You are on page 1of 125

‫تابع ‪ :‬تفسير سورة الزمر‬

‫‪32-30‬‬ ‫الية ‪:‬‬


‫ن * ثُ ّم ِإ ّنكُ مْ َيوْ مَ الْ ِقيَامَةِ عِندَ‬
‫القول فـي تأويـل قوله تعالى {ِإنّ كَ َميّ تٌ وَِإ ّنهُ مْ ّم ّيتُو َ‬
‫ج َهنّ مَ‬
‫س فِي َ‬
‫ن * َفمَ نْ َأظْلَ مُ مِمّن َكذَ بَ علَى اللّ ِه َو َكذّ بَ بِال صّ ْدقِ ِإذْ جَآ َء هُ أََليْ َ‬
‫صمُو َ‬
‫ختَ ِ‬
‫َربّكُ مْ َت ْ‬
‫َمثْوًى لّ ْلكَافِرِينَ }‪.‬‬
‫يقول تعالى ذكره لنبيه محمد صلى ال عليه وسلم‪ :‬إنك يا محمد ميت عن قليل‪ ,‬وإن هؤلء‬
‫صمُونَ يقول‪ :‬ثم‬
‫ختَ ِ‬
‫ع ْندَ َر ّبكُ مْ َت ْ‬
‫المكذّبيك من قومك والمؤمنين منهم ميتون ثُ مّ إ ّنكُ مْ يَوْ مَ القِيامَةِ ِ‬
‫إن جميعكـم المؤمنيـن والكافريـن يوم القيامـة عنـد ربكـم تختصـمون فيأخـذ للمظلوم منكـم مـن‬
‫الظالم‪ ,‬ويفصل بين جميعكم بالحقّ‪.‬‬
‫واختلف أ هل التأو يل في تأو يل ذلك‪ ,‬فقال بعض هم‪ :‬ع نى به اخت صام المؤمن ين والكافر ين‪,‬‬
‫واختصام المظلوم والظالم‪ .‬ذكر من قال ذلك‪:‬‬
‫‪ 23196‬ـ حدثنا عل يّ‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا أبو صالح‪ ,‬قال‪ :‬ثني معاوية‪ ,‬عن علي‪ ,‬عن ابن عباس‪ ,‬في‬
‫ن يقول‪ :‬يخاصـم الصـادق الكاذب‪ ,‬والمظلوم‬
‫َصـمُو َ‬
‫خت ِ‬‫ُمـ َت ْ‬
‫ع ْندَ َر ّبك ْ‬
‫ْمـ القِيامَةِ ِ‬
‫ُمـ يَو َ‬
‫ُمـ إ ّنك ْ‬
‫قوله‪ :‬ث ّ‬
‫الظالم‪ ,‬والمهتدي الضالّ‪ ,‬والضعيف المستكبر‪.‬‬
‫‪ 23197‬ـ حدث ني يو نس‪ ,‬قال‪ :‬أخبر نا ا بن و هب‪ ,‬قال‪ :‬قال ا بن ز يد‪ ,‬في قوله‪ :‬ثُ مّ إ ّنكُ مْ َيوْ مَ‬
‫ن قال‪ :‬أهل السلم وأهل الكفر‪.‬‬
‫صمُو َ‬
‫ختَ ِ‬
‫ع ْندَ َر ّب ُكمْ َت ْ‬
‫القِيامَةِ ِ‬
‫‪ 23198‬ـ حدثني ابن البرقي‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا ابن أبي مريم‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا ابن الدراوردي‪ ,‬قال‪ :‬ثني‬
‫محمد بن عمرو عن يحيى بن عبد الرحمن بن حاطب بن الزبير‪ ,‬قال‪ :‬لما نزلت هذه الَية‪:‬‬
‫صمُونَ قال الزب ير‪ :‬يا ر سول ال‪,‬‬
‫ختَ ِ‬
‫ع ْندَ َر ّبكُ مْ َت ْ‬
‫ن ثُ مّ إ ّنكُ مْ يَوْ مَ ال ِقيَامَةِ ِ‬
‫إنّ كَ َميّ تٌ وإ ّنهُ مْ ّم ّيتُو َ‬
‫أينكر علينا ما كان بيننا في الدنيا مع خواص الذنوب؟ فقال النبي صلى ال عليه وسلم‪َ « :‬نعَ مْ‬
‫حقَ حَ ّقهُ»‪.‬‬
‫ل ذي َ‬
‫حتى يُو َءدّى إلى كُ ّ‬
‫وقال آخرون‪ :‬بل عُني بذلك اختصام أهل السلم‪ .‬ذكر من قال ذلك‪:‬‬
‫‪ 23199‬ـ حدث نا ا بن حم يد‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا يعقوب‪ ,‬عن جع فر‪ ,‬عن سعيد‪ ,‬عن ا بن ع مر‪ ,‬قال‪:‬‬
‫نزلت علينا هذه الَية وما ندري ما تفسيرها حتى وقعت الفتنة‪ ,‬فقلنا‪ :‬هذا الذي وعدنا ربّنا أن‬
‫صمُونَ‪.‬‬
‫ختَ ِ‬
‫ع ْندَ َر ّب ُكمْ َت ْ‬
‫نختصم فيه ُثمّ إ ّن ُكمْ َي ْومَ القِيامَةِ ِ‬
‫‪ 23200‬ـ حدثني يعقوب‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا ا بن علية‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا ابن عون‪ ,‬عن إبراهيم‪ ,‬قال‪ :‬لما‬
‫نزلت‪ :‬إنكَ َميّتٌ وإ ّن ُهمْ َم ّيتُونَ ُثمّ إ ّن ُكمْ‪ ...‬الَية‪ ,‬قالوا‪ :‬ما خصومتنا بيننا ونحن إخوان‪ ,‬قال‪ :‬فلما‬
‫قُتل عثمان بن عفان‪ ,‬قالوا‪ :‬هذه خصومتنا بيننا‪.‬‬
‫‪ 23201‬ـ حُدثت عن ابن أبي جعفر‪ ,‬عن أبيه‪ ,‬عن الربيع بن أنس‪ ,‬عن أبي العالية‪ ,‬في قوله‬
‫ن قال‪ :‬هم أهل القبلة‪.‬‬
‫صمُو َ‬
‫خ َت ِ‬
‫ع ْندَ َربّ ُكمْ َت ْ‬
‫ُثمّ إ ّن ُكمْ يَ ْومَ القِيامَةِ ِ‬
‫وأولى القوال فـي ذلك بال صواب أن يقال‪ :‬عُ ني بذلك‪ :‬إ نك يا مح مد ستموت‪ ,‬وإن كم أي ها‬
‫الناس ستموتون‪ ,‬ثم إن جميعكم أيها الناس تختصمون عند ربكم‪ ,‬مؤمنكم وكافركم‪ ,‬ومحقوكم‬
‫ومبطلوكم‪ ,‬وظالموكم ومظلوموكم‪ ,‬حتى يؤخذ لكلّ منكم ممن لصاحبه قبله حق حقّه‪.‬‬
‫ُمـ‬
‫ع ْندَ َر ّبك ْ‬
‫ْمـ القِيامَةِ ِ‬
‫ُمـ يَو َ‬
‫ُمـ إ ّنك ْ‬
‫عمـ بقوله‪ :‬ث ّ‬
‫وإنمـا قلنـا هذا القول أولى بالصـواب لن ال ّ‬
‫ن خطاب جميع عباده‪ ,‬فلم يخصص بذلك منهم بعضا دون بعض‪ ,‬فذلك على عمومه‬
‫صمُو َ‬
‫ختَ ِ‬
‫َت ْ‬
‫على ما عمه ال به وقد تنزل الَية في معنى‪ ,‬ثم يكون داخلً في حكمها كلّ ما كان في معنى‬
‫ما نزلت به‪.‬‬
‫ب بال صّ ْدقِ إذْ جا َء ُه يقول تعالى ذكره‪ :‬ف من من‬
‫ن أظْلَ مُ ِممّ نْ َكذَ بَ عَلى اللّ هِ و َكذّ َ‬
‫وقوله‪َ :‬فمَ ْ‬
‫خلق ال أعظم فرية ممن كذب على ال‪ ,‬فادّعى أن له ولدا وصاحبه‪ ,‬أو أنه حرّم ما لم يحرمه‬
‫صدْقِ إ ْذ جاءَ هُ يقول‪ :‬وكذّب بكتاب ال إذ أنزله على محمد‪ ,‬وابتعثه ال‬
‫ب بال ّ‬
‫من المطاعم و َكذّ َ‬
‫به ر سولً‪ ,‬وأنكر قول ل إله إل ال‪ .‬وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل‪ .‬ذكر من قال‬
‫ذلك‪:‬‬
‫صدْق إذ جاءَ هُ‪:‬‬
‫‪ 23202‬ـ حدثنا بشر‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا يزيد‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا سعيد‪ ,‬عن قتادة و َكذّ بَ بال ّ‬
‫ج َهنّ مَ َم ْثوًى للْكافِرِي نَ يقول تبارك وتعالى‪ :‬أل يس في النار مأوى‬
‫أي بالقرآن وقوله‪ :‬أَليْ سَ فِي َ‬
‫ومسكن لمن كفر بال‪ ,‬وامتنع من تصديق محمد صلى ال عليه وسلم‪ ,‬واتباعه على ما يدعوه‬
‫إليه مما أتاه به من عند ال من التوحيد‪ ,‬وحكم القرآن؟‬

‫‪34-33‬‬ ‫الية ‪:‬‬


‫ص ْدقِ وَصَ ّدقَ بِ ِه أُوْلَـئِكَ هُمُ ا ْل ُمتّقُونَ * َلهُم‬
‫القول فـي تأويـل قوله تعالى‪{ :‬وَاّلذِي جَآءَ بِال ّ‬
‫حسِنِينَ }‪.‬‬
‫جزَآ ُء ا ْل ُم ْ‬
‫مّا َيشَآءُونَ عِن َد َربّ ِهمْ ذَِلكَ َ‬
‫اختلف أ هل التأو يل في الذي جاء بال صدق و صدّق به‪ ,‬و ما ذلك‪ ,‬فقال بعض هم‪ :‬الذي جاء‬
‫بال صدق ر سول ال صلى ال عل يه و سلم‪ .‬قالوا‪ :‬وال صدق الذي جاء به‪ :‬ل إله إل ال‪ ,‬والذي‬
‫صدّق به أيضا‪ ,‬هو رسول ال صلى ال عليه وسلم‪ .‬ذكر من قال ذلك‪:‬‬
‫‪ 23203‬ـ حدثني عل يّ‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا أبو صالح‪ ,‬قال‪ :‬ثني معاوية‪ ,‬عن عل يّ‪ ,‬عن ا بن عباس‪,‬‬
‫صدّقَ ِبهِ يعني‪ :‬رسوله‪.‬‬
‫صدْقِ يقول‪ :‬من جاء بل إله إل ال َو َ‬
‫قوله‪ :‬وَاّلذِي جاءَ بال ّ‬
‫وقال آخرون‪ :‬الذي جاء بالصدق‪ :‬رسول ال صلى ال عليه وسلم‪ ,‬والذي صدّق به‪ :‬أبو بكر‬
‫رضي ال عنه‪ .‬ذكر من قال ذلك‪:‬‬
‫‪23204‬ـ حدثني أحمد بن منصور‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا أحمد بن مصعد المروزي‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا عمر بن‬
‫إبراهيم بن خالد‪ ,‬عن عبد الملك بن عمير‪ ,‬عن أسيد بن صفوان‪ ,‬عن عليّ رضي ال عنه‪ ,‬في‬
‫ص ْدقِ قال‪ :‬محمد صلى ال عليه وسلم‪ ,‬وصدّق به‪ ,‬قال‪ :‬أبو بكر رضي‬
‫قوله‪ :‬وَاّلذِي جاءَ بال ّ‬
‫ال عنه‪.‬‬
‫وقال آخرون‪ :‬الذي جاء بالصـدق‪ :‬رسـول ال صـلى ال عليـه وسـلم‪ ,‬والصـدق‪ :‬القرآن‪,‬‬
‫والمصدقون به‪ :‬المؤمنون‪ .‬ذكر من قال ذلك‪:‬‬
‫ق قال‪:‬‬
‫صدْ ِ‬
‫‪ 23205‬ـ حدثنا بشر‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا يزيد‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا سعيد‪ ,‬عن قتادة وَاّلذِي جا َء بال ّ‬
‫هذا رسول ال صلى ال عليه وسلم جاء بالقرآن‪ ,‬وصدّق به المؤمنون‪.‬‬
‫‪ 23206‬ـ حدث ني يو نس‪ ,‬قال‪ :‬أخبر نا ا بن و هب‪ ,‬قال‪ :‬قال ا بن ز يد‪ ,‬في قوله‪ :‬وَاّلذِي جاءَ‬
‫ص ْدقِ رسول ال صلى ال عليه وسلم‪ ,‬وصدّق به المسلمون‪.‬‬
‫بال ّ‬
‫وقال آخرون‪ :‬الذي جاء بالصـدق جبريـل‪ ,‬والصـدق‪ :‬القرآن الذي جاء بـه مـن عنـد ال‪,‬‬
‫وصدّق به رسول ال صلى ال عليه وسلم‪ .‬ذكر من قال ذلك‪:‬‬
‫‪23207‬ـ حدثنا محمد‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا أحمد‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا أسباط‪ ,‬عن السديّ‪ ,‬في قوله‪ :‬وَاّلذِي جاءَ‬
‫ص ّدقَ بِ ِه محمد صلى ال عليه وسلم‪.‬‬
‫ص ْدقِ و َ‬
‫بال ّ‬
‫وقال آخرون‪ :‬الذي جاء بال صدق‪ :‬المؤمنون‪ ,‬وال صدق‪ :‬القرآن‪ ,‬و هم الم صدّقون به‪ .‬ذ كر من‬
‫قال ذلك‪:‬‬
‫‪ 23208‬ـ حدث نا ا بن حم يد‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا جر ير‪ ,‬عن من صور‪ ,‬عن مجا هد قوله‪ :‬وَاّلذِي جاءَ‬
‫ِهـ قال‪ :‬الذيـن يجيئون بالقرآن يوم القيامـة‪ ,‬فيقولون‪ :‬هذا الذي أعطيتمونـا‬
‫َصـّدقَ ب ِ‬
‫بالصـدْقِ و َ‬
‫ّ‬
‫فاتبعنا ما فيه‪.‬‬
‫صدّقِ ِب ِه قال‪:‬‬
‫قال‪ :‬ث نا حكام‪ ,‬عن عمرو‪ ,‬عن من صور‪ ,‬عن مجا هد وَاّلذِي جاءَ بال صّ ْدقِ وَ َ‬
‫هم أهل القرآن يجيئون به يوم القيامة يقولون‪ :‬هذا الذي أعطيتمونا‪ ,‬فاتبعنا ما فيه‪.‬‬
‫وال صواب من القول في ذلك أن يقال‪ :‬إن ال تعالى ذكره ع نى بقوله‪ :‬وَاّلذِي جاءَ بال صّ ْدقِ‬
‫وَ صَ ّدقَ بِ ِه كلّ من دعا إلى توحيد ال‪ ,‬وتصديق رسله‪ ,‬والعمل بما ابتعث به رسوله صلى ال‬
‫عليه وسلم من بين رسل ال وأتباعه والمؤمنين به‪ ,‬وأن يقال‪ :‬الصدق هو القرآن‪ ,‬وشهادة أن‬
‫ل إله إل ال‪ ,‬والم صدّق به‪ :‬المؤمنون بالقرآن‪ ,‬من جم يع خلق ال كائ نا من كان من نبيّ ال‬
‫وأتباعه‪.‬‬
‫صدّقَ ِب هِ عُقيب‬
‫ص ْدقِ وَ َ‬
‫وإنما قلنا ذلك أولى بالصواب‪ ,‬لن قوله تعالى ذكره‪ :‬وَاّلذِي جاءَ بال ّ‬
‫صدْقِ إ ْذ جاءَ هُ وذلك ذ مّ من ال للمفترين عليه‪,‬‬
‫ن أظْلَ مُ ِممّ نْ َكذَ بَ على اللّ هِ‪َ ,‬و َكذّ بَ بال ّ‬
‫قوله‪َ :‬فمَ ْ‬
‫المكذّبيـن بتنزيله ووحيـه‪ ,‬الجاحديـن وحدانيتـه‪ ,‬فالواجـب أن يكون عقيـب ذلك مدح مـن كان‬
‫بخلف صفة هؤلء المذموم ين‪ ,‬و هم الذ ين دعو هم إلى توح يد ال‪ ,‬وو صفه بال صفة ال تي هو‬
‫بها‪ ,‬وتصديقهم بتنزيل ال ووحيه‪ ,‬والذي كانوا يوم نزلت هذه الَية‪ ,‬رسول ال صلى ال عليه‬
‫و سلم وأصـحابه و من بعد هم‪ ,‬القائمون في كل ع صر وزمان بالدعاء إلى توح يد ال‪ ,‬وح كم‬
‫يخصـ وصـفه بهذه الصـفة التـي فـي هذه الَيـة على أشخاص‬
‫ّ‬ ‫كتابـه‪ ,‬لن ال تعالى ذكره لم‬
‫بأعيانهم‪ ,‬ول على أهل زمان دون غيرهم‪ ,‬وإنما وصفهم بصفة‪ ,‬ثم مدحهم بها‪ ,‬وهي المجيء‬
‫بال صدق والت صديق به‪ ,‬ف كل من كان كذلك و صفه ف هو دا خل في جملة هذه الَ ية إذا كان من‬
‫بني آدم‪.‬‬
‫ومن الدليل على صحة ما قلنا أن ذلك كذلك في قراءة ابن مسعود‪« :‬واّلذِي نَ جاءُوا بالص ْدقِ‬
‫صدْقِ لم يعن بها واحد‬
‫وصدّقُوا بِ هِ» فقد بين ذلك من قراءته أن الذي من قوله وَاّلذِي جاءَ بال ّ‬
‫جمَا عٌ ذلك صفتهم‪ ,‬ولكن ها أخرجت بل فظ الواحد‪ ,‬إذ لم ت كن مؤق تة‪ .‬وقد‬
‫بعي نه‪ ,‬وأنه مراد بها ِ‬
‫ز عم ب عض أهل العرب ية من البصريين‪ ,‬أن «الذي» في هذا الموضع جُ عل في معنى جما عة‬
‫ك هُ مُ ال ُمتّقُو نَ فجُ عل ال خبر عن «الذي»‬
‫بمنزلة «مَن»‪ .‬وم ما يؤ يد ما قل نا أي ضا قوله‪ :‬أُوَلئِ َ‬
‫َصـدّقَ بِهـِ‪ :‬غيـر الذي جاء‬
‫جماعـا‪ ,‬لنهـا فـي معنـى جماع‪ .‬وأمـا الذيـن قالوا‪ :‬عنـي بقوله‪ :‬و َ‬
‫بالصدق‪ ,‬فقول بعيد من المفهوم‪ ,‬لن ذلك لو كان كما قالوا لكان التنزيل‪ :‬والذي جاء بالصدق‪,‬‬
‫والذي صدق به أولئك هم المتقون فكانت تكون «الذي» مكرّرة مع التصديق‪ ,‬ليكون المصدق‬
‫غيـر المصـدق فأمـا إذا لم يكرّر‪ ,‬فإن المفهوم مـن الكلم‪ ,‬أن التصـديق مـن صـفة الذي جاء‬
‫بال صدق‪ ,‬ل و جه للكلم غ ير ذلك‪ .‬وإذا كان ذلك كذلك‪ ,‬وكا نت «الذي» في مع نى الجماع ب ما‬
‫قد بيّنا‪ ,‬كان الصواب من القول فـي تأويـله ما َبيّنا‪.‬‬
‫ل ثناؤه‪ :‬هؤلء الذيـن هذه صـفتهم‪ ,‬هـم الذيـن اتقوا ال‬
‫ُونـ يقول ج ّ‬
‫ُمـ ال ُمتّق َ‬
‫ِكـ ه ُ‬
‫وقوله‪ :‬أُوَلئ َ‬
‫بتوحيده والبراءة من الوثان والنداد‪ ,‬وأداء فرائضه‪ ,‬واجتناب معاصيه‪ ,‬فخافوا عقابه‪ ,‬كما‪:‬‬
‫‪ 23209‬ـ حدثني عل يّ‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا أبو صالح‪ ,‬قال‪ :‬ثني معاوية‪ ,‬عن عل يّ‪ ,‬عن ا بن عباس‪,‬‬
‫أُوَل ِئكَ ُه ُم ال ُمتّقُونَ يقول‪ :‬اتقوا الشرك‪.‬‬
‫ع ْندَ َر ّبهِ مْ يقول تعالى ذكره‪ :‬ل هم ع ند رب هم يوم القيا مة‪ ,‬ما تشته يه‬
‫وقوله‪َ :‬لهُ مْ ما يَشاءُو نَ ِ‬
‫سنِينَ يقول تعالى ذكره‪ :‬هذا الذي ل هم ع ند رب هم‪ ,‬جزاء‬
‫جزَاءُ ال ُمحْ ِ‬
‫أنف سهم‪ ,‬وتلذّه أعين هم ذل كَ َ‬
‫من أحسن في الدنيا فأطاع ال فيها‪ ,‬وأتمر لمره‪ ,‬وانتهى عما نهاه فيها عنه‪.‬‬

‫‪35‬‬ ‫الية ‪:‬‬


‫جرَهُمْ ِبَأحْسَنِ‬
‫ج ِز َيهُمْ َأ ْ‬
‫عمِلُواْ َو َي ْ‬
‫ع ْنهُمْ أَسْوَأَ اّلذِي َ‬
‫القول فـي تأويـل قوله تعالى‪ِ{ :‬ل ُيكَـ ّفرَ اللّهُ َ‬
‫اّلذِي كَـانُو ْا َي ْعمَلُونَ }‪.‬‬
‫يقول تعالى ذكره‪ :‬وجزى هؤلء المحسـنين ربهـم بإحسـانهم‪ ,‬كـي يكفـر عنهـم أسـوأ الذي‬
‫عملوا في الدن يا من العمال‪ ,‬في ما بين هم وب ين رب هم‪ ,‬ب ما كان من هم في ها من تو بة وإنا بة م ما‬
‫جرَهُ مْ يقول‪ :‬ويثيبهم ثوابهم بأحْ سَنِ الّذي كانُوا في الدنيا‬
‫اجترحوا من السيئات فيها و َيجْزِيهُ مْ أ ْ‬
‫ن مما يرضى ال عنهم دون أسوئها‪ ,‬كما‪:‬‬
‫َي ْعمَلُو َ‬
‫‪23210‬ــ حدثنـي يونـس‪ ,‬قال‪ :‬أخبرنـا ا بن و هب‪ ,‬قال‪ :‬قال ا بن زيـد‪ :‬وَاّلذِي جاءَ بال صّ ْدقِ‬
‫ع ْندَ َر ّبهِ مْ ذل كَ‬
‫وَ صَ ّدقَ بِ ِه أُوَلئِ كَ هُ ُم ال ُمتّقُو نَ‪ :‬أل هم ذنوب‪ ,‬أي ر بّ ن عم َلهُ مْ في ها ما يَشاءُو نَ ِ‬
‫جرَهُ مْ بأحْ سَنِ الّذي كانُوا َي ْعمَلُو نَ‪,‬‬
‫عمِلُوا و َيجْزيَهُم أ ْ‬
‫سوَأَ اّلذِي َ‬
‫ع ْنهُ مْ أ ْ‬
‫ن ِل ُيكَ ّفرَ الّل هُ َ‬
‫سنِي َ‬
‫جزَاءُ ال ُمحْ ِ‬
‫َ‬
‫ت قُلُو ُبهُ مْ‪ ...‬إلى أن بلغ َو َمغْ ِفرَ ٌة لئل ييأس من‬
‫ن إذَا ُذ ِكرَ اللّ هُ َوجِلَ ْ‬
‫ن اّلذِي َ‬
‫وقرأ‪ :‬إنّ ما المُو ْء ِمنُو َ‬
‫ن ال ْمسُلمينَ وال ُمسْلِمات‪ ...‬إلى آخر الَية‪.‬‬
‫لهم الذنوب أن ل يكونوا منهم َو ِر ْزقٌ َكرِيمٌ‪ ,‬وقرأ‪ :‬إ ّ‬

‫‪37-36‬‬ ‫الية ‪:‬‬


‫ن مِن دُونِ هِ وَمَن‬
‫ع ْبدَ هُ َو ُيخَ ّوفُونَ كَ بِاّلذِي َ‬
‫القول ف ـي تأوي ـل قوله تعالى‪{ :‬أََليْ سَ الّل ُه ِبكَا فٍ َ‬
‫ل أََليْسَ الّلهُ ِب َعزِيزٍ ذِي انتِقَامٍ }‪.‬‬
‫ُيضْـلِلِ الّلهُ َفمَا َلهُ ِمنْ هَـادٍ * َومَن َي ْهدِ اللّ ُه َفمَا لَ ُه مِن مّضِ ّ‬
‫ع ْبدَ ُه فقرأ ذلك ب عض قراء المدي نة وعا مة قرّاء‬
‫اختل فت القرّاء في قراءة‪ :‬أَليْ سَ الّل ُه بكا فٍ َ‬
‫س اللّهُ بكافٍ عِبادَ هُ» على الجماع‪ ,‬بمعنى‪ :‬أليس ال بكاف محمدا وأنبياءه من‬
‫أهل الكوفة‪« :‬أَليْ َ‬
‫قبله مـا خوفتهـم أممهـم مـن أن تنالهـم آلهتهـم بسـوء وقرأ ذلك عامـة قرّاء المدينـة والبصـرة‪,‬‬
‫ع ْبدَ ُه على التوحيد‪ ,‬بمعنى‪ :‬أليس ال بكاف عبده محمدا‪.‬‬
‫وبعض قرّاء الكوفة‪ :‬بكافَ َ‬
‫والصـواب مـن القول فـي ذلك أنهمـا قراءتان مشهورتان فـي َقرَأةِ المصـار‪ .‬فبأيتهمـا قرأ‬
‫القارىء فمصيب لصحة َم ْع َنيَ ْيهَما واستفاضة القراءة بهما في َقرَأ ِة المصار‪ .‬وبنحو الذي قلنا‬
‫في ذلك قال أهل التأويل‪ .‬ذكر من قال ذلك‪:‬‬
‫‪ 23211‬ـ حدث ني مح مد‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا أح مد‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا أ سباط‪ ,‬عن ال سدّيّ أَليْ سَ الّل ُه بكا فٍ‬
‫عِبدَهُ يقول‪ :‬محمد صلى ال عليه وسلم‪.‬‬
‫س اللّ ُه بِكا فٍ‬
‫‪ 23212‬ـ حدثني يونس‪ ,‬قال‪ :‬أخبرنا ابن وهب‪ ,‬قال‪ :‬قال ابن زيد‪ ,‬في قوله‪ :‬أَليْ َ‬
‫عَبدَ ُه قال‪ :‬بلى‪ ,‬وال ليكفينه ال ويعزّه وينصره كما وعده‪.‬‬
‫ِهـ يقول تعالى ذكره لنـبيه محمـد صـلى ال عليـه وسـلم‪:‬‬
‫ِنـ دُون ِ‬
‫ِينـ م ْ‬
‫َكـ باّلذ َ‬
‫وقوله‪ :‬و ُيخَ ّوفُون َ‬
‫ويخوّفك هؤلء المشركون يا محمد بالذين من دون ال من الوثان والَلهة أن تصيبك بسوء‪,‬‬
‫ببراءتك منها‪ ,‬وعيبك لها‪ ,‬وال كافيك ذلك‪ .‬وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل‪ .‬ذكر من‬
‫قال ذلك‪:‬‬
‫ن مِنْ دُونِهِ‬
‫‪23213‬ـ حدثنا بشر‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا يزيد‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا سعيد‪ ,‬عن قتادة و ُيخَ ّوفُونَكَ باّلذِي َ‬
‫الَلهـة‪ ,‬قال‪ :‬ب عث رسـول ال صلى ال عل يه و سلم خالد بن الوليـد إلى شعـب ب سُقام ليك سر‬
‫العزّى‪ ,‬فقال سا ِدنُها‪ ,‬و هو قيّم ها‪ :‬يا خالد أ نا أحذّرك ها‪ ,‬إن ل ها شدّة ل يقوم إلي ها ش يء‪ ,‬فم شى‬
‫إليها خالد بالفأس فهشّم أنفها‪.‬‬
‫ن مِ نَ‬
‫ي و ُيخَوفُونَ كَ باّلذِي َ‬
‫‪ 23214‬ـ حدثنا محمد‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا أحمد‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا أسباط‪ ,‬عن السد ّ‬
‫دُونِ ِه يقول‪ :‬بآلهتهم التي كانوا يعبدون‪.‬‬
‫ك باّلذِينَ‬
‫‪23215‬ـ حدثني يونس‪ ,‬قال‪ :‬أخبرنا ابن وهب‪ ,‬قال‪ :‬قال ابن زيد‪ ,‬في قوله‪ :‬و ُيخَ ّوفُونَ َ‬
‫ن دُونِ ِه قال‪ :‬يخوّفونك بآلهتهم التي من دونه‪.‬‬
‫مِ ْ‬
‫ل اللّ هُ َفمَا َل ُه مِ نْ هاد يقول تعالى ذكره‪ :‬ومن يخذله ال فيضلّه عن طريق‬
‫ن يُضْلِ ِ‬
‫وقوله‪َ :‬و َم ْ‬
‫ال حق و سبيل الر شد‪ ,‬ف ما له سواه من مر شد وم سدّد إلى طر يق الح قّ‪ ,‬وموفّق لليمان بال‪,‬‬
‫ن مُضِلّ يقول‪ :‬ومن يوفّقه ال لليمان‬
‫ن َي ْهدِ اللّ ُه َفمَا لَ ُه مِ ْ‬
‫وتصديق رسوله‪ ,‬والعمل بطاعته َومَ ْ‬
‫به‪ ,‬والعمل بكتابه‪ ,‬فما له من مضلّ‪ ,‬يقول‪ :‬فما له من مزيغ يزيغه عن الح قّ الذي هو عليه‬
‫إلى الرتداد إلى الكفر ألَيسَ الّل ُه ب َعزِيزٍ ذِي ا ْنتِقامٍ يقول جل ثناؤه‪ :‬أليس ال يا محمد بعزيز في‬
‫انتقامه من كفرة خلقه‪ ,‬ذي انتقام من أعدائه الجاحدين وحدانيته‪.‬‬

‫‪38‬‬ ‫الية ‪:‬‬


‫ن اللّ هُ قُلْ‬
‫ض َليَقُوُل ّ‬
‫سمَاوَاتِ وَالرْ َ‬
‫ن خَلَ قَ ال ّ‬
‫سأَ ْل َتهُمْ ّم ْ‬
‫القول ف ـي تأوي ـل قوله تعالى‪{ :‬وََلئِن َ‬
‫حمَةٍ‬
‫ضرّ ِه أَ ْو َأرَادَنِي ِب َر ْ‬
‫ضرّ هَلْ ُه نّ كَاشِفَا تُ ُ‬
‫ن َأرَا َدنِ يَ الّل هُ ِب ُ‬
‫ن اللّ ِه إِ ْ‬
‫َأفَرَأ ْيتُم مّا َتدْعُو نَ مِن دُو ِ‬
‫س ِبيَ الّلهُ عََليْهِ َي َت َوكّـلُ ا ْل ُمتَ َوكّلُونَ }‪.‬‬
‫حْ‬‫ح َمتِهِ قُلْ َ‬
‫سكَاتُ َر ْ‬
‫هَلْ ُهنّ ُم ْم ِ‬
‫يقول تعالى ذكره ل نبيه مح مد صلى ال عل يه و سلم‪ :‬ولئن سألت يا مح مد هؤلء المشرك ين‬
‫خلقهنـ ال فإذا‬
‫ّ‬ ‫َنـ خلق السـموات والرض؟ ليقولنـّ‪ :‬الذي‬
‫العادليـن بال الوثان والصـنام‪ :‬م ْ‬
‫ن أرَا َدنِي‬
‫قالوا ذلك‪ ,‬فقل‪ :‬أفرأيتم أيها القوم هذا الذي تعبدون من دون ال من الصنام والَلهة إ ْ‬
‫ن كاشفات عني ما يصيبني به ربي من الضر؟ أوْ‬
‫اللّ ُه ِبضُرَ يقول‪ :‬بشدة في معيشتي‪ ,‬هل ه ّ‬
‫حمَةٍ يقول‪ :‬إن أرادنـي ربـي أن يصـيبني سـعة فـي معيشتـي‪ ,‬وكثرة مالي‪ ,‬ورخاء‬
‫أرَادَنِي ِبرَ ْ‬
‫وعاف ية في بد ني‪ ,‬هل هن مم سكات ع ني ما أراد أن ي صيبني به من تلك الرح مة؟ وترك‬
‫الجواب لسـتغناء السـامع بمعرفـة ذلك‪ ,‬ودللة مـا ظهـر مـن الكلم عليـه‪ .‬والمعنـى‪ :‬فإنهـم‬
‫سيقولون ل‪ ,‬فقل‪ :‬حسبي ال مما سواه من الشياء كلها‪ ,‬إياه أعبد‪ ,‬وإليه أفزع في أموري دون‬
‫كلّ ش يء سواه‪ ,‬فإ نه الكا في‪ ,‬وبيده الضرّ والن فع‪ ,‬ل إلى ال صنام والوثان ال تي ل ت ضر ول‬
‫تنفع‪ ,‬عََليْه َيتَ َوكّلُ ال ُمتَ َوكّلُو نَ يقول‪ :‬على ال يتوكل من هو متوكل‪ ,‬وبه فليثق ل بغيره‪ .‬وبنحو‬
‫الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل‪ .‬ذكر من قال ذلك‪:‬‬
‫ن سأ ْل َت ُهمْ مَ نْ‬
‫‪ 23216‬ـ حدث نا ب شر‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا يز يد‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا سعيد‪ ,‬عن قتادة‪ ,‬قوله‪ :‬وََل ِئ ْ‬
‫ن اللّ هُ حتى بلغ كاشِفا تُ ضُرّ ِه يعني‪ :‬الصنام أ ْو أرَا َدنِي ب َرحْمَةٍ‬
‫ض َليَقُوُل ّ‬
‫سمَوَاتِ والرْ َ‬
‫خَلَ قَ ال ّ‬
‫ح َمتِهِ‪.‬‬
‫هَلْ ُهنّ ُم ْمسِكاتُ َر ْ‬
‫ح َمتِه‪ ,‬فقرأه بعضهم بالضافة وخفض‬
‫ضرّهِ و ُممْسِكاتُ َر ْ‬
‫واختلفت القراء في قراءة كاشِفاتُ ُ‬
‫الضـر والرحمـة‪ ,‬وقرأه بعـض قراء المدينـة وعامـة قرّاء البصـرة بالتنويـن‪ ,‬ونصـب الضـر‬
‫والرحمة‪.‬‬
‫والصواب من القول في ذلك عندنا‪ ,‬أنهما قراءتان مشهورتان‪ ,‬متقاربتا المعنى‪ ,‬فبأيتهما قرأ‬
‫القارىء فمصيب‪ ,‬وهو نظير قوله‪َ :‬كيْد الكافِرينَ في حال الضافة والتنوين‪.‬‬

‫‪40-39‬‬ ‫الية ‪:‬‬


‫عمَلُواْ عََلىَ َمكَا َن ِتكُ ـمْ إِنّي عَامِلٌ فَ سَ ْوفَ َتعَْلمُو نَ‬
‫القول ف ـي تأوي ـل قوله تعالى‪{ :‬قُلْ يَ َقوْ مِ ا ْ‬
‫ب مّقِيمٌ }‪.‬‬
‫عذَا ٌ‬
‫خزِيهِ َو َيحِلّ عََليْهِ َ‬
‫عذَابٌ ُي ْ‬
‫* مَن َي ْأتِيهِ َ‬
‫يقول تعالى ذكره لنـبيه محمـد صـلى ال عليـه وسـلم‪ :‬قـل يـا محمـد لمشركـي قومـك‪ ,‬الذي‬
‫اتخذوا الوثان وال صنام آل هة يعبدون ها من دون ال اعملوا أي ها القوم على تمكن كم من الع مل‬
‫الذي تعملون ومنازلكم‪ ,‬كما‪:‬‬
‫‪23217‬ـ حدثني محمد بن عمرو‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا أبو عاصم‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا عيسى وحدثني الحارث‪,‬‬
‫قال‪ :‬حدثنـا الحسـن‪ ,‬قال‪ :‬حدثنـا ورقاء‪ ,‬جميعـا عـن ابـن أبـي نجيـح‪ ,‬عـن مجاهـد‪ ,‬قوله‪ :‬عَلى‬
‫مَكانَ ِتكُ مْ قال‪ :‬على ناحيتكم إنّي عامِلٌ كذلك على تؤدة على ع مل من سلف من أنبياء ال قبلي‬
‫ن إذا جاءكم بأس ال‪ ,‬من المحقّ منا من المبطل‪ ,‬والرشيد من الغويّ‪.‬‬
‫ف َتعْلَمو َ‬
‫فَسَ ْو َ‬
‫عذَا بٌ يقول تعالى ذكره‪ :‬من يأت يه عذاب يخز يه‪ ,‬ما أتاه من ذلك العذاب‪,‬‬
‫وقوله‪ :‬مَ نْ َي ْأتِي هِ َ‬
‫عذَابٌ ُمقِيمٌ يقول‪ :‬وينزل عليه عذاب دائم ل يفارقه‪.‬‬
‫يعني‪ :‬يذلّه ويهينه وَيحِلّ عََليْهِ َ‬
‫‪41‬‬ ‫الية ‪:‬‬
‫ق فَ ـمَنِ ا ْهتَ ـ َدىَ‬
‫القول ف ـي تأوي ـل قوله تعالى‪{ :‬إِنّآ أَنزَلْنَا عََليْ كَ ا ْل ِكتَا بَ لِلنّ ـاسِ بِا ْلحَ ّ‬
‫فَِلنَفْسِ ِه َومَن ضَـلّ فَإ ّنمَا يَضِلّ عََل ْيهَا َومَآ أَنتَ عََل ْيهِم بِ َوكِـيلٍ }‪.‬‬
‫يقول تعالى ذكره ل نبيه مح مد صلى ال عل يه و سلم‪ :‬إ نا أنزل نا عل يك يا مح مد الكتاب تبيا نا‬
‫ْسـهِ يقول‪ :‬فمـن عمـل بمـا فـي الكتاب الذي أنزلناه إليـه واتبعـه‬
‫بالحقـ فَمَن ا ْه َتدَى فَِلنَف ِ‬
‫ّ‬ ‫للناس‬
‫فلنف سه‪ ,‬يقول‪ :‬فإن ما ع مل بذلك لنف سه‪ ,‬وإيا ها ب غى الخ ير ل غير ها‪ ,‬ل نه أكسـبها ر ضا ال‬
‫والفوز بالجنـة‪ ,‬والنجاة مـن النار‪َ .‬ومَن ْـ ضَلّ يقول‪ :‬ومـن جار عـن الكتاب الذي أنزلناه إليـك‪,‬‬
‫والبيان الذي بيّناه لك‪ ,‬فضل عن قصد المحجة‪ ,‬وزال عن سواء السبيل‪ ,‬فإنما يجوز على نفسه‪,‬‬
‫وإلي ها ي سوق الع طب والهلك‪ ,‬ل نه يك سبها سخط ال‪ ,‬وأل يم عقا به‪ ,‬والخزي الدائم‪ .‬وَ ما أنْ تَ‬
‫عََل ْيهِ ْم ب َوكِ يل يقول تعالى ذكره‪ :‬و ما أ نت يا مح مد على من أر سلتك إل يه من الناس برق يب‬
‫تر قب أعمال هم‪ ,‬وتح فظ علي هم أفعال هم‪ ,‬إن ما أ نت ر سول‪ ,‬وإن ما عل يك البلغ‪ ,‬وعلي نا الح ساب‪,‬‬
‫كما‪:‬‬
‫‪23218‬ـ حدثنا بشر‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا يزيد‪ ,‬حدثنا سعيد‪ ,‬عن قتادة‪ ,‬قوله‪ :‬وَما أنْتَ عََل ْي ِهمْ ب َوكِيلٍ أي‬
‫بحفيظ‪.‬‬
‫‪ 23219‬ـ حدثنا محمد‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا أحمد‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا أسباط‪ ,‬عن السديّ‪ ,‬في قوله‪ :‬وَما أنْ تَ‬
‫ل قال‪ :‬بحفيظ‪.‬‬
‫عََل ْي ِهمْ ب َوكِي ٍ‬

‫‪42‬‬ ‫الية ‪:‬‬


‫ت فِي َمنَامِـهَا‬
‫س حِينَ ِم ْوتِـهَا وَاّلتِي لَمْ َتمُ ْ‬
‫القول فـي تأويـل قوله تعالى‪{ :‬الّلهُ َيتَ َوفّى النفُ َ‬
‫ليَا تٍ لّ َقوْ مٍ‬
‫ن فِي ذَلِ كَ َ‬
‫سمّى إِ ّ‬
‫خ َرىَ إَِلىَ َأجَلٍ مّ َ‬
‫لْ‬‫سكُ الّتِي َقضَىَ عََليْهَا ا ْلمَوْ تَ َو ُيرْ سِلُ ا ُ‬
‫َفيُمْ ِ‬
‫َيتَ َف ّكرُونَ }‪.‬‬
‫يقول تعالى ذكره‪ :‬ومن الدللة على أن اللوهة ل الواحد القهار خالصة دون كلّ ما سواه‪,‬‬
‫أ نه يم يت ويح يي‪ ,‬ويف عل ما يشاء‪ ,‬ول يقدر على ذلك ش يء سواه فج عل ذلك خبرا نبه هم به‬
‫ن مَ ْوتِها فيقبضها عند فناء أجلها‪ ,‬وانقضاء مدة‬
‫على عظيم قُدرته‪ ,‬فقال‪ :‬اللّ ُه َيتَ َوفّى النْفُ سَ حِي َ‬
‫سكُ التي َقضَى‬
‫حياتها‪ ,‬ويتوفى أيضا التي لم تمت في منامها‪ ,‬كما التي ماتت عند مماتها َف ُيمْ ِ‬
‫عََليْ ها المَوْ تَ‪ .‬ذُ كر أن أرواح الحياء والموات تلت قي في المنام‪ ,‬فيتعارف ما شاء ال من ها‪,‬‬
‫فإذا أراد جميعها الرجوع إلى أجسادها أمسك ال أرواح الموات عنده وحبسها‪ ,‬وأرسل أرواح‬
‫الحياء ح تى تر جع إلى أج سادها إلى أ جل م سمى وذلك إلى انقضاء مدة حيات ها‪ .‬وبن حو الذي‬
‫قلنا في ذلك قال أهل التأويل‪ .‬ذكر من قال ذلك‪:‬‬
‫‪ 23220‬ـ حدثنا ابن حميد‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا يعقوب‪ ,‬عن جعفر‪ ,‬عن سعيد بن جُبير‪ ,‬في قوله‪ :‬اللّ هُ‬
‫ن مَ ْوتِها‪ ...‬الَية‪ .‬قال‪ :‬يجمع بين أرواح الحياء‪ ,‬وأرواح الموات‪ ,‬فيتعارف‬
‫لنْفُ سَ حِي َ‬
‫َيتَ َوفّى ا َ‬
‫منها ما شاء ال أن يتعارف‪ ,‬فيمسك التي قضى عليها الموت‪ ,‬ويُرسل الخرى إلى أجسادها‪.‬‬
‫‪ 23221‬ـ حدث نا مح مد بن الح سين‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا أح مد بن المف ضل‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا أ سباط‪ ,‬عن‬
‫ن مَ ْوتِ ها قال‪ :‬تق بض الرواح ع ند نيام النائم‪ ,‬فتق بض‬
‫س حِي َ‬
‫لنْفُ َ‬
‫ال سديّ‪ ,‬في قوله‪ :‬اللّ هُ َيتَوَفّى ا َ‬
‫روحه في منامه‪ ,‬فتلقى الرواح بعضها بعضا‪ :‬أرواح الموتى وأرواح النيام‪ ,‬فتلتقي فتساءل‪,‬‬
‫قال‪ :‬فيخلّي عن أرواح الحياء‪ ,‬فتر جع إلى أج سادها‪ ,‬وتر يد الخرى أن تر جع‪ ,‬فيح بس ال تي‬
‫قضى عليها الموت‪ ,‬ويرسِلُ الخرى إلى أجل مسمى‪ ,‬قال‪ :‬إلى بقية آجالها‪.‬‬
‫‪ 23222‬ـ حدث ني يو نس‪ ,‬قال‪ :‬أخبر نا ا بن و هب‪ ,‬قال‪ :‬قال ا بن ز يد‪ ,‬في قوله‪ :‬اللّ هُ َيتَوَفّى‬
‫سكُ التي َقضَى عََليْها المَ ْو تَ‬
‫ت فِي منَامِها قال‪ :‬فالنوم وفاة َف ُيمْ ِ‬
‫ن مَوْتها والتي لَ ْم َتمُ ْ‬
‫س حِي َ‬
‫لنْفُ َ‬
‫اَ‬
‫سمّى‪.‬‬
‫خرَى التي لم يقبضها إلى أجَلٍ ُم َ‬
‫لْ‬‫و ُي ْرسِلُ ا ُ‬
‫وقوله‪ :‬إنّـ فِي ذلك َـ لَيات ٍـ لِ َقوْم ٍـ َيتَ َف ّكرُون َـ يقول تعالى ذكره‪ :‬إن فـي قبـض ال نفـس النائم‬
‫والميت وإرساله بعدُ نَفْسَ هذا ترجع إلى جسمها‪ ,‬وحبسه لغيرها عن جسمها لعبرةً وعظة لمن‬
‫تفكر وتدبر‪ ,‬وبيانا له أن ال يحيي من يشاء من خلقه إذا شاء‪ ,‬ويميت من شاء إذا شاء‪.‬‬

‫‪44-43‬‬ ‫الية ‪:‬‬


‫ل َيمِْلكُو نَ‬
‫ل أَوََلوْ كَـانُواْ َ‬
‫ن اللّ ِه شُ َفعَآءَ قُ ْ‬
‫خذُو ْا مِن دُو ِ‬
‫القول ف ـي تأويـل قوله تعالى‪{ :‬أَ مِ ا ّت َ‬
‫جعُونَ }‪.‬‬
‫سمَاوَاتِ وَالرْضِ ُثمّ إَِل ْيهِ ُت ْر َ‬
‫جمِيعا لّ ُه مُ ْلكُ ال ّ‬
‫ن * قُل لِلّ ِه الشّفَاعَ ُة َ‬
‫شيْئا َولَ َيعْقِلُو َ‬
‫َ‬
‫يقول تعالى ذكره‪ :‬أم اتخذ هؤلء المشركون بال من دونه آلهتهم التي يعبدونها شفعاء تشفع‬
‫ن يقول تعالى ذكره‬
‫شيْئا وَل َيعْقِلُو َ‬
‫ل هم ع ند ال في حاجات هم‪ .‬وقوله‪ :‬قُلْ أوَلَ ْو كانُوا ل َيمِْلكُو نَ َ‬
‫ل نبيه مح مد صلى ال عل يه و سلم‪ :‬قل يا مح مد ل هم‪ :‬أتتخذون هذه الَل هة شفعاء ك ما تزعمون‬
‫ولو كانوا ل يملكون ل كم نف عا ول ضرا‪ ,‬ول يعقلون شيئا‪ ,‬قل ل هم‪ :‬إن تكونوا تعبدون ها لذلك‪,‬‬
‫وتش فع ل كم ع ند ال‪ ,‬فأخل صوا عبادت كم ل‪ ,‬وأفردوه باللو هة‪ ,‬فإن الشفا عة جمي عا له‪ ,‬ل يش فع‬
‫عنده إل من أذن له‪ ,‬ورضي له قولً‪ ,‬وأنتم متى أخلصتم له العبادة‪ ,‬فدعوتموه‪ ,‬وشفعكم ل ُه ملكُ‬
‫ال سمواتِ والرض‪ ,‬يقول‪ :‬له سلطان ال سموات والرض ومُلك ها‪ ,‬و ما تعبدون أي ها المشركون‬
‫جعُو نَ يقول‪ :‬ثم إلى‬
‫من دونه له يقول‪ :‬فاعبدوا الملك ل المملوك الذي ل يملك شيئا‪ .‬ثُ مّ إَل ْي ِه ُترْ َ‬
‫ال مصيركم‪ ,‬وهو معاقبكم على إشراككم به‪ ,‬إن متم على شرككم‪.‬‬
‫ومعنـى الكلم‪ :‬ل الشفاعـة جميعـا‪ ,‬له مُلك السـموات والرض‪ ,‬فاعبدوا المالك الذي له مُلك‬
‫ال سموات والرض‪ ,‬الذي يقدر على نفع كم في الدن يا‪ ,‬وعلى ضرّ كم في ها‪ ,‬وع ند مرجع كم إل يه‬
‫بعد مماتكم‪ ,‬فإنكم إليه ترجعون‪ .‬وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل‪ .‬ذكر من قال ذلك‪:‬‬
‫ن اللّ هِ‬
‫ن دُو ِ‬
‫خذُوا مِ ْ‬
‫‪ 23223‬ـ حدث نا ب شر‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا يز يد‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا سعيد‪ ,‬عن قتادة أ مِ ا ّت َ‬
‫شيْئا الشفاعة‪.‬‬
‫ن َ‬
‫شُفَعاء الَلهة قُلْ أوَلَ ْو كانُوا ل َيمِْلكُو َ‬
‫‪23224‬ـ حدثني محمد بن عمرو‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا أبو عاصم‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا عيسى وحدثني الحارث‪,‬‬
‫قال‪ :‬حدث نا الح سين‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا ورقاء جمي عا عن ا بن أ بي نج يح‪ ,‬عن مجا هد‪ ,‬قوله‪ :‬قُلْ لِلّ هِ‬
‫جمِيعا قال‪ :‬ل يشفع عنده أحد إل بإذنه‪.‬‬
‫الشّفاعَ ُة َ‬

‫‪45‬‬ ‫الية ‪:‬‬


‫ُونـ‬
‫ل يُ ْؤ ِمن َ‬
‫ِينـ َ‬
‫ُوبـ اّلذ َ‬
‫ّتـ قُل ُ‬
‫ش َمأَز ْ‬
‫َهـ ا ْ‬
‫حد ُ‬‫ّهـ َو ْ‬
‫القول فــي تأويــل قوله تعالى‪{ :‬وَِإذَا ُذ ِكرَ الل ُ‬
‫س َت ْبشِرُونَ }‪.‬‬
‫ن مِن دُونِ ِه ِإذَا ُهمْ َي ْ‬
‫لخِرَةِ وَِإذَا ُذكِرَ اّلذِي َ‬
‫بِا َ‬
‫يقول تعالى ذكره‪ :‬وإذا أفرد ال جلّ ثناؤه بالذكر‪ ,‬فدعي وحده‪ ,‬وقيل ل إله إل ال‪ ,‬اشمأزّت‬
‫قلوب الذ ين ل يؤمنون بالمعاد والب عث ب عد الممات‪ .‬وع ني بقوله‪ :‬اشْمأَزّ تْ‪ :‬نفرت من توح يد‬
‫ن مِ نْ دُونِ هِ يقول‪ :‬وإذا ذُكر الَلهة التي يدعونها من دون ال مع ال‪ ,‬فقيل‪:‬‬
‫ال‪ .‬وَإذَا ُذ ِكرَ اّلذِي َ‬
‫تلك الغرانيـق العُلى‪ ,‬وإن شفاعتهـا لترتجـى‪ ,‬إذا الذيـن ل يؤمنون بالَخرة يسـتبشرون بذلك‬
‫ويفرحون‪ ,‬كما‪:‬‬
‫حدَ هُ‬
‫‪23225‬ـ حدثنا بشر‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا يزيد‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا سعيد‪ ,‬عن قتادة‪ ,‬قوله‪ :‬وَإذَا ُذكِرَ الّلهُ َو ْ‬
‫ن مِ نْ‬
‫لخِرَة‪ :‬أي نفرت قلوب هم وا ستكبرت وَإذَا ُذكِرَ اّلذِي َ‬
‫ن با َ‬
‫ن ل يُو ْء ِمنُو َ‬
‫اشْمأَزّ تْ قُلُو بُ اّلذِي َ‬
‫س َت ْبشِرُونَ‪.‬‬
‫دُونِ ِه الَلهة إذَا ُهمْ َي ْ‬
‫‪23226‬ـ حدثني محمد بن عمرو‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا أبو عاصم‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا عيسى وحدثني الحارث‪,‬‬
‫قال‪ :‬حدثنا الحسن‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا ورقاء‪ ,‬جميعا عن ابن أبي نجيح‪ ,‬عن مجاهد‪ ,‬قوله‪ :‬اشمأَزّ تْ‬
‫قال‪ :‬انقبضت‪ ,‬قال‪ :‬وذلك يوم قرأ عليهم «النجم» عند باب الكعبة‪.‬‬
‫‪ 23227‬ـ حدثنا محمد‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا أحمد‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا أسباط‪ ,‬عن السديّ قوله‪ :‬اشْمأزّ تْ قال‪:‬‬
‫نفرت وَإذَا ُذ ِكرَ اّلذِينَ ِمنْ دُو ِنهِ أوثانهم‪.‬‬

‫‪46‬‬ ‫الية ‪:‬‬


‫شهَادَةِ‬
‫ت وَالرْ ضِ عَالِ مَ ا ْل َغيْ بِ وَال ّ‬
‫سمَاوَا ِ‬
‫طرَ ال ّ‬
‫القول ف ـي تأوي ـل قوله تعالى‪{ :‬قُلِ الّلهُ مّ فَا ِ‬
‫ختَلِفُونَ }‪.‬‬
‫عبَا ِدكَ فِي مَا كَانُو ْا فِي ِه َي ْ‬
‫ح ُكمُ َبيْنَ ِ‬
‫أَنتَ َت ْ‬
‫يقول تعالى ذكره لنـبيه محمـد صـلى ال عليـه وسـلم‪ :‬قـل يـا محمـد‪ ,‬ال خالق السـموات‬
‫والرض عال مَ ال َغيْ بِ والشّهادَ ِة الذي ل تراه الب صار‪ ,‬ول تح سه العيون والشهادة الذي تشهده‬
‫حكُ مُ بي نَ عِبادِ كَ فتف صل بين هم بالح قّ يوم تجمع هم لف صل‬
‫ت َت ْ‬
‫أب صار خل قه‪ ,‬وتراه أعين هم أنْ َ‬
‫ختَلِفُو نَ من القول فيك‪ ,‬وفي عظمتك وسلطانك‪ ,‬وغير‬
‫القضاء بينهم فيما كانُوا فِي ِه في الدنيا َي ْ‬
‫ذلك مـن اختلفهـم بينهـم‪ ,‬فتقضـي يومئذ بيننـا وبيـن هؤلء المشركيـن الذيـن إذا ذكرت وحدك‬
‫اشمأزّت قلوبهـم‪ ,‬وإذا ذكـر مَن ْـ دونـك اسـتبشروا بالحقـّ‪ .‬وبنحـو الذي قلنـا فـي ذلك قال أهـل‬
‫التأويل‪ .‬ذكر من قال ذلك‪:‬‬
‫طرَ‬
‫‪ 23228‬ـ حدث نا مح مد‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا أح مد‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا أ سباط‪ ,‬عن ال سديّ‪ ,‬في قوله‪ :‬فا ِ‬
‫سمَوَاتِ والرْضِ فاطر‪ :‬قال خالق‪ .‬وفي قوله عاِل َم ال َغيْبِ قال‪ :‬ما غاب عن العباد فهو يعلمه‪,‬‬
‫ال ّ‬
‫وَالشّهادَةِ‪ :‬ما عرف العباد وشهدوا‪ ,‬فهو يعلمه‪.‬‬

