You are on page 1of 160

‫تابع تفسير سورة العنكبوت‬

‫‪46‬‬ ‫الية ‪:‬‬


‫ل اّلذِي نَ‬
‫القول ف ـي تأوي ـل قوله تعال ـى‪َ { :‬ولَ ُتجَادِلُوَ ْا أَهْلَ ا ْل ِكتَا بِ ِإلّ بِالّتِي هِ يَ َأحْ سَنُ ِإ ّ‬
‫حدٌ َو َنحْنُ َلهُ مُسِْلمُونَ‬
‫ل إَِل ْينَا وَأُنزِلَ إَِل ْيكُمْ وَإِلَـهُنَا وَإِلَـ ُهكُمْ وَا ِ‬
‫ظََلمُواْ ِم ْنهُمْ َوقُوُلوَ ْا آ َمنّا بِاّلذِيَ أُنزِ َ‬
‫}‪.‬‬
‫يقول تعال ـى ذكره‪ :‬وَل تُ ـجادِلُوا أي ها ال ـمؤمنون ب ـال وبر سوله ال ـيهود والن صارى‪,‬‬
‫ل بـالـجميـل من القول‪ ,‬وهو الدعاء إلـى‬
‫حسَنُ يقول‪ :‬إ ّ‬
‫ل بـالّتِـي ِهيَ أ ْ‬
‫وهم أ ْهلَ الكِتابِ إ ّ‬
‫ال بآياته‪ ,‬والتنبـيه علـى حُججه‪.‬‬
‫ن ظَلَـمُوا ِم ْنهُ مْ اختلف أهل التأويـل فـي تأويـله فقال بعضهم‪ :‬معناه‪ :‬إلّ‬
‫وقوله‪ :‬إلّ اّلذِي َ‬
‫الذين أبوا أن يقرّوا لكم بإعطاء الـجزية‪ ,‬ونصبوا دون ذلك لكم حربـا‪ ,‬فإنهم ظلـمة‪ ,‬فأولئك‬
‫جادلوهم بـالسيف حتـى يسلـموا أو يعطوا الـجزية‪ .‬ذكر من قال ذلك‪:‬‬
‫‪ 21175‬ـ حدثن ـي عل ـيّ بن سهل‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا يز يد‪ ,‬عن سفـيان‪ ,‬عن خ صيف‪ ,‬عن‬
‫ل اّلذِي نَ ظَلَ ـمُوا‬
‫ي أحْ سَنُ إ ّ‬
‫ل الكِتا بِ إلّ ب ـاّلتِـي هِ َ‬
‫م ـجاهد‪ ,‬ف ـي قوله‪ :‬وَل تُ ـجادِلُوا أهْ َ‬
‫منهمْ قال‪ :‬من قاتل ولـم يُعط الـجزية‪.‬‬
‫حدثنا ابن وكيع‪ ,‬قال‪ :‬ثنـي أبـي‪ ,‬عن سفـيان‪ ,‬عن خصيف‪ ,‬عن مـجاهد‪ ,‬بنـحوه‪ .‬إلّ‬
‫أنه قال‪ :‬من قاتلك ولـم يعطك الـجزية‪.‬‬
‫‪ 21176‬ـ حدثن ـي م ـحمد بن عمرو‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا أ بو عا صم‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا عي سى وحدثن ـي‬
‫الــحارث‪ ,‬قال‪ :‬حدثنـا الــحسن‪ ,‬قال‪ :‬حدثنـا ورقاء جميعـا‪ ,‬عـن ابـن أبــي نــجيح‪ ,‬عـن‬
‫ل الكِتا بِ إلّ ب ـاّلتِـي هِ يَ أحْ سَنُ قال‪ :‬إن قالوا شرّا‪ ,‬فقولوا خيرا‪,‬‬
‫م ـجاهد وَل تُ ـجادِلُوا أهْ َ‬
‫ن ظَلَـمُوا مِن ُهمْ فـانتصروا منهم‪.‬‬
‫إلّ اّلذِي َ‬
‫‪ 21177‬ـ حدثن ـي م ـحمد بن عمرو‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا أ بو عا صم‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا عي سى وحدثن ـي‬
‫الــحارث‪ ,‬قال‪ :‬حدثنـا الــحسن‪ ,‬قال‪ :‬حدثنـا ورقاء جميعـا‪ ,‬عـن ابـن أبــي نــجيح‪ ,‬عـن‬
‫ل اّلذِي نَ ظَلَـمُوا ِم ْنهُمْ قال‪ :‬قالوا مع ال إله‪ ,‬أو له ولد‪ ,‬أو له شريك‪ ,‬أو يد ال‬
‫مـجاهد‪ ,‬قوله إ ّ‬
‫َمغْلولة‪ ,‬أو ال فقـير‪ ,‬أو آذَوْا مـحمدا صلى ال عليه وسلم‪ ,‬قال‪ :‬هم أهل الكتاب‪.‬‬
‫‪ 21178‬ـ حدثنا ابن وكيع‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا يحيى بن آدم‪ ,‬عن شريك‪ ,‬عن سالـم‪ ,‬عن سعيد وَل‬
‫ن ظَلَـمُوا ِم ْنهُمْ قال‪ :‬أهل الـحرب‪ ,‬مَنْ‬
‫ل اّلذِي َ‬
‫حسَنُ‪ ,‬إ ّ‬
‫ب إلّ بـاّلتِـي هِيَ أ ْ‬
‫ل الكِتا ِ‬
‫تُـجادِلُوا أهْ َ‬
‫ل عهد له‪ ,‬جادِلْه بـالسيف‪.‬‬
‫ِتابـ الذيـن قـد آمنوا بـه‪ ,‬واتبعوا رسـوله‬
‫ل الك ِ‬
‫وقال آخرون‪ :‬معنـى ذلك‪ :‬وَل تُــجادِلُوا أهْ َ‬
‫ن ظَلَ ـمُوا ِم ْنهُ مْ‪.‬‬
‫ل اّلذِي َ‬
‫ف ـيـما أ خبروكم ع نه م ـما ف ـي كتب هم إلّ ب ـالتـي هِ يَ أحْ سَنُ‪ ,‬إ ّ‬
‫حكَمة‪ ,‬ولـيست بـمنسوخة‪ .‬ذكر من قال ذلك‪:‬‬
‫فأقاموا علـى كفرهم‪ ,‬وقالوا‪ :‬هذه الَية مُـ ْ‬
‫‪21179‬ـ حدثنـي يونس‪ ,‬قال‪ :‬أخبرنا ابن وهب‪ ,‬قال‪ :‬قال ابن زيد‪ ,‬فـي قوله‪ :‬وَل تُـجادِلُوا‬
‫ن قال‪ :‬لـيست بـمنسوخة‪ ,‬ل ينبغي أن تـجادل من آمن‬
‫ل بـاّلتِـي هِ يَ أحْ سَ ُ‬
‫أهْلَ الكِتا بِ إ ّ‬
‫منهم‪ ,‬لعلهم يحسنون شيئا فـي كتاب ال‪ ,‬ل تعلـمه أنت‪ ,‬فل تـجادله‪ ,‬ول ينبغي أن تـجادل‬
‫إلّ الذين ظلـموا‪ ,‬الـمقـيـ َم منهم علـى دينه‪ .‬فقال‪ :‬هو الذي يُجادَلُ‪ ,‬ويُقال له بـالسيف‪.‬‬
‫قال‪ :‬وهؤلء يهود‪ .‬قال‪ :‬ولــم يكـن بدار الهجرة مـن النصـارى أحـد‪ ,‬إنــما كانوا يهودا هـم‬
‫الذي كلّــموا وحالفوا رسـول ال صـلى ال عليـه وسـلم‪ ,‬وغدرت النضيـر يوم أُحُد‪ ,‬وغدرت‬
‫قُريظة يوم الحزاب‪.‬‬
‫وقال آخرون‪ :‬بـل نزلت هذه الَيـة قبـل أن يؤمـر النبــيّ صـلى ال عليـه وسـلم بــالقتال‪,‬‬
‫خرِ‪ .‬ذكر من‬
‫لِ‬‫ن ل ُي ْؤ ِمنُونَ بـاللّهِ وَل بـالـيَ ْومِ ا َ‬
‫وقالوا‪ :‬هي منسوخة نسخها قوله‪ :‬قاتِلُوا اّلذِي َ‬
‫قال ذلك‪:‬‬
‫‪ 21180‬ـ حدثنا بشر‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا يزيد‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا سعيد‪ ,‬عن قَتادة‪ ,‬قوله وَل تُـجادِلُوا أهْلَ‬
‫ي أحْسَنُ ثم نسخ بعد ذلك‪ ,‬فأمر بقتالهم فـي سورة براءة‪ ,‬ول مـجادلة‬
‫الكِتابِ إلّ بـاّلتِـي هِ َ‬
‫ل ال‪ ,‬وأن م ـحمدا ر سول ال صلى ال‬
‫أشدّ من ال سيف أن يقاتلوا حت ـى يشهدوا أن ل إله إ ّ‬
‫عليه وسلم‪ ,‬أو يقرّوا بـالـخَراج‪.‬‬
‫ل الذين‬
‫ل اّلذِينَ ظَلـمُوا ِم ْنهُمْ‪ :‬إ ّ‬
‫وأولـى هذه القوال بـالصواب‪ ,‬قول من قال‪ :‬عنى بقوله إ ّ‬
‫امتنعوا من أداء الـجزية‪ ,‬ونصبوا دونها الـحرب‪.‬‬
‫فإن قال قائل‪ :‬أو غيـر ظالــم مـن أهـل الكتاب‪ ,‬إلّ مـن لــم يؤ ّد الــجزية؟ قــيـل‪ :‬إن‬
‫جميع هم وإن كانوا لنف سهم بكفر هم ب ـال‪ ,‬وتكذيب هم ر سوله م ـحمدا صلى ال عل يه و سلم‪,‬‬
‫ل اّلذِي نَ ظَلَـمُوا ِم ْنهُ مْ ظُلْـمَ أنفسهم‪ .‬وإنـما عنى به‪ :‬إلّ الذين‬
‫ظَلَـمة‪ ,‬فإنه لـم يعن بقوله إ ّ‬
‫ظلـموا منهم أهل اليـمان بـال ورسوله مـحمد صلى ال عليه وسلم‪ ,‬فإن أولئك جادلوهم‬
‫بـالقتال‪.‬‬
‫وإنـما قلنا‪ :‬ذلك أولـى القوال فـيه بـالصواب‪ ,‬لن ال تعالـى ذكره أذِن للـمؤمنـين‬
‫ن ظَلـمُوا ِم ْنهُ مْ فمعلوم إذ كان‬
‫بجدال ظلـمة أهل الكتاب بغير الذي هو أحسن‪ ,‬بقوله إلّ اّلذِي َ‬
‫قد أذن لهم فـي جدالهم‪ ,‬أن الذين لـم يؤذن لهم فـي جدالهم إلّ بـالتـي هي أحسن‪ ,‬غير‬
‫الذين أذن لهم بذلك فـيهم‪ ,‬وأنهم غير الـمؤمن‪ ,‬لن الـمؤمن منهم غير جائز جداله إلّ فـي‬
‫غير الـحقّ‪ ,‬لنه إذا جاء بغير الـحقّ‪ ,‬فقد صار فـي معنى الظلـمة فـي الذي خالف فـيه‬
‫ال ـحقّ‪ .‬فإذ كان ذلك كذلك‪ ,‬تب ـين أن ل مع نى لقول من قال‪ :‬ع نى بقوله وَل تُ ـجادِلُوا أهلَ‬
‫ِتابـ أهـل اليــمان منهـم‪ ,‬وكذلك ل معنـى لقول مـن قال‪ :‬نزلت هذه الَيـة قبـل المـر‬
‫الك ِ‬
‫ب ـالقتال‪ ,‬وز عم أن ها من سوخة‪ ,‬ل نه ل خبر بذلك يق طع العذر‪ ,‬ول دللة عل ـى صحته من‬
‫فطرة عقل‪.‬‬
‫وقد ب ـيّنا فـي غ ير مو ضع من كتاب نا‪ ,‬أ نه ل يجوز أن يح كم عل ـى حكم ال ف ـي كتا به‬
‫بأنه منسوخ إلّ بحجة يجب التسلـيـم لها من خبر أو عقل‪.‬‬
‫َهـ‬
‫نل ُ‬‫حدٌ‪ ,‬ونَــح ُ‬
‫ُمـ وَا ِ‬
‫وقوله‪َ :‬وقُولُوا آمَنّا بــاّلذِي ُأ ْنزِلَ إلَــيْنا وُأ ْنزِلَ إلَــْي ُكمْ‪ ,‬وَإَلهُنـا وإل ُهك ْ‬
‫ن يقول تعالـى ذكره للـمؤمنـين به وبرسوله‪ ,‬الذين نهاهم أن يجادلوا أهل الكتاب‬
‫مُ سْلِـمُو َ‬
‫إلّ ب ـالتـي هي أح سن‪ :‬إذا حدث كم أ هل الكتاب أي ها القوم عن كتب هم‪ ,‬وأ خبروكم عن ها ب ـما‬
‫يـمكن ويجوز أن يكونوا فـيه صادقـين‪ ,‬وأن يكونوا فـيه كاذبـين‪ ,‬ولـم تعلـموا أمرهم‬
‫ل إلَــينا وأ ْنزِلَ إلَــْيكُ ْم مــما فــي التوراة‬
‫وحالهـم فــي ذلك فقولوا لهـم آمّنّا بِــاّلذِي ُأنْزِ َ‬
‫حدٌ يقول‪ :‬ومعبودنا ومعبودكم واحد ونَـحْنُ َلهُ مُسْلِـمُونَ يقول‪:‬‬
‫والنـجيـل وَإَلهُنا وإل ُهكُمْ وَا ِ‬
‫ونـحن له خاضعون متذللون بـالطاعة فـيـما أمرنا ونهانا‪ .‬وبنـحو الذي قلنا فـي ذلك‪,‬‬
‫جاء الثر عن رسول ال صلى ال عليه وسلم‪ .‬ذكر الرواية بذلك‪:‬‬
‫‪ 21181‬ـ حدثنا مـحمد بن الـمثنى‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا عثمان بن عمر‪ ,‬قال‪ :‬أخبرنا علـيّ‪ ,‬عن‬
‫يح يى بن أب ـي كث ـير‪ ,‬عن أب ـي سلـمة عن أب ـي هريرة‪ ,‬قال‪ :‬كان أ هل الكتاب يقرءون‬
‫التوراة بـالعبرانـية‪ ,‬فـيفسرونها بـالعربـية لهل السلم‪ ,‬فقال رسول ال صلى ال عليه‬
‫ل الكِتا بِ وَل ُت َك ّذبُوهُ مْ‪َ ,‬وقُولُوا آ َمنّا بـاّلذِي ُأ ْنزِلَ إلَـيْنا وُأ ْنزِلَ إلَـ ْي ُكمْ‪,‬‬
‫صدّقُوا أهْ َ‬
‫وسلم‪« :‬ل تُ َ‬
‫حدٌ‪ ,‬ونَـحْنُ َلهُ ُمسْلِـمُونَ»‪.‬‬
‫وَإلهُنا وإل ُه ُكمْ وَا ِ‬
‫‪21182‬ـ حدثنا ابن بشار‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا أبو عاصم‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا سفـيان‪ ,‬عن سعد بن إبراهيـم‪,‬‬
‫عن عطاء بن يسار‪ ,‬قال‪ :‬كان ناس من الـيهود يحدثون ناسا من أصحاب النبـيّ صلى ال‬
‫ـدّقُو ُهمْ وَل ُتكَ ّذبُوهُمـْ‪َ ,‬وقُولُوا آمَنّـا بــالّذِي ُأ ْنزِلَ إلَــيْنا وُأ ْنزِلَ‬
‫عليـه وسـلم‪ ,‬فقال‪« :‬ل تُص َ‬
‫إلَـ ْيكُمْ»‪.‬‬
‫‪21183‬ـ قال‪ :‬ثنا أبو عامر‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا سفـيان‪ ,‬عن سلـيـمان‪ ,‬عن عمارة بن عمير‪ ,‬عن‬
‫حر يث بن ظه ير‪ ,‬عن ع بد ال‪ ,‬قال‪ :‬ل ت سألوا أ هل الكتاب عن ش يء‪ ,‬فإن هم لن يهدو كم و قد‬
‫ل وفـي قلبه‬
‫ضلوا‪ ,‬إما أن تكذبوا بحقّ أو تصدّقوا ببـاطل‪ ,‬فإنه لـيس أحد من أهل الكتاب إ ّ‬
‫تالـية تدعوه إلـى دينه كتالـية الـمال‪ .‬وكان مـجاهد يقول فـي ذلك ما‪:‬‬
‫‪21184‬ـ حدثنـي به مـحمد بن عمرو‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا أبو عاصم‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا عيسى وحدثنـي‬
‫الــحارث‪ ,‬قال‪ :‬حدثنـا الــحسن قال‪ :‬حدثنـا ورقاء جميعـا‪ ,‬عـن ابـن أبــي نــجيح‪ ,‬عـن‬
‫ن ظَلَ ـمُوا ِم ْنهُ ْم قال‪ :‬قالوا مع ال إله‪ ,‬أو له ولد‪ ,‬أو له شر يك‪ ,‬أو يد‬
‫ل اّلذِي َ‬
‫م ـجاهد‪ ,‬قوله‪ :‬إ ّ‬
‫ال مغلولة‪ ,‬أو ال فقــير‪ ,‬أو آذوا مــحمدا‪ ,‬وقُولُوا آمَنّا بــاّلذِي ُأ ْنزِل إلَــيْنا وُأ ْنزِلَ إلَــْي ُكمْ‬
‫لـمن لـم يقل هذا من أهل الكتاب‪.‬‬

‫‪47‬‬ ‫الية ‪:‬‬


‫القول فـي تأويـل قوله تعالـى‪َ { :‬و َكذَلِ كَ أَنزَ ْلنَآ إَِليْ كَ ا ْل ِكتَا بَ فَاّلذِي نَ آ َت ْينَاهُ مُ ا ْل ِكتَا بَ ُي ْؤ ِمنُو نَ‬
‫حدُ بِآيَا ِتنَآ ِإلّ ا ْلكَافِرونَ }‪.‬‬
‫جَ‬‫ن بِهِ َومَا َي ْ‬
‫ن هَـؤُل ِء مَن يُ ْؤمِ ُ‬
‫بِهِ َومِ ْ‬
‫يقول تعال ـى ذكره‪ :‬ك ما أنزل نا الك تب عل ـى مَن قبلك يا م ـحمد من الر سل كَذل كَ أ ْنزَلْ نا‬
‫ن آتَـيْنا ُهمُ الكِتا بَ من قبلك من بنـي إسرائيـل يُ ْؤ ِمنُو نَ ِب هِ‪َ ,‬ومِ نْ‬
‫إلَـ ْيكَ هذا الكِتا بَ‪ ,‬فـالّذِي َ‬
‫ن بِ هِ يقول‪ :‬ومن هؤلء الذين هم بـين ظهرانـيك الـيوم من يؤمن به كعبد‬
‫ن يُ ْؤمِ ُ‬
‫هَؤُل ِء مَ ْ‬
‫ال بن سلم‪ ,‬ومن آمن برسوله من بنـي إسرائيـل‪.‬‬
‫ن يقول تعالـى ذكره‪ :‬وما يجحد بأدلتنا وحججنا إلّ الذي‬
‫حدُ بآياتِنا إلّ الكافِرُو َ‬
‫جَ‬‫وقوله‪ :‬وَما َي ْ‬
‫يجحد نعمنا علـيه‪ ,‬وينكر توحيدنا وربوبـيتنا علـى علـم منه عنادا لنا‪ .‬كما‪:‬‬
‫جحَ ُد بآياتِ نا إلّ‬
‫‪ 21185‬ـ حدث نا ب شر‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا يز يد‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا سعيد‪ ,‬عن قَتادة وَ ما َي ْ‬
‫ن قال‪ :‬إنـما يكون الـجحود بعد الـمعرفة‪.‬‬
‫الكا ِفرُو َ‬
‫‪48‬‬ ‫الية ‪:‬‬
‫خطّ هُ ِب َيمِينِ كَ إِذا‬
‫القول ف ـي تأوي ـل قوله تعال ـى‪{ :‬وَمَا كُن تَ َتتْلُو مِن قَبْلِ ِه مِن ِكتَا بٍ َولَ َت ُ‬
‫ب ا ْل ُمبْطِلُونَ }‪.‬‬
‫لرْتَا َ‬
‫ّ‬
‫ن َقبْلِ هِ يعن ـي من ق بل هذا‬
‫ت يا م ـحمد َتتْلُوا يعن ـي تقرأ مِ ْ‬
‫يقول تعال ـى ذكره‪ :‬وَ ما ُكنْ َ‬
‫َابـ وَل تَــخُطّ ُه بِــيَـمِي ِنكَ يقول‪ :‬ولــم تكـن تكتـب‬
‫ِنـ ِكت ٍ‬
‫الكتاب الذي أنزلتـه إلــيك م ْ‬
‫بـيـمينك‪ ,‬ولكنك كنت أ ّميّا إذا لرْتا بَ الـ ُمبْطِلُونَ يقول‪ :‬ولو كنت من قبل أن يُوحَى إلـيك‬
‫تقرأ الكتاب‪ ,‬أو تـخطه بـيـمينك‪ ,‬إذن لرتاب‪ :‬يقول‪ :‬إذن لشكّ بسبب ذلك فـي أمرك‪ ,‬وما‬
‫جئتهـم بـه مـن عنـد ربـك مـن هذا الكتاب الذي تتلوه علــيهم الــمبطلون القائلون إنـه سـجع‬
‫وكهانة‪ ,‬وإنه أساطير الوّلـين‪ .‬وبنـحو الذي قلنا فـي ذلك قال أهل التأويـل‪ .‬ذكر من قال‬
‫ذلك‪:‬‬
‫‪ 21186‬ـ حدثنـي مـحمد بن سعد‪ ,‬قال‪ :‬ثنـي أبـي‪ ,‬قال‪ :‬ثنـي عمي‪ ,‬قال‪ :‬ثنـي أبـي‪,‬‬
‫خطّهُ بِـيَـمِي ِنكَ‬
‫ن َقبْلِ ِه مِ نْ كِتا بٍ‪ ,‬وَل تَـ ُ‬
‫ت َتتْلُو مِ ْ‬
‫عن أبـيه‪ ,‬عن ابن عبـاس‪ ,‬قوله وَما ُكنْ َ‬
‫إذا لرْتابَ الـ ُمبْطِلُونَ قال‪ :‬كان نبـيّ ال صلى ال عليه وسلم أمّيا ل يقرأ شيئا ول يكتب‪.‬‬
‫‪ 21187‬ـ حدثنا بشر‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا يزيد‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا سعيد‪ ,‬عن قَتادة‪ ,‬قوله وَما ُكنْ تَ َتتْلُو مِ نْ‬
‫خطّهُ بِ ـيَـمِي ِنكَ قال‪ :‬كان نب ـيّ ال ل يقرأ كتاب ـا قبله‪ ,‬ول يخ طه‬
‫ن كِتا بٍ‪ ,‬وَل تَ ـ ُ‬
‫َقبْلِ هِ مِ ْ‬
‫بـيـمينه قال‪ :‬كان ُأمّيا‪ ,‬والميّ‪ :‬الذي ل يكتب‪.‬‬
‫‪ 21188‬ـ حدث نا ا بن وك يع‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا أ بو أ سامة‪ ,‬عن إدر يس الودي‪ ,‬عن ال ـحكم‪ ,‬عن‬
‫خطّهُ بِ ـيَـمِي ِنكَ قال‪ :‬كان أهـل الكتاب‬
‫مــجاهد وَ ما ُكنْتَـ َتتْلُو مِن ْـ َقبْلِهِـ مِ نْ كِتا بٍ‪ ,‬وَل تَــ ُ‬
‫يجدون فـي كتبهم أن النبـيّ صلى ال عليه وسلم ل يخطّ بـيـمينه‪ ,‬ول يقرأ كتابـا‪ ,‬فنزلت‬
‫هذه الَية‪.‬‬
‫وبنـحو الذي قلنا أيضا فـي قوله إذا لرْتابَ الـ ُمبْطِلُونَ قالوا‪ .‬ذكر من قال ذلك‪:‬‬
‫ن إذن‬
‫‪21189‬ـ حدثنا بشر‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا يزيد‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا سعيد‪ ,‬عن قَتادة إذا لرْتابَ الـمُ ْبطِلُو َ‬
‫لقالوا‪ :‬إنـما هذا شيء تعلّـمه مـحمد صلى ال عليه وسلم وكتبه‪.‬‬
‫‪ 21190‬ـ حدثن ـي م ـحمد بن عمرو‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا أ بو عا صم‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا عي سى وحدثن ـي‬
‫الــحارث‪ ,‬قال‪ :‬حدثنـا الــحسن‪ ,‬قال‪ :‬حدثنـا ورقاء جميعـا‪ ,‬عـن ابـن أبــي نــجيح‪ ,‬عـن‬
‫مـجاهد‪ ,‬فـي قول ال إذا لرْتابَ الـ ُمبْطِلُون قال قريش‪.‬‬

‫‪49‬‬ ‫الية ‪:‬‬


‫صدُورِ اّلذِي نَ أُوتُو ْا ا ْلعِلْ مَ وَمَا‬
‫ت فِي ُ‬
‫ت َب ّينَا ٌ‬
‫ل هُ َو آيَا ٌ‬
‫القول ف ـي تأوي ـل قوله تعال ـى‪{ :‬بَ ْ‬
‫جحَ ُد بِآيَا ِتنَآ ِإلّ الظّاِلمُونَ }‪.‬‬
‫َي ْ‬
‫ن أُوتُوا‬
‫صدُورِ اّلذِي َ‬
‫ت فِـي ُ‬
‫ت بَـيّنا ٌ‬
‫اختلف أهل التأويـل فـي الـمعنـيّ بقوله‪ :‬بَلْ ُهوَ آيا ٌ‬
‫العِلْـمَ فقال بعضهم‪ :‬عنى به نبـيّ ال صلى ال عليه وسلم‪ ,‬وقالوا‪ :‬معنى الكلم‪ :‬بل وجود‬
‫أ هل الكتاب ف ـي كتب هم أن م ـحمدا صلى ال عل يه و سلم ل يك تب ول يقرأ‪ ,‬وأنه أم يّ‪ ,‬آيات‬
‫بـينات فـي صدورهم‪ .‬ذكر من قال ذلك‪:‬‬
‫‪ 21191‬ـ حدثنـي مـحمد بن سعد‪ ,‬قال‪ :‬ثنـي أبـي‪ ,‬قال‪ :‬ثنـي عمي‪ ,‬قال‪ :‬ثنـي أبـي‪,‬‬
‫ن أُوتُوا العِلْـمَ قال‪:‬‬
‫صدُورِ اّلذِي َ‬
‫ت فِـي ُ‬
‫عن أبـيه‪ ,‬عن ابن عبـاس‪ ,‬قوله بَلْ ُهوَ آيا تٌ بَـيّنا ٌ‬
‫كان ال تعالــى أنزل شأن مــحمد صـلى ال عليـه وسـلم فــي التوراة والنــجيـل لهـل‬
‫العل ـم وعل ـمه ل هم‪ ,‬وجعله ل هم آ ية‪ ,‬فقال ل هم‪ :‬إن آ ية نبوّ ته أن يخرج ح ين يخرج ل يعل ـم‬
‫كتابـا‪ ,‬ول يخطه بـيـمينه‪ ,‬وهي الَيات البـينات‪.‬‬
‫‪ 21192‬ـ حُد ثت عن ال ـحسين‪ ,‬قال‪ :‬سمعت أب ـا معاذ يقول‪ :‬أخبر نا عب ـيد‪ ,‬قال‪ :‬سمعت‬
‫ن كِتا بٍ قال‪ :‬كان نب ـيّ ال ل يك تب ول‬
‫ن َقبْلِ ِه مِ ْ‬
‫ت َتتْلُو ِم ْ‬
‫الضحاك يقول ف ـي قوله وَ ما ُكنْ َ‬
‫ي ل يقرأ ول يكتب‪ ,‬وهي‬
‫يقرأ‪ ,‬وكذلك جعل ال نعته فـي التوراة والنـجيـل‪ ,‬أنه نبـيّ أم ّ‬
‫الَية البـينة فـي صدور الذين أوتوا العلـم‪.‬‬
‫ل هُ َو آياتٌ بَـيّناتٌ فِـي‬
‫‪21193‬ـ حدثنا بشر‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا يزيد‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا سعيد‪ ,‬عن قَتادة بَ ْ‬
‫صُدُو ِر اّلذِينَ أُوتُوا العِلْـمَ من أهل الكتاب صدّقوا بـمـحمد ونعته ونبوّته‪.‬‬
‫‪21194‬ـ حدثنا القاسم‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا الـحسين‪ ,‬قال‪ :‬ثنـي حجاج‪ ,‬عن ابن جُرَيج‪ ,‬بَلْ ُهوَ آياتٌ‬
‫بَـيّناتٌ قال‪ :‬أنزل ال شأن مـحمد فـي التوراة والنـجيـل لهل العلـم‪ ,‬بل هو آية بـينة‬
‫فـي صدور الذين أوتوا العلـم‪ ,‬يقول‪ :‬النبـيّ صلى ال عليه وسلم‪.‬‬
‫وقال آخرون‪ :‬عنـى بذلك القرآن‪ ,‬وقالوا‪ :‬معنـى الكلم‪ :‬بـل هذا القرآن آيات بــيّنات فــي‬
‫صدور الذ ين أوتوا العل ـم من ال ـمؤمنـين ب ـمـحمد صلى ال عل يه و سلم‪ .‬ذ كر من قال‬
‫ذلك‪:‬‬
‫‪ 21195‬ـ حدثنا القاسم‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا الـحسين‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا أبو سفـيان‪ ,‬عن معمر‪ ,‬قال‪ :‬قال‬
‫ِينـ أُوتُوا العِلْــمَ القرآن آيات‬
‫صـدُورِ اّلذ َ‬
‫ت فِــي ُ‬
‫آياتـ بَــيّنا ٌ‬
‫ٌ‬ ‫الــحسن‪ ,‬فــي قوله‪ :‬بَلْ ُهوَ‬
‫بـينات فـي صدور الذين أوتوا العلـم‪ ,‬يعنـي الـمؤمنـين‪.‬‬
‫وأولـى القولـين فـي ذلك بـالصواب قول من قال‪ :‬عنى بذلك‪ :‬بل العلـم بأنك ما كنت‬
‫تتلو من ق بل هذا الكتاب كتاب ـا‪ ,‬ول ت ـخطه ب ـيـمينك‪ ,‬آيات ب ـينات ف ـي صدور الذ ين‬
‫أوتوا العلـم من أهل الكتاب‪.‬‬
‫صدُورِ‬
‫ت بَـيّناتٌ فِـي ُ‬
‫ل هُ َو آيا ٌ‬
‫وإنـما قلت ذلك أولـى التأويـلـين بـالَية‪ ,‬لن قوله‪ :‬بَ ْ‬
‫ن أُوتُوا العِلْـمَ بـين خبرين من أخبـار ال عن رسوله مـحمد صلى ال عليه وسلم‪ ,‬فهو‬
‫اّلذِي َ‬
‫بأن يكون خبرا عنه أولـى من أن يكون خبرا عن الكتاب الذي قد انقضى الـخبر عنه قبل‪.‬‬
‫حدُ بآياتِنا إلّ الظّالِـمُونَ يقول تعالـى ذكره‪ :‬ما يجحد نبوّة مـحمد صلى ال‬
‫جَ‬‫وقوله‪ :‬وَما َي ْ‬
‫عليه وسلم وأدلته‪ ,‬ويُنكر العلـم الذي يعلـم من كتب ال التـي أنزلها علـى أنبـيائه‪ ,‬ببعث‬
‫م ـحمد صلى ال عل يه و سلم ونبوّ ته ومبع ثه إلّ الظال ـمون‪ ,‬يعن ـي الذ ين ظل ـموا أنف سهم‬
‫بكفرهم بـال عزّ وجلّ‪.‬‬

‫‪50‬‬ ‫الية ‪:‬‬


‫ليَا تُ عِندَ‬
‫ل ِإ ّنمَا ا َ‬
‫القول فـي تأويـل قوله تعالـى‪َ { :‬وقَالُواْ َل ْولَ أُنزِلَ عََليْ ِه آيَا تٌ مّن ّربّ هِ قُ ْ‬
‫اللّهِ وَِإ ّنمَآ َأ َن ْا َنذِيرٌ ّمبِينٌ }‪.‬‬
‫يقول تعالـى ذكره‪ :‬وقالت الـمشركون من قريش‪ :‬هل أنزل علـى مـحمد آية من ربه‬
‫تكون حجة ل علـينا كما جعلت الناقة لصالـح‪ ,‬والـمائدة آية لعيسى‪ ,‬قل يا مـحمد‪ ,‬إنـما‬
‫الَيات عند ال ل يقدر علـى التـيان بها غيره وَإنـمَا أنَا َنذِيرٌ ُمبِـينٌ وإنـما أنا نذير لكم‬
‫أنذركم بأس ال وعقابه علـى كفركم برسوله‪ .‬وما جاءكم به من عند ربكم مبـين يقول‪ :‬قد‬
‫أبـان لكم إنذاره‪.‬‬
‫‪51‬‬ ‫الية ‪:‬‬
‫القول فـي تأويـل قوله تعالـى‪َ{ :‬أوَلَ ْم َيكْ ِفهِمْ َأنّآ أَنزَ ْلنَا عََليْكَ ا ْل ِكتَابَ ُيتَْلىَ عََل ْيهِمْ إِنّ فِي ذَلِكَ‬
‫َل َرحْمَ ًة َو ِذكْ َرىَ لِ َق ْومٍ يُ ْؤ ِمنُونَ }‪.‬‬
‫يقول تعالــى ذكره‪ :‬أو لــم يكـف هؤلء الــمشركين يـا مــحمد‪ ,‬القائلــين‪ :‬لول أنزل‬
‫علـى مـحمد صلى ال عليه وسلم آية من ربه‪ ,‬من الَيات والـحجج أنّا أ ْنزَلْنا عَلَـ ْيكَ هذا‬
‫حمَةً يقول‪ :‬إن ف ـي هذا الكتاب‬
‫ن فِ ـي ذل كَ َل َر ْ‬
‫الكِتا بَ ُيتْلَ ـى عَلَ ـ ْي ِهمْ يقول‪ :‬يُقرأ عل ـيهم إ ّ‬
‫الذي أنزلنا علـيهم لرحمة للـمؤمنـين به وذكرى يتذكرون بـما فـيه من عبرة وعظة‪.‬‬
‫وذُ كر أن هذه الَ ية نزلت من أ جل أن قو ما من أ صحاب ر سول ال صلى ال عل يه و سلم‬
‫انتسخوا شيئا من بعض كتب أهل الكتاب‪ .‬ذكر من قال ذلك‪:‬‬
‫جرَيج‪ ,‬عن عمرو‬
‫‪ 21196‬ـ حدثنا القاسم‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا الـحسين‪ ,‬قال‪ :‬ثنـي حجاج‪ ,‬عن ابن ُ‬
‫بن دينار‪ ,‬عن يح يى بن جعدة أن نا سا من ال ـمسلـمين أتوا نب ـيّ ال صلى ال عل يه و سلم‬
‫بكتب قد كتبوا فـيها بعض ما يقول الـيهود‪ ,‬فلـما أن نظر فـيها ألقاها‪ ,‬ثم قال‪« :‬كفـى بها‬
‫حما قة قوم‪ ,‬أو ضللة قوم‪ ,‬أن يرغبوا ع ما جاء هم به نب ـيهم‪ ,‬إل ـى ما جاء به غ ير نب ـيهم‬
‫ن فِـي‬
‫إلـى قوم غيرهم»‪ ,‬فنزلت‪ :‬أوَ لَـمْ َيكْ ِفهِ مْ أنّا أ ْنزَلْنا عَلَـ ْيكَ الكِتا بَ ُيتْلَـى عَلَـ ْيهِمْ إ ّ‬
‫حمَةً َو ِذكْرَى لِ َقوْم يُ ْؤ ِمنُونَ‪.‬‬
‫ذلكَ َل َر ْ‬

‫‪52‬‬ ‫الية ‪:‬‬


‫سمَاوَاتِ‬
‫شهِيدا َيعْلَ مُ مَا فِي ال ّ‬
‫القول ف ـي تأوي ـل قوله تعال ـى‪{ :‬قُلْ َك َفىَ بِاللّ ِه َبيْنِي َو َب ْي َنكُ مْ َ‬
‫ن آ َمنُواْ بِا ْلبَاطِلِ َوكَ َفرُواْ بِاللّ ِه ُأوْلَـئِكَ ُه ُم ا ْلخَاسِرُونَ }‪.‬‬
‫وَالرْضِ وَاّلذِي َ‬
‫يقول تعالـى ذكره لنبـيه مـحمد صلى ال عليه وسلم‪ :‬قل يا مـحمد للقائلـين لك‪ :‬لول‬
‫أنزل علــيك آيـة مـن ربـك‪ ,‬الــجاحدين بآياتنـا مـن قومـك‪ :‬كفــى ال يـا هؤلء بــينـي‬
‫ق م نا من ال ـمبطل‪ ,‬ويعل ـم ما ف ـي‬
‫وب ـينكم شاهدا ل ـي وعل ـيّ‪ ,‬ل نه يعل ـم ال ـمـح ّ‬
‫السموات وما فـي الرض‪ ,‬ل يخفـى علـيه شيء فـيهما‪ ,‬وهو الـمـجازي كل فريق منا‬
‫بـما هو أهله‪ ,‬الـمـحقّ علـى ثبـاته علـى الـحقّ‪ ,‬والـمبطل علـى بـاطله‪ ,‬بـما هو‬
‫أهله وَاّلذِي نَ آ َمنُوا ب ـالبـاطِلِ يقول‪ :‬صدّقوا ب ـالشرك‪ ,‬فأقرّوا به وكفروا به‪ .‬يقول‪ :‬وجحدوا‬
‫ال أُوَلئِ كَ هُ مُ الـخاسِرُونَ يقول‪ :‬هم الـمغبونون فـي صفقتهم‪ .‬وبنـحو الذي قلنا فـي قوله‬
‫ل قال أهل التأويـل‪ .‬ذكر من قال ذلك‪:‬‬
‫ن آ َمنُوا بـالبـاطِ ِ‬
‫واّلذِي َ‬
‫ن آ َمنُوا بـالبـاطِل‪:‬‬
‫‪ 21197‬ـ حدثنا بشر‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا يزيد‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا سعيد‪ ,‬عن قَتادة وَاّلذِي َ‬
‫الشرك‪.‬‬
‫‪53‬‬ ‫الية ‪:‬‬
‫سمّى ّلجَآءَهُ مُ ا ْل َعذَا بُ‬
‫س َت ْعجِلُو َنكَ بِا ْل َعذَا بِ وََل ْولَ َأجَلٌ مّ َ‬
‫القول فـي تأويـل قوله تعالـى‪َ { :‬ويَ ْ‬
‫ش ُعرُونَ }‪.‬‬
‫وََل َي ْأ ِت َي ّنهُمْ َب ْغتَ ًة وَ ُهمْ لَ َي ْ‬
‫يقول تعالـى ذكره‪ :‬ويستعجلك يا مـحمد هؤلء القائلون من قومك‪ :‬لول أنزل علـيه آية‬
‫طرْ عَلَـيْنا حِجارَةً‬
‫ع ْندِ كَ‪َ ,‬فَأمْ ِ‬
‫حقّ مِ نْ ِ‬
‫من ربه بـالعذاب‪ ,‬ويقولون‪ :‬الّلهُ مّ إ نْ كا نَ هَذا هُ َو الـ َ‬
‫ن السّماءِ ولول أجل سميته لهم فل أهلكهم حتـى يستوفوه ويبلغوه‪ ,‬لـجاءهم العذاب عاجلً‪.‬‬
‫مِ َ‬
‫ش ُعرُو نَ يقول‪ :‬ول ـيأتـينهم العذاب فجأة و هم ل يشعرون‬
‫وقوله‪ :‬وَلَ ـيَ ْأتِـ َينّ ُهمْ َب ْغتَةً وَهُ مْ ل َي ْ‬
‫بو قت م ـجيئه ق بل م ـجيئه‪ .‬وبن ـحو الذي قل نا ف ـي ذلك قال أ هل التأوي ـل‪ .‬ذ كر من قال‬
‫ذلك‪:‬‬
‫َسـَت ْعجِلُو َنكَ‬
‫‪21198‬ــ حدثنـا بشـر‪ ,‬قال‪ :‬حدثنـا يزيـد‪ ,‬قال‪ :‬حدثنـا سـعيد‪ ,‬عـن قَتادة‪ ,‬قوله َوي ْ‬
‫طرْ‬
‫ع ْندِ كَ‪َ ,‬فَأمْ ِ‬
‫حقّ مِ نْ ِ‬
‫ن َهذَا ُهوَ الـ َ‬
‫بـال َعذَابِ قال‪ :‬قال ناس من جهلة هذه المة الّلهُ مّ إ نْ كا َ‬
‫ن السّماءِ أوِ ا ْئتِنا ِب َعذَابٍ ألِـيـمٍ‪ ...‬الَية‪.‬‬
‫عَلَـيْنا حِجارَ ًة مِ َ‬

‫‪54‬‬ ‫الية ‪:‬‬


‫ج َه ّنمَ َل ُمحِيطَ ٌة بِا ْلكَا ِفرِينَ }‪.‬‬
‫ن َ‬
‫ك بِا ْلعَذَابِ وَإِ ّ‬
‫ستَ ْعجِلُو َن َ‬
‫القول فـي تأويـل قوله تعالـى‪َ { :‬ي ْ‬
‫يقول تعال ـى ذكره‪ :‬ي ستعجلكَ يا م ـحمد هؤلء ال ـمشركون ب ـمـجيء العذاب ونزوله‬
‫بهم‪ ,‬والنار بهم مـحيطة لـم يبق إلّ أن يدخ ـلوها‪ .‬وقـيـل‪ :‬إن ذلك هو الب حر‪ .‬ذكر من‬
‫قال ذلك‪:‬‬
‫‪ 21199‬ـ حدثنا م ـحمد بن الـمثنى‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا مـحمد بن جع فر‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا شع بة‪ ,‬عن‬
‫ج َهنّ ـمَ لَ ـمُـحِيطَةٌ ب ـالكا ِفرِينَ قال‪:‬‬
‫سماك‪ ,‬قال‪ :‬سمعت عكرِ مة يقول ف ـي هذه الَ ية وَإ نّ َ‬
‫البحر‪.‬‬
‫أخبرنا ابن وكيع‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا غندر‪ ,‬عن شعبة‪ ,‬عن سماك‪ ,‬عن عكرِمة‪ ,‬مثله‪.‬‬
‫‪55‬‬ ‫الية ‪:‬‬
‫القول فـي تأويـل قوله تعالـى‪َ { :‬يوْ مَ َي ْغشَاهُ مُ ا ْل َعذَا بُ مِن فَ ْو ِقهِ مْ َومِن َتحْ تِ َأ ْرجُِلهِ مْ َويِقُولُ‬
‫ذُوقُو ْا مَا ُك ْنتُ ْم َت ْعمَلُونَ }‪.‬‬
‫ن يوم يغ شى الكافر ين العذاب من‬
‫ج َهنّ ـمَ لَ ـمُـحِيطَةٌ ب ـالكافِرِي َ‬
‫يقول تعال ـى ذكره‪ :‬وَإ نّ َ‬
‫فوقهم فـي جهنـم‪ ,‬ومن تـحت أرجلهم‪ .‬كما‪:‬‬
‫ب مِ نْ‬
‫‪ 21200‬ـ حدثنا بشر‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا يزيد‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا سعيد‪ ,‬عن قَتادة َيوْ مَ َيغْشاهُ مُ ال َعذَا ُ‬
‫ت أ ْرجُل ِهمْ‪ :‬أي فـي النار‪.‬‬
‫ن تَـحْ ِ‬
‫فَ ْو ِقهِمْ َومِ ْ‬
‫ل ثناؤه‪ :‬ويقول ال لهـم‪ :‬ذوقوا مـا كنتــم‬
‫ُونـ يقول ج ّ‬
‫ل ذُوقُوا مـا ُك ْنتُــمْ َت ْعمَل َ‬
‫وقوله‪َ :‬ويَقُو ُ‬
‫تعملون ف ـي الدن ـيا من معا صي ال‪ ,‬و ما ي سخطه ف ـيها‪ .‬وب ـالـياء ف ـي ويقول ذُوقُوا‬
‫قرأت عامـة قرّاء المصـار خل أبــي جعفـر‪ ,‬وأبــي عمرو‪ ,‬فإنهمـا قرآ ذلك بــالنون‪:‬‬
‫« َونَقُولُ»‪ .‬والقراءة التـي هي القراءة عندنا بـالـياء لجماع الـحجة من القرّاء علـيها‪.‬‬

‫‪56‬‬ ‫الية ‪:‬‬


‫ع ُبدُونِ }‪.‬‬
‫سعَ ٌة َفِإيّايَ فَا ْ‬
‫ن َأرْضِي وَا ِ‬
‫ن آ َمنُوَ ْا إِ ّ‬
‫القول فـي تأويـل قوله تعالـى‪َ { :‬ي ِعبَا ِديَ اّلذِي َ‬
‫يقول تعالـى ذكره للـمؤمنـين به من عبـاده‪ :‬يا عبـادي الذين وحّدونـي وآمنوا بـي‬
‫سعَةٌ‪.‬‬
‫ن أ ْرضِي وَا ِ‬
‫وبرسولـي مـحمد صلى ال عليه وسلم إ ّ‬
‫واختلف أهـل التأويــل فــي الــمعنى الذي أريـد مـن الــخبر عـن سـعة الرض‪ ,‬فقال‬
‫ل ل كم ال ـمُقام‬
‫بعض هم‪ :‬أر يد بذلك أن ها ل ـم ت ضق عل ـيكم فتق ـيـموا ب ـموضع من ها ل يح ّ‬
‫ف ـيه‪ ,‬ول كن إذا ع مل ب ـمكان من ها ب ـمعاصي ال فل ـم تقدروا عل ـى تغي ـيره‪ ,‬ف ـاهرُبوا‬
‫منه‪ .‬ذكر من قال ذلك‪:‬‬
‫‪ 21201‬ـ حدثنا مـحمد بن بشار‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا أبو أحمد‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا سفـيان‪ ,‬عن العمش‪,‬‬
‫سعَةٌ قال‪ :‬إذا عمِل ف ـيها ب ـالـمعاصي‪,‬‬
‫ن أرْضِي وَا ِ‬
‫عن سعيد بن جب ـير‪ ,‬ف ـي قوله‪ :‬إ ّ‬
‫فـاخرج منها‪.‬‬
‫حدث نا ا بن بشار‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا ع بد الرح من‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا سفـيان‪ ,‬عن إ سماعيـل بن أب ـي‬
‫سعَ ٌة قال‪ :‬إذا عمل فـيها بـالـمعاصي‪,‬‬
‫جبَـير‪ ,‬فـي قوله إ نّ أ ْرضِي وَا ِ‬
‫خالد‪ ,‬عن سعيد بن ُ‬
‫فـاخرج منها‪.‬‬
‫جبَ ـير‪ ,‬قال‪:‬‬
‫حدث نا ا بن وك يع‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا جر ير‪ ,‬عن ل ـيث‪ ,‬عن ر جل‪ ,‬عن سعيد بن ُ‬
‫اهرُبوا فإن أرضي واسعة‪.‬‬
‫‪ 21202‬ـ حدثنا ابن وكيع‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا أبـي‪ ,‬عن شريك‪ ,‬عن منصور‪ ,‬عن عطاء‪ ,‬قال‪ :‬إذا‬
‫أمِرتـم بـالـمعاصي فـاهرُبوا‪ ,‬فإن أرضي واسعة‪.‬‬
‫حدث نا ا بن بشار‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا أ بو أح مد‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا شر يك‪ ,‬عن من صور‪ ,‬عن عطاء إ نّ‬
‫سعَةٌ قال‪ :‬مـجانبة أهل الـمعاصي‪.‬‬
‫أرْضِي وَا ِ‬
‫‪ 21203‬ـ حدث نا م ـحمد بن عمرو‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا أ بو عا صم‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا عي سى وحدثن ـي‬
‫الــحارث‪ ,‬قال‪ :‬حدثنـا الــحسن‪ ,‬قال‪ :‬حدثنـا ورقاء جميعـا‪ ,‬عـن ابـن أبــي نــجيح‪ ,‬عـن‬
‫سعَةٌ‪ ,‬فهاجروا وجاهدوا‪.‬‬
‫ن أرْضِي وَا ِ‬
‫مـجاهد‪ ,‬فـي قول ال إ ّ‬
‫‪ 21204‬ـ حدثنـي يونس‪ ,‬قال‪ :‬أخبرنا ابن وهب‪ ,‬قال‪ :‬قال ابن زيد فـي قوله يا عِبـا ِديَ‬
‫ع ُبدُونِ فقلت‪ :‬يريـد بهذا مـن كان بــمكة مـن‬
‫ّايـ فــا ْ‬
‫َاسـعَ ٌة فإي َ‬
‫إنـ أرض ِي و ِ‬
‫ِينـ آ َمنُوا ّ‬
‫اّلذ َ‬
‫الـمؤمنـين‪ ,‬فقال‪ :‬نعم‪.‬‬
‫وقال آخرون‪ :‬معنى ذلك‪ :‬إن ما أخرج من أرضي لكم من الرزق واسع لكم‪ .‬ذكر من قال‬
‫ذلك‪:‬‬
‫‪ 21205‬ـ حدثنا الـحسن بن عرفة‪ ,‬قال‪ :‬ثنـي زيد بن الـحبـاب‪ ,‬عن شدّاد بن سعيد بن‬
‫غيْلن بن جرير الـمِعْولـي‪ ,‬عن مطرّف بن عبد ال بن‬
‫مالك أبـي طلـحة الراسبـي عن َ‬
‫سعَةٌ‪ :‬قال‪ :‬إن رزقـي لكم واسع‪.‬‬
‫شخّير العامري‪ ,‬فـي قول ال‪ :‬إنّ أ ْرضِي وَا ِ‬
‫ال ّ‬
‫حدثنا ابن وكيع‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا زيد بن حبـاب‪ ,‬عن شدّاد‪ ,‬عن غَيلن بن جرير‪ ,‬عن ُمطَرّف‬
‫سعَةٌ قال‪ :‬رزقـي لكم واسع‪.‬‬
‫ن أ ْرضِي وَا ِ‬
‫شخّير إ ّ‬
‫بن ال ّ‬
‫وأول ـى القول ـين بتأوي ـل الَ ية قول من قال‪ :‬مع نى ذلك‪ :‬إن أر ضي وا سعة‪ ,‬ف ـاهربوا‬
‫ع ُبدُونِ عل ـى ذلك‪ ,‬وأن ذلك هو‬
‫م ـمن منع كم من الع مل بطاعت ـي لدللة قوله فإيّا يَ ف ـا ْ‬
‫أظهر معنـيـيه‪ ,‬وذلك أن الرض إذا وصفها بِسعَة‪ ,‬فـالغالب من وصفه إياها بذلك‪ ,‬أنها ل‬
‫تضيـق جميعهـا علــى مـن ضاق علــيه منهـا موضـع‪ ,‬ل أنـه وصـفها بكثرة الــخير‬
‫والـخصب‪.‬‬
‫ع ُبدُونِ يقول‪ :‬فأخــلِصوا إلــى عبــادتكم وطاعتكـم‪ ,‬ول تطيعوا فــي‬
‫ّايـ فــا ْ‬
‫وقوله‪ :‬فإي َ‬
‫معصيتـي أحدا‪.‬‬

‫‪59- 57‬‬ ‫الية ‪:‬‬


‫ن آ َمنُواْ‬
‫ن * وَاّلذِي َ‬
‫ت ثُ مّ إَِل ْينَا ُت ْرجَعُو َ‬
‫س ذَآئِقَ ُة ا ْلمَ ْو ِ‬
‫ل نَفْ ٍ‬
‫القول فـي تأويـل قوله تعالـى‪{ :‬كُ ّ‬
‫جرُ‬
‫حتِهَا ال ْنهَارُ خَاِلدِينَـ فِيهَا ِنعْم َـ َأ ْ‬
‫غ َرفَا َتجْرِي مِن َت ْ‬
‫جنّةِ ُ‬
‫عمِلُو ْا الصـّاِلحَاتِ َل ُنبَ ّو َئ ّنهُم ْـ مّنَـ ا ْل َ‬
‫َو َ‬
‫ص َبرُواْ وَعََلىَ َر ّب ِهمْ َيتَ َوكّلُونَ }‪.‬‬
‫ا ْلعَامِلِينَ * اّلذِينَ َ‬
‫جرُوا من أرض الشرك من‬
‫يقول تعال ـى ذكره لل ـمؤمنـين به من أ صحاب نب ـيه‪ :‬ها ِ‬
‫مكـة‪ ,‬إلــى أرض السـلم الــمدينة‪ ,‬فإن أرضـي واسـعة‪ ,‬فــاصبروا علــى عبــادتـي‪,‬‬
‫وأخ ـلِصوا طاعت ـي‪ ,‬فإن كم ميتون‪ ,‬و صائرون إل ـيّ‪ ,‬لن كل ن فس ح ية ذائ قة ال ـموت‪ ,‬ثم‬
‫إلـينا بعد الـموت ُت َردّون‪ .‬ثم أخبرهم جلّ ثناؤه عما أع ّد للصابرين منهم علـى طاعته‪ ,‬من‬
‫كرام ته عنده‪ ,‬فقال‪ :‬والّذ ين آمنوا‪ ,‬يعن ـي صدّقوا ال ور سوله‪ ,‬ف ـيـما جاء به من ع ند ال‪,‬‬
‫عمِلوا ال صّالِـحاتِ‪ :‬يقول‪ :‬وعملوا ب ـما أمر هم ال فأطاعوه ف ـيه‪ ,‬وانتهوا ع ما نها هم ع نه‬
‫وَ‬
‫غرَفـا يقول‪ :‬لننزلنهم من الـجنة عَللـيّ‪.‬‬
‫جنّةِ ُ‬
‫َل ُنبَ ّو َئ ّن ُهمْ مِنَ الـ َ‬
‫واختلفت ال ُقرّاء فـي قراءة ذلك‪ ,‬فقرأته عامة قرّاء الـمدينة والبصرة وبعض الكوفـيـين‪:‬‬
‫َل ُنبَ ّو َئ ّن ُهمْ بـالبـاء وقرأته عامة قرّاء الكوفة بـالثاء‪َ« :‬ل ُنثْ ِو َي ّن ُهمْ»‪.‬‬
‫والصواب من القول فـي ذلك عندي أنهما قراءتان مشهورتان فـي قرّاء المصار‪ ,‬قد قرأ‬
‫بكل واحدة منهما علـماء من ال ُقرّاء‪ ,‬متقاربتا الـمعنى‪ ,‬فبأيتهما قرأ القارىء فمصيب‪ ,‬وذلك‬
‫سكَنا إذا‬
‫أن قوله‪َ :‬ل ُنبَ ّو َئ ّنهُ ْم من بوأته منزلً‪ :‬أي أنزلته‪ ,‬وكذلك ل ُنثْوينهم إنـما هو من أثويته مَ ْ‬
‫أنزلته منزلً‪ ,‬من الثواء‪ ,‬وهو الـمُقام‪.‬‬
‫ن تَ ـحْتِها النهارُ يقول‪ :‬ت ـجرى من ت ـحت أشجار ها النهار‪ .‬خالِدِي نَ‬
‫وقوله‪ :‬تَ ـجْرِي مِ ْ‬
‫جرُ العامِلِـينَ يقول‪ :‬نعم جزاء العاملـين‬
‫فِـيها يقول‪ :‬ماكثـين فـيها إلـى غير نهاية ِنعْ مَ أ ْ‬
‫جنّاته‪ ,‬تـجري من تـحتها النهار‪ ,‬الذين‬
‫بطاعة ال هذه الغر فُ التـي ُي ْثوِي ُهمُوها ال فـي َ‬
‫صبروا علـى أذى الـمشركين فـي الدنـيا‪ ,‬وما كانوا يَـلْقون منهم‪ ,‬وعلـى العمل بطاعة‬
‫ُونـ فــي أرزاقهـم وجهاد أعدائهـم‪ ,‬فل‬
‫ِمـ َي َت َوكّل َ‬
‫ال ومـا يرضيـه‪ ,‬وجهاد أعدائه وَعَلــى َر ّبه ْ‬
‫َي ْنكُلون عن هم ث قة من هم بأن ال ُمعْلِ ـي كل ـمته‪ ,‬ومُوهِن ك يد الكافر ين‪ ,‬وأن ما قُ سم ل هم من‬
‫الرزق فلن يَفُوتَهم‪.‬‬

‫‪60‬‬ ‫الية ‪:‬‬


‫ل رِ ْز َقهَا اللّ ُه يَ ْر ُزقُهَا وَِإيّاكُ مْ وَ ُهوَ‬
‫حمِ ُ‬
‫القول فـي تأويـل قوله تعالـى‪َ { :‬و َكَأيّن مّن دَآبّ ٍة لّ َت ْ‬
‫سمِيعُ ا ْلعَلِيمُ }‪.‬‬
‫ال ّ‬
‫يقول تعالـى ذكره للـمؤمنـين به‪ ,‬وبرسوله من أصحاب مـحمد صلى ال عليه وسلم‪:‬‬
‫هاجروا وجاهدوا ف ـي ال أي ها ال ـمؤمنون أعداءه‪ ,‬ول ت ـخافوا عي ـلة ول إقتارا‪ ,‬ف كم من‬
‫دا بة ذات حا جة إل ـى غذاء ومط عم ومشرب ل ت ـحمل رزق ها‪ ,‬يعن ـي غذاء ها ل ت ـحمله‪,‬‬
‫فترفعـه فــي يومهـا لغدهـا لعجزهـا عـن ذلك اللّهُـ َيرْ ُزقُهـا وَإيّاكُم ْـ يومـا بــيوم وَهُ َو السّـمِيعُ‬
‫لقوالكم‪ :‬نـخشى بفراقنا أوطاننا ال َعيْـلة العَلِـيـمُ ما فـي أنفسكم‪ ,‬وما إلـيه صائر أمركم‪,‬‬
‫وأمـر عدوّكـم مـن إذلل ال إياهـم‪ ,‬ونُصـْرتكم علــيهم‪ ,‬وغيـر ذلك مـن أموركـم‪ ,‬ل يخفــى‬
‫علـيه شيء من أمور خـلقه‪ .‬وبنـحو الذي قلنا فـي تأويـل ذلك قال أهل التأويـل‪ .‬ذكر‬
‫من قال ذلك‪:‬‬
‫‪ 21206‬ـ حدثنـي م ـحمد بن عمرو‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا أ بو عا صم‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا عي سى وحدثنـي‬
‫الــحارث‪ ,‬قال‪ :‬حدثنـا الــحسن‪ ,‬قال‪ :‬حدثنـا ورقاء جميعـا‪ ,‬عـن ابـن أبــي نــجيح‪ ,‬عـن‬
‫حمِلُ ِرزْقَها قال‪ :‬الطيرُ والبهائم ل تـحمل الرزق‪.‬‬
‫ن دابّ ٍة ل تَـ ْ‬
‫مـجاهد وكأيّنْ مِ ْ‬
‫‪ 21207‬ـ حدث نا ا بن ع بد العل ـى‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا ال ـمعتـمر بن سلـيـمان‪ ,‬قال‪ :‬سمعت‬
‫حمِلُ ِرزْقَ ها‪ ,‬اللّ ُه َيرْ ُزقُ ها‬
‫ن دابّ ٍة ل تَ ـ ْ‬
‫عِمران‪ ,‬عن أب ـي مُ ـجَلّز ف ـي هذه الَ ية وكأيّ نْ مِ ْ‬
‫وَإيّا ُكمْ قال‪ :‬من الدوابّ ما ل يستطيع أن يدّخر لغد‪ ,‬يُ َوفّق لرزقه كلّ يوم حتـى يـموت‪.‬‬
‫‪ 21208‬ـ حدثنا ابن وكيع قال‪ :‬حدثنا يحيى بن يـمان‪ ,‬عن سفـيان‪ ,‬عن علـي بن القمر‬
‫حمِلُ ِر ْزقَها قال‪ :‬ل تدّخر شيئا لغد‪.‬‬
‫ن دابّة ل تَـ ْ‬
‫ن مِ ْ‬
‫وكأيّ ْ‬
‫‪61‬‬ ‫الية ‪:‬‬
‫شمْ سَ‬
‫خرَ ال ّ‬
‫سّ‬‫سمَاوَاتِ وَالرْ ضَ وَ َ‬
‫ن خَلَ قَ ال ّ‬
‫سأَ ْل َت ُهمْ مّ ْ‬
‫القول ف ـي تأوي ـل قوله تعال ـى‪{:‬وََلئِن َ‬
‫ى يُ ْؤ َفكُونَ }‪.‬‬
‫ن الّلهُ َفَأنّ َ‬
‫وَالْ َق َمرَ َل َيقُولُ ّ‬
‫يقول تعالـى ذكره‪ :‬ولئن سألت يا مـحمد هؤلء الـمشركين بـال من خـلق السموات‬
‫والرض فَ سَوّاهن‪ ,‬و سخّر الش مس والق مر لعب ـاده‪ ,‬يجريان دائب ـين ل ـمصالـح خ ـلق ال‪,‬‬
‫لـيقولنّ الذي خـلق ذلك و َفعَلَه ال فأنّى يُ ْؤ َفكُو نَ يقول جلّ ثناؤه‪ :‬فأنى يُ صْرفون عمن صنع‬
‫ذلك‪ ,‬فـيعدلون عن إخلص العبـادة له‪ .‬كما‪:‬‬
‫‪21209‬ـ حدثنا بشر‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا يزيد‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا سعيد‪ ,‬عن قَتادة فأنّى ُي ْؤ َفكُونَ‪ :‬أي يعدلون‪.‬‬

‫‪62‬‬ ‫الية ‪:‬‬


‫ن اللّ هَ‬
‫عبَادِ هِ َو َي ْقدِرُ َل ُه إِ ّ‬
‫سطُ ال ّرزْ قَ ِلمَن َيشَآءُ مِ نْ ِ‬
‫القول فـي تأويـل قوله تعالـى‪{ :‬الّل ُه َيبْ ُ‬
‫شيْءٍ عَلِيمٍ }‪.‬‬
‫ِبكُلّ َ‬
‫يقول تعال ـى ذكره‪ :‬ال يو سع من رز قه ل ـمن يشاء من خ ـلقه‪ ,‬ويض يق ف ـيُقتّر ل ـمن‬
‫يشاء من هم‪ .‬يقول‪ :‬فأرزاق كم وق سمتها ب ـينكم أي ها الناس ب ـيدي دون كل أ حد سواي أب سط‬
‫لــمن شئت منهـا‪ ,‬وأقتـر علــى مـن شئت‪ ,‬فل يخــلفنكم عـن الهجرة وجهاد عدوّكـم خوف‬
‫شيْءٍ عَلِـيـمٌ يقول‪ :‬إن ال علـيـم بـمصالـحكم‪ ,‬ومن ل يصلُـح له‬
‫العيـلة إ نّ الّل َه بكُلّ َ‬
‫ل التقتـير علـيه‪ ,‬وهو عالـم بذلك‪.‬‬
‫إلّ البسط فـي الرزق‪ ,‬ومن ل يصلـح له إ ّ‬
‫‪63‬‬ ‫الية ‪:‬‬
‫سمَآءِ مَآ ًء َفَأحْيَا ِب هِ الرْ ضَ‬
‫سأَ ْل َتهُ ْم مّن ّنزّلَ ِم نَ ال ّ‬
‫القول ف ـي تأوي ـل قوله تعال ـى‪{ :‬وََلئِن َ‬
‫ح ْمدُ لِلّ ِه بَلْ َأ ْك َثرُ ُهمْ لَ َيعْقِلُونَ }‪.‬‬
‫ن اللّ ُه قُلِ ا ْل َ‬
‫مِن َبعْ ِد مَ ْو ِتهَا َليَقُولُ ّ‬
‫يقول تعال ـى ذكره لنب ـيه م ـحمد صلى ال عل يه و سلم‪ :‬ولئن سألت يا م ـحمد هؤلء‬
‫الــمشركين بــال مـن قومـك مـن نزل مـن السـماء ماء‪ ,‬وهـو الــمطر الذي ينزله ال مـن‬
‫ال سحاب فأحْ يا بِه الرْ ضِ يقول‪ :‬فأح يا ب ـالـماء الذي نزل من ال سماء الرض‪ ,‬وإحياؤ ها‪:‬‬
‫ن بعدِ مَوْتها من بعد جدوبها وقحوطها‪.‬‬
‫ت فـيها م ْ‬
‫إنبـاتُه النبـا َ‬
‫ن اللّهُ يقول‪ :‬لـيقولنّ الذي فعل ذلك ال الذي له عبـادة كل شيء‪ .‬وقوله‪ :‬قُلِ‬
‫وقوله‪ :‬لَـيَقُولُ ّ‬
‫ح ْمدُ لِلّ هِ يقول‪ :‬وإذا قالوا ذلك‪ ,‬فقل الـحمد ل بَلْ أ ْك َثرُهُ مْ ل َيعْقِلُو نَ يقول‪ :‬بل أكثر هؤلء‬
‫الـ َ‬
‫الـمشركين بـال ل يعقلون مالهم فـيه النفع من أمر دينهم‪ ,‬وما فـيه الضرّ‪ ,‬فهم لـجهلهم‬
‫يح سِبون أن هم لعب ـادتهم الَل هة دون ال‪ ,‬ينالون ب ها ع ند ال زُلْ فة وقر بة‪ ,‬ول يعل ـمون أن هم‬
‫بذلك هالكون مستوجبون الـخـلود فـي النار‪.‬‬

‫‪64‬‬ ‫الية ‪:‬‬


‫خرَةَ‬
‫لِ‬‫ل َلهْوٌ وََلعِ بٌ وَإِ نّ الدّارَ ا َ‬
‫حيَاةُ ال ّدنْيَآ ِإ ّ‬
‫القول ف ـي تأويـل قوله تعال ـى‪{ :‬وَمَا هَ ـذِ ِه ا ْل َ‬
‫ن لَ ْو كَانُو ْا َيعَْلمُونَ }‪.‬‬
‫حيَوَا ُ‬
‫َل ِهيَ ا ْل َ‬
‫يقول تعال ـى ذكره‪ :‬وَ ما َه ِذ ِه ال ـحَيا ُة ال ّدنْ ـيا الت ـي يت ـمتع من ها هؤلء ال ـمشركون إلّ‬
‫ض عن قريب‪ ,‬ل بقاء له ول‬
‫ل تعلـيـل النفوس بـما تلتذّ به‪ ,‬ثم هو ُمنْقَ ٍ‬
‫َلهْوٌ وََلعِ بٌ يقول‪ :‬إ ّ‬
‫خرَةَ َلهِ يَ ال ـحَيَوَانُ يقول‪ :‬وإن الدار الَخرة لف ـيها ال ـحياة الدائ مة الت ـي‬
‫لِ‬‫دوام وإ نّ الدّارَ ا َ‬
‫ل زوال لها ول انقطاع ول موت معها‪ .‬كما‪:‬‬
‫خرَةِ‬
‫لِ‬‫‪ 21210‬ـ حدثنا بشر‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا يزيد‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا سعيد‪ ,‬عن قَتادة‪ ,‬قوله‪ :‬وَإ نّ الدّارَ ا َ‬
‫ن حياة ل موت فـيها‪.‬‬
‫ن لَ ْو كانُوا َيعْلَـمُو َ‬
‫حيَوَا ُ‬
‫َل ِهيَ الـ َ‬
‫‪ 21211‬ـ حدثن ـي م ـحمد بن عمرو‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا أ بو عا صم‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا عي سى وحدثن ـي‬
‫الــحارث‪ ,‬قال‪ :‬حدثنـا الــحسن‪ ,‬قال‪ :‬حدثنـا ورقاء جميعـا‪ ,‬عـن ابـن أبــي نــجيح‪ ,‬عـن‬
‫ت فـيها‪.‬‬
‫حيَوَانُ قال‪ :‬ل مو َ‬
‫مـجاهد‪ ,‬قوله َل ِهيَ الـ َ‬
‫‪ 21212‬ـ حدثنـي علـيّ‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا أبو صالـح‪ ,‬قال‪ :‬ثنـي معاوية‪ ,‬عن علـيّ‪ ,‬عن ابن‬
‫حيَوَانُ يقول‪ :‬بـاقـية‪.‬‬
‫خرَةَ لَهيَ الـ َ‬
‫لِ‬‫ن الدّارَ ا َ‬
‫عبـاس‪ ,‬فـي قوله وَإ ّ‬
‫وقوله‪ :‬لَ ْو كانُوا َيعْلَـــمُونَ يقول‪ :‬لو كان هؤلء الـــمشركون يعلـــمون أن ذلك كذلك‪,‬‬
‫ل َقصّروا عن تكذيبهم بـال‪ ,‬وإشراكهم غيره فـي عبـادته‪ ,‬ولكنهم ل يعلـمون ذلك‪.‬‬

‫‪65‬‬ ‫الية ‪:‬‬


‫ن لَ ُه الدّي نَ فَلَمّا‬
‫عوُاْ الّل َه ُمخْلِ صِي َ‬
‫القول ف ـي تأوي ـل قوله تعال ـى‪َ { :‬فإِذَا َر ِكبُو ْا فِي الْفُلْ كِ دَ َ‬
‫ش ِركُونَ }‪.‬‬
‫َنجّاهُمْ إِلَى ا ْل َبرّ ِإذَا ُهمْ ُي ْ‬
‫يقول تعالــى ذكره‪ :‬فإذا ركـب هؤلء الــمشركون السـفـينة فــي البحـر‪ ,‬فخافوا الغرق‬
‫ن لَ ُه الدّي نَ يقول‪ :‬أخـلصوا ل عند الشدّة التـي نزلت بهم‬
‫والهلك فـيه دَعُوا الّل َه ُمخْـِلصِي َ‬
‫التوح يد‪ ,‬وأفردوا له الطا عة‪ ,‬وأذعنوا له ب ـالعبودة‪ ,‬ول ـم ي ستغيثوا بآلهت هم وأنداد هم‪ ,‬ول كن‬
‫بــال الذي خــلقهم فلَــمّا نَــجّا ُهمْ إلــى ال َبرّ يقول‪ :‬فلــما خــلصهم مــما كانوا فــيه‬
‫وسلّـمهم‪ ,‬فصاروا إلـى البرّ إذا هم يجعلون مع ال شريكا فـي عبـادتهم‪ ,‬ويدعون الَلهة‬
‫والوثان معه أربـابـا‪.‬‬
‫‪67‬‬ ‫‪-‬‬ ‫‪66‬‬ ‫الية ‪:‬‬
‫القول ف ـي تأوي ـل قوله تعال ـى‪ِ{ :‬ل َيكْ ُفرُو ْا بِمَآ آ َت ْينَاهُ مْ وَِل َي َت َم ّتعُواْ فَ سَ ْوفَ يَعَلمُو نَ * أَوَلَ مْ‬
‫ل يُ ْؤ ِمنُونَ َو ِب ِنعْمَ ِة الّلهِ َيكْ ُفرُونَ }‪.‬‬
‫طفُ النّاسُ ِمنْ حَوِْل ِه ْم َأفَبِا ْلبَاطِ ِ‬
‫حرَما آمِنا َو ُي َتخَ ّ‬
‫جعَ ْلنَا َ‬
‫َيرَوْاْ َأنّا َ‬
‫يقول تعالـى ذكره‪ :‬فلـما نـجى ال هؤلء الـمشركين مـما كانوا فـيه من البحر من‬
‫ال ـخوف وال ـحذر من الغرق إل ـى البرّ إذا هم ب عد أن صاروا إل ـى البرّ يشركون ب ـال‬
‫الَلهة والنداد لِـ َيكْفُرُوا بِـمَا آتَـيْنا ُهمْ يقول‪ :‬لـيجحدوا نعمة ال التـي أنعمها علـيهم فـي‬
‫أنفسهم وأموالهم‪.‬‬
‫وَلِــَيتَـ َمتّعُوا اختلفـت القرّاء فــي قراءة ذلك‪ ,‬فقرأتـه عامـة قرّاء الــمدينة والبصـرة‪:‬‬
‫وَلِــَيتَـمَ ّتعُوا بكسـر اللم‪ ,‬بــمعنى‪ :‬وكـي يتــمتعوا آتــيناهم ذلك‪ .‬وقرأ ذلك عامـة قرّاء‬
‫الكوفــيـين‪ :‬وَلْــَيتَـ َمتّعُوا بسـكون اللم علــى وجـه الوعيـد والتوبــيخ‪ :‬أي اكفروا فإنكـم‬
‫سوف تعلـمون ماذا يَـلْقون من عذاب ال بكفرهم به‪.‬‬
‫وأولـى القراءتـين عندي فـي ذلك بـالصواب‪ ,‬قراءة من قرأه بسكون اللم علـى وجه‬
‫التهديد والوعيد‪ ,‬وذلك أن الذين قرءوه بكسر اللم زعموا أنهم إنـما اختاروا كسرها عطفـا‬
‫بها علـى اللم التـي فـي قوله‪ :‬لِـ َيكْ ُفرُوا‪ ,‬وأن قوله لِـ َيكْفُرُوا لـما كان معناه‪ :‬كي يكفروا‬
‫كان الصواب فـي قوله وَلِـيَتَـ َم ّتعُوا أن يكون‪ :‬وكي يتـمتعوا‪ ,‬إذ كان عطفـا علـى قوله‪:‬‬
‫لــيكفروا عندهـم‪ ,‬ولــيس الذي ذهبوا مـن ذلك بــمذهب‪ ,‬وذلك لن لم قوله لِــَيكْ ُفرُوا‬
‫صلُـحت أن تكون ب ـمعنى كي‪ ,‬لن ها شرط لقوله‪ :‬إذا هم يشركون ب ـال كي يكفروا ب ـما‬
‫آتـيناهم من النعم‪ ,‬ولـيس ذلك كذلك فـي قوله وَلِـيَتَـ َم ّتعُوا لن إشراكهم بـال كان كفرا‬
‫بنعم ته‪ ,‬ول ـيس إشراك هم به ت ـمتعا ب ـالدنـيا‪ ,‬وإن كان الشراك به ي سهل ل هم سبـيـل‬
‫التـمتع بها فإذ كان ذلك كذلك فتوجيهه إلـى معنى الوعيد أولـى وأح قّ من توجيهه إلـى‬
‫معنى‪ :‬وكي يتـمتعوا‪ .‬وبعد فقد ذكر أن ذلك فـي قراءة أُبـيّ‪« :‬وتَـ َم ّتعُوا» وذلك دلـيـل‬
‫علـى صحة من قرأه بسكون اللم بـمعنى الوعيد‪.‬‬
‫حرَ ما آمِ نا يقول تعال ـى ذكره مذكرا هؤلء ال ـمشركين من‬
‫جعَلْ نا َ‬
‫وقوله‪ :‬أ َو لَ ـمْ َيرَوْا أنّا َ‬
‫قريش‪ ,‬القائلـين‪ :‬لول أنزل علـيه آية من ربه‪ِ ,‬ن ْع َمتَه علـيهم التـي خصهم بها دون سائر‬
‫الناس غير هم مع كفر هم بنعم ته وإشراك هم ف ـي عب ـادته الَل هة والنداد‪ :‬أو ل ـم ير هؤلء‬
‫الـمشركون من قريش‪ ,‬ما خصصناهم به من نعمتنا علـيهم دون سائر عبـادنا‪ ,‬فـيشكرونا‬
‫علـى ذلك‪ ,‬وينزجروا عن كفرهم بنا‪ ,‬وإشراكهم ما ل ينفعنا ول يضرّهم فـي عبـادتنا أنا‬
‫جعل نا بلد هم حر ما‪ ,‬حرّم نا عل ـى الناس أن يدخ ـلوه بغارة أو حرب‪ ,‬آم نا‪ ,‬يأ من ف ـيه من‬
‫سـكنه‪ ,‬فأوى إلــيه مـن السـبـاء والــخوف والــحرام الذي ل يأمنـه غيرهـم مـن الناس‬
‫حوِْل ِهمْ يقول‪ :‬و ُتسْلَب الناس من حولهم قتلً وسبـاء‪ .‬كما‪:‬‬
‫طفُ النّاسُ ِمنْ َ‬
‫َو ُيتَـخَ ّ‬
‫‪ 21213‬ـ حدثنا بشر‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا يزيد‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا سعيد‪ ,‬عن قَتادة‪ ,‬فـي قوله أو لَـمْ َيرَوْا‬
‫حوِْلهِمْ قال‪ :‬كان لهم فِـي ذلك آية أن الناس يُغزَون‬
‫خطّفُ النّاسُ ِمنْ َ‬
‫حرَما آمِنا َو ُيتَـ َ‬
‫جعَلْنا َ‬
‫أنّا َ‬
‫و ُيتَـخَطّفون وهم آمنون‪.‬‬
‫وقوله‪ :‬أفَب ـالبـاطِلِ ُي ْؤ ِمنُو نَ يقول‪ :‬أفب ـالشرك ب ـال يقرّون بألو هة الوثان بأن ي صدّقوا‪,‬‬
‫وبنعمة ال التـي خصهم بها من أن جعل بلدهم حرما آمنا يكفرون‪ ,‬يعنـي بقوله «يكفرون»‪:‬‬
‫يجحدون‪ .‬كما‪:‬‬
‫‪21214‬ــ حدثنـا بشـر‪ ,‬قال‪ :‬حدثنـا يزيـد‪ ,‬قال‪ :‬حدثنـا سـعيد‪ ,‬عـن قَتادة‪ ,‬قوله أفَبــالْبـاطِلِ‬
‫يُ ْؤ ِمنُونَ‪ :‬أي بـالشرك َو ِب ِن ْعمَ ِة اللّ ِه َيكْ ُفرُونَ‪ :‬أي يجحدون‪.‬‬

‫‪68‬‬ ‫الية ‪:‬‬


‫ب بِا ْلحَ قّ َلمّا‬
‫ن افْ َت َرىَ عَلَى الّل ِه َكذِبا َأوْ َكذّ َ‬
‫القول فـي تأويـل قوله تعالـى‪َ { :‬و َم نْ َأظْلَ مُ ِممّ ْ‬
‫ج َه ّنمَ َمثْوًى لّ ْلكَافِرِينَ }‪.‬‬
‫جَآءَ ُه أََليْسَ فِي َ‬
‫يقول تعالـى ذكره‪ :‬ومن أظلـم أيها الناس مـمن اختلق علـى ال كذبـا‪ ,‬فقالوا إذا فعلوا‬
‫حقّ‬
‫فـاحشة‪ :‬وجدنا علـيها آبـاءنا‪ ,‬وال أمرنا بها‪ ,‬وال ل يأمر بـالفحشاء أوْ َكذّ بَ بـالـ َ‬
‫لَـمّا جاءَ هُ يقول‪ :‬أو كذّب بـما بعث ال به رسوله مـحمدا صلى ال عليه وسلم من توحيده‪,‬‬
‫ج َهنّ ـمَ َمثْوًى‬
‫والبراءة من الَل هة والنداد ل ـما جاءه هذا ال ـحقّ من ع ند ال ألَ ـيْسَ فِ ـي َ‬
‫للْكا ِفرِين َـ يقول‪ :‬ألــيس فــي النار َمثْوًى ومَس ْـكَن لــمن كفـر بــال‪ ,‬وجحـد توحيده وكذّب‬
‫رسوله صلى ال عليه وسلم وهذا تقرير‪ ,‬ولـيس بـاستفهام‪ ,‬إنـما هو كقول جرير‪:‬‬
‫ن رَاحِ‬
‫وأ ْندَى العالَـمِينَ ُبطُو َ‬ ‫ب الـمَطايا‬
‫خيْ َر مَنْ رَك َ‬
‫ستُـمْ َ‬
‫أَل ْ‬
‫سكَنا فـي النار‪ ,‬ومنزلً َيثْوُون فـيه‪.‬‬
‫إنـما أخبر أن للكافرين بـال َم ْ‬
‫‪69‬‬ ‫الية ‪:‬‬
‫سنِينَ‬
‫سبُلَنَا وَإِنّ الّل َه َلمَ َع ا ْل ُمحْ ِ‬
‫ن جَا َهدُواْ فِينَا َل َن ْه ِد َي ّنهُمْ ُ‬
‫القول فـي تأويـل قوله تعالـى‪{ :‬وَاّلذِي َ‬
‫}‪.‬‬
‫يقول تعال ـى ذكره‪ :‬والذ ين قاتلوا هؤلء ال ـمفترين عل ـى ال كذب ـا من كف ـار قر يش‪,‬‬
‫الـمكذّبـين بـالـحقّ لـما جاءهم فـينا‪ ,‬مُبتغين بقتالهم عل ّو كلـمتنا‪ ,‬ونُصرة ديننا َل َنهْ ِد َي ّنهُمْ‬
‫سبُلَنا يقول‪ :‬لنوفقنهم لصابة الطريق الـمستقـيـمة‪ ,‬وذلك إصابة دين ال الذي هو السلم‬
‫ُ‬
‫حسِنِـينَ يقول‪ :‬وإن ال‬
‫ن اللّ هَ لَـمَعَ الـمُـ ْ‬
‫الذي بعث ال به مـحمدا صلى ال عليه وسلم وَإ ّ‬
‫صدّقا رسوله فـيـما جاء به من عند‬
‫لـمع من أحسن من خـلقه‪ ,‬فجاهد فـيه أهل الشرك‪ ,‬مُ َ‬
‫ال بـالعون له‪ ,‬والنصرة علـى من جاهد من أعدائه‪ .‬وبنـحو الذي قلنا فـي تأويـل قوله‬
‫ن جا َهدُوا فِـينا قال أهل التأويـل‪ .‬ذكر من قال ذلك‪:‬‬
‫واّلذِي َ‬
‫‪ 21215‬ـ حدثن ـي يو نس‪ ,‬قال‪ :‬أخبر نا ا بن و هب‪ ,‬قال‪ :‬قال ا بن ز يد‪ ,‬ف ـي قوله وَاّلذِي نَ‬
‫جا َهدُوا فِـينا فقلت له‪ :‬قاتلوا فـينا‪ ,‬قال‪ :‬نعم‪.‬‬
‫سورة الروم‬
‫سورة الروم مكية‬
‫وآياتها ستون‬
‫بسم ال الرحمَن الرحيـم‬

‫‪5- 1‬‬ ‫الية ‪:‬‬


‫ت الرّو ُم * فِ يَ َأ ْدنَى الرْ ضِ وَهُم مّن َب ْعدِ‬
‫القول فـي تأويـل قوله تعالـى‪{ :‬الَـمَ * غُِلبَ ِ‬
‫ن * فِي ِبضْعِـ سِـنِينَ لِلّهِـ ال ْمرُ مِن َقبْلُ وَمِن َب ْعدُ َويَ ْو َم ِئذٍ يَ ْفرَحُـ ا ْلمُ ْؤ ِمنُونَـ *‬
‫غََل ِبهِم ْـ سَـَيغِْلبُو َ‬
‫صرِ الّلهِ يَنصُرُ مَن َيشَآءُ وَهُ َو ا ْل َعزِيزُ ال ّرحِيمُ }‪.‬‬
‫ِبنَ ْ‬
‫قال أبو جعفر‪ :‬قد بـيّنا فـيـما مضى قبلُ معنى قوله الـم وذكرنا ما فـيه من أقوال أهل‬
‫التأويـل‪ ,‬فأغنى ذلك عن إعادته فـي هذا الـموضع‪.‬‬
‫وقوله‪ :‬غُِلبَتِـ الرّومِـ فِــي أدْنَى الرْضِـ اختلفـت القرّاء فــي قراءتـه‪ ,‬فقرأتـه عامـة قرّاء‬
‫المصار‪ :‬غُِلبَ تِ الرّو مُ بض مّ الغين‪ ,‬بـمعنى‪ :‬أن فـارس غَلَبت الروم‪ .‬وروي عن ابن عمر‬
‫وأبـي سعيد فـي ذلك ما‪:‬‬
‫‪ 21216‬ـ حدث نا ا بن وك يع‪ ,‬قال‪ :‬ثن ـي أب ـي‪ ,‬عن ال ـحسن ال ـجفريّ‪ ,‬عن سلـيط‪ ,‬قال‪:‬‬
‫ت الرّومُ» فقـيـل له‪ :‬يا أبـا عبد الرحمن‪ ,‬علـى أيّ شيء‬
‫سمعت ابن عمر يقرأ «الـم غََلبَ ِ‬
‫غَلَبوا؟ قال‪ :‬علـى ريف الشام‪.‬‬
‫ت الرّو مُ ب ضم الغ ين‪,‬‬
‫وال صواب من القراءة ف ـي ذلك عند نا الذي ل يجوز غيره ال ـم غُِلبَ ِ‬
‫لجماع الـحجة من القرّاء علـيه‪ .‬فإذ كان ذلك كذلك‪ ,‬فتأويـل الكلم‪ :‬غلبت فـارس الروم‬
‫ض من أرض الشام إل ـى أرض ف ـارس وَهُ مْ مِ نْ َب ْعدِ غَلَبهِ مْ يقول‪ :‬والروم‬
‫فِ ـي أدْنَى الرْ ِ‬
‫ل غلبت هم‬
‫ن قَبْ ُ‬
‫ن ف ـارس فِ ـي ِبضْ عِ سنِـينَ ل ال ْمرُ ِم ْ‬
‫س َيغِْلبُو َ‬
‫من ب عد غل بة ف ـارس إيا هم َ‬
‫فـارس َو ِم نْ َب ْعدُ غلبتهم إياها‪ ,‬يقضي فـي خـلقه ما يشاء‪ ,‬ويحكم ما يريد‪ ,‬ويظهر من شاء‬
‫صرِ اللّ هِ يقول‪ :‬ويوم يغلِب‬
‫ن ِبنَ ْ‬
‫من هم علـى من أح بّ إظهاره عل ـيه َويَ ْو َم ِئذٍ َي ْفرَ حُ الـمُ ْؤ ِمنُو َ‬
‫الروم فـارس يفرح الـمؤمنون بـال ورسوله بنصر ال إياهم علـى الـمشركين‪ ,‬ونُ صْرة‬
‫الروم علـى ف ـارس َينْ صُرُ الّل ُه تعال ـى ذكره مَ نْ يَشا ُء من خ ـلقه‪ ,‬عل ـى من يشاء‪ ,‬و هو‬
‫نُصرة الـمؤمنـين علـى الـمشركين ببدر وَهُ َو ال َعزِيزُ يقول‪ :‬وال الشديد فـي انتقامه من‬
‫أعدائه‪ ,‬ل يــمنعه مـن ذلك مانـع‪ ,‬ول يحول بــينه وبــينه حائل ال ّرحِيــمُ بــمن تاب مـن‬
‫خـلقه‪ ,‬وراجع طاعته أن يعذّبه‪ .‬وبنـحو الذي قلنا فـي ذلك قال أهل التأويـل‪ .‬ذكر من قال‬
‫ذلك‪:‬‬
‫‪ 21217‬ـ حدثنا ابن الـمثنى‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا مـحمد بن سعيد‪ ,‬أو سعيد الثعلبـي الذي يقال له‬
‫طرَ سُوس‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا أبو إسحاق الفزاري‪ ,‬عن سفـيان بن سعيد الثوري‪,‬‬
‫أبو سعد من أهل َ‬
‫جبَـير‪ ,‬عن ابن عبـاس‪ ,‬قال‪ :‬كان الـمسلـمون‬
‫عن حبـيب بن أبـي عَمرة‪ ,‬عن سعيد بن ُ‬
‫يُحبون أن تغلب الرو مُ أ هل الكتاب‪ ,‬وكان ال ـمشركون يحبون أن يغلب أ هل ف ـارس‪ ,‬لن هم‬
‫أهل الوثان‪ ,‬قال‪ :‬فذكروا ذلك لبـي بكر‪ ,‬فذكره أبو بكر للنبـيّ صلى ال عليه وسلم فقال‪:‬‬
‫س ُي ْهزَمُونَ»‪ ,‬قال‪ :‬فذ كر ذلك أ بو ب كر لل ـمشركين‪ ,‬قال‪ :‬فقالوا‪ :‬أفن ـجعل ب ـيننا‬
‫«أ ما إنهُ مْ َ‬
‫وبــينكم أجلً‪ ,‬فإن غلبوا كان لك كذا وكذا‪ ,‬وإن غلبنـا كان لنـا كذا وكذا قال‪ :‬فجعلوا بــينهم‬
‫ي صلى‬
‫وبـينه أجلً خمس سنـين‪ ,‬قال‪ :‬فمضت فل ـم يُغلَبوا قال‪ :‬فذكر ذلك أ بو ب كر للنب ـ ّ‬
‫ن ال َعشْرِ»‪ ,‬قال سعيد‪ :‬والبِضْع ما دون الع شر‪ ,‬قال‪:‬‬
‫جعَ ْلتَ ُه دُو َ‬
‫ال عل يه و سلم‪ ,‬فقال له‪« :‬أفَل َ‬
‫َفغَلَ بَ الروم‪ ,‬ثم غل بت قال‪ :‬فذلك قوله‪ :‬ال ـم غُلِبَت الرّو مُ فِ ـي أدْنَى الرْ ضِ وَهُ مْ مِ نْ َب ْعدِ‬
‫ن َب ْعدُ‬
‫ن قَبْلُ َومِ ْ‬
‫ل ْمرُ مِ ْ‬
‫سنِـينَ قال‪ :‬الب ضع‪ :‬ما دون الع شر لِلّه ا َ‬
‫ن فِ ـي ِبضْ عِ ِ‬
‫س َيغِْلبُو َ‬
‫غََل ِبهِ مْ َ‬
‫َو َي ْو َمئِ ٍذ يَ ْفرَحُ الـمُ ْؤ ِمنُونَ ِب َنصْرِ الّل ِه قال سفـيان‪ :‬فبلغنـي أنهم غلبوا يوم بدر‪.‬‬
‫‪ 21218‬ـ حدثن ـي زكر يا بن يح يى بن أب ـان ال ـمصري‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا مو سى بن هارون‬
‫البرد يّ‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا معن بن عيسى‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا عبد ال بن عبد الرحمن‪ ,‬عن ابن شهاب‪ ,‬عن‬
‫ت الرّو مُ فِـي أ ْدنَى الرْض‪ ...‬الَية‪,‬‬
‫عبـيد ال‪ ,‬عن ابن عبـاس‪ ,‬قال‪ :‬لـما نزلت الـم غُِلبَ ِ‬
‫ناحب أبو بكر قريشا‪ ,‬ثم أتـى النبـيّ صلى ال عليه وسلم‪ ,‬فقال له‪ :‬إنـي قد ناحبتهم‪ ,‬فقال‬
‫ث إلـى التّ سْع»‪ .‬قال‬
‫ن ال ِبضْ عَ ما بـينَ الثل ِ‬
‫ح َتطْ تّ فإ ّ‬
‫له النبـيّ صلى ال عليه وسلم‪« :‬هَلّ ا ْ‬
‫الـجمـحي‪ :‬الـمناحبة‪ :‬الـمراهنة‪ ,‬وذلك قبل أن يكون تـحريـم ذلك‪.‬‬
‫‪ 21219‬ـ حدثنـي مـحمد بن سعد‪ ,‬قال‪ :‬ثنـي أبـي‪ ,‬قال‪ :‬ثنـي عمي‪ ,‬قال‪ :‬ثنـي أبـي‪,‬‬
‫عن أبـيه‪ ,‬عن ابن عبـاس‪ ,‬قوله آلـم غُِلبَ تِ الرّو مُ‪ ...‬إلـى قوله َويَ ْو َم ِئذٍ َي ْفرَ حُ الـمُ ْؤ ِمنُونَ‬
‫صرِ الّل هِ قال‪ :‬قد مضى كان ذلك فـي أهل فـارس والروم‪ ,‬وكانت فـارس قد غلبتهم‪ ,‬ثم‬
‫ِبنَ ْ‬
‫غلبت الروم بعد ذلك‪ ,‬ولقـي نبـيّ ال صلى ال عليه وسلم مشركي العرب‪ ,‬يوم التقت الروم‬
‫وفـارس‪ ,‬فنصر ال النبـيّ صلى ال عليه وسلم ومن معه من الـمسلـمين علـى مشركي‬
‫العرب‪ ,‬ون صر أهل الكتاب علـى مشر كي العجم‪ ,‬ففرح ال ـمؤمنون بن صر ال إيا هم ون صر‬
‫أهل الكتاب علـى العجم‪ .‬قال عطية‪ :‬فسألت أبـا سعيد الـخدريّ عن ذلك‪ ,‬فقال‪ :‬التقـينا مع‬
‫مـحمد رسول ال صلى ال عليه وسلم ومشركي العرب‪ ,‬والتقت الروم وفـارس‪ ,‬فنصرنا ال‬
‫عل ـى مشر كي العرب‪ ,‬ون صر ال أ هل الكتاب عل ـى ال ـمـجوس‪ ,‬ففرح نا بن صر ال إيا نا‬
‫علــى الــمشركين‪ ,‬وفرح نا بنصـر ال أهـل الكتاب علــى ال ـمـجوس‪ ,‬فذلك قوله َويَ ْو َم ِئذٍ‬
‫يَ ْفرَحُ الـمُ ْؤ ِمنُونَ ِب َنصْر اللّهِ‪.‬‬
‫حدثنــي علــيّ‪ ,‬قال‪ :‬حدثنـا أبـو صـالـح‪ ,‬قال‪ :‬ثنــي معاويـة‪ ,‬عـن علــيّ‪ ,‬عـن ابـن‬
‫س َيغْلِبُونَ غلبتهم‬
‫ت الرّومُ فِـي أ ْدنَى الرْضِ وَ ُهمْ مِنْ َب ْعدِ غََلبِهمْ َ‬
‫عبـاس‪ ,‬فـي قوله آلـم‪ .‬غُِلبَ ِ‬
‫فـارس‪ ,‬ثم غلبت الروم‪.‬‬
‫‪ 21220‬ـ حدثن ـي أ بو ال سائب‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا أ بو معاو ية‪ ,‬عن الع مش‪ ,‬عن م سلـم‪ ,‬عن‬
‫مسروق‪ ,‬قال‪ :‬قال عبد ال‪ :‬خمس قد مضين‪ :‬الدخان‪ ,‬واللزام‪ ,‬والبطشة‪ ,‬والقمر‪ ,‬والروم‪.‬‬
‫حدثنا ابن الـمثنى‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا عبد العلـى‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا داود‪ ,‬عن عامر‪ ,‬عن ابن مسعود‪,‬‬
‫قال‪ :‬قد مضى آلـم غُِلبَت الرّومُ‪.‬‬
‫‪ 21221‬ـ حدثنـي م ـحمد بن عمرو‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا أ بو عا صم‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا عي سى وحدثنـي‬
‫الـحارث‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا الـحسن‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا ورقاء جميعا‪ ,‬عن ابن أبـي نـجيح عن مـجاهد‬
‫ت الرّومُ‪ ...‬إلـى قوله أ ْك َثرَ النّاسِ ل َيعْلَـمُونَ قال‪َ :‬ذكَر غَلَبة فـارس إياهم‪ ,‬وإدالة‬
‫آلـم غُِلبَ ِ‬
‫الروم عل ـى ف ـارس‪ ,‬وفرح ال ـمؤمنون بن صر الروم أ هل الكتاب عل ـى ف ـارس من أ هل‬
‫الوثان‪.‬‬
‫‪ 21222‬ـ حدثنا القاسم‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا الـحسين‪ ,‬قال‪ :‬ثنـي حجاج‪ ,‬عن أبـي بكر بن عبد ال‪,‬‬
‫عـن عكرِمـة‪ ,‬أن الروم وفــارس اقتتلوا فــي أدنـى الرض‪ ,‬قالوا‪ :‬وأدنـى الرض يومئذٍ‬
‫َأذْرعات‪ ,‬بهـا التقَوا‪ ,‬فهُزِمـت الروم فبلغ ذلك النبــي صـلى ال عليـه وسـلم وأصـحابه وهـم‬
‫بــمكة‪ ,‬فشقّـ ذلك علــيهم وكان النبــي صلى ال عل يه وسـلم يكره أن يظهـر الميّون من‬
‫الــمـجوس علــى أهـل الكتاب مـن الروم‪ ,‬ففرح الكفــار بــمكة وشمتوا‪ ,‬فلقوا أصـحاب‬
‫النبـيّ صلى ال عليه وسلم‪ ,‬فقالوا‪ :‬إنكم أهل الكتاب‪ ,‬والنصارى أهل كتاب‪ ,‬ونـحن ُأ ّميّون‪,‬‬
‫و قد ظ هر إخوان نا من أ هل ف ـارس عل ـى إخوان كم من أ هل الكتاب‪ ,‬وإن كم إن قاتلت ـمونا‬
‫س َيغِْلبُونَ‬
‫ن َب ْعدِ غََل ِبهِمْ َ‬
‫لنظهرنّ علـيكم‪ ,‬فأنزل ال آلـم غُِلبَتِ الرّومُ فِـي أ ْدنَى الرْضِ وَهُمْ ِم ْ‬
‫صرِ اللّهِ‪ ...‬الَيات‪,‬‬
‫ن ِبنَ ْ‬
‫ن َقبْلُ َو ِمنْ َب ْعدُ َويَ ْو َم ِئذٍ يَ ْفرَحُ الـمُ ْؤ ِمنُو َ‬
‫سنِـينَ لِّلهِ ال ْمرُ مِ ْ‬
‫فِـي ِبضْعِ ِ‬
‫فخرج أ بو ب كر ال صدّيق إل ـى الكفّ ـار‪ ,‬فقال‪ :‬أفرحت ـم بظهور إخوان كم عل ـى إخوان نا؟ فل‬
‫ّنـ ال أعينكـم‪ ,‬فوال لــيظهرنّ الروم علــى فــارس‪ ,‬أخبرنـا بذلك نبــينا‬
‫تفرحوا‪ ,‬ول يقر ّ‬
‫صلى ال عليه وسلم‪ ,‬فقام إلـيه أُبـيّ بن خـلف‪ ,‬فقال‪ :‬كذبت يا أبـا فضيـل‪ ,‬فقال له أبو‬
‫بكر رضي ال عنه‪ :‬أنت أكذب يا عدوّ ال‪ ,‬فقال‪ :‬أناحبك عشر قلئص منـي‪ ,‬وعشر قلئص‬
‫م نك‪ ,‬فإن ظهرت الروم عل ـى ف ـارس غرم تُ‪ ,‬وإن ظهرت ف ـارس عل ـى الروم غرم تَ‬
‫إل ـى ثلث سنـين ثم جاء أ بو ب كر إل ـى النب ـيّ صلى ال عل يه و سلم فأ خبره‪ ,‬فقال‪ « :‬ما‬
‫طرِ‪ ,‬ومادّه فِـي‬
‫ث إلـى التّ سْعِ‪ ,‬فَزَا ِيدْ هُ فِـي الـخَ َ‬
‫َه َكذَا َذ َكرْ تُ‪ ,‬إنّـمَا البِضْ عُ ما بـينَ الثّل ِ‬
‫الجَلِ»‪ .‬فخرج أبـو بكـر فلقــي ُأبَــيّا‪ ,‬فقال‪ :‬لعلك ندمـت‪ ,‬فقال‪ :‬ل‪ ,‬فقال‪ :‬أزايدك فــي‬
‫ال ـخطر‪ ,‬وأمادّك فـي ال جل‪ ,‬فـاجعلها مئة قلوص ل ـمئة قلوص إلـى ت سع سنـين‪ ,‬قال‪:‬‬
‫قد فعلت‪.‬‬
‫‪ 21223‬ـ حدثنا القاسم‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا الـحسين‪ ,‬قال ثنـي حجاج‪ ,‬عن أبـي بكر‪ ,‬عن عكرِمة‪,‬‬
‫قال‪ :‬كانت فـي فـارس امرأة ل تلد إلّ الـملوك البطال‪ ,‬فدعاها كسرى‪ ,‬فقال‪ :‬إنـي أريد‬
‫أن أبعث إلـى الروم جيشا وأستعمل علـيهم رجلً من بنـيك‪ ,‬فأشيري علـيّ أيهم أستعمل‪,‬‬
‫فقالت‪ :‬هذا فلن‪ ,‬و هو أروغ من ثعلب‪ ,‬وأحذر من صرد‪ ,‬وهذا فرخان‪ ,‬و هو أن فذ من سنان‪,‬‬
‫وهذا شهربراز‪ ,‬وهـو أحلــم مـن كذا‪ ,‬فــاستعمل أيهـم شئت قال‪ :‬إنــي قـد اسـتعملت‬
‫الـحلـيـم‪ ,‬فـاستعمل شهربراز‪ ,‬فسار إلـى الروم بأ هل فـارس‪ ,‬وظهر علـيهم‪ ,‬فقتلهم‪,‬‬
‫وخرّب مدائنهـم‪ ,‬وقطـع زيتونهـم قال أبـو بكـر‪ :‬فحدّثـت بهذا الــحديث عطاء الــخراسانـي‬
‫فقال‪ :‬أما رأيت بلد الشام؟ قلت‪ :‬ل‪ ,‬قال‪ :‬أما إنك لو رأيتها‪ ,‬لرأيت الـمدائن التـي خرّبت‪,‬‬
‫والزيتون الذي قُطع‪ ,‬فأتـيت الشام بعد ذلك فرأيته‪.‬‬
‫ل يُدعى قطمة بجيش‬
‫قال عطاء الـخراسانـي‪ :‬ثنـي يحيى بن يعمر‪ ,‬أن قـيصر بعث رج ً‬
‫من الروم‪ ,‬وب عث ك سرى شهربراز‪ ,‬ف ـالتقـيا بأذرعات وب صرى‪ ,‬و هي أد نى الشام إل ـيكم‪,‬‬
‫فلق ـيت ف ـارس الروم‪ ,‬فغلبت هم ف ـارس‪ ,‬ففرح بذلك كف ـار قر يش‪ ,‬وكر هه ال ـمسلـمون‪,‬‬
‫ت الرّو مُ فِـي أ ْدنَى الرْ ضِ‪ ...‬الَيات‪ ,‬ثم ذكر مثل حديث عكرمة‪ ,‬وزاد‪:‬‬
‫فأنزل ال آلـم غُِلبَ ِ‬
‫فلـم يزل شهربراز يطؤهم‪ ,‬ويخرب مدائنهم حتـى بلغ الـخـلـيج ثم مات كسرى‪ ,‬فبلغهم‬
‫موته‪ ,‬فـانهزم شهربراز وأصحابه‪ ,‬وأوعبت علـيهم الروم عند ذلك‪ ,‬فأتبعوهم يقتلونهم قال‪:‬‬
‫وقال عكرمـة فــي حديثـه‪ :‬لــما ظهرت فــارس علــى الروم جلس فرخان يشرب‪ ,‬فقال‬
‫لصـحابه‪ :‬لقـد رأيـت كأنــي جالس علــى سـرير كسـرى‪ ,‬فبلغـت كسـرى‪ ,‬فكتـب إلــى‬
‫شهربُراز‪ :‬إذا أتاك كتاب ـي ف ـابعث إل ـيّ برأس َفرّخان‪ ,‬فك تب إلـيه‪ :‬أي ها الـملك‪ ,‬إ نك لن‬
‫تـجد مثل فَرّخان‪ ,‬إن له نكاية وضربـا فـي العدوّ‪ ,‬فل تفعل‪ .‬فكتب إلـيه‪ :‬إن فـي رجال‬
‫فـارسَ خَـلَفـا منه‪ ,‬ف َعجّل إلـيّ برأسه‪ .‬فراجعه‪ ,‬فغضب كسرى فلـم يجبه‪ ,‬وبعث بريدا‬
‫شهْر ُبرَاز‪ ,‬واستعملت علـيكم فَرّخان ثم دفع إلـى‬
‫إلـى أهل فـارس‪ :‬إنـي قد نزعت عنكم َ‬
‫البريـد صـحيفة صـغيرة‪ :‬إذا وَلِــيَ فَرّخان الــمُلك‪ ,‬وانقاد له أخوه‪ ,‬فأعطـه هذه فلــما قرأ‬
‫شهْر ُبرَاز الكتاب‪ ,‬قال‪ :‬سمعا وطاعة‪ ,‬ونزل عن سريره‪ ,‬وجلس فَرّخان‪ ,‬ودفع الصحيفة إلـيه‪,‬‬
‫َ‬
‫قال‪ :‬ائتونـي بشهربُرَاز‪ ,‬فقدّمه لـيضرب عنقه‪ ,‬قال‪ :‬ل تعجل حتـى أكتب وصيتـي‪ ,‬قال‪:‬‬
‫نعم‪ ,‬فدعا بـالسّفَط‪ ,‬فأعطاه ثلث صحائف‪ ,‬وقال‪ :‬كل هذا راجعت فـيك كسرى‪ ,‬وأنت أردت‬
‫أن تقتلن ـي بكتاب وا حد‪ ,‬فر ّد ال ـملك‪ ,‬وك تب شهربُراز إل ـى ق ـيصر ملك الروم‪ :‬إن ل ـي‬
‫إلـيك حاجة ل يحملها البريد‪ ,‬ول تبلّغها الصحف‪ ,‬فـالْقِنـي‪ ,‬ول تَلْقَنـي إلّ فـي خم سين‬
‫س مئة ألف روميّ‪ ,‬وجعل‬
‫خمْ ِ‬
‫رُوميا‪ ,‬فإنـي ألقاك فـي خمسين فـارسيا فأقبل قـيصر فـي َ‬
‫ي ضع العيون ب ـين يد يه ف ـي الطر يق‪ ,‬وخاف أن يكون قد م كر به‪ ,‬حت ـى أت ته عيو نه أن‬
‫لـيس معه إلّ خمسون رجلً‪ ,‬ثم بُ سِط لهما‪ ,‬والتقـيا فـي قبة ديبـاج ضُربت لهما‪ ,‬مع كل‬
‫ش ْهرْ ُبرَاز‪ :‬إن الذين خرّبوا مدائنك أنا وأخي‪,‬‬
‫سكّين‪ ,‬فدعيا ترجمانا بـينهما‪ ,‬فقال َ‬
‫واحد منهما ِ‬
‫بكيدنا وشجاعتنا‪ ,‬وإن كسرى حسدنا‪ ,‬فأراد أن أقتل أخي‪ ,‬فأبـيت‪ ,‬ثم أمر أخي أن يقتلنـي‪,‬‬
‫فقد خـلعناه جميعا‪ ,‬فنـحن نقاتله معك‪ ,‬فقال‪ :‬قد أصبتـما‪ ,‬ثم أشار أحدهما إلـى صاحبه أن‬
‫ال سرّ ب ـين اثن ـين‪ ,‬فإذا جاوز اثن ـين ف شا‪ .‬قال‪ :‬أ جل‪ ,‬فقتل الترجمان جمي عا ب سكينـيهما‪,‬‬
‫فأهلك ال كسرى‪ ,‬وجاء الـخبر إلـى رسول ال صلى ال عليه وسلم يوم الـحُدَيبَـية‪ ,‬ففرح‬
‫ومن معه‪.‬‬
‫ت الرّو مُ قال‪:‬‬
‫‪ 21224‬ـ حدث نا ب شر‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا يز يد‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا سعيد‪ ,‬عن قَتادة آل ـم غُِلبَ ِ‬
‫ن َبعْدِ غََل ِبهِ مْ س َيغِْلبُونَ‪ ...‬الَية‪ ,‬قال‪ :‬لـما أنزل ال‬
‫غَلَبتهم فـارسُ علـى أدنى الشام وَهُ ْم مِ ْ‬
‫صـدّق الــمسلـمون ربهـم‪ ,‬وعلــموا أن الروم سـيظهرون علــى فــارس‪,‬‬
‫هؤلء الَيات َ‬
‫ف ـاقتـمروا هم وال ـمشركون خم سَ قلئص‪ ,‬خمَس قلئص‪ ,‬وَأجّلوا ب ـينهم خ مس سنـين‪,‬‬
‫فولــيَ قِمار الــمسلـمين أبـو بكـر رضـي ال عنـه‪ ,‬وولــيَ قِمار الــمشركين أُبــيّ بـن‬
‫خـلف‪ ,‬وذلك قبل أن ُي ْنهَى عن القمار‪ ,‬فحلّ الجل‪ ,‬ولـم يظهر الروم علـى فـارس‪ ,‬وسأل‬
‫ال ـمشركون قِمار هم‪ ,‬فذَكَر ذلك أ صحاب النب ـيّ للنب ـيّ صلى ال عل يه و سلم قال‪« :‬لَ ـمْ‬
‫شرِ‪َ ,‬وزَا ِيدُوهُمْ فِـي‬
‫ن الثّلثِ إلـى ال َع ْ‬
‫شرِ‪ ,‬فإنّ ال ِبضْعَ ما بـي َ‬
‫ن ال َع ْ‬
‫ن تُ َؤجّلُوا دُو َ‬
‫َتكُونُوا أحِقّا َء أ ْ‬
‫القِمار‪ ,‬وَمادّوهُ مْ فِـي الجَلِ»‪ ,‬ففعلوا ذلك‪ ,‬فأظهر ال الروم علـى فـارس عند رأس ال ِبضْع‬
‫سنـينَ من قمارهم الوّل‪ ,‬وكان ذلك مرجعَه من الـحديبـية‪ ,‬ففرح الـمسلـمون بصلـحهم‬
‫الذي كان‪ ,‬وبظهور أهل الكتاب علـى الـمـجوس‪ ,‬وكان ذلك مـما شدّد ال به السلم وهو‬
‫قوله َو َي ْو َم ِئذٍ يَ ْفرَحُ الـمُ ْؤ ِمنُونَ ِب َنصْ ِر اللّهِ‪ ...‬الَية‪.‬‬
‫‪ 21225‬ـ حدثنـي يعقوب‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا ابن عُلَـية‪ ,‬عن داود بن أبـي هند‪ ,‬عن الشعبـيّ‪,‬‬
‫ن قال‪ :‬كان النبـيّ صلى‬
‫فـي قوله آلـم غُِلبَ تِ الرّو مُ‪ ...‬إلـى قوله َويَ ْو َم ِئذٍ َي ْفرَ حُ الـمُ ْؤ ِمنُو َ‬
‫ال عليـه وسـلم أخـبر الناس بــمكة أن الروم سـُتغْلَب‪ ,‬قال‪ :‬فنزل القرآن بذلك‪ ,‬قال‪ :‬وكان‬
‫الـمسلـمون ُيحِبون ظهور الروم علـى فـارس‪ ,‬لنهم أهل الكتاب‪.‬‬
‫‪ 21226‬ـ حدثنا ابن وكيع‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا الـمـحاربـيّ‪ ,‬عن داود بن أبـي هند‪ ,‬عن عامر‪,‬‬
‫عن ع بد ال‪ ,‬قال‪ :‬كا نت ف ـارس ظاهرة عل ـى الروم‪ ,‬وكان ال ـمشركون يحبون أن تظ هر‬
‫فـارسُ علـى الروم‪ ,‬وكان الـمسلـمون يحبون أن تظهر الروم علـى فـارس‪ ,‬لنهم أهل‬
‫سنِـينَ‬
‫ت الرّو مُ‪ ...‬إل ـى فِ ـي بِضْ ِع ِ‬
‫كتاب‪ ,‬و هم أقرب إل ـى دين هم‪ :‬فل ـما نزلت آل ـم غُِلبَ ِ‬
‫ن صاحبك يقول‪ :‬إن الروم تظ هر عل ـى ف ـارس ف ـي ب ضع سنـين‪,‬‬
‫قالوا‪ :‬يا أب ـا ب كر‪ :‬إ ّ‬
‫قال‪ :‬صدق‪ ,‬قالوا‪ :‬هل لك أن نقامرك؟ فب ـايعوه عل ـى أر بع قلئص‪ ,‬إل ـى سبع سنـين‪,‬‬
‫فمضت السبع‪ ,‬ولـم يكن شيء‪ ,‬ففرح الـمشركون بذلك‪ ,‬وشَ قّ علـى الـمسلـمين‪ ,‬فذكروا‬
‫ع ْن َدكُ مْ؟» قالوا‪ :‬دون العشر‪ ,‬قال‪:‬‬
‫سنِـينَ ِ‬
‫ذلك للنبـيّ صلى ال عليه و سلم‪ :‬فقال‪« :‬ما ِبضْ عُ ِ‬
‫ب فزَا ِيدْهُ مْ وَا ْز َددْ س َنتَـيْنِ» قال‪ :‬ف ما م ضت ال سنتان‪ ,‬حت ـى جاءت الركب ـان بظهور‬
‫«اذْهَ ْ‬
‫الرّوم علـى فـارس‪ ,‬ففرح الـمسلـمون بذلك‪ ,‬فأنزل ال‪ :‬آلـم غُِلبَ تِ الرّو مُ‪ ...‬إلـى قوله‬
‫عدَهُ‪.‬‬
‫عدَ اللّ ِه ل ُيخْـِلفُ اللّ ُه وَ ْ‬
‫َو ْ‬
‫حدثنا ابن وكيع‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا أبـي‪ ,‬عن العمش‪ ,‬ومطر عن أبـي الضحى‪ ,‬عن مسروق‪,‬‬
‫عن عبد ال قال‪ :‬مضت الروم‪.‬‬
‫‪ 21227‬ـ حدثنـي يونس‪ ,‬قال‪ :‬أخبرنا ابن وهب‪ ,‬قال‪ :‬قال ابن زيد‪ ,‬فـي قوله آلـم غُِلبَ تِ‬
‫ن قال‪ :‬كا نت‬
‫س َيغِْلبُو َ‬
‫ن َب ْعدِ غََل ِبهِ مْ َ‬
‫ض قال‪ :‬أد نى الرض‪ :‬الشأم وَهُ مْ مِ ْ‬
‫الرّو مُ فِ ـي أدْنَى الرْ ِ‬
‫ل الرو مُ علـى فـارس‪ ,‬وذُكر أن رسول ال صلى ال عليه‬
‫فـارس قد غَلَبت الروم‪ ,‬ثم أديـ َ‬
‫س َتغْلِبُ ف ـارِسا»‪ ,‬فقال ال ـمشركون‪ :‬هذا م ـما َيتَ ـخَرّص م ـحمد‪,‬‬
‫ن الرّو مَ َ‬
‫و سلم قال‪« :‬إ ّ‬
‫فقال أ بو ب كر‪ُ :‬تنَاحبونن ـي؟ وال ـمناحبة‪ :‬ال ـمـجاعلة‪ ,‬قالوا‪ :‬ن عم‪ ,‬فناحب هم أ بو ب كر‪ ,‬فج عل‬
‫السنـين أربعا أو خمسا‪ ,‬ثم جاء إلـى النبـيّ صلى ال عليه وسلم‪ ,‬فقال رسول ال صلى ال‬
‫ن البِضْ عَ فِـيـما بـينَ الثّل ثِ إلـى التّ سْعِ‪ ,‬فـا ْرجِعْ إلـى ال َقوْ مِ‪ ,‬فَ ِزدْ فِـي‬
‫عليه وسلم‪« :‬إ ّ‬
‫حبَ هم فزاد‪ .‬قال‪ :‬فغَل بت الروم ف ـارسا‪ ,‬فذلك قول ال‪:‬‬
‫حبَةِ»‪ ,‬فر جع إل ـيهم‪ .‬قالوا‪ :‬فنا َ‬
‫ال ـمُنا َ‬
‫ن َيشَاءُ يوم أُديـلت الرومُ علـى فـارس‪.‬‬
‫صرُ مَ ْ‬
‫َو َي ْو َمئِ ٍذ يَ ْفرَحُ الـمُ ْؤ ِمنُونَ ِب َنصْرِ الّل ِه َينْ ُ‬
‫حدثنا ابن وكيع‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا معاوية بن عمرو‪ ,‬عن أبـي إسحاق الفَزار يّ‪ ,‬عن سفـيان‪,‬‬
‫ت الرو مُ قال‪:‬‬
‫جبَـير‪ ,‬عن ابن عبـاس آلـم غُِلبَ ِ‬
‫عن حبـيب بن أبـي عمرة‪ ,‬عن سعيد بن ُ‬
‫غُلِبت وغَلَبت‪.‬‬
‫فأ ما الذ ين قرءوا ذلك‪« :‬غََلبَ تِ الرّو مُ» بفتـح الغ ين‪ ,‬فإن هم قالوا‪ :‬نزلت هذه الَية خبرا من‬
‫ال نبـيه صلى ال عليه وسلم عن غَلَبة الروم‪ .‬ذكر من قال ذلك‪:‬‬
‫‪ 21228‬ـ حدث نا ن صر بن عل ـيّ‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا ال ـمعتـمِر بن سلـيـمان‪ ,‬عن أب ـيه‪ ,‬عن‬
‫سلـيـمان‪ ,‬يعن ـي الع مش‪ ,‬عن عط ية‪ ,‬عن أب ـي سعيد‪ ,‬قال‪ :‬ل ـما كان يو مُ ظ هر الروم‬
‫ت الرّومُ علـى فـارس‪.‬‬
‫ب ذلك الـمؤمنـين‪ ,‬فنزلت آلـم غُِلبَ ِ‬
‫علـى فـارس‪ ,‬فأعج َ‬
‫حدثنـا مــحمد بـن الــمثنى‪ ,‬قال‪ :‬حدثنـا يحيـى بـن حماد‪ ,‬قال‪ :‬حدثنـا أبـو عوانـة‪ ,‬عـن‬
‫سـلـيـمان‪ ,‬عـن عطيـة‪ ,‬عـن أبــي سـعيد‪ ,‬قال‪ :‬لــما كان يوم بدر‪ ,‬غلبـت الروم علــى‬
‫ت الرّومُ‪ ...‬إلـى آخر الَية‪.‬‬
‫فـارس‪ ,‬ففرح الـمسلـمون بذلك‪ ,‬فأنزل ال آلـم غُِلبَ ِ‬
‫حدثنـا يحيـى بـن إبراهيــم الــمسعودي‪ ,‬قال‪ :‬حدثنـا أبــي‪ ,‬عـن أبــيه‪ ,‬عـن جدّه‪ ,‬عـن‬
‫العمش‪ ,‬عن عطية‪ ,‬عن أبـي سعيد‪ ,‬قال‪ :‬لـما كان يوم بدر‪ ,‬ظهرت الروم علـى فـارس‪,‬‬
‫ت الرّو مُ فِـي أ ْدنَى الرْ ضِ‬
‫فأعجب ذلك الـمؤمنـين‪ ,‬لنهم أهل كتاب‪ ,‬فأنزل ال آلـم غُِلبَ ِ‬
‫قال‪ :‬كانوا قد غلبوا قبل ذلك‪ ,‬ثم قرأ حتـى بلغ َو َي ْو َمئِ ٍذ يَ ْفرَحُ الـمُ ْؤ ِمنُونَ ِب َنصْرِ الّلهِ‪.‬‬
‫ض قد ذكرت قول بعض هم ف ـيـما تقدّم ق بل‪ ,‬وأذ كر قول من ل ـم‬
‫وقوله‪ :‬فِ ـي أدْنَى الرْ ِ‬
‫يذكر قوله‪.‬‬
‫‪ 21229‬ـ حدثنـي علـيّ‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا أبو صالـح‪ ,‬قال‪ :‬ثنـي معاوية‪ ,‬عن علـيّ‪ ,‬عن ابن‬
‫عبـاس‪ ,‬قوله فـي أدنى الرْضِ يقول‪ :‬فـي طرف الشام‪.‬‬
‫ومع نى قوله أد نى‪ :‬أقرب‪ ,‬و هو أف عل من الدنوّ والقرب‪ .‬وإن ـما معناه‪ :‬ف ـي أد نى الرض‬
‫من فـارس‪ ,‬فترك ذكر فـارس استغناء بدللة ما ظهر من قوله فِـي أ ْدنَى الرْ ضِ علـيه‬
‫منه‪ .‬وقوله‪ :‬وَهُ مْ ِم نْ َب ْعدِ غََل ِبهِ مْ يقول‪ :‬والروم من بعد غلبة فـارس إياهم سيغلبون فـارس‪.‬‬
‫وقوله‪ :‬م نْ َب ْعدِ غَلَبه مْ مصدر من قول القائل‪ :‬غلبته غلبة‪ ,‬فحذفت الهاء من الغلبة‪ .‬وقـيـل‪:‬‬
‫من ب عد غلب هم‪ ,‬ول ـم ي قل‪ :‬من ب عد غلبت هم للضا فة‪ ,‬ك ما حذ فت من قوله‪ :‬وَإقا مِ ال صّلةِ‬
‫للضافة‪ .‬وإنـما الكلم‪ :‬وإقامة الصلة‪.‬‬
‫ن فإن القرّاء أجمعين علـى فتـح الـياء فـيها‪ ,‬والواجب علـى قراءة‬
‫س َيغِْلبُو َ‬
‫وأما قوله‪َ :‬‬
‫س ُيغَْلبُونَ» بضم الـياء‪ ,‬فـيكون‬
‫ن الرّو مُ» بفتـح الغين‪ ,‬أن يقرأ قوله‪َ « :‬‬
‫من قرأ‪« :‬الـم غََلبَ ِ‬
‫ح مع نى الكلم‪ ,‬وإلّ‬
‫معناه‪ :‬و هم من ب عد غلبت هم ف ـارس سيغلبهم ال ـمسلـمون‪ ,‬حت ـى ي ص ّ‬
‫لــم يكـن للكلم كبــير معنـى إن فتــحت الــياء‪ ,‬لن الــخبر عمـا قـد كان يصـير إلــى‬
‫الـخبر عن أنه سيكون‪ ,‬وذلك إفساد أحد الـخبرين بـالَخر‪.‬‬
‫ن قد ذكر نا اختلف أ هل التأوي ـل ف ـي مع نى الب ضع ف ـيـما‬
‫سنِـي َ‬
‫وقوله‪ :‬فِ ـي بضْ عِ ِ‬
‫مضى‪ ,‬وأتـينا علـى الصحيح من أقوالهم‪ ,‬بـما أغنى عن إعادته فـي هذا الـموضع‪ .‬وقد‪:‬‬
‫ل ْمرُ مِنْ‬
‫‪21230‬ـ حدثنا‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا الـحسين‪ ,‬قال‪ :‬ثنـي حجاج‪ ,‬عن ابن جُرَيج‪ ,‬قوله‪ :‬لِلّهِ ا َ‬
‫َقبْلُ دولة فـارس علـى الروم َو ِمنْ َب ْعدُ دولة الروم علـى فـارس‪.‬‬
‫ن يَشاءُ ف قد ذكر نا الروا ية ف ـي‬
‫صرِ اللّ ِه َينْ صُرُ مَ ْ‬
‫وأ ما قوله‪َ :‬ويَ ْو َم ِئذٍ يَ ْفرَ حُ ال ـمُ ْؤ ِمنُونَ ِبنَ ْ‬
‫تأويـله قبل‪ ,‬وبـيّنا معناه‪.‬‬

