتا أَِإنّا َل َم ْبعُوثُونَ خَلْقا َ‬
‫القول فـي تأويـل قوله تعالـى‪َ { :‬وقَالُوَ ْا أَِإذَا ُكنّا ِ‬
‫يقول تعالــى ذكره مخـبرا عـن قــيـل هؤلء الذيـن ل يؤمنون بــالَخرة مـن مشركـي‬
‫قريش‪ ،‬وقالوا بعنتهم‪ :‬أ ِئذَا ُكنّا عِظاما لـم نتـحطم ولـم نتك سّر بعد مـماتنا وبلنا َورُفـاتا‬
‫يعنـي ترابـا فـي قبورنا‪ ،‬كما‪:‬‬
‫‪ 16875‬ـ حدثنـي مـحمد بن عمرو‪ ،‬قال‪ :‬حدثنا أبو عاصم‪ ،‬قال‪ :‬حدثنا عيسى وحدثنـي‬
‫الــحارث‪ ،‬قال‪ :‬حدثنـا الــحسن قال‪ :‬حدثنـا ورقاء‪ ،‬جميعـا عـن ابـن أبــي نــجيح‪ ،‬عـن‬
‫مـجاهد‪ ،‬يقول ال‪ :‬رُفـاتا قال‪ :‬ترابـا‪.‬‬
‫حدث نا القا سم‪ ،‬قال‪ :‬حدث نا ال ـحسين‪ ،‬قال‪ :‬ثن ـي حجاج‪ ،‬عن ا بن جر يج‪ ،‬عن م ـجاهد‪،‬‬
‫مثله‪.‬‬
‫‪ 16876‬ـ حدثنـي الـمثنى‪ ،‬قال‪ :‬حدثنا عبد ال‪ ،‬قال‪ :‬ثنـي معاوية‪ ،‬عن علـيّ‪ ،‬عن ابن‬
‫عبـاس‪ ،‬فـي قوله‪ :‬وَقالُوا أئذَا ُكنّا عِظاما َورُفـاتا يقول‪ :‬غُبـارا‪ ،‬ول واحد للرّفـات‪ ،‬وهو‬
‫حطَام‪ ،‬يقال م نه‪ُ :‬رفِ تَ ُيرْفَت َرفْ تا ف هو مرفوت‪ :‬إذا صُيّر كال ـحُطام‬
‫ب ـمنزلة الدّقاق وال ـ ُ‬
‫والرّضاض‪.‬‬
‫جدِيدا قالوا‪ ،‬إنكارا منهم للبعث بعد الـموت‪ :‬إنا لـمبعوثون‬
‫ن خَـلْقا َ‬
‫وقوله‪ :‬أ ِئنّا لَـ َم ْبعُوثُو َ‬
‫ب عد م صيرنا ف ـي القبور عظا ما غ ير من ـحطمة‪ ،‬ورف ـاتا من ـحطمة‪ ،‬و قد بَلِ ـينا ف صرنا‬
‫فـيها ترابـا‪ ،‬خـلقا ُم ْنشَأ كما كنا قبل الـمـمات جديدا‪ ،‬نعاد كما بدئنا؟ فأجابهم جلّ جلله‬
‫يعرّفهم قُدرته علـى بعثه إياهم بعد مـماتهم‪ ،‬وإنشائه لهم كما كانوا قبل بِلهُم خـلقا جديدا‪،‬‬
‫علـى أ يّ حال كانوا من الحوال‪ ،‬عظاما أو رُفـاتا‪ ،‬أو حجارة أو حديدا‪ ،‬أو غير ذلك مـما‬
‫يعظُم عند هم أن يحدث مثله خَ ـلقْا أمثالَ هم أحياء‪ ،‬قل يا م ـحمد‪ :‬كونوا حجارة أو حديدا‪ ،‬أو‬
‫خـلقا مـما يكبر فـي صدوركم‪.‬‬

‫‪51‬‬ ‫و‬ ‫‪50‬‬ ‫الية ‪:‬‬


‫حدِيدا * أَ ْو خَلْقا مّم ّا َي ْك ُبرُ ف ِي‬
‫حجَارَةً َأوْ َ‬
‫القول فــي تأويــل قوله تعالــى‪{ :‬قُلْ كُونُواْ ِ‬
‫سهُمْ َويَقُولُو نَ‬
‫ك رُؤُو َ‬
‫ن إَِليْ َ‬
‫س ُينْ ِغضُو َ‬
‫ط َركُ مْ َأوّلَ َمرّ ٍة فَ َ‬
‫سيَقُولُونَ مَن ُيعِيدُنَا قُلِ اّلذِي فَ َ‬
‫صدُو ِر ُكمْ فَ َ‬
‫ُ‬
‫سىَ أَن َيكُونَ َقرِيبا }‪.‬‬
‫عَ‬‫َم َتىَ هُ َو قُلْ َ‬
‫يقول تعالــى ذكره لنبــيه مــحمد صـلى ال عليـه وسـلم‪ :‬قـل يـا مــحمد للــمكذّبـين‬
‫ن خَـلْقا‬
‫بـالبعث بعد الـمـمات من قومك القائلـين أ ِئذَا ُكنّا عِظاما َورُفـاتا أ ِئنّا لَـ َمبْعُوثُو َ‬
‫جدِيدا‪ :‬كونوا إن عجبتـم من إنشاء ال إياكم‪ ،‬وإعادته أجسامكم‪ ،‬خـلقا جديدا بعد بِلكم فـي‬
‫َ‬
‫التراب‪ ،‬ومصيركم رُفـاتا‪ ،‬وأنكرتـم ذلك من قُدرته حجارة أو حديدا‪ ،‬أو خـلقا مـما يكبر‬
‫فـي صدوركم إن قدرتـم عل ـى ذلك‪ ،‬فإنـي أحيـيكم وأبعث كم خ ـلقا جديدا بعد م صيركم‬
‫كذلك كما بدأتكم أوّل مرّة‪.‬‬
‫صـدُورِ ُكمْ فقال‬
‫واختلف أهـل التأويــل فــي الــمعنىّ بقوله أ ْو خَــلْقا مِــمّا َي ْكبُرُ فِــي ُ‬
‫عنِـي به الـموت‪ ،‬وأريد به‪ :‬أو كونوا الـموت‪ ،‬فإنكم إن كنتـموه أمتّكم ثم بعثتكم‬
‫بعضهم‪ُ :‬‬
‫بعد ذلك يوم البعث‪ .‬ذكر من قال ذلك‪:‬‬
‫‪ 16877‬ـ حدث نا زكريا بن يح يى بن أب ـي زائدة‪ ،‬قال‪ :‬حدث نا ا بن إدريس‪ ،‬عن أب ـيه‪ ،‬عن‬
‫عط ية‪ ،‬عن ا بن ع مر أ ْو خَ ـلْقا مِ ـمّا َي ْكبُرُ فِ ـي صُدُو ِر ُكمْ قال‪ :‬ال ـموت‪ ،‬قال‪ :‬لو كنت ـم‬
‫موتـى لحيـيتكم‪.‬‬
‫‪16878‬ـ حدثنـي مـحمد بن سعد‪ ،‬قال‪ :‬ثنـي أبـي‪ ،‬قال‪ :‬ثنـي عمي‪ ،‬قال‪ :‬ثنـي أبـي‪،‬‬
‫صدُو ِر ُكمْ يعن ـي ال ـموت‪.‬‬
‫عن أب ـيه‪ ،‬عن ا بن عب ـاس‪ ،‬قوله أوْ خَ ـلْقا مِ ـمّا َي ْك ُبرُ فِ ـي ُ‬
‫يقول‪ :‬إن كنتـم الـموت أحيـيتكم‪.‬‬
‫‪16879‬ـ حدثنـي مـحمد بن عبـيد الـمـحاربـي‪ ،‬قال‪ :‬حدثنا أبو مالك الـجنبـي‪ ،‬قال‪:‬‬
‫حدث نا ا بن أب ـي خالد‪ ،‬عن أب ـي صالـح ف ـي قوله أ ْو خَ ـلْقا مِ ـمّا َي ْك ُبرُ فِ ـي صُدُو ِر ُكمْ‬
‫قال‪ :‬الـموت‪.‬‬
‫‪16880‬ـ حدثنا مـحمد بن الـمثنى‪ ،‬قال‪ :‬حدثنا سلـيـمان أبو داود‪ ،‬قال‪ :‬حدثنا شعبة‪ ،‬عن‬
‫أبـي رجاء‪ ،‬عن الـحسن‪ ،‬فـي قوله‪ :‬أ ْو خَـلْقا مِـمّا َي ْكبُرُ فِـي صُدُو ِر ُكمْ قال‪ :‬الـموت‪.‬‬
‫‪ 16881‬ـ حدثنا القاسم‪ ،‬قال‪ :‬حدثنا الـحسين‪ ،‬قال‪ :‬ثنـي حجاج‪ ،‬عن ابن جريج‪ ،‬قال‪ :‬قال‬
‫صـدُورِ ُكمْ كونوا الــموت إن‬
‫سـعيد بـن جبــير‪ ،‬فــي قوله‪ :‬أ ْو خَــلْقا مِــمّا َي ْكبُرُ فِــي ُ‬
‫استطعتـم‪ ،‬فإن الـموت سيـموت قال‪ :‬ولـيس شيء أكبر فـي نفس ابن آدم من الـموت‪.‬‬
‫حدثنا ابن عبد العلـى‪ ،‬قال‪ :‬حدثنا مـحمد بن ثور‪ ،‬عن معمر‪ ،‬عن قتادة‪ ،‬قال‪ :‬بلغنـي‪،‬‬
‫عن سعيد بن جبـير‪ ،‬قال‪ :‬هو الـموت‪.‬‬
‫‪16882‬ـ حدثنـي مـحمد بن سعد‪ ،‬قال‪ :‬ثنـي أبـي‪ ،‬قال‪ :‬ثنـي عمي‪ ،‬قال‪ :‬ثنـي أبـي‪،‬‬
‫عن أبـيه‪ ،‬عن عبد ال بن عمر‪ ،‬أنه كان يقول‪« :‬يجاء بـالـموت يوم القـيامة كأنه كبش‬
‫أملــح حتــى يُجعـل بــين الــجنة والنار‪ ،‬فــينادى مناد يُسـمِع أهلَ الــجنة وأهـل النار‪،‬‬
‫فــيقول‪ :‬هذا الــموت قـد جئنـا بـه ونــحن مهلكوه‪ ،‬فأيقنوا يـا أهـل الــجنة وأهـل النار أن‬
‫الـموت قد هلك»‪.‬‬
‫‪ 16883‬ـ حُدثت عن الـحسين‪ ،‬قال‪ :‬سمعت أبـا معاذ‪ ،‬قال‪ :‬حدثنا عبـيد بن سلـيـمان‪،‬‬
‫صدُو ِركُمْ يعنـي الـموت‪،‬‬
‫قال‪ :‬سمعت الضحاك يقول فـي قوله‪ :‬أ ْو خَـلْقا مِـمّا َي ْكبُرُ فِـي ُ‬
‫يقول‪ :‬لو كنتـم الـموت لمتكم‪.‬‬
‫وكان عبد ال بن عمرو بن العاص يقول‪ :‬إن ال يجيء بـالـموت يوم القـيامة‪ ،‬وقد صار‬
‫أ هل ال ـجنة وأ هل النار إل ـى منازل هم‪ ،‬كأ نه ك بش أمل ـح‪ ،‬ف ـيقـف ب ـين ال ـجنة والنار‪،‬‬
‫فـينادي أهل الـجنة وأهل النار هذا الـموت‪ ،‬ونـحن ذابحوه‪ ،‬فأيقنوا بـالـخـلود‪.‬‬
‫وقال آخرون‪ :‬عنى بذلك السماء والرض والـجبـال‪ .‬ذكر من قال ذلك‪:‬‬
‫‪ 16884‬ـ حدث نا ا بن ع بد العل ـى‪ ،‬قال‪ :‬حدث نا م ـحمد بن ثور‪ ،‬عن مع مر‪ ،‬عن قتادة أوْ‬
‫خَـلْقا مِـمّا َي ْكبُرُ فِـي صُدُو ِر ُكمْ قال‪ :‬السماء والرض والـجبـال‪.‬‬
‫وقال آخرون‪ :‬بل أريد بذلك‪ :‬كونوا ما شئتـم‪ .‬ذكر من قال ذلك‪:‬‬
‫‪ 16885‬ـ حدثنـي مـحمد بن عمرو‪ ،‬قال‪ :‬حدثنا أبو عاصم‪ ،‬قال‪ :‬حدثنا عيسى‪ ،‬وحدثنـي‬
‫ال ـحارث‪ ،‬قال‪ :‬حدث نا ال ـحسن‪ ،‬قال‪ :‬حدث نا ورقاء‪ ،‬عن ا بن أب ـي ن ـجيح‪ ،‬عن م ـجاهد‬
‫صدُو ِركُمْ قال‪ :‬ما شئتـم فكونوا‪ ،‬فسيعيدكم‬
‫حدِيدا أ ْو خَـلْقا مِـمّا َي ْك ُبرُ فِـي ُ‬
‫كُونُوا حِجارَةً أوْ َ‬
‫ال كما كنتـم‪.‬‬
‫حدث نا القا سم‪ ،‬قال‪ :‬حدث نا ال ـحسين‪ ،‬قال‪ :‬ثن ـي حجاج‪ ،‬عن ا بن جر يج‪ ،‬عن م ـجاهد‪،‬‬
‫مثله‪.‬‬
‫حدِيدا‬
‫حجَارَةً أ ْو َ‬
‫‪16886‬ـ حدثنا بشر‪ ،‬قال‪ :‬حدثنا يزيد‪ ،‬قال‪ :‬حدثنا سعيد‪ ،‬عن قتادة قُلْ كُونُوا ِ‬
‫صدُورِ ُكمْ قال‪ :‬مـن خــلق ال‪ ،‬فإن ال ي ـميتكم ثـم يبعثكـم يوم‬
‫أ ْو خَــلْقا مِ ـمّا َي ْكبُرُ فِــي ُ‬
‫القـيامة خـلقا جديدا‪.‬‬
‫وأول ـى القوال فـي ذلك ب ـالصواب أن يقال‪ :‬إن ال تعالـى ذكره قال‪ :‬أوْ خَـلْقا م ـمّا‬
‫صدُورِ ُكمْ‪ ،‬وجائز أن يكون عنى به الـموت‪ ،‬لنه عظيـم فـي صدور بنـي آدم‬
‫َي ْكبُرُ فِـي ُ‬
‫وجائز أن يكون أراد به السماء والرض وجائز أن يكون أراد به غير ذلك‪ ،‬ول بـيان فـي‬
‫ل ثناؤه‪ ،‬وهو كلّ ما كبر فـي صدور بنـي آدم من خـلقه‪ ،‬لنه‬
‫ذلك أبـين مـما بـين ج ّ‬
‫لـم يخصص منه شيئا دون شيء‪.‬‬
‫ن ُيعِيدُ نا فإ نه يقول‪ :‬ف سيقول لك يا م ـحمد هؤلء الذ ين ل يؤمنون‬
‫سيَقُولُونَ َم ْ‬
‫وأ ما قوله‪ :‬فَ َ‬
‫َنـ ُيعِيدُنـا خــلقا جديدا‪ ،‬إن كنـا حجارة أو حديدا أو خــلقا مــما يكـبر فــي‬
‫بــالَخرة م ْ‬
‫ل َمرّةٍ يقول‪ :‬يعيد كم ك ما كنت ـم ق بل أن ت صيروا‬
‫ط َركُ مْ أوّ َ‬
‫صدورنا‪ ،‬ف قل ل هم‪ :‬يعيد كم اّلذِي فَ َ‬
‫حجارة أو حديدا إنسا أحياء‪ ،‬الذي خـلقكم إنسا من غير شيء أوّل مرّة‪ ،‬كما‪:‬‬
‫ل مَرّةٍ‬
‫‪ 16887‬ـ حدثنا بشر‪ ،‬قال‪ :‬حدثنا يزيد‪ ،‬قال‪ :‬حدثنا سعيد‪ ،‬عن قتادة قُلِ اّلذِي َفطَ َركُ مْ أوّ َ‬
‫ُوسـهُمْ يقول‪ :‬فإنـك إذا قلت لهـم ذلك‪ ،‬فسـيهزّون إلــيك‬
‫َسـُي ْنغَضُونَ إلَــْيكَ رُء َ‬
‫أي خــلقكم ف َ‬
‫رءو سهم بر فع وخ فض وكذلك النّغْض ف ـي كلم العرب‪ ،‬إن ـما هو حر كة ب ـارتفـاع ثم‬
‫انــخفـاض‪ ،‬أو انــخفـاض ثـم ارتفــاع‪ ،‬ولذلك سـمي الظلــيـم َنغْضـا‪ ،‬لنـه إذا عجـل‬
‫الـمشي ارتفع وانـخفض‪ ،‬وحرّك رأسه‪ ،‬كما قال الشاعر‪:‬‬
‫س َت ْهدِجا‬
‫أسكّ َنغْضا ل َينِـي ُم ْ‬
‫ويقال‪َ :‬ن َغضَت سنه‪ :‬إذا تـحرّكت وارتفعت من أصلها ومنه قول الراجز‪:‬‬
‫ت مِنْ َه ِرمٍ أسْنانُها‬
‫َنغَضَ ْ‬
‫وقول الَخر‪:‬‬
‫ت لـيَ الرأسا‬
‫ـمّا رأتْنِـي أ ْنغَضَ ْ‬
‫وبنـحو الذي قلنا فـي ذلك‪ ،‬قال أهل التأويـل‪ .‬ذكر من قال ذلك‪:‬‬
‫س ُي ْنغِضُونَ إلَـ ْيكَ‬
‫‪16888‬ـ حدثنا بشر‪ ،‬قال‪ :‬حدثنا يزيد‪ ،‬قال‪ :‬حدثنا سعيد‪ ،‬عن قتادة‪ ،‬قوله‪ :‬فَ َ‬
‫س ُهمْ أي يحرّكون رءوسهم تكذيبـا واستهزاء‪.‬‬
‫رُءُو َ‬
‫سيُ ْن ِغضُونَ‬
‫حدث نا ا بن ع بد العل ـى‪ ،‬قال‪ :‬حدث نا م ـحمد بن ثور‪ ،‬عن مع مر‪ ،‬عن قتادة فَ َ‬
‫س ُهمْ قال‪ :‬يحرّكون رءوسهم‪.‬‬
‫إلَـ ْيكَ رُءُ ُو َ‬
‫‪ 16889‬ـ حدثنـي مـحمد بن سعد‪ ،‬قال‪ :‬ثنـي أبـي‪ ،‬قال‪ :‬ثنـي عمي قال‪ :‬ثنـي أبـي‪،‬‬
‫سهُمْ يقول‪ :‬سيحركونها إل ـيك‬
‫ن إلَ ـيْكَ رُءُو َ‬
‫عن أب ـيه‪ ،‬عن ا بن عب ـاس‪ ،‬قوله فَ سَ ُي ْن ِغضُو َ‬
‫استهزاء‪.‬‬
‫حدثنـا القاسـم‪ ،‬قال‪ :‬حدثنـا الــحسين‪ ،‬قال‪ :‬ثنــي حجاج‪ ،‬عـن ابـن جريـج‪ ،‬عـن عطاء‬
‫ُوسـ ُهمْ قال‪ :‬يحرّكون رءوسـهم‬
‫ك رُء َ‬
‫ن إلَــيْ َ‬
‫فسـُي ْن ِغضُو َ‬
‫الــخراسانـيّ‪ ،‬عـن ابـن عبــاس َ‬
‫يستهزءون ويقولون متـى هو‪.‬‬
‫حدثنـي علـيّ‪ ،‬قال‪ :‬حدثنا عبد ال‪ ،‬قال‪ :‬ثنـي معاوية‪ ،‬عن علـيّ‪ ،‬عن ابن عبـاس‪،‬‬
‫س ُهمْ يقول‪ :‬يهزؤون‪.‬‬
‫ن إلَـ ْيكَ رُءُو َ‬
‫سيُ ْن ِغضُو َ‬
‫قوله‪ :‬ف َ‬
‫ل ثناؤه‪ :‬ويقولون مت ـى الب عث‪ ،‬وف ـي أ يّ حال وو قت‬
‫ن مَت ـى هُ َو يقول ج ّ‬
‫وقوله‪َ :‬ويَقُولُو َ‬
‫يعيد نا خ ـلقا جديدا‪ ،‬ك ما ك نا أوّل مرّة؟ قال ال عزّ وجلّ لنب ـيه‪ :‬قل ل هم يا م ـحمد إذ قالوا‬
‫لك‪ :‬متــى هو‪ ،‬متــى هذا البعـث الذي تعدنـا؟‪ :‬ع سى أن يكون قريب ـا وإن ـما معناه‪ :‬هو‬
‫عةُ‬
‫قريب‪ ،‬لن عسى من ال واجب‪ ،‬ولذلك قال النبـيّ صلى ال عليه وسلم‪ُ « :‬ب ِعثْ تُ أنا وال سّا َ‬
‫كَهاتَــيْن‪ ،‬وأشار بــالسّبـابة والوُسـطَى»‪ ،‬لن ال تعالــى كان قـد أعلــمه أنـه قريـب‬
‫مـجيب‪.‬‬

‫‪53‬‬ ‫و‬ ‫‪52‬‬ ‫الية ‪:‬‬


‫ظنّو نَ إِن ّل ِب ْثتُ مْ ِإلّ قَلِيلً‬
‫ح ْمدِ هِ َو َت ُ‬
‫ن ِب َ‬
‫س َتجِيبُو َ‬
‫القول فـي تأويـل قوله تعالـى‪َ { :‬يوْ مَ َيدْعُوكُ مْ َفتَ ْ‬
‫ع ُدوّا‬
‫لنْسَانِ َ‬
‫شيْطَانَ كَانَ لِ ِ‬
‫ن ال ّ‬
‫ن يَنزَغُ َب ْي َنهُمْ ِإ ّ‬
‫ش ْيطَا َ‬
‫ن إِنّ ال ّ‬
‫* َوقُل ّل ِعبَادِي يَقُولُو ْا اّلتِي هِيَ َأحْسَ ُ‬
‫ّمبِينا }‪.‬‬
‫يقول تعال ـى ذكره‪ :‬قل ع سى أن يكون بعث كم أي ها ال ـمشركون قريب ـا‪ ،‬ذلك يوم يدعو كم‬
‫ربكم بـالـخروج من قبوركم إلـى موقـف القـيامة‪ ،‬فتستـجيبون بحمده‪.‬‬
‫ح ْمدِه ِـ فقال بعضهـم‪ :‬فتسـتـجيبون‬
‫ن ِب َ‬
‫اختلف أهـل التأويــل فــي معنـى قوله‪ :‬فتَس ْـتَـجِيبُو َ‬
‫بأمره‪ .‬ذكر من قال ذلك‪:‬‬
‫‪ 16890‬ـ حدثن ـي عل ـيّ‪ ،‬قال‪ :‬ثن ـي ع بد ال‪ ،‬قال‪ :‬ثن ـي معاو ية‪ ،‬عن عل ـيّ‪ ،‬عن ا بن‬
‫ح ْمدِهِ يقول‪ :‬بأمره‪.‬‬
‫ستَـجِيبُونَ ِب َ‬
‫عبـاس‪ ،‬قوله‪ :‬يَ ْومَ َيدْعُو ُكمْ َفتَ ْ‬
‫ستَـجِيبُونَ‬
‫‪16891‬ـ حدثنا القاسم‪ ،‬قال‪ :‬حدثنا الـحسين‪ ،‬قال‪ :‬ثنـي حجاج‪ ،‬عن ابن جريج َفتَ ْ‬
‫حمْدِ ِه قال‪ :‬بأمره‪.‬‬
‫ِب َ‬
‫وقال آخرون‪ :‬معنى ذلك‪ :‬فتستـجيبون بـمعرفته وطاعته‪ .‬ذكر من قال ذلك‪:‬‬
‫‪ 16892‬ـ حدث نا ب شر‪ ،‬قال‪ :‬حدث نا يز يد‪ ،‬قال‪ :‬حدث نا سعيد‪ ،‬عن قتادة‪ ،‬قوله‪ :‬يَوْ مَ َيدْعُوكُ مْ‬
‫ح ْمدِهِ‪ :‬أي بـمعرفته وطاعته‪.‬‬
‫ستَـجِيبُونَ ِب َ‬
‫َفتَ ْ‬
‫وأولـى القوال فـي ذلك بـالصواب أن يقال‪ :‬معناه‪ :‬فتستـجيبون ل من قبوركم بقدرته‪،‬‬
‫ودعائه إياكـم‪ .‬ول الــحمد فــي كلّ حال‪ ،‬كمـا يقول القائل‪ :‬فعلت ذلك الفعـل بحمـد ال‪،‬‬
‫يعنـي‪ :‬ل الـحمد عن كلّ ما فعلته‪ ،‬وكما قال الشاعر‪:‬‬
‫غ ْدرَةٍ أتَ َقنّ ُع‬
‫جرٍَلبِسْتُ وَل مِنْ َ‬
‫ب فـا ِ‬
‫حمْد ال ل ثَوْ َ‬
‫فإنّـي ِب َ‬
‫بـمعنى‪ :‬فإنـي والـحمد ل ل ثوب فـاجر لبست‪.‬‬
‫ل قَلِ ـيلً يقول‪ :‬وتـحسِبون عند موافـاتكم القـيامة من هول‬
‫ن لَب ْثتُ ـمْ إ ّ‬
‫نإ ْ‬
‫ظنّو َ‬
‫وقوله‪َ :‬و َت ُ‬
‫ل كَ مْ َل ِب ْثتُـمْ فِـي‬
‫ل ثناؤه قا َ‬
‫ما تعاينون فـيها ما لبثتـم فـي الرض إل قلـيلً‪ ،‬كما قال ج ّ‬
‫ض يَوْ ٍم ف ـاسألِ العادّي نَ‪ .‬وبن ـحو الذي قل نا ف ـي‬
‫سنِـينَ قالُوا َل ِبثْ نا يَوْ ما أوْ َبعْ َ‬
‫ع َددَ ِ‬
‫الرْض َ‬
‫ذلك‪ ،‬قال أهل التأويـل‪ .‬ذكر من قال ذلك‪:‬‬
‫ن إ نْ َل ِب ْثتُ ـمْ إلّ‬
‫ظنّو َ‬
‫‪ 16893‬ـ حدث نا ب شر‪ ،‬قال‪ :‬حدث نا يز يد‪ ،‬قال‪ :‬حدث نا سعيد‪ ،‬عن قتادة َو َت ُ‬
‫قَلِـيلً‪ :‬أي فـي الدنـيا‪ ،‬تـحاقرت الدنـيا فـي أنفسهم وقلّت‪ ،‬حين عاينوا يوم القـيامة‪.‬‬
‫ن يقول تعالـى ذكره لنبـيه مـحمد صلى ال‬
‫وقوله‪َ :‬وقُلْ ِلعِبـادِي يَقُولُوا التـي هِ يَ أحْ سَ ُ‬
‫عليه وسلم‪ :‬وقل يا مـحمد لعبـادي يقل بعضهم لبعض التـي هي أحسن من الـمـحاورة‬
‫والـمخاطبة‪ .‬كما‪:‬‬
‫‪ 16894‬ـ حدثنا خلد بن أسلـم‪ ،‬قال‪ :‬حدثنا النضر‪ ،‬قال‪ :‬أخبرنا الـمبـارك‪ ،‬عن الـحسن‬
‫ن قال‪ :‬التـي هي أحسن‪ ،‬ل يقول له مثل‬
‫ي أحْسَ ُ‬
‫فـي هذه الَية َوقُلْ ِلعِبـادِي يَقُولُوا التـي هِ َ‬
‫قوله يقول له‪ :‬يرحمك ال يغفر ال لك‪.‬‬
‫ن َينْزَ غُ بَ ـ ْي َن ُهمْ يقول‪ :‬إن الشيطان ي سوء م ـحاورة بعض هم بع ضا ينزغ‬
‫شيْطا َ‬
‫ن ال ّ‬
‫وقوله‪ :‬إ ّ‬
‫عدُوّا ُمبِـينا يقول‪:‬‬
‫ن للنْسانِ َ‬
‫ن كا َ‬
‫شيْطا َ‬
‫بـينهم‪ ،‬يقول‪ :‬يفسد بـينهم‪ ،‬يهيج بـينهم الشرّ إ نّ ال ّ‬
‫إن الشيطان كان لَدم وذرّيتـه عدوّا‪ ،‬قـد أبــان لهـم عداوتـه بــما أظهـر لَدم مـن الــحسد‪،‬‬
‫وغروره إياه حتـى أخرجه من الـجنة‪.‬‬

‫‪54‬‬ ‫الية ‪:‬‬


‫شأْ ُي َع ّذ ْبكُ مْ وَمَآ‬
‫شأْ َي ْرحَ ْمكُ مْ أَ ْو إِن َي َ‬
‫القول ف ـي تأوي ـل قوله تعال ـى‪ّ { :‬ر ّبكُ مْ َأعْلَ مُ ِبكُ مْ إِن َي َ‬
‫َأرْسَ ْلنَاكَ عََل ْي ِهمْ َوكِيلً }‪.‬‬
‫يقول تعالـى ذكره لهؤلء الـمشركين من قريش الذين قالوا أ ِئذَا ُكنّا عِظاما َورُفـاتا أ ِئنّا‬
‫ُمـ فــيتوب علــيكم‬
‫ح ُمك ْ‬
‫إنـ يَشأْ َي ْر َ‬
‫ُمـ ْ‬
‫ُمـ أيهـا القوم أعْلَــمُ ِبك ْ‬
‫جدِيدا‪َ :‬ر ّبك ْ‬
‫لَــَم ْبعُوثُونَ خَــلْقا َ‬
‫شأْ ُي َع ّذ ْبكُمْ بأن‬
‫برحمته‪ ،‬حتـى تنـيبوا عما أنتـم علـيه من الكفر به وبـالـيوم الَخر وَإنْ َي َ‬
‫يخذلكم عن اليـمان‪ ،‬فتـموتوا علـى شرككم‪ ،‬فـيعذّبكم يوم القـيامة بكفركم به‪ .‬وبنـحو‬
‫الذي قلنا فـي ذلك‪ ،‬قال أهل التأويـل‪ .‬ذكر من قال ذلك‪:‬‬
‫‪ 16895‬ـ حدثنا القاسم‪ ،‬قال‪ :‬حدثنا الـحسين‪ ،‬قال‪ :‬ثنـي حجاج‪ ،‬عن عبد الـملك بن جريج‬
‫ن يَشأْ ُي َع ّذبْكُمْ فتـموتوا علـى الشرك‬
‫شأْ َي ْرحَ ْمكُمْ قال‪ :‬فتؤمنوا أ ْو إ ْ‬
‫ن َي َ‬
‫قوله‪َ :‬ر ّبكُمْ أعْلَـمُ ِبكُمْ إ ْ‬
‫كما أنتـم‪.‬‬
‫ل يقول لنبـيه مـحمد صلى ال عليه وسلم‪ :‬وما أرسلناك‬
‫وقوله‪ :‬وَما أرْ سَلْناكَ عَلَـ ْي ِهمْ َوكِي ً‬
‫يا مـحمد علـى من أرسلناك إلـيه لتدعوه إلـى طاعتنا ربـا ول رقـيبـا‪ ،‬إنـما أرسلناك‬
‫إلـيهم لتبلغهم رسالتنا‪ ،‬وبأيدينا صرفهم وتدبـيرهم‪ ،‬فإن شئنا رحمناهم‪ ،‬وإن شئنا عذّبناهم‪.‬‬

‫‪55‬‬ ‫الية ‪:‬‬


‫سمَاوَاتِ وَالرْ ضِ وَلَ َقدْ َفضّلْنَا‬
‫القول ف ـي تأوي ـل قوله تعال ـى‪َ { :‬و َربّ كَ َأعْلَ مُ ِبمَ نْ فِي ال ّ‬
‫َبعْضَ ال ّن ِبيّينَ عََلىَ َبعْضٍ وَآ َت ْينَا دَاوُودَ َزبُورا }‪.‬‬
‫يقول تعال ـى ذكره لنب ـيه صلى ال عل يه و سلم‪ :‬ور بك يا م ـحمد أعل ـم ب ـمن ف ـي‬
‫السموات والرض وما يصلـحهم فإنه هو خالقهم ورازقهم ومدبرهم‪ ،‬وهو أعلـم بـمن هو‬
‫أهـل للتوبـة والرحمـة‪ ،‬ومـن هـو أهـل للعذاب‪ ،‬أهدى للــحقّ مـن سـبق له منــي الرحمـة‬
‫ن ذلك عل ـيك‪ ،‬فإن‬
‫وال سعادة‪ ،‬وأُضلّ من سبق له من ـي الشقاء وال ـخذلن‪ ،‬يقول‪ :‬فل ي كبر ّ‬
‫ذلك من فعلـي بهم لتفضيـلـي بعض النبـيـين علـى بعض‪ ،‬بإرسال بعضهم إلـى بعض‬
‫الـخـلق‪ ،‬وبعضهم إلـى الـجميع‪ ،‬ورفعي بعضهم علـى بعض درجات‪ .‬كما‪:‬‬
‫‪ 16896‬ـ حدث نا ب شر‪ ،‬قال‪ :‬حدث نا يز يد‪ ،‬قال‪ :‬حدث نا سعيد‪ ،‬عن قتادة‪ ،‬قوله‪َ :‬و َربّ كَ أعْلَ ـمُ‬
‫ْضـ اتــخذ ال‬
‫ْضـ ال ّنبِــيّـينَ عَلــى َبع ٍ‬
‫ْضـ وََل َقدْ َفضّلْنـا َبع َ‬
‫ت والر ِ‬
‫السـمَوَا ِ‬
‫ن فــي ّ‬
‫بِــمَ ْ‬
‫إبراهيـم خـلـيلً‪ ،‬وكلّـم موسى تكلـيـما‪ ،‬وجعل ال عيسى كمثل آدم خـلقه من تراب‪،‬‬
‫ثم قال له كن ف ـيكون‪ ،‬و هو ع بد ال ور سوله‪ ،‬من كل ـمة ال ورو حه‪ ،‬وآت ـى سلـيـمان‬
‫مُل كا ل ينب غي ل حد من بعده‪ ،‬وآت ـى داود زبورا‪ ،‬ك نا ن ـحدّث دعاء عُلّ ـمه داود‪ ،‬ت ـحميد‬
‫وت ـمـجيد‪ ،‬ل ـيس ف ـيه حلل ول حرام‪ ،‬ول فرائض ول حدود‪ ،‬وغ فر ل ـمـحمد ما تقدّم‬
‫من ذنبه وما تأخّر‪.‬‬
‫‪ 16897‬ـ حدثنا القاسم‪ ،‬قال‪ :‬حدثنا الـحسين‪ ،‬قال‪ :‬ثنـي حجاج‪ ،‬عن ابن جريج وََل َقدْ فَضّلْنا‬
‫ض قال‪ :‬كلـم ال موسى‪ ،‬وأرسل مـحمدا إلـى الناس كافّة‪.‬‬
‫َبعْض ال ّنبِـيّـينَ عَلـى َبعْ ٍ‬

‫‪56‬‬ ‫الية ‪:‬‬


‫ضرّ‬
‫ن َكشْفَ ال ّ‬
‫ع ْمتُم مّن دُونِ ِه فَلَ َيمِْلكُو َ‬
‫ن زَ َ‬
‫القول فـي تأويـل قوله تعالـى‪{ :‬قُلِ ادْعُواْ اّلذِي َ‬
‫ع ْن ُكمْ َولَ َتحْوِيلً }‪.‬‬
‫َ‬
‫يقول تعالـى ذكره لنبـيه مـحمد صلى ال عليه وسلم‪ :‬قل يا مـحمد لـمشركي قومك‬
‫الذين يعبدون من دون ال من خـلقه‪ :‬ادعو أيها القوم الذين زعمتـم أنهم أربـاب وآلهة من‬
‫دونه عند ضرّ ينزل بكم‪ ،‬فـانظروا هل يقدرون علـى دفع ذلك عنكم‪ ،‬أو تـحويـله عنكم‬
‫إل ـى غير كم‪ ،‬فتدعو هم آل هة‪ ،‬فإن هم ل يقدرون عل ـى ذلك‪ ،‬ول ي ـملكونه‪ ،‬وإن ـما ي ـملكه‬
‫ويقدر علـيه خالقكم وخالقهم‪ .‬وقـيـل‪ :‬إن الذين أمر النبـيّ صلى ال عليه وسلم أن يقول‬
‫ل هم هذا القول‪ ،‬كانوا يعبدون ال ـملئكة وعُزيرا وال ـمسيح‪ ،‬وبعض هم كانوا يعبدون نفرا من‬
‫الـجنّ‪ .‬ذكر من قال ذلك‪:‬‬
‫‪16898‬ـ حدثنـي مـحمد بن سعد‪ ،‬قال‪ :‬ثنـي أبـي‪ ،‬قال‪ :‬ثنـي عمي‪ ،‬قال‪ :‬ثنـي أبـي‪،‬‬
‫ن دُونِ هِ فَلَ يَ ـمْلِكُونَ َكشْ فَ‬
‫ع ْمتُ ـمْ ِم ْ‬
‫عن أب ـيه‪ ،‬عن ا بن عب ـاس‪ ،‬قوله‪ :‬قُلِ ادْعُوا اّلذِ ين زَ َ‬
‫عزَيرا‪ ،‬و هم الذ ين‬
‫ل قال‪ :‬كان أ هل الشرك يقولون‪ :‬نع بد ال ـملئكة و ُ‬
‫ع ْنكُ مْ وَل تَ ـحْوِي ً‬
‫الضّرّ َ‬
‫يدعون‪ ،‬يعنـي الـملئكة والـمسيح وعُزيرا‪.‬‬

‫‪57‬‬ ‫الية ‪:‬‬


‫ن إَِلىَ َر ّبهِ مُ الْوَ سِيلَةَ َأ ّيهُ مْ‬
‫القول ف ـي تأوي ـل قوله تعال ـى‪{ :‬أُولَ ـ ِئكَ اّلذِي نَ َيدْعُو نَ َي ْب َتغُو َ‬
‫حذُورا }‪.‬‬
‫ب َر ّبكَ كَانَ َم ْ‬
‫عذَا َ‬
‫عذَابَ ُه إِنّ َ‬
‫حمَتَهُ َو َيخَافُونَ َ‬
‫ن َر ْ‬
‫َأقْرَبُ َو َي ْرجُو َ‬
‫يقول تعالـى ذكره‪ :‬هؤلء الذين يدعوهم هؤلء الـمشركون أربـابـا َي ْب َتغُونَ إلـى رَ ّبهِمُ‬
‫الوَ سِيـلَ َة يقول‪ :‬يبتغي الـمدعوّون أربـابـا إلـى ربهم القُربة والزّلفة‪ ،‬لنهم أهل إيـمان‬
‫به‪ ،‬والـمشركون بـال يعبدونهم من دون ال أ ّيهُ مْ أ ْقرَ بُ أيهم بصالـح عمله واجتهاده فـي‬
‫عذَابَهُـ إنّـ‬
‫ح َمتَهُـ وَيخافُونَـ بخلفهـم أمره َ‬
‫عبــادته أقرب عنده زلفـة َو َي ْرجُونَـ بأفعالهـم تلك َر ْ‬
‫كانـ مَــحْذورا متقــي‪ .‬وبنــحو الذي قلنـا فــي ذلك‪ ،‬قال أهـل‬
‫َ‬ ‫ّكـ يـا مــحمد‬
‫َابـ َرب َ‬
‫عذ َ‬ ‫َ‬
‫التأويـل‪ ،‬غير أنهم اختلفوا فـي الـمدعويّن‪ ،‬فقال بعضهم‪ :‬هم نفر من الـجنّ‪ .‬ذكر من قال‬
‫ذلك‪:‬‬
‫‪16899‬ـ حدثنـي أبو السائب‪ ،‬قال‪ :‬حدثنا أبو معاوية‪ ،‬عن العمش‪ ،‬عن إبراهيـم‪ ،‬عن عبد‬
‫ن إل ـى َر ّبهِ مُ الوَ سِيـلَ َة قال‪ :‬كان ناس من ال نس‬
‫ن َي ْب َتغُو َ‬
‫ن َيدْعُو َ‬
‫ال‪ ،‬ف ـي قوله‪ :‬أُوَلئِ كَ اّلذِي َ‬
‫يعبدون قو ما من ال ـجنّ‪ ،‬فأ سلـم ال ـجن وبق ـي ال نس عل ـى كفر هم‪ ،‬فأنزل ال تعال ـى‬
‫ن َي ْبتَغُونَ إلـى َر ّب ِهمُ ال َوسِيـلَ َة يعنـي الـجنّ‪.‬‬
‫ن َيدْعُو َ‬
‫أُوَل ِئكَ اّلذِي َ‬
‫حدثنـا ابـن الــمثنى‪ ،‬قال‪ :‬حدثنـا أبـو النعمان الــحكم بـن عبـد ال العجلــي‪ ،‬قال‪ :‬حدثنـا‬
‫شع بة‪ ،‬عن سلـيـمان‪ ،‬عن إبراهي ـم‪ ،‬عن أب ـي مع مر‪ ،‬قال‪ :‬قال ع بد ال ف ـي هذه الَ ية‬
‫ن َي ْبتَغُو نَ إلـى َر ّبهِ مُ الوَسيـلَ َة أ ّيهُ مْ أ ْقرَ بُ قال‪ :‬قَبـيـل من الـجنّ كانوا‬
‫ن َيدْعُو َ‬
‫أُوَلئِ كَ اّلذِي َ‬
‫يعبدون فأسلـموا‪.‬‬
‫حدثنـي عبد الوارث بن عبد الصمد‪ ،‬قال‪ :‬ثنـي أبـي‪ ،‬قال‪ :‬ثنـي الـحسين‪ ،‬عن قتادة‪،‬‬
‫عن مع بد بن ع بد ال ال ّزمّان ـي‪ ،‬عن ع بد ال بن عت بة بن م سعود‪ ،‬عن ا بن م سعود‪ ،‬ف ـي‬
‫ن إلـى َر ّبهِ مُ الوَ سِيـلَةَ قال‪ :‬نزلت فـي نفر من العرب كانوا‬
‫قوله‪ :‬أُوَلئِ كَ اّلذِي نَ َيدْعُو نَ َي ْب َتغُو َ‬
‫يعبدون نفرا مـن الــجنّ‪ ،‬فأسـلـم الــجنـيون‪ ،‬والنـس الذيـن كانوا يعبدونهـم ل يشعرون‬
‫ن إلـى رَ ّب ُهمُ الوَسيـلَ َة أ ّي ُهمْ أقْرَبُ‪.‬‬
‫ن َي ْب َتغُو َ‬
‫بإسلمهم‪ ،‬فأنزلت اّلذِينَ َيدْعُو َ‬
‫حدثنا بشر‪ ،‬قال‪ :‬حدثنا يزيد‪ ،‬قال‪ :‬حدثنا سعيد‪ ،‬عن قتادة‪ ،‬عن عبد ال بن عتبة بن مسعود‪،‬‬
‫عن حديث عمه عبد ال بن مسعود‪ ،‬قال‪ :‬نزلت هذه الَية فـي نفر من العرب كانوا يعبدون‬
‫نفرا من الـجنّ‪ ،‬فأسلـم الـجنـيون والنفر من العرب ل يشعرون بذلك‪.‬‬
‫‪ 16900‬ـ حدثنا ابن عبد العلـى‪ ،‬قال‪ :‬حدثنا مـحمد بن ثور‪ ،‬عن معمر‪ ،‬عن قتادة اّلذِي نَ‬
‫ِمـ الوَسـِيـلَةَ قوم عبدوا الــجنّ‪ ،‬فأسـلـم أولئك الــجنّ‪ ،‬فقال ال‬
‫ُونـ إلــى َر ّبه ُ‬
‫ُونـ َي ْب َتغ َ‬
‫َيدْع َ‬
‫ن َي ْبتَغُونَ إلـى َر ّب ِهمُ ال َوسِيـلَةَ‪.‬‬
‫ن َيدْعُو َ‬
‫تعالـى ذكره‪ :‬أُوَل ِئكَ اّلذِي َ‬
‫حدثنا مـحمد بن بشار‪ ،‬قال‪ :‬حدثنا عبد الرحمن‪ ،‬قال‪ :‬حدثنا سفـيان‪ ،‬عن العمش‪ ،‬عن‬
‫ن َي ْبتَغُو نَ إل ـى َر ّبهِ مُ الوَ سِيـلَةَ‬
‫ن َيدْعُو َ‬
‫إبراهي ـم‪ ،‬عن أب ـي مع مر‪ ،‬عن ع بد ال أُوَلئِ كَ اّلذِي َ‬
‫قال‪ :‬كان ن فر من ال نس يعبدون نفرا من ال ـجنّ‪ ،‬فأ سلـم الن فر من ال ـجنّ‪ ،‬وا ستـمسك‬
‫ن إلـى َر ّبهِمُ ال َوسِيـلَةَ‪.‬‬
‫ن َي ْب َتغُو َ‬
‫ن َيدْعُو َ‬
‫النس بعبـادتهم‪ ،‬فقال أُوَل ِئكَ اّلذِي َ‬
‫حدثنا الـحسن بن يحيى‪ ،‬قال‪ :‬أخبرنا عبد الرزاق‪ ،‬قال‪ :‬أخبرنا ابن عيـينة‪ ،‬عن العمش‪،‬‬
‫عن إبراهيـم عن أبـي معمر‪ ،‬قال‪ :‬قال عبد ال‪ :‬كان ناس يعبدون نفرا من الـجنّ‪ ،‬فأسلـم‬
‫أولئك الـجنـيون‪ ،‬وثبتت النس علـى عبـادتهم‪ ،‬فقال ال تبـارك وتعالـى‪ :‬أوَلِئ كَ اّلذِي نَ‬
‫ن إلـى َر ّبهِمُ ال َوسِيـلَةَ‪.‬‬
‫َيدْعُونَ َي ْب َتغُو َ‬
‫‪16901‬ـ حدثنا الـحسن‪ ،‬قال‪ :‬حدثنا عبد الرزاق‪ ،‬قال‪ :‬أخبرنا معمر‪ ،‬عن قتادة‪ ،‬فـي قوله‪:‬‬
‫َبـ قال كان أناس مـن أهـل‬
‫ُمـ أ ْقر ُ‬
‫ِمـ الوَسـِيـلَ َة أ ّيه ْ‬
‫ُونـ إلــى َر ّبه ُ‬
‫ُونـ َي ْبتَغ َ‬
‫ِينـ َيدْع َ‬
‫ِكـ اّلذ َ‬
‫أُوَلئ َ‬
‫الـجاهلـية يعبدون نفرا من الـجنّ فلـما بعث النبـيّ صلى ال عليه وسلم أسلـموا جميعا‪،‬‬
‫فكانوا يبتغون أيهم أقرب‪.‬‬
‫وقال آخرون‪ :‬بل هم الـملئكة‪.‬‬
‫‪ 16902‬ـ حدثنـي الـحسين بن علـيّ الصدائي‪ ،‬قال‪ :‬حدثنا يحيى بن السكن‪ ،‬قال‪ :‬أخبرنا‬
‫أبو العوّام‪ ،‬قال‪ :‬أخبرنا قتادة‪ ،‬عن عبد ال بن معبد ال ّزمّانـي‪ ،‬عن عبد ال بن مسعود‪ ،‬قال‪:‬‬
‫كان قب ـائل من العرب يعبدون صنفـا من ال ـملئكة يقال ل هم ال ـجنّ‪ ،‬ويقولون‪ :‬هم بنات‬
‫ن إلـى َر ّبهِمُ ال َوسِيـلَةَ‪.‬‬
‫ن معشر العرب َي ْب َتغُو َ‬
‫ن َيدْعُو َ‬
‫ل أُوَل ِئكَ اّلذِي َ‬
‫ال‪ ،‬فأنزل ال عزّ وج ّ‬
‫‪ 16903‬ـ حدثن ـي يو نس‪ ،‬قال‪ :‬أخبر نا ا بن و هب‪ ،‬قال‪ :‬قال ا بن ز يد أُوَلئِ كَ اّلذِي نَ َيدْعُو نَ‬
‫ن إل ـى َر ّبهِ مُ الوَ سِيـلَ َة قال‪ :‬الذ ين يدعون الـملئكة تبتغي إلـى رب ها الوسيـلة أ ّيهُ مْ‬
‫َي ْب َتغُو َ‬
‫حذُورا قال‪ :‬وهؤلء الذ ين عبدوا‬
‫ن مَ ـ ْ‬
‫عذَا بَ َربّ كَ كا َ‬
‫ح َمتَ ُه حت ـى بلغ إ نّ َ‬
‫أقْرَ بُ َويَ ْرجُون َر ْ‬
‫الـملئكة من الـمشركين‪.‬‬
‫وقال آخرون‪ :‬بل هم عزير وعيسى‪ ،‬وأمه‪ .‬ذكر من قال ذلك‪:‬‬
‫‪ 16904‬ـ حدثن ـي يح يى بن جع فر‪ ،‬قال‪ :‬أخبر نا يح يى بن ال سكن‪ ،‬قال‪ :‬أخبر نا شع بة‪ ،‬عن‬
‫ك اّلذِي نَ َيدْعُو نَ‬
‫إ سماعيـل ال سديّ‪ ،‬عن أب ـي صالـح‪ ،‬عن ا بن عب ـاس‪ ،‬ف ـي قوله‪ :‬أُوَلئِ َ‬
‫ن إلـى َر ّب ِهمُ ال َوسِيـلَ َة قال‪ :‬عيسى وأمه وعُزير‪.‬‬
‫َي ْب َتغُو َ‬
‫حدث نا م ـحمد بن ال ـمثنى‪ ،‬قال‪ :‬حدث نا أ بو النعمان ال ـحكم بن ع بد ال العجل ـي‪ ،‬قال‪:‬‬
‫حدثنا شعبة‪ ،‬عن إسماعيـل السدي‪ ،‬عن أبـي صالـح‪ ،‬عن ابن عبـاس‪ ،‬قال‪ :‬عيسى ابن‬
‫ن َي ْبتَغُونَ إلـى َر ّب ِهمُ ال َوسِيـلَةَ‪.‬‬
‫ك اّلذِينَ َيدْعُو َ‬
‫مريـم وأمه وعُزير فـي هذه الَية أوَل ِئ َ‬
‫‪ 16905‬ـ حدثنـي مـحمد بن عمرو‪ ،‬قال‪ :‬حدثنا أبو عاصم‪ ،‬قال‪ :‬حدثنا عيسى وحدثنـي‬
‫الـحرث‪ ،‬قال‪ :‬حدثنا الـحسن قال‪ :‬حدثنا ورقاء‪ ،‬جميعا عن ابن أبـي نـجيح‪ ،‬عن مـجاهد‬
‫ن إلـى َر ّب ِهمُ ال َوسِيـلَ َة قال‪ :‬عيسى ابن مريـم وعُزير والـملئكة‪.‬‬
‫َي ْب َتغُو َ‬
‫حدث نا القا سم‪ ،‬قال‪ :‬حدث نا ال ـحسين‪ ،‬قال‪ :‬ثن ـي حجاج‪ ،‬عن ا بن جر يج‪ ،‬عن م ـجاهد‪،‬‬
‫مثله‪.‬‬
‫‪ 16906‬ـ حدث نا ا بن حم يد‪ ،‬قال‪ :‬حدث نا جر ير‪ ،‬عن مغيرة‪ ،‬عن إبراهي ـم‪ ،‬قال‪ :‬كان ا بن‬
‫ن إل ـى َربّهِ مُ الوَ سِيـلَ َة قال‪ :‬هو عُز ير‬
‫ن َي ْب َتغُو َ‬
‫عب ـاس يقول ف ـي قوله‪ :‬أُوَلئِ كَ اّلذِي نَ َيدْعُو َ‬
‫والـمسيح والشمس والقمر‪.‬‬
‫وأولـى القوال بتأويـل هذه الَ ية قول عبد ال بن مسعود الذي رويناه‪ ،‬عن أبـي مع مر‬
‫عنه‪ ،‬وذلك أن ال تعالـى ذكره أخبر عن الذين يدعوهم الـمشركون آلهة أنهم يبتغون إلـى‬
‫ي صلى ال عل يه و سلم ومعلوم أن عُزيرا ل ـم ي كن موجودا‬
‫رب هم الو سيـلة ف ـي ع هد النب ـ ّ‬
‫علـى عهد نبـينا علـيه الصلة والسلم‪ ،‬فـيبتغي إلـى ربه الوسيـلة وأن عيسى قد كان‬
‫رُفع‪ ،‬وإنـما يبتغي إلـى ربه الوسيـلة من كان موجودا حيا يعمل بطاعة ال‪ ،‬ويتقرّب إلـيه‬
‫بـالصالـح من العمال‪ .‬فأما من كان ل سبـيـل له إلـى العمل‪ ،‬فبـم يبتغي إلـى ر به‬
‫الو سيـلة‪ .‬فإذ كان ل مع نى لهذا القول‪ ،‬فل قول ف ـي ذلك إل قول من قال ما اختر نا ف ـيه‬
‫من التأويـل‪ ،‬أو قول من قال‪ :‬هم الـملئكة‪ ،‬وهما قولن يحتـملهما ظاهر التنزيـل‪ .‬وأما‬
‫الو سيـلة‪ ،‬ف قد ب ـيّنا أن ها القر بة والزل فة‪ .‬وبن ـحو الذي قل نا ف ـي ذلك‪ ،‬قال أ هل التأوي ـل‪.‬‬
‫ذكر من قال ذلك‪:‬‬
‫‪ 16907‬ـ حدثنا القاسم‪ ،‬قال‪ :‬حدثنا الـحسين‪ ،‬قال‪ :‬ثنـي حجاج‪ ،‬عن ابن جريج‪ ،‬قال‪ :‬قال‬
‫ابن عبـاس‪ :‬الوسيـلة‪ :‬القربة‪.‬‬
‫‪ 16908‬ـ حدث نا ا بن ع بد العل ـى‪ ،‬قال‪ :‬حدث نا م ـحمد بن ثور‪ ،‬عن مع مر‪ ،‬عن قتادة‪:‬‬
‫الوسيـلة‪ ،‬قال‪ :‬القربة والزلفـى‪.‬‬

‫‪58‬‬ ‫الية ‪:‬‬


‫ْمـ الْ ِقيَامَ ِة أَوْ‬
‫ل يَو ِ‬
‫ْنـ ُمهِْلكُوه َا قَبْ َ‬
‫ل َنح ُ‬
‫القول فــي تأويــل قوله تعالــى‪{ :‬وَإِن م ّن َق ْريَةٍ ِإ ّ‬
‫ب َمسْطُورا }‪.‬‬
‫ن ذَلِك فِي ا ْل ِكتَا ِ‬
‫شدِيدا كَا َ‬
‫عذَابا َ‬
‫ُم َعذّبُوهَا َ‬
‫يقول تعالـى ذكره‪ :‬وما من قرية من القرى إل نـحن مهلكوا أهلها بـالفناء‪ ،‬فمبـيدوهم‬
‫اسـتئصالً قبـل يوم القــيامة‪ ،‬أو معذّبوهـا‪ ،‬إمـا ببلء مـن قتـل بــالسيف‪ ،‬أو غيـر ذلك مـن‬
‫صنوف العذاب عذابـا شديدا‪ .‬كما‪:‬‬
‫‪ 16909‬ـ حدثنـي مـحمد بن عمرو‪ ،‬قال‪ :‬حدثنا أبو عاصم‪ ،‬قال‪ :‬حدثنا عيسى وحدثنـي‬
‫الـحرث‪ ،‬قال‪ :‬حدثنا الـحسن قال‪ :‬حدثنا ورقاء‪ ،‬عن ابن أبـي نـجيح‪ ،‬عن مـجاهد‪ ،‬فـي‬
‫ن َقرْيَ ٍة إلّ نَـحْن ُمهِْلكُوها َقبْلَ يَوْ ِم القِـيامَة فمبـيدوها أ ْو معذّبُوها‬
‫قول ال عزّ وجلّ‪ :‬وَإ نَ مِ ْ‬
‫بـالقتل والبلء‪ ،‬قال‪ :‬كل قرية فـي الرض سيصيبها بعض هذا‪.‬‬
‫حدث نا القا سم‪ ،‬قال‪ :‬حدث نا ال ـحسين‪ ،‬قال‪ :‬ثن ـي حجاج‪ ،‬عن ا بن جر يج‪ ،‬عن م ـجاهد‪،‬‬
‫بنـحوه‪ ،‬إل أنه قال‪ :‬سيصيبها هذا أو بعضه‪.‬‬
‫ن َقرْيَ ٍة إلّ‬
‫‪ 16910‬ـ حدثنا بشر‪ ،‬قال‪ :‬حدثنا يزيد‪ ،‬قال‪ :‬حدثنا سعيد‪ ،‬عن قتادة‪ ،‬قوله‪ :‬وَإ نْ مِ ْ‬
‫نَـحْن ُمهِْلكُوها َقبْلَ َي ْومِ القِـيامَةِ أ ْو ُم َعذّبوها قضاء من ال كما تسمعون لـيس منه بدّ‪ ،‬إما أن‬
‫يهلكها بـموت وإما أن يهلكها بعذاب مستأصل إذا تركوا أمره‪ ،‬وكذّبوا رسله‪.‬‬
‫حدث نا م ـحمد بن بشار‪ ،‬قال‪ :‬حدث نا ع بد الرح من‪ ،‬قال‪ :‬حدث نا سفـيان‪ ،‬عن ا بن أب ـي‬
‫ل نَـحْنُ ُمهِْلكُوها قال‪ :‬مبـيدوها‪.‬‬
‫ن مِنْ َق ْريَةٍ إ ّ‬
‫نـجيح‪ ،‬عن مـجاهد وَإ ْ‬
‫‪16911‬ـ حدثنا القاسم‪ ،‬قال‪ :‬ثنـي الـحسين‪ ،‬قال‪ :‬حدثنا أبو الحوص‪ ،‬عن سماك بن حرب‪،‬‬
‫عن ع بد الرح من بن ع بد ال‪ ،‬قال‪ :‬إذا ظ هر الز نا والرب ـا ف ـي أ هل قر ية أذن ال ف ـي‬
‫هلكها‪.‬‬
‫ل ما هو‬
‫ك فِ ـي الكِتا بِ مَ سْطُورا يعن ـي ف ـي الكتاب الذي ك تب ف ـيه ك ّ‬
‫ن ذل َ‬
‫وقوله‪ :‬كا َ‬
‫كائن‪ ،‬وذلك اللوح الـمـحفوظ‪ .‬كما‪:‬‬
‫ن ذل كَ‬
‫‪ 16912‬ـ حدثنـي يونس‪ ،‬قال‪ :‬أخبرنا ا بن وهب‪ ،‬قال‪ :‬قال ابن ز يد‪ ،‬فـي قوله‪ :‬كا َ‬
‫سبَق ويعن ـي بقوله‬
‫ن اللّ ِه َ‬
‫سطُورا قال‪ :‬ف ـي أ مّ الكتاب‪ ،‬وقرأ لَوْل كِتا بٌ مِ َ‬
‫فِ ـي الكِتا بِ مَ ْ‬
‫َمسْطُورا مكتوبـا مبـينا ومنه قول العجاج‪:‬‬
‫حتَفِظْ‬
‫طرْأمْ َركَ َهذَا ف ـا ْ‬
‫سَ‬‫ب الُول ـى الت ـي كان َ‬
‫ن ذَا ال ـجَللِ َقدْ َقدَرْف ـي ال ُكتُ ِ‬
‫واعْلَ ـمْ بأ ّ‬
‫فِـي ِه ال ّن َهرْ‬

‫‪59‬‬ ‫الية ‪:‬‬


‫القول فـي تأويـل قوله تعالـى‪:‬‬
‫صرَةً َفظََلمُواْ ِبهَا‬
‫ت ِإلّ أَن َكذّبَ ِبهَا الوّلُونَ وَآ َت ْينَا َثمُودَ النّاقَ َة ُمبْ ِ‬
‫ل بِالَيَا ِ‬
‫{ َومَا َم َن َعنَآ أَن ّنرْسِ َ‬
‫ل َتخْوِيفا }‪.‬‬
‫ليَاتِ ِإ ّ‬
‫َومَا ُن ْرسِلُ بِا َ‬
‫يقول تعالـى ذكره‪ :‬و ما منعنا يا مـحمد أن نرسل ب ـالَيات الت ـي سألها قو مك‪ ،‬إل أن‬
‫كان من قبلهم من المـم الـمكذّبة‪ ،‬سألوا ذلك مثل سؤالهم فلـما أتاهم ما سألوا منه كذّبوا‬
‫رسلهم‪ ،‬فلـم يصدّقوا مع مـجيء الَيات‪ ،‬فعوجلوا فلـم نرسل إلـى قومك بـالَيات‪ ،‬لنّا‬
‫لو أرسـلنا بهـا إلــيها‪ ،‬فكذّبوا بهـا‪ ،‬سـلكنا فــي تعجيــل العذاب لهـم مسـلك المــم قبلهـا‪.‬‬
‫وبـالذي قلنا فـي ذلك‪ ،‬قال أهل التأويـل‪ .‬ذكر من قال ذلك‪:‬‬
‫‪ 16913‬ـ حدثنا ابن حميد وابن وكيع‪ ،‬قال‪ :‬حدثنا جرير‪ ،‬عن العمش‪ ،‬عن جعفر بن أياس‪،‬‬
‫عن سعيد بن جبـير‪ ،‬عن ابن عبـاس‪ ،‬قال‪ :‬سأل أهل مكة النبـيّ صلى ال عليه وسلم أن‬
‫يجعل لهم الصفـا ذهب ـا‪ ،‬وأن ينـحي عنهم الـجبـال‪ ،‬ف ـيزرعوا‪ ،‬فقـيـل له‪ :‬إن شئت‬
‫أن ن ستأنـي ب هم لعل نا ن ـجتنـي من هم‪ ،‬وإن شئت أن نؤت ـيهم الذي سألوا‪ ،‬فإن كفروا أهلكوا‬
‫ل أنْ‬
‫ن ُنرْسِلَ بـالَياتِ إ ّ‬
‫كما أهلك من قبلهم‪ ،‬قال‪« :‬بل تستأنـي بهم»‪ ،‬فأنزل ال‪ :‬وَما َم َنعَنا أ ْ‬
‫َكذّبَ بِها الوّلُونَ وآتَـيْنا َثمُو َد النّاقَ َة ُم ْبصِرَةً‪.‬‬
‫‪ 16914‬ـ حدثنـي إسحاق بن وهب‪ ،‬قال‪ :‬حدثنا أبو عامر‪ ،‬قال‪ :‬حدثنا مسعود بن عبـاد‪،‬‬
‫ت إلّ أ نْ‬
‫عن مالك بن دينار‪ ،‬عن الـحسن فـي قول ال تعالـى وَما َم َن َعنَا أ نْ ُنرْ سِلَ بـالَيا ِ‬
‫ن قال‪ :‬رحمة لكم أيتها المة‪ ،‬إنا لو أرسلنا بـالَيات فكذّبتـم بها‪ ،‬أصابكم ما‬
‫َكذّبَ بِها الوّلُو َ‬
‫أصاب من قبلكم‪.‬‬
‫‪16915‬ـ حدثنا القاسم‪ ،‬قال‪ :‬حدثنا الـحسين‪ ،‬قال‪ :‬ثنـي حماد بن زيد‪ ،‬عن أيوب‪ ،‬عن سعيد‬
‫بن جبـير‪ ،‬قال‪ :‬قال الـمشركون لـمـحمد صلى ال عليه وسلم‪ :‬يا مـحمد إنك تزعم أنه‬
‫كان قبلك أنبـياء‪ ،‬فمنهم من سخرت له الريح‪ ،‬ومنهم من كان يحيـي الـموتـى‪ ،‬فإن سرّك‬
‫أن نؤمن بك ونصدّقك‪ ،‬فـادع ربك أن يكون لنا الصفـا ذهبـا‪ ،‬فأوحى ال إلـيه‪ :‬إنـي قد‬
‫سمعت الذي قالوا‪ ،‬فإن شئت أن نفعل الذي قالوا‪ ،‬فإن لـم يؤمنوا نزل العذاب‪ ،‬فإنه لـيس بعد‬
‫نزول الَية مناظرة‪ ،‬وإن شئت أن تستأنـي قومك استأنـيت بها‪ ،‬قال‪« :‬يا ربّ أستأنـي»‪.‬‬
‫‪16916‬ـ حدثنا بشر‪ ،‬قال‪ :‬حدثنا يزيد‪ ،‬قال‪ :‬حدثنا سعيد‪ ،‬عن قتادة‪ ،‬قوله‪ :‬وَما َم َنعَنا أنْ ُن ْرسِلَ‬
‫ب بِها الوّلُو نَ قال‪ :‬قال أهل مكة لنبـيّ ال صلى ال عليه وسلم‪ :‬إن كان‬
‫ن َكذّ َ‬
‫بـالَياتِ إلّ أ ْ‬
‫ما تقول ح قا‪ ،‬وي سرّك أن نؤ من‪ ،‬فحوّل ل نا ال صفـا ذهب ـا‪ ،‬فأتاه جبرئي ـل عل ـيه ال سلم‪،‬‬
‫فقال‪ :‬إن شئت كان الذي سألك قو مك‪ ،‬ولك نه إن كان ثم ل ـم يؤمنوا ل ـم يناظروا‪ ،‬وإن شئت‬
‫ـرَةً‬
‫ـَت ْأنِـي بقَومْـي» فأنزل ال‪ :‬وآتَــيْنا َثمُودَ النّاقَةَ ُمبْص ِ‬
‫اسـتأنـيت بقومـك‪ ،‬قال‪« :‬بَلِ أس ْ‬
‫ن َقرْيَ ٍة أهَْلكْناها أ َفهُ ْم يُ ْؤ ِمنُونَ‪.‬‬
‫ت َقبْلَ ُهمْ مِ ْ‬
‫ل ما آ َمنَ ْ‬
‫فَظَلَـمُوا بِها وأنزل ال عزّ وج ّ‬
‫‪ 16917‬ـ حدثنا القاسم‪ ،‬قال‪ :‬حدثنا الـحسين‪ ،‬قال‪ :‬ثنـي حجاج‪ ،‬عن ابن جريج‪ ،‬أنهم سألوا‬
‫ن قال‬
‫ب بِها الوّلُو َ‬
‫ن نُرْسِلَ بـالَياتِ إلّ أ نْ َكذّ َ‬
‫أن يحوّل الصفـا ذهبـا‪ ،‬قال ال‪ :‬وَما َم َنعَنا أ ْ‬
‫ابن جريج‪ :‬لـم يأت قرية بآية فـيكذّبوا بها إل عذّبوا‪ ،‬فلو جعلت لهم الصفـا ذهبـا ثم لـم‬
‫يؤمنوا عذّبوا‪ .‬و«أن» الول ـى الت ـي مع َم َنعَ نا‪ ،‬ف ـي مو ضع ن صب بوقوع منع نا عل ـيها‪،‬‬
‫وأن الثانـية رفع‪ ،‬لن معنى الكلم‪ :‬وما منعنا إرسال الَيات إل تكذيب الوّلـين من المـم‪،‬‬
‫فـالفعل لن الثانـية‪.‬‬
‫يقول تعالـى ذكره‪ :‬وقد سأل الَيات يا مـحمد من ِقبَل قومك ثمود‪ ،‬فآتـيناها ما سألت‪،‬‬
‫وجعلنا تلك الَية ناقة مبصرة‪ .‬جعل البصار للناقة‪ ،‬كما تقول للشجة‪ :‬موض حة‪ ،‬وهذه حجة‬
‫مبـينة‪ .‬وإنـما عنى بـالـمبصرة‪ :‬الـمضيئة البـينة التـي من يراها كانوا أهل بصر بها‪،‬‬
‫أنها ل حجة‪ ،‬كما قـيـل‪ :‬والنهارَ ُم ْبصِرا كما‪:‬‬
‫‪16918‬ــ حدثنـا بشـر‪ ،‬قال‪ :‬حدثنـا يزيـد‪ ،‬قال‪ :‬حدثنـا سـعيد‪ ،‬عـن قتادة وآتَــيْنا َثمُودَ النّاقَةَ‬
‫صرَةً‪ :‬أي بـيّنة‪.‬‬
‫ُمبْ ِ‬
‫‪ 16919‬ـ حدثنـي مـحمد بن عمرو‪ ،‬قال‪ :‬حدثنا أبو عاصم‪ ،‬قال‪ :‬حدثنا عيسى وحدثنـي‬
‫الــحرث‪ ،‬قال‪ :‬حدثنـا الــحسن‪ ،‬قال‪ :‬حدثنـا ورقاء‪ ،‬جميعـا عـن ابـن أبــي نــجيح‪ ،‬عـن‬
‫مـجاهد‪ ،‬فـي قول ال ع ّز ذكره النّاقَ َة ُم ْبصِرَ ًة قال‪ :‬آية‪.‬‬
‫حدث نا القا سم‪ ،‬قال‪ :‬حدث نا ال ـحسين‪ ،‬قال‪ :‬ثن ـي حجاج‪ ،‬عن ا بن جر يج‪ ،‬عن م ـجاهد‪،‬‬
‫مثله‪.‬‬
‫وقوله‪ :‬فَظَلَـمُوا بِ ها يقول عزّ وجلّ‪ :‬فكان بها ظلـمهم‪ ،‬وذلك أنهم قتلوها وعقرو ها‪ ،‬فكان‬
‫ظلـمهم بعقرها وقتلها‪ .‬وقد قـيـل‪ :‬معنى ذلك‪ :‬فكفروا بها‪ ،‬ول وجه لذلك إل أن يقول قائله‬
‫أراد‪ :‬فكفروا بـال بقتلها‪ ،‬فـيكون ذلك وجها‪.‬‬
‫ل تَ ـخْوِيفـا فإ نه يقول‪ :‬و ما نر سل ب ـالعبر والذ كر إل‬
‫ل ب ـالَياتِ إ ّ‬
‫وأ ما قوله‪ :‬وَ ما ُنرْ سِ ُ‬
‫تـخويفـا للعبـاد‪ ،‬كما‪:‬‬
‫‪16920‬ــ حدثنـا بشـر‪ ،‬قال‪ :‬حدثنـا يزيـد‪ ،‬قال‪ :‬حدثنـا سـعيد‪ ،‬عـن قتادة‪ ،‬قوله‪ :‬وَمـا ُنرْس ِـلُ‬
‫بـالَياتِ إلّ تَـخْوِيفـا وإن ال يخوّف الناس بـما شاء من آية لعلهم يعتبرون‪ ،‬أو يذكّرون‪،‬‬
‫أو يرجعون‪ ،‬ذُ كر ل نا أن الكو فة رج فت عل ـى ع هد ا بن م سعود‪ ،‬فقال‪ :‬يأي ها الناس إن رب كم‬
‫يستعتبكم فأعتبوه‪.‬‬
‫‪ 16921‬ـ حدثنا القاسم‪ ،‬قال‪ :‬حدثنا الـحسين‪ ،‬قال‪ :‬حدثنا نوح بن قـيس‪ ،‬عن أبـي رجاء‪،‬‬
‫ل تَـخْوِيفـا قال‪ :‬الـموت الذريع‪.‬‬
‫عن الـحسن وَما ُنرْسلُ بـالَياتِ إ ّ‬

‫‪60‬‬ ‫الية ‪:‬‬


‫جعَ ْلنَا الرّؤيَا اّلتِي‬
‫ن َربّ كَ َأحَا طَ بِالنّا سِ َومَا َ‬
‫القول فـي تأويـل قوله تعالـى‪{ :‬وَِإذْ قُ ْلنَا لَ كَ ِإ ّ‬
‫ط ْغيَانا َكبِيرا }‪.‬‬
‫شجَرَ َة ا ْلمَ ْلعُونَ َة فِي ال ُقرْآنِ َو ُنخَ ّو ُف ُهمْ َفمَا َيزِيدُ ُهمْ ِإلّ ُ‬
‫ل فِ ْتنَ ًة لّلنّاسِ وَال ّ‬
‫َأ َريْنَاكَ ِإ ّ‬
‫وهذا ح ضّ من ال تعالــى ذكره نبــيه مــحمدا صلى ال عل يه وسـلم‪ ،‬علــى تبل ـيغ‬
‫رسالته‪ ،‬وإعلم منه أنه قد تقدّم منه إلـيه القول بأنه سيـمنعه من كلّ من بغاه سوءا وهلكا‪،‬‬
‫يقول جلّ ثناؤه‪ :‬واذكر يا مـحمد إذ قلنا لك إن ربك أحاط بـالناس قدرة‪ ،‬فهم فـي قبضته ل‬
‫يقدرون عل ـى ال ـخروج من مشيئ ته‪ ،‬ون ـحن مانعوك من هم‪ ،‬فل تتهيّب من هم أحدا‪ ،‬وا مض‬
‫لـما أمرناك به من تبلـيغ رسالتنا‪ .‬وبنـحو الذي قلنا فـي ذلك‪ ،‬قال أهل التأويـل‪ .‬ذكر من‬
‫قال ذلك‪:‬‬
‫‪ 16922‬ـ حدثنا مـحمد بن الـمثنى‪ ،‬قال‪ :‬حدثنا عبد الصمد‪ ،‬قال‪ :‬حدثنا شعبة‪ ،‬عن أبـي‬
‫رجاء‪ ،‬قال‪ :‬سمعت الـحسن يقول‪ :‬أحاط بـالناس‪ ،‬عصمك من الناس‪.‬‬
‫حدثنا ابن حميد‪ ،‬قال‪ :‬حدثنا يحيى بن واضح‪ ،‬قال‪ :‬حدثنا أبو بكر الهُذلـي‪ ،‬عن الـحسن‬
‫ك أحا طَ بـالنّاسِ قال‪ :‬يقول‪ :‬أحطت لك بـالعرب أن ل يقتلوك‪ ،‬فعرف أنه‬
‫ك إ نّ َربّ َ‬
‫وَإ ْذ قُلْنا لَ َ‬
‫ل يُقتل‪.‬‬
‫‪ 16923‬ـ حدثنـي مـحمد بن عمرو‪ ،‬قال‪ :‬حدثنا أبو عاصم‪ ،‬قال‪ :‬حدثنا عيسى وحدثنـي‬
‫الــحرث‪ ،‬قال‪ :‬حدثنـا الــحسن‪ ،‬قال‪ :‬حدثنـا ورقاء‪ ،‬جميعـا عـن ابـن أبــي نــجيح‪ ،‬عـن‬
‫ط بـالنّاسِ قال‪ :‬فهم فـي قبضته‪.‬‬
‫مـجاهد أحا َ‬
‫حدث نا القا سم‪ ،‬قال‪ :‬حدث نا ال ـحسين‪ ،‬قال‪ :‬ثن ـي حجاج‪ ،‬عن ا بن جر يج‪ ،‬عن م ـجاهد‪،‬‬
‫مثله‪.‬‬
‫‪ 16924‬ـ حدث نا القا سم‪ ،‬قال‪ :‬حدث نا ال ـحسين‪ ،‬قال‪ :‬حدث نا أ بو سفـيان‪ ،‬عن مع مر‪ ،‬عن‬
‫الزهري‪ ،‬عن عروة بن الزب ـير قوله أحا طَ ب ـالنّاسِ قال‪ :‬من عك من الناس‪ .‬قال مع مر‪ ،‬قال‬
‫قتادة‪ ،‬مثله‪.‬‬
‫‪ 16925‬ـ حدثنا ابن عبد العلـى‪ ،‬قال‪ :‬حدثنا ابن ثور‪ ،‬عن معمر‪ ،‬عن قتادة‪ ،‬قوله وَإذْ قُلْنا‬
‫َلكَ إنّ َربّك أحاطَ بـالنّاسِ قال‪ :‬منعك من الناس‪.‬‬
‫حدثنـا بشـر‪ ،‬قال‪ :‬حدثنـا يزيـد‪ ،‬قال‪ :‬حدثنـا سـعيد‪ ،‬عـن قتادة وَإذْ قُلْنـا لَكَـ إنّـ َربّكَـ أحاطَـ‬
‫بـالنّاسِ أي منعك من الناس حتـى تبلّغ رسالة ربك‪.‬‬
‫جعَلْنا ال ّرؤْيا التـي أرَيْنا كَ إلّ ِف ْتنَ ًة للنّا سِ اختلف أهل التأويـل فـي ذلك‪ ،‬فقال‬
‫وقوله‪ :‬وَما َ‬
‫بعضهم‪ :‬هو رؤيا عين‪ ،‬وهي ما رأى النبـيّ صلى ال عليه وسلم لـما أُسري به من مكة‬
‫إلـى بـيت الـمقدس‪ .‬ذكر من قال ذلك‪:‬‬
‫‪ 16926‬ـ حدث نا أ بو كر يب‪ ،‬قال‪ :‬حدث نا مالك بن إ سماعيـل‪ ،‬قال‪ :‬حدث نا ا بن عي ـينة‪ ،‬عن‬
‫جعَلْ نا الرّؤْ يا الت ـي أ َريْنا كَ إلّ ِف ْتنَةً‬
‫عمرو‪ ،‬عن عكر مة‪ ،‬عن ا بن عب ـاس ف ـي قوله وَ ما َ‬
‫للنّا سِ قال‪ :‬هي رؤيا عين أريها رسول ال صلى ال عليه وسلم لـيـلة أُسري به‪ ،‬ولـيست‬
‫برؤيا منام‪.‬‬
‫حدثنا ابن وكيع‪ ،‬قال‪ :‬حدثنا سفـيان بن عيـينة‪ ،‬عن عمرو بن دينار‪ ،‬عن عكرمة‪ ،‬عن‬
‫ل ف ْتنَ ًة للنّاسِ قال‪ :‬هي رؤيا عين‬
‫جعَلْنا الرّؤْيا التـي أ َريْناكَ إ ّ‬
‫سئِل عن قوله وَما َ‬
‫ابن عبـاس‪ُ ،‬‬
‫رآها النبـيّ صلى ال عليه وسلم لـيـلة أُسري به‪.‬‬
‫حدثنا الـحسن بن يحيى‪ ،‬قال‪ :‬أخبرنا عبد الرزاق‪ ،‬قال‪ :‬أخبرنا ابن عيـينة‪ ،‬عن عمرو‪،‬‬
‫عن عكرمة‪ ،‬عن ابن عبـاس‪ ،‬بنـحوه‪.‬‬
‫‪ 16927‬ـ حدثنا ابن حميد‪ ،‬قال‪ :‬حدثنا حكام‪ ،‬قال‪ :‬حدثنا عمرو‪ ،‬عن فرات القزاز‪ ،‬عن سعيد‬
‫جعَلْ نا الرّؤْ يا الت ـي أ َريْنا كَ إلّ ِف ْتنَةً للنّا سِ قال‪ :‬كان ذلك ل ـيـلة أُ سري به‬
‫بن جب ـير وَ ما َ‬
‫إلـى بـيت الـمقدس‪ ،‬فرأى ما رأى فكذّبه الـمشركون حين أخبرهم‪.‬‬
‫‪16928‬ـ حدثنـي يعقوب‪ ،‬قال‪ :‬حدثنا ابن علـية‪ ،‬عن أبـي رجاء‪ ،‬عن الـحسن‪ ،‬قوله وَما‬
‫ل فِ ْتنَ ًة للنّاس ِـ قال‪ :‬أسـري بـه عشاء إلــى بــيت الــمقدس‪،‬‬
‫جعَلْنـا الرّؤْيـا التــي أ َريْناك َـ إ ّ‬
‫َ‬
‫فصلـى فـيه‪ ،‬وأراه ال ما أراه من الَيات‪ ،‬ثم أصبح بـمكة‪ ،‬فأخبرهم أنه أُسري به إلـى‬
‫بـيت الـمقدس‪ ،‬فقالوا له‪ :‬يا مـحمد ما شأنك‪ ،‬أمسيت فـيه‪ ،‬ثم أصبحت فـينا تـخبرنا أنك‬
‫أتـيت بـيت الـمقدس‪ ،‬فعجبوا من ذلك حتـى ارتدّ بعضهم عن السلم‪.‬‬
‫‪ 16929‬ـ حدثنا مـحمد بن بشار‪ ،‬قال‪ :‬حدثنا هوذة‪ ،‬قال‪ :‬حدثنا عوف‪ ،‬عن الـحسن‪ ،‬فـي‬
‫ك إلّ ِف ْتنَةً للنّا سِ قال‪ :‬قال كف ـار أ هل م كة‪ :‬أل ـيس من‬
‫جعَلْ نا ال ّرؤْ يا الت ـي أريْنا َ‬
‫قوله وَ ما َ‬
‫كذب ابن أبـي كبشة أنه يزعم أنه سار مسيرة شهرين فـي لـيـلة‪.‬‬
‫‪ 16930‬ـ حدثنـي أبو حصين‪ ،‬قال‪ :‬حدثنا عبثر‪ ،‬قال‪ :‬حدثنا حصين‪ ،‬عن أبـي مالك فـي‬
‫ك إلّ ِف ْتنَةً للنّاسِ قال‪ :‬مسيره إلـى بـيت الـمقدس‪.‬‬
‫جعَلْنا الرّؤْيا التـي أ َريْنا َ‬
‫هذه الَية وَما َ‬
‫‪ 16931‬ـ حدثنـي أبو السائب ويعقوب‪ ،‬قال‪ :‬حدثنا ابن إدريس‪ ،‬عن الـحسن بن عبد ال‪،‬‬
‫جعَلْ نا الرّؤْ يا الت ـي أ َريْنا كَ إلّ ِف ْتنَةً للنّا سِ‬
‫عن أب ـي الض حى‪ ،‬عن م سروق ف ـي قوله وَ ما َ‬
‫قال‪ :‬حين أُسري به‪.‬‬
‫‪ 16932‬ـ حدث نا ا بن بشار‪ ،‬قال‪ :‬حدث نا أ بو أح مد‪ ،‬قال‪ :‬حدث نا سفـيان‪ ،‬عن من صور‪ ،‬عن‬
‫ل فِ ْتنَ ًة للنّاسِ قال‪ :‬لـيـلة أُسري به‪.‬‬
‫جعَلْنا الرّؤْيا التـي أ َريْناكَ إ ّ‬
‫إبراهيـم وَما َ‬
‫‪ 16933‬ـ حدثنا مـحمد بن عبد العلـى‪ ،‬قال‪ :‬حدثنا مـحمد بن ثور‪ ،‬عن معمر‪ ،‬عن قتادة‬
‫جعَلْنا الرّؤْيا التـي أ َريْناكَ إلّ ف ْتنَ ًة للنّاس قال‪ :‬الرؤيا التـي أريناك فـي بـيت الـمقدس‬
‫وَما َ‬
‫حين أُسري به‪ ،‬فكانت تلك فتنة الكافر‪.‬‬
‫جعَلْنا الرّؤْيا التـي أ َريْنا كَ‬
‫حدثنا بشر‪ ،‬قال‪ :‬حدثنا يزيد‪ ،‬قال‪ :‬حدثنا سعيد‪ ،‬عن قتادة وَما َ‬
‫إلّ ِف ْتنَةً للنّاسِ يقول‪ :‬ال أراه من الَيات والعبر فـي مسيره إلـى بـيت الـمقدس‪.‬‬
‫ذُكر لنا أن ناسا ارتدّوا بعد إسلمهم حين حدثهم رسول ال صلى ال عليه وسلم بـمسيره‪،‬‬
‫أنكروا ذلك وكذّبوا له‪ ،‬وعجبوا منه‪ ،‬وقالوا‪ :‬تـحدّثنا أنك سرت مسيرة شهرين فـي لـيـلة‬
‫واحدة‪.‬‬
‫حدثن ـي م ـحمد بن سعد‪ ،‬قال‪ :‬ثن ـي أب ـي‪ ،‬قال‪ :‬ثن ـي ع مي‪ ،‬قال‪ :‬ثن ـي أب ـي‪ ،‬عن‬
‫س قال‪ :‬هو ما أُري‬
‫جعَلْنا الرّؤْيا التـي أ َريْناكَ إلّ ِف ْتنَةً للنّا ِ‬
‫أبـيه‪ ،‬عن ابن عبـاس‪ ،‬قوله وَما َ‬
‫فـي بـيت الـمقدس لـيـلة أُسري به‪.‬‬
‫جعَلْنا‬
‫‪ 16934‬ـ حدثنا القاسم‪ ،‬قال‪ :‬حدثنا الـحسين‪ ،‬قال‪ :‬ثنـي حجاج‪ ،‬عن ابن جريج وَما َ‬
‫الرّؤْيا التـي أ َريْنا كَ قال‪ :‬أراه ال من الَيات فـي طر يق بـيت الـمقدس حين أُسري به‪،‬‬
‫نزلت فريضة الصلة لـيـلة أُسري به قبل أن يهاجر بسنة وتسع سنـين من العشر التـي‬
‫مكثها بـمكة‪ ،‬ثم رجع من لـيـلته‪ ،‬فقالت قريش‪ :‬تعشى فـينا وأصبح فـينا‪ ،‬ثم زعم أنه‬
‫جاء الشام فــي لــيـلة ثـم رجـع‪ ،‬وايــم ال إن الــحدأة لتــجيئها شهريـن‪ :‬شهرا مقبلة‪،‬‬
‫وشهرا مُدبرة‪.‬‬
‫جعَلْنا‬
‫‪ 16935‬ـ حدثنـي يونس‪ ،‬قال‪ :‬أخبرنا ابن وهب‪ ،‬قال‪ :‬قال ابن زيد‪ ،‬فـي قوله وَما َ‬
‫ل ِفتْنَ ًة للنّا سِ قال‪ :‬هذا ح ين أُ سري به إل ـى ب ـيت ال ـمقدس‪ ،‬افت تن‬
‫الرّؤْ يا الّت ـي أ َريْنا كَ إ ّ‬
‫فـيها ناس‪ ،‬فقالوا‪ :‬يذهب إلـى بـيت الـمقدس ويرجع فـي لـيـلة وقال‪« :‬لَـمّا أتانـي‬
‫صرّتْ بأ ُذنَ ـيْها‪ ،‬وَا ْنقَبَض َبعْضُ ها‬
‫حمِلَنـي عَلَ ـيْها َ‬
‫جبْرائي ـلُ عَلَ ـيْ ِه ال سّلمُ ب ـال ُبرَاقِ لِ ـ َي ْ‬
‫َ‬
‫حدٌ‬
‫ع ْن ِد هِ ما َر ِكبَ كَ أ َ‬
‫جبْرائيـلُ‪ ،‬فقالَ‪ :‬وَاّلذِي َب َع َثنِـي بـالـحَقّ م نْ ِ‬
‫إلـى َبعْ ضٍ‪َ ،‬ف َنظَ َر إلَـيْها َ‬
‫حتَها‪ ،‬وكانَ‬
‫عرَقا حتـى سالَ ما تَـ ْ‬
‫خيْرٌ ِم ْنهُ»‪ ،‬قالَ‪« :‬فَصرّتْ بُأ ُذنَـيْها وَارْ َفضّتْ َ‬
‫ن وََلدِ آدَ َم َ‬
‫مِ ْ‬
‫طرْفها» فلـما أتاهم بذلك‪ ،‬قالوا‪ :‬ما كان مـحمد لـينتهي حتـى‬
‫ع ْندَ ُم ْن َتهَى َ‬
‫خطْوها ِ‬
‫ُم ْن َتهَى َ‬
‫يأتـي بكذبة تـخرج من أقطارها‪ ،‬فأتوا أبـا بكر رضي ال عنه‪ ،‬فقالوا‪ :‬هذا صاحبك يقول‬
‫كذا وكذا‪ ،‬فقال‪ :‬وقد قال ذلك؟ قالوا‪ :‬نعم‪ ،‬فقال‪ :‬إن كان قد قال ذلك فقد صدق‪ ،‬فقالوا‪ :‬تصدّقه‬
‫إن قال ذهـب إلــى بــيت الــمقدس ورجـع فــي لــيـلة؟ فقال أبـو بكـر‪ :‬إي‪ ،‬نزع ال‬
‫عقول كم‪ ،‬أ صدّقه ب خبر ال سماء‪ ،‬وال سماء أب عد من ب ـيت ال ـمقدس‪ ،‬ول أ صدّقه ب خبر ب ـيت‬
‫الـمقدس؟ قالوا للنبـيّ صلى ال عليه وسلم‪ :‬إنا قد جئنا بـيت الـمقدس فصفه لنا‪ ،‬فلـما‬
‫قالوا ذلك‪ ،‬رف عه ال تب ـارك وتعال ـى ومثله ب ـين عين ـيه‪ ،‬فج عل يقول‪ « :‬هو كذا‪ ،‬وف ـيه‬
‫كذا»‪ ،‬فقال بعضهم‪ :‬وأبـيكم إن أخطأ منه حرفـا‪ ،‬فقالوا‪ :‬هذا رجل ساحر‪.‬‬
‫‪ 16936‬ـ حُد ثت عن ال ـحسين بن الفرج‪ ،‬قال‪ :‬سمعت أب ـا معاذ يقول‪ :‬حدث نا عب ـيد بن‬
‫ك إلّ ِف ْتنَةً‬
‫جعَلْ نا ال ّرؤْ يا الت ـي أرَيْنا َ‬
‫سلـيـمان‪ ،‬قال‪ :‬سمعت الضحاك يقول ف ـي قوله وَ ما َ‬
‫للنّا سِ يعن ـي لـيـلة أُ سري به إلـى بـيت ال ـمقدس‪ ،‬ثم رجع من لـيـلته‪ ،‬فكانت فت نة‬
‫لهم‪.‬‬
‫‪ 16937‬ـ حدثنـي مـحمد بن عمرو‪ ،‬قال‪ :‬حدثنا أبو عاصم‪ ،‬قال‪ :‬حدثنا عيسى وحدثنـي‬
‫الــحرث‪ ،‬قال‪ :‬حدثنـا الــحسين‪ ،‬قال‪ :‬حدثنـا ورقاء‪ ،‬جميعـا عـن ابـن أبــي نــجيح‪ ،‬عـن‬
‫مـجاهد فـي قوله الرّؤحيا التـي أ َريْناكَ قال‪ :‬حين أُسري بـمـحمد صلى ال عليه وسلم‪.‬‬
‫حدث نا القا سم‪ ،‬قال‪ :‬حدث نا ال ـحسين‪ ،‬قال‪ :‬ثن ـي حجاج‪ ،‬عن ا بن جر يج‪ ،‬عن م ـجاهد‪،‬‬
‫بنـحوه‪.‬‬
‫وقال آخرون‪ :‬هي رؤياه التـي رأى أنه يدخـل مكة‪ .‬ذكر من قال ذلك‪:‬‬
‫‪16938‬ـ حدثنـي مـحمد بن سعد‪ ،‬قال‪ :‬ثنـي أبـي‪ ،‬قال‪ :‬ثنـي عمي‪ ،‬قال‪ :‬ثنـي أبـي‪،‬‬
‫ل ِف ْتنَةً للنّا سِ قال‪ :‬يقال‪:‬‬
‫جعَلْنا الرّؤْيا التـي أ َريْنا كَ إ ّ‬
‫عن أبـيه‪ ،‬عن ابن عبـاس‪ ،‬قوله‪ :‬وَما َ‬
‫إن رسـول ال صـلى ال عليـه وسـلم أُري أنـه دخــل مكـة هـو وأصـحابه‪ ،‬وهـو يومئذٍ‬
‫بــالـمدينة‪ ،‬فعجّل رسـول ال صـلى ال عليـه وسـلم السـير إلــى مكـة قبـل الجـل‪ ،‬فردّه‬
‫الــمشركون‪ ،‬فقالت أناس‪ :‬قـد ردّ رسـول ال صـلى ال عليـه وسـلم‪ ،‬وقـد كان حدثنـا أنـه‬
‫سيدخـلها‪ ،‬فكانت رجعته فتنتهم‪.‬‬
‫وقال آخرون م ـمن قال‪ :‬هي رؤ يا منام‪ :‬إن ـما كان ر سول ال صلى ال عل يه و سلم رأى‬
‫فـي منامه قوما يعلون منبره‪ .‬ذكر من قال ذلك‪:‬‬
‫‪ 16939‬ـ حُد ثت عن م ـحمد بن ال ـحسن بن زب ـالة‪ ،‬قال‪ :‬حدث نا ع بد ال ـمهيـمن بن‬
‫عبـاس بن سهل بن سعد‪ ،‬قال‪ :‬ثنـي أبـي‪ ،‬عن جدّي‪ ،‬قال‪ :‬رأى رسول ال صلى ال عليه‬
‫وسلم بنـي فلن ينزون علـى منبره نزو القردة‪ ،‬فساءه ذلك‪ ،‬فما استـجمع ضاحكا حتـى‬
‫ل فِ ْتنَ ًة للنّا سِ»‪...‬‬
‫جعَلْ نا الرّؤْيا التـي أ َريْنا كَ إ ّ‬
‫مات‪ .‬قال‪ :‬وأنزل ال عزّ وجلّ فـي ذلك وَما َ‬
‫الَية‪.‬‬
‫وأول ـى القوال ف ـي ذلك ب ـالصواب‪ ،‬قول من قال‪ :‬ع نى به رؤ يا ر سول ال صلى ال‬
‫عليه وسلم ما رأى من الَيات والعبر فـي طريقه إلـى بـيت الـمقدس‪ ،‬وبـيت الـمقدس‬
‫لـيـلة أُسري به‪ ،‬وقد ذكرنا بعض ذلك فـي أوّل هذه السورة‪.‬‬
‫وإنـما قُلنا ذلك أولـى بـالصواب‪ ،‬لجماع الـحجة من أهل التأويـل علـى أن هذه الَية‬
‫إنـما نزلت فـي ذلك‪ ،‬وإياه عنى ال عزّ وجلّ بها‪ ،‬فإذا كان ذلك كذلك‪ ،‬فتأويـل الكلم‪ :‬وما‬
‫جعل نا رؤياك التــي أريناك ل ـيـلة أ سرينا بك من م كة إل ـى ب ـيت ال ـمقدس‪ ،‬إلّ فت نة‬
‫للناس‪ :‬يقول‪ :‬إل بَلء للناس الذ ين ارتدّوا عن ال سلم‪ ،‬ل ـمّا أُ خبروا ب ـالرؤيا الت ـي رآ ها‬
‫علـيه الصلة والسلم‪ ،‬وللـمشركين من أهل مكة الذين ازدادوا بسماعهم ذلك من رسول ال‬
‫صلى ال عليه وسلم تـماديا فـي غيهم‪ ،‬وكفرا إلـى كفرهم‪ ،‬كما‪:‬‬
‫‪16940‬ـ حدثنا بشر‪ ،‬قال‪ :‬حدثنا يزيد‪ ،‬قال‪ :‬حدثنا سعيد‪ ،‬عن قتادة‪ ،‬قوله‪ :‬إلّ ِف ْتنَةً للنّاسِ‪.‬‬
‫ن فإن أهل التأويـل اختلفوا فـيها‪ ،‬فقال بعضهم‪:‬‬
‫جرَةَ الـمَ ْلعُونَةَ فِـي القُرآ ِ‬
‫شَ‬‫وأما قوله‪ :‬وال ّ‬
‫هي شجرة ال ّزقّوم‪ .‬ذكر من قال ذلك‪:‬‬
‫‪ 16941‬ـ حدث نا أ بو كر يب‪ ،‬قال‪ :‬حدث نا مالك بن إ سماعيـل‪ ،‬قال‪ :‬حدث نا أ بو عب ـيدة‪ ،‬عن‬
‫ن قال‪ :‬شجرة الزّقوم‪.‬‬
‫شجَرَ َة الـمَ ْلعُونَةَ فِـي القُرآ ِ‬
‫عمرو‪ ،‬عن عكرمة‪ ،‬عن ابن عبـاس وال ّ‬
‫‪16942‬ـ حدثنـي مـحمد بن سعد‪ ،‬قال‪ :‬ثنـي أبـي‪ ،‬قال‪ :‬ثنـي عمي‪ ،‬قال‪ :‬ثنـي أبـي‪،‬‬
‫ن قال‪ :‬هي شجرة الزقوم‪.‬‬
‫جرَ َة الـمَلْعُو َنةَ فِـي القُرآ ِ‬
‫شَ‬‫عن أبـيه‪ ،‬عن ابن عبـاس‪ ،‬قوله وال ّ‬
‫قال أبو جهل‪ :‬أيخوّفنـي ابن أبـي كبشة بشجرة الزّقوم‪ ،‬ثم دعا بتـمر وزُبد‪ ،‬فجعل يقول‪:‬‬
‫س الشّياطِ ين وأنزل ونُ ـخَ ّو ُفهُمْ فَمَا َيزِيدُهُ مْ إلّ‬
‫زقمن ـي‪ ،‬فأنزل ال تعال ـى طَ ْلعُ ها كأنّ هُ رُءُو ُ‬
‫طغْيانا َكبِـيرا‪.‬‬
‫ُ‬
‫‪16943‬ـ حدثنـي أبو السائب ويعقوب‪ ،‬قال‪ :‬حدثنا ابن إدريس‪ ،‬عن الـحسن بن عبـيد ال‪،‬‬
‫ن قال‪ :‬شجرة الزّقوم‪.‬‬
‫جرَ َة الـمَلْعُو َنةَ فِـي القُرآ ِ‬
‫شَ‬‫عن أبـي الضحى‪ ،‬عن مسروق وال ّ‬
‫حدث نا ا بن بشار‪ ،‬قال‪ :‬حدث نا ع بد الرح من‪ ،‬قال‪ :‬حدث نا سفـيان‪ ،‬عن ال ـحسن بن عب ـيد‬
‫ال‪ ،‬عن أبـي الضحى‪ ،‬عن مسروق‪ ،‬مثله‪.‬‬
‫‪ 16944‬ـ حدثن ـي يعقوب‪ ،‬قال‪ :‬حدث نا ا بن عُلَ ـية‪ ،‬عن أب ـي رجاء‪ ،‬عن ال ـحسن‪ ،‬ف ـي‬
‫ُرآنـ فإن قريشـا كانوا يأكلون التــمر والزبـد‪ ،‬ويقولون‪:‬‬
‫جرَةَ الــمَ ْلعُونَ َة فِــي الق ِ‬
‫شَ‬‫قوله وال ّ‬
‫تزقموا هذا الزقوم‪ .‬قال أ بو رجاء‪ :‬فحدثن ـي ع بد القدّوس‪ ،‬عن ال ـحسن‪ ،‬قال‪ :‬فو صفها ال‬
‫لهم فـي الصافـات‪.‬‬
‫حدث نا ا بن بشار‪ ،‬قال‪ :‬حدث نا هوذة‪ ،‬قال‪ :‬حدث نا عوف‪ ،‬عن ال ـحسن‪ ،‬قال‪ :‬قال أ بو ج هل‬
‫وكفــار أهـل مكـة‪ :‬ألــيس مـن كذب ابـن أبــي كبَشـة أنـه يوعدكـم بنار تــحترق فــيها‬
‫ن قال‪ :‬هي شجرة‬
‫جرَةَ الـمَ ْلعُونَ َة فِـي القُرآ ِ‬
‫شَ‬‫الـحجارة‪ ،‬ويزعم أنه ينبت فـيها شجرة؟ وال ّ‬
‫الزّقوم‪.‬‬
‫‪16945‬ـ حدثنـي عن عبد ال بن أحمد بن يونس‪ ،‬قال‪ :‬حدثنا عبثر‪ ،‬قال‪ :‬حدثنا حصين‪ ،‬عن‬
‫جرَةَ الـمَ ْلعُونَ َة فِـي القُرآنِ قال‪ :‬شجرة الزقوم‪.‬‬
‫شَ‬‫أبـي مالك فـي هذه الَية وال ّ‬
‫حدث نا ا بن بشار‪ ،‬قال‪ :‬حدث نا ع بد الرح من‪ ،‬قال‪ :‬حدث نا هشي ـم‪ ،‬عن ح صين‪ ،‬عن أب ـي‬
‫جرَةَ الـمَ ْلعُونَ َة فِـي القُرآنِ قال‪ :‬هي شجرة الزقوم‪.‬‬
‫شَ‬‫مالك‪ ،‬قال فـي قوله وال ّ‬
‫‪ 16946‬ـ حدثنا ابن بشار‪ ،‬قال‪ :‬حدثنا عبد الرحمن‪ ،‬قال‪ :‬حدثنا عبد ال بن الـمبـارك‪ ،‬عن‬
‫رجل يقال له بدر‪ ،‬عن عكرمة‪ ،‬قال‪ :‬شجرة الزقوم‪.‬‬
‫‪16947‬ـ حدثنا ابن بشار‪ ،‬قال‪ :‬حدثنا عبد الرحمن‪ ،‬قال‪ :‬حدثنا إسرائيـل‪ ،‬عن فرات القزّار‪،‬‬
‫قال‪ :‬سُئل سعيد بن جبـير عن الشجرة الـملعونة‪ ،‬قال‪ :‬شجرة الزقوم‪.‬‬
‫حدثنا ابن بشار‪ ،‬قال‪ :‬حدثنا عبد الرحمن‪ ،‬قال‪ :‬حدثنا هشيـم‪ ،‬عن عبد الـملك ال َعزْرم يّ‪،‬‬
‫جرَ َة الـمَلْعُو َنةَ قال‪ :‬شجرة الزقوم‪.‬‬
‫شَ‬‫عن سعيد بن جبـير وَال ّ‬
‫‪ 16948‬ـ حدثنا ابن بشار‪ ،‬قال‪ :‬حدثنا عبد الرحمن‪ ،‬قال‪ :‬حدثنا سفـيان‪ ،‬عن منصور‪ ،‬عن‬
‫إبراهيـم‪ ،‬بـمثله‪.‬‬
‫‪ 16949‬ـ حدثنـي مـحمد بن عمرو‪ ،‬قال‪ :‬حدثنا أبو عاصم‪ ،‬قال‪ :‬حدثنا عيسى وحدثنـي‬
‫الــحارث‪ ،‬قال‪ :‬ثنــي الــحسن‪ ،‬قال‪ :‬حدثنـا ورقاء‪ ،‬جميعـا عـن ابـن أبــي نــجيح‪ ،‬عـن‬
‫ن قال‪ :‬الزقوم‪.‬‬
‫شجَرَ َة الـمَ ْلعُونَ َة فِـي القُرآ ِ‬
‫مـجاهد وال ّ‬
‫حدث نا القا سم‪ ،‬قال‪ :‬حدث نا ال ـحسين‪ ،‬قال‪ :‬ثن ـي حجاج‪ ،‬عن ا بن جر يج‪ ،‬عن م ـجاهد‪،‬‬
‫مثله‪.‬‬
‫حدثنـا ابـن حميـد‪ ،‬قال‪ :‬حدثنـا جريـر‪ ،‬عـن أبــي الــمَـحجل‪ ،‬عـن أبــي معشـر‪ ،‬عـن‬
‫إبراهيـم‪ ،‬أنه كان يحلف ما يستثنـي‪ ،‬أن الشجرة الـملعونة‪ :‬شجرة الزقوم‪.‬‬
‫حدث نا ال ـحسن بن يح يى‪ ،‬قال‪ :‬أخبر نا ع بد الرزاق‪ ،‬قال‪ :‬أخبر نا إ سرائيـل‪ ،‬عن فُرات‬
‫القزاز‪ ،‬قال‪ :‬سألت سعيد بن جبـير‪ ،‬عن الشجرة الـملعونة فـي القرآن‪ ،‬قال‪ :‬شجرة الزّقوم‪.‬‬
‫حدثنا الـحسن بن يحيى‪ ،‬قال‪ :‬أخبرنا عبد الرزاق‪ ،‬قال‪ :‬أخبرنا ابن عيـينة‪ ،‬عن عمرو‪،‬‬
‫عن عكرمة عن ابن عبـاس‪ ،‬قال‪ :‬هي الزقوم‪.‬‬
‫شجَرَ َة الـمَ ْلعُونَةَ‬
‫‪16950‬ـ حدثنا بشر‪ ،‬قال‪ :‬حدثنا يزيد‪ ،‬قال‪ :‬حدثنا سعيد‪ ،‬عن قتادة‪ ،‬قوله وال ّ‬
‫طغْيانـا َكبِــيرا وهـي شجرة الزقوم‪ ،‬خوّف ال بهـا‬
‫فِــي القُرآنِـ ونُــخَ ّو ُف ُهمْ فَمَا َيزِيدُهُم ْـ إلّ ُ‬
‫عب ـاده‪ ،‬ف ـافتتنوا بذلك‪ ،‬حت ـى قال قائل هم أ بو ج هل بن هشام‪ :‬ز عم صاحبكم هذا أن ف ـي‬
‫النار شجرة‪ ،‬والنار تأكـل الشجـر‪ ،‬وإنـا وال مـا نعلــم الزقوم إلّ التــمر والزبـد‪ ،‬فتزقموا‪،‬‬
‫خرُجُ فـي‬
‫شجَرَ ٌة تـ ْ‬
‫فأنزل ال تبـارك وتعالـى حين عجبوا أن يكون فـي النار شجرة‪ِ :‬إنّها َ‬
‫جحِيـمِ طَ ْلعُها كأنّهُ رُءُوسُ الشّياطِينِ‪ ،‬إنـي خـلقتها من النار‪ ،‬وعذّبت بها من شئت‬
‫أصْلِ الـ َ‬
‫من عبـادي‪.‬‬
‫شجَرَةَ‬
‫حدثنـا ابـن عبـد العلــى‪ ،‬قال‪ :‬حدثنـا مــحمد بـن ثور‪ ،‬عـن معمـر‪ ،‬عـن قتادة وال ّ‬
‫ُرآنـ قال‪ :‬الزقوم وذلك أن الــمشركين قالوا‪ :‬يخبرنـا هذا أن فــي النار‬
‫الــمَ ْلعُونَةَ فِــي الق ِ‬
‫شجرة‪ ،‬والنار تأكل الشجر حتـى ل تدع منه شيئا‪ ،‬وذلك فتنة‪.‬‬
‫‪ 16951‬ـ حُد ثت عن ال ـحسين بن الفرج‪ ،‬قال‪ :‬سمعت أب ـا معاذ يقول‪ :‬حدث نا عب ـيد بن‬
‫ُرآنـ قال‪:‬‬
‫شجَرَ َة الــمَ ْلعُونَ َة فِــي الق ِ‬
‫سـلـيـمان‪ ،‬قال‪ :‬سـمعت الضحاك يقول فــي قوله وال ّ‬
‫شجرة الزقوم‪.‬‬
‫جرَةَ‬
‫شَ‬‫‪ 16952‬ـ حدثن ـي يو نس‪ ،‬قال‪ :‬أخبر نا ا بن و هب‪ ،‬قال‪ :‬قال ا بن ز يد‪ ،‬ف ـي قوله وال ّ‬
‫ُرآنـ الزقوم التــي سـألوا ال أن يــمل بــيوتهم منهـا‪ .‬وقال‪ :‬هـي‬
‫الــمَ ْلعُونَةَ فِــي الق ِ‬
‫الصّـرَفـان بــالزبد تتزقمـه‪ ،‬والصـرفـان‪ :‬صـنف من التــمر‪ .‬قال‪ :‬وقال أبـو جهـل‪ :‬هـي‬
‫الصرفـان بـالزبد‪ ،‬وافتتنوا بها‪.‬‬
‫وقال آخرون‪ :‬هي ال َكشُوث‪ .‬ذكر من قال ذلك‪:‬‬
‫‪16953‬ـ حدثنا أبو كريب‪ ،‬قال‪ :‬حدثنا مـحمد بن إسماعيـل بن أبـي فديك‪ ،‬عن ابن أبـي‬
‫ذئب‪ ،‬عن مول ـى بن ـي ها شم حد ثه‪ ،‬أن ع بد ال بن ال ـحارث بن نو فل‪ ،‬أر سله إل ـى ا بن‬
‫عبــاس‪ ،‬يسـأله عـن الشجرة الــملعونة فــي القرآن؟ قال‪ :‬هـي هذه الشجرة التــي تلوي‬
‫علـى الشجرة‪ ،‬وتـجعل فـي الـماء‪ ،‬يعنـي الكشوثـي‪.‬‬
‫وأولــى القولــين فــي ذلك بــالصواب عندنـا قول مـن قال‪ :‬عنـى بهـا شجرة الزقوم‪،‬‬
‫لجماع الـحجة من أهل التأويـل علـى ذلك‪ .‬ونصبت الشجرة الـملعونة عطفـا بها علـى‬
‫الرؤيا‪ .‬فتأويـل الكلم إذن‪ :‬وما جعلنا الرؤيا التـي أريناك‪ ،‬والشجرة الـملعونة فـي القرآن‬
‫إلّ فتنة للناس‪ ،‬فكانت فتنتهم فـي الرؤيا ما ذكرت من ارتداد من ارتدّ‪ ،‬وتـمادِي أهل الشرك‬
‫فـي شركهم‪ ،‬حين أخبرهم رسول ال صلى ال عليه وسلم بـما أراه ال فـي مسيره إلـى‬
‫بـيت الـمقدس لـيـلة أُسريَ به‪ .‬وكانت فتنتهم فـي الشجرة الـملعونة ما ذكرنا من قول‬
‫أبـي جهل والـمشركين معه‪ :‬يخبرنا مـحمد أن فـي النار شجرة نابتة‪ ،‬والنار تأكل الشجر‬
‫فكيف تنبت فـيها؟‬
‫طغْيانا َكبِـيرا يقول‪ :‬ونـخوّف هؤلء الـمشركين بـما‬
‫ل ُ‬
‫وقوله‪ :‬ونُـخَ ّوفُ ُهمْ َفمَا يَزيدُهُ مْ إ ّ‬
‫نتوعدهم من العقوبـات والنكال‪ ،‬فما يزيدهم تـخويفنا إلّ طغيانا كبـيرا‪ ،‬يقول‪ :‬إلّ تـماديا‬
‫وغيا كبـيرا فـي كفرهم وذلك أنهم لـما خُوّفوا بـالنار التـي طعامهم فـيها الزقوم دعوا‬
‫ب ـالتـمر والز بد‪ ،‬وقالوا‪ :‬تزقموا من هذا‪ .‬وبن ـحو الذي قلنا فـي ذلك‪ ،‬قال أ هل التأوي ـل‪.‬‬
‫ذكر من قال ذلك وقد تقدّم ذكر بعض من قال ذلك‪ ،‬ونذكر بعض من بقـي‪:‬‬
‫شجَرَةَ‬
‫‪16954‬ـ حدثنا القاسم‪ ،‬قال‪ :‬حدثنا الـحسين‪ ،‬قال‪ :‬ثنـي حجاج‪ ،‬قال قال ابن جريج وَال ّ‬
‫جرَةَ ال ـمَ ْلعُونَةَ‬
‫شَ‬‫ال ـمَ ْلعُونَ َة قال‪ :‬طلع ها كأ نه رءوس الشياط ين‪ ،‬والشياط ين ملعونون‪ .‬قال وال ّ‬
‫فِ ـي القُرآ نِ ل ـما ذكر ها زاد هم افتتا نا وطغيا نا‪ ،‬قال ال تب ـارك وتعال ـى‪ ،‬ون ـخ ّو ُفهُم فَمَا‬
‫طغْيانا َكبِـيرا‪.‬‬
‫َيزِيدُ ُهمْ إلّ ُ‬

‫‪62‬‬ ‫و‬ ‫‪61‬‬ ‫الية ‪:‬‬


‫ل ِإبْلِيسَـ قَالَ‬
‫جدُواْ َإ ّ‬
‫لدَ مَ فَسَـ َ‬
‫جدُو ْا َ‬
‫القول فــي تأوي ـل قوله تعالــى‪{ :‬وَِإذْ قُلْنَا لِ ْلمَل ِئكَ ِة اس ْـ ُ‬
‫ن إَِلىَ يَوْ ِم الْ ِقيَامَةِ‬
‫خرْتَ ِ‬
‫ن َأ ّ‬
‫سجُ ُد ِلمَ نْ خَلَ ْق تَ طِينا * قَالَ َأرََأ ْيتَ كَ هَ ـذَا اّلذِي َك ّرمْ تَ عَلَ يّ َلئِ ْ‬
‫أَأَ ْ‬
‫ن ُذ ّريّتَ ُه َإلّ قَلِيلً }‪.‬‬
‫ح َتنِكَ ّ‬
‫لْ‬
‫يقول تعالـى ذكره لنبـيه مـحمد صلى ال عليه وسلم‪ :‬واذكر يا مـحمد تـمادي هؤلء‬
‫الـمشركين فـي غيهم وارتدادهم عتوّا علـى ربهم بتـخويفه إياهم تـحقـيقهم قول عدّوهم‬
‫وعدوّ والد هم‪ ،‬ح ين أمره ر به ب ـالسجود له فع صاه وأ بى ال سجود له‪ ،‬ح سدا وا ستكبـارا َلئِ نْ‬
‫ل قَلِـيلً وكيف صدّقوا ظنه فـيهم‪ ،‬وخالفوا أمر‬
‫ح َت ِنكَ نّ ُذ ّر ّيتَه إ ّ‬
‫لْ‬‫ن إلـى يَوْ مِ القِـيامَ ِة َ‬
‫خرْتَ ِ‬
‫أّ‬
‫ربهم وطاعته‪ ،‬واتبعوا أمر عدوّهم وعدوّ والدهم‪.‬‬
‫سجَدُوا إلّ إبْلِـيسَ‬
‫لدَمَ فَ َ‬
‫جدُوا َ‬
‫سُ‬‫ويعنـي بقوله وَإذْ قُلْنا للْـمَل ِئكَةِ‪ :‬واذكر إذ قلنا للـملئكة ا ْ‬
‫ت طِي نا يقول‪ :‬ل ـمن خ ـلقته من ط ين فل ـما حذ فت‬
‫جدَ لِ ـمَنْ خَ ـلَقْ َ‬
‫سُ‬‫فإ نه ا ستكبر وقال أأ ْ‬
‫«مِن» تعلّق به قوله خَـلَقْتَ فنصب‪ ،‬يفتـخر علـيه الـجاهل بأنه خُـلِق من نار‪ ،‬وخـلق‬
‫آدم من طين‪ .‬كما‪:‬‬
‫‪ 16955‬ـ حدث نا ا بن حم يد‪ ،‬قال‪ :‬حدث نا يعقوب‪ ،‬عن جع فر‪ ،‬عن سعيد بن جب ـير‪ ،‬عن ا بن‬
‫عبـاس‪ ،‬قال‪ :‬بعث ربّ العزّة تبـارك وتعالـى إبلـيس‪ ،‬فأخذ من أديـم الرض‪ ،‬من عذبها‬
‫وملـحها‪ ،‬فخـلق منه آدم‪ ،‬ف كل شيء خُـلق من عذب ها ف هو صائر إلـى ال سعادة وإن كان‬
‫ابن كافرين‪ ،‬وكلّ شيء خَـلقه من مِلـحها فهو صائر إلـى الشقاوة وإن كان ابن نبـيـين‬
‫سمّي‬
‫ت طِينا‪ :‬أي هذه الطينة أنا جئت بها‪ ،‬ومن ثم ُ‬
‫ن خَـلَقْ َ‬
‫جدُ لِـمَ ْ‬
‫سُ‬‫ومن ثم قال إبلـيس أأ ْ‬
‫آدم‪ .‬لنه خُـلق من أديـم الرض‪.‬‬
‫وقوله‪ :‬أرَأ ْيتَ كَ َهذَا اّلذِي َك ّرمْ تَ عَلـيّ يقول تعالـى ذكره‪ :‬أرأيت هذا الذي كرّمته علـيّ‪،‬‬
‫ن أخرتّ نِ أقسم عد ّو ال‪ ،‬فقال لربه‪ :‬لئن أخرت‬
‫فأمرتنـي بـالسجود له‪ ،‬ويعنـي بذلك آدم لئِ ْ‬
‫ن علــيهم‪،‬‬
‫ـ إلّ قَلِــيلً يقول‪ :‬لسـتولـي ّ‬
‫ـ ُذ ّريّتَه ُ‬
‫ح َتنِكَن ّ‬
‫لْ‬‫إهلكـي إلــى يوم القــيامة َ‬
‫ولستأصلنهم‪ ،‬ولستـميـلنهم‪ .‬يقال منه‪ :‬احتنك فلن ما عند فلن من مال أو علـم أو غير‬
‫ذلك‪ ،‬ومنه قول الشاعر‪:‬‬
‫ت‬
‫ح َت َنكَتْ أمْوَالَنا وجَلّفَ ْ‬
‫ضعَ َفتْوا ْ‬
‫ج ْهدٍ بنا فأ ْ‬
‫جهْدا إلـى َ‬
‫جحَ َف ْت َ‬
‫سنَةً َقدْ أ ْ‬
‫شكُو إلَـ ْيكَ َ‬
‫َن ْ‬
‫وبنـحو الذي قلنا فـي ذلك‪ ،‬قال أهل التأويـل‪ .‬ذكر من قال ذلك‪:‬‬
‫‪ 16956‬ـ حدثنـي مـحمد بن عمرو‪ ،‬قال‪ :‬حدثنا أبو عاصم‪ ،‬قال‪ :‬حدثنا عيسى وحدثنـي‬
‫الــحارث‪ ،‬قال‪ :‬حدثنـا الــحسن‪ ،‬قال‪ :‬حدثنـا ورقاء‪ ،‬جميعـا عـن ابـن أبــي نــجيح‪ ،‬عـن‬
‫ل قَلِـيلً قال‪ :‬لحتوينهم‪.‬‬
‫ح َت ِنكَنّ ُذ ّر ّيتَهُ إ ّ‬
‫لْ‬‫مـجاهد‪ ،‬فـي قول ال تبـارك وتعالـى َ‬
‫حدث نا القا سم‪ ،‬قال‪ :‬حدث نا ال ـحسين‪ ،‬قال‪ :‬ثن ـي حجاج‪ ،‬عن ا بن جر يج‪ ،‬عن م ـجاهد‪،‬‬
‫مثله‪.‬‬
‫‪ 16957‬ـ حدثن ـي عل ـيّ‪ ،‬قال‪ :‬حدث نا ع بد ال‪ ،‬قال‪ :‬ثن ـي معاو ية‪ ،‬عن عل ـيّ‪ .‬عن ا بن‬
‫ن ذُ ّر ّيتَ ُه إلّ قَلِـيلً يقول‪ :‬لستولـينّ‪.‬‬
‫ح َت ِنكَ ّ‬
‫لْ‬‫عبـاس‪ ،‬قوله َ‬
‫ح َت ِنكَ نّ‬
‫لْ‬‫‪ 16958‬ـ حدثن ـي يو نس‪ ،‬قال‪ :‬أخبر نا ا بن و هب‪ ،‬قال‪ :‬قال ا بن ز يد‪ ،‬ف ـي قوله َ‬
‫ُذرّ ّيتَ ُه إلّ قل ـيلً قال‪ :‬لضلن هم‪ .‬وهذه اللف ـاظ وإن اختل فت فإن ها متقارب ـات ال ـمعنى‪ ،‬لن‬
‫الستـيلء والحتواء بـمعنى واحد‪ ،‬وإذا استولـى علـيهم فقد أضلهم‪.‬‬

‫‪63‬‬ ‫الية ‪:‬‬


‫خيْلِكَ‬
‫طعْتَ ِم ْنهُمْ بِصَ ْو ِتكَ وََأجْلِبْ عََل ْيهِم ِب َ‬
‫س َت َ‬
‫ستَ ْفزِزْ َمنِ ا ْ‬
‫القول فـي تأويـل قوله تعالـى {وَا ْ‬
‫غرُورا }‪.‬‬
‫ش ْيطَانُ ِإلّ ُ‬
‫عدْ ُهمْ َومَا َي ِعدُهُمُ ال ّ‬
‫َو َرجِِلكَ َوشَا ِر ْكهُ ْم فِي المْوَالِ وَالوْلدِ وَ ِ‬
‫ستَف ِززْ وا ستـخفف وا ستـجهل‪ ،‬من قول هم‪ :‬ا ستفزّ فل نا كذا‬
‫يقول تعال ـى ذكره بقوله وَا ْ‬
‫ت ِم ْنهُم بِ صَو ِتكَ‪ .‬اختلف أهل التأويـل فـي الصوت الذي عناه‬
‫طعْ َ‬
‫ستَ َ‬
‫نا ْ‬
‫وكذا فهو يستفزّه مَ ِ‬
‫ت ِمنْهُم بِ صَوتِك فقال بعض هم‪ :‬ع نى به‪ :‬صوت الغناء‬
‫س َتطَعْ َ‬
‫نا ْ‬
‫ستَ ْفزِز مَ‪ِ .‬‬
‫جلّ ثناؤه بقوله وَا ْ‬
‫واللعب‪ .‬ذكر من قال ذلك‪:‬‬
‫‪ 16961‬ـ حدث نا أ بو كر يب‪ ،‬قال‪ :‬حدث نا ا بن إدر يس‪ ،‬عن ل ـيث‪ ،‬عن م ـجاهد‪ ،‬ف ـي قوله‬
‫طعْتَ ِم ْن ُهمْ ِبصَ ْو ِتكَ قال‪ :‬بـاللهو والغناء‪.‬‬
‫ستَ َ‬
‫ناْ‬
‫ستَ ْفزِز مَ ِ‬
‫وَا ْ‬
‫حدثنـي أبو السائب‪ ،‬قال‪ :‬حدثنا ابن إدريس‪ ،‬قال‪ :‬سمعت لـيثا يذكر‪ ،‬عن مـجاهد‪ ،‬فـي‬
‫ت ِم ْنهُمْ ِبصَ ْو ِتكَ قال‪ :‬اللعب واللهو‪.‬‬
‫س َتطَعْ َ‬
‫ناْ‬
‫ستَفْ ِززْ مَ ِ‬
‫قوله‪ :‬وَا ْ‬
‫ت ِم ْنهُ مْ بدعائك إياه إلـى طاعتك ومعصية ال‪.‬‬
‫س َتطَعْ َ‬
‫نا ْ‬
‫ستَ ْفزِزْ مَ ِ‬
‫وقال آخرون‪ :‬عنى به وا ْ‬
‫ذكر من قال ذلك‪:‬‬
‫‪ 16962‬ـ حدثن ـي عل ـيّ‪ ،‬قال‪ :‬حدث نا ع بد ال‪ ،‬قال‪ :‬ثن ـي معاو ية‪ ،‬عن عل ـيّ‪ ،‬عن ا بن‬
‫ت ِم ْنهُمْ ِبصَ ْو ِتكَ قال‪ :‬صوته كلّ داع دعا إلـى معصية ال‪.‬‬
‫طعْ َ‬
‫ستَ َ‬
‫ناْ‬
‫ستَفْ ِززْ مَ ِ‬
‫عبـاس وَا ْ‬
‫‪ 16963‬ـ حدثنا مـحمد بن عبد العلـى‪ ،‬قال‪ :‬حدثنا مـحمد بن ثور‪ ،‬عن معمر‪ ،‬عن قتادة‬
‫طعْتَ ِم ْن ُهمْ ِبصَ ْو ِتكَ قال‪ :‬بدعائك‪.‬‬
‫ستَ َ‬
‫ناْ‬
‫ستَ ْف ِززْ مَ ِ‬
‫وَا ْ‬
‫وأولــى القوال فــي ذلك بــالصحة أن يقال‪ :‬إن ال تبــارك وتعالــى قال لبلــيس‪:‬‬
‫واستفزز من ذرّية آدم من استطعت أن تستفزّه بصوتك‪ ،‬ولـم يخصص من ذلك صوتا دون‬
‫صوت‪ ،‬فكل صوت كان دعاء إلـيه وإلـى عمله وطاعته‪ ،‬وخلفـا للدعاء إلـى طاعة ال‪،‬‬
‫س َتطَعْتَ‬
‫ناْ‬
‫ستَ ْفزِزْ مَ ِ‬
‫فهو داخـل فـي معنى صوته الذي قال ال تبـارك وتعالـى اسمه له وَا ْ‬
‫ِم ْنهُمْ ِبصَ ْو ِتكَ‪.‬‬
‫خيْـِلكَ و َرجِل كَ يقول‪ :‬وأجمع علـيهم من ركبـان جندك ومشاتهم‬
‫وقوله‪ :‬وأجْلِ بْ عَلَـ ْي ِهمْ ِب َ‬
‫من يجلب عل ـيها ب ـالدعاء إل ـى طاع تك‪ ،‬وال صرف عن طاعت ـي‪ .‬يقال م نه‪ :‬أجلب فلن‬
‫علــى فلن إجلبــا‪ :‬إذا صـاح علــيه‪ .‬والــجَلَبة‪ :‬الصـوت‪ ،‬وربــما قــيـل‪ :‬مـا هذا‬
‫ال ـجَلَب‪ ،‬ك ما يقال‪ :‬الغَلَ بة والغَلَب‪ ،‬والشّفَقَة والشّفَق‪ .‬وبن ـحو الذي قل نا ف ـي ذلك‪ ،‬قال أ هل‬
‫التأويـل‪ ،‬ذكر من قال ذلك‪:‬‬
‫‪ 16964‬ـ حدثن ـي سلـم بن جنادة‪ ،‬قال‪ :‬حدث نا ا بن إدر يس‪ ،‬قال‪ :‬سمعت ل ـيثا يذ كر عن‬
‫ل راكب وماش فـي معاصي ال‬
‫خيْـِلكَ و َرجِِلكَ قال‪ :‬ك ّ‬
‫مـجاهد‪ ،‬فـي قوله وأجْلِبْ عَلَـيْ ِهمْ ِب َ‬
‫تعالـى‪.‬‬
‫‪ 16965‬ـ حدثنا ابن عبد العلـى‪ ،‬قال‪ :‬حدثنا مـحمد بن ثور‪ ،‬عن معمر‪ ،‬عن قتادة وأجْلِ بْ‬
‫ل من الـجنّ والنس‪ ،‬وهم الذين يطيعونه‪.‬‬
‫خيْـِلكَ َو َرجِِلكَ قال‪ :‬إن له خيلً ورج ً‬
‫عَلَـ ْي ِهمْ ِب َ‬
‫خيْـِلكَ و َرجِلِ كَ‬
‫حدثنا بشر‪ ،‬قال‪ :‬حدثنا يزيد‪ ،‬قال‪ :‬حدثنا سعيد‪ ،‬عن قتادة وأجْلِ بْ عَلَـ ْيهِ ْم ِب َ‬
‫قال الرجال‪ :‬الـمشاة‪.‬‬
‫‪ 16966‬ـ حدثن ـي عل ـيّ‪ ،‬قال‪ :‬حدث نا ع بد ال‪ ،‬قال‪ :‬ثن ـي معاو ية‪ ،‬عن عل ـيّ‪ ،‬عن ا بن‬
‫خيْ ـِلكَ َو َرجِلِ كَ قال‪ :‬خي ـله‪ :‬كل را كب ف ـي مع صية ال‬
‫عب ـاس‪ ،‬قوله وأجْلِ بْ عَلَ ـ ْيهِ ْم ِب َ‬
‫ورجله‪ :‬كل راجل فـي معصية ال‪.‬‬
‫حدثنا ابن حميد‪ ،‬قال‪ :‬حدثنا جرير‪ ،‬عن منصور‪ ،‬عن مـجاهد‪ ،‬فـي قوله وأجْلِبْ عَلَـ ْيهِمْ‬
‫خيْـِلكَ َو َرجِلِ كَ قال‪ :‬ما كان من راكب يقاتل فـي معصية ال فهو من خيـل إبلـيس‪ ،‬وما‬
‫ِب َ‬
‫كان من راجل فـي معصية ال فهو من رجال إبلـيس‪ .‬والرجْل‪ :‬جمع راجل‪ ،‬كما التـجْر‪:‬‬
‫صحْب‪ :‬جمع صاحب‪.‬‬
‫جمع تاجر‪ ،‬وال ّ‬
‫وأ ما قوله‪ :‬وَشا ِر ْكهُ ْم فِ ـي المْوَالِ والوْلدِ‪ ،‬فإن أ هل التأوي ـل اختلفوا ف ـي ال ـمشاركة‬
‫الت ـي عن ـيت بقوله وَشا ِركْهُ مْ فِ ـي المْوَالِ والوْلدِ فقال بعض هم‪ :‬هو أمره إيا هم بإنف ـاق‬
‫أموالهم فـي غير طاعة ال واكتسابهموها من غير حلها‪ .‬ذكر من قال ذلك‪:‬‬
‫‪16967‬ـ حدثنـي أبو السائب‪ ،‬قال‪ :‬حدثنا ابن إدريس‪ ،‬قال‪ :‬سمعت لـيثا يذكر عن مـجاهد‬
‫وَشا ِركْ ُهمْ فِـي المْوَالِ التـي أصابوها من غير حلها‪.‬‬
‫حدثنــي مــحمد بـن عمرو‪ ،‬قال‪ :‬حدثنـا أبـو عاصـم‪ ،‬قال‪ :‬حدثنـا عيسـى وحدثنــي‬
‫الــحارث‪ ،‬قال‪ :‬حدثنـا الــحسن‪ ،‬قال‪ :‬حدثنـا ورقاء‪ ،‬جميعـا عـن ابـن أبــي نــجيح‪ ،‬عـن‬
‫ل قال‪ :‬ما أكل من مال بغير طاعة ال‪.‬‬
‫مـجاهد وَشا ِر ْك ُهمْ فِـي المْوَا ِ‬
‫حدث نا القا سم‪ ،‬قال‪ :‬حدث نا ال ـحسين‪ ،‬قال‪ :‬ثن ـي حجاج‪ ،‬عن ا بن جر يج‪ ،‬عن م ـجاهد‪،‬‬
‫مثله‪.‬‬
‫‪ 16968‬ـ حدثنا القاسم‪ ،‬قال‪ :‬حدثنا الـحسين‪ ،‬قال‪ :‬حدثنا عيسى بن يونس‪ ،‬عن طلـحة بن‬
‫عمرو‪ ،‬عن عطاء بن أبـي رَبـاح‪ ،‬قال‪ :‬الشرك فـي أموال الربـا‪.‬‬
‫‪16969‬ـ حدثنا بشر‪ ،‬قال‪ :‬حدثنا يزيد‪ ،‬قال‪ :‬حدثنا سعيد‪ ،‬عن قتادة‪ ،‬عن الـحسن‪ ،‬فـي قوله‬
‫ُمـ فِــي المْوَالِ والوْلدِ قال‪ :‬قـد وال شاركهـم فــي أموالهـم‪ ،‬وأعطاهـم ال أموالً‬
‫وَشا ِركْه ْ‬
‫فأنفقوها فـي طاعة الشيطان فـي غير حقّ ال تبـارك اسمه‪ ،‬وهو قول قتادة‪.‬‬
‫حدثنا ابن عبد العلـى‪ ،‬قال‪ :‬حدثنا مـحمد‪ ،‬عن معمر‪ ،‬قال‪ :‬قال الـحسن وَشا ِر ْكهُمْ فـي‬
‫ل مرهم أن يكسبوها من خبـيث‪ ،‬وينفقوها فـي حرام‪.‬‬
‫المْوَا ِ‬
‫‪ 16970‬ـ حدثن ـي عل ـيّ‪ ،‬قال‪ :‬حدث نا ع بد ال‪ ،‬قال‪ :‬ثن ـي معاو ية‪ ،‬عن عل ـيّ‪ ،‬عن ا بن‬
‫ل مال فـي معصية ال‪.‬‬
‫عبـاس وَشا ِر ْكهُ ْم فِـي المْوَالِ والوْلدِ قال‪ :‬ك ّ‬
‫‪ 16971‬ـ حدثن ـي يو نس‪ ،‬قال‪ :‬أخبر نا ا بن و هب‪ ،‬قال‪ :‬قال ا بن ز يد‪ ،‬ف ـي قوله وَشا ِركْهُ مْ‬
‫فِ ـي المْوَالِ والوْلدِ قال‪ :‬مشارك ته إيا هم ف ـي الموال والولد‪ ،‬ما زَيّن ل هم ف ـيها من‬
‫معاصي ال حتـى ركبوها‪.‬‬
‫حدثنا ابن حميد‪ ،‬قال‪ :‬حدثنا جرير‪ ،‬عن منصور‪ ،‬عن مـجاهد وَشا ِر ْكهُمْ فـي المْوَالِ كلّ‬
‫ما أنفقوا فـي غير حقه‪.‬‬
‫ل ما كان من تـحريـم الـمشركين ما كانوا يحرّمون من‬
‫عنِـي بذلك ك ّ‬
‫وقال آخرون‪ :‬بل ُ‬
‫النعام كالبحائر والسوائب ونـحو ذلك‪ .‬ذكر من قال ذلك‪:‬‬
‫‪16972‬ـ حدثنـي مـحمد بن سعد‪ ،‬قال‪ :‬ثنـي أبـي‪ ،‬قال‪ :‬ثنـي عمي‪ ،‬قال‪ :‬ثنـي أبـي‪،‬‬
‫عن أب ـيه‪ ،‬عن ابن عبـاس‪ ،‬فـي قوله‪ :‬وَشا ِركْهُ مْ فِـي المْوَالِ والوْلدِ قال‪ :‬الموال‪ :‬ما‬
‫كانوا يحرّمون من أنعامهم‪.‬‬
‫‪16973‬ـ حدثنا القاسم‪ ،‬قال‪ :‬حدثنا الـحسين‪ ،‬قال‪ :‬حدثنا عيسى‪ ،‬عن عمران بن سلـيـمان‪.‬‬
‫عن أبـي صالـح‪ ،‬عن ابن عبـاس‪ ،‬قال‪ :‬مشاركته فـي الموال أن جعلوا البحيرة والسائبة‬
‫والوصيـلة لغير ال‪.‬‬
‫‪ 16974‬ـ حدثنا مـحمد بن عبد العلـى‪ ،‬قال‪ :‬حدثنا مـحمد بن ثور‪ ،‬عن معمر‪ ،‬عن قتادة‬
‫وَشا ِركْهُ مْ فِـي المْوَالِ فإنه قد فعل ذلك أما فـي الموال‪ ،‬فأمرهم أن يجعلوا بحيرة وسائبة‬
‫ووصيـلة وحاما‪.‬‬
‫قال أبو جعفر‪ :‬الصواب‪ :‬حاميا‪.‬‬
‫عنِـي به ما كان الـمشركون يذبحونه لَلهتهم‪ .‬ذكر من قال ذلك‪:‬‬
‫وقال آخرون‪ :‬بل ُ‬
‫‪ 16975‬ـ حُد ثت عن ال ـحسين‪ ،‬قال‪ :‬سمعت أب ـا معاذ‪ ،‬قال‪ :‬حدث نا عب ـيد‪ ،‬قال‪ :‬سمعت‬
‫الضحاك يقول‪ :‬وَشا ِر ْكهُمْ فِـي المْوَالِ والوْل ِد يعنـي ما كانوا يذبحون لَلهتهم‪.‬‬
‫ل مال عصى ال فـيه‬
‫عنِـي بذلك ك ّ‬
‫وأولـى القوال فـي ذلك بـالصواب قول من قال‪ُ :‬‬
‫بإنفــاق فــي حرام أو اكتسـاب مـن حرام‪ ،‬أو ذبـح للَلهـة‪ ،‬أو تسـيـيب‪ ،‬أو بحـر للشيطان‪،‬‬
‫ل فكلّ ما‬
‫وغ ير ذلك م ـما كان مع صيا به أو ف ـيه‪ ،‬وذلك أن ال قال وَشا ِر ْكهُ ْم ف ـي المْوَا ِ‬
‫أط يع الشيطان ف ـيه من مال وع صى ال ف ـيه‪ ،‬ف قد شارك ف ـاعل ذلك ف ـيه إبل ـيس‪ ،‬فل‬
‫وجه لـخصوص بعض ذلك دون بعض‪.‬‬
‫وقوله‪ :‬والوْلدِ اختلف أهـل التأويــل فــي صـفة شركتـه بنــي آدم فــي أولدهـم‪ ،‬فقال‬
‫بعضهم‪ :‬شركته إياهم فـيهم بزناهم بأمهاتهم‪ .‬ذكر من قال ذلك‪:‬‬
‫‪16976‬ـ حدثنـي مـحمد بن سعد‪ ،‬قال‪ :‬ثنـي أبـي‪ ،‬قال‪ :‬ثنـي عمي‪ ،‬قال‪ :‬ثنـي أبـي‪،‬‬
‫عن أبـيه‪ ،‬عن ابن عبـاس‪ ،‬قوله وَشا ِر ْكهُمْ فِـي المْوَالِ والوْل ِد قال‪ :‬أولد الزنا‪.‬‬
‫‪16977‬ـ حدثنـي أبو السائب‪ ،‬قال‪ :‬حدثنا ابن إدريس‪ ،‬قال‪ :‬سمعت لـيثا يذكر عن مـجاهد‬
‫وشا ِركْ ُهمْ فـي المْوَالِ والوْلدِ قال‪ :‬أولد الزنا‪.‬‬
‫حدثنـي مـحمد بن عمرو‪ ،‬قال‪ :‬حدثنا أبو عاصم‪ ،‬قال‪ :‬حدثنا عيسى وحدثنـي الـحرث‪،‬‬
‫قال‪ :‬حدثنا الـحسن‪ ،‬قال‪ :‬حدثنا ورقاء‪ ،‬جميعا عن ابن أبـي نـجيح‪ ،‬عن مـجاهد وَشا ِر ْكهُم‬
‫فِـي المْوَالِ والولدِ قال‪ :‬أولد الزنا‪.‬‬
‫حدثنا القاسم‪ ،‬قال‪ :‬حدثنا الـحسين‪ ،‬قال‪ :‬ثنـي حجاج‪ ،‬عن ابن جريج‪ ،‬عن مـجاهد قال‪:‬‬
‫أولد الزنا‪.‬‬
‫‪ 16978‬ـ حُد ثت عن ال ـحسين‪ ،‬قال‪ :‬سمعت أب ـا معاذ قال‪ :‬حدث نا عب ـيد بن سلـيـمان‪،‬‬
‫ُمـ فــي ال ْموَالِ والولدِ قال‪ :‬أولد الزنـا‪ ،‬يعنــي بذلك‬
‫قال‪ :‬سـمعت الضحاك يقول وَشارِ ْكه ْ‬
‫أهل الشرك‪.‬‬
‫حدثنا ابن حميد‪ ،‬قال‪ :‬حدثنا جرير‪ ،‬عن منصور‪ ،‬عن مـجاهد‪ ،‬فـي قوله‪ :‬وَشارِ ْكهُم فِـي‬
‫المْوَالِ والول ِد قال‪ :‬الولد‪ :‬أولد الزنا‪.‬‬
‫وقال آخرون‪ :‬عُنـي بذلك‪ :‬و ْأدُهم أولدَهم وقتلهموهم‪ .‬ذكر من قال ذلك‪:‬‬
‫‪ 16979‬ـ حدثن ـي عل ـيّ‪ ،‬قال‪ :‬حدث نا ع بد ال‪ ،‬قال‪ :‬ثن ـي معاو ية‪ ،‬عن عل ـيّ‪ ،‬عن ا بن‬
‫عبـاس وَشا ِر ْكهُ ْم فِـي المْوَالِ والولدِ قال‪ :‬ما قتلوا من أولدهم‪ ،‬وأتوا فـيهم الـحرام‪.‬‬
‫وقال آخرون‪ :‬بل عنـي بذلك‪ :‬صبغهم إياهم فـي الكفر‪ .‬ذكر من قال ذلك‪:‬‬
‫‪ 16980‬ـ حدثنا بشر‪ ،‬قال‪ :‬حدثنا يزيد‪ ،‬قال‪ :‬حدثنا سعيد‪ ،‬عن قتادة‪ ،‬عن الـحسن وَشا ِر ْكهُ مْ‬
‫فِــي المْوَالِ والولد قال‪ :‬قـد وال شاركهـم فــي أموالهـم وأولدهـم‪ ،‬فمــجسوا وهوّدوا‬
‫ونصروا وصبغوا غير صبغة السلم وجزءوا من أموالهم جزءا للشيطان‪.‬‬
‫‪ 16981‬ـ حدثنا مـحمد بن عبد العلـى‪ ،‬قال‪ :‬حدثنا مـحمد بن ثور‪ ،‬عن معمر‪ ،‬عن قتادة‬
‫وَشا ِركْهُ مْ فِـي المْوَال والولدِ قال‪ :‬قد فعل ذلك‪ ،‬أما فـي الولد فإنهم هوّدوهم ون صّروهم‬
‫ومـجّسوهم‪.‬‬
‫وقال آخرون‪ :‬بل عن ـي بذلك ت سميتهم أولد هم ع بد ال ـحرث وع بد ش مس‪ .‬ذ كر من قال‬
‫ذلك‪:‬‬
‫‪ 16982‬ـ حدثنا القاسم‪ ،‬قال‪ :‬حدثنا الـحسين‪ ،‬قال‪ :‬ثنـي عيسى بن يونس‪ ،‬عن عمران بن‬
‫سـلـيـمان‪ ،‬عـن أبــي صـالـح عـن ابـن عبــاس وَشا ِركْهُم فِــي المْوَالِ والول ِد قال‪:‬‬
‫مشاركته إياهم فـي الولد‪ ،‬سموا عبد الـحرث وعبد شمس وعبد فلن‪.‬‬
‫ل ولد ولد ته أن ثى ع صى ال بت سميته ما‬
‫وأول ـى القوال ف ـي ذلك ب ـالصواب أن يقال‪ :‬ك ّ‬
‫يكر هه ال‪ ،‬أو بإدخاله ف ـي غ ير الد ين الذي ارتضاه ال‪ ،‬أو ب ـالزنا بأ مه‪ ،‬أو قتله ووأده‪ ،‬أو‬
‫غيـر ذلك مـن المور التــي يعصـى ال بهـا بفعله بـه أو فــيه‪ ،‬فقـد دخــل فــي مشاركـة‬
‫إبل ـيس ف ـيه من ولد ذلك ال ـمولود له أو م نه‪ ،‬لن ال لـم يخصص بقوله وَشا ِركْهُم ف ـي‬
‫المْوَالِ والول ِد مع نى الشر كة ف ـيه ب ـمعنى دون مع نى‪ ،‬فكلّ ما ع صى ال ف ـيه أو به‪،‬‬
‫وأطيع به الشيطان أو فـيه‪ ،‬فهو مشاركة من عصى ال فـيه أو به إبلـيس فـيه‪.‬‬
‫غرُورا يقول تعالـى ذكره لبلـيس‪ :‬وعد أتبـاعك‬
‫شيْطا نُ إلّ ُ‬
‫عدْهُم وَما َي ِعدُهُ مُ ال ّ‬
‫وقوله‪َ :‬و ِ‬
‫غرُورا لنه‬
‫شيْطانُ إلّ ُ‬
‫من ذرّية آدم‪ ،‬النصرة علـى من أرادهم بسوء‪ .‬يقول ال‪ :‬وَما َي ِعدُهُ ْم ال ّ‬
‫ل يغنـي عنهم من عقاب ال إذا نزل بهم شيئا‪ ،‬فهم من عداته فـي بـاطل وخديعة‪ ،‬كما قال‬
‫ع َد الـحَقّ وَ َوعَد ُتكُ ْم فَأخْـلَ ْف ُتكُمْ وَما كَا نَ‬
‫ع َدكُ مْ وَ َ‬
‫ن اللّ هَ َو َ‬
‫لهم عد ّو ال حين حصحص الـحقّ إ ّ‬
‫س ُكمْ ما‬
‫ستَـجَ َبتُـمْ لـي فَل تَلُومُونِـي وَلُومُوا أنْفُ َ‬
‫ن إلّ أنْ َدعَ ْو ُتكْ ْم فـا ْ‬
‫ن سُلْطا ٍ‬
‫لِـي عَلَـ ْي ُكمْ مِ ْ‬
‫ن َقبْلُ‪.‬‬
‫ن مِ ْ‬
‫ش َركْتُـمُو ِ‬
‫خيّ إنّـي كَ َفرْتُ بِـمَا أ ْ‬
‫صرِ ِ‬
‫خكُمْ وَما أ ْنتُـمْ بِـ ُم ْ‬
‫ص ِر ِ‬
‫أنا بِـمُ ْ‬