‫‪47‬‬ ‫الية ‪:‬‬


‫جمِيعا َو ِمثْلَهُـ َمعَهُـ‬
‫القول فــي تأويــل قوله تعالى‪{ :‬وَلَ ْو أَنّـ لِّلذِينَـ ظََلمُو ْا مَا فِي الرْضِـ َ‬
‫سبُونَ }‪.‬‬
‫ح َت ِ‬
‫ن اللّ ِه مَا َلمْ َيكُونُواْ َي ْ‬
‫ب يَ ْومَ ا ْل ِقيَامَةِ َو َبدَا َل ُهمْ مّ َ‬
‫سوَءِ ا ْل َعذَا ِ‬
‫لفْ َتدَوْ ْا بِ ِه مِن ُ‬
‫َ‬
‫يقول تعالى ذكره‪ :‬ولو أن لهؤلء المشرك ين بال يوم القيا مة‪ ,‬و هم الذ ين ظلموا أنف سهم ما‬
‫جمِيعا في الدنيا من أموالها وزينتها َو ِمثْلَ ُه َمعَهُ مضاعفا‪ ,‬فقبل ذلك منهم عوضا من‬
‫فِي الرْض َ‬
‫أنف سهم‪ ,‬لفدوا بذلك كله أنف سهم عو ضا من ها‪ ,‬لين جو من سوء عذاب ال‪ ,‬الذي هو معذّب هم به‬
‫ن اللّ هِ يقول‪ :‬وظهر لهم يومئذ من أمر ال وعذابه‪ ,‬الذي كان أعدّه لهم‪ ,‬ما لم‬
‫يومئذ َو َبدَا َلهُ مْ مِ َ‬
‫يكونوا قبل ذلك يحتسبون أنه أعدّه لهم‪.‬‬

‫‪48‬‬ ‫الية ‪:‬‬


‫ِهـ‬
‫َاقـ بِهِم مّا كَانُواْ ب ِ‬
‫سبُواْ َوح َ‬
‫سـّيئَاتُ مَا كَــ َ‬
‫ُمـ َ‬
‫القول فــي تأويــل قوله تعالى‪َ { :‬و َبدَا َله ْ‬
‫ستَ ْه ِزئُونَ }‪.‬‬
‫َي ْ‬
‫سبُوا من العمال في‬
‫سيّئاتُ ما كَ َ‬
‫يقول تعالى ذكره‪ :‬وظ هر لهؤلء المشرك ين يوم القيا مة َ‬
‫الدنيا‪ ,‬إذ أعطوا كتبهم بشمائلهم وَحا قَ ِبهِ مْ ما كانوا بِ هِ يَ سْ َت ْه ِزئُونَ ووجب عليهم حينئذ‪ ,‬فلزمهم‬
‫عذاب ال الذي كان نبيّ ال صلى ال عليه وسلم في الدنيا يعدهم على كفرهم بربهم‪ ,‬فكانوا به‬
‫يسخرون‪ ,‬إنكارا أن يصيبهم ذلك‪ ,‬أو ينالهم تكذيبا منهم به‪ ,‬وأحاط ذلك بهم‪.‬‬
‫‪49‬‬ ‫الية ‪:‬‬
‫ضرّ دَعَانَا ثُ مّ ِإذَا خَوّ ْلنَا ُه ِن ْعمَةً مّنّا قَالَ‬
‫القول ف ـي تأوي ـل قوله تعالى‪َ { :‬فِإذَا مَ سّ الِن سَانَ ُ‬
‫ل ِهيَ ِف ْتنَةٌ وَلَـكِنّ َأ ْك َثرَ ُهمْ لَ َيعَْلمُونَ }‪.‬‬
‫ِإ ّنمَآ أُوتِيتُهُ عََلىَ عِ ْلمٍ بَ ْ‬
‫يقول تعالى ذكره‪ :‬فإذا أصاب النسان بؤس وشدّة دعانا مستغيثا بنا من جهة ما أصابه من‬
‫الضرّ‪ ,‬ثُ مّ إذَا خَوّلْنا ُه ِن ْعمَةً مِنّا يقول‪ :‬ثم إذا أعطيناه فر جا م ما كان ف يه من الضرّ‪ ,‬بأن أبدلناه‬
‫بالضرّ رخاء وسـعة‪ ,‬وبالسـقم صـحة وعافيـة‪ ,‬فقال‪ :‬إنمـا أعطيـت الذي أعطيـت مـن الرخاء‬
‫والسعة في المعيشة‪ ,‬والصحة في البدن والعافية‪ ,‬على علم عندي‪ ,‬يعني على علم من ال بأني‬
‫له أهل لشرفي ورضاه بعملي (عندي) يعني‪ :‬فيما عندي‪ ,‬كما يقال‪ :‬أنت محسن في هذا المر‬
‫عندي‪ :‬أي فيما أظنّ وأحسب‪ .‬وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل‪ .‬ذكر من قال ذلك‪:‬‬

‫‪ 23229‬ـ حدثنا بشر‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا يزيد‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا سعيد‪ ,‬عن قتادة‪ ,‬قوله‪ :‬ثُ مّ إذَا خَوّلْنا هُ ِن ْعمَةً‬
‫ِمنّا حتى بلغ عَلى عِ ْلمِ عندي‪ :‬أي على خير عندي‪.‬‬
‫‪23230‬ـ حدثني محمد بن عمرو‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا أبو عاصم‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا عيسى وحدثني الحارث‪,‬‬
‫قال‪ :‬حدثنا الحسن‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا ورقاء‪ ,‬جميعا عن ابن أبي نجيح‪ ,‬عن مجاهد‪ ,‬قوله‪ :‬إذَا خَوّلْنا هُ‬
‫ِن ْعمَةً ِمنّا قال‪ :‬أعطيناه‪.‬‬
‫وقوله‪ :‬أُوتِيتُهُ عَلى عِ ْلمٍ‪ :‬أي على شرف أعطانيه‪.‬‬
‫ي فِ ْتنَ ٌة يقول تعالى ذكره‪ :‬بل عطيتنا إياهم تلك النعمة من بعد الضرّ الذي كانوا‬
‫وقوله‪ :‬بَلْ هَ َ‬
‫ن أ ْك َثرَهُ مْ لجهلهم‪ ,‬وسوء رأيهم‬
‫فيه فتنة لهم يعني بلء ابتليناهم به‪ ,‬واختبارا اختبرناهم به وََلكِ ّ‬
‫ل َيعَْلمُونَ لي سبب أعطوا ذلك‪ .‬وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل‪ .‬ذكر من قال ذلك‪:‬‬
‫ي ِفتْنَةٌ‪ :‬أي بلء‪.‬‬
‫‪23231‬ـ حدثنا بشر‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا يزيد‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا سعيد‪ ,‬عن قتادة بَلْ ِه َ‬
‫‪51-50‬‬ ‫الية ‪:‬‬
‫ع ْنهُمْ مّا كَانُو ْا َيكْسِبُونَ *‬
‫غ َنىَ َ‬
‫القول فـي تأويـل قوله تعالى‪َ { :‬قدْ قَاَلهَا اّلذِينَ مِن َقبِْلهِمْ َفمَآ َأ ْ‬
‫سبُواْ وَمَا هُ مْ‬
‫س ّيئَاتُ مَا كَ َ‬
‫س ُيصِي ُب ُهمْ َ‬
‫لءِ َ‬
‫ن ظََلمُواْ ِم نْ هَ ـ ُؤ َ‬
‫سبُواْ وَاّلذِي َ‬
‫س ّيئَاتُ مَا كَ َ‬
‫َفأَ صَا َبهُمْ َ‬
‫ِب ُم ْعجِزِينَ }‪.‬‬
‫يقول تعالى ذكره‪ :‬قد قال هذه المقالة يعنـي قول هم‪ :‬لنع مة ال ال تي خول هم و هم مشركون‪:‬‬
‫ن مِ نْ َقبِْلهِ مْ يع ني‪ :‬الذي من ق بل مشر كي ُقرَ يش من ال مم الخال ية‬
‫أوتيناه على علم عند نا اّلذِي َ‬
‫سبُونَ يقول‪ :‬فلم‬
‫ع ْنهُ مْ ما كانُوا َيكْ َ‬
‫لر سلها‪ ,‬تكذي با من هم ل هم‪ ,‬وا ستهزاء ب هم‪ .‬وقوله‪ :‬فَمَا أغْنَى َ‬
‫ي غن عن هم ح ين أتا هم بأس ال على تكذيب هم ر سل ال وا ستهزائهم ب هم ما كانوا يك سبون من‬
‫العمال‪ ,‬وذلك عبادت هم الوثان‪ .‬يقول‪ :‬لم تنفع هم خدمت هم إيا ها‪ ,‬ولم تش فع آلهت هم ل هم ع ند ال‬
‫سبُوا يقول‪ :‬فأ صاب الذ ين‬
‫سيّئاتُ ما كَ َ‬
‫حينئذ‪ ,‬ولكن ها أ سلمتهم و تبرأت من هم‪ .‬وقوله‪ :‬فأَ صَا َبهُمْ َ‬
‫قالوا هذه المقالة من ال مم الخال ية‪ ,‬وبال سيئات ما ك سبوا من العمال‪ ,‬فعوجلوا بالخزي في‬
‫سفَ اللّ ُه بِهِ َو ِبدَارِهِ‬
‫خَ‬‫ع ْندِي فَ َ‬
‫دار الدنيا‪ ,‬وذلك كقارون الذي قال حين وعظ إ ّنمَا أُوتِيتُهُ عَلى عِ ْلمٍ ِ‬
‫ن يقول ال جل‬
‫ن ال ُم ْنتَ صِري َ‬
‫صرُونَ ُه مِ نْ دُون الّل ِه وَ ما كا نَ ِم َ‬
‫ن ِفئَةٍ َينْ ُ‬
‫ن لَ هُ ِم ْ‬
‫الرْ ضَ فَ ما كا َ‬
‫ن هَولَءِ يقول ل نبيه مح مد صلى ال عل يه و سلم‪ :‬والذ ين كفروا بال يا‬
‫ن ظََلمُوا مِ ْ‬
‫ثناؤه‪ :‬وَاّلذِي َ‬
‫سبُوا كما‬
‫محمد من قومك‪ ,‬وظلموا أنفسهم وقالوا هذه المقالة سيُصِي ُبهُمْ أيضا وبال س ّيئَاتُ مَا كَ َ‬
‫ن يقول‪ :‬وما يفوتون ربهم ول يسبقونه هربا‬
‫جزِي َ‬
‫أصاب الذين من قبلهم بقيلهموها وَما هُ ْم ِب ُمعْ ِ‬
‫ن َتجِد‬
‫ن قَبْلُ وَلَ ْ‬
‫سنّةَ الّل ِه فِي اّلذِي نَ خََلوْا مِ ْ‬
‫في الرض من عذابه إذا نزل بهم‪ ,‬ولكنه يصيبهم ُ‬
‫لِسُن ِة اللّهِ َت ْبدِيلً ففعل ذلك بهم‪ ,‬فأحلّ بهم خزيه في عاجل الدنيا فقتلهم بالسيف يوم بدر‪ .‬وبنحو‬
‫الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل‪ .‬ذكر من قال ذلك‪:‬‬
‫‪ 23232‬ـ حدثنا محمد بن الحسين‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا أحمد‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا أسباط‪ ,‬عن السدي َقدْ قَالَها‬
‫ن ظََلمُوا من هؤلء‪ ,‬قال‪ :‬من أ مة مح مد صلى ال عل يه‬
‫اّلذِي نَ ِم نَ َقبِْلهِ ْم ال مم الماض ية وَاّلذِي َ‬
‫وسلم‪.‬‬

‫‪52‬‬ ‫الية ‪:‬‬


‫سطُ ال ّرزْ قَ لِمَن َيشَآءُ َويَ ْق ِدرُ إِ نّ فِي‬
‫القول ف ـي تأويـل قوله تعالى‪َ{ :‬أوَلَ مْ َيعَْلمُوَ ْا أَ نّ الّل َه َيبْ ُ‬
‫ليَاتٍ لّ َق ْومٍ يُ ْؤ ِمنُونَ }‪.‬‬
‫ذَِلكَ َ‬
‫يقول تعالى ذكره‪ :‬أو لم يعلم يا مح مد هؤلء الذ ين كشف نا عنهم ضر هم‪ ,‬فقالوا‪ :‬إن ما أوتيناه‬
‫على علم منـا‪ ,‬أن الشدة والرخاء والسـعة والضيـق والبلء بيـد ال‪ ,‬دون كلّ من سـواه‪ ,‬يبسـط‬
‫الرزق ل من يشاء‪ ,‬فيو سعه عل يه‪ ,‬ويقدر ذلك على من يشاء من عباده‪ ,‬فيضي قه‪ ,‬وأن ذلك من‬
‫حجـج ال على عباده‪ ,‬ليعتـبروا بـه ويتذكروا‪ ,‬ويعلموا أن الرغبـة إليـه والرهبـة دون الَلهـة‬
‫والنداد‪ .‬إنّـ فِي ذلك لَياتٍـ يقول‪ :‬إن فـي بسـط ال الرزق لمـن يشاء‪ ,‬وتقتيره على مـن أراد‬
‫الَيات‪ ,‬يع ني‪ :‬دللت وعلمات ِلقَوْ مٍ يُو ْء ِمنُو نَ يع ني‪ :‬ي صدّقون بالح قّ‪ ,‬فيقرّون به إذا تبيّنوه‬
‫وعلموا حقيقته أن الذي يفعل ذلك هو ال دون كل ما سواه‪.‬‬

‫‪53‬‬ ‫الية ‪:‬‬


‫القول فـي تأويـل قوله تعالى‪:‬‬
‫جمِيعا‬
‫ب َ‬
‫ن الّلهَ َيغْ ِفرُ ال ّذنُو َ‬
‫س ِهمْ لَ تَ ْق َنطُو ْا مِن ّرحْمَ ِة اللّ ِه إِ ّ‬
‫س َرفُواْ عََلىَ أَنفُ ِ‬
‫ل َي ِعبَادِيَ اّلذِي نَ أَ ْ‬
‫{قُ ْ‬
‫ِإنّ ُه هُ َو ا ْلغَفُورُ ال ّرحِيمُ }‪.‬‬
‫عنُوا بهذه الَية‪ ,‬فقال بعضهم‪ :‬عني بها قوم من أهل الشرك‪,‬‬
‫اختلف أهل التأويل في الذين ُ‬
‫قالوا ل ما دعوا إلى اليمان بال‪ :‬ك يف نؤ من و قد أشرك نا وزني نا‪ ,‬وقتل نا الن فس ال تي حرّم ال‪,‬‬
‫وال يعد فاعل ذلك النار‪ ,‬فما ينفعنا مع ما قد سلف منا اليمان‪ ,‬فنزلت هذه الَية‪ .‬ذكر من قال‬
‫ذلك‪:‬‬
‫‪ 23233‬ـ حدثني محمد بن سعد‪ ,‬قال‪ :‬ثني أبي‪ ,‬قال‪ :‬ثني عمي‪ ,‬قال‪ :‬ثني أبي‪ ,‬عن أبيه‪ ,‬عن‬
‫حمَةِ الّل ِه وذلك أن أهل مكة‬
‫ن َر ْ‬
‫سهِمْ ل تَ ْق َنطُوا ِم ْ‬
‫ابن عباس‪ :‬قُل يا عِبادِيَ اّلذِينَ أسْ َرفُوا على أنْفُ ِ‬
‫قالوا‪ :‬يزعم محمد أنه من عبد الوثان‪ ,‬ود عا مع ال إلها آخر‪ ,‬وقتل الن فس التي حرّم ال لم‬
‫يغفر له‪ ,‬فكيف نهاجر ونسلم‪ ,‬وقد عبدنا الَلهة‪ ,‬وقتلنا النفس التي حرّم ال ونحن أهل الشرك؟‬
‫حمَةِ الّل هِ يقول‪ :‬ل تيأ سوا من‬
‫ن َر ْ‬
‫س ِهمْ ل َت ْقنَطُوا مِ ْ‬
‫ن أَ سْ َرفُوا على أنْفُ ِ‬
‫فأنزل ال‪ :‬يا عِبادِ يَ اّلذِي َ‬
‫رحمتي‪ ,‬إن ال يغفر الذنوب جميعا وقال‪ :‬وأنِيبُوا إلى َربّكُ مْ وأ سِْلمُوا َل هُ وإنما يعاتب ال أولي‬
‫اللباب وإن ما الحلل والحرام ل هل اليمان‪ ,‬فإيا هم عا تب‪ ,‬وإيا هم أ مر إن أ سرف أحد هم على‬
‫نفسه‪ ,‬أن ل يقنط من رحمة ال‪ ,‬وأن ينيب ول يبطىء بالتوبة من ذلك السراف‪ ,‬والذنب الذي‬
‫غ ِفرْ لَنا‬
‫عمل وقد ذكر ال في سورة آل عمران المؤمنين حين سألوا ال المغفرة‪ ,‬فقالوا‪َ :‬ربّنا ا ْ‬
‫ت أقْدَامَنا فينبغي أن يعلم أنهم قد كانوا يصيبون السراف‪ ,‬فأمرهم‬
‫ُذنُوبَنا وَإسْرافَنا فِي أ ْمرِنا َو َثبّ ْ‬
‫بالتوبة من إسرافهم‪.‬‬
‫‪23234‬ـ حدثني محمد بن عمرو‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا أبو عاصم‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا عيسى وحدثني الحارث‪,‬‬
‫قال‪ :‬حدث نا الح سن‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا ورقاء‪ ,‬جمي عا عن ا بن أ بي نج يح‪ ,‬عن مجا هد‪ ,‬في قول ال‪:‬‬
‫س ِهمْ قال‪ :‬قتل النفس في الجاهلية‪.‬‬
‫س َرفُوا على أنْ ُف ِ‬
‫اّلذِينَ َأ ْ‬
‫‪ 23235‬ـ حدثنا ابن حميد‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا سلمة‪ ,‬قال‪ :‬ثني ابن إسحاق‪ ,‬عن بعض أصحابه‪ ,‬عن‬
‫عطاء بن ي سار‪ ,‬قال‪ :‬نزلت هذه الَيات الثلث بالمدي نة في وحش يّ وأ صحابه يا عِبادِ يَ اّلذِي نَ‬
‫شعُرُونَ‪.‬‬
‫ن َي ْأتِي ُكمُ ال َعذَابُ َب ْغتَةً وأ ْن ُتمْ ل َت ْ‬
‫ن قَبْلِ أ ْ‬
‫س ِهمْ إلى قوله‪ :‬مِ ْ‬
‫َأسْ َرفُوا على أنْ ُف ِ‬
‫‪ 23236‬ـ حدث ني يو نس‪ ,‬قال‪ :‬أخبر نا ا بن و هب‪ ,‬قال‪ :‬أخبرني أبو صخر‪ ,‬قال‪ :‬قال ز يد بن‬
‫حمَةِ الّل ِه قال‪ :‬إن ما هي‬
‫ن َر ْ‬
‫سهِ ْم ل تَ ْق َنطُوا مِ ْ‬
‫أ سلم‪ ,‬في قوله‪ :‬يا عِبادِ يَ اّلذِي نَ أ سْ َرفُوا على أنْفُ ِ‬
‫للمشركين‪.‬‬
‫‪ 23237‬ـ حدث نا ب شر‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا يز يد‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا سعيد‪ ,‬عن قتادة‪ ,‬قوله‪ :‬يا عِبادِ يَ اّلذِي نَ‬
‫جمِي عا قال‪ :‬ذ كر ل نا أن أنا سا أ صابوا ذنو با عظا ما في‬
‫س ِهمْ ح تى بلغ ال ّذنُو بَ َ‬
‫أ سْ َرفُوا على أنْفُ ِ‬
‫الجاهل ية‪ ,‬فل ما جاء ال سلم أشفقوا أن ل يُتاب علي هم‪ ,‬فدعا هم ال بهذه الَ ية‪ :‬يا عِبادِ يَ اّلذِي نَ‬
‫س ِهمْ‪.‬‬
‫أسْ َرفُوا على أنْ ُف ِ‬
‫‪ 23238‬ـ حدثنا محمد‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا أحمد‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا أسباط‪ ,‬عن السديّ في قوله‪ :‬يا عِبادِ يَ‬
‫س ِهمْ قال‪ :‬هؤلء المشركون من أهل مكة‪ ,‬قالوا‪ :‬كيف نجيبك وأنت تزعم‬
‫س َرفُوا على أنْفُ ِ‬
‫اّلذِي نَ أ ْ‬
‫أنـه مـن زنـى‪ ,‬أو قتـل‪ ,‬أو أشرك بالرحمـن كان هالكـا مـن أهـل النار؟ فكلّ هذه العمال قـد‬
‫س ِهمْ‪.‬‬
‫سرَفُوا على أنْ ُف ِ‬
‫نأْ‬
‫عملناها فأنزلت فيهم هذه الَية‪ :‬يا عِبا ِديَ اّلذِي َ‬
‫‪ 23239‬ـ حدثني يونس‪ ,‬قال‪ :‬أخبرنا ابن وهب‪ ,‬قال‪ :‬قال ابن زيد‪ ,‬في قوله‪ :‬يا عِبادِ يَ اّلذِي نَ‬
‫حمَةِ اللّهـِ‪ ...‬الَيـة قال‪ :‬كان قوم مسـخوطين فـي أهـل‬
‫ِنـ َر ْ‬
‫ُسـِهمْ ل َت ْقنَطُوا م ْ‬
‫أسـ َرفُوا على أنْف ِ‬
‫ْ‬
‫الجاهل ية‪ ,‬فل ما ب عث ال نبيه قالوا‪ :‬لو أتي نا محمدا صلى ال عل يه و سلم فآم نا به واتبعناه فقال‬
‫بعض هم لب عض‪ :‬ك يف يقبل كم ال ور سوله في دي نه؟ فقالوا‪ :‬أل نب عث إلى ر سول ال صلى ال‬
‫س ِهمْ ل تَ ْق َنطُوا‬
‫س َرفُوا على أنْفُ ِ‬
‫نأ ْ‬
‫عل يه و سلم رجلً؟ فل ما بعثوا‪ ,‬نزل القرآن‪ :‬قُل يا عِبادِ يَ اّلذِي َ‬
‫سنِين‪.‬‬
‫حِ‬‫ن ال ُم ْ‬
‫حمَ ِة اللّ ِه فقرأ حتى بلغ‪ :‬فأكُونَ مِ َ‬
‫ن رَ ْ‬
‫مِ ْ‬
‫‪23240‬ـ حدثنا ابن حميد‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا جرير‪ ,‬عن منصور‪ ,‬عن الشعبيّ‪ ,‬قال‪ :‬تجالس شتير بن‬
‫شكل ومسروق فقال شتير‪ :‬إما أن تحدث ما سمعت من ابن مسعود فأصدّقك‪ ,‬وإما أن أحدّث‬
‫فت صدّقني فقال م سروق‪ :‬ل بل حدّث فأ صدّقك‪ ,‬فقال‪ :‬سمعت ا بن م سعود يقول‪ :‬إن أ كبر آ ية‬
‫حمَةِ الّل هِ فقال م سروق‪:‬‬
‫ن َر ْ‬
‫س ِهمْ ل َت ْقنَطُوا مِ ْ‬
‫ن أ سْ َرفُوا على أنْفُ ِ‬
‫فرجا في القرآن يا عِبادِ يَ اّلذِي َ‬
‫صدقت‪.‬‬
‫وقال آخرون‪ :‬بل عُ ني بذلك أ هل ال سلم‪ ,‬وقالوا‪ :‬تأو يل الكلم‪ :‬إن ال يغ فر الذنوب جمي عا‬
‫لمن يشاء‪ ,‬قالوا‪ :‬وهي كذلك في مصحف عبد ال‪ ,‬وقالوا‪ :‬إنما نزلت هذه الَية في قوم صدّهم‬
‫المشركون عن الهجرة وفتنوهم‪ ,‬فأشفقوا أن ل يكون لهم توبة‪ .‬ذكر من قال ذلك‪:‬‬
‫‪ 23241‬ـ حدث نا إبراه يم بن سعيد الجوهري‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا يح يى بن سعيد الموي‪ ,‬عن ا بن‬
‫إسحاق‪ ,‬عن نافع‪ ,‬عن ابن عمر قال‪ :‬قال يعني عمر‪ :‬كنا نقول‪ :‬ما لمن افتتن من توبة وكانوا‬
‫يقولون ما ال بقابل منا شيئا‪ ,‬تركنا السلم ببلء أصابنا بعد معرفته‪ ,‬فلما قدم رسول ال صلى‬
‫حمَةِ‬
‫سهِ ْم ل تَ ْق َنطُوا مِ نْ َر ْ‬
‫سرَفُوا على أنْفُ ِ‬
‫ال عليه وسلم المدينة أنزل ال فيهم‪ :‬يا عِبادِ يَ اّلذِي نَ أ ْ‬
‫اللّهـِ‪ ...‬الَيـة‪ ,‬قال عمـر‪ :‬فكتبتهـا بيدي‪ ,‬ثـم بعثـت بهـا إلى هشام بـن العاص‪ ,‬قال هشام‪ :‬فلمـا‬
‫جاءتني جعلت أقرؤها ول أفهمها‪ ,‬فوقع في نفسي أنها أنزلت فينا لما كنا نقول‪ ,‬فجلست على‬
‫بعيري‪ ,‬ثم لحقت بالمدينة‪.‬‬
‫‪ 23242‬ـ حدثنا ابن حميد‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا سلمة‪ ,‬قال‪ :‬ثني محمد بن إسحاق‪ ,‬عن نافع‪ ,‬عن ابن‬
‫عمـر‪ ,‬قال‪ :‬إنمـا أنزلت هذه الَيات فـي عياش بـن أبـي ربيعـة‪ ,‬والوليـد بـن الوليـد‪ ,‬ونفـر مـن‬
‫الم سلمين‪ ,‬كانوا أ سلموا ثم فتنوا وعذّبوا‪ ,‬فافتنوا ك نا نقول‪ :‬ل يق بل ال من هؤلء صرفا ول‬
‫عذّبوه‪ ,‬فنزلت هؤلء الَيات‪ ,‬وكان عمـر بـن‬
‫عدلً أبدا قوم أسـلموا ثـم تركوا دينهـم بعذاب ُ‬
‫عيّاش بن أ بي ربي عة‪ ,‬والول يد بن الول يد‪ ,‬إلى‬
‫الخطاب كات با قال‪ :‬فكتب ها بيده ثم ب عث ب ها إلى َ‬
‫أولئك النفر‪ ,‬فأسلموا وهاجروا‪.‬‬
‫‪ 23243‬ـ حدثني يعقوب‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا ابن علية‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا يونس‪ ,‬عن ابن سيرين‪ ,‬قال‪ :‬قال‬
‫ن َي ْعمَلْ‬
‫علي ر ضي ال ع نه‪ :‬أي آ ية في القرآن أو سع؟ فجعلوا يذكرون آيات من القرآن‪َ :‬ومَ ْ‬
‫جدِ الّل هَ غَفُورا َرحِيما ونحوها‪ ,‬فقال علي‪ :‬ما في القرآن‬
‫س َتغْ ِفرِ اللّ َه َي ِ‬
‫سُوءا أ ْو يظْلِ مْ َنفْ سَهُ ثُ مّ يَ ْ‬
‫س ِهمْ‪ ...‬إلى آخر الَية‪.‬‬
‫ن أسْ َرفُوا على أنْ ُف ِ‬
‫آية أوسع من‪ :‬يا عِبا ِديَ اّلذِي َ‬
‫‪23244‬ـ حدثنا أبو السائب‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا أبو معاوية‪ ,‬عن العمش‪ ,‬عن أبي سعيد الزدي‪ ,‬عن‬
‫أ بي الكنود‪ ,‬قال‪ :‬د خل ع بد ال الم سجد‪ ,‬فإذا قا صّ يذ كر النار والغلل‪ ,‬قال‪ :‬فجاء ح تى قام‬
‫سهِمْ‪ ...‬الَية‪.‬‬
‫سرَفُوا على أنْ ُف ِ‬
‫نأْ‬
‫على رأسه‪ ,‬فقال يا مذ ّكرُ أتقنط الناس يا عِبادِيَ اّلذِي َ‬
‫‪23245‬ـ حدثني يونس‪ ,‬قال‪ :‬أخبرنا ابن وهب‪ ,‬قال‪ :‬أخبرني أبو صخر‪ ,‬عن القرظي أنه قال‬
‫حمَ ِة اللّ هِ قال‪ :‬هي للناس‬
‫س ِهمْ ل تَ ْق َنطُوا مِ نْ َر ْ‬
‫س َرفُوا على أنْفُ ِ‬
‫نأ ْ‬
‫في هذه الَ ية‪ :‬يا عِبادِ يَ اّلذِي َ‬
‫أجمعين‪.‬‬
‫‪23246‬ـ حدثني زكريا بن يحيى بن أبي زائدة‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا حجاج‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا ابن لهيعة‪ ,‬عن‬
‫أبي قنبل‪ ,‬قال‪ :‬سمعت أبا عبد الرحمن المزني يقول‪ :‬ثني أبو عبيد الرحمن الجلئي‪ ,‬أنه سمع‬
‫ثوبان مولى ر سول ال صلى ال عل يه و سلم يقول‪ :‬سمعت ر سول ال صلى ال عل يه و سلم‬
‫س ِهمْ ل‬
‫ن أ سْ َرفُوا على أنْفُ ِ‬
‫ل َيةِ»‪ :‬يا عِبادِ يَ اّلذِي َ‬
‫يقول‪ « :‬ما ُأحِ بّ أ نّ لي ال ّدنْ يا وَ ما فِي ها بهَذ هِ ا َ‬
‫ن َرحْمَ ِة اللّ هِ‪ ...‬الَية‪ ,‬فقال رجل‪ :‬يا رسول ال‪ ,‬ومن أشرك؟ فسكت النبي صلى ال‬
‫تَ ْق َنطُوا ِم ْ‬
‫ش َركَ» ثلث َمرّات‪.‬‬
‫ش َركَ‪ ,‬أل َومَنْ أ ْ‬
‫نأْ‬
‫عليه وسلم‪ ,‬ثم قال‪« :‬أَل َومَ ْ‬
‫وقال آخرون‪ :‬نزل ذلك في قوم كانوا يرون أهل الكبائر من أهل النار‪ ,‬فأعلمهم ال بذلك أنه‬
‫يغفر الذنوب جميعا لمن يشاء‪ .‬ذكر من قال ذلك‪:‬‬
‫‪23247‬ـ حدثني ابن البرقي‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا عمرو بن أبي سلمة‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا أبو معاذ الخراساني‪,‬‬
‫عن مقا تل بن حيان‪ ,‬عن نا فع‪ ,‬عن ا بن ع مر‪ ,‬قال‪ :‬ك نا مع شر أ صحاب ر سول ال صلى ال‬
‫عل يه و سلم نرى أو نقول‪ :‬إ نه ل يس ش يء من ح سناتنا إل و هي مقبولة‪ ,‬ح تى نزلت هذه الَ ية‬
‫أطِيعُوا الّل َه وأطِيعُوا الرّ سُولَ وَل ت ْبطِلوا أعْماَلكُ مْ فلما نزلت هذه الَية قلنا‪ :‬ما هذا الذي يبطل‬
‫أعمالنا؟ فقلنا‪ :‬الكبائر والفواحش‪ ,‬قال‪ :‬فكنا إذا رأينا من أصاب شيئا منها قلنا‪ :‬قد هلك‪ ,‬حتى‬
‫ن يَشا ُء فلما نزلت هذه الَية‬
‫ن ذلكَ ِلمَ ْ‬
‫شرَكَ بِهِ َو َيغْ ِفرُ ما دُو َ‬
‫ن ُي ْ‬
‫نزلت هذه الَية إنّ الّل َه ل َيغْ ِف ُر أ ْ‬
‫كفف نا عن القول في ذلك‪ ,‬فك نا إذا رأي نا أحدا أ صاب من ها شيئا خف نا عل يه‪ ,‬وإن لم ي صب من ها‬
‫شيئا رجونا له‪.‬‬
‫وأولى القوال في ذلك بالصواب قول من قال‪ :‬عني تعالى ذكره بذلك جميع من أسرف على‬
‫س ِهمْ جم يع‬
‫سرَفُوا على أ ْنفُ ِ‬
‫نف سه من أ هل اليمان والشرك‪ ,‬لن ال ع مّ بقوله يا عِبادِ يَ اّلذِي نَ أ ْ‬
‫المسرفين‪ ,‬فلم يخصص به مسرفا دون مسرف‪.‬‬
‫ن اللّ هَ‬
‫فإن قال قائل‪ :‬فيغ فر ال الشرك؟ ق يل‪ :‬ن عم إذا تاب م نه المشرك‪ .‬وإن ما ع ني بقوله إ ّ‬
‫جمِيعـا لمـن يشاء‪ ,‬كمـا قـد ذكرنـا قبـل‪ ,‬أن ابـن مسـعود كان يقرؤه‪ :‬وأن ال قـد‬
‫َيغْ ِفرُ الذنُوبَـ َ‬
‫استثنى منه الشرك إذا لم يتب منه صاحبه‪ ,‬فقال‪ :‬إن ال ل يغفر أن يشرك به‪ ,‬ويغفر ما دون‬
‫ل صَالِحا‬
‫عمِ َ‬
‫ن تا بَ وآمَ نَ و َ‬
‫ذلك لمن يشاء‪ ,‬فأخبر أنه ل يغفر الشرك إل بعد توبة بقوله‪ :‬إلّ مَ ْ‬
‫فأما ما عداه فإن صاحبه في مشيئة ربه‪ ,‬إن شاء تفضل عليه‪ ,‬فعفا له عنه‪ ,‬وإن شاء عدل عليه‬
‫فجازاه به‪.‬‬
‫حمَةِ الّلهِ فإنه يعني‪ :‬ل تيأسوا من رحمة ال‪ .‬كذلك‪:‬‬
‫ن َر ْ‬
‫وأما قوله‪ :‬ل َت ْقنَطُوا مِ ْ‬
‫‪ 23248‬ـ حدثني محمد بن سعد قال‪ :‬ثني أبي‪ ,‬قال‪ :‬ثني عمي‪ ,‬قال‪ :‬ثني أبي‪ ,‬عن أبيه‪ ,‬عن‬
‫ابن عباس‪.‬‬
‫وقد ذكرنا ما في ذلك من الروايات قبل فيما مضى وبيّنا معناه‪.‬‬
‫جمِي عا يقول‪ :‬إن ال ي ستر على الذنوب كل ها بعفوه عن أهل ها‬
‫وقوله‪ :‬إ نّ الّل َه َيغْ ِفرُ ال ّذنُو بَ َ‬
‫وتر كه عقوبت هم علي ها إذا تابوا من ها إنّ هُ ُهوَ الغَفُورُ ال ّرحِي مُ ب هم‪ ,‬أن يعاقب هم علي ها ب عد توبت هم‬
‫منها‪.‬‬

‫‪55-54‬‬ ‫الية ‪:‬‬


‫القول فـي تأويـل قوله تعالى‪:‬‬
‫ن * وَا ّت ِبعُ ـوَاْ‬
‫صرُو َ‬
‫{وََأنِ ـيبُوَ ْا إَِلىَ َر ّبكُ مْ وَأَ سِْلمُواْ َل ُه مِن َقبْلِ أَن َي ْأ ِت َيكُ مُ ا ْل َعذَا بُ ثُ مّ لَ تُن َ‬
‫ش ُعرُونَ }‪.‬‬
‫ب َب ْغتَةً وَأَن ُتمْ لَ َت ْ‬
‫ل إَِل ْيكُم مّن ّر ّبكُـمْ مّن َقبْلِ أَن َي ْأ ِت َيكُـمُ ا ْل َعذَا ُ‬
‫حسَنَ مَآ أُنزِ َ‬
‫َأ ْ‬
‫يقول تعالى ذكره‪ :‬وأقبلوا أيها الناس إلى ربكم بالتوبة‪ ,‬وارجعوا إليه بالطاعة له‪ ,‬واستجيبوا‬
‫له إلى ما دعاكم إليه من توحيده‪ ,‬وإفراد اللوهة له‪ ,‬وإخلص العبادة له‪ ,‬كما‪:‬‬
‫‪ 23249‬ـ حدثنا بشر‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا يزيد‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا سعيد‪ ,‬عن قتادة‪ ,‬قوله‪ :‬وَأنِيبُوا إلى َربّكُ مْ‪:‬‬
‫أي أقبلوا إلى ربكم‪.‬‬
‫‪23250‬ـ حدثنا محمد‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا أحمد‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا أسباط‪ ,‬عن السدّي وأنِيبُوا قال‪ :‬أجيبوا‪.‬‬
‫‪23251‬ـ حدثني يونس‪ ,‬قال‪ :‬أخبرنا ابن وهب‪ ,‬قال‪ :‬قال ابن زيد‪ ,‬في قوله‪ :‬وَأنِيبُوا إلى رَ ّبكُمْ‬
‫قال‪ :‬النابة‪ :‬الرجوع إلى الطاعة‪ ,‬والنزوع عما كانوا عليه‪ ,‬أل تراه يقول‪ُ :‬منِيبِينَ إَل ْيهِ وَاتّقُوهُ‪.‬‬
‫ل أ نْ ي ْأ ِت َيكُ مُ‬
‫ن قَبْ ِ‬
‫وقوله‪ :‬وأَ سِْلمُوا َل ُه يقول‪ :‬واخضعوا له بالطا عة والقرار بالد ين الحني في ِم ْ‬
‫ن يقول‪ :‬ثم ل ينصركم ناصر‪ ,‬فينقذكم من عذابه‬
‫صرُو َ‬
‫العَذابُ من عنده على كفركم به ثُمّ ل ُتنْ َ‬
‫النازل بكم‪.‬‬
‫وقوله‪ :‬وَا ّت ِبعُوا أحْسَنَ ما ُأ ْنزِلَ إَل ْيكُمْ مِنْ َر ّبكُمْ يقول تعالى ذكره‪ :‬واتبعوا أيها الناس ما أمركم‬
‫به ربكم في تنزيله‪ ,‬واجتنبوا ما نهاكم فيه عنه‪ ,‬وذلك هو أحسن ما أنزل إلينا من ربنا‪.‬‬
‫فإن قال قائل‪ :‬و من القرآن ش يء و هو أح سن من ش يء؟ ق يل له‪ :‬القرآن كله ح سن‪ ,‬ول يس‬
‫مع نى ذلك ما توه مت‪ ,‬وإن ما معناه‪ :‬واتبعوا م ما أنزل إلي كم رب كم من ال مر والن هي وال خبر‪,‬‬
‫والمثل‪ ,‬والقصص‪ ,‬والجدل‪ ,‬والوعد‪ ,‬والوعيد أحسنه أن تأتمروا لمره‪ ,‬وتنتهوا عما نهى عنه‪,‬‬
‫لن الن هي م ما أنزل في الكتاب‪ ,‬فلو عملوا ب ما نهوا ع نه كانوا عامل ين بأقب حه‪ ,‬فذلك وج هه‪.‬‬
‫وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل‪ .‬ذكر من قال ذلك‪:‬‬
‫‪23252‬ـ حدثنا محمد‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا أحمد‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا أسباط‪ ,‬عن السديّ وا ّت ِبعُوا أحْسَن ما أ ْنزِل‬
‫ن َي ْأ ِت َيكُمُ العَذابُ‪.‬‬
‫ن َقبْلِ أ ْ‬
‫إَليْكمْ مِنْ َر ّب ُكمْ يقول‪ :‬ما أمرتم به في الكتاب مِ ْ‬
‫ُمـ ل‬
‫َذابـ َب ْغتَ ًة يقول‪ :‬مـن قبـل أن يأتيكـم عذاب ال فجأة وأ ْنت ْ‬
‫ُمـ الع ُ‬
‫أنـ َي ْأتِ َيك ُ‬
‫ِنـ قَبْلِ ْ‬
‫وقوله‪ :‬م ْ‬
‫شعُرُونَ يقول‪ :‬وأنتم ل تعلمون به حتى يغشاكم فجأة‪.‬‬
‫َت ْ‬

‫‪56‬‬ ‫الية ‪:‬‬


‫ب اللّ هِ وَإِن‬
‫ت فِي جَن ِ‬
‫س َيحَ سْ َرتَا عََلىَ مَا َفرّطَ ُ‬
‫القول ف ـي تأوي ـل قوله تعالى‪{ :‬أَن تَقُولَ نَفْ ٌ‬
‫ن السّاخِرِينَ }‪.‬‬
‫كُنتُ َلمِ َ‬
‫س بمع نى لئل تقول ن فس‪ :‬يا‬
‫ن تَقُولَ نَفْ ٌ‬
‫يقول تعالى ذكره‪ :‬وأنيبوا إلى رب كم‪ ,‬وأ سلموا له أ ْ‬
‫ن َتمِيدَ ِبكُمْ‬
‫ب اللّ هِ‪ ,‬وهو نظير قوله‪ :‬وألْقَى فِي الرْ ضِ رَوَاسي أ ْ‬
‫جنْ ِ‬
‫حَسْرَتا على ما َفرّطْتُ في َ‬
‫بمعنى‪ :‬أن ل تميد بكم‪ ,‬فأن‪ ,‬إذ كان ذلك معناه‪ ,‬في موضع نصب‪.‬‬

‫سرَتا يعني أن تقول‪ :‬يا ندما‪ ,‬كما‪:‬‬


‫حْ‬‫وقولهّ‪ :‬يا َ‬
‫‪ 23253‬ـ حدث ني مح مد بن الح سين‪ ,‬قال‪ :‬ث ني أح مد بن المف ضل‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا أ سباط‪ ,‬عن‬
‫حسْرَتا قال‪ :‬الندامة‪.‬‬
‫السدي‪ ,‬في قوله‪ :‬يا َ‬
‫سرَتا هي كناية المتكلم‪ ,‬وإنما أريد‪ :‬يا حسرتي ولكن العرب تحوّل الياء‬
‫واللف في قوله يا حَ ْ‬
‫في كنا ية ا سم المتكلم في ال ستغاثة أل فا‪ ,‬فتقول‪ :‬يا ويل تا‪ ,‬و يا ند ما‪ ,‬فيخرجون ذلك على ل فظ‬
‫الدعاء‪ ,‬وربما قيل‪ :‬يا حسرة على العباد‪ ,‬كما قيل‪ :‬يا لهف‪ ,‬ويا لهفا عليه وذكر الفراء أن أبا‬
‫ن أنشده‪:‬‬
‫َثرْوا َ‬
‫حوَاطِبِ‬
‫َتزُورُونَها وَل أزُو ُر نِسا َء ُك ْمأََل ْهفِ لَوْلدِ الماء ال َ‬
‫خفضا كما يخفض في النداء إذا أضافه المتكلم إلى نفسه‪ ,‬وربما أدخلوا الهاء بعد هذه اللف‪,‬‬
‫فيخفضونها أحيانا‪ ,‬ويرفعونها أحيانا وذكر الفراء أن بعض بني أسد أنشد‪:‬‬
‫ك َأسَ ْلعَفْرَا َء يا َربّاهُ ِمنْ َقبْلِ الجَلْ‬
‫يا رَبّ يا َربّاهِ إيّا َ‬
‫خف ضا‪ ,‬قال‪ :‬والخ فض أك ثر في كلم هم‪ ,‬إل في قول هم‪ :‬يا هَناه‪ ,‬و يا َهنْتاه‪ ,‬فإن الر فع في ها‬
‫أكثر من الخفض‪ ,‬لنه كثير في الكلم‪ ,‬حتى صار كأنه حرف واحد‪.‬‬
‫جنْ بِ الّل هِ يقول‪ :‬على ما ضي عت من الع مل ب ما أمر ني ال به‪,‬‬
‫وقوله‪ :‬على ما فَ ّرطْ تُ فِي َ‬
‫وقصرت في الدنيا في طاعة ال‪ .‬وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل‪ .‬ذكر من قال ذلك‪:‬‬
‫‪ 23254‬ـ حدث نا ا بن حم يد‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا حكام‪ ,‬عن عنب سة‪ ,‬عن مح مد بن ع بد الرح من‪ ,‬عن‬
‫ب اللّ هِ يقول‪ :‬في‬
‫جنْ ِ‬
‫القاسم بن أبي بزّة‪ ,‬عن مجاهد‪ ,‬في قوله‪ :‬يا حَ سْ َرتَا على ما فَ ّرطْ تُ فِي َ‬
‫أمر ال‪.‬‬
‫حدث ني مح مد بن عمرو‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا أ بو عا صم‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا عي سى وحدث ني الحارث‪ ,‬قال‪:‬‬
‫حدثنا الحسن‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا ورقاء‪ ,‬جميعا عن ابن أبي نجيح‪ ,‬عن مجاهد‪ ,‬في قول ال‪ :‬على ما‬
‫جنْبِ الّلهِ قال‪ :‬في أمر ال‪.‬‬
‫فَ ّرطْتُ فِي َ‬
‫‪ 23255‬ـ حدث نا مح مد‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا أح مد‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا أ سباط‪ ,‬عن ال سديّ‪ ,‬في قوله‪ :‬على ما‬
‫جنْبِ الّلهِ قال‪ :‬تركت من أمر ال‪.‬‬
‫فَ ّرطْتُ فِي َ‬
‫خرِينَ يقول‪ :‬وإن كنت لمن المستهزئين بأمر ال وكتابه ورسوله‬
‫ن ال سّا ِ‬
‫ت َلمِ َ‬
‫وقوله‪ :‬وَإ نْ ُكنْ ُ‬
‫والمؤمنين به‪ .‬وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل‪ .‬ذكر من قال ذلك‪:‬‬
‫س يا‬
‫ل نَفْ ٌ‬
‫ن تَقُو َ‬
‫‪23256‬ـ حدثنا بشر‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا يزيد‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا سعيد‪ ,‬عن قتادة في قوله‪ :‬أ ْ‬
‫خرِينَ قال‪ :‬فلم يكفه أن ضيع طاعة ال‬
‫ن السّا ِ‬
‫ت َلمِ َ‬
‫ن ُكنْ ُ‬
‫جنْبِ الّلهِ وَإ ْ‬
‫سرَتا على ما َفرّطْتُ فِي َ‬
‫حَ ْ‬
‫حتى جعل يسخر بأهل طاعة ال‪ ,‬قال‪ :‬هذا قول صنف منهم‪.‬‬
‫ن ُكنْ تُ َلمِ نَ‬
‫‪ 23257‬ـ حدث نا مح مد‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا أح مد‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا أ سباط‪ ,‬عن ال سديّ وَإ ْ‬
‫السّاخِرِينَ يقول‪ :‬من المستهزئين بالنبي صلى ال عليه وسلم وبالكتاب‪ ,‬وبما جاء به‪.‬‬

‫‪58-57‬‬ ‫الية ‪:‬‬


‫ت مِ نَ ا ْل ُمتّقِي نَ * أَ ْو تَقُولَ‬
‫ن اللّ َه َهدَانِي َلكُـن ُ‬
‫القول فـي تأويـل قوله تعالى‪َ{ :‬أوْ تَقُولَ َل ْو أَ ّ‬
‫سنِينَ }‪.‬‬
‫حِ‬‫ن مِنَ ا ْل ُم ْ‬
‫حِينَ َترَى ا ْل َعذَابَ َلوْ َأنّ لِي كَـرّ ًة َفَأكُو َ‬
‫يقول تعالى ذكره‪ :‬وأنيبوا إلى ربكم أيها الناس‪ ,‬وأسلموا له‪ ,‬أن ل تقول نفس يوم القيامة‪ :‬يا‬
‫حسرتا على ما فرّطت في جنب ال‪ ,‬في أمر ال‪ ,‬وأن ل تقول نفس أخرى‪ :‬لو أن ال هداني‬
‫للح قّ‪ ,‬فوفق ني للرشاد لك نت م من اتقاه بطاع ته واتباع رضاه‪ ,‬أو أن ل تقول أخرى ح ين ترى‬
‫ن الذ ين‬
‫ن مِ نَ ال ُمحْ سِني َ‬
‫ن لي َكرّةً تقول‪ :‬لو أن لي رج عة إلى الدن يا فأكُو َ‬
‫عذاب ال فتعاي نه َلوْ أ ّ‬
‫أح سنوا في طا عة رب هم‪ ,‬والع مل ب ما أمرت هم به الر سل‪ .‬وبن حو الذي قل نا في ذلك قال أ هل‬
‫التأويل‪ .‬ذكر من قال ذلك‪:‬‬
‫سرَتا على ما َف ّرطْ تُ‬
‫‪ 23258‬ـ حدثنا بشر‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا يزيد‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا سعيد‪ ,‬عن قتادة يا حَ ْ‬
‫ل لَ ْو أ نّ الّل َه َهدَانِي‪ ...‬الَية‪ ,‬قال‪ :‬هذا‬
‫ب اللّ هِ‪ ...‬الَية‪ ,‬قال‪ :‬هذا قول صنف منهم أوْ تَقُو َ‬
‫جنْ ِ‬
‫فِي َ‬
‫ن َترَى ال َعذَا بَ‪ ...‬الَ ية‪ ,‬يع ني بقوله لَ ْو أ نّ لي َكرّ ًة رج عة إلى‬
‫ل حِي َ‬
‫قول صنف آ خر‪ :‬أوْ َتقُو َ‬
‫الدنيا‪ ,‬قال‪ :‬هذا صنف آخر‪.‬‬
‫‪ 23259‬ـ حدثني عل يّ‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا أبو صالح‪ ,‬قال‪ :‬ثني معاوية‪ ,‬عن عل يّ‪ ,‬عن ا بن عباس‪,‬‬
‫جنْ بِ الّل ِه قال‪ :‬أخبر ال ما العباد قائلوه قبل‬
‫سرَتا على ما َفرّطْ تُ فِي َ‬
‫س يا حَ ْ‬
‫ل نَفْ ٌ‬
‫ن تَقُو َ‬
‫قوله‪ :‬أ ْ‬
‫سرَتا على ما‬
‫س يا حَ ْ‬
‫ل نَفْ ٌ‬
‫ن تَقُو َ‬
‫خبِيرً أ ْ‬
‫أن يقولوه‪ ,‬وعملهم قبل أن يعملوه‪ ,‬قال‪ :‬وَل ُي َن ّبئُ كَ ِمثْلُ َ‬
‫ن يقول‪ :‬من‬
‫ن ال ُمحْ سِني َ‬
‫ن مِ َ‬
‫ن اللّ َه َهدَانِي‪ ...‬إلى قوله‪ :‬فأكُو َ‬
‫ل لَ ْو أ ّ‬
‫جنْ بِ الّل هِ أوْ َتقُو َ‬
‫فَ ّرطْ تُ فِي َ‬
‫المهتديـن‪ ,‬فأخـبر ال سـبحانه أنهـم لو ُردّوا لم يقدروا على الهدي‪ ,‬وقال‪ :‬وََلوْ ُردّوا َلعَادُوا لمَا‬
‫عنْ هُ وَإ ّنهُ مْ َلكَا ِذبُو نَ وقال‪َ :‬ونُقَّل بُ أ ْف ِئ َدتِهُ مْ وأبْ صَارَ ُهمْ كما لم يؤمنوا به أول مرة‪ ,‬قال‪ :‬ولو‬
‫ُنهُوا َ‬
‫ردوا إلى الدنيا لحيل بينهم وبين الهدى‪ ,‬كما حلنا بينهم وبينه أول مرة وهم في الدنيا‪.‬‬
‫و في ن صب قوله فَأكُو نَ وجهان أحده ما‪ :‬أن يكون ن صبه على أ نه جواب لو والثا ني‪ :‬على‬
‫الرد على موضع الكرة‪ ,‬وتوجيه الكرة في المعنى إلى‪ :‬لو أن لي أن أكر‪ ,‬كما قال الشاعر‪:‬‬
‫عنْ ُركْبانِها أ ْينَ َي ّممُوا؟‬
‫حسْرَ ٍة َوتَسأَلَ َ‬
‫فَما َلكَ ِمنْها غيرُ ِذكْرى َو َ‬
‫فنصـب تسـأل عطفـا بهـا على موضـع الذكرى‪ ,‬لن معنـى الكلم‪ :‬فمالك (‪ )...‬بيرسـلَ على‬
‫موضع الوحي في قوله‪ :‬إلّ َوحْيا‪.‬‬