‫‪6‬‬ ‫الية ‪:‬‬


‫عدَهُـ وَلَــكِنّ َأ ْك َثرَ النّاسِـ لَ‬
‫ل ُيخْلِفُـ اللّهُـ وَ ْ‬
‫عدَ اللّهِـ َ‬
‫القول فــي تأويــل قوله تعالــى‪َ { :‬و ْ‬
‫َيعَْلمُونَ }‪.‬‬
‫يقول تعالــى ذكره‪ :‬وعـد ال جلّ ثناؤه‪ ,‬وعـد أن الروم سـتغلب فــارس مـن بعـد غلبـة‬
‫س َيغْلِبُونَ لن‬
‫ع َد اللّ هِ عل ـى ال ـمصدر من قوله وَهُ مْ مِ نْ َب ْعدِ غََل ِبهِ مْ َ‬
‫ف ـارس ل هم‪ .‬ون صب وَ ْ‬
‫ذلك و عد من ال ل هم أن هم سيغلبون‪ ,‬فكأ نه قال‪ :‬و عد ال ذلك ال ـمؤمنـين وعدا‪ .‬ل ُيخْ ـلفُ‬
‫عدَ ُه يقول تعالـى ذكره‪ :‬إن ال يفـي بوعده للـمؤمنـين أن الروم سيغلبون فـارس‪,‬‬
‫اللّ هُ وَ ْ‬
‫ل يخــلفهم وعده ذلك‪ ,‬لنـه لــيس فــي مواعيده خــلف‪ .‬ولكِنّـ أ ْكثَ َر النّاس ِـ ل يعْلَــمُونَ‬
‫يقول‪ :‬ولك نّ أكثر قريش الذين يكذّبون بأن ال منـجز وعده الـمؤمنـين‪ ,‬من أن الروم تغلب‬
‫فـارس‪ ,‬ل يعلـمون أن ذلك كذلك‪ ,‬وأنه ل يجوز أن يكون فـي وعد ال إخلف‪.‬‬

‫‪7‬‬ ‫الية ‪:‬‬


‫خرَةِ هُم ْـ‬
‫لِ‬‫حيَا ِة ال ّدنْيَا وَهُم ْـ عَنِـ ا َ‬
‫القول فــي تأويــل قوله تعالــى‪َ { :‬يعَْلمُونَـ ظَاهِرا مّنَـ ا ْل َ‬
‫غَافِلُونَ }‪.‬‬
‫يقول تعالـى ذكره‪ :‬يعل ـم هؤلء الـمكذّبون بحقـيقة خبر ال أن الروم ستغلب فـارس‬
‫ظاهرا من حياتهم الدنـيا‪ ,‬وتدبـير معايشهم فـيها‪ ,‬وما يصلـحهم‪ ,‬وهم عن أمر آخرتهم‪,‬‬
‫وما لهم فـيه النـجاة من عقاب ال هنالك غافلون‪ ,‬ل يفكرون فـيه‪ .‬وبنـحو الذي قلنا فـي‬
‫ذلك قال أهل التأويـل‪ .‬ذكر من قال ذلك‪:‬‬
‫‪ 21231‬ـ حدثنا ابن حميد‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا أبو تُـ َميْـلة يحيى بن واضح النصاري‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا‬
‫ال ـحسين بن وا قد‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا يز يد الن ـحوي عن عكر مة‪ ,‬عن ا بن عب ـاس‪ ,‬ف ـي قوله‬
‫ن الـحَيا ِة ال ّدنْـيا يعنـي معايشهم‪ ,‬متـى يحصدون ومتـى يغرسون‪.‬‬
‫َيعْلَـمُونَ ظاهِرا مِ َ‬
‫حدثن ـي أح مد بن الول ـيد الرمل ـيّ‪ ,‬قال ث نا‪ :‬عمرو بن عثمان بن ع مر‪ ,‬عن عا صم بن‬
‫علـيّ‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا أبو تُـ َميْـلة‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا ابن واقد‪ ,‬عن يزيد النـحويّ‪ ,‬عن عكرمة‪ ,‬عن‬
‫ن ظاهِرا من ال ـحَيا ِة ال ّدنْ ـيا قال‪ :‬مت ـى َي ْزرَعون‪ ,‬مت ـى‬
‫ا بن عب ـاس‪ ,‬ف ـي قوله يعْلَ ـمو َ‬
‫َيغْرِسون‪.‬‬
‫‪ 21232‬ـ حدثنا مـحمد بن الـمثنى‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا مـحمد بن جعفر‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا شعبة‪ ,‬قال‪:‬‬
‫ن الـحَيا ِة ال ّدنْـيا قال‪ :‬هو السراج‬
‫ثنـي شرقـي‪ ,‬عن عكرمة‪ ,‬فـي قوله َيعْلَـمُونَ ظاهِرا مِ َ‬
‫أو نـحوه‪.‬‬
‫حدثنا أبو هريرة مـحمد بن فراس الضبعي‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا أبو ُقتَـيبة‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا شعبة‪ ,‬عن‬
‫ن ظاهِرا ِمنَ الـحَياةِ ال ّدنْـيا‪ :‬قال السراجون‪.‬‬
‫شرقـي‪ ,‬عن عكرِمة‪ ,‬فـي قوله َيعْلَـمُو َ‬
‫حدثنا أحمد بن الولـيد الرملـي‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا سلـيـمان بن حرب‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا شعبة‪ ,‬عن‬
‫ن ظاهِرا مِنَـ الــحَياةِ الدنْــيا قال‪ :‬الــخرازون‬
‫شرقــي‪ ,‬عن عكرمـة‪ ,‬فــي قوله َيعْلَــمُو َ‬
‫والسراجون‪.‬‬
‫‪ 21233‬ـ حدث نا ب شر بن آدم‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا ع بد الرح من بن مهد يّ‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا سفـيان‪ ,‬عن‬
‫ن ظاهِرا منَ الـحَياةِ ال ّدنْـيا قال‪ :‬معايشهم وما يصلـحهم‪.‬‬
‫منصور‪ ,‬عن إبراهيـم َيعْلَـمُو َ‬
‫حدثنا ابن بشار‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا عبد الرحمن بن مهد يّ‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا سفـيان‪ ,‬عن منصور‪ ,‬عن‬
‫إبراهيـم مثله‪.‬‬
‫حدثنــي بشـر بن آدم‪ ,‬قال‪ :‬حدثنـا الضحاك بن مخ ـلد‪ ,‬عن سفـيان‪ ,‬عن أبــيه‪ ,‬عن‬
‫ن الـحَياةِ ال ّدنْـيا قال‪ :‬معايشَهم‪.‬‬
‫عكرِمة‪ ,‬وعن منصور عن إبراهيـم َيعْلَـمُونَ ظاهرا مِ َ‬
‫‪ 21234‬ـ حدثن ـي عل ـيّ‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا ع بد ال‪ ,‬قال‪ :‬ثن ـي معاو ية‪ ,‬عن عل ـيّ‪ ,‬عن ا بن‬
‫عبــاس‪ ,‬قوله‪ :‬ظاهِرا مِنَـ الــحَيا ِة ال ّدنْ ـيا يعنــي الكفــار‪ ,‬يعرفون عُمران الدنــيا‪ ,‬و هم‬
‫فـي أمر الدين جهال‪.‬‬
‫‪ 21235‬ـ حدثن ـي ا بن وك يع‪ ,‬قال‪ :‬ثن ـي أب ـي‪ ,‬عن سفـيان‪ ,‬عن أب ـيه‪ ,‬عن عكرِ مة‬
‫ن الـحَيا ِة ال ّدنْـيا قال‪ :‬معايشَهم‪ ,‬وما يصلـحهم‪.‬‬
‫َيعْلَـمُونَ ظاهِرا مِ َ‬
‫حدثنا ابن وكيع‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا أبـي‪ ,‬عن سفـيان‪ ,‬عن منصور‪ ,‬عن إبرهيـم‪ ,‬مثله‪.‬‬
‫ن ظاهِرا ِمنَ‬
‫‪21236‬ـ حدثنا بشر‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا يزيد‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا سعيد‪ ,‬عن قَتادة‪ ,‬قوله َيعْلَـمُو َ‬
‫لخِرَ ِة ُهمْ غافِلونَ‪.‬‬
‫ناَ‬
‫حرْفتها وتصرّفها وبغيتها وَ ُهمْ عَ ِ‬
‫الـحَيا ِة ال ّدنْـيا من ِ‬
‫‪ 21237‬ـ حدث نا ا بن وك يع‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا أب ـي‪ ,‬عن سفـيان‪ ,‬عن ر جل‪ ,‬عن ال ـحسن‪ ,‬قال‪:‬‬
‫يعلـمون متـى َزرْعُهم‪ ,‬ومتـى حَصادهم‪.‬‬
‫ن ظاهِرا‬
‫شرْقـيّ‪ ,‬عن عكرِمة َيعْلَـمُو َ‬
‫قال‪ :‬ثنا حفص بن راشد الهللـيّ‪ ,‬عن شعبة‪ ,‬عن َ‬
‫ن الـحَيا ِة ال ّدنْـيا قال‪ :‬السرّاج ونـحوه‪.‬‬
‫مِ َ‬
‫‪ 21238‬ـ حدث نا القا سم‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا ال ـحسين‪ ,‬قال‪ :‬ثن ـي حجاج‪ ,‬عن أب ـي جع فر‪ ,‬عن‬
‫الربـيع‪ ,‬عن أبـي العالـية‪ ,‬قال‪ :‬صرفها فـي معيشتها‪.‬‬
‫‪ 21239‬ـ حدثن ـي يو نس‪ ,‬قال‪ :‬أخبر نا ا بن و هب‪ ,‬قال‪ :‬قال ا بن ز يد‪ ,‬ف ـي قوله َيعْلَ ـمُونَ‬
‫خرَةِ ُه ْم غافِلُونَ‪.‬‬
‫لِ‬‫ناَ‬
‫ظاهِرا منَ الـحَياةِ ال ّدنْـيا‪ ,‬وَ ُهمْ عَ ِ‬
‫وقال آخرون فـي ذلك ما‪:‬‬
‫‪21240‬ــ حدث نا ابـن حميـد‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا يعقوب القُمّي‪ ,‬عن جعفـر‪ ,‬عن سعيد‪ ,‬فــي قوله‬
‫ن الـحَيا ِة ال ّدنْـيا قال‪ :‬تسترق الشياطين السمع‪ ,‬فـيسمعون الكلـمة التـي‬
‫ن ظاهِرا ِم َ‬
‫َيعْلَـمُو َ‬
‫قد نزلت‪ ,‬ينب غي ل ها أن تكون ف ـي الرض‪ ,‬قال‪ :‬و ُي ْرمَوْن ب ـالشّهب‪ ,‬فل ين ـجو أن يحترق‪,‬‬
‫أو ي صيبه شرر م نه قال‪ :‬ف ـيسقط فل يعود أبدا قال‪ :‬وير مى بذلك الذي سمع إل ـى أول ـيائه‬
‫من النس‪ ,‬قال‪ :‬ف ـيحملون عل ـيه ألف كذ بة‪ ,‬قال‪ :‬ف ما رأ يت الناس يقولون‪ :‬يكون كذا وكذا‪,‬‬
‫قال‪ :‬فــيجيء الصـحيح منـه كمـا يقولون‪ ,‬الذي سمعوه من ال سماء‪ ,‬ويعق به مـن الكذب الذي‬
‫يخوضون فـيه‪.‬‬

‫‪8‬‬ ‫الية ‪:‬‬


‫سمَاوَاتِ وَالرْ ضَ‬
‫سهِ ْم مّا خَلَقَ اللّ هُ ال ّ‬
‫القول فـي تأويـل قوله تعالـى‪َ{ :‬أوَلَ ْم َيتَ َفكّرُو ْا فِ يَ أَنفُ ِ‬
‫ن النّاسِ بِلِقَآ ِء َربّ ِهمْ َلكَافِرُونَ }‪.‬‬
‫سمّى وَِإنّ َكثِيرا مّ َ‬
‫حقّ وََأجَلٍ ّم َ‬
‫َومَا َب ْي َن ُهمَآ ِإلّ بِا ْل َ‬
‫يقول تعالـى ذكره‪ :‬أو لـم يتفكّر هؤلء الـمكذّبون بـالبعث يا مـحمد من قومك فـي‬
‫ل وتارات حت ـى صاروا‬
‫خ ـلق ال إيا هم‪ ,‬وأ نه خ ـلقهم ول ـم يكونوا شيئا‪ ,‬ثم صرفهم أحوا ً‬
‫رجالً‪ ,‬فــيعلـموا أن الذي فعـل ذلك قادر أن يعيدهـم بعـد فنائهـم خــلقا جديدا‪ ,‬ثـم يجازي‬
‫الـمـحسن منهم بإحسانه‪ ,‬والـمسيء بإساءته‪ ,‬ل يظلـم أحدا منهم فـيعاقبه بجرم غيره‪ ,‬ول‬
‫يحرم أحدا من هم جزاء عمله‪ ,‬ل نه العدل الذي ل يجور ما خ ـلق ال ال سموات والرض و ما‬
‫ل بـالعدل‪ ,‬وإقامة الـحقّ‪ ,‬وأجل مسمى يقول‪ :‬وبأجل مؤقت مسمى‪ ,‬إذا بلغت ذلك‬
‫بـينهما إ ّ‬
‫الوقـت أفنـى ذلك كله‪ ,‬وبدّل الرض غيـر الرض والسـموات‪ ,‬وبرزوا ل الواحـد القهّار‪ ,‬وإن‬
‫كث ـيرا من الناس بلقاء رب هم جاحدون منكرون‪ ,‬جهلً منهم بأن معادهم إلـى ال بعد فنائهم‪,‬‬
‫وغفلة منهم عن الَخرة‪.‬‬

‫‪9‬‬ ‫الية ‪:‬‬


‫ظرُواْ َكيْ فَ كَا نَ عَا ِقبَ ُة اّلذِي نَ‬
‫القول فـي تأويـل قوله تعالـى‪َ{ :‬أوَلَ ْم يَسيرُو ْا فِي الرْ ضِ َفيَن ُ‬
‫ع َمرُوهَا َوجَآ َء ْتهُ مْ رُ سُُلهُم‬
‫ع َمرُوهَآ َأ ْكثَ َر مِمّا َ‬
‫مِن قَبِْلهِ مْ كَانُوَ ْا َأشَ ّد ِم ْنهُ مْ قُ ّوةً وََأثَارُواْ الرْ ضَ وَ َ‬
‫س ُهمْ َيظْلِمُونَ }‪.‬‬
‫ن اللّ ُه ِل َيظِْل َمهُمْ وَلَـكِن كَانُوَ ْا أَن ُف َ‬
‫بِا ْل َبيّنَاتِ َفمَا كَا َ‬
‫يقول تعالـى ذكره‪ :‬أَ َو لـم يسر هؤلء الـمكذّبون بـال‪ ,‬الغافلون عن الَخرة من قريش‬
‫فـي البلد التـي يسلكونها تـجرا‪ ,‬فـينظروا إلـى آثار ال فـيـمن كان قبلهم من المـم‬
‫الــمكذّبة‪ ,‬كيـف كان عاقبـة أمرهـا فــي تكذيبهـا رسـلها‪ ,‬فقـد كانوا أشدّ منهـم قوّة‪ ,‬وأثاروا‬
‫الرض يقول‪ :‬وا ستـخرجوا الرض‪ ,‬وحرثو ها وعمرو ها أك ثر م ـما ع مر هؤلء‪ ,‬فأهلك هم‬
‫ال بكفرهم وتكذيبهم رسلهم‪ ,‬فلـم يقدروا علـى المتناع‪ ,‬مع شدّة قواهم مـما نزل بهم من‬
‫عقاب ال‪ ,‬ول نفعتهـم عمارتهـم مـا عمروا مـن الرض‪ ,‬إذ جاءتهـم رسـلهم بــالبـينات مـن‬
‫الَيات‪ ,‬فكذّبو هم‪ ,‬فأحلّ ال ب هم بأ سه‪ ,‬ف ما كان ال ل ـيظلـمهم بعقا به إيا هم عل ـى تكذيب هم‬
‫ر سله وجحود هم آيا ته‪ ,‬ول كن كانوا أنف سهم يظل ـمون ب ـمعصيتهم رب هم‪ .‬وبن ـحو الذي قل نا‬
‫ض قال أهل التأويـل‪ .‬ذكر من قال ذلك‪:‬‬
‫فـي تأويـل قوله وأثارُوا الرْ َ‬
‫‪ 21241‬ـ حدثنـي مـحمد بن سعد‪ ,‬قال‪ :‬ثنـي أبـي‪ ,‬قال‪ :‬ثنـي عمي‪ ,‬قال‪ :‬ثنـي أبـي‪,‬‬
‫ن عا ِقبَةُ‬
‫ظرُوا َكيْ فَ كا َ‬
‫ض فَـ َينْ ُ‬
‫عن أبـيه‪ ,‬عن ابن عبـاس‪ ,‬قوله‪ :‬أوَ لَـ ْم يَ سِيرُوا فِـي الرْ ِ‬
‫ع َمرُوها قال‪ :‬ملكوا‬
‫شدّ ِم ْنهُمْ قُوّةً‪ ,‬وأثارُوا الرْضَ وَعَمرُوها أ ْك َثرَ مِـمّا َ‬
‫ن مِنْ َقبِْلهِمْ كانُوا أ َ‬
‫اّلذِي َ‬
‫الرض وعمروها‪.‬‬
‫‪ 21242‬ـ حدثنـي م ـحمد بن عمرو‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا أ بو عا صم‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا عي سى وحدثنـي‬
‫الــحارث‪ ,‬قال‪ :‬حدثنـا الــحسن‪ ,‬قال‪ :‬حدثنـا ورقاء جميعـا‪ ,‬عـن ابـن أبــي نــجيح‪ ,‬عـن‬
‫مـجاهد وأثارُوا الرْضَ قال‪ :‬حرثوها‪.‬‬
‫‪ 21243‬ـ حدث نا ب شر‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا يز يد‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا سعيد‪ ,‬عن قَتادة أو لَ ـمْ يَ سِيرُوا فِ ـي‬
‫ـ وَع َمرُوهـا كقوله‪ :‬وآثارا فِــي الرْضـِ‪ ,‬قوله‪:‬‬
‫الرْضـِ‪ ...‬إلــى قوله وأثارُوا الرْض َ‬
‫وَع َمرُوها أكثر مـما عمر هؤلء وَجاءَتهُمْ ُرسُُل ُهمْ بـالْبَـيّناتِ‪.‬‬

‫‪10‬‬ ‫الية ‪:‬‬


‫ى أَن‬
‫ن أَسَاءُواْ السّوَ َء َ‬
‫القول فـي تأويـل قوله تعالـى‪ :‬حسر سورة الروم {ثُمّ كَانَ عَاقِبَ َة اّلذِي َ‬
‫َك ّذبُواْ بِآيَاتِ الّلهِ َوكَانُواْ ِبهَا َيسْ َت ْه ِزئُونَ }‪.‬‬
‫يقول تعالـى ذكره‪ :‬ثم كان آخر أمر من ك فر من هؤلء الذ ين أثاروا الرض وعمروها‪,‬‬
‫وجاءتهم رسلهم بـالبـينات بـال‪ ,‬وكذّبوا رسلهم‪ ,‬فأساءوا بذلك فـي فعلهم‪ .‬السوأى‪ :‬يعنـي‬
‫الـخـلة التـي هي أسوأ من فعلهم أما فـي الدنـيا‪ ,‬فـالبوار والهلك‪ ,‬وأما فـي الَخرة‬
‫فـالنار ل يخرجون منها‪.‬‬
‫حدثنـي علـيّ‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا أبو صالـح قال‪ :‬ثنـي معاوية‪ ,‬عن علـيّ‪ ,‬عن ابن عبـاس‪,‬‬
‫ن أساءُوا السّوأَى يقول‪ :‬الذين كفروا جزاؤهم العذاب‪.‬‬
‫ن عا ِقبَةَ اّلذِي َ‬
‫قوله ُثمّ كا َ‬
‫وكان بعض أهل العربـية يقول‪ :‬السوأى فـي هذا الـموضع‪ :‬مصدر‪ ,‬مثل البُقوى‪ ,‬وخالفه‬
‫فـي ذلك غيره فقال‪ :‬هي اسم‪.‬‬
‫وقوله‪ :‬أ نْ َك ّذبُوا بآيا تِ الّل ِه يقول‪ :‬كا نت ل هم ال سوأى‪ ,‬لن هم كذّبوا ف ـي الدن ـيا بآيات ال‪,‬‬
‫وكانوا بها يستهزءون‪ :‬يقول‪ :‬وكانوا بحجج ال وهم أنبـياؤه ورسله يسخرون‪.‬‬
‫‪11‬‬ ‫الية ‪:‬‬
‫جعُونَ }‪.‬‬
‫القول فـي تأويـل قوله تعالـى‪{ :‬اللّ ُه َي ْبدَأُ ا ْلخَ ْلقَ ُثمّ ُيعِيدُهُ ُثمّ إَِل ْيهِ ُت ْر َ‬
‫يقول تعالـى ذكره‪ :‬ال تعالـى يبدأ إنشاء جميع الـخـلق منفردا بإنشائه من غير شريك‬
‫ول ظه ير‪ ,‬ف ـيحدثه من غ ير ش يء‪ ,‬بل بقدر ته عزّ و جل‪ ,‬ثم يع يد خ ـلقا جديدا ب عد إفنائه‬
‫جعُو نَ يقول‪ :‬ثم إل ـيه من ب عد‬
‫وإعدا مه‪ ,‬ك ما بدأه خ ـلقا سويا‪ ,‬ول ـم يك شيئا ثُ مّ إلَ ـيْ ِه ُترْ َ‬
‫إعادت هم خ ـلقا جديدا يردّون‪ ,‬ف ـيحشرون لف صل القضاء ب ـينهم و لِ ـ َيجْ ِزيَ اّلذِي نَ أ سَاءُوا‬
‫سنَى‪.‬‬
‫حْ‬‫سنُوا بـالـ ُ‬
‫حَ‬‫ج ِزيَ اّلذِينَ أ ْ‬
‫عمِلُوا‪َ ,‬و َي ْ‬
‫بِـمَا َ‬

‫‪13- 12‬‬ ‫الية ‪:‬‬


‫ن * وَلَ مْ َيكُن ّلهُ مْ مّن‬
‫ج ِرمُو َ‬
‫القول فـي تأويـل قوله تعالـى‪َ { :‬ويَوْ مَ تَقُو مُ ال سّاعَ ُة ُيبْلِ سُ ا ْل ُم ْ‬
‫شرَكَآ ِئ ِهمْ كَا ِفرِينَ }‪.‬‬
‫شُ َركَآ ِئهِ ْم شُ َفعَاءُ َوكَانُو ْا ِب ُ‬
‫يقول تعال ـى ذكره‪ :‬ويوم ت ـجِيء ال ساعة الت ـي ف ـيها يف صل ال ب ـين خ ـلقه‪ ,‬وين شر‬
‫س ال ـمُـجْ ِرمُونَ‬
‫ف ـيها ال ـموتـى من قبور هم‪ ,‬ف ـيحشرهم إل ـى موق ـف ال ـحساب ُيبْلِ ُ‬
‫يقول‪ :‬يــيأس الذيـن أشركوا بــال‪ ,‬واكتسـبوا فــي الدنــيا مسـاوىء العمال مـن كلّ شرّ‪,‬‬
‫ويكتئبون ويتندمون‪ ,‬كما قال العجاج‪:‬‬
‫ع ِرفُهُ وأبْلَسا‬
‫ح هلْ ت ْع ِرفُ رَسما ُم ْكرَساقالَ َن َعمْ أ ْ‬
‫يا صَا ِ‬
‫وبنـحو الذي قلنا فـي ذلك قال أهل التأويـل‪ .‬ذكر من قال ذلك‪:‬‬
‫‪ 21244‬ـ حدثنـي م ـحمد بن عمرو‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا أ بو عا صم‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا عي سى وحدثنـي‬
‫الــحارث‪ ,‬قال‪ :‬حدثنـا الــحسن‪ ,‬قال‪ :‬حدثنـا ورقاء جميعـا‪ ,‬عـن ابـن أبــي نــجيح‪ ,‬عـن‬
‫س قال‪ :‬يكتئب‪.‬‬
‫مـجاهد‪ ,‬قوله ُيبْلِ ُ‬
‫ج ِرمُونَ‬
‫‪21245‬ـ حدثنا بشر‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا يزيد‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا سعيد‪ ,‬عَن قَتادة‪ ,‬قوله ُيبْلِسُ الـمُـ ْ‬
‫أي فـي النار‪.‬‬
‫‪21246‬ـ حدثنـي يونس‪ ,‬قال‪ :‬أخبرنا ابن وهب‪ ,‬قال‪ :‬قال ابن زيد‪ ,‬فـي قول ال َويَوْ َم تَقُومُ‬
‫ن قال‪ :‬الـمبلس‪ :‬الذي قد نزل به الشرّ‪ ,‬إذا أبلس الرجل‪ ,‬فقد نزل‬
‫ج ِرمُو َ‬
‫ال سّاعَ ُة ُيبْلِ سُ الـمُـ ْ‬
‫به بلء‪.‬‬
‫شرَكائهِ مْ شُفَعا ُء يقول تعالـى ذكره‪ :‬ويوم تقوم الساعة لـم يكن‬
‫ن ُ‬
‫ن َلهُ مْ ِم ْ‬
‫وقوله‪ :‬ولَـمْ يكُ ْ‬
‫لهؤلء الـمـجرمين الذين وصف جلّ ثناؤه صفتهم من شركائهم الذين كانوا يتبعونهم‪ ,‬علـى‬
‫ما دعوهم إلـيه من الضللة‪ ,‬فـيشاركونهم فـي الكفر بـال‪ ,‬والـمعاونة علـى أذى رسله‪,‬‬
‫شرَكائهِ مْ كا ِفرِي نَ يقول‪ :‬وكانوا‬
‫شفعاء يشفعون ل هم ع ند ال‪ ,‬ف ـيستنقذوهم من عذا به‪ .‬وكانُوا ِب ُ‬
‫بشركائهـم فــي الضللة والــمعاونة فــي الدنــيا علــى أولــياء ال كافريـن‪ ,‬يجحدون‬
‫ِينـ ا ّت َبعُوا‪ ,‬ورَأوُا‬
‫ِنـ اّلذ َ‬
‫ِينـ ا ّت ِبعُوا م َ‬
‫وليتهـم‪ ,‬ويتـبرّءون منهـم‪ ,‬كمـا قال جلّ ثناؤه‪ :‬إذْ تَبرَّأ اّلذ َ‬
‫ن ا ّت َبعُوا َلوْ أنّ لَنا َكرّةً َف َنتَبرّأَ ِم ْن ُهمْ كما تَبرّءُوا ِمنّا‪.‬‬
‫طعَتْ ِب ِهمُ السْبـابُ‪ .‬وَقالَ اّلذِي َ‬
‫ال َعذَابَ َوتَ َق ّ‬

‫‪15- 14‬‬ ‫الية ‪:‬‬


‫ن * َفأَمّا اّلذِي نَ آ َمنُواْ‬
‫القول ف ـي تأوي ـل قوله تعال ـى‪َ { :‬و َيوْ مَ تَقُو ُم ال سّاعَ ُة يَ ْو َم ِئذٍ َيتَ َف ّرقُو َ‬
‫ح َبرُونَ }‪.‬‬
‫عمِلُو ْا الصّاِلحَاتِ َف ُهمْ فِي رَ ْوضَةٍ ُي ْ‬
‫َو َ‬
‫يقول تعالـى ذكره‪ :‬ويوم تـجيء الساعة التـي يحشر فـيها الـخـلق إلـى ال يومئذٍ‪,‬‬
‫يقول فـي ذلك الـيوم يتفرّقون يعنـي‪ :‬يتفرّق أهل اليـمان بـال‪ ,‬وأهل الكفر به فأما أهل‬
‫اليــمان‪ ,‬ف ـيؤخذ ب هم ذات ال ـيـمين إلــى ال ـجنة‪ ,‬وأ ما أ هل الك فر ف ـيؤخذ ب هم ذات‬
‫الشمال إلـى النار‪ ,‬فهنالك يـميز ال الـخبـيث من الطيّب‪ .‬كما‪:‬‬
‫‪ 21247‬ـ حدث نا ب شر‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا يز يد‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا سعيد‪ ,‬عن قَتادة‪ ,‬ف ـي قوله‪َ :‬ويَوْ مَ تَقُو مُ‬
‫ن قال‪ :‬فرقة وال ل اجتـماع بعدها‪.‬‬
‫السّاعَ ُة يَ ْو َم ِئذٍ َيتَ َف ّرقُو َ‬
‫عمِلُوا الصـّالِـحاتِ يقول‪ :‬وعملوا بــما أمرهـم ال بـه‪,‬‬
‫فأمّا اّلذِينَـ آ َمنُوا بــال ورسـوله و َ‬
‫حبَرُون َـ يقول‪ :‬فهـم فــي الرياحيـن والنبــاتات‬
‫وانتهوا عمـا نهاهـم عنـه َفهُم ْـ فِــي رَ ْوضَ ٍة ُي ْ‬
‫ال ـملتفة‪ ,‬وب ـين أنواع الز هر ف ـي ال ـجنان ي سرون‪ ,‬وي ـلذّذون ب ـالسماع وط يب الع يش‬
‫الهنــيّ‪ .‬وإنــما خصّـ جلّ ثناؤه ذكـر الروضـة فــي هذا الــموضع‪ ,‬ل نه لــم يكـن عنـد‬
‫الطرفـين أحسن منظرا‪ ,‬ول أطيب نشرا من الرياض‪ ,‬ويدل علـى أن ذلك كذلك قول أعشى‬
‫بنـي ثعلبة‪:‬‬
‫ل َهطِلُ‬
‫خضْرَاءُ جادَ عَلَـيْها ُمسْبِ ٌ‬
‫َ‬ ‫شبَةٌ‬
‫حسْن ُم ْع ِ‬
‫ما رَ ْوضَةٌ مِن رِياضِ الـ ُ‬
‫مُ َؤ ّزرٌ ب َعمِيـمِ ال ّنبْتِ ُم ْك َتهِلُ‬ ‫ب شَ ِرقٌ‬
‫ُيضَاحكُ الشّمسَ منها كَ ْوكَ ٌ‬
‫لصُلُ‬
‫ن ِمنْها إذ دنَا ا ُ‬
‫وَل بأحْسَ َ‬ ‫ب ِمنْها َنشْرَ رائحَةٍ‬
‫َيوْما بأطْيَ َ‬
‫فأعلـمهم بذلك تعالـى‪ ,‬أن الذين آمنوا وعملوا الصالـحات من الـمنظر النـيق‪ ,‬واللذيذ‬
‫من الراي ـيح‪ ,‬والع يش الهن ـيّ ف ـيـما يحبون‪ ,‬وي سرّون به‪ ,‬ويغبطون عل ـيه‪ .‬وال ـحبرة‬
‫عند العرب‪ :‬السرور والغبطة قال العجاج‪:‬‬
‫ش َكرْ‬
‫حقّ إنّ الـمَوْلـى َ‬
‫ح َب ْرمَوَالِـيَ الـ َ‬
‫عطَى الـ َ‬
‫ح ْمدُ لِلّ ِه اّلذِي أ ْ‬
‫فـالْـ َ‬
‫واختلف أهـل التأويــل فــي معنـى ذلك‪ ,‬فقال بعضهـم‪ :‬معنـى ذلك‪ :‬فهـم فــي روضـة‬
‫يكرمون‪ .‬ذكر من قال ذلك‪:‬‬
‫‪ 21248‬ـ حدثنـي علـيّ‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا أبو صالـح‪ ,‬قال‪ :‬ثنـي معاوية‪ ,‬عن علـيّ‪ ,‬عن ابن‬
‫حبَرُونَ قال‪ :‬يكرمون‪.‬‬
‫عبـاس‪ ,‬قوله فَهم فِـي رَ ْوضَ ٍة ُي ْ‬
‫وقال آخرون‪ :‬معناه‪ :‬ينعمون‪ .‬ذكر من قال ذلك‪:‬‬
‫‪ 21249‬ـ حدثنـي م ـحمد بن عمرو‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا أ بو عا صم‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا عي سى وحدثنـي‬
‫الــحارث‪ ,‬قال‪ :‬حدثنـا الــحسن‪ ,‬قال‪ :‬حدثنـا ورقاء جميعـا‪ ,‬عـن ابـن أبــي نــجيح‪ ,‬عـن‬
‫حبَرُون قال‪ :‬ينعمون‪.‬‬
‫مـجاهد‪ ,‬فـي قوله ُي ْ‬
‫‪ 21250‬ـ حدث نا ب شر‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا يز يد‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا سعيد‪ ,‬عن قَتادة‪ ,‬ف ـي قوله َفهُ ْم فِ ـي‬
‫ن قال‪ :‬ينعمون‪.‬‬
‫ح َبرُو َ‬
‫رَ ْوضَةٍ ُي ْ‬
‫وقال آخرون‪ :‬يـلذذون بـالسماع والغناء‪ .‬ذكر من قال ذلك‪:‬‬
‫‪ 21251‬ـ حدثنـي مـحمد بن موسى الـحرسي‪ ,‬قال‪ :‬ثنـي عامر بن يساف‪ ,‬قال‪ :‬سألت‬
‫ن قال‪ :‬الـحبرة‪ :‬اللذة والسماع‪.‬‬
‫ح َبرُو َ‬
‫يحيى بن أبـي كثـير‪ ,‬عن قول ال َفهُمْ فِـي رَ ْوضَةٍ ُي ْ‬
‫‪21252‬ــ حدثنـا عبــيد ال بـن مــحمد الفريابــي‪ ,‬قال‪ :‬حدثنـا ضمرة بـن ربــيعة‪ ,‬عـن‬
‫حبَرُونَ قال‪ :‬السماع فـي الـجنة‪.‬‬
‫الوزاعي‪ ,‬عن يحيى بن أبـي كثـير فـي قوله ُي ْ‬
‫حدثنا ابن وكيع‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا عيسى بن يونس‪ ,‬عن الوزاعي‪ ,‬عن يحيى بن أبـي كثـير‪,‬‬
‫مثله‪.‬‬
‫حدثنا ابن وكيع‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا أبـي‪ ,‬عن عامر بن يِساف‪ ,‬عن يحيى بن أبـي كثـير‪ ,‬مثله‪.‬‬
‫وكل هذه اللفـاظ التـي ذكرنا عمن ذكرناها عنه تعود إلـى معنى ما قلنا‪.‬‬

‫‪16‬‬ ‫الية ‪:‬‬


‫لخِرَ ِة َفأُوْلَ ـ ِئكَ‬
‫القول ف ـي تأوي ـل قوله تعال ـى‪{ :‬وَأَمّا اّلذِي نَ كَ َفرُواْ َو َك ّذبُو ْا بِآيَاتِنَا وَلِقَآ ِء ا َ‬
‫ضرُونَ }‪.‬‬
‫ب ُمحْ َ‬
‫فِي ا ْل َعذَا ِ‬
‫يقول تعالــى ذكره‪ :‬وأمـا الذيـن جحدوا توحيـد ال‪ ,‬وكذّبوا رسـله‪ ,‬وأنكروا البعـث بعـد‬
‫الــمـمات والنشور للدار الَخرة‪ ,‬فأولئك فــي عذاب ال مــحضرون‪ ,‬وقـد أحضرهـم ال‬
‫إياها‪ ,‬فجمعهم فـيها لـيذوقوا العذاب الذي كانوا فـي الدنـيا يكذّبون‪.‬‬
‫‪18-17‬‬ ‫الية ‪:‬‬
‫ح ْمدُ‬
‫ن * وَلَ ُه ا ْل َ‬
‫ص ِبحُو َ‬
‫ن َوحِي نَ تُ ْ‬
‫س ْبحَانَ الّل ِه حِي نَ ُتمْ سُو َ‬
‫القول فـي تأويـل قوله تعالـى‪{ :‬فَ ُ‬
‫ُونـ }‪ .‬يقول تعالــى ذكره‪ :‬فسـبحوا ال أيهـا‬
‫ظهِر َ‬
‫ِينـ ُت ْ‬
‫شيّا َوح َ‬
‫عِ‬‫ْضـ َو َ‬
‫ت وَالر ِ‬
‫السـمَاوَا ِ‬
‫فِي ّ‬
‫الناس‪ :‬أي صلوا له ح ين ت ـمسون‪ ,‬وذلك صلة ال ـمغرب‪ ,‬وح ين ت صبحون‪ ,‬وذلك صـلة‬
‫سمَوَاتِ والرْ ضِ يقول‪ :‬وله الـحمد من جميع خـلقه دون غيره‬
‫الصبح وَلَ ُه الـحَ ْمدُ فِـي ال ّ‬
‫ف ـي ال سموات من سكانها من ال ـملئكة‪ ,‬والرض من أهل ها‪ ,‬من جم يع أ صناف خ ـلقه‬
‫ن يقول‪ :‬وح ين‬
‫ن ُتظْ ِهرُو َ‬
‫سبّحوه أي ضا عشيا‪ ,‬وذلك صلة الع صر َوحِي َ‬
‫شيّا يقول‪ :‬و َ‬
‫عِ‬‫فـيها‪َ ,‬و َ‬
‫َتدْخ ـلون ف ـي و قت الظ هر‪ .‬وبن ـحو الذي قل نا ف ـي ذلك قال أ هل التأوي ـل‪ .‬ذ كر من قال‬
‫ذلك‪:‬‬
‫‪ 21253‬ـ حدث نا ا بن وك يع‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا أب ـي‪ ,‬عن سفـيان‪ ,‬عن عا صم‪ ,‬عن أب ـي رزِ ين‪,‬‬
‫قال‪ :‬سأل نا فع بن الزرق بن عب ـاس‪ ( :‬هل ت ـجد) ميقات ال صلوات ال ـخمس ف ـي كتاب‬
‫عشِيّا الع صر‬
‫ن الف جر َو َ‬
‫ص ِبحُو َ‬
‫ن تُ ـمْسُونَ ال ـمغرب َوحِي نَ تُ ْ‬
‫سبْحانَ الّل هِ حِي َ‬
‫ال؟ قال‪ :‬ن عم فَ ُ‬
‫عوْرات لكم‪.‬‬
‫ظهِرُونَ الظهر‪ ,‬قال‪ :‬ومن بعد صلة العشاء ثلث َ‬
‫ن ُت ْ‬
‫َوحِي َ‬
‫حدث نا ا بن بشار‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا ع بد الرح من‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا سفـيان‪ ,‬عن عا صم‪ ,‬عن أب ـي‬
‫رَزِين‪ ,‬قال‪ :‬سأل نافع بن الزرق ابن عبـاس عن الصلوات الـخمس فـي القرآن‪ ,‬قال‪ :‬نعم‪,‬‬
‫ن قال‪ :‬صلة ال صبح‬
‫ص ِبحُو َ‬
‫ن قال‪ :‬صلة ال ـمغرب َوحِي نَ تُ ْ‬
‫ن تُ ـ ْمسُو َ‬
‫سبْحانَ الّل هِ حِي َ‬
‫فقرأ فَ ُ‬
‫ن َب ْعدِ صَلةِ العِشا ِء ثَلثُ‬
‫ظهِرُو نَ صلة الظهر‪ ,‬ثم قرأ‪َ :‬ومِ ْ‬
‫ن ُت ْ‬
‫شيّا قال‪ :‬صلة العصر َوحِي َ‬
‫عِ‬‫َو َ‬
‫ع ْورَاتٍ َل ُكمْ‪.‬‬
‫َ‬
‫حدثن ـي أ بو ال سائب‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا ا بن إدر يس‪ ,‬عن لـيث‪ ,‬عن ال ـحكم بن أب ـي عياض‪,‬‬
‫ن تُـمْسُونَ قال‪:‬‬
‫ن اللّ ِه حِي َ‬
‫سبْحا َ‬
‫عن ابن عبـاس‪ ,‬قال‪ :‬جمعت هاتان الَيتان مواقـيت الصلة َف ُ‬
‫ن الظهر‪.‬‬
‫شيّا العصر َوحِينَ ُتظْهرُو َ‬
‫عِ‬‫ن الفجر َو َ‬
‫ص ِبحُو َ‬
‫الـمغرب والعشاء َوحِينَ ُت ْ‬
‫حدثنا ابن وكيع‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا ابن إدريس‪ ,‬عن لـيث‪ ,‬عن الـحكم‪ ,‬عن أبـي عياض‪ ,‬عن‬
‫ابن عبـاس‪ ,‬بنـحوه‪.‬‬
‫حدثنـي يعقوب بن إبراهيـم‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا ابن علـية‪ ,‬عن لـيث‪ ,‬عن الـحكم‪ ,‬عن أبـي‬
‫ن تُصْ ِبحُونَ‪ ...‬إلـى قوله‬
‫سبْحانَ الّلهِ حِينَ تُـ ْمسُونَ َوحِي َ‬
‫عياض‪ ,‬عن ابن عبـاس فـي قوله فَ ُ‬
‫ن تُـمْسُونَ الـمغرب والعشاء َوحِ ين‬
‫سبْحانَ الّل هِ حِي َ‬
‫ظهِرُو نَ قال‪ :‬جمعت الصلوات ف ُ‬
‫ن ُت ْ‬
‫َوحِي َ‬
‫ظهِرُونَ صلة الظهر‪.‬‬
‫ن ُت ْ‬
‫شيّا صلة العصر َوحِي َ‬
‫عِ‬‫ُتصْ ِبحُونَ صلة الصبح وَ َ‬
‫‪ 21254‬ـ حدثنا ابن وكيع‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا إسحاق بن سلـيـمان الرازي‪ ,‬عن أبـي سنان‪ ,‬عن‬
‫ن الف جر‬
‫ص ِبحُو َ‬
‫ن تُ ْ‬
‫ن اللّ هِ حِي نَ تُ ـمْسُونَ ال ـمغرب والعشاء َوحِي َ‬
‫ل ـيث‪ ,‬عن م ـجاهد ف سُبْحا َ‬
‫ن الظهر‪ ,‬وكلّ سجدة فـي القرآن فهي صلة‪.‬‬
‫ظ ِهرُو َ‬
‫شيّا العصر َوحِينَ ُت ْ‬
‫عِ‬‫َو َ‬
‫ن تُـمْسُونَ‬
‫سبْحانَ الّلهِ حِي َ‬
‫‪21255‬ـ حدثنا بشر‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا يزيد‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا سعيد‪ ,‬عن قَتادة فَ ُ‬
‫ظ ِهرُو نَ صلة‬
‫شيّا لصلة العصر َوحِي نَ ُت ْ‬
‫عِ‬‫ن لصلة الصبح وَ َ‬
‫ص ِبحُو َ‬
‫ن تُ ْ‬
‫لصلة الـمغرب َوحِي َ‬
‫الظهر أربع صلوات‪.‬‬
‫‪ 21256‬ـ حدثنـي يونس‪ ,‬قال‪ :‬أخبرنا ابن وهب‪ ,‬قال‪ :‬قال ابن زيد‪ ,‬فـي قول ال‪ :‬فَ سُبْحانَ‬
‫عشِيّا َوحِي نَ‬
‫ت والرْ ضِ‪َ ,‬و َ‬
‫سمَوَا ِ‬
‫ح ْمدُ ف ـي ال ّ‬
‫ص ِبحُونَ‪ ,‬وََل هُ ال ـ َ‬
‫اللّ ِه حِي نَ تُ ـ ْمسُونَ َوحِي نَ تُ ْ‬
‫ُتظْ ِهرُو نَ‪ .‬قال‪ :‬ح ين ت ـمسون‪ :‬صلة ال ـمغرب‪ ,‬وح ين ت صبحون‪ :‬صلة ال صبح‪ ,‬وعش يا‪:‬‬
‫صلة العصر‪ ,‬وحين تظهرون‪ :‬صلة الظهر‪.‬‬

‫‪19‬‬ ‫الية ‪:‬‬


‫حيِي‬
‫ن ا ْلحَ يّ َو ُي ْ‬
‫ت مِ َ‬
‫ج ا ْل َميّ َ‬
‫خرِ ُ‬
‫ن ا ْل َميّ تِ َو ُي ْ‬
‫خرِ جُ ا ْلحَ يّ ِم َ‬
‫القول فـي تأويـل قوله تعالـى‪ُ { :‬ي ْ‬
‫خرَجُونَ }‪.‬‬
‫الرْضَ َب ْعدَ مَ ْو ِتهَا َو َكذَِلكَ ُت ْ‬
‫يقول تعالـى ذكره‪ :‬صَلّوا فـي هذه الوقات التـي أمركم بـالصلة فـيها أيها الناس‪ ,‬ل‬
‫الذي يخرج ال ـحيّ من ال ـميت‪ ,‬و هو الن سان ال ـحيّ من ال ـماء ال ـميت‪ ,‬ويخرج ال ـماء‬
‫ض َب ْعدَ مَ ْوتِها فـينبتها‪ ,‬ويخرج زرعها بعد خرابها‬
‫حيِـي الرْ َ‬
‫ي و ُي ْ‬
‫الـميت من النسان الـح ّ‬
‫وجدوبها وكذلكَ تُـخْ َرجُونَ يقول‪ :‬كما يحيـي الرض بعد موتها‪ ,‬فـيخرج نبـاتها وزرعها‪,‬‬
‫كذلك يحيـيكم من بعد مـماتكم‪ ,‬فـيخرجكم أحياء من قبوركم إلـى موقـف الـحساب‪.‬‬
‫خرِ جُ الـ َميّتَ‬
‫ن الـمَيّتِ‪ ,‬و ُي ْ‬
‫حيّ مِ َ‬
‫خرِ جُ الـ َ‬
‫وقد بـيّنا فـيـما م ضى قبل تأوي ـل قوله‪ُ :‬ي ْ‬
‫ن الـحَيّ‪ ,‬وذكرنا اختلف أهل التأويـل فـيه‪ ,‬فأغنى ذلك عن إعادته فـي هذا الـموضع‪,‬‬
‫مِ َ‬
‫غير أنا نذكر بعض ما لـم نذكر من الـخبر هنالك إن شاء ال‪.‬‬
‫‪ 21257‬ـ حدثنـي مـحمد بن سعد‪ ,‬قال‪ :‬ثنـي أبـي‪ ,‬قال‪ :‬ثنـي عمي‪ ,‬قال‪ :‬ثنـي أبـي‪,‬‬
‫ن الـحَيّ‬
‫ج الـ َميّتَ مِ َ‬
‫ج الـحَيّ ِم نَ الـ َميّتِ‪ ,‬و ُيخْرِ ُ‬
‫عن أبـيه‪ ,‬عن ابن عبـاس‪ ,‬قوله‪ُ :‬يخْرِ ُ‬
‫قال‪ :‬يخرج مـن النسـان ماء ميتـا فــيخـلق منـه بشرا‪ ,‬فذلك الــميت مـن الــحيّ‪ ,‬ويخرج‬
‫الـحيّ من الـميت‪ ,‬فـيعنـي بذلك أنه يخـلق من الـماء بشرا‪ ,‬فذلك الـحيّ من الـميت‪.‬‬
‫خرِجُ‬
‫‪21258‬ـ حدثنا بشر‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا يزيد‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا سعيد‪ ,‬عن قَتادة‪ ,‬عن الـحسن‪ ,‬قوله ُي ْ‬
‫ن الـحَيّ الـمؤمن من الكافر‪ ,‬والكافر من الـمؤمن‪.‬‬
‫خرِجُ الـ َميّتَ مِ َ‬
‫الـحَيّ ِمنَ الـ َميّتِ‪ ,‬و ُي ْ‬
‫‪ 21259‬ـ حدثنا ابن وكيع‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا جرير وأبو معاوية عن العمش‪ ,‬عن إبراهيـم‪ ,‬عن‬
‫ن الـحَيّ قال‪ :‬ال ّنطْفة ماء الرجل ميتة‬
‫خرِ جُ الـ َميّتَ مِ َ‬
‫ج الـحَيّ ِم نَ الـ َميّتِ‪ ,‬و ُي ْ‬
‫عبد ال ُيخْرِ ُ‬
‫وهو حيّ‪ ,‬ويخرج الرجل منها حيا وهي ميتة‪.‬‬

‫‪20‬‬ ‫الية ‪:‬‬


‫شرٌ‬
‫ُمـ َب َ‬
‫ُمـ ِإذَآ أَنت ْ‬
‫َابـ ث ّ‬
‫ُمـ م ّن ُتر ٍ‬
‫َنـ خَلَ َقك ْ‬
‫ِهـ أ ْ‬
‫ِنـ آيَات ِ‬
‫القول فــي تأويــل قوله تعالــى‪َ { :‬وم ْ‬
‫شرُونَ }‪.‬‬
‫تَنتَ ِ‬
‫يقول تعال ـى ذكره‪ :‬و من حُج جه عل ـى أ نه القادر عل ـى ما يشاء أي ها الناس من إنشاء‬
‫وإفناء‪ ,‬وإيجاد وإعدم‪ ,‬وأن كل موجود فخـلقه خـلقة أبـيكم من تراب‪ ,‬يعنـي بذلك خـلق‬
‫آدم من تراب‪ ,‬فوصفهم بأنه خـلقهم من تراب‪ ,‬إذ كان ذلك فعله بأبـيهم آدم كنـحو الذي قد‬
‫ب ـيّنا فـيـما م ضى من خطاب العرب من خاط بت بـما فعلت ب سلفه من قول هم‪ :‬فعل نا بكم‬
‫وفعلنا‪.‬‬
‫شرُو نَ يقول‪ :‬ثم إذا أنت ـم مع شر ذرّ ية من خ ـلقناه من تراب‬
‫وقوله‪ :‬ثُ مّ إذَا أ ْنتُ ـمْ َبشَرٌ َت ْن َت ِ‬
‫بشر تنتشرون‪ ,‬يقول‪ :‬تتصرّفون‪ .‬وبنـحو الذي قلنا فـي ذلك قال أهل التأويـل‪ .‬ذكر من قال‬
‫ذلك‪:‬‬
‫ن خَـلَ َق ُكمْ مِ نْ‬
‫ن آياتِ ِه أ ْ‬
‫‪ 21260‬ـ حدثنا بشر‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا يزيد‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا سعيد‪ ,‬عن قَتادة َو ِم ْ‬
‫ُترَابٍ خـلق آدم علـيه السلم من تراب ُثمّ إذا أ ْنتُـ ْم َبشَرٌ َت ْن َتشِرُونَ يعنـي ذرّيته‪.‬‬
‫‪21‬‬ ‫الية ‪:‬‬
‫س ُكنُوَ ْا إَِل ْيهَا‬
‫س ُكمْ َأزْوَاجا ّلتَ ْ‬
‫ن خَلَ قَ َلكُم مّ نْ أَنفُ ِ‬
‫القول فـي تأويـل قوله تعالـى‪َ { :‬ومِ نْ آيَاتِ هِ َأ ْ‬
‫ليَاتٍ ّلقَ ْومٍ َيتَ َف ّكرُونَ }‪.‬‬
‫حمَةً ِإنّ فِي ذَِلكَ َ‬
‫ل َب ْينَكُم مّ َو ّدةً َو َر ْ‬
‫جعَ َ‬
‫َو َ‬
‫يقول تعال ـى ذكره‪ :‬و من حج جه وأدل ته عل ـى ذلك أي ضا خ ـلقه لب ـيكم آدم من نف سه‬
‫زوجة لـيسكن إلـيها‪ ,‬وذلك أنه خـلق حوّاء من ضلع من أضلع آدم‪ .‬كما‪:‬‬
‫ن خَـَلقَ َلكُ مْ‬
‫‪ 21261‬ـ حدثنا بشر‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا يزيد‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا سعيد‪ ,‬عن قَتادة َو ِم نْ آياتِ ِه أ ْ‬
‫سكُمْ أزْوَاجا خـلقها لكم من ضلع من أضلعه‪.‬‬
‫ن أنْ ُف ِ‬
‫مِ ْ‬
‫حمَةً يقول‪ :‬جعـل بــينكم بــالـمصاهرة والــختونة مودّة‬
‫ل بَــْي َنكُمْ َم َودّةً َو َر ْ‬
‫جعَ َ‬
‫وقوله‪َ :‬و َ‬
‫تتوادّون بها‪ ,‬وتتواصلون من أجلها‪ ,‬ورحمة رحمكم بها‪ ,‬فعطف بعضكم بذلك علـى بعض إنّ‬
‫ن يقول تعال ـى ذكره‪ :‬إن ف ـي فعله ذلك ل عبرا وعظات لقوم‬
‫فِ ـي ذل كَ لَيا تٍ ل َقوْ ٍم َيتَ َفكّرُو َ‬
‫يتذكرون ف ـي ح جج ال وأدل ته‪ ,‬ف ـيعلـمون أ نه الله الذي ل يُعجزه ش يء أراده‪ ,‬ول يتعذّر‬
‫علـيه فعل شيء شاءه‪.‬‬

‫‪22‬‬ ‫الية ‪:‬‬


‫س َن ِت ُكمْ‬
‫ختِلَ فُ أَلْ ِ‬
‫سمَاوَاتِ وَالرْ ضِ وَا ْ‬
‫القول ف ـي تأوي ـل قوله تعال ـى‪َ { :‬ومِ نْ آيَاتِ هِ خَلْ قُ ال ّ‬
‫ليَاتٍ لّ ْلعَاَلمِينَ }‪.‬‬
‫ك َ‬
‫ن فِي ذَِل َ‬
‫وَأَ ْلوَا ِن ُكمْ إِ ّ‬
‫يقول تعال ـى ذكره‪ :‬و من حج جه وأدل ته أي ضا عل ـى أ نه ل يُعجزه ش يء‪ ,‬وأ نه إذا شاء‬
‫أمات مـن كان حيـا مـن خــلقه‪ ,‬ثـم إذا شاء أنشره وأعاده كمـا كان قبـل إماتتـه إياه خــلقه‬
‫ال سموات والرض من غير شيء أحدث ذلك منه‪ ,‬بل بقدرته الت ـي ل يـمتنع معها عل ـيه‬
‫سنَ ِت ُكمْ يقول‪ :‬واختلف منطق ألسنتكم ولغاتها وأ ْلوَا ِنكُ مْ يقول‪ :‬واختلف‬
‫ف ألْ ِ‬
‫ختِل ُ‬
‫شيء أراده وَا ْ‬
‫ألوان أجسـامكم إنّـ فِــي ذلك َـ لَياتٍـ للْعالَــمِينَ يقول‪ :‬إن فــي فعله ذلك كذلك لعـبرا وأدلة‬
‫ل ـخـلقه الذ ين يعقلون أ نه ل يعي به إعادت هم لهيئت هم الت ـي كانوا ب ها ق بل م ـماتهم من ب عد‬
‫فنائهم‪ .‬وقد بـيّنا معنى العالـمين فـيـما مضى قبل‪.‬‬
‫‪23‬‬ ‫الية ‪:‬‬
‫القول فـي تأويـل قوله تعالـى‪َ { :‬و ِم نْ آيَاتِ ِه َمنَا ُمكُم بِالّْليْلِ وَال ّنهَارِ وَا ْب ِتغَآ ُؤكُ مْ مّن فَضْلِ ِه إِ نّ‬
‫س َمعُونَ }‪.‬‬
‫ليَاتٍ لّ َق ْومٍ َي ْ‬
‫ك َ‬
‫فِي ذَِل َ‬
‫يقول تعال ـى ذكره‪ :‬و من حج جه عل ـيكم أي ها القوم تقديره ال ساعات والوقات‪ ,‬ومخالف ته‬
‫بـين اللـيـل والنهار‪ ,‬فجعل اللـيـل لكم سكنا تسكنون فـيه‪ ,‬وتنامون فـيه‪ ,‬وجعل النهار‬
‫ت لقَوْ مٍ‬
‫ن فِ ـي ذل كَ لَيا ٍ‬
‫مضيئا لت صرّفكم ف ـي معايش كم والت ـماسكم ف ـيه من رزق ب كم إ ّ‬
‫َسـمَعُونَ يقول تعالــى ذكره‪ :‬إن فــي فعـل ال ذلك كذلك‪ ,‬لعـبرا وذكرى وأدلة علــى أن‬
‫ي ْ‬
‫فــاعل ذلك ل يُعجزه شيـء أراده لقوم يسـمعون مواعـظ ال‪ ,‬فــيتعظون بهـا‪ ,‬ويعتـبرون‬
‫فـيفهمون حجج ال علـيهم‪.‬‬

‫‪24‬‬ ‫الية ‪:‬‬


‫سمَآءِ‬
‫ل مِ نَ ال ّ‬
‫القول فـي تأويـل قوله تعالـى‪َ { :‬و ِم نْ آيَاتِ ِه ُيرِيكُ مُ ا ْل َبرْ قَ خَوْفا َوطَمَعا َو ُينَزّ ُ‬
‫ليَاتٍ لّ َق ْومٍ َيعْقِلُونَ }‪.‬‬
‫ن فِي ذَِلكَ َ‬
‫ض َب ْعدَ مَ ْو ِتهَا إِ ّ‬
‫حيِي ِبهِ الرْ َ‬
‫مَآءً َف ُي ْ‬
‫ق خَوْف ـا ل كم إذا كنت ـم سفرا‪ ,‬أن ت ـمطروا‬
‫يقول تعال ـى ذكره‪ :‬و من حج جه ُيرِيكُ مُ ال َبرْ َ‬
‫طمَ عا ل كم‪ ,‬إذا كنت ـم ف ـي إقا مة أن ت ـمطروا‪ ,‬فت ـحيوا وت ـخصبوا َو ُي َنزّلُ م نَ‬
‫فتتأذّوا به و َ‬
‫ال سّماءِ ما ًء يقول‪ :‬وينزّل من ال سماء مطرا‪ ,‬ف ـيحيـي بذلك ال ـماء الرض ال ـميتة‪ ,‬فتن بت‬
‫ويخرج زرعها بعد موتها‪ ,‬يعنـي جدوبها ودروسها إن فِـي ذل كَ لَيا تٍ يقول‪ :‬إن فـي فعله‬
‫ذلك كذلك لعبرا وأدلة لِ َقوْ مٍ َيعْقِلُو نَ عن ال حججه وأدلته‪ .‬وبنـحو الذي قلنا فـي معنى قوله‬
‫طمَعا قال أهل التأويـل‪ .‬ذكر من قال ذلك‪:‬‬
‫ُيرِي ُكمُ ال َب ْرقَ خَوْفـا َو َ‬
‫‪ 21262‬ـ حدث نا ب شر‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا يز يد‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا سعيد‪ ,‬عن قَتادة‪ ,‬ف ـي قوله َو ِم نْ آياتِ هِ‬
‫طمَعا قال‪ :‬خوفـا للـمسافر‪ ,‬وطمعا للـمقـيـم‪.‬‬
‫ُيرِي ُكمُ ال َب ْرقَ خَوْفـا َو َ‬
‫طمَعا فقال‬
‫ق خَوْفـا َو َ‬
‫واختلف أهل العربـية فـي وجه سقوط «أن» فـي قوله‪ُ :‬يرِيكُمُ ال َبرْ َ‬
‫بعض نـحويـي البصرة‪ :‬لـم يذكر ههنا «أن» لن هذا يدلّ علـى الـمعنى وقال الشاعر‪:‬‬
‫ت هَل أنْتَ ُمخْـلِدي‬
‫شهَدَ الّلذّا ِ‬
‫نأْ‬
‫حضُرَ الوَغَىوأ ْ‬
‫أل أ ّي َهذَا الزّاجِرِي أ ْ‬
‫قال‪ :‬وقال‪:‬‬
‫حسَبٍ َومِيس ِم‬
‫ت ما فِـي قَ ْومِها لَـمْ تِـيتَـميَ ْفضُلُها فـي َ‬
‫َلوْ قُلْ ُ‬
‫وقال‪ :‬ير يد‪ :‬ما ف ـي قوم ها أ حد‪ .‬وقال ب عض ن ـحويـي الكوف ـيـين‪ :‬إذا أظهرت «أن»‬
‫سمَوَاتِ وَالرْ ضِ َو َمنَا ُمكُ مْ فإذا حذ فت‬
‫ن آياتِ ِه خَ ـ ْلقُ ال ّ‬
‫ف هي ف ـي مو ضع ر فع‪ ,‬ك ما قال‪َ :‬ومِ ْ‬
‫جعلت «من» مؤدّية عن اسم متروك‪ ,‬يكون الفعل صلة‪ ,‬كقول الشاعر‪:‬‬
‫ح‬
‫ت وُأخْرَى أ ْبتَغي ال َعيْشَ أكْد ُ‬
‫وَما الدّ ْهرُ إلّ تارَتانِ َف ِم ْنهُماأمو ُ‬
‫كأنه أراد‪ :‬فمنهما ساعة أموتها‪ ,‬وساعة أعيشها‪ ,‬وكذلك‪ :‬ومن آياته يريكم آية البرق‪ ,‬وآية‬
‫لكذا‪ ,‬وإن شئت أردت‪ :‬ويري كم من آيا ته البرق‪ ,‬فل تض مر «أن» ول غيره‪ .‬وقال ب عض من‬
‫أن كر قول الب صري‪ :‬إن ـما ينب غي أن ت ـحذف «أن» من ال ـموضع الذي يدلّ عل ـى حذف ها‪,‬‬
‫فأما فـي كلّ موضع فل‪ ,‬فأما مع أحضر الوغى فلـما كان زجرتك أن تقوم‪ ,‬وزجرتك لن‬
‫تقوم‪ ,‬يدلّ علــى السـتقبـال جاز حذف «أن»‪ ,‬لن الــموضع معروف ل يقـع فــي كلّ‬
‫الكلم‪ ,‬فأما قوله‪ :‬ومن آياته أنك قائم‪ ,‬وأنك تقوم‪ ,‬وأن تقوم‪ ,‬فهذا الـموضع ل يحذف‪ ,‬لنه ل‬
‫يدلّ علـى شيء واحد‪.‬‬
‫وال صواب من القول ف ـي ذلك أن « من» ف ـي قوله َومِ نْ آياتِ ِه تدل عل ـى ال ـمـحذوف‪,‬‬
‫وذلك أنها تأتـي بـمعنى التبعيض‪ .‬وإذا كانت كذلك‪ ,‬كان معلوما أنها تقتضي البعض‪ ,‬فلذلك‬
‫تـحذف العرب معها السم لدللتها علـيه‪.‬‬
‫‪25‬‬ ‫الية ‪:‬‬
‫ض ِبَأمْرِ ِه ثُ مّ ِإذَا دَعَاكُ مْ‬
‫سمَآءُ وَالرْ ُ‬
‫القول فـي تأويـل قوله تعالـى‪َ { :‬و ِم نْ آيَاتِ ِه أَن تَقُو َم ال ّ‬
‫خ ُرجُونَ }‪.‬‬
‫ض ِإذَآ أَن ُتمْ َت ْ‬
‫دَعْ َوةً ّمنَ الرْ ِ‬
‫يقول تعال ـى ذكره‪ :‬و من حج جه أي ها القوم عل ـى قُدر ته عل ـى ما يشاء‪ ,‬ق ـيام ال سماء‬
‫عوَ ًة مِنَـ الرْض ِـ إذَا‬
‫والرض بأمره خضوعـا له بــالطاعة بغيـر عمـد ترى ثُمّـ إذا دَعاكُم ْـ دَ ْ‬
‫خ َرجُونَ يقول‪ :‬إذا أنتــم تــخرجون مـن الرض‪ ,‬إذا دعاكـم دعوة مسـتـجيبـين‬
‫أ ْنتُــمْ تَــ ْ‬
‫لدعوته إياكم‪ .‬وبنـحو الذي قلنا فـي ذلك قال أهل التأويـل‪ .‬ذكر من قال ذلك‪:‬‬
‫ن تَقُو مَ السّماءُ‬
‫‪21263‬ـ حدثنا بشر‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا يزيد‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا سعيد‪ ,‬عن قَتادة َومِ نْ آياتِ ِه أ ْ‬
‫خرُجُونَ‬
‫ن الرْ ضِ إذَا أ ْنتُ ـمْ تَ ـ ْ‬
‫والرْ ضُ بأ ْمرِ ِه قام تا بأمره بغ ير ع مد ثُ ّم إذَا دَعاك مْ َدعْ َوةً مِ َ‬
‫قال‪ :‬دعاهم فخرجوا من الرض‪.‬‬
‫‪ 21264‬ـ حُد ثت عن ال ـحسين‪ ,‬قال‪ :‬سمعت أب ـا معاذ يقول‪ :‬أخبر نا عب ـيد‪ ,‬قال‪ :‬سمعت‬
‫خ ُرجُونَ يقول‪ :‬من الرض‪.‬‬
‫الضحاك يقول‪ ,‬فـي قوله‪ :‬إذَا أ ْنتُـمْ تَـ ْ‬
‫‪27- 26‬‬ ‫الية ‪:‬‬
‫ل لّ هُ قَا ِنتُو نَ * وَ ُهوَ‬
‫ت وَالرْ ضِ كُ ّ‬
‫سمَاوَا ِ‬
‫القول فـي تأويـل قوله تعالـى‪{ :‬وَلَ هُ مَن فِي ال ّ‬
‫اّلذِي َي ْبدَأُ ا ْلخَلْق َـ ثُم ّـ ُيعِيدُه ُـ وَهُ َو أَهْوَن ُـ عََليْه ِـ وَلَه ُـ ا ْل َمثَلُ العَْلىَ فِي الس ّـمَاوَاتِ وَالرْض ِـ وَهُوَ‬
‫حكِيمُ }‪.‬‬
‫ا ْل َعزِيزُ ا ْل َ‬
‫يقول تعال ـى ذكره‪ :‬ول من ف ـي ال سموات والرض من ملك وج نّ وإ نس عب ـيد وملك‬
‫ل لَهُ قا ِنتُونَ وقد علـم أن‬
‫ل له مطيعون‪ ,‬فـيقول قائل‪ :‬وكيف قـيـل كُ ّ‬
‫كُلّ َل ُه قا ِنتُونَ يقول‪ :‬ك ّ‬
‫أكثـر ال نس وال ـجنّ له عا صون؟ فنقول‪ :‬اختلف أ هل التأوي ـل فــي تأوي ـل ذلك‪ ,‬فنذ كر‬
‫اختلفهـم‪ ,‬ثـم نبــين الصـواب عندنـا فــي ذلك مـن القول‪ ,‬فقال بعضهـم‪ :‬ذلك كلم مخرجـه‬
‫مخرج العموم‪ ,‬والــمراد بـه الــخصوص‪ ,‬ومعناه‪ :‬كلّ له قانتون فــي الــحياة والبقاء‬
‫والـموت‪ ,‬والفناء والبعث والنشور‪ ,‬ل يـمتنع علـيه شيء من ذلك‪ ,‬وإن عصاه بعضهم من‬
‫غير ذلك‪ .‬ذكر من قال ذلك‪:‬‬
‫‪ 21265‬ـ حدثنـي مـحمد بن سعد‪ ,‬قال‪ :‬ثنـي أبـي‪ ,‬قال‪ :‬ثنـي عمي‪ ,‬قال‪ :‬ثنـي أبـي‪,‬‬
‫ل لَ هُ‬
‫ن آياتِ هِ أ نْ تَقُو مَ ال سّماءُ والرْ ضُ بأ ْمرِ هِ‪ ...‬إلـى كُ ّ‬
‫عن أبـيه‪ ,‬عن ابن عبـاس‪ ,‬قوله َومِ ْ‬
‫قا ِنتُو نَ يقول‪ :‬مطيعون‪ ,‬يعن ـي ال ـحياة والنشور وال ـموت‪ ,‬و هم عا صون له ف ـيـما سوى‬
‫ذلك من العبـادة‪.‬‬
‫وقال آخرون‪ :‬بل معنى ذلك‪ :‬كلّ له قانتون بإقرارهم بأنه ربهم وخالقهم‪ .‬ذكر من قال ذلك‪:‬‬
‫‪ 21266‬ـ حدثنا بشر‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا يزيد‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا سعيد‪ ,‬عن قَتادة كُلّ َل ُه قا ِنتُو نَ‪ :‬أي مطيع‬
‫مقرّ بأن ال ربه وخالقه‪.‬‬
‫وقال آخرون‪ :‬هو عل ـى ال ـخصوص‪ ,‬وال ـمعنى‪ :‬وله من ف ـي ال سموات والرض من‬
‫ملك وعبد مؤمن ل مطيع دون غيرهم‪ .‬ذكر من قال ذلك‪:‬‬
‫ل لَ ُه قا ِنتُونَ‬
‫‪21267‬ـ حدثنـي يونس‪ ,‬قال‪ :‬أخبرنا ابن وهب‪ ,‬قال‪ :‬قال ابن زيد‪ ,‬فـي قوله‪ :‬كُ ّ‬
‫ل له مطيعون‪ .‬الـمطيع‪ :‬القانت‪ ,‬قال‪ :‬ولـيس شيء إلّ وهو مطيع‪ ,‬إلّ ابن آدم‪ ,‬وكان‬
‫قال‪ :‬ك ّ‬
‫ن قال‪ :‬هذا فــي الصـلة‪ ,‬ل‬
‫ّهـ قا ِنتِــي َ‬
‫أحقهـم أن يكون أطوعهـم ل‪ .‬وفــي قوله َوقُومُوا لِل ِ‬
‫تتكل ـموا ف ـي ال صلة ك ما يتكل ـم أ هل الكتاب ف ـي ال صلة‪ ,‬قال‪ :‬وأ هل الكتاب ي ـمشي‬
‫بعضهم إلـى بعض فـي الصلة‪ ,‬قال‪ :‬ويتقابلون فـي الصلة‪ ,‬فإذا قـيـل لهم فـي ذلك‪,‬‬
‫قالوا‪ :‬لكي تذهب الشحناء من قلوبنا تسلـم قلوب بعضنا لبعض‪ ,‬فقال ال‪ :‬وقوموا ل قانتـين‬
‫ل تزولوا كم يزولون‪ .‬قانتـين‪ :‬ل تتكلـموا كما يتكلـمون‪ .‬قال‪ :‬فأما ما سوى هذا كله فـي‬
‫ل هذه الواحدة‪.‬‬
‫القرآن من القنوت فهو الطاعة‪ ,‬إ ّ‬
‫ل من‬
‫وأولـى القوال فـي ذلك بـالصواب القول الذي ذكرناه عن ابن عبـاس‪ ,‬وهو أن ك ّ‬
‫ف ـي ال سموات والرض من خ ـلق ل مط يع ف ـي ت صرّفه ف ـيـما أراد تعال ـى ذكره من‬
‫حياة وموت‪ ,‬و ما أش به ذلك‪ ,‬وإن ع صاه ف ـيـما يك سبه بقوله‪ ,‬وف ـيـما له ال سبـيـل إل ـى‬
‫اختـياره وإيثاره علـى خلفه‪.‬‬
‫وإن ـما قلت‪ :‬ذلك أول ـى ب ـالصواب ف ـي تأوي ـل ذلك‪ ,‬لن الع صاة من خ ـلقه ف ـيـما‬
‫ل هم ال سبـيـل إل ـى اكت سابه كث ـير عدد هم‪ ,‬و قد أ خبر تعال ـى ذكره عن جميع هم أن هم له‬
‫قانتون‪ ,‬فغير جائز أن يخبر عمن هو عاص أنه له قانت فـيـما هو له عاص‪ .‬وإذا كان ذلك‬
‫كذلك‪ ,‬فـالذي فـيه عاص هو ما وصفت‪ ,‬والذي هو له قانت ما بـينت‪.‬‬
‫ُهـ يقول تعالــى ذكره‪ :‬والذي له هذه الصـفـات‬
‫ُمـ ُيعِيد ُ‬
‫وقوله‪ :‬وَ ُهوَ اّلذِي َي ْبدَأُ الــخَـ ْلقَ ث ّ‬
‫تبـارك وتعالـى‪ ,‬هو الذي يبدأ الـخـلق من غير أصل فـينشئه ويوجده‪ ,‬بعد أن لـم يكن‬
‫شيئا‪ ,‬ثم يفنـيه بعد ذلك‪ ,‬ثم يعيده‪ ,‬كما بدأه بعد فنائه‪ ,‬وهو أهون علـيه‪.‬‬
‫اختلف أ هل التأوي ـل‪ ,‬ف ـي مع نى قوله‪ :‬وَهُ َو أهْ َو نُ عَلَ ـيْهِ فقال بعض هم‪ :‬معناه‪ :‬و هو ه ين‬
‫علـيه‪ .‬ذكر من قال ذلك‪:‬‬
‫‪ 21268‬ـ حدثنا ابن وكيع‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا يحيى بن سعيد العطار‪ ,‬عن سفـيان عمن ذكره‪ ,‬عن‬
‫خيْثم وَ ُه َو أهْوَنُ عَلَـيْ ِه قال‪ :‬ما شيء علـيه بعزيز‪.‬‬
‫منذر الثوريّ‪ ,‬عن الربـيع بن َ‬
‫‪ 21269‬ـ حدثنـي مـحمد بن سعد‪ ,‬قال‪ :‬ثنـي أبـي‪ ,‬قال‪ :‬ثنـي عمي‪ ,‬قال‪ :‬ثنـي أبـي‪,‬‬
‫عن أبـيه‪ ,‬عن ابن عبـاس‪ ,‬قوله وَ ُهوَ اّلذِي َي ْبدَأُ الـخَـ ْلقَ ثُمّ ُيعِيدُهُ‪ ,‬وَ ُهوَ أ ْهوَنُ عَلَـيْهِ يقول‪:‬‬
‫كلّ شيء علـيه هين‪.‬‬
‫وقال آخرون‪ :‬معناه‪ :‬وإعادة الـخـلق بعد فنائهم أهون علـيه من ابتداء خـلقهم‪ .‬ذكر من‬
‫قال ذلك‪:‬‬
‫‪ 21270‬ـ حدثنـي علـيّ‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا أبو صالـح‪ ,‬قال‪ :‬ثنـي معاوية‪ ,‬عن علـيّ‪ ,‬عن ابن‬
‫عبـاس‪ ,‬قوله وَهُ َو أهْ َونُ عَلَـيْهِ قال‪ :‬يقول‪ :‬أيسر علـيه‪.‬‬
‫‪ 21271‬ـ حدث نا م ـحمد بن عمرو‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا أ بو عا صم‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا عي سى وحدثن ـي‬
‫الــحارث‪ ,‬قال‪ :‬حدثنـا الــحسن‪ ,‬قال‪ :‬حدثنـا ورقاء جميعـا‪ ,‬عـن ابـن أبــي نــجيح‪ ,‬عـن‬
‫مـجاهد‪ ,‬قوله‪ :‬وَ ُهوَ أ ْهوَنُ عَلَـيْ ِه قال‪ :‬العادة أهون علـيه من البداءة‪ ,‬والبداءة علـيه هين‪.‬‬
‫‪21272‬ـ حدثنـي ابن الـمثنى‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا مـحمد بن جعفر‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا شعبة‪ ,‬عن سماك‪,‬‬
‫عـن عكرِمـة قرأ هذا الــحرف وَهُ َو اّلذِي َي ْبدَأُ الــخَـ ْلقَ ثُمّـ ُيعِيدُهـُ‪ ,‬وَهُ َو أ ْهوَنُـ عَلَــيْ ِه قال‪:‬‬
‫تع جب الكف ـار من إحياء ال ال ـموتـى‪ ,‬قال‪ :‬فنزلت هذه الَ ية وَهُ َو اّلذِي َي ْبدَأُ ال ـخَـلْقَ ثُ مّ‬
‫ُيعِيدُهُ‪ ,‬وَهُ َو أهْ َونُ عَلَـيْهِ إعادة الـخـلق أهون علـيه من إبداء الـخـلق‪.‬‬
‫ل أنه قال‪:‬‬
‫حدثنا ابن وكيع‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا غندر‪ ,‬عن شعبة‪ ,‬عن سماك‪ ,‬عن عكرمة بنـحوه‪ ,‬إ ّ‬
‫إعادة الـخـلق أهون علـيه من ابتدائه‪.‬‬
‫‪ 21273‬ـ حدثنا بشر‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا يزيد‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا سعيد‪ ,‬عن قَتادة‪ ,‬قوله وَهُ َو أهْ َو نُ عَلَـيْهِ‪:‬‬
‫يقول‪ :‬إعادته أهون علـيه من بدئه‪ ,‬وكلّ علـى ال هين‪ .‬وفـي بعض القراءة‪ :‬وكلّ علـى‬
‫ال هين‪.‬‬
‫و قد يحت ـمل هذا الكلم وجه ين‪ ,‬غ ير القول ـين اللذ ين ذكرت‪ ,‬و هو أن يكون معناه‪ :‬و هو‬
‫الذي يبدأ الــخـلق ثـم يعيده‪ ,‬وهـو أهون علــى الــخـلق‪ :‬أي إعادة الشيـء أهون علــى‬
‫الـخـلق من ابتدائه‪ .‬والذي ذكرنا عن ابن عبـاس فـي الـخبر الذي حدثنـي به ابن سعد‪,‬‬
‫قول أيضا له وجه‪.‬‬
‫وقد وجّه غير واحد من أهل العربـية قول ذي الرّمة‪:‬‬
‫خضَعُ‬
‫أخي قَـ َفرَاتٍ َد ّببَتْ فِـي عِظامهشُفـافـاتُ أعْجاز ال َكرَى فهْ َو أ ْ‬
‫إلـى أنه بـمعنى خاضع وقول الَخر‪:‬‬
‫ن وأ ْفضَلُ‬
‫سنِـي َ‬
‫ع ْندَ ال ّ‬
‫ن ال ّزبْرَقانَ لَبـاذِلٌلـ َمعْروفِه ِ‬
‫َل َع ْم ُركَ إ ّ‬
‫ل‬
‫ب الـمَكا ِرمِ أوّ ُ‬
‫ل أسْبـا ِ‬
‫خرٌوفِـي كُ ّ‬
‫ن كُلّ َذمّ َتَأ ّ‬
‫َكرِيـمٌ لَه عَ ْ‬
‫إلـى أنه بـمعنى‪ :‬وفـاضل وقول معن‪:‬‬
‫ل‬
‫َل َع ْم ُركَ ما أ ْدرِي وإنّـي لَ ْوجَلُعلـى أيّنا َت ْعدُو الـمَنِـيّةُ أوّ ُ‬
‫إلـى أنه بـمعنى‪ :‬وإنـي لوجل وقول الَخر‪:‬‬
‫حدِ‬
‫سبِـيـلٌ َلسْتُ فِـيها بأ ْو َ‬
‫ن أ ُمتْ َفتِلكَ َ‬
‫تَـ َمنّى ُمرَىْ ُء القَـيْسِ مَوْتـي وإ ْ‬
‫إلـى أنه بـمعنى‪ :‬لست فـيها بواحد وقول الفرزدق‪:‬‬
‫عزّ وأطْ َولُ‬
‫س َمكَ السّماءَ بَنى لَنابَـيْتا دَعائمُهُ أ َ‬
‫إنّ اّلذِي َ‬
‫إلـى أنه بـمعنى‪ :‬عزيزة طويـلة‪ .‬قالوا‪ :‬ومنه قولهم فـي الذان‪ :‬ال أكبر‪ ,‬بـمعنى‪ :‬ال‬
‫كب ـير وقالوا‪ :‬إن قال قائل‪ :‬إن ال ل يو صف بهذا‪ ,‬وإن ـما يو صف به الـخـلق‪ ,‬فز عم أ نه‬
‫ن ذل كَ عل ـى الّل ِه يَ سِيرا‪,‬‬
‫و هو أهون عل ـى ال ـخـلق‪ ,‬فإن ال ـحجة عل ـيه قول ال‪ :‬وكا َ‬
‫ظهُما‪ :‬أي ل يثقله حفظهما‪.‬‬
‫وقوله‪ :‬وَل َيئُودُ ُه حِ ْف ُ‬
‫وقوله‪ :‬وََلهُ الـ َمثَلُ العْلَـى يقول‪ :‬ول الـمثل العلـى فـي السموات والرض‪ ,‬وهو أنه‬
‫ل هـو وحده ل شريـك له‪ ,‬لــيس كمثله شيـء‪ ,‬فذلك الــمثل العلــى‪ ,‬تعالــى ربنـا‬
‫ل إله إ ّ‬
‫وتقدّس‪ .‬وبنـحو الذي قلنا فـي ذلك قال أهل التأويـل‪ .‬ذكر من قال ذلك‪:‬‬
‫‪ 21274‬ـ حدثنـي علـيّ‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا أبو صالـح‪ ,‬قال‪ :‬ثنـي معاوية‪ ,‬عن علـيّ‪ ,‬عن ابن‬
‫ت يقول‪ :‬لـيس كمثله شيء‪.‬‬
‫سمَوَا ِ‬
‫عبـاس‪ ,‬قوله وَلَ ُه الـ َمثَلُ العْلَـى فِـي ال ّ‬
‫‪21275‬ـ حدثنا بشر‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا يزيد‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا سعيد‪ ,‬عن قتادة‪ ,‬قوله وَلَهُ الـمَثَلُ العْلَـى‬
‫ض مثله أنه ل إله إلّ هو‪ ,‬ول ربّ غيره‪.‬‬
‫ت والرْ ِ‬
‫سمَوَا ِ‬
‫فِـي ال ّ‬
‫حكِيـمُ يقول تعال ـى ذكره‪ :‬و هو العز يز ف ـي انتقا مه من أعدائه‪,‬‬
‫وقوله‪ :‬وَ ُهوَ ال َعزِيزُ ال ـ َ‬
‫الـحكيـم فـي تدبـيره خـلقه‪ ,‬وتصريفهم فـيـما أراد من إحياء وإماتة‪ ,‬وبعث ونشر‪ ,‬وما‬
‫شاء‪.‬‬

‫‪28‬‬ ‫الية ‪:‬‬


‫ت َأ ْيمَانُكُمْ‬
‫سكُ ْم هَلْ ّلكُمْ مّن مّا مََلكَ ْ‬
‫ن أَنفُ ِ‬
‫ب َلكُمْ ّمثَلً مّ ْ‬
‫القول فـي تأويـل قوله تعالـى‪{ :‬ضَرَ َ‬
‫ليَا تِ لِ َقوْ مٍ‬
‫سكُمْ َكذَلِ كَ ُنفَ صّلُ ا َ‬
‫سوَآ ٌء َتخَافُو َنهُ مْ َكخِي َف ِتكُ مْ أَنفُ َ‬
‫مّن شُ َركَآءَ فِي مَا َرزَ ْقنَاكُ مْ َفأَنتُ مْ فِي هِ َ‬
‫َيعْقِلُونَ }‪.‬‬
‫يقول تعالــى ذكره‪ :‬مثـل لكـم أيهـا القوم ربكـم مثلً مـن أنفسـكم‪ ,‬هـل لكـم مــما ملكـت‬
‫أي ـمانكم يقول‪ :‬من م ـمالـيككم من شركاء‪ ,‬ف ـيـما رزقنا كم من مال‪ ,‬فأنت ـم ف ـيه سواء‬
‫و هم‪ .‬يقول‪ :‬فإذا ل ـم ترضوا بذلك لنف سكم فك يف رضيت ـم أن تكون آلهت كم الت ـي تعبدون ها‬
‫ل ـي شركاء ف ـي عب ـادتكم إياي‪ ,‬وأنت ـم و هم عب ـيدي وم ـمالـيكي‪ ,‬وأ نا مالك جميع كم‪.‬‬
‫وبنـحو الذي قلنا فـي ذلك قال أهل التأويـل‪ .‬ذكر من قال ذلك‪:‬‬
‫ضرَبَ َلكُمْ َمثَلً ِمنْ‬
‫‪21276‬ـ حدثنا بشر‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا يزيد‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا سعيد‪ ,‬عن قَتادة‪ ,‬قوله‪َ :‬‬
‫سوَاءٌ قال‪:‬‬
‫شرَكاءَ فِـيـما َرزَقْناكُ مْ‪ ,‬فأ ْنتُ ـمْ فِ ـيهِ َ‬
‫أنْفُسك ْم هَلْ َلكُ مْ مِـمّا مََلكَ تْ أيـمَا ُنكُ ْم مِ نْ ُ‬
‫م ثل ضر به ال ل ـمن عدل به شيئا من خ ـلقه‪ ,‬يقول‪ :‬أكان أحد كم مشار كا م ـملوكه ف ـي‬
‫فراشه وزوجته‪ ,‬فكذلكم ال ل يرضى أن يعدل به أحد من خـلقه‪.‬‬
‫ضرَ بَ َلكُ مْ‬
‫‪ 21277‬ـ حدثنـي يونس‪ ,‬قال‪ :‬أخبرنا ابن وهب‪ ,‬قال‪ :‬قال ابن زيد‪ ,‬فـي قوله َ‬
‫شرَكا َء فِ ـيـما َرزَقْناكُ مْ‪ ,‬فأنْتُ ـمْ فِ ـيهِ‬
‫ن ُ‬
‫سكُ ْم هَلْ َلكُ مْ م ـمّا مََلكَ تْ أي ـمَا ُنكُ ْم مِ ْ‬
‫َمثَلً مِ نْ أنْفُ ِ‬
‫سَوَاءٌ قال‪ :‬هل ت ـجد أحدا يج عل عبده هكذا ف ـي ماله‪ ,‬فك يف تع مد أ نت وأ نت تش هد أن هم‬
‫عبـيدي وخـلقـي‪ ,‬وتـجعل لهم نصيبـا فـي عبـادتـي‪ ,‬كيف يكون هذا؟ قال‪ :‬وهذا مثل‬
‫ضربه ال لهم‪ ,‬وقرأ‪ :‬كَذلكَ نُ َفصّلُ الَياتِ لِ َق ْومٍ َيعْقِلُونَ‪.‬‬
‫سكُمْ فقال بعضهم‪ :‬معنى‬
‫واختلف أهل التأويـل فـي تأويـل قوله‪ :‬تَـخافُو َن ُهمْ َكخِي َف ِتكُ مْ أنْفُ َ‬
‫ذلك‪ :‬تـخافون هؤلء الشركاء مـما ملكت أيـمانكم أن يرثوكم أموالكم من بعد وفـاتكم‪ ,‬كما‬
‫يرث بعضكم بعضا‪ .‬ذكر من قال ذلك‪:‬‬
‫‪ 21278‬ـ حُد ثت عن حجاج‪ ,‬عن ا بن جُرَ يج‪ ,‬عن عطاء ال ـخراسانـي‪ ,‬عن ا بن عب ـاس‪,‬‬
‫قال‪ :‬فـي الَلهة‪ ,‬وفـيه يقول‪ :‬تـخافونهم أن يرثوكم كما يرث بعضكم بعضا‪.‬‬
‫وقال آخرون‪ :‬بل معنى ذلك‪ :‬تـخافون هؤلء الشركاء مـما ملكت أيـمانكم أن يقاسموكم‬
‫أموالكم‪ ,‬كما تقاسم بعضكم بعضا‪ .‬ذكر من قال ذلك‪:‬‬
‫‪21279‬ـ حدثنا ابن عبد العلـى‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا الـمعتـمر‪ ,‬قال‪ :‬سمعت عمران قال‪ :‬قال أبو‬
‫مـجلز‪ :‬إن مـملوكك ل تـخاف أن يقاسمك مالك‪ ,‬ولـيس له ذلك‪ ,‬كذلك ال ل شريك له‪.‬‬
‫وأول ـى القول ـين ب ـالصواب ف ـي تأوي ـل ذلك القول الثان ـي‪ ,‬ل نه أشبهه ما ب ـما دلّ‬
‫علــيه ظاهرالكلم‪ ,‬وذلك أن ال جلّ ثناؤه وبـخ هؤلء الــمشركين الذيـن يجعلون له مـن‬
‫خـلقه آلهة يعبدونها‪ ,‬وأشركوهم فـي عبـادتهم إياه‪ ,‬وهم مع ذلك يقرّون بأنها خـلقه وهم‬
‫عب ـيده‪ ,‬وعير هم بفعل هم ذلك‪ ,‬فقال ل هم‪ :‬هل ل كم من عب ـيدكم شركاء ف ـيـما خوّلنا كم من‬
‫نعمنـا‪ ,‬ف هم سواء‪ ,‬وأنت ـم فــي ذلك ت ـخافون أن يقا سموكم ذلك ال ـمال الذي هو ب ـينكم‬
‫وب ـينهم‪ ,‬كخي فة بعض كم بع ضا أن يقا سمه ما ب ـينه وب ـينه من ال ـمال شر كة ف ـالـخيفة‬
‫التـي ذكرها تعالـى ذكره بأن تكون خيفة مـما يخاف الشريك من مقاسمة شريكه الـمال‬
‫الذي بـينهما إياه أشبه من أن تكون خيفة منه بأن يرثه‪ ,‬لن ذكر الشركة ل يدلّ علـى خيفة‬
‫الوراثة‪ ,‬وقد يدلّ علـى خيفة الفراق والـمقاسمة‪.‬‬
‫وقوله‪ :‬كذلكَ نُفَصّلُ الَياتِ لِ َقوْمٍ َيعْقِلُونَ يقول تعالـى ذكره‪ :‬كما بـيّنا لكم أيها القوم حججنا‬
‫فـي هذه الَيات من هذه السورة علـى قدرتنا علـى ما نشاء من إنشاء ما نشاء‪ ,‬وإفناء ما‬
‫ن ـحبّ‪ ,‬وإعادة ما نر يد إعاد ته ب عد فنائه‪ ,‬ودلل نا عل ـى أ نه ل ت صلـح العب ـادة إلّ للوا حد‬
‫حقـ لقوم يعقلون‪,‬‬
‫ّ‬ ‫القهار‪ ,‬الذي بــيده ملكوت ك ّل شيـء‪ ,‬كذلك نبــين حججنـا فــي كـل‬
‫فـيتدبرونها إذا سمعوها‪ ,‬ويعتبرون فـيتعظون بها‪.‬‬

‫‪29‬‬ ‫الية ‪:‬‬


‫القول ف ـي تأوي ـل قوله تعال ـى‪{ :‬بَلِ ا ّتبَ َع اّلذِي نَ ظََلمُوَ ْا أَهْوَآءَهُ مْ ِب َغيْرِ عِلْ مٍ فَمَن َي ْهدِي مَ نْ‬
‫صرِينَ }‪.‬‬
‫َأضَلّ اللّهُ َومَا َل ُهمْ مّن نّا ِ‬
‫يقول تعال ـى ذكره‪ :‬ما ذلك كذلك‪ ,‬ول أشرك هؤلء ال ـمشركون ف ـي عب ـادة ال الَل هة‬
‫والوثان‪ ,‬لن ل هم شر كا ف ـيـما رزق هم ال من ملك أي ـمانهم‪ ,‬ف هم وعب ـيدهم ف ـيه سواء‪,‬‬
‫يخافون أن يقاسموهم ما هم شركاؤهم فـيه‪ ,‬فرضوا ل من أجل ذلك بـما رضوا به لنفسهم‪,‬‬
‫فأشركو هم ف ـي عب ـادته‪ ,‬ول كن الذ ين ظل ـموا أنف سهم فكفروا ب ـال‪ ,‬اتبعوا أهواء هم‪ ,‬جهلً‬
‫ن أضَلّ الّل هُ‬
‫ن ي ْهدِي مَ ْ‬
‫من هم ل ـحقّ ال عل ـيهم‪ ,‬فأشركوا الَل هة والوثان ف ـي عب ـادته َفمَ ْ‬
‫ل ال عـن‬
‫يقول‪ :‬فمـن يسـدّد للصـواب مـن الطرق‪ ,‬يعنــي بذلك مـن يوفـق للسـلم مـن أض ّ‬
‫صرِينَ يقول‪ :‬وما لـمن أضلّ ال من ناصرين ينصرونه‪,‬‬
‫ن نا ِ‬
‫الستقامة والرشاد؟ وَما َلهُ مْ مِ ْ‬
‫فـينقذونه من الضلل الذي يبتلـيه به تعالـى ذكره‪.‬‬

‫‪30‬‬ ‫الية ‪:‬‬


‫حنِيفا ِفطْرَ َة اللّ ِه اّلتِي َفطَرَ النّا سَ عََل ْيهَا‬
‫ن َ‬
‫جهَ كَ لِلدّي ِ‬
‫القول فـي تأويـل قوله تعالـى‪َ { :‬فأَقِ مْ َو ْ‬
‫ل َيعَْلمُونَ }‪.‬‬
‫ن الْ َق ّيمُ وَلَـكِنّ َأ ْك َثرَ النّاسِ َ‬
‫لَ َت ْبدِيلَ ِلخَ ْلقِ الّلهِ ذَِلكَ الدّي ُ‬
‫يقول تعالـى ذكره‪ :‬فسدّد وجهك نـحو الوجه الذي وجهك إلـيه ربك يا مـحمد لطاعته‪,‬‬
‫وهي الدين‪ ,‬حنـيفـا يقول‪ :‬مستقـيـما لدينه وطاعته‪ ,‬فطرة ال التـي فطر الناس علـيها‬
‫يقول‪ :‬صنع َة ال التـي خـلق الناس علـيها ونصبت فطرة علـى الـمصدر من معنى قوله‬
‫حنِ ـيفـا وذلك أن مع نى ذلك‪ :‬ف طر ال الناس عل ـى ذلك فطرة‪ .‬وبن ـحو‬
‫جهَ كَ للدّي نِ َ‬
‫فَأقِ مْ َو ْ‬
‫الذي قلنا فـي ذلك قال أهل التأويـل‪ .‬ذكر من قال ذلك‪:‬‬
‫طرَةَ الّل هِ‬
‫‪ 21280‬ـ حدثن ـي يو نس‪ ,‬قال‪ :‬أخبر نا ا بن و هب‪ ,‬قال‪ :‬قال ا بن ز يد‪ ,‬ف ـي قوله فِ ْ‬
‫التـي َفطَرَ النّاسَ عَلَـيْها قال‪ :‬السلم مذ خـلقهم ال من آدم جميعا‪ ,‬يقرّون بذلك‪ ,‬وقرأ‪ :‬وَإذْ‬
‫ت ب َر ّبكُ مْ؟ قالُوا‬
‫ش َهدَهُ مْ عل ـى أنْفُ سِهمْ‪ ,‬ألَ سْ ُ‬
‫ظهُورِهِ مْ ُذ ّريّ َتهُ مْ‪ ,‬وأ ْ‬
‫ن َبنِ ـي آدَ مَ م نْ ُ‬
‫خذَ َربّ كَ م ْ‬
‫أَ‬
‫ن بعد‪.‬‬
‫حدَةً‪َ ,‬ف َبعَثَ الّلهُ ال ّنبِـيّـي َ‬
‫ن النّاسُ ُأ ّمةً وَا ِ‬
‫ش ِهدْنا قال‪ :‬فهذا قول ال‪ :‬كا َ‬
‫بَلَـى َ‬
‫‪ 21281‬ـ حدثنـي م ـحمد بن عمرو‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا أ بو عا صم‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا عي سى وحدثنـي‬
‫الــحارث‪ ,‬قال‪ :‬حدثنـا الــحسن‪ ,‬قال‪ :‬حدثنـا ورقاء جميعـا‪ ,‬عـن ابـن أبــي نــجيح‪ ,‬عـن‬
‫مـجاهد ِفطْرَ َة اللّ ِه قال‪ :‬السلم‪.‬‬
‫‪ 21282‬ـ حدثنا ابن حميد‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا يحيى بن واضح‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا يونس بن أبـي صالـح‪,‬‬
‫عن يز يد بن أب ـي مري ـم‪ ,‬قال‪ :‬مرّ ع مر ب ـمُعاذ بن ج بل‪ ,‬فقال‪ :‬ما قِوام هذه ال مة؟ قال‬
‫ـ‬
‫طرَ النّاس َ‬
‫ـ التــي فَ َ‬
‫ـ الــمنـجيات‪ :‬الخلص‪ ,‬وهـو الفطرة ِفطْرَ َة اللّه ِ‬
‫مُعاذ‪ :‬ثلث‪ ,‬وهن ّ‬
‫عَلَـيْها‪ .‬والصلة وهي الـملة والطاعة وهي العصمة‪ ,‬فقال عمر‪ :‬صدقت‪.‬‬
‫حدثن ـي يعقوب‪ ,‬قال‪ :‬ثن ـي ا بن عُلَ ـية‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا أيوب‪ ,‬عن أب ـي قِل بة أن ع مر قال‬
‫لـمعاذ‪ :‬ما قِوام هذه المة؟ ثم ذكر نـحوه‪.‬‬
‫وقوله ل َت ْبدِي ـلَ لِ ـخَـ ْلقِ اللّ هِ يقول‪ :‬ل تغي ـير لد ين ال‪ :‬أي ل ي صلـح ذلك‪ ,‬ول ينب غي‬
‫أن يفعل‪.‬‬
‫واختلف أهل التأويـل فـي تأويـل ذلك‪ ,‬فقال بعضهم نـحو الذي قلنا فـي ذلك‪ .‬ذكر من‬
‫قال ذلك‪:‬‬
‫‪ 21283‬ـ حدثنـي م ـحمد بن عمرو‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا أ بو عا صم‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا عي سى وحدثنـي‬
‫الــحارث‪ ,‬قال‪ :‬حدثنـا الــحسن‪ ,‬قال‪ :‬حدثنـا ورقاء جميعـا‪ ,‬عـن ابـن أبــي نــجيح‪ ,‬عـن‬
‫ق اللّ ِه قال‪ :‬لدينه‪.‬‬
‫مـجاهد ل َت ْبدِيـلَ لِـخَـلْ ِ‬
‫‪21284‬ـ حدثنـي أبو السائب‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا ابن إدريس‪ ,‬عن لـيث‪ ,‬قال‪ :‬أرسل مـجاهد رجلً‬
‫يقال له قا سم إل ـى عكرِ مة ي سأله عن قول ال‪ :‬ل َت ْبدِي ـلَ لِ ـخَـ ْلقِ اللّ هِ (قال)‪ :‬إن ـما هو‬
‫ن القَـيّـمُ‪.‬‬
‫الدين‪ ,‬وقرأ ل َت ْبدِيـلَ لـخَـ ْلقِ اللّ ِه ذلكَ الدّي ُ‬
‫حدثنا ابن وكيع‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا زيد بن حبـاب‪ ,‬عن حسين بن واقد‪ ,‬عن يزيد النـحوي‪ ,‬عن‬
‫طرَةَ الّلهِ التـي َفطَرَ النّاسَ عَلَـيْها قال‪ :‬السلم‪.‬‬
‫عكرِمة ف ْ‬
‫قال‪ :‬ثنـي أبـي‪ ,‬عن نضر بن عربـي‪ ,‬عن عكرمة ل َت ْبدِيـلَ لـخَـ ْلقِ الّل ِه قال‪ :‬لدين‬
‫ال‪.‬‬
‫قال‪ :‬ثنـي أبـي‪ ,‬عن سفـيان‪ ,‬عن لـيث‪ ,‬عن مـجاهد‪ ,‬قال‪ :‬لدين ال‪.‬‬
‫قال‪ :‬ثنا أبـي‪ ,‬عن عبد الـجبـار بن الورد‪ ,‬عن القاسم بن أبـي بزّة‪ ,‬قال‪ :‬قال مـجاهد‪,‬‬
‫ف سل عن ها عكرِ مة‪ ,‬ف سألته‪ ,‬فقال عكر مة‪ :‬د ين ال تعال ـى ماله أخزاه ال؟ أل ـم ي سمع إل ـى‬
‫طرَ النّاسَ عَلَـيْها‪ ,‬ل َت ْبدِيـلَ لـخَـلْقِ الّلهِ؟‪.‬‬
‫طرَ َة اللّ ِه التـي َف َ‬
‫قوله فِ ْ‬

‫‪ 21285‬ـ حدثنا بشر‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا يزيد‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا سعيد‪ ,‬عن قَتادة ل َت ْبدِيـلَ لـخَـ ْلقِ اللّ هِ‪:‬‬
‫أي لدين ال‪.‬‬
‫حدثنا ابن وكيع‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا حفص بن غياث‪ ,‬عن لـيث‪ ,‬عن عكرمة‪ ,‬قال‪ :‬لدين ال‪.‬‬
‫جبَ ـير ل َت ْبدِي ـلَ‬
‫‪ 21286‬ـ قال‪ :‬ث نا ا بن عي ـينة‪ ,‬عن حم يد العرج‪ ,‬قال‪ :‬قال سعيد بن ُ‬
‫لـخَـ ْلقِ الّلهِ قال‪ :‬لدين ال‪.‬‬
‫ل لـخَـلْقِ الّل ِه قال‪:‬‬
‫‪ 21287‬ـ قال‪ :‬ثنا الـمـحاربـي‪ ,‬عن جويبر‪ ,‬عن الضحاك ل َتبْدِيـ َ‬
‫لدين ال‪.‬‬
‫‪ 21288‬ـ حدثن ـي يو نس‪ ,‬قال‪ :‬أخبر نا ا بن و هب‪ ,‬قال‪ :‬قال ا بن ز يد‪ ,‬ف ـي قوله ل َت ْبدِي ـلَ‬
‫لـخَـ ْلقِ ال قال‪ :‬دين ال‪.‬‬
‫‪21289‬ـ حدثنا ابن وكيع‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا أبـي عن مسعر وسفـيان‪ ,‬عن قـيس بن مسلـم‪ ,‬عن‬
‫إبراهيـم‪ ,‬قال ل َت ْبدِيـلَ لـخَـلْقِ الّلهِ قال‪ :‬لدين ال‪.‬‬
‫قال‪ :‬ثنا أبـي عن جعفر الرازي‪ ,‬عن مغيرة‪ ,‬عن إبراهيـم‪ ,‬قال‪ :‬لدين ال‪.‬‬
‫وقال آخرون‪ :‬بل معنى ذلك‪ :‬ل تغيـير لـخـلق ال من البهائم بأن يخصى الفحول منها‪.‬‬
‫ذكر من قال ذلك‪:‬‬
‫‪ 21290‬ـ حدث نا ا بن وك يع‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا ا بن فضي ـل‪ ,‬عن مطرف‪ ,‬عن ر جل‪ ,‬سأل ا بن‬
‫عبـاس‪ ,‬عن خصاء البهائم‪ ,‬فكرهه‪ ,‬وقال‪ :‬ل َت ْبدِيـل لـخَـلْقِ الّلهِ‪.‬‬
‫‪21291‬ـ قال‪ :‬ثنا ابن عيـينة‪ ,‬عن حميد العرج‪ ,‬قال‪ :‬قال عكرمة‪ :‬الخصاء‪.‬‬
‫‪21292‬ـ قال‪ :‬ثنا حفص بن غياث‪ ,‬عن لـيث‪ ,‬عن مـجاهد‪ ,‬قال‪ :‬الخصاء‪.‬‬
‫ن القَـيّـمُ يقول تعالـى ذكره‪ :‬إن إقامتك وجهك للدين حنـيفـا غير مغير‬
‫وقوله‪ :‬ذل كَ الدّي ُ‬
‫ول مبدّل هو الد ين الق ـيـم‪ ,‬يعن ـي ال ـمستقـيـم الذي ل عوج ف ـيه عن ال ستقامة من‬
‫الـحنـيفـية إلـى الـيهودية والنصرانـية‪ ,‬وغير ذلك من الضللت والبدع الـمـحدثة‪.‬‬
‫وقد وجّه بعضهم معنى الدين فـي هذا الـموضع إلـى الـحساب‪ .‬ذكر من قال ذلك‪:‬‬
‫‪21293‬ــ حدثنــي مــحمد بـن عمارة‪ ,‬قال‪ :‬حدثنـا عبـد ال بـن موسـى‪ ,‬قال‪ :‬أخبرنـا أبـو‬
‫ّاسـ ل‬
‫ِنـ أ ْك َثرَ الن ِ‬
‫ّينـ القَــيّـمُ قال‪ :‬الــحساب القــيـم وََلك ّ‬
‫ذلكـ الد ُ‬
‫َ‬ ‫لــيـلـى‪ ,‬عـن بريدة‬
‫ن يقول تعالـى ذكره‪ :‬ولكن أكثر الناس ل يعلـمون أن الدين الذي أمرتك يا مـحمد‬
‫َيعْلَـمُو َ‬
‫حنِـيفـا هو الدين الـحقّ دون سائر الديان غيره‪.‬‬
‫ج َهكَ للدّينِ َ‬
‫به بقولـي فأَقمِ َو ْ‬