‫‪64‬‬ ‫الية ‪:‬‬


‫خيْلِكَ‬
‫طعْتَ ِم ْنهُمْ بِصَ ْو ِتكَ وََأجْلِبْ عََل ْيهِم ِب َ‬
‫س َت َ‬
‫ستَ ْفزِزْ َمنِ ا ْ‬
‫القول فـي تأويـل قوله تعالـى {وَا ْ‬
‫غرُورا }‪.‬‬
‫ش ْيطَانُ ِإلّ ُ‬
‫عدْ ُهمْ َومَا َي ِعدُهُمُ ال ّ‬
‫َو َرجِِلكَ َوشَا ِر ْكهُ ْم فِي المْوَالِ وَالوْلدِ وَ ِ‬
‫ستَف ِززْ وا ستـخفف وا ستـجهل‪ ،‬من قول هم‪ :‬ا ستفزّ فل نا كذا‬
‫يقول تعال ـى ذكره بقوله وَا ْ‬
‫ت ِم ْنهُم بِ صَو ِتكَ‪ .‬اختلف أهل التأويـل فـي الصوت الذي عناه‬
‫طعْ َ‬
‫ستَ َ‬
‫نا ْ‬
‫وكذا فهو يستفزّه مَ ِ‬
‫ت ِمنْهُم بِ صَوتِك فقال بعض هم‪ :‬ع نى به‪ :‬صوت الغناء‬
‫س َتطَعْ َ‬
‫نا ْ‬
‫ستَ ْفزِز مَ‪ِ .‬‬
‫جلّ ثناؤه بقوله وَا ْ‬
‫واللعب‪ .‬ذكر من قال ذلك‪:‬‬
‫‪ 16961‬ـ حدث نا أ بو كر يب‪ ،‬قال‪ :‬حدث نا ا بن إدر يس‪ ،‬عن ل ـيث‪ ،‬عن م ـجاهد‪ ،‬ف ـي قوله‬
‫طعْتَ ِم ْن ُهمْ ِبصَ ْو ِتكَ قال‪ :‬بـاللهو والغناء‪.‬‬
‫ستَ َ‬
‫ناْ‬
‫ستَ ْفزِز مَ ِ‬
‫وَا ْ‬
‫حدثنـي أبو السائب‪ ،‬قال‪ :‬حدثنا ابن إدريس‪ ،‬قال‪ :‬سمعت لـيثا يذكر‪ ،‬عن مـجاهد‪ ،‬فـي‬
‫ت ِم ْنهُمْ ِبصَ ْو ِتكَ قال‪ :‬اللعب واللهو‪.‬‬
‫س َتطَعْ َ‬
‫ناْ‬
‫ستَفْ ِززْ مَ ِ‬
‫قوله‪ :‬وَا ْ‬
‫ت ِم ْنهُ مْ بدعائك إياه إلـى طاعتك ومعصية ال‪.‬‬
‫س َتطَعْ َ‬
‫نا ْ‬
‫ستَ ْفزِزْ مَ ِ‬
‫وقال آخرون‪ :‬عنى به وا ْ‬
‫ذكر من قال ذلك‪:‬‬
‫‪ 16962‬ـ حدثن ـي عل ـيّ‪ ،‬قال‪ :‬حدث نا ع بد ال‪ ،‬قال‪ :‬ثن ـي معاو ية‪ ،‬عن عل ـيّ‪ ،‬عن ا بن‬
‫ت ِم ْنهُمْ ِبصَ ْو ِتكَ قال‪ :‬صوته كلّ داع دعا إلـى معصية ال‪.‬‬
‫طعْ َ‬
‫ستَ َ‬
‫ناْ‬
‫ستَفْ ِززْ مَ ِ‬
‫عبـاس وَا ْ‬
‫‪ 16963‬ـ حدثنا مـحمد بن عبد العلـى‪ ،‬قال‪ :‬حدثنا مـحمد بن ثور‪ ،‬عن معمر‪ ،‬عن قتادة‬
‫طعْتَ ِم ْن ُهمْ ِبصَ ْو ِتكَ قال‪ :‬بدعائك‪.‬‬
‫ستَ َ‬
‫ناْ‬
‫ستَ ْف ِززْ مَ ِ‬
‫وَا ْ‬
‫وأولــى القوال فــي ذلك بــالصحة أن يقال‪ :‬إن ال تبــارك وتعالــى قال لبلــيس‪:‬‬
‫واستفزز من ذرّية آدم من استطعت أن تستفزّه بصوتك‪ ،‬ولـم يخصص من ذلك صوتا دون‬
‫صوت‪ ،‬فكل صوت كان دعاء إلـيه وإلـى عمله وطاعته‪ ،‬وخلفـا للدعاء إلـى طاعة ال‪،‬‬
‫س َتطَعْتَ‬
‫ناْ‬
‫ستَ ْفزِزْ مَ ِ‬
‫فهو داخـل فـي معنى صوته الذي قال ال تبـارك وتعالـى اسمه له وَا ْ‬
‫ِم ْنهُمْ ِبصَ ْو ِتكَ‪.‬‬
‫خيْـِلكَ و َرجِل كَ يقول‪ :‬وأجمع علـيهم من ركبـان جندك ومشاتهم‬
‫وقوله‪ :‬وأجْلِ بْ عَلَـ ْي ِهمْ ِب َ‬
‫من يجلب عل ـيها ب ـالدعاء إل ـى طاع تك‪ ،‬وال صرف عن طاعت ـي‪ .‬يقال م نه‪ :‬أجلب فلن‬
‫علــى فلن إجلبــا‪ :‬إذا صـاح علــيه‪ .‬والــجَلَبة‪ :‬الصـوت‪ ،‬وربــما قــيـل‪ :‬مـا هذا‬
‫ال ـجَلَب‪ ،‬ك ما يقال‪ :‬الغَلَ بة والغَلَب‪ ،‬والشّفَقَة والشّفَق‪ .‬وبن ـحو الذي قل نا ف ـي ذلك‪ ،‬قال أ هل‬
‫التأويـل‪ ،‬ذكر من قال ذلك‪:‬‬
‫‪ 16964‬ـ حدثن ـي سلـم بن جنادة‪ ،‬قال‪ :‬حدث نا ا بن إدر يس‪ ،‬قال‪ :‬سمعت ل ـيثا يذ كر عن‬
‫ل راكب وماش فـي معاصي ال‬
‫خيْـِلكَ و َرجِِلكَ قال‪ :‬ك ّ‬
‫مـجاهد‪ ،‬فـي قوله وأجْلِبْ عَلَـيْ ِهمْ ِب َ‬
‫تعالـى‪.‬‬
‫‪ 16965‬ـ حدثنا ابن عبد العلـى‪ ،‬قال‪ :‬حدثنا مـحمد بن ثور‪ ،‬عن معمر‪ ،‬عن قتادة وأجْلِ بْ‬
‫ل من الـجنّ والنس‪ ،‬وهم الذين يطيعونه‪.‬‬
‫خيْـِلكَ َو َرجِِلكَ قال‪ :‬إن له خيلً ورج ً‬
‫عَلَـ ْي ِهمْ ِب َ‬
‫خيْـِلكَ و َرجِلِ كَ‬
‫حدثنا بشر‪ ،‬قال‪ :‬حدثنا يزيد‪ ،‬قال‪ :‬حدثنا سعيد‪ ،‬عن قتادة وأجْلِ بْ عَلَـ ْيهِ ْم ِب َ‬
‫قال الرجال‪ :‬الـمشاة‪.‬‬
‫‪ 16966‬ـ حدثن ـي عل ـيّ‪ ،‬قال‪ :‬حدث نا ع بد ال‪ ،‬قال‪ :‬ثن ـي معاو ية‪ ،‬عن عل ـيّ‪ ،‬عن ا بن‬
‫خيْ ـِلكَ َو َرجِلِ كَ قال‪ :‬خي ـله‪ :‬كل را كب ف ـي مع صية ال‬
‫عب ـاس‪ ،‬قوله وأجْلِ بْ عَلَ ـ ْيهِ ْم ِب َ‬
‫ورجله‪ :‬كل راجل فـي معصية ال‪.‬‬
‫حدثنا ابن حميد‪ ،‬قال‪ :‬حدثنا جرير‪ ،‬عن منصور‪ ،‬عن مـجاهد‪ ،‬فـي قوله وأجْلِبْ عَلَـ ْيهِمْ‬
‫خيْـِلكَ َو َرجِلِ كَ قال‪ :‬ما كان من راكب يقاتل فـي معصية ال فهو من خيـل إبلـيس‪ ،‬وما‬
‫ِب َ‬
‫كان من راجل فـي معصية ال فهو من رجال إبلـيس‪ .‬والرجْل‪ :‬جمع راجل‪ ،‬كما التـجْر‪:‬‬
‫صحْب‪ :‬جمع صاحب‪.‬‬
‫جمع تاجر‪ ،‬وال ّ‬
‫وأ ما قوله‪ :‬وَشا ِر ْكهُ ْم فِ ـي المْوَالِ والوْلدِ‪ ،‬فإن أ هل التأوي ـل اختلفوا ف ـي ال ـمشاركة‬
‫الت ـي عن ـيت بقوله وَشا ِركْهُ مْ فِ ـي المْوَالِ والوْلدِ فقال بعض هم‪ :‬هو أمره إيا هم بإنف ـاق‬
‫أموالهم فـي غير طاعة ال واكتسابهموها من غير حلها‪ .‬ذكر من قال ذلك‪:‬‬
‫‪16967‬ـ حدثنـي أبو السائب‪ ،‬قال‪ :‬حدثنا ابن إدريس‪ ،‬قال‪ :‬سمعت لـيثا يذكر عن مـجاهد‬
‫وَشا ِركْ ُهمْ فِـي المْوَالِ التـي أصابوها من غير حلها‪.‬‬
‫حدثنــي مــحمد بـن عمرو‪ ،‬قال‪ :‬حدثنـا أبـو عاصـم‪ ،‬قال‪ :‬حدثنـا عيسـى وحدثنــي‬
‫الــحارث‪ ،‬قال‪ :‬حدثنـا الــحسن‪ ،‬قال‪ :‬حدثنـا ورقاء‪ ،‬جميعـا عـن ابـن أبــي نــجيح‪ ،‬عـن‬
‫ل قال‪ :‬ما أكل من مال بغير طاعة ال‪.‬‬
‫مـجاهد وَشا ِر ْك ُهمْ فِـي المْوَا ِ‬
‫حدث نا القا سم‪ ،‬قال‪ :‬حدث نا ال ـحسين‪ ،‬قال‪ :‬ثن ـي حجاج‪ ،‬عن ا بن جر يج‪ ،‬عن م ـجاهد‪،‬‬
‫مثله‪.‬‬
‫‪ 16968‬ـ حدثنا القاسم‪ ،‬قال‪ :‬حدثنا الـحسين‪ ،‬قال‪ :‬حدثنا عيسى بن يونس‪ ،‬عن طلـحة بن‬
‫عمرو‪ ،‬عن عطاء بن أبـي رَبـاح‪ ،‬قال‪ :‬الشرك فـي أموال الربـا‪.‬‬
‫‪16969‬ـ حدثنا بشر‪ ،‬قال‪ :‬حدثنا يزيد‪ ،‬قال‪ :‬حدثنا سعيد‪ ،‬عن قتادة‪ ،‬عن الـحسن‪ ،‬فـي قوله‬
‫ُمـ فِــي المْوَالِ والوْلدِ قال‪ :‬قـد وال شاركهـم فــي أموالهـم‪ ،‬وأعطاهـم ال أموالً‬
‫وَشا ِركْه ْ‬
‫فأنفقوها فـي طاعة الشيطان فـي غير حقّ ال تبـارك اسمه‪ ،‬وهو قول قتادة‪.‬‬
‫حدثنا ابن عبد العلـى‪ ،‬قال‪ :‬حدثنا مـحمد‪ ،‬عن معمر‪ ،‬قال‪ :‬قال الـحسن وَشا ِر ْكهُمْ فـي‬
‫ل مرهم أن يكسبوها من خبـيث‪ ،‬وينفقوها فـي حرام‪.‬‬
‫المْوَا ِ‬
‫‪ 16970‬ـ حدثن ـي عل ـيّ‪ ،‬قال‪ :‬حدث نا ع بد ال‪ ،‬قال‪ :‬ثن ـي معاو ية‪ ،‬عن عل ـيّ‪ ،‬عن ا بن‬
‫ل مال فـي معصية ال‪.‬‬
‫عبـاس وَشا ِر ْكهُ ْم فِـي المْوَالِ والوْلدِ قال‪ :‬ك ّ‬
‫‪ 16971‬ـ حدثن ـي يو نس‪ ،‬قال‪ :‬أخبر نا ا بن و هب‪ ،‬قال‪ :‬قال ا بن ز يد‪ ،‬ف ـي قوله وَشا ِركْهُ مْ‬
‫فِ ـي المْوَالِ والوْلدِ قال‪ :‬مشارك ته إيا هم ف ـي الموال والولد‪ ،‬ما زَيّن ل هم ف ـيها من‬
‫معاصي ال حتـى ركبوها‪.‬‬
‫حدثنا ابن حميد‪ ،‬قال‪ :‬حدثنا جرير‪ ،‬عن منصور‪ ،‬عن مـجاهد وَشا ِر ْكهُمْ فـي المْوَالِ كلّ‬
‫ما أنفقوا فـي غير حقه‪.‬‬
‫ل ما كان من تـحريـم الـمشركين ما كانوا يحرّمون من‬
‫عنِـي بذلك ك ّ‬
‫وقال آخرون‪ :‬بل ُ‬
‫النعام كالبحائر والسوائب ونـحو ذلك‪ .‬ذكر من قال ذلك‪:‬‬
‫‪16972‬ـ حدثنـي مـحمد بن سعد‪ ،‬قال‪ :‬ثنـي أبـي‪ ،‬قال‪ :‬ثنـي عمي‪ ،‬قال‪ :‬ثنـي أبـي‪،‬‬
‫عن أب ـيه‪ ،‬عن ابن عبـاس‪ ،‬فـي قوله‪ :‬وَشا ِركْهُ مْ فِـي المْوَالِ والوْلدِ قال‪ :‬الموال‪ :‬ما‬
‫كانوا يحرّمون من أنعامهم‪.‬‬
‫‪16973‬ـ حدثنا القاسم‪ ،‬قال‪ :‬حدثنا الـحسين‪ ،‬قال‪ :‬حدثنا عيسى‪ ،‬عن عمران بن سلـيـمان‪.‬‬
‫عن أبـي صالـح‪ ،‬عن ابن عبـاس‪ ،‬قال‪ :‬مشاركته فـي الموال أن جعلوا البحيرة والسائبة‬
‫والوصيـلة لغير ال‪.‬‬
‫‪ 16974‬ـ حدثنا مـحمد بن عبد العلـى‪ ،‬قال‪ :‬حدثنا مـحمد بن ثور‪ ،‬عن معمر‪ ،‬عن قتادة‬
‫وَشا ِركْهُ مْ فِـي المْوَالِ فإنه قد فعل ذلك أما فـي الموال‪ ،‬فأمرهم أن يجعلوا بحيرة وسائبة‬
‫ووصيـلة وحاما‪.‬‬
‫قال أبو جعفر‪ :‬الصواب‪ :‬حاميا‪.‬‬
‫عنِـي به ما كان الـمشركون يذبحونه لَلهتهم‪ .‬ذكر من قال ذلك‪:‬‬
‫وقال آخرون‪ :‬بل ُ‬
‫‪ 16975‬ـ حُد ثت عن ال ـحسين‪ ،‬قال‪ :‬سمعت أب ـا معاذ‪ ،‬قال‪ :‬حدث نا عب ـيد‪ ،‬قال‪ :‬سمعت‬
‫الضحاك يقول‪ :‬وَشا ِر ْكهُمْ فِـي المْوَالِ والوْل ِد يعنـي ما كانوا يذبحون لَلهتهم‪.‬‬
‫ل مال عصى ال فـيه‬
‫عنِـي بذلك ك ّ‬
‫وأولـى القوال فـي ذلك بـالصواب قول من قال‪ُ :‬‬
‫بإنفــاق فــي حرام أو اكتسـاب مـن حرام‪ ،‬أو ذبـح للَلهـة‪ ،‬أو تسـيـيب‪ ،‬أو بحـر للشيطان‪،‬‬
‫ل فكلّ ما‬
‫وغ ير ذلك م ـما كان مع صيا به أو ف ـيه‪ ،‬وذلك أن ال قال وَشا ِر ْكهُ ْم ف ـي المْوَا ِ‬
‫أط يع الشيطان ف ـيه من مال وع صى ال ف ـيه‪ ،‬ف قد شارك ف ـاعل ذلك ف ـيه إبل ـيس‪ ،‬فل‬
‫وجه لـخصوص بعض ذلك دون بعض‪.‬‬
‫وقوله‪ :‬والوْلدِ اختلف أهـل التأويــل فــي صـفة شركتـه بنــي آدم فــي أولدهـم‪ ،‬فقال‬
‫بعضهم‪ :‬شركته إياهم فـيهم بزناهم بأمهاتهم‪ .‬ذكر من قال ذلك‪:‬‬
‫‪16976‬ـ حدثنـي مـحمد بن سعد‪ ،‬قال‪ :‬ثنـي أبـي‪ ،‬قال‪ :‬ثنـي عمي‪ ،‬قال‪ :‬ثنـي أبـي‪،‬‬
‫عن أبـيه‪ ،‬عن ابن عبـاس‪ ،‬قوله وَشا ِر ْكهُمْ فِـي المْوَالِ والوْل ِد قال‪ :‬أولد الزنا‪.‬‬
‫‪16977‬ـ حدثنـي أبو السائب‪ ،‬قال‪ :‬حدثنا ابن إدريس‪ ،‬قال‪ :‬سمعت لـيثا يذكر عن مـجاهد‬
‫وشا ِركْ ُهمْ فـي المْوَالِ والوْلدِ قال‪ :‬أولد الزنا‪.‬‬
‫حدثنـي مـحمد بن عمرو‪ ،‬قال‪ :‬حدثنا أبو عاصم‪ ،‬قال‪ :‬حدثنا عيسى وحدثنـي الـحرث‪،‬‬
‫قال‪ :‬حدثنا الـحسن‪ ،‬قال‪ :‬حدثنا ورقاء‪ ،‬جميعا عن ابن أبـي نـجيح‪ ،‬عن مـجاهد وَشا ِر ْكهُم‬
‫فِـي المْوَالِ والولدِ قال‪ :‬أولد الزنا‪.‬‬
‫حدثنا القاسم‪ ،‬قال‪ :‬حدثنا الـحسين‪ ،‬قال‪ :‬ثنـي حجاج‪ ،‬عن ابن جريج‪ ،‬عن مـجاهد قال‪:‬‬
‫أولد الزنا‪.‬‬
‫‪ 16978‬ـ حُد ثت عن ال ـحسين‪ ،‬قال‪ :‬سمعت أب ـا معاذ قال‪ :‬حدث نا عب ـيد بن سلـيـمان‪،‬‬
‫ُمـ فــي ال ْموَالِ والولدِ قال‪ :‬أولد الزنـا‪ ،‬يعنــي بذلك‬
‫قال‪ :‬سـمعت الضحاك يقول وَشارِ ْكه ْ‬
‫أهل الشرك‪.‬‬
‫حدثنا ابن حميد‪ ،‬قال‪ :‬حدثنا جرير‪ ،‬عن منصور‪ ،‬عن مـجاهد‪ ،‬فـي قوله‪ :‬وَشارِ ْكهُم فِـي‬
‫المْوَالِ والول ِد قال‪ :‬الولد‪ :‬أولد الزنا‪.‬‬
‫وقال آخرون‪ :‬عُنـي بذلك‪ :‬و ْأدُهم أولدَهم وقتلهموهم‪ .‬ذكر من قال ذلك‪:‬‬
‫‪ 16979‬ـ حدثن ـي عل ـيّ‪ ،‬قال‪ :‬حدث نا ع بد ال‪ ،‬قال‪ :‬ثن ـي معاو ية‪ ،‬عن عل ـيّ‪ ،‬عن ا بن‬
‫عبـاس وَشا ِر ْكهُ ْم فِـي المْوَالِ والولدِ قال‪ :‬ما قتلوا من أولدهم‪ ،‬وأتوا فـيهم الـحرام‪.‬‬
‫وقال آخرون‪ :‬بل عنـي بذلك‪ :‬صبغهم إياهم فـي الكفر‪ .‬ذكر من قال ذلك‪:‬‬
‫‪ 16980‬ـ حدثنا بشر‪ ،‬قال‪ :‬حدثنا يزيد‪ ،‬قال‪ :‬حدثنا سعيد‪ ،‬عن قتادة‪ ،‬عن الـحسن وَشا ِر ْكهُ مْ‬
‫فِــي المْوَالِ والولد قال‪ :‬قـد وال شاركهـم فــي أموالهـم وأولدهـم‪ ،‬فمــجسوا وهوّدوا‬
‫ونصروا وصبغوا غير صبغة السلم وجزءوا من أموالهم جزءا للشيطان‪.‬‬
‫‪ 16981‬ـ حدثنا مـحمد بن عبد العلـى‪ ،‬قال‪ :‬حدثنا مـحمد بن ثور‪ ،‬عن معمر‪ ،‬عن قتادة‬
‫وَشا ِركْهُ مْ فِـي المْوَال والولدِ قال‪ :‬قد فعل ذلك‪ ،‬أما فـي الولد فإنهم هوّدوهم ون صّروهم‬
‫ومـجّسوهم‪.‬‬
‫وقال آخرون‪ :‬بل عن ـي بذلك ت سميتهم أولد هم ع بد ال ـحرث وع بد ش مس‪ .‬ذ كر من قال‬
‫ذلك‪:‬‬
‫‪ 16982‬ـ حدثنا القاسم‪ ،‬قال‪ :‬حدثنا الـحسين‪ ،‬قال‪ :‬ثنـي عيسى بن يونس‪ ،‬عن عمران بن‬
‫سـلـيـمان‪ ،‬عـن أبــي صـالـح عـن ابـن عبــاس وَشا ِركْهُم فِــي المْوَالِ والول ِد قال‪:‬‬
‫مشاركته إياهم فـي الولد‪ ،‬سموا عبد الـحرث وعبد شمس وعبد فلن‪.‬‬
‫ل ولد ولد ته أن ثى ع صى ال بت سميته ما‬
‫وأول ـى القوال ف ـي ذلك ب ـالصواب أن يقال‪ :‬ك ّ‬
‫يكر هه ال‪ ،‬أو بإدخاله ف ـي غ ير الد ين الذي ارتضاه ال‪ ،‬أو ب ـالزنا بأ مه‪ ،‬أو قتله ووأده‪ ،‬أو‬
‫غيـر ذلك مـن المور التــي يعصـى ال بهـا بفعله بـه أو فــيه‪ ،‬فقـد دخــل فــي مشاركـة‬
‫إبل ـيس ف ـيه من ولد ذلك ال ـمولود له أو م نه‪ ،‬لن ال لـم يخصص بقوله وَشا ِركْهُم ف ـي‬
‫المْوَالِ والول ِد مع نى الشر كة ف ـيه ب ـمعنى دون مع نى‪ ،‬فكلّ ما ع صى ال ف ـيه أو به‪،‬‬
‫وأطيع به الشيطان أو فـيه‪ ،‬فهو مشاركة من عصى ال فـيه أو به إبلـيس فـيه‪.‬‬
‫غرُورا يقول تعالـى ذكره لبلـيس‪ :‬وعد أتبـاعك‬
‫شيْطا نُ إلّ ُ‬
‫عدْهُم وَما َي ِعدُهُ مُ ال ّ‬
‫وقوله‪َ :‬و ِ‬
‫غرُورا لنه‬
‫شيْطانُ إلّ ُ‬
‫من ذرّية آدم‪ ،‬النصرة علـى من أرادهم بسوء‪ .‬يقول ال‪ :‬وَما َي ِعدُهُ ْم ال ّ‬
‫ل يغنـي عنهم من عقاب ال إذا نزل بهم شيئا‪ ،‬فهم من عداته فـي بـاطل وخديعة‪ ،‬كما قال‬
‫ع َد الـحَقّ وَ َوعَد ُتكُ ْم فَأخْـلَ ْف ُتكُمْ وَما كَا نَ‬
‫ع َدكُ مْ وَ َ‬
‫ن اللّ هَ َو َ‬
‫لهم عد ّو ال حين حصحص الـحقّ إ ّ‬
‫س ُكمْ ما‬
‫ستَـجَ َبتُـمْ لـي فَل تَلُومُونِـي وَلُومُوا أنْفُ َ‬
‫ن إلّ أنْ َدعَ ْو ُتكْ ْم فـا ْ‬
‫ن سُلْطا ٍ‬
‫لِـي عَلَـ ْي ُكمْ مِ ْ‬
‫ن َقبْلُ‪.‬‬
‫ن مِ ْ‬
‫ش َركْتُـمُو ِ‬
‫خيّ إنّـي كَ َفرْتُ بِـمَا أ ْ‬
‫صرِ ِ‬
‫خكُمْ وَما أ ْنتُـمْ بِـ ُم ْ‬
‫ص ِر ِ‬
‫أنا بِـمُ ْ‬

‫‪65‬‬ ‫الية ‪:‬‬


‫عبَادِي َليْسَ َلكَ عََل ْي ِهمْ سُ ْلطَانٌ َوكَ َفىَ ِب َر ّبكَ َوكِيلً }‪.‬‬
‫القول فـي تأويـل قوله تعالـى‪{ :‬إِنّ ِ‬
‫يقول تعالـى ذكره لبلـيس‪ :‬إن عبـادي الذين أطاعونـي‪ .‬فـاتبعوا أمري وعصوك يا‬
‫إبلـيس‪ .‬لـيس لك علـيهم حجة‪.‬‬
‫وقوله‪ :‬وكَفَـى َب َربّكَ َوكِيلً يقول جلّ ثناؤه لنبـيه مـحمد صلى ال عليه وسلم‪ :‬وكفـاك يا‬
‫مـحمد ربك حفـيظا‪ ،‬وقـيـما بأمرك‪ .‬فـان َقدْ لمره‪ .‬وبلغ رسالته هؤلء الـمشركين‪ .‬ول‬
‫تـخف أحدا‪ ،‬فإنه قد توكل بحفظك ونصرتك‪ ،‬كما‪:‬‬
‫‪16983‬ـ حدثنا بشر‪ ،‬قال‪ :‬حدثنا يزيد‪ ،‬قال‪ :‬حدثنا سعيد‪ ،‬عن قتادة‪ ،‬قوله‪ :‬إنّ عِبـادِي لَـيْسَ‬
‫ن وكَفَـى َبرَ ّبكَ َوكِيلً وعبـاده الـمؤمنون‪ .‬وقال ال فـي آية أخرى إنّـما‬
‫لَكَ عَلَـيْ ِهمْ سُلْطا ٌ‬
‫ش ِركُونَ‪.‬‬
‫ن َيتَوَلّ ْو َنهُ واّلذِينَ ُه ْم بِهِ ُم ْ‬
‫سُلْطانُهُ عَلـى اّلذِي َ‬
‫‪66‬‬ ‫الية ‪:‬‬
‫حرِ ِل َت ْب َتغُو ْا مِن َفضْلِ هِ‬
‫ك فِي ا ْل َب ْ‬
‫القول فـي تأويـل قوله تعالـى‪ّ { :‬ر ّبكُ مُ اّلذِي ُي ْزجِي َلكُ مُ الْفُلْ َ‬
‫ِإنّ ُه كَانَ ِب ُكمْ َرحِيما }‪.‬‬
‫يقول تعالـى ذكره للـمشركين به‪ :‬ربكم أيها القوم هو الذي يسير لكم السفن فـي البحر‪.‬‬
‫ِهـ لتوصـلوا بــالركوب فــيها إلــى أماكـن تــجاراتكم‬
‫ِنـ فَضْل ِ‬
‫فــيحملكم فــيها َلتْب َتغُوا م ْ‬
‫ومطالبكـم ومعايشكـم‪ ،‬وتلتــمسون مـن رزقـه إنّه كان َـ ِبكُم ْـ َرحِيــما يقول‪ :‬إن ال كان بكـم‬
‫رحي ـما ح ين أجرى ل كم الفلك ف ـي الب حر‪ ،‬ت سهيلً م نه بذلك عل ـيكم الت صرّف ف ـي طلب‬
‫فضله فــي البلد النائيـة التــي لول تسـهيـله ذلك لكـم لصـعب علــيكم الوصـول إلــيها‪.‬‬
‫وبنـحو ما قلنا فـي قوله‪ُ :‬ي ْزجِي َل ُكمْ قال أهل التأويـل‪ .‬ذكر من قال ذلك‪:‬‬
‫‪16984‬ـ حدثنـي علـيّ بن داود‪ ،‬قال‪ :‬حدثنا عبد ال‪ ،‬قال‪ :‬ثنـي معاوية‪ ،‬عن علـيّ‪ .‬عن‬
‫حرِ يقول‪ :‬يجري الفلك‪.‬‬
‫ابن عبـاس‪ .‬قوله‪َ :‬ربّ ُكمُ اّلذِي ُي ْزجِي َل ُكمُ الفُ ْلكَ فـي ال َب ْ‬
‫‪ 16985‬ـ حدثنـي مـحمد بن عبد العلـى‪ ،‬قال‪ :‬حدثنا مـحمد بن ثور‪ ،‬عن معمر‪ ،‬عن‬
‫حرِ قال‪ :‬يسيرها فـي البحر‪.‬‬
‫قتادة َربّ ُكمُ اّلذِين ُيزْجي َل ُكمُ الفُ ْلكَ فِـي ال َب ْ‬
‫حدثنـا القاسـم‪ ،‬قال‪ :‬حدثنـا الــحسين‪ ،‬قال‪ :‬ثنــي حجاج‪ ،‬عـن ابـن جريـج‪ ،‬قال‪ :‬قال ابـن‬
‫حرِ قال‪ :‬يجري‪.‬‬
‫ك فِـي ال َب ْ‬
‫عبـاس َر ّبكُ ُم اّلذِي يُزْجي َل ُكمُ الفُل َ‬
‫‪ 16986‬ـ حدثنـي يونس‪ ،‬قال‪ :‬أخبرنا ابن وهب‪ ،‬قال‪ :‬قال ابن زيد‪ ،‬فـي قوله‪َ :‬ر ّبكُ ْم اّلذِي‬
‫حرِ قال‪ :‬يجريها‪.‬‬
‫ُيزْجي َل ُكمْ الفُ ْلكَ فِـي ال َب ْ‬

‫‪67‬‬ ‫الية ‪:‬‬


‫ن ِإلّ ِإيّا هُ فََلمّا‬
‫ل مَن َتدْعُو َ‬
‫ضرّ فِي ا ْل َبحْرِ ضَ ّ‬
‫القول فـي تأويـل قوله تعالـى‪{ :‬وَِإذَا مَ سّ ُكمُ ا ْل ّ‬
‫ل ْنسَانُ َكفُورا }‪.‬‬
‫ع َرضْ ُتمْ َوكَانَ ا ِ‬
‫َنجّاكُمْ إِلَى ا ْلبَ ّر أَ ْ‬
‫يقول تعال ـى ذكره‪ :‬وإذا نالت كم الشدّة وال ـجهد ف ـي الب حر ضلّ من تدعون‪ :‬يقول‪ :‬ف قد‬
‫تــمّ مـن تدعون مـن دون ال مـن النداد والَلهـة‪ ،‬وجار عـن طريقكـم فلــم يغثكـم‪ ،‬ولــم‬
‫تــجدوا غيـر ال مغيثـا يغيثكـم دعوتــموه‪ ،‬فلــما دعوتــموه وأغاثكـم‪ ،‬وأجاب دعاءكـم‬
‫ونـجاكم من هول ما كنتـم فـيه فـي البحر‪ ،‬أعرضتـم عما دعاكم إلـيه ربكم من خـلع‬
‫ن النْ سانُ كَفُورا يقول‪:‬‬
‫النداد‪ ،‬والبراءة من الَل هة‪ ،‬وإفراده ب ـاللوهة كفرا من كم بنعم ته وكا َ‬
‫وكان النسان إذا جحد لنعم ربه‪.‬‬

‫‪68‬‬ ‫الية ‪:‬‬


‫سفَ ِبكُمْ جَانِبَ ا ْل َبرّ َأوْ ُيرْسِلَ عََل ْيكُمْ حَاصِبا‬
‫القول فـي تأويـل قوله تعالـى‪َ{ :‬أ َفَأ ِم ْنتُمْ أَن َيخْ ِ‬
‫جدُو ْا َل ُكمْ َوكِيلً }‪.‬‬
‫ُثمّ لَ َت ِ‬
‫يقول تعالـى ذكره‪َ :‬أفَأم ْنتِـم أيها الناس من ربكم‪ ،‬وقد كفرتـم نعمته بتنـجيته إياكم من‬
‫هول ما كنتـم فـيه فـي البحر‪ ،‬وعظيـم ما كنتـم قد أشرفتـم علـيه من الهلك‪ ،‬فلـما‬
‫سفَ ِبكُ مْ جانِ بَ‬
‫ن َيخْ ِ‬
‫نـجاكم وصرتـم إلـى البرّ كفرتـم‪ ،‬وأشركتـم فـي عبـادته غيره أ ْ‬
‫ال َبرّ يعن ـي ناح ية البرّ أ ْو ُيرْ سِلَ عَلَ ـ ْيكُمْ حا صِبـا يقول‪ :‬أو ي ـمطركم حجارة من ال سماء‬
‫ُمـ وَكيلً يقول‪ :‬ثـم ل تــجدوا لكـم مـا يقوم‬
‫جدُوا َلك ْ‬
‫ُمـ ل تَــ ِ‬
‫تقتلكـم‪ ،‬كمـا فعـل بقوم لوط ث ّ‬
‫بــالـمدافعة عنكـم مـن عذابـه ومـا يــمنعكم منـه‪ .‬وبنــحو الذي قلنـا فــي ذلك‪ ،‬قال أهـل‬
‫التأويـل‪ .‬ذكر من قال ذلك‪:‬‬
‫‪16987‬ــ حدثنـا بشـر‪ ،‬قال‪ :‬حدثنـا يزيـد‪ ،‬قال‪ :‬حدثنـا سـعيد‪ ،‬عـن قتادة‪ ،‬قوله‪ :‬أفأ ِم ْنتُــمْ أن‬
‫جدُوا َلكُمْ‬
‫َيخْسِفَ ِبكُمْ جانِبَ ال َبرّ أوْ ُيرْسِلَ عَلَـيْ ُكمْ حاصِبـا يقول‪ :‬حجارة من السماء ثُمّ ل تَـ ِ‬
‫َوكِيلً‪ :‬أي منعة ول ناصرا‪.‬‬
‫‪16988‬ـ حدثنا القاسم‪ ،‬قال‪ :‬حدثنا الـحسين‪ ،‬قال‪ :‬ثنـي حجاج‪ ،‬عن ابن جريج‪ ،‬فـي قوله‪:‬‬
‫أفأ ِم ْنتُــمْ أن ْـ َيخْسِـفَ ِبكُم ْـ جانِبَـ ال َبرّ أ ْو ُيرْسـلَ عَلَــْيكُمْ حاصـِبـا قال‪ :‬مطـر الــحجارة إذا‬
‫خرجتـم من البحر‪.‬‬
‫وكان بعض أهل العربـية يوجه تأويـل قوله أوْ ُيرْسلَ عَلَـ ْي ُكمْ حا صِبـا إلـى‪ :‬أو يرسل‬
‫علـيكم ريحا عاصفـا تـحصب‪ ،‬ويستشهد لقوله ذلك بقول الشاعر‪:‬‬
‫ف ال ُقطْنِ َم ْنثُو ِر‬
‫ستَ ْقبِلـينَ شَمالَ الشّامِ َتضْ ِربُنابِحاصِبٍ َك َندِي ِ‬
‫ُم ْ‬
‫وأصـل الــحاصب‪ :‬الريـح تــحصب بــالـحصبـاء الرض فــيها الرمـل والــحصى‬
‫الصـغار‪ .‬يقال فــي الكلم‪ :‬حصـب فلن فلنـا‪ :‬إذا رماه بــالـحصبـاء‪ .‬وإنــما وُصـفت‬
‫الريح بأنها تـحصب لرميها الناس بذلك‪ ،‬كما قال الخطل‪:‬‬
‫ح ْت ُهدْجَ الرّئالِ تَك ّبهُنّ شَمالً‬
‫ولَ َقدْ عَلـمْتُ إذَا العِشارُ َترَ ّو َ‬
‫ن ثَلْـجهاحتـى َيبِـيتَ عَلـى ال ِعضَا ِه جِفـال‬
‫َترْمي العضاَ ُه بِحاصِبٍ مِ ْ‬

‫‪69‬‬ ‫الية ‪:‬‬


‫ى فَ ُيرْ سِلَ عََل ْيكُ مْ قَا صِفا‬
‫خرَ َ‬
‫القول فـي تأويـل قوله تعالـى‪{ :‬أَ مْ َأ ِم ْنتُ مْ أَن ُيعِيدَكُ مْ فِي ِه تَارَ ًة ُأ ْ‬
‫جدُواْ َل ُكمْ عََل ْينَا بِ ِه َتبِيعا }‪.‬‬
‫ل َت ِ‬
‫ح َف ُيغْ ِر َقكُم ِبمَا كَ َف ْر ُتمْ ُثمّ َ‬
‫ن الرّي ِ‬
‫مّ َ‬
‫يقول تعال ـى ذكره‪ :‬أم أمنت ـم أي ها القوم من رب كم‪ ،‬و قد كفرت ـم به ب عد إنعا مه عل ـيكم‪،‬‬
‫النعمـة التــي قـد علــمتـم أن يعيدكـم فــي البحـر تارة أخرى‪ :‬يقول‪ :‬مرّة أخرى‪ ،‬والهاء‬
‫التـي فـي قوله «فـيه» من ذكر البحر‪ .‬كما‪:‬‬
‫ن يُعي َدكُ مْ فِ ـيهِ تارَةً‬
‫‪ 16989‬ـ حدث نا ب شر‪ ،‬قال‪ :‬حدث نا يز يد‪ ،‬قال‪ :‬حدث نا سعيد‪ ،‬عن قتادة أ ْ‬
‫خرَى‪ :‬أي فـي البحر مرّة أخرى فَـيُرْسلَ عَلَـ ْيكُمْ قا صِفـا ِم نَ الرّي حِ وهي التـي تقصف‬
‫ُأ ْ‬
‫ما مرّت به فتـحطمه وتدقه‪ ،‬من قولهم‪ :‬قصف فلن ظهر فلن‪ :‬إذا كسره فَـيُ ْغرِ َق ُكمْ بِـمَا‬
‫ُمـ ل‬
‫كَفَرتُــمْ يقول‪ :‬فــيغرقكم ال بهذه الريـح القاصـف بــما كفرتــم‪ ،‬يقول‪ :‬بكفركـم بـه ث ّ‬
‫جدُوا َلكُمْ عَلَـيْنا بِ ِه َتبِـيعا يقول‪ :‬ثم ل تـجدوا لكم علـينا تابعا يتبعنا بـما فعلنا بكم‪ ،‬ول‬
‫تَـ ِ‬
‫ثائرا يثأر نا بإهلك نا إيا كم‪ .‬وق ـيـل‪ :‬تب ـيعا ف ـي مو ضع التا بع‪ ،‬ك ما ق ـيـل‪ :‬عل ـيـم‬
‫فــيـموضع عالــم‪ .‬والعرب تقول لكـل طالب بدم أو ديـن أو غيره‪ :‬تبــيع‪ .‬ومنـه قول‬
‫الشاعر‪:‬‬
‫ن َتبِـيعُ‬
‫غرْمٍ َلزّهُ ّ‬
‫غزْل ُن ُهمْ فَكأ ّنهَاضَوَامنُ ُ‬
‫عدَتْ ِ‬
‫عدَوْا وَ َ‬
‫َ‬
‫وبنـحو الذي قلنا فـي القاصف والتبـيع‪ ،‬قال أهل التأويـل‪ .‬ذكر من قال ذلك‪:‬‬
‫‪16990‬ـ حدثنـي علـيّ بن داود‪ ،‬قال‪ :‬حدثنا عبد ال‪ ،‬قال‪ :‬ثنـي معاوية‪ ،‬عن علـيّ‪ ،‬عن‬
‫ح يقول‪ :‬عاصفـا‪.‬‬
‫ن الرّي ِ‬
‫ابن عبـاس‪ ،‬قوله‪ :‬فَـ ُيرْسِلَ عَلَـ ْيكُ ْم قَاصِفـا مِ َ‬
‫‪ 16991‬ـ حدثنا القاسم‪ ،‬قال‪ :‬حدثنا الـحسين‪ ،‬قال‪ :‬ثنـي حجاج‪ ،‬عن ابن جريج‪ ،‬قال‪ :‬قال‬
‫ابن عبـاس‪ :‬قاصفـا التـي ُتغْرق‪.‬‬
‫‪ 16992‬ـ حدثن ـي عل ـيّ‪ ،‬قال‪ :‬حدث نا ع بد ال‪ ،‬قال‪ :‬ثن ـي معاو ية‪ ،‬عن عل ـيّ‪ ،‬عن ا بن‬
‫جدُوا َل ُكمْ عَلَـيْنا بِ ِه َتبِـيعا يقول نصيرا‪.‬‬
‫عبـاس‪ ،‬قوله‪ُ :‬ثمّ ل تَـ ِ‬
‫‪ 16993‬ـ حدثنـي مـحمد بن عمرو‪ ،‬قال‪ :‬حدثنا أبو عاصم‪ ،‬قال‪ :‬حدثنا عيسى وحدثنـي‬
‫الــحرث‪ ،‬قال‪ :‬حدثنـا الــحسن‪ ،‬قال‪ :‬حدثنـا ورقاء‪ ،‬جميعـا عـن ابـن أبــي نــجيح‪ ،‬عـن‬
‫مـجاهد‪ ،‬قال مـحمد‪ :‬ثائرا‪ ،‬وقال الـحرث‪ :‬نصيرا ثائرا‪.‬‬
‫حدثنا القاسم‪ ،‬قال‪ :‬حدثنا الـحسين‪ ،‬قال‪ :‬ثنـي حجاج‪ ،‬عن ابن جريج‪ ،‬عن مـجاهد ثُمّ ل‬
‫تَـجِدُوا َل ُكمْ عَلَـيْنا بِ ِه َتبِـيعا قال‪ :‬ثائرا‪.‬‬
‫جدُوا َلكُمْ عَلَـيْنا‬
‫‪16994‬ـ حدثنا بشر‪ ،‬قال‪ :‬حدثنا يزيد‪ ،‬قال‪ :‬حدثنا سعيد‪ ،‬عن قتادة ثُ ّم ل تَـ ِ‬
‫بِ ِه َتبِـيعا أي ل نـخاف أن نتبع بشيء من ذلك‪.‬‬
‫جدُوا‬
‫حدثنا ابن عبد العلـى‪ ،‬قال‪ :‬حدثنا مـحمد بن ثور‪ ،‬عن معمر‪ ،‬عن قتادة ثُ مّ ل تَـ ِ‬
‫َلكُ مْ عَلَ ـيْنا بِ ِه َتبِ ـيعا يقول‪ :‬ل يتبع نا أ حد بش يء من ذلك‪ .‬والتارة‪ :‬جم عه تارات وت ـير‪،‬‬
‫وأفعلت منه‪ :‬أترت‪.‬‬

‫‪70‬‬ ‫الية ‪:‬‬


‫حرِ َو َرزَ ْقنَاهُ مْ‬
‫حمَ ْلنَاهُ مْ فِي ا ْل َبرّ وَا ْل َب ْ‬
‫القول فـي تأويـل قوله تعالـى‪{ :‬وَلَ َقدْ َك ّر ْمنَا َبنِي آدَ مَ َو َ‬
‫ن خَلَ ْقنَا تَ ْفضِيلً }‪.‬‬
‫ن الطّ ّيبَاتِ َوفَضّ ْلنَا ُهمْ عََلىَ َكثِيرٍ ّممّ ْ‬
‫مّ َ‬
‫يقول تعالـى ذكره‪ :‬وَلَ َقدْ َك ّرمْنا َبنِـي آدَ مَ بتسلـيطنا إياهم علـى غيرهم من الـخـلق‪،‬‬
‫ب والـمراكب و فـي‬
‫وتسخيرنا سائر الـخـلق لهم َوحَملْناهُ مْ فِـي ال َبرّ علـى ظهور الدوا ّ‬
‫ن الطّيّبـاتِ يقول‪ :‬من طيبـات الـمطاعم‬
‫ال َبحْ ِر فـي الفلك التـي سخرناها لهم َو َرزَقْناهُمْ مِ َ‬
‫ن خَـلَقْنا تَ ْفضِيلً ذكر لنا‬
‫والـمشارب‪ ،‬وهي حللها ولذيذاتها َو َفضّلْناهم عَلـى َكثِـيرٍ مِـمّ ْ‬
‫أن ذلك تـمكنهم من العمل بأيديهم‪ ،‬وأخذ الطعمة والشربة بها ورفعها بها إلـى أفواههم‪،‬‬
‫وذلك غير متـيسر لغيرهم من الـخـلق‪ ،‬كما‪:‬‬
‫‪ 16995‬ـ حدثنا القاسم‪ ،‬قال‪ :‬حدثنا الـحسين‪ ،‬قال‪ :‬ثنـي حجاج‪ ،‬عن ابن جريج‪ ،‬قوله وَلَ َقدْ‬
‫َكرّمْنا َبنِـي آدم‪ ...‬الَية‪ ،‬قال‪َ :‬و َفضّلْناهُ مْ فـي الـيدين يأكل بهما‪ ،‬ويعمل بهما‪ ،‬وما سوى‬
‫النس يأكل بغير ذلك‪.‬‬
‫‪ 16996‬ـ حدثنا الـحسن بن يحيى‪ ،‬قال‪ :‬أخبرنا عبد الرزاق‪ ،‬قال‪ :‬أخبرنا معمر عن زيد بن‬
‫أسلـم‪ ،‬فـي قوله‪ :‬وَلَ َق ْد كَ ّرمْنا َبنِـي آدَمَ قال‪ :‬قالت الـملئكة‪ :‬يا ربنا إنك أعطيت بنـي آدم‬
‫الدن ـيا يأكلون من ها‪ ،‬ويتنعّمون‪ ،‬ول ـم تعط نا ذلك‪ ،‬فأعطناه ف ـي الَخرة فقال‪ :‬وعزّت ـي ل‬
‫أجعل ذرّية من خـلقت بـيدي‪ ،‬كمن قلت له كن فكان‪.‬‬

‫‪71‬‬ ‫الية ‪:‬‬


‫ن أُوتِ يَ ِكتَابَ ُه ِب َيمِينِ هِ‬
‫ل ُأنَا سٍ ِبِإمَا ِمهِ مْ َفمَ ْ‬
‫القول ف ـي تأوي ـل قوله تعال ـى‪{ :‬يَوْ مَ َندْعُواْ كُ ّ‬
‫َفأُوْلَـئِكَ َي ْقرَؤونَ ِكتَا َبهُمْ َولَ ُيظَْلمُونَ َفتِيلً }‪.‬‬
‫ل ثناؤه أ نه يد عو كلّ أناس به‪،‬‬
‫اختل فت أ هل التأوي ـل ف ـي مع نى المام الذي ذ كر ال ج ّ‬
‫فقال بعضهم‪ :‬هو نبـيه‪ ،‬ومن كان يقتدي به فـي الدنـيا ويأتـمّ به‪ .‬ذكر من قال ذلك‪:‬‬
‫‪ 16997‬ـ حدثن ـي يح يى بن طل ـحة ال ـيربوعي‪ ،‬قال‪ :‬حدث نا فضي ـل‪ ،‬عن ل ـيث‪ ،‬عن‬
‫س بِإما ِم ِهمْ قال‪ :‬نبـيهم‪.‬‬
‫مـجاهد َي ْومَ َندْعُو كُلّ أُنا ٍ‬
‫حدثنا ابن حميد‪،‬قال‪ :‬حدثنا حكام‪ ،‬عن عنبسة‪ ،‬عن مـحمد بن عبد الرحمن‪ ،‬عن القاسم بن‬
‫س بِإما ِم ِهمْ قال‪ :‬نبـيهم‪.‬‬
‫أبـي بزّة‪ ،‬عن مـجاهد َي ْومَ َندْعُوا كُلّ أُنا ٍ‬
‫حدثن ـي م ـحمد بن عمرو‪ ،‬قال‪ :‬حدث نا أ بو عا صم‪ ،‬قال‪ :‬حدث نا عي سى‪ ،‬عن ا بن أب ـي‬
‫نـجيح‪ ،‬عن مـجاهد‪ :‬بِإما ِم ِهمْ قال‪ :‬نبـيهم‪.‬‬
‫حدثنا القاسم‪ ،‬قال‪ :‬حدثنا الـحسين‪ ،‬قال‪ :‬ثنـي حجاج‪ ،‬عن ابن جريج‪ ،‬عن مـجاهد مثله‪.‬‬
‫‪ 16998‬ـ حدثنا مـحمد‪ ،‬قال‪ :‬حدثنا مـحمد بن ثور‪ ،‬عن معمر‪ ،‬عن قتادة كُلّ أُناسٍ بِإما ِمهِمْ‬
‫قال‪ :‬نبـيهم‪.‬‬
‫حدثنا بشر‪ ،‬قال‪ :‬حدثنا يزيد‪ ،‬قال‪ :‬حدثنا سعيد‪ ،‬عن قتادة‪ ،‬مثله‪.‬‬
‫وقال آخرون‪ :‬بل معنى ذلك أنه يدعوهم بك تب أعمال هم التـي عملوها فـي الدنـيا‪ .‬ذكر‬
‫من قال ذلك‪:‬‬
‫‪16999‬ـ حدثنـي مـحمد بن سعد‪ ،‬قال‪ :‬ثنـي أبـي‪ ،‬قال‪ :‬ثنـي عمي‪ ،‬قال‪ :‬ثنـي أبـي‪،‬‬
‫س بِإما ِمهِ مْ قال‪ :‬المام‪ :‬ما ع مل‬
‫ل أُنا ٍ‬
‫عن أب ـيه‪ ،‬عن ا بن عب ـاس‪ ،‬ف ـي قوله‪ :‬يَوْ َم َندْعُو كُ ّ‬
‫وأمل ـى‪ ،‬فك تب عل ـيه‪ ،‬ف من ب عث متق ـيا ل ج عل كتا به ب ـيـمينه‪ ،‬فقرأه وا ستبشر‪ ،‬ول ـم‬
‫يظلـم فتـيلً‪ ،‬وهو مثل قوله‪ :‬وإ ّنهُما َلبِإمامٍ ُمبِـينٍ والمام‪ :‬ما أملـى وعمل‪.‬‬
‫‪ 17000‬ـ حدثنا بشر‪ ،‬قال‪ :‬حدثنا يزيد‪ ،‬قال‪ :‬حدثنا سعيد‪ ،‬عن قتادة‪ ،‬عن الـحسن َيوْ مَ َندْعُو‬
‫كُلّ أُناسِ بإما ِم ِهمْ قال‪ :‬بأعمالهم‪.‬‬
‫حدث نا م ـحمد‪ ،‬قال‪ :‬حدث نا م ـحمد بن ثور‪ ،‬عن معمـر‪ ،‬عن قتادة‪ ،‬قال‪ :‬قال ال ـحسن‪:‬‬
‫بكتابهم الذي فـيه أعمالهم‪.‬‬
‫‪ 17001‬ـ حُد ثت عن ال ـحسين‪ ،‬قال‪ :‬سمعت أب ـا معاذ يقول‪ :‬حدث نا عب ـيد‪ ،‬قال‪ :‬سمعت‬
‫الضحاك يقول فـي قوله يَ ْو َم َندْعُو كُلّ أُناسٍ ِبإِما ِم ِهمْ يقول‪ :‬بكتابهم‪.‬‬
‫‪ 17002‬ـ حدث نا القا سم‪ ،‬قال‪ :‬حدث نا ال ـحسين‪ ،‬قال‪ :‬ثن ـي حجاج‪ ،‬عن أب ـي جع فر‪ ،‬عن‬
‫الربـيع‪ ،‬عن أبـي العالـية‪ ،‬قال‪ :‬بأعمالهم‪.‬‬
‫وقال آخرون‪ :‬بـل معناه‪ :‬يوم ندعـو كلّ أناس بكتابهـم الذي أنزلت علــيهم فــيه أمري‬
‫ونهيـي‪ .‬ذكر من قال ذلك‪:‬‬
‫‪ 17003‬ـ حدثنـي يونس‪ ،‬قال‪ :‬أخبرنا ابن وهب‪ ،‬قال‪ :‬سمعت يحيى بن زيد فـي قول ال‬
‫عزّ وجلّ َيوْ مَ َندْعُو كُلّ أُنا سٍ بإمامهِ مْ قال‪ :‬بكتاب هم الذي أنزل عل ـيهم ف ـيه أ مر ال ونه يه‬
‫عةً َو ِم ْنهَاجـا قال‪ :‬الشرعـة‪:‬‬
‫ُمـ شِرْ َ‬
‫جعَلنـا مِنك ْ‬
‫ل َ‬
‫وفرائضـه‪ ،‬والذي علــيه يحاسـبون‪ ،‬وقرأ‪ِ :‬لكُ َ‬
‫ن ما َوصّى ِبهِ نُوحا قال‪ :‬فنوح أوّلهم‪ ،‬وأنت‬
‫الدين‪ ،‬والـمنهاج‪ :‬السنة‪ ،‬وقرأ‪ :‬شَ َرعَ َل ُكمْ ِمنَ الدّي ِ‬
‫آخرهم‪.‬‬
‫‪17004‬ــ حدثنــي الــحرث‪ ،‬قال‪ :‬حدثنـا الــحسن‪ ،‬قال‪ :‬حدثنـا ورقاء‪ ،‬عـن ابـن أبــي‬
‫س بإما ِم ِهمْ بكتابهم‪.‬‬
‫نـجيح‪ ،‬عن مـجاهد يَ ْو َم َندْعُو كُلّ أُنا ٍ‬
‫وأولــى هذه القوال عندنـا بــالصواب‪ ،‬قول مـن قال‪ :‬معنـى ذلك‪ :‬يوم ندعـو كلّ أناس‬
‫بإمام هم الذي كانوا يقتدون به‪ ،‬ويأت ـمّون به ف ـي الدن ـيا‪ ،‬لن الغلب من ا ستعمال العرب‬
‫المام فـيـما ائتـمّ واقتدي به‪ ،‬وتوجيه معانـي كلم ال إلـى الَشهر أَوْلـى ما لـم تثبت‬
‫حجة بخلفه يجب التسلـيـم لها‪.‬‬
‫وقوله‪َ :‬فمَنْ أُوتِـيَ كِتابَ ُه بِـيَـمِينَهِ يقول‪ :‬فمن أعطي كتاب عمله بـيـمينه َفأُوَلئِكَ يَ َقرَءُونَ‬
‫ُمـ ذلك حتــى يعرفوا جميـع مـا فــيه وَل يُظلَــمُونَ َفتِــيلً يقول تعالــى ذكره‪ :‬ول‬
‫كِتابَه ْ‬
‫يظلـمهم ال من جزاء أعمالهم فتـيلً‪ ،‬وهو الـمنفتل الذي فـي شقّ بطن النواة‪ .‬وقد مضى‬
‫البـيان عن الفَتـيـل بـما أغنى عن إعادته فـي هذا الـموضع‪.‬‬
‫‪ 17005‬ـ حدثنا الـحسن بن يحيى‪ ،‬قال‪ :‬أخبرنا عبد الرزاق‪ ،‬قال‪ :‬أخبرنا معمر‪ ،‬عن قتادة‪،‬‬
‫قوله وَل يُظلَـمُونَ َفتِـيلً قال‪ :‬الذي فـي شقّ النواة‪.‬‬
‫‪72‬‬ ‫الية ‪:‬‬
‫ع َمىَ وََأضَلّ‬
‫خرَ ِة أَ ْ‬
‫لِ‬‫ع َمىَ َفهُ َو فِي ا َ‬
‫{ َومَن كَانَ فِي هَـذِ ِه أَ ْ‬ ‫القول فـي تأويـل قوله تعالـى‪:‬‬
‫سبِيلً }‪.‬‬
‫َ‬
‫اختلف أ هل التأوي ـل ف ـي ال ـمعنى الذي أش ير إل ـيه بقوله «هذه»‪ ،‬فقال بعض هم‪ :‬أش ير‬
‫بذلك إلـى النعم التـي عدّدها تعالـى ذكره بقوله‪ :‬وَلَ َقدْ َكرّمنا َبنِـي آدَمَ َوحَملناهُمْ فِـي ال َبرّ‬
‫طيّبـاتِ َو َفضّلناهُ مْ علـى َكثِ ـي ٍر مِ ـمّنْ خَـلَقْنا تَ َفضِيلً فقال‪َ :‬ومَ نْ‬
‫ن ال ّ‬
‫والبَحرِ َورَزَقناهُ مْ مِ َ‬
‫سبِـيلً‪ .‬ذ كر من قال ذلك‪ 17006 :‬ـ‬
‫خرَةِ أعْمَى وأضَلّ َ‬
‫لِ‬‫كا نَ فِ ـي َهذِ ِه أعمَى َفهُ َو فِ ـي ا َ‬
‫حدثنا مـحمد بن الـمثنى‪ ،‬قال‪ :‬حدثنا عبد العلـى‪ ،‬قال‪ :‬حدثنا داود‪ ،‬عن مـحمد بن أبـي‬
‫خرَ ِة أعمَى وأضَلّ‬
‫لِ‬‫ن فِ ـي هذِ ِه أعمَى فَهُ َو فِ ـي ا َ‬
‫مو سى‪ ،‬قال‪ :‬سئل عن هذه الَ ية َو َم نْ كا َ‬
‫طيّبـاتِ‬
‫حمَلناهُ مْ فِـي ال َبرّ والبَحرِ َو َرزَ ْقنَاهُ مْ مِ نَ ال ّ‬
‫سبِـيلً فقال‪ :‬قال وَلَقد َكرّمنا َبنِـي آدَ مَ َو َ‬
‫َ‬
‫َو َفضّلْناهُ مْ عل ـى َكثِ ـيرٍ مِ ـمّنْ خَ ـلَقْنا تَ ْفضِيلً قال‪ :‬من ع مي عن ش كر هذه الن عم ف ـي‬
‫الدنـيا‪ ،‬فهو فـي الَخرة أعمى وأضلّ سبـيلً‪.‬‬
‫وقال آخرون‪ :‬بـل معنـى ذلك‪ :‬ومـن كان فــي هذه الدنــيا أعمـى عـن قدرة ال فــيها‬
‫وحججه‪ ،‬فهو فـي الَخرة أعمى‪ .‬ذكر من قال ذلك‪:‬‬
‫‪17007‬ـ حدثنـي علـيّ بن داود‪ ،‬قال‪ :‬حدثنا عبد ال‪ ،‬قال‪ :‬ثنـي معاوية‪ ،‬عن علـيّ‪ ،‬عن‬
‫عمَى يقول‪ :‬من عمي عن قُدرة ال فـي الدنـيا َفهُوَ‬
‫ن فِـي َهذِ هِ أ ْ‬
‫ابن عبـاس‪ ،‬قوله‪َ :‬ومَنْ كا َ‬
‫عمَى‪.‬‬
‫خرَةِ أ ْ‬
‫لِ‬‫فِـي ا َ‬
‫‪ 17008‬ـ حدثن ـي م ـحمد بن عمرو‪ ،‬قال‪ :‬حدث نا أ بو عا صم قال‪ :‬حدث نا عي سى وحدثن ـي‬
‫الــحرث‪ ،‬قال‪ :‬حدثنـا الــحسن‪ ،‬قال‪ :‬حدثنـا ورقاء‪ ،‬جميعـا عـن ابـن أبــي نــجيح‪ ،‬عـن‬
‫عمَى قال‪ :‬الدنـيا‪.‬‬
‫مـجاهد فـي َهذِهِ أ ْ‬
‫ن فِـي َهذِهِ‬
‫ن كا َ‬
‫‪17009‬ـ حدثنا بشر‪ ،‬قال‪ :‬حدثنا يزيد‪ ،‬قال‪ :‬حدثنا سعيد‪ ،‬عن قتادة‪ ،‬قوله‪َ :‬ومَ ْ‬
‫خرَةِ أعْمَى يقول‪ :‬من كان ف ـي هذه الدن ـيا أع مى ع ما عا ين ف ـيها من‬
‫لِ‬‫أعْمَى َفهُوَ فِ ـي ا َ‬
‫سبِـيلً فـيـما يغيب عنه من أمر‬
‫عمَى وأضَلّ َ‬
‫خرَةِ أ ْ‬
‫لَ‬‫نعم ال وخـلقه وعجائبه فَهُ َو فِـي ا َ‬
‫الَخرة وأعمى‪.‬‬
‫عمَى‬
‫ن فِـي َهذِهِ أ ْ‬
‫ن كا َ‬
‫حدثنا مـحمد‪ ،‬قال‪ :‬حدثنا مـحمد بن ثور‪ ،‬عن معمر‪ ،‬عن قتادة َو َم ْ‬
‫فـي الدنـيا فـيـما أراه ال من آياته من خـلق السموات والرض والـجبـال والنـجوم‬
‫سبِـيلً‪.‬‬
‫لخِرَ ِة الغائبة التـي لـم يرها أعْمى وأضَلّ َ‬
‫َفهُوَ فِـي ا َ‬
‫‪ 17010‬ـ حدثن ـي يو نس‪ ،‬قال‪ :‬أخبر نا ا بن و هب‪ ،‬قال‪ :‬قال ا بن ز يد‪ ،‬و سئل عن قول ال‬
‫ن فِ ـي‬
‫سبِـيلً فقرأ‪ :‬إ ّ‬
‫لخِرَةِ أعْمَى وأضَلّ َ‬
‫تعال ـى َومَ نْ كا نَ فِ ـي َهذِ هِ أعْمَى َفهُوَ فِ ـي ا َ‬
‫ن آياتِ ِه أ نْ‬
‫سكُمْ أفَل ُتبْ صِرُونَ‪ .‬وقرأ‪َ :‬و ِم ْ‬
‫ن وفِ ـي أنْفُ ِ‬
‫ت والرْ ضِ لَيا تٍ للْ ـمُ ْؤ ِمنِـي َ‬
‫سمَوَا ِ‬
‫ال ّ‬
‫سمَوَاتِ‬
‫شرُو نَ‪ ،‬وقرأ حت ـى بلغ‪ :‬وََل ُه مَ نْ فِ ـي ال ّ‬
‫شرٌ َت ْنتَ ِ‬
‫خَ ـلَ َق ُكمْ مِ نْ ُترَا بٍ ثُ مّ إذَا أ ْنتُ ـمْ َب َ‬
‫ن قال‪ :‬كلّ له مطيعون‪ ،‬إل ا بن آدم‪ .‬قال‪ :‬ف من كا نت ف ـي هذه الَيات‬
‫والرْ ضِ كُلّ َل ُه قا ِنتُو َ‬
‫الت ـي يعرف أن ها م نا‪ ،‬ويش هد عل ـيها و هو يرى قدرت نا ونعمت نا أع مى‪ ،‬ف هو ف ـي الَخرة‬
‫التـي لـم يرها أعمى وأضلّ سبـيلً‪.‬‬
‫وأولـى القوال فـي ذلك عندي بـالصواب‪ ،‬قول من قال‪ :‬معنى ذلك‪ :‬ومن كان فـي هذه‬
‫الدنـيا أعمى عن حجج ال علـى أنه الـمنفرد بخـلقها وتدبـيرها‪ ،‬وتصريف ما فـيها‪،‬‬
‫فهو فـي أمر الَخرة التـي لـم يرها ولـم يعاينها‪ ،‬وفـيـما هو كائن فـيها أعمى وأضلّ‬
‫سبـيلً‪ :‬يقول‪ :‬وأضلّ طريقا منه فـي أمر الدنـيا التـي قد عاينها ورآها‪.‬‬
‫وإن ـما قل نا‪ :‬ذلك أول ـى تأويل ته ب ـالصواب‪ ،‬لن ال تعال ـى ذكره ل ـم يخ صص ف ـي‬
‫عمَى عمى الكافر به عن بعض حججه علـيه فـيها دون‬
‫ن فِـي َهذِ ِه الدنـيا أ ْ‬
‫قوله َو َم نْ كا َ‬
‫ب عض‪ ،‬ف ـيوجه ذلك إل ـى عماه عن نع مه ب ـما أن عم به عل ـيه من تكري ـمه بن ـي آدم‪،‬‬
‫وحمله إياهم فـي البرّ والبحر‪ ،‬وما عدّد فـي الَية التـي ذكر فـيها نعمه علـيهم‪ ،‬بل ع مّ‬
‫بـالـخبر عن عماه فـي الدنـيا‪ ،‬فهم كما ع ّم تعالـى ذكره‪.‬‬
‫خرَةِ أعْمَى فكسـرت القَرأَ ُة جميعـا أعنــي‬
‫لِ‬‫واختلفـت القرّاء فــي قراءة قوله فَهُ َو فِــي ا َ‬
‫عمَى فإن عامة‬
‫خرَةِ أ ْ‬
‫لِ‬‫عمَى‪ .‬وأما قوله َفهُوَ فِـي ا َ‬
‫ن فِـي َه ِذ هِ أ ْ‬
‫الـحرف الوّل قوله َومَ نْ كا َ‬
‫خرَةِ أعْمَى‪ .‬وأ ما ب عض قرّاء الب صرة فإ نه‬
‫لِ‬‫قرّاء الكوف ـيـين أمالت أي ضا قوله‪َ :‬فهُوَ فِ ـي ا َ‬
‫فتـحه‪ ،‬وتأوّله بـمعنى‪ :‬فهو فـي الَخرة أشدّ عمى‪ .‬واستشهد لصحة قراءته بقوله‪ :‬وأضَلّ‬
‫سبِـيلً‪.‬‬
‫َ‬
‫وهذه القراءة هي َأوْل ـى القراءت ـين ف ـي ذلك ب ـالصواب للشا هد الذي ذكر نا عن قارئه‬
‫كذلك‪ ،‬وإن ـما كره من كره قراء ته كذلك ظ نا م نه أن ذلك مق صود به ق صد ع مى العين ـين‬
‫الذي ل يو صف أ حد بأ نه أع مى من آ خر أع مى‪ ،‬إذ كان ع مى الب صر ل يتف ـاوت‪ ،‬ف ـيكون‬
‫أحدهما أزيد عمى من الَخر‪ ،‬إل بإدخال أشدّ أو أبـين‪ ،‬فلـيس المر فـي ذلك كذلك‪.‬‬
‫عنِـي به عمى قلوب‬
‫وإنـما قل نا‪ :‬ذلك من عمى القلب الذي ي قع ف ـيه التف ـاوت‪ ،‬فإنـما ُ‬
‫الكفـار‪ ،‬عن حجج ال التـي قد عاينتها أبصارهم‪ ،‬فلذلك جاز ذلك وحسُن‪ .‬وبنـحو الذي قلنا‬
‫فـي ذلك‪ ،‬قال أهل التأويـل‪ .‬ذكر من قال ذلك‪:‬‬
‫‪ 17011‬ـ حدثنا الـحسن بن يحيى‪ ،‬قال‪ :‬أخبرنا عبد الرزاق‪ ،‬قال‪ :‬أخبرنا سفـيان‪ ،‬عن ابن‬
‫عمَى قال‪ :‬أعمى عن حجته فـي الَخرة‪.‬‬
‫لخِرَةِ أ ْ‬
‫أبـي نـجيح‪ ،‬عن مـجاهد َفهُوَ فِـي ا َ‬

‫‪73‬‬ ‫الية ‪:‬‬


‫حيْنَآ إَِليْ كَ لِت ْف َترِ يَ عََليْنَا‬
‫القول ف ـي تأويـل قوله تعال ـى‪{ :‬وَإِن كَادُواْ َليَ ْف ِتنُونَ كَ عَ نِ اّلذِي َأ ْو َ‬
‫ك خَلِيلً }‪.‬‬
‫خذُو َ‬
‫ل ّت َ‬
‫غ ْيرَهُ وَإِذا ّ‬
‫َ‬
‫اختلف أ هل التأوي ـل ف ـي الفت نة الت ـي كاد ال ـمشركون أن يفتنوا ر سول ال صلى ال‬
‫عل يه و سلم ب ها عن الذي أو حى ال إل ـيه إل ـى غيره فقال بعض هم‪ :‬ذلك الل ـمام ب ـالَلهة‪،‬‬
‫لن الـمشركين دعوه إلـى ذلك‪ ،‬فهمّ به رسول ال صلى ال عليه وسلم‪ .‬ذكر من قال ذلك‪:‬‬
‫‪ 17012‬ـ حدثنا ابن حميد‪ ،‬قال‪ :‬حدثنا يعقوب ال ُقمّي‪ ،‬من جعفر‪ ،‬عن سعيد‪ ،‬قال‪ :‬كان رسول‬
‫ال صلى ال عل يه و سلم ي ستلـم ال ـحجر ال سود‪ ،‬فمنع ته قر يش‪ ،‬وقالوا‪ :‬ل َندَعُه حت ـى‬
‫أسـتَلِـمُ‬
‫أنـ َيدَعُونِــي ْ‬
‫أنـ أُلــمّ بِهـا َب ْعدَ ْ‬
‫يــلـم بآلهتنـا‪ ،‬فحدّث نفسـه‪ ،‬وقال‪« :‬مـا عَلَــيّ ْ‬
‫ن اّلذِي‬
‫عِ‬‫ن كادُوا لَـيَ ْف ِتنُو َنكَ َ‬
‫جرَ‪ ،‬وَاللّ هُ َيعْلَـمُ أنّـي َلهَا كارِ هٌ»‪َ ،‬فأَبَى ال‪ ،‬فَأ ْنزَلَ اللّ هُ‪ :‬وإ ْ‬
‫حَ‬‫الـ َ‬
‫حيْنا إلَـ ْيكَ ِلتَ ْف َت ِريَ عَلَـيْنا غيرَ ُه الَية‪.‬‬
‫أَ ْو َ‬
‫ن َث ّبتْنا كَ َل َقدْ كدْ تَ‬
‫‪ 17013‬ـ حدثنا بشر‪ ،‬قال‪ :‬حدثنا يزيد‪ ،‬قال‪ :‬حدثنا سعيد‪ ،‬عن قتادة وَلَوْل أ ْ‬
‫شيْئا قَلِ ـيلً ذ كر ل نا أن قري شا خ ـلوا بر سول ال صلى ال عل يه و سلم ذات‬
‫َترْكَن إلَ ـ ْيهِ ْم َ‬
‫ل ـيـلة إلـى ال صبح يكل ـمونه ويفخمو نه وي سودونه ويقاربونه‪ ،‬وكان ف ـي قولهم أن قالوا‪:‬‬
‫إنك تأتـي بشيء ل يأتـي به أحد من الناس‪ ،‬وأنت سيدنا وابن سيدنا‪ ،‬فما زالوا يكلّـمونه‬
‫ن َث ّبتْنا كَ لَ َقدْ ِكدْ تَ َت ْركَ نُ‬
‫حت ـى كاد أن يقارف هم ثم من عه ال وع صمه من ذلك‪ ،‬فقال‪ :‬وََلوْل أ ْ‬
‫شيْئا قَلِـيلً‪.‬‬
‫إلَـ ْيهِمْ َ‬
‫حدثنا مـحمد بن عبد العلـى‪ ،‬قال‪ :‬حدثنا مـحمد بن ثور‪ ،‬عن معمر‪ ،‬عن قتادة ِلتَ ْف َترِ يَ‬
‫عَلَـيْنا غيرَ ُه قال‪ :‬أطافوا به لـيـلة‪ ،‬فقالوا‪ :‬أنت سيدنا وابن سيدنا‪ ،‬فأرادوه علـى بعض ما‬
‫يريدون فه مّ أن يقار َفهُ مْ ف ـي ب عض ما يريدون‪ ،‬ثم ع صمه ال‪ ،‬فذلك قوله‪ :‬لَ َق ْد ِكدْ تَ َت ْركَ نُ‬
‫ل الذي أرادوا فه ّم أن يقارفهم فـيه‪.‬‬
‫شيْئا قَلِـي ً‬
‫إلَـ ْيهِمْ َ‬
‫‪17014‬ــ حدثنـا القاسـم‪ ،‬قال‪ :‬حدثنـا الــحسين‪ ،‬قال‪ :‬ثنــي حجاج‪ ،‬عن ابـن جريـج‪ ،‬عن‬
‫شيْئا قلـيلً‪.‬‬
‫سسْها‪ ،‬فذلك قوله‪َ :‬‬
‫مـجاهد قال‪ :‬قالوا له‪ :‬ائت آلهتنا فـا ْم َ‬
‫همـ أن ُينِظـر قومـا‬
‫وقال آخرون‪ :‬إنــما كان ذلك أن رسـول ال صـلى ال عليـه وسـلم ّ‬
‫بإسلمهم إلـى مدة سألوه النظار إلـيها‪ .‬ذكر من قال ذلك‪:‬‬
‫‪17015‬ـ حدثنـي مـحمد بن سعد‪ ،‬قال‪ :‬ثنـي أبـي‪ ،‬قال‪ :‬ثنـي عمي‪ ،‬قال‪ :‬ثنـي أبـي‪،‬‬
‫حيْ نا إلَ ـ ْيكَ ِلتَ ْفتَري‬
‫ن كادُوا لَ ـيَ ْف ِتنُو َنكَ عَن الّذي أ ْو َ‬
‫عن أب ـيه‪ ،‬عن ا بن عب ـاس‪ ،‬قوله‪ :‬وَإ ْ‬
‫عَلَ ـيْنا غيرَ ُه وإذا لتّ ـخَذوكَ خَ ـلِـيلً وذلك أن ثق ـيفـا كانوا قالوا للنب ـيّ صلى ال عل يه‬
‫و سلم‪ :‬يا ر سول ل َأجّل نا سنة حت ـى ُي ْهدَى لَلهت نا‪ ،‬فإذا قبض نا الذي ُيهْدى لَلهت نا أخذناه‪ ،‬ثم‬
‫أ سلـمنا وك سرنا الَل هة‪ ،‬ف هم ر سول ال صلى ال عل يه و سلم أن يعطي هم‪ ،‬وأن يؤجّل هم‪ ،‬فقال‬
‫شيْئا قَلِـيلً‪.‬‬
‫ن إلَـيْ ِهمْ َ‬
‫ن َث ّبتْناكَ َل َقدْ َكدْتَ َت ْركَ ُ‬
‫ال‪ :‬وَلَوْل أ ْ‬
‫والصواب من‬
‫القول فــي ذلك أن يقال‪ :‬إن ال تعالــى ذكره أخـبر عـن نبــيه صـلى ال عليـه وسـلم‪ ،‬أن‬
‫الـمشركين كادوا أن يفتنوه عما أوحاه ال إلـيه لـيعمل بغيره‪ ،‬وذلك هو الفتراء علـى ال‬
‫وجائز أن يكون ذلك كان ما ذ كر عن هم من ذ كر أن هم دعوه أن ي ـمسّ آلهت هم‪ ،‬وي ـلـمّ ب ها‪،‬‬
‫وجائز أن يكون كان ذلك ما ذُكر عن ابن عبـاس من أمر ثقـيف‪ ،‬ومسألتهم إياه ما سألواه‬
‫مـما ذكرنا وجائز أن يكون غير ذلك‪ ،‬ول بـيان فـي الكتاب ول فـي خبر يقطع العذر أيّ‬
‫ذلك كان‪ ،‬والختلف ف ـيه موجود عل ـى ما ذكر نا‪ ،‬فل ش يء ف ـيه أ صوب من الي ـمان‬
‫عنِـي بذلك منه‪.‬‬
‫بظاهره‪ ،‬حتـى يأتـي خبر يجب التسلـيـم له ببـيان ما ُ‬
‫عوْك إلـيه من الفتنة‬
‫خذُوكَ خَـلِـيلً يقول تعالـى ذكره‪ :‬ولو فعلت ما دَ َ‬
‫وقوله‪ :‬وَإذا لتّـ َ‬
‫عن الذي أوحينا إلـيك لتـخذوك إذا لنفسهم خـلـيلً‪ ،‬وكنت لهم وكانوا لك أولـياء‪.‬‬

‫‪74‬‬ ‫الية ‪:‬‬


‫شيْئا قَلِيلً }‪.‬‬
‫ن إَِل ْيهِ ْم َ‬
‫ل أَن َث ّب ْتنَاكَ َل َقدْ كِدتّ َت ْركَ ُ‬
‫القول فـي تأويـل قوله تعالـى {وَلَ ْو َ‬
‫يقول تعالــى ذكره‪ :‬ولول أن ثبّتناك يـا مــحمد بعصـمتنا إياك عمـا دعاك إلــيه هؤلء‬
‫شيْئا قَلِ ـيلً يقول‪ :‬ل قد كدت ت ـميـل إل ـيهم‬
‫ت تَ ْركَ نُ إلَ ـ ْيهِمْ َ‬
‫ال ـمشركون من الفت نة لَ َق ْد ِكدْ َ‬
‫ن شيئا قلـيلً‪ ،‬وذلك ما كان صلى ال عليه وسلم ه مّ به من أن يفعل بعض الذي كانوا‬
‫وتطمئ ّ‬
‫سألوه فعله‪ ،‬فقال رسول ال صلى ال عليه وسلم فـيـما ذكر حين نزلت هذه الَية‪ ،‬ما‪:‬‬
‫‪ 17016‬ـ حدثنا مـحمد بن بشار‪ ،‬قال‪ :‬حدثنا سلـيـمان‪ ،‬قال‪ :‬حدثنا أبو هلل‪ ،‬عن قتادة‪،‬‬
‫شيْئا قَلِـيلً فقال رسول ال صلى ال عليه‬
‫ن َث ّبتْنا كَ لَ َق ْد ِكدْ تَ َت ْركَ نْ إلَـ ْي ِهمْ َ‬
‫فـي قوله وَلَوْل أ ْ‬
‫عيْنٍ»‪.‬‬
‫وسلم‪« :‬ل َتكِ ْلنِـي إلـى نَفْسي طَ ْرفَةَ َ‬
‫‪75‬‬ ‫الية ‪:‬‬
‫جدُ لَ كَ‬
‫ل َت ِ‬
‫ضعْ فَ ا ْل َممَا تِ ثُ مّ َ‬
‫حيَاةِ َو ِ‬
‫ضعْ فَ ا ْل َ‬
‫القول ف ـي تأويـل قوله تعال ـى {إِذا ل َذ ْقنَا كَ ِ‬
‫عََل ْينَا َنصِيرا }‪.‬‬
‫يقول تعال ـى ذكره‪ :‬لو رك نت إل ـى هؤلء ال ـمشركين يا م ـحمد شيئا قل ـيلً ف ـيـما‬
‫سـألوك إذن لذقناك ضعـف عذاب الــحياة‪ ،‬وضعـف عذاب الــمـمات‪ .‬وبنــحو الذي قلنـا‬
‫فـي ذلك‪ ،‬قال أهل التأويـل‪ .‬ذكر من قال ذلك‪:‬‬
‫‪17017‬ـ حدثنـي مـحمد بن سعد‪ ،‬قال‪ :‬ثنـي أبـي‪ ،‬قال‪ :‬ثنـي عمي‪ ،‬قال‪ :‬ثنـي أبـي‪،‬‬
‫ضعْ فَ الـمَـماتِ يعنـي‪:‬‬
‫ضعْ فَ الـحَياةِ َو ِ‬
‫لذَقْنا كَ ِ‬
‫عن أبـيه‪ ،‬عن ابن عبـاس‪ ،‬قوله‪ :‬إذا َ‬
‫ضعف عذاب الدنـيا والَخرة‪.‬‬
‫‪ 17018‬ـ حدثن ـي م ـحمد بن عمرو‪ ،‬قال‪ :‬حدث نا أ بو عا صم‪ ،‬قال‪ :‬حدث نا عي سى‪ ،‬عن ا بن‬
‫ضعْ فَ الـمَـماتِ‬
‫ضعْ فَ الـحَيا ِة قال‪ :‬عذابها َو ِ‬
‫أبـي نـجيح‪ ،‬عن مـجاهد فـي قول ال‪ِ :‬‬
‫قال‪ :‬عذاب الَخرة‪.‬‬
‫حدثنـي الـحارث‪ ،‬قال‪ :‬حدثنا الـحسن‪ ،‬قال‪ :‬حدثنا ورقاء‪ ،‬عن ابن أبـي نـجيح‪ ،‬عن‬
‫مـجاهد‪ ،‬مثله‪.‬‬
‫حدث نا القا سم‪ ،‬قال‪ :‬حدث نا ال ـحسين‪ ،‬قال‪ :‬ثن ـي حجاج‪ ،‬عن ا بن جر يج‪ ،‬عن م ـجاهد‪،‬‬
‫مثله‪.‬‬
‫ضعْفَـ‬
‫ل َذقْناكَـ ِ‬
‫‪17019‬ــ حدثنـا بشـر‪ ،‬قال‪ :‬حدثنـا يزيـد‪ ،‬قال‪ :‬حدثنـا سـعيد‪ ،‬عـن قتادة إذا َ‬
‫ض ْعفَ الـمَـماتِ‪ :‬أي عذاب الدنـيا والَخرة‪.‬‬
‫الـحَياة َو ِ‬
‫ضعْفَ‬
‫ضعْفَ الـحَيا ِة و ِ‬
‫حدثنا مـحمد‪ ،‬قال‪ :‬حدثنا مـحمد بن ثور‪ ،‬عن معمر‪ ،‬عن قتادة‪ِ :‬‬
‫الـمَـمَاتِ قال‪ :‬عذاب الدنـيا وعذاب الَخرة‪.‬‬
‫‪ 17020‬ـ حُد ثت عن ال ـحسين‪ ،‬قال‪ :‬سمعت أب ـا معاذ يقول‪ :‬أخبر نا عب ـيد‪ ،‬قال‪ :‬سمعت‬
‫ضعْ فَ ال ـمَـماتِ يعن ـي عذاب الدن ـيا وعذاب‬
‫ف ال ـحَياةِ َو ِ‬
‫ضعْ َ‬
‫الضحاك يقول ف ـي قوله ِ‬
‫الَخرة‪.‬‬
‫ضعْ فَ ال ـحَياةِ‬
‫ل َذقْنا كَ ِ‬
‫وكان ب عض أ هل العرب ـية من أ هل الب صرة يقول ف ـي قوله‪ :‬إذا َ‬
‫ـ الــمَـماتِ فهمـا عذابــان‪ ،‬عذاب‬
‫ضعْف َ‬
‫مختصـر‪ ،‬كقولك‪ :‬ضعـف عذاب الــحياة َو ِ‬
‫جدُ لَ كَ عَلَ ـيْنا نَ صِيرا يقول‪ :‬ثم ل‬
‫ال ـمـمات به ضو عف عذاب ال ـحياة‪ .‬وقوله ثُ مّ ل تَ ـ ِ‬
‫ت ـجد لك يا م ـحمد إن ن ـحن أذقناك لركو نك إل ـى هؤلء ال ـمشركين لو رك نت إل ـيهم‪،‬‬
‫عذاب ال ـحياة وعذاب ال ـمـمات عل ـينا ن صيرا ين صرك عل ـينا‪ ،‬وي ـمنعك من عذا بك‪،‬‬
‫وينقذك مـما نالك منا من عقوبة‪.‬‬

‫‪76‬‬ ‫الية ‪:‬‬


‫خرِجو كَ ِم ْنهَا وَإِذا لّ‬
‫ن الرْ ضِ ِل ُي ْ‬
‫ستَ ِفزّو َنكَ ِم َ‬
‫القول فـي تأويـل قوله تعالـى {وَإِن كَادُو ْا َليَ ْ‬
‫ل قَلِيلً }‪.‬‬
‫ن خِل َفكَ ِإ ّ‬
‫يَ ْل َبثُو َ‬
‫يقول عزّ وجلّ‪ :‬وإن كاد هؤلء القوم ل ـيستفزونك من الرض‪ :‬يقول‪ :‬ل ـيستـخفونك من‬
‫َكـ إلّ قَلِــيلً يقول‪ :‬ولو‬
‫ن خِلف َ‬
‫الرض التــي أنـت بهـا لــيخرجوك منهـا وَإذا ل يَــْل َبثُو َ‬
‫أخرجوك منها لـم يـلبثوا بعدك فـيها إلّ قلـيلً‪ ،‬حتـى أهلكهم بعذاب عاجل‪.‬‬
‫واختلف أهـل التأويــل فــي الذيـن كادوا أن يسـتفزّوا رسـول ال صـلى ال عليـه وسـلم‬
‫ل ـيخرجوه من الرض وف ـي الرض الت ـي أرادوا أن يخرجوه من ها فقال بعض هم‪ :‬الذ ين‬
‫كادوا أن ي ستفزّوا ر سول ال صلى ال عل يه و سلم من ذلك ال ـيهود‪ ،‬والرض الت ـي أرادوا‬
‫أن يخرجوه منها الـمدينة‪ .‬ذكر من قال ذلك‪:‬‬
‫‪ 17021‬ـ حدث نا م ـحمد بن ع بد العل ـى‪ ،‬قال‪ :‬حدث نا ال ـمعتـمر بن سلـيـمان‪ ،‬عن‬
‫أبـيه‪ ،‬قال‪ :‬زعم حضرم يّ أنه بلغه أن بعض الـيهود قال للنبـيّ صلى ال عليه وسلم‪ :‬إن‬
‫ـ كادُوا‬
‫ـياء‪ ،‬فأنزل ال وَإن ْ‬
‫ـيست بأرض النبــ‬
‫ـياء أرض الشام‪ ،‬وإن هذه لــ‬
‫أرض النبــ‬
‫خ ِرجُوكَ ِمنْها‪.‬‬
‫ستَ ِفزّو َنكَ ِمنَ الرْضِ لِـ ُي ْ‬
‫لَـيَ ْ‬
‫وقال آخرون‪ :‬بل كان القوم الذين فعلوا ذلك قريشا‪ ،‬والرض مكة‪ .‬ذكر من قال ذلك‪:‬‬
‫َإنـ كادُوا‬
‫‪17022‬ــ حدثنـا بشـر‪ ،‬قال‪ :‬حدثنـا يزيـد‪ ،‬قال‪ :‬حدثنـا سـعيد‪ ،‬عـن قتادة‪ ،‬قوله و ْ‬
‫ك إلّ قَلِـيلً وقد همّ أهل مكة‬
‫ن خِلفَ َ‬
‫خ ِرجُوكَ ِمنْها وَإذا ل يَـ ْل َبثُو َ‬
‫ستَ ِفزّو َنكَ ِمنَ الرْضِ لِـ ُي ْ‬
‫لَـيَ ْ‬
‫بإخراج النب ـيّ صلى ال عل يه و سلم من م كة‪ ،‬ولو فعلوا ذلك ل ـما توطنوا‪ ،‬ول كن ال كف هم‬
‫عن إخراجه حتـى أمره‪ ،‬ولقلـما مع ذلك لبثوا بعد خروج نبـيّ ال صلى ال عليه وسلم من‬
‫مكة حتـى بعث ال علـيهم القتل يوم بدر‪.‬‬
‫حدثن ـي م ـحمد بن ع بد العل ـى‪ ،‬قال‪ :‬حدث نا م ـحمد بن ثور‪ ،‬عن مع مر‪ ،‬عن قتادة‬
‫ستَ ِفزّو َنكَ ِم نَ الرْ ضِ قال‪ :‬قد فعلوا بعد ذلك‪ ،‬فأهلكهم ال يوم بدر‪ ،‬ولـم يـلبثوا بعده إلّ‬
‫لَـيَ ْ‬
‫قلـيلً حتـى أهلكهم ال يوم بدر‪ .‬وكذلك كانت سنّة ال فـي الرسل إذا فعل بهم قومهم مثل‬
‫ذلك‪.‬‬
‫‪ 17023‬ـ حدثنـي مـحمد بن عمرو‪ ،‬قال‪ :‬حدثنا أبو عاصم‪ ،‬قال‪ :‬حدثنا عيسى وحدثنـي‬
‫الــحارث‪ ،‬قال‪ :‬حدثنـا الــحسن‪ ،‬قال‪ :‬حدثنـا ورقاء‪ ،‬جميعـا عـن ابـن أبــي نــجيح‪ ،‬عـن‬
‫مـجاهد خِل َفكَ إلّ قَلِـيلً قال‪ :‬لو أخرجت قريش مـحمدا لعذّبوا بذلك‪.‬‬
‫حدث نا القا سم‪ ،‬قال‪ :‬حدث نا ال ـحسين‪ ،‬قال‪ :‬ثن ـي حجاج‪ ،‬عن ا بن جر يج‪ ،‬عن م ـجاهد‪،‬‬
‫مثله‪.‬‬
‫وأول ـى القول ـين ف ـي ذلك عندي ب ـالصواب‪ ،‬قول قتادة وم ـجاهد‪ ،‬وذلك أن قوله‪ :‬وَإ نْ‬
‫ل عن قريش وذكره إياهم‪ ،‬ولـم‬
‫ن الرْ ضِ فـي سياق خبر ال عزّ وج ّ‬
‫ستَ ِفزّو َنكَ ِم َ‬
‫كادُوا لَـيَ ْ‬
‫ن كادُوا إل ـى أ نه خبر عن هم‪ ،‬ف هو بأن يكون‬
‫ي جر لل ـيهود ق بل ذلك ذ كر‪ ،‬ف ـيوجه قوله وَإ ْ‬
‫ل ذكره ف ـي‬
‫خبرا ع من جرى له ذ كر أول ـى من غيره‪ .‬وأ ما القل ـيـل الذي ا ستثناه ال ج ّ‬
‫قوله وإذا ل يَ ـلْ َبثُونَ خَ ـلْ َفكَ إلّ قَلِ ـيلً فإ نه ف ـيـما ق ـيـل‪ ،‬ما ب ـين خروج ر سول ال‬
‫صلى ال عليه وسلم من مكة إلـى أن قتل ال من قتل من مشركيهم ببدر‪ .‬ذكر من قال ذلك‪:‬‬
‫‪17024‬ـ حدثنـي مـحمد بن سعد‪ ،‬قال‪ :‬ثنـي أبـي‪ ،‬قال‪ :‬ثنـي عمي‪ ،‬قال‪ :‬ثنـي أبـي‪،‬‬
‫ن خَ ـلْ َفكَ إلّ قَلِ ـيلً يعن ـي ب ـالقلـيـل‬
‫عن أب ـيه‪ ،‬عن ا بن عب ـاس قوله‪ :‬وإذا ل يَ ـ ْل َبثُو َ‬
‫يوم أخذهم ببدر‪ ،‬فكان ذلك هو القلـيـل الذي لبثوا بعد‪.‬‬
‫‪ 17025‬ـ حُد ثت عن ال ـحسين‪ ،‬قال‪ :‬سمعت أب ـا معاذ يقول‪ :‬حدث نا عب ـيد‪ ،‬قال‪ :‬سمعت‬
‫ل قَلِ ـيلً كان القل ـيـل الذي لبثوا ب عد‬
‫الضحاك يقول ف ـي قوله‪ :‬وَإذا ل يَ ـلْ َبثُونَ خَ ـلْ َفكَ إ ّ‬
‫خروج النبـيّ صلى ال عليه وسلم من بـين أظهرهم إلـى بدر‪ ،‬فأخذهم بـالعذاب يوم بدر‪،‬‬
‫عنِـي بقوله خلفك بعدك‪ ،‬كما قال الشاعر‪:‬‬
‫وُ‬
‫حصِيرا‬
‫ب ال ّرذَاذُ خِلفَها فكأنّـمَابسَط الشّواطِبُ بَـ ْي َنهُنّ َ‬
‫عَقَ َ‬
‫يعنـي بقوله‪ :‬خلفها‪ :‬بعدها‪ .‬وقد حُكي عن بعضهم أنه كان يقرؤها‪ :‬خـلفك‪ .‬ومعنى ذلك‪،‬‬
‫ومعنى الـخلف فـي هذا الـموضع واحد‪.‬‬

‫‪77‬‬ ‫الية ‪:‬‬


‫ِسـّن ِتنَا‬
‫جدُ ل ُ‬
‫ل َت ِ‬
‫ّسـِلنَا َو َ‬
‫َكـ مِن ر ُ‬
‫ْسـْلنَا َقبْل َ‬
‫{سـنّ َة مَن َقدْ َأر َ‬
‫ُ‬ ‫القول فــي تأويــل قوله تعالــى‬
‫َتحْوِيلً }‪.‬‬
‫يقول تعال ـى ذكره‪ :‬لو أخرجوك ل ـم ي ـلبثوا خل فك إلّ قل ـيلً‪ ،‬ولهلكنا هم بعذاب من‬
‫عند نا‪ ،‬سنتنا ف ـيـمن قد أر سلنا قبلك من ر سلنا‪ ،‬فإ نا كذلك ك نا نف عل ب ـالمـم إذا أخر جت‬
‫ن خِلفَ كَ‬
‫رسلها من بـين أظهرهم ونصبت السنة علـى الـخروج من معنى قوله ل يَـ ْل َبثُو َ‬
‫إلّ قَلِـيلً لن معنى ذلك‪ :‬لعذّبناهم بعد قلـيـل كسنتنا فـي أمـم من أرسلنا قبلك من رسلنا‪،‬‬
‫ول تـجد لسنتنا تـحويلً عما جرت به‪ .‬كما‪:‬‬
‫سنّةَ َم نْ َقدْ أرْ سَلْنا‬
‫‪ 17026‬ـ حدثنا بشر‪ ،‬قال‪ :‬حدثنا يزيد‪ ،‬قال‪ :‬حدثنا سعيد‪ ،‬عن قتادة‪ ،‬قوله‪ُ :‬‬
‫س ّنتِنا تَـحْوِيلً‪ :‬أي سنة المـم والرسل كانت قبلك كذلك إذا كذّبوا‬
‫َقبْلَكَ ِمنْ رُسُلِنا وَل تَـجِدُ لِ ُ‬
‫رسلهم وأخرجوهم‪ ،‬لـم يناظروا أن ال أنزل علـيهم عذابه‪.‬‬
‫‪78‬‬ ‫الية ‪:‬‬
‫جرِ‬
‫سقِ الّْليْلِ َو ُقرْآ نَ الْ َف ْ‬
‫شمْ سِ إَِلىَ غَ َ‬
‫القول ف ـي تأوي ـل قوله تعال ـى {أَقِ مِ ال صّلَ َة ِلدُلُو كِ ال ّ‬
‫شهُودا }‪.‬‬
‫ن َم ْ‬
‫جرِ كَا َ‬
‫ن الْ َف ْ‬
‫ن قُرْآ َ‬
‫إِ ّ‬
‫يقول تعال ـى ذكره لنب ـيه م ـحمد صلى ال عل يه و سلم‪ :‬أقِ ِم ال صّل َة يا م ـحمد ِلدُلُو كِ‬
‫شمْسِ‪.‬‬
‫ال ّ‬
‫واختلف أ هل التأوي ـل ف ـي الو قت الذي عناه ال بدلوك الش مس‪ ،‬فقال بعض هم‪ :‬هو و قت‬
‫غروبها‪ ،‬والصلة التـي أمر بإقامتها حينئذٍ‪ :‬صلة الـمغرب‪ .‬ذكر من قال ذلك‪:‬‬
‫‪ 17027‬ـ حدثن ـي وا صل بن ع بد العل ـى ال سدي‪ ،‬قال‪ :‬حدث نا ا بن فضي ـل‪ ،‬عن أب ـي‬
‫إسحاق‪ ،‬يعنـي الشيبـانـي‪ ،‬عن عبد الرحمن بن السود‪ ،‬عن أبـيه‪ ،‬أنه كان مع عبد ال بن‬
‫شمْ سِ إل ـى غَ سَق‬
‫م سعود‪ ،‬عل ـى سطح ح ين غر بت الش مس‪ ،‬فقرأ‪ :‬أقِ مِ ال صّل َة ِلدُلُو كِ ال ّ‬
‫ن دََلكَ تِ الش مس‬
‫اللّ ـيـل‪ ،‬حت ـى فرغ من الَ ية‪ ،‬ثم قال‪ :‬والذي نف سي ب ـيده إن هذا لَ ـحِي َ‬
‫وأفطر الصائم ووقت الصلة‪.‬‬
‫حدث نا ا بن بشار‪ ،‬قال‪ :‬حدث نا ا بن أب ـي عد يّ‪ ،‬عن سعيد‪ ،‬عن قتادة‪ ،‬عن عق بة بن ع بد‬
‫الغافر‪ ،‬أن أبـا عُبـيدة بن عبد ال كتب إلـيه أن عبد ال بن مسعود كان إذا غربت الشمس‬
‫صلّـى ال ـمغرب‪ ،‬ويف طر عند ها إن كان صائما‪ ،‬ويق سم عل ـيها ي ـمينا ما يق سمه عل ـى‬
‫ش يء من ال صلوات ب ـال الذي ل إله إلّ هو‪ ،‬إن هذه ال ساعة ل ـميقات هذه ال صلة‪ ،‬ويقرأ‬
‫سقِ اللّـيْـلِ‪.‬‬
‫غَ‬‫شمْسِ إلـى َ‬
‫ك ال ّ‬
‫فـيها تفسيرها من كتاب ال أ ِقمِ الصّلةَ ِلدُلُو َ‬
‫حدثنا مـحمد بن الـمثنى‪ ،‬قال‪ :‬حدثنا ابن أبـي عديّ‪ ،‬عن شعبة‪ ،‬عن عاصم‪ ،‬عن أبـي‬
‫وائل‪ ،‬عـن عبـد ال قال‪ :‬هذا دلوك الشمـس‪ ،‬وهذا غسـق اللــيـل‪ ،‬وأشار إلــى الــمشرق‬
‫والـمغرب‪.‬‬
‫‪ 17028‬ـ حدثنا ابن بشار‪ ،‬قال‪ :‬حدثنا عبد الرحمن‪ ،‬قال‪ :‬حدثنا سفـيان‪ ،‬عن منصور‪ ،‬عن‬
‫مـجاهد‪ ،‬قال‪ :‬قال ابن عبـاس‪ :‬دلوك الشمس‪ :‬غروبها‪ ،‬يقول‪ :‬دلكت براح‪.‬‬
‫حدثنـا الــحسن بـن يحيـى‪ ،‬قال‪ :‬أخبرنـا عبـد الرزاق‪ ،‬قال‪ :‬أخبرنـا الثوري‪ ،‬عـن أبــي‬
‫إسحاق‪ ،‬عن السود‪ ،‬عن عبد ال‪ ،‬أنه قال‪ :‬حين غربت الشمس دلكت‪ ،‬يعنـي براح مكانا‪.‬‬
‫حدثنا الـحسن بن يحيى‪ ،‬قال‪ :‬أخبرنا عبد الرزاق‪ ،‬قال‪ :‬أخبرنا الثوري‪ ،‬عن منصور‪ ،‬عن‬
‫مـجاهد‪ ،‬عن ابن عبـاس‪ ،‬قال‪ :‬دلوكها‪ :‬غروبها‪.‬‬
‫حدثنا بشر‪ ،‬قال‪ :‬حدثنا يزيد‪ ،‬قال‪ :‬حدثنا سعيد‪ ،‬عن قتادة‪ ،‬قال‪ :‬قد ذكر لنا أن ابن مسعود‬
‫كان يصلـيها إذا وجبت وعندها يفطر إذا كان صائما‪ ،‬ثم يقسم علـيها قسما ل يقسمه علـى‬
‫ش يء من ال صلوات ب ـال الذي ل إله إلّ هو‪ ،‬إن هذه ال ساعة ل ـميقات هذه ال صلة‪ ،‬ثم يقرأ‬
‫سقِ اللّـيْـلِ‪.‬‬
‫غَ‬‫شمْسِ إلـى َ‬
‫ك ال ّ‬
‫ويصلـيها وتصديقها من كتاب ال‪ :‬أ ِقمِ الصّلةَ ِلدُلُو ِ‬
‫‪ 17029‬ـ حدثنـي يونس‪ ،‬قال‪ :‬أخبرنا ابن وهب‪ ،‬قال‪ :‬قال ابن زيد‪ ،‬فـي قوله أقِ مِ ال صّلةَ‬
‫سقِ اللّـيْـلِ قال‪ :‬كان أبـي يقول‪ :‬دلوكها‪ :‬حين تريد الشمس تغرب‬
‫شمْ سِ إلـى غَ َ‬
‫ك ال ّ‬
‫ِلدُلُو ِ‬
‫إلـى أن يغسق اللـيـل‪ ،‬قال‪ :‬هي الـمغرب حين يغسق اللـيـل‪ ،‬وتَدلُك الشمس للغروب‪.‬‬
‫حدثن ـي سعيد بن الرب ـيع‪ ،‬قال‪ :‬حدث نا سفـيان بن عي ـينة‪ ،‬سمع عمرو بن دينار أب ـا‬
‫عبـيدة بن عبد ال بن مسعود يقول‪ :‬كان عبد ال بن مسعود يصلـي الـمغرب حين يغرب‬
‫َسـقِ‬
‫ْسـ إلــى غ َ‬
‫شم ِ‬‫ُوكـ ال ّ‬
‫ِمـ الصـّل َة لدُل ِ‬
‫حاجـب الشمـس‪ ،‬ويحلف أنـه الوقـت الذي قال ال أق ِ‬
‫اللّـيْـلِ‪.‬‬
‫حدث نا ا بن حم يد‪ ،‬قال‪ :‬حدث نا جر ير‪ ،‬عن مغيرة‪ ،‬عن إبراهي ـم‪ ،‬قال‪ :‬قال ع بد ال ح ين‬
‫غربت الشمس‪ :‬هذا وال الذي ل إله غيره وقت هذه الصلة‪ .‬وقال‪ :‬دلوكها‪ :‬غروبها‪.‬‬
‫وقال آخرون‪ :‬دلوك الشمس‪ :‬ميـلها للزوال‪ ،‬والصلة التـي أمر رسول ال صلى ال عليه‬
‫وسلم بإقامتها عند دلوكها‪ :‬الظهر‪ .‬ذكر من قال ذلك‪:‬‬
‫‪ 17030‬ـ حدثنا ابن بشار‪ ،‬قال‪ :‬حدثنا عبد الرحمن‪ ،‬قال‪ :‬حدثنا سفـيان‪ ،‬عن العمش‪ ،‬عن‬
‫عمارة بن عم ير‪ ،‬عن ع بد الرح من بن يز يد‪ ،‬عن ع بد ال‪ ،‬قال‪ :‬دلوك ها‪ :‬مي ـلها‪ ،‬يعن ـي‬
‫الشمس‪.‬‬
‫‪ 17031‬ـ حدثنـي يعقوب بن إبراهيـم‪ ،‬قال‪ :‬حدثنا هشيـم‪ ،‬عن مغيرة‪ ،‬عن الشعبـيّ‪ ،‬عن‬
‫شمْس قال‪ :‬دلوكها‪ :‬زوالها‪.‬‬
‫ابن عبـاس‪ ،‬قال‪ ،‬فـي قوله أ ِقمِ الصّلةَ ِلدُلُوكِ ال ّ‬
‫‪ 17032‬ـ حدثن ـي مو سى بن ع بد الرح من‪ ،‬قال‪ :‬حدث نا أ بو أ سامة‪ ،‬عن ع بد ال ـحميد بن‬
‫شمْسِ قال‪ :‬دلوكها‪ :‬ميـلها‪.‬‬
‫جعفر‪ ،‬عن نافع‪ ،‬عن ابن عمر‪ ،‬فـي قوله أ ِقمِ الصّلةَ ِلدُلُوكِ ال ّ‬
‫‪ 17033‬ـ حدثنا ابن حميد‪ ،‬قال‪ :‬حدثنا يحيى بن واضح‪ ،‬قال‪ :‬حدثنا الـحسين بن واقد‪ ،‬عن‬
‫شمْسِ قال‪ :‬إذا زالت‪.‬‬
‫ك ال ّ‬
‫سيار بن سلمة‪ ،‬عن أبـي برزة السلـميّ‪ ،‬قوله أقِ ِم الصّل َة ِلدُلُو ِ‬
‫حدثنا ابن حميد مرة أخرى‪ ،‬قال‪ :‬حدثنا أبو تـميـلة‪ ،‬قال‪ :‬حدثنا الـحسين بن واقد‪ ،‬قال‪:‬‬
‫حدث نا سيار بن سلمة الريا حي‪ ،‬قال‪ :‬أت ـيت أب ـا برزة ف سأله والدي عن مواق ـيت صلة‬
‫رسول ال صلى ال عليه وسلم‪ ،‬قال‪ :‬كان رسول ال صلى ال عليه وسلم يصلـي الظهر إذا‬
‫شمْسِ‪.‬‬
‫زالت الشمس‪ ،‬ثم تل‪ :‬أ ِقمِ الصّلةَ ِلدُلُوكِ ال ّ‬
‫‪ 17034‬ـ حدثنـي الـحسين بن علـيّ الصدائي‪ ،‬قال‪ :‬حدث نا أبـي‪ ،‬قال‪ :‬حدث نا مبـارك‪،‬‬
‫ل لنبـيه مـحمد صلى ال عليه وسلم أقِ مِ ال صّل َة ِلدُلُو كِ‬
‫عن الـحسن‪ ،‬قال‪ :‬قال ال عزّ وج ّ‬
‫سقِ اللّـيْـلِ قال‪ :‬الظهر دلوكها‪ ،‬إذا زالت عن بطن السماء‪ ،‬وكان لها فـي‬
‫شمْ سِ إلـى غَ َ‬
‫ال ّ‬
‫الرض فَـيْء‪.‬‬
‫حدثنا يعقوب‪ ،‬قال‪ :‬حدثنا هشيـم‪ ،‬قال‪ :‬أخبرنا يونس‪ ،‬عن الـحسن‪ ،‬فـي قوله أقِمِ الصّلةَ‬
‫شمْسِ قال‪ :‬دلوكها‪ :‬زوالها‪.‬‬
‫لدُلُوكِ ال ّ‬
‫‪17035‬ـ حدثنـي يعقوب‪ ،‬قال‪ :‬حدثنا هشيـم‪ ،‬عن جويبر‪ ،‬عن الضحاك‪ ،‬مثل ذلك‪.‬‬
‫‪ 17036‬ـ حدثنا أبو كريب‪ ،‬قال‪ :‬حدثنا ابن يـمان‪ ،‬عن أشعث‪ ،‬عن جعفر‪ ،‬عن أبـي جعفر‬
‫شمْسِ قال‪ :‬لزوال الشمس‪.‬‬
‫فـي أ ِقمِ الصّلةَ ِلدِلُوكِ ال ّ‬
‫حدثنا ا بن عبد العلـى‪ ،‬قال‪ :‬حدثنا مـحمد بن ثور‪ ،‬عن مع مر‪ ،‬عن الزهري‪ ،‬عن ا بن‬
‫عبـاس‪ ،‬قال دلوك الشمس‪ :‬زيغها بعد نصف النهار‪ ،‬يعنـي الظلّ‪.‬‬
‫‪ 17037‬ـ حدثنا ابن عبد العلـى‪ ،‬قال‪ :‬حدثنا مـحمد بن ثور‪ ،‬عن معمر‪ ،‬عن قتادة‪ :‬دلوك‬
‫الشمس‪ ،‬قال‪ :‬حين تزيغ عن بطن السماء‪.‬‬
‫شمْ سِ‬
‫ك ال ّ‬
‫حدثنا بشر‪ ،‬قال‪ :‬حدثنا يزيد‪ ،‬قال‪ :‬حدثنا سعيد‪ ،‬عن قتادة‪ ،‬قوله أقِ مِ ال صّل َة ِلدِلُو ِ‬
‫أي إذا زالت الشمس عن بطن السماء لصلة الظهر‪.‬‬
‫‪ 17038‬ـ حدثنـي مـحمد بن عمرو‪ ،‬قال‪ :‬حدثنا أبو عاصم‪ ،‬قال‪ :‬حدثنا عيسى وحدثنـي‬
‫الــحارث‪ ،‬قال‪ :‬حدثنـا الــحسن‪ ،‬قال‪ :‬حدثنـا ورقاء‪ ،‬جميعـا عـن ابـن أبــي نــجيح‪ ،‬عـن‬
‫شمْسِ قال‪ :‬حين تزيغ‪.‬‬
‫ك ال ّ‬
‫مـجاهد ِلدُلُو ِ‬
‫حدثنا القاسم‪ ،‬قال‪ :‬حدثنا الـحسين‪ ،‬قال‪ :‬ثنـي حجاج‪ ،‬عن ابن جريج‪ ،‬عن مـجاهد قال‪:‬‬
‫دلوك الشمس‪ :‬حين تزيغ‪.‬‬
‫ُوكـ‬
‫ِمـ الصـّل َة ِلدُل ِ‬
‫وأولــى القولــين فــي ذلك بــالصواب قول مـن قال‪ :‬عنـى بقوله أق ِ‬
‫شمْسـِ‪ :‬صـلة الظهـر‪ ،‬وذلك أن الدلوك فــي كلم العرب‪ :‬الــميـل‪ ،‬يقال منـه‪ :‬دلك فلن‬
‫ال ّ‬
‫إلــى كذا‪ :‬إذا مال إلــيه‪ .‬ومنـه الــخبر الذي روي عـن الــحسن أن رجلً قال له‪ :‬أيُدالك‬
‫الرجل امرأته؟ يعنـي بذلك‪ :‬أيـميـل بها إلـى الـمـماطلة بحقها‪ .‬ومنه قول الراجز‪:‬‬
‫ح ُغدْوَ َة حتـى دََلكَتْ ِبرَاحِ‬
‫َهذَا مَقامُ َقدَميْ رَبـا ِ‬
‫ويروى‪ :‬براح بفتـح البـاء‪ ،‬فمن روى ذلك‪ :‬بِراح‪ ،‬بكسر البـاء‪ ،‬فإنه يعنـي‪ :‬أنه يضع‬
‫الناظر كفه علـى حاجبه من شعاعها‪ ،‬لـينظر ما لقـي من غيارها‪ .‬وهذا تفسير أهل الغريب‬
‫أبـي عبـيدة والصمعي وأبـي عمرو الشيبـانـيّ وغيرهم‪ .‬وقد ذكرت فـي الـخبر الذي‬
‫رويت عن عبد ال بن مسعود‪ ،‬أنه قال حين غربت الشمس‪ :‬دلكت براح‪ ،‬يعنـي‪ :‬براح مكانا‪،‬‬
‫ن كلم من هو مـمن فـي السناد‪ ،‬أو‬
‫ولست أدري هذا التفسير‪ ،‬أعنـي قوله‪ :‬براح مكانا مِ ْ‬
‫من كلم عبد ال‪ ،‬فإن ي كن من كلم ع بد ال‪ ،‬فل ش كّ أ نه كان أعلـم بذلك من أ هل الغريب‬
‫الذ ين ذكرت قول هم‪ ،‬وأن ال صواب ف ـي ذلك قوله‪ ،‬دون قول هم‪ ،‬وإن ل ـم ي كن من كلم ع بد‬
‫ال‪ ،‬فإن أ هل العرب ـية كانوا أعل ـم بذلك م نه‪ ،‬ول ـما قال أ هل الغر يب ف ـي ذلك شا هد من‬
‫قول العجاج‪ ،‬وهو قوله‪:‬‬
‫ن َدنَفـاأدْ َفعُها بـالرّاحِ َكيْ َت َزحْلَفـا‬
‫شمْسُ قد كادَتْ َتكُو ُ‬
‫وال ّ‬
‫فأ خبر أ نه يد فع شعاع ها ل ـينظر إلـى مغيبها برا حه‪ .‬و من روى ذلك بفت ـح الب ـاء‪ ،‬فإ نه‬
‫جعله ا سما للش مس وك سر ال ـحاء لخرا جه إياه عل ـى تقد ير قَطا مِ وحَذا مِ ورَقا شِ‪ ،‬فإذا كان‬
‫معنى الدلوك فـي كلم العرب هو الـميـل‪ ،‬فل ش كَ أن الشمس إذا زالت عن كبد السماء‪،‬‬
‫ف قد مالت للغروب‪ ،‬وذلك و قت صلة الظ هر‪ ،‬وبذلك ورد ال ـخبر عن ر سول ال صلى ال‬
‫عليه وسلم‪ ،‬وإن كان فـي إسناد بعضه بعض النظر‪.‬‬
‫‪ 17039‬ـ حدثنا أبو كريب‪ ،‬قال‪ :‬حدثنا خالد بن مخـلد‪ ،‬قال‪ :‬ثنـي مـحمد بن جعفر‪ ،‬قال‪:‬‬
‫ثنـي يحيى بن سعيد‪ ،‬قال‪ :‬ثنـي أبو بكر بن عمرو بن حزم النصاري‪ ،‬عن أبـي مسعود‬
‫ج ْبرَائِيـلُ عَلَـيْهِ ال سّلمُ‬
‫عقبة بن عمرو‪ ،‬قال‪ :‬قال رسول ال صلى ال عليه وسلم‪« :‬أتانِـي َ‬
‫ظهْرَ»‪.‬‬
‫ن زَالَتْ فَصَلّـى بِـيَ ال ّ‬
‫شمْسِ حِي َ‬
‫ك ال ّ‬
‫ِلدُولُو ِ‬
‫‪ 17040‬ـ حدث نا ا بن حم يد‪ ،‬قال‪ :‬حدث نا أ بو ت ـميـلة‪ ،‬قال‪ :‬حدث نا ال ـحسين بن وا قد‪ ،‬قال‪:‬‬
‫ثن ـي سيار بن سلمة الريا حي‪ ،‬قال‪ :‬قال أ بو بَرزة‪ :‬كان ر سول ال صلى ال عل يه و سلم‬
‫شمْسِ‪.‬‬
‫يصلـي الظهر إذا زالت الشمس‪ ،‬ثم تل أ ِقمِ الصّلةَ ِلدُلُوكِ ال ّ‬
‫‪ 17041‬ـ حدثنا ابن حميد‪ ،‬قال‪ :‬حدثنا الـحكم بن بشير‪ ،‬قال‪ :‬حدثنا عمرو بن قـيس‪ ،‬عن‬
‫ي ال صلى ال عليه‬
‫ابن أبـي لـيـلـى‪ ،‬عن رجل‪ ،‬عن جابر بن عبد ال‪ ،‬قال‪ :‬دعوت نبـ ّ‬
‫و سلم و من شاء من أ صحابه‪ ،‬فطعموا عندي‪ ،‬ثم خرجوا ح ين زالت الش مس‪ ،‬فخرج النب ـيّ‬
‫شمْسُ»‪.‬‬
‫ت ال ّ‬
‫ج يا أبـا َب ْكرٍ قَدْ دََلكَ ِ‬
‫خرُ ْ‬
‫صلى ال عليه وسلم فقال‪« :‬ا ْ‬
‫حدثنـي مـحمد بن عثمان الرازي‪ ،‬قال‪ :‬حدثنا سهل بن بكار‪ ،‬قال‪ :‬حدثنا أبو عوانة‪ ،‬عن‬
‫ال سود بن ق ـيس‪ ،‬عن ُنبَ ـيح ال َع َنزِ يّ‪ ،‬عن جابر بن ع بد ال‪ ،‬عن النب ـيّ صلى ال عل يه‬
‫وسلم‪ ،‬نـحو حديث ابن حميد‪.‬‬
‫فإذا كان صـحيحا مـا قلنـا بــالذي بـه اسـتشهدنا‪ ،‬فبــين إذن أن معنـى قوله جلّ ثناؤه‪ :‬أقِمِـ‬
‫سقِ اللّـيْـلِ أن صلة الظهر والعصر بحدودهما مـما أوجب‬
‫شمْ سِ إلـى غَ َ‬
‫ك ال ّ‬
‫ال صّلةَ ِلدُلُو ِ‬
‫ال علـيك فـيهما لنهما الصلتان اللتان فرضهما ال علـى نبـيه من وقت دلوك الشمس‬
‫إلـى غسق اللـيـل وغسق اللـيـل‪ :‬هو إقبـاله ودنوّه بظلمه‪ ،‬كما قال الشاعر‪:‬‬
‫غسَقَا )‬
‫ب َهذَا اللّـيْـلُ إذْ َ‬
‫(آ َ‬
‫وبنـحو الذي قلنا فـي ذلك‪ ،‬قال أهل التأويـل علـى اختلف منهم فـي الصلة التـي‬
‫أمر رسول ال صلى ال عليه وسلم بإقامتها عنده‪ ،‬فقال بعضهم‪ :‬الصلة التـي أمر بإقامتها‬
‫عنده صلة الـمغرب‪ .‬ذكر من قال ذلك‪:‬‬
‫‪17042‬ـ حدثنـي مـحمد بن سعد‪ ،‬قال‪ :‬ثنـي أبـي‪ ،‬قال‪ :‬ثنـي عمي‪ ،‬قال‪ :‬ثنـي أبـي‪،‬‬
‫ق اللّـيْـلِ قال‪ :‬غسق‬
‫شمْسِ إلـى غَسَ ِ‬
‫ك ال ّ‬
‫عن أبـيه‪ ،‬عن ابن عبـاس‪ ،‬قوله أقِمِ الصّل َة ِلدِلُو ِ‬
‫اللـيـل‪ :‬بد ّو اللـيـل‪.‬‬
‫‪ 17043‬ـ حدثن ـي يعقوب‪ ،‬قال‪ :‬حدث نا ا بن عل ـية‪ ،‬عن أب ـي رجاء‪ ،‬قال‪ :‬سمعت عكر مة‬
‫غسَقِ اللّـيْـلِ قال‪ :‬بدوّ اللـيـل‪.‬‬
‫شمْسِ إلـى َ‬
‫سئل عن هذه الَية‪ :‬أ ِقمِ الصّلةَ ِلدُلُوكِ ال ّ‬
‫‪ 17044‬ـ حدثنـي مـحمد بن عمرو‪ ،‬قال‪ :‬حدثنا أبو عاصم‪ ،‬قال‪ :‬حدثنا عيسى وحدثنـي‬
‫الــحارث‪ ،‬قال‪ :‬حدثنـا الــحسن‪ ،‬قال‪ :‬حدثنـا ورقاء‪ ،‬جميعـا عـن ابـن أبــي نــجيح‪ ،‬عـن‬
‫مـجاهد‪ ،‬قال‪ :‬غسق اللـيـل‪ :‬غروب الشمس‪.‬‬
‫حدث نا القا سم‪ ،‬قال‪ :‬حدث نا ال ـحسين‪ ،‬قال‪ :‬ثن ـي حجاج‪ ،‬عن ا بن جر يج‪ ،‬عن م ـجاهد‪،‬‬
‫مثله‪.‬‬
‫‪ 17045‬ـ حدثنا مـحمد بن عبد العلـى‪ ،‬قال‪ :‬حدثنا مـحمد بن ثور‪ ،‬عن معمر‪ ،‬عن قتادة‬
‫سقِ اللّـيْـلِ‪ :‬صلة الـمغرب‪.‬‬
‫غَ‬‫َ‬
‫َسـقِ اللّــيْـلِ بدوّ‬
‫حدثنـا بشـر‪ ،‬قال‪ :‬حدثنـا يزيـد‪ ،‬قال‪ :‬حدثنـا سـعيد‪ ،‬عـن قتادة إلــى غ َ‬
‫اللـيـل لصلة الـمغرب‪.‬‬
‫وقد ذُكر لنا أن نبـيّ ال صلى ال عليه وسلم كان يقول‪« :‬ل َتزَالُ طائِفَ ٌة مِنْ ُأ ّمتِـي عَلـى‬
‫طرَةِ ما صَلّوْا صَل َة الـمَ ْغرِبِ َقبْلَ أنْ َت ْبدُ َو النّـجومُ»‪.‬‬
‫ال ِف ْ‬
‫‪ 17046‬ـ حُد ثت عن ال ـحسين‪ ،‬قال‪ :‬سمعت أب ـا معاذ يقول‪ :‬حدث نا عب ـيد‪ ،‬قال‪ :‬سمعت‬
‫سقٍ اللّـيْـلِ يعنـي ظلم اللـيـل‪.‬‬
‫غَ‬‫الضحاك يقول فـي قوله إلـى َ‬
‫سقِ‬
‫‪ 17047‬ـ حدثنـي يونس‪ ،‬قال‪ :‬أخبرنا ابن وهب‪ ،‬قال‪ :‬قال ابن زيد‪ :‬كان أبـي يقول‪ :‬غَ َ‬
‫اللّـيْـلِ‪ :‬ظلـمة اللـيـل‪.‬‬
‫وقال آخرون‪ :‬هي صلة العصر‪ .‬ذكر من قال ذلك‪:‬‬
‫‪ 17048‬ـ حدثنا أبو كريب‪ ،‬قال‪ :‬حدثنا ابن يـمان‪ ،‬عن أشعث‪ ،‬عن جعفر‪ ،‬عن أبـي جعفر‬
‫سقِ اللّـيْـلِ قال‪ :‬صلة العصر‪.‬‬
‫غَ‬‫إلـى َ‬
‫وأولـى القولـين فـي ذلك بـالصواب‪ ،‬قول من قال‪ :‬الصلة التـي أمر النبـيّ صلى ال‬
‫عليه وسلم بإقامتها عند غسق اللـيـل‪ ،‬هي صلة الـمغرب دون غيرها‪ ،‬لن غسق اللـيـل‬
‫هو ما وصفنا من إقبـال اللـيـل وظلمه‪ ،‬وذلك ل يكون إل بعد مغيب الشمس‪ .‬فأما صلة‬
‫العصـر‪ ،‬فإنهـا مــما تقام بــين ابتداء دلوك الشمـس إلــى غسـق اللــيـل‪ ،‬ل عنـد غسـق‬
‫اللـيـل‪ .‬وأما قوله‪ :‬وقُرآنَ ال َفجْ ِر فإن معناه وأقم قرآن الفجر‪ :‬أي ما تقرأ به صلة الفجر من‬
‫شمْسِ‪.‬‬
‫القرآن‪ ،‬والقرآن معطوف علـى الصلة فـي قوله‪ :‬أ ِقمِ الصّلةَ ِلدُلُوكِ ال ّ‬
‫جرِ علـى الغراء‪ ،‬كأنه قال‪:‬‬
‫وكان بعض نـحويـي البصرة يقول‪ :‬نصب قوله َوقُرآ نَ ال َف ْ‬
‫شهُودا يقول‪ :‬إن ما تقرأ به فـي صلة الفجر من‬
‫ن َم ْ‬
‫ن قُرآ نَ ال َفجْ ِر كا َ‬
‫وعلـيك قرآن الفجر إ ّ‬
‫القرآن كان مشهودا‪ ،‬يشهده فـيـما ذكر ملئكة اللـيـل وملئكة النهار‪ .‬وبـالذي قلنا فـي‬
‫ذلك‪ ،‬قال أ هل التأوي ـل‪ :‬وجاءت الَثار عن ر سول ال صلى ال عل يه و سلم‪ .‬ذ كر من قال‬
‫ذلك‪:‬‬
‫‪ 17049‬ـ حدثنـي عبـيد بن أسبـاط بن مـحمد القرشي‪ ،‬قال‪ :‬ثنـي أبـي‪ ،‬عن العمش‪،‬‬
‫عن إبراهيـم‪ ،‬عن ابن مسعود عن أبـي صالـح‪ ،‬عن أبـي هريرة‪ ،‬عن النبـيّ صلى ال‬
‫ش َهدُهُـ مَل ِئكَةُ‬
‫جرِ كانَـ َمشْهُودا قال‪َ « :‬ت ْ‬
‫جرِ إن قُرآنَـ ال َف ْ‬
‫عليـه وسـلم فــي هذه الَيـة وقُرآنَـ ال َف ْ‬
‫اللّـيْـلِ َومَل ِئكَ ُة النّهارِ»‪.‬‬
‫‪ 17050‬ـ حدثنا مـحمد بن سهل‪ ،‬قال‪ :‬حدثنا آدم‪ ،‬قال‪ :‬حدثنا لـيث بن سعد وحدثنا مـحمد‬
‫بن سهل بن عسكر‪ ،‬قال حدثنا ابن أبـي مريـم‪ ،‬قال‪ :‬حدثنا اللـيث بن سعد‪ ،‬عن زيادة بن‬
‫مـحمد‪ ،‬عن مـحمد بن كعب القرظي‪ ،‬عن فضالة بن عبـيد‪ ،‬عن أبـي الدرداء‪ ،‬قال‪ :‬قال‬
‫ت َيبْقَــينَ مِنَـ‬
‫ح ال ّذكْرَ فِــي ثَلثِـ سـاعا ٍ‬
‫رسـول ال صـلى ال عليـه وسـلم‪« :‬إنّـ اللّهَـ يَ ْفتَــ ُ‬
‫ِتابـ اّلذِي ل َي ْنظُرُ فِــي ِه أحدٌ غيرُه‬
‫ظرُ فِــي الك ِ‬
‫ُنـ َينْ ُ‬
‫اللّــيْـلِ‪ :‬فِــي السـّاعَ ِة الُولــى ِم ْنه ّ‬
‫ي دَارُ هُ‬
‫عدْ نٍ‪ ،‬وَهِ َ‬
‫جنّةِ َ‬
‫فَ ـيَـمْـحُوا ما يَشاءُ َو ُي ْثبِ تُ‪ ،‬ثُ مّ َي ْنزِلُ فِ ـي ال سّاعَ ِة الثّانِ ـيَةِ إل ـى َ‬
‫ن َبنِـي‬
‫ن َمعَ هُ مِ ْ‬
‫خطُرُ عَلـى قَلْبِ َبشَرٍ‪ ،‬وَهِيَ مَسْ َكنُهُ‪ ،‬وَل يَسْكُ ُ‬
‫عيْ نٌ‪ ،‬وَل تَـ ْ‬
‫اّلتِـي لَـمْ َترَها َ‬
‫ن َدخَ ـَلكِ‪ ،‬ثُ مّ َينْزِلُ‬
‫ش َهدَاءِ‪ ،‬ثُ مّ يَقولُ‪ :‬طُوبَى لِ ـمَ ْ‬
‫صدّيقِـينَ وال ّ‬
‫آدَ مَ غيرُ ثَلثَةٍ‪ :‬ال ّنبِ ـيّـينَ وال ّ‬
‫عةِ الثّاِلثَ ِة إلـى السمّا ِء الدّنـيْا ِبرُوحِ هِ َومَل ِئكَتِ هِ َف َت ْنتَفِ ضُ‪ ،‬فَـيَقُولُ‪ :‬قُومي بَع ْونِـي‪،‬‬
‫فِـي ال سّا َ‬
‫عطِهِ‪ ،‬مَنْ َيدْعُونِـي‬
‫ن يَسْأ ْلنِـي ُأ ْ‬
‫غ ِفرْ لَهُ‪ ،‬مَ ْ‬
‫س َتغْ ِف ُرنِـي أ ْ‬
‫ثُمّ َيطّلعُ إلـى عِبـادِهِ‪ ،‬فَـيَقُولُ‪َ :‬منْ يَ ْ‬
‫شهُودا»‬
‫جرِ كانَ َم ْ‬
‫ن ال َف ْ‬
‫ن قُرآ َ‬
‫جرِ إ ّ‬
‫ستَـجِيبَ َل ُه حتـى َيطْلُعَ ال َفجْرُ‪ ،‬فذلك حين يقول َوقُرآنَ ال َف ْ‬
‫فَأ ْ‬
‫قال مو سى ف ـي حدي ثه‪ :‬شهده ال وملئ كة الل ـيـل وملئ كة النهار‪ .‬وقال ا بن ع سكر ف ـي‬
‫حديثه‪ :‬فـيشهده ال وملئكة اللـيـل وملئكة النهار‪.‬‬
‫‪ 17051‬ـ حدثنا ابن بشار‪ ،‬قال‪ :‬حدثنا ابن أبـي عد يّ‪ ،‬عن سعيد‪ ،‬عن قتادة‪ ،‬عن عقبة بن‬
‫ع بد الغا فر‪ ،‬قال‪ :‬قال أ بو عب ـيدة بن ع بد ال‪ :‬كان ع بد ال يحدّث أن صلة الف جر عند ها‬
‫كانـ‬
‫َ‬ ‫جرِ‬
‫ُرآنـ ال َف ْ‬
‫إنـ ق َ‬
‫ُرآنـ ال َفجْرِ ّ‬
‫يجتــمع الــحرسان مـن ملئكـة ال‪ ،‬ويقرأ هذه الَيـة‪َ :‬وق َ‬
‫شهُودا‪.‬‬
‫َم ْ‬
‫جرِ إ نّ قُرآ نَ‬
‫ن ال َف ْ‬
‫‪ 17052‬ـ حدث نا ب شر‪ ،‬قال‪ :‬حدث نا يز يد‪ ،‬قال‪ :‬حدث نا سعيد‪ ،‬عن قتادة وقُرآ َ‬
‫شهُودا وقرآن الف جر‪ :‬صلة ال صبح‪ ،‬كنا ن ـحدّث أن عندها يجت ـمع الـحَرَسان‬
‫جرِ كا نَ َم ْ‬
‫ال َف ْ‬
‫حرَس النهار‪.‬‬
‫حرَس‪ :‬اللـيـل و َ‬
‫من ملئكة ال َ‬
‫حدثنا مـحمد بن عبد العلـى‪ ،‬قال‪ :‬حدثنا مـحمد بن ثور‪ ،‬عن معمر‪ ،‬عن قتادة َوقُرآ نَ‬
‫شهُودا فإنـه يقول‪ :‬ملئكـة اللــيـل وملئكـة النهار‬
‫كانـ َم ْ‬
‫َ‬ ‫جرِ صـلة الفجـر‪ .‬وأمـا قوله‪:‬‬
‫ال َف ْ‬
‫يشهدون تلك الصلة‪.‬‬
‫‪17053‬ـ حدثنا ابن الـمثنى‪ ،‬قال‪ :‬حدثنا مـحمد بن جعفر‪ ،‬قال‪ :‬حدثنا شعبة‪ ،‬عن عمرو بن‬
‫جرِ‬
‫جرِ إ نّ قُرآ نَ ال َف ْ‬
‫ن ال َف ْ‬
‫مرّة‪ ،‬عن أبـي عبـيدة‪ ،‬عن عبد ال أنه قال ف ـي هذه الَية‪َ :‬وقُرآ َ‬
‫شهُودا قال‪ :‬تنزل ملئكة النهار وتصعد ملئكة اللـيـل‪.‬‬
‫كانَ َم ْ‬
‫حدثنـي أبو السائب‪ ،‬قال‪ :‬حدثنا ابن فضيـل‪ ،‬عن ضرار بن عبد ال بن أبـي الهُذيـل‪،‬‬
‫شهُودا قال‪ :‬يشهده حرس‬
‫ن َم ْ‬
‫جرِ كا َ‬
‫ن قُرآ نَ ال َف ْ‬
‫جرِ إ ّ‬
‫ن ال َف ْ‬
‫عن أبـي عبـيدة‪ ،‬فـي قوله‪َ :‬وقُرآ َ‬
‫اللـيـل وحرس النهار من الـملئكة فـي صلة الفجر‪.‬‬
‫‪17054‬ـ حدثنا أبو السائب‪ ،‬قال‪ :‬حدثنا أبو معاوية‪ ،‬عن العمش‪ ،‬عن إبراهيـم‪ ،‬فـي قوله‪:‬‬
‫شهُودا قال‪ :‬كانوا يقولون تــجتـمع ملئكـة اللــيـل‬
‫كانـ َم ْ‬
‫َ‬ ‫جرِ‬
‫ُرآنـ ال َف ْ‬
‫إنـ ق َ‬
‫جرِ ّ‬
‫ُرآنـ ال َف ْ‬
‫َوق َ‬
‫وملئكة النهار فـي صلة الفجر فتشهد فـيها جميعا‪ ،‬ثم يصعد هؤلء ويقـيـم هؤلء‪.‬‬
‫‪17055‬ـ حدثنـي مـحمد بن سعد‪ ،‬قال‪ :‬ثنـي أبـي‪ ،‬قال‪ :‬ثنـي عمي‪ ،‬قال‪ :‬ثنـي أبـي‪،‬‬
‫ن َمشْهُودا يعنـي صلة الصبح‪.‬‬
‫جرِ كا َ‬
‫ن ال َف ْ‬
‫جرِ إنّ قُرآ َ‬
‫عن أبـيه‪ ،‬عن ابن عبـاس َوقُرآنَ ال َف ْ‬
‫‪ 17056‬ـ حدثنـي مـحمد بن عمرو‪ ،‬قال‪ :‬حدثنا أبو عاصم‪ ،‬قال‪ :‬حدثنا عيسى وحدثنـي‬
‫الـحرث قال‪ :‬حدثنا الـحسن‪ ،‬قال‪ :‬حدثنا ورقاء‪ ،‬جميعا عن ابن أبـي نـجيح‪ ،‬عن مـجاهد‬
‫جرِ قال‪ :‬صلة الصبح‪.‬‬
‫وَقرآنَ ال َف ْ‬
‫‪17057‬ــ حدثنـا القاسـم‪ ،‬قال‪ :‬حدثنـا الــحسين‪ ،‬قال‪ :‬ثنــي حجاج‪ ،‬عن ابـن جريـج‪ ،‬عن‬
‫شهُودا قال‪ :‬تـجتـمع فـي صلة‬
‫ن قُرآ نَ ال َفجْ ِر كا نَ َم ْ‬
‫جرِ صلة الصبح إ ّ‬
‫ن ال َف ْ‬
‫مـجاهد َوقُرآ َ‬
‫الفجر ملئكة اللـيـل وملئكة النهار‪.‬‬
‫‪ 17058‬ـ حُد ثت عن ال ـحسين‪ ،‬قال‪ :‬سمعت أب ـا معاذ يقول‪ :‬حدث نا عب ـيد‪ ،‬قال‪ :‬سمعت‬
‫جرِ يعنـي صلة الغداة‪.‬‬
‫ن ال َف ْ‬
‫الضحاك يقول فـي قوله َوقُرآ َ‬
‫جرِ قال‪:‬‬
‫ن ال َف ْ‬
‫‪ 17059‬ـ حدثن ـي يو نس‪ ،‬قال‪ :‬أخبر نا ا بن و هب‪ ،‬قال‪ :‬قال ا بن ز يد‪َ :‬وقُرآ َ‬
‫ن َمشْهُودا قال‪ :‬مشهودا من الـملئكة فـيـما يذكرون‪ .‬قال‪:‬‬
‫جرِ كا َ‬
‫ن ال َف ْ‬
‫صلة الفجر إ نّ قُرآ َ‬
‫ي بن ك عب يقولن‪ :‬ال صلة الو سطى الت ـي ح ضّ ال‬
‫وكان عل ـيّ بن أب ـي طالب‪ ،‬وأُب ـ ّ‬
‫علــيها‪ :‬صـلة الصـبح‪ .‬قال‪ :‬وذلك أن صـلة الظهـر وصـلة العصـر‪ :‬صـلتا النهار‪،‬‬
‫والـمغرب والعشاء‪ :‬صلتا الل ـيـل‪ ،‬و هي بـينها‪ ،‬وهي صلة نوم‪ ،‬ما نع مل صلة يُغ فل‬
‫عنها مثلها‪.‬‬
‫‪ 17060‬ـ حدثن ـي يعقوب‪ ،‬قال‪ :‬حدث نا ا بن عل ـية‪ ،‬عن ال ـجريري‪ ،‬عن أب ـي الورد بن‬
‫ثما مة‪ ،‬عن أب ـي م ـحمد ال ـحضرمي‪ ،‬قال‪ :‬حدث نا ك عب ف ـي هذا ال ـمسجد‪ ،‬قال‪ :‬والذي‬
‫شهُودا إنها لصلة الفجر‬
‫ن َم ْ‬
‫جرِ كا َ‬
‫ن قُرآ نَ ال َف ْ‬
‫ن ال َفجْر إ ّ‬
‫نفس كعب بـيده‪ ،‬إن هذه الَية َوقُرآ َ‬
‫إنها لـمشهودة‪.‬‬
‫حدثن ـي ال ـحسن بن عل ـيّ بن عب ـاس‪ ،‬قال‪ :‬حدث نا ب شر بن شع يب‪ ،‬قال‪ :‬أخبرن ـي‬
‫أبـي‪ ،‬عن الزهري‪ ،‬قال‪ :‬ثنـي سعيد بن الـمسيب‪ ،‬وأبو سلـمة بن عبد الرحمن‪ ،‬أن أبـا‬
‫هريرة قال‪ :‬سـمعت رسـول ال صـلى ال عليـه وسـلم يقول‪« :‬تَــجْتَـمِعُ مَل ِئكَةُ اللّــيْـلِ‬
‫َومَل ِئكَ ُة النّهارِ فِ ـي صَلةِ ال َفجْرِ»‪ ،‬ثم يقول أ بو هريرة‪ :‬اقرءوا إن شئت ـم َوقُرآ نَ ال َفجْ ِر إ نّ‬
‫شهُودا‪.‬‬
‫ن َم ْ‬
‫جرِ كا َ‬
‫قُرآن ال َف ْ‬
‫جرِ إنّ‬
‫ن ال َف ْ‬
‫حدثنا ابن حميد‪ ،‬قال‪ :‬حدثنا جرير‪ ،‬عن منصور‪ ،‬عن مـجاهد‪ ،‬فـي قوله َوقُرآ َ‬
‫شهُودا قال‪ :‬صلة الفجر تـجتـمع فـيها ملئكة اللـيـل وملئكة النهار‪.‬‬
‫ن َم ْ‬
‫جرِ كا َ‬
‫ن ال َف ْ‬
‫قُرآ َ‬