‫‪59‬‬ ‫الية ‪:‬‬


‫القول فــي تأويــل قوله تعالى‪{ :‬بََلىَ َقدْ جَآ َءتْكَـ آيَاتِي َف َك ّذبْتَـ بِهَا وَاس ْـَت ْك َبرْتَ َوكُنتَـ مِنَـ‬
‫ا ْلكَا ِفرِينَ }‪.‬‬
‫ن لي َكرّةً‬
‫ن ال ُمتّقِي نَ‪ ,‬وللقائل‪ :‬لَ ْو أ ّ‬
‫ت مِ َ‬
‫يقول تعالى ذكره مكذبا للقائل‪َ :‬لوْ أ نّ الّل هَ َهدَانِي َل ُكنْ ُ‬
‫سنِينَ‪ :‬ما القول كما تقولون بَلَى َقدْ جا َءتْ كَ أيها المتمني على ال الرد إلى الدنيا‬
‫فأكُو نَ ِم نَ ال ُمحْ ِ‬
‫لتكون فيها من المحسنين آياتِي يقول‪ :‬قد جاءتك حججي من بين رسول أرسلته إليك‪ ,‬وكتاب‬
‫ستَ ْك َبرْتَ عن قبول ها‬
‫ت بآيا تي وا ْ‬
‫أنزل ته يتلى عل يك ما ف يه من الو عد والوع يد والتذ كر َف َكذّبْ َ‬
‫ن ب سنتهم‪ ,‬ويت بع‬
‫ن الكا ِفرِي نَ يقول‪ :‬وك نت م من يع مل ع مل الكافر ين‪ ,‬وي س ّ‬
‫واتباع ها و ُكنْ تُ ِم َ‬
‫منهاجهم‪ .‬وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل‪ .‬ذكر من قال ذلك‪:‬‬
‫‪ 23260‬ـ حدث نا ب شر‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا يز يد‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا سعيد‪ ,‬عن قتادة‪ :‬يقول ال ردّا لقول هم‪,‬‬
‫وتكذي با ل هم‪ ,‬يع ني لقول القائل ين‪َ :‬لوْ أ نّ الّل هَ هَدانِي‪ ,‬وال صنف الَ خر‪ :‬بَلى َقدْ جا َءتْ كَ إيا تي‪...‬‬
‫الَية‪.‬‬
‫ت على وجه المخاطبة للذكور‪ ,‬قرأه القرّاء‬
‫وبفتح الكاف والتاء من قوله َقدْ جا َءتْكَ آياتِي َف َكذّبْ َ‬
‫في جميع أمصار السلم‪ .‬وقد رُوي عن رسول ال صلى ال عليه وسلم أنه قرأ ذلك بكسر‬
‫جميعه على وجه الخطاب للنفس‪ ,‬كأنه قال‪ :‬أن تقول نفس‪ :‬يا حسرتا على ما فرّطت في جنب‬
‫ال‪ ,‬بلى قد جاءت كِ أيتها النفس آياتي‪ ,‬فكذّب تِ بها‪ ,‬أجرى الكلم كله على النفس‪ ,‬إذا كان ابتداء‬
‫الكلم ب ها جرى‪ ,‬والقراءة ال تي ل أ ستجيز خلف ها‪ ,‬ما جاءت به قرّاء الم صار مجم عة عل يه‪,‬‬
‫نقلً عن رسول ال صلى ال عليه وسلم‪ ,‬وهو الفتح في جميع ذلك‪.‬‬

‫‪60‬‬ ‫الية ‪:‬‬


‫القول ف ـي تأوي ـل قوله تعالى‪َ { :‬ويَوْ َم الْ ِقيَامَ ِة تَرَى اّلذِي نَ َك َذبُواْ عَلَى الّل ِه ُوجُوهُهُم مّ سْ َودّةٌ‬
‫ج َه ّنمَ َمثْوًى لّ ْل ُم َت َكبّرِينَ }‪.‬‬
‫أََليْسَ فِي َ‬
‫ّهـ مـن قومـك‬
‫ِينـ َك َذبُوا على الل ِ‬
‫ْمـ القِيامَ ِة َترَى يـا محمـد هؤلء اّلذ َ‬
‫يقول تعالى ذكره‪َ :‬ويَو َ‬
‫فزعموا أن له ولدا‪ ,‬وأن له شريكا‪ ,‬وعبدوا آلهة من دونه ُوجُو ُههُ ْم مُ سْ َودّةٌ والوجوه وإن كانت‬
‫مرفوعة بمسودة‪ ,‬فإن فيها معنى نصب‪ ,‬لنها مع خبرها تمام ترى‪ ,‬ولو تقدّم قوله مسودّة قبل‬
‫الوجوه‪ ,‬كان نصـبا‪ ,‬ولو نصـب الوجوه المسـودّة ناصـب فـي الكلم ل فـي القرآن‪ ,‬إذا كانـت‬
‫المسودّة مؤخرة كان جائزا‪ ,‬كما قال الشاعر‪:‬‬
‫ن أمْ َركِ َلنْ يُطاعَاوَما ألْ َف ْي َتنِي حِ ْلمِي مُضَاعَا‬
‫َذرِينِي إ ّ‬
‫فن صب الحلم والمضاع على تكر ير ألفيت ني‪ ,‬وكذلك تف عل العرب في كلّ ما احتاج إلى ا سم‬
‫و خبر‪ ,‬م ثل ظ نّ وأخوات ها و في «م سودّة» للعرب لغتان‪ :‬م سودّة‪ ,‬وم سوادّة‪ ,‬و هي في أ هل‬
‫الحجاز يقولون فيمـا ذكـر عنهـم‪ :‬قـد اسـوا ّد وجهـه‪ ,‬واحمارّ‪ ,‬واشهابـّ‪ .‬وذكـر بعـض نحويـي‬
‫الب صرة عن بعض هم أ نه قال‪ :‬ل يكون أفعالّ إل في ذي اللون الوا حد ن حو الش هب‪ ,‬قال‪ :‬ول‬
‫يكون في نحو الحمر‪ ,‬لن الشهب لون يحدث‪ ,‬والحمر ل يحدث‪.‬‬
‫ن يقول‪ :‬أليس في جهنم مأوى ومسكن لمن تكبر على‬
‫ج َهنّ مَ َمثْوًى ل ْل ُم َت َكّبرِي َ‬
‫وقوله‪ :‬أَليْ سَ فِي َ‬
‫ال‪ ,‬فامتنع من توحيده‪ ,‬وانتهاء إلى طاعته فيما أمره ونهاه عنه‪.‬‬
‫‪62-61‬‬ ‫الية ‪:‬‬
‫سهُمُ ال سّ َوءُ َولَ هُ مْ‬
‫ل َيمَ ّ‬
‫ن اتّ َقوْاْ ِبمَفَا َز ِتهِ مْ َ‬
‫القول ف ـي تأوي ـل قوله تعالى‪َ { :‬و ُينَجّي الّل هُ اّلذِي َ‬
‫شيْءٍ َوكِيلٌ }‪.‬‬
‫ل َ‬
‫شيْءٍ وَهُوَ عََلىَ كُ ّ‬
‫َيحْ َزنُونَ * اللّ ُه خَاِلقُ كُـلّ َ‬
‫يقول تعالى ذكره‪ :‬وينجـي ال مـن جهنـم وعذابهـا‪ ,‬الذيـن اتقوه بأداء فرائضـه‪ ,‬واجتناب‬
‫معاصيه في الدنيا‪ ,‬بمفازتهم‪ :‬يعني بفوزهم‪ ,‬وهي مفعلة منه‪ .‬وبنحو الذي قلنا في تأويل ذلك‬
‫قال أهل التأويل‪ ,‬وإن خالفت ألفاظ بعضهم اللفظة التي قلناها في ذلك ذكر من قال ذلك‪:‬‬
‫‪23261‬ـ حدثني محمد‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا أحمد‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا أسباط‪ ,‬عن السدي‪ ,‬في قوله‪َ :‬و ُي ْنجّي الّلهُ‬
‫اّلذِينَ اتّقُوا بِمفَا َز ِت ِهمْ قال‪ :‬بفضائلهم‪.‬‬
‫‪23262‬ـ حدثني يونس‪ ,‬قال‪ :‬أخبرنا ابن وهب‪ ,‬قال‪ :‬قال ابن زيد في قوله‪َ :‬و ُي ْنجّي اللّ ُه اّلذِي نَ‬
‫ن أ ْوزَارِ اّلذِي نَ‬
‫اتّقُوا بِمفَا َزتِهِ مْ قال‪ :‬بأعمال هم‪ ,‬قال‪ :‬والَخرون يحملون أوزار هم يوم القيا مة َومِ ْ‬
‫ُيضِلّو َنهُمْ بغَيرِ عِ ْلمٍ أل سا َء ما َيزِرُونَ‪.‬‬
‫واختل فت القراء في ذلك‪ ,‬فقرأ ته عا مة قراء المدي نة‪ ,‬وب عض قراء م كة والب صرة‪ :‬بِمفَازَ ِتهِ مْ‬
‫على التوحيد‪ .‬وقرأته عامة قراء الكوفة‪« :‬بِمفَازَا ِتهِمْ» على الجماع‪.‬‬
‫والصـواب عندي مـن القول فـي ذلك أنهمـا قراءتان مسـتفيضتان‪ ,‬قـد قرأ بكـل واحدة منهمـا‬
‫علماء من القراء فبأيتهما قرأ القارىء فمصيب‪ ,‬لتفاق معنييهما والعرب توحد مثل ذلك أحيانا‬
‫وتجمع بمعنى واحد‪ ,‬فيقول أحدهم‪ :‬سمعت صوت القوم‪ ,‬وسمعت أصواتهم‪ ,‬كما قال جل ثناؤه‪:‬‬
‫حمِيرِ‪ ,‬ولم يقل‪ :‬أصوات الحمير‪ ,‬ولو جاء ذلك كذلك كان صوابا‪.‬‬
‫ت ال َ‬
‫ن َأ ْنكَ َر الصْوَاتِ َلصَوْ ُ‬
‫إّ‬
‫حزَنُو نَ يقول تعالى ذكره‪ :‬ل ي مس المتق ين من أذى جه نم‬
‫س ُهمُ ال سّوءُ وَل هُ مْ َي ْ‬
‫وقوله‪ :‬ل َيمَ ّ‬
‫شيء‪ ,‬وهو السوء الذي أخبر جل ثناؤه أنه لن يمسهم‪ ,‬ول هم يحزنون يقول‪ :‬ول هم يحزنون‬
‫على ما فاتهم من آراب الدنيا‪ ,‬إذ صاروا إلى كرامة ال ونعيم الجنان‪.‬‬
‫ل يقول تعالى ذكره‪ :‬ال الذي له اللوهة‬
‫شيْءٍ وهُ َو على كل شيءٍ َوكِي ٌ‬
‫وقوله‪ :‬اللّ هُ خالِ قُ كُلّ َ‬
‫من كل خلقه الذي ل تصلح العبادة إل له‪ ,‬خالق كل شيء‪ ,‬ل ما ل يقدر على خلق شيء‪ ,‬وهو‬
‫على كل شيء وكيل يقول‪ :‬وهو على كل شيء قيم بالحفظ والكلءة‪.‬‬

‫‪63‬‬ ‫الية ‪:‬‬


‫ن كَ َفرُواْ بِ ـآيَاتِ الّل هِ‬
‫سمَاوَاتِ وَالرْ ضِ وَاّلذِي َ‬
‫القول ف ـي تأوي ـل قوله تعالى‪ّ{ :‬ل هُ مَقَالِيدُ ال ّ‬
‫سرُونَ }‪.‬‬
‫أُوْلَـ ِئكَ ُهمُ ا ْلخَا ِ‬
‫يقول تعالى ذكره‪ :‬له مفاتيح خزائن السموات والرض‪ ,‬يفتح منها على من يشاء‪ ,‬ويمسكها‬
‫عمن أحب من خلقه واحدها‪ :‬مقليد‪ .‬وأما القليد‪ :‬فواحد القاليد‪ .‬وبنحو الذي قلنا في ذلك قال‬
‫أهل التأويل‪ .‬ذكر من قال ذلك‪:‬‬
‫‪ 23263‬ـ حدثني عل يّ‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا أبو صالح‪ ,‬قال‪ :‬ثني معاوية‪ ,‬عن عل يّ‪ ,‬عن ا بن عباس‪,‬‬
‫ض مفاتيحها‪.‬‬
‫ت والرْ ِ‬
‫سمَوَا ِ‬
‫قوله‪ :‬مَقالِيدُ ال ّ‬
‫سمَوَاتِ‬
‫‪ 23264‬ـ حدثنا بشر‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا يزيد‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا سعيد‪ ,‬عن قتادة‪ ,‬قوله‪ :‬لَ ُه مَقالِيدُ ال ّ‬
‫والرْضِ أي مفاتيح السموات والرض‪.‬‬
‫‪ 23265‬ـ حدث نا مح مد‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا أح مد‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا أ سباط‪ ,‬عن ال سدي‪ ,‬قوله‪َ :‬ل ُه مَقالِيدُ‬
‫سمَوَاتِ والرْضِ قال‪ :‬خزائن السموات والرض‪.‬‬
‫ال ّ‬
‫سمَوَاتِ‬
‫‪23266‬ـ حدثني يونس‪ ,‬قال‪ :‬أخبرنا ابن وهب‪ ,‬قال‪ :‬قال ابن زيد في قوله‪ :‬لَ ُه مَقالِيدُ ال ّ‬
‫والرْضِ قال‪ :‬المقاليد‪ :‬المفاتيح‪ ,‬قال‪ :‬له مفاتيح خزائن السموات والرض‪.‬‬
‫ك هُ مُ الخا سِرُونَ يقول تعالى ذكره‪ :‬والذين كفروا بحجج‬
‫ت اللّ ِه أُوَلئِ َ‬
‫ن كَ َفرُوا بآيا ِ‬
‫وقوله‪ :‬وَاّلذِي َ‬
‫ال فكذبوا بها وأنكروها‪ ,‬أولئك هم المغبونون حظوظهم من خير السموات التي بيده مفاتيحها‪,‬‬
‫لنهم حرموا ذلك كله في الَخرة بخلودهم في النار‪ ,‬وفي الدنيا بخذلنهم عن اليمان بال عزّ‬
‫وجلّ‪.‬‬

‫‪65-64‬‬ ‫الية ‪:‬‬


‫ع ُبدُ َأ ّيهَا ا ْلجَاهِلُو نَ * وََل َقدْ أُ ْوحِ يَ‬
‫القول فـي تأويـل قوله تعالى‪{ :‬قُلْ َأ َف َغ ْيرَ اللّ ِه َت ْأمُرُونّ يَ َأ ْ‬
‫سرِينَ }‪.‬‬
‫ن ا ْلخَا ِ‬
‫ن مِ َ‬
‫عمَُلكَ وََل َتكُونَ ّ‬
‫حبَطَنّ َ‬
‫ت َل َي ْ‬
‫ن َأشْ َركْ َ‬
‫إَِل ْيكَ وَإِلَى اّلذِينَ مِن َقبِْلكَ َلئِ ْ‬
‫يقول تعالى ذكره لنبيه‪ :‬قل يا محمد لمشركي قومك‪ ,‬الداعيك إلى عبادة الوثان‪ :‬أ َفغَي َر اللّ هِ‬
‫ع ُبدُ ول تصلح العبادة لشيء سواه‪.‬‬
‫أيها الجاهلون بال َت ْأ ُمرُونّي أن أ ْ‬
‫واختلف أ هل العرب ية في العا مل‪ ,‬في قوله أ َفغَ ْيرَ الن صب‪ ,‬فقال ب عض نحو يي الب صرة‪ :‬قل‬
‫أفغ ير ال تأمرو ني‪ ,‬يقول‪ :‬أفغ ير ال أع بد تأمرو ني‪ ,‬كأ نه أراد اللغاء‪ ,‬وال أعلم‪ ,‬ك ما تقول‪:‬‬
‫ذ هب فلن يدري‪ ,‬جعله على مع نى‪ :‬ف ما يدري‪ .‬وقال ب عض نحو يي الكو فة‪« :‬غ ير» منت صبة‬
‫بأع بد‪ ,‬وأن تحذف وتد خل‪ ,‬لن ها علم لل ستقبال‪ ,‬ك ما تقول‪ :‬أر يد أن أضرب‪ ,‬وأر يد أضرب‪,‬‬
‫وع سى أن أضرب‪ ,‬وع سى أضرب‪ ,‬فكا نت في طلب ها ال ستقبال‪ ,‬كقولك‪ :‬زيدا سوف أضرب‪,‬‬
‫فلذلك حُذفت وعمل ما بعدها فيما قبلها‪ ,‬ول حاجة بنا إلى اللغو‪.‬‬
‫ن َقبْلِ كَ يقول تعالى ذكره‪ :‬ول قد أو حى إل يك يا مح مد‬
‫ن مِ ْ‬
‫وقوله‪ :‬وََل َقدْ أُوحِ يَ إَليْ كَ وَإلى اّلذِي َ‬
‫عمَلُ كَ يقول‪ :‬لئن أشركت بال شيئا‬
‫ح َبطَ نّ َ‬
‫ش َركْ تَ َل َي ْ‬
‫نأْ‬
‫ربك‪ ,‬وإلى الذين من قبلك من الرسل َلئِ ْ‬
‫يا محمد‪ ,‬ليبطل نّ عملك‪ ,‬ول تنال به ثوابا‪ ,‬ول تدرك جزاء إل حزاء من أشرك بال‪ ,‬وهذا من‬
‫ن عملك‪ ,‬ولتكونن‬
‫المؤخر الذي معناه التقديم ومعنى الكلم‪ :‬ولقد أوحي إليك لئن أشركت ليحبط ّ‬
‫من الخا سرين‪ ,‬وإلى الذ ين من قبلك‪ ,‬بمع نى‪ :‬وإلى الذ ين من قبلك من الر سل من ذلك‪ ,‬م ثل‬
‫الذي أوحى إليك منه‪ ,‬فاحذر أن تشرك بال شيئا فتهلك‪.‬‬
‫ن مِ نَ الخا سِرِينَ ولتكو نن من الهالك ين بالشراك بال إن أشر كت به‬
‫ومع نى قوله‪ :‬وََل َتكُونَ ّ‬
‫شيئا‪.‬‬
‫‪67-66‬‬ ‫الية ‪:‬‬
‫ن * وَمَا َقدَرُو ْا اللّ َه حَ قّ‬
‫ن الشّاكِرِي َ‬
‫ع ُبدْ وَكُن مّ َ‬
‫ل اللّ َه فَا ْ‬
‫القول ف ـي تأوي ـل قوله تعالى‪{ :‬بَ ِ‬
‫عمّا‬
‫س ْبحَانَهُ َو َتعَاَلىَ َ‬
‫ت َمطْ ِويّا تٌ ِب َيمِينِ هِ ُ‬
‫سمَاوَا ُ‬
‫جمِيعـا َقبْضَـتُهُ َيوْ مَ الْ ِقيَامَةِ وَال ّ‬
‫قَ ْدرِ هِ وَالرْ ضُ َ‬
‫ُيشْ ِركُونَ }‪.‬‬
‫يقول تعالى ذكره ل نبيه مح مد صلى ال عل يه و سلم‪ :‬ل تع بد ما أمرك به هؤلء المشركون‬
‫من قومك يا محمد بعبادته‪ ,‬بل ال فاعبد دون كلّ ما سواه من الَلهة والوثان والنداد وكُ نْ‬
‫ن الشّا ِكرِي نَ ل على نعم ته عل يك ب ما أن عم من الهدا ية لعباد ته‪ ,‬والبراءة من عبادة ال صنام‬
‫مِ َ‬
‫ع ُبدْ و هو بعده‪ ,‬ل نه رد كلم‪ ,‬ولو ن صب بمض مر قبله‪ ,‬إذا‬
‫والوثان‪ .‬ون صب ا سم ال بقوله فا ْ‬
‫كانـت العرب تقول‪ :‬زيـد فليقـم‪ ,‬وزيدا فليقـم‪ ,‬رفعـا ونصـبا‪ ,‬الرفـع على فلينظـر زيـد‪ ,‬فليقـم‪,‬‬
‫والنصب على انظروا زيدا فليقم‪ ,‬كان صحيحا جائزا‪.‬‬
‫حقـ عظمتـه‪ ,‬هؤلء‬
‫ّ‬ ‫ِهـ يقول تعالى ذكره‪ :‬ومـا عظ ّم ال‬
‫َقـ قَ ْدر ِ‬
‫ّهـ ح ّ‬
‫وقوله‪ :‬وَمـا قَ َدرُوا الل َ‬
‫المشركون بال‪ ,‬الذ ين يدعو نك إلى عبادة الوثان‪ .‬وبن حو الذي قل نا في ذلك قال أ هل التأو يل‪.‬‬
‫ذكر من قال ذلك‪:‬‬
‫‪ 23267‬ـ حدثني عل يّ‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا أبو صالح‪ ,‬قال‪ :‬ثني معاوية‪ ,‬عن عل يّ‪ ,‬عن ا بن عباس‪,‬‬
‫قوله‪ :‬وَ ما َقدَرُوا اللّ َه حَ قّ َقدْرِ ِه قال‪ :‬هم الكفار الذ ين لم يؤمنوا بقدرة ال علي هم‪ ,‬ف من آ من أن‬
‫ال على كلّ شيء قدير‪ ,‬فقد قدر ال حقّ قدره‪ ,‬ومن لم يؤمن بذلك‪ ,‬فلم يقدر ال حقّ قدره‪.‬‬
‫‪ 23268‬ـ حدثنا محمد‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا أحمد‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا أسباط‪ ,‬عن السديّ وَما َق َدرُوا الّل هٍ حَ قّ‬
‫قَ ْدرِهِ‪ :‬ما عظّموا ال حقّ عظمته‪.‬‬
‫جمِيعا َق ْبضَتُ ُه يَوْ َم القيامَةِ يقول تعالى ذكره‪ :‬والرض كلها قبضته في يوم‬
‫وقوله‪ :‬والرْ ضُ َ‬
‫ِهـ فالخـبر عـن الرض متناه عنـد قوله‪ :‬يوم القيامـة‪,‬‬
‫ّاتـ ِب َيمِين ِ‬
‫ت كلهـا َمطْ ِوي ٌ‬
‫والسـمَوَا ُ‬
‫ّ‬ ‫القيامـة‬
‫ت َمطْويا تٌ‬
‫سمَوَا ُ‬
‫ضتُ هُ‪ ,‬ثم ا ستأنف ال خبر عن ال سموات‪ ,‬فقال‪ :‬وال ّ‬
‫والرض مرفو عة بقوله َقبْ َ‬
‫ب َيمِينِ ِه وهي مرفوعة بمطويات‪.‬‬
‫ورُوي عن ابن عباس وجماعة غيره أنهم كانوا يقولون‪ :‬الرض والسموات جميعا في يمينه‬
‫يوم القيامة‪ .‬ذكر الرواية بذلك‪:‬‬
‫‪ 23269‬ـ حدثني محمد بن سعد‪ ,‬قال‪ :‬ثني أبي‪ ,‬قال‪ :‬ثني عمي‪ ,‬قال‪ :‬ثني أبي‪ ,‬عن أبيه‪ ,‬عن‬
‫ضتُ ُه يَوْ مَ القيامَةِ يقول‪ :‬قد ق بض الرض ين وال سموات‬
‫جمِي عا قَ ْب َ‬
‫ا بن عباس‪ ,‬قوله‪ :‬والرْ ضُ َ‬
‫جميعا بيمينه‪ ,‬ألم تسمع أنه قال‪َ :‬مطْوِيا تٌ ِب َيمِينِ ِه يعني‪ :‬الرض والسموات بيمينه جميعا‪ ,‬قال‬
‫ابن عباس‪ :‬وإنما يستعين بشماله المشغولة يمينه‪.‬‬
‫‪ 23270‬ـ حدثنا ابن بشار‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا معاذ بن هشام‪ ,‬قال‪ :‬ثني أبي عن عمرو بن مالك‪ ,‬عن‬
‫أبي الجوزاء‪ ,‬عن ابن عباس‪ ,‬قال‪ :‬ما السموات السبع‪ ,‬والرضون السبع في يد ال إل كخردلة‬
‫في يد أحدكم‪,‬‬
‫‪ 23271‬ـ قال‪ :‬ثنا معاذ بن هشام‪ ,‬قال‪ :‬ثني أبي‪ ,‬عن قتادة‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا النضر بن أنس‪ ,‬عن‬
‫ت ِب َيمِينِ ِه قال‪ :‬ويده‬
‫ت َمطْ ِويّا ٌ‬
‫سمَوَا ُ‬
‫ضتُ هُ َيوْ مَ القيامَةِ وال ّ‬
‫جمِيعا َقبْ َ‬
‫ض َ‬
‫جرْسي‪ ,‬قال‪ :‬والرْ ُ‬
‫ربيعة ال ُ‬
‫الخرى خلو ليس فيها شيء‪.‬‬
‫‪ 23272‬ـ حدثني عل يّ بن الحسن الزد يّ‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا يحيى بن يمان‪ ,‬عن عمار بن عمرو‪,‬‬
‫جمِيعا َق ْبضَتُ ُه يَ ْو َم القيامَةِ قال‪ :‬كأنها جوزة بقضها وقضيضها‪.‬‬
‫ض َ‬
‫عن الحسن‪ ,‬في قوله‪ :‬والرْ ُ‬
‫‪ 23273‬ـ حُدثت عن الحسين‪ ,‬قال‪ :‬سمعت أبا معاذ يقول‪ :‬حدثنا عبيد‪ ,‬قال‪ :‬سمعت الضحاك‬
‫ضتُ هُ َيوْ مَ القيامَةِ يقول‪ :‬ال سموات والرض مطويات بيمي نه‬
‫جمِي عا قَ ْب َ‬
‫يقول في قوله‪ :‬والرْ ضُ َ‬
‫جميعا‪.‬‬
‫وكان ا بن عباس يقول‪ :‬إن ما ي ستعين بشماله المشغولة يمي نه‪ ,‬وإن ما الرض وال سموات كل ها‬
‫بيمينه‪ ,‬وليس في شماله شيء‪.‬‬
‫‪23274‬ـ حدثنا الربيع‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا ابن وهب‪ ,‬قال‪ :‬أخبرني أُسامة بن زيد‪ ,‬عن أبي حازم‪ ,‬عن‬
‫ع بد ال بن ع مر‪ ,‬أ نه رأى ر سول ال صلى ال عل يه و سلم‪ ,‬على الم نبر يخ طب الناس‪ ,‬ف مر‬
‫ضتُ هُ َيوْ مَ القيامَةِ فقال رسول ال صلى‬
‫جمِيعا َقبْ َ‬
‫ض َ‬
‫بهذه الَية‪ :‬وَما َقدَرُوا اللّ َه حَ قّ َقدْرِ هِ والرْ ُ‬
‫سبْعَ َف َيجْعَلُ ها في كَفّ هِ‪ ,‬ثُ مّ يَقُولُ ِبهِ ما كمَا يَقُولُ‬
‫ت والرْضَي نِ ال ّ‬
‫سمَوَا ِ‬
‫خذُ ال ّ‬
‫ال عل يه و سلم‪َ « :‬ي ْأ ُ‬
‫حدُ‪ ,‬أنا الّل ُه العَزِيزُ» حتى لقد رأينا المنبر وإنه ليكاد أن يسقط به‪.‬‬
‫الغُلمُ بالكُرَةِ‪ :‬أنا الّلهُ الوَا ِ‬
‫‪ 23275‬ـ حدث نا ا بن بشار‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا يح يى‪ ,‬عن سفيان‪ ,‬قال‪ :‬ث ني من صور و سليمان‪ ,‬عن‬
‫إبراه يم‪ ,‬عن عبيدة ال سّلْماني‪ ,‬عن ع بد ال‪ ,‬قال‪ :‬جاء يهود يّ إلى ال نبيّ صلى ال عل يه و سلم‬
‫فقال‪ :‬يـا محمـد إن ال يمسـك السـموات على أصـبع‪ ,‬والرضيـن على أصـبع‪ ,‬والجبال على‬
‫أصبع‪ ,‬والخلئق على أصبع‪ ,‬ثم يقول‪ :‬أنا الملك قال‪ :‬فضحك النبي صلى ال عليه وسلم حتى‬
‫حقّ قَ ْدرِهِ‪.‬‬
‫بدت نواجذه وقال‪ :‬وَما قَ َدرُوا اللّ َه َ‬
‫‪23276‬ـ حدثنا ابن بشار‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا يحيى‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا فضيل بن عياض‪ ,‬عن منصور‪ ,‬عن‬
‫إبراهيم‪ ,‬عن عبيدة عن عبد ال‪ ,‬قال‪ :‬فضحك النبيّ صلى ال عليه وسلم تعجبا وتصديقا‪.‬‬
‫حدثنا محمد بن الحسين‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا أحمد بن المفضل‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا أسباط‪ ,‬عن السدي‪ ,‬عن‬
‫منصور‪ ,‬عن خيثمة بن عبد الرحمن‪ ,‬عن علقمة‪ ,‬عن عبد ال بن مسعود‪ ,‬قال‪ :‬كنا عند رسول‬
‫ال صلى ال عليه وسلم‪ ,‬حين جاءه حبر من أحبار اليهود‪ ,‬فجلس إليه‪ ,‬فقال له النبيّ صلى ال‬
‫ح ّدثْنـا»‪ ,‬قال‪ :‬إن ال تبارك وتعالى إذا كان يوم القيامـة‪ ,‬جعـل السـموات على‬
‫عليـه وسـلم‪َ « :‬‬
‫أصـبع‪ ,‬والرضيـن على أصـبع‪ ,‬والجبال على أصـبع‪ ,‬والماء والشجـر على أصـبع‪ ,‬وجميـع‬
‫ن ثم يقول‪ :‬أ نا الملك‪ ,‬قال‪ :‬فض حك ر سول ال صلى ال عل يه‬
‫الخلئق على أ صبع ثم يهزه ّ‬
‫حقّ قَ ْدرِهِ‪ ...‬الَية»‪.‬‬
‫وسلم حتى بدت نواجذه تصديقا لما قال‪ ,‬ثم قرأ هذه الَية‪َ :‬ومَا قَ َدرُوا اللّ َه َ‬
‫‪23277‬ـ حدثنا محمد‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا أحمد‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا أسباط‪ ,‬عن السدي‪ ,‬نحو ذلك‪.‬‬
‫‪23278‬ـ حدثني سليمان بن عبد الجبار‪ ,‬وعباس بن أبي طالب‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا محمد بن الصلت‪,‬‬
‫قال‪ :‬حدثنا أبو كدنية عن عطاء بن السائب‪ ,‬عن أبي الضحى‪ ,‬عن ابن عباس‪ ,‬قال‪ :‬مرّ يهوديّ‬
‫ح ّدثْ نا»‪ ,‬فقال‪ :‬ك يف تقول يا أ با‬
‫بال نبيّ صلى ال عل يه و سلم و هو جالس‪ ,‬فقال‪ « :‬يا َيهُود يّ َ‬
‫القاسـم يوم يجعـل ال السـماء على ذه‪ ,‬والرض على ذه‪ ,‬والجبال على ذه‪ ,‬وسـائر الخلق على‬
‫حقّ َقدْرِه‪ ...‬الَية‪.‬‬
‫ذه‪ ,‬فأنزل ال وَما َقدَرُوا اللّ َه َ‬
‫حدثني أبو السائب‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا أبو معاوية‪ ,‬عن العمش‪ ,‬عن إبراهيم‪ ,‬عن علقمة‪ ,‬عن عبد‬
‫ال‪ ,‬قال‪ :‬أتى النبي صلى ال عليه وسلم رجل من أهل الكتاب‪ ,‬فقال‪ :‬يا أبا القاسم أبلغك أن ال‬
‫يحمـل الخلئق على أصـبع‪ ,‬والسـموات على أصـبع‪ ,‬والرضيـن على أصـبع‪ ,‬والشجـر على‬
‫أ صبع‪ ,‬والثرى على أ صبع؟ قال فض حك النبيّ صلى ال عل يه وسلم ح تى بدت نواجذه‪ ,‬فأنزل‬
‫جمِيعا َق ْبضَتُهُ‪ ...‬إلى آخر الَية‪.‬‬
‫حقّ َقدْرِ ِه والرْضُ َ‬
‫ال وَما َقدَرُوا اللّ َه َ‬
‫وقال آخرون‪ :‬بل السموات في يمينه‪ ,‬والرضون في شماله‪ .‬ذكر من قال ذلك‪:‬‬
‫‪23279‬ـ حدثنا عليّ بن داود‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا ابن أبي مريم‪ ,‬قال‪ :‬أخبرنا ابن أبي حازم‪ ,‬قال‪ :‬ثني‬
‫سمِ‪ ,‬أنه سمع عبد ال بن عمرو يقول‪ :‬رأيت رسول ال صلى ال‬
‫أبو حازم‪ ,‬عن عبيد ال بن مِ ْق َ‬
‫سمَوَاتِ ِه وأ ْرضِ هِ ِب َي َديْ هِ» وق بض ر سول ال‬
‫جبّارُ َ‬
‫خذُ ال َ‬
‫عل يه و سلم و هو على الم نبر يقول‪َ « :‬ي ْأ ُ‬
‫ن أنا المَلِ كُ‪,‬‬
‫حمَ ُ‬
‫صلى ال عليه وسلم يديه‪ ,‬وجعل يقبضهما ويبسطهما‪ ,‬قال‪ :‬ث مّ يَقُولُ‪« :‬أنا ال ّر ْ‬
‫ن ال ُم َت َكبّرُونَ» وتمايل رسول ال صلى ال عليه وسلم عن يمينه‪ ,‬وعن شماله‪,‬‬
‫جبّارُونَ‪ ,‬أيْ َ‬
‫ن ال َ‬
‫أيْ َ‬
‫حتى نظرت إلى المنبر يتحر كّ من أ سفل شيء منه‪ ,‬حتى إني لقول‪ :‬أساقطٌ هو بر سول ال‬
‫صلى ال عليه وسلم؟‪.‬‬
‫حدثني أبو علقمة الفروي عبد ال بن محمد‪ ,‬قال‪ :‬ثني عبد ال بن نافع‪ ,‬عن عبد العزيز بن‬
‫أ بي حازم‪ ,‬عن أب يه‪ ,‬عن عب يد بن عم ير‪ ,‬عن ع بد ال بن ع مر‪ ,‬أ نه قال‪ :‬سمعت ر سول ال‬
‫سمَوَاتِ ِه وأ ْرضَ ُه بيَدِ هِ»‪ ,‬وق بض يده فج عل يقبض ها‬
‫جبّارُ َ‬
‫خذُ ال َ‬
‫صلى ال عل يه و سلم يقول‪َ « :‬ي ْأ ُ‬
‫ن ال ُم َت َكبّرُو نَ؟» قال‪ :‬ويميل رسول‬
‫جبّارُو نَ‪ ,‬أيْ َ‬
‫جبّارُ‪ ,‬أنا المَلِكُ‪ ,‬أيْن ال َ‬
‫ويبسطها‪ ,‬ثم يقول‪« :‬أنا ال َ‬
‫ال صلى ال عليه وسلم عن يمينه وعن شماله‪ ,‬حتى نظرت إلى المنبر يتحركّ من أسفل شيء‬
‫منه‪ ,‬حتى إني لقول‪ :‬أساقط هو برسول ال صلى ال عليه وسلم؟»‪.‬‬
‫‪ 23280‬ـ حدث ني الح سن بن علي بن عياش الحم صي‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا ب شر بن شع يب‪ ,‬قال‪:‬‬
‫أخبرني أبي‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا محمد بن مسلم بن شهاب‪ ,‬قال‪ :‬أخبرني سعيد بن المسيب‪ ,‬عن أبي‬
‫عزّ َوجَلّ الرْ ضَ يَوْمَ‬
‫ض اللّ هُ َ‬
‫هريرة أنه كان يقول‪ :‬قال رسول ال صلى ال عليه وسلم‪« :‬يَ ْقبِ ُ‬
‫ال ِقيَامَةِ َو َيطْوِي السموات بيمينه‪ُ ,‬ثمّ يَقُولُ‪ :‬أنا المَِلكُ أ ْينَ مُلُوكُ الرْضِ؟»‪.‬‬
‫حُد ثت عن حرملة بن يح يى‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا إدر يس بن يح يى القائد‪ ,‬قال‪ :‬أخبر نا حيوة‪ ,‬عن‬
‫عقيل‪ ,‬عن ابن شهاب‪ ,‬قال‪ :‬أخبرني نافع مولى ابن عمر‪ ,‬عن عبد ال بن عمر‪ ,‬أن رسول ال‬
‫ض الرْ ضَ َيوْ مَ القيامَ ِة ِب َيدِ هِ‪َ ,‬و َيطْوِي ال سّماءَ ِبيَمين هِ‬
‫صلى ال عل يه و سلم قال‪« :‬إ نّ الّل هَ يَ ْقبِ ُ‬
‫َويَقُولُ‪ :‬أنا المَِلكُ»‪.‬‬
‫‪ 23281‬ـ حدث ني مح مد بن عون‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا أ بو المغيرة‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا ا بن أ بي مر يم‪ ,‬قال‪:‬‬
‫حدثنا سعيد بن ثوبان الكلعي عن أبي أيوب النصاري‪ ,‬قال‪ :‬أتى رسول ال صلى ال عليه‬
‫ضتُ هُ َيوْ مَ القيامَةِ‬
‫جمِيعا َقبْ َ‬
‫وسلم حبرٌ من اليهود‪ ,‬قال‪ :‬أرأيت إذ يقول ال في كتابه‪ :‬والرْ ضُ َ‬
‫ت َمطْ َويّاتٌ ِبيَمين ِه فأين الخلق عند ذلك؟ قال‪ُ « :‬همْ فِيها كَر ْقمِ الكِتابِ»‪.‬‬
‫سمَوَا ُ‬
‫وال ّ‬
‫‪ 23282‬ـ حدث نا إبراه يم بن سعيد الجوهري‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا أ بو أ سامة‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا عمرو بن‬
‫حمزة‪ ,‬قال‪ :‬ث ني سالم‪ ,‬عن أب يه‪ ,‬أ نه أ خبره أن ر سول ال صلى ال عل يه و سلم قال‪َ « :‬يطْوِي‬
‫ْنـ‬
‫ِكـ أي َ‬
‫ُمـ يَقُولُ‪ :‬أنـا المَل ُ‬
‫خذُهـا بِشمالِهـِ‪ ,‬ث ّ‬
‫ْضـ فَيأْ ُ‬
‫ِهـ َو َيطْوِي الر َ‬
‫ُنـ ِب َيمِين ِ‬
‫خذُه ّ‬
‫ت في ْأ ُ‬
‫السـمَوَا ِ‬
‫ّهـ ّ‬‫الل ُ‬
‫جبّارُونَ؟ أينَ ال ُم َت َكّبرُونَ»‪.‬‬
‫ال َ‬
‫وق يل‪ :‬إن هذه الَ ية نزلت من أ جل يهودي سأل ر سول ال صلى ال عل يه و سلم عن صفة‬
‫الرب‪ .‬ذكر من قال ذلك‪:‬‬
‫‪23283‬ـ حدثنا ابن حميد‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا سلمة‪ ,‬قال‪ :‬ثني ابن إسحاق‪ ,‬عن محمد‪ ,‬عن سعيد‪ ,‬قال‪:‬‬
‫أتى رهط من اليهود نبي ال صلى ال عليه وسلم‪ ,‬فقالوا‪ :‬يا محمد‪ ,‬هذا ال خلق الخلق‪ ,‬فمن‬
‫خل قه؟ فغ ضب ال نبي صلى ال عل يه و سلم ح تى انتُقِع لو نه‪ ,‬ثم ساورهم غض با لر به فجاءه‬
‫جبريل فسكنه‪ ,‬وقال‪ :‬اخفض عليك جناحك يا محمد‪ ,‬وجاءه من ال جواب ما سألوه عنه‪ ,‬قال‪:‬‬
‫حدٌ فلما‬
‫ص َمدُ لَ مْ يَِلدْ ولَ مْ يُوَلدْ ولَ مْ َيكُ نْ َل ُه كُفُوا أ َ‬
‫حدٌ الّل ُه ال ّ‬
‫ل هُ َو اللّ هُ َأ َ‬
‫يقول ال تبارك وتعالى‪ :‬قُ ْ‬
‫تلها عليهم النبيّ صلى ال عليه وسلم قالوا‪ :‬صف لنا ربك كيف خلقه‪ ,‬وكيف عضده‪ ,‬وكيف‬
‫ذرا عه؟ فغ ضب ال نبي صلى ال عل يه و سلم أ شد من غض به الول‪ ,‬ثم ساورهم‪ ,‬فأتاه جبر يل‬
‫ضتُ هُ‬
‫جمِيعا قَ ْب َ‬
‫فقال مثل مقالته‪ ,‬وأتاه بجواب ما سألوه عنه وَما قَ َدرُوا اللّ هَ حَ قّ قَ ْدرِ هِ والرْ ضُ َ‬
‫شرِكُونَ‪.‬‬
‫عمّا ُي ْ‬
‫س ْبحَانَ ُه َوتَعالى َ‬
‫ت ِب َيمِينِ ِه ُ‬
‫سمَوَاتُ َمطْ ِويّا ٌ‬
‫يَ ْومَ القيامَةِ وال ّ‬
‫حدث نا ا بن حم يد‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا يعقوب‪ ,‬عن جع فر‪ ,‬عن سعيد‪ ,‬قال‪ :‬تكل مت اليهود في صفة‬
‫الر بّ‪ ,‬فقال ما لم يعلموا ولم يروا‪ ,‬فأنزل ال على نبيه صلى ال عل يه و سلم‪ :‬وَ ما َقدَرُوا اللّ هَ‬
‫ت َمطْ ِويّا تٌ‬
‫سمَوَا ُ‬
‫ضتُ هُ َيوْ مَ القيامَةِ وال ّ‬
‫جمِيعا َقبْ َ‬
‫ض َ‬
‫حَ قّ َق ْدرِ ِه ثم بيّن للناس عظمته فقال‪ :‬والرْ ُ‬
‫شرِكُونَ‪ ,‬فجعل صفتهم التي وصفوا ال بها شركا‪.‬‬
‫عمّا ُي ْ‬
‫س ْبحَانَ ُه َوتَعالى َ‬
‫ِب َيمِينِ ِه ُ‬
‫سمَوَاتُ‬
‫ضتُ ُه يَوْ مَ القيامَةِ وال ّ‬
‫جمِي عا َقبْ َ‬
‫وقال ب عض أ هل العرب ية من أ هل الب صرة والرْ ضُ َ‬
‫َمطْ ِويّا تٌ ِب َيمِينِ هِ يقول في قدر ته ن حو قوله‪ :‬وَ ما مََلكَ تْ أيمَا ُنكُ مْ‪ :‬أي و ما كا نت ل كم عل يه قدرة‬
‫ضتُ ُه نحو قولك للرجل‪ :‬هذا في يدك وفي‬
‫وليس الملك لليمين دون سائر الجسد‪ ,‬قال‪ :‬وقوله َقبْ َ‬
‫قبضتك‪ .‬والخبار التي ذكرناها عن رسول ال صلى ال عليه وسلم وعن أصحابه وغيرهم‪,‬‬
‫تشهد على بطول هذا القول‪.‬‬
‫‪ 23284‬ـ حدث نا ا بن حم يد‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا هارون بن المغيرة‪ ,‬عن عنب سة‪ ,‬عن حبيب بن أ بي‬
‫عمرة‪ ,‬عن مجاهد‪ ,‬عن ابن عباس‪ ,‬عن عائشة‪ ,‬قالت‪« :‬سألت رسول ال صلى ال عليه وسلم‪,‬‬
‫ضتُهُ َي ْومَ القيامَ ِة فأين الناس يومئذ؟ قال‪« :‬عَلى الصّراطِ»‪.‬‬
‫جمِيعا َقبْ َ‬
‫عن قوله والرْضُ َ‬
‫وقوله سـبحانه وتعالى‪ :‬عَمّا ُيشْ ِركُون َـ يقول تعالى ذكره تنزيهـا وتـبرئة ل‪ ,‬وعلوّا وارتفاعـا‬
‫ع ما يشرك به هؤلء المشركون من قو مك يا مح مد‪ ,‬القائلون لك‪ :‬اع بد الوثان من دون ال‪,‬‬
‫واسجد للهتنا‪.‬‬