‫‪32- 31‬‬ ‫الية ‪:‬‬


‫ِنـ‬
‫الصـلَةَ َولَ َتكُونُواْ م َ‬
‫ّ‬ ‫ُوهـ وََأقِيمُو ْا‬
‫ْهـ وَاتّق ُ‬
‫ِينـ إَِلي ِ‬
‫القول فــي تأويــل قوله تعالــى‪ُ { :‬منِيب َ‬
‫حزْبٍ ِبمَا َل َد ْي ِهمْ فَ ِرحُونَ }‪.‬‬
‫ل ِ‬
‫شيَعا كُ ّ‬
‫ن اّلذِينَ َف ّرقُواْ دِي َن ُهمْ َوكَانُو ْا ِ‬
‫ا ْل ُمشْ ِركِينَ * مِ َ‬
‫يعنـي تعالـى ذكره بقوله‪ُ :‬منِـيبِـينَ إلَـيْ ِه تائبـين راجعين إلـى ال مقبلـين‪ ,‬كما‪:‬‬
‫‪ 21294‬ـ حدثنـي يونس‪ ,‬قال‪ :‬أخبرنا ابن وهب‪ ,‬قال‪ :‬قال ابن زيد‪ ,‬فـي قوله‪ :‬مُنـيبِـينَ‬
‫إلـيْ ِه قال‪ :‬الـمنـيب إلـى ال‪ :‬الـمطيع ل‪ ,‬الذي أناب إلـى طاعة ال وأمره‪ ,‬ورجع عن‬
‫المور التـي كان علـيها قبل ذلك‪ .‬كان القوم كفـارا‪ ,‬فنزعوا ورجعوا إلـى السلم‪.‬‬
‫وتأويــل الكلم‪ :‬فأقـم وجهـك يـا مــحمد للديـن حنــيفـا منــيبـين إلــيه إلــى ال‬
‫فـالـمنـيبون حال من الكاف التـي فـي وجهك‪.‬‬
‫فإن قال قائل‪ :‬وكيـف يكون حالً منهـا‪ ,‬والكاف كنايـة عـن واحـد‪ ,‬والــمنـيبون صـفة‬
‫لـجماعة؟ قـيـل‪ :‬لن المر من الكاف كناية اسمه من ال فـي هذا الـموضع أمر منه له‬
‫ولمته‪ ,‬فكأنه قـيـل له‪ :‬فأقم وجهك أنت وأمتك للدين حنـيفـا ل‪ ,‬منـيبـين إلـيه‪.‬‬
‫ل ثناؤه‪ :‬وخافوا ال وراقبوه أن تفرّطوا فـــي طاعتــه‪ ,‬وتركبوا‬
‫ـ يقول ج ّ‬
‫وقوله‪ :‬وَاتّقُوهـ ُ‬
‫شرِكِينَ يقول‪ :‬ول تكونوا من أ هل الشرك ب ـال بتضي ـيعكم‬
‫ن ال ـ ُم ْ‬
‫مع صيته‪ .‬وَل َتكُونُوا ِم َ‬
‫فرائضه‪ ,‬وركوبكم معاصيه‪ ,‬وخلفكم الدين الذي دعاكم إلـيه‪.‬‬
‫شيَعـا يقول‪ :‬ول تكونوا مـن الــمشركين الذيـن بدّلوا‬
‫وقوله‪ :‬مِن َـ اّلذِين َـ َفرّقُوا دِي َنهُم ْـ وكانُوا ِ‬
‫شيَعــا يقول‪ :‬وكانوا أحزابـــا فرقــا كالـــيهود‬
‫دينهــم‪ ,‬وخالفوه ففـــارقوه وكانوا ِ‬
‫والنصارى‪.‬وبنـحو الذي قلنا فـي ذلك قال أهل التأويـل‪ .‬ذكر من قال ذلك‪:‬‬
‫ن َفرّقُوا دِينَهُ مْ وكانُوا‬
‫‪ 21295‬ـ حدثنا بشر‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا يزيد‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا سعيد‪ ,‬عن قَتادة اّلذِي َ‬
‫شيَعا‪ :‬وهم الـيهود والنصارى‪.‬‬
‫ِ‬
‫ن فَ ّرقُوا‬
‫‪ 21296‬ـ حدثنـي يونس‪ ,‬قال‪ :‬أخبرنا ابن وهب‪ ,‬قال‪ :‬قال ابن زيد‪ ,‬فـي قوله اّلذِي َ‬
‫شيَ عا إل ـى آ خر الَ ية‪ ,‬قال‪ :‬هؤلء يهود‪ ,‬فلو وجّه قوله مِ نَ اّلذِي نَ َفرّقُوا دِي َنهُ مْ‬
‫دِينَهُ مْ وكانُوا ِ‬
‫شرِكِينَ وأن معناه‪ :‬من الذ ين‬
‫إل ـى أ نه خبر م ستأنف منق طع عن قوله‪ :‬وَل َتكُونُوا ِم نَ ال ـ ُم ْ‬
‫ن كان وجها يحتـمله الكلم‪.‬‬
‫ب بِـمَا َل َد ْي ِهمْ َف ِرحُو َ‬
‫ل حِزْ ٍ‬
‫شيَعا أحزابـا كُ ّ‬
‫فرّقوا دِي َنهُم وكانُوا ِ‬
‫حزْبٍ بِـمَا َل َد ْيهِمْ فَ ِرحُونَ يقول‪ :‬كل طائفة وفرقة من هؤلء الذين فـارقوا دينهم‬
‫وقوله‪ :‬كُلّ ِ‬
‫الـحقّ‪ ,‬فأحدثوا البدع التـي أحدثوا بـما لديهم فرحون‪ .‬يقول‪ :‬بـما هم به متـمسكون من‬
‫الـمذهب‪ ,‬فرحون مسرورون‪ ,‬يحسبون أن الصواب معهم دون غيرهم‪.‬‬

‫‪33‬‬ ‫الية ‪:‬‬


‫القول فـي تأويـل قوله تعالـى‪{ :‬وَِإذَا مَسّ النّاسَ ضُرّ َدعَوْ ْا َربّهُمْ ّمنِيبِينَ إَِل ْي ِه ثُمّ ِإذَآ َأذَاقَهُمْ‬
‫ش ِركُونَ }‪.‬‬
‫حمَ ًة ِإذَا َفرِيقٌ ّم ْن ُهمْ ِب َر ّبهِمْ ُي ْ‬
‫ّمنْهُ َر ْ‬
‫يقول تعالــى ذكره‪ :‬وإذا مس ّـ هؤلء الــمشركين الذيـن يجعلون مـع ال إلهـا آخـر ضُرّ‪,‬‬
‫فأصابتهم شدة وجدوب وقحوط َدعَوْا َربّهُ مْ يقول‪ :‬أخـلصوا لربهم التوحيد‪ ,‬وأفردوه بـالدعاء‬
‫والتضرّع إل ـيه‪ ,‬وا ستغاثوا به من ـيبـين إل ـيه‪ ,‬تائب ـين إل ـيه من شرك هم وكفر هم ثُ مّ إذَا‬
‫حمَةً يقول‪ :‬ثـم إذا كشـف ربهـم تعالــى ذكره عنهـم ذلك الضرّ وفرّجـه عنهـم‬
‫ْهـ َر ْ‬
‫ُمـ ِمن ُ‬
‫أذا َقه ْ‬
‫وأصابهم برخاء وخصب وسعة‪ ,‬إذا فريق منهم يقول‪ :‬إذا جماعة منهم بربهم يشركون يقول‪:‬‬
‫يعبدون معه الَلهة والوثان‪.‬‬
‫‪34‬‬ ‫الية ‪:‬‬
‫القول فـي تأويـل قوله تعالـى‪ِ{ :‬ل َيكْ ُفرُواْ ِبمَآ آ َت ْينَا ُهمْ َف َت َم ّتعُواْ َفسَ ْوفَ َتعَْلمُونَ }‪.‬‬
‫يقول تعالـى ذكره متوعدا لهؤلء الـمشركين الذين أخبر عنهم أنه إذا كشف الض ّر عنهم‬
‫كفروا به‪ ,‬ل ـيكفروا ب ـما أعطينا هم‪ ,‬يقول‪ :‬إذا هم برب هم يشركون‪ ,‬كي يكفروا‪ :‬أي يجحدوا‬
‫النعمـة التــي أنعمتهـا علــيهم بكشفــي عنهـم الضرّ الذي كانوا فــيه‪ ,‬وإبدالــي ذلك لهـم‬
‫ب ـالرخاء وال ـخصب والعاف ـية‪ ,‬وذلك الرخاء وال سعة هو الذي آتا هم تعال ـى ذكره‪ ,‬الذي‬
‫قال‪ :‬بـما آتـيناهم‪ .‬وقوله َفتَـ َم ّتعُوا يقول‪ :‬فتـمتعوا أيها القوم بـالذي آتـيناكم من الرخاء‬
‫ن إذا وردت ـم عل ـى رب كم ما تلقون من عذا به‪,‬‬
‫وال سعة ف ـي هذه الدن ـيا فَ سَوْف َتعْلَ ـمُو َ‬
‫َسـ ْوفَ َيعْلَــمُونَ»‬
‫وعظيــم عقابـه علــى كفركـم بـه فــي الدنــيا‪ .‬وقـد قرأ بعضهـم‪« :‬ف َ‬
‫ب ـالـياء‪ ,‬ب ـمعنى‪ :‬ل ـيكفروا ب ـما آت ـيناهم‪ ,‬ف قد ت ـمتعوا عل ـى و جه ال ـخبر‪ ,‬ف سوف‬
‫يعلـمون‪.‬‬

‫‪35‬‬ ‫الية ‪:‬‬


‫ش ِركُونَ }‪.‬‬
‫القول فـي تأويـل قوله تعالـى‪َ{ :‬أمْ أَنزَ ْلنَا عََل ْي ِهمْ سُ ْلطَانا َفهُ َو َي َتكَلّ ُم ِبمَا كَانُواْ ِبهِ ُي ْ‬
‫يقول تعالـى ذكره‪ :‬أم أنزلنا علـى هؤلء الذين يشركون فـي عبـادتنا الَلهة والوثان‪,‬‬
‫ش ِركُو نَ يقول‪:‬‬
‫كتاب ـا بت صديق ما يقولون‪ ,‬وبحق ـيقة ما يفعلون َفهُ َو َي َتكَلّ ـمُ بِ ـمَا كانُوا ِب هِ ُي ْ‬
‫فذلك الكتاب ينطق بصحة شركهم وإنـما يعنـي جلّ ثناؤه بذلك‪ :‬أنه لـم ُينْزل بـما يقولون‬
‫ويفعلون كتابــا‪ ,‬ول أرسـل بـه رسـولً‪ ,‬وإنــما هـو شيـء افتعلوه واختلقوه‪ ,‬اتبــاعا منهـم‬
‫لهوائهم‪ .‬وبنـحو الذي قلنا فـي ذلك قال أهل التأويـل‪ .‬ذكر من قال ذلك‪:‬‬
‫‪ 21297‬ـ حدث نا ب شر‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا يز يد‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا سعيد‪ ,‬عن قَتادة‪ ,‬قوله أ مْ أ ْنزَلْ نا عَلَ ـ ْي ِهمْ‬
‫ش ِركُونَ يقول‪ :‬أم أنزلنا علـيهم كتابـا فهو ينطق بشركهم‪.‬‬
‫سُلْطانا َفهُوَ َي َتكَلّـمُ بِـمَا كانُوا ِبهِ ُي ْ‬
‫‪36‬‬ ‫الية ‪:‬‬
‫س ّيئَةٌ ِبمَا‬
‫صبْ ُهمْ َ‬
‫حمَةً َف ِرحُواْ ِبهَا وَإِن تُ ِ‬
‫القول فـي تأويـل قوله تعالـى‪{ :‬وَِإذَآ َأ َذ ْقنَا النّا سَ َر ْ‬
‫ت َأ ْيدِي ِهمْ ِإذَا ُه ْم يَ ْق َنطُونَ }‪.‬‬
‫قَ ّدمَ ْ‬
‫يقول تعالــى ذكره‪ :‬وإذا أصـاب الناس منـا خصـب ورخاء‪ ,‬وعافــية فــي البدان‬
‫والموال‪ ,‬فرحوا بذلك‪ ,‬وإن تصـبهم منـا شدّة مـن جدب وقحـط وبلء فــي الموال والبدان‬
‫بِ ـمَا َق ّدمَ تْ أ ْيدِيهِ مْ يقول‪ :‬ب ـما أ سلفوا من سيىء العمال ب ـينهم وب ـين ال‪ ,‬وركبوا من‬
‫الـمعاصي إذَا هُ مْ يَ ْق َنطُو نَ يقول‪ :‬إذا هم يـيأسون من الفرج والقنوط‪ :‬هو الياس ومنه قول‬
‫حميد الرقط‪.‬‬
‫ج غيرَ قانِطِ‬
‫حجّا َ‬
‫جدُوا الـ َ‬
‫قَدْ َو َ‬
‫وقوله‪ :‬إذَا هُمْ يَ ْق َنطُونَ هو جواب الـجزاء‪ ,‬لن «إذا» نابت عن الفعل بدللتها علـيه‪ ,‬فكأنه‬
‫ق ـيـل‪ :‬وإن ت صبهم سيئة ب ـما قدّ مت أيدي هم وجدت هم يقنطون‪ ,‬أو ت ـجدهم‪ ,‬أو رأيت هم‪ ,‬أو‬
‫تراهـم‪ .‬وقـد كان بعـض نــحويـي البصـرة يقول‪ :‬إذا كانـت «إذا» جوابــا لنهـا متعلقـة‬
‫بـالكلم الوّل بـمنزلة الفـاء‪.‬‬

‫‪37‬‬ ‫الية ‪:‬‬


‫سطُ ال ّرزْ قَ ِلمَن َيشَآءُ َويَ ْق ِدرُ إِ نّ فِي‬
‫ن اللّ هَ َيبْ ُ‬
‫القول فـي تأويـل قوله تعالـى‪َ{ :‬أوَلَ ْم يَرَوْ ْا أَ ّ‬
‫ليَاتٍ لّ َق ْومٍ يُ ْؤ ِمنُونَ }‪.‬‬
‫ذَِلكَ َ‬
‫يقول تعالــى ذكره‪ :‬أَ َو لــم يـر هؤلء الذيـن يفرحون عنـد الرخاء يصـيبهم والــخصب‪,‬‬
‫ويـيأسون من الفرج عند شدّة تنالهم‪ ,‬بعيون قلوب هم‪ ,‬فـيعلـموا أن الشدّة والرخاء بـيد ال‪,‬‬
‫وأن ال يبسـط الرزق لــمن يشاء مـن عبــاده فــيوسعه علــيه‪ ,‬ويقدر علــى مـن أراد‬
‫ف ـيضيقه عل ـيه إ نّ فِ ـي ذل كَ لَيا تٍ لِ َقوْم ُي ْؤ ِمنُو نَ يقول‪ :‬إن ف ـي ب سطه ذلك عل ـى من‬
‫ب سطه عل ـيه‪ ,‬وقدره عل ـى من قدره عل ـيه‪ ,‬ومخالف ته ب ـين من خالف ب ـينه من عب ـاده‬
‫فـي الغنى والفقر‪ ,‬لدللة واضحة لـمن صدّق حجج ال وأقرّ بها إذا عاينها ورآها‪.‬‬

‫‪38‬‬ ‫الية ‪:‬‬


‫خ ْيرٌ‬
‫سبِيلِ ذَلِ كَ َ‬
‫سكِينَ وَا ْب نَ ال ّ‬
‫القول ف ـي تأوي ـل قوله تعال ـى‪{ :‬فَآ تِ ذَا الْ ُق ْر َبىَ حَ ّق هُ وَا ْلمِ ْ‬
‫جهَ الّلهِ وَأُوْلَـ ِئكَ ُهمُ ا ْل ُمفِْلحُونَ }‪.‬‬
‫لّّلذِينَ ُيرِيدُونَ َو ْ‬
‫يقول تعالـى ذكره لنبـيه مـحمد صلى ال عليه وسلم‪ :‬فأعط يا مـحمد ذا القرابة منك‬
‫حقه علـيك من الصلة والبرّ والـمسكين وابن السبـيـل‪ ,‬ما فرض ال لهما فـي ذلك‪ ,‬كما‪:‬‬
‫‪ 21298‬ـ حدث نا ا بن وك يع‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا غندر‪ ,‬عن عوف‪ ,‬عن ال ـحسن فآت ذَا ال ُقرْبَى حَ ّق هُ‬
‫سبِـيـلِ قال‪ :‬هو أن توف ـيهم حق هم إن كان ع ند ي سر‪ ,‬وإن ل ـم ي كن‬
‫وَال ـمِسكين وَابْ نَ ال ّ‬
‫عندك فقل لهم قولً ميسورا‪ ,‬قل لهم الـخير‪.‬‬
‫خ ْيرٌ لّلذِي نَ ُيرِيدُو نَ َوجْ هَ الّل ِه يقول تعال ـى ذكره‪ :‬إيتاء هؤلء حقوق هم الت ـي‬
‫وقوله‪ :‬ذل كَ َ‬
‫ك هُ مُ الـمُفْلِـحُونَ يقول‪ :‬ومن‬
‫ألزمها ال عبـاده‪ ,‬خير للذين يريدون ال بإتـيانهم ذلك وأُوَلئِ َ‬
‫يفعـل ذلك مبتغيـا وجـه ال بـه‪ ,‬فأولئك هـم الــمنـجحون‪ ,‬الــمدركون طلبــاتهم عنـد ال‪,‬‬
‫الفـائزون بـما ابتغوا والتـمسوا بإيتائهم إياهم ما آتوا‪.‬‬
‫‪39‬‬ ‫الية ‪:‬‬
‫القول ف ـي تأوي ـل قوله تعال ـى‪{ :‬وَمَآ آ َت ْيتُ مْ مّن رّبا ّل َي ْربُوَ فِي َأ ْموَالِ النّا سِ فَلَ َيرْبُو عِندَ‬
‫ضعِفُونَ }‪.‬‬
‫اللّهِ َومَآ آ َت ْيتُمْ مّن َزكَا ٍة ُترِيدُونَ َوجْ َه اللّ ِه فَأُوْلَـ ِئكَ ُه ُم ا ْلمُ ْ‬
‫يقول تعالـى ذكره‪ :‬وما أعطيتـم أيها الناس بعضكم بعضا من عطية لتزداد فـي أموال‬
‫الناس برجوع ثوابها إلـيه‪ ,‬مـمن أعطاه ذلك‪ ,‬فل يربو عند ال يقول‪ :‬فل يزداد ذلك عند ال‪,‬‬
‫ن زَكا ٍة يقول‪ :‬وما أعطيتـم‬
‫لن صاحبه لـم يعطه من أعطاه مبتغيا به وجهه‪ .‬وَما آتَـ ْيتُـمْ مِ ْ‬
‫من صدقة تريدون بها وجه ال‪ ,‬فأولئك يعنـي الذين يتصدّقون بأموالهم ملتـمسين بذلك وجه‬
‫ال هم الـمضعفون يقول‪ :‬هم الذين لهم الضعف من الجر والثواب‪ ,‬من قول العرب‪ :‬أصبح‬
‫القوم م سمِنـين معطِش ين‪ ,‬إذا سمنت إبل هم وعط شت‪ .‬وبن ـحو الذي قل نا ف ـي ذلك قال أ هل‬
‫التأويـل‪ .‬ذكر من قال ذلك‪:‬‬
‫‪ 21299‬ـ حدثنـي مـحمد بن سعد‪ ,‬قال‪ :‬ثنـي أبـي‪ ,‬قال‪ :‬ثنـي عمي‪ ,‬قال‪ :‬ثنـي أبـي‪,‬‬
‫س فَل‬
‫عن أب ـيه‪ ,‬عن ا بن عب ـاس‪ ,‬قوله‪ :‬وَ ما آتَ ـ ْيتُـ ْم مِ نْ رِب ـا لِ ـيَ ْربُ َو فِ ـي أ ْموَالِ النّا ِ‬
‫ع ْن َد اللّ ِه قال‪ :‬هو ما يعطي الناس بـينهم بعضهم بعضا‪ ,‬يعطي الرجل الرجل العطية‪,‬‬
‫َيرْبُو ِ‬
‫يريد أن يُعطى أكثر منها‪.‬‬
‫‪ 21300‬ـ حدث نا ا بن بشار‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا ع بد الرح من‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا سفـيان‪ ,‬عن من صور بن‬
‫ل النّا سِ قال‪ :‬هو‬
‫جبَ ـير وَ ما آتَ ـيْتُـمْ مِ نْ رِب ـا لِ ـيَ ْربُ َو فِ ـي أمْوَا ِ‬
‫صفـية‪ ,‬عن سعيد بن ُ‬
‫الرجل يعطي الرجل العطية لـيثـيبه‪.‬‬
‫جبَـير‪ ,‬مثله‪.‬‬
‫قال‪ :‬ثنا يحيى‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا سفـيان‪ ,‬عن منصور بن صفـية‪ ,‬عن سعيد بن ُ‬
‫حدثنا ابن وكيع‪ ,‬قال‪ :‬ثنـي أبـي‪ ,‬عن سفـيان‪ ,‬عن منصور بن صفـية‪ ,‬عن سعيد بن‬
‫ع ْندَ اللّ ِه قال‪ :‬الر جل‬
‫ل النّا سِ فَل َيرْبُو ِ‬
‫ن رِب ـا لِ ـ َي ْربُوَ ف ـي أمْوَا ِ‬
‫جبَ ـير وَ ما آتَ ـ ْيتُـمْ مِ ْ‬
‫ُ‬
‫يعطى لـيثاب علـيه‪.‬‬
‫‪ 21301‬ـ حدث نا ا بن بشار‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا يح يى بن سعيد‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا سفـيان‪ ,‬عن ا بن أب ـي‬
‫ل النّاسِ قال‪ :‬الهدايا‪.‬‬
‫ن رِبـا لِـ َي ْربُو فِـي أمْوَا ِ‬
‫نـجيح‪ ,‬عن مـجاهد وَما آتَـيْتُـمْ مِ ْ‬
‫حدث نا ا بن وك يع‪ ,‬قال‪ :‬ثن ـي أبــي‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا سفـيان‪ ,‬عن ا بن أب ـي نــجيح‪ ,‬عن‬
‫مـجاهد‪ ,‬قال‪ :‬هي الهدايا‪.‬‬
‫‪ 21302‬ـ حدثنـي م ـحمد بن عمرو‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا أ بو عا صم‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا عي سى وحدثنـي‬
‫الــحارث‪ ,‬قال‪ :‬حدثنـا الــحسن‪ ,‬قال‪ :‬حدثنـا ورقاء جميعـا‪ ,‬عـن ابـن أبــي نــجيح‪ ,‬عـن‬
‫ل النّاسِ قال‪ :‬يعطي ماله يبتغي أفضل منه‪.‬‬
‫ن رِبـا لِـيَ ْربُو فِـي أمْوَا ِ‬
‫مـجاهد وَما آتَـ ْيتُـمْ مِ ْ‬
‫‪21303‬ـ حدثنا ابن وكيع‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا ابن فضيـل‪ ,‬عن ابن أبـي خالد‪ ,‬عن إبراهيـم‪ ,‬قال‪:‬‬
‫هو الرجل يهدي إلـى الرجل الهدية‪ ,‬لـيثـيبه أفضل منها‪.‬‬
‫‪ 21304‬ـ قال‪ :‬ثنا مـحمد بن حميد الـمعمري‪ ,‬عن معمر‪ ,‬عن ابن طاوس‪ ,‬عن أبـيه‪ :‬هو‬
‫الرجل يعطي العطية ويهدي الهدية‪ ,‬لـيثاب أفضل من ذلك‪ ,‬لـيس فـيه أجر ول وزر‪.‬‬
‫‪ 21305‬ـ حدثنا بشر‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا يزيد‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا سعيد‪ ,‬عن قَتادة وَما آتَـ ْيتُـمْ ِم نْ رِبـا‬
‫ع ْندَ اللّ هِ قال‪ :‬ما أعط يت من ش يء تر يد مثا بة الدن ـيا‪,‬‬
‫لِ ـ َي ْربُوَ فِ ـي أمْوَالِ النّاس فَل َيرْبُو ِ‬
‫ومـجازاة الناس ذاك الربـا الذي ل يقبله ال‪ ,‬ول يجزي به‪.‬‬
‫‪ 21306‬ـ حُد ثت عن ال ـحسين‪ ,‬قال‪ :‬سمعت أب ـا معاذ يقول‪ :‬أخبر نا عب ـيد‪ ,‬قال‪ :‬سمعت‬
‫ن رِبـا لِـ َي ْربُوَ فِـي أ ْموَالِ النّا سِ فهو ما يتعاطى‬
‫الضحاك يقول‪ ,‬فـي قوله وَما آتَـ ْيتُـ ْم مِ ْ‬
‫الناس بـينهم ويتهادون‪ ,‬يعطى الرجل العطية لـيصيب منه أفضل منها‪ ,‬وهذا للناس عامة‪.‬‬
‫ي خاصة‪ ,‬لـم يكن له أن يعطي إلّ ل‪ ,‬ولـم يكن‬
‫وأما قوله‪ :‬وَل تَـ ْمنُنْ تَ سْ َتكْثرْ فهذا للنبـ ّ‬
‫يعطي لـيعطى أكثر منه‪.‬‬
‫وقال آخرون‪ :‬إنــما عنـى بهذا‪ :‬الرجلَ يعطـي ماله الرجلَ لــيعينه بنفسـه‪ ,‬ويخدمـه ويعود‬
‫علـيه نفعه‪ ,‬ل لطلب أجر من ال‪ .‬ذكر من قال ذلك‪:‬‬
‫‪21307‬ـ حدثنا ابن وكيع‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا أبـي ومـحمد بن فضيـل‪ ,‬عن زكريا عن عامر وَما‬
‫ن رِبـا لِـ َي ْربُوَ فـي أ ْموَالِ النّا سِ قال‪ :‬هو الرجل يـلزق بـالرجل‪ ,‬فـيخفّ له‬
‫آتَـ ْيتُـمْ ِم ْ‬
‫ويخدمه‪ ,‬ويسافر معه‪ ,‬فـيجعل له ربح بعض ماله لـيجزيه‪ ,‬وإنـما أعطاه التـماس عونه‪,‬‬
‫ولـم يرد وجه ال‪.‬‬
‫وقال آخرون‪ :‬هـو إعطاء الرجـل ماله لــيكثر بـه مال مـن أعطاه ذلك‪ ,‬ل طلب ثواب ال‪.‬‬
‫ذكر من قال ذلك‪:‬‬
‫‪21308‬ـ حدثنا ابن حميد‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا جرير‪ ,‬عن مغيرة‪ ,‬عن أبـي حصين‪ ,‬عن ابن عبـاس‬
‫س قال‪ :‬ألـم تر إلـى الرجل يقول للرجل‪:‬‬
‫ن رِبـا لِـ َيرْبُو فـي أ ْموَالِ النّا ِ‬
‫وَما آتَـ ْيتُـمْ م ْ‬
‫لموّلنك‪ ,‬فـيعطيه‪ ,‬فهذا ل يربو عند ال‪ ,‬لنه يعطيه لغير ال لـيثري ماله‪.‬‬
‫‪ 21309‬ـ قال‪ :‬ث نا عمرو بن ع بد ال ـحميد الَمل ـي‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا مروان بن معاو ية‪ ,‬عن‬
‫إسماعيـل بن أبـي خالد‪ ,‬قال‪ :‬سمعت إبراهيـم النـخعي يقول فـي قوله‪ :‬وَما آتَـ ْيتُـمْ ِمنْ‬
‫ع ْندَ اللّ ِه قال‪ :‬كان هذا ف ـي ال ـجاهلـية يع طي‬
‫ل النّا سِ‪ ,‬فَل َيرْبُو ِ‬
‫رِب ـا لِ ـ َي ْربُوَ ف ـي أمْوَا ِ‬
‫أحدهم ذا القرابة الـمال يكثر به ماله‪.‬‬
‫وقال آخرون‪ :‬ذلك للنب ـيّ صلى ال عل يه و سلم خا صة‪ ,‬وأ ما لغيره فحلل‪ .‬ذ كر من قال‬
‫ذلك‪:‬‬
‫‪21310‬ـ حدثنا ابن وكيع‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا أبـي‪ ,‬عن أبـي روّاد‪ ,‬عن الضحاك وَما آتَـ ْيتُـ ْم مِنْ‬
‫ع ْندَ اللّ ِه هذا للنب ـيّ صلى ال عل يه و سلم‪ ,‬هذا‬
‫ل النّا سِ فَل َيرْبُو ِ‬
‫رِب ـا لِ ـ َي ْربُوَ فِ ـي أمْوَا ِ‬
‫الربـا الـحلل‪.‬‬
‫وإنـما اخترنا القول الذي اخترناه فـي ذلك لنه أظهر معانـيه‪.‬‬
‫واختلفـت القرّاء فــي قراءة ذلك‪ ,‬فقرأتـه عامـة قرّاء الكوفـة والبصـرة وبعـض أهـل مكـة‪:‬‬
‫لِـيَ ْربُ َو بفتـح الـياء من يربو‪ ,‬بـمعنى‪ :‬وما آتـيتـم من ربـا لـيرب َو ذلك الربـا فـي‬
‫أموال الناس‪ .‬وقرأ ذلك عامـة قرّاء أهـل الــمدينة‪ِ« :‬ل َت ْربُوا» بــالتاء مـن تُربوا وضمهـا‪,‬‬
‫بـمعنى‪ :‬وما آتـيتـم من ربـا لتُربوا أنتـم فـي أموال الناس‪.‬‬
‫وال صواب من القول ف ـي ذلك عند نا‪ ,‬أنه ما قراءتان مشهورتان ف ـي قرّاء الم صار مع‬
‫تقارب معنــيـيهما‪ ,‬لن أربــاب الــمال إذا أربوا ربــا الــمال‪ ,‬وإذا ربــا الــمالُ‬
‫فبإربـاء أياه ربـا‪ .‬فإذا كان ذلك كذلك‪ ,‬فبأيّ القراءتـين قرأ القارىء فمصيب‪.‬‬
‫وأمـا قوله‪ :‬وَمـا آتَــْيتُـمْ مِن ْـ زَكاةٍ ُترِيدُون َـ َوجْه َـ اللّه ِـ َفأُوَلئِك َـ هُمُـ الــمُضعِفُونَ فإن أهـل‬
‫التأويـل قالوا فـي تأويـله نـحو الذي قلنا‪ .‬ذكر من قال ذلك‪:‬‬
‫‪ 21311‬ـ حدثنا بشر‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا يزيد‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا سعيد‪ ,‬عن قَتادة‪ ,‬قوله‪ :‬وَما آتَـيْتُـمْ مِ نْ‬
‫ن قال‪ :‬هذا الذي يقبله ال ويضع فه ل هم ع شر‬
‫ضعِفُو َ‬
‫زَكا ٍة ُترِيدون َوجْ َه اللّ هِ‪َ ,‬فأُوَلئِ كَ هُ مُ ال ـ ُم ْ‬
‫أمثالها‪ ,‬وأكثر من ذلك‪.‬‬
‫‪ 21312‬ـ حُدثت عن عبد الرزاق‪ ,‬قال‪ :‬أخبرنا معمر‪ ,‬عن قَتادة‪ ,‬قال‪ :‬قال ابن عبـاس‪ ,‬قوله‬
‫ع ْن َد اللّ هِ قال‪ :‬هي اله بة‪ ,‬ي هب‬
‫ن رِب ـا لِ ـيَ ْربُ َو فِ ـي أ ْموَالِ النّا سِ فَل َيرْبُو ِ‬
‫وَ ما آتَ ـ ْيتُـمْ مِ ْ‬
‫الشيء يريد أن يُثاب علـيه أفضل منه‪ ,‬فذلك الذي ل يربو عند ال‪ ,‬ل يؤجر فـيه صاحبه‪,‬‬
‫ُمـ‬
‫ِكـ ه ُ‬
‫ِنـ زَكاةٍ قال‪ :‬هـي الصـدقة تريدون وجـه ال فَأُوَلئ َ‬
‫ول إثـم علــيه وَمـا آتَــْيتُـمْ م ْ‬
‫ضعِفونَ‪.‬‬
‫الـمُ ْ‬
‫‪21313‬ـ قال معمر‪ ,‬قال ابن أبـي نـجيح‪ ,‬عن مـجاهد‪ ,‬مثل ذلك‪.‬‬

‫‪40‬‬ ‫الية ‪:‬‬


‫ل مِن‬
‫حيِيكُ مْ هَ ْ‬
‫القول فـي تأويـل قوله تعالـى‪{ :‬الّل ُه اّلذِي خَلَ َقكُ ْم ثُ مّ َرزَ َقكُ مْ ثُ مّ ُيمِي ُتكُ مْ ثُ مّ ُي ْ‬
‫عمّا ُيشْ ِركُونَ }‪.‬‬
‫سبْحَانَهُ َو َتعَاَلىَ َ‬
‫شيْ ٍء ُ‬
‫ل مِن ذَِل ُكمْ مّن َ‬
‫شُ َركَآ ِئكُ ْم مّن يَ ْفعَ ُ‬
‫يقول تعال ـى ذكره لل ـمشركين به‪ ,‬معرّف هم ق بح فعل هم‪ ,‬وخ بث صنـيعهم‪ :‬ال أي ها القوم‬
‫ل له‪ ,‬ول ينبغـي أن تكون لغيره‪ ,‬هـو الذي خــلقكم ولــم تكونوا‬
‫الذي ل تصـلـح العبــادة إ ّ‬
‫شيئا‪ ,‬ثم رزقكم وخوّلكم‪ ,‬ولـم تكونوا تـملكون قبل ذلك‪ ,‬ثم هو يـميتكم من بعد أن خـلقكم‬
‫أحياء‪ ,‬ثم يحيـيكم من بعد مـماتكم لبعث القـيامة‪ ,‬كما‪:‬‬
‫‪21314‬ـ حدثنا بشر‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا يزيد‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا سعيد‪ ,‬عن قتادة‪ ,‬قوله‪ :‬الّلهُ اّلذِي خَـلَ َق ُكمْ ُثمّ‬
‫حيِـي ُكمْ للبعث بعد الـموت‪.‬‬
‫رَ َز َقكُمْ ُث ّم يُـمِي ُت ُكمْ ُثمّ ُي ْ‬
‫شيْءٍ يقول تعال ـى ذكره‪ :‬هل من آلهت كم‬
‫ن َ‬
‫شرَكا ِئكُ مْ مَ نْ َي ْفعَلُ مِ نْ ذَِلكُ مْ مِ ْ‬
‫ن ُ‬
‫وقوله‪ :‬هَلْ ِم ْ‬
‫وأوثانكـم التــي تــجعلونهم ل فــي عبــادتكم إياه شركاء مـن يفعـل مـن ذلكـم مـن شيـء‪,‬‬
‫فــيخـلق أو يرزق‪ ,‬أو يــميت‪ ,‬أو ينشـر وهذا مـن ال تقريـع لهؤلء الــمشركين‪ .‬وإنــما‬
‫معنى الكلم أن شركاءهم ل تفعل شيئا من ذلك‪ ,‬فكيف يُعبد من دون ال من ل يفعل شيئا من‬
‫ذلك؟ ثم برأ نفسه تعالـى ذكره عن الفرية التـي افتراها هؤلء الـمشركون علـيه بزعمهم‬
‫ل ثناؤه سـبحانه أي تنزيهـا ل وتـبرئة َوتَعالــى يقول‪ :‬وعلوّا له‬
‫أن آلهتهـم له شركاء‪ ,‬فقال ج ّ‬
‫عمّا ُيشْ ِركُو نَ يقول‪ :‬عن شرك هؤلء الـمشركين به‪ .‬وبن ـحو الذي قل نا ف ـي ذلك قال أ هل‬
‫َ‬
‫التأويـل‪ .‬ذكر من قال ذلك‪:‬‬
‫شرَكائِكُ مْ‬
‫ل مِ نْ ُ‬
‫‪ 21315‬ـ حدثنا بشر‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا يزيد‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا سعيد‪ ,‬عن قتادة‪ ,‬قوله‪ :‬هَ ْ‬
‫سبْحانَهُ َوتَعال ـى عَمّا ُيشْ ِركُو نَ ي سبح نف سه إذ ق ـيـل‬
‫ن شَيْ ٍء ل وال ُ‬
‫ن ذَِلكُ مْ مِ ْ‬
‫ن يَ ْفعَلُ مِ ْ‬
‫مَ ْ‬
‫علـيه البهتان‪.‬‬

‫‪41‬‬ ‫الية ‪:‬‬


‫ّاسـ‬
‫ت َأ ْيدِي الن ِ‬
‫َسـبَ ْ‬
‫ظهَرَ ا ْلفَسـَادُ فِي ا ْل َبرّ وَا ْل َبحْ ِر بِمَا ك َ‬
‫القول فــي تأويــل قوله تعالــى‪َ { :‬‬
‫جعُونَ }‪.‬‬
‫عمِلُواْ َلعَّل ُهمْ َي ْر ِ‬
‫ض اّلذِي َ‬
‫ِل ُيذِي َقهُمْ َبعْ َ‬
‫يقول تعال ـى ذكره‪ :‬ظهرت ال ـمعاصي ف ـي برّ الرض وبحر ها بك سب أيدي الناس ما‬
‫نهاهم ال عنه‪.‬‬
‫حرِ فقال بعضهم‪:‬‬
‫ظهَرَ الفَسادُ فِـي ال َبرّ وال َب ْ‬
‫واختلف أهل التأويـل فـي الـمراد من قوله‪َ :‬‬
‫عنى بـالبَرّ‪ :‬الفلوات‪ ,‬وبـالبحر‪ :‬المصار والقُرى التـي علـى الـمياه والنهار‪ .‬ذكر من‬
‫عثّام‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا النضْر بن عرب ـيّ‪ ,‬عن‬
‫قال ذلك‪ 21316 :‬ـ حدث نا أ بو كُرَ يب‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا َ‬
‫سدَ فِــيها‪ ...‬الَيـة‪ ,‬قال‪ :‬إذا ولــي سـعى‬
‫سـعَى فِــي الرْض لِــيُ ْف ِ‬
‫مــجاهد وَإذَا تَوَلّــى َ‬
‫ك الـحَرْثَ والنّسْلَ‪ ,‬وَاللّ ُه ل ُيحِبّ الفَسا َد قال‪:‬‬
‫بـالتعدّي والظلـم‪ ,‬فـيحبس ال القطر‪ ,‬ف ُيهْلِ َ‬
‫حرِ‪ ...‬الَ ية قال‪ :‬ثم قال‪ :‬أما وال ما هو بحرُكم‬
‫ظ َهرَ الفَسادُ فِ ـي ال َبرّ وال َب ْ‬
‫ثم قرأ مـجاهد‪َ :‬‬
‫هذا‪ ,‬ولكن كل قرية علـى ماء جار فهو بحر‪.‬‬
‫ظهَرَ‬
‫‪ 21317‬ـ حدث نا ا بن وك يع‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا أب ـي‪ ,‬عن النضْر بن عرب ـيّ‪ ,‬عن عكر مة َ‬
‫الفَسادُ فِـي ال َبرّ وال َبحْ ِر قال‪َ :‬أمَا إنـي ل أقول بحرُكم هذا‪ ,‬ولكن كلّ قرية علـى ماء جار‪.‬‬
‫‪ 21318‬ـ قال‪ :‬ث نا يز يد بن هارون‪ ,‬عن عمرو بن َفرّوخ‪ ,‬عن حب ـيب بن الزب ـير‪ ,‬عن‬
‫حرِ قال‪ :‬إن العرب تسمي المصار بحرا‪.‬‬
‫ظ َهرَ الفَسادُ فِـي البَرّ وال َب ْ‬
‫عكرمة َ‬
‫ظ َهرَ الفَ سادُ فِ ـي‬
‫‪ 21319‬ـ حدثنا ب شر‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا يز يد‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا سعيد‪ ,‬عن قَتادة‪ ,‬قوله َ‬
‫سبَتْ أ ْيدِي النّاسِ قال‪ :‬هذا قبل أن يَبعث ال نبـيه مـحمدا صلى ال عليه‬
‫حرِ بِـمَا كَ َ‬
‫ال َبرّ وال َب ْ‬
‫وسلم‪ ,‬امتلت ضللة وظلـما‪ ,‬فلـما بعث ال نبـيه‪ ,‬رجع راجعون من الناس‪.‬‬
‫حرِ أما البرّ فأهل العمود‪ ,‬وأما البحر فأهل ال ُقرَى والريف‪.‬‬
‫ظ َهرَ الفَسادُ فِـي ال َبرّ وال َب ْ‬
‫قوله‪َ :‬‬
‫ظ َهرَ الفَسادُ‬
‫‪ 21320‬ـ حدثنـي يونس‪ ,‬قال‪ :‬أخبرنا ابن وهب‪ ,‬قال‪ :‬قال ابن زيد‪ ,‬فـي قوله َ‬
‫جعُونَ‪.‬‬
‫عمِلُوا لَعّل ُهمْ َي ْر ِ‬
‫ض اّلذِي َ‬
‫فِـي ال َبرّ وال َبحْرِ قال‪ :‬الذنوب‪ ,‬وقرأ لِـ ُيذِي َق ُهمْ َبعْ َ‬
‫‪ 21321‬ـ حدث نا ا بن بشار‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا أ بو عامر‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا قرة‪ ,‬عن الـحسن‪ ,‬ف ـي قوله‬
‫س قال‪ :‬أف سدهم ال بذنوب هم‪ ,‬ف ـي ب حر‬
‫سبَتْ أ ْيدِي النّا ِ‬
‫حرِ بِ ـمَا كَ َ‬
‫ظهَرَ الفَ سادُ فِ ـي ال َبرّ وال َب ْ‬
‫َ‬
‫الرض وبرها‪ ,‬بأعمالهم الـخبـيثة‪.‬‬
‫عنِــي بــالبرّ‪ :‬ظهـر الرض‪ ,‬المصـار وغيرهـا‪ ,‬وبــالبحر البحـر‬
‫وقال آخرون‪ :‬بـل ُ‬
‫الـمعروف‪ .‬ذكر من قال ذلك‪:‬‬
‫ظهَر‬
‫‪ 21322‬ـ حدثنا ابن وكيع‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا أبـي‪ ,‬عن سفـيان‪ ,‬عن لـيث‪ ,‬عن مـجاهد َ‬
‫الفَسـادُ فِــي ال َبرّ وال َبحْرِ‪ :‬قال‪ :‬فــي البرّ‪ :‬ابـن آدم الذي قتـل أخاه‪ ,‬وفــي البحـر‪ :‬الذي كان‬
‫يأخذ كلّ سفـينة غصبـا‪.‬‬
‫‪ 21323‬ـ حدثن ـي يعقوب‪ ,‬قال‪ :‬قال أ بو ب شر‪ :‬يعن ـي ا بن عُلَ ـيّة‪ ,‬قال‪ :‬سمعت ا بن أب ـي‬
‫سبَتْ أ ْيدِي النّاسِ قال‪ :‬بقتل ابن‬
‫حرِ بِـمَا كَ َ‬
‫ظهَرَ الفَسادُ فِـي ال َبرّ وال َب ْ‬
‫نـجيح‪ ,‬يقول فـي قوله َ‬
‫آدم‪ ,‬والذي كان يأخذ كل سفـينة غصبـا‪.‬‬
‫‪ 21324‬ـ حدثنا ابن وكيع‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا يزيد بن هارون‪ ,‬عن فضيـل بن مرْزوق‪ ,‬عن عطية‬
‫حرِ قال‪ :‬قلت‪ :‬هذا البرّ والب حر أ يّ ف ساد ف ـيه؟ قال‪ :‬فقال‪ :‬إذا قلّ‬
‫ظهَرَ الفَ سادُ فِ ـي ال َبرّ وال َب ْ‬
‫َ‬
‫الـمطر‪ ,‬قل الغَوْص‪.‬‬
‫حدثنـي مـحمد بن عمرو‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا أبو عاصم‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا عيسى وحدثنـي الـحارث‪,‬‬
‫قال‪ :‬حدث نا ال ـحسن‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا ورقاء جمي عا‪ ,‬عن ا بن أب ـي ن ـجيح‪ ,‬عن م ـجاهد‪ ,‬ف ـي‬
‫غصْبـا‪.‬‬
‫ظهَرَ الفَسادُ فِـي ال َبرّ قال‪ :‬قتل ابن آدم أخاه‪ ,‬والبحر‪ :‬قال‪ :‬أخذ الـملك السفن َ‬
‫قوله َ‬
‫وأولـى القوال فـي ذلك بـالصواب‪ :‬أن ال تعالـى ذكره‪ ,‬أخبر أن الفساد قد ظهر فـي‬
‫البرّ والب حر ع ند العرب ف ـي الرض الق ـفـار‪ ,‬والب حر بحران‪ :‬ب حر مل ـح‪ ,‬وب حر عذب‪,‬‬
‫فه ما جمي عا عند هم ب حر‪ ,‬ول ـم يخ صص جلّ ثناؤه ال ـخبر عن ظهور ذلك ف ـي ب حر دون‬
‫بحـر‪ ,‬فذلك علــى مـا وقـع علــيه اسـم بحـر‪ ,‬عذبــا كان أو ملــحا‪ .‬وإذا كان ذلك كذلك‪,‬‬
‫دخـل القرى التـي علـى النهار والبحار‪.‬‬
‫فتأويـل الكلم إذن إذ كان المر كما وصفت‪ ,‬ظهرت معاصي ال فـي كل مكان‪ ,‬من برّ‬
‫سبَتْ أ ْيدِي النّاسِ‪ :‬أي بذنوب الناس‪ ,‬وانتشر الظلـم فـيهما‪.‬‬
‫وبحر بِـمَا َك َ‬
‫عمِلُوا يقول جلّ ثناؤه‪ :‬لــيصيبهم بعقوبـة بعـض أعمالهـم‬
‫ْضـ اّلذِي َ‬
‫وقوله‪ :‬ولِــُيذِي َق ُهمْ َبع َ‬
‫الت ـي عملوا‪ ,‬ومع صيتهم الت ـي عَ صَوا َلعَّلهُ مْ َي ْرجِعُو نَ يقول‪ :‬كي ين ـيبوا إل ـى ال ـحقّ‪,‬‬
‫ويرجعوا إلـى التوبة‪ ,‬ويتركوا معاصيَ ال‪ .‬وبنـحو الذي قلنا فـي ذلك قال أهل التأويـل‪.‬‬
‫ذكر من قال ذلك‪:‬‬
‫‪21325‬ـ حدثنا ابن وكيع‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا ابن فضيـل‪ ,‬عن أشعث‪ ,‬عن الـحسن لَعّلهُم َي ْرجِعُو نَ‬
‫قال‪ :‬يتوبون‪.‬‬
‫‪21326‬ـ قال‪ :‬ثنا ابن مهديّ‪ ,‬عن سفـيان‪ ,‬عن السديّ‪ ,‬عن أبـي الضحى‪ ,‬عن مسروق‪ ,‬عن‬
‫جعُونَ يوم بدر‪ ,‬لعلهم يتوبون‪.‬‬
‫عبد ال لَعّلهُ ْم يَ ْر ِ‬
‫جعُو نَ قال‪:‬‬
‫‪ 21327‬ـ قال‪ :‬ث نا أ بو أُ سامة‪ ,‬عن زائدة‪ ,‬عن من صور عن إبراهي ـم َلعَّلهُ مْ َي ْر ِ‬
‫إلـى الـحقّ‪.‬‬
‫ض اّلذِي‬
‫‪21328‬ـ حدثنا بشر‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا يزيد‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا سعيد‪ ,‬عن قَتادة‪ ,‬قوله لِـ ُيذِي َقهُمْ َبعْ َ‬
‫جعُونَ‪ :‬لعلّ راجعا أن يرجع‪ ,‬لعل تائبـا أن يتوب‪ ,‬لعلّ مستعتبـا أن يستعتب‪.‬‬
‫عمِلُوا َلعَّل ُهمْ َي ْر ِ‬
‫َ‬
‫‪21329‬ــ حدثنـا ابـن بشار‪ ,‬قال‪ :‬حدثنـا أبـو عامـر‪ ,‬قال‪ :‬حدثنـا قرة‪ ,‬عـن الــحسن‪َ ,‬لعَّلهُم ْـ‬
‫جعُونَ قال‪ :‬يرجع َمنْ بعدَهم‪.‬‬
‫َيرْ ِ‬
‫واختلفـت القرّاء فــي قراءة قوله‪ :‬لِــُيذِيقَهمْ فقرأ ذلك عامـة قرّاء المصـار لِــيُذِي َق ُهمْ‬
‫بـالـياء‪ ,‬بـمعنى‪ :‬لـيذيقهم ال بعض الذي عملوا‪ ,‬وذُكر أن أبـا عبد الرحمن السّلَـمي قرأ‬
‫ذلك بـالنون علـى وجه الـخبر من ال عن نفسه بذلك‪.‬‬

‫‪42‬‬ ‫الية ‪:‬‬


‫ظرُو ْا َكيْ فَ كَا نَ عَا ِقبَ ُة اّلذِي نَ‬
‫القول ف ـي تأوي ـل قوله تعال ـى‪{ :‬قُلْ سِيرُواْ فِي الرْ ضِ فَانْ ُ‬
‫ل كَانَ َأ ْك َثرُ ُهمْ ّمشْ ِركِينَ }‪.‬‬
‫مِن قَبْ ُ‬
‫يقول تعالـى ذكره لنبـيه مـحمد صلى ال عليه وسلم‪ :‬قل يا مـحمد لهؤلء الـمشركين‬
‫بـال من قومك‪ :‬سِيروا فـي البلد‪ ,‬فـانظروا إلـى مساكن الذ ين كفروا بـال من قبلكم‪,‬‬
‫وكذّبوا ر سلَه‪ ,‬ك يف كان آ خر أمر هم‪ ,‬وعاق بة تكذيب هم ر سُلَ ال وكفر هم أل ـم نهلك هم بعذاب‬
‫م نا‪ ,‬ون ـجعلهم عبرة ل ـمن بعد هم؟ كان أكثر هم مشرك ين يقول‪َ :‬فعَل نا ذلك ب هم‪ ,‬لن أكثر هم‬
‫كانوا مشركين بـال مثلَهم‪.‬‬
‫‪43‬‬ ‫الية ‪:‬‬
‫ن الْ ِقيّ مِ مِن َقبْلِ أَن َي ْأتِ يَ َيوْ ٌم لّ َم َردّ لَ هُ‬
‫جهَ كَ لِلدّي َ‬
‫القول ف ـي تأويـل قوله تعال ـى‪َ { :‬فَأقِ مْ َو ْ‬
‫صدّعُونَ }‪.‬‬
‫ن اللّ ِه يَ ْو َم ِئذٍ َي ّ‬
‫مِ َ‬
‫يقول تعال ـى ذكره‪ :‬فوجّه وجْهَك يا م ـحمد ن ـحوَ الو جه الذي وجّ هك إل ـيه ر بك للدّي نِ‬
‫القَـيّـمِ لطاعة ربك‪ ,‬والـمِلةِ الـمستقـيـم ِة التـي ل اعوجاج فـيها عن الـحقّ ِم نْ َقبْلِ‬
‫أنْ يَأتِـيَ يَ ْومٌ ل َمرَدّ َل ُه مِنَ الّل ِه يقول تعالـى ذكره‪ :‬من قبل مـجي ِء يومٍ من أيام ال ل مردّ‬
‫له ل ـمـجيئه‪ ,‬لن ال قد ق ضى ب ـمـجيئه ف هو ل م ـحالة جاء يَ ْو َم ِئذٍ يَ صّدّعُونَ يقول‪ :‬يوم‬
‫يج يء ذلك ال ـيومُ ي صدّع النا سُ‪ ,‬يقول‪ :‬يتفرّق الناس فرقت ـين من قول هم‪ :‬صَدَعتُ الغن ـم‬
‫صدعتـين‪ :‬إذا فرقتها فرقتـين‪ :‬فريق فـي الـجنة‪ ,‬وفريق فـي السعير‪ .‬وبنـحو الذي قلنا‬
‫فـي ذلك قال أهل التأويـل‪ .‬ذكر من قال ذلك‪:‬‬
‫جهَ كَ للدّي نِ‬
‫‪ 21330‬ـ حدثنا بشر‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا يزيد‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا سعيد‪ ,‬عن قَتادة‪ ,‬قوله‪ :‬فَأقِ مْ َو ْ‬
‫القَــيّـمِ السـلم مِن ْـ َقبْلِ أن ْـ َيَأتِــيَ يَوْمٌـ ل َم َردّ لَهُـ مِنَـ اللّهِـ يَ ْو َم ِئذٍ يَصّـدّعُونَ فريـق فــي‬
‫الـجنة‪ ,‬وفريق فـي السعير‪.‬‬
‫‪ 21331‬ـ حدثنـي علـيّ‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا أبو صالـح‪ ,‬قال‪ :‬ثنـي معاوية‪ ,‬عن علـيّ‪ ,‬عن ابن‬
‫صدّعُونَ يقول‪ :‬يتفرّقون‪.‬‬
‫عبـاس‪ ,‬قوله يَ ْو َم ِئذٍ َي ّ‬
‫صدّعُونَ‬
‫‪ 21332‬ـ حدثن ـي يو نس‪ ,‬قال‪ :‬أخبر نا ا بن و هب‪ ,‬قال‪ :‬قال ا بن ز يد‪ ,‬ف ـي قوله يَ ّ‬
‫قال‪ :‬يتفرّقون إلـى الـجنة‪ ,‬وإلـى النار‪.‬‬

‫‪44‬‬ ‫الية ‪:‬‬


‫ُسـ ِهمْ‬
‫عمِلَ صـَالِحا فَلنف ِ‬
‫َنـ َ‬
‫ُهـ َوم ْ‬
‫ْهـ كُ ْفر ُ‬
‫القول فــي تأويــل قوله تعالــى‪{ :‬م َن كَ َفرَ َفعََلي ِ‬
‫َي ْمهَدُونَ }‪.‬‬
‫عمِلَ‬
‫يقول تعالـى ذكره‪ :‬من كفر بـال فعلـيه‪ ,‬أو زاد كفره‪ ,‬وآثام جحوده ِنعَمَ ربه‪َ ,‬ومَنْ َ‬
‫صَالِـحا يقول‪ :‬ومن أطاع ال‪ ,‬فعمل بـما أمره به فـي الدنـيا‪ ,‬وانتهى عما نهاه عنه فـيها‬
‫س ِهمْ يَ ـ ْمهَدونَ يقول‪ :‬فلنف سهم ي ستعدون‪ ,‬وي سوّون ال ـمضجع ل ـيسلـموا من عقاب‬
‫فَلِ َءنْفُ ِ‬
‫ربهم‪ ,‬وينـجوا من عذابه‪ ,‬كما قال الشاعر‪:‬‬
‫ن نَفْسا ما َلهَا خَـَلفُ‬
‫سكَ حانَ السّ ْقمُ والتّلَفُوَل ُتضِيعَ ّ‬
‫ا ْم َهدْ لنَ ْف ِ‬
‫وبنـحو الذي قلنا فـي تأويـل ذلك قال أهل التأويـل‪ .‬ذكر من قال ذلك‪:‬‬
‫‪ 21333‬ـ حدثنـي الـحارث‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا الـحسن‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا ورقاء جميعا‪ ,‬عن ابن أبـي‬
‫ن قال‪ :‬يسوّون الـمضاجع‪.‬‬
‫سهِمْ يَـ ْم َهدُو َ‬
‫نـجيح‪ ,‬عن مـجاهد فَلِ َءنْ ُف ِ‬
‫‪ 21334‬ـ حدث نا ا بن ال ـمثنى وال ـحسين بن يز يد الطحان وا بن وك يع وأ بو ع بد الرح من‬
‫العلئي‪ ,‬قالوا‪ :‬حدث نا يح يى بن سلـيـم‪ ,‬عن ا بن أب ـي ن ـجيح‪ ,‬عن م ـجاهد فَلِ َءنْفُ سِ ِهمْ‬
‫يَـمْ َهدُونَ قال‪ :‬فـي القبر‪.‬‬
‫حدث نا إبراهيــم بن سـعيد الــجوهري‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا يحيـى بن سلـيـم‪ ,‬عن ابـن أبــي‬
‫ن قال‪ :‬للقبر‪.‬‬
‫س ِهمْ يَـ ْم َهدُو َ‬
‫نـجيح‪ ,‬عن مـجاهد‪ :‬فَلِ َءنْ ُف ِ‬
‫حدثنا نصر بن علـيّ‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا يحيى بن سلـيـم‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا ابن أبـي نـجيح‪ ,‬قال‪:‬‬
‫س ِهمْ يَـ ْمهَدُونَ قال‪ :‬فـي القبر‪.‬‬
‫سمعت مـجاهدا يقول‪ :‬فـي قوله فَلِ َءنْ ُف ِ‬
‫‪45‬‬ ‫الية ‪:‬‬
‫عمِلُو ْا ال صّاِلحَاتِ مِن َفضْلِ هِ ِإّن هُ لَ‬
‫ن آ َمنُواْ َو َ‬
‫جزِ يَ اّلذِي َ‬
‫القول فـي تأويـل قوله تعالـى‪ِ{ :‬ل َي ْ‬
‫ُيحِبّ ا ْلكَافِرِينَ }‪.‬‬
‫عمِلُوا‬
‫ِينـ آ َمنُوا بــال ورسـوله و َ‬
‫يصـدّعون‪ ...‬لِــيَجزيَ اّلذ َ‬
‫ّ‬ ‫يقول تعالــى ذكره‪ :‬يومئذ‬
‫ال صّالِـحاتِ يقول‪ :‬وعملوا بـما أمرهم ال مِ نْ َفضْلِ ِه الذي وعد من أطاعه فـي الدنـيا أن‬
‫ص بجزائه من فضله‬
‫ب الكا ِفرِي نَ يقول تعالـى ذكره‪ :‬إنـما خ ّ‬
‫يجزيه يوم القـيامة إنّ ُه ل ُيحِ ّ‬
‫ب أ هل الك فر به‪ .‬وا ستأنف‬
‫الذ ين آمنوا وعملوا ال صالـحات دون من ك فر ب ـال‪ ,‬إ نه ل يح ّ‬
‫ب الكا ِفرِينَ وفـيه الـمعنى الذي وصفت‪.‬‬
‫الـخبر بقوله إنّه ل ُيحِ ّ‬

‫‪46‬‬ ‫الية ‪:‬‬


‫ح َمتِهِ‬
‫شرَاتٍ وَِل ُيذِي َقكُ ْم مّن ّر ْ‬
‫ح ُمبَ ّ‬
‫ل ال ّريَا َ‬
‫القول فـي تأويـل قوله تعالـى‪َ { :‬و ِمنْ آيَاتِ ِه أَن ُيرْسِ َ‬
‫شكُرُونَ }‪.‬‬
‫ج ِريَ الْفُ ْلكُ ِبَأ ْمرِهِ وَِل َت ْب َتغُواْ مِن َفضْلِهِ وََلعَّل ُكمْ َت ْ‬
‫وَِل َت ْ‬
‫ل شيء‬
‫يقول تعالـى ذكره‪ :‬ومن أدلته علـى وحدانـيته وحججه علـيكم علـى أنه إله ك ّ‬
‫ح َمتِ هِ يقول‪ :‬ولـينزّل علـيكم‬
‫أ نْ ُيرْ سِلَ الرّيا حَ ُم َبشّرا تٍ بـالغيث والرحمة وَلِـيُذِي َق ُكمْ مِ نْ َر ْ‬
‫من رحمته‪ ,‬وهي الغيث الذي يحيـي به البلد‪ ,‬ولتـجري السفن فـي البحار بها بأمره إياها‬
‫وَِل َت ْب َتغُوا مِن ْـ َفضْلِهِـ يقول‪ :‬ولتلتــمسوا مـن أرزاقـه ومعايشكـم التــي قسـمها بــينكم وَلَعّلكُم ْـ‬
‫شكُرُون َـ يقول‪ :‬ولتشكروا ربكـم علــى ذلك أرسـل هذه الرياح مبشرات‪ .‬وبنــحو الذي قلنـا‬
‫َت ْ‬
‫فـي ذلك قال أهل التأويـل‪ .‬ذكر من قال ذلك‪:‬‬
‫‪ 21335‬ـ حدثنـي م ـحمد بن عمرو‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا أ بو عا صم‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا عي سى وحدثنـي‬
‫الــحارث‪ ,‬قال‪ :‬حدثنـا الــحسن‪ ,‬قال‪ :‬حدثنـا ورقاء جميعـا‪ ,‬عـن ابـن أبــي نــجيح‪ ,‬عـن‬
‫مـجاهد الرّياحَ ُم َبشّراتٍ قال‪ :‬بـالـمطر‪.‬‬
‫ح َمتِ ِه مثل الذي قلنا فـيه‪ .‬ذكر من قال ذلك‪:‬‬
‫وقالوا فـي قوله‪ :‬وَلِـ ُيذِي َقكُ ْم مِنْ َر ْ‬
‫‪ 21336‬ـ حدثنـي م ـحمد بن عمرو‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا أ بو عا صم‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا عي سى وحدثنـي‬
‫الــحارث‪ ,‬قال‪ :‬حدثنـا الــحسن‪ ,‬قال‪ :‬حدثنـا ورقاء جميعـا‪ ,‬عـن ابـن أبــي نــجيح‪ ,‬عـن‬
‫ح َمتِ ِه قال‪ :‬الـمطر‪.‬‬
‫مـجاهد‪ ,‬قوله‪ :‬وَلِـ ُيذِي َقكُ ْم مِنْ َر ْ‬
‫ح َمتِ هِ‪:‬‬
‫‪ 21337‬ـ حدث نا ب شر‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا يز يد‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا سعيد‪ ,‬عن قَتادة وَلِ ـ ُيذِيقَكمْ مِ نْ َر ْ‬
‫الـمطر‪.‬‬
‫‪47‬‬ ‫الية ‪:‬‬
‫القول فـي تأويـل قوله تعالـى‪{ :‬وََل َقدْ َأرْ سَلْنَا مِن َقبْلِ كَ رُ سُلً إَِلىَ قَ ْو ِمهِ مْ َفجَآءُوهُم بِا ْل َب ّينَا تِ‬
‫ن حَقّا عََل ْينَا َنصْرُ ا ْل ُم ْؤمِنينَ }‪.‬‬
‫ج َرمُواْ َوكَا َ‬
‫ن اّلذِينَ َأ ْ‬
‫فَانتَ َق ْمنَا مِ َ‬
‫يقول تعال ـى ذكره م سلـيا نب ـيه صلى ال عل يه و سلم ف ـيـما ي ـلقـى من قو مه من‬
‫الذى فـيه بـما لقـي من قبله من رسله من قومهم‪ ,‬ومعلـمه سنته فـيهم وفـي قومهم‪,‬‬
‫وأ نه سالك به وبقو مه سنته ف ـيهم‪ ,‬وف ـي أم ـمهم‪ :‬ول قد أر سلنا يا م ـحمد من قبلك ر سلً‬
‫ُمـ‬
‫إلــى قومهـم الكفرة‪ ,‬كمـا أرسـلناك إلــى قومـك العابدي الوثان مـن دون ال فجاءُوه ْ‬
‫بـالبّـيّناتِ يعنـي‪ :‬بـالواضحات من الـحجج علـى صدقهم وأنهم ل رسل كما جئت أنت‬
‫قومك بـالبـينات فكذّبوهم كما كذّبك قومك‪ ,‬وردّوا علـيهم ما جاءوهم به من عند ال‪ ,‬كما‬
‫ج َرمُوا يقول‪ :‬فـانتقمنا من الذين‬
‫نأْ‬
‫ن اّلذِي َ‬
‫ردّوا علـيك ما جئتهم به من عند ربك فـا ْنتَ َقمْنا ِم َ‬
‫أجرموا الَثام‪ ,‬واكت سبوا ال سيئات من قوم هم‪ ,‬ون ـحن ف ـاعلو ذلك كذلك ب ـمـجرمي قو مك‬
‫صرُ ال ـمُ ْؤ ِمنِـينَ يقول‪ :‬ون ـجّينا الذ ين آمنوا ب ـال و صدّقوا ر سله‪ ,‬إذ‬
‫وكا نَ حَقّا عَلَ ـيْنا نَ ْ‬
‫صرُ الـمُ ْؤ ِمنِـينَ‬
‫جاءهم بأسنا‪ ,‬وكذلك نفعل بك وبـمن آمن بك من قومك وكانَ حَقّا عَلَـيْنا نَ ْ‬
‫علـى الكافرين‪ ,‬ونـحن ناصروك ومن آمن بك علـى مَن كفر بك‪ ,‬ومظفروك بهم‪.‬‬

‫‪48‬‬ ‫الية ‪:‬‬


‫سمَآءِ‬
‫سحَابا َف َيبْ سُطُ ُه فِي ال ّ‬
‫ح فَ ُتثِيرُ َ‬
‫ل ال ّريَا َ‬
‫القول فـي تأويـل قوله تعالـى‪{ :‬اللّ ُه اّلذِي ُيرْ سِ ُ‬
‫عبَادِ ِه ِإذَا‬
‫ج مِ نْ خِلَِل هِ َفِإذَآ أَ صَابَ بِ ِه مَن َيشَآءُ مِ نْ ِ‬
‫ق َيخْرُ ُ‬
‫جعَلُ ُه كِ سَفا َفتَرَى ا ْل َودْ َ‬
‫ف َيشَآءُ َو َي ْ‬
‫َكيْ َ‬
‫شرُونَ }‪.‬‬
‫س َتبْ ِ‬
‫ُهمْ َي ْ‬
‫الرياحـ سـحابـا‪,‬‬
‫ُ‬ ‫يقول تعالــى ذكره‪ :‬ال يرسـل الرياح فتثــير سـحابـا‪ ,‬يقول‪ :‬فتنشىء‬
‫وهـي جمـع سـحابة‪ ,‬فــيبسطه فــي السـماء كيـف يشاء يقول‪ :‬فــينشره ال‪ ,‬ويجمعـه فــي‬
‫السـماء ك يف يشاء‪ ,‬وقال‪ :‬ف ـيبسطه‪ ,‬فو حد الهاء‪ ,‬وأخرج مخرج كنا ية ال ـمذكر‪ ,‬وال سحاب‬
‫جمـع كمـا وصـفت ردّا علــى لفـظ السـحاب‪ ,‬ل علــى معناه‪ ,‬كمـا يقال‪ :‬هذا تــمر جيـد‪.‬‬
‫سطُهُ قال أهل التأويـل‪ .‬ذكر من قال ذلك‪:‬‬
‫وبنـحو الذي قلنا فـي تأويـل قوله فَـيَ ْب ُ‬
‫سطُهُ فِ ـي ال سّماءِ‬
‫‪ 21338‬ـ حدث نا ب شر‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا يز يد‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا سعيد‪ ,‬عن قتادة فَ ـ َي ْب ُ‬
‫ف يَشاءُ ويجمعه‪.‬‬
‫َكيْ َ‬
‫جعَلُ ُه كِسفَـا‪ :‬يقول‪ :‬ويجعل السحاب قِطعا‪ .‬متفرّقة‪ ,‬كما‪:‬‬
‫وقوله‪ :‬و َي ْ‬
‫جعَلُ ُه كِسفَـا‪ :‬أي قطعا‪.‬‬
‫‪21339‬ـ حدثنا بشر‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا يزيد‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا سعيد‪ ,‬عن قَتادة و َي ْ‬
‫ن خِللِ ِه يعنـي‪ :‬من بـين السحاب‪ .‬كما‪:‬‬
‫خرُجُ مِ ْ‬
‫وقوله ف َترَى ال َو ْدقَ يعنـي‪ :‬الـمطر َي ْ‬
‫ج مِ نْ‬
‫خرُ ُ‬
‫‪ 21340‬ـ حدثنا ب شر‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا يز يد‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا سعيد‪ ,‬عن قَتادة فتَرَى ال َودْ قَ َي ْ‬
‫خِللِهِ‪.‬‬
‫‪ 21341‬ـ حدثنا ابن وكيع‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا أبـي‪ ,‬عن قطن‪ ,‬عن حبـيب‪ ,‬عن عبـيد بن عمير‬
‫سحَابـا قال‪ :‬الرياح أربع‪ :‬يبعث ال ريحا فتقمّ الرض قما‪ ,‬ثم يبعث ال‬
‫ُيرْسِلُ الرّياحَ َف ُتثِـيرُ َ‬
‫الر يح الثان ـية فتث ـير سحابـا‪ ,‬ف ـيجعله ف ـي ال سماء كِ سفَـا‪ ,‬ثم يب عث ال الر يح الثال ثة‪,‬‬
‫فتؤلف بـينه فـيجعله ركاما‪ ,‬ثم يبعث الريح الرابعة فتـمطر‪.‬‬
‫‪ 21342‬ـ حدثن ـي م ـحمد بن عمرو‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا أ بو عا صم‪ ,‬قال‪ :‬ثَ نا عي سى وحدثن ـي‬
‫الــحارث‪ ,‬قال‪ :‬حدثنـا الــحسن‪ ,‬قال‪ :‬حدثنـا ورقاء جميعـا‪ ,‬عـن ابـن أبــي نــجيح‪ ,‬عـن‬
‫مـجاهد فَترَى الوَدقَ قال‪ :‬القطر‪.‬‬
‫ن يقول‪ :‬فإذا صرف ذلك الودق‬
‫شرُو َ‬
‫س َتبْ ِ‬
‫ن يَشاءُ مِ نْ عِبـادِهِ إذَا هُ مْ يَ ْ‬
‫وقوله‪ :‬فإذَا أ صَابَ بِ هِ َم ْ‬
‫إل ـى أرض من أراد صرفه إل ـى أر ضه من خ ـلقه رأيت هم ي ستبشرون بأ نه صرف ذلك‬
‫إلـيهم ويفرحون‪.‬‬

‫‪49‬‬ ‫الية ‪:‬‬


‫القول فـي تأويـل قوله تعالـى‪{ :‬وَإِن كَانُو ْا مِن َقبْلِ أَن ُينَزّلَ عََل ْي ِهمْ مّن َقبْلِهِ َل ُمبِْلسِينَ }‪.‬‬
‫يقول تعالـى ذكره‪ :‬وكان هؤلء الذين أصابهم ال بهذا الغيث من عبـاده من قبل أن ينزل‬
‫عل ـيهم هذا الغ يث من ق بل هذا الغ يث ل ـمبلسين‪ ,‬يقول‪ :‬ل ـمكتئبـين حزن ـين ب ـاحتبـاسه‬
‫عنهم‪ ,‬كما‪:‬‬
‫ن َقبْلِ أنْ ُي َنزّلَ‬
‫ن كانُوا مِ ْ‬
‫‪21343‬ـ حدثنا بشر‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا يزيد‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا سعيد‪ ,‬عن قَتادة وَإ ْ‬
‫ن قَبْلِ ِه لَـ ُمبْلِسِينَ‪ :‬أي قانطين‪.‬‬
‫عَلَـ ْي ِهمْ مِ ْ‬
‫ن َقبْلِ أ نْ‬
‫واختلف أ هل العرب ـية ف ـي و جه تكر ير « من قبله»‪ ,‬و قد تقدم ق بل ذلك قوله‪ :‬مِ ْ‬
‫جدَ‬
‫سَ‬‫ُينَزّلَ عَلَـيْ ِهمْ فقال بعض نـحويـي البصرة‪ :‬ردّ من قبله علـى التوكيد نـحو قوله‪ :‬فَ َ‬
‫الــمَلئكَ ُة كُّلهُم ْـ أج َمعُونَـ وقال غيره‪ :‬لــيس ذلك كذلك‪ ,‬لن مـع مِن ْـ َقبْلِ أن ْـ ُي َنزّلَ عَلَــيْهمْ‬
‫حرفـا لـيس مع الثان ـية‪ ,‬قال‪ :‬فكأنه قال‪ :‬من قبل التنزيـل من ق بل الـمطر ف قد اختلفتا‪,‬‬
‫ل يكون اسـما ويكون توكيدا‪ ,‬وهـو قوله أجمعون‪.‬‬
‫ُونـ وكـد بأجمعيـن لن ك ً‬
‫ُمـ أج َمع َ‬
‫وأمـا كُّله ْ‬
‫ن قَبْلِ ِه علـى وجه التوكيد‪.‬‬
‫والقول عندي فـي قوله‪ :‬مِ ْ‬
‫‪50‬‬ ‫الية ‪:‬‬
‫حيِيِ الرْضَ َب ْعدَ َم ْو ِتهَآ‬
‫حمَةِ الّلهِ َكيْفَ ُي ْ‬
‫ظرْ إَِلىَ آثَارِ َر ْ‬
‫القول فـي تأويـل قوله تعالـى‪{ :‬فَان ُ‬
‫شيْءٍ َقدِيرٌ }‪.‬‬
‫ل َ‬
‫ن ذَِلكَ َل ُمحْييِ ا ْلمَ ْو َتىَ وَهُوَ عََلىَ كُ ّ‬
‫إِ ّ‬
‫حمَةِ الّل ِه فقرأ ته عامة قرّاء أهل الـمدينة‬
‫اختلفت القرّاء فـي قوله‪ :‬فـا ْنظُرْ إلـى آثارِ َر ْ‬
‫حمَ ِة اللّ هِ عل ـى التوح يد‪ ,‬ب ـمعنى‪ :‬ف ـانظر يا‬
‫والب صرة وب عض الكوف ـيـين‪ :‬إل ـى أ َثرِ َر ْ‬
‫مـحمد إلـى أثر الغيث الذي أصاب ال به من أصاب من عبـاده‪ ,‬كيف يحيـي ذلك الغيث‬
‫حمَةِ الّل هِ» علـى‬
‫ظرْ إلـى آثارِ َر ْ‬
‫الرض من بعد موتها‪ .‬وقرأ ذلك عامة قرّاء الكوفة‪« :‬فـانْ ُ‬
‫ال ـجماع‪ ,‬ب ـمعنى‪ :‬ف ـانظر إل ـى آثاء الغ يث الذي أ صاب ال به من أ صاب ك يف يحي ـي‬
‫الرض بعد موتها‪.‬‬
‫والصـواب مـن القول فــي ذلك‪ ,‬أنهمـا قراءتان مشهورتان فــي َقرَأَة المصـار‪ ,‬متقاربتـا‬
‫الـمعنى وذلك أن ال إذا أحيا الرض بغيث أنزله علـيها‪ ,‬فإن الغيث أحياها بإحياء ال إياها‬
‫به‪ ,‬وإذا أحياها الغيث‪ ,‬فإن ال هو الـمـحيـي به‪ ,‬فبأ يّ القراءتـين قرأ القارىء فمصيب‪.‬‬
‫فتأوي ـل الكلم إذن‪ :‬ف ـانظر يا م ـحمد إل ـى آثار الغ يث الذي ينزّل ال من ال سحاب‪ ,‬ك يف‬
‫يحيـي بها الرض الـميتة‪ ,‬فـينبتها ويعشبها من بعد موتها ودثورها‪ .‬إن ذلك لـمـحيـي‬
‫ل ذكره‪ :‬إن الذي يحيـي هذه الرض بعد موتها بهذا الغيث‪ ,‬لـمـحيـي‬
‫الـموتـى يقول ج ّ‬
‫ل شيء مع قدرته علـى إحياء الـموتـى قدير‪ ,‬ل‬
‫الـموتـى من بعد موتهم‪ ,‬وهو علـى ك ّ‬
‫يع ّز علـيه شيء أراده‪ ,‬ول يـمتنع علـيه فعل شيء شاءه سبحانه‪.‬‬

‫‪51‬‬ ‫الية ‪:‬‬


‫ِهـ‬
‫ُصـَفرّا ّلظَلّو ْا م ِن َب ْعد ِ‬
‫ْهـ م ْ‬
‫ْسـْلنَا رِيحا فَرَأَو ُ‬
‫ِنـ َأر َ‬
‫القول فــي تأويــل قوله تعالــى‪{ :‬وََلئ ْ‬
‫َيكْ ُفرُونَ }‪.‬‬
‫يقول تعالـى ذكره‪ :‬ولئن أرسلنا ريحا مفسدة ما أنبته الغيث الذي أنزلناه من السماء‪ ,‬فرأى‬
‫هؤلء الذين أصابهم ال بذلك الغيث الذي حيـيت به أرضوهم‪ ,‬وأعشبت ونبتت به زروعهم‪,‬‬
‫ما أنبتته أرضوهم بذلك الغيث من الزرع مصفرّا‪ ,‬قد فسد بتلك الريح التـي أرسلناها‪ ,‬فصار‬
‫من بعد خضرته مصفرا‪ ,‬لظلوا من بعد استبشارهم وفرحتهم به يكفرون بربهم‪.‬‬
‫‪53‬‬ ‫‪-‬‬ ‫‪52‬‬ ‫الية ‪:‬‬
‫صمّ الدّعَآ َء ِإذَا وَّلوْاْ‬
‫سمِعُ ال ّ‬
‫سمِعُ ا ْلمَ ْو َتىَ َولَ تُ ْ‬
‫ل تُ ْ‬
‫القول ف ـي تأوي ـل قوله تعال ـى‪َ { :‬فإِنّ كَ َ‬
‫سمِعُ ِإلّ مَن يُ ْؤ ِمنُ بِآيَا ِتنَا َفهُمْ ّمسِْلمُونَ }‪.‬‬
‫ن * َومَآ أَنتَ ِبهَادِ ا ْل ُع ْميِ عَن ضَلَلَ ِت ِهمْ إِن ُت ْ‬
‫ُم ْدبِرِي َ‬
‫سمِعُ ال ـمَ ْوتَـى يقول‪ :‬ل ت ـجعل ل هم أ سماعا‬
‫يقول تعال ـى ذكره‪ :‬فإنّ كَ يا م ـحمد ل تُ ْ‬
‫يفهمون بها عنك ما تقول لهم‪ ,‬وإنـما هذا مثل معناه‪ :‬فإنك ل تقدر أن تفهم هؤلء الـمشركين‬
‫الذين قد ختـم ال علـى أسماعهم‪ ,‬فسلبهم فهم ما يُتلـى علـيهم من مواعظ تنزيـله‪ ,‬كما ل‬
‫تقدر أن تفهم الـموتـى الذين قد سلبهم ال أسماعهم‪ ,‬بأن تـجعل لهم أسماعا‪.‬‬
‫سمِعُ ال صّمّ الدّعاءَ يقول‪ :‬وك ما ل تقدر أن تُ سمع ال صمّ الذ ين قد سلبوا ال سمع‬
‫وقوله‪ :‬وَل تُ ْ‬
‫الدعاء‪ ,‬إذا هم وَلّوا عنك مدبر ين‪ ,‬كذلك ل تقدر أن توفق هؤلء الذ ين قد سلبهم ال فه مَ آيات‬
‫كتابه‪ ,‬لسماع ذلك وفهمه‪ .‬وبنـحو الذي قلنا فـي ذلك قال أهل التأويـل‪ .‬ذكر من قال ذلك‪:‬‬
‫سمِعُ‬
‫‪ 21344‬ـ حدث نا ب شر‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا يز يد‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا سعيد‪ ,‬عن قَتادة‪ ,‬قوله‪ :‬فإنّ كَ ل تُ ْ‬
‫ال ـمَ ْوتَـى‪ :‬هذا مَثَل ضر به ال للكا فر فك ما ل ي سمع ال ـميت الدعاء‪ ,‬كذلك ل ي سمع الكا فر‪.‬‬
‫ن يقول‪ :‬لو أن أصمّ ولّـى مدبرا ثم ناديته لـم يسمع‪,‬‬
‫وَل تُ سْمِ ُع ال صّمّ الدّعاءَ إذَا وَلّوْا ُم ْد ِبرِي َ‬
‫كذلك الكافر ل يسمع ول ينتفع بـما يسمع‪.‬‬
‫وقوله‪ :‬وَما أنْ تَ بِهادِ ال ُعمْ يِ عَ نْ ضَلَل ِتهِ مْ يقول تعالـى ذكره‪ :‬وما أنت يا مـحمد بـمسدّد‬
‫من أعماه ال عن ال ستقامة‪َ ,‬ومَ ـحجة ال ـحقّ‪ ,‬فل ـم يوف قه ل صابة الر شد‪ ,‬ف صارِفه عن‬
‫ضللتـه التــي هـو علــيها‪ ,‬وركوبـه الــجائر مـن الطرق‪ ,‬إلــى سـبـيـل الرشاد‪ ,‬يقول‪:‬‬
‫لــيس ذلك بــيدك ول إلــيك‪ ,‬ول يقدر علــى ذلك أحـد غيري‪ ,‬لنــي القادر علــى كـل‬
‫ش يء‪ .‬وق ـيـل‪ :‬بهادي الع مي عن ضللت هم‪ ,‬ول ـم ي قل‪ :‬من ضللت هم‪ .‬لن مع نى الكلم ما‬
‫وَ صَفْت‪ ,‬من أنه‪ :‬وما أنت بصارفهم عنه‪ ,‬فحمل علـى الـمعنى‪ .‬ولو قـيـل‪ :‬من ضللتهم‬
‫كان صوابـا‪ .‬وكان معناه‪ :‬ما أنت بـمانعهم من ضللتهم‪.‬‬
‫ن يُ ْؤ ِمنُ بآياتِنا يقول تعالـى ذكره لنبـيه‪ :‬ما تسمع السماع الذي ينتفع‬
‫سمِعُ إلّ مَ ْ‬
‫ن تُ ْ‬
‫وقوله‪ :‬إ ْ‬
‫به سامعه فـيعقله‪ ,‬إلّ من يؤمن بآياتنا‪ ,‬لن الذي يؤمن بآياتنا إذا سمع كتاب ال تدبّره وفهمه‬
‫وعقَله‪ ,‬وع مل ب ـما ف ـيه‪ ,‬وانت هى إل ـى حدود ال‪ ,‬الذي حدّ ف ـيه‪ ,‬ف هو الذي ي سمع ال سماع‬
‫النافع‪.‬‬
‫ن يقول‪ :‬فهم خاضعون ل بطاعته‪ ,‬متذللون لـمواعظ كتابه‪.‬‬
‫وقوله‪َ :‬فهُمْ ُمسْلِـمُو َ‬

‫‪54‬‬ ‫الية ‪:‬‬


‫ضعْ فٍ قُ ّوةٍ‬
‫ل مِن َب ْعدِ َ‬
‫جعَ َ‬
‫ضعْ فٍ ثُ مّ َ‬
‫القول فـي تأويـل قوله تعالـى‪{ :‬الّل ُه اّلذِي خَلَ َقكُ ْم مّن َ‬
‫شيْبَ ًة َيخُْلقُ مَا َيشَآءُ وَهُ َو ا ْلعَلِيمُ الْ َقدِيرُ }‪.‬‬
‫ضعْفا َو َ‬
‫جعَلَ مِن َب ْعدِ قُوّ ٍة َ‬
‫ُثمّ َ‬
‫يقول تعال ـى ذكره لهؤلء ال ـمكذّبـين ب ـالبعث من مشر كي قر يش‪ ,‬م ـحتـجا عل ـيهم‬
‫ضعْ فٍ يقول‪ :‬من‬
‫بأ نه القادر علـى ذلك وعل ـى ما يشاء‪ :‬الّل ُه اّلذِي خَ ـلَ َق ُكمْ أيها الناس مِ نْ َ‬
‫ف قُوّةً يقول‪ :‬ثم ج عل ل كم قوّة‬
‫ضعْ ٍ‬
‫ن َب ْعدِ َ‬
‫جعَلَ مِ ْ‬
‫ُنطْ فة وماء َمهِ ين‪ ,‬فأنشأ كم َبشَرا سويّا ثُ مّ َ‬
‫علـى التصرّف‪ ,‬من بعد خـلقه إياكم من ضعف‪ ,‬ومن بعد ضعفكم‪ ,‬بـالصغر والطفولة ثُ مّ‬
‫ش ْيبَةً يقول‪ :‬ثم أحدث ل كم الض عف ب ـالهرم وال كبر ع ما كنت ـم‬
‫ضعْف ـا َو َ‬
‫ن َب ْعدِ قُوّ ٍة َ‬
‫جعَلَ مِ ْ‬
‫َ‬
‫علـيه أقوياء فـي شبـابكم وشيبة‪ .‬وبنـحو الذي قلنا فـي ذلك قال أهل التأويـل‪ .‬ذكر من‬
‫قال ذلك‪:‬‬
‫‪ 21345‬ـ حدثنا بشر‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا يزيد‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا سعيد‪ ,‬عن قَتادة‪ ,‬قوله‪ :‬اّلذِي خَـلَ َق ُكمْ مِ نْ‬
‫ش ْيبَةً‬
‫ضعْف ـا الهرم َو َ‬
‫جعَلَ ِم نْ َب ْعدِ قُ ّوةٍ َ‬
‫ضعْ فٍ قُوّةً‪ ,‬ثُ مّ َ‬
‫جعَلَ ِم نْ َب ْعدِ َ‬
‫ضعْ فٍ أي من نط فة ثُ مّ َ‬
‫َ‬
‫شمَط‪.‬‬
‫ال ّ‬
‫وقوله‪َ :‬يخْ ـلُقُ ما يَشا ُء يقول تعالــى ذكره‪ :‬يخ ـلق ما يشاء من ضعـف وقوّة وشب ـاب‬
‫وش يب وَهُ َو العَلِـيـمُ بتدبـير خ ـلقه ال َقدِيرُ علـى ما يشاء‪ ,‬ل يـمتنع علـيه شيء أراده‪,‬‬
‫فكمـا فعـل هذه الشياء‪ ,‬فكذلك يــميت خــلقه ويحيــيهم إذا شاء‪ .‬يقول‪ :‬واعلــموا أن الذي‬
‫فعل هذه الفعال بقدرته يحيـي الـموتـى إذا شاء‪.‬‬
‫‪55‬‬ ‫الية ‪:‬‬
‫غ ْيرَ سَاعَةٍ‬
‫ج ِرمُو نَ مَا َل ِبثُواْ َ‬
‫سمُ ا ْل ُم ْ‬
‫القول ف ـي تأويـل قوله تعال ـى‪َ { :‬ويَوْ مَ تَقُو مُ ال سّاعَ ُة يُقْ ِ‬
‫َكذَِلكَ كَانُواْ ُي ْؤفَكُونَ }‪.‬‬
‫يقول تعال ـى ذكره‪ :‬ويوم ت ـجيء ساعة الب عث‪ ,‬ف ـيبعث ال ـخـلق من قبور هم‪ ,‬يق سم‬
‫الــمـجرمون‪ ,‬وهـم الذيـن كانوا يكفرون بــال فــي الدنــيا‪ ,‬ويكتسـبون فــيه الَثام‪,‬‬
‫وإقسامهم‪ :‬حلفهم بـال‪ .‬ما َل ِبثُوا غيرَ ساعَةٍ‪ :‬يقول‪ :‬يقسمون بأنهم لـم يـلبثوا فـي قبورهم‬
‫ل ثناؤه‪ :‬كذلك ف ـي الدن ـيا كانوا يُ ْؤ َفكُون‪ :‬يقول‪ :‬كذبوا ف ـي‬
‫غ ير ساعة واحدة‪ .‬يقول ال ج ّ‬
‫س ِمهِم ما لبثنا غير ساعة‪ ,‬كما كانوا فـي الدنـيا يكذبون ويحلفون علـى الكذب‬
‫قـيـلهم وقَ َ‬
‫وهم يعلـمون‪ .‬وبنـحو الذي قلنا فـي ذلك قال أهل التأويـل‪ .‬ذكر من قال ذلك‪:‬‬
‫سمُ‬
‫عةُ يُقْ ِ‬
‫‪ 21346‬ـ حدثنا بشر‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا يزيد‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا سعيد‪ ,‬عن قَتادة ويَوْ َم تَقُو مُ ال سّا َ‬
‫ُونـ أي يكذبون فــي الدنــيا‪ ,‬وإنــما‬
‫َذلكـ كانُوا يُ ْؤ َفك َ‬
‫الــمُـجْرِمونَ مـا َل ِبثُوا غيرَ سـاعَ ٍة ك َ‬
‫صدّون عنه إلـى الكذب‪.‬‬
‫يعنـي بقوله‪ :‬يُ ْؤ َفكُونَ عن الصدق‪ ,‬و َي ُ‬
‫‪56‬‬ ‫الية ‪:‬‬
‫ن أُوتُواْ ا ْلعِلْ مَ وَالِيمَا نَ لَ َق ْد َل ِب ْثتُ مْ فِي ِكتَا بِ الّل هِ‬
‫القول ف ـي تأويـل قوله تعال ـى‪َ { :‬وقَالَ اّلذِي َ‬
‫إَِلىَ يَ ْو ِم ا ْل َبعْثِ َفهَـذَا َي ْومُ ا ْل َبعْثِ وَلَـ ِكنّ ُكمْ كُنتمْ لَ َتعَْلمُونَ }‪.‬‬
‫كان قَتادة يقول‪ :‬هذا من الـمقدّم الذي معناه التأخير‪.‬‬
‫‪ 21347‬ـ حدث نا ب شر‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا يز يد‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا سعيد‪ ,‬عن قَتادة‪ ,‬قوله‪ :‬وَقالَ اّلذِي نَ أُوتُوا‬
‫ث قال‪ :‬هذا من مقاديـم الكلم‪.‬‬
‫ب اللّ ِه إلـى يَوْ مِ ال َبعْ ِ‬
‫ن لَ َق ْد َل ِب ْثتُـمْ فِـي كتا ِ‬
‫العِلْـمَ واليـمَا َ‬
‫وتأويـلها‪ :‬وقال الذين أوتوا اليـمان والعلـم‪ :‬لقد لبثتـم فـي كتاب ال‪.‬‬
‫جرَيـج أنـه كان يقول‪ :‬معنـى ذلك‪ :‬وقال الذيـن أوتوا العلــم بكتاب ال‪,‬‬
‫وذُكـر عـن ابـن ُ‬
‫واليـمان بـال وكتابه‪.‬‬
‫وقوله‪ :‬فِـي كِتا بِ الّل هِ يقول‪ :‬فـيـما ك تب ال مـما سبق فـي علـمه أن كم تلبثو نه َف َهذَا‬
‫يَوْ مُ ال َبعْ ثِ يقول‪ :‬فهذا يوم يب عث الناس من قبور هم وََل ِك ّنكُ مْ ُك ْنتُ ـمْ ل َتعْل ـمَونَ يقول‪ :‬ولكن كم‬
‫كنت ـم ل تعل ـمون ف ـي الدن ـيا أ نه يكون‪ ,‬وأن كم مبعوثون من ب عد ال ـموت‪ ,‬فلذلك كنت ـم‬
‫تكذبون‪.‬‬

‫‪57‬‬ ‫الية ‪:‬‬


‫ستَ ْع َتبُونَ }‪.‬‬
‫القول فـي تأويـل قوله تعالـى‪َ { :‬فيَ ْو َم ِئذٍ لّ ينفَ ُع اّلذِينَ ظََلمُو ْا َم ْعذِ َر ُتهُمْ َولَ هُ ْم يُ ْ‬
‫ُمـ يعنــي‬
‫ِينـ ظَلَــمُوا َم ْعذِ َر ُته ْ‬
‫َعـ اّلذ َ‬
‫يقول تعالــى ذكره‪ :‬فــيوم يبعثون مـن قبورهـم ل َينْف ُ‬
‫الـمكذّبـين بـالبعث فـي الدنـيا معذرتهم‪ ,‬وهو قولهم‪ :‬ما علـمنا أنه يكون‪ ,‬ول أنا نُبعث‪.‬‬
‫ُمـ يُس ْـَتعْ َتبُونَ يقول‪ :‬ول هؤلء الظلــمة يُسـتَرجعون يومئذٍ عمـا كانوا يكذّبون بـه فــي‬
‫وَل ه ْ‬
‫الدنـيا‪.‬‬

‫‪58‬‬ ‫الية ‪:‬‬


‫ن مِن كُلّ َمثَلٍ وََلئِن‬
‫القول ف ـي تأوي ـل قوله تعال ـى‪{ :‬وََل َقدْ ضَ َربْنَا لِلنّا سِ فِي هَ ـذَا الْ ُقرْآ ِ‬
‫ن أَن ُتمْ ِإلّ ُم ْبطِلُونَ }‪.‬‬
‫ن كَ َفرُوَ ْا إِ ْ‬
‫ج ْئ َتهُمْ بِآيَ ٍة ّليَقُوَلنّ اّلذِي َ‬
‫ِ‬
‫يقول تعال ـى ذكره‪ :‬ول قد مثل نا للناس ف ـي هذا القرآن من كل م ثل احت ـجاجا عل ـيهم‪,‬‬
‫ج ْئتَهُ مْ بآيَةٍ يقول‪ :‬ولئن جئت يا م ـحمد هؤلء‬
‫ن ِ‬
‫وتنب ـيها ل هم عن وحدان ـية ال‪ .‬وقوله وَلِئ ْ‬
‫ل ُمبْطِلُو نَ‬
‫ن أ ْنتُ ـمْ إ ّ‬
‫ن كَ َفرُوا إ ْ‬
‫القوم بآ ية‪ :‬يقول‪ :‬بدللة عل ـى صدق ما تقول لَ ـيَقُوَلنّ اّلذِي َ‬
‫ن الذ ين جحدوا ر سالتك‪ ,‬وأنكروا نبوّ تك‪ :‬إن أنت ـم أي ها ال ـمصدّقون م ـحمدا‬
‫يقول‪ :‬ل ـيقول ّ‬
‫ل مبطلون فـيـما تَـجيئوننا به من هذه المور‪.‬‬
‫فـيـما أتاكم به إ ّ‬
‫‪59‬‬ ‫الية ‪:‬‬
‫ن لَ َيعَْلمُونَ }‪.‬‬
‫طبَعُ اللّهُ عََلىَ قُلُوبِ اّلذِي َ‬
‫القول فـي تأويـل قوله تعالـى‪َ { :‬كذَِلكَ َي ْ‬
‫يقول تعال ـى ذكره‪ :‬كذلك يخت ـم ال عل ـى قلوب الذ ين ل يعل ـمون حق ـيقة ما تأت ـيهم‬
‫به يا مــحمد من ع ند ال مـن هذه العِبر والعظات‪ ,‬والَيات الب ـيّنات‪ ,‬فل يفقهون عن ال‬
‫حُجة‪ ,‬ول يفهمون عنه ما يتلو علـيهم من آي كتابه‪ ,‬فهم لذلك فـي طغيانهم يتردّدون‪.‬‬

‫‪60‬‬ ‫الية ‪:‬‬


‫ِينـ لَ‬
‫ك اّلذ َ‬
‫َسـَتخِ ّفنّ َ‬
‫َقـ َولَ ي ْ‬
‫ّهـ ح ّ‬
‫عدَ الل ِ‬
‫ِنـ وَ ْ‬
‫َاصـِبرْ إ ّ‬
‫القول فــي تأويــل قوله تعالــى‪{ :‬ف ْ‬
‫يُو ِقنُونَ }‪.‬‬
‫يقول تعال ـى ذكره‪ :‬ف ـاصبر يا م ـحمد ل ـما ينالك من أذا هم‪ ,‬وبلغ هم ر سالة ر بك‪ ,‬فإن‬
‫وعـد ال الذي وعدك مـن النصـر علــيهم‪ ,‬والظفـر بهـم‪ ,‬وتــمكينك وتــمكين أصـحابك‬
‫ن حل ـمك‬
‫ن ل يُو ِقنُو نَ يقول‪ :‬ول ي ستـخف ّ‬
‫ستَـخِ ّفنّك اّلذِي َ‬
‫و ُتبّ ـاعك ف ـي الرض ح قّ وَل ي ْ‬
‫ورأيـك هؤلء الــمشركون بــال الذيـن ل يوقنون بــالـمعاد ول يصـدّقون بــالبعث بعـد‬
‫الـمـمات‪ ,‬فـيثبطوك عن أمر ال والنفوذ لـما كلّفك من تبلـيغهم رسالته‪.‬‬
‫جبَـير‪ ,‬عن علـيّ بن ربـيعة‪,‬‬
‫‪ 21348‬ـ حدثنا ابن وكيع‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا أبـي‪ ,‬عن سعيد بن ُ‬
‫عمَلُ كَ‬
‫ح َبطَنّ َ‬
‫ن أشْ َركْ تَ لَ ـ َي ْ‬
‫أن رجلً من ال ـخوارج‪ ,‬قرأ خ ـلف عل ـيّ ر ضي ال ع نه‪َ :‬لئِ ْ‬
‫نل‬
‫عدَ الّل ِه حَ قّ‪ ,‬وَل يَ سْتَـخِ ّف ّنكَ اّلذِي َ‬
‫صبِرْ إ نّ َو ْ‬
‫ن فقال عل ـيّ‪ :‬ف ـا ْ‬
‫سرِي َ‬
‫ن ال ـخا ِ‬
‫ن مِ َ‬
‫وََل َتكُو َن ّ‬
‫يُو ِقنُونَ‪.‬‬
‫قال‪ :‬ثنا يحيى بن آدم‪ ,‬عن شريك‪ ,‬عن عثمان بن أبـي زرعة عن علـيّ بن ربـيعة قال‪:‬‬
‫نادى ر جل من ال ـخوارج عل ـيا ر ضي ال ع نه‪ ,‬و هو ف ـي صلة الف جر‪ ,‬فقال وََل َقدْ أُوحِ يَ‬
‫سرِينَ فأجابه‬
‫ن الـخا ِ‬
‫ن مِ َ‬
‫عمَلُ كَ وََل َتكُونَ ّ‬
‫حبَطَنّ َ‬
‫ش َركْ تَ لَـ َي ْ‬
‫نأْ‬
‫ن مِ نْ َقبْلِ كَ َلئِ ْ‬
‫إلَـ ْيكَ وَإلـى اّلذِي َ‬
‫نل‬
‫ع َد اللّ ِه حَقّ‪ ,‬وَل يَسْتَـخِ ّف ّنكَ اّلذِي َ‬
‫صبِرْ إ نّ وَ ْ‬
‫علـيّ رضي ال عنه وهو فـي الصلة‪ :‬فـا ْ‬
‫يُو ِقنُونَ‪.‬‬
‫عدَ الّل ِه حَقّ‪,‬‬
‫صبِرْ إنّ َو ْ‬
‫‪21349‬ـ حدثنا بشر‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا يزيد‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا سعيد‪ ,‬عن قتادة فـا ْ‬
‫ن ل يُو ِقنُون قال‪ :‬قال ر جل من ال ـخوارج خ ـلف عل ـيّ ف ـي صلة‬
‫ستَـخِ ّف ّنكَ اّلذِي َ‬
‫وَل يَ ْ‬
‫ن مِ نَ‬
‫عمَلُ كَ وََل َتكُونَ ّ‬
‫حبَطَنّ َ‬
‫ن قَبْلِ كَ َلئِ نْ أشركْت لَ ـ َي ْ‬
‫الغداة‪ :‬وَلَ َق ْد أُوحِ يَ إلَ ـ ْيكَ وَإل ـى اّلذِي نَ ِم ْ‬
‫سرِينَ فأنصت له علـيّ رضي ال عنه حتـى فهم ما قال‪ ,‬فأجابه وهو فـي الصلة‪:‬‬
‫الـخا ِ‬
‫ستَـخِ ّف ّنكَ اّلذِينَ ل يُو ِقنُونَ‪.‬‬
‫عدَ الّل ِه حَقّ‪ ,‬وَل َي ْ‬
‫صبِرْ إنّ وَ ْ‬
‫فـا ْ‬
‫آخر تفسير سورة الروم‬

‫سورة لقمان‬
‫سورة لقمان مكية‬
‫وآياتها أربع وثلثون‬
‫بسم ال الرحمَن الرحيـم‬

‫‪4-1‬‬ ‫الية ‪:‬‬


‫حمَةً‬
‫ِيمـ * ُهدًى َو َر ْ‬
‫حك ِ‬ ‫َابـ ا ْل َ‬
‫َاتـ ا ْل ِكت ِ‬
‫ْكـ آي ُ‬
‫القول فــي تأويــل قوله تعالــى‪{ :‬الَــمَ * تِل َ‬
‫لخِرَ ِة ُهمْ يُو ِقنُونَ }‪.‬‬
‫ن ال ّزكَاةَ وَ ُهمْ بِا َ‬
‫ن يُقِيمُونَ الصّلَةَ َويُ ْؤتُو َ‬
‫ن * اّلذِي َ‬
‫حسِنِي َ‬
‫لّ ْل ُم ْ‬
‫حكِيـمِ‬
‫ت الكِتا بِ الـ َ‬
‫ك آيا ُ‬
‫وقد تقدّم بـياننا تأويـل قول ال تعالـى ذكره الـم‪ .‬وقوله‪ :‬تِل َ‬
‫ح َمةً يقول‪ :‬هذه‬
‫يقول جل ثناؤه‪ :‬هذه آيات الكتاب ال ـحكيـم ب ـيانا وتف صيلً‪ .‬وقوله ُهدًى و َر ْ‬
‫آيات الكتاب بـيانا ورحمة من ال‪ ,‬رحم به من اتبعه‪ ,‬وعمل به من خـلقه وبنصب الهدى‬
‫والرح مة عل ـى الق طع من آيات الكتاب قرأت قرّاء الم صار غ ير حمزة‪ ,‬فإ نه قرأ ذلك رف عا‬
‫علـى وجه الستئناف‪ ,‬إذ كان منقطعا عن الَية التـي قبلها بأنه ابتداء آية وأنه مدح‪ ,‬والعرب‬
‫تف عل ذلك م ـما كان من نعوت ال ـمعارف‪ ,‬و قع مو قع ال ـحال إذا كان ف ـيه مع نى مدح أو‬
‫ذمّ‪ .‬وكلتا القراءتـين صواب عندي‪ ,‬وإن كنت إلـى النصب أميـل‪ ,‬لكثرة القراء به‪.‬‬
‫سنِـينَ وهم الذين أحسنوا فـي العمل بـما أنزل ال فـي هذا القرآن‪ ,‬يقول‬
‫حِ‬‫وقوله‪ :‬للْـمُـ ْ‬
‫تعالـى ذكره‪ :‬هذا الكتاب الـحكيـم هدى ورحمة للذين أحسنوا‪ ,‬فعملوا بـما فـيه من أمر‬
‫ن ال صّلةَ يقول‪ :‬الذ ين يق ـيـمون ال صّل َة ال ـمفروضة بحدود ها‬
‫ن يُقِ ـيـمُو َ‬
‫ال ونه يه اّلذِي َ‬
‫لخِرَ ِة هُ مْ يُوقِنُو نَ يقول‪:‬‬
‫ن الزّكاةَ من جعلها ال له الـمفروضة فـي أموالهم وَهُ مْ بـا َ‬
‫َو ُي ْؤتُو َ‬
‫يفعلون ذلك وهم بجزاء ال وثوابه لـمن فعل ذلك فـي الَخرة يوقنون‪.‬‬
‫‪5‬‬ ‫الية ‪:‬‬
‫القول فـي تأويـل قوله تعالـى‪{ :‬أُوْلَـ ِئكَ عََلىَ ُهدًى مّن ّربّ ِهمْ وَأُوْلَـ ِئكَ ُهمُ ا ْلمُفِْلحُونَ }‪.‬‬
‫يقول تعالـى ذكره‪ :‬هؤلء الذين وصفت صفتهم علـى بـيان من ربهم ونور وأُوَلئِ كَ هُ مُ‬
‫ن يقول‪ :‬وهؤلء هم ال ـمنْـجِحون ال ـمدركون ما َرجَوا وأملوا من ثواب رب هم‬
‫ال ـمُفْلـحو َ‬
‫يوم القـيامة‪.‬‬
‫‪6‬‬ ‫الية ‪:‬‬
‫سبِيلِ الّلهِ‬
‫حدِيثِ ِل ُيضِلّ عَن َ‬
‫ش َترِي َل ْهوَ ا ْل َ‬
‫القول فـي تأويـل قوله تعالـى‪َ { :‬ومِنَ النّاسِ مَن َي ْ‬
‫عذَابٌ ّمهِينٌ }‪.‬‬
‫ِب َغيْرِ عِ ْلمٍ َو َي ّتخِذَهَا ُهزُوا أُوْلَـ ِئكَ َل ُهمْ َ‬
‫حدِيث فقال‬
‫ش َترِي َلهْوَ الــ َ‬
‫َنـ َي ْ‬
‫ّاسـ م ْ‬
‫ِنـ الن ِ‬
‫اختلف أهـل التأويــل‪ ,‬فــي تأويــل قوله‪َ :‬وم َ‬
‫بعضهم‪ :‬من يشتري الشراء الـمعروف بـالثمن‪ ,‬ورووا بذلك خبرا عن رسول ال صلى ال‬
‫عليه وسلم وهو ما‪:‬‬
‫‪ 21350‬ـ حدثنا أبو كُرَيب‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا وكيع‪ ,‬عن خلد الصفَـار‪ ,‬عن عبـيد ال بن َزحْر‪,‬‬
‫عن علـيّ بن يزيد‪ ,‬عن القاسم‪ ,‬عن أبـي أُمامة‪ ,‬قال‪ :‬قال رسول ال صلى ال عليه وسلم‪:‬‬
‫شرَاؤُهُنّ‪ ,‬وَل التّـجارَةُ فِـيهِنّ‪ ,‬وَل أثمَا ُنهُنّ‪ ,‬وفـيهنّ نزلت‬
‫ل بَـيْعُ الـ ُمغَنّـياتِ‪ ,‬وَل ِ‬
‫«ل َيحِ ّ‬
‫حدِيثِ»‪.‬‬
‫شتَرِي َل ْهوَ الـ َ‬
‫ن َي ْ‬
‫ن النّاسِ مَ ْ‬
‫هذه الَية‪َ :‬ومِ َ‬
‫حدث نا ا بن وك يع‪ ,‬قال‪ :‬ثن ـي أب ـي‪ ,‬عن خَلد ال صفَـار‪ ,‬عن عب ـيد ال بن زَحْر‪ ,‬عن‬
‫ي بن يزيد‪ ,‬عن القاسم‪ ,‬عن أبـي أُمامة‪ ,‬عن النبـيّ صلى ال عليه وسلم بنـحوه‪ ,‬إلّ‬
‫علـ ّ‬
‫ن النّا سِ‬
‫ليَةَ‪َ :‬و ِم َ‬
‫ن أ ْنزَلَ اللّ هُ عل ـيّ َه ِذ ِه ا َ‬
‫حرَا مٌ» وقال أي ضا‪« :‬وفِ ـيهِ ّ‬
‫أ نه قال‪« :‬أكْلُ َث َم ِنهِ نّ َ‬
‫سبِـيـلِ اللّهِ»‪.‬‬
‫ن َ‬
‫ن َيشْ َترِي َلهْ َو الـحَدِيثِ لِـ ُيضِلّ عَ ْ‬
‫مَ ْ‬
‫حدثنــي عبــيد بـن آدم بـن أبــي إياس العسـقلنـي‪ ,‬قال‪ :‬حدثنـا أبــي‪ ,‬قال‪ :‬حدثنـا‬
‫سلـيـمان بن حيان‪ ,‬عن عمرو بن قـيس الكلبـي‪ ,‬عن أبـي الـمهلّب‪ ,‬عن عبـيد ال بن‬
‫َزحْر‪ ,‬عن علـيّ بن يزيد‪ ,‬عن القاسم‪ ,‬عن أبـي أُمامة‪ .‬قال‪ :‬وثنا إسماعيـل بن عَياش‪ ,‬عن‬
‫ُمطَرّح بن يزيد‪ ,‬عن عبـيد ال بن زَحْر‪ ,‬عن علـيّ بن زيد‪ ,‬عن القاسم‪ ,‬عن أبـي أُمامة‬
‫ل َتعْلِــيـمُ‬
‫البــاهلـي‪ ,‬قال‪ :‬سـمعت رسـول ال صـلى ال عليـه وسـلم يقول‪« :‬ل يح ّ‬
‫ق ذلكَ فِـي كِتابِ الّلهِ‬
‫صدِي ُ‬
‫شرَاؤُهُ نّ‪ ,‬و َث َم ُنهُ نّ حَرامٌ‪ ,‬و َقدْ َنزَلَ تَ ْ‬
‫الـ ُمغَنّـياتِ‪ ,‬وَل بَـ ْيعُهُنّ وَل ِ‬
‫حدِيثِ إلـى آخر الَية»‪.‬‬
‫ش َترِي َل ْهوَ الـ َ‬
‫ن النّاسِ َمنْ َي ْ‬
‫َومِ َ‬
‫وقال آخرون‪ :‬بل معنى ذلك‪ :‬من يختار لهو الـحديث ويستـحبه‪ .‬ذكر من قال ذلك‪:‬‬
‫ن النّا سِ مَ نْ‬
‫‪ 21351‬ـ حدث نا ب شر‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا يز يد‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا سعيد‪ ,‬عن قَتادة‪ ,‬قوله‪َ :‬ومِ َ‬
‫سبِـيـلِ الّل ِه ب َغيْرِ عِلْـمٍ وال لعله أن ل ينفق فـيه مالً‪,‬‬
‫حدِيثِ لِـيُضِلّ عَ نْ َ‬
‫شتَرِي َلهْ َو الـ َ‬
‫َي ْ‬
‫ول كن اشتراؤه ا ستـحبـابه‪ ,‬بح سب ال ـمرء من الضللة أن يختار حد يث الب ـاطل عل ـى‬
‫حديث الـحقّ‪ ,‬وما يضرّ علـى ما ينفع‪.‬‬
‫‪ 21352‬ـ حدثنـي مـحمد بن خـلف العسقلنـي‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا أيوب بن سويد‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا‬
‫حدِيثِ قال‪ :‬اشتراؤه‪:‬‬
‫شتَرِي َل ْهوَ ال ـ َ‬
‫ن َي ْ‬
‫ن النّا سِ مَ ْ‬
‫ا بن شوذب‪ ,‬عن م طر‪ ,‬ف ـي قول ال َومِ َ‬
‫استـحبـابه‪.‬‬
‫وأولـى التأويـلـين عندي بـالصواب تأويـل من قال‪ :‬معناه‪ :‬الشراء‪ ,‬الذي هو بـالثمن‪,‬‬
‫وذلك أن ذلك هو أظهر معنـيـيه‪.‬‬
‫فإن قال قائل‪ :‬وكيف يشتري لهو الـحديث؟ قـيـل‪ :‬يشتري ذات لهو الـحديث‪ ,‬أو ذا لهو‬
‫الـحديث‪ ,‬فـيكون مشتريا لهو الـحديث‪.‬‬
‫وأ ما ال ـحديث‪ ,‬فإن أ هل التأوي ـل اختلفوا ف ـيه‪ ,‬فقال بعض هم‪ :‬هو الغناء وال ستـماع له‪.‬‬
‫ذكر من قال ذلك‪:‬‬
‫‪ 21353‬ـ حدثنـي يونس بن عبد العلـى‪ ,‬قال‪ :‬أخبرنا ابن وهب‪ ,‬قال‪ :‬أخبرنـي يزيد بن‬
‫جبَ ـير‪ ,‬عن أب ـي‬
‫يو نس‪ ,‬عن أب ـي صخر‪ ,‬عن أب ـي معاو ية البجل ـي‪ ,‬عن سعيد بن ُ‬
‫ن النّا سِ مَ نْ‬
‫ال صهبـاء البكري‪ ,‬أ نه سمع ع بد ال بن م سعود و هو يُ سأل عن هذه الَ ية َومِ َ‬
‫سبِـيـلِ الّل هِ ب َغ ْيرِ عِلْ ـمٍ فقال ع بد ال‪ :‬الغناء‪ ,‬والذي ل‬
‫ن َ‬
‫ث لِ ـيُضِلّ عَ ْ‬
‫حدِي ِ‬
‫شتَرِي َلهْ َو ال ـ َ‬
‫َي ْ‬
‫إله إلّ هو‪ ,‬يردّدها ثلث مرّات‪.‬‬
‫حدثنا عمرو بن علـيّ‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا صفوان بن عي سى‪ ,‬قال‪ :‬أخبر نا حميد ال ـخراط‪ ,‬عن‬
‫جبَـير‪ ,‬عن أبـي الصهبـاء‪ ,‬أنه سأل ابن مسعود‪ ,‬عن قول ال َومِ نَ‬
‫عمار‪ ,‬عن سعيد بن ُ‬
‫ث قال‪ :‬الغناء‪.‬‬
‫حدِي ِ‬
‫شتَرِي َلهْ َو الـ َ‬
‫ن َي ْ‬
‫النّاسِ مَ ْ‬
‫‪ 21354‬ـ حدثنا أبو كريب‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا علـيّ بن عابس‪ ,‬عن عطاء‪ ,‬عن سعيد بن جبـير‪,‬‬
‫ث قال‪ :‬الغِناء‪.‬‬
‫حدِي ِ‬
‫شتَرِي َلهْ َو الـ َ‬
‫ن َي ْ‬
‫ن النّاسِ مَ ْ‬
‫عن ابن عبـاس َومِ َ‬
‫‪ 21355‬ـ حدث نا عمرو بن عل ـيّ‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا عمران بن عي ـينة‪ ,‬قال‪ :‬حدثنـا عطاء بن‬
‫حدِيثِ قال‪:‬‬
‫ن َيشْ َترِي َلهْ َو ال ـ َ‬
‫جبَ ـير‪ ,‬عن ا بن عبـاس َومِ نَ النّا سِ مَ ْ‬
‫ال سائب‪ ,‬عن سعيد بن ُ‬
‫الغناء وأشبـاهه‪.‬‬
‫حدثنا ابن وكيع‪ ,‬والفضل بن الصبـاح‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا مـحمد بن فضيـل‪ ,‬عن عطاء‪ ,‬عن‬
‫حدِيثِ قال‪ :‬هو‬
‫ش َترِي َلهْوَ الـ َ‬
‫جبَـير عن ابن عبـاس‪ ,‬فـي قوله‪َ :‬ومِ نَ النّاسِ مَ نْ َي ْ‬
‫سعيد بن ُ‬
‫الغناء ونـحوه‪.‬‬
‫حدثنا ابن حميد‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا حكام بن سلـم‪ ,‬عن عمرو بن أبـي قـيس‪ ,‬عن عطاء‪ ,‬عن‬
‫جبَـير عن ابن عبـاس‪ ,‬مثله‪.‬‬
‫سعيد بن ُ‬
‫حدثنا الـحسين بن عبد الرحمن النـماطي‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا عبـيد ال‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا ابن أبـي‬
‫لـيـلـى‪ ,‬عن الـحكم‪ ,‬عن مقسم‪ ,‬عن ابن عبـاس‪ ,‬قال‪ :‬هو الغناء والستـماع له‪ ,‬يعنـي‬
‫ن َيشْ َترِي َلهْ َو الـحَدِيثِ‪.‬‬
‫س مَ ْ‬
‫قوله‪َ :‬ومِنَ النّا ِ‬
‫‪ 21356‬ـ حدث نا ال ـحسن بن ع بد الرحي ـم‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا عب ـيد ال بن مو سى‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا‬
‫ن النّا سِ َم نْ‬
‫سفـيان‪ ,‬عن قابوس بن أب ـي ظب ـيان‪ ,‬عن أب ـيه‪ ,‬عن جابر‪ ,‬ف ـي قوله‪َ :‬ومِ َ‬
‫ث قال‪ :‬هو الغناء والستـماع له‪.‬‬
‫حدِي ِ‬
‫شتَرِي َلهْ َو الـ َ‬
‫َي ْ‬
‫‪21357‬ـ حدثنا ابن وكيع‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا أبـي‪ ,‬عن ابن أبـي لـيـلـى‪ ,‬عن الـحكم أو مقسم‪,‬‬
‫عن مـجاهد‪ ,‬عن ابن عبـاس قال‪ :‬شراء الـمغنـية‪.‬‬
‫حدث نا ا بن وك يع‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا ح فص وال ـمـحاربـي‪ ,‬عن ل ـيث‪ ,‬عن ال ـحكم‪ ,‬عن ا بن‬
‫عبـاس‪ ,‬قال‪ :‬الغناء‪.‬‬
‫حدثن ـي م ـحمد بن سعد‪ ,‬قال‪ :‬ثن ـي أب ـي‪ ,‬قال‪ :‬ثن ـي ع مي‪ ,‬قال‪ :‬ثن ـي أب ـي‪ ,‬عن‬
‫سبِـيـلِ‬
‫حدِيثِ لِ ـيُضِلّ عَ نْ َ‬
‫شتَرِي َلهْ َو ال ـ َ‬
‫ن َي ْ‬
‫ن النّا سِ َم ْ‬
‫أب ـيه‪ ,‬عن ا بن عب ـاس‪ ,‬قوله َو ِم َ‬
‫اللّ ِه قال‪ :‬بـاطل الـحديث‪ :‬هو الغناء ونـحوه‪.‬‬
‫‪ 21358‬ـ حدثنا ابن بشار وابن الـمثنى‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا عبد الرحمن‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا سفـيان‪ ,‬عن‬
‫حدِيثِ قال‪ :‬الغناء‪.‬‬
‫شتَرِي َلهْ َو الـ َ‬
‫ن َي ْ‬
‫ن النّاسِ مَ ْ‬
‫حبـيب‪ ,‬عن مـجاهد َومِ َ‬
‫حدثنا ابن الـمثنى‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا مـحمد بن جعفر وعبد الرحمن بن مهدي‪ ,‬عن شعبة‪ ,‬عن‬
‫شتَرِي َل ْهوَ ال ـحَدِيثِ قال‪:‬‬
‫ن َي ْ‬
‫س مَ ْ‬
‫ن النّا ِ‬
‫ال ـحكم‪ ,‬عن م ـجاهد أ نه قال ف ـي هذه الَ ية َومِ َ‬
‫الغناء‪.‬‬
‫حدثنا ابن وكيع‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا أبـي‪ ,‬عن سفـيان‪ ,‬عن حبـيب عن مـجاهد قال‪ :‬الغناء‪.‬‬
‫قال‪ :‬ثنا أبـي‪ ,‬عن شعبة‪ ,‬عن الـحكم‪ ,‬عن مـجاهد‪ ,‬مثله‪.‬‬
‫‪ 21359‬ـ حدث نا أ بو كُرَ يب‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا الشج عي‪ ,‬عن سفـيان‪ ,‬عن ع بد الكري ـم‪ ,‬عن‬
‫ث قال‪ :‬هو الغناء‪ ,‬وكلّ لعب لهو‪.‬‬
‫ن َيشْ َترِي َلهْ َو الـحَدِي ِ‬
‫ن النّاسِ مَ ْ‬
‫مـجاهد َومِ َ‬
‫حدثنا الـحسين بن عبد الرحمن النـماطي‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا علـيّ بن حفص الهمدانـي‪ ,‬قال‪:‬‬
‫حدِيثِ قال‪:‬‬
‫ش َترِي َل ْهوَ الـ َ‬
‫ن النّا سِ َم نْ َي ْ‬
‫حدثنا ورقاء‪ ,‬عن ابن أبـي نـجيح‪ ,‬عن مـجاهد َومِ َ‬
‫الغناء والستـماع له وكل لهو‪.‬‬
‫‪ 21360‬ـ حدثنـي م ـحمد بن عمرو‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا أ بو عا صم‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا عي سى وحدثنـي‬
‫الــحارث‪ ,‬قال‪ :‬حدثنـا الــحسن‪ ,‬قال‪ :‬حدثنـا ورقاء جميعـا‪ ,‬عـن ابـن أبــي نــجيح‪ ,‬عـن‬
‫حدِيثِ قال‪ :‬الــمغنـي والــمغنـية‬
‫ش َترِي َل ْهوَ الــ َ‬
‫َنـ َي ْ‬
‫ّاسـ م ْ‬
‫ِنـ الن ِ‬
‫مــجاهد‪ ,‬فــي قوله َوم َ‬
‫بـالـمال الكثـير‪ ,‬أو استـماع إلـيه‪ ,‬أو إلـى مثله من البـاطل‪.‬‬
‫حدثنـي يعقوب وابن وكيع‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا ابن علـية‪ ,‬عن لـيث‪ ,‬عن مـجاهد‪ ,‬فـي قوله‬
‫حدِيثِ قال‪ :‬هو الغناء أو الغناء منه‪ ,‬أو الستـماع له‪.‬‬
‫ش َترِي َل ْهوَ الـ َ‬
‫ن النّاسِ َمنْ َي ْ‬
‫َومِ َ‬
‫‪ 21361‬ـ حدثنا أبو كُرَيب‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا عثام بن علـيّ‪ ,‬عن إسماعيـل بن أبـي خالد‪ ,‬عن‬
‫شعيب بن يسار‪ ,‬عن عكرمة قال‪َ :‬لهْ َو الـحَدِيثِ‪ :‬الغناء‪.‬‬
‫عثّام‪ ,‬عن إ سماعيـل بن‬
‫‪ 21362‬ـ حدثن ـي عب ـيد بن إ سماعيـل ال َهبّ ـاريّ‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا َ‬
‫أبـي خالد‪ ,‬عن شعيب بن يسار هكذا قال عكرمة‪ ,‬عن عبـيد مثله‪.‬‬
‫حدثنا الـحسين بن الزبرقان النـخعي‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا أبو أسامة وعبـيد ال‪ ,‬عن أسامة‪ ,‬عن‬
‫حدِيثِ قال‪ :‬الغناء‪.‬‬
‫ش َترِي َلهْوَ الـ َ‬
‫س مَنْ َي ْ‬
‫عكرمة‪ ,‬فـي قوله َو ِمنَ النّا ِ‬
‫حدثنا ابن وكيع‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا أبـي‪ ,‬عن أسامة بن زيد‪ ,‬عن عكرمة‪ ,‬قال‪ :‬الغناء‪.‬‬
‫وقال آخرون‪ :‬عنى بـاللهو‪ :‬الطّبل‪ .‬ذكر من قال ذلك‪:‬‬
‫جرَ يج‪ ,‬عن‬
‫‪ 21363‬ـ حدثن ـي عب ـاس بن م ـحمد‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا حجاج العور‪ ,‬عن ا بن ُ‬
‫مـجاهد‪ ,‬قال‪ :‬اللهو‪ :‬الطبل‪.‬‬
‫وقال آخرون‪ :‬عنى بلهو الـحديث‪ :‬الشرك‪ .‬ذكر من قال ذلك‪:‬‬
‫‪ 21364‬ـ حُد ثت عن ال ـحسين‪ ,‬قال‪ :‬سمعت أب ـا معاذ‪ ,‬يقول‪ :‬أخبر نا عب ـيد‪ ,‬قال‪ :‬سمعت‬
‫ث يعنـي الشرك‪.‬‬
‫حدِي ِ‬
‫شتَرِي َلهْ َو الـ َ‬
‫ن َي ْ‬
‫ن النّاسِ مَ ْ‬
‫الضحاك يقول‪ ,‬فـي قوله‪َ :‬ومِ َ‬
‫ن النّا سِ‬
‫‪ 21365‬ـ حدثنـي يونس‪ ,‬قال‪ :‬أخبرنا ابن وهب‪ ,‬قال‪ :‬قال ابن زيد‪ ,‬فـي قوله َومِ َ‬
‫سبِـيـلِ الّل ِه ب َغ ْيرِ عِلْـمٍ‪ ,‬و َيتّـخِذها ُهزُوا قال‪ :‬هؤلء‬
‫ن َ‬
‫شتَرِي َل ْهوَ الـحَدِيثِ لِـيُضِلّ عَ ْ‬
‫ن َي ْ‬
‫مَ ْ‬
‫ن لَ ـ ْم يَ سْ َمعْها‪,‬‬
‫ستَ ْكبِرا كأ ْ‬
‫أ هل الك فر‪ ,‬أل ترى إل ـى قوله‪ :‬وَإذا ُتتْلَ ـى عَلَ ـيْهِ آياتُ نا وَلّ ـى مُ ْ‬
‫ن فِ ـي ُأ ُذنَ ـيْهِ َوقْرا فل ـيس هكذا أ هل ال سلم‪ ,‬قال‪ :‬وناس يقولون‪ :‬هي ف ـيكم‪ ,‬ول ـيس‬
‫كأ ّ‬
‫كذلك‪ ,‬قال‪ :‬وهو الـحديث البـاطل الذي كانوا يَـلْغَون فـيه‪.‬‬
‫ل مـا كان مـن الــحديث ملهيـا عـن‬
‫والصـواب مـن القول فــي ذلك أن يقال‪ :‬عنـى بـه ك ّ‬
‫َمـ بقوله َلهْوَ‬
‫سـبـيـل ال‪ ,‬مــما نهـى ال عـن اسـتـماعه أو رسـولُه‪ ,‬لن ال تعالــى ع ّ‬
‫حدِيثِ ولــم يخصـص بعضـا دون بعـض‪ ,‬فذلك علــى عمومـه‪ ,‬حتــى يأتــي مـا يدلّ‬
‫الــ َ‬
‫علـى خصوصه‪ ,‬والغناء والشرك من ذلك‪.‬‬
‫سبِـيـلِ اللّ هِ يقول‪ :‬ل ـيصدّ ذلك الذي يشتري من ل هم ال ـحديث عن‬
‫ن َ‬
‫ع ْ‬
‫وقوله‪ :‬لِ ـ ُيضِلّ َ‬
‫د ين ال وطاع ته‪ ,‬و ما يقرّب إل ـيه من قراءة قرآن‪ ,‬وذ كر ال‪ .‬وبن ـحو الذي قل نا ف ـي ذلك‬
‫قال أهل التأويـل‪ .‬ذكر من قال ذلك‪:‬‬
‫‪ 21366‬ـ حدثنـي مـحمد بن سعد‪ ,‬قال‪ :‬ثنـي أبـي قال‪ :‬ثنـي عمي‪ ,‬قال‪ :‬ثنـي أبـي‪,‬‬
‫ل اللّ هِ قال‪ :‬سبـيـل ال‪ :‬قراءة القرآن‪,‬‬
‫سبِـيـ ِ‬
‫ن َ‬
‫ع ْ‬
‫عن أب ـيه‪ ,‬عن ا بن عب ـاس لِ ـ ُيضِلّ َ‬
‫وذكر ال إذا ذكره‪ ,‬وهو رجل من قريش اشترى جارية مغنـية‪.‬‬
‫وقوله‪ :‬ب َغيْرِ عِلْـمٍ يقول‪ :‬فعل ما فعل من اشترائه لهو الـحديث‪ ,‬جهلً منه بـما له فـي‬
‫خذَها ُهزُوا اختل فت القرّاء ف ـي قراءة ذلك‪,‬‬
‫العاق بة ع ند ال من وزر ذلك وإث مه‪ .‬وقوله َو َيتّ ـ ِ‬
‫خذُها» رف عا‪ ,‬عطف ـا به‬
‫فقرأ ته عا مة قرّاء ال ـمدينة والب صرة‪ ,‬وب عض أ هل الكو فة‪َ « :‬و َيتّ ـ ِ‬
‫شتَرِي كأن معناه عند هم‪ :‬و من الناس من يشتري ل هو ال ـحديث‪ ,‬ويت ـخذ آيات‬
‫عل ـى قوله‪َ :‬ي ْ‬
‫خذَها ن صبـا عطف ـا عل ـى يضلّ‪ ,‬ب ـمعنى‪:‬‬
‫ال هزوا‪ .‬وقرأ ذلك عا مة قرّاء الكو فة‪َ :‬و َيتّ ـ ِ‬
‫لـيضلّ عن سبـيـل ال‪ ,‬ولـيتـخذَها ُهزُوا‪.‬‬
‫والصـواب مـن القول فــي ذلك‪ :‬أنهمـا قراءتان معروفتان فــي قرّاء المصـار‪ ,‬متقاربتـا‬
‫ال ـمعنى‪ ,‬فبأيته ما قرأ القارىء‪ ,‬فم صيب ال صواب ف ـي قراء ته‪ ,‬والهاء واللف ف ـي قوله‪:‬‬
‫خذَها من ذكر سبـيـل ال‪ .‬ذكر من قال ذلك‪:‬‬
‫و َيتّـ ِ‬
‫‪21375‬حدثن ـي م ـحمد بن عمرو‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا أ بو عا صم‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا عي سى وحدثن ـي‬
‫الــحارث‪ ,‬قال‪ :‬حدثنـا الــحسن‪ ,‬قال‪ :‬حدثنـا ورقاء جميعـا‪ ,‬عـن ابـن أبــي نــجيح‪ ,‬عـن‬
‫خذَها ُهزُوا قال‪ :‬سبـيـل ال‪.‬‬
‫مـجاهد‪ ,‬فـي قول ال‪َ :‬و َيتّـ ِ‬
‫وقال آخرون‪ :‬بل ذلك من ذِكر آيات الكتاب‪.‬‬
‫‪ 21367‬ـ حدثنا بشر‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا يزيد‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا سعيد‪ ,‬عن قتادة‪ ,‬قال‪ِ :‬بحَ سْب الـمرء من‬
‫الضللة‪ ,‬أن يختار حديث البـاطل علـى حديث الـحقّ‪ ,‬وما يضرّ علـى ما ينفع‪.‬‬
‫خذَها ُهزُوا يستهزىء بها ويكذّب بها‪ .‬وهما من أن يكونا من ذكر سبـيـل ال أشبه‬
‫و َيتّـ ِ‬
‫عندي لقربه ما من ها‪ ,‬وإن كان القول الَ خر غ ير بع يد من ال صواب‪ .‬وات ـخاذه ذلك ُهزُوا هو‬
‫استهزاؤه به‪.‬‬
‫عذَا بٌ ُمهِي نٌ يقول تعال ـى ذكره‪ :‬هؤلء الذ ين و صفنا أن هم يشترون ل هو‬
‫وقوله‪ :‬أُوَلئِ كَ َلهُ مْ َ‬
‫الـحديث لـيضلوا عن سبـيـل ال‪ ,‬لهم يوم القـيامة عذاب ُمذِلّ مخزٍ فـي نار جهنـم‪.‬‬