‫‪79‬‬ ‫الية ‪:‬‬


‫سىَ أَن َي ْب َعثَ كَ َربّ كَ َمقَاما‬
‫جدْ بِ ِه نَافِلَةً لّ كَ عَ َ‬
‫ل فَ َت َه ّ‬
‫القول فـي تأويـل قوله تعالـى‪َ { :‬و ِم نَ الّْليْ ِ‬
‫حمُودا }‪.‬‬
‫ّم ْ‬
‫يقول تعالـى ذكره لنبـيه مـحمد صلى ال عليه وسلم ومن اللـيـل فـاسهر بعد نومة يا‬
‫مــحمد بــالقرآن‪ ،‬نافلة لك خالصـة دون أمتـك‪ .‬والتهجـد‪ :‬التــيقظ والسـهر بعـد نومـة مـن‬
‫اللـيـل‪ .‬وأما الهجود نفسه‪ :‬فـالنوم‪ ،‬كما قال الشاعر‪:‬‬
‫ل تَـجُو ُد‬
‫ت النّوَا ِ‬
‫أل طَ َر ْقتَنا والرّفـاقُ ُهجُو ُدفَبـاتَتْ ِبعُلّ ِ‬
‫حطَيئة‪:‬‬
‫وقال الـ ُ‬
‫جنُو ِد ُهجُودُ‬
‫ن حَ َورَانِ الـ ُ‬
‫ح َبتِـي ِبحَ ْورَا َ‬
‫أل طَ َرقَتْ ِه ْندُ ال ُهنُودِ وُص ْ‬
‫وبنـحو الذي قلنا فـي ذلك‪ ،‬قال أهل التأويـل‪ .‬ذكر من قال ذلك‪:‬‬
‫‪ 17061‬ـ حدثن ـي م ـحمد بن ع بد ال بن ع بد ال ـحكم‪ ،‬قال‪ :‬حدث نا أب ـي وشع يب بن‬
‫اللــيث‪ ،‬عـن اللــيث‪ ،‬عـن مــجاهد بـن يزيـد‪ ،‬عـن أبــي هلل‪ ،‬عـن العرج أنـه قال‪:‬‬
‫أخبرن ـي حم يد بن ع بد الرح من بن عوف‪ ،‬عن ر جل من الن صار‪ ،‬أ نه كان مع ر سول ال‬
‫ن كيف يصلـي رسول ال صلى ال عليه وسلم‪،‬‬
‫صلى ال عليه وسلم فـي سفر‪ ،‬فقال‪ :‬لنظر ّ‬
‫قال‪ :‬فنام رسول ال صلى ال عليه وسلم‪ ،‬ثم استـيقظ‪ ،‬فرفع رأسه إلـى السماء‪ ،‬فتل أربع‬
‫ِلفـ اللّــيْـلِ‬
‫خت ِ‬ ‫ْضـ وَا ْ‬
‫ت والر ِ‬
‫السـمَوَا ِ‬
‫إنـ فِــي خَــْلقٍ ّ‬
‫آيات مـن آخـر سـورة آل عمران ّ‬
‫والنّهارِ حتـى مرّ بـالربع‪ ،‬ثم أهوى إلـى القربة‪ ،‬فأخذ سواكا فـاستنّ به‪ ،‬ثم توضأ‪ ،‬ثم‬
‫صلـى‪ ،‬ثم نام‪ ،‬ثم استـيقظ فصنع كصنعه أوّل مرّة‪ ،‬ويزعمون أنه التهجد الذي أمره ال‪.‬‬
‫‪ 17062‬ـ حدثنـي مـحمد بن الـمثنى‪ ،‬قال‪ :‬حدثنا مـحمد بن جعفر وعبد الرحمن‪ ،‬قال‪:‬‬
‫حدثنا سعيد‪ ،‬عن أبـي إسحاق‪ ،‬عن مـحمد بن عبد الرحمن‪ ،‬عن علقمة والسود أنهما قال‪:‬‬
‫التهجد بعد نومة‪.‬‬
‫‪17063‬ـ حدثنا ابن بشار‪ ،‬قال‪ :‬حدثنا أبو عامر‪ ،‬قال‪ :‬حدثنا سفـيان‪ ،‬عن أبـي إسحاق‪ ،‬عن‬
‫عبد الرحمن بن السود‪ ،‬قال‪ :‬التهجد‪ :‬بعد نومة‪.‬‬
‫حدث نا ا بن ال ـمثنى‪ ،‬قال‪ :‬حدث نا يح يى بن سعيد‪ ،‬عن شع بة‪ ،‬قال‪ :‬ثن ـي أ بو إ سحاق‪ ،‬عن‬
‫مـحمد بن عبد الرحمن بن يزيد‪ ،‬عن علقمة والسود‪ ،‬بـمثله‪.‬‬
‫حدثنـي الـحارث‪ ،‬قال‪ :‬حدثنا القاسم‪ ،‬قال‪ :‬حدثنا هشيـم‪ ،‬عن العمش‪ ،‬عن إبراهيـم‪،‬‬
‫عن علقمة‪ ،‬قال‪ :‬التهجد‪ :‬بعد النوم‪.‬‬
‫‪17064‬ـ حدثنـي الـحارث‪ ،‬قال‪ :‬حدثنا القاسم‪ ،‬قال‪ :‬حدثنا يزيد‪ ،‬عن هشام‪ ،‬عن الـحسن‪،‬‬
‫قال‪ :‬التهجد‪ :‬ما كان بعد العشاء الَخرة‪.‬‬
‫‪17065‬ـ حُدثت عن عبد ال بن صالـح‪ ،‬عن اللـيث‪ ،‬عن جعفر بن ربـيعة‪ ،‬عن العرج‪،‬‬
‫عن كثـير بن العبـاس‪ ،‬عن الـحجاج بن عمرو‪ ،‬قال‪ :‬إنـما التهجد بعد رقدة‪.‬‬
‫ل لك عن فرائضك التـي فرضتها علـيك‪.‬‬
‫وأما قوله نافِلَ ًة َلكَ فإنه يقول‪ :‬نف ً‬
‫واختُلف فـي الـمعنى الذي من أجله خ صّ بذلك رسول ال صلى ال عليه وسلم‪ ،‬مع كون‬
‫ل مصلّ بعد هجوده‪ ،‬إذا كان قبل هجوده قد كان أدّى فرائضه نافلة نفلً‪ ،‬إذ كانت غير‬
‫صلة ك ّ‬
‫واجبة علـيه‪ ،‬فقال بعضهم‪ :‬معنى خصوصه بذلك‪ :‬هو أنها كانت فريضة علـيه‪ ،‬وهي لغيره‬
‫تطوّع‪ ،‬وق ـيـل له‪ :‬أقم ها نافلة لك‪ :‬أي فضلً لك من الفرائض الت ـي فرضت ها عل ـيك ع ما‬
‫فرضت علـى غيرك‪ .‬ذكر من قال ذلك‪:‬‬
‫‪17066‬ـ حدثنـي مـحمد بن سعد‪ ،‬قال‪ :‬ثنـي أبـي‪ ،‬قال‪ :‬ثنـي عمي‪ ،‬قال‪ :‬ثنـي أبـي‪،‬‬
‫جدْ بِ ِه نافِلَ ًة لَ كَ يعن ـي ب ـالنافلة أن ها‬
‫ن اللّ ـيْـلِ َف َت َه ّ‬
‫عن أب ـيه‪ ،‬عن ا بن عب ـاس‪ ،‬قوله‪َ :‬ومِ َ‬
‫للنبـيّ صلى ال عليه وسلم خاصة‪ ،‬أُمر بقـيام اللـيـل وكُتب علـيه‪.‬‬
‫وقال آخرون‪ :‬بل قـيـل ذلك له علـيه الصلة والسلم لنه لـم يكن فعله ذلك يكفّر عنه‬
‫شيئا من الذنوب‪ ،‬لن ال تعال ـى كان قد غ فر له ما تقدّم من ذن به و ما تأخّر‪ ،‬فكان له نافلة‬
‫فضل‪ ،‬فأما غيره فهو له كفـارة‪ ،‬ولـيس هو له نافلة‪ .‬ذكر من قال ذلك‪:‬‬
‫‪17067‬ـ حدثنا القاسم‪ ،‬قال‪ :‬حدثنا الـحسين‪ ،‬قال‪ :‬ثنـي حجاج‪ ،‬عن ابن جريج‪ ،‬عن عبد ال‬
‫بن كثـير‪ ،‬عن مـجاهد‪ ،‬قال‪ :‬النافلة للنبـيّ صلى ال عليه وسلم خاصة من أجل أنه قد غُفر‬
‫له ما تقدّم من ذنبه وما تأخّر‪ ،‬فما عمل من عمل سوى الـمكتوبة‪ ،‬فهو نافلة من أجل أنه ل‬
‫يعمـل ذلك فــي كفــارة الذنوب‪ ،‬فهـي نوافـل وزيادة‪ ،‬والناس يعملون مـا سـوى الــمكتوبة‬
‫لذنوبهم فـي كفـارتها‪ ،‬فلـيست للناس نوافل‪.‬‬
‫وأولــى القول ـين بــالصواب فــي ذلك‪ ،‬القول الذي ذكرنـا عن ا بن عبــاس‪ ،‬وذلك أن‬
‫ر سول ال صلى ال عل يه و سلم كان ال تعال ـى قد خ صه ب ـما فرض عل ـيه من ق ـيام‬
‫اللـيـل‪ ،‬دون سائر أمته‪ .‬فأما ما ذكر عن مـجاهد فـي ذلك‪ ،‬فقول ل معنى له‪ ،‬لن رسول‬
‫ال صلى ال عليه وسلم فـيـما ُذكِر عنه أكثر ما كان استغفـارا لذنوبه بعد نزول قول ال‬
‫عزّ وجلّ عل ـيه لِ ـ َيغْ ِفرَ لَ كَ اللّ ُه ما تَ َقدّ مَ مِ نْ َذ ْنبِ كَ وَ ما تَأخّرَ وذلك أن هذه ال سورة أنزلت‬
‫ح عام ق بض‪.‬‬
‫صرُ اللّ هِ وَال َفتْ ـ ُ‬
‫صرِفَه من ال ـحديبـية‪ ،‬وأنزل عل ـيه إذَا جاءَ نَ ْ‬
‫عل ـيه ب عد ُمنْ َ‬
‫ن تَوّاب ـا فكان يُعدّ له صلى ال عل يه‬
‫س َتغْ ِفرْهُ إّن هُ كا َ‬
‫ح ْمدِ َربّ كَ وَا ْ‬
‫ح ِب َ‬
‫وق ـيـل له ف ـيها فَ سَبّ ْ‬
‫و سلم ف ـي ال ـمـجلس الوا حد ا ستغفـار مئة مرّة‪ ،‬ومعلوم أن ال ل ـم يأمره أن ي ستغفر إل‬
‫لـما يغفر له بـاستغفـاره ذلك‪ ،‬فبـين إذن وجه فساد ما قاله مـجاهد‪.‬‬
‫‪17068‬ـ حدثنا ابن وكيع‪ ،‬قال‪ :‬حدثنا أبـي‪ ،‬عن العمش‪ ،‬عن شمر‪ ،‬عن عطية‪ ،‬عن شهر‪،‬‬
‫عن أبـي أُمامة‪ ،‬قال‪ :‬إنـما كانت النافلة للنبـيّ صلى ال عليه وسلم خاصة‪.‬‬
‫‪17069‬ـ حدثنا ابن عبد العلـى‪ ،‬قال‪ :‬حدثنا مـحمد بن ثور‪ ،‬عن معمر‪ ،‬عن قتادة نافِلَ ًة لَكَ‬
‫قال‪ :‬تطوّعا وفضيـلة لك‪.‬‬
‫وقوله‪ :‬عَ سَى أ نْ َي ْب َعثَ كَ َربّ كَ مَقاما مَـحْمودا وعسى من ال واجبة‪ ،‬وإنـما وجه قول أهل‬
‫العلـم‪ :‬عسى من ال واجبة‪ ،‬لعلـم الـمؤمنـين أن ال ل يدع أن يفعل بعبـاده ما أطمعهم‬
‫فـيه من الـجزاء علـى أعمالهم والعوض علـى طاعتهم إياه لـيس من صفته الغرور‪ ،‬ول‬
‫ش كّ أنه قد أطمع من قال ذلك له فـي نفعه‪ ،‬إذا هو تعاهده ولزمه‪ ،‬فإن لزم الـمقول له ذلك‬
‫وتعاهده ثم ل ـم ينف عه‪ ،‬ول سبب يحول ب ـينه وب ـين نف عه إياه مع الطماع الذي تقدم م نه‬
‫لصاحبه علـى تعاهده إياه ولزومه‪ ،‬فإنه لصاحبه غارّ بـما كان من إخلفه إياه فـيـما كان‬
‫ل ثناؤه من‬
‫أطم عه ف ـيه بقوله الذي قال له‪ .‬وإذ كان ذلك كذلك‪ ،‬وكان غ ير جائز أن يكون ج ّ‬
‫صفته الغرور لعب ـاده صحّ وو جب أن كلّ ما أطمع هم ف ـيه من ط مع عل ـى طاع ته‪ ،‬أو‬
‫علـى فعل من الفعال‪ ،‬أو أمر أو نهى أمرهم به‪ ،‬أو نهاهم عنه‪ ،‬فإنه موف لهم به‪ ،‬وإنهم منه‬
‫ل من ال واجبة‪.‬‬
‫كالعدة التـي ل يخـلف الوفـاء بها‪ ،‬قالوا‪ :‬عسى ولع ّ‬
‫وتأويــل الكلم‪ :‬أقـم الصـلة الــمفروضة يـا مــحمد فــي هذه الوقات التــي أمرتـك‬
‫بإقامت ها ف ـيها‪ ،‬و من الل ـيـل فته جد فر ضا فرض ته عل ـيك‪ ،‬لعلّ ر بك يبع ثك يوم الق ـيامة‬
‫مقاما تقوم فـيه مـحمودا تـحمده‪ ،‬وتغبط فـيه‪.‬‬
‫ثم اختلف أهل التأويـل فـي معنى ذلك الـمقام الـمـحمود‪ ،‬فقال أكثر أهل العلـم‪ :‬ذلك‬
‫هو ال ـمقام الذي هو يقو مه صلى ال عل يه و سلم يوم الق ـيامة للشف ـاعة للناس ل ـيريحهم‬
‫ربهم من عظيـم ما هم فـيه من شدّة ذلك الـيوم‪ .‬ذكر من قال ذلك‪:‬‬
‫‪ 17070‬ـ حدثنا مـحمد بن بشار‪ ،‬قال‪ :‬حدثنا عبد الرحمن‪ ،‬قال‪ :‬حدثنا سفـيان‪ ،‬عن أبـي‬
‫إ سحاق‪ ،‬عن صلة بن زُفَر‪ ،‬عن حُذي فة‪ ،‬قال‪ :‬يج مع الناس ف ـي صعيد وا حد‪ ،‬ف ـيسمعهم‬
‫الداعي‪ ،‬وينفذهم البصر‪ ،‬حُفـاة عراة كما خُـلقوا‪ ،‬قـياما ل تكلّـم نفس إل بإذنه‪ ،‬ينادَى‪ :‬يا‬
‫م ـحمد‪ ،‬ف ـيقول‪« :‬لب ـيك وسعديك وال ـخير ف ـي يد يك‪ ،‬والشرّ ل ـيس إلـيك‪ ،‬وال ـمهديّ‬
‫من َهدَيت‪ ،‬عبدك بـين يديك‪ ،‬وبك وإلـيك‪ ،‬ل ملـجأ ول منـجا منك إل إلـيك‪ ،‬تبـارك‬
‫وتعالـيت‪ ،‬سبحانك ربّ هذا البـيت» فهذا الـمقام الـمـحمود الذي ذكره ال تعالـى‪.‬‬
‫حدث نا م ـحمد بن ال ـمثنى‪ ،‬قال‪ :‬حدث نا م ـحمد بن جع فر‪ ،‬قال‪ :‬حدث نا شع بة‪ ،‬عن أب ـي‬
‫إسحاق‪ ،‬عن صلة بن زُفر‪ ،‬عن حُذيفة‪ ،‬قال‪ُ :‬يجْمع الناس فـي صعيد واحد‪ .‬فل َتكَلّـم نفس‪،‬‬
‫فأوّل ما يدعو مـحمد النبـيّ صلى ال عليه وسلم‪ ،‬فـيقوم مـحمد النبـيّ صلى ال عليه‬
‫وسلم‪ ،‬فـيقول‪« :‬لبـيك»‪ ،‬ثم ذكر مثله‪.‬‬
‫‪ 17071‬ـ حدث نا سلـيـمان بن عمرو بن خالد الرق ـي‪ ،‬قال‪ :‬حدث نا عي سى بن يو نس‪ ،‬عن‬
‫رشدين بن كريب‪ ،‬عن أبـيه عن ابن عبـاس‪ ،‬قوله‪ :‬عَ سَى أ نْ َي ْب َعثَ كَ َربّ كَ مَقاما مَـحْمودا‬
‫قال‪ :‬الـمقام الـمـحمود‪ :‬مقام الشفـاعة‪.‬‬
‫‪ 17072‬ـ حدث نا ا بن بشار‪ ،‬قال‪ :‬حدث نا ع بد الرح من‪ ،‬قال‪ :‬حدث نا سفـيان‪ ،‬عن سلـمة بن‬
‫كهيـل‪ ،‬قال‪ :‬حدثنا أبو الزعراء‪ ،‬عن عبد ال فـي قصة ذكرها‪ ،‬قال‪ :‬ثم يؤمر بـالصراط‬
‫ف ـيضرب عل ـى ج سر جهن ـم‪ ،‬ف ـيـمرّ الناس بقدر أعمال هم ي ـمرّ أوّل هم كالبرق‪ ،‬وكمرّ‬
‫الر يح‪ ،‬وكمرّ الط ير‪ ،‬وكأ سرع البهائم‪ ،‬ثم كذلك حتـى ي ـمرّ الر جل سعيا‪ ،‬ثم مشيا‪ ،‬حت ـى‬
‫يجيء آخرهم يتلبّط علـى بطنه‪ ،‬فـيقول‪ :‬ر بّ لـما أبطأت بـي‪ ،‬فـيقول‪ :‬إنـي لـم أبطأ‬
‫بك‪ ،‬إنـما أبطأ بك عملك‪ ،‬قال‪ :‬ثم يأذن ال فـي الشفـاعة‪ ،‬فـيكون أوّل شافع يوم القـيامة‬
‫جبرئيــل علــيه السـلم‪ ،‬روح القُدس‪ ،‬ثـم إبراهيــم خــلـيـل الرحمـن‪ ،‬ثـم موسـى‪ ،‬أو‬
‫عيسـى‪ ،‬قال أبـو الزعراء‪ :‬ل أدري أيهمـا قال قال‪ :‬ثـم يقوم نبــيكم علــيه الصـلة والسـلم‬
‫رابعا‪ ،‬فل يشفع أحد بعده فـيـما يشفع فـيه‪ ،‬وهو الـمقام الـمـحمود الذي ذكر ال عَ سَى‬
‫ن َي ْب َعثَكَ َر ّبكَ مَقاما مَـحْمودا‪.‬‬
‫أْ‬
‫‪17073‬ـ حدثنا مـحمد بن بشار‪ ،‬قال‪ :‬حدثنا ابن أبـي عديّ‪ ،‬عن عوف‪ ،‬عن الـحسن فـي‬
‫ن َي ْب َعثَك َربّ كَ مَقاما مَـحْمُودا قال‪:‬‬
‫جدْ بِ ِه نافِلَ ًة لَ كَ عَ سَى أ ْ‬
‫قول ال تعالـى َومِ نَ اللّـيْـلِ َفتَ َه ّ‬
‫الـمقام الـمـحمود‪ :‬مقام الشفـاعة يوم القـيامة‪.‬‬
‫‪ 17074‬ـ حدث نا م ـحمد بن عمرو‪ ،‬قال‪ :‬حدث نا أ بو عا صم‪ ،‬قال‪ :‬حدث نا عي سى‪ :‬وحدثن ـي‬
‫الــحارث‪ ،‬قال‪ :‬حدثنـا الــحسن‪ ،‬قال‪ :‬حدثنـا ورقاء‪ ،‬جميعـا عـن ابـن أبــي نــجيح‪ ،‬عـن‬
‫حمُودا قال‪ :‬شفـاعة مـحمد يوم القـيامة‪.‬‬
‫مـجاهد‪ ،‬فـي قول ال تعالـى‪ :‬مَقاما مَـ ْ‬
‫حدث نا القا سم‪ ،‬قال‪ :‬حدث نا ال ـحسين‪ ،‬قال‪ :‬ثن ـي حجاج‪ ،‬عن ا بن جر يج‪ ،‬عن م ـجاهد‪،‬‬
‫مثله‪.‬‬
‫‪ 17075‬ـ حدث نا القا سم‪ ،‬قال‪ :‬حدث نا ال ـحسين‪ ،‬قال‪ :‬حدث نا أ بو معاو ية‪ ،‬عن عا صم الحول‪،‬‬
‫عن أب ـي عثمان‪ ،‬عن سلـيـمان‪ ،‬قال‪ :‬هو الشف ـاعة‪ ،‬يشف عه ال ف ـي أم ته‪ ،‬ف هو ال ـمقام‬
‫الـمـحمود‪.‬‬
‫ن َي ْبعَثَ كَ‬
‫‪ 17076‬ـ حدثنا بشر‪ ،‬قال‪ :‬حدثنا يزيد‪ ،‬قال‪ :‬حدثنا سعيد‪ ،‬عن قتادة‪ ،‬قوله‪ :‬عَ سَى أ ْ‬
‫ك مَقا ما مَ ـحْمُودا‪ ،‬و قد ذُ كر ل نا أن نب ـيّ ال صلى ال عل يه و سلم خُيّر ب ـين أن يكون‬
‫َربّ َ‬
‫نبـيا عبدا‪ ،‬أو ملكا نبـيا‪ ،‬فأومأ إلـيه جبرئيـل علـيه السلم‪ :‬أن َتوَاضَ عْ‪ ،‬فـاختار نبـيّ‬
‫عطِي به نبـيّ ال ثنتـين‪ :‬إنه أوّل من تنش قّ عنه الرض‪ ،‬وأوّل‬
‫ال أن يكون عبدا نبـيا‪ ،‬فأُ ْ‬
‫شافع‪ .‬وكان أهل العلـم َيرَوْن أنه الـمقام الـمـحمود الذي قال ال تبـارك وتعالـى عَ سَى‬
‫حمُودا شفـاعة يوم القـيامة‪.‬‬
‫ن َي ْب َعثَكَ َر ّبكَ مَقاما مَـ ْ‬
‫أْ‬
‫حدثنا مـحمد بن عبد العلـى‪ ،‬قال‪ :‬حدثنا مـحمد بن ثور‪ ،‬عن معمر‪ ،‬عن قتادة مَقاما‬
‫مَـحْمُودا قال‪ :‬هي الشفـاعة‪ ،‬يشفّعه ال فـي أمته‪.‬‬
‫حدثنا الـحسن بن يحيى‪ ،‬قال‪ :‬أخبرنا عبد الرزاق‪ ،‬قال‪ :‬أخبرنا َمعْمر والثوريّ‪ ،‬عن أبـي‬
‫ن َي ْبعَثَ كَ َربّ كَ مَقاما‬
‫إسحاق‪ ،‬عن صلة بن ُزفَر‪ ،‬قال‪ :‬سمعت حُذيفة يقول فـي قوله‪ :‬عَ سَى أ ْ‬
‫حمُودا قال‪ :‬يج مع ال الناس ف ـي صعيد وا حد ح يث يُ سمعهم الدا عي‪ ،‬فَ ـ ْينَ ُفذُهم الب صرُ‬
‫مَ ـ ْ‬
‫حُف ـاة عُراة‪ ،‬ك ما خُ ـلِقوا سكوتا ل تكلّ ـم ن فس إل بإذ نه‪ ،‬قال‪ :‬ف ـينادَى م ـحمد‪ ،‬ف ـيقول‪:‬‬
‫سعْديك‪ ،‬والـخيرُ فـي يد يك‪ ،‬والشرّ لـيس إلـيك‪ ،‬والـمهديّ من َهدَيْت‪ ،‬وعبدُك‬
‫َلبّـيك و َ‬
‫جأَ ول منــجَى منـك إل إلــيك‪ ،‬تبــاركت وتعالــيت‪،‬‬
‫بــين يديـك‪ ،‬ولك وإلــيك‪ ،‬ل مْلــ َ‬
‫ك رَبّ كَ‬
‫ن ْي َب َعثَ َ‬
‫سبحانك ر بّ الب ـيت‪ ،‬قال‪ :‬فذلك ال ـمقامُ ال ـمـحمودُ الذي ذ كر ال عَ سَى أ ْ‬
‫حمُودا‪.‬‬
‫مَقامَا مَـ ْ‬
‫حدثنـا مــحمد بـن عبـد العلــى‪ ،‬قال‪ :‬حدثنـا مــحمد بـن ثور‪ ،‬عـن معمـر‪ ،‬عن أبــي‬
‫إ سحاق‪ ،‬عن صلة بن زُفَر‪ ،‬قال حُذي فة‪ :‬يج مع ال الناس ف ـي صعيد وا حد‪ ،‬ح يث َينْ ُفذُ هم‬
‫البصر‪ ،‬ويُ سْمعهم الداعي‪ ،‬حُفـاة عُراة كما خُـلقوا أوّل مرّة‪ ،‬ثم يقوم النبـيّ صلى ال عليه‬
‫وسلم فـيقول‪« :‬لبـيك وسعديك»‪ ،‬ثم ذكر نـحوه‪ ،‬إل أنه قال‪ :‬هو الـمقام الـمـحمود‪.‬‬
‫وقال آخرون‪ :‬بل ذلك ال ـمقام ال ـمـحمود الذي و عد ال نب ـيه صلى ال عل يه و سلم أن‬
‫يبعثه إياه‪ ،‬هو أن يقاعده معه علـى عرشه‪ .‬ذكر من قال ذلك‪:‬‬
‫‪17077‬ــ حدثنـا عبــاد بـن يعقوب السـدي‪ ،‬قال‪ :‬حدثنـا ابـن فضيــل‪ ،‬عـن لــيث‪ ،‬عـن‬
‫حمُودا قال‪ُ :‬يجْلسه معه علـى عرشه‪.‬‬
‫ن َي ْب َعثَكَ َر ّبكَ مَقاما مَـ ْ‬
‫عسَى أ ْ‬
‫مـجاهد‪ ،‬فـي قوله‪َ :‬‬
‫وأولـى القولـين فـي ذلك بـالصواب ما صحّ به الـخبر عن رسول ال صلى ال عليه‬
‫وسلم‪ .‬وذلك ما‪:‬‬
‫‪ 17078‬ـ حدثنا به أبو كريب‪ ،‬قال‪ :‬حدثنا وكيع‪ ،‬عن داود بن يزيد‪ ،‬عن أبـيه‪ ،‬عن أبـي‬
‫هريرة‪ ،‬قال‪ :‬قال رسول ال صلى ال عليه وسلم عَ سَى أ نْ َي ْب َعثَ كَ َربّ كَ مَقاما مَـحْمودا سُئل‬
‫عةُ»‪.‬‬
‫عنها‪ ،‬قال‪ِ « :‬هيَ الشّفـا َ‬
‫‪ 17079‬ـ حدثنا علـيّ بن حرب‪ ،‬قال‪ :‬حدثنا َمكّ يّ بن إبراهيـم‪ ،‬قال‪ :‬حدث نا داود بن يز يد‬
‫الَ ْودِيّ‪ ،‬عن أبـيه‪ ،‬عن أبـي هريرة‪ ،‬عن النبـيّ صلى ال عليه وسلم فـي قوله‪ :‬عَسَى أ نْ‬
‫حمُودا قال‪« :‬هو الـمقام الذي أشفع فـيه لمتـي»‪.‬‬
‫َي ْب َعثَكَ َر ّبكَ مَقاما مَـ ْ‬
‫ح ْمصِيّ أح مد بن ال َفرَج‪ ،‬قال‪ :‬حدث نا بق ـية بن الول ـيد‪ ،‬عن‬
‫‪ 17080‬ـ حدث نا أ بو عُت بة ال ـ ِ‬
‫الزّبـيديّ‪ ،‬عن الزهر يّ‪ ،‬عن عبد الرحمن بن كعب بن مالك‪ ،‬عن كعب بن مالك‪ ،‬أن النبـيّ‬
‫ُونـ أنـا وُأ ّمتِــي علــى تَلَ‪،‬‬
‫ْمـ القِــيامَةِ‪ ،‬فَأك ُ‬
‫ّاسـ يَو َ‬
‫صـلى ال عليـه وسـلم قال‪« :‬يُحشَرُ الن ُ‬
‫ن أقُولَ‪َ ،‬فذَلِ كَ الـمَقامُ‬
‫ل ما شا َء اللّ هُ أ ْ‬
‫ن لِـي‪ ،‬فأقُو ُ‬
‫خضْراءَ‪ ،‬ثُ مّ ُي ْؤذَ َ‬
‫فَـ َيكْسُونِـي َربّـي حُلّ ًة َ‬
‫حمُودُ»‪.‬‬
‫الـمَـ ْ‬
‫‪ 17081‬ـ حدثنـي مـحمد بن عبد ال بن عبد الـحكم‪ ،‬قال‪ :‬حدثنا شعيب بن اللـيث‪ ،‬قال‪:‬‬
‫ثنـي اللـيث‪ ،‬عن عبـيد ال بن أبـي جعفر‪ ،‬أنه قال‪ :‬سمعت حمزة بن عبد ال بن عمر‬
‫شمْ سَ َل َت ْدنُو‬
‫يقول‪ :‬سمعت عبد ال بن عمر يقول‪ :‬قال رسول ال صلى ال عليه وسلم‪« :‬إ نّ ال ّ‬
‫ستَغاثُوا بآدَ مَ عَلَـيْ ِه ال سّلمُ‪ ،‬فَـيَقُولُ‪:‬‬
‫لذُ نِ‪َ ،‬فبَـ ْينَـما هُ مْ كَذلِ كَ ا ْ‬
‫صفَ ا ُ‬
‫حتـى َيبْلُ َغ العَرَ قُ نِ ْ‬
‫ح ّمدٍ فَـيَشْفَ ُع ب ـينَ‬
‫ل كَذل كَ ثُ مّ بِـمُـ َ‬
‫لَ سْتُ صَاحِبَ ذل كَ‪ ،‬ثُ مّ بِ ـمُوسَى عَلَـيْهِ ال سّلمُ‪ ،‬فَـيَقُو ُ‬
‫جنّةِ‪ ،‬فَـيَ ْو َم ِئذٍ َي ْب َعثُ ُه اللّ ُه مَقاما مَـحْمُودا»‪.‬‬
‫خذَ ِبحَلْقَ ِة الـ َ‬
‫الـخَـ ْلقِ فَـيَـ ْمشِي حتـى َي ْأ ُ‬
‫شبّة‪ ،‬قال‪ :‬حدثنا موسى بن إسماعيـل‪ ،‬قال‪ :‬حدثنا سعيد‬
‫‪17082‬ـ حدثنـي أبو زيد عمر بن َ‬
‫بن زيد‪ ،‬عن علـيّ بن الـحكم‪ ،‬قال‪ :‬ثنـي عثمان‪ ،‬عن إبراهيـم‪ ،‬عن السود وعلقمة‪ ،‬عن‬
‫حمُودَ»‬
‫لقُو مُ ال ـمَقامَ ال ـمَـ ْ‬
‫ا بن م سعود‪ ،‬قال‪ :‬قال ر سول ال صلى ال عل يه و سلم‪« :‬إنّ ـي َ‬
‫فقال رجل‪ :‬يا رسول ال‪ ،‬وما ذلك الـمقام الـمـحمود؟ قال رسول ال صلى ال عليه وسلم‪:‬‬
‫غ ْرلً فَ ـ َيكُونُ أوّلَ َم نْ ُيكْ سَى إبْراهِي ـمُ عَلَ ـيْ ِه ال سّلمُ‪،‬‬
‫عرَاةً ُ‬
‫«ذَا كَ إذَا جِيءَ ِبكُ مْ حُف ـاةً ُ‬
‫ستَ ْقبِلَ ال َعرْشِ‪ ،‬ثُمّ أوَتـى بكِسْوتَـي‬
‫سهُما‪ ،‬ثُمّ يَ ْق ُعدُ مُ ْ‬
‫طتْـينِ بَـ ْيضَا َويْنِ‪ ،‬فَـيَـلْ َب ُ‬
‫فَـيُ ْؤتَـى برِي َ‬
‫خرُو نَ‪ ،‬ثُ مّ‬
‫لِ‬‫طنِ ـي فِ ـيهِ الوّلُو نَ وا َ‬
‫ن يَ ـمِينِهِ مَقا ما ل يَقُومُ هُ غَيرِي َي ْغ ِب ُ‬
‫ع ْ‬
‫فألْبَ سُها‪ ،‬فَأقُو مُ َ‬
‫ن الكَ ْو َثرِ إلـى الـحَوْضِ»‪.‬‬
‫يُ ْفتَـحُ َن ْهرٌ مِ َ‬
‫‪ 17083‬ـ حدث نا م ـحمد بن ع بد العل ـى‪ ،‬قال‪ :‬حدث نا م ـحمد بن ثور‪ ،‬عن مع مر‪ ،‬عن‬
‫الزهريـّ‪ ،‬عـن علــيّ بـن الــحسين‪ ،‬أن النبــيّ صـلى ال عليـه وسـلم قال‪« :‬إذَا كانَـ َيوْم َـ‬
‫ل مَ ْوضِ عُ َق َدمَيْ هِ»‪ ،‬قال‬
‫ن النّا سِ إ ّ‬
‫شرٍ مِ َ‬
‫ض َمدّ الدِيـمِ حتـى ل َيكُو نَ ِل َب ِ‬
‫القِـيامَةِ َمدّ الّل هُ الرْ ُ‬
‫حمَنِ‪ ،‬والّلهِ ما‬
‫ن يَـمِينِ ال ّر ْ‬
‫ج ْب َرئِيـلُ عَ ْ‬
‫ل مَنْ ُيدْعَى َو َ‬
‫النبـيّ صلى ال عليه وسلم‪« :‬فَأكُونُ أوّ َ‬
‫صدَقَ‪،‬‬
‫عزّ َوجَلّ‪َ :‬‬
‫ل اللّهُ َ‬
‫خبَ َرنِـي أنّكَ أرْسَ ْلتَهُ إلـيّ‪ ،‬فَـيَقُو ُ‬
‫رآ ُه قَبْلَها‪ ،‬فَأقُولُ‪ :‬أيّ ربّ إنّ َهذَا أ ْ‬
‫حمُودُ»‪.‬‬
‫ُثمّ أشْفَعُ‪ ،‬قال‪َ :‬فهُوَ الـمَقامُ الـمَـ ْ‬
‫حدثنا الـحسن بن يحيى‪ ،‬قال‪ :‬أخبرنا عبد الرزاق‪ ،‬قال‪ :‬أخبرنا معمر‪ ،‬عن الزهر يّ‪ ،‬عن‬
‫ن يَوْ مُ القِـيامَةِ»‪ ،‬فذكر‬
‫علـيّ بن الـحسين‪ ،‬قال‪ :‬قال النبـيّ صلى ال عليه وسلم‪« :‬إذَا كا َ‬
‫ع َبدُو كَ فـي أطْرا فِ الرْ ضِ‪ ،‬وَ ُهوَ‬
‫ن ـحوه‪ ،‬وزاد ف ـيه‪« :‬ثُ مّ أشْفَ ُع فَأقُولُ‪ :‬يا ر بّ عِبـادُكَ َ‬
‫حمُودُ»‪.‬‬
‫الـمَقا ُم الـمَـ ْ‬
‫‪ 17084‬ـ حدثنا ابن بشار‪ ،‬قال‪ :‬حدثنا أبو عامر‪ ،‬قال‪ :‬حدثنا إبراهيـم بن طهمان‪ ،‬عن آدم‪،‬‬
‫عن عل ـيّ‪ ،‬قال‪ :‬سمعت ا بن ع مر يقول‪ :‬إن الناس يحشرون يوم الق ـيامة‪ ،‬ف ـيجيء مع كلّ‬
‫نبـيّ أمته‪ ،‬ثم يجيء رسول ال صلى ال عليه وسلم فـي آخر المـم هو وأمته‪ ،‬فـيرقـى‬
‫هو وأمته علـى كَوم فوق الناس‪ ،‬فـيقول‪ :‬يا فلن اشفع‪ ،‬ويا فلن اشفع‪ ،‬ويا فلن اشفع‪ ،‬فما‬
‫زال يردّها بعضهم علـى بعض يرجع ذلك إلـيه‪ ،‬وهو الـمقام الـمـحمود الذي وعده ال‬
‫إياه‪.‬‬
‫حيْوة ورب ـيع‪ ،‬قال‪ :‬حدث نا م ـحمد بن حرب‪ ،‬عن‬
‫حدث نا م ـحمد بن عوف‪ ،‬قال‪ :‬حدث نا َ‬
‫الزبـيديّ‪ ،‬عن الزهري عن عبد الرحمن بن كعب بن مالك‪ ،‬عن كعب بن مالك‪ ،‬أن رسول‬
‫شرُ النّاسُـ َيوْمَـ القِــيامَةِ فَأكُونُـ أنـا وأ ّمتِــي علــى تَلّ‪،‬‬
‫حَ‬‫ال صـلى ال عليـه وسـلم قال‪ُ « :‬ي ْ‬
‫ل ما شاءَ الّل ُه أ نْ أقُولَ‪ ،‬فذل كَ‬
‫ن لـيَ فأقُو ُ‬
‫ضرَاءَ‪ ،‬ثُ مّ يُ ْؤذَ ُ‬
‫خ ْ‬
‫عزّ َوجَلّ حُّلةً َ‬
‫فَـ َيكْسُونِـي َربّـي َ‬
‫حمُودُ»‪.‬‬
‫الـمَقا ُم الـمَـ ْ‬
‫وهذا وإن كان هو الصحيح من‬
‫حمُودا لـما ذكر نا من الروا ية عن‬
‫ك رَبّ كَ مَقا ما مَ ـ ْ‬
‫القول ف ـي تأويـل قوله عَ سَى أ نْ َي ْب َعثَ َ‬
‫ر سول ال صلى ال عل يه و سلم وأ صحابه والتابع ين‪ ،‬فإن ما قاله م ـجاهد من أن ال يُق عد‬
‫مـحمدا صلى ال عل يه وسلم علـى عرشه‪ ،‬قول غير مدفوع صحته‪ ،‬ل من جهة خبر ول‬
‫نظر‪ ،‬وذلك لنه ل خبر عن رسول ال صلى ال عليه وسلم‪ ،‬ول عن أحد من أصحابه‪ ،‬ول‬
‫عن التابع ين بإحالة ذلك‪ .‬فأ ما من ج هة الن ظر‪ ،‬فإن جم يع من ينت ـحل ال سلم إن ـما اختلفوا‬
‫ف ـي مع نى ذلك عل ـى أو جه ثل ثة‪ :‬فقالت فر قة من هم‪ :‬ال عزّ وجلّ ب ـائن من خ ـلقه كان‬
‫ق بل خ ـلقه الشياء‪ ،‬ثم خ ـلق الشياء فل ـم ي ـماسّها‪ ،‬و هو ك ما ل ـم يزل‪ ،‬غ ير أن الشياء‬
‫التـي خـلقها‪ ،‬إذ لـم يكن هو لها مـماسا‪ ،‬وجب أن يكون لها مبـاينا‪ ،‬إذ ل فعال للشياء‬
‫إل وهـو مــماسّ للجسـام أو مبــاين لهـا‪ .‬قالوا‪ :‬فإذا كان ذلك كذلك‪ ،‬وكان ال عزّ وجلّ‬
‫فـاعل الشياء‪ ،‬ولـم يجز فـي قولهم‪ :‬إنه يوصف بأنه مـماسّ للشياء‪ ،‬وجب بزعمهم أنه‬
‫لها مبـاين‪ ،‬فعلـى مذهب هؤلء سواء أقعد مـحمدا صلى ال عليه وسلم علـى عرشه‪ ،‬أو‬
‫علـى الرض إذ كان من قولهم إن بـينونته من عرشه‪ ،‬وبـينونته من أرضه بـمعنى واحد‬
‫فـي أنه بـائن منهما كلـيهما‪ ،‬غير مـماسّ لواحد منهما‪.‬‬
‫وقالت فرقة أخرى‪ :‬كان ال تعالـى ذكره قبل خـلقه الشياء‪ ،‬ل شيء يـماسه‪ ،‬ول شيء‬
‫يب ـاينه‪ ،‬ثم خ ـلق الشياء فأقام ها بقدر ته‪ ،‬و هو ك ما ل ـم يزل ق بل الشياء خ ـلقه ل ش يء‬
‫يـماسه ول شيء يبـاينه‪ ،‬فعلـى قول هؤلء أيضا سواء أقعد مـحمدا صلى ال عليه وسلم‬
‫عل ـى عر شه‪ ،‬أو عل ـى أر ضه‪ ،‬إذ كان سواء عل ـى قول هم عر شه وأر ضه ف ـي أ نه ل‬
‫مـماس ول مبـاين لهذا‪ ،‬كما أنه ل مـماس ول مبـاين لهذه‪.‬‬
‫وقالت فرقـة أخرى‪ :‬كان ال ع ّز ذكره قبـل خــلقه الشياء ل شيـء يــماسه‪ ،‬ول شيـء‬
‫يب ـاينه‪ ،‬ثم أحدث الشياء وخ ـلقها‪ ،‬فخ ـلق لنف سه عر شا ا ستوى عل ـيه جال سا‪ ،‬و صار له‬
‫مـماسا‪ ،‬كما أنه قد كان قبل خـلقه الشياء ل شيء يرزقه رزقا‪ ،‬ول شيء يحرمه ذلك‪ ،‬ثم‬
‫خ ـلق الشياء فرزق هذا وحرم هذا‪ ،‬وأع طى هذا‪ ،‬وم نع هذا‪ ،‬قالوا‪ :‬فكذلك كان ق بل خ ـلقه‬
‫الشياء يــماسه ول يبــاينه‪ ،‬وخــلق الشياء فماس العرش بجلوسـه علــيه دون سـائر‬
‫خـلقه‪ ،‬فهو مـماس ما شاء من خـلقه‪ ،‬ومبـاين ما شاء منه‪ ،‬فعلـى مذهب هؤلء أيضا‬
‫سـواء أقعـد مــحمدا علــى عرشـه‪ ،‬أو أقعده علــى منـبر مـن نور‪ ،‬إذ كان مـن قولهـم‪ :‬إن‬
‫جلوس الربّ علـى عرشه‪ ،‬لـيس بجلوس يشغل جميع العرش‪ ،‬ول فـي إقعاد مـحمد صلى‬
‫ال عل يه و سلم موجب ـا له صفة الربوب ـية‪ ،‬ول مخر جه من صفة العبود ية لر به‪ ،‬ك ما أن‬
‫مب ـاينة م ـحمد صلى ال عل يه و سلم ما كان مب ـاينا له من الشياء غ ير موج بة له صفة‬
‫الربوبـية‪ ،‬ول مخرجته من صفة العبودية لربه من أجل أنه موصوف بأنه له مبـاين‪ ،‬كما‬
‫ل مو صوف عل ـى قول قائل هذه ال ـمقالة بأ نه مب ـاين ل ها‪ ،‬هو مب ـاين له‪.‬‬
‫أن ال عزّ وج ّ‬
‫قالوا‪ :‬فإذا كان مع نى مب ـاين ومب ـاين ل يو جب ل ـمـحمد صلى ال عل يه و سلم ال ـخروج‬
‫من صفة العبودة والدخول فـي معنى الربوبـية‪ ،‬فكذلك ل يوجب له ذلك قعوده علـى عرش‬
‫الرحمن‪ ،‬فقد تبـين إذا بـما قُلنا أنه غير مـحال فـي قول أحد مـمن ينتـحل السلم ما‬
‫قاله مـجاهد من أن ال تبـارك وتعالـى يُ ْقعِد مـحمدا علـى عرشه‪.‬‬
‫فإن قال قائل‪ :‬فإنا ل ننكر إقعادا ال مـحمدا علـى عرشه‪ ،‬وإنـما ننكر إقعاده‪.‬‬
‫‪ 17085‬ـ حدثنـي عبـاس بن عبد العظيـم‪ ،‬قال‪ :‬حدثنا يحيى بن كثـير‪ ،‬عن الـجَريريّ‪،‬‬
‫عـن سـيف الس ّـدُوسيّ‪ ،‬عـن عبـد ال بـن سـلم‪ ،‬قال‪ :‬إن مــحمدا صـلى ال عليـه وسـلم يوم‬
‫ب تب ـارك وتعال ـى‪ ،‬وإن ـما ين كر إقعاده إياه‬
‫الق ـيامة عل ـى كر سيّ الر بّ ب ـين يدي الر ّ‬
‫م عه‪ .‬ق ـيـل‪ :‬أفجائز عندك أن يقعده عل ـيه ل م عه‪ .‬فإن أجاز ذلك صار إل ـى القرار بأ نه‬
‫إما معه‪ ،‬أو إلـى أنه يقعده‪ ،‬وال للعرش مبـاين‪ ،‬أو ل مـماسّ ول مبـاين‪ ،‬وبأ يّ ذلك قال‬
‫ل ف ـي ب عض ما كان ينكره وإن قال ذلك غ ير جائز كان م نه خرو جا من قول‬
‫كان م نه دخو ً‬
‫جميع الفرق التـي حكينا قولهم‪ ،‬وذلك فراق لقول جميع من ينتـحل السلم‪ ،‬إذ كان ل قول‬
‫ف ـي ذلك إل القوال الثل ثة الت ـي حكينا ها‪ ،‬وغ ير م ـحال ف ـي قول من ها ما قال م ـجاهد‬
‫فـي ذلك‪.‬‬

‫‪80‬‬ ‫الية ‪:‬‬


‫صدْقٍ‬
‫خرَ جَ ِ‬
‫جنِي ُم ْ‬
‫خ ِر ْ‬
‫ل صِ ْدقٍ وََأ ْ‬
‫ب َأ ْدخِ ْلنِي ُم ْدخَ َ‬
‫القول فـي تأويـل قوله تعالـى‪َ { :‬وقُل رّ ّ‬
‫جعَل لّي مِن ّل ُد ْنكَ سُلْطَانا ّنصِيرا }‪.‬‬
‫وَا ْ‬
‫يقول تعالـى ذكره لنبـيه‪ :‬وقل يا مـحمد يا ربّ أدخـلنـي مدخـل صدق‪.‬‬
‫واختلف أ هل التأوي ـل ف ـي مع نى ُمدْخ ـل ال صدق الذي أمره ال نب ـيه صلى ال عل يه‬
‫وسـلم أن يرغـب إلــيه فــي أن يدخــله إياه‪ ،‬وفــي مخرج الصـدق الذي أمره أن يرغـب‬
‫عنَى بـ ُمدْخـل ال صّدق‪ُ :‬مدْخـل رسول ال صلى‬
‫إلـيه فـي أن يخرجه إياه‪ ،‬فقال بعضهم‪َ :‬‬
‫ال عل يه وسلم ال ـمدينة‪ ،‬ح ين ها جر إلـيها‪ ،‬و ُمخْرج ال صدق‪ُ :‬مخْر جه من م كة‪ ،‬ح ين خرج‬
‫منها مهاجرا إلـى الـمدينة‪.‬ذكر من قال ذلك‪:‬‬
‫ظبْـيان‪ ،‬عن‬
‫‪ 17086‬ـ حدثنا ابن وكيع وابن حميد‪ ،‬قال‪ :‬حدثنا جرير‪ ،‬عن قابوس بن أبـي َ‬
‫أب ـيه‪ ،‬عن ا بن عب ـاس قال‪ :‬كان النب ـيّ صلى ال عل يه و سلم ب ـمكة‪ ،‬ثم أ مر ب ـالهجرة‪،‬‬
‫خرَ جَ‬
‫جنِ ـي ُم ْ‬
‫خ ِر ْ‬
‫ص ْدقٍ وأ ْ‬
‫فأنزل ال تب ـارك وتعال ـى ا سمه َوقُلْ رَ بّ أ ْدخِ ـ ْلنِـي ُم ْدخَ ـلَ ِ‬
‫ن َل ُد ْنكَ سُلْطانا َنصِيرا‪.‬‬
‫جعَلْ لـي مِ ْ‬
‫صِ ْدقٍ وَا ْ‬
‫‪ 17087‬ـ حدثنا مـحمد بن عبد ال بن بزيع‪ ،‬قال‪ :‬حدثنا بشر بن الـمفضل‪ ،‬عن عوف عن‬
‫جنِ ـي ُمخْرَ جَ صِ ْدقٍ قال‪ :‬كف ـار‬
‫خ ِر ْ‬
‫ص ْدقٍ وأ ْ‬
‫ال ـحسن‪ ،‬ف ـي قول ال‪ :‬أ ْدخِ ـ ْلنِـي ُم ْدخَ ـلَ ِ‬
‫أ هل م كة ل ـما ائت ـمروا بر سول ال صلى ال عل يه و سلم ل ـيقتلوه‪ ،‬أو يطردوه‪ ،‬أو يُوثِقوه‪،‬‬
‫وأراد ال قتال أهـل مكـة‪ ،‬فأمره أن يخرج إلــى الــمدينة‪ ،‬فهـو الذي قال ال أ ْدخِــلْنِـي‬
‫ص ْدقِ‪.‬‬
‫ُم ْدخَـلَ ِ‬
‫‪ 17088‬ـ حدثنا مـحمد بن عبد العلـى‪ ،‬قال‪ :‬حدثنا مـحمد بن ثور‪ ،‬عن َمعْمر‪ ،‬عن قتادة‬
‫ج صِ ْدقٍ قال‪ :‬مكة‪.‬‬
‫ص ْدقٍ قال‪ :‬الـمدينة َو ُمخْرَ َ‬
‫ُم ْدخَـلَ ِ‬
‫حدث نا ب شر‪ ،‬قال‪ :‬حدث نا يز يد‪ ،‬قال‪ :‬حدث نا سعيد‪ ،‬عن قتادة َوقُلْ رَ بّ أ ْدخِ ـ ْلنِـي ُم ْدخَ ـلَ‬
‫ج صِ ْدقٍ أخرجه ال من مكة إلـى الهجرة بـالـمدينة‪.‬‬
‫جنِـي ُمخْرَ َ‬
‫خرِ ْ‬
‫صِ ْدقٍ وأ ْ‬
‫‪ 17089‬ـ حدثنـي يونس‪ ،‬قال‪ :‬أخبرنا ابن وهب‪ ،‬قال‪ :‬قال ابن زيد‪ ،‬فـي قوله‪َ :‬وقُلْ رَ بّ‬
‫خرَجَـ ص ِـْدقٍ قال‪ :‬الــمدينة حيـن هاجـر إلــيها‪،‬‬
‫خ ِرجْنِــي ُم ْ‬
‫أ ْدخِــْلنِـي ُم ْدخَــلَ صِـدْقٍ وأ ْ‬
‫ومخرج صدق‪ :‬مكة حين خرج منها مخرج صدق‪ ،‬قال ذلك حين خرج مهاجرا‪.‬‬
‫ب أمتن ـي إما تة صِدْق‪ ،‬وأخرجن ـي ب عد ال ـمـمات‬
‫وقال آخرون‪ :‬بل مع نى ذلك‪ :‬و قل ر ّ‬
‫خرَج صدق‪ .‬ذكر من قال ذلك‪:‬‬
‫من قبري يوم القـيامة ُم ْ‬
‫‪17090‬ـ حدثنـي مـحمد بن سعد‪ ،‬قال‪ :‬ثنـي أبـي‪ ،‬قال‪ :‬ثنـي عمي‪ ،‬قال‪ :‬ثنـي أبـي‪،‬‬
‫ل رَ بّ أ ْدخِ ـ ْلنِـي ُم ْدخَ ـلَ صِ ْدقٍ‪ ...‬الَ ية‪ ،‬قال‪ :‬يعن ـي‬
‫عن أب ـيه‪ ،‬عن ا بن عب ـاس َوقُ ْ‬
‫بـالدخال‪ :‬الـموت‪ ،‬والخراج‪ :‬الـحياة بعد الـمـمات‪.‬‬
‫وقال آخرون‪ :‬بل عَنَى بذلك‪ :‬أدخ ـلنـي ف ـي أمرك الذي أر سلتنـي من النبوّة ُم ْدخَ ـل‬
‫صدق‪ ،‬وأخرجنـي منه ُمخْرَج صدق‪ .‬ذكر من قال ذلك‪:‬‬
‫‪ 17091‬ـ حدثنـي مـحمد بن عمرو‪ ،‬قال‪ :‬حدثنا أبو عاصم‪ ،‬قال‪ :‬حدثنا عيسى وحدثنـي‬
‫ال ـحارث‪ ،‬قال‪ :‬حدث نا ال ـحسن‪ ،‬قال‪ :‬حدث نا ورقاء‪ ،‬عن ا بن أب ـي ن ـجيح‪ ،‬عن م ـجاهد‬
‫صدْقٍ‬
‫خرَ جَ ِ‬
‫جنِ ـي ُم ْ‬
‫خ ِر ْ‬
‫ص ْدقٍ قال‪ :‬ف ـيـما أر سلتنـي به من أمرك وأ ْ‬
‫أ ْدخِ ـ ْلنِـي ُم ْدخَ ـلَ ِ‬
‫قال كذلك أيضا‪.‬‬
‫حدث نا القا سم‪ ،‬قال‪ :‬حدث نا ال ـحسين‪ ،‬قال‪ :‬ثن ـي حجاج‪ ،‬عن ا بن جر يج‪ ،‬عن م ـجاهد‪،‬‬
‫بنـحوه‪.‬‬
‫وقال آخرون‪ :‬بـل معنـى ذلك‪ :‬أدخــلنـي مدخــل صـدق‪ :‬الــجنة‪ ،‬وأخرجنــي مخرج‬
‫صدق‪ :‬من مكة إلـى الـمدينة‪ .‬ذكر من قال ذلك‪:‬‬
‫‪ 17092‬ـ حدثنا الـحسن بن يحيى‪ ،‬قال‪ :‬أخبرنا عبد الرزاق‪ ،‬قال‪ :‬أخبرنا معمر‪ ،‬عن قتادة‪،‬‬
‫صـْدقٍ مـن مكـة إلــى‬
‫َجـ ِ‬
‫خر َ‬
‫صـْدقٍ الــجنة و ُم ْ‬
‫قال‪ :‬قال الــحسن‪ :‬أ ْدخِــْلنِـي ُمدْخَــلَ ِ‬
‫الـمدينة‪.‬‬
‫وقال آخرون‪ :‬بل معنى ذلك‪ :‬أدخـلنـي فـي السلم ُمدْخـل صدق‪ .‬ذكر من قال ذلك‪:‬‬
‫‪ 17093‬ـ حدثنا سهل بن موسى الرازي‪ ،‬قال‪ :‬حدثنا ابن نـمير‪ ،‬عن إسماعيـل بن أبـي‬
‫ق قال‪ :‬أدخـلنـي فـي‬
‫صدْ ٍ‬
‫ل ِ‬
‫خالد‪ ،‬عن أبـي صالـح فـي قوله‪ :‬رَ بّ أ ْدخِـ ْلنِـي ُم ْدخَـ َ‬
‫صدْقٍ‪.‬‬
‫خرَجَ ِ‬
‫جنِـي منه ُم ْ‬
‫خ ِر ْ‬
‫السلم مدخـل صدق وأ ْ‬
‫وقال آخرون‪ :‬بل مع نى ذلك‪ :‬أدخ ـلنـي م كة آم نا‪ ،‬وأخرجن ـي من ها آم نا‪ .‬ذ كر من قال‬
‫ذلك‪:‬‬
‫‪ 17094‬ـ حُدثت عن الـحسين‪ ،‬قال‪ :‬سمعت أبـا معاذ يقول‪ :‬حدثنا عبـيد بن سلـيـمان‪،‬‬
‫خرَجَـ‬
‫جنِــي ُم ْ‬
‫قال‪ :‬سمعت الضحاك قال فــي قوله‪ :‬رَبّـ أ ْدخِ ـلْنِـي ُم ْدخَ ـلَ صِ ْدقٍ وأخْ ِر ْ‬
‫صِ ْدقٍ يعنـي مكة‪ ،‬دخـل فـيها آمنا‪ ،‬وخرج منها آمنا‪.‬‬
‫وأش به هذه القوال ب ـالصواب ف ـي تأوي ـل ذلك‪ ،‬قول من قال‪ :‬مع نى ذلك‪ :‬وأدخ ـلنـي‬
‫الـمدينة ُمدْخـل صدق‪ ،‬وأخرجنـي من مكة ُمخْرج صدق‪.‬‬
‫ك مِن‬
‫ستَفِزّو َن َ‬
‫ن كادُوا لَـ َي ْ‬
‫وإنـما قلنا ذلك أولـى بتأويـل الَية‪ ،‬لن ذلك عقـيب قوله‪ :‬وَإ ْ‬
‫لفَكَ إلّ قَلِـيلً‪ .‬وقد دللنا فـيـما مضى‪ ،‬علـى‬
‫ك ِمنْها وإذا ل يَـ ْلبَثُونَ خِ َ‬
‫الرْضِ لِـ ُيخْ ِرجُو َ‬
‫أنـه عنـى بذلك أهـل مكـة فإذ كان ذلك عقــيب خـبر ال عمـا كان الــمشركون أرادوا مـن‬
‫ا ستفزازهم ر سول ال صلى ال عل يه و سلم‪ ،‬ل ـيخرجوه عن م كة‪ ،‬كان ب ـيّنا‪ ،‬إذ كان ال قد‬
‫ص ْدقٍ أمر منه‬
‫خرَجَ ِ‬
‫جنِـي ُم ْ‬
‫خ ِر ْ‬
‫ص ْدقٍ وأ ْ‬
‫ب أ ْدخِـ ْلنِـي ُم ْدخَـلَ ِ‬
‫أخرجه منها‪ ،‬أن قوله‪َ :‬وقُلْ رَ ّ‬
‫له ب ـالرغبة إل ـيه ف ـي أن يخر جه من البلدة الت ـي هم ال ـمشركون بإخرا جه من ها مخرج‬
‫صدق‪ ،‬وأن يدخـله البلدة التـي نقله ال إلـيها مدخـل صدق‪.‬‬
‫ل لِـي مِ نْ َل ُدنْ كَ سُلْطانا نَ صِيرا اختلف أهل التأويـل فـي تأويـل ذلك‪ ،‬فقال‬
‫جعَ ْ‬
‫وقوله‪ :‬وَا ْ‬
‫عزّا أقـيـم‬
‫بعضهم‪ :‬معنى ذلك‪ :‬واجعل لـي ملكا ناصرا ينصرنـي علـى من ناوأنـي‪ ،‬و ِ‬
‫به دينك‪ ،‬وأدفع به عنه من أراده بسوء‪ .‬ذكر من قال ذلك‪:‬‬
‫‪17095‬ـ حدثنا مـحمد بن عبد ال بن بزيع‪ ،‬قال‪ :‬حدثنا بشر بن الـمفضل‪ ،‬عن عوف‪ ،‬عن‬
‫ن مُلك‬
‫جعَلْ لِـي ِمنْ َل ُدنْكَ سُلْطانا نَصِيرا يُوعِده لَـ َي ْنزِعَ ّ‬
‫الـحسن‪ ،‬فـي قول ال عزّ وجلّ‪ :‬وَا ْ‬
‫فـارس‪ ،‬وعزّ فـارس‪ ،‬ولـيجعلنه له‪ ،‬وع ّز الرّوم‪ ،‬ومُلك الروم‪ ،‬ولـيجعلنه له‪.‬‬
‫جعَلْ لِـي‬
‫‪ 17096‬ـ حدثنا بشر‪ ،‬قال‪ :‬حدثنا يزيد‪ ،‬قال‪ :‬حدثنا سعيد‪ ،‬عن قتادة‪ ،‬فـي قوله‪ :‬وَا ْ‬
‫ك سُلْطانا نَ صِيرا وإن نب ـيّ ال عل ـم أن ل طاقةَ له بهذا ال مر إل ب سلطان‪ ،‬ف سأل‬
‫ن َل ُدنْ َ‬
‫مِ ْ‬
‫سـلطانا نصـيرا لكتاب ال عزّ وجلّ‪ ،‬ولــحدود ال‪ ،‬ولفرائض ال‪ ،‬ولقامـة ديـن ال‪ ،‬وإن‬
‫ال سلطان رح مة من ال جعل ها ب ـين أظ هر عب ـاده‪ ،‬لول ذلك لغار بعض هم عل ـى ب عض‪،‬‬
‫فأكل شديدهم ضعيفهم‪.‬‬
‫عنِـي بذلك حجة بـينة‪ .‬ذكر من قال ذلك‪:‬‬
‫وقال آخرون‪ :‬بل ُ‬
‫‪ 17097‬ـ حدثنـي مـحمد بن عمرو‪ ،‬قال‪ :‬حدثنا أبو عاصم‪ ،‬قال‪ :‬حدثنا عيسى وحدثنـي‬
‫الــحارث‪ ،‬قال‪ :‬حدثنـا الــحسن‪ ،‬قال‪ :‬حدثنـا ورقاء‪ ،‬جميعـا عـن ابـن أبــي نــجيح‪ ،‬عـن‬
‫مـجاهد فـي قول ال عزّ وجلّ سُلْطانا نَصِيرا قال‪ :‬حجة بـينة‪.‬‬
‫حدث نا القا سم‪ ،‬قال‪ :‬حدث نا ال ـحسين‪ ،‬قال‪ :‬ثن ـي حجاج‪ ،‬عن ا بن جر يج‪ ،‬عن م ـجاهد‪،‬‬
‫مثله‪.‬‬
‫وأولــى القوال فــي ذلك بــالصواب قول مـن قال‪ :‬ذلك أمـر مـن ال تعالــى نبــيه‬
‫ب ـالرغبة إل ـيه ف ـي أن يؤت ـيه سلطانا ن صيرا له عل ـى من بغاه وكاده‪ ،‬وحاول من عه من‬
‫إقامته فرائض ال فـي نفسه وعبـاده‪.‬‬
‫وإنـما قلت ذلك أولـى بـالصواب‪ ،‬لن ذلك عقـيب خبر ال عما كان الـمشركون هموا‬
‫ل أنهم لو فعلوا ذلك عوجلوا بـالعذاب عن قريب‪،‬‬
‫به من إخراجه من مكة‪ ،‬فأعلـمه عزّ وج ّ‬
‫ثم أمره ب ـالرغبة إل ـيه ف ـي إخرا جه من ب ـين أظهر هم إخراج صدق يحاوله عل ـيهم‪،‬‬
‫ويدخ ـله بلدة غير ها‪ ،‬ب ـمدخـل صدق يحاوله عل ـيهم ولهل ها ف ـي دخول ها إل ـيها‪ ،‬وأن‬
‫يجعل له سلطانا نصيرا علـى أهل البلدة التـي أخرجه أهلها منها‪ ،‬وعلـى كلّ من كان لهم‬
‫شبـيها‪ ،‬وإذا أوتـي ذلك‪ ،‬فقد أوتـي ل شكّ حجة بـينة‪.‬‬
‫وأما قوله‪َ :‬نصِيرا فإن ابن زيد كان يقول فـيه‪ ،‬نـحو قولنا الذي قلنا فـيه‪.‬‬
‫جعَلَ لِـي‬
‫‪17098‬ـ حدثنـي يونس‪ ،‬قال‪ :‬أخبرنا ابن وهب‪ ،‬قال‪ :‬قال ابن زيد‪ ،‬فـي قوله‪ :‬وَا ْ‬
‫جعَلُ‬
‫ضدَكَ بأخِيكَ وَنـ ْ‬
‫ع ُ‬
‫س َنشُدّ َ‬
‫ك سُلْطانا َنصِيرا قال‪ :‬ينصرنـي‪ ،‬وقد قال ال لـموسى َ‬
‫ن َل ُدنْ َ‬
‫مِ ْ‬
‫ن إلَـيكُما بآياتنا هذا مقدّم ومؤخّر‪ ،‬إنـما هو سلطان بآياتنا فل يصلون‬
‫َلكُما سُلْطانا فَل يَ صِلُو َ‬
‫إلـيكما‪.‬‬

‫‪82‬‬ ‫و‬ ‫‪81‬‬ ‫الية ‪:‬‬


‫ن زَهُوقا *‬
‫ل كَا َ‬
‫ن ا ْلبَاطِ َ‬
‫ل جَآءَ ا ْلحَ قّ َوزَهَ قَ ا ْلبَاطِلُ ِإ ّ‬
‫{ َوقُ ْ‬ ‫القول فـي تأويـل قوله تعالـى‪:‬‬
‫خسَارا }‪.‬‬
‫ل َ‬
‫حمَ ٌة لّ ْلمُ ْؤ ِمنِينَ َولَ َيزِيدُ الظّاِلمِينَ َإ ّ‬
‫ن مَا ُهوَ شِفَآءٌ َو َر ْ‬
‫ن الْ ُقرْآ ِ‬
‫َو ُن َنزّلُ مِ َ‬
‫يقول تعالــى ذكره‪ :‬وقـل يـا مــحمد لهؤلء الــمشركين الذيـن كادوا أن يسـتفزّونك مـن‬
‫حقّ َوزَهَقَ البـاطِلُ‪.‬‬
‫الرض لـيخرجوك منها‪ :‬جاءَ الـ َ‬
‫ق الذي أ مر ال نب ـيه صلى ال عل يه و سلم أن‬
‫واختلف أ هل التأوي ـل ف ـي مع نى ال ـح ّ‬
‫ُيعْلـم الـمشركين أنه قد جاء‪ ،‬والبـاطل الذي أمره أن يعلـمهم أنه قد زَهَق‪ ،‬فقال بعضهم‪:‬‬
‫الـحقّ‪ :‬هو القرآن فـي هذا الـموضع‪ ،‬والبـاطل‪ :‬هو الشيطان‪ .‬ذكر من قال ذلك‪:‬‬
‫حقّ‬
‫‪ 17099‬ـ حدثنا بشر‪ ،‬قال‪ :‬حدثنا يزيد‪ ،‬قال‪ :‬حدثنا سعيد‪ ،‬عن قتادة‪ ،‬قوله‪َ :‬وقُلْ جا َء الـ َ‬
‫ن البـاطِلَ كانَ زَهُوقا‪.‬‬
‫قال‪ :‬الـحقّ‪ :‬القرآن َوزَهَقَ البـاطِلُ إ ّ‬
‫حدث نا م ـحمد بن ع بد العل ـى‪ ،‬قال‪ :‬حدث نا م ـحمد بن ثور‪ ،‬عن مع مر‪ ،‬عن قتادة َوقُلْ‬
‫حقّ قال‪ :‬القرآن‪َ :‬وزَ َهقَ البـاطِلُ قال‪ :‬هلك البـاطل وهو الشيطان‪.‬‬
‫جاءَ الـ َ‬
‫عنِ ـي ب ـالـحقّ جهاد ال ـمشركين وب ـالبـاطل الشرك‪ .‬ذ كر من قال‬
‫وقال آخرون‪ :‬بل ُ‬
‫ذلك‪:‬‬
‫‪ 17100‬ـ حدثنا القاسم‪ ،‬قال‪ :‬حدثنا الـحسين‪ ،‬قال‪ :‬ثنـي حجاج‪ ،‬عن ابن جريج‪ ،‬قوله‪َ :‬وقُلْ‬
‫ل قال‪ :‬الشرك وما هم فـيه‪.‬‬
‫حقّ قال‪ :‬دنا القتال َوزَ َهقَ البـاطِ ُ‬
‫جاءَ الـ َ‬
‫‪ 17101‬ـ حدثنا الـحسن بن يحيى‪ ،‬قال‪ :‬أخبرنا عبد الرزاق‪ ،‬قال‪ :‬أخبرنا الثور يّ‪ ،‬عن ابن‬
‫أبـي نـجيح‪ ،‬عن مـجاهد‪ ،‬عن أبـي معمر‪ ،‬عن ابن مسعود‪ ،‬قال‪ :‬دخـل رسول ال صلى‬
‫ال عل يه و سلم م كة‪ ،‬وحول الب ـيت ثل ثُ مئة و ستون صنـما‪ ،‬فج عل يطعن ها ويقول‪ :‬جاءَ‬
‫الـحَقّ َوزَ َهقَ البـاطِلُ إنّ البـاطِلَ كانَ زَهُوقا‪.‬‬
‫وأول ـى القوال ف ـي ذلك ب ـالصواب أن يقال‪ :‬أ مر ال تب ـارك وتعال ـى نب ـيه عل ـيه‬
‫ال صلة وال سلم أن ي خبر ال ـمشركين أن ال ـحقّ قد جاء‪ ،‬و هو كلّ ما كان ل ف ـيه ر ضا‬
‫ل ما كان ل رضا ل فـيه ول طاعة مـما‬
‫وطاعة‪ ،‬وأن البـاطل قد زهق‪ :‬يقول‪ :‬وذهب ك ّ‬
‫هـو له معصـية وللشيطان طاعـة‪ ،‬وذلك أن الــحقّ هـو كلّ مـا خالف طاعـة إبلــيس‪ ،‬وأن‬
‫البــاطل‪ :‬هـو كلّ مـا وافـق طاعتـه‪ ،‬ولــم يخصـص ال ع ّز ذكره بــالـخبر عـن بعـض‬
‫طاعاته‪ ،‬ول ذهاب بعض معاصيه‪ ،‬بل عمّ الـخبر عن مـجيء جميع الـحقّ‪ ،‬وذهاب جميع‬
‫الب ـاطل‪ ،‬وبذلك جاء القرآن والتنزي ـل‪ ،‬وعل ـى ذلك قا تل ر سول ال صلى ال عل يه و سلم‬
‫أهل الشرك بـال‪ ،‬أعنـي علـى إقامة جميع الـحقّ‪ ،‬وإبطال جميع البـاطل‪.‬‬
‫وأما قوله عزّ وجلّ‪َ :‬وزَهَقَ البـاطِلُ فإن معناه‪ :‬ذهب البـاطل‪ ،‬من قولهم‪ :‬زَهَقت نفسه‪ :‬إذا‬
‫خر جت وأزهقت ها أ نا و من قول هم‪ :‬أز هق ال سهم‪ :‬إذا جاوز الغرض ف ـاستـمرّ عل ـى جه ته‪،‬‬
‫يقال منه‪ :‬زهق البـاطل‪ ،‬يزهَق زُهوقا‪ ،‬وأزهقه ال‪ :‬أي أذهبه‪ .‬وبنـحو الذي قلنا فـي ذلك‪،‬‬
‫قال أهل التأويـل‪ .‬ذكر من قال ذلك‪:‬‬
‫‪ 17102‬ـ حدث نا عل ـيّ‪ ،‬قال‪ :‬حدث نا ع بد ال‪ ،‬قال‪ :‬ثن ـي معاو ية‪ ،‬عن عل ـيّ‪ ،‬عن ا بن‬
‫ل كانَ زَهُوقا يقول‪ :‬ذاهبـا‪.‬‬
‫ن البـاطِ َ‬
‫عبـاس إ ّ‬
‫ن يقول تعالـى ذكره‪:‬‬
‫ن ما ُهوَ شِفـاءٌ َو َرحْمَ ٌة للْـمُ ْؤ ِمنِـي َ‬
‫وقوله عزّ وجلّ‪ :‬و ُن َنزّلُ مِ نَ القُرآ ِ‬
‫وننزّل علـيك يا مـحمد من القرآن ما هو شفـاء يستشفـى به من الـجهل من الضللة‪،‬‬
‫ويب صر به من الع مى لل ـمؤمنـين ورح مة ل هم دون الكافر ين به‪ ،‬لن ال ـمؤمنـين يعملون‬
‫بــما فــيه مـن فرائض ال‪ ،‬ويحلون حلله‪ ،‬ويحرّمون حرامـه فــيدخـلهم بذلك الــجنة‪،‬‬
‫ويُنـجيهم من عذابه‪ ،‬فهو لهم رحمة ونعمة من ال‪ ،‬أنعم بها علـيهم وَل َيزِيدُ الظّالِـمِينَ إلّ‬
‫خَسـارا يقول‪ :‬ول يزيـد هذا الذي ننزل علــيك مـن القرآن الكافريـن بـه إل خسـارا‪ :‬يقول‪:‬‬
‫إهلكا‪ ،‬لنهم كلـما نزل فـيه أمر من ال بشيء أو نهى عن شيء كفروا به‪ ،‬فلـم يأتـمروا‬
‫لمره‪ ،‬ول ـم ينتهوا ع ما نها هم ع نه‪ ،‬فزاد هم ذلك خ سارا إل ـى ما كانوا ف ـيه ق بل ذلك من‬
‫الـخسار‪ ،‬ورجسا إلـى رجسهم قبلُ‪ ،‬كما‪:‬‬
‫ن القُرآ نِ‬
‫‪ 17103‬ـ حدثنا بشر‪ ،‬قال‪ :‬حدثنا يزيد‪ ،‬قال‪ :‬حدثنا سعيد‪ ،‬عن قتادة‪ ،‬قوله‪َ :‬و ُنّنزّلُ مِ َ‬
‫حمَةٌ للْــمُ ْؤ ِمنِـينَ إذا سـمعه الــمؤمن انتفـع بـه وحفظـه ووعاه وَل َيزِيدُ‬
‫مـا هُ َو شِفــاءٌ َو َر ْ‬
‫ل خَسارا أنه ل ينتفع به ول يحفظه ول يعيه‪ ،‬وإن ال جعل هذا القرآن شفـاء‬
‫الظّالِـمِينَ به إ ّ‬
‫ورحمة للـمؤمنـين‪.‬‬

‫‪83‬‬ ‫الية ‪:‬‬


‫عرَ ضَ َو َنأَى ِبجَا ِنبِ هِ وَِإذَا مَ سّهُ‬
‫ن أَ ْ‬
‫القول فـي تأويـل قوله تعالـى‪{ :‬وَِإذَآ َأ ْن َع ْمنَا عَلَى النْ سَا ِ‬
‫الشّ ّر كَانَ َيئُوسا }‪.‬‬
‫يقول تبـارك وتعالـى‪ :‬وإذا أنعمنا علـى النسان‪ ،‬فنـجّيناه من رب ما هو فـيه فـي‬
‫البحر‪ ،‬وهو ما قد أشرف فـيه علـيه من الهلك بعصوف الريح علـيه إلـى البرّ‪ ،‬وغير‬
‫ل أحد سوانا فـي حال الشدّة‬
‫ذلك من نعمنا‪ ،‬أعرض عن ذكرنا‪ ،‬وقد كان بنا مستغيثا دون ك ّ‬
‫عنَا إِلَـيَ‬
‫ن لَـمْ َيدْ ُ‬
‫التـي كان فـيها وَنأَي بِجانِبِ ِه يقول‪ :‬وبعد منا بجانبه‪ ،‬يعنـي بنفسه‪َ ،‬كأَ ْ‬
‫ضُرَ َمسّ ُه قبل ذلك‪ ،‬كما‪:‬‬
‫‪ 17104‬ـ حدثنـي مـحمد بن عمرو‪ ،‬قال‪ :‬حدثنا أبو عاصم‪ ،‬قال‪ :‬حدثنا عيسى وحدثنـي‬
‫ال ـحارث‪ ،‬قال‪ :‬حدث نا ال ـحسن قال‪ :‬حدث نا ورقاء‪ ،‬جمي عا عن م ـجاهد‪ ،‬ف ـي قوله‪ :‬وَنأَي‬
‫بِجانِبِ ِه قال‪ :‬تبـاعد منا‪.‬‬
‫حدث نا القا سم‪ ،‬قال‪ :‬حدث نا ال ـحسين‪ ،‬قال‪ :‬ثن ـي حجاج‪ ،‬عن ا بن جر يج‪ ،‬عن م ـجاهد‪،‬‬
‫مثله‪.‬‬
‫والقراءة علــى تصـيـير الهمزة فــي َنأَى قبـل اللف‪ ،‬وهـي الل غة الفصـيحة‪ ،‬وبهـا نقرأ‪.‬‬
‫وكان ب عض أ هل ال ـمدينة يقرأ ذلك «وَناء» ف ـيصير الهمزة ب عد اللف‪ ،‬وذلك وإن كان ل غة‬
‫جائزة قد جاءت عن العرب بتقديـمهم فـي نظائر ذلك الهمز فـي موضع هو فـيه مؤخرّ‪،‬‬
‫وتأخيرهموه فـي موضع‪ ،‬هو مقدّم‪ ،‬كما قال الشاعر‪:‬‬
‫ل رَاءَ رُؤْيا َفهْوَ َي ْهذِي بِـما رأى فِـي الـمَنامِ‬
‫أعلمٌ يِقَلّ ُ‬
‫وكما قال آبـار وهي أبآر‪ ،‬فقدموا الهمزة‪ ،‬فلـيس ذلك هو اللغة الـجُودَي‪ ،‬بل الخرى هي‬
‫الفصيحة‪.‬‬
‫شرّ كانَـ َيئُوسـا يقول‪ :‬وإذا مسـه الشرّ والشدّة كان قنوطـا مـن‬
‫وقوله عزّ وجـل‪ :‬وَإذَا مَسّـُه ال ّ‬
‫الفرج والرّوْح‪.‬‬
‫وبنـحو الذي قلنا فـي الـيئوس‪ ،‬قال أهل التأويـل‪ .‬ذكر من قال ذلك‪:‬‬
‫‪ 17105‬ـ حدثنا علـيّ بن داود‪ ،‬قال‪ :‬حدثنا عبد ال‪ ،‬قال‪ :‬ثنـي معاوية‪ ،‬عن علـيّ‪ ،‬عن‬
‫ن َيئُوسا يقول‪َ :‬قنُوطا‪.‬‬
‫شرُ كا َ‬
‫ابن عبـاس‪ ،‬قوله‪ :‬وَإذَا َمسّ ُه ال ّ‬
‫ن َيئُوسا‬
‫شرّ كا َ‬
‫‪17106‬ـ حدثنا بشر‪ ،‬قال‪ :‬حدثنا يزيد‪ ،‬قال‪ :‬حدثنا سعيد‪ ،‬عن قتادة وَإذَا مَسّ ُه ال ّ‬
‫يقول‪ :‬إذا مسه الشرّ َأيِس و َقنِط‪.‬‬

‫‪84‬‬ ‫الية ‪:‬‬


‫َنـ ُهوَ أَ ْه َدىَ‬
‫َمـ ِبم ْ‬
‫ُمـ أَعْل ُ‬
‫ِهـ فَ َر ّبك ْ‬
‫ل َي ْعمَلُ عََلىَ شَاكِلَت ِ‬
‫القول فــي تأويــل قوله تعالــى‪{ :‬قُلْ كُ ّ‬
‫سبِيلً }‪.‬‬
‫َ‬
‫يقول عزّ وجلّ لنب ـيه م ـحمد صلى ال عل يه و سلم‪ :‬قل يا م ـحمد للناس‪ :‬كل كم يع مل‬
‫سبِـيلً يقول‪ :‬ربكم‬
‫ن هو منكم أ ْهدَى َ‬
‫علـى شاكلته‪ :‬علـى ناحيته وطريقته فَ َر ّب ُكمْ أعْلَـمُ بِـمَ ْ‬
‫أعلـم بـمن هو منكم أهدى طريقا إلـى الـحقّ من غيره‪ .‬وبنـحو الذي قلنا فـي ذلك‪ ،‬قال‬
‫أهل التأويـل‪ .‬ذكر من قال ذلك‪:‬‬
‫‪ 17107‬ـ حدث نا عل ـيّ‪ ،‬قال‪ :‬حدث نا ع بد ال‪ ،‬قال‪ :‬ثن ـي معاو ية‪ ،‬عن عل ـيّ‪ ،‬عن ا بن‬
‫عبـاس‪ ،‬قوله‪ :‬كُلّ َي ْعمَلُ عَلـى شاكِلَتِ ِه يقول‪ :‬علـى ناحيته‪.‬‬
‫‪ 17108‬ـ حدثنـي مـحمد بن عمرو‪ ،‬قال‪ :‬حدثنا أبو عاصم‪ ،‬قال‪ :‬حدثنا عيسى وحدثنـي‬
‫الــحارث‪ ،‬قال‪ :‬حدثنـا الــحسن‪ ،‬قال‪ :‬حدثنـا ورقاء‪ ،‬جميعـا عـن ابـن أبــي نــجيح‪ ،‬عـن‬
‫مـجاهد‪ ،‬قوله‪ :‬عَلـى شاكَِلتِ ِه قال‪ :‬علـى ناحيته‪.‬‬
‫حدثنا القا سم‪ ،‬قال‪ :‬حدث نا ال ـحسين‪ ،‬قال‪ :‬ثن ـي حجاج‪ ،‬عن ا بن جر يج‪ ،‬عن م ـجاهد قُلْ‬
‫حدَته‪.‬‬
‫كُلّ َي ْعمَلُ علـى شاكِلَتِ ِه قال‪ :‬علـى طبـيعته علـى ِ‬
‫ل كُل َي ْعمَلُ عَل ـى‬
‫‪ 17109‬ـ حدث نا ب شر‪ ،‬قال‪ :‬حدث نا يز يد‪ ،‬قال‪ :‬حدث نا سعيد‪ ،‬عن قتادة قُ ْ‬
‫شاكِلَ ِتهِيقول‪ :‬علـى ناحيته وعلـى ما ينوي‪.‬‬
‫وقال آخرون‪ :‬الشاكلة‪ :‬الدّين‪ .‬ذكر من قال ذلك‪:‬‬
‫ل َي ْعمَلُ‬
‫‪ 17110‬ـ حدثن ـي يونس‪ ،‬قال‪ :‬أخبر نا ا بن و هب‪ ،‬قال‪ :‬قال ا بن ز يد‪ ،‬فـي قوله‪ :‬كُ ّ‬
‫علـى شاكَِلتِهِ قال‪ :‬علـى دينه‪ ،‬الشاكلة‪ :‬الدين‪.‬‬

‫‪85‬‬ ‫الية ‪:‬‬


‫ح مِ نْ َأ ْمرِ َربّي َومَآ أُوتِيتُم‬
‫ح قُلِ الرّو ُ‬
‫ن الرّو ِ‬
‫سأَلُو َنكَ عَ ِ‬
‫القول فـي تأويـل قوله تعالـى‪َ { :‬ويَ ْ‬
‫مّن ا ْلعِ ْلمِ ِإلّ قَلِيلً }‪.‬‬
‫يقول تعالـى ذكره لنبـيه مـحمد صلى ال عليه وسلم‪ :‬ويسألك الكفـار بـال من أهل‬
‫الكتاب عن الروح ما هي؟ قل لهم‪ :‬الروح من أمر ربـي‪ ،‬وما أوتـيتـم أنتـم وجميع الناس‬
‫من العل ـم إل قل ـيلً‪ .‬وذُكِر أن الذ ين سألوا ر سول ال صلى ال عل يه و سلم عن الروح‪،‬‬
‫فنزلت هذه الَية بـمسألتهم إياه عنها‪ ،‬كانوا قوما من الـيهود‪ .‬ذكر الرواية بذلك‪:‬‬
‫‪17111‬ـ حدثنا أبو هشام‪ ،‬قال‪ :‬حدثنا وكيع‪ ،‬قال‪ :‬حدثنا العمش‪ ،‬عن إبراهيـم‪ ،‬عن علقمة‪،‬‬
‫عن ع بد ال‪ ،‬قال‪ :‬ك نت مع النب ـيّ صلى ال عل يه و سلم ف ـي حرث ب ـالـمدينة‪ ،‬وم عه‬
‫عَ سِيب يتوكأ علـيه‪ ،‬فمر بقوم من الـيهود‪ ،‬فقال بعضهم‪ :‬اسألوه عن الروح‪ ،‬وقال بعضهم‪:‬‬
‫سئَلُو َنكَ‬
‫ل تسألوه‪ ،‬فقام متوكئا علـى عسيبه‪ ،‬فقمت خـلفه‪ ،‬فظننت أنه يوحَى إلـيه‪ ،‬فقال‪َ :‬ويَ ْ‬
‫عَنِـ الرّوحِـ قُلِ الرُوحُـ مِن ْـ أ ْمرِ َربّــي وَمـا أُوتِــيتُـمْ مِنَـ العِلْــِم إلّ قَلِــيلً فقال بعضهـم‬
‫لبعض‪ :‬ألـم نقل لكم ل تسألوه‪.‬‬
‫حدثنـا يحيـى بـن إبراهيــم الــمسعوديّ‪ ،‬قال‪ :‬حدثنـا أبــي‪ ،‬عـن أبــيه‪ ،‬عـن جدّه‪ ،‬عـن‬
‫العمش‪ ،‬عن إبراهيـم‪ ،‬عن علقمة‪ ،‬عن عبد ال‪ ،‬قال‪ :‬بـينا أنا أمشي مع رسول ال صلى‬
‫حرّة بـالـمدينة‪ ،‬إذ مررنا علـى يهود‪ ،‬فقال بعضهم‪ :‬سَلُوه عن الروح‪،‬‬
‫ال عليه وسلم فـي َ‬
‫فقالوا‪ :‬ما أرب كم إلـى أن ت سمعوا ما تكرهون‪ ،‬فقاموا إل ـيه‪ ،‬ف سألوه‪ ،‬فقام فعر فت أ نه يوحَى‬
‫ل الرّو حُ ِمنْ أ ْمرِ َربّـي وَما أُوتِـيُتـمْ‬
‫ن الرّو حِ قُ ِ‬
‫سئَلُو َنكَ عَ ِ‬
‫إلـيه‪ ،‬فقمت مكانـي‪ ،‬ثم قرأ‪َ :‬ويَ ْ‬
‫ل قَلِـيلً فقالوا‪ :‬ألـم ننهكم أن تسألوه‪.‬‬
‫ن العِلْـمِ إ ّ‬
‫مِ َ‬
‫‪ 17112‬ـ حدث نا م ـحمد بن ال ـمثنى‪ ،‬قال‪ :‬حدث نا ا بن ع بد العل ـى‪ ،‬قال‪ :‬حدث نا داود‪ ،‬عن‬
‫عكرمة‪ ،‬قال‪ :‬سأل أهل الكتاب رسول ال صلى ال عليه وسلم عن الروح‪ ،‬فأنزل ال تعالـى‪:‬‬
‫ن العِلْـمِ إلّ قَلِـيلً فقالوا‪:‬‬
‫ح مِ نْ أ ْمرِ َربّـي وَما أُوتِـ ُيتُـمْ مِ َ‬
‫ح قُلِ الرّو ُ‬
‫ن الرّو ِ‬
‫سئَلُو َنكَ عَ ِ‬
‫َويَ ْ‬
‫ت من العلـم إل قل ـيل‪ ،‬وقد أوتـينا التوراة‪ ،‬وهي الـحكمة‪َ ،‬ومَ نْ ُيؤْ تَ‬
‫أتز عم أنا لـم نؤ َ‬
‫جرَ ٍة أقْل مٌ‬
‫شَ‬‫ض من َ‬
‫ن ما فِ ـي الرْ ِ‬
‫خيْرا َكثِ ـيرا‪ .‬قال‪ :‬فنزلت‪ :‬وَلَ ْو أ ّ‬
‫حكْمَ َة فَ َقدْ ُأ ِوتَ ـيَ َ‬
‫ال ـ ِ‬
‫ت كَلِ ـماتُ الّل ِه قال‪ :‬ما أوت ـيتـم عل ـى عل ـم‪،‬‬
‫حرٍ ما نَ ِفدَ ْ‬
‫سبْعَ ُة أ ْب ُ‬
‫ن َب ْعدِ ِه َ‬
‫حرُ يَ ـ ُمدّ ُه مِ ْ‬
‫وال َب ْ‬
‫فنـجاكم ال به من النار‪ ،‬فهو كثـير طيب‪ ،‬وهو فـي علـم ال قلـيـل‪.‬‬
‫حمْصيّ‪،‬‬
‫حدثن ـي إ سماعيـل بن أب ـي ال ـمتوكل‪ ،‬قال‪ :‬حدث نا الشجع يّ أ بو عا صم ال ـ ِ‬
‫قال‪ :‬حدث نا إ سحاق بن عي سى أ بو يعقوب‪ ،‬قال‪ :‬حدث نا القا سم بن م عن‪ ،‬عن الع مش‪ ،‬عن‬
‫إبراهي ـم‪ ،‬عن علق مة‪ ،‬عن ع بد ال‪ ،‬قال‪ :‬إن ـي ل ـمع النب ـيّ صلى ال عل يه و سلم ف ـي‬
‫حرث ب ـالـمدينة‪ ،‬إذ أتاه يهود يّ‪ ،‬قال‪ :‬يا أب ـا القا سم‪ ،‬ما الروح؟ ف سكت النب ـيّ صلى ال‬
‫ل الرّوحُ ِمنْ أ ْمرِ ربّـي‪.‬‬
‫ن الرّوحِ قُ ِ‬
‫سئَلُو َنكَ عَ ِ‬
‫عليه وسلم‪ ،‬وأنزل ال عزّ وجلّ‪َ :‬و َي ْ‬
‫سئَلُو َنكَ عَ نِ‬
‫‪ 17113‬ـ حدث نا ب شر‪ ،‬قال‪ :‬حدث نا يز يد‪ ،‬قال‪ :‬حدث نا سعيد‪ ،‬عن قتادة‪ ،‬قوله‪َ :‬ويَ ْ‬
‫ح لقـيت الـيهود نبـيّ ال صلى ال عليه وسلم‪ ،‬فت َغشّوه وسألوه وقالوا‪ :‬إن كان نبـيا‬
‫الرّو ِ‬
‫علـم‪ ،‬فسيعلـم ذلك‪ ،‬فسألوه عن الروح‪ ،‬وعن أصحاب الكهف‪ ،‬وعن ذي القرنـين فأنزل ال‬
‫ن أ ْمرِ َربّـي وَما أُوتِـيُتـمْ مِنَ العِلْـمِ‬
‫ح قُلِ الرّوحُ ِم ْ‬
‫فـي كتابه ذلك كله َويَسْئَلُو َنكَ عَن الرّو ِ‬
‫إلّ قَلِـيلً يعنـي الـيهود‪.‬‬
‫‪ 17114‬ـ حدثنـي مـحمد بن عمرو‪ ،‬قال‪ :‬حدثنا أبو عاصم‪ ،‬قال‪ :‬حدثنا عيسى وحدثنـي‬
‫الــحارث‪ ،‬قال‪ :‬حدثنـا الــحسن‪ ،‬قال‪ :‬حدثنـا ورقاء‪ ،‬جميعـا عـن ابـن أبــي نــجيح‪ ،‬عـن‬
‫ح قال‪ :‬يهود تسأل عنه‪.‬‬
‫ن الرّو ِ‬
‫سئَلُو َنكَ عَ ِ‬
‫مـجاهد‪ ،‬قوله‪َ :‬و َي ْ‬
‫حدث نا القاسـم‪ ،‬قال‪ :‬حدثنـا الــحسين‪ ،‬قال‪ :‬ثنــي حجاج‪ ،‬عن ابـن جريـج‪ ،‬عن مــجاهد‬
‫ح قال‪ :‬يهود تسأله‪.‬‬
‫ن الرّو ِ‬
‫سئَلُو َنكَ عَ ِ‬
‫َو َي ْ‬
‫‪ 17115‬ـ حدثنا م ـحمد بن سعد‪ ،‬قال‪ :‬ثنـي أبـي‪ ،‬قال‪ :‬ثنـي عمي‪ ،‬قال‪ :‬ثنـي أب ـي‪،‬‬
‫ن الرّو حِ‪ ...‬الَ ية‪ :‬وذلك أن ال ـيهود قالوا‬
‫ع ِ‬
‫سئَلُو َنكَ َ‬
‫عن أب ـيه‪ ،‬عن ا بن عب ـاس‪ ،‬قوله‪َ :‬ويَ ْ‬
‫للنب ـيّ صلى ال عل يه و سلم‪ :‬أخبر نا ما الروح‪ ،‬وك يف تعذّب الروح الت ـي ف ـي ال ـجسد‬
‫وإنـما الروح من ال عزّ وجلّ‪ ،‬ولـم يكن نزل علـيه فـيه شيء‪ ،‬فلـم ُيحِر إلـيهم شيئا‪،‬‬
‫ن العِلْـمِ إلّ‬
‫ح مِنْ أ ْمرِ َربّـي وَما أُوتِـيُتـمْ ِم َ‬
‫ل الرّو ُ‬
‫فأتاه جَبرئيـل علـيه السلم‪ ،‬فقال له‪ :‬قُ ِ‬
‫قَلِـيلً فأخبرهم النبـيّ صلى ال عليه وسلم بذلك‪ ،‬قالوا له‪ :‬من جاءك بهذا؟ فقال لهم النبـيّ‬
‫ع ْندِ الّل هِ»‪ ،‬فقالوا‪ :‬وال ما قاله لك إل عدوّ‬
‫ج ْبرِي ـلُ مِ نْ ِ‬
‫صلى ال عل يه و سلم‪« :‬جاءنِ ـي بِ هِ ِ‬
‫عدُوّا لِـجْبرِيـلَ فإنّهُ َنزّلَهُ عَلـى قَ ْل ِبكَ‪ ...‬الَية‪.‬‬
‫لنا‪ ،‬فأنزل ال تبـارك اسمه‪ :‬قُلْ َمنْ كانَ َ‬
‫حدث نا ا بن حم يد‪ ،‬قال‪ :‬حدث نا جر ير‪ ،‬عن مغيرة‪ ،‬عن إبراهي ـم‪ ،‬عن ع بد ال‪ ،‬قال‪ :‬ك نت‬
‫أمشي مع النبـيّ صلى ال عليه وسلم ذات يوم‪ ،‬فمررنا بأناس من الـيهود‪ ،‬فقالوا‪ :‬يا أبـا‬
‫سكِت‪ ،‬فرأيت أنه يوحَى إلـيه‪ ،‬قال‪ :‬فتنـحيت عنه إلـى سُبـاطة‪ ،‬فنزلت‬
‫القاسم ما الرّوح؟ فأُ ْ‬
‫ن الرّوحِ‪ ...‬الَية‪ ،‬فقالت الـيهود‪ :‬هكذا نـجده عندنا‪.‬‬
‫علـيه‪َ :‬و َيسْئَلُو َنكَ عَ ِ‬
‫واختلف أ هل التأوي ـل ف ـي الروح الذي ذُكِر ف ـي هذا ال ـموضع ما هي؟ فقال بعض هم‪:‬‬
‫هي جبرئيـل علـيه السلم‪ .‬ذكر من قال ذلك‪:‬‬
‫‪ 17116‬ـ حدثنا مـحمد بن عبد العلـى‪ ،‬قال‪ :‬حدثنا مـحمد بن ثور‪ ،‬عن معمر‪ ،‬عن قتادة‬
‫ح قال‪ :‬هو جبرائيـل‪ ،‬قال قتادة‪ :‬وكان ابن عبـاس يكتـمه‪.‬‬
‫ن الرّو ِ‬
‫سئَلُو َنكَ عَ ِ‬
‫َو َي ْ‬
‫وقال آخرون‪ :‬هي مَلك من الـملئكة‪ .‬ذكر من قال ذلك‪:‬‬
‫‪ 17117‬ـ حدثن ـي عل ـيّ‪ ،‬قال‪ :‬حدث نا ع بد ال‪ ،‬قال‪ :‬ثن ـي معاو ية‪ ،‬عن عل ـيّ‪ ،‬عن ا بن‬
‫ح قال‪ :‬الروح‪ :‬مَلك‪.‬‬
‫سئَلُو َنكَ عَنِ الرو ِ‬
‫عبـاس‪ ،‬قوله‪َ :‬و َي ْ‬
‫‪ 17118‬ـ حدثنـي علـيّ‪ ،‬قال‪ :‬حدثنا عبد ال بن صالـح‪ ،‬قال‪ :‬ثنـي أبو مروان يزيد بن‬
‫سـمرة صـاحب قــيسارية‪ ،‬عمـن حدثـه عـن علــيّ بـن أبــي طالب‪ ،‬أنـه قال فــي قوله‪:‬‬
‫ح قال‪ :‬هو ملَك من الـملئكة له سبعون ألف وجه‪ ،‬لكل وجه منها سبعون‬
‫ن الرّو ِ‬
‫عِ‬‫سئَلُو َنكَ َ‬
‫َويَ ْ‬
‫ل بتلك اللغات كلها‪ ،‬يخـلق ال‬
‫ألف لسان‪ ،‬لكل لسان منها سبعون ألف لغة يسبح ال عزّ وج ّ‬
‫من كلّ تسبـيحة ملَكا يطير مع الـملئكة إلـى يوم القـيامة‪.‬‬
‫وقد بـيّنا معنى الرّوح فـي غير هذا الـموضع من كتابنا‪ ،‬بـما أغنى عن إعادته‪.‬‬
‫ل دونكم‪ ،‬فل‬
‫ن أ ْمرِ َربّـي فإنه يعنـي‪ :‬أنه من المر الذي يعلـمه ال عزّ وج ّ‬
‫وأما قوله‪ :‬م ْ‬
‫تعلـمونه ويعلـم ما هو‪.‬‬
‫وأما قوله‪ :‬وَما أُوتِـيتُـمْ ِم نَ العِلْـمِ إلّ قَلِـيلً فإن أهل التأويـل اختلفوا فـي الـمعنـيّ‬
‫ل قَلِ ـيلً فقال بعض هم‪ :‬ع نى بذلك‪ :‬الذ ين سألوا ر سول ال‬
‫ن العِلْ ـمِ إ ّ‬
‫بقوله وَ ما أُوتِ ـيتُـمْ م َ‬
‫صلى ال عليه وسلم عن الروح وجميع الناس غيرهم‪ ،‬ولكن لـما ضمّ غير الـمخاطب إلـى‬
‫الـمخاطب‪ ،‬خرج الكلم علـى الـمخاطبة‪ ،‬لن العرب كذلك تفعل إذا اجتـمع فـي الكلم‬
‫مخبر عنه غائب ومخاطب‪ ،‬أخرجو الكلم خطابـا للـجمع‪ .‬ذكر من قال ذلك‪:‬‬
‫‪ 17119‬ـ حدثنـي ابن حميد‪ ،‬قال‪ :‬حدثنا سلـمة‪ ،‬قال‪ :‬حدثنا مـحمد بن إسحاق‪ ،‬عن بعض‬
‫ن العِلْـمِ إلّ قَلِـيلً فلـما‬
‫أصحابه‪ ،‬عن عطاء بن يسار‪ ،‬قال‪ :‬نزلت بـمكة وَما أُوتِـيتُـمْ ِم َ‬
‫ها جر ر سول ال صلى ال عل يه و سلم إل ـى ال ـمدينة أتاه أحب ـار يهود‪ ،‬فقالوا‪ :‬يا م ـحمد‬
‫ن العِلْ ـمِ إلّ قَلِ ـيلً أفعن ـيتنا أم قو مك؟ قال‪« :‬كُلّ َقدْ‬
‫أل ـم يبلغ نا أ نك تقول وَ ما أُوتِ ـيتُـمْ مِ َ‬
‫ل شيء‪ ،‬فقال رسول ال صلى‬
‫عنَـيْتُ»‪ ،‬قالوا‪ :‬فإنك تتلو أنا أوتـينا التوراة وفـيها تبـيان ك ّ‬
‫َ‬
‫عمِ ْلتُـمْ بِ ِه ا ْنتَ َف ْعتُـمْ»‪ ،‬فَأ ْنزَل‬
‫ي فـي عِلْـمِ الّل ِه قَلِـيـلٌ‪َ ،‬وقَ ْد آتاكُ مْ ما إ نْ َ‬
‫ال عليه وسلم‪« :‬هِ َ‬
‫جرَ ٍة أقْلمٌ‪ ...‬إلـى قوله إنّ الّلهَ سَميعٌ َبصِيرٌ‪.‬‬
‫شَ‬‫ض مِنْ َ‬
‫ن ما فِـي الرْ ِ‬
‫ال وَلَوْ أ ّ‬
‫‪ 17120‬ـ حدثنا القاسم‪ ،‬قال‪ :‬حدثنا الـحسين‪ ،‬قال‪ :‬ثنـي حجاج‪ ،‬عن ابن جريج‪ ،‬قوله عزّ‬
‫ل قال‪ :‬يا مـحمد والناس أجمعون‪.‬‬
‫ن العِلْـمِ إلّ قَلِـي ً‬
‫وجلّ وَما أُوتِـيتُـمْ مِ َ‬
‫وقال آخرون‪ :‬بل عنى بذلك الذين سألوا رسول ال صلى ال عليه وسلم عن الروح خاصة‬
‫دون غيرهم‪ .‬ذكر من قال ذلك‪:‬‬
‫ن العِلْـمِ‬
‫‪17121‬ـ حدثنا بشر‪ ،‬قال‪ :‬حدثنا يزيد‪ ،‬قال‪ :‬حدثنا سعيد‪ ،‬عن قتادة وَما أُوتِـيتُـمْ ِم َ‬
‫إلّ قَلِـيلً يعنـي‪ :‬الـيهود‪.‬‬
‫وأول ـى القوال ف ـي ذلك ب ـالصواب أن يقال‪ :‬خرج الكلم خطاب ـا ل ـمن خو طب به‪،‬‬
‫ل أحـد سـوى ال‪ ،‬وإن كثـر فــي علــم ال‬
‫والــمراد بـه جميـع الــخـلق‪ ،‬لن علــم ك ّ‬
‫قل ـيـل‪ .‬وإن ـما مع نى الكلم‪ :‬و ما أوت ـيتـم أي ها الناس من العل ـم إلّ قل ـيلً من كث ـير‬
‫مـما يعلـم ال‪.‬‬

‫‪86‬‬ ‫الية ‪:‬‬


‫ك بِ هِ‬
‫جدُ لَ َ‬
‫ك ثُ مّ لَ َت ِ‬
‫حيْنَا إَِليْ َ‬
‫شئْنَا َل َنذْ َهبَ نّ بِاّلذِي أَ ْو َ‬
‫القول ف ـي تأوي ـل قوله تعال ـى‪{ :‬وََلئِن ِ‬
‫عََل ْينَا َوكِيلً }‪.‬‬
‫يقول ذكره‪ :‬ولئن شئ نا لنذهبنّـ بــالذي آتــيناك مـن العلــم الذي أوحينـا إل ـيك مـن هذا‬
‫ن به‪ ،‬فل تعل ـمه‪ ،‬ثم ل ت ـجد لنف سك ب ـما نف عل بك من ذلك وكيلً‪ ،‬يعن ـي‪:‬‬
‫القرآن لنذهب ّ‬
‫قـيّـما يقوم لك‪ ،‬فـيـمنعنا من فعل ذلك بك‪ ،‬ول ناصرا ينصرك‪ ،‬فـيحول بـيننا وبـين‬
‫ما نريـد بك‪ ،‬قال‪ :‬وكان ع بد ال بن م سعود يتأوّل مع نى ذهاب ال عزّ وجلّ به رف عه من‬
‫صدور قارئيه‪ .‬ذكر الرواية بذلك‪:‬‬
‫‪ 17122‬ـ حدثنا أبو كريب‪ ،‬قال‪ :‬حدثنا أبو بكر بن عياش‪ ،‬عن عبد العزيز بن رفـيع‪ ،‬عن‬
‫ُبنْدار‪ ،‬عن مع قل‪ ،‬قال‪ :‬قلت لع بد ال‪ ،‬وذ كر أنه يُ سرى عل ـى القرآن‪ :‬ك يف وقد أثبتناه ف ـي‬
‫صدورنا ومصاحفنا؟ قال‪ :‬يُسرى علـيه لـيلً‪ ،‬فل يبقـى منه فـي مصحف ول فـي صدر‬
‫حيْنا إلَـ ْيكَ‪.‬‬
‫ن بـاّلذِي أ ْو َ‬
‫شئْنا َل َنذْهَب ّ‬
‫رجل‪ ،‬ثم قرأ عبد ال‪ :‬وََلئِنْ ِ‬
‫حدثنـي يونس‪ ،‬قال‪ :‬أخبرنا ابن وهب‪ ،‬قال‪ :‬حدثنا ابن إسحاق بن يحيى‪ ،‬عن الـمسيب بن‬
‫را فع‪ ،‬عن ع بد ال بن م سعود‪ ،‬قال‪ :‬تطرق النا سَ ر يح حمراء من ن ـحو الشام‪ ،‬فل يبق ـى‬
‫فـي مصحف رجل ول قلبه آية‪ .‬قال رجل‪ :‬يا أبـا عبد الرحمن‪ ،‬إنـي قد جمعت القرآن‪،‬‬
‫حيْنا‬
‫ن بـالّذِي أ ْو َ‬
‫شئْنا َل َنذْهَب ّ‬
‫ن ِ‬
‫قال‪ :‬ل يبقـى فـي صدرك منه شيء‪ .‬ثم قرأ ابن مسعود‪ :‬وََلئِ ْ‬
‫إلَـ ْيكَ»‪.‬‬

‫‪87‬‬ ‫الية ‪:‬‬


‫ك َكبِيرا }‪.‬‬
‫حمَ ًة مّن ّر ّبكَ ِإنّ َفضْلَهُ كَانَ عََل ْي َ‬
‫القول فـي تأويـل قوله تعالـى‪ِ{ :‬إلّ َر ْ‬
‫شئْ نا لنذهب نّ يا م ـحمد ب ـالّذِي أوْحيْنَا إل ـيْكَ ولك نه ل يشاء ذلك‪،‬‬
‫ن ِ‬
‫يقول عزّ وجلّ‪ :‬ولئ ْ‬
‫رحمـة مـن ربـك وتفضلً منـه علــيك إنّـ فضْلهُـ كان َـ علــيكَ كبــيرا بــاصطفـائه إياك‬
‫لرسالته‪ ،‬وإنزاله علـيك كتابه‪ ،‬وسائر نعمه علـيك التـي ل تـحصى‪.‬‬

‫‪88‬‬ ‫الية ‪:‬‬


‫لنْ سُ وَا ْلجِ نّ عََلىَ أَن َي ْأتُو ْا ِب ِمثْلِ هَـذَا‬
‫ج َت َمعَ تِ ا ِ‬
‫ناْ‬
‫القول فـي تأويـل قوله تعالـى‪{ :‬قُل ّلئِ ِ‬
‫ظهِيرا }‪.‬‬
‫ض َ‬
‫ن َب ْعضُ ُهمْ ِل َبعْ ٍ‬
‫ن لَ َي ْأتُونَ ِب ِمثْلِهِ وََلوْ كَا َ‬
‫الْ ُقرْآ ِ‬
‫يقول جل ثناؤه‪ :‬قل يا مـحمد للذين قالوا لك‪ :‬أنا نأتـي بـمثل هذا القرآن‪ :‬لئن اجتـمعت‬
‫ال نس وال ـجنّ عل ـى أن يأتوا ب ـمثله‪ ،‬ل يأتون أبدا ب ـمثله‪ ،‬ولو كان بعض هم لب عض عو نا‬
‫وظهرا‪ .‬وذُكِر أن هذه الَيـة نزلت علــى رسـول ال صـلى ال عليـه وسـلم بسـبب قوم مـن‬
‫الـيهود جادلوه فـي القرآن‪ ،‬وسألوه أن يأتـيهم بآية غيره شاهدة له علـى نبّوته‪ ،‬لن مثل‬
‫هذا القرآن بهم قدرة علـى أن يأتوا به‪ .‬ذكر الرواية بذلك‪:‬‬
‫‪ 17123‬ـ حدثنا أبو كريب‪ ،‬قال‪ :‬حدثنا يونس بن بكير‪ ،‬قال‪ :‬حدثنا مـحمد بن إسحاق‪ ،‬قال‪:‬‬
‫حدث نا م ـحمد بن أب ـي م ـحمد مول ـى ز يد بن ثا بت‪ ،‬قال‪ :‬ثن ـي سعيد بن جب ـير أو‬
‫عكر مة‪ ،‬عن ا بن عب ـاس‪ ،‬قال‪ :‬أت ـى ر سول ال صلى ال عل يه وسلم م ـحمود بن سيحان‬
‫وعمر بن أصان وبحري بن عمرو‪ ،‬وعزيز بن أبـي عزيز‪ ،‬وسلم بن ِمشْكم‪ ،‬فقالوا‪ :‬أخبرنا‬
‫يـا مــحمد بهذا الذي جئنـا بـه حقّـ مـن عنـد ال عزّ وجلّ‪ ،‬فإنـا ل نراه متناسـقا كمـا تناسـق‬
‫ع ْندَ الّل هِ‬
‫التوراة‪ ،‬فقال لهم ر سول ال صلى ال عل يه و سلم‪« :‬أما وَالّل ِه أ ّنكُ مْ َل َت ْع ِرفُو نَ أنّ ُه مِ نْ ِ‬
‫جتَ ـ َمعَتِ النْ سُ وال ـجِنّ عَل ـى أ نْ َي ْأتُوا بِ ـ ِمثْلِ ِه ما جاءُوا‬
‫ع ْندَكُ مْ‪ ،‬وَلَ ِو ا ْ‬
‫جدُونَ ُه َم ْكتُوب ـا ِ‬
‫تَ ـ ِ‬
‫بِهـِ» فقال عنـد ذلك‪ ،‬وهـم جميعـا‪ِ :‬فنْــحاص‪ ،‬وعبـد ال بـن صـُورِيا‪ ،‬وكِنانـة بـن أبــي‬
‫ال ـحُقـيق‪ ،‬وَأشِ يع‪ ،‬وك عب بن أ سد‪ ،‬و سموءَل بن زيـد‪ ،‬وج بل بن عمرو‪ :‬يا م ـحمد ما‬
‫يعلّـمك هذا إنس ول جان؟ فقال رسول ال صلى ال عليه وسلم‪« :‬أما وَالّل ِه إ ّنكُ مْ َل َتعْلَـمُونَ‬
‫ع ْندَك مْ فِـي التّ ْورَا ِة والنـجِيـلِ»‪ ،‬فقالوا‪ :‬يا مـحمد‪ ،‬إن‬
‫جدُونَ ُه َم ْكتُوبـا ِ‬
‫ع ْندَ الّل ِه تَـ ِ‬
‫أنّ هُ مِ نْ ِ‬
‫ال ي صنع لر سوله إذا بع ثه ما شاء‪ ،‬ويقدر م نه عل ـى ما أراد‪ ،‬فأنزل عل ـينا كتاب ـا نقرؤه‬
‫ل َلئِ نِ‬
‫ونعرفه‪ ،‬وإلّ جئناك بـمثل ما يأتـي به‪ ،‬فأنزل ال عزّ وجلّ فـيهم وفـيـما قالوا‪ :‬قُ ْ‬
‫كانـ‬
‫َ‬ ‫ُونـ بِــِمثْلِهِ وَلَ ْو‬
‫ُرآنـ ل َي ْأت َ‬
‫أنـ َي ْأتُوا بِــِمثْلِ َهذَا الق ِ‬
‫ْسـ والــجِنّ عَلــى ْ‬
‫جتَــَمعَتِ الن ُ‬
‫اْ‬
‫ظهِيرا‪.‬‬
‫ض ُهمْ ِل َبعْضٍ َ‬
‫َبعْ ُ‬
‫‪ 17124‬ـ حدثنا القاسم‪ ،‬قال‪ :‬حدثنا الـحسين‪ ،‬قال‪ :‬ثنـي حجاج‪ ،‬عن ابن جريج‪ ،‬قوله َلئِ نِ‬
‫ظهِيرا قال‪ :‬معينـا‪ ،‬قال‪:‬‬
‫جتَــَمعَتِ النْسُـ والــجِنّ‪ ...‬إلــى قوله وََلوْ كانَـ َب ْعضُهُم ْـ ِل َبعْضٍـ َ‬
‫اْ‬
‫يقول‪ :‬لو برزت الــجنّ وأعانهـم النـس‪ ،‬فتظاهروا لــم يأتوا بــمثل هذا القرآن‪ .‬وقوله عزّ‬
‫ن بِـ ِمثْلهِ رفع‪ ،‬وهو جواب لقوله «لئن»‪ ،‬لن العرب إذا أجابت لئن بل رفعوا ما‬
‫ل ل َي ْأتُو َ‬
‫وج ّ‬
‫بعدها‪ ،‬لن «لئن» كالـيـمين وجواب الـيـمين بل مرفوع‪ ،‬وربـما جزم لن التـي يجاب‬
‫بها زيدت علـيه لم‪ ،‬كما قال العشى‪:‬‬
‫ل‬
‫عنْ دِماءِ القَ ْومِ َن ْنتَفِ ُ‬
‫ل تُلْفنا َ‬ ‫ب َمعْرَك ٍة‬
‫َل ِئنْ ُمنِـيتَ بِنا عَنْ غِ ّ‬

‫‪89‬‬ ‫الية ‪:‬‬


‫ن مِن كُلّ َمثَلٍ َفَأ َبىَ‬
‫القول ف ـي تأوي ـل قوله تعال ـى‪{ :‬وََل َقدْ صَ ّر ْفنَا لِلنّا سِ فِي هَ ـذَا الْ ُقرْآ ِ‬
‫َأ ْكثَ ُر النّاسِ ِإلّ كُفُورا }‪.‬‬
‫يقول ذكره‪ :‬ولقد بـيّنا للناس فـي هذا القرآن من كلّ مثل‪ ،‬احتـجاجا بذلك كله علـيهم‪،‬‬
‫وتذكيرا ل هم‪ ،‬وتنب ـيها علـى ال ـحقّ ل ـيتبعوه ويعملوا به فَأ بى أ ْك َثرُ النّا سِ إلّ كُفُورا يقول‪:‬‬
‫ل جحودا للـحقّ‪ ،‬وإنكارا لـحجج ال وأدلته‪.‬‬
‫فأبى أكثر الناس إ ّ‬

‫‪90‬‬ ‫الية ‪:‬‬


‫ض َي ْنبُوعا }‪.‬‬
‫جرَ َلنَا مِنَ الرْ ِ‬
‫حّتىَ تَ ْف ُ‬
‫ن َلكَ َ‬
‫القول فـي تأويـل قوله تعالـى‪َ { :‬وقَالُو ْا لَن نّ ْؤمِ َ‬
‫يقول ذكره‪ :‬وقال يا مـحمد‪ ،‬الـمشركون بـال من قومك لك‪ :‬لن نصدّقك‪ ،‬حتـى تفجّر‬
‫لنا من أرضنا هذه عينا تنبع لنا بـالـماء‪.‬‬
‫وقوله َي ْنبُوعا يفعول من قول القائل‪ :‬نبع الـماء‪ :‬إذا ظهر وفـار‪ ،‬ي ْنبُع و َي ْنبَع‪ ،‬وهو ما نبع‪.‬‬
‫كما‪:‬‬
‫جرَ لَنا مِنَ‬
‫‪17125‬ـ حدثنا بشر‪ ،‬قال‪ :‬حدثنا يزيد‪ ،‬قال‪ :‬حدثنا سعيد‪ ،‬عن قتادة‪ ،‬قوله حتـى تَ ْف ُ‬
‫الرْضِ َي ْنبُوعا‪ :‬أي حتـى ت ْفجُر لنا من الرض عيونا‪ :‬أي ببلدنا هذا‪.‬‬
‫حدث نا ال ـحسن بن يح يى‪ ،‬قال‪ :‬أخبر نا ع بد الرزاق‪ ،‬قال‪ :‬أخبر نا مع مر‪ ،‬عن قتادة‪ ،‬قوله‬
‫ض َي ْنبُوعا قال‪ :‬عيونا‪.‬‬
‫جرَ لَنا مِنَ الرْ ِ‬
‫حتـى تَ ْف ُ‬
‫حدثنا مـحمد‪ ،‬قال‪ :‬حدثنا مـحمد بن ثور‪ ،‬عن معمر‪ ،‬عن قتادة‪ ،‬مثله‪.‬‬
‫‪ 17126‬ـ حدث نا م ـحمد بن عمرو‪ ،‬قال‪ :‬حدث نا أ بو عا صم‪ ،‬قال‪ :‬حدث نا عي سى وحدثن ـي‬
‫الــحارث‪ ،‬قال‪ :‬حدثنـا الــحسن‪ ،‬قال‪ :‬حدثنـا ورقاء‪ ،‬جميعـا عـن ابـن أبــي نــجيح‪ ،‬عـن‬
‫مـجاهد َي ْنبُوعا قال‪ :‬عيونا‪.‬‬
‫حدث نا القا سم‪ ،‬قال‪ :‬حدث نا ال ـحسين‪ ،‬قال‪ :‬ثن ـي حجاج‪ ،‬عن ا بن جر يج‪ ،‬عن م ـجاهد‪،‬‬
‫مثله‪.‬‬
‫جرَ‬
‫جرَ فروي عن إبراهي ـم الن ـخعيّ أ نه قرأ حت ـى تَ ْف ُ‬
‫واختل فت القرّاء ف ـي قراءة قوله تَ ْف ُ‬
‫جرَ النهَا َر خِلَلَهـا تَ ْفجِيرا بــالتشديد‪ ،‬وكذلك كانـت قراء الكوفــيـين‬
‫لَنـا خفــيفة وقوله َفتُ َف ّ‬
‫يقرءونها‪ ،‬فكأنهم ذهبوا بتـخفـيفهم الولـى إلـى معنى‪ :‬حتـى تفجر لنا من الرض ماء‬
‫مرّة واحدة‪ .‬وبتشديدهم الثانـية إلـى أنها تفجر فـي أماكن شتـى‪ ،‬مرّة بعد أخرى‪ ،‬إذا كان‬
‫ذلك تفجر أنهار ل نهر واحد والتـخفـيف فـي الولـى والتشديد فـي الثانـية علـى ما‬
‫ذكرت من قراءة الكوف ـيـين أع جب إل ـيّ ل ـما ذكرت من افتراق معن ـيـيهما‪ ،‬وإن ل ـم‬
‫تكن الولـى مدفوعة صحتها‪.‬‬

‫‪91‬‬ ‫الية ‪:‬‬


‫جرَ ال ْنهَارَ خِلَلهَا‬
‫عنَ بٍ َفتُ َف ّ‬
‫جنّ ٌة مّن ّنخِيلٍ وَ ِ‬
‫ن لَ كَ َ‬
‫القول فـي تأويـل قوله تعالـى‪َ{ :‬أوْ َتكُو َ‬
‫تَ ْفجِيرا }‪.‬‬
‫يقول ذكره لنب ـيه م ـحمد صلى ال عل يه و سلم‪ :‬وقال لك يا م ـحمد مشر كو قو مك‪ :‬لن‬
‫نصدّقك حتـى تستنبط لنا عينا من أرضنا‪ ،‬تَدفّق بـالـماء أو تفور‪ ،‬أو يكون لك بستان‪ ،‬وهو‬
‫ال ـجنة‪ ،‬من ن ـخيـل وع نب‪ ،‬فتفجّر النهار خلل ها تفجيرا بأرض نا هذه الت ـي ن ـحن ب ها‬
‫خللهـا‪ ،‬يعنــي‪ :‬خلل النــخيـل والكروم ويعنــي بقوله‪ :‬خِللهـا تَفجِيرا بــينها فــي‬
‫أصولها تفجيرا بسبب أبنـيتها‪.‬‬

‫‪92‬‬ ‫الية ‪:‬‬


‫عمْ تَ عََليْنَا كِ سَفا َأوْ َت ْأتِ يَ بِاللّ هِ‬
‫سمَآءَ كَمَا زَ َ‬
‫القول ف ـي تأوي ـل قوله تعال ـى‪{ :‬أَ ْو تُ سْ ِقطَ ال ّ‬
‫وَا ْلمَل ِئكَ ِة َقبِيلً }‪.‬‬
‫اختلفت القرّاء فـي قراءة قوله‪ :‬كِ سَفـا فقرأته عامّة قرّاء الكوفة والبصرة بسكون السين‪،‬‬
‫ب ـمعنى‪ :‬أو ت سقط ال سماء ك ما زع مت عل ـينا كِ سفـا‪ ،‬وذلك أن الكِ سْف ف ـي كلم العرب‪:‬‬
‫سدْر‪ ،‬والت ـمرة‬
‫سدْرة ب ِ‬
‫ج مع كِ سْفة‪ ،‬و هو ج مع الكث ـير من العدد لل ـجنس‪ ،‬ك ما ت ـجمع ال ّ‬
‫بت ـمر‪ ،‬فحُ كي عن العرب سماعا‪ :‬أعطن ـي كِ سْفة من هذا الثوب‪ :‬أي قط عة م نه‪ ،‬يقال م نه‪:‬‬
‫جاءنا بثريد كِ سْف‪ :‬أي قطع خ بز‪ .‬وقد يحتـمل إذا قرىء كذلك «كِ سْفـا» ب سكون ال سين أن‬
‫ف بفت ـح ال سين‪ ،‬فإ نه ج مع ما ب ـين الثلث‬
‫يكون مرادا به ال ـمصدر من ك سف‪ .‬فأ ما الكِ سَ ُ‬
‫إل ـى الع شر‪ ،‬يقال‪ :‬كِ سَفة واحدة‪ ،‬وثلث كِ سَف‪ ،‬وكذلك إل ـى الع شر‪ .‬وقرأ ذلك عا مة قرّاء‬
‫أ هل ال ـمدينة وب عض الكوف ـيـين كِ سَفـا بفت ـح ال سين ب ـمعنى‪ :‬ج مع الكِ سْفة الواحدة من‬
‫الثلث إلـى العشر‪ ،‬يعنـي بذلك قِطَعا‪ :‬ما بـين الثلث إلـى العشر‪.‬‬
‫وأولـى القراءت ـين فـي ذلك بـالصواب عندي قراءة من قرأه ب سكون السين‪ ،‬لن الذ ين‬
‫سألوا رسول ال صلى ال عليه وسلم ذلك‪ ،‬لـم يقصدوا فـي مسألتهم إياه ذلك أن يكون بحدّ‬
‫معلوم من القطع‪ ،‬إنـما سألوا أن يُسقط علـيهم من السماء ِقطَعا‪ ،‬وبذلك جاء التأويـل أيضا‬
‫عن أهل التأويـل‪ .‬ذكر من قال ذلك‪:‬‬
‫‪ 17127‬ـ حدثنـي مـحمد بن عمرو‪ ،‬قال‪ :‬حدثنا أبو عاصم‪ ،‬قال‪ :‬حدثنا عيسى وحدثنـي‬
‫الــحارث‪ ،‬قال‪ :‬حدثنـا الــحسن‪ ،‬قال‪ :‬حدثنـا ورقاء‪ ،‬جميعـا عـن ابـن أبــي نــجيح‪ ،‬عـن‬
‫مـجاهد‪ ،‬قوله ِكسْفـا قال‪ :‬السماء جميعا‪.‬‬
‫حدث نا القا سم‪ ،‬قال‪ :‬حدث نا ال ـحسين‪ ،‬قال‪ :‬ثن ـي حجاج‪ ،‬عن ا بن جر يج‪ ،‬عن م ـجاهد‪،‬‬
‫مثله‪.‬‬
‫عمْ تَ عَلَ ـيْنا‬
‫‪ 17128‬ـ قال ا بن جر يج‪ :‬قال ع بد ال بن كث ـير‪ ،‬عن م ـجاهد‪ ،‬قوله كمَا زَ َ‬
‫جعَلُه ُـ كِسـَفـا قال‪ :‬قطعـا‪ ،‬قال ابـن جريـج‪:‬‬
‫كِسـَفـا قال‪ :‬مرّة واحدة‪ ،‬والتــي فــي الروم و َي ْ‬
‫ن السّماءِ‪.‬‬
‫سفْ ِب ِهمُ الرْضَ أ ْو ُنسْ ِقطْ عَلَـ ْي ِهمْ ِكسَفـا مِ َ‬
‫خِ‬‫ن َنشَ ْأ نَـ ْ‬
‫كسفـا لقول ال‪ :‬إ ْ‬
‫‪ 17129‬ـ حدث نا ب شر‪ ،‬قال‪ :‬حدث نا يز يد‪ ،‬قال‪ :‬حدث نا سعيد‪ ،‬عن قتادة أ ْو تُ سْ ِقطَ ال سّماءَ كمَا‬
‫عمْتَ عَلَـيْنا ِكسَفـا قال‪ :‬أي قطعا‪.‬‬
‫زَ َ‬
‫‪17130‬ـ حدثنا علـيّ‪ ،‬قال‪ :‬حدثنا عبد ال بن صالـح‪ ،‬قال‪ :‬ثنـي معاوية‪ ،‬عن علـيّ‪ ،‬عن‬
‫ابن عبـاس‪ ،‬قوله‪ِ :‬كسَفـا يقول‪ :‬قطعا‪.‬‬
‫حدثنا مـحمد بن عبد العلـى‪ ،‬قال‪ :‬حدثنا مـحمد بن ثور‪ ،‬عن معمر‪ ،‬عن قتادة كِ سَفـا‬
‫قال‪ :‬قطعا‪.‬‬
‫حدثن ـي م ـحمد بن سعد‪ ،‬قال‪ :‬ثن ـي أب ـي‪ ،‬قال‪ :‬ثن ـي ع مي‪ ،‬قال‪ :‬ثن ـي أب ـي‪ ،‬عن‬
‫عمْتَ عَلَـيْنا ِكسَفـا يعنـي قِطَعا‪.‬‬
‫أبـيه‪ ،‬عن ابن عبـاس‪ ،‬قوله أ ْو ُتسْقِطَ السّما َء كمَا زَ َ‬
‫القول فــي تأويــل قوله‪ :‬أوْ َت ْأتِــيَ بــاللّهِ وَالــمَل ِئكَ ِة َقبِــيلً‪ :‬يقول تعالــى ذكره عـن‬
‫قـيـل الـمشركين لنبـيّ ال صلى ال عليه وسلم‪ :‬أو يأتـي بـال يا مـحمد والـملئكة‬
‫قبـيلً‪.‬‬
‫واختلف أ هل التأوي ـل ف ـي مع نى القب ـيـل ف ـي هذا ال ـموضع‪ ،‬فقال بعض هم‪ :‬معناه‪:‬‬
‫حتـى يأتـي ال والـملئكة كلّ قبـيـلة منا قبـيـلة قبـيـلة‪ ،‬فـيعاينونهم‪ .‬ذكر من قال‬
‫ذلك‪:‬‬
‫‪ 17131‬ـ حدثنـي مـحمد بن عمرو‪ ،‬قال‪ :‬حدثنا أبو عاصم‪ ،‬قال‪ :‬حدثنا عيسى وحدثنـي‬
‫الــحارث‪ ،‬قال‪ :‬حدثنـا الــحسن‪ ،‬قال‪ :‬حدثنـا ورقاء‪ ،‬جميعـا عـن ابـن أبــي نــجيح‪ ،‬عـن‬
‫مـجاهد‪ ،‬قوله‪ :‬وَالـمَل ِئكَ ِة قَبِـيلً قال‪ :‬علـى حدتنا‪ ،‬كلّ قبـيـلة‪.‬‬
‫حدثنا القاسم‪ ،‬قال‪ :‬حدثنا الـحسين‪ ،‬قال‪ :‬ثنـي حجاج‪ ،‬عن ابن جريج‪ ،‬عن مـجاهد‪ ،‬قوله‬
‫ل قبـيـلة‪.‬‬
‫أ ْو َت ْأتِـي بـاللّهِ وَالـمَل ِئكَةِ َقبِـيلً قال‪ :‬قبـائل علـى حدتها ك ّ‬
‫وقال آخرون‪ :‬معنى ذلك‪ :‬أ ْو تأتـي بـال والـملئكة عيانا نقابلهم مقابلة‪ ،‬فنعاينهم معاينة‪.‬‬
‫ذكر من قال ذلك‪:‬‬
‫‪17132‬ــ حدثنـا بشـر‪ ،‬قال‪ :‬حدثنـا يزيـد‪ ،‬قال‪ :‬حدثنـا سـعيد‪ ،‬عـن قتادة أ ْو َتأْتــيَ بــاللّهِ‬
‫وَالـمَل ِئكَةِ َقبِـيلً نعاينهم معاينة‪.‬‬
‫‪ 17133‬ـ حدثنا القاسم‪ ،‬قال‪ :‬حدثنا الـحسين‪ ،‬قال‪ :‬ثنـي حجاج‪ ،‬عن ابن جريج أ ْو َتأْتـيَ‬
‫بـاللّهِ وَالـمَل ِئكَ ِة َقبِـيلً فنعاينهم‪.‬‬
‫ووجّ هه ب عض أ هل العرب ـية إل ـى أ نه ب ـمعنى الكف ـيـل من قول هم‪ :‬هو قَب ـيـلُ فلن‬
‫بـما لفلن علـيه وزعيـمه‪.‬‬
‫وأشبه القوال فـي ذلك بـالصواب‪ ،‬القول الذي قاله قتادة من أنه بـمعنى الـمعاينة‪ ،‬من‬
‫قولهم‪ :‬قابلت فلنا مقابلة‪ ،‬وفلن قبـيـل فلن‪ ،‬بـمعنى قبـالته‪ ،‬كما قال الشاعر‪:‬‬
‫س َرتْها قَبِـيـلُها‬
‫حبْلَـى َي ّ‬
‫ح ُكمْ حتـى َتبُوءُوا بِـ ِمثْلِهاكصَ ْرخَ ِة ُ‬
‫ُنصَالِـ ُ‬
‫يعن ـي قابِلَت ها‪ .‬وكان ب عض أ هل العل ـم بكلم العرب من أ هل الب صرة يقول‪ :‬إذا و صفوا‬
‫بتقدير فعيـل من قولهم قابلت ونـحوها‪ ،‬جعلوا لفظ صفة الثنـين والـجميع من الـمؤنث‬
‫والــمذكر علــى لفـظ واحـد‪ ،‬نــحو قولهـم‪ :‬هذه قبــيـلـي‪ ،‬وهمـا قبــيـلـي‪ ،‬وهـم‬
‫قبـيـلـي‪ ،‬وهن قبـيـلـي‪.‬‬

‫‪93‬‬ ‫الية ‪:‬‬


‫سمَآءِ وَلَن‬
‫خرُ فٍ أَ ْو َترْ َقىَ فِي ال ّ‬
‫ت مّن ُز ْ‬
‫ن لَ كَ َبيْ ٌ‬
‫القول فـي تأويـل قوله تعالـى‪َ{ :‬أوْ َيكُو َ‬
‫ت َإلّ َبشَرا رّسُولً }‪.‬‬
‫ن َربّي هَلْ كُن ُ‬
‫س ْبحَا َ‬
‫حتّى ُت َنزّلَ عََل ْينَا ِكتَابا نّ ْقرَ ُؤ ُه قُلْ ُ‬
‫ن ِلرُ ِق ّيكَ َ‬
‫نّ ْؤمِ َ‬
‫يقول تعالـى ذكره مخبرا عن الـمشركين الذين ذكرنا أمرهم فـي هذه الَيات‪ :‬أو يكون‬
‫لك يا مـحمد بـيت من ذهب وهو الزخرف‪ .‬كما‪:‬‬
‫‪17134‬ـ حدثنـي مـحمد بن سعد‪ ،‬قال‪ :‬ثنـي أبـي‪ ،‬قال‪ :‬ثنـي عمي‪ ،‬قال‪ :‬ثنـي أبـي‪،‬‬
‫خرُفٍ يقول‪ :‬بـيت من ذهب‪.‬‬
‫ن ُز ْ‬
‫ن َلكَ بَـيْتٌ مِ ْ‬
‫عن أبـيه‪ ،‬عن ابن عبـاس أ ْو َيكُو َ‬
‫‪ 17135‬ـ حدثنـي مـحمد بن عمرو‪ ،‬قال‪ :‬حدثنا أبو عاصم‪ ،‬قال‪ :‬حدثنا عيسى وحدثنـي‬
‫الــحارث‪ ،‬قال‪ :‬حدثنـا الــحسن‪ ،‬قال‪ :‬حدثنـا ورقاء‪ ،‬جميعـا عـن ابـن أبــي نــجيح‪ ،‬عـن‬
‫خ ُرفٍ قال‪ :‬من ذهب‪.‬‬
‫مـجاهد‪ ،‬قوله مِنْ ُز ْ‬
‫حدث نا القا سم‪ ،‬قال‪ :‬حدث نا ال ـحسين‪ ،‬قال‪ :‬ثن ـي حجاج‪ ،‬عن ا بن جر يج‪ ،‬عن م ـجاهد‪،‬‬
‫مثله‪.‬‬
‫ت مِ نْ‬
‫‪ 17136‬ـ حدثنا بشر‪ ،‬قال‪ :‬حدثنا يزيد‪ ،‬قال‪ :‬حدثنا سعيد‪ ،‬عن قتادة أ ْو َيكُو نَ لَ كَ بَـيْ ٌ‬
‫ُزخْ ُرفٍ والزخرف هنا‪ :‬الذهب‪.‬‬
‫حدث نا ال ـحسن بن يح يى‪ ،‬قال‪ :‬أخبر نا ع بد الرزاق‪ ،‬قال‪ :‬أخبر نا مع مر‪ ،‬عن قتادة‪ ،‬ف ـي‬
‫ف قال‪ :‬من ذهب‪.‬‬
‫خرُ ٍ‬
‫ت مِنْ ُز ْ‬
‫ن َلكَ بَـيْ ٌ‬
‫قوله أ ْو َيكُو َ‬
‫‪ 17137‬ـ حدث نا ال ـحسن بن يح يى‪ ،‬قال‪ :‬أخبر نا ع بد الرزاق‪ ،‬قال‪ :‬أخبر نا الثور يّ‪ ،‬عن‬
‫رجل‪ ،‬عن الـحكم قال‪ :‬قال مـجاهد‪ :‬كنا ل ندري ما الزخرف حتـى رأيناه فـي قراءة ابن‬
‫ن َلكَ بَـيْتٌ ِمنْ ذَهَبٍ»‪.‬‬
‫مسعود‪« :‬أ ْو َيكُو َ‬
‫حدثنا مـحمد بن الـمثنى‪ ،‬قال‪ :‬حدثنا مـحمد بن جعفر‪ ،‬قال‪ :‬حدثنا شعبة‪ ،‬عن الـحكم‪،‬‬
‫عن م ـجاهد‪ ،‬قال‪ :‬ل ـم أدر ما الزخرف‪ ،‬حت ـى سمعنا ف ـي قراءة ع بد ال بن م سعود‪:‬‬
‫ن ذَهَبٍ»‪.‬‬
‫«بَـيْتٌ مِ ْ‬
‫وقوله أ ْو تَرْق ـى فِـي ال سّماءِ يعن ـي‪ :‬أو ت صعد فـي درج إلـى السماء وإنـما قـيـل‬
‫فـي السماء‪ ،‬وإنـما يرقـى إلـيها ل فـيها‪ ،‬لن القوم قالوا‪ :‬أو ترقـى فـي سلـم إلـى‬
‫السـماء‪ ،‬فأدخــلت «فــي» فــي الكلم لــيدلّ علــى معنـى الكلم‪ ،‬يقال‪ :‬رَقِــيت فــي‬
‫السلـم‪ ،‬فأنا أرقَـى رَقـيا و ِرقِـيا ورُقـيا‪ ،‬كما قال الشاعر‪:‬‬
‫ل والـ َمشِيبِ وال َعرْجِ‬
‫ي الدّرْجعَلـى الكل ِ‬
‫ت اّلذِي كَلّف َتنِـي رَقْـ َ‬
‫أن َ‬
‫وقوله‪ :‬وََل نْ ُن ْؤمِ نَ ِل ُرقِـيّكَ يقول‪ :‬ولن نصدّقك من أجل رُقِـيك إلـى السماء حتـى ُتنَزّلَ‬
‫عَلَـيْنا كِتابـا منشورا نَ ْقرَ ُؤ ُه فـيه أمرنا بـاتبـاعك واليـمان بك‪ ،‬كما‪:‬‬
‫‪ 17138‬ـ حدث نا م ـحمد بن عمرو‪ ،‬قال‪ :‬حدث نا أ بو عا صم‪ ،‬قال‪ :‬حدث نا عي سى وحدثن ـي‬
‫الــحارث‪ ،‬قال‪ :‬حدثنـا الــحسن‪ ،‬قال‪ :‬حدثنـا ورقاء‪ ،‬جميعـا عـن ابـن أبــي نــجيح‪ ،‬عـن‬
‫ل ر جل صحيفة‬
‫م ـجاهد‪ ،‬قوله كِتاب ـا نَ ْقرَ ُؤ ُه قال‪ :‬من ر بّ العال ـمين إل ـى فلن‪ ،‬ع ند ك ّ‬
‫تصبح عند رأسه يقرؤها‪.‬‬
‫حدث نا القاسـم‪ ،‬قال‪ :‬حدثنـا الــحسين‪ ،‬قال‪ :‬ثنــي حجاج‪ ،‬عن ابـن جريـج‪ ،‬عن مــجاهد‬
‫ربـ العالــمين‪ ،‬وقال أيضـا‪ :‬تصـبح عنـد رأسـه‬
‫ّ‬ ‫ل أنـه قال‪ :‬كتابــا نقرؤه مـن‬
‫بنــحوه‪ ،‬إ ّ‬
‫موضوعة يقرؤها‪.‬‬
‫‪17139‬ـ حدثنا بشر‪ ،‬قال‪ :‬حدثنا يزيد‪ ،‬قال‪ :‬حدثنا سعيد‪ ،‬عن قتادة‪ ،‬قوله حتـى ُت َنزّلَ عَلَـيْنا‬
‫كِتابـا نَ ْقرَ ُؤهُ‪ :‬أي كتابـا خاصا نؤمر فـيه بـاتبـاعك‪.‬‬
‫سبْحانَ َربّ ـي يقول تعال ـى ذكره لنب ـيه م ـحمد صلى ال عل يه و سلم‪ :‬قل يا‬
‫وقوله‪ :‬قُلْ ُ‬
‫مـحمد لهؤلء الـمشركين من قومك‪ ،‬القائلـين لك هذه القوال‪ ،‬تنزيها ل عما يصفونه به‪،‬‬
‫وتعظيــما له مـن أن يؤتــى بـه وملئكتـه‪ ،‬أو يكون لــي سـبـيـل إلــى شيـء مــما‬
‫ل َبشَرا رَ سُولً يقول‪ :‬هل أنا إلّ عبد من عبـيده من بنـي آدم‪ ،‬فكيف‬
‫ل ُكنْ تُ إ ّ‬
‫تسألونـيه‪ :‬هَ ْ‬
‫أقدر أن أفعـل مـا سـألتـمونـي مـن هذه المور‪ ،‬وإنــما يقدر علــيها خالقــي وخالقكـم‪،‬‬
‫وإنـما أنا رسول أبلغكم ما أرسلت به إلـيكم‪ ،‬والذي سألتـمونـي أن أفعله بـيد ال الذي أنا‬
‫وأنتـم عبـيد له‪ ،‬ل يقدر علـى ذلك غيره‪.‬‬
‫وهذا الكلم الذي أ خبر ال أ نه كلّ ـم به ر سول ال صلى ال عل يه و سلم ف ـيـما ذ كر كان‬
‫من مل من قريش اجتـمعوا لـمناظرة رسول ال صلى ال عليه وسلم ومُـحاجّته‪ ،‬فكلّـموه‬
‫بـما أخبر ال عنهم فـي هذه الَيات‪.‬‬
‫ذكر تسمية الذين ناظروا رسول ال صلى ال عليه وسلم بذلك منهم‬
‫والسبب الذي من أجله ناظروه به‬
‫‪ 17140‬ـ حدثنا أبو كريب‪ ،‬قال‪ :‬حدثنا يونس بن بكير‪ ،‬قال‪ :‬حدثنا مـحمد بن إسحاق‪ ،‬قال‪:‬‬
‫ثنـي شيخ من أهل مصر‪ ،‬قدم منذ بضع وأربعين سنة‪ ،‬عن عكرمة‪ ،‬عن ابن عبـاس‪ ،‬أن‬
‫ل من بنــي ع بد الدار وأبــا‬
‫عت بة وشيبـة ابنــي رب ـيعة وأبــا سفـيان بن حرب ورج ً‬
‫البختري أخا بنـي أسد‪ ،‬والسود بن الـمطلب‪ ،‬وزمعة بن السود‪ ،‬والولـيد بن الـمغيرة‪،‬‬
‫وأبـا جهل بن هشام‪ ،‬وعبد ال بن أبـي أمية‪ ،‬وأميّة بن خـلف‪ ،‬والعاص بن وائل‪ ،‬و ُنبَـيها‬
‫و ُمنَبها ابنـي الـحجاج السّهميـين اجتـمعوا‪ ،‬أو من اجتـمع منهم‪ ،‬بعد غروب الشمس عند‬
‫ظ هر الكع بة‪ ،‬فقال بعض هم لب عض‪ :‬ابعثوا إل ـى م ـحمد فكلّ ـموه وخا صموه حت ـى ُت ْعذِروا‬
‫ف ـيه‪ ،‬فبعثوا إل ـيه‪ :‬إن أشراف قو مك قد اجتـمعوا إلـيك ل ـيكلـموك‪ ،‬فجاء هم ر سول ال‬
‫صلى ال عل يه و سلم سريعا‪ ،‬و هو يظ نّ أ نه بدا ل هم ف ـي أمره َبدَاء‪ ،‬وكان عل ـيهم حري صا‪،‬‬
‫عنَتهم‪ ،‬حتـى جلس إلـيهم‪ ،‬فقالوا‪ :‬يا مـحمد إنا قد بعثنا إلـيك‬
‫ب رشدهم ويعزّ علـيه َ‬
‫يح ّ‬
‫ل ُن ْعذِر ف ـيك‪ ،‬وإ نا وال ما نعل ـم رجلً من العرب أدخ ـل عل ـى قو مه ما أدخ ـلت عل ـى‬
‫قومـك لقـد شتــمت الَبــاء‪ ،‬وعِب ْت الديـن‪ ،‬وسـفّهت الحلم‪ ،‬وشتــمت الَلهـة‪ ،‬وفرّقـت‬
‫الـجماعة‪ ،‬فما بقـي أمر قبـيح إلّ وقد جئته فـيـما بـيننا وبـينك‪ ،‬فإن كنت إنـما جئت‬
‫بهذا ال ـحديث تطلب مالً‪ ،‬جمع نا لك من أموال نا حت ـى تكون أكثر نا مالً‪ ،‬وإن ك نت إن ـما‬
‫تطلب الشرف ف ـينا سوّدناك عل ـينا‪ ،‬وإن ك نت تر يد به مُل كا ملكناك عل ـينا‪ ،‬وإن كان هذا‬
‫الذي يأت ـيك ب ـما يأت ـيك به َرئِ يا تراه قد غلب عل ـيك وكانوا ي سمون التا بع من ال ـجنّ‪:‬‬
‫الرئ يّ فربـما كان ذلك‪ ،‬بذلنا أموالنا فـي طلب الط بّ لك حتـى نبرئك منه‪ ،‬أو نُع ِذرَ فـيك‬
‫ج ْئ ُتكُ مْ بِ ِه أطلُ بُ‬
‫فقال رسول ال صلى ال عليه وسلم‪« :‬ما بِـي ما َتقُولُو نَ‪ ،‬ما جِئ ُتكُ مْ بِـمَا ِ‬
‫شرَ فَ فِ ـيكُمْ وَل ال ـمُ ْلكَ عَلَ ـيْ ُكمْ‪ ،‬وََلكِ نّ الّل َه َب َع َثنِ ـي إلَ ـ ْي ُكمْ رَ سُولً‪ ،‬وأ ْنزَلَ‬
‫أمْوَاَلكُ مْ‪ ،‬وَل ال ّ‬
‫صحْتُ َلكُ مْ‪،‬‬
‫ي كِتاب ـا‪ ،‬وأ َم َرنِ ـي أ نْ أكُو نَ َلكُ مْ َبشِيرا َو َنذِيرا‪َ ،‬فبَلّ ْغ ُتكُ مْ رِ سالَ َة َربّ ـي‪َ ،‬ونَ َ‬
‫عَل ـ ّ‬
‫صبِرْ‬
‫لخِرَةِ‪ ،‬وإ نْ َت ُردّو هُ عَل ـيّ أ ْ‬
‫ظكُ مْ فِ ـي ال ّدنْ ـيا وا َ‬
‫حّ‬‫ج ْئ ُتكُ مْ ِب ِه َفهُوَ َ‬
‫ن تَ ْقبَلُوا ِمنّ ـي ما ِ‬
‫فإ ْ‬
‫حكُ مَ اللّ ُه بَ ـيْنـيِ َوبَ ـ ْي َن ُكمْ» أو ك ما قال ر سول ال صلى ال عل يه و سلم‪،‬‬
‫لمْ ِر اللّ ِه حت ـى َي ْ‬
‫َ‬
‫فقالوا‪ :‬يا مـحمد‪ ،‬فإن كنت غير قابل منا ما عرضنا علـيك‪ ،‬فقد علـمت أنه لـيس أحد من‬
‫الناس أض يق بلدا‪ ،‬ول أقلّ مالً‪ ،‬ول أشدّ عي شا م نا‪ ،‬ف سل ر بك الذي بع ثك ب ـما بع ثك به‪،‬‬
‫فلـيس ّيرْ عنا هذه الـجبـال التـي قد ضيقت علـينا‪ ،‬ويبسط لنا بلدنا‪ ،‬ولـيفجّر لنا فـيها‬
‫أنهارا كأنهار الشام والعراق‪ ،‬ولـيبعث لنا من مضى من آبـائنا‪ ،‬ولـيكن فـيـمن يبعث لنا‬
‫صيّ بن كلب‪ ،‬فإ نه كان شي خا صدوقا‪ ،‬فن سألهم ع ما تقول‪ ،‬ح قّ هو أم ب ـاطل؟ فإن‬
‫من هم قُ َ‬
‫صنعت ما سألناك‪ ،‬و صدقوك صدقناك‪ ،‬وعرف نا به منزل تك ع ند ال‪ ،‬وأ نه بع ثك ب ـالـحقّ‬
‫ج ْئ ُتكُمْ مِنَ‬
‫رسولً‪ ،‬كما تقول‪ .‬فقال لهم رسول ال صلى ال عليه وسلم‪« :‬ما بِهذَا ُب ِعثْتُ‪ ،‬إنّـمَا ِ‬
‫ظكُ ْم فِ ـي ال ّدنْـيا‬
‫اللّ هِ بِـمَا َب َعثَنِ ـي ِب هِ‪ ،‬فَ َقدْ بَّل ْغ ُتكُ مْ ما ُأرْ سِلْتُ ِب ِه إل ـيكم‪ ،‬فإ نْ تَ ْقبَلُو هُ َفهُ َو حَ ّ‬
‫حكُ مَ اللّ هُ بَـيْنِـي َوبَـ ْينَ ُكمْ» قالوا‪ :‬فإن‬
‫ص ِبرْ ل ْمرِ اللّ هِ حتـى َي ْ‬
‫ن َت ُردّو هُ عَلـيّ أ ْ‬
‫خرَةِ‪ ،‬وإ ْ‬
‫لِ‬‫وا َ‬
‫لـم تفعل لنا هذا‪ ،‬فخذ لنفسك‪ ،‬فسل ربك أن يبعث ملكا يصدّقك بـما تقول‪ ،‬ويراجعنا عنك‪،‬‬
‫واسأله فلـيجعل لك جنانا وكنوزا وقصورا من ذهب وفضة‪ ،‬ويغنـيك بها عما نراك تبتغي‪،‬‬
‫فإ نك تقوم ب ـالسواق‪ ،‬وتلت ـمس ال ـمعاش ك ما نلت ـمسه‪ ،‬حت ـى نعرف ف ضل منزل تك من‬
‫ل كما تزعم‪ ،‬فقال لهم رسول ال صلى ال عليه وسلم‪« :‬ما أنا بِفـاعِلٍ‪ ،‬ما‬
‫ربك إن كنت رسو ً‬
‫ن تَ ْقبَلُوا‬
‫ن اللّهَ َب َع َثنِـي َبشِيرا َو َنذِيرا‪ ،‬فإ ْ‬
‫أنا بـاّلذِي يَسألُ َربّ ُه هذَا‪ ،‬وَما ُب ِعثْتُ إلَـ ْيكُ ْم بِهذَا‪ ،‬وََل ِك ّ‬
‫لمْرِ الّل ِه حت ـى‬
‫صبِ ْر َ‬
‫يأ ْ‬
‫خرَةِ‪ ،‬وَإ نْ َت ُردّو هُ عَل ـ ّ‬
‫لِ‬‫ظكُ مْ فِ ـي ال ّدنْ ـيا وا َ‬
‫حّ‬‫ج ْئ ُتكُ ْم بِ ِه َفهُوَ َ‬
‫ما ِ‬
‫حكُمَ الّل ُه بَـ ْينِـي وبَـ ْي َنكُمْ» قالوا‪ :‬فأسقط السماء علـينا ِكسَفـا‪ ،‬كما زعمت أن ربك إن شاء‬
‫َي ْ‬
‫ل أن تفعل‪ ،‬فقال رسول ال صلى ال عليه وسلم‪« :‬ذل كَ إلـى ال إ نْ‬
‫فعل‪ ،‬فإنا ل نؤمن لك إ ّ‬
‫شاءَ َفعَلَ ِبكُ مْ ذل كَ»‪ ،‬فقالوا‪ :‬يا م ـحمد‪ ،‬ف ما عل ـم ر بك أ نا سنـجلس م عك‪ ،‬ون سألك ع ما‬
‫سألناك عنه‪ ،‬ونطلب منك ما نطلب‪ ،‬فـيتقدّم إلـيك‪ ،‬ويعلـمك ما تراجعنا به‪ ،‬ويخبرك ما هو‬
‫صانع ف ـي ذلك ب نا إذ ل ـم نق بل م نك ما جئت نا به‪ ،‬ف قد بلغ نا أ نه إن ـما يعلّ ـمك هذا ر جل‬
‫بـالـيـمامة يقال له الرحمن‪ ،‬وإنا وال ما نؤمن بـالرحمن أبدا‪ ،‬أعذرنا إلـيك يا مـحمد‪،‬‬
‫أما وال ل نتركك وما بلغت منا حتـى نهلكك أو تهلكنا‪ ،‬وقال قائلهم‪ :‬نـحن نعبد الـملئكة‪،‬‬
‫ن بنات ال‪ ،‬وقال قائل هم‪ :‬لن نؤ من لك حت ـى تأت ـينا ب ـال وال ـملئكة قب ـيلً‪ .‬فل ـما‬
‫وه ّ‬
‫قالوا ذلك‪ ،‬قام ر سول ال صلى ال عل يه و سلم عن هم‪ ،‬وقام م عه ع بد ال بن أب ـي أميّة بن‬
‫الـمُغيرة بن عبد ال بن عمرو بن مخزوم‪ ،‬و هو ا بن عمته هو لعات كة ب نت عبد الـمطلب‪،‬‬
‫فقال له‪ :‬يا م ـحمد عرض عل ـيك قو مك ما عرضوا فل ـم تقبله من هم‪ ،‬ثم سألوك لنف سهم‬
‫أمورا‪ ،‬ل ـيعرفوا منزل تك من ال فَل ـم تف عل ذلك‪ ،‬ثم سألوك أن تع جل ما ت ـخوّفهم به من‬
‫العذاب‪ ،‬فوال ل أومن لك أبدا‪ ،‬حتـى تتـخذ إلـى السماء سلـما ترقـى فـيه‪ ،‬وأنا أنظر‬
‫حتـى تأتـيها‪ ،‬وتأتـي معك بنسخة منشورة معك أربعة من الـملئكة يشهدون لك أنك كما‬
‫ل أصدّقك‪ ،‬ثم انصرف عن رسول ال صلى ال عليه‬
‫تقول‪ ،‬وايـم ال لو فعلت ذلك لظنن تُ أ ّ‬
‫وسلم‪ ،‬وانصرف رسول ال صلى ال عليه وسلم إلـى أهله حزينا أسيفـا لـما فـاته مـما‬
‫كان يطمع فـيه من قومه حين دعوه‪ ،‬ولِـمَا رأى من مبـاعدتهم إياه فلـما قام عنهم رسول‬
‫ال صلى ال عليه وسلم‪ ،‬قال أبو جهل‪ :‬يا معشر قريش‪ ،‬إن مـحمدا قد أبى إل ما ترون من‬
‫ب آلهتنا‪ ،‬وإنـي أعاهد ال لجلسنّ له غدا‬
‫عيب ديننا‪ ،‬وشتـم آبـائنا‪ ،‬وتسفـيه أحلمنا‪ ،‬وس ّ‬
‫حمْله‪ ،‬فإذا سجد فـي صلته فضخت رأسه به‪.‬‬
‫بحجر قدر ما أطيق َ‬
‫حدثنا ابن حميد‪ ،‬قال‪ :‬حدثنا سلـمة‪ ،‬قال‪ :‬حدثنا ابن إسحاق‪ ،‬قال‪ :‬ثنـي مـحمد بن أبـي‬
‫مـحمد مولـى زيد بن ثابت‪ ،‬عن سعيد بن جبـير أو عكرمة مولـى ابن عبـاس‪ ،‬عن ابن‬
‫ل أ نه قال‪ :‬وأب ـا سفـيان بن حرب‪ ،‬والن ضر بن ال ـحرث أبناء بن ـي‬
‫عب ـاس‪ ،‬بن ـحوه‪ ،‬إ ّ‬
‫عبد الدار‪ ،‬وأبـا البختريّ بن هشام‪.‬‬
‫‪17141‬ـ حدثنـي يعقوب بن إبراهيـم‪ ،‬قال‪ :‬حدثنا هشيـم‪ ،‬عن أبـي بشر‪ ،‬عن سعيد‪ ،‬قال‪:‬‬
‫ض َي ْنبُو عا قال‪ :‬قلت له‪:‬‬
‫جرَ لَ نا ِم نَ الرْ ِ‬
‫ك حت ـى تَ ْف ُ‬
‫ن نُ ْؤ ِم نَ لَ َ‬
‫قلت له ف ـي قوله تعال ـى لَ ْ‬
‫نزلت فـي عبد ال بن أبـي أمية‪ ،‬قال‪ :‬قد زعموا ذلك‪.‬‬

‫‪94‬‬ ‫الية ‪:‬‬


‫س أَن يُ ْؤ ِمنُوَ ْا ِإذْ جَآءَهُ مُ ا ْل ُه َدىَ ِإلّ أَن قَالُوَاْ‬
‫القول ف ـي تأوي ـل قوله تعال ـى {وَمَا َمنَ عَ النّا َ‬
‫َأ َبعَثَ الّلهُ َبشَرا ّرسُولً }‪.‬‬
‫يقول تعالـى ذكره‪ :‬وما منع يا مـحمد مشركي قومك اليـمان بـال‪ ،‬وبـما جئتهم به‬
‫من الـحقّ إ ْذ جاءَهُ مُ ال ُهدَى يقول‪ :‬إذ جاءهم البـيان من عند ال بحقـيقة ما تدعوهم وصحة‬
‫ل فأن الولـى ف ـي موضع نصب‬
‫ث اللّ ُه َبشَرا رَ سُو ً‬
‫ما جئت هم به‪ ،‬إلّ قولهم جهلً منهم أ َبعَ َ‬
‫بوقوع منع علـيها‪ ،‬والثانـية فـي موضع رفع‪ ،‬لن الفعل لها‪.‬‬

‫‪95‬‬ ‫الية ‪:‬‬


‫ن َل َنزّلْنَا‬
‫ن ُمطْ َم ِئنّي َ‬
‫ن فِي الرْ ضِ مَل ِئكَةٌ َي ْمشُو َ‬
‫القول ف ـي تأوي ـل قوله تعال ـى {قُل لَ ْو كَا َ‬
‫سمَآءِ مَلَكا ّرسُولً }‪.‬‬
‫ن ال ّ‬
‫عََل ْيهِم مّ َ‬
‫يقول تعالــى ذكره لنبــيه‪ :‬قـل يـا مــحمد لهؤلء الذيـن أبوا اليــمان بـك وتصـديقك‬
‫ل من الب شر‪ :‬لو كان أي ها الناس‬
‫ف ـيـما جئت هم به من عندي‪ ،‬ا ستنكارا لن يب عث ال ر سو ً‬
‫فــي الرض ملئكـة يــمشون مطمئنــين‪َ ،‬ل َنزّلْنَا علــيهم مـن السـماء ملَكـا رسـولً‪ ،‬لن‬
‫ال ـملئكة إن ـما ترا هم أمثال هم من ال ـملئكة‪ ،‬و من خ صّه ال من بن ـي آدم برؤيت ها‪ ،‬فأ ما‬
‫غيرهم فل يقدرون علـى رؤيتها فكيف يبعث إلـيهم من الـملئكة الرسل‪ ،‬وهم ل يقدرون‬
‫علـى رؤيتهم وهم بهيئاتهم التـي خـلقهم ال بها‪ ،‬وإنـما يرسل إلـى البشر الرسول منهم‪،‬‬
‫ل أرسلناه منهم‬
‫كما لو كان فـي الرض ملئكة يـمشون مطمئنـين‪ ،‬ثم أرسلنا إلـيهم رسو ً‬
‫ملَكا مثلهم‪.‬‬