‫‪68‬‬ ‫الية ‪:‬‬


‫القول فــي تأويــل قوله تعالى‪َ { :‬ونُفِخَـ فِي الصـّو ِر فَصَـِعقَ مَن فِي السّـمَاوَاتِ وَمَن فِي‬
‫ظرُونَ }‪.‬‬
‫خ َرىَ َفإِذَا ُهمْ ِقيَامٌ يَن ُ‬
‫خ فِيهِ ُأ ْ‬
‫الرْضِ ِإلّ مَن شَآ َء اللّ ُه ُثمّ نُفِ َ‬
‫يقول تعالى ذكره‪ :‬ون فخ إ سرافيل في القرن‪ ,‬و قد بيّ نا مع نى ال صور في ما م ضى بشواهده‪,‬‬
‫وذكر نا اختلف أ هل العلم ف يه‪ ,‬وال صواب من القول ف يه بشواهده‪ ,‬فأغنى ذلك عن إعاد ته في‬
‫هذا الموضع‪.‬‬
‫سمَوَاتِ َو َمنْ فِي الرْضِ يقول‪ :‬مات‪ ,‬وذلك في النفخة الولى‪ ,‬كما‪:‬‬
‫صعِقَ َمنْ فِي ال ّ‬
‫وقوله َف َ‬
‫‪ 23285‬ـ حدث نا مح مد‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا أح مد‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا أ سباط‪ ,‬عن ال سديّ َونُ ِف خَ فِي ال صورِ‬
‫ت َومَنْ فَي الرْضِ قال‪ :‬مات‪.‬‬
‫سمَوَا ِ‬
‫ن فِي ال ّ‬
‫ص ِعقَ مَ ْ‬
‫فَ َ‬
‫ن شَاءَ الّل هُ اختلف أهل التأويل في الذي عني ال بالستثناء في هذه الَية‪ ,‬فقال‬
‫وقوله‪ :‬إلّ مَ ْ‬
‫بعضهم عني به جبريل وميكائيل وإسرافيل وملك الموت‪ .‬ذكر من قال ذلك‪:‬‬
‫ي ونُ ِف خَ فِي ال صّورِ‬
‫‪ 23286‬ـ حدث نا مح مد‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا أح مد‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا أ سباط‪ ,‬عن ال سد ّ‬
‫ن شاءَ اللّ ُه قال جبر يل وميكائ يل وإ سرافيل‬
‫ن فِي الر ضِ إلّ َم ْ‬
‫ت َومَ ْ‬
‫ن في ال سّموا ِ‬
‫صعِقَ مَ ْ‬
‫فَ َ‬
‫وملك الموت‪.‬‬
‫‪23287‬ـ حدثني هارون بن إدريس الصمّ‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا عبد الرحمن بن محمد المحاربي‪ ,‬قال‪:‬‬
‫حدثنا محمد بن إسحاق‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا الفضل بن عيسى‪ ,‬عن عمه يزيد الرقاشي‪ ,‬عن أنس بن‬
‫سمَوَاتِ َومَنْ‬
‫ن فِي ال ّ‬
‫صعِقَ مَ ْ‬
‫مالك قال‪ :‬قرأ رسول ال صلى ال عليه وسلم‪َ :‬ونُ ِفخَ فِي الصّورِ َف َ‬
‫ض إلّ مَ نْ شَا َء اللّ هُ فقيل‪ :‬من هؤلء الذين استثنى ال يا رسول ال؟ قال‪« :‬جبرائيل‬
‫في الرْ ِ‬
‫ن بَقِي؟ وَهُوَ أعْلَ مُ‬
‫ت مَ ْ‬
‫ض أرْوَا حَ الخَلئِ قِ قالَ‪ :‬يا مَلَ كَ المَوْ ِ‬
‫ك المَوْ تِ‪ ,‬فإذَا َقبَ َ‬
‫وميكائيلَ‪ ,‬ومَل َ‬
‫جبْريلُ وميكائيلُ َومَلَ كُ المَ ْوتِ قالَ‪:‬‬
‫ت َربّي ذَا الجَللِ والكْرَا مِ‪ ,‬بَقِ يَ ِ‬
‫سبْحا َنكَ َتبَارَكْ َ‬
‫قال‪ :‬يَقُولُ‪ُ :‬‬
‫ك المَوْ تِ‬
‫ل قالَ‪َ :‬فيَقَ ُع كالطّ ْو ِد ال َعظِيم‪ ,‬قالَ‪ :‬ثُ ّم يَقُولُ‪ :‬يا مَلَ َ‬
‫س مِيكائِي َ‬
‫خذْ نَفْ َ‬
‫ت ُ‬
‫ل يا مَلَك المَوْ ِ‬
‫يَقُو ُ‬
‫جبْريلُ َومَلَكُ المَوْتِ‪ ,‬قال‪َ :‬فيَقُولُ‪ :‬يا‬
‫سبْحانَكَ َربّي يا ذَا الجَللِ والكْرَامِ‪ ,‬بَقِيَ ِ‬
‫ن بَقِي؟ َفيَقُول‪ُ :‬‬
‫مَ ْ‬
‫سبْحا َنكَ‬
‫جبْرِيلُ‪ُ :‬‬
‫ل ِ‬
‫ت مُ تْ‪ ,‬قالَ‪َ :‬ف َيمُو تُ قالَ‪ :‬ثُ مّ يَقُولُ‪ :‬يا جِبرِيلُ َم نْ بَقِ يَ؟ قالَ‪َ :‬فيَقُو ُ‬
‫مَلَ كَ المَوْ ِ‬
‫جبْرِيلُ‪ ,‬وَهُ َو مِن َـ اللّهِـ بالمَكان ِـ اّلذِي ُهوَ بِه ِـ قال‪َ :‬فيَقُولُ يـا‬
‫رَبّي يـا ذَا الجَلل والكْرامـِ‪ ,‬بَقِي ِ‬
‫سبْحانَكَ َربّي َتبَا َركْتَ َوتَعاَليْتَ يا‬
‫حيْ هِ َيقُولُ‪ُ :‬‬
‫ن مَ ْو َتةٍ قالَ‪َ :‬فيَقَ ُع ساجِدا َيخْفِقُ ِبجَنا َ‬
‫جبْريلُ ل ُبدّ مِ ْ‬
‫ِ‬
‫ح هُ في الحلْ َقةِ التي خُلِ قَ‬
‫خذُ رُو َ‬
‫جبْريلُ ال َميّت الفاني‪ :‬قال‪ :‬وي ْأ ُ‬
‫ت الباقي و ِ‬
‫ذَا الجَللِ والكْرا مِ‪ ,‬أنْ َ‬
‫ِيمـ عَلى‬
‫ل كَ َفضْلِ الطّ ْودِ ال َعظ ِ‬
‫ْقـ مِيكائِي َ‬
‫ِهـ على خَل ِ‬
‫أنـ َفضْلَ خَلْق ِ‬
‫َعـ على مِيكائِيلَ ّ‬
‫ِمنْهـا‪ ,‬قالَ‪َ :‬فيَق ُ‬
‫ب مِنَ الظّرابِ»‪.‬‬
‫الظّرْ ِ‬
‫وقال آخرون‪ :‬عني بذلك الشهداء‪.‬‬
‫‪ 23288‬ـ حدثني محمد بن المثنى‪ ,‬قال‪ :‬ثني وهب بن جرير‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا شعبة عن عمارة‪,‬‬
‫ن فِي‬
‫ت َومَ ْ‬
‫سمَوَا ِ‬
‫ن فِي ال ّ‬
‫صعِقَ مَ ْ‬
‫عن ذي ح جر اليحمدي‪ ,‬عن سعيد بن جبير‪ ,‬في قوله‪ :‬فَ َ‬
‫الرْضِ إلّ َمنْ شا َء اللّ ُه قال‪ :‬الشهداء ثنية ال حول العرش‪ ,‬متقلدين السيوف‪.‬‬
‫وقال آخرون‪ :‬عنـي بالسـتثناء فـي الفزع‪ :‬الشهداء‪ ,‬وفـي الصـعق‪ :‬جبريـل‪ ,‬وملك الموت‪,‬‬
‫وحملة العرش‪ .‬ذكر من قال ذلك‪ ,‬والخبر الذي جاء فيه عن رسول ال صلى ال عليه وسلم‪:‬‬
‫‪ 23289‬ـ حدثنا أبو ُكرَ يب‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا المحاربي عبد الرحمن بن محمد‪ ,‬عن إ سماعيل بن‬
‫رافع المدني‪ ,‬عن يزيد‪ ,‬عن رجل من النصار‪ ,‬عن محمد بن كعب القرظي‪ ,‬عن رجل من‬
‫الن صار‪ ,‬عن أ بي هريرة أ نه قال‪ :‬قال ر سول ال صلى ال عل يه و سلم‪ُ « :‬ينْفَ خُ في ال صّور‬
‫خةُ ا ْلقِيا ِم ِلرَ بّ العاَلمِي نَ‬
‫ص ْعقِ‪ ,‬والثّاِلثَةُ‪ :‬نَ ْف َ‬
‫ثَلث نَفَخا تٍ‪ :‬الُولى‪ :‬نَفْخَة ال َفزَ عِ‪ ,‬والثّا ِنيَةُ‪َ :‬ن ْفخَةُ ال ّ‬
‫سمَوَاتِ‬
‫خ نَ ْفخَ َة ال َفزَعِ‪َ ,‬فتَ ْفزَعُ أهْلُ ال ّ‬
‫خةِ الُولى‪َ ,‬فيَقُولُ‪ :‬انْفُ ْ‬
‫سرَافِيلَ بالنّ ْف َ‬
‫تَبارَكَ َوتَعالى ي ْأ ُمرُ الّلهُ إ ْ‬
‫ل مَ نْ شَا َء اللّ هُ» قال أبو هريرة‪ :‬يا رسولَ ال‪ ,‬فمن استثنىَ حين يقول‪ :‬ف َفزِ عَ‬
‫ل الرْ ضِ إ ّ‬
‫وأهْ ُ‬
‫شهَداءُ‪ ,‬وإنّما يَصلُ ال َفزَ عُ‬
‫ن شاءَ اللّ ُه قال‪« :‬أُوَلئِ كَ ال ّ‬
‫ل مَ ْ‬
‫ت َومَ نْ فِي الرْ ضِ إ ّ‬
‫سمَوَا ِ‬
‫ن فِي ال ّ‬
‫مَ ْ‬
‫ع ْندَ َر ّبهِ مْ ُي ْرزَقُو نَ‪ ,‬وَقاهُ مُ الّل هُ َفزَ عَ ذل كَ اليَوْ مِ وأ ّم َنهُ مُ‪ ,‬ثُ مّ َي ْأ ُمرُ اللّ هُ‬
‫إلى الحْياءِ‪ ,‬أُوَلئِ كَ أحْياءٌ ِ‬
‫ل مَ نْ‬
‫سمَوَاتِ والرْ ضِ إ ّ‬
‫ل ال ّ‬
‫صعَقُ أهْ ُ‬
‫ص ْعقِ‪َ ,‬فيَ ْ‬
‫خ نَ ْفخَ َة ال ّ‬
‫صعْقِ‪َ ,‬فيَقُولُ‪ :‬انْ ُف ْ‬
‫خةِ ال ّ‬
‫إ سْرافِيلَ بنَ ْف َ‬
‫جبّارِ تَبارَكَ َوتَعالى فَيَقُولُ‪ :‬يا رَبّ َقدْ ماتَ‬
‫شَاءَ الّل ُه فإذا ُهمْ خا ِمدُونَ‪ُ ,‬ثمّ يأتي مََلكُ المَوْتِ إلى ال َ‬
‫ت الحَ يّ‬
‫ت أنْ َ‬
‫ن بَقِ يَ؟ فَيَقُولُ‪ :‬بَقِي َ‬
‫شئْ تَ‪َ ,‬فيَقُولُ َل هُ وَ ُهوَ أعْلَ مُ‪َ :‬فمَ ْ‬
‫ن ِ‬
‫ت والرْ ضِ إلّ َم ْ‬
‫سمَوَا ِ‬
‫أهْلُ ال ّ‬
‫جبْرِيلَ َومِيكائِيلُ َفيَقُولُ الّل هُ َل هُ‪ :‬ا سْكتْ إنّي ك َتبْ تُ‬
‫ي ِ‬
‫ع ْرشِ كَ‪َ ,‬وبَقِ َ‬
‫حمَلَةُ َ‬
‫اّلذِي ل َيمُو تُ‪َ ,‬وبَقِ يَ َ‬
‫ج ْبرِيلُ َومِيكائِيلُ‬
‫ت ِ‬
‫ت َفيَقُولُ‪ :‬يا رَب َقدْ ما َ‬
‫ع ْرشِي ثُمّ يأتي مَلَكُ ال َموْ ِ‬
‫المَوْتَ على مَنْ كانَ َتحْتَ َ‬
‫ع ْرشِ كَ‪,‬‬
‫حمَلَةُ َ‬
‫ن بَقِ يَ؟ َفيَقولُ‪ :‬بَقِي تَ أن تَ الح يّ اّلذِي ل َيمُو تُ‪َ ,‬وبَقِ يَ َ‬
‫َفيَقولُ الّل ُه وَهُوَ أعْلَ مُ‪َ :‬فمَ ْ‬
‫ض الصّورَ‪.‬‬
‫حمَلَ ُة ال َعرْشِ‪َ ,‬ف َيمُوتُو نَ وَي ْأ ُمرُ الّل ُه تعالى ال َعرْشَ َفيَ ْقبِ ُ‬
‫ل اللّهُ‪ :‬فَ ْليَمُتْ َ‬
‫َوبَقِيتُ أنا‪َ ,‬فيَقُو ُ‬
‫ع ْرشِكَ َفيَقُولُ‪ :‬مَنْ بَقِي؟ وَ ُهوَ أعْلَمُ‪َ ,‬فيَقُولُ‪ :‬بَقِيت أنْتَ الحَيّ اّلذِي‬
‫حمَلَةُ َ‬
‫ت َ‬
‫َفيَقُولُ‪ :‬أيْ رَبّ َقدْ ما َ‬
‫حيَ‪َ ,‬ف َيمُوتُ»‪.‬‬
‫ت ل َت ْ‬
‫ت مِنْ خَلقِي خَلَ ْق ُتكَ ِلمَا رأيْتُ‪َ ,‬فمُ ْ‬
‫ل اللّهُ‪ :‬أنْ َ‬
‫ت َوبَقِيتُ أنا‪ ,‬قال‪َ :‬فيَقُو ُ‬
‫ل َيمُو ُ‬
‫وهذا القول الذي رُوي فـي ذلك عـن رسـول ال صـلى ال عليـه وسـلم أولى بالصـحة‪ ,‬لن‬
‫الصعقة في هذا الموضع‪ :‬الموت‪ .‬والشهداء وإن كانوا عند ال أحياء كما أخبر ال تعالى ذكره‬
‫فإنهم قد ذاقوا الموت قبل ذلك‪.‬‬
‫وإن ما ع ني جلّ ثناؤه بال ستثناء في هذا المو ضع‪ ,‬ال ستثناء من الذ ين صعقوا ع ند نف خة‬
‫الصعق‪ ,‬ل من الذين قد ماتوا قبل ذلك بزمان ودهر طويل وذلك أنه لو جاز أن يكون المراد‬
‫بذلك من قد هلك‪ ,‬وذاق الموت ق بل و قت نف خة ال صعق‪ ,‬و جب أن يكون المراد بذلك من قد‬
‫هلك‪ ,‬فذاق الموت من قبل ذلك‪ ,‬لنه ممن ل يصعق في ذلك الوقت إذا كان الميت ل يجدّد له‬
‫موت آخر في تلك الحال‪ .‬وقال آخرون في ذلك ما‪:‬‬
‫ن فِي‬
‫ص ِعقَ مَ ْ‬
‫‪ 23290‬ـ حدث نا ب شر‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا يز يد‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا سعيد‪ ,‬عن قتادة‪ ,‬قوله‪ :‬فَ َ‬
‫ن شاءَ اللّ هُ قال الح سن‪ :‬ي ستثني ال و ما يدع أحدا من أ هل‬
‫ض إلّ مَ ْ‬
‫ن فِي الرْ ِ‬
‫سمَوَاتِ َو َم ْ‬
‫ال ّ‬
‫السموات ول أهل الرض إل أذاقه الموت؟ قال قتادة‪ :‬قد استثنى ال‪ ,‬وال أعلم إلى ما صارت‬
‫عبْدا‬
‫خ َترْ َنبِ يا مَلِ كا‪ ,‬أوْ نَبيّا َ‬
‫حمّدُ ا ْ‬
‫ك فَقالَ‪ :‬يا ُم َ‬
‫ثني ته‪ .‬قال‪ :‬ذُ كر ل نا أن نبيّ ال قال‪« :‬أتانِي مَلَ ٌ‬
‫ع ْن هُ‬
‫ن َت ْنشَ قّ َ‬
‫جعِلْ تُ أوّلَ َم ْ‬
‫عبْدا‪ ,‬قال‪ :‬فأُعْطي تُ خَ صَْل َتيْنِ‪ :‬أ نْ ُ‬
‫ن تَوَاضَ عْ‪ ,‬قال‪َ :‬ن ِبيّا َ‬
‫يأ ْ‬
‫فأَوْمأَ إل ّ‬
‫صعْقَةِ‬
‫ق َبعْ َد ال ّ‬
‫صعِ َ‬
‫جدُ مُو سَى آخِذا بال َعرْ شِ‪ ,‬فاللّ هُ أعْلَ ُم أ َ‬
‫الرْ ضَ‪ ,‬وأ ّولَ شافِ عٍ‪ ,‬فَأرْفَ عُ رأ سِي فأ ِ‬
‫الُولى أمْ ل؟»‪.‬‬
‫‪ 23291‬ـ حدث نا أ بو ُكرَ يب‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا عبدة بن سليمان‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا مح مد بن عمرو‪ ,‬قال‪:‬‬
‫حدثنا أبو سلمة‪ ,‬عن أبي هريرة‪ ,‬قال‪ :‬قال يهودي بسوق المدينة‪ :‬والذي اصطفى موسى على‬
‫ل ال‬
‫الب شر قال‪ :‬فر فع ر جل من الن صار يده‪ ,‬ف صكّ ب ها وج هه‪ ,‬فقال‪ :‬تقول هذا وفي نا ر سو ُ‬
‫ص ِعقَ مَ نْ فِي‬
‫خ فِي الصّو ِر فَ َ‬
‫صلى ال عليه وسلم؟ فقال رسول ال صلى ال عليه وسلم‪َ « :‬ونُفِ َ‬
‫ن أنا‬
‫ظرُونَ‪ ,‬فَأكُو ُ‬
‫خ فِي ِه ُأخْرَى فإذَا هُ ْم قِيَا ٌم َينْ ُ‬
‫ن شاءَ اللّهُ‪ ,‬ثُمّ نُ ِف َ‬
‫ض إلّ مَ ْ‬
‫ن فِي الرْ ِ‬
‫سمَوَاتِ َو َم ْ‬
‫ال ّ‬
‫ن قَوَائ مِ ال َعرْ شِ فَل أ ْدرِي أ َرفَ عَ رأ سهُ َقبْلي‪ ,‬أوْ‬
‫خ ٌذ بقائمَةِ ِم ْ‬
‫ل مَ نْ َي ْرفَ عُ رأ سَهُ‪ ,‬فإذا مُو سَى آ ِ‬
‫أوّ َ‬
‫ن استثنى ال»‪.‬‬
‫كانَ ِممّ ْ‬
‫‪ 23292‬ـ حدثنا ابن حميد‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا جرير‪ ,‬عن عطاء‪ ,‬عن الحسن‪ ,‬قال‪ :‬قال النبيّ صلى‬
‫ل مُو سَى‬
‫ال عل يه و سلم‪« :‬كأنّي أنْفُ ضُ رأ سِي مِ نَ ال ّترَا بِ أوّلَ خارِ جٍ‪ ,‬فَألْتَفِ تُ فَل أرَى أحَدا إ ّ‬
‫س َتثْنى الّلهُ أنْ ل ُتصِيبَ ُه النّ ْفخَةُ أ ْو ُبعِث َقبْلِي»‪.‬‬
‫ناْ‬
‫ُم َتعَلّقا بالعَرْشِ‪ ,‬فَل أدْرَي أ ِممّ ِ‬
‫ن يقول تعالى ذكره‪ :‬ثم نُفخ في الصور نفخة‬
‫ظرُو َ‬
‫خرَى فإذَا هُ مْ قِيا مٌ َي ْن ُ‬
‫خ فِي هِ ُأ ْ‬
‫وقوله‪ :‬ثُ مّ نُفِ َ‬
‫أخرى والهاء التي في «فيه» من ذكر الصور‪ ,‬كما‪:‬‬
‫خرَى قال‪:‬‬
‫‪23293‬ـ حدثنا محمد‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا أحمد‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا أسباط‪ ,‬عن السديّ ثُمّ نُ ِفخَ فِي ِه ُأ ْ‬
‫في الصور‪ ,‬وهي نفخة البعث‪.‬‬
‫وذُكر أن بين النفختين أربعين سنة‪ .‬ذكر من قال ذلك‪:‬‬
‫‪ 23294‬ـ حدثنا أبو كُرَيب‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا أبو معاوية‪ ,‬عن العمش‪ ,‬عن أبي صالح‪ ,‬عن أبي‬
‫ن أ ْر َبعُو نَ» قالوا‪ :‬يا أ با‬
‫خ َتيْ ِ‬
‫هريرة‪ ,‬قال‪ :‬قال ر سول ال صلى ال عل يه و سلم‪ « :‬ما بَي نَ النّ ْف َ‬
‫ْتـ قالوا‪ :‬أربعون شهرا؟ قال‪ :‬أبيـت قالوا‪ :‬أربعون سـنة؟ قال‪:‬‬
‫هريرة أربعون يومـا؟ قال‪ :‬أ َبي ُ‬
‫شيْءٌ إلّ‬
‫ن النْسانِ َ‬
‫ت البَقْلُ‪ ,‬قالَ‪ :‬وَلَي سَ مِ َ‬
‫أبيت «ثُ ّم ُينَزّلُ الّل ُه مِن ال سّماءِ ما ًء فَ َت ْن ِبتُو نَ كما َي ْنبُ ُ‬
‫ب الذّنبِ‪َ ,‬و ِم ْنهُ ُي َركّبُ الخَ ْلقُ يَ ْو َم القِيامَةِ»‪.‬‬
‫عجْ ُ‬
‫عظْما وَاحِدا‪ ,‬وَ ُهوَ َ‬
‫َيبْلَى‪ ,‬إلّ َ‬
‫‪ 23295‬ـ حدثنا يحيى بن واضح‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا البلخي بن إياس‪ ,‬قال‪ :‬سمعت عكرمة يقول في‬
‫ن فِي الرْ ضِ‪ ...‬الَية‪ ,‬قال‪ :‬الولى من الدنيا‪ ,‬والخيرة من‬
‫سمَوَاتِ َومَ ْ‬
‫ن فِي ال ّ‬
‫صعِقَ َم ْ‬
‫قوله فَ َ‬
‫الَخرة‪.‬‬
‫خرَى فإذا هُ مْ‬
‫خ فِي ِه ُأ ْ‬
‫‪ 23296‬ـ حدثنا بشر قال‪ :‬حدثنا يزيد‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا سعيد‪ ,‬عن قتادة ثُ ّم نُفِ َ‬
‫ن أ ْربَعُونَ» قال أصحابه‪ :‬فما سألناه عن ذلك‪ ,‬ول زادنا‬
‫خ َتيْ ِ‬
‫ن النّ ْف َ‬
‫قِيامٌ َي ْنظُرُونَ قال نبيّ ال‪« :‬بَي َ‬
‫على ذلك‪ ,‬غ ير أن هم كانوا يرون من رأي هم أن ها أربعون سنة‪ .‬وذُ كر ل نا أ نه يب عث في تلك‬
‫الربعيـن مطـر يقال له مطـر الحياة‪ ,‬حتـى تطيـب الرض وتهتزّ‪ ,‬وتنبـت أجسـاد الناس نباتَـ‬
‫ن قال‪ :‬ذُ كر ل نا أن معاذ بن ج بل‪ ,‬سأل نبيّ ال‬
‫الب قل‪ ,‬ثم ين فخ ف يه الثان ية فإذا هُ مْ ِقيَا مٌ َي ْنظُرُو َ‬
‫جرْدا ُمرْدا ُم َكحّلينَ بني‬
‫صلى ال عليه وسلم‪ :‬كيف يُبعث المؤمنون يوم القيامة؟ قال؟ « ُي ْب َعثُونَ ُ‬
‫سنَةً»‪.‬‬
‫ثَلثِينَ َ‬
‫وقوله‪ :‬فإذَا هُ ْم ِقيَا مٌ َي ْنظُرُو نَ يقول‪ :‬فإذا من صعق عند النفخة التي قبلها وغيرهم من جميع‬
‫خلق ال الذين كانوا أمواتا قبل ذلك قيام من قبورهم وأماكنهم من الرض أحياء كهيئتهم قبل‬
‫مماتهم ينظرون أمر ال فيهم‪ ,‬كما‪:‬‬
‫ي فإذا هُ مْ قِيا مٌ َي ْنظُرُون‬
‫‪ 23297‬ـ حدثنا محمد‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا أحمد‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا أسباط‪ ,‬عن السد ّ‬
‫قال‪ :‬حين يبعثون‪.‬‬

‫‪69‬‬ ‫الية ‪:‬‬


‫َابـ َوجِــيءَ‬
‫ِعـ ا ْل ِكت ُ‬
‫ْضـ ِبنُورِ َربّهَا وَ ُوض َ‬
‫َتـ الر ُ‬
‫القول فــي تأويــل قوله تعالى‪{ :‬وََأشْ َرق ِ‬
‫ل ُيظْلَمُونَ }‪.‬‬
‫ضيَ َب ْي َنهُم بِا ْلحَقّ وَ ُهمْ َ‬
‫ش َهدَآءِ َوقُ ِ‬
‫بِال ّنبِ ّييْنَ وَال ّ‬
‫يقول تعالى ذكره‪ :‬فأضاءت الرض بنور ربها‪ ,‬يقال‪ :‬أشرقت الشمس‪ :‬إذا صفت وأضاءت‪,‬‬
‫وشرقت‪ :‬إذا طلعت‪ ,‬وذلك حين يبرز الرح من لفصل القضاء بين خل قه‪ .‬وبنحو الذي قلنا في‬
‫ذلك قال أهل التأويل‪ .‬ذكر من قال ذلك‪:‬‬
‫شرَقَ تِ الرْ ضُ‬
‫‪ 23298‬ـ حدثنا بشر‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا يزيد‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا سعيد‪ ,‬عن قتادة‪ ,‬قوله‪ :‬وأ ْ‬
‫بنُورِ َربّها قال‪ :‬فما يتضارّون في نوره إل كما يتضارّون في الشمس في اليوم الصحو الذي ل‬
‫دخن فيه‪.‬‬
‫ض بنُورِ‬
‫شرَقَتِ الرْ ُ‬
‫ي وأ ْ‬
‫‪23299‬ـ حدثنا محمد‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا أحمد‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا أسباط‪ ,‬عن السد ّ‬
‫َربّها قال‪ :‬أضاءت‪.‬‬
‫وقوله‪َ :‬و ُوضِعَ ال ِكتَابُ يعني‪ :‬كتاب أعمالهم لمحاسبتهم ومجازاتهم‪ ,‬كما‪:‬‬
‫‪ 23300‬ـ حدثنا بشر‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا يزيد‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا سعيد‪ ,‬عن قتادة وَ ُوضِ َع ال ِكتَا بُ قال‪ :‬كتاب‬
‫أعمالهم‪.‬‬
‫‪ 23301‬ـ حدثنا محمد‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا أحمد‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا أسباط‪ ,‬عن السديّ َو ُوضِ عَ الكِتا بُ قال‪:‬‬
‫الحساب‪.‬‬
‫ن والشّهدَاءِ يقول‪ :‬وجيء بالنبيين ليسألهم ربهم عما أجابتهم به أممهم‪,‬‬
‫وقوله‪َ :‬وجِي َء بالنّ ِبيّي َ‬
‫وردّت علي هم في الدن يا‪ ,‬ح ين أتت هم ر سالة ال والشهداء‪ ,‬يع ني بالشهداء‪ :‬أ مة مح مد صلى ال‬
‫عليه وسلم‪ ,‬يستشهدهم ربهم على الرسل‪ ,‬فيما ذكرت من تبليغها رسالة ال التي أرسلهم بها‬
‫رب هم إلى أمم ها‪ ,‬إذ جحدت أمم هم أن يكونوا أبلغو هم ر سالة ال‪ ,‬والشهداء‪ :‬ج مع شه يد‪ ,‬وهذا‬
‫شهَدا َء على النّا سِ َو َيكُو نَ الرّ سُولُ عََل ْيكُ مْ‬
‫جعَلْناكُ مْ ُأ ّمةً وَ سَطا ِل َتكُونُوا ُ‬
‫نظ ير قول ال‪ :‬وكَذل كَ َ‬
‫شهِيدا وق يل‪ :‬عُ ني بقوله‪ :‬الشّهدَاء‪ :‬الذ ين قتلوا في سبيل ال ول يس ل ما قالوا من ذلك في هذا‬
‫َ‬
‫ن والشهدَاءِ َوقُضِ يَ َب ْي َنهُ مْ بالحَ قّ‪ ,‬وفي ذلك‬
‫الموضع كبير معنى‪ ,‬لن عقيب قوله‪َ :‬وجِيءَ بال ّن ِبيّي َ‬
‫دليل واضح على صحة ما قلنا من أنه إنما دعى بالنبيين والشهداء للقضاء بين النبياء وأممها‪,‬‬
‫وأن الشهداء إنما هي جمع شه يد‪ ,‬الذ ين يشهدون للنبياء على أممهم كما ذكرنا‪ .‬وبنحو الذي‬
‫قلنا في ذلك قال أهل التأويل‪ .‬ذكر من قال ذلك‪:‬‬
‫‪23302‬ـ حدثنا عليّ‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا أبو صالح‪ ,‬قال‪ :‬ثني معاوية‪ ,‬عن عليّ‪ ,‬عن ابن عباس‪ ,‬قوله‬
‫َوجِي َء بالنّ ِبيّينِ وَالشّهدَاءِ فإنهم ليشهدون للرسل بتبليغ الرسالة‪ ,‬وبتكذيب المم إياهم‪.‬‬
‫ذكر من قال ما حكينا قوله من القول الَخر‪:‬‬
‫‪ 23303‬ـ حدث نا مح مد بن الح سين‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا أح مد بن المف ضل‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا أ سباط‪ ,‬عن‬
‫السديّ َوجِيءَ بال ّن ِبيّينَ والشهدَاءِ‪ :‬الذين استشهدوا في طاعة ال‪.‬‬
‫ي َب ْينَهُ مْ بالحَ قّ يقول تعالى ذكره‪ :‬وق ضي ب ين ال نبيين وأمم ها بالح قّ‪ ,‬وقضاؤه‬
‫وقوله‪َ :‬و ُقضِ َ‬
‫بينهم بالحق‪ ,‬أن ل يحمل على أحد ذنب غيره‪ ,‬ول يعاقب نفسا إل بما كسبت‪.‬‬

‫‪71-70‬‬ ‫الية ‪:‬‬


‫عمِلَ تْ وَ ُهوَ َأعْلَ مُ ِبمَا يَ ْفعَلُو نَ * وَ سِيقَ‬
‫ل نَفْ سٍ مّا َ‬
‫القول فـي تأويـل قوله تعالى‪{ :‬وَ ُو ّفيَ تْ كُ ّ‬
‫خ َزنَ ُتهَآ أَلَ مْ َي ْأ ِتكُ مْ رُ سُلٌ‬
‫حّتىَ ِإذَا جَآءُوهَا ُف ِتحَ تْ َأبْوَا ُبهَا َوقَالَ َلهُ مْ َ‬
‫ج َهنّ مَ ُزمَرا َ‬
‫ن كَـ َفرُوَ ْا إَِلىَ َ‬
‫اّلذِي َ‬
‫ت كَِلمَةُ‬
‫ت رَ ّبكُ مْ َويُن ِذرُو َنكُ مْ لِقَ ـآءَ يَ ْو ِمكُ مْ هَ ـذَا قَالُو ْا بََلىَ وَلَ ـكِنْ حَ ّق ْ‬
‫مّنكُ مْ َيتْلُو نَ عََل ْيكُ مْ آيَا ِ‬
‫ا ْل َعذَابِ عَلَى ا ْلكَا ِفرِينَ }‪.‬‬
‫يقول تعالى ذكره‪ :‬ووفـى ال حينئذ كـل نفـس جزاء عملهـا مـن خيـر وشرّ‪ ,‬وهـو أعلم بمـا‬
‫يفعلون في الدنيا من طاعة أو معصية‪ ,‬ول يعزب عنه علم شيء من ذلك‪ ,‬وهو مجازيهم عليه‬
‫يوم القيامة‪ ,‬فمثيبٌ المحسنَ بإحسانه‪ ,‬والمسي َء بما أساءَ‪.‬‬
‫ج َهنّ مَ يقول‪ :‬وحُشر الذين كفروا بال إلى ناره التي أعدّها لهم‬
‫ن كَ َفرُوا إلى َ‬
‫وقوله‪ :‬وَ سِيقَ اّلذِي َ‬
‫يوم القيامة جماعات‪ ,‬جماعة جماعة‪ ,‬وحزبا حزبا‪ ,‬كما‪:‬‬
‫‪ 23304‬ـ حدث نا ب شر‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا يز يد‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا سعيد‪ ,‬عن قتادة في قوله‪ُ :‬زمَرا قال‪:‬‬
‫جماعات‪.‬‬
‫خ َز َنتُها قوّامها‪ :‬ألَ مْ َي ْأ ِتكُ مْ رُ سُلٌ ِم ْنكُ مْ‬
‫وقوله‪ :‬حتى إذَا جاءُوها ُف ِتحَ تْ أبْوابُها السبعة وَقالَ َلهُ مْ َ‬
‫َيتْلُو نَ عََل ْيكُ مْ آيا تِ َر ّبكُ مْ يعني‪ :‬كتاب ال المنزل على رسله وحججه التي بعث بها رسله إلى‬
‫أمم هم َو ُي ْن ِذ ُر َنكُ مْ لِقا ِء يَ ْو ِمكُ ْم هَذا يقول‪ :‬وينذر كم ما تلقون في يوم كم هذا و قد يحت مل أن يكون‬
‫معناه‪ :‬وينذرون كم م صيركم إلى هذا اليوم‪ .‬قالوا‪ :‬بلى‪ :‬يقول‪ :‬قال الذ ين كفروا مج يبين لخز نة‬
‫ن حَقّ تْ كَِل َمةُ ال َعذَا بِ على الكا ِفرِي نَ‬
‫جهنم‪ :‬بلى قد أتتنا الرسل منا‪ ,‬فأنذرتنا لقاءنا هذا اليوم وَلَك ْ‬
‫يقول‪ :‬قالوا‪ :‬ولكن وجبت كلمة ال أن عذابه لهل الكفر به علينا بكفرنا به‪ ,‬كما‪:‬‬
‫ت كَِلمَةُ‬
‫‪ 23305‬ـ حدثنا بشر‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا يز يد‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا سعيد‪ ,‬عن قتادة‪ ,‬قوله‪ :‬وََل ِك نْ حَقّ ْ‬
‫ال َعذَابِ على الكا ِفرِينَ بأعمالهم‪.‬‬

‫‪72‬‬ ‫الية ‪:‬‬


‫ـ َمثْوَى‬
‫ـ فِيهَـا َف ِبئْس َ‬
‫ـ خَاِلدِين َ‬
‫ج َهنّم َ‬
‫ـ َ‬
‫القول فــي تأويــل قوله تعالى‪{ :‬قِيلَ ا ْدخُلُوَ ْا َأبْوَاب َ‬
‫ا ْل ُم َتكَـ ّبرِينَ }‪.‬‬
‫ج َهنّ مَ ال سبعة على‬
‫ب َ‬
‫يقول تعالى ذكره‪ :‬فتقول خز نة جه نم للذ ين كفروا حينئذ‪ :‬ا ْدخُلُوا أ ْبوَا َ‬
‫قدر منازلكـم فيهـا خاِلدِين َـ فِيهـا يقول‪ :‬ماكثيـن فيهـا ل يُنقلون عنهـا إلى غيرهـا‪ .‬فَبئْس َـ َم ْثوَى‬
‫ال ُمتَكَبرين يقول‪ :‬فبئس مسـكن المتكـبرين على ال فـي الدنيـا‪ ,‬أن يوحدوه ويفردوا له اللو هة‪,‬‬
‫جهنم يوم القيامة‪.‬‬
‫‪74-73‬‬ ‫الية ‪:‬‬
‫حّتىَ ِإذَا جَآءُوهَا‬
‫جنّ ِة زُمَرا َ‬
‫ن اتّقَوْ ْا َر ّبهُ ْم إِلَى اّل َ‬
‫القول ف ـي تأوي ـل قوله تعالى‪{ :‬وَ سِيقَ اّلذِي َ‬
‫ن * َوقَـالُو ْا ا ْلحَـ ْمدُ للّ هِ‬
‫ط ْبتُ مْ فَا ْدخُلُوهَا خَاِلدِي َ‬
‫لمٌ عََل ْيكُـمْ ِ‬
‫خ َز َن ُتهَا سَ َ‬
‫َو ُف ِتحَ تْ َأبْوَا ُبهَا َوقَالَ َلهُ مْ َ‬
‫حيْثُ َنشَآءُ َف ِنعْ َم َأجْ ُر ا ْلعَامِلِينَ }‪.‬‬
‫جنّ ِة َ‬
‫ن ا ْل َ‬
‫عدَهُ وَأَ ْو َر َثنَا الرْضَ َن َتبَوُّأ مِ َ‬
‫اّلذِي صَ َد َقنَا َو ْ‬
‫يقول تعالى ذكره‪ :‬وحُشـر الذيـن اتقوا ربهـم بأداء فرائضـه‪ ,‬واجتناب معاصـيه فـي الدنيـا‪,‬‬
‫جنّةِ ُزمَرا‬
‫وأخلصوا له فيها اللوهة‪ ,‬وأفردوا له العبادة‪ ,‬فلم يشركوا في عبادتهم إياه شيئا إلى ال َ‬
‫يع ني جماعات‪ ,‬فكان سوق هؤلء إلى منازل هم من الج نة وفدا على ما قد بيّ نا ق بل في سورة‬
‫مريم على نجائب من نجائب الجنة‪ ,‬وسوق الَخرين إلى النار دعّا ووردا‪ ,‬كما قال ال‪.‬‬
‫وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل‪ .‬وقد ذكر ذلك في أماكنه من هذا الكتاب‪ .‬وقد‪:‬‬
‫‪ 23306‬ـ حدث ني يو نس‪ ,‬قال‪ :‬أخبر نا ا بن و هب‪ ,‬قال‪ :‬قال ا بن ز يد‪ ,‬في قوله‪ :‬وَ سِيقَ اّلذِي نَ‬
‫جّنةِ ُزمَرا قال‪ :‬كان سـوق‬
‫ُمـ إلى ال َ‬
‫ِينـ اّتقُوا َربّه ْ‬
‫ّمـ ُزمَرا‪ ,‬وفـي قوله‪ :‬وَسـِيقَ اّلذ َ‬
‫ج َهن َ‬
‫كَ َفرُوا إلى َ‬
‫ج َهنّ مَ دَعّا قال‪ :‬يدفعون دف عا‪ ,‬وقرأ‪ :‬فَذلِ كَ‬
‫ن إلى نارِ َ‬
‫أولئك عن فا وتع با ودف عا‪ ,‬وقرأ‪ :‬يَوْ مَ ُيدَعّو َ‬
‫شرُ ال ُمتّقِين َـ إلى‬
‫حُ‬‫ج َهنّم َـ ِورْدا و و َن ْ‬
‫ق ال ُمجْرِمين َـ إلى َ‬
‫الّذي َيدُع ّـ ال َيتِيم َـ قال‪ :‬يدفعـه‪ ,‬وقرأ ونَسـُو ُ‬
‫ال ّرحْمَنِ َوفْدا ثم قال‪ :‬فهؤلء وفد ال‪.‬‬
‫‪ 23307‬ـ حدثنا مجاهد بن موسى‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا يزيد‪ ,‬قال‪ :‬أخبرنا شريك بن عبد ال‪ ,‬عن أبي‬
‫إ سحاق‪ ,‬عن عا صم بن ضمرة‪ ,‬عن علي بن أ بي طالب‪ ,‬ر ضي ال ع نه قوله‪ :‬وَ سِيقَ اّلذِي نَ‬
‫جنّ ِة ُزمَرا ح تى إذا انتهوا إلى باب ها‪ ,‬إذا هم بشجرة يخرج من أ صلها عينان‪,‬‬
‫اتّقُوا َر ّبهُ مْ إلى ال َ‬
‫فعمدوا إلى إحداه ما‪ ,‬فشربوا من ها كأن ما أمروا ب ها‪ ,‬فخرج ما في بطون هم من قذر أو أذى أو‬
‫قذى‪ ,‬ثـم عمدوا إلى الخرى‪ ,‬فتوضّؤا منهـا كأنمـا أُمروا بـه‪ ,‬فجرت عليهـم نضرة النعيـم‪ ,‬فلن‬
‫تشعث رؤوسهم بعدها أبدا ولن تبلى ثيابهم بعدها‪ ,‬ثم دخلوا الجنة‪ ,‬فتلقتهم الولدان كأنهم اللؤلؤ‬
‫المكنون‪ ,‬فيقولون‪ :‬أبشر‪ ,‬أع ّد ال لك كذا‪ ,‬وأع ّد لك كذا وكذا‪ ,‬ثم ينظر إلى تأسيس بنيانه جندل‬
‫اللؤلؤ الح مر وال صفر والخ ضر‪ ,‬يتلل كأ نه البرق‪ ,‬فلول أن ال ق ضى أن ل يذ هب ب صره‬
‫لذهب‪ ,‬ثم يأتي بعضهم إلى بعض أزواجه‪ ,‬فيقول‪ :‬أبشري قد قدم فلن ابن فلن‪ ,‬فيسميه باسمه‬
‫واسم أبيه‪ ,‬فتقول‪ :‬أنت رأيته‪ ,‬أنت رأيته فيستخفها الفرح حتى تقوم‪ ,‬فتجلس على أسكفة بابها‪,‬‬
‫ح ْمدُ لِّل ِه اّلذِي هَدانا ِلهَذا وَما ُكنّا ِل َن ْه َتدِيَ َلوْل أنْ‬
‫فيدخل فيتكىء على سريره‪ ,‬ويقرأ هذه الَية‪ :‬ال َ‬
‫هَدانا اللّهُ‪ ...‬الَية‪.‬‬
‫‪23308‬ـ حدثنا محمد‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا أحمد‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا أسباط‪ ,‬عن السديّ‪ ,‬قال‪ :‬ذكر أبو إسحاق‬
‫ي ر ضي ال ع نه قال‪ :‬ي ساقون إلى الج نة‪ ,‬فينتهون إلي ها‪ ,‬فيجدون ع ند‬
‫عن الحارث‪ ,‬عن عل ّ‬
‫بابهـا شجرة فـي أصـل سـاقها عينان تجريان‪ ,‬فيعمدون إلى إحداهمـا‪ ,‬فيغتسـلون منهـا‪ ,‬فتجري‬
‫عليهم نضرة النعيم‪ ,‬فلن تشعث رؤوسهم بعدها أبدا‪ ,‬ولن تغبر جلودهم بعدها أبدا‪ ,‬كأنما دهنوا‬
‫بالدهان ويعمدون إلى الخرى‪ ,‬فيشربون منهـا‪ ,‬فيذهـب مـا فـي بطونهـم مـن قذى أو أذى‪ ,‬ثـم‬
‫جنّةَ‬
‫لمٌ عََل ْيكُم ا ْدخُلُوا ال َ‬
‫يأتون باب الجنة فيستفتحون‪ ,‬فيفتح لهم‪ ,‬فتتلقاهم خزنة الجنة فيقولون س َ‬
‫ن قال‪ :‬وتتلقا هم الولدان المخلدون‪ ,‬يطيفون ب هم ك ما تط يف ولدان أ هل الدن يا‬
‫بِ ما كن تم َت ْعمَلُو َ‬
‫بالحميـم إذا جاء مـن الغيبـة‪ ,‬يقولون‪ :‬أبشـر أعدّ ال لك كذا‪ ,‬وأعدّ لك كذا‪ ,‬فينطلق أحدهـم إلى‬
‫زوج ته‪ ,‬فيبشر ها به‪ ,‬فيقول‪ :‬قدم فلن با سمه الذي كان ي سمى به في الدن يا‪ ,‬وقال‪ :‬في ستخفها‬
‫الفرح حتـى تقوم على أسـكفة بابهـا‪ ,‬وتقول‪ :‬أنـت رأيتـه‪ ,‬أنـت رأيتـه؟ قال‪ :‬فيقول‪ :‬نعـم‪ ,‬قال‪:‬‬
‫فيج يء ح تى يأ تي منزله‪ ,‬فإذا أ صوله من جندل اللؤلؤ من ب ين أ صفر وأح مر وأخ ضر‪ ,‬قال‪:‬‬
‫فيدخل فإذا الكواب موضوعة‪ ,‬والنمارق مصفوفة‪ ,‬والزرابيّ مبثوثة قال‪ :‬ثم يدخل إلى زوجته‬
‫من الحور العين‪ ,‬فلول أن ال أعدّها له للتمع بصره من نورها وحسنها قال‪ :‬فاتكأ عند ذلك‬
‫ل أ نْ هَدانا اللّ هُ قال‪ :‬فتناديهم الملئكة‪ :‬أ نْ‬
‫ح ْمدُ لِلّ هِ اّلذِي هَدانا ل َهذَا وَما ُكنّا ِل َن ْهتَد يَ لَ ْو َ‬
‫ويقول‪ :‬ال َ‬
‫جنّةُ أ ُو ِرثْتمُوهَا ِبمَا ُك ْن ُتمْ َت ْعمَلُونَ‪.‬‬
‫تِ ْل ُكمُ ال َ‬
‫‪23309‬ـ حدثنا محمد‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا أحمد‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا أسباط‪ ,‬قال‪ :‬ذكر السديّ نحوه أيضا‪ ,‬غير‬
‫جنّةَ‬
‫أنه قال‪ :‬لهو أهدى إلى منزله في الجنة منه إلى منزله في الدنيا‪ ,‬ثم قرأ السديّ‪َ :‬و ُي ْدخِلُهُمُ ال َ‬
‫ع ّرفَها ل ُهمْ‪.‬‬
‫َ‬
‫واختلف أ هل العرب ية في مو ضع جواب «إذا» ال تي في قوله ح تى إذَا جاءُو ها فقال ب عض‬
‫نحويي البصرة‪ :‬يقال إن قوله وَقالَ َلهُم خَ َز َنتُها في معنى‪ :‬قال لهم‪ ,‬كأنه يلغي الواو‪ ,‬وقد جاء‬
‫في الشعر شيء يشبه أن تكون الواو زائدة‪ ,‬كما قال الشاعر‪:‬‬
‫ل‬
‫ك يا ُك َب ْيشَةُ َلمْ َي ُكنْإلّ تَوَ ّه َم حاِلمٍ ِبخَيا ِ‬
‫فإذَا وَذل َ‬
‫فيش به أن يكون ير يد‪ :‬فإذا ذلك لم ي كن‪ .‬قال‪ :‬وقال بعض هم‪ :‬فأض مر ال خبر‪ ,‬وإضمار ال خبر‬
‫أيضا أحسن في الَية‪ ,‬وإضمار الخبر في الكلم كثير‪ .‬وقال آخر منهم‪ :‬هو مكفوف عن خبره‪,‬‬
‫قال‪ :‬والعرب تفعل مثل هذا قال عبد مَناف بن ربع في آخر قصيدة‪:‬‬
‫شرُدا‬
‫جمّالَةُ ال ّ‬
‫ط ُردُ ال َ‬
‫حتى إذَا أسَْلكُو ُهمْ فِي قُتا ِئدِهِشَلّ كما تَ ْ‬
‫وقال الخطل في آخر القصيدة‪:‬‬
‫ن قُ َريْشٍ تَ َفضّلواعلى النّاسِ أوْ أنّ الكارِمَ َن ْهشَل‬
‫ن حيّا م ْ‬
‫خَل أ ّ‬
‫وقال بعض نحويّي الكوفة‪ :‬أدخلت في حتى إذا وفي فلما‪ ,‬الواو في جوابها وأخرجت‪ ,‬فأما‬
‫من أخرجها فل شيء ف يه‪ ,‬ومن أدخلها شبه الوائل بالتعجب‪ ,‬فج عل الثاني ن سقا على الوّل‪,‬‬
‫وإن كان الثاني جوابا كأنه قال‪ :‬أتعجب لهذا وهذا‪.‬‬
‫وأولى القوال في ذلك عندي بالصواب قول من قال‪ :‬الجواب متروك‪ ,‬وإن كان القول الَخر‬
‫ن يدلّ على أن‬
‫ط ْبتُ مْ فا ْدخُلُوها خاِلدِي َ‬
‫خ َزنَتُها سَلمٌ عََل ْيكُ مْ ِ‬
‫غير مدفوع‪ ,‬وذلك أن قوله‪ :‬وَقالَ َلهُ مْ َ‬
‫َهـ وإذا كان ذلك كذلك‪,‬‬
‫عد ُ‬‫صـّدقَنا وَ ْ‬
‫ّهـ اّلذِي َ‬
‫ح ْمدُ لِل ِ‬
‫فـي الكلم متروكـا‪ ,‬إذ كان عقيبـه وَقالُوا ال َ‬
‫فمع نى الكلم‪ :‬ح تى إذا جاؤوا وفت حت أبواب ها وقال ل هم خزنت ها‪ :‬سلم علي كم طب تم فادخلو ها‬
‫خالدين‪ ,‬دخلوها وقالوا‪ :‬الحمد ل الذي صدقنا وعده‪ .‬وعني بقوله سَلمٌ عََل ْيكُمْ‪ :‬أمنة من ال لكم‬
‫طبْتُ مْ يقول‪ :‬طابت أعمالكم في الدنيا‪ ,‬فطاب اليوم مثواكم‪.‬‬
‫أن ينالكم بعدُ مكروه أو أذى‪ .‬وقوله ِ‬
‫وكان مجاهد يقول في ذلك ما‪:‬‬
‫‪ 23310‬ـ حدثنا محمد بن عمر‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا أبو عاصم‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا عيسى وحدثني الحارث‪,‬‬
‫طبْتُ مْ قال‪:‬‬
‫قال‪ :‬حدثنا الحسن‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا ورقاء‪ ,‬جميعا عن ابن أبي نجيح‪ ,‬عن مجاهد‪ ,‬قوله‪ِ :‬‬
‫كنتم طيبين في طاعة ال‪.‬‬
‫عدَ ُه يقول‪ :‬وقال الذ ين سيقوا زمرا ودخلو ها‪ :‬الش كر‬
‫صدَقَنا َو ْ‬
‫ح ْمدُ لِلّ هِ اّلذِي َ‬
‫وقوله‪ :‬وَقالُوا ال َ‬
‫خالص ل الذي صدقنا وعده‪ ,‬الذي كان وعدناه في الدنيا على طاعته‪ ,‬فحققه بإنجازه لنا اليوم‪,‬‬
‫وأ ْو َرثَنـا الرْض َـ يقول‪ :‬وجعـل أرض الجنـة التـي كانـت لهـل النار لو كانوا أطاعوا ال فـي‬
‫الدنيا‪ ,‬فدخلوها‪ ,‬ميراثا لنا عنهم‪ ,‬كما‪:‬‬
‫‪ 23311‬ـ حدث نا ب شر‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا يز يد‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا سعيد‪ ,‬عن قتادة‪ ,‬قوله‪ :‬وأ ْو َرثَ نا الرْ ضَ‬
‫قال‪ :‬أرض الجنة‪.‬‬
‫‪23312‬ـ حدثنا محمد‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا أحمد‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا أسباط‪ ,‬عن السديّ وأ ْورَثَنا الرْضَ أرض‬
‫الجنة‪.‬‬
‫‪23313‬ـ حدثني يونس‪ ,‬قال‪ :‬أخبرنا ابن وهب‪ ,‬قال‪ :‬قال ابن زيد‪ ,‬في قوله‪ :‬وأ ْو َرثَنا الرْ ضَ‬
‫ي الصّاِلحُونَ‪.‬‬
‫ن الرْضَ َي ِرثُها عِبادِ َ‬
‫قال‪ :‬أرض الجنة‪ ,‬وقرأ‪ :‬أ ّ‬
‫نحبـ‬
‫ّ‬ ‫َيثـ نَشاءُ يقول‪ :‬نتخـذ مـن الجنـة بيتـا‪ ,‬ونسـكن منهـا حيـث‬
‫جنّةِ ح ُ‬
‫ِنـ ال َ‬
‫وقوله‪َ :‬ن َتبَوّأُ م َ‬
‫ونشتهي‪ ,‬كما‪:‬‬
‫حيْ ثُ‬
‫جنّ ِة َ‬
‫ن ال َ‬
‫ي َن َتبَوّأُ مِ َ‬
‫‪ 23314‬ـ حدثنا محمد‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا أحمد‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا أسباط‪ ,‬عن السد ّ‬
‫نَشا ُء ننزل منها حيث نشاء‪.‬‬
‫جرُ العامِلِي نَ يقول‪ :‬فن عم ثواب المطيع ين ل‪ ,‬العامل ين له في الدن يا الج نة ل من‬
‫وقوله‪َ :‬فنِعْ مَ أ ْ‬
‫أعطاه ال إياها في الَخرة‪.‬‬

‫‪75‬‬ ‫الية ‪:‬‬


‫ح ْمدِ‬
‫ُسـّبحُونَ ِب َ‬
‫ْشـ ي َ‬
‫ل ا ْل َعر ِ‬
‫ِنـ حَوْ ِ‬
‫ّينـ م ْ‬
‫ل ِئكَ َة حَآف َ‬
‫القول فــي تأويــل قوله تعالى‪َ { :‬و َترَى ا ْلمَ َ‬
‫ح ْمدُ لِلّ ِه رَبّ ا ْلعَاَلمِينَ }‪.‬‬
‫ضيَ َب ْي َنهُ ْم بِا ْلحَقّ َوقِيلَ ا ْل َ‬
‫َربّ ِهمْ َوقُ ِ‬
‫يقول تعالى ذكره‪ :‬وترى يـا محمـد الملئكـة محدقيـن مـن حول عرش الرحمـن‪ ,‬ويعنـي‬
‫بالعرش‪ :‬السرير‪ .‬ذكر من قال ذلك‪:‬‬
‫‪ 23315‬ـ حدث نا ب شر‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا يز يد‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا سعيد‪ ,‬عن قتادة‪ ,‬قوله‪َ :‬و َترَى المَلئِكَةَ‬
‫ش محدقين‪.‬‬
‫ل العَرْ ِ‬
‫ن حَوْ ِ‬
‫ن مِ ْ‬
‫حافّي َ‬
‫‪23316‬ـ حدثنا محمد‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا أحمد‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا أسباط‪ ,‬عن السديّ َوتَرَى المَل ِئكَ َة حافّي نَ‬
‫ش قال‪ :‬محدقين حول العرش‪ ,‬قال‪ :‬العرش‪ :‬السرير‪.‬‬
‫ل العَرْ ِ‬
‫ن حَوْ ِ‬
‫مِ ْ‬
‫حوْلِ ال َعرْ شِ والمع نى‪:‬‬
‫واختلف أ هل العرب ية في و جه دخول « ِم نْ» في قوله‪ :‬حافّي نَ مِ نْ َ‬
‫حافّين حول العرش‪.‬‬
‫عمَلُ كَ فقال ب عض‬
‫ح َبطَ نّ َ‬
‫ن أشْ َركْ تَ َل َي ْ‬
‫ن مِ نْ َقبْلِ كَ َل ِئ ْ‬
‫و في قوله‪ :‬وَلَ َقدْ أُوحِ يَ إَليْ كَ وَإلى اّلذِي َ‬
‫نحويي البصرة‪ :‬أدخلت «مِ نْ» في هذين الموضعين توكيدا‪ ,‬وال أعلم‪ ,‬كقولك‪ :‬ما جاءني من‬
‫أحد وقال غيره‪ :‬ق بل وحول وما أشبههما ظروف تدخل فيها «مِ نْ» وتخرج‪ ,‬نحو‪ :‬أتيتك قبل‬
‫ز يد‪ ,‬و من ق بل ز يد‪ ,‬وطف نا حولك و من حولك‪ ,‬ول يس ذلك من نوع‪ :‬ما جاء ني من أ حد‪ ,‬لن‬
‫موضع « ِمنْ» في قولهم‪ :‬ما جاءني من أحد رفع‪ ,‬وهو اسم‪.‬‬
‫ن حَوْل‬
‫وال صواب من القول في ذلك عندي أن « ِم نْ» في هذه الما كن‪ ,‬أع ني في قوله ِم ْ‬
‫ال َعرْشِ ومن قبلك‪ ,‬وما أشبه ذلك‪ ,‬وإن كانت دخلت على الظروف فإنها بمعنى التوكيد‪.‬‬
‫ـ يقول‪ :‬يصـلون حول عرش ال شكرا له والعرب تدخـل الباء‬
‫ح ْمدِ َر ّبهِم ْ‬
‫ُسـبّحُونَ ِب َ‬
‫وقوله‪ :‬ي َ‬
‫ل ثناؤه‪:‬‬
‫حمْ َد ال‪ ,‬كما قال ج ّ‬
‫أحيانا في التسبيح‪ ,‬وتحذفها أحيانا‪ ,‬فتقول‪ :‬سبح بحمد ال‪ ,‬وسبح َ‬
‫ح باسْم َر ّبكَ ال َعظِيمِ‪.‬‬
‫سبّ ْ‬
‫سمَ َر ّبكَ العْلَى‪ ,‬وقال في موضع آخر‪ :‬فَ َ‬
‫سبّحِ ا ْ‬
‫َ‬
‫وقوله‪َ :‬و ُقضِ يَ َب ْي َنهُ مْ بالحَ قّ يقول‪ :‬وقضى ال بين النبيين الذين جيء بهم‪ ,‬والشهداء وأممها‬
‫بالعدل‪ ,‬فأسكن أهل اليمان بال‪ ,‬وبما جاءت به رسله الجنة‪ .‬وأهل الكفر به‪ ,‬ومما جاءت به‬
‫ح ْمدُ لِلّ ِه رَبّ العَالمِينَ يقول‪ :‬وختمت خاتمة القضاء بينهم بالشكر للذي ابتدأ‬
‫رسله النار‪َ .‬وقِيلَ ال َ‬
‫خلقهم الذي له اللوهية‪ ,‬ومُلك جميع ما في السموات والرض من الخلق من ملك وجنّ وإنس‪,‬‬
‫وغير ذلك من أصناف الخلق‪ .‬وكان قتادة يقول في ذلك ما‪:‬‬
‫حمْدِ َر ّبهِ مْ‪...‬‬
‫ن ِب َ‬
‫س ّبحُو َ‬
‫‪ 23317‬ـ حدثنا بشر‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا يزيد‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا سعيد‪ ,‬عن قتادة َويُ َ‬
‫الَية‪ ,‬كلها قال‪ :‬فتح أوّل الخلق بالحمد ل‪ ,‬فقال‪ :‬الحمد ل الذي خلق السموات والرض‪ ,‬وختم‬
‫ح ْمدُ لِّل ِه رَبّ العَالمِينَ‪.‬‬
‫حقّ َوقِيلَ ال َ‬
‫ضيَ َب ْي َنهُمْ بال َ‬
‫بالحمد فقال‪َ :‬و ُق ِ‬

‫سورة غافر‬
‫سورة غافر مكية‬
‫وآياتها خمس وثمانون‬
‫بسم ال الرحمَن الرحيـم‬

‫‪3-1‬‬ ‫الية ‪:‬‬


‫القول فــي تأويــل قوله تعالى‪{ :‬حــمَ * تَنزِيلُ ا ْل ِكتَاب ِـ مِن َـ اللّه ِـ ا ْل َعزِيزِ ا ْلعَلِيم ِـ * غَافِرِ‬
‫ل إِلَـ َه ِإلّ ُهوَ إَِليْ ِه ا ْل َمصِيرُ }‪.‬‬
‫ب ذِي الطّوْلِ َ‬
‫شدِيدِ ا ْلعِقَا ِ‬
‫الذّنبِ َوقَابِلِ الّتوْبِ َ‬
‫اختلف أهل التأويل في معنى قوله حم فقال بعض هم‪ :‬هو حروف مقطعة من اسم ال الذي‬
‫هو الرحمن الرحيم‪ ,‬وهو الحاء والميم منه‪ .‬ذكر من قال ذلك‪:‬‬
‫‪23318‬ـ حدثني عبد ال بن أحمد بن شبّويه المروَزي‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا عليّ بن الحسن‪ ,‬قال‪ :‬ثني‬
‫أبي‪ ,‬عن يزيد‪ ,‬عن عكرمة‪ ,‬عن ابن عباس‪ :‬الر‪ ,‬وحم‪ ,‬ون‪ ,‬حروف الرحمن مقطعة‪.‬‬
‫وقال آخرون‪ :‬هو قسم أقسمه ال‪ ,‬وهو اسم من أسماء ال‪ .‬ذكر من قال ذلك‪:‬‬
‫‪ 23319‬ـ حدثني عل يّ‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا أبو صالح‪ ,‬قال‪ :‬ثني معاوية‪ ,‬عن عل يّ‪ ,‬عن ا بن عباس‪,‬‬
‫قال‪ :‬حم‪ :‬قسم أقسمه ال‪ ,‬وهو اسم من أسماء ال‪.‬‬
‫‪ 23320‬ـ حدث نا مح مد بن الح سين‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا أح مد بن المف ضل‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا أ سباط‪ ,‬عن‬
‫السديّ‪ ,‬قوله حم‪ :‬من حروف أسماء ال‪.‬‬
‫وقال آخرون‪ :‬بل هو اسم من أسماء القرآن‪ .‬ذكر من قال ذلك‪:‬‬
‫‪ 23321‬ـ حدثنا بشر‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا يزيد‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا سعيد‪ ,‬عن قتادة حم قال‪ :‬اسم من أسماء‬
‫القرآن‪.‬‬
‫وقال آخرون‪ :‬هو حروف هجاء‪.‬‬
‫وقال آخرون‪ :‬بل هو اسم‪ ,‬واحتجوا لقولهم ذلك بقول شريح بن أوفَى العبسي‪:‬‬
‫ح شاجِ ٌر َفهَلّ تَل حم َقبْلَ التّ َق ّدمِ‬
‫ُي َذ ّك ُرنِي حامِيمَ وال ّرمْ ُ‬
‫وبقول ال ُكمَيت‪:‬‬
‫ب‬
‫جدْنا َل ُكمْ فِي آلِ حامِيم آيَ ًة َتَأوّلَها ِمنّا تَ ِقيّ َو ُمعْرِ ُ‬
‫َو َ‬
‫‪ 23322‬ـ وحُد ثت عن مع مر بن المث نى أ نه قال‪ :‬قال يو نس‪ ,‬يع ني الجر مي‪ :‬و من قال هذا‬
‫القول فهو منكَر عليه‪ ,‬لن السورة حم ساكنة الحروف‪ ,‬فخرجت مخرج التهجي‪ ,‬وهذه أسماء‬
‫سور خرجت متحركات‪ ,‬وإذا سميت سورة بشيء من هذه الحرف المجزومة دخلهُ العراب‪.‬‬
‫والقول في ذلك عندي نظ ير القول في أخوات ها‪ ,‬و قد بيّ نا ذلك‪ ,‬في قوله‪ :‬الم‪ ,‬ف في ذلك كفا ية‬
‫عن إعادته في هذا الموضع‪ ,‬إذ كان القول في حم‪ ,‬وجميع ما جاء في القرآن على هذا الوجه‪,‬‬
‫أعني حروف التهجي قولً واحدا‪.‬‬
‫ن اللّ ِه ال َعزِيزِ العَلِي مِ يقول ال تعالى ذكره‪ :‬من ال العزيز في انتقامه‬
‫ل الكِتا بِ مِ َ‬
‫وقوله‪َ :‬ت ْنزِي ُ‬
‫من أعدائه‪ ,‬العل يم ي ما يعملون من العمال وغير ها تنز يل هذا الكتاب فالتنز يل مرفوع بقوله‪:‬‬
‫ن اللّهِ‪.‬‬
‫مِ َ‬
‫وفـي قوله‪ :‬غا ِفرِ ال ّذنْبِـ وجهان أحدهمـا‪ :‬أن يكون بمع نى يغفـر ذنوب العباد‪ ,‬وإذا أريـد هذا‬
‫المعنى‪ ,‬كان خفض غافر وقابل من وجهين‪ ,‬أحدهما من نية تكرير «من»‪ ,‬فيكون معنى الكلم‬
‫حينئذ‪ :‬تنز يل الكتاب من ال العز يز العل يم‪ ,‬من غا فر الذ نب‪ ,‬وقا بل التوب‪ ,‬لن غا فر الذ نب‬
‫نكرة‪ ,‬وليس بالفصح أن يكون نعتا للمعرفة‪ ,‬وهو نكرة‪ ,‬والَخر أن يكون أجرى في إعرابه‪,‬‬
‫و هو نكرة على إعراب الوّل كالن عت له‪ ,‬لوقو عه بي نه وب ين قوله‪ :‬ذِي الطّ ْولِ و هو معر فة‪..‬‬
‫وقـد يجوز أن يكون أتبـع إعرابـه وهـو نكرة إعراب الوّل‪ ,‬إذا كان مدحـا‪ ,‬وكان المدح يتبـع‬
‫إعرابه ما قبله أحيانا‪ ,‬ويعدل به عن إعراب الوّل أحيانا بالنصب والرفع كما قال الشاعر‪:‬‬
‫ج ُزرِ‬
‫ن ُه ُمسَمّ ال ُعدَا ِة وآفَةُ ال ُ‬
‫ن قَوْمي اّلذِي َ‬
‫ل َي ْبعَدَ ْ‬
‫طيِبينَ معَاقِ َد الُ ُززُ‬
‫ل َم ُعتَركٍوال ّ‬
‫النّازِلِينَ ِبكُ ّ‬
‫ْشـ ال َمجِيدُ َفعّالٌ لِم َا ُيرِيدُ فرفـع فعّالٌ وهـو‬
‫ل ثناؤه وَهُ َو الغَفُورُ الَودُودُ ذُو ال َعر ِ‬
‫وكمـا قال ج ّ‬
‫نكرة مح ضة‪ ,‬وأت بع إعراب الغفور الودود والَ خر‪ :‬أن يكون معناه‪ :‬أن ذلك من صفته تعالى‪,‬‬
‫إذ كان لم يزل لذنوب العباد غفورا من ق بل نزول هذه الَ ية و في حال نزول ها‪ ,‬و من ب عد ذلك‪,‬‬
‫فيكون عند ذلك معرفة صحيحة ونعتا على الصحة‪ .‬وقال‪ :‬غا ِفرِ ال ّذنْ بِ ولم ي قل الذنوب‪ ,‬ل نه‬
‫ل التّوْ بِ فإن التوب قد يكون جمع توبة‪ ,‬كما يجمع الدّومة دَوما‬
‫أريد به الفعل‪ ,‬وأما قوله‪ :‬وَقابِ ِ‬
‫والعَومة عَوما من عومة السفينة‪ ,‬كما قال الشاعر‪:‬‬
‫ن فََلمّا حالَ دُو َن ُهمُ )‬
‫ع ْومَ السّفِي َ‬
‫(َ‬
‫وقد يكون مصدر تاب يتوب توبا‪.‬‬
‫وقد‪:‬‬
‫‪ 23323‬ـ حدثني محمد بن عبيد المحاربي‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا أبو بكر بن عياش‪ ,‬عن أبي إسحاق‪,‬‬
‫قال‪ :‬جاء ر جل إلى ع مر‪ ,‬فقال‪ :‬إ ني قتلت‪ ,‬ف هل لي من تو بة؟ قال‪ :‬ن عم‪ ,‬اع مل ول تيأس‪ ,‬ثم‬
‫ل التّوْبِ‪.‬‬
‫ن اللّ ِه ال َعزِيرِ العَلِيمِ غا ِفرِ ال ّذنْبِ وَقابِ ِ‬
‫ل الكِتابِ مِ َ‬
‫قرأ‪ :‬حم َت ْنزِي ُ‬