‫‪7‬‬ ‫الية ‪:‬‬


‫القول ف ـي تأويـل قوله تعال ـى‪{ :‬وَِإذَا ُتتَْلىَ عََل ْي ِه آيَاتُنَا وَّلىَ مُ سْ َت ْكبِرا َكأَن لّ مْ يَ سْ َم ْعهَا َكأَ نّ‬
‫فِيَ ُأ ُذ َنيْهِ َوقْرا َف َبشّرْ ُه ِب َعذَابٍ أَلِيمٍ }‪.‬‬
‫يقول تعالــى ذكره‪ :‬وإذا تُتلــى علــى هذا الذي اشترى لهـو الــحديث للضلل عـن‬
‫ُسـَتكْبرا يقول‪ :‬أدبر عنهـا‪ ,‬واسـتكبر‬
‫سـبـيـل ال‪ ,‬آيات كتاب ال‪ ,‬فقرئت علــيه ولّــى م ْ‬
‫ن فِـي ُأ ُذنَـيهِ َوقْرا‬
‫س َمعْها كأ ّ‬
‫استكبـارا‪ ,‬وأعرض عن سماع الـحقّ والجابة عنه كأَنْ لَـ ْم يَ ْ‬
‫يقول‪ :‬ثقلً‪ ,‬فل يطيق من أجله سماعه‪ ,‬كما‪:‬‬
‫‪ 21368‬ـ حدثنـي م ـحمد بن عمرو‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا أ بو عا صم‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا عي سى وحدثنـي‬
‫الــحارث‪ ,‬قال‪ :‬حدثنـا الــحسن‪ ,‬قال‪ :‬حدثنـا ورقاء جميعـا‪ ,‬عـن ابـن أبــي نــجيح‪ ,‬عـن‬
‫مـجاهد‪ ,‬فـي قوله‪ :‬فِـي ُأ ُذنَـيْهِ َوقْرا قال‪ :‬ثِقْلً‪.‬‬
‫شرْهُـ ب َعذَاب ٍـ ألِــيـمٍ يقول تعالــى ذكره‪ :‬فبشـر هذا الــمعرض عـن آيات ال إذا‬
‫وقوله َف َب ّ‬
‫تُلِـيت علـيه استكبـارا بعذاب له من ال يوم القـيامة مُوجع‪ ,‬وذلك عذاب النار‪.‬‬

‫‪9-8‬‬ ‫الية ‪:‬‬


‫جنّا تُ ال ّنعِي مِ *‬
‫عمِلُو ْا ال صّاِلحَاتِ َلهُ مْ َ‬
‫ن آ َمنُواْ َو َ‬
‫ن اّلذِي َ‬
‫القول ف ـي تأوي ـل قوله تعال ـى‪ِ{ :‬إ ّ‬
‫حكِيمُ }‪.‬‬
‫ع َد اللّ ِه حَقّا وَهُ َو ا ْل َعزِيزُ ا ْل َ‬
‫ن فِيهَا وَ ْ‬
‫خَاِلدِي َ‬
‫عمِلُوا‬
‫ـ آ َمنُوا بــال فوحدوه‪ ,‬وصـدّقوا رسـوله واتبعوه و َ‬
‫إنـ اّلذِين َ‬
‫يقول تعالــى ذكره‪ّ :‬‬
‫الصّالِـحَاتِ يقول‪ :‬فأطاعوا ال‪ ,‬فعملوا بـما أمرهم فـي كتابه وعلـى لسان رسوله‪ ,‬وانتهوا‬
‫ّاتـ ال ّنعِيــمِ يقول‪ :‬لهؤلء بسـاتـين النعيــم خالديـن فِــيها يقول‪:‬‬
‫جن ُ‬ ‫ُمـ َ‬
‫عمـا نهاهـم عنـه َله ْ‬
‫ع َد اللّ ِه حَقّا يقول‪ :‬وعدهم ال وعدا حقا‪ ,‬ل ش كّ فـيه ول‬
‫ماكثـين فـيها إلـى غير نهاية وَ ْ‬
‫خ ـلف له وَهُ َو ال َعزِيزُ يقول‪ :‬و هو الشد يد ف ـي انتقا مه من أ هل الشرك به‪ ,‬وال صادّين عن‬
‫حكِيـ ُم فـي تدبـير خـلقه‪.‬‬
‫سبـيـله‪ ,‬الـ َ‬
‫‪10‬‬ ‫الية ‪:‬‬
‫ى فِي الرْضِـ‬
‫ع َمدٍ َترَ ْونَهَا وَأَلْ َق َ‬
‫ت ِب َغيْرِ َ‬
‫القول فــي تأويــل قوله تعالــى‪{ :‬خَلَقَـ السّـمَاوَا ِ‬
‫ل زَوْ جٍ‬
‫سمَآءِ مَآ ًء َفَأنْ َبتْنَا فِيهَا مِن كُ ّ‬
‫ث فِيهَا مِن كُلّ دَآّبةٍ وَأَنزَلْنَا ِم نَ ال ّ‬
‫سيَ أَن َتمِي َد ِبكُ مْ َوبَ ّ‬
‫رَوَا ِ‬
‫َكرِيمٍ }‪.‬‬
‫ع َمدٍ َترَ ْونَها‪ .‬وقد ذكرت‬
‫ت السبع ب َغيْرِ َ‬
‫سمَوَا ِ‬
‫يقول تعالـى ذكره‪ :‬ومن حكمته أنه خَـَلقَ ال ّ‬
‫ع َمدٍ َترَ ْونَها وبـيّنا الصواب من‬
‫فـيـما مضى اختلف أهل التأويـل فـي معنى قوله ب َغ ْيرِ َ‬
‫القول فـي ذلك عندنا‪ .‬وقد‪:‬‬
‫‪ 21369‬ـ حدثنا ابن وكيع‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا معاذ بن معاذ‪ ,‬عن عمران بن حدير‪ ,‬عن عكرمة‪ ,‬عن‬
‫ع َمدٍ َترَ ْونَها قال‪ :‬لعلها بعمد ل ترونها‪.‬‬
‫ابن عبـاس ب َغيْرِ َ‬
‫‪21370‬ـ وقال‪ :‬ثنا العلء بن عبد الـجبـار‪ ,‬عن هماد بن سلـمة‪ ,‬عن حميد‪ ,‬عن الـحسن‬
‫بن مسلـم‪ ,‬عن مـجاهد‪ ,‬قال‪ :‬إنها بعمد ل ترونها‪.‬‬
‫قال‪ :‬ثنا يحيى بن آدم‪ ,‬عن شريك‪ ,‬عن سماك‪ ,‬عن عكرمة‪ ,‬عن ابن عبـاس‪ ,‬قال‪ :‬لعلها‬
‫بعمد ل ترونها‪.‬‬
‫‪21371‬ـ حدثنا ابن الـمثنى‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا مـحمد‪ ,‬عن سماك‪ ,‬عن عكرمة فـي هذا الـحرف‬
‫ع َمدٍ َترَ ْونَها قال‪ :‬ترونها بغير عمد‪ ,‬وهي بَعمد‪.‬‬
‫سمَوَاتِ ب َغ ْيرِ َ‬
‫خَـلَقَ ال ّ‬
‫ع َمدٍ‬
‫ت ب َغيْرِ َ‬
‫سمَوَا ِ‬
‫‪21372‬ـ حدثنا بشر‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا يزيد‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا سعيد‪ ,‬عن قَتادة خَـَلقَ ال ّ‬
‫َترَ ْونَها قال‪ :‬قال الـحسن وقتادة‪ :‬إنها بغير عمد ترونها‪ ,‬لـيس لها عمد‪.‬‬
‫ع َمدٍ َترَ ْو َنهَا قال‪ :‬لها عمد ل ترونها‪.‬‬
‫وقال ابن عبـاس ب َغيْرِ َ‬
‫ن تَ ـمِيدَ ِبكُ مْ يقول‪ :‬وج عل عل ـى ظ هر الرض‬
‫سيَ أ ْ‬
‫ض رَوَا ِ‬
‫وقوله‪ :‬وأ ْلقَ ـى فِ ـي الرْ ِ‬
‫رواسي‪ ,‬وهي ثوابت الـجبـال أن تـميد بكم أن ل تـميد بكم‪ .‬يقول‪ :‬أن ل تضطرب بكم‪,‬‬
‫ول تتـحرّك يـمنة ول يسرة‪ ,‬ولكن تستقرّ بكم‪ ,‬كما‪:‬‬
‫‪ 21373‬ـ حدث نا ب شر‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا يز يد‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا سعيد‪ ,‬عن قَتادة وألْقَ ـى فِ ـي الرْ ضِ‬
‫رَوَا سِي‪ :‬أي جب ـالً أ نْ تَـمِيدَ ِبكُ مْ أثبت ها ب ـالـجبـال‪ ,‬ولول ذلك ما أقرّت عل ـيها خـلقا‪,‬‬
‫وذلك كما قال الراجز‪:‬‬
‫ن َيزَالَ مَُلهّبـا )‬
‫(والـمُ ْهرُ َي ْأبَى أ ْ‬
‫بـمعنى‪ :‬ل يزال‪.‬‬
‫ل دَابّةٍ يقول‪ :‬وفرّق فـي الرض من كلّ أنواع الدوا بّ‪ .‬وقـيـل‬
‫وقوله‪َ :‬وبَ ثّ فِـيها مِ نْ كُ ّ‬
‫ل ما د بّ علـى الرض‪ .‬وقوله‪ :‬وأ ْنزَلْ نا ِم نَ‬
‫ب اسم لكلّ ما أكل وشرب‪ ,‬وهو عندي لك ّ‬
‫الدوا ّ‬
‫ن كُلّ زَوْ جٍ َكرِيـمٍ يقول تعالـى ذكره‪ :‬وأنزلنا من السماء مطرا‪,‬‬
‫ال سّماءِ ماءً‪ ,‬فأنْ َبتْنا فِـيها مِ ْ‬
‫فأنبتنا بذلك الـمطر ف ـي الرض من كلّ زوج‪ ,‬يعن ـي‪ :‬من كل نوع من النبـات كريـم‪,‬‬
‫وهو الـحسن النّبتة‪ ,‬كما‪:‬‬
‫ل زَوْ جٍ َكرِيـمٍ‪ :‬أي‬
‫‪ 21374‬ـ حدثنا بشر‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا يزيد‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا سعيد‪ ,‬عن قَتادة مِ نْ كُ ّ‬
‫حسن‪.‬‬

‫‪11‬‬ ‫الية ‪:‬‬


‫القول ف ـي تأوي ـل قوله تعال ـى‪{ :‬هَ ـذَا خَلْ قُ الّل ِه َفأَرُونِي مَاذَا خَلَ قَ اّلذِي نَ مِن دُونِ هِ بَلِ‬
‫الظّالِمُونَ فِي ضَلَلٍ ّمبِينٍ }‪.‬‬
‫يقول تعالــى ذكره‪ :‬هذا الذي أعددت علــيكم أيهـا الناس أنــي خــلقته فــي هذه الَيـة‬
‫خـلق ال الذي له ألوهة كل شيء‪ ,‬وعبـادة كل خـلق‪ ,‬الذي ل تصلـح العبـادة لغيره‪ ,‬ول‬
‫تنبغـي لشيـء سواه‪ ,‬فأرونــي أيهـا ال ـمشركون فــي عب ـادتكم إياه مَن دو نه مـن الَل هة‬
‫والوثان‪ ,‬أ يّ ش يء خ ـلق الذ ين من دونه من آلهتكم وأصنامكم‪ ,‬حت ـى ا ستـحقت عل ـيكم‬
‫العبـادة فعبدتـموها من دونه‪ ,‬كما استـحقّ ذلك علـيكم خالقكم‪ ,‬وخالق هذه الشياء التـي‬
‫عددتها علـيكم‪ .‬وبنـحو الذي قلنا فـي ذلك قال أهل التأويـل‪ .‬ذكر من قال ذلك‪:‬‬
‫‪ 21375‬ـ حدثنا بشر‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا يزيد‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا سعيد‪ ,‬عن قَتادة‪ ,‬قوله‪َ :‬هذَا خَـ ْلقُ اللّ ِه ما‬
‫ث من الدوا بّ‪ ,‬و ما أن بت من كلّ زوج كري ـم‪,‬‬
‫ذ كر من خ ـلق ال سموات والرض‪ ,‬و ما ب ّ‬
‫فأرونـي ماذا خـلق الذين من دونه الصنام الذين تدعون من دونه‪.‬‬
‫ن فِـي ضَللٍ ُمبِـينٍ يقول تعالـى ذكره‪ :‬ما عبد هؤلء الـمشركون‬
‫وقوله‪ :‬بَلِ الظّالِـمُو َ‬
‫الوثان والصـنام مـن أجـل أنهـا تــخـلق شيئا‪ ,‬ولكنهـم دعاهـم إلــى عبــادتها ضللهـم‪,‬‬
‫وذهابهم عن سبـيـل الـحقّ‪ ,‬فهم فـي ضلل‪ .‬يقول‪ :‬فهم فـي جور عن الـحقّ‪ ,‬وذهاب‬
‫عن الستقامة مبـين يقول‪ :‬يبـين لـمن تأمله‪ ,‬ونظر فـيه وفكّر بعقل أنه ضلل ل هدى‪.‬‬

‫‪12‬‬ ‫الية ‪:‬‬


‫ش ُكرْ لّل هِ وَمَن َيشْ ُكرْ َفِإنّمَا‬
‫ح ْكمَةَ َأ نِ ا ْ‬
‫ن ا ْل ِ‬
‫القول ف ـي تأوي ـل قوله تعال ـى‪{ :‬وََل َقدْ آ َتيْنَا لُ ْقمَا َ‬
‫حمِيدٌ }‪.‬‬
‫ي َ‬
‫غ ِن ّ‬
‫ن اللّهَ َ‬
‫شكُرُ ِلنَ ْفسِ ِه َومَن كَ َف َر فَإِ ّ‬
‫َي ْ‬
‫يقول تعال ـى ذكره‪ :‬ول قد آت ـينا لقمان الف قه ف ـي الد ين‪ ,‬والع قل‪ ,‬وال صابة ف ـي القول‪.‬‬
‫وبنـحو الذي قلنا فـي ذلك‪ ,‬قال أهل التأويـل‪ .‬ذكر من قال ذلك‪:‬‬
‫‪ 21376‬ـ حدثنـي م ـحمد بن عمرو‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا أ بو عا صم‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا عي سى وحدثنـي‬
‫الــحارث‪ ,‬قال‪ :‬حدثنـا الــحسن‪ ,‬قال‪ :‬حدثنـا ورقاء جميعـا‪ ,‬عـن ابـن أبــي نــجيح‪ ,‬عـن‬
‫ح ْكمَ َة قال‪ :‬الفقه والعقل والصابة فـي القول من غير‬
‫مـجاهد‪ ,‬قوله‪ :‬وَلَ َق ْد آتَـيْنا ُلقْمان الـ ِ‬
‫نُبوّة‪.‬‬
‫‪ 21377‬ـ حدث نا ب شر‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا يز يد‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا سعيد‪ ,‬عن قَتادة‪ ,‬قوله وَلَ َق ْد آتَ ـيْنا لُقْما نَ‬
‫حكْمَ َة أي الفقه فـي السلم‪ .‬قال قَتادة‪ :‬ولـم يكن نبـيا‪ ,‬ولـم يُوح إلـيه‪.‬‬
‫الـ ِ‬
‫حدثنـي يعقوب بن إبراهيـم‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا هشيـم‪ ,‬قال‪ :‬أخبرنا يونس‪ ,‬عن مـجاهد‪ ,‬فـي‬
‫ن ال ـحِ ْكمَ َة قال‪ :‬ال ـحكمة‪ :‬ال صواب‪ .‬وقال غ ير أب ـي ب شر‪ :‬ال صواب‬
‫قوله وََل َقدْ آتَ ـيْنا لُقْما َ‬
‫فـي غير النبوّة‪.‬‬
‫حدثنا ابن الـمثنى‪ ,‬حدثنا مـحمد بن جعفر‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا شعبة‪ ,‬عن الـحكم‪ ,‬عن مـجاهد‪,‬‬
‫أنه قال‪ :‬كان لقمان رجلً صالـحا‪ ,‬ولـم يكن نبـيا‪.‬‬
‫حكّام‪ ,‬عن سعيد‬
‫لوْد يّ وا بن حم يد‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا َ‬
‫‪ 21378‬ـ حدثن ـي ن صر بن ع بد الرح من ا َ‬
‫الزب ـيديّ‪ ,‬عن م ـجاهد‪ ,‬قال‪ :‬كان لقمان ال ـحكيـم عبدا حبش يا‪ ,‬غل ـيظ الشفت ـين‪ ,‬م صفح‬
‫القدمين‪ ,‬قاضيا علـى بنـي إسرائيـل‪.‬‬
‫حدثنـي عيسى بن عثمان بن عيسى الرملـيّ‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا يحيى بن عيسى عن العمش‪,‬‬
‫عن مـجاهد‪ ,‬قال‪ :‬كان لقمان عبدا أسود‪ ,‬عظيـم الشفتـين‪ ,‬مُشقّق القدمين‪.‬‬
‫‪ 21379‬ـ حدثنـي عبـاس بن مـحمد‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا خالد بن مخـلد‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا سلـيـمان‬
‫بـن بلل‪ ,‬قال‪ :‬ثنــي يحيـى بـن سـعيد قال‪ :‬سـمعت سـعيد بـن الــمسيب يقول‪ :‬كان لقمان‬
‫الـحكيـم أسود من سودان مصر‪.‬‬
‫‪ 21380‬ـ حدثنا ابن وكيع‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا أبـي‪ ,‬عن سفـيان‪ ,‬عن أشعث‪ ,‬عن عكرمة‪ ,‬عن ابن‬
‫عبـاس‪ ,‬قال‪ :‬كان لقمان عبدا حبشيا‪.‬‬
‫‪ 21381‬ـ حدثنا العبـاس بن الولـيد‪ ,‬قال‪ :‬أخبرنا أبـي‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا الوزاع يّ‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا‬
‫حرْملة‪ ,‬قال‪ :‬جاء أ سود إل ـى سعيد بن ال ـمسيب ي سأل‪ ,‬فقال له سعيد‪ :‬ل‬
‫ع بد الرح من بن َ‬
‫تـحزن من أجل أنك أسود‪ ,‬فإنه كان من خير الناس ثلثة من السودان‪ :‬بِلل‪ ,‬ومهجّع مولـى‬
‫عمر بن الـخطاب‪ ,‬ولُقمان الـحكيـم‪ ,‬كان أسود نوبـيا ذا مشافر‪.‬‬
‫‪ 21382‬ـ حدثنا ابن وكيع‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا أبـي‪ ,‬عن أبـي الشهب‪ ,‬عن خالد ال ّربَعِيّ‪ ,‬قال‪ :‬كان‬
‫لقمان عبدا حبشيـا نــجارا‪ ,‬فقال له موله‪ :‬اذبـح لنـا هذه الشاة‪ ,‬فذبحهـا‪ .‬قال‪ :‬أخرج أطيـب‬
‫ُمضْغَت ـين ف ـيها‪ ,‬فأخرج الل سان والقلب‪ .‬ثم م كث ما شاء ال‪ ,‬ثم قال‪ :‬اذ بح ل نا هذه الشاة‪,‬‬
‫فذبحها‪ .‬فقال‪ :‬أخرج أخبث مضغتـين فـيها‪ ,‬فأخرج اللسان والقلب‪ ,‬فقال له موله‪ :‬أمرتك أن‬
‫ت ـخرج أط يب مضغت ـين ف ـيها فأخرجته ما‪ ,‬وأمر تك أن ت ـخرج أخ بث مضغت ـين ف ـيها‬
‫فأخرجته ما فقال له لقمان‪ :‬إ نه ل ـيس من ش يء أط يب منه ما إذا طاب ـا‪ ,‬ول أخ بث منه ما إذا‬
‫خَبثا‪.‬‬
‫‪ 21383‬ـ حدثنا ابن حميد‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا الـحكم‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا عمرو بن قـيس‪ ,‬قال‪ :‬كان لقمان‬
‫عبدا أسود‪ ,‬غلـيظ الشفتـين‪ ,‬مصفح القدمين‪ ,‬فأتاه رجل‪ ,‬وهو فـي مـجلس أناس يحدّثهم‪,‬‬
‫فقال له‪ :‬ألست الذي كنت ترعى معي الغنـم فـي مكان كذا وكذا؟ قال‪ :‬نعم‪ ,‬قال‪ :‬فما بلغ بك‬
‫ما أرى؟ قال‪ :‬صدق الـحديث‪ ,‬والصمت عما ل يعنـينـي‪.‬‬
‫‪ 21384‬ـ حدث نا ا بن وك يع‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا أب ـي‪ ,‬عن سفـيان‪ ,‬عن ر جل‪ ,‬عن م ـجاهد وَلَ َقدْ‬
‫ح ْكمَ َة قال‪ :‬القرآن‪.‬‬
‫آتَـيْنا ُلقْمانَ الـ ِ‬
‫‪21385‬ـ قال‪ :‬ثنا أبـي‪ ,‬عن سفـيان‪ ,‬عن ابن أبـي نـجيح‪ ,‬عن مـجاهد‪ ,‬قال‪ :‬الـحكمة‪:‬‬
‫المانة‪.‬‬
‫وقال آخرون‪ :‬كان نبـيا‪ .‬ذكر من قال ذلك‪:‬‬
‫‪ 21386‬ـ حدثنا ابن وكيع‪ ,‬قال‪ :‬ثنـي أبـي‪ ,‬عن إسرائيـل‪ ,‬عن جابر‪ ,‬عن عكرمة‪ ,‬قال‪:‬‬
‫كان لقمان نبـيا‪.‬‬
‫ش ُكرْ لِلّ هِ‪ :‬يقول تعال ـى ذكره‪ :‬ول قد آتـينا لقمان الـحكمة‪ ,‬أن احمد ال علـى‬
‫وقوله‪ :‬أ نِ ا ْ‬
‫ش ُكرْ ترجمة عن الـحكمة‪ ,‬لن من الـحكمة التـي كان‬
‫ناْ‬
‫ما آتاك من فضله وجعل قوله أ ِ‬
‫شكُ ْر فإنّــمَا َيشْ ُكرُ ِلنَفْسِـِه يقول‪ :‬ومـن‬
‫أوتــيها‪ ,‬كان شكره ال علــى مـا آتاه‪ .‬وقوله‪َ :‬ومَن ْـ َي ْ‬
‫يش كر ال عل ـى نع مه عنده فإن ـما يش كر لنف سه‪ ,‬لن ال يُجزل له عل ـى شكره إياه الثواب‪,‬‬
‫حمِيدٌ يقول‪ :‬ومن كفر نعمة ال علـيه‪ ,‬إلـى‬
‫غنِـيّ َ‬
‫وينقذه به من الهلكة‪َ .‬ومَ نْ كَ َفرَ فإ نّ الّل هَ َ‬
‫نف سه أ ساء‪ ,‬لن ال معاقبُه عل ـى كفرا نه إياه‪ ,‬وال غن ـيّ عن شكره إياه عل ـى نع مه‪ ,‬ل‬
‫حاجـة بـه إلــيه‪ ,‬لن شكره إياه ل يزيـد فــي سـلطانه‪ ,‬ول ينقـص كفرانـه إياه مِن ملكـه‪.‬‬
‫حمِيدٌ م ـحمود عل ـى كلّ حال‪ ,‬له ال ـحمد عل ـى نع مه‪ ,‬ك فر الع بد نعم ته أو‬
‫ويعن ـي بقوله َ‬
‫شكره علـيها وهو مصروف من مفعول إلـى َفعِيـل‪.‬‬

‫‪13‬‬ ‫الية ‪:‬‬


‫شرِ كْ بِاللّ هِ ِإ نّ‬
‫ن ل ْبنِ هِ وَهُ َو َيعِظُ ُه َي ُبنَ يّ لَ ُت ْ‬
‫ل لُ ْقمَا ُ‬
‫القول ف ـي تأويـل قوله تعال ـى‪{ :‬وَِإ ْذ قَا َ‬
‫عظِيمٌ }‪.‬‬
‫الشّ ْركَ َلظُ ْلمٌ َ‬
‫يقول تعال ـى ذكره لنب ـيه م ـحمد صلى ال عل يه و سلم‪ :‬واذ كر يا م ـحمد إذْ قالَ لُقْما نُ‬
‫عظِيـمٌ يقول‪ :‬لـخطأ من القول‬
‫شرْكَ َلظُلْـمٌ َ‬
‫شرِكْ بـاللّهِ‪ ,‬إنّ ال ّ‬
‫ل ْبنِهِ وَهُ َو َي ِعظُهُ يا ُبنَـيّ ل ُت ْ‬
‫ِ‬
‫عظيـم‪.‬‬
‫‪14‬‬ ‫الية ‪:‬‬
‫حمََلتْهُـ ُأمّهُـ وَهْنا عََلىَ وَهْنٍـ‬
‫لنْسـَانَ بِوَاِل َديْهِـ َ‬
‫القول فــي تأويــل قوله تعالــى‪{ :‬وَوَصّـيْنَا ا ِ‬
‫شكُرْ لِي وَِلوَاِل َد ْيكَ إَِليّ ا ْل َمصِيرُ }‪.‬‬
‫ناْ‬
‫ن أَ ِ‬
‫َو ِفصَالُهُ فِي عَا َميْ ِ‬
‫حمََلتْ ُه ُأمّ ُه وَهْنا عَلـى وَهْ نٍ يقول‪ :‬ضعفـا‬
‫يقول تعالـى ذكره‪ :‬وأمرنا النسان ببرّ والديه َ‬
‫علـى ضعف‪ ,‬وشدّة علـى شدّة ومنه قول زهير‪:‬‬
‫ن قَ ْو ُمكَ فِـي أسْبـابِه هََلكُوا‬
‫حبْلٍ وَا ِهنٍ خَـلَقٍلَ ْو كا َ‬
‫ن يَقُولُوا ِب َ‬
‫فَلَ ْ‬
‫وبن ـحو الذي قل نا ف ـي ذلك قال أ هل التأوي ـل‪ ,‬غ ير أن هم اختلفوا ف ـي ال ـمعنـيّ بذلك‪,‬‬
‫فقال بعضهم‪ :‬عنى به الـحمل‪ .‬ذكر من قال ذلك‪:‬‬
‫‪ 21387‬ـ حدثنـي مـحمد بن سعد‪ ,‬قال‪ :‬ثنـي أبـي‪ ,‬قال‪ :‬ثنـي عمي‪ ,‬قال‪ :‬ثنـي أبـي‪,‬‬
‫حمََلتْ ُه ُأمّ هُ وَهْ نا عَل ـى وَ ْه نٍ‬
‫عن أب ـيه‪ ,‬عن ا بن عب ـاس‪ ,‬قوله‪َ :‬ووَ صّيْنا النْ سانَ ِبوَاِل َديْ هِ َ‬
‫يقول‪ :‬شدّة بعد شدّة‪ ,‬وخـلقا بعد خـلق‪.‬‬
‫‪ 21388‬ـ حُد ثت عن ال ـحسين‪ ,‬قال‪ :‬سمعت أب ـا معاذ يقول‪ :‬أخبر نا عب ـيد‪ ,‬قال‪ :‬سمعت‬
‫ن يقول‪ :‬ضعفـا علـى ضعف‪.‬‬
‫الضحاك يقول‪ ,‬فـي قوله‪ :‬وَهْنا عَلـى وَهْ ٍ‬
‫حمََلتْ ُه ُأمّ هُ وَهْ نا‬
‫‪ 21389‬ـ حدث نا ب شر‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا يز يد‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا سعيد‪ ,‬عن قتادة‪ ,‬قوله‪َ :‬‬
‫ن أي جهدا علـى جهد‪.‬‬
‫عَلـى وَهْ ٍ‬
‫وقال آخرون‪ :‬بل عنى به‪ :‬وهن الولد وضعفه علـى ضعف المّ‪ .‬ذكر من قال ذلك‪:‬‬
‫‪ 21390‬ـ حدثنـي م ـحمد بن عمرو‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا أ بو عا صم‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا عي سى وحدثنـي‬
‫الـحارث‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا الـحسن‪ ,‬قال حدثنا ورقاء جميعا‪ ,‬عن ابن أبـي نـجيح‪ ,‬عن مـجاهد‬
‫وَهْنا عَلـى وَ ْهنٍ قال‪ :‬وهن الولد علـى وهن الوالدة وضعفها‪.‬‬
‫وقوله‪َ :‬وفِ صَالُهُ فِـي عا َميْ نِ يقول‪ :‬وفطامه فـي انقضاء عامين‪ .‬وقـيـل‪َ :‬وفِ صَالُ ُه فِـي‬
‫ن وترك ذكر «انقضاء» اكتفـاء بدللة الكلم علـيه‪ ,‬كما قـيـل‪ :‬وَاسأَلِ ال َق ْريَ َة التـي‬
‫عا َميْ ِ‬
‫ُكنّا فِـيهَا يراد به أهل القرية‪.‬‬
‫ش ُكرْ لـي وَلِوَاِل َديْ كَ يقول‪ :‬وعهدنا إلـيه أن اشكر لـي علـى نعمي علـيك‪,‬‬
‫وقوله‪ :‬أ نِ ا ْ‬
‫ولوالديك تربـيتهما إياك‪ ,‬وعلجهما فـيك ما عالـجا من الـمشقة حتـى استـحكم قواك‪.‬‬
‫ي ال ـمَصِيرُ يقول‪ :‬إل ـى ال م صيرك أي ها الن سان‪ ,‬و هو سائلك ع ما كان من‬
‫وقوله‪ :‬إلــ ّ‬
‫شكرك له عل ـى نع مه عل ـيك‪ ,‬وع ما كان من شكرك لوالد يك‪ ,‬وبرّك به ما عل ـى ما لق ـيا‬
‫منك من العناء والـمشقة فـي حال طفولـيتك وصبـاك‪ ,‬وما اصطنعا إلـيك فـي برّهما‬
‫بك‪ ,‬وتـحننهما علـيك‪.‬‬
‫وذُكر أن هذه الَية نزلت فـي شأن سعد بن أبـي وقاص وأمه‪ .‬ذكر الرواية الواردة فـي‬
‫ذلك‪:‬‬
‫‪21391‬ـ حدثنا هناد بن السريّ‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا أبو الحوص‪ ,‬عن سماك بن حرب‪ ,‬عن مصعب‬
‫بن سعد‪ ,‬قال‪ :‬حلفت أمّ سعد أن ل تأكل ول تشرب‪ ,‬حتـى يتـحوّل سعد عن دينه‪ .‬قال‪ :‬فأبى‬
‫علـيها‪ .‬فلـم تزل كذلك حتـى غشي علـيها‪ .‬قال‪ :‬فأتاها بنوها فسقوها‪ .‬قال‪ :‬فلـما أفـاقت‬
‫ن بِوَاِل َديْهـِ‪ ...‬إلــى قوله‪ :‬فِــي ال ّدنْــيا‬
‫دعـت ال علــيه‪ ,‬فنزلت هذه الَيـة‪ :‬وَوَصـيْنا النْسـا َ‬
‫َمعْرُوفـا‪.‬‬
‫‪ 21392‬ـ حدثنا ابن الـمثنى‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا مـحمد بن جعفر قال‪ :‬حدثنا شعبة‪ ,‬عن سماك بن‬
‫حرب‪ ,‬عن مصعب بن سعد‪ ,‬عن أبـيه‪ ,‬قال‪ :‬قالت أ مّ سعد لسعد‪ :‬ألـيس ال قد أمر بـالبرّ‪,‬‬
‫فوال ل أطعـم طعامـا ول أشرب شرابــا حتــى أموت أو تكفـر قال‪ :‬فكانوا إذا أرادوا أن‬
‫صيْنا النْسانَ بِوَاِل َد ْيهِ‪.‬‬
‫يطعموها شجروا فـاها بعصا‪ ,‬ثم أوجروها‪ ,‬فنزلت هذه الَية‪ :‬وَ َو ّ‬
‫‪ 21393‬ـ حدث نا ا بن ال ـمثنى‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا ع بد العل ـى‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا داود‪ ,‬عن سماك بن‬
‫شرِكَ بِـي ما لَـيْسَ لَكَ‬
‫ن جا َهدَاكَ عَلـى أنْ ُت ْ‬
‫حرب‪ ,‬قال‪ :‬قال سعد بن مالك‪ :‬نزلت فـيّ‪ :‬وَإ ْ‬
‫ح ْبهُما فِـي ال ّدنْـيا َم ْعرُوفـا قال‪ :‬لـما أسلـمت‪ ,‬حلفت أمي ل‬
‫ط ْعهُما‪ ,‬وَ صَا ِ‬
‫بِ هِ عِلْـمٌ فَل ُت ِ‬
‫تأ كل طعا ما ول تشرب شراب ـا‪ ,‬قال‪ :‬فناشدت ها أوّل يوم‪ ,‬فأ بت و صبرت فل ـما كان ال ـيوم‬
‫الثان ـي ناشدت ها‪ ,‬فأ بت فل ـما كان ال ـيوم الثالث ناشدت ها فأ بت‪ ,‬فقلت‪ :‬وال لو كا نت لك مئة‬
‫نفس لـخرجت قبل أن أدع دينـي هذا فلـما رأت ذلك‪ ,‬وعرفت أنـي لست فـاعلً أكلت‪.‬‬
‫‪ 21394‬ـ حدث نا ا بن ال ـمثنى‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا م ـحمد بن جع فر‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا شع بة‪ ,‬عن أب ـي‬
‫إ سحاق‪ ,‬قال‪ :‬سمعت أب ـا هب ـيرة يقول‪ :‬قال‪ :‬نزلت هذه الَ ية ف ـي سعد بن أب ـي وقاص‬
‫ش ِركَ بِـي ما لَـيْسَ َلكَ ِبهِ عِلْـمٌ فَل ُتطِ ْع ُهمَا‪ ...‬الَية‪.‬‬
‫وَإنْ جاهَداكَ عَلـى أنْ ُت ْ‬

‫‪15‬‬ ‫الية ‪:‬‬


‫القول فـي تأويـل قوله تعالـى‪{ :‬وَإِن جَا َهدَا كَ عََلىَ أَن ُتشْرِ كَ بِي مَا َليْ سَ لَ كَ ِب هِ عِلْ مٌ فَلَ‬
‫ج ُعكُمْ فَُأ َن ّب ُئكُ ْم ِبمَا كُنتُمْ‬
‫ب إِلَيّ ثُمّ إِلَيّ َم ْر ِ‬
‫ل مَنْ َأنَا َ‬
‫سبِي َ‬
‫ح ْب ُهمَا فِي ال ّد ْنيَا َم ْعرُوفا وَا ّتبِ ْع َ‬
‫ُتطِ ْع ُهمَا وَصَا ِ‬
‫َت ْعمَلُونَ }‪.‬‬
‫يقول تعالـى ذكره‪ :‬وإن جاهدك أيها النسان والداك علـى أن تشرك بـي فـي عبـادتك‬
‫إياي معي غيري مـما ل تعلـم أنه لـي شريك‪ ,‬ول شريك له تعالـى ذكره علوّا كبـيرا‪,‬‬
‫ح ْبهُما فِـي ال ّدنْـيا َم ْعرُوفـا يقول‪:‬‬
‫فل تطعهما فـيـما أراداك علـيه من الشرك بـي‪ ,‬وَصَا ِ‬
‫وصاحبهما فـي الدنـيا بـالطاعة لهما فـيـما ل تبعة علـيك فـيه فـيـما بـينك وبـين‬
‫سبِـيـلَ مَ نْ أنابَ إلـيّ يقول‪ :‬واسلك طريق من تاب من شركه‪,‬‬
‫ربك ول إثم‪ .‬وقوله‪ :‬وَا ّتبِعْ َ‬
‫ورجع إلـى السلم‪ ,‬واتبع مـحمدا صلى ال عليه وسلم‪ .‬وبنـحو الذي قلنا فـي ذلك قال‬
‫أهل التأويـل‪ .‬ذكر من قال ذلك‪:‬‬
‫ن أنا بَ‬
‫سبِـيـلَ مَ ْ‬
‫‪ 21395‬ـ حدثنا بشر‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا يزيد‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا سعيد‪ ,‬عن قتادة وَا ّتبِ ْع َ‬
‫إلـيّ‪ :‬أي من أقبل إلـيّ‪.‬‬
‫ُونـ فإن إلــيّ مصـيركم ومعادكـم بعـد‬
‫ُمـ بِــمَا ُك ْنتُــمْ َت ْعمَل َ‬
‫ُمـ فُأنَ ّب ُئك ْ‬
‫ج ُعك ْ‬
‫وقوله‪ :‬إلــيّ َمرْ ِ‬
‫م ـماتكم فأ خبركم بجم يع ما كنت ـم ف ـي الدن ـيا تعملون من خ ير وشرّ‪ ,‬ثم أجازي كم عل ـى‬
‫أعمالكم‪ ,‬الـمـحسن منكم بإحسانه‪ ,‬والـمسيء بإساءته‪.‬‬
‫فإن قال لنـا قائل‪ :‬مـا وجـه اعتراض هذا الكلم بــين الــخبر عـن وصـيتـي لقمان ابنـه؟‬
‫قـيـل ذلك أيضا‪ ,‬وإن كان خبرا من ال تعالـى ذكره عن وصيته عبـاده به‪ ,‬وأنه إنـما‬
‫ل ْبنِ هِ وَهُ َو َيعِظُ هُ‪ :‬يا ُبنَـيّ ل ُتشْرِ كْ‬
‫ن ِ‬
‫ل لُقْما ُ‬
‫أوصى به لقمان ابنه‪ ,‬فكان مع نى الكلم‪ :‬وَإ ْذ قا َ‬
‫عظِيـمٌ ول تطع ف ـي الشرك به والديك وَ صَاحِ ْبهُما فِ ـي ال ّدنْـيا‬
‫شرْ كَ َلظُلْ ـمٌ َ‬
‫بـاللّهِ إ نّ ال ّ‬
‫َمعْرُوف ـا فإن ال و صّى به ما‪ ,‬ف ـاستؤنف الكلم عل ـى و جه ال ـخبر من ال‪ ,‬وف ـيه هذا‬
‫الـمعنى‪ ,‬فذلك وجه اعتراض ذلك بـين الـخبرين عن وصيته‪.‬‬
‫‪16‬‬ ‫الية ‪:‬‬
‫خرَةٍ‬
‫ن فِي صَ ْ‬
‫خ ْردَلٍ َف َتكُ ْ‬
‫حبّ ٍة مّ نْ َ‬
‫ي ِإ ّنهَآ إِن تَ كُ ِمثْقَالَ َ‬
‫القول فـي تأويـل قوله تعالـى‪َ { :‬ي ُبنَ ّ‬
‫خبِيرٌ }‪.‬‬
‫ن اللّ َه َلطِيفٌ َ‬
‫ت ِبهَا اللّ ُه إِ ّ‬
‫سمَاوَاتِ َأوْ فِي الرْضِ َيأْ ِ‬
‫أَ ْو فِي ال ّ‬
‫اختلف أهـل العربــية فــي معنـى الهاء واللف اللتــين فــي قوله إنّهـا فقال بعـض‬
‫نـحويـي البصرة‪ :‬ذلك كناية عن الـمعصية والـخطيئة‪ .‬ومعنى الكلم عنده‪ :‬يا بنـيّ إن‬
‫ال ـمعصية إن تك مثقال ح بة من خردل‪ ,‬أو إن ال ـخطيئة‪ .‬وقال ب عض ن ـحويـي الكو فة‪:‬‬
‫وهذه الهاء عماد‪ .‬وقال‪ :‬أنّث تك‪ ,‬ل نه يراد ب ها ال ـحبة‪ ,‬فذ هب ب ـالتأنـيث إل ـيها‪ ,‬ك ما قال‬
‫الشاعر‪:‬‬
‫صدْرُ القَناةِ ِمنَ ال ّدمِ‬
‫ع َتهُكمَا شَ ِرقَتْ َ‬
‫ل اّلذِي َقدْ أذَ ْ‬
‫َو َتشْ َرقُ بـالقَوْ ِ‬
‫وقال صـاحب هذه الــمقالة‪ :‬يجوز نصـب الــمثقال ورفعـه قال‪ :‬فمـن رفـع رفعـه بتـك‪,‬‬
‫واحتـملت الننكرة أن ل يكون لها فعل فـي كان ولـيس وأخواتها‪ ,‬ومن نصب جعل فـي‬
‫ك قال‪ :‬ومثله قوله‪ :‬فإنّها ل‬
‫ن تَ ُ‬
‫تكن اسما مضمرا مـجهولً مثل الهاء التـي فـي قوله إنّها إ ْ‬
‫لبْصـَارُ قال‪ :‬ولو كان إن يـك مثقال حبـة كان صـوابـا‪ ,‬وجاز فــيه الوجهان‪ .‬وأمـا‬
‫َتعْمَى ا َ‬
‫صاحب الـمقالة الولـى‪ ,‬فإن نصب مثقال فـي قوله‪ ,‬علـى أنه خبر‪ ,‬وتـمام كان‪ ,‬وقال‪:‬‬
‫رفع بعضهم فجعلها كان التـي ل تـحتاج إلـى خبر‪.‬‬
‫وأولـى القولـين بـالصواب عندي‪ ,‬القول الثانـي‪ :‬لن ال تعالـى ذكره لـم يعد عبـاده‬
‫أن يوفـيهم جزاء سيئاتهم دون جزاء حسناتهم‪ ,‬فـيقال‪ :‬إن الـمعصية إن تك مثقال حبة من‬
‫خردل يأت ال ب ها‪ ,‬بل و عد كل العامل ـين أن يوف ـيه جزاء أعماله ما‪ .‬فإذا كان ذلك كذلك‪,‬‬
‫كانـت الهاء فــي قوله إنّهـا بأن تكون عمادا أشبـه منهـا بأن تكون كنايـة عـن الــخطيئة‬
‫وال ـمعصية‪ .‬وأ ما الن صب ف ـي ال ـمثقال‪ ,‬فعل ـى أن ف ـي « تك» م ـجهولً‪ ,‬والر فع ف ـيه‬
‫علـى أن الـخبر مضمر‪ ,‬كأنه قـيـل‪ :‬إن تك فـي موضع مثقال حبة‪ ,‬لن النكرات تضمر‬
‫أخبـارها‪ ,‬ثم يترجم عن الـمكان الذي فـيه مثقال الـحبة‪.‬‬
‫حبّةٍ‪ :‬زنـة حبـة‪ .‬فتأويــل الكلم إذن‪ :‬إن المـر إن تـك زنـة حبـة مـن‬
‫وعنـى بقوله‪ِ :‬مثْقالَ َ‬
‫خردل من خير أو شرّ عملته‪ ,‬فت كن فـي صخرة‪ ,‬أو ف ـي ال سموات‪ ,‬أو فـي الرض‪ ,‬يأت‬
‫بها ال يوم القـيامة‪ ,‬حتـى يوفـيك جزاءه‪ .‬وبنـحو الذي قلنا فـي ذلك قال أهل التأويـل‪.‬‬
‫ذكر من قال ذلك‪:‬‬
‫‪21396‬ـ حدثنا بشر‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا يزيد‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا سعيد‪ ,‬عن قَتادة‪ ,‬قوله‪ :‬يا ُبنَـيّ إنّها إنْ تَكُ‬
‫ل من خير أو شرّ‪.‬‬
‫خرْدَ ٍ‬
‫ن َ‬
‫حبّ ٍة مِ ْ‬
‫ِمثْقالَ َ‬
‫صخْرَ ٍة فقال بعضهم‪ :‬عنى بها الصخرة‬
‫ن فِـي َ‬
‫واختلف أهل التأويـل فـي معنى قوله َف َتكُ ْ‬
‫التــي علــيها الرض وذلك قول رُوي عـن ابـن عبــاس وغيره‪ ,‬وقالوا‪ :‬هـي صـخرة‬
‫خضراء‪ .‬ذكر من قال ذلك‪:‬‬
‫‪21397‬ـ حدثنـي أبو السائب‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا ابن إدريس‪ ,‬عن العمش‪ ,‬عن الـمنهال‪ ,‬عن عبد‬
‫ال بن الـحارث‪ ,‬قال‪ :‬الصخرة خضراء علـى ظهر حوت‪.‬‬
‫‪ 21398‬ـ حدثنا موسى بن هارون‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا عمرو‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا أسبـاط‪ ,‬عن السديّ فـي‬
‫خبر ذكره عن أب ـي مالك عن أب ـي صالـح‪ ,‬عن ا بن عب ـاس‪ ,‬و عن مرّة‪ ,‬عن ع بد ال‪,‬‬
‫وعـن ناس مـن أصـحاب النبــيّ صـلى ال عليـه وسـلم‪ :‬خــلق ال الرض علــى حوت‪,‬‬
‫وال ـحوت هو النون الذي ذ كر ال ف ـي القرآن نَ والقل ـم و ما ي سطرون وال ـحوت ف ـي‬
‫الـماء‪ ,‬والـماء علـى ظهر صفـاة‪ ,‬والصفـاة علـى ظهر ملك‪ ,‬والـملك علـى صخرة‪,‬‬
‫وال صخرة ف ـي الر يح‪ ,‬و هي ال صخرة الت ـي ذ كر لقمان ل ـيست ف ـي ال سماء‪ ,‬ول ف ـي‬
‫الرض‪.‬‬
‫وقال آخرون‪ :‬عنى بها الـجبـال‪ ,‬قالوا‪ :‬ومعنى الكلم‪ :‬فتكن فـي جبل‪ .‬ذكر من قال ذلك‪:‬‬
‫‪ 21399‬ـ حدثنا بشر‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا يزيد‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا سعيد‪ ,‬عن قَتادة‪ ,‬فـي قوله‪َ :‬ف َتكُ نْ فِـي‬
‫صخْرَةٍ‪ :‬أي جبل‪.‬‬
‫َ‬
‫ّهـ كان بعضهـم يوجـه معناه إلــى يعلــمه ال‪ ,‬ول أعرف يأتــي بـه‪,‬‬
‫ْتـ بِهـا الل ُ‬
‫وقوله‪َ :‬يأ ِ‬
‫ل أن يكون قائل ذلك أراد أن لقمان‪ ,‬إنـما وصف ال بذلك‪ ,‬لن ال يعلـم‬
‫بـمعنى يعلـمه‪ ,‬إ ّ‬
‫أماكنه‪ ,‬ل يخفـى علـيه مكان شيء منه فـيكون وجها‪ .‬ذكر من قال ذلك‪:‬‬
‫‪ 21400‬ـ حدث نا ا بن بشار‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا ع بد الرح من ويح يى‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا أ بو سفـيان‪ ,‬عن‬
‫سمَوَاتِ‪ ,‬أ ْو فِـي الرْ ضِ َيأْ تِ بِها اللّ هُ‬
‫خرَةٍ أوْ فِـي ال ّ‬
‫صْ‬‫ن فِـي َ‬
‫السديّ‪ ,‬عن أبـي مالك َف َتكُ ْ‬
‫قال‪ :‬يعلـمها ال‪.‬‬
‫حدثنا ابن وكيع‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا ابن مهدي‪ ,‬عن سفـيان‪ ,‬عن السديّ‪ ,‬عن أبـي مالك‪ ,‬مثله‪.‬‬
‫خبِـيرٌ يقول‪ :‬إن ال لطيف بـاستـخراج الـحبة من موضعها حيث‬
‫وقوله‪ :‬إ نّ الّل َه لَطي فٌ َ‬
‫كانت خبـير بـموضعها‪ .‬وبنـحو الذي قلنا فـي ذلك قال أهل التأويـل‪ .‬ذكر من قال ذلك‪:‬‬
‫خبِـيرٌ‪ :‬أي‬
‫‪21401‬ـ حدثنا بشر‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا يزيد‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا سعيد‪ ,‬عن قَتادة إنّ الّل َه َلطِيفٌ َ‬
‫لطيف بـاستـخراجها خبـير بـمستقرّها‪.‬‬

‫‪17‬‬ ‫الية ‪:‬‬


‫َنـ ا ْل ُم ْنكَرِ‬
‫ْهـ ع ِ‬
‫ُوفـ وَان َ‬
‫الصـلَةَ وَ ْأ ُمرْ بِا ْل َم ْعر ِ‬
‫ِمـ ّ‬‫َيـ َأق ِ‬
‫القول فــي تأويــل قوله تعالــى‪َ { :‬ي ُبن ّ‬
‫لمُورِ }‪.‬‬
‫عزْمِ ا ُ‬
‫ص ِبرْ عََلىَ مَآ َأصَا َبكَ ِإنّ ذَِلكَ ِمنْ َ‬
‫وَا ْ‬
‫يقول تعال ـى ذكره م خبرا عن ق ـيـل لقمان لب نه يا ُبنَ ـيّ أقِ مِ ال صّلةَ بحدود ها وأ ُمرْ‬
‫ع نِ ال ـ ُم ْن َكرِ يقول‪ :‬وا نه‬
‫ب ـالـ َمعْرُوفِ يقول‪ :‬وأ مر الناس بطا عة ال‪ ,‬واتب ـاع أمره وَانْ هَ َ‬
‫صبِرْ عَلـى ما أ صَا َبكَ يقول‪ :‬واصبر علـى ما‬
‫الناس عن معاصي ال ومواقعة مـحارمه وَا ْ‬
‫أ صابك من الناس ف ـي ذات ال إذا أ نت أمرت هم ب ـالـمعروف‪ ,‬ونهيت هم عن ال ـمنكر‪ ,‬ول‬
‫عزْ مِ المُورِ يقول‪ :‬إن ذلك مـما أمر ال به من‬
‫ن ذل كَ مِ نْ َ‬
‫ي صدّنك عن ذلك ما نالك منهم إ ّ‬
‫المور عزما منه‪ .‬وبنـحو ما قلنا فـي ذلك قال أهل التأويـل‪ .‬ذكر من قال ذلك‪:‬‬
‫ِمـ الصـلةَ وأْمرْ‬
‫جرَيـج‪ ,‬فــي قوله‪ :‬يـا ُبنَــي أق ِ‬
‫‪21402‬ــ حدثنــي حجاج‪ ,‬عـن ابـن ُ‬
‫صبِرْ علـى ما أ صَا َبكَ قال‪ :‬اصبر علـى ما أصابك من‬
‫ن الـ ُم ْن َكرِ وَا ْ‬
‫عِ‬‫بـالـمَعْروفِ وَانْ هَ َ‬
‫لمُورِ قال‪ :‬إن ذلك مــما عزم ال علــيه مـن المور‪,‬‬
‫عزْمِـ ا ُ‬
‫الذى فــي ذلك إنّـ ذَلكَـ مِن ْـ َ‬
‫يقول‪ :‬مـما أمر ال به من المور‪.‬‬

‫‪18‬‬ ‫الية ‪:‬‬


‫ك لِلنّا سِ َولَ َتمْ شِ فِي الرْ ضِ َمرَحا إِ نّ‬
‫خدّ َ‬
‫القول فـي تأويـل قوله تعالـى‪َ { :‬ولَ تُ صَ ّعرْ َ‬
‫ختَالٍ َفخُورٍ }‪.‬‬
‫ب كُلّ ُم ْ‬
‫اللّ َه لَ ُيحِ ّ‬
‫ُصـعّرْ فقرأه بعـض قراء الكوفـة والــمدنـيـين‬
‫اختلفـت القرّاء فــي قراءة قوله‪ :‬وَل ت َ‬
‫والكوفــيـين‪ :‬ول تصـعر علــى مثال تفعـل‪ .‬وقرأ ذلك بعـض الــمكيـين وعامـة قرّاء‬
‫عرْ» علـى مثال تفـاعل‪.‬‬
‫الـمدينة والكوفة والبصرة‪« :‬وَل ُتصَا ِ‬
‫والصواب من القول فـي ذلك أن يقال إنهما قراءتان قد قرأ بكل واحدة منهما علـماء من‬
‫القرّاء‪ ,‬فبأيتهمـا قرأ القارىء فمصـيب‪ .‬وتأويــل الكلم‪ :‬ول تعرض بوجهـك عمـن كلــمته‬
‫ت كبرا وا ستـحقارا ل ـمن تكل ـمه وأ صل ال صعر داء يأ خذ ال بل ف ـي أعناق ها أو رؤو سها‬
‫حتـى تلفت أعناقها عن رؤوسها‪ ,‬فـيشبه به الرجل الـمتكبر علـى الناس‪ ,‬ومنه قول عمرو‬
‫حنَـيَ الثّعلبِـيّ‪:‬‬
‫بن ُ‬
‫ن َميْـلِ ِه َفتَقَوّما‬
‫خدّهُأ َقمْنا لَ ُه مِ ْ‬
‫ص ّعرَ َ‬
‫جبّـارُ َ‬
‫و ُكنّا إذَا الـ َ‬
‫واختلف أهل التأويـل فـي تأويـله‪ ,‬فقال بعضهم نـحو الذي قلنا فـيه‪ .‬ذكر من قال ذلك‪:‬‬
‫‪ 21403‬ـ حدثن ـي عل ـيّ‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا ع بد ال‪ ,‬قال‪ :‬ثن ـي معاو ية‪ ,‬عن عل ـيّ‪ ,‬عن ا بن‬
‫خدّ كَ للنّاس يقول‪ :‬ول تتكبر فتـحقر عبـاد ال‪ ,‬وتعرض عنهم بوجهك‬
‫صعّرْ َ‬
‫عبـاس وَل تُ َ‬
‫إذا كلـموك‪.‬‬
‫حدثن ـي م ـحمد بن سعد‪ ,‬قال‪ :‬ثن ـي أب ـي‪ ,‬قال‪ :‬ثن ـي ع مي‪ ,‬قال‪ :‬ثن ـي أب ـي‪ ,‬عن‬
‫خدّ كَ للنّا سِ يقول‪ :‬ل تعرض بوج هك عن الناس‬
‫أب ـيه‪ ,‬عن ا بن عب ـاس‪ ,‬قوله وَل تُ صَ ّعرْ َ‬
‫تكبرا‪.‬‬
‫‪ 21404‬ـ حدثنـي م ـحمد بن عمرو‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا أ بو عا صم‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا عي سى وحدثنـي‬
‫الــحارث‪ ,‬قال‪ :‬حدثنـا الــحسن‪ ,‬قال‪ :‬حدثنـا ورقاء جميعـا‪ ,‬عـن ابـن أبــي نــجيح‪ ,‬عـن‬
‫صعّرْ قال‪ :‬الصدود والعراض بـالوجه عن الناس‪.‬‬
‫مـجاهد وَل ُت َ‬
‫‪ 21405‬ـ حدثنـي علـيّ بن سهل‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا زيد بن أبـي الزرقاء‪ ,‬عن جعفر بن برقان‪,‬‬
‫خدّكَـ للنّاسِـ قال‪ :‬إذا كلــمك النسـان لويـت وجهـك‪,‬‬
‫عـن يزيـد فــي هذه الَيـة وَل تُصَـعّرْ َ‬
‫وأعرضت عنه مـحقرة له‪.‬‬
‫‪ 21406‬ـ حدث نا ا بن وك يع‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا خالد بن حيان الرق ـي‪ ,‬عن جع فر بن مي ـمون بن‬
‫مهران‪ ,‬قال‪ :‬هو الرجل يكلـم الرجل فـيـلوي وجهه‪.‬‬
‫‪ 21407‬ـ حدث نا ع بد الرح من بن ال سود‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا م ـحمد بن رب ـيعة‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا أ بو‬
‫خ ّدكَ للنّاسِ قال‪ :‬ل ُتعْرض بوجهك‪.‬‬
‫مكين‪ ,‬عن عكرمة‪ ,‬فـي قوله وَل ُتصَ ّعرْ َ‬
‫‪ 21408‬ـ حُد ثت عن ال ـحسين‪ ,‬قال‪ :‬سمعت أب ـا معاذ يقول‪ :‬أخبر نا عب ـيد‪ ,‬قال‪ :‬سمعت‬
‫ّكـ للنّاس يقول‪ :‬ل تعرض عـن الناس‪ ,‬يقول‪ :‬أقبـل‬
‫خد َ‬‫ُصـعّرْ َ‬
‫الضحاك يقول‪ ,‬فــي قوله وَل ت َ‬
‫علـى الناس بوجهك وحسن خـلقك‪.‬‬
‫ص ّعرْ‬
‫‪ 21409‬ـ حدثنـي يونس‪ ,‬قال‪ :‬أخبرنا ابن وهب‪ ,‬قال‪ :‬قال ابن زيد‪ ,‬فـي قوله وَل تُ َ‬
‫خ ّدكَ للنّاسِ قال‪ :‬تصعير الـخدّ‪ :‬التـجبر والتكبر علـى الناس ومـحقرتهم‪.‬‬
‫َ‬
‫حدثنا ابن وكيع‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا أبـي‪ ,‬عن أبـي مكين‪ ,‬عن عكرمة‪ ,‬قال‪ :‬العراض‪.‬‬
‫وقال آخرون‪ :‬إنــما نهاه عـن ذلك أن يفعله لــمن بــينه وبــينه صـعر‪ ,‬ل علــى وجـه‬
‫التكبر‪ .‬ذكر من قال ذلك‪:‬‬
‫‪ 21410‬ـ حدث نا ا بن وك يع وا بن حم يد‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا جر ير‪ ,‬عن من صور‪ ,‬عن م ـجاهد وَل‬
‫خ ّدكَ للنّاسِ قال‪ :‬الرجل يكون بـينه وبـين أخيه الـحنة‪ ,‬فـيراه فـيعرض عنه‪.‬‬
‫ُتصَ ّعرْ َ‬
‫حدث نا ا بن بشار‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا أ بو أح مد‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا سفـيان‪ ,‬عن من صور‪ ,‬عن م ـجاهد‪,‬‬
‫خ ّدكَ للنّاس قال‪ :‬هو الرجل بـينه وبـين أخيه حنة فـيعرض عنه‪.‬‬
‫صعّرْ َ‬
‫فـي قوله وَل ُت َ‬
‫وقال آخرون‪ :‬هو التشديق‪ .‬ذكر من قال ذلك‪:‬‬
‫‪ 21411‬ـ حدثنا ابن وكيع‪ ,‬قال‪ :‬ثنـي أبـي‪ ,‬عن جعفر الرازي‪ ,‬عن مغيرة‪ ,‬عن إبراهيـم‪,‬‬
‫قال‪ :‬هو التشديق‪.‬‬
‫حدثنا ابن بشار‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا أبو أحمد‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا سفـيان‪ ,‬عن الـمغيرة‪ ,‬عن إبراهيـم‪,‬‬
‫قال‪ :‬هو التشديق أو التشدّق «الطبري يشكّ»‪.‬‬
‫حدث نا يح يى بن طل ـحة‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا فضي ـل بن عياض‪ ,‬عن من صور‪ ,‬عن إبراهي ـم‬
‫بـمثله‪.‬‬
‫وقوله وَل تَـمْشِ فِـي الرْضِ َمرَحا يقول‪ :‬ول تـمش فـي الرض مختالً‪ .‬كما‪:‬‬
‫‪ 21412‬ـ حُد ثت عن ال ـحسين‪ ,‬قال‪ :‬سمعت أب ـا معاذ يقول‪ :‬أخبر نا عب ـيد‪ ,‬قال‪ :‬سمعت‬
‫ض مَرَحا يقول‪ :‬بـالـخيلء‪.‬‬
‫الضحاك‪ ,‬يقول فِـي قوله وَل تَـمْشِ فِـي الرْ ِ‬
‫خدّ كَ‬
‫ص ّعرْ َ‬
‫‪ 21413‬ـ حدث نا ب شر‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا يز يد‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا سعيد‪ ,‬عن قَتادة‪ ,‬قوله وَل تُ َ‬
‫ل فَخُو ٍر قال‪ :‬نهاه عن التكبر‪.‬‬
‫ل ُمخْتا ٍ‬
‫للنّاسِ ول تَـمْشِ فِـي الرْضِ َمرَحا إنّ الّلهَ ل ُيحِبّ كُ ّ‬
‫ل ُمخْتالٍ متكبر ذي فخر‪ .‬كما‪:‬‬
‫وقوله إنّ الّل َه ل ُيحِبّ كُ ّ‬
‫‪ 21414‬ـ حدثنـي م ـحمد بن عمرو‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا أ بو عا صم‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا عي سى وحدثنـي‬
‫الــحارث‪ ,‬قال‪ :‬حدثنـا الــحسن‪ ,‬قال‪ :‬حدثنـا ورقاء جميعـا‪ ,‬عـن ابـن أبــي نــجيح‪ ,‬عـن‬
‫ل فَخُو ٍر قال‪ :‬متكبر‪ .‬وقوله‪ :‬فخور‪ :‬قال‪ :‬يعدّد ما أعطى ال‪ ,‬وهو ل‬
‫ل ُمخْتا ٍ‬
‫مـجاهد‪ ,‬قوله‪ :‬كُ ّ‬
‫يشكر ال‪.‬‬

‫‪19‬‬ ‫الية ‪:‬‬


‫ِنـ أَن َكرَ‬
‫صـ ْو ِتكَ إ ّ‬
‫ُضـ مِن َ‬
‫غض ْ‬‫ِكـ وَا ْ‬
‫شي َ‬‫ْصـدْ فِي َم ْ‬
‫القول فــي تأويــل قوله تعالــى‪{ :‬وَاق ِ‬
‫حمِيرِ }‪.‬‬
‫ت ا ْل َ‬
‫الصْوَاتِ َلصَوْ ُ‬
‫يقول‪ :‬وتواضع فـي مشيك إذا مشيت‪ ,‬ول تستكبر‪ ,‬ول تستعجل‪ ,‬ولكن اتئد‪ .‬وبنـحو الذي‬
‫قلنا فـي ذلك قال أهل التأويـل‪ ,‬غير أن منهم من قال‪ :‬أمره بـالتواضع فـي مشيه‪ ,‬ومنهم‬
‫من قال‪ :‬أمره بترك السرعة فـيه‪ .‬ذكر من قال‪ :‬أمره بـالتواضع فـي مشيه‪:‬‬
‫‪21415‬ـ حدثنا ابن حميد‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا يحيى بن واضح‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا أبو حمزة‪ ,‬عن جابر‪ ,‬عن‬
‫ش ِيكَ قال‪ :‬التواضع‪.‬‬
‫صدْ فِـي َم ْ‬
‫مـجاهد وَاقْ ِ‬
‫شيِ كَ قال‪:‬‬
‫صدْ فِـي َم ْ‬
‫‪ 21416‬ـ حدثنا بشر‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا يزيد‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا سعيد‪ ,‬عن قَتادة وَاقْ ِ‬
‫نهاه عن الـخيلء‪ .‬ذكر من قال‪ :‬نهاه عن السرعة‪:‬‬
‫‪ 21417‬ـ حدثنا ابن حميد‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا ابن الـمبـارك‪ ,‬عن عبد ال بن عقبة‪ ,‬عن يزيد بن‬
‫ش ِيكَ قال‪ :‬من السرعة‪.‬‬
‫صدْ فِـي َم ْ‬
‫أبـي حبـيب‪ ,‬فـي قوله‪ :‬وَاقْ ِ‬
‫ض مِنْ صَ ْو ِتكَ يقول‪ :‬واخفض من صوتك‪ ,‬فـاجعله قصدا إذا تكلـمت‪ ,‬كما‪:‬‬
‫غضُ ْ‬
‫قوله‪ :‬وَا ْ‬
‫ن صَ ْو ِتكَ قال‪:‬‬
‫ض مِ ْ‬
‫غضُ ْ‬
‫‪21418‬ـ حدثنا بشر‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا يزيد‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا سعيد‪ ,‬عن قَتادة وَا ْ‬
‫أمره بـالقتصاد فـي صوته‪.‬‬
‫غضُضْ مِنْ‬
‫‪21419‬ـ حدثنـي يونس‪ ,‬قال‪ :‬أخبرنا ابن وهب‪ ,‬قال‪ :‬قال ابن زيد‪ ,‬فـي قوله وَا ْ‬
‫صَ ْو ِتكَ قال‪ :‬أخفض من صوتك‪.‬‬
‫ت الــحَمِيرِ فقال‬
‫َصـوْ ُ‬
‫تل َ‬‫الصـوَا ِ‬
‫ْ‬ ‫إنـ أ ْن َكرَ‬
‫واختلف أهـل التأويــل فــي تأويــل قوله‪ّ :‬‬
‫بعضهم‪ :‬معناه‪ :‬إن أقبح الصوات‪ .‬ذكر من قال ذلك‪:‬‬
‫‪ 21420‬ـ حدثنا ابن بشار وابن الـمثنى‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا ابن أبـي عد يّ‪ ,‬عن شعبة وأبـان بن‬
‫ت قال‪ :‬إن أقبـح‬
‫الصـوَا ِ‬
‫ْ‬ ‫إنـ أ ْن َكرَ‬
‫تغلب‪ ,‬قال‪ :‬حدثنـا أبـو معاويـة عـن جُوَيـبر‪ ,‬عـن الضحاك ّ‬
‫حمِيرِ‪.‬‬
‫ت الـ َ‬
‫الصوات َلصَوْ ُ‬
‫ن أ ْن َكرَ الصْوَاتِ لَصَ ْوتُ‬
‫‪21421‬ـ حدثنا بشر‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا يزيد‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا سعيد‪ ,‬عن قتادة إ ّ‬
‫حمِيرِ أي أق بح ال صوات ل صوت ال ـحمير‪ ,‬أوّله زف ـير‪ ,‬وآخره شه يق أمره ب ـالقتصاد‬
‫ال ـ َ‬
‫فـي صوته‪.‬‬
‫‪21422‬ـ حدثنا ابن بشار‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا مؤمل‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا سفـيان‪ ,‬قال‪ :‬سمعت العمش يقول‪:‬‬
‫ن أ ْنكَ َر الصْوَاتِ صوت الـحمير‪.‬‬
‫إّ‬
‫وقال آخرون‪ :‬بل معنى ذلك‪ :‬إن أشرّ الصوات‪ .‬ذكر من قال ذلك‪:‬‬
‫‪ 21423‬ـ حُدثت عن يحيى بن واضح‪ ,‬عن أبـي حمزة‪ ,‬عن جابر‪ ,‬عن عكرمة والـحكم بن‬
‫ت قال‪ :‬أشرّ الصوات‪.‬‬
‫عُتـيبة إنّ أ ْن َكرَ الصْوَا ِ‬
‫قال جابر‪ :‬وقال الـحسن بن مسلـم‪ :‬أشدّ الصوات‪.‬‬
‫‪ 21424‬ـ حدثن ـي يو نس‪ ,‬قال‪ :‬أخبر نا ا بن و هب‪ ,‬قال‪ :‬قال ا بن ز يد‪ ,‬ف ـي قوله إ نّ أ ْن َكرَ‬
‫حمِيرِ قال‪ :‬لو كان رفع الصوت هو خيرا ما جعله للـحمير‪.‬‬
‫ت الـ َ‬
‫الصْوَاتِ َلصَوْ ُ‬
‫وأولــى القوال فــي ذلك بــالصواب قول مـن قال‪ :‬معناه‪ :‬إن أقبـح أو أشرّ الصـوات‪,‬‬
‫وذلك نظ ير قول هم‪ ,‬إذا رأوا وج ها قب ـيحا‪ ,‬أو منظرا شن ـيعا‪ :‬ما أن كر و جه فلن‪ ,‬و ما أن كر‬
‫منظره‪.‬‬
‫حمِيرِ فأضيف الصوت وهو واحد إلـى الـحمير وهي جماعة‪ ,‬فإن‬
‫ت الـ َ‬
‫وأما قوله‪ :‬لَ صَوْ ُ‬
‫ب ب سَمْعهمْ وإن شئت‬
‫ذلك لوجهين إن شئت‪ ,‬قلت‪ :‬الصوت بـمعنى الـجمع‪ ,‬كما قـيـل َلذَهَ َ‬
‫قلت‪ :‬مع نى ال ـحمير‪ :‬مع نى الوا حد‪ ,‬لن الوا حد ف ـي م ثل هذا ال ـموضع يؤدّي ع ما يؤدّي‬
‫عنه الـجمع‪.‬‬

‫‪20‬‬ ‫الية ‪:‬‬


‫سمَاوَاتِ وَمَا فِي‬
‫خرَ َلكُ مْ مّا فِي ال ّ‬
‫سّ‬‫ن الّل َه َ‬
‫القول ف ـي تأوي ـل قوله تعال ـى‪{ :‬أَلَ مْ َترَوْ ْا أَ ّ‬
‫ل ُهدًى‬
‫ن النّا سِ مَن ُيجَادِلُ فِي الّل ِه ِب َغيْرِ عِلْ مٍ َو َ‬
‫طنَةً َومِ َ‬
‫سبَغَ عََل ْيكُ مْ ِن َعمَ هُ ظَا ِهرَةً َوبَا ِ‬
‫الرْ ضِ وَأَ ْ‬
‫ل ِكتَابٍ ّمنِيرٍ }‪.‬‬
‫َو َ‬
‫ت من شمس‬
‫سمَوَا ِ‬
‫سخّرَ َلكُ مْ ما فِـي ال ّ‬
‫يقول تعالـى ذكره‪ :‬ألَـمْ َترَوْا أيها الناس أ نّ الّل َه َ‬
‫ض من دا بة وش جر وماء وب حر وفلك وغ ير ذلك من‬
‫وق مر ون ـجم و سحاب وَ ما فِ ـي الرْ ِ‬
‫الــمنافع‪ ,‬يجري ذلك كله لــمنافعكم ومصـالـحكم لغذائكـم وأقواتكـم وأرزاقكـم وملذّكـم‪,‬‬
‫طنَةً‪.‬‬
‫سبَغَ عَلَـ ْي ُكمْ ِن َعمَهُ ظا ِهرَ ًة وبَـا ِ‬
‫تتـمتعون ببعض ذلك كله‪ ,‬وتنتفعون بجميعه‪ ,‬وأ ْ‬
‫«وأسـبَغَ‬
‫ْ‬ ‫واختلفـت القرّاء فــي قراءة ذلك‪ ,‬فقرأه بعـض الــمكيـين وعامـة الكوفــيـين‪:‬‬
‫عَلَ ـ ْي ُكمْ ِن ْعمَةً» عل ـى الواحدة‪ ,‬ووجهوا معنا ها إل ـى أ نه ال سلم‪ ,‬أو إل ـى أن ها شهادة أن ل‬
‫إله إلّ ال‪ .‬وقرأته عامة قرّاء الـمدينة والبصرة‪ِ :‬ن َعمَ هُ علـى الـجماع‪ ,‬ووجّهوا معنى ذلك‪,‬‬
‫إلـى أنها النعم التـي سخرها ال للعبـاد مـما فـي السموات والرض‪ ,‬واستشهدوا لصحة‬
‫قراءتهم ذلك كذلك بقوله‪ :‬شاكِرا لِ َء ْنعُمهِ قالوا‪ :‬فهذا جمع النعم‪.‬‬
‫والصواب من القول فـي ذلك عندنا أنهما قراءتان مشهورتان فـي قرّاء المصار متقاربتا‬
‫ال ـمعنى‪ ,‬وذلك أن النع مة قد تكون ب ـمعنى الواحدة‪ ,‬ومع نى ال ـجماع‪ ,‬و قد يدخ ـل ف ـي‬
‫الـجماع الواحدة‪ .‬وقد قال جلّ ثناؤه وَإ نْ َت ُعدّوا ِن ْعمَةَ الّل هِ ل تُـحْصُوها فمعلوم أنه لـم ي عن‬
‫بذلك نعمة واحدة‪ .‬وقال فـي موضع آخر‪ :‬ولـم يك من الـمشركين شاكرا لنعمه‪ ,‬فجمعها‪,‬‬
‫فبأيّ القراءتـين قرأ القارىء ذلك فمصيب‪.‬‬
‫ذكر بعض من قرأ ذلك علـى التوحيد‪ ,‬وفسّره علـى ما ذكرنا عن قارئيه أنهم يفسرونه‪:‬‬
‫‪ 21425‬ـ حدثن ـي أح مد بن يو سف‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا القا سم بن سلم‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا حجاج‪ ,‬قال‪:‬‬
‫سبَغَ‬
‫ثنـي مستور الهنائي‪ ,‬عن حميد العرج‪ ,‬عن مـجاهد‪ ,‬عن ابن عبـاس أنه قرأها‪« :‬وأ ْ‬
‫طنَةً» وفسّرها السلم‪.‬‬
‫عَلَـ ْي ُكمْ ِن ْع َمتَهُ ظا ِهرَةً وبَـا ِ‬
‫حُد ثت عن الفرّاء قال‪ :‬ثنــي شريـك بن عبـد ال‪ ,‬عن خصـيف‪ ,‬عن عكرمـة‪ ,‬عن ابـن‬
‫عبـاس‪ ,‬أنه قرأ‪ِ « :‬ن ْعمَةً» واحدة‪ .‬قال‪ :‬ولو كانت نعمه‪ ,‬لكانت نعمة دون نعمة‪ ,‬أو نعمة فوق‬
‫نعمة الشكّ من الفراء‪.‬‬
‫‪ 21426‬ـ حدثنـي عبد ال بن مـحمد الزهري‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا سفـيان‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا حميد‪ ,‬قال‪:‬‬
‫ل ال‪.‬‬
‫سبَغَ عَلَـ ْيكُمْ ِن ْع َمتَ ُه ظاهرَ ًة وبَـاطنَةً قال‪ :‬ل إله إ ّ‬
‫قرأ مـجاهد وأ ْ‬
‫حدثنـي العبـاس بن أبـي طالب‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا ابن أبـي بكير‪ ,‬عن شبل‪ ,‬عن ابن أبـي‬
‫طنَةً قال‪ :‬كان يقول‪ :‬هي ل إله إلّ‬
‫سبَغَ عَلَ ـ ْيكُمْ ِن ْع َمتَ ُه ظاهِرَةً وَب ـا ِ‬
‫ن ـجيح‪ ,‬عن م ـجاهد وأ ْ‬
‫ال‪.‬‬
‫سبَغَ‬
‫حدثنا ابن وكيع‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا أبـي‪ ,‬عن سفـيان‪ ,‬عن حميد العرج‪ ,‬عن مـجاهد وأ ْ‬
‫ل ال‪.‬‬
‫طنَ ًة قال‪ :‬ل إله إ ّ‬
‫عَلَـ ْي ُكمْ ِن ْع َمتَهُ ظا ِهرَةً وَبـا ِ‬
‫حدثنا ابن وكيع‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا ابن عُيـينة‪ ,‬عن حميد العرج‪ ,‬عن مـجاهد‪ ,‬قال‪ :‬ل إله إلّ‬
‫ال‪.‬‬
‫‪ 21427‬ـ حدثنا ابن وكيع‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا يحيى بن آدم‪ ,‬عن سفـيان‪ ,‬عن عيسى‪ ,‬عن قَـيْس‪,‬‬
‫ل ال‪.‬‬
‫طنَةً قال‪ :‬ل إله إ ّ‬
‫عن ابن عبـاس ِن َعمَ ًة ظاهِرَةً وَبـا ِ‬
‫وقوله‪ :‬ظاهِرَ ًة يقول‪ :‬ظاهرة عل ـى الل سن قولً‪ ,‬وعل ـى البدان وجوارج ال ـجسد عملً‪.‬‬
‫وقوله‪ :‬وَبـاطِنَ ًة يقول‪ :‬وبـاطنة فـي القلوب اعتقادا ومعرفة‪.‬‬
‫وقوله‪َ :‬ومِنَـ النّاسِـ مَن ْـ يُجادِلُ فِــي اللّهِـ ِب َغيْرِ عِلْــمٍ وَل ُهدًى يقول تعالــى ذكره‪ :‬ومـن‬
‫الناس من يخا صم ف ـي توح يد ال‪ ,‬وإخلص الطا عة والعب ـادة له بغ ير عل ـم عنده ب ـما‬
‫يخاصـم‪ ,‬ول هدى يقول‪ :‬ول بــيان يبــين بـه صـحة مـا يقول وَل كِتابٍـ ُمنِــيرٍ يقول‪ :‬ول‬
‫بتنزيـل من ال جاء بـما يدعى‪ ,‬يبـين حقـية دعواه‪ ,‬كما‪:‬‬
‫س مَ نْ يُجادِلُ‬
‫‪ 21428‬ـ حدث نا ب شر‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا يز يد‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا سعيد‪ ,‬عن قَتادة َو ِم نَ النّا ِ‬
‫فِـي الّلهِ ب َغ ْيرِ عِلْـمٍ وَل ُهدًى وَل كِتابٍ ُمنِـيرٍ لـيس معه من ال برهان ول كتاب‪.‬‬

‫‪21‬‬ ‫الية ‪:‬‬


‫ج ْدنَا‬
‫ل َن ّتبِ عُ مَا َو َ‬
‫ل اللّ ُه قَالُواْ بَ ْ‬
‫ل َلهُ مُ ا ّت ِبعُواْ مَآ أَنزَ َ‬
‫القول فـي تأويـل قوله تعالـى‪{ :‬وَِإذَا قِي َ‬
‫سعِيرِ }‪.‬‬
‫عذَابِ ال ّ‬
‫ن َيدْعُو ُهمْ إَِلىَ َ‬
‫شيْطَا ُ‬
‫ن ال ّ‬
‫عََليْ ِه آبَآ َءنَا َأوَلَ ْو كَا َ‬
‫يقول تعالـى ذكره‪ :‬وإذا قـيـل لهؤلء الذين يجادلون فـي توحيد ال جهلً منهم بعظمة‬
‫ال‪ :‬اتبعوا أيها القوم ما أنزل ال علـى رسوله‪ ,‬وصدّقوا به‪ ,‬فإنه يفرق بـين الـمـحقّ منا‬
‫وال ـمبطل‪ ,‬ويف صل ب ـين الضّالّ وال ـمهتدى‪ ,‬فقالوا‪ :‬بل نت بع ما وجد نا عل ـيه آب ـاءنا من‬
‫ن َيدْعُوهُ مْ بتزيـينه لهم‬
‫شيْطا ُ‬
‫الديان‪ ,‬فإنهم كانوا أهل ح قّ‪ .‬قال ال تعالـى ذكره أ َو لَ ْو كا نَ ال ّ‬
‫سوء أعمالهم‪ ,‬واتبـاعهم إياه علـى ضللتهم‪ ,‬وكفرهم بـال وتركهم اتبـاع ما أنزل ال من‬
‫سعِيرِ يعنـي‪ :‬عذاب النار التـي تتسعر وتلتهب‪.‬‬
‫ب ال ّ‬
‫عذَا ِ‬
‫كتابه علـى نبـيه إلـى َ‬
‫‪22‬‬ ‫الية ‪:‬‬
‫سكَ‬
‫ّهـ وَ ُه َو ُمحْس ِـنٌ فَ َقدِ اس ْـَتمْ َ‬
‫جهَه ُـ إِلَى الل ِ‬
‫القول فــي تأويــل قوله تعالــى‪{ :‬وَمَن يُس ْـلِمْ َو ْ‬
‫بِا ْلعُرْ َوةِ ا ْل ُوثْ َقىَ وَإَِلىَ اللّهِ عَا ِقبَ ُة المُورِ }‪.‬‬
‫حسِنٌ‬
‫يقول تعال ـى ذكره‪ :‬و من يع بد وج هه متذللً ب ـالعبودة‪ ,‬مقرّا له ب ـاللوهة وَهُ َو مُ ـ ْ‬
‫سكَ ب ـالعُرْ َوةِ ال ُوثْقَ ـى يقول‪ :‬ف قد ت ـمسك‬
‫ستَـ ْم َ‬
‫يقول‪ :‬و هو مط يع ل ف ـي أمره ونه يه فَ َقدِ ا ْ‬
‫بـالطرف الوثق الذي ل يخاف انقطاعه من تـمسك به وهذا مثل إنـما يعنـي بذلك أنه قد‬
‫ت ـمسك من ر ضا ال بإ سلمه وج هه إل ـيه و هو م ـحسن‪ ,‬ما ل يخاف م عه عذاب ال يوم‬
‫القـيامة‪ .‬وبنـحو الذي قلنا فـي ذلك قال أهل التأويـل‪ .‬ذكر من قال ذلك‪:‬‬
‫‪21429‬ـ حدثنا ابن وكيع‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا أبـي‪ ,‬عن سفـيان‪ ,‬عن أبـي السوداء‪ ,‬عن جعفر بن‬
‫ج َه هُ إلـى الّل هِ وَهُوَ‬
‫أبـي الـمغيرة‪ ,‬عن سعيد بن جُبـير‪ ,‬عن ابن عبـاس َومَن يُ سْلِـمْ َو ْ‬
‫ك بـالعُرْ َوةِ ال ُوثْقَـى قال‪ :‬ل إله إلّ ال‪.‬‬
‫سَ‬‫ستَـ ْم َ‬
‫ن فَ َقدِ ا ْ‬
‫مُـحْسِ ٌ‬
‫ل أ مر خيره وشرّه‪ ,‬و هو‬
‫لمُورِ يقول‪ :‬وإل ـى ال مر جع عاق بة ك ّ‬
‫وقوله وَإل ـى الّل ِه عا ِقبَ ُة ا ُ‬
‫الـمسائل أهله عنه‪ ,‬ومـجازيهم علـيه‪.‬‬

‫‪24-23‬‬ ‫الية ‪:‬‬


‫ج ُعهُ مْ َف ُننَ ّبئُهُم بِمَا‬
‫حزُن كَ كُ ْفرُ ُه إَِليْنَا َمرْ ِ‬
‫القول ف ـي تأوي ـل قوله تعال ـى‪{ :‬وَمَن كَ َفرَ فَلَ َي ْ‬
‫عذَابٍ غَلِيظٍ }‪.‬‬
‫طرّهُ ْم إَِلىَ َ‬
‫صدُورِ * ُن َم ّت ُع ُهمْ قَلِيلً ُثمّ َنضْ َ‬
‫ن الّلهَ عَلِيمٌ ِبذَاتِ ال ّ‬
‫عمِلُوَ ْا إِ ّ‬
‫َ‬
‫يقول تعالـى ذكره‪ :‬ومن كفر بـال فل يحزنك كفره‪ ,‬ول تذهب نفسك علـيهم حسرة‪ ,‬فإنّ‬
‫مرجعهـم ومصـيرهم يوم القــيامة إلــينا‪ ,‬ونــحن نــخبرهم بأعمالهـم الــخبـيثة التــي‬
‫صدُرِ يقول‪ :‬إن‬
‫ن اللّ هَ عَلِـيـ ٌم ِبذَا تِ ال ّ‬
‫عملوها فـي الدنـيا‪ ,‬ثم نـجازيهم علـيها جزاءهم إ ّ‬
‫ال ذو عل ـم ب ـما تك نه صدورهم من الك فر ب ـال‪ ,‬وإيثار طا عة الشيطان‪ .‬وقوله‪ :‬نُ ـ َم ّتعُ ُهمْ‬
‫ضطّرّهُ مْ إل ـى‬
‫قَلِ ـيلً يقول‪ :‬ن ـمهلهم ف ـي هذه الدن ـيا مهلً قل ـيلً يت ـمتعون ف ـيها ثُ مّ َن ْ‬
‫عذَاب غَلِ ـيظٍ يقول‪ :‬ثم نورد هم عل ـى كره من هم عذاب ـا غل ـيظا‪ ,‬وذلك عذاب النار‪ ,‬نعوذ‬
‫َ‬
‫بـال منها‪ ,‬ومن عمل يقرّب منها‪.‬‬

‫‪26-25‬‬ ‫الية ‪:‬‬


‫ض َليَقُوُل نّ الّل هُ قُلِ‬
‫سمَاوَاتِ وَالرْ َ‬
‫سأَ ْل َتهُ ْم مّ نْ خَلَ قَ ال ّ‬
‫القول فـي تأويـل قوله تعالـى‪{ :‬وََلئِن َ‬
‫حمِيدُ }‪.‬‬
‫سمَاوَاتِ وَالرْضَ ِإنّ الّلهَ ُهوَ ا ْل َغ ِنيّ ا ْل َ‬
‫ح ْمدُ لِلّ ِه بَلْ َأ ْك َثرُ ُهمْ لَ َيعَْلمُونَ * لِلّ ِه مَا فِي ال ّ‬
‫ا ْل َ‬
‫ن خَـَلقَ‬
‫يقول تعالـى ذكره‪ :‬ولئن سألت يا مـحمد هؤلء الـمشركين بـال من قومك َم ْ‬
‫ح ْمدُ لِلّ هِ يقول تعالـى ذكره لنبـيه مـحمد‪ ,‬فإذا قالوا‬
‫ن اللّ هُ‪ ,‬قُلِ الـ َ‬
‫ت والرْ ضِ لَـيَقُولُ ّ‬
‫سمَوَا ِ‬
‫ال ّ‬
‫ذلك‪ ,‬ف قل ل هم‪ :‬ال ـحمد ل الذي خـلق ذلك‪ ,‬ل ل ـمن ل يخـلق شيئا و هم يخ ـلقون‪ .‬ثم قال‬
‫ل أ ْكثَرُهُ مْ ل يعْلَ ـمون يقول‪ :‬بل أك ثر هؤلء ال ـمشركون ل يعل ـمون من‬
‫تعال ـى ذكره‪ :‬بَ ْ‬
‫ت والرْ ضِ يقول تعال ـى‬
‫سمَوَا ِ‬
‫الذي له ال ـحمد‪ ,‬وأ ين مو ضع الش كر‪ .‬وقوله‪ :‬لِّل هِ ما فِ ـي ال ّ‬
‫ذكره‪ :‬ل كلّ ما ف ـي ال سموات والرض من ش يء مل كا كائ نا ما كان ذلك الش يء من و ثن‬
‫حمِيدُ يقول‪ :‬إن ال هـو‬
‫وصـنـم وغيـر ذلك‪ ,‬مــما يعبـد أو ل يعبـد إن ّـ ال هُ َو ال َغنِــيّ الــ َ‬
‫الغنــيّ عـن عبــادة هؤلء الــمشركين بـه الوثان والنداد‪ ,‬وغيـر ذلك منهـم ومـن جميـع‬
‫خ ـلقه‪ ,‬لن هم مل كه وله‪ ,‬وب هم ال ـحاجة إل ـيه‪ .‬ال ـحميد يعن ـي ال ـمـحمود عل ـى نع مه‬
‫التـي أنعمها علـى خـلقه‪.‬‬
‫‪27‬‬ ‫الية ‪:‬‬
‫شجَرَ ٍة َأقْلَ مٌ وَا ْل َبحْرُ َي ُمدّ هُ مِن‬
‫القول ف ـي تأوي ـل قوله تعال ـى‪{ :‬وَلَ ْو َأنّمَا فِي الرْ ضِ مِن َ‬
‫حكِيمٌ }‪.‬‬
‫عزِيزٌ َ‬
‫ن اللّهَ َ‬
‫ت اللّ ِه إِ ّ‬
‫س ْبعَ ُة َأ ْبحُرٍ مّا نَ ِفدَتْ كَِلمَا ُ‬
‫َب ْعدِهِ َ‬
‫حرُ يَ ـ ُمدّهُ يقول‪ :‬والب حر‬
‫يقول تعال ـى ذكره‪ :‬ولو أن ش جر الرض كل ها بر يت أقل ما وال َب ْ‬
‫س ْبعَ ُة أ ْبحُرٍ ما نَ ِفدَ تْ‬
‫ن َب ْعدِ ِه َ‬
‫له مداد‪ ,‬والهاء ف ـي قوله يَ ـ ُمدّهُ عائدة عل ـى الب حر‪ .‬وقوله م ْ‬
‫ت اللّ ِه وفـي هذا الكلم مـحذوف استغنى بدللة الظاهر علـيه منه‪ ,‬وهو يكتب كلم‬
‫كَلِـما ُ‬
‫ال بتلك القلم وبذلك الـمداد‪ ,‬لتك سرت تلك القلم‪ ,‬ولن فد ذلك ال ـمداد‪ ,‬ولـم تن فد كلـمات‬
‫ال‪ .‬وبنـحو الذي قلنا فـي ذلك قال أهل التأويـل‪ .‬ذكر من قال ذلك‪:‬‬
‫‪21430‬ـ حدثنـي يعقوب‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا ابن علـية‪ ,‬عن أبـي رجاء‪ ,‬قال‪ :‬سألت الـحسن عن‬
‫شجَرَ ٍة أقْل مٌ قال‪ :‬لو جعل شجر الرض أقلما‪ ,‬وجعل‬
‫ن َ‬
‫ض مِ ْ‬
‫ن ما فِـي الرْ ِ‬
‫هذه الَية وَلَ ْو أ ّ‬
‫البحور مدادا‪ ,‬وقال ال‪ :‬إن من أمري كذا‪ ,‬ومن أمري كذا‪ ,‬لنفد ماء البحور‪ ,‬وتكسّرت القلم‪.‬‬
‫ن ما فـي‬
‫‪21431‬ـ حدثنا ابن حميد‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا الـحكم‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا عمرو‪ ,‬فـي قوله وََلوْ أ ّ‬
‫شجَرَ ٍة أقْل مٌ قال‪ :‬لو بر يت أقل ما والب حر مدادا‪ ,‬فك تب بتلك القلم م نه ما نَ ِفدَ تْ‬
‫ن َ‬
‫الرْ ضِ ِم ْ‬
‫ت اللّهِ ولو مدّه سبعة أبحر‪.‬‬
‫كَلِـما ُ‬
‫ن ما فِ ـي‬
‫‪ 21432‬ـ حدث نا ب شر‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا يز يد‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا سعيد‪ ,‬عن قَتادة‪ ,‬قوله وََلوْ أ ّ‬
‫ت كَلِـماتُ الّل ِه قال‪ :‬قال‬
‫حرٍ ما نَ ِفدَ ْ‬
‫س ْبعَ ُة أ ْب ُ‬
‫ن َب ْعدِ هِ َ‬
‫حرُ يَـ ُمدّهُ مِ ْ‬
‫شجَرَ ٍة أقْل مٌ‪ ,‬وال َب ْ‬
‫ن َ‬
‫الرْ ضِ مِ ْ‬
‫الـمشركون‪ :‬إنـما هذا كلم يوشك أن ينفد‪ ,‬قال‪ :‬لو كان شجر البرّ أقلما‪ ,‬ومع البحر سبعة‬
‫أبحر ما كان لتنفد عجائب ربـي وحكمته وخـلقه وعلـمه‪.‬‬
‫وذُكر أن هذه الَية نزلت علـى رسول ال صلى ال عليه وسلم فـي سبب مـجادلة كانت‬
‫من الـيهود له‪ .‬ذكر من قال ذلك‪:‬‬
‫‪ 21433‬ـ حدثنا أبو كُرَيب‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا يونس بن بكير‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا ابن إسحاق‪ ,‬قال‪ :‬ثنـي‬
‫جبَـير‪ ,‬عن ابن عبـاس‪ ,‬أن أخبـار يهود قالوا لرسول ال‬
‫رجل من أهل مكة‪ ,‬عن سعيد بن ُ‬
‫ل قَلِـيلً‬
‫صلى ال عليه وسلم بـالـمدينة‪ :‬يا مـحمد أرأيت قوله وَما أُوتِـيتُـ ْم مِ نَ العِلْـمِ إ ّ‬
‫إيانا تريد أم قومك؟ فقال رسول ال صلى ال عليه وسلم‪« :‬كُلّ»‪ ,‬فقالوا‪ :‬ألست تتلو فـيـما‬
‫ل شيء؟ فقال رسول ال صلى ال عليه وسلم‪:‬‬
‫جاءك‪ :‬أنا قد أوتـينا التوراة فـيها تبـيان ك ّ‬
‫ن ذلكَ ما يكْفِـي ُكمْ»‪ ,‬فأنزل ال علـيه فـيـما سألوه‬
‫ع ْن َدكُمْ مِ ْ‬
‫«إنّها فـي عِلْـمِ اللّ ِه قَلِـيـلٌ وَ ِ‬
‫حرٍ ما‬
‫س ْبعَةُ أ ْب ُ‬
‫شجَرَ ٍة أقْل مٌ وَال َبحْرُ يَـمُدّ ُه مِ نْ َب ْعدِ هِ َ‬
‫ن َ‬
‫عنه من ذلك‪ :‬وَلَ ْو أ نّ ما فـي الرْض ِم ْ‬
‫نَ ِفدَتْ كَلِـماتُ الّلهِ‪ :‬أي أن التوراة فـي هذا من علـم ال قلـيـل‪.‬‬
‫‪ 21434‬ـ حدثنا ابن الـمثنى‪ ,‬قال‪ :‬ثنـي ابن عبد العلـى‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا داود‪ ,‬عن عكرمة‪,‬‬
‫سئَلُو َنكَ عَ نِ‬
‫قال‪ :‬سأل أ هل الكتاب ر سول ال صلى ال عل يه و سلم عن الروح‪ ,‬فأنزل ال َويَ ْ‬
‫ل قَلِـيلً فقالوا‪ :‬تز عم أنا ل ـم‬
‫ن العِلْ ـم إ ّ‬
‫ن أ ْمرِ َربّـي‪ ,‬وَما ُأتِ ـيتُـ ْم مِ َ‬
‫ح مِ ْ‬
‫الرّو حِ‪ ,‬قُلِ الرّو ُ‬
‫ح ْكمَةَ فَ َقدْ‬
‫ل قل ـيلً‪ ,‬وقـد أوتــينا التوراة‪ ,‬وهـي ال ـحكمة َومَن ْـ يُؤْتَـ الــ ِ‬
‫نؤت من العلــم إ ّ‬
‫حرُ يَـ ُمدّ ُه مِ نْ‬
‫جرَ ٍة أقْل مٌ وال َب ْ‬
‫شَ‬‫ض من َ‬
‫ن ما فِـي الرْ ِ‬
‫خيْرا َكثِـيرا قال‪ :‬فنزلت وَلَ ْو أ ّ‬
‫أُوتِـيَ َ‬
‫ت اللّ هِ قال‪ :‬ما أوتـيتـم من علـم فنـجاكم ال به من النار‬
‫س ْبعَ ُة أ ْبحُرٍ ما نَ ِفدَ تْ كَلِـما ُ‬
‫َب ْعدِ ِه َ‬
‫وأدخـلكم الـجنة‪ ,‬فهو كثـير طيب‪ ,‬وهو فـي علـم ال قلـيـل‪.‬‬
‫‪ 21435‬ـ حدث نا ا بن حم يد‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا سلـمة‪ ,‬قال‪ :‬ثن ـي م ـحمد بن إ سحاق‪ ,‬عن ب عض‬
‫ن العِلْـمِ إلّ قَلِـيلً‬
‫أصحابه‪ ,‬عن عطاء بن يسار‪ ,‬قال‪ :‬لـما نزلت بـمكة وَما أُوتِـيتُـمْ مِ َ‬
‫يعن ـي ال ـيهود فل ـما ها جر ر سول ال صلى ال عل يه و سلم إل ـى ال ـمدينة‪ ,‬أتاه أحب ـار‬
‫يهود‪ ,‬فقالوا‪ :‬يا مـحمد ألـم يبلغنا أنك تقول وَما أُوتِـيتُـمْ ِمنَ العِلْـمِ إلّ قَلِـيلً أفتعنـينا أم‬
‫عنَ ـيتُ»‪ ,‬قالوا‪ :‬فإ نك تتلو‪ :‬أ نا قد أوت ـينا التوراة‪ ,‬وف ـيها تب ـيان كلّ‬
‫قو مك؟ قال‪« :‬كُلّ َقدْ َ‬
‫ي فِـي عِلـمِ الّل ِه قَلِـيـلٌ‪َ ,‬و َقدْ آتاكُ ُم اللّ هُ ما‬
‫شيء‪ ,‬فقال رسول ال صلى ال عليه وسلم‪« :‬هِ َ‬
‫حرُ يَـ ُمدّهُ‬
‫جرَةٍ أقْل مٌ‪ ,‬وال َب ْ‬
‫شَ‬‫ن َ‬
‫ض مِ ْ‬
‫عمِ ْلتُـمْ بِ هِ ا ْنتَ َف ْعتُـمْ»‪ ,‬فأنزل ال وَلَ ْو أ نّ ما فِـي الرْ ِ‬
‫إ نْ َ‬
‫سمِيعٌ َبصِيرٌ‪.‬‬
‫حرٍ‪ ...‬إلـى قوله إنّ الّلهَ َ‬
‫س ْبعَةُ أ ْب ُ‬
‫ن َبعْدِ ِه َ‬
‫مِ ْ‬
‫حرٍ فقرأتـه عامّة قرّاء‬
‫سـْبعَ ُة أ ْب ُ‬
‫ِهـ َ‬
‫ِنـ َب ْعد ِ‬
‫حرُ يَــُمدّ ُه م ْ‬
‫واختلفـت القرّاء فــي قراءة قوله وال َب ْ‬
‫الـمدينة والكوفة والبحر رفعا علـى البتداء‪ ,‬وقرأته قرّاء البصرة نصبـا‪ ,‬عطفـا به علـى‬
‫ن ما فِـي الرْ ضِ وبأيتهما قرأ القارىء فمصيب عندي‪ .‬وقوله‪ :‬إ نّ‬
‫«ما» فـي قوله‪ :‬وَلَ ْو أ ّ‬
‫حكِيـمٌ يقول‪ :‬إن ال ذو عزّة فـي انتقامه مـمن أشرك به‪ ,‬وادّعى معه إلها غيره‪,‬‬
‫عزِيزٌ َ‬
‫اللّهَ َ‬
‫حكيـم فـي تدبـيره خـلقه‪.‬‬