‫‪96‬‬ ‫الية ‪:‬‬


‫خبِيرا‬
‫ن ِب ِعبَادِ هِ َ‬
‫شهِيدا َبيْنِي َو َب ْي َنكُ مْ ِإّن ُه كَا َ‬
‫القول ف ـي تأوي ـل قوله تعال ـى {قُلْ كَ َفىَ بِالّل ِه َ‬
‫َبصِيرا }‪.‬‬
‫يقول تعال ـى ذكره لنب ـيه‪ :‬قل يا م ـحمد للقائل ـين لك‪ :‬أ َبعَ ثَ الّل ُه َبشَرا رَ سُول كَفَ ـى‬
‫خبِـيرا يقول‪:‬‬
‫شهِيدا بَـيْنِـي َوبَـ ْي ِن ُكمْ فإنه نعم الكافـي والـحاكم إنّ ُه كا نَ ِبعِبـادِهِ َ‬
‫بـاللّهِ َ‬
‫إن ال بعبـاده ذو خبرة وعلـم بأمورهم وأفعالهم‪ ،‬والـمـحقّ منهم والـمُبطل‪ ،‬والـمهْديّ‬
‫والضالّ بَ صِيرا بتدبـيرهم وسياستهم وتصريفهم فـيـما شاء‪ ،‬وكيف شاء وأح بّ‪ ،‬ل يخفـى‬
‫علـيه شيء من أمورهم‪ ،‬وهو مـجازٍ جميعَهم بـما قدّم عند ورودهم علـيه‪.‬‬

‫‪97‬‬ ‫الية ‪:‬‬


‫جدَ َلهُ مْ َأوِْليَآءَ‬
‫القول ف ـي تأوي ـل قوله تعال ـى {وَمَن َي ْهدِ الّل هُ َفهُ َو ا ْل ُم ْهتَدِ وَمَن ُيضْلِلْ فَلَن َت ِ‬
‫خبَ تْ‬
‫ج َهنّ مُ كُلّمَا َ‬
‫صمّا ّمأْوَاهُم ْـ َ‬
‫عمْيا َو ُبكْما وَ ُ‬
‫شرُهُ مْ يَوْ مَ الْ ِقيَامَةِ عََلىَ ُوجُو ِههِ مْ ُ‬
‫حُ‬‫مِن دُونِهِـ َو َن ْ‬
‫سعِيرا }‪.‬‬
‫ِزدْنَا ُهمْ َ‬
‫يقول تعالـى ذكره‪ :‬ومن يهد ال يا مـحمد لليـمان به‪ ،‬ولتصديقك وتصديق ما جئت به‬
‫من ع ند ر بك‪ ،‬فوفّ قه لذلك‪ ،‬ف هو ال ـمهتد الرش يد ال ـمصيب ال ـحقّ‪ ،‬ل من هداه غيره‪ ،‬فإن‬
‫الهدا ية ب ـيده‪ .‬و من يضلل يقول‪ :‬و من يضلله ال عن ال ـحقّ‪ ،‬ف ـيخذله عن إ صابته‪ ،‬ول ـم‬
‫يوفّقه لليـمان بـال وتصديق رسوله‪ ،‬فلن تـجد لهم يا مـحمد أولـياء ينصرونهم من دون‬
‫شرُهُمْ َيوْ مَ القِ ـيامَةِ عَل ـى ُوجُو ِههِ مْ يقول‪:‬‬
‫حُ‬‫ال‪ ،‬إذا أراد ال عقوبت هم وال ستنقاذ من هم‪ .‬ونَ ـ ْ‬
‫ونــجمعهم بــموقـف القــيامة مـن بعـد تفرّقهـم فــي القبور عنـد قــيام السـاعة علــى‬
‫خرْس‪ ،‬كما‪:‬‬
‫عمْيا َو ُبكْما وهو جمع أبكم‪ ،‬ويعنـي بـال ُبكْم‪ :‬الـ ُ‬
‫وجوههم ُ‬
‫‪ 17142‬ـ حدثنا الـحسن بن يحيى‪ ،‬قال‪ :‬حدثنا عبد الرزاق‪ ،‬قال‪ :‬أخبرنا معمر‪ ،‬عن قتادة‪،‬‬
‫صمّا وهو جمع أصمّ‪.‬‬
‫فـي قوله‪َ :‬و ُبكْما قال‪ :‬الـخرس َو ُ‬
‫فإن قال قائل‪ :‬وك يف و صف ال هؤلء بأن هم يحشرون عم يا وبك ما و صما‪ ،‬و قد قال ورأى‬
‫ال ـمُـجْرِمون النّارَ َفظَنّوا أ ّنهُ مْ ُموَا ِقعُو ها فأ خبر أن هم يرون‪ ،‬وقال‪ :‬إذَا رأ ْتهُ مْ مِ نْ مكا نٍ بَعيدٍ‬
‫عوْا هُنال كَ ُثبُورا فأخبر أنهم‬
‫ن دَ َ‬
‫ضيّقا ُم َقرّنِـي َ‬
‫س ِمعُوا َلهَا َت َغيّظا و َزفِـيرا وإذَا أُلْقُوا ِمنْها مَكانا َ‬
‫َ‬
‫ي سمعون وينطقون؟ ق ـيـل‪ :‬جائز أن يكون ما و صفهم ال به من العَ مي والب كم وال صمـم‬
‫يكون صـفتهم فــي حال حشرهـم إلــى موقــف القــيامة‪ ،‬ثـم يجعـل لهـم أسـماع وأبصـار‬
‫ومنطـق فــي أحوال أُخـر غيـر حال الــحشر‪ ،‬ويجوز أن يكون ذلك‪ ،‬كمـا روي عـن ابـن‬
‫عبـاس فـي الـخبر الذي‪:‬‬
‫‪17143‬ـ حدثنـيه علـيّ بن داود‪ ،‬قال‪ :‬حدثنا أبو صالـح‪ ،‬قال‪ :‬ثنـي معاوية‪ ،‬عن علـيّ‪،‬‬
‫صمّا ثم قال‪:‬‬
‫حشُرُ ُهمْ يَوْ َم القِـيامَةِ عَلـى ُوجُو ِههِ مْ عمْيا َو ْبكْما و ُ‬
‫عن ابن عبـاس‪ ،‬قوله ونَـ ْ‬
‫سمِعُوا لَهَا َت َغيّ ظا َو َزفِ ـيرا وقال دَعَوْا هُنال كَ ُثبُورا‪.‬‬
‫ظنّوا وقال‪َ :‬‬
‫ن النّارَ فَ َ‬
‫ورأى ال ـمُـجْ ِرمُو َ‬
‫صمّا ل يسمعون‬
‫عمْيا فل يرون شيئا يسرّهم‪ .‬وقوله‪ُ :‬بكْما ل ينطقون بحجة‪ .‬وقوله‪ُ :‬‬
‫أما قوله‪ُ :‬‬
‫ج َهنّــمُ يقول جلّ ثناؤه‪ :‬ومصـيرهم إلــى جهنــم‪ ،‬وفــيها‬
‫ُمـ َ‬
‫شيئا يسـرّهم‪ .‬وقوله‪َ :‬مأْوَاه ْ‬
‫مساكنهم‪ ،‬وهم َوقُودها‪ ،‬كما‪:‬‬
‫‪17144‬ـ حدثنـي مـحمد بن سعد‪ ،‬قال‪ :‬ثنـي أبـي‪ ،‬قال‪ :‬ثنـي عمي‪ ،‬قال‪ :‬ثنـي أبـي‪،‬‬
‫ج َهنّـمُ يعنـي إنهم وقودها‪.‬‬
‫عن أبـيه‪ ،‬عن ابن عبـاس‪ ،‬قوله‪ :‬مَأ ْءوَا ُهمْ َ‬
‫سعِيرا يعنـي بقوله خبت‪ :‬لنت وسكنت‪ ،‬كما قال عديّ بن زيد‬
‫خبَتْ ِزدْناهُمْ َ‬
‫وقوله‪ :‬كُلّـما َ‬
‫العبـادي فـي وصف مزنة‪:‬‬
‫خبُو وحِينا ُينِـيرُ‬
‫جدَلِحِينا َي ْ‬
‫سرُجِ الـمِـ ْ‬
‫سطُهُ كالْـيَرَاعِ أوْ ُ‬
‫َو ْ‬
‫يعنـي بقوله‪ :‬يخبو السرج‪ :‬أنها تلـين وتضعف أحيانا‪ ،‬وتقوى وتنـير أخرى‪ ،‬ومنه قول‬
‫القطامي‪:‬‬
‫عةً و َيهُبّ ساعا‬
‫فَـ َيخْبو سا َ‬
‫وبن ـحو الذي قل نا ف ـي ذلك‪ ،‬قال أ هل التأوي ـل عل ـى اختلف من هم ف ـي العب ـارة عن‬
‫تأويـله‪ .‬ذكر من قال ذلك‪:‬‬
‫‪17145‬ـ حدثنـي علـيّ بن داود‪ ،‬قال‪ :‬حدثنا عبد ال‪ ،‬قال‪ :‬ثنـي معاوية‪ ،‬عن علـيّ‪ ،‬عن‬
‫خبَتْ قال‪ :‬سكنت‪.‬‬
‫ابن عبـاس‪ ،‬فـي قوله‪ :‬كُلّـما َ‬
‫‪17146‬ـ حدثنـي مـحمد بن سعد‪ ،‬قال‪ :‬ثنـي أبـي‪ ،‬قال‪ :‬ثنـي عمي‪ ،‬قال‪ :‬ثنـي أبـي‪،‬‬
‫سعِيرا يقول‪ :‬كل ـما أحرقت هم ت سعر ب هم‬
‫خبَ تْ ِزدْناهُ مْ َ‬
‫عن أب ـيه‪ ،‬عن ا بن عب ـاس‪ ،‬كُلّ ـما َ‬
‫خبُوّهـا‪ ،‬فإذا بدّلوا‬
‫حطبــا‪ ،‬فإذا أحرقتهـم فلــم تبـق منهـم شيئا صـارت جمرا تتوهّج‪ ،‬فذلك ُ‬
‫خـلقا جديدا عاودتهم‪.‬‬
‫‪ 17147‬ـ حدثنـي مـحمد بن عمرو‪ ،‬قال‪ :‬حدثنا أبو عاصم‪ ،‬قال‪ :‬حدثنا عيسى وحدثنـي‬
‫ال ـحارث‪ ،‬قال‪ :‬حدث نا ال ـحسن‪ ،‬قال‪ :‬حدث نا ورقاء‪ ،‬جمي عا عن م ـجاهد حدث نا القا سم‪ ،‬قال‪:‬‬
‫حدثنا الـحسين‪ ،‬قال‪ :‬ثنـي حجاج‪ ،‬عن ابن جريج‪ ،‬عن مـجاهد مثله‪.‬‬
‫حدثنـا القاسـم‪ ،‬قال‪ :‬حدثنـا الــحسين‪ ،‬قال‪ :‬ثنــي حجاج‪ ،‬عـن ابـن جريـج‪ ،‬قال‪ :‬قال ابـن‬
‫سعّر بهم حطبـا‪ ،‬فإذا أحرقتهم‪ ،‬فلـم يبق منهم شيء‬
‫ت قال‪ :‬خبوّها أنها تَ َ‬
‫خبَ ْ‬
‫عبـاس كُلّـما َ‬
‫صارت جمرا تتوهج‪ ،‬فإذا ُبدّلوا خـلقا جديدا عاودتهم‪.‬‬
‫خبَتْ ِزدْناهُمْ‬
‫‪17148‬ـ حدثنا بشر‪ ،‬قال‪ :‬حدثنا يزيد‪ ،‬قال‪ :‬حدثنا سعيد‪ ،‬عن قتادة قوله‪ :‬كُلّـما َ‬
‫سعِيرا يقول‪ :‬كلـما احترقت جلودهم ُبدّلوا جلودا غيرها‪ ،‬لـيذوقوا العذاب‪.‬‬
‫َ‬
‫حدث نا ال ـحسن بن يح يى‪ ،‬قال‪ :‬أخبر نا ع بد الرزاق‪ ،‬قال‪ :‬أخبر نا مع مر‪ ،‬عن قتادة‪ ،‬ف ـي‬
‫سعِيرا قال‪ :‬كلـما لن منها شيء‪.‬‬
‫خبَتْ ِزدْناهُ ْم َ‬
‫قوله‪ :‬كُلّـما َ‬
‫ت قال‪ :‬سكنت‪ .‬وقوله‪:‬‬
‫خبَ ْ‬
‫‪ 17149‬ـ حُد ثت عن مروان‪ ،‬عن جو يبر‪ ،‬عن الضحاك كُلّ ـما َ‬
‫ِزدْناهُ مْ سَعيرا يقول‪ :‬زدنا هؤلء الكفـار سعيرا‪ ،‬وذلك إسعار النار علـيهم والتهابها فـيهم‬
‫وتأججها بعد خبوّها‪ ،‬فـي أجسامهم‪.‬‬

‫‪98‬‬ ‫الية ‪:‬‬


‫عظَاما‬
‫جزَآؤُهُم ِبَأ ّنهُ مْ كَ َفرُو ْا بِآيَاتِنَا َوقَالُو ْا أَِإذَا كُنّا ِ‬
‫القول ف ـي تأوي ـل قوله تعال ـى‪{ :‬ذَلِ كَ َ‬
‫جدِيدا }‪.‬‬
‫ن خَلْقا َ‬
‫َو ُرفَاتا أَِإنّا َل َم ْبعُوثُو َ‬
‫يقول تعالـى ذكره‪ :‬هذا الذي وصفنا من فعلنا يوم القـيامة بهؤلء الـمشركين‪ ،‬ما ذكرت‬
‫أن نفعل بهم من حشرهم علـى وجوههم عميا وبكما وصما‪ ،‬وإصلئنا إياهم النار علـى ما‬
‫بـيّنا من حالتهم فـيها ثوابَهم بكفرهم فـي الدنـيا بآياتنا‪ ،‬يعنـي بأدلته وحججه‪ ،‬وهم رسله‬
‫الذ ين دعو هم إل ـى عب ـادته‪ ،‬وإفراد هم إياه ب ـاللوهة دون الوثان وال صنام‪ ،‬وبقول هم إذا‬
‫أُمروا بــاليـمان بــالـميعاد‪ ،‬وبثواب ال وعقابـه فــي الَخرة أ ِئذَا كُنّا عِظامـا بــالـية‬
‫جدِيدا يقولون‪ :‬نُبعث بعد ذلك خـلقا جديدا‬
‫ن خَـلْقا َ‬
‫َورُفـاتا قد صرنا ترابـا أ ِئنّا لَـمَ ْبعُوثُو َ‬
‫كما ابتدأناه أوّل مرّة فـي الدنـيا استنكارا منهم لذلك‪ ،‬واستعظاما وتعجبـا من أن يكون ذلك‪.‬‬
‫‪99‬‬ ‫الية ‪:‬‬
‫سمَاوَاتِ وَالرْ ضَ قَا ِدرٌ‬
‫ن الّل هَ اّلذِي خَلَ قَ ال ّ‬
‫القول ف ـي تأوي ـل قوله تعال ـى‪{ :‬أَوَلَ ْم يَرَوْ ْا أَ ّ‬
‫ل كُفُورا }‪.‬‬
‫ل َريْبَ فِيهِ َفَأ َبىَ الظّالِمُونَ َإ ّ‬
‫ل َل ُهمْ َأجَلً ّ‬
‫جعَ َ‬
‫عََلىَ أَن َيخُْلقَ ِمثَْل ُهمْ َو َ‬
‫يقول تعالـى ذكره لنبـيه مـحمد صلى ال عليه وسلم‪ :‬أو لـم ينظر هؤلء القائلون من‬
‫جدِيدا بعيون قلوبهم‪ ،‬فـيعلـمون‬
‫ن خَـلْقا َ‬
‫الـمشركين أ ِئذَا ُكنّا عِظاما َورُفـاتا أ ِئنّا لَـ َم ْبعُوثُو َ‬
‫أن ال الذي خـلق السموات والرض‪ ،‬فـابتدعها من غير شيء‪ ،‬وأقامها بقُدرته‪ ،‬قادر بتلك‬
‫القُدرة عل ـى أن يخ ـلق مثل هم أشكال هم‪ ،‬وأمثال هم من ال ـخـلق ب عد فنائ هم‪ ،‬وق بل ذلك‪ ،‬وأن‬
‫مـن قدر علــى ذلك فل يــمتنع علــيه إعادتهـم خــلقا جديدا‪ ،‬بعـد أن يصـيروا عظامـا‬
‫ـ فِــي ِه يقول تعالــى ذكره‪ :‬وجعـل ال لهؤلء‬
‫ـ أجَلً ل َريْب َ‬
‫جعَلَ َلهُم ْ‬
‫ورُفــاتا‪ .‬وقوله َو َ‬
‫الـمشركين أجلً لهلك هم‪ ،‬ووقتا لعذابهم ل ر يب ف ـيه‪ .‬يقول‪ :‬ل شك فـيه أ نه آتـيهم ذلك‬
‫ن إلّ كُفُورا يقول‪ :‬فأبـى الكافرون إل جحودا بحقــيقة وعيده الذي‬
‫الجـل‪َ .‬فأَبَـى الظّالِــمُو َ‬
‫أوعدهم وتكذيبـا به‪.‬‬

‫‪100‬‬ ‫الية ‪:‬‬


‫شيَةَ‬
‫خْ‬‫س ْكتُمْ َ‬
‫حمَةِ َربّي إِذا لمْ َ‬
‫ن َر ْ‬
‫خزَآئِ َ‬
‫ن َ‬
‫القول فـي تأويـل قوله تعالـى‪{ :‬قُل لّ ْو َأ ْنتُ مْ َتمِْلكُو َ‬
‫ن َقتُورا }‪.‬‬
‫ن ال ْنسَا ُ‬
‫لنْفَاقِ َوكَا َ‬
‫اِ‬
‫يقول تعالــى ذكره لنبــيه‪ :‬قـل يـا مــحمد لهؤلء الــمشركين‪ :‬لو أنتــم أيهـا الناس‬
‫ت ـملكون خزائن أملك رب ـي من الموال‪ ،‬وع نى ب ـالرحمة ف ـي هذا ال ـموضع‪ :‬ال ـمال‬
‫شيَ َة النْف ـاقِ يقول‪ :‬إذن ل َبخِ ـلْتُـمْ بِ هِ‪ ،‬فَل ـم ت ـجودوا ب ها عل ـى غير كم‪،‬‬
‫خْ‬‫س ْكتُـمْ َ‬
‫لمْ َ‬
‫إذًا َ‬
‫خشية من النفـاق والقتار‪ ،‬كما‪:‬‬
‫‪ 17150‬ـ حدثنا القاسم‪ ،‬قال‪ :‬حدثنا الـحسين‪ ،‬قال‪ :‬ثنـي حجاج‪ ،‬عن ابن جريج‪ ،‬قال‪ :‬قال‬
‫شيَ َة النْفـاقِ قال‪ :‬الفقر‪.‬‬
‫خْ‬‫س ْكتُـمْ َ‬
‫لمْ َ‬
‫ابن عبـاس‪ :‬إذًا َ‬
‫شيَةَ النْفـاقِ أي خشية‬
‫خْ‬‫‪ 17151‬ـ حدثنا بشر‪ ،‬قال‪ :‬حدثنا يزيد‪ ،‬قال‪ :‬حدثنا سعيد‪ ،‬عن قتادة َ‬
‫الفـاقة‪.‬‬
‫حدثنا الـحسن بن يحيى‪ ،‬قال‪ :‬أخبرنا عبد الرزاق‪ ،‬قال‪ :‬أخبرنا معمر‪ ،‬عن قتادة‪ ،‬مثله‪.‬‬
‫ل مـمسكا‪ ،‬كما‪:‬‬
‫ن النْسانُ َقتُورا يقول‪ :‬وكان النسان بخي ً‬
‫وقوله‪ :‬وكا َ‬
‫‪ 17152‬ـ حدثن ـي عل ـيّ‪ ،‬قال‪ :‬حدث نا ع بد ال‪ ،‬قال‪ :‬ثن ـي معاو ية‪ ،‬عن عل ـيّ‪ ،‬عن ا بن‬
‫ن قَتُورا يقول‪ :‬بخيلً‪.‬‬
‫عبـاس‪ ،‬فـي قوله‪ :‬وكاَن النْسا ُ‬
‫حدثنـا القاسـم‪ ،‬قال‪ :‬حدثنـا الــحسين‪ ،‬قال‪ :‬ثنــي حجاج‪ ،‬عـن ابـن جريـج‪ ،‬قال‪ :‬قال ابـن‬
‫ن قَتُورا قال‪ :‬بخيلً‪.‬‬
‫عبـاس‪ ،‬فـي قوله‪ :‬وكانَ النْسا ُ‬
‫ن النْسانُ َقتُورا قال‪:‬‬
‫‪ 17153‬ـ حدثنا بشر‪ ،‬قال‪ :‬حدثنا يزيد‪ ،‬قال‪ :‬حدثنا سعيد‪ ،‬عن قتادة وكا َ‬
‫بخيلً مـمكسا‪.‬‬
‫وف ـي القتور ف ـي كلم العرب لغات أر بع‪ ،‬يقال‪ :‬قَتَر فلن يَ ْق ُترُ ويَقْتِر‪ ،‬وقتّر يُقَتّر‪ ،‬وأق تر‬
‫يُ ْقتِر‪ ،‬ما قال أبو دُواد‪:‬‬
‫عدَامُ‬
‫ن قد ُر ِز ْيتُهُ ال ْ‬
‫ْفَ ْقدُ مَ ْ‬ ‫عدْما وََلكِن‬
‫عدّ القْتارَ ُ‬
‫لأُ‬

‫‪101‬‬ ‫الية ‪:‬‬


‫سرَائِيلَ ِإذْ‬
‫سأَلْ َبنِي إِ ْ‬
‫سىَ تِ سْعَ آيَا تٍ َب ّينَا تٍ فَا ْ‬
‫القول فـي تأويـل قوله تعالـى‪{ :‬وَلَ َقدْ آ َت ْينَا مُو َ‬
‫سحُورا }‪.‬‬
‫سىَ َم ْ‬
‫ظ ّنكَ َيمُو َ‬
‫جَآءَ ُهمْ فَقَالَ َلهُ ِفرْعَونُ ِإنّي ل ُ‬
‫يقول تعالـى ذكره‪ :‬ولقد آتـينا موسى بن عمران تسع آيات بـيّنات تُبـين لـمن رآ ها‬
‫أنها حجج لـموسى شاهدة علـى صدقه وحقـيقة نبوّته‪.‬‬
‫وقد اختلف أهل التأويـل فـيهنّ وما هنّ‪ .‬فقال بعضهم فـي ذلك ما‪:‬‬
‫‪ 17154‬ـ حدثن ـي به م ـحمد بن سعد‪ ،‬قال‪ :‬ثن ـي أب ـي‪ ،‬قال‪ :‬ثن ـي ع مي‪ ،‬قال‪ :‬ثن ـي‬
‫ت بَـيّناتٍ قال‪ :‬التسع‬
‫أبـي عن أبـيه‪ ،‬عن ابن عب ـاس‪ ،‬قوله‪ :‬وََل َقدْ آتَـيْنا مُو سَى تِ سْعَ آيا ٍ‬
‫الَيات البــينات‪ :‬يده‪ ،‬وعصـاه‪ ،‬ولسـانه‪ ،‬والبحـر‪ ،‬والطوفــان‪ ،‬والــجراد‪ ،‬والقمـل‪،‬‬
‫والضفـادع‪ ،‬والدم آيات مفصلت‪.‬‬
‫‪ 17155‬ـ حُد ثت عن ال ـحسين‪ ،‬قال‪ :‬سمعت أب ـا معاذ يقول‪ :‬أخبر نا عب ـيد‪ ،‬قال‪ :‬سمعت‬
‫ت بَ ـيّناتٍ إلقاء الع صا مرّت ـين ع ند‬
‫الضحاك يقول ف ـي قوله‪ :‬وََل َقدْ آتَ ـيْنا مُو سَى تِ سْ َع آيا ٍ‬
‫فرعون‪ ،‬ونزع يده‪ ،‬والعقدة التــي كانـت بلسـانه‪ ،‬وخمـس آيات فــي العراف‪ :‬الطوفــان‪،‬‬
‫والـجراد‪ ،‬والقمل‪ ،‬والضفـادع‪ ،‬والدم‪.‬‬
‫وقال آخرون‪ :‬نــحوا مـن هذا القول‪ ،‬غيـر أنهـم جعلوا آيتــين منهنـّ‪ :‬إحداهمـا الطمسـة‪،‬‬
‫والخرى الـحجر‪ .‬ذكر من قال ذلك‪:‬‬
‫‪ 17156‬ـ حدثنا ابن حميد‪ ،‬قال‪ :‬حدثنا سلـمة‪ ،‬عن ابن إسحاق‪ ،‬عن برياة بن سفـيان‪ ،‬عن‬
‫مـحمد بن كعب القرظي‪ ،‬قال‪ :‬سألنـي عمر بن عبد العزيز‪ ،‬عن قوله‪ :‬وَلَ َق ْد آتَـيْنا مُو سَى‬
‫تِ سْعَ آيا تٍ بَـيّناتٍ فقلت له‪ :‬هي الطوفـان والـجراد‪ ،‬والقمل‪ ،‬والضفـادع‪ ،‬والدم‪ ،‬والبحر‪،‬‬
‫وعصاه‪ ،‬والطمسة‪ ،‬والـحجر‪ ،‬فقال‪ :‬وما الطمسة؟ فقلت‪ :‬دعا موسى وأمّن هارون‪ ،‬فقال‪ :‬قد‬
‫أجي بت دعوتك ما‪ ،‬وقال ع مر‪ :‬ك يف يكون الف قه إل هكذا‪ .‬فد عا ع مر بن ع بد العز يز بخري طة‬
‫كا نت لعبد العز يز بن مروان أصيبت ب ـمصر‪ ،‬فإذا ف ـيها ال ـجوزة والبـيضة والعد سة ما‬
‫تنكر‪ ،‬مسخت حجارة كانت من أموال فرعون أصيبت بـمصر‪.‬‬
‫وقال آخرون‪ :‬ن ـحوا من ذلك إل أن هم جعلوا اثنت ـين منه نّ‪ :‬إحداه ما ال سنـين‪ ،‬والخرى‬
‫النقص من الثمرات‪ .‬ذكر من قال ذلك‪:‬‬
‫‪ 17157‬ـ حدثنا ابن حميد‪ ،‬قال‪ :‬حدثنا يحيى بن واضح‪ ،‬قال‪ :‬حدثنا الـحسين بن واقد‪ ،‬عن‬
‫آياتـ قال‪ :‬الطوفــان‪،‬‬
‫ٍ‬ ‫ِسـعَ‬
‫يزيـد النــحوي‪ ،‬عـن عكرمـة ومطـر الورّاق‪ ،‬فــي قوله‪ :‬ت ْ‬
‫والـجراد‪ ،‬والقمل‪ ،‬والضفـادع‪ ،‬والدم‪ ،‬والعصا‪ ،‬والـيد‪ ،‬والسنون‪ ،‬ونقص من الثمرات‪.‬‬
‫‪ 17158‬ـ حدثنـي يعقوب‪ ،‬قال‪ :‬حدثنا هشيـم‪ ،‬عن مغيرة‪ ،‬عن الشعبـي‪ ،‬فـي قوله‪ :‬تِ سْع‬
‫آياتٍ بَـيّناتٍ قال‪ :‬الطوفـان‪ ،‬والـجراد‪ ،‬والقمل‪ ،‬والضفـادع‪ ،‬والدم‪ ،‬والسنـين‪ ،‬ونقص من‬
‫الثمرات‪ ،‬وعصاه‪ ،‬ويده‪.‬‬
‫‪ 17159‬ـ حدثنا القاسم‪ ،‬قال‪ :‬حدثنا الـحسين‪ ،‬قال‪ :‬ثنـي حجاج‪ ،‬عن ابن جريج‪ ،‬قال‪ :‬سُئل‬
‫آياتـ بَــيّناتً مـا هـي؟ قال‪:‬‬
‫ٍ‬ ‫ِسـعَ‬
‫عطاء بـن أبــي ربــاح عـن قوله‪ :‬وَلَ َق ْد آتَــيْنا مُوسـَى ت ْ‬
‫الطوفـان‪ ،‬والـجراد‪ ،‬والقمل‪ ،‬والضفـادع‪ ،‬والدم‪ ،‬وعصى موسى‪ ،‬ويده‪.‬‬
‫ْنـ‬
‫عو َ‬‫ل فِرْ َ‬
‫خذْنـا آ َ‬
‫‪17160‬ــ قال‪ :‬ابـن جريـج‪ :‬وقال مــجاهد مثـل قول عطاء‪ ،‬وزاد‪ :‬أ َ‬
‫سنِـينَ َونَقْ صٍ ِم نَ ال ّث َمرَا تِ قال‪ :‬ه ما التا سعتان‪ ،‬ويقولون‪ :‬التا سعتان‪ :‬ال سنـين‪ ،‬وذهاب‬
‫ب ـال ّ‬
‫عجمة لسان موسى‪.‬‬
‫‪ 17161‬ـ حدثنا الـحسن بن يحيى‪ ،‬قال‪ :‬أخبرنا عبد الرزاق‪ ،‬قال‪ :‬أخبرنا معمر‪ ،‬عن قتادة‪،‬‬
‫عن ابن عبـاس‪ ،‬فـي قوله‪ :‬تِ سْ َع آيا تٍ بَـيّناتٍ وهي متتابعات‪ ،‬وهي فـي سورة العراف‬
‫سنِـينَ َونِقْصٍـ مِنَـ ال ّثمَرَاتِـ قال‪ :‬السـنـين فــي أهـل البوادي‪،‬‬
‫ل ِفرْعَوْنَـ بــال ّ‬
‫خذْنـا آ َ‬
‫وَلَ َق ْد أ َ‬
‫ـل‪،‬‬
‫ـجراد‪ ،‬والقمـ‬
‫ـان‪ ،‬والــ‬
‫ـل القُرى‪ ،‬فهاتان آيتان‪ ،‬والطوافــ‬
‫ـن الثمرات لهـ‬
‫ـص مـ‬
‫ونقـ‬
‫والضف ـادع‪ ،‬والدم‪ ،‬هذه خ مس‪ ،‬و يد مو سى إذ أخرج ها ب ـيضاء للناظر ين من غ ير سوء‪:‬‬
‫البرص‪ ،‬وعصاه إذ ألقاها‪ ،‬فإذا هي ثعبـان مبـين‪.‬‬
‫حدث نا ب شر‪ ،‬قال‪ :‬حدث نا يز يد‪ ،‬قال‪ :‬حدث نا سعيد‪ ،‬عن قتادة‪ ،‬عن ا بن عب ـاس‪ ،‬قوله‪ :‬وَلَ َقدْ‬
‫ت قال‪ :‬يد مو سى‪ ،‬وعصاه‪ ،‬والطوفـان‪ ،‬والـجراد‪ ،‬والقمل‪،‬‬
‫آتَـيْنا مُو سَى تِ سْعَ آيا تٍ بَـيّنا ٍ‬
‫والضفـادع‪ ،‬والدم والسنـين‪ ،‬ونقص من الثمرات‪.‬‬
‫وقال آخرون نــحوا مـن ذلك إل أنهـم جعلوا السـنـين‪ ،‬والنقـص مـن الثمرات آيـة واحدة‪،‬‬
‫وجعلوا التاسعة‪ :‬تلقـف العصا ما يأفكون‪ .‬ذكر من قال ذلك‪:‬‬
‫‪ 17162‬ـ حدثنا الـحسن بن يح يى‪ ،‬قال‪ :‬أخبر نا عبد الرزاق‪ ،‬قال‪ :‬أخبرنا مع مر‪ ،‬قال‪ :‬قال‬
‫سنِـينَ َونَقْصٍـ مِنَـ‬
‫عوْنَـ بــال ّ‬
‫ل فِرْ َ‬
‫خذْنـا آ َ‬
‫الــحسن‪ ،‬فــي قوله‪ :‬تِس ْـعَ آياتٍـ بَــيّناتٍ‪ ،‬وَلَ َقدْ أ ْ‬
‫َاتـ قال‪ :‬هذه آيـة واحدة‪ ،‬والطوفــان‪ ،‬والــجراد‪ ،‬والقمـل‪ ،‬والضفــادع‪ ،‬والدم‪ ،‬ويـد‬
‫ال ّثمَر ِ‬
‫موسى‪ ،‬وعصاه إذ ألقاها فإذا هي ثعبـان مبـين‪ ،‬وإذ ألقاها فإذا هي تلقـف ما يأفكون‪ .‬وقال‬
‫آخرون فـي ذلك ما‪:‬‬
‫‪17163‬ـ حدثنـي مـحمد بن الـمثنى‪ ،‬قال‪ :‬ثنـي مـحمد بن جعفر‪ ،‬قال‪ :‬حدثنا شعبة‪ ،‬عن‬
‫عمرو بـن مرّة‪ ،‬قال‪ :‬سـمعت عبـد ال بـن سـلـمة يحدّث عـن صـفوان بـن عسـال‪ ،‬قال‪ :‬قال‬
‫يهود يّ لصاحبه‪ :‬اذهب بنا إلـى النبـيّ حتـى نسأله عن هذه الَية‪ .‬ولَ َق ْد آتَـيْنا مُو سَى تِ سْعَ‬
‫ت بَـيّناتٍ قال‪ :‬ل تقل له نبـيّ‪ ،‬فإنه إن سمعك صارت له أربعة أعين‪ ،‬قال‪ :‬فسأل‪ ،‬فقال‬
‫آيا ٍ‬
‫شيْئا‪ ،‬وَل تَسـْرقُوا‪ ،‬وَل َت ْزنُوا‪ ،‬وَل تَ ْقتُلُوا‬
‫النبــيّ صـلى ال عليـه وسـلم‪« :‬ل ُتشْركُوا بــال َ‬
‫حرُوا‪ ،‬وَل َت ْأكُلُوا الرّب ـا‪ ،‬وَل تَ ـ ْمشُوا بَبريءٍ‬
‫حقّ‪ ،‬وَل تَ سْ َ‬
‫حرّ مَ الّل ُه إلّ ب ـالـ َ‬
‫س الت ـي َ‬
‫النّفْ َ‬
‫ن الزّحْف» شع بة الشا كّ‬
‫صنَةً‪ ،‬أو قال‪ :‬ل تَفرّوا مِ َ‬
‫ن لِ ـيَ ْقتُلَهُ‪ ،‬وَل تَ ْق ِذفُوا مُ ـحْ َ‬
‫إل ـى ذي سُلْطا ٍ‬
‫سبْت» فقبّل يده ورجله‪ ،‬وقال‪ :‬نش هد أ نك‬
‫«وأ ْنتُـمْ يا َيهُودُ عَلَـ ْيكُمْ خا صّةً ل َتعْدُوا ف ـي ال ّ‬
‫نبـيّ‪ ،‬قال‪« :‬فما يـمنعكما أن تسلـما؟» قال‪ :‬إن داود دعا أن ل يزال من ذرّيته نبـيّ‪ ،‬وإنا‬
‫نـخشى أن تقتلنا يهود‪.‬‬
‫حدث نا ا بن ال ـمثنى‪ ،‬قال‪ :‬حدث نا سهل بن يو سف وأ بو داود وع بد الرح من بن مهدي‪ ،‬عن‬
‫سعيد‪ ،‬عن عمرو‪ ،‬قال‪ :‬سمعت عبد ال بن سلـمة يحدّث عن صفوان بن عسال الـمرادي‪،‬‬
‫ي قال‪« :‬ل تَــْمشُوا إل ـى ذي‬
‫عن النب ـيّ صلى ال عل يه و سلم بن ـحوه‪ ،‬إل أن ا بن مهد ّ‬
‫سُلْطانٍ» وقال ابن مهدي‪ :‬أراه قال‪« :‬ببريء»‪.‬‬
‫حدثنـا أبـو كريـب‪ ،‬قال‪ :‬حدثنـا عبـد ال بن إدريـس وأ بو أسـامة بنــحوه‪ ،‬عـن شعبـة بـن‬
‫ال ـحجاج‪ ،‬عن عمرو بن مرّة‪ ،‬عن ع بد ال بن سلـمة‪ ،‬عن صفوان بن ع سال‪ ،‬قال‪ :‬قال‬
‫يهودي لصاحبه‪ :‬اذهب بنا إلـى هذا النبـيّ‪ ،‬فقال صاحبه‪ :‬ل تقل نبـيّ‪ ،‬إنه لو سمعك كان‬
‫له أربع أعين‪ ،‬قال‪ :‬فأتـيا رسول ال صلى ال عليه وسلم‪ ،‬يسألنه عن تسع آيات بـينات‪،‬‬
‫حرّ مَ‬
‫شيْئا‪ ،‬وَل تَ سْ ِرقُوا‪ ،‬وَل َتزْنُوا‪ ،‬وَل تَ ْقتُلُوا النّفْ سَ الت ـي َ‬
‫ش ِركُوا ب ـاللّهِ َ‬
‫فقال‪« :‬ه نّ‪ :‬وَل ُت ْ‬
‫سحَرُوا‪ ،‬وَل َت ْأكُلُوا‬
‫ن لِ ـيَ ْقتُلَهُ‪ ،‬وَل تَ ْ‬
‫ل ب ـالـحَقّ‪ ،‬وَل تَ ـمْشُوا ِب َبرِي ٍء إل ـى ذِي سُلْطا ٍ‬
‫اللّ هُ إ ّ‬
‫ن ل َت ْعدُوا‬
‫صنَةَ‪ ،‬وَل تَوَلّوْا يَوْ َم الزّحْ فِ وَعَلَ ـ ْي ُكمْ خا صَ ًة َيهُودُ‪ :‬أ ْ‬
‫ح َ‬
‫الرّب ـا‪ ،‬وَل َت ْقذِفُوا ال ـمُـ ْ‬
‫سبْتِ» قال‪ :‬فقبّلوا يد يه ورجل ـيه‪ ،‬وقالوا‪ :‬نش هد أ نك نب ـيّ‪ ،‬قال‪« :‬فَمَا يَ ـ ْم َنعُ ُكمْ أ نْ‬
‫ف ـي ال ّ‬
‫َت ّت ِبعُونِــي؟» قالوا‪ :‬إن داود دعـا أن ل يزال مـن ذرّيتـه نبــيّ‪ ،‬وإنـا نــخاف إن اتبعناك أن‬
‫تقتلنا يهود‪.‬‬
‫حدثنا مـجاهد بن موسى‪ ،‬قال‪ :‬حدثنا يزيد‪ ،‬قال‪ :‬حدثنا شعبة بن الـحجاج‪ ،‬عن عمرو بن‬
‫مرّة‪ ،‬عن ع بد ال بن سلـمة‪ ،‬عن صفوان بن ع سّال‪ ،‬عن النب ـيّ صلى ال عل يه و سلم‬
‫بنـحوه‪.‬‬
‫سرَائيـلَ إذْ جاءَهُ ْم فإن عامّة قرّاء السلم علـى قراءته علـى‬
‫وأما قوله‪ :‬فـاسأَلْ َبنِـي إ ْ‬
‫وجـه المـر بــمعنى‪ :‬فــاسأل يـا مــحمد بنــي إسـرائيـل إذ جاءهـم موسـى ورُوي عـن‬
‫الـحسن البصري فـي تأويـله ما‪:‬‬
‫‪ 17164‬ـ حدثن ـي به ال ـحارث‪ ،‬قال‪ :‬حدث نا القا سم‪ ،‬قال‪ :‬حدث نا حجاج‪ ،‬عن هارون‪ ،‬عن‬
‫إسماعيـل‪ ،‬عن الـحسن فأسأَلْ َبنِـي إسْرَائِيـلَ قال‪ :‬سؤالك إياهم‪ :‬نظرك فـي القرآن‪.‬‬
‫ورُوي عن ا بن عب ـاس أ نه كان يقرأ ذلك‪« :‬فَ سَأَلَ» ب ـمعنى‪ :‬ف سأل مو سى فرعون بن ـي‬
‫إسرائيـل أن يرسلهم معه علـى وجه الـخبر‪ .‬ذكر من قال ذلك‪:‬‬
‫‪ 17165‬ـ حدث نا أح مد بن يو سف‪ ،‬قال‪ :‬حدث نا القا سم‪ ،‬قال‪ :‬حدث نا حجاج‪ ،‬عن هارون‪ ،‬عن‬
‫حنظلة السّدوسيّ‪ ،‬عن شهر بن حوشب‪ ،‬عن ابن عبـاس‪ ،‬أنه قرأ‪« :‬فَسأَلَ َبنِـي إسْرَائِيـلَ إذْ‬
‫ن بنـي إسرائيـل أن يرسلهم معه‪.‬‬
‫جاءَ ُهمْ» يعنـي أن موسى سأل فرعو َ‬
‫والقراءة التــي ل أ ستـجيز أن يُقرأ بغيرهـا‪ ،‬هي القراءة الت ـي عل ـيها قرّاء الم صار‪،‬‬
‫لجماع الـحجة من القرّاء علـى تصويبها‪ ،‬ورغبتهم عما خالفهم‪.‬‬
‫سحُورا يقول‪ :‬فقال لـموسى فرعونُ‪ :‬إنـي‬
‫ك يا مُوسَى مَ ْ‬
‫طنّ َ‬
‫لُ‬‫وقوله‪ :‬فَقالَ َلهُ ِفرْعَ ْونَ إنّـي َ‬
‫لظنك يا موسى تتعاطى علـم السحر‪ ،‬فهذه العجائب التـي تفعلها من سحرك وقد يجوز أن‬
‫يكون مرادا به إنـي لظنك يا موسى ساحرا‪ ،‬ف ُوضِع مفعول موضع ف ـاعل‪ ،‬كما قـيـل‪:‬‬
‫إنك مشؤوم علـينا ومي ـمون‪ ،‬وإنـما هو شائم ويا من‪ .‬وقد تأوّل بعضهم حجاب ـا م ستورا‪،‬‬
‫ل بلفظ مفعول كثـيرا‪.‬‬
‫بـمعنى‪ :‬حجابـا ساترا‪ ،‬والعرب قد تـخرج فـاع ً‬

‫‪102‬‬ ‫الية ‪:‬‬


‫السـمَاوَاتِ‬
‫َبـ ّ‬‫ْتـ مَآ أَنزَلَ هَــؤُل ِء ِإلّ ر ّ‬
‫القول فــي تأويــل قوله تعالــى‪{ :‬قَالَ َل َقدْ عَِلم َ‬
‫ظ ّنكَ يَ ِفرْعَونُ َم ْثبُورا }‪.‬‬
‫وَالرْضِ َبصَآ ِئرَ وَِإنّي ل ُ‬
‫اختلفـت القرّاء فــي قراءة قوله لَ َقدْ عَلِــمْتَ فقرأ عامـة قرّاء المصـار ذلك لَ َقدْ عَلِــمْتَ‬
‫بفتـح التاء‪ ،‬علـى وجه الـخطاب من موسى لفرعون‪ .‬ورُوي عن علـيّ بن أبـي طالب‬
‫رضوان ال عل ـيه ف ـي ذلك‪ ،‬أ نه قرأ‪« :‬لَ َقدْ عَلِ ـمْتُ» بض مّ التاء‪ ،‬عل ـى و جه ال ـخبر من‬
‫موسى عن نفسه‪ .‬ومن قرأ ذلك علـى هذه القراءة‪ ،‬فإنه ينبغي أن يكون علـى مذهبه تأويـل‬
‫سحِرت‪ ،‬فترى أ نك تتكل ـم ب صواب‬
‫سحُورا إن ـي لظ نك قد ُ‬
‫ظنّ كَ يا مُو سَى مَ ْ‬
‫قوله إنّ ـي لَ ُ‬
‫ول ـيس ب صواب‪ .‬وهذا و جه من التأوي ـل‪ .‬غ ير أن القراءة الت ـي عل ـيها قرّاء الم صار‬
‫خلفها‪ ،‬وغير جائز عندنا خلف الـحجة فـيـما جاءت به من القراءة مـجمعة علـيه‪.‬‬
‫وبعد‪ ،‬فإن ال تعالـى ذكره قد أخبر عن فرعون وقومه أنهم جحدوا ما جاءهم به موسى من‬
‫خرُجْ بَـ ْيضَاءَ‬
‫ج ْيبِكَ تَـ ْ‬
‫الَيات التسع‪ ،‬مع علـمهم بأنها من عند ال بقوله وأ ُدخِـلْ َيدَكَ فِـي َ‬
‫ت إلـى ِفرْعَوْنَ َوقَ ْومِهِ‪ ،‬إ ّنهُمْ كانُوا قَوْما فـاسِقِـينَ فَلَـمّا جا َء ْتهُمْ‬
‫ن غيرِ سُو ٍء فِـي تِسْعِ آيا ٍ‬
‫مِ ْ‬
‫س ُهمْ ظُلْـما وَعُُلوّا فأخبر جلّ‬
‫ستَـيْ َق َنتْها أنْفُ ُ‬
‫جحَدُوا بِها وَا ْ‬
‫حرٌ ُمبِـينٌ َو َ‬
‫سْ‬‫صرَةً قالُوا َهذَا ِ‬
‫آياتُنا ُمبْ ِ‬
‫ثناؤه أنهم قالوا‪ :‬هي سحر‪ ،‬مع علـمهم واستـيقان أنفسهم بأنها من عند ال‪ ،‬فكذلك قوله‪َ :‬ل َقدْ‬
‫عَلِـمْتَ إنـما هو خبر من موسى لفرعون بأنه عالـم بأنها آيات من عند ال‪ .‬وقد ذُكر عن‬
‫ابن عبـاس أنه احتـجّ فـي ذلك بـمثل الذي ذكرنا من الـحجة‪ .‬قال‪:‬‬
‫‪ 17166‬ـ حدثنا القاسم‪ ،‬قال‪ :‬حدثنا الـحسين‪ ،‬قال‪ :‬حدثنا هشيـم‪ ،‬قال‪ :‬أخبرنا أبو بشر‪ ،‬عن‬
‫سعيد بن جبـير‪ ،‬عن ابن عبـاس‪ ،‬أنه كان يقرأ‪َ :‬ل َقدْ عَلِـمْتَ يا فرعون بـالنصب ما أ ْنزَلَ‬
‫س ُهمْ ظُلْـما وعُلُوّا‪ .‬فإذا‬
‫ستَـيْ َق َنتْها أنْفُ ُ‬
‫حدُوا بِها وا ْ‬
‫جَ‬‫سمَواتِ والرْ ضِ‪ ،‬ثم تل َو َ‬
‫هَؤُل ِء إلّ رَ بّ ال ّ‬
‫كان ذلك كذلك‪ ،‬فتأوي ـل الكلم‪ :‬قال مو سى لفرعون‪ :‬ل قد عل ـمت يا فرعون ما أنزل هؤلء‬
‫الَيات الت سع الب ـينات الت ـي أريتك ها ح جة ل ـي عل ـى حق ـيقة ما أدعوك إل ـيه‪ ،‬وشاهدة‬
‫ب ال سموات‬
‫ل ـي عل ـى صدق و صحة قول ـي‪ ،‬إن ـي ل ر سول‪ ،‬ما بعثن ـي إل ـيك إل ر ّ‬
‫والرض‪ ،‬لن ذلك ل يقدر عل ـيه‪ ،‬ول عل ـى أمثاله أ حد سواه‪ .‬ب صائر يعن ـي ب ـالبصائر‪:‬‬
‫ن من رآه نْ أن‬
‫ن بصائر لـمن استبصر به نّ‪ ،‬وهدى لـمن اهتدى به نّ‪ ،‬يعرف به ّ‬
‫الَيات‪ ،‬أنه ّ‬
‫ن معجزات ل يقدر علـيهنّ‪،‬‬
‫ن فمـحقّ‪ ،‬وأنهنّ من عند ال ل من عند غيره‪ ،‬إذ ك ّ‬
‫من جاء به ّ‬
‫ن سوى ربّ السموات والرض وهو جمع بصيرة‪.‬‬
‫ول علـى شيء منه ّ‬
‫ن َم ْثبُورا يقول‪ :‬إنـي لظنك يا فرعون ملعونا مـمنوعا من‬
‫ظنّكَ يا ِفرْعَ ْو ُ‬
‫وقوله‪ :‬وإنّـي لَ ُ‬
‫الـخير‪ .‬والعرب تقول‪ :‬ما ثبرك عن هذا المر‪ :‬أي ما منعك منه‪ ،‬وما صدّك عنه؟ وثبره ال‬
‫فهو ُيثْبره و ُي َثبَره لغتان‪ ،‬ورجل مثبور‪ :‬مـحبوس عن الـخيرات هالك ومنه قول الشاعر‪:‬‬
‫ن مالَ َميْـلَ ُه َم ْثبُورُهُ‬
‫ن ال َغيّوَم ْ‬
‫شيْطانَ فـي سَن ِ‬
‫إ ْذ أُجارِي ال ّ‬
‫وبنـحو الذي قلنا فـي تأويـل ذلك‪ ،‬قال أهل التأويـل‪ .‬ذكر من قال ذلك‪:‬‬
‫‪ 17167‬ـ حدثنا عبد ال بن عبد ال الكلبـي‪ ،‬قال‪ :‬حدثنا أبو خالد الحمر‪ ،‬قال‪ :‬حدثنا عمر‬
‫بن ع بد ال‪ ،‬عن ال ـمنهال بن عمرو‪ ،‬عن سعيد بن جب ـير‪ ،‬عن ا بن عب ـاس‪ ،‬ف ـي قوله‪:‬‬
‫ظ ّنكَ يا ِفرْعَ ْونُ َم ْثبُورا قال ملعونا‪.‬‬
‫لُ‬‫إنّـي َ‬
‫حدثنا أبو كريب‪ ،‬قال‪ :‬حدثنا مروان بن معاوية‪ ،‬قال‪ :‬أخبرنا عمر بن عبد ال الثقـفـي‪،‬‬
‫عن الـمنهال‪ ،‬عن سعيد بن جبـير‪ ،‬عن ابن عبـاس‪ ،‬مثله‪.‬‬
‫حدثن ـي عل ـيّ‪ ،‬قال‪ :‬حدثنا عبد ال‪ ،‬قال‪ :‬حدث نا معاو ية‪ ،‬عن عل ـيّ‪ ،‬عن ا بن عب ـاس‪،‬‬
‫ن َم ْثبُورا يقول‪ :‬ملعونا‪.‬‬
‫عوْ َ‬
‫ك يا فِرْ َ‬
‫ظنّ َ‬
‫لُ‬‫قوله‪ :‬إنّـي َ‬
‫وقال آخرون‪ :‬بل معناه‪ :‬إنـي لظنك يا فرعون مغلوبـا‪ .‬ذكر من قال ذلك‪:‬‬
‫‪17168‬ـ حدثنـي مـحمد بن سعد‪ ،‬قال‪ :‬ثنـي أبـي‪ ،‬قال‪ :‬ثنـي عمي‪ ،‬قال‪ :‬ثنـي أبـي‪،‬‬
‫ن َم ْثبُورا يعنـي‪ :‬مغلوبـا‪.‬‬
‫عوْ َ‬
‫ظ ّنكَ يا فِرْ َ‬
‫لُ‬‫عن أبـيه‪ ،‬عن ابن عبـاس‪ ،‬قوله‪ :‬إنّـي َ‬
‫‪ 17169‬ـ حُد ثت عن ال ـحسين‪ ،‬قال‪ :‬سمعت أب ـا معاذ يقول‪ :‬حدث نا عب ـيد‪ ،‬قال‪ :‬سمعت‬
‫ن َم ْثبُورا يقول‪ :‬مغلوبـا‪.‬‬
‫عوْ َ‬
‫ظنّكَ يا فِرْ َ‬
‫لُ‬‫الضحاك يقول فـي قوله إنّـي َ‬
‫وقال بعضهم‪ :‬معنى ذلك‪ :‬إنى لظنك يا فرعون هالكا‪ .‬ذكر من قال ذلك‪:‬‬
‫‪ 17170‬ـ حدثنـي مـحمد بن عمرو‪ ،‬قال‪ :‬حدثنا أبو عاصم‪ ،‬قال‪ :‬حدثنا عيسى وحدثنـي‬
‫الــحرث‪ ،‬قال‪ :‬حدثنـا الــحسن‪ ،‬قال‪ :‬حدثنـا ورقاء‪ ،‬جميعـا عـن ابـن أبــي نــجيح‪ ،‬عـن‬
‫مـجاهد‪ :‬مثبورا‪ :‬أي هالكا‪.‬‬
‫حدثنا القاسم‪ ،‬قال‪ :‬حدثنا الـحسين‪ ،‬قال‪ :‬حدثنا حجاج‪ ،‬عن ابن جريج‪ ،‬عن مـجاهد‪ ،‬مثله‪.‬‬
‫ظنّ كَ يا ِفرْعَ ْو نُ‬
‫لُ‬‫‪ 17171‬ـ حدثنا بشر‪ ،‬قال‪ :‬حدثنا يزيد‪ ،‬قال‪ :‬حدثنا سعيد‪ ،‬عن قتادة وإنّـي َ‬
‫َم ْثبُورا‪ :‬أي هالكا‪.‬‬
‫حدث نا القا سم‪ ،‬قال‪ :‬حدث نا ال ـحسين‪ ،‬قال‪ :‬ثن ـي حجاج‪ ،‬عن ا بن جر يج‪ ،‬عن م ـجاهد‪،‬‬
‫مثله‪.‬‬
‫حدثنا الـحسن‪ ،‬قال‪ :‬أخبرنا عبد الرزاق‪ ،‬قال‪ :‬أخبرنا معمر‪ ،‬عن قتادة‪ ،‬بنـحوه‪.‬‬
‫وقال آخرون‪ :‬معناه‪ :‬إنـي لظنك مب ّدلً مغيرا‪ .‬ذكر من قال ذلك‪:‬‬
‫‪ 17172‬ـ حدثنا أبو كريب‪ ،‬قال‪ :‬حدثنا عبد ال بن موسى‪ ،‬عن عيسى بن موسى‪ ،‬عن عطية‬
‫ظ ّنكَ يا ِفرْعَ ْونَ َم ْثبُورا قال‪ :‬مب ّدلً‪.‬‬
‫لُ‬‫إنّـي َ‬
‫وقال آخرون‪ :‬معناه‪ :‬مخبولً ل عقل له‪ .‬ذكر من قال ذلك‪:‬‬
‫‪ 17173‬ـ حدثن ـي يو نس‪ ،‬قال‪ :‬أخبر نا ا بن و هب‪ ،‬قال‪ :‬قال ا بن ز يد‪ ،‬ف ـي قوله‪ :‬وَإنّ ـي‬
‫ن َم ْثبُورا قال‪ :‬النسان إذا لـم يكن له عقل فما ينفعه؟ يعنـي‪ :‬إذا لـم يكن له‬
‫عوْ َ‬
‫لظُنّكَ يا فِرْ َ‬
‫َ‬
‫عقل ينتفع به فـي دينه ومعاشه دعته العرب مثبورا‪ .‬قال‪ :‬أظنك لـيس لك عقل يا فرعون‪،‬‬
‫قال‪ :‬بـينا هو يخافه ول ينطق لسانـي أن أقول هذا لفرعون‪ ،‬فلـما شرح ال صدره‪ ،‬اجترأ‬
‫أن يقول له فوق ما أمره ال‪.‬‬
‫وقد بـيّنا الذي هو أولـى بـالصواب فـي ذلك قبل‪.‬‬

‫‪104‬‬ ‫و‬ ‫‪103‬‬ ‫الية ‪:‬‬


‫جمِيعا‬
‫غرَ ْقنَاهُ َومَن ّمعَهُ َ‬
‫{ َفأَرَادَ أَن َيسْتَ ِفزّهُم مّنَ الرْضِ َفأَ ْ‬ ‫القول فـي تأويـل قوله تعالـى‪:‬‬
‫ج ْئنَا ِب ُكمْ لَفِيفا }‪.‬‬
‫خرَ ِة ِ‬
‫لِ‬‫عدُ ا َ‬
‫س ُكنُو ْا الرْضَ َفِإذَا جَآءَ وَ ْ‬
‫سرَائِيلَ ا ْ‬
‫* َوقُ ْلنَا مِن َب ْعدِ ِه ِل َبنِي ِإ ْ‬
‫يقول تعالــى ذكره‪ :‬فأراد فرعون أن يسـتفزّ موسـى وبنــي إسـرائيـل مـن الرض‪،‬‬
‫جمِيعا‪ ،‬ونـجّينا موسى وبنـي إسرائيـل‪ ،‬وقلنا لهم‬
‫غرَقْناهُ فـي البحر‪َ ،‬ومَن َمعَ ُه من جنده َ‬
‫َفأَ ْ‬
‫ُمـ لَفــيفـا‬
‫خرِةِ جئْنـا بك ْ‬
‫لَ‬‫عدُ ا َ‬
‫ْضـ أرض الشام فإذَا جاءَ َو ْ‬
‫اسـُكنُوا الر َ‬
‫ِنـ َبعْ ِد هلك فرعون ْ‬
‫م ْ‬
‫يقول‪ :‬فإذا جاءت الساعة‪ ،‬وهي وعد الَخرة‪ ،‬جئنا بكم لفـيفـا‪ :‬يقول‪ :‬حشرناكم من قبوركم‬
‫إلـى موقـف القـيامة لفـيفـا‪ :‬أي مختلطين قد الت فّ بعضكم علـى بعض‪ ،‬ل تتعارفون‪،‬‬
‫ول ينـحاز أحد منكم إلـى قبـيـلته وحيّه‪ ،‬من قولك‪ :‬لففت الـجيوش‪ :‬إذا ضربت بعضها‬
‫ببعض‪ ،‬فـاختلط الـجميع‪ ،‬وكذلك كلّ شيء خُـلط بشيء فقد ُلفّ به‪.‬‬
‫وقد اختلف أهل التأويـل فـي تأويـل ذلك‪ ،‬فقال بعضهم نـحو الذي قلنا فـيه‪ .‬ذكر من‬
‫قال ذلك‪:‬‬
‫‪17174‬ــ حدثنـا مــحمد بـن بشار‪ ،‬قال‪ :‬حدثنـا عبـد الرحمـن‪ ،‬قال‪ :‬حدثنـا سـفـيان‪ ،‬عـن‬
‫جئْنا ِب ُكمْ لَفِـيفـا قال‪ :‬من كلّ قوم‪.‬‬
‫منصور‪ ،‬عن ابن أبـي َرزِين ِ‬
‫وقال آخرون‪ :‬بل معناه‪ :‬جئنا بكم جميعا‪ .‬ذكر من قال ذلك‪:‬‬
‫‪17175‬ـ حدثنـي مـحمد بن سعد‪ ،‬قال‪ :‬ثنـي أبـي‪ ،‬قال‪ :‬ثنـي عمي‪ ،‬قال‪ :‬ثنـي أبـي‪،‬‬
‫جئْنا ِب ُكمْ لَفِـيفـا قال‪ :‬جميعا‪.‬‬
‫عن أبـيه‪ ،‬عن ابن عبـاس‪ ،‬قوله‪ِ :‬‬
‫‪ 17176‬ـ حدثنـي مـحمد بن عمرو‪ ،‬قال‪ :‬حدثنا أبو عاصم‪ ،‬قال‪ :‬حدثنا عيسى وحدثنـي‬
‫الــحارث‪ ،‬قال‪ :‬حدثنـا الــحسن‪ ،‬قال‪ :‬حدثنـا ورقاء‪ ،‬جميعـا عـن ابـن أبــي نــجيح‪ ،‬عـن‬
‫جئْنا ِب ُكمْ لَفِـيفـا جميعا‪.‬‬
‫مـجاهد ِ‬
‫حدث نا القا سم‪ ،‬قال‪ :‬حدث نا ال ـحسين‪ ،‬قال‪ :‬ثن ـي حجاج‪ ،‬عن ا بن جر يج‪ ،‬عن م ـجاهد‪،‬‬
‫مثله‪.‬‬
‫خرَةِ‬
‫لِ‬‫عدُ ا َ‬
‫‪17177‬ـ حدثنا بشر‪ ،‬قال‪ :‬حدثنا يزيد‪ ،‬قال‪ :‬حدثنا سعيد‪ ،‬عن قتادة قوله فإذَا جاءَ وَ ْ‬
‫جئْنا ِبكُ ْم لَفِـيفـا‪ :‬أي جميعا‪ ،‬أولكم وآخركم‪.‬‬
‫ِ‬
‫حدث نا ال ـحسن بن يح يى‪ ،‬قال‪ :‬أخبر نا ع بد الرزاق‪ ،‬قال‪ :‬أخبر نا مع مر‪ ،‬عن قتادة‪ ،‬ف ـي‬
‫جئْنا ِب ُكمْ لَفِـيفـا قال‪ :‬جميعا‪.‬‬
‫قوله ِ‬
‫‪ 17178‬ـ حُد ثت عن ال ـحسين‪ ،‬قال‪ :‬سمعت أب ـا معاذ يقول‪ :‬حدث نا عب ـيد‪ ،‬قال‪ :‬سمعت‬
‫جئْ نا ِبكُ مْ َلفِ ـيفـا يعن ـي جمي عا‪ .‬ووحّده اللف ـيف‪ ،‬و هو خبر عن‬
‫الضحاك يقول ف ـي قوله ِ‬
‫الـجميع‪ ،‬لنه بـمعنى الـمصدر كقول القائل‪ :‬لفقته لفّـا ولفـيفـا‪.‬‬

‫‪ 105‬و ‪106‬‬ ‫الية ‪:‬‬


‫ل ُم َبشّرا‬
‫القول فــي تأويــل قوله تعالــى‪َ { :‬وبِا ْلحَقّـ َأ ْنزَ ْلنَاهُـ َوبِا ْلحَقّـ َنزَلَ وَمَآ َأرْسَـْلنَاكَ ِإ ّ‬
‫َو َنذِيرا * َوقُرْآنا َفرَ ْقنَا ُه ِلتَ ْقرَأَهُ عَلَى النّاسِ عََلىَ ُمكْثٍ َو َنزّ ْلنَاهُ َت ْنزِيلً }‪.‬‬
‫يقول تعالــى ذكره‪ :‬وبــالـحقّ أنزلنـا هذا القرآن‪ :‬يقول‪ :‬أنزلناه نأمـر فــيه بــالعدل‬
‫والنصاف والخلق الـجميـلة‪ ،‬والمور الـمستـحسنة الـحميدة‪ ،‬وننهى فـيه عن الظلـم‬
‫حقّ َنزَلَ يقول‪ :‬وبذلك نزل‬
‫والمور القبــيحة‪ ،‬والخلق الرديـة‪ ،‬والفعال الذّميــمة وبــالـ َ‬
‫من عند ال علـى نبـيه مـحمد صلى ال عليه وسلم‪ .‬وقوله‪ :‬وَما أرْسَلْناكَ إلّ ُم َبشّرا َو َنذِيرا‬
‫يقول تعالـى ذكره لنبـيه مـحمد صلى ال عليه وسلم‪ :‬وما أرسلناك يا مـحمد إلـى من‬
‫أرسلناك إلـيه من عبـادنا‪ ،‬إل مبشرا بـالـجنّة من أطاعنا‪ ،‬فـانتهى إلـى أمرنا و َنهْي نا‪،‬‬
‫ومنذرا ل ـمن ع صانا وخالف أمر نا ونهينَا‪َ .‬وقُرآ نا فَ َرقْنا هُ َلتَقْرأَ ُه اختل فت القرّاء ف ـي قراءة‬
‫ْناهـ بتــخفـيف الراء مـن فرقناه‪ ،‬بــمعنى‪ :‬أحكمناه‬
‫ذلك‪ ،‬فقرأتـه عامـة قرّاء المصـار َفرَق ُ‬
‫وف صلناه وب ـيناه‪ .‬وذُ كر عن ا بن عب ـاس‪ ،‬أ نه كان يقرؤه بتشد يد الراء «فَ ّرقْنا هُ» ب ـمعنى‪:‬‬
‫نزّلناه شيئا بعد شيء‪ ،‬آية بعد آية‪ ،‬وقصة بعد قصة‪.‬‬
‫وأولــى القراءتــين بــالصواب عندنـا‪ ،‬القراءة الولــى‪ ،‬لنهـا القراءة التــي علــيها‬
‫الـحجة مـجمعة‪ ،‬ول يجوز خلفها فـيـما كانت علـيه مـجمعة من أمر الدين والقرآن‪.‬‬
‫فإذا كان ذلك أولـى القراءتـين بـالصواب‪ ،‬فتأويـل الكلم‪ :‬وما أرسلناك إل مبشرا ونذيرا‪،‬‬
‫وفصلناه قرآنا‪ ،‬وبـيّناه وأحكمناه‪ ،‬لتقرأه علـى الناس علـى مكث‪ .‬وبنـحو الذي قلنا فـي‬
‫ذلك من التأويـل‪ ،‬قال جماعة من أهل التأويـل‪ .‬ذكر من قال ذلك‪:‬‬
‫‪ 17179‬ـ حدثن ـي عل ـيّ‪ ،‬قال‪ :‬حدث نا ع بد ال‪ ،‬قال‪ :‬ثن ـي معاو ية‪ ،‬عن عل ـيّ‪ ،‬عن ا بن‬
‫عبـاس‪ ،‬قوله‪َ :‬وقُرآنا فَ َرقْناهُ يقول‪ :‬فصلناه‪.‬‬
‫‪17180‬ـ حدثنا القاسم‪ ،‬قال‪ :‬حدثنا الـحسين‪ ،‬قال‪ :‬ثنـي حجاج‪ ،‬عن أبـي جعفر‪ ،‬عن أبـي‬
‫الرب ـيع عن أب ـي العال ـية‪ ،‬عن أب ـيّ بن ك عب أ نه قرأ‪َ :‬وقُرآ نا َفرَقْنا هُ مخفف ـا‪ :‬يعن ـي‬
‫بـيناه‪.‬‬
‫حدثنـا القاسـم‪ ،‬قال‪ :‬حدثنـا الــحسين‪ ،‬قال‪ :‬ثنــي حجاج‪ ،‬عـن ابـن جريـج‪ ،‬قال‪ :‬قال ابـن‬
‫عبـاس َوقُرآنا َفرَقْناهُ قال‪ :‬فصلناه‪.‬‬
‫‪17181‬ـ حدثنا ابن الـمثنى‪ ،‬قال‪ :‬حدثنا بدل بن الـمـحبر‪ ،‬قال‪ :‬حدثنا عبـاد‪ ،‬يعنـي ابن‬
‫ْناهـ خفّفهـا‪ :‬فرق ال بــين الــحقّ‬
‫راشـد‪ ،‬عـن داود‪ ،‬عـن الــحسن أنـه قرأ‪َ :‬وقُرآنـا َف َرق ُ‬
‫والبـاطل‪.‬‬
‫وأما الذين قرأوا القراءة الخرى‪ ،‬فإنهم تأوّلوا ما قد ذكرت من التأويـل‪ .‬ذكر من قال ما‬
‫حكيت من التأويـل عن قارىء ذلك كذلك‪:‬‬
‫‪ 17182‬ـ حدث نا القا سم‪ ،‬قال‪ :‬حدث نا ال ـحسين‪ ،‬قال‪ :‬ثن ـي حجاج‪ ،‬عن أب ـي جع فر‪ ،‬عن‬
‫الرب ـيع‪ ،‬عن أب ـي العال ـية‪ ،‬قال‪ :‬كان ا بن عب ـاس يقرؤ ها‪َ « :‬وقُرآ نا فَ ّرقْنا هُ» مثقلة‪ ،‬يقول‪:‬‬
‫أنزل آية آية‪.‬‬
‫‪ 17183‬ـ حدثنا ابن الـمثنى‪ ،‬قال‪ :‬حدثنا يزيد بن هارون‪ ،‬قال‪ :‬أخبرنا داود‪ ،‬عن عكرمة‪،‬‬
‫عـن ابـن عبــاس‪ ،‬قال‪ :‬قال‪ :‬أنزل القرآن جملة واحدة إلــى السـماء الدنــيا فــي لــيـلة‬
‫جئْناكَـ بــالـحَقّ‬
‫ل ِ‬
‫القدر‪ ،‬ثـم أنزل بعـد ذلك فــي عشريـن سـنة‪ ،‬قال‪ :‬وَل َي ْأتُونَكَـ بِــمثَلٍ إ ّ‬
‫ن تَ ْفسِيرا‪َ « ،‬وقُرآنا َفرّقْناهُ ِل َتقْرأَهُ عَلـى النّاسِ علـى ُمكْثٍ َو َنزّلْناهُ َت ْنزِيلً»‪.‬‬
‫حسَ َ‬
‫وأ ْ‬
‫‪ 17184‬ـ حدثنا الـحسن بن يحيى‪ ،‬قال‪ :‬أخبرنا عبد الرزاق‪ ،‬قال‪ :‬أخبرنا معمر‪ ،‬عن قتادة‪،‬‬
‫ف ـي قوله‪َ « :‬وقُرآ نا فَ ّرقْنا هُ ِلتَقْرأ هُ عَل ـى النّا سِ» ل ـم ينزل جمي عا‪ ،‬وكان ب ـين أوّله وآخره‬
‫نـحو من عشرين سنة‪.‬‬
‫‪ 17185‬ـ حدثن ـي يو نس‪ ،‬قال‪ :‬أخبر نا ا بن و هب‪ ،‬قال‪ :‬قال ا بن ز يد‪ ،‬ف ـي قوله‪َ « :‬وقُرآ نا‬
‫جمْلَةً‬
‫ن ُ‬
‫فَ ّرقْنا هُ» قال‪ :‬فرّقه‪ :‬لـم ينزله جميعه‪ .‬وقرأ‪ :‬وَقالَ اّلذِي نَ كَ َفرُوا َلوْل ُنزّلَ عَلَـيْ ِه القُرآ ُ‬
‫ن تَ ْفسِيرا َينْقُض علـيهم ما يأتون به‪.‬‬
‫حسَ َ‬
‫حدَ ًة حتـى بلغ وأ ْ‬
‫وَا ِ‬
‫وكان ب عض أ هل العرب ـية من أ هل الكو فة يقول‪ :‬ن صب قوله َوقُرآ نا ب ـمعنى‪ :‬ورح مة‪،‬‬
‫ل ُم َبشّرَا َو َنذِيرا ورحمـة‪ ،‬ويقول‪ :‬جاز ذلك‪ ،‬لن القرآن رحمـة‪،‬‬
‫أرسـلْناكَ إ ّ‬
‫َ‬ ‫ويتأوّل ذلك‪ :‬وَمـا‬
‫ونصبه علـى الوجه الذي قلناه أولـى‪ ،‬وذلك كما قال جلّ ثناؤه‪ :‬وال َق َمرَ قَ ّدرْنا هُ مَنازِلَ وقوله‪:‬‬
‫ِلتَ ْقرَأ هُ عَلـى النّا سِ عَلـى ُمكْ ثٍ يقول‪ :‬لتقرأه علـى الناس علـى تُؤَدة‪ ،‬فترتله وتبـينه‪ ،‬ول‬
‫تعجل فـي تلوته‪ ،‬فل يفهم عنك‪ .‬وبنـحو الذي قلنا فـي ذلك‪ ،‬قال أهل التأويـل‪ .‬ذكر من‬
‫قال ذلك‪:‬‬
‫‪ 17186‬ـ حدثنا مـحمد بن بشار‪ ،‬قال‪ :‬حدثنا عبد الرحمن‪ ،‬قال‪ :‬حدثنا سفـيان‪ ،‬عن عبـيد‬
‫ال ـمكُتِب‪ ،‬قال‪ :‬قلت ل ـمـجاهد‪ :‬ر جل قرأ البقرة وآل عمران‪ ،‬وآ خر قرأ البقرة‪ ،‬وركوعه ما‬
‫وسجودهما واحد‪ ،‬أيهما أفضل؟ قال‪ :‬الذي قرأ البقرة‪ ،‬وقرأ‪َ :‬وقُرآنا َفرَقْناه ِلتَ ْقرَأَ هُ عَلـى النّاسِ‬
‫عَلـى ُمكْثٍ‪.‬‬
‫‪ 17187‬ـ حدثن ـي عل ـيّ‪ ،‬قال‪ :‬حدث نا ع بد ال‪ ،‬قال‪ :‬ثن ـي معاو ية‪ ،‬عن عل ـيّ‪ ،‬عن ا بن‬
‫ث يقول‪ :‬علـى تأيـيد‪.‬‬
‫عبـاس‪ ،‬قوله‪ِ :‬لتَ ْقرَأهُ عَلـى النّاسِ عَلـى ُمكْ ٍ‬
‫‪ 17188‬ـ حدثنـي مـحمد بن عمرو‪ ،‬قال‪ :‬حدثنا أبو عاصم‪ ،‬قال‪ :‬حدثنا عيسى وحدثنـي‬
‫الــحارث‪ ،‬قال‪ :‬حدثنـا الــحسن‪ ،‬قال‪ :‬حدثنـا ورقاء‪ ،‬جميعـا عـن ابـن أبــي نــجيح‪ ،‬عـن‬
‫ث قال‪ :‬علـى ترتـيـل‪.‬‬
‫مـجاهد‪ ،‬قوله‪ :‬عَلـى ُمكْ ٍ‬
‫‪17189‬ـ حدثنا القاسم‪ ،‬قال‪ :‬حدثنا الـحسين‪ ،‬قال‪ :‬ثنـي حجاج‪ ،‬عن ابن جريج‪ ،‬قوله‪ِ :‬لتَقْرأَهُ‬
‫علـى النّاسِ عَلـى مكث قال‪ :‬فـي ترتـيـل‪.‬‬
‫‪17190‬ـ حدثنـي يونس‪ ،‬قال‪ :‬أخبرنا ابن وهب‪ ،‬قال‪ :‬قال ابن زيد فـي قوله‪ِ :‬لتَ ْقرَأَهُ عَلـى‬
‫ن َترْتـيلً‪ :‬تفسيره‪.‬‬
‫ث قال‪ :‬التفسير الذي قال ال وَرتّلِ القُرآ ِ‬
‫النّاسِ عَلـى ُمكْ ٍ‬
‫‪ 17191‬ـ حدث نا الـحسن‪ ،‬قال‪ :‬أخبر نا ع بد الرزاق‪ ،‬قال‪ :‬أخبر نا الثوري‪ ،‬عن عبـيد‪ ،‬عن‬
‫مـجاهد‪ ،‬قوله‪ِ :‬لتَ ْقرَأَهُ عَلـى النّاسِ عَلـى ُمكْثٍ علـى تؤدة‪.‬‬
‫وف ـي الـمُكث للعرب لغات‪ :‬مُكْث‪ ،‬ومَكْث‪ ،‬ومِكْث و ِمكّيث ـي مق صور‪ ،‬و ُمكْثا نا‪ ،‬والقراءة‬
‫بضمّ الـميـم‪.‬‬
‫وقوله‪َ :‬و َنزّلناهُ َت ْنزِيلً يقول تعالـى ذكره‪ :‬فرقنا تنزيـله‪ ،‬وأنزلناه شيئا بعد شيء‪ ،‬كما‪:‬‬
‫‪ 17192‬ـ حدثن ـي يعقوب‪ ،‬قال‪ :‬حدث نا ا بن عل ـية‪ ،‬قال‪ :‬حدث نا‪ ،‬عن أب ـي رجاء‪ ،‬قال‪ :‬تل‬
‫الــحسن‪َ « :‬وقُرآنـا فَ ّرقْناه ُـ ِلتَ ْقرَأَه ُـ عَلــى النّاس ِـ عَلــى ُمكْث ٍـ َو َنزّلْناه ُـ َتنْزِيلً» قال‪ :‬كان ال‬
‫تب ـارك وتعال ـى ينزل هذا القرآن بع ضه ق بل ب عض ل ـما عل ـم أ نه سيكون ويحدث ف ـي‬
‫الناس‪ ،‬ل قد ذ كر ل نا أ نه كان ب ـين أوّله وآخره ثمان ـي عشرة سنة‪ ،‬قال‪ :‬ف سألته يو ما عل ـى‬
‫سخطة‪ ،‬فقلت‪ :‬يا أبـا سعيد « َوقُرآنا َفرّقْنا هُ» فثقلها أبو رجاء‪ ،‬فقال الـحسن‪ :‬لـيس فرّقناه‪،‬‬
‫ولكن فرَقناه‪ ،‬فقرأ الـحسن مخففة‪ .‬قلت‪ :‬من يُحدثك هذا يا أبـا سعيد أصحاب مـحمد؟ قال‪:‬‬
‫فمـن يحدّثنــيه قال‪ :‬أنزل علــيه بــمكة قبـل أن يهاجـر إلــى الــمدينة ثمانــي سـنـين‪،‬‬
‫وبـالـمدينة عشر سنـين‪.‬‬
‫‪ 17193‬ـ حدث نا ب شر‪ ،‬قال‪ :‬حدث نا يز يد‪ ،‬قال‪ :‬حدث نا سعيد‪ ،‬عن قتادة‪ ،‬قوله‪َ :‬وقُرآ نا َفرَقْنا هُ‬
‫ِلتَ ْقرَأ هُ عَلـى النّا سِ عَلـى ُمكْ ثٍ َو َنزّلْنا هُ َت ْنزِيلً لـم ينزل فـي لـيـلة ول لـيـلتـين‪ ،‬ول‬
‫شهر ول شهرين‪ ،‬ول سنة ول سنتـين‪ ،‬ولكن كان بـين أوّله وآخره عشرون سنة‪ ،‬وما شاء‬
‫ال من ذلك‪.‬‬
‫حدثنا بشر‪ ،‬قال‪ :‬حدثنا يزيد‪ ،‬قال‪ :‬حدثنا سعيد‪ ،‬عن قتادة‪ ،‬عن الـحسن‪ ،‬قال‪ :‬كان يقول‪:‬‬
‫أنزل علـى نبـيّ ال القرآن ثمانـي سنـين‪ ،‬وعشرا بعد ما هاجر‪ .‬وكان قتادة يقول‪ :‬عشرا‬
‫بـمكة‪ ،‬وعشرا بـالـمدينة‪.‬‬

‫‪ 107‬و ‪108‬‬ ‫الية ‪:‬‬


‫ن أُوتُواْ ا ْلعِلْمَ مِن َقبْلِ ِه ِإذَا‬
‫القول فـي تأويـل قوله تعالـى‪{ :‬قُلْ آ ِمنُو ْا بِ ِه أَ ْو لَ ُت ْؤ ِمنُوَاْ ِإنّ اّلذِي َ‬
‫عدُ َر ّبنَا َلمَ ْفعُولً }‪.‬‬
‫ن َر ّبنَآ إِن كَانَ وَ ْ‬
‫س ْبحَا َ‬
‫ن ُ‬
‫سجّدا * َويَقُولُو َ‬
‫ن ُ‬
‫ن لِلذْقَا ِ‬
‫خرّو َ‬
‫ُيتَْلىَ عََل ْي ِهمْ َي ِ‬
‫يقول تعالـى ذكره لنبـيه مـحمد صلى ال عليه وسلم‪ :‬قل يا مـحمد لهؤلء القائلـين لك‬
‫ن الرْ ضِ َي ْنبُوعا‪ :‬آمنوا بهذا القرآن الذي لو اجتـمعت النس‬
‫جرَ لَنا مِ َ‬
‫ن لَ كَ حتـى تُ َف ُ‬
‫ن نُ ْؤمِ َ‬
‫لَ ْ‬
‫وال ـجنّ عل ـى أن يأتوا ب ـمثله‪ ،‬ل ـم يأتوا به ولو كان بعض هم لب عض ظهيرا‪ ،‬أو ل تؤمنوا‬
‫به‪ ،‬فإن إيـمانكم به لن يزيد فـي خزائن رحمة ال ول ترككم اليـمان به يُنقص ذلك‪ .‬وإن‬
‫تكفروا به‪ ،‬فإن الذين أوتوا العلـم بـال وآياته من قبل نزوله من مؤمنـي أهل الكتابـين‪،‬‬
‫إذا يتلـى علـيهم هذا القرآن يخرّون تعظيـما له وتكريـما‪ ،‬وعلـما منهم بأنه من عند ال‪،‬‬
‫لذقانهم سجدا بـالرض‪.‬‬
‫عنِ ـي به‪:‬‬
‫لذْقا نِ فقال بعض هم‪ُ :‬‬
‫خرّو نَ ل َ‬
‫عنِ ـي بقوله َي ِ‬
‫واختلف أ هل التأوي ـل ف ـي الذي ُ‬
‫الوجوه‪ .‬ذكر من قال ذلك‪:‬‬
‫‪ 17194‬ـ حدثن ـي عل ـيّ‪ ،‬قال‪ :‬حدث نا ع بد ال‪ ،‬قال‪ :‬ثن ـي معاو ية‪ ،‬عن عل ـيّ‪ ،‬عن ا بن‬
‫سجّدا يقول‪ :‬للوجوه‪.‬‬
‫ن ُ‬
‫لذْقا ِ‬
‫نلَ‬
‫خرّو َ‬
‫عبـاس‪ ،‬قوله‪ :‬ي ِ‬
‫سجّدا قال‬
‫لذْقانِ ُ‬
‫خرّونَ ل َ‬
‫‪17195‬ـ حدثنا بشر‪ ،‬قال‪ :‬حدثنا يزيد‪ ،‬قال‪ :‬حدثنا سعيد‪ ،‬عن قتادة َي ِ‬
‫للوجوه‪.‬‬
‫حدثنا الـحسن‪ ،‬قال‪ :‬أخبرنا عبد الرزاق‪ ،‬قال‪ :‬أخبرنا معمر‪ ،‬عن قتادة‪ ،‬مثله‪.‬‬
‫عنِـيَ بذلك اللّـحَى‪ .‬ذكر من قال ذلك‪:‬‬
‫وقال آخرون‪ :‬بل ُ‬
‫‪ 17196‬ـ حدث نا ال ـحسن‪ ،‬قال‪ :‬أخبر نا ع بد الرزاق‪ ،‬قال‪ :‬أخبر نا مع مر‪ ،‬قال‪ :‬قال ال ـحسن‬
‫لذْقانِ قال‪ :‬اللّـحَى‪.‬‬
‫فـي قوله‪َ :‬يخِرّونَ ل َ‬
‫ع ُد رَبّ نا لَ ـمَ ْفعُولً يقول جلّ ثناؤه‪ :‬ويقول هؤلء الذ ين أوتوا‬
‫سبْحانَ َربّ نا إ نُ كا نَ وَ ْ‬
‫وقوله‪ُ :‬‬
‫العلــم مـن قبـل نزول هذا القرآن‪ ،‬إذ خرّوا للذقان سـجودا عنـد سـماعهم القرآن ُيتْلــى‬
‫علـيهم‪ :‬تنزيها لربنا وتبرئه له مـما يضيف إلـيه الـمشركون به‪ ،‬ما كان وعد ربنا من‬
‫ثواب وعقاب‪ ،‬إل مفعولً حقـا يقــينا‪ ،‬إيــمان بــالقرآن وتصـديق بـه‪ .‬والذقان فــي كلم‬
‫العرب‪ :‬جمع َذقَن وهو مـجمع اللّـحيـين‪ ،‬وإذ كان ذلك كذلك‪ ،‬فـالذي قال الـحسن فـي‬
‫ذلك أش به بظاهر التنزي ـل‪ .‬وبن ـحو الذي قلنا فـي ذلك‪ ،‬قال أهل التأويـل علـى اختلف‬
‫منهم فـي الذين عنوا بقوله أُوتُوا العِلْـمَ وفـي ُيتْلَـى عَلِـيْهم‪ .‬ذكر من قال ذلك‪:‬‬
‫‪ 17197‬ـ حدثنا القاسم‪ ،‬قال‪ :‬حدثنا الـحسين‪ ،‬قال‪ :‬ثنـي حجاج‪ ،‬عن ابن جريج‪ ،‬قال‪ :‬قال‬
‫خشُوعا قال‪ :‬هم ناس من أهل الكتاب حين‬
‫مـجاهد‪ :‬اّلذِينَ أُوتُوا العِلْـمَ مِنْ َقبْلِهِ‪ ...‬إلـى قوله ُ‬
‫ع ُد َربّنا لَـمَ ْفعُولً‪.‬‬
‫ن كانَ وَ ْ‬
‫سبْحانَ َربّنا إ ْ‬
‫سمعوا ما أنزل ال علـى مـحمد قالُوا ُ‬
‫‪17198‬ـ حدثنـي يونس‪ ،‬قال‪ :‬أخبرنا ابن وهب‪ ،‬قال‪ :‬قال ابن زيد‪ ،‬فـي قوله‪ :‬قُلْ آمِنوا بِ هِ‬
‫ن َقبْلِ هِ من ق بل النب ـيّ صلى ال عل يه و سلم إذَا ُيتْلَ ـى‬
‫ن أُوتُوا العِلْ ـمَ مِ ْ‬
‫أ ْو ل ُت ْؤ ِمنُوا إ نّ اّلذِي َ‬
‫عدُ‬
‫ن َربّنا إ نْ كا نَ وَ ْ‬
‫سبْحا َ‬
‫ن ُ‬
‫سجّدا َو َيقُولُو َ‬
‫ن ُ‬
‫لذْقا ِ‬
‫خرّو نَ ل َ‬
‫عَلَـي ِهمْ ما أنزل إلـيهم من عند ال َي ِ‬
‫َربّنا لَـمَفْعولً‪.‬‬
‫ن قَبْلِ هِ (القرآن الذي أُنزل علـى) مـحمد‬
‫ن أُوتُوا العِلْـمَ مِ ْ‬
‫عنِـي بقوله‪ :‬اّلذِي َ‬
‫وقال آخرون‪ُ :‬‬
‫صلى ال عليه وسلم‪ .‬ذكر من قال ذلك‪:‬‬
‫‪17199‬ـ حدثنا القاسم‪ ،‬قال‪ :‬حدثنا الـحسين‪ ،‬قال‪ :‬ثنـي حجاج‪ ،‬عن ابن جريج‪ ،‬فـي قوله‪:‬‬
‫إذَا ُيتْلَـى عَلَـ ْي ِهمْ كتابهم‪.‬‬
‫‪ 17200‬ـ حدثنـي يونس‪ ،‬قال‪ :‬أخبر نا ا بن و هب‪ ،‬قال‪ :‬قال ابن ز يد‪ ،‬فـي قوله إذا ُيتْلَـى‬
‫عَلَـ ْي ِهمْ ما أنزل ال إلـيهم من عند ال‪.‬‬
‫عنِـي بقوله‪ :‬إذَا ُيتْلَـى عَلَـ ْي ِهمْ القرآن‪ ،‬لنه فـي سياق ذكر القرآن لـم يجر‬
‫وإنـما قلنا‪ُ :‬‬
‫ن قَبْلِ هِ‬
‫لغيره من الكتب ذكر‪ ،‬فـيصرف الكلم إلـيه‪ ،‬ولذلك جعلت الهاء التـي فـي قوله‪ :‬مِ ْ‬
‫من ذكر القرآن‪ ،‬لن الكلم بذكره جرى قبله‪ ،‬وذلك قوله‪َ :‬وقُرآنا َفرَقْنا هُ وما بعده فـي سياق‬
‫الــخبر عنـه‪ ،‬فذلك وجبـت صـحة مـا قلنـا إذا لــم يأت بخلف مـا قلنـا فــيه حجـة يجـب‬
‫التسلـيـم لها‪.‬‬

‫‪109‬‬ ‫الية ‪:‬‬


‫خشُوعا }‪.‬‬
‫ن َويَزِيدُ ُهمْ ُ‬
‫ن لِل ْذقَانِ َي ْبكُو َ‬
‫خرّو َ‬
‫القول فـي تأويـل قوله تعالـى‪َ { :‬و َي ِ‬
‫يقول تعالـى ذكره‪ :‬ويخ ّر هؤلء الذين أوتوا العلـم من مؤمنـي أهل الكتابـين من قبل‬
‫نزول الفرقان‪ ،‬إذا ُيتْلَــى علــيهم القرآن لذقانهـم يبكون‪ ،‬ويزيدهـم مـا فــي القرآن مـن‬
‫الـمواعظ والعبر خشوعا‪ ،‬يعنـي خضوعا لمر ال وطاعته‪ ،‬واستكانة له‪ 17201 .‬ـ حدثنا‬
‫أحمد بن منـيع‪ ،‬قال‪ :‬حدثنا عبد ال بن الـمبـارك‪ ،‬قال‪ :‬أخبرنا مِ سْعر‪ ،‬عن عبد العلـى‬
‫الت ـيـميّ‪ ،‬أن من أوت ـي من العل ـم ما ل ـم يب كه ل ـخـلـيق أن ل يكون أوت ـي عل ـما‬
‫ن َقبْلِ ِه إذَا ُيتْلَـى عَلَـ ْي ِهمْ َيخِرّو نَ‬
‫ن أُوتُوا العِلْـمَ ِم ْ‬
‫ن اّلذِي َ‬
‫ينفعه‪ ،‬لن ال نعت العلـماء فقال إ ّ‬
‫لذْقانِ‪ ...‬الَيتـين‪.‬‬
‫لَ‬
‫حدثنا القاسم‪ ،‬قال‪ :‬حدثنا الـحسين‪ ،‬قال‪ :‬ثنـي حجاج‪ ،‬قال‪ :‬حدثنا عبد ال بن الـمبـارك‪،‬‬
‫عن م سعر بن كدام‪ ،‬عن ع بد العل ـى الت ـيـمي بن ـحوه‪ ،‬إلّ أ نه قال‪ :‬إذَا ُيتْلَ ـى عَلَ ـ ْيهِمْ‬
‫لذْقانِ َي ْبكُونَ‪ ...‬الَية‪.‬‬
‫خرّونَ ل َ‬
‫لذْقانِ ثم قال‪ :‬و َي ِ‬
‫َيخِرّونَ ل َ‬
‫لذْقا نِ َي ْبكُو نَ‬
‫نلَ‬
‫خرّو َ‬
‫‪ 17202‬ـ حدثنـي يونس‪ ،‬قال‪ :‬أخبرنا ابن وهب‪ ،‬قال‪ :‬قال ابن زيد و َي ُ‬
‫خشُوعا‪ .‬قال‪ :‬هذا جواب وتفسير للَية التـي فـي كهيعص إذَا ُتتْلَـى عَلَـيْ ِهمْ آياتُ‬
‫َو َيزِيدُهُمْ ُ‬
‫سجّدا َو ُب ِكيّا‪.‬‬
‫خرّوا ُ‬
‫ن َ‬
‫ال ّرحْمَ َ‬

‫‪110‬‬ ‫الية ‪:‬‬


‫َهـ‬
‫ن َأيّا م ّا َتدْعُواْ فَل ُ‬
‫ّهـ َأوِ ا ْدعُو ْا ال ّرحْمَــ َ‬
‫القول فــي تأويــل قوله تعالــى‪{ :‬قُلِ ادْعُواْ الل َ‬
‫سبِيلً }‪.‬‬
‫ن ذَِلكَ َ‬
‫ج َهرْ ِبصَلَ ِتكَ َولَ ُتخَافِتْ ِبهَا وَا ْبتَغِ َبيْ َ‬
‫سنَىَ َولَ َت ْ‬
‫حْ‬‫سمَآ َء ا ْل ُ‬
‫ال ْ‬
‫يقول تعال ـى ذكره لنب ـيه‪ :‬قل يا م ـحمد ل ـمشركي قو مك ال ـمنكرين دعاء الرح من‪:‬‬
‫ي أ سمائه جلّ‬
‫حسْنَى بأ ّ‬
‫حمَ نَ أيّا مّا َتدْعُوا فَلَ ُه ال سْماءُ ال ـ ُ‬
‫ادْعُوا اللّ َه أي ها القوم أوِ ادْعُوا ال ّر ْ‬
‫جلله تدعون ربكـم‪ ،‬فإنــما تدعون واحدا‪ ،‬وله السـماء الــحُسنى‪ .‬وإنــما قــيـل ذلك له‬
‫صلى ال عليه وسلم‪ ،‬لن الـمشركين فـيـما ذكر سمعوا النبـيّ صلى ال عليه وسلم يدعو‬
‫ر به‪ :‬يا رب نا ال‪ ،‬و يا رب نا الرح من‪ ،‬فظنوا أ نه يد عو إله ين‪ ،‬فأنزل ال عل ـى نب ـيه عل ـيه‬
‫الصلة والسلم هذه الَية احتـجاجا لنبـيه علـيهم‪ .‬ذكر الرواية بـما ذكرنا‪:‬‬
‫‪17203‬ـ حدثنا القاسم‪ ،‬قال‪ :‬حدثنا الـحسين‪ ،‬قال‪ :‬ثنـي مـحمد بن كثـير‪ ،‬عن عبد ال بن‬
‫واقد‪ ،‬عن أب ـي الـجوزاء عن ابن عبـاس‪ .‬قال‪ :‬كان النب ـيّ صلى ال عل يه وسلم ساجدا‬
‫ن يا رَحيـمُ»‪ ،‬فقال الـمشركون‪ :‬هذا يزعم أنه يدعو واحدا‪ ،‬وهو يدعو مثنى‬
‫يدعو‪« :‬يا َرحْمَ ُ‬
‫ـ السـْماءُ‬
‫ـ أيّـا مّـا َتدْعُوا فَلَه ُ‬
‫حمَن َ‬
‫ـ أ ِو ادْعُوا ال ّر ْ‬
‫مثنـى‪ ،‬فأنزل ال تعالــى‪ :‬قُلِ ا ْدعُوا اللّه َ‬
‫سنَى‪ ...‬الَية‪.‬‬
‫الـحُ ْ‬
‫‪17204‬ــ حدثنـا القاسـم‪ ،‬قال‪ :‬حدثنـا الــحسين‪ ،‬قال‪ :‬ثنــي عيسـى‪ ،‬عـن الوزاعـي‪ ،‬عـن‬
‫مكحول‪ ،‬أن النبـيّ صلى ال عليه وسلم كان يتهجّد بـمكة ذات لـيـلة‪ ،‬يقول فـي سجوده‪:‬‬
‫ن يا رَحيـمُ»‪ ،‬فسمعه رجل من الـمشركين‪ ،‬فلـما أصبح قال لصحابه‪ :‬انظروا ما‬
‫حمَ ُ‬
‫«يا َر ْ‬
‫قال ابن أبـي كبشة‪ ،‬يدعو اللـيـلة الرحمن الذي بـالـيـمامة‪ ،‬وكان بـالـيـمامة رجل‬
‫سنَى»‪.‬‬
‫حْ‬‫حمَنَ أيّا مّا َتدْعُوا فَلَهُ السْماءُ الـ ُ‬
‫يقال له الرحمن‪ :‬فنزلت‪ :‬قُلِ ادْعُوا الّلهَ أ ِو ادْعُوا ال ّر ْ‬
‫‪ 17205‬ـ حدثنا بشر‪ ،‬قال‪ :‬حدثنا يزيد‪ ،‬قال‪ :‬حدثنا سعيد‪ ،‬عن قتادة‪ ،‬قوله‪ :‬قُلِ ادْعُوا الّل هَ أوِ‬
‫سنَى‪.‬‬
‫حْ‬‫حمَن أيّا مّا َتدْعُوا فَلَهُ السْماءُ الـ ُ‬
‫ادْعُوا ال ّر ْ‬
‫‪ 17206‬ـ حدثنـي مـحمد بن عمرو‪ ،‬قال‪ :‬حدثنا أبو عاصم‪ ،‬قال‪ :‬حدثنا عيسى وحدثنـي‬
‫الــحرث‪ ،‬قال‪ :‬حدثنـا الــحسن‪ ،‬قال‪ :‬حدثنـا ورقاء‪ ،‬جميعـا عـن ابـن أبــي نــجيح‪ ،‬عـن‬
‫مـجاهد‪ ،‬قوله‪ :‬أيّا مّا َتدْعُوا بشيء من أسمائه‪.‬‬
‫‪ 17207‬ـ حدثنـي موسى بن سهل‪ ،‬قال‪ :‬حدثنا مـحمد بن بكار البصري‪ ،‬قال‪ :‬ثنـي حماد‬
‫بن عيسى‪ ،‬عن عبـيد بن الطفـيـل الـجهنـي‪ ،‬قال‪ :‬حدثنا ابن جريج‪ ،‬عن عبد العزيز بن‬
‫عرّاك بن مالك‪ ،‬عن أبـي هريرة‪ ،‬عن النبـيّ صلى‬
‫عمر بن عبد العزيز‪ ،‬عن مكحول‪ ،‬عن َ‬
‫ن َدخَ ـلَ‬
‫ن أحْ صَاه ّ‬
‫ن ا سْما كُّلهُ نّ ف ـي القُرآ نِ‪ ،‬مَ ْ‬
‫ال عل يه و سلم قال‪« :‬إ نّ لِّل ِه ت سْعَةً وَت سْعي َ‬
‫جنّةَ»‪.‬‬
‫الـ َ‬
‫قال أبو جعفر‪ :‬ولدخول «ما» فـي قوله أيّا مّا َتدْعُوا وجهان‪ :‬أحدهما أن تكون صلة‪ ،‬كما‬
‫ص ِبحُنّ نَا ِدمِي نَ‪ .‬والَ خر أن تكون ف ـي مع نى إن‪ :‬كررت ل ـما‬
‫ق ـيـل‪ :‬عَمّا قَلِ ـيـلٍ لَ ـ ُي ْ‬
‫اختلف لفظاهما‪ ،‬كما قـيـل‪ :‬ما إن رأيت كاللـيـلة لـيـلة‪.‬‬
‫سبِـيلً اختلف أهل التأويـل‬
‫جهَ ْر بِصَلتِكَ وَل تُـخافِتْ بِها وَا ْبتَغِ بـينَ ذلكَ َ‬
‫وقوله‪ :‬وَل تَـ ْ‬
‫ف ـي ال صلة‪ ،‬فقال بعض هم‪ :‬ع نى بذلك‪ :‬ول ت ـجهر بدعائك‪ ،‬ول ت ـخافت به‪ ،‬ول كن ب ـين‬
‫ذلك‪ .‬وقالوا‪ :‬عنى بـالصلة فـي هذا الـموضع‪ :‬الدعاء‪ .‬ذكر من قال ذلك‪:‬‬
‫‪ 17208‬ـ حدثنـي يحيى بن عيسى الدامغانـي‪ ،‬قال‪ :‬حدثنا ابن الـمبـارك‪ ،‬عن هشام بن‬
‫جهَرْ بِصَل ِتكَ وَل تُـخافِتْ بِها قالت‪ :‬فـي‬
‫عروة‪ ،‬عن أبـيه‪ ،‬عن عائشة‪ ،‬فـي قوله‪ :‬وَل تَـ ْ‬
‫الدعاء‪.‬‬
‫حدثنا بشار‪ ،‬قال‪ :‬حدثنا هشام بن عروة‪ ،‬عن أبـيه‪ ،‬عن عائشة‪ ،‬قالت‪ :‬نزلت فـي الدعاء‪.‬‬
‫حدث نا ا بن بشار‪ ،‬قال‪ :‬حدث نا ع بد الرح من‪ ،‬قال‪ :‬حدث نا سفـيان‪ ،‬عن هشام بن عروة‪ ،‬عن‬
‫أبـيه‪ ،‬عن عائشة مثله‪.‬‬
‫‪ 17209‬ـ حدثنا الـحسن بن عرفة‪ ،‬قال‪ :‬حدثنا عبـاد بن العوّام‪ ،‬عن أشعث بن سوار‪ ،‬عن‬
‫جهَرْ بِ صَل ِتكَ وَل تُـخافِتْ بِها قال‪:‬‬
‫عكرمة‪ ،‬عن ابن عبـاس فـي قول ال تعالـى‪ :‬وَل تَـ ْ‬
‫كانوا يجهرون بـالدعاء‪ ،‬فلـما نزلت هذه الَية أُمروا أن ل يجهروا‪ ،‬ول يخافتوا‪.‬‬
‫حدث نا ا بن بشار‪ ،‬قال‪ :‬حدث نا ع بد الرح من‪ ،‬قال‪ :‬حدث نا حماد‪ ،‬عن عمرو بن مالك البكري‪،‬‬
‫عن أبـي الـجوزاء عن عائشة‪ ،‬قالت‪ :‬نزلت فـي الدعاء‪.‬‬
‫‪ 17210‬ـ حدثن ـي م طر بن م ـحمد الضب ـي‪ ،‬قال‪ :‬حدث نا ع بد ال بن داود‪ ،‬قال‪ :‬حدث نا‬
‫ج َهرْ بِصـَل ِتكَ وَل‬
‫شريـك‪ ،‬عـن زياد بـن فــياض‪ ،‬عـن أبــي عياض‪ ،‬فــي قوله‪ :‬وَل تَــ ْ‬
‫تُـخافِتْ بِها قال‪ :‬الدعاء‪.‬‬
‫حدثنا ابن بشار‪ ،‬قال‪ :‬حدثنا عبد الرحمن‪ ،‬قال‪ :‬حدثنا سفـيان‪ ،‬عن إبراهيـم الهَجري‪ ،‬عن‬
‫ج َهرْ بِصَل ِتكَ وَل تُـخافِتْ بِها قال‪ :‬نزلت فـي الدعاء‪.‬‬
‫أبـي عياض وَل تَـ ْ‬
‫حدثنا ا بن بشار‪ ،‬قال‪ :‬حدث نا ع بد الرح من‪ ،‬قال‪ :‬حدث نا شر يك‪ ،‬عن زياد بن ف ـياض‪ ،‬عن‬
‫أبـي عياض مثله‪.‬‬
‫‪17211‬ـ حدثنا ابن بشار‪ ،‬قال‪ :‬حدثنا عبد الرحمن‪ ،‬قال‪ :‬حدثنا سفـيان عمن ذكره عن عطاء‬
‫ج َهرْ بصَلتِكَ وَل تُـخافِتْ بِها قال‪ :‬نزلت فـي الدعاء‪.‬‬
‫وَل تَـ ْ‬
‫‪ 17212‬ـ حدثنا ابن الـمثنى‪ ،‬قال‪ :‬حدثنا مـحمد بن جعفر‪ ،‬قال‪ :‬حدثنا شعبة‪ ،‬عن الـحكم‪،‬‬
‫جهَرْ ِبصَل ِتكَ وَل تُـخافِتْ بها قال‪ :‬فـي الدعاء‪.‬‬
‫عن مـجاهد فـي الَية‪ :‬وَل تَـ ْ‬
‫حدثنا ابن بشار‪ ،‬قال‪ :‬حدثنا عبد الرح من‪ ،‬قال‪ :‬حدثنا شع بة‪ ،‬عن الـحكم‪ ،‬عن مـجاهد‪،‬‬
‫قال‪ :‬نزلت فـي الدعاء‪.‬‬
‫حدثنـي مـحمد بن عمرو‪ ،‬قال‪ :‬حدثنا أبو عاصم‪ ،‬قال‪ :‬حدثنا عيسى وحدثنـي الـحرث‪،‬‬
‫قال‪ :‬حدثنا الـحسن‪ ،‬قال‪ :‬حدثنا ورقاء‪ ،‬جميعا عن ابن أبـي نـجيح‪ ،‬عن مـجاهد‪ ،‬قوله وَل‬
‫تَـجْ َهرْ ِبصَلتِكَ وَل تُـخافِتْ بِها فـي الدعاء والـمسألة‪.‬‬
‫حدث نا القا سم‪ ،‬قال‪ :‬حدث نا ال ـحسين‪ ،‬قال‪ :‬ثن ـي حجاج‪ ،‬عن ا بن جر يج‪ ،‬عن م ـجاهد‪،‬‬
‫مثله‪.‬‬
‫حدث نا ا بن حم يد‪ ،‬قال‪ :‬حدث نا جر ير‪ ،‬عن ل ـيث‪ ،‬عن م ـجاهد‪ ،‬قال‪ :‬نزلت ف ـي الدعاء‬
‫والـمسألة‪.‬‬
‫‪ 17213‬ـ حدث نا ا بن بشار‪ ،‬قال‪ :‬حدث نا يح يى‪ ،‬قال‪ :‬ثن ـي سفـيان‪ ،‬قال‪ :‬ثن ـي ق ـيس بن‬
‫ج َهرْ بِ صَل ِتكَ وَل تُ ـخافِتْ بِ ها قال‪ :‬ف ـي‬
‫م سلـم‪ ،‬عن سعيد بن جب ـير ف ـي قوله وَل تَ ـ ْ‬
‫الدعاء‪.‬‬
‫‪ 17214‬ـ حدث نا ا بن بشار‪ ،‬قال‪ :‬حدث نا أ بو أح مد الزب ـيري‪ ،‬قال‪ :‬حدث نا سفـيان‪ ،‬عن ا بن‬
‫عياش العامري‪ ،‬عن عبد ال بن شدّاد قال‪ :‬كان أعراب إذا سلـم النبـيّ صلى ال عليه وسلم‬
‫ج َهرْ بصَلتكَ وَل تُـخافتْ بها‪.‬‬
‫قالوا‪ :‬الله ّم ارزقنا إبلً وولدا‪ ،‬قال‪ :‬فنزلت هذه الَية‪ :‬وَل تَـ ْ‬
‫‪ 17215‬ـ حدثنا الـحسن بن يحيى‪ ،‬قال‪ :‬أخبرنا عبد الرزاق‪ ،‬قال‪ :‬أخبرنا معمر‪ ،‬عن هشام‬
‫جهَرْ بصَلتكَ وَل تُـخافِتْ بِها قال‪ :‬فـي الدعاء‪.‬‬
‫بن عروة‪ ،‬عن أبـيه‪ ،‬فـي قوله وَل تَـ ْ‬
‫حدثنـي ابن سعد‪ ،‬قال‪ :‬ثنـي أبـي‪ ،‬قال‪ :‬ثنـي عمي‪ ،‬قال‪ :‬ثنـي أبـي‪ ،‬عن أبـيه‪ ،‬عن‬
‫جهَرْ ِبصَل ِتكَ‪ ...‬الَية‪ ،‬قال‪ :‬فـي الدعاء والـمسألة‪.‬‬
‫ابن عبـاس‪ ،‬وَل تَـ ْ‬
‫‪17216‬ـ حدثنا القاسم‪ ،‬قال‪ :‬حدثنا الـحسين‪ ،‬قال‪ :‬ثنـي عيسى‪ ،‬عن الوزاعي‪ ،‬عن مكحول‬
‫ج َهرْ ِبصَلتكَ وَل تُـخافِتْ بِها قال‪ :‬ذلك فـي الدعاء‪.‬‬
‫وَل تَـ ْ‬
‫وقال آخرون‪ :‬عنـى بذلك الصـلة‪ .‬واختلف قائلو هذه الــمقالة فــي الــمعنى الذي عنـى‬
‫بـالنهي عن الـجهر به‪ ،‬فقال بعضهم‪ :‬الذي نهى عن الـجهر به منها القراءة‪ .‬ذكر من قال‬
‫ذلك‪:‬‬
‫‪ 17217‬ـ حدثنا أبو كريب‪ ،‬قال‪ :‬حدثنا هشيـم‪ ،‬قال‪ :‬أخبرنا أبو بشر‪ ،‬عن سعيد بن جبـير‪،‬‬
‫جهَرْ‬
‫عن ا بن عب ـاس‪ ،‬قال‪ :‬نزلت هذه الَ ية ور سول ال صلى ال عل يه و سلم متوار وَل تَ ـ ْ‬
‫ت بِها قال‪ :‬كان إذا صلـى بأصحابه رفع صوته بـالقرآن‪ ،‬فإذا سمع ذلك‬
‫بِصَل ِتكَ وَل تُـخافِ ْ‬
‫الـمشركون سبّوا القرآن ومن أنزله‪ ،‬ومن جاء به‪ ،‬قال‪ :‬فقال ال لنبـيه صلى ال عليه وسلم‬
‫سمِعهم القرآن‬
‫جهَرْ بِصَلتِكَ فـيسمع الـمشركون وَل تُـخافِتْ بِها عن أصحابك‪ ،‬فل تُ ْ‬
‫وَل تَـ ْ‬
‫حتـى يأخذوا عنك‪.‬‬
‫حدثنا أبو كريب‪ ،‬قال‪ :‬حدثنا عثمان بن سعيد‪ ،‬قال‪ :‬حدثنا بشر بن عمار‪ ،‬عن أبـي رَوْق‪،‬‬
‫عن الضحاك‪ ،‬عن ابن عبـاس‪ ،‬فـي قوله‪ :‬وَل تَـجْ َهرْ بِ صَلتِكَ وَل تُـخافِتْ بِها قال‪ :‬كان‬
‫ر سول ال صـلى ال عل يه وسـلم‪ ،‬إذا جهـر ب ـالصلة بــالـمسلـمين بــالقرآن‪ ،‬شقّـ ذلك‬
‫علـى الـمشركين إذا سمعوه‪ ،‬فـيُؤْذون رسول ال صلى ال عليه وسلم بـالشتـم والعيب‬
‫ِنـ بــالقراءة‬
‫ج َهرْ بِصـَل ِتكَ يقول‪ :‬ل تُعل ْ‬
‫بـه‪ ،‬وذلك بــمكة‪ ،‬فأنزل ال‪ :‬يـا مــحمد ل تَــ ْ‬
‫بـالقرآن إعلنا شديدا يسمعه الـمشركون فـيؤذونك‪ ،‬ول تـخافت بـالقراءة القرآن‪ :‬يقول‪:‬‬
‫سبِـيلً يقول‪ :‬اطلب ب ـين‬
‫ن ذل كَ َ‬
‫سمِع أذن ـيك وَا ْبتَ غِ ب ـي َ‬
‫ل ت ـخفض صوتَك حت ـى ل تُ ْ‬
‫العلن وال ـجهر وب ـين الت ـخافت وال ـخفض طري قا‪ ،‬ل جهرا شديدا‪ ،‬ول خف ضا ل تُ سْمع‬
‫أذن ـيك‪ ،‬فذلك القدر فل ـما ها جر ر سول ال صلى ال عل يه و سلم إل ـى ال ـمدينة سقط هذا‬
‫ي ذلك شاء‪.‬‬
‫كله‪ ،‬يفعل الَن أ ّ‬
‫‪ 17218‬ـ حُد ثت عن ال ـحسين‪ ،‬قال‪ :‬سمعت أب ـا معاذ يقول‪ :‬حدث نا عب ـيد‪ ،‬قال‪ :‬سمعت‬
‫جهَرْ بِصـَل ِتكَ وَل تُــخافِتْ بِهـا‪ ...‬الَيـة‪ ،‬هذا ورسـول ال‬
‫الضحاك يقول فــي قوله وَل تَــ ْ‬
‫صـلى ال عليـه وسـلم بــمكة كان إذا صـلـى بأصـحابه‪ ،‬فرفـع صـوته بــالقراءة أسـمع‬
‫سمِع مَن‬
‫ال ـمشركين‪ ،‬فآذوه‪ ،‬فأمره ال أو ل ير فع صوته‪ ،‬ف ـيسمع عدوّه‪ ،‬ول يخا فت فل يُ ْ‬
‫خـلفه من الـمسلـمين‪ ،‬فأمره ال أن يبتغي بـين ذلك سبـيلً‪.‬‬
‫حدث نا ا بن وك يع‪ ،‬قال‪ :‬حدث نا جر ير‪ ،‬عن الع مش‪ ،‬عن جع فر بن إياس‪ ،‬عن سعيد بن‬
‫جبـير‪ ،‬عن ابن عبـاس‪ ،‬قال‪ :‬كان النبـيّ صلى ال عليه وسلم يرفع صوته بـالقرآن‪ ،‬فكان‬
‫ال ـمشركون إذا سمعوا صوته سبّوا القرآن‪ ،‬و من جاء به فكان النب ـيّ صلى ال عل يه و سلم‬
‫جهَرْ بِ صَلتِكَ وَل تُ ـخافِتْ بِ ها وَا ْبتَ غِ‬
‫يخف ـي القرآن ف ما ي سمعه أ صحابه‪ ،‬فأنزل ال وَل تَ ـ ْ‬
‫سبِـيلً‪.‬‬
‫بـينَ ذلك َ‬
‫حدثنا م ـحمد بن علـيّ بن الـحسن بن شقـيق‪ ،‬قال‪ :‬سمعت أبـي‪ ،‬يقول‪ :‬أخبرنا أ بو‬
‫ج َهرْ‬
‫حمزة عن العمش‪ ،‬عن جعفر بن إياس‪ ،‬عن سعيد بن جبـير‪ ،‬عن ابن عبـاس وَل تَـ ْ‬
‫ت بِ ها قال‪ :‬كان ر سول ال صلى ال عل يه و سلم إذا ر فع صوته و سَمع‬
‫بِ صَل ِتكَ وَل تُ ـخافِ ْ‬
‫الــمشركون‪ ،‬سـبّوا القرآن‪ ،‬و من جاء به‪ ،‬وإذا خ فض ل ـم يسـمع أ صحابه‪ ،‬قال ال‪ :‬وَا ْبتَ غِ‬
‫سبِـيلً‪.‬‬
‫بـينَ ذلكَ َ‬
‫حدثنـا أبـو كريـب‪ ،‬قال‪ :‬حدثنـا يونـس‪ :‬حدثنـا مــحمد بـن إسـحاق‪ ،‬قال‪ :‬ثنــي داود بـن‬
‫الـحُصَين‪ ،‬من عكرمة‪ ،‬عن ابن عبـاس‪ ،‬قال‪ :‬كان رسول ال صلى ال عليه وسلم إذا جهر‬
‫بـالقرآن وهو يصلـي تفرّقوا‪ ،‬وَأبَوا أن يستـمعوا منه‪ ،‬فكان الرجل إذا أراد أن يستـمع من‬
‫رسول ال صلى ال عليه وسلم بعض ما يتلو‪ ،‬وهو يصلـي‪ ،‬استرق السمع دونهم فرقا منهم‪،‬‬
‫فإن رأى أنهم قد عرفوا أنه يستـمع‪ ،‬ذهب خشية أذاهم‪ ،‬فلـم يستـمع‪ ،‬فإن خفض رسول ال‬
‫صـلى ال عليـه وسـلم صـوته‪ ،‬لــم يسـتـمع الذيـن يسـتـمعون مـن قراءتـه شيئا‪ ،‬فأنزل ال‬
‫سمِع من أراد أن يسمعها‪،‬‬
‫جهَرْ بِصَل ِتكَ فـيتفرّقوا عنك وَل تُـخافِتْ بِها فل تُ ْ‬
‫علـيه‪ :‬وَل تَـ ْ‬
‫مـمن يسترق ذلك دونهم‪ ،‬لعله يرعَوِي إلـى بعض ما يسمع‪ ،‬فـينتفع به‪ ،‬وَا ْبتَ ِغ بـينَ ذل كَ‬
‫سبِـيلً‪.‬‬
‫َ‬
‫‪17219‬ـ حدثنا ابن حميد‪ ،‬قال‪ :‬حدثنا يعقوب‪ ،‬عن جعفر‪ ،‬عن سعيد‪ ،‬قال‪ :‬كان النبـيّ صلى‬
‫ال عليـه وسـلم يجهـر بقراءة القرآن فــي الــمسجد الــحرام‪ ،‬فقالت قريـش‪ :‬ل تــجهر‬
‫ب ـالقراءة فتؤذي آلهت نا‪ ،‬فنه جو ر بك‪ ،‬فأنزل ال‪ :‬وَل تَ ـجْ َهرْ بِ صَلتِكَ وَل تُ ـخافِتْ بِ ها‪...‬‬
‫الَية‪.‬‬
‫حدثنـي يعقوب‪ ،‬قال‪ :‬حدثنا هشيـم‪ ،‬قال‪ :‬أخبرنا أبو بشر‪ ،‬عن سعيد بن جبـير‪ ،‬عن ابن‬
‫ج َهرْ بِصَل ِتكَ وَل تُـخافِتْ بِها قال‪ :‬نزلت علـى رسول ال صلى‬
‫عبّـاس‪ ،‬فـي قوله وَل تَـ ْ‬
‫ال عل يه و سلم و هو مخ تف ب ـمكة‪ ،‬فكان إذا صلـى بأ صحابه ر فع ال صوت ب ـالقرآن‪ ،‬فإذا‬
‫جهَرْ‬
‫سـمعه الــمشركون سـبوا القرآن ومـن أنزله‪ ،‬ومـن جاء بـه‪ ،‬فقال ال لنبــيه‪ :‬وَل تَــ ْ‬
‫ت بِها عن أصحابك‪،‬‬
‫بِصَل ِتكَ‪ :‬أي بقراءتك‪ ،‬فـيسمع الـمشركون‪ ،‬فـيسبّوا القرآن وَل تُـخافِ ْ‬
‫سبِـيلً‪.‬‬
‫فل تسمعهم وَا ْبتَ ِغ بـينَ ذلكَ َ‬
‫حدث نا ا بن بشار‪ ،‬قال‪ :‬حدث نا أ بو أح مد‪ ،‬قال‪ :‬حدث نا سفـيان‪ ،‬عن الع مش‪ ،‬عن جع فر بن‬
‫ج َهرْ بِ صَل ِتكَ وَل تُ ـخافِتْ بِ ها قال‪ :‬ف ـي‬
‫إياس‪ ،‬عن سعيد بن جب ـير‪ ،‬ف ـي قوله وَل تَ ـ ْ‬
‫القراءة‪.‬‬
‫حدثنا ابن بشار‪ ،‬قال‪ :‬حدثنا مـحمد بن جعفر‪ ،‬قال‪ :‬حدثنا سعيد‪ ،‬عن أبـي بشر‪ ،‬عن سعيد‬
‫ج َهرْ بِ صَل ِتكَ وَل تُـخافِتْ بِها قال‪ :‬كان النبـيّ صلى ال‬
‫بن جبـير‪ ،‬فـي هذه الَية وَل تَـ ْ‬
‫عليه وسلم إذا رفع صوته أعجب ذلك أصحابه‪ ،‬وإذا سمع ذلك الـمشركون سبّوه‪ ،‬فنزلت هذه‬
‫الَية‪.‬‬
‫‪ 17220‬ـ حدثنـي يعقوب‪ ،‬قال‪ :‬حدثنا ابن علـية‪ ،‬عن سلـمة‪ ،‬عن علقمة‪ ،‬عن مـحمد بن‬
‫سـيرين‪ ،‬قال‪ :‬نبئت أن أبــا بكـر كان إذا صـلـى فقرأ خفـض صـوته‪ ،‬وأن عمـر كان يرفـع‬
‫صوته قال‪ :‬فقـيـل لبـي بكر‪ :‬لـم تصنع هذا؟ فقال‪ :‬أناجي ربـي‪ ،‬وقد علـم حاجتـي‪،‬‬
‫قــيـل‪ :‬أحسـنت وقــيـل لعمـر‪ :‬لــم تصـنع هذا؟ قال‪ :‬أطرد الشيطان‪ ،‬وأوقـظ الوسـنان‪،‬‬
‫سبِـيلً‬
‫جهَرْ بِ صَل ِتكَ وَل تُـخافِتْ بِها وَا ْبتَ غِ بـينَ ذل كَ َ‬
‫قـيـل‪ :‬أحسنت فلـما نزلت وَل تَـ ْ‬
‫قـيـل لبـي بكر‪ :‬ارفع شيئا‪ ،‬وقـيـل لعمر‪ :‬اخفض شيئا‪.‬‬
‫‪ 17221‬ـ حدثنا ابن حميد‪ ،‬قال‪ :‬حدثنا يحيى بن واضح‪ ،‬قال‪ :‬حدثنا حسان بن إبراهيـم‪ ،‬عن‬
‫ج َهرْ بِ صَل ِتكَ وَل تُ ـخافِتْ بِ ها قال‪ :‬يقول‬
‫إبراهي ـم ال صائغ‪ ،‬عن عطاء‪ ،‬ف ـي قوله‪ :‬وَل تَ ـ ْ‬
‫ناس إنها فـي الصلة‪ ،‬ويقول آخرون إنها فـي الدعاء‪.‬‬
‫جهَرْ بِ صَل ِتكَ وَل‬
‫‪ 17222‬ـ حدثنا بشر‪ ،‬قال‪ :‬حدثنا يزيد‪ ،‬قال‪ :‬حدثنا سعيد‪ ،‬عن قتادة وَل تَـ ْ‬
‫سبِـيلً وكان نب ـيّ ال و هو ب ـمكة‪ ،‬إذا سمع ال ـمشركون‬
‫تُ ـخافِتْ بِ ها وَا ْبتَ غِ ب ـينَ ذل كَ َ‬
‫ض من صوته‪ ،‬وأن يجعل صلته بـينه وبـين ربه‪،‬‬
‫صوته رموه بكلّ خبث‪ ،‬فأمره ال أن يغ ّ‬
‫وكان يقال‪ :‬ما سمعته أذنك فلـيس بـمخافتة‪.‬‬
‫حدث نا ال ـحسن بن يح يى‪ ،‬قال‪ :‬أخبر نا ع بد الرزاق‪ ،‬قال‪ :‬أخبر نا مع مر‪ ،‬عن قتادة‪ ،‬ف ـي‬
‫ي صلى ال عليه وسلم يرفع صوته‬
‫قوله وَل تَـجْ َهرْ بِصَلتِكَ وَل تُـخافِتْ بِها قال‪ :‬كان النبـ ّ‬
‫بـالصلة‪ ،‬فـيُرمَى بـالـخبث‪ ،‬فقال‪ :‬ل ترْف عْ صَوْتكَ فتُ ْؤذَى وَل تُـخافِتْ بِها‪ ،‬وَا ْبتَ غِ بـينَ‬
‫سبِـيلً‪.‬‬
‫ذلكَ َ‬
‫عنِـي بذلك‪ :‬ول ت ـجهر ب ـالتشهد ف ـي صلتك‪ ،‬ول ت ـخافت ب ها‪.‬‬
‫وقال آخرون‪ :‬إن ـما ُ‬
‫ذكر من قال ذلك‪:‬‬
‫‪17223‬ـ حدثنـي أبو السائب‪ ،‬قال‪ :‬حدثنا حفص بن غِياث‪ ،‬عن هشام بن عُروة‪ ،‬عن أبـيه‪،‬‬
‫ت بِها‪.‬‬
‫ج َهرْ بصَل ِتكَ وَل تُـخافِ ْ‬
‫عن عائشة‪ ،‬قالت‪ :‬نزلت هذه الَية فـي التشهد وَل تَـ ْ‬
‫‪ 17224‬ـ حدثنـي أبو السائب‪ ،‬قال‪ :‬حدثنا حفص‪ ،‬عن أشعث‪ ،‬عن ابن سيرين مثله‪ .‬وزاد‬
‫ف ـيه‪ :‬وكان العراب ـيّ يج هر ف ـيقول‪ :‬الت ـحيات ل‪ ،‬وال صلوات ل‪ ،‬ير فع ف ـيها صوته‪،‬‬
‫ج َهرْ بِصَل ِتكَ‪.‬‬
‫فنزلت وَل تَـ ْ‬
‫وقال آخرون‪ :‬بـل كان رسـول ال صـلى ال عليـه وسـلم يصـلـي بــمكة جِهارا‪ ،‬فأمـر‬
‫بإخفـائها‪ .‬ذكر من قال ذلك‪:‬‬
‫‪17225‬ـ حدثنا ابن حميد‪ ،‬قال‪ :‬حدثنا يحيى بن واضح‪ ،‬قال‪ :‬حدثنا الـحسين‪ ،‬عن يزيد‪ ،‬عن‬
‫عكرمـة والــحسن البصـري قال‪ :‬قال فــي بنــي إسـرائيـل وَل تَــجْهرْ بِصـَل ِتكَ وَل‬
‫سبِـيلً وكان رسول ال صلى ال عليه وسلم إذا صلـى يجهر‬
‫ت بِها وَا ْبتَ غِ بـيَن ذلكَ َ‬
‫تُـخافِ ْ‬
‫بصلته‪ ،‬فآذى ذلك الـمشركين بـمكة‪ ،‬حتـى أخفـى صلته هو وأصحابه‪ ،‬فلذلك قال وَل‬
‫سبِـيلً وقال فـي العراف‪ :‬وَا ْذ ُكرْ َربّ كَ‬
‫جهَ ْر بِ صَلتِكَ وَل تُـخافِتْ بِها وَا ْبتَ غِ بـيْنَ ذل كَ َ‬
‫تَـ َ‬
‫ِنـ‬
‫ُنـ م َ‬
‫ِنـ القَوْ ِل بــالغُدُ ّو والَصـَالِ وَل َتك ْ‬
‫ج ْهرِ م َ‬
‫ُونـ الــ َ‬
‫ضرّعـا َوخِيفَةً َود َ‬
‫ْسـكَ َت َ‬
‫فِــي نَف ِ‬
‫الغافِلِـينَ‪.‬‬
‫وقال آخرون‪ :‬معنى ذلك‪ :‬ول تـجهر بصلتك تـحسنها من إتـيانها فـي العلنـية‪ ،‬ول‬
‫تـخافت بها‪ :‬تسيئها فـي السريرة‪ .‬ذكر من قال ذلك‪:‬‬
‫‪ 17226‬ـ حدثنا ب شر‪ ،‬قال‪ :‬حدثنا يزيد‪ ،‬قال‪ :‬حدث نا سعيد‪ ،‬عن قتادة‪ ،‬عن الـحسن أ نه كان‬
‫يقول‪ :‬ولَ تَــجْ َهرْ بِصـَل ِتكَ وَل تُــخافِتْ بِهـا‪ :‬أي ل تراء بهـا عَلَنــية‪ ،‬ول تــخفها سـرّا‬
‫سبِـيلً‪.‬‬
‫ن ذلكَ َ‬
‫وَا ْبتَغِ بـي َ‬
‫حدثنـا الــحسن‪ ،‬قال‪ :‬أخبرنـا عبـد الرزاق‪ ،‬قال‪ :‬أخبرنـا معمـر‪ ،‬قال‪ :‬كان الــحسن يقول‬
‫ت بِهـا قال‪ :‬ل تــحسن علنــيتها‪ ،‬وتسـيء‬
‫ج َهرْ بِصـَل ِتكَ وَل تُــخافِ ْ‬
‫فــي قوله‪ :‬وَل تَــ ْ‬
‫سريرتها‪.‬‬
‫ج َهرْ‬
‫حدثن ـي يعقوب‪ ،‬قال‪ :‬حدث نا هشي ـم‪ ،‬عن عوف‪ ،‬عن ال ـحسن‪ ،‬ف ـي قوله‪ :‬وَل تَ ـ ْ‬
‫ت بِها قال‪ :‬ل تراء بها فـي العلنـية‪ ،‬ول تـخفها فـي السريرة‪.‬‬
‫ِبصَل ِتكَ ولَ تُـخافِ ْ‬
‫حدثنـي علـيّ بن الـحسن الزرقـي‪ ،‬قال‪ :‬حدثنا الشجعي‪ ،‬عن سفـيان‪ ،‬عن منصور‪،‬‬
‫جهَ ْر بِصـَل ِتكَ وَل تُــخافِتْ بِهـا قال‪ :‬تــحسن علنــيتها‪ ،‬وتسـيء‬
‫عـن الــحسن وَل تَــ ْ‬
‫سريرتها‪.‬‬
‫‪ 17227‬ـ حدثن ـي عل ـيّ‪ ،‬قال‪ :‬حدث نا ع بد ال‪ ،‬قال‪ :‬ثن ـي معاو ية‪ ،‬عن عل ـيّ‪ ،‬عن ا بن‬
‫ل تُـخافِتْ بِها قال‪ :‬ل تصلّ مراءاة الناس ول تدعها‬
‫عبـاس‪ ،‬قوله‪ :‬وَل تَـجْ َهرْ بِ صَل ِتكَ و َ‬
‫مخافة‪ .‬وقال آخرون فـي ذلك ما‪:‬‬
‫ج َهرْ‬
‫‪ 17228‬ـ حدثنـي يونس‪ ،‬قال‪ :‬أخبرنا ابن وهب‪ ،‬قال‪ :‬قال ابن زيد فـي قوله‪ :‬وَل تَـ ْ‬
‫سبِـيلً قال‪ :‬ال سبـيـل ب ـين ذلك الذي سنّ له‬
‫ن ذل كَ َ‬
‫ت بِ ها وَا ْبتِ غِ ب ـي َ‬
‫بِ صَل ِتكَ وَل تُ ـخافِ ْ‬
‫جبرائيــل مـن الصـلة التــي علــيها الــمسلـمون‪ .‬قال‪ :‬وكان أهـل الكتاب يُخافتون‪ ،‬ثـم‬
‫يجهر أحدهم بـالـحرف‪ ،‬فـيصيح به‪ ،‬ويصيحون هم به وراءه‪ ،‬فنهى أن يصيح كما يصيح‬
‫هؤلء‪ ،‬وأن يُخافـت كمـا يُخافـت القوم‪ ،‬ثـم كان السـبـيـل الذي بــين ذلك‪ ،‬الذي سـنّ له‬
‫جبرائيـل من الصلة‪.‬‬
‫وأولـى القوال فـي ذلك بـالصحة‪ ،‬ما ذكرنا عن ابن عبـاس فـي الـخبر الذي رواه‬
‫ح السانـيد التـي رُوِي عن صحابـيّ‬
‫أبو جعفر‪ ،‬عن سعيد‪ ،‬عن ابن عبـاس‪ ،‬لن ذلك أص ّ‬
‫فــيه قو ٌل مخرّجـا‪ ،‬وأشبـه القوال بــما دلّ علــيه ظاهـر التنزيــل‪ ،‬وذلك أن قوله‪ :‬وَل‬
‫تَـجْ ِهرْ بِ صَلتِكَ وَل تُـخافِتْ بِها عقـيب قوله قُلِ ادْعِوا الّل هَ أ ِو ادْعُوا ال ّرحْم نَ أيّا مّا َتدْعُوا‬
‫سنَى وعق ـيب تقر يع الكف ـار بكفر هم ب ـالقرآن‪ ،‬وذلك بعد هم م نه و من‬
‫فَلَ ُه ال سْماءُ ال ـحُ ْ‬
‫جهَرْ بِصـَل ِتكَ وَل‬
‫ل تَــ ْ‬
‫اليــمان‪ .‬فإذا كان ذلك كذلك‪ ،‬فــالذي هـو أولــى وأشبـه بقوله َو َ‬
‫تُـخافِتْ بِها أن يكون من سبب ما هو فـي سياقه من الكلم‪ ،‬ما ل ـم يأت بـمعنى يو جب‬
‫صرفه ع نه‪ ،‬أو يكون عل ـى ان صرافه ع نه دل ـيـل يعل ـم به الن صراف ع ما هو ف ـي‬
‫سياقه‪.‬‬
‫فإذا كان ذلك كذلك‪ ،‬فتأويــل الكلم‪ :‬قـل ادعوا ال‪ ،‬أو ادعوا الرحمـن‪ ،‬أيـا مـا تدعوا فله‬
‫السـماء الــحسنى‪ ،‬ول تــجهر يـا مــحمد بقراءتـك فــي صـلتك ودعائك فــيها ربـك‬
‫ومسـألتك إياه‪ ،‬وذكرك فــيها‪ ،‬فــيؤذيك بجهرك بذلك الــمشركون‪ ،‬ول تــخافت بهـا فل‬
‫ن ذل كَ سبِـيلً ولكن التـمس ب ـين الـجهر والـمخافتة طريقا‬
‫يسمعها أصحابك وَا ْبتَ غِ ب ـي َ‬
‫إل ـى أن ت سمع أ صحابك‪ ،‬ول ي سمعه ال ـمشركون ف ـيؤذوك‪ .‬ولول أن أقوال أ هل التأوي ـل‬
‫م ضت ب ـما ذكرت عن هم من التأوي ـل‪ ،‬وأ نا ل ن ستـجير خلف هم ف ـيـما جاء عن هم‪ ،‬لكان‬
‫وجها يحتـمله التأويـل أن يقال‪ :‬ول تـجهر بصلتك التـي أمرناك بـالـمخافتة بها‪ ،‬وهي‬
‫صلة النهار لنها عجماء‪ ،‬ل يجهر بها‪ ،‬ول تـخافت بصلتك التـي أمرناك بـالـجهر بها‪،‬‬
‫سبِـيلً بأن تـجهر بـالتـي أمرناك‬
‫ك َ‬
‫وهي صلة اللـيـل‪ ،‬فإنها يجهر بها وَا ْبتَ غِ بـينَ ذل َ‬
‫بــالـجهر بهـا‪ ،‬وتــخافت بــالتـي أمرناك بــالـمخافتة بهـا‪ ،‬ل تــجهر بجميعهـا‪ ،‬ول‬
‫ت ـخافت بكل ها‪ ،‬فكان ذلك وج ها غ ير بع يد من ال صحة‪ ،‬ولك نا ل نرى ذلك صحيحا لجماع‬
‫الـحجة من أهل التأويـل علـى خلفه‪ .‬فإن قال قائل‪ :‬فأية قراءة هذه التـي بـين الـجهر‬
‫والـمخافتة؟ قـيـل‪:‬‬
‫‪17229‬ـ حدثنـي مطر بن مـحمد‪ ،‬قال‪ :‬حدثنا قتـيبة‪ ،‬ووهب بن جرير‪ ،‬قال‪ :‬حدثنا شعبة‪،‬‬
‫عن الش عث بن سلـيـم‪ ،‬عن ال سود بن هلل‪ ،‬قال‪ :‬قال ع بد ال‪ :‬ل ـم يخا فت من أ سمع‬
‫أذنـيه‪.‬‬
‫حدثنا ابن بشار‪ ،‬قال‪ :‬حدثنا عبد الرحمن‪ ،‬قال‪ :‬حدثنا شعبة‪ ،‬عن الشعث‪ ،‬عن السود بن‬
‫هلل‪ ،‬عن عبد ال‪ ،‬مثله‪.‬‬

‫‪111‬‬ ‫الية ‪:‬‬


‫شرِي كٌ فِي‬
‫ن لّ هُ َ‬
‫خذْ وَلَدا وَلَم َيكُ ْ‬
‫ح ْمدُ لِلّ ِه اّلذِي لَ مْ َي ّت ِ‬
‫القول فـي تأويـل قوله تعالـى‪َ { :‬وقُلِ ا ْل َ‬
‫ن الذّلّ َو َكّبرْهُ َت ْكبِيرا }‪.‬‬
‫ا ْلمُ ْلكِ وََل ْم َيكُنْ ّلهُ وَِليّ مّ َ‬
‫حمْدُ لِّل هِ اّلذِي‬
‫يقول تعالـى ذكره لنبـيه مـحمد صلى ال عليه وسلم‪َ :‬وقُلْ يا مـحمد الـ َ‬
‫لَــمْ َيتّــخذْ وَلَدا فــيكون مربوبــا لربــا‪ ،‬لن ربّـ الربــاب ل ينبغـي أن يكون له ولد‬
‫شرِي كٌ فِـي الـمُ ْلكِ فـيكون عاجزا ذا حاجة إلـى معونة غيره ضعيفـا‪ ،‬ول‬
‫ن لَ هُ َ‬
‫ولَـمْ َيكُ ْ‬
‫يكون إل ها من يكون م ـحتاجا إل ـى مع ين عل ـى ما حاول‪ ،‬ول ـم ي كن منفردا ب ـالـمُلك‬
‫ل الذي به‪،‬‬
‫ن الذُلّ يقول‪ :‬ولـم يكن له حلـيف حالفه من الذ ّ‬
‫والسلطان وَلـمْ َيكُ نْ َل هُ وَلِـيّ مِ َ‬
‫لن من كان ذا حا جة إل ـى ن صرة غيره‪ ،‬فذل ـيـل مه ين‪ ،‬ول يكون من كان ذل ـيلً مهي نا‬
‫يحتاج إلـى ناصر إلها يطاع وكّبرْ ُه َتكْبـيرا يقول‪ :‬وعظم ربك يا مـحمد بـما أمرناك أن‬
‫تعظمه به من قول وفعل‪ ،‬وأطعه فـيـما أمرك ونهاك‪.‬‬
‫ن الذّلّ قال أهل التأويـل‪ .‬ذكر من قال‬
‫ن لَهُ وَلِـيّ ِم َ‬
‫وبنـحو الذي قلنا فـي قوله‪ :‬وَلـمْ َيكُ ْ‬
‫ذلك‪:‬‬
‫‪ 17230‬ـ حدث نا م ـحمد بن عمرو‪،‬قال‪ :‬حدث نا أ بو عا صم‪ ،‬قال‪ :‬حدث نا عي سى وحدثن ـي‬
‫الــحارث‪ ،‬قال‪ :‬حدثنـا الــحسن‪ ،‬قال‪ :‬حدثنـا ورقاء‪ ،‬جميعـا عـن ابـن أبــي نــجيح‪ ،‬عـن‬
‫ن الذّلَ قال‪ :‬لـم يحالف أحدا‪ ،‬ول يبتغي نصر أحد‪.‬‬
‫مـجاهد ولَـمْ َيكُنْ َلهُ وَلِـيّ مِ َ‬
‫حدث نا القا سم‪ ،‬قال‪ :‬حدث نا ال ـحسين‪ ،‬قال‪ :‬ثن ـي حجاج‪ ،‬عن ا بن جر يج‪ ،‬عن م ـجاهد‪،‬‬
‫مثله‪.‬‬
‫‪ 17231‬ـ حدث نا ب شر‪ ،‬قال‪ :‬حدث نا يز يد‪ ،‬قال‪ :‬حدث نا سعيد‪ ،‬عن قتادة‪ :‬ذُ كر ل نا أن نب ـيّ ال‬
‫ن َلهُ‬
‫خذْ وَلَدا وَلَـمْ َيكُ ْ‬
‫ح ْمدُ لِّل ِه اّلذِي لَـمْ َيتّـ ِ‬
‫صلى ال عليه وسلم كان يعلّـم أهله هذه الَية الـ َ‬
‫ن الذّلّ وكّبرْهُ َت ْكبِـيرا الصغير من أهله والكبـير‪.‬‬
‫ن لَهُ وَلِـيّ مِ َ‬
‫شَرِيكٌ فِـي الـمُلْكِ وَلَـمْ َيكُ ْ‬
‫‪ 17232‬ـ حدث نا ا بن حم يد‪ ،‬قال‪ :‬حدث نا حكام‪ ،‬قال‪ :‬حدث نا أ بو ال ـجنـيد‪ ،‬عن جع فر‪ ،‬عن‬
‫سعيد‪ ،‬عن ابن عبـاس‪ ،‬قال‪ :‬إن التوراة كلها فـي خمس عشرة آية من بنـي إسرائيـل‪ ،‬ثم‬
‫خرَ‪.‬‬
‫جعَلْ مَ َع اللّ ِه إلها آ َ‬
‫تل ل تَـ ْ‬
‫‪ 17233‬ـ حدثنـي يونس‪ ،‬قال‪ :‬أخبرنا ابن وهب‪ ،‬قال‪ :‬أخبرنـي أبو صخر‪ ،‬عن ال ُقرَظي‪،‬‬
‫حمْ ُد لِلّ هِ اّلذِي لَ ـ ْم َيتّ ـخِذْ وَلَدا‪ ...‬الَ ية‪ .‬قال‪ :‬إن ال ـيهود‬
‫أ نه كان يقول ف ـي هذه الَ ية‪ :‬ال ـ َ‬
‫والنصارى قالوا‪ :‬اتـخذ ال ولدا‪ .‬وقالت العرب‪ :‬لبـيك‪ ،‬لبـيك‪ ،‬ل شريك لك‪ ،‬إل شريكا هو‬
‫ّهـ‬
‫ح ْمدُ لِل ِ‬
‫ل الــ َ‬
‫لك‪ .‬وقال الصـابئون والــمـجوس‪ :‬لول أولــياء ال لذلّ ال‪ ،‬فأنزل ال‪َ :‬وقُ ِ‬
‫ل وك ّبرْ هُ‬
‫ي مِ نَ الذّ ّ‬
‫ن َل هُ وَلِـ ّ‬
‫شرِي كٌ فِـي الـمُ ْلكِ وَلَـمْ َيكُ ْ‬
‫ن َل هُ َ‬
‫خذْ وَلَدا وَلَـمْ َيكُ ْ‬
‫اّلذِي لَـمْ َيتّـ ِ‬
‫أنت يا مـحمد علـى ما يقولون َت ْكبِـيرا‪.‬‬
‫آخر تفسير سورة بنـي إسرائيـل‪ ،‬والـحمد ل ربّ العالـمين‪.‬‬

‫سورة الكهف‬
‫سورة الكهف مكية وآياتها عشر ومائة‬
‫بِسمِ الّلهِ الرحمَن ال ّرحِيـمِ‬