‫ب يقول تعالى ذكره‪ :‬شد يد عقا به ل من عاق به من أ هل الع صيان له‪ ,‬فل‬
‫شدِيـد العقا ِ‬
‫وقوله‪َ :‬‬
‫تتكلوا على سعة رحم ته‪ ,‬ول كن كونوا م نه على حذر‪ ,‬باجتناب معا صيه‪ ,‬وأداء فرائ ضه‪ ,‬فإ نه‬
‫كما أن ل يؤيس أهل الجرام والَثام من عفوه‪ ,‬وقبول توبة من تاب منهم من جرمه‪ ,‬كذلك ل‬
‫يؤمنهم من عقابه وانتقامه منهم بما استحلوا من محارمه‪ ,‬وركبوا من معاصيه‪.‬‬
‫وقوله‪ :‬ذِي الطّوْلِ يقول‪ :‬ذي الفضل والن عم المب سوطة على من شاء من خل قه يقال م نه‪ :‬إن‬
‫فلنـا لذو طَوْل على أصـحابه‪ ,‬إذا كان ذا فضـل عليهـم‪ .‬وبنحـو الذي قلنـا فـي ذلك قال أهـل‬
‫التأويل‪ .‬ذكر من قال ذلك‪:‬‬
‫‪ 23324‬ـ حدثني عل يّ‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا أبو الصالح‪ ,‬قال‪ :‬ثني معاوية‪ ,‬عن عل يّ‪ ,‬عن ابن عباس‪,‬‬
‫ل يقول‪ :‬ذي السعة والغنى‪.‬‬
‫قوله‪ :‬ذِي الطّوْ ِ‬
‫‪23325‬ـ حدثني محمد بن عمرو‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا أبو عاصم‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا عيسى وحدثني الحارث‪,‬‬
‫قال‪ :‬حدثنا الحسن‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا ورقاء‪ ,‬جميعا عن ابن أبي نجيح‪ ,‬عن مجاهد‪ ,‬في قول ال‪ :‬ذِي‬
‫الطّوْلِ الغنى‪.‬‬
‫‪23326‬ـ حدثنا بشر‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا يزيد‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا سعيد‪ ,‬عن قتادة ذِي الطّوْلِ‪ :‬أي ذي النعم‪.‬‬
‫وقال بعضهم‪ :‬الطّول‪ :‬القدرة‪ .‬ذكر من قال ذلك‪:‬‬
‫ل قال‪:‬‬
‫‪ 23327‬ـ حدث نا يو نس‪ ,‬قال‪ :‬أخبر نا ا بن و هب‪ ,‬قال‪ :‬قال ا بن ز يد‪ ,‬في قوله ذِي الطّوْ ِ‬
‫الطول القدرة‪ ,‬ذاك الطول‪.‬‬
‫ْهـ المَصـِيرُ يقول‪ :‬ل معبود تصـلح له العبادة إل ال العزيـز العليـم‪,‬‬
‫َهـ إلّ هوَ إَلي ِ‬
‫وقوله‪ :‬ل إل َ‬
‫ل ثناؤه‪ ,‬فل تعبدوا شيئا سواه إَليْ هِ المَ صِيرُ يقول تعالى ذكره‪ :‬إلى ال‬
‫الذي صفته ما وصف ج ّ‬
‫مصيركم ومرجعكم أيها الناس‪ ,‬فإياه فاعبدوا‪ ,‬فإنه ل ينفعكم شيء عبدتموه عند ذلك سواه‪.‬‬

‫‪5-4‬‬ ‫الية ‪:‬‬


‫ن كَ َفرُواْ فَلَ َي ْغ ُررْ كَ تَقَّل ُبهُ مْ‬
‫ت اللّ ِه ِإلّ اّلذِي َ‬
‫القول فـي تأويـل قوله تعالى‪{ :‬مَا ُيجَادِلُ فِ يَ آيَا ِ‬
‫خذُو هُ‬
‫لدِ * كَـ ّذبَتْ َقبَْلهُ مْ قَوْ ُم نُو حٍ وَالحْزَا بُ مِن َبعْدِهِ مْ وَ َهمّ تْ كُـلّ ُأمّ ٍة ِبرَ سُوِل ِهمْ ِل َي ْأ ُ‬
‫فِي ا ْلبِ َ‬
‫عقَابِ }‪.‬‬
‫خذْ ُت ُهمْ َف َكيْفَ كَانَ ِ‬
‫حقّ َفَأ َ‬
‫حضُواْ ِبهِ ا ْل َ‬
‫َوجَادَلُوا بِا ْلبَاطِلِ ِل ُي ْد ِ‬
‫يقول تعالى ذكره‪ :‬مـا يخاصـم فـي حجـج ال وأدلتـه على وحدانيتـه بالنكار لهـا‪ ,‬إل الذيـن‬
‫جحدوا توحيده‪.‬‬
‫ك تَقَّل ُبهُ مْ في البِلدِ يقول جلّ ثناؤه‪ :‬فل يخدعك يا محمد تصرّفهم في البلد‬
‫وقوله‪ :‬فَل َي ْغرُرْ َ‬
‫وبقاؤهم ومكثهم فيها‪ ,‬مع كفرهم بربهم‪ ,‬فتحسب أنهم إنما أمهلوا وتقلبوا‪ ,‬فتصرّفوا في البلد‬
‫مع كفر هم بال‪ ,‬ولم يعاجلوا بالنق مة والعذاب على كفر هم لن هم على ش يء من ال حق فإ نا لم‬
‫ق عليهم كلمة العذاب‪ ,‬عذاب ربك‪ ,‬كما‪:‬‬
‫نمهلهم لذلك‪ ,‬ولكن ليبلغ الكتاب أجله‪ ,‬ولتح ّ‬
‫‪ 23328‬ـ حدث نا ب شر‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا يز يد‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا سعيد‪ ,‬عن قتادة فل َي ْغ ُررْ كَ تَقَّل ُبهُ مْ فِي‬
‫البِلد أسفارهم فيها‪ ,‬ومجيئهم وذهابهم‪.‬‬
‫ثم قصّ على رسول ال صلى ال عليه وسلم قصص المم المكذّبة رسلها‪ ,‬وأخبره أنهم كانوا‬
‫من جدالهم لرسله على مثل الذي عليه قومه الذين أرسل إليهم‪ ,‬وإنه أحلّ بهم من نقمته عند‬
‫بلوغهم أمدهم بعد إعذار رسله إليهم‪ ,‬وإنذارهم بأسه ما قد ذكر في كتابه إعلما منه بذلك نبيه‪,‬‬
‫أن سنته في قو مه الذ ين سلكوا سبيل أولئك في تكذي به وجداله سنته من إحلل نقم ته ب هم‪,‬‬
‫و سطوته ب هم‪ ,‬فقال تعالى ذكره‪ :‬كذ بت ق بل قو مك المكذّب ين لر سالتك إلي هم ر سولً‪ ,‬المجادل يك‬
‫بالباطل قوم نوح والحزاب من بعدهم‪ ,‬وهم المم الذين تحزّبُوا وتجمّعوا على رسلهم بالتكذيب‬
‫لهـا‪ ,‬كعاد وثمود‪ ,‬وقوم لوط‪ ,‬وأصـحاب َمدْيَن وأشباههـم‪ .‬وبنحـو الذي قلنـا فـي ذلك قال أهـل‬
‫التأويل‪ .‬ذكر من قال ذلك‪:‬‬
‫ت قَبَْلهُ مْ قَوْ مُ‬
‫‪ 23329‬ـ حدث نا ب شر‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا يز يد‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا سعيد‪ ,‬عن قتادة‪ ,‬قوله‪َ :‬ك ّذبَ ْ‬
‫حزَابُ ِمنْ َب ْعدِ ِهمْ قال‪ :‬الكفار‪.‬‬
‫نُوحٍ وال ْ‬
‫ل أمـة مـن هذه المـم‬
‫خذُوهُـ يقول تعالى ذكره‪ :‬وهمـت ك ّ‬
‫وقوله‪ :‬وَهمّت ْـ كُلّ ُأ ّمةٍ برَسـُوِل ِهمْ ِل َي ْأ ُ‬
‫المكذبة رسلها‪ ,‬المتحزّبة على أنبيائها‪ ,‬برسولهم الذي أُرسل إليهم ليأخذوه فيقتلوه‪ ,‬كما‪:‬‬
‫ل ُأمّةٍ ِبرَ سُوِل ِهمْ‬
‫ت كُ ّ‬
‫‪ 23330‬ـ حدثنا بشر‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا يزيد‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا سعيد‪ ,‬عن قتادة وَ َهمّ ْ‬
‫ل أ مة‪ ,‬فوجّ هت الهاء والم يم إلى الر جل دون‬
‫لَي ْأخُذُو هُ‪ :‬أي ليقتلوه‪ ,‬وق يل بر سولهم و قد ق يل‪ :‬ك ّ‬
‫لفظ المة‪ ,‬وقد ذُكر أن ذلك في قراءة عبد ال «برسولها»‪ ,‬يعني برسول المة‪.‬‬
‫حضُوا ِب هِ الحَ قَ يقول‪ :‬وخاصموا رسولهم بالباطل من الخصومة‬
‫وقوله‪ :‬وجَادَلُوا بالباطِلِ ِل ُي ْد ِ‬
‫ليبطلوا بجدالهم إياه وخصومتهم له الح قّ الذي جاءهم به من عند ال‪ ,‬من الدخول في طاعته‪,‬‬
‫والقرار بتوحيده‪ ,‬والبراءة من عبادة ما سواه‪ ,‬كما يخاصمك كفار قومك يا محمد بالباطل‪.‬‬
‫خ ْذ ُتهُم ْـ َف َكيْفَـ كانَـ عِقَابِـ يقول تعالى ذكره‪ :‬فأخذت الذيـن هموا برسـولهم ليأخذوه‬
‫وقوله‪َ :‬فأَ َ‬
‫بالعذاب مـن عندي‪ ,‬فكيـف كان عقابـي إياهـم‪ ,‬ألم أهلكهـم فأجعلهـم للخلق عـبرة‪ ,‬ولمـن بعدهـم‬
‫عظة؟ وأجعل ديارهم ومساكنهم منهم خلء‪ ,‬وللوحوش ثواء‪ .‬وقد‪:‬‬
‫خ َذ ْتهُ مْ َفكَيْ فَ كا نَ عِقَا بِ‬
‫‪ 23331‬ـ حدثنا بشر‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا يزيد‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا سعيد‪ ,‬عن قتادة َفَأ َ‬
‫قال‪ :‬شديد وال‪.‬‬

‫‪6‬‬ ‫الية ‪:‬‬


‫صحَابُ‬
‫القول ف ـي تأوي ـل قوله تعالى‪َ { :‬و َكذَلِ كَ حَقّ تْ كَِل َمةُ َربّ كَ عَلَى اّلذِي نَ كَ َفرُوَ ْا َأ ّنهُ مْ أَ ْ‬
‫النّارِ }‪.‬‬
‫يقول تعالى ذكره‪ :‬وك ما ح قّ على ال مم ال تي كذّ بت ر سلها ال تي ق صصت عل يك يا مح مد‬
‫ل بها عقابي بتكذيبهم رسلهم‪ ,‬وجدالهم إياهم بالباطل‪ ,‬ليدحضوا به الح قّ‪,‬‬
‫قصصها عذابي‪ ,‬وح ّ‬
‫كذلك وجبت كلمة ربك على الذين كفروا بال من قومك‪ ,‬الذين يجادلون في آيات ال‪.‬‬
‫ب النّارِ اختلف أ هل العرب ية في مو ضع قوله أ ّنهُ مْ‪ ,‬فقال ب عض نحوي يّ‬
‫وقوله‪ :‬أ ّنهُ مْ أ صحَا ُ‬
‫البصرة‪ :‬معنى ذلك‪ :‬حقت كلمة ربك على الذين كفروا أنهم أصحاب النار‪ :‬أي لنهم‪ ,‬أو بأنهم‪,‬‬
‫ول يس أن هم في مو ضع مفعول ل يس م ثل قولك‪ :‬أحق قت أن هم لو كان كذلك كان أي ضا أحق قت‪,‬‬
‫لنهم‪ .‬وكان غيره يقول‪« :‬أنهم» بدل من الكلمة‪ ,‬كأنه أحقت الكلمة حقا أنهم أصحاب النار‪.‬‬
‫والصواب من القول في ذلك‪ ,‬أن قوله «أنهم» ترجمة عن الكلمة‪ ,‬بمعنى‪ :‬وكذلك ح قّ عليهم‬
‫عذاب النار‪ ,‬الذي وعد ال أهل الكفر به‪.‬‬
‫‪7‬‬ ‫الية ‪:‬‬
‫ِمـ‬
‫حمْدِ َر ّبه ْ‬
‫ن ِب َ‬
‫حوْلَه ُـ يُس َـّبحُو َ‬
‫حمِلُون َـ ا ْل َعرْش َـ َومَن ْـ َ‬
‫ِينـ َي ْ‬
‫القول فــي تأويــل قوله تعالى‪{ :‬اّلذ َ‬
‫حمَةً وَعِلْما فَاغْ ِف ْر لِّلذِي نَ تَابُواْ‬
‫شيْءٍ ّر ْ‬
‫ت كُ ـلّ َ‬
‫سعْ َ‬
‫ن لِّلذِي نَ آ َمنُواْ َربّنَا وَ ِ‬
‫س َتغْ ِفرُو َ‬
‫ن بِ هِ َويَ ْ‬
‫َو ُي ْؤ ِمنُو َ‬
‫جحِيمِ }‬
‫ب ا ْل َ‬
‫عذَا َ‬
‫سبِيلَكَ َو ِق ِهمْ َ‬
‫وَا ّت َبعُو ْا َ‬
‫يقول تعالى ذكره‪ :‬الذ ين يحملون عرش ال من ملئك ته‪ ,‬و من حول عر شه‪ ,‬م من يح فّ به‬
‫ِهـ يقول‪:‬‬
‫ُونـ ب ِ‬
‫ِمـ يقول‪ :‬يصـلون لربهـم بحمده وشكره َو ُي ْؤ ِمن َ‬
‫حمْ ِد رَ ّبه ْ‬
‫ن ِب َ‬
‫ُسـّبحُو َ‬
‫مـن الملئكـة ي َ‬
‫س َتغْفِرُونَ لّلذِي نَ‬
‫ويقرّون بال أنه ل إله لهم سواه‪ ,‬ويشهدون بذلك‪ ,‬ل يستكبرون عن عبادنه َويَ ْ‬
‫آ َمنُوا يقول‪ :‬ويسألون ربهم أن يغفر للذين أقرّوا بمثل إقرارهم من توحيد ال‪ ,‬والبراءة من كلّ‬
‫معبود سواه ذنوبهم‪ ,‬فيعفوها عنهم‪ ,‬كما‪:‬‬
‫ن لّلذِي نَ‬
‫س َتغْ ِفرُو َ‬
‫‪ 23332‬ـ حدثنا بشر‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا يزيد‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا سعيد‪ ,‬عن قتادة‪ ,‬قوله‪َ :‬ويَ ْ‬
‫آ َمنُوا لهل ل إله إل ال‪.‬‬
‫حمَةً وَعِلْ ما‪ ,‬و في هذا الكلم محذوف‪ ,‬و هو يقولون ومع نى‬
‫شيْءٍ َر ْ‬
‫ل َ‬
‫سعْتَ كُ ّ‬
‫وقوله‪َ :‬ربّ نا وَ ِ‬
‫الكلم ويستغفرون للذ ين آمنوا يقولون‪ :‬يا رب نا و سعت كلّ شيء رح مة وعل ما‪ .‬ويع ني بقوله‪:‬‬
‫شيْ ٍء رَحمَةً َوعِلْما‪ :‬وسعت رحمتك وعلمك كلّ شيء من خلقك‪ ,‬فعلمت كلّ شيء‪,‬‬
‫سعْتَ كُلّ َ‬
‫وَ ِ‬
‫فلم يخف عليك شيء‪ ,‬ورحمت خلقك‪ ,‬ووسعتهم برحمتك‪.‬‬
‫وقد اختلف أهل العربية في وجه نصب الرحمة والعلم‪ ,‬فقال بعض نحويي البصرة‪ :‬انتصاب‬
‫ل شيء‪ ,‬وهو مفعول له‪ ,‬والفاعل التاء‪,‬‬
‫ذلك كانتصاب لك مثله عبدا‪ ,‬لنك قد جعلت وسعت ك ّ‬
‫وجاء بالرح مة والعلم تف سيرا‪ ,‬و قد شغلت عنه ما الف عل ك ما شغلت الم ثل بالهاء‪ ,‬فلذلك ن صبته‬
‫تشبيها بالمفعول بعد الفاعل وقال غيره‪ :‬هو من المنقول‪ ,‬وهو مفسر‪ ,‬وسعت رحمته وعلمه‪,‬‬
‫ل شيء رحمة‪ ,‬كما تقول‪ :‬طابت به نفسي‪ ,‬وطبت به نفسا‪ ,‬وقال‪ :‬أمالك مثله عبدا‪,‬‬
‫ووسع هو ك ّ‬
‫فإن المقاد ير ل تكون إل معلو مة م ثل عندي ر طل زي تا‪ ,‬والم ثل غ ير معلوم‪ ,‬ول كن لف ظه ل فظ‬
‫المعرفة والعبد نكرة‪ ,‬فلذلك نصب العبد‪ ,‬وله أن يرفع‪ ,‬واستشهد لقيله ذلك بقول الشاعر‪:‬‬
‫حدٌ َمعْدودُ‬
‫ما في َم َعدّ والقَبائِلِ كُلّها َقحْطانَ ِمثُْلكَ وَا ِ‬
‫وقال‪ :‬رد «الواحـد» على «مثـل» لنـه نكرة‪ ,‬قال‪ :‬ولو قلت‪ :‬مـا مثلك رجـل‪ ,‬ومثلك رجـل‪,‬‬
‫ومثلك رجلً‪ ,‬جاز‪ ,‬لن مثل يكون نكرة‪ ,‬وإن كان لفظها معرفة‪.‬‬
‫سبِيَلكَ يقول‪ :‬فاصفح عن جرم من تاب من الشرك بك من‬
‫ن تابُوا وَا ّت َبعُوا َ‬
‫وقوله‪ :‬فاغْ ِفرِ لّلذِي َ‬
‫عبادك‪ ,‬فرجع إلى توحيدك‪ ,‬واتبع أمرك ونهيك‪ ,‬كما‪:‬‬
‫‪ 23333‬ـ حدث نا ب شر‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا يز يد‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا سعيد‪ ,‬عن قتادة فاغْ ِفرْ لّلذِي نَ تابُوا من‬
‫الشرك‪.‬‬
‫سبِيَلكَ يقول‪ :‬و سلكوا الطر يق الذي أمرت هم أن ي سلكوه‪ ,‬ولزموا المنهاج الذي‬
‫وقوله‪ :‬وا ّت َبعُوا َ‬
‫أمرتهم بلزومه‪ ,‬وذلك الدخول في السلم‪ .‬وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل‪ .‬ذكر من‬
‫قال ذلك‪:‬‬
‫‪23334‬ــ حدثنـا بشـر‪ ,‬قال‪ :‬حدثنـا يزيـد‪ ,‬قال‪ :‬حدثنـا سـعيد‪ ,‬عـن قتادة وا ّت َبعُوا س َـبِيَلكَ‪ :‬أي‬
‫طاعتك‪.‬‬
‫جحِيم ِـ يقول‪ :‬واصـرف عـن الذيـن تابوا مـن الشرك‪ ,‬واتبعوا سـبيلك‬
‫عذَاب َـ ال َ‬
‫وقوله‪َ :‬و ِقهِم ْـ َ‬
‫عذاب النار يوم القيامة‪.‬‬

‫‪8‬‬ ‫الية ‪:‬‬


‫ح مِ نْ‬
‫ع ْد ّتهُ مْ وَمَن صَـلَ َ‬
‫عدْ نٍ الّتِي َو َ‬
‫جنّا تِ َ‬
‫القول ف ـي تأويـل قوله تعالى‪َ { :‬ربّنَا وََأ ْدخِ ْلهُ مْ َ‬
‫حكِيمُ }‪.‬‬
‫ك أَنتَ ا ْل َعزِيزُ ا ْل َ‬
‫ج ِهمْ َو ُذ ّريّا ِتهِمْ ِإ ّن َ‬
‫آبَآ ِئهِمْ وََأزْوَا ِ‬
‫يقول تعالى ذكره مخـبرا عـن دعاء ملئكتـه لهـل اليمان بـه مـن عبادة‪ ,‬تقول‪ :‬يـا َربّنـا‬
‫ع ْد َتهُ مْ يع ني ال تي وعدت أ هل النا بة إلى‬
‫ن يع ني‪ :‬ب ساتين إقا مة ال تي وَ َ‬
‫عدْ ٍ‬
‫جنّا تِ َ‬
‫وأ ْدخِ ْلهُ مْ َ‬
‫جهِمْ َو ُذرّيا ِتهِمْ يقول‪ :‬وأدخل مع هؤلء الذين‬
‫ن آبا ِئهِمْ وأزْوَا ِ‬
‫ح مِ ْ‬
‫ن صَلَ َ‬
‫طاعتك أن تدخلهموها َو َم ْ‬
‫سبِيَلكَ جنات عدن من صلح من آبائ هم وأزواج هم وذريّات هم‪ ,‬فع مل ب ما يرض يك‬
‫تابوا وا ّت َبعُوا َ‬
‫ع نه من العمال ال صالحة في الدن يا‪ ,‬وذ كر أ نه يد خل مع الر جل أبواه وولده وزوج ته الج نة‪,‬‬
‫وإن لم يكونوا عملوا عمله بفضل رحمة ال إياه‪ ,‬كما‪:‬‬
‫‪ 23335‬ـ حدثنا أبو هشام‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا يحيى بن يمان العجلي‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا شريك‪ ,‬عن سعيد‪,‬‬
‫قال‪ :‬يدخل الرجل الجنة‪ ,‬فيقول‪ :‬أين أبي‪ ,‬أين أمي‪ ,‬أين ولدي‪ ,‬أين زوجتي‪ ,‬فيقال‪ :‬لم يعملوا‬
‫ع ْد َتهُمْ‬
‫عدْنٍ التي َو َ‬
‫جنّاتِ َ‬
‫مثل عملك‪ ,‬فيقول‪ :‬كنت أعمل لي ولهم‪ ,‬فيقال‪ :‬أدخلوهم الجنة ثم قرأ َ‬
‫ج ِهمْ َو ُذ ّريّا ِت ِهمْ‪.‬‬
‫ح مِنْ آبا ِئ ِهمْ وأزْوَا ِ‬
‫ن صَلَ َ‬
‫َومَ ْ‬
‫ف من إذن‪ ,‬إذ كان ذلك معناه‪ ,‬في مو ضع ن صب عط فا على الهاء والم يم في قوله وأ ْدخِ ْلهِ مْ‬
‫ِيمـ‬
‫حك ُ‬ ‫ْتـ ال َعزِيزُ ال َ‬
‫ّكـ أن َ‬
‫وجائز أن يكون نصـبا على العطـف على الهاء والميـم فـي وعدتهـم إن َ‬
‫يقول‪ :‬إنك أنت يا ربنا العزيز في انتقامه من أعدائه‪ ,‬الحكيم في تدبيره خلقه‪.‬‬

‫‪9‬‬ ‫الية ‪:‬‬


‫ح ْمتَ هُ َوذَلِكَ ُهوَ‬
‫س ّيئَاتِ يَ ْو َم ِئذٍ فَ َقدْ َر ِ‬
‫س ّيئَاتِ َومَن تَقِ ال ّ‬
‫القول فـي تأويـل قوله تعالى‪َ { :‬وقِهِمُ ال ّ‬
‫الْفَ ْو ُز ا ْل َعظِيمُ }‪.‬‬
‫يقول تعالى ذكره بقوله م خبرا عن ق يل ملئك ته‪ :‬وقِ هم‪ :‬ا صرف عن هم سوء عاق بة سيئاتهم‬
‫سيّئاتِ‬
‫التي كانوا أتوها قبل توبتهم وإنابتهم‪ ,‬يقولون‪ :‬ل تؤاخذهم بذلك‪ ,‬فتعذّبهم به َو َم نْ تَ قِ ال ّ‬
‫ح ْمتَ هُ يقول‪ :‬و من ت صرف ع نه سوء عاق بة سيئاته بذلك يوم القيا مة‪ ,‬ف قد رحم ته‪,‬‬
‫يَ ْو َم ِئذٍ فَ َقدْ َر ِ‬
‫ك هُ َو ال َف ْوزُ ال َعظِي مُ لنه من نجا من النار وأدخل الجنة فقد فاز‪ ,‬وذلك ل‬
‫فنجيه من عذابك وذَل َ‬
‫شك هو الفوز العظيم‪ .‬وبنحو الذي قلنا في معنى السيئات قال أهل التأويل‪ .‬ذكر من قال ذلك‪:‬‬
‫سيّئاتِ‪ :‬أي العذاب‪.‬‬
‫‪23336‬ـ حدثنا بشر‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا يزيد‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا سعيد‪ ,‬عن قتادة َو ِق ِهمُ ال ّ‬
‫‪ 23337‬ـ حدثنا ابن بشار‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا معمر بن بشير‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا ابن المبارك‪ ,‬عن معمر‪,‬‬
‫عن قتادة‪ ,‬عن مطرف‪ ,‬قال‪ :‬وجدنا أنصح العباد للعباد الملئكة‪ ,‬وأغشّ العباد للعباد الشياطين‪,‬‬
‫ح ْمدِ َربّ ِهمْ‪ ...‬الَية‪.‬‬
‫ن ِب َ‬
‫س ّبحُو َ‬
‫ن حَوَْلهُ ُي َ‬
‫حمِلُونَ ال َعرْشَ َومَ ْ‬
‫وتل‪ :‬اّلذِينَ َي ْ‬
‫حدث نا ب شر‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا يز يد‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا سعيد‪ ,‬عن قتادة‪ ,‬قال‪ :‬قال مطرف‪ :‬وجد نا أغ شّ‬
‫عباد ال لعباد ال الشياطين‪ ,‬ووجدنا أنصح عباد ال لعباد ال الملئكة‪.‬‬

‫‪11-10‬‬ ‫الية ‪:‬‬


‫سكُـمْ‬
‫ت الّل ِه َأ ْكبَرُ مِن مّ ْق ِتكُ مْ أَنفُ َ‬
‫ن َلمَقْ ُ‬
‫ن كَ َفرُواْ ُينَادَ ْو َ‬
‫ن اّلذِي َ‬
‫القول فـي تأويـل قوله تعالى‪ِ{ :‬إ ّ‬
‫ع َترَ ْفنَا ِب ُذنُو ِبنَا َفهَلْ‬
‫ن فَا ْ‬
‫ح َي ْي َتنَا ا ْث َن َتيْ ِ‬
‫ن إِلَى الِيمَا نِ َف َتكْ ُفرُو نَ * قَالُواْ َر ّبنَآ َأ َم ّتنَا ا ْث َن َتيْ نِ وََأ ْ‬
‫عوْ َ‬
‫ِإذْ ُتدْ َ‬
‫سبِيلٍ }‪.‬‬
‫ج مّن َ‬
‫خرُو ٍ‬
‫إَِلىَ ُ‬
‫يقول تعالى ذكره‪ :‬إن الذيـن كفروا بال ينادون فـي النار يوم القيامـة إذا دخلوهـا‪ ,‬فمقتوا‬
‫بدخولهمو ها أنف سهم ح ين عاينوا ما أع ّد ال ل هم في ها من أنواع العذاب‪ ,‬فيقال ل هم‪َ :‬لمَقْ تُ ال‬
‫إياكم أيها القوم في الدنيا‪ ,‬إذ تدعون فيها لليمان بال فتكفرون‪ ,‬أكبر من مقتكم اليوم أنفسكم لما‬
‫حلّ بكم من سخط ال عليكم‪ .‬وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل‪ .‬ذكر من قال ذلك‪:‬‬
‫‪ 23338‬ـ حدثنا محمد بن عمرو‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا أبو عاصم‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا عيسى وحدثني الحارث‪,‬‬
‫ت ال‬
‫قال‪ :‬حدثنا الحسن‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا ورقاء‪ ,‬جميعا عن ابن أبي نجيح‪ ,‬عن مجاهد‪ ,‬قوله‪َ :‬لمَقْ ُ‬
‫أ ْكبَ ُر قال‪ :‬مقتوا أنف سهم ح ين رأوا أعمال هم‪ ,‬وم قت ال إيا هم في الدن يا‪ ,‬إذ يدعون إلى اليمان‪,‬‬
‫فيكفرون أكبر‪.‬‬
‫‪ 23339‬ـ حدث نا ب شر‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا يز يد‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا سعيد‪ ,‬عن قتادة‪ ,‬قوله‪ :‬إ نّ اّلذِي نَ َك َفرُوا‬
‫س ُكمْ إذْ ُتدْعو نَ إلى اليما نِ َف َتكْ ُفرُو نَ يقول‪ :‬لمقت ال أهل‬
‫ن مَ ْق ِتكُ ْم أنْفُ َ‬
‫ن َلمَقْ تُ الّل ِه أ ْك َبرُ مِ ْ‬
‫يُنادَ ْو َ‬
‫الضللة حين عرض عليهم اليمان في الدنيا‪ ,‬فتركوه‪ ,‬وأبوا أن يقبلوا‪ ,‬أكب ُر مما مقتوا أنفسهم‪,‬‬
‫حين عاينوا عذاب ال يوم القيامة‪.‬‬
‫ن كَ َفرُوا‬
‫‪ 23340‬ـ حدثنا محمد‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا أحمد‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا أسباط‪ ,‬عن السدّي قوله‪ :‬إ نّ اّلذِي َ‬
‫ن في الدنيا َف َتكْ ُفرُونَ‪.‬‬
‫س ُكمْ في النار إ ْذ َتدْعُونَ إلى اليما ِ‬
‫ن مَ ْق ِت ُكمْ أنْ ُف َ‬
‫ُينَادُ ْونَ َل َمقْتُ الّلهِ أ ْك َبرُ مِ ْ‬
‫ن َلمَقْ تُ‬
‫‪ 23341‬ـ حدث ني يو نس‪ ,‬قال‪ :‬أخبر نا ا بن و هب‪ ,‬قال‪ :‬قال ا بن ز يد‪ ,‬في قوله ُينَادُو َ‬
‫اللّ هِ‪ ...‬الَية‪ ,‬قال‪ :‬لما دخلوا النار مقتوا أنفسهم في معاصي ال التي ركبوها‪ ,‬فنُودوا‪ :‬إن مقت‬
‫ال إياكم حين دعاكم إلى السلم أشدّ من مقتكم أنفسكم اليوم حين دخلتم النار‪.‬‬
‫ت اللّ ِه أ ْكبَرُ فقال ب عض أ هل‬
‫واختلف أ هل العرب ية في و جه دخول هذه اللم في قوله‪َ :‬لمَقْ ُ‬
‫العربية من أهل البصرة‪ :‬هي لم البتداء‪ ,‬كأن ينادون يقال لهم‪ ,‬لن في النداء قول قال‪ :‬ومثله‬
‫في العراب يقال‪ :‬لزيد أفضل من عمرو‪ .‬وقال بعض نحوي يّ الكوفة‪ :‬المعنى فيه‪ :‬ينادون إن‬
‫مقت ال إياكم‪ ,‬ولكن اللم تكفي من أن تقول في الكلم‪ :‬ناديت أ نّ زيدا قائم‪ ,‬قال‪ :‬ومثله قوله‪:‬‬
‫ن اللم بمنزلة «إن» في كلّ كلم ضارع‬
‫ج ُننّهُ ح تى حِي ِ‬
‫سُ‬‫ت َليَ ْ‬
‫ثُ مّ َبدَا َلهُ مْ مِ نْ َب ْعدِ ما رَأَوُا الَيا ِ‬
‫القول مثل ينادون ويخبرون‪ ,‬وأشباه ذلك‪.‬‬
‫ل على أن‬
‫وقال آخر غيره منهم‪ :‬هذه لم اليمين‪ ,‬تدخل مع الحكاية‪ ,‬وما ضارع الحكاية لتد ّ‬
‫مـا بعدهـا ائتناف‪ .‬قال‪ :‬ول يجوز فـي جوابات اليمان أن تقوم مقام اليميـن‪ ,‬لن اللم كانـت‬
‫معها النون أو لم تكن‪ ,‬فاكتفى بها من اليمين‪ ,‬لنها ل تقع إل معها‪.‬‬
‫وأولى القوال في ذلك بال صواب قول من قال‪ :‬دخلت لتؤذن أن ما بعد ها ائتناف وأن ها لم‬
‫اليمين‪.‬‬
‫ح َي ْيتَنا ا ْث َن َتيْنِ قد أتينا عليه في سورة البقرة‪ ,‬فأغنى ذلك عن إعادته‬
‫وقوله‪َ :‬ربّنا أ َمتّنا ا ْث َن َتيْنِ وأ ْ‬
‫في هذا الموضع‪ ,‬ولكنا نذكر بعض ما قال بعضم فيه‪.‬‬
‫ح َييْتَنا‬
‫‪23342‬ـ حدثنا بشر‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا يزيد‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا سعيد‪ ,‬عن قتادة‪ ,‬قوله‪ :‬أ َم َتنّا ا ْث َن َتيْنِ وأ ْ‬
‫ن قال‪ :‬كانوا أمواتا في أصلب آبائهم‪ ,‬فأحياهم ال في الدنيا‪ ,‬ثم أماتهم الموتة التي ل بدّ‬
‫ا ْث َن َتيْ ِ‬
‫منها‪ ,‬ثم أحياهم للبعث يوم القيامة‪ ,‬فهما حياتان وموتتان‪.‬‬
‫‪23343‬ــ وحُدثـت عـن الحسـين‪ ,‬قال‪ :‬سـمعت أبـا معاذ يقول‪ :‬أخبرنـا عبيـد‪ ,‬قال‪ :‬سـمعت‬
‫ن هو قول ال َكيْ فَ َتكْ ُفرُو نَ باللّ ِه و ُك ْنتُ مْ‬
‫ح َي ْيتَ نا ا ْث َن َتيْ ِ‬
‫الضحاك يقول في قوله‪ :‬أ َمتّ نا ا ْث َنتَيْ نِ وأ ْ‬
‫جعُونَ‪.‬‬
‫حيِي ُكمْ ُثمّ إَل ْيهِ ُت ْر ِ‬
‫أمْوَاتا فأحْيا ُكمْ ُثمّ ُيمِي ُت ُكمْ ُثمّ ُي ْ‬
‫‪23344‬ـ حدثني محمد بن سعد‪ ,‬قال‪ :‬ثني أبي‪ ,‬قال‪ :‬ثني عمي‪ ,‬قال‪ :‬ثني أبي‪ ,‬عن أبيه‪ ,‬عن‬
‫ن قال‪ :‬هو كقوله‪َ :‬كيْ فَ َتكْ ُفرُو نَ باللّ ِه وكُنتُ مْ‬
‫ح َي ْيتَ نا ا ْث َنتَيْ ِ‬
‫ا بن عباس‪ ,‬قوله‪َ :‬ربّ نا أ َمتَنّا ا ْث َن َتيْ نِ وأ ْ‬
‫أمْوَاتا‪ ...‬الَية‪.‬‬
‫حدث نا ا بن بشار‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا ع بد الرح من‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا سفيان‪ ,‬عن أ بي إ سحاق‪ ,‬عن أ بي‬
‫ن قال‪ :‬هي كالتي في البقرة و ُك ْنتُ مْ‬
‫ح َي ْيتَنا ا ْث َنتَيْ ِ‬
‫الحوص‪ ,‬عن عبد ال‪ ,‬في قوله‪ :‬أ َمتّنا ا ْث َن َتيْ نِ وأ ْ‬
‫حيِي ُكمْ‪.‬‬
‫أمْوَاتا فأحْيا ُكمْ ُثمّ ُيمِي ُت ُكمْ ُثمّ ُي ْ‬
‫‪ 23345‬ـ حدث ني أ بو ح صين ع بد ال بن أح مد بن يو نس‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا عب ثر‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا‬
‫ن قال‪ :‬خلقتنا ولم ن كن شيئا ثم‬
‫ح َي ْيتَ نا ا ْث َن َتيْ ِ‬
‫ح صين‪ ,‬عن أبي مالك في هذه الَ ية أ َمتّنا ا ْث َن َتيْ نِ وأ ْ‬
‫أمتنا‪ ,‬ثم أحييتنا‪.‬‬
‫ح َي ْيتَنا‬
‫حدثني يعقوب‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا هشيم‪ ,‬عن حصين‪ ,‬عن أبي مالك‪ ,‬في قوله‪ :‬أ َمتّنا ا ْث َنتَيْنِ وأ ْ‬
‫ا ْث َن َتيْنِ قالوا‪ :‬كانوا أمواتا فأحياهم ال‪ ,‬ثم أماتهم‪ ,‬ثم أحياهم‪.‬‬
‫وقال آخرون فيه ما‪:‬‬
‫‪ 23346‬ـ حدث نا مح مد‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا أح مد‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا أ سباط‪ ,‬عن ال سديّ‪ ,‬قوله‪ :‬أمتَنّا ا ْث َن َتيْ نِ‬
‫ح َي ْيتَ نا ا ْث َن َتيْ نِ قال‪ :‬أميتوا في الدن يا‪ ,‬ثم أحيوا في قبور هم‪ ,‬ف سئلوا أو خوطبوا‪ ,‬ثم أميتوا في‬
‫وأ ْ‬
‫قبورهم‪ ,‬ثم أحيوا في الَخرة‪.‬‬
‫وقال آخرون في ذلك ما‪:‬‬
‫‪ 23347‬ـ حدثني يونس‪ ,‬قال‪ :‬أخبرنا ابن وهب‪ ,‬قال‪ :‬قال ابن زيد‪ ,‬في قوله َربّنا أ َمتّنا ا ْث َن َتيْ نِ‬
‫ن َبنِي‬
‫خذَ َربّ كَ مِ ْ‬
‫ح َي ْيتَنا ا ْث َن َتيْ نِ قال‪ :‬خلقهم من ظهر آدم حين أخذ عليهم الميثاق‪ ,‬وقرأ‪ :‬وَإذْ أ َ‬
‫وأ ْ‬
‫ن قال‪ :‬فن سّاهم الف عل‪ ,‬وأ خذ علي هم الميثاق‪,‬‬
‫ن ظُهورِهِ مْ ُذ ّر ّي َتهُ مْ‪ ,‬فقرأ ح تى بلغ ال ُم ْبطِلُو َ‬
‫آدَ مَ مِ ْ‬
‫قال‪ :‬وانتزع ضلعا من أضلع آدم القصري‪ ,‬فخلق منه حوّاء‪ ,‬ذكره عن النبيّ صلى ال عليه‬
‫حدَةٍ َوخَلَق ِمنْ ها‬
‫و سلم‪ ,‬قال‪ :‬وذلك قول ال‪ :‬يا أيّ ها النّا سُ اتّقُوا َر ّبكُ مْ اّلذِي خَلَ َقكُ مْ مِ نْ نَفْ سٍ وَا ِ‬
‫ث ِم ْنهُما رِجالً َكثِيرا َونِساءً‪ .‬قال‪ :‬بثّ منهما بعد ذلك في الرحام خلقا كثيرا‪ ,‬وقرأ‪:‬‬
‫زَ ْوجَها َوبَ ّ‬
‫ن ُأمّها ِتكُ مْ خَلُقا مِ نْ َب ْعدِ خَلْ قٍ قال‪ :‬خلقا بعد ذلك‪ ,‬قال‪ :‬فلما أخذ عليهم الميثاق‪,‬‬
‫َيخْلُ ُقكُ مْ فِي ُبطُو ِ‬
‫أماتهم ثم خلقهم في الرحام‪ ,‬ثم أماتهم‪ ,‬ثم أحياهم يوم القيامة‪ ,‬فذلك قول ال‪ :‬رَبّنا أ َمتّنا ا ْث َن َتيْ نِ‬
‫خذْنا ِم ْنهُم مِيثاقا غَلِيظا قال‪ :‬يومئذ‪ ,‬وقرأ قول‬
‫ع َترَفْنا ِبذُنُوبِنا‪ ,‬وقرأ قول ال‪ :‬وأ َ‬
‫ح َي ْيتَنا ا ْث َن َتيْنِ فا ْ‬
‫وأ ْ‬
‫طعْنا‪.‬‬
‫س ِمعْنا وأ َ‬
‫ال‪ :‬وَا ْذ ُكرُوا ِن ْعمَ َة اللّهِ عََل ْي ُكمْ َومِيثاقَ ُه اّلذِي وَاثَ َق ُكمْ ِبهِ إذْ قُ ْل ُتمْ َ‬
‫خرُو جٍ ِم نْ‬
‫عتَ َرفْ نا ِب ُذنُوبِ نا يقول‪ :‬فأقرر نا ب ما عمل نا من الذنوب في الدن يا َفهَلْ إلى ُ‬
‫وقوله‪ :‬فا ْ‬
‫سبِيلٍ يقول‪ :‬فهل إلى خروج من النار لنا سبيل‪ ,‬لنرجع إلى الدنيا‪ ,‬فنعمل غير الذي كنا نعمل‬
‫َ‬
‫فيها‪ ,‬كما‪:‬‬
‫سبِيلٍ‪:‬‬
‫ن َ‬
‫خرُوجٍ ِم ْ‬
‫‪23348‬ـ حدثنا بشر‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا يزيد‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا سعيد‪ ,‬عن قتادة َفهَلْ إلى ُ‬
‫فهل إلى كرّة إلى الدنيا‪.‬‬

‫‪12‬‬ ‫الية ‪:‬‬


‫شرَكْ ِب ِه تُ ْؤ ِمنُواْ‬
‫حدَ ُه كَـفَ ْر ُتمْ وَإِن ُي ْ‬
‫القول فـي تأويـل قوله تعالى‪{ :‬ذَِلكُم ِبَأنّ ُه ِإذَا دُعِيَ اللّهُ َو ْ‬
‫ح ْكمُ للّ ِه ا ْلعَلِـيّ ا ْل َكبِيرِ }‪.‬‬
‫فَالْ ُ‬
‫وفي هذا الكلم متروك استغني بدللة الظاهر من ذكره عليه وهو‪ :‬فأجيبوا أن ل سبيل إلى‬
‫حدَه كَ َف ْرتُ مْ‪ ,‬فأنكر تم أن تكون‬
‫ذلك هذا الذي ل كم من العذاب أي ها الكافرون بأنّ هُ إذا دُعِ يَ الّل هُ َو ْ‬
‫جعَلَ الَِلهَ َة إلَها وَاحدا‪.‬‬
‫اللوهة له خالصة‪ ,‬وقلتم أ َ‬
‫حكْ ُم لِلّ ِه العَلِيّ‬
‫شرَكْ بِ ِه تُو ْء ِمنُوا يقول‪ :‬وإن يجعل ل شريك تصدّقوا من جعل ذلك له فال ُ‬
‫وإنْ ُي ْ‬
‫ل شيء دونه متصاغرا له اليوم‪.‬‬
‫ال َكبِيرِ يقول‪ :‬فالقضاء ل العليّ على كل شيء‪ ,‬الكبير الذي ك ّ‬