‫‪28‬‬ ‫الية ‪:‬‬


‫سمِيعٌ بَصِيرٌ‬
‫ن اللّهَ َ‬
‫حدَةٍ ِإ ّ‬
‫ل َب ْعثُكُمْ ِإلّ َكنَفْسٍ وَا ِ‬
‫القول فـي تأويـل قوله تعالـى‪{ :‬مّا خَلْ ُقكُمْ َو َ‬
‫}‪.‬‬
‫ل كخ ـلق ن فس واحدة‬
‫يقول تعال ـى ذكره‪ :‬ما خ ـلقكم أي ها الناس ول بعث كم عل ـى ال إ ّ‬
‫وبعثها‪ ,‬وذلك أن ال ل يتعذّر علـيه شيء أراده‪ ,‬ول يـمتنع منه شيء شاءه إنّـما َأ ْمرُ ُه إذَا‬
‫ن ف سواء خَ ـلْق وا حد وبع ثه‪ ,‬وخ ـلق ال ـجميع وبعث هم‪.‬‬
‫ن فَ ـ َيكُو ُ‬
‫ن يَقُولَ َل ُه كُ ْ‬
‫شيْئا أ ْ‬
‫أرَادَ َ‬
‫وبنـحو الذي قلنا فـي ذلك قال أهل التأويـل‪ .‬ذكر من قال ذلك‪:‬‬
‫‪ 21436‬ـ حدثنـي مـحمد بن عمرو‪ ,‬قال‪ :‬ثنـي أبو عاصم‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا عيسى وحدثنـي‬
‫الــحارث‪ ,‬قال‪ :‬حدثنـا الــحسن‪ ,‬قال‪ :‬حدثنـا ورقاء جميعـا‪ ,‬عـن ابـن أبــي نــجيح‪ ,‬عـن‬
‫حدَ ٍة يقول‪ :‬كن فـيكون‪ ,‬للقلـيـل والكثـير‪.‬‬
‫مـجاهد‪ ,‬قوله َكنَفْسٍ وَا ِ‬
‫‪21437‬ـ حدثنا بشر‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا يزيد‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا سعيد‪ ,‬عن قَتادة‪ ,‬قوله ما خَـلْ ُق ُكمْ وَل َب ْعثُ ُكمْ‬
‫س كلّهم وبعثُهم كخـلق نفس واحدة وبعثها‪,‬‬
‫حدَةٍ قال‪ :‬يقول‪ :‬إنـما خَـ ْلقُ ال النا َ‬
‫إلّ َكنَفْ سٍ وَا ِ‬
‫ل كخــلق نفـس واحدة‪ ,‬لن‬
‫وإنــما صـلـح أن يقال‪ :‬إلّ كنفـس واحدة‪ ,‬والــمعنى‪ :‬إ ّ‬
‫الـمـحذوف فعل يدلّ علـيه قوله ما خَـلْ ُق ُكمْ وَل َب ْع ُثكُمْ والعرب تفعل ذلك فـي الـمصادر‪,‬‬
‫ع ُي ُنهُ مْ كاّلذِي ُي ْغشَى عَلَـيْ ِه مِ نَ الـمَوْتِ والـمعنى‪ :‬كدوران عين الذي‬
‫ومنه قول ال‪َ :‬تدُورُ أ ْ‬
‫يغشى علـيه من الـموت‪ ,‬فلـم يذكر الدوران والعين لـما وصفت‪.‬‬
‫سمِيعٌ بَصِيرٌ يقول تعالـى ذكره‪ :‬إن ال سميع لـما يقول هؤلء الـمشركون‬
‫ن اللّ َه َ‬
‫وقوله‪ :‬إ ّ‬
‫ويفترونه علـى ربهم‪ ,‬من ادّعائهم له الشركاء والنداد وغير ذلك من كلمهم وكلم غيرهم‪,‬‬
‫بصير بـما يعملونه وغيرهم من العمال‪ ,‬وهو مـجازيهم علـى ذلك جزاءهم‪.‬‬
‫‪29‬‬ ‫الية ‪:‬‬
‫ل فِي ال ّنهَارِ َويُوِل جُ ال ّنهَارَ فِي‬
‫ن الّل هَ يُوِل جُ الّْليْ َ‬
‫القول ف ـي تأوي ـل قوله تعال ـى‪{ :‬أَلَ مْ َترَ أَ ّ‬
‫خبِيرٌ }‪.‬‬
‫ن الّلهَ ِبمَا َت ْعمَلُونَ َ‬
‫سمّى وَأَ ّ‬
‫ل ّم َ‬
‫ل َيجْ ِريَ إَِلىَ َأجَ ٍ‬
‫شمْسَ وَالْ َق َمرَ كُ ّ‬
‫سخّرَ ال ّ‬
‫الّْليْلِ َو َ‬
‫ل فِـي النّهارِ يقول‪:‬‬
‫يقول تعالـى ذكره‪ :‬ألَـمْ َترَ يا مـحمد بعينك أ نّ الّل َه يُولِـجُ اللّـيْـ َ‬
‫ج النّهارَ فِـي اللّـيْـلِ يقول‪:‬‬
‫يزيد من نقصان ساعات اللـيـل فـي ساعات النهار َويُولِ ـ ُ‬
‫يزيد ما نقص من ساعات النهار فـي ساعات اللّـيـل‪ .‬كما‪:‬‬
‫‪ 21438‬ـ حدث نا ب شر‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا يز يد‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا سعيد‪ ,‬عن قَتادة‪ ,‬قوله‪ :‬ألَ ـمْ َترَ أ نّ الّل هَ‬
‫ج النّهار فِــي‬
‫ل فِــي النّهارِ نقصـان اللــيـل فــي زيادة النهار َويُولِــ ُ‬
‫ج اللّــيْـ َ‬
‫يُولِــ ُ‬
‫ل نقصان النهار فـي زيادة اللـيـل‪.‬‬
‫اللّـيْـ ِ‬
‫جرِي إلــى أجَل مُس َـمّى يقول تعالــى ذكره‪ :‬وسـخر‬
‫شمْس َـ وال َق َمرَ‪ ,‬كُلّ َي ْ‬
‫وقوله‪ :‬وَس َـخّر ال ّ‬
‫ل ذلك يجري بأمره إلــى‬
‫الشمـس والقمـر لــمصالـح خــلقه ومنافعهـم‪ ,‬كلّ يجري يقول‪ :‬ك ّ‬
‫وقت معلوم‪ ,‬وأجل مـحدود إذا بلغه‪ ,‬كوّرت الشمس والقمر‪ .‬وبنـحو الذي قلنا فـي ذلك قال‬
‫أهل التأويـل‪ .‬ذكر من قال ذلك‪:‬‬
‫شمْ سَ‬
‫خرَ ال ّ‬
‫سّ‬‫‪ 21439‬ـ حدث نا ب شر‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا يز يد‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا سعيد‪ ,‬عن قَتادة‪ ,‬قوله‪ :‬وَ َ‬
‫سمّى يقول‪ :‬لذلك كله وقت‪ ,‬وح ّد معلوم‪ ,‬ل يجاوزه ول يعدوه‪.‬‬
‫ل ُم َ‬
‫جرِي إلـى أجَ ٍ‬
‫ل َي ْ‬
‫وال َق َمرَ كُ ّ‬
‫خبِـيرٌ يقول‪ :‬وإن ال بأعمالكم أيها الناس من خير أو شرّ ذو‬
‫وقوله‪ :‬وَأنّ الّلهَ بـمَا َت ْعمَلُونَ َ‬
‫خبرة وعل ـم‪ ,‬ل يخف ـى عل ـيه من ها ش يء‪ ,‬و هو م ـجازيكم عل ـى جم يع ذلك‪ ,‬وخرج هذا‬
‫الكلم خطابــا لرسـول ال صـلى ال عليـه وسـلم‪ ,‬والــمعنـيّ بـه الــمشركون‪ ,‬وذلك أنـه‬
‫ج النّهارَ فِـي اللّـيْـلِ‬
‫تعالـى ذكره‪ ,‬نبّه بقوله‪ :‬أ نّ الّل هَ يُولِـجُ اللّـيْـلَ فـي النّهارِ‪َ ,‬ويُولِـ ُ‬
‫عل ـى مو ضع حج ته من ج هل عظم ته‪ ,‬وأشرك ف ـي عب ـادته م عه غيره‪ ,‬يدلّ عل ـى ذلك‬
‫ن دُون ِه البـاطِلُ‪.‬‬
‫نمْ‬
‫حقّ‪ ,‬وأنّ ما َيدْعُو َ‬
‫ن اللّ َه ُهوَ الـ َ‬
‫قوله‪ :‬ذلكَ بأ ّ‬
‫‪30‬‬ ‫الية ‪:‬‬
‫ن مِن دُونِ ِه ا ْلبَاطِلُ‬
‫ن اللّ َه هُ َو ا ْلحَ قّ وََأ نّ مَا َيدْعُو َ‬
‫القول فـي تأويـل قوله تعالـى‪{ :‬ذَلِ كَ ِبأَ ّ‬
‫وََأنّ الّلهَ ُهوَ ا ْلعَِليّ ا ْل َكبِيرُ }‪.‬‬
‫يقول تعال ـى ذكره‪ :‬هذا الذي أخبر تك يا م ـحمد أن ال فعله من إيل جه الل ـيـل ف ـي‬
‫النهار‪ ,‬والنهار فـي اللـيـل‪ ,‬وغير ذلك من عظيـم قُدرته‪ ,‬إنـما فعله بأنه ال حقا‪ ,‬دون ما‬
‫يدعوه هؤلء ال ـمشركون به‪ ,‬وأ نه ل يقدر عل ـى ف عل ذلك سواه‪ ,‬ول ت صلـح اللو هة إلّ‬
‫ن دُونِ هِ البـاطِلُ يقول تعال ـى ذكره‪ :‬وبأن‬
‫ل ـمن ف عل ذلك بقُدر ته‪ .‬وقوله‪ :‬وأ نّ ما َيدْعُو نَ مِ ْ‬
‫الذي يع بد هؤلء ال ـمشركون من دون ال الب ـاطل الذي يضم ـحلّ‪ ,‬ف ـيبـيد ويفن ـي وأ نّ‬
‫اللّ هَ ُهوَ العَلِـيّ ال َكبِـيرُ يقول تعالـى ذكره‪ :‬وبأن ال هو العلـيّ‪ ,‬يقول‪ :‬ذو العلوّ علـى كلّ‬
‫ل ما دونه فله متذلل منقاد‪ ,‬الكبـير الذي كل شيء دونه‪ ,‬فله متصاغر‪.‬‬
‫شيء‪ ,‬وك ّ‬

‫‪31‬‬ ‫الية ‪:‬‬


‫حرِ ِب ِن ْعمَ ِة اللّ هِ ِل ُي ِر َيكُ مْ مّ نْ‬
‫ك َتجْرِي فِي ا ْل َب ْ‬
‫ن الْفُلْ َ‬
‫القول ف ـي تأويـل قوله تعال ـى‪{ :‬أَلَ مْ َترَ أَ ّ‬
‫شكُورٍ }‪.‬‬
‫صبّارٍ َ‬
‫ت ّلكُلّ َ‬
‫ليَا ٍ‬
‫آيَاتِهِ ِإنّ فِي ذَِلكَ َ‬
‫يقول تعال ـى ذكره لنب ـيه م ـحمد صلى ال عل يه و سلم‪ :‬أل ـم تر يا م ـحمد أن ال سفن‬
‫تـجري فـي البحر نعمة من ال علـى خـلقه لِـ ُيرِ َي ُكمْ مِ نْ آيا ِت هِ يقول‪ :‬لـيريكم من عبره‬
‫شكُورٍ يقول‪ :‬إن ف ـي جري الفلك ف ـي‬
‫ت ِلكُلّ صَبّـارٍ َ‬
‫وحج جه عل ـيكم إ نّ فِ ـي ذل كَ لَيا ٍ‬
‫البحـر دللة علــى أن ال الذي أجراهـا هـو الــحقّ‪ ,‬وأنّـ مـا يدعون مـن دونـه البــاطللكُلّ‬
‫شكُورٍ يقول‪ :‬لك ّل من صبر نفسه عن مـحارم ال‪ ,‬وشكره علـى نعمه فلـم يكفره‪.‬‬
‫صبّـارٍ َ‬
‫َ‬
‫‪ 21440‬ـ حدثنا بشر‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا يزيد‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا سعيد‪ ,‬عن قَتادة‪ ,‬قال‪ :‬كان مطرف يقول‪:‬‬
‫ن من أحبّ عبـاد ال إلـيه‪ :‬الصبّـار الشّكور‪.‬‬
‫إّ‬
‫‪ 21441‬ـ حدث نا ا بن حم يد‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا جر ير‪ ,‬عن مغيرة‪ ,‬قال‪ :‬ال صبر ن صف الي ـمان‪,‬‬
‫ن فِـي ذلك لَياتٍ‬
‫والشكر نصف اليـمان‪ ,‬والـيقـين‪ :‬اليـمان كله‪ ,‬ألـم تر إلـى قوله‪ :‬إ ّ‬
‫ك لَياتٍ للْـمُ ْؤمِنـينَ‪.‬‬
‫ن فِـي ذل َ‬
‫شكُورٍ‪ ,‬إنّ فـي ذلكَ لَياتٍ للْـمُوقِنـينَ إ ّ‬
‫صبّـارٍ َ‬
‫لكُلّ َ‬
‫‪21442‬ـ حدثنا مـحمد بن بشار‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا أبو عاصم‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا سفـيان‪ ,‬عن مغيرة‪ ,‬عن‬
‫شكُور قال‪ :‬الصبر‪ :‬نصف اليـمان‪ ,‬والـيقـين‪:‬‬
‫صبّـارٍ َ‬
‫ل َ‬
‫ك لَياتٍ لكُ ّ‬
‫ن فِـي ذل َ‬
‫الشعبـيّ إ ّ‬
‫اليـمان كله‪.‬‬
‫ص هذه الدللة بأن ها دللة لل صبّـار الشّكور دون سائر ال ـخـلق؟‬
‫إن قال قائل‪ :‬وك يف خ ّ‬
‫ق ـيـل‪ :‬ل نّ ال صبر والش كر من أفعال ذوي ال ـحجى والعقول‪ ,‬فأ خبر أن ف ـي ذلك لَيات‬
‫لكلّ ذي عقل‪ ,‬لن الَيات جعلها ال عبرا لذوي العقول والتـميـيز‪.‬‬
‫‪32‬‬ ‫الية ‪:‬‬
‫عوُاْ الّل َه ُمخْلِ صِينَ َل ُه الدّي نَ‬
‫شيَهُ مْ مّوْ جٌ كَالظّلَلِ دَ َ‬
‫غِ‬‫القول ف ـي تأوي ـل قوله تعال ـى‪{ :‬وَِإذَا َ‬
‫ختّارٍ كَفُورٍ }‪.‬‬
‫ل كُلّ َ‬
‫حدُ بِآيَا ِتنَآ ِإ ّ‬
‫جَ‬‫فََلمّا َنجّا ُهمْ إِلَى ا ْل َبرّ َف ِم ْن ُهمْ مّ ْق َتصِدٌ َومَا َي ْ‬
‫يقول تعالــى ذكره‪ :‬وإذا غشـى هؤلء الذيـن يدعون مـن دون ال الَلهـة والوثان فــي‬
‫البحر‪ ,‬إذا ركبوا فـي الفُلك‪ ,‬موج كالظّل‪ ,‬وهي جمع ظُلّة‪ ,‬شبّه بها الـموج فـي شدة سواد‬
‫كثرة الـماء قال نابغة بنـي جعدة فـي صفة بحر‪:‬‬
‫خضَرُ ذُو ظِلٍلعَلـى حافـاتِ ِه فِلَق الدّنانِ‬
‫نأْ‬
‫يُـماشِيهِ ّ‬
‫وشبه الـموج وهو واحد بـالظلل‪ ,‬وهي جماع‪ ,‬لن الـموج يأتـي شيء منه بعد شيء‪,‬‬
‫ن يقول تعالـى ذكره‪:‬‬
‫ن لَ ُه الدّي َ‬
‫عوُا الّل هَ ُمخْـِلصِي َ‬
‫ويركب بعضه بعضا كهيئة الظلل‪ .‬وقوله‪ :‬دَ َ‬
‫وإذا غشـى هؤلء موج كالظلل‪ ,‬فخافوا الغرق‪ ,‬فزعوا إلــى ال بــالدعاء مخــلصين له‬
‫الطاعـة‪ ,‬ل يشركون بـه هنالك شيئا‪ ,‬ول يدعون معـه أحدا سـواه‪ ,‬ول يسـتغيثون بغيره‪ .‬قوله‪:‬‬
‫فَلَ ـمّا نَ ـجّاهُ ْم إل ـى ال َبرّ م ـما كانوا يخافو نه ف ـي الب حر من الغرق والهلك إل ـى البرّ‪.‬‬
‫صدٌ يقول‪ :‬فمن هم مقت صد ف ـي قوله وإقراره بر به‪ ,‬و هو مع ذلك مض مر الك فر به‪.‬‬
‫َفمِ ْنهُ مْ مُ ْقتَ ِ‬
‫وبنـحو الذي قلنا فـي ذلك قال أهل التأويـل‪ .‬ذكر من قال ذلك‪:‬‬
‫‪ 21443‬ـ حدثنـي م ـحمد بن عمرو‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا أ بو عا صم‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا عي سى وحدثنـي‬
‫الــحارث‪ ,‬قال‪ :‬حدثنـا الــحسن‪ ,‬قال‪ :‬حدثنـا ورقاء جميعـا‪ ,‬عـن ابـن أبــي نــجيح‪ ,‬عـن‬
‫صدٌ قال‪ :‬الـمقتصد فـي القول وهو كافر‪.‬‬
‫مـجاهد‪ ,‬قوله َف ِم ْنهُ ْم مُ ْقتَ ِ‬
‫‪21444‬ـ حدثنـي يونس‪ ,‬قال‪ :‬أخبرنا ابن وهب‪ ,‬قال‪ :‬قال ابن زيد‪ ,‬فـي قوله َف ِم ْنهُمْ ُم ْقتَصدٌ‬
‫قال‪ :‬الـمقتصد الذي علـى صلح من المر‪.‬‬
‫ختّارٍ كَفُورٍ يقول تعالـى ذكره‪ :‬وما يكفر بأدلتنا وحججنا إلّ‬
‫ل َ‬
‫جحَدُ بآياتِنا إلّ كُ ّ‬
‫وقوله‪ :‬وَما َي ْ‬
‫كلّ غدّار بعهده‪ ,‬والـختر عند العرب‪ :‬أقبح الغدر ومنه قول عمرو بن معدي كرب‪:‬‬
‫خ ْترِ‬
‫غ ْدرٍ َو َ‬
‫ع َميْ ٍرمَلْتَ َي َد ْيكَ مِنْ َ‬
‫وَإ ّنكَ َلوْ رأيْتَ أبـا ُ‬
‫وقوله‪ :‬كَفُو ٌر يعنـي‪ :‬جحودا للنّعم‪ ,‬غير شاكر ما أسدى إلـيه من نعمة‪ .‬وبنـحو الذي قلنا‬
‫فـي معنى الـختار قال أهل التأويـل‪ .‬ذكر من قال ذلك‪:‬‬
‫ختّارٍ‬
‫‪ 21445‬ـ حدثنا ابن حميد‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا حكام‪ ,‬عن عنبسة‪ ,‬عن لـيث‪ ,‬عن مـجاهد كُلّ َ‬
‫كَفُورٍ قال‪ :‬كلّ غدّار‪.‬‬
‫حدثنـي مـحمد بن عمرو‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا أبو عاصم‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا عيسى وحدثنـي الـحارث‪,‬‬
‫قال‪ :‬حدث نا ال ـحسن‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا ورقاء جمي عا‪ ,‬عن ا بن أب ـي ن ـجيح‪ ,‬عن م ـجاهد‪ ,‬ف ـي‬
‫ختّارٍ قال‪ :‬غدّار‪.‬‬
‫قوله كُلّ َ‬
‫‪21446‬ــ حدثنــي يعقوب وابـن وكيـع‪ ,‬قال‪ :‬حدثنـا ابـن علــية‪ ,‬عـن أبــي رجاء‪ ,‬عـن‬
‫ختّارٍ كَفُورٍ قال‪ :‬غدّار‪.‬‬
‫ل كُلّ َ‬
‫حدُ بآياتِنا إ ّ‬
‫جَ‬‫الـحسن‪ ,‬فـي قوله وَما َي ْ‬
‫حدُ بآياتِنا إلّ‬
‫جَ‬‫‪ 21447‬ـ حدثنا بشر‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا يزيد‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا سعيد‪ ,‬عن قَتادة قوله وَما َي ْ‬
‫ل غدار بذمته كفور بربه‪.‬‬
‫ختّارٍ كَفُو ٍر الـختار‪ :‬الغدار‪ ,‬ك ّ‬
‫كُلّ َ‬
‫‪ 21448‬ـ حدثنـي مـحمد بن سعد‪ ,‬قال‪ :‬ثنـي أبـي‪ ,‬قال‪ :‬ثنـي عمي‪ ,‬قال‪ :‬ثنـي أبـي‪,‬‬
‫ختّارٍ كَفُو ٍر قال‪ :‬كلّ جحاد كفور‪.‬‬
‫ل كُلّ َ‬
‫حدُ بآياتِنا إ ّ‬
‫جَ‬‫عن أبـيه‪ ,‬عن ابن عبـاس قوله وَما َي ْ‬
‫حدُ‬
‫جَ‬‫‪ 21449‬ـ حدثن ـي يو نس‪ ,‬قال‪ :‬أخبر نا ا بن و هب‪ ,‬قال‪ :‬قال ا بن ز يد‪ ,‬ف ـي قوله وَ ما َي ْ‬
‫ختّارٍ كَفُورٍ قال‪ :‬الـختار‪ :‬الغدّار‪ ,‬كما تقول‪ :‬غدرنـي‪.‬‬
‫ل كُلّ َ‬
‫بآياتِنا إ ّ‬
‫حدثنا ابن وكيع‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا أبـي‪ ,‬عن مسعر‪ ,‬قال‪ :‬سمعت قَتادة قال‪ :‬الذي يغدر بعهده‪.‬‬
‫‪21450‬ـ قال‪ :‬ثنا الـمـحاربـي‪ ,‬عن جُوَيبر‪ ,‬عن الضحاك‪ ,‬قال‪ :‬الغدّار‪.‬‬
‫‪ 21451‬ـ قال‪ :‬ثنا أبـي‪ :‬عن العمش‪ ,‬عن سمر بن عطية الكاهلـي‪ ,‬عن علـيّ رضي ال‬
‫عنه قال‪ :‬الـمكر غدر‪ ,‬والغدر كفر‪.‬‬

‫‪33‬‬ ‫الية ‪:‬‬


‫ل َيجْزِي وَاِلدٌ عَن‬
‫خشَوْ ْا يَوْما ّ‬
‫القول ف ـي تأوي ـل قوله تعال ـى‪َ { :‬يَأيّهَا النّا سُ اتّقُواْ َر ّبكُ مْ وَا ْ‬
‫حيَا ُة ال ّدنْيَا َولَ َي ُغ ّرنّكُم‬
‫ع َد اللّ ِه حَ قّ فَلَ َت ُغرّ ّنكُ مُ ا ْل َ‬
‫شيْئا إِ نّ وَ ْ‬
‫وََلدِ ِه َولَ مَوْلُودٌ ُهوَ جَازٍ عَن وَاِلدِ ِه َ‬
‫بِاللّ ِه ا ْل َغرُورُ }‪ .‬يقول تعالـى ذكره‪ :‬أيها الـمشركون من قريش‪ ,‬اتقوا ال‪ ,‬وخافوا أن يحلّ‬
‫ب كم سخطه ف ـي يوم ل يغ نى والد عن ولده‪ ,‬ول مولود هو م غن عن والده شيئا‪ ,‬لن ال مر‬
‫يصير هنالك بـيد من ل يغالب‪ ,‬ول تنفع عنده الشفـاعة والوسائل‪ ,‬إلّ وسيـلة من صالـح‬
‫ع َد اللّ ِه حَ قّ يقول‪ :‬اعلـموا أن مـجيء هذا‬
‫العمال التـي أسلفها فـي الدنـيا‪ .‬وقوله‪ :‬إ نّ وَ ْ‬
‫الـيوم حقّ‪ ,‬وذلك أن ال قد وعد عبـاده ول خـلف لوعده فَل َت ُغ ّرنّكُمُ الـحَياةُ ال ّدنْـيا يقول‪:‬‬
‫فل تـخدعنكم زينة الـحياة الدنـيا ولذّاتها‪ ,‬فتـميـلوا إلـيها‪ ,‬وتدعوا الستعداد لـما فـيه‬
‫خلصـكم مـن عقاب ال ذلك الــيوم‪ .‬وقوله‪ :‬وَل َي ُغ ّرنّكُم ْـ بــال ال َغرُورِ يقول‪ :‬ول يخدعنّكـم‬
‫بـال خادع‪ .‬والغَرور بفتـح الغين‪ :‬هو ما غرّ النسان من شيء‪ ,‬كائنا ما كان شيطانا كان‬
‫أو إن سانا‪ ,‬أو دن ـيا وأ ما الغُرور بض مّ الغ ين‪ :‬ف هو م صدر من قول القائل‪ :‬غرر ته غرورا‪.‬‬
‫وبنـحو الذي قلنا فـي معنى قوله وَل َي ُغ ّر ّنكُمْ بـاللّ ِه ال َغرُور قال أهل التأويـل‪ .‬ذكر من قال‬
‫ذلك‪:‬‬
‫‪ 21452‬ـ حدثنـي م ـحمد بن عمرو‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا أ بو عا صم‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا عي سى وحدثنـي‬
‫الــحارث‪ ,‬قال‪ :‬حدثنـا الــحسن‪ ,‬قال‪ :‬حدثنـا ورقاء جميعـا‪ ,‬عـن ابـن أبــي نــجيح‪ ,‬عـن‬
‫مـجاهد‪ ,‬قوله ال َغرُور قال‪ :‬الشيطان‪.‬‬
‫‪ 21453‬ـ حدثنا ب شر‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا يز يد‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا سعيد‪ ,‬عن قَتادة قوله وَل َي ُغرّنكُ مْ بِ ـاللّهِ‬
‫ال َغرُورُ ذاكم الشيطان‪.‬‬
‫‪ 21454‬ـ حُد ثت عن الـحسين‪ ,‬قال‪ :‬سمعت أبـا معاذ الف ضل بن خالد ال ـمروزي‪ ,‬يقول‪:‬‬
‫أخبرنا عبـيد‪ ,‬قال‪ :‬سمعت الضحاك يقول‪ ,‬فـي قوله ال َغرُورُ قال‪ :‬الشيطان‪.‬‬
‫وكان بعضهم يتأوّل الغَرور بـما‪:‬‬
‫‪ 21455‬ـ حدثنا ابن حميد‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا ابن الـمبـارك‪ ,‬عن ابن لهيعة‪ ,‬عن عطاء بن دينار‪,‬‬
‫جبَـير‪ ,‬قوله‪ :‬وَل َي ُغ ّر ّنكُ مْ بـاللّ ِه ال َغرُورُ قال‪ :‬إن تعمل بـالـمعصية وتتـمنى‬
‫عن سعيد بن ُ‬
‫الـمغفرة‪.‬‬
‫‪34‬‬ ‫الية ‪:‬‬
‫ن اللّ هَ عِندَ هُ عِلْ مُ ال سّاعَةِ َو ُي َنزّلُ ا ْل َغيْ ثَ َو َيعْلَ مُ مَا فِي‬
‫القول ف ـي تأوي ـل قوله تعال ـى‪ِ{ :‬إ ّ‬
‫س ِبأَ يّ َأرْضٍـ َتمُو تُ إِنّـ اللّ هَ عَلَيمٌـ‬
‫الرْحَامِـ وَمَا َتدْرِي نَفْ سٌ مّاذَا َتكْ سِبُ غَدا وَمَا َت ْدرِي نَفْ ٌ‬
‫خبِيرٌ }‪.‬‬
‫َ‬
‫جزِي وَالدٌ عَ نْ وََلدِ هِ‪ ,‬وَل‬
‫خشَوْا يَوْ ما ل َي ْ‬
‫يقول تعال ـى ذكره‪ :‬يا أيّ ها النّا سُ اتّقُوا َر ّبكُ مْ‪ ,‬وَا ْ‬
‫شيْئا هو آتـيكم علـم إتـيانه إياكم عند ربكم‪ ,‬ل يعلـم أحد متـى‬
‫ع نْ وَاِلدِ ِه َ‬
‫مَوْلُودٌ هُ َو جازٍ َ‬
‫ل بغتة‪ ,‬فـاتقوه أن يفجأكم بغتة‪ ,‬وأنتـم علـى ضللتكم لـم تنـيبوا‬
‫هو جائيكم‪ ,‬ل يأتـيكم إ ّ‬
‫منها‪ ,‬فتصيروا من عذاب ال وعقابه إلـى ما ل قِبل لكم به وابتدأ تعالـى ذكره الـخبر عن‬
‫علـمه بـمـجيء الساعة‪ .‬والـمعنى‪ :‬ما ذكرت لدللة الكلم علـى الـمراد منه‪ ,‬فقال‪ :‬إ نّ‬
‫ث من‬
‫عةِ التـي تقوم فـيها القـيامة‪ ,‬ل يعلـم ذلك أحد غيره وينزّلُ ال َغيْ َ‬
‫ع ْندَهُ عِلْـمُ السّا َ‬
‫اللّهَ ِ‬
‫السماء‪ ,‬ل يقدر علـى ذلك أحد غيره َو َيعْلَـمُ ما فـي الرْحا مِ أرحام الناث وَما َت ْدرِي نَفْ سٌ‬
‫ماذَا َتكْ سِبُ غَدا يقول‪ :‬وما تعلـم نفس ح يّ ماذا تعمل فـي غد‪ ,‬وَما َتدْرِي نَفْ سٌ بأ يّ أرْض‬
‫خبِـيرٌ يقول‪:‬‬
‫ن اللّ هَ عَلِـيـمٌ َ‬
‫تَـمُوتُ يقول‪ :‬وما تعلـم نفس ح يّ بأ يّ أرض تكون منـيتها إ ّ‬
‫ل أحـد سـواه‪ ,‬إنـه ذو علــم بكلّ شيـء‪ ,‬ل يخفــى‬
‫إن الذي يعلــم ذلك كله‪ ,‬هـو ال دون ك ّ‬
‫علـيه شيء‪ ,‬خبـير بـما هو كائن‪ ,‬وما قد كان‪ .‬وبنـحو الذي قلنا فـي تأويـل ذلك قال‬
‫أهل التأويـل‪ .‬ذكر من قال ذلك‪:‬‬
‫‪ 21456‬ـ حدثنـي م ـحمد بن عمرو‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا أ بو عا صم‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا عي سى وحدثنـي‬
‫الـحارث‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا الـحسن قال‪ :‬حدثنا ورقاء جميعا‪ ,‬عن ابن أبـي نـجيح‪ ,‬عن مـجاهد‬
‫ع ْندَ هُ عِلْـمُ ال سّاعَ ِة قال‪ :‬جاء رجل قال قال أبو جع فر‪ :‬أحسبه أنا‪ ,‬قال إلـى النبـيّ‬
‫إ نّ الّل هَ ِ‬
‫صلى ال عل يه و سلم فقال‪ :‬إ نّ امرأت ـي حُبل ـى‪ ,‬فأخبرن ـي ماذا تلد؟ وبلد نا م ـحل جد بة‪,‬‬
‫فأخبرن ـي مت ـى ينزل الغ يث؟ و قد عل ـمت مت ـى وَلدت‪ ,‬فأخبرن ـي مت ـى أموت‪ ,‬فأنزل‬
‫عةِ‪َ ,‬و ُي َنزّلُ ال َغيْ ثَ‪ ...‬إل ـى آ خر ال سورة‪ ,‬قال‪ :‬فكان م ـجاهد‬
‫ع ْندَ هُ عِلْ ـمُ ال سّا َ‬
‫ن اللّ هَ ِ‬
‫ال‪ :‬إ ّ‬
‫ح ال َغيْبِ ل َيعْلَـمُها إلّ ُهوَ‪.‬‬
‫ع ْندَهُ مَفـاتِـ ُ‬
‫يقول‪ :‬هنّ مفـاتـح الغيب التـي قال ال َو ِ‬
‫ع ْندَ هُ عِلْ ـمُ‬
‫ن اللّ هَ ِ‬
‫‪ 21457‬ـ حدث نا ب شر‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا يز يد‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا سعيد‪ ,‬عن قَتادة إ ّ‬
‫عةِ‪ ...‬الَية‪ ,‬أشياء من الغيب‪ ,‬استأثر ال بهنّ‪ ,‬فلـم يطلع علـيهنّ ملَكا مقرّبـا‪ ,‬ول نبـيا‬
‫السّا َ‬
‫ي سنة‪,‬‬
‫مرسلً إنّ الّلهَ عِندَهُ عِلْـمُ السّاعَ ِة فل يدري أحد من الناس متـى تقوم الساعة‪ ,‬فـي أ ّ‬
‫أو فـي أ يّ شهر‪ ,‬أو لـيـل‪ ,‬أو نهار ويُنزّلُ ال َغيْثَ فل يعلـم أحد متـى ينزل الغيث‪ ,‬لـيلً‬
‫أو نهارا ينزل؟ َو َيعْلَـمُ ما فِـي الرْحا ِم فل يعلـم أحد ما فِـي الرحام‪ ,‬أذكر أو أنثى‪ ,‬أحمر‬
‫س ماذَا َتكْ سِبُ غَدا خير أم شرّ‪ ,‬ول تدري يا ابن آدم متـى‬
‫أو أسود‪ ,‬أو ما هو؟ وَما َتدْرِي نَفْ ٌ‬
‫ت لـيس‬
‫س بأ يّ أرْ ضٍ تَـمُو ُ‬
‫تـموت؟ لعلك الـميت غدا‪ ,‬لعلك الـمصاب غدا وَما َتدْرِي نَفْ ٌ‬
‫أ حد من الناس يدري أ ين مضج عه من الرض ف ـي ب حر أو برّ أو سهل أو ج بل‪ ,‬تعال ـى‬
‫وتبـارك‪.‬‬
‫‪ 21458‬ـ حدثنا ابن حميد‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا جرير‪ ,‬عن مغيرة‪ ,‬عن الشعبـيّ‪ ,‬قال‪ :‬قالت عائشة‪:‬‬
‫ل َيعْلَ ـمُ‬
‫من قال‪ :‬إن أحدا يعل ـم الغ يب إلّ ال ف قد كذب‪ ,‬وأعظ مَ الفريةَ عل ـى ال‪ .‬قال ال‪َ :‬‬
‫ب إلّ الّلهُ‪.‬‬
‫سمَوَاتِ وَالرْضِ ا ْل َغيْ َ‬
‫ن فِـي ال ّ‬
‫مَ ْ‬
‫‪ 21459‬ـ حدثن ـي يعقوب‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا ا بن عل ـية‪ ,‬عن يو نس بن عب ـيد‪ ,‬عن عمرو بن‬
‫شُعيب أن رجلً قال‪ :‬يا رسول ال‪ ,‬هل من العلـم علـم لـم تؤته؟ قال‪« :‬لَ َق ْد أُوتِـيتُ عِلْـما‬
‫َكثِـيرا‪ ,‬وَعِلْـما حَ سَنا»‪ ,‬أو كما قال رسول ال صلى ال عليه وسلم‪ ,‬ثم تل رسول ال صلى‬
‫ن اللّ هَ عَلِـيـمٌ‬
‫ل ال َغيْ ثَ‪ ...‬إلـى إ ّ‬
‫عةِ َو ُينَزّ ُ‬
‫ع ْندَ هُ عِلْـمُ ال سّا َ‬
‫ن اللّ هَ ِ‬
‫ال عليه وسلم هذه الَية‪ :‬إ ّ‬
‫ن إلّ الّلهُ تَبـارَكَ َوتَعالـى»‪.‬‬
‫خبِـيرٌ «ل َيعْلَـ ُمهُ ّ‬
‫َ‬
‫‪ 21460‬ـ حدثنـي يونس‪ ,‬قال‪ :‬أخبرنا ابن وهب‪ ,‬قال‪ :‬ثنـي عمرو بن مـحمد‪ ,‬عن أبـيه‪,‬‬
‫خمْ سَةٌ‪ ,‬ثم‬
‫عن عبد ال بن عمرو أن رسول ال صلى ال عليه وسلم قال‪« :‬مَفـاتِـحُ ال َغيْ بِ َ‬
‫عةِ‪ ...‬إلـى آخرها»‪.‬‬
‫ع ْندَهُ عِلْـمُ السّا َ‬
‫ن اللّهَ ِ‬
‫قرأ هؤلء الَيات إ ّ‬
‫‪ 21461‬ـ حدثنـي علـيّ بن سهل‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا مؤمل‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا سفـيان‪ ,‬عن عبد ال بن‬
‫خمْ سٌ‬
‫ب َ‬
‫دينار‪ ,‬أنه سمع ابن عمر يقول‪ :‬قال رسول ال صلى ال عليه وسلم‪« :‬مَفـاتِـحُ ال َغيْ ِ‬
‫ل ال َغيْ ثَ‪ ,‬و َيعْلَـمُ ما فِـي الرْحا مِ‪...‬‬
‫عةِ‪ ,‬ويُنزّ ُ‬
‫ع ْندَ هُ عِلْـمُ ال سّا َ‬
‫ن اللّ هَ ِ‬
‫ل اللّ هُ‪ ,‬إ ّ‬
‫ل َيعْلَـ ُمهُنّ إ ّ‬
‫ل اللّ هُ‪ ,‬وَل‬
‫حدٌ مَتـى َي ْنزِلُ ال َغيْ ثَ إ ّ‬
‫ل اللّ هُ‪ ,‬وَل َيعْلَ ـمُ أ َ‬
‫الَ ية‪ ,‬ثم قال‪ :‬ل َيعْلَـمُ ما فِ ـي غَد إ ّ‬
‫ل اللّ هُ‪ ,‬وَل َتدْرِي‬
‫حدٌ ما فِـي الرْحا مِ إ ّ‬
‫ل اللّ هُ‪ ,‬وَل َيعْلَـمُ أ َ‬
‫عةِ إ ّ‬
‫حدٌ مَتـى قِـيامُ ال سّا َ‬
‫َيعْلَ ـمُ أ َ‬
‫نَفْسٌ بأيّ أرْض تَـمُوتُ‪.‬‬
‫حدثنا ابن وكيع‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا أبـي‪ ,‬عن سفـيان‪ ,‬عن عبد ال بن دينار‪ ,‬عن ابن عمر‪ ,‬قال‪:‬‬
‫ع ْندَهُ‬
‫س ل َيعْلَـمُها إلّ اللّهُ‪ :‬إنّ الّلهَ ِ‬
‫خمْ ٌ‬
‫قال رسول ال صلى ال عليه وسلم‪« :‬مَفـاتِـحُ ال َغيْبِ َ‬
‫عِلْـ ُم ال سّاعَةِ‪ ,‬و ُي َنزّلُ ال َغيْ ثَ‪َ ,‬و َيعْلَـمُ ما فِـي الرْحا مِ‪ ,‬وَما َتدْرِي نَفْ سٌ ماذَا َتكْ سِبُ غَدا‪ ,‬وَما‬
‫خبِـيرٌ»‪.‬‬
‫ن اللّهَ عَلِـيـمٌ َ‬
‫س بأيّ أرْضٍ تَـمُوتُ‪ ,‬إ ّ‬
‫َتدْرِي نَفْ ٌ‬
‫‪21462‬ـ حدثنا ابن وكيع‪ ,‬قال‪ :‬ثنـي أبـي‪ ,‬عن مسعر‪ ,‬عن عمرو بن مرّة‪ ,‬عن عبد ال بن‬
‫سلـمة‪ ,‬عن ابن مسعود قال‪ :‬كلّ شيء أوتـيه نبـيكم صلى ال عليه وسلم‪ ,‬إلّ علـم الغيب‬
‫عةِ‪ ,‬و ُي َنزّلُ ال َغيْثَ َو َيعْلَـمُ ما فـي الرْحامِ‪ ,‬وَما َت ْدرِي نَفْسٌ‬
‫ع ْن َدهُ عِلْـمُ السّا َ‬
‫ن اللّهَ ِ‬
‫الـخمس‪ :‬إ ّ‬
‫ض تَـمُوتُ‪.‬‬
‫ماذَا َت ْكسِبُ غَدا‪ ,‬وَما َت ْدرِي نَفْسٌ بأيّ أرْ ٍ‬
‫‪ 21463‬ـ حدثنا ابن وكيع‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا أبـي‪ ,‬عن ابن أبـي خالد‪ ,‬عن عامر‪ ,‬عن مسروق‪,‬‬
‫عن عائشة‪ ,‬قالت‪ :‬من حدّثك أنه يعلـم ما فـي غد فقد كذب‪ ,‬ثم قرأت‪ :‬وَما َت ْدرِي نَفْ سٌ ماذَا‬
‫َتكْسبُ غَدا‪.‬‬
‫‪ 21464‬ـ قال‪ :‬ث نا جر ير وا بن عل ـية‪ ,‬عن أب ـي خب ـاب‪ ,‬عن أب ـي زُر عة‪ ,‬عن أب ـي‬
‫ع ْندَهُ عِلْـمُ‬
‫ن اللّهَ ِ‬
‫ن إلّ الّلهُ‪ :‬إ ّ‬
‫س ل َيعْلَـمُهُ ّ‬
‫خمْ ٌ‬
‫هريرة‪ ,‬عن النبـيّ صلى ال عليه وسلم قال‪َ « :‬‬
‫السّاعَةِ‪ ,‬و ُي َنزّلُ ال َغيْثَ‪ ...‬الَية»‪.‬‬
‫حدثن ـي أ بو شُرَحب ـيـل‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا أ بو ال ـيـمان‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا إ سماعيـل‪ ,‬عن جع فر‪,‬‬
‫عن عمرو بن مرّة‪ ,‬عن عبد ال بن سلـمة‪ ,‬عن ابن مسعود‪ ,‬قال‪ :‬كلّ شيء قد أوتـي نبـيكم‬
‫عةِ‪ ...‬إلـى آخرها‪.‬‬
‫ع ْندَهُ عِلْـمُ السّا َ‬
‫ن اللّهَ ِ‬
‫غير مفـاتـح الغيب الـخمس‪ ,‬ثم قرأ هذه الَية إ ّ‬
‫وقـيـل‪ :‬بأيّ أرض تـموت‪ .‬وفـيه لغة أخرى‪« :‬بأّيةِ أرْضٍ» فمن قال‪ :‬بأيّ أرْضٍ اجتزأ‬
‫بتأنـيث الرض من أن يظهر فـي أ يّ تأنـيث آخر‪ ,‬ومن قال «بأيّة أرْ ضٍ» فأنث‪ ,‬أي قال‪:‬‬
‫قد ت ـجتزىء بأي م ـما أض يف إل ـيه‪ ,‬فل بدّ من التأن ـيث‪ ,‬كقول القائل‪ :‬مررت ب ـامرأة‪,‬‬
‫فـيقال له‪ :‬بأية‪ ,‬ومررت برجل‪ ,‬فـيقال له بأ يّ ويقال‪ :‬أ يّ امرأة جاءتك وجاءك‪ ,‬وأية امرأة‬
‫جاءتك‪.‬‬

‫سورة السجدة‬
‫سورة السجدة مكية‬
‫وآياتها ثلثون‬
‫بسم ال الرحمَن الرحيـم‬

‫‪3- 1‬‬ ‫الية ‪:‬‬


‫القول فـي تأويـل قوله تعالـى‪{ :‬الَـمَ * تَنزِيلُ ا ْل ِكتَا بِ لَ َريْ بَ فِي ِه مِن رّ بّ ا ْلعَاَلمِي نَ *‬
‫حقّ مِن ّر ّبكَ ِلتُن ِذرَ قَوْما مّآ َأتَاهُم مّن ّنذِيرٍ مّن قَبِْلكَ َلعَّل ُهمْ َي ْه َتدُونَ }‪.‬‬
‫ل هُ َو ا ْل َ‬
‫ن ا ْفتَرَا ُه بَ ْ‬
‫َأمْ يَقُولُو َ‬
‫قال أ بو حع فر‪ :‬قد م ضى الب ـيان عن تأوي ـل قوله ال ـم ب ـما ف ـيه الكف ـاية‪ .‬وقوله‪:‬‬
‫ل الكِتا بِ ل َريْ بَ فِ ـي ِه يقول تعال ـى ذكره‪ :‬تنزيـل الكتاب الذي نزّل علـى م ـحمد‬
‫تَنزِي ـ ُ‬
‫ب العال ـمين‪ :‬يقول‪ :‬من ر بّ الثقل ـين‪ :‬ال ـجنّ‪,‬‬
‫صلى ال عل يه و سلم‪ ,‬ل ش كّ ف ـيه من ر ّ‬
‫والنس‪ .‬كما‪:‬‬
‫حدث نا ب شر‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا يز يد‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا سعيد‪ ,‬عن قتادة‪ ,‬قوله‪ :‬ال ـم َت ْنزِي ـلُ الكِتا بِ ل‬
‫َريْ بَ فِ ـي ِه ل ش كّ ف ـيه‪ .‬وإن ـما مع نى الكلم‪ :‬أن هذا القرآن الذي أُنزل عل ـى م ـحمد ل‬
‫ش كّ فـيه أنه من عند ال‪ ,‬ولـيس بشعر ول سجع كاهن‪ ,‬ول هو مـما تـخرّصه مـحمد‬
‫ل ثناؤه بذلك قول الذ ين قالُوا أ ساطِيرُ الوّلِ ـينَ ا ْك َت َتبَ ها‬
‫صلى ال عل يه و سلم‪ ,‬وإن ـما كذّب ج ّ‬
‫ن َهذَا إلّ إفْكٌ ا ْف َترَاهُ وأعانَهُ عَلَـيْ ِه قَوْمٌ‬
‫َفهِيَ تُـمْلَـى عَلَـيْ ِه ُبكْرَةً وأصِيلً وقول الذين قالوا‪ :‬إ ْ‬
‫خرُونَ‪.‬‬
‫آَ‬
‫وقوله‪ :‬أ مْ يَقُولُو نَ ا ْف َترَا هُ يقول تعال ـى ذكره‪ :‬يقول ال ـمشركون ب ـال‪ :‬اختلق هذا الكتاب‬
‫مـحمد من قِبل نفسه‪ ,‬وتكذّبه و «أم» هذه تقرير‪ ,‬وقد بـيّنا فـي غير موضع من كتابنا‪ ,‬أن‬
‫العرب إذا اعترضت بـالستفهام فـي أضعاف كلم قد تقدّم بعضه أن يستفهم بأم‪ .‬وقد زعم‬
‫بعضهـم أن معنـى ذلك‪ :‬ويقولون‪ .‬وقال‪ :‬أم بــمعنى الواو‪ ,‬بــمعنى بـل فــي مثـل هذا‬
‫الـموضع‪ ,‬ثم أكذبهم تعالـى ذكره فقال‪ :‬ما هو كما تزعمون وتقولون من أن مـحمدا افتراه‪,‬‬
‫بل هو الـحقّ والصدق من عند ربك يا مـحمد‪ ,‬أنزله إلـيك‪ ,‬لتنذر قوما بأس ال وسطوته‪,‬‬
‫ن قَبْل كَ يقول‪ :‬ل ـم يأت هؤلء القوم الذ ين‬
‫أن يحلّ ب هم عل ـى كفر هم به ما أتاهُ مْ ِم نْ َنذِيرٍ م ْ‬
‫أر سلك ر بك يا م ـحمد إل ـيهم‪ ,‬و هم قو مه من قر يش‪ ,‬نذ ير ينذر هم بأس ال عل ـى كفر هم‬
‫ق فــيعرفوه ويؤمنوا بـه‪.‬‬
‫ُونـ يقول‪ :‬لــيتبّـينوا سـبـيـل الــح ّ‬
‫ُمـ َي ْه َتد َ‬
‫قبلك‪ .‬وقوله‪َ :‬لعَّله ْ‬
‫وبـمثل الذي قلنا فـي تأويـل ذلك قال أهل التأويـل‪ .‬ذكر من قال ذلك‪:‬‬
‫‪ 21465‬ـ حدثنا بشر‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا يزيد‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا سعيد‪ ,‬عن قَتادة ِل ُت ْن ِذرَ قَوْما ما أتاهُ مْ ِم نْ‬
‫ن قال‪ :‬كانوا أمّة ُأ ّميّة‪ ,‬لـم يأتهم نذير قبل مـحمد صلى ال عليه‬
‫َنذِيرٍ ِم نْ َقبْلِ كَ َلعَّلهُ مْ َي ْه َتدُو َ‬
‫وسلم‪.‬‬

‫‪4‬‬ ‫الية ‪:‬‬


‫ستّةِ‬
‫سمَاوَاتِ وَالرْ ضَ َومَا َب ْي َنهُمَا فِي ِ‬
‫القول فـي تأويـل قوله تعالـى‪{ :‬الّل ُه اّلذِي خَلَ قَ ال ّ‬
‫ستَ َوىَ عَلَى ا ْل َعرْشِ مَا َل ُكمْ مّن دُونِ ِه مِن وَِليّ َولَ شَفِي ٍع َأفَلَ َت َت َذكّرُونَ }‪.‬‬
‫َأيّامٍ ُثمّ ا ْ‬
‫ل له أيهـا الناس اّلذِي خَــَلقَ‬
‫يقول تعالــى ذكره‪ :‬الــمعبود الذي ل تصـلـح العبــادة إ ّ‬
‫ستّ ِة أيّا مٍ ثم ا ستوى عل ـى عر شه ف ـي‬
‫ت والرْ ضَ وَ ما بَ ـ ْينَهُما من خ ـلق فِ ـي ِ‬
‫سمَوَا ِ‬
‫ال ّ‬
‫الـيوم السابع بعد خـلقه السموات والرض وما بـينهما‪ .‬كما‪:‬‬
‫سمَوَاتِ‬
‫‪ 21466‬ـ حدثنا بشر‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا يزيد‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا سعيد‪ ,‬عن قَتادة اللّ ُه اّلذِي خَـَلقَ ال ّ‬
‫ستَوَى عَل ـى ال َعرْ شِ ف ـي ال ـيوم ال سابع‪ .‬يقول‪:‬‬
‫ستّةِ أيّا مٍ ثُ مّ ا ْ‬
‫والرْ ضَ وَ ما بَ ـ ْي َنهُما فِ ـي ِ‬
‫مالكم أيها الناس إله إلّ من فعل هذا الفعل‪ ,‬وخـلَق هذا الـخَـلْق العجيب فـي ستة أيام‪.‬‬
‫ن دُو ِن هِ مِ نْ وَلـيّ وَل شَفِـيعٍ يقول‪ :‬ما لكم أيها الناس دونه ولـيّ يـلـي‬
‫وقوله‪ :‬ما َلكُ مْ مِ ْ‬
‫أمر كم وين صركم م نه إن أراد ب كم ضرّا‪ ,‬ول شف ـيع يش فع ل كم عنده إن هو عاقب كم عل ـى‬
‫مع صيتكم إياه‪ ,‬يقول‪ :‬فإياه ف ـاتـخذوا ول ـيا‪ ,‬و به وبطاع ته ف ـاستعينوا عل ـى أمور كم فإ نه‬
‫يـمنعكم إذا أراد منعكم مـمن أرادكم بسوء‪ ,‬ول يقدر أحد علـى دفعه عما أراد بكم هو‪ ,‬لنه‬
‫ن يقول تعالـى ذكره‪ :‬أفل تعتبرون وتتفكّرون أيها‬
‫ل يقهره قاهر‪ ,‬ول يغلبه غالب أفَل َت َتذَ ّكرُو َ‬
‫الناس‪ ,‬فتعلـموا أنه لـيس لكم دونه ولـيّ ول شفـيع‪ ,‬فتفردوا له اللوهة‪ ,‬وتـخـلصوا له‬
‫العبـادة‪ ,‬وتـخـلعوا ما دونه من النداد والَلهة‪.‬‬

‫‪5‬‬ ‫الية ‪:‬‬


‫ض ثُمّ َي ْعرُجُ إَِليْهِ فِي َيوْمٍ‬
‫سمَآ ِء إِلَى الرْ ِ‬
‫ن ال ّ‬
‫القول فـي تأويـل قوله تعالـى‪ُ { :‬ي َدّبرُ ال ْمرَ مِ َ‬
‫سنَ ٍة ّممّا َت ُعدّونَ }‪.‬‬
‫كَانَ مِ ْقدَارُ ُه أَ ْلفَ َ‬
‫يقول تعالـى ذكره‪ :‬ال هو الذي يدبر المر من أمر خـلقه من السماء إلـى الرض‪ ,‬ثم‬
‫يعرُج إلـيه‪.‬‬
‫سنَةٍ‬
‫ن مِ ْقدَارُ ُه ألْفَ َ‬
‫واختلف أهل التأويـل فـي الـمعنـيّ بقوله ُثمّ َي ْعرُجُ إلَـيْ ِه فِـي َيوْ ٍم كا َ‬
‫مِــمّا َت ُعدّون َـ فقال بعضهـم‪ :‬معناه‪ :‬أن المـر ينزل مـن السـماء إلــى الرض‪ ,‬ويصـعد مـن‬
‫الرض إلـى السماء فـي يوم واحد‪ ,‬وقدر ذلك ألف سنة مـما تعدّون من أيام الدنـيا‪ ,‬لن‬
‫ما ب ـين الرض إل ـى ال سماء خ مس مئة عام‪ ,‬و ما ب ـين ال سماء إل ـى الرض م ثل ذلك‪,‬‬
‫فذلك ألف سنة‪ .‬ذكر من قال ذلك‪:‬‬
‫‪21467‬ـ حدثنا ابن حميد‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا حكام‪ ,‬عن عمرو بن معروف‪ ,‬عن لـيث‪ ,‬عن مـجاهد‬
‫سنَةٍ يعن ـي بذلك نزول ال مر من ال سماء إل ـى الرض‪ ,‬و من‬
‫فِ ـي يَوْ ٍم كان م ْقدَارُ هُ ألْ فَ َ‬
‫الرض إل ـى ال سماء فــي يوم وا حد‪ ,‬وذلك مقداره ألف سنة‪ ,‬لن ما ب ـين ال سماء إل ـى‬
‫الرض مسيرة خمس مئة عام‪.‬‬
‫ن ال سّماءِ‬
‫ل ْمرَ مِ َ‬
‫‪ 21468‬ـ حدث نا ب شر‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا يز يد‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا سعيد‪ ,‬عن قَتادة ُي َدّبرُ ا َ‬
‫ن مِقْدارُ هُ ألْ فَ سنة مِـمّا َت ُعدّو نَ يقول‪:‬‬
‫إلـى الرْض ثُ مّ َي ْعرُ جُ إلَـيْ ِه فِـي يَوْ ٍم من أيامكم كا َ‬
‫مقدار م سيره ف ـي ذلك ال ـيوم ألف سنة م ـما تعدّون من أيام كم من أيام الدن ـيا خ مس مئة‬
‫سنة نزوله‪ ,‬وخمس مئة صعوده فذلك ألف سنة‪.‬‬
‫ج إلَـيْهِ‬
‫جوَيبر‪ ,‬عن الضحاك ثُ مّ َيعْرُ ُ‬
‫‪ 21469‬ـ حدثنا ابن وكيع‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا أبو معاوية‪ ,‬عن ُ‬
‫سنَ ٍة مِ ـمّا َت ُعدّو نَ قال‪ :‬تعرج ال ـملئكة إل ـى ال سماء‪ ,‬ثم تنزل‬
‫فِ ـي يَوْ ٍم كا نَ مِ ْقدَارُ ُه ألْ فَ َ‬
‫فـي يوم من أيامكم هذه‪ ,‬وهو مسيرة ألف سنة‪.‬‬
‫ن قال‪:‬‬
‫سنَةٍ مِـمّا َت ُعدّو َ‬
‫‪ 21470‬ـ قال‪ :‬ثنا أبـي‪ ,‬عن سفـيان‪ ,‬عن سماك‪ ,‬عن عكرمة ألْ فَ َ‬
‫من أيام الدنـيا‪.‬‬
‫‪21471‬ـ حدثنا هناد بن السريّ‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا أبو الحوص‪ ,‬عن أبـي الـحارث‪ ,‬عن عكرمة‪,‬‬
‫ض ثُ مّ َي ْعرُ جُ إلَـيْ ِه فِـي يَوْ مٍ‬
‫ن ال سّما ِء إلـى الرْ ِ‬
‫عن ابن عبـاس‪ ,‬فـي قوله‪ُ :‬ي َدّبرُ المْ َر مِ َ‬
‫من أيامكم هذه‪ ,‬مسيرة ما بـين السماء إلـى الرض خمس مئة عام‪.‬‬
‫وذ كر عن ع بد الرزاق‪ ,‬قال‪ :‬أخبر نا مع مر‪ ,‬عن قتادة قال‪ :‬تن ـحدر المور وت صعد من‬
‫السماء إلـى الرض فـي يوم واحد‪ ,‬مقداره ألف سنة‪ ,‬خمس مئة حتـى ينزل‪ ,‬وخمس مئة‬
‫حتـى يعرُج‪.‬‬
‫وقال آخرون‪ :‬بل مع نى ذلك‪ :‬يدبر ال مر من ال سماء إل ـى الرض‪ ,‬ثم يعرج إل ـيه ف ـي‬
‫ن الــخـلق‪ ,‬كان مقدار ذلك الــيوم ألف سـنة‬
‫يوم مـن اليام السـتة التــي خــلق ال فــيه ّ‬
‫مـما تعدّون من أيامكم‪ .‬ذكر من قال ذلك‪:‬‬
‫‪ 21472‬ـ حدثنا ابن حميد‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا حكام‪ ,‬عن عنبسة‪ ,‬عن سماك‪ ,‬عن عكرمة‪ ,‬عن ابن‬
‫ن قال‪ :‬ذلك مقدار الـمسير قوله كألف سنة مـما تعدّون‪ ,‬قال‪:‬‬
‫سنَةٍ مِـمّا َتعُدّو َ‬
‫عبـاس ألْ فَ َ‬
‫ل يوم من هذه كألف سنة مـما تعدّون أنتـم‪.‬‬
‫خـلق السموات والرض فـي ستة أيام‪ ,‬وك ّ‬
‫حدث نا ا بن وك يع‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا أب ـي‪ ,‬عن إ سرائيـل‪ ,‬عن سماك‪ ,‬عن عكر مة‪ ,‬عن ا بن‬
‫ن قال‪ :‬ال ستة اليام الت ـي خ ـلق ال‬
‫سنَ ٍة مِ ـمّا َتعُدو َ‬
‫ن مِقْدارُ هُ ألْ فَ َ‬
‫عب ـاس فِ ـي َيوْ مٍ كا َ‬
‫فـيها السموات والرض‪.‬‬
‫‪ 21473‬ـ حُد ثت عن ال ـحسين‪ ,‬قال‪ :‬سمعت أب ـا معاذ يقول‪ :‬أخبر نا عب ـيد‪ ,‬قال‪ :‬سمعت‬
‫سنَةٍ مِـمّا َتعُدو نَ يعنـي هذا الـيوم من‬
‫ن مِقْدارُ ُه ألْ فَ َ‬
‫الضحاك يقول فـي قوله فِـي َيوْ ٍم كا َ‬
‫اليام الستة التـي خـلق ال فـيهنّ السموات والرض وما بـينهما‪.‬‬
‫وقال آخرون‪ :‬بل معنى ذلك‪ :‬يدبر المر من السماء إلـى الرض بـالـملئكة‪ ,‬ثم تعرج‬
‫إلـيه الـملئكة‪ ,‬فـي يَ ْومٍ كان مقداره ألف سنة من أيام الدنـيا‪ .‬ذكر من قال ذلك‪:‬‬
‫‪ 21474‬ـ حدثن ـي عل ـيّ‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا ع بد ال‪ ,‬قال‪ :‬ثن ـي معاو ية‪ ,‬عن عل ـيّ‪ ,‬عن ا بن‬
‫سنَ ٍة قال‪ :‬هذا ف ـي الدن ـيا‬
‫ف َ‬
‫ن مِ ْقدَارُ ُه ألْ َ‬
‫ج إلَ ـيْ ِه فِ ـي يَوْ ٍم كا َ‬
‫عب ـاس‪ ,‬ف ـي قوله ثُ مّ َي ْعرُ ُ‬
‫تعرج الـملئكة إلـيه فـي يوم كان مقداره ألف سنة‪.‬‬
‫‪ 21475‬ـ حدثنا ابن وكيع‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا غندر‪ ,‬عن شعبة‪ ,‬عن سماك‪ ,‬عن عكرمة فِـي َيوْ مٍ‬
‫سنَ ٍة قال‪ :‬ما ب ـين ال سماء والرض م سيرة ألف سنة م ـما تعدّون من أيام‬
‫كا نَ مِ ْقدَارُ ُه ألْ فَ َ‬
‫الَخرة‪.‬‬
‫حدثنا ابن الـمثنى‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا مـحمد بن جعفر‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا شعبة‪ ,‬عن سماك‪ ,‬عن عكرمة‬
‫سنَةٍ مِ ـمّا َت ُعدّو نَ قال‪ :‬ما‬
‫أ نه قال ف ـي هذه الَ ية‪َ :‬ي ْعرُ جُ إلَ ـيْ ِه فِ ـي يَوْ ٍم كا نَ مِ ْقدَارُ ُه ألْ فَ َ‬
‫بـين السماء والرض مسيرة ألف سنة‪.‬‬
‫وقال آخرون‪ :‬بل معنى ذلك‪ :‬يدبر المر من السماء إلـى الرض فـي يوم كان مقدار ذلك‬
‫التدبـير ألف سنة مـما تعدّون من أيام الدنـيا‪ ,‬ثم يعرج إلـيه ذلك التدبـير الذي دبره‪ .‬ذكر‬
‫من قال ذلك‪:‬‬
‫جرَيج‪ ,‬عن مـجاهد‪ ,‬أنه قال‪ :‬يقضي أمر كل شيء ألف‬
‫‪ 21476‬ـ ذُكر عن حجاج‪ ,‬عن ابن ُ‬
‫سنة إلـى الـملئكة ثم كذلك حتـى تـمضي ألف سنة‪ ,‬ثم يقضي أمر كل شيء ألفـا‪ ,‬ثم‬
‫كذلك أبدا‪ ,‬قال‪ :‬يوم كان مقداره‪ ,‬قال‪ :‬الـيوم أن يقال لـما يقضي إلـى الـملئكة ألف سنة‪,‬‬
‫كن فـيكون‪ ,‬ولكن سماه يوما‪ .‬سماه كما بـيّنا كل ذلك عن مـجاهد‪ ,‬قال‪ :‬وقوله‪ :‬إ نّ َيوْما‬
‫سنَ ِة مِـمّا َت ُعدّون قال‪ :‬هو هوسواء‪.‬‬
‫ع ْندَ َربّك كأ ْلفِ َ‬
‫ِ‬
‫وقال آخرون‪ :‬بل معنى ذلك‪ :‬يدبر المر من السماء إلـى الرض‪ ,‬ثم يعرج إلـى ال فـي‬
‫يوم كان مقداره ألف سنة‪ ,‬مقدار العروج ألف سنة مـما تعدّون‪ .‬ذكر من قال ذلك‪:‬‬
‫‪ 21477‬ـ حدثن ـي يو نس‪ ,‬قال‪ :‬أخبر نا ا بن و هب‪ ,‬قال‪ :‬قال‪ :‬قال ا بن ز يد‪ ,‬ف ـي قوله‪ :‬ثُ مّ‬
‫ن قال ب عض أهل العلـم‪ :‬مقدار ما‬
‫سنَةِ مِـمّا َت ُعدّو َ‬
‫ف َ‬
‫ن مِقْدارُ هُ ألْ َ‬
‫ج إلَـيْهِ فِـي يَوْ مٍ كا َ‬
‫َيعْرُ ُ‬
‫ب ـين الرض ح ين يعرج إل ـيه إل ـى أن يبلغ عرو جه ألف سنة‪ ,‬هذا مقدار ذلك ال ـمعراج‬
‫فـي ذلك الـيوم حين يعرج فـيه‪.‬‬
‫وأول ـى القوال ف ـي ذلك عندي ب ـالصواب قول من قال‪ :‬معناه‪ :‬يدبر ال مر من ال سماء‬
‫إلــى الرض‪ ,‬ثـم يعرج إلــيه فــي يوم‪ ,‬كام مقدار ذلك الــيوم فــي عروج ذلك المـر‬
‫إلــيه‪ ,‬ونزوله إلــى الرض ألف سـنة مــما تعدون مـن أيامكـم خمـس مئة فــي النزول‪,‬‬
‫وخمس مئة فـي الصعود‪ ,‬لن ذلك أظهر معانـيه‪ ,‬وأشبهها بظاهر التنزيـل‪.‬‬

‫‪8- 6‬‬ ‫الية ‪:‬‬


‫شهَادَ ِة ا ْلعَزِيزُ ال ّرحِي مُ * اّلذِ يَ َأحْ سَنَ‬
‫القول فـي تأويـل قوله تعالـى‪{ :‬ذَلِ كَ عَالِ مُ ا ْل َغيْ بِ وَال ّ‬
‫ل َنسْلَهُ مِن سُلَلَ ٍة مّن مّآءٍ ّمهِينٍ }‪.‬‬
‫جعَ َ‬
‫ن * ُثمّ َ‬
‫ل ْنسَانِ مِن طِي ٍ‬
‫شيْءٍ خَلَ َقهُ َو َبدَأَ خَ ْلقَ ا ِ‬
‫كُلّ َ‬
‫يقول تعال ـى ذكره‪ :‬هذا الذي يف عل ما و صفت ل كم ف ـي هذه الَيات‪ ,‬هو عال ـم الغ يب‪,‬‬
‫يعنــي عالــم مـا يغيـب عـن أبصـاركم أيهـا الناس‪ ,‬فل تبصـرونه مــما تكنـه الصـدور‪,‬‬
‫وتـخفـيه النفوس‪ ,‬وما لـم يكن بعد مـما هو كائن‪ ,‬والشهادة‪ :‬يعنـي ما شاهدته البصار‬
‫فأب صرته وعاين ته و ما هو موجود ال َعزِيزُ يقول‪ :‬الشد يد ف ـي انتقا مه م ـمن ك فر به وأشرك‬
‫معه غيره‪ ,‬وكذّب رسله الرّحِيـمُ بـمن تاب من ضللته‪ ,‬ورجع إلـى اليـمان به وبرسوله‪,‬‬
‫والعمل بطاعته‪ ,‬أن يعذّبه بعد التوبة‪.‬‬
‫شيْءٍ خَ ـلَقَ ُه اختل فت القرّاء ف ـي قراءة ذلك‪ ,‬فقرأه ب عض قراء م كة‬
‫ل َ‬
‫وقوله‪ :‬اّلذِي أحْ سَنَ كُ ّ‬
‫شيْءٍ خَــلْقَهُ» بسـكون اللم‪ .‬وقرأه بعـض الــمدنـيـين‬
‫ل َ‬
‫والــمدينة والبصـرة‪« :‬أحْس َـنَ كُ ّ‬
‫ل شَيْ ٍء خَـلَقَ ُه بفتـح اللم‪.‬‬
‫حسَنَ كُ ّ‬
‫وعامة الكوفـيـين‪ :‬أ ْ‬
‫وال صواب من القول ف ـي ذلك عندي أن يقال‪ :‬إنه ما قراءتان مشهورتان قد قرأ ب كل واحدة‬
‫منه ما عل ـماء من القرّاء صحيحتا ال ـمعنى‪ ,‬وذلك أن ال أح كم خ ـلقه‪ ,‬وأح كم كل ش يء‬
‫خـلَقه‪ ,‬فبأيتهما قرأ القارىء فمصيب‪.‬‬
‫ل شيء وأحكمه‪ .‬ذكر‬
‫واختلف أهل التأويـل فـي مع نى ذلك‪ ,‬فقال بعض هم‪ :‬معناه‪ :‬أتقن ك ّ‬
‫من قال ذلك‪:‬‬
‫‪21478‬ـ حدثنـي العبـاس بن أبـي طالب‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا الـحسين بن إبراهيـم إشكاب‪ ,‬قال‪:‬‬
‫شيْءٍ‬
‫ن كُلّ َ‬
‫حدثنا شريك‪ ,‬عن خَصيف عن عكرمة‪ ,‬عن ا بن عبـاس‪ ,‬فـي قوله‪ :‬اّلذِي أحْ سَ َ‬
‫خَـلَقَ ُه قال‪ :‬أما إن است القرد لـيست بحسنة‪ ,‬ولكن أحكم خـلقها‪.‬‬
‫حدثنا ابن وكيع‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا أبو النضر‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا أبو سعيد الـمؤدّب‪ ,‬عن خصيف‪ ,‬عن‬
‫ل شَيْ ٍء خَ ـلَقَ ُه قال‪ :‬أ ما إن ا ست‬
‫عكر مة‪ ,‬عن ا بن عب ـاس‪ ,‬أ نه كان يقرؤ ها‪ :‬اّلذِي أحْ سَنَ كُ ّ‬
‫القرد لـيست بحسنة‪ ,‬ولكنه أحكمها‪.‬‬
‫‪ 21479‬ـ حدثنـي م ـحمد بن عمرو‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا أ بو عا صم‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا عي سى وحدثنـي‬
‫الــحارث‪ ,‬قال‪ :‬حدثنـا الــحسن‪ ,‬قال‪ :‬حدثنـا ورقاء جميعـا‪ ,‬عـن ابـن أبــي نــجيح‪ ,‬عـن‬
‫شيْءٍ خَـلَ َقهُ قال‪ :‬أتقن كلّ شيء خـلقه‪.‬‬
‫ن كُلّ َ‬
‫حسَ َ‬
‫مـجاهد أ ْ‬
‫‪ 21480‬ـ حدثنـي مـحمد بن عمارة‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا عبد ال بن موسى‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا إسرائيـل‪,‬‬
‫ل شيء‪.‬‬
‫شيْءٍ‪ :‬أحصى ك ّ‬
‫ن كُلّ َ‬
‫عن ابن أبـي نـجيح‪ ,‬عن مـجاهد أتْقَ َ‬
‫وقال آخرون‪ :‬بل معنى ذلك‪ :‬الذي حسن خـلق كل شيء‪ .‬ذكر من قال ذلك‪:‬‬
‫ل شَيْءٍ‬
‫حسَنَ كُ ّ‬
‫‪21481‬ـ حدثنا بشر‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا يزيد‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا سعيد‪ ,‬عن قَتادة‪ ,‬قوله اّلذِي أ ْ‬
‫خَـلَقَ ُه حسن علـى نـحو ما خـلق‪.‬‬
‫جرَ يج‪ ,‬عن العرج‪ ,‬عن م ـجاهد قال‪ :‬هو م ثل‬
‫‪ 21482‬ـ وذُ كر عن ال ـحجاج‪ ,‬عن ا بن ُ‬
‫شيْءٍ خَــلْقَهُ ثـم َهدَى قال‪ :‬فلــم يجعـل خــلق البهائم فــي خــلق الناس‪ ,‬ول‬
‫ل َ‬
‫أعْطَى كُ ّ‬
‫خـلق الناس فـي خـلق البهائم ولكن خـلق ك ّل شيء فقدّره تقديرا‪.‬‬
‫وقال آخرون‪ :‬بل معنى ذلك‪ :‬أعلـم كل شيء خـلقه‪ ,‬كأنهم وجهوا تأويـل الكلم إلـى أنه‬
‫ن إنـما هو من قول القائل‪ :‬فلن يحسن كذا إذا‬
‫ألهم خـلقه ما يحتاجون إلـيه‪ ,‬وأن قوله أحْ سَ َ‬
‫كان يعلـمه‪ .‬ذكر من قال ذلك‪:‬‬
‫‪ 21483‬ـ حدثنا ابن وكيع‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا أبـي‪ ,‬عن شريك‪ ,‬عن خصيف‪ ,‬عن مـجاهد أحْ سَنَ‬
‫شيْءٍ خَـلَقَ ُه قال‪ :‬أعطى كلّ شيء خ ـلقه‪ ,‬قال‪ :‬الن سان إلـى الن سان‪ ,‬والفرس للفرس‪,‬‬
‫كُلّ َ‬
‫والـحمار للـحمار‪ .‬وعلـى هذا القول‪ ,‬الـخَـلْق والكلّ منصوبـان بوقوع أحسن علـيهما‪.‬‬
‫شيْءٍ‬
‫ل َ‬
‫وأول ـى القوال ف ـي ذلك عندي ب ـالصواب عل ـى قراءة من قرأه اّلذِي أحْ سَنَ كُ ّ‬
‫خَـلَقَ ُه بفتـح اللم قول من قال‪ :‬معناه أحكم وأتقن‪ ,‬لنه ل معنى لذلك إذ قرىء كذلك إلّ أحد‬
‫وجهين‪ :‬إما هذا الذي قلنا من معنى الحكام والتقان أو معنى التـحسين الذي هو فـي معنى‬
‫الـجمال والـحُسن فلـما كان فـي خـلقه ما ل يش كّ فـي قُبحه وسماجته‪ ,‬علـم أنه لـم‬
‫يُ عن به أ نه أح سن كلّ ما خ ـلق‪ ,‬ول كن معناه أ نه أحك مه وأت قن صنعته‪ .‬وأ ما عل ـى القراءة‬
‫الخرى الت ـي هي بت سكين اللم‪ ,‬فإن أول ـى تأويل ته به قول من قال‪ :‬معنـى ذلك أعل ـم‬
‫ل شَيْ ٍء خَ ـلْ َقهُ ثُ مّ َهدَى لن ذلك‬
‫وألهم كلّ شيء خ ـلقه‪ ,‬هو أح سنهم‪ ,‬ك ما قال اّلذِي أعْطَى كُ ّ‬
‫أظهر معانـيه‪ .‬وأما الذي وجه تأويـل ذلك إلـى أنه بـمعنى‪ :‬الذي أحسن خـلق كلّ شيء‪,‬‬
‫ل شيء خـلقا منه‪ .‬وقد‬
‫فإنه جعل الـخـلق نصبـا بـمعنى التفسير‪ ,‬كأنه قال‪ :‬الذي أحسن ك ّ‬
‫كان بعضهم يقول‪ :‬هو من الـمقدّم الذي معناه التأخير‪ ,‬ويوجهه إلـى أنه نظير قول الشاعر‪:‬‬
‫ل‬
‫ب ال ِهدَانُ َفعُو ُ‬
‫حضْنَـيْهِ أ ّننِـيِلتِ ْلكَ إذَا ها َ‬
‫ظ ْعنِـي إلَـيْك اللّـيْـل ِ‬
‫َو َ‬
‫يعنـي‪ :‬وظعنـي حضنـي اللـيـل إلـيك ونظير قول الَخر‪:‬‬
‫جتَهايَ ْومَ ا ْلتَقَـيْنا عَلـى أدْحالِ َدبّـاب‬
‫ن ِهنْدا ثَناياها و َب ْه َ‬
‫كأ ّ‬
‫أي كأن ثنايا هند وبهجتها‪.‬‬
‫جعَلَ‬
‫ن يقول تعالـى ذكره‪ :‬وبدأ خـلق آدم من طين ثُ مّ َ‬
‫ن طِي ٍ‬
‫وقوله‪َ :‬وبَدأَ خَـ ْلقَ النْسانِ ِم ْ‬
‫نَ سْلَ ُه يعنـي ذرّيته من سللة‪ ,‬يقول‪ :‬من الـماء الذي انسلّ فخرج منه‪ .‬وإنـما يعنـي من‬
‫إراقة من مائه‪ ,‬كما قال الشاعر‪:‬‬
‫ن‬
‫ضنْفَراسُللَ َة فَرْجٍ كانَ غي َر حَصِي ِ‬
‫غ َ‬
‫عضْبَ الدِيـمِ َ‬
‫فجاءتْ بهِ َ‬
‫ن ماءٍ مَهي نٍ يقول‪ :‬من نطفة ضعيفة رقـيقة‪ .‬وبنـحو الذي قلنا فـي تأويـل ذلك‬
‫وقوله‪ :‬مِ ْ‬
‫قال أهل التأويـل‪ .‬ذكر من قال ذلك‪:‬‬
‫‪ 21484‬ـ حدثنا بشر‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا يزيد‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا سعيد‪ ,‬عن قَتادة َوبَدَأ خَـلْقَ النْسانِ ِم نْ‬
‫طِينٍ وهو خـلق آدم‪ ,‬ثم جعل نسله‪ :‬أي ذرّيته من سللة من ماء مهين‪ ,‬والسللة‪ :‬هي الـماء‬
‫الـمهين الضعيف‪.‬‬
‫‪ 21485‬ـ حدثن ـي أ بو ال سائب‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا أ بو معاو ية‪ ,‬عن الع مش‪ ,‬عن ال ـمنهال‪ ,‬عن‬
‫ن سُللَةِ قال‪ :‬صفو الـماء‪.‬‬
‫أبـي يحيى العرج‪ ,‬عن ابن عبـاس‪ ,‬فـي قوله مِ ْ‬
‫‪ 21486‬ـ حدثنـي م ـحمد بن عمرو‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا أ بو عا صم‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا عي سى وحدثنـي‬
‫الــحارث‪ ,‬قال‪ :‬حدثنـا الــحسن‪ ,‬قال‪ :‬حدثنـا ورقاء جميعـا‪ ,‬عـن ابـن أبــي نــجيح‪ ,‬عـن‬
‫ن ما ٍء َمهِي نٍ قال‪ :‬ضعيف نطفة الرجل‪ ,‬ومهين‪ :‬فعيـل من قول القائل‪ :‬مهن فلن‪,‬‬
‫مـجاهد مِ ْ‬
‫وذلك إذا زلّ وضعف‪.‬‬

‫‪9‬‬ ‫الية ‪:‬‬


‫سمْعَ وَالبْصَارَ‬
‫ل َلكُمُ ال ّ‬
‫جعَ َ‬
‫خ فِيهِ مِن رّوحِهِ َو َ‬
‫القول فـي تأويـل قوله تعالـى‪{ :‬ثُمّ سَوّاهُ َونَفَ َ‬
‫ش ُكرُونَ }‪.‬‬
‫وَال ْف ِئدَةَ قَلِيلً مّا َت ْ‬
‫يقول تعالـى ذكره‪ :‬ثم سوّى النسان الذي بدأ خـلقه من طين خـلقا سويا معتدلً‪ ,‬ونَفَ خَ‬
‫شكُرُو نَ‬
‫سمْعَ والبْ صَارَ وال ْف ِئدَةَ‪ ,‬قَلِ ـيلً ما ت ْ‬
‫جعَلَ َلكُ مُ ال ّ‬
‫ن رُوحِ هِ ف صار ح يا ناط قا َو َ‬
‫فِ ـيهِ ِم ْ‬
‫يقول‪ :‬وأن عم عل ـيكم أي ها الناس رب كم بأن أعطا كم ال سمع ت سمعون به ال صوات‪ ,‬والب صار‬
‫تبصرون بها الشخاص والفئدة‪ ,‬تعقلون بها الـخير من السوء‪ ,‬لتشكروه علـى ما وهب لكم‬
‫ش ُكرُو نَ يقول‪ :‬وأنتـم تشكرون قلـيلً من الشكر ربكم علـى ما‬
‫من ذلك‪ .‬وقوله‪ :‬قَلِـيلً ما َت ْ‬
‫أنعم علـيكم‪.‬‬

‫‪10‬‬ ‫الية ‪:‬‬


‫ل هُم‬
‫جدِيدٍ بَ ْ‬
‫ق َ‬
‫ض أَِإنّا لَفِي خَلْ ٍ‬
‫القول فـي تأويـل قوله تعالـى‪َ { :‬وقَالُوَ ْا أَِإذَا ضَلَ ْلنَا فِي الرْ ِ‬
‫بِلَقَآءِ َر ّب ِهمْ كَافِرُونَ }‪.‬‬
‫يقول تعالــى ذكره‪ :‬وقال الــمشركون بــال‪ ,‬الــمكذّبون بــالبعث‪ :‬أ ِئذَا ضَلَلْنـا فــي‬
‫الرْض أي صارت ل ـحومنا وعظام نا تراب ـا ف ـي الرض وف ـيها لغتان‪ :‬ضَلَلْ نا‪ ,‬وضَلِلْ نا‪,‬‬
‫بفتـح اللم وكسرها والقراءة علـى فتـحها‪ ,‬وهي الـجوداء‪ ,‬وبها نقرأ‪ .‬وذكر عن الـحسن‬
‫أ نه كان يقرأ‪« :‬أ ِئذَا صَلَلْنا» ب ـالصاد‪ ,‬ب ـمعنى‪ :‬أنت نا‪ ,‬من قول هم‪ :‬صلّ الل ـحم وأ صلّ‪ :‬إذا‬
‫أنتن‪ .‬وإنـما عنى هؤلء الـمشركون بقولهم‪ :‬أ ِئذَا ضَلَلْنا فِـي الرْ ضِ أي إذا هلكت أجسادنا‬
‫ف ـي الرض‪ ,‬لن كلّ ش يء غلب عل ـيه غيره حت ـى خف ـي ف ـيـما غلب‪ ,‬فإ نه قد ضلّ‬
‫ل الـماء فـي اللبن‪ :‬إذا غلب علـيه حتـى ل يتبـين فـيه ومنه‬
‫فـيه‪ ,‬تقول العرب‪ :‬قد ض ّ‬
‫قول الخطل لـجرير‪:‬‬
‫لتِـيّ به َفضَلّ ضَللَ‬
‫ت ال َقذَى فـي َموْج أ ْك َدرَ ُمزْبدٍ َق َذفَ ا َ‬
‫ُكنْ َ‬
‫وبنـحو الذي قلنا فـي ذلك قال أهل التأويـل‪ .‬ذكر من قال ذلك‪:‬‬
‫‪ 21487‬ـ حدثنا ابن حميد‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا حكام‪ ,‬عن عنبسة‪ ,‬عن لـيث‪ ,‬عن مـجاهد أ ِئذَا ضَلَلْنا‬
‫فِـي الرْضِ يقول‪ :‬أئذا هلكنا‪.‬‬
‫حدثنـي الـحارث‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا الـحسن‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا ورقاء جميعا‪ ,‬عن ابن أبـي نـجيح‪,‬‬
‫عن مـجاهد أ ِئذَا ضَلَلْنا فِـي الرْضِ هلكنا‪.‬‬
‫‪ 21488‬ـ حُد ثت عن ال ـحسين‪ ,‬قال‪ :‬سمعت أب ـا معاذ يقول‪ :‬أخبر نا عب ـيد‪ :‬قال‪ :‬سمعت‬
‫الضحاك يقول‪ ,‬فــي قوله أ ِئذَا ضَلَلْنـا فِــي الرْض ِـ يقول‪ :‬أئذا كنـا عظامـا ورفــاتا أنبعـث‬
‫خـلقا جديدا؟ يكفرون بـالبعث‪.‬‬
‫‪ 21489‬ـ حدث نا ب شر‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا يز يد‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا سعيد‪ ,‬عن قتادة‪ ,‬وَقالُوا أ ِئذَا ضلَلْنا فـي‬
‫جدِيدٍ قال‪ :‬قالوا‪ :‬أئذا ك نا عظا ما ورف ـاتا أئ نا ل ـمبعوثون خ ـلقا‬
‫الرْض أئِنّا لَفِ ـي خَ ـلْقٍ َ‬
‫جديدا؟‪.‬‬
‫ن يقول تعال ـى ذكره‪ :‬ما بهؤلء ال ـمشركين جحود قدرة‬
‫وقوله‪ :‬بَلْ هُ ْم بِلِقاء َر ّبهِ مْ كا ِفرُو َ‬
‫ال علـى ما يشاء‪ ,‬بل هم بلقاء رب هم كافرون‪ ,‬حذرا لعقا به‪ ,‬وخوف م ـجازاته إيا هم عل ـى‬
‫معصيتهم إياه‪ ,‬فهم من أجل ذلك يجحدون لقاء ربهم فـي الـمعاد‪.‬‬

‫‪11‬‬ ‫الية ‪:‬‬


‫ل ِبكُم ْـ ثُمّـ إَِلىَ َر ّبكُم ْـ‬
‫القول فــي تأويــل قوله تعالــى‪{ :‬قُلْ َي َت َوفّاكُم مّلَك ُـ ا ْل َموْت ِـ اّلذِي ُوكّ َ‬
‫جعُونَ }‪.‬‬
‫ُترْ َ‬
‫يقول تعال ـى ذكره‪ :‬قل يا م ـحمد لهؤلء ال ـمشركين ب ـال‪ :‬يتوف ـاكم ملك ال ـموت‪,‬‬
‫يقول‪ :‬ي ستوفـي عدد كم بق بض أرواح كم ملك ال ـموت الذي و كل بق بض أرواح كم وم نه قول‬
‫الراجز‪:‬‬
‫حدْوَل تَ َوفّـاهُمْ ُق َريْشٌ فِـي ال َع َددْ‬
‫ل ْدرَمِ لَـ ْيسُوا مِنْ أ َ‬
‫إنّ َبنِـي ا َ‬
‫ُونـ يقول‪ :‬مـن بعـد قبـض ملك الــموت أرواحكـم إلــى ربكـم يوم‬
‫ُمـ ُت ْرجَع َ‬
‫ُمـ إلــى َر ّبك ْ‬
‫ثّ‬
‫القـيامة تردّون أحياء كهيئتكم قبل وفـاتكم‪ ,‬فـيجازى الـمـحسن منكم بإحسانه‪ ,‬والـمُسيء‬
‫بإساءته‪.‬‬
‫ك الـمَوْتِ‬
‫‪21490‬ـ حدثنا بشر‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا يزيد‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا سعيد‪ ,‬عن قَتادة قُلْ َيتَ َوفّـا ُكمْ مَلَ ُ‬
‫ل ِب ُكمْ قال‪ :‬ملك الـموت يتوفـاكم‪ ,‬ومعه أعوان من الـملئكة‪.‬‬
‫اّلذِي ُوكّ َ‬
‫‪ 21491‬ـ حدثنـي م ـحمد بن عمرو‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا أ بو عا صم‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا عي سى وحدثنـي‬
‫الــحارث‪ ,‬قال‪ :‬حدثنـا الــحسن‪ ,‬قال‪ :‬حدثنـا ورقاء جميعـا‪ ,‬عـن ابـن أبــي نــجيح‪ ,‬عـن‬
‫ت قال‪ :‬حُ ِويَت له الرض‪ ,‬فجُعلت له م ثل الطست يتناول‬
‫مـجاهد قوله َيتَ َوفّـاكُ ْم مَلَ كُ الـمَوْ ِ‬
‫منها حيث يشاء‪.‬‬
‫حدثنا ابن حميد‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا حكام‪ ,‬عن عنبسة‪ ,‬عن مـحمد بن عبد الرحمن‪ ,‬عن القاسم بن‬
‫أبـي بزّة‪ ,‬عن مـجاهد‪ ,‬بنـحوه‪.‬‬
‫‪12‬‬ ‫الية ‪:‬‬
‫سهِمْ عِندَ َر ّبهِ مْ َر ّبنَآ‬
‫ن نَاكِ سُو ْا رُءُو ِ‬
‫جرِمُو َ‬
‫ى ِإذِ ا ْل ُم ْ‬
‫القول فـي تأويـل قوله تعالـى‪{ :‬وَلَ ْو َترَ َ‬
‫ج ْعنَا َن ْعمَلْ صَالِحا ِإنّا مُو ِقنُونَ }‪.‬‬
‫س ِم ْعنَا فَا ْر ِ‬
‫َأ ْبصَ ْرنَا َو َ‬
‫يقول تعالــى ذكره لنبــيه مــحمد صـلى ال عليـه وسـلم‪ :‬لو ترى يـا مــحمد هؤلء‬
‫جدِيدٍ إذ هم ناك سوا رؤو سهم ع ند رب هم‬
‫ض أئِنّا لَفِ ـي خَ ـ ْلقٍ َ‬
‫القائل ـين أ ِئذَا ضَلَلْ نا فِ ـي الرْ ِ‬
‫ص ْرنَا ما ك نا‬
‫حياء من رب هم‪ ,‬للذي سلف من هم من معا صيه ف ـي الدن ـيا‪ ,‬يقولون‪ :‬يا َربّنَا أبْ َ‬
‫س ِمعْنَا م نك ت صديق ما كا نت ر سلك تأمر نا به ف ـي‬
‫نكذّب به من عقا بك أ هل معا صيك وَ َ‬
‫الدنـيا‪ ,‬فـارجعنا يقول‪ :‬فـارددنا إلـى الدنـيا نعمل فـيها بطاعتك‪ ,‬وذلك العمل الصالـح‬
‫إنّا مُو ِقنُو نَ يقول‪ :‬إ نا قد أيق نا الَن ما ك نا به ف ـي الدن ـيا جهالً من وحدان ـيتك‪ ,‬وأ نه ل‬
‫يصلـح أن يُعبد سواك‪ ,‬ول ينبغي أن يكون ربّ سواك‪ ,‬وأنك تـحيـي وتـميت‪ ,‬وتبعث من‬
‫فـي القبور بعد الـمـمات والفناء وتفعل ما تشاء‪.‬‬
‫وبنـحو ما قلنا فـي قوله‪ :‬نَا ِكسُوا رُءُوسِهمْ قال أهل التأويـل‪ .‬ذكر من قال ذلك‪:‬‬
‫‪21492‬ــ حدثنــي يونـس‪ ,‬قال‪ :‬أخبرنـا ابـن وهـب‪ ,‬قال‪ :‬قال ابـن زيـد‪ ,‬قوله وََلوْ َترَى إذِ‬
‫ع ْن َد رَ ّب ِهمْ قال‪ :‬قد حزنوا واستـحيوا‪.‬‬
‫س ِهمْ ِ‬
‫ن ناكِسُوا رُءُو ِ‬
‫جرِمو َ‬
‫الـمُـ ْ‬

‫‪13‬‬ ‫الية ‪:‬‬


‫ل مِنّي‬
‫س ُهدَاهَا وَلَ ـكِنْ حَ قّ الْ َقوْ ُ‬
‫ل َتيْنَا كُلّ نَفْ ٍ‬
‫شئْنَا َ‬
‫القول ف ـي تأوي ـل قوله تعال ـى‪{ :‬وََلوْ ِ‬
‫ج َمعِينَ }‪.‬‬
‫جنّةِ وَالنّاسِ َأ ْ‬
‫ن ا ْل ِ‬
‫ج َه ّنمَ مِ َ‬
‫لمْلنّ َ‬
‫لتَــْينَا هؤلء الــمشركين بــال مـن قومـك‬
‫شئْنَا يـا مــحمد َ‬
‫يقول تعالــى ذكره‪ :‬وَلَ ْو ِ‬
‫وغير هم من أ هل الك فر ب ـال ُهدَاهَا يعن ـي‪ :‬رشد ها وتوف ـيقها للي ـمان ب ـال وََلكِ نْ حَ قّ‬
‫جنّة والنّاسِ أج َمعِينَ‬
‫ن الـ ِ‬
‫ج َهنّـمَ م َ‬
‫ن َ‬
‫لمْلَ ّ‬
‫القَ ْولُ ِمنّـي يقول‪ :‬وجب العذاب منـي لهم‪ ,‬وقوله َ‬
‫يعنــي مـن أهـل الــمعاصي والكفـر بــال منهـم‪ .‬وبنــحو الذي قلنـا فــي ذلك قال أهـل‬
‫التأويـل‪ .‬ذكر من قال ذلك‪:‬‬
‫ل نَفْ سٍ‬
‫لتَـيْنا كُ ّ‬
‫شئْنا َ‬
‫‪ 21493‬ـ حدثنا بشر‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا يزيد‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا سعيد‪ ,‬عن قتادة وَلَ ْو ِ‬
‫هُداهـا قال‪ :‬لو شاء ال لهدى الناس جميعـا‪ ,‬لو شاء ال لنزل علــيهم مـن السـماء آيـة فظلت‬
‫حقّ ال َقوْلُ ِمنّـي حقّ القول علـيهم‪.‬‬
‫ن َ‬
‫أعناقهم لها خاضعين وََلكِ ْ‬
‫‪14‬‬ ‫الية ‪:‬‬
‫القول فـي تأويـل قوله تعالـى‪َ { :‬فذُوقُواْ ِبمَا نَ سِي ُتمْ لِقَآ َء يَ ْو ِمكُ مْ هَـذَآ ِإنّا نَ سِينَاكُمْ َوذُوقُـواْ‬
‫ب ا ْلخُ ْلدِ ِبمَا كُن ُتمْ َت ْعمَلُونَ }‪.‬‬
‫عذَا َ‬
‫َ‬
‫يقول تعال ـى ذكره‪ :‬يقال لهؤلء ال ـمشركين ب ـال إذا هم دخ ـلوا النار‪ :‬ذوقوا عذاب ال‬
‫بـما نسيتـم لقاء يومكم هذا فـي الدنـيا‪ ,‬إنّا نَ سِينا ُكمْ يقول‪ :‬إنا تركناكم الـيوم فـي النار‪.‬‬
‫عذَا بَ الـخُـلْدِ يقول‪ :‬يقال لهم أيضا‪ :‬ذوقوا عذابـا تـخـلدون ف ـيه إلـى‬
‫وقوله‪َ :‬وذُوقُوا َ‬
‫ن من معاصي ال‪ .‬وبنـحو ما قلنا فـي ذلك قال‬
‫غير نهاية بِـما ُك ْنتُـمْ فـي الدنـيا َت ْعمَلُو َ‬
‫أهل التأويـل‪ .‬ذكر من قال ذلك‪:‬‬
‫‪ 21494‬ـ حدثنا بشر‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا يزيد‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا سعيد‪ ,‬عن قَتادة َفذُوقُوا بِـما نَ سِيتُـمْ لِقاءَ‬
‫يَ ْو ِم ُكمْ َهذَا إنّا َنسِينا ُكمْ قال‪ :‬نسوا من ك ّل خير‪ ,‬وأما الشرّ فلـم ينسوا منه‪.‬‬
‫‪ 21495‬ـ حدثنـي علـيّ‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا أبو صالـح‪ ,‬قال‪ :‬ثنـي معاوية‪ ,‬عن علـيّ‪ ,‬عن ابن‬
‫عبـاس‪ ,‬فـي قوله إنّا َنسِينا ُكمْ يقول‪ :‬تركناكم‪.‬‬