‫‪1‬‬ ‫الية ‪:‬‬


‫القول فـي تأويـل قوله تعالـى‪:‬‬
‫عوَجَا }‪.‬‬
‫عبْدِهِ الْ ِكتَابَ َولَ ْم يَجْعَل ّلهُ ِ‬
‫حمْدُ ِلّلهِ اّلذِي َأ ْن َزلَ عَ َلىَ َ‬
‫{الْ َ‬
‫قال أبـو جعفـر‪ :‬يقول تعالــى ذكره‪ :‬الــحمد ل الذي خصّـ برسـالته مــحمدا وانتــخبه‬
‫لبلغها عنه‪ ,‬فـابتعثه إلـى خـلقه نبـيا مرسلً‪ ,‬وأنزل علـيه كتابه قـيـما‪ ,‬ولـم يجعل‬
‫عوَجا‪.‬‬
‫له ِ‬
‫عنِ ـي به‪ :‬أ نه ق ـيـم‬
‫عنِ ـي بقوله ع ّز ذكره‪ :‬قَ ـيّـما معتدلً م ستقـيـما‪ .‬وق ـيـل‪ُ :‬‬
‫وُ‬
‫علـى سائر الكتب يصدّقها ويحفظها‪ .‬ذكر من قال‪ :‬عنـي به معتدلً مستقـيـما‪:‬‬
‫‪ 17234‬ـ حدثنـي علـيّ بن داود‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا عبد ال بن صالـح‪ ,‬قال‪ :‬ثنـي معاوية‪ ,‬عن‬
‫عوَجا قَـيّـما يقول‪ :‬أنزل الكتاب عَدلً‬
‫جعَلْ َل هُ ِ‬
‫علـيّ‪ ,‬عن ابن عبـاس‪ ,‬فـي قوله‪ :‬ولَـمْ َي ْ‬
‫عوَ جا‪ ,‬فأ خبر ا بن عب ـاس بقوله هذا مع ب ـيانه مع نى الق ـيـم أن‬
‫ق ـيـما‪ ,‬ول ـم يج عل له ِ‬
‫القـيـم مؤخر بعد قوله‪ ,‬ولـم يجعل له عوجا‪ ,‬ومعناه التقديـم بـمعنى‪ :‬أنزل الكتاب علـى‬
‫عبده قَـيّـما‪.‬‬
‫‪ 17235‬ـ حُد ثت عن م ـحمد بن ز يد‪ ,‬عن جو يبر‪ ,‬عن الضحاك‪ ,‬ف ـي قوله قَ ـيّـما قال‪:‬‬
‫مستقـيـما‪.‬‬
‫عوْجا قَـيّـما‪:‬‬
‫جعَلْ لَهُ ِ‬
‫‪17236‬ـ حدثنا ابن حميد‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا سلـمة‪ ,‬عن ابن إسحاق ولَـمْ َي ْ‬
‫أي معتدلً ل اختلف فـيه‪.‬‬
‫‪ 17237‬ـ حدثنا الـحسن بن يحيى‪ ,‬قال‪ :‬أخبرنا عبد الرزاق‪ ,‬قال‪ :‬أخبرنا معمر‪ ,‬عن قتادة‪,‬‬
‫َهـ عَوَجـا قَــيّـما قال‪ :‬أنزل ال الكتاب قــيـما‪ ,‬ولــم يجعـل له‬
‫جعَلْ ل ُ‬
‫فــي قوله‪ :‬ولَــمْ َي ْ‬
‫عوَجا‪.‬‬
‫ِ‬
‫ح ْمدُ لِّل ِه اّلذِي أ ْنزَلَ‬
‫حدثنا بشر‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا يزيد‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا سعيد‪ ,‬عن قتادة‪ ,‬فـي قوله الـ َ‬
‫عوَجا قَـيّـما‪.‬‬
‫جعَلْ لَهُ َ‬
‫ع ْب ِدهِ الكِتابَ ولَـمْ َي ْ‬
‫عَلـى َ‬
‫جعََلهُ قَـيّـما»‪.‬‬
‫قال‪ :‬وفـي بعض القراءات‪« :‬وََلكِنْ َ‬
‫والصواب من القول فـي ذلك عندنا ما قاله ابن عبـاس‪ ,‬ومن قال بقوله فـي ذلك‪ ,‬لدللة‬
‫ل ثناؤه أنه أنزل الكتاب الذي أنزله إلـى مـحمد صلى‬
‫عوَجا فأخبر ج ّ‬
‫جعَلْ َل هُ ِ‬
‫قوله‪ :‬ولَـمْ َي ْ‬
‫ال عل يه و سلم قَ ـيّـما م ستقـيـما ل اختلف ف ـيه ول تف ـاوت‪ ,‬بل بع ضه ي صدق بع ضا‪,‬‬
‫عوِجا‬
‫عوَج فـيه‪ ,‬ول ميـل عن الـحقّ‪ ,‬وكُسرت العين من قوله َ‬
‫وبع ضه يشهد لبعض‪ ,‬ل ِ‬
‫لن العرب كذلك تقول ف ـي كلّ اعوجاج كان ف ـي د ين‪ ,‬أو ف ـيـما ل ُيرَى شخ صه قائ ما‪,‬‬
‫فـيُ ْدرَك عِيانا منتصبـا كالعاج فـي الدين‪ ,‬ولذلك كُ سِرت العين فـي هذا الـموضع‪ ,‬وكذلك‬
‫عوَج فــي‬
‫العِوَج فــي الطريـق‪ ,‬لنـه لــيس بــالشخص الــمنتصب‪ .‬فأمـا مـا كان مـن ِ‬
‫الشخاص ال ـمنتصبة ق ـياما‪ ,‬فإن عين ها تفت ـح كالعَوج ف ـي القناة‪ ,‬وال ـخشبة‪ ,‬ون ـحوها‪.‬‬
‫جعَلْ َل هُ عِوَجا‪ :‬ولـم يجعل له ملتبسا‪ .‬ذكر‬
‫وكان ابن عبـاس يقول فـي معنى قوله ولَـمَ َي ْ‬
‫من قال ذلك‪:‬‬
‫‪17238‬ـ حدثنا علـيّ‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا عبد ال‪ ,‬قال‪ :‬ثنـي معاوية‪ ,‬عن علـيّ‪ ,‬عن ابن عبـاس‬
‫جعَلْ َلهُ عِوَجا قَـيّـما ولـم يجعل له ملتبسا‪.‬‬
‫ولَـمَ َي ْ‬
‫ول خلف أيضـا بــين أهـل العربــية فــي أن معنـى قوله قَــيّـما وإن كان مؤخرا‪,‬‬
‫التقديـم إلـى جنب الكتاب‪ .‬وقـيـل‪ :‬إنـما افتتـح جلّ ثناؤه هذه السورة بذكر نفسه بـما‬
‫هو له أ هل‪ ,‬وب ـالـخبر عن إنزال كتا به عل ـى ر سوله إخب ـارا م نه لل ـمشركين من أ هل‬
‫مكة‪ ,‬بأن مـحمدا رسوله صلى ال عليه وسلم‪ ,‬وذلك أن الـمشركين كانوا سألوا رسول ال‬
‫صـلى ال عليـه وسـلم عـن أشياء علــمهموها الــيهود مـن قريظـة والنضيـر‪ ,‬وأمروهـم‬
‫بــمسألتهموه عنهـا‪ ,‬وقالوا‪ :‬إن أخـبركم بهـا فهـو نبــيّ‪ ,‬وإن لــم يخـبركم بهـا فهـو منقوّل‪,‬‬
‫فوعد هم ر سول ال صلى ال عل يه و سلم لل ـجواب عن ها موعدا‪ ,‬فأب طأ الو حي ع نه ب عض‬
‫البطاء‪ ,‬وتأخّـر مــجيء جبرائيــل علــيه السـلم عنـه عـن ميعاده القوم‪ ,‬فتــحدّث‬
‫ال ـمشركون بأ نه أخ ـلفهم موعدَه‪ ,‬وأ نه متقوّل‪ ,‬فأنزل ال هذه ال سورة جواب ـا عن م سائلهم‪,‬‬
‫وافتتـح أوّلها بذكره‪ ,‬وتكذيب الـمشركين فـي أحدوثتهم التـي تـحدّثوها بـينهم‪ .‬ذكر من‬
‫قال ذلك‪:‬‬
‫‪ 17239‬ـ حدثنا أبو كريب‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا يونس بن بكير‪ ,‬عن مـحمد بن إسحاق‪ ,‬قال‪ :‬ثنـي‬
‫ش يخ من أ هل م صر‪ ,‬قدم م نذ ب ضع وأربع ين سنة‪ ,‬عن عكر مة‪ ,‬عن ا بن عب ـاس ف ـيـما‬
‫يروي أبو جعفر الطبري قال‪ :‬بعثت قريش النضْر بن الـحارث‪ ,‬وعُقبة بن أبـي معيط إلـى‬
‫أحب ـار يهود ب ـالـمدينة‪ ,‬فقالوا ل هم‪ :‬سلوهم عن م ـحمد‪ ,‬و صِفُوا ل هم صفته‪ ,‬وأ خبروهم‬
‫بقوله‪ ,‬فإن هم أ هل الكتاب الوّل‪ ,‬وعند هم عل ـم ما ل ـيس عند نا من عل ـم النب ـياء‪ .‬فخر جا‬
‫حتـى َقدِما الـمدينة‪ ,‬فسألوا أحبـار يهو َد عن رسول ال صلى ال عليه وسلم‪ ,‬ووصفوا لهم‬
‫أمره وبعـض قوله‪ ,‬وقال‪ :‬إنكـم أهـل التوراة‪ ,‬وقـد جئناكـم لتــخبرونا عـن صـاحبنا هذا‪ ,‬قال‪:‬‬
‫ن فهو نبـيّ مرسل‪ ,‬وإن‬
‫فقالت لهم أحبـار يهود‪ :‬سلوه عن ثلث نأمركم بهنّ‪ ,‬فإن أخبركم به ّ‬
‫لـم يفعل فـالرجل متقوّل‪ ,‬فَرَوْا فـيه رأيكم‪ :‬سلوه عن فتـية ذهبوا فـي الدهر الوّل‪ ,‬ما‬
‫كان من أمرهم فإنه قد كان لهم حديث عجيب‪ .‬وسلوه عن رجل طَوّاف‪ ,‬بلغ مشارق الرض‬
‫ي ف ـاتّبعوه‪,‬‬
‫ومغارب ها‪ ,‬ما كان نبؤه؟ و سلوه عن الروح ما هو؟ فإن أ خبركم بذلك‪ ,‬فإ نه نب ـ ّ‬
‫وإن هو لـم يخبركم‪ ,‬فهو رجلّ متقوّل‪ ,‬فـاصنعوا فـي أمره ما بدا لكم‪ .‬فأقبل النضْر وعقبة‬
‫حت ـى َقدِ ما م كة عل ـى قر يش‪ ,‬فقال‪ :‬يا مع شر قر يش‪ :‬قد جئنا كم بف صل ما ب ـينكم وب ـين‬
‫مـحمد‪ ,‬قد أمرنا أحبـار يهو َد أن نَسأله‪ ,‬عن أمور‪ ,‬فأخبروهم بها‪ ,‬فجاءوا رسول ال صلى‬
‫ال عليه وسلم‪ ,‬فقالوا‪ :‬يا مـحمد أخبرنا‪ ,‬فسألوه عما أمروهم به‪ ,‬فقال لهم رسول ال صلى ال‬
‫عنْهُ»‪ ,‬ولـم يستثن فـانصرفوا عنه‪ ,‬فمكث رسول ال‬
‫خ ِب ُركُمْ غَدا بِـمَا سأ ْلتُـمْ َ‬
‫عليه وسلم‪ُ« :‬أ ْ‬
‫حدِث ال إل ـيه ف ـي ذلك وح يا‪ ,‬ول يأت ـيه‬
‫صلى ال عل يه و سلم خ مس عشرة ل ـيـلة‪ ,‬ل ُي َ‬
‫عدَنا مـحمد غدا‪ ,‬والـيوم خمس‬
‫جبرائيـل علـيه السلم‪ ,‬حتـى أرجف أهل مكة وقالوا‪ :‬و َ‬
‫ن رسول ال صلى‬
‫عشرة قد أصبحنا فـيها ل يخبرنا بشيء مـما سألناه عنه‪ .‬وحتـى أحز َ‬
‫ال عل يه و سلم ُمكْ ثُ الو حي ع نه‪ ,‬وش قّ عل ـيه ما يتكل ـم به أ هل م كة‪ .‬ثم جاءه جبرائي ـل‬
‫عل ـيه ال سلم‪ ,‬من ال عزّ وجلّ‪ ,‬ب سورة أ صحاب الك هف‪ ,‬ف ـيها معاتب ته إياه عل ـى حز نه‬
‫علـيهم وخبر ما سألوه عنه من أمر الفِتـية والرجل الطوّاف‪ ,‬وقول ال عزّ وجلّ َويَسألُو َنكَ‬
‫ن أ ْمرِ َربّـي وَما أُوتِـيُتـمْ مِ نَ العِلْ ـ ِم إلّ قَلِ ـيلً قال ا بن إسحاق‪:‬‬
‫ح قُلِ الرّو حُ ِم ْ‬
‫ن الرّو ِ‬
‫ع ِ‬
‫َ‬
‫ح ْمدِ لِلّهِ اّلذِي أ ْنزَلَ عَلـى‬
‫فبلغنـي أن رسول ال صلى ال عليه وسلم افتتـح السورة فقال الـ َ‬
‫ع ْبدِ ِه الكِتا بَ يعن ـي م ـحمدا إ نك ر سولـي ف ـي ت ـحقـيق ما سألوا ع نه من نبوّ ته ولَ ـمْ‬
‫َ‬
‫عوَجا قَـيّـما‪ :‬أي معتدلً‪ ,‬ل اختلف فـيه‪.‬‬
‫جعَلْ لَهُ ِ‬
‫َي ْ‬

‫‪3‬‬ ‫و‬ ‫‪2‬‬ ‫الية ‪:‬‬


‫ن اّلذِي نَ‬
‫شرَ ا ْلمُ ْؤ ِمنِي َ‬
‫شدِيدا مّن ّل ُدنْ هُ َو ُي َب ّ‬
‫القول ف ـي تأوي ـل قوله تعال ـى‪َ { :‬قيّما ّل ُي ْن ِذرَ َبأْ سا َ‬
‫حسَنا * مّا ِكثِينَ فِيهِ َأبَدا }‪.‬‬
‫ن الصّالِحَاتِ َأنّ َل ُه ْم َأجْرا َ‬
‫َي ْعمَلُو َ‬
‫يقول تعال ـى ذكره‪ :‬أنزل عل ـى عبده القرآن معتدلً م ستقـيـما ل عوج ف ـيه ل ـينذركم‬
‫أي ها الناس بأ سا من ال شديدا‪ .‬وع نى ب ـالبأس العذاب العا جل‪ ,‬والنكال ال ـحاضر وال سطوة‪.‬‬
‫وقوله‪ :‬مِ نْ َل ُد ْن هُ يعنـي‪ :‬من عند ال‪ .‬وبنـحو الذي قلنا فـي ذلك‪ ,‬قال أهل التأويـل‪ .‬ذكر‬
‫من قال ذلك‪:‬‬
‫‪ 17240‬ـ حدثنا أبو كريب‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا يونس بن بكير‪ ,‬عن مـحمد بن إسحاق لِـيُ ْن ِذرَ َبأْسا‬
‫ن لَدنْهِ‪ :‬أي من عند ربك الذي بعثك‬
‫شدِيدا عاجل عقوبة فـي الدنـيا وعذابـا فـي الَخرة‪ .‬مِ ْ‬
‫َ‬
‫رسولً‪.‬‬
‫حدثنا ابن حميد‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا سلـمة‪ ,‬عن ابن إسحاق‪ ,‬بنـحوه‪.‬‬
‫ن َل ُدنْ هُ‪ :‬أي من‬
‫‪ 17241‬ـ حدثنا بشر‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا يزيد‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا سعيد‪ ,‬عن قتادة‪ ,‬قوله‪ِ :‬م ْ‬
‫عنده‪.‬‬
‫فإن قال قائل‪ :‬فأ ين مفعول قوله لِ ـ ُينْ َذرِ فإن مفعوله م ـحذوف اكتف ـى بدللة ما ظ هر من‬
‫الكلم علـيه من ذكره‪ ,‬وهو مضمر متصل بـينذر قبل البأس‪ ,‬كأنه قـيـل‪ :‬لـينذركم بأسا‪,‬‬
‫خ ّوفُ أوْلِـياءَ ُه إنـما هو‪ :‬يخوّفكم أولـياءه‪.‬‬
‫كما قـيـل‪ُ :‬ي َ‬
‫ـ‬
‫ـ َي ْعمَلُون َ‬
‫ن يقول‪ :‬ويبشـر الــمصدقـين ال ورسـوله اّلذِين َ‬
‫شرَ الــمُ ْؤ ِمنِـي َ‬
‫وقوله‪َ :‬و ُي َب ّ‬
‫ن َلهُ ْم أجْرا‬
‫ال صّالِـحات وهو العمل بـما أمر ال بـالعمل به‪ ,‬والنتهاء عما نهى ال عنه أ ّ‬
‫حَ سَنا يقول‪ :‬ثواب ـا جزيلً له من ال عل ـى إي ـمانهم ب ـال ور سوله‪ ,‬وعمل هم ف ـي الدن ـيا‬
‫الصالـحات من العمال‪ ,‬وذلك الثواب‪ :‬هو الـجنة التـي وعدها الـمتقون‪ .‬وقوله‪ :‬ما ِكثِـينَ‬
‫فِ ـيهِ أبَدا خالد ين‪ ,‬ل ينتقلون عنه‪ ,‬ول ُينْقَلون ونصب ماكث ـين عل ـى الـحال من قوله‪ :‬أ نّ‬
‫َلهُ مْ أجْرا حَ سَنا فـي هذه الـحال فـي حال مكثهم فـي ذلك الجر‪ .‬وبنـحو الذي قلنا فـي‬
‫ذلك‪ ,‬قال أهل التأويـل‪ .‬ذكر من قال ذلك‪:‬‬
‫‪ 17242‬ـ حدث نا ا بن حم يد‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا سَلَـمة‪ ,‬عن ا بن إ سحاق َو ُي َبشّرَ ال ـمُ ْؤ ِمنِـينَ اّلذِي نَ‬
‫ن فِـي ِه أبَدا‪ :‬أي فـي دار خـلد ل يـموتون‬
‫ن ال صّالِـحاتِ أ نّ َلهُ مْ أجْرا حَ سَنا ما ِكثِـي َ‬
‫َي ْعمَلُو َ‬
‫فـيها‪ ,‬الذين صدقوك بـما جئت به عن ال‪ ,‬وعملوا بـما أمرتهم‪.‬‬

‫‪5‬‬ ‫و‬ ‫‪4‬‬ ‫الية ‪:‬‬


‫خذَ اللّ هُ وَلَدا * مّا َلهُ مْ بِ ِه مِ نْ عِلْ مٍ‬
‫القول ف ـي تأوي ـل قوله تعال ـى‪َ { :‬و ُي ْن ِذرَ اّلذِي نَ قَالُو ْا ا ّت َ‬
‫ن ِإلّ َكذِبا }‪.‬‬
‫ن َأفْوَا ِه ِهمْ إِن يَقُولُو َ‬
‫خرُجُ مِ ْ‬
‫لبَا ِئ ِهمْ َك ُبرَتْ كَِلمَ ًة َت ْ‬
‫ل َ‬
‫َو َ‬
‫خذَ الّل هُ وَلَدا من مشر كي‬
‫يقول تعال ـى ذكره‪ :‬ويحذر أي ضا م ـحمد القوم اّلذِ ين قالُوا اتّ ـ َ‬
‫قومه وغيرهم‪ ,‬بأسَ ال وعاجلَ نقمته‪ ,‬وآجل عذابه‪ ,‬علـى قـيـلهم ذلك‪ ,‬كما‪:‬‬
‫ن قالُوا اتّـخَ َذ اللّ هُ‬
‫‪ 17243‬ـ حدثنا ابن حميد‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا سلـمة‪ ,‬عن ابن إسحاق َو ُي ْن ِذرَ اّلذِي َ‬
‫ن بنات ال‪.‬‬
‫وَلَدا يعنـي قريشا فـي قولهم‪ :‬إنـما نعبد الـملئكة‪ ,‬وه ّ‬
‫خذَ اللّ هُ وَلَدا ِب هِ‪:‬‬
‫وقوله‪ :‬ما َلهُ مْ بِ ِه مِ نْ عِلْـمٍ يقول‪ :‬ما لقائلـي هذا القول‪ ,‬يعنـي قولهم اتّـ َ‬
‫يعن ـي ب ـال من عل ـم‪ ,‬والهاء ف ـي قوله ِب هِ من ذ كر ال‪ .‬وإن ـما مع نى الكلم‪ :‬ما لهؤلء‬
‫القائلـين هذا القول بـال‪ ,‬إنه ل يجوز أن يكون له ولد من علـم‪ ,‬فلـجهلهم بـال وعظمته‬
‫قالوا ذلك‪ .‬وقوله‪ :‬ولَ لَب ـا ِئهِمْ يقول‪ :‬ول ل سلفهم الذ ين مضوا قبل هم عل ـى م ثل الذي هم‬
‫خرُجُ مِ نْ أفْوَا ِههِ مْ‬
‫عل ـيه ال ـيوم‪ ,‬كان ل هم ب ـال وبعظم ته عل ـم‪ .‬وقوله‪َ :‬ك ُبرَ تْ كَلِ ـمَ ًة تَ ـ ْ‬
‫اختلفت القرّاء فـي قراءة ذلك‪ ,‬فقرأته عامة قرّاء الـمدنـيـين والكوفـيـين والبصريـين‪:‬‬
‫ت كَلِـمَةً بنصب كلـمةً بـمعنى‪ :‬كبُرت كلـمتهم التـي قالوها كلـمةً علـى التفسير‪,‬‬
‫َكبُرَ ْ‬
‫ك ما يقال‪ :‬ن عم رجلً عمرو‪ ,‬ون عم الر جل رجلً قام‪ ,‬ون عم رجلً قام‪ .‬وكان ب عض ن ـحويّـي‬
‫أهل البصرة يقول‪ :‬نُبت كلـم ًة لنها فـي معنى‪ :‬أ ْكبِر بها كلـمة‪ ,‬كما قال جلّ ثناؤه وَ سَاءتْ‬
‫ُمرْتَفَقا وقال‪ :‬هي فـي النصب مثل قول الشاعر‪:‬‬
‫ولقدْ عَلِـمْتُ إذَا اللّقاحُ َترَوّح ْت َهدَجَ الرّئالِ َت ُك ّبهُنّ شَمال‬
‫ن الرياح شمالً‪ .‬فكأ نه قال‪ :‬كبرت تلك الكل ـمة‪ .‬وذُكِر عن ب عض ال ـمكيـين أ نه‬
‫أي تكبه ّ‬
‫َتـ كَلِــمَةٌ» رفعـا‪ ,‬كمـا يقال‪ :‬عَظُم قولُك و َكبُر شأنُك‪ .‬وإذا قرىء ذلك‬
‫كان يقرأ ذلك‪َ « :‬ك ُبر ْ‬
‫كذلك لـم يكن فـي قوله َك ُبرَتْ كَلِـمَةً مُضمر‪ ,‬وكان صفة للكلـمة‪.‬‬
‫َتـ كَلِــمَ ًة نصـبـا لجماع‬
‫والصـواب مـن القراءة فــي ذلك عندي‪ ,‬قراءة مـن قرأ‪َ :‬ك ُبر ْ‬
‫عظُمت الكلـمة كلـمة تـخرج من أفواه هؤلء‬
‫الـحجة من القرّاء علـيها‪ ,‬فتأويـل الكلم‪َ :‬‬
‫القوم الذين قالوا‪ :‬اتـخذ ال ولدا‪ ,‬والـملئكة بنات ال‪ ,‬كما‪:‬‬
‫‪ 17244‬ـ حدثنا ا بن حميد‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا سلـمة‪ ,‬عن ابن إسحاق َك ُبرَ تْ كَلِـمَ ًة تَـخْرُجُ ِم نْ‬
‫أفْوَا ِه ِهمْ قولهم‪ :‬إن الـملئكة بنات ال‪.‬‬
‫ـ إلّ َكذِبــا يقول ع ّز ذكره‪ :‬مـا يقول هؤلء القائلون اتــخذ ال ولدا‬
‫ـ يَقُولُون َ‬
‫وقوله‪ :‬إن ْ‬
‫بقـيـلهم ذلك إل كذبـا وفرية افتروها علـى ال‪.‬‬

‫‪8‬‬ ‫‪-‬‬ ‫‪6‬‬ ‫الية ‪:‬‬


‫القول فــي تأويــل قوله تعالــى‪{ :‬فََلعَلّك َـ بَاخِعٌـ نّفْس َـكَ عََلىَ آثَارِهِم ْـ إِن لّم ْـ ُي ْؤ ِمنُواْ ِبهَــذَا‬
‫عمَلً * وَِإنّا َلجَاعِلُونَ‬
‫جعَ ْلنَا مَا عَلَى الرْضِ زِينَةً ّلهَا ِل َنبْلُوَهُمْ َأ ّيهُم َأحْسَنُ َ‬
‫حدِيثِ أَسَفا * ِإنّا َ‬
‫ا ْل َ‬
‫جرُزا }‪.‬‬
‫صعِيدا ُ‬
‫مَا عََل ْيهَا َ‬
‫يعنـي تعالـى ذكره بذلك‪ :‬فلعلك يا مـحمد قاتلُ نفسك ومهلكها علـى آثار قومك الذين‬
‫ن الرْ ضِ َي ْنبُوعا تـمرّدا منهم علـى ربهم‪ ,‬إن هم‬
‫جرَ لَنا مِ َ‬
‫ن لَ كَ حتـى تَ ْف ُ‬
‫ن نُ ْؤمِ َ‬
‫قالوا لك لَ ْ‬
‫لـم يؤمنوا بهذا الكتاب الذي أنزلته علـيك فـيصدّقوا بأنه من عند ال حزنا وتلهفـا ووجدا‪,‬‬
‫بإدبـارهم عنك‪ ,‬وإعراضهم عما أتـيتهم به وتركهم اليـمان بك‪ .‬يقال منه‪ :‬بخع فلن نفسه‬
‫يبخعها َبخْعا وبخوعا ومنه قول ذي الرّمة‪:‬‬
‫ن َيدَيْ ِه الـمَقادِ ُر‬
‫حتْهُ عَ ْ‬
‫شيْءٍ نَـ َ‬
‫سهُِل َ‬
‫جدُ نَ ْف َ‬
‫أل أ ّي َهذَا البـاخِعُ ال َو ْ‬
‫يريد‪ :‬نـحّته فخفف‪.‬‬
‫وبنـحو الذي قلنا فـي تأويـل قوله‪ :‬بـاخِعٌ قال أهل التأويـل‪ .‬ذكر من قال ذلك‪:‬‬
‫سكَ يقول‪:‬‬
‫‪17245‬ـ حدثنا بشر‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا يزيد‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا سعيد‪ ,‬عن قتادة فََلعَلّكَ بـاخِعٌ َنفْ َ‬
‫قاتل نفسك‪.‬‬
‫حدثنا الـحسن بن يحيى‪ ,‬قال‪ :‬أخبرنا عبد الرزاق‪ ,‬قال‪ :‬أخبرنا َمعْمر‪ ,‬عن قتادة‪ ,‬مثله‪.‬‬
‫فإنـ أهـل التأويــل اختلفوا فــي تأويــله‪ ,‬فقال بعضهـم‪ :‬معناه‪ :‬فلعلك‬
‫وأمـا قوله‪ :‬أسـَفـا ّ‬
‫بـاخع نفسك إن لـم يؤمنوا بهذا الـحديث غضبـا‪ .‬ذكر من قال ذلك‪:‬‬
‫‪ 17246‬ـ حدث نا ب شر‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا يز يد‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا سعيد‪ ,‬عن قتادة إ نْ لَ ـمْ يُ ْؤ ِمنُوا ِبهَذا‬
‫ث أسَفـا قال‪ :‬غضبـا‪.‬‬
‫الـحَدِي ِ‬
‫جزَعا‪ .‬ذكر من قال ذلك‪:‬‬
‫وقال آخرون‪َ :‬‬
‫‪17247‬ــ حدثنــي مــحمد بـن عمرو‪ ,‬قال‪ :‬حدثنـا أبـو عاصـم‪ ,‬قال‪ :‬حدثنـا عيسـى «ح»‬
‫وحدثنـي الـحارث‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا الـحسن‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا ورقاء‪ ,‬جميعا عن ابن أبـي نـجيح‪,‬‬
‫عن مـجاهد‪ ,‬فـي قول ال أسَفـا قال‪ :‬جزَعا‪.‬‬
‫حدثنا القاسم‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا الـحسين‪ ,‬قال‪ :‬ثنـي حجاج‪ ,‬عن ابن جريج‪ ,‬عن مـجاهد‪ ,‬مثله‪.‬‬
‫وقال آخرون‪ :‬معناه‪ :‬حزنا علـيهم‪ .‬ذكر من قال ذلك‪:‬‬
‫‪ 17248‬ـ حدثنا الـحسن بن يحيى‪ ,‬قال‪ :‬أخبرنا عبد الرزاق‪ ,‬قال‪ :‬أخبرنا معمر‪ ,‬عن قتادة‪,‬‬
‫فـي قوله‪ :‬أسَفـا قال‪ :‬حزنا علـيهم‪.‬‬
‫و قد ب ـيّنا مع نى ال سف ف ـيـما م ضى من كتاب نا هذا‪ ,‬ب ـما أغ نى عن إعاد ته ف ـي هذا‬
‫الـموضع‪.‬‬
‫وهذه معاتبة من ال عزّ ذكره علـى وجده بـمبـاعدة قومه إياه فـيـما دعاهم إلـيه من‬
‫اليـمان بـال‪ ,‬والبراءة من الَلهة والنداد‪ ,‬وكان بهم رحيـما‪.‬‬
‫وبنـحو ما قلنا فـي ذلك‪ ,‬قال أهل التأويـل‪ .‬ذكر من قال ذلك‪:‬‬
‫سكَ عَلـى‬
‫ك بـاخِعٌ نَفْ َ‬
‫‪ 17249‬ـ حدثنا ابن حميد‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا سلـمة‪ ,‬عن ابن إسحاق فََلعَلّ َ‬
‫حدِيثِ أ سَفـا يعاتبه علـى حزنه علـيهم حين فـاته ما كان‬
‫آثارِهِ مْ إ نْ لَـمْ يُ ْؤ ِمنُوا ِب َهذَا الـ َ‬
‫يرجو منهم‪ :‬أي ل تفعل‪.‬‬
‫ض زِينَةً لَهَا يقول عزّ ذكره‪ :‬إ نا جعل نا ما عل ـى الرض‬
‫جعَلْ نا ما عَلَ ـى الرْ ِ‬
‫وقوله‪ :‬إنّا َ‬
‫عمَلً يقول‪ :‬لن ـختبر عب ـادنا أيّ هم أترك ل ها وأت بع لمر نا‬
‫زي نة للرض ِل َنبْلُوَهُ مْ أ ّيهُ مْ أحْ سَنُ َ‬
‫ونهينا وأعمل فـيها بطاعتنا‪ .‬وبنـحو الذي قلنا فـي ذلك‪ ,‬قال أهل التأويـل‪ .‬ذكر من قال‬
‫ذلك‪:‬‬
‫‪17250‬ـ حدثنا مـحمد بن عمرو‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا أبو عاصم‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا عيسى «ح» وحدثنـي‬
‫الــحارث‪ ,‬قال‪ :‬حدثنـا الــحسن‪ ,‬قال‪ :‬حدثنـا ورقاء‪ ,‬جميعـا عـن ابـن أبــي نــجيح‪ ,‬عـن‬
‫مـجاهد ما عَلـى الرضِ زِينَةً َلهَا قال‪ :‬ما علـيها من شيء‪.‬‬
‫حدثنا القاسم‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا الـحسين‪ ,‬قال‪ :‬ثنـي حجاج‪ ,‬عن ابن جريج‪ ,‬عن مـجاهد‪ ,‬مثله‪.‬‬
‫جعَلْنا ما عَلـى‬
‫‪17251‬ـ حدثنا بشر‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا يزيد‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا سعيد‪ ,‬عن قتادة‪ ,‬قوله‪ :‬إنّا َ‬
‫ضرَةٌ‬
‫خ ِ‬
‫الرْ ضِ زِينَ ًة لَهَا ذ كر ل نا أن نب ـيّ ال صلى ال عل يه و سلم كان يقول‪« :‬إ نّ الدّن ـيْا َ‬
‫ف َت ْعمَلُونَ‪ ,‬فـاتّقُوا الدّنـيْا‪ ,‬واتّقُوا النّساءَ»‪.‬‬
‫ظرٌ َكيْ َ‬
‫ستَـخْـلِ َفكُ ْم فِـيها‪ ,‬فَنا ِ‬
‫ن اللّ َه ُم ْ‬
‫حُلْ َوةٌ‪ ,‬وَإ ّ‬
‫ل فإن أ هل التأوي ـل قالوا ف ـي تأوي ـله نــحو قول نا‬
‫عمَ ً‬
‫وأ ما قوله‪ِ :‬ل َنبْلُوَهُ مْ أ ّيهُ مْ أحْ سَنُ َ‬
‫فـيه‪ .‬ذكر من قال ذلك‪:‬‬
‫‪17252‬ـ حدثنا القاسم‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا الـحسين‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا أبو عاصم العسقلنـي‪ ,‬قال‪ِ :‬ل َنبْلُوَهُمْ‬
‫عمَلً قال‪ :‬أترك لها‪.‬‬
‫حسَنُ َ‬
‫أ ّي ُهمْ أ ْ‬
‫جعَلْنا ما عَلـى الرْض‬
‫‪ 17253‬ـ حدثنا ابن حميد‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا سلـمة‪ ,‬عن ابن إسحاق إنّا َ‬
‫عمَلً اختبـارا لهم أيهم أتبع لمري وأعمل بطاعتـي‪.‬‬
‫حسَنُ َ‬
‫زِينَ ًة َلهَا ِل َنبْلُوَ ُه ْم أ ّي ُهمْ أ ْ‬
‫صعِيدا جُرزا يقول عزّ ذكره‪ :‬وإن ـما ل ـمخرّبوها ب عد‬
‫ن ما عَلَ ـيْها َ‬
‫وقوله‪ :‬وَإنّا لَ ـجاعلُو َ‬
‫عمارتنا ها ب ـما جعل نا عل ـيها من الزي نة‪ ,‬فم صيروها صعيدا جرزا ل نب ـات عل ـيها ول‬
‫زرع ول غرس‪ .‬و قد ق ـيـل‪ :‬إ نه أر يد ب ـالصعيد ف ـي هذا ال ـموضع‪ :‬ال ـمستوي بو جه‬
‫الرض‪ ,‬وذلك هو شب ـيه ب ـمعنى قول نا ف ـي ذلك‪ .‬وبن ـحو الذي قل نا ف ـي ذلك‪ ,‬وب ـمعنى‬
‫الـجرز‪ ,‬قال أهل التأويـل‪ .‬ذكر من قال ذلك‪:‬‬
‫‪ 17254‬ـ حدثنـي مـحمد بن سعد‪ ,‬قال‪ :‬ثنـي أبـي‪ ,‬قال‪ :‬ثنـي عمي‪ ,‬قال‪ :‬ثنـي أبـي‪,‬‬
‫جرُزا يقول‪ :‬يهلك كلّ‬
‫صعِيدا ُ‬
‫ن ما عَلَـيْها َ‬
‫عن أبـيه‪ ,‬عن ابن عبـاس‪ ,‬قوله‪ :‬وإنّا لَـجَاعِلُو َ‬
‫شيء علـيها ويبـيد‪.‬‬
‫‪ 17255‬ـ حدثنـي م ـحمد بن عمرو‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا أ بو عا صم‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا عي سى وحدثنـي‬
‫الـحرث‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا الـحسن‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا ورقاء‪ ,‬جميعا عن ابن أبـي نـجيح‪ ,‬عن مـجاهد‬
‫جرُزا قال‪ :‬بلقعا‪.‬‬
‫صعِيدا ُ‬
‫َ‬
‫حدثنا القاسم‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا الـحسين‪ ,‬قال‪ :‬ثنـي حجاج‪ ,‬عن ابن جريج‪ ,‬عن مـجاهد‪ ,‬مثله‪.‬‬
‫ن ما‬
‫‪ 17256‬ـ حدثنا بشر‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا يزيد‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا سعيد‪ ,‬عن قتادة‪ ,‬قوله‪ :‬وَإنّا لَـجاعلُو َ‬
‫جرُزا والصعيد‪ :‬الرض التـي لـيس فـيها شجر ول نبـات‪.‬‬
‫عَلَـيْها صَعيدا ُ‬
‫‪ 17257‬ـ حدثنا ابن حميد‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا سَلَـمة‪ ,‬عن ابن إسحاق وَإنّا لَـجَاعِلُونَ ما عَلَـيْها‬
‫ن وبـائد‪ ,‬وإن الـمرجع للـيّ‪ ,‬فل تأس‪,‬‬
‫جرُزا يعنـي‪ :‬الرض إن ما علـيها لفـا ٍ‬
‫صعِيدا ُ‬
‫َ‬
‫ول يحزنك ما تسمع وترى فـيها‪.‬‬
‫صعِيدا جُزُرا‬
‫‪ 17258‬ـ حدث نا يو نس‪ ,‬قال‪ :‬أخبر نا ا بن و هب‪ ,‬قال‪ :‬قال ا بن ز يد ف ـي قوله‪َ :‬‬
‫قال‪ :‬الـجزر‪ :‬الرض التـي لـيس فـيها شيء‪ ,‬أل ترى أنه يقول‪ :‬أ َو لَـمْ َيرَوْا أنّا نَ سُوقُ‬
‫جرُزِ فنُـخْرِجُ ِب هِ َزرْعا قال‪ :‬والـجرز‪ :‬ل شيء فـيها‪ ,‬ل نبـات‬
‫الـماءَ إلـى الرْ ضِ الـ ُ‬
‫عوَ جا وَل أمْ تا قال‪ :‬م ستوية‪ :‬يقال‪:‬‬
‫ل َترَى فِ ـيها ِ‬
‫ول منف عة‪ .‬وال صعيد‪ :‬ال ـمستوي‪ .‬وقرأ‪َ :‬‬
‫جرِزت الرض فهـي مــجروزة‪ ,‬وجرزهـا الــجراد والنعـم‪ ,‬وأرَضُون َأجْراز‪ :‬إذا كانـت ل‬
‫ُ‬
‫جرُز و سنون أجراز ل ـجدوبها ويب سها وقلّة أمطار ها‬
‫ش يء ف ـيها‪ .‬ويقال لل سنة ال ـمـجدبة‪ُ :‬‬
‫قال الراجز‪:‬‬
‫جرَازْ‬
‫سنُونُ ال ْ‬
‫قَ ْد جَ َر َف ْتهُنّ ال ّ‬
‫جرَزوا هم أرضهم‪ :‬إذا أكلوا نبـاتها كله‪.‬‬
‫جرُزا‪ ,‬و َ‬
‫يقال‪ :‬أجرز القوم‪ :‬إذا صارت أرضهم ُ‬

‫‪9‬‬ ‫الية ‪:‬‬


‫ن آيَاتِنَا‬
‫صحَابَ ا ْل َكهْ فِ وَال ّرقِي ِم كَانُواْ مِ ْ‬
‫سبْتَ َأ نّ أَ ْ‬
‫القول ف ـي تأوي ـل قوله تعال ـى‪{ :‬أَ مْ حَ ِ‬
‫عجَبا }‪.‬‬
‫َ‬
‫يقول تعالـى ذكره لنبـيه مـحمد صلى ال عليه وسلم‪ :‬أم حسبت يا مـحمد أن أصحاب‬
‫عجَبـا‪ ,‬فإن ما خـلقت من السموات والرض‪ ,‬وما فـيهنّ‬
‫الكهف والرقـيـم كانوا من آياتنا َ‬
‫مـن العجائب أعجـب مـن أمـر أصـحاب الكهـف‪ ,‬وحجتــي بكـل ذلك ثابتـة علــى هؤلء‬
‫ال ـمشركين من قو مك‪ ,‬وغير هم من سائر عب ـادي‪ .‬وبن ـحو الذي قل نا ف ـي ذلك‪ ,‬قال أ هل‬
‫التأويـل‪ .‬ذكر من قال ذلك‪:‬‬
‫‪ 17259‬ـ حدثنـي م ـحمد بن عمرو‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا أ بو عا صم‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا عي سى وحدثنـي‬
‫الـحارث‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا الـحسن قال‪ :‬حدثنا ورقاء‪ ,‬جميعا عن ابن أبـي نـجيح‪ ,‬عن مـجاهد‬
‫عجَبـا قال مـحمد بن عمرو فـي‬
‫ن آياتِنا َ‬
‫ن أصحَابَ ال َكهْ فِ والرّقِـيـمِ كانُوا ِم ْ‬
‫سبْتَ أ ّ‬
‫أ مْ حَ ِ‬
‫حديثه‪ ,‬قال‪ :‬لـيسوا عجبـا بأعجب آياتنا‪ .‬وقال الـحارث فـي حديثه بقولهم‪ :‬أعجب آياتنا‪:‬‬
‫لـيسوا أعجب آياتنا‪.‬‬
‫حدثنا القاسم‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا الـحسين‪ ,‬قال‪ :‬ثنـي حجاج‪ ,‬عن ابن جريج‪ ,‬عن مـجاهد‪ ,‬قوله‪:‬‬
‫عجَبـا كانوا يقولون هم عجب‪.‬‬
‫صحَابَ ال َك ْهفِ وال ّرقِـيـمِ كانُوا ِمنْ آياتِنا َ‬
‫نأ ْ‬
‫سبْتَ أ ّ‬
‫حِ‬‫أمْ َ‬
‫ب ال َكهْ فِ‬
‫ن أ صحَا َ‬
‫تأ ّ‬
‫‪ 17260‬ـ حدث نا ب شر‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا سعيد‪ ,‬عن قتادة‪ ,‬قوله‪ :‬أ ْم حَ سِبْ َ‬
‫عجَبـا يقول‪ :‬قد كان من آياتنا ما هو أعجب من ذلك‪.‬‬
‫وال ّرقِـيـمِ كانْوا ِمنْ آياتِنا َ‬
‫سبْتَ أ نّ أصحَابَ ال َكهْ فِ‬
‫‪ 17261‬ـ حدثنا ابن حميد‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا سلـمة‪ ,‬عن ابن إسحاق أ مْ حَ ِ‬
‫عجَبــا‪ .‬أي ومـا قدروا مـن َقدْر فــيـما صـنعت مـن أمـر‬
‫ِنـ آياتِنـا َ‬
‫وال ّرقِــيـمِ كانُوا م ْ‬
‫الـخلئق‪ ,‬وما وضعت علـى العبـاد من حججي ما هو أعظم من ذلك‪.‬‬
‫وقال آخرون‪ :‬بل معنى ذلك‪ :‬أم حسبت يا مـحمد أن أصحاب الكهف والرقـيـم كانوا من‬
‫عجَبـا‪ ,‬فإن الذين آتـيتك من العلـم والـحكمة أفضل منه‪ .‬ذكر من قال ذلك‪:‬‬
‫آياتنا َ‬
‫‪ 17262‬ـ حدثنـي مـحمد بن سعد‪ ,‬قال‪ :‬ثنـي أبـي‪ ,‬قال‪ :‬ثنـي عمي‪ ,‬قال‪ :‬ثنـي أبـي‪,‬‬
‫ن آياتِنا‬
‫ن أصحَابَ ال َكهْ فِ وال ّرقِـيـمِ كانُوا مِ ْ‬
‫سبْتَ أ ّ‬
‫عن أبـيه‪ ,‬عن ابن عبـاس‪ ,‬قوله‪ :‬أ مْ حَ ِ‬
‫عجَبــا يقول‪ :‬الذي آتــيتك مـن العلــم والسـنة والكتاب أفضـل مـن شأن أصـحاب الكهـف‬
‫َ‬
‫والرقـيـم‪.‬‬
‫ل أنزل ق صة أ صحاب‬
‫ن ال عزّ وج ّ‬
‫وإن ـما قل نا‪ :‬إن القول الوّل أول ـى بتأوي ـل الَ ية‪ ,‬ل ّ‬
‫الك هف عل ـى نب ـيه احت ـجاجا ب ها عل ـى ال ـمشركين من قو مه عل ـى ما ذكر نا ف ـي‬
‫الروا ية عن ا بن عب ـاس‪ ,‬إذ سألوه عن ها اختب ـارا من هم له ب ـالـجواب عن ها صدقه‪ ,‬فكان‬
‫تقريع هم بتكذيب هم ب ـما هو أو كد عل ـيهم ف ـي ال ـحجة م ـما سألوا عن هم‪ ,‬وزعموا أن هم‬
‫يؤمنون عند الجابة عنه أشبه من الـخبر عما أنعم ال علـى رسوله من النعم‪.‬‬
‫وأمـا الكهـف‪ ,‬فإنـه كهـف الــجبل الذي أوى إلــيه القوم الذيـن قصّـ ال شأنهـم فــي هذه‬
‫السورة‪.‬‬
‫وأما الرقـيـم‪ ,‬فإن أهل التأويـل اختلفوا فـي الـمعنىّ به‪ ,‬فقال بعضهم‪ :‬هو اسم قرية‪,‬‬
‫أو واد علـى اختلف بـينهم فـي ذلك‪ .‬ذكر من قال ذلك‪:‬‬
‫‪ 17263‬ـ حدث نا م ـحمد بن بشار‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا يح يى بن ع بد العل ـى وع بد الرح من‪ ,‬قال‪:‬‬
‫حدثنـا سـفـيان‪ ,‬عـن الشيبــانـيّ‪ ,‬عـن عكرمـة‪ ,‬عـن ابـن عبــاس‪ ,‬قال‪ :‬يزعـم كعـب أن‬
‫الرقـيـم‪ :‬القرية‪.‬‬
‫‪ 17264‬ـ حدثنـي مـحمد بن سعد‪ ,‬قال‪ :‬ثنـي أبـي‪ ,‬قال‪ :‬ثنـي عمي‪ ,‬قال‪ :‬ثنـي أبـي‪,‬‬
‫سبْتَ أ نّ أصحَابَ ال َكهْ فِ والرّقِـيـمِ قال‪ :‬الرقـيـم‪ :‬واد‬
‫عن أبـيه‪ ,‬عن ابن عبـاس أ مْ حَ ِ‬
‫عسْفـان وأَيـلة دون فلسطين‪ ,‬وهو قريب من أيـلة‪.‬‬
‫بـين ُ‬
‫‪ 17265‬ـ حدث نا أ بو كر يب‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا ا بن إدر يس‪ ,‬قال‪ :‬سمعت أب ـي‪ ,‬عن عط ية‪ ,‬قال‪:‬‬
‫الرقـيـم‪ :‬واد‪.‬‬
‫ت أ نّ‬
‫‪ 17266‬ـ حدث نا ب شر‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا يز يد‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا سعيد‪ ,‬عن قتادة‪ ,‬قوله‪ :‬أ مْ حَ سِبْ َ‬
‫ب ال َكهْفِ وال ّرقِـيـمِ كنّا نـحدّث أن الرقـيـم‪ :‬الوادي الذي فـيه أصحاب الكهف‪.‬‬
‫أصحَا َ‬
‫حدث نا ال ـحسن بن يح يى‪ ,‬قال‪ :‬أخبر نا ع بد الرزاق‪ ,‬قال‪ :‬أخبر نا الثور يّ‪ ,‬عن سمِاك بن‬
‫حرب‪ ,‬عن عكرمة‪ ,‬عن ابن عبـاس‪ ,‬فـي قوله ال ّرقِـيـمِ قال‪ :‬يزعم كعب‪ :‬أنها القرية‪.‬‬
‫‪ 17267‬ـ حدث نا ال ـحسن بن يح يى‪ ,‬قال‪ :‬أخبر نا ع بد الرزاق‪ ,‬قال‪ :‬أخبر نا مع مر‪ ,‬عن ا بن‬
‫أبــي نــجيح عـن مــجاهد‪ ,‬فــي قوله‪ :‬ال ّرقِــيـمِ قال‪ :‬يقول بعضهـم‪ :‬الرقــيـم‪ :‬كتاب‬
‫تبـانهم‪ .‬ويقول بعضهم‪ :‬هو الوادي الذي فـيه كهفهم‪.‬‬
‫‪ 17268‬ـ حُد ثت عن ال ـحسين بن الفرج‪ ,‬قال‪ :‬سمعت أب ـا معاذ‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا عب ـيد بن‬
‫سـلـيـمان‪ ,‬قال‪ :‬سـمعت الضحاك يقول‪ :‬أمـا الكهـف‪ :‬فهـو غار الوادي‪ ,‬والرقــيـم‪ :‬اسـم‬
‫الوادي‪.‬‬
‫وقال آخرون‪ :‬الرقـيـم‪ :‬الكتاب‪ .‬ذكر من قال ذلك‪:‬‬
‫‪17269‬ــ حدثنـا علــيّ‪ ,‬قال‪ :‬حدثنـا عبـد ال‪ ,‬قال‪ :‬ثنــي معاويـة‪ ,‬عـن علــيّ‪ ,‬عـن ابـن‬
‫ف وال ّرقِـيـمِ يقول‪ :‬الكتاب‪.‬‬
‫ب الكهْ ِ‬
‫ن أصحَا َ‬
‫سبْتَ أ ّ‬
‫حِ‬‫عبـاس‪ ,‬قوله‪ :‬أ ْم َ‬
‫‪ 17270‬ـ حدثنا أبو كريب‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا ابن إدريس‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا أبـي‪ ,‬عن ابن قـيس‪ ,‬عن‬
‫سعيد بن جب ـير‪ ,‬قال‪ :‬الرق ـيـم‪ :‬لوح من حجارة كتبوا ف ـيه ق صص أ صحاب الك هف‪ ,‬ثم‬
‫وضعوه علـى بـاب الكهف‪.‬‬
‫‪17271‬ـ حدثنـي يونس‪ ,‬قال‪ :‬أخبرنا ابن وهب‪ ,‬قال‪ :‬قال ابن زيد‪ :‬الرقـيـم‪ :‬كتاب‪ ,‬ولذلك‬
‫ن ِكتِا بٌ‬
‫الكتاب خبر فلـم يخبر ال عن ذلك الكتاب وعما فـيه‪ ,‬وقرأ‪ :‬وَما أ ْدرَا كَ ما عِلّـيّو َ‬
‫ب م ْرقُومٌ‪.‬‬
‫سجّينٌ كتا ٌ‬
‫مرْقُومٌ َيشْهدُ ُه الـمُقَ ّربُون وَما أ ْدرَاكَ ما ِ‬
‫وقال آخرون‪ :‬بل هو اسم جبل أصحاب الكهف‪ .‬ذكر من قال ذلك‪:‬‬
‫‪ 17272‬ـ حدث نا القا سم‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا ال ـحسين‪ ,‬قال‪ :‬ثن ـي حجاج‪ ,‬عن ا بن جر يج‪ ,‬قال‪ :‬قال‬
‫ابن عبـاس‪ :‬الرقـيـم‪ :‬الـجبل الذي فـيه الكهف‪.‬‬
‫قال أبو جعفر‪ :‬وقد قـيـل إن اسم ذلك الـجبل‪ :‬بنـجلوس‪.‬‬
‫‪ 17273‬ـ حدثنا بذلك ابن حميد‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا سلـمة‪ ,‬عن ابن إسحاق‪ ,‬عن عبد ال بن أبـي‬
‫نـجيح‪ ,‬عن مـجاهد‪ ,‬عن ابن عبـاس‪ :‬وقد قـيـل‪ :‬إن اسمه بناجلوس‪.‬‬
‫‪17274‬ــ حدثنـا القاسـم‪ ,‬قال‪ :‬حدثنـا الــحسين‪ ,‬قال‪ :‬ثنــي حجاج‪ ,‬عـن ابـن جريـج‪ ,‬قال‪:‬‬
‫جبِئي أن ا سم ج بل الك هف‪ :‬بناجلوس‪ .‬وا سم‬
‫أخبرن ـي و هب بن سلـيـمان عن شع يب ال ـ َ‬
‫الكهف‪ :‬حيزم‪ .‬والكلب‪ :‬خُمران‪ .‬وقد رُوي عن ابن عبـاس فـي الرقـيـم ما‪:‬‬
‫‪17275‬ـ حدثنا به الـحسن‪ ,‬قال‪ :‬أخبرنا عبد الرزاق‪ ,‬قال‪ :‬أخبرنا إسرائيـل عن سماك‪ ,‬عن‬
‫عكرمة‪ ,‬عن ابن عبـاس قال‪ :‬كلّ القرآن أعلـمه‪ ,‬إل حنانا‪ ,‬والوّاه‪ ,‬والرقـيـم‪.‬‬
‫‪17276‬ــ حدثنـا القاسـم‪ ,‬قال‪ :‬حدثنـا الــحسين‪ ,‬قال‪ :‬ثنــي حجاج‪ ,‬عـن ابـن جريـج‪ ,‬قال‪:‬‬
‫أخبرنـي عمرو بن دينار‪ ,‬أنه سمع عكرمة يقول‪ :‬قال ابن عبـاس‪ :‬ما أدري ما الرقـيـم‪,‬‬
‫أكتاب‪ ,‬أم بنـيان؟‪.‬‬
‫وأول ـى هذه القوال ب ـالصواب ف ـي الرق ـيـم أن يكون معن ـيا به‪ :‬لوح‪ ,‬أو ح جر‪ ,‬أو‬
‫شيـء كُتـب فــيه كتاب‪ .‬وقـد قال أهـل الخبــار‪ :‬إن ذلك لوح كُتـب فــيه أسـماء أصـحاب‬
‫الكهف وخبرهم حين أ َووْا إلـى الكهف‪ .‬ثم قال بعضهم‪ :‬رُفع ذلك اللوح فـي خزانة الـملك‪.‬‬
‫وقال بعضهم‪ :‬بل جُعل علـى بـاب كهفهم‪ .‬وقال بعضهم‪ :‬بل كان ذلك مـحفوظا عند بعض‬
‫أ هل بلد هم‪ .‬وإن ـما الر قم‪ :‬فعي ـل‪ .‬أ صله‪ :‬مرقوم‪ ,‬ثم صُرف إل ـى فعي ـل‪ ,‬ك ما ق ـيـل‬
‫للــمـجروح‪ :‬جريـح‪ ,‬وللــمقتول‪ :‬قتــيـل‪ ,‬يقال منـه‪ :‬رقمـت كذا وكذا‪ :‬إذا كتبتـه‪ ,‬ومنـه‬
‫قـيـل للرقم فـي الثوب رقم‪ ,‬لنه الـخطّ الذي يعرف به ثمنه‪ .‬ومن ذلك قـيـل للـحيّة‪:‬‬
‫أرقم‪ ,‬لـما ف ـيه من الَثار والعرب تقول‪ :‬علـيك بـالرقمة‪ ,‬ودع الض فة‪ :‬بـمعنى علـيك‬
‫برق مة الوادي ح يث ال ـماء‪ ,‬ودع الض فة ال ـجانبة‪ .‬والضفتان‪ :‬جانب ـا الوادي‪ .‬وأح سب أن‬
‫الذي قال الرقـيـم‪ :‬الوادي‪ ,‬ذهب به إلـى هذا‪ ,‬أعنـي به إلـى رقمة الوادي‪.‬‬

‫‪10‬‬ ‫الية ‪:‬‬


‫حمَةً‬
‫القول فـي تأويـل قوله تعالـى‪ِ{ :‬إ ْذ أَوَى ا ْل ِف ْتيَةُ إِلَى ا ْل َكهْ فِ فَقَالُو ْا َربّنَآ آ ِتنَا مِن ّلدُن كَ َر ْ‬
‫ن َأ ْمرِنَا َرشَدا }‪.‬‬
‫وَ َهيّى ْء َلنَا مِ ْ‬
‫ب ال َكهْ فِ‬
‫ت أ نّ أ صحَا َ‬
‫يقول تعال ـى ذكره لنب ـيه م ـحمد صلى ال عل يه و سلم‪ :‬أ مْ حَ سِبْ َ‬
‫عجَب ـا ح ين أوى الفت ـية أ صحاب الك هف إل ـى ك هف ال ـجبل‪,‬‬
‫وال ّرقِ ـيـمِ كانُوا ِم نْ آياتِ نا َ‬
‫حمَةً رغبة منهم إلـى ربهم‪ ,‬فـي‬
‫ن َل ُدنْكَ َر ْ‬
‫هربـا بدينهم إلـى ال‪ ,‬فقالوا إذ أووه‪َ :‬ربّنا آتِنا مِ ْ‬
‫أن يرزق هم من عنده رح مة‪ .‬وقوله‪ :‬وَ َهيّىءْ لَ نا مِ نْ أ ْمرِ نا َرشَدا يقول‪ :‬وقالوا‪ :‬ي سّر ل نا ب ـما‬
‫نبت غي و ما نلت ـمس من رضاك والهرب من الك فر بك‪ ,‬و من عب ـادة الوثان الت ـي يدعو نا‬
‫إلـيها قومنا‪ ,‬رَشَدا يقول‪ :‬سَدادا إلـى العمل بـالذي تـحبّ‪.‬‬
‫وقد اختلف أهل العلـم فـي سبب مصير هؤلء الفِتـية إلـى الكهف الذي ذكره ال فـي‬
‫كتا به‪ ,‬فقال بعض هم‪ :‬كان سبب ذلك‪ ,‬أن هم كانوا م سلـمين عل ـى د ين عي سى‪ ,‬وكان ل هم ملك‬
‫عا بد وَثَن‪ ,‬دعا هم إل ـى عب ـادة ال صنام فهربوا بدين هم م نه خش ية أن يفتن هم عن دين هم‪ ,‬أو‬
‫يقتلهم‪ ,‬فـاستـخفَوا منه فـي الكهف‪ .‬ذكر من قال ذلك‪:‬‬
‫‪17277‬ــ حدثنـا ا بن حم يد‪ ,‬قال‪ :‬حدثنـا ال ـحكم بن بشيـر‪ ,‬قال‪ :‬حدثنـا عمرو فــي قوله‪:‬‬
‫ب ال َكهْ فِ وال ّرقِ ـيـمِ كا نت الفِت ـية عل ـى د ين عي سى عل ـى ال سلم‪ ,‬وكان ملك هم‬
‫أ صحَا َ‬
‫ن دُونِهه‬
‫ن َندْعُ َو مِ ْ‬
‫سمَوَاتِ والرْ ضِ لَ ْ‬
‫كافرا‪ ,‬وقد أخرج لهم صنـما‪ ,‬فأبَوا‪ ,‬وقالوا‪َ :‬ربّنا رَ بّ ال ّ‬
‫إل ها لَ َق ْد قُلْ نا إذا شَطَ طا قال‪ :‬ف ـاعتزلوا عن قوم هم لعب ـادة ال‪ ,‬فقال أحد هم‪ :‬إ نه كان لب ـي‬
‫كهـف يأوي فــيه غنــمه‪ ,‬فــانطلقوا بنـا نكـن فــيه‪ ,‬فدخــلوه‪ ,‬وفُقدوا فــي ذلك الزمان‬
‫فطُلبوا‪ ,‬فقـيـل‪ :‬دخـلوا هذا الكهف‪ ,‬فقال قومهم‪ :‬ل نريد لهم عقوبة ول عذابـا أشدّ من أن‬
‫نردم عل ـيهم هذا الك هف‪ ,‬فبنوه عل ـيهم ثم ردموه‪ .‬ثم إن ال ب عث عل ـيهم مل كا عل ـى د ين‬
‫عيسى‪ ,‬ورفع ذلك البناء الذي كان ردم علـيهم‪ ,‬فقال بعضهم لبعض‪ :‬كَمْ َل ِب ْثتُـمْ؟ ف قالُوا َلبِثنْا‬
‫ض يَوْ مٍ‪ ...‬حتـى بلغ فـا ْبعَثُوا أح َدكُ مْ بِ َو ِرقِكُ مْ َهذِ ِه إلـى الـ َمدِينَ ِة وكان ورِق ذلك‬
‫يَوْما أوْ َبعْ َ‬
‫الزمان كب ـارا‪ ,‬فأر سلوا أحد هم يأت ـيهم بطعام وشراب فل ـما ذ هب ل ـيخرج‪ ,‬رأى عل ـى‬
‫بـاب الكهف شيئا أنكره فأراد أن يرجع‪ ,‬ثم مضى حتـى دخـل الـمدينة‪ ,‬فأنكر ما رأى‪ ,‬ثم‬
‫أخرج درهما‪ ,‬فنظروا إلـيه فأنكروه‪ ,‬وأنكروا الدرهم‪ ,‬وقالوا‪ :‬من أين لك هذا؟ هذا من ورق‬
‫غير هذا الزمان‪ ,‬واجتـمعوا علـيه يسألونه‪ ,‬فلـم يزالوا به حتـى انطلقوا به إلـى ملكهم‪,‬‬
‫وكان لقومهـم لوح يكتبون فــيه مـا يكون‪ ,‬فنظروا فــي ذلك اللوح‪ ,‬وسـأله الــملك‪ ,‬فأخـبره‬
‫بأمره‪ ,‬ونظروا ف ـي الكتاب مت ـى ف قد‪ ,‬ف ـاستبشروا به وبأ صحابه‪ ,‬وق ـيـل له‪ :‬انطلق ب نا‬
‫فأر نا أ صحابك‪ ,‬ف ـانطلق وانطلقوا م عه‪ ,‬ل ـيريهم‪ ,‬فدخ ـل ق بل القوم‪ ,‬فضرب عل ـى آذان هم‪,‬‬
‫سجِدا‪.‬‬
‫خذَنّ عَلَـيْ ِهمْ َم ْ‬
‫فقال الذين غلبوا علـى أمرهم‪َ :‬ل َنتّـ ِ‬
‫‪17278‬ــ حدثنـا ابـن حميـد‪ ,‬قال‪ :‬حدثنـا سـلـمة‪ ,‬عـن ابـن إسـحاق‪ ,‬قال‪َ :‬مرِج أمـر أهـل‬
‫النـجيـل وعظُمت فـيهم الـخطايا وطغت فـيهم الـملوك‪ ,‬حتـى عبدوا الصنام وذبحوا‬
‫للطواغيت‪ ,‬وفـيهم علـى ذلك بقايا علـى أمر عيسى ابن مريـم‪ ,‬متـمسكون بعبـادة ال‬
‫وتوحيده‪ ,‬فكان م ـمن ف عل ذلك من ملوك هم‪ ,‬ملك من الروم يقال له‪َ :‬دقْ ـيَنوس‪ ,‬كان قد ع بد‬
‫ال صنام‪ ,‬وذ بح للطواغ يت‪ ,‬وق تل من خال فه ف ـي ذلك م ـمن أقام عل ـى د ين عي سى ا بن‬
‫مريـم‪ .‬كان ينزل فـي قُرى الروم‪ ,‬فل يترك فـي قرية ينزلها أحدا مـمن يدين بدين عيسى‬
‫ا بن مري ـم إل قتله‪ ,‬حت ـى يع بد ال صنام‪ ,‬ويذ بح للطواغ يت‪ ,‬حت ـى نزل دق ـينوس مدي نة‬
‫الفِتـية أصحاب الكهف فلـما نزلها دقـينوس كبر ذلك علـى أهل اليـمان‪ ,‬فـاستـخْفَوا‬
‫منـه وهربوا فــي كلّ وجـه‪ .‬وكان دقــينوس قـد أمـر حيـن قدمهـا أن يتبـع أهـل اليــمان‬
‫ف ـيُجمعوا له‪ ,‬وات ـخذ شُرَطـا من الكفّــار من أهل ها‪ ,‬فجعلوا يتبعون أ هل اليــمان ف ـي‬
‫أماكنهـم التــي يسـتـخفون فــيها‪ ,‬فــيستـخرجونهم إلــى دقــينوس‪ ,‬فقدمهـم إلــى‬
‫ال ـمـجامع الت ـي يذ بح ف ـيها للطواغ يت ف ـيخيرهم ب ـين الق تل‪ ,‬وب ـين عب ـادة الوثان‬
‫والذبح للطواغيت‪ ,‬فمنهم من يرغب فـي الـحياة ويُ ْفظَع بـالقتل فـيَفتِتن‪ ,‬ومنهم من يأبى أن‬
‫يعبد غير ال فـيقتل فلـما رأى ذلك أهل الصلبة من أهل اليـمان بـال‪ ,‬جعلوا يُسْلـمون‬
‫أنف سهم للعذاب والق تل‪ ,‬ف ـيقتلون ويقطعون‪ ,‬ثم ير بط ما ق طع من أج سادهم‪ ,‬ف ـيعلّق عل ـى‬
‫ل بـاب من أبوابها‪ ,‬حتـى عظمت الفتنة علـى‬
‫سور الـمدينة من نواحيها كلها‪ ,‬وعلـى ك ّ‬
‫أ هل الي ـمان‪ ,‬فمن هم من ك فر فُترك‪ ,‬ومن هم من صُلب عل ـى دي نه فقُ تل فل ـما رأى ذلك‬
‫الفِتــية أصـحاب الكهـف‪ ,‬حزنوا حزنـا شديدا‪ ,‬حتــى تغيرت ألوانهـم‪ ,‬وَنــحِلت أجسـامهم‪,‬‬
‫واسـتعانوا بــالصلة والصـيام والصـدقة‪ ,‬والتــحميد‪ ,‬والتسـبـيح‪ ,‬والتهلــيـل‪ ,‬والتكبــير‪,‬‬
‫والبكاء‪ ,‬والتضرّع إلـى ال‪ ,‬وكانوا فتـية أحداثا أحرارا من أبناء أشراف الروم‪.‬‬
‫‪ 17279‬ـ فحدث نا ا بن حم يد‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا سلـمة‪ ,‬عن ا بن إ سحاق‪ ,‬عن ع بد ال بن أب ـي‬
‫حدّثت أنه كان علـى بعضهم من حداثة أسنانه وضح الورِق‪.‬‬
‫نـجيح‪ ,‬عن مـجاهد‪ ,‬قال‪ :‬لقد ُ‬
‫قال ابـن عبــاس‪ :‬فكانوا كذلك فــي عبــادة ال لــيـلهم ونهارهـم‪ ,‬يبكون إلــى ال‪,‬‬
‫وي ستغيثونه‪ ,‬وكانوا ثمان ـية ن فر َمكْ سِلـمينا‪ ,‬وكان أ كبرهم‪ ,‬و هو الذي كلّ ـم ال ـملك عن هم‪,‬‬
‫ـموس‪,‬‬
‫ـيرونس‪ ,‬ودينــ‬
‫ـملـيخا‪ ,‬و َمرْطوس‪ ,‬وكشوطوش‪ ,‬وبــ‬
‫ومَــحْسيـميـلنـينا‪ ,‬ويَــ‬
‫ويطونـس قالوس فلــما أجمـع دقــينوس أن يجمـع أهـل القريـة لعبــادة الصـنام‪ ,‬والذبـح‬
‫للطواغيت‪ ,‬بكوا إلـى ال وتضرّعوا إلـيه‪ ,‬وجعلوا يقولون‪ :‬اللهمّ ربّ السموات والرض‪ ,‬لن‬
‫ندعو من دونك إلها َل َقدْ قُلْنا إذًا شَطَطا اكشف عن عبـادك الـمؤمنـين هذه الفتنة وادفع عنهم‬
‫البلء وأن عم عل ـى عب ـادك الذ ين آمنوا بك‪ ,‬و ِمنُعوا عب ـادتك إل سرّا‪ ,‬م ستـخفِـينَ بذلك‪,‬‬
‫حت ـى يعبدوك علن ـية‪ .‬فبـينـما هم علـى ذلك‪ ,‬عرف هم عُرفـاؤهم من الكفـار‪ ,‬م ـمن‬
‫كان يجمـع أهـل الــمدينة لعبــادة الصـنام‪ ,‬والذبـح للطواغيـت‪ ,‬وذكروا أمرهـم‪ ,‬وكانوا قـد‬
‫ـلّـى لهـم يعبدون ال فــيه‪ ,‬ويتضرّعون إلــيه‪ ,‬ويتوقّعون أن ُي ْذكَروا‬
‫خَــلَوا فــي مُص َ‬
‫لدقـينوس‪ ,‬فـانطلق أولئك الكفرة حتـى دخـلوا علـيهم مُ صَلّهم‪ ,‬فوجدوهم سجودا علـى‬
‫وجوه هم يتضرّعون‪ ,‬ويبكون‪ ,‬ويرغبون إل ـى ال أن ين ـجيهم من دق ـينوس وفتن ته فل ـما‬
‫رآ هم أولئك الكفرة من عُرف ـائهم قالوا ل هم‪ :‬ما خَ ـلّفكم عن أ مر ال ـملك؟ انطلقوا إل ـيه ثم‬
‫خرجوا مـن عندهـم‪ ,‬فرفعوا أمرهـم إلــى دقــينوس‪ ,‬وقالوا‪ :‬تــجمع الناس للذبـح لَلهتـك‪,‬‬
‫وهؤلء فِت ـية من أ هل ب ـيتك‪ ,‬ي سخَرون م نك‪ ,‬وي ستهزئون بك‪ ,‬ويع صُون أمرك‪ ,‬ويتركون‬
‫آلهتك‪ ,‬يَعمِدون إلـى مُ صَلَـى لهم ولصحاب عيسى ابن مريـم يصلون فـيه‪ ,‬ويتضرّعون‬
‫إل ـى إله هم وإله عي سى وأ صحاب عي سى‪ ,‬فل ـم تترك هم ي صنعون هذا و هم ب ـين ظَهرانْ ـي‬
‫سلطانك ومُل كك‪ ,‬و هم ثمان ـية ن فر‪ :‬رئي سهم مك سلـمينا‪ ,‬و هم أبناء عظماء ال ـمدينة؟ فل ـما‬
‫قالوا ذلك لدق ـينوس‪ ,‬ب عث إل ـيهم‪ ,‬فأت ـى ب هم من ال ـمصلّـى الذي كانوا ف ـيه تف ـيض‬
‫أعينهم من الدموع ُمعَفرة وجوههم فـي التراب‪ ,‬فقال لهم‪ :‬ما منعكم أن تشهدوا الذبح لَلهتنا‬
‫التـي تُعبد فـي الرض‪ ,‬وأن تـجعلوا أنفسكم أُ سْوة ل سَراة أهل مدينتكم‪ ,‬ولـمن حضر منّا‬
‫مـن الناس؟ اختاروا منــي‪ :‬إمـا أن تذبحوا لَلهتنـا كمـا ذبـح الناس‪ ,‬وإمـا أن أقتلكـم فقال‬
‫عظَمتُه‪ ,‬لن ندعو من دونه إلها أبدا‪ ,‬ولن‬
‫مكسلـمينا‪ :‬إن لنا إلها نبعده مل السموات والرض َ‬
‫نقرّ بهذا الذي تدعو نا إل ـيه أبدا‪ ,‬ولك نا نع بد ال رب نا‪ ,‬له ال ـحمد والتكب ـير والت سبـيح من‬
‫أنفسنا خالصا أبدا‪ ,‬إياه نعبد‪ ,‬وإياه نسأل النـجاة والـخير‪ ,‬فأما الطواغيت وعبـادتها‪ ,‬فلن نقرّ‬
‫عبّـادا للشياطين‪ ,‬ول جاعلـي أنفسنا وأجسادنا عُبـادا لها‪ ,‬بعد إذ‬
‫بها أبدا‪ ,‬ولسنا بكائنـين ُ‬
‫هدا نا ال له رهبتَك‪ ,‬أو فَرَ قا من عبود تك‪ ,‬ا صنع ب نا ما بدا لك ثم قال أ صحاب مك سلـمينا‬
‫لدقـينوس مثل ما قال‪ .‬قال‪ :‬فلـما قالوا ذلك له‪ ,‬أمر بهم فنزع عنهم لبوس كان علـيهم من‬
‫لبوس عظمائهـم‪ ,‬ثـم قال‪ :‬أمـا إذ فعلتــم مـا فعلتــم فإنــي سـأؤخركم أن تكونوا مـن أهـل‬
‫مـملكتـي وبطانتـي‪ ,‬وأهل بلدي‪ ,‬وسأفرُغ لكم‪ ,‬فأنـجز لكم ما وعدتكم من العقوبة‪ ,‬وما‬
‫ب أن أهلك كم‬
‫ي ـمنعنـي أن أعجّل ذلك ل كم إل أن ـي أرا كم فت ـيانا حدي ثة أ سنانُكم‪ ,‬ول أح ّ‬
‫حتـى أستأنَـي بكم‪ ,‬وأنا جاعل لكم أجلً تَذكرون فـيه‪ ,‬وتراجعون عقولكم‪ .‬ثم أمر بحلـية‬
‫كانـت علــيهم مـن ذهـب وفضـة‪ ,‬فُنزعـت عنهـم ثـم أمـر بهـم فأخرجوا مـن عنده‪ .‬وانطلق‬
‫دق ـينوس مكا نه إل ـى مدي نة سوى مدينت هم الت ـي هم ب ها قريب ـا من ها لب عض ما ير يد من‬
‫أمره‪.‬‬
‫فلـما رأى الفِتـية دقـينوس قد خرج من مدينتهم بـادروا قدومه‪ ,‬وخافوا إذا قدم مدينتهم‬
‫أن يذ كر ب هم‪ ,‬فأت ـمروا ب ـينهم أن يأ خذ كلّ وا حد من هم نف قة من ب ـيت أب ـيه‪ ,‬ف ـيتصدّقوا‬
‫من ها‪ ,‬ويتزوّدوا ب ـما بق ـي‪ ,‬ثم ينطلقوا إل ـى ك هف قر يب من ال ـمدينة ف ـي ج بل يقال له‪:‬‬
‫بن ـجلوس ف ـيـمكثوا ف ـيه‪ ,‬ويعبدوا ال حت ـى إذا ر جع دق ـينوس أتوه فقاموا ب ـين يد يه‪,‬‬
‫فـيصنع بهم ما شاء‪ .‬فلـما قال ذلك بعضهم لب عض‪ ,‬عمد كلّ فتـى منهم‪ ,‬فأخذ من بـيت‬
‫أبـيه نفقة‪ ,‬فتصدّق منها‪ ,‬وانطلقوا بـما بقـي معهم من نفقتهم‪ ,‬واتبعهم كلّب لهم‪ ,‬حتـى أتوا‬
‫ذلك الكهـف الذي فــي ذلك الــجبل‪ ,‬فلبثوا فــيه لــيس لهـم عمـل إل الصـلة والصـيام‬
‫والتسبـيح والتكبـير والتـحميد‪ ,‬ابتغاء وجه ال تعالـى‪ ,‬والـحياة التـي ل تنقطع‪ ,‬وجعلوا‬
‫نفقتهـم إل ـى فت ـى منهـم يُقال له يــملـيخا‪ ,‬فكان علــى طعامهـم‪ ,‬يبتاع لهـم أرزاقهـم من‬
‫الـمدينة سرّا من أهلها وذلك أنه كان من أجملهم وأجلدهم‪ ,‬فكان يـملـيخا يصنع ذلك‪ ,‬فإذا‬
‫دخـل الـمدينة يضع ثـيابـا كانت علـيه حسانا‪ ,‬ويأخذ ثـيابـا كثـياب الـمساكين الذين‬
‫يستطعمون فـيها‪ ,‬ثم يأخذ َو ِرقَه‪ ,‬فـينطلق إلـى الـمدينة فـيشتري لهم طعاما وشرابـا‪,‬‬
‫ويت سمّع ويت ـجسّس ل هم ال ـخبر‪ ,‬هل ذ كر هو وأ صحابه بش يء من مل ال ـمدينة‪ ,‬ثم ير جع‬
‫إل ـى أ صحابه بطعام هم وشراب هم‪ ,‬وي خبرهم ب ـما سمع من أخب ـار الناس‪ ,‬فلبثوا بذلك ما‬
‫لبثوا‪.‬‬
‫ثم قدم دقـينوس الـجبّـار الـمدينة التـي منها خرج إلـى مدينته‪ ,‬وهي مدي نة َأفْ سوس‬
‫فأ مر عظماء أهل ها‪ ,‬فذبحوا للطواغ يت‪ ,‬ففزع من ذلك أ هل الي ـمان‪ ,‬فت ـخبأوا من كلّ مخ بأ‬
‫وكان ي ـملـيخا ب ـالـمدينة يشتري ل صحابه طعام هم وشراب هم بب عض نفقت هم‪ ,‬فر جع إل ـى‬
‫أصـحابه وهـو يبكـي ومعـه طعام قلــيـل‪ ,‬فأخـبرهم أن الــجبـار دقــينوس قـد دخــل‬
‫الـمدينة‪ ,‬وأنهم قد ذُكروا وافتقدوا والتـمسوا مع عظماء أهل الـمدينة لـيذبحوا للطواغيت‬
‫فلــما أخـبرهم بذلك‪ ,‬فزعوا فزعـا شديدا‪ ,‬ووقعوا سـجودا علــى وجوههـم يدعون ال‪,‬‬
‫ويتضرّعون إلــيه‪ ,‬ويتعوّذون بـه مـن الفتنـة ثـم إن يــملـيخا قال لهـم‪ :‬يـا إخوتاه‪ ,‬ارفعوا‬
‫رؤو سكم‪ ,‬ف ـاطعَموا من هذا الطعام الذي جئت كم به‪ ,‬وتوكلوا عل ـى رب كم فرفعوا رؤو سهم‪,‬‬
‫وأعين هم تف ـيض من الد مع حذرا وت ـخوّفـا عل ـى أنف سهم‪ ,‬فطعموا م نه‪ ,‬وذلك مع غروب‬
‫الشمس‪ ,‬ثم جلسوا يتـحدثون ويتدارسون‪ ,‬ويذكر بعضهم بعضا علـى حزن منهم‪ ,‬مشفقـين‬
‫مـما أتاهم به صاحبهم من الـخبر‪.‬‬
‫فبـيناهم علـى ذلك‪ ,‬إذ ضرب ال علـى آذانهم فـي الكهف سنـين عددا‪ ,‬وكلبهم بـاسط‬
‫ذراعيه ببـاب الكهف‪ ,‬فأصابهم ما أصابهم وهم مؤمنون مُوقنون‪ ,‬مصدّقون بـالوعد‪ ,‬ونفقتهم‬
‫موضو عة عند هم فل ـما كان ال غد فقد هم دق ـينوس‪ ,‬ف ـالتـمسهم فل ـم يجد هم‪ ,‬فقال لعظماء‬
‫أهـل الــمدينة‪ :‬لقـد سـاءنـي شأن هؤلء الفتــية الذيـن ذهبوا‪ .‬لقـد كانوا يظنون أن بــي‬
‫غضب ـا عل ـيهم ف ـيـما صنعوا ف ـي أوّل شأن هم‪ ,‬ل ـجهلهم ما جهلوا من أمري‪ ,‬ما ك نت‬
‫لج هل عل ـيهم ف ـي نف سي‪ ,‬ول أؤا خذ أحدا من هم بش يء إن هم تابوا وعبدوا آلهت ـي‪ ,‬ولو‬
‫فعلوا لتركتهم‪ ,‬وما عاقبتهم بشيء سلف منهم‪ .‬فقال له عظماء أهل الـمدينة‪ :‬ما أنت بحقـيق‬
‫أن تر حم قو ما فجرة مرَدة عُ صاة‪ ,‬مق ـيـمين عل ـى ظل ـمهم ومع صيتهم‪ ,‬و قد كن تَ أجّلت هم‬
‫أجلً‪ ,‬وأخّرت هم عن العقو بة الت ـي أ صبت ب ها غير هم‪ ,‬ولو شاؤوا لرجعوا ف ـي ذلك ال جل‪,‬‬
‫ولكن هم ل ـم يتوبوا ول ـم ينزعوا ول ـم يندموا عل ـى ما فعلوا‪ ,‬وكانوا م نذ انطل قت يبذّرون‬
‫أموالهم بـالـمدينة فلـما علـموا بقدومك فرّوا فلـم يُروا بعد‪ .‬فإن أحببت أن ُت ْؤتَـى بهم‪,‬‬
‫فأرسل إلـى آبـائهم فـامتـحنهم‪ ,‬واشدُد علـيهم يدُلوك علـيهم‪ ,‬فإنهم مختبئون منك‪.‬‬
‫فل ـما قالوا ذلك لدق ـينوس ال ـجبـار‪ ,‬غ ضب غضب ـا شديدا‪ ,‬ثم أر سل إل ـى آب ـائهم‪,‬‬
‫فأت ـى ب هم ف سألهم عن هم وقال‪ :‬أخبرون ـي عن أبنائ كم ال ـمردة الذ ين ع صوا أمري‪ ,‬وتركوا‬
‫آلهت ـي ائتون ـي ب هم‪ ,‬وأنبئون ـي ب ـمكانهم فقال له آب ـاؤهم‪ :‬أ ما ن ـحن فل ـم ن عص أمرك‬
‫ول ـم ن ـخالفك‪ .‬قد عبد نا آله تك وذبح نا ل هم‪ ,‬فل ـم تقتل نا ف ـي قوم َمرَدة‪ ,‬قد ذهبوا بأموال نا‬
‫فبذّروها وأهلكوها فـي أسواق الـمدينة‪ ,‬ثم انطلقوا‪ ,‬فـارتقوا فـي جبل يدعى بنـجلوس‪,‬‬
‫وبــينه وبــين الــمدينة أرض بعيدة هَربــا منـك؟ فلــما قالوا ذلك خــلّـى سـبـيـلهم‪,‬‬
‫ل ف ـي نف سه أن يأ مر ب ـالكهف‬
‫وج عل يأت ـمر ماذا ي صنع ب ـالفِتـية‪ ,‬فألق ـى ال عزّ وج ّ‬
‫فـيُسدّ علـيهم كرامة من ال‪ ,‬أراد أن يكرمهم‪ ,‬ويكرم أجساد الفتـية‪ ,‬فل يجول‪ ,‬ول يطوف‬
‫بها شيء‪ ,‬وأراد أن يحيـيهم‪ ,‬ويجعلهم آية لمة تُستـخـلف من بعدهم‪ ,‬وأن يبـين لهم أن‬
‫ال ساعة آت ـية ل ر يب ف ـيها‪ ,‬وأن ال يب عث من ف ـي القبور‪ .‬فأ مر دق ـينوس ب ـالكهف أن‬
‫ي سدّ عل ـيهم‪ ,‬وقال‪ :‬دعوا هؤلء الفت ـية ال ـ َمرَدة الذ ين تركوا آلهت ـي فل ـيـموتوا ك ما هم‬
‫فـي الكهف عطشا وجوعا‪ ,‬ولـيكن كهفهم الذي اختاروا لنفسهم قبرا لهم ففعل بهم ذلك عدوّ‬
‫ال‪ ,‬و هو يظ نّ أن هم أيقاظ يعل ـمون ما ي صنع ب هم‪ ,‬و قد تَوّف ـى ال أرواح هم وف ـاة النوم‪,‬‬
‫غشّاه ال ما غشاهم‪ ,‬يُقلّبون ذات الـيـمين وذات‬
‫وكلبهم بـاسط ذراعيه بب ـاب الك هف‪ ,‬قد َ‬
‫الشمال‪.‬‬
‫ثم إن رجل ـين مؤمن ـين كا نا ف ـي ب ـيت ال ـملك دق ـينوس يكت ـمان إي ـمانهما‪ :‬ا سم‬
‫أحده ما ب ـيدروس‪ ,‬وا سم الَ خر‪ :‬روناس‪ ,‬فأت ـمرا أن يكتب ـا شأن الفت ـية أ صحاب الك هف‪,‬‬
‫أن سابهم وأ سماءهم وأ سماء آب ـائهم‪ ,‬وق صة خبرهم ف ـي لوح ين من رَ صاص‪ ,‬ثم ي صنعا له‬
‫تابوتا من نـحاس‪ ,‬ثم يجعل اللوحين فـيه‪ ,‬ثم يكتبـا علـيه فـي فم الكهف بـين ظهرانـي‬
‫ل ال أن ُيظْهر علـى هؤلء الفتـية‬
‫البنـيان‪ ,‬ويختـما علـى التابوت بخاتـمهما‪ ,‬وقال‪ :‬لع ّ‬
‫قو ما مؤمن ـين قبل يوم الق ـيامة‪ ,‬فـيعلـم من فت ـح علـيهم ح ين يقرأ هذا الكتاب خبرهم‪,‬‬
‫ففعل ثم بنـيا علـيه فـي البنـيان‪ ,‬فبقـي دقـينوس وقرنه الذين كانوا منهم ما شاء ال أن‬
‫يبقوا‪ ,‬ثم هلك دق ـينوس والقرن الذي كانوا معه‪ ,‬وقرون بعده كثـيرة‪ ,‬وخـلفت الـخـلوف‬
‫بعد الـخـلوف‪.‬‬
‫‪17280‬ـ حدثنا القاسم‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا الـحسين‪ ,‬قال‪ :‬ثنـي حجاج‪ ,‬عن ابن جريج‪ ,‬عن عبد ال‬
‫بـن كثــير‪ ,‬عـن مــجاهد‪ ,‬قال‪ :‬كان أصـحاب الكهـف أبناء عظماء مدينتهـم‪ ,‬وأهـل شرفهـم‪,‬‬
‫فخرجوا ف ـاجتـمعوا وراء ال ـمدينة عل ـى غ ير ميعاد‪ ,‬فقال ر جل من هم هو أ سنهم‪ :‬إن ـي‬
‫لجـد فــي نفسـي شيئا مـا أظنّـ أن أحدا يجده‪ ,‬قالوا‪ :‬ماذا تــجد؟ قال‪ :‬أجـد فــي نفسـي أن‬
‫سمَوَاتِ‬
‫ب ال ّ‬
‫ربـي ربّ السموات والرض‪ ,‬وقالوا‪ :‬نـحن نـجد‪ .‬فقاموا جميعا‪ ,‬فقالوا‪َ :‬ربّنا رَ ّ‬
‫شطَطا‪ ,‬فـاجتـمعوا أن يدخـلوا الكهف‪ ,‬وعلـى‬
‫والرْضِ لَنْ َندْعُو مِنْ دُونِ ِه إلَها لَ َقدْ قُلْنا إذًا َ‬
‫مدينتهم إذ ذاك جبـار يقال له دقـينوس‪ ,‬فلبثوا فـي الكهف ثلث مئة سنـين وازدادوا تسعا‬
‫رقدا‪.‬‬
‫‪ 17281‬ـ حدثنا ابن حميد‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا سلـمة‪ ,‬عن عبد العزيز بن أبـي روّاد‪ ,‬عن عبد ال‬
‫بن عبـيد بن عمير‪ ,‬قال‪ :‬كان أصحاب الكهف فتـيانا ملوكا ُمطَوّقـين مُسَوّرين ذوي ذوائب‪,‬‬
‫وكان معهم كلب صيدهم‪ ,‬فخرجوا فـي عيد لهم عظيـم فـي ز يّ وموكب‪ ,‬وأخرجوا معهم‬
‫آلهتــم التــي يعبدون‪ .‬وقذف ال فــي قلوب الفتــية اليــمان فآمنوا‪ ,‬وأخفــى كلّ واحـد‬
‫من هم الي ـمان عن صاحبه‪ ,‬فقالوا ف ـي أنف سهم من غ ير أن يظ هر إي ـمان بعض هم لب عض‪:‬‬
‫نــخرج مـن بــين أظهـر هؤلء القوم ل يصـيبنا عقاب بجرمهـم‪ .‬فخرج شاب منهـم حتــى‬
‫ل شجرة‪ ,‬فجلس فـيه‪ ,‬ثم خرج آخر فرآه جالسا وحده‪ ,‬فرجا أن يكون علـى‬
‫انتهى إلـى ظ ّ‬
‫مثل أمره من غير أن يظهر منه‪ ,‬فجاء حتـى جلس إلـيه‪ ,‬ثم خرج الَخرون‪ ,‬فجاؤوا حتـى‬
‫جلسوا إلـيهما‪ ,‬فـاجتـمعوا‪ ,‬فقال بعضهم‪ :‬ما جمعَكم؟ وقال آخر‪ :‬بل ما جمعكم؟ وكلّ يكتـم‬
‫إيـمانه من صاحبه مخافة علـى نفسه‪ ,‬ثم قالوا‪ :‬لـيخرج منكم َفتَـيان‪ ,‬فـيخْـلُوَا‪ ,‬فـيتواثقا‬
‫أن ل يفشيَ واحد منهما علـى صاحبه‪ ,‬ثم يفشي كلّ واحد منهما لصاحبه أمره‪ ,‬فإنا نرجو أن‬
‫نكون عل ـى أ مر وا حد‪ .‬فخرج َفتَ ـيان من هم فتواث قا‪ ,‬ثم تكل ـما‪ ,‬فذ كر كلّ وا حد منه ما أمره‬
‫لصاحبه‪ ,‬فأقبل مستبشَرين إلـى أصحابهما قد اتفقا علـى أمر واحد‪ ,‬فإذا هم جميعا علـى‬
‫اليـمان‪ ,‬وإذا كهف فـي الـجبل قريب منهم‪ ,‬فقال بعضهم لبعض‪ :‬ائتوا إلـى الكهف َي ْنشُرْ‬
‫ن أ ْمرِكُمْ ِم ْرفَقا فدخـلوا الكهف ومعهم كلب صيدهم فناموا‪,‬‬
‫ح َمتِهِ و ُي َهيّى ْء َلكُمْ مِ ْ‬
‫َلكُمْ َر ّبكُمْ ِمنْ َر ْ‬
‫فجعله ال عل ـيهم رقدة واحدة‪ ,‬فناموا ثلث مئة سنـين وازدادوا ت سعا‪ .‬قال‪ :‬وفقد هم قومُ هم‬
‫فطلبو هم وبعثوا البرد‪ ,‬فع مى ال عل ـيهم آثار هم وكهف هم‪ .‬فل ـما ل ـم يقدروا عل ـيهم كتبوا‬
‫أسماءهم وأنسابهم فـي لوح‪ :‬فلن ابن فلن‪ ,‬وفلن ابن فلن أبناء ملوكنا‪ ,‬فَقَدناهم فـي عيد‬
‫كذا وكذا فـي شهر كذا وكذا فـي سنة كذا وكذا‪ ,‬فـي مـملكة فلن ابن فلن ورفعوا اللوح‬
‫فـي الـخزانة‪ .‬فمات ذلك الـملك وغلب علـيهم ملك مسلـم مع الـمسلـمين‪ ,‬وجاء قرن‬
‫بعد قرن‪ ,‬فلبثوا فـي كهفهم ثلث مئة سنـين وازدادوا تسعا‪.‬‬
‫وقال آخرون‪ :‬بل كان م صيرهم إل ـى الك هف هرب ـا من طلب سلطان كان طلب هم ب سبب‬
‫دَعوى جناية ادّعى علـى صاحب لهم أنه جناها‪ .‬ذكر من قال ذلك‪:‬‬
‫‪17282‬ــ حدثنـا الــحسن بـن يحيـى‪ ,‬قال‪ :‬أخبرنـا عبـد الرزاق‪ ,‬قال‪ :‬أخبرنـا معمـر‪ ,‬قال‪:‬‬
‫أخبرن ـي إ سماعيـل بن شروس‪ ,‬أ نه سمع و هب بن من به يقول‪ :‬جاء حوار يّ عي سى ا بن‬
‫مريــم إلــى مدينـة أصـحاب الكهـف‪ ,‬فأراد أن يدخــلها‪ ,‬فقــيـل له‪ :‬إن علــى بــابها‬
‫حمّاما‪ ,‬فكان فـيه قريبـا من‬
‫ل سجد له‪ .‬فكره أن يدخـلها‪ ,‬فأتـى َ‬
‫صنـما ل يدخـلها أحد إ ّ‬
‫تلك ال ـمدينة‪ ,‬فكان يع مل ف ـيه يؤا جر نف سه من صاحب ال ـحمام‪ .‬ورأى صاحب ال ـحمام‬
‫فـي حمامه البركة ودرّ علـيه الرزق‪ ,‬فجعل يعرض علـيه السلم‪ ,‬وجعل يسترسل إلـيه‪,‬‬
‫وعل قه فتـية من أ هل الـمدينة‪ ,‬وجعل يخبرهم خبر ال سماء والرض وخبر الَخرة‪ ,‬حت ـى‬
‫آمنوا به و صدّقوه‪ ,‬وكانوا عل ـى م ثل حاله ف ـي حُ سْن الهيئة‪ .‬وكان يشترط عل ـى صاحب‬
‫الـحمّام أن اللـيـل لـي ل تـحول بـينـي وبـين الصلة إذا حضرت فكان علـى ذلك‬
‫حت ـى جاء ا بن ال ـملك ب ـامرأة‪ ,‬فدخ ـل ب ها ال ـحمام‪ ,‬فعيّره ال ـحواريّ‪ ,‬فقال‪ :‬أ نت ا بن‬
‫الـملك‪ ,‬وتدخـل معك هذه النكداء؟ فـاستـحيا‪ ,‬فذهب فرجع مرّة أخرى‪ ,‬فقال له مثل ذلك‪,‬‬
‫فسـبه وانتهره ولــم يــلتفت حتــى دخــل ودخــلت معـه الــمرأة‪ ,‬فماتـا فــي الــحمام‬
‫جميعا‪ .‬فأتـى الـملك‪ ,‬فقـيـل له‪ :‬قتل صاحب الـحمام ابنك فـالتُـمس‪ ,‬فلـم يقدر علـيه‬
‫هرَب ـا‪ ,‬قال‪ :‬من كان ي صحبه؟ ف سموا الفت ـية‪ ,‬ف ـالتُـمسوا‪ ,‬فخرجوا من ال ـمدينة‪ ,‬فمرّوا‬
‫بصاحب لهم فـي زرع له‪ ,‬وهو علـى مثل أمرهم‪ ,‬فذكروا أنهم التُـمسوا‪ ,‬فـانطلق معهم‬
‫الكلب‪ ,‬حتـى أواهم اللـيـل إلـى الكهف‪ ,‬فدخـلوه‪ ,‬فقالوا‪ :‬نبـيت ههنا اللـيـلة‪ ,‬ثم نصبح‬
‫إن شاء ال فترون رأيكـم‪ ,‬فضرب علــى آذانهـم‪ .‬فخرج الــملك فــي أصـحابه يتبعونهـم‬
‫حتـى وجدوهم قد دخـلوا الكهف فكلـما أراد رجل أن يدخـل أُرعب‪ ,‬فلـم يطق أحد أن‬
‫يدخ ـله‪ ,‬فقال قائل‪ :‬أل ـيس لو ك نت قدرت عل ـيهم قتلت هم؟ قال‪ :‬بل ـى قال‪ :‬ف ـابن عل ـيهم‬
‫بـاب الكهف‪ ,‬ودعهم فـيه يـموتوا عطشا وجوعا‪ ,‬ففعل‪.‬‬

‫‪12‬‬ ‫‪-‬‬ ‫‪11‬‬ ‫الية ‪:‬‬


‫عدَدا * ثُ ّم َب َعثْنَاهُمْ‬
‫سنِينَ َ‬
‫القول فـي تأويـل قوله تعالـى‪َ { :‬فضَ َر ْبنَا عََلىَ آذَا ِنهِمْ فِي ا ْل َكهْفِ ِ‬
‫ى ِلمَا َل ِبثُو ْا َأمَدا }‪.‬‬
‫حصَ َ‬
‫ن َأ ْ‬
‫ح ْزبَيْ ِ‬
‫ِل َنعَْلمَ َأيّ ال ِ‬
‫ض َربْنا علـى آذَا ِنهِمْ فِـي ال َكهْفِ‪ :‬فضربنا علـى آذانهم بـالنوم‬
‫ل ثناؤه بقوله‪ :‬فَ َ‬
‫يعنـي ج ّ‬
‫فــي الكهـف‪ :‬أي ألقــينا علــيهم النوم‪ ,‬كمـا يقول القائل لَخـر‪ :‬ضربـك ال بــالفـالِـج‪,‬‬
‫عدَدا يعن ـي سنـين معدودة‪ ,‬ون صب‬
‫سنِـينَ َ‬
‫ب ـمعنى ابتله ال به‪ ,‬وأر سله عل ـيه‪ .‬وقوله‪ِ :‬‬
‫ن أحْ صَى يقول‪ :‬ثم بعثنا هؤلء‬
‫العدد بقوله َفضَ َربْنا‪ .‬وقوله‪ :‬ثُ مّ َب َعثْناهُ مْ ل َنعْلَـمَ أ يّ الـحِ ْزبَـيْ ِ‬
‫الفتـية الذين أ َووْا إلـى الكهف بعد ما ضربنا علـى آذانهم فـيه سنـين عددا من رقدتهم‪,‬‬
‫لـينظر عبـادي فـيعلـموا بـالبحث‪ ,‬أ يّ الطائفتـين اللتـين اختلفتا فـي قدر مبلغ ُمكْث‬
‫حصَى لِـمَا َل ِبثُوا أمَدا يقول‪ :‬أصوب لقدر لبثهم فـيه أمدا ويعنـي‬
‫الفتـية فـي كهفهم رقودا أ ْ‬
‫بـالمد‪ :‬الغاية‪ ,‬كما قال النابغة‪:‬‬
‫ستَوْلَـى علـى ال َمدِ‬
‫ت سابِ ُق ُهسَ ْبقَ الـجَوَادِ إذا ا ْ‬
‫ل لـ ِمثْلِكَ أ ْو مَنْ أنْ َ‬
‫إّ‬
‫وذُكـر أن الذيـن اختلفوا فــي ذلك مـن أمورهـم‪ ,‬قوم مـن قوم الفتــية‪ ,‬فقال بعضهـم‪ :‬كان‬
‫الـحزبـان جميعا كافرين‪ .‬وقال بعضهم‪ :‬بل كان أحدهما مسلـما‪ ,‬والَخر كافرا‪ .‬ذكر من‬
‫قال‪ :‬كان الـحزبـان من قوم الفتـية‪:‬‬
‫‪ 17283‬ـ حدثن ـي م ـحمد بن عمرو‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا أ بو عا صم‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا عي سى‪ ,‬عن ا بن‬
‫أبـي نـجيح‪ ,‬عن مـجاهد أيّ الـحِزْبـينِ من قوم الفتـية‪.‬‬
‫حدثن ـي ال ـحرث‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا ال ـحسن‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا ورقاء‪ ,‬عن ا بن أب ـي ن ـجيح‪ ,‬عن‬
‫مـجاهد‪ ,‬بنـحوه‪.‬‬
‫حدثن ـي القا سم‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا ال ـحسين‪ ,‬قال‪ :‬ثن ـي حجاج‪ ,‬عن ا بن جر يج‪ ,‬عن م ـجاهد‪,‬‬
‫مثله‪.‬‬
‫‪17284‬ـ حدثنا بشر‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا يزيد‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا سعيد‪ ,‬عن قتادة‪ ,‬قوله ُثمّ َب َعثْناهُ ْم ِل َنعْلَـمَ أيّ‬
‫ن أحْ صَى لِ ـما َل ِبثُوا أمَدا يقول‪ :‬ما كان لوا حد من الفريق ـين عل ـم‪ ,‬ل لكف ـارهم‬
‫ح ْزبَـيْ ِ‬
‫ال ـ ِ‬
‫ول لـمؤمنـيهم‪.‬‬
‫وأ ما قوله‪ :‬أمَدا فإن أ هل التأوي ـل اختلفوا ف ـي معناه‪ ,‬فقال بعض هم‪ :‬معناه‪ :‬بعيدا‪ .‬ذ كر من‬
‫قال ذلك‪:‬‬
‫‪ 17285‬ـ حدثن ـي عل ـيّ‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا ع بد ال‪ ,‬قال‪ :‬ثن ـي معاو ية‪ ,‬عن عل ـيّ‪ ,‬عن ا بن‬
‫عبـاس‪ ,‬قوله لِـمَا َل ِبثُوا أمَدا يقول‪ :‬بعيدا‪.‬‬
‫وقال آخرون‪ :‬معناه‪ :‬عددا‪ .‬ذكر من قال ذلك‪:‬‬
‫‪ 17286‬ـ حدثن ـي م ـحمد بن عمرو‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا أ بو عا صم‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا عي سى‪ ,‬عن ا بن‬
‫أبـي نـجيح‪ ,‬عن مـجاهد أمَدا قال‪ :‬عددا‪.‬‬
‫حدثن ـي ال ـحرث‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا ال ـحسن‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا ورقاء‪ ,‬عن ا بن أب ـي ن ـجيح‪ ,‬عن‬
‫مـجاهد‪ ,‬مثله‪.‬‬
‫حدثنا القاسم‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا الـحسين‪ ,‬قال‪ :‬ثنـي حجاج‪ ,‬عن ابن جريج‪ ,‬عن مـجاهد‪ ,‬مثله‪.‬‬
‫وفـي نصب قوله أمَدا وجهان‪ :‬أحدهما أن يكون منصوبـا علـى التفسير من قوله أحْ صَى‬
‫كأنه قـيـل‪ :‬أيّ الـحزبـين أصوب عددا لقدر لبثهم‪.‬‬
‫وهذا هو أولـى الوجهين فـي ذلك بـالصواب‪ ,‬لن تفسير أهل التفسير بذلك جاء‪.‬‬
‫والَ خر‪ :‬أن يكون من صوبـا بوقوع قوله َل ِبثُوا عل ـيه‪ ,‬كأ نه قال‪ :‬أ يّ ال ـحزبـين أح صى‬
‫للبثهم غاية‪.‬‬

‫‪14‬‬ ‫‪-‬‬ ‫‪13‬‬ ‫الية ‪:‬‬


‫القول فــي تأويــل قوله تعالــى { َنحْنُـ نَقُصّـ عََليْكَـ ن َبأَهُم بِا ْلحَقّـ ِإ ّنهُم ْـ ِف ْتيَةٌ آ َمنُواْ ِب َر ّبهِم ْـ‬
‫عوَاْ‬
‫سمَاوَاتِ وَالرْ ضِ لَن ّندْ ُ‬
‫َو ِز ْدنَاهُ مْ ُهدًى * َو َر َبطْنَا عََلىَ قُلُو ِبهِ مْ ِإذْ قَامُواْ فَقَالُواْ َربّنَا رَ بّ ال ّ‬
‫شطَطا }‪.‬‬
‫مِن دُونِ ِه إِلـها لّ َقدْ قُ ْلنَا إِذا َ‬
‫يقول تعالـى ذكره لنبـيه مـحمد صلى ال عليه وسلم‪ :‬نـحن يا مـحمد نق صّ علـيك‬
‫خبر هؤلء الفتـية الذين أ َووْا إلـى الكهف بـالـحقّ‪ ,‬يعنـي‪ :‬بـالصدق والـيقـين الذي‬
‫ل ش كّ ف ـيه إ ّنهُ مْ ِفتْ ـيَةٌ آ َمنُوا ِب َر ّبهِ مْ يقول‪ :‬إن الفت ـية الذ ين أ َووْا إل ـى الك هف الذ ين سألك‬
‫عن نبئهم الـمل من مشركي قومك‪ ,‬فتـية آمنوا بربهم‪َ ,‬وزِدْناهُ مْ ُهدًى يقول‪ :‬وزدناهم إلـى‬
‫إيـمانهم بربهم إيـمانا‪ ,‬وبصيرة بدينهم‪ ,‬حتـى صبروا علـى هجران دار قومهم‪ ,‬والهرب‬
‫من ب ـين أظهر هم بدين هم إل ـى ال‪ ,‬وفراق ما كانوا ف ـيه من خ فض الع يش ول ـينه‪ ,‬إل ـى‬
‫خشونة الـمكث فـي كهف الـجبل‪.‬‬
‫ِهمـ يقول ع ّز ذكره‪ :‬وألهمناهـم الصـبر‪ ,‬وشددنـا قلوبهـم بنور‬
‫وقوله‪َ :‬و َر َبطْنـا علــى قُلُوب ْ‬
‫اليـمان حتـى عزفت أنفسهم عما كانوا علـيه من خفض العيش‪ ,‬كما‪:‬‬
‫‪ 17287‬ـ حدث نا ب شر‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا يز يد‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا سعيد عن قتادة َو َر َبطْ نا عل ـى قُلُوبِه مْ‬
‫يقول‪ :‬بـاليـمان‪.‬‬
‫ت والرْ ضِ يقول‪ :‬حين قاموا بـين يدي الـجبـار‬
‫سمَوَا ِ‬
‫وقوله‪ :‬إذْ قامُوا فقالُوا َربّنا رَ بّ ال ّ‬
‫ت والرْضِ يقول‪:‬‬
‫سمَوَا ِ‬
‫دقـينوس‪ ,‬فقالوا له إذ عاتبهم علـى تركهم عبـادة آلهته‪ :‬ربّنا رَبّ ال ّ‬
‫قالوا ربنا ملك السموات والرض وما فـيهما من شيء‪ ,‬وآلهتك مربوبة‪ ,‬وغير جائز لنا أن‬
‫ن دُونِه إلَ ها يقول‪ :‬لن ند عو من دون ر بّ‬
‫عوَ م ْ‬
‫نترك عب ـادة الر بّ ونع بد ال ـمربوب لَ نْ َندْ ُ‬
‫السموات والرض إلها‪ ,‬لنه ل إله غيره‪ ,‬وإن كلّ ما دونه فهو خـلقه لَ َقدْ قُلْنا إذا شَططا يقول‬
‫جلّ ثناؤه‪ :‬لئن دعونا إل ها غ ير إله ال سموات والرض‪ ,‬ل قد قل نا إذن بدعائ نا غيره إلها‪ ,‬شط طا‬
‫من القول‪ :‬يعنـي غالـيا من الكذب‪ ,‬مـجاوزا مقداره فـي البطول والغلوّ‪ :‬كما قال الشاعر‪:‬‬
‫عمْنَ أنْ أ ْودَى ِبحَقّـيَ بـاطلـي‬
‫عوَاذِلـيويزْ ُ‬
‫أل يا لَ َقوْمي َقدْ أشْطَتْ َ‬
‫يقال منه‪ :‬قد أشط فلن فـي السوم إذا جاوز القدر وارتفع‪ ,‬يش طّ إشطاطا وشططا‪ .‬فأما من‬
‫ط شطوطا ومن الطول‪ :‬شطت الـجارية تش طّ شطاطا‬
‫ط منزل فلن يش ّ‬
‫البعد فإنـما يقال‪ :‬ش ّ‬
‫شطَطا قال أهل التأويـل‪ .‬ذكر من‬
‫وشطاطة‪ :‬إذا طالت‪ .‬وبنـحو الذي قلنا فـي تأويـل قوله َ‬
‫قال ذلك‪:‬‬
‫شطَ طا‬
‫‪ 17288‬ـ حدثنا بشر‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا يز يد‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا سعيد‪ ,‬عن قتادة‪ ,‬قوله لَ َقدْ قُلْنا إذا َ‬
‫يقول كذبـا‪.‬‬
‫شطَطا‬
‫‪17289‬ـ حدثنا يونس‪ ,‬قال‪ :‬أخبرنا ابن وهب‪ ,‬قال‪ :‬قال ابن زيد‪ ,‬فـي قوله لَ َق ْد قُلْنا إذا َ‬
‫قال‪ :‬لقد قلنا إذن خطأ‪ ,‬قال‪ :‬الشطط‪ :‬الـخطأ من القول‪.‬‬

‫‪15‬‬ ‫الية ‪:‬‬


‫ل َي ْأتُو نَ عََليْهِم‬
‫خذْو ْا مِن دُو ِن ِه آِلهَ ًة لّ ْو َ‬
‫القول ف ـي تأوي ـل قوله تعال ـى‪{ :‬هَ ـؤُل ِء قَ ْومُنَا ا ّت َ‬
‫ن َأظْلَمُ ِم ّمنِ ا ْف َترَىَ عَلَى اللّ ِه َكذِبا }‪.‬‬
‫ن َبيّنٍ َفمَ ْ‬
‫ِبسُلْطَا ٍ‬
‫يقول عزّ ذكره مخبرا عن قـيـل الفتـية من أصحاب الكهف‪ :‬هؤلء قومنا اتـخذوا من‬
‫دون ال آل هة يعبدون ها من دو نه َلوْل َي ْأتُو نَ عَلَ ـيْهمْ ب سُلْطانٍ بَ ـيّنٍ يقول‪ :‬هل يأتون عل ـى‬
‫عبـادتهم إياها بحجة بـينة‪ .‬وفـي الكلم مـحذوف اجتزىء بـما ظهر عما حذف‪ ,‬وذلك‬
‫ن ف ـالهاء وال ـميـم ف ـي عل ـيهم من ذ كر‬
‫ف ـي قوله‪ :‬لَوْل َي ْأتُو نَ عَلَ ـيْهمْ ب سُلْطانٍ بَ ـيّ ٍ‬
‫الَلِهة‪ ,‬والَلهة ل يؤتـى علـيها بسلطان‪ ,‬ول يُسأل السلطان علـيها‪ ,‬وإنـما يسأل عابدوها‬
‫السلطان علـى عبـادتهموها‪ ,‬فمعلوم إذ كان المر كذلك‪ ,‬أن معنى الكلم‪ :‬لول يأتون علـى‬
‫عب ـادتهموها‪ ,‬وات ـخاذهموها آل هة من دون ال بسلطان ب ـين‪ .‬وبن ـحو ما قل نا ف ـي مع نى‬
‫السلطان‪ ,‬قال أهل التأويـل‪ .‬ذكر من قال ذلك‪:‬‬
‫‪ 17290‬ـ حدثنا بشر‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا يزيد‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا سعيد‪ ,‬عن قتادة‪ ,‬قوله َلوْل َي ْأتُو نَ عَلَـيْهمْ‬
‫ن يقول‪ :‬بعذر بـين‪.‬‬
‫ن بَـيّ ٍ‬
‫بسُلْطا ٍ‬
‫ّهـ َكذِبــا ومـن أشدّ اعتداء‬
‫ن ا ْفتَرَى علــى الل ِ‬
‫َنـ أظْلَــُم مِــمّ ْ‬
‫وعنـى بقوله عزّ ذكره‪َ :‬فم ْ‬
‫وإشرا كا ب ـال‪ ,‬م ـمن اختلق‪ ,‬فت ـخرّص عل ـى ال كذب ـا‪ ,‬وأشرك مع ال ف ـي سلطانه‬
‫شريكا يعبده دونه‪ ,‬ويتـخده إلها‪.‬‬
‫‪16‬‬ ‫الية ‪:‬‬
‫ن َإلّ الّل َه فَأْوُوا إِلَى ا ْل َكهْ فِ‬
‫ع َتزَلْ ُتمُوهُ مْ وَمَا َي ْع ُبدُو َ‬
‫القول ف ـي تأوي ـل قوله تعال ـى {وَِإذِ ا ْ‬
‫َي ْنشُرْ َل ُكمْ َر ّبكُم مّن ّرحْ َمتِهِ َو ُي َهيّىءْ َل ُكمْ ّمنْ َأ ْم ِر ُكمْ ّمرْفَقا }‪.‬‬
‫يقول تعالـى ذكره مخبرا عن قـيـل بعض الفتـية لبعض‪ :‬وإذا اعتزلتـم أيها الفت ـية‬
‫ن إلّ الّل َه يقول‪ :‬وإذا اعتزلتـم قومكم الذين‬
‫قومكم الذين اتـخذوا من دون ال آلهة وَما َي ْعبُدُو َ‬
‫يعبدون مـن الَلهـة سـوى ال‪ ,‬ف «مـا» إذ كان ذلك معناه فــي موضـع نصـب عطفــا لهـا‬
‫ع َتزَ ْلتُ ـمُو ُهمْ‪ .‬وبن ـحو الذي قل نا ف ـي ذلك‪,‬‬
‫عل ـى الهاء‪ ,‬وال ـميـم الت ـي ف ـي قوله وإذِ ا ْ‬
‫قال أهل التأويـل‪ .‬ذكر من قال ذلك‪:‬‬
‫ع َتزَ ْلتُ ـمُو ُهمْ‬
‫‪ 17291‬ـ حدثنا ب شر‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا يز يد‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا سعيد‪ ,‬عن قتادة‪ ,‬قوله وَإذَ ا ْ‬
‫ل اللّ َه وهي فـي مصحف عبد ال‪« :‬وَما َي ْعبُدُونَ ِمنْ دُونِ الّلهِ» هذا تفسيرها‪.‬‬
‫وَما َي ْع ُبدُونَ إ ّ‬
‫وأ ما قوله‪ :‬فَأْوُوا إل ـى ال َكهْ فِ فإ نه يعن ـي به‪ :‬ف صيروا إل ـى غار ال ـجبل الذي ي سمّى‬
‫حمَتِهِـ يقول‪ :‬يبسـط لكـم ربكـم مـن رحمتـه بتــيسيره لكـم‬
‫شرْ َلكُم ْـ رَ ّبكُم ْـ مِن ْـ َر ْ‬
‫بنــجلوس‪َ ,‬ي ْن ُ‬
‫ال ـمخرج من ال مر الذي قد ُرمِيت ـم به من الكا فر دق ـينوس وطل به إيا كم لعرض كم عل ـى‬
‫الفتنة‪.‬‬
‫وقوله‪َ :‬فأْوُوا إلــى ال َكهْفِـ جواب لذ‪ ,‬كأن معنـى الكلم‪ :‬وإذ اعتزلتــم أيهـا القوم قومكـم‪,‬‬
‫فأْوُوا إلـى الكهف كما يقال‪ :‬إذ أذنبت فـاستغفر ال وتب إلـيه‪.‬‬
‫وقوله‪ :‬و ُي َهيّىءْ َلكُ مْ مِ نْ أ ْم ِركُ مْ ِم ْرفَ قا يقول‪ :‬وي ـيسر ل كم من أمر كم الذي أنت ـم ف ـيه من‬
‫الغ مّ والكرب خوفـا منكم علـى أنفسكم ودينكم مرفقا‪ ,‬ويعنـي بـالـمرفق‪ :‬ما ترتفقون به‬
‫من شيءْ‪ .‬وف ـي ال ـمرفق من ال ـيد وغ ير ال ـيد لغتان‪ :‬ك سر ال ـميـم وفت ـح الف ـاء‪,‬‬
‫وفتـح الـميـم وكسر الفـاء‪ .‬وكان الكسائي يُنكر فـي ِمرْفَق النسان الذي فـي الـيد إل‬
‫فتـح الفـاء وكسر الـميـم‪ .‬وكان الفرّاء يحكي فـيهما‪ ,‬أعنـي فـي مرفق المر والـيد‬
‫اللغتـين كلتـيهما‪ ,‬وكان ينشد فـي ذلك قول الشاعر‪:‬‬
‫ن ِمرْفَقِـي )‬
‫ت أُجافِـي ِمرْفَقا عَ ْ‬
‫(ب ّ‬
‫ويقول‪ :‬كسر الـميـم فـيه أجود‪.‬‬
‫ن أ ْمرِكُمْ ِمرْفَقا شيئا ترتفقون به مثل‬
‫وكان بعض نـحويّـي أهل البصرة يقول فـي قوله‪ِ :‬م ْ‬
‫ال ـمقطع‪ ,‬ومرف قا جعله ا سما كال ـمسجد‪ ,‬ويكون ل غة‪ ,‬يقولون‪ :‬ر فق َيرْفُق َمرْف قا‪ ,‬وإن شئت‬
‫َمرْفقا تريد رفقا ولـم يُقْرأ‪.‬‬
‫و قد اختل فت القرّاء ف ـي قراءة ذلك‪ .‬فقرأ ته عامّة قرّاء أ هل ال ـمدينة‪« :‬و ُي َهيّى ْء َلكُ مْ مِ نْ‬
‫أ ْمرِكُ مْ َمرْفِ قا» بفت ـح ال ـميـم وك سر الف ـاء‪ ,‬وقرأ ته عامّة قرّاء العراق ف ـي ال ـمصرين‬
‫ِمرْفَقا بكسر الـميـم وفتـح الفـاء‪.‬‬
‫والصواب من‬
‫ل واحدة منهما قرّاء من أهل‬
‫القول فـي ذلك أن يقال‪ :‬إنهما قراءتان بـمعنى واحد‪ ,‬قد قرأ بك ّ‬
‫القرآن‪ ,‬فبأيتهمـا قرأ القارىء فمصـيب‪ .‬غيـر أن المـر وإن كان كذلك‪ ,‬فإن الذي أختار فــي‬
‫ُمـ ِمرْفَقـا بكسـر الــميـم وفتــح الفــاء‪ ,‬لن ذلك أفصـح‬
‫ُمـ أ ْم ِرك ْ‬
‫قراءة ذلك‪ :‬و ُي َهيّىءءْ َلك ْ‬
‫ل ما ارتُفق به من شيء‪.‬‬
‫اللغتـين وأشهرهما فـي العرب‪ ,‬وكذلك ذلك فـي ك ّ‬

‫‪17‬‬ ‫الية ‪:‬‬


‫شمْ سَ ِإذَا طَلَعَت ّتزَا َورُ عَن َكهْ ِفهِ مْ ذَا تَ ا ْل َيمِي نِ‬
‫القول ف ـي تأوي ـل قوله تعال ـى { َو َترَى ال ّ‬
‫ن آيَاتِ الّل ِه مَن َي ْهدِ الّل ُه فَهُ َو ا ْل ُم ْه َتدِ‬
‫شمَالِ وَهُ ْم فِي َفجْوَ ٍة ّمنْ ُه ذَلِكَ مِ ْ‬
‫ضهُمْ ذَاتَ ال ّ‬
‫غ َربَت تّ ْقرِ ُ‬
‫وَِإذَا َ‬
‫َومَن ُيضْلِلْ فَلَن َتجِ َد لَهُ وَِليّا ّم ْرشِدا }‪.‬‬
‫ت ال ـيَـمِينِ‪.‬‬
‫شمْ سَ يام ـحمد إذَا طََلعَ تْ َتزَا َورُ عَ نْ َكهْ ِفهِ مْ ذَا َ‬
‫يقول تعال ـى ذكره َو َترَى ال ّ‬
‫يعن ـي بقوله‪َ :‬تزَا َورُ‪ :‬تعدِل وت ـميـل‪ ,‬من الزّوَر‪ :‬و هو ا ْلعِوَج وال ـميـل يقال م نه‪ :‬ف ـي‬
‫هذه الرض زَوَر‪ :‬إذا كان فـيها اعوجاج‪ ,‬وفـي فلن عن فلن ازْورار‪ ,‬إذا كان فـيه عنه‬
‫إعراض ومنه قول بشر بن أبـي خازم‪:‬‬
‫ن ازْ ِورَا ُر‬
‫ن أبـانَـي ِ‬
‫حدَاةُ مِيا َه نَـخْـلٍ َوفِـيها عَ ْ‬
‫َي ُؤمّ بِها الـ ُ‬
‫يعنـي‪ :‬إعراضا وصدّا‪.‬‬
‫و قد اختل فت القرّاء ف ـي قراءة ذلك‪ ,‬فقرأ ته عا مة قرّاء ال ـمدينة وم كة والب صرة‪َ « :‬تزّا َورُ»‬
‫بتشديـد الزاي‪ ,‬بــمعنى‪ :‬تتزاور بتاءيـن‪ ,‬ثـم أدغـم إحدى التاءيـن فــي الزاي‪ ,‬كمـا قــيـل‪:‬‬
‫تظّاهرون عل ـيهم‪ .‬وقرأ ذلك عا مة قراء الكوف ـيـين‪َ :‬تزَا َورُ بت ـخفـيف التاء والزاي‪ ,‬كأ نه‬
‫ع نى به تف ـاعل من الزور‪ .‬ورُوي عن بعض هم‪َ « :‬تزْ َورّ» بت ـخفـيف التاء وت سكين الزاي‬
‫وتشديد الراء مثل تـحمّر‪ ,‬وبعضهم‪َ « :‬تزْوَارّ» مثل تـحمارّ‪.‬‬
‫والصواب من‬
‫القول فــي قراءة ذلك عندنـا أن يقال‪ :‬إنهمـا قراءتان‪ ,‬أعنــي َتزَا َورُ بتــخفـيف الزاي‪ ,‬و‬
‫َتزّا َورُ بتشديدها معروفتان‪ ,‬مستفـيضة القراءة بكلّ واحدة منهما فـي قرّاء المصار‪ ,‬متقاربتا‬
‫ال ـمعنى‪ ,‬فبأيته ما قرأ القارىء فم صيب ال صواب‪ .‬وأ ما القراءتان الخريان فإنه ما قراءتان ل‬
‫أرى القراءة بهمـا‪ ,‬وإن كان لهمـا فــي العربــية وجـه مفهوم‪ ,‬لشذوذهمـا عمـا علــيه قرأة‬
‫ن َكهْ ِفهِ ْم قال أهل التأويـل‪ .‬ذكر من‬
‫المصار‪ .‬وبنـحو الذي قلنا فـي تأويـل قوله َتزَا َورُ عَ ْ‬
‫قال ذلك‪:‬‬
‫‪ 17292‬ـ حدثنا مـحمد بن بشار‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا عبد الرحمن بن مهدي‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا مـحمد بن‬
‫شمْ سَ إذَا طَلَعَ تْ‬
‫أب ـي الوضاح‪ ,‬عن سالـم الف طس‪ ,‬عن سعيد بن جب ـير‪ ,‬قال‪َ :‬وتَرى ال ّ‬
‫ن قال‪ :‬تـميـل‪.‬‬
‫ت الـيَـمِي ِ‬
‫عنْ َكهْ ِف ِهمْ ذَا َ‬
‫َتزَا َورُ َ‬
‫‪ 17293‬ـ حدثن ـي عل ـيّ‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا ع بد ال‪ ,‬قال‪ :‬ثن ـي معاو ية‪ ,‬عن عل ـيّ‪ ,‬عن ا بن‬
‫ن يقول‪ :‬تـميـل عنهم‪.‬‬
‫ن َكهْ ِفهِ ْم ذَاتَ الـيَـمِي ِ‬
‫عبـاس َتزَا َورُ عَ ْ‬
‫حدثن ـي م ـحمد بن سعد‪ ,‬قال‪ :‬ثن ـي أب ـي‪ ,‬قال‪ :‬ثن ـي ع مي‪ ,‬قال‪ :‬ثن ـي أب ـي‪ ,‬عن‬
‫ن وإذَا‬
‫ت الـيَـمِي ِ‬
‫عنْ َكهْ ِفهِمْ ذَا َ‬
‫شمْسَ إذَا طََلعَتْ َتزَا َورُ َ‬
‫أبـيه‪ ,‬عن ابن عبـاس‪ ,‬قوله‪َ :‬و َترَى ال ّ‬
‫ضهُ ْم ذَاتَ الشّمالِ يقول‪ :‬تـميـل عن كهفهم يـمينا وشمالً‪.‬‬
‫غ َربَتْ تَ ْق ِر ُ‬
‫َ‬
‫شمْ سَ إذَا‬
‫‪ 17294‬ـ حدثنا بشر‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا يزيد‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا سعيد‪ ,‬عن قتادة‪ ,‬قوله‪َ :‬وتَرى ال ّ‬
‫َاتـ الــيَـمِينِ يقول‪ :‬تــميـل ذات الــيـمين‪ ,‬تدعهـم ذات‬
‫ِمـ ذ َ‬
‫َنـ َكهْ ِفه ْ‬
‫َتـ َتزَا َورُ ع ْ‬
‫طََلع ْ‬
‫الـيـمين‪.‬‬
‫حدث نا ال ـحسن بن يح يى‪ ,‬قال‪ :‬أخبر نا ع بد الرزّاق‪ ,‬قال‪ :‬أخبر نا مع مر‪ ,‬عن قتادة‪ ,‬ف ـي‬
‫ن قال‪ :‬تـميـل عن كهفهم ذات الـيـمين‪.‬‬
‫ن َكهْ ِف ِهمْ ذَاتَ الـيَـمِي ِ‬
‫قوله‪َ :‬تزَا َورُ عَ ْ‬
‫‪ 17295‬ـ حُدثت عن يزيد بن هارون‪ ,‬عن سفـيان بن حسين‪ ,‬عن َيعْلَـى بن مسلـم‪ ,‬عن‬
‫سعيد بن جبـير‪ ,‬عن ابن عبـاس‪ ,‬قال‪ :‬لو أن الشمس تطلع علـيهم لحرقتهم‪ ,‬ولو أنهم ل‬
‫َاتـ‬
‫ِمـ ذ َ‬
‫َنـ َكهْ ِفه ْ‬
‫َتـ َتزَا َورْ ع ْ‬
‫ْسـ إذَا طََلع ْ‬
‫شم َ‬‫يقلّبون لكلتهـم الرض‪ ,‬قال‪ :‬وذلك قوله‪َ :‬وتَرى ال ّ‬
‫ت الشّمالِ‪.‬‬
‫غ َربَتْ تَ ْق ِرضُ ُهمْ ذَا َ‬
‫الـيَـمِينِ وَإذَا َ‬
‫حدثنـي مـحمد بن سنان القزاز‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا موسى بن إسماعيـل‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا مـحمد بن‬
‫ن َكهْ ِفهِ مْ‬
‫مسلـم بن أبـي الوضاح‪ ,‬عن سالـم الفطس‪ ,‬عن سعيد بن جبـير‪ ,‬قال‪َ :‬تزَا َورُ عَ ْ‬
‫تـميـل‪.‬‬
‫ضهُ مْ ذَا تَ الشّمالِ يقول تعال ـى ذكره‪ :‬وإذا غر بت الش مس تترك هم‬
‫ت تَ ْقرِ ُ‬
‫غ َربَ ْ‬
‫وقوله‪ :‬وَإذَا َ‬
‫مـن ذات شمالهـم‪ .‬وإنــما معنـى الكلم‪ :‬وترى الشمـس إذا طلعـت تعدل عـن كهفهـم‪ ,‬فتطلع‬
‫عل ـيه من ذات ال ـيـمين‪ ,‬لئل ت صيب الفت ـية‪ ,‬لن ها لو طل عت عل ـيهم قب ـالهم لحرقت هم‬
‫وثــيابهم‪ ,‬أو أشحبتهـم‪ .‬وإذا غربـت تتركهـم بذات الشمال‪ ,‬فل تصـيبهم يقال منـه‪ :‬قرضـت‬
‫مو ضع كذا‪ :‬إذا قطع ته فجاوز ته‪ .‬وكذلك كان يقول ب عض أ هل العل ـم بكلم العرب من أ هل‬
‫الب صرة‪ .‬وأ ما الكوف ـيون فإن هم يزعمون أ نه ال ـمـحاذاة‪ ,‬وذكروا أن هم سمعوا من العرب‬
‫قرضتـه ُقبُل و ُدبُرا‪ ,‬وحذوتـه ذات الــيـمين والشمال‪ ,‬وقُبلً ودبرا‪ :‬أي كنـت بحذائه قالوا‪:‬‬
‫والقرض والــحذو بــمعنى واحـد‪ .‬وأصـل القرض‪ :‬القطـع‪ ,‬يقال منـه‪ :‬قرضـت الثوب‪ :‬إذا‬
‫قطعته ومنه قـيـل للـمقراض‪ :‬مقراض‪ ,‬لنه يقطع ومنه قرض الفأر الثوب ومنه قول ذي‬
‫ال ّرمّة‪:‬‬
‫ن أيْـمانِهنّ الفَوَارِسُ‬
‫شرِ ٍفشِمالً وعَ ْ‬
‫ن أجْوَازَ ُم ْ‬
‫ن يَ ْقرِضْ َ‬
‫ظعْ ٍ‬
‫إلـى ُ‬
‫يعنـي بقوله‪ :‬يَ ْقرِضْن‪ :‬يقطعن‪ .‬وبنـحو ما قلنا فـي ذلك‪ ,‬قال أهل التأويـل‪ .‬ذكر من قال‬
‫ذلك‪:‬‬
‫‪17296‬ـ حدثنـي علـيّ‪ ,‬قال‪ :‬ثنـي أبو صالـح‪ ,‬قال‪ :‬ثنـي معاوية‪ ,‬عن علـيّ‪ ,‬عن ابن‬
‫ت الشّمالِ يقول‪َ :‬ت َذرُهم‪.‬‬
‫غ َربَتْ تَ ْق ِرضُ ُهمْ ذَا َ‬
‫عبـاس‪ ,‬قوله‪ :‬وَإذَا َ‬
‫‪ 17297‬ـ حدثنا ابن بشار‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا عبد الرح من‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا مـحمد بن أبـي الوضاح‪,‬‬
‫ض ُه ْم تتركهم ذات الشمال‪.‬‬
‫ت تَ ْقرِ ُ‬
‫غرَبَ ْ‬
‫عن سالـم الفطس‪ ,‬عن سعيد بن جبـير‪ ,‬قال وَإذَا َ‬
‫‪ 17298‬ـ حدثنـي م ـحمد بن عمرو‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا أ بو عا صم‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا عي سى وحدثنـي‬
‫الـحرث‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا الـحسن‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا ورقاء‪ ,‬جميعا عن ابن أبـي نـجيح‪ ,‬عن مـجاهد‬
‫ضهُمْ قال‪ :‬تتركهم‪.‬‬
‫فـي قول ال عزّ وجلّ‪ :‬تَ ْق ِر ُ‬
‫حدثنا القاسم‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا الـحسين‪ ,‬قال‪ :‬ثنـي حجاج‪ ,‬عن ابن جريج‪ ,‬عن مـجاهد‪ ,‬مثله‪.‬‬
‫غ َربَ تْ تَ ْق ِرضُهُ مْ ذَا تَ‬
‫‪ 17299‬ـ حدثنا بشر‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا يزيد‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا سعيد‪ ,‬عن قتادة وَإذَا َ‬
‫الشّمالِ يقول‪ :‬تدعهم ذات الشمال‪.‬‬
‫حدث نا ال ـحسن بن يح يى‪ ,‬قال‪ :‬أخبر نا ع بد الرزاق‪ ,‬قال‪ :‬أخبر نا َمعْ مر‪ ,‬عن قتادة‪ ,‬قوله‪:‬‬
‫ض ُهمْ ذَاتَ الشّمالِ قال‪َ :‬تدَعُهم ذات الشمال‪.‬‬
‫تَ ْقرِ ُ‬
‫حدثنا ابن سنان ال َقزّاز‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا موسى بن إسماعيـل‪ ,‬قال‪ :‬أخبرنا مـحمد بن مسلـم‬
‫ض ُهمْ قال‪ :‬تتركهم‪.‬‬
‫غ َربَتْ تَ ْق ِر ُ‬
‫بن أبـي الوضّاح عن سالـم‪ ,‬عن سعيد بن جبـير وَإذَا َ‬
‫وقوله‪ :‬وَ ُه ْم فِـي َفجْوَ ٍة ِمنْهُ يقول‪ :‬والفتـية الذين أووا إلـيه فـي متسع منه ُيجْمع‪ :‬فَجَوات‪,‬‬
‫و ِفجَاء مـمدودا‪ .‬وبنـحو الذي قلنا فـي ذلك‪ ,‬قال أهل التأويـل‪ .‬ذكر من قال ذلك‪:‬‬
‫‪17300‬ـ حدثنا بشر‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا يزيد‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا سعيد‪ ,‬عن قتادة وَهُ ْم فِـي َفجْوَ ٍة ِمنْهُ يقول‪:‬‬
‫ت ال‪.‬‬
‫فـي فضاء من الكهف‪ ,‬قال ال‪ :‬ذلكَ ِمنْ آيا ِ‬
‫‪ 17301‬ـ حدثنا ابن بشار‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا عبد الرح من‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا مـحمد بن أبـي الوضّاح‪,‬‬
‫عن سالـم الفطس‪ ,‬عن سعيد بن جبـير وَ ُهمْ فِـي َفجْ َوةٍ ِم ْنهُ قال‪ :‬الـمكان الداخـل‪.‬‬
‫‪ 17302‬ـ حدثنا ابن بشار‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا عبد الرحمن‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا سفـيان‪ ,‬عن منصور‪ ,‬عن‬
‫مـجاهد وَ ُهمْ فِـي َفجْ َوةٍ ِمنْ ُه قال‪ :‬الـمكان الذاهب‪.‬‬
‫حدثنـي ابن سِنان‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا موسى بن إسماعيـل‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا مـحمد بن مسلـم أبو‬
‫سعيد بن أبـي الوضّاح‪ ,‬عن سالـم الفطس‪ ,‬عن سعيد بن جبـير فِـي َفجْوَ ٍة ِمنْهُ قال‪ :‬فـي‬
‫مكان داخـل‪.‬‬
‫ت اللّهِ يقول عزّ ذكره‪ :‬فعلنا هذا الذي فعلنا بهؤلء الفتـية الذين قصصنا‬
‫ن آيا ِ‬
‫وقوله‪ :‬ذلكَ ِم ْ‬
‫علـيكم أمرهم من تصيـيرناهم‪ ,‬إذ أردنا أن نضرب علـى آذانهم بحيث تزاور الشمس عن‬
‫غرَ بت‪ ,‬مع كون هم‬
‫مضاجع هم ذات ال ـيـمين إذا هي طل عت‪ ,‬وتقرض هم ذات الشمال إذا هي َ‬
‫ف ـي ال ـمتسع من ال ـمكان‪ ,‬بح يث لتُ ـحرْقهم الش مس فتُشحب هم‪ ,‬ول ُتبْل ـي عل ـى طول‬
‫رقدت هم ث ـيابهم‪ ,‬فتعفَن عل ـى أج سادهم‪ ,‬من ح جج ال وأدل ته عل ـى خ ـلقه‪ ,‬والدلة الت ـي‬
‫ي ستدلّ ب ها أولو اللب ـاب عل ـى عظي ـم قدر ته و سلطانه‪ ,‬وأ نه ل يُعجزه ش يء أراده‪ .‬وقوله‬
‫ن َي ْهدِ الّل ُه فَهُ َو الـمُ ْه َتدِ يقول عزّ وجلّ‪ :‬من يوفّقه ال للهتداء بآياته وحججه إلـى الـحقّ‬
‫مَ ْ‬
‫التـي جعلها أدلة علـيه‪ ,‬فهو الـمهتدي‪ .‬يقول‪ :‬فهو الذي قد أصاب سبـيـل الـحقّ َومَ نْ‬
‫ُيضْلِلْ يقول‪ :‬و من أضله ال عن آيا ته وأدل ته‪ ,‬فلــم يوف قه لل ستدلل ب ها علــى سبـيـل‬
‫ن تَـجِد َل هُ وَلِـيّا ُمرْشِدا يقول‪ :‬فلن تـجد له يا مـحمد خـلـيلً وحلـيفـا يرشده‬
‫الرشاد فَلَ ْ‬
‫خذْلن ب ـيد ال‪ ,‬يو فق من يشاء من عب ـاده‪ ,‬ويخذل من أراد‬
‫ل صابتها‪ ,‬لن التوف ـيق وال ـ ِ‬
‫يقول‪ :‬فل َيحْزنُك إدبــار من أدبر ع نك من قو مك وتكذيب هم إياك‪ ,‬فإن ـي لو شئت هديت هم‬
‫فآمنوا‪ ,‬وبـيدي الهداية والضلل‪.‬‬

‫‪18‬‬ ‫الية ‪:‬‬


‫ت ال َيمِي نِ َوذَا تَ‬
‫س ُبهُ ْم َأيْقَاظا وَهُ ْم رُقُودٌ َونُقَّل ُبهُ مْ ذَا َ‬
‫القول ف ـي تأوي ـل قوله تعال ـى‪َ { :‬و َتحْ َ‬
‫ُمـ‬
‫ْتـ ِم ْنه ْ‬
‫ُمـ ِفرَارا وََلمُِلئ َ‬
‫ْتـ ِم ْنه ْ‬
‫ِمـ لَوّْلي َ‬
‫ْتـ عََل ْيه ْ‬
‫ْهـ بِالوَصـِيدِ لَ ِو اطَّلع َ‬
‫عي ِ‬‫َاسـطٌ ِذرَا َ‬
‫ُمـ ب ِ‬
‫شمَالِ َوكَ ْل ُبه ْ‬
‫ال ّ‬
‫رُعْبا }‪.‬‬

‫يقول تعالــى ذكره لنبــيه مــحمد صـلى ال عليـه وسـلم‪ :‬وتــحسب يـا مــحمد هؤلء‬
‫الفتـية الذين قصصنا علـيك قصتهم‪ ,‬لو رأيتهم فـي حال ضربنا علـى آذانهم فـي كهفهم‬
‫الذي أووا إلـيه أيقاظا‪ .‬واليقاظ‪ :‬جمع يَقِظ ومنه قول الراجز‪:‬‬
‫غيّاظا‬
‫غيّاظٍ َل ُهمْ َ‬
‫س ْيفَ َ‬
‫جدُوا إخْوَت ُهمْ أيْقاظاو َ‬
‫وَ َو َ‬
‫وقوله‪ :‬وَ ُهمْ ُرقُودٌ يقول‪ :‬وهم نـيام‪ .‬والرقود‪ :‬جمع راقد‪ ,‬كالـجلوس‪ :‬جمع جالس‪ ,‬والقعود‪:‬‬
‫ل ثناؤه‪ :‬ونقلّب هؤلء الفتـية‬
‫جمع قاعد‪ .‬وقوله‪َ :‬ونُقَّل ُبهُمْ ذَاتَ الـيَـمِينَ َوذَاتَ الشّمالِ يقول ج ّ‬
‫فـي رقدتهم مرّة للـجنب اليـمن‪ ,‬ومرّة للـجنب اليسر‪ ,‬كما‪:‬‬
‫‪17303‬ــ حدثنـا بشـر‪ ,‬قال‪ :‬حدثنـا يزيـد‪ ,‬قال‪ :‬حدثنـا سـعيد‪ ,‬عن قتادة‪ ,‬قوله‪َ :‬ونُقَّل ُبهُم ْـ ذَاتَـ‬
‫الـيَـمِينِ َوذَات الشّمالِ وهذا التقلـيب فـي رقدتهم الولـى‪ .‬قال‪ :‬وذُكر لنا أن أبـا عياض‬
‫قال‪ :‬لهم فـي كل عام تقلـيبتان‪.‬‬
‫‪ 17304‬ـ حُدثت عن يزيد‪ ,‬قال‪ :‬أخبرنا سفـيان بن حسين‪ ,‬عن يعلـى بن مسلـم عن سعيد‬
‫بن جب ـير‪ ,‬عن ا بن عب ـاس َونُقَّل ُبهُ مْ ذَا تَ ال ـيَـمِينِ َوذَا تَ الشّمالِ قال‪ :‬لو أن هم ل يقلّبون‬
‫لكلتهم الرض‪.‬‬
‫عيْ هِ ب ـال َوصِيدِ اختلف أ هل التأوي ـل ف ـي الذي عنى ال بقوله‪:‬‬
‫وقوله‪ :‬وكَ ْل ُبهُ ْم ب ـاسِطٌ ِذرَا َ‬
‫عيْ ِه فقال بعضهم‪ :‬هو كلب من كلبهم كان معهم‪ .‬وقد ذكرنا كثـيرا مـمن‬
‫سطٌ ِذرَا َ‬
‫وكَ ْل ُب ُهمْ بـا ِ‬
‫قال ذلك فـيـما مضى‪ .‬وقال بعضهم‪ :‬كان إنسانا من الناس طبـاخا لهم َتبِعهم‪.‬‬
‫وأ ما الو صيد‪ ,‬فإن أ هل التأوي ـل اختلفوا ف ـي تأوي ـله‪ ,‬فقال بعض هم‪ :‬هو الفِناء‪ .‬ذ كر من‬
‫قال ذلك‪:‬‬
‫‪ 17305‬ـ حدثنـي علـيّ‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا أبو صالـح‪ ,‬قال‪ :‬ثنـي معاوية‪ ,‬عن علـيّ‪ ,‬عن ابن‬
‫عبـاس‪ ,‬قوله‪ :‬بـال َوصِيد يقول‪ :‬بـالفِناء‪.‬‬
‫‪ 17306‬ـ حدثنا مـحمد بن بشار‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا عبد الرحمن بن مَهد يّ‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا مـحمد بن‬
‫عيْ ِه بـال َوصِيدِ‬
‫سطٌ ِذرَا َ‬
‫أبـي الوضّاح‪ ,‬عن سالـم الفطس‪ ,‬عن سعيد بن جبـير وكَ ْل ُبهُ مْ بـا ِ‬
‫قال‪ :‬بـالفناء‪.‬‬
‫‪ 17307‬ـ حدثنـي م ـحمد بن عمرو‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا أ بو عا صم‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا عي سى وحدثنـي‬
‫الـحرث‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا الـحسن‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا ورقاء‪ ,‬جميعا عن ابن أبـي نـجيح‪ ,‬عن مـجاهد‬
‫بـال َوصِيد قال‪ :‬بـالفناء‪.‬‬
‫حدثنـا القاسـم‪ ,‬قال‪ :‬حدثنـا الــحسين‪ ,‬قال‪ :‬ثنــي حجاج‪ ,‬عـن ابـن جريـج‪ ,‬عـن مــجاهد‬
‫بـال َوصِيد قال‪ :‬بـالفناء‪ .‬قال ابن جريج‪ :‬يـمسك بـاب الكهف‪.‬‬
‫عيْ هِ‬
‫سطٌ ِذرَا َ‬
‫‪ 17308‬ـ حدث نا ب شر‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا يز يد‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا سعيد‪ ,‬عن قتادة َوكَ ْل ُبهُ مْ ب ـا ِ‬
‫بـال َوصِيدِ يقول‪ :‬بفناء الكهف‪.‬‬
‫حدث نا ال ـحسن بن يح يى‪ ,‬قال‪ :‬أخبر نا ع بد الرزاق‪ ,‬قال‪ :‬أخبر نا مع مر‪ ,‬عن قتادة‪ ,‬قوله‪:‬‬
‫بـال َوصِيدِ قال‪ :‬بفناء الكهف‪.‬‬
‫‪ 17309‬ـ حُدثت عن الـحسين‪ ,‬قال‪ :‬سمعت أبـا معاذ يقول‪ :‬حدثنا عبـيد بن سلـيـمان‪,‬‬
‫قال‪ :‬سمعت الضحاك يقول فـي قوله‪ :‬بـال َوصِيدِ قال‪ :‬يعنـي بـالفناء‪.‬‬
‫وقال آخرون‪ :‬ال َوصِيد‪ :‬الصعيد‪ .‬ذكر من قال ذلك‪:‬‬
‫‪ 17310‬ـ حدثنـي مـحمد بن سعد‪ ,‬قال‪ :‬ثنـي أبـي‪ ,‬قال‪ :‬ثنـي عمي‪ ,‬قال‪ :‬ثنـي أبـي‪,‬‬
‫ع ْي ِه بـال َوصِيدِ يعنـي فناءهم‪ ,‬ويقال‪:‬‬
‫عن أبـيه‪ ,‬عن ابن عبـاس‪ ,‬قوله‪ :‬وكَ ْل ُبهُ مْ بـاسِطٌ ِذرَا َ‬
‫الوصيد‪ :‬الصعيد‪.‬‬
‫‪17311‬ـ حدثنا ابن حميد‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا يعقوب‪ ,‬عن هارون‪ ,‬عن عنترة‪ ,‬عن سعيد بن جبـير‪,‬‬
‫عيْ ِه بـال َوصِيدِ قال‪ :‬الوصيد‪ :‬الصعيد‪.‬‬
‫سطٌ ِذرَا َ‬
‫فـي قوله‪ :‬وكَ ْل ُب ُهمْ بـا ِ‬
‫‪ 17312‬ـ حدث نا ا بن حم يد‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا ال ـحكم بن بش ير‪ ,‬عن عمرو‪ ,‬ف ـي قوله‪ :‬وكَ ْل ُبهُ مْ‬
‫عيْ ِه بـال َوصِيدِ قال‪ :‬الوصيد‪ :‬الصعيد‪ ,‬التراب‪.‬‬
‫سطٌ ِذرَا َ‬
‫بـا ِ‬
‫وقال آخرون‪ :‬الوصيد البـاب‪ .‬ذكر من قال ذلك‪:‬‬
‫‪17313‬ـ حدثنـي زكريا بن يحيى بن أبـي زائدة‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا أبو عاصم‪ ,‬عن شبـيب‪ ,‬عن‬
‫ع ْيهِ بـال َوصِيدِ قال‪ :‬بـالبـاب‪ ,‬وقالوا بـالفناء‪.‬‬
‫عكرمة‪ ,‬عن ابن عبـاس وكَ ْل ُب ُهمْ بـاسِطٌ ِذرَا َ‬
‫وأولــى القوال فــي ذلك بــالصواب‪ ,‬قول مـن قال‪ :‬الوصـيد‪ :‬البــاب‪ ,‬أو فناء البــاب‬
‫ح يث يغلق الب ـاب‪ ,‬وذلك أن الب ـاب يُو صَد‪ ,‬وإي صاده‪ :‬إطب ـاقه وإغل قه من قول ال عزّ‬
‫صدَةٌ وفـيه لغتان‪ :‬الصيد‪ ,‬وهي لغة أهل نـجد‪ ,‬والوصيد‪ :‬وهي لغة‬
‫وجلّ‪ :‬إ ّنهَا عَلَـيْ ِهمْ مُؤْ َ‬
‫أ هل تها مة‪ .‬وذُكِر عن أب ـي عمرو بن العلء‪ ,‬قال‪ :‬إن ها ل غة أ هل ال ـيـمن‪ ,‬وذلك نظ ير‬
‫قولهم‪ :‬ورّخت الكتاب وأرخته‪ ,‬ووكدت المر وأكدته فمن قال الوصيد‪ ,‬قال‪ :‬أوصدت البـاب‬
‫فأ نا أُو صِده‪ ,‬و هو مُو صَد و من قال ال صيد‪ ,‬قال‪ :‬آ صدت الب ـاب ف هو ُمؤْ صَد‪ ,‬فكان مع نى‬
‫الكلم‪ :‬وكلبهم بـاسط ذَراعيه بفناء كهفهم عند البـاب‪ ,‬يحفظ علـيهم بـابه‪.‬‬
‫وقوله‪ :‬لَ ِو اطَّلعْتَ عَلَـ ْي ِهمْ َلوَلّـيْتَ ِم ْنهُ ْم فِرَارا يقول‪ :‬لو اطلعت علـيهم فـي رقدتهم التـي‬
‫ُمـ رُعْبــا يقول‪:‬‬
‫رقدوهـا فــي كهفهـم‪ ,‬لدبرت عنهـم هاربــا منهـم فــارّا‪ ,‬وَلُــمِلئْتَ ِم ْنه ْ‬
‫ول ـملئت نف سُك من اطل عك عل ـيهم َفزَ عا‪ ,‬ل ـما كان ال ألب سهم من الهي بة‪ ,‬كي ل ي صل‬
‫إلـيهم واصل‪ ,‬ول تلـمِسهم يد لمس حتـى يبلغ الكتاب فـيهم أجله‪ ,‬وتوقظهم من رقدتهم‬
‫قدر ته و سلطانه ف ـي الو قت الذي أراد أن يجعل هم عبرة ل ـمن شاء من خ ـلقه‪ ,‬وآ ية ل ـمن‬
‫ن الساعة آتـية ل‬
‫أراد الحتـجاج بهم علـيه من عبـاده‪ ,‬لـيعلـموا أن وعد ال ح قّ‪ ,‬وأ ّ‬
‫ريب فـيها‪.‬‬
‫واختلفت القرّاء فـي قراءة قوله‪ :‬وَلُـمِلئْتَ ِم ْنهُ مْ رُعْبـا فقرأته عامة قرّاء الـمدينة بتشديد‬
‫اللم من قوله‪« :‬ولُـمّلئْتَ» بـمعنى أنه كان يـمتلـى َء مرّة بعد مرّة‪ .‬وقرأ ذلك عامة قراء‬
‫ت بـالتـخفـيف‪ ,‬بـمعنى‪ :‬لـملئت مرّة‪ ,‬وهما عندنا قراءتان مستفـيضتان‬
‫العراق‪ :‬وَلُـملِئْ َ‬
‫فـي القراءة‪ ,‬متقاربتا الـمعنى‪ ,‬فبأيتهما قرأ القارىء فمصيب‪.‬‬