‫‪14-13‬‬ ‫الية ‪:‬‬


‫السـمَآ ِء رِزْقا وَمَا‬
‫ّنـ ّ‬‫ِهـ َو ُي َنزّلُ لَكُم م َ‬
‫ُمـ آيَات ِ‬
‫القول فــي تأويــل قوله تعالى‪ُ { :‬هوَ اّلذِي ُيرِيك ْ‬
‫ن لَ ُه الدّينَ وََلوْ َكرِ َه ا ْلكَا ِفرُونَ }‪.‬‬
‫ب * فَادْعُو ْا اللّ َه ُمخِْلصِي َ‬
‫ل مَن ُينِي ُ‬
‫َي َتذَ ّكرُ ِإ ّ‬
‫يقول تعالى ذكره‪ :‬الذي يريكم أيها الناس حججه وأدلته على وحدانيته وربوبيته َو ُي َنزّلُ َلكُ مْ‬
‫سمَا ِء رِزْقا يقول ينزّل لكم من أرزاقكم من السماء بإدرار الغيث الذي يخرج به أقواتكم‬
‫ن ال ّ‬
‫مِ َ‬
‫ل مَ نْ ُينِي بُ يقول‪ :‬و ما يتذ كر ح جج ال ال تي‬
‫من الرض‪ ,‬وغذاء أنعام كم علي كم وَ ما َي َت َذكّرُ إ ّ‬
‫جعلها أدلة على وحدانيته‪ ,‬فيعتبر بها ويتعظ‪ ,‬ويعلم حقيقة ما تدلّ عليه‪ ,‬إل من ينيب‪ ,‬يقول‪ :‬إل‬
‫من يرجع إلى توحيده‪ ,‬ويقبل على طاعته‪ ,‬كما‪:‬‬
‫ن ُينِيبُ قال‪ :‬من‬
‫ي إلّ مَ ْ‬
‫‪23349‬ـ حدثنا محمد‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا أحمد‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا أسباط‪ ,‬عن السد ّ‬
‫يقبل إلى طاعة ال‪.‬‬
‫وقوله‪ :‬فادْعُوا الّل هَ ُمخْلِ صِينَ َل ُه الدّي نَ يقول تعالى ذكره ل نبيه مح مد صلى ال عل يه و سلم‬
‫وللمؤمن ين به‪ ,‬فاعبدوا ال أي ها المؤمنون له‪ ,‬مخل صين له الطا عة غ ير مشرك ين به شيئا م ما‬
‫دونه وَلَ ْو َكرِ َه الكافِرُون يقول‪ :‬ولو كره عبادتكم إياه مخلصين له الطاعة الكافرون المشركون‬
‫في عبادتهم إياه الوثان والنداد‪.‬‬
‫‪16-15‬‬ ‫الية ‪:‬‬
‫ح مِ نْ َأ ْمرِ هِ عََلىَ مَن‬
‫القول فـي تأويـل قوله تعالى‪َ { :‬رفِي عُ ال ّد َرجَا تِ ذُو ا ْل َعرْ شِ يُلْقِي الرّو َ‬
‫ن ا ْلمُلْ كُ‬
‫شيْءٌ ّلمَ ِ‬
‫ن لَ َيخْ َفىَ عَلَى الّل ِه ِم ْنهُ مْ َ‬
‫عبَادِ ِه ِليُنذِرَ َيوْ مَ التّلَ قِ * َيوْ مَ هُم بَارِزُو َ‬
‫َيشَآءُ مِ نْ ِ‬
‫حدِ الْ َقهّارِ }‪.‬‬
‫ا ْليَ ْومَ لِّلهِ ا ْلوَا ِ‬
‫َجاتـ على البتداء ولو جاء‬
‫ِ‬ ‫ِيعـ ال ّدر‬
‫يقول تعالى ذكره‪ :‬هـو رفيـع الدرجات ورفـع قوله‪َ :‬رف ُ‬
‫ن صبا على الردّ على قوله‪ :‬فادعوا ال‪ ,‬كان صوابا‪ .‬ذُو ال َعرْ شِ يقول‪ :‬ذو ال سرير المح يط ب ما‬
‫دونه‪.‬‬
‫ح مِ نْ أ ْمرِ هِ عَلى مَ نْ يَشاءُ ِم نْ عِبادِ هِ يقول‪ :‬ينزل الوحي من أمره على من‬
‫وقوله‪ :‬يُلْقِي الرّو َ‬
‫يشاء من عباده‪.‬‬
‫و قد اختلف أ هل التأو يل في مع نى الروح في هذا المو ضع‪ ,‬فقال بعض هم‪ :‬عُ ني به الو حي‪.‬‬
‫ذكر من قال ذلك‪:‬‬
‫ح مِ نْ‬
‫‪ 23350‬ـ حدث نا ب شر‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا يز يد‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا سعيد‪ ,‬عن قتادة‪ ,‬قوله‪ :‬يُلْقِي الرّو َ‬
‫أ ْمرِهِ قال‪ :‬الوحي من أمره‪.‬‬
‫وقال آخرون‪ :‬عُني به القرآن والكتاب‪ .‬ذكر من قال ذلك‪:‬‬
‫‪ 23351‬ـ حدث ني هارون بن إدر يس ال صمّ‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا ع بد الرح من بن المحارب يّ‪ ,‬عن‬
‫ن يَشاءُ مِ نْ عِبادِ ِه قال‪ :‬يع ني‬
‫ن أ ْمرِ هِ عَلى مَ ْ‬
‫ح مِ ْ‬
‫جُوَ يبر‪ ,‬عن الضحاك في قوله‪ :‬يُلْقِي الرّو َ‬
‫بالروح‪ :‬الكتاب ينزله على من يشاء‪.‬‬
‫‪ 23352‬ـ حدثني يونس‪ ,‬قال‪ :‬أخبرنا ابن وهب‪ ,‬قال‪ :‬قال ابن زيد‪ ,‬في قوله‪ :‬يُلْقِي الرّو حَ ِم نْ‬
‫ح ْينَا إَليْ كَ رُوحا مِ نْ أ ْمرِنا قال‪ :‬هذا القرآن هو‬
‫ن يَشاءُ مِ نْ عِبادِ هِ‪ ,‬وقرأ‪ :‬وكذَل كَ أ ْو َ‬
‫أ ْمرِ هِ عَلى مَ ْ‬
‫الروح‪ ,‬أوحاه ال إلى جبر يل‪ ,‬وجبر يل روح نزل به على ال نبيّ صلى ال عل يه و سلم‪ ,‬وقرأ‪:‬‬
‫ح المِينُ قال‪ :‬فالكتب التي أنزلها ال على أنبيائه هي الروح‪ ,‬ليُنذر بها ما قال ال‬
‫َنزَلَ بِ ِه الرّو ُ‬
‫ل ِئكَةُ صَفّا‪ ,‬قال‪ :‬الروح‪ :‬القرآن‪ ,‬كان أبي يقوله‪ ,‬قال ابن زيد‪:‬‬
‫يوم التلق‪َ ,‬يوْمَ يَقُو ُم الرّوحُ وَالمَ َ‬
‫يقومون له صفا بين السماء والرض حين ينزل جلّ جلله‪.‬‬
‫وقال آخرون‪ :‬عُني به النبوّة‪ .‬ذكر من قال ذلك‪:‬‬
‫‪ 23353‬ـ حدثنا محمد‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا أحمد‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا أسباط‪ ,‬عن السديّ‪ ,‬وفي قول ال‪ :‬يُلْقِي‬
‫ح مِنْ أ ْمرِهِ عَلى مَنْ يَشا ُء مِنْ عِبادِهِ قال‪ :‬النبوّة على من يشاء‪.‬‬
‫الرّو َ‬
‫وهذه القوال متقاربات المعاني‪ ,‬وإن اختلفت ألفاظ أصحابها بها‪.‬‬
‫وقوله‪ِ :‬ل ُي ْنذِرَ َيوْ مَ التّل قِ يقول‪ :‬لينذر من يلقي الروح عليه من عباده من أمر ال بإنذاره من‬
‫خلقـه عذاب يوم تلتقـي فيـه أهـل السـماء وأهـل الرض‪ ,‬وهـو يوم التلق‪ ,‬وذلك يوم القيامـة‪.‬‬
‫وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل‪ .‬ذكر من قال ذلك‪:‬‬
‫‪ 23354‬ـ حدثني عل يّ‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا أبو صالح‪ ,‬قال‪ :‬ثني معاوية‪ ,‬عن عل يّ بن أبي طلحة عن‬
‫ابن عباس‪ ,‬قوله‪ :‬يَ ْومَ التّلقِ من أسماء يوم القيامة‪ ,‬عظمه ال‪ ,‬وحذّره عباده‪.‬‬
‫‪ 23355‬ـ حدث نا ب شر‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا يز يد‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا سعيد‪ ,‬عن قتادة‪ ,‬قوله‪َ :‬يوْ مَ التّل قِ‪ :‬يوم‬
‫تلتقي فيه أهل السماء وأهل الرض‪ ,‬والخالق والخلق‪.‬‬
‫‪ 23356‬ـ حدثنا محمد‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا أحمد‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا أسباط‪ ,‬عن السدي يَوْ َم التّلق تلتقي أهل‬
‫السماء وأهل الرض‪.‬‬
‫ق قال‪ :‬يوم القيامة‪.‬‬
‫‪23357‬ـ حدثني يونس‪ ,‬قال‪ :‬أخبرنا ابن وهب‪ ,‬قال‪ :‬قال ابن زيد يَو ْم التّل ِ‬
‫قال‪ :‬يوم تتلقى العباد‪.‬‬
‫ن يع ني‬
‫شيْءٌ يع ني بقوله يَوْ مَ هُ مْ بارزُو َ‬
‫ن ل َيخْفَى على الّل هِ م ْنهُ مْ َ‬
‫وقوله‪ :‬يَوْ مَ هُ ْم با ِرزُو َ‬
‫المنذر ين الذ ين أر سل ال إلي هم ر سله لينذرو هم و هم ظاهرون يع ني للناظر ين ل يحول بين هم‬
‫ت فيه‬
‫وبينهم جبل ول شجر‪ ,‬ول يستر بعضهم عن بعض ساتر‪ ,‬ولكنهم بقا عٍ صفصف ل َأمْ َ‬
‫ول عوج‪ .‬و « هم» من قوله‪ :‬يَوْ مَ هُ ْم في مو ضع ر فع ب ما بعده‪ ,‬كقول القائل‪ :‬فعلت ذلك يوم‬
‫الحجاج أمير‪.‬‬
‫واختلف أ هل العرب ية في العلة ال تي من أجل ها لم تخ فض هم بيوم و قد أض يف إل يه؟ فقال‬
‫بعض نحويي البصرة‪ :‬أضاف يوم إلى هم في المعنى‪ ,‬فلذلك ل ينوّن اليوم‪ ,‬كما قال‪ :‬يَوْ َم هُ مْ‬
‫عَلى النّار يُ ْف َتنُونَـ وقال‪َ :‬هذَا يَوْمُـ ل َينْطِقُونَـ ومعناه‪ :‬هذا يوم فتنتهـم‪ ,‬ولكـن لمـا ابتدأ بالسـم‪,‬‬
‫وبنى عل يه لم يقدر على جرّه‪ ,‬وكانت الضا فة في المعنى إلى الفتنة‪ ,‬وهذا إنما يكون إذا كان‬
‫اليوم في مع نى إذ‪ ,‬وإل ف هو قب يح إل ترى أ نك تقول‪ :‬لي تك ز من زيدٌ أم ير‪ :‬أي إذ ز يد أم ير‪,‬‬
‫ولو قلت‪ :‬ألقاك ز من ز يد أم ير‪ ,‬لم يح سن‪ .‬وقال غيره‪ :‬مع نى ذلك‪ :‬أن الوقات جعلت بمع نى‬
‫خزْيِ يَ ْو َم ِئذٍ فنصبوا‪,‬‬
‫ن ِ‬
‫إذ وإذا‪ ,‬فلذلك بقيت عل نصبها في الرفع والخفض والنصب‪ ,‬فقال‪َ :‬ومِ ْ‬
‫والموضع خفض‪ ,‬وذلك دليل على أنه جعل موضع الداة‪ ,‬ويجوز أن يعرب بوجوه العراب‪,‬‬
‫ل نه ظ هر ظهور ال سماء أل ترى أ نه ل يعود عل يه العائد ك ما يعود على ال سماء‪ ,‬فإن عاد‬
‫العائد نوّن وأعرب ولم يضـف‪ ,‬فقيـل‪ :‬أعجبنـي يوم فيـه تقول‪ ,‬لمـا أن خرج مـن معنـى الداة‪,‬‬
‫وعاد عليه الذكر صار اسما صحيحا‪ .‬وقال‪ :‬وجائز في إذ أن تقول‪ :‬أتيتك إذ تقوم‪ ,‬كما تقول‪:‬‬
‫أتيتك يوم يجلس القاضي‪ ,‬فيكون زمنا معلوما‪ ,‬فأما أتيتك يوم تقوم فل مؤنة فيه وهو جائز عند‬
‫جميعهم‪ ,‬وقال‪ :‬وهذه التي تسمى إضافة غير محضة‪.‬‬
‫وال صواب من القول عندي في ذلك‪ ,‬أن ن صب يوم و سائر الزم نة في م ثل هذا المو ضع‬
‫نظيـر نصـب الدوات لوقوعهـا مواقعهـا‪ ,‬وإذا أعربـت بوجوه العراب‪ ,‬فلنهـا ظهرت ظهور‬
‫السماء‪ ,‬فعوملت معاملتها‪.‬‬
‫شيْءٌ‪ .‬وكان قتادة‬
‫وقوله‪ :‬ل َيخْفَى على اللّ هِ ِم ْنهُ مْ أي ول من أعمالهم التي عملوها في الدنيا َ‬
‫يقول في ذلك ما‪:‬‬
‫ن لَ‬
‫‪ 23358‬ـ حدثنا بشر‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا يزيد‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا سعيد‪ ,‬عن قتادة‪ ,‬قوله‪ :‬يَوْ مَ هُ ْم با ِرزُو َ‬
‫َيخْفَى على ال ِم ْن ُهمْ شَيْ ٌء ولكنهم برزوا له يوم القيامة‪ ,‬فل يستترون بجبل ول َمدَر‪.‬‬
‫ن المُ ْلكُ اليَ ْومَ يعني بذلك‪ :‬يقول الربّ‪ :‬لمن الملك اليوم وترك ذكر «يقول» استغناء‬
‫وقوله‪ِ :‬لمَ ِ‬
‫ح ِد ال َقهّارِ و قد ذكر نا الروا ية الواردة بذلك في ما م ضى ق بل‬
‫بدللة الكلم عل يه‪ .‬وقوله‪ :‬لِّل هِ الوَا ِ‬
‫ومع نى الكلم‪ :‬يقول الر بّ‪ :‬ل من ال سلطان اليوم؟ وذلك يوم القيا مة‪ ,‬فيج يب نف سه فيقول‪ :‬لِّل هِ‬
‫حدِ الذي ل مثل له ول شبيه ال َقهّارِ لكلّ شيء سواه بقدرته‪ ,‬الغالب بعزّته‪.‬‬
‫الوَا ِ‬
‫‪17‬‬ ‫الية ‪:‬‬
‫ن الّل هَ‬
‫ل ظُلْ مَ ا ْل َيوْ مَ إِ ّ‬
‫سبَتْ َ‬
‫ل نَفْ سٍ بِمَا كَ ـ َ‬
‫القول ف ـي تأوي ـل قوله تعالى‪{ :‬ا ْليَوْ َم ُتجْ َزىَ كُ ّ‬
‫حسَابِ }‪.‬‬
‫سَرِيعُ ا ْل ِ‬
‫يقول تعالى ذكره مخبرا عن قيله يوم القيامة حين يبعث خلقه من قبورهم لموقف الحساب‪:‬‬
‫سبَتْ يقول‪ :‬اليوم يثاب كلّ عا مل بعمله‪ ,‬فيو فى أ جر عمله‪ ,‬فعا مل‬
‫س بِ ما كَ َ‬
‫جزَى كُلّ نَفْ ٍ‬
‫اليَوْ مَ ُت ْ‬
‫الخير يجزى الخير‪ ,‬وعامل الشر يجزى جزاءه‪.‬‬
‫وقوله‪ :‬ل ظُلْ مَ اليَوْ مَ يقول‪ :‬ل بخس على أحد فيما استوجبه من أجر عمله في الدنيا‪ ,‬فينقص‬
‫منـه إن كان محسـنا‪ ,‬ول حُمِل على مسـيء إثـم ذنـب لم يعمله فيعاقـب عليـه إن ّـ اللّه َـ س َـرِيعُ‬
‫الْحسابِ يقول‪ :‬إن الّل هَ ذو سرعة في محاسبة عباده يومئذ على أعمالهم التي عملوها في الدنيا‬
‫ذُكر أن ذلك اليوم ل َي ْنتَ صِف حتى يقيل أهل الجنة في الجنة‪ ,‬وأهل النار في النار‪ ,‬وقد فرغ‬
‫من حسابهم‪ ,‬والقضاء بينهم‪.‬‬
‫‪20-18‬‬ ‫الية ‪:‬‬
‫ن مَا‬
‫ظمِي َ‬
‫جرِ كَا ِ‬
‫حنَا ِ‬
‫لزِفَ ِة ِإذِ الْقُلُو بُ َلدَى ا ْل َ‬
‫القول ف ـي تأوي ـل قوله تعالى‪{ :‬وَأَنذِرْهُ مْ يَوْ َم ا َ‬
‫صدُورُ * وَالّل هُ يَ ْقضِي‬
‫عُي نِ َومَا ُتخْفِي ال ّ‬
‫حمِي مٍ َولَ شَفِي ٍع ُيطَا عُ * َيعْلَ مُ خَآ ِئنَةَ ال ْ‬
‫ن َ‬
‫ن مِ ْ‬
‫لِلظّالِمِي َ‬
‫سمِي ُع ا ْلبَصِيرُ }‪.‬‬
‫شيْءٍ ِإنّ الّل َه هُ َو ال ّ‬
‫ن مِن دُونِ ِه لَ يَ ْقضُونَ ِب َ‬
‫بِا ْلحَقّ وَاّلذِينَ َيدْعُو َ‬
‫يقول تعالى ذكره ل نبيه‪ :‬وأنذر يا مح مد مشر كي قو مك يوم الَز فة‪ ,‬يع ني يوم القيا مة‪ ,‬أن‬
‫يُوافُوا ال ف يه بأعمال هم الخبي ثة‪ ,‬في ستحقوا من ال عقا به الل يم‪ .‬وبن حو الذي قل نا في ذلك قال‬
‫أهل التأويل‪ .‬ذكر من قال ذلك‪:‬‬
‫‪23359‬ــ حدثنـي محمـد بـن عمرو‪ ,‬قال‪ :‬حدثنـا أبـو عاصـم‪ ,‬قال‪ :‬حدثنـا عيسـى‪ ,‬وحدثنـي‬
‫الحارث‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا الحسن‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا ورقاء جميعا عن ابن أبي نجيح‪ ,‬عن مجاهد‪ ,‬في قول‬
‫لزِفَ ِة قال‪ :‬يوم القيامة‪.‬‬
‫ال‪َ :‬ي ْومَ ا َ‬
‫لزِفَ ِة يوم‬
‫‪ 23360‬ـ حدثنا بشر‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا يزيد‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا سعيد‪ ,‬عن قتادة وأ ْن ِذرْهُ مْ يَوْ مَ ا َ‬
‫القيامة‪.‬‬
‫‪ 23361‬ـ حدثنا محمد‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا أحمد‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا أسباط‪ ,‬عن السدي وأ ْنذِرْهُ مْ يَوْ َم الَ ِزفَةِ‬
‫قال‪ :‬يوم القيامة‪.‬‬
‫‪ 23362‬ـ حدث ني يو نس‪ ,‬قال‪ :‬أخبر نا ا بن و هب‪ ,‬قال‪ :‬قال ا بن ز يد‪ ,‬في قوله وأ ْن ِذرْهُ مْ يَوْ مَ‬
‫ن اللّ ِه كاشِفَةٌ‪.‬‬
‫لزِفَ ُة َليْسَ َلهَا مِنْ دُو ِ‬
‫لزِفَ ِة قال‪ :‬يوم القيامة‪ ,‬وقرأ‪ :‬آ ِزفَتِ ا َ‬
‫اَ‬
‫جرِ كاظِمي نَ يقول تعالى ذكره‪ :‬إذ قلوب العباد من مخا فة عقاب‬
‫ب َلدَى الحَنا ِ‬
‫وقوله‪ :‬إذِ القُلُو ُ‬
‫ال لدى حناجر هم قد شخ صت من صدورهم‪ ,‬فتعل قت بحلوق هم كاظمي ها‪ ,‬يرومون ردّ ها إلى‬
‫مواضع ها من صدورهم فل تر جع‪ ,‬ول هي تخرج من أبدان هم فيموتوا‪ .‬وبن حو الذي قل نا في‬
‫ذلك قال أهل التأويل‪ .‬ذكر من قال ذلك‪:‬‬
‫ب َلدَى الحَناجِرِ‬
‫‪ 23363‬ـ حدث نا ب شر‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا يز يد‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا سعيد‪ ,‬عن قتادة إ ِذ القُلُو ُ‬
‫قال‪ :‬قد وقعت القلوب في الحناجر من المخافة‪ ,‬فل هي تخرج ول تعود إلى أمكنتها‪.‬‬
‫ي إذِ القُلُوبُـ َلدَى‬
‫‪23364‬ــ حدثنـا محمـد‪ ,‬قال‪ :‬حدثنـا أحمـد‪ ,‬قال‪ :‬حدثنـا أسـباط‪ ,‬عـن السـد ّ‬
‫ن قال‪ :‬شخصت أفئدتهم عن أمكنتها‪ ,‬فنشبت في حلوقهم‪ ,‬فلم تخرج من أجوافهم‬
‫ظمِي َ‬
‫الحَناجِرِ كا ِ‬
‫فيموتوا‪ ,‬ولم ترجع إلى أمكنتها فتستقرّ‪.‬‬
‫ظمِي نَ فقال ب عض نحو يي الب صرة‪ :‬انت صابه على‬
‫واختلف أ هل العرب ية في و جه الن صب كا ِ‬
‫الحال‪ ,‬كأ نه أراد‪ :‬إذا القلوب لدى الحنا جر في هذه الحال‪ .‬وكان ب عض نحو يي الكو فة يقول‪:‬‬
‫اللف واللم بدل من الضافة‪ ,‬كأنه قال‪ :‬إذا قلوبهم لدى حناجرهم في حال كظمهم‪ .‬وقال آخر‬
‫منهم‪ :‬هو نصب على القطع من المعنى الذي يرجع من ذكرهم في القلوب والحناجر‪ ,‬المعنى‪:‬‬
‫إذ قلوبهم لدى حناجرهم كاظمين‪ .‬قال‪ :‬فإن شئت جعلت قطعة من الهاء التي في قوله وأ ْنذِرهُمْ‬
‫قال‪ :‬والوّل أجود في العربية‪ ,‬وقد تقدم بيان وجه ذلك‪.‬‬
‫حمِي مٍ وَل شَفِي عٍ يقول‪ :‬جلّ ثناؤه‪ :‬ما للكافر ين بال يومئذ من حم يم‬
‫ن َ‬
‫وقوله‪ :‬ما لِلظّاِلمِي نَ مِ ْ‬
‫يحم لهم‪ ,‬فيدفع عنهم عظيم ما نزل بهم من عذاب ال‪ ,‬ول شفيع يشفع لهم عند ربهم فيطاع‬
‫فيما شفع‪ ,‬ويُجاب فيما سأل‪ .‬وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل‪ .‬ذكر من قال ذلك‪:‬‬
‫حمِيمٍ‬
‫ن َ‬
‫ن مِ ْ‬
‫ي ما لِلظّاِلمِي َ‬
‫‪23365‬ـ حدثنا محمد‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا أحمد‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا أسباط‪ ,‬عن السد ّ‬
‫وَل شَفِيعٍ قال‪ :‬من يعنيه أمرهم‪ ,‬ول شفيع لهم‪.‬‬
‫وقوله‪ :‬يُطاعُ صلة للشفيع‪ .‬ومعنى الكلم‪ :‬ما للظالمين من حميم ول شفيع إذا شفع أطيع فيما‬
‫شفع‪ ,‬فأجيب وقبلت شفاعته له‪.‬‬
‫ل ذكره مخبرا عن صفة نفسه‪ :‬يعلم ربكم ما خانت أعين‬
‫عيُ نِ يقول ج ّ‬
‫وقوله‪َ :‬يعْلَ مُ خا ِئنَ َة الَ ْ‬
‫عباده‪ ,‬وما أخفته صدورهم‪ ,‬يعني‪ :‬وما أضمرته قلوبهم يقول‪ :‬ل يخفى عليه شيء من أمورهم‬
‫ح تى ما يحدّث به نف سه‪ ,‬ويضمره قل به إذا ن ظر ماذا ير يد بنظره‪ ,‬و ما ينوي ذلك بقل به وَالّل هُ‬
‫يَ ْقضِي بالحَ قّ يقول‪ :‬وال تعالى ذكره يقضي في الذي خانته العين بنظرها‪ ,‬وأخفته الصدور‬
‫عنـد نظـر العيون بالحـق‪ ,‬فيجزي الذيـن أغمضوا أبصـارهم‪ ,‬وصـرفوها عـن محارمـه حذارَ‬
‫المو قف ب ين يد يه‪ ,‬وم سألته ع نه بالحُ سنى‪ ,‬والذ ين ردّدوا الن ظر‪ ,‬وعز مت قلوب هم على مواق عة‬
‫الفواحش إذا قدَرت‪ ,‬جزاءها‪ .‬وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل‪ .‬ذكر من قال ذلك‪:‬‬
‫ي بن حسين بن واقد‪ ,‬قال‪ :‬ثني‬
‫‪ 23366‬ـ حدثني عبد ال بن أحمد ال َمرْ َوزِ يّ‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا عل ّ‬
‫ن إذا‬
‫عيُ ِ‬
‫أ بي‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا الع مش‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا سعيد بن جبير‪ ,‬عن ا بن عباس َيعْلَ مُ خا ِئنَ َة الَ ْ‬
‫صدُورُ إذا قدرت علي ها أتز ني ب ها أم ل؟ قال‪ :‬ثم‬
‫نظرت إلي ها تر يد الخيا نة أم ل و ما ُتخْفِي ال ّ‬
‫سكت‪ ,‬ثم قال‪ :‬أل أخبركم بالتي تليها؟ قلت نعم‪ ,‬قال‪ :‬وَاللّ ُه يَ ْقضِي با ْلحَ قّ قادر على أن يجزي‬
‫سمِيعُ البَصِيرُ قال الحسن‪ :‬فقلت للعمش‪ :‬حدثني‬
‫ن اللّهَ ُهوَ ال ّ‬
‫بالحسنة الحسنة‪ ,‬وبالسيئة السيئة إ ّ‬
‫الكلبيـّ‪ ,‬إل أنـه قال‪ :‬إن ال قادر على أن يجزي بالسـيئة السـيئة‪ ,‬وبالحسـنة عشرا‪ .‬وقال‬
‫العمش‪ :‬إن الذي عند الكلبيّ عندي‪ ,‬ما خرج مني إل بحقير‪.‬‬
‫‪23367‬ـ حدثني محمد بن عمرو‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا أبو عاصم‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا عيسى وحدثني الحارث‪,‬‬
‫عُي نِ‬
‫قال‪ :‬حدثنا الحسن‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا ورقاء جميعا عن ابن أبي نجيح‪ ,‬عن مجاهد َيعْلَ مُ خا ِئنَةَ الَ ْ‬
‫قال‪ :‬نظر العين إلى ما نهى ال عنه‪.‬‬
‫عيُ نِ‪ :‬أي‬
‫‪ 23368‬ـ حدثنا بشر‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا يزيد‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا سعيد‪ ,‬عن قتادة‪ ,‬قوله‪ :‬خا ِئنَ َة الَ ْ‬
‫يعلم همزه بعينه‪ ,‬وإغماضه فيما ل يحبّ ال ول يرضاه‪.‬‬
‫شيْءٍ يقول‪ :‬والوثان والَلهة التي يعبدها هؤلء‬
‫ن دُونِ هِ ل يَ ْقضُو نَ ِب َ‬
‫وقوله‪ :‬وَاّلذِي نَ َيدْعُو نَ ِم ْ‬
‫المشركون بال من قومك من دونه ل يقضون بشيء‪ ,‬لنها ل تعلم شيئا‪ ,‬ول تقدر على شيء‪,‬‬
‫ل شيـء‪ ,‬ول يخفـى عليـه شيـء مـن أعمالكـم‪,‬‬
‫يقول جلّ ثناؤه لهـم‪ :‬فاعبدوا الذي يقدر على ك ّ‬
‫فيجزي محسنكم بالحسان‪ ,‬والمسيء بالساءة‪ ,‬ل ما ل يقدر على شيء ول يعلم شيئا‪ ,‬فيعرف‬
‫المحسن من المسيء‪ ,‬فيثيب المحسن‪ ,‬ويعاقب المسيء‪.‬‬
‫سمِيعُ البَ صِيرُ يقول‪ :‬إن ال هو السميع لما تنطق به ألسنتكم أيها الناس‪,‬‬
‫ن اللّ َه هُ َو ال ّ‬
‫وقوله‪ :‬إ ّ‬
‫الب صير ب ما تفعلون من الفعال‪ ,‬مح يط ب كل ذلك مح صيه علي كم‪ ,‬ليجازي جميع كم جزاءه يوم‬
‫الجزاء‪.‬‬
‫ِهـ فقرأ ذلك عامـة قرّاء المدينـة‪:‬‬
‫ِنـ دُون ِ‬
‫ُونـ م ْ‬
‫ِينـ َيدْع َ‬
‫واختلفـت القرّاء فـي قراءة قوله‪ :‬وَاّلذ َ‬
‫ن مِ نْ دُونِ هِ» بالتاء على وجه الخطاب‪ .‬وقرأ ذلك عامة قرّاء الكوفة بالياء على‬
‫«وَاّلذِي نَ َتدْعُو َ‬
‫وجه الخبر‪.‬‬
‫والصواب من القول في ذلك أنهما قراءتان معروفتان صحيحتا المعنى‪ ,‬فبأيتهما قرأ القارىء‬
‫فمصيب‪.‬‬

‫‪21‬‬ ‫الية ‪:‬‬


‫ظرُواْ َكيْ فَ كَا نَ عَا ِقبَةُ اّلذِي نَ‬
‫القول ف ـي تأوي ـل قوله تعالى‪َ{ :‬أوَلَ مْ يَ سِيروُ ْا فِي الرْ ضِ َفيَن ُ‬
‫ن َلهُم ّمنَ‬
‫خذَهُمُ الّل ُه ِب ُذنُو ِبهِمْ َومَا كَا َ‬
‫ض َفأَ َ‬
‫شدّ ِم ْنهُمْ قُ ّوةً وَآثَارا فِي الرْ ِ‬
‫كَانُواْ مِن قَبِْلهِ ْم كَانُواْ هُمْ َأ َ‬
‫اللّ ِه مِن وَاقٍ }‪.‬‬
‫يقول تعالى ذكره‪ :‬أو لم يسـر هؤلء المقيمون على شركهـم بال‪ ,‬المكذّبون رسـوله مـن‬
‫ن قَبِْلهِ مْ يقول‪ :‬فيروا ما الذي كان‬
‫ن كَانُوا ِم ْ‬
‫ن عا ِقبَ ُة اّلذِي َ‬
‫ظرُوا َكيْ فَ كا َ‬
‫قر يش‪ ,‬في البلد‪َ ,‬ف َينْ ُ‬
‫خاتمة أمم الذين كانوا من قبلهم من المم الذين سلكوا سبيلهم‪ ,‬في الكفر بال‪ ,‬وتكذيب رسله‬
‫كانُوا هُ ْم أشَ ّد ِم ْنهُ مْ قُ ّوةً يقول‪ :‬كانت تلك المم الذين كانوا من قبلهم أشدّ منهم بطشا‪ ,‬وأبقى في‬
‫الرض آثارا‪ ,‬فلم تنفعهم شدّة قواهم‪ ,‬وعظم أجسامهم‪ ,‬إذ جاءهم أمر ال‪ ,‬وأخذهم بما أجرموا‬
‫من معاصيه‪ ,‬واكتسبوا من الَثام‪ ,‬ولكنه أباد جمعهم‪ ,‬وصارت مساكنهم خاوية منهم بما ظلموا‬
‫ن الّل ِه مِ نْ وَاق يقول‪ :‬و ما كان ل هم من عذاب ال إذ جاء هم‪ ,‬من واق يقي هم‪,‬‬
‫وَ ما كَا نَ َلهُ مْ مِ َ‬
‫فيدفعه عنهم‪ ,‬كالذي‪:‬‬
‫ن اللّ هُ ِم نْ‬
‫ن َلهُ مْ ِم َ‬
‫‪ 23369‬ـ حدثنا بشر‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا يزيد‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا سعيد‪ ,‬عن قتادة وَما كَا َ‬
‫وَاق يقيهم‪ ,‬ول ينفعهم‪.‬‬

‫‪22‬‬ ‫الية ‪:‬‬


‫ت فَكَ َفرُو ْا َفَأخَذَهُ ُم اللّ هُ‬
‫القول فـي تأويـل قوله تعالى‪{ :‬ذَلِ كَ ِبَأ ّنهُ مْ كَانَت ّت ْأتِيهِ ْم رُ سُُلهُم بِا ْل َب ّينَا ِ‬
‫شدِيدُ ا ْل ِعقَابِ }‪.‬‬
‫ِإنّ ُه قَ ِويّ َ‬
‫يقول تعالى ذكره‪ :‬هذا الذي فعلت بهؤلء المم الذين من قبل مشركي قريش من إهلكناهم‬
‫بذنوبهم فعلنا بهم بأنهم كانت تأتيهم رسل ال إليهم بالبينات‪ ,‬يعني بالَيات الدالت على حقيقة‬
‫ما تدعو هم إل يه من توح يد ال‪ ,‬والنتهاء إلى طاع ته فَكَ َفرُوا يقول‪ :‬فأنكروا ر سالتها‪ ,‬وجحدوا‬
‫خذَهُ مُ الّل هُ يقول‪ :‬فأخذ هم ال بعذا به فأهلك هم إّن هُ قَوِ يّ شَديدُ‬
‫توح يد ال‪ ,‬وأبوا أن يطيعوا ال فأ َ‬
‫العِقا بِ يقول‪ :‬إن ال ذو قوّة ل يقهره شيء‪ ,‬ول يغلبه‪ ,‬ول يعجزه شيء أراده‪ ,‬شديد عقابه من‬
‫عا قب من خل قه وهذا وع يد من ال مشر كي قر يش‪ ,‬المكذّب ين ر سوله محمدا صلى ال عل يه‬
‫ل ثناؤه‪ :‬فاحذروا أي ها القوم أن ت سلكوا سبيلهم في تكذ يب مح مد صلى ال‬
‫و سلم يقول ل هم ج ّ‬
‫عليه وسلم وجحود توحيد ال‪ ,‬ومخالفة أمره ونهيه فيسلك بكم في تعجيل الهلك لكم مسَلكَهم‪.‬‬
‫‪24-23‬‬ ‫الية ‪:‬‬
‫عوْ نَ‬
‫ن * إَِلىَ فِرْ َ‬
‫ن ّمبِي ٍ‬
‫سىَ بِآيَاتِنَا وَ سُ ْلطَا ٍ‬
‫القول ف ـي تأوي ـل قوله تعالى‪{ :‬وَلَ َقدْ َأرْ سَ ْلنَا مُو َ‬
‫حرٌ كَـذّابٌ }‪.‬‬
‫ن فَقَالُواْ سَا ِ‬
‫وَهَامَانَ َوقَارُو َ‬
‫يقول تعالى ذكره مُ سَلّيا نبيه محمد صلى ال عليه وسلم‪ ,‬عما كان يلقى من مشركي قومه‬
‫من قر يش‪ ,‬بإعل مه ما ل قي مو سى م من أر سل إل يه من تكذ يب‪ ,‬وم خبره أ نه معل يه علي هم‪,‬‬
‫وجا عل دائرة السّـوْء على من حادّه وشاقّة‪ ,‬كسـنته فـي موسـى صـلوات ال عليـه‪ ,‬إذا أعله‪,‬‬
‫ن ُمبِينٍ‪ ,‬كما‪:‬‬
‫وأهلك عدوّه فرعون وَلَ َقدْ أ ْرسَ ْلنَا مُوسَى بآيا ِتنَا‪ :‬يعني بأدلته‪َ .‬وسُلْطا ٍ‬
‫ن ُمبِي نٍ‪ :‬أي‬
‫‪23370‬ــ حدث نا بشـر‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا يز يد‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا سعيد‪ ,‬عن قتادة‪ ,‬وَ سُلْطا ٍ‬
‫عذرمبين‪.‬‬
‫يقول‪ :‬وحججه المبينة لمن يراها أنها حجة محققة ما يدعوا إليه موسى إلى ِفرْعَ ْو نَ وَهاما نَ‬
‫حرٌ َكذّا بٌ يقول‪ :‬فقال هؤلء الذ ين أر سل إلي هم مو سى لمو سى‪ :‬هو ساحر‬
‫ن فَقالُوا سا ِ‬
‫وَقارُو َ‬
‫ي سحر الع صا‪ ,‬فيرى النا ظر إلي ها أن ها ح ية ت سعى‪ ,‬كذّاب يقول‪ :‬يكذب على ال‪ ,‬ويز عم أ نه‬
‫أرسله إلى الناس رسولً‪.‬‬

‫‪25‬‬ ‫الية ‪:‬‬


‫ن آ َمنُواْ‬
‫القول ف ـي تأوي ـل قوله تعالى‪{ :‬فَلَمّا جَآءَهُ مْ بِا ْلحَ قّ مِ نْ عِندِنَا قَالُواْ ا ْقتُلُوَ ْا َأ ْبنَآءَ اّلذِي َ‬
‫حيُواْ ِنسَآءَ ُهمْ َومَا كَـيْدُ ا ْلكَا ِفرِينَ ِإلّ فِي ضَلَلٍ }‪.‬‬
‫س َت ْ‬
‫َمعَهُ وَا ْ‬
‫ق من عند نا‪ ,‬وذلك‬
‫يقول تعالى ذكره‪ :‬فل ما جاء مو سى هؤلء الذ ين أر سله ال إلي هم بالح ّ‬
‫مجيئه إيا هم بتوح يد ال‪ ,‬والعمل بطاع ته‪ ,‬مع إقا مة الح جة عليهم‪ ,‬بأن ال ابتع ثه إلي هم بالدعاء‬
‫حيُوا نِسـَاءَ ُهمْ يقول‪:‬‬
‫َاسـَت ْ‬
‫َهـ مـن بنـي إسـرائيل و ْ‬
‫ِينـ آ َمنُوا بال َمع ُ‬
‫إلى ذلك قالُوا اقْتُلُوا أبْناءَ اّلذ َ‬
‫واستبقوا نساءهم للخدمة‪.‬‬
‫ن آ َمنُوا‬
‫ع ْندِ نا قالُوا ا ْقتُلُوا أبْنا َء اّلذِي َ‬
‫ق مِ نْ ِ‬
‫فإن قال قائل‪ :‬وك يف ق يل فَلَمّا جاءَهُ ْم مُو سَى بالحَ ّ‬
‫حيُوا نِ سَاءَهُمْ‪ ,‬وإن ما كان ق تل فرعون الولدان من ب ني إ سرائيل حذار المولود الذي‬
‫س َت ْ‬
‫َمعَ هُ وا ْ‬
‫كان أخـبر أنـه على رأسـه ذهاب ملكـه‪ ,‬وهلك قومـه‪ ,‬وذلك كان فيمـا يقال قبـل أن يبعـث ال‬
‫موسى نبيّا؟ قيل‪ :‬إن هذا المر بقتل أبناء الذين آمنوا مع موسى‪ ,‬واستحياء نسائهم‪ ,‬كان أمرا‬
‫من فرعون وملئه من بعد المر الوّل الذي كان من فرعون قبل مولد موسى‪ ,‬كما‪:‬‬
‫‪ 23371‬ـ حدثنا بشر‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا يز يد‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا سعيد‪ ,‬عن قتادة‪ :‬فَلَمّا جاءَهُ مْ بالحَ قّ ِم نْ‬
‫حيُوا نِ سَاءَ ُهمْ قال‪ :‬هذا قتل غير القتل الوّل الذي‬
‫س َت ْ‬
‫ن آ َمنُوا َمعَ هْ وا ْ‬
‫ع ْندِنا قالُوا ا ْقتُلُوا أبْنا َء اّلذِي َ‬
‫ِ‬
‫كان‪.‬‬
‫ل فِي ضَللٍ يقول‪ :‬و ما احتيال أ هل الك فر ل هل اليمان بال إل‬
‫وقوله‪ :‬وَ ما َك ْيدُ الكافِرِي نَ إ ّ‬
‫في جور عن سبيل الحقّ‪ ,‬وصدّ عن قصد المحجة‪ ,‬وأخذ على غير هدى‪.‬‬
‫‪26‬‬ ‫الية ‪:‬‬
‫سىَ وَ ْل َيدْعُ َربّ ُه ِإنّيَ َأخَافُ أَن‬
‫ل مُو َ‬
‫ي َأقْتُ ْ‬
‫ن ذَرُونِ َ‬
‫عوْ ُ‬
‫ل فِرْ َ‬
‫القول فـي تأويـل قوله تعالى‪َ { :‬وقَا َ‬
‫ظهِرَ فِي الرْضِ ا ْل َفسَادَ }‪.‬‬
‫ُي َبدّلَ دِي َنكُـمْ أَ ْو أَن ُي ْ‬
‫ل مُوسَى وَ ْل َيدْعُ َربّهُ الذي يزعم أنه أرسله‬
‫ن لملئه‪َ :‬ذرُونِي أقْتُ ْ‬
‫عوْ ُ‬
‫ل فِرْ َ‬
‫يقول تعالى ذكره‪ :‬وَقا َ‬
‫إلي نا فيمن عه م نا إنّي أخاف أ نْ ُي َبدّلَ دِي َنكُ مْ يقول‪ :‬إ ني أخاف أن يغ ير دين كم الذي أن تم عل يه‬
‫بسحره‪.‬‬
‫ض الفَسادَ فقرأ ذلك عامة قرّاء المدينة‬
‫ظ ِهرَ فِي الرْ ِ‬
‫واختلفت القرّاء في قراءة قوله‪ :‬أو أن ُي ْ‬
‫ن ُيظْ ِهرَ فِي الرْ ضِ الفَ سادَ» بغ ير ألف‪ ,‬وكذلك ذلك في م صاحف أ هل‬
‫والشأم والب صرة‪« :‬وأ ْ‬
‫ظ َهرَ فِي‬
‫المدينـة‪ ,‬وقرأ ذلك عامـة قرّاء الكوفـة‪ :‬أوْ أن ْـ باللف‪ ,‬وكذلك ذلك فـي مصـاحفهم « َي ْ‬
‫الرْضِ» بفتح الياء ورفع الفساد‪.‬‬
‫وال صواب من القول في ذلك عند نا أنه ما قراءتان مشهورتان في قراءة الم صار متقارب تا‬
‫المع نى‪ ,‬وذلك أن الف ساد إذا أظهره مظ هر كان ظاهرا‪ ,‬وإذا ظ هر فبإظهار مظهره يظ هر‪ ,‬ف في‬
‫القراءة بإحدى القراءتين في ذلك دليل واضح على صحة معنى الخرى‪ .‬وأما القراءة في‪ :‬أوْ‬
‫ن ُيظْ ِهرَ باللف وبحذفها‪ ,‬فإنهما أيضا متقاربتا المعنى‪ ,‬وذلك أن الشيء إذا بدل إلى خلفه فل‬
‫أْ‬
‫ش كّ أن خلفه المبدل إليه الوّل هو الظاهر دون المبدل‪ ,‬فسواء عطف على خبره عن خوفه‬
‫مـن موسـى أن يبدّل دينهـم بالواو أو بأو‪ ,‬لن تبديـل دينهـم كان عنده ظهور الفسـاد‪ ,‬وظهور‬
‫الفساد كان عنده هو تبديل الدين‪.‬‬
‫فتأو يل الكلم إذن‪ :‬إ ني أخاف من مو سى أن يغ ير دين كم الذي أن تم عل يه‪ ,‬أو أن يظ هر في‬
‫أرضكم أرض مصر‪ ,‬عبادة ربه الذي يدعوكم إلى عبادته‪ ,‬وذلك كان عنده هو الفساد‪ .‬وبنحو‬
‫الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل‪ .‬ذكر من قال ذلك‪:‬‬
‫‪ 23372‬ـ حدثنا بشر‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا يزيد‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا سعيد‪ ,‬عن قتادة إنّي أخافُ أ نْ ُي َبدّلَ دِي َنكُ مْ‪:‬‬
‫ظهِرَ فَي الرْضِ الفَسادَ والفساد عنده أن يعمل بطاعة ال‪.‬‬
‫ن ُي ْ‬
‫أي أمركم الذي أنتم عليه أوْ أ ْ‬

‫‪28-27‬‬ ‫الية ‪:‬‬


‫ت ِبرَبّي َو َر ّبكُ ـمْ مّن كُلّ ُم َت َكّبرٍ لّ‬
‫عذْ ُ‬
‫سىَ إِنّي ُ‬
‫ل مُو َ‬
‫القول ف ـي تأوي ـل قوله تعالى‪َ { :‬وقَا َ‬
‫عوْ نَ َي ْكتُ مُ إِيمَانَ ُه َأتَ ْقتُلُو نَ َرجُلً أَن يَقُولَ‬
‫ل فِرْ َ‬
‫ن مّ نْ آ ِ‬
‫يُ ْؤمِ نُ ِب َيوْ مِ ا ْلحِ سَابِ * َوقَالَ َرجُلٌ مّ ْؤ ِم ٌ‬
‫ك كَاذِبا َفعََليْ ِه َكذِبُ ُه وَإِن يَ كُ صَادِقا يُ صِ ْب ُكمْ َبعْ ضُ‬
‫ت مِن ّر ّبكُ مْ وَإِن يَ ُ‬
‫َربّ يَ الّل هُ َو َقدْ جَآ َءكُ مْ بِا ْل َبيّنَا ِ‬
‫ف َكذّابٌ }‪.‬‬
‫سرِ ٌ‬
‫ل َي ْهدِي َمنْ ُهوَ ُم ْ‬
‫اّلذِي َي ِعدُ ُكمْ ِإنّ الّلهَ َ‬
‫يقول تعالى ذكره‪ :‬وقال مو سى لفرعون وملئه‪ :‬إ ني ا ستجرت أي ها القوم بر بي ورب كم‪ ,‬من‬
‫كلّ مت كبر عل يه‪ ,‬ت كبر عن توحيده‪ ,‬والقرار بألوهي ته وطاع ته‪ ,‬ل يؤ من بيوم يحا سب ال ف يه‬
‫خل قه‪ ,‬فيجازي المحسن بإح سانه‪ ,‬والم سيء بما أساء وإنما خ صّ موسى صلوات ال و سلمه‬
‫عل يه‪ ,‬ال ستعاذه بال م من ل يؤ من بيوم الح ساب‪ ,‬لن من لم يؤ من بيوم الح ساب م صدّقا‪ ,‬لم‬
‫ي كن للثواب على الح سان راج يا‪ ,‬ول للعقاب على ال ساءة‪ ,‬وقب يح ما يأ تي من الفعال خائ فا‪,‬‬
‫ولذلك كان استجارته من هذا الصنف من الناس خاصة‪.‬‬
‫َهـ اختلف أهـل العلم فـي هذا الرجـل‬
‫ُمـ إيمَان ُ‬
‫ْنـ َي ْكت ُ‬
‫ِنـ آلِ ِفرْعَو َ‬
‫ِنـ م ْ‬
‫وقوله‪َ :‬وقَالَ َرجُلٌ مُو ْءم ٌ‬
‫سرّ إيما نه‬
‫المؤ من‪ ,‬فقال بعض هم‪ :‬كان من قوم فرعون‪ ,‬غ ير أ نه كان قد آ من بمو سى‪ ,‬وكان يُ ِ‬
‫من فرعون وقومه خوفا على نفسه‪ .‬ذكر من قال ذلك‪:‬‬
‫ن مِنْ‬
‫ل مُو ْءمِ ٌ‬
‫ل رَجُ ٌ‬
‫‪23373‬ـ حدثنا محمد‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا أحمد‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا أسباط‪ ,‬عن السديّ َوقَا َ‬
‫ن قال‪ :‬هو ابن عمّ فرعون‪.‬‬
‫عوْ َ‬
‫ل فِرْ َ‬
‫آِ‬
‫ويقال‪ :‬هو الذي نجا مع موسى‪ ,‬فمن قال هذا القول‪ ,‬وتأوّل هذا التأويل‪ ,‬كان صوابا الوقف‬
‫ل ِفرْعَوْنَ‪ ,‬لن ذلك خبر متناه قد تمّ‪.‬‬
‫إذا أراد القارىء الوقف على قوله‪ِ :‬منْ آ ِ‬
‫وقال آخرون‪ :‬بل كان الرجل إسرائيليا‪ ,‬ولكنه كان يكتم إيمانه من آل فرعون‪.‬‬
‫وال صواب على هذا القول ل من أراد الو قف أن يج عل وق فه على قوله‪َ :‬ي ْكتُ مُ إيمَانَ هُ لن قوله‪:‬‬
‫مِ نَ آلِ ِفرْعَ ْو نَ صلة لقوله‪َ :‬يكْت مُ إيمَانَ هُ فتمامه قوله‪ :‬يكتم إيمانه‪ ,‬وقد ذكر أن اسم هذا الرجل‬
‫المؤمن من آل فرعون‪ :‬جبريل‪ ,‬كذلك‪.‬‬
‫‪23374‬ـ حدثنا ابن حميد‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا سلمة‪ ,‬عن ابن إسحاق‪.‬‬
‫وأولى القول ين في ذلك بال صواب عندي القول الذي قاله ال سدي من أن الر جل المؤ من كان‬
‫من آل فرعون‪ ,‬قد أصغى لكلمه‪ ,‬واستمع منه ما قاله‪ ,‬وتوقّف عن قتل موسى عند نهيه عن‬
‫قتله‪ ,‬وقيله مـا قال‪ ,‬وقال له‪ :‬مـا أريكـم إل مـا أرى‪ ,‬ومـا أهديكـم إل سـبيل الرشاد‪ ,‬ولو كان‬
‫إ سرائيليا لكان حر يا أن يعا جل هذا القائل له‪ ,‬ولملئه ما قال بالعقو بة على قوله‪ ,‬ل نه لم ي كن‬
‫يسـتنصح بنـي إسـرائيل‪ ,‬لعتداده إياهـم أعداء له‪ ,‬فكيـف بقوله عـن قتـل موسـى لو وجـد إليـه‬
‫سبيلً؟ ولكنه لما كان من مل قومه‪ ,‬استمع قوله‪ ,‬وكفّ عما كان همّ به في موسى‪.‬‬
‫ن َرجُلً أ نْ يَقُولَ َربّي اللّ هُ يقول‪ :‬أتقتلون أيها القوم موسى لن يقول ربي ال؟‬
‫وقوله‪ :‬أتَ ْقتُلُو َ‬
‫فأن في موضع نصب لما وصفت‪َ .‬و َقدْ جا َءكُ مْ بال َبيّنا تِ يقول‪ :‬وقد جاءكم بالَيات الواضحات‬
‫على حقيقة ما يقول من ذلك‪ ,‬وتلك البينات من الَيات يده وعصاه‪ ,‬كما‪:‬‬
‫ن رَ ّبكُ مْ‬
‫‪ 23375‬ـ حدثنا ابن حميد‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا سلمة‪ ,‬عن ابن إسحاق َو َقدْ جا َءكُ مْ بال َبيّنات مِ ْ‬
‫بعصاه وبيده‪.‬‬
‫ك كاذِ با َفعَلَيْ هِ َك ِذبُ هُ يقول‪ :‬وإن يك مو سى كاذ با في قيله‪ :‬إن ال أر سله إلي كم‬
‫ن يَ ُ‬
‫وقوله‪ :‬وَإ ْ‬
‫ص ْبكُمْ‬
‫يأمركم بعبادته‪ ,‬وترك دينكم الذي أنتم عليه‪ ,‬فإنما إثم كذبه عليه دونكم وَإ نْ يَ كُ صَادِقا يُ ِ‬
‫ض اّلذِي يَعدُكُ مْ يقول‪ :‬وإن يك صادقا في قيله ذلك‪ ,‬أ صابكم الذي وعد كم من العقو بة على‬
‫َبعْ ُ‬
‫مقامكـم على الديـن الذي أنتـم عليـه مقيمون‪ ,‬فل حاجـة بكـم إلى قتله‪ ,‬فتزيدوا ربكـم بذلك إلى‬
‫س ِرفٌ َكذّابٌ يقول‪ :‬إن ال ل يوفّق للحقّ‬
‫سخطه عليكم بكفركم سخطا إنّ الّلهَ ل َي ْهدِي َمنْ هو مُ ْ‬
‫من هو متعدّ إلى فعل ما ليس له فعله‪ ,‬كذّاب عليه يكذب‪ ,‬ويقول عليه الباطل وغير الحقّ‪.‬‬
‫وقـد اختلف أهـل التأويـل فـي معنـى السـراف الذي ذكره المؤمـن فـي هذا الموضـع‪ ,‬فقال‬
‫بعض هم‪ :‬عُ ني به الشرك‪ ,‬وأراد‪ :‬إن ال ل يهدي من هو مشرك به مف تر عل يه‪ .‬ذ كر من قال‬
‫ذلك‪:‬‬
‫ن هو‬
‫ن اللّ َه ل َي ْهدِي مَ ْ‬
‫‪ 23376‬ـ حدثنا بشر‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا يزيد‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا سعيد‪ ,‬عن قتادة إ ّ‬
‫ُمسْ ِرفٌ َكذّابٌ‪ :‬مشرك أسرف على نفسه بالشرك‪.‬‬
‫وقال آخرون‪ :‬عنى به من هو قتال سفّاك للدماء بغير حقّ‪ .‬ذكر من قال ذلك‪:‬‬
‫ن اللّ هَ ل َيهْدِي مَ نْ‬
‫‪ 23377‬ـ حدثنا محمد‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا أحمد‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا أسباط‪ ,‬عن السديّ إ ّ‬
‫هو ُمسْ ِرفٌ َكذّابٌ قال‪ :‬المسرف‪ :‬هو صاحب الدم‪ ,‬ويقال‪ :‬هم المشركون‪.‬‬
‫والصواب من القول في ذلك أن يقال‪ :‬إن ال أخبر عن هذا المؤمن أنه ع مّ بقوله‪ :‬إ نّ الّل َه ل‬
‫ن هو مُ سْ ِرفٌ َكذّا بٌ والشرك من السراف‪ ,‬وسفك الدم بغير ح قّ من السراف‪ ,‬وقد‬
‫َي ْهدِي َم ْ‬
‫ل ثناؤه عن قائله‪ ,‬أنه‬
‫كان مجتمعا في فرعون المران كلهما‪ ,‬فالح قّ أن يع مّ ذلك كما أخبر ج ّ‬
‫عمّ القول بذلك‪.‬‬

‫‪29‬‬ ‫الية ‪:‬‬


‫ص ُرنَا مِن‬
‫القول فـي تأويـل قوله تعالى‪{ :‬يَقَومِ َلكُمُ ا ْلمُلْكُ ا ْليَوْمَ ظَاهِرِينَ فِي الرْضِ َفمَن يَن ُ‬
‫سبِيلَ ال ّرشَادِ }‪.‬‬
‫َبأْسِ اللّ ِه إِن جَآ َءنَا قَالَ ِفرْعَ ْونُ مَآ ُأرِي ُكمْ ِإلّ مَآ َأرَىَ َومَآ أَ ْهدِي ُكمْ ِإلّ َ‬
‫يقول تعالى ذكره مخبرا عن قيل المؤمن من آل فرعون لفرعون وملئه‪ :‬يا قَوْ مِ َلكُ ُم المُلْ كُ‬
‫اليَوْ مَ ظاهِرِي نَ في الرْ ضِ يعني‪ :‬أرض مصر‪ ,‬يقول‪ :‬لكم السلطان اليوم والملك ظاهرين أنتم‬
‫ن َبأْ سِ اللّ ِه يقول‪ :‬ف من يد فع ع نا بأس ال‬
‫ن َينْ صُرُنا مِ ْ‬
‫على ب ني إ سرائيل في أرض م صر فَمَ ْ‬
‫ل مـا أرَى يقول‪ :‬قال فرعون‬
‫ُمـ إ ّ‬
‫وسـطوته إن حلّ بنـا‪ ,‬وعقوبتـه إن جاءتنـا‪ ,‬قال فرعون ُأرِيك ْ‬
‫مجي با لهذا المؤ من النا هي عن ق تل مو سى‪ :‬ما رأي كم أي ها الناس من الرأي والن صيحة إل ما‬
‫أرى لنف سي ول كم صلحا و صوابا‪ ,‬و ما أهدي كم إل سبيل الرشاد‪ .‬يقول‪ :‬و ما أدعو كم إل إلى‬
‫طريق الحقّ والصواب في أمر موسى وقتله‪ ,‬فإنكم إن لم تقتلوه بدّل دينكم‪ ,‬وأظهر في أرضكم‬
‫الفساد‪.‬‬
‫‪31-30‬‬ ‫الية ‪:‬‬
‫ي َأخَافُ عََل ْيكُمْ ّمثْلَ يَوْ ِم الحْزَابِ *‬
‫ن يَقَوْمِ ِإنّ َ‬
‫ل اّلذِيَ آمَ َ‬
‫القول فـي تأويـل قوله تعالى‪َ { :‬وقَا َ‬
‫ن مِن َب ْعدِهِمْ َومَا الّلهُ ُيرِيدُ ظُلْما لّ ْل ِعبَادِ }‪.‬‬
‫ب قَ ْومِ نُوحٍ َوعَادٍ َو َثمُودَ وَاّلذِي َ‬
‫ِمثْلَ دَأْ ِ‬
‫يقول تعالى ذكره‪ :‬وقال المؤمـن مـن آل فرعون لفرعون وملئه‪ :‬يـا قوم إنـي أخاف عليكـم‬
‫بقتل كم مو سى إن قتلتموه م ثل يوم الحزاب الذ ين تحزّبوا على ر سل ال نوح وهود و صالح‪,‬‬
‫فأهلكهم ال بتجرئهم عليه‪ ,‬فيهلككم كما أهلكهم‪.‬‬
‫ح يقول‪ :‬يفعل ذلك بكم فيهلككم مثل سنته في قوم نوح وعاد وثمود‬
‫ب قَوْ مِ نُو ٍ‬
‫وقوله‪ِ :‬مثْلَ دَأْ ِ‬
‫وفعله بهم‪ .‬وقد بيّنا معنى الدأب فيما مضى بشواهده‪ ,‬المغنية عن إعادته‪ ,‬مع ذكر أقوال أهل‬
‫التأويل فيه‪ .‬وقد‪:‬‬
‫‪23378‬ـ حدثني عليّ‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا أبو صالح‪ ,‬قال‪ :‬ثني معاوية‪ ,‬عن عليّ‪ ,‬عن ابن عباس ِمثْلَ‬
‫دَأْبِ قَ ْومِ نُوحٍ يقول‪ :‬مثل حال‪.‬‬
‫ل دَأْ بِ قَوْ مِ‬
‫‪ 23379‬ـ حدث ني يونس‪ ,‬قال‪ :‬أخبرنا ا بن وهب‪ ,‬قال‪ :‬قال ابن زيد‪ ,‬في قوله‪ِ :‬مثْ َ‬
‫ح قال‪ :‬مثل ما أصابهم‪.‬‬
‫نُو ٍ‬
‫ن َب ْعدِهِمْ يعني قوم إبراهيم‪ ,‬وقوم لوط‪ ,‬وهم أيضا من الحزاب‪ ,‬كما‪:‬‬
‫ن مِ ْ‬
‫وقوله‪ :‬وَاّلذِي َ‬
‫ن َب ْعدِهِمْ قال‪ :‬هم‬
‫ن مِ ْ‬
‫‪ 23380‬ـ حدثنا بشر‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا يزيد‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا سيعد‪ ,‬عن قتادة وَاّلذِي َ‬
‫الحزاب‪.‬‬
‫وقوله‪ :‬وَ ما اللّ ُه ُيرِيدُ ظُلْ ما ل ْلعِبادِ يقول تعالى ذكره م خبرا عن ق يل المؤ من من آل فرعون‬
‫لفرعون وملئه‪ :‬و ما أهلك ال هذه الحزاب من هذه ال مم ظل ما م نه ل هم بغ ير جرم اجترموه‬
‫بينهم وبينه‪ ,‬لنه ل يريد ظلم عباده‪ ,‬ول يشاؤه‪ ,‬ولكنه أهلكهم بإجرامهم وكفرهم به‪ ,‬وخلفهم‬
‫أمره‪.‬‬