‫‪15‬‬ ‫الية ‪:‬‬


‫سبّحُواْ‬
‫سجّدا َو َ‬
‫خرّواْ ُ‬
‫ن ِإذَا ُذ ّكرُو ْا ِبهَا َ‬
‫ن بِآيَا ِتنَا اّلذِي َ‬
‫القول فـي تأويـل قوله تعالـى‪ِ{ :‬إ ّنمَا يُ ْؤمِ ُ‬
‫س َت ْكبِرُونَ }‪.‬‬
‫حمْ ِد رَ ّب ِهمْ وَ ُهمْ لَ َي ْ‬
‫ِب َ‬
‫ل القوم الذين إذا ذكروا بها ووعظوا‬
‫يقول تعالـى ذكره‪ :‬ما يصدق بحججنا وآيات كتابنا إ ّ‬
‫ح ْمدِ‬
‫َسـّبحُوا ِب َ‬
‫خرّوا ل سـجدا لوجوههـم‪ ,‬تذلّلً له‪ ,‬واسـتكانة لعظمتـه‪ ,‬وإقرارا له بــالعبوديّة و َ‬
‫ِمـ يقول‪ :‬وسـبحوا ال فــي سـجودهم بحمده‪ ,‬فــيبرّؤونه مــما يصـفه أهـل الكفـر بـه‪,‬‬
‫َربّه ْ‬
‫َسـَت ْكبِرُونَ يقول‪ :‬يفعلون‬
‫ُمـ ل ي ْ‬
‫ويضيفون إلــيه مـن الصـاحبة والولد والشركاء والنداد وَه ْ‬
‫ذلك‪ ,‬و هم ل ي ستكبرون عن ال سجود له والت سبـيح‪ ,‬ل ي ستنكفون عن التذلّل له وال ستكانة‪.‬‬
‫وقــيـل‪ :‬إن هذه الَيـة نزلت علــى رسـول ال صـلى ال عليـه وسـلم‪ ,‬لن قومـا مـن‬
‫ال ـمنافقـين كانوا يخرجون من ال ـمسجد إذا أق ـيـمت ال صلة‪ ,‬ذُ كر ذلك عن حجاج‪ ,‬عن‬
‫ابن جُرَيج‪.‬‬
‫‪16‬‬ ‫الية ‪:‬‬
‫طمَعا‬
‫ن َر ّبهُ مْ خَوْفا َو َ‬
‫ن ا ْل َمضَاجِ عِ َيدْعُو َ‬
‫عِ‬‫جنُو ُبهُ مْ َ‬
‫القول فـي تأويـل قوله تعالـى‪َ { :‬ت َتجَافَىَ ُ‬
‫َو ِممّا َرزَ ْقنَا ُهمْ يُنفِقُونَ }‪.‬‬
‫يقول تعالـى ذكره‪ :‬تتنـحّى جُنوب هؤلء الذين يؤمنون بآيات ال‪ ,‬الذين وصفت صفتهم‪,‬‬
‫طمَعا‬
‫وترتفع من مضاجعهم التـي يضطجعون لـمنامهم‪ ,‬ول ينامون َيدْعُو نَ َر ّبهُ مْ خَوْفـا َو َ‬
‫فـي عفوه عنهم‪ ,‬وتفضّله علـيهم برحم ته ومغفرته ومِـمّا َرزَقْناهُ مْ ُينْفِقُو نَ فـي سبـيـل‬
‫ال‪ ,‬ويؤدّون منـه حقوق ال التــي أوجبهـا علــيهم فــيه‪ .‬وتتــجافـى‪ :‬تتفــاعل مـن‬
‫الـجفـاء والـجفـاء‪ :‬النبو‪ ,‬كما قال الراجز‪:‬‬
‫َوصَاحِبـي ذَاتُ هِبـاب َد ْمشَقُوَابنُ مِلطٍ مُتـجاف أ ْرفَقُ‬
‫يعنـي‪ :‬أن كرمها سجية عن ابن ملط‪ .‬وإنـما وصفهم تعالـى ذكره بتـجافـي جنوبهم‬
‫عن الـمضاجع لتركهم الضطجاع للنوم شغلً بـالصلة‪.‬‬
‫واختلف أ هل التأوي ـل ف ـي ال صلة الت ـي و صفهم جلّ ثناؤه‪ ,‬أن جنوب هم تت ـجافـى ل ها‬
‫عن الـمضطجع‪ ,‬فقال بعضهم‪ :‬هي الصلة بـين الـمغرب والعشاء‪ ,‬وقال‪ :‬نزلت هذه الَية‬
‫فـي قوم كانوا يصلون فـي ذلك الوقت‪ .‬ذكر من قال ذلك‪:‬‬
‫‪ 21496‬ـ حدثنا ابن الـمثنى‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا يحيى بن سعيد‪ ,‬عن أبـي عروبة‪ ,‬قال‪ :‬قال قتادة‪,‬‬
‫ن قال‪ :‬كانوا يتنفّلون فـيـما بـين‬
‫ن اللّـيْـل مَا َي ْهجَعُو َ‬
‫قال أنس‪ ,‬فـي قوله كانُوا قَلِـيلً مِ َ‬
‫الـمغرب والعشاء‪ ,‬وكذلك تتـجافـى جنوبهم‪.‬‬
‫جنُو ُبهُمْ عَنِ‬
‫قال‪ :‬ثنا ابن أبـي عديّ‪ ,‬عن سعيد‪ ,‬عن قتادة‪ ,‬عن أنس‪ ,‬فـي قوله َتتَـجافَـى ُ‬
‫الـمَضَاجِعِ قال‪ :‬يصلون ما بـين هاتـين الصلتـين‪.‬‬
‫حدثنـي علـيّ بن سعيد الكند يّ‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا حفص بن غياث‪ ,‬عن سعيد‪ ,‬عن قتادة‪ ,‬عن‬
‫ن الـ َمضَاجِعِ قال‪ :‬ما بـين الـمغرب والعشاء‪.‬‬
‫جنُو ُب ُهمْ عَ ِ‬
‫أنس َتتَـجافَـى ُ‬
‫حدثن ـي م ـحمد بن خ ـلف‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا يز يد بن حيان‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا ال ـحارث بن وج يه‬
‫الراسبـي‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا مالك بن دينار‪ ,‬عن أنس بن مالك‪ ,‬أن هذه الَية نزلت فـي رجال من‬
‫أصـحاب النبــيّ صـلى ال عليـه وسـلم‪ ,‬كانوا يصـلون فــيـما بــين الــمغرب والعشاء‬
‫ن الـمضَاجِعِ‪.‬‬
‫جنُو ُب ُهمْ عَ ِ‬
‫َتتَـجافَـى ُ‬
‫حدثنا ابن وكيع‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا مـحمد بن بشر‪ ,‬عن سعيد بن أبـي عروبة‪ ,‬عن قتادة‪ ,‬عن‬
‫جنُو ُبهُم ْـ عَن الــمَضَاجِعِ قال‪ :‬كانوا يتطوّعون فــيـما بــين الــمغرب‬
‫أنـس‪َ :‬تتَــجافَـى ُ‬
‫والعشاء‪.‬‬
‫جنُو ُبهُمْ عَن الـمَضَاجِعِ قال‪:‬‬
‫قال‪ :‬ثنا أبـي‪ ,‬عن سفـيان‪ ,‬عن رجل‪ ,‬عن أنس َتتَـجافَـى ُ‬
‫ما بـين الـمغرب والعشاء‪.‬‬
‫جنُو ُبهُ مْ عَ نِ‬
‫‪ 21497‬ـ حدثنا بشر‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا يزيد‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا سعيد‪ ,‬عن قتادة َتتَـجافَـى ُ‬
‫الـمَضَاجِعِ قال‪ :‬كانوا يتنفّلون ما بـين صلة الـمغرب وصلة العشاء‪.‬‬
‫وقال آخرون‪ :‬عنى بها صلة الـمغرب‪ .‬ذكر من قال ذلك‪:‬‬
‫جنُو ُبهُمْ عَن‬
‫‪21498‬ـ حدثنا ابن وكيع‪ ,‬قال‪ :‬ثنـي أبـي‪ ,‬عن طلـحة‪ ,‬عن عطاء َتتَـجافَـى ُ‬
‫الـمَضَاجِعِ قال‪ :‬عن العتـمة‪.‬‬
‫‪ 21499‬ـ وذُكر عن حجاج‪ ,‬عن ابن جريج‪ ,‬قال‪ :‬قال يحيى بن صَيفـي‪ ,‬عن أبـي سلـمة‪,‬‬
‫قال‪ :‬العتـمة‪.‬‬
‫وقال آخرون‪ :‬لنتظار صلة العتـمة‪ .‬ذكر من قال ذلك‪:‬‬
‫‪ 21500‬ـ حدثنـي عبد ال بن أبـي زياد‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا عبد العزيز بن عبد ال الَويسي‪ ,‬عن‬
‫جنُو ُبهُ مْ‬
‫سلـيـمان بن بلل‪ ,‬عن يحيى بن سعيد‪ ,‬عن أنس بن مالك‪ ,‬أن هذه الَية َتتَـجافَـى ُ‬
‫عنِ الـ َمضَاجِعِ نزلت فـي انتظار الصلة التـي تدعى العتـمة‪.‬‬
‫َ‬
‫وقال آخرون‪ :‬عنى بها قـيام اللـيـل‪ .‬ذكر من قال ذلك‪:‬‬
‫‪ 21501‬ـ حدثنا بشر‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا يزيد‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا سعيد‪ ,‬عن قتادة‪ ,‬عن الـحسن َتتَـجافَـى‬
‫جنُو ُب ُهمْ عَن الـ َمضَاجِعِ قال‪ :‬قـيام اللـيـل‪.‬‬
‫ُ‬
‫‪ 21502‬ـ حدثنـي يونس‪ ,‬قال‪ :‬أخبرنا ابن وهب‪ ,‬قال‪ :‬قال ابن زيد‪ ,‬فـي قوله َتتَـجافَـى‬
‫عنِ الـ َمضَاجِعِ قال‪ :‬هؤلء الـمتهجدون لصلة اللـيـل‪.‬‬
‫جنُو ُب ُهمْ َ‬
‫ُ‬
‫‪ 21503‬ـ حدثنـي م ـحمد بن عمرو‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا أ بو عا صم‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا عي سى وحدثنـي‬
‫الــحارث‪ ,‬قال‪ :‬حدثنـا الــحسن‪ ,‬قال‪ :‬حدثنـا ورقاء جميعـا‪ ,‬عـن ابـن أبــي نــجيح‪ ,‬عـن‬
‫عنِ الـ َمضَاجِعِ يقومون يصلون من اللـيـل‪.‬‬
‫جنُو ُب ُهمْ َ‬
‫مـجاهد‪ ,‬قوله َتتَـجافَـى ُ‬
‫وقال آخرون‪ :‬إنـما هذه صفة قوم ل تـخـلو ألسنتهم من ذكر ال‪ .‬ذكر من قال ذلك‪:‬‬
‫‪ 21504‬ـ حُدثت عن الـحسين بن الفرج‪ ,‬قال‪ :‬سمعت أبـا معاذ يقول‪ :‬أخبرنا عبـيد‪ ,‬قال‪:‬‬
‫خوْف ـا‬
‫ن َربّهُم َ‬
‫ن ال ـ َمضَاجِع‪َ ,‬يدْعُو َ‬
‫جنُو ُبهُ مْ عَ ِ‬
‫سمعت الضحاك يقول ف ـي قوله َتتَ ـجافَـى ُ‬
‫طمَ عا و هم قوم ل يزالون يذكرون ال‪ ,‬إ ما ف ـي صلة‪ ,‬وإ ما ق ـياما‪ ,‬وإ ما قعودا‪ ,‬وإ ما إذا‬
‫َو َ‬
‫استـيقظوا من منامهم‪ ,‬هم قوم ل يزالون يذكرون ال‪.‬‬
‫‪ 21505‬ـ حدثنـي مـحمد بن سعد‪ ,‬قال‪ :‬ثنـي أبـي‪ ,‬قال‪ :‬ثنـي عمي‪ ,‬قال‪ :‬ثنـي أبـي‪,‬‬
‫ع نِ الـ َمضَاجِعِ‪ ...‬إلـى آخر الَية‪,‬‬
‫جنُو ُبهُ مْ َ‬
‫عن أبـيه‪ ,‬عن ا بن عبـاس‪ ,‬قوله َتتَـجافَـى ُ‬
‫يقول‪ :‬تتـجافـى لذكر ال‪ ,‬كلـما استـيقظوا ذكروا ال‪ ,‬إما فـي الصلة‪ ,‬وإما فـي قـيام‪,‬‬
‫أو فـي قعود‪ ,‬أو علـى جنوبهم فهم ل يزالون يذكرون ال‪.‬‬
‫وال صواب من القول ف ـي ذلك أن يقال‪ :‬إن ال و صف هؤلء القوم بأن جنوب هم تن بو عن‬
‫مضاجعهـم‪ ,‬شغلً منهـم بدعاء ربهـم وعبــادته خوفــا وطمعـا‪ ,‬وذلك نب ّو جنوبهـم عـن‬
‫الـمضاجع لـيلً‪ ,‬لن الـمعروف من وصف الواصف رجلً بأن جنبه نبـا عن مضجعه‪,‬‬
‫إنــما هـو وصـف منـه له بأنـه جفــا عـن النوم فــي وقـت منام الناس الــمعروف‪ ,‬وذلك‬
‫اللـيـل دون النهار‪ ,‬وكذلك تصف العرب الرجل إذا وصفته بذلك‪ ,‬يدلّ علـى ذلك قول عبد‬
‫ي ال صلى ال عليه وسلم‪:‬‬
‫ال بن رواحة النصاري رضي ال عنه فـي صفة نبـ ّ‬
‫ن الـمَضَاجِعُ‬
‫ش ِركِي َ‬
‫س َتثْقَلَت بـالـمُ ْ‬
‫شهِإذا ا ْ‬
‫عنْ فِرا ِ‬
‫ج ْنبَهُ َ‬
‫َيبِـيتُ يُجافِـي َ‬
‫فإذا كان ذلك كذلك‪ ,‬وكان ال تعالـى ذكره لـم يخصص فـي وصفه هؤلء القوم بـالذي‬
‫و صفهم به من جف ـاء جنوب هم عن مضاجع هم من أحوال الل ـيـل وأوقا ته حالً ووق تا دون‬
‫حال ووقت‪ ,‬كان واجبـا أن يكون ذلك علـى كلّ آناء اللـيـل وأوقاته‪ .‬وإذا كان كذلك كان‬
‫من صلـى ما بـين الـمغرب والعشاء‪ ,‬أو انتظر العشاء الَخرة‪ ,‬أو قام اللـيـل أو بعضه‪,‬‬
‫أو ذ كر ال ف ـي ساعات الل ـيـل‪ ,‬أو صلـى العت ـمة م ـمن دخ ـل ف ـي ظا هر قوله‪:‬‬
‫جنُو ُبهُ مْ عَ نِ الـمَضَاجِعِ لن جنبه قد جفـا عن مضجعه فـي الـحال التـي قام‬
‫َتتَـجافَـى ُ‬
‫ف ـيها لل صلة قائ ما صلـى أو ذ كر ال‪ ,‬أو قاعدا ب عد أن ل يكون مضطج عا‪ ,‬و هو عل ـى‬
‫القـيام أو القعود قادر‪ .‬غير أن المر وإن كان كذلك‪ ,‬فإن توجيه الكلم إلـى أنه معنـيّ به‬
‫قـيام اللـيـل أعجب إلـيّ‪ ,‬لن ذلك أظهر معانـيه‪ ,‬والغلب علـى ظاهر الكلم‪ ,‬وبه جاء‬
‫الـخبر عن رسول ال صلى ال عليه وسلم‪ .‬وذلك ما‪:‬‬
‫‪ 21506‬ـ حدث نا به ا بن ال ـمثنى‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا م ـحمد بن جع فر‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا شع بة‪ ,‬عن‬
‫ال ـحكم‪ ,‬قال‪ :‬سمعت عروة بن الزب ـير يحدّث عن معاذ بن ج بل‪ ,‬أن ر سول ال صلى ال‬
‫خطِيئَةَ‪,‬‬
‫جنّةٌ‪ ,‬وال صّ َدقَةُ ُتكَ ّفرُ ال ـ َ‬
‫خ ْيرِ‪ :‬ال صّ ْومُ ُ‬
‫عل يه و سلم قال له‪« :‬أل أدلّ كَ عَل ـى أبْوَاب ال ـ َ‬
‫جنُوبُهُم عَنِـ الــَمضَاجِع‪,‬‬
‫َوقِــيامُ ال َع ْبدِ فِــي جَوْفِـ اللّــيْـلِ‪ .‬وتل هذه الَيـة‪َ :‬تتَــجافَـى ُ‬
‫طمَعا‪ ,‬ومِـمّا َرزَقْنا ُهمْ ُينْفِقُونَ»‪.‬‬
‫َيدْعُونَ َر ّب ُهمْ خَوْفـا َو َ‬
‫حدثنا ابن الـمثنى‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا يحيى بن حماد‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا أبو أُسامة‪ ,‬عن سلـيـمان‪ ,‬عن‬
‫حب ـيب بن أبـي ثا بت وال ـحكم‪ ,‬عن مي ـمون بن أبـي شبـيب‪ ,‬عن معاذ بن ج بل‪ ,‬عن‬
‫رسول ال صلى ال عليه وسلم‪ ,‬بنـحوه‪.‬‬
‫حدثنـي مـحمد بن خـلف العسقلنـي‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا آدم‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا سفـيان‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا‬
‫منصور بن الـمعتـمر‪ ,‬عن الـحكم بن عُتـيبة‪ ,‬عن ميـمون بن أبـي شبـيب‪ ,‬عن معاذ‬
‫خ ْيرِ‪:‬‬
‫ب ال ـ َ‬
‫شئْ تَ أنب ْأتُ كَ بأبْوَا ِ‬
‫بن جبل‪ ,‬قال‪ :‬قال لـي رسول ال صلى ال عل يه و سلم‪« :‬إ نْ ِ‬
‫ف اللّ ـيْـلِ» ثم قرأ ر سول‬
‫ل ف ـي جَوْ ِ‬
‫صدَقَ ُة ُتكَ ّفرُ ال ـخَطِيئَةَ‪َ ,‬وقِ ـيا ُم الرّجُ ِ‬
‫جّنةٌ‪ ,‬وال ّ‬
‫ال صّ ْومُ ُ‬
‫عنِ الـ َمضَاجِعِ‪.‬‬
‫جنُو ُب ُهمْ َ‬
‫ال صلى ال عليه وسلم‪َ :‬تتَـجافَـى ُ‬
‫حدث نا أ بو كر يب‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا يز يد بن حيان‪ ,‬عن حماد بن سلـمة‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا عا صم بن‬
‫أبـي النـجود‪ ,‬عن شهر بن حوشب‪ ,‬عن معاذ بن جبل‪ ,‬عن رسول ال صلى ال عليه وسلم‪,‬‬
‫ن اللّـيْـل»‪.‬‬
‫عنِ الـ َمضَاجِعِ قال‪« :‬قِـيامُ ال َع ْبدِ مِ َ‬
‫جنُو ُب ُهمْ َ‬
‫فـي قوله َتتَـجافَـى ُ‬
‫‪ 21507‬ـ حدث نا أ بو همام الول ـيد بن شجاع قال‪ :‬ثن ـي أب ـي‪ ,‬قال‪ :‬ثن ـي زياد بن خيث مة‪,‬‬
‫عن أبـي يحيى بـائع الق تّ‪ ,‬عن مـجاهد‪ ,‬قال‪ :‬ذكر رسول ال صلى ال عليه وسلم قـيام‬
‫ـ عَـن‬
‫جنُو ُبهُم ْ‬
‫اللــيـل‪ ,‬ففــاضت عيناه حتــى تــحادرت دموعـه‪ ,‬فقال‪َ :‬تتَــجافَـى ُ‬
‫الـمَضَاجِعِ‪.‬‬
‫طمَ عا‪ ...‬الَ ية‪ ,‬فإن بن ـحو الذي قل نا ف ـي ذلك قال أ هل‬
‫ن رَ ّبهُ مْ خَوْف ـا َو َ‬
‫وأ ما قوله‪َ :‬يدْعُو َ‬
‫التأويـل‪ .‬ذكر من قال ذلك‪:‬‬
‫ن َر ّبهُ مْ خَوْف ـا‬
‫‪ 21508‬ـ حدث نا ب شر‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا يز يد‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا سعيد‪ ,‬عن قتادة َيدْعُو َ‬
‫طمَ عا ومِ ـمّا َرزَقْناهُم ُينْفِقُو نَ قال‪ :‬خوف ـا من عذاب ال‪ ,‬وطم عا ف ـي رح مة ال‪ ,‬وم ـما‬
‫َو َ‬
‫رزقناهم ينفقون فـي طاعة ال‪ ,‬وفـي سبـيـله‪.‬‬
‫‪17‬‬ ‫الية ‪:‬‬
‫جزَآ ًء ِبمَا كَانُواْ‬
‫عيُنٍ َ‬
‫س مّآ ُأخْفِيَ َلهُم مّن ُقرّ ِة أَ ْ‬
‫القول فـي تأويـل قوله تعالـى‪{ :‬فَلَ َتعْلَمُ نَفْ ٌ‬
‫َي ْعمَلُونَ }‪.‬‬
‫س ما أخفـى ال لهؤلء الذين وصف جلّ ثناؤه‬
‫يقول تعالـى ذكره‪ :‬فل تعلـم نفس ذي نف ٍ‬
‫جزَاءً بِ ـمَا‬
‫صفتهم ف ـي هات ـين الَيت ـين‪ ,‬م ـما تقرّ به أعين هم ف ـي جنا نه يوم الق ـيامة َ‬
‫كانُوا َي ْعمَلُو نَ يقول‪ :‬ثواب ـا ل هم عل ـى أعمال هم الت ـي كانوا ف ـي الدن ـيا يعملون‪ .‬وبن ـحو‬
‫الذي قلنا فـي ذلك قال أهل التأويـل‪ .‬ذكر من قال ذلك‪:‬‬
‫‪ 21509‬ـ حدثنـي مـحمد بن عبـيد الـمـحاربـي‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا أبو الحوص‪ ,‬عن أبـي‬
‫إ سحاق‪ ,‬عن أب ـي عب ـيدة‪ ,‬قال‪ :‬قال ع بد ال‪ :‬إن ف ـي التوراة مكتوب ـا‪ :‬ل قد أع ّد ال للذ ين‬
‫تت ـجافـى جنوب هم عن ال ـمضاجع ما ل ـم تر ع ين‪ ,‬ول ـم يخ طر عل ـى قلب ب شر‪ ,‬ول ـم‬
‫س ما ُأخْفِـيَ َلهُ مْ‬
‫تسمع أذن‪ ,‬وما لـم يسمعه ملك مقرّب‪ .‬قال‪ :‬ونـحن نقرؤها‪ :‬فَل َتعْلَـمُ نَفْ ٌ‬
‫عيُنٍ‪.‬‬
‫ن قُرّةِ أ ْ‬
‫مِ ْ‬
‫حدثنـا خلد‪ ,‬قال‪ :‬أخبرنـا النضـر بـن شميــل‪ ,‬قال‪ :‬أخبرنـا إسـرائيـل‪ ,‬قال‪ :‬أخبرنـا أبـو‬
‫إسحاق‪ ,‬عن عُبـيدة بن ربـيعة‪ ,‬عن ابن مسعود‪ ,‬قال‪ :‬مكتوب فـي التوراة علـى ال للذين‬
‫تت ـجافـى جنوب هم عن الـمضاجع ما ل عين رأت‪ ,‬ول أذن سمعت‪ ,‬ول خ طر عل ـى قلب‬
‫جزَاءً بِـمَا كانُوا َي ْعمَلُونَ‪.‬‬
‫عيُن َ‬
‫س ما ُأخْفِـيَ َل ُهمْ منْ ُقرّةِ أ ْ‬
‫بشر‪ ,‬فـي القرآن فَل َتعْلَـمُ نَفْ ٌ‬
‫حدث نا ا بن بشار‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا ع بد الرح من‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا سفـيان‪ ,‬عن أب ـي إ سحاق‪ ,‬عن‬
‫أبـي عبـيدة‪ ,‬عن عبد ال قال‪ :‬خبىء لهم ما ل عين رأت‪ ,‬ول أُذن سمعت‪ ,‬ول خطر علـى‬
‫قلب بشر‪ .‬قال سفـيان‪ :‬فـيـما علـمت علـى غير وجه الشكّ‪.‬‬
‫حدث نا م ـحمد بن ال ـمثنى‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا م ـحمد بن جع فر‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا شع بة‪ ,‬عن أب ـي‬
‫إسـحاق قال‪ :‬سـمعت أبــا عبــيدة‪ ,‬قال‪ :‬قال عبـد ال‪ ,‬قال‪ ,‬يعنــي ال‪ :‬أعددت لعبــادي‬
‫الصالـحين ما لـم تر عين‪ ,‬ولـم تسمع أذن‪ ,‬ولـم يخطر علـى قلب ناظر فَل َتعْلَـمُ نَفْسٌ‬
‫جزَا ًء بِـما كانُوا َي ْعمَلونَ‪.‬‬
‫ع ُينِ َ‬
‫ن قُرّةِ أ ْ‬
‫ما ُأخْفِـيَ َل ُهمْ م ْ‬
‫حدثنا أبو ُكرَيب‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا ابن صلت‪ ,‬عن قـيس بن الربـيع‪ ,‬عن أبـي إسحاق‪ ,‬عن‬
‫عبــيدة بـن ربــيعة الــحارثـي‪ ,‬عـن عبـد ال بـن مسـعود‪ ,‬قال‪ :‬إن فــي التوراة للذيـن‬
‫تتـجافـى جنوبهم عن الـمضاجع من الكرامة‪ ,‬ما لـم تر عين‪ ,‬ولـم يخطر علـى قلب‬
‫عيُن‪.‬‬
‫ي َل ُهمْ مِنْ ُقرّةِ أ ْ‬
‫بشر‪ ,‬ولـم تسمع أذن‪ ,‬وإنه لفـي القرآن فَل َتعْلَـمُ نَفْسٌ ما ُأخْفِـ َ‬
‫‪21510‬ـ حدثنا أبو كُرَيب‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا الشجعي‪ ,‬عن ابن أبجر‪ ,‬قال‪ :‬سمعت الشعبـيّ يقول‪:‬‬
‫سمعت ال ـمغيرة بن شع بة يقول عل ـى ال ـمنبر‪ :‬إن مو سى صلى ال عل يه و سلم سأل عن‬
‫أبخس أهل الـجنة فـيها حظا‪ ,‬فقـيـل له‪ :‬رجل يُؤتـى به وقد دخـل أهل الـجنة الـجنة‪,‬‬
‫قال‪ :‬فـيقال له‪ :‬ادخـل‪ ,‬فـيقول‪ :‬أين وقد أخذ الناس َأخَذاتهم؟ فـيقال‪ :‬اعدد أربعة ملوك من‬
‫ملوك الدن ـيا‪ ,‬ف ـيكون لك م ثل الذي كان ل هم‪ ,‬ولك أخرى شهوة نف سك‪ ,‬ف ـيقول‪ :‬أشت هي كذا‬
‫وكذا‪ ,‬وأشت هي كذا ويقال‪ :‬لك أخرى‪ ,‬لك لذّة عي نك‪ ,‬ف ـيقول‪ :‬ألذّ كذا وكذا‪ ,‬ف ـيقال‪ :‬لك عشرة‬
‫أضعاف مثل ذلك‪ ,‬وسأله عن أعظم أهل الـجنة فـيها حظا‪ ,‬فقال‪ :‬ذاك شيء ختـمت علـيه‬
‫يوم خـلقت السموات والرض‪ .‬قال الشعبـي‪ :‬فإنه فـي القرآن‪ :‬فَل َتعْلَـمُ نَفْ سٌ ما ُأخْفِـيَ‬
‫جزَاءً بِـمَا كانُوا َيعْملونَ‪.‬‬
‫ن َ‬
‫عيُ ٍ‬
‫ن قُرّةِ أ ْ‬
‫َل ُهمْ مِ ْ‬
‫‪21511‬ـ حدثنـي أحمد بن مـحمد الطّوسي‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا الـحميدي‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا ابن عُيـينة‬
‫وحدثن ـي به القرق سانـي‪ ,‬عن ا بن عي ـينة‪ ,‬عن مطرف بن طر يف‪ ,‬وا بن أب جر‪ ,‬سمعنا‬
‫الشعبـيّ يقول‪ :‬سمعت الـمغيرة بن شعبة علـى الـمنبر يرفعه إلـى النبـيّ صلى ال عليه‬
‫ل يَجي ُء َب ْعدَ ما‬
‫جنّةِ أ ْدنَى َم ْنزِلةً؟ قال‪ :‬رَجُ ُ‬
‫ل الـ َ‬
‫ن مُو سَى سألَ َربّ هُ‪ :‬أ يْ رَ بّ‪ ,‬أ يّ أهْ ِ‬
‫وسلم‪« :‬إ ّ‬
‫جنّةَ‪ ,‬فَـيُقالُ لَ هُ‪ :‬ا ْدخُـلْ‪ ,‬فَـيَقُولُ‪َ :‬كيْ فَ أ ْدخُـلُ َوقَ ْد نَزَلُوا مَنازِلَهُ مْ؟‬
‫جنّ ِة الـ َ‬
‫ل الـ َ‬
‫َدخَـلَ أهْ ُ‬
‫ك ال ّدنْـيا؟‪ ,‬فَـيَقُولُ‪ :‬بَخ أيْ رَبّ‬
‫ن مُلُو ِ‬
‫ن لِـمَِلكٍ ِم ْ‬
‫ك ِمثْلُ ما كا َ‬
‫ن لَ َ‬
‫ن َيكُو َ‬
‫فَـيُقالُ لَهُ‪ :‬أ َترْضَى أ ْ‬
‫ي رَ بّ رَضِي تُ‪,‬‬
‫ك َهذَا َو ِمثْلَ هُ َو ِمثْل ُه و ِمثْلَ هُ‪ ,‬فَ ـيَقُولُ‪ :‬رَضِي تُ أ ْ‬
‫قَ ْد رَضِي تُ فَ ـيُقالُ لَ هُ‪ :‬إ نّ لَ َ‬
‫ن لَ كَ مَ عَ‬
‫ت أ يْ رَ بّ‪ ,‬فَـيُقالُ لَ هُ‪ :‬فإ ّ‬
‫عشْرَ َة أمْثالِ هِ َم َع هُ‪ ,‬فـيَقُول‪َ :‬رضِي ُ‬
‫ن لَ كَ َهذَا َو َ‬
‫فَـيُقالُ َل هُ‪ :‬إ ّ‬
‫جنّةَ أ ْرفَ عُ َم ْنزِلَةً؟‬
‫ك قالَ‪ :‬فَقالَ مُو سَى‪ :‬أ يْ رَ بّ‪ ,‬وأ يّ أهْل الـ َ‬
‫ع ْينُ َ‬
‫سكَ‪ ,‬وََلذّ تْ َ‬
‫ش َتهَ تْ نَفْ ُ‬
‫َهذَا ما ا ْ‬
‫عيْ نٌ‬
‫ختَـمْتُ عَلَـيْها‪ ,‬فَل َ‬
‫غرَ سْتُ َلهُ مْ َكرَامَتِـي بِـيَدِي‪َ ,‬و َ‬
‫ع ْنهُ مْ َ‬
‫ح ّد ُثكَ َ‬
‫قالَ‪ :‬إيّاها أ َردْ تُ‪ ,‬وسُأ َ‬
‫ك فِ ـي كِتا بِ الّل ِه فَل‬
‫شرٍ‪ .‬قالَ‪َ :‬ومِ صْدَاق ذل َ‬
‫طرَ عَل ـى قَلْ بِ َب َ‬
‫خَ‬‫س ِمعَتْ‪ ,‬وَل َ‬
‫ن َ‬
‫رأ تْ‪ ,‬وَل ُأ ُذ ٌ‬
‫ن جَزَا ًء بِـمَا كانُوا َي ْعمَلُونَ‪.‬‬
‫عيُ ٍ‬
‫س ما ُأخْفـيَ َل ُهمْ ِمنْ ُقرّةِ أ ْ‬
‫َتعْلَـمُ نَفْ ٌ‬
‫‪ 21512‬ـ حدثنا مـحمد بن منصور الطوسيّ‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا إسحاق بن سلـيـمان‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا‬
‫عمرو بن أب ـي قَ ـيْس‪ ,‬عن ا بن أب ـي ل ـيـلَـى‪ ,‬عن ال ـمنهال بن عمرو‪ ,‬عن سعيد بن‬
‫ع ْرشُ هُ عل ـى ال ـمَاءِ وكان عرش ال عل ـى‬
‫جبَ ـير‪ ,‬عن ا بن عب ـاس‪ ,‬ف ـي قوله‪ :‬وكا نَ َ‬
‫ُ‬
‫ال ـماء‪ ,‬ثم ات ـخذ لنف سه ج نة‪ ,‬ثم ات ـخذ دون ها أخرى‪ ,‬ثم أطبق ها بلؤلؤة واحدة قال‪ :‬و من‬
‫دونهما جنتان قال‪ :‬وهي التـي ل تعلـم نفس‪ ,‬أو قال‪ :‬هما التـي ل تعلـم نفس ما أخفـي‬
‫لهم من قرّة أعين جزاء بـما كانوا يعملون‪ .‬قال‪ :‬وهي التـي ل تعلـم الـخلئق ما فـيها‪,‬‬
‫ل يوم منها أو منهما تـحفة‪.‬‬
‫أو ما فـيهما يأتـيهم ك ّ‬
‫‪21513‬ـ حدثنا ابن حميد‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا يعقوب‪ ,‬عن عنبسة‪ ,‬عن سالـم الفطس‪ ,‬عن سعيد بن‬
‫جبَـير‪ ,‬بنـحوه‪.‬‬
‫ُ‬
‫‪ 21514‬ـ حدث نا سهل بن مو سى الراز يّ‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا الول ـيد بن م سلـم‪ ,‬عن صفوان بن‬
‫عمرو‪ ,‬عن أبـي الـيـمان الهَوْزنـيّ أو غيره‪ ,‬قال‪ :‬الـجنة مئة درجة‪ ,‬أوّلها درجة فضة‪,‬‬
‫أرض ها ف ضة‪ ,‬وم ساكنها ف ضة‪ ,‬وآن ـيتها ف ضة‪ ,‬وتراب ها ال ـمِسك‪ .‬والثان ـية ذ هب‪ ,‬وأرض ها‬
‫ذهـب‪ ,‬ومسـاكنها ذهـب‪ ,‬وآنــيتها ذهـب‪ ,‬وترابهـا الــمسك‪ .‬والثالثـة لؤلؤ‪ ,‬وأرضهـا لؤلؤ‪,‬‬
‫ن رأته‪ ,‬ول‬
‫ومساكنها لؤلؤ‪ ,‬وآنـيتها لؤلؤ‪ ,‬وترابها الـمسك‪ .‬وسبع وتسعون بعد ذلك ما ل عي ٌ‬
‫ن قُرّةِ‬
‫س ما ُأخْفِـيَ َلهُمْ ِم ْ‬
‫أذن سمعته‪ ,‬ول خطر علـى قلب بشر‪ ,‬وتل هذه الَية فَل َتعْلَـمُ َنفْ ٌ‬
‫جزَاءً بِـمَا كانُوا َي ْعمَلُونَ‪.‬‬
‫ن َ‬
‫عيُ ٍ‬
‫أْ‬
‫‪ 21515‬ـ حدث نا أ بو كر يب‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا ال ـمـحاربـي وع بد الرحي ـم‪ ,‬عن م ـحمد بن‬
‫عمرو‪ ,‬عن أبـي سلـمة‪ ,‬عن أبـي هريرة قال‪ :‬قال رسول ال صلى ال عليه وسلم‪« :‬قالَ‬
‫طرَ عَل ـى قَلْ بِ‬
‫سمِعَتْ‪ ,‬وَل خَ َ‬
‫ن َ‬
‫ن رأ تْ‪ ,‬وَل ُأذُ ٌ‬
‫عيْ ٌ‬
‫ن ما ل َ‬
‫ع َددْ تُ ِلعِب ـادِي ال صّالِـحِي َ‬
‫اللّ هُ‪ :‬أ ْ‬
‫جزَا ًء بِـمَا‬
‫عيُ نٍ‪َ ,‬‬
‫ن قُرّةِ أ ْ‬
‫ل اللّ هُ فَل َتعْلَـمُ نَفْ سٌ ما ُأخْفِـيَ َلهُ مْ مِ ْ‬
‫ش ْئتُـمْ‪ ,‬قا َ‬
‫ن ِ‬
‫َبشَرٍ‪ ,‬وَاقْرَءُوا إ ْ‬
‫كانُوا َي ْعمَلُونَ»‪.‬‬
‫حدثنا أبو ُكرَيب‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا أبو معاوية وابن نـمير‪ ,‬عن العمش‪ ,‬عن أبـي صالـح‪,‬‬
‫ت لعِب ـادِي ال صّالِـحِينَ‪,‬‬
‫ع َددْ ُ‬
‫عن أب ـي هريرة قال‪ :‬قال ر سول ال صلى ال عل يه و سلم‪« :‬أ ْ‬
‫شرٍ» قال أ بو هريرة‪ :‬و من بله ما‬
‫طرَ عَل ـى قَلْ بِ َب َ‬
‫خَ‬‫س ِمعَتْ‪ ,‬وَل َ‬
‫ن َ‬
‫ن رأ تْ‪ ,‬وَل ُأ ُذ ٌ‬
‫ع ْي ٌ‬
‫ما ل َ‬
‫جزَاءً بِـمَا‬
‫عيُ نٍ‪َ ,‬‬
‫ن قُرّةِ أ ْ‬
‫أطلعكم علـيه‪ ,‬اقرَءوا إن شئتـم‪ :‬فَل َتعْلَـمُ نَفْ سٌ ما ُأخْفِـيَ َلهُ مْ مِ ْ‬
‫ت أعيُنٍ»‪.‬‬
‫كانُوا َي ْعمَلُونَ قال أبو هريرة‪ :‬نقرؤها‪« :‬قُرّا ِ‬
‫‪21516‬ـ حدثنـي يعقوب بن إبراهيـم‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا معتـمر بن سلـيـمان‪ ,‬عن الـحكم بن‬
‫أبـان‪ ,‬عن الغطريف‪ ,‬عن جابر بن زيد‪ ,‬عن ابن عبـاس‪ ,‬عن النبـيّ صلى ال عليه وسلم‪,‬‬
‫ن َبعْ ضٍ‪ ,‬فإ نْ‬
‫سيّئاتِهِ‪ ,‬فَ ـ َينْقُصُ َب ْعضُ ها مِ ْ‬
‫عن الروح الم ين‪ ,‬قال‪« :‬يُ ْؤتَ ـى ِبحَ سَناتِ ال َع ْبدِ وَ َ‬
‫جنّةِ» قال‪ :‬فدخـلت علـى يزداد‪ ,‬فحدّث بـمثل‬
‫حدَةٌ‪ ,‬وَ سّعَ اللّ هُ َل ُه فِـي الـ َ‬
‫سنَةٌ وَا ِ‬
‫ت حَ َ‬
‫بَقِـيَ ْ‬
‫عمِلُوا‪َ ,‬و َنتَـجا َوزُ‬
‫ن ما َ‬
‫ع ْنهُمْ أحْسَ َ‬
‫ك اّلذِينَ َنتَ َقبّلُ َ‬
‫هذا قال‪ :‬قلت‪ :‬فأين ذهبت الـحسنة؟ قال‪ :‬أُوَلئِ َ‬
‫عدُو نَ‪ ,‬قلت‪ :‬قوله فَل َتعْلَ ـمُ‬
‫ص ْدقِ اّلذِي كانُوا يُو َ‬
‫عدَ ال ّ‬
‫ب ال ـجَنّةِ َو ْ‬
‫سيّئاتِ ِهمْ فِ ـي أ صحا ِ‬
‫ع نْ َ‬
‫َ‬
‫ن قال‪ :‬العبد يعمل سرّا أسرّه إلـى ال لـم يعلـم به الناس‪,‬‬
‫عيُ ٍ‬
‫ن ُقرّةِ أ ْ‬
‫س ما ُأخْفِـيَ َلهُ مْ مِ ْ‬
‫نَفْ ٌ‬
‫فأسرّ ال له يوم القـيامة قرّة عين‪.‬‬
‫‪21517‬ـ حدثنـي العبـاس بن أبـي طالب‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا معلـى بن أسد‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا سلم بن‬
‫أبـي مطيع‪ ,‬عن قتادة‪ ,‬عن عقبة بن عبد الغافر‪ ,‬عن أبـي سعيد الـخدري‪ ,‬عن رسول ال‬
‫ن رأ تْ‪,‬‬
‫ع ْي ٌ‬
‫ن ما ل َ‬
‫ع َددْ تُ ِلعِبـا ِديَ ال صّالِـحي َ‬
‫صلى ال عليه وسلم‪ ,‬يروي عن ربه‪ ,‬قال‪« :‬أ ْ‬
‫ب َبشَرٍ»‪.‬‬
‫طرَ عَلـى قَلْ ِ‬
‫خَ‬‫س ِمعَتْ‪ ,‬وَل َ‬
‫وَل ُأذُنٌ َ‬
‫‪ 21518‬ـ حدثنـي أبو السائب‪ ,‬قال‪ :‬أخبرنا ابن وهب‪ ,‬قال‪ :‬ثنـي أبو صخر‪ ,‬أن أبـا حازم‬
‫حدثه‪ ,‬قال‪ :‬سمعت سهل بن سعد يقول‪ :‬شهدت من رسول ال صلى ال عليه وسلم مـجلسا‬
‫ن رأتْ‪ ,‬وَل ُأذُنٌ‬
‫عيْ ٌ‬
‫وصف فـيه الـجنة حتـى انتهى‪ ,‬ثم قال فـي آخر حديثه‪« :‬فـيهَا ما ل َ‬
‫جنُو ُبهُ مْ عَ نِ الـمَضَاجِعِ‪...‬‬
‫شرٍ» ثم قرأ هذه الَية‪َ :‬تتَـجافَـى ُ‬
‫طرَ عَلـى قَلْ بِ َب َ‬
‫خَ‬‫س ِمعَتْ وَل َ‬
‫َ‬
‫جزَاءً بِـمَا كانُوا َي ْعمَلُونَ‪.‬‬
‫إلـى قوله َ‬
‫‪21519‬ــ حدثنـا ا بن بشار‪ ,‬قال‪ :‬حدثنـا ا بن أبــي عد يّ‪ ,‬عن عوف‪ ,‬عن الــحسن‪ ,‬قال‪:‬‬
‫ن آ َمنُوا‬
‫ع َددْ تُ لعِب ـادِي اّلذِي َ‬
‫بلغن ـي أن ر سول ال صلى ال عل يه و سلم قال‪« :‬قالَ َر ّبكُ مْ‪ :‬أ ْ‬
‫شرٍ»‪.‬‬
‫خطَرَ عَلـى قَلْبِ َب َ‬
‫س ِمعَتْ‪ ,‬وَل َ‬
‫ن َ‬
‫ن رأتْ‪ ,‬وَل ُأذُ ٌ‬
‫عيْ ٌ‬
‫عمِلُوا الصّالِـحاتِ ما ل َ‬
‫وَ‬
‫‪21520‬ـ حدثنا بشر‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا يزيد‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا سعيد‪ ,‬عن قَتادة‪ ,‬قال‪ :‬قال رسول ال صلى‬
‫ن رأتْ‪,‬‬
‫ع ْي ٌ‬
‫ن ما ل َ‬
‫ع َددْتُ ِلعِبـادِي الصّالِـحِي َ‬
‫ال عليه وسلم يروي ذلك عن ربه‪« ,‬قالَ َر ّبكُمْ‪ :‬أ ْ‬
‫ب َبشَرٍ»‪.‬‬
‫طرَ عَلـى قَلْ ِ‬
‫خَ‬‫س ِمعَتْ‪ ,‬وَل َ‬
‫وَل ُأذُنٌ َ‬
‫‪ 21521‬ـ حدثنا ابن وكيع‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا سهل بن يوسف‪ ,‬عن عمرو‪ ,‬عن الـحسن فَل َتعْلَـمُ‬
‫ن قال‪ :‬أخفوا عملً فـي الدنـيا‪ ,‬فأثابهم ال بأعمالهم‪.‬‬
‫عيُ ٍ‬
‫ن قُرّةِ أ ْ‬
‫نَفْسٌ ما ُأخْفِـيَ َل ُهمْ مِ ْ‬
‫‪ 21522‬ـ حدثن ـي القا سم بن ب شر‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا سلـيـمان بن حرب‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا حماد بن‬
‫سلـمة‪ ,‬عن ثابت‪ ,‬عن أبـي رافع‪ ,‬عن أبـي هريرة‪ ,‬قال حماد‪ :‬أحسبه عن النبـيّ صلى ال‬
‫جنّةَ َي ْنعَمْ وَل َيبْؤُسْ‪ ,‬ل َتبْلَـى ثِـيابُهُ‪ ,‬وَل يَ ْفنَى شَبـابُهُ‪ ,‬فـي‬
‫ن َي ْدحُلِ الـ َ‬
‫عليه وسلم قال‪« :‬مَ ْ‬
‫شرٍ»‪.‬‬
‫طرَ عَلـى قَلْبِ َب َ‬
‫خَ‬‫س ِمعَتْ‪ ,‬وَل َ‬
‫ن َ‬
‫ن رأتْ‪ ,‬وَل ُأذُ ٌ‬
‫عيْ ٌ‬
‫جنّةِ ما ل َ‬
‫الـ َ‬
‫ن فقرأ ذلك‬
‫عيُ ٍ‬
‫خفِ ـيَ لَه ْم مِ نْ ُقرّةِ أ ْ‬
‫واختل فت القرّاء ف ـي قراءة قوله‪ :‬فَل َتعْلَ ـ ُم نَفْ سٌ ما ُأ ْ‬
‫بعض الـمدنـيـين والبصريـين‪ ,‬وبعض الكوفـيـين‪ُ :‬أخْفِـيَ بضم اللف وفتـح الـياء‬
‫خفِـي َلهُ مْ» بضم اللف وإرسال الـياء‪ ,‬بـمعنى‬
‫بـمعنى ُفعِل‪ .‬وقرأ بعض الكوفـيـين‪ُ« :‬أ ْ‬
‫أفعل‪ ,‬أخفـي لهم أنا‪.‬‬
‫وال صواب من القول ف ـي ذلك عند نا أنه ما قراءتان مشهورتان‪ ,‬متقارب تا ال ـمعنى‪ ,‬لن ال‬
‫إذا أخف ـاه ف هو مخف ـى‪ ,‬وإذا أخف ـى فل ـيس له م خف غيره‪ ,‬و « ما» ف ـي قوله فَل َتعْلَ ـمُ‬
‫س ما ُأخْفِـيَ َلهُ مْ فإنها إذا جعلت بـمعنى الذي كانت نصبـا بوقوع تعلـم علـيها كيف‬
‫نَفْ ٌ‬
‫قرأ القارىء أخفـى‪ ,‬وإذا وجهت إلـى معنى أيّ كانت رفعا إذا قرىء أخفـى بنصب الـياء‬
‫وضم اللف‪ ,‬لنه لـم يسمّ فـاعله‪ ,‬وإذا قرىء ُأخْفِـي بإرسال الـياء كانت نصبـا بوقوع‬
‫أخفـي علـيها‪.‬‬

‫‪20- 18‬‬ ‫الية ‪:‬‬


‫ستَوُونَ * َأمّا اّلذِي نَ‬
‫ل يَ ْ‬
‫ن فَاسِقا ّ‬
‫القول فـي تأويـل قوله تعالـى‪َ{ :‬أ َفمَن كَانَ ُم ْؤمِنا َكمَن كَا َ‬
‫َسـقُواْ‬
‫ِينـ ف َ‬
‫ُونـ * وَأَمّا اّلذ َ‬
‫ّاتـ ا ْل َمأْ َوىَ ُن ُزلً بِم َا كَانُو ْا َي ْعمَل َ‬
‫جن ُ‬ ‫ُمـ َ‬
‫ت فََله ْ‬
‫عمِلُواْ الصـّاِلحَا ِ‬
‫آ َمنُواْ َو َ‬
‫عذَا بَ النّارِ اّلذِي كُنتُ مْ‬
‫خ ُرجُواُ ِمنْهَآ أُعِيدُواْ فِيهَا َوقِيلَ َلهُ مْ ذُوقُواْ َ‬
‫َفمَأْوَاهُ ُم النّارُ كُلّمَآ َأرَادُوَ ْا أَن َي ْ‬
‫بِ ِه ُت َكذّبُونَ }‪.‬‬
‫يقول تعال ـى ذكره‪ :‬أفهذا الكا فر ال ـمكذّب بو عد ال ووعيده‪ ,‬ال ـمخالف أ مر ال ونه يه‪,‬‬
‫كهذا الــمؤمن بــال‪ ,‬الــمصدّق بوعده ووعيده‪ ,‬الــمطيع له فــي أمره ونهيـه؟ كل ل‬
‫يستوون عند ال‪ .‬يقول‪ :‬ل يعتدل الكفّـار بـال‪ ,‬والـمؤمنون به عنده‪ ,‬فـيـما هو فـاعل‬
‫ستَوُونَ فج مع‪ ,‬وإن ـما ذ كر ق بل ذلك اثن ـين‪ :‬مؤم نا‪ ,‬وف ـاسقا‪,‬‬
‫ب هم يوم الق ـيامة‪ .‬وقال‪ :‬ل يَ ْ‬
‫لنه لـم يرد بـالـمؤمن‪ :‬مؤمنا واحدا‪ ,‬وبـالفـاسق‪ :‬فـاسقا واحدا‪ ,‬وإنـما أريد به جميع‬
‫الف سّاق‪ ,‬وجم يع ال ـمؤمنـين ب ـال‪ .‬فإذا كان الثنان غ ير م صمود له ما‪ ,‬ذه بت به ما العرب‬
‫مذهب الـجمع‪.‬‬
‫وذُ كر أن هذه الَ ية نزلت ف ـي عل ـيّ بن أب ـي طالب‪ ,‬رضوان ال عل ـيه‪ ,‬والول ـيد بن‬
‫عُقبة‪ .‬ذكر من قال ذلك‪:‬‬
‫‪ 21523‬ـ حدثنا ابن حميد‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا سلـمة بن الفضل‪ ,‬قال‪ :‬ثنـي ابن إسحاق‪ ,‬عن بعض‬
‫أصحابه‪ ,‬عن عطاء بن يسار‪ ,‬قال‪ :‬نزلت بـالـمدينة‪ ,‬فـي علـيّ بن أبـي طالب‪ ,‬والولـيد‬
‫بن عقبة بن أبـي معيط كان بـين الولـيد وبـين علـيّ كلم‪ ,‬فقال الولـيد بن عقبة‪ :‬أنا‬
‫أب سط م نك ل سانا‪ ,‬وأحدّ م نك سنانا‪ ,‬وأردّ م نك للكت ـيبة‪ ,‬فقال عل ـيّ‪ :‬ا سكت‪ ,‬فإ نك ف ـاسق‪,‬‬
‫ستَوُونَ‪ ...‬إلـى قوله بِ ِه ُت َكذّبُونَ‪.‬‬
‫ن فـاسِقا ل َي ْ‬
‫ن كا َ‬
‫ن مُ ْؤمِنا كمَ ْ‬
‫فأنزل ال فـيهما‪ :‬أفمَنْ كا َ‬
‫ن مُ ْؤ ِمنًا ك َمنْ‬
‫‪21524‬ـ حدثنا بشر‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا يزيد‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا سعيد‪ ,‬عن قتادة‪ ,‬قوله أفمَنْ كا َ‬
‫ستَوُونَ قال‪ :‬ل وال ما ا ستووا ف ـي الدن ـيا‪ ,‬ول ع ند ال ـموت‪ ,‬ول ف ـي‬
‫كا نَ ف ـاسِقا ل يَ ْ‬
‫الَخرة‪.‬‬
‫جنّا تُ ال ـمأْوَى يقول تعال ـى ذكره‪ :‬أ ما‬
‫عمِلُوا ال صّالـحِاتِ فََلهُ مْ َ‬
‫ن آ َمنُوا و َ‬
‫وقوله‪ :‬أمّا اّلذِي َ‬
‫الذ ين صدّقوا ال ور سوله‪ ,‬وعملوا ب ـما أمر هم ال ور سوله‪ ,‬فل هم جنات ال ـمأوى‪ :‬يعن ـي‬
‫ب ساتـين ال ـمساكن الت ـي ي سكنونها ف ـي الَخرة ويأوون إل ـيها‪ .‬وقوله‪ُ :‬نزُلً بِ ـما كانُوا‬
‫َي ْعمَلُو نَ يقول‪ :‬نزلً بـما أنزلهموها جزاء منه لهم بـما كانوا يعملون فـي الدنـيا بطاعته‪.‬‬
‫َسـقُوا يقول تعالــى ذكره‪ :‬وأمـا الذيـن كفروا بــال‪ ,‬وفــارقوا طاعتـه‬
‫ِينـ ف َ‬
‫وقوله‪ :‬وأمّا اّلذ َ‬
‫أنـ‬
‫ُمـ النّارُ يقول‪ :‬فمسـاكنهم التــي يأوون إلــيها فــي الَخرة النار كُلّــما أرَادوا ْ‬
‫فَمأْوَاه ُ‬
‫عذَاب َـ النّارِ اّلذِي ُك ْنتُــمْ بِهِـ فــي الدنــيا‬
‫َيخْ ُرجُوا ِمنْهـا أُعِيدُوا فِــيهَا َوقِــيـلَ َلهُم ْـ ذُوقُوا َ‬
‫ُت َكذّبُو نَ أن ال أعدّها لهل الشرك به‪ .‬وبنـحو الذي قلنا فـي ذلك قال أهل التأوي ـل‪ .‬ذكر‬
‫من قال ذلك‪:‬‬
‫ن فَ سَقُوا أشركوا‬
‫‪ 21525‬ـ حدثنا بشر‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا يزيد‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا سعيد‪ ,‬عن قتادة وأمّا اّلذِي َ‬
‫عذَابَ النّارِ اّلذِي ُك ْنتُـمْ به ُتكَ ّذبُونَ والقوم مكذّبون كما ترون‪.‬‬
‫ل َل ُهمْ ذُوقُوا َ‬
‫َوقِـيـ َ‬

‫‪21‬‬ ‫الية ‪:‬‬


‫ن ا ْل َعذَا بِ ال ْك َبرِ َلعَّلهُ مْ‬
‫ن ا ْل َعذَا بِ ال ْد َنىَ دُو َ‬
‫القول ف ـي تأوي ـل قوله تعال ـى‪{ :‬وََل ُنذِي َق ّنهُ مْ مّ َ‬
‫جعُونَ }‪.‬‬
‫َيرْ ِ‬
‫اختلف أهل التأويـل فـي معنى العذاب الدنى‪ ,‬الذي وعد ال أن يذيقه هؤلء الفسقة‪ ,‬فقال‬
‫بعضهم‪ :‬ذلك مصائب الدنـيا فـي النفس والموال‪ .‬ذكر من قال ذلك‪:‬‬
‫‪ 21526‬ـ حدثنـي علـيّ‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا أبو صالـح‪ ,‬قال‪ :‬ثنـي معاوية‪ ,‬عن علـي‪ ,‬عن ابن‬
‫عبـاس وََل ُنذِي َق ّنهُ مْ مِ نَ ال َعذَا بِ ال ْدنَى يقول‪ :‬مصائب الدنـيا وأسقامها وبلؤها مـما يبتلـي‬
‫ال بها العبـاد حتـى يتوبوا‪.‬‬
‫حدثن ـي م ـحمد بن سعد‪ ,‬قال‪ :‬ثن ـي أب ـي‪ ,‬قال‪ :‬ثن ـي ع مي‪ ,‬قال‪ :‬ثن ـي أب ـي‪ ,‬عن‬
‫جعُو نَ‬
‫لدْنَى دُو نَ ال َعذَا بِ ال ْك َبرِ لعّلهُ مْ َي ْر ِ‬
‫باَ‬
‫ن ال َعذَا ِ‬
‫أبـيه‪ ,‬عن ابن عبـاس‪ ,‬قوله وََل ُنذِي َق ّنهُ مْ ِم َ‬
‫قال‪ :‬العذاب الدنى‪ :‬بلء الدنـيا‪ ,‬قـيـل‪ :‬هي الـمصائب‪.‬‬
‫‪ 21527‬ـ حدثنا ابن الـمثنى‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا يحيى بن سعيد‪ ,‬عن شعبة‪ ,‬عن قتادة‪ ,‬عن عروة‪,‬‬
‫ن ال َعذَا بِ‬
‫عن الـحسن العرنـي‪ ,‬عن ابن أبـي لـيـلـى‪ ,‬عن أُبـيّ بن كعب وََل ُنذِي َق ّنهُ مْ مِ َ‬
‫ل ْدنَى قال‪ :‬الـمصيبـات فـي الدنـيا‪ .‬قال‪ :‬والدخان قد مضى‪ ,‬والبطشة واللزام‪.‬‬
‫اَ‬
‫قال أبو موسى‪ :‬ترك يحيى بن سعيد‪ ,‬يحيى بن الـجزار‪ ,‬نقصان رجل‪.‬‬
‫حدثنا مـحمد بن بشار‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا يحيى بن سعيد ومـحمد بن جعفر‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا شعبة‪,‬‬
‫عن قتادة‪ ,‬عن ا بن عروة‪ ,‬عن ال ـحسن العرن ـي‪ ,‬عن يح يى بن ال ـجزار‪ ,‬عن ا بن أب ـي‬
‫لَ ـيـلـى‪ ,‬عن أُب ـيّ بن ك عب‪ ,‬أ نه قال‪ :‬ف ـي هذه الَ ية وََل ُنذِي َق ّنهُ مْ مِ نَ ال َعذَا بِ الدْنَى دُو نَ‬
‫ب ال ْكبَرِ قال‪ :‬مصيبـات الدنـيا‪ ,‬واللزوم والبطشة‪ ,‬أو الدخان ش كّ شعبة فـي البط شة‬
‫ال َعذَا ِ‬
‫أو الدخان‪.‬‬
‫حدثنا ابن الـمثنى‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا مـحمد بن جعفر‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا شعبة‪ ,‬عن قتادة‪ ,‬عن عروة‪,‬‬
‫عن ال ـحسن العرن ـي‪ ,‬عن يح يى بن ال ـجزّار‪ ,‬عن ا بن أب ـي لَ ـيـلـى‪ ,‬عن أُب ـيّ بن‬
‫كعب‪ ,‬بنـحوه‪ ,‬إلّ أنه قال‪ :‬الـمصيبـات واللزوم والبطشة‪.‬‬
‫حدثنا ابن وكيع‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا زيد بن حبـاب‪ ,‬عن شعبة‪ ,‬عن قتادة‪ ,‬عن عروة‪ ,‬عن الـحسن‬
‫العرنـي‪ ,‬عن يحيى بن الـجزّار‪ ,‬عن عبد الرحمن بن أبـي لَـيـلـى‪ ,‬عن أُبـيّ بن كعب‪,‬‬
‫قال‪ :‬الـمصيبـات يصابون بها فـي الدنـيا‪ :‬البطشة‪ ,‬والدخان‪ ,‬واللزوم‪.‬‬
‫‪ 21528‬ـ حدث نا ا بن وك يع‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا أب ـي‪ ,‬عن أب ـي جع فر الرازي‪ ,‬عن الرب ـيع‪ ,‬عن‬
‫ن العَذابِ ال ْدنَى قال‪ :‬الـمصائب فـي الدنـيا‪.‬‬
‫أبـي العالـية وََلنُذي َق ّن ُهمْ مِ َ‬
‫ب الدْنَى‬
‫جوَيبر‪ ,‬عن الضحاك وََل ُنذِي َق ّنهُ مْ مِ نَ ال َعذَا ِ‬
‫‪ 21529‬ـ قال‪ :‬ثنا أبو خالد الحمر‪ ,‬عن ُ‬
‫ن العَذابِ ال ْك َبرِ قال‪ :‬الـمصيبـات فـي دنـياهم وأموالهم‪.‬‬
‫دُو َ‬
‫‪21530‬ـ حدثنا بشر‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا يزيد‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا سعيد‪ ,‬عن قتادة‪ ,‬حدثه‪ ,‬عن الـحسن‪ ,‬قوله‬
‫ن ال َعذَابِ ال ْدنَى‪ :‬أي مصيبـات الدنـيا‪.‬‬
‫وََلنُذي َق ّن ُهمْ مِ َ‬
‫‪ 21531‬ـ حدث نا ا بن وك يع‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا جر ير‪ ,‬عن من صور‪ ,‬عن إبراهي ـم وََلنُذي َق ّنهُ مْ مِ نَ‬
‫العَذابِ ال ْدنَى قال‪ :‬أشياء يُصابون بها فـي الدنـيا‪.‬‬
‫وقال آخرون‪ :‬عنى بها الـحدود‪ .‬ذكر من قال ذلك‪:‬‬
‫‪21532‬ـ حدثنا ابن بشار‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا أبو عاصم‪ ,‬عن شبـيب‪ ,‬عن عكرمة‪ ,‬عن ابن عبـاس‬
‫ن العَذابِ ال ْك َبرِ قال‪ :‬الـحدود‪.‬‬
‫ن العَذابِ ال ْدنَى دُو َ‬
‫وََل ُنذِي َق ّن ُهمْ مِ َ‬
‫وقال آخرون‪ :‬عنى بها القتل بـالسيف‪ ,‬قال‪ :‬وقتلوا يوم بدر‪ .‬ذكر من قال ذلك‪:‬‬
‫‪ 21533‬ـ حدثنا مـحمد بن بشار‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا عبد الرحمن‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا سفـيان‪ ,‬عن السديّ‪,‬‬
‫ن ا ْل َعذَابِ ال ْدنَى قال‪ :‬يوم بدر‪.‬‬
‫عن أبـي الضحى‪ ,‬عن مسروق‪ ,‬عن عبد ال‪ ,‬وََل ُنذِي َق ّن ُهمْ مِ َ‬
‫حدث نا ا بن وك يع‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا أب ـي‪ ,‬عن سفـيان‪ ,‬عن ال سديّ‪ ,‬عن أب ـي الض حى‪ ,‬عن‬
‫مسروق‪ ,‬عن عبد ال مثله‪.‬‬
‫حدثنا ابن بشار‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا عبد الرحمن‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا إسرائيـل‪ ,‬عن السديّ‪ ,‬عن مسروق‪,‬‬
‫عن عبد ال‪ ,‬مثله‪.‬‬
‫‪ 21534‬ـ حدثنـي يعقوب بن إبراهيـم‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا هشيـم‪ ,‬قال‪ :‬أخبرنا عوف عمن حدثه‪,‬‬
‫ن العَذا بِ ال ْكبَ ِر قال‪ :‬القتل‬
‫ب ال ْدنَى دُو َ‬
‫عن الـحسن بن علـيّ‪ ,‬أنه قال وََل ُنذِي َق ّنهُ مْ ِم نَ العَذا ِ‬
‫بـالسيف صبرا‪.‬‬
‫‪ 21535‬ـ حدثنا ابن وكيع‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا عبد العلـى‪ ,‬عن عوف‪ ,‬عن عبد ال بن الـحارث‬
‫ل شيء وعد‬
‫ب ال ْكبَرِ قال‪ :‬القتل بـالسيف‪ ,‬ك ّ‬
‫ن ال َعذَا بِ ال ْدنَى دُو نَ العَذا ِ‬
‫بن نوفل وََل ُنذِي َق ّنهُ مْ مِ َ‬
‫ال هذه المة من العذاب الدنى إنـما هو السيف‪.‬‬
‫‪ 21536‬ـ حدثنـي م ـحمد بن عمرو‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا أ بو عا صم‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا عي سى وحدثنـي‬
‫الــحارث‪ ,‬قال‪ :‬حدثنـا الــحسن‪ ,‬قال‪ :‬حدثنـا ورقاء جميعـا‪ ,‬عـن ابـن أبــي نــجيح‪ ,‬عـن‬
‫ن ال َعذَا بِ ال ْدنَى دُو نَ العَذا بِ ال ْك َبرِ قال‪ :‬الق تل وال ـجوع لقريش ف ـي‬
‫م ـجاهد وََل ُنذِي َق ّنهُ مْ ِم َ‬
‫الدنـيا‪.‬‬
‫‪21537‬ـ حدثنا بشر‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا يزيد‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا سعيد‪ ,‬عن قتادة‪ ,‬قال‪ :‬كان مـجاهد يحدّث‬
‫ن ال َعذَابِ ال ْدنَى دُونَ العَذابِ ال ْك َبرِ يوم بدر‪.‬‬
‫عن أُبـيّ بن كعب أنه كان يقول وََلنُذي َق ّن ُهمْ مِ َ‬
‫وقال آخرون‪ :‬عنى بذلك سنون أصابتهم‪ .‬ذكر من قال ذلك‪:‬‬
‫‪ 21538‬ـ حدثنا ابن بشار‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا عبد الرحمن‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا سفـيان‪ ,‬عن منصور‪ ,‬عن‬
‫ن العَذابِ ال ْك َبرِ قال‪ :‬سنون أصابتهم‪.‬‬
‫ن العَذابِ ال ْدنَى دُو َ‬
‫إبراهيـم وََل ُنذِي َق ّن ُهمْ مِ َ‬
‫حدثنا ابن وكيع‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا أبـي‪ ,‬عن سفـيان‪ ,‬عن منصور‪ ,‬عن إبراهيـم‪ ,‬مثله‪.‬‬
‫وقال آخرون‪ :‬عنى بذلك‪ :‬عذاب القبر‪ .‬ذكر من قال ذلك‪:‬‬
‫‪ 21539‬ـ حدثن ـي م ـحمد بن عمارة‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا عب ـيد ال‪ ,‬قال‪ :‬أخبر نا إ سرائيـل‪ ,‬عن‬
‫ن ال َعذَا بِ ال ْك َبرِ قال‪ :‬الدنى فـي‬
‫ب ال ْدنَى دُو َ‬
‫أبـي يحيى‪ ,‬عن مـجاهد‪ :‬وََلنُذي َق ّنهُ ْم مِ نَ ال َعذَا ِ‬
‫القبور وعذاب الدنـيا‪.‬‬
‫وقال آخرون‪ :‬ذلك عذاب الدنـيا‪ .‬ذكر من قال ذلك‪:‬‬
‫‪ 21540‬ـ حدثنـي يونس‪ ,‬قال‪ :‬أخبرنا ابن وهب‪ ,‬قال‪ :‬قال ابن زيد‪ ,‬فـي قوله وََل ُنذِي َق ّنهُ مْ ِم نَ‬
‫العَذاب ال ْدنَى قال‪ :‬العذاب الدنى‪ :‬عذاب الدنـيا‪.‬‬
‫وأولــى القوال فــي ذلك أن يقال‪ :‬إن ال وعـد هؤلء الفسـقة الــمكذّبـين بوعيده فــي‬
‫الدنـيا العذاب الدنى‪ ,‬أن يذيقهموه دون العذاب الكبر‪ ,‬والعذاب‪ :‬هو ما كان فـي الدنـيا من‬
‫بلء أ صابهم‪ ,‬إ ما شدّة من م ـجاعة‪ ,‬أو ق تل‪ ,‬أو م صائب ي صابون ب ها‪ ,‬ف كل ذلك من العذاب‬
‫الد نى‪ ,‬ول ـم يخ صص ال تعال ـى ذكره‪ ,‬إذ وعد هم ذلك أن يعذّب هم بنوع من ذلك دون نوع‪,‬‬
‫و قد عذّب هم ب كل ذلك ف ـي الدن ـيا ب ـالقتل وال ـجوع والشدائد وال ـمصائب ف ـي الموال‪,‬‬
‫فأوفـى لهم بـما وعدهم‪.‬‬
‫وقوله‪ :‬دُون َـ ال َعذَاب ال ْكبَرِ يقول‪ :‬قبـل العذاب الكـبر‪ ,‬وذلك عذاب يوم القــيامة‪ .‬وبنــحو‬
‫الذي قلنا فـي ذلك قال أهل التأويـل‪ .‬ذكر من قال ذلك‪:‬‬
‫‪ 21541‬ـ حدث نا ا بن بشار‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا ع بد الرح من‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا سفـيان‪ ,‬عن ال سديّ‪ ,‬عن‬
‫ن العَذابِ ال ْك َبرِ قال‪ :‬يوم القـيامة‪.‬‬
‫أبـي الضحى‪ ,‬عن مسروق‪ ,‬عن عبد ال دُو َ‬
‫حدثنا ابن بشار‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا عبد الرحمن‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا إسرائيـل‪ ,‬عن السديّ‪ ,‬عن مسروق‪,‬‬
‫عن عبد ال مثله‪.‬‬
‫‪ 21542‬ـ حدثنـي م ـحمد بن عمرو‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا أ بو عا صم‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا عي سى وحدثنـي‬
‫الــحارث‪ ,‬قال‪ :‬حدثنـا الــحسن‪ ,‬قال‪ :‬حدثنـا ورقاء جميعـا‪ ,‬عـن ابـن أبــي نــجيح‪ ,‬عـن‬
‫ب ال ْكبَرِ يوم القـيامة فـي الَخرة‪.‬‬
‫مـجاهد دُونَ ال َعذَا ِ‬
‫حدثن ـي م ـحمد بن عمارة‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا عب ـيد ال‪ ,‬قال‪ :‬أخبر نا إ سرائيـل‪ ,‬عن أب ـي‬
‫ن ال َعذَابِ ال ْك َبرِ يوم القـيامة‪.‬‬
‫يحيى‪ ,‬عن مـجاهد دو َ‬
‫ب ال ْكبَرِ يوم‬
‫ن ال َعذَا ِ‬
‫‪ 21543‬ـ حدثنا ب شر‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا يز يد‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا سعيد‪ ,‬عن قتادة دُو َ‬
‫القـيامة‪ .‬حدّث به قتادة‪ ,‬عن الـحسن‪.‬‬
‫‪ 21544‬ـ حدثنـي يونس‪ ,‬قال‪ :‬أخبرنا ابن وهب‪ ,‬قال‪ :‬قال ابن زيد‪ ,‬فـي قوله دُو نَ ال َعذَاب‬
‫ال ْكبَرِ قال‪ :‬العذاب الكبر‪ :‬عذاب الَخرة‪.‬‬
‫ن يقول‪ :‬كي يرجعوا ويتوبوا بتعذيبهم العذاب الدنى‪ .‬وبنـحو الذي قلنا‬
‫جعُو َ‬
‫وقوله َلعَّلهُ مْ َي ْر ِ‬
‫فـي ذلك قال أهل التأويـل‪ .‬ذكر من قال ذلك‪:‬‬
‫‪ 21545‬ـ حدثنا ابن وكيع‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا أبـي‪ ,‬عن سفـيان‪ ,‬عن السديّ‪ ,‬عن أبـي الضحى‪,‬‬
‫ن قال‪ :‬يتوبون‪.‬‬
‫جعُو َ‬
‫عن مسروق‪ ,‬عن عبد ال لَعّل ُهمْ َي ْر ِ‬
‫‪ 21546‬ـ حدث نا ا بن وك يع‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا أب ـي‪ ,‬عن أبـي جع فر الراز يّ‪ ,‬عن الرب ـيع‪ ,‬عن‬
‫أبـي العالـية َلعَّل ُهمْ َيرْجعونَ قال‪ :‬يتوبون‪.‬‬
‫جعُو نَ‪ :‬أي‬
‫‪ 21547‬ـ حدث نا ب شر‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا يزيـد‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا سعيد‪ ,‬عن قتادة َلعَّلهُ مْ َي ْر ِ‬
‫يتوبون‪.‬‬

‫‪22‬‬ ‫الية ‪:‬‬


‫ع ْنهَآ ِإنّا مِ نَ‬
‫عرَ ضَ َ‬
‫القول فـي تأويـل قوله تعالـى‪َ { :‬و َم نْ َأظْلَ مُ ِممّن ُذكّرَ بِآيَا تِ َربّ ِه ثُ مّ أَ ْ‬
‫ن مُنتَ ِقمُونَ }‪.‬‬
‫ا ْل ُمجْ ِرمِي َ‬
‫يقول تعالـى ذكره‪ :‬وأيّ الناس أظلـم لنفسه مـمن وعظه ال بحججه‪ ,‬وآي كتابه ورسله‪,‬‬
‫ثم أعرض عن ذلك كله‪ ,‬فلـم يتعظ بـمواعظه‪ ,‬ولكنه استكبر عنها‪.‬‬
‫ن يقول‪ :‬إنا من الذين اكتسبوا الَثام‪ ,‬واجترحوا السيئات‬
‫ن الـمُـجْ ِرمِينَ ُم ْنتَ ِقمُو َ‬
‫وقوله إنّا مِ َ‬
‫منتقمون‪.‬‬
‫وكان بعض هم يقول‪ :‬ع نى ب ـالـمـجرمين ف ـي هذا ال ـموضع‪ :‬أ هل القدر‪ .‬ذ كر من قال‬
‫ذلك‪:‬‬
‫‪ 21548‬ـ حدثنـي يعقوب بن إبراهيـم‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا مروان بن معاوية‪ ,‬قال‪ :‬أخبرنا وائل بن‬
‫داود‪ ,‬عن مروان بن سفـيح‪ ,‬عن يزيـد بن رفــيع‪ ,‬قال‪ :‬إن قول ال ف ـي القرآن إنّا مِنَـ‬
‫س ُعرٍ‪...‬‬
‫ن هم أ صحاب القدر‪ ,‬ثم قرأ إ نّ ال ـمُـجْ ِرمِينَ فِ ـي ضَللٍ وَ ُ‬
‫ن ُم ْنتَ ِقمُو َ‬
‫ج ِرمِي َ‬
‫ال ـمُـ ْ‬
‫إلـى قوله خَـلَقْناهُ بِ َق َدرٍ‪.‬‬
‫حدثنا الـحسن بن عرفة‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا مروان‪ ,‬قال‪ :‬أخبرنا وائل بن داود‪ ,‬عن ابن سفـيح‪,‬‬
‫عن يزيد بن رفـيع بنـحوه‪ ,‬إلّ أنه قال فـي حديثه‪ :‬ثم قرأ وائل بن داود هؤلء الَيات إ نّ‬
‫س ُعرٍ‪ ...‬إلـى آخر الَيات‪.‬‬
‫ن فِـي ضَللٍ و ُ‬
‫ج ِرمِي َ‬
‫الـمُـ ْ‬
‫وقال آخرون فـي ذلك‪ ,‬بـما‪:‬‬
‫‪ 21549‬ـ حدثن ـي به عمران بن بكار الكل عي‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا م ـحمد بن ال ـمبـارك‪ ,‬قال‪:‬‬
‫حدثنا إسماعيـل بن عياش‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا عبد العزيز بن عبـيد ال‪ ,‬عن عبـادة بن نسيّ‪ ,‬عن‬
‫جنادة بن أبـي أُميّة‪ ,‬عن معاذ بن جبل‪ ,‬قال‪ :‬سمعت رسول ال صلى ال عليه وسلم يقول‪:‬‬
‫عتَ َقدَ ِلوَا ًء فِـي غيرِ حَقّ‪ ,‬أوْ عَقّ وَاِل َديْهِ‪ ,‬أوْ َمشَى مَ َع ظالِـمٍ‬
‫جرَمَ‪ :‬مَنِ ا ْ‬
‫ن فَ َقدْ أ ْ‬
‫ث مَنْ َفعََلهُ ّ‬
‫«ثَل ٌ‬
‫ن ُم ْنتَ ِقمُونَ»‪.‬‬
‫ل اللّهُ‪ :‬إنّا مِنَ الـمُـجْ ِرمِي َ‬
‫جرَمَ‪ .‬يَقُو ُ‬
‫صرُ ُه فَ َقدْ أ ْ‬
‫َينْ ُ‬
‫‪24- 23‬‬ ‫الية ‪:‬‬
‫القول ف ـي تأوي ـل قوله تعال ـى‪{ :‬وََل َقدْ آ َتيْنَا مُو سَى ا ْل ِكتَا بَ فَلَ تَكُن فِي ِم ْريَةٍ مّن لّقَآئِ هِ‬
‫جعَلْنَا ِم ْنهُم ْـ َأ ِئ ّمةً َي ْهدُونَـ ِبَأمْرِنَا لَمّا صَـَبرُواْ َوكَانُو ْا بِآيَاتِنَا‬
‫ل * َو َ‬
‫جعَ ْلنَاهُـ ُهدًى ّل َبنِيَـ إِس ْـرَائِي َ‬
‫َو َ‬
‫يُو ِقنُونَ }‪.‬‬
‫يقول تعال ـى ذكره‪ :‬ول قد آت ـينا مو سى التوراة‪ ,‬ك ما آت ـيناك الفرقان يا م ـحمد فَل َتكُ نْ‬
‫فِـي ِم ْريَةٍ ِم نْ لِقائِ هِ يقول‪ :‬فل تكن فـي ش كّ من لقائه فكان قتادة يقول‪ :‬معنى ذلك‪ :‬فل تكن‬
‫فـي ش كّ من أنك لقـيته‪ ,‬أو تلقاه لـيـلة أُسري بك‪ ,‬وبذلك جاء الثر عن رسول ال صلى‬
‫ال عليه وسلم‪.‬‬
‫‪ 21550‬ـ حدث نا ب شر‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا يز يد‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا سعيد‪ ,‬عن قتادة عن أب ـي العال ـية‬
‫الرياحي‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا ابن ع ّم نبـيكم‪ ,‬يعنـي ابن عبـاس‪ ,‬قال‪ :‬قال نبـيّ ال صلى ال عليه‬
‫ن رِجالِ‬
‫جعْدا‪ ,‬كأنّ ُه مِ ْ‬
‫ع ْمرَا نَ َرجُلً آدَ مَ طِوَالً َ‬
‫س ِريَ بِـي مُو سَى بْ نَ ِ‬
‫وسلم‪ُ« :‬أرِي تُ لَـيْـلَ َة أُ ْ‬
‫ح ْمرَةِ والبَــياضِ‪ ,‬س َـبْطَ الرأسـِ‪,‬‬
‫شنُوءَةَ‪ ,‬ورأيْتُـ عِيسـَى َرجُلً مَربُوع َـ الــخَـلْقِ إلــى الــ ُ‬
‫َ‬
‫ن لِقائِ هِ‬
‫ت مالِكا خازِ نَ النّارِ‪ ,‬وال ّدجّالَ» فـي آيات أرَاهُ نّ الّل ُه إيّا هُ‪ ,‬فَل َتكُ نْ فِـي ِم ْريَ ٍة مِ ْ‬
‫ورأيْ ُ‬
‫أنه قد رأى موسى‪ ,‬ولقـي موسى لـيـلة أُسري به‪.‬‬
‫ْناهـ ُهدًى ِل َبنِــي إسـْرائِيـلَ يقول تعالــى ذكره‪ :‬وجعلنـا موسـى هدى لبنــي‬
‫جعَل ُ‬‫وقوله‪َ :‬و َ‬
‫إسـرائيـل‪ ,‬يعنــي‪ :‬رشادا لهـم يرشدون بــاتبـاعه‪ ,‬ويصـيبون الــحقّ بــالقتداء بـه‪,‬‬
‫والئتـمام بقوله‪ .‬وبـالذي قلنا فـي ذلك قال أهل التأويـل‪ .‬ذكر من قال ذلك‪:‬‬
‫جعَلْنا هُ ُهدًى ِل َبنِ ـي‬
‫‪ 21551‬ـ حدث نا ب شر‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا يز يد‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا سعيد‪ ,‬عن قتادة َو َ‬
‫إسْرائِيـلَ قال‪ :‬جعل ال موسى هدى لبنـي إسرائيـل‪.‬‬
‫جعَلْنا ِم ْنهُ مْ أئمّ ًة يقول تعالـى ذكره‪ :‬وجعلنا من بنـي إسرائيـل أئمة‪ ,‬وهي جمع‬
‫وقوله‪َ :‬و َ‬
‫إمام‪ ,‬والمام الذي يؤتـمّ به فـي خير أو شرّ‪ ,‬وأريد بذلك فـي هذا الـموضع أنه جعل منهم‬
‫قادة فـي الـخير‪ ,‬يؤتـم بهم‪ ,‬و ُي ْهتَدى بهديهم‪ .‬كما‪:‬‬
‫جعَلْنا ِم ْنهُ مْ أئمّةً َي ْهدُو نَ‬
‫‪ 21552‬ـ حدثنا بشر‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا يزيد‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا سعيد‪ ,‬عن قتادة َو َ‬
‫ن بأ ْمرِنا يقول تعالـى ذكره‪ :‬يهدون أتبـاعهم‬
‫بأمْرِنا قال‪ :‬رؤساء فـي الـخير‪ .‬وقوله َي ْهدُو َ‬
‫وأهل القبول منهم بإذننا لهم بذلك‪ ,‬وتقويتنا إياهم علـيه‪.‬‬
‫وقوله‪ :‬لَـمّا صَبرُوا اختلفت القرّاء فـي قراءة ذلك‪ ,‬فقرأته عامة قرّاء الـمدينة والبصرة‪,‬‬
‫وبعض أهل الكوفة‪ :‬لَـمّا صَبرُوا بفتـح اللم وتشديد الـميـم‪ ,‬بـمعنى‪ :‬إذ صبروا‪ ,‬وحين‬
‫صبروا‪ .‬وقرأ ذلك عا مة قرّاء الكو فة‪« :‬لِ ـمَا» بك سر اللم وت ـخفـيف ال ـميـم‪ ,‬ب ـمعنى‪:‬‬
‫لصبرهم عن الدنـيا وشهواتها‪ ,‬واجتهادهم فـي طاعتنا‪ ,‬والعمل بأمرنا‪ .‬وذُكر أن ذلك فـي‬
‫قراءة ا بن مسعودِ‪« :‬ب ـمَا صَ َبرُوا»‪ .‬و ما إذا ك سرت اللم من «لِ ـمَا» فـي مو ضع خ فض‪,‬‬
‫وإذا فتـحت اللم وشدّدت الـميـم‪ ,‬فل موضع لها‪ ,‬لنها حينئذٍ أداة‪.‬‬
‫والقول عندي فــي ذلك أنهمـا قراءتان مشهورتان متقاربتـا الــمعنى‪ ,‬قـد قرأ بكـل واحدة‬
‫منه ما عا مة من القرّاء فبأيته ما قرأ القارىء فم صيب‪ .‬وتأوي ـل الكلم إذا قُرىء ذلك بفت ـح‬
‫اللم وتشديد الـميـم‪ :‬وجعلنا منهم أئمة يهدون أتبـاعهم بإذننا إياهم‪ ,‬وتقويتنا إياهم علـى‬
‫الهدا ية‪ ,‬إذ صبروا عل ـى طاعت نا‪ ,‬وعزفوا أنف سهم عن لذّات الدن ـيا وشهوات ها‪ .‬وإذا قرىء‬
‫بكسر اللم علـى ما قد وصفنا‪ .‬وقد‪:‬‬
‫ن بأمْرِنا لَـمّا‬
‫جعَلْنا ِم ْنهُمْ أئمّ ًة َي ْهدُو َ‬
‫‪21553‬ـ حدثنا ابن وكيع‪ ,‬قال‪ :‬قال أبـي‪ ,‬سمعنا فـي َو َ‬
‫صبَرُوا قال‪ :‬عن الدنـيا‪.‬‬
‫وقوله‪ :‬وكانُوا بآياتِنـا يُو ِقنُونَـ يقول‪ :‬وكانوا أهـل يقــين بــما دلهـم علــيه حججنـا‪ ,‬وأهـل‬
‫تصديق بـما تبـين لهم من الـحقّ وإيـمان برسلنا‪ ,‬وآيات كتابنا وتنزيـلنا‪.‬‬

‫‪25‬‬ ‫الية ‪:‬‬


‫القول فــي تأويــل قوله تعالــى‪{ :‬إِنّـ َربّكَـ هُ َو يَفْصِـلُ َب ْي َنهُم ْـ يَوْمَـ الْ َقيَامَ ِة فِيمَا كَانُواْ فِيهِـ‬
‫ختَلِفُونَ }‪.‬‬
‫َي ْ‬
‫يقول تعال ـى ذكره‪ :‬إن ر بك يا م ـحمد هو يب ـين جم يع خ ـلقه يوم الق ـيامة ف ـيـما‬
‫كانوا ف ـيه ف ـي الدن ـيا يختلفون من أمور الد ين والب عث والثواب والعقاب‪ ,‬وغ ير ذلك من‬
‫أسـبـاب دينهـم‪ ,‬فــيفرق بــينهم بقضاء فــاصل بإيجابـه لهـل الــحقّ الــجنة‪ ,‬ولهـل‬
‫البـاطل النار‪.‬‬
‫‪26‬‬ ‫الية ‪:‬‬
‫ن فِي‬
‫ن َي ْمشُو َ‬
‫ن الْ ُقرُو ِ‬
‫القول فـي تأويـل قوله تعالـى‪َ{ :‬أوَلَ ْم َيهْ ِد َلهُ مْ كَ مْ أَهَْل ْكنَا مِن قَبِْلهِ ْم مّ َ‬
‫س َمعُونَ }‪.‬‬
‫ليَاتٍ َأفَلَ َي ْ‬
‫ن فِي ذَِلكَ َ‬
‫َمسَا ِك ِن ِهمْ إِ ّ‬
‫يقول تعالـى ذكره‪ :‬أَ َو لـم يبـين لهم؟ كما‪:‬‬
‫‪ 21554‬ـ حدثنـي علـيّ‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا أبو صالـح‪ ,‬قال‪ :‬ثنـي معاوية‪ ,‬عن علـيّ‪ ,‬عن ابن‬
‫عبـاس أوَ لَـمْ َي ْهدِ َل ُهمْ يقول‪ :‬أو لـم يبـين لهم‪.‬‬
‫وعل ـى القراءة ب ـالـياء ف ـي ذلك قرّاء الم صار‪ ,‬وكذلك القراءة عند نا لجماع ال ـحجة‬
‫من القرّاء‪ ,‬بـمعنى‪ :‬أو لـم يبـين لهم إهلكنا القرون الـخالـية من قبلهم‪ ,‬سنتنا فـيـمن‬
‫سلك سبـيـلهم من الك فر بآيات نا‪ ,‬ف ـيتعظوا وينزجروا‪ .‬وقوله كَ مْ إذا قُرىء ي ْهدِ ب ـالـياء‪,‬‬
‫فـي موضع رفع بـيهد‪ .‬وأما إذا قرىء ذلك بـالنون «أ َو لَـمْ َن ْهدِ» فإن موضع «كم» وما‬
‫بعد ها ن صب‪ .‬وقوله‪ :‬يَ ـمْشونَ فِ ـي مَ ساكِنهمْ يقول تعال ـى ذكره‪ :‬أو ل ـم يب ـين ل هن كثرة‬
‫إهلكنا القرون الـماضية من قبلهم يـمشون فـي بلدهم وأرضهم‪ ,‬كعاد وثمود‪ .‬كما‪:‬‬
‫‪ 21555‬ـ حدثنا بشر‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا يزيد‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا سعيد‪ ,‬عن قتادة أو لَـمْ َي ْهدِ َلهُ ْم كَ مْ أهَْلكْنا‬
‫ن ال ُقرُونِ عاد وثمود وأنهم إلـيهم ل يُرجعون‪.‬‬
‫ن قَبْلِهمْ مِ َ‬
‫مِ ْ‬
‫َياتـ يقول تعالــى ذكره‪ :‬إن فــي خلء مسـاكن القرون الذيـن‬
‫ذلكـ ل ٍ‬
‫َ‬ ‫إنـ فِــي‬
‫وقوله‪ّ :‬‬
‫أهلكناهـم مـن قبـل هؤلء الــمكذّبـين بآيات ال مـن قريـش مـن أهلهـا الذيـن كانوا سـكانها‬
‫وعمّار ها بإهلك نا إيا هم ل ـما كذّبوا ر سلنا‪ ,‬وجحدوا بآيات نا‪ ,‬وعبدوا من دون ال آل هة غيره‬
‫التــي يــمرّون بهـا فــيعاينونها‪ ,‬لَيات لهـم وعظات يتعظون بهـا‪ ,‬لو كانوا أولــي حجـا‬
‫ن عظات ال وتذكيره إياهم آياته‪ ,‬وتعريفهم مواضع حججه؟‬
‫س َمعُو َ‬
‫وعقول‪ .‬يقول ال‪ :‬أفَل َي ْ‬

‫‪27‬‬ ‫الية ‪:‬‬


‫ج بِ هِ‬
‫ج ُرزِ َف ُنخْرِ ُ‬
‫القول فـي تأويـل قوله تعالـى‪{ :‬أَوَلَ ْم يَرَوْ ْا َأنّا نَ سُوقُ ا ْلمَآ َء إِلَى الرْ ضِ ا ْل ُ‬
‫صرُونَ }‪.‬‬
‫سهُمْ َأفَلَ ُي ْب ِ‬
‫زَرْعا َت ْأكُلُ ِمنْ ُه َأ ْنعَا ُم ُهمْ وَأَن ُف ُ‬
‫يقول تعالـى ذكره‪ :‬أو لـم ير هؤلء الـمكذّبون بـالبعث بعد الـموت والنشر بعد الفناء‪,‬‬
‫أنا بقُدرتنا نسوق الـماء إلـى الرض الـيابسة الغلـيظة التـي ل نبـات فـيها وأصله من‬
‫ل شيـء‪ ,‬وكذلك الرض الــجروز‪ :‬التــي ل يبقــى‬
‫قولهـم‪ :‬ناقـة جرز‪ :‬إذا كانـت تأكـل ك ّ‬
‫ل ما وجدته‪ ,‬ومنه قولهم للنسان‬
‫ل أفسدته‪ ,‬نظير أكل الناقة الـجراز ك ّ‬
‫علـى ظهرها شيء إ ّ‬
‫جرُوز‪ ,‬كما قال الراجز‪:‬‬
‫الكول‪َ :‬‬
‫جرُوزٌ وَإذَات )‬
‫ب َ‬
‫(خَ ّ‬
‫ل قطعه‪ :‬سيف جراز‪ ,‬فـيه لغات أربع‪ :‬أرض‬
‫ومنه قـيـل للسيف إذا كان ل يبقـي شيئا إ ّ‬
‫جرْز‪ ,‬والفت ـح لبن ـي ت ـميـم ف ـيـما بلغن ـي‪ .‬وبن ـحو الذي قل نا‬
‫جرْز‪ ,‬وجِرز و ُ‬
‫جرُز‪ ,‬و َ‬
‫ُ‬
‫فـي ذلك قال أهل التأويـل‪ .‬ذكر من قال ذلك‪:‬‬
‫‪ 21556‬ـ حدث نا ا بن وك يع‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا ا بن عي ـينة‪ ,‬عن عمرو‪ ,‬عن ا بن عب ـاس الرْ ضِ‬
‫الـجُ ُرزِ أرض بـالـيـمن‪.‬‬
‫حدثنا ابن بشار‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا عبد الرحمن‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا سفـيان بن عيـينة‪ ,‬عن عمرو بن‬
‫دينار‪ ,‬عن ابن عبـاس‪ ,‬قال‪ :‬أرض بـالـيـمن‪.‬‬
‫‪21557‬ـ قال‪ :‬ثنا عبد الرحمن‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا عبد ال بن الـمبـارك عن معمر‪ ,‬عن ابن أبـي‬
‫جرُزِ قال‪ :‬أب ـين‬
‫ض ال ـ ُ‬
‫ن ـجيح‪ ,‬عن م ـجاهد أوَ لَ ـمْ َيرَوْا أنّا نَ سُوقُ ال ـمَاءَ إل ـى الرْ ِ‬
‫ونـحوها‪.‬‬
‫حدثنــي زكر يا بن يحيـى بن أبــي زائدة‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا ع بد الرزاق بن عمـر‪ ,‬عن ا بن‬
‫ل أ نه قال‪:‬‬
‫ال ـمبـارك‪ ,‬قال‪ :‬أخبر نا مع مر‪ ,‬عن ا بن أب ـي ن ـجيح‪ ,‬عن م ـجاهد‪ ,‬مثله‪ ,‬إ ّ‬
‫ونـحوها من الرض‪.‬‬
‫‪ 21558‬ـ حدثنـي م ـحمد بن عمرو‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا أ بو عا صم‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا عي سى وحدثنـي‬
‫الـحارث‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا الـحسن‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا ورقاء جميعا‪ ,‬عن ابن أبـي نـجيح‪ ,‬عن رجل‪,‬‬
‫ج ُرزِ قال‪ :‬ال ـجرز‪ :‬الت ـي ل تُ ـمطر إلّ‬
‫عن ا بن عب ـاس‪ ,‬ف ـي قوله إل ـى الرْ ضِ ال ـ ُ‬
‫ل ما يأتـيها من السيول‪.‬‬
‫مطرا ل يغنـي عنها شيئا‪ ,‬إ ّ‬
‫‪ 21559‬ـ حدث نا ا بن وك يع‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا م ـحمد بن يز يد‪ ,‬عن جُوَ يبر‪ ,‬عن الضحاك إل ـى‬
‫جرُزِ لـيس فـيها نبت‪.‬‬
‫الرْضِ الـ ُ‬
‫‪ 21560‬ـ حدث نا ب شر‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا يز يد‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا سعيد‪ ,‬عن قتادة أ َو لَ ـمْ َيرَوْا أنّا نَ سوقُ‬
‫جرُز الـمغبرة‪.‬‬
‫الـمَاءَ إلـى الرْضِ الـ ُ‬
‫‪21561‬ـ حدثنـي يونس‪ ,‬قال‪ :‬أخبرنا ابن وهب‪ ,‬قال‪ :‬قال ابن زيد‪ ,‬فـي قوله‪ :‬أ َو لَـ ْم يَرَوْا‬
‫أنّا نَ سُوقُ الـمَاءَ إلـى الرْ ضِ الـجُرزِ قال‪ :‬الرض الـجرز‪ :‬التـي لـيس فـيها شيء‪,‬‬
‫جرُزا قال‪ :‬ل ـيس عل ـيها ش يء ول ـيس ف ـيها‬
‫ل ـيس ف ـيها نب ـات‪ .‬وف ـي قوله‪ :‬صَعيدا ُ‬
‫نبـات ول شيء‪.‬‬
‫فن ـخرجُ به زر عا تأكلُ من ُه أنعامهُ مْ وَأنْفُ س ُهمْ يقول تعال ـى ذكره‪ :‬فن ـخرج بذلك ال ـماء‬
‫الذي ن سوقه إل ـيها عل ـى يب سها وغلظ ها وطول عهد ها ب ـالـماء زر عا خضرا تأ كل م نه‬
‫ن يقول تعال ـى ذكره‪ :‬أفل‬
‫مواشي هم‪ ,‬وتغذَى به أبدان هم وأج سامهم ف ـيعيشون به أفَل ُيبْ صرُو َ‬
‫يرون ذلك بأعينهم‪ ,‬فـيعلـموا برؤيتهموه أن القدرة التـي بها فعلت ذلك ل يتعذّر علـيّ أن‬
‫أحيى بها الموات وأُنشرهم من قبورهم‪ ,‬وأعيدهم بهيئاتهم التـي كانوا بها قبل وفـاتهم‪.‬‬

‫‪30- 28‬‬ ‫الية ‪:‬‬


‫ن * قُلْ َيوْ مَ‬
‫القول ف ـي تأوي ـل قوله تعال ـى‪َ { :‬ويَقُولُو نَ َم َتىَ هَ ـذَا ا ْل َفتْ حُ إِن كُنتُ مْ صَادِقِي َ‬
‫ظرُونَ }‪.‬‬
‫ظرْ ِإ ّن ُهمْ مّنتَ ِ‬
‫ع ْن ُهمْ وَانتَ ِ‬
‫عرِضْ َ‬
‫ن * فَأَ ْ‬
‫ظرُو َ‬
‫ح لَ يَنفَ ُع اّلذِينَ كَ َفرُوَ ْا ِإ َيمَا ُنهُمْ َولَ ُه ْم يُن َ‬
‫الْ َفتْ ِ‬
‫يقول تعالـى ذكره‪َ :‬ويَقُولُو نَ هؤلء الـمشركون بـال يا مـحمد لك مَتـى َهذَا ا ْل َفتْـحُ‪.‬‬
‫واختلف فــي معنـى ذلك‪ ,‬فقال بعضهـم‪ :‬معناه‪ :‬متــى يج يء هذا الــحكم بــيننا وبــينكم‪,‬‬
‫ومتـى يكون هذا الثواب والعقاب‪ .‬ذكر من قال ذلك‪:‬‬
‫ن مَتـى‬
‫‪21562‬ـ حدثنا بشر‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا يزيد‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا سعيد‪ ,‬عن قتادة‪ ,‬فـي قوله َويَقُولُو َ‬
‫ن ُك ْنتُـمْ صَادِقِـينَ قال‪ :‬قال أصحاب نبـيّ ال صلى ال عليه وسلم‪ :‬إن لنا يوما‬
‫حإْ‬
‫َهذَا ال َفتْـ ُ‬
‫إنـ ُك ْنتُــمْ‬
‫أوشـك أن نسـتريح فــيه وننعـم فــيه‪ ,‬فقال الــمشركون مَتــى َهذَا ال َفتْــحُ ْ‬
‫صَا ِدقِـينَ‪.‬‬
‫وقال آخرون‪ :‬بل عنى بذلك‪ :‬فتـح مكة‪.‬‬
‫والصـواب مـن القول فــي ذلك قول مـن قال‪ :‬معناه‪ :‬ويقولون متــى يجيـء هذا الــحكم‬
‫ب ـيننا وب ـينكم‪ ,‬يعنون العذاب‪ ,‬يدلّ عل ـى أن ذلك معناه قوله‪ :‬قُلْ يَوْ َم ال َفتْ ـحِ ل َينْفَ عُ اّلذِي نَ‬
‫ن ول ش كّ أن الكف ـار قد كان ج عل ال ل هم التو بة ق بل فت ـح‬
‫ظرُو َ‬
‫كَ َفرُوا إي ـمَا ُنهُمْ وَل هُ ْم ُينْ َ‬
‫مكة وبعده‪ ,‬ولو كان معنى قوله مَتـى َهذَا ال َفتْـحُ علـى ما قاله من قال‪ :‬يعنـي به‪ :‬فتـح‬
‫م كة‪ ,‬لكان ل تو بة ل ـمن أ سلـم من ال ـمشركين ب عد فت ـح م كة‪ ,‬ول ش كّ أن ال قد تاب‬
‫علـى بشر كثـير من الـمشركين بعد فتـح مكة‪ ,‬ونفعهم بـاليـمان به وبرسوله فمعلوم‬
‫ن ُك ْنتُ ـمْ صَادِقِـينَ يعن ـي‪ :‬إن‬
‫بذلك صحة ما قل نا من التأوي ـل‪ ,‬وف ساد ما خال فه‪ .‬وقوله‪ :‬إ ْ‬
‫كنت ـم صادقـين ف ـي الذي تقولون من أ نا معاقبون عل ـى تكذيب نا م ـحمدا صلى ال عل يه‬
‫وسلم‪ ,‬وعبـادتنا الَلهة والوثان‪.‬‬
‫وقوله‪ :‬قُلْ يَوْ مَ ال َفتْ ـحِ يقول لنب ـيه م ـحمد صلى ال عل يه و سلم‪ :‬قل يا م ـحمد ل هم يوم‬
‫الـحكم‪ ,‬ومـجيء العذاب‪ :‬ل ينفع من كفر بـال وبآياته إيـمانهم الذي يحدثونه فـي ذلك‬
‫الوقت‪ .‬كما‪:‬‬
‫‪ 21563‬ـ حدثن ـي يو نس‪ ,‬قال‪ :‬أخبر نا ا بن و هب‪ ,‬قال‪ :‬قال ا بن ز يد‪ ,‬ف ـي قوله قُلْ َيوْ مَ‬
‫ن كَ َفرُوا إيـمَا ُن ُهمْ قال‪ :‬يوم الفتـح إذا جاء العذاب‪.‬‬
‫ال َفتْـحِ ل َينْفَعُ اّلذِي َ‬
‫‪ 21564‬ـ حدثنـي م ـحمد بن عمرو‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا أ بو عا صم‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا عي سى وحدثنـي‬
‫الــحارث‪ ,‬قال‪ :‬حدثنـا الــحسن‪ ,‬قال‪ :‬حدثنـا ورقاء جميعـا‪ ,‬عـن ابـن أبــي نــجيح‪ ,‬عـن‬
‫ح ردّا عل ـى‬
‫ح يوم الق ـيامة‪ .‬ون صب ال ـيوم ف ـي قوله قُلْ َيوْ مَ ال َفتْ ـ ِ‬
‫م ـجاهد َيوْ مَ ال َفتْ ـ ِ‬
‫مت ـى‪ ,‬وذلك أن «مت ـى» ف ـي مو ضع ن صب‪ .‬ومع نى الكلم‪ :‬أن ـي حي نُ هذا الفت ـح إن‬
‫كنتـم صادقـين‪ ,‬ثم قـيـل يوم كذا‪ ,‬وبه قرأ القرّاء‪.‬‬
‫ع ْنهُ مْ‬
‫عرِ ضْ َ‬
‫وقوله‪ :‬وَل هُ مْ ُي ْنظَرُو نَ يقول‪ :‬ول هم يؤخرون للتو بة وال ـمراجعة‪ .‬وقوله فأ ْ‬
‫ن يقول لنب ـيه م ـحمد صلى ال عل يه و سلم‪ :‬فأعرض يا م ـحمد عن‬
‫ظرْ إ ّنهُ مْ ُم ْن َتظِرو َ‬
‫وا ْن َت ِ‬
‫هؤلء الــمشركين بــال‪ ,‬القائلــين لك‪ :‬متــى هذا الفتــح‪ ,‬الــمستعجلـيك بــالعذاب‪,‬‬
‫وانتظر ما ال صانع بهم‪ ,‬إنهم منتظرون ما تعدهم من العذاب ومـجيء الساعة‪ .‬كما‪:‬‬
‫ع ْنهُ مْ‪ ,‬وَا ْنتَظرْ‬
‫عرِ ضْ َ‬
‫‪ 21565‬ـ حدث نا ب شر‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا يز يد‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا سعيد‪ ,‬عن قتادة فَأ ْ‬
‫ن يعنـي يوم القـيامة‪.‬‬
‫ظرُو َ‬
‫إ ّن ُهمْ ُم ْنتَ ِ‬
‫آخر تفسير سورة السجدة‪ ,‬ول الـحمد والـمنة‪.‬‬

‫سورة الحزاب‬
‫سورة الحزاب مدنـيّة‬
‫وآياتها ثلث وسبعون‬
‫بسم ال الرحمَن الرحيـم‬

‫‪2- 1‬‬ ‫الية ‪:‬‬


‫ن الّل هَ‬
‫ن إِ ّ‬
‫ل ُتطِ عِ ا ْلكَافِرِي نَ وَا ْل ُمنَافِقِي َ‬
‫القول فـي تأويـل قوله تعالـى‪{ :‬يَا َأ ّيهَا ال ّنبِ يّ اتّ قِ اللّ هَ َو َ‬
‫خبِيرا }‪.‬‬
‫ن َ‬
‫ن ِبمَا َت ْعمَلُو َ‬
‫ك مِن َر ّبكَ ِإنّ الّلهَ كَا َ‬
‫حىَ إِلَـيْ َ‬
‫حكِيما * وَا ّتبِعْ مَا يُو َ‬
‫كَانَ عَلِيما َ‬
‫يقول تعالـى ذكره لنبـيه مـحمد صلى ال عليه وسلم‪ :‬يا أيّها ال ّنبِـيّ اتّق الّل هَ بطاعته‪,‬‬
‫وأداء فرائضـه‪ ,‬وواجـب حقوقـه علــيك‪ ,‬والنتهاء عـن مــحارمه‪ ,‬وانتهاك حدوده وَل تُطِع‬
‫ِينـ الذيـن يقولون لك‪ :‬اطرد عنـك أتبــاعك مـن ضعفــاء الــمؤمنـين بـك حتــى‬
‫الكا ِفر َ‬
‫ن الذ ين يظهرون لك الي ـمان ب ـال والن صيحة لك‪ ,‬و هم ل يألو نك‬
‫ن ـجالسك وَال ـمُنافِقِـي َ‬
‫وأصحابك ودينك خبـالً‪ ,‬فل تقبل منهم رأيا‪ ,‬ول تستشرهم مستنصحا بهم‪ ,‬فإنهم لك أعداء إنّ‬
‫حكِيـما يقول‪ :‬إن ال ذو علـم بـما تضمره نفوسهم‪ ,‬وما الذي يقصدون‬
‫اللّ َه كا نَ عَلِـيـما َ‬
‫فـي إظهارهم لك النصيحة‪ ,‬مع الذي ينطوون لك علـيه‪ ,‬حكيـم فـي تدبـير أمرك وأمر‬
‫ن َربّ كَ يقول‪:‬‬
‫ك مِ ْ‬
‫أصحابك ودينك‪ ,‬وغير ذلك من تدبـير جميع خـلقه‪ .‬وَا ّتبِ عْ ما يُوحَى إلَـيْ َ‬
‫خبِـيرا يقول‪:‬‬
‫ن َ‬
‫واعمل بـما ينزل ال علـيك من وحيه‪ ,‬وآي كتابه إ نّ الّل َه كا نَ بـمَا َت ْعمَلُو َ‬
‫إن ال ب ـما تع مل به أ نت وأ صحابك من هذا القرآن‪ ,‬وغ ير ذلك من أمور كم وأمور عب ـاده‬
‫خب ـيرا أي ذا خبرة‪ ,‬ل يخف ـى عل ـيه من ذلك ش يء‪ ,‬و هو م ـجازيكم عل ـى ذلك ب ـما‬
‫ك مِ نْ َربّ كَ‬
‫وعدكم من الـجزاء‪ .‬وبنـحو الذي قلنا فـي تأويـل قوله‪ :‬وَا ّتبِ عْ ما يُوحَى إلَـيْ َ‬
‫قال أهل التأويـل‪ .‬ذكر من قال ذلك‪:‬‬
‫‪21566‬ـ حدثنا بشر‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا يزيد‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا سعيد‪ ,‬عن قَتادة وَا ّتبِعْ ما يُوحَى إلَـ ْيكَ ِمنْ‬
‫ن خَبـيرا‪.‬‬
‫ن بِـمَا َت ْعمَلُو َ‬
‫ك أي هذا القرآن إنّ الّلهَ كا َ‬
‫َربّ َ‬

‫‪3‬‬ ‫الية ‪:‬‬


‫ى بِاللّهِ َوكِيلً }‪.‬‬
‫ى اللّهِ َوكَ َف َ‬
‫القول فـي تأويـل قوله تعالـى‪َ { :‬وتَ َوكّلْ عََل َ‬
‫يقول تعالــى ذكره‪ :‬وفوّض إلــى ال أمرك يـا مــحمد‪ ,‬وثـق بـه وكَفَــى بــال َوكِيلً‬
‫يقول‪ :‬وحسيك بـال فـيـما يأمرك وكيلً‪ ,‬وحفـيظا بك‪.‬‬
‫‪4‬‬ ‫الية ‪:‬‬
‫جكُ مُ‬
‫جعَلَ َأزْوَا َ‬
‫جعَلَ الّل هُ ِل َرجُلٍ مّن قَ ْل َبيْ نِ فِي جَ ْوفِ ِه َومَا َ‬
‫القول فـي تأويـل قوله تعالـى‪{ :‬مّا َ‬
‫عيَآ َءكُ مْ َأ ْبنَآ َءكُ مْ ذَِلكُ مْ قَوْلُكُم ِبَأفْوَا ِهكُ مْ وَاللّ هُ يَقُولُ‬
‫جعَلَ َأدْ ِ‬
‫ن ُأ ّمهَا ِتكُ مْ وَمَا َ‬
‫ن ِم ْنهُ ّ‬
‫لئِي ُتظَا ِهرُو َ‬
‫ال ّ‬
‫سبِيلَ }‪.‬‬
‫حقّ وَ ُهوَ َي ْهدِي ال ّ‬
‫ا ْل َ‬
‫ن قَلْبَـيْنِ فِـي جَ ْوفِهِ‬
‫ل اللّ ُه ِل َرجُلٍ مِ ْ‬
‫جعَ َ‬
‫اختلف أهل التأويـل فـي الـمراد من قول ال ما َ‬
‫فقال بعضهم‪ :‬عنى بذلك تكذيب قوم من أهل النفـاق‪ ,‬وصفوا نبـيّ ال صلى ال عليه وسلم‬
‫بأنه ذو قلبـين‪ ,‬فنفـى ال ذلك عن نبـيه‪ ,‬وكذّبهم‪ .‬ذكر من قال ذلك‪:‬‬
‫‪21567‬ـ حدثنا أبو كُرَيب‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا حفص بن نفـيـل‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا زهير بن معاوية‪ ,‬عن‬
‫جعَلَ الّلهُ‬
‫قابوس بن أبـي ظبـيان أن أبـاه حدثه‪ ,‬قال‪ :‬قلنا لبن عبـاس‪ :‬أرأيت قول ال ما َ‬
‫ن قَلْبَ ـيْن فِ ـي جَوْفِه ما ع نى بذلك؟ قال‪ :‬قام ر سول ال صلى ال عل يه و سلم يو ما‬
‫ِل َرجُلٍ مِ ْ‬
‫فصـلـى‪ ,‬فخطـر خطرة فقال الــمنافقون الذيـن يصـلون معـه‪ :‬إن له قلبــين‪ ,‬قلبــا معكـم‪,‬‬
‫جعَلَ ال ِل َرجُلٍ ِمنْ قَ ْلبَـين فـي جَ ْوفِهِ‪.‬‬
‫وقلبـا معهم‪ ,‬فأنزل ال‪ :‬ما َ‬
‫وقال آخرون‪ :‬بل عنى بذلك‪ :‬رجل من قريش كان يُدعى ذا القلبـين من دِهْيه‪ .‬ذكر من قال‬
‫ذلك‪:‬‬
‫‪ 21568‬ـ حدثنـي مـحمد بن سعد‪ ,‬قال‪ :‬ثنـي أبـي‪ ,‬قال‪ :‬ثنـي عمي‪ ,‬قال‪ :‬ثنـي أبـي‪,‬‬
‫ج ْوفِ هِ قال‪ :‬كان رجل من‬
‫ن فِـي َ‬
‫ن قَ ْلبَـيْ ِ‬
‫جعَلَ الّل هُ ِل َرجُلٍ مِ ْ‬
‫عن أبـيه‪ ,‬عن ابن عبـاس‪ :‬ما َ‬
‫قريش يسمى من دهيه ذا القلبـين‪ ,‬فأنزل ال هذا فـي شأنه‪.‬‬
‫‪ 21569‬ـ حدثنـي م ـحمد بن عمرو‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا أ بو عا صم‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا عي سى وحدثنـي‬
‫الــحارث‪ ,‬قال‪ :‬حدثنـا الــحسن‪ ,‬قال‪ :‬حدثنـا ورقاء جميعـا‪ ,‬عـن ابـن أبــي نــجيح‪ ,‬عـن‬
‫ن قَ ْلبَ ـين فِ ـي جَ ْوفِ ِه قال‪ :‬إن رجلً من بن ـي ف هر‪ ,‬قال‪ :‬إن‬
‫ل اللّ ُه ِل َرجُلٍ مِ ْ‬
‫جعَ َ‬
‫م ـجاهد ما َ‬
‫فـي جوفـي قلبـين‪ ,‬أعقل بكل واحد منهما أفضل من عقل مـحمد «وكذب»‪.‬‬
‫جعَلَ الّل هُ ِل َرجُلٍ‬
‫‪ 21570‬ـ حدثنا بشر‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا يزيد‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا سعيد‪ ,‬عن قتادة‪ ,‬قوله ما َ‬
‫ن قَلْبَـيْنِ فِـي جَ ْوفِ ِه قال قتادة‪ :‬كان رجل علـى عهد رسول ال صلى ال عليه وسلم يسمى‬
‫مِ ْ‬
‫ذا القلبـين‪ ,‬فأنزل ال فـيه ما تسمعون‪.‬‬
‫‪21571‬ــ قال قتادة‪ :‬وكان الــحسن يقول‪ :‬كان رجـل يقول لــي‪ :‬نفـس تأمرنــي‪ ,‬ونفـس‬
‫تنهانـي‪ ,‬فأنزل ال فـيه ما تسمعون‪.‬‬
‫‪ 21572‬ـ حدثنا ابن وكيع‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا أبـي‪ ,‬عن سفـيان‪ ,‬عن خصيف‪ ,‬عن عكرمة‪ ,‬قال‪:‬‬
‫ج ْوفِه‪.‬‬
‫جعَلَ الّلهُ ِل َرجُلٍ ِمنْ قَ ْلبَـيْنِ فِـي َ‬
‫كان رجل يسمى ذا القلبـين‪ ,‬فنزلت ما َ‬
‫وقال آخرون‪ :‬بل عنى بذلك زيد بن حارثة من أجل أن رسول ال صلى ال عليه وسلم كان‬
‫تبنّاه‪ ,‬فضرب ال بذلك مثلً‪ .‬ذكر من قال ذلك‪:‬‬
‫‪21573‬ــ حدثنـا الــحسن بـن يحيـى‪ ,‬قال‪ :‬أخبرنـا عبـد الرزاق‪ ,‬قال‪ :‬أخبرنـا معمـر‪ ,‬عـن‬
‫ن قَلْبَـيْنِ فِـي جَ ْوفِ ِه قال‪ :‬بلغنا أن ذلك كان فـي‬
‫ل اللّ ُه ِل َرجُلٍ مِ ْ‬
‫جعَ َ‬
‫الزهري‪ ,‬فـي قوله‪ :‬ما َ‬
‫زيد بن حارثة‪ ,‬ضرب له مثلً يقول‪ :‬لـيس ابن رجل آخر ابنك‪.‬‬
‫وأول ـى القوال ف ـي ذلك ب ـالصواب قول من قال‪ :‬ذلك تكذ يب من ال تعال ـى قول من‬
‫قال لرجل فـي جوفه قلبـان يعقل بهما‪ ,‬علـى النـحو الذي رُوي عن ابن عبـاس وجائز‬
‫أن يكون ذلك تكذيبـا من ال لـمن وصف رسول ال صلى ال عليه وسلم بذلك‪ ,‬وأن يكون‬
‫تكذيبـا لـمن سمى القرش يّ الذي ذُكر أنه سمي ذا القلبـين من دهيه‪ ,‬وأ يّ المرين كان فهو‬
‫نفـي من ال عن خـلقه من الرجال أن يكونوا بتلك الصفة‪.‬‬
‫ن أمّهاتِكُ مْ يقول تعالـى ذكره‪ :‬ولـم يجعل‬
‫لئِي تُظاهِرُو نَ ِم ْنهُ ّ‬
‫جكُ مُ ال ّ‬
‫جعَلَ أزْوَا َ‬
‫وقوله‪ :‬وَما َ‬
‫ال أيها الرجال نساءكم اللئي تقولون له نّ‪ :‬أنتن علـينا كظهور أمهاتنا أمهاتكم‪ ,‬بل جعل ذلك‬
‫من ق ـيـلكم كذب ـا‪ ,‬وألزم كم عقو بة ل كم كفّ ـارة‪ .‬وبن ـحو الذي قل نا فــي ذلك قال أ هل‬
‫التأويـل‪ .‬ذكر من قال ذلك‪:‬‬
‫جكُ مُ‬
‫ل أزْوَا َ‬
‫جعَ َ‬
‫‪ 21574‬ـ حدثنا بشر‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا يزيد‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا سعيد‪ ,‬عن قتادة‪ ,‬قوله وَما َ‬
‫ن ُأمّها ِتكُ مْ‪ :‬أي ما جعلها أمك فإذا ظاهر الرجل من امرأته‪ ,‬فإن ال لـم‬
‫ن ِم ْنهُ ّ‬
‫اللّئي تُظا ِهرُو َ‬
‫يجعلها أمه‪ ,‬ولكن جعل فـيها الكفّـارة‪.‬‬
‫جعَلَ أدعِيا َءكُ مْ أبْنا َءكُ مْ يقول‪ :‬ول ـم يج عل ال من ادّع يت أ نه اب نك‪ ,‬و هو ا بن‬
‫وقوله‪ :‬وَ ما َ‬
‫غيرك ابنـك بدعواك‪ .‬وذُكـر أن ذلك نزل علــى رسـول ال صـلى ال عليـه وسـلم مـن أجـل‬
‫تبنـيه زيد بن حارثة‪ .‬ذكر الرواية بذلك‪:‬‬
‫‪ 21575‬ـ حدثنـي م ـحمد بن عمرو‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا أ بو عا صم‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا عي سى وحدثنـي‬
‫الــحارث‪ ,‬قال‪ :‬حدثنـا الــحسن‪ ,‬قال‪ :‬حدثنـا ورقاء جميعـا‪ ,‬عـن ابـن أبــي نــجيح‪ ,‬عـن‬
‫مـجاهد‪ ,‬قوله‪ :‬أدْعِيا َء ُكمْ أبْنا َء ُكمْ قال‪ :‬نزلت هذه الَية فـي زيد بن حارثة‪.‬‬
‫جعَلَ‬
‫‪ 21576‬ـ حدثن ـي يو نس‪ ,‬قال‪ :‬أخبر نا ا بن و هب‪ ,‬قال‪ :‬قال ا بن ز يد‪ ,‬ف ـي قوله‪ :‬وَ ما َ‬
‫ن ال ور سوله عل ـيه‪ ,‬يقال له‪ :‬ز يد بن‬
‫أدْعِيا َءكُ مْ أبْنا َءكُ مْ قال‪ :‬كان ز يد بن حار ثة ح ين م ّ‬
‫ن رِجاِلكُ مْ قال‪ :‬و هو يذ كر الزواج‬
‫حدٍ مِ ْ‬
‫ح ّمدٌ أب ـا أ َ‬
‫ن مُ ـ َ‬
‫م ـحمد‪ ,‬كان تبنّاه‪ ,‬فقال ال‪ :‬ما كا َ‬
‫والخت‪ ,‬فأخبره أن الزواج لـم تكن بـالمهات أمهاتكم‪ ,‬ول أدعياءكم أبناءكم‪.‬‬
‫جعَلَ أدْعِيا َءكُمْ أبْنا َءكُمْ‬
‫‪21577‬ـ حدثنا بشر‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا يزيد‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا سعيد‪ ,‬عن قتادة وَما َ‬
‫و ما ج عل دعّ يك اب نك‪ ,‬يقول‪ :‬إذا ادّ عى ر جل رجلً ول ـيس ب ـابنه ذَِلكُ مْ قَوُْلكُ مْ بأفْوَا ِهكُ مْ‪...‬‬
‫الَ ية‪ .‬وذُ كر ل نا أن النب ـيّ صلى ال عل يه و سلم كان يقول‪ « :‬من ادّ عى إل ـى غَ ير أبِ ـيهِ‬
‫جنّةَ»‪.‬‬
‫ح ّرمَ الّلهُ عَلَـيْهِ الـ َ‬
‫ُم َت َعمّدا َ‬
‫‪ 21578‬ـ حدثنا أبو كُرَيب‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا ابن أبـي زائدة‪ ,‬عن أشعث‪ ,‬عن عامر‪ ,‬قال‪ :‬لـيس‬
‫فـي الدعياء زيد‪.‬‬
‫وقوله ذَِلكُ مْ قَوُْلكُ مْ بأفْوَا ِهكُ مْ يقول تعال ـى ذكره هذا القول و هو قول الر جل لمرأ ته‪ :‬أ نت‬
‫علـيّ كظهر أمي‪ ,‬ودعاؤه من لـيس بـابنه أنه ابنه‪ ,‬إنـما هو قولكم بأفواهكم ل حقـيقة‬
‫له‪ ,‬ل يث بت بهذه الدعوى ن سب الذي ادّع يت بنوّ ته‪ ,‬ول ت صير الزو جة أمّا بقول الر جل ل ها‪:‬‬
‫حقّ يقول‪ :‬وال هو الصادق الذي يقول الـحقّ‪ ,‬وبقوله‬
‫أنت علـيّ كظهر أمي وَاللّ هُ يقُولُ الـ َ‬
‫يثبـت نسـب مـن أثبـت نسـبه‪ ,‬وبـه تكون الــمرأة للــمولود‪ ,‬أمّا إذا حكـم بذلك وَ ُه َو َيهْدِي‬
‫السـبِـيـلَ يقول تعالــى ذكره‪ :‬وال يبــين لعبــاده سـبـيـل الــحقّ‪ ,‬ويرشدهـم لطريـق‬
‫ّ‬
‫الرشاد‪.‬‬

‫‪5‬‬ ‫الية ‪:‬‬


‫لبَآ ِئهِ مْ ُه َو َأقْ سَطُ عِندَ اللّ ِه فَإِن لّ ْم َتعَْلمُوَاْ آبَاءَهُ مْ‬
‫القول ف ـي تأوي ـل قوله تعال ـى‪{ :‬ادْعُوهُ ْم َ‬
‫ط ْأتُمْ ِبهِ وَلَـكِن مّا َت َع ّمدَتْ قُلُو ُبكُمْ َوكَانَ‬
‫خَ‬‫جنَاحٌ فِيمَآ َأ ْ‬
‫َفإِخوَا ُنكُمْ فِي الدّينِ َومَوَالِيكُمْ وََليْسَ عََل ْيكُمْ ُ‬
‫اللّهُ غَفُورا ّرحِيما }‪.‬‬
‫يقول ال تعالــى ذكره‪ :‬انسـبوا أدعياءكـم الذيـن ألــحقتـم أنسـابهم بكـم لَبــائهم‪ .‬يقول‬
‫لنب ـيه م ـحمد صلى ال عل يه و سلم‪ :‬أل ـحق ن سب ز يد بأب ـيه حار ثة‪ ,‬ول تد عه زيدا بن‬
‫ع ْندَ ال يقول‪ :‬دعاؤ كم إيا هم لَب ـائهم هو أعدل ع ند ال‪ ,‬وأ صدق‬
‫م ـحمد‪ .‬وقوله ُهوَ أقْ سَطُ ِ‬
‫وأ صوب من دعائ كم إيا هم لغ ير آب ـائهم ون سبتكموهم إل ـى من تبنّا هم وادّعا هم ول ـيسوا له‬
‫بنـين‪ .‬كما‪:‬‬
‫‪ 21579‬ـ حدثنا بشر‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا يزيد‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا سعيد‪ ,‬عن قتادة‪ ,‬قوله‪ :‬ادْعُوهُ مْ لَبـائ ِهمْ‬
‫ع ْندَ اللّ هِ‪ :‬أي أعدل عند ال‪ ,‬وقوله‪ :‬فإ نْ لَـمْ َتعْلـمُوا آبـاءَهُ ْم فَإخْوَا ُنكُ مْ فِـي الدّي نِ‬
‫سطُ ِ‬
‫هُ َو أقْ َ‬
‫َو َموَالِ ـي ُكمْ يقول تعال ـى ذكره‪ :‬فإن أنت ـم أي ها الناس ل ـم تعل ـموا آب ـاء أدعيائ كم من هم‬
‫فتن سبوهم إل ـيهم‪ ,‬ول ـم تعرفو هم‪ ,‬فتل ـحقوهم ب هم‪ ,‬فإخوان كم ف ـي الد ين يقول‪ :‬ف هم إخوان كم‬
‫فــي الديـن‪ ,‬إن كانوا مـن أهـل ملّتكـم‪ ,‬وموالــيكم إن كانوا مــحرّريكم ولــيسوا ببنــيكم‪.‬‬
‫وبنـحو الذي قلنا فـي ذلك قال أهل التأويـل‪ .‬ذكر من قال ذلك‪:‬‬
‫سطُ‬
‫‪21580‬ـ حدثنا بشر‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا يزيد‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا سعيد‪ ,‬عن قتادة ا ْدعُوهُمْ لَبـائهمْ ُه َو أقْ َ‬
‫ن لَ ـمْ َتعْلَ ـمُوا آب ـاءَ ُهمْ فإخْوَا َنكُ مْ فِ ـي الدّي نِ َومَوَالِ ـي ُكمْ فإن‬
‫ع ْندَ الّل هِ‪ :‬أي أعدل ع ند ال فإ ْ‬
‫ِ‬
‫لـم تعلـموا من أبوه فإنـما هو أخوك ومولك‪.‬‬
‫‪ 21581‬ـ حدثنـي يعقوب‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا ابن علـية‪ ,‬عن عُيـينة بن عبد الرحمن‪ ,‬عن أبـيه‪,‬‬
‫ع ْندَ اللّ هِ‪ ,‬فإ نْ لَ ـمْ َتعْلَ ـمُوا آب ـاءَهُمْ‬
‫قال‪ :‬قال أ بو بكرة‪ :‬قال ال ادْعُوهُ مْ لَب ـائ ِهمْ هُ َو أقْ سَطُ ِ‬
‫فإخْوَا ُنكُ مْ فِـي الدّي نِ َومَوَالِـي ُكمْ فأنا مـمن ل يُعرف أبوه‪ ,‬وأنا من إخوانكم فـي الدين‪ ,‬قال‪:‬‬
‫قال أبـي‪ :‬وال إنـي لظنه لو علـم أن أبـاه كان حمّارا لنتـمى إلـيه‪.‬‬
‫وقوله‪ :‬وَلَـيْسَ عَلـ ْيكُمْ جُنا حٌ فِـيـما أخْط ْأتُـمْ بِ هِ يقول‪ :‬ول حرج علـيكم ول وزر فـي‬
‫خطأ يكون منكم فـي نسبة بعض من تنسبونه إلـى أبـيه‪ ,‬وأنتـم ترونه ابن من ينسبونه‬
‫ت قُلُو ُبكُ مْ يقول‪ :‬ول كن ال ثم وال ـحرج عل ـيكم ف ـي‬
‫إل ـيه‪ ,‬و هو ا بن لغيره وََلكِ نْ ما َت َعمّدَ ْ‬
‫نسبتكموه إلـى غير أبـيه‪ ,‬وأنتـم تعلـمونه ابن غير من تنسبونه إلـيه‪ .‬وبنـحو الذي قلنا‬
‫فـي ذلك قال أهل التأويـل‪ .‬ذكر من قال ذلك‪:‬‬
‫‪ 21582‬ـ حدث نا ب شر‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا يز يد‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا سعيد‪ ,‬عن قتادة وَلَ ـيْسَ عَلَ ـ ْي ُكمْ جُنا حٌ‬
‫فِــيـما أخْط ْأتُــمْ بِهِـ يقول‪ :‬إذا دعوت الرجـل لغيـر أبــيه‪ ,‬وأنـت ترى أنـه كذلك وََلكِن ْـ مـا‬
‫َت َعمّدَ تْ قُلُو ُبكُ مْ يقول ال‪ :‬ل تد عه لغ ير أب ـيه متعمدا‪ .‬أ ما ال ـخطأ فل يؤاخذ كم ال به وََل ِك نْ‬
‫خ ْذ ُكمْ بِـمَا َت َع ّمدَتْ قُلُو ُب ُكمْ‪.‬‬
‫يُؤَا ِ‬
‫‪ 21583‬ـ حدثنـي م ـحمد بن عمرو‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا أ بو عا صم‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا عي سى وحدثنـي‬
‫الــحارث‪ ,‬قال‪ :‬حدثنـا الــحسن‪ ,‬قال‪ :‬حدثنـا ورقاء جميعـا‪ ,‬عـن ابـن أبــي نــجيح‪ ,‬عـن‬
‫مـجاهد َت َع ّمدَتْ قُلُو ُب ُكمْ قال‪ :‬فـالعمد ما أتـى بعد البـيان والنهي فـي هذا وغيره‪.‬‬
‫ت قُلُو ُبكُمْ خفض ردّا علـى «ما» التـي فـي قوله‬
‫و «ما» التـي فـي قوله وََلكِ نْ ما َت َعمّدَ ْ‬
‫فِـيـما أخْط ْأتُـمْ بِ ِه وذلك أن معنى الكلم‪ :‬لـيس علـيكم جناح فـيـما أخطأتـم به‪ ,‬ولكن‬
‫فـيـما تعمدت قلوبكم‪.‬‬
‫غفُورا َرحِيـما يقول ال تعالـى ذكره‪ :‬وكان ال ذا ستر علـى ذنب من‬
‫وقوله‪ :‬وكا نَ الّل هُ َ‬
‫ظا هر زوج ته فقال الب ـاطل والزور من القول‪ ,‬وذ نب من ادّ عى ولد غيره اب نا له‪ ,‬إذا تاب ـا‬
‫وراج عا أ مر ال‪ ,‬وانته يا عن ق ـيـل الب ـاطل ب عد أن نهاه ما ربه ما ع نه ذا رح مة به ما أن‬
‫يعاقبهما علـى ذلك بعد توبتهما من خطيئتهما‪.‬‬