‫‪ 19‬و ‪20‬‬ ‫الية ‪:‬‬


‫{ َو َكذَلِ كَ َب َع ْثنَاهُ مْ ِل َيتَ سَآءَلُوا َب ْي َنهُ مْ قَالَ قَائِلٌ ّم ْنهُ مْ كَم َل ِب ْثتُ مْ‬ ‫القول ف ـي تأويـل قوله تعال ـى‪:‬‬
‫ح َدكُ مْ بِ َو ِر ِقكُ مْ هَـذِ ِه إَِلىَ ا ْل َمدِينَةِ‬
‫قَالُواْ َل ِب ْثنَا يَوْما أَ ْو َبعْ ضَ َيوْ مٍ قَالُواْ َر ّبكُ مْ أَعْلَ مُ ِبمَا َل ِب ْثتُ مْ فَا ْب َعثُواْ َأ َ‬
‫ظ َهرُواْ‬
‫ن ِبكُ مْ َأحَدا * ِإ ّنهُ مْ إِن َي ْ‬
‫ش ِعرَ ّ‬
‫طعَاما فَ ْل َي ْأ ِتكُ مْ ِبرِزْ قٍ ّمنْ هُ وَ ْل َيتََلطّ فْ َولَ ُي ْ‬
‫ظرْ َأ ّيهَآ َأ ْز َكىَ َ‬
‫فَ ْليَ ْن ُ‬
‫جمُو ُكمْ أَ ْو ُيعِيدُو ُكمْ فِي مِّل ِت ِهمْ وَلَن تُفِْلحُوَ ْا إِذا َأبَدا }‪.‬‬
‫عََل ْي ُكمْ َي ْر ُ‬
‫يقول تعالـى ذكره‪ :‬كما أرقدنا هؤلء الفتـية فـي الكهف‪ ,‬فحفظناهم من وصول واصل‬
‫إلــيهم‪ ,‬وعيـن ناظـر أن ينظـر إلــيهم‪ ,‬وحفظنـا أجسـامهم مـن البلء علــى طول الزمان‪,‬‬
‫وثـيابهم من العفن علـى م ّر اليام بقدرتنا فكذلك بعثناهم من رقدتهم‪ ,‬وأيقظناهم من نومهم‪,‬‬
‫لنعرّفهم عظيـم سلطاننا‪ ,‬وعجيب فعلنا فـي خـلقنا‪ ,‬ولـيزدادوا بصيرة فـي أمرهم الذي‬
‫هم عل ـيه من براءت هم من عب ـادة الَل هة‪ ,‬وإخل صهم لعب ـادة ال وحده ل شر يك له‪ ,‬إذا‬
‫تبــيّنوا طول الزمان علــيهم‪ ,‬وهـم بهيئتهـم حيـن رقدوا‪ .‬وقوله‪ :‬لِــيَتَساءَلُوا بَــْي َنهُمْ يقول‪:‬‬
‫لــيسأل بعضهـم بعضـا قالَ قائلٌ ِم ْنهُم ْـ كَم ْـ َل ِب ْثتُــمْ يقول عزّ ذكره‪ :‬فتسـاءلوا فقال قائل منهـم‬
‫ل صحابه‪ :‬كَ مْ لبثْت ـمْ وذلك أن هم ا ستنكروا من أنف سهم طول رقدت هم قالُوا َل ِبثْ نا يَوْ ما أ ْو َبعْ ضَ‬
‫يَوْ مٍ يقول‪ :‬فأجابه الَخرون فقالوا‪َ :‬ل ِبثْنا يوما أو بعض يوم‪ .‬ظنا منهم أن ذلك كذلك كان‪ ,‬فقال‬
‫الَخرون‪َ :‬ر ّبكُمْ أعْلَـمُ بِـمَا َل ِب ْثتُـمْ فسلّـموا العلـم إلـى ال‪.‬‬
‫ح َدكُ مْ بِ َو ِر ِقكُ ْم َهذِ هِ إل ـى ال ـ َمدِينَةِ يعن ـي مدينت هم الت ـي خرجوا من ها‬
‫وقوله‪ :‬ف ـا ْب َعثُوا أ َ‬
‫ق ِمنْ هُ ذكر أنهم هبوا‬
‫هِرابـا‪ ,‬التـي تسمى أفسوس فَلْـ َي ْنظُرْ أيّها أ ْزكَى طَعاما فَلْـيَأ ِتكُمْ بِرزْ ٍ‬
‫من رقدت هم جيا عا‪ ,‬فلذلك طلبوا الطعام‪ .‬ذ كر من قال ذلك‪ ,‬وذ كر ال سبب الذي من أجله ذ كر‬
‫أنهم بعثوا من رقدتهم حين بعثوا منها‪:‬‬
‫‪17314‬ــ حدثنـا الــحسن بـن يحيـى‪ ,‬قال‪ :‬أخبرنـا عبـد الرزاق‪ ,‬قال‪ :‬أخبرنـا معمـر‪ ,‬قال‪:‬‬
‫أخبرنـي إسماعيـل بن بشروس‪ ,‬أنه سمع وهب بن منبه يقول‪ :‬إنهم غبروا‪ ,‬يعنـي الفتـية‬
‫من أصحاب الكهف بعد ما بنى علـيهم بـاب الكهف زمانا بعد زمان‪ ,‬ثم إن راعيا أدر كه‬
‫الـمطر عند الكهف‪ ,‬فقال‪ :‬لو فتـحت هذا الكهف وأدخـلت غنـمي من الـمطر‪ ,‬فلـم يزل‬
‫يعالـجه حتـى فتـح ما أدخـله فـيه‪ ,‬وردّ إلـيهم أرواحهم فـي أجسامهم من الغد حين‬
‫أصـبحوا‪ ,‬فبعثوا أحدهـم بورق يشتري طعامـا فلــما أتــى بــاب مدينتهـم‪ ,‬رأى شيئا يُنكره‪,‬‬
‫حتـى دخـل علـى رجل فقال‪ :‬بعنـي بهذه الدراهم طعاما‪ ,‬فقال‪ :‬ومن أين لك هذه الدراهم؟‬
‫قال‪ :‬خر جت أ نا وأ صحاب ل ـي أ مس‪ ,‬فآوا نا الل ـيـل‪ ,‬ثم أ صبحوا‪ ,‬فأر سلونـي‪ ,‬فقال‪ :‬هذه‬
‫الدراهـم كانـت علــى عهـد مُلك فلن‪ ,‬فأنــيّ لك بهـا؟ فرفعـه إلــى الــملك‪ ,‬وكان ملكـا‬
‫صالـحا‪ ,‬فقال‪ :‬من أين لك هذه الوَرق؟ قال‪ :‬خرجت أنا وأصحاب لـي أمس‪ ,‬حتـى أدركَنا‬
‫اللـيـل فـي كهف كذا وكذا‪ ,‬ثم أمرونـي أن أشتري لهم طعاما قال‪ :‬وأين أصحابك؟ قال‪:‬‬
‫ف ـي الك هف قال‪ :‬ف ـانطلقوا م عه حت ـى أتوا ب ـاب الك هف‪ ,‬فقال‪ :‬دعون ـي أدخ ـل عل ـى‬
‫أ صحابـي قبل كم فل ـما رأوه‪ ,‬ود نا من هم ضُرِب عل ـى أذ نه وآذان هم‪ ,‬فجعلوا كل ـما دخ ـل‬
‫رجـل أرعـب‪ ,‬فلــم يقدروا علــى أن يدخــلوا علــيهم‪ ,‬فبنوا عندهـم كنــيسة‪ ,‬اتــخذوها‬
‫مسجدا يصلون فـيه‪.‬‬
‫‪ 17315‬ـ حدثنا الـحسن بن يحيى‪ ,‬قال‪ :‬أخبرنا عبد الرزاق‪ ,‬قال‪ :‬أخبرنا معمر‪ ,‬عن قتادة‪,‬‬
‫عن عكرمة‪ ,‬قال‪ :‬كان أصحاب الكهف أبناء ملوك الروم‪ ,‬رزقهم ال السلم‪ ,‬فتعوّذوا بدينهم‪,‬‬
‫ضرَب ال عل ـى سمعهم‪ ,‬فلبثوا دهرا طويلً‪,‬‬
‫واعتزلوا قوم هم‪ ,‬حت ـى انتهوا إل ـى الك هف‪ ,‬ف َ‬
‫حتــى هَلكـت أمتهـم‪ ,‬وجاءت أمّة مسـلـمة‪ ,‬وكان ملكهـم مسـلـما‪ ,‬فــاختلفوا فــي الروح‬
‫وال ـجسد‪ ,‬فقال قائل‪ :‬يب عث الروح وال ـجسد جمي عا وقال قائل‪ :‬يُب عث الروح‪ ,‬فأ ما ال ـجسد‬
‫فتأكله الرض‪ ,‬فل يكون شيئا فش قّ علـى ملكهم اختلفهم‪ ,‬فـانطلق فلبس الـمُسُوح‪ ,‬وجلس‬
‫عل ـى الرّماد‪ ,‬ثم د عا ال تعال ـى فقال‪ :‬أي ر بّ‪ ,‬قد ترى اختلف هؤلء‪ ,‬ف ـابعث ل هم آ ية‬
‫تبـين لهم‪ ,‬فبعث ال أصحاب الكهف‪ ,‬فبعثوا أحدهم يشتري لهم طعاما‪ ,‬فدخـل السوق‪ ,‬فجعل‬
‫يُنكر الوجوه‪ ,‬ويعرف الطرق‪ ,‬ويرى اليـمان بـالـمدينة ظاهرا‪ ,‬فـانطلق وهو مستـخف‬
‫حت ـى أت ـى رجلً يشتري م نه طعا ما فل ـما ن ظر الر جل إل ـى ال َورِق أنكر ها‪ ,‬قال‪ :‬ح سبت‬
‫أ نه قال‪ :‬كأن ها أخف ـاف الرّبَع‪ ,‬يعن ـي ال بل ال صغار‪ ,‬فقال له الفت ـى‪ :‬أل ـيس ملك كم فل نا؟‬
‫قال‪ :‬بل ملكنا فلن فلـم يزل ذلك بـينهما حتـى رفعه إلـى الـملك‪ ,‬فسأله‪ ,‬فأخبره الفتـى‬
‫خـبر أصـحابه‪ ,‬فبعـث الــملك فــي الناس‪ ,‬فجمعهـم‪ ,‬فقال‪ :‬إنكـم قـد اختلفتــم فــي الروح‬
‫والـجسد‪ ,‬وإن ال قد بعث لكم آية‪ ,‬فهذا رجل من قوم فلن‪ ,‬يعنـي ملكهم الذي مضى‪ ,‬فقال‬
‫الفتـى‪ :‬انطلقوا بـي إلـى أصحابـي فركب الـملك‪ ,‬وركب معه الناس حتـى انتهوا إلـى‬
‫الك هف فقال الفت ـى دعون ـي أدخ ـل إل ـى أ صحابـي‪ ,‬فل ـما أب صرهم ضُرِب عل ـى أذ نه‬
‫وعل ـى آذان هم فل ـما ا ستبطؤوه دخ ـل ال ـملك‪ ,‬ودخ ـل الناس م عه‪ ,‬فإذا أج ساد ل ينكرون‬
‫منها شيئا‪ ,‬غير أنها ل أرواح فـيها‪ ,‬فقال الـملك‪ :‬هذه آية بعثها ال لكم‪ .‬قال قتادة‪ :‬وعن ابن‬
‫عبـاس‪ ,‬كان قد غزا مع حبـيب بن مسلـمة‪ ,‬فمرّوا بـالكهف‪ ,‬فإذا فـيه عظام‪ ,‬فقال رجل‪:‬‬
‫هذه عظام أصحاب الكهف‪ ,‬فقال ابن عبـاس‪ :‬لقد ذهبت عظامهم منذ أكثر من ثلث مئة سنة‪.‬‬
‫‪ 17316‬ـ حدث نا ا بن حم يد‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا سلـمة‪ ,‬عن ا بن إ سحاق ف ـيـما ذ كر من حد يث‬
‫أ صحاب الك هف‪ ,‬قال‪ :‬ثم ملك أ هل تلك البلد ر جل صالـح يقال له ت ـيذوسيس فل ـما ملك‬
‫بق ـي مل كه ثمان ـيا و ستـين سنة‪ ,‬فت ـحزّب الناس ف ـي مُل كه‪ ,‬فكانوا أحزاب ـا‪ ,‬فمن هم من‬
‫ن ال ساعة ح قّ‪ ,‬ومن هم من يكذّب‪ ,‬ف كبر ذلك علـى ال ـملك ال صالـح‬
‫يؤ من بـال‪ ,‬ويعل ـم أ ّ‬
‫تــيذوسيس‪ ,‬وبكـى إلــى ال وتضرّع إلــيه‪ ,‬وحزن حزنـا شديدا لــما رأى أهـل البــاطل‬
‫يزيدون ويظهرون عل ـى أ هل ال ـحقّ ويقولون‪ :‬ل حياة إل ال ـحياة الدن ـيا‪ ,‬وإن ـما تُب عث‬
‫النفوس‪ ,‬ول تُبعث الجساد‪ ,‬ون سُوا ما فـي الكتاب فج عل تـيذوسيس يرسل إلـى من يظ نّ‬
‫فـيه خيرا‪ ,‬وأنهم أئمة فـي الـحقّ‪ ,‬فجعلوا يكذّبون بـالساعة‪ ,‬حتـى كادوا أن يُحوّلوا الناس‬
‫عن الـحقّ ومِلة الـحَواريـين فلـما رأى ذلك الـملك الصالـح تـيذوسيس‪ ,‬دخـل بـيته‬
‫فأغلقه علـيه‪ ,‬ولبس مِ سْحا وجعل تـحته رمادا‪ ,‬ثم جلس علـيه‪ ,‬فدأب ذلك لـيـله ونهاره‬
‫زما نا يتضرّع إل ـى ال‪ ,‬ويب كي إل ـيه م ـما يرى ف ـيه الناس ثم إن الرح من الرحي ـم الذي‬
‫يكره هل كة العب ـاد‪ ,‬أراد أن َيظْهـر علــى الفت ـية أ صحاب الكهـف‪ ,‬ويب ـين للناس شأنهـم‪,‬‬
‫ويجعلهم آية لهم‪ ,‬وحجة علـيهم‪ ,‬لـيعلـموا أن الساعة آتـية ل ريب فـيها‪ ,‬وأن يستـجيب‬
‫لعبده الصـالـح تــيذوسيس‪ ,‬ويتــّم نعمتـه علــيه‪ ,‬فل ينزع منـه مُلكـه‪ ,‬ول اليــمان الذي‬
‫أعطاه‪ ,‬وأن يعبد ال ل يشرك به شيئا‪ ,‬وأن يجمع من كان تبدّد من الـمؤمنـين‪ ,‬فألقـى ال‬
‫فــي نفـس رجـل مـن أهـل ذلك البلد الذي بـه الكهـف‪ ,‬وكان الــجبل بنــجلوس الذي فــيه‬
‫الكهف لذلك الرجل‪ ,‬وكان اسم ذلك الرجل أولـياس‪ ,‬أن يهدم البنـيان الذي علـى فم الكهف‪,‬‬
‫فـيبنى به حظيرة لغنـمه‪ ,‬فـاستأجر عاملـين‪ ,‬فجعل ينزعان تلك الـحجارة‪ ,‬ويبنـيان بها‬
‫تلك الـحظيرة‪ ,‬حتـى نزعا ما علـى فم الكهف‪ ,‬حتـى فتـحا عنهم بـاب الكهف‪ ,‬وحجبهم‬
‫ال من الناس بـالرعب فـيزعمون أن أشجع من يريد أن ينظر إلـيهم غاية ما يـمكنه أن‬
‫يدخـل من بـاب الكهف‪ ,‬ثم يتقدّم حتـى يرى كلبهم دونهم إلـى بـاب الكهف نائما فلـما‬
‫نزعـا الــحجارة‪ ,‬وفتــحا علــيهم بــاب الكهـف‪ ,‬أذن ال ذو القدرة والعظمـة والسـلطان‬
‫ُسـفِرة‬
‫مــحيـي الــموتـى للفتــية أن يجلسـوا بــين ظهري الكهـف‪ ,‬فجلسـوا فرحيـن م ْ‬
‫وجوههم طيّبة أنفُسهم‪ ,‬فسلّـم بعضهم علـى بعض‪ ,‬حتـى كأنـما استـيقظوا من ساعتهم‬
‫التـي كانوا يستـيقظون لها إذا أصبحوا من لـيـلتهم التـي يبـيتون فـيها‪ .‬ثم قاموا إلـى‬
‫الصـلة فصـلّوا‪ ,‬كالذي كانوا يفعلون‪ ,‬ل يرَون‪ ,‬ول ُيرَى فــي وجوههـم‪ ,‬ول أبشارهـم‪ ,‬ول‬
‫بعشيـ أمـس‪ ,‬وهـم يرون أن ملكهـم دقــينوس‬
‫ّ‬ ‫ألوانهـم شيـء يُنكرونـه كهيئتهـم حيـن رقدوا‬
‫الـجبـار فـي طلبهم والتـماسهم‪.‬‬
‫فل ـما قضوا صلتهم ك ما كانوا يفعلون‪ ,‬قالوا ل ـيـملـيخا‪ ,‬وكان هو صاحب نفقتهم‪ ,‬الذي‬
‫كان يبتاع لهم طعامهم وشرابهم من الـمدينة‪ ,‬وجاءهم بـالـخبر أن دقـينوس يـلتـمسنهم‪,‬‬
‫ويسأل عنهم‪ :‬أنبئنا يا أخي ما الذي قال الناس فـي شأن نا عش يّ أم سى عند هذا الـجبـار؟‬
‫خيّـل إلـيهم أنهم قد ناموا كأطول ما‬
‫وهم يظنون أنهم رقدوا كبعض ما كانوا يرقدون‪ ,‬وقد ُ‬
‫كانوا ينامون فــي الل ـيـلة التــي أصـبحوا ف ـيها‪ ,‬حت ـى تسـاءلوا بــينهم‪ ,‬فقال بعضهـم‬
‫ض يَوْ ٍم قالُوا َر ّبكُ مْ أعْلَـمُ بِـما َل ِب ْثتُـمْ وكل‬
‫لبعض‪ :‬كَ مْ َل ِب ْثتُـ ْم نـياما؟ قالُوا َل ِبثْنا َيوْما أ ْو َبعْ َ‬
‫ذلك فـي أنفسهم يسير‪ .‬فقال لهم يـملـيخا‪ :‬افتُ ِقدْتـم والتـمستـم بـالـمدينة‪ ,‬وهو يريد أن‬
‫يُ ْؤتَـى بكم الـيوم‪ ,‬ف َتذْبحُون للطواغيت‪ ,‬أو يقتُلُكم‪ ,‬فما شاء ال بعد ذلك‪ .‬فقال لهم مكسلـمينا‪:‬‬
‫يـا إخوتاه اعلــموا أنكـم ملَقوْن‪ ,‬فل تكفروا بعـد إيــمانكم إذا دعاكـم عد ّو ال‪ ,‬ول تُنكروا‬
‫الــحياة التــي ل تبــيد بعـد إيــمانكم بــال‪ ,‬والــحياة مـن بعـد الــموت ثـم قالوا‬
‫ل ـيـملـيخا‪ :‬انطلق إل ـى ال ـمدينة فت سمّع ما يقال ل نا ب ها ال ـيوم‪ ,‬و ما الذي نُذ كر به ع ند‬
‫دقـينوس‪ ,‬وتلطّف‪ ,‬ول يشعَرنّ بنا أحد‪ ,‬وابتع لنا طعاما فأتنا به‪ ,‬فإنه قد آن لك‪ ,‬وزدنا علـى‬
‫الطعام الذي قد جئت نا به‪ ,‬فإ نه قد كان قل ـيلً‪ ,‬ف قد أ صبحنا جيا عا فف عل ي ـملـيخا ك ما كان‬
‫يف عل‪ ,‬ووضع ثـيابه‪ ,‬وأخذ الث ـياب الت ـي كان يتن كر ف ـيها‪ ,‬وأ خذ َورِقا من نفقت هم الت ـي‬
‫كانت معهم‪ ,‬التـي ضُربت بطابَع دقـينوس الـملك‪ ,‬فـانطلق يـملـيخا خارجا فلـما مرّ‬
‫ببـاب الكهف‪ ,‬رأى الـحجارة منزوعة عن بـاب الكهف‪ ,‬فعجب منها‪ ,‬ثم مرّ فلـم يبـال‬
‫بها‪ ,‬حتـى أتـى الـمدينة مستـخفـيا يصدّ عن الطريق تـخوّفـا أن يراه أحد من أهلها‪,‬‬
‫فـيعرفه‪ ,‬فـيذهب به إلـى دقـينوس‪ ,‬ول يشعر العبد الصالـح أن دقـينوس وأهل زمانه‬
‫قد هَلكوا قبل ذلك بثلث مئة وتسع سنـين‪ ,‬أو ما شاء ال من ذلك إذ كان ما بـين أن ناموا‬
‫إل ـى أن ا ستـيقظوا ثلث مئة وت سع سنـين‪ .‬فل ـما رأى ي ـملـيخا ب ـاب ال ـمدينة ر فع‬
‫ب صره‪ ,‬فرأى فوق ظ هر الب ـاب عل مة تكون ل هل الي ـمان‪ ,‬إذا كان ظاهرا ف ـيها فل ـما‬
‫رآها عجب وجعل ينظر مستـخفـيا إلـيها فنظر يـمينا وشمالً‪ ,‬فتعجب بـينه وبـين نفسه‪,‬‬
‫ثم ترك ذلك الب ـاب‪ ,‬فت ـحوّل إل ـى ب ـاب آ خر من أبواب ها‪ ,‬فن ظر فرأى من ذلك ما يح يط‬
‫بـالـمدينة كلها‪ ,‬ورأى علـى كلّ بـاب مثل ذلك فجعل يخيـل إلـيه أن الـمدينة لـيس‬
‫ب ـالـمدينة الت ـي كان يعرف‪ ,‬ورأى نا سا كث ـيرين م ـحدثـين ل ـم ي كن يرا هم ق بل ذلك‪,‬‬
‫فج عل ي ـمشي ويع جب ويخي ـل إل ـيه أ نه حيران ثم ر جع إل ـى الب ـاب الذي أت ـى م نه‪,‬‬
‫فجعـل يعجـب بــينه وبــين نفسـه ويقول‪ :‬يـا لــيت شعري‪ ,‬أمـا هذه عشيـة أمـس‪ ,‬فكان‬
‫الـمسلـمون يخفون هذه العلمة ويستـخفون بها‪ ,‬وأما الـيوم فإنها ظاهرة لعلـيّ حالـم؟‬
‫ثم يرى أنه لـيس بنائم فأخذ كساءه فجعله علـى رأسه‪ ,‬ثم دخـل الـمدينة‪ ,‬فجعل يـمشي‬
‫ب ـين ظهري سوقها‪ ,‬ف ـيسمع أنا سا كث ـيرا يحلفون ب ـاسم عي سى ا بن مري ـم‪ ,‬فزاده فر قا‪,‬‬
‫جدُر الـمدينة ويقول فـي نفسه‪ :‬وال ما‬
‫ورأى أنه حيران‪ ,‬فقام مُسندا ظهره إلـى جدار من ُ‬
‫أدري ما هذا أما عشية أ مس فلـيس عل ـى الرض إن سان يذكر عي سى ابن مري ـم إل قُ تل‬
‫ل هذه لـيست‬
‫ل إنسان يذكرأمر عيسى ل يخاف ثم قال فـي نفسه‪ :‬لع ّ‬
‫وأما الغداة فأسمعهم‪ ,‬وك ّ‬
‫بـالـمدينة التـي أعرف أسمع كلم أهلها ول أعرف أحدا منهم‪ ,‬وال ما أعلـم مدينة قرب‬
‫مدينتنا فقام كالـحيران ل يتوجه وجها ثم لقـي فتـى من أهل الـمدينة‪ ,‬فقال له‪ :‬ما اسم هذه‬
‫ل بـي مسا‪ ,‬أو بـي أمر أذهب‬
‫الـمدينة يا فتـى؟ قال‪ :‬اسمها أفسوس‪ ,‬فقال فـي نفسه‪ :‬لع ّ‬
‫عقل ـي؟ وال يح قّ ل ـي أن أ سرع ال ـخروج من ها ق بل أن أخزى ف ـيها أو ي صيبنـي شرّ‬
‫فأهلك‪ .‬هذا الذي يحدّث به يـملـيخا أصحابه حين تبـين لهم ما به‪.‬‬
‫ثم إنه أفـاق فقال‪ :‬وال لو عجلت الـخروج من الـمدينة ق بل أن يفطن بـي لكان أكيس‬
‫ل من هم‪,‬‬
‫لـي فدنا من الذين يبـيعون الطعام‪ ,‬فأخرج الورِق التـي كا نت معه‪ ,‬فأعطاها رج ً‬
‫فقال‪ :‬بعنـي بهذه الورِق يا عبد ال طعاما‪ .‬فأخذها الرجل‪ ,‬فنظر إلـى ضرب الورق ونقشها‪,‬‬
‫فعجب منها‪ ,‬ثم طرحها إلـى رجل من أصحابه‪ ,‬فنظر إلـيها‪ ,‬ثم جعلوا يتطارحونها بـينهم‬
‫من رجل إلـى رجل‪ ,‬ويتعجبون منها‪ ,‬ثم جعلوا يتشاورون بـينهم ويقول بعضهم لبعض‪ :‬إن‬
‫هذا الرجـل قـد أصـاب كنزا خبــيئا فــي الرض منـذ زمان ودهـر طويــل فلــما رآهـم‬
‫يتشاورون من أجله فرق فر قا شديدا‪ ,‬وج عل يرت عد ويظ نّ أن هم قد فطنوا به وعرفوه‪ ,‬وأن هم‬
‫إن ـما يريدون أن يذهبوا به إل ـى ملك هم دق ـينوس ي سلـمونه إل ـيه‪ .‬وج عل أناس آخرون‬
‫يأتو نه ف ـيتعرّفونه‪ ,‬فقال ل هم و هو شد يد الفرق من هم‪ :‬أفضلوا عل ـيّ‪ ,‬ف قد أخذت ـم ورق ـي‬
‫فأم سكوا‪ ,‬وأ ما طعام كم فل حا جة ل ـي به‪ .‬قالوا له‪ :‬من أ نت يا فت ـى‪ ,‬و ما شأ نك؟ وال ل قد‬
‫وجدت كنزا من كنوز الوّلـين‪ ,‬فأنت تريد أن تـخفـيه منا‪ ,‬فـانطلق معنا فأرناه وشاركنا‬
‫فـيه‪ ,‬نـخف علـيك ما وجدت‪ ,‬فإنك إن ل تفعل نأت بك السلطان‪ ,‬فنسلـمك إلـيه فـيقتلك‪.‬‬
‫فلـما سمع قولهم‪ ,‬عجب فـي نفسه فقال‪ :‬قد وقعت فـي كلّ شيء كنت أحذر منه ثم قالوا‪ :‬يا‬
‫فت ـى إ نك وال ما ت ستطيع أن تكت ـم ما وجدت‪ ,‬ول تظ نّ ف ـي نف سك أ نه سيخفـى حالك‪.‬‬
‫فج عل ي ـملـيخا ل يدري ما يقول ل هم و ما ير جع إل ـيهم‪ ,‬و َفرِق حت ـى ما يح ير إل ـيهم‬
‫جوابـا فلـما رأوه ل يتكلـم أخذوا كساءه فطوقوه فـي عنقه‪ ,‬ثم جعلوا يقودونه فـي سكك‬
‫الـمدينة ملبّبـا‪ ,‬حتـى سمع به من فـيها‪ ,‬فقـيـل‪ :‬أُخذ رجلٌ عنده كنزٌ‪.‬‬
‫واجتـمع علـيه أهل الـمدينة صغيرهم وكبـيرهم‪ ,‬فجعلوا ينظرون إلـيه ويقولون‪ :‬وال‬
‫ما هذا الفت ـى من أ هل هذه ال ـمدينة‪ ,‬وما رأيناه فـيها ق طّ‪ ,‬و ما نعر فه فج عل يـملـيخا ل‬
‫يدري ما يقول لهم‪ ,‬مع ما يسمع منهم فلـما اجتـمع علـيه أهل الـمدينة‪ ,‬فَرِق‪ ,‬فسكت فلـم‬
‫ن أب ـاه وإخو ته‬
‫يتكل ـم ولو أ نه قال إ نه من أ هل ال ـمدينة ل ـم ي صدّق‪ .‬وكان م ستـيقنا أ ّ‬
‫ب ـالـمدينة‪ ,‬وأن ح سبه من أ هل ال ـمدينة من عظماء أهل ها‪ ,‬وأن هم سيأتونه إذا سمعوا‪ ,‬و قد‬
‫استـيقن أنه من عشية أمس يعرف كثـيرا من أهلها‪ ,‬وأنه ل يعرف الـيوم من أهلها أحدا‪.‬‬
‫فبــينـما هـو قائم كالــحيران ينتظـر متــى يأتـه بعـض أهله‪ ,‬أبوه أو بعـض إخوتـه‬
‫ف ـيخـلصه من أيدي هم‪ ,‬إذ اختطفوه ف ـانطلقوا به إل ـى رئي سي ال ـمدينة ومدبري ها اللذ ين‬
‫يدبران أمرها‪ ,‬وهما رجلن صالـحان‪ ,‬كان اسم أحدهما أريوس‪ ,‬واسم الَخر أسطيوس فلـما‬
‫ن يـملـيخا أنه يُنطلق به إلـى دقـينوس الـجبـار ملكهم الذي هربوا‬
‫انطلق به إلـيهما‪ ,‬ظ ّ‬
‫منه‪ ,‬فجعل يـلتفت يـمينا وشمالً‪ ,‬وجعل الناس يسخرون منه‪ ,‬كما يُسخر من ال ـمـجنون‬
‫والـحيران‪ ,‬فجعل يـملـيخا يبكي‪ .‬ثم رفع رأسه إلـى السماء وإلـى ال‪ ,‬ثم قال‪ :‬الله مّ إله‬
‫السموات والرض‪ ,‬أولـج معي روحا منك الـيوم تؤيدنـي به عند هذا الـجبـار‪ .‬وجعل‬
‫يبكي ويقول فـي نفسه‪ :‬فرق بـينـي وبـين إخوتـي يا لـيتهم يعلـمون ما لقـيت‪ ,‬وأنى‬
‫يُذهب بـي إلـى دقـينوس الـجبـار فلو أنهم يعلـمون‪ ,‬فـيأتون‪ ,‬فنقوم جميعا بـين يدي‬
‫ن معا‪ ,‬ل نكفر بـال ول نشرك به شيئا‪ ,‬ول نعبد الطواغيت‬
‫دقـينوس فإنا كنا تواثقنا لنكون ّ‬
‫من دون ال‪ُ .‬فرّق بـينـي وبـينهم‪ ,‬فلن يرونـي ولن أراهم أبدا وقد كنا تواثقنا أن ل نفترق‬
‫فـي حياة ول موت أبدا‪ .‬يا لـيت شعري ما هو فـاعل بـي؟ أقاتلـي هو أم ل؟ ذلك الذي‬
‫يحدّث به يـملـيخا نفسه فـيـما أخبر أصحابه حين رجع إلـيهم‪.‬‬
‫فل ـما انت هى إل ـى الرجل ـين ال صالـحين أريوس وأ سطيوس‪ ,‬فل ـما رأى ي ـملـيخا أ نه‬
‫ل ـم يُذ هب به إل ـى دق ـينوس‪ ,‬أف ـاق و سكن ع نه البكاء فأ خذ أريوس وأ سطيوس الورق‬
‫فنظرا إلـيها وعجبـا منها‪ ,‬ثم قال أحدهما‪ :‬أين الكنز الذي وجدت يا فتـى؟ هذا الورِق يشهد‬
‫علــيك أنـك قـد وجدت كنزا فقال لهمـا يــملـيخا‪ :‬مـا وجدت كنزا ولكـن هذه الورِق ورق‬
‫آبـائي‪ ,‬ونقش هذه الـمدينة وضربها‪ ,‬ولكن وال ما أدري ما شأنـي‪ ,‬وما أدري ما أقول لكم‬
‫فقال له أحده ما‪ :‬م ـمن أ نت؟ فقال له ي ـملـيخا‪ :‬ما أدري‪ ,‬فك نت أرى أن ـي من أ هل هذه‬
‫القر ية‪ ,‬قالوا‪ :‬ف من أبوك و من يعر فك ب ها؟ فأنبأ هم ب ـاسم أب ـيه‪ ,‬فل ـم يجدوا أحدا يعر فه ول‬
‫أبـاه فقال له أحدهما‪ :‬أنت رجل كذّاب ل تنبئنا بـالـحقّ فلـم يدر يـملـيخا ما يقول لهم‪,‬‬
‫غيرأنه نكس بصره إلـى الرض‪ .‬فقال له بعض من حوله‪ :‬هذا رجل مـجنون فقال بعضهم‪:‬‬
‫ل ـيس ب ـمـجنون‪ ,‬ولك نه يح مق نف سه عمدا ل كي ينفلت من كم فقال له أحده ما‪ ,‬ون ظر إل ـيه‬
‫نظرا شديدا‪ :‬أتظ نّ أنك إذ تتـجانن نرسلك ونصدّقك بأن هذا مال أبـيك‪ ,‬وضرب هذه الورق‬
‫ن أنك تأفكنا‪ ,‬ونـحن شمط‬
‫ونقشها منذ أكثر من ثلث مئة سنة؟ وإنـما أنت غلم شاب تظ ّ‬
‫كما ترى‪ ,‬وحولك سُراة أهل الـمدينة‪ ,‬وولة أمرها‪ ,‬إنـي لظننـي سآمر بك فتعذّب عذابـا‬
‫شديدا‪ ,‬ثـم أوثقـك حتــى تعترف بهذا الكنـز الذي وجدت‪ .‬فلــمال قال ذلك‪ ,‬قال يــملـيخا‪:‬‬
‫أنبئونـي عن شيء أسألكم عنه‪ ,‬فإن فعلتـم صدقتكم عما عندي أرأيتـم دقـينوس الـملك‬
‫الذي كان فـي هذه الـمدينة عشية أمس ما فعل؟ فقال له الرجل‪ :‬لـيس علـى وجه الرض‬
‫ر جل ا سمه دق ـينوس‪ ,‬ول ـم ي كن إل ملك قد هلك م نذ زمان ود هر طوي ـل‪ ,‬وهَل كت بعده‬
‫قرون كثـيرة فقال له يـملـيخا‪ :‬فوال إنـي إذا لـحيران‪ ,‬وما هو بـمصدّق أحد من الناس‬
‫بـما أقول وال لقد علـمت‪ ,‬لقد فررنا من الـجبـار دقـينوس‪ ,‬وإنـي قد رأيته عشية أمس‬
‫ح ين دخ ـل مدي نة أف سوس‪ ,‬ول كن ل أدري أمدي نة أف سوس هذه أم ل؟ ف ـانطلقا م عي إل ـى‬
‫الكهف الذي فـي جبل بنـجلوس أريكم أصحابـي‪ .‬فلـما سمع أريوس ما يقول يـملـيخا‬
‫ل هذه آية من آيات ال جعلها لكم علـى يدي هذا الفتـى‪ ,‬فـانطلقوا بنا م عه‬
‫قال‪ :‬يا قوم لع ّ‬
‫يرنـا أصـحابه‪ ,‬كمـا قال‪ .‬فــانطلق معـه أريوس وأسـطيوس‪ ,‬وانطلق معهـم أهـل الــمدينة‬
‫كبـيرهم وصغيرهم‪ ,‬نـحو أصحاب الكهف لـينظروا إلـيهم‪.‬‬
‫ول ـما رأى الفت ـية أ صحاب الك هف ي ـملـيخا قد احت بس عل ـيهم بطعام هم وشراب هم عن‬
‫القدر الذي كان يأتـي به‪ ,‬ظنوا أنه قد ُأخِذ فذُهب به إلـى ملكهم َدقْـينوس الذي هربوا منه‪.‬‬
‫فبــينـما هـم يظنون ذلك ويتــخوّفونه‪ ,‬إذ سـمعوا الصـوات وجلبـة الــخيـل مصـعدة‬
‫ن ـحوهم‪ ,‬فظنوا أن هم رُ سل ال ـجبـار دق ـينوس ب عث إل ـيهم ل ـيُؤْتـي ب هم‪ ,‬فقاموا ح ين‬
‫سمعوا ذلك إل ـى ال صلة‪ ,‬و سلّـم بعض هم عل ـى ب عض‪ ,‬وأو صى بعض هم بع ضا‪ ,‬وقالوا‪:‬‬
‫انطلقوا بنا نأت أخانا يـملـيخا‪ ,‬فإنه الَن بـين يدي الـجبـار دقـينوس ينتظر متـى نأته‪.‬‬
‫فبـينـما هم يقولون ذلك‪ ,‬وهم جلوس بـين ظهري الكهف‪ ,‬فلـم يروا إل أريوس وأصحابه‬
‫وقوف ـا عل ـى ب ـاب الك هف‪ .‬و سبقهم ي ـملـيخا‪ ,‬فدخ ـل عل ـيهم و هو يب كي‪ .‬فل ـما رأوه‬
‫يبكي بكوا معه ثم سألوه عن شأنه‪ ,‬فأخبرهم خبره وق صّ علـيهم النبأ كله‪ ,‬فعرفوا عند ذلك‬
‫أنهـم كانوا نــياما بأمـر ال ذلك الزمان كله‪ ,‬وإنــما أوقظوا لــيكونوا آيـة للناس‪ ,‬وتصـديقا‬
‫للبعث‪ ,‬ولـيعلـموا أن الساعة آتـية ل ريب فـيها‪ .‬ثم دخـل علـى أثر يـملـيخا أريوس‪,‬‬
‫فرأى تابو تا من ن ـحاس مختو ما بخات ـم من ف ضة‪ ,‬فقام بب ـاب الك هف ثم د عا رجالً من‬
‫عظماء أ هل ال ـمدينة‪ ,‬ففت ـح التابوت عند هم‪ ,‬فوجدوا ف ـيه لوح ين من ر صاص‪ ,‬مكتوب ـا‬
‫فـيهما كتاب‪ ,‬فقرأهما فوجد فـيهما‪ :‬أن مكسلـمينا‪ ,‬ومـحسلـمينا‪ ,‬ويـملـيخا‪ ,‬ومرطونس‪,‬‬
‫وكسـطونس‪ ,‬ويبورس‪ ,‬ويكرنوس‪ ,‬ويطبــيونس‪ ,‬وقالوش‪ ,‬كانوا فتــية هربوا مـن ملكهـم‬
‫دقـينوس الـجبـار‪ ,‬مخافة أن يفتنهم عن دينهم‪ ,‬فدخـلوا هذا الكهف فلـما أخبر بـمكانهم‬
‫أ مر ب ـالكهف ف سدّ عل ـيهم ب ـالـحجارة‪ ,‬وإ نا كتب نا شأن هم وق صة خبرهم‪ ,‬ل ـيعلـمه من‬
‫بعد هم إن ع ثر عل ـيهم‪ .‬فل ـما قرأوه‪ ,‬عجبوا وحمدوا ال الذي أرا هم آ ية للب عث ف ـيهم‪ ,‬ثم‬
‫رفعوا أ صواتهم بح مد ال وت سبـيحه‪ .‬ثم دخ ـلوا عل ـى الفت ـية الك هف‪ ,‬فوجود هم جلو سا‬
‫بـين ظهريه‪ ,‬مُشرقة وجوههم‪ ,‬لـم تبل ثـيابهم‪ .‬فخرّ أريوس وأصحابه سجودا‪ ,‬وحمدوا ال‬
‫الذي أراهم آية من آياته‪ .‬ثم كلـم بعضهم بعضا‪ ,‬وأنبأهم الفتـية عن الذين لقوا من ملكهم‬
‫دق ـينوس ذلك ال ـجبـار الذي كانوا هربوا م نه‪ .‬ثم إن أريوس وأ صحابه بعثوا بريدا إل ـى‬
‫ملك هم ال صالـح ت ـيذوسيس‪ ,‬أن عَجّل لعلك تن ظر إل ـى آ ية من آيات ال‪ ,‬جعل ها ال عل ـى‬
‫مل كك‪ ,‬وجعل ها آ ية للعال ـمين‪ ,‬لتكون ل هم نورا وضياء‪ ,‬وت صديقا ب ـالبعث‪ ,‬ف ـاعجل عل ـى‬
‫فتـية بعثهم ال‪ ,‬وقد كان توفـاهم منذ أكثر من ثلث مئة سنة‪.‬‬
‫فل ـما أت ـى ال ـملك ت ـيذوسيس ال ـخبر‪ ,‬قام من ال ـمَسْندة الت ـي كان عل ـيها‪ ,‬ور جع‬
‫ربـ‬
‫اللهمـ ّ‬
‫ّ‬ ‫إلــيه رأيـه وعقله‪ ,‬وذهـب عنـه همـه‪ ,‬ورجـع إلــى ال عزّ وجلّ‪ ,‬فقال‪ :‬أحمدك‬
‫ال سموات والرض‪ ,‬أعبدك‪ ,‬وأحمدك‪ ,‬وأ سبح لك تطوّلت عل ـيّ‪ ,‬ورحمتن ـي برحم تك‪ ,‬فل ـم‬
‫تطفـىء النور الذي كنت جعلته لَبـائي‪ ,‬وللعبد الصالـح قسطيطينوس الـملك‪ ,‬فلـما نبأ به‬
‫أ هل ال ـمدينة ركبوا إل ـيه‪ ,‬و ساروا م عه حت ـى أتوا مدي نة أف سوس‪ ,‬فتلقا هم أ هل ال ـمدينة‪,‬‬
‫وساروا معه حتـى صعدوا نـحو الكهف حتـى أتوه فلـما رأى الفتـية تـيذوسيس‪ ,‬فرحوا‬
‫به‪ ,‬وخرّوا سجودا عل ـى وجوه هم وقام ت ـيذوسيس قدام هم‪ ,‬ثم اعتنق هم وب كى‪ ,‬و هم جلوس‬
‫بـين يديه علـى الرض يسبحون ال ويحمدونه‪ ,‬ويقول‪ :‬وال ما أشبه بكم إل الـحواريون‬
‫حيـن رأوا الــمسيح‪ .‬وقال‪ :‬فرج ال عنكـم‪ ,‬كأنكـم الذي ُتدْعَون فتــحْشَرون مـن القبور فقال‬
‫الفت ـية لت ـيذوسيس‪ :‬إ نا نودّ عك ال سلم‪ ,‬وال سلم عل ـيك ورح مة ال‪ ,‬حف ظك ال‪ ,‬وح فظ لك‬
‫ملكك بـالسلم‪ ,‬ونعيذك بـال من شرّ ال ـجنّ والنس فأمر بعيش من خُـلّر ونشي ـل‪ .‬إن‬
‫أسوأ ما سلك فـي بطن النسان أن ل يعلـم شيئا إل كرامة إن أكرم بها‪ ,‬ول هوان إن أهين‬
‫به‪.‬‬
‫فبـينـما الـملك قائم‪ ,‬إذ رجعوا إلـى مضاجعهم‪ ,‬فناموا‪ ,‬وتوفـي ال أنفسهم بأمره‪ .‬وقام‬
‫الـملك إلـيهم‪ ,‬فجعل ثـيابه علـيهم‪ ,‬وأمر أن يجعل لكلّ رجل منهم تابوت من ذهب فلـما‬
‫َأمْسَوا ونام‪ ,‬أتوه فـي الـمنام‪ ,‬فقالوا‪ :‬إنا لـم نـخـلق من ذهب ول فضة‪ ,‬ولكنا خُـلقنا من‬
‫تراب وإل ـى التراب ن صير‪ ,‬ف ـاتركنا ك ما ك نا ف ـي الك هف عل ـى التراب حت ـى يبعث نا ال‬
‫منه فأمر الـملك حينئذٍ بتابوت من ساج‪ ,‬فجعلوهم فـيه‪ ,‬وحجبهم ال حين خرجوا من عندهم‬
‫ب ـالرعب‪ ,‬فل ـم يقدر أ حد عل ـى أن يدخ ـل عل ـيهم‪ .‬وأ مر ال ـملك فج عل كهف هم م سجدا‬
‫يُ صَلّـى ف ـيه‪ ,‬وج عل ل هم عيدا عظي ـما‪ ,‬وأ مر أن يؤت ـى كلّ سنة‪ .‬فهذا حد يث أ صحاب‬
‫الكهف‪.‬‬
‫‪ 17317‬ـ حدثنا ابن حميد‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا سلـمة‪ ,‬عن عبد العزيز بن أبـي روّاد‪ ,‬عن عبد ال‬
‫بن عب ـيد بن عم ير‪ ,‬قال‪ :‬بعث هم ال يعن ـي الفت ـية أ صحاب الك هف و قد سلط عل ـيهم ملك‬
‫م سلـم‪ ,‬يعن ـي عل ـى أ هل مدينت هم و سلّط ال عل ـى الفت ـية ال ـجوع‪ ,‬فقال قائل من هم‪ :‬كَ مْ‬
‫ض يَوْ ٍم قال‪ :‬فردّوا علـم ذلك إلـى ال‪ ,‬قالُوا َر ّبكُ مْ أعْلَـمُ بِـما‬
‫َل ِب ْثتُـمْ قالُوا َل ِبثْنا َيوْما أ ْو َبعْ َ‬
‫ح َدكُ مْ ِب َورِ ِقكُ مْ هذِ ِه إلـى الـمَدِينَةِ وإذا معهم ورِق من ضرب الـملك الذي‬
‫َل ِب ْثتُـمْ فـا ْب َعثُوا أ َ‬
‫ش ِعرَ نّ ِبكُ مْ أحَدا‪ .‬فخرج أحد هم فرأى‬
‫كانوا ف ـي زما نه فَلْ ـ َي ْأ ِت ُكمْ ِبرِزْ قٍ ِمنْ هُ‪ :‬أي بطعام وَل ُي ْ‬
‫الـمعالـم متنكرة حتـى انتهى إلـى الـمدينة‪ ,‬فـاستقبله الناس ل يعرف منهم أحدا فخرج‬
‫ول يعرفونه‪ ,‬حت ـى انتهى إلـى صاحب الطعام‪ ,‬ف سامه بطعا مه‪ ,‬فقال صاحب الطعام‪ :‬هات‬
‫ور قك فأخرج إل ـيه الورق‪ ,‬فقال‪ :‬من أ ين لك هذا الورق؟ قال‪ :‬هذه و ِرقُ نا وورِق أ هل بلد نا‬
‫فقال‪ :‬هيهات هذه الورِق من ضرب فلن بن فلن م نذ ثلث مئة وت سع سنـين أ نت أ صبت‬
‫كنزا ولست بتاركك حتـى أرفعك إلـى الـملك‪ .‬فرفعه إلـى الـملك‪ ,‬وإذا الـملك مسلـم‬
‫وأصحابه م سلـمون‪ ,‬ففرح واستبشر‪ ,‬وأظهر ل هم أمره‪ ,‬وأخبرهم خبر أ صحابه فبعثوا إلـى‬
‫اللوح فـي الـخزانة‪ ,‬فأتوا به‪ ,‬فوافق ما وصف من أمرهم‪ ,‬فقال الـمشركون‪ :‬نـحن أح قّ‬
‫بهم هؤلء أبناء آبـائنا‪ ,‬وقال الـمسلـمون‪ :‬نـحن أح قّ بهم‪ ,‬هم مسلـمون منا‪ .‬فـانطلقوا‬
‫معه إلـى الكهف فلـما أتوا بـاب الكهف قال‪ :‬دعونـي حتـى أدخـل علـى أصحابـي‬
‫حت ـى أبشر هم‪ ,‬فإن هم إن رأو كم م عي أرعبت ـموهم فدخ ـل فبشّر هم‪ ,‬وق بض ال أرواح هم‪.‬‬
‫قال‪ :‬وعمى ال علـيهم مكانهم‪ ,‬فلـم يهتدوا‪ ,‬فقال الـمشركون‪ :‬نبنـي علـيهم بُنـيانا‪ ,‬فإنهم‬
‫أبناء آبـائنا‪ ,‬ونعبد ال فـيها‪ .‬وقال الـمسلـمون‪ :‬نـحن أح قّ بهم‪ ,‬هم منا‪ ,‬نبنـي علـيهم‬
‫مسجدا نصلـي فـيه‪ ,‬ونعبد ال فـيه‪.‬‬
‫وأولـى القوال فـي ذلك بـالصواب عندي قول من قال‪ :‬إن ال تعالـى بعثهم من رقدتهم‬
‫لـيتساءلوا بـينهم كما بـيّنا قبل‪ ,‬لن ال ع ّز ذكره‪ ,‬كذلك أخبر عبـاده فـي كتابه‪ ,‬وإن ال‬
‫أع ثر عل ـيهم القوم الذ ين أعثر هم عل ـيهم‪ ,‬ل ـيتـحقق عند هم بب عث ال هؤلء الفت ـية من‬
‫رقدتهم بعد طول مدتها بهيئتهم يوم رقدوا‪ ,‬ولـم يشيبوا علـى مرّ اليام واللـيالـي علـيهم‪,‬‬
‫ول ـم يهرَموا عل ـى كرّ الدهور والزمان ف ـيهم قدر ته عل ـى ب عث من أما ته ف ـي الدن ـيا‬
‫من قبره إل ـى موق ـف الق ـيامة يوم الق ـيامة‪ ,‬لن ال عزّ ذكره بذلك أخبر نا‪ ,‬فقال‪ :‬وكذل كَ‬
‫ن السّاعَة ل َريْبَ فِـيها‪.‬‬
‫حقّ وأ ّ‬
‫عدَ اللّ ِه َ‬
‫عثَرنْا عَلَـيْهمْ لِـ َيعْلَـمُوا أنّ َو ْ‬
‫أْ‬
‫ح َدكُ مْ ِب َورِ ِقكُ مْ هذِ ِه فقرأ ذلك عامّة قرّاء أ هل‬
‫واختل فت القرّاء ف ـي قراءة قوله‪ :‬ف ـا ْبعَثُوا أ َ‬
‫الـمدينة وبعض العراقـيـين بِ َو ِرقِكُمْ هذِ ِه بفتـح الواو وكسر الراء والقاف‪ .‬وقرأ عامّة قرّاء‬
‫الكوفة والبصرة‪« :‬ب َو ْر ِقكُمْ» بسكون الراء‪ ,‬وكسر القاف‪ .‬وقرأه بعض الـمكيـين بكسر الراء‪,‬‬
‫وإدغام القاف فـي الكاف‪ ,‬وكلّ هذه القراءات متفقات الـمعانـي‪ ,‬وإن اختلفت اللفـاظ منها‪,‬‬
‫وه نّ لغات معروف ـات من كلم العرب‪ ,‬غ ير أن ال صل ف ـي ذلك فت ـح الواو وك سر الراء‬
‫والقاف‪ ,‬ل نه ال َورِق‪ ,‬و ما عدا ذلك فإ نه داخ ـل عل ـيه طلب الت ـخفـيف‪ .‬وف ـيه أي ضا ل غة‬
‫أخرى وهـو «ال َورْق»‪ ,‬كمـا يقال للكَبِد َك ْبدَ‪ .‬فإذا كان ذلك هـو الصـل‪ ,‬فــالقراءة بـه إلــيّ‬
‫أعجب‪ ,‬من غير أن تكون الخريان مدفوعة صحتهما‪ ,‬وقد ذكرنا الرواية بأن الذي بُعث معه‬
‫بـال َورِق إلـى الـمدينة كان اسمه يـملـيخا‪ .‬وقد‪:‬‬
‫‪ 17318‬ـ حدثنـي عبـيد ال بن مـحمد الزهري‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا سفـيان‪ ,‬عن مقاتل فـا ْب َعثُوا‬
‫ح َدكُمْ ب َورِ ِق ُكمْ َهذِ ِه اسمه يـملـيخ‪.‬‬
‫أَ‬
‫ظرْ أيّها أ ْزكَى طَعاما فإن أهل التأويـل اختلفوا فـي تأويـله فقال بعضهم‪:‬‬
‫وأما قوله‪ :‬فَلْـيَ ْن ُ‬
‫معناه فلـينظر أيّ أهل الـمدينة أكثر طعاما‪ .‬ذكر من قال ذلك‪:‬‬
‫‪ 17319‬ـ حدثنا ابن بشار‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا عبد الرحمن‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا سفـيان‪ ,‬عن أبـي حصين‪,‬‬
‫عن عكرِمة أيّها أ ْزكَى طَعاما قال‪ :‬أكثر‪.‬‬
‫وحدث نا ال ـحسن‪ ,‬قال‪ :‬أخبر نا ع بد الرزاق‪ ,‬قال‪ :‬أخبر نا الثوري‪ ,‬عن أب ـي حُ صَين‪ ,‬عن‬
‫عكرِمة مثله‪ ,‬إل أنه قال‪ :‬أيّ ُه أ ْك َثرُ‪.‬‬
‫ل طعاما‪ .‬ذكر من قال ذلك‪:‬‬
‫وقال آخرون‪ :‬بل معناه‪ :‬أيها أح ّ‬
‫‪ 17320‬ـ حدثنا ابن بشار‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا عبد الرحمن‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا سفـيان‪ ,‬عن أبـي حصين‪,‬‬
‫عن سعيد بن جبـير‪ :‬أيّها أ ْزكَى طَعاما قال‪ :‬أحلّ‪.‬‬
‫حدثنا الـحسن بن يحيى‪ ,‬قال‪ :‬أخبرنا عبد الرزاق‪ ,‬قال‪ :‬أخبرنا الثوري‪ ,‬عن أبـي حصين‪,‬‬
‫عن سعيد بن جبـير‪ ,‬مثله‪.‬‬
‫وقال آخرون‪ :‬بل معناه‪ :‬أيها خير طعاما‪ .‬ذكر من قال ذلك‪:‬‬
‫‪ 17321‬ـ حدثنا الـحسن بن يحيى‪ ,‬قال‪ :‬أخبرنا عبد الرزاق‪ ,‬قال‪ :‬أخبرنا معمر‪ ,‬عن قتادة‪,‬‬
‫فـي قوله‪ :‬أزْكَى طَعاما قال‪ :‬خير طعاما‪.‬‬
‫وأولـى القوال عندي فـي ذلك بـالصواب‪ :‬قول من قال‪ :‬معنى ذلك‪ :‬أحلّ وأطهر‪ ,‬وذلك‬
‫أنه ل معنى فـي اختـيار الكثر طعاما للشراء منه إل بـمعنى إذا كان أكثرهم طعاما‪ ,‬كان‬
‫خ ـلـيقا أن يكون الف ضل م نه عنده أو جد‪ ,‬وإذا شرط عل ـى ال ـمأمور الشراء من صاحب‬
‫الفضل‪ ,‬فقد أمر بشراء الـجيد‪ ,‬كان ما عند الـمشتري ذلك منه قلـيلً الـجيد أو كثـيرا‪,‬‬
‫وإنـما وجه من وجه تأويـل أزكى إلـى الكثر‪ ,‬لنه وجد العرب تقول‪ :‬قد زكا مال فلن‪:‬‬
‫إذا كثر‪ ,‬وكما قال الشاعر‪:‬‬
‫ب‬
‫ن ثَلثٍ وأطْيَ ُ‬
‫سبْعُ أ ْزكَى مِ ْ‬
‫سبْعٌ وأ ُنتُـمْ ثَلثَ ٌةوَلل ّ‬
‫قَبـائِلُنا َ‬
‫بــمعنى‪ :‬أكثـر‪ ,‬وذلك وإن كان كذلك‪ ,‬فإن الــحلل الــجيد وإن قلّ‪ ,‬أكثـر مـن الــحرام‬
‫ظرْ أيّ ها فأضيف إل ـى كنا ية ال ـمدينة‪ ,‬وال ـمراد ب ها‬
‫الـخبـيث وإن كثر‪ .‬وق ـيـل‪ :‬فَلْـيَ ْن ُ‬
‫أهلها‪ ,‬لن تأويـل الكلم‪ :‬فلـينظر أ يّ أهلها أزكى طعاما لـمعرفة السامع بـالـمراد من‬
‫الكلم‪ .‬وقد يُحتـمل أن يكونوا عنوا بقولهم أيّها أ ْزكَى طَعاما‪ :‬أيها أحلّ‪ ,‬من أجل أنهم كانوا‬
‫فـارقوا قومهم وهم أهل أوثان‪ ,‬فلـم يستـجيزوا أكل ذبـيحتهم‪.‬‬
‫وقوله‪ :‬فَلْـ َي ْأ ِتكُ ْم بِ ِر ْزقٍ ِمنْهُ يقول‪ :‬فلـيأتكم بقوت منه تقتاتونه‪ ,‬وطعام تأكلونه‪ ,‬كما‪:‬‬
‫‪ 17322‬ـ حدثنا ابن حميد‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا سلـمة‪ ,‬عن عبد العزيز بن أبـي روّاد‪ ,‬عن عبد ال‬
‫بن عبـيد بن عمير فَلْـ َي ْأ ِتكُمْ ِب ِر ْزقٍ ِمنْهُ قال‪ :‬بطعام‪.‬‬
‫طفْ يقول‪ :‬ولـيترفق فـي شرائه ما يشتري‪ ,‬وفـي طريقه ودخوله الـمدينة‬
‫وقوله‪ :‬وَلْـ َيتَلَ ّ‬
‫ظهَرُوا عَلَـ ْيكُمْ‬
‫ن بكم أحدا من الناس‪ .‬وقوله‪ :‬إ ّنهُ مْ إ نْ َي ْ‬
‫وَل ُيشْ ِعرَ نّ ِبكُ مْ أحَدا يقول‪ :‬ول يعلـم ّ‬
‫جمُو ُكمْ يعنون بذلك‪ :‬دقـينوس وأصحابه قالوا‪ :‬إن دقـينوس وأصحابه إن يظهروا علـيكم‪,‬‬
‫َيرْ ُ‬
‫فـيعلـموا مكانكم‪ ,‬يرجموكم شتـما بـالقول‪ ,‬كما‪:‬‬
‫‪ 17323‬ـ حدثنا القاسم‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا الـحسين‪ ,‬قال‪ :‬ثنـي حجاج‪ ,‬عن ابن جريج‪ ,‬فـي قوله‪:‬‬
‫جمُو ُكمْ قال‪ :‬يشتـموكم بـالقول‪ ,‬يؤذوكم‪.‬‬
‫ن َيظْ َهرُوا عَلَـ ْيكُ ْم يَ ْر ُ‬
‫إ ّن ُهمْ إ ْ‬
‫وقوله‪ :‬أ ْو ُيعِيدُوكُ مْ فِ ـي مِّل ِتهِ مْ يقول‪ :‬أو يردّو كم ف ـي دين هم‪ ,‬فت صيروا كف ـارا بعب ـادة‬
‫ن تُفْلِ ـحُوا إذًا أبَدا يقول‪ :‬ولن تدركوا الفلح‪ ,‬و هو البقاء الدائم وال ـخـلود ف ـي‬
‫الوثان‪ .‬وَلَ ْ‬
‫عدْتـم فـي ملتهم‪ .‬أبدا‪ :‬أيام حياتكم‪.‬‬
‫الـجنان‪ ,‬إذن‪ :‬أي إن أنتـم ُ‬

‫‪21‬‬ ‫الية ‪:‬‬


‫ع َد اللّهِـ حَقّـ وَأَنّـ‬
‫ع َثرْنَا عََل ْيهِم ْـ ِل َيعَْلمُوَاْ أَنّـ وَ ْ‬
‫القول فــي تأويــل قوله تعالــى‪َ { :‬و َكذَلِكَـ َأ ْ‬
‫ن َب ْي َنهُمْ َأ ْمرَهُمْ فَقَالُو ْا ا ْبنُواْ عََل ْيهِمْ ُب ْنيَانا ّربّهُمْ َأعْلَمُ ِبهِمْ قَالَ اّلذِينَ‬
‫السّاعَ َة لَ َريْبَ فِيهَا ِإذْ َي َتنَازَعُو َ‬
‫سجِدا }‪.‬‬
‫خذَنّ عََل ْي ِهمْ ّم ْ‬
‫ى َأ ْمرِهِمْ َل َن ّت ِ‬
‫غََلبُواْ عََل َ‬
‫يقول تعالــى ذكره‪ :‬وكمـا بعثناهـم بعـد طول رقدتهـم كهيئتهـم سـاعة رقدوا‪ ,‬لــيتساءلوا‬
‫بـينهم‪ ,‬فـيزدادوا بعظيـم سلطان ال بصيرة‪ ,‬وبحسن دفـاع ال عن أولـيائه معرفة كَذل كَ‬
‫ع َثرْنا عَلَـ ْي ِهمْ يقول‪ :‬كذلك أطلعنا علـيهم الفريق الَخر الذين كانوا فـي ش كّ من قُدرة ال‬
‫أْ‬
‫علــى إحياء الــموتـى‪ ,‬وفــي مِرْيـة مـن إنشاء أجسـام خــلقه‪ ,‬كهيئتهـم يوم قبضهـم بعـد‬
‫البِلَـى‪ ,‬فـيعلـموا أن وعْد ال ح قّ‪ ,‬ويُوقنوا أن الساعة آتـية ل ريب فـيها‪ .‬وبنـحو الذي‬
‫قلنا فـي ذلك‪ ,‬قال أهل التأويـل‪ .‬ذكر من قال ذلك‪:‬‬
‫ع َثرْ نا‬
‫‪ 17324‬ـ حدث نا ب شر‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا يز يد‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا سعيد‪ ,‬عن قتادة‪ ,‬قوله‪ :‬وكذل كَ أ ْ‬
‫عَلَـيْ ِهمْ يقول‪ :‬أطلعنا علـيهم لـيعلـم من كذب بهذا الـحديث‪ ,‬أن وعد ال حقّ‪ ,‬وأن الساعة‬
‫ل ريب فـيها‪.‬‬
‫وقوله‪ :‬إذْ َيتَنازَعُون بَ ـ ْينَ ُهمْ أ ْمرَهُ ْم يعنــي‪ :‬الذ ين أعثروا علــى الفت ـية‪ .‬يقول تعال ـى‪:‬‬
‫وكذلك أعثر نا هؤلء ال ـمختلفـين ف ـي ق ـيام ال ساعة‪ ,‬وإحياء ال ال ـموتـى ب عد م ـماتهم‬
‫مـن قوم تــيذوسيس‪ ,‬حيـن يتنازعون بــينهم أمرهـم فــيـما ال فــاعل بــمن أفناه مـن‬
‫عبــاده‪ ,‬فأبله فــي قـبره بعـد مــماته‪ ,‬أمنشئهـم هـو أم غيـر منشئهـم‪ .‬وقوله‪ :‬فقالُوا ا ْبنُوا‬
‫عَلَـيْ ِهمْ ُبنْـيانا يقول‪ :‬فقال الذين أعثرناهم علـى أصحاب الكهف‪ :‬ابنوا علـيهم بنـيانا َربّهمْ‬
‫أعْلَـمُ ِب ِهمْ يقول‪ :‬ربّ الفتـية أعلـم بـالفتـية وشأنهم‪ .‬وقوله‪ :‬قالَ اّلذِينَ غََلبُوا عَلـى أ ْمرِ ِهمْ‬
‫سجِدا‪.‬‬
‫يقول جلّ ثناؤه‪ :‬قال القوم الذين غلبوا علـى أمر أصحاب الكهف َل َنتّـخِذَنّ عَلَـ ْي ِهمْ َم ْ‬
‫وقد اختُلف فـي قائلـي هذه الـمقالة‪ ,‬أهم الرهط الـمسلـمون‪ ,‬أم هم الكفـار؟ وقد ذكرنا‬
‫بعض ذلك فـيـما مضى‪ ,‬وسنذكر إن شاء ال ما لـم يـمض منه‪.‬‬
‫‪ 17325‬ـ حدثنـي مـحمد بن سعد‪ ,‬قال‪ :‬ثنـي أبـي‪ ,‬قال‪ :‬ثنـي عمي‪ ,‬قال‪ :‬ثنـي أبـي‪,‬‬
‫سجِدا‬
‫عن أب ـيه‪ ,‬عن ا بن عبـاس‪ ,‬قوله‪ :‬قالَ اّلذِي نَ غََلبُوا عل ـى أ ْمرِهِ مْ َل َنتّـخِذَنّ عَلَـ ْيهِمْ مَ ْ‬
‫قال‪ :‬يعنـي عدوّهم‪.‬‬
‫‪ 17326‬ـ حدثنا ابن حميد‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا سلـمة‪ ,‬عن عبد العزيز بن أبـي روّاد‪ ,‬عن عبد ال‬
‫بن عبـيد بن عمير‪ ,‬قال‪ :‬عمّى ال علـى الذين أعثرهم علـى أصحاب الكهف مكانهم‪ ,‬فلـم‬
‫يهتدوا‪ ,‬فقال الـمشركون‪ :‬نبنـي علـيهم بنـيانا‪ ,‬فإنهم أبناء آبـائنا‪ ,‬ونعبد ال فـيها‪ ,‬وقال‬
‫الـمسلـمون‪ :‬بل نـحن أح قّ بهم‪ ,‬هم منا‪ ,‬نبنـي علـيهم مسجدا نصلـي فـيه‪ ,‬ونعبد ال‬
‫فـيه‪.‬‬

‫‪22‬‬ ‫الية ‪:‬‬


‫س ُهمْ‬
‫خمْ سَةٌ سَادِ ُ‬
‫ن ثَلثَةٌ رّا ِب ُعهُ مْ كَ ْل ُبهُ مْ َويَقُولُو نَ َ‬
‫سيَقُولُو َ‬
‫القول ف ـي تأوي ـل قوله تعال ـى‪َ { :‬‬
‫س ْبعَةٌ َوثَا ِمنُهُ مْ كَ ْل ُبهُ مْ قُل ّربّي أَعْلَ مُ ِب ِع ّد ِتهِم مّا َيعَْل ُمهُ ْم ِإلّ قَلِيلٌ فَلَ‬
‫ن َ‬
‫كَ ْل ُبهُ مْ َرجْما بِا ْل َغيْ بِ َويَقُولُو َ‬
‫ستَفْتِ فِي ِهمْ ّم ْن ُهمْ َأحَدا }‪.‬‬
‫ُتمَارِ فِي ِهمْ ِإلّ ِمرَآ ًء ظَاهِرا َولَ َت ْ‬
‫يقول تعالـى ذكره‪ :‬سيقول بعض الـخائضين فـي أمر ال ِفتْـية من أصحاب الكهف‪ ,‬هم‬
‫ثل ثة رابع هم كلب هم‪ ,‬ويقول بعض هم‪ :‬هم خم سة سادسهم كلب هم رجْ ما ب ـالغَيْبِ‪ :‬يقول‪ :‬قذف ـا‬
‫ن غير يقـين علـم‪ ,‬كما قال الشاعر‪:‬‬
‫بـالظ ّ‬
‫جمَا )‬
‫غيْبـا ُم َر ّ‬
‫حقّ َ‬
‫جعَلُ ِمنّـي الـ َ‬
‫(وأ ْ‬
‫وبنـحو الذي قلنا فـي ذلك‪ ,‬قال أهل التأويـل‪ .‬ذكر من قال ذلك‪:‬‬
‫سيَقُولُونَ ثَلثَةٌ‬
‫‪ 17327‬ـ حدث نا ب شر‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا يز يد‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا سعيد‪ ,‬عن قتادة‪ ,‬قوله‪َ :‬‬
‫س ُهمْ كَ ْل ُبهُ ْم رَجْما بـال َغيْبِ‪ :‬أي قذفـا بـالغيب‪.‬‬
‫خ ْمسَ ٌة سادِ ُ‬
‫رَابِ ُع ُهمْ كَ ْل ُب ُهمْ َويَقُولُونَ َ‬
‫حدث نا ال ـحسن بن يح يى‪ ,‬قال‪ :‬أخبر نا ع بد الرزاق‪ ,‬قال‪ :‬أخبر نا مع مر‪ ,‬عن قتادة‪ ,‬ف ـي‬
‫ب قال‪ :‬قذفـا بـالظنّ‪.‬‬
‫قوله‪َ :‬رجْما بـال َغيْ ِ‬
‫س ْبعَةٌ وَثام ُنهُ مْ كَ ْل ُبهُ مْ يقول‪ :‬ويقول بعض هم‪ :‬هم سبعة وثامن هم كلب هم‪ .‬قُلْ‬
‫وقوله‪َ :‬ويَقُولُو نَ َ‬
‫رَب ـيّ أعْلَ ـمُ ِب ِع ّد ِتهِ مْ يقول ع ّز ذكره لنب ـيه م ـحمد صلى ال عل يه و سلم‪ :‬قل يا م ـحمد‬
‫لقائل ـي هذه القوال ف ـي عدد الفت ـية من أ صحاب الك هف رج ما من هم ب ـالغيب‪َ :‬ربّ ـي‬
‫ل قَلِـيـلٌ من خـلقه‪ ,‬كما‪:‬‬
‫أعْلَـمُ ِب ِع ّد ِتهِمْ ما َيعْلَـ ُم ُهمْ يقول‪ :‬ما يعلـم عددهم إ ّ‬
‫حدث نا ب شر‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا يز يد‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا سعيد‪ ,‬عن قتادة ما َيعْلَ ـ ُم ُهمْ إلّ قَلِ ـيـلٌ يقول‪:‬‬
‫قلـيـل من الناس‪.‬‬
‫وقال آخرون‪ :‬بل عنى بـالقلـيـل‪ :‬أهل الكتاب‪ .‬ذكر من قال ذلك‪:‬‬
‫‪ 17328‬ـ حدثنا القاسم‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا الـحسين‪ ,‬قال‪ :‬ثنـي حجاج‪ ,‬عن ابن جريج‪ ,‬عن عطاء‬
‫ل قَلِـيـلٌ قال‪ :‬يعنـي أهل الكتاب‪ .‬وكان ابن‬
‫الـخراسانـي‪ ,‬عن ابن عبـاس ما َيعْلَـمُ ُهمْ إ ّ‬
‫عبـاس يقول‪ :‬أنا مـمن استثناه ال‪ ,‬ويقول‪ :‬عدتهم سبعة‪.‬‬
‫حدثنا ابن بشار‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا عبد الرحمن‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا إسرائيـل‪ ,‬عن سماك‪ ,‬عن عكرمة‪,‬‬
‫ل قال‪ :‬أنا من القلـيـل‪ ,‬كانوا سبعة‪.‬‬
‫عن ابن عبـاس ما َيعْلَـ ُم ُهمْ إلّ قَلِـيـ ٌ‬
‫حدث نا ب شر‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا يز يد‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا سعيد‪ ,‬عن قتادة‪ ,‬ذ كر ل نا أن ا بن عب ـاس كان‬
‫يقول‪ :‬أنا من أولئك القلـيـل الذين استثنى ال‪ ,‬كانوا سبعة وثامنهم كلبهم‪.‬‬
‫حدثنـا القاسـم‪ ,‬قال‪ :‬حدثنـا الــحسين‪ ,‬قال‪ :‬ثنــي حجاج‪ ,‬قال‪ :‬قال ابـن جريـج‪ :‬قال ابـن‬
‫عبـاس‪ :‬عدتهم سبعة وثامنهم كلبهم‪ ,‬وأنا مـمن استثنى ال‪.‬‬
‫حدث نا ال ـحسن بن يح يى‪ ,‬قال‪ :‬أخبر نا ع بد الرزاق‪ ,‬قال‪ :‬أخبر نا مع مر‪ ,‬عن قتادة‪ ,‬ف ـي‬
‫قوله‪ :‬مـا َيعْلَــُم ُهمْ إلّ قَلِــيـلٌ قال‪ :‬كان ابـن عبــاس يقول‪ :‬أنـا مـن القلــيـل‪ ,‬هـم سـبعة‬
‫وثامنهم كلبهم‪.‬‬
‫ل ِمرَاءً ظاهِرا يقول عزّ ذكره لنبــيه مــحمد صـلى ال عليـه‬
‫وقوله‪ :‬فَل تُــمَارِ فِــي ِهمْ إ ّ‬
‫و سلم‪ :‬فل ت ـمار يا م ـحمد‪ :‬يقول‪ :‬ل ت ـجادل أ هل الكتاب ف ـيهم‪ ,‬يعن ـي ف ـي عدّة أ هل‬
‫حذِ فت ال ِعدّة اكتف ـاء بذكر هم ف ـيها ل ـمعرفة ال سامعين ب ـالـمراد‪ .‬وبن ـحو الذي‬
‫الك هف‪ ,‬و ُ‬
‫قلنا فـي ذلك‪ ,‬قال أهل التأويـل‪ .‬ذكر من قال ذلك‪:‬‬
‫حدثن ـي يو نس‪ ,‬قال‪ :‬أخبر نا ا بن و هب‪ ,‬قال‪ :‬قال ا بن ز يد ف ـي قوله‪ :‬فَل تُ ـمارِ فِ ـيهِمْ‬
‫قال‪ :‬ل تـمار فـي عدّتهم‪.‬‬
‫وقوله‪ :‬إلّ ِمرَاءً ظاهِرا اختلف أهل التأويـل فـي معنى الـمِراء الظاهر الذي استثناه ال‪,‬‬
‫ورخص فـيه لنبـيه صلى ال عليه وسلم‪ ,‬فقال بعضهم‪ :‬هو ما قصّ ال فـي كتابه أبـيح له‬
‫أن يتلوه علـيهم‪ ,‬ول يـماريهم بغير ذلك‪ .‬ذكر من قال ذلك‪:‬‬
‫‪17329‬ـ حدثنـي مـحمد بن سعيد‪ ,‬قال‪ :‬ثنـي أبـي‪ ,‬قال‪ :‬ثنـي عمي‪ ,‬قال‪ :‬ثنـي أبـي‪,‬‬
‫َسـبُك مـا‬
‫ل ِمرَاءً ظاهِرا يقول‪ :‬ح ْ‬
‫عـن أبــيه‪ ,‬عـن ابـن عبــاس‪ ,‬قوله‪ :‬فَل تُــمَارِ فِــيهِمْ إ ّ‬
‫قصصت علـيك فل تـمار فـيهم‪.‬‬
‫‪17330‬ــ حدثنـا القاسـم‪ ,‬قال‪ :‬حدثنـا الــحسين‪ ,‬قال‪ :‬ثنــي حجاج‪ ,‬عـن ابـن جريـج‪ ,‬عـن‬
‫مـجاهد فَل تُـمَا ِر فِـي ِهمْ إلّ ِمرَاءً ظاهِرا يقول‪ :‬إل بـما قد أظهرنا لك من أمرهم‪.‬‬
‫‪ 17331‬ـ حدثنا بشر‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا يزيد‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا سعيد‪ ,‬عن قتادة‪ ,‬قوله‪ :‬فَل تُـمَارِ فِـي ِهمْ‬
‫إلّ ِمرَاءً ظاهِرا‪ :‬أي حسبك ما قصصنا علـيك من شأنهم‪.‬‬
‫حدثنا الـحسن بن يحيى‪ ,‬قال‪ :‬أخبرنا عبد الرزاق‪ ,‬قال‪ :‬أخبرنا معمر‪ ,‬عن قتادة فَل تُـمَارِ‬
‫سبُك ما قصصنا علـيك من شأنهم‪.‬‬
‫حْ‬‫فِـي ِهمْ قال‪َ :‬‬
‫‪ 17332‬ـ حُدثت عن الـحسين بن الفرج‪ ,‬قال‪ :‬سمعت أبـا معاذ يقول‪ :‬حدثنا عبـيد‪ ,‬قال‪:‬‬
‫سبُك ما قصصنا‬
‫سمعت الضحاك يقول فـي قوله‪ :‬فَل تُـمَارِ فِـي ِهمْ إلّ ِمرَا ًء ظاهِرا يقول‪ :‬حَ ْ‬
‫علـيك‪.‬‬
‫وقال آخرون‪ :‬الـمِراء الظاهر هو أن يقول لـيس كما تقولون‪ ,‬ونـحو هذا من القول‪ .‬ذكر‬
‫من قال ذلك‪:‬‬
‫‪ 17333‬ـ حدثن ـي يو نس‪ ,‬قال‪ :‬أخبر نا ا بن و هب‪ ,‬قال‪ :‬قال ا بن ز يد ف ـي قوله‪ :‬إلّ ِمرَاءً‬
‫ظاهِرا قال‪ :‬أن يقول ل هم‪ :‬ل ـيس ك ما تقولون‪ ,‬ل ـيس تعل ـمون عدّت هم إن قالوا كذا وكذا ف قل‬
‫ن ثَلثَ ٌة رَابِ ُعهُ مْ كَ ْل ُبهُ مْ حتـى بلغ َرجْما‬
‫سيَقُولُو َ‬
‫لـيس كذلك‪ ,‬فإنهم ل يعلـمون عدّتهم‪ ,‬وقرأ‪َ :‬‬
‫بـال َغيْبِ‪.‬‬
‫ت فِـي ِهمْ ِم ْنهُ مْ أحَدا يقول تعالـى ذكره‪ :‬ول تستفت فـي عدّة الفتـية من‬
‫ستَفْ ِ‬
‫وقوله‪ :‬وَل تَ ْ‬
‫أصحاب الكهف منهم‪ ,‬يعنـي من أهل الكتاب‪ ,‬أحدا‪ ,‬لنهم ل يعلـمون عدتهم‪ ,‬وإنـما يقولون‬
‫فـيهم رجما بـالغيب‪ ,‬ل يقـينا من القول‪ .‬وبنـحو الذي قلنا فـي ذلك‪ ,‬قال أهل التأويـل‪.‬‬
‫ذكر من قال ذلك‪:‬‬
‫‪17334‬ـ حدثنا أبو كريب‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا يحيى بن عيسى‪ ,‬عن سفـيان‪ ,‬عن قابوس‪ ,‬عن أبـيه‪,‬‬
‫ستَفْتِ فِـيهِمْ ِم ْن ُهمْ أحَدا قال‪ :‬هم أهل الكتاب‪.‬‬
‫عن ابن عبـاس‪ ,‬فـي قوله‪ :‬وَل َت ْ‬
‫‪ 17335‬ـ حدثنـي م ـحمد بن عمرو‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا أ بو عا صم‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا عي سى وحدثنـي‬
‫الـحرث‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا الـحسن‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا ورقاء‪ ,‬جميعا عن ابن أبـي نـجيح‪ ,‬عن مـجاهد‬
‫ت فِـي ِهمْ ِم ْن ُهمْ أحَدا من يهود‪.‬‬
‫وَل َتسْتَفْ ِ‬
‫حدث نا القا سم‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا ال ـحسين‪ ,‬قال‪ :‬ثن ـي حجاج‪ ,‬عن ا بن جر يج‪ ,‬عن م ـجاهد وَل‬
‫ستَفْتِ فِـي ِهمْ ِم ْنهُ مْ أحَدا‪ :‬من يهود‪ ,‬قال‪ :‬ول تسأل يهودَ عن أمر أصحاب الكهف‪ ,‬إل ما قد‬
‫تَ ْ‬
‫أخبرتك من أمرهم‪.‬‬
‫ستَفْتِ فِـي ِهمْ ِم ْنهُ مْ‬
‫‪ 17336‬ـ حدثنا بشر‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا يزيد‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا سعيد‪ ,‬عن قتادة وَل تَ ْ‬
‫أحَدا‪ :‬من أهل الكتاب‪ .‬كنا نـحدّث أنهم كانوا بنـي الركنا‪ .‬والركنا‪ :‬ملوك الروم‪ ,‬رزقهم ال‬
‫السـلم‪ ,‬فتفرّدوا بدينهـم‪ ,‬واعتزلوا قومهـم‪ ,‬حتــى انتهوا إلــى الكهـف‪ ,‬فضرب ال علــى‬
‫أ صمختهم‪ ,‬فلبثوا دهرا طويلً حت ـى هل كت أمّت هم وجاءت أمّة م سلـمة بعد هم‪ ,‬وكان ملك هم‬
‫مسلـما‪.‬‬

‫‪24‬‬ ‫و‬ ‫‪23‬‬ ‫الية ‪:‬‬


‫ل أَن َيشَآءَ الّل هُ‬
‫شيْءٍ ِإنّي فَاعِلٌ ذَلِ كَ غَدا * ِإ ّ‬
‫القول فـي تأويـل قوله تعالـى‪َ { :‬ولَ تَقْولَ نّ ِل َ‬
‫ن هَـذَا رَشَدا }‪.‬‬
‫سىَ أَن َي ْه ِديَنِ َربّي ل ْقرَبَ مِ ْ‬
‫عَ‬‫وَا ْذكُر ّر ّبكَ ِإذَا َنسِيتَ َوقُلْ َ‬
‫وهذا تأديب من ال ع ّز ذكره لنبـيه صلى ال عليه وسلم عهد إلـيه أن ل يجزم علـى ما‬
‫يحدث مـن المور أنـه كائن ل مــحالة‪ ,‬إل أن يصـله بــمشيئة ال‪ ,‬لنـه ل يكون شيـء إل‬
‫بـمشيئة ال‪.‬‬
‫وإن ـما ق ـيـل له ذلك ف ـيـما بلغ نا من أ جل أ نه و عد سائلـيه عن ال ـمسائل الثلث‬
‫اللواتـي قد ذكرناها فـيـما مضى‪ ,‬اللواتـي إحداهنّ الـمسألة عن أمر الفتـية من أصحاب‬
‫ن غد يومهم‪ ,‬ولـم يستثن‪ ,‬فـاحتبس الوحي عنه فـيـما قـيـل من‬
‫الكهف أن يجيبهم عنه ّ‬
‫أ جل ذلك خ مس عشرة‪ ,‬حت ـى حز نه إبطاؤه‪ ,‬ثم أنزل ال عل ـيه ال ـجواب عنه نّ‪ ,‬وعرف‬
‫عدَاته وخبره عما‬
‫نبـيه سبب احتبـاس الوحي عنه‪ ,‬وعلّـمه ما الذي ينبغي أن يستعمل فـي ِ‬
‫شيْءٍ‬
‫ن يا م ـحمد ِل َ‬
‫يحدث من المور الت ـي ل ـم يأ ته من ال ب ها تنزي ـل‪ ,‬فقال‪ :‬وَل تَقُولَ ّ‬
‫ل ذلك غَدا ك ما قلت لهؤلء الذ ين سألوك عن أ مر أ صحاب الك هف‪ ,‬وال ـمسائل‬
‫إنّ ـي ف ـاعِ ٌ‬
‫ن يَشاءَ الّل هُ‪ .‬ومعنى الكلم‪ :‬إل أن تقول معه‪ :‬إن‬
‫التـي سألوك عنها‪ ,‬سأخبركم عنها غدا إلّ أ ْ‬
‫شاء ال‪ ,‬فترك ذكـر تقول اكتفــاء بــما ذكـر منـه‪ ,‬إذ كان فــي الكلم دللة علــيه‪ .‬وكان‬
‫ن يَشاءَ اللّ ُه استثناء من القول‪ ,‬ل‬
‫لأ ْ‬
‫بعض أهل العربـية يقول‪ :‬جائز أن يكون معنى قوله‪ :‬إ ّ‬
‫تقولنـ قولً إل أن يشاء ال ذلك القول‪ ,‬وهذا وجـه بعيـد مـن‬
‫ّ‬ ‫مـن الفعـل كأن معناه عنده‪ :‬ل‬
‫الـمفهوم بـالظاهر من التنزيـل مع خلفه تأويـل أهل التأويـل‪.‬‬
‫وقوله‪ :‬وَا ْذ ُكرْ َربّ كَ إذَا نَ سِيتَ اختلف أهل التأويـل فـي معناه‪ ,‬فقال بعضهم‪ :‬واستثن فـي‬
‫يـمينك إذا ذكرت أنك نسيت ذلك فـي حال الـيـمين‪ .‬ذكر من قال ذلك‪:‬‬
‫‪ 17337‬ـ حدث نا م ـحمد بن هارون ال ـحربـيّ‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا نعي ـم بن حماد‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا‬
‫هشيــم‪ ,‬عـن العمـش‪ ,‬عـن مــجاهد‪ ,‬عـن ابـن عبــاس‪ ,‬فــي الرجـل يحلف‪ ,‬قال له‪ :‬أن‬
‫ت فــي ذلك قــيـل للعمـش‬
‫ّكـ إذَا نَسـِي َ‬
‫يسـتثنَـي ولو إلــى سـنة‪ ,‬وكان يقول‪ :‬وَا ْذ ُكرْ َرب َ‬
‫سمعتَه من مـجاهد‪ ,‬فقال‪ :‬ثنـي به لـيث بن أبـي سلـيـم‪ ,‬يرى ذهب كسائي هذا‪.‬‬
‫‪ 17338‬ـ حدث نا القا سم‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا ال ـحسين‪ ,‬قال‪ :‬ثن ـي حجاج‪ ,‬عن أب ـي جع فر‪ ,‬عن‬
‫ن يَشاءَ‬
‫ل ذل كَ غَدا إلّ أ ْ‬
‫ن ِلشَيْ ٍء إنّـي فـاعِ ٌ‬
‫الربـيع‪ ,‬عن أبـي العالـية‪ ,‬فـي قوله وَل تَقُولَ ّ‬
‫اللّهُ وَا ْذ ُكرْ َر ّبكَ إذَا َنسِيتَ الستثناء‪ ,‬ثم ذكرت فـاستثن‪.‬‬
‫‪ 17339‬ـ حدثنا مـحمد بن عبد العلـى‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا الـمعتـمر‪ ,‬عن أبـيه‪ ,‬فـي قوله‪:‬‬
‫ّكـ إذَا نَسـِيتَ قال‪ :‬بلغنــي أن الــحسن‪ ,‬قال‪ :‬إذا ذكـر أنـه لــم يقـل‪ :‬إن شاء ال‪,‬‬
‫وَا ْذ ُكرْ َرب َ‬
‫فلـيقل‪ :‬إن شاء ال‪.‬‬
‫وقال آخرون‪ :‬معناه‪ :‬واذكر ربك إذا عصيت‪ .‬ذكر من قال ذلك‪:‬‬
‫‪ 17340‬ـ حدثنـي نصر بن عبد الرحمن‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا حكام بن سلـم‪ ,‬عن أبـي سنان‪ ,‬عن‬
‫ثابت‪ ,‬عن عكرِمة‪ ,‬فـي قول ال‪ :‬وَا ْذ ُكرْ َر ّبكَ إذَا َنسِيتَ قال‪ :‬اذكر ربك إذا عصيت‪.‬‬
‫حدثنا ابن حميد‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا حكام‪ ,‬عن أبـي سنان‪ ,‬عن ثابت‪ ,‬عن عكرمة‪ ,‬مثله‪.‬‬
‫وأولـى القولـين فـي ذلك بـالصواب‪ ,‬قول من قال‪ :‬معناه‪ :‬واذكر ربك إذا تركت ذكره‪,‬‬
‫لن أحد معانـي النسيان فـي كلم العرب الترك‪ ,‬وقد بـيّنا ذلك فـيـما مضى قبل‪.‬‬
‫ي ف ـي ي ـمينه إذ كان مع نى الكلم ما ذكرت ب عد‬
‫فإن قال قائل‪ :‬أفجائز للر جل أن ي ستثنـ َ‬
‫حنْثه فـي يـمينه‪ ,‬فـيقول‪ :‬إن‬
‫مدة من حال حلفه؟ قـيـل‪ :‬بل الصواب أن يستثنى ولو بعد ِ‬
‫شاء ال لـيخرج بقـيـله ذلك مـما ألزمه ال فـي ذلك بهذه الَية‪ ,‬فـيسقط عنه الـحرج‬
‫بتر كه ما أمره بق ـيـله من ذلك فأ ما الكف ـارة فل ت سقط ع نه بحال‪ ,‬إل أن يكون ا ستثناؤه‬
‫موصولً بـيـمينه‪.‬‬
‫فإن قال‪ :‬ف ما و جه قول من قال له‪ُ :‬ثنْ ـياه ولو ب عد سنة‪ ,‬و من قال له ذلك ولو ب عد ش هر‪,‬‬
‫وقول من قال ما دام فـي مـجلسه؟ قـيـل‪ :‬إن معناهم فـي ذلك نـحو معنانا فـي أن ذلك‬
‫له‪ ,‬ولو بعد عشر سنـين‪ ,‬وأنه بـاستثنائه وقـيـله إن شاء ال بعد حين من حال حلفه‪ ,‬يسقط‬
‫عنه ال ـحرج الذي لو ل ـم يقله كان له لز ما فأ ما الكف ـارة فله لز مة ب ـالـحِنْث بكلّ حال‪,‬‬
‫إل أن يكون اسـتثناؤه كان موصـولً بــالـحلف‪ ,‬وذلك أنـا ل نعلــم قائلً قال مــمن قال له‬
‫ال ّثنْ ـيا ب عد ح ين يز عم أن ذلك ي ضع ع نه الكف ـارة إذا حنِث‪ ,‬فف ـي ذلك أو ضح الدل ـيـل‬
‫علـى صحة ما قلنا فـي ذلك‪ ,‬وأن معنى‬
‫القول فـيه‪ ,‬كان نـحو معنانا فـيه‪.‬‬
‫ن َهذَا َرشَدا يقول ع ّز ذكره لنب ـيه صلى ال‬
‫ب مِ ْ‬
‫ل ْقرَ َ‬
‫ن رَبّ ـي َ‬
‫ن َي ْهدِي ِ‬
‫وقوله‪َ :‬وقُلْ عَ سَى أ ْ‬
‫ل ال أن يهدينـي فـيسدّدنـي لسدّ مـما وعدتكم وأخبرتكم أنه سيكون‪,‬‬
‫عليه وسلم‪ :‬قل ولع ّ‬
‫إن هو شاء‪.‬‬
‫و قد ق ـيـل‪ :‬إن ذلك م ـما أُ مر النب ـيّ صلى ال عل يه و سلم أن يقوله إذا ن سي ال ستثناء‬
‫ف ـي كل مه‪ ,‬الذي هو عنده ف ـي أ مر م ستقبل مع قوله‪ :‬إن شاء ال‪ ,‬إذا ذ كر‪ .‬ذ كر من قال‬
‫ذلك‪:‬‬
‫‪17341‬ـ حدثنا ابن عبد العلـى‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا الـمعتـمر‪ ,‬عن أبـيه‪ ,‬عن مـحمد‪ ,‬رجل من‬
‫شيْءٍ‬
‫أهـل الكو فة‪ ,‬كان يفسـر القرآن‪ ,‬وكان يجلس إلــيه يحيـى بن عبــاد‪ ,‬قال‪ :‬وَل تَقُولَ نّ ِل َ‬
‫ن َربّ ـي‬
‫ن َي ْهدِيَ َ‬
‫ن يَشاءَ الّل هُ وَا ْذكُرْ َربّ كَ إذَا نَ سِيتَ َوقُلْ عَ سَى أ ْ‬
‫لأ ْ‬
‫ل ذل كَ غَدا إ ّ‬
‫إنّ ـي ف ـاعِ ٌ‬
‫لقْرَ بَ ِم نْ َهذَا رَشَدا قال فقال‪ :‬وإذا نسي النسان أن يقول‪ :‬إن شاء ال‪ ,‬قال‪ :‬فتوبته من ذلك‪,‬‬
‫َ‬
‫لقْرَبَ ِمنْ َهذَا رَشَدا‪.‬‬
‫عسَى أنْ َي ْهدِينِ َربّـي َ‬
‫أو كفّـارة ذلك أن يقول‪َ :‬‬

‫‪26‬‬ ‫و‬ ‫‪25‬‬ ‫الية ‪:‬‬


‫سنِينَ وَا ْزدَادُو ْا تِ سْعا * قُلِ‬
‫القول فـي تأويـل قوله تعالـى‪{ :‬وََل ِبثُو ْا فِي َكهْ ِفهِ مْ ثَل ثَ ِمئَ ٍة ِ‬
‫سمِعْ مَا َلهُم مّن دُونِ ِه مِن وَلِ يّ َولَ‬
‫ض َأبْ صِرْ ِب هِ وَأَ ْ‬
‫سمَاوَاتِ وَالرْ ِ‬
‫غيْ بُ ال ّ‬
‫اللّ ُه أَعْلَ مُ ِبمَا َل ِبثُواْ َل هُ َ‬
‫ح ْكمِ ِه َأحَدا }‪.‬‬
‫ُيشْ ِركُ فِي ُ‬
‫سنِـينَ وَا ْزدَادُوا تِ سْعا‬
‫اختلف أهل التأويـل فـي معنى قوله وََل َبثُوا فِـي َكهْ ِفهِ مْ ثَل ثَ ِمئَ ٍة ِ‬
‫فقال بعضهـم‪ :‬ذلك خـبر مـن ال تعالــى ذكره عـن أهـل الكتاب أنهـم يقولون ذلك كذلك‪,‬‬
‫واستشهدوا علـى صحة قولهم ذلك بقوله‪ :‬قُلِ الّلهُ أعْلَـمُ بِـمَا َل ِبثُوا وقالوا‪ :‬لو كان ذلك خبرا‬
‫من ال عن قدر لبثهم فـي الكهف‪ ,‬لـم يكن لقوله قُلِ اللّ هُ أعْلَـمُ بِـمَا َل ِبثُوا وجه مفهوم‪ ,‬وقد‬
‫أعلـم ال خـلقه مبلغ لبثهم فـيه وقدره‪ .‬ذكر من قال ذلك‪:‬‬
‫‪ 17342‬ـ حدثنا بشر‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا يزيد‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا سعيد‪ ,‬عن قتادة‪ ,‬قوله‪ :‬وََل ِبثُوا فِـي َكهْ ِفهِ مْ‬
‫سنِـينَ وَا ْزدَادُوا تِ سْعا هذا قول أهل الكتاب‪ ,‬فردّه ال علـيهم فقال‪ :‬قُلِ اللّ هُ أعْلَـمُ‬
‫ث ِمئَةٍ ِ‬
‫ثل َ‬
‫ت والرْضِ‪.‬‬
‫سمَوا ِ‬
‫غيْبُ ال ّ‬
‫بِـمَا َل ِبثُوا َلهُ َ‬
‫حدثنا الـحسن بن يحيى‪ ,‬قال‪ :‬أخبرنا عبد الرزاق‪ ,‬قال‪ :‬أخبرنا معمر‪ ,‬عن قتادة فـي قوله‬
‫وََل ِبثُوا فِ ـي َكهْ ِفهِ مْ قال‪ :‬ف ـي حرف ا بن م سعود‪« :‬وَقالُوا وََل ِبثُوا» يعن ـي أ نه قال الناس‪ ,‬أل‬
‫ترى أنه قال‪ :‬قُلِ اللّهُ أعْلَـمُ بِـمَا َل ِبثُوا‪.‬‬
‫‪ 17343‬ـ حدثنا علـيّ بن سهل‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا ضمرة بن ربـيعة‪ ,‬عن ابن شوذب عن مطر‬
‫سـنِـينَ قال‪ :‬إنــما هـو شيـء قالتـه‬
‫َلثـ ِمئَ ٍة ِ‬
‫ِمـ ث َ‬
‫الورّاق‪ ,‬فــي قول ال‪ :‬وََل ِبثُوا فِــي َكهْ ِفه ْ‬
‫الـيهود‪ ,‬فردّه ال علـيهم وقال‪ :‬قُلِ الّلهُ أعْلَـ ُم بِـمَا َل ِبثُوا‪.‬‬
‫وقال آخرون‪ :‬بل ذلك خبر من ال عن مبلغ ما لبثوا فـي كهفهم‪ .‬ذكر من قال ذلك‪:‬‬
‫‪ 17344‬ـ حدثنـي م ـحمد بن عمرو‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا أ بو عا صم‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا عي سى وحدثنـي‬
‫الـحرث‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا الـحسن‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا ورقاء‪ ,‬جميعا عن ابن أبـي نـجيح‪ ,‬عن مـجاهد‬
‫سنِـينَ وَا ْزدَادُوا ِتسْعا قال‪ :‬عدد ما لبثوا‪.‬‬
‫ث ِمئَ ٍة ِ‬
‫وََل ِبثُوا فِـي َكهْ ِف ِهمْ ثَل َ‬
‫حدثنـا القاسـم‪ ,‬قال‪ :‬حدثنـا الــحسين‪ ,‬قال‪ :‬ثنــي حجاج‪ ,‬عـن ابـن جريـج‪ ,‬عـن مــجاهد‬
‫بنـحوه‪ ,‬وزاد فـيه قُلِ الّلهُ أعْلَـ ُم بِـمَا َل ِبثُوا‪.‬‬
‫‪ 17345‬ـ حدثنا ابن حميد‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا سلـمة‪ ,‬عن عبد العزيز بن أبـي رواد‪ ,‬عن عبد ال‬
‫سنِـينَ وَا ْزدَادُوا تِ سْعا قال‪ :‬وت سع‬
‫بن عب ـيد بن عم ير‪ ,‬قال‪ :‬وَل َبثُوا ف ـي كْهفِهْم ثَل ثَ ِمئَ ٍة ِ‬
‫سنـين‪.‬‬
‫‪17346‬ـ حدثنا ابن حميد‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا سلـمة‪ ,‬عن ابن إسحاق بنـحوه‪.‬‬
‫‪ 17347‬ـ حدث نا مو سى بن ع بد الرح من ال ـمسروقـي‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا أ بو أ سامة‪ ,‬قال‪ :‬ثن ـي‬
‫ث ِمئَةٍ فقالوا‪:‬‬
‫الجلـح‪ ,‬عن الضحاك بن مزاحم‪ ,‬قال‪ :‬نزلت هذه الَية وََل ِبثُوا فِـي َكهْ ِفهِ مْ ثَل َ‬
‫سنِـينَ وَا ْزدَادُوا ِتسْعا‪.‬‬
‫أياما أو أشهرا أو سنـين؟ فأنزل ال‪ِ :‬‬
‫‪ 17348‬ـ حدثنـي م ـحمد بن عمرو‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا أ بو عا صم‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا عي سى وحدثنـي‬
‫الـحرث‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا الـحسن‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا ورقاء‪ ,‬جميعا عن ابن أبـي نـجيح‪ ,‬عن مـجاهد‬
‫وََل ِبثُوا فـي َكهْ ِف ِهمْ قال‪ :‬بـين جبلـين‪.‬‬
‫حدثنا القاسم‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا الـحسين‪ ,‬قال‪ :‬ثنـي حجاج‪ ,‬عن ابن جريج‪ ,‬عن مـجاهد‪ ,‬مثله‪.‬‬
‫وأولــى القوال فــي ذلك بــالصواب أن يقال كمـا قال ال ع ّز ذكره‪ :‬ولبـث أصـحاب‬
‫الك هف ف ـي كهف هم رقودا إل ـى أن بعث هم ال‪ ,‬ل ـيتساءلوا ب ـينهم‪ ,‬وإل ـى أن أع ثر عل ـيهم‬
‫من أع ثر‪ ,‬ثلث مئة سنـين وت سع سنـين‪ ,‬وذلك أن ال بذلك أ خبر ف ـي كتا به‪ .‬وأ ما الذي‬
‫ذُ كر عن ا بن م سعود أ نه قرأ «وَقالُوا‪ :‬وََل ِبثُوا فِـي َكهْفِهِم» وقول من قال‪ :‬ذلك من قول أ هل‬
‫الكتاب‪ ,‬وقـد ردّ ال ذلك علــيهم‪ ,‬فإن معناه فــي ذلك‪ :‬إن شاء ال كان أن أهـل الكتاب قالوا‬
‫فـيـما ذكر علـى عهد رسول ال صلى ال عليه وسلم أن للفتـية من لدن دخـلوا الكهف‬
‫إلـى يومنا ثلث مئة سنـين وتسع سنـين‪ ,‬فردّ ال ذلك علـيهم‪ ,‬وأخبر نبـيه أن ذلك قدر‬
‫لبث هم ف ـي الك هف من لدن أوَوا إل ـيه أن بعث هم ل ـيتساءلوا ب ـينهم ثم قال جلّ ثناؤه لنب ـيه‬
‫صلى ال عليه وسلم‪ :‬قل يا مـحمد‪ :‬ال أعلـم بـما لبثوا بعد أن قبض أرواحهم‪ ,‬من بعد أن‬
‫بعثهم من رقدتهم إلـى يومهم هذا‪ ,‬ل يعلـم بذلك غير ال‪ ,‬وغير من أعلـمه ال ذلك‪.‬‬
‫ل ثناؤه ابتدأ‬
‫فإن قال قائل‪ :‬و ما يدلّ عل ـى أن ذلك كذلك؟ ق ـيـل‪ :‬الدالّ عل ـى ذلك أ نه ج ّ‬
‫الـخبر عن قدر لبثهم فـي كهفهم ابتداء‪ ,‬فقال‪ :‬وَلِبثُوا فـي َكهْ ِفهِمْ ثَلثَ مئَ ٍة سنـينَ وَا ْزدَادُوا‬
‫ت سْعا ولـم يضع دلـيلً علـى أن ذلك خبر منه عن قول قوم قالوه‪ ,‬وغير جائز أن يضاف‬
‫خـبره عـن شيـء إلــى أنـه خـبر عـن غيره بغيـر برهان‪ ,‬لن ذلك لو جاز جاز فــي كلّ‬
‫أخبــاره‪ ,‬وإذا جاز ذلك فــي أخبــاره جاز فــي أخبــار غيره أن يضاف إلــيه أنهـا‬
‫أخبـاره‪ ,‬وذلك قلب أعيان الـحقائق وما ل يخيـل فساده‪.‬‬
‫فإن ظنّـ ظانّـ أن قوله‪ :‬قُلِ اللّهُـ أعْلَــمُ بِــمَا َل ِبثُوا دلــيـل علــى أن قوله‪ :‬وَلِبثُوا فِــي‬
‫ِمـ خـبر منـه عـن قوم قالوه‪ ,‬فإن ذلك كان يجـب أن يكون كذلك لو كان ل يحتــمل مـن‬
‫َكهْ ِفه ْ‬
‫التأوي ـل غيره فأ ما و هو م ـحتـمل ما قل نا من أن يكون معناه‪ :‬قل ال أعل ـم ب ـما لبثوا‬
‫إلـى يوم أنزلنا هذه السورة‪ ,‬وما أشبه ذلك من الـمعانـي فغير واجب أن يكون ذلك دلـيلً‬
‫عل ـى أن قوله‪ :‬وَِل ِبثُوا فـي َكهْ ِفهِ مْ خبر من ال عن قوم قالوه‪ ,‬وإذا لـم يكن دلـيلً علـى‬
‫ِمـ خَبر مـن ال عـن قوم قالوه‪ ,‬ول قامـت‬
‫ذلك‪ ,‬ولــم يأت خـبر بأن قوله‪ :‬وَِل ِبثُوا فــي َكهْ ِفه ْ‬
‫ح ما قلنا‪ ,‬وفسَد ما خالفه‪.‬‬
‫بصحة ذلك حجة يجب التسلـيـم لها‪ ,‬ص ّ‬
‫ـنِـينَ فقرأت ذلك عامـة قرّاء الــمدينة‬
‫ـ ِم َئةٍ س ِ‬
‫واختلفـت القرّاء فــي قراءة قوله‪ :‬ثَلث َ‬
‫سنِـينَ بتنوين‪ :‬ثلث مئةٍ‪ ,‬بـمعنى‪ :‬ولبثوا فـي كهفهم‬
‫والبصرة وبعض الكوفـين ثَل ثِ ِمئَ ٍة ِ‬
‫سـنـين ثلث مئة‪ .‬وقرأتـه عامـة قرّاء أهـل الكوفـة‪« :‬ثَلثَـ ِمئَةِ سِـنِـينَ» بإضافـة ثلث مئة‬
‫إلـى السنـين‪ ,‬غير منوّن‪.‬‬
‫ثلثـ ِمئَ ٍة بــالتنوين‬
‫َ‬ ‫وأولــى القراءتــين فــي ذلك عندي بــالصواب قراة مـن قرأه‪:‬‬
‫سنِـينَ‪ ,‬وذلك أن العرب إنـما تضيف الـمئة إلـى ما يفسرها إذا جاء تفسيرها بلفظ الواحد‪,‬‬
‫ِ‬
‫وذلك كقول هم ثلث مئة در هم‪ ,‬وعندي مئة دينار‪ ,‬لن ال ـمئة واللف عدد كث ـير‪ ,‬والعرب ل‬
‫تفسر ذلك إل بـما كان بـمعناه فـي كثرة العدد‪ ,‬والواحد يؤدّي عن الـجنس‪ ,‬ولـيس ذلك‬
‫للقل ـيـل من العدد‪ ,‬وإن كا نت العرب رب ـما وض عت ال ـجمع القل ـيـل مو ضع الكث ـير‪,‬‬
‫ولـيس ذلك بـالكثـير‪ .‬وأما إذا جاء تفسيرها بلفظ الـجمع‪ ,‬فإنها تنوّن‪ ,‬فتقول‪ :‬عندي أل فٌ‬
‫دراهمُ‪ ,‬وعندي مئ ٌة دنانـير‪ ,‬علـى ما قد وصفت‪.‬‬
‫ت والرْ ضِ يقول تعالـى ذكره‪ :‬ل علـم غيب السموات والرض‪,‬‬
‫سمَوَا ِ‬
‫ب ال ّ‬
‫غيْ ُ‬
‫وقوله‪ :‬لَ هُ َ‬
‫ل يعزب ع نه عل ـم ش يء م نه‪ ,‬ول يخف ـى عل ـيه ش يء‪ ,‬يقول‪ :‬ف سلـموا له عل ـم مبلغ ما‬
‫لبثـت الفتــية فــي الكهـف إلــى يومكـم هذا‪ ,‬فإن ذلك ل يعلــمه سـوى الذي يعلــم غيـب‬
‫السموات والرض‪ ,‬ولـيس ذلك إل ال الواحد القهار‪.‬‬
‫ِهـ وأسـمِعْ يقول‪ :‬أبصـر بــال وأسـمع‪ ,‬وذلك بــمعنى الــمبـالغة فــي‬
‫وقوله‪ :‬أبْصـرْ ب ِ‬
‫الـمدح‪ ,‬كأنه قـيـل‪ :‬ما أبصره وأسمعه‪.‬‬
‫وتأويـل الكلم‪ :‬ما أبصر ال لكلّ موجود‪ ,‬وأسمعه لكلّ مسموع‪ ,‬ل يخفـى علـيه من ذلك‬
‫شيء‪ ,‬كما‪:‬‬
‫‪ 17349‬ـ حدثنا بشر‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا يزيد‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا سعيد‪ ,‬عن قتادة أبْصرْ بِ هِ وأسمِعْ فل أحد‬
‫أبصر من ال ول أسمع‪ ,‬تبـارك وتعالـى‪.‬‬
‫‪17350‬ـ حدثنا يونس‪ ,‬قال‪ :‬أخبرنا ابن وهب‪ ,‬قال‪ :‬قال ابن زيد‪ ,‬فـي قوله‪ :‬أبْصرْ بِ ِه وأسمِعْ‬
‫ن دُونِ ِه مِنْ وَلِـيّ قال‪ :‬يرى أعمالهم‪ ,‬ويسمع ذلك منهم سميعا بصيرا‪.‬‬
‫ما َل ُهمْ مِ ْ‬
‫وقوله‪ :‬ما َلهُ مْ مِ نْ دُونِ هِ مِ نْ وَلِ ـيّ يقول جلّ ثناؤه‪ :‬ما ل ـخـلقه دون رب هم الذي خ ـلقهم‬
‫ك فِـي‬
‫ولـيّ‪ ,‬يـلـي أمرهم وتدبـيرهم‪ ,‬وصرفهم فـيـما هم فـيه مصرفون‪ .‬وَل ُيشْرِ ُ‬
‫حُكمِ ِه أحَدا يقول‪ :‬ول يجعل ال فـي قضائه‪ ,‬وحكمه فـي خـلقه أحدا سواه شريكا‪ ,‬بل هو‬
‫الـمنفرد بـالـحكم والقضاء فـيهم‪ ,‬وتدبـيرهم وتصريفهم فـيـما شاء وأحبّ‪.‬‬

‫‪27‬‬ ‫الية ‪:‬‬


‫ل ُم َبدّلَ ِلكَِلمَاتِ هِ وَلَن‬
‫القول فـي تأويـل قوله تعالـى‪{ :‬وَاتْلُ مَآ ُأ ْوحِ يَ إَِليْ كَ مِن ِكتَا بِ َربّ كَ َ‬
‫جدَ مِن دُونِ ِه مُ ْل َتحَدا }‪.‬‬
‫َت ِ‬
‫يقول تعالـى ذكره لنبـيه مـحمد صلى ال عليه وسلم‪ :‬واتبع يا مـحمد ما أنزل إلـيك‬
‫من كتاب ر بك هذا‪ ,‬ول تترك نّ تلو ته‪ ,‬واتب ـاع ما ف ـيه من أ مر ال ونه يه‪ ,‬والع مل بحلله‬
‫وحرا مه‪ ,‬فتكون من الهالك ين وذلك أن م صير من خال فه‪ ,‬وترك اتب ـاعه يوم الق ـيامة إل ـى‬
‫جهن ـم ل ُم َبدّلَ لكَلــماتِهِ يقول‪ :‬ل مغيـر لــما أو عد بكلــماته الت ـي أنزل ها عل ـيك أهـل‬
‫معاصيه‪ ,‬والعاملـين بخلف هذا الكتاب الذي أوحيناه إلـيك‪.‬‬
‫ن دُونِ ِه مُ ْلتَـحَدا يقول‪ :‬وإن أنت يا مـحمد لـم تتل ما أوحى إلـيك‬
‫جدَ مِ ْ‬
‫وقوله‪ :‬وََل نْ تَـ ِ‬
‫من كتاب ر بك فتتب عه وتأت ـمّ به‪ ,‬فنالك وع يد ال الذي أو عد ف ـيه ال ـمخالفـين حدوده‪ ,‬لن‬
‫تــجد مـن دون ال موئلً تئل إلــيه ومعدلً تعدل عنـه إلــيه‪ ,‬لن قدرة ال مــحيطة بـك‬
‫وبجميع خـلقه‪ ,‬ل يقدر أحد منهم علـى الهرب من أمر أراد به‪.‬‬
‫وبن ـحو الذي قل نا ف ـي مع نى قوله‪ :‬مُ ْلتَ ـحَدا قال أ هل التأوي ـل‪ ,‬وإن اختل فت ألف ـاظهم‬
‫فـي البـيان عنه‪ .‬ذكر من قال ذلك‪:‬‬
‫‪17351‬ـ حدثنا مـحمد بن بشار‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا يحيى بن سعيد‪ ,‬عن سفـيان‪ ,‬عن منصور‪ ,‬عن‬
‫مـجاهد‪ ,‬فـي قوله‪ :‬مُ ْلتَـحَدا قال‪ :‬مَلْـجَأ‪.‬‬
‫حدثنـي مـحمد بن عمرو‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا أبو عاصم‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا عيسى وحدثنـي الـحرث‪,‬‬
‫قال‪ :‬حدثنا الـحسن‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا ورقاء‪ ,‬جميعا‪ ,‬عن ابن أبـي نـجيح‪ ,‬عن مـجاهد مُ ْلتَـحَدا‬
‫قال‪ :‬ملـجأ‪.‬‬
‫حدثنا القاسم‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا الـحسين‪ ,‬قال‪ :‬ثنـي حجاج‪ ,‬عن ابن جريج‪ ,‬عن مـجاهد‪ ,‬مثله‪.‬‬
‫ن دُو ِن هِ‬
‫جدَ مِ ْ‬
‫‪ 17352‬ـ حدث نا ب شر‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا يز يد‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا سعيد‪ ,‬عن قتادة وَلَ نْ تَ ـ ِ‬
‫مُ ْلتَـحَدا قال‪ :‬موئلً‪.‬‬
‫حدثنـا الــحسن‪ ,‬قال‪ :‬أخبرنـا عبـد الرزاق‪ ,‬قال‪ :‬أخبرنـا معمـر‪ ,‬عـن قتادة‪ ,‬فــي قوله‪:‬‬
‫مُ ْلتَـحَدا قال‪ :‬ملـجأ ول موئلً‪.‬‬
‫جدَ‬
‫ن تَـ ِ‬
‫‪ 17353‬ـ حدثنـي يونس‪ ,‬قال‪ :‬أخبرنا ابن وهب‪ ,‬قال‪ :‬قال ابن زيد‪ ,‬فـي قوله‪ :‬وَلَ ْ‬
‫ن دُو ِن ِه مُ ْلتَـحَدا قال‪ :‬ل يجدون ملتـحدا يـلتـحدونه‪ ,‬ول يجدون من دونه ملـجأ ول أحدا‬
‫مِ ْ‬
‫ي ـمنعهم‪ .‬وال ـملتـحد‪ :‬إن ـما هو ال ـمفتعل من الل ـحد‪ ,‬يقال م نه‪ :‬ل ـحدت إل ـى كذا‪ :‬إذا‬
‫ملت إل ـيه وم نه ق ـيـل لل ـحد‪ :‬ل ـحد‪ ,‬ل نه ف ـي ناح ية من ال قبر‪ ,‬ول ـيس ب ـالشقّ الذي‬
‫فـي وسطه‪ ,‬ومنه اللـحاد فـي الدين‪ ,‬وهو الـمعاندة بـالعدول عنه‪ ,‬والترك له‪.‬‬

‫‪28‬‬ ‫الية ‪:‬‬


‫ن َيدْعُو نَ َربّهُم بِا ْل َغدَاةِ وَا ْل َعشِ يّ‬
‫سكَ مَ عَ اّلذِي َ‬
‫ص ِبرْ نَفْ َ‬
‫القول ف ـي تأوي ـل قوله تعال ـى‪{ :‬وَا ْ‬
‫ن أَغْفَ ْلنَا قَ ْلبَ هُ عَن ِذ ْكرِنَا‬
‫ل ُتطِ عْ َم ْ‬
‫حيَا ِة ال ّدنْيَا َو َ‬
‫ع ْنهُ مْ ُترِيدُ زِينَ َة ا ْل َ‬
‫ع ْينَا كَ َ‬
‫جهَ هُ َولَ َت ْعدُ َ‬
‫ُيرِيدُو نَ َو ْ‬
‫وَا ّتبَعَ َهوَا ُه َوكَانَ َأ ْمرُ ُه فُرُطا }‪.‬‬
‫سكَ مَ عَ‬
‫صبِرْ يا م ـحمد نَفْ َ‬
‫يقول تعال ـى ذكره لنب ـيه م ـحمد صلى ال عل يه و سلم‪ :‬وَا ْ‬
‫ـ بذكرهـم إياه بــالتسبـيح والتــحميد‬
‫ـ بــال َغدَاةِ وال َعشِي ّ‬
‫ـ َر ّبهُم ْ‬
‫ـ َيدْعُون َ‬
‫أصـحابك اّلذِين َ‬
‫والتهلـيـل والدعاء والعمال الصالـحة من الصلوات الـمفروضة وغيرها ُيرِيدُو نَ بفعلهم‬
‫ج َههُ ل يريدون عرضا من عرض الدنـيا‪.‬‬
‫ذلك َو ْ‬
‫ن َر ّبهُ مْ ب ـال َغدَاةِ وال َعشِ يّ ف ـي سورة‬
‫و قد ذكر نا اختلف ال ـمختلفـين ف ـي قوله َيدْعُو َ‬
‫النعام‪ ,‬والصواب من‬
‫القول فــي ذلك عند نا‪ ,‬فأغ نى ذلك عن إعاد ته ف ـي هذا ال ـموضع‪ .‬والقرّاء عل ـى قراءة‬
‫ذلك‪ :‬بـال َغدَاة وال َعشِ يّ‪ ,‬وقد ذُكر عن عبد ال بن عامر وأبـي عبد الرحمن السلـمي أنهما‬
‫كا نا يقرآ نه‪« :‬ب ـالغدوة والعش يّ»‪ ,‬وذلك قراءة ع ند أ هل العل ـم ب ـالعربـية مكرو هة‪ ,‬لن‬
‫غدوة معرّفة‪ ,‬ول ألف ول لم فـيها‪ ,‬وإنـما يعرّف بـاللف واللم ما لـم يكن معرفة فأما‬
‫ال ـمعارف فل تعرّف به ما‪ .‬وب عد‪ ,‬فإن غدوة ل تضاف إل ـى ش يء‪ ,‬وامتناع ها من الضا فة‬
‫دلـيـل واضح علـى امتناع اللف واللم من الدخول علـيها‪ ,‬لن ما دخـلته اللف واللم‬
‫من السماء صلـحت فـيه الضافة وإنـما تقول العرب‪ :‬أتـيتك غداة الـجمعة‪ ,‬ول تقول‪:‬‬
‫أتــيتك غدوة الــجمعة‪ ,‬والقراءة عندنـا فــي ذلك مـا علــيه القرّاء فــي المصـار ل‬
‫نستـجيز غيرها لجماعها علـى ذلك‪ ,‬وللعلة التـي بـيّنا من جهة العربـية‪.‬‬
‫ع ْنهُ مْ يقول جلّ ثناؤه لنبـيه صلى ال عليه وسلم‪ :‬ول تصرف عيناك‬
‫عيْنا كَ َ‬
‫وقوله‪ :‬وَل َت ْعدُ َ‬
‫عن هؤلء الذ ين أمر تك يا م ـحمد أن ت صبر نف سك مع هم إل ـى غير هم من الكف ـار‪ ,‬ول‬
‫تـجاوزهم إلـيه وأصله من قولهم‪ :‬عدوت ذلك‪ ,‬فأنا أعدوه‪ :‬إذا جاوزته‪ .‬وبنـحو الذي قلنا‬
‫فـي ذلك‪ ,‬قال أهل التأويـل‪ .‬ذكر من قال ذلك‪:‬‬
‫‪ 17354‬ـ حدث نا القا سم‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا ال ـحسين‪ ,‬قال‪ :‬ثن ـي حجاج‪ ,‬عن ا بن جر يج‪ ,‬قال‪ :‬قال‬
‫ع ْن ُهمْ قال‪ :‬ل تـجاوزهم إلـى غيرهم‪.‬‬
‫عيْناكَ َ‬
‫ابن عبـاس‪ ,‬فـي قوله‪ :‬وَل َت ْعدُ َ‬
‫حدثن ـي عل ـيّ‪ ,‬قال‪ :‬ثن ـي ع بد ال‪ ,‬قال‪ :‬ثن ـي معاو ية‪ ,‬عن عل ـيّ‪ ,‬عن ا بن عب ـاس‪,‬‬
‫ع ْن ُهمْ يقول‪ :‬ل تتعدّهم إلـى غيرهم‪.‬‬
‫عيْناكَ َ‬
‫قوله‪ :‬وَل َت ْعدُ َ‬
‫‪ 17355‬ـ حدثن ـي يو نس‪ ,‬قال‪ :‬أخبر نا ا بن و هب‪ ,‬قال‪ :‬قال ا بن ز يد‪ ,‬ف ـي قوله‪ :‬وا صْ ِبرْ‬
‫ي صلى ال عليه وسلم‪ :‬إنا نستـحيـي أن نـجالس فلنا‬
‫سكَ‪ ...‬الَية‪ ,‬قال‪ :‬قال القوم للنبـ ّ‬
‫نَفْ ِ‬
‫سكَ مَعَ اّلذِينَ‬
‫ص ِبرْ نَفْ َ‬
‫وفلنا وفلنا‪ ,‬فجانبهم يا مـحمد‪ ,‬وجالس أشراف العرب‪ ,‬فنزل القرآن وَا ْ‬
‫ع ْنهُ مْ ول ت ـحقرهم‪ ,‬قال‪ :‬قد‬
‫عيْنا كَ َ‬
‫ج َه هُ وَل َت ْعدُ َ‬
‫ن َربّهُ مْ ب ـال َغدَاة وال َعشِ يّ ُيرِيدُو نَ َو ْ‬
‫َيدْعُو َ‬
‫عنْ ِذ ْكرِنا وَا ّتبَعَ َهوَا ُه وكانَ أ ْمرُ ُه فُرُطا‪.‬‬
‫أمرونـي بذلك‪ ,‬قال‪ :‬وَل ُتطِعْ مَنْ أغْفَلْنا قَ ْلبَهُ َ‬
‫‪17356‬ـ حدثنا الربـيع بن سلـيـمان‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا ابن وهب‪ ,‬قال‪ :‬أخبرنـي أسامة بن زيد‪,‬‬
‫عن أب ـي حازم‪ ,‬عن ع بد الرح من بن سهل بن حن ـيف‪ ,‬أن هذه الَ ية ل ـما نزلت عل ـى‬
‫ن َر ّبهُ مْ‬
‫سكَ مَ َع اّلذِي نَ َيدْعُو َ‬
‫صبْر نَفْ َ‬
‫رسول ال صلى ال عليه وسلم وهو فـي بضع أبـياته وَا ْ‬
‫جهَ ُه فخرج يـلتـمس‪ ,‬فوجد قوما يذكرون ال‪ ,‬منهم ثائر الرأس‪,‬‬
‫بـال َغدَاةِ وال َعشِ يّ ُيرِيدُو نَ َو ْ‬
‫جعَلَ‬
‫ح ْمدُ لِّل هِ اّلذِي َ‬
‫وجا فّ ال ـجلد‪ ,‬وذو الثوب الوا حد‪ ,‬فل ـما رآ هم جلس مع هم‪ ,‬فقال‪« :‬ال ـ َ‬
‫ن َأصْ ِبرَ نَ ْفسِي َمعَهُ» ورُفعت العينان بـالفعل‪ ,‬وهو ل تعد‪.‬‬
‫لِـي فِـي ُأمّتـي مَنْ أمرنـي أ ْ‬
‫وقوله‪ُ :‬ترِيدُ زِينَة ال ـحَيا َة الدّن ـيْا يقول تعال ـى ذكره لنب ـيه صلى ال عل يه و سلم‪ :‬ل تعدُ‬
‫عيناك عـن هؤلء الــمؤمنـين الذيـن يدعون ربهـم إلــى أشراف الــمشركين‪ ,‬تبغـي‬
‫بـمـجالستهم الشرف والفخر وذلك أن رسول ال صلى ال عليه وسلم أتاه فـيـما ذكر قوم‬
‫من عظماء أ هل الشرك‪ ,‬وقال بعض هم‪ :‬بل من عظماء قب ـائل العرب م ـمن ل ب صيرة ل هم‬
‫بـالسلم‪ ,‬فرأوه جالسا مع خبـاب وصهيب وبلل‪ ,‬فسألوه أن يقـيـمهم عنه إذا حضروا‪,‬‬
‫ن َر ّبهُ مْ‬
‫ن َيدْعُو َ‬
‫قالوا‪ :‬فه ّم ر سول ال صلى ال عل يه و سلم‪ ,‬فأنزل ال عل ـيه‪ :‬وَل َتطْ ُردِ اّلذِي َ‬
‫َهـ ثـم كان يقوم إذا أراد القــيام‪ ,‬ويتركهـم قعودا‪ ,‬فأنزل ال‬
‫جه ُ‬‫ُونـ َو ْ‬
‫ِيـ ُيرِيد َ‬
‫بــال َغدَاةِ وَال َعش ّ‬
‫ع ْنهُ مْ‬
‫عيْنا كَ َ‬
‫سكَ مَ عَ اّلذِي نَ َيدْعُو نَ َر ّبهُ مْ بـالغَدَاةِ وال َعشِ يّ‪ ...‬الَ ية وَل َت ْعدُ َ‬
‫ص ِبرْ نَف َ‬
‫عل ـيه وَا ْ‬
‫ُترِيدُ زِينَ َة الـحَيا ِة الدّنـيْا يريد زينة الـحياة الدنـيا‪ :‬مـجالسة أولئك العظماء الشراف‪ ,‬وفد‬
‫ذكرت الرواية بذلك فـيـما مضى قبل فـي سورة النعام‪.‬‬
‫‪ 17357‬ـ حدثنـي الـحسين بن عمرو العنقزي‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا أبـي‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا أسبـاط بن‬
‫نصر‪ ,‬عن السدي‪ ,‬عن أبـي سعيد الزدي‪ ,‬وكان قارىء الزد عن أبـي الكنود‪ ,‬عن خبـاب‬
‫ف ـي ق صة ذكر ها عن النب ـيّ صلى ال عل يه و سلم‪ ,‬ذ كر ف ـيها هذا الكلم مدر جا ف ـي‬
‫ع ْن ُهمْ ُترِيدُ زِينَ َة الـحَيا ِة الدّنـيْا قال‪ :‬تـجالس الشراف‪.‬‬
‫عيْناكَ َ‬
‫الـخبر وَل َت ْعدُ َ‬
‫‪17358‬ـ حدثنا القاسم‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا الـحسين‪ ,‬قال‪ :‬ثنـي حجاج‪ ,‬عن ابن جريج‪ ,‬قال‪ :‬أخبرت‬
‫أن عي ـينة بن ح صن قال للنب ـيّ صلى ال عل يه و سلم ق بل أن ي سلـم‪ :‬ل قد آذان ـي ر يح‬
‫سلـمان الف ـارسي‪ ,‬ف ـاجعل ل نا م ـجلسا م نك ل يجامعون نا ف ـيه‪ ,‬واج عل ل هم م ـجلسا ل‬
‫نـجامعهم فـيه‪ ,‬فنزلت الَية‪.‬‬
‫‪ 17359‬ـ حدث نا ب شر‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا يز يد‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا سعيد‪ ,‬عن قتادة قال‪ :‬ذُ كر ل نا أ نه ل ـما‬
‫جعَلَ فِـي ُأمّتـي مَ نْ‬
‫حمْ ِد لِلّ ِه اّلذِي َ‬
‫نزلت هذه الَية قال نبـيّ ال صلى ال عليه وسلم‪« :‬الـ َ‬
‫صبِرَ نَ ْفسِي َم َعهُ»‪.‬‬
‫ن َأ ْ‬
‫أُمرْتُ أ ْ‬
‫‪ 17360‬ـ حدثن ـي يو نس‪ ,‬قال‪ :‬أخبر نا ا بن و هب‪ ,‬قال‪ :‬قال ا بن ز يد‪ ,‬ف ـي قوله ُترِيدُ زِينَةَ‬
‫الـحَيا ِة الدّنـيْا قال‪ :‬تريد أشراف الدنـيا‪.‬‬
‫‪17361‬ـ حدثنا صالـح بن مسمار‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا الولـيد بن عبد الـملك‪ ,‬قال‪ :‬سلـيـمان بن‬
‫عطاء‪ ,‬عن مسلـمة بن عبد ال الـجهنـيّ‪ ,‬عن عمه أبـي مشجعة بن ربعي‪ ,‬عن سلـمان‬
‫الف ـارسي‪ ,‬قال‪ :‬جاءت ال ـمؤلفة قلوب هم إل ـى ر سول ال صلى ال عل يه و سلم‪ :‬عي ـينة بن‬
‫حصن‪ ,‬والقرع بن حابس وذووهم‪ ,‬فقالوا‪ :‬يا نبـيّ ال‪ ,‬إنك لو جلست فـي صدر الـمسجد‪,‬‬
‫ونفـيت عنا هؤلء وأرواح جبـابهم يعنون سلـمان وأبـا ذرّ وفقراء الـمسلـمين‪ ,‬وكانت‬
‫عل ـيهم جب ـاب ال صوف‪ ,‬ول ـم ي كن عل ـيهم غير ها جل سنا إل ـيك وحادثناك‪ ,‬وأخذ نا ع نك‬
‫ل مـا أُوحِي َـ إلَــْيكَ مِن ْـ كِتابِـ َربّك َـ ل ُم َبدّلَ ِلكَلِــماتِهِ وَلَن ْـ تَــجدَ مِن ْـ دُونه ِـ‬
‫فأنزل ال‪ :‬وَاتْ ُ‬
‫ن نارا يتهدّدهم بـالنار فقام نبـيّ ال صلى ال عليه‬
‫ع َتدْنا للظّالِـمِي َ‬
‫مُ ْلتَـحَدا‪ ,‬حتـى بلغ إنّا أ ْ‬
‫ح ْمدُ لِّل ِه اّلذِي‬
‫وسلم يـلتـمسهم حتـى أصابهم فـي مؤخر الـمسجد يذكرون ال‪ ,‬فقال‪« :‬الـ َ‬
‫ص ِبرَ نَفْسِي مَعَ رجِالٍ مِنْ ُأ ّمتِـي‪َ ,‬م َعكُمُ الـمَـحيْا َو َم َعكُمُ‬
‫ن أَ ْ‬
‫لَـمْ يُـم ْتنِـي حتـى أ َمرَنِـي أ ْ‬
‫الـمَـماتُ»‪.‬‬
‫ن ِذكْرِنا وَا ّتبَ عَ هَوَا ُه يقول تعالـى ذكره لنبـيه صلى ال‬
‫ع ْ‬
‫وقوله‪ :‬وَل تُط عْ مَ نْ أغْفَلْنا قَ ْلبَ هُ َ‬
‫عليه وسلم‪ :‬ول تطع يا مـحمد من شغلنا قلبه من الكفـار الذين سألوك طرد الرهط الذ ين‬
‫يدعون رب هم ب ـالغداة والعش يّ ع نك‪ ,‬عن ذكر نا‪ ,‬ب ـالكفر وغل بة الشقاء عل ـيه‪ ,‬وات بع هواه‪,‬‬
‫وترك اتبـاع أمر ال ونهيه‪ ,‬وآثر هوى نفسه علـى طاعة ربه‪ ,‬وهم فـيـما ذُكر‪ :‬عيـينة‬
‫بن حصن‪ ,‬والقرع بن حابس وذووهم‪.‬‬
‫‪ 17362‬ـ حدثن ـي ال ـحسين بن عمرو بن م ـحمد العنقزي‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا أب ـي‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا‬
‫أسبـاط‪ ,‬عن السديّ‪ ,‬عن أبـي سعيد الزدي‪ ,‬عن أب ـي الكنود‪ ,‬عن خبـاب وَل ُتطِ عْ مَ نْ‬
‫عنْ ِذ ْكرِنا قال‪ :‬عيُـينة‪ ,‬والقرع‪.‬‬
‫أغْفَلْنا قَلْبَهُ َ‬
‫وأما قوله‪ :‬وكا نَ أ ْمرُ هُ ُفرُطا فإن أهل التأويـل اختلفوا فـي تأويـله‪ ,‬فقال بعضهم‪ :‬معناه‪:‬‬
‫وكان أمره ضياعا‪ .‬ذكر من قال ذلك‪:‬‬
‫‪ 17363‬ـ حدث نا م ـحمد بن عمرو‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا أ بو عا صم‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا عي سى وحدثن ـي‬
‫الـحرث‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا الـحسن‪ ,‬قال حدثنا ورقاء‪ ,‬جميعا عن ابن أبـي نـجيح‪ ,‬عن مـجاهد‬
‫ن أ ْمرُ ُه فُرُطا قال ابن عمرو فـي حديثه قال‪ :‬ضائعا‪ .‬وقال الـحرث فـي‬
‫فـي قول ال‪ :‬وكا َ‬
‫حديثه‪ :‬ضياعا‪.‬‬
‫حدثنا القاسم‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا الـحسين‪ ,‬قال‪ :‬ثنـي حجاج‪ ,‬عن ابن جريج‪ ,‬عن مـجاهد‪ ,‬قال‪:‬‬
‫ضياعا‪.‬‬
‫وقال آخرون‪ :‬بل معناه‪ :‬وكان أمره ندما‪ .‬ذكر من قال ذلك‪:‬‬
‫‪ 17364‬ـ حدثنا مـحمد بن الـمثنى‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا بدل بن الـمـحبر‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا عبـاد بن‬
‫راشد‪ ,‬عن داود ُفرُطا قال‪ :‬ندامة‪.‬‬
‫وقال آخرون‪ :‬بل معناه‪ :‬هلكا‪ .‬ذكر من قال ذلك‪:‬‬
‫‪ 17365‬ـ حدثنـي الـحسين بن عمرو‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا أبـي‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا أسبـاط‪ ,‬عن السديّ‪,‬‬
‫عن أبـي سعيد الزدي‪ ,‬عن أبـي الكنود‪ ,‬عن خبـاب وكانَ أ ْمرُ ُه فُرُطا قال‪ :‬هلكا‪.‬‬
‫وقال آخرون‪ :‬بل معناه‪ :‬خلفـا للـحق‪ .‬ذكر من قال ذلك‪:‬‬
‫ن أ ْمرُ هُ ُفرُطا قال‪:‬‬
‫‪ 17366‬ـ حدثنـي يونس‪ ,‬قال‪ :‬أخبرنا ابن وهب‪ ,‬قال‪ :‬قال ابن زيد‪ :‬وكا َ‬
‫مخالفـا للـحقّ‪ ,‬ذلك ال ُفرُط‪.‬‬
‫وأول ـى القوال ف ـي ذلك ب ـالصواب‪ ,‬قول من قال‪ :‬معناه‪ :‬ضيا عا وهل كا‪ ,‬من قول هم‪:‬‬
‫ن أمْرُ هُ‬
‫أفرط فلن فـي هذا المر إفراطا‪ :‬إذا أسرف فـيه وتـجاوز قدره‪ ,‬وكذلك قوله‪ :‬وكا َ‬
‫فُرُطـا معناه‪ :‬وكان أمـر هذا الذي أغفلنـا قلبـه عـن ذكرنـا فــي الرياء والكـبر‪ ,‬واحتقار أهـل‬
‫ضيّع بذلك الـحقّ وهلك‪ .‬وقد‪:‬‬
‫اليـمان‪ ,‬سرفـا قد تـجاوز حدّه‪ ,‬فَ َ‬
‫‪17367‬ـ حدثنا أبو كريب‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا أبو بكر بن عياش‪ ,‬قال‪ :‬قـيـل له‪ :‬كيف قرأ عاصم؟‬
‫ن أ ْمرُهُ ُفرُطا قال أبو كريب‪ :‬قال أبو بكر‪ :‬كان عُيـينة بن حصن يفخر بقول أنا وأنا‪.‬‬
‫فقال كا َ‬

‫‪29‬‬ ‫الية ‪:‬‬


‫القول فـي تأويـل قوله تعالـى‪َ { :‬وقُلِ ا ْلحَقّ مِن ّر ّبكُمْ َفمَن شَآءَ فَ ْليُ ْؤمِن َومَن شَآءَ فَ ْل َيكْ ُفرْ ِإنّا‬
‫ل َيشْوِي الْوجُو هَ ِبئْ سَ‬
‫س َتغِيثُو ْا ُيغَاثُواْ ِبمَآ ٍء كَا ْلمُهْ ِ‬
‫سرَادِ ُقهَا وَإِن يَ ْ‬
‫ع َتدْنَا لِلظّاِلمِي نَ نَارا َأحَا طَ ِبهِ مْ ُ‬
‫أَ ْ‬
‫ت ُمرْتَفَقا }‪.‬‬
‫الشّرَابُ َوسَآءَ ْ‬
‫يقول تعال ـى ذكره لنب ـيه م ـحمد صلى ال عل يه و سلم‪ :‬و قل يا م ـحمد لهؤلء الذ ين‬
‫أغفلنا قلوبهم عن ذكرنا‪ ,‬واتبعوا أهواءهم‪ :‬الـحقّ أيها الناس من عند ربكم‪ ,‬وإلـيه التوفـيق‬
‫وال ـحذلن‪ ,‬وب ـيده الهدى والضلل يهدي من يشاء من كم للرشاد‪ ,‬ف ـيؤمن‪ ,‬ويضلّ من يشاء‬
‫عن الهدى فـيكفر‪ ,‬لـيس إلـيّ من ذلك شيء‪ ,‬ولست بطارد لهواكم من كان للـحقّ متبعا‪,‬‬
‫ي مؤمنا‪ ,‬فإن شئتـم فآمنوا‪ ,‬وإن شئتـم فـاكفروا‪ ,‬فإنكم إن كفرتـم‬
‫وبـال وبـما أنزل علـ ّ‬
‫فقد أع ّد لكم ربكم علـى كفركم به نار أحاط بكم سرادقها‪ ,‬وإن آمنتـم به وعملتـم بطاعته‪,‬‬
‫فإن لكم ما وصف ال لهل طاعته‪ .‬وروي عن ابن عبـاس فـي ذلك ما‪:‬‬
‫‪ 17368‬ـ حدثن ـي عل ـيّ‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا ع بد ال‪ ,‬قال‪ :‬ثن ـي معاو ية‪ ,‬عن عل ـيّ‪ ,‬عن ا بن‬
‫ن شاءَ فَلْ ـ َيكْ ُفرْ يقول‪ :‬من شاء ال له الي ـمان آ من‪,‬‬
‫ن شاءَ فَلْ ـيُ ْؤمِنْ َو َم ْ‬
‫عب ـاس‪ ,‬قوله‪َ :‬فمَ ْ‬
‫ن يَشا َء اللّ ُه رَ بْ العَالَـمِينَ ولـيس‬
‫لأ ْ‬
‫ومن شاء ال له الكفر كفر‪ ,‬وهو قوله‪ :‬وَما تَشاءُو نَ إ ّ‬
‫هذا بإطلق من ال الكفر لـمن شاء‪ ,‬واليـمان لـمن أراد‪ ,‬وإنـما هو تهديد ووعيد‪.‬‬
‫ع َتدْنا للظّالِـمينَ نارا والَيات بعدها‪ .‬كما‪:‬‬
‫وقد بـين أن ذلك كذلك قوله‪ :‬إنّا ا ْ‬
‫‪17369‬ـ حدثنا الـحسن بن يحيى‪ ,‬قال‪ :‬أخبرنا عبد الرزاق‪ ,‬عن عمر بن حبـيب‪ ,‬عن داود‪,‬‬
‫ن شاءَ فَلْـيَكْ ُفرْ‪ .‬قال‪ :‬وعيد من ال‪ ,‬فلـيس‬
‫ن شاءَ فَلْـيُ ْؤمِنْ َومَ ْ‬
‫عن مـجاهد‪ ,‬فـي قوله‪َ :‬فمَ ْ‬
‫بـمعجزي‪.‬‬
‫ن شاءَ‬
‫‪ 17370‬ـ حدثن ـي يو نس‪ ,‬قال‪ :‬أخبر نا ا بن و هب‪ ,‬قال‪ :‬قال ا بن ز يد ف ـي قوله‪َ :‬فمَ ْ‬
‫ش ْئتُـمْ قال‪ :‬هذا كله وعيد لـيس مصانعة ول‬
‫عمَلُوا ما ِ‬
‫فَلْـيُ ْؤمِنْ َومَ نْ شا َء فَلْـ َيكْفُرْ‪ ,‬وقوله ا ْ‬
‫ع َتدْنا للظّالِـمينَ نارا يقول تعالـى ذكره‪ :‬إنا أعددنا‪ ,‬وهو من‬
‫مراشاة ول تفويضا‪ .‬وقوله‪ :‬إنّا أ ْ‬
‫ال ُعدّة‪ .‬للظالـمين‪ :‬الذين كفروا بربهم‪ .‬كما‪:‬‬
‫ع َتدْ نا‬
‫‪ 17371‬ـ حدثن ـي يو نس‪ ,‬قال‪ :‬أخبر نا ا بن و هب قال‪ :‬قال ا بن ز يد‪ ,‬ف ـي قوله‪ :‬إنّا أ ْ‬
‫سرَادِقُها قال‪ :‬للكافرين‪.‬‬
‫للظّالِـمِينَ نارا أحاطَ بِهمْ ُ‬
‫سرَادِقُها يقول‪ :‬أحاط سرادق النار التـي أعدّها ال للكافرين بربهم‪ ,‬وذلك‬
‫وقوله‪ :‬أحا طَ بِه ْم ُ‬
‫فـيـما قـيـل‪ :‬حائط من نار يطيف بهم كسرادق الفسطاط‪ ,‬وهي الـحجرة التـي تطيف‬
‫بـالفسطاط‪ ,‬كما قال رؤبة‪:‬‬
‫حكَمَ بنَ الـ ُم ْنذِ ِر بْنَ الـجارُو ْدسُرا ِدقُ ال َفضْلِ عَلَـيْكَ مَـ ْمدُودْ‬
‫يا َ‬
‫وكما قال سلمة بن جندل‪:‬‬
‫ت ُمسَ ْردَق‬
‫صدُورُ الفُـيُو ِل بعدَ بَـيْ ٍ‬
‫ج ال ّنعْمانَ بـيْتا سَماؤُ ُه ُ‬
‫ُهوَ الـمُوِلـ ُ‬
‫يعنـي‪ :‬بـيتا له سرادق‪ .‬ذكر من قال ذلك‪:‬‬
‫‪ 17372‬ـ حدث نا القا سم‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا ال ـحسين‪ ,‬قال‪ :‬ثن ـي حجاج‪ ,‬عن ا بن جر يج‪ ,‬قال‪ :‬قال‬
‫ن نارا أحاطَ بِه ْم سُرَا ِدقُها قال‪ :‬هي حائط من نار‪.‬‬
‫ع َتدْنا للظّالِـمِي َ‬
‫ابن عبـاس‪ ,‬فـي قوله‪ :‬إنّا أ ْ‬
‫‪ 17373‬ـ حدث نا القا سم‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا ال ـحسين‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا أ بو سفـيان‪ ,‬عن مع مر‪ ,‬ع من‬
‫سرَا ِد ُقهَا قال‪ :‬دخان يحيط بـالكفـار يوم القـيامة‪ ,‬وهو الذي قال ال‪:‬‬
‫أخبره‪ ,‬قال أحَا طَ ِبهِ مْ ُ‬
‫شعَبٍ‪.‬‬
‫ظلّ ذِي ثَلثِ ُ‬
‫ي صلى ال عليه وسلم فـي ذلك خبر يدلّ علـى أن معنى قوله أحا طَ‬
‫وقد رُوي عن النبـ ّ‬
‫بِهمْ سرا ِدقُها أحاط بهم ذلك فـي الدنـيا‪ ,‬وأن ذلك السرادق هو البحر‪ .‬ذكر من قال ذلك‪:‬‬
‫‪ 17374‬ـ حدثنـي العبـاس بن مـحمد والـحسين بن نصر‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا أبو عاصم‪ ,‬عن‬
‫ع بد ال بن أم ية‪ ,‬قال‪ :‬ثن ـي م ـحمد بن حي ـي بن يعل ـى‪ ,‬عن صفوان بن يعل ـى‪ ,‬عن‬
‫ج َهنّـمُ» قال‪ :‬فقـيـل‬
‫حرُ هُ َو َ‬
‫يعلـى بن أمية‪ ,‬قال‪ :‬قال رسول ال صلى ال عليه وسلم‪« :‬ال َب ْ‬
‫ّهـ ل‬
‫سـرَا ِدقُها ثـم قال‪ :‬والل ِ‬
‫ِهمـ ُ‬
‫أحاطـ ب ْ‬
‫َ‬ ‫له‪ :‬كيـف ذلك‪ ,‬فتل هذه الَيـة‪ ,‬أو قرأ هذه الَيـة‪ :‬نارا‬
‫طرَة‪.‬‬
‫حيّا‪ ,‬وَل ُتصِيبُنـي ِمنْها قَ ْ‬
‫أ ْدخُـلُها أبَدا أوْ ما ُدمْتُ َ‬
‫‪ 17375‬ـ حدثنا مـحمد بن الـمثنى‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا يعمر بن بشر‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا ابن الـمبـارك‪,‬‬
‫قال‪ :‬أخبرنا رشدين بن سعد‪ ,‬قال‪ :‬ثنـي عمرو بن الـحارث‪ ,‬عن أبـي السمـح‪ ,‬عن أبـي‬
‫ق النّارِ أ ْر َبعَةُ‬
‫سرَادِ ُ‬
‫الهيثم‪ ,‬عن أبـي سعيد الـخدري‪ ,‬عن النبـيّ صلى ال عليه وسلم قال‪ُ « :‬‬
‫سنَةً»‪.‬‬
‫ن َ‬
‫ل َمسِيرَ ِة أرْبعِي َ‬
‫حدٍ ِمثْ ُ‬
‫جدُرٍ‪ِ ,‬ك ْثفُ كُلّ وَا ِ‬
‫ُ‬
‫حدث نا ب شر‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا ا بن و هب‪ ,‬قال‪ :‬أخبرن ـي عمرو بن ال ـحارث‪ ,‬عن درّاج‪ ,‬عن‬
‫ن لِسُرَا ِدقِ النّارِ‬
‫أبـي الهيثم‪ ,‬عن أبـي سعيد‪ ,‬عن رسول ال صلى ال عليه وسلم أنه قال‪« :‬إ ّ‬
‫سنَةً»‪.‬‬
‫ن َ‬
‫ل َمسِير ِة أ ْربَعِي َ‬
‫حدَة ِمثْ ُ‬
‫ج ُدرٍ‪ِ ,‬ك ْثفُ كُلّ وَا ِ‬
‫أ ْربَعَ َة ُ‬
‫‪ 17376‬ـ حدث نا ب شر‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا ا بن و هب‪ ,‬قال‪ :‬أخبرن ـي عمرو‪ ,‬عن دراج‪ ,‬عن أب ـي‬
‫الهي ثم‪ ,‬عن أب ـي سعيد‪ ,‬عن ر سول ال صلى ال عل يه و سلم قال‪« :‬ما ٌء كال ـ ُمهْلِ»‪ ,‬قالَ‪:‬‬
‫ج ِههِ فِـيهِ»‪.‬‬
‫« َك َع َكرِ ال ّزيْتِ‪ ,‬فإذَا قَ ّربَ ُه إلَـيْه سقط َفرْوَةُ َو ْ‬
‫ـتَغِيثُوا يُغاثُوا بِــمَا ٍء كالــ ُمهْلِ يقول تعالــى ذكره‪ :‬وإن يسـتغث هؤلء‬
‫وقوله‪ :‬وَإن يَس ْ‬
‫ن ال ـماء يُغاثوا‬
‫الظال ـمون يوم الق ـيامة ف ـي النار من شدّة ما ب هم من الع طش‪ ,‬ف ـيطلبو َ‬
‫بـماء الـ ُمهْل‪.‬‬
‫واختلف أهل التأويـل فـي الـمهل‪ ,‬فقال بعضهم‪ :‬هو كلّ شيء أذيب وإنـماع‪ .‬ذكر من‬
‫قال ذلك‪:‬‬
‫‪ 17377‬ـ حدث نا ب شر‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا يز يد‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا سعيد‪ ,‬عن قتادة‪ ,‬قال‪ :‬ذُ كر ل نا أن ا بن‬
‫مسعود أهديت إلـيه سِقاية من ذهب وفضة‪ ,‬فأمر بأخدود فخدّ فـي الرض‪ ,‬ثم قذف فـيه‬
‫من جزل حطب‪ ,‬ثم قذف فـيه تلك السقاية‪ ,‬حتـى إذا أزبدت وانـماعت قال لغلمه‪ :‬ادع من‬
‫يحضُرنا من أهل الكوفة‪ ,‬فدعا رهطا‪ ,‬فلـما دخـلوا علـيه قال‪ :‬أترون هذا؟ قالوا‪ :‬نعم‪ ,‬قال‪:‬‬
‫ما رأينا فـي الدنـيا شبـيها للـمهل أدنى من هذا الذهب والفضة‪ ,‬حين أزبد وإنـماع‪.‬‬
‫وقال آخرون‪ :‬هو القـيح والدم السود‪ .‬ذكر من قال ذلك‪:‬‬
‫‪ 17378‬ـ حدثنا ابن حميد‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا حكام عن عنبسة‪ ,‬عن مـحمد بن عبد الرحمن‪ ,‬عن‬
‫ل قال‪:‬‬
‫القا سم‪ ,‬عن أب ـي َبزّة‪ ,‬عن م ـجاهد ف ـي قوله‪ :‬وَإ نْ يَ سْ َتغِيثُوا يُغاثوا بِ ـمَاءٍ كال ـمُهْ ِ‬
‫القـيح والدم‪.‬‬
‫حدثنـي مـحمد بن عمرو‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا أبو عاصم‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا عيسى وحدثنـي الـحرث‪,‬‬
‫قال‪ :‬حدث نا ال ـحسن‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا ورقاء‪ ,‬جمي عا عن ا بن أب ـي ن ـجيح‪ ,‬عن م ـجاهد ب ـمَاءٍ‬
‫كالـ ُمهْلِ قال‪ :‬القـيح والدم السود‪ ,‬كعكر الزيت‪ .‬قال الـحرث فـي حديثه‪ :‬يعنـي درديّة‪.‬‬
‫‪ 17379‬ـ حدثن ـي عل ـيّ‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا ع بد ال‪ ,‬قال‪ :‬ثن ـي معاو ية‪ ,‬عن عل ـيّ‪ ,‬عن ا بن‬
‫عبـاس‪ ,‬قوله‪ :‬كالـ ُمهْلِ قال‪ :‬يقول‪ :‬أسود كهيئة الزيت‪.‬‬
‫‪ 17380‬ـ حُد ثت عن ال ـحسين بن الفرج‪ ,‬قال‪ :‬سمعت أب ـا معاذ يقول‪ :‬أخبر نا عب ـيد بن‬
‫سلـيـمان‪ ,‬قال‪ :‬سمعت الضحاك يقول فـي قوله‪ :‬بِـمَاءٍ كالـ َمهْلِ ماء جهنـم أسود‪ ,‬وهي‬
‫سوداء‪ ,‬وشجرها أسود‪ ,‬وأهلها سود‪.‬‬
‫حدثن ـي م ـحمد بن سعد‪ ,‬قال‪ :‬ثن ـي أب ـي‪ ,‬قال‪ :‬ثن ـي ع مي‪ ,‬قال‪ :‬ثن ـي أب ـي‪ ,‬عن‬
‫س َتغِيثُوا يُغاثُوا بِـمَاءٍ كالـ ُمهْلِ قال‪ :‬هو ماء غلـيظ مثل‬
‫ن يَ ْ‬
‫أبـيه‪ ,‬عن ابن عبـاس‪ ,‬قوله وَإ ْ‬
‫دردي الزيت‪.‬‬
‫وقال آخرون‪ :‬هو الشيء الذي قد انتهى حرّة‪ .‬ذكر من قال ذلك‪:‬‬
‫‪17381‬ـ حدثنا ابن حميد‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا يعقوب القمي‪ ,‬عن جعفر وهارون بن عنترة‪ ,‬عن سعيد‬
‫بن جبـير‪ ,‬قال‪ :‬الـمهل‪ :‬هو الذي قد انتهى حرّة‪.‬‬
‫وهذه القوال وإن اختلفت بها ألفـاظ قائلـيها‪ ,‬فمتقاربـات الـمعنى‪ ,‬وذلك أن كلّ ما أذيب‬
‫من ر صاص أو ذ هب أو ف ضة ف قد انت هى حرّة‪ ,‬وأن ما أوقدت عل ـيه من ذلك النار حت ـى‬
‫صار كدردي الزيت‪ ,‬فقد انتهى أيضا حرّة‪ .‬وقد‪:‬‬
‫‪ 17382‬ـ حُدثت عن معمر بن الـمثنى‪ ,‬أ نه قال‪ :‬سمعت الـمنتـجع بن نبهان يقول‪ :‬وال‬
‫لفلن أبغـض إلــيّ مـن الطلــياء والــمهل‪ ,‬قال‪ :‬فقلنـا له‪ :‬ومـا همـا؟ فقال‪ :‬الــجربـاء‪,‬‬
‫والـملة التـي تنـحدر عن جوانب الـخبزة إذا ملت فـي النار من النار‪ ,‬كأنها سهلة حمراء‬
‫ل مائع قد أوقد علـيه حتـى بلغ غاية حرّة‪ ,‬أو لـم‬
‫مدققة‪ ,‬فهي أحمره‪ ,‬فـالـمهل إذا هو ك ّ‬
‫يكن مائعا‪ ,‬فإنـماع بـالوقود علـيه‪ ,‬وبلغ أقصى الغاية فـي شدّة الـحرّ‪.‬‬
‫َابـ يقول جلّ ثناؤه‪ :‬يشوي ذلك الــماء الذي يغاثون بـه‬
‫شر ُ‬ ‫ْسـ ال ّ‬
‫ُوهـ ِبئ َ‬
‫وقوله‪َ :‬يشْوِي ال ُوج َ‬
‫وجوههم‪ .‬كما‪:‬‬
‫‪ 17383‬ـ حدثنـي مـحمد بن خـلف العسقلنـي‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا حيوة بن شريح‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا‬
‫بقـية‪ ,‬عن صفوان بن عمرو‪ ,‬عن عبد ال بن بُ سْر هكذا قال ابن خـلف عن أبـي أمامة‪,‬‬
‫عهُ قال‪« :‬يقرب‬
‫ن ما ٍء صَدِيدٍ َيتَـجَرّ ُ‬
‫عن النبـيّ صلى ال عليه وسلم‪ ,‬فـي قوله ويُ سْقَـى مِ ْ‬
‫إل ـيه ف ـيتكرّهه‪ ,‬فإذا قرب م نه‪ ,‬شوى وج هه‪ ,‬ووق عت فَرْوة رأ سه‪ ,‬فإذا شر به ق طع أمعاءه»‪,‬‬
‫س الشّرَابُ‪.‬‬
‫س َتغِيثُوا يُغاثُوا بِـمَاءٍ كالـ ُمهْلِ يَشوِي ال ُوجُوهَ ِبئْ َ‬
‫يقول ال‪ :‬وَإنْ َي ْ‬
‫حدثنا م ـحمد بن الـمثنى‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا إبراهي ـم بن إسحاق الطالَقان ـي ويعمر بن ب شر‪,‬‬
‫قال‪ :‬حدثنا ابن الـمبـارك‪ ,‬عن صفوان‪ ,‬عن عبد ال بن بُ سْر‪ ,‬عن أبـي أمامة‪ ,‬عن النبـيّ‬
‫صلى ال عليه وسلم بـمثله‪.‬‬
‫‪ 17384‬ـ حدثنا ابن حميد‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا يعقوب‪ ,‬عن جعفر وهارون بن عنترة‪ ,‬عن سعيد بن‬
‫جبــير‪ ,‬قال هارون‪ :‬إذا جاع أهـل النار‪ .‬وقال جعفـر‪ :‬إذا جاء أهـل النار اسـتغاثوا بشجرة‬
‫الزقوم‪ ,‬فأكلوا منهـا‪ ,‬فــاختلست جلود وجوههـم‪ ,‬فلو أن مارّا مارّ بهـم يعرفهـم‪ ,‬لعرف جلود‬
‫وجوه هم ف ـيها‪ ,‬ثم ي صبّ عل ـيهم الع طش‪ ,‬ف ـيستغيثون‪ ,‬ف ـيغاثون ب ـماء كال ـمهل‪ ,‬و هو‬
‫الذي قد انتهى حرّة‪ ,‬فإذا أدنوه من أفواههم انشوى من حرّة لـحوم وجوههم التـي قد سقطت‬
‫عنها الـجلود‪.‬‬
‫وقوله‪ِ :‬بئْس َـ الشّراب ُـ يقول تعالــى ذكره‪ :‬بئس الشراب‪ ,‬هذا الــماء الذي يغاث بـه هؤلء‬
‫الظالـمون فـي جهنـم الذي صفته ما وصف فـي هذه الَية‪ .‬وقوله‪ :‬وَساءَتْ ُم ْرتَفَقا يقول‬
‫تعال ـى ذكره‪ :‬و ساءت هذه النار الت ـي أعتدنا ها لهؤلء الظال ـمين مرتف قا وال ـمرتفَق ف ـي‬
‫كلم العرب‪ :‬الـمتكأ‪ ,‬يقال منه‪ :‬ارتفقت إذا اتكأت‪ ,‬كما قال الشاعر‪:‬‬
‫ضحَى‬
‫غزَالتِ ال ّ‬
‫ت أل َفتَـى َيسُوقُ بـالقَ ْومِ َ‬
‫قالَتْ َلهُ وَا ْرتَفَقَ ْ‬
‫أراد‪ :‬واتكأت علـى مرفقها وقد ارتفق الرجل‪ :‬إذا بـات علـى مرفقه ل يأتـيه نوم‪ ,‬وهو‬
‫مرتفق‪ ,‬كما قال أبو ذؤيب الهذلـيّ‪:‬‬
‫ع ْينِـيَ فِـيها الصّابُ َم ْذبُوحُ‬
‫نامَ الـخَـلِـيّ َوبِتّ اللّـيْـلَ ُم ْرتَفِقاكأنّ َ‬
‫ت مُ ْرتَفَقا‬
‫وأما من الرفق فإنه يقال‪ :‬قد ارتفقت بك مرتفقا‪ ,‬وكان مـجاهد يتأوّل قوله‪ :‬وَساءَ ْ‬
‫يعنـي الـمـجتـمع‪ .‬ذكر الرواية بذلك‪:‬‬
‫‪ 17385‬ـ حدثنـي م ـحمد بن عمرو‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا أ بو عا صم‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا عي سى وحدثنـي‬
‫الــحارث‪ ,‬قال‪ :‬حدثنـا الــحسن‪ ,‬قال‪ :‬حدثنـا ورقاء‪ ,‬جميعـا عـن ابـن أبــي نــجيح‪ ,‬عـن‬
‫مـجاهد ُم ْرتَفَقا‪ :‬أي مـجتـمعا‪.‬‬
‫ت مُ ْرتَفَقَا قال‪:‬‬
‫حدثنــي يعقوب‪ ,‬قال‪ :‬حدثنـا معتــمر‪ ,‬عـن لــيث‪ ,‬عـن مــجاهد وَسـاءَ ْ‬
‫مـجتـمعا‪.‬‬
‫حدثنا القاسم‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا الـحسين‪ ,‬قال‪ :‬ثنـي حجاج‪ ,‬عن ابن جريج‪ ,‬عن مـجاهد مثله‪.‬‬
‫ولست أعرف الرتفـاق بـمعنى الجتـماع فـي كلم العرب‪ ,‬وإنـما الرتفـاق‪ :‬افتعال‪,‬‬
‫إما من الـمرفق‪ ,‬وإما من الرفق‪.‬‬