‫‪33-32‬‬ ‫الية ‪:‬‬


‫ن مَا‬
‫ن ُم ْدبِرِي َ‬
‫ي َأخَافُ عََل ْي ُكمْ يَ ْومَ ال ّتنَادِ * َيوْمَ ُتوَلّو َ‬
‫القول فـي تأويـل قوله تعالى‪َ { :‬ويَقَ ْومِ ِإنّ َ‬
‫ن هَادٍ }‪.‬‬
‫ن اللّ ِه مِنْ عَاصِمٍ َومَن ُيضْلِلِ اللّ ُه َفمَا لَ ُه مِ ْ‬
‫َل ُكمْ مّ َ‬
‫يقول تعالى ذكره م خبرا عن ق يل هذا المؤ من لفرعون وقو مه‪ :‬وَ يا قَوْ مِ إنّي أخا فُ عََل ْيكُ مْ‬
‫بقتلكم موسى إن قتلتموه عقاب ال يَ ْو َم التّنادِ‪.‬‬
‫واختلفت القرّاء في قراءة قوله‪َ :‬يوْ مَ ال ّتنَادِ فقرأ ذلك عامة قرّاء المصار‪َ :‬يوْ مَ التّنادِ بتخفيف‬
‫الدال‪ ,‬وترك إثبات الياء‪ ,‬بمعنـى التفاعـل‪ ,‬مـن تنادي القوم تناديـا‪ ,‬كمـا قال جلّ ثناؤه‪ :‬وَنادَى‬
‫عدَ َر ّبكُ مْ حَقّا‬
‫ج ْدتُ مْ ما وَ َ‬
‫عدَ نا َربّ نا حَقّا فَهَلْ َو َ‬
‫جدْ نا ما وَ َ‬
‫جنّةِ أ صحَابَ النّارِ أ نْ َقدْ َو َ‬
‫ب ال َ‬
‫أ صحَا ُ‬
‫جنّةِ أنّـ أفِيضُوا عََليْنـا مِن َـ الماءِ فلذلك تأوّله‬
‫قالُوا َنعَم ْـ وقال‪َ :‬ونَادَى أصـحَابُ النّارِ أص ْـحَابَ ال َ‬
‫قارئو ذلك كذلك‪ .‬ذكر من قال ذلك‪:‬‬
‫‪ 23381‬ـ حدثنا محمد بن بشار‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا محمد بن عبد ال النصاريّ‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا سعيد‪,‬‬
‫عن قتادة أنـه قال فـي هذه الَ ية َيوْمَـ التّنادِ قال‪ :‬يوم ينادي أهـل النار أهـل الج نة‪ :‬أن أفيضوا‬
‫علينا من الماء‪.‬‬
‫حدثنا بشر‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا يزيد‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا سعيد‪ ,‬عن قتادة‪ ,‬قوله‪ :‬ويَا قَوْ مِ إنّي أخا فُ عََل ْيكُم‬
‫عدَ‬
‫ج ْدتُ مْ ما وَ َ‬
‫عدَنا َربّنا حَقّا فَهَلْ َو َ‬
‫جدْنا ما وَ َ‬
‫يَوْ مَ التّنادِ يوم ينادي أهل الجنة أهل النار أ نْ َقدْ َو َ‬
‫ن المَاءِ أوْ ِممّا رَ َز َقكُمُ الّلهُ‪.‬‬
‫ن أفِيضُوا عََليْنا مِ َ‬
‫َربّ ُكمْ حَقّا وينادي أهل النار أهل الجنة أ ْ‬
‫‪ 23382‬ـ حدثني يونس‪ ,‬قال‪ :‬أخبرنا ابن وهب‪ ,‬قال‪ :‬قال ابن زيد‪ ,‬في قوله‪َ :‬يوْ مَ التّنادِ قال‪:‬‬
‫يوم القيامة ينادي أهل الجنة أهل النار‪.‬‬
‫و قد رُوي عن ر سول ال صلى ال عل يه و سلم في مع نى ذلك على هذه القراءة تأو يل آ خر‬
‫على غير هذا الوجه وهو ما‪:‬‬
‫‪ 23383‬ـ حدثنا به أبو ُكرَيب‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا عبد الرحمن بن محمد المحارب يّ‪ ,‬عن إسماعيل بن‬
‫رافع المدنّي‪ ,‬عن يزيد بن زياد‪ ,‬عن محمد بن كعب القرظيّ‪ ,‬عن رجل من النصار‪ ,‬عن أبي‬
‫سرَافِيلَ بالنّ ْفخَ ِة الُولى‪َ ,‬فيَقُولُ‪:‬‬
‫هريرة‪ ,‬أن ر سول ال صلى ال عل يه و سلم قال‪َ « :‬ي ْأ ُمرُ اللّ هُ إ ْ‬
‫ن ُيدِيمَ ها‬
‫ن شَاءَ الّل هُ‪ ,‬و َي ْأمُرُ ُه اللّ ُه أ ْ‬
‫ض إلّ مَ ْ‬
‫سمَوَاتِ وأهْلُ الرْ ِ‬
‫خ نَ ْفخَ َة ال َفزَ عِ‪ ,‬فَ َفزِ عَ أهْلُ ال ّ‬
‫انْفُ ْ‬
‫ن فَوَا قٍ‪,‬‬
‫ح َدةٍ ما لَهَا مِ ْ‬
‫صيْحَةً وَا ِ‬
‫ظرُ هَول ِء إلّ َ‬
‫ل الّل هُ‪ :‬وَ ما َي ْن ُ‬
‫َو ُيطَوّلَهَا فَل يَ ْف َترُ‪ ,‬وَهِ يَ ال تي يَقُو ُ‬
‫ل اللّ هُ‪ :‬يَوْ مَ ُت ْرجَ فُ‬
‫سيّرُ الّل ُه الجِبالَ َف َتكُو نُ سَرَابا‪َ ,‬ف ُترَ جّ الرْ ضُ بأهْلِها َرجّا‪ ,‬وَهِ يَ التي يَقُو ُ‬
‫َفيُ َ‬
‫حرِ َتضَ ِربُها المْوَا جُ‬
‫ن كال سّفِينَةِ ال ُم ْر َتعَةِ فِي ال َب ْ‬
‫ب يَ ْو َم ِئذٍ وَاجِفَ ٌة َف َتكُو ُ‬
‫الرّاجِفَةُ َت ْت َبعُها الرّادِفَ ُة قُلُو ٌ‬
‫ظهْرِهـا‪َ ,‬فتَذْهَلُ‬
‫ّاسـ عَلى َ‬
‫ّهـ الرْوَاحـُ‪َ ,‬ف َتمِيدُ الن َ‬
‫ْشـ َت ُرج ُ‬
‫ّقـ بالعَر ِ‬
‫ل ال ُمعَل ِ‬
‫َتكْفأُ بأهْلِهـا‪ ,‬أ ْو كال ِق ْندِي ِ‬
‫ال َمرَاضِعُ‪َ ,‬و َتضَعُ الحَوَامِلُ‪َ ,‬و َتشِيبُ الوِلْدانُ‪َ ,‬و َتطِيرُ الشّياطِينُ ها ِربَ ًة حتى تأتي القْطارَ‪َ ,‬فتَلَقّاها‬
‫ضهُم ْـ َبعْضـا‪ ,‬وَهُ َو اّلذِي‬
‫المَل ِئكَةُ‪َ ,‬ف َتضْرِبُـ ُوجُوهَهـا‪ ,‬فَت ْرجِعَـ َو ُيوَلي النّاسُـ ُم ْدبِرينـَ‪ ,‬يُنادِي َب ْع ُ‬
‫صمِ»‪.‬‬
‫ل اللّهُ‪َ :‬ي ْومَ التّنادِ يَ ْومَ ُتوَلّونَ ُم ْدبِرينَ ما َل ُكمْ ِمنَ الّلهِ ِمنْ عا ِ‬
‫يَقُو ُ‬
‫فعلى هذا التأويل معنى الكلم‪ :‬ويا قوم إني أخاف عليكم يوم ينادي الناس بعضهم بعضا من‬
‫فزع نفخة الفزع‪.‬‬
‫وقرأ ذلك آخرون‪« :‬يَوْ َم التّنادّ» بتشديد الدال‪ ,‬بمعنى‪ :‬التفاعل من ال ّندّ‪ ,‬وذلك إذا هربوا فنَدّوا‬
‫ش َردَت على أرباب ها‪ .‬ذ كر من قال ذلك كذلك‪ ,‬وذ كر المع نى‬
‫في الرض‪ ,‬ك ما َت ِندّ ال بل‪ :‬إذا َ‬
‫الذي قَصَد بقراءته ذلك كذلك‪:‬‬
‫‪ 23384‬ـ حدثني موسى بن عبد الرحمن المسروقيّ‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا أبو أسامة‪ ,‬عن الجلح‪ ,‬قال‪:‬‬
‫سمعت الضحاك بن مزا حم‪ ,‬قال‪ :‬إذا كان يوم القيا مة‪ ,‬أ مر ال ال سماء الدن يا فتشقّ قت بأهل ها‪,‬‬
‫ونزل من فيها من الملئكة‪ ,‬فأحاطوا بالرض ومن عليها‪ ,‬ثم الثانية‪ ,‬ثم الثالثة‪ ,‬ثم الرابعة‪ ,‬ثم‬
‫الخامسة‪ ,‬ثم السادسة‪ ,‬ثم السابعة‪ ,‬فصفوا صفا دون صف‪ ,‬ثم ينزل الملك العلى على مجنبته‬
‫اليسـرى جهنـم‪ ,‬فإذا رآهـا أهـل الرض َندّوا فل يأتون قطرا مـن أقطار الرض إل وجدوا‬
‫ال سبعة صفوف من الملئ كة‪ ,‬فيرجعون إلى المكان الذي كانوا ف يه‪ ,‬فذلك قول ال‪ :‬إنّي أخا فُ‬
‫ن ُم ْدبِرِ ين وذلك قوله‪ :‬وَجا َء َربّ كَ وَالمَلَ كُ صَفّا صَفّا َوجِي َء يَ ْو َم ِئذٍ‬
‫عََل ْيكُ مْ يَوْ َم التّنادِ َيوْ مَ توَلّو َ‬
‫ت والرْ ضِ‬
‫سمَوَا ِ‬
‫ن َتنْ ُفذُوا ِم نْ أقْطارِ ال ّ‬
‫ط ْعتُ ْم أ ْ‬
‫ستَ َ‬
‫ن والنْس إن ا ْ‬
‫شرَ الجِ ّ‬
‫ج َهنّ مَ‪ ,‬وقوله‪ :‬يا َم ْع َ‬
‫ِب َ‬
‫َكـ على‬
‫ّتـ السـّماءُ فَه ِي يَ ْو َم ِئذٍ وَا ِهيَةٌ وَالمَل ُ‬
‫ِسـلْطانٍ‪ ,‬وذلك قوله‪ :‬وَا ْنشَق ِ‬
‫ُونـ إلّ ب ُ‬
‫فانْ ُفذُوا ل َتنْ ُفذ َ‬
‫أرْجائِها‪.‬‬
‫‪ 23385‬ـ حدثنا محمد‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا أحمد‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا أسباط‪ ,‬عن السديّ‪ ,‬قوله يَوْ َم التّنا ِد قال‪:‬‬
‫َت ِندّون‪.‬‬
‫ورُوِي عن الحسن البصري أنه قرأ ذلك‪َ « :‬ي ْومَ التّنادِي» بإثبات الياء وتخفيف الدال‪.‬‬
‫والصواب من القراءة في ذلك عندنا ما عليه قرّاء المصار‪ ,‬وهو تخفيف الدال وبغير إثبات‬
‫الياء‪ ,‬وذلك أن ذلك هـو القراءة التـي عليهـا الحجـة مجمعـة مـن قرّاء المصـار‪ ,‬وغيـر جائز‬
‫خلفها فيما جاءت به نقلً‪ .‬فإذا كان ذلك هو الصواب‪ ,‬فمعنى الكلم‪ :‬ويا قوم إني أخاف عليكم‬
‫يوم ينادي الناس بعضُهم بعضا‪ ,‬إما من هول ما قد عاينوا من عظيم سلطان ال‪ ,‬وفظاعة ما‬
‫غشيهم من كرب ذلك اليوم‪ ,‬وإما لتذكير بعضهم بعضا إنجاز ال إياهم الوعد الذي وعدهم في‬
‫الدنيا‪ ,‬واستغاثة من بعضهم ببعض‪ ,‬مما لقي من عظيم البلء فيه‪.‬‬
‫ن فتأويله على التأويل الذي ذكرنا من الخبر عن رسول ال صلى‬
‫وقوله‪ :‬يَوْ مَ تُوَلّو نَ ُم ْد ِبرِي َ‬
‫ج َه ّنمَ‪.‬‬
‫ع ْندَ مُعا َينَ ِت ِهمْ َ‬
‫عقَابِهِ ِ‬
‫عذَابِ الّلهِ وَ ِ‬
‫حذَارَ َ‬
‫ض ِ‬
‫ن فِي الرْ ِ‬
‫ن ها ِربِي َ‬
‫ال عليه وسلم‪ :‬يَ ْو َم يُوَلّو َ‬
‫ن عن مو قف‬
‫وتأويله على التأو يل الذي قاله قتادة في مع نى يَوْ مَ التّنادِ‪ :‬يوم تولّون ُمنْ صَ ِرفِي َ‬
‫الحساب إلى جهنم‪ .‬وبنحو ذلك رُوي الخبر عنه‪ ,‬وعمن قال نحو مقالته في معنى يَوْ مَ التّنادِ‪.‬‬
‫ذكر من قال ذلك‪:‬‬
‫‪ 23386‬ـ حدثنا بشر‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا يزيد‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا سعيد‪ ,‬عن قتادة يَوْ مَ تُوَلّو نَ ُم ْد ِبرِي نَ‪ :‬أي‬
‫منطلقا بكم إلى النار‪.‬‬
‫وأولى القولين في ذلك بالصواب‪ ,‬القول الذي رُوى عن رسول ال صلى ال عليه وسلم‪ ,‬وإن‬
‫كان الذي قاله قتادة في ذلك غير بعيد من الحقّ‪ ,‬وبه قال جماعة من أهل التأويل‪ .‬ذكر من قال‬
‫ذلك‪:‬‬
‫‪23387‬ـ حدثني محمد بن عمرو‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا أبو عاصم‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا عيسى وحدثني الحارث‪,‬‬
‫قال‪ :‬حدث نا الح سن‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا ورقاء‪ ,‬جم يع لقول الذي رُوي عن ر سول ال صلى ال عل يه‬
‫وسلم‪ ,‬وإن كان الذي قاله قتادة في ذلك غير بعيد من الح قّ‪ ,‬وبه قال جماعة من أهل التأويل‪.‬‬
‫ذكر من قال ذلك‪:‬‬
‫‪23388‬ـ حدثني محمد بن عمرو‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا أبو عاصم‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا عيسى وحدثني الحارث‪,‬‬
‫قال‪ :‬حدث نا الح سن‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا ورقاء‪ ,‬جمي عا عن ا بن أ بي نج يح عن مجا هد قوله يوم تولون‬
‫مدبرين قال فارّين غير معجزين وقوله مالكم من ال من عاصم يقول مالكم من ال من مانع‬
‫يمنعكم وناصر ينصركم وينحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل ذكر من قال ذلك‪.‬‬
‫‪23389‬ـ حدثنا بشر‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا يزيد‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا سعيد‪ ,‬عن قتادة ما َلكُمْ مِنَ الّل ِه مِنْ عاصِمٍ‪:‬‬
‫أي من ناصر‪.‬‬
‫ل اللّ هُ فَمَا َل ُه مِ نْ هادِ يقول‪ :‬و من يخذله ال فلم يوفَ قه لرشده‪ ,‬ف ما له من‬
‫ن يُضْلِ ِ‬
‫وقوله‪َ :‬و َم ْ‬
‫موفّق يوفقه له‪.‬‬

‫‪34‬‬ ‫الية ‪:‬‬


‫شكّ ّممّا‬
‫ت فَمَا زِ ْلتُمْ فِي َ‬
‫سفُ مِن َقبْلُ بِا ْل َب ّينَا ِ‬
‫القول فـي تأويـل قوله تعالى‪{ :‬وَلَ َقدْ جَآ َءكُـمْ يُو ُ‬
‫س ِرفٌ‬
‫حّتىَ ِإذَا هَلَ كَ قُ ْلتُ ْم لَن َي ْبعَ ثَ اللّ ُه مِن َب ْعدِ هِ رَ سُولً َكذَلِ كَ ُيضِلّ الّل هُ َم نْ ُهوَ مُ ْ‬
‫جَآ َءكُـمْ ِب هِ َ‬
‫ّمرْتَابٌ }‪.‬‬
‫يقول تعالى ذكره‪ :‬ول قد جاء كم يو سف بن يعقوب يا قوم من ق بل مو سى بالواضحات من‬
‫حجج ال‪ ,‬كما‪:‬‬
‫سفُ مِنْ‬
‫‪23390‬ـ حدثنا محمد‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا أحمد‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا أسباط‪ ,‬عن السديّ وَلَ َق ْد جا َءكُمْ يُو ُ‬
‫َقبْلُ قال‪ :‬قبل موسى‪.‬‬
‫وقوله‪ :‬فَمَا زِلْتُ مْ فِي شَ كّ مِمّا جا َءكُ مْ بِ ِه يقول‪ :‬فلم تزالوا مرتاب ين في ما أتا كم به يو سف من‬
‫عند ربكم غير موقني القلوب بحقيقته حتى إذَا هَلَكَ يقول‪ :‬حتى إذا مات يوسف قلتم أيها القوم‪:‬‬
‫ن هُ َو مُ سْرفٌ‬
‫ل اللّ ُه مَ ْ‬
‫ك يُضِ ّ‬
‫لن يبعث ال من بعد يوسف إليكم رسولً بالدعاء إلى الح قّ و َكذَل َ‬
‫ُمرْتا بٌ يقول‪ :‬هكذا يصدّ ال عن إصابة الحق وقصد السبيل من هو كافر به مرتاب‪ ,‬شاك في‬
‫حقيقة أخبار رسله‪.‬‬

‫‪35‬‬ ‫الية ‪:‬‬


‫ن َأتَاهُ مْ َك ُبرَ مَقْتا‬
‫ت اللّ هِ ِب َغ ْيرِ سُلْطَا ٍ‬
‫القول ف ـي تأوي ـل قوله تعالى‪{ :‬اّلذِي نَ ُيجَادِلُو نَ فِ يَ آيَا ِ‬
‫جبّارٍ }‪.‬‬
‫ى كُـلّ قَلْبِ ُم َت َكبّرٍ َ‬
‫طبَعُ اللّهُ عََل َ‬
‫ن آ َمنُو ْا َكذَِلكَ َي ْ‬
‫عِندَ الّلهِ وَعِندَ اّلذِي َ‬
‫ن فِي آياتِ الّل ِه ب َغيْرِ‬
‫ن يُجادِلُو َ‬
‫يقول تعالى ذكره مخبرا عن قيل المؤمن من آل فرعون‪ :‬اّلذِي َ‬
‫سرِفٌ‪ .‬وتأويل الكلم‪ :‬كذلك‬
‫ن أتاهُ مْ فقوله «الذين» مردود على «من» في قوله م نْ ُهوَ مُ ْ‬
‫سُلْطا ٍ‬
‫يضلّ ال أ هل ال سراف والغلوّ في ضلل هم بكفر هم بال‪ ,‬واجترائ هم على معا صيه‪ ,‬المرتاب ين‬
‫في أخبار ر سله‪ ,‬الذ ين يخا صمون في حج جه ال تي أتت هم ب ها ر سله ليدحضو ها بالبا طل من‬
‫حجَج التي‬
‫حجَج بغير سلطان أتاهم يقول‪ :‬بغير حجة أتتهم من عند ربهم يدفعون بها حقيقة ال ُ‬
‫ال ُ‬
‫أتتهم بها الرسل و «الذين» إذا كان معنى الكلم ما ذكرنا في موضع نصب ردّا على «مَن»‪.‬‬
‫ع ْن َد اللّ هِ يقول‪ :‬كبر ذلك الجدال الذي يجادلو نه في آيات ال مق تا ع ند ال‪,‬‬
‫وقوله‪َ :‬ك ُبرَ مَقْ تا ِ‬
‫ع ْندَ اّلذِي نَ آ َمنُوا باللّه وإنما نصب قوله‪ :‬مَقْتا لما في قوله َكبُرَ من ضمير الجدال‪ ,‬وهو نظير‬
‫َو ِ‬
‫ن َأفْوا ِههِ مْ فن صب كل مة من ن صبها‪ ,‬ل نه ج عل في قوله‪َ :‬كبُرَ تْ‬
‫خرُ جُ مِ ْ‬
‫قوله‪َ :‬ك ُبرَ تْ كَِلمَ ًة َت ْ‬
‫خذَ الّلهُ وَلَدا‪ ,‬وأما من لم يضمر ذلك فإنه رفع الكلمة‪.‬‬
‫ضمير قولهم‪ :‬ا ّت َ‬
‫جبّارٍ يقول‪ :‬ك ما ط بع ال على قلوب الم سرفين‬
‫طبَ عُ اللّ هُ على كُلّ قَلْ بِ ُم َت َكّبرٍ َ‬
‫وقوله‪َ :‬كذَل كَ َي ْ‬
‫الذين يجادلون في آيات ال بغير سلطان أتاهم‪ ,‬كذلك يطبع ال على كل قلب متكبر على ال أن‬
‫يوحده‪ ,‬ويصدّق رسله‪ .‬جبار‪ :‬يعني متعظم عن اتباع الحقّ‪.‬‬
‫واختلفت القرّاء في قراءة ذلك‪ ,‬فقرأته عامة قرّاء المصار‪ ,‬خل أبي عمرو بن العلء‪ ,‬على‪:‬‬
‫كُلّ قَلْ بِ ُم َت َكّبرٍ بإضافة القلب إلى المتكبر‪ ,‬بمعنى الخبر عن أن ال طبع على قلوب المتكبرين‬
‫كلها ومن كان ذلك قراءته‪ ,‬كان قوله «جبار»‪ .‬من نعت «متكبر»‪ .‬وقد رُوي عن ابن مسعود‬
‫جبّارٍ»‪.‬‬
‫طبَعُ اللّ ُه على قَلْبِ كُلّ ُم َت َكّبرٍ َ‬
‫أنه كان يقرأ ذلك « َكذَِلكَ َي ْ‬
‫‪ 23391‬ـ حدثني بذلك ابن يوسف‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا القاسم‪ ,‬قال‪ :‬ثني حجاج‪ ,‬عن هارون أنه كذلك‬
‫في حرف ابن مسعود‪.‬‬
‫وهذا الذي ذُكـر عـن ابـن مسـعود مـن قراءتـه يحقـق قراءة مـن قرأ ذلك بإضافـة قلب إلى‬
‫المتكبر‪ ,‬لن تقديم «كل» قبل القلب وتأخيرها بعده ل يغير المعنى‪ ,‬بل معنى ذلك في الحالتين‬
‫ل يوم‬
‫ل جم عة‪ ,‬يع ني‪ :‬ك ّ‬
‫وا حد‪ .‬و قد حُ كي عن ب عض العرب سماعا‪ :‬هو يرجّل شعره يوم ك ّ‬
‫جمعـة‪ .‬وأمـا أبـو عمرو فقرأ ذلك بتنويـن القلب وترك إضافتـه إلى متكـبر‪ ,‬وجعـل المتكـبر‬
‫والجبار من صفة القلب‪.‬‬
‫وأولى القراءتيـن فـي ذلك عندي بالصـواب قراءة مـن قرأه بإضافـة القلب إلى المتكـبر‪ ,‬لن‬
‫التكبر فعل الفاعل بقلبه‪ ,‬كما أن القاتل إذا قتل قتيلً وإن كان قتله بيده‪ ,‬فإن الفعل مضاف إليه‪,‬‬
‫وإن ما القلب جار حة من جوارح المت كبر‪ .‬وإن كان ب ها الت كبر‪ ,‬فإن الف عل إلى فاعله مضاف‪,‬‬
‫نظ ير الذي قل نا في الق تل‪ ,‬وذلك وإن كان ك ما قل نا‪ ,‬فإن الخرى غ ير مدفو عة‪ ,‬لن العرب ل‬
‫تمنـع أن تقول‪ :‬بطشـت يـد فلن‪ ,‬ورأت عيناه كذا‪ ,‬وفهـم قلبـه‪ ,‬فتضيـف الفعال إلى الجوارح‪,‬‬
‫وإن كانت في الحقيقة لصحابها‪.‬‬

‫‪37-36‬‬ ‫الية ‪:‬‬


‫سبَابَ‬
‫ن ابْ نِ لِي صَرْحا ّلعَـلّيَ َأبْلُ غُ ال ْ‬
‫عوْ نُ َيهَامَا ُ‬
‫ل فَرْ َ‬
‫القول فـي تأويـل قوله تعالى‪َ { :‬وقَا َ‬
‫ن سُوَءُ‬
‫عوْ َ‬
‫ن لِ ِفرْ َ‬
‫ظنّ ُه كَاذِبا َوكَـذَلِكَ ُزيّ َ‬
‫سىَ وَِإنّي ل ُ‬
‫ى إِلَ ـهِ مُو َ‬
‫ت َفأَطّلِ عَ إَِل َ‬
‫سمَاوَا ِ‬
‫سبَابَ ال ّ‬
‫* أَ ْ‬
‫ل فِي َتبَابٍ }‪.‬‬
‫سبِيلِ َومَا كَـ ْيدُ ِفرْعَ ْونَ ِإ ّ‬
‫ن ال ّ‬
‫عمَلِ ِه َوصُدّ عَ ِ‬
‫َ‬
‫يقول تعالى ذكره‪ :‬وقال فرعون ل ما وع ظه المؤ من من آله ب ما وع ظه به وزجره عن ق تل‬
‫مو سى نبيّ ال وحذره من بأس ال على قيله أقتله ما حذره لوزيره وز ير ال سوء هامان‪ :‬يا‬
‫ب يعنـي بناءً‪ .‬وقـد بيّنـا معنـى الصـرح فيمـا مضـى‬
‫هامانُـ ابْنِـ لي صَـرْحا َلعَلّي أبْلُغُـ السـْبا َ‬
‫بشواهده بما أغنى عن إعادته في هذا الموضع‪.‬‬
‫َلعَلّي أبْلُ ُغ ال سْبابَ اختلف أ هل التأو يل في مع نى ال سباب في هذا المو ضع‪ ,‬فقال بعض هم‪:‬‬
‫أسباب السموات‪ :‬طرقها‪ .‬ذكر من قال ذلك‪:‬‬
‫‪23392‬ـ حدثنا أحمد بن هشام‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا عبد ال بن موسى‪ ,‬عن إسرائيل‪ ,‬عن السديّ‪ ,‬عن‬
‫طرُق السموات‪.‬‬
‫ت قال‪ُ :‬‬
‫سمَوَا ِ‬
‫أبي صالح أسْبابَ ال ّ‬
‫‪ 23393‬ـ حدث نا مح مد بن الح سين‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا أح مد بن المف ضل‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا أ سباط‪ ,‬عن‬
‫طرُق السموات‪.‬‬
‫ت قال‪ُ :‬‬
‫سمَوَا ِ‬
‫ب أسْبابَ ال ّ‬
‫السديّ أبْلُ ُغ السْبا َ‬
‫وقال آخرون‪ :‬عُني بأسباب السموات‪ :‬أبواب السموات‪ .‬ذكر من قال ذلك‪:‬‬
‫ن ابْنِ‬
‫ن يا هاما ُ‬
‫‪23394‬ـ حدثنا بشر‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا يزيد‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا سعيد‪ ,‬عن قتادة وَقالَ ِفرْعَوْ ُ‬
‫سمَوَاتِ‪ :‬أي‬
‫ب ال ّ‬
‫صرْحا وكان أوّل من ب نى بهذا الَ جر وطب خه َلعَلّي أبْلُ ُغ ال سْبابَ أ سْبا َ‬
‫لي َ‬
‫أبواب السموات‪.‬‬
‫وقال آخرون‪ :‬بل عُني به َمنْزِل السماء‪ .‬ذكر من قال ذلك‪:‬‬
‫‪ 23395‬ـ حدثني محمد بن سعد‪ ,‬قال‪ :‬ثني أبي‪ ,‬قال‪ :‬ثني عمي‪ ,‬قال‪ :‬ثني أبي عن أبيه‪ ,‬عن‬
‫ت قال‪ :‬منزل السماء‪.‬‬
‫سمَوَا ِ‬
‫ابن عباس‪ ,‬قوله‪َ :‬لعَلّي أبْلُغُ السْبابَ أسْبابَ ال ّ‬
‫سبّبَ به إلى الوصول إلى ما يطلب من حبل‬
‫ل ما تُ َ‬
‫وقد بيّنا فيما مضى قبل‪ ,‬أن السبب‪ :‬هو ك ّ‬
‫وسلم وطريق وغير ذلك‪.‬‬
‫فأولى القوال بالصواب في ذلك أن يقال‪ :‬معناه لعلي أبلغ من أسباب السموات أسبابا أتسبب‬
‫بها إلى رؤية إله موسى‪ ,‬طرقا كانت تلك السباب منها‪ ,‬أو أبوابا‪ ,‬أو منازل‪ ,‬أو غير ذلك‪.‬‬
‫َهـ مُوسـَى اختلف القرّاء فـي قراءة قوله‪ :‬فأطّلِع َـ فقرأت ذلك عامـة قرّاء‬
‫وقوله‪ :‬فأطّلِع َـ إلى إل ِ‬
‫المصار‪« :‬فأطّلِعُ» بضم العين‪ :‬ردّا على قوله‪ :‬أبْلُ ُغ السْبابَ وعطفا به عليه‪ .‬وذُكر عن حميد‬
‫العرج أنه قرأ فأطّلِعَ نصبا جوابا للعَلّي‪ ,‬وقد ذكر الفرّاء أن بعض العرب أنشده‪:‬‬
‫صرُوفِ الدّ ْهرِ أَ ْو دُولتِها )‬
‫علّ ُ‬
‫(َ‬
‫( ُيدِي ْلنَنا الّلمّةَ ِمنْ َلمّاتِها )‬
‫ن زَ ْفرَاتِها )‬
‫س مِ ْ‬
‫( َف َتسْ َترِيحَ النّفْ ُ‬
‫ح على أنها جواب للعلّ‪.‬‬
‫فنصب فتستري َ‬
‫والقراءة التي ل أستجيز غيرها الرفع في ذلك‪ ,‬لجماع الحجة من القراء عليه‪.‬‬
‫ن مو سى كاذ با في ما يقول ويدّ عي من أن له في‬
‫ظنّ ُه كاذِ با يقول‪ :‬وإ ني لظ ّ‬
‫لُ‬‫وقوله‪ :‬وَإ ني َ‬
‫السماء ربا أرسله إلينا‪.‬‬
‫عمَلِ ِه يقول ال تعالى ذكره‪ :‬وهكذا زين ال لفرعون حين‬
‫ن لِ َفرْعَ ْو نَ سُوءُ َ‬
‫وقوله‪ :‬و َكذَل كَ ُزيّ َ‬
‫عتا عليه وتمردّ‪ ,‬قبيح عمله‪ ,‬حتى سوّلت له نفسه بلوغ أسباب السموات‪ ,‬ليطلع إلى إله موسى‪.‬‬
‫سبِيلِ اختل فت القرّاء في قراءة ذلك‪ ,‬فقرأ ته عا مة قرّاء المدي نة والكو فة‪:‬‬
‫ن ال ّ‬
‫صدّ عَ ِ‬
‫وقوله‪ :‬وَ ُ‬
‫سمّ فاعله‪ ,‬كما‪:‬‬
‫سبِيلِ بض ّم الصاد‪ ,‬على وجه ما لم ُي َ‬
‫عنِ ال ّ‬
‫صدّ َ‬
‫َو ُ‬
‫سبِيلِ قال‪ُ :‬فعِل‬
‫صدّ عَنِ ال ّ‬
‫‪23396‬ـ حدثنا بشر‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا يزيد‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا سعيد‪ ,‬عن قتادة وَ ُ‬
‫صدّ عن السبيل‪.‬‬
‫ذلك به‪ ,‬زين له سوء عمله‪ ,‬و ُ‬
‫صدّ» بف تح ال صاد‪ ,‬بمع نى‪ :‬وأعرض‬
‫وقرأ ذلك حم يد وأ بو عمرو وعا مة قرّاء الب صرة «وَ َ‬
‫فرعون عن سبيل ال التي اب ُتعِث بها موسى استكبارا‪.‬‬
‫وال صواب من القول في ذلك أن يقال‪ :‬إنه ما قراءتان معروفتان في قرأة الم صار‪ ,‬فبأيته ما‬
‫قرأ القارىء فمصيب‪.‬‬
‫َبابـ يقول تعالى ذكره‪ :‬ومـا احتيال فرعون الذي يحتال‬
‫ْنـ إلّ فـي ت ٍ‬
‫وقوله‪ :‬وَمـا َك ْيدُ ِفرْعَو َ‬
‫للطلع إلى إله مو سى‪ ,‬إل في خ سار وذهاب مال وغ بن‪ ,‬ل نه ذه بت نفق ته ال تي أنفق ها على‬
‫الصرح باطلً‪ ,‬ولم ينل بما أنفق شيئا مما أراده‪ ,‬فذلك هو الخسار والتباب‪ .‬وبنحو الذي قلنا في‬
‫ذلك قال أهل التأويل‪ .‬ذكر من قال ذلك‪:‬‬
‫‪ 23397‬ـ حدثني عل يّ‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا أبو صالح‪ ,‬قال‪ :‬ثني معاوية‪ ,‬عن عل يّ‪ ,‬عن ا بن عباس‪,‬‬
‫ن إلّ فِي تَبابٍ يقول‪ :‬في خُسران‪.‬‬
‫عوْ َ‬
‫قوله‪ :‬وَما َك ْيدُ فِرْ َ‬
‫‪23398‬ـ حدثني محمد بن عمرو‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا أبو عاصم‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا عيسى وحدثني الحارث‪,‬‬
‫قال‪ :‬حدثنا الحسن‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا ورقاء‪ ,‬جميعا‪ ,‬عن ابن أبي نجيح‪ ,‬عن مجاهد‪ ,‬قوله‪ :‬فِي تَبا بٍ‬
‫قال‪ :‬خَسار‪.‬‬
‫ن إلّ فِي‬
‫عوْ َ‬
‫‪ 23399‬ـ حدثنا ب شر‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا يزيد‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا سعيد‪ ,‬عن قتادة وَما َك ْيدُ فِرْ َ‬
‫تَبابٍ‪ :‬أي في ضلل وخسار‪.‬‬
‫‪ 23400‬ـ حدثني يونس‪ ,‬قال‪ :‬أخبرنا ابن وهب‪ ,‬قال‪ :‬قال ابن زيد‪ ,‬في قوله‪ :‬وَما َك ْيدُ ِفرْعَوْ نَ‬
‫إلّ فِي تَبابٍ قال‪ :‬التّباب والضّلل واحد‪.‬‬

‫‪39-38‬‬ ‫الية ‪:‬‬


‫ل الرّشَـادِ *‬
‫سبِيـ َ‬
‫ن يَقَوْ مِ ا ّت ِبعُو نِ أَ ْه ِدكُـمْ َ‬
‫ل اّلذِ يَ آمَ َ‬
‫القول ف ـي تأويـل قوله تعالى‪َ { :‬وقَا َ‬
‫ي دَارُ ا ْلقَـرَارِ }‪.‬‬
‫خرَةَ ِه َ‬
‫لِ‬‫ناَ‬
‫حيَا ُة ال ّد ْنيَا َمتَاعٌ وَإِ ّ‬
‫يَقَ ْو ِم ِإ ّنمَا هَـذِهِ ا ْل َ‬
‫يقول تعالى ذكره م خبرا عن المؤ من بال من آل فرعون وَقالَ الّذي آ َم نَ من قوم فرعون‬
‫سبِيلَ الرّشادِ يقول‪ :‬إن اتبعتموني فقبلتم مني ما أقول لكم‪ ,‬بيّنت‬
‫لقومه‪ :‬يا قَوْ مِ ا ّت ِبعُو نِ أ ْه ِدكُ مْ َ‬
‫ل كم طر يق ال صواب الذي تَرشدُون إذا أخذ تم ف يه و سلكتموه وذلك هو د ين ال الذي ابت عث به‬
‫موسى‪ .‬يقول‪ :‬إ ّنمَا َهذِ ِه الحيَاةُ ال ّدنْيا مَتا عٌ يقول لقومه‪ :‬ما هذه الحياة الدنيا العاجلة التي عجلت‬
‫ل كم في هذه الدار إل متاع ت ستمعون ب ها إلى أ جل أن تم بالغوه‪ ,‬ثم تموتون وتزول عن كم وَإ نّ‬
‫ـ دَارُ القَرارِ يقول‪ :‬وإن الدار الَخرة‪ ,‬وهـي دار القرار التـي تسـتقرّون فيهـا فل‬
‫لخِرَ َة هِي َ‬
‫اَ‬
‫تموتون ول تزول عنكم‪ ,‬يقول‪ :‬فلها فاعملوا‪ ,‬وإياها فاطلبوا‪ .‬وبنحو الذي قلنا في معنى قوله‪:‬‬
‫خرَ َة ِهيَ دَارُ القَرارِ قال أهل التأويل‪ .‬ذكر من قال ذلك‪:‬‬
‫لِ‬‫وَإنّ ا َ‬
‫لخِرَ َة هِ يَ دَارُ‬
‫ناَ‬
‫‪ 23401‬ـ حدث نا ب شر‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا يز يد‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا سعيد‪ ,‬عن قتادة وَإ ّ‬
‫القَرارِ استقرّت الجنة بأهلها‪ ,‬واستقرّت النار بأهلها‪.‬‬

‫‪40‬‬ ‫الية ‪:‬‬


‫عمِـلَ صَالِحا‬
‫ل ِمثَْلهَا َومَنْ َ‬
‫ل سَـ ّيئَ ًة فَلَ ُيجْ َزىَ ِإ ّ‬
‫عمِـ َ‬
‫القول فـي تأويـل قوله تعالى‪{ :‬مَنْ َ‬
‫حسَابٍ }‪.‬‬
‫جّنةَ ُي ْرزَقُونَ فِيهَا ِب َغيْرِ ِ‬
‫ن َفأُوْلَـئِكَ َي ْدخُلُونَ ا ْل َ‬
‫مّن َذكَـرٍ أَ ْو ُأ ْن َثىَ وَ ُه َو مُ ْؤمِ ٌ‬
‫يقول‪ :‬من عمل بمعصية ال في هذه الحياة الدنيا‪ ,‬فل يجزيه ال في الَخرة إل سيئة مثلها‪,‬‬
‫ن َذ َكرٍ أ ْو ُأ ْنثَى يقول‪ :‬ومن عمل بطاعة ال في الدنيا‪,‬‬
‫ل صَالِحا مِ ْ‬
‫عمِ َ‬
‫وذلك أن يعاقبه بها َومَ نْ َ‬
‫وأت مر لمره‪ ,‬وانتهى فيها ع ما نهاه ع نه من ر جل أو امرأة‪ ,‬و هو مؤمن بال فأُوَلئِ كَ َي ْدخُلُو نَ‬
‫جنّةَ يقول‪ :‬فالذ ين يعملون ذلك من عباد ال يدخلون في الَخرة الج نة‪ .‬وبن حو الذي قل نا في‬
‫ال َ‬
‫ذلك قال أهل التأويل‪ .‬ذكر من قال ذلك‪:‬‬
‫جزَى‬
‫س ّيئَةً فَل ُي ْ‬
‫ل َ‬
‫عمِ َ‬
‫‪ 23402‬ـ حدثنا بشر‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا يزيد‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا سعيد‪ ,‬عن قتادة مَ نْ َ‬
‫ل صَالِحا‪ ,‬أي خيرا مِ نْ َذ َكرٍ أوْ ُأنْثَى‬
‫عمِ َ‬
‫إلّ ِمثْلَ ها أي شر كا‪« ,‬ال سيئة ع ند قتادة شرك» َومَ نْ َ‬
‫وَ ُهوَ مُو ْءمِنٌ‪.‬‬
‫ن فِي ها ب َغ ْيرِ حِ سابٍ يقول‪ :‬يرزق هم ال في الج نة من ثمار ها‪ ,‬و ما في ها من‬
‫وقوله‪ُ :‬يرْ َزقُو َ‬
‫نعيمها ولذّاتها بغير حساب‪ ,‬كما‪:‬‬
‫ن فِيها ب َغيْرِ حِسابٍ‬
‫‪ 23403‬ـ حدثنا بشر‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا يزيد‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا سعيد‪ ,‬عن قتادة ُيرْ َزقُو َ‬
‫قال‪ :‬ل وال ما هناكم مكيال ول ميزان‪.‬‬

‫‪42-41‬‬ ‫الية ‪:‬‬


‫القول ف ـي تأوي ـل قوله تعالى‪َ { :‬ويَقَوْ مِ مَا لِ يَ َأدْعُوكُ ـمْ إِلَى ال ّنجَاةِ َو َتدْعُو َننِ يَ إِلَى النّارِ *‬
‫ش ِركَ بِ ِه مَا َليْسَ لِي بِهِ عِ ْلمٌ وََأ َناْ َأدْعُو ُكمْ إِلَى ا ْل َعزِيزِ ا ْلغَفّارِ }‪.‬‬
‫َتدْعُو َننِي لكْـ ُفرَ بِاللّهِ وَُأ ْ‬
‫يقول تعالى ذكره مخبرا عن قيل هذا المؤمن لقومه من الكفرة‪ :‬مَالِي أدْعُوكُ ْم إلَى ال ّنجَاة من‬
‫عذاب ال وعقوبته باليمان به‪ ,‬واتباع ر سوله موسى‪ ,‬وت صديقه في ما جاءكم به من ع ند ر به‬
‫َو َتدْعُونَنِي إلى النّارِ يقول‪ :‬وتدعون ني إلى ع مل أ هل النار‪ .‬وبن حو الذي قل نا في ذلك قال أ هل‬
‫التأويل‪ .‬ذكر من قال ذلك‪:‬‬
‫‪23404‬ـ حدثني محمد بن عمرو‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا أبو عاصم‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا عيسى وحدثني الحارث‪,‬‬
‫قال‪ :‬حدثنـا الحسـن‪ ,‬قال‪ :‬حدثنـا ورقاء‪ ,‬جميعـا عن ابـن أبـي نجيـح‪ ,‬عن مجاهـد‪ ,‬قوله‪ :‬مالِي‬
‫أدْعُو ُكمْ إلى النّجاةِ قال‪ :‬اليمان بال‪.‬‬
‫‪23405‬ـ حدثني يونس‪ ,‬قال‪ :‬أخبرنا ابن وهب‪ ,‬قال‪ :‬قال ابن زيد‪ ,‬في قوله‪ :‬مَالِي أدْعُوكُمْ إلَى‬
‫ال ّنجَاة َو َتدْعُو َننِي إلى النّارِ قال هذا مؤمن آل فرعون‪ ,‬قال‪ :‬يدعونه إلى دينهم والقامة معهم‪.‬‬
‫س لِي بِ هِ عِلْ مٌ يقول‪ :‬وأشرك بال في عباد ته‬
‫شرِ كَ ِب ِه ما َليْ َ‬
‫لكْ ُفرَ بال وُأ ْ‬
‫وقوله‪َ :‬تدْعُونَنِي َ‬
‫أوثا نا‪ ,‬ل ست أعلم أ نه ي صلح لي عبادت ها وإشراك ها في عبادة ال‪ ,‬لن ال لم يأذن لي في ذلك‬
‫بخبر ول عقل‪.‬‬
‫وقوله‪ :‬وأنا أدْعُوكُ مْ إلى العَزِيزِ الغَفّارِ يقول‪ :‬وأنا أدعوكم إلى عبادة العزيز في انتقامه ممن‬
‫كفر به‪ ,‬الذي ل يمنعه إذا انتقم من عدوّ له شيء‪ ,‬الغفار لمن تابه إليه بعد معصيته إياه‪ ,‬لعفوه‬
‫عنه‪ ,‬فل يضرّه شيء مع عفوه عنه‪ ,‬يقول‪ :‬فهذا الذي هذه الصفة صفته فاعبدوا‪ ,‬ل ما ل ضرّ‬
‫عنده ول نفع‪.‬‬

‫‪43‬‬ ‫الية ‪:‬‬


‫عوَ ٌة فِي ال ّد ْنيَا َولَ فِي‬
‫س لَ هُ دَ ْ‬
‫ل جَرَ مَ َأ ّنمَا َتدْعُو َننِ يَ إَِل ْي ِه َليْ َ‬
‫القول فـي تأويـل قوله تعالى‪َ { :‬‬
‫صحَابُ النّارِ }‪.‬‬
‫ن ا ْل ُمسْ ِرفِينَ ُهمْ َأ ْ‬
‫ن مَ َر ّدنَآ إِلَى الّلهِ وَأَ ّ‬
‫لخِرَ ِة وَأَ ّ‬
‫اَ‬
‫يقول‪ :‬حقا أن الذي تدعونني إليه من الوثان‪ ,‬ليس له دعاء في الدنيا ول في الَخرة‪ ,‬لنه‬
‫جماد ل ينطق‪ ,‬ول يفهم شيئا‪ .‬وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل‪ .‬ذكر من قال ذلك‪:‬‬
‫‪23406‬ــ حدثنـي محمـد بـن عمرو‪ ,‬قال‪ :‬حدثنـا أبـو عاصـم‪ ,‬قال‪ :‬حدثنـا عيسـى‪ ,‬وحدثنـي‬
‫الحارث‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا الحسن‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا ورقاء‪ ,‬جميعا عن ابن أبي نجيح‪ ,‬عن مجاهد‪ ,‬قوله‪:‬‬
‫عوَ ٌة فِي ال ّدنْيا قال‪ :‬الوثن ليس بشيء‪.‬‬
‫َليْسَ َلهُ دَ ْ‬
‫‪ 23407‬ـ حدثنا بشر‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا يزيد‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا سعيد‪ ,‬عن قتادة‪ ,‬قوله‪َ :‬ليْ سَ َل هُ َدعْ َوةٌ فِي‬
‫خرَةِ‪ :‬أي ل ينفع ول يضرّ‪.‬‬
‫لِ‬‫ال ّدنْيا وَل فِي ا َ‬
‫‪ 23408‬ـ حدث نا مح مد‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا أح مد‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا أ سباط‪ ,‬عن ال سديّ‪ ,‬في قوله‪َ :‬ليْ سَ َل هُ‬
‫لخِرَةِ‪.‬‬
‫دَعْ َوةٌ فِي ال ّدنْيا وَل فِي ا َ‬
‫ن هُ مْ‬
‫سرِفِي َ‬
‫ن المُ ْ‬
‫ن َمرَدّنا إلى اللّ هِ يقول‪ :‬وأن مرجعنا ومنقلبنا بعد مماتنا إلى ال وأ ّ‬
‫وقوله‪ :‬وأ ّ‬
‫ب النّارِ يقول‪ :‬وإن المشركين بال المتعدّين حدوده‪ ,‬القتلة النفوس التي حرّم ال قتلها‪ ,‬هم‬
‫أصحَا ُ‬
‫أصـحاب نار حهنـم عنـد مرجعنـا إلى ال‪ .‬وبنحـو الذي قلنـا فـي ذلك قال أهـل التأويـل على‬
‫اختلف منهم في معنى المسرفين في هذا الموضع‪ ,‬فقال بعضهم‪ :‬هم سفاكو الدماء بغير حقها‪.‬‬
‫ذكر من قال ذلك‪:‬‬
‫‪ 23409‬ـ حدث نا ا بن حم يد‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا حكام‪ ,‬عن عنب سة‪ ,‬عن مح مد بن ع بد الرح من‪ ,‬عن‬
‫ب النارِ قال‪ :‬هم السفاكون‬
‫القاسم بن أبي بزة‪ ,‬عن مجاهد‪ ,‬في قوله‪ :‬وإن اُلمْسرفين هُ ُم أصحا ُ‬
‫الدماء بغير حقها‪.‬‬
‫وأنـ‬
‫ّ‬ ‫حدثناعليـ بـن سـهل‪ ,‬قال‪ :‬حدثنـا حجاج‪ ,‬عـن ابـن جريـج‪ ,‬عـن مجاهـد فـي قول ال‬
‫ّ‬
‫ال ُمسْرِفينَ ْهمُ أصحابُ النارِ قال‪ :‬هم السفاكون الدماء بغير حقها‪.‬‬
‫حدث ني مح مد بن عمرو‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا أ بو عا صم‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا عي سى وحدث ني الحارث‪ ,‬قال‪:‬‬
‫وأنـ‬
‫ّ‬ ‫حدثنـا الحسـن‪ ,‬قال‪ :‬حدثنـا ورقاء جميعـا عـن ابـن أبـي نجيـح‪ ,‬عـن مجاهـد‪ ,‬فـي قوله‪:‬‬
‫ال ُمسْرِفينَ قال‪ :‬السفاكون الدماء بغير حقها‪ ,‬هم أصحاب النار‪.‬‬
‫ن المُ سْ ِرفِينَ‬
‫‪ 23410‬ـ حدثني يونس‪ ,‬قال‪ :‬أخبرنا ابن وهب‪ ,‬قال‪ :‬قال ابن زيد‪ ,‬في قوله‪ :‬وأ ّ‬
‫ُهمْ أصحابُ النارِ قال‪ :‬سماهم ال مسرفين‪ ,‬فرعون ومن معه‪.‬‬
‫وقال آخرون‪ :‬هم المشركون‪ .‬ذكر من قال ذلك‪:‬‬
‫‪23411‬ــ حدثنـا بشـر‪ ,‬قال‪ :‬حدثنـا يزيـد‪ ,‬قال‪ :‬حدثنـا سـعيد‪ ,‬عن قتادة‪ ,‬وأنّـ المُس ْـرِفينَ هُم ْـ‬
‫ب النّارِ‪ :‬أي المشركون‪.‬‬
‫أصحَا ُ‬
‫وقد بيّنا معنى السراف فيما مضى َقبْلُ بما فيه الكفاية من إعادته في هذا الموضع‪.‬‬
‫وإنما اخترنا في تأويل ذلك في هذا الموضع ما اخترنا‪ ,‬لن قائل هذا القول لفرعون وقومه‪,‬‬
‫إنما قصد فرعون به لكفره‪ ,‬وما كان همّ به من قتل موسى‪ ,‬وكان فرعون عاليا عاتيا في كفره‬
‫ل ذلك من السراف‪ ,‬فلذلك اخترنا ما اخترنا من‬
‫سفاكا للدماء التي كان محرّما عليه سفكها‪ ,‬وك ّ‬
‫التأويل في ذلك‪.‬‬

‫‪45-44‬‬ ‫الية ‪:‬‬


‫ن اللّ هَ‬
‫ض َأ ْمرِ يَ إِلَى اللّ ِه إِ ّ‬
‫ل َلكُـمْ وَُأفَوّ ُ‬
‫ن مَآ َأقُو ُ‬
‫ستَ ْذ ُكرُو َ‬
‫القول فـي تأويـل قوله تعالى‪{ :‬فَ َ‬
‫سوَءُ ا ْل َعذَابِ }‪.‬‬
‫ت مَا َمكَـرُواْ َوحَاقَ بِآلِ ِفرْعَ ْونَ ُ‬
‫سيّئَا ِ‬
‫َبصِيرٌ بِا ْل ِعبَا ِد * فَوقَا ُه اللّ ُه َ‬
‫يقول تعالى ذكره م خبرا عن ق يل المؤ من من آل فرعون لفرعون وقو مه‪ :‬ف ستذكرون أي ها‬
‫ل بكم‪ ,‬ولقيتم ما لقيتموه صدق ما أقول‪ ,‬وحقيقة ما أخبركم به‬
‫القوم إذا عاينتم عقاب ال قد ح ّ‬
‫من أن المسرفين هم أصحاب النار‪ ,‬كما‪:‬‬
‫ن ما‬
‫ستَ ْذ ُكرُو َ‬
‫‪ 23412‬ـ حدثني يونس‪ ,‬قال‪ :‬أخبرنا ابن وهب‪ ,‬قال‪ :‬قال ابن زيد‪ ,‬في قوله‪ :‬فَ َ‬
‫أقُولُ َل ُكمْ‪ ,‬فقلت له‪َ :‬أ َوذَلك في الَخرة؟ قال‪ :‬نعم‪.‬‬
‫ض أ ْمرِي إلى اللّ هِ يقول‪ :‬وأ سلم أمري إلى ال‪ ,‬وأجعله إل يه وأتو كل عل يه‪ ,‬فإ نه‬
‫وقوله‪ :‬وُأفَ ّو ُ‬
‫ن تَ َوكّل عليه‪ .‬وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل‪ .‬ذكر من قال ذلك‪:‬‬
‫الكافي مَ ْ‬
‫ض أ ْمرِي إلى‬
‫‪ 23413‬ـ حدث نا مح مد‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا أح مد‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا أ سباط‪ ,‬عن ال سديّ وُأفَوّ ُ‬
‫اللّ ِه قال‪ :‬أجعل أمري إلى ال‪.‬‬
‫وقوله‪ :‬إ نّ الّل َه بَ صِيرٌ بالعِبادِ يقول‪ :‬إن ال عالم بأمور عباده‪ ,‬و من المط يع من هم‪ ,‬والعا صي‬
‫سيّىء العقاب‪.‬‬
‫له‪ ,‬والمستحق جميل الثواب‪ ,‬والمستوجب َ‬
‫سـيّئاتِ مـا َم َكرُوا يقول تعالى ذكره‪ :‬فدفـع ال عـن هذا المؤمـن مـن آل‬
‫ّهـ َ‬
‫َقاهـ الل ُ‬
‫وقوله‪ :‬فَو ُ‬
‫فرعون بإيمانه وتصديق رسوله موسى‪ ,‬مكروه ما كان فرعون ينال به أهل الخلف عليه من‬
‫العذاب والبلء‪ ,‬فنجاه منه‪ .‬وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل‪ .‬ذكر من قال ذلك‪:‬‬
‫سيّئات ما َمكَرُوا‬
‫‪ 23414‬ـ حدثنا بشر‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا يزيد‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا سعيد‪ ,‬عن قتادة‪ ,‬قوله‪َ :‬‬
‫قال‪ :‬وكان قبطيا من قوم فرعون‪ ,‬فن جا مع مو سى‪ ,‬قال‪ :‬وذ كر لنا أ نه بين يدي مو سى يومئذ‬
‫يسير ويقول‪ :‬أين أمرت يا نبيّ ال؟ فيقول‪ :‬أمامك‪ ,‬فيقول له المؤمن‪ :‬وهل أمامي إل البحر؟‬
‫فيقول موسـى‪ :‬ل وال مـا َكذَب تُ ول كُذب تُ‪ ,‬ثـم ي سير ساعة ويقول‪ :‬أ ين أمرت يا نبيّ ال؟‬
‫فيقول‪ :‬أما مك‪ ,‬فيقول‪ :‬و هل أما مي إل الب حر‪ ,‬فيقول‪ :‬ل وال ما كذ بت‪ ,‬ول كذ بت‪ ,‬ح تى أ تى‬
‫على البحر فضربه بعصاه‪ ,‬فانفلق اثني عشر طريقا‪ ,‬لكل سبط طريق‪.‬‬
‫وقوله‪ :‬وَحا قَ بآلِ ِفرْعَ ْو نَ سُوءُ العَذا بِ يقول‪ :‬و حل بآل فرعون وو جب علي هم وعُ ني بآل‬
‫فرعون في هذا الموضع تبّاعه وأهل طاعته من قومه‪ ,‬كما‪:‬‬
‫‪ 23415‬ـ حدثنا محمد‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا أحمد‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا أسباط‪ ,‬عن السديّ في قول ال‪ :‬وَحا قَ‬
‫ن سُو ُء العَذابِ قال‪ :‬قوم فرعون‪.‬‬
‫بآلِ ِفرْعَوْ َ‬
‫وعُني بقوله‪ :‬سُو ُء ال َعذَابِ‪ :‬ما ساءهم من عذاب ال‪ ,‬وذلك نار جهنم‪.‬‬