‫‪6‬‬ ‫الية ‪:‬‬


‫سهِمْ وََأزْوَاجُ ُه ُأ ّمهَا ُتهُ مْ وَأُوْلُو‬
‫ن َأنْفُ ِ‬
‫ن مِ ْ‬
‫ي أَوَْلىَ بِا ْلمُ ْؤ ِمنِي َ‬
‫القول ف ـي تأويـل قوله تعال ـى‪{ :‬ال ّنبِ ّ‬
‫ل أَن تَ ْفعَلُوَ ْا إَِلىَ َأوِْليَآئِكُمْ‬
‫جرِينَ ِإ ّ‬
‫ضهُمْ َأوَْلىَ ِب َبعْضٍ فِي ِكتَابِ الّلهِ ِمنَ ا ْل ُم ْؤ ِمنِينَ وَا ْل ُمهَا ِ‬
‫الرْحَامِ َب ْع ُ‬
‫سطُورا }‪.‬‬
‫ن ذَِلكَ فِي ا ْل ِكتَابِ َم ْ‬
‫ّمعْرُوفا كَا َ‬
‫يقول تعال ـى ذكره‪ :‬النب ـيّ م ـحمد أول ـى ب ـالـمؤمنـين‪ ,‬يقول‪ :‬أح قّ ب ـالـمؤمنـين‬
‫به من أنفسهم‪ ,‬أن يحكم فـيهم بـما يشاء من حكم‪ ,‬فـيجوز ذلك علـيهم‪ .‬كما‪:‬‬
‫‪21584‬ــ حدثنــي يونـس‪ ,‬قال‪ :‬أخبرنـا ابـن وهـب‪ ,‬قال‪ :‬قال ابـن زيـد ال ّنبِــيّ أوْلَــى‬
‫سهِمْ كما أنت أولـى بعبدك ما قضى فـيهم من أمر جاز‪ ,‬كما كلـما‬
‫ن أنْفُ ِ‬
‫ن مِ ْ‬
‫بـالـمُ ْؤ ِمنِـي َ‬
‫قضيت علـى عبدك جاز‪.‬‬
‫‪ 21585‬ـ حدثنـي م ـحمد بن عمرو‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا أ بو عا صم‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا عي سى وحدثنـي‬
‫الــحارث‪ ,‬قال‪ :‬حدثنـا الــحسن‪ ,‬قال‪ :‬حدثنـا ورقاء جميعـا‪ ,‬عـن ابـن أبــي نــجيح‪ ,‬عـن‬
‫سهِمْ قال‪ :‬هو أب لهم‪.‬‬
‫ن أنْ ُف ِ‬
‫ن مِ ْ‬
‫مـجاهد ال ّنبِـيّ أولـى بـالـمُ ْؤمِنـي َ‬
‫‪ 21586‬ـ حدث نا م ـحمد بن ال ـمثنى‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا عثمان بن ع مر‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا فل ـيح‪ ,‬عن‬
‫هلل بن علـيّ‪ ,‬عن عبد الرحمن بن أبـي عمرة‪ ,‬عن أبـي هريرة‪ ,‬أن رسول ال صلى ال‬
‫خرَةِ‪ ,‬ا ْقرَءُوا إ نْ‬
‫لِ‬‫ن إلّ وأ نا أوْلَ ـى النّا سِ ِب ِه فِ ـي ال ّدنْ ـيا وا َ‬
‫عل يه و سلم قال‪ « :‬ما مِ نْ ُم ْؤمِ ٍ‬
‫ص َبتِهِ‬
‫ن تَرَ كَ مالً فَلِ َو َر َثتِ هِ َوعَ َ‬
‫س ِهمْ وأيّـمَا مُ ْؤمِ ٍ‬
‫ن أنْفُ ِ‬
‫ش ْئتُـمْ ال ّنبِـيّ أوْلَـى بـالـمُ ْؤ ِمنِـينَ ِم ْ‬
‫ِ‬
‫ن َترَكَ َديْنا أوْ ضِياعا فَلْـي ْأتِنـي وأنا مَوْلهُ»‪.‬‬
‫ن كانُوا‪ ,‬وَإ ْ‬
‫مَ ْ‬
‫‪ 21587‬ـ حدث نا ا بن وك يع‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا ح سن بن عل ـيّ‪ ,‬عن أب ـي مو سى إ سرائيـل بن‬
‫ج هُ‬
‫ن أنْفُ سِهمْ‪ ,‬وأزْوَا ُ‬
‫مو سى‪ ,‬قال‪ :‬قرأ ال ـحسن هذه الَ ية ال ّنبِ ـيّ أوْلَ ـى ب ـالـمُ ْؤ ِمنِـينَ مِ ْ‬
‫ن مِ نْ‬
‫أمّهاتُهُ مْ قال‪ :‬قال ال ـحسن‪ :‬قال النب ـيّ صلى ال عل يه و سلم‪« :‬أ نا أوْلَ ـى بكُلّ مُ ْؤ ِم ٍ‬
‫س ِهمْ‪ ,‬وَ ُه َو أ بٌ‬
‫نَفْ سِه» قال الـحسن‪ :‬وفـي القراءة الولـى‪« :‬أوْلَـى بـالـمُؤْمنـينَ ِم نْ أنْفُ ِ‬
‫َل ُهمْ»‪.‬‬
‫‪ 21588‬ـ حدثنا بشر‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا يزيد‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا سعيد‪ ,‬عن قتادة‪ ,‬قال فـي بعض القراءة‪:‬‬
‫ب َلهُ مْ» وذُكر لنا أن نبـيّ ال صلى ال‬
‫ن مِ نْ أنْفُ سِهمْ وَهُ َو أ ٌ‬
‫«ال ّنبِـيّ أوْلَـى بـالـمُ ْؤ ِمنِـي َ‬
‫عليه وسلم قال‪« :‬أيّـمَا َرجُلٍ َت َركَ ضِياعا فَأنا أوْلَـى بِهِ‪ ,‬وَإنْ َت َركَ مالً َفهُ َو لِ َو َر َثتِهِ»‪.‬‬
‫ج هُ أمّها ُتهُ مْ يقول‪ :‬وحر مة أزوا جه حر مة أمهات هم عل ـيهم‪ ,‬ف ـي أن هن يحرم‬
‫وقوله‪ :‬وأزْوَا ُ‬
‫علـيهن نكاحهن من بعد وفـاته‪ ,‬كما يحر مُ علـيهم نكاح أمهاتهم‪ .‬وبنـحو الذي قلنا فـي‬
‫ذلك قال أهل التأويـل‪ .‬ذكر من قال ذلك‪:‬‬
‫‪21589‬ــ حدثنـا بشـر‪ ,‬قال‪ :‬حدثنـا يزيـد‪ ,‬قال‪ :‬حدثنـا سـعيد‪ ,‬عـن قتادة ال ّنبِــيّ أولَــى‬
‫ج هُ ُأمّها ُتهُ ْم يعظّم بذلك حقه نّ‪ ,‬وفـي بعض القراءة‪« :‬وَهُوَ‬
‫س ِهمْ‪ ,‬وأزْوَا ُ‬
‫ن أنْفُ ِ‬
‫بـالـمُ ْؤمِنـينَ مِ ْ‬
‫أبٌ َل ُهمْ»‪.‬‬
‫ج هُ‬
‫‪ 21590‬ـ حدثن ـي يو نس‪ ,‬قال‪ :‬أخبر نا ا بن و هب‪ ,‬قال‪ :‬قال ا بن ز يد‪ ,‬ف ـي قوله وأزْوَا ُ‬
‫ُأمّهاتُ ُهمْ مـحرّمات علـيهم‪.‬‬
‫ـ الــمُ ْؤ ِمنِـينَ‬
‫ـ مِن َ‬
‫ـ اللّه ِ‬
‫ـ فِــي كِتاب ِ‬
‫ـ أوْلَــى ِب َبعْض ٍ‬
‫ضهُم ْ‬
‫ـ َب ْع ُ‬
‫وقوله‪ :‬وأُولُوا الرْحام ِ‬
‫ت بعضهم من بعض‪ ,‬هم أولـى‬
‫جرِينَ يقول تعالـى ذكره‪ :‬وأولوا الرحام الذين َو ّرثْ ُ‬
‫وَالـمُها ِ‬
‫بـميراث بعض من الـمؤمنـين والـمهاجرين أن يرث بعضهم بعضا‪ ,‬بـالهجرة واليـمان‬
‫دون الرحم‪ .‬وبنـحو الذي قلنا فـي ذلك قال أهل التأويـل‪ .‬ذكر من قال ذلك‪:‬‬
‫ضهُ مْ‬
‫‪ 21591‬ـ حدث نا ب شر‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا يز يد‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا سعيد‪ ,‬عن قتادة وأُولُوا الرْحا مِ َب ْع ُ‬
‫ن ال ـمُ ْؤ ِمنِـينَ وال ـمُهاجرِينَ ل بث ال ـمسلـمون زما نا‬
‫أوْلَ ـى ب َبعْ ضٍ فِ ـي كِتا بِ الّل هِ مِ َ‬
‫ي الــمسلـم ل يرث مـن الــمهاجرين شيئا‪ ,‬فأنزل ال هذه‬
‫يتوارثون بــالهجرة‪ ,‬والعرابــ ّ‬
‫الَية‪ ,‬فخـلط الـمؤمنـين بعضهم ببعض‪ ,‬فصارت الـمواريث بـالـملل‪.‬‬
‫‪21592‬ـ حدثنـي يونس‪ ,‬قال‪ :‬أخبرنا ابن وهب‪ ,‬قال‪ :‬قال ابن زيد فـي قوله وأُولُوا الرْحامِ‬
‫ن تَ ْفعَلُوا إل ـى‬
‫لأ ْ‬
‫جرِينَ إ ّ‬
‫ض فِ ـي كِتا بِ الّل هِ ِم نَ ال ـمُ ْؤمِنـينَ وال ـمُها ِ‬
‫ضهُ مْ أوْلَ ـى ِب َبعْ ٍ‬
‫َبعْ ُ‬
‫أوْلِــيا ِئكُمْ َم ْعرُوفــا قال‪ :‬كان النبــيّ صـلى ال عليـه وسـلم قـد آخَى بــين الــمهاجرين‬
‫جعَلْ نا َموَالِ ـيَ‬
‫ل َ‬
‫والن صار أوّل ما كا نت الهجرة‪ ,‬وكانوا يتوارثون عل ـى ذلك‪ ,‬وقال ال وَِلكُ ّ‬
‫ت أيـمَا ُن ُكمْ‪ ,‬فآتُوهُ ْم نَصِي َب ُهمْ قال‪ :‬إذا لـم يأت رحم‬
‫ن والقْربُونَ واّلذِينَ عَ َقدَ ْ‬
‫مـمّا َترَكَ الوَاِلدَا ِ‬
‫ن تَ ْفعَلُوا إلـى أوْلِـيائ ُكمْ َمعْرُوفـا يقول‪:‬‬
‫لهذا يحول دونهم‪ ,‬قال‪ :‬فكان هذا أ ّولً‪ ,‬فقال ال‪ :‬إلّ أ ْ‬
‫ب مَ سْطُورا أ نّ أولـي الرحام بعضهم أولـى ببعض‬
‫ن ذل كَ فِـي الكِتا ِ‬
‫إلّ أن تُو صُوا لهم كا َ‬
‫فــي كتاب ال‪ ,‬قال‪ :‬وكان الــمؤمنون والــمهاجرون ل يتوارثون إن كانوا أولــي رحـم‪,‬‬
‫حتـى يهاجروا إلـى الـمدينة‪ ,‬وقرأ قال ال‪ :‬وَاّلذِي نَ آ َمنُوا ولَـمْ يُهاجِرُوا ما َلكُ مْ ِم نْ وَل َيتِه مْ‬
‫جرُوا‪ ...‬إلــى قوله َوفَسـادٌ َكبِــيرٌ‪ ,‬فكانوا ل يتوارثون‪ ,‬حتــى إذا كان‬
‫مِن ْـ شَيْ ٍء حتــى يُها ِ‬
‫عام الفتـح‪ ,‬انقطعت الهجرة‪ ,‬وكثر السلم‪ ,‬وكان ل يُقْبل من أحد أن يكون علـى الذي كان‬
‫ل أن يهاجر قال‪ :‬وقال رسول ال صلى ال عليه وسلم لـمن َبعَث‪:‬‬
‫علـيه النبـيّ ومن معه إ ّ‬
‫ن أجابُوكُ مْ ف ـا ْقبَلُوا‬
‫غدُوا عَل ـى ا سْ ِم اللّ ِه ل َتغُلّوا وَل تُوَلّوا‪ ,‬ادْعُوهُ مْ إل ـى ال سْلمِ‪ ,‬فإ ْ‬
‫«ا ْ‬
‫ن أبَوْا ولَـمْ‬
‫ن هاجَرُوا َم َعكُ مْ‪ ,‬فََلهُ مْ ما َلكُ مْ‪َ ,‬وعَلَـيْ ِهمْ ما عَلَـ ْيكُمْ‪ ,‬فإ ْ‬
‫جرَةِ‪ ,‬فإ ْ‬
‫وَادْعُوهُ مْ إلـى ال ِه ْ‬
‫جرِي عَلَ ـيْهمْ أحْكا مُ ال سْلمِ‪,‬‬
‫ب تَ ـ ْ‬
‫يُهاجِرُوا وَاخْتارُوا دَارَهُ مْ فَأقِرّوهُ مْ فِ ـيها‪َ ,‬فهُ مْ كالعْرا ِ‬
‫ُمـ فِــي َهذَا الفَــيْ ِء نَصـِيبٌ»‪ .‬قال‪ :‬فلــما جاء الفتــح‪ ,‬وانقطعـت الهجرة‪ ,‬قال‬
‫ولَــيْسَ َله ْ‬
‫جرَ َة َب ْعدَ ال َفتْـحِ» وكثر السلم‪ ,‬وتوارث الناس علـى‬
‫رسول ال صلى ال عليه وسلم‪« :‬ل ِه ْ‬
‫الرحام حيث كانوا‪ ,‬ون سخ ذلك الذي كان ب ـين ال ـمؤمنـين وال ـمهاجرين‪ ,‬وكان ل هم ف ـي‬
‫الفـيء نصيب‪ ,‬وإن أقاموا وأبَوا‪ ,‬وكان حقهم فـي السلم واحد‪ ,‬الـمهاجر وغير الـمهاجر‬
‫ل أحد‪ ,‬حين جاء الفتـح‪.‬‬
‫والبدوي وك ّ‬
‫فمعنى الكلم علـى هذا التأويـل‪ :‬وأولوا الرحام بعضهم أولـى ببعض من الـمؤمنـين‬
‫وال ـمهاجرين ببعض هم أن يرثو هم ب ـالهِجرة‪ ,‬و قد يحت ـمل ظا هر هذا الكلم أن يكون من‬
‫صلة الرحام من الـمؤمنـين والـمهاجرين‪ ,‬أوْلـى بـالـميراث‪ ,‬مـمن لـم يؤمن‪ ,‬ولـم‬
‫يهاجر‪.‬‬
‫ن تَ ْفعَلُوا إل ـى أوْلِ ـيا ِئكُمْ َم ْعرُوف ـا اختلف أ هل التأوي ـل ف ـي تأوي ـله‪ ,‬فقال‬
‫وقوله‪ :‬إلّ أ ْ‬
‫بعض هم‪ :‬معنى ذلك‪ :‬إلّ أن توصوا لذوي قرابتكم من غير أهل اليـمان والهجرة‪ .‬ذكر من‬
‫قال ذلك‪:‬‬
‫‪21593‬ــ حدثنـا ابـن وكيـع‪ ,‬قال‪ :‬حدثنـا أبـو معاويـة‪ ,‬عـن حجّاج‪ ,‬عـن سـالـم‪ ,‬عـن ابـن‬
‫الـحنفـية إلّ أنْ تَ ْفعَلُوا إلـى أوْلِـيا ِئ ُكمْ َم ْعرُوفـا قالوا‪ :‬يوصي لقرابته من أهل الشرك‪.‬‬
‫ن تَ ْفعَلُوا إلـى‬
‫لأ ْ‬
‫‪ 21594‬ـ قال‪ :‬ثنا عبدة‪ ,‬قال‪ :‬قرأت علـى ابن أبـي عروبة‪ ,‬عن قتادة إ ّ‬
‫أوْلِـيا ِئكُمْ َم ْعرُوفـا قال‪ :‬للقرابة من أهل الشرك وصية‪ ,‬ول ميراث لهم‪.‬‬
‫أنـ تَ ْفعَلُوا إلــى‬
‫حدثنـا بشـر‪ ,‬قال‪ :‬حدثنـا يزيـد‪ ,‬قال‪ :‬حدثنـا سـعيد‪ ,‬عـن قتادة‪ ,‬قوله إلّ ْ‬
‫أوْلِـيا ِئكُمْ َم ْعرُوفـا قال‪ :‬إلـى أولـيائكم من أهل الشرك وصية‪ ,‬ول ميراث لهم‪.‬‬
‫‪21595‬ــ حدثنـا ابـن وكيـع‪ ,‬قال‪ :‬حدثنـا أبـو أحمـد الزبــيري ويحيـى بـن آدم‪ ,‬عـن ابـن‬
‫الـمبـارك‪ ,‬عن معمر‪ ,‬عن يحيى بن أبـي كثـير‪ ,‬عن عكرِمة إلـى أوْلِـيا ِئكُ ْم َمعْرُوفـا‬
‫قال‪ :‬وصية‪.‬‬
‫‪21596‬ـ حدثنـي يونس‪ ,‬قال‪ :‬أخبرنا ابن وهب‪ ,‬قال‪ :‬أخبرنـي مـحمد بن عمرو‪ ,‬عن ابن‬
‫ن تَ ْفعَلُوا إل ـى أوْلِ ـيا ِئكُمْ َم ْعرُوف ـا فقال‪ :‬العطاء‪ ,‬فقلت‬
‫لأ ْ‬
‫جر يج‪ ,‬قال‪ :‬قلت لعطاء‪ :‬ما قوله إ ّ‬
‫له‪ :‬الـمؤمن للكافر بـينهما قرابة؟ قال‪ :‬نعم عطاؤه إياه حبـاء ووصية له‪.‬‬
‫بحقـ اليــمان‬
‫ّ‬ ‫وقال آخرون‪ :‬بـل معنـى ذلك‪ :‬إلّ أن تــمسكوا بــالـمعروف بــينكم‬
‫والهجرة والـحلف‪ ,‬فتؤتونهم حقهم من النصرة والعقل عنهم‪ .‬ذكر من قال ذلك‪:‬‬
‫‪ 21597‬ـ حدثنـي م ـحمد بن عمرو‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا أ بو عا صم‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا عي سى وحدثنـي‬
‫الــحارث‪ ,‬قال‪ :‬حدثنـا الــحسن‪ ,‬قال‪ :‬حدثنـا ورقاء جميعـا‪ ,‬عـن ابـن أبــي نــجيح‪ ,‬عـن‬
‫ن تَ ْفعَلُوا إلـى أوْلِـيا ِئ ُكمْ َمعْرُوفـا قال‪ :‬حلفـاؤكم الذين والـى بـينهم‬
‫مـجاهد‪ ,‬قوله‪ :‬إلّ أ ْ‬
‫النبــيّ صـلى ال عليـه وسـلم مـن الــمهاجرين والنصـار‪ ,‬إمسـاك بــالـمعروف والعقـل‬
‫والنصر بـينهم‪.‬‬
‫وقال آخرون‪ :‬بل معنى ذلك‪ :‬أن توصوا إلـى أولـيائكم من الـمهاجرين وصية‪ .‬ذكر من‬
‫قال ذلك‪:‬‬
‫ن تَ ْفعَلُوا إل ـى‬
‫لأ ْ‬
‫‪ 21598‬ـ حدثن ـي يو نس‪ ,‬قال‪ :‬أخبر نا ا بن و هب‪ ,‬قال‪ :‬قال ا بن ز يد إ ّ‬
‫ل أن توصوا لهم‪.‬‬
‫أوْلِـيا ِئكُمْ َم ْعرُوفـا يقول‪ :‬إ ّ‬
‫وأولــى القوال فــي ذلك عندي بــالصواب أن يقال‪ :‬معنـى ذلك إلّ أن تفعلوا إلــى‬
‫أولـيائكم الذين كان رسول ال صلى ال عليه وسلم آخَى بـينهم وبـينكم من الـمهاجرين‬
‫والنصار‪ ,‬معروفـا من الوصية لهم‪ ,‬والنصرة والعقل عنهم‪ ,‬وما أشبه ذلك‪ ,‬لن كلّ ذلك من‬
‫ث ال علـيه عبـاده‪.‬‬
‫الـمعروف الذي قد ح ّ‬
‫وإن ـما اخترت هذا القول‪ ,‬وقلت‪ :‬هو أول ـى ب ـالصواب من ق ـيـل من قال‪ :‬ع نى بذلك‬
‫الوصـية للقرابـة مـن أهـل الشرك‪ ,‬لن القريـب مـن الــمشرك‪ ,‬وإن كان ذا نسـب فلــيس‬
‫بــالـمولـى‪ ,‬وذلك أن الشرك يقطـع وليـة مـا بــين الــمؤمن والــمشرك‪ ,‬وقـد نهـى ال‬
‫ع ُد ّوكُ مْ أوْلِـياءَ وغير جائز‬
‫عدُوّي وَ َ‬
‫خذُوا َ‬
‫الـمؤمنـين أن يتـخذوا منهم ولـيا بقوله‪ :‬ل َتتّـ ِ‬
‫ل ثناؤه بأنهم لهم أولـياء‪ .‬وموضع «أن» من‬
‫أن ينهاهم عن اتـخاذهم أولـياء‪ ,‬ثم يصفهم ج ّ‬
‫أنـ تَ ْفعَلُوا نصـب علــى السـتثناء‪ .‬ومعنـى الكلم‪ :‬وأولوا الرحام بعضهـم أولــى‬
‫قوله إلّ ْ‬
‫بب عض ف ـي كتاب ال من ال ـمؤمنـين وال ـمهاجرين‪ ,‬إلّ أن تفعلوا إل ـى أول ـيائكم الذ ين‬
‫لـيسوا بأولِـي أرحام منكم معروفـا‪.‬‬
‫وقوله‪ :‬كانَـ ذلكَـ فِــي الكِتابِـ مَس ْـطُورا يقول‪ :‬كان أولوا الرحام بعضهـم أولــى ببعـض‬
‫فـي كتاب ال‪ :‬أي فـي اللوح الـمـحفوظ مسطورا أي مكتوبـا‪ ,‬كما قال الراجز‪:‬‬
‫طرْ )‬
‫ن سَ َ‬
‫حفِ الُولـى التـي كا َ‬
‫صُ‬‫(فـي ال ّ‬
‫وبنـحو الذي قلنا فـي ذلك قال أهل التأويـل‪ .‬ذكر من قال ذلك‪:‬‬
‫‪ 21599‬ـ حدثن ـي يو نس‪ ,‬قال‪ :‬أخبر نا ا بن و هب‪ ,‬قال‪ :‬قال ا بن ز يد‪ ,‬ف ـي قوله كا نَ ذل كَ‬
‫سطُورا‪ :‬أي أن أولـي الرحام بعضهم أولـى ببعض فـي كتاب ال‪.‬‬
‫فِـي الكِتابِ َم ْ‬
‫وقال آخرون‪ :‬معنى ذلك‪ :‬كان ذلك فـي الكتاب مسطورا‪ :‬ل يرث الـمشرك الـمؤمن‪.‬‬

‫‪7‬‬ ‫الية ‪:‬‬


‫خذْنَا ِم نَ ال ّن ِب ّييْ نَ مِيثَا َقهُ مْ َو ِمنْ كَ وَمِن نّو حٍ وَِإ ْبرَاهِي مَ‬
‫القول ف ـي تأوي ـل قوله تعال ـى‪{ :‬وَِإذْ َأ َ‬
‫خ ْذنَا ِم ْنهُ ْم مّيثَاقا غَلِيظا }‪.‬‬
‫ن َم ْريَمَ وََأ َ‬
‫َومُوسَىَ وَعِيسَى ابْ ِ‬
‫ل ما هو كائن فـي الكتاب‬
‫يقول تعالـى ذكره‪ :‬كان ذلك فـي الكتاب مسطورا‪ ,‬إذ كتبنا ك ّ‬
‫ن مِيثا َقهُ مْ كان ذلك أيضا فـي الكتاب مسطورا‪ ,‬ويعنـي بـالـميثاق‪:‬‬
‫خذْنا ِم نَ ال ّنبِـيّـي َ‬
‫وَإ ْذ أ َ‬
‫ك يا م ـحمد َومِ نْ نُو حِ وإ ْبرَاهِي ـم‬
‫الع هد‪ ,‬و قد ب ـيّنا ذلك بشواهده ف ـيـما م ضى ق بل‪َ .‬و ِمنْ َ‬
‫خذْ نا ِم ْنهُ مْ مِيثا قا غَلِ ـيظا يقول‪ :‬وأخذ نا من جميع هم عهدا‬
‫َومُو سَى َوعِي سَى اب نِ َم ْريَ ـمَ‪ ,‬وأ َ‬
‫مؤكدا أن يصدّق بعضهم بعضا‪ .‬كما‪:‬‬
‫خذْ نا مِ نَ‬
‫‪ 21600‬ـ حدث نا ب شر‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا يز يد‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا سعيد‪ ,‬عن قتادة‪ ,‬قوله‪ :‬وَإ ْذ أ َ‬
‫ح قال‪ :‬وذُ كر ل نا أن نب ـيّ ال صلى ال عل يه و سلم كان‬
‫ن مِيثا َقهُ مْ َو ِمنْ كَ َومِ نْ نُو ٍ‬
‫ال ّنبِ ـيّـي َ‬
‫خرَهُم ْـ فِــي ال َبعْثـِ»‪ ,‬وَإ ْبرَاهِيــمَ َومُوسـَى‬
‫ل ْنبِــياءِ فِــي الــخَـ ْلقِ‪ ,‬وآ ِ‬
‫يقول‪ُ « :‬كنْتُـ أوّلَ ا َ‬
‫خذْنا ِم ْنهُ مْ مِيثاقا غَلِـيظا ميثاق أخذه ال علـى النبـيـين‪ ,‬خصوصا‬
‫َوعِي سَى ا ْب نِ َم ْريَـمَ‪ ,‬وأ َ‬
‫أن يصدّق بعضهم بعضا‪ ,‬وأن يتبع بعضهم بعضا‪.‬‬
‫حدث نا م ـحمد بن بشار‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا سلـيـمان‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا أ بو هلل‪ ,‬قال‪ :‬كان قتادة إذا‬
‫ح قال‪ :‬كان نبـيّ ال صلى ال‬
‫ن نُو ٍ‬
‫ن مِيثا َقهُ مْ َو ِمنْ كَ َومِ ْ‬
‫خذْنا ِم نَ ال ّنبِـيّـي َ‬
‫تل هذه الَية وَإذْ أ َ‬
‫عليه وسلم فـي أوّل النبـيـين فـي الـخـلق‪.‬‬
‫‪ 21601‬ـ حدثنـي م ـحمد بن عمرو‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا أ بو عا صم‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا عي سى وحدثنـي‬
‫الــحارث‪ ,‬قال‪ :‬حدثنـا الــحسن‪ ,‬قال‪ :‬حدثنـا ورقاء جميعـا‪ ,‬عـن ابـن أبــي نــجيح‪ ,‬عـن‬
‫ح قال‪ :‬فـي ظهر آدم‪.‬‬
‫ن نُو ٍ‬
‫مـجاهد‪ ,‬فـي قول ال مِنَ ال ّنبِـيّـينَ مِيثا َق ُهمْ َو ِم ْنكَ َومِ ْ‬
‫‪ 21602‬ـ حدثنـي مـحمد بن سعد‪ ,‬قال‪ :‬ثنـي أبـي‪ ,‬قال‪ :‬ثنـي عمي‪ ,‬قال‪ :‬ثنـي أبـي‪,‬‬
‫خذْنا ِم ْن ُهمْ مِيثاقا غَلِـيظا قال‪ :‬الـميثاق الغلـيظ‪ :‬العهد‪.‬‬
‫عن أبـيه‪ ,‬عن ابن عبـاس‪ ,‬قوله‪ :‬وأ َ‬

‫‪8‬‬ ‫الية ‪:‬‬


‫عذَابا أَلِيما }‪.‬‬
‫ع ّد لِ ْلكَا ِفرِينَ َ‬
‫ص ْد ِقهِمْ وَأَ َ‬
‫ل الصّا ِدقِينَ عَن ِ‬
‫القول فـي تأويـل قوله تعالـى‪ّ{ :‬ل َيسْأَ َ‬
‫يقول تعال ـى ذكره‪ :‬أخذنـا من هؤلء النب ـياء ميثاق هم كي ـما أ سأل ال ـمرسلـين ع ما‬
‫أجابتهم به أم ـمهم‪ ,‬وما فعل قوم هم ف ـيـما أبلغو هم عن رب هم من الر سالة‪ .‬وبن ـحو قول نا‬
‫فـي ذلك قال أهل التأويـل‪ .‬ذكر من قال ذلك‪:‬‬
‫‪ 21603‬ـ حدثنا ابن حميد‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا حكام‪ ,‬عن عنبسة‪ ,‬عن لـيث‪ ,‬عن مـجاهد لِـ َيسْأَلَ‬
‫صدْ ِق ِهمْ قال‪ :‬الـمبلغين الـمؤدّين من الرسل‪.‬‬
‫عنْ ِ‬
‫الصّادقِـينَ َ‬
‫حدثنـي مـحمد بن عمرو‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا أبو عاصم‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا عيسى وحدثنـي الـحارث‪,‬‬
‫قال‪ :‬حدثنا الـحسن‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا ورقاء جميعا‪ ,‬عن ابن أبـي نـجيح‪ ,‬عن مـجاهد لِـ َيسْألَ‬
‫عنْ صدْ ِق ِهمْ قال‪ :‬الـمبلغين الـمؤدّين من الرسل‪.‬‬
‫الصّادقِـينَ َ‬
‫سأَلَ‬
‫حدث نا ا بن وك يع‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا أ بو أُ سامة‪ ,‬عن سفـيان‪ ,‬عن ر جل‪ ,‬عن م ـجاهد لِ ـيَ ْ‬
‫صدْ ِق ِهمْ قال‪ :‬الرسل الـمؤدّين الـمبلغين‪.‬‬
‫عنْ ِ‬
‫الصّادقِـينَ َ‬
‫عذَابــا ألِــيـما يقول‪ :‬وأعدّ للكافريـن بــال مـن المــم عذابــا‬
‫عدّ للكافِرِين َـ َ‬
‫وقوله‪ :‬وأ َ‬
‫موجعا‪.‬‬
‫‪9‬‬ ‫الية ‪:‬‬
‫جنُودٌ‬
‫ن آ َمنُو ْا ا ْذ ُكرُواْ ِن ْعمَ َة اللّ هِ عََل ْيكُ مْ ِإذْ جَآ َء ْتكُ مْ ُ‬
‫القول ف ـي تأويـل قوله تعال ـى‪َ { :‬يَأيّهَا اّلذِي َ‬
‫جنُودا ّلمْ َترَوْهَا َوكَانَ الّلهُ ِبمَا َت ْعمَلُونَ َبصِيرا }‪.‬‬
‫َفأَ ْرسَ ْلنَا عََل ْي ِهمْ رِيحا َو ُ‬
‫ِينـ آ َمنُوا ا ْذكُرُوا ِن ْعمَةَ ال عَلَــْي ُكمْ التــي أنعمهـا علــى‬
‫يقول تعالــى ذكره‪ :‬يـا أيّهـا اّلذ َ‬
‫جماعتكم وذلك حين حوصر الـمسلـمون مع رسول ال صلى ال عليه وسلم أيام الـخندق‬
‫جنُودٌ‪ :‬جنود الحزاب‪ :‬قُر يش‪ ,‬وغَطف ـان‪ ,‬ويهود بن ـي النض ير فَأرْ سَلْنا عَلَ ـ ْي ِهمْ‬
‫إذْ جا َء ْتكُ مْ ُ‬
‫رِيحا وهي فـيـما ذكر‪ :‬ريح الصّبـا‪ .‬كما‪:‬‬
‫‪21604‬ـ حدثنا مـحمد بن الـمثنى‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا عبد العلـى‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا داود‪ ,‬عن عكرِمة‪,‬‬
‫ب للشمال ل ـيـلة الحزاب‪ :‬انطلق ـي نن صر ر سول ال صلى ال عل يه‬
‫قال‪ :‬قال تِ ال ـجنو ُ‬
‫وسـلم‪ ,‬فقال الشمال‪ :‬إن الــحرّة ل تسـري بــاللـيـل‪ ,‬قال‪ :‬فكانـت الريـح التــي أُرسـلت‬
‫علـيهم الصّبـا‪.‬‬
‫‪21605‬ـ حدثنا ابن الـمثنى‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا أبو عامر‪ ,‬قال‪ :‬ثنـي الزبـير‪ ,‬يعنـي ابن عبد ال‪,‬‬
‫قال‪ :‬ثنـي ربـيح بن أبـي سعيد‪ ,‬عن أبـيه‪ ,‬عن أبـي سعيد‪ ,‬قال‪ :‬قلنا يوم الـخندق‪ :‬يا‬
‫اسـتُرْ‬
‫ُمـ ْ‬
‫َمـ قُولُوا‪ :‬الّله ّ‬
‫رسـول ال بلغـت القلوب الــحناجر‪ ,‬فهـل مـن شيـء تقوله؟ قال‪َ « :‬نع ْ‬
‫ضرَبَ اللّهُ ُوجُوهَ أعْدائ ِه بـالرّيحِ‪ ,‬فهَ َز َمهُ ُم اللّ ُه بـالرّيحِ‪.‬‬
‫ن روْعاتِنا»‪ ,‬فَ َ‬
‫ع ْورَاتِنا‪ ,‬وآمِ ْ‬
‫َ‬
‫‪ 21606‬ـ حدثنـي يونس‪ ,‬قال‪ :‬أخبرنا ابن وهب‪ ,‬قال‪ :‬ثنـي عبد ال بن عمرو‪ ,‬عن نافع‪,‬‬
‫عن ع بد ال‪ ,‬قال‪ :‬أر سلنـي خال ـي عثمان بن مظعون ل ـيـلة ال ـخندق ف ـي برد شد يد‬
‫وريح‪ ,‬إلـى الـمدينة‪ ,‬فقال‪ :‬ائتنا بطعام ولـحاف قال‪ :‬فـاستأذنت رسول ال صلى ال عليه‬
‫جعُوا»‪ .‬قال‪ :‬فذه بت والر يح‬
‫ت مِ نْ أ صحَابِـي َف ُمرْهُم يَ ْر ِ‬
‫و سلم‪ ,‬فأذن ل ـي وقال‪َ « :‬م نْ لَقِ ـي َ‬
‫تَ سْفِـي كل ش يء‪ ,‬فجعلت ل ألق ـى أحدا إلّ أمر ته ب ـالرجوع إل ـى النب ـيّ صلى ال عل يه‬
‫و سلم‪ ,‬قال‪ :‬ف ما يَ ـلْوِي أ حد من هم عن قه قال‪ :‬وكان م عي ُترْس ل ـي‪ ,‬فكا نت الر يح تضر به‬
‫علـيّ‪ ,‬وكان فـيه حديد‪ ,‬قال‪ :‬فضربته الريح حتـى وقع بعض ذلك الـحديد علـى كفـي‪,‬‬
‫فأنفذها إلـى الرض‪.‬‬
‫‪ 21607‬ـ حدثنا ابن حميد‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا سلـمة‪ :‬قال‪ :‬ثنـي مـحمد بن إسحاق‪ ,‬عن يزيد بن‬
‫حذَيفة بن الـيـمان‪:‬‬
‫زياد‪ ,‬عن مـحمد بن كعب ال ُقرَظِ يّ‪ ,‬قال‪ :‬قال فتـى من أهل الكوفة لـ ُ‬
‫يا أبـا عبد ال‪ ,‬رأيتـم رسول ال صلى ال عليه وسلم وصحبتـموه؟ قال‪ :‬نعم يا بن أخي‪,‬‬
‫جهَد‪ ,‬قال الفتـى‪ :‬وال لو أدركناه ما تركناه‬
‫قال‪ :‬فكيف كنتـم تصنعون؟ قال‪ :‬وال لقد كنا نَـ ْ‬
‫حذَيفة‪ :‬يا بن أخي‪ ,‬وال لقد رأيتُنا مع‬
‫يـمشيء علـى الرض‪ ,‬لـحملناه علـى أعناقنا‪ .‬قال ُ‬
‫رسول ال صلى ال عليه وسلم بـالـخندق‪ ,‬وصلـى رسول ال َه ِويّا من اللـيـل‪ ,‬ثم التفت‬
‫إل ـينا فقال‪ « :‬من ر جل يقوم ف ـينظر ل نا ما ف عل القوم؟ يشرط له ر سول ال صلى ال عل يه‬
‫وسلم إن يرجع أدخـله ال الـجنة»‪ ,‬فما قام أحد‪ ,‬ثم صلـى رسول ال صلى ال عليه وسلم‬
‫هَوِيا من اللـيـل‪ ,‬ثم التفت إلـينا فقال مثله‪ ,‬فما قام منا رجل‪ ,‬ثم صلـى رسول ال صلى‬
‫ظرُ لَنا ما فَعَلَ‬
‫ن َرجُلٌ يَقُو ُم فَـ َينْ ُ‬
‫ال عليه وسلم هَوِيا من اللـيـل‪ ,‬ثم التفت إلـينا فقال‪« :‬مَ ْ‬
‫جعَةَ‪ ,‬أسأَلُ الّل ُه أ نْ يكُو نَ‬
‫ش َترِ طُ لَ هُ رَ سُولُ الّل ِه صَلـى اللّ هُ علـيهِ وسلّـمَ ال ّر ْ‬
‫القَوْ مُ ثُ مّ َي ْرجِ عُ‪َ ,‬ي ْ‬
‫جنّةِ» فما قام رجل من شدّة الـخوف‪ ,‬وشدّة الـجوع‪ ,‬وشدّة البرد فلـما‬
‫رَفِـيقـي فِـي الـ َ‬
‫لـم يقم أحد‪ ,‬دعانـي رسول ال صلى ال عليه وسلم‪ ,‬فلـم يكن لـي ب ّد من القـيام حين‬
‫شيْئا‬
‫ح ِدثَنّ َ‬
‫ظرْ ما يَ ْفعَلو نَ‪ ,‬وَل تُـ ْ‬
‫ب فـا ْدخُـلْ فِـي ال َقوْ مِ فـانْ ُ‬
‫ح َذيْفَةُ اذْهَ ْ‬
‫دعانـي‪ ,‬فقال‪« :‬يا ُ‬
‫حت ـى َت ْأتِـينَا»‪ .‬قال‪ :‬فذه بت فدخـلت ف ـي القوم‪ ,‬والر يح وجنود ال تف عل بهم ما تفعل‪ ,‬ل‬
‫تُ ِقرّ لهـم قِدرا ول نارا ول بناء فقام أبـو سـُفـيان فقال‪ :‬يـا معشـر قريـش‪ ,‬لــينظر امرؤ مـن‬
‫حذَيفة‪ :‬فأخذت بـيد الرجل الذي إلـى جنبـي‪ ,‬فقلت‪ :‬من أنت؟ فقال‪ :‬أنا فلن‬
‫جلـيسه‪ ,‬فقال ُ‬
‫بن فلن ثم قال أ بو سفـيان‪ :‬يا مع شر قر يش‪ ,‬إن كم وال ما أ صبحتـم بدار مقام‪ ,‬ول قد هلك‬
‫الكراع وال ـخفّ‪ ,‬واختل فت ب نو قري ظة‪ ,‬وبلغ نا عن هم الذي نكره‪ ,‬ولق ـينا من هذه الر يح ما‬
‫ن ل نا قدر‪ ,‬ول تقوم ل نا نار‪ ,‬ول يستـمسك ل نا بناء‪ ,‬فـارتـحلوا فإن ـي‬
‫ترون‪ ,‬وال ما يطمئ ّ‬
‫مرتـحل‪ .‬ثم قام إلـى جمله وهو معقول‪ ,‬فجلس علـيه‪ ,‬ثم ضربه فوثب به علـى ثلث‪ ,‬فما‬
‫أطلق عقاله إلّ و هو قائم‪ .‬ولول ع هد ر سول ال صلى ال عل يه و سلم إل ـيّ أن «ل تُ ـحدث‬
‫حذَيفة‪ :‬فرجعت إلـى رسول ال صلى ال‬
‫شيئا حتـى تأتـينـي»‪ ,‬لو شئت لقتلته بسهم قال ُ‬
‫عليـه وسـلم وهـو قائم يصـلـي فــي مرط لبعـض نسـائه فلــما رآنــي أدخــلنـي بــين‬
‫رجل ـيه‪ ,‬وطرح عل ـيّ طرَف ال ـمِرط‪ ,‬ثم ر كع و سجد وإن ـي لف ـيه فل ـما سلـم أ خبرته‬
‫الـخبر‪ ,‬وسمعت غَطفـان بـما فعلت قريش‪ ,‬فـانشمروا راجعين إلـى بلدهم‪.‬‬
‫‪ 21608‬ـ حدثنـي م ـحمد بن عمرو‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا أ بو عا صم‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا عي سى وحدثنـي‬
‫الــحارث‪ ,‬قال‪ :‬حدثنـا الــحسن‪ ,‬قال‪ :‬حدثنـا ورقاء جميعـا‪ ,‬عـن ابـن أبــي نــجيح‪ ,‬عـن‬
‫جنُودٌ قال‪ :‬الحزاب‪ :‬عيـينة بن بدر‪ ,‬وأبو سفـيان‪ ,‬وقريظة‪.‬‬
‫مـجاهد‪ ,‬قوله إ ْذ جا َء ْتكُمْ ُ‬
‫ـْنا عَلَــْي ِهمْ رِي حا قال‪ :‬ر يح الصـبـا أرسـلت علــى الحزاب يوم الــخندق‪,‬‬
‫وقوله‪َ :‬فأَرْسَل‬
‫جنُودا لَـمْ‬
‫حتـى كفأت قدورهم علـى أفواهها‪ ,‬ونزعت فساطيطهم حتـى أظعنتهم‪ .‬وقوله‪َ :‬و ُ‬
‫َترَوْها قال‪ :‬الـملئكة ولـم تقاتل يومئذ‪.‬‬
‫‪ 21609‬ـ حدثنا بشر‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا يزيد‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا سعيد‪ ,‬عن قتادة‪ ,‬قوله يا أيها اّلذِي نَ آ َمنُوا‬
‫جنُودا لَ ـمْ َترَوْ ها قال‪:‬‬
‫جنُودٌ فأرْ سَلْنا عَلَ ـيْ ِهمْ رِي حا َو ُ‬
‫ا ْذكُرُوا ِن ْعمَ َة اللّ هِ عَلَ ـ ْي ُكمْ‪ ,‬إذْ جا َء ْتكُ مْ ُ‬
‫يعن ـي ال ـملئكة‪ ,‬قال‪ :‬نزلت هذه الَ ية يوم الحزاب و قد ح صر ر سول ال صلى ال عل يه‬
‫وسلم شهرا فخندق رسول ال صلى ال عليه وسلم‪ ,‬وأقبل أبو سفـيان بقريش ومن تبعه من‬
‫الناس‪ ,‬حت ـى نزلوا بعقوة ر سول ال صلى ال عل يه و سلم‪ ,‬وأق بل عُي ـينة بن ح صن‪ ,‬أ حد‬
‫بن ـي بدر و من تب عه من الناس حت ـى نزلوا بعقوة ر سول ال صلى ال عل يه و سلم‪ ,‬وكات بت‬
‫ن فَ ْو ِقكُ مْ َومِ نْ‬
‫ال ـيهود أب ـا سفـيان وظاهروه‪ ,‬فقال ح يث يقول ال تعال ـى‪ :‬إذْ جاء ُوكُ مْ مِ ْ‬
‫ل ِم ْنكُ مْ فب عث ال عل ـيهم الر عب والر يح‪ ,‬فذ كر ل نا أن هم كانوا كل ـما أوقدوا نارا أطفأ ها‬
‫أ سْفَ َ‬
‫حيـ يقول‪ :‬يـا بنــي فلن هلــمّ إلــيّ‪ ,‬حتــى إذا‬
‫ّ‬ ‫ل‬
‫ال‪ ,‬حتــى لقـد ذكـر لنـا أن سـيد ك ّ‬
‫اجتـمعوا عنده فقال‪ :‬النـجاء النـجاء‪ ,‬أتـيتـم لـما بعث ال علـيهم من الرعب‪.‬‬
‫‪ 21610‬ـ حدثنـي مـحمد بن سعد‪ ,‬قال‪ :‬ثنـي أبـي‪ ,‬قال‪ :‬ثنـي عمي‪ ,‬قال‪ :‬ثنـي أبـي‪,‬‬
‫عن أبـيه‪ ,‬عن ابن عبـاس‪ ,‬قوله يا أيّها اّلذِي نَ آ َمنُوا ا ْذ ُكرُوا َن ْعمَ َة اللّ هِ عَلَـ ْي ُكمْ‪ ...‬الَية‪ ,‬قال‪:‬‬
‫كان يوم أبـي سفـيان يوم الحزاب‪.‬‬
‫‪ 21611‬ـ حدثنا ابن حميد‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا سلـمة‪ ,‬عن ابن إسحاق‪ ,‬قال‪ :‬ثنـي يزيد بن رومان‪,‬‬
‫جنُودٌ فَأرْ سَلْنا عَلَـيْهِم‬
‫فـي قول ال‪ :‬يا أيّها اّلذِي نَ آ َمنُوا ا ْذ ُكرُوا ِن ْعمَةَ الّل هِ عَلَـيْ ُكمْ إ ْذ جا َء ْتكُ مْ ُ‬
‫جنُودا لَ ـمْ َترَوْ ها وال ـجنود قر يش وغطف ـان وب نو قري ظة‪ ,‬وكا نت ال ـجنود الت ـي‬
‫رِي حا َو ُ‬
‫أرسل ال علـيهم مع الريح‪ :‬الـملئكة‪.‬‬
‫ن بَ صِيرا يقول تعالـى ذكره‪ :‬وكان ال بأعمالكم يومئذٍ‪ ,‬وذلك‬
‫وقوله‪ :‬وكا نَ الّل ُه بِـمَا َتعْملُو َ‬
‫جهْد والشدّة‪ ,‬وثَبـاتهم ل َعدُوّهم‪ ,‬وغير ذلك من أعمالهم‪,‬‬
‫صبرهم علـى ما كانوا فـيه من الـ َ‬
‫بصيرا ل يخفـى علـيه من ذلك شيء‪ ,‬يُحصيه علـيهم‪ ,‬لـيجز َيهُمْ علـيه‪.‬‬

‫‪12- 10‬‬ ‫الية ‪:‬‬


‫غتِ البْ صَارُ‬
‫ل مِنكُ مْ وَِإذْ زَا َ‬
‫القول فـي تأويـل قوله تعالـى‪ِ{ :‬إذْ جَآءُوكُ مْ مّن فَ ْو ِقكُ مْ َو ِم نْ أَ سْفَ َ‬
‫شدِيدا‬
‫ظنُو َناْ * ُهنَالِ كَ ا ْبتُلِ يَ ا ْل ُم ْؤ ِمنُو نَ َوزُ ْلزِلُواْ زِ ْلزَالً َ‬
‫ظنّو نَ بِالّل ِه ال ّ‬
‫جرَ َو َت ُ‬
‫حنَا ِ‬
‫َوبََلغَ تِ الْقُلُو بُ ا ْل َ‬
‫غرُورا }‪.‬‬
‫ع َدنَا الّلهُ َو َرسُولُ ُه ِإلّ ُ‬
‫* وَِإذْ يَقُولُ ا ْل ُمنَافِقُونَ وَاّلذِينَ فِي قُلُو ِبهِم ّمرَضٌ مّا وَ َ‬
‫يقول تعال ـى ذكره‪ :‬وكان ال ب ـما تعملون بَ صِيرا‪ ,‬إذ جاءت كم جنودُ الحزاب من فوقِ كم‪,‬‬
‫ل من كم‪ .‬وق ـيـل‪ :‬إن الذ ين أتَوْ هم من أ سفل من هم‪ ,‬أ بو سفـيان ف ـي قر يش و من‬
‫و من أ سف َ‬
‫معه‪ .‬وبنـحو الذي قلنا فـي ذلك قال أهل التأويـل‪ .‬ذكر من قال ذلك‪:‬‬
‫‪ 21612‬ـ حدثنـي م ـحمد بن عمرو‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا أ بو عا صم‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا عي سى وحدثنـي‬
‫الــحارث‪ ,‬قال‪ :‬حدثنـا الــحسن‪ ,‬قال‪ :‬حدثنـا ورقاء جميعـا‪ ,‬عـن ابـن أبــي نــجيح‪ ,‬عـن‬
‫مـجاهد إذْ جاءُو ُكمْ مِنْ فَ ْو ِقكُمْ قال عيـينة بن بدر فـي أهل نـجد‪ ,‬ومن أسفل منكم‪ ,‬قال‪ :‬أبو‬
‫ج َهتْهم ُقرَيظة‪.‬‬
‫سفـيان‪ .‬قال‪ :‬ووا َ‬
‫‪ 21613‬ـ حدث نا ا بن وك يع‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا عبدة‪ ,‬عن هشام بن عروة‪ ,‬عن أب ـيه‪ ,‬عن عائ شة‪:‬‬
‫ت البْ صَارُ‪,‬‬
‫غ ِ‬
‫ذكرت يوم ال ـخندق وقرأت‪ :‬إذْ جاءُوكُ مْ مِ نْ فَ ْو ِقكُ مْ َومِ نْ أ سْفَلَ ِم ْنكُ مْ‪ ,‬وَإذْ زَا َ‬
‫ت القُلُوبُ الـحَناجِرَ قالت‪ :‬هو يوم الـخندق‪.‬‬
‫َوبََلغَ ِ‬
‫‪ 21614‬ـ حدثنا ابن حميد‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا سلَـمة‪ ,‬قال‪ :‬ثنـي مـحمد بن إسحاق‪ ,‬عن يزيد بن‬
‫رُومان مولـى آل الزبـير‪ ,‬عن عُروة بن الزبـير‪ ,‬وعمن لأتهم‪ ,‬عن عُبـيد ال بن ك عب‬
‫بن مالك‪ ,‬وعن الزّهريّ‪ ,‬وعن عاصم بن عمر بن قتادة‪ ,‬عن عبد ال بن أبـي بكر بن مـحمد‬
‫بن عمرو بن حزم‪ ,‬وعن مـحمد بن كعب ال ُقرَظ يّ‪ ,‬وعن غيرهم من علـمائنا‪ :‬أنه كان من‬
‫حديث الـخندق‪ ,‬أن نَفَرا من الـيهود‪ ,‬منهم سلم بن أبـي الـحُقَـيق الّنضَر يّ‪ ,‬وحُيـيّ بن‬
‫أخطـب الّنضَري‪ ,‬وكِنانـة بـن الرّبــيع بـن أبــي الــحُقَـيق النضريـّ‪ ,‬وهَ ْوذَة بـن قــيس‬
‫الوائلـيّ‪ ,‬وأبو عمار الوائلـيّ‪ ,‬فـي نفر من بنـي النضير‪ ,‬ونفر من بنـي وائل‪ ,‬وهم الذين‬
‫حزّبوا الحزاب عل ـى رسـول ال صلى ال عل يه وسـلم‪ ,‬خرجوا حتــى قدِموا م كة علــى‬
‫َ‬
‫قريش‪ ,‬فدعَوْهم إلـى حرب رسول ال صلى ال عليه وسلم‪ ,‬وقالوا‪ :‬إنا سنكون معكم علـيه‪,‬‬
‫حت ـى ن ستأصلَه‪ .‬فقال ل هم قر يش‪ :‬يا مع شر يهود‪ ,‬إن كم أ هل الكتاب الوّل‪ ,‬والعل ـم ب ـما‬
‫أصبحنا نـختلف فـيه نـحن ومـحمد‪َ ,‬أ َفدِيننا خير أم دينه؟ قالوا‪ :‬بل دينكم خير من دينه‪,‬‬
‫ن أُوتُوا‬
‫وأنت ـم أول ـى ب ـالـحقّ م نه‪ .‬قال‪ :‬ف هم الذ ين أنزل ال ف ـيهم‪ :‬ألَ ـ ْم تَ َر إل ـى اّلذِي َ‬
‫ن كَ َفرُوا َهؤُلءِ أ ْهدَى ِم نَ‬
‫ن لِّلذِي َ‬
‫جبْتِ والطّاغُو تِ‪َ ,‬ويَقُولُو َ‬
‫ن الكِتا بِ يُ ْؤ ِمنُو نَ ب ـالـ ِ‬
‫نَ صِيبـا مِ َ‬
‫سعِيرا فلـما قالوا ذلك لقريش‪ ,‬سرّهم ما‬
‫جهَنّـمَ َ‬
‫سبِـيلً‪ ...‬إلـى قوله‪ :‬وكَفَـى ِب َ‬
‫ن آ َمنُوا َ‬
‫اّلذِي َ‬
‫قالوا‪ ,‬ونشطوا لـما دعوهم له من حرب رسول ال صلى ال عليه وسلم‪ ,‬فـاجتـمعوا لذلك‪,‬‬
‫واتعدوا له‪ .‬ثـم خرج أولئك النفـر مـن الــيهود‪ ,‬حتــى جاءوا غطفــان مـن قــيس عيلن‪,‬‬
‫فدعوهم إلـى حرب رسول ال صلى ال عليه وسلم‪ ,‬وأخبروهم أنهم سيكونون معهم علـيه‪,‬‬
‫وأن قريشا قد تابعوهم علـى ذلك‪ ,‬فـاجتـمعوا فـيه‪ ,‬فأجابوهم فخرجت قريش وقائدها أبو‬
‫حذَي فة بن بدر ف ـي‬
‫سفـيان بن حرب‪ ,‬وخر جت غطف ـان وقائد ها عي ـينة بن ح صن بن ُ‬
‫بن ـي فزارة‪ ,‬وال ـحارث بن عوف بن أب ـي حار ثة ال ـمري ف ـي بن ـي مرّة‪ ,‬وم سْعر بن‬
‫رخيـلة بن نُوَيرة بن طريف بن سحمة بن عبدال بن هلل بن خلوة بن أشجع بن ريث بن‬
‫غطفـان‪ ,‬فـيـمن تابعه من قومه من أشجع فلـما سمع بهم رسول ال صلى ال عليه وسلم‬
‫وبـما اجتـمعوا له من المر ضرب الـخندق علـى الـمدينة فلـما فرغ رسول ال صلى‬
‫ال عليه وسلم من الـخندق‪ ,‬أقبلت قريش حتـى نزلت بـمـجتـمع السيال من رومة بـين‬
‫الـجرف والغابة فـي عشرة آلف من أحابـيشهم‪ ,‬ومن تابعهم من بنـي كنانة وأهل تهامة‪,‬‬
‫وأقبلت غطَف ـان و من تابع هم من أ هل ن ـجد‪ ,‬حت ـى نزلوا بذ نب نَقَمَى إل ـى جا نب أ حد‪,‬‬
‫وخرج رسول ال صلى ال عليه وسلم والـمسلـمون حتـى جعلوا ظهورهم إلـى سَلْع فـي‬
‫ثل ثة آلف من ال ـمسلـمين‪ ,‬فضرب هنالك ع سكره‪ ,‬وال ـخندق ب ـينه وب ـين القوم‪ ,‬وأ مر‬
‫بـالذّراري والنساء‪ ,‬فرفعوا فـي الَطام‪ ,‬وخرج عد ّو ال حيـي بن أخطب النضري‪ ,‬حتـى‬
‫أت ـى ك عب بن أسد القرظ يّ‪ ,‬صاحب ع قد بن ـي قري ظة وعهد هم‪ ,‬وكان قد وادع ر سول ال‬
‫صلى ال عليه وسلم علـى قومه‪ ,‬وعاهده علـى ذلك وعاقده‪ ,‬فلـما سمع كعب بحيـيّ بن‬
‫أخطـب‪ ,‬أغلق دونـه حصـنه‪ ,‬فــاستأذن علــيه‪ ,‬فأبـى أن يفتــح له‪ ,‬فناداه حيــيّ‪ :‬يـا كعـب‬
‫افتــح لــي‪ ,‬قال‪ :‬ويحـك يـا حيــيّ‪ ,‬إنـك امرؤ مشؤوم‪ ,‬إنــي قـد عاهدت مــحمدا‪ ,‬فلسـت‬
‫بناقض ما بـينـي وبـينه‪ ,‬ولـم أر منه إلّ وفـاء وصدقا قال‪ :‬ويحك افتـح لـي أكلـمك‪,‬‬
‫ل تـخوّفت علـى جشيشتك أن آكل معك‬
‫قال‪ :‬ما أنا بفـاعل‪ .‬قال‪ :‬وال إن أغلقت دونـي إ ّ‬
‫من ها‪ ,‬فأح فظ الر جل‪ ,‬ففت ـح له‪ ,‬فقال‪ :‬يا ك عب جئ تك بعزّ الد هر‪ ,‬وبب حر ط مّ‪ ,‬جئ تك بقر يش‬
‫علـى قاداتها وساداتها‪ ,‬حتـى أنزلتهم بـمـجتـمع السيال من رُومَة‪ ,‬وبغطَف ـان علـى‬
‫قاداتها وساداتها حتـى أنزلتهم بذنب نَ َقمَى إلـى جانب أُحد‪ ,‬قد عاهدونـي وعاقدونـي أن ل‬
‫يبرحوا حتـى يستأصلوا مـحمدا ومن معه‪ ,‬فقال له كعب بن أسد‪ :‬جئتنـي وال بذلّ الدهر‪,‬‬
‫وبجهام قد هراق ماءه‪ ,‬يرعد ويبرق‪ ,‬لـيس فـيه شيء‪ ,‬فدعنـي ومـحمدا وما أنا علـيه‪,‬‬
‫ل صدقا ووف ـاء فل ـم يزل حي ـيّ بك عب يفتله ف ـي الذروة والغارب‬
‫فل ـم أر من م ـحمد إ ّ‬
‫حتـى سمـح له علـى أن أعطاهم عهدا من ال وميثاقا لئن رجعت قريش وغطفـان ولـم‬
‫يصيبوا مـحمدا أن أدخـل معك فـي حصنك حتـى يصيبنـي ما أصابك‪ .‬فنقض كعب بن‬
‫أسد عهده‪ ,‬وبرىء مـما كان علـيه‪ ,‬فـيـما بـينه وبـين رسول ال صلى ال عليه وسلم‬
‫فلـما انتهى إلـى رسول ال صلى ال عليه وسلم الـخبر‪ ,‬وإلـى الـمسلـمين‪ ,‬بعث رسول‬
‫ال صلى ال عليه وسلم سعد بن معاذ بن النعمان بن امرىء القـيس‪ ,‬أحد بنـي الشهل‪ ,‬وهو‬
‫يومئذٍ سيد الوس‪ ,‬وسعد بن عبـادة بن ديـلـم أخي بنـي ساعدة بن كعب بن الـخزرج‪,‬‬
‫وهو يومئذٍ سيد الـخزرج‪ ,‬ومعهما عبد ال بن رواحة أخو بلـحرث بن الـخزرج‪ ,‬وخوات‬
‫ق ما بلغنا عن هؤلء‬
‫بن جبـير أخو بنـي عمرو بن عوف‪ ,‬فقال‪ :‬انطلقوا حتـى تنظروا أح ّ‬
‫القوم أم ل؟‪ ,‬فإن كان ح قا ف ـالـحنوا ل ـي ل ـحنا أعر فه‪ ,‬ول تفتوا ف ـي أعضاد الناس‪ ,‬وإن‬
‫كانوا عل ـى الوف ـاء ف ـيـما ب ـيننا وب ـينهم‪ ,‬ف ـاجهروا به للناس‪ .‬فخرجوا حت ـى أتو هم‪,‬‬
‫فوجدوهم علـى أخبث ما بلغهم عنهم‪ ,‬ونالوا من رسول ال صلى ال عليه وسلم وقالوا‪ :‬ل‬
‫عهد بـيننا وبـين مـحمد ول عقد‪ ,‬فشاتـمهم سعد بن عبـادة وشاتـموه‪ ,‬وكان رجلً فـيه‬
‫حدّة‪ ,‬فقال له سعد بن معاذ‪ :‬دع عنك مشاتـمتهم‪ ,‬فما بـيننا وبـينهم أربى من الـمشاتـمة‪.‬‬
‫ثم أقبل سعد وسعد ومن معه ما إل ـى ر سول ال صلى ال عل يه وسلم‪ ,‬ف سلـموا عل ـيه‪ ,‬ثم‬
‫قالوا‪ :‬عضـل والقارة‪ :‬أي كغدر عضـل والقارة بأصـحاب رسـول ال صـلى ال عليـه وسـلم‬
‫أصحاب الرجيع خبـيب بن عديّ وأصحابه‪ ,‬فقال رسول ال صلى ال عليه وسلم‪« :‬ال أكبر‪,‬‬
‫أبشروا يا مع شر ال ـمسلـمين»‪ ,‬وع ظم ع ند ذلك البلء‪ ,‬واشتدّ ال ـخوف‪ ,‬وأتا هم عدوّ هم من‬
‫ل ظنـّ‪ ,‬ونــجم النفــاق مـن بعـض‬
‫فوقهـم‪ ,‬ومـن أسـفل منهـم‪ ,‬حتــى ظنّـ الــمسلـمون ك ّ‬
‫الـمنافقـين‪ ,‬حتـى قال معتب بن قشير أخو بنـي عمرو بن عوف‪ :‬كان مـحمد يعدنا أن‬
‫نأ كل كنوز ك سرى وق ـيصر‪ ,‬وأحد نا ل يقدر أن يذ هب إل ـى الغائط‪ ,‬وحت ـى قال أوس بن‬
‫قـيظي أحد بنـي حارثة بن الـحارث‪ :‬يا رسول ال إن بـيوتنا لعورة من العدوّ‪ ,‬وذلك عن‬
‫مل من رجال قومه‪ ,‬فأذن لنا فلنرجع إلـى دارنا‪ ,‬وإنها خارجة من الـمدينة‪ ,‬فأقام رسول ال‬
‫صلى ال عليه وسلم بضعا وعشرين لـيـلة قريبـا من شهر‪ ,‬ولـم يكن بـين القوم حرب‬
‫إلّ الرمي بـالنبل والـحصار»‪.‬‬
‫‪ 21615‬ـ حدثنا ابن حميد‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا سلـمة‪ ,‬عن مـحمد بن إسحاق‪ ,‬قال‪ :‬ثنـي يزيد بن‬
‫ل ِم ْنكُ مْ ف ـالذين جاءو هم من فوق هم‪ :‬قري ظة‪,‬‬
‫رومان‪ ,‬قوله إذْ جاءُوكُ مْ ِم نْ فَ ْو ِقكُ مْ َو ِم نْ أ سْفَ َ‬
‫والذين جاءوهم من أسفل منهم‪ :‬قريش وغطفـان‪.‬‬
‫ت البْ صَارُ يقول‪ :‬وح ين عدلت الب صار عن مقرّ ها‪ ,‬وشخ صت طام ـحة‪.‬‬
‫وقوله‪ :‬وَإ ْذ زَاغَ ِ‬
‫وبنـحو الذي قلنا فـي ذلك قال أهل التأويـل‪ .‬ذكر من قال ذلك‪:‬‬
‫ت البْ صَارُ‪:‬‬
‫‪ 21616‬ـ حدث نا ب شر‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا يز يد‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا سعيد‪ ,‬عن قتادة وَإذْ زَاغَ ِ‬
‫شخصت‪.‬‬
‫جرَ يقول‪ :‬ن بت القلوب عن أماكن ها من الر عب وال ـخوف‪,‬‬
‫وقوله‪َ :‬وبََلغَ تِ القُلُو بُ ال ـحَنا ِ‬
‫فبلغت إلـى الـحناجر‪ .‬كما‪:‬‬
‫‪ 21617‬ـ حدث نا ا بن وك يع‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا سويد بن عمرو‪ ,‬عن حماد بن ز يد‪ ,‬عن أيوب‪ ,‬عن‬
‫ت القُلُوبُ الـحَناجِرَ قال‪ :‬من الفزع‪.‬‬
‫عكرِمة‪َ :‬وبََلغَ ِ‬
‫ن الكاذ بة‪ ,‬وذلك كظ نّ من ظ نّ‬
‫ظنُو نا يقول‪ :‬وتظنون ب ـال الظنو َ‬
‫ن ب ـاللّهِ ال ّ‬
‫ظنّو َ‬
‫وقوله‪َ :‬و َت ُ‬
‫منهـم أن رسـول ال صـلى ال عليـه وسـلم يُغلب‪ ,‬وأن مـا وعده ال مـن النصـر أن ل يكون‪,‬‬
‫ن مـمن كان مع رسول ال صلى ال عليه‬
‫ونـحو ذلك من ظنونهم الكاذبة التـي ظنها من ظ ّ‬
‫وسلم فـي عسكره‪.‬‬
‫‪21618‬ــ حدثنـا بشـر‪ ,‬قال‪ :‬حدثنـا هوذة بـن خــلـيفة‪ ,‬قال‪ :‬حدثنـا عوف‪ ,‬عـن الــحسن‬
‫ن الـمنافقون أن مـحمدا وأصحابه يُستأصلون‪,‬‬
‫ظنُونا قال‪ :‬ظنونا مختلفة‪ :‬ظ ّ‬
‫ظنّو نَ بـال ال ّ‬
‫َو َت ُ‬
‫وأيقن الـمؤمنون أن ما وعدهم ال حقّ‪ ,‬أنه سيظهره علـى الدين كله ولو كره الـمشركون‪.‬‬
‫ظنُونـا فقرأ ذلك عامـة قرّاء الــمدينة‪,‬‬
‫ظنّونَـ بــال ال ّ‬
‫واختلفـت القرّاء فــي قراءة قوله‪َ :‬و َت ُ‬
‫سبِـيل فـي‬
‫طعْنا الرّ سُول فأضَلّونا ال ّ‬
‫ظنَونا بإثبـات اللف‪ ,‬وكذلك وأ َ‬
‫وبعض الكوفـيـين‪ :‬ال ّ‬
‫ل فــي ذلك لهـم‪ ,‬أن ذلك فــي كـل مصـاحف‬
‫الوصـل والوقــف وكان اعتلل الــمعت ّ‬
‫ال ـمسلـمين بإثب ـات اللف ف ـي هذه الحرف كل ها‪ .‬وكان ب عض قرّاء الكو فة يث بت اللف‬
‫ف ـيهنّ ف ـي الوق ـف‪ ,‬ويحذف ها ف ـي الو صل اعتللً بأن العرب تف عل ذلك ف ـي قواف ـي‬
‫الش عر وم صاريعها‪ ,‬فتل ـحق اللف ف ـي مو ضع الفت ـح للوقوف‪ ,‬ول تف عل ذلك ف ـي ح شو‬
‫البـيات‪ ,‬فإن هذه الحرف‪ ,‬حسُن فـيها إثبـات اللفـات‪ ,‬لنهنّ رؤوس الَي تـمثـيلً لها‬
‫ب ـالقوافـي‪ .‬وقرأ ذلك ب عض قرّاء الب صرة والكو فة بحذف اللف من جمي عه ف ـي الوق ـف‬
‫والوصل‪ ,‬اعتللً بأن ذلك غير موجود فـي كلم العرب إلّ فـي قوافـي الشعر دون غيرها‬
‫من كلم هم‪ ,‬وأن ها إن ـما تف عل ذلك ف ـي القواف ـي طلب ـا لت ـمام وزن الش عر‪ ,‬إذ لو ل ـم‬
‫ح الش عر‪ ,‬ول ـيس ذلك كذلك ف ـي القرآن‪ ,‬ل نه ل ش يء يضطر هم‬
‫تف عل ذلك ف ـيها ل ـم ي ص ّ‬
‫إلـى ذلك فـي القرآن‪ ,‬وقالوا‪ :‬هنّ مع ذلك فـي مصحف عبد ال بغير ألف‪.‬‬
‫وأول ـى القرَاءات ف ـي ذلك عندي ب ـالصواب‪ ,‬قراءة من قرأه بحذف اللف ف ـي الو صل‬
‫والوقـف‪ ,‬لن ذلك هو الكلم الـمعروف من كلم العرب‪ ,‬مع شهرة القراءة بذلك فـي قرّاء‬
‫ن فـي حالة الوقـف والوصل‪,‬‬
‫الـمصرين‪ :‬الكوفة‪ ,‬والبصرة ثم القراءة بإثبـات اللف فـيه ّ‬
‫لن علة من أثبت ذلك فـي حال الوقـف أنه كذلك فـي خطوط مصاحف الـمسلـمين‪ .‬وإذا‬
‫كانت العلة فـي إثبـات اللف فـي بعض الحوال كونه مثبتا فـي مصاحف الـمسلـمين‪,‬‬
‫فـالواجب أن تكون القراءة فـي كل الحوال ثابتة‪ ,‬لنه مثبت فـي مصاحفهم‪ .‬وغير جائز‬
‫أن تكون العلة التـي توجب قراءة ذلك علـى وجه من الوجوه فـي بعض الحوال موجودة‬
‫ف ـي حال أخرى‪ ,‬والقراءة مختل فة‪ ,‬ول ـيس ذلك لقواف ـي الش عر بنظ ير‪ ,‬لن قواف ـي الش عر‬
‫إن ـما تل ـحق ف ـيها اللف ـات ف ـي موا ضع الفت ـح‪ ,‬وال ـياء ف ـي موا ضع الك سر‪ ,‬والواو‬
‫ف ـي موا ضع الض مّ طلب ـا لتت ـمة الوزن‪ ,‬وأن ذلك لو ل ـم يف عل كذلك ب طل أن يكون شعرا‬
‫لستـحالته عن وزنه‪ ,‬ول شيء يضطرّ تالـي القرآن إلـى فعل ذلك فـي القرآن‪.‬‬
‫وقوله‪ :‬هُنال كَ ا ْبتُلِ ـيَ ال ـمُ ْؤ ِمنُونَ يقول‪ :‬ع ند ذلك اخ تبر إي ـمان ال ـمؤمنـين‪ ,‬وم ـحّص‬
‫القوم وعرف الـمؤمن من الـمنافق‪ .‬وبنـحو ما قلنا فـي ذلك قال أهل التأويـل‪ .‬ذكر من‬
‫قال ذلك‪:‬‬
‫‪ 21619‬ـ حدثنـي م ـحمد بن عمرو‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا أ بو عا صم‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا عي سى وحدثنـي‬
‫الــحارث‪ ,‬قال‪ :‬حدثنـا الــحسن‪ ,‬قال‪ :‬حدثنـا ورقاء جميعـا‪ ,‬عـن ابـن أبــي نــجيح‪ ,‬عـن‬
‫مـجاهد‪ ,‬قوله هُنالكَ ا ْبتُلِـيَ الـمُ ْؤ ِمنُونَ قال‪ :‬مـحصوا‪.‬‬
‫شدِيدا يقول‪ :‬وحرّكوا بـالفتنة تـحريكا شديدا‪ ,‬وابتلوا وفتنوا‪.‬‬
‫وقوله‪َ :‬وزُ ْلزِلُوا زِلْزَالً َ‬
‫ل الـمُنافِقونَ وَاّلذِينَ فِـي قُلُو ِبهِمْ َمرَضٌ‪ :‬شَكّ فـي اليـمان‪ ,‬وضعف فـي‬
‫وقوله‪ :‬وَإ ْذ يقُو ُ‬
‫اعتقاد هم إياه‪ :‬ما وعد نا ال ور سوله إلّ غُرورا‪ ,‬وذلك ف ـيـما ذُكِر قو ُل معتّب بن ُقشَ ير‪.‬‬
‫وبنـحو الذي قلنا فـي ذلك قال أهل التأويـل‪ .‬ذكر من قال ذلك‪:‬‬
‫‪ 21620‬ـ حدثنا ابن حميد‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا سلـمة‪ ,‬عن ابن إسحاق‪ ,‬قال‪ :‬ثنـي يزيد بن رُومان‬
‫غرُورا يقول‪:‬‬
‫عدَ نا الّل هُ َورَ سُولُ ُه إلّ ُ‬
‫ل ال ـمُنافِقُونَ وَاّلذِي نَ فِ ـي قُلُو ِبهِ مْ َمرَ ضٌ‪ :‬ما وَ َ‬
‫وَإ ْذ يَقُو ُ‬
‫ُم َعتّب بن قُشَير‪ ,‬إذ قال ما قال يوم الـخندق‪.‬‬
‫‪ 21621‬ـ حدثنـي م ـحمد بن عمرو‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا أ بو عا صم‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا عي سى وحدثنـي‬
‫الــحارث‪ ,‬قال‪ :‬حدثنـا الــحسن‪ ,‬قال‪ :‬حدثنـا ورقاء جميعـا‪ ,‬عـن ابـن أبــي نــجيح‪ ,‬عـن‬
‫مــجاهد‪ ,‬قوله وَإذْ يَقُولُ الــمنافقون واّلذِينَـ فِــي قُلُو ِبهِم ْـ َمرَضٌـ قال‪ :‬تكلّــمهم بــالنفـاق‬
‫يومئذٍ‪ ,‬و َتكَلّـمَ الـمؤمنون بـالـحقّ واليـمان‪ ,‬قالوا‪ :‬هذا ما وعدنا ال ورسوله‪.‬‬
‫ل الـمُنافِقُونَ‬
‫‪21622‬ـ حدثنا بشر‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا يزيد‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا سعيد‪ ,‬عن قتادة‪ ,‬قوله وَإذْ يَقو ُ‬
‫غرُورا قال‪ :‬قال ذلك أُناس مـن‬
‫ّهـ َورَسـُوُلهُ إلّ ُ‬
‫عدَنـا الل ُ‬
‫ِمـ َمرَضـٌ‪ :‬مـا وَ َ‬
‫ِينـ فِــي قُلُو ِبه ْ‬
‫وَاّلذ َ‬
‫ال ـمنافقـين‪ :‬قد كان م ـحمد يعدُ نا فت ـح ف ـارس والروم‪ ,‬و قد حُ صِرنا هاه نا‪ ,‬حت ـى ما‬
‫يستطيع أحدُنا أن يبرُز لـحاجته ما وعدنا ال ورسوله إلّ غرورا‪.‬‬
‫‪ 21623‬ـ حدثن ـي يو نس‪ ,‬قال‪ :‬أخبر نا ا بن و هب‪ ,‬قال‪ :‬قال ا بن ز يد‪ ,‬قال‪ :‬قال ر جل يوم‬
‫الحزاب لر جل من صحابة النب ـيّ صلى ال عل يه و سلم‪ :‬يا فلن أرأيت إذ يقول ر سول ال‬
‫سرَى َب ْعدَ هُ‪,‬‬
‫صرُ فَل قَـ ْيصَرَ َب ْعدَ هُ‪ ,‬وَإذَا هَلَ كَ كِ سْرَى فَل كِ ْ‬
‫صلى ال عليه وسلم‪« :‬إذَا هَلَ كَ قَـيْ َ‬
‫سبِـيـلِ الّلهِ»‪ .‬فأي نَ هذا من هذا‪ ,‬وأحدُنا ل يستطيع‬
‫ن ُكنُوزُهُما فِـي َ‬
‫وَاّلذِي نَفْسِي بِـ َيدِهِ َل ُتنْ َفقَ ّ‬
‫خ ِبرَ نّ‬
‫لْ‬‫غرُورا‪ .‬فقال له‪ :‬كذ بت‪ُ ,‬‬
‫عدَ نا اللّ هُ َورَ سُوُلهُ إلّ ُ‬
‫أن يخرج يبول من ال ـخوف؟ ما وَ َ‬
‫رسول ال صلى ال عليه وسلم خبرك‪ ,‬قال‪ :‬فأَتـى رسولَ ال صلى ال عليه وسلم‪ ,‬فأخبره‪,‬‬
‫فدعاه فقال‪« :‬ما قلت؟» فقال‪ :‬كذ بَ علـيّ يا رسول ال‪ ,‬ما قلت شيئا‪ ,‬ما خرج هذا من فمي‬
‫ُمـ فــي‬
‫ُونـ بــال مـا قالُوا‪ ,‬وََل َقدْ قالُوا كَلِــمَ َة الكُ ْفرِ‪ ...‬حتــى بلغ وَمـا َله ْ‬
‫قطـ قال ال‪َ :‬يحْلِف َ‬
‫ّ‬
‫عنْ طائِفَ ٍة ِم ْن ُكمْ ُن َعذّبْ طائِفَةً‪.‬‬
‫لرْضِ مِنْ وَلِـيّ وَل َنصِيرٍ قال‪« :‬فهذا قول ال‪ :‬إنْ َن ْعفُ َ‬
‫اَ‬
‫عثْمة‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا كثـير بن عبد‬
‫‪ 21624‬ـ حدثنا ابن بشار‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا مـحمد بن خالد بن َ‬
‫ال بن عمرو بن عوف الـ ُمزَنـيّ‪ ,‬قال‪ :‬ثنـي أبـي‪ ,‬عن أبـيه‪ ,‬قال‪ :‬خ طّ رسول ال صلى‬
‫ال عليه وسلم الـخندق عام ُذكِرت الحزاب‪ ,‬من أحمر الشيخين‪ ,‬طرف بنـي حارثة‪ ,‬حتـى‬
‫بلغ الـمَذَاد‪ ,‬ثم جعل أربعين ذراعا بـين كلّ عشرة‪ ,‬فـاختلف الـمهاجرون والنصار فـي‬
‫سـلْـمان منـا‪ ,‬وقال الــمهاجرون‪:‬‬
‫سـلْـمان الفــارسيّ‪ ,‬وكان رجلً قوي ّا‪ ,‬فقال النصـار‪َ :‬‬
‫َ‬
‫ل البَـيْتِ»‪ .‬قال عمرو بن‬
‫سلـمان منا‪ ,‬فقال النبـيّ صلى ال عليه وسلم‪ « :‬سَلْـمانُ ِمنّا أهْ َ‬
‫ن بن مُ َقرّن ال ـ ُمزَنـيّ‪ ,‬و ستةٌ من‬
‫حذَيف ُة بن ال ـيـمان والنّعما ُ‬
‫عوف‪ :‬فك نت أ نا و سَلْـمانُ و ُ‬
‫صرَى‪ ,‬أخرج ال من‬
‫الن صار‪ ,‬ف ـي أربع ين ذرا عا‪ ,‬فحفَر نا ت ـحت دوب ـار حت ـى بلغ نا ال ّ‬
‫بطن الـخندق صخرة بـيضاء مروة‪ ,‬فكسرت حديدنا‪ ,‬وشَقّت علـينا‪ ,‬فقلنا‪ :‬يا سلـمان‪ ,‬ارْقَ‬
‫إل ـى ر سول ال صلى ال عل يه و سلم‪ ,‬فأ خبره خبر هذه ال صخرة‪ ,‬فإ ما أن نعدل عن ها‪ ,‬فإن‬
‫الــمعدل قريـب‪ ,‬وإمـا أن يأمرنـا فــيها بأمره‪ ,‬فإنـا ل نــحبّ أن نــجاوز خَطّه‪ .‬فرقــي‬
‫سَلـمان حتـى أتـى رسول ال صلى ال عليه وسلم وهو ضارب علـيه قُب ًة تركية‪ ,‬فقال‪ :‬يا‬
‫ر سول ال بأب ـينا أ نت وأم نا‪ ,‬خر جت صخرة ب ـيضاء من ب طن ال ـخندق‪َ ,‬مرْوَة‪ ,‬فك سرت‬
‫حديدنا‪ ,‬وشقّت علـينا‪ ,‬حتـى ما يجيء منها قلـيـل ول كثـير‪ ,‬فمرنا فـيها بأمرك‪ ,‬فإنا ل‬
‫خطّك‪ .‬فهبط رسول ال صلى ال عليه وسلم مع سلـمان فـي الـخندق‪,‬‬
‫نـحبّ أن نـجاوز َ‬
‫و َرقِـينا نـحن التسعة علـى شَفَة الـخندق‪ ,‬فأخذ رسول ال صلى ال عليه وسلم الـ ِمعْول‬
‫صدَعها‪ ,‬و َبرَقت منها َبرْقة أضاءت ما بـين لبتـيها‪,‬‬
‫من سَلـمان‪ ,‬فضرب الصخرة ضربة َ‬
‫يعنـي‪ :‬لبتـي الـمدينة‪ ,‬حتـى لكأن مصبـاحا فـي جوف بـيت مظلـم‪ ,‬فكّبر رسول ال‬
‫صلى ال عليه وسلم تكبـير فتـح‪ ,‬وكبر الـمسلـمون‪ .‬ثم ضربها رسول ال صلى ال عليه‬
‫صدَعها و َبرَقت منها َبرْقة أضاءت ما بـين لبتـيها‪ ,‬حتـى لكأن مصبـاحا‬
‫وسلم الثانـية‪ ,‬ف َ‬
‫فــي جوف بــيت مظلــم‪ ,‬فكبّر رسـول ال صـلى ال عليـه وسـلم تكبــير فتــح‪ ,‬وكـبر‬
‫الـمسلـمون‪ ,‬ثم ضربها رسول ال صلى ال عليه وسلم الثالثة‪ ,‬فكسرها‪ ,‬و َبرَقَت منها َبرْقة‬
‫أضاءت ما ب ـين لبت ـيها‪ ,‬حت ـى لكأن م صبـاحا ف ـي جوف ب ـيت مظل ـم‪ ,‬ف كبر ر سول‬
‫ن َفرِقـي‪ ,‬فقال سلـمان‪ :‬بأبـي‬
‫ال صلى ال عليه وسلم تكبـير فتـح‪ ,‬ثم أخذ بـيد سَلْـما َ‬
‫أنت وأمي يا رسول ال‪ ,‬لقد رأيت شيئا ما رأيته قطّ‪ ,‬فـالتفت رسول ال صلى ال عليه وسلم‬
‫ل سَلْـمانُ؟» قَالُوا‪ :‬نعم يا رسول ال‪ ,‬بأبـينا أنت وأمنا‬
‫إلـى القوم‪ ,‬فقال‪« :‬هَلْ رأ ْيتُـمْ ما يقُو ُ‬
‫و قد رأيناك تضرب‪ ,‬ف ـيخرج َبرْق كال ـموجِ‪ ,‬فرأيناك تكبّر فن كبر‪ ,‬ول نرى شيئا غ ير ذلك‪,‬‬
‫قال‪« :‬صَـَدقْتُـمْ ضَ َربْتُـ ضَ ْر َبتِــي الُولــى‪ ,‬ف َبرَقَـ اّلذِي رأيتُــمْ‪ ,‬أضَاءَ لــي ِمنْهُـ قُصـُورُ‬
‫ج ْبرَائِيــلُ عَلَــيْ ِه السـّلمُ أنّـ‬
‫خبَ َرنِــي َ‬
‫ب الكِلبـِ‪ ,‬فأ ْ‬
‫الْــحِيرَةِ َو َمدَائِنُـ كس ْـرَى‪ ,‬كأنّهـا أنْــيا ُ‬
‫ض ْر َبتِ ـي الثّانِ ـيَةَ‪ ,‬فبَرَ قَ اّلذِي رأ ْيتُ ـمْ‪ ,‬أضَاءَ ل ـي ِم ْن هُ‬
‫ُأ ّمتِ ـي ظا ِهرَةٌ عَلَ ـيْها‪ ,‬ثُ مّ ضَ َربْ تُ َ‬
‫جبْرائِيـلُ عَلَـيْهِ ال سّلمُ‬
‫خ َب َرنِـي َ‬
‫ن أرْ ضِ الرّو مِ‪ ,‬كأنّها أنْـيابُ الكِل بِ‪ ,‬وأ ْ‬
‫ح ْمرِ مِ ْ‬
‫قُ صُورُ الـ ُ‬
‫أ نّ ُأ ّمتِ ـي ظا ِهرَةٌ عَلَ ـيْها‪ ,‬ثُ مّ ضَ َربْ تُ ضَ ْر َبتِ ـي الثّاِلثَةَ‪َ ,‬و َبرَ قَ ِمنْ ها اّلذِي رأ ْيتُ ـمْ‪ ,‬أضَاءَ تْ‬
‫جبْرَائِي ـلُ عَلَ ـيْ ِه ال سّلمُ أ نّ‬
‫خ َب َرنِ ـي َ‬
‫ب الكِل بِ‪ ,‬وأ ْ‬
‫صنْعاءَ‪ ,‬كأنّ ها أنْ ـيا ُ‬
‫ل ـي ِمنْ ها قُ صُورُ َ‬
‫ُمـ‬
‫شرُوا ُيبَّلغُه ُ‬
‫ّصـرُ‪ ,‬وأ ْب ِ‬
‫ُمـ الن ْ‬
‫النصـرُ‪ ,‬وأ ْبشِرُوا‪ُ ,‬يبَّل ُغه ُ‬
‫ْ‬ ‫ُمـ‬
‫ُأ ّمتِــي ظا ِهرَةٌ عَلَــيْها‪ ,‬فَأ ْبشِرُوا‪ُ ,‬يبَّل ْغه ُ‬
‫عدَ نا الن صر ب عد‬
‫صرُ»‪ .‬ف ـاستبشر ال ـمسلـمون‪ ,‬وقالوا‪ :‬ال ـحمد ل موعود صدق‪ ,‬بأن و َ‬
‫النّ ْ‬
‫عدَنـا اللّهُـ َورَ سولُهُ‪ ...‬الَيـة‪ ,‬وقال‬
‫طبّقـت الحزاب‪ ,‬فقال ال ـمسلـمون هَذا ما َو َ‬
‫حصْر‪ ,‬ف َ‬
‫الــ َ‬
‫حدّثكم ويـمنـيكم و َيعِدكم البـاطل‪ُ ,‬يخْبركم أنه يبصر من يثر بَ‬
‫الـمنافقون‪ :‬أل تعجبون‪.‬؟ ُي َ‬
‫قصور الـحِيرة ومدائن كسرى‪ ,‬وأنها تفتُـح لكم‪ ,‬وأنتـم تـحفرون الـخندق من ال َفرَق‪ ,‬ول‬
‫ل الــمُنافِقُونَ وَاّلذِينَـ فِــي قُلُو ِبهِم ْـ َمرَضٌـ مـا‬
‫تسـتطيعون أن َتبْرزُوا؟ وأُنزل القرآن‪ :‬وَإ ْذ يَقُو ُ‬
‫غرُورا‪.‬‬
‫عدَنا اللّهُ َو َرسُولُ ُه إلّ ُ‬
‫َو َ‬

‫‪14- 13‬‬ ‫الية ‪:‬‬


‫ُمـ فَا ْرجِعُواْ‬
‫َامـ َلك ْ‬
‫ِبـ لَ مُق َ‬
‫ُمـ َيأَهْلَ َي ْثر َ‬
‫القول فــي تأويــل قوله تعالــى‪{ :‬وَِإذْ قَالَت طّآئِفَ ٌة ّم ْنه ْ‬
‫ل فِرَارا * وَلَوْ‬
‫ع ْورَةٌ َومَا هِيَ ِبعَ ْو َرةٍ إِن ُيرِيدُونَ ِإ ّ‬
‫ن ُبيُو َتنَا َ‬
‫ن فَرِيقٌ ّم ْنهُمُ ال ّنبِيّ يَقُولُونَ ِإ ّ‬
‫ستَ ْأذِ ُ‬
‫َويَ ْ‬
‫لتَوْهَا َومَا تََل ّبثُو ْا ِبهَآ ِإلّ َيسِيرا }‪.‬‬
‫سئِلُو ْا الْ ِف ْتنَ َة َ‬
‫ُدخِلَتْ عََل ْي ِهمْ ّمنْ َأ ْقطَارِهَا ُثمّ ُ‬
‫ُمـ وإذ قال‬
‫ُقامـ َلك ْ‬
‫ِبـ ل م َ‬
‫ُمـ يـا أهْلَ َي ْثر َ‬
‫َتـ طائِفَ ٌة ِم ْنه ْ‬
‫يعنــي تعالــى ذكره بقوله‪ :‬وَإذْ قال ْ‬
‫بعضهم‪ :‬يا أهل يثرب‪ ,‬ويثرب‪ :‬اسم أرض‪ ,‬فـيقال‪ :‬إن مدينة رسول ال صلى ال عليه وسلم‬
‫فـي ناحية من يثرب‪ .‬وقوله‪« :‬ل مَقا َم َلكُ مْ ف ـا ْرجِعُوا» بفت ـح الـميـم من مقام‪ .‬يقول‪ :‬ل‬
‫مكان لكم‪ ,‬تقومون فـيه‪ ,‬كما قال الشاعر‪:‬‬
‫شرّافَقـيدَ إلـى الـمَقامَةِ ل َيرَاها‬
‫ن َ‬
‫فأيّـيّ ما وَأ ّيكَ كا َ‬
‫جعُوا يقول‪ :‬ف ـارجعوا إل ـى منازل كم أمر هم ب ـالهرب من ع سكر ر سول ال‬
‫قوله ف ـا ْر ِ‬
‫صلى ال عليه وسلم والفرار منه‪ ,‬وترك رسول ال صلى ال عليه وسلم‪ .‬وقـيـل‪ :‬إن ذلك‬
‫من قـيـل أوس بن قـيظي ومن وافقه علـى رأيه‪ .‬ذكر من قال ذلك‪:‬‬
‫‪ 21625‬ـ حدثنا ابن حميد‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا سلـمة‪ ,‬عن ابن إسحاق‪ ,‬قال‪ :‬ثنـي يزيد‪ ,‬بن رومان‬
‫ل َي ْثرِ بِ‪ ...‬إلـى فِرَارا يقول‪ :‬أوس بن قـيظي‪ ,‬ومن كان علـى‬
‫ت طائِ َفةٌ ِم ْنهُ مْ يا أهْ َ‬
‫وَإ ْذ قالَ ْ‬
‫ذلك من رأيه من قومه‪ .‬والقراءة علـى فتـح الـميـم من قوله‪« :‬ل مَقا مَ َلكُ مْ» بـمعنى‪ :‬ل‬
‫مو ضع ق ـيام ل كم‪ ,‬و هي القراءة الت ـي ل أ ستـجيز القراءة بخلف ها‪ ,‬لجماع ال ـحجة من‬
‫ُمـ بضـم‬
‫ُقامـ َلك ْ‬
‫القرّاء علــيها‪ .‬وذُكـر عـن أبــي عبـد الرحمـن السـلـمي أنـه قرأ ذلك‪ :‬ل م َ‬
‫الـميـم‪ ,‬يعنـي‪ :‬ل إقامة لكم‪.‬‬
‫ع ْورَةٌ وَما هِ يَ ِبعَ ْورَ ٍة يقول تعالـى‬
‫ن بُـيُوتَنا َ‬
‫نإّ‬
‫وقوله‪َ :‬ويَ سْتأذِنُ َفرِي قٌ ِم ْنهُ مُ ال ّنبِـيّ يَقُولُو َ‬
‫ذكره‪ :‬ويستأذن بعضهم رسول ال صلى ال عليه وسلم فـي الذن بـالنصراف عنه إلـى‬
‫منزله‪ ,‬ولكنه يريد الفرار والهرب من عسكر رسول ال صلى ال عليه وسلم‪ .‬وبنـحو الذي‬
‫قلنا فـي ذلك قال أهل التأويـل‪ .‬ذكر من قال ذلك‪:‬‬
‫‪ 21626‬ـ حدثنـي مـحمد بن سعد‪ ,‬قال‪ :‬ثنـي أبـي‪ ,‬قال‪ :‬ثنـي عمي‪ ,‬قال‪ :‬ثنـي أبـي‪,‬‬
‫ل فِرَارا قال‪:‬‬
‫ق ِم ْنهُ مُ ال ّنبِـيّ‪ ...‬إلـى قوله إ ّ‬
‫ن َفرِي ٌ‬
‫عن أبـيه‪ ,‬عن ابن عبـاس‪ ,‬قوله‪َ :‬ويَ سْتأْذِ ُ‬
‫هم بنو حارثة‪ ,‬قالوا‪ :‬بـيوتنا مخـلـية نـخشى علـيها السرق‪.‬‬
‫‪ 21627‬ـ حدثنـي م ـحمد بن عمرو‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا أ بو عا صم‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا عي سى وحدثنـي‬
‫الــحارث‪ ,‬قال‪ :‬حدثنـا الــحسن‪ ,‬قال‪ :‬حدثنـا ورقاء جميعـا‪ ,‬عـن ابـن أبــي نــجيح‪ ,‬عـن‬
‫ن بُـيُوتَنا عَ ْو َرةٌ قال‪ :‬نـخشى علـيها السرق‪.‬‬
‫مـجاهد‪ ,‬قوله‪ :‬إ ّ‬
‫ن فَرِيقٌ ِم ْنهُمُ‬
‫‪21628‬ـ حدثنا بشر‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا يزيد‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا سعيد‪ ,‬عن قتادة‪ ,‬قوله‪َ :‬ويَسْتأذِ ُ‬
‫ن بُ ـيُوتَنا عَ ْورَةٌ وَ ما هِ يَ بعَ ْورَةٍ وإن ها م ـما ي ـلـي العدوّ‪ ,‬وإ نا ن ـخاف‬
‫ال ّنبِ ـيّ يَقُولُو نَ إ ّ‬
‫ن إلّ‬
‫ن ُيرِيدُو َ‬
‫علـيها السرّاق‪ ,‬فبعث النبـيّ صلى ال عليه وسلم‪ ,‬فل يجد بها عدوّا‪ ,‬قال ال‪ :‬إ ْ‬
‫فِرَارا يقول‪ :‬إنـما كان قولهم ذلك إنّ بُـيُوتَنا عَ ْورَ ٌة إنـما كان يريدون بذلك الفرار‪.‬‬
‫‪ 21629‬ـ حدثنا مـحمد بن سنان القزاز‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا عبـيد ال بن حمران‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا عبد‬
‫ي ِبعَ ْورَةٍ قال‪:‬‬
‫ع ْورَةٌ‪ ,‬وَما هِ َ‬
‫ن بُـيُوتَنا َ‬
‫السلم بن شدّاد أبو طالوت عن أبـيه فـي هذه الَية إ ّ‬
‫ضائعة‪.‬‬
‫ِنـ أقْطارِهـا يقول‪ :‬ولو دخــلت الــمدينة علــى هؤلء‬
‫وقوله‪ :‬وََلوْ ُدخِــلَتْ عَلَــْيهِمْ م ْ‬
‫ع ْورَ ٌة مـن أقطارهـا‪ ,‬يعنــي‪ :‬مـن جوانبهـا ونواحيهـا‪ ,‬واحدهـا‪ :‬قطـر‪,‬‬
‫القائلــين إنّـ بُــيُوتَنا َ‬
‫وفـيها لغة أخرى‪ :‬قُتر‪ ,‬وأقتار ومنه قول الراجز‪:‬‬
‫شرّا‬
‫ن ُقتْ َركَ ال َ‬
‫ن تدهن أو تـمرافَوَّلهِ ّ‬
‫شئْتَ أ ْ‬
‫إنْ ِ‬
‫لتَوْ ها يقول‪:‬‬
‫سئِلُوا ال ِف ْتنَةَ يقول‪ :‬ثم سـئلوا الرجوع من الي ـمان إلــى الشرك َ‬
‫وقوله‪ :‬ثُمّـ ُ‬
‫ل يَ سِيرا يقول‪ :‬وما احتبسوا عن‬
‫لفعلوا ورجعوا عن السلم وأشركوا‪ .‬وقوله‪ :‬وَما تََل ّبثُوا بها إ ّ‬
‫إجابت هم إل ـى الشرك إلّ ي سيرا قل ـيلً‪ ,‬ول سرعوا إل ـى ذلك‪ .‬وبن ـحو الذي قل نا ف ـي ذلك‬
‫قال أهل التأويـل‪ .‬ذكر من قال ذلك‪:‬‬
‫‪ 21630‬ـ حدثنا بشر‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا يزيد‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا سعيد‪ ,‬عن قتادة وََل ْو ُدخِـلَتْ عَلَـ ْيهِ ْم مِ نْ‬
‫لتَوْها يقول‪:‬‬
‫سئِلُوا ال ِف ْتنَةَ‪ :‬أي الشرك َ‬
‫أقْطارها أي لو دخـل علـيهم من نواحي الـمدينة ثُ مّ ُ‬
‫ل أعطوه طيبة به أنفسهم ما يحتبسونه‪.‬‬
‫لعطوها‪ ,‬وَما تََل ّبثُوا بِها إلّ َيسِيرا يقول‪ :‬إ ّ‬
‫‪ 21631‬ـ حدثنـي يونس‪ ,‬قال‪ :‬أخبرنا ابن وهب‪ ,‬قال‪ :‬قال ابن زيد‪ ,‬فـي قوله وَلَ ْو ُدخِـلَتْ‬
‫لتَوْ ها‬
‫سئِلُوا ال ِف ْتنَ َة َ‬
‫ن أقْطارِ ها يقول‪ :‬لو دخـلت الـمدينة علـيهم من نواحي ها ثُ مّ ُ‬
‫عَلَـيْ ِهمْ مِ ْ‬
‫سـئلوا أن يكفروا لكفروا قال‪ :‬وهؤلء الــمنافقون لو دخــلت علــيهم الــجيوش‪ ,‬والذيـن‬
‫شدّ‬
‫يريدون قتالهم ثم سئلوا أن يكفروا لكفروا قال‪ :‬والفتنة‪ :‬الكفر‪ ,‬وهي التـي يقول ال ال ِف ْتنَةُ أ َ‬
‫ن ال َقتْلِ أي الكفر يقول‪ :‬يحملهم الـخوف منهم‪ ,‬وخبث الفتنة التـي هم علـيها من النفـاق‬
‫مِ َ‬
‫علـى أن يكفروا به‪.‬‬
‫لتَوْ ها فقرأ ذلك عا مة قرّاء ال ـمدينة وب عض قرّاء م كة‪:‬‬
‫واختل فت القرّاء ف ـي قراءة قوله‪َ :‬‬
‫«لَ َءتَوْهـا» بقصـر اللف‪ ,‬بــمعنى جاءوهـا‪ .‬وقرأه بعـض الــمكيـين وعامـة قرّاء الكوفـة‬
‫لتَوْهـا بــمدّ اللف‪ ,‬بــمعنى‪ :‬لعطوهـا‪ ,‬لقوله‪ :‬ثـم سـئلوا الفتنـة وقالوا‪ :‬إذا كان‬
‫والبصـرة‪َ :‬‬
‫ي لـما ذكرت‪ ,‬وإن كانت الخرى جائزة‪.‬‬
‫سؤال كان إعطاء‪ ,‬والـمدّ أعجب القراءتـين إلـ ّ‬

‫‪15‬‬ ‫الية ‪:‬‬


‫ع ْهدُ‬
‫ن الدْبَارَ َوكَانَ َ‬
‫ل يُوَلّو َ‬
‫القول فـي تأويـل قوله تعالـى‪{ :‬وَلَ َق ْد كَانُواْ عَا َهدُواْ الّلهَ مِن َقبْلُ َ‬
‫سئُولً }‪.‬‬
‫اللّ ِه َم ْ‬
‫يقول تعالـى ذكره‪ :‬ولقد كان هؤلء الذين يستأذنون رسول ال صلى ال عليه وسلم فـي‬
‫النصـراف عنـه‪ ,‬ويقولون إن بــيوتنا عورة‪ ,‬عاهدوا ال مـن قبـل ذلك‪ ,‬إن ل يولوا عدوّهـم‬
‫الدب ـار‪ ,‬إن لقول هم ف ـي مش هد لر سول ال صلى ال عل يه و سلم مع هم‪ ,‬ف ما أوفوا بعهد هم‬
‫وكا نَ عَهْد الّل ِه مَ سْئُولً يقول‪ :‬ف ـيسأل ال ذلك من أعطاه إياه من نف سه‪ .‬وذُ كر أن ذلك نزل‬
‫فـي بنـي حارثة لـما كان من فعلهم فـي الـخندق بعد الذي كان منهم بأُحد‪ .‬ذكر من قال‬
‫ذلك‪:‬‬
‫‪ 21632‬ـ حدثنا ابن حميد‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا سلـمة‪ ,‬عن ابن إسحاق‪ ,‬قال‪ :‬ثنـي يزيد بن رومان‬
‫سئُولً و هم ب نو حار ثة‪,‬‬
‫ع ْهدُ اللّ ِه مَ ْ‬
‫لدْب ـارَ‪ ,‬وكا نَ َ‬
‫وَلَ َق ْد كانُوا عا َهدُوا الّل َه مِ نْ َقبْلُ ل يُوَلّو نَ ا َ‬
‫وهم الذين همّوا أن يفشلوا يوم أُحد مع بنـي سلـمة حين همّا بـالفشل يوم أُحد‪ ,‬ثم عاهدوا‬
‫ال ل يعودون لـمثلها‪ ,‬فذكر ال لهم الذي أعطوه من أنفسهم‪.‬‬
‫‪ 21633‬ـ حدث نا ب شر‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا يز يد‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا سعيد‪ ,‬عن قتادة‪ ,‬قوله وَلَ َق ْد كانُوا عا َهدُوا‬
‫سئُولً قال‪ :‬كان ناس غابوا عن وق عة بدر‪,‬‬
‫ع ْهدُ اللّ ِه مَ ْ‬
‫ن الدْب ـارَ وكا نَ َ‬
‫ل ل يُوَلّو َ‬
‫ن قَبْ ُ‬
‫اللّ َه مِ ْ‬
‫ورأوا ما أعطى ال أصحاب بدر من الكرامة والفضيـلة‪ ,‬فقالوا‪ :‬لئن أشهدنا ال قتالً لنقاتل نّ‪,‬‬
‫فساق ال ذلك إلـيهم حتـى كان فـي ناحية الـمدينة‪.‬‬

‫‪17-16‬‬ ‫الية ‪:‬‬


‫ن ا ْلمَوْ تِ َأوِ ا ْل َقتْلِ وَإِذا لّ‬
‫القول فـي تأويـل قوله تعالـى‪{ :‬قُل لّن يَن َف َعكُ مُ الْ ِفرَارُ إِن َفرَ ْرتُ مْ ّم َ‬
‫حمَةً َولَ‬
‫ن َأرَادَ ِبكُمْ سُوَءا أَ ْو َأرَا َد ِبكُمْ َر ْ‬
‫ن اللّهِ ِإ ْ‬
‫ص ُمكُمْ ّم َ‬
‫ن ِإلّ قَلِيلً * قُلْ مَن ذَا اّلذِي َيعْ ِ‬
‫ُت َم ّتعُو َ‬
‫ل نَصِيرا }‪.‬‬
‫ن اللّهِ وَِليّا َو َ‬
‫ن َل ُهمْ مّن دُو ِ‬
‫جدُو َ‬
‫َي ِ‬
‫يقول تعالــى ذكره لنبــيه مــحمد صـلى ال عليـه وسـلم‪ :‬قُلْ يـا مــحمد لهؤلء الذيـن‬
‫ن فَ َر ْرتُـمْ مِ نَ‬
‫ن َينْ َف َعكُمُ ال ِفرَارُ إ ْ‬
‫يستأذنوك فـي النصراف عنك ويقولون إن بـيوتنا عورة‪ :‬لَ ْ‬
‫الـمَوْتِ أ ِو ال َقتْل يقول‪ :‬لن ذلك‪ ,‬أو ما كتب ال منهما واصل إلـيكم بكل حال‪ ,‬كرهتـم أو‬
‫ن إلّ قَلِــيلً يقول‪ :‬وإذا فررتــم مـن الــموت أو القتـل لــم يزد‬
‫أحببتــم‪ .‬وإذا ل تُــَم ّتعُو َ‬
‫فراركم ذلك فـي أعماركم وآجالكم‪ ,‬بل إنـما تـمتعون فـي هذه الدنـيا إلـى الوقت الذي‬
‫كتب لكم‪ ,‬ثم يأتـيكم ما كتب لكم وعلـيكم‪ .‬وبنـحو الذي قلنا فـي ذلك قال أهل التأويـل‪.‬‬
‫ذكر من قال ذلك‪:‬‬
‫‪ 21634‬ـ حدثنا بشر‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا يزيد‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا سعيد‪ ,‬عن قتادة قُلْ َل نْ َينْ َف َعكُ مُ ال ِفرَارُ إ نْ‬
‫ل قَلِـيلً وإنـما الدنـيا كلها قلـيـل‪.‬‬
‫ن الـمَوْتِ أ ِو ال َقتْلِ‪ ,‬وَإذا ل تُـمَ ّتعُونَ إ ّ‬
‫فَ َر ْرتُـمْ م َ‬
‫‪ 21635‬ـ حدث نا أبو كُرَ يب‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا ا بن ي ـمان‪ ,‬عن سفـيان‪ ,‬عن من صور‪ ,‬عن أبـي‬
‫ن إلّ قَلِـيلً قال‪ :‬إلـى آجالهم‪.‬‬
‫رزين‪ ,‬عن ربـيع بن خيثم وَإذا ل تُـ َم ّتعُو َ‬
‫حدث نا ا بن بشار‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا ع بد الرح من‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا سفـيان‪ ,‬عن من صور‪ ,‬عن أب ـي‬
‫ن إلّ قَلِـيلً قال‪ :‬ما بـينهم وبـين الجل‪.‬‬
‫رزين‪ ,‬عن ربـيع بن خيثم وَإذا ل تُـ َم ّتعُو َ‬
‫حدث نا ا بن بشار‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا يح يى وع بد الرح من قال‪ :‬حدث نا سفـيان‪ ,‬عن من صور‪ ,‬عن‬
‫العمش‪ ,‬عن أبـي رزين‪ ,‬عن الربـيع بن خيثم مثله‪ ,‬إلّ أنه قال‪ :‬ما بـينهم وبـين آجالهم‪.‬‬
‫‪ 21636‬ـ حدثنا ابن الـمثنى‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا مـحمد بن جعفر‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا شعبة‪ ,‬عن منصور‪,‬‬
‫ضحَكُوا قَلــيلً وَلْــَيبْكوا َكثِــيرا قال‪:‬‬
‫عـن أبــي رزيـن‪ ,‬أنـه قال فــي هذه الَيـة فَلْــَي ْ‬
‫لـيضحكوا فـي الدنـيا قلـيلً‪ ,‬ولـيبكوا فـي النار كثـيرا‪ .‬وقال فـي هذه الَية‪ :‬وَإذا ل‬
‫ل قَلِـيلً قال‪ :‬إلـى آجالهم‪ .‬أحد هذين الـحديثـين رفعه إلـى ربـيع بن خيثم‪.‬‬
‫تُـمَ ّتعُونَ إ ّ‬
‫حدثنا ابن وكيع‪ ,‬قال‪ :‬ثنـي أبـي‪ ,‬عن العمش‪ ,‬عن أبـي رزين‪ ,‬عن الربـيع بن خيثم‬
‫ن إلّ قَلِـيلً قال‪ :‬الجل‪ .‬ورفع قوله تُـ َم ّتعُونَ ولـم ينصب بإذن للواو التـي‬
‫وَإذَا ل تُـ َم ّتعُو َ‬
‫معها‪ ,‬وذلك أنه إذا كان قبلها واو‪ ,‬كان معنى «إذا» التأخير بعد الفعل‪ ,‬كأنه قـيـل‪ :‬ولو فرّوا‬
‫ل إذا‪ ,‬وقـد يُنصـب بهـا أحيانـا‪ ,‬وإن كان معهـا واو‪ ,‬لن الفعـل متروك‪,‬‬
‫ل قلــي ً‬
‫ل يــمتّعون إ ّ‬
‫فكأنها لوّل الكلم‪.‬‬
‫حمَ ًة يقول تعالـى‬
‫ن أرَادَ ِبكُ مْ سُوءا أ ْو أرَادَ ِبكُ ْم رَ ْ‬
‫ن اللّ ِه إ ْ‬
‫ص ُم ُكمْ مِ َ‬
‫ل مَ نْ ذَا اّلذِي َيعْ ِ‬
‫وقوله قُ ْ‬
‫ذكره‪ :‬قل يا مـحمد لهؤلء الذين يستأذنونك ويقولون‪ :‬إن بـيوتنا عورة هربـا من القتل‪ :‬من‬
‫ذا الذي يـمنعكم من ال إن هو أراد بكم سوءا فـي أنفسكم‪ ,‬من قتل أو بلء أو غير ذلك‪ ,‬أو‬
‫ل من ِقبَله؟ كما‪:‬‬
‫عافـية وسلمة؟ وهل ما يكون بكم فـي أنفسكم من سوء أو رحمة إ ّ‬
‫‪ 21637‬ـ حدثنا ابن حميد‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا سلـمة‪ ,‬عن ابن إسحاق‪ ,‬قال‪ :‬ثنـي يزيد بن رومان‬
‫حمَةً أي أنه لـيس المر إلّ‬
‫ن أرَادَ ِبكُمْ سُوءا أ ْو أرَادَ ِبكُمْ َر ْ‬
‫ن اللّ ِه إ ْ‬
‫صمُ ُكمْ مِ َ‬
‫ن ذَا اّلذِي َيعْ ِ‬
‫قُلْ مَ ْ‬
‫ما قضيت‪.‬‬
‫ن اللّ هِ وَلِـيّا وَل نَ صِيرا يقول تعالـى ذكره‪ :‬ول يجد هؤلء‬
‫ن دُو ِ‬
‫ن َلهُ مْ مِ ْ‬
‫جدُو َ‬
‫وقوله‪ :‬وَل َي ِ‬
‫الــمنافقون إن أراد ال بهـم سـوءا فــي أنفسـهم وأموالهـم مـن دون ال ولــيا يــلـيهم‬
‫بـالكفـاية ول نصيرا ينصرهم من ال فـيدفع عنهم ما أراد ال بهم من سوء ذلك‪.‬‬

‫‪19- 18‬‬ ‫الية ‪:‬‬


‫لخْوَا ِنهِ ْم هَلُ مّ إَِل ْينَا َولَ‬
‫ن ِ‬
‫ن مِنكُ مْ وَالْقَآئِلِي َ‬
‫القول فـي تأويـل قوله تعالـى‪َ { :‬قدْ َيعْلَ مُ الّل ُه ا ْل ُمعَ ّوقِي َ‬
‫ُمـ‬
‫ع ُي ُنه ْ‬
‫ْكـ تَدورُ أَ ْ‬
‫ُونـ إَِلي َ‬
‫ظر َ‬ ‫ُمـ يَن ُ‬
‫ْفـ رََأ ْي َته ْ‬
‫خو ُ‬‫ُمـ َفِإذَا جَآءَ ا ْل َ‬
‫شحّةً عََل ْيك ْ‬
‫ْسـ ِإلّ قَلِيلً * َأ ِ‬
‫ُونـ ا ْل َبأ َ‬
‫َي ْأت َ‬
‫خ ْيرِ أوْلَـ ِئكَ‬
‫شحّةً عَلَى ا ْل َ‬
‫حدَا ٍد َأ ِ‬
‫سنَ ٍة ِ‬
‫خوْ فُ سَلَقُو ُكمْ ِبأَلْ ِ‬
‫شىَ عََل ْي هِ ِم نَ ا ْلمَ ْو تِ َفِإذَا ذَهَ بَ ا ْل َ‬
‫كَاّلذِي ُي ْغ َ‬
‫ن ذَِلكَ عَلَى الّل ِه َيسِيرا }‪.‬‬
‫عمَاَلهُمْ َوكَا َ‬
‫حبَطَ الّلهُ َأ ْ‬
‫َلمْ يُ ْؤ ِمنُو ْا َفَأ ْ‬
‫يقول تعالـى ذكره‪ :‬قد يعلـم ال الذين يعوّقون الناس منكم عن رسول ال صلى ال عليه‬
‫وسلم فـيصدّونهم عنه‪ ,‬وعن شهود الـحرب معه‪ ,‬نفـاقا منهم‪ ,‬وتـخذيلً عن السلم وأهله‬
‫ن لخْوَا ِنهِ مْ هَلُـمّ إلَـيْنا‪ :‬أي تعالوا إلـينا‪ ,‬ودعوا مـحمدا‪ ,‬فل تشهدوا معه مشهده‪,‬‬
‫والقائِلِـي َ‬
‫ن البأْ سَ إلّ قَلِـيلً يقول‪ :‬ول يشهدون الـحرب‬
‫فإنا نـخاف علـيكم الهلك بهلكه‪ .‬وَل َي ْأتُو َ‬
‫ل تعذيرا‪ ,‬ودفعا عن أنفسهم الـمؤمنـين‪ .‬وبنـحو الذي قلنا فـي ذلك قال‬
‫والقتال إن شهدوا إ ّ‬
‫أهل التأويـل‪ .‬ذكر من قال ذلك‪:‬‬
‫‪21638‬ــ حدثنـا بشـر‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا يزيـد‪ ,‬قال‪ :‬حدثنـا سعيد‪ ,‬عن قتادة‪ ,‬قوله قَدْ َيعْلَــمُ اللّهُـ‬
‫ِمـ قال‪ :‬هؤلء ناس مـن الــمنافقـين كانوا يقولون‬
‫ن لخْوَا ِنه ْ‬
‫ُمـ والقائِلِــي َ‬
‫الــ ُمعَ ّوقِـينَ ِم ْنك ْ‬
‫ل أكلة رأس‪ ,‬ولو كانوا لــحما للتهمهـم أبـو سـفـيان‬
‫لخوانهـم‪ :‬مـا مــحمد وأصـحابه إ ّ‬
‫وأصحابه‪ ,‬دعوا هذا الرجل فإنه هالك‪.‬‬
‫ن البأْسَ إلّ قَلِـيلً‪ :‬أي ل يشهدون القتال‪ ,‬يغيبون عنه‪.‬‬
‫وقوله‪ :‬وَل َي ْأتُو َ‬
‫‪21639‬ـ حدثنا ابن حميد‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا سلـمة‪ ,‬عن ابن إسحاق‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا يزيد بن رومان َقدْ‬
‫خوَا ِنهِ مْ هَلُـمّ إلَـيْنا‪ ,‬وَل َي ْأتُو نَ‬
‫ن ِم ْنكُ مْ‪ :‬أي أهل النفـاق وَالقائِلِـينَ ل ْ‬
‫َيعْلَـمُ اللّ هُ الـ ُمعَ ّوقِـي َ‬
‫ل دفعا وتعذيرا‪.‬‬
‫البأْسَ إلّ قَلِـيلً‪ :‬أي إ ّ‬
‫‪21640‬ـ حدثنـي يونس‪ ,‬قال‪ :‬أخبرنا ابن وهب‪ ,‬قال‪ :‬قال ابن زيد‪ ,‬فـي قوله َقدْ َيعْلَـمُ الّلهُ‬
‫ن لخْوَا ِنهِ مْ‪ ...‬إلـى آخر الَية‪ ,‬قال‪ :‬هذا يوم الحزاب‪ ,‬انصرف‬
‫الـ ُمعَ ّوقِـينَ ِم ْنكُ مْ‪ ,‬والقائِلِـي َ‬
‫رجل من عند رسول ال صلى ال عليه وسلم‪ ,‬فوجد أخاه بـين يديه شواء ورغيف ونبـيذ‪,‬‬
‫فقال له‪ :‬أ نت هه نا ف ـي الشواء والرغ يف والنب ـيذ‪ ,‬ور سول ال صلى ال عل يه و سلم ب ـين‬
‫الرماح والسيوف؟ فقال‪ :‬هلـمّ إلـى هذا‪ ,‬فقد بلغ بك وبصاحبك‪ ,‬والذي يحلف به ل يستقبلها‬
‫م ـحمد أبدا‪ ,‬فقال‪ :‬كذ بت والذي يحلف به قال‪ ,‬وكان أخاه من أب ـيه وأمّه‪ :‬أ ما وال ل خبرنّ‬
‫النبـيّ صلى ال عليه وسلم أمرك قال‪ :‬وذهب إلـى رسول ال صلى ال عليه وسلم لـيخبره‬
‫ُمـ‬
‫ّهـ الــ ُمعَ ّوقِـين ِم ْنك ْ‬
‫قال‪ :‬فوجده قـد نزل جبرائيــل علــيه السـلم بخـبره َقدْ َيعْلَــمُ الل ُ‬
‫س قَلِـيلً‪.‬‬
‫ن لخْوَا ِن ِهمْ هَلُـمّ إلَـيْنا‪ ,‬وَل َي ْأتُون البأْ َ‬
‫والقائِلِـي َ‬
‫شحّةً عَلَــْي ُكمْ اختلف أهـل التأويــل فــي الــمعنى الذي وصـف ال بـه هؤلء‬
‫وقوله أ ِ‬
‫ال ـمنافقـين‪ ,‬ف ـي هذا ال ـموضع من الش حّ‪ ,‬فقال بعض هم‪ :‬و صفهم ب ـالشّحّ عل ـيهم ف ـي‬
‫الغنـيـمة‪ .‬ذكر من قال ذلك‪:‬‬
‫شحّةً عَلَ ـ ْي ُكمْ ف ـي‬
‫‪ 21641‬ـ حدثن ـي ب شر‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا يز يد‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا سعيد‪ ,‬عن قتادة أ ِ‬
‫الغنـيـمة‪.‬‬
‫ح علـيهم بـالـخير‪ .‬ذكر من قال ذلك‪:‬‬
‫وقال آخرون‪ :‬بل وصفهم بـالش ّ‬
‫‪ 21642‬ـ حدثنـي مـحمد بن عمرو‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا أبو عاصم‪ ,‬قال‪ :‬ثنـي عيسى وحدثنـي‬
‫الــحارث‪ ,‬قال‪ :‬حدثنـا الــحسن‪ ,‬قال‪ :‬حدثنـا ورقاء جميعـا‪ ,‬عـن ابـن أبــي نــجيح‪ ,‬عـن‬
‫شحّةً عَلَــْي ُكمْ قال‪ :‬بــالـخير‪ ,‬الــمنافقون‪ .‬وقال غيره‪ :‬معناه‪ :‬أشحـة علــيكم‬
‫مــجاهد أ ِ‬
‫بـالنفقة علـى ضعفـاء الـمؤمنـين منكم‪.‬‬
‫والصواب من القول فـي ذلك عندي أن يقال‪ :‬إن ال وصف هؤلء الـمنافقـين بـالـجبن‬
‫والشّ حّ‪ ,‬ولـم يخ صُص وصفهم من معانـي الش حّ‪ ,‬بـمعنى دون معنى‪ ,‬فهم كما وصفهم ال‬
‫به أشحة علـى الـمؤمنـين بـالغنـيـمة والـخير والنفقة فـي سبـيـل ال‪ ,‬علـى أهل‬
‫شحّةً عَلَ ـ ْي ُكمْ عل ـى ال ـحال من ذ كر ال سم الذي ف ـي‬
‫م سكنة ال ـمسلـمين‪ .‬ون صب قوله أ ِ‬
‫ُونـ البأْسـَ‪ ,‬كأنـه قــيـل‪ :‬هـم جبناء عنـد البأس‪ ,‬أشحاء عنـد قَسـْم الغنــيـمة‪,‬‬
‫قوله وَل ي ْأت َ‬
‫ُمـ‬
‫ّهـ الــُمعَ ّوقِـينَ ِم ْنك ْ‬
‫بــالغنـيـمة‪ .‬وقـد يحتــمل أن يكون قَطْعـا مـن قوله‪َ :‬قدْ َيعْلَــمُ الل ُ‬
‫شحّون عنـد الفتــح‬
‫فــيكون تأويــله‪ :‬قـد يعلــم ال الذيـن يعوّقون الناس علــى القتال‪ ,‬و َي ِ‬
‫ب ـالغنـيـمة‪ .‬ويجوز أن يكون أي ضا قَطْ عا من قوله‪ :‬هل ـم إل ـينا أش حة‪ ,‬و هم هكذا أش حة‪.‬‬
‫ل ثناؤه ب ـما وصفهم من الش حّ عل ـى الـمؤمنـين‪ ,‬لِ ـما ف ـي أنفسهم لهم من‬
‫ووصفهم ج ّ‬
‫ضغْن‪ .‬كما‪:‬‬
‫العداوة وال ّ‬
‫‪ 21643‬ـ حدثنا ابن حميد‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا سلـمة‪ ,‬عن ابن إسحاق‪ ,‬قال‪ :‬ثنـي يزيد بن رُومان‬
‫شحّةً عَلَـ ْيكُمْ أي للضّغْن الذي فـي أنفسهم‪.‬‬
‫أِ‬
‫ت يقول تعالـى ذكره‪ :‬فإذا حضر البأُس‪,‬‬
‫وقوله‪ :‬فإذَا جا َء الـخَ ْوفُ‪ ...‬إلـى قوله مِنَ الـمَوْ ِ‬
‫وجاء القتال‪ ,‬خافوا الهلك والقَتْل‪ ,‬رأيت هم يا م ـحمد ينظرون إل ـيك لِواذا بك‪َ ,‬تدُور أعين هم‪,‬‬
‫ت يقول‪ :‬ك َدوَران ع ين الذي‬
‫ن ال ـمَوْ ِ‬
‫خوف ـا من الق تل‪ ,‬وفرارا م نه‪ .‬كاّلذِي ُيغْشَى عَلَ ـيْهِ ِم َ‬
‫َبـ الــخَ ْوفُ يقول‪ :‬فإذا انقطعـت الــحربُ‬
‫ُيغْش َى علــيه مـن الــموت النازل بـه فإذَا ذَه َ‬
‫سنَةٍ حِدادٍ‪ .‬وبن ـحو الذي قلنا ف ـي ذلك قال أهل التأويـل‪ .‬ذ كر من قال‬
‫واطمأنوا سَلَقُو ُكمْ بألْ ِ‬
‫ذلك‪:‬‬
‫‪ 21644‬ـ حدثنا بشر‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا يزيد‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا سعيد‪ ,‬عن قتادة فإذَا جا َء الـخَ ْوفُ رأ ْي َتهُ مْ‬
‫ع ُي ُنهُمْ من الـخوف‪.‬‬
‫ن إلَـ ْيكَ َتدُورُ أ ْ‬
‫ظرُو َ‬
‫َينْ ُ‬
‫‪ 21645‬ـ حدثنا ابن حميد‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا سلـمة‪ ,‬عن ابن إسحاق‪ ,‬قال‪ :‬ثنـي يزيد بن رومان‬
‫ع ُي ُنهُ ْم كالّذِي ُي ْغشَى عَلَـيْ ِه م نَ الـمَوْتِ‪ :‬أي‬
‫ظرُو نَ إلَـ ْيكَ َتدُورُ أ ْ‬
‫ف رأ ْي َتهُ مْ َي ْن ُ‬
‫فإذَا جا َء الـخَ ْو ُ‬
‫إعظاما وفَرقا منه‪.‬‬
‫عضّو كم بأل سنة َذرِ بة‪ .‬ويقال للر جل ال ـخطيب‬
‫وأ ما قوله سَلَقُو ُكمْ بألْ سنَ ٍة حِدادٍ‪ .‬فإ نه يقول‪َ :‬‬
‫ال ّذرِب اللسان‪ :‬خطيب ِمسْلَق و ِمصْلَق‪ ,‬وخطيب سَلّق وصَلّق‪.‬‬
‫وقد اختلف أهل التأويـل فـي الـمعنى الذي وصف تعالـى ذكره هؤلء الـمنافقـين أنهم‬
‫سمَ‬
‫يَ سْلُقون ال ـمؤمنـين به‪ ,‬فقال بعض هم‪ :‬ذلك سَلْقُهم إيا هم ع ند الغن ـيـمة‪ ,‬ب ـمسألتهم القَ ْ‬
‫لهم‪ .‬ذكر من قال ذلك‪:‬‬
‫‪21646‬ــ حدث نا بشـر‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا يز يد‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا سعيد‪ ,‬عن قتادة فإذَا ذَهَ بَ ال ـخَ ْوفُ‬
‫ح قوم‪ ,‬وأسوأ مُقا سَمَة‪ :‬أعطُونا أعطُونا‪ ,‬فإنا قد‬
‫سنَةٍ حِدادٍ أما عند الغنـيـمة‪ ,‬فأش ّ‬
‫سَلَقُو ُكمْ بألْ ِ‬
‫شِهدنا معكم‪ .‬وأما عند البأس فأجبن قوم‪ ,‬وأخذله للـحقّ‪.‬‬
‫وقال آخرون‪ :‬بل ذلك سَلْ ُق ُهمْ إياهم بـالذَى‪ .‬ذكر ذلك عن ابن عبـاس‪:‬‬
‫‪ 21647‬ـ حدثنـي علـيّ‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا أبو صالـح‪ ,‬قال‪ :‬ثنـي معاوية‪ ,‬عن علـيّ‪ ,‬عن ابن‬
‫سنَ ٍة حِدادٍ قال‪ :‬استقبلوكم‪.‬‬
‫عبـاس‪ ,‬قوله سَلَقُوكُم بألْ ِ‬
‫سنَةٍ حِدادٍ قال‪:‬‬
‫‪ 21648‬ـ حدثنـي يونس‪ ,‬قال‪ :‬أخبرنا ابن وهب‪ ,‬قال‪ :‬قال ابن زيد سَلَقُو ُكمْ بألْ ِ‬
‫كَلّـموكم‪.‬‬
‫وقال آخرون‪ :‬بل معنى ذلك‪ :‬أنهم يَسْلُقونهم من القول بـما تُـحبون‪ ,‬نفـاقا منهم‪ .‬ذكر من‬
‫قال ذلك‪:‬‬
‫‪ 21649‬ـ حدثنا ابن حميد‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا سلـمة‪ ,‬عن ابن إسحاق‪ ,‬قال‪ :‬ثنـي يزيد بن رُومان‬
‫حدَادٍ ف ـي القول ب ـما ت ـحبون‪ ,‬لن هم ل يرجون آخرة‪,‬‬
‫سنَ ٍة ِ‬
‫ب ال ـخَ ْوفُ سَلَقُو ُك ْم بألْ ِ‬
‫فإذَا ذَهَ َ‬
‫حسْبة‪ ,‬فهم يهابون الـموت هيبة من ل يرجو ما بعده‪.‬‬
‫ول تَـحمُلهم ِ‬
‫شحّةً‬
‫حدَادٍ أ ِ‬
‫سنَ ٍة ِ‬
‫وأشبه هذه القوال بـما دلّ علـيه ظاهر التنزيـل قول من قال سَلَقُو ُكمْ بألْ ِ‬
‫شحَا منهم علـى الغنـيـمة والـخير‪ ,‬فمعلوم‬
‫خيْ ِر فأخبر أن سَلْ َق ُهمْ الـمسلـمين ُ‬
‫عَلـى الـ َ‬
‫إذ كان ذلك كذلك‪ ,‬أن ذلك لطلب الغنــيـمة‪ .‬وإذا كان ذلك منهـم لطلب الغنــيـمة‪ ,‬دخــل‬
‫شكـ أنـه‬
‫ّ‬ ‫سـلَقوكم بــالذى‪ ,‬لن فعلهـم ذلك كذلك‪ ,‬ل‬
‫فــي ذلك قول مـن قال‪ :‬معنـى ذلك‪َ :‬‬
‫للـمؤمنـين أذى‪.‬‬
‫خيْرِ يقول‪ :‬أشحّة علـى الغن ـيـمة‪ ,‬إذا ظ فر ال ـمؤمنون‪ .‬وقوله‪:‬‬
‫شحّةً عَلـى الـ َ‬
‫وقوله‪ :‬أ ِ‬
‫ت لك صفتهم فـي هذه‬
‫حبَطَ اللّ هُ أعماَلهُ مْ يقول تعالـى ذكره‪ :‬هؤلء الذين وصف ُ‬
‫لَـمْ يُؤْمنُوا فأ ُ‬
‫الَيات‪ ,‬لـم يصدّقوا ال ورسوله‪ ,‬ولكنهم أهل كفر ونِفـاق‪ .‬فأحبط ال أعمالهم يقول‪ :‬فأذهب‬
‫صفَ بهذه ال صفة كان َبدْريّا‪ ,‬فأح بط ال عمله‪.‬‬
‫ال أجو َر أعمال هم وأبطلَ ها‪ .‬وذُ كر أن الذي وُ ِ‬
‫ذكر من قال ذلك‪:‬‬
‫حبَ طَ اللّ هُ‬
‫‪ 21650‬ـ حدثنـي يونس‪ ,‬قال‪ :‬أخبرنا ابن وهب‪ ,‬قال‪ :‬قال ابن زيد‪ ,‬فـي قوله َفأَ ْ‬
‫حبَطَ اللّهُ‬
‫ن ذلكَ علـى اللّ ِه يَسِيرا قال‪ :‬فحدثنـي أبـي أنه كان بدريا‪ ,‬وأن قوله‪ :‬أ ْ‬
‫أعماَلهُمْ وكا َ‬
‫أعماَل ُهمْ‪ :‬أحبط ال عمله يوم بدر‪.‬‬
‫وقوله‪ :‬وكا نَ ذل كَ عل ـى اللّ ِه يَ سِيرا يقول تعال ـى ذكره‪ :‬وكان إحب ـاط عمل هم الذي كانوا‬
‫عملوا قبل ارتدادهم ونفـاقهم علـى ال يسيرا‪.‬‬