‫‪30‬‬ ‫الية ‪:‬‬


‫جرَ َم نْ‬
‫عمِلُو ْا ال صّاِلحَاتِ ِإنّا لَ ُنضِي عُ َأ ْ‬
‫ن آ َمنُواْ َو َ‬
‫ن اّلذِي َ‬
‫القول فـي تأويـل قوله تعالـى‪ِ{ :‬إ ّ‬
‫عمَلً }‪.‬‬
‫حسَنَ َ‬
‫َأ ْ‬
‫يقول تعال ـى ذكره‪ :‬إن الذ ين صدقوا ال ور سوله‪ ,‬وعملوا بطا عة ال‪ ,‬وانتهوا إل ـى أمره‬
‫ونهيه‪ ,‬إنا ل نضيع ثواب من أحسن عملً‪ ,‬فأطاع ال‪ ,‬واتبع أمره ونهيه‪ ,‬بل نـجازيه بطاعته‬
‫وعمله الـحسن جنات عدن تـجري من تـحتها النهار‪.‬‬
‫خبَر «إ نّ» الولـى؟ قـيـل‪ :‬جائز أن يكون خبرها قوله‪ :‬إنّا ل ُنضِي عُ‬
‫فإن قال قائل‪ :‬وأين َ‬
‫ل فـيكون معنى الكلم‪ :‬إنا ل نضيع أجر من عمل صالـحا‪ ,‬فترك الكلم‬
‫عمَ ً‬
‫ن أحْ سَنَ َ‬
‫جرَ مَ ْ‬
‫أْ‬
‫حرَامِ‬
‫ش ْهرِ ال ـ َ‬
‫الوّل‪ ,‬واعت ـمد عل ـى الثان ـي بن ـية التكر ير‪ ,‬ك ما ق ـيـل‪ :‬يَ سْألُو َنكَ عَ نِ ال ّ‬
‫ل فِـي ِه بـمعنى‪ :‬عن قتال فـيه علـى التكرير‪ ,‬وكما قال الشاعر‪:‬‬
‫قِتا ٍ‬
‫ل مُ ْلكٍ بِ ِه ُترْجَى الـخَواتِـيـمُ‬
‫سرْبـا َ‬
‫س ْربََلهُ ِ‬
‫إنّ الـخَـلِـي َفةَ إنّ الّلهَ َ‬
‫ن اّلذِي نَ آ َمنُوا جزاءً‪ ,‬فـيكون معنى الكلم‪ :‬إن من عمل‬
‫ويروى‪ُ :‬ت ْرخَى وجائز أن يكون‪ :‬إ ّ‬
‫صالـحا فإنا ل نضيع أجره‪ ,‬فتضمر الفـاء فـي قوله «إنّا» وجائز أن يكون خبرها‪ :‬أولئك‬
‫ل هم جنات عدن‪ ,‬ف ـيكون مع نى الكلم‪ :‬إن الذ ين آمنوا وعملوا ال صالـحات‪ ,‬أولئك ل هم جنات‬
‫عدن‪.‬‬

‫‪31‬‬ ‫الية ‪:‬‬


‫ح ِتهِمُ ال ْنهَارُ ُيحَلّ ْونَ‬
‫ن َتجْرِي مِن َت ْ‬
‫عدْ ٍ‬
‫جنّاتُ َ‬
‫القول فـي تأويـل قوله تعالـى‪{ :‬أُوْلَـ ِئكَ َلهُمْ َ‬
‫ن فِيهَا عَلَى الرَآئِ كِ‬
‫س َتبْ َرقٍ ّم ّت ِكئِي َ‬
‫س ْندُسٍ وَإِ ْ‬
‫خضْرا مّن ُ‬
‫ن ِثيَابا ُ‬
‫فِيهَا مِ نْ أَ سَا ِورَ مِن ذَهَ بٍ َويَ ْلبَ سُو َ‬
‫سنَتْ ُم ْرتَفَقا }‪.‬‬
‫حُ‬‫ِن ْعمَ الثّوَابُ َو َ‬
‫ت عدن‪ ,‬يعنـي بساتـين‬
‫يقول تعالـى ذكره‪ :‬لهؤلء الذين آمنوا وعملوا الصالـحات جنا ُ‬
‫ح ِت ِهمُ النهَارُ يقول‪ :‬تــجري مـن دونهـم ومـن أيديهـم‬
‫ِنـ تَــ ْ‬
‫جرِي م ْ‬
‫إقامـة فــي الَخرة‪ .‬تَــ ْ‬
‫النهار‪ .‬وقال جلّ ثناؤه‪ :‬من ت ـحتهم‪ ,‬ومعناه‪ :‬من دون هم وب ـين أيدي هم‪ُ ,‬يحَلّوْ نَ فِ ـيها مِ نْ‬
‫أسا ِورَ يقول‪ :‬يـلبسون فـيها من الـحلـيّ أساور من ذهب‪ ,‬والساور‪ :‬جمع إسوار‪.‬‬
‫سنْدُسٍ والسندس‪ :‬جمع واحدها سندسة‪ ,‬وهي ما ر قّ‬
‫ن ُ‬
‫خضْرا مِ ْ‬
‫وقوله‪ :‬يَـ ْلبَسُونَ ثِـيابـا ُ‬
‫من الديبـاج‪ :‬والستبرق‪ :‬ما غلظ منه وَثـخُن وقـيـل‪ :‬إن الستبرق‪ :‬هو الـحرير ومنه‬
‫قول الـمرَقّش‪:‬‬
‫طوْرا لِبـاسُها‬
‫س َتبْ َرقَ الدّيبـاجِ َ‬
‫عرَ َمرّةًوا ْ‬
‫ن الـمَشا ِ‬
‫ن يَـ ْلبَسْ َ‬
‫َترَاهُ ّ‬
‫يعنـي‪ :‬وغلـيظ الديبـاج‪.‬‬
‫وقوله‪ُ :‬م ّتكِيئ نَ فِـيها علـى الرَائِ كِ يقول‪ :‬متكئين فـي جنات عدن علـى الرائك‪ ,‬وهي‬
‫السّرُر فـي الـحِجال‪ ,‬واحدتها‪ :‬أريكة ومنه قول الشاعر‪:‬‬
‫شرْنَ بـالـ َمعْزا ِء مَسّ الرَائِك‬
‫س ْيرِ حتـى كأنّـمايُبـا ِ‬
‫ت فـي ال ّ‬
‫خدُودا جَفَ ْ‬
‫ُ‬
‫ومنه قول العشى‪:‬‬
‫س ْترِها ِمنْها وبـينَ أرِيكَةٍ النْضادِ‬
‫ب مِنْ ِ‬
‫ن الرّوَاقِ وجانِ ٍ‬
‫بـي َ‬
‫وبنـحو الذي قلنا فـي ذلك‪ ,‬قال أهل التأويـل‪ .‬ذكر من قال ذلك‪:‬‬
‫‪ 17386‬ـ حدثنا الـحسن بن يحيى‪ ,‬قال‪ :‬أخبرنا عبد الرزاق‪ ,‬قال‪ :‬أخبرنا معمر‪ ,‬عن قتادة‪,‬‬
‫فـي قوله عَلَـى الرَا ِئكِ قال‪ :‬هي الـحجال‪ .‬قال معمر‪ ,‬وقال غيره‪ :‬السرر فـي الـحجال‪.‬‬
‫وقوله‪ِ :‬نعْم َـ الثّوَابُـ يقول‪ :‬نعـم الثواب جنات عدن‪ ,‬ومـا وصـف جلّ ثناؤه أنـه جعـل لهؤلء‬
‫ت ُمرْتَفَقـا يقول‪ :‬وحسـُنت هذه الرائك فــي هذه‬
‫َسـنَ ْ‬
‫الذيـن آمنوا وعلــموا الصـالـحات َوح ُ‬
‫ت ُمرْتَفَ قا‬
‫ال ـجنان الت ـي و صف تعال ـى ذكره ف ـي هذه الَ ية مت كأ‪ .‬وقال جلّ ثناؤه‪َ :‬وحَ سُنَ ْ‬
‫فأنث الفعل بـمعنى‪ :‬وحسنت هذه الرائك مرتَفَقا‪ ,‬ولو ذكر لتذكير الـمرتفق كان صوابـا‪,‬‬
‫لن ِنعْم و ِبئْس إنـما تدخـلهما العرب فـي الكلم لتدل علـى الـمدح والذ ّم ل للفعل‪ ,‬فلذلك‬
‫تذكرهما مع الـمؤنث‪ ,‬وتوحّدهما مع الثنـين والـجماعة‪.‬‬

‫‪34- 32‬‬ ‫الية ‪:‬‬


‫ن مِ نْ‬
‫ج ّن َتيْ ِ‬
‫جعَلْنَا لحَدِهِمَا َ‬
‫ن َ‬
‫ضرِ بْ لهُ مْ ّمثَلً ّرجَُليْ ِ‬
‫القول ف ـي تأوي ـل قوله تعال ـى‪{ :‬وَا ْ‬
‫شيْئا‬
‫ت ُأكُلَهَا وَلَ ْم تَظْلِ مِ ّمنْ ُه َ‬
‫ج ّنتَيْ نِ آ َت ْ‬
‫جعَلْنَا َب ْي َنهُمَا َزرْعا * كِلْتَا ا ْل َ‬
‫عنَا بٍ َوحَفَ ْفنَاهُمَا ِب َنخْلٍ َو َ‬
‫أَ ْ‬
‫ع ّز نَفَرا‬
‫ن لَ ُه َث َمرٌ فَقَالَ لَصَاحِبِ ِه وَهُ َو ُيحَا ِورُهُ َأنَا َأ ْكثَرُ مِنكَ مَالً وَأَ َ‬
‫جرْنَا خِلَل ُهمَا َنهَرا * َوكَا َ‬
‫َو َف ّ‬
‫}‪.‬‬
‫يقول تعالــى ذكره لنبــيه مــحمد صـلى ال عليـه وسـلم‪ :‬واضرب يـا مــحمد لهؤلء‬
‫الـمشركين بـال‪ ,‬الذين سألوك أن تطرُد الذين يدعون ربهم بـالغداة والعشيّ يريدون وجهه‪,‬‬
‫ن أي جعلنـا له بسـاتـين مـن كروم وحَفَفْناهُم َا‬
‫ج ّنتَــيْ ِ‬
‫لحَدهِمـا َ‬
‫جعَلْنـا َ‬
‫مَثلً مثـل َرجُلَــينِ َ‬
‫جعَلْنـا بَــْي َنهُما زَرْعـا يقول‪:‬‬
‫بنَــخْـلٍ يقول‪ :‬وأطفنـا هذيـن البسـاتـين بنــخـل‪ .‬وقوله‪َ :‬و َ‬
‫ن آتَتْ ُأكُلَها يقول‪ :‬كل البستانـين‬
‫ج ّنتَـيْ ِ‬
‫وجعلنا وسط هذين البساتـين زرعا‪ .‬وقوله‪ :‬كِلْتا الـ َ‬
‫أطعـم ثمره ومـا فــيه مـن الغروس مـن النــخـل والكرم وصـنوف الزرع‪ .‬وقال‪ :‬كلتـا‬
‫ال ـجنتـين‪ ,‬ثم قال‪ :‬آ تت‪ ,‬فوحّد ال ـخبر‪ ,‬لن كل تا ل يفرد واحدت ها‪ ,‬وأ صله كلّ‪ ,‬و قد تفرد‬
‫العرب كلتا أحيانا‪ ,‬ويذهبون بها وهي مفردة إلـى التثنـية قال بعض الرّجاز فـي ذلك‪:‬‬
‫فِـي كِلْتَ ِرجْلَـيْها سُلَمي وَاحدَهكِلْتاهُما مَ ْقرُونَ ٌة ِبزَا ِئدَهْ‬
‫يريد بكلت‪ :‬كلتا‪ ,‬وكذلك تفعل بكلتا وكل وكل إذا أضيفت إلـى معرفة‪ ,‬وجاء الفعل بعدهن‬
‫شيْئا يقول‪ :‬ولـم تنقص من الكل شيئا‪ ,‬بل آتت ذلك‬
‫ويجمع ويوحد‪ .‬وقوله‪ :‬ولَـمْ َتظْلِـمْ ِمنْ ُه َ‬
‫خسَهُ ونقصه‪ ,‬كما قال الشاعر‪:‬‬
‫تاما كاملً‪ ,‬ومنه قولهم‪ :‬ظلـم فلن فلنا حقّه‪ :‬إذا ب َ‬
‫َتظّلَـ َمنِـي ما لـي َكذَا وَلَوى َيدِيلَوَى َيدَهُ الّلهُ اّلذِي ُهوَ غاِلبُ ْه‬
‫وبنـحو الذي قلنا فـي ذلك‪ ,‬قال أهل التأويـل‪ .‬ذكر من قال ذلك‪:‬‬
‫‪ 17387‬ـ حدثنا بشر‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا يزيد‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا سعيد‪ ,‬عن قتادة‪ ,‬قوله‪ :‬ولَـمْ َتظْلِـمْ ِمنْ هُ‬
‫شيْئا‪ :‬أي لـم تنقص منه شيئا‪.‬‬
‫َ‬
‫جرْنـا خِلَلهُمـا َنهَرا يقول تعالــى ذكره‪ :‬وَسـيّـلنا خلل هذيـن البسـتانـين نهرا‪,‬‬
‫وقوله‪َ :‬و َف ّ‬
‫جرْ نا فث قل ال ـجيـم م نه‪ ,‬لن التفج ير‬
‫يعن ـي ب ـينها وب ـين أشجاره ما نهرا‪ .‬وق ـيـل‪ :‬و َف ّ‬
‫فـي النهر كله‪ ,‬وذلك أنه يـميد ماء فـيُسيـل بعضه بعضا‪.‬‬
‫ن لَ ُه َث َمرٌ اختلفت القرّاء فـي قراءة ذلك‪ ,‬فقرأته عامة قرّاء الـحجاز والعراق‪:‬‬
‫وقوله‪ :‬وكا َ‬
‫«وكا نَ َل هُ ُث ُمرٌ» بض مّ الثاء والـميـم‪ .‬واختلف قارئو ذلك كذلك‪ ,‬فقال بعضهم‪ :‬كان له ذهب‬
‫وفضة‪ ,‬وقالوا‪ :‬ذلك هو الثمر‪ ,‬لنها أموال مثمرة‪ ,‬يعنـي مكّثرة‪ .‬ذكر من قال ذلك‪:‬‬

‫‪ 17388‬ـ حدثنـي م ـحمد بن عمرو‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا أ بو عا صم‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا عي سى وحدثنـي‬
‫الـحارث‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا الـحسن‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا ورقاء جميعا عن ابن أبـي نـجيح‪ ,‬عن مـجاهد‬
‫فــي قول ال عزّ وجلّ‪ :‬وكانَـ لَهُـ َث َمرٌ قال‪ :‬ذهـب وفضـة‪ ,‬وفــي قول ال عزّ وجلّ‪ِ :‬ب ُث ُمرِهِـ‬
‫قال‪ :‬هي أيضا ذهب وفضة‪.‬‬
‫حدثنا القاسم‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا الـحسين‪ ,‬قال‪ :‬ثنـي حجاج‪ ,‬عن ابن جريج‪ ,‬عن مـجاهد‪ ,‬فـي‬
‫قوله َث َمرٌ قال‪ :‬ذهب وفضة‪ .‬قال‪ :‬وقوله‪ :‬وُأحِيطَ ِب ُث ُمرِهِ هي هي أيضا‪.‬‬
‫عنِـي به‪ :‬الـمال الكثـير من صنوف الموال‪ .‬ذكر من قال ذلك‪:‬‬
‫وقال آخرون‪ :‬بل ُ‬
‫‪17389‬ـ حدثنا أحمد بن يوسف‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا القاسم‪ ,‬قال‪ :‬ثنـي حجاج‪ ,‬عن هارون‪ ,‬عن سعيد‬
‫ن لَ ُه ُثمُرُ» بـالضمّ‪ ,‬وقال‪ :‬يعنـي‬
‫بن أبـي عَروبة‪ ,‬عن قتادة‪ ,‬قال‪ :‬قرأها ابن عبـاس‪« :‬وكا َ‬
‫أنواع الـمال‪.‬‬
‫حدثن ـي عل ـيّ‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا ع بد ال‪ ,‬قال‪ :‬ثن ـي معاو ية‪ ,‬عن عل ـيّ‪ ,‬عن ا بن عب ـاس‪:‬‬
‫«وكانَ َلهُ ُث ُمرٌ» يقول‪ :‬مال‪.‬‬
‫‪17382‬حدثنا بشر‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا يزيد‪ .‬قال‪ :‬حدثنا سعيد‪ ,‬عن قتادة‪ ,‬فـي قوله‪« :‬وكا نَ َل ُه ُث ُمرٌ»‬
‫ل الـمال‪.‬‬
‫يقول‪ :‬من ك ّ‬
‫حدث نا ال ـحسن بن يح يى‪ ,‬قال‪ :‬أخبر نا ع بد الرزاق‪ ,‬قال‪ :‬أخبر نا مع مر‪ ,‬عن قتادة‪ ,‬ف ـي‬
‫قوله وُأحِيطَ ِب ُث ُمرِهِ قال‪ :‬الثمر من الـمال كله يعنـي الثمر‪ ,‬وغيره من الـمال كله‪.‬‬
‫حدث نا القا سم‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا ال ـحسين‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا أ بو سفـيان‪ ,‬عن مع مر‪ ,‬عن قتادة‪ ,‬قال‪:‬‬
‫«ال ّثمُر» الـمال كله‪ ,‬قال‪ :‬وكلّ مال إذا اجتـمع فهو ُثمُر إذا كان من لون الثمرة وغيرها من‬
‫الـمال كله‪.‬‬
‫وقال آخرون‪ :‬بل عنى به الصل‪ .‬ذكر من قال ذلك‪:‬‬
‫ن لَ هُ‬
‫‪ 17390‬ـ حدثنـي يونس‪ ,‬قال‪ :‬أخبرنا ابن وهب‪ ,‬قال‪ :‬قال ابن زيد‪ ,‬فـي قوله‪« :‬وكا َ‬
‫ُثمُرٌ» الثمر الصل‪ .‬قال وأُحيطَ ب ُث ُمرِ ِه قال‪ :‬بأصله‪.‬‬
‫ن الذين وجّهوا معناها إلـى أنها أنواع من الـمال‪ ,‬أرادوا أنها جمع ثمار جمع ثمر‪ ,‬كما‬
‫وكأ ّ‬
‫يجمـع الكتاب كتبــا‪ ,‬والــحمار حمرا‪ .‬وقـد قرأ بعـض مـن وافـق هؤلء فــي هذه القراءة‬
‫« ُث ْمرٌ» بضمّ الثاء وسكون الـميـم‪ ,‬وهو يريد الضمّ فـيها غير أنه سكنها طلب التـخفـيف‪.‬‬
‫خشَب ـا‪ .‬وقرأ ذلك ب عض‬
‫و قد يحت ـمل أن يكون أراد ب ها ج مع ثمرة‪ ,‬ك ما ت ـجمع ال ـخَشبة َ‬
‫َهـ َث َمرٌ بفتــح الثاء والــميـم‪ ,‬بــمعنى جمـع الثّمرة‪ ,‬كمـا تــجمع‬
‫وكانـ ل ُ‬
‫َ‬ ‫الــمدنـيـين‪:‬‬
‫الـخشبة خَشبـا‪ .‬والقَصبة قَصبـا‪.‬‬
‫بضمـ الثاء‬
‫ّ‬ ‫َهـ ُثمُ ٌر‬
‫وكانـ ل ُ‬
‫َ‬ ‫وأولــى القراءات فــي ذلك عندي بــالصواب قراءة مـن قرأ‬
‫والـميـم لجماع الـحجة من القرّاء علـيه وإن كانت جمع ثمار‪ ,‬كما الكتب جمع كتاب‪.‬‬
‫ن لَ ُه منه ما ُث ُمرٌ ب ـمعنى من جنت ـيه أنواع من‬
‫جرْ نا خِلَُلهِ ما َنهَرا وكا َ‬
‫ومع نى الكلم‪َ :‬و َف ّ‬
‫ج ّنتَـيْنِ مِ نْ أعْنا بٍ وحَ َففْناهُما‬
‫جعَلْنا لحَدِهِما َ‬
‫الثمار‪ .‬وقد بـين ذلك لـمن وفق لفهمه‪ ,‬قوله‪َ :‬‬
‫جعَلْنا بَـ ْي َنهُما َزرْعا ثم قال‪ :‬وكان له من هذه الكروم والنـخـل والزرع ثمر‪.‬‬
‫بنَـخْـلٍ َو َ‬
‫ُهـ يقول عزّ وجلّ‪ :‬فقال هذا الذي جعلنـا له جنتــين مـن‬
‫حبِهِ وَهُ َو يُحا ِور ُ‬
‫وقوله‪ :‬فَقالَ لِصـَا ِ‬
‫عزّ نَفَرا يقول‪ :‬وأعزّ‬
‫ْكـ مالً وأ َ‬
‫أعناب‪ ,‬لصـاحبه الذي ل مال له وهـو يخاطبـه‪ :‬أنـا أ ْكثَرُ ِمن َ‬
‫عشيرة ورَهْطِا‪ ,‬ك ما قال عُي ـينة والقرع لر سول ال صلى ال عل يه و سلم‪ :‬ن ـحن سادات‬
‫العرب‪ ,‬وأربــاب الموال‪ ,‬فنــحّ ع نا سلـمان َوخّبــابـا وصـُهيبـا‪ ,‬احتقارا لهـم‪ ,‬وتكـبرا‬
‫علـيهم‪ ,‬كما‪:‬‬
‫حبِهِ وَهُوَ‬
‫‪ 17391‬ـ حدثنا بشر‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا يزيد‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا سعيد‪ ,‬عن قتادة‪ ,‬قوله‪ :‬فَقَالَ لِ صَا ِ‬
‫عزّ نَفَرا وتلك وال أمنـية الفـاجر‪ :‬كثرة الـمال‪ ,‬وعزّة النفر‪.‬‬
‫يُحا ِورُهُ أنا أ ْكثَرُ ِمنْك مالً وأ َ‬

‫‪36- 35‬‬ ‫الية ‪:‬‬


‫ن أَن َتبِيدَ هَـذِهِ‬
‫سهِ قَالَ مَآ َأظُ ّ‬
‫ج ّنتَ هُ وَهُ َو ظَالِ مٌ ّلنَفْ ِ‬
‫ل َ‬
‫القول فـي تأويـل قوله تعالـى‪َ { :‬و َدخَ َ‬
‫خيْرا ّم ْنهَا ُمنْقَلَبا }‪.‬‬
‫جدَنّ َ‬
‫ن السّاعَ َة قَا ِئمَةً وََلئِن ّردِدتّ إَِلىَ َربّي ل ِ‬
‫َأبَدا * َومَآ َأظُ ّ‬
‫ج ّنتَ هُ وهي بستانه وَهُوَ‬
‫ل َ‬
‫يقول تعالـى ذكره‪ :‬هذا الذي جعلنا له جنتـين من أعناب َدخَـ َ‬
‫ظالِ ـ ٌم ِلنَفْ سِ ِه وظل ـمه نف سه‪ :‬كفره ب ـالبعث‪ ,‬وش كه ف ـي ق ـيام ال ساعة‪ ,‬ون سيانه ال ـمعاد‬
‫ل ما أظُ نّ أ نْ َتبِـيدَ‬
‫إلـى ال تعالـى‪ ,‬فأوجب لها بذلك سخط ال وألـيـم عقابه‪ .‬وقوله‪ :‬قا َ‬
‫ل ثناؤه‪ :‬قال لــما عايـن جنتـه‪ ,‬ورآهـا ومـا فــيها مـن الشجار والثمار‬
‫ِهـ أبَدا يقول ج ّ‬
‫َهذ ِ‬
‫ن أن تبـيد هذه الـجنة أبدا‪,‬‬
‫والزروع والنهار الـمطردة شكا فـي الـمعاد إلـى ال‪ :‬ما أظ ّ‬
‫أظنـ السـاعة التــي وعـد ال خــلقه الــحشر فــيها تقول‬
‫ّ‬ ‫ول تفنـى ول تــخْرب‪ ,‬ومـا‬
‫ن رُ ِددْ تُ إلـى رّبـي فرجعت‬
‫فتـحدث‪ ,‬ثم تـمنى أمنـية أخرى علـى ش كّ منه‪ ,‬فقال‪ :‬وََلئِ َ‬
‫خيْرا ِمنْ ها ُمنْقَلَب ـا يقول‪ :‬لجد نّ خيرا من‬
‫جدَ نّ َ‬
‫لِ‬‫إل ـيه‪ ,‬و هو غ ير مو قن أ نه را جع إل ـيه َ‬
‫جنت ـي هذه ع ند ال إن رددت إل ـيه مرج عا ومردّا‪ ,‬يقول‪ :‬ل ـم يعطن ـي هذه ال ـجنة ف ـي‬
‫الدنـيا إل ولـى عنده أفضل منها فـي الـمعاد إن رددت إلـيه‪ .‬كما‪:‬‬
‫‪ 17392‬ـ حدثن ـي يو نس‪ ,‬قال‪ :‬أخبر نا ا بن و هب‪ ,‬قال‪ :‬قال ا بن ز يد‪ ,‬ف ـي قوله‪ :‬وَ ما أظُ نّ‬
‫خيْرا ِمنْهـا‬
‫جدَنّـ َ‬
‫لِ‬‫عةَ قا ِئمَةً قال‪ :‬شكـّ‪ ,‬ثـم قال‪ :‬وََلئِن ْـ كان ذلك ثـم ُر ِددْتُـ إلــى َربّــي َ‬
‫السـّا َ‬
‫ُمنْقَلَبـا ما أعطانـي هذه إل ولـي عنده خير من ذلك‪.‬‬
‫ج ّنتَ هُ وَ ُهوَ‬
‫‪ 17393‬ـ حدثنا بشر‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا يزيد‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا سعيد‪ ,‬عن قتادة‪ ,‬قوله‪َ :‬و َدخَـلَ َ‬
‫ن ال سّاعة قائمَ ًة كفور لن عم ر به‪ ,‬مكذّب‬
‫ن أ نْ َتبِ ـيدَ َهذِ ِه أبَدا وَ ما أظُ ّ‬
‫ظالِ ـ ٌم َلنَفْ سِ ِه قالَ ما أظُ ّ‬
‫ن علـى ال‪.‬‬
‫بلقائه‪ ,‬متـم ّ‬

‫‪38‬‬ ‫و‬ ‫‪37‬‬ ‫الية ‪:‬‬


‫ك مِن‬
‫حبُهُ وَهُ َو ُيحَا ِورُ هُ َأكَ َفرْ تَ بِاّلذِي خَلَقَ َ‬
‫القول ف ـي تأوي ـل قوله تعال ـى‪{ :‬قَالَ َل ُه صَا ِ‬
‫ش ِركُ ِب َربّي َأحَدا }‪.‬‬
‫ن هُ َو اللّ ُه َربّي َولَ ُأ ْ‬
‫ُترَابٍ ُثمّ مِن ّنطْفَ ٍة ُثمّ سَوّاكَ َرجُلً * ّلكِ ّ‬
‫ل م نه مالً وولدا‪ ,‬وَ ُهوَ‬
‫يقول تعال ـى ذكره‪ :‬قال ل صاحب ال ـجنتـين صاحبه الذي هو أق ّ‬
‫ن ُترَا بٍ يعن ـي خ ـلق‬
‫يُحا ِورُ هُ‪ :‬يقول‪ :‬و هو يخاط به ويكل ـمه‪ :‬أكَ َفرْ تَ ب ـاّلذِي خَ ـلَ َقكَ مِ ْ‬
‫ن نُطْ َفةٍ يقول‪ :‬ثم أنشأك من نطفة الرجل والـمرأة‪ ,‬ثم سوّاك َرجُلً‬
‫أبـاك آدم من تراب ثُ مّ مِ ْ‬
‫يقول‪ :‬ثم عَد لك بشرا سويا رجلً‪ ,‬ذكرا ل أن ثى‪ ,‬يقول‪ :‬أكفرت ب ـمن ف عل بك هذا أن يعيدك‬
‫خـلقا جديدا بعد ما تصير رفـاتا َل ِكنّا ُهوَ الّلهُ َربّـي يقول‪ :‬أما أنا فل أكفر بربـي‪ ,‬ولكن أنا‬
‫هو ال ربـي‪ ,‬معناه أنه يقول‪ :‬ولكن أنا أقول‪ :‬هو ال ربـي وَل ُأشْرِ كُ ِبرَبـيّ أحَدا‪ .‬وفـي‬
‫قراءة ذلك وجهان‪ :‬أحدهما لك نّ هو ال ربـي بتشديد النون وحذف اللف فـي حال الوصل‪,‬‬
‫ك ما يقال‪ :‬أ نا قائم فت ـحذف اللف من أ نا‪ ,‬وذلك قراءة عا مة قرّاء أ هل العراق‪ .‬وأ ما ف ـي‬
‫الوق ـف فإن القرأة كل ها تث بت ف ـيها اللف‪ ,‬لن النون إن ـما شدّدت لندغام النون من ل كن‪,‬‬
‫وهي ساكنة فـي النون التـي من أنا‪ ,‬إذ سقطت الهمزة التـي فـي أنا‪ ,‬فإذا وقـف علـيها‬
‫ظهرت اللف الت ـي ف ـي أ نا‪ ,‬فق ـيـل‪ :‬لك نا‪ ,‬ل نه يقال ف ـي الوق ـف عل ـى أ نا بإثب ـات‬
‫اللف ل بإ سقاطها‪ .‬وقرأ ذلك جما عة من أ هل ال ـحجاز‪َ :‬لكِنّا بإثب ـات اللف ف ـي الو صل‬
‫والوقـف‪ ,‬وذلك وإن كان مـما ينطق به فـي ضرورة الشعر‪ ,‬كما قال الشاعر‪:‬‬
‫ح َميْدا قد َت َذ ّريْتُ السّنامَا‬
‫عرِفُونِـي ُ‬
‫سيْفُ ال َعشِيرَةِ فـا ْ‬
‫أنا َ‬
‫فأثبـت اللف فــي أنـا‪ ,‬فلــيس ذلك بــالفصيح مـن الكلم‪ ,‬والقراءة التــي هـي القراءة‬
‫ال صحيحة عند نا ما ذكر نا عن العراق ـيـين‪ ,‬و هو حذف اللف من «لك نّ» ف ـي الو صل‪,‬‬
‫وإثبـاتها فـي الوقـف‪.‬‬

‫‪39‬‬ ‫الية ‪:‬‬


‫ل بِاللّهِ إِن‬
‫ج ّنتَكَ قُلْتَ مَا شَآ َء اللّ ُه لَ قُ ّوةَ ِإ ّ‬
‫القول فـي تأويـل قوله تعالـى‪{ :‬وََلوْل ِإ ْذ َدخَلْتَ َ‬
‫ل مِنكَ مَالً َووَلَدا }‪.‬‬
‫َترَنِ َأ َناْ َأقَ ّ‬
‫يقول عزّ ذكره‪ :‬وهل إذ دخــلت بسـتانك‪ ,‬فأعجبـك مـا رأيـت منـه‪ ,‬قلت مـا شاء ال كان‬
‫وف ـي الكلم م ـحذوف ا ستغنـي بدللة ما ظ هر عل ـيه م نه‪ ,‬و هو جواب ال ـجزاء‪ ,‬وذلك‬
‫كان‪.‬‬
‫وإذا و جه الكلم إل ـى هذا ال ـمعنى الذي قل نا كا نت « ما» ن صبـا بوقوع ف عل ال عل ـيه‪,‬‬
‫وهـو شاء وجاز طرح الــجواب‪ ,‬لن معنـى الكلم معروف‪ ,‬كمـا قــيـل‪ :‬فإن اسـتطعت أن‬
‫تبت غي نف قا ف ـي الرض‪ ,‬وترك ال ـجواب‪ ,‬إذ كان مفهوما معناه‪ .‬وكان ب عض أ هل العرب ـية‬
‫يقول « ما» من قوله‪ :‬ما شاءَ الّل ُه ف ـي مو ضع ر فع بإضمار هو‪ ,‬كأ نه ق ـيـل‪ :‬قلت هو ما‬
‫ن َترَ نِ‬
‫شاء ال ل قُوّ َة إلّ بـاللّهِ يقول‪ :‬ل قوّة علـى ما نـحاول من طاعته إل به‪ .‬وقوله‪ :‬إ ْ‬
‫ـ مالً وَوَلَدا وهـو قول الــمؤمن الذي ل مال له‪ ,‬ول عشيرة‪ ,‬مثـل صـاحب‬
‫ل ِمنْك َ‬
‫أنـا أقَ ّ‬
‫صهَيب وَخبـاب‪ ,‬يقول‪ :‬قال الـمؤمن للكافر‪ :‬إن‬
‫الـجنتـين وعشيرته‪ ,‬وهو مثل سَلْـمان و ُ‬
‫ترن أي ها الر جل أ نا أقلّ م نك مالً وولدا فإذا جعلت أ نا عمادا ن صبت أ قل‪ ,‬و به القراءة عند نا‪,‬‬
‫لن علـيه قراءة المصار‪ ,‬وإذا جعلته اسما رفعت أقل‪.‬‬
‫‪41‬‬ ‫و‬ ‫‪40‬‬ ‫الية ‪:‬‬
‫ج ّنتِ كَ َو ُيرْ سِلَ عََليْهَا‬
‫خيْرا مّن َ‬
‫ن َ‬
‫سىَ رَبّي أَن يُ ْؤ ِتيَ ِ‬
‫القول ف ـي تأوي ـل قوله تعال ـى‪{ :‬فع َ‬
‫غوْرا فَلَن َتسْ َتطِيعَ لَ ُه طَلَبا }‪.‬‬
‫صبِحَ مَآؤُهَا َ‬
‫صعِيدا زَلَقا * َأوْ ُي ْ‬
‫ح َ‬
‫صبِ َ‬
‫سمَآءِ َفتُ ْ‬
‫ن ال ّ‬
‫سبَانا مّ َ‬
‫حْ‬‫ُ‬
‫يقول تعالــى ذكره مخـبرا عـن قــيـل الــمؤمن الــموقن للــمعاد إلــى ال للكافـر‬
‫ال ـمرتاب ف ـي ق ـيام ال ساعة‪ :‬إن َترَن أي ها الر جل أ نا أقلّ م نك مالً وولدا ف ـي الدن ـيا‪,‬‬
‫فع سى رب ـي أن يرزقن ـي خيرا من ب ستانك هذا َو ُيرْ سِلَ عَلَ ـيْها يعن ـي عل ـى ج نة الكا فر‬
‫ن ال سّماءِ يقول‪ :‬عذاب ـا من ال سماء‬
‫ن أن تب ـيد هذه أبدا حُ سْبـانا ِم َ‬
‫الت ـي قال ل ها‪ :‬ما أظ ّ‬
‫حسْبـان‪ :‬ج مع حُ سْبـانة‪ ,‬و هي ال ـمرامي‪ .‬وبن ـحو الذي قل نا‬
‫تر مي به رم يا‪ ,‬وتقذف‪ .‬وال ـ ُ‬
‫فـي ذلك‪ ,‬قال أهل التأويـل‪ .‬ذكر من قال ذلك‪:‬‬
‫‪ 17394‬ـ حدثنا بشر‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا يزيد قال‪ :‬حدثنا سعيد‪ ,‬عن قتادة أ ْو ُيرْ سِلَ عَلَـيْها حُ سْبـانا‬
‫ن السّما ِء عذابـا‪.‬‬
‫مِ َ‬
‫‪17395‬ـ حُدثت عن مـحمد بن يزيد‪ ,‬عن جويبر‪ ,‬عن الضحاك‪ ,‬قال‪ :‬عذابـا‪.‬‬
‫‪ 17396‬ـ حدثن ـي يو نس‪ ,‬قال‪ :‬أخبر نا ا بن و هب‪ ,‬قال‪ :‬قال ا بن ز يد‪ ,‬ف ـي قوله‪ :‬أ ْو ُيرْ سِلَ‬
‫ن السّماءِ‪ .‬قال‪ :‬عذابـا‪ ,‬قال‪ :‬الـحُسبـان‪ :‬قضاء من ال يقضيه‪.‬‬
‫حسْبـانا مِ َ‬
‫عَلَـيْها ُ‬
‫‪ 17397‬ـ حدثنـي مـحمد بن سعد‪ ,‬قال‪ :‬ثنـي أبـي‪ ,‬قال‪ :‬ثنـي عمي‪ ,‬قال‪ :‬ثنـي أبـي‪,‬‬
‫عن أبـيه‪ ,‬عن ابن عبـاس‪ ,‬قال‪ :‬الـحُسبـان‪ :‬العذاب‪.‬‬
‫ن ال سّماءِ‬
‫حدثنا الـحسن بن مـحمد‪ ,‬قال‪ :‬أخبرنا معمر‪ ,‬عن قتادة‪ ,‬فـي قوله حُ سْبـانا مِ َ‬
‫صعِيدا زَلَقا يقول ع ّز ذكره‪ :‬فتصبح جنتك هذه أيها الرجل أرضا‬
‫صبِحَ َ‬
‫قال‪ :‬عذابـا‪ .‬وقوله‪َ :‬فتُ ْ‬
‫غرْس ونبت‪ ,‬وعادت خرابـا بلقع‪ ,‬زَلَقا‪ ,‬ل‬
‫ملساء ل شيء فـيها‪ ,‬قد ذهب كلّ ما فـيها من َ‬
‫يثبت فـي أرضها قدم ل ملساسها‪ ,‬ودروس ما كان نابتا فـيها‪.‬‬
‫ح صَعِيدا‬
‫صبِ َ‬
‫‪ 17398‬ـ حدث نا ب شر‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا يز يد‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا سعيد‪ ,‬عن قتادة‪ ,‬قوله‪َ :‬فتُ ْ‬
‫حصِد ما فـيها فلـم يُترك فـيها شيء‪.‬‬
‫زَلَقا‪ :‬أي قد ُ‬
‫‪ 17399‬ـ حدث نا القا سم‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا ال ـحسين‪ ,‬قال‪ :‬ثن ـي حجاج‪ ,‬عن ا بن جر يج‪ ,‬قال‪ :‬قال‬
‫صعِيدا زَلَقا قال‪ :‬مثل الـجُرز‪.‬‬
‫ح َ‬
‫ابن عبـاس‪َ :‬فُتصْبِ َ‬
‫صعِيدا‬
‫ح َ‬
‫‪ 17400‬ـ حدثنـي يونس‪ ,‬قال‪ :‬أخبرنا ابن وهب‪ ,‬قال ابن زيد‪ ,‬فـي قوله‪َ :‬فتُ صْبِ َ‬
‫زَلَقا قال‪ :‬صعيدا زلقا وصعيدا جُرزا واحد لـيس فـيها شيء من النبـات‪.‬‬
‫غوْرا يقول‪ :‬أو يصبح ماؤها غائرا فوضع الغور وهو مصدر مكان‬
‫صبِحَ ماؤُها َ‬
‫وقوله‪ :‬أ ْو يُ ْ‬
‫الغائر‪ ,‬كما قال الشاعر‪:‬‬
‫ع ّنتَها صُفُونا‬
‫َتظَلّ جِيادُ ُه نَوْحا عَلَـ ْيهِمُقَّلدَةً أ ِ‬
‫بـمعنى نائحة وكما قال الَخر‪:‬‬
‫عهِما سَجامَاضُبـاعَ وجَاوِبـي نَوْحا قِـيامَا‬
‫ن ُدمُو ِ‬
‫َهرِيقـي مِ ْ‬
‫والعرب تو حد الغَور مع ال ـجمع والثن ـين‪ ,‬وتذ كر مع ال ـمذكر وال ـمؤنث‪ ,‬تقول‪ :‬ماء‬
‫غوْرا ذاهب ـا قد غار ف ـي الرض‪ ,‬فذ هب‬
‫غور‪ ,‬وماءان غَوْر ومياه غَور‪ .‬ويعن ـي بقوله‪َ :‬‬
‫فل تلـحقه الرّشاء‪ ,‬كما‪:‬‬
‫ح ماؤُها غَوْرا أي‬
‫صبِ َ‬
‫‪ 17401‬ـ حدثنا بشر‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا يزيد‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا سعيد‪ ,‬عن قتادة أ ْو يُ ْ‬
‫ذاهبـا قد غار فـي الرض‪.‬‬
‫ستَطيعَ لَ ُه طَلَبـا يقول‪ :‬فلن تطيق أن تدرك الـماء الذي كان فـي جن تك بعد‬
‫وقوله‪ :‬فَل نْ تَ ْ‬
‫غوْره‪ ,‬بطلبك إياه‪.‬‬
‫َ‬

‫‪42‬‬ ‫الية ‪:‬‬


‫ح يُقَلّ بُ كَ ّف ْي هِ عَلَى مَآ َأنْفَ قَ فِيهَا وَهِ يَ‬
‫القول فـي تأويـل قوله تعالـى‪{ :‬وَُأحِي طَ ِب َث َمرِ ِه َفأَ صْبَ َ‬
‫ش ِركْ ِب َربّي َأحَدا }‪.‬‬
‫ل يََل ْيتَنِي َلمْ ُأ ْ‬
‫شهَا َويَقُو ُ‬
‫عرُو ِ‬
‫خَا ِويَةٌ عََلىَ ُ‬
‫يقول تعالـى ذكره‪ :‬وأحاط الهلك والـجوائح بثمره‪ ,‬وهي صنوف ثمار جنته التـي كان‬
‫ن أ نْ َتبِ ـيدَ َه ِذ ِه أبَدا فأ صبح هذا الكا فر صاحب هات ـين ال ـجنتـين‪ ,‬يقلب‬
‫يقول ل ها‪ :‬ما أظُ ّ‬
‫كفّ ـيه ظهرا لب طن‪ ,‬تلهف ـا وأ سفـا عل ـى ذهاب نفق ته الت ـي أن فق ف ـي جن ته وَهِ يَ خا ِويَةٌ‬
‫عرُوشِها يقول‪ :‬وهي خالـية علـى نبـاتها وبـيوتها‪ .‬وبنـحو الذي قلنا فـي ذلك‪,‬‬
‫علـى ُ‬
‫قال أهل التأويـل‪ .‬ذكر من قال ذلك‪:‬‬
‫صبَحَ يُقَلّ بُ َكفّـيْهِ‪ :‬أي‬
‫‪ 17402‬ـ حدثنا بشر‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا يزيد‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا سعيد‪ ,‬عن قتادة فأ ْ‬
‫يصفق كَفـيه عَلـى ما أنْ َفقَ فِـيها متلهفـا علـى ما فـاته‪.‬‬
‫َو هو يقول يا لَ ـيْ َتنِـي لَ ـ ْم ُأشْرِ كْ ِب َربّ ـي أحَدا ويقول‪ :‬يا ل ـيتنـي‪ ,‬يقول‪ :‬يت ـمنى هذا‬
‫الكافر ب عد ما أ صيب بجن ته أنه ل ـم ي كن كان أشرك بر به أحدا‪ ,‬يعنـي بذلك‪ :‬هذا الكا فر إذا‬
‫هلك وزالت عنه دنـياه وانفرد بعمله‪ ,‬ودّ أنه لـم يكن كفر بـال ول أشرك به شيئا‪.‬‬

‫‪44‬‬ ‫و‬ ‫‪43‬‬ ‫الية ‪:‬‬


‫القول فـي تأويـل قوله تعالـى‪{ :‬وَلَ ْم َتكُن لّهُ ِفئَ ٌة يَنصُرُو َنهُ مِن دُونِ الّل ِه َومَا كَانَ ُم ْنتَصِرا‬
‫خيْرٌ عُقْبا }‪.‬‬
‫خ ْيرٌ ثَوَابا َو َ‬
‫حقّ هُ َو َ‬
‫ليَ ُة لِلّ ِه ا ْل َ‬
‫* ُهنَاِلكَ ا ْل َو َ‬
‫يقول تعالـى ذكره‪ :‬ولـم يكن لصاحب هاتـين الـجنتـين فِئَة‪ ,‬وهم الـجماعة كما قال‬
‫ال َعجّاج‪:‬‬
‫كمَا َيحُوزّ ال ِف َئةُ ال َك ِميّ‬
‫وبنــحو مـا قلنـا فــي ذلك‪ ,‬قال أهـل التأويــل‪ ,‬وإن خالف بعضهـم فــي العبــارة عنـه‬
‫عبـارتنا‪ ,‬فإن معناهم نظير معنانا فـيه‪ .‬ذكر من قال ذلك‪:‬‬
‫‪17403‬ــ حدثنــي مــحمد بـن عمرو‪ ,‬قال‪ :‬حدثنـا أبـو عاصـم‪ ,‬قال‪ :‬حدثنـا عيسـى «ح»‬
‫وحدثنـي الـحارث‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا الـحسن‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا ورقاء‪ ,‬جميعا عن ابن أبـي نـجيح‪,‬‬
‫ّهـ قال‪:‬‬
‫ُونـ الل ِ‬
‫ِنـ د ِ‬
‫ْصـرُو َنهُ م ْ‬
‫َهـ ِفئَ ٌة َين ُ‬
‫ُنـ ل ُ‬
‫عـن مــجاهد‪ ,‬فــي قول ال عزّ وجلّ‪ :‬وَلَــمْ َتك ْ‬
‫عشيرته‪.‬‬
‫حدثنا القاسم‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا الـحسين‪ ,‬قال‪ :‬ثنـي حجاج‪ ,‬عن ابن جريج‪ ,‬عن مـجاهد‪ ,‬مثله‪.‬‬
‫ن لَهُ ِفئَ ٌة َينْصُرُو َنهُ‬
‫‪17404‬ـ حدثنا بشر‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا يزيد‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا سعيد‪ ,‬عن قتادة ولَـمْ َتكُ ْ‬
‫ن اللّهِ‪ :‬أي جند ينصرونه‪.‬‬
‫ن دُو ِ‬
‫مِ ْ‬
‫ن اللّ هِ يقول‪ :‬يـمنعونه من عقاب ال وعذاب ال إذا عاقبه وعذّبه‪.‬‬
‫ن دُو ِ‬
‫صرُونَهُ ِم ْ‬
‫وقوله‪َ :‬ينْ ُ‬
‫ن ُم ْنتَصِرا يقول‪ :‬ولـم يكن مـمتنعا من عذاب ال إذا عذّبه‪ ,‬كما‪:‬‬
‫وقوله وَما كا َ‬
‫‪ 17405‬ـ حدث نا ب شر‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا يز يد‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا سعيد‪ ,‬عن قتادة وَ ما كا نَ ُم ْنتَ صِرا‪ :‬أي‬
‫مـمتنعا‪.‬‬
‫ل عذاب ال بصـاحب‬
‫ّهـ الــحَقّ يقول عزّ ذكره‪ :‬ثـم وذلك حيـن ح ّ‬
‫ُنالكـ الوَليَ ُة لِل ِ‬
‫وقوله‪ :‬ه َ‬
‫الـجنتـين فـي القـيامة‪.‬‬
‫واختلفت القرّاء فـي قراءة قوله‪ :‬الولية‪ ,‬فقرأ بعض أهل الـمدينة والبصرة والكوفة هُنالكَ‬
‫الوَليَ ُة بفت ـح الواو من الول ية‪ ,‬يعنون بذلك هنالك ال ـمُوالة ل‪ ,‬كقول ال‪ :‬الّل هُ وَلِ ـيّ اّلذِي نَ‬
‫ن اللّ َه مَوْلَ ـى اّلذِي نَ آ َمنُوا يذهبون ب ها إل ـى الوَل ية ف ـي الد ين‪ .‬وقرأ‬
‫آ َمنُوا وكقوله‪ :‬ذل كَ بأ ّ‬
‫ذلك عامّة قرّاء الكوفة‪« :‬هُنالِ كَ الوِليَةُ» بكسر الواو‪ :‬من الـمُلك والسلطان‪ ,‬من قول القائل‪:‬‬
‫وَلِـيتُ عمل كذا‪ ,‬أو بلدة كذا ألـيه ولية‪.‬‬
‫وأول ـى القراءت ـين ف ـي ذلك ب ـالصواب‪ ,‬قراءة من قرأ بك سر الواو‪ ,‬وذلك أن ال ع قب‬
‫ل به نقمته يوم القـيامة فل ناصر له يومئذٍ‪ ,‬فإتبـاع‬
‫ذلك خبره عن مُلكه وسلطانه‪ ,‬وأن من أح ّ‬
‫ذلك ال ـخبر عن انفراده ب ـالـمـملكة وال سلطان أول ـى من ال ـخبر عن ال ـموالة الت ـي‬
‫ل ـم ي جر ل ها ذ كر ول مع نى‪ ,‬لقول من قال‪ :‬ل ي سمّى سلطان ال ول ية‪ ,‬وإن ـما ي سمى ذلك‬
‫سلطان البشر‪ ,‬لن الولية معناها أنه يـلـي أمر خـلقه منفردا به دون جميع خـلقه‪ ,‬ل أنه‬
‫يكون أميرا علـيهم‪.‬‬
‫حقّ فقرأ ذلك عام ّة قرّاء الــمدينة والعراق خفضـا‪,‬‬
‫واختلفوا أيضـا فــي قراءة قوله الــ َ‬
‫علــى توجيهـه إلــى أنـه مـن نعـت ال‪ ,‬وإلــى أن معنـى الكلم‪ :‬هنالك الوليـة ل الــحقّ‬
‫ألوهيته‪ ,‬ل البـاطل بطول ألوهيته التـي يدعونها الـمشركون بـال آلهة‪ .‬وقرأ ذلك بعض‬
‫حقّ» برفع الـحقّ توجيها منهما إلـى‬
‫أهل البصرة وبعض متأخري الكوفـيـين‪« :‬لِّل هِ الـ َ‬
‫أنه من نعت الولية‪ ,‬ومعناه‪ :‬هنالك الولية الـحقّ‪ ,‬ل البـاطل ل وحده ل شريك له‪.‬‬
‫وأولـى القراءتـين عندي فـي ذلك بـالصواب‪ ,‬قراءة من قرأه خفضا علـى أنه من نعت‬
‫ال‪ ,‬وأن معناه ما وصفت علـى قراءة من قرأه كذلك‪.‬‬
‫خ ْيرٌ ثَوَابــا يقول عزّ ذكره‪ :‬خيـر لل ـمنـيبـين فــي العاجـل والَجـل ثوابــا‬
‫وقوله‪ :‬هُ َو َ‬
‫عقْبـا يقول‪ :‬وخيرهم عاقبة فـي الَجل إذا صار إلـيه الـمطيع له‪ ,‬العامل بـما أمره‬
‫خ ْيرٌ ُ‬
‫وَ‬
‫ال‪ ,‬والـمنتهى عما نهاه ال ع نه‪ .‬والع قب هو العاق بة‪ ,‬يقال‪ :‬عاق بة أمر كذا وعُقْب ـاه وعُقُ به‪,‬‬
‫وذلك آخره وما يصير إلـيه منتهاه‪.‬‬
‫و قد اختلف القرّاء ف ـي قراءة ذلك‪ ,‬فقرأ ته عا مة قرّاء الكو فة عُقْب ـا ب ضم الع ين وت سكين‬
‫القاف‪.‬‬
‫و القول ف ـي ذلك عند نا‪ .‬أنه ما قراءتان م ستفـيضتان ف ـي قرأة الم صار ب ـمعنى وا حد‪,‬‬
‫فبأيتهما قرأ القارىء فمصيب‪.‬‬

‫‪45‬‬ ‫الية ‪:‬‬


‫سمَاءِ‬
‫حيَاةِ ال ّدنْيَا َكمَآءٍ َأ ْنزَ ْلنَا هُ ِم نَ ال ّ‬
‫ل ا ْل َ‬
‫ضرِ بْ لَهُم ّمثَ َ‬
‫القول ف ـي تأوي ـل قوله تعال ـى‪{ :‬وَا ْ‬
‫شيْءٍ مّ ْق َتدِرا }‪.‬‬
‫ل َ‬
‫ن اللّهُ عََلىَ كُ ّ‬
‫ح َهشِيما َتذْرُوهُ الرّياحُ َوكَا َ‬
‫ختََلطَ بِ ِه َنبَاتُ الرْضِ َفَأصْبَ َ‬
‫فَا ْ‬
‫يقول عزّ ذكره لنبـيه مـحمد صلى ال عليه وسلم‪ :‬واضرب لـحياة هؤلء الـمستكبرين‬
‫الذيـن قالوا لك‪ :‬اطرد عنـك هؤلء الذيـن يدعون ربهـم بــالغداة والعشيـّ‪ ,‬إذا نــحن جئناك‬
‫ِنـ السـّماءِ يقول‪ :‬كمطـر أنزلناه مـن السـماء‬
‫ْناهـ م َ‬
‫الدنــيا منهـم مثلً يقول‪ :‬شبهـا كَماءٍ أ ْنزَل ُ‬
‫صبَحَ َهشِيـما يقول‪:‬‬
‫ط بِهِ نَبـاتُ الرْضِ يقول‪ :‬فـاختلط بـالـماء نبـات الرض فأ ْ‬
‫ختَلَ َ‬
‫فـا ْ‬
‫فأصبح نبـات الرض يابسا متفتتا َت ْذرُو هُ الرّيا حُ يقول تطيره الرياح وتفرّقه يقال منه‪َ :‬ذرَته‬
‫الريح َتذْروه َذرْوا‪َ ,‬وذَرتْه َذرْيا‪ ,‬وأذرته ُت ْذرِيهِ إذراء كما قال الشاعر‪:‬‬
‫خرَى القَطا ِة فَتزَْلقِ‬
‫ج ِه َد ّنهُفَـ ُي ْذ ِركَ مِنْ ُأ ْ‬
‫ت لَ ُه صَوّبْ وَل تُـ ْ‬
‫فَقُلْ ُ‬
‫يقال‪ :‬أذريت الرجل عن الدابة والبعير‪ :‬إذا ألقـيته عنه‪.‬‬
‫شيْءٍ مُ ْق َتدِرا يقول‪ :‬وكان ال عل ـى ت ـخريب ج نة هذا القائل‬
‫ل َ‬
‫ن اللّ هُ عل ـى كُ ّ‬
‫وقوله‪ :‬وكا َ‬
‫حيـن دخــل جنتـه‪ :‬مـا أظُنّـ أن ْـ َتبِــي َد َهذِهِـ أبَدا وَمـا أظُنّـ السـّاعَ َة قائمَ ًة وإهلك أموال ذي‬
‫ل البـاخـلـين بها عن حقوقها‪ ,‬وإزالة دنـيا الكافرين به عنهم‪ ,‬وغير ذلك مـما يشاء‬
‫المْوَا ِ‬
‫قادر‪ ,‬ل يعجزه ش يء أراده‪ ,‬ول يعْي ـيه أ مر أراده‪ ,‬يقول‪ :‬فل يف خر ذو الموال بكثرة أمواله‪,‬‬
‫ول يستكبر علـى غيره بها‪ ,‬ول يغترنّ أهل الدنـيا بدنـياهم‪ ,‬فإنـما َمثَلُها مثل هذا النبـات‬
‫الذي ح سُن استواؤه بـالـمطر‪ ,‬فلـم يكن إل َريْثَ أن انقطع عنه الـماء‪ ,‬فتناهى نهايته‪ ,‬عاد‬
‫يابسا تذروه الرياح‪ ,‬فـاسدا‪ ,‬تنبو عنه أعين الناظرين‪ ,‬ولكن لـيعمل للبـاقـي الذي ل يفنى‪,‬‬
‫والدائم الذي ل يبـيد ول يتغير‪.‬‬

‫‪46‬‬ ‫الية ‪:‬‬


‫خ ْيرٌ‬
‫ت الصّاِلحَاتُ َ‬
‫حيَا ِة ال ّد ْنيَا وَا ْلبَا ِقيَا ُ‬
‫ن زِينَةُ ا ْل َ‬
‫القول فـي تأويـل قوله تعالـى‪{ :‬ا ْلمَالُ وَا ْل َبنُو َ‬
‫خ ْيرٌ َأمَلً }‪.‬‬
‫عِندَ َر ّبكَ ثَوَابا َو َ‬
‫يقول تعالـى ذكره‪ :‬الـمال والبنون أيها الناس التـي يفخر بها عيـينة والقرع‪ ,‬ويتكبران‬
‫ب ها عل ـى سلـمان وخب ـاب و صهيب‪ ,‬م ـما يتز ين به ف ـي ال ـحياة الدن ـيا‪ ,‬ول ـيسا من‬
‫ّكـ ثَوَابــا يقول‪ :‬ومـا يعمـل سـلـمان‬
‫ع ْندَ َرب َ‬
‫خ ْيرٌ ِ‬
‫عداد الَخرة والبــاقـياتُ الصـّالِـحاتُ َ‬
‫وخبـاب وصهيب من طاعة ال‪ ,‬ودعائهم ربهم بـالغداة والعش يّ يريدون وجهه‪ ,‬البـاقـي‬
‫ل هم من العمال ال صالـحة ب عد فناء ال ـحياة الدن ـيا‪ ,‬خ ير يا م ـحمد ع ند ر بك ثواب ـا من‬
‫خ ْيرٌ‬
‫الـمال والبنـين التـي يفتـخر هؤلء الـمشركون بها‪ ,‬التـي تفنى‪ ,‬فل تبقـى لهلها و َ‬
‫أمَلً يقول‪ :‬وما يؤمل من ذلك سلـمان وصهيب وخبـاب‪ ,‬خير مـما يؤمل عيـينة والقرع‬
‫ب رَبّ كَ‬
‫ي إلَ ـيْكَ ِم نْ كِتا ِ‬
‫ل ما أُوح َ‬
‫من أمواله ما وأولده ما‪ .‬وهذه الَيات من لدن قوله‪ :‬وَاتْ ُ‬
‫إلـى هذا الـموضع‪ ,‬ذُكر أنها نزلت فـي عيـينة والقرع‪ .‬ذكر من قال ذلك‪:‬‬
‫‪ 17406‬ـ حدث نا ال ـحسين بن عمرو العنقزي‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا أب ـي‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا أ سبـاط بن‬
‫نصـر‪ ,‬عـن السـديّ‪ ,‬عـن أبــي سـعيد الزدي‪ ,‬وكان قارىء الزد‪ ,‬عـن أبــي الكنود‪ ,‬عـن‬
‫ن َر ّبهُ مْ ب ـال َغدَاةِ والعَش يّ ثم ذ كر الق صة الت ـي‬
‫ن َيدْعُو َ‬
‫ط ُردِ اّلذِي َ‬
‫خب ـاب ف ـي قوله‪ :‬وَل َت ْ‬
‫غفَلْنا قَ ْلبَه‬
‫ذكرناها فـي سورة النعام فـي قصة عيـينة والقرع‪ ,‬إلـى قوله‪ :‬وَل ُتطِ عْ مَ نْ أ ْ‬
‫ل رجلـين‪ ,‬ومثل‬
‫عنْ ِذ ْكرِنا قال‪ :‬عيـينة والقرع وَاتّبعَ َهوَا ُه قال‪ :‬قال‪ :‬ثم قال ضرب لهم مث ً‬
‫َ‬
‫الـحياة الدنـيا‪.‬‬
‫واختلف أهـل التأويــل فــي الــمعنـيّ بــالبـاقـيات الصـالـحات‪ ,‬اختلفهـم فــي‬
‫ل ثناؤه به الذين نهى رسول ال صلى ال عليه وسلم‪ ,‬عن‬
‫الـمعنىّ بـالدعاء الذي وصف ج ّ‬
‫طرد هم‪ ,‬وأمره ب ـالصبر مع هم‪ ,‬فقال بعض هم‪ :‬هي ال صلوات ال ـخمس‪ .‬وقال بعض هم‪ :‬هي‬
‫ذ كر ال ب ـالتسبـيح والتقد يس والتهل ـيـل‪ ,‬ون ـحو ذلك‪ .‬وقال بعض هم‪ :‬هي الع مل بطا عة‬
‫ال‪ .‬وقال بعضهم‪ :‬الكلم الطيب‪ .‬ذكر من قال‪ :‬هي الصلوات الـخمس‪:‬‬
‫‪ 17407‬ـ حدثن ـي م ـحمد بن إبراهي ـم الن ـماطي‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا يعقوب بن كا سب‪ ,‬قال‪:‬‬
‫حدثنا عبد ال بن عبد ال الموي قال‪ :‬سمعت عبد ال بن يزيد بن هرمز‪ ,‬يحدّث عن عبـيد‬
‫ال بن عتبة‪ ,‬عن ابن عبـاس أنه قال‪ :‬البـاقـيات الصالـحات‪ :‬الصلوات الـخمس‪.‬‬
‫‪ 17408‬ـ حدثن ـي زر يق بن إ سحاق‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا قب ـيصة‪ ,‬عن سفـيان‪ ,‬عن ع بد ال بن‬
‫مسـلـم‪ ,‬عـن سـعيد بـن جبــير‪ ,‬فــي قوله‪ :‬وَالبــاقِـياتُ الصـّالِـحاتُ قال‪ :‬الصـلوات‬
‫الـخمس‪.‬‬
‫‪ 17409‬ـ حدثنـي يحيى بن إبراهيـم الـمسعودي‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا أبـي‪ ,‬عن أبـيه‪ ,‬عن جدّه‪,‬‬
‫شرَحب ـيـل ف ـي هذه الَ ية والب ـاقـياتُ‬
‫عن الع مش‪ ,‬عن أب ـي إ سحاق عن عمرو بن ُ‬
‫الصّالِـحاتُ قال‪ :‬هي الصلوات الـمكتوبـات‪.‬‬
‫حدث نا ال ـحسن بن يح يى‪ ,‬قال‪ :‬أخبر نا ع بد الرزاق‪ ,‬قال‪ :‬أخبر نا الثوري‪ ,‬عن ع بد ال بن‬
‫م سلـم‪ ,‬عن سعيد بن جب ـير‪ ,‬عن ا بن عب ـاس‪ ,‬قال‪ :‬الب ـاقـيات ال صالـحات‪ :‬ال صلوات‬
‫الـخمس‪.‬‬
‫‪17410‬ـ حدثنا ابن بشار‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا عبد الرحمن‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا سفـيان عن الـحسن بن عبد‬
‫ت الصّالِـحاتُ الصلوات الـخمس‪.‬‬
‫ال‪ ,‬عن إبراهيـم‪ ,‬قال البـاقِـيا ُ‬
‫‪ 17411‬ـ حدث نا ا بن حم يد‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا جر ير‪ ,‬عن من صور‪ ,‬عن أب ـي إ سحاق‪ ,‬عن أب ـي‬
‫هنـ ذكـر ال‬
‫ميسـرة والبــاقِـياتُ الصـّالِـحاتُ قال‪ :‬الصـلوات الــخمس‪ .‬ذكـر مـن قال‪ّ :‬‬
‫بـالتسبـيح والتـحميد ونـحو ذلك‪:‬‬
‫‪ 17412‬ـ حدثنا ابن حميد وعبد ال بن أبـي زياد ومـحمد بن عمارة السدي‪ ,‬قالوا‪ :‬حدثنا‬
‫ع بد ال بن يز يد‪ ,‬قال‪ :‬أخبر نا حيوة‪ ,‬قال‪ :‬أخبر نا أ بو عق ـيـل زهرة بن مع بد القر شي من‬
‫بن ـي ت ـيـم من ر هط أب ـي ب كر ال صدّيق‪ ,‬أ نه سمع ال ـحرث مول ـى عثمان بن عف ـان‪,‬‬
‫هنـ ل إله إل ال‪ ,‬وسـبحان ال‪,‬‬
‫يقول‪ :‬قــيـل لعثمان‪ :‬مـا البــاقـيات الصـالـحات؟ قال‪ّ :‬‬
‫والـحمد ل‪ ,‬وال أكبر‪ ,‬ول حول ول قوّة إل بـال‪.‬‬
‫حدثنـي سعيد بن عبد ال بن عبد الـحكم‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا أبو زرعة‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا حيوة‪ ,‬قال‪:‬‬
‫حدث نا أ بو عق ـيـل زهرة بن مع بد‪ ,‬أ نه سمع ال ـحرث مول ـى عثمان بن عف ـان يقول‪:‬‬
‫قـيـل لعثمان بن عفـان‪ :‬ما البـاقـيات الصالـحات؟ قال‪ :‬هي ل إله إل ال‪ ,‬وسبحان ال‬
‫وبحمده‪ ,‬وال أكبر‪ ,‬والـحمد ل‪ ,‬ول حول ول قوّة إل بـال‪.‬‬
‫حدثن ـي ا بن ع بد الرحي ـم البرّق ـي‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا ا بن أب ـي مري ـم‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا نا فع بن‬
‫يزيد ورشدين بن سعد‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا زهرة بن معبد‪ ,‬قال‪ :‬سمعت الـحارث مولـى عثمان بن‬
‫عفـان يقول‪ :‬قالوا لعثمان‪ :‬ما البـاقـيات الصالـحات؟ فذكر مثله‪.‬‬
‫‪ 17413‬ـ حدث نا ا بن بشار‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا ع بد الرح من‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا سفـيان‪ ,‬عن ع بد ال بن‬
‫مسـلـم بـن هرمـز‪ ,‬عـن سـعيد بـن جبــير‪ ,‬عـن ابـن عبــاس‪ ,‬فــي قوله‪ :‬وَالبــاقِـياتُ‬
‫الصّالِـحاتُ قال‪ :‬سبحان ال‪ ,‬والـحمد ل‪ ,‬ول إله إل ال‪ ,‬وال أكبر‪.‬‬
‫حدث نا أ بو كر يب‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا ا بن إدر يس‪ ,‬قال‪ :‬سمعت ع بد ال ـملك‪ ,‬عن عطاء‪ ,‬عن ا بن‬
‫عبـاس‪ ,‬فـي قوله وَالبـاقِـياتُ ال صّالِـحاتُ قال‪ :‬سبحان ال‪ ,‬والـحمد ل‪ ,‬ول إله إل ال‪,‬‬
‫وال أكبر‪.‬‬
‫حدثنا أبو كر يب‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا طلق بن غنام‪ ,‬عن زائدة‪ ,‬عن عبد الـملك‪ ,‬عن عطاء‪ ,‬عن‬
‫ابن عبـاس‪ ,‬مثله‪.‬‬
‫‪ 17414‬ـ حدثنا ابن بشار‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا عبد الرحمن‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا مالك‪ ,‬عن عمارة بن عبد ال‬
‫بن صياد‪ ,‬عن سعيد بن الـمسيب‪ ,‬قال‪ :‬البـاقِـياتُ ال صّالِـحاتُ‪ :‬سبحان ال‪ ,‬والـحمد ل‪,‬‬
‫ول إله إل ال‪ ,‬وال أكبر‪ ,‬ول حول ول قوّة إل بـال‪.‬‬
‫‪17415‬ــ حدثنـا القاسـم‪ ,‬قال‪ :‬حدثنـا الــحسين‪ ,‬قال‪ :‬ثنــي حجاج‪ ,‬عـن ابـن جريـج‪ ,‬عـن‬
‫خثَـيـم‪ ,‬عن نافع بن سرجس‪ ,‬أنه أخبره أنه‬
‫مـجاهد‪ ,‬قال‪ :‬أخبرنـي عبد ال بن عثمان بن ُ‬
‫سأل ابن عمر عن البـاقـيات الصالـحات‪ ,‬قال‪ :‬ل إله إل ال‪ ,‬وال أكبر‪ ,‬وسبحان ال‪ ,‬ول‬
‫حول ول قوّة إل بـال‪ .‬قال ابن جريج‪ ,‬وقال عطاء بن أبـي رَبـاح مثل ذلك‪.‬‬
‫‪ 17416‬ـ حدثنا ابن بشار‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا عبد الرحمن‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا سفـيان‪ ,‬عن منصور‪ ,‬عن‬
‫مـجاهد‪ ,‬قال‪ :‬البـاقـيات الصالـحات‪ :‬سبحان ال‪ ,‬والـحمد ل‪ ,‬ول إله إل ال‪ ,‬وال أكبر‪.‬‬
‫حدث نا ا بن ال ـمثنى‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا م ـحمد بن جع فر‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا شع بة‪ ,‬عن من صور‪ ,‬عن‬
‫مـجاهد‪ ,‬بنـحوه‪.‬‬
‫حدث نا ا بن حم يد‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا جر ير‪ ,‬عن من صور‪ ,‬عن م ـجاهد‪ ,‬ف ـي قوله والب ـاقـياتُ‬
‫الصّالِـحاتُ قال‪ :‬سبحان ال‪ ,‬والـحمد ل‪ ,‬ول إله إل ال‪ ,‬وال أكبر‪.‬‬
‫‪ 17417‬ـ حدثنـي يونس‪ ,‬قال‪ :‬أخبرنا ابن وهب‪ ,‬قال‪ :‬ثنـي أبو صخر‪ :‬أن عبد ال بن عبد‬
‫الرحمـن‪ ,‬مولــى سـالـم بـن عبـد ال‪ ,‬حدثـه قال‪ :‬أرسـلنـي سـالـم بـن مــحمد بـن كعـب‬
‫ال ُقرَظي‪ ,‬فقال‪ :‬قل له الْ َقنِـي عند زاوية القبر‪ ,‬فإن لـي إلـيك حاجة‪ ,‬قال‪ :‬فـالتقـيا‪ ,‬فسلـم‬
‫أحده ما عل ـى الَ خر‪ ,‬ثم قال سالـم‪ :‬ما تعدّ الب ـاقـيات ال صالـحات؟ فقال‪ :‬ل إله إل ال‪,‬‬
‫والــحمد ل‪ ,‬وسـبحان ال‪ ,‬وال أكـبر‪ ,‬ول حول ول قوّة إل بــال‪ ,‬فقال له سـالـم‪ :‬متــى‬
‫جعلت فـيها ل حول ول قوّة إل بـال؟ فقال‪ :‬ما زلت أجعلها‪ ,‬قال‪ :‬فراجعه مرّتـين أو ثلثا‬
‫ب النصاري حدثنـي أنه سمع‬
‫فلـم ينزع‪ .‬قال‪ :‬فأثبت‪ ,‬قال سالـم‪ :‬أجل‪ ,‬فأثبت فإن أبـا أيو َ‬
‫ج بِـي إلـى السّماءِ َفأُرِيتُ إ ْبرَاهِيـمَ‪ ,‬فقال‪:‬‬
‫عرِ َ‬
‫رسول ال صلى ال عليه وسلم وهو يقول‪ُ « :‬‬
‫سهّلَ‪ ,‬ثُ مّ قالَ‪ُ :‬مرْ أ ّمتَ كَ فَ ْل ُت ْكثِ ْر مِ نْ‬
‫ن َهذَا مَعَك؟ فقالَ‪ :‬مُ ـحَمّد‪َ ,‬ف َرحّ بَ بِ ـي وَ َ‬
‫ج ْبرِي ـلُ َم ْ‬
‫يا ِ‬
‫جنّةِ؟ قالَ‪ :‬ل حَوْلَ‬
‫غرَا سُ الـ َ‬
‫سعَةٌ‪ ,‬فَقُلْ تُ‪ :‬وَما ِ‬
‫ط ّيبَةٌ‪ ,‬وأ ْرضُها وَا ِ‬
‫جنّةِ‪ ,‬فإ نّ ُت ْر َبتَها َ‬
‫غرَا سِ الـ َ‬
‫ِ‬
‫وَل قُوّ َة إلّ بـاللّهِ»‪.‬‬
‫‪ 17418‬ـ وجدت فـي كتابـي عن الـحسن بن ال صّبـاح ال َبرّار‪ ,‬عن أبـي نصر التـمار‪,‬‬
‫عن عبد العزيز بن مسلـم‪ ,‬عن مـحمد بن عجلن‪ ,‬عن سعيد الـمَ ْقبُري‪ ,‬عن أبـيه‪ ,‬عن‬
‫حمْ ُد لِلّ هِ‪ ,‬وَل إل هَ‬
‫س ْبحَانَ الّل هِ‪ ,‬والـ َ‬
‫أبـي هريرة‪ ,‬قال‪ :‬قال رسول ال صلى ال عليه وسلم‪ُ « :‬‬
‫إلّ الّلهُ‪ ,‬وَاللّ ُه أ ْك َبرُ مِنَ البـاقِـياتِ الصّالِـحاتِ»‪.‬‬
‫‪17419‬ــ حدثنـا الــحسن بـن يحيـى‪ ,‬قال‪ :‬أخبرنـا عبـد الرزاق‪ ,‬قال‪ :‬أخبرنـا معمـر‪ ,‬عـن‬
‫خ ْيرٌ قال‪ :‬ل إله إل ال‪ ,‬وال أكـبر‪,‬‬
‫ت الصـّالِـحاتُ َ‬
‫الــحسن وقتادة‪ ,‬فــي قوله‪ :‬والبــاقِـيا ُ‬
‫والـحمد ل‪ ,‬وسبحان ال‪ ,‬هنّ البـاقـيات الصالـحات‪.‬‬
‫‪17420‬ـ حدثنـي يونس‪ ,‬قال‪ :‬أخبرنا ابن وهب‪ ,‬قال‪ :‬أخبرنا عمرو بن الـحارث‪ ,‬أن دراجا‬
‫أبـا السمـح حدثه عن أبـي الهيثم‪ ,‬عن أبـي سعيد الـخُدريّ‪ ,‬أن رسول ال صلى ال عليه‬
‫س َتكْ َثرُوا مِ نَ الب ـاقِـياتِ ال صّالِـحاتِ»‪ ,‬ق ـيـلَ‪ :‬و ما هي يا ر سول ال؟ قال‪:‬‬
‫و سلم قال‪« :‬ا ْ‬
‫ل والتسـبِـيحُ‪,‬‬
‫«الــمِلّة»‪ ,‬قــيـل‪ :‬ومـا هـي يـا رسـول ال؟ قال‪« :‬ال ّت ْكبِــيرُ وال ّتهْلِــيـ ُ‬
‫ح ْمدُ‪ ,‬ول حَوْلَ وَل قُوّ َة إلّ بـاللّهِ»‪.‬‬
‫والـ َ‬
‫حدثن ـي يو نس‪ ,‬قال‪ :‬أخبر نا ا بن و هب‪ ,‬قال‪ :‬أخبرن ـي مالك‪ ,‬عن عمارة بن صياد‪ ,‬أ نه‬
‫سـمع سـعيد بـن الــمسيب يقول فــي البــاقـيات الصـالـحات‪ :‬إنهـا قول العبـد‪ :‬ال أكـبر‪,‬‬
‫وسبحان ال‪ ,‬والـحمد ل‪ ,‬ول حول ول قوّة إل بـال‪.‬‬
‫حدثن ـي ا بن ال َبرْق ـي‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا ا بن أب ـي مري ـم‪ ,‬قال‪ :‬أخبر نا يح يى بن أيوب‪ ,‬قال‪:‬‬
‫عجْلن‪ ,‬عن عمارة بن صياد‪ ,‬قال‪ :‬سألنـي سعيد بن الـمسيب‪ ,‬عن البـاقـيات‬
‫ثنـي ابن َ‬
‫الصـالـحات‪ ,‬فقلت‪ :‬الصـلة والصـيام‪ ,‬قال‪ :‬لــم تصـب فقلت‪ :‬الزكاة والــحجّ‪ ,‬فقال‪:‬لــم‬
‫ن الكلـمات الـخمس‪ :‬ل إله إل ال‪ ,‬وال أكبر‪ ,‬وسبحان ال‪ ,‬والـحمد ل‪ ,‬ول‬
‫تصب‪ ,‬ولكنه ّ‬
‫حول ول قوّة إل بـال‪ .‬ذكر من قال‪ :‬هي العمل بطاعة ال عزّ وجلّ‪:‬‬
‫‪ 17421‬ـ حدثنا القاسم‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا الـحسين‪ ,‬قال‪ :‬ثنـي حجاج‪ ,‬عن ابن جريج‪ ,‬عن عطاء‬
‫خ ْيرٌ أمَلً‬
‫ع ْندَ َربّ كَ ثَوَابـا و َ‬
‫خ ْيرٌ ِ‬
‫الـخراسانـيّ‪ ,‬عن ابن عبـاس والبـاقِـياتُ ال صّالـحاتُ َ‬
‫قال‪ :‬العمال الصالـحة‪ :‬سبحان ال‪ ,‬والـحمد ل‪ ,‬ول إله إل ال‪ ,‬وال أكبر‪.‬‬

‫حدثن ـي عل ـيّ‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا ع بد ال‪ ,‬قال‪ :‬ثن ـي معاو ية‪ ,‬عن عل ـيّ‪ ,‬عن ا بن عب ـاس‪,‬‬
‫ت ال صّالـحاتُ قال‪ :‬هي ذكر ال قول ل إله إل ال‪ ,‬وال أكبر‪ ,‬وسبحان ال‪,‬‬
‫قوله‪ :‬والبـاقِـيا ُ‬
‫والــحمد ل‪ ,‬وتبــارك ال‪ ,‬ول حول ول قوّة إل بــال‪ ,‬وأسـتغفر ال‪ ,‬وصـلـى ال علــى‬
‫رسـول ال والصـيام والصـلة والــحجّ والصـدقة والعتـق والــجهاد والصـلة‪ ,‬وجميـع أعمال‬
‫ن الب ـاقـيات ال صالـحات‪ ,‬الت ـي تبق ـى لهل ها ف ـي ال ـجنة ما دا مت‬
‫ال ـحسنات‪ ,‬وه ّ‬
‫السموات والرض‪.‬‬
‫‪17422‬ـ حدثنـي يونس‪ ,‬قال‪ :‬أخبرنا ابن وهب‪ ,‬قال‪ :‬قال ابن زيد‪ ,‬فـي قوله والبـاقِـياتُ‬
‫ل قال‪ :‬العمال ال صالـحة‪ .‬ذ كر من قال‪ :‬هي‬
‫خ ْيرٌ أمَ ً‬
‫ع ْندَ َربّ كَ َثوَاب ـا و َ‬
‫خيْرٌ ِ‬
‫ت َ‬
‫ال صّالِـحا ُ‬
‫الكلـم الطيب‪:‬‬
‫‪ 17423‬ـ حدثنـي مـحمد بن سعد‪ ,‬قال‪ :‬ثنـي أبـي‪ ,‬قال‪ :‬ثنـي عمي‪ ,‬قال‪ :‬ثنـي أبـي‪,‬‬
‫عن أبـيه‪ ,‬عن ابن عبـاس‪ ,‬قوله‪ :‬والبـاقـياتُ الصّالِـحاتُ قال‪ :‬الكلم الطيب‪.‬‬
‫هنـ جميـع أعمال الــخير‪ ,‬كالذي‬
‫وأولــى القوال فــي ذلك بــالصواب‪ ,‬قول مـن قال‪ّ :‬‬
‫رُوي عن علـيّ بن أبـي طلـحة‪ ,‬عن ابن عبـاس‪ ,‬لن ذلك كله من الصالـحات التـي‬
‫تبق ـى ل صاحبها ف ـي الَخرة‪ ,‬وعل ـيها يجازي ويُثاب‪ ,‬وإن ال ع ّز ذكره ل ـم يخ صص من‬
‫ع ْندَ َربّكَ َثوَابـا بعضا دون بعض فـي كتاب‪ ,‬ول بخبر‬
‫خيْرٌ ِ‬
‫ت َ‬
‫ت الصّالِـحا ُ‬
‫قوله والبـاقِـيا ُ‬
‫عن رسول ال صلى ال عليه وسلم‪.‬‬
‫ن ظا نّ أن ذلك مخ صوص ب ـالـخبر الذي رويناه عن أب ـي هريرة‪ ,‬عن النب ـيّ‬
‫فإن ظ ّ‬
‫صلى ال عليه وسلم‪ ,‬فإن ذلك بخلف ما ظن‪ ,‬وذلك أن الـخبر عن رسول ال صلى ال عليه‬
‫هنـ مـن‬
‫وسـلم إنــما ورد بأن قول‪ :‬سـبحان ال‪ ,‬والــحمد ل‪ ,‬ول إله إل ال‪ ,‬وال أكـبر‪ّ ,‬‬
‫ن جميع البـاقـيات الصالـحات‪ ,‬ول كلّ البـاقـيات‬
‫البـاقـيات الصالـحات‪ ,‬ولـم يقل‪ :‬ه ّ‬
‫الصـالـحات وجائز أن تكون هذه بــاقـيات صـالـحات‪ ,‬وغيرهـا مـن أعمال البرّ أيضـا‬
‫بـاقـيات صالـحات‪.‬‬

‫‪48‬‬ ‫و‬ ‫‪47‬‬ ‫الية ‪:‬‬


‫ش ْرنَاهُ مْ فَلَ مْ‬
‫حَ‬‫جبَالَ َو َترَى الرْ ضَ بَارِزَةً َو َ‬
‫سيّرُ ا ْل ِ‬
‫القول ف ـي تأويـل قوله تعال ـى‪َ { :‬و َيوْ مَ نُ َ‬
‫ع ْمتُ ْم أَن‬
‫ج ْئ ُتمُونَا َكمَا خَلَ ْقنَاكُ مْ أَ ّولَ َمرّ ٍة بَلْ زَ َ‬
‫ع ِرضُواْ عََلىَ َربّ كَ صَفّا لّ َقدْ ِ‬
‫ُنغَا ِدرْ ِم ْنهُ مْ َأحَدا * وَ ُ‬
‫جعَلَ َل ُكمْ مّ ْوعِدا }‪.‬‬
‫لّن ّن ْ‬
‫سّيرُ ال ـجِبـالَ عن الرض‪ ,‬فَنب سّها بَ سّا‪ ,‬ون ـجعلها هب ـاء‬
‫يقول تعال ـى ذكره‪َ :‬ويَوْ مَ نُ َ‬
‫منب ثا َو َترَى الرْ ضَ بـا ِرزَةً ظاهرة‪ ,‬وظهورها لرأي أعين الناظرين من غير ش يء يسترها‬
‫من ج بل ول ش جر هو بروز ها‪ .‬وبن ـحو ذلك قال جما عة من أ هل التأوي ـل‪ .‬ذ كر من قال‬
‫ذلك‪:‬‬
‫‪17424‬ــ حدثنــي مــحمد بـن عمرو‪ ,‬قال‪ :‬حدثنـا أبـو عاصـم‪ ,‬قال‪ :‬حدثنـا عيسـى «ح»‬
‫وحدثنـي الـحارث‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا الـحسن‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا ورقاء‪ ,‬جميعا عن ابن أبـي نـجيح‪,‬‬
‫خمَر فـيها ول غيابة ول بناء‪ ,‬ول حجر فـيها‪.‬‬
‫عن مـجاهد َوتَرى الرْضَ بـا ِرزَ ًة قال‪ :‬ل َ‬
‫حدثن ـي القا سم‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا ال ـحسين‪ ,‬قال‪ :‬ثن ـي حجاج‪ ,‬عن ا بن جر يج‪ ,‬عن م ـجاهد‪,‬‬
‫مثله‪.‬‬
‫‪ 17425‬ـ حدث نا ب شر‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا يز يد‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا سعيد‪ ,‬عن قتادة‪ ,‬قوله‪َ :‬وتَرى الرْ ضَ‬
‫بـا ِرزَةً لـيس علـيها بناء ول شجر‪.‬‬
‫وقـيـل‪ :‬معنى ذلك‪ :‬وترى الرض بـارزا أهلها الذين كانوا فـي بطنها‪ ,‬فصاروا علـى‬
‫حشْرناهُ مْ يقول‪ :‬جمعنا هم إل ـى موق ـف ال ـحساب فَلَ ـمْ نُغا ِدرُ ِم ْنهُ مْ أحَدا‪,‬‬
‫ظهر ها‪ .‬وقوله َو َ‬
‫يقول‪ :‬فلـم نترك‪ ,‬ولـم نبق منهم تـحت الرض أحدا‪ ,‬يقال منه‪ :‬ما غادرت من القوم أحدا‪,‬‬
‫وما أغدرت منهم أحدا‪ ,‬ومن أغدرت قول الراجز‪:‬‬
‫ض‬
‫جمَ ٍة ُيغْ ِدرُ ِمنْها القابِ ُ‬
‫ل لكِ والعارِضُ ِم ْنكِ عا ِئضُفِـي َه ْ‬
‫هَ ْ‬
‫عرِضُوا عَل ـى َربّ كَ صَفّـا يقول عزّ ذكره‪ :‬وعُرض ال ـخـلق عل ـى ر بك يا‬
‫وقوله‪َ :‬و ُ‬
‫ج ْئتُــمُونا كمَا خَــلَقْنا ُكمْ أ ّولَ َمرّةٍ يقول عزّ ذكره‪ :‬يقال لهـم إذ عُرضوا‬
‫مــحمد صـفـا لَ َق ْد ِ‬
‫علـى ال‪ :‬لقد جئتـمونا أيها الناس أحياء كهيئتكهم حين خـلقناكم أوّل مرّة وحذف يقال من‬
‫الكلم لـمعرفة السامعين بأنه مراد فـي الكلم‪.‬‬
‫جعَلَ َلكُمْ مَ ْوعِدا وهذا الكلم خرج مخرج الـخبر عن خطاب ال‬
‫ن نَـ ْ‬
‫ع ْمتُـمْ أّل ْ‬
‫وقوله‪ :‬بَلْ زَ َ‬
‫به ال ـجميع‪ ,‬وال ـمراد م نه ال ـخصوص‪ ,‬وذلك أ نه قد يرد الق ـيامة خ ـلق من النب ـياء‬
‫والرسل‪ ,‬والـمؤمنـين بـال ورسله وبـالبعث‪ .‬ومعلوم أنه ل يُقال يومئذٍ لـمن وردها من‬
‫أهل التصديق بوعد ال فـي الدنـيا‪ ,‬وأهل الـيقـين فـيها بقـيام الساعة‪ ,‬بل زعمتـم أن‬
‫لن نـجعل لكم البعث بعد الـمـمات‪ ,‬والـحشر إلـى القـيامة موعدا‪ ,‬وأن ذلك إنـما يقال‬
‫لـمن كان فـي الدنـيا مكذّبـا بـالبعث وقـيام الساعة‪.‬‬

‫‪49‬‬ ‫الية ‪:‬‬


‫ن ِممّا فِيهِ َويَقُولُونَ‬
‫ج ِرمِينَ ُمشْفِقِي َ‬
‫القول فـي تأويـل قوله تعالـى‪َ { :‬و ُوضِعَ ا ْل ِكتَابُ َف َترَى ا ْل ُم ْ‬
‫عمِلُواْ حَاضِرا َولَ‬
‫جدُو ْا مَا َ‬
‫ل َكبِيرَ ًة ِإلّ َأحْ صَاهَا وَ َو َ‬
‫صغِيرَةً َو َ‬
‫ل ُيغَا ِدرُ َ‬
‫يَ َويَْل َتنَا مَا ِلهَـذَا ا ْل ِكتَا بِ َ‬
‫َيظْلِمُ َر ّبكَ َأحَدا }‪.‬‬
‫يقول عزّ ذكره‪ :‬ووضع ال يومئذٍ كتاب أعمال عبـاده فـي أيديهم‪ ,‬فأخذ واحد بـيـمينه‬
‫ن ُمشْفقــينَ مِــمّا فِــي ِه يقول ع ّز ذكره‪ :‬فترى‬
‫جرِمي َ‬
‫وأخـذ واحـد بشماله َفتَرى الــمُـ ْ‬
‫الـمـجرمين الـمشركين بـال مشفقـين‪ ,‬يقول‪ :‬خائفـين وجلـين مـما فـيه مكتوب من‬
‫ن يا َويْـلَتَنا ما َل َهذَا الكِتابِ‬
‫أعمالهم السيئة التـي عملوها فـي الدنـيا أن يؤاخذوا بها َويَقُولُو َ‬
‫ل أحْ صَاها يعن ـي أن هم يقولون إذا قرأوا كتاب هم‪ ,‬ورأوا ما قد‬
‫ل يُغادِ ُر صَغيرَةً وَل َكبِ ـيرةً إ ّ‬
‫كُ تب عل ـيهم ف ـيه من صغائر ذنوب هم وكب ـائرها‪ ,‬نادوا ب ـالويـل ح ين أيقنوا بعذاب ال‪,‬‬
‫وضجوا م ـما قد عرفوا من أفعال هم ال ـخبـيثة الت ـي قد أح صاها كتاب هم‪ ,‬ول ـم يقدروا أن‬
‫ينكروا صحتها كما‪:‬‬
‫‪ 17426‬ـ حدثنا بشر‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا يزيد‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا سعيد‪ ,‬عن قتادة‪ ,‬قوله‪ :‬ما ِل َهذَا الكِتا بِ ل‬
‫صغِيرَةً وَل َكبِـيرَ ًة إلّ أحْ صَاها اشتكى القوم كما تسمعون الحصاء‪ ,‬ولـم يشتك أحد‬
‫يُغا ِدرُ َ‬
‫ظلـما‪« ,‬فإياكم والـمـحقّرات من الذنوب‪ ,‬فإنها تـجتـمع علـى صاحبها حتـى تهلكه»‪.‬‬
‫ذُكـر لنـا أن نبــيّ ال صـلى ال عليـه وسـلم كان يضرب لهـا مثلً‪ ,‬يقول كمثـل قوم انطلقوا‬
‫ل رجل يحتطب‪,‬‬
‫يسيرون حتـى نزلوا بفلة من الرض‪ ,‬وحضر صنـيع القوم‪ ,‬فـانطلق ك ّ‬
‫فج عل الر جل يج يء ب ـالعود‪ ,‬ويج يء الَ خر ب ـالعود‪ ,‬حت ـى جمعوا سوادا كث ـيرا وأجّجوا‬
‫نارا‪ ,‬فإن الذنـب الصـغير يجتــمع علــى صـاحبه حتــى يهلكـه‪ .‬وقــيـل‪ :‬إنـه عنـى‬
‫بـالصغيرة فـي هذا الـموضع‪ :‬الضحك‪ .‬ذكر من قال ذلك‪:‬‬
‫‪ 17427‬ـ حدثنـي زكريا بن يحيى بن أبـي زائدة‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا عبد ال بن داود‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا‬
‫صغِيرةً وَل َكبِـيرةً قال‪:‬‬
‫مـحمد بن موسى‪ ,‬عن الزيال بن عمرو‪ ,‬عن ابن عبـاس ل يُغا ِدرُ َ‬
‫الضحك‪.‬‬
‫‪17421‬حدثنا أحمد بن حازم‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا أبـي‪ ,‬قال‪ :‬حدثتنـي أمي حمادة ابنة مـحمد‪ ,‬قال‪:‬‬
‫سمعت أبـي مـحمد بن عبد الرحمن يقول فـي هذه الَية فـي قول ال عزّ وجلّ‪ :‬ما ِل َهذَا‬
‫حصَاها قال‪ :‬الصغيرة‪ :‬الضحك‪.‬‬
‫لأْ‬
‫الكِتابِ ل ُيغَا ِدرُ صَغيِرةً وَل َكبِـيرةً إ ّ‬
‫صغِيرةً وَل َكبِ ـيرَةً يقول‪ :‬ل‬
‫ويعن ـي بقوله‪ :‬ما ِل َهذَا الكِتا بِ‪ :‬ما شأن هذا الكتاب ل يُغا ِدرُ َ‬
‫جدُوا ما‬
‫يبقـى صغيرة من ذنوبنا وأعمالنا ول كبـيرة منها إلّ أحْ صَاها يقول‪ :‬إل حفظها َو َو َ‬
‫عمِلُوا فـي الدنـيا من عمل حاضِرا فـي كتابهم ذلك مكتوبـا مثبتا‪ ,‬فجوّزوا بـالسيئة مثلها‪,‬‬
‫َ‬
‫وال ـحسنة ما ال جازي هم ب ها وَل َيظْلِ ـمُ َربّ كَ أحَدا يقول‪ :‬ول يجازي ر بك أحدا يا م ـحمد‬
‫بغير ما هو أهله‪ ,‬ل يجازي بـالحسان إل أهل الحسان‪ ,‬ول بـالسيئة إل أهل السيئة‪ ,‬وذلك‬
‫هو العدل‪.‬‬

‫‪50‬‬ ‫الية ‪:‬‬


‫ن مِنَ‬
‫س كَا َ‬
‫ل ِإبْلِي َ‬
‫جدُوَاْ ِإ ّ‬
‫سَ‬‫لدَمَ فَ َ‬
‫جدُو ْا َ‬
‫سُ‬‫القول فـي تأويـل قوله تعالـى‪{ :‬وَِإذَا قُ ْلنَا لِ ْلمَل ِئكَ ِة ا ْ‬
‫عدُ ّو ِبئْ سَ لِلظّاِلمِي نَ‬
‫ن َأمْ ِر رَبّ ِه َأ َف َت ّتخِذُو َن هُ َو ُذرّ ّيتَ ُه أَوِْليَآ َء مِن دُونِي وَهُ ْم َلكُ مْ َ‬
‫سقَ عَ ْ‬
‫ن فَفَ َ‬
‫ا ْلجِ ّ‬
‫َب َدلً }‪.‬‬
‫يقول تعالـى ذكره مذكّرا هؤلء الـمشركين حسد إبلـيس أبـاهم ومعلـمهم ما كان منه‬
‫من كبره واستكبـاره علـيه حين أمره بـالسجود له‪ ,‬وأنه من العداوة والـحسد لهم علـى‬
‫جدُوا إلّ‬
‫سَ‬‫لدَ مَ فَ َ‬
‫جدُوا َ‬
‫سُ‬‫مثل الذي كان علـيه لبـيهم‪ :‬وَ اذكر يا مـحمد إذْ قُلْنا للْـمَل ِئكَةِ ا ْ‬
‫إبْلِـيسَ الذي يطيعه هؤلء الـمشركون ويتبعون أمره‪ ,‬ويخالفون أمر ال‪ ,‬فإنه لـم يسجد له‬
‫ن الـجِنّ‪.‬‬
‫ن مِ َ‬
‫استكبـارا علـى ال‪ ,‬وحسدا لَدم كا َ‬
‫ن الـجِنّ فقال بعضهم‪ :‬إنه كان من قبـيـلة‬
‫واختلف أهل التأويـل فـي معنى قوله كا نَ مِ َ‬
‫يقال لهـم الــجنّ‪ .‬وقال آخرون‪ :‬بـل كان مـن خزّان الــجنة‪ ,‬فنُسـب إلــى الــجنة‪ .‬وقال‬
‫آخرون‪ :‬بل قـيـل من الـجنّ‪ ,‬لنه من الـجنّ الذين استـجنوا عن أعين بنـي آدم‪ .‬ذكر‬
‫من قال ذلك‪:‬‬
‫‪ 17428‬ـ حدث نا ا بن حم يد‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا سلـمة‪ ,‬عن ا بن إ سحاق‪ ,‬عن خلد بن عطاء‪ ,‬عن‬
‫طاوس‪ ,‬عن ابن عبـاس قال‪ :‬كان اسمه قبل أن يركب الـمعصية عزازيـل‪ ,‬وكان من سكان‬
‫الرض‪ ,‬وكان من أشدّ ال ـملئكة اجتهادا وأكثر هم عل ـما‪ ,‬فذلك هو الذي دعاه إل ـى ال كبر‪,‬‬
‫وكان من حيّ يسمى جنا‪.‬‬
‫‪17429‬ـ حدثنا أبو كريب‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا عثمان بن سعيد‪ ,‬عن بشر بن عمارة‪ ,‬عن أبـي روق‪,‬‬
‫عن الضحاك‪ ,‬عن ا بن عب ـاس‪ ,‬قال‪ :‬كان إبل ـيس من ح يّ من أحياء ال ـملئكة يقال ل هم‬
‫الــجنّ‪ ,‬خُــلقوا مـن نار السـموم مـن بــين الــملئكة‪ ,‬وكان اسـمه الــحارث‪ .‬قال‪ :‬وكان‬
‫خازنا من خزّان الـجنة‪ .‬قال‪ :‬وخُـلقت الـملئكة من نور غير هذ الـحيّ‪ .‬قال‪ :‬وخُـلقت‬
‫ن الذين ذكروا فـي القرآن من مارج من نار‪ ,‬وهو لسان النار الذي يكون فـي طرفها‬
‫الـج ّ‬
‫إذا التهبت‪.‬‬
‫‪ 17430‬ـ حدثنا ابن الـمثنى‪ ,‬قال‪ :‬ثنـي شيبـان‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا سلم بن مسكين‪ ,‬عن قتادة‪,‬‬
‫عن سعيد بن الـمسيب‪ ,‬قال‪ :‬كان إبلـيس رئيس ملئكة سماء الدنـيا‪.‬‬
‫حدثنا ابن وكيع‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا أبـي عن العمش‪ ,‬عن حبـيب بن أبـي ثابت‪ ,‬عن سعيد بن‬
‫ن مِ نَ ال ـجِن قال‪ :‬كان إبل ـيس من‬
‫جب ـير‪ ,‬عن ا بن عب ـاس‪ ,‬ف ـي قوله‪ :‬إلّ إبْلِ ـيسَ كا َ‬
‫خزّان الـجنة‪ ,‬وكان يدبر أمر سماء الدنـيا‪.‬‬
‫حدثنـا القاسـم‪ ,‬قال‪ :‬حدثنـا الــحسين‪ ,‬قال‪ :‬ثنــي حجاج‪ ,‬عـن ابـن جريـج‪ ,‬قال‪ :‬قال ابـن‬
‫عبـاس‪ :‬كان إبلـيس من أشراف الـملئكة وأكرمهم قبـيـلة‪ .‬وكان خازنا علـى الـجنان‪,‬‬
‫وكان له سلطان السماء الدنـيا‪ ,‬وكان له سلطان الرض‪ ,‬وكان فـيـما قضى ال أنه رأى أن‬
‫له بذلك شرفـا وعظمة علـى أهل السماء‪ ,‬فوقع من ذلك فـي قلبه كبر ل يعلـمه إل ال فما‬
‫كان عند السجود حين أمره أن يسجد لَدم استـخرج ال كبره عند السجود‪ ,‬فلعنه وأخّره إلـى‬
‫ن إن ـما سمي ب ـالـجنان أ نه كان‬
‫ن مِ نَ ال ـجِ ّ‬
‫يوم الد ين‪ .‬قال‪ :‬قال ا بن عب ـاس‪ :‬وقوله‪ :‬كا َ‬
‫خازنا علـيها‪ ,‬كما يقال للرجل‪ :‬مكيّ‪ ,‬ومدنـيّ‪ ,‬وكوفـيّ‪ ,‬وبصريّ‪ ,‬قاله ابن جريج‪.‬‬
‫وقال آخرون‪ :‬هم سبط من الـملئكة قبـيـلة‪ ,‬وكان اسم قبـيـلته الـجنّ‪:‬‬
‫‪17431‬ـ حدثنا القاسم‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا الـحسين‪ ,‬قال‪ :‬ثنـي حجاج‪ ,‬عن ابن جريج‪ ,‬عن صالـح‬
‫مول ـى التوأ مة‪ ,‬وشر يك بن أب ـي ن ـمر أحده ما أو كله ما‪ ,‬عن ا بن عب ـاس‪ ,‬قال‪ :‬إن من‬
‫الـملئكة قبـيـلة من الـجنّ‪ ,‬وكان إبلـيس منها‪ ,‬وكان يسوس ما بـين السماء والرض‪,‬‬
‫فعصـى‪ ,‬فسـخط ال علــيه فمسـخه شيطانـا رجيــما‪ ,‬لعنـه ال مــمسوخا‪ .‬قال‪ :‬وإذا كانـت‬
‫خطيئة الرجل فـي كبر فل ترجه‪ ,‬وإذا كانت خطيئته فـي معصية فـارجه‪ ,‬وكانت خطيئة‬
‫آدم فـي معصية‪ ,‬وخطيئة إبلـيس فـي كبر‪.‬‬
‫‪ 17432‬ـ حدثنا بشر‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا يزيد‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا سعيد‪ ,‬عن قتادة‪ ,‬قوله‪ :‬وَإ ْذ قُلْنا للْـمَل ِئكَةِ‬
‫ن قب ـيـل من ال ـملئكة يقال ل هم ال ـجنّ‪.‬‬
‫ن ال ـجِ ّ‬
‫ل إبْلِ ـيسَ كا نَ مِ َ‬
‫جدُوا إ ّ‬
‫سَ‬‫لدَ مَ فَ َ‬
‫جدُوا َ‬
‫سُ‬‫ا ْ‬
‫وقال ا بن عب ـاس‪ :‬لو ل ـم ي كن من ال ـملئكة ل ـم يؤ مر ب ـالسجود‪ ,‬وكان عل ـى خزا نة‬
‫ن عن طاعة ربه‪ .‬وكان الـحسن يقول‪ :‬ألـجأه ال‬
‫السماء الدنـيا‪ .‬قال‪ :‬وكان قتادة يقول‪ :‬ج ّ‬
‫إلـى نسبه‪.‬‬
‫حدث نا ال ـحسن بن يح يى‪ ,‬قال‪ :‬أخبر نا ع بد الرزاق‪ ,‬قال‪ :‬أخبر نا مع مر‪ ,‬عن قتادة‪ ,‬ف ـي‬
‫ن الـجِنّ قال‪ :‬كان من قبـيـل من الـملئكة يقال لهم الـجنّ‪.‬‬
‫ن مِ َ‬
‫قوله إلّ إبْلِـيسَ كا َ‬
‫‪17433‬ـ حدثنا ابن بشار‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا ابن أبـي عديّ‪ ,‬عن عوف‪ ,‬عن الـحسن‪ ,‬قال‪ :‬ما كان‬
‫إبلـيس من الـملئكة طرفة عين قط‪ ,‬وإنه لصل الـجنّ‪ ,‬كما أن آدم علـيه السلم أصل‬
‫النس‪.‬‬
‫‪ 17434‬ـ حدث نا ا بن حم يد‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا يح يى بن وا ضح‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا عب ـيد‪ ,‬قال‪ :‬سمعت‬
‫الضحاك يقول‪ :‬كان إبلـيس علـى السماء الدنـيا وعلـى الرض وخازن الـجنان‪.‬‬
‫حُدثت عن الـحسين بن الفرج‪ ,‬قال‪ :‬سمعت أبـا معاذ يقول‪ :‬أخبرنا عبـيد‪ ,‬قال‪ :‬سمعت‬
‫ن ال ـجِنّ‪ :‬كان ا بن عب ـاس يقول‪ :‬إن‬
‫ل إبْلِ ـيسَ كا نَ مِ َ‬
‫جدُوا إ ّ‬
‫سَ‬‫الضحاك يقول ف ـي قوله‪ :‬فَ َ‬
‫إبلـيس كان من أشراف الـملئكة وأكرمهم قبـيـلة‪ ,‬وكان خازنا علـى الـجنان‪ ,‬وكان له‬
‫سلطان السماء الدنـيا وسلطان الرض‪ ,‬وكان مـما سوّلت له نفسه من قضاء ال أنه رأى أن‬
‫له بذلك شرفــا علــى أهـل السـماء‪ ,‬فوقـع مـن ذلك فــي قلبـه كـبر ل يعلــمه إل ال‪,‬‬
‫ف ـاستـخرج ال ذلك ال كبر م نه ح ين أمره ب ـالسجود لَدم‪ ,‬ف ـاستكبر وكان من الكافر ين‪,‬‬
‫ت والرْ ضِ وأعْلَ ـمُ ما ُت ْبدُو نَ وَ ما ُك ْنتُ ـم‬
‫سمَوَا ِ‬
‫ب ال ّ‬
‫غيْ َ‬
‫فذلك قوله لل ـملئكة‪ :‬إنّ ـي أعْلَ ـمُ َ‬
‫َت ْكتُـمُونَ يعنـي‪ :‬ما أسرّ إبلـيس فـي نفسه من الكبر‪.‬‬
‫ن ل نه كان خاز نا‬
‫ن ال ـجِ ّ‬
‫ن كان ا بن عب ـاس يقول‪ :‬قال ال كا نَ مِ َ‬
‫وقوله‪ :‬كا نَ ِم نَ ال ـجِ ّ‬
‫علـى الـجنان‪ ,‬كما يقال للرجل‪ :‬مكيّ‪ ,‬ومدنـي‪ ,‬وبصريّ‪ ,‬وكوفـيّ‪.‬‬
‫وقال آخرون‪ :‬كان اسم قبـيـلة إبلـيس الـجنّ‪ ,‬وهم سبط من الـملئكة يقال لهم الـجنّ‪,‬‬
‫ن الـجِنّ فنسبه إلـى قبـيـلته‪.‬‬
‫ن مِ َ‬
‫فلذلك قال ال عزّ وجلّ كا َ‬
‫‪ 17435‬ـ حدث نا ا بن حم يد‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا يعقوب‪ ,‬عن جع فر‪ ,‬عن سعيد‪ ,‬ف ـي قوله كا نَ مِ نَ‬
‫الـجِنّ قال‪ :‬من الـجنانـين الذين يعملون فـي الـجنان‪.‬‬
‫‪ 17436‬ـ حدث نا ا بن حم يد‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا يح يى بن وا ضح‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا أ بو سعيد ال ـيحمدي‬
‫إ سماعيـل بن إبراهي ـم‪ ,‬قال‪ :‬ثن ـي سوار بن ال ـجعد ال ـيحمدي‪ ,‬عن ش هر بن حو شب‪,‬‬
‫ِنـ الــجنّ قال‪ :‬كان إبلــيس مـن الــجنّ الذيـن طردتهـم الــملئكة‪ ,‬فأسـره بعـض‬
‫قوله‪ :‬م َ‬
‫الـملئكة‪ ,‬فذهب به إلـى السماء‪.‬‬
‫‪ 17437‬ـ حدثنـي مـحمد بن سعد‪ ,‬قال‪ :‬ثنـي أبـي‪ ,‬قال‪ :‬ثنـي عمي‪ ,‬قال‪ :‬ثنـي أبـي‪,‬‬
‫ن أ ْمرِ َربّ ِه قال‪ :‬كان‬
‫سقَ عَ ْ‬
‫ن الـجِنّ فَفَ َ‬
‫ن مِ َ‬
‫س كا َ‬
‫عن أبـيه‪ ,‬عن ابن عبـاس‪ ,‬قوله إلّ إبْلـي َ‬
‫خازن الـجنان فسمي بـالـجنان‪.‬‬
‫‪17438‬ـ حدثنـي نصر بن عبد الرحمن الودي‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا أحمد بن بشير‪ ,‬عن سفـيان بن‬
‫أبـي الـمقدام‪ ,‬عن سعيد بن جبـير‪ ,‬قال‪ :‬كان إبلـيس من خزنة الـجنة‪.‬‬
‫وقد بـيّنا‬
‫القول ف ـي ذلك ف ـيـما م ضى من كتاب نا هذا‪ ,‬وذكر نا اختلف ال ـمختلفـين ف ـيه‪ ,‬فأغ نى‬
‫ذلك عن إعادته فـي هذا الـموضع‪.‬‬
‫ن أ ْمرِ َربّهِ يقول‪ :‬فخرج عن أمر ربه‪ ,‬وعدل عنه ومال‪ ,‬كما قال رؤبة‪:‬‬
‫وقوله‪ :‬فَ َفسَقَ عَ ْ‬
‫صدِها جَوَا ِئرَا‬
‫عنْ َق ْ‬
‫غوْرا غائرَافَوَاسقا َ‬
‫َيهْوِينَ فِـي نَـجْدٍ و َ‬
‫يعنـي بـالفواسق‪ :‬البل الـمنعدلة عن قصد نـجد‪ ,‬وكذلك الفسق فـي الدين إنـما هو‬
‫النعدال عن القصد‪ ,‬والـميـل عن الستقامة‪ .‬ويُحكى عن العرب سماعا‪ :‬فسقت الرطبة من‬
‫قشر ها‪ :‬إذا خرجت م نه‪ ,‬وف سقت الفأرة‪ :‬إذا خر جت من جحر ها‪ .‬وكان بعض أهل العرب ـية‬
‫ن أ ْمرِ َربّ ِه لنه مراد به‪ :‬ففسق عن ردّه أمر‬
‫ع ْ‬
‫سقَ َ‬
‫من أهل البصرة يقول‪ :‬إنـما قـيـل‪ :‬فَفَ َ‬
‫ال‪ ,‬كما تقول العرب‪ :‬اتـخمت عن الطعام‪ ,‬بـمعنى‪ :‬اتـخمت لـما أكلته‪ .‬وقد بـيّنا‬
‫القول ف ـي ذلك‪ ,‬وأن معناه‪ :‬عدل وجار عن أ مر ال‪ ,‬وخرج ع نه‪ .‬وقال ب عض أ هل العل ـم‬
‫بكلم العرب‪ :‬معنى الفسق‪ :‬التساع‪ .‬وزعم أن العرب تقول‪ :‬فسق فـي النفقة‪ :‬بـمعنى اتسع‬
‫ف ـيها‪ .‬قال‪ :‬وإن ـما سمى الف ـاسق ف ـاسقا‪ ,‬لت ساعه ف ـي م ـحارم ال‪ .‬وبن ـحو الذي قل نا‬
‫فـي ذلك‪ ,‬قال أهل التأويـل‪ .‬ذكر من قال ذلك‪:‬‬
‫‪ 17439‬ـ حدثنا مـحمد بن عمرو‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا أبو عاصم‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا عيسى «ح» وحدثنـي‬
‫الــحرث‪ ,‬قال‪ :‬حدثنـا الــحسن‪ ,‬قال‪ :‬حدثنـا ورقاء‪ ,‬جميعـا عـن ابـن أبــي نــجيح‪ ,‬عـن‬
‫ن أ ْمرِ َربّ ِه قال‪ :‬فـي السجود لَدم‪.‬‬
‫سقَ عَ ْ‬
‫مـجاهد‪ ,‬فـي قول ال تعالـى فَ َف َ‬
‫حدثنا القاسم‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا الـحسين‪ ,‬قال‪ :‬ثنـي حجاج‪ ,‬عن ابن جريج‪ ,‬عن مـجاهد‪ ,‬فـي‬
‫ن أ ْمرِ َربّهِ قال‪ :‬عصى فـي السجود لَدم‪.‬‬
‫قوله فَ َفسَق عَ ْ‬
‫عدُ ّو يقول تعالـى ذكره‪ :‬أفتوالون‬
‫ن دُونِـي وَهُ مْ َلكُ مْ َ‬
‫خذُونَهُ َو ُذ ّر ّيتَ هُ أوْلِـياءَ مِ ْ‬
‫وقوله‪ :‬أ َفتَتّـ ِ‬
‫يا بنـي آدم من استكبر علـى أبـيكم وحسده‪ ,‬وكفر نعمتـي علـيه‪ ,‬وغرّه حتـى أخرجه‬
‫من الـجنة ونعيـم عيشه فـيها إلـى الرض وضيق العيش فـيها‪ ,‬وتطيعونه وذرّيته من‬
‫دون ال مع عدواته لكم قديـما وحديثا‪ ,‬وتتركون طاعة ربكم الذي أنعم علـيكم وأكرمكم‪ ,‬بأن‬
‫أ سجد لوالد كم ملئك ته‪ ,‬وأ سكنه جنا ته‪ ,‬وآتا كم من فوا ضل نع مه ما ل يح صى عدده‪ ,‬وذرّ ية‬
‫إبلـيس‪ :‬الشياطين الذين يغرّون بنـي آدم‪ .‬كما‪:‬‬
‫‪17440‬ــ حدثنـا القاسـم‪ ,‬قال‪ :‬حدثنـا الــحسين‪ ,‬قال‪ :‬ثنــي حجاج‪ ,‬عـن ابـن جريـج‪ ,‬عـن‬
‫م ـجاهد أ َف َتتّ ـخِذونَه َوذُ ّريّت هُ أوْلِ ـياءَ ِم نْ دُونِ ـي قال‪ :‬ذرّي ته‪ :‬هم الشياط ين‪ ,‬وكان يعدّ هم‬
‫ل سوق ما ب ـين السماء والرض‪ ,‬و«ثبر»‬
‫«زلنبوا» صاحب السواق ويضع رايته فـي ك ّ‬
‫صـاحب ال ـمصائب‪ ,‬و«العور» صـاحب الز نا و«مسـوط» صـاحب الخبــار‪ ,‬يأت ـي بهـا‬
‫فـيـلقـيها فـي أفواه الناس‪ ,‬ول يجدون لها أصلً‪ ,‬و«داسم» الذي إذا دخـل الرجل بـيته‬
‫ولـم يسلـم ولـم يذكر ال بصره من الـمتاع ما لـم يرفع‪ ,‬وإذا أكل ولـم يذكر اسم ال‬
‫أكل معه‪.‬‬
‫‪17441‬ـ حدثنا القاسم‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا الـحسين‪ ,‬قال‪ :‬ثنـي حجاج‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا حفص بن غياث‪,‬‬
‫ت الب ـيت ول ـم أ سلـم‪ ,‬رأ يت مطهرة‪ ,‬فقلت‪ :‬ارفعوا‬
‫قال‪ :‬سمعت الع مش يقول‪ :‬إذا دخ ـل ُ‬
‫ارفعوا‪ ,‬وخاصمتهم‪ ,‬ثم أذكر فأقول‪ :‬داسم داسم‪.‬‬
‫حدث نا القا سم‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا ال ـحسين‪ ,‬قال‪ :‬ثن ـي أ بو معاو ية‪ ,‬عن الع مش‪ ,‬عن م ـجاهد‪,‬‬
‫قال‪ :‬هم أربعة ثبر‪ ,‬وداسم‪ ,‬وزلنبور‪ ,‬والعور‪ ,‬ومسوط‪ :‬أحدها‪.‬‬
‫‪ 17442‬ـ حدث نا ب شر‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا يزيـد‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا سعيد‪ ,‬عن قتادة أ َف َتتّ ـخِذُو َنهُ َو ُذرّ ّيتَ هُ‬
‫أوْلِـياءَ ِمنْ دُونِـي‪ ...‬الَية‪ ,‬وهم يتوالدون كما تتوالد بنو آدم‪ ,‬وهم لكم عدوّ‪.‬‬
‫خذُونَهُ‬
‫‪ 17443‬ـ حدثنـي يونس‪ ,‬قال‪ :‬أخبرنا ابن وهب‪ ,‬قال‪ :‬قال ابن زيد‪ ,‬فـي قوله‪ :‬أفَ َتتّـ ِ‬
‫ن كما آدم أبو النس‪ .‬وقال‪ :‬قال ال‬
‫عدُوّ وهو أبو الـج ّ‬
‫ن دُونِـي وَهُ ْم َلكُ مْ َ‬
‫َو ُذ ّر ّيتَ هُ أوْلِـياءَ مِ ْ‬
‫لبلـيس‪ :‬إنـي ل أذرأ لَدم ذرّية إل ذرأت لك مثلها‪ ,‬فلـيس من ولد آدم أحد إل له شيطان‬
‫قد قرن به‪.‬‬
‫ن َب َدلً يقول ع ّز ذكره‪ :‬بئس البدل للكافريـن بــال اتــخاذ إبلــيس‬
‫ْسـ للظّالِــمي َ‬
‫وقوله‪ِ :‬بئ َ‬
‫وذرّي ته أول ـياء من دون ال‪ ,‬و هم ل كم عدّو من ترك هم ات ـخاذ ال ول ـيا ب ـاتبـاعهم أمره‬
‫ونهيه‪ ,‬وهو الـمنعم علـيهم وعلـى أبـيهم آدم من قبلهم‪ ,‬الـمتفضّل علـيهم من الفواضل‬
‫ما ل يحصى بدلً‪ .‬وبنـحو الذي قلنا فـي ذلك‪ ,‬قال أهل التأويـل‪ .‬ذكر من قال ذلك‪:‬‬
‫ن َب َدلً بئْسما‬
‫‪17444‬ـ حدثنا بشر‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا يزيد‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا سعيد‪ ,‬عن قتادة ِبئْسَ للظّالِـمِي َ‬
‫استبدلوا بعبـادة ربهم إذ أطاعوا إبلـيس‪.‬‬

‫‪51‬‬ ‫الية ‪:‬‬


‫سهِمْ‬
‫سمَاوَاتِ وَالرْ ضِ َولَ خَلْ قَ َأنْفُ ِ‬
‫شهَدتّهُ مْ خَلْ قَ ال ّ‬
‫القول ف ـي تأوي ـل قوله تعال ـى‪{ :‬مّآ َأ ْ‬
‫عضُدا }‪.‬‬
‫خذَ ا ْل ُمضِلّينَ َ‬
‫ت ُم ّت ِ‬
‫َومَا كُن ُ‬
‫ت والرْ ضِ يقول‪ :‬ما أحضرتهم‬
‫يقول عزّ ذكره‪ :‬ما أشهدت إبلـيس وذرّيته خَـلْقَ السمَوَا ِ‬
‫س ِهمْ يقول‪ :‬ول أشهدت بعض هم أي ضا خ ـلق‬
‫ذلك فأ ستعين ب هم عل ـى خ ـلقها وَل خَ ـلْقَ أنْفُ ِ‬
‫بعض منهم‪ ,‬فأستعين به علـى خـلقه‪ ,‬بل تفرّدت بخـلق جميع ذلك بغير معين ول ظهير‪,‬‬
‫يقول‪ :‬فك يف ات ـخذوا عدوّ هم أول ـياء من دون ـي‪ ,‬و هم خ ـلق من خ ـلق أمثال هم‪ ,‬وتركوا‬
‫عب ـادتـي وأ نا ال ـمنعم عل ـيهم وعل ـى أ سلفهم‪ ,‬وخالق هم وخالق من يوالو نه من دون ـي‬
‫منفردا بذلك من غير معين ول ظهير‪.‬‬
‫عضُدا يقول‪ :‬و ما ك نت مت ـخذ من ل يهدى إل ـى‬
‫خذَ ال ـ ُمضِلّـينَ َ‬
‫وقوله‪ :‬وَ ما ُكنْ تُ ُمتّ ـ ِ‬
‫الـحقّ‪ ,‬ولكنه يضلّ‪ ,‬فمن تبعه يجور به عن قصد السبـيـل أعوانا وأنصارا وهو من قولهم‪:‬‬
‫فلن يعضد فلنا إذا كان يقوّيه ويعينه‪ .‬وبنـحو ذلك قال بعض أهل التأويـل‪ .‬ذكر من قال‬
‫ذلك‪:‬‬
‫خذَ‬
‫‪ 17445‬ـ حدثنا بشر‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا يزيد‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا سعيد‪ ,‬عن قتادة‪ ,‬قوله‪ :‬وَما ُكنْ تَ ُمتّـ ِ‬
‫عضُدا‪ :‬أي أعوانا‪.‬‬
‫الـمُضِلّـينَ َ‬
‫حدث نا ال ـحسن بن يح يى‪ ,‬قال‪ :‬أخبر نا ع بد الرزاق‪ ,‬قال‪ :‬أخبر نا مع مر‪ ,‬عن قتادة‪ ,‬مثله‪,‬‬
‫وإنـما يعن ـي بذلك أن إبلـيس وذرّي ته يضلون بن ـي آدم عن ال ـحقّ‪ ,‬ول يهدون هم للر شد‪,‬‬
‫وقـد يحتــمل أن يكون عنـى بــالـمضلـين الذيـن هـم أتبــاع علــى الضللة‪ ,‬وأصـحاب‬
‫علـى غير هدى‪.‬‬

‫‪53‬‬ ‫و‬ ‫‪52‬‬ ‫الية ‪:‬‬


‫ع ْمتُم ْـ َفدَعَوْهُم ْـ فَلَم ْـ‬
‫القول فــي تأويــل قوله تعالــى‪َ { :‬و َيوْم َـ يَقُولُ نَادُو ْا شُ َركَآئِي َـ اّلذِين َـ زَ َ‬
‫جدُواْ‬
‫ظنّوَاْ َأ ّنهُ مْ مّوَا ِقعُوهَا وَلَ مْ َي ِ‬
‫ن النّارَ َف َ‬
‫ج ِرمُو َ‬
‫جعَلْنَا َب ْينَهُم مّ ْوبِقا * َورَأَى ا ْل ُم ْ‬
‫س َتجِيبُواْ َلهُ مْ َو َ‬
‫يَ ْ‬
‫صرِفا }‪.‬‬
‫ع ْنهَا َم ْ‬
‫َ‬
‫شرَكائ يَ اَلذِي نَ‬
‫ل ال ع ّز ذكره للـمشركين به الَلهة والنداد نادُوا ُ‬
‫يقول عزّ ذكره َويَوْ َم يَقُو ُ‬
‫ع ْمتُ ـمْ يقول ل هم‪ :‬ادعوا الذ ين كنت ـم تزعمون أن هم شركائي ف ـي العب ـادة ل ـينصروكم‬
‫زَ َ‬
‫جعَلْنا‬
‫ستَـجِيبُوا َلهُ مْ يقول‪ :‬فـاستغاثوا بهم فلـم يغيثوهم و َ‬
‫ويـمنعوكم منـي َفدَعَوهُ مْ فَلَـمْ يَ ْ‬
‫بَـيْ َن ُهمْ مَ ْوبِقا‪.‬‬
‫فــاختلف أهـل التأويــل فــي معنـى ذلك‪ ,‬فقال بعضهـم‪ :‬معناه‪ :‬وجعلنـا بــين هؤلء‬
‫ال ـمشركين و ما كانوا يدعون من دون ال شركاء ف ـي الدن ـيا يومئذٍ عداوة‪ .‬ذ كر من قال‬
‫ذلك‪:‬‬
‫‪ 17446‬ـ حدثنـي مـحمد بن عبد ال بن بزيع‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا بشر بن الـمفضل‪ ,‬عن عوف‪,‬‬
‫جعَلْنا بَـ ْي َن ُهمْ مَ ْوبِقا قال‪ :‬جعل بـينهم عداوة يوم القـيامة‪.‬‬
‫عن الـحسن‪ ,‬فـي قول ال‪َ :‬و َ‬
‫جعَلْنا بَـ ْي َنهُمْ َم ْوبِقا‬
‫حدثنا ابن بشار‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا عثمان بن عمر‪ ,‬عن عوف‪ ,‬عن الـحسن َو َ‬
‫قال‪ :‬عداوة‪.‬‬
‫وقال آخرون‪ :‬معناه‪ :‬وجعلنا فعلهم ذلك لهم َمهْلِكا‪ .‬ذكر من قال ذلك‪:‬‬
‫‪ 17447‬ـ حدثن ـي عل ـيّ‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا ع بد ال‪ ,‬قال‪ :‬ثن ـي معاو ية‪ ,‬عن عل ـيّ‪ ,‬عن ا بن‬
‫جعَلْنا بَـ ْينَ ُهمْ مَ ْوبِقا قال‪َ :‬مهْلِكا‪.‬‬
‫عبـاس‪ ,‬قوله‪َ :‬و َ‬
‫‪ 17448‬ـ حدثنا الـحسن بن يحيى‪ ,‬قال‪ :‬أخبرنا عبد الرزاق‪ ,‬قال‪ :‬أخبرنا معمر‪ ,‬عن قتادة‪,‬‬
‫فـي قوله‪ :‬مَ ْوبِقا قال‪ :‬هلكا‪.‬‬
‫جعَلْ نا‬
‫‪ 17449‬ـ حدثن ـي يو نس‪ ,‬قال‪ :‬أخبر نا ا بن و هب‪ ,‬قال‪ :‬قال ا بن ز يد‪ ,‬ف ـي قوله َو َ‬
‫بَـيْ َن ُهمْ مَ ْوبِقا قال‪ :‬الـموبق‪ :‬الـمهلك‪ ,‬الذي أهلك بعضهم بعضا فـيه‪ ,‬أوبق بعضهم بعضا‪.‬‬
‫جعَلْنا لِـ َمهِْلكِه ْم مَوْعِدا‪.‬‬
‫وقرأ َو َ‬
‫‪17450‬ـ حُدثت عن مـحمد بن يزيد‪ ,‬عن جويبر‪ ,‬عن الضحاك مَ ْوبِقا قال‪ :‬هلكا‪.‬‬
‫جعَلْنا‬
‫ع ْرفَجة‪ ,‬فـي قوله َو َ‬
‫‪ 17451‬ـ حدثنا ابن حميد‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا جرير‪ ,‬عن منصور‪ ,‬عن َ‬
‫بَـيْ َن ُهمْ مَ ْوبِقا قال‪ :‬مهلكا‪.‬‬
‫وقال آخرون‪ :‬هو اسم واد فـي جهنـم‪ .‬ذكر من قال ذلك‪:‬‬
‫‪17452‬ـ حدثنا ابن بشار‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا ابن أبـي عديّ‪ ,‬عن سعيد‪ ,‬عن قتادة‪ ,‬عن أبـي أيوب‪,‬‬
‫جعَلْنا بَـ ْي َنهُمْ َم ْوبِقاقال‪ :‬واد عميق فُ صِل به بـين أهل الضللة وأهل‬
‫عن عمرو البكّالـيّ‪َ :‬و َ‬
‫الهدى‪ ,‬وأهل الـجنة‪ ,‬وأهل النار‪.‬‬
‫جعَلْنا بَـيْ َن ُهمْ مَ ْوبِقا ذكر‬
‫حدثنا بشر‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا يزيد‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا سعيد‪ ,‬عن قتادة‪ ,‬قوله‪َ :‬و َ‬
‫لنا أن عَمرا البكَالـي حدّث عن عبد ال بن عمرو‪ ,‬قال‪ :‬هو واد عميق فُرق به يوم القـيامة‬
‫بـين أهل الهدى وأهل الضللة‪.‬‬
‫‪ 17453‬ـ حدثنا أبو كريب‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا عمر بن عبـيد‪ ,‬عن الـحجاج بن أرطاة‪ ,‬قال‪ :‬قال‬
‫جعَلْنا بَـ ْي َن ُهمْ مَ ْوبِقا قال‪ :‬واديا فـي النار‪.‬‬
‫مـجاهد َو َ‬
‫حدثنـا مــحمد بـن عمرو‪ ,‬قال‪ :‬حدثنـا أبـو عاصـم‪ ,‬قال‪ :‬حدثنـا عيسـى «ح» وحدثنــي‬
‫الــحرث‪ ,‬قال‪ :‬حدثنـا الــحسن‪ ,‬قال‪ :‬حدثنـا ورقاء‪ ,‬جميعـا عـن ابـن أبــي نــجيح‪ ,‬عـن‬
‫جعَلْنا بَـ ْي َنهُمْ َم ْوبِقا قال‪ :‬واديا فـي جهنـم‪.‬‬
‫مـجاهد‪ ,‬قوله‪َ :‬و َ‬
‫حدثنا القاسم‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا الـحسين‪ ,‬قال‪ :‬ثنـي حجاج‪ ,‬عن ابن جريج‪ ,‬عن مـجاهد‪ ,‬مثله‪.‬‬
‫‪ 17454‬ـ حدثن ـي م ـحمد بن سنان القزاز‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا ع بد ال صمد‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا يز يد بن‬
‫جعَلْنا بَـ ْي َنهُمْ َم ْوبِقا قال‪ :‬واد‬
‫درهم‪ ,‬قال‪ :‬سمعت أنس بن مالك يقول فـي قول ال عزّ وجلّ َو َ‬
‫فـي جهنـم من قـيح ودم‪.‬‬
‫وأول ـى القوال ف ـي ذلك ب ـالصواب‪ ,‬القول الذي ذكرناه عن ا بن عب ـاس‪ ,‬و من واف قه‬
‫فـي تأويـل الـموبق‪ :‬أنه الـمهلك‪ ,‬وذلك أن العرب تقول فـي كلمها‪ :‬قد أوبقت فلنا‪ :‬إذا‬
‫سبُوا ب ـمعنى‪ :‬يهلكه نّ‪ .‬ويقال لل ـمهلك‬
‫أهلك ته‪ .‬وم نه قول ال عزّ وجلّ‪ :‬أ ْو يُوبِ ْق ُه نّ بِ ـمَا كَ َ‬
‫نفسه‪ :‬قد وبق فلن فهو يوبق وبقا‪ .‬ولغة بنـي عامر‪ :‬يابق بغير همز‪ .‬وحُكي عن تـميـم‬
‫أنها تقول‪ :‬يبـيق‪ .‬وقد حُكي وبق يبق وبوقا‪ ,‬حكاها الكسائي‪ .‬وكان بعض أهل العلـم بكلم‬
‫العرب من أهل البصرة يقول‪ :‬الـموبق‪ :‬الوعد‪ ,‬ويستشهد لقـيـله ذلك بقول الشاعر‪:‬‬
‫عتِعارا لَ ُه والوَا ِديَـيْنِ بِـمَ ْو ِبقِ‬
‫شرَ ْورَى فـالسّتارَ فَلَـمْ َيدَ ْ‬
‫وحادَ َ‬
‫ل ثناؤه بــين هؤلء‬
‫ويتأوّله بــموعد‪ .‬وجائز أن يكون ذلك الــمهلك الذي جعـل ال ج ّ‬
‫الـمشركين‪ ,‬هو الوادي الذي ذكر عن عبد ال بن عمرو‪ ,‬وجائز أن يكون العداوة التـي قالها‬
‫الـحسن‪.‬‬
‫ظنّوا أ ّنهُم ـْ‬
‫ـمشركون النار يومئذٍ َف َ‬
‫ـن الــ‬
‫ن النّارَ يقول‪ :‬وعايـ‬
‫وقوله‪َ :‬ورَأى الـ ـمُـجْ ِرمُو َ‬
‫مُوَاقعُوها يقول‪ :‬فعلـموا أنهم داخـلوها‪ ,‬كما‪:‬‬
‫‪ 17455‬ـ حدثنا الـحسن بن يحيى‪ ,‬قال‪ :‬أخبرنا عبد الرزاق‪ ,‬قال‪ :‬أخبرنا معمر‪ ,‬عن قتادة‪,‬‬
‫ظنّوا أ ّنهُمْ ُموَاقعُوها قال‪ :‬علـموا‪.‬‬
‫فـي قوله‪ :‬فَ َ‬
‫‪ 17456‬ـ حدثنـي يونس‪ ,‬قال‪ :‬أخبرنا ابن وهب‪ ,‬قال‪ :‬أخبرنـي عمرو بن الـحارث‪ ,‬عن‬
‫درّاج‪ ,‬عن أبـي الهيثم عن أبـي سعيد الـخدريّ‪ ,‬عن رسول ال صلى ال عليه وسلم‪ ,‬أنه‬
‫سنَةَ»‪.‬‬
‫ن َ‬
‫ن مَسيرَ ِة أ ْربَعي َ‬
‫ج َهنّـمَ فَـ َيظُنّ أنّها ُموَاقعَتُ ُه مِ ْ‬
‫قال‪« :‬إنّ الكافرَ َيرَى َ‬
‫صرِفـا يقول‪ :‬ول ـم يجدوا عن النار الت ـي رأوا معدلً يعدلون‬
‫عنْ ها مَ ْ‬
‫جدُوا َ‬
‫وقوله‪ :‬ولَ ـمْ َي ِ‬
‫عنهـا إلــيه‪ .‬يقول‪ :‬لــم يجدوا مـن مواقعتهـا بدّا‪ ,‬لن ال قـد حتــم علــيهم ذلك‪ .‬ومـن‬
‫الـمصرف بـمعنى الـمعدل قول أبـي كبـير الهذلـيّ‪:‬‬
‫أمْ ل خُـلُو َد لبـاذِلٍ ُم َتكَّلفِ‬ ‫صرِفِ‬
‫ش ْيبَةٍ ِمنْ َم ْ‬
‫ن َ‬
‫أزُ َه ْيرُ هَلْ عَ ْ‬

‫‪54‬‬ ‫الية ‪:‬‬


‫ل َمثَلٍ َوكَا نَ‬
‫س مِن كُ ّ‬
‫ن لِلنّا ِ‬
‫القول فـي تأويـل قوله تعالـى‪{ :‬وَلَ َقدْ صَ ّر ْفنَا فِي هَـذَا ا ْل ُقرْآ ِ‬
‫ج َدلً }‪.‬‬
‫شيْءٍ َ‬
‫ن َأ ْك َثرَ َ‬
‫ل ْنسَا ُ‬
‫اِ‬
‫يقول عزّ ذكره‪ :‬ول قد مثل نا ف ـي هذا القرآن للناس من كلّ م ثل‪ ,‬ووعظنا هم ف ـيه من كلّ‬
‫عظـة‪ ,‬واحتــججنا علــيهم فــيه بكلّ حجـة لــيتذكّروا فــينـيبوا‪ ,‬ويعتـبروا فــيتعظوا‪,‬‬
‫ن النْسانُ أ ْك َثرَ‬
‫وينزجروا عما هم علـيه مقـيـمون من الشرك بـال وعبـادة الوثان وكا َ‬
‫ج َدلً يقول‪ :‬وكان النسـان أكثـر شيـء مراء وخصـومة‪ ,‬ل ينــيب لــحقّ‪ ,‬ول ينزجـر‬
‫شيْءٍ َ‬
‫َ‬
‫لـموعظة‪ ,‬كما‪:‬‬
‫‪ 17457‬ـ حدثن ـي يو نس‪ ,‬قال‪ :‬أخبر نا ا بن و هب‪ ,‬قال‪ :‬قال ا بن ز يد‪ ,‬ف ـي قوله‪ :‬وكا نَ‬
‫ج َدلً قال‪ :‬الــجدل‪ :‬الــخصومة‪ ,‬خصـومة القوم لنبــيائهم‪ ,‬وردّهـم‬
‫شيْءٍ َ‬
‫ن أ ْك َثرَ َ‬
‫النْسـا ُ‬
‫شرَبُـ مِــمّا‬
‫ن منـه َو َي ْ‬
‫ل بَشرٌ ِمثُْلكُ مْ َي ْأكُلُ مِــمّا َت ْأكُلُو َ‬
‫عل ـيهم ما جاءوا به‪ .‬وقرأ‪ :‬مَا َهذَا إ ّ‬
‫ن َيتَفَضّلَ عَلَ ـيْ ُكمْ‪ .‬وقرأ‪ :‬حت ـى تُ َوفّ ـى‪ ...‬الَ ية‪ :‬وََلوْ َنزّلْ نا عَلَ ـيْكَ‬
‫َتشْ َربُو نَ‪ .‬وقرأ‪ُ :‬يرِيدُ أ ْ‬
‫ن ال سّماءِ َفظَلّوا فِ ـيهِ‬
‫كِتاب ـا فِ ـي قِرْطا سٍ‪ ...‬الَ ية‪ .‬وقرأ‪ :‬وَلَ ْو َفتَ ـحْنا عَلَ ـ ْي ِهمْ ب ـابـا مِ َ‬
‫سحُورُونَ‪.‬‬
‫ل نَـحْنُ قَ ْومٌ َم ْ‬
‫س ّكرَت أ ْبصَارُنا بَ ْ‬
‫َيعْ ُرجُونَ قال‪ :‬هم لـيس أنت لقالوا إنّـمَا ُ‬