‫‪46‬‬ ‫الية ‪:‬‬


‫عةُ‬
‫ُومـ السـّا َ‬
‫ْمـ تَق ُ‬
‫شيّا َو َيو َ‬
‫عِ‬‫غدُوّا َو َ‬
‫ُونـ عََليْهَا ُ‬
‫القول فــي تأويــل قوله تعالى‪{ :‬النّارُ ُي ْعرَض َ‬
‫شدّ ا ْل َعذَابِ }‪.‬‬
‫َأ ْدخِلُوَاْ آلَ ِفرْعَ ْونَ َأ َ‬
‫ل بهؤلء الشقياء مـن قوم فرعون ذلك‬
‫يقول تعالى ذكره مبينـا عـن سـوء العذاب الذي ح ّ‬
‫الذي حاق ب هم من سوء عذاب ال النّارُ ُي ْع َرضُو نَ عََليْ ها إن هم ل ها هلكوا وغرّق هم ال‪ ,‬جُعلت‬
‫عشِيّا إلى أن‬
‫غدُوّا َو َ‬
‫أرواح هم في أجواف ط ير سود‪ ,‬ف هي تعرض على النار كلّ يوم مرت ين ُ‬
‫تقوم الساعة‪ .‬ذكر من قال ذلك‪:‬‬
‫‪ 23416‬ـ حدثنا محمد بن بشار‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا عبد الرحمن‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا سفيان‪ ,‬عن أبي قيس‪,‬‬
‫عن الهذيل بن شرحبيل‪ ,‬قال‪ :‬أرواح آل فرعون في أجواف طير سود تغدو وتروح على النار‪,‬‬
‫وذلك عرضها‪.‬‬
‫‪23417‬ـ حدثنا محمد‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا أحمد‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا أسباط‪ ,‬عن السديّ‪ ,‬قال‪ :‬بلغني أن أرواح‬
‫قوم فرعون في أجواف طير سود تعرض على النار غدوّا وعشيّا‪ ,‬حتى تقوم الساعة‪.‬‬
‫‪ 23418‬ـ حدثنا عبد الكريم بن أبي عمير‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا حماد بن محمد الفزاري البلخي‪ ,‬قال‪:‬‬
‫سمعت الوزاع يّ و سأله ر جل فقال‪ :‬رح مك ال‪ ,‬رأي نا طيورا تخرج من الب حر تأ خذ ناح ية‬
‫سـوْدا‪ ,‬قال‪:‬‬
‫العشيـ رجـع مثلُهـا ُ‬
‫ّ‬ ‫الغرب بيضـا‪ ,‬فوجـا فوجـا‪ ,‬ل يعلم عددهـا إل ال‪ ,‬فإذا كان‬
‫و َفطَنتـم إلى ذلك؟ قالوا‪ :‬نعـم‪ ,‬قال‪ :‬إن تلك الطيور فـي حواصـلها أرواح آل فرعون يعرضون‬
‫على النار غدوّا وعشيّا‪ ,‬فتر جع إلى وكور ها و قد احتر قت رياش ها‪ ,‬و صارت سوداء‪ ,‬فتن بت‬
‫علي ها من الل يل رياش ب يض‪ ,‬وتتنا ثر ال سود‪ ,‬ثم تغدو‪ ,‬ويُعرضون على النار غدوّا وعشيّا‪ ,‬ثم‬
‫شدّ‬
‫عوْ نَ أ َ‬
‫ل فِرْ َ‬
‫ترجع إلى وكورها‪ ,‬فذلك دَ ْأبُها في الدنيا فإذا كان يوم القيامة‪ ,‬قال ال‪َ :‬أ ْدخِلُوا آ َ‬
‫ت مئة ألف مقاتل‪.‬‬
‫ال َعذَابِ قالوا‪ :‬وكانوا يقولون‪ :‬إنهم س ّ‬
‫‪ 23419‬ـ حدثني يونس‪ ,‬قال‪ :‬أخبرنا ابن وهب‪ ,‬قال‪ :‬ثني حرملة‪ ,‬عن سليمان بن حميد‪ ,‬قال‪:‬‬
‫سمعت مح مد بن ك عب القر ظى يقول‪ :‬ل يس في الَخرة ل يل ول ن صف نهار‪ ,‬وإن ما هو ُبكْرة‬
‫شيّا وكذلك قال لهل الجنة‬
‫عِ‬‫غدُوّا وَ َ‬
‫وعش يّ‪ ,‬وذلك في القرآن في آل فرعون ُيعْ َرضُو نَ عََليْها َ‬
‫شيّا‪.‬‬
‫عِ‬‫لَهمْ ر ْز ُقهُ ْم فيها ُب ْكرَةً وَ َ‬
‫وق يل‪ :‬ع ني بذلك‪ :‬أن هم يعرضون على منازل هم في النار تعذي با ل هم غدوّا وعشيّا‪ .‬ذ كر من‬
‫قال ذلك‪:‬‬
‫غدُوّا‬
‫‪23420‬ـ حدثنا بشر‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا يزيد‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا سعيد‪ ,‬عن قتادة النّارُ ُي ْعرَضُونَ عََليْها ُ‬
‫عشَيّا قال‪ :‬يُعرضون عليهـا صـباحا ومسـاء‪ ,‬يقال لهـم‪ :‬يـا آل فرعون هذه منازلكـم‪ ,‬توبيخـا‬
‫َو َ‬
‫ونقمة وصغارا لهم‪.‬‬
‫‪23421‬ـ حدثني محمد بن عمرو‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا أبو عاصم‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا عيسى وحدثني الحارث‪,‬‬
‫غدُوّا‬
‫قال‪ :‬حدث نا الح سن‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا ورقاء‪ ,‬جمي عا عن ا بن أ بي نج يح‪ ,‬عن مجا هد‪ ,‬قوله‪ُ :‬‬
‫شيّا قال‪ :‬ما كانت الدنيا‪.‬‬
‫عِ‬‫َو َ‬
‫وأولى القوال فـي ذلك بالصـواب أن يقال‪ :‬إن ال أخـبر أن آل فرعون يعرضون على النار‬
‫غدوّا وعش يا‪ .‬وجائز أن يكون ذلك العرض على النار على ن حو ما ذكرناه عن الهذ يل و من‬
‫قال م ثل قوله‪ ,‬وإن يكون ك ما قال قتادة‪ ,‬ول خبر يو جب الح جة بأن ذلك المعن يّ به‪ ,‬فل في‬
‫ذلك إل ما دلّ عل يه ظا هر القرآن‪ ,‬و هم أن هم يعرضون على النار غدوّا وعش يا‪ ,‬وأ صل الغدوّ‬
‫والعشيّ مصادر جعلت أوقاتا‪.‬‬
‫وكان ب عض نحو يي الب صرة يقول في ذلك‪ :‬إن ما هو م صدر‪ ,‬ك ما تقول‪ :‬أتي ته ظل ما جعله‬
‫ظرفـا وهـو مصـدر‪ .‬قال‪ :‬ولو قلت‪ :‬موعدك غدوة‪ ,‬أو موعدك ظلم‪ ,‬فرفعتـه‪ ,‬كمـا تقول‪:‬‬
‫موعدك يوم الجمعة‪ ,‬لم يحسن‪ ,‬لن هذه المصادر وما أشبهها من نحو سحر ل تجعل إل ظرفا‬
‫قال‪ :‬والظرف كله ليـس بمتمكـن وقال نحويـو الكوفـة‪ :‬لم يسـمع فـي هذه الوقات‪ ,‬وإن كانـت‬
‫شهُرٌ‬
‫غ ُدوّهـا َ‬
‫مصـادر‪ ,‬إل التعريـب‪ :‬موعدك يوم موعدك صـباح ورواح‪ ,‬كمـا قال جلّ ثناؤه‪ُ :‬‬
‫شهْ ٌر فرفع‪ ,‬وذكروا أنهم سمعوا‪ :‬إنما الطيلسان شهران‪ ,‬قالوا‪ :‬ولم يسمع في الوقات‬
‫َورَوَاحُها َ‬
‫النكرات إل الرفـع إل قولهـم‪ :‬إنمـا سـخاؤك أحيانـا‪ ,‬وقالوا‪ :‬إنمـا جاز ذلك لنـه بمعنـى‪ :‬إنمـا‬
‫سخاؤك الحين بعد الحين‪ ,‬فلما كان تأويله الضافة نصب‪.‬‬
‫ب اختلفت القراء في قراءة ذلك فقرأته‬
‫شدّ ال َعذَا ِ‬
‫وقوله‪َ :‬و َيوْمَ تَقُو ُم السّاعَ ُة َأ ْدخِلُوا آلَ ِفرْعَ ْونَ أ َ‬
‫ُومـ السـّاعَ ُة َأ ْدخِلُوا آلَ‬
‫ْمـ تَق ُ‬
‫عامـة قرّاء أهـل الحجاز والعراق سـوى عاصـم وأبـي عمرو َويَو َ‬
‫ن بف تح اللف من أدخلوا في الو صل والق طع بمع نى‪ :‬ال مر بإدخال هم النار‪ .‬وإذا قُرىء‬
‫عوْ َ‬
‫فِرْ َ‬
‫ُومـ‬
‫ْمـ تَق ُ‬
‫ذلك كذلك‪ ,‬كان الَل نصـبا بوقوع أدخلوا عليـه‪ ,‬وقرأ ذلك عاصـم وأبـو عمرو‪َ « :‬و َيو َ‬
‫عةُ َأ ْدخِلُوا» يوصل اللف وسقوطها في الوصل من اللفظ‪ ,‬وبضمها إذا ابتدىء بعد الوقف‬
‫ال سّا َ‬
‫على ال ساعة‪ ,‬و من قرأ ذلك كذلك‪ ,‬كان الَل على قراء ته ن صبا بالنداء‪ ,‬لن مع نى الكلم على‬
‫قراءته‪ :‬ادخلو يا آل فرعون أشدّ العذاب‪.‬‬
‫والصواب من القول في ذلك عندي أن يقال إنهما قراءتان معروفتان متقاربتا المعنى قد قرأ‬
‫ب كل واحدة منه ما جما عة من القرّاء‪ ,‬فبأيته ما قرأ القارىء فم صيب‪ .‬فمع نى الكلم إذن‪ :‬ويوم‬
‫تقوم السـاعة يقال لَل فرعون‪ :‬ادخلوا يـا آل فرعون أشدّ العذاب‪ ,‬فهذا على قراءة مـن وصـل‬
‫اللف من ادخلوا ولم يقطع‪ ,‬ومعناه على القراءة الخرى‪ ,‬ويوم تقوم الساعة يقول ال لملئكته‬
‫شدّ ال َعذَابِ‪.‬‬
‫َأ ْدخِلُوا آلَ ِفرْعَ ْونَ أ َ‬

‫‪48-47‬‬ ‫الية ‪:‬‬


‫س َتكْـ َبرُوَاْ‬
‫ضعَفَاءُ لِّلذِي نَ ا ْ‬
‫القول فـي تأويـل قوله تعالى‪{ :‬وَِإذْ َي َتحَآجّو نَ فِي النّـارِ َفيَقُولُ ال ّ‬
‫ن اللّهَ‬
‫ل فِيهَآ إِ ّ‬
‫س َت ْكبَرُوَ ْا ِإنّا كُ ّ‬
‫ن النّارِ * قَالَ اّلذِينَ ا ْ‬
‫عنّا نَصِيبا مّ َ‬
‫ل أَنتُم ّم ْغنُونَ َ‬
‫ِإنّا ُكنّا َلكُمْ َتبَعا فَهَ ْ‬
‫حكَمَ َب ْينَ ا ْل ِعبَادِ }‪.‬‬
‫قَ ْد َ‬
‫لزِفَ ِة إذِ القُلُوبُـ َلدَى‬
‫يقول تعالى ذكره لنـبيه محمـد صـلى ال عليـه وسـلم‪ :‬وَأ ْنذِرْهُم َيوْم َـ ا َ‬
‫ّونـ فـي النّارِ يقول‪ :‬وإذ يتخاصـمون فـي النار‪ .‬وعنـي بذلك‪ :‬إذ‬
‫ظمِينـَ‪ ,‬وإذْ َيتَحاج َ‬
‫الحَناجِرِ كا ِ‬
‫يتخاصم الذين أمر رسول ال صلى ال عليه وسلم بإنذارهم من مشركي قومه في النار‪ ,‬فيقول‬
‫الضعفاء من هم و هم المتبعون على الشرك بال إنّا كُنّا َلكُ مْ َتبَ عا تقول لرؤ سائهم الذ ين اتبعو هم‬
‫عنّا نَ صِيبا مِن‬
‫ن اليوم َ‬
‫على الضللة‪ :‬إنا كنا لكم في الدنيا تبعا على الكفر بال َفهَلْ أ ْنتُ مْ م ْغنُو َ‬
‫النّا ِر يعنون حظا فتخففوه عنا‪ ,‬فقد كنا نسارع في محبتكم في الدنيا‪ ,‬ومن قبلكم أتينا‪ ,‬لول أنتم‬
‫لكنا في الدنيا مؤمن ين‪ ,‬فلم يصبنا اليوم هذا البلء والت بع يكون واحدا وجما عة في قول ب عض‬
‫نحو يي الب صرة‪ ,‬و في قول ب عض نحو يي الكو فة ج مع ل وا حد له‪ ,‬ل نه كالم صدر‪ .‬قال‪ :‬وإن‬
‫شئت كان واحدة تابع‪ ,‬فيكون مثل خائل وخول‪ ,‬وغائب وغيب‪.‬‬
‫وال صواب من القول في ذلك عندي أ نه ج مع واحده تا بع‪ ,‬و قد يجوز أن يكون واحدا فيكون‬
‫جمعـه أتباع‪ .‬فأجابهـم المتبوعون بمـا أخـبر ال عنهـم قال الذيـن اسـتكبروا‪ ,‬وهـم الرؤسـاء‬
‫المتبوعون على الضللة في الدن يا‪ :‬إ نا أي ها القوم وأن تم كل نا في هذه النار مخلدون‪ ,‬ل خلص‬
‫حكَمَ بَينَ العِبادِ بفصل قضائه‪ ,‬فأسكن أهل الجنة الجنة‪ ,‬وأهل النار النار‪ ,‬فل‬
‫لنا منها إنّ الّل َه َقدْ َ‬
‫نحن مما نحن فيه من البلء خارجون‪ ,‬ول هم مما فيه من النعيم منتقلون ورفع قوله كُلّ بقوله‬
‫فِيها ولم ينصب على النعت‪.‬‬
‫و قد اختلف في جواز الن صب في ذلك في الكلم‪ .‬وكان ب عض نحو يي الب صرة يقول‪ :‬إذا لم‬
‫ي ضف «كلّ» لم ي جز التباع‪ .‬وكان ب عض نحو يي الكو فة يقول‪ :‬ذلك جائز في الحذف وغ ير‬
‫الحذف‪ ,‬لن أ سماءها إذا حُذ فت اكت في ب ها من ها‪ .‬و قد بيّ نا ال صواب من القول في ذلك في ما‬
‫مضى بما أغنى عن إعادته‪.‬‬

‫‪50-49‬‬ ‫الية ‪:‬‬


‫ج َهنّ مَ ا ْدعُو ْا َربّكُ مْ ُيخَفّ فْ عَنّا‬
‫خ َزنَةِ َ‬
‫ن فِي النّارِ ِل َ‬
‫ل اّلذِي َ‬
‫القول ف ـي تأوي ـل قوله تعالى‪َ { :‬وقَا َ‬
‫َاتـ قَالُو ْا بََلىَ قَالُواْ فَادْعُواْ وَمَا دُعَاءُ‬
‫ُسـلُ ُكمْ بِا ْل َب ّين ِ‬
‫ُمـ ر ُ‬
‫َكـ َت ْأتِيك ْ‬
‫َمـ ت ُ‬
‫َابـ * قَالُوَاْ َأوَل ْ‬
‫ّنـ ا ْل َعذ ِ‬
‫يَوْما م َ‬
‫ل فِي ضَلَلٍ }‪.‬‬
‫ا ْلكَا ِفرِينَ ِإ ّ‬
‫يقول تعالى ذكره‪ :‬وقال أهل جهنم لخزنتها وقوّامها‪ ,‬استغاثة بهم من عظيم ما هم فيه من‬
‫عنّا يَوْما واحدا‪ ,‬يعني قدر يوم‬
‫البلء‪ ,‬ورجاء أن يجدوا من عندهم فرجا ادْعُوا رَ ّبكُ ْم لَنا ُيخَفّفْ َ‬
‫ب الذي نحن فيه‪ .‬وإنما قلنا‪ :‬معنى ذلك‪ :‬قدر يوم من أيام الدنيا‪,‬‬
‫ن ال َعذَا ِ‬
‫واحد من أيام الدنيا ِم َ‬
‫لن الَخرة يوم ل ليل فيه‪ ,‬فيقال‪ :‬خفف عنهم يوما واحدا‪.‬‬
‫ت يقول تعالى ذكره‪ :‬قالت خز نة جه نم ل هم‪ :‬أو لم‬
‫وقوله‪ :‬قالُوا أوَلَ مْ تَ كُ َت ْأتِيكُ مْ رُ سُُل ُكمْ بال َبيّنا ِ‬
‫تك تأتيكم في الدنيا رسلكم بالبينات من الحجج على توحيد ال‪ ,‬فتوحدوه وتؤمنوا به‪ ,‬وتتبرؤوا‬
‫مما دونه من الَلهة؟ قالوا‪ :‬بلى‪ ,‬قد أتتنا رسلنا بذلك‪.‬‬
‫ل ثناؤه‪ :‬قالت الخز نة ل هم‪ :‬فادعوا إذن رب كم الذي أتت كم الر سل‬
‫وقوله‪ :‬قالُوا فادْعُوا يقول ج ّ‬
‫بالدعاء إلى اليمان به‪.‬‬
‫ن إلّ فِي ضَللٍ يقول‪ :‬قد دعوا و ما دعاؤ هم إل في ضلل‪ ,‬ل نه‬
‫وقوله‪ :‬وَ ما دُعاءُ الكا ِفرِي َ‬
‫سئُوا فِيهَا وَل ُتكَّلمُونَ‪.‬‬
‫خَ‬‫دعاء ل ينفعهم‪ ,‬ول يستجاب لهم‪ ,‬بل يقال لهم‪ :‬ا ْ‬
‫‪52-51‬‬ ‫الية ‪:‬‬
‫حيَا ِة ال ّد ْنيَا َويَوْ مَ يَقُو مُ‬
‫صرُ رُ سَُلنَا وَاّلذِي نَ آ َمنُواْ فِي ا ْل َ‬
‫القول فـي تأويـل قوله تعالى‪ِ{ :‬إنّا َلنَن ُ‬
‫ل يَنفَعُ الظّاِلمِينَ َم ْع ِذ َر ُتهُمْ وََل ُهمُ الّْل ْعنَةُ وََل ُهمْ سُ َوءُ الدّارِ }‪.‬‬
‫شهَادُ * يَ ْومَ َ‬
‫ال ْ‬
‫ن آ َمنُوا فِي الحَيا ِة ال ّدنْيا وقد علمنا أن منهم‬
‫صرُ رُ سُلَنا وَاّلذِي َ‬
‫يقول القائل‪ :‬وما معنى‪ :‬إنّا َل َننْ ُ‬
‫من قتله أعداؤه‪ ,‬ومثّلوا به‪ ,‬كشعياء ويح يى بن زكر يا وأشباهه ما‪ ,‬ومن هم من ه مّ بقتله قو مه‪,‬‬
‫فكان أح سن أحواله أن يخلص من هم ح تى فارق هم ناج يا بنف سه‪ ,‬كإبراه يم الذي ها جر إلى الشام‬
‫من أرضه مفارقا لقومه‪ ,‬وعيسى الذي رفع إلى السماء إذ أراد قومه قتله‪ ,‬فأين النصرة التي‬
‫أخبرنا أنه ينصرها رسله‪ ,‬والمؤمنين به في الحياة الدنيا‪ ,‬وهؤلء أنبياؤه قد نالهم من قومهم ما‬
‫قد عل مت‪ ,‬و ما ن صروا على من نال هم ب ما نال هم به؟ ق يل‪ :‬إن لقوله‪ :‬إنّا َل َننْ صُرُ رُ سُلَنا وَاّلذِي نَ‬
‫آ َمنُوا فِي الحَيا ِة ال ّدنْيا وجهين كلهما صحيح معناه‪ .‬أحدهما أن يكون معناه‪ :‬إنا لننصر رسلنا‬
‫والذين آمنوا في الحياة الدنيا إما بإعلئناهم على من كذّبنا وإظفارنا بهم‪ ,‬حتى يقهروهم غلبة‪,‬‬
‫ويذلو هم بالظ فر ذلة‪ ,‬كالذي ف عل من ذلك بداود و سليمان‪ ,‬فأعطاه ما من الملُك وال سلطان ما‬
‫قهرا به كل كافر‪ ,‬وكالذي فعل بمحمد صلى ال عليه وسلم بإظهاره على من كذّبه من قومه‪,‬‬
‫وإ ما بانتقام نا م من حادّ هم وشاق هم بإهلك هم وإنجاء الر سل م من كذّب هم وعادا هم‪ ,‬كالذي ف عل‬
‫تعالى ذكره بنوح وقومه‪ ,‬من تغريق قومه وإنجائه منهم‪ ,‬وكالذي فعل بموسى وفرعون وقومه‪,‬‬
‫إذ أهلكهم غرقا‪ ,‬ونجى موسى ومن آمن به من بني إسرائيل وغيرهم ونحو ذلك‪ ,‬أو بانتقامنا‬
‫في الحياة الدنيا من مكذّبيهم بعد وفاة رسولنا من بعد مهلكهم‪ ,‬مالذي فعلنا من نصرتنا شعياء‬
‫بعد مهلكه‪ ,‬بتسليطنا على قتله مَن سلّطنا حتى انتصرنا بهم من قتلته‪ ,‬وكفعلنا بقتلة يحيى‪ ,‬من‬
‫تسـليطنا بختنصـر عليهـم حتـى انتصـرنا بـه مـن قتله له وكانتصـارنا لعيسـى مـن مريدي قتله‬
‫بالروم حتى أهلكناهم بهم‪ ,‬فهذا أحد وجهيه‪ .‬وقد كان بعض أهل التأويل يوجه معنى ذلك إلى‬
‫هذا الوجه‪ .‬ذكر من قال ذلك‪:‬‬
‫‪23422‬ـ حدثنا محمد بن الحسين‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا أحمد بن الفضل‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا أسباط‪ ,‬عن السديّ‬
‫صرُ رُسُلَنا وَاّلذِي نَ آ َمنُوا فِي الحَياةِ ال ّدنْيا قد كانت النبياء والمؤمنون يقتلون في‬
‫قول ال‪ :‬إنّا َل َننْ ُ‬
‫الدن يا و هم من صورون‪ ,‬وذلك أن تلك ال مة ال تي تف عل ذلك بال نبياء والمؤمن ين ل تذ هب ح تى‬
‫يبعث ال قوما فينتصر بهم لولئك الذين قتلوا منهم‪.‬‬
‫والوجـه الَخـر‪ :‬أن يكون هذا الكلم على و جه الخـبر عن الجميـع مـن الرسـل والمؤمنيـن‪,‬‬
‫والمراد واحد‪ ,‬فيكون تأويل الكلم حينئذ‪ :‬إنا لننصر رسولنا محمدا صلى ال عليه وسلم والذين‬
‫آمنوا به في الحياة الدنيا‪ ,‬ويوم يقود الشهاد‪ ,‬كما بيّنا فيما مضى أن العرب تخرج الخبر بلفظ‬
‫الجميع‪ ,‬والمراد واحد إذا لم تنصب للخبر شخصا بعينه‪.‬‬
‫واختل فت القرّاء في قراءة قوله‪َ :‬ويَوْ مَ يَقُو مُ الشْهادُ يَوْ مَ ل َينْفَ عُ الظّاِلمِ ين َم ْع ِذ َرتُهُ مْ فقرأ ذلك‬
‫عا مة قرّاء المدي نة والكو فة َويَوْ َم يَقُو مُ بالياء‪ .‬وين فع أي ضا بالياء‪ ,‬وقرأ ذلك ب عض أ هل م كة‬
‫وبعض قرّاء البصرة‪« :‬تَقُومُ» بالتاء‪ ,‬و « َتنْفَعُ» بالتاء‪.‬‬
‫والصـواب مـن القول فـي ذلك أنهمـا قراءتان معروفتان بمعنـى واحـد‪ ,‬فبأيتهمـا قرأ القارىء‬
‫فمصيب‪.‬‬
‫وقد بيّنا فيما مضى أن العرب تذكر فعل الرجل وتؤنث إذا تقدم بما أغنى عن إعادته‪ .‬وعُني‬
‫بقوله‪َ :‬و َيوْ مَ يَقُو ُم الشْهادُ يوم يقوم الشهاد من الملئكة والنبياء والمؤمنين على المم المكذبة‬
‫رسلها بالشهادة بأن الرسل قد بلغتهم رسالت ربهم‪ ,‬وأن المم كذّبتهم‪ .‬والشهاد‪ :‬جمع شهيد‪,‬‬
‫كما الشراف‪ :‬جمع شريف‪ .‬وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل‪ .‬ذكر من قال ذلك‪:‬‬
‫‪ 23423‬ـ حدث نا ب شر‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا يز يد‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا سعيد‪ ,‬عن قتادة و َيوْ َم يَقُو مُ الشْهادُ من‬
‫ملئكة ال وأنبيائه‪ ,‬والمؤمنين به‪.‬‬
‫ي ويَوْمَ يَقُومُ الشْهادُ يوم‬
‫‪23424‬ـ حدثنا محمد‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا أحمد‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا أسباط‪ ,‬عن السد ّ‬
‫القيامة‪.‬‬
‫‪23425‬ـ حدثنا ابن بشار‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا مؤمل‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا سفيان‪ ,‬عن العمش‪ ,‬عن مجاهد‪ ,‬في‬
‫قول ال‪ :‬و َي ْومَ يَقُومُ الشْهادُ قال الملئكة‪.‬‬
‫ن َم ْعذِر ُتهُ مْ يقول تعالى ذكره‪ :‬ذلك يوم ل ين فع أ هل الشرك اعتذار هم‬
‫وقوله‪ :‬ل َينْفَ عُ الظّاِلمِي َ‬
‫لن هم ل يعتذرون إن اعتذروا إل ببا طل‪ ,‬وذلك أن ال قد أعذر إلي هم في الدن يا‪ ,‬وتا بع علي هم‬
‫ّهـ َربّنـا مـا كُنّا‬
‫الحجـج فيهـا فل حجـة لهـم فـي الَخرة إل العتصـام بالكذب بأن يقولوا‪ :‬والل ِ‬
‫ُمشْ ِركِينَ‪.‬‬
‫وقوله‪ :‬وََلهُ مُ الّل ْع َنةُ يقول‪ :‬وللظالمين اللعنة‪ ,‬وهي البُعد من رحمة ال وََلهُ مْ سُو ُء الدّارِ يقول‪:‬‬
‫ولهم مع اللعنة من ال شرّ ما في الدار الَخرة‪ ,‬وهو العذاب الليم‪.‬‬

‫‪55-53‬‬ ‫الية ‪:‬‬


‫ل ا ْل ِكتَا بَ *‬
‫سرَائِي َ‬
‫القول ف ـي تأوي ـل قوله تعالى‪{ :‬وَلَ َقدْ آ َتيْنَا مُو سَى ا ْل ُهدَىَ وَأَ ْو َرثْنَا َبنِ يَ إِ ْ‬
‫ح ْمدِ َربّ كَ‬
‫ح ِب َ‬
‫سبّ ْ‬
‫س َتغْفِـرْ ِلذَنبِ كَ وَ َ‬
‫ع َد اللّ هِ حَ قّ وَا ْ‬
‫ص ِبرْ إِ نّ وَ ْ‬
‫ب * فَا ْ‬
‫ُهدًى َو ِذ ْك َرىَ لُوْلِي ال ْلبَا ِ‬
‫ل ْبكَارِ }‪.‬‬
‫شيّ وَا ِ‬
‫بِا ْلعَ ِ‬
‫يقول تعالى ذكره وَلَ َق ْد آ َت ْينَا مُو سَى البيان للح قّ الذي بعثناه به كما آتينا ذلك محمدا فكذّب به‬
‫فرعون وقومـه‪ ,‬كمـا كذّبـت قريـش محمدا وَأ ْو َرثْنَا بِنـي إسـْرائِيلَ الكِتابَـ يقول‪ :‬وأورثنـا بنـي‬
‫إ سرائيل التوراة‪ ,‬فعلّمناهمو ها‪ ,‬وأنزل نا إلي هم ُهدًى يع ني بيا نا ل مر دين هم‪ ,‬و ما ألزمنا هم من‬
‫فرائضها‪َ ,‬و ِذ ْكرَى لُولي اللْبابِ يقول‪ :‬وتذكيرا منا لهل الحجا والعقول منهم بها‪.‬‬
‫عدَ اللّ ِه حَ قّ يقول تعالى ذكره لنبيه محمد صلى ال عليه وسلم‪ :‬فاصبر‬
‫وقوله‪ :‬فا صْبرْ إ نّ َو ْ‬
‫يا محمد لمر ربك‪ ,‬وانفذ لما أرسلك به من الرسالة‪ ,‬وبلّغ قومك ومن أُمرت بإبلغه ما أنزل‬
‫إليك‪ ,‬وأيقن بحقيقة وعد ال الذي وعدك من نصرتك‪ ,‬ونصرة من صدّقك وآمن بك‪ ,‬على من‬
‫س َتغْ ِفرْ‬
‫كذّبك‪ ,‬وأنكر ما جئته به من عند ربك‪ ,‬وإن وعد ال ح قّ ل خلف له وهو منجز له وا ْ‬
‫ل بالش كر م نك‬
‫ح ْمدِ َربّ كَ يقول‪ :‬و ص ّ‬
‫ح ِب َ‬
‫سبّ ْ‬
‫ِل َذ ْنبِ كَ يقول‪ :‬و سله غفران ذنو بك وعفوه لك ع نه وَ َ‬
‫لر بك بِا ْلعَشِ يّ وذلك من زوال الش مس إلى الل يل وَال ْبكَارِ وذلك من طلوع الف جر الثا ني إلى‬
‫طلوع الش مس‪ .‬وقد و جه قوم البكار إلى أ نه من طلوع الشمس إلى ارتفاع الض حى‪ ,‬وخروج‬
‫وقت الضحى‪ ,‬والمعروف عند العرب القول الوّل‪.‬‬
‫واختلف أ هل العرب ية في و جه ع طف البكار والباء غ ير ح سن دخول ها ف يه على العش يّ‪,‬‬
‫والباء تح سن ف يه‪ ,‬فقال ب عض نحو يي الب صرة‪ :‬مع نى ذلك‪ :‬و سبح بح مد ر بك بالعش يّ و في‬
‫البكار‪ .‬وقال‪ :‬قد يقال‪ :‬بالدار زيد‪ ,‬يراد‪ :‬في الدار زيد‪ ,‬وقال غيره‪ :‬إنما قيل ذلك كذلك‪ ,‬لن‬
‫معنى الكلم‪ :‬صل بالحمد بهذين الوقتين وفي هذين الوقتين‪ ,‬فإدخال الباء في واحد فيهما‪.‬‬

‫‪56‬‬ ‫الية ‪:‬‬


‫ن فِ يَ آيَا تِ الّل ِه ِب َغيْ ِر سُ ْلطَانٍ َأتَاهُ ْم إِن فِي‬
‫ن ُيجَادِلُو َ‬
‫ن اّلذِي َ‬
‫القول فـي تأويـل قوله تعالى‪ِ{ :‬إ ّ‬
‫سمِيعُ ا ْل َبصِيرُ }‪.‬‬
‫س َت ِعذْ بِاللّ ِه ِإنّـهُ ُهوَ ال ّ‬
‫ل ِكبْ ٌر مّـا هُم ِببَاِلغِي ِه فَا ْ‬
‫صُدُورِ ِهمْ ِإ ّ‬
‫يقول تعالى ذكره‪ :‬إن الذ ين يخا صمونك يا مح مد في ما أتيت هم به من ع ند ر بك من الَيات‬
‫صدُور ِهمْ إلّ‬
‫بغير سلطان أتاهم يقول‪ :‬بغير حجة جاءتهم من عند ال بمخاصمتك فيها إ نْ فِي ُ‬
‫ِكبْرٌ يقول‪ :‬ما في صدورهم إل كبر يتكبرون من أجله عن اتباعك‪ ,‬وقبول الحقّ الذي أتيتهم به‬
‫ح سدا من هم على الف ضل الذي آتاك ال‪ ,‬والكرا مة ال تي أكر مك ب ها من النبوّة ما هُ مْ بِباِلغِي هِ‬
‫يقول‪ :‬الذي ح سدوك عل يه أ مر لي سوا بمُدرك يه ول نائل يه‪ ,‬لن ذلك ف ضل ال يؤت يه من يشاء‪,‬‬
‫وليس بالمر الذي يدرك بالمانيّ وقد قيل‪ :‬إن معناه‪ :‬إن في صدورهم إل عظمة ما هم ببالغي‬
‫تلك العظمة لن ال مذلّهم‪ .‬ذكر من قال ذلك‪:‬‬
‫‪ 23426‬ـ حدثني محمد بن عمرو‪ ,‬قال‪ :‬ثني أبو عاصم‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا عيسى وحدثني الحارث‪,‬‬
‫قال‪ :‬حدث نا الح سن‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا ورقاء‪ ,‬جمي عا عن ا بن أ بي نج يح‪ ,‬عن مجا هد‪ ,‬قوله‪ :‬إ نّ فِي‬
‫ل ِكبْ ٌر قال‪ :‬عظمة‪.‬‬
‫صُدُورِ ِهمْ إ ّ‬
‫ت اللّ هِ ب َغ ْيرِ سُلْطانٍ أتاهُ مْ قال‪ :‬أهل‬
‫ن يُجادِلُو نَ فِي آيا ِ‬
‫ن اّلذِي َ‬
‫وبنحو الذي قلنا في تأويل قوله‪ :‬إ ّ‬
‫التأويل‪ .‬ذكر من قال ذلك‪:‬‬
‫ن يُجادِلُو نَ‬
‫ن اّلذِي َ‬
‫‪ 23427‬ـ حدثنا بشر‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا يزيد‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا سعيد‪ ,‬عن قتادة‪ ,‬قوله‪ :‬إ ّ‬
‫ن أتا ُهمْ لم يأتهم بذاك سلطان‪.‬‬
‫ت الّلهِ ب َغ ْيرِ سُلْطا ٍ‬
‫فِي آيا ِ‬
‫سمِيعُ البَ صِيرُ يقول تعالى ذكره‪ :‬فاستجر بال يا محمد من شرّ‬
‫ستَ ِعذْ باللّ ِه إنّ ُه هُ َو ال ّ‬
‫وقوله‪ :‬فا ْ‬
‫هؤلء الذين يجادلون في آيات ال بغير سلطان‪ ,‬ومن الكبر أن يعرض في قلبك منه شيء إّن هُ‬
‫سمِيعُ البَ صِيرُ يقول‪ :‬إن ال هو ال سميع ل ما يقول هؤلء المجادلون في آيات ال وغير هم‬
‫هُ َو ال ّ‬
‫من قول البصير بما تعمله جوارحهم‪ ,‬ل يخفى عليه شيء من ذلك‪.‬‬
‫‪57‬‬ ‫الية ‪:‬‬
‫سمَاوَاتِ وَالرْ ضِ َأكْـبَ ُر مِ نْ خَلْ قِ النّا سِ وَلَـكِنّ‬
‫{َلخَلْ قُ ال ّ‬ ‫القول فـي تأويـل قوله تعالى‪:‬‬
‫ل َيعَْلمُونَ }‪.‬‬
‫َأكْـثَرَ النّاسِ َ‬
‫يقول تعالى ذكره‪ :‬لبتدا عُ ال سموات والرض وإنشاؤ ها من غ ير ش يء أع ظم أي ها الناس‬
‫عند كم إن كن تم م ستعظمي خلق الناس‪ ,‬وإنشائ هم من غ ير ش يء من خلق الناس‪ ,‬ول كن أك ثر‬
‫الناس ل يعلمون أن خلق جميع ذلك هين على ال‪.‬‬

‫‪58‬‬ ‫الية ‪:‬‬


‫عمِلُواْ‬
‫ِينـ آ َمنُواْ وَ َ‬
‫َسـتَوِي العْــمَىَ وَا ْلبَصـِيرُ وَاّلذ َ‬
‫القول فــي تأويــل قوله تعالى‪{ :‬وَم َا ي ْ‬
‫سيَءُ قَلِيـلً مّا َت َت َذكّرُونَ }‪.‬‬
‫الصّالِحَاتِ َولَ ا ْل ُم ِ‬
‫و ما ي ستوي الع مى الذي ل يب صر شيئا‪ ,‬و هو م ثل الكا فر الذي ل يتأ مل ح جج ال بعين يه‪,‬‬
‫فيتدبرها ويعتبر بها‪ ,‬فيعلم وحدانيته وقُدرته على خلق ما شاء من شيء‪ ,‬ويؤمن به ويصدّق‪.‬‬
‫والبصير الذي يرى بعينيه ما شخص لهما ويبصره‪ ,‬وذلك مَثل للمؤمن الذي يرى بعينيه حجج‬
‫ال‪ ,‬فيتفكّر في ها ويت عظ‪ ,‬ويعلم ما دلت عل يه من توح يد صانعه‪ ,‬وعظ يم سلطانه وقُدر ته على‬
‫عمِلوا‬
‫ـ آ َمنُوا َو َ‬
‫ـن‪ .‬واّلذِين َ‬
‫ـر والمؤمـ‬
‫ـتوي الكافـ‬
‫ـا يشاء يقول جلّ ثناؤه‪ :‬كذلك ل يسـ‬
‫خلق مـ‬
‫ل ثناؤه‪ :‬ول ي ستوي أي ضا كذلك المؤمنون بال ور سوله‪ ,‬المطيعون لرب هم‪,‬‬
‫ال صَالحاتِ يقول ج ّ‬
‫ل ثناؤه‪:‬‬
‫ن يقول ج ّ‬
‫ول الم سيء‪ ,‬و هو الكا فر بر به‪ ,‬العا صي له‪ ,‬المخالف أمره قَلِيلً ما َت َتذَ ّكرُو َ‬
‫ل ما تتذكرون أي ها الناس ح جج ال‪ ,‬فتع تبرون وتتعظون يقول‪ :‬لو تذكر تم آيا ته واع تبرتم‪,‬‬
‫قلي ً‬
‫لعرفتم خطأ ما أنتم عليه مقيمون من إنكاركم قدرة ال على إحيائه من فني من خلقه من بعد‬
‫الفناء‪ ,‬وإعادتهم لحياتهم من بعد وفاتهم‪ ,‬وعلمتم قبح شرككم من تشركون في عبادة ربكم‪.‬‬
‫ُونـ فقرأت ذلك عامـة قرّاء أهـل المدينـة والبصـرة‪:‬‬
‫واختلفـت القرّاء فـي قراءة قوله‪َ :‬ت َت َذ ّكر َ‬
‫ن بالتاء على و جه‬
‫« َي َت َذكّرُو نَ» بالياء على و جه ال خبر‪ ,‬وقرأ ته عا مة قرّاء الكو فة‪َ :‬ت َتذّ ُكرُو َ‬
‫الخطاب‪ ,‬والقول في ذلك أن القراءة بهما صواب‪.‬‬

‫‪60-59‬‬ ‫الية ‪:‬‬


‫ن َأ ْكثَرَ النّا سِ لَ‬
‫ل ِتيَ ـ ٌة لّ َريْ بَ فِيهَا وَلَ ـكِ ّ‬
‫عةَ َ‬
‫ن ال سّا َ‬
‫القول ف ـي تأوي ـل قوله تعالى‪ِ{ :‬إ ّ‬
‫ج َهنّ مَ‬
‫س َيدْخُلُونَ َ‬
‫عبَا َدتِي َ‬
‫ع نْ ِ‬
‫س َتكْ ِبرُونَ َ‬
‫س َتجِبْ َلكُ مْ إِ نّ اّلذِي نَ يَ ْ‬
‫ن * َوقَالَ َر ّبكُـمْ ا ْدعُونِ يَ أَ ْ‬
‫يُ ْؤ ِمنُو َ‬
‫دَاخِرِينَ }‪.‬‬
‫يقول تعالى ذكره‪ :‬إن الساعة التي يحيي ال فيها الموتى للثواب والعقاب لجائية أيها الناس‬
‫ل ش كّ في مجيئها يقول‪ :‬فأيقنوا بمجيئها‪ ,‬وأنكم مبعوثون من بعد مماتكم‪ ,‬ومجازون بأعمالكم‪,‬‬
‫س ل يُو ْء ِمنُونَ يقول‪ :‬ولكن أكثر قريش ل يصدّقون بمجيئها‪.‬‬
‫ن أ ْكثَرَ النّا ِ‬
‫فتوبوا إلى ربكم وََلكِ ّ‬
‫ُمـ يقول تعالى ذكره‪ :‬ويقول ربكـم أيهـا الناس لكـم‬
‫َسـَتجِيبْ َلك ْ‬
‫ُمـ ادْعُون ِي أ ْ‬
‫وقوله‪ :‬وَقالَ َر ّبك ُ‬
‫ادعونـي‪ :‬يقول‪ :‬اعبدونـي وأخلصـوا لي العبادة دون مـن تعبدون مـن دون الوثان والصـنام‬
‫س َتجِبْ َلكُ مْ يقول‪ُ :‬أجِ بْ دعاء كم فأع فو عن كم وأرحم كم‪ .‬وبن حو الذي قل نا في ذلك‬
‫وغ ير ذلك أ ْ‬
‫قال أهل التأويل‪ .‬ذكر من قال ذلك‪:‬‬
‫‪23428‬ـ حدثني عليّ‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا عبد ال‪ ,‬قال‪ :‬ثني معاوية‪ ,‬عن عليّ‪ ,‬عن ابن عباس‪ ,‬قوله‪:‬‬
‫ب َل ُكمْ يقول‪ :‬وحّدوني أغفر لكم‪.‬‬
‫س َتجِ ْ‬
‫ادْعُونِي َأ ْ‬
‫‪ 23429‬ـ حدث نا عمرو بن عل يّ‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا ع بد ال بن داود‪ ,‬عن الع مش‪ ,‬عن زرّ‪ ,‬عن‬
‫سيْع الحضرمي‪ ,‬عن النعمان بن بشير‪ ,‬قال‪ :‬قال رسول ال صلى ال عليه وسلم‪« :‬الدّعا ُء هُوَ‬
‫يُ َ‬
‫س َتجِبْ َلكُ مْ إ نّ اّلذِي نَ‬
‫العِبادَةُ»‪ .‬وقرأ ر سول ال صلى ال عل يه و سلم‪َ :‬وقَالَ َر ّبكُ مُ ادْعُونِي أَ ْ‬
‫عنْ عِبادَتِي‪.‬‬
‫ستَ ْك ِبرُونَ َ‬
‫َي ْ‬
‫حدثنا محمد بن بشار‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا عبد الرحمن‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا سفيان‪ ,‬عن منصور‪ ,‬والعمش‬
‫سيْع الحضرمي‪ ,‬عن النعمان بن بشير‪ ,‬قال‪ :‬سمعت النبيّ صلى ال عليه وسلم‬
‫عن زرّ‪ ,‬عن يُ َ‬
‫ب َل ُكمْ‪ ...‬الَية»‪.‬‬
‫ستَجِ ْ‬
‫يقول‪« :‬الدّعاءُ ُه َو العِبادَةُ‪ ,‬وقال َر ّب ُكمُ ادْعُونِي َأ ْ‬
‫حدث نا مح مد بن المث نى‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا مح مد بن جع فر‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا شع بة‪ ,‬عن من صور‪ ,‬عن‬
‫سيْع قال أبو موسى‪ :‬هكذا قال غُندَر‪ ,‬عن سعيد‪ ,‬عن منصور‪ ,‬عن زرّ‪ ,‬عن يُ سَيْع‪,‬‬
‫زرّ‪ ,‬عن يُ َ‬
‫ن الدّعاءُ ُهوَ العِبادَةُ» وَقال َربّكُ مُ‬
‫عن النعمان بن بشير قال‪ :‬قال النبيّ صلى ال عليه وسلم‪« :‬إ ّ‬
‫ب َل ُكمْ‪.‬‬
‫س َتجِ ْ‬
‫ادْعُوني َأ ْ‬
‫حدثنا ابن المثنى‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا عبد الرحمن بن مهدي‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا شعبة‪ ,‬عن منصور‪ ,‬عن‬
‫سيْع عن النعمان بن بشير‪ ,‬عن النبيّ صلى ال عليه وسلم بمثله‪.‬‬
‫زرّ‪ ,‬عن ُي َ‬
‫حدثنا الحسن بن عرفة‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا يوسف بن العرف الباهلي‪ ,‬عن الحسن بن أبي جعفر‪,‬‬
‫عن محمد بن حجادة‪ ,‬عن يسيع الحضرمي‪ ,‬عن النعمان بن بشير‪ ,‬قال‪ :‬قال رسول ال صلى‬
‫س َتجِبْ َلكُ مْ إ نّ‬
‫ال عل يه و سلم‪« :‬إ نّ عِبادَتِي دُعائي» ثُم تل هذه الَ ية‪ :‬وَقال َربّكُ مُ ادْعُو ني أَ ْ‬
‫ن دُعائي»‪.‬‬
‫س َت ْكبِرُونَ عَن عِبا َدتِي قال‪« :‬عَ ْ‬
‫اّلذِينَ َي ْ‬
‫‪ 23430‬ـ حدث نا عل يّ بن سهل‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا مؤ مل‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا عمارة‪ ,‬عن ثا بت‪ ,‬قال‪ :‬قالت‬
‫لنس‪ :‬يا أبا حمزة أبلغك أن الدعاء نصف العبادة؟ قال‪ :‬ل‪ ,‬بل هو العبادة كلها‪.‬‬
‫حدث نا مح مد‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا أح مد‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا أ سباط‪ ,‬عن ال سديّ‪ ,‬قال‪ :‬أخبر نا من صور‪ ,‬عن‬
‫زر‪ ,‬عن ي سيع الحضر مي‪ ,‬عن النعمان بن بش ير‪ ,‬قال‪ :‬قال ر سول ال صلى ال عل يه و سلم‪:‬‬
‫س َت ْكبِرُونَ عَن‬
‫ن اّلذِي نَ يَ ْ‬
‫س َتجِبْ َلكُ ْم إ ّ‬
‫«الدّعا ُء هُ َو العبادَةُ‪ ,‬ثم قرأ هذه الَية وَقال َر ّبكُ مُ ادْعُوني أَ ْ‬
‫عِبا َدتِي»‪.‬‬
‫‪ 23431‬ـ حدث ني يعقوب بن إبراه يم‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا ها شم بن القا سم‪ ,‬عن الشج عي‪ ,‬قال‪ :‬ق يل‬
‫لسفيان‪ :‬ادع ال‪ ,‬قال‪ :‬إن ترك الذنوب هو الدعاء‪.‬‬
‫َسـَت ْكبِرُونَ ع َن عِبادَت ِي يقول‪ :‬إن الذيـن يتعظمون عـن إفرادي بالعبادة‪,‬‬
‫ِينـ ي ْ‬
‫إنـ اّلذ َ‬
‫وقوله‪ّ :‬‬
‫ن بمعنى‪ :‬صاغرين‪ .‬وقد دللنا فيما مضى قبل على‬
‫خرِي َ‬
‫ج َهنّ مَ دا ِ‬
‫ن َ‬
‫س َي ْدخُلُو َ‬
‫وإفراد اللوهة لي َ‬
‫معنى الدخر بما أغنى عن إعادته في هذا الموضع‪.‬‬
‫س َتكْ ِبرُونَ عَن عِبا َدتِي‪ :‬إن الذين يستكبرون عن دعائي‪.‬‬
‫ن يَ ْ‬
‫وقد قيل‪ :‬إن معنى قوله إ نّ اّلذِي َ‬
‫ذكر من قال ذلك‪:‬‬
‫‪ 23432‬ـ حدث نا مح مد بن الح سين‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا أح مد بن المف ضل‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا أ سباط‪ ,‬عن‬
‫س َتكْ ِبرُونَ عَن عِبا َدتِي قال‪ :‬عن دعائي‪.‬‬
‫ن َي ْ‬
‫السديّ إنّ اّلذِي َ‬
‫ِينـ قال‪:‬‬
‫خر َ‬ ‫‪23433‬ــ حدثنـا محمـد‪ ,‬قال‪ :‬حدثنـا أحمـد‪ ,‬قال‪ :‬حدثنـا أسـباط‪ ,‬عـن السـديّ دا ِ‬
‫صاغرين‪.‬‬

‫‪61‬‬ ‫الية ‪:‬‬


‫جعَلَ َلكُ مُ الّليْلَ ِلتَ سْ ُكنُو ْا فِي هِ وَال ّنهَ ـارَ ُمبْ صِـرا‬
‫القول ف ـي تأوي ـل قوله تعالى‪{ :‬الّل ُه اّلذِي َ‬
‫ش ُكرُونَ }‪.‬‬
‫ن اللّ َه َلذُو فَضْلٍ عَلَى النّاسِ وَلَـكِنّ َأكْـ َثرَ النّاسِ لَ َي ْ‬
‫إِ ّ‬
‫يقول تعالى ذكره‪ :‬ال الذي ل تصـلح اللوهـة إل له‪ ,‬ول تنبغـي العبادة لغيره‪ ,‬الذي صـفته‬
‫أنه جعل لكم أيها الناس الليل سكنا لتسكنوا فيه‪ ,‬فتهدؤوا من التصرفّ والضطراب للمعاش‪,‬‬
‫والسباب التي كنتم تتصرفون فيها في نهاركم والنّهارَ ُمبْصِرا يقول‪ :‬وجعل النهار مبصرا من‬
‫اضطرب فيـه لمعاشـه‪ ,‬وطلب حاجا ته‪ ,‬نع مة م نه بذلك عليكـم إنّـ اللّهَـ َلذُو َفضْلِ على النّاسِـ‬
‫ّاسـ ل‬
‫ِنـ أ ْك َثرَ الن ِ‬
‫يقول‪ :‬إن ال لمتفضـل عليكـم أيهـا الناس بمـا ل كفـء له مـن الفضـل وََلك ّ‬
‫شكُرُو نَ يقول‪ :‬ول كن أكثر هم ل يشكرو نه بالطا عة له‪ ,‬وإخلص اللو هة والعبادة له‪ ,‬ول يد‬
‫َي ْ‬
‫تقدمت له عنده استوجب بها منه الشكر عليها‪.‬‬

‫‪63-62‬‬ ‫الية ‪:‬‬


‫ل هُ َو َفأَ ّنىَ‬
‫شيْ ٍء لّ إِلَـهَ ِإ ّ‬
‫القول فـي تأويـل قوله تعالى‪{ :‬ذَِلكُـمُ الّل ُه َربّـكُمْ خَالِ قُ كُـلّ َ‬
‫حدُونَ }‪.‬‬
‫جَ‬‫ن * َكذَِلكَ ُي ْؤ َفكُ اّلذِينَ كَانُو ْا بِآيَاتِ اللّ ِه َي ْ‬
‫تُ ْؤ َفكُو َ‬
‫يقول تعالى ذكره‪ :‬الذي فعـل هذه الفعال‪ ,‬وأنعـم عليكـم هذه النعـم أيهـا الناس‪ ,‬ال مالككـم‬
‫ل شيء ل إلَ َه إلّ ُهوَ يقول‪ :‬ل معبود تصلح له العبادة‬
‫ومصلح أموركم‪ ,‬وهو خالقكم وخالق ك ّ‬
‫غيره‪ ,‬فََأنّى تُو ْءفَكُونَ يقول‪ :‬فأيّ وجه تأخذون‪ ,‬وإلى أين تذهبون عنه‪ ,‬فتعبدون سواه؟‪.‬‬
‫ُونـ يقول‪ :‬كذهابكـم عنـه أيهـا القوم‪,‬‬
‫حد َ‬ ‫جَ‬
‫ّهـ َي ْ‬
‫بآياتـ الل ِ‬
‫ِ‬ ‫ِينـ كانُوا‬
‫َكـ اّلذ َ‬
‫ِكـ يُو ْءف ُ‬
‫وقوله‪َ :‬كذَل َ‬
‫وان صرافكم عن الح قّ إلى البا طل‪ ,‬والر شد إلى الضلل‪ ,‬ذ هب عنه الذ ين كانوا من قبل كم من‬
‫ال مم بآيات ال‪ ,‬يع ني‪ :‬بح جج ال وأدل ته يكذّبون فل يؤمنون يقول‪ :‬ف سلكتم أن تم مع شر قر يش‬
‫مسلكهم‪ ,‬وركبتم محجتهم في الضلل‪.‬‬
‫‪65-64‬‬ ‫الية ‪:‬‬
‫َالسـمَآءَ ِبنَــآءً‬
‫ْضـ قَــرَارا و ّ‬
‫جعَــلَ َلكُــمُ الر َ‬
‫ّهـ اّلذِي َ‬
‫القول فـي تأويـل قوله تعالى‪{ :‬الل ُ‬
‫ط ّيبَا تِ ذَِلكُ مُ اللّ هُ َر ّبكُ ـمْ َفتَ ـبَا َركَ الّل ُه رَ بّ‬
‫ن ال ّ‬
‫وَ صَ ّو َركُـمْ َفَأحْ سَنَ صُ َو َركُـمْ َورَ َز َقكُ ـمْ مّ َ‬
‫ن ا ْلحَـمْ ُد للّ ِه رَبّ ا ْلعَاَلمِينَ }‪.‬‬
‫حيّ لَ إِلَـ َه ِإلّ ُهوَ فَـادْعُوهُ ُمخِْلصِينَ َلهُ الدّي َ‬
‫ا ْلعَاَلمِينَ * هُ َو ا ْل َ‬
‫ل َلكُ مْ الرْ ضَ التي أنتم‬
‫جعَ َ‬
‫يقول تعالى ذكره‪ :‬الّل ُه الذي له اللوهة خالصة أيها الناس الّذي َ‬
‫على ظهرها سكان َقرَارا تستقرون عليها‪ ,‬وتسكنون فوقها‪ ,‬وال سّما َء بِناءً‪ :‬بناها فرفعها فوقكم‬
‫بغير عمد ترونها لمصالحكم‪ ,‬وقوام دنياكم إلى بلوغ آجالكم وَ صَ ّورَكمْ فَأحْ سَنَ صُ َورَ ُكمْ يقول‪:‬‬
‫طيّباتِ يقول‪ :‬ورزقكم من حلل الرزق‪ ,‬ولذيذات المطاعم‬
‫وخلقكم فأحسن خلقكم َو َرزَ َقكُمْ مِنَ ال ّ‬
‫والمشارب‪ .‬وقوله‪ :‬ذَِلكُ مُ الّل ُه َر ّبكُ مْ يقول تعالى ذكره‪ :‬فالذي فعل هذه الفعال‪ ,‬وأنعم عليكم أيها‬
‫الناس هذه النعم‪ ,‬هو ال الذي ل تنبغي اللوهة إل له‪ ,‬وربكم الذي ل تصلح الربوبية لغيره‪ ,‬ل‬
‫الذي ل ين فع ول يضرّ‪ ,‬ول يخلق ول يرزق َفتَبارَ كَ اللّ هُ رَ بّ العَالمِي نَ يقول‪ :‬فتبارك ال مالك‬
‫جميـع الخلق جنهـم وإنسـهم‪ ,‬و سائر أجناس الخلق غيرهـم ُهوَ الحَ يّ يقول‪ :‬هو الح يّ الذي ل‬
‫ل هُوَ يقول‪ :‬ل معبود‬
‫يموت‪ ,‬الدائم الحياة‪ ,‬وكل ش يء سواه فمنقطع الحياة غير دائمها ل إَل هَ إ ّ‬
‫بح قّ تجوز عباد ته‪ ,‬وت صلح اللو هة له إل ال الذي هذه ال صفات صفاته‪ ,‬فادعوه أي ها الناس‬
‫مخلصين له الدين‪ ,‬مخلصين له الطاعة‪ ,‬مفردين له اللوهة‪ ,‬ل تشركوا في عبادته شيئا سواه‪,‬‬
‫ن يقول‪ :‬الشكر ل الذي هو‬
‫ح ْمدُ للّ هِ رَ بّ العَالمِي َ‬
‫من وثن وصنم‪ ,‬ول تجعلوا له ندا ول عِدلً ال َ‬
‫مالك جميع أجناس الخلق‪ ,‬من مَلك وجنّ وإنس وغيرهم‪ ,‬ل للَلهة والوثان التي ل تملك شيئا‪,‬‬
‫ول تقدر على ضر ول نفع‪ ,‬بل هو مملوك‪ ,‬إن ناله نائل بسوء لم يقدر له عن نفسه دفعا‪.‬‬
‫َبـ‬
‫ّهـ ر ّ‬
‫ح ْمدُ لِل ِ‬
‫وكان جماعـة مـن أهـل العلم يأمرون مـن قال‪ :‬ل إله إل ال‪ ,‬أن يتبـع ذلك‪ :‬ال َ‬
‫ل منهم هذه الَية‪ ,‬بأنها أمر من ال بقيل ذلك‪ .‬ذكر من قال ذلك