‫‪20‬‬ ‫الية ‪:‬‬


‫حزَا بُ يَ َودّواْ َلوْ‬
‫حزَا بَ لَ ْم َيذْهَبُو ْا وَإِن َيأْ تِ ال ْ‬
‫سبُونَ ال ْ‬
‫القول ف ـي تأوي ـل قوله تعال ـى‪َ { :‬يحْ َ‬
‫عنْ أَنبَآ ِئكُمْ وََلوْ كَانُو ْا فِي ُكمْ مّا قَاتَلُوَ ْا ِإلّ قَلِيلً }‪.‬‬
‫سأَلُونَ َ‬
‫عرَابِ َي ْ‬
‫ن فِي ال ْ‬
‫َأ ّن ُهمْ بَادُو َ‬
‫يقول تعالـى ذكره‪ :‬يحسب هؤلء الـمنافقون الحزاب‪ ,‬وهم قريش وغطفـان‪ .‬كما‪:‬‬
‫‪ 21651‬ـ حدثنا ابن حميد‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا سلـمة‪ ,‬عن ابن إسحاق‪ ,‬قال‪ :‬ثنـي يزيد بن رومان‬
‫حزَابُ لَـمْ َيذْ َهبُوا قريش وغطفـان‪.‬‬
‫حسَبُونَ ال ْ‬
‫َي ْ‬
‫وقوله‪ :‬لَـمْ َيذْ َهبُوا يقول‪ :‬لـم ينصرفوا‪ ,‬وإن كانوا قد انصرفوا جبنا وهَلعا منهم‪ .‬وبنـحو‬
‫الذي قلنا فـي ذلك قال أهل التأويـل‪ .‬ذكر من قال ذلك‪:‬‬
‫‪ 21652‬ـ حدثنـي م ـحمد بن عمرو‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا أ بو عا صم‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا عي سى وحدثنـي‬
‫الــحارث‪ ,‬قال‪ :‬حدثنـا الــحسن‪ ,‬قال‪ :‬حدثنـا ورقاء جميعـا‪ ,‬عـن ابـن أبــي نــجيح‪ ,‬عـن‬
‫حزَابَ لَـمْ َيذْ َهبُوا قال‪ :‬يحسبونهم قريبـا‪.‬‬
‫سبُونَ ال ْ‬
‫مـجاهد‪ ,‬قوله‪َ :‬يحْ َ‬
‫جدُوهُ مْ لَ ـمْ َيذْ َهبُوا‬
‫حزَا بَ َقدْ ذَ َهبُوا‪ ,‬فإذَا َو َ‬
‫وذُ كر أن ذلك ف ـي قراءة ع بد ال‪َ « :‬يحْ سَبُونَ ال ْ‬
‫عرَابِ»‪.‬‬
‫ن فِـي ال ْ‬
‫َودّوا َلوْ أ ّن ُه ْم بـادُو َ‬
‫ب يَ َودّوا لَ ْو أنهُ مْ ب ـادُونَ فِ ـي العْرا بِ يقول تعال ـى ذكره‪ :‬وإن‬
‫ت الحْزَا ُ‬
‫وقوله‪ :‬وَإ نْ َيأْ ِ‬
‫يأت الـمؤمنـين الحزاب وهم الـجماعة‪ :‬واحدهم حزب يَ َودّوا يقول‪ :‬يتـمنوا من الـخوف‬
‫وال ـجبن أن هم غ يب عن كم ف ـي الب ـادية مع العراب خوف ـا من الق تل‪ .‬وذلك أن قوله‪َ :‬لوْ‬
‫عرَا بِ تقول‪ :‬قد بدا فلن إذا صار فـي البدو فهو يبدو‪ ,‬وهو بـاد وأما‬
‫أ ّنهُ مْ بـادُونَ فِـي ال ْ‬
‫العراب‪ :‬فإنهـم جمـع أعرابــيّ‪ ,‬وواحـد العرب عربــيّ‪ ,‬وإنــما قــيـل أعرابــيّ لهـل‬
‫البدو‪ ,‬فرقـا بــين أهـل البوادي والمصـار‪ ,‬فجعـل العراب لهـل البــادية‪ ,‬والعرب لهـل‬
‫الـمصر‪.‬‬
‫ن أنْبـا ِئ ُكمْ يقول‪ :‬يستـخبر هؤلء الـمنافقون أيها الـمؤمنون الناس عن‬
‫وقوله‪ :‬يَسأَلُونَ عَ ْ‬
‫أنبـائكم‪ ,‬يعنـي عن أخبـاركم بـالبـادية‪ ,‬هل هلك مـحمد وأصحابه؟ نقول‪ :‬يتـمنون أن‬
‫يسمعوا أخبـاركم بهلككم‪ ,‬أن ل يشهدوا معكم مشاهدكم‪ .‬وَلَ ْو كانُوا فِـيكُمْ ما قاتَلُوا إلّ قَلِـيلً‬
‫يقول تعالـى ذكره للـمؤمنـين‪ :‬ولو كانوا أيضا فـيكم ما نفعوكم‪ ,‬وما قاتلوا الـمشركين إلّ‬
‫ل تعذيرا‪ ,‬لن هم ل يقاتلون هم ح سبة ول رجاء ثواب‪ .‬وبن ـحو الذي قل نا ف ـي‬
‫قل ـيلً‪ .‬يقول‪ :‬إ ّ‬
‫ذلك قال أهل التأويـل‪ .‬ذكر من قال ذلك‪:‬‬
‫‪ 21653‬ـ حدثنـي م ـحمد بن عمرو‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا أ بو عا صم‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا عي سى وحدثنـي‬
‫الــحارث‪ ,‬قال‪ :‬حدثنـا الــحسن‪ ,‬قال‪ :‬حدثنـا ورقاء جميعـا‪ ,‬عـن ابـن أبــي نــجيح‪ ,‬عـن‬
‫َنـ أنْبــا ِئ ُكمْ قال‪ :‬أخبــاركم‪ .‬وقرأت قرّاء المصـار جميعـا سـوى‬
‫مــجاهد‪ ,‬قوله يَسـألَونَ ع ْ‬
‫عا صم ال ـجحدري‪ :‬يَ سأَلُونَ عَ نْ أنْب ـا ِئ ُكمْ ب ـمعنى‪ :‬ي سألون من قدم عل ـيهم من الناس عن‬
‫أنب ـاء ع سكركم وأخب ـاركم‪ ,‬وذ كر عن عا صم ال ـجحدري أ نه كان يقرأ ذلك‪« :‬يَ سّاءَلونَ»‬
‫بتشديد السين‪ ,‬بـمعنى‪ :‬يتساءلون‪ :‬أي يسأل بعضهم بعضا عن ذلك‪.‬‬
‫والصواب من القول فـي ذلك عندنا ما علـيه قرّاء المصار‪ ,‬لجماع الـحجة من القرّاء‬
‫علـيه‪.‬‬

‫‪22- 21‬‬ ‫الية ‪:‬‬


‫سنَ ٌة ّلمَن كَانَ َي ْرجُو الّلهَ‬
‫ل اللّهِ أُسْوَ ٌة حَ َ‬
‫ن َلكُمْ فِي رَسُو ِ‬
‫القول فـي تأويـل قوله تعالـى‪{ :‬لّ َق ْد كَا َ‬
‫عدَنَا اللّهُـ‬
‫حزَابَـ قَالُواْ هَــذَا مَا وَ َ‬
‫خرَ َو َذكَرَ اللّهَـ َكثِيرا * وَلَمّا رَأَى ا ْل ُم ْؤ ِمنُونَـ ال ْ‬
‫لِ‬‫وَا ْل َيوْمَـ ا َ‬
‫َو َرسُولُ ُه َوصَ َدقَ اللّ ُه َورَسُوُلهُ َومَا زَادَ ُهمْ ِإلّ إِيمَانا َو َتسْلِيما }‪.‬‬
‫اختلفت القرّاء فـي قراءة قوله‪ :‬أُسْوَ ٌة فقرأ ذلك عامة قرّاء المصار‪« :‬إسْ َوةٌ» بكسر اللف‪,‬‬
‫خل عاصـم بـن أبــي النــجود‪ ,‬فإنـه قرأه بــالضمّ‪ :‬أُس ْـ َوةٌ‪ .‬وكان يحيـى بـن وثاب يقرأ هذه‬
‫سوَ ٌة ب ـالضمّ‪ ,‬وه ما لغتان‪ .‬وذُ كر أن الك سر ف ـي‬
‫ن َلكُ مْ فِ ـي ِهمْ أُ ْ‬
‫ب ـالكسر‪ ,‬ويقرأ قوله لَ َق ْد كا َ‬
‫ـن ال‬
‫ـوة‪ ,‬وأُخوة‪ .‬وهذا عتاب مـ‬
‫ـيس‪ .‬يقولون‪ :‬أُسـ‬
‫ـي قــ‬
‫ـ فــ‬
‫ـحجاز‪ ,‬والضم ّ‬
‫ـل الــ‬
‫أهـ‬
‫للـمتـخـلفـين عن رسول ال صلى ال عليه وسلم وعسكره بـالـمدينة‪ ,‬من الـمؤمنـين‬
‫ل ثناؤه‪ :‬لقد كان لكم فـي رسول ال أسوة حسنة‪ ,‬أن تتأسوا به‪ ,‬وتكونوا معه‬
‫به‪ .‬يقول لهم ج ّ‬
‫ن َيرْجُو الّلهَ يقول‪ :‬فإن من يرجو ثواب ال ورحمته‬
‫حيث كان‪ ,‬ول تتـخـلّفوا عنه‪ .‬لِـمَنْ كا َ‬
‫ف ـي الَخرة ل ير غب بنف سه‪ ,‬ولك نه تكون له به أُ سوة ف ـي أن يكون م عه ح يث يكون هو‪.‬‬
‫وبنـحو الذي قلنا فـي ذلك قال أهل التأويـل‪ .‬ذكر من قال ذلك‪:‬‬
‫‪ 21654‬ـ حدثنا ابن حميد‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا سلـمة‪ ,‬عن ابن إسحاق‪ ,‬قال‪ :‬ثنـي يزيد بن رومان‪,‬‬
‫سنَةٌ لـمَنْ كا نَ‬
‫ل الّل ِه أُ سْ َوةٌ حَ َ‬
‫ن َلكُ مْ فِـي رَ سُو ِ‬
‫قال‪ :‬ثم أقبل علـى الـمؤمنـين‪ ,‬فقال لَ َقدْ كا َ‬
‫خرَ أن ل يرغبوا بأنف سهم عن نف سه‪ ,‬ول عن مكان هو به‪َ .‬و َذ َكرَ الّل هَ‬
‫لِ‬‫َيرْجُو الّل هَ وَال ـيَومَ ا َ‬
‫َكثِـيرا يقول‪ :‬وأكثر ذكر ال فـي الـخوف والشدّة والرخاء‪.‬‬
‫حزَا بَ يقول‪ :‬ول ـمّا عا ين ال ـمؤمنون ب ـال ور سوله‬
‫وقوله‪ :‬ولَ ـمّا رأى ال ـمُ ْؤ ِمنُونَ ال ْ‬
‫جماعات الكف ـار قالوا ت سلـيـما من هم ل مر ال‪ ,‬وإيقا نا من هم بأن ذلك إن ـجاز وعده ل هم‪,‬‬
‫ن قَبِْلكُمْ‪...‬‬
‫ل اّلذِينَ خَـلَوْا مِ ْ‬
‫جنّةَ ولَـمّا َي ْأتِكُمْ َمثَ ُ‬
‫ن َت ْدخُـلُوا الـ َ‬
‫الذي وعدهم بقوله أ ْم حَسِ ْبتُـمْ أ ْ‬
‫إلـى قوله َقرِيبٌ هذا ما وعدنا ال ورسوله‪ ,‬وصدق ال ورسوله‪ ,‬فأحسن ال علـيهم بذلك من‬
‫ل إي ـمانا‬
‫يق ـينهم‪ ,‬وت سلـيـمهم لمره الثناء‪ ,‬فقال‪ :‬و ما زاد هم اجت ـماع الحزاب عل ـيهم إ ّ‬
‫ب ـال وت سلـيـما لقضائه وأمره‪ ,‬ورزق هم به الن صر والظ فر عل ـى العداء‪ .‬وب ـالذي قل نا‬
‫فـي ذلك قال أهل التأويـل‪ .‬ذكر من قال ذلك‪:‬‬
‫‪ 21655‬ـ حدثنـي مـحمد بن سعد‪ ,‬قال‪ :‬ثنـي أبـي‪ ,‬قال‪ :‬ثنـي عمي‪ ,‬قال‪ :‬ثنـي أبـي‪,‬‬
‫حزَابَ‪ ...‬الَية قال‪ :‬ذلك أن ال‬
‫لْ‬‫عن أبـيه‪ ,‬عن ابن عبـاس‪ ,‬قوله‪ :‬ولَـمّا رأى الـمُ ْؤ ِمنُونَ ا َ‬
‫صرَ اللّ هِ َقرِي بٌ‬
‫ن نَ ْ‬
‫جنّةَ‪ ...‬إلـى قوله إ ّ‬
‫قال لهم فـي سورة البقرة أ مْ حَ سِ ْبتُـمْ أ نْ َت ْدخُـلُوا الـ َ‬
‫قال‪ :‬فل ـما م سهم البلء ح يث رابطوا الحزاب ف ـي ال ـخندق‪ ,‬تأوّل ال ـمؤمنون ذلك‪ ,‬ولـم‬
‫ل إيـمانا وتسلـيـما‪.‬‬
‫يزدهم ذلك إ ّ‬
‫‪ 21656‬ـ حدثنا ابن حميد‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا سلـمة‪ ,‬عن ابن إسحاق‪ ,‬قال‪ :‬ثنـي يزيد بن رومان‪,‬‬
‫قال‪ :‬ثم ذ كر ال ـمؤمنـين و صدقهم وت صديقهم ب ـما وعد هم ال من البلء يخ تبرهم به قالُوا‬
‫عدَنا الّل هُ َورَسُولُهُ وَصَ َدقَ الّل هُ َورَ سُوُلهُ وَما زَادَهُمْ إلّ إيـمانا َوتَ سْلِـيـما‪ :‬أي صبرا‬
‫َهذَا ما َو َ‬
‫علـى البلء‪ ,‬وتسلـيـما للقضاء‪ ,‬وتصديقا بتـحقـيق ما كان ال وعدهم ورسوله‪.‬‬
‫‪21657‬ــ حدثنـا بشـر‪ ,‬قال‪ :‬حدثنـا يزيـد‪ ,‬قال‪ :‬حدثنـا سـعيد‪ ,‬عـن قتادة‪ ,‬قوله‪ :‬ولَــمّا رأى‬
‫عدَنا اللّهُ َورَسُوُلهُ وَصَ َدقَ الّلهُ َورَسُوُل ُه وكان ال قد وعدهم‬
‫حزَابَ قالُوا َهذَا ما َو َ‬
‫ن ال ْ‬
‫الـمُ ْؤ ِمنُو َ‬
‫جنّةَ ولَـمّا َي ْأتِكُ مْ َمثَلُ اّلذِي نَ خَـلَوْا مِ نْ‬
‫فـي سورة البقرة فقال‪ :‬أ مْ حَ سِ ْبتُـمْ أ نْ َت ْدخُـلُوا الـ َ‬
‫َهـ خيرهـم‬
‫ِينـ آ َمنُوا َمع ُ‬
‫ل الرّسـُولُ وَاّلذ َ‬
‫ضرّاءُ َوزُ ْلزِلُوا حتــى يَقُو َ‬
‫َسـْتهُ ْم البأْسـا ُء وال ّ‬
‫ُمـ م ّ‬
‫َقبْلِك ْ‬
‫صرَ اللّ هِ َقرِي بٌ هذا وال البلء والنقص‬
‫ن نَ ْ‬
‫صرُ الّل ِه أل إ ّ‬
‫وأصبرهم وأعلـمهم بـال مَتـى نَ ْ‬
‫الشديد‪ ,‬وإن أصحاب رسول ال صلى ال عليه وسلم لـما رأوا ما أصابهم من الشدّة والبلء‬
‫عدَ نا اللّ هُ َورَ سُولُ ُه وَ صَ َدقَ اللّ ُه َورَ سُوُلهُ وَ ما زَادَهُ مْ إلّ إي ـمَانا َوتَ سْلِـيـما‬
‫قالُوا َهذَا ما َو َ‬
‫وتصديقا بـما وعدهم ال‪ ,‬وتسلـيـما لقضاء ال‪.‬‬

‫‪24- 23‬‬ ‫الية ‪:‬‬


‫صدَقُو ْا مَا عَا َهدُواْ الّل هَ عََليْ ِه َفمِ ْنهُ مْ مّن‬
‫القول فـي تأويـل قوله تعالـى‪{ :‬مّ نَ ا ْل ُم ْؤ ِمنِي نَ ِرجَالٌ َ‬
‫ّبـ‬
‫ِصـْد ِقهِمْ َو ُي َعذ َ‬
‫نب ِ‬‫ّهـ الصـّادِقِي َ‬
‫ِيـ الل ُ‬
‫ظرُ وَمَا َبدّلُواْ َت ْبدِيلً * ّل َيجْز َ‬
‫ُمـ مّن يَنتَ ِ‬
‫َهـ َو ِم ْنه ْ‬
‫حب ُ‬‫ضىَ َن ْ‬
‫قَ َ‬
‫ن إِن شَآءَ َأوْ َيتُوبَ عََل ْيهِمْ ِإنّ الّل َه كَانَ غَفُورا رّحِيما }‪.‬‬
‫ا ْل ُمنَافِقِي َ‬
‫ص َدقُوا ما عا َهدُوا الّل هَ عَلَ ـيْه‬
‫يقول تعال ـى ذكره ِم نَ ال ـمُ ْؤ ِمنِـينَ ب ـال ور سوله رِجالٌ َ‬
‫يقول‪ :‬أوفوا بـما عاهدوه علـيه من الصبر علـى البأساء والضرّاء‪ ,‬وحين البأس َفمِ ْنهُ مْ َم نْ‬
‫حبَهُ يقول‪ :‬فمن هم من فرغ من الع مل الذي كان نذره ال وأوج به له عل ـى نف سه‪,‬‬
‫قَضَى نَ ـ ْ‬
‫فـاستشهد بعض يوم بدر‪ ,‬وبعض يوم أُحد‪ ,‬وبعض فـي غير ذلك من الـمواطن َو ِم ْنهُ مْ َم نْ‬
‫ظرُ قضاءه والفراغ منه‪ ,‬كما قضى من مضى منهم علـى الوفـاء ل بعهده‪ ,‬والنصر من‬
‫َي ْنتَ ِ‬
‫ال‪ ,‬والظفر علـى عدوّه‪ .‬والنّـحب‪ :‬النذر فـي كلم العرب‪ .‬وللنـحب أيضا فـي كلمهم‬
‫وجوه غير ذلك‪ ,‬منها الـموت‪ ,‬كما قال الشاعر‪:‬‬
‫حبَ ُه فِـي مُ ْلتَقَـى ال َق ْومِ هَ ْو َبرُ )‬
‫( َقضَى نَـ ْ‬
‫يعنـي‪ :‬منـيته ونفسه ومنها الـخطر العظيـم‪ ,‬كما قال جرير‪:‬‬
‫جرَيْنَ عَلـى نَـحْبِ‬
‫شيّةَ ِبسْطامٍ َ‬
‫عِ‬‫خيْـُلنَا َ‬
‫طخْفَ َة جاَلدْنا الـمُلُوكَ َو َ‬
‫ِب َ‬
‫أي علـى خطر عظيـم ومنها النـحيب‪ ,‬يقال‪ :‬نـحب فـي سيره يومه أجمع‪ :‬إذا مدّ فلـم‬
‫ينزل يومه ولـيـلته ومنها التنـحيب‪ ,‬وهو الـخطار‪ ,‬كما قال الشاعر‪:‬‬
‫جدِ الـ ُم َتكَوّم؟‬
‫ق بِتاجِ الـمَا ِ‬
‫ب علـى النّاس أ ّي ُهمْأحَ ّ‬
‫حبَتْ كَلْ ٌ‬
‫وإذْ نَـ ّ‬
‫وبنـحو الذي قلنا فـي ذلك قال أهل التأويـل‪ .‬ذكر من قال ذلك‪:‬‬
‫‪ 21658‬ـ حدثنا ابن حميد‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا سلـمة‪ ,‬عن ابن إسحاق‪ ,‬قال‪ :‬ثنـي يزيد بن رومان‬
‫ل صَ َدقُوا ما عا َهدُوا اللّهَ عَلَـيْهِ‪ :‬أي وفوا ال بـما عاهدوه علـيه فمنهم‬
‫ن رجا ٌ‬
‫ن الـمُ ْؤمِنـي َ‬
‫مِ َ‬
‫من قَضَى نَـحْبَ ُه أي فرغ من عمله‪ ,‬ورجع إلـى ربه‪ ,‬كمن استشهد يوم بدر ويوم أُحد وم ْنهُمْ‬
‫ظرُ ما وعد ال من نصره والشهادة علـى ما مضى علـيه أصحابه‪.‬‬
‫ن َي ْنتَ ِ‬
‫مَ ْ‬
‫‪ 21659‬ـ حدثنـي م ـحمد بن عمرو‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا أ بو عا صم‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا عي سى وحدثنـي‬
‫الــحارث‪ ,‬قال‪ :‬حدثنـا الــحسن‪ ,‬قال‪ :‬حدثنـا ورقاء جميعـا‪ ,‬عـن ابـن أبــي نــجيح‪ ,‬عـن‬
‫ظرُ يوما فـيه جهاد‪,‬‬
‫حبَ ُه قال‪ :‬عهده فقتل أو عاش َو ِم ْنهُ مْ مَ نْ َي ْن َت ِ‬
‫مـجاهد َف ِم ْنهُ مْ َم نْ َقضَى نَـ ْ‬
‫فـيقضي نـحبه عهده‪ ,‬فـيقتل أو يصدق فـي لقائه‪.‬‬
‫حدث نا ا بن وك يع‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا ا بن عي ـينة‪ ,‬عن ا بن جر يج‪ ,‬عن م ـجاهد َف ِم ْنهُ مْ مَ نْ قَضَى‬
‫ظرُ قال‪ :‬يوما فـيه قتال‪ ,‬فـيصدق فـي اللقاء‪.‬‬
‫نَـحْبَ ُه قال‪ :‬عهده َو ِم ْن ُهمْ مَنْ َي ْن َت ِ‬
‫حبَ ُه قال‪ :‬مات علـى العهد‪.‬‬
‫قال‪ :‬ثنا أبـي‪ ,‬عن سفـيان‪ ,‬عن مـجاهد َف ِم ْنهُمْ َمنْ َقضَى نَـ ْ‬
‫‪21660‬ـ قال‪ :‬ثنا أبو أُسامة‪ ,‬عن عبد ال بن فلن قد سماه ذهب عنى اسمه عن أبـيه َف ِم ْنهُمْ‬
‫ن قَضَى نَـحْبَ ُه قال‪ :‬نذره‪.‬‬
‫مَ ْ‬
‫‪21661‬ـ حدثنا ابن إدريس‪ ,‬عن طلـحة بن يحيى‪ ,‬عن عمه عيسى بن طلـحة‪ :‬أن أعرابـيا‬
‫أتـى النبـيّ صلى ال عليه وسلم‪ ,‬فسأله‪ :‬من الذين قضوا نـحبهم؟ فأعرض عنه‪ ,‬ثم سأله‪,‬‬
‫فأعرض ع نه‪ ,‬ودخ ـل طل ـحة من ب ـاب ال ـمسجد وعل ـيه ثوب ـان أخضران‪ ,‬فقال‪َ « :‬هذَا‬
‫ح َبهُمْ»‪.‬‬
‫ن اّلذِينَ َقضَوْا نَـ ْ‬
‫مِ َ‬
‫‪ 21662‬ـ حدثنا ابن بشار‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا هوّذة‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا عوف‪ ,‬عن الـحسن‪ ,‬قوله فَ ِم ْنهُ مْ َم نْ‬
‫ظرُ الـموت علـى مثل ذلك‪,‬‬
‫ن َي ْنتَ ِ‬
‫حبَهُ قال‪ :‬موته علـى الصدق والوفـاء‪َ .‬و ِم ْنهُمْ َم ْ‬
‫قَضَى نَـ ْ‬
‫ومنهم من بدّل تبديلً‪.‬‬
‫حدثنـي مـحمد بن عمارة‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا عبـيد ال بن موسى‪ ,‬قال‪ :‬أخبرنا إسرائيـل‪ ,‬عن‬
‫ن َي ْن َتظِرُ قال‪ :‬الن ـحب‪:‬‬
‫سعيد بن م سروق‪ ,‬عن م ـجاهد َف ِم ْنهُ مْ مَ نْ قَضَى نَ ـحْبَهُ‪َ ,‬و ِم ْنهُ مْ مَ ْ‬
‫العهد‪.‬‬
‫‪ 21663‬ـ حدثنا بشر‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا يز يد‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا سعيد‪ ,‬عن قَتادة ِم نَ الـمُ ْؤ ِمنِـينَ رِجالٌ‬
‫حبَهُ عل ـى ال صدق والوف ـاء َو ِم ْنهُ مْ َم نْ‬
‫ن قَضَى نَ ـ ْ‬
‫صَ َدقُوا ما عاهَدوا اللّ هَ عَلَ ـيْ ِه َف ِمنْهُ مْ مَ ْ‬
‫ظرُ من نفسه الصدق والوفـاء‪.‬‬
‫َي ْنتَ ِ‬
‫‪ 21664‬ـ حدثن ـي يو نس‪ ,‬قال‪ :‬أخبر نا ا بن و هب‪ ,‬قال‪ :‬قال ا بن ز يد‪ ,‬ف ـي قوله َفمِ ْنهُ مْ َم نْ‬
‫حبَهُ قال‪ :‬مات علـى ما هو علـيه من التصديق واليـمان َو ِم ْنهُمْ َمنْ َي ْن َتظِرُ ذلك‪.‬‬
‫قَضَى نَـ ْ‬
‫‪ 21665‬ـ حدثنا ابن بشار‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا ابن أبـي بكير‪ ,‬قال شريك بن عبد ال‪ ,‬أخبرناه عن‬
‫حبَ ُه قال‪ :‬الـموت علـى‬
‫ن َقضَى نَـ ْ‬
‫جبَـير‪ ,‬عن ابن عبـاس َف ِمنْهُ مْ مَ ْ‬
‫سالـم‪ ,‬عن سعيد بن ُ‬
‫ن َي ْن َتظِرُ الـموت علـى ما عاهد ال علـيه‪.‬‬
‫ما عاهد ال علـيه َو ِم ْن ُهمْ مَ ْ‬
‫ـم يشهدوا بدرا‪ ,‬فعاهدوا ال أن يفوا قتالً‬
‫ـي قوم لــ‬
‫ـة نزلت فــ‬
‫ـيـل‪ :‬إن هذه الَيـ‬
‫وقــ‬
‫للـمشركين مع رسول ال صلى ال عليه وسلم‪ ,‬فمنهم من أوفـى فقضى نـحبه‪ ,‬ومنهم من‬
‫بدّل‪ ,‬ومن هم مـن أوفــى ولــم ي قض نــحبه‪ ,‬وكان منتظرا‪ ,‬عل ـى مـا وصـفهم ال به من‬
‫صفـاتهم فـي هذه الَية‪ .‬ذكر من قال ذلك‪:‬‬
‫‪ 21666‬ـ حدث نا عمرو بن عل ـيّ‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا ع بد الرح من بن مهدي‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا حماد بن‬
‫سلـمة‪ ,‬عن ثا بت‪ ,‬عن أنس‪ ,‬أن أ نس بن الن ضر تغيب عن قتال بدر‪ ,‬فقال‪ :‬تغي بت عن أوّل‬
‫مشهد شهده رسول ال صلى ال عليه وسلم‪ ,‬لئن رأيت قتالً لـيرينّ ال ما أصنع فلـما كان‬
‫يوم أُحُد‪ ,‬وهُزم الناس‪ ,‬لق ـي سعد بن معاذ فقال‪ :‬وال إن ـي لجدُ ر يح ال ـجنة‪ ,‬فتقدّم فقا تل‬
‫صدَقُوا ما عا َهدُوا الّل هَ عَلَ ـيْهِ‬
‫ن رِجالُ َ‬
‫ن ال ـمُ ْؤ ِمنِـي َ‬
‫حت ـى قُ تل‪ ,‬فنزلت ف ـيه هذه الَ ية‪ :‬مِ َ‬
‫ظرُ‪.‬‬
‫حبَهُ‪َ ,‬و ِم ْنهُ ْم مَنْ َي ْن َت ِ‬
‫ن قَضَى نَـ ْ‬
‫َفمِ ْن ُهمْ مَ ْ‬
‫حدث نا ا بن بشار‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا ع بد ال بن بك ير‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا حم يد‪ ,‬قال‪ :‬ز عم أ نس بن مالك‬
‫قال‪ :‬غاب أنس بن النضر‪ ,‬عن قتال يوم بدر‪ ,‬فقال‪ :‬غبت عن قتال رسول ال صلى ال عليه‬
‫وسلم الـمشركين‪ ,‬لئن أشهدنـي ال قتالً‪ ,‬لـيرينّ ال ما أصنع فلـما كان يوم ُأحُد‪ ,‬انكشف‬
‫الـمسلـمون‪ ,‬فقال‪ :‬اللهم إنـي أبرأ إلـيك مـما جاء به هؤلء الـمشركون‪ ,‬وأعتذر إلـيك‬
‫مـما صنع هؤلء‪ ,‬يعنـي الـمسلـمين‪ ,‬فمشى بسيفه‪ ,‬فلقـيه سعد بن معاذ‪ ,‬فقال‪ :‬أي سعد‬
‫إنـي لجد ريح الـجنة دون ُأحُد‪ .‬فقال سعد‪ :‬يا رسول ال فما استطعت أن أصنع ما صنع‪.‬‬
‫قال أ نس بن مالك‪ :‬فوجدناه ب ـين القتل ـى‪ ,‬به ب ضع ثمانون جرا حة‪ ,‬ب ـين ضر بة ب سيف‪,‬‬
‫وطعنة برمـح‪ ,‬ورمية بسهم‪ ,‬فما عرفناه حتـى عرفته أخته ببنانه‪ .‬قال أنس‪ :‬فكنا نتـحدّث‬
‫ن قَضَى نَـحْبَهُ‬
‫صدَقُوا ما عا َهدُوا الّل هَ عَلَـيْهِ‪َ ,‬ف ِم ْنهُ مْ مَ ْ‬
‫أن هذه الَية ِم نَ الـمُ ْؤ ِمنِـينَ رِجالٌ َ‬
‫نزلت فـيه‪ ,‬وفـي أصحابه‪.‬‬
‫حدث نا سوار بن ع بد ال‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا ال ـمعتـمر‪ ,‬قال‪ :‬سمعت حميدا يحدّث‪ ,‬عن أ نس بن‬
‫مالك‪ ,‬أن أنس بن النضر‪ ,‬غاب عن قتال بدر‪ ,‬ثم ذكر نـحوه‪.‬‬
‫‪ 21667‬ـ حدث نا أ بو ُكرَ يب‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا يو نس بن بك ير‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا طل ـحة بن يح يى‪ ,‬عن‬
‫موسى وعيسى بن طلـحة عن طلـحة أن أعرابـيا أتـى رسول ال صلى ال عليه وسلم‪,‬‬
‫حبَ ُه من هو؟‬
‫قال‪ :‬وكانوا ل يجرءون عل ـى م سألته‪ ,‬فقالوا للعراب ـي‪ :‬سله مَ نْ قَضَى نَ ـ ْ‬
‫فسأله‪ ,‬فأعرض عنه‪ ,‬ثم سأله‪ ,‬فأعرض عنه‪ ,‬ثم دخـلت من بـاب الـمسجد وعلـيّ ثـياب‬
‫ّنـ قَضَى‬
‫عم ْ‬‫ْنـ السـّائِلـيُ َ‬
‫خُضـر فلــما رآنــي رسـول ال صـلى ال عليـه وسـلم قال‪« :‬أي َ‬
‫حبَهُ»‪.‬‬
‫ن قَضَى نَـ ْ‬
‫نَـحْبَهُ؟» قال العرابـيّ‪ :‬أنا يا رسول ال‪ ,‬قال‪َ « :‬هذَا مِـمّ ْ‬
‫حمّانـي‪ ,‬عن إ سحاق بن يح يى‬
‫‪ 21668‬ـ حدث نا أ بو ُكرَ يب‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا ع بد ال ـحميد ال ـ ِ‬
‫الطّلْ ـحِي‪ ,‬عن مو سى بن طل ـحة‪ ,‬قال‪ :‬قام معاو ية بن أب ـي سفـيان‪ ,‬فقال‪ :‬إن ـي سمعت‬
‫حبَهُ»‪.‬‬
‫ن قَضَى نَـ ْ‬
‫رسول ال صلى ال عليه وسلم يقول‪« :‬طَلْـحَةُ مـمّ ْ‬
‫حدثن ـي م ـحمد بن عمرو بن ت ـمام الكلب ـي‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا سلـيـمان بن أيوب‪ ,‬قال‪:‬‬
‫ثن ـي أب ـي‪ ,‬عن إ سحاق‪ ,‬عن يح يى بن طل ـحة‪ ,‬عن ع مه مو سى بن طل ـحة‪ ,‬عن أب ـيه‬
‫طل ـحة‪ ,‬قال‪ :‬ل ـما قدم نا من أُحُد و صرنا ب ـالـمدينة‪ ,‬صعد النب ـيّ صلى ال عل يه و سلم‬
‫ص َدقُوا ما‬
‫الـمنبر‪ ,‬فخطب الناس وعزّاهم‪ ,‬وأخبرهم بـما لهم فـيه من الجر‪ ,‬ثم قرأ‪ :‬رِجالٌ َ‬
‫عا َهدُوا اللّ هَ عَلَ ـيْهِ‪ ...‬الَ ية‪ ,‬قال‪ :‬فقام إل ـيه ر جل فقال‪ :‬يا ر سول ال‪ ,‬من هؤلء؟ ف ـالتفت‬
‫ي ثوبـات أخضران‪ ,‬فقال‪« :‬أيّها السّائِلُ َهذَا ِم ْن ُهمْ»‪.‬‬
‫وعلـ ّ‬
‫وقوله‪ :‬وَما َبدّلُوا َت ْبدِيلً‪ :‬وما غيروا العهد الذي عاقدوا ربهم تغيـيرا‪ ,‬كما غيره الـمعوّقون‬
‫القائلون لخوانهم‪ :‬هلّ إلـينا‪ ,‬والقائلون‪ :‬إن بـيوتنا عورة‪ .‬وبنـحو الذي قل نا فـي ذلك قال‬
‫أهل التأويـل‪ .‬ذكر من قال ذلك‪:‬‬
‫‪ 21669‬ـ حدثنا بشر‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا يزيد‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا سعيد‪ ,‬عن قتادة وَما َبدّلُوا َتبْديلً يقول‪ :‬ما‬
‫شكّوا وما تردّدوا فـي دينهم‪ ,‬ول استبدلوا به غيره‪.‬‬
‫‪ 21670‬ـ حدثن ـي يو نس‪ ,‬قال‪ :‬أخبر نا ا بن و هب‪ ,‬قال‪ :‬قال ا بن ز يد‪ ,‬ف ـي قوله وَ ما َبدّلُوا‬
‫َتبْديلً‪ :‬لـم يغيروا دينهم كما غير الـمنافقون‪.‬‬
‫ن رِجالٌ‬
‫ِنـ الــمُ ْؤ ِمنِـي َ‬
‫بصـدْ ِق ِهمْ يقول تعالــى ذكره م َ‬
‫ِ‬ ‫ّهـ الصـّادِقِـينَ‬
‫وقوله‪ :‬لِــَيجْ ِزيَ الل ُ‬
‫صدْ ِق ِهمْ‪ :‬يقول‪ :‬ل ـيثـيب ال أ هل‬
‫صَ َدقُوا مَا عَا َهدُوا اللّ هَ عَلَ ـيْ ِه لِ ـ َيجْ ِزيَ الّل هُ ال صّادِقِـينَ بِ ِ‬
‫إنـ شاءَ‬
‫ّبـ الــمُنافِقِـينَ ْ‬
‫الصـدق بصـدقهم ال بــما عاهدوه علــيه‪ ,‬ووفــائهم له بـه َو ُي َعذ َ‬
‫بكفرهم بـال ونفـاقهم أ ْو َيتُوبَ عَلَـي ِهمْ من نفـاقهم‪ ,‬فـيهديهم لليـمان‪ .‬وبنـحو الذي قلنا‬
‫فـي ذلك قال أهل التأويـل‪ .‬ذكر من قال ذلك‪:‬‬
‫ب الـمُنافِقِـينَ إ نْ‬
‫‪ 21671‬ـ حدثنا بشر‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا يزيد‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا سعيد‪ ,‬عن قَتادة َو ُي َعذّ َ‬
‫شاءَ‪ ,‬أوْ َيتُوبَ عَلَـ ْي ِهمْ يقول‪ :‬إن شاء أخرجهم من النفـاق إلـى اليـمان‪.‬‬
‫ن شاءَ والـمنافق كافر‬
‫إن قال قائل‪ :‬ما وجه الشرط فـي قوله َو ُي َعذّبَ الـمُنافِقِـينَ بقوله‪ :‬إ ْ‬
‫وهـل يجوز أن ل يشاء تعذيـب الــمنافق‪ ,‬فــيقال ويعذّبـه إن شاء؟ قــيـل‪ :‬إن معنـى ذلك‬
‫علـى غير الوجه الذي توهمته‪ .‬وإنـما معنى ذلك‪ :‬ويعذّب الـمنافقـين بأن ل يوفقهم للتوبة‬
‫من نف ـاقهم حت ـى ي ـموتوا عل ـى كفر هم إن شاء‪ ,‬ف ـيستوجبوا بذلك العذاب‪ ,‬ف ـالستثناء‬
‫إنـما هو من التوفـيق ل من العذاب إن ماتوا علـى نفـاقهم‪.‬‬
‫وقد بـين ما قلنا فـي ذلك قوله‪ :‬أ ْو َيتُو بَ عَلَـ ْيهِ ْم فمعنى الكلم إذن‪ :‬ويعذّب الـمنافقـين‬
‫إذ لـم يهدهم للتوبة‪ ,‬فـيوفقهم لها‪ ,‬أو يتوب علـيهم فل يعذّبهم‪.‬‬
‫غفُورا َرحِيــما يقول‪ :‬إن ال كان ذا سـتر علــى ذنوب التائبــين‪,‬‬
‫كانـ َ‬
‫ّهـ َ‬‫إنـ الل َ‬
‫وقوله‪ّ :‬‬
‫رحيـما بـالتائبـين أن يعاقبهم بعد التوبة‪.‬‬

‫‪25‬‬ ‫الية ‪:‬‬


‫خيْرا َوكَفَى الّل هُ‬
‫ظهِ مْ لَ مْ َينَالُواْ َ‬
‫ن كَ َفرُواْ ِب َغ ْي ِ‬
‫القول ف ـي تأوي ـل قوله تعال ـى‪َ { :‬و َردّ الّل هُ اّلذِي َ‬
‫عزِيزا }‪.‬‬
‫ن الْ ِقتَالَ َوكَانَ الّلهُ قَ ِويّا َ‬
‫ا ْلمُ ْؤ ِمنِي َ‬
‫ظهِمْ يقول‪:‬‬
‫يقول تعالـى ذكره‪ :‬و َر ّد اللّهُ اّلذِينَ كَ َفرُوا به وبرسوله من ُقرَيش وغطفـان ِب َغ ْي ِ‬
‫طمِعوا فـيه من الغَلَبة لَـمْ‬
‫بكربهم وغمهم‪ ,‬بفوتهم ما أمّلوا من الظفر‪ ,‬وخيبتهم مـما كانوا َ‬
‫خيْرا يقول‪ :‬لــم يصـيبوا مـن ال ـمسلـمين مالً ول إ سارا وكَفَــى اللّهُـ الــمُ ْؤ ِمنِـينَ‬
‫ينَالوا َ‬
‫القِتالَ بجنود من ال ـملئكة والر يح الت ـي بعث ها عل ـيهم‪ .‬وبن ـحو الذي قل نا ف ـي ذلك قال‬
‫أهل التأويـل‪ .‬ذكر من قال ذلك‪:‬‬
‫‪ 21672‬ـ حدثنـي م ـحمد بن عمرو‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا أ بو عا صم‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا عي سى وحدثنـي‬
‫الــحارث‪ ,‬قال‪ :‬حدثنـا الــحسن‪ ,‬قال‪ :‬حدثنـا ورقاء جميعـا‪ ,‬عـن ابـن أبــي نــجيح‪ ,‬عـن‬
‫خيْرا الحزاب‪.‬‬
‫ظ ِهمْ لَـ ْم يَنالُوا َ‬
‫ن كَ َفرُوا ِب َغ ْي ِ‬
‫مـجاهد‪ ,‬قوله‪َ :‬و َردّ الّلهُ اّلذِي َ‬
‫‪21673‬ـ حدثنا بشر‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا يزيد‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا سعيد‪ ,‬عن قَتادة‪ ,‬قوله َورَدّ الّل ُه اّلذِينَ كَ َفرُوا‬
‫خيْرا وذلك يوم أب ـي سفـيان والحزاب‪ ,‬ردّ ال أب ـا سفـيان وأ صحابه‬
‫ظهِ مْ لَ ـمْ يَنالُوا َ‬
‫ِب َغيْ ِ‬
‫بغيظهم لـم ينالوا خيرا وكَفَـى الّل ُه الـمُ ْؤ ِمنِـينَ القِتالَ بـالـجنود من عنده‪ ,‬والريح التـي‬
‫بعث علـيهم‪.‬‬
‫‪ 21674‬ـ حدثنا ابن حميد‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا سلـمة‪ ,‬عن ابن إسحاق‪ ,‬قال‪ :‬ثنـي يزيد بن رومان‬
‫خيْرا‪ :‬أي قريش وغطفـان‪.‬‬
‫ظ ِهمْ لَـمْ يَنالُوا َ‬
‫ن كَ َفرُوا ِب َغيْ ِ‬
‫َو َردّ الّلهُ اّلذِي َ‬
‫‪ 21675‬ـ حدثنـي الـحسين بن علـيّ ال صّدائي‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا شبـابة‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا ابن أبـي‬
‫ذئب‪ ,‬عن سعيد بن أبـي سعيد الـمقبري‪ ,‬عن عبد الرحمن بن أبـي سعيد الـخدري‪ ,‬عن‬
‫حبِسنا يوم الـخندق عن الصلة‪ ,‬فلـم نصلّ الظهر‪ ,‬ول العصر‪ ,‬ول الـمغرب‪,‬‬
‫أبـيه‪ ,‬قال‪ُ :‬‬
‫ن القِتالَ‪,‬‬
‫ول العشاء‪ ,‬حتـى كان بعد العشاء بهويّ كفـينا‪ ,‬وأنزل ال‪ :‬وكَفَـى اللّهُ الـمُ ْؤ ِمنِـي َ‬
‫عزِيزا فأ مر ر سول ال صلى ال عل يه و سلم بللً‪ ,‬فأقام ال صلة‪ ,‬و صلـى‬
‫ن اللّ ُه قَوِيّا َ‬
‫وكا َ‬
‫الظهر‪ ,‬فأحسن صلتها‪ ,‬كما كان يصلـيها فـي وقتها‪ ,‬ثم صلـى العصر كذلك‪ ,‬ثم صلـى‬
‫ال ـمغرب كذلك‪ ,‬ثم صلـى العشاء كذلك‪ ,‬ج عل ل كل صلة إقا مة‪ ,‬وذلك ق بل أن تنزل صلة‬
‫الـخوف فإنْ خِ ْفتُـمْ ِفرِجالً أوْ ُركْبـانا‪.‬‬
‫حدثنـي مـحمد بن عبد ال بن عبد الـحكم‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا ابن أبـي فديك‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا ابن‬
‫أبـي ذئب‪ ,‬عن الـمقبري عن عبد الرحمن بن أبـي سعيد‪ ,‬عن أبـي سعيد الـخدري قال‪:‬‬
‫حُبسنا يوم الـخندق‪ ,‬فذكر نـحوه‪.‬‬
‫عزِيزا يقول‪ :‬وكان ال قويـا علــى فعـل مـا يشاء فعله بخــلقه‪,‬‬
‫ّهـ قَوِي ّا َ‬
‫وكانـ الل ُ‬
‫َ‬ ‫وقوله‪:‬‬
‫فــينصر مـن شاء منهـم علــى مـن شاء أن يخذله‪ ,‬ل يغلبـه غالب عزيزا يقول‪ :‬هـو شديـد‬
‫انتقامه مـمن انتقم منه من أعدائه‪ .‬كما‪:‬‬
‫‪ 21676‬ـ حدث نا ب شر‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا يز يد‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا سعيد‪ ,‬عن قتادة وكا نَ الّل هُ قَويّا عَزيزا‪:‬‬
‫قويا فـي أمره‪ ,‬عزيزا فـي نقمته‪.‬‬
‫‪27- 26‬‬ ‫الية ‪:‬‬
‫صيَاصِي ِهمْ‬
‫ل ا ْل ِكتَا بِ مِن َ‬
‫ن ظَاهَرُوهُم مّ نْ أَهْ ِ‬
‫القول ف ـي تأوي ـل قوله تعال ـى‪{ :‬وَأَنزَلَ اّلذِي َ‬
‫ضهُ مْ َو ِديَارَهُ مْ وََأمْوَاَلهُ مْ‬
‫ن َفرِيقا * وَأَ ْو َر َثكُ مْ َأرْ َ‬
‫سرُو َ‬
‫ن َو َتأْ ِ‬
‫ب َفرِيقا تَ ْقتُلُو َ‬
‫َو َقذَ فَ فِي قُلُو ِبهِ مُ الرّعْ َ‬
‫ل شَيْ ٍء قَدِيرا }‪.‬‬
‫طئُوهَا َوكَانَ الّلهُ عََلىَ كُ ّ‬
‫وََأرْضا ّلمْ َت َ‬
‫يقول تعالـى ذكره‪ :‬وأنزل ال الذ ين أعانوا الحزاب من قريش وغطف ـان عل ـى ر سول‬
‫ال صلى ال عليه وسلم وأصحابه‪ ,‬وذلك هو مظاهرتهم إياه‪ ,‬وعنى بذلك بنـي قريظة‪ ,‬وهم‬
‫ل الكِتابِ يعنـي‪:‬‬
‫ن أهْ ِ‬
‫الذين ظاهروا الحزاب علـى رسول ال صلى ال عليه وسلم‪ .‬وقوله مِ ْ‬
‫ن صَياصِيهمْ يعنـي‪ :‬من حصونهم‪ .‬وبنـحو الذي قلنا‬
‫من أهل التوراة‪ ,‬وكانوا يهود‪ :‬وقوله‪ :‬م ْ‬
‫فـي ذلك قال أهل التأويـل‪ .‬ذكر من قال ذلك‪:‬‬
‫‪ 21677‬ـ حدثنـي م ـحمد بن عمرو‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا أ بو عا صم‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا عي سى وحدثنـي‬
‫الــحارث‪ ,‬قال‪ :‬حدثنـا الــحسن‪ ,‬قال‪ :‬حدثنـا ورقاء جميعـا‪ ,‬عـن ابـن أبــي نــجيح‪ ,‬عـن‬
‫ل الكِتابِ قال قريظة‪ ,‬يقول‪ :‬أنزلهم من صياصيهم‪.‬‬
‫ن أهْ ِ‬
‫مـجاهد وأ ْنزَلَ اّلذِينَ ظا َهرُو ُهمْ مِ ْ‬
‫ّذينـ‬
‫‪21678‬ــ حدثنـا بشـر‪ ,‬قال‪ :‬حدثنـا يزيـد‪ ,‬قال‪ :‬حدثنـا سـعيد‪ ,‬عـن قتادة‪ ,‬قوله وأ ْنزَلَ ال َ‬
‫ل الكِتا بِ وهم بنو قُرَيظة‪ ,‬ظاهروا أبـا سفـيان وراسلوه‪ ,‬فنكثوا العهد الذي‬
‫ظاهَرُوهُ مْ ِم نْ أهْ ِ‬
‫بـينهم وبـين نبـيّ ال‪ .‬قال‪ :‬فبـينا رسول ال صلى ال عليه وسلم عند زينب بنت جحش‬
‫يغسل رأسه‪ ,‬وقد غسلت شقه‪ ,‬إذ أتاه جبرائيـل صلى ال عليه وسلم‪ ,‬فقال‪ :‬عفـا ال عنك‪ ,‬ما‬
‫وض عت ال ـملئكة سلحها م نذ أربع ين ل ـيـلة‪ ,‬ف ـانهض إل ـى بن ـي قري ظة‪ ,‬فإن ـي قد‬
‫قط عت أوتار هم‪ ,‬وفت ـحت أبواب هم‪ ,‬وتركت هم ف ـي زلزال وبلب ـال قال‪ :‬ف ـاستلم ر سول ال‬
‫صلى ال عليه وسلم‪ ,‬ثم سلك سكة بنـي غنـم‪ ,‬فـاتبعه الناس وقد عصب حاجبه بـالتراب‬
‫قال‪ :‬فأتا هم ر سول ال صلى ال عل يه و سلم فحا صروهم ونادا هم‪ :‬يا إخوان القردة‪ ,‬فقالوا‪ :‬يا‬
‫أب ـا القا سم ما ك نت فحا شا‪ ,‬فنزلوا عل ـى ح كم ا بن معاذ‪ ,‬وكان ب ـينهم وب ـين قو مه حلف‪,‬‬
‫فرجوا أن تأخذه ف ـيهم هوادة‪ ,‬وأو مأ إل ـيهم أ بو لب ـابة أ نه الذ بح‪ ,‬فأنزل ال‪ :‬يا أيّ ها اّلذِي نَ‬
‫ن فح كم ف ـيهم أن تق تل‬
‫آ َمنُوا ل تَ ـخُونُوا الّل َه والرّ سُولَ وتَ ـخُونُوا أماناتك مْ وأ ْنتُ ـمْ َتعْلَ ـمُو َ‬
‫مقاتلتهم‪ ,‬وأن تسبى ذراريهم‪ ,‬وأن عقارهم للـمهاجرين دون النصار‪ ,‬فقال قومه وعشيرته‪:‬‬
‫آثرت الـمهاجرين ب ـالعقار علـينا قال‪ :‬فإنكم كنت ـم ذوي عقار‪ ,‬وإن الـمهاجرين كانوا ل‬
‫ح ْكمِ اللّهِ»‪.‬‬
‫عقار لهم‪ .‬وذُكر لنا أن رسول ال صلى ال عليه وسلم كبر وقال‪« :‬قَضَى فِـي ُكمْ ِب ُ‬
‫‪21679‬ـ حدثنا ابن حميد‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا سلـمة‪ ,‬عن ابن إسحاق‪ ,‬قال‪ :‬لـما انصرف رسول ال‬
‫صلى ال عليه وسلم عن الـخندق راجعا إلـى الـمدينة والـمسلـمون‪ ,‬ووضعوا السلح‪,‬‬
‫فلـما كانت الظهر أتـى جبريـل رسول ال صلى ال عليه وسلم‪ .‬كما‪:‬‬
‫‪21680‬ـ حدثنا ابن حميد‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا سلـمة‪ ,‬قال‪ :‬ثنـي مـحمد بن إسحاق‪ ,‬عن ابن شهاب‬
‫الزهري معتـجرا بعمامة من استبرق‪ ,‬علـى بغلة علـيها رحالة‪ ,‬علـيها قطيفة من ديبـاج‬
‫فقال‪ :‬أ قد وض عت ال سلح يا ر سول ال؟ قال‪« :‬ن عم»‪ ,‬قال جبري ـل‪ :‬ما وض عت ال ـملئكة‬
‫ل من طلب القوم‪ ,‬إن ال يأمرك يا مـحمد بـالسير إلـى بنـي‬
‫السلح بعد‪ ,‬ما رجعت الَن إ ّ‬
‫قريظة‪ ,‬وأنا عامد إلـى بنـي قريظة‪ ,‬فأمر رسول ال صلى ال عليه وسلم مناديا‪ ,‬فأذّن فـي‬
‫ل فـي بنـي قريظة‪ .‬وقدّم رسول ال‬
‫ن العصر إ ّ‬
‫الناس‪ :‬إن من كان سامعا مطيعا فل يصلـي ّ‬
‫صـلى ال عليـه وسـلم علــيّ بـن أبــي طالب رضـي ال عنـه برايتـه إلــى بنــي قريظـة‬
‫وابتدرها الناس‪ ,‬فسار علـيّ بن أبـي طالب رضي ال عنه حتـى إذا دنا من الـحصون‪,‬‬
‫سمع منها مقالة قبـيحة لرسول ال صلى ال عليه وسلم منهم فرجع حتـى لقـي رسول ال‬
‫ل تدنو من هؤلء الخبـاث‪,‬‬
‫صلى ال عليه وسلم بـالطريق‪ ,‬فقال‪ :‬يا رسول ال ل علـيك أ ّ‬
‫س ِمعْتَ لـي ِم ْنهُمْ أذًى»‪ ,‬قال‪ :‬نعم يا رسول ال‪ .‬قال‪« :‬لَ ْو قَدْ رأَونِـي لَـمْ‬
‫ظنّك َ‬
‫قال‪« :‬لِـمَ؟ أ ُ‬
‫خوَانَ‬
‫شيْئا»‪ .‬فلـما دنا رسول ال صلى ال عليه وسلم من حصونهم قال‪« :‬يا إ ْ‬
‫يقُولُوا ِمنْ ذلكَ َ‬
‫ل ومرّ رسول ال‬
‫خزَاكُ ُم اللّهُ وأ ْنزَلَ ِب ُكمْ نِ ْق َمتَهُ؟» قالُوا‪ :‬يا أبـا القاسم‪ ,‬ما كنت جهو ً‬
‫لأْ‬
‫ال ِق َردَة هَ ْ‬
‫صلى ال عل يه و سلم عل ـى أ صحابه ب ـالصورين ق بل أن ي صل إل ـى بن ـي قري ظة‪ ,‬فقال‪:‬‬
‫حدٌ؟» فقالوا‪ :‬يا رسول ال‪ ,‬قد مرّ بنا دِحية بن خـلـيفة الكلبـي علـى بغلة‬
‫«هل َمرّ ِبكُ مْ أ َ‬
‫ب ـيضاء عل ـيها رحالة عل ـيها قطي فة ديب ـاج‪ ,‬فقال ر سول ال صلى ال عل يه و سلم‪« :‬ذَا كَ‬
‫ب فِـي قُلُو ِبهِ مْ» فلـما‬
‫جبْرَائِيـلُ بعِثَ إلـى َبنِـي قُ َر ْيظَةَ ُيزَلْزلُ ِبهِ ْم حُصُو َن ُهمْ‪َ ,‬ويَقْذفُ الرّعْ َ‬
‫َ‬
‫أت ـى ر سول ال صلى ال عل يه و سلم قري ظة نزل عل ـى بئر من آب ـارها ف ـي ناح ية من‬
‫أموالهم يقال لها‪ :‬بئر أنا‪ ,‬فتلحق به الناس‪ ,‬فأتاه رجال من بعد العشاء الَخرة‪ ,‬ولـم يصلوا‬
‫ل فِــي َبنِــي‬
‫َصـرَ إ ّ‬
‫حدٌ الع ْ‬
‫ُصـلّـيَنّ أ َ‬
‫العصـر لقول رسـول ال صـلى ال عليـه وسـلم‪« :‬ل ي َ‬
‫قُ َر ْيظَةَ»‪ ,‬فصلوا العصر فما عابهم ال بذلك فـي كتابه ول عنفهم به رسوله‪.‬‬
‫‪ 21681‬ـ وال ـحديث عن م ـحمد بن إ سحاق‪ ,‬عن أب ـيه‪ ,‬عن مع بد بن ك عب بن مالك‬
‫النصاري‪ ,‬قال‪ :‬وحاصرهم رسول ال صلى ال عليه وسلم خمسا وعشرين لـيـلة حتـى‬
‫حيَـيّ بن أخطب دخـل علـى‬
‫جهدهم الـحصار وقذف ال فـي قلوبهم الرعب‪ .‬وقد كان ُ‬
‫بنـي قريظة فـي حصنهم حين رجعت عنهم قريش وغطفـان وفـاء لكعب بن أسد بـما‬
‫كان عاهده علــيه فلــما أيقنوا بأن رسـول ال صـلى ال عليـه وسـلم غيـر منصـرف عنهـم‬
‫حتـى يناجزهم‪ ,‬قال كعب بن أسد لهم‪ :‬يا معشر يهود‪ ,‬إنه قد نزل بكم من المر ما ترون‪,‬‬
‫وإنــي عارض علــيكم خللً ثلثـا‪ ,‬فخذوا أيهـا قالوا‪ :‬ومـا هنـّ؟ قال‪ :‬نبــايع هذا الرجـل‬
‫ي مر سل‪ ,‬وإ نه الذي كنت ـم ت ـجدونه ف ـي كتاب كم‪,‬‬
‫ون صدّقه‪ ,‬فوال ل قد تب ـين ل كم إ نه لنب ـ ّ‬
‫فتأمنوا علــى دمائكـم وأموالكـم وأبنائكـم ونسـائكم‪ ,‬قالوا‪ :‬ل نفــارق حكـم التوراة أبدا‪ ,‬ول‬
‫نستبدل به غيره قال‪ :‬فإذا أبـيتـم هذه علـيّ‪ ,‬فهلـمّ فلنقتل أبناءنا ونساءنا‪ ,‬ثم نـخرج إلـى‬
‫ل يهمنا حتـى يحكم ال‬
‫مـحمد وأصحابه رجالً مصلتـين بـالسيوف‪ ,‬ولـم نترك وراءنا ثق ً‬
‫ب ـيننا وب ـين م ـحمد‪ ,‬فإن نهلك نهلك ول ـم نترك وراء نا شيئا ن ـخشى عل ـيه‪ ,‬وإن نظ هر‬
‫فلعمري لنت ـخذنّ الن ساء والبناء‪ ,‬قالوا‪ :‬نقتل هؤلء الـمساكين‪ ,‬فما خ ير العيش بعد هم قال‪:‬‬
‫فإذا أبـيتـم هذه علـيّ‪ ,‬فإن اللـيـلة لـيـلة السبت‪ ,‬وإنه عسى أن يكون مـحمد وأصحابه‬
‫قد أمنوا‪ ,‬ف ـانزلوا لعل نا أن ن صيب من م ـحمد وأ صحابه غرّة‪ .‬قالوا‪ :‬نف سد سبتنا ون ـحدث‬
‫فـيه ما لـم يكن أحدث فـيه من كان قبلنا؟ أما من قد علـمت فأصابهم من الـمسخ ما لـم‬
‫يخف علـيك؟ قال‪ :‬ما بـات رجل منكم منذ ولدته أمه لـيـلة واحدة من الدهر حازما‪ ,‬قال‪:‬‬
‫ثم إن هم بعثوا إل ـى ر سول ال صلى ال عل يه و سلم‪ :‬أن اب عث إل ـينا أب ـا لب ـابة بن ع بد‬
‫الـمنذر أخا بنـي عمرو بن عوف‪ ,‬وكانوا من حلفـاء الوس‪ ,‬نستشيره فـي أمرنا فأرسله‬
‫رسـول ال صـلى ال عليـه وسـلم فلــما رأوه قام إلــيه الرجال‪ ,‬وجهـش إلــيه النسـاء‬
‫والصبـيان يبكون فـي وجهه‪ ,‬فرقّ لهم وقالوا له‪ :‬يا أبـا لبـابة‪ ,‬أترى أن ننزل علـى حكم‬
‫مـحمد؟ قال‪ :‬نعم‪ ,‬وأشار بـيده إلـى حلقه‪ ,‬إنه الذبح قال أبو لبـابة‪ :‬فوال ما زالت قدماي‬
‫حت ـى عر فت أن ـي قد خُ نت ال ور سوله ثم انطلق أ بو لب ـابة عل ـى وج هه‪ ,‬ول ـم يأت‬
‫رسول ال صلى ال عليه وسلم حتـى ارتبط فـي الـمسجد إلـى عمود من عُمده وقال‪ :‬ل‬
‫أبرح مكانـي حتـى يتوب ال علـيّ مـما صنعت وعاهد ال ل يطأ بنـي قريظة أبدا ول‬
‫يرانـي ال فـي بلد خنت ال ورسوله فـيه أبدا‪ .‬فلـما بلغ رسول ال صلى ال عليه وسلم‬
‫س َتغْ َفرْتُ لَهُ‪ .‬أمّا إذْ َفعَلَ ما َفعَلَ‪َ ,‬فمَا‬
‫خبره‪ ,‬وكان قد استبطأه‪ ,‬قال‪« :‬أما إنّ ُه لَ ْو كانَ جا َءنِـي ل ْ‬
‫ن مَكانِه حتـى َيتُو بَ الّل هُ عَلَـيْهِ» ثم إن ثعلبة بن سعية‪ ,‬وأسيد بن سعية‪,‬‬
‫أنا بـالّذي ُأطْلِ ُق ُه مِ ْ‬
‫وأسد بن عبـيد‪ ,‬وهم نفر من بنـي هذيـل لـيسوا من بنـي قريظة‪ ,‬ول النضير‪ ,‬نسبهم‬
‫فوق ذلك‪ ,‬هم ب نو ع مّ القوم‪ ,‬أ سلـموا تلك الل ـيـلة الت ـي نزلت ف ـيها قري ظة عل ـى ح كم‬
‫ر سول ال صلى ال عل يه و سلم‪ ,‬وخرج ف ـي تلك الل ـيـلة عمرو بن سعدى القر ظي‪ ,‬فمرّ‬
‫بحرس رسول ال صلى ال عليه وسلم‪ ,‬وعلـيه مـحمد بن مسلـمة النصاري تلك اللـيـلة‬
‫فل ـما رآه قال‪ :‬مَ نْ َهذَا؟ قال‪ :‬عمرو بن سعدى وكان عمرو قد أ بى أن يدخ ـل مع بن ـي‬
‫قريظـة فــي غدرهـم برسـول ال صـلى ال عليـه وسـلم وقال‪ :‬ل أغدر بــمـحمد أبدا‪ ,‬فقال‬
‫اللهمـ ل تــحرمنـي إقالة عثرات الكرام‪ ,‬ثـم خــلـى‬
‫ّ‬ ‫مــحمد بـن مسـلـمة حيـن عرفـه‪:‬‬
‫سبـيـله فخرج عل ـى وج هه حت ـى ب ـات ف ـي م سجد ر سول ال صلى ال عل يه و سلم‬
‫بـالـمدينة تلك اللـيـلة‪ ,‬ثم ذهب‪ ,‬فل يُدرى أين ذهب من أرض ال إلـى يومه هذا فذُكر‬
‫ك َرجُلٌ نَـجّا ُه اللّ هُ ِبوَفـائهِ»‪ .‬قال‪ :‬وبعض‬
‫لرسول ال صلى ال عليه وسلم شأنه‪ ,‬فقال‪« :‬ذَا َ‬
‫الناس كان يزعم أنه كان أُوثق برمة فـيـمن أوثق من بنـي قريظة حين نزلوا علـى حكم‬
‫ر سول ال صلى ال عل يه و سلم‪ ,‬فأ صبحت رم ته مُلقاة‪ ,‬ول يُدرَى أ ين ذ هب‪ ,‬فقال ر سول ال‬
‫صلى ال عليه وسلم تلك الـمقالة‪ ,‬فـال أعلـم‪.‬‬
‫فلـما أصبحوا‪ ,‬نزلوا علـى حكم رسول ال صلى ال عليه وسلم‪ ,‬فتواثبت الوس‪ ,‬فقالوا‪:‬‬
‫يا رسول ال إنهم موالـينا دون الـخزرج‪ ,‬وقد فعلت فـي موالـي الـخزرج بـالمس ما‬
‫قد علـمت‪ ,‬وقد كان رسول ال صلى ال عليه وسلم قبل بنـي قريظة حاصر بنـي قـينقاع‪,‬‬
‫وكانوا حلف ـاء ال ـخزرج‪ ,‬فنزلوا عل ـى حك مه‪ ,‬ف سأله إيا هم ع بد ال بن أُب ـيّ بن سلول‪,‬‬
‫شرَ‬
‫فوهبهم له فلـما كلّـمته الوس‪ ,‬قال رسول ال صلى ال عليه وسلم‪« :‬أل َت ْرضَوْ نَ يا َم ْع َ‬
‫س ْعدِ ْب نِ مُعاذٍ» وكان‬
‫ك إل ـى َ‬
‫ل ِم ْنكُ مْ؟» قالوا‪ :‬بل ـى‪ ,‬قال‪َ « :‬فذَا َ‬
‫حكُ مَ فِ ـيهِمْ َرجُ ٌ‬
‫ن َي ْ‬
‫سأ ْ‬
‫الَوْ ِ‬
‫سعد بن معاذ قد جعله رسول ال صلى ال عليه وسلم فـي خيـمة امرأة من أسلـم يقال لها‬
‫ج ْرحَى‪ ,‬وتـحتسب بنفسها علـى خدمة من كانت به‬
‫رفـيدة فـي مسجده‪ ,‬كانت تداوي الـ َ‬
‫ضي عة من ال ـمسلـمين‪ .‬وكان ر سول ال صلى ال عل يه و سلم قد قال لقو مه ح ين أ صابه‬
‫ن قَرِي بٍ» فل ـما حكّ مه‬
‫خيْ ـمَةِ ُرفِ ـيْدَ َة حت ـى أعُودَ هُ ِم ْ‬
‫جعَلُو هُ فِ ـي َ‬
‫ال سهم ب ـالـخندق‪« :‬ا ْ‬
‫رسول ال صلى ال عليه وسلم فـي بنـي قريظة‪ ,‬أتاه قومه فـاحتـملوه علـى حمار‪ ,‬وقد‬
‫وطئوا له بوسادة من أدم‪ ,‬وكان رجلً جسيـما‪ ,‬ثم أقبلوا معه إلـى رسول ال صلى ال عليه‬
‫وسلم‪ ,‬وهم يقولون‪ :‬يا أبـا عمرو أحسن فـي موالـيك‪ ,‬فإن رسول ال صلى ال عليه وسلم‬
‫ولك ذلك لتُ ـحسن فـيهم فلـما أكثروا عل ـيه قال‪ :‬قد آن لسعد أن ل تأخذه فـي ال لو مة‬
‫لئم‪ ,‬فرجع بعض من كان معه من قومه إلـى دار بنـي عبد الشهل‪ ,‬فنعى إلـيهم رجال‬
‫بنـي قريظة قبل أن يصل إلـيهم سعد بن معاذ من كلـمته التـي سمع منه فلـما انتهى سعد‬
‫إلـى رسول ال صلى ال عليه وسلم والـمسلـمين‪ ,‬قال‪ :‬قوموا إلـى سيدكم‪ ,‬فقاموا إلـيه‬
‫فقالوا‪ :‬يا أبـا عمرو إن رسول ال صلى ال عليه وسلم ولك موالـيَك لتـحكم فـيهم‪ ,‬فقال‬
‫سعد‪ :‬علـيكم بذلك عهد ال وميثاقه‪ ,‬إن الـحكم فـيهم كما حكمت‪ ,‬قال‪ :‬نعم‪ ,‬قال‪ :‬وعلـى‬
‫من ههنا فـي الناحية التـي فـيها رسول ال صلى ال عليه وسلم‪ ,‬وهو معرض عن رسول‬
‫ل له‪ ,‬فقال ر سول ال صلى ال عل يه و سلم‪َ « :‬نعَ مْ»‪ ,‬قال سعد‪:‬‬
‫ال صلى ال عل يه و سلم إجل ً‬
‫فإنـي أحكم فـيهم أن تُقتل الرجال‪ ,‬وتقسّم الموال‪ ,‬وتْسبى الذراري والنساء‪.‬‬
‫‪21682‬ـ حدثنا ابن حميد‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا سلـمة‪ ,‬قال‪ :‬فحدثنـي مـحمد بن إسحاق‪ ,‬عن عاصم‬
‫بـن عمـر بـن قتادة‪ ,‬عـن عبـد الرحمـن بـن عمرو بـن سـعد بـن معاذ‪ ,‬عـن علقمـة بـن وقاص‬
‫حكْ مِ الّل هِ ِم نْ فَوْ قِ‬
‫ح َكمْ تَ فِـيهِمْ ِب ُ‬
‫اللـيثـي‪ ,‬قال‪ :‬قال رسول ال صلى ال عليه وسلم‪« :‬لَ َقدْ َ‬
‫س ْبعَةِ أ ْر ِقعَةٍ»‪ ,‬ثم استنزلوا‪ ,‬فحبسهم رسول ال صلى ال عليه وسلم فـي دار ابنة الـحارث‬
‫َ‬
‫امرأة من بن ـي النّ ـجار‪ .‬ثم خرج ر سول ال صلى ال عل يه و سلم إل ـى سوق ال ـمدينة‪,‬‬
‫التــي هـي سـوقها الــيوم‪ ,‬فخندق بهـا خنادق‪ ,‬ثـم بعـث إلــيهم‪ ,‬فضرب أعناقهـم فــي تلك‬
‫ي بن أخطب‪ ,‬وكعب بن أسد رأس‬
‫حيَـ ّ‬
‫الـخنادق‪ ,‬يخرج بهم إلـيه أرسالً‪ ,‬وفـيهم عد ّو ال ُ‬
‫ت مئة أو سبع مئة‪ ,‬والـمكثر منهم يقول‪ :‬كانوا من الثمان مئة إلـى التسع مئة‪,‬‬
‫القوم‪ ,‬وهم س ّ‬
‫وقد قالوا لكعب بن أسد وهم يُذهب بهم إلـى رسول ال صلى ال عليه وسلم أرسالً‪ :‬يا كعب‪,‬‬
‫ل موطن ل تعقلون؟ أل ترون الداعي ل ينزع‪ ,‬وإنه‬
‫ما ترى ما يُصنع بنا؟ فقال كعب‪ :‬أفـي ك ّ‬
‫من يُذهب به منكم فما يرجع‪ ,‬هو وال القتل فلـم يزل ذلك الدأب حتـى فرغ منهم رسول ال‬
‫صلى ال عل يه و سلم‪ ,‬وأُت ـي بحُي ـيّ بن أخ طب عدوّ ال‪ ,‬وعل ـيه حلة له فُقّاح ية قد شقق ها‬
‫علـيه من كل ناحية كموضع النـملة أنـملة أنـملة‪ ,‬لئل يسلبها مـجموعة يداه إلـى عنقه‬
‫بحبل‪ ,‬فلـما نظر إلـى رسول ال صلى ال عليه وسلم قال‪ :‬أما وال ما لـمت نفسي فـي‬
‫خذَل ثم أق بل عل ـى الناس فقال‪ :‬أي ها الناس‪ ,‬إ نه ل بأس بأ مر‬
‫عداو تك‪ ,‬ولك نه من يخذل ال ُي ْ‬
‫ال‪ ,‬كتاب ال وقدره‪ ,‬وملـحمة قد ُكتِبت علـى بنـي إسرائيـل‪ ,‬ثم جلس فضربت عنقه فقال‬
‫جبل بن جوّال الثعلبـي‪:‬‬
‫خذَلِ‬
‫خذُلِ الّلهَ ُي ْ‬
‫ن َي ْ‬
‫خطَبَ نَفْسهولكّنهُ مَ ْ‬
‫لعَم ُركَ مَا لمَ ابنُ أ ْ‬
‫ع ْذرَهاوقَلْقَلَ يَبغي ال ِعزّ كلّ مُقَ ْلقَلِ‬
‫لـجَا َهدَ حتـى أبْلَغَ النّفْسَ ُ‬
‫‪21683‬ـ حدثنا ابن حميد‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا سلـمة‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا مـحمد بن إسحاق‪ ,‬عن مـحمد بن‬
‫جعفر بن الزبـير‪ ,‬عن عروة بن الزبـير‪ ,‬عن عائشة‪ ,‬قالت‪ :‬لـم يقتل من نسائهم إلّ امرأة‬
‫واحدة‪ ,‬قالت‪ :‬وال إنها لعندي تـحدّث معي وتضحك ظهرا‪ ,‬ورسول ال صلى ال عليه وسلم‬
‫يقتـل رجالهـم بــالسوق‪ ,‬إذ هتـف هاتـف بــاسمها‪ :‬أيـن فلنـة؟ قالت‪ :‬أنـا وال‪ .‬قالت‪ :‬قلت‪:‬‬
‫وي ـلك ما لك؟ قالت‪ :‬أق تل؟ قلت‪ :‬ولِ ـمَ؟ قالت‪ :‬ل ـحدث أحدث ته قال‪ :‬ف ـانطلق ب ها‪ ,‬فضُر بت‬
‫عنقها‪ ,‬فكانت عائشة تقول‪ :‬ما أنسى عجبـي منها طيب نفس‪ ,‬وكثرة ضحك‪ ,‬وقد عرفت أنها‬
‫تُقتل‪.‬‬
‫‪ 21684‬ـ حدثنا ابن حميد‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا سلـمة‪ ,‬عن ابن إسحاق‪ ,‬قال‪ :‬ثنـي زيد بن رومان‬
‫ن ظاهَرُوهُ ْم مِنْ أ ْهلِ الكِتابِ ِمنْ صَياصِي ِهمْ والصياصي‪ :‬الـحصون والَطام التـي‬
‫وأ ْنزَلَ اّلذِي َ‬
‫كانوا فـيها وَقذَفَ فِـي قُلُو ِب ِهمُ الرّعْبَ‪.‬‬
‫‪ 21685‬ـ حدث نا عمرو بن مالك البكري‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا وك يع بن ال ـجرّاح وحدث نا ا بن وك يع‪,‬‬
‫ن صَياصِيهِ ْم قال‪ :‬من‬
‫قال‪ :‬حدثنا أبـي‪ ,‬عن ابن عيـينة‪ ,‬عن عمرو بن دينار‪ ,‬عن عكرمة مِ ْ‬
‫حصونهم‪.‬‬
‫‪ 21686‬ـ حدثنـي م ـحمد بن عمرو‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا أ بو عا صم‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا عي سى وحدثنـي‬
‫الــحارث‪ ,‬قال‪ :‬حدثنـا الــحسن‪ ,‬قال‪ :‬حدثنـا ورقاء جميعـا‪ ,‬عـن ابـن أبــي نــجيح‪ ,‬عـن‬
‫ن صَياصِي ِهمْ يقول‪ :‬أنزلهم من صياصيهم‪ ,‬قال‪ :‬قصورهم‪.‬‬
‫مـجاهد مِ ْ‬
‫ن صَياصِي ِهمْ‪ :‬أي‬
‫‪ 21687‬ـ حدثنا بشر‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا يزيد‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا سعيد‪ ,‬عن قتادة‪ ,‬قوله مِ ْ‬
‫من حصونهم وآطامهم‪.‬‬
‫ل اّلذِي نَ‬
‫‪21688‬ـ حدثنـي يونس‪ ,‬قال‪ :‬أخبرنا ابن وهب‪ ,‬قال‪ :‬قال ابن زيد‪ ,‬فـي قوله‪ :‬وَأنْزَ َ‬
‫ن صَياصِي ِهمْ قال‪ :‬الصياصي‪ :‬حصونهم التـي ظنوا أنها مانعتهم‬
‫ب مِ ْ‬
‫ل الكِتا ِ‬
‫ظاهَرُوه مْ مِ نْ أهْ ِ‬
‫من ال تبـارك وتعالـى‪.‬‬
‫وأصـل الصـياصي‪ :‬جمـع صـيصة يقال‪ :‬وعنـى بهـا ههنـا‪ :‬حصـونهم والعرب تقول لطرف‬
‫ال ـجبل‪ :‬صيصة ويقال ل صل الش يء‪ :‬صيصة يقال‪ :‬جزّ ال صيصة فلن‪ :‬أي أ صله ويقال‬
‫لشوك الـحاكة‪ :‬صياصي‪ ,‬كما قال الشاعر‪:‬‬
‫(كَ َوقْعِ الصّياصِي فِـي ال ّنسِيجِ الـمُـمَ ّددِ )‬
‫عبَ يقول‪ :‬وألقـى فـي قلوبهم الـخوف‬
‫وهي شوكتا الديك‪ .‬وقوله‪َ :‬وقَذَفَ فِـي قُلُو ِبهُمُ الرّ ْ‬
‫ن يقول‪ :‬تقتلون منهم جماعة‪ ,‬وهم الذين قتل رسول ال صلى ال عليه وسلم‬
‫منكم فَريقا تَ ْقتُلُو َ‬
‫منهم حين ظهر علـيهم و َتأْسِرُونَ َفرِيقا يقول‪ :‬وتأسرون منهم جماعة‪ ,‬وهم نساؤهم وذراريهم‬
‫الذين سبوا‪ ,‬كما‪:‬‬
‫‪21689‬ـ حدثنا بشر‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا يزيد‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا سعيد‪ ,‬عن قتادة َفرِيقا تَ ْقتُلُونَ الذين ضربت‬
‫أعناقهم و َت ْأسِرُونَ َفرِيقا الذين سبوا‪.‬‬
‫‪ 21690‬ـ حدثنا ابن حميد‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا سلـمة‪ ,‬عن ابن إسحاق‪ ,‬قال‪ :‬ثنـي يزيد بن رومان‬
‫ُمـ‬
‫ضه ْ‬‫ُمـ أ ْر َ‬
‫الذراريـ والنسـاء‪ .‬وأ ْو َر َثك ْ‬
‫ّ‬ ‫ن فَرِيقـا أي قتـل الرجال وسـبى‬
‫ْسـرُو َ‬
‫ُونـ و َتأ ِ‬
‫فَرِيقـا تَ ْقتُل َ‬
‫وَديارَهُ مْ وأمْوَالَهُم يقول‪ :‬وملك كم ب عد مهلك هم أرض هم‪ ,‬يعن ـي مزارع هم ومغار سهم وديار هم‬
‫يقول‪ :‬ومساكنهم وأموالهم يعنـي سائر الموال غير الرض والدور‪.‬‬
‫ي أرض هي؟ فقال بعضهم‪ :‬هي‬
‫وقوله‪ :‬وأرْضا لَـمْ َتطَئُوها اختلف أهل التأويـل فـيها‪ ,‬أ ّ‬
‫الروم وف ـارس ون ـحوها من البلد الت ـي فت ـحها ال ب عد ذلك عل ـى ال ـمسلـمين‪ .‬ذ كر‬
‫من قال ذلك‪:‬‬
‫طئُوها قال‪:‬‬
‫‪ 21691‬ـ حدثنا بشر‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا يزيد‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا سعيد‪ ,‬عن قتادة وأرْضا لَـمْ َت َ‬
‫قال الـحسن‪ :‬هي الروم وفـارس‪ ,‬وما فتـح ال علـيهم‪.‬‬
‫وقال آخرون‪ :‬هي مكة‪ .‬وقال آخرون‪ :‬بل هي خيبر‪ .‬ذكر من قال ذلك‪:‬‬
‫‪ 21692‬ـ حدثنا ابن حميد‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا سلـمة‪ ,‬عن ابن إسحاق‪ ,‬قال‪ :‬ثنـي يزيد بن رومان‬
‫وأرْضا لَـمْ َتطَئُوها قال‪ :‬خيبر‪.‬‬
‫‪ 21693‬ـ حدثن ـي يو نس‪ ,‬قال‪ :‬أخبر نا ا بن و هب‪ ,‬قال‪ :‬قال ا بن ز يد‪ ,‬ف ـي قوله وأ ْو َر َثكُ مْ‬
‫طئُوها قال‪ :‬خيبر‪.‬‬
‫ض ُهمْ َودِيارَ ُهمْ قال‪ُ :‬قرَيظة والنضير أهل الكتاب وأرْضا لَـمْ َت َ‬
‫أرْ َ‬
‫والصواب من القول فـي ذلك أن يقال‪ :‬إن ال تعالـى ذكره أخبر أنه أورث الـمؤمنـين‬
‫من أصحاب رسول ال صلى ال عليه وسلم أرض بنـي قريظة وديارهم وأموالهم‪ ,‬وأرضا‬
‫لـم يطئوها يومئذٍ ولـم تكن مكة ول خَيبر‪ ,‬ول أرض فـارس والروم ول الـيـمن‪ ,‬مـما‬
‫كان وطئوه يومئذٍ‪ ,‬ثـم وطئوا ذلك بعـد‪ ,‬وأورثهموه ال‪ ,‬وذلك كله داخــل فــي قوله وأرْضـا‬
‫ن اللّهُ علـى كُلّ‬
‫لَـمْ َتطَئُوها لنه تعالـى ذكره لـم يخصص من ذلك بعضا دون بعض‪ .‬وكا َ‬
‫شيْءٍ َقدِيرا يقول تعالـى ذكره‪ :‬وكان ال علـى أن أورث الـمؤمنـين ذلك‪ ,‬وعلـى نصره‬
‫َ‬
‫إياهم‪ ,‬وغير ذلك من المور قدرة‪ ,‬ل يتعذّر علـيه شيء أراده‪ ,‬ول يـمتنع علـيه فعل شيء‬
‫حاول فعله‪.‬‬

‫‪29- 28‬‬ ‫الية ‪:‬‬


‫حيَا َة ال ّد ْنيَا َوزِي َن َتهَا‬
‫ك إِن كُنتُنّ ُت ِردْنَ ا ْل َ‬
‫جَ‬‫القول فـي تأويـل قوله تعالـى‪َ { :‬يَأيّهَا ال ّن ِبيّ قُل لزْوَا ِ‬
‫خرَ َة َفإِ نّ‬
‫لِ‬‫ن اللّ هَ َورَ سُولَهُ وَالدّارَ ا َ‬
‫جمِيلً * وَإِن كُنتُ نّ ُت ِردْ َ‬
‫سرَاحا َ‬
‫حكُنّ َ‬
‫س ّر ْ‬
‫ن ُأ َم ّتعْكُ نّ وَأُ َ‬
‫َفتَعَاَليْ َ‬
‫عظِيما }‪.‬‬
‫ن َأجْرا َ‬
‫سنَاتِ مِنكُ ّ‬
‫ع ّد لِ ْل ُمحْ ِ‬
‫اللّ َه أَ َ‬
‫ن ُكنْتنّ‬
‫كإْ‬
‫يقول تعالـى ذكره لنبـيه مـحمد صلى ال عليه وسلم‪ :‬قُلْ يا مـحمد لِ َءزْوَاجِ َ‬
‫ُترِدْ نَ ال ـحَياةَ ال ّدنْ ـيا َوزِي َنتَ ها َفتَعالَ ـيْنَ ُأ ّم ّت ْعكُ نّ يقول فإن ـي أمتع كن ما أو جب ال عل ـى‬
‫ن ب ـالطلق بقوله‪َ :‬و َم ّتعُو ُه نّ عل ـى ال ـمُوسِعِ‬
‫الرجال للن ساء من ال ـمتعة ع ند فراق هم إياه ّ‬
‫سنِـينَ وقوله‪:‬‬
‫ُهـ مَتاعـا بــالـ َمعْرُوفِ حَق ّا علــى الــمُـحْ ِ‬
‫قَ َدرُهـُ‪ ,‬وَعلــى الــمُ ْق ِترِ َق َدر ُ‬
‫جمِيلً يقول‪ :‬وأطلقك نّ عل ـى ما أذن ال به‪ ,‬وأدّب به عب ـاده بقوله‪ :‬إذَا‬
‫ن سَراحا َ‬
‫حكُ ّ‬
‫وأُ سَ ّر ْ‬
‫ن ُت ِردْنَ الّلهَ َورَسُوَلهُ يقول‪ :‬وإن كنتنّ تردن رضا ال‬
‫طَلّ ْقتُـمُ النّساءَ َفطَلّقُو ُهنّ ِل ِع ّد ِتهِنّ‪ .‬وَإنْ ُك ْنتُ ّ‬
‫ت ِم ْنكُنّ وهن العاملت منهنّ بأمر‬
‫حسِنا ِ‬
‫ع ّد للْـمُـ ْ‬
‫ن اللّهَ أ َ‬
‫ورضا رسوله وطاعتهما فأطعنهما فإ ّ‬
‫عظِيـما‪.‬‬
‫ال وأمر رسوله أجْرا َ‬
‫وذُكر أن هذه الَية نزلت علـى رسول ال صلى ال عليه وسلم من أجل أن عائشة سألت‬
‫رسول ال صلى ال عليه وسلم شيئا من عرض الدنـيا‪ ,‬إما زيادة فـي النفقة‪ ,‬أو غير ذلك‪,‬‬
‫فـاعتزل رسول ال صلى ال عليه وسلم نساءه شهرا فـيـما ذكر‪ ,‬ثم أمره ال أن يخيره نّ‬
‫بــين الصـبر علــيه‪ ,‬والرضـا بــما قسـم لهنـّ‪ ,‬والعمـل بطاعـة ال‪ ,‬وبــين أن يــمتّعهنّ‬
‫ويفـارقهنّ إن لـم يرضين بـالذي يقسم لهن‪ .‬وقـيـل‪ :‬كان سبب ذلك غيرة كانت عائشة‬
‫غارتها‪ .‬ذكر الرواية بقول من قال‪ :‬كان ذلك من أجل شيء من النفقة وغيرها‪.‬‬
‫‪21694‬ــ حدثنــي يعقوب بن إبراهيــم‪ ,‬قال‪ :‬حدثنـا ا بن علــية‪ ,‬عن أيوب‪ ,‬عـن أبــي‬
‫الزبـير‪ ,‬أن رسول ال صلى ال عليه وسلم لـم يخرج صلوات‪ ,‬فقالوا‪ :‬ما شأنه؟ فقال عمر‪:‬‬
‫ن ل كم شأ نه فأت ـى النب ـيّ صلى ال عل يه و سلم‪ ,‬فج عل يتكل ـم وير فع‬
‫إن شئت ـم لعل ـم ّ‬
‫صوته‪ ,‬حتـى أذن له‪ .‬قال‪ :‬فجعلت أقول فـي نفسي‪ :‬أيّ شيء أكلـم به رسول ال صلى ال‬
‫عل يه و سلم لعله يض حك‪ ,‬أو كل ـمة ن ـحوها؟ فقلت‪ :‬يا ر سول ال لو رأ يت فل نة و سألتنـي‬
‫سنِـي عَنكُ مْ» قال‪ :‬فأت ـى حف صة‪ ,‬فقال‪ :‬ل ت سألـي‬
‫حبَ َ‬
‫النف قة ف صككتها صكة‪ ,‬فقال‪« :‬ذل كَ َ‬
‫رسول ال صلى ال عليه وسلم شيئا‪ ,‬ما كانت لك من حاجة فإلـيّ ثم تتبع نساء النبـيّ صلى‬
‫ال عل يه و سلم‪ ,‬فج عل يكل ـمهنّ‪ ,‬فقال لعائ شة‪ :‬أيغرّك أ نك امرأة ح سناء‪ ,‬وأن زو جك يح بك؟‬
‫ن ف ـيك القرآن قال‪ :‬فقالت أ مّ سلـمة‪ :‬يا ا بن الـخطّاب‪ ,‬أو مَا بقـي لك‬
‫لتنتهي نّ‪ ,‬أو لـينزل ّ‬
‫إلّ أن تدخ ـل ب ـين ر سول ال صلى ال عل يه و سلم وب ـين ن سائه‪ ,‬ولن ت سأل ال ـمرأة إل‬
‫ْنـ الــحَيا َة ال ّدنْــيا‬
‫ْتنـ تُ ِرد َ‬
‫إنـ ُكن ّ‬
‫ِكـ ْ‬
‫لزْوَاج َ‬
‫لزوجهـا قال‪ :‬ونزل القرآن يـا أيّهـا ال ّنبِــيّ قُلْ َ‬
‫عظِي ـما قال‪ :‬فبدأ بعائ شة فخير ها‪ ,‬وقرأ عل ـيها القرآن‪ ,‬فقالت‪:‬‬
‫َوزِي َنتَهَا‪ ...‬إل ـى قوله أجْرا َ‬
‫هل بدأت بأحد من نسائك قبلـي؟ قال‪« :‬ل»‪ ,‬قالت‪ :‬فإنـي أختار ال ورسوله‪ ,‬والدار الَخرة‪,‬‬
‫ن بذلك قال‪ :‬ثم تتبعه نّ فج عل يخيره نّ ويقرأ عل ـيهنّ القرآن‪ ,‬وي خبرهن ب ـما‬
‫ول ت ـخبره ّ‬
‫صنعت عائشة‪ ,‬فتتابعن علـى ذلك‪.‬‬
‫‪ 21695‬ـ حدثنا بشر‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا يزيد‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا سعيد‪ ,‬عن قتادة‪ ,‬قوله‪ :‬يا أيّها ال ّنبِـيّ قُلْ‬
‫سـرَاحا‬
‫ن َ‬‫حكُ ّ‬
‫ُسـ ّر ْ‬
‫ُنـ وأ َ‬
‫ن ُأ َم ّت ْعك ّ‬
‫ْنـ الــحَيا َة ال ّدنْــيا َوزِي َنتَهـا َفتَعالَــيْ َ‬
‫ُنـ ُت ِرد َ‬
‫إنـ ُك ْنت ّ‬
‫ِكـ ْ‬
‫لِ َءزْوَاج َ‬
‫عظِيـما قال‪ :‬قال الـحسن وقتادة‪ :‬خيره نّ بـين الدنـيا والَخرة‬
‫جمِيلً‪ ...‬إلـى قوله‪ :‬أجْرا َ‬
‫َ‬
‫وال ـجنة والنار ف ـي ش يء ك نّ أرد نه من الدن ـيا‪ .‬وقال عكر مة ف ـي غيرة‪ :‬كا نت غارت ها‬
‫عائشة‪ ,‬وكان تـحته يومئذٍ تسع نسوة‪ ,‬خمس من قُرَيش‪ :‬عائشة‪ ,‬وحفصة‪ ,‬وأ مّ حبـيبة بنت‬
‫أبـي سفـيان‪ ,‬وسودة بنت زمعة‪ ,‬وأ ّم سلـمة بنت أبـي أميّة‪ ,‬وكانت تـحته صفـية ابنة‬
‫جوَيرية‬
‫حُيـيّ الـخَيبرية‪ ,‬وميـمونة بنت الـحارث الهللـية‪ ,‬وزينب بنت جحش السدية‪ ,‬و ُ‬
‫بنـت الــحارث مـن بنــي الــمصطلق‪ ,‬وبدأ بعائشـة‪ ,‬فلــما اختارت ال ورسـوله والدار‬
‫الَخرة‪ ,‬رُئي الفرح فــي و جه رسـول ال صلى ال عل يه وسـلم‪ ,‬فتتابعـن كلهنّـ عل ـى ذلك‬
‫واخترن ال ورسوله والدار الَخرة‪.‬‬
‫حدثنا ابن بشار‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا عبد العلـى‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا سعيد‪ ,‬عن قتادة‪ ,‬عن الـحسن‪ ,‬وهو‬
‫ْنـ الــحَياةَ ال ّدنْــيا‬
‫ُنـ ُترِد َ‬
‫إنـ ُك ْنت ّ‬
‫ِكـ ْ‬
‫قول قتادة‪ ,‬فــي قول ال يـا أيّهـا ال َنبِــيّ قُلْ لِ َءزْوَاج َ‬
‫عظِي ـما قال‪ :‬أمره ال أن يخيره نّ ب ـين الدن ـيا والَخرة وال ـجنة‬
‫وَزي َنتَ ها‪ ...‬إل ـى قوله َ‬
‫والنار قال قتادة‪ :‬و هي غيرة من عائ شة ف ـي ش يء أراد ته من الدن ـيا‪ ,‬وكان ت ـحته ت سع‬
‫نسوة‪ :‬عائشة‪ ,‬وحفصة‪ ,‬وأ مّ حبـيبة بنت أبـي سفـيان‪ ,‬وسودة بنت زمعة‪ ,‬وأ مّ سلـمة بنت‬
‫جوَيرية بنت الـحارث‬
‫أبـي أميّة‪ ,‬وزينب بنت جحش‪ ,‬وميـمونة بنت الـحارث الهللـية‪ ,‬و ُ‬
‫من بن ـي ال ـمصطلق‪ ,‬و صفـية ب نت حُي ـيّ بن أخ طب فبدأ بعائ شة‪ ,‬وكا نت أحبه نّ إل ـيه‬
‫فل ـما اختارت ال ور سوله والدار الَخرة‪ ,‬رُئي الفرح ف ـي و جه ر سول ال صلى ال عل يه‬
‫وسلم فتتابعن علـى ذلك‪.‬‬
‫‪21696‬ــ حدثنـا ابـن بشار‪ ,‬قال‪ :‬حدثنـا عبـد العلــى‪ ,‬قال‪ :‬حدثنـا سـعيد‪ ,‬عـن قتادة‪ ,‬عـن‬
‫ن ال ورسوله شكره نّ ال علـى ذلك فقال ل يحلّ‬
‫الـحسن‪ ,‬وهو قول قتادة قال‪ :‬لـما اخ َترْ َ‬
‫ن فقصره ال علـيهنّ‪ ,‬وه نّ‬
‫ك حُسنُه ّ‬
‫ن أزْوَا جٍ وَلَوْ أعْجب َ‬
‫ن مِ ْ‬
‫ن َت َبدّلَ بهِ ّ‬
‫ل كَ النساءُ ِم نْ بَعدُ َولَ أ ْ‬
‫التسع اللتـي اخترن ال ورسوله‪ .‬ذكر من قال ذلك من أجل الغيرة‪:‬‬
‫‪ 21697‬ـ حدثنـي يونس‪ ,‬قال‪ :‬أخبرنا ابن وهب‪ ,‬قال‪ :‬قال ابن زيد‪ ,‬فـي قول ال‪ُ :‬ت ْرجِي‬
‫ن تَشاءُ‪ ...‬الَية‪ ,‬قال‪ :‬كان أزواجه قد تغايرن علـى النبـيّ‬
‫ن تَشاءُ ِم ْنهُ نّ‪َ ,‬وتُ ْؤوِي إلَـ ْيكَ مَ ْ‬
‫مَ ْ‬
‫صلى ال عل يه و سلم‪ ,‬فهجره نّ شهرا‪ ,‬نزل الت ـخيـير من ال له ف ـيهنّ يا أيّ ها ال ّنبِ ـيّ قُلْ‬
‫ْنـ ت َبرّجَ‬
‫ْنـ الــحَيا َة ال ّدنْــيا َوزِي َنتَهـا فقرأ حتــى بلغ وَل ت َب ّرج َ‬
‫ُنـ ُترِد َ‬
‫إنـ ُك ْنت ّ‬
‫ِكـ ْ‬
‫لِ َءزْوَاج َ‬
‫ن ويسرّحهنّ‪ ,‬وبـين‬
‫ن بـين أن يخترن أن يخـلـى سبـيـله ّ‬
‫الـجاهِلِـيّ ِة الُولـى فخيره ّ‬
‫ن أمّهات ال ـمؤمنـين‪ ,‬ل ينك حن أبدا‪ ,‬وعل ـى أ نه‬
‫أن يق من إن أردن ال ور سوله عل ـى أنه ّ‬
‫يؤوي إلـيه من يشاء منهنّ‪ ,‬لـمن وهب نفسه له حتـى يكون هو يرفع رأسه إلـيها‪ ,‬ويرجي‬
‫من يشاء حت ـى يكون هو ير فع رأ سه إل ـيها‪ ,‬و من ابت غى م ـمن هي عنده وعزل فل جناح‬
‫علـيه‪ ,‬ذلك أدنى أن تقرّ أعينه نّ‪ ,‬ول يحز نّ‪ ,‬ويرضين إذا علـمن أنه من قضائي علـيهنّ‪,‬‬
‫إيثار بعضهنّـ عل ـى بعـض‪ ,‬أدنـى أن يرض ين قال‪ :‬و من ابتغ يت مــمن عزلت مـن ابتغـى‬
‫أ صابه‪ ,‬و من عزل ل ـم ي صبه‪ ,‬فخيره نّ ب ـين أن يرض ين بهذا‪ ,‬أو يف ـارقهنّ‪ ,‬ف ـاخترن ال‬
‫ورسـوله‪ ,‬إلّ امرأة واحدة بدويـة ذهبـت وكان علــى ذلك‪ ,‬وقـد شرط له هذا الشرط‪ ,‬مـا زال‬
‫ن حتـى لقـي ال‪.‬‬
‫يعدل بـينه ّ‬
‫‪ 21698‬ـ حدثنا أحمد بن عبدة الضبـي‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا أبو عوانة‪ ,‬عن عمر بن أبـي سلـمة‪,‬‬
‫عن أبـيه‪ ,‬قال‪ :‬قالت عائشة‪ :‬لـما نزل الـخيار‪ ,‬قال لـي رسول ال صلى ال عليه وسلم‪:‬‬
‫شيْئا حتـى تَسْتأْ ِمرِي أبَ َويْكِ» قالت‪ :‬قلت‪ :‬وما‬
‫ك أمْرا فَل تَ ْقضِي فِـي ِه َ‬
‫ن أ ْذكُرَ لَ ِ‬
‫«إنّـي ُأرِي ُد أ ْ‬
‫ن يا أيّها‬
‫هو يا رسول ال؟ قال‪ :‬فردّه علـيها‪ ,‬فقالت‪ :‬ما هو يا رسول ال؟ قال‪ :‬فقرأ علـيه ّ‬
‫ن ُك ْنتُ نّ تُردْ نَ الـحَيا َة ال ّدنْـيا َوزِي َنتَها‪ ...‬إلـى آخر الَية قالت‪ :‬قلت‪:‬‬
‫كإ ْ‬
‫لزْوَاجِ َ‬
‫ال ّنبِـيّ قُلْ َ‬
‫بل نـختار ال ورسوله قالت‪ :‬ففرح بذلك النبـيّ صلى ال عليه وسلم‪.‬‬
‫حدثنا ابن وكيع‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا مـحمد بن بشر‪ ,‬عن مـحمد بن عمرو‪ ,‬عن أبـي سلـمة‪,‬‬
‫عن عائشة‪ ,‬قالت‪ :‬لـما نزلت آية التـخيـير‪ ,‬بدأ النبـيّ صلى ال عليه وسلم بعائشة‪ ,‬فقال‪:‬‬
‫شيْءٍ حتـى َت ْعرِضِي ِه علـى أبَ َو ْيكِ‪,‬‬
‫«يا عا ِئشَةُ إنّـي عارضٌ عَلَـ ْيكِ أمْرا فَل تَفْتاتِـي فِـيهِ ب َ‬
‫أبــي بَكْر وأُمّـ رُومانـَ» فقالت‪ :‬يـا رسـول ال ومـا هـو؟ قال‪« :‬قال ال يـا أيّهـا ال ّنبِــي قُلْ‬
‫عظِيــما‪ ,‬فقلت‪ :‬إنــي أريـد ال‬
‫لزْوَاجك َـ إن ْـ ُك ْنتُنّـ ُت ِردْنَـ الــحَيا َة ال ّدنْــيا وَزينَتَهـا إلــى َ‬
‫َ‬
‫ورسوله‪ ,‬والدار الَخرة‪ ,‬ول أؤامر فـي ذلك أبو يّ أبـا بكر وأ مّ رومان‪ ,‬فضحك رسول ال‬
‫جرَ فقال‪« :‬إن عائ شة قالت كذا»‪ ,‬فقلن‪ :‬ون ـحن نقول‬
‫صلى ال عل يه و سلم‪ ,‬ثم ا ستقرأ ال ـحُ َ‬
‫مثل ما قالت عائشة‪.‬‬
‫حدث نا سعيد بن يح يى الموي‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا أب ـي‪ ,‬عن ا بن إ سحاق‪ ,‬عن ع بد ال بن أب ـي‬
‫بكر‪ ,‬عن عمرة‪ ,‬عن عائشة‪ ,‬أن النبـيّ صلى ال عليه وسلم لـما نزل إلـى نسائه أُمر أن‬
‫يخيره نّ‪ ,‬فدخــل علــيّ فقال‪« :‬سـأذكر لَكِـ أمْرا وَل َت ْعجَلِــي حتــى تَس ْـَتشِيرِي أبــاكِ»‪,‬‬
‫خّي َركُ نّ»‪ ,‬وتل عل ـيها آ ية الت ـخيـير‬
‫فقلت‪ :‬و ما هو يا نب ـيّ ال؟ قال‪« :‬إنّ ـي ُأ ِمرْ تُ أ نْ ُأ َ‬
‫إلـى آخر الَيتـين قالت‪ :‬قلت‪ :‬وما الذي تقول؟ ل تعجلـي حتـى تستشيري أبـاك‪ ,‬فإنـي‬
‫أختار ال ورسوله فسُرّ بذلك‪ ,‬وعرض علـى نسائه‪ ,‬فتتابعن كلهنّ‪ ,‬فـاخترن ال ورسوله‪.‬‬
‫حدثنـي يونس‪ ,‬قال‪ :‬أخبرنا ابن وهب‪ ,‬قال‪ :‬أخبرنـي موسى بن علـيّ‪ ,‬ويونس بن يزيد‪,‬‬
‫عن ابن شهاب‪ ,‬قال‪ :‬أخبرنـي أبو سلـمة بن عبد الرحمن‪ ,‬أن عائشة زوج النبـيّ صلى ال‬
‫عليه وسلم قالت‪ :‬لـما أمر رسول ال صلى ال عليه وسلم بتـخيـير أزواجه‪ ,‬بدأنـي‪ ,‬فقال‪:‬‬
‫«إنّـي ذَاكِ ٌر لَكِ أمْرا‪ ,‬فَل علَـ ْيكِ أنْ ل َت ْعجَلِـي حتـى تَسْت ْأ ِمرِي أبَ َويْكِ» قالت‪ :‬قد علـم أن‬
‫ك إ نْ‬
‫أبو يّ لـم يكونا لـيأمرانـي بفراقه قالت‪ :‬ثم تل هذه الَية‪ :‬يا أيّها ال ّنبِـيّ قُلْ لِ َءزْوَاجِ َ‬
‫جمِيلً قالت‪ :‬فقلت‪:‬‬
‫سرَاحا َ‬
‫حكُنّ َ‬
‫س ّر ْ‬
‫ُك ْنتُ نّ ُت ِردْ نَ ال ـحَيا َة ال ّدنْ ـيا َوزِي َنتَ ها َفتَعالَ ـيْنَ أ َم ّت ْعكُ نّ وأُ َ‬
‫ي هذا ا ستأمر أبو يّ؟ فإن ـي أر يد ال ور سوله‪ ,‬والدار الَخرة قالت عائ شة‪ :‬ثم ف عل‬
‫فف ـي أ ّ‬
‫ن ر سول ال‬
‫أزواج النب ـيّ صلى ال عل يه و سلم م ثل ما فعلت‪ ,‬فل ـم ي كن ذلك ح ين قاله له ّ‬
‫صلى ال عليه وسلم‪ ,‬فـاخترنه طلقا من أجل أنهنّ اخترنه‪.‬‬

‫‪30‬‬ ‫الية ‪:‬‬


‫حشَ ٍة ّم َب ّينَةٍ ُيضَاعَ فْ لَهَا‬
‫القول ف ـي تأوي ـل قوله تعال ـى‪َ { :‬ينِ سَآ َء ال ّنبِ يّ مَن َيأْ تِ مِنكُ نّ بِفَا ِ‬
‫ن ذَِلكَ عَلَى الّل ِه َيسِيرا }‪.‬‬
‫ضعْ َفيْنِ َوكَا َ‬
‫ا ْل َعذَابُ ِ‬
‫يقول تعال ـى ذكره لزواج النب ـيّ صلى ال عل يه و سلم‪ :‬يا نِ ساء ال ّنبِ ـيّ مَ نْ َيأْ تِ ِم ْنكُ نّ‬
‫بف ـاحِشَ ٍة َمبَ ـيّنَ ٍة يقول‪ :‬من يزن منك نّ الز نى ال ـمعروف الذي أو جب ال عل ـيه ال ـحدّ‪,‬‬
‫يضاعـف لهـا العذاب علــى فجورهـا فــي الَخرة ضعفــين علــى فجور أزواج الناس‬
‫غيرهم‪ ,‬كما‪:‬‬
‫‪ 21699‬ـ حدثنـي مـحمد بن سعد‪ ,‬قال‪ :‬ثنـي أبـي‪ ,‬قال‪ :‬ثنـي عمي‪ ,‬قال‪ :‬ثنـي أبـي‪,‬‬
‫ن قال‪ :‬يعنـي عذاب الَخرة‪.‬‬
‫ضعْفَـيْ ِ‬
‫عفْ َلهَا ال َعذَابُ ِ‬
‫عن أبـيه‪ ,‬عن ابن عبـاس ُيضَا َ‬
‫واختلفت القرّاء فـي قراءة ذلك‪ ,‬فقرأته عامة قرّاء المصار‪ :‬يُضَاعَفْ َلهَا ال َعذَابُ بـاللف‪,‬‬
‫ل منـه فــي قراءتـه ذلك أن‬
‫ضعّفـْ» بتشديـد العيـن تأ ّو ً‬
‫غيـر أبــي عمرو‪ ,‬فإنـه قرأ ذلك‪ُ « :‬ي َ‬
‫يضعّف‪ ,‬بــمعنى‪ :‬تضعيـف الشيـء مرّة واحدة‪ ,‬وذلك أن يجعـل الشيـء شيئيـن‪ ,‬فكأن معنـى‬
‫الكلم عنده‪ :‬أن يج عل عذاب مـن يأتــي من ن ساء النبــيّ صلى ال عل يه وسـلم بف ـاحشة‬
‫َفـ‬
‫إنـ يُضَاع ْ‬
‫مبــينة فــي الدنــيا والَخرة‪ ,‬مثلــي عذاب سـائر النسـاء غيرهنـّ‪ ,‬ويقول‪ّ :‬‬
‫جعَل إلـى الشيء مثله‪ ,‬حتـى يكون ثلثة أمثاله فكأن معنى من قرأ ُيضَاعَ فْ‬
‫نيْ‬
‫بـمعنى أ ْ‬
‫عنده كان أن عذاب ها ثل ثة أمثال عذاب غير ها من الن ساء من غ ير أزواج النب ـيّ صلى ال‬
‫عليـه وسـلم‪ ,‬فلذلك اختار «يضع ّف» علــى يضاعـف‪ .‬وأنكـر الَخرون الذيـن قرءوا ذلك‬
‫ض ّعفْ فرقا‪.‬‬
‫عفْ و ُي َ‬
‫يضاعف ما كان يقول فـي ذلك‪ ,‬ويقولون‪ :‬ل نعلـم بـين‪ :‬ويُضا َ‬
‫وال صواب من القراءة ف ـي ذلك ما عل ـيه قرّاء الم صار‪ ,‬وذلك ُيضَاعَ فْ‪ .‬وأ ما التأوي ـل‬
‫الذي ذهب إلـيه أبو عمرو‪ ,‬فتأويـل ل نعلـم أحدا من أهل العلـم ادّعاه غيره‪ ,‬وغير أبـي‬
‫عُبـيدة معمر بن الـمثنى‪ ,‬ول يجوز خلف ما جاءت به الـحجة مـجمعة علـيه بتأويـل‬
‫ل برهان له من الوجه الذي يجب التسلـيـم له‪.‬‬

You might also like