‫‪55‬‬ ‫الية ‪:‬‬


‫س َتغْفِرُواْ‬
‫القول ف ـي تأوي ـل قوله تعال ـى‪{ :‬وَمَا َمنَ عَ النّا سَ أَن يُ ْؤ ِمُنوَاْ ِإذْ جَآءَهُ مُ ا ْل ُه َدىَ َويَ ْ‬
‫ب قُبُلً }‪.‬‬
‫ن أَ ْو َي ْأ ِت َيهُمُ ا ْل َعذَا ُ‬
‫سنّةُ الوّلِي َ‬
‫ل أَن َت ْأتِ َي ُهمْ ُ‬
‫َربّ ُهمْ ِإ ّ‬
‫يقول عزّ ذكره‪ :‬و ما م نع هؤلء ال ـمشركين يا م ـحمد الي ـمان ب ـال إذ جاء هم الهدى‬
‫بــيان ال‪ ,‬وعلــموا صـحة مـا تدعوهـم إلــيه وحقــيقته‪ ,‬والسـتغفـار مــما هـم علــيه‬
‫مقـيـمون من شركهم‪ ,‬إل مـجيئهم سنتنا فـي أمثالهم من المـم الـمكذبة رسلها قبلهم‪ ,‬أو‬
‫إتـيانهم العذاب ُقبُل‪.‬‬
‫واختلف أهـل التأويــل فــي تأويــل ذلك‪ ,‬فقال بعضهـم‪ :‬معناه‪ :‬أو يأتــيهم العذاب فجأة‪.‬‬
‫ذكر من قال ذلك‪:‬‬
‫‪ 17458‬ـ حدثنـي مـحمد بن عمرو‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا أبو عاصم‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا عيسى‪ ,‬وحدثنـي‬
‫الــحارث‪ ,‬قال‪ :‬حدثنـا الــحسن‪ ,‬قال‪ :‬حدثنـا ورقاء‪ ,‬جميعـا عـن ابـن أبــي نــجيح‪ ,‬عـن‬
‫ب قُبُلً قال فجأة‪.‬‬
‫مـجاهد‪ ,‬فـي قوله‪ :‬أوْ يَأتِـيَ ُهمُ ال َعذَا ُ‬
‫حدثنا القاسم‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا الـحسين‪ ,‬قال‪ :‬ثنـي حجاج‪ ,‬عن ابن جريج‪ ,‬عن مـجاهد‪ ,‬مثله‪.‬‬
‫وقال آخرون‪ :‬معناه‪ :‬أو يأتـيهم العذاب عيانا‪ .‬ذكر من قال ذلك‪:‬‬
‫‪ 17459‬ـ حدثنـي يونس‪ ,‬قال‪ :‬أخبرنا ابن وهب‪ ,‬قال‪ :‬قال ابن زيد‪ ,‬فـي قوله أوْ يَأتِـ َيهُمُ‬
‫ال َعذَابُ ُقبُلً قال‪ :‬قبلً معاينة ذلك القبل‪.‬‬
‫و قد اختلف القرّاء ف ـي قراءة ذلك‪ ,‬فقرأ ته جما عة ذات عدد أ ْو َي ْأتِ ـيَ ُهمْ ال َعذَا بُ ُقبُلً بض مّ‬
‫القاف والب ـاء‪ ,‬ب ـمعنى أ نه يأت ـيهم من العذاب ألوان وضروب‪ ,‬ووجهوا القُبُل إل ـى ج مع‬
‫قب ـيـل‪ ,‬ك ما يُج مع القت ـيـل القُتُل‪ ,‬وال ـجديد ال ـجُدُد‪ .‬وقرأ جما عة أخرى‪« :‬أوْ َي ْأتِ ـيَ ُهمْ‬
‫ال َعذَابُ ِقبَلً» بكسر القاف وفتـح البـاء‪ ,‬بـمعنى أو يأتـيهم العذاب عيانا من قولهم‪ :‬كلـمته‬
‫ِقبَلً‪ .‬وقد بـيّنت‬
‫القول فـي ذلك فـي سورة النعام بـما أغنى عن إعادته فـي هذا الـموضع‪.‬‬
‫‪56‬‬ ‫الية ‪:‬‬
‫شرِي نَ َومُنذِرِي نَ َو ُيجَادِلُ اّلذِي نَ‬
‫ل ُمبَ ّ‬
‫القول فـي تأويـل قوله تعالـى‪َ { :‬ومَا نُرْ سِلُ ا ْل ُمرْ سَلِينَ ِإ ّ‬
‫خذُوَ ْا آيَاتِي َومَا ُأ ْنذِرُو ْا ُهزُوا }‪.‬‬
‫حقّ وَا ّت َ‬
‫كَ َفرُواْ بِا ْلبَاطِلِ ِل ُي ْدحِضُو ْا بِ ِه ا ْل َ‬
‫يقول عزّ ذكره‪ :‬و ما نر سل إل ل ـيبشروا أ هل الي ـمان والت صديق ب ـال بجزي ـل ثوا به‬
‫ف ـي الَخرة‪ ,‬ول ـينذروا أ هل الك فر به والتكذ يب‪ ,‬عظي ـم عقا به‪ ,‬وأل ـيـم عذا به‪ ,‬ف ـينتهوا‬
‫ّذينـ كَ َفرُوا بــالبـاطِلِ‬
‫عـن الشرك بــال‪ ,‬وينزجروا عـن الكفـر بـه ومعاصـيه ويُجادِلُ ال َ‬
‫حقّ يقول‪ :‬ويخا صم الذ ين كذّبوا ب ـال ور سوله ب ـالبـاطل‪ ,‬ذلك كقول هم‬
‫حضُوا ِب هِ ال ـ َ‬
‫لِ ـيُ ْد ِ‬
‫للنب ـيّ صلى ال عل يه و سلم‪ :‬أخبر نا عن حد يث فت ـية ذهبوا ف ـي أوّل الد هر ل ـم يدر ما‬
‫شأن هم‪ ,‬و عن الر جل الذي بلغ مشارق الرض ومغارب ها‪ ,‬و عن الروح‪ ,‬و ما أش به ذلك م ـما‬
‫كانوا يخا صمونه به‪ ,‬يبتغون إ سقاطه‪ ,‬تعن ـيتا له صلى ال عل يه و سلم‪ ,‬فقال ال ل هم‪ :‬إ نا ل سنا‬
‫نبعـث إلــيكم رسـلنا للــجدال والــخصومات‪ ,‬وإنــما نبعثهـم مبشريـن أهـل اليــمان‬
‫بـالـجنة‪ ,‬ومنذرين أهل الكفر بـالنار‪ ,‬وأنتـم تـجادلونهم بـالبـاطل طلبـا منكم بذلك أن‬
‫حقّ ل ـيبطلوا به‬
‫حضُوا ِب ِه ال ـ َ‬
‫تبطلوا ال ـحقّ الذي جاء كم به ر سولـي‪ .‬وع نى بقوله‪ :‬ل ـيُ ْد ِ‬
‫الــحقّ ويزيــلوه ويذهبوا بـه‪ .‬يقال منـه‪ :‬دحـض الشيـء‪ :‬إذا زال وذهـب‪ ,‬ويقال‪ :‬هذا مكان‬
‫َدحْض‪ :‬أي ُمزِل ُمزْلِق ل يثبت فـيه خفّ ول حافر ول قدم ومنه قوله الشاعر‪:‬‬
‫حذَارُهُ‬
‫ي ِ‬
‫ش ُكرِ ّ‬
‫ت ونَـجّى الـيَ ْ‬
‫َردِي ُ‬
‫وحادَ كما حادَ البَعيرُ عَن ال ّدحْضِ‬
‫ويروى‪ :‬ونـحّى‪ ,‬وأدحضته أنا‪ :‬إذا أذهبته وأبطلته‪.‬‬
‫خذُوا آياتـي وَما ُأ ْنذِرُوا ُهزُوا يقول‪ :‬واتـخذوا الكافرون بـال حججه التـي‬
‫وقوله‪ :‬واتّـ َ‬
‫احتـجّ بها علـيهم‪ ,‬وكتابه الذي أنزله إلـيهم‪ ,‬والنذر التـي أنذرهم بها سخريا يسخرون بها‪,‬‬
‫شئْنا لَقُلْنا‬
‫ن َهذَا إلّ أساطِيرُ الوّلِـينَ ا ْك َتتَبها َفهِيَ تُـمْلـىَ عَلـيْ ِه ُبكْرَ ًة وَأصِيلً وَلوْ ِ‬
‫يقولون‪ :‬إ ْ‬
‫ِمثْلَ َهذَا‪.‬‬

‫‪57‬‬ ‫الية ‪:‬‬


‫ع ْنهَا َونَ سِيَ مَا‬
‫عرَ ضَ َ‬
‫القول فـي تأويـل قوله تعالـى‪َ { :‬ومَ نْ َأظْلَ مُ ِممّن ُذكّرَ بِآيِا تِ َربّ ِه َفأَ ْ‬
‫ى ا ْل ُهدَىَ فَلَ نْ‬
‫عهُ مْ إَِل َ‬
‫جعَلْنَا عََلىَ قُلُو ِبهِ مْ َأ ِكنّ ًة أَن يَفْ َقهُو هُ وَفِي آذَا ِنهِ مْ َوقْرا وَإِن َتدْ ُ‬
‫ت َيدَا هُ إِنّا َ‬
‫قَ ّدمَ ْ‬
‫َي ْهتَدُوَ ْا إِذا َأبَدا }‪.‬‬
‫ي الناس أو ضع للعراض وال ص ّد ف ـي غ ير موضعه ما م ـمن ذكره‬
‫يقول عزّ ذكره‪ :‬وأ ّ‬
‫بآيا ته وحج جه‪ ,‬فدله ب ها عل ـى سبـيـل الرشاد‪ ,‬وهداه ب ها إل ـى طر يق الن ـجاة‪ ,‬فأعرض‬
‫سيَ ما‬
‫عن آيا ته وأدل ته الت ـي ف ـي ا ستدلله ب ها الو صول إل ـى ال ـخلص من الهلك َونَ ِ‬
‫ت َيدَاهُ يقول‪ :‬ونسي ما أسلف من الذنوب الـمهلكة فلـم يتب‪ ,‬ولـم ينب كما‪:‬‬
‫قَ ّدمَ ْ‬
‫سيَ ما َقدّمَ تْ‬
‫‪ 17460‬ـ حدث نا ب شر‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا يز يد‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا سعيد‪ ,‬عن قتادة‪ ,‬قوله‪َ :‬ونَ ِ‬
‫َيدَاهُ‪ :‬أي نسي ما سلف من الذنوب‪.‬‬
‫جعَلْ نا عل ـى قُلو ِبهِ مْ أ ِكنّ َة أ نْ َيفْ َقهُو ُه وفِ ـي آذا ِنهِ مْ َوقْرا يقول تعال ـى ذكره‪ :‬إ نا‬
‫وقوله‪ :‬إنّا َ‬
‫جعلنا علـى قلوب هؤلء الذين يعرضون عن آيات ال إذا ذكروا بها أغطية لئل يفقهوه‪ ,‬لن‬
‫ل لئل‬
‫ِمـ َوقْرا يقول‪ :‬فــي آذانهـم ثق ً‬
‫الــمعنى أن يفقهوا مـا ذكروا بـه‪ .‬وقوله‪ :‬وفِــي آذا ِنه ْ‬
‫عهُ ْم إلـى ال ُهدَى يقول ع ّز ذكره لنبـيه مـحمد صلى ال عليه وسلم‪ :‬وَإنْ َت ْدعُ‬
‫ن َتدْ ُ‬
‫يسمعوه وَإ ْ‬
‫حمّد هؤلء الـمعرضين عن آيات ال عند التذكير بها إلـى الستقامة علـى مـحجة‬
‫يا مُـ َ‬
‫َنـ َي ْهتَدُوا إذًا أ َبدًا يقول‪ :‬فلن‬
‫الــحقّ واليــمان بــال‪ ,‬ومـا جئتهـم بـه مـن عنـد ربـك فَل ْ‬
‫يستقـيـموا إذا أبدا علـى الـحقّ‪ ,‬ولن يؤمنوا بـما دعوتهم إلـيه‪ ,‬لن ال قد طبع علـى‬
‫قلوبهم‪ ,‬وسمعهم وأبصارهم‪.‬‬

‫‪58‬‬ ‫الية ‪:‬‬


‫سبُواْ َل َعجّلَ‬
‫خذُهُم بِمَا كَ َ‬
‫القول ف ـي تأوي ـل قوله تعال ـى‪َ { :‬و َربّ كَ ا ْلغَفُورُ ذُو ال ّرحْمَ ِة َلوْ يُؤَا ِ‬
‫جدُواْ مِن دُو ِنهِ َم ْوئِلٍ }‪.‬‬
‫ع ٌد لّن َي ِ‬
‫َل ُهمُ ا ْل َعذَابَ بَل ّلهُم مّوْ ِ‬
‫يقول تعالـى ذكره لنبـيه مـحمد صلى ال عليه وسلم‪ :‬وربك الساتر يا مـحمد علـى‬
‫َسـبُوا هؤلء‬
‫خذُه ُم بِــمَا ك َ‬
‫ِمـ لَ ْو يُؤَا ِ‬
‫ذنوب عبــاده بعفوه عنهـم إذا تابوا منهـم ذُو الرّحمَ ِة ِبه ْ‬
‫ل َلهُ مُ ال َعذَا بَ ولكنه‬
‫الـمعرضين عن آياته إذا ذكروا بها بـما كسبوا من الذنوب والَثام‪ ,‬لَعجّ َ‬
‫عدٌ يقول‪ :‬ل كن ل هم‬
‫ل َلهُ مْ مَوْ ِ‬
‫لرحم ته بخ ـلقه غ ير ف ـاعل ذلك ب هم إل ـى ميقات هم وآجال هم‪ ,‬بَ ْ‬
‫ل يقول تعال ـى‪:‬‬
‫جدُوا مِ نْ دُونِ ِه مَ ْوئِ ً‬
‫مو عد‪ ,‬وذلك ميقات م ـحلّ عذاب هم‪ ,‬و هو يوم بدر لَ نْ َي ِ‬
‫ذكره‪ :‬لن يجد هؤلء الـمشركون‪ ,‬وإن لـم يعجل لهم العذاب فـي الدنـيا من دون الـموعد‬
‫الذي جعلته ميقاتا لعذابهم‪ ,‬ملـجًأ يـلـجأون إلـيه‪ ,‬ومنـجى ينـجون معه‪ ,‬يعنـي أنهم ل‬
‫يجدون معقلً يعتقلون بـه مـن عذاب ال يقال منـه‪ :‬وألت مـن كذا إلــى كذا‪ ,‬أئل وُؤولً‪ ,‬مثـل‬
‫وعولً ومنه قول الشاعر‪:‬‬
‫سكَ خَـلّـ ْيتَهاللْعامِرِيـيّن ولَـمْ ُتكْلَـمِ‬
‫ل وَاءََلتْ نَ ْف ُ‬
‫يقول‪ :‬لنـجت وقول العشى‪:‬‬
‫ل‬
‫َو َقدْ أُخالِسُ رَبّ البَـيْتِ غَفَْل َتهُو َقدْ يُحاذِرِ ِمنّـي َثمّ ما َيئِ ُ‬
‫وبنـحو الذي قلنا فـي ذلك‪ ,‬قال أهل التأويـل‪ .‬ذكر من قال ذلك‪:‬‬
‫‪17461‬ــ حدثنــي مــحمد بـن عمرو‪ ,‬قال‪ :‬حدثنـا أبـو عاصـم‪ ,‬قال‪ :‬حدثنـا عيسـى «ح»‬
‫وحدثن ـي ال ـحرث‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا ال ـحسن‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا ورقاء‪ ,‬جمي عا عن ا بن أب ـي ن ـجيح‪,‬‬
‫ل قال‪ :‬مـحرزا‪.‬‬
‫عن مـجاهد‪ ,‬قوله‪ :‬مَ ْوئِ ً‬
‫حدثنا القاسم‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا الـحسين‪ ,‬قال‪ :‬ثنـي حجاج‪ ,‬عن ابن جريج‪ ,‬عن مـجاهد‪ ,‬مثله‪.‬‬
‫‪ 17462‬ـ حدثن ـي عل ـيّ‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا ع بد ال‪ ,‬قال‪ :‬ثن ـي معاو ية‪ ,‬عن عل ـيّ‪ ,‬عن ا بن‬
‫ن دُونِ ِه مَ ْوئِلً‪ :‬يقول‪ :‬ملـجأ‪.‬‬
‫جدُوا مِ ْ‬
‫عبـاس‪ ,‬قوله‪َ :‬لنْ َي ِ‬
‫ن دُونِ ِه مَ ْوئِلً‪:‬‬
‫جدُوا مِ ْ‬
‫‪17463‬ـ حدثنا بشر‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا يزيد‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا سعيد‪ ,‬عن قتادة َلنْ َي ِ‬
‫أي لن يجدوا من دونه ولـيا ول ملْـجأً‪.‬‬
‫جدُوا مِنْ‬
‫ن َي ِ‬
‫‪17464‬ـ حدثنـي يونس‪ ,‬قال‪ :‬أخبرنا ابن وهب‪ ,‬قال‪ :‬قال ابن زيد فـي قوله‪ :‬لَ ْ‬
‫ل قال‪ :‬لـيس من دونه ملـجأ يـلـجأون إلـيه‪.‬‬
‫دُونِ ِه مَوْئ ً‬

‫‪59‬‬ ‫الية ‪:‬‬


‫جعَ ْلنَا ِل َمهِْلكِهِم‬
‫ك الْ ُق َرىَ أَهَْل ْكنَاهُ مْ َلمّا ظََلمُواْ َو َ‬
‫القول فـي تأويـل قوله تعالـى‪َ { :‬وتِلْ َ‬
‫مّوْعِدا }‪.‬‬
‫يقول تعالــى ذكره‪ :‬وتلك القُرى مـن عاد وثمود وأصـحاب اليكـة أهلكنـا أهلهـا لــما‬
‫جعَلْنـا لِــَمهِْلكِ ِهمْ َموْعِدا يعنــي ميقاتـا وأجلً‪ ,‬حيـن بلغوه‬
‫ظلــموا‪ ,‬فكفروا بــال وآياتـه‪َ ,‬و َ‬
‫جاءهم عذاب فأهلكناهم به‪ ,‬يقول‪ :‬فكذلك جعلنا لهؤلء الـمشركين من قومك يا مـحمد الذين‬
‫ل يؤمنون بك أبدا موعدا‪ ,‬إذا جاءهم ذلك الـموعد أهلكناهم سنتنا فـي الذين خـلوا من قبلهم‬
‫من ضربـائهم كما‪:‬‬
‫‪17465‬ــ حدثنــي مــحمد بـن عمرو‪ ,‬قال‪ :‬حدثنـا أبـو عاصـم‪ ,‬قال‪ :‬حدثنـا عيسـى «ح»‬
‫وحدثنـي الـحارث‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا الـحسن‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا ورقاء‪ ,‬جميعا عن ابن أبـي نـجيح‪,‬‬
‫عن مـجاهد‪ ,‬قوله‪ :‬لِـ َمهِْل ِكهِمْ َموْعِدا قال‪ :‬أجلً‪.‬‬
‫حدثنا القاسم‪ ,‬قال‪ :‬ثنـي الـحسين‪ ,‬قال‪ :‬ثنـي حجاج‪ ,‬عن ابن جريج‪ ,‬عن مـجاهد‪ ,‬مثله‪.‬‬
‫واختلفـت القرّاء فــي قراءة قوله لِــ َمهِْل ِكهِمْ فقرأ ذلك عامّـة قرّاء الــحجاز والعراق‪:‬‬
‫«لِ ـمُهِْلكِهمْ» بض مّ ال ـميـم وفت ـح اللم عل ـى توج يه ذلك إل ـى أ نه م صدر من أهلكوا‬
‫إهل كا‪ .‬وقرأه عا صم‪« :‬لِ ـ َمهَْل ِكهِمْ» بفت ـح ال ـميـم واللم عل ـى توجي هه إل ـى ال ـمصدر‬
‫من هلكوا هلكا ومهلكا‪.‬‬
‫بضمـ‬
‫ّ‬ ‫وأولــى القراءتــين بــالصواب عندي فــي ذلك قراءة مـن قرأه‪« :‬لــ ُمهَْل ِكهِمْ»‬
‫ْكـ ال ُقرَى‬
‫الــميـم وفتــح اللم لجماع الــحجة مـن القرّاء علــيه‪ ,‬واسـتدللً بقوله‪َ :‬وتِل َ‬
‫أهَْلكْناهُمْ فأن يكون الـمصدر من أهلكنا‪ ,‬إذ كان قد تقدّم قبله أولـى‪ .‬وقـيـل‪ :‬أهلكناهم‪ ,‬وقد‬
‫ل بأهل القرى‪ ,‬فعاد إلـى الـمعنى‪ ,‬وأجرى الكلم‬
‫قال قبل‪ :‬وَتلكَ ال ُقرَى‪ ,‬لن الهلك إنـما ح ّ‬
‫علـيه دون اللفظ‪.‬‬
‫وقال بعض نـحويـي البصرة‪ :‬قال‪َ :‬وتَلْكَ ال ُقرَى أهَْلكْناهُمْ لَـمّا ظَلَـمُوا يعنـي أهلها‪ ,‬كما‬
‫سئَلِ ال َق ْريَةِ ول ـم يج يء بل فظ القرى‪ ,‬ول كن أجرى الل فظ عل ـى القوم‪ ,‬وأجرى الل فظ‬
‫قال‪ :‬وَا ْ‬
‫فـي القرية علـيها إلـى قوله التـي ُكنّا فِـيها‪ ,‬وقال‪ :‬أهْلكْناهُ مْ ولـم يقل‪ :‬أهلكناها‪ ,‬حمله‬
‫علـى القوم‪ ,‬كما قال‪ :‬جاءت تـميـم‪ ,‬وجعل الفعل لبنـي تـميـم‪ ,‬ولـم يجعله لتـميـم‪,‬‬
‫ولو فعل ذلك لقال‪ :‬جاء تـميـم‪ ,‬وهذا ل يحُسن فـي نـحو هذا‪ ,‬لنه قد أراد غير تـميـم‬
‫فـي نـحو هذا الـموضع‪ ,‬فجعله اسما‪ ,‬ولـم يحتـمل إذا اعتلّ أن يحذف ما قبله كله معنى‬
‫التاء من جاءت مع بنـي تـميـم‪ ,‬وترك الفعل علـى ما كان لـيعلـم أنه قد حذف شيئا قبل‬
‫تــميـم‪ .‬وقال بعضهـم‪ :‬إنــما جاز أن يقال‪ :‬تلك القرى أهلكناهـم‪ ,‬لن القريـة قامـت مقام‬
‫الهـل‪ ,‬فجاز أن ترد علــى الهـل مرة وعلــيها مرّة‪ ,‬ول يجوز ذلك فــي تــميـم‪ ,‬لن‬
‫القبـيـلة تعرف به ولـيس تـميـم هو القبـيـلة‪ ,‬وإنـما عرفت القبـيـلة به‪ ,‬ولو كانت‬
‫القبـيـلة قد سميت بـالرجل لـجرت علـيه‪ ,‬كما تقول‪ :‬وقعت فـي هود‪ ,‬تريد فـي سورة‬
‫هود ولـيس هود اسما للسورة وإنـما عرفت السورة به‪ ,‬فلو سميت السورة بهود لـم يجر‪,‬‬
‫فقتل‪ :‬وقعت فـي هود يا هذا‪ ,‬فلـم يجر‪ ,‬وكذلك لو سمي بنـي تـميـم تـميـما لقـيـل‪:‬‬
‫هذه تـميـم قد أقبلت‪ ,‬فتأويـل الكلم‪ :‬وتلك القرى أهلكناهم لـما ظلـموا‪ ,‬وجعلنا لهلكهم‬
‫موعدا‪.‬‬

‫‪60‬‬ ‫الية ‪:‬‬


‫ن أَوْ‬
‫حرَيْ ِ‬
‫جمَعَ ا ْل َب ْ‬
‫حّتىَ َأبْلُ َغ َم ْ‬
‫سىَ لِ َفتَا ُه ل َأ ْبرَحُ َ‬
‫ل مُو َ‬
‫القول فـي تأويـل قوله تعالـى‪{ :‬وَِإ ْذ قَا َ‬
‫َأ ْمضِيَ حُقُبا }‪.‬‬
‫يقول عزّ ذكره لنب ـيه صلى ال عل يه و سلم‪ :‬واذ كر يا م ـحمد إذ قال مو سى بن عمران‬
‫حرَيْنِ‪ ,‬كما‪:‬‬
‫جمَعَ ال َب ْ‬
‫لفتاه يوشع‪ :‬ل أ ْبرَحُ يقول‪ :‬ل أزال أسير حتـى أبْلُغَ مَـ ْ‬
‫‪17466‬ـ حدثنـي يونس‪ ,‬قال‪ :‬أخبرنا ابن وهب‪ ,‬قال‪ :‬قال ابن زيد‪ ,‬فـي قوله‪ :‬ل أ ْبرَحُ قال‪:‬‬
‫ل أنتهي‪.‬‬
‫ْنـ اجتــماع بحـر فــارس والروم‪ ,‬والــمـجمع‪:‬‬
‫ح َري ِ‬
‫جمَعَ ال َب ْ‬
‫وقــيـل‪ :‬عنـى بقوله‪ :‬مَــ ْ‬
‫مصدر من قولهم‪ :‬جمع يجمع‪ .‬ذكر من قال ذلك‪:‬‬
‫جمَعَ‬
‫‪17467‬ـ حدثنا بشر‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا يزيد‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا سعيد‪ ,‬عن قتادة‪ ,‬قوله‪ :‬حتـى أبْلُغَ مَـ ْ‬
‫ال َبحْ َريْ نِ والبحران‪ :‬بحر فـارس وبحر الروم‪ ,‬وبحر الروم مـما يـلـي الـمغرب‪ ,‬وبحر‬
‫فـارس مـما يـلـي الـمشرق‪.‬‬
‫حدث نا ال ـحسن بن يح يى‪ ,‬قال‪ :‬أخبر نا ع بد الرزاق‪ ,‬قال‪ :‬أخبر نا مع مر‪ ,‬عن قتادة‪ ,‬قوله‪:‬‬
‫ن قال‪ :‬بحر فـارس‪ ,‬وبحر الروم‪.‬‬
‫ح َريْ ِ‬
‫مَـجْمَعَ ال َب ْ‬
‫‪17468‬ــ حدثنـا القاسـم‪ ,‬قال‪ :‬حدثنـا الــحسين‪ ,‬قال‪ :‬ثنــي حجاج‪ ,‬عـن ابـن جريـج‪ ,‬عـن‬
‫ن قال‪ :‬ب حر الروم‪ ,‬وب حر ف ـارس‪ ,‬أحده ما قِبَل ال ـمشرق‪ ,‬والَ خر‬
‫حرَي ِ‬
‫م ـجاهد م ـجمَع ال َب ْ‬
‫ِقبَل الـمغرب‪.‬‬
‫‪ 17469‬ـ حدثنـي مـحمد بن سعد‪ ,‬قال‪ :‬ثنـي أبـي‪ ,‬قال‪ :‬ثنـي عمي‪ ,‬قال‪ :‬ثنـي أبـي‪,‬‬
‫ح َريْنِ‪.‬‬
‫جمَعَ ال َب ْ‬
‫عن أبـيه‪ ,‬عن ابن عبـاس‪ ,‬قال‪ :‬مُـ ْ‬
‫‪17470‬ـ حدثنا ابن حميد‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا يحيى بن الضريس‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا أبو معشر‪ ,‬عن مـحمد‬
‫ح َريْنِ قال‪ :‬طنـجة‪.‬‬
‫جمَعَ ال َب ْ‬
‫بن كعب‪ ,‬فـي قوله‪ :‬ل أ ْبرَحُ حتـى أبْلُغَ مَـ ْ‬
‫ـ حُقُبــا يقول‪ :‬أو أسـير زمانـا ودهرا‪ ,‬وهـو واحـد‪ ,‬ويجمـع كثــيره‬
‫وقوله‪ :‬أ ْو أ ْمضِي َ‬
‫وقل ـيـله‪ :‬أحقاب‪ .‬و قد تقول العرب‪ :‬ك نت عنده حق بة من الد هر‪ ,‬ويجمعون ها حُقب ـا‪ .‬وكان‬
‫ب عض أ هل العرب ـية بو جه تأوي ـل قوله ل أ ْبرَ حُ‪ :‬أي ل أزول‪ ,‬وي ستشهد لقوله ذلك بب ـيت‬
‫الفرزدق‪:‬‬
‫ب اللّطا ِئمِ‬
‫فمَا َب ِرحُوا حتـى تَهادَتْ نِساؤُ ُهمْببَطْحاءِ ذِي قارٍ عِيا َ‬
‫يقول‪ :‬ما زالوا‪.‬‬
‫وذكـر بعـض أهـل العلــم بكلم العرب‪ ,‬أن الــحقب فــي لغـة قــيس‪ :‬سـنة‪ .‬فأمـا أهـل‬
‫التأوي ـل فإن هم يقولون ف ـي ذلك ما أ نا ذاكره‪ ,‬و هو أن هم اختلفوا ف ـيه‪ ,‬فقال بعض هم‪ :‬هو‬
‫ثمانون سنة‪ .‬ذكر من قال ذلك‪:‬‬
‫‪ 17471‬ـ حُدثت عن هشيـم‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا أبو بلـج‪ ,‬عن عمرو بن ميـمون‪ ,‬عن عبد ال بن‬
‫عمرو‪ ,‬قال‪ :‬الـحقب‪ :‬ثمانون سنة‪.‬‬
‫وقال آخرون‪ :‬هو سبعون سنة‪ .‬ذكر من قال ذلك‪:‬‬
‫‪17472‬ــ حدثنـا القاسـم‪ ,‬قال‪ :‬حدثنـا الــحسين‪ ,‬قال‪ :‬ثنــي حجاج‪ ,‬عـن ابـن جريـج‪ ,‬عـن‬
‫ضيَ حُقُبـا قال‪ :‬سبعين خريفـا‪.‬‬
‫مـجاهد أوْ أ ْم ِ‬
‫حدثنــي مــحمد بـن عمرو‪ ,‬قال‪ :‬حدثنـا أبـو عاصـم‪ ,‬قال‪ :‬حدثنـا عيسـى‪ ,‬وحدثنــي‬
‫الــحارث‪ ,‬قال‪ :‬حدثنـا الــحسن‪ ,‬قال‪ :‬حدثنـا ورقاء‪ ,‬جميعـا عـن ابـن أبــي نــجيح‪ ,‬عـن‬
‫مـجاهد‪ ,‬مثله‪.‬‬
‫وقال آخرون فـي ذلك‪ ,‬بنـحو الذي قلنا‪ .‬ذكر من قال ذلك‪:‬‬
‫‪ 17473‬ـ حدثنـي علـيّ‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا أبو صالـح‪ ,‬قال‪ :‬ثنـي معاوية‪ ,‬عن علـيّ‪ ,‬عن ابن‬
‫ضيَ حُقُبـا قال‪ :‬دهرا‪.‬‬
‫عبـاس‪ ,‬قوله‪ :‬أ ْو أمْ ِ‬
‫‪17474‬ـ حدثنا أحمد بن يحيى‪ ,‬قال‪ :‬أخبرنا عبد الرزاق‪ ,‬قال‪ :‬أخبرنا معمر‪ ,‬عن قتادة‪ ,‬فـي‬
‫قوله حُقَبـا قال‪ :‬الـحقب‪ :‬زمان‪.‬‬
‫‪ 17475‬ـ حدث نا يو نس‪ ,‬قال‪ :‬أخبر نا ا بن و هب‪ ,‬قال‪ :‬قال ا بن ز يد‪ ,‬ف ـي قوله‪ :‬أ ْو أمْضِ يَ‬
‫حُقُبـا قال‪ :‬الـحقب‪ :‬الزمان‪.‬‬

‫‪61‬‬ ‫الية ‪:‬‬


‫حرِ‬
‫سبِيلَ ُه فِي ا ْل َب ْ‬
‫خذَ َ‬
‫سيَا حُو َت ُهمَا فَا ّت َ‬
‫جمَعَ َب ْي ِنهِمَا نَ ِ‬
‫القول فـي تأويـل قوله تعالـى‪{ :‬فََلمّا بََلغَا َم ْ‬
‫سَرَبا }‪.‬‬
‫يعنـي تعالـى ذكره‪ :‬فلـما بلغ موسى وفتاه مـجمع البحرين‪ ,‬كما‪:‬‬
‫‪ 17476‬ـ حدثنـي م ـحمد بن عمرو‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا أ بو عا صم‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا عي سى وحدثنـي‬
‫الــحرث‪ ,‬قال‪ :‬حدثنـا الــحسن‪ ,‬قال‪ :‬حدثنـا ورقاء‪ ,‬جميعـا عـن ابـن أبــي نــجيح‪ ,‬عـن‬
‫جمَعَ بَـ ْي ِنهِما قال‪ :‬بـين البحرين‪.‬‬
‫مـجاهد‪ ,‬قوله مَـ ْ‬
‫حدثنا القاسم‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا الـحسين‪ ,‬قال‪ :‬ثنـي حجاج‪ ,‬عن ابن جريج‪ ,‬عن مـجاهد‪ ,‬مثله‪.‬‬
‫وقوله‪ :‬نَسيا حُوَتهُما يعنـي بقوله‪ :‬نسيا‪ :‬تركا‪ ,‬كما‪:‬‬
‫‪ 17477‬ـ حدثنـي م ـحمد بن عمرو‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا أ بو عا صم‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا عي سى وحدثنـي‬
‫الــحارث‪ ,‬قال‪ :‬حدثنـا الــحسن‪ ,‬قال‪ :‬حدثنـا ورقاء‪ ,‬جميعـا عـن ابـن أبــي نــجيح‪ ,‬عـن‬
‫مـجاهد نَسيَا حُوَتهُما قال‪ :‬أضله‪.‬‬
‫حدثنا القاسم‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا الـحسين‪ ,‬قال‪ :‬ثنـي حجاج‪ ,‬عن ابن جريج‪ ,‬عن مـجاهد‪ ,‬قال‪:‬‬
‫أضله‪.‬‬
‫قال ب عض أ هل العرب ـية‪ :‬إن ال ـحوت كان مع يو شع‪ ,‬و هو الذي ن سيه‪ ,‬فأض يف الن سيان‬
‫ج ِم ْنهُما الّلؤْلُ ُؤ والـمَرْجانُ وإنـما يخرج من الـملـح دون العذب‪.‬‬
‫إلـيهما‪ ,‬كما قال‪َ :‬يخْرُ ُ‬
‫وإنـما جاز عندي أن يقال‪ :‬نَ سِيا لنهما كانا جميعا تزوّداه لسفرهما‪ ,‬فكان حمل أحدهما ذلك‬
‫مضاف ـا إل ـى أ نه ح مل منه ما‪ ,‬ك ما يقال‪ :‬خرج القوم من مو ضع كذا‪ ,‬وحملوا مع هم كذا من‬
‫الزاد‪ ,‬وإنــما حمله أحدهمـا ولكنـه لــما كان ذلك عـن رأيهـم وأمرهـم أضيـف ذلك إلــى‬
‫جميع هم‪ ,‬فكذلك إذا ن سيه حامله ف ـي مو ضع ق ـيـل‪ :‬ن سي القوم زاد هم‪ ,‬فأض يف ذلك إل ـى‬
‫ال ـجميع بن سيان حامله ذلك‪ ,‬ف ـيجرى الكلم عل ـى ال ـجميع‪ ,‬والف عل من وا حد‪ ,‬فكذلك ذلك‬
‫ح َوتُه ما لن ال عزّ ذكره خا طب العرب بلغت ها‪ ,‬و ما يتعارفو نه ب ـينهم من‬
‫ف ـي قوله‪ :‬نَ سِيا ُ‬
‫الكلم‪.‬‬
‫ن فإن القول فـي ذلك عندنا بخلف ما قال فـيه‪,‬‬
‫خرُ جُ ِم ْنهُما اللّؤُلؤُ والـمَرْجا ُ‬
‫وأما قوله‪َ :‬ي ْ‬
‫وسنبـينه إن شاء ال تعالـى إذا انتهينا إلـيه‪.‬‬
‫سرَبـا فإنه يعنـي أن الـحوت اتـخذ طريقه‬
‫حرِ َ‬
‫سبِـيـلَ ُه فِـي ال َب ْ‬
‫خذَ َ‬
‫وأما قوله‪ :‬فـاتّـ َ‬
‫الذي سلكه فـي البحر سربـا‪ ,‬كما‪:‬‬
‫‪17478‬ــ حدثنـا القاسـم‪ ,‬قال‪ :‬حدثنـا الــحسين‪ ,‬قال‪ :‬ثنــي حجاج‪ ,‬عـن ابـن جريـج‪ ,‬عـن‬
‫سرَبـا قال‪ :‬الـحوت اتـخذ‪ .‬ويعنـي بـالسرب‪:‬‬
‫حرِ َ‬
‫سبِـيـلَهُ فِـي ال َب ْ‬
‫خذَ َ‬
‫مـجاهد فـاتّـ َ‬
‫الـمسلك والـمذهب‪ ,‬يسرب فـيه‪ :‬يذهب فـيه ويسلكه‪.‬‬
‫ثم اختلف أ هل العل ـم ف ـي صفة ات ـخاذه سبـيـله ف ـي الب حر سربـا‪ ,‬فقال بعض هم‪:‬‬
‫صار طريقه الذي يسلك فـيه كالـحجر‪ .‬ذكر من قال ذلك‪:‬‬
‫‪ 17479‬ـ حدث نا القا سم‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا ال ـحسين‪ ,‬قال‪ :‬ثن ـي حجاج‪ ,‬عن ا بن جر يج‪ ,‬قال‪ :‬قال‬
‫سرَبـا قال‪ :‬أثره كأنه حجر‪.‬‬
‫ابن عبـاس‪ ,‬قوله َ‬
‫‪ 17480‬ـ حدثنا ابن حميد‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا سلـمة‪ ,‬قال‪ :‬ثنـي مـحمد بن إسحاق‪ ,‬عن الزهري‪,‬‬
‫عن عبـيد ال بن عبد ال عن ابن عبـاس‪ ,‬عن أبـيّ بن كعب‪ ,‬قال‪ :‬قال رسول ال صلى‬
‫ال عل يه وسـلم حيـن ذكـر حديـث ذلك‪« :‬مـا انْــجابَ ما ٌء ُم ْنذُ كانَـ النّاسُـ غيرُهُـ َثبَتَـ مَكانُـ‬
‫الـحُوتِ اّلذِي فِـي ِه فـانْـجابَ كالكُ ّو ِة حتـى َرجَعَ إلَـيْ ِه مُوسَى‪ ,‬فَرأى َمسَْلكَهُ‪ ,‬فقالَ‪ :‬ذلكَ ما‬
‫ُكنّا َنبْغي»‪.‬‬
‫‪17481‬ـ حدثنا أبو كريب‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا ابن عطية‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا عمرو بن ثابت‪ ,‬عن أبـيه‪ ,‬عن‬
‫سرَبـا قال‪:‬‬
‫حرِ َ‬
‫خذَ سَبـيـلَ ُه فِـي ال َب ْ‬
‫سعيد بن جبـير‪ ,‬عن ابن عبـاس‪ ,‬فـي قوله فـاتّـ َ‬
‫خذَ‬
‫جاء فرأى أثـر جناحيـه فــي الطيـن حيـن وقـع فــي الــماء‪ ,‬قال ابـن عبــاس فــاتّـ َ‬
‫حرِ سَرَبـا وحلق بـيده‪.‬‬
‫سبِـيـلَهُ فِـي ال َب ْ‬
‫َ‬
‫وقال آخرون‪ :‬بل صار طريقه فـي البحر ماء جامدا‪ .‬ذكر من قال ذلك‪:‬‬
‫‪ 17482‬ـ حدثنا بشر‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا يزيد‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا سعيد‪ ,‬عن قتادة‪ ,‬قال‪ :‬سرب من الـجرّ‬
‫حتـى أفضى إلـى البحر‪ ,‬ثم سلك‪ ,‬فجعل ل يسلك فـيه طريقا إل صار ماء جامدا‪.‬‬
‫وقال آخرون‪ :‬بل صار طريقه فـي البحر حجرا‪ .‬ذكر من قال ذلك‪:‬‬
‫‪ 17483‬ـ حدثنـي مـحمد بن سعد‪ ,‬قال‪ :‬ثنـي أبـي‪ ,‬قال‪ :‬ثنـي عمي‪ ,‬قال‪ :‬ثنـي أبـي‪,‬‬
‫عن أبـيه‪ ,‬عن ابن عبـاس‪ ,‬قال‪ :‬جعل الـحوت ل يـمسّ شيئا من البحر إل يبس حتـى‬
‫يكون صخرة‪.‬‬
‫وقال آخرون‪ :‬بل إن ـما ات ـخذ سبـيـله سربـا ف ـي البرّ إل ـى ال ـماء‪ ,‬حت ـى و صل‬
‫إلـيه ل فـي البحر‪ .‬ذكر من قال ذلك‪:‬‬
‫خذَ‬
‫‪ 17484‬ـ حدثنـي يونس‪ ,‬قال‪ :‬أخبرنا ا بن وهب‪ ,‬قال‪ :‬قال ابن زيد‪ ,‬فـي قوله‪ :‬فـاتّـ َ‬
‫سرَبـا قال‪ :‬قال‪ :‬ح شر ال ـحوت ف ـي البطحاء ب عد مو ته ح ين أحياه‬
‫حرِ َ‬
‫سبِـيـلَ ُه فِ ـي ال َب ْ‬
‫َ‬
‫ال‪ .‬قال ا بن ز يد‪ ,‬وأخبرن ـي أ بو شجاع أ نه رآه قال‪ :‬أت ـيت به فإذا هو ش قة حوت وع ين‬
‫واحدة‪ ,‬وشقّ آخر لـيس فـيه شيء‪.‬‬
‫والصـواب مـن القول فــي ذلك أن يقال كمـا قال ال عزّ وجلّ‪ :‬واتــخذ الــحوت طريقـه‬
‫فــي البحـر سـربـا‪ .‬وجائز أن يكون ذلك السـرب كان بــانـجياب عـن الرض وجائز أن‬
‫يكون كان بجمود الـماء وجائز أن يكون كان بتـحوّله حجرا‪.‬‬
‫ح القوال ف ـيه ما رُوي ال ـخبر به عن ر سول ال صلى ال عل يه و سلم الذي ذكر نا‬
‫وأ ص ّ‬
‫عن أبـيّ عنه‪.‬‬

‫‪62‬‬ ‫الية ‪:‬‬


‫غدَآ َءنَا لَ َق ْد لَقِينَا مِن سَ َف ِرنَا هَـذَا‬
‫القول فـي تأويـل قوله تعالـى‪{ :‬فََلمّا جَا َوزَا قَالَ لِ َفتَا ُه آ ِتنَا َ‬
‫َنصَبا }‪.‬‬
‫يقول تعالـى ذكره‪ :‬فلـما جاوز موسى وفتاه مـجمع البحرين‪ ,‬قال موسى لفتاه يوشع آتِنا‬
‫غدَاءَ نا يقول‪ :‬جئ نا بغدائ نا وأعطناه‪ ,‬وقال‪ :‬آت نا غداء نا‪ ,‬ك ما يقال‪ :‬أت ـى الغداء وأت ـيته‪ ,‬م ثل‬
‫َ‬
‫ن سَ َفرِنا َهذَا نَ صَبـا يقول‪ :‬لقد لقـينا من سفرنا هذا عناء وتعبـا‬
‫ذهب وأذهبته‪ ,‬لَ َق ْد لَقِـينا ِم ْ‬
‫وقال ذلك موسى‪ ,‬فـيـما ذُكر‪ ,‬بعد ما جاوز الصخرة‪ ,‬حين ألقـي علـيه الـجوع لـيتذكر‬
‫الـحوت‪ ,‬ويرجع إلـى موضع مطلبه‪.‬‬
‫‪63‬‬ ‫الية ‪:‬‬
‫ت ا ْلحُو تَ َومَآ‬
‫خرَةِ َفِإنّي نَ سِي ُ‬
‫صْ‬‫القول فـي تأويـل قوله تعالـى‪{ :‬قَالَ َأرََأيْ تَ ِإذْ َأ َو ْينَآ إِلَى ال ّ‬
‫عجَبا }‪.‬‬
‫حرِ َ‬
‫سبِيلَهُ فِي ا ْل َب ْ‬
‫خذَ َ‬
‫ش ْيطَانُ َأنْ َأ ْذ ُكرَهُ وَا ّت َ‬
‫َأ ْنسَانِي ُه ِإلّ ال ّ‬
‫يقول تعالـى ذكره‪ :‬قال فتـى موسى لـموسى حين قال له‪ :‬آتنا غداءنا لنطعم‪ :‬أرأيت إذا‬
‫شيْطانُـ يقول‪ :‬ومـا‬
‫أوينـا إلــى الصـخرة فإنــي نسـيت الــحوت هنالك وَمـا أنْسـانـي ُه إلّ ال ّ‬
‫ن أ ْذ ُكرَ هُ فأن فـي موضع نصب ردّا علـى ال ـحوت‪ ,‬لن‬
‫أنسانـي الـحوت إل الشيطان أ ْ‬
‫مع نى الكلم‪ :‬و ما أن سانـي أن أذ كر ال ـحوت إل الشيطان سبق ال ـحوت إل ـى الف عل‪ ,‬وردّ‬
‫ن أ ْذكُرَ هُ وقد ذكر أن ذلك فـي م صحف عبد ال‪« :‬وما أنسانـيه أن أذكره إل‬
‫علـيه قوله أ ْ‬
‫الشيطان»‪.‬‬
‫‪17485‬ـ حدثنـي بذلك بشر‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا يزيد‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا سعيد‪ ,‬عن قتادة حدثنـي العبـاس‬
‫بن الولـيد قال‪ :‬سمعت مـحمد بن معقل‪ ,‬يحدّث عن أبـيه‪ ,‬أن الصخرة التـي أوى إلـيها‬
‫موسى هي الصخرة التـي دون نهر الذئب علـى الطريق‪.‬‬
‫عجَبـا ُي ْعجَبُ منه‪ .‬كما‪:‬‬
‫حرِ َ‬
‫سبِـيـلَ ُه فِـي ال َب ْ‬
‫خذَ َ‬
‫واتّـ َ‬
‫‪ 17486‬ـ حدثنـي م ـحمد بن عمرو‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا أ بو عا صم‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا عي سى وحدثنـي‬
‫الــحارث‪ ,‬قال‪ :‬حدثنـا الــحسن‪ ,‬قال‪ :‬حدثنـا ورقاء‪ ,‬جميعـا عـن ابـن أبــي نــجيح‪ ,‬عـن‬
‫عجَبـا قال‪ :‬موسى يعجب من أثر الـحوت فـي البحر ودوراته‬
‫حرِ َ‬
‫مـجاهد‪ ,‬قوله‪ :‬فِـي ال َب ْ‬
‫التـي غاب فـيها‪ ,‬فوجد عندها خضرا‪.‬‬
‫حدثنا القاسم‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا الـحسين‪ ,‬قال‪ :‬ثنـي حجاج‪ ,‬عن ابن جريج‪ ,‬عن مـجاهد‪ ,‬مثله‪.‬‬
‫‪17487‬ـ حدثنا الـحسن‪ ,‬قال‪ :‬أخبرنا عبد الرزاق‪ ,‬قال‪ :‬أخبرنا معمر‪ ,‬عن قتادة‪ ,‬فـي قوله‪:‬‬
‫عجَبــا فكان موسـى لــما اتــخذ سـبـيـله فــي البحـر‬
‫حرِ َ‬
‫خذَ سـَبـيـلَ ُه فِــي ال َب ْ‬
‫واتّــ َ‬
‫عجبـا‪ ,‬يعجب من سرب الـحوت‪.‬‬
‫خذَ‬
‫‪ 17488‬ـ حدثن ـي يو نس‪ ,‬قال‪ :‬أخبر نا ا بن و هب‪ ,‬قال‪ :‬قال ا بن ز يد‪ ,‬ف ـي قوله‪ :‬واتّ ـ َ‬
‫عجَب ـا قال‪ :‬ع جب وال حوت كان يؤ كل م نه أدهرا‪ ,‬أ يّ ش يء أع جب‬
‫حرِ َ‬
‫سبِـيـلَ ُه ف ـي ال َب ْ‬
‫َ‬
‫من حوت كان دهرا من الدهور يؤكل منه‪ ,‬ثم صار حيا حتـى حشر فـي البحر‪.‬‬
‫حدثن ـي م ـحمد بن سعد‪ ,‬قال‪ :‬ثن ـي أب ـي‪ ,‬قال‪ :‬ثن ـي ع مي‪ ,‬قال‪ :‬ثن ـي أب ـي‪ ,‬عن‬
‫أبـيه‪ ,‬عن ابن عبـاس‪ ,‬قال‪ :‬جعل الـحوت ل يـمسّ شيئا من البحر إل يبس حتـى يكون‬
‫صخرة‪ ,‬فجعل نبـيّ ال صلى ال عليه وسلم يعجب من ذلك‪.‬‬
‫‪ 17489‬ـ حدثنا أبو كريب‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا الـحسن بن عطية‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا عمرو بن ثابت‪ ,‬عن‬
‫عجَب ـا قال‪:‬‬
‫حرِ َ‬
‫سبِـيـلَ ُه فِ ـي ال َب ْ‬
‫خذَ َ‬
‫أب ـيه‪ ,‬عن سعيد بن جب ـير‪ ,‬عن ا بن عب ـاس واتّ ـ َ‬
‫يعنـي كان سرب الـحوت فـي البحر لـموسى عجبـا‪.‬‬

‫‪65‬‬ ‫و‬ ‫‪64‬‬ ‫الية ‪:‬‬


‫{قَالَ ذَلِكَـ مَا كُنّا َنبْغِـ فَا ْر َتدّا عََلىَ آثَارِهِمَا قَصـَصا *‬ ‫القول فــي تأويــل قوله تعالــى‪:‬‬
‫حمَةً ّمنْ عِندِنَا وَعَّل ْمنَا ُه مِن ّل ُدنّا عِلْما }‪.‬‬
‫عبَادِنَآ آ َت ْينَا ُه َر ْ‬
‫عبْدا ّمنْ ِ‬
‫جدَا َ‬
‫فَ َو َ‬
‫يقول تعالــى ذكره‪ :‬فقال موسـى لفتاه ذلكَـ يعنــي بذلك‪ :‬نسـيانك الــحوت ومـا كُنّا َنبْغِـ‬
‫يقول‪ :‬الذي كنا نلتـمس ونطلب‪ ,‬لن موسى كان قـيـل له صاحبك الذي تريده حيث تنسى‬
‫الـحوت‪ ,‬كما‪:‬‬
‫‪ 17490‬ـ حدثنـي م ـحمد بن عمرو‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا أ بو عا صم‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا عي سى وحدثنـي‬
‫الــحرث‪ ,‬قال‪ :‬حدثنـا الــحسن‪ ,‬قال‪ :‬حدثنـا ورقاء‪ ,‬جميعـا عـن ابـن أبــي نــجيح‪ ,‬عـن‬
‫م ـجاهد‪ ,‬قوله‪ :‬ذل كَ ما كُنّا َنبْ غِ قال مو سى‪ :‬فذلك ح ين أ خبرت أن ـي وا جد خضرا ح يث‬
‫يفوتنـي الـحوت‪.‬‬
‫حدثنا القاسم‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا الـحسين‪ ,‬قال‪ :‬ثنـي حجاج‪ ,‬عن ابن جريج‪ ,‬عن مـجاهد‪ ,‬مثله‪,‬‬
‫إل أنه قال‪ :‬حيث يفـارقنـي الـحوت‪.‬‬
‫صصَا يقول‪ :‬فرجعا فـي الطريق الذي كانا قطعاه ناكصين‬
‫وقوله‪ :‬فـا ْرتَدّا علـى آثارِهِما قَ َ‬
‫علـى أديارهما يقصان آثارهما التـي كانا سلكاهما‪ .‬وبنـحو الذي قلنا فـي ذلك‪ ,‬قال أهل‬
‫التأويـل‪ .‬ذكر من قال ذلك‪:‬‬
‫‪ 17491‬ـ حدثنـي م ـحمد بن عمرو‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا أ بو عا صم‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا عي سى وحدثنـي‬
‫الــحرث‪ ,‬قال‪ :‬حدثنـا الــحسن‪ ,‬قال‪ :‬حدثنـا ورقاء‪ ,‬جميعـا عـن ابـن أبــي نــجيح‪ ,‬عـن‬
‫مـجاهد‪ ,‬قوله‪ :‬قَصصا قال‪ :‬اتبع موسى وفتاه أثر الـحوت‪ ,‬فشقا البحر راجعين‪.‬‬
‫حدثنا القاسم‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا الـحسين‪ ,‬قال‪ :‬ثنـي حجاج‪ ,‬عن ابن جريج‪ ,‬عن مـجاهد‪ ,‬قوله‪:‬‬
‫فـا ْرتَدا علـى آثارِهِما قَ صَصا قال‪ :‬اتبـاع موسى وفتاه أثر الـحوت بش قّ البحر‪ ,‬وموسى‬
‫وفتاه راجعان وموسى يعجب من أثر الـحوت فـي البحر‪ ,‬ودوراته التـي غاب فـيها‪.‬‬
‫‪ 17492‬ـ حدث نا ب شر‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا يز يد‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا سعيد‪ ,‬عن قتادة‪ ,‬قال‪ :‬رج عا عوده ما‬
‫علـى بدئهما فـارْ َتدّا عَلـى آثارِهما َقصَصا‪.‬‬
‫‪ 17493‬ـ حدثنا ابن حميد‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا سلـمة‪ ,‬قال‪ :‬ثنـي مـحمد بن إسحاق‪ ,‬عن الزهري‪,‬‬
‫عن عبـيد ال بن عبد ال عن ابن عبـاس‪ ,‬عن أبّـي بن كعب‪ ,‬قال‪ :‬قال رسول ال صلى‬
‫ال عل يه و سلم ف ـي قوله‪ :‬ذل كَ ما كُنّا َنبْ غِ ف ـا ْر َتدّا عَل ـى آثارِه ما قَ صَصا‪« :‬أ يْ يَقُ صّان‬
‫آثارَهما حتـى ا ْن َتهَيا إلـى َم ْدخَـلِ الـحُوتِ»‪.‬‬
‫ع ْندِ نا يقول‪ :‬وهب نا له رح مة من عند نا‬
‫حمَ ًة مِ نْ ِ‬
‫عبْدا مِ نْ عب ـادِنا آتَ ـيْناه ر ْ‬
‫جدَا َ‬
‫وقوله‪ :‬فَ َو َ‬
‫ن َل ُدنّا عِلْـما يقول‪ :‬وعلـمناه من عندنا أيضا علـما‪ .‬كما‪:‬‬
‫َوعَلّـمْنا ُه مِ ْ‬
‫ن َل ُدنّا عِلْـما‪ :‬أي من‬
‫‪ 17494‬ـ حدثنا بشر‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا يزيد‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا سعيد‪ ,‬عن قتادة ِم ْ‬
‫عندنا علـما‪.‬‬
‫وكان سبب سفر سُئل‪ :‬هل ف ـي الرض أ حد أعل ـم م نك؟ فقال‪ :‬ل‪ ,‬أو حدّث ته نف سه بذلك‪,‬‬
‫فكره ذلك له‪ ,‬فأراد ال تعريفه أن من عبـاده فـي الرض من هو أعلـم منه‪ ,‬وأنه لـم يكن‬
‫له أن يحتـم علـى ما ل علـم له به‪ ,‬ولكن كان ينبغي له أن يكل إلـى عالـمه‪.‬‬
‫وقال آخرون‪ :‬بـل كان سـبب ذلك أنـه سـأل ال جلّ ثناؤه أن يدله علــى عالــم يزداد مـن‬
‫علـمه إلـى علـم نفسه‪ .‬ذكر من قال ذلك‪:‬‬
‫‪ 17495‬ـ حدث نا ا بن حم يد‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا يعقوب‪ ,‬عن هارون بن عنترة‪ ,‬عن أب ـيه‪ ,‬عن ا بن‬
‫ي عبـادك أحبّ إلـيك؟ قال‪ :‬الذي يذكرنـي ول‬
‫عبـاس‪ ,‬قال‪ :‬سأل موسى ربه وقال‪ :‬ربّ أ ّ‬
‫ي عبـادك أقضى؟ قال‪ :‬الذي يقضي بـالـحقّ ول يتبع الهوى قال‪ :‬أي ربّ‬
‫ينسانـي قال‪ :‬فأ ّ‬
‫أيّ عبـادك أعلـم؟ قال‪ :‬الذي يبتغي علـم الناس إلـى علـم نفسه‪ ,‬عسى أن يصيب كلـمة‬
‫تهد يه إل ـى ُهدَى‪ ,‬أو تردّه عن َردَى قال‪ :‬ر بّ ف هل ف ـي الرض أحدٌ؟ قال‪ :‬ن عم قال‪ :‬ر بّ‪,‬‬
‫ف من هو؟ قال‪ :‬ال ـخضر قال‪ :‬وأ ين أطل به؟ قال‪ :‬عل ـى ال ساحل ع ند ال صخرة الت ـي ينفلت‬
‫عندها الـحوت قال‪ :‬فخرج موسى يطلبه‪ ,‬حتـى كان ما ذكر اللّ هُ‪ ,‬وانتهى إلـيه موسى عند‬
‫الصخرة‪ ,‬فسلـم كلّ واحد منهما علـى صاحبه‪ ,‬فقال له موسى‪ :‬إنـي أريد أن تستصحبنـي‪,‬‬
‫شيْءٍ‬
‫َنـ َ‬
‫َسـأَ ْلنِـي ع ْ‬
‫قال‪ :‬إنـك لن تطيـق صـحبتـي‪ ,‬قال‪ :‬بلــى‪ ,‬قال‪ :‬فإن صـحبتنـي «فَل ت ْ‬
‫خرَ ْقتَ ها‬
‫خ َرقَ ها قال أ َ‬
‫ك ِمنْ ُه ِذكْرا ف ـا ْنطَلَقا حت ـى إذَا رَكِب ـا فِ ـي ال سّفِـينَةِ َ‬
‫ث لَ َ‬
‫حدِ َ‬
‫حت ـى ُأ ْ‬
‫خ ْذنِـي‬
‫صبْرا قال ل تُؤَا ِ‬
‫س َتطِيعَ َمعِ يَ َ‬
‫شيْئا إمْرا قالَ أَلَـمْ أقُلْ إنّ كَ َل نْ تَ ْ‬
‫جئْ تَ َ‬
‫ِل ُتغْرِ قَ أهْلَها َل َقدْ ِ‬
‫ن أ ْمرِي عُ سْرا فـا ْنطَلَقَا حتـى إذَا لَقِـيا غُلما فَ َقتَلَ ُه قالَ أ َقتَلْ تَ‬
‫بِـمَا نَ سِيتُ وَل ُترْهِ ْقنِـي مِ ْ‬
‫خذْتَ عَلَ ـيْهِ أجْرا قال‪ :‬فكان‬
‫شيْئا ُنكْرا»‪ ...‬إل ـى قوله‪ :‬لتّ ـ َ‬
‫ت َ‬
‫س لَ َقدْ جئْ َ‬
‫نَفْ سا زَكيّةً ب َغ ْيرِ نَفْ ٍ‬
‫قول موسى فـي الـجدار لنفسه‪ ,‬ولطلب شيء من الدنـيا‪ ,‬وكان قوله فـي السفـينة وفـي‬
‫الغلم ل‪ ,‬قالَ َهذَا ِفرَاقُـ بَــْينِـي َوبَ ـيْ ِنكَ سُأنَ ّب ُئكَ ب َتأْوِي ـلِ مـا لَــمْ تَ سْ َتطِعْ عَلَ ـيْ ِه صَـبْرا‬
‫فأ خبره ب ـما قال أ ما ال سفـينة وأ ما الغلم وأ ما ال ـجدار‪ ,‬قال‪ :‬ف سار به ف ـي الب حر حت ـى‬
‫انت هى إل ـى م ـجمع البحور‪ ,‬ول ـيس ف ـي الرض مكان أك ثر ماء م نه‪ ,‬قال‪ :‬وب عث ر بك‬
‫الـخُطّاف فجعل يستقـي منه بـمنقاره‪ ,‬فقـيـل لـموسى‪ :‬كم ترى هذا الـخطاف رَزَأ من‬
‫هذا الـماء؟ قال‪ :‬ما أقلّ ما رَزَأ قال‪ :‬يا موسى فإن علـمي وعلـمك فـي علـم ال كقدر ما‬
‫استقـى هذا الـخطاف من هذا الـماء وكان موسى قد حدّث نفسه أنه لـيس أحد أعلـم منه‪,‬‬
‫أو تكلـم به‪ ,‬فمن ثَم ُأ ِمرَ أن يأتـي الـخضر‪.‬‬
‫‪ 17496‬ـ حدثنا الـحسن بن يحيى‪ ,‬قال‪ :‬أخبرنا عبد الرزاق‪ ,‬قال‪ :‬أخبرنا معمر‪ ,‬عن أبـي‬
‫إسحاق‪ ,‬عن سعيد بن جبـير‪ ,‬عن ابن عبـاس‪ ,‬قال‪ :‬خطب موسى بنـي إسرائيـل‪ ,‬فقال‪ :‬ما‬
‫أحد أعلـم بـال وبأمره منـي‪ ,‬فأوحى ال إلـيه أن يأتـي هذا الرجل‪.‬‬
‫‪17497‬ـ حدثنا الـحسن بن يحيى‪ ,‬قال‪ :‬أخبرنا عبد الرزاق‪ ,‬قال‪ :‬أخبرنا معمر‪ ,‬عن قتادة أنه‬
‫قـيـل له‪ :‬إن آية لقـيك إياه أن تنسى بعض متاعك‪ ,‬فخرج هو وفتاه يوشع بن نون‪ ,‬وتزوّدا‬
‫حو تا م ـملوحا‪ ,‬حت ـى إذا كا نا ح يث شاء ال‪ ,‬ردّ ال إل ـى ال ـحوت رو حه‪ ,‬ف سرب ف ـي‬
‫البحر‪ ,‬فـاتـخذ الـحوت طريقه سربـا فـي البحر‪ ,‬فسرب فـيه فَلَـمّا جا َوزَا قالَ لِفَتا ُه آتِنا‬
‫عجَبـا‬
‫حرِ َ‬
‫سبِـيـلَ ُه فِـي ال َب ْ‬
‫خذَ َ‬
‫غدَاءنا لَ َقدْ َلقِـينا مِ نْ سَ َفرِنا هَذا نَ صَبـا‪ ...‬حتـى بلغ واتّـ َ‬
‫َ‬
‫فكان موسى اتـخذ سبـيـله فـي البحر عجبـا‪ ,‬فكان يعجب من سرب الـحوت‪.‬‬

‫‪ 17498‬ـ حدث نا الـحسن‪ ,‬قال‪ :‬أخبر نا عبد الرزاق‪ ,‬قال‪ :‬أخبرنا مع مر‪ ,‬عن أب ـي إسحاق‪,‬‬
‫عن سعيد بن جب ـير‪ ,‬عن ا بن عبـاس قال‪ :‬لـما اق تص مو سى أثر ال ـحوت انت هى إلـى‬
‫رجل‪ ,‬راقد قد سجى علـيه ثوبه فسلـم علـيه موسى فكشف الرجل عن وجهه الثوب وردّ‬
‫علـيه السلم وقال‪ :‬من أنت؟ قال‪ :‬موسى‪ ,‬قال‪ :‬صاحب بنـي إسرائيـل؟ قال‪ :‬نعم‪ ,‬قال‪ :‬أوَ‬
‫ما كان لك فـي بنـي إسرائيـل شغل؟ قال‪ :‬بلـى‪ ,‬ولكن أُمرت أن آتـيك وأصحبك‪ ,‬قال‪:‬‬
‫خ َرقَ ها‬
‫إ نك لن ت ستطيع م عي صبرا‪ ,‬ك ما ق صّ ال‪ ,‬حت ـى بلغ فل ـما َركِب ـا فِ ـي ال سَفـينَةِ َ‬
‫خ ْذنِــي‬
‫شيْئا إمْرا يقول‪ :‬نُكرا قالَ ل تُؤَا ِ‬
‫جئْتَـ َ‬
‫خرَ ْقتَهـا ِل ُت ْغرِقَـ أهْلَ ها لَ َق ْد ِ‬
‫صـاحب مو سى قالَ أ َ‬
‫ن أمْرِي عُسْرا فـانْطَلَقَا حتـى إذَا لَقِـيا غُلما فَ َقتَلَ هُ‪ ,‬قالَ أ َقتَلْتَ‬
‫بِـمعا نَسِيتُ وَل ُترْهِ ْقنِـي مِ ْ‬
‫نَفْسا َز ِكيّةً ِب َغ ْيرِ نَفْسٍ‪.‬‬
‫‪ 17499‬ـ حدث نا أ بو كر يب‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا يح يى بن آدم‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا سفـيان‪ ,‬عن عمرو بن‬
‫دينار‪ ,‬عن سعيد بن جب ـير‪ ,‬قال‪ :‬قلت ل بن عب ـاس‪ :‬إن نوف ـا يز عم أن ال ـخضر ل ـيس‬
‫بصاحب موسى‪ ,‬فقال‪ :‬كذب عد ّو ال‪ .‬حدثنا أبـيّ بن كعب‪ ,‬عن النبـيّ صلى ال عليه وسلم‬
‫خطِيب ـا فَقِ ـيـلَ‪ :‬أ يّ النّا سُ أعْلَـمُ؟ فَقالَ‪ :‬أ نا‪,‬‬
‫سرَائِيـلَ َ‬
‫ن مُو سَى قا مَ فِـي َبنِـي إ ْ‬
‫قال‪« :‬إ ّ‬
‫ع ْندَ مَـجْمَ َع ال َبحْ َريْ نِ‪,‬‬
‫ع ْبدٌ لـي ِ‬
‫فعَتَ بَ الّل هُ عَلَـيْهِ حِي نَ لَـمْ َيرُ ّد العِلْ ـمَ إلَ ـيْهِ‪ ,‬فقالَ‪ :‬بَلـى َ‬
‫جعَلُهُ فِـي ِم ْكتَلٍ‪ ,‬ثُ مّ قالَ لِفُتا هُ‪ :‬إذَا فَ َقدْ تَ َهذَا‬
‫خذُ حُوتا‪َ ,‬فتَـ ْ‬
‫فَقالَ‪ :‬يا رَ بّ َكيْ فَ ِب هِ؟ فَقِـيـلَ‪َ :‬ت ْأ ُ‬
‫حرِ حتــى أتَــيا صَـخْرَةً‪َ ,‬فرَ َقدَ‬
‫خ ِبرْنِــي‪ ,‬فــا ْنطَلَقا يَــمْشِيانِ عَلــى سـاحِلِ ال َب ْ‬
‫الــحُوتَ َفَأ ْ‬
‫ج ْريَةَ‬
‫عنْ ُه ِ‬
‫سكَ اللّ هُ َ‬
‫خرَ جَ فَ َوقَعَ فِـي ال َبحْرِ‪ ,‬فأمْ َ‬
‫ضطَرَب الـحُوتُ فِـي الـمِ ْكتَلِ‪َ ,‬ف َ‬
‫مُوسَى‪ ,‬فـا ْ‬
‫عجَبـا‪ُ .‬ثمّ ا ْنطَلَقا‪ ,‬فَلَـمّا كانَ‬
‫ن َلهُما َ‬
‫ت سَرَبـا وكا َ‬
‫الـمَاءِ‪ ,‬فَصَارَ ِمثْلَ الطّاقِ‪ ,‬فَصَارِتْ للْـحُو ِ‬
‫ن سَ َفرِنا َهذَا نَ صَبـا‪ ,‬قالَ‪ :‬وَل ـ ْم َيجِدْ‬
‫غدَاءَنَا لَ َقدْ لَقِ ـينا مِ ْ‬
‫ن ال َغدِ‪ ,‬قالَ مُو سَى لَفَتا هُ‪ :‬آتِ نا َ‬
‫حِي َ‬
‫صخْرَ ِة فإنّـي‬
‫ت إذْ أ َويْنا إلـى ال ّ‬
‫حيْ ثُ أ َمرَ هُ الّل ُه قالَ‪ :‬فَقالَ‪ :‬أرََأيْ َ‬
‫مُو سَى النّ صَبَ حتـى جا َوزَ َ‬
‫عجَبـا‪,‬‬
‫حرِ َ‬
‫سبِـيـلَ ُه فِـي ال َب ْ‬
‫خذَ َ‬
‫شيْطا نُ أ نْ أ ْذ ُكرَ هُ‪ ,‬واتّـ َ‬
‫نَ سِيتُ الـحُوتَ‪ ,‬وَما أنْسانِـي ُه إلّ ال ّ‬
‫ن آثارَهما‪ ,‬قالَ‪َ :‬فأَتَـيَا‬
‫قالَ‪ :‬فَقالَ‪ :‬ذلكَ ما ُكنّا َنبْغِ‪ ,‬فـا ْر َتدّا عَلـى آثارِهما قَصَصا‪ ,‬قالَ‪ :‬يَقُصّا ِ‬
‫سجّى ِبثَ ْو ِب هِ‪ ,‬فَ سَلّـمَ عَلَ ـيْ ِه مُو سَى‪ ,‬فَقالَ‪ :‬وأنّ ـي بأرْضِنَا ال سّلمُ؟‬
‫خرَةَ‪ ,‬فإذَا َرجُلٌ نائ مٌ مُ ّ‬
‫صْ‬‫ال ّ‬
‫سرَائِيـلَ؟ قالَ‪َ :‬نعَ مْ‪ ,‬قالَ‪ :‬يا مُو سَى‪ ,‬إنّـي عَلـى عِلْـمٍ‬
‫فَقالَ‪ :‬أنا مُو سَى‪ ,‬قالَ‪ :‬مُو سَى َبنِـي إ ْ‬
‫مِنْ عِلْـمٍ اللّهِ‪ ,‬عَلّـ َمنِـيَهِ الّلهُ ل تعْلَـمُهُ‪ ,‬وأنْتَ عَلـى عِلْـمٍ مِنْ عِلْـمِهِ عَلّـ َمكَهُ ل أعْلَـمُهُ‪,‬‬
‫فإنـ ا ّت ِب ْع َتنِــي فَل‬
‫أنـ ُتعَلّــمَنِـي مِــمّا عُلّــمْتَ ُرشْدا‪ ,‬قالَ‪ِ :‬‬
‫ُكـ عَلــى ْ‬
‫قالَ‪ :‬فإنّــي أ ّت ِبع َ‬
‫حدِ ثَ لَ كَ ِمنْ هُ ِذكْرا‪ .‬ف ـا ْنطَلَقا يَ ـ ْمشِيانِ عَل ـى ال سّاحِلِ‪ ,‬فَ ُعرِ فَ‬
‫شيْءٍ حت ـى ُأ ْ‬
‫سأَ ْلنِـي عَ نْ َ‬
‫تَ ْ‬
‫ح ْرفِ ها َفنَقَرَ‪ ,‬أ ْو فَنَ َق َد فِ ـي ال ـمَاءِ‪,‬‬
‫خضِرُ‪َ ,‬فحُمِل ِب َغيْرِ َنوْلٍ‪ ,‬فَجاءَ عُ صْفُورٌ‪ ,‬فَ َوقَ عَ عَل ـى َ‬
‫ال ـ َ‬
‫ل مِ ْقدَارَ ما َن َقرَ أ ْو نَقَصَ‬
‫ك مِ نْ عِلْـمِ اللّهِ إ ّ‬
‫ضرُ لِـمُوسَى‪ :‬ما نَقَصَ عِلْـمِي وَعِلْـمُ َ‬
‫خ ِ‬
‫فَقالَ الـ َ‬
‫حرِ»‪ .‬أبو جعفر الطبري يشكّ‪ ,‬وهو فـي كتابه نَقَر‪ ,‬قالَ‪َ « :‬فبَـيْنـما هُوَ‬
‫َهذَا العُصْفُورُ ِمنَ ال َب ْ‬
‫حمِلْ نا ِبغَيرِ َنوْلٍ‬
‫إذْ لَ ـمْ يَ ْفجَأ ُه مُو سَى إلّ وَهُ َو َي ِتدُ َوتِدا أ ْو َي ْنزِ عُ تَ ـحْتا ِمنْ ها‪ ,‬فَقالَ َل هُ مُو سَى‪ُ :‬‬
‫صبْرا‪ ,‬قالَ‪:‬‬
‫ستَطِيعَ َمعَيَ َ‬
‫ن تَ ْ‬
‫شيْئا إمْرا‪ ,‬قالَ‪ :‬أَلـمْ أقُل إنّكَ لَ ْ‬
‫ت َ‬
‫جئْ َ‬
‫خرِقُها ِل ُت ْغرِقَ أهْلَها؟ لَ َقدْ ِ‬
‫وَتـ ْ‬
‫خرَ جا ف ـا ْنطَلَقَا‬
‫ن مُو سَى نِ سْيانا قالَ‪ :‬ثُ مّ َ‬
‫ت الُوَل ـى ِم ْ‬
‫خ ْذنِ ـي بِ ـمَا نَ سِيتُ‪ ,‬قالَ‪ :‬وكانَ ِ‬
‫ل تُؤَا ِ‬
‫خذَ برأْ سِهِ فَ َقتَلَ هُ‪ ,‬فَقَالَ َل هُ مُو سَى‪ :‬أ َقتَلْ تَ نَفْسا‬
‫يَـمْشيانِ‪َ ,‬فَأبْ صَرَا غُلما يَـ ْلعَبُ مَ عَ الغلْـمانِ‪ ,‬فَأ َ‬
‫صبْرا؟ قالَ‪ :‬إ نْ‬
‫ن تَسْ َتطِيعَ َمعَي َ‬
‫ك لَ ْ‬
‫ك إنّ َ‬
‫شيْئا ُنكْرا‪ ,‬قالَ‪ :‬أَلْـمْ أقُلْ لَ َ‬
‫جئْتَ َ‬
‫زَاكِيَ ًة ِب َغ ْيرِ نَفْ سٍ‪ ,‬لَ َقدْ ِ‬
‫عذْرا‪ .‬قالَ‪ :‬فـا ْنطََلقّ حتـى إذَا‬
‫ن َل ُدنّ ـي ُ‬
‫ح ْبنِـي َقدْ بََلغْ تَ مِ ْ‬
‫شيْءٍ َب ْعدَ ها فَل تُ صَا ِ‬
‫ن َ‬
‫ع ْ‬
‫سأ ْل ُتكَ َ‬
‫جدَارا‬
‫جدَا فِــيها ِ‬
‫ط ِع ُمهُم ْـ وَل يَس ْـقِـيهِمْ‪ ,‬فَ َو َ‬
‫طعَما أهْلَهـا‪ ,‬فَلَــمْ يَجدَا أحَدا ُي ْ‬
‫ل قَ ْريَ ِة اس ْـَت ْ‬
‫أتَــيا أهْ َ‬
‫ضيّفُونا ولَـمْ ُينْزِلُونا‪,‬‬
‫ن َينْقَ ضّ‪ ,‬فأقاَم هُ بـ َيدِهِ‪ ,‬قالَ‪ :‬مَ سَحَه بِـ َيدِ ِه فَقالَ لَ ُه مُو سَى‪ :‬لَـمْ ُي َ‬
‫ُيرِيدُ أ ْ‬
‫ت لتّـخَذْتَ عَلَـيْهِ أجْرا‪ ,‬قالَ‪َ :‬هذَا فِرَ قُ بَـ ْينِـي َوبَـ ْي ِنكَ» فقال رسول ال صلى ال‬
‫شئْ َ‬
‫لَ ْو ِ‬
‫صصَ ُهمْ»‪.‬‬
‫ص َبرَ حتـى يَقُصّ عَلَـيْنا قَ َ‬
‫عليه وسلم‪َ« :‬لوَددْتُ أنّ ُه كانَ َ‬
‫‪ 17500‬ـ حدث نا ا بن حم يد‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا سلـمة‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا ا بن إ سحاق‪ ,‬عن ال ـحسن بن‬
‫عمارة‪ ,‬عن الـحكم بن عتـيبة‪ ,‬عن سعيد بن جبـير‪ ,‬قال‪ :‬جلست فأس َندَ ابن عبـاس وعنده‬
‫ن فر من أ هل الكتاب‪ ,‬فقال بعض هم‪ :‬يا أب ـا العب ـاس‪ ,‬إن نوف ـا ا بن امرأة ك عب يز عم عن‬
‫ك عب‪ ,‬أن مو سى النب ـيّ الذي طلب العال ـم‪ ,‬إن ـما هو مو سى بن مي شا‪ .‬قال سعيد‪ :‬قال ا بن‬
‫عبــاس‪ :‬أنوف يقول هذا؟ قال سـعيد‪ :‬فقلت له نعـم‪ ,‬أنـا سـمعت نوفــا يقول ذلك‪ ,‬قال‪ :‬أنـت‬
‫سمعته يا سعيد؟ قال‪ :‬قلت‪ :‬نعم‪ ,‬قال‪ :‬كذب نوف ثم قال ابن عبـاس‪ :‬حدثنـي أبـيّ بن كعب‬
‫سرَائِيـلَ سأَلَ َربّ هُ‬
‫ن مُو سَى ُهوَ َنبِ ـيّ َبنِ ـي إ ْ‬
‫أن ر سول ال صلى ال عل يه و سلم قال‪« :‬إ ّ‬
‫حدٌ ُهوَ أعْلَـمُ ِمنّـي فـادْلُ ْلنِـي عَلَـيْهِ‪ ,‬فَقالَ لَ هُ‪َ :‬نعَ مْ‬
‫ن فِـي عِبـا ِدكَ أ َ‬
‫فَقالَ‪ :‬أ يْ رَ بّ إ نْ كا َ‬
‫ت لَ ُه مَكانَ هُ‪ ,‬وأذِ نَ َل ُه فِـي لُقِـيّ ِه فخَرَ جَ مُو سَى َمعَ هُ‬
‫ن هُوَ أعْلَـمُ ِمنْ كَ‪ ,‬ثُ مّ َنعَ َ‬
‫فـي عِبـادِي مَ ْ‬
‫ك هُنال كَ‬
‫ن فصاحبُ َ‬
‫ت فِـي مَكا ِ‬
‫حيِـيَ َهذَا الـحُو ُ‬
‫فَتاه َو َم َع هُ حُو تٌ مَلْـيحٌ‪َ ,‬و َقدْ قِـيـلَ َل هُ‪ :‬إذَا َ‬
‫ج َهدَ هُ‬
‫حمِلنِ هِ‪ ,‬فَسارَ حتـى َ‬
‫ك الـحُوتُ َي ْ‬
‫جتَكَ َفخَرَ جَ مُوسَى َو َمعَ ُه َفتَا هُ‪َ ,‬و َمعَ هُ ذل َ‬
‫َو َقدْ أ ْد َركْتَ حا َ‬
‫شرِ بَ ِمنْ هُ خَ ـلَدَ‪ ,‬وَل‬
‫خرَةِ وَإل ـى ذل كَ ال ـمَاءِ‪ ,‬ماءِ ال ـحَياةِ‪ ,‬مَ نْ َ‬
‫س ْيرُ‪ ,‬وَا ْنتَهَى إل ـى ال صّ ْ‬
‫ال ّ‬
‫سبِـيـلَهُ‬
‫حيِـيَ‪ ,‬فـاتّـخَ َذ َ‬
‫ت الـمَاءُ َ‬
‫حيِـيَ فَلَـمّا َنزَل‪َ ,‬ومَ سّ الـحُو َ‬
‫ت إلّ َ‬
‫يُقاربُ ُه شَيْ ٌء َميّ ٌ‬
‫ن سَ َفرِنا‬
‫غدَاءَنا َل َقدْ لَقِـينا مِ ْ‬
‫سرَبـا فـا ْنطَلَقا‪ ,‬فَلَـمّا جا َوزَا ُمنْقََلبَ ُه قالَ مُوسَى‪ :‬آتِنا َ‬
‫حرِ َ‬
‫فِـي ال َب ْ‬
‫خرَةِ فإنّ ـي نَ سِيتُ ال ـحُوتَ وَ ما‬
‫صْ‬‫ل الفَت ـى َو َذ َكرَ‪ :‬أرََأيْ تَ إذْ أ َويْ نا إل ـى ال ّ‬
‫َهذَا نَ صَبـا‪ .‬قا َ‬
‫عجَب ـا» قال ا بن عب ـاس‪:‬‬
‫حرِ َ‬
‫سبِـيـلَهُ فِ ـي ال َب ْ‬
‫خذَ َ‬
‫ن أ نْ أ ْذ ُكرَ هُ‪ .‬واتّ ـ َ‬
‫شيْطا ُ‬
‫أنْ سانِـي ُه إلّ ال ّ‬
‫فظ هر مو سى عل ـى ال صخرة ح ين انته يا إل ـيها‪ ,‬فإذا ر جل متل فف ف ـي ك ساء له‪ ,‬ف سلـم‬
‫مو سى‪ ,‬فردّ عل ـيه العال ـم‪ ,‬ثم قال له‪ :‬و ما جاء بك؟ إن كان لك ف ـي قو مك لش غل؟ قال له‬
‫س َتطِيعَ َمعَ يَ صَبْرا‪ ,‬وكان رجلً‬
‫موسى‪ :‬جئتك لتعلـمنـي مـما علـمت رشدا‪ ,‬قالَ إنّ كَ َل نْ تَ ْ‬
‫حطْ‬
‫يعلـم علـم الغيب قد علّـم ذلك‪ ,‬فقال موسى‪ :‬بلـى قالَ و َكيْفَ تَصْ ِبرُ عَلـى ما لَـمْ تُـ ِ‬
‫بِ هِ خُبرا‪ :‬أي إن ـما تعرف ظا هر ما ترى من العدل‪ ,‬ول ـم تُ ـحط من عل ـم الغ يب ب ـما‬
‫ك أمْرا وإن رأي تَ ما يخالفنـي‪ ,‬قالَ‬
‫ن شاءَ اللّ ُه صَابِرا وَل أعْ صِيَ لَ َ‬
‫ستَـجِ ُدنِـي إ ْ‬
‫أعلـم قالَ َ‬
‫ْهـ ِذكْرا‪ ,‬فــانطلقا‬
‫َكـ ِمن ُ‬
‫ِثـ ل َ‬
‫حد َ‬‫َنـ شَيْءٍ وإن أنكرتـه حتــى ُأ ْ‬
‫َسـأَ ْلنِـي ع ْ‬
‫فإنـ ا ّت َب ْع َتنِــي فَل ت ْ‬
‫ِ‬
‫يـمشيان علـى ساحل البحر‪ ,‬يتعرّضان الناس‪ ,‬يـلتـمسان من يحملهما‪ ,‬حتـى مرّت بهما‬
‫سفـينة جديدة وثـيقة لـم يـمرّ بهما من السفن شيء أحسن ول أجمل ول أوثق منها‪ ,‬فسأل‬
‫أهلها أن يحملوهما‪ ,‬فحملوهما‪ ,‬فلـما اطمأنا فـيها‪ ,‬ولـجت بهما مع أهلها‪ ,‬أخرج منقارا له‬
‫ومطر قة‪ ,‬ثم ع مد إل ـى ناح ية من ها فضرب ف ـيها ب ـالـمنقار حت ـى خرق ها‪ ,‬ثم أ خذ لو حا‬
‫خرَ ْقتَهَا لتُ ْقرِ قَ‬
‫فطب قه عل ـيها‪ ,‬ثم جلس عل ـيها يرقع ها‪ .‬قال له مو سى ورأى أمرا ف ظع به‪ :‬أ َ‬
‫خذْنِ ـي بِ ـمَا‬
‫صبْرا قالَ ل تؤا ِ‬
‫ستَطِيعَ مَعَي َ‬
‫ن تَ ْ‬
‫شيْئا إمْرا قالَ أَلْ ـمْ أقُلْ إنّ كَ لَ ْ‬
‫جئْ تَ َ‬
‫أهْلَ ها لَ َق ْد ِ‬
‫ن أ ْمرِي عُ سْرا‪ .‬ثم خر جا من ال سفـينة‪,‬‬
‫نَ سِيتُ‪ :‬أي ما تر كت من عهدك وَل ُترْه ْقنِ ـي م ْ‬
‫فـانطلقا حتـى إذا أتـيا أهل قرية فإذا غلـمان يـلعبون خـلفها‪ ,‬فـيهم غلم لـيس فـي‬
‫الغل ـمان أظرف م نه‪ ,‬ول أثرى ول أو ضأ م نه‪ ,‬فأخذه ب ـيده‪ ,‬وأ خذ حجرا‪ ,‬قال‪ :‬فضرب به‬
‫رأ سه حت ـى دم غه فقتله‪ ,‬قال‪ :‬فرأى مو سى أمرا فظي عا ل صبر عل ـيه‪ ,‬صبـيّ صغير ل‬
‫شيْئا ُنكْرا قالَ أَلْ ـم‬
‫جئْ تَ َ‬
‫س أي صغيرة بغ ير ن فس لَ َق ْد ِ‬
‫ل أقَتَلْ تَ نَفْ سا زَا ِكيَةً ِب َغ ْيرِ نَفْ ٍ‬
‫ذ نب له قا َ‬
‫شيْءٍ َب ْعدَها فَل تُ صَاح ْبنِـي قَدْ بََلغْ تَ‬
‫ن َ‬
‫ع ْ‬
‫ن سأ ْل ُتكَ َ‬
‫صبْرا قالَ إ ْ‬
‫ن تَ سْ َتطِيعَ مَع يَ َ‬
‫ك لَ ْ‬
‫ك إنّ َ‬
‫أقُلْ لَ َ‬
‫طعَما‬
‫س َت ْ‬
‫عذْرا‪ :‬أي قد أعذر تَ فـي شأنـي فـا ْنطَلَقا حتـى إذَا أتَـيا أهْلَ َق ْريَةٍ ا ْ‬
‫ن َل ُدنّـي ُ‬
‫مِ ْ‬
‫ض فهد مه‪ ,‬ثم ق عد يبن ـيه‪ ,‬فض جر‬
‫ن َينْقَ ّ‬
‫جدَارا يُرِيدُ أ ْ‬
‫جدَا فِ ـيها َ‬
‫ضيّفُوهَ ما فَ َو َ‬
‫أهْلَ ها فَأبَوْا أ نْ ُي َ‬
‫شئْ تَ لتّ ـخَذْتَ‬
‫مو سى م ـما رآه ي صنع من التكل ـيف ل ـما ل ـيس عل ـيه صبر‪ ,‬فقال‪ :‬لَ ْو ِ‬
‫عَلَـيْهِ أجْرا أي قد استطعمناهم فلـم يطعمونا‪ ,‬وضفناهم فلـم يضيفونا‪ ,‬ثم قعدت فـي غير‬
‫ق بَـ ْينِـي َوبَـ ْي ِنكَ سُأ َن ّب ُئكَ‬
‫صنـيعة‪ ,‬ولو شئت لعطيت علـيه أجرا فـي عمله قالَ َهذَا فِرا ُ‬
‫حرِ‬
‫ن فِ ـي ال َب ْ‬
‫ستَطِعْ عَلَ ـيْ ِه صَبْرا أمّا ال سّفِـينَ ُة فَكانَ تْ لِ ـمَساكِينَ َي ْعمَلُو َ‬
‫بَتأْوِي ـلِ ما لَ ـ ْم تَ ْ‬
‫ل سَفِـينَةٍ غَصْبـا‪ ,‬وفـي قراءة أبـيّ بن كعب‪:‬‬
‫خذُ كُ ّ‬
‫فأ َردْتُ أنْ أعِيبَها‪ ,‬وَكانَ َورَاءَهُمْ مَلِكٌ ي ْأ ُ‬
‫ل سفـينة صالـحة»‪ ,‬وإنـما عبتها لردّه عنها‪ ,‬فسلـمت حين رأى العيب الذي صنعت‬
‫«ك ّ‬
‫طغْيا نا وكُفْرا‪ .‬فأ َردْ نا أ نْ ُي ْبدِ َلهُ ما‬
‫ن َفخَشِ يا أ نْ ُيرْهِ َقهُ ما ُ‬
‫ب ها‪ .‬وأمّا الغُل مُ فَكا نَ أبَوَا ُه مُ ْؤ ِمنَ ـيْ ِ‬
‫ن َيتِ ـيـ َميْنِ فِ ـي ال ـمَدينَةِ‬
‫جدَارُ فَكا نَ لغُل َميْ ِ‬
‫خيْرا ِمنْ ُه زَكاةً وأقْرَ بَ ُرحْ ما وأمّا ال ـ ِ‬
‫َربّهُ ما َ‬
‫خرِجا َك ْنزَهُما‬
‫ستَـ ْ‬
‫حتَهُ َك ْنزٌ لهما وكانَ أبُو ُهمَا صَالِـحا فأرَادَ َربّكَ أنْ َيبْلُغا أشُدّهُما ويَ ْ‬
‫وكانَ تَـ ْ‬
‫سطِعْ‬
‫ع نْ أ ْمرِي‪ :‬أي ما فعل ته عن نف سي ذل كَ َت ْأوِي ـلُ ما لَ ـمْ تَ ْ‬
‫ن َربّ كَ وَ ما َفعَ ْلتُ هُ َ‬
‫َرحْمَ ًة مِ ْ‬
‫صبْرا فكان ابن عبـاس يقول‪ :‬ما كان الكنز إل علـما‪.‬‬
‫عَلَـيْ ِه َ‬
‫‪ 17501‬ـ حدث نا ا بن حم يد‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا سلـمة‪ ,‬قال‪ :‬ثن ـي ا بن إ سحاق‪ ,‬عن ال ـحسن بن‬
‫عُمارة‪ ,‬عن أبـيه‪ ,‬عن عكرِمة قال‪ :‬قـيـل لبن عبـاس‪ :‬لـم نسمع لفتـى موسى بذكر من‬
‫حديث‪ ,‬وقد كان معه‪ ,‬فقال ابن عبـاس فـيـما يذكر من حديث الفتـى قال‪ :‬شرب الفتـى‬
‫من الـماء فخـلّد‪ ,‬فأخذه العالـم فطابق به سفـينة‪ ,‬ثم أرسله فـي البحر‪ ,‬فإنها لتـموج به‬
‫إلـى يوم القـيامة‪ ,‬وذلك أنه لـم يكن له أن يشرب منه فشرب‪.‬‬
‫‪ 17502‬ـ حدثنـي مـحمد بن سعد‪ ,‬قال‪ :‬ثنـي أبـي‪ ,‬قال‪ :‬ثنـي عمي‪ ,‬قال‪ :‬ثنـي أبـي‪,‬‬
‫ح َريْ نِ‬
‫عن أبـيه‪ ,‬عن ابن عبـاس‪ ,‬قوله‪ :‬وَإذْ قالَ مُوسَى لفَتا هُ ل أبْرَ حُ حتـى أبْلُغَ مَـجْمَعَ ال َب ْ‬
‫أ ْو أ ْمضِيَ حُقُبـا قال‪ :‬لـما ظهر موسى وقومه علـى مصر أنزل قومه مصر فلـما استقرّت‬
‫ب هم الدار أنزل ال عل ـيه أن َذ ّكرْهُ مْ بِأيّا مِ اللّ ِه فخ طب قو مه‪ ,‬فذ كر ما آتا هم ال من ال ـخير‬
‫والنعمة‪ ,‬وذ ّكرَهم إذ أنـجاهم ال من أل فرعون‪ ,‬وذكرهم هلك عدوّهم‪ ,‬وما استـخـلفهم ال‬
‫فـي الرض‪ ,‬وقال‪ :‬كلـم ال نبـيكم تكلـيـما‪ ,‬واصطفـانـي لنفسه‪ ,‬وأنزل علـيّ مـحبة‬
‫م نه‪ ,‬وآتا كم ال من كلّ ما سألتـموه‪ ,‬فنب ـيكم أف ضل أ هل الرض‪ ,‬وأنت ـم تقرأون التوراة‪,‬‬
‫فلــم يترك نعمـة أنعمهـا ال علــيهم إل ذكرهـا‪ ,‬وعرّفهـا إياهـم‪ ,‬فقال له رجـل مـن بنــي‬
‫إسرائيـل‪ :‬هم كذلك يا نبـيّ ال‪ ,‬قد عرفنا الذي تقول‪ ,‬فهل علـى الرض أحد أعلـم منك‬
‫ي ال؟ قال‪ :‬ل فب عث ال جبرئي ـل إل ـى مو سى عل ـيهما ال سلم‪ ,‬فقال‪ :‬إن ال يقول‪:‬‬
‫يا نب ـ ّ‬
‫ومـا يدريـك أيـن أضـع علــمي؟ بلــى إن علــى شطّـ البحـر رجلً أعلــم منـك فقال ابـن‬
‫خضِر‪ ,‬فسأل موسى ربه أن يريه إياه‪ ,‬فأوحى ال إلـيه أن ائت البحر‪ ,‬فإنك‬
‫عبـاس‪ :‬هو الـ َ‬
‫ت ـجد عل ـى ش طّ الب حر حُو تا‪ ,‬فخذه ف ـادفعه إل ـى فتاك‪ ,‬ثم الزم ش طّ الب حر‪ ,‬فإذا ن سيتَ‬
‫الـحوت وهَلك منك‪ ,‬فث مّ تـجد العبد الصالـح الذي تطلب فلـما طال سفر موسى نبـيّ ال‬
‫صخْرَةِ‬
‫ت إذْ أ َويْنا إلـى ال ّ‬
‫ونصب فـيه‪ ,‬سأل فتاه عن الـحوت‪ ,‬فقال له فتاه وهو غلمه أرََأيْ َ‬
‫شيْطا نُ أ نْ أ ْذ ُكرَ ُه قال الفتـى‪ :‬لقد رأيت الـحوت‬
‫ل ال ّ‬
‫فإنّـي نَ سِيتُ الـحُوتَ وَما أنْسانِـيهُ إ ّ‬
‫سرَبـا‪ ,‬فأعجب ذلك موسى فرجع حتـى أتـى الصخرة‪,‬‬
‫حين اتـخذ سبـيـله فـي البحر َ‬
‫فوجد الـحوت يضرب فـي البحر‪ ,‬ويتبعه موسى‪ ,‬وجعل موسى يقدّم عصاه يفرُج بها عن‬
‫الــماء يتبـع الــحوت‪ ,‬وجعـل الــحوت ل تــمسّ شيئا مـن البحـر إل يبـس حتــى يكون‬
‫صخرة‪ ,‬فجعل نبـيّ ال يعجب من ذلك حتـى انتهى به الـحوت إلـى جزيرة من جزائر‬
‫البحر‪ ,‬فلقـى الـخَضِر بها فسلـم علـيه‪ ,‬فقال الـخضر‪ :‬وعلـيك السلم‪ ,‬وأنى يكون هذا‬
‫ب بنــي‬
‫السـلم بهذه الرض‪ ,‬ومـن أنـت؟ قال‪ :‬أنـا موسـى‪ ,‬فقال له الــخضر‪ :‬أصـاح ُ‬
‫إ سرائيـل؟ قال‪ :‬ن عم فر حب به‪ ,‬وقال‪ :‬ما جاء بك؟ قال‪ :‬جئ تك عل ـى أن تعل ـمنـي م ـما‬
‫جدُنِـي‬
‫ستَـ ِ‬
‫صبْرا قال‪ :‬ل تط يق ذلك‪ ,‬قال مو سى‪َ :‬‬
‫س َتطِي َع َمعِ يَ َ‬
‫ن تَ ْ‬
‫علّ ـمت رُشدا قَالَ إنّ كَ َل ْ‬
‫ي لَ كَ أمْرا قال‪ :‬ف ـانطلق به وقال له‪ :‬ل ت سألنـي عن ش يء‬
‫ن شاءَ الّل هُ صَابِرا وَل أعْ صِ َ‬
‫إ ْ‬
‫حدِث َـ لَك َـ ِمنْهُـ ِذكْرا‪ .‬فركبــا فــي السـفـينة‬
‫أصـنعه حتــى أبّــين لك شأنـه‪ ,‬فذلك قوله‪ُ :‬أ ْ‬
‫جئْتَـ‬
‫خ َرقْتَهـا لتُ ْقرِقَـ أهْلَهـا لَ َقدْ ِ‬
‫يريدان البرّ‪ ,‬فقام الــخضر فخرق السـفـينة‪ ,‬فقال له موسـى أ َ‬
‫شيْئا إمْرا‪.‬‬
‫َ‬
‫جمَعَ‬
‫‪17503‬ـ حدثنا بشر‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا يزيد‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا سعيد‪ ,‬عن قتادة‪ ,‬قوله‪ :‬فَلَـمّا بَلَغا مَـ ْ‬
‫بَـ ْي ِنهِما نَسِيا حُ َو َتهُما ُذكِر أن نبـيّ ال صلى ال عليه وسلم لـما قطع البحر وأنـجاه ال من‬
‫آل فرعون‪ ,‬جمع بنـي إسرائيـل‪ ,‬فخطبهم فقال‪ :‬أنتـم خير أهل الرض وأعلـمه‪ ,‬قد أهلك‬
‫ال عدوّكم‪ ,‬وأقطعكم البحر‪ ,‬وأنزل علـيكم التوراة قال‪ :‬فقـيـل له‪ :‬إن ههنا رجلً هو أعلـم‬
‫م نك‪ .‬قال‪ :‬ف ـانطلق هو وفتاه يو شع بن نون يطلب ـانه‪ ,‬وتزوّدا سمكة م ـملوحة ف ـي مِك تل‬
‫لهما‪ ,‬وقـيـل لهما‪ :‬إذا نسيتـما ما معكما لقـيتـما رجلً عالـما يقال له الـخضر فلـما‬
‫أت ـيا ذلك ال ـمكان‪ ,‬ردّ ال إل ـى ال ـحوت رو حه‪ ,‬ف سرب له من ال ـجسر حت ـى أف ضى‬
‫إل ـى الب حر‪ ,‬ثم سلك فج عل ل ي سلك ف ـيه طري قا إل صار ماء جامدا‪ .‬قال‪ :‬وم ضى مو سى‬
‫ن سَ َفرِنا َهذَا نَ صَبـا‬
‫غدَاءَنا لَ َقدْ لَقِـينا مِ ْ‬
‫وفتاه يقول ال عزّ وجلّ‪ :‬فَلَـمّا جا َوزَا قالَ لِفَتا ُه آتِنا َ‬
‫صخْرَ ِة فإنّـي نَسِيتُ الـحُوتَ‪ ...‬ثم تل إلـى قوله‪ :‬وَعَلّـمْنا ُه مِ نْ‬
‫قالَ أرََأيْتَ إذْ أ َويْنا إلـى ال ّ‬
‫َل ُدنّا عِلْـما فلقـيا رجلً عالـما يقال له الـخَضِر‪ ,‬فذُكر لنا أن نبـيّ ال صلى ال عليه وسلم‬
‫ت بِ ِه خَضراء»‪.‬‬
‫خضِرا لنهُ َق َعدَ عَلـى َفرْوَ ٍة بَـيْضَاءَ‪ ,‬فـا ْهتَزّ ْ‬
‫ضرُ َ‬
‫س ّمىَ الـخَ ِ‬
‫قال‪« :‬إنّـما ُ‬
‫‪17504‬ـ حدثنـي العبـاس بن الولـيد‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا أبـي‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا الوزاعيّ‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا‬
‫الزهر يّ‪ ,‬عن عبـيد ال بن عبد ال بن عتبة بن مسعود‪ ,‬عن ابن عبـاس أنه تـمارى هو‬
‫والـحرّ بن قـيس بن حِ صْن الفزار يّ فـي صاحب موسى‪ ,‬فقال ابن عبـاس‪ :‬هو خَضِر‪,‬‬
‫فمرّ بهما أبـيّ بن كعب‪ ,‬فدعاه ابن عبـاس فقال‪ :‬إنـي تـماريت أنا وصاحبـي هذا فـي‬
‫صاحب موسى الذي سأل السبـيـل إلـى لقـيّه‪ ,‬فقال سمت رسول ال صلى ال عليه وسلم‬
‫يذكر شأنه؟ قال‪ :‬إنـي سمعت رسول ال صلى ال عليه وسلم يقول‪« :‬بَـيْنا مُوسَى فِـي مَل‬
‫حدٍ أعْلَـمُ ِم ْنكَ؟ قالَ مُوسَى‪ :‬ل‪ ,‬فَأ ْوحَى‬
‫سرَائِيـلَ إ ْذ جاءَ ُه َرجُلٌ فَقالَ‪َ :‬تعْلَـمُ مَكانَ أ َ‬
‫ن َبنِـي إ ْ‬
‫مِ ْ‬
‫ل اللّ هُ َل هُ‬
‫سبِـيـلَ إل ـى ُلقِ ـيّهِ‪َ ,‬فجَعَ َ‬
‫خضِرٌ‪ ,‬فَ سأَلَ مُو سَى ال ّ‬
‫ع ْبدُ نا َ‬
‫اللّ هُ إل ـى مُو سَى‪ :‬بَل ـى َ‬
‫ستَلْقاهُ‪ ,‬فَكا نَ مُو سَى َي ْتبَ عُ أ َثرَ‬
‫ت ف ـا ْرجِعْ فإنّ كَ َ‬
‫ت آيَةً‪َ ,‬وقِ ـيـلَ َل هُ‪ :‬إذَا فَ َقدْ تَ ال ـحُو َ‬
‫ال ـحُو َ‬
‫خرَةِ‪ ,‬فإنّ ـي‬
‫صْ‬‫حرِ‪ ,‬فَقال َفتِ ـى مُو سَى ل ـمُوسَى‪ :‬أرََأيْ تَ إذْ أ َويْ نا إل ـى ال ّ‬
‫ت فِ ـي ال َب ْ‬
‫ال ـحُو ِ‬
‫ع ْبدَ نا‬
‫جدَا َ‬
‫ل مُو سَى‪ :‬ذل كَ ما ُكنّا َنبْ غِ‪ ,‬ف ـا ْر َتدّا عَل ـى آثارِهِما قَ صَصا‪ ,‬فَ َو َ‬
‫نَ سِيتُ الـحُوتَ‪ ,‬قا َ‬
‫خضِرا‪ ,‬وكانَ ِمنْ ش ْأ ِنهِما ما قَصّ الّلهُ فـي كِتابِهِ»‪.‬‬
‫َ‬
‫حدثن ـي م ـحمد بن مرزوق‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا ال ـحجاج بن الـمنهال‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا عبد ال بن‬
‫ي يحدّث‪ ,‬قال‪ :‬أخبرنـي عميد ال بن‬
‫عمر النـميري‪ ,‬عن يونس بن يزيد‪ ,‬قال‪ :‬سمعت الزهر ّ‬
‫عبد ال بن عتبة بن مسعود‪ ,‬عن ابن عبـاس‪ ,‬أنه تـمارى هو والـحرّ بن قـيس بن حصن‬
‫الفزاري ف ـي صاحب مو سى‪ ,‬ثم ذ كر ن ـحو حد يث العب ـاس‪ ,‬عن أُب ـيّ بن ك عب‪ ,‬عن‬
‫النبـيّ صلى ال عليه وسلم‪.‬‬

‫‪67‬‬ ‫و‬ ‫‪66‬‬ ‫الية ‪:‬‬


‫سىَ هَلْ َأ ّت ِبعُكَ عََلىَ أَن ُتعَّلمَنِ ِممّا عُّلمْتَ ُرشْدا‬
‫القول فـي تأويـل قوله تعالـى‪{ :‬قَالَ َل ُه مُو َ‬
‫صبْرا }‪.‬‬
‫ك لَن َتسْ َتطِيعَ َم ِعيَ َ‬
‫* قَالَ ِإ ّن َ‬
‫ن من العل ـم الذي‬
‫ن َتعَلّ ـمَ ِ‬
‫ل َأ ّت ِبعُ كَ عَل ـى أ ْ‬
‫يقول تعال ـى ذكره‪ :‬قال مو سى للعال ـم‪ :‬هَ ْ‬
‫س َتطِيعَ مَعَي‬
‫عل ـمك ال ما هو رشاد إل ـى ال ـحقّ‪ ,‬ودل ـيـل عل ـى هدى؟ قالَ إنّ كَ َل نْ تَ ْ‬
‫صـبْرا يقول تعالــى ذكره‪ :‬قال العالــم‪ :‬إنـك لن تطيـق الصـبر معـي‪ ,‬وذلك أنــي أعمـل‬
‫َ‬
‫ببـاطن علـم علّـمنـيه ال‪ ,‬ول علـم لك إل بظاهر من المور‪ ,‬فل تصبر علـى ما ترى‬
‫ل من أنه كان رجلً يعمل علـى الغيب‬
‫من الفعال‪ ,‬كما ذكرنا من الـخبر عن ابن عبـاس قَب ُ‬
‫قد علـم ذلك‪.‬‬

‫‪69‬‬ ‫و‬ ‫‪68‬‬ ‫الية ‪:‬‬


‫س َتجِ ُد ِنيَ‬
‫خبْرا * قَالَ َ‬
‫صبِرُ عََلىَ مَا لَ ْم ُتحِ طْ ِب هِ ُ‬
‫القول فـي تأويـل قوله تعالـى‪َ { :‬و َكيْ فَ تَ ْ‬
‫عصِي َلكَ أمْرا }‪.‬‬
‫إِن شَآءَ الّلهُ صَابِرا َولَ َأ ْ‬
‫يقول عزّ ذكره مخبرا عن قول العالـم لـموسى‪ :‬وكيف تصبر يا موسى علـى ما ترى‬
‫من ـي من الفعال الت ـي ل عل ـم لك بوجوه صوابها‪ ,‬وتق ـيـم م عي عل ـيها‪ ,‬وأ نت إن ـما‬
‫تــحكم علــى صـواب الــمصيب وخطـأ الــمخطىء بــالظاهر الذي عندك‪ ,‬وبــمبلغ‬
‫علـمك‪ ,‬وأفعالـي تقع بغير دلـيـل ظاهر لرأي عينك علـى صوابها‪ ,‬لنها تُبتدأ لسبـاب‬
‫ت ـحدث آجلة غ ير عاجلة‪ ,‬ل عل ـم لك ب ـالـحادث عن ها‪ ,‬لن ها غ يب‪ ,‬ول ت ـحيط بعل ـم‬
‫ج ُدنِـي إ نْ شا َء اللّ ُه صَابِرا علـى ما أرى منك وإن كان‬
‫ستَـ ِ‬
‫الغيب خبرا يقول علـما‪ ,‬قال‪َ :‬‬
‫ك أمْرا يقول‪ :‬وأنت هي إلـى ما تأمرن ـي‪ ,‬وإن‬
‫خلفـا لـما هو عندي صواب وَل أعْ صِي لَ َ‬
‫لـم يكن موافقا هواي‪.‬‬

‫‪70‬‬ ‫الية ‪:‬‬


‫ث َلكَ ِمنْهُ‬
‫حدِ َ‬
‫حتّىَ ُأ ْ‬
‫ل َتسْأَلْني عَن شَي ٍء َ‬
‫القول فـي تأويـل قوله تعالـى‪{ :‬قَالَ َفإِنِ ا ّت َب ْع َتنِي فَ َ‬
‫ِذكْرا }‪.‬‬
‫يقول تبـارك وتعالـى‪ :‬قال العالـم لـموسى‪ :‬فإن اتبعتنـي الَن فل تسألنـي عن شيء‬
‫أعمله مـما تستنكره‪ ,‬فإنـي قد أعلـمتك أنـي أعمل العمل علـى الغيب الذي ل تـحيط به‬
‫حدِ ثَ لَ كَ ِم ْن ُه ِذكْرا يقول‪ :‬حتـى أحدث أنا لك مـما ترى من الفعال التـي‬
‫علـما حتـى ُأ ْ‬
‫أفعلها التـي تستنكرها أذكرها لك وأبـين لك شأنها‪ ,‬وأبتدئك الـخبر عنها‪ ,‬كما‪:‬‬
‫‪ 17505‬ـ حدثنـي مـحمد بن سعد‪ ,‬قال‪ :‬ثنـي أبـي‪ ,‬قال‪ :‬ثنـي عمي‪ ,‬قال‪ :‬ثنـي أبـي‪,‬‬
‫حدِ ثَ لَ كَ ِمنْ هُ ِذكْرا يعنـي عن‬
‫شيْءٍ حتـى ُأ ْ‬
‫عن أبـيه‪ ,‬عن ابن عبـاس فَل تَسأَ ْلنِـي عَ نْ َ‬
‫شيء أصنعه حتـى أبـين لك شأنه‪.‬‬

‫‪71‬‬ ‫الية ‪:‬‬


‫خرَ ْقتَهَا‬
‫خرَقَهَا قَالَ َأ َ‬
‫حّتىَ ِإذَا َركِبَا فِي ال سّفِينَ ِة َ‬
‫القول ف ـي تأوي ـل قوله تعال ـى‪{ :‬فَا ْنطَلَقَا َ‬
‫شيْئا ِإمْرا }‪.‬‬
‫جئْتَ َ‬
‫ِل ُتغْ ِرقَ أَهَْلهَا َل َقدْ ِ‬
‫يقول تعالـى ذكره‪ :‬فـانطلق موسى والعالـم يسيران يطلبـان سفـينة يركبـانها‪ ,‬حتـى‬
‫إذا أصابـاها ركبـا فـي السفـينة‪ ,‬فلـما ركبـاها‪ ,‬خرق العالـم السفـينة‪ ,‬قال له موسى‪:‬‬
‫شيْئا إمْرا يقول‪ :‬ل قد جئت شيئا‬
‫جئْ تَ َ‬
‫أخرقت ها ب عد ما لَ ـجَجنا ف ـي الب حر ِل ُت ْغرِ قَ أهْلَ ها َل َقدْ ِ‬
‫عظيـما‪ ,‬وفعلت فعلً مُنكرا‪.‬‬
‫شيْئا إمْرا‪:‬‬
‫ت َ‬
‫جئْ َ‬
‫‪17506‬ـ حدثنا بشر‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا يزيد‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا سعيد‪ ,‬عن قتادة‪ ,‬قوله‪ :‬لَ َقدْ ِ‬
‫أي عجب ـا‪ ,‬إن قو ما ل ـججوا سفـينتهم فخرقت ها‪ ,‬كأحوج ما نكون إل ـيها‪ ,‬ول كن عل ـم من‬
‫ذلك ما ل ـم يعل ـم نب ـيّ ال مو سى ذلك من علـم ال الذي آتاه‪ ,‬وقد قال لنب ـيّ ال موسى‬
‫حدِثَ َلكَ ِمنْ ُه ِذكْرا‪.‬‬
‫شيْءٍ حتـى ُأ ْ‬
‫ن َ‬
‫علـيه السلم‪ :‬فإنِ ا ّت َب ْع َتنِـي فَل تَسأ ْلنِـي عَ ْ‬
‫جئْ تَ‬
‫حدثنا الـحسن بن يحيى‪ ,‬قال‪ :‬أخبرنا عبد الرزاق‪ ,‬قال‪ :‬أخبرنا معمر‪ ,‬عن قتادة لَ َقدْ ِ‬
‫شيْئا إمْرا يقول‪ :‬نُكرا‪.‬‬
‫َ‬
‫‪ 17507‬ـ حدثنـي م ـحمد بن عمرو‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا أ بو عا صم‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا عي سى وحدثنـي‬
‫الــحارث‪ ,‬قال‪ :‬حدثنـا الــحسن‪ ,‬قال‪ :‬حدثنـا ورقاء‪ ,‬جميعـا عـن ابـن أبــي نــجيح‪ ,‬عـن‬
‫شيْئا إمْرا قال‪ :‬منكرا‪.‬‬
‫ت َ‬
‫جئْ َ‬
‫مـجاهد‪ ,‬قوله‪ :‬لَ َقدْ ِ‬
‫حدثنا القاسم‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا الـحسين‪ ,‬قال‪ :‬ثنـي حجاج‪ ,‬عن ابن جريج‪ ,‬عن مـجاهد‪ ,‬مثله‪.‬‬
‫والمر‪ :‬فـي كلم العرب‪ :‬الداهية ومنه قول الراجز‪:‬‬
‫َقدْ لَقِـيَ ال ْقرَانُ ّمنِـي ُن ْكرَادَا ِهيَ ًة دَهْياءَ إدّا إ ْمرَا‬
‫وكان بعـض أهـل العلــم بكلم العرب يقول‪ :‬أصـله‪ :‬ك ّل شيـء شديـد كثــير‪ ,‬ويقول منـه‪:‬‬
‫قــيـل للقوم‪ :‬قـد َأمِروا‪ :‬إذا كثروا واشتدّ أمرهـم‪ .‬قال‪ :‬والــمصدر منـه‪ :‬الَم َر‪ ,‬والسـم‪:‬‬
‫المْر‪.‬‬
‫ِقـ أهْلَهـا فقرأ ذلك عامـة قرّاء الــمدينة والبصـرة‬
‫واختلفـت القرّاء فــي قراءة قوله‪ِ :‬ل ُت ْغر َ‬
‫وبعض الكوفـيـين ِل ُتغْرِ قَ أهْلَها بـالتاء فـي لتغرق‪ ,‬ونصب الهل‪ ,‬بـمعنى‪ :‬لتُغرق أنت‬
‫أيهـا الرجـل أهـل هذه السـفـينة بــالـخرق الذي خرقـت فــيها‪ .‬وقرأه عامـة قرّاء الكوفـة‪:‬‬
‫«لِـ َيغْ َرقَ» بـالـياء أهلها بـالرفع‪ ,‬علـى أن الهل هم الذين يغرقون‪.‬‬
‫والصواب من القول فـي ذلك عندي أن يقال‪ :‬إنهما قراءتان معروفتان مستفـيضتان فـي‬
‫قرأة المصار‪ ,‬متفقتا الـمعنى وإن اختلفت ألفـاظهما‪ ,‬فبأيّ ذلك قرأ القارىء فمصيب‪.‬‬
‫وإنـما قلنا‪ :‬هما متفقتا الـمعنى‪ ,‬لنه معلوم أن إنكار موسى علـى العالِـم خرق السفـينة‬
‫إن ـما كان ل نه كان عنده أن ذلك سبب لغرق أهل ها إذا أحدث م ثل ذلك ال ـحدث ف ـيها فل‬
‫خفـاء علـى أحد معنى ذلك قرىء بـالتاء ونصب الهل‪ ,‬أو بـالـياء ورفع الهل‪.‬‬
‫‪73‬‬ ‫و‬ ‫‪72‬‬ ‫الية ‪:‬‬
‫صـبْرا * قَالَ لَ‬
‫ِيـ َ‬
‫َسـَتطِيعَ َمع َ‬
‫ّكـ لَن ت ْ‬
‫َمـ َأقُلْ ِإن َ‬
‫القول فــي تأويــل قوله تعالــى‪{ :‬قَالَ أَل ْ‬
‫عسْرا }‪.‬‬
‫ل ُترْهِ ْقنِي مِنْ َأ ْمرِي ُ‬
‫خ ْذنِي ِبمَا َنسِيتُ َو َ‬
‫تُؤَا ِ‬
‫س َتطِيعَ َمعِ يَ‬
‫يقول عزّ ذكره‪ :‬قَالَ العال ـم ل ـموسى إذ قال له ما قال أَل ـمْ أقُل إنّ كَ َل نْ تَ ْ‬
‫صبْرا عل ـى ما ترى من أفعال ـي‪ ,‬ل نك ترى ما ل ـم تُ ـحِط به خبرا قال له مو سى‪ :‬ل‬
‫َ‬
‫خ ْذنِ ـي بِ ـمَا نَ سِيتُ‪ .‬ف ـاختلف أ هل التأوي ـل ف ـي مع نى ذلك‪ ,‬فقال بعض هم‪ :‬كان هذا‬
‫تُؤَا ِ‬
‫الكلم من موسى علـيه السلم للعالِـم معارضة‪ ,‬ل أنه كان نسي عهده‪ ,‬وما كان تقدّم فـيه‬
‫ك ِمنْ هُ ِذكْرا‪ .‬ذكر‬
‫حدِ ثَ لَ َ‬
‫شيْءٍ حتـى ُأ ْ‬
‫ن َ‬
‫حين استصحبه بقوله‪ :‬فإ نِ ا ّت َب ْع َتنِـي فَل تَسأ ْلنِـي عَ ْ‬
‫من قال ذلك‪:‬‬
‫‪ 17508‬ـ حُدثت عن يحيى بن زياد‪ ,‬قال‪ :‬ثنـي يحيى بن الـمهلب‪ ,‬عن رجل‪ ,‬عن سعيد بن‬
‫خ ْذنِـي بِـمَا نَ سِيتُ قال‪ :‬لـم ينس‪,‬‬
‫جبـير‪ ,‬عن أبـيّ بن كعب النصاريّ فـي قوله‪ :‬ل تُؤَا ِ‬
‫ولكنها من معاريض الكلم‪.‬‬
‫وقال آخرون‪ :‬بل معنى ذلك‪ :‬ل تؤاخذنـي بتركي عهدك‪ ,‬ووجه أن معنى النسيان‪ :‬الترك‪.‬‬
‫ذكر من قال ذلك‪:‬‬
‫‪ 17509‬ـ حدثنا ابن حميد‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا سلـمة‪ ,‬قال‪ :‬ثنـي مـحمد بن إسحاق‪ ,‬عن الـحسن‬
‫خ ْذنِ ـي بِ ـمَا‬
‫بن عمارة‪ ,‬عن ال ـحكم‪ ,‬عن سعيد بن جب ـير‪ ,‬عن ا بن عب ـاس قالَ ل تُؤا ِ‬
‫َنسِيتُ‪ :‬أي بـما تركت من عهدك‪.‬‬
‫وال صواب من القول ف ـي ذلك أن يقال‪ :‬إن مو سى سأل صاحبه أن ل يؤاخذِه بِ ـما ن سِي‬
‫ف ـيه عهده من سؤاله إياه عل ـى و جه ما ف عل و سببه ل ب ـما سأله ع نه‪ ,‬و هو لعهده ذا كر‬
‫للصحيح عن رسول ال صلى ال عليه وسلم‪ ,‬بأن ذلك معناه من الـخبر‪ ,‬وذلك ما‪:‬‬
‫‪ 17510‬ـ حدثنا به أبو كريب‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا يحيى بن آدم‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا ابن عيـينة‪ ,‬عن عمرو‬
‫بن دينار‪ ,‬عن سعيد بن جبـير‪ ,‬عن ابن عبـاس‪ ,‬عن أبـيّ بن كعب‪ ,‬عن رسول ال صلى‬
‫ن مُوسَى ِنسْيانا»‪.‬‬
‫ت الُوَلـى مِ ْ‬
‫ت قالَ‪« :‬كانَ ِ‬
‫خذْنِـي بِـمَا َنسِي ُ‬
‫ال عليه وسلم ل تُؤا ِ‬
‫ن أ ْمرِي عُ سْرا يقول‪ :‬ل ُت ْغشِنـي من أمري عسرا‪ ,‬يقول‪ :‬ل تضيق‬
‫وقوله‪ :‬ول ُترْهِ ْقنِـي مِ ْ‬
‫علـيّ أمري معك‪ ,‬وصحبتـي إياك‪.‬‬

‫‪74‬‬ ‫الية ‪:‬‬


‫حّتىَ ِإذَا َلقِيَا غُلَما فَ َقتَلَ هُ قَالَ َأ َقتَلْ تَ نَفْ سا َز ِكيّةً‬
‫القول ف ـي تأوي ـل قوله تعال ـى‪{ :‬فَا ْنطَلَقَا َ‬
‫شيْئا ّنكْرا }‪.‬‬
‫جئْتَ َ‬
‫س لّ َق ْد ِ‬
‫ِب َغيْرِ نَفْ ٍ‬
‫يقول تعالـى ذكره‪ :‬فـانطلقا حتـى إذا لقـيا غلما فقتله العالـم‪ ,‬فقال له موسى‪ :‬أقتلت‬
‫نفسا زكية‪.‬‬
‫ت نَفْسا زَا ِكيَةً»‬
‫واختلفت القرّاء فـي قراءة ذلك‪ ,‬فقرأته عامة قرّاء الـحجاز والبصرة‪« :‬أقَتَلْ َ‬
‫وقالوا مع نى ذلك‪ :‬ال ـمطهرة الت ـي ل ذ نب ل ها‪ ,‬ول ـم تذ نب ق طّ ل صغرها‪ .‬وقرأ ذلك عا مة‬
‫قرّاء أهل الكوفة‪ :‬نَفْسا َزكِيّ ًة بـمعنى‪ :‬التائبة الـمغفور لها ذنوبها‪ .‬ذكر من قال ذلك‪:‬‬
‫‪ 17511‬ـ حدثنـي مـحمد بن سعد‪ ,‬قال‪ :‬ثنـي أبـي‪ ,‬قال‪ :‬ثنـي عمي‪ ,‬قال‪ :‬ثنـي أبـي‪,‬‬
‫ت نَفْسا َزكِيّ ًة والزكية‪ :‬التائبة‪.‬‬
‫عن أبـيه‪ ,‬عن ابن عبـاس‪ :‬أ َقتَلْ َ‬
‫ت نَفْسا َزكِيّ ًة قال‪:‬‬
‫‪ 17512‬ـ حدثنا بشر‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا يزيد‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا سعيد‪ ,‬عن قتادة قالَ أ َقتَلْ َ‬
‫الزكية‪ :‬التائبة‪.‬‬
‫ت نَفْسا‬
‫‪ 17513‬ـ حدثنا الـحسن بن يحيى‪ ,‬قال‪ :‬أخبرنا عبد الرزاق‪ ,‬قال‪ :‬أخبرنا معمر أ َقتَلْ َ‬
‫زَاكِيَ ًة قال‪ :‬قال الـحسن‪ :‬تائبة‪ ,‬هكذا فـي حديث الـحسن وشهْر زاكية‪.‬‬
‫‪ 17514‬ـ حُد ثت عن ال ـحسين‪ ,‬قال‪ :‬سمعت أب ـا معاذ يقول‪ :‬حدث نا عب ـيد‪ ,‬قال‪ :‬سمعت‬
‫الضحاك يقول ف ـي قوله نَفْ سا زَكيّ ًة قال‪ :‬تائ بة‪ .‬ذ كر من قال‪ :‬معنا ها ال ـمسلـمة الت ـي ل‬
‫ذنب لها‪:‬‬
‫‪17515‬ــ حدثنـا القاسـم‪ ,‬قال‪ :‬حدثنـا الــحسين‪ ,‬قال‪ :‬ثنــي حجاج‪ ,‬عـن ابـن جريـج‪ ,‬قال‪:‬‬
‫أخبرنـي يعلـى بن مسلـم‪ ,‬أنه سمع سعيد بن جبـير يقول‪ :‬وجد خضر غلـمانا يـلعبون‪,‬‬
‫فأخذ غلما ظريفـا فأضجعه ثم ذبحه بـالسكين‪ .‬قال‪ :‬وأخبرنـي وهب بن سلـيـمان عن‬
‫شع يب ال ـجبئي قال‪ :‬ا سم الغلم الذي قتله ال ـخضر‪ :‬جي سور «قالَ أ َقتَلْ تَ نَفْ سا زَا ِكيَةً» قال‪:‬‬
‫مسلـمة‪ .‬قال‪ :‬وقرأها ابن عبـاس‪َ :‬ز ِكيّةً كقولك‪ :‬زكيا‪.‬‬
‫وكان ب عض أ هل العل ـم بكلم العرب من أ هل الكو فة يقول‪ :‬مع نى الزك ية والزاك ية وا حد‪,‬‬
‫كالقاسية والقسية‪ ,‬ويقول‪ :‬هي التـي لـم تـجن شيئا‪ ,‬وذلك هو الصواب عندي لنـي لـم‬
‫أجد فرقا بـينهما فـي شيء من كلم العرب‪.‬‬
‫فإذا كان ذلك كذلك‪ ,‬فبأيــّ القراءتـــين قرأ ذلك القارىء فمصــيب‪ ,‬لنهمــا قراءتان‬
‫مستفـيضتان فـي قرأة المصار بـمعنى واحد‪.‬‬
‫جئْ تَ‬
‫وقوله‪ِ :‬ب َغيْرِ َنفْ سٍ يقول‪ :‬بغ ير ق صاص بن فس قتلت‪ ,‬فلزم ها الق تل قودا ب ها‪ .‬وقوله‪ :‬لَ َق ْد ِ‬
‫شيْئا ُنكْرا يقول‪ :‬ل قد جئت بش يء من كر‪ ,‬وفعلت فعلً غ ير معروف‪ .‬وبن ـحو الذي قل نا ف ـي‬
‫َ‬
‫ذلك‪ ,‬قال أهل التأويـل‪ :‬ذكر من قال ذلك‪:‬‬
‫شيْئا ُنكْرا وال ّنكْرُ‬
‫جئْتَ َ‬
‫‪17516‬ـ حدثنا بشر‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا يزيد‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا سعيد‪ ,‬عن قتادة َل َقدْ ِ‬
‫أشدّ من المر‪.‬‬
‫‪76‬‬ ‫و‬ ‫‪75‬‬ ‫الية ‪:‬‬
‫صبْرا * قَالَ إِن‬
‫ستَطِيعَ َمعِ يَ َ‬
‫ك ِإنّ كَ لَن تَ ْ‬
‫القول ف ـي تأوي ـل قوله تعال ـى‪{ :‬قَالَ أَلَ مْ َأقُلْ لّ َ‬
‫عذْرا }‪.‬‬
‫ح ْبنِي َقدْ بََلغْتَ مِن ّل ُدنّي ُ‬
‫شيْءٍ َب ْعدَهَا فَلَ ُتصَا ِ‬
‫سأَ ْلتُكَ عَن َ‬
‫َ‬
‫صبْرا علـى‬
‫ستَطيعَ َمعِيَ َ‬
‫يقول تعالـى ذكره‪ :‬قال العالـم لـموسى ألَـمْ أقُلْ لكَ إنّكَ لَنْ تَ ْ‬
‫شيْ ٍء َب ْعدَها‬
‫ع نْ َ‬
‫ما ترى من أفعالـي التـي لـم تُـحط بها خبرا‪ ,‬قال موسى له‪ :‬إ نْ سأ ْل ُتكَ َ‬
‫حبْنِـي يقول‪ :‬ففـارقنـي‪ ,‬فل تكن لـي مصاحبـا َقدَ بََلغْ تَ‬
‫يقول‪ :‬بعد هذه الـمرّة فَل تُ صَا ِ‬
‫عذْرا يقول‪ :‬قد بلغت العذر فـي شأنـي‪.‬‬
‫ن َل ُدنّـي ُ‬
‫مِ ْ‬
‫عذْرا»‬
‫ِنـ َل ُدنِــي ُ‬
‫واختلفـت القرّاء فــي قراءة ذلك‪ ,‬فقرأتـه عامـة قرّاء أهـل الــمدينة‪« :‬م ْ‬
‫بفت ـح اللم و ضم الدال وت ـخفـيف النون‪ .‬وقرأه عا مة قرّاء الكو فة والب صرة بفت ـح اللم‬
‫ـ الدال وتشديـد النون‪ .‬وقرأه بعـض قرّاء الكوفـة بإشمام اللم الضـم وتسـكين الدال‬
‫وضم ّ‬
‫وتــخفـيف النون‪ ,‬وكأن الذيـن شدّدوا النون طلبوا للنون التــي فــي لدن السـلمة مـن‬
‫ال ـحركة‪ ,‬إذ كا نت ف ـي ال صل ساكنة‪ ,‬ولو ل ـم تشدّد لت ـحرّكت‪ ,‬فشدّدو ها كرا هة من هم‬
‫ت ـحريكها‪ ,‬ك ما فعلوا ف ـي « من‪ ,‬و عن» إذ أضافوه ما إل ـى مكن ـيّ ال ـمخبر عن نف سه‪,‬‬
‫فشدّدوهما‪ ,‬فقالوا منـي وعنّـي‪ .‬وأما الذين خفّفوها‪ ,‬فإنهم وجدوا مكنـيّ الـمخبر عن نفسه‬
‫فـي حال الـخفض ياء وحدها ل نون معها‪ ,‬فأجروا ذلك من لدن علـى حسب ما جرى به‬
‫كلمهم فـي ذلك مع سائر الشياء غيرها‪.‬‬
‫ل واحدة منهمـا‬
‫والصـواب مـن القول فــي ذلك عندي أنهمـا لغتان فصـيحتان‪ ,‬قـد قرأ بك ّ‬
‫علـماء من القرّاء بـالقرآن‪ ,‬فبأيتهما قرأ القارىء فمصيب‪ ,‬غير أن أعجب القراءتـين إلـيّ‬
‫وضمـ الدال وشدّد النون‪ .‬لعلتــين‪ :‬إحداهمـا أنهـا أشهـر‬
‫ّ‬ ‫فــي ذلك قراءة مـن فتــح اللم‬
‫اللغتـين‪ ,‬والخرى أن مـحمد بن نافع البصري‪:‬‬
‫‪ 17517‬ـ حدث نا ‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا أم ية بن خالد‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا أ بو ال ـجارية العبدي‪ ,‬عن أب ـي‬
‫إسحاق‪ ,‬عن سعد بن جبـير‪ ,‬عن ابن عبـاس‪ ,‬عن أبـيّ بن كعب‪ ,‬أن النبـيّ صلى ال عليه‬
‫عذْرا مثقلة‪.‬‬
‫ن َل ُدنّـي ُ‬
‫وسلم قرأ َقدْ بََلغْتَ مِ ْ‬
‫‪ 17518‬ـ حدثنـي عبد ال بن أبـي زياد‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا حجاج بن مـحمد‪ ,‬عن حمزة الزيات‪,‬‬
‫عن أبـي إسحاق‪ ,‬عن سعيد بن جبـير‪ ,‬عن ابن عبـاس‪ ,‬عن أبـيّ بن كعب‪ ,‬عن النبـيّ‬
‫صـلى ال عليـه وسـلم مثله‪ ,‬وذكـر أن رسـول ال صـلى ال عليـه وسـلم تل هذه الَيـة فقال‪:‬‬
‫ستَـحيْا فِـي اللّ ِه مُوسَى»‪.‬‬
‫«ا ْ‬
‫‪ 17519‬ـ حدثنا مـحمد بن الـمثنى‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا بدل بن الـمـحبر‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا عبـاد بن‬
‫شيْءٍ َب ْعدَها فَل تُ صَاحِ ْبنِـي قَدْ‬
‫ن َ‬
‫ن سأ ْل ُتكَ عَ ْ‬
‫لإ ْ‬
‫راشد‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا داود‪ ,‬فـي قول ال عزّ وج ّ‬
‫ستَـحيْا فِـي الّل هِ مُو سَى‬
‫عذْرا قال‪ :‬قال رسول ال صلى ال عليه وسلم‪« :‬ا ْ‬
‫ن َل ُدنّـي ُ‬
‫بََلغْ تَ مِ ْ‬
‫ع ْندَها»‪.‬‬
‫ِ‬
‫حدثن ـي ع بد ال بن أب ـي زياد‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا حجاج بن م ـحمد‪ ,‬عن حمزة الزيات‪ ,‬عن‬
‫أبـي إسحاق‪ ,‬عن سعيد بن جبـير‪ ,‬عن ابن عبـاس‪ ,‬عن أبـيّ بن كعب‪ ,‬قال‪ :‬كان النبـيّ‬
‫ّهـ عَلَــيْنا‬
‫ح َمةُ الل ِ‬
‫صـلى ال عليـه وسـلم إذا ذكـر أحدا فدعـا له بدأ بنفسـه‪ ,‬فقال ذات يوم‪َ « :‬ر ْ‬
‫شيْءٍ َب ْعدَها فَل‬
‫ن َ‬
‫ع ْ‬
‫ن سأ ْل ُتكَ َ‬
‫لبْ صَرَ ال َعجَ بَ وََل ِكنّ ُه قالَ‪ :‬إ ْ‬
‫حبِهِ َ‬
‫ث مَ َع صَا ِ‬
‫وَعلـى مُو سَى‪ ,‬لَ ْو َلبِ َ‬
‫عذْرا» ُمثَقلة‪.‬‬
‫ت مِنْ َل ُدنّـي ُ‬
‫ح ْبنِـي َقدْ بََلغْ َ‬
‫ُتصَا ِ‬

‫‪77‬‬ ‫الية ‪:‬‬


‫ط َعمَآ أَهْلَهَا َفأَبَوْ ْا أَن‬
‫س َت ْ‬
‫حّتىَ ِإذَآ َأتَيَآ أَهْلَ َق ْريَةٍ ا ْ‬
‫القول ف ـي تأوي ـل قوله تعال ـى‪{ :‬فَانطَلَقَا َ‬
‫ل ّتخَذْتَ عََليْ ِه َأجْرا }‪.‬‬
‫ت َ‬
‫شئْ َ‬
‫ض َفأَقَامَهُ قَالَ َلوْ ِ‬
‫جدَارا ُيرِيدُ أَن يَنقَ ّ‬
‫جدَا فِيهَا ِ‬
‫ُيضَيّفُو ُهمَا فَ َو َ‬
‫س َتطْعمَا أهْلَ ها‬
‫ل َقرْيَ ٍة ا ْ‬
‫حتّ ـى إذَا أتَ ـيَا أهْ َ‬
‫يقول تعال ـى ذكره‪ :‬ف ـانطلق مو سى والعال ـم َ‬
‫جدَارا ُيرِيدُ أ نْ‬
‫جدَا فِ ـيها ِ‬
‫ضيّفُوهُ ما فَ َو َ‬
‫من الطعام فل ـم يطعموه ما وا ستضافـاهم فَأبَوْا أن ُي َ‬
‫َضـ يقول‪ :‬وجدا فــي القريـة حائطـا يريـد أن يسـقط ويقـع يقال منـه‪ :‬انقضّت الدار‪ :‬إذا‬
‫َينْق ّ‬
‫انهدمـت وسـقطت ومنـه انقضاض الكوكـب‪ ,‬وذلك سـقوطه وزواله عـن مكانـه ومنـه قول ذي‬
‫الرّمة‪:‬‬
‫ب ال ّدرّي ُم ْنصَلِتا‬
‫ـانْقَضّ كالكَ ْوكَ ِ‬
‫وقد رُوي عن يحيى بن يعمر أنه قرأ ذلك‪ُ « :‬يرِيدُ أنْ َينْقاضّ»‪.‬‬
‫وقـد اختلف أهـل العلــم بكلم العرب إذا قرىء ذلك كذلك فــي معناه‪ ,‬فقال بعـض أهـل‬
‫الب صرة من هم‪ :‬م ـجاز ينقا ضّ‪ :‬أي ينقلع من أ صله‪ ,‬ويت صدّع‪ ,‬ب ـمنزلة قول هم‪ :‬قد انقا ضت‬
‫ال سنّ‪ :‬أي ت صدّعت‪ ,‬وت صدّعت من أ صلها‪ ,‬يقال‪ :‬فراق كق بض ال سنّ‪ :‬أي ل يجت ـمع أهله‪.‬‬
‫وقال بعض أهل الكوفة منهم‪ :‬النقـياض‪ :‬الش قّ فـي طول الـحائط فـي ط يّ البئر وفـي‬
‫سنّ الرجل‪ ,‬يقال‪ :‬قد انقاضت سنة‪ :‬إذا انشقّت طولً‪ .‬وقـيـل‪ :‬إن القرية التـي استطعم أهلها‬
‫موسى وصاحبه‪ ,‬فأبوا أن يضيفوهما‪ :‬الَيـلة‪ .‬ذكر من قال ذلك‪:‬‬
‫‪ 17520‬ـ حدثنـي الـحسين بن مـحمد الذارع‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا عمران بن الـمعتـمر صاحب‬
‫الكرابـيسي‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا حماد أبو صالـح‪ ,‬عن مـحمد بن سيرين‪ ,‬قال‪ :‬انتابوا اليـلة‪ ,‬فإنه‬
‫قلّ من يأت ـيها ف ـيرجع من ها خائب ـا‪ ,‬و هي الرض الت ـي أبوا أن يضيفوه ما‪ ,‬و هي أب عد‬
‫أرض ال من السماء‪.‬‬
‫‪17521‬ـ حدثنا بشر‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا يزيد‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا سعيد‪ ,‬عن قتادة‪ ,‬قوله‪ :‬فـانْطَلَقا حتـى إذَا‬
‫أتـيَا أ ْهلَ َق ْريَةٍ‪ ,‬وتل إلـى قوله لتّـخَذْتَ عَلَـيْ ِه أجْرا شرّ القرى التـي ل ُتضِيف الضيف‪,‬‬
‫ول تعرف لبن السبـيـل حقه‪.‬‬
‫ض فقال بعض‬
‫واختلف أهل العلـم بكلم العرب فـي معنى قول ال عزّ وجلّ َيرِيدُ أ نْ َينْ َق ّ‬
‫أهل البصرة‪ :‬لـيس للـحائط إرادة ول للـمَوَات‪ ,‬ولكنه إذا كان فـي هذه الـحال من رثة‬
‫فهو إرادته‪ .‬وهذا كقول العرب فـي غيره‪:‬‬
‫عنْ دِماءه َبنِـي عُقَـيْـلِ‬
‫صدْرَ أبـي َبرَاءٍ َو َيرْغَبُ َ‬
‫ح َ‬
‫ُيرِيدُ ال ّرمْـ ُ‬
‫وقال آخر منهم‪ :‬إنـما كلـم القوم بـما يعقلون‪ ,‬قال‪ :‬وذلك لـما دنا من النقضاض‪ ,‬جاز‬
‫طرْ نَ وقول هم‪ :‬إن ـي لكاد أط ير من‬
‫سمَواتُ َيتَ َف ّ‬
‫أن يقول‪ :‬ير يد أن ينق ضّ‪ ,‬قال‪ :‬ومثله تَكادُ ال ّ‬
‫الفرح‪ ,‬وأنـت لــم تقرب مـن ذلك‪ ,‬ولــم تهمّـ بـه‪ ,‬ولكـن لعظيــم المـر عندك‪ .‬وقال بعـض‬
‫الكوف ـيـين من هم‪ :‬من كلم العرب أن يقولوا‪ :‬ال ـجدار ير يد أن ي سقط قال‪ :‬ومثله من قول‬
‫العرب قول الشاعر‪:‬‬
‫جمْلٍَلزَمانٌ َي ُهمّ بـالِحْسانِ‬
‫شمِلـي ِب ُ‬
‫إنّ دهْرا يَـُلفّ َ‬
‫وقول الَخر‪:‬‬
‫جمِيلً َفكِلنا ُم ْبتَلَـى‬
‫صبْرا َ‬
‫سرَى َ‬
‫ل ال ّ‬
‫جمَلِـي طُو َ‬
‫شكُو إلـيّ َ‬
‫َي ْ‬
‫قال‪ :‬وال ـجمل ل ـم ي شك‪ ,‬إن ـما تكلّ ـم به عل ـى أ نه لو تكل ـم لقال ذلك قال‪ :‬وكذلك قول‬
‫عنترة‪:‬‬
‫حمِ‬
‫وَازْ َورّ مِنْ َوقْعِ القَنا بِلَبـا ِنهِوشَكا إلـيّ ب َع ْبرَةٍ وتَـحَمْـ ُ‬
‫ع نْ مُو سَى ال َغضَ بُ والغضب ل يسكت‪ ,‬وإنـما‬
‫سكَتَ َ‬
‫قال‪ :‬ومنه قول ال عزّ وجلّ‪ :‬ولَـمّا َ‬
‫ل ْمرُ إنــما يعزم أهله‪ .‬وقال آخـر‬
‫َمـ ا َ‬
‫عز َ‬‫يسـكت صـاحبه‪ .‬وإنــما معناه‪ :‬سـكن‪ .‬وقوله‪ :‬فَإذَا َ‬
‫منهم‪ :‬هذا من أفصح كلم العرب‪ ,‬وقال‪ :‬إما إرادة الـجدار‪ :‬ميـله‪ ,‬كما قال النبـيّ صلى ال‬
‫عليه وسلم «ل َترَاءى نارَاهُما» وإنـما هو أن تكون ناران كلّ واحدة من صاحبتها بـموضع‬
‫لو قام فــيه إنسـان رأى الخرى فــي القُرب قال‪ :‬وهـو كقول ال عزّ وجلّ فــي الصـنام‪:‬‬
‫ن قال‪ :‬والعرب تقول‪ :‬داري تن ظر إل ـى دار فلن‪,‬‬
‫صرُو َ‬
‫ظرُو نَ إلَ ـ ْيكَ وَهُ مْ ل ُيبْ ِ‬
‫َو َترَاهُ مْ َي ْن ُ‬
‫تعنـي‪ :‬قرب ما بـينهما واستشهد بقول ذي ال ّرمّة فـي وصفه حوضا أو منزلً دارسا‪:‬‬
‫َقدْ كادَ أوْ َقدْ َهمّ بـالبُـيُو ِد‬
‫قال‪ :‬فجعله يه مّ‪ ,‬وإن ـما معناه‪ :‬أ نه قد تغ ير للبل ـى‪ .‬والذي نقول به ف ـي ذلك أن ال عزّ‬
‫ذكره بلط فه‪ ,‬ج عل الكلم ب ـين خ ـلقه رح مة م نه ب هم‪ ,‬ل ـيبـين بعض هم لب عض ع ما ف ـي‬
‫ضمائرهم‪ .‬مـما ل تـحسّه أبصارهم‪ ,‬وقد عقلت العرب معنى القائل‪:‬‬
‫ن ُنصُول‬
‫ت بِ ِه هاماتُهاقَلَقَ الفُؤُوسِ إذَا أرَدْ َ‬
‫فِـي َم ْهمَةٍ قَلِقَ ْ‬
‫وفهمت أن الفؤوس ل توصف به بنو آدم من ضمائر الصدور مع وصفها إياهما بأنها تريد‪.‬‬
‫وعلـمت ما يريد القائل بقوله‪:‬‬
‫ل النّقا طافَ الـمُشا ُة ِب ِه َينْهالُ حِينا و َينْهاهُ ال ّثرَى حِينا‬
‫ك ِمثْلِ َهيْـ ِ‬
‫وإنـما لـم يرد أن الثرى نطق‪ ,‬ولكنه أراد به أنه تلبّد بـالندى‪ ,‬فمنعه من النهيال‪ ,‬فكان‬
‫ض قد‬
‫ن َينْقُ ّ‬
‫جدَارا يُرِيدُ أ ْ‬
‫منعه إياه من ذلك كالنهي من ذوي الـمنطق فل ينهال‪ .‬وكذلك قوله‪ِ :‬‬
‫ل ثناؤه بـالقرآن من أنزل‬
‫علـمت أن معناه‪ :‬قد قارب من أن يقع أو يسقط‪ ,‬وإنـما خاطب ج ّ‬
‫ل فـيه‬
‫الوحي بلسانه‪ ,‬وقد عقلوا ما عنى به وإن استعجم عن فهمه ذوو البلدة والعمى‪ ,‬وض ّ‬
‫ذوو الـجهالة والغبـا‪.‬‬
‫وقوله‪ :‬فَأقامَهُ ذكر عن ابن عبـاس أنه قال‪ :‬هدمه ثم قعد يبنـيه‪.‬‬
‫‪17522‬ـ حدثنا بذلك ابن حميد‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا سلـمة‪ ,‬قال‪ :‬ثنـي ابن إسحاق‪ ,‬عن الـحسن بن‬
‫عُمارة‪ ,‬عن الـحكم بن عتـيبة‪ ,‬عن سعيد بن جبـير‪ ,‬عن ابن عبـاس‪ .‬وقال آخرون فـي‬
‫ذلك ما‪:‬‬
‫‪ 17523‬ـ حدثنا القاسم‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا الـحسين‪ ,‬قال‪ :‬ثنـي حجاج‪ ,‬عن ابن جريج‪ ,‬عن عمرو‬
‫ض قال‪ :‬رفع الـجدار بـيده‬
‫جدَارا ُيرِيدُ أ نْ َينْ َق ّ‬
‫بن دينار‪ ,‬عن سعيد بن جبـير فوجدا فـيها ِ‬
‫فـاستقام‪.‬‬
‫وال صواب من القول ف ـي ذلك أن يُقال‪ :‬إن ال عزّ ذكره أ خبر أن صاحب مو سى ومو سى‬
‫عدَل َميَـله حتـى عاد مستويا‪.‬‬
‫وجدا جدارا يريد أن ينق ضّ فأقامه صاحب موسى‪ ,‬بـمعنى‪َ :‬‬
‫وجائز أن يكون كان ذلك بإصـلح بعـد هدم‪ .‬وجائز أن يكون كان برفـع منـه له بــيده‪,‬‬
‫فـاستوى بقدرة ال‪ ,‬وزال عنه َميْـلُه بلطفه‪ ,‬ول دللة من كتاب ال ول خبر للعذر قاطع بأيّ‬
‫ذلك كان من أيّ‪.‬‬
‫خذْتَ عَلَ ـيْهِ أجْرا يقول‪ :‬قال مو سى ل صاحبه‪ :‬لو شئت ل ـم ت قم‬
‫ت لتّ ـ َ‬
‫شئْ َ‬
‫وقوله‪ :‬قالَ لَ ْو ِ‬
‫لهؤلء القوم جدار هم حت ـى يعطوك عل ـى إقام تك أجرا‪ ,‬فقال بعض هم‪ :‬إن ـما عَنَى مو سى‬
‫خذْتَ عَلَـيْ ِه أجْرا القِرى‪ :‬أي حتـى يَ ْقرُونا‪ ,‬فإنهم قد أبوا‬
‫شئْ تَ لتّـ َ‬
‫بـالجر الذي قال له لَ ْو ِ‬
‫أن يضّيفونا‪.‬‬
‫وقال آخرون‪ :‬بل عنى بذلك العِوَض والـجزاء علـى إقامته الـحائط الـمائل‪.‬‬
‫خذْتَ‬
‫شئْتَ لتّـ َ‬
‫واختلف القرّاء فـي قراءة ذلك‪ ,‬فقرأته عامّة قرّاء أهل الـمدينة والكوفة َلوْ ِ‬
‫عَلَــيْ ِه أجْرا علــى التوجيـه منهـم له إلــى أنـه لفتعلت مـن الخـذ‪ .‬وقرأ ذلك بعـض أهـل‬
‫خذْتَ» بت ـخفـيف التاء وك سر ال ـخاء‪ ,‬وأ صله‪ :‬لفتعلت‪ ,‬غ ير أن هم‬
‫شئِ تَ َلتَ ـ ِ‬
‫الب صرة «َلوْ َ‬
‫جعلوا التاء كأن هم من أ صل الكل ـمة‪ ,‬ولن الكلم عند هم ف ـي ف عل ويف عل من ذلك‪ :‬ت ـخِذ‬
‫خذُهُ تَـخْذا‪ ,‬وهي لغة فـيـما ذكر ل ُهذَيـل‪ .‬وقال بعض الشعراء‪:‬‬
‫فلن كذا َيتْـ َ‬
‫طرّقِ‬
‫ص القَطاةِ الـ ُم َ‬
‫غرْزِها َنسِيفـا كُأ ُفحُو ِ‬
‫جنْبِ َ‬
‫خذَتْ ِرجْلِـي َلدَى َ‬
‫َو َقدْ تَـ ِ‬
‫والصـواب مـن القول فــي ذلك عندي‪ :‬أنهمـا لغتان معروفتان مـن لغات العرب بــمعنى‬
‫وا حد‪ ,‬فبأيته ما قرأ القارىء فم صيب‪ ,‬غ ير أن ـي أختار قراء ته بتشد يد التاء عل ـى لفتعلت‪,‬‬
‫لنها أفصح اللغتـين وأشهرهما‪ ,‬وأكثرهما علـى ألسن العرب‪.‬‬

You might also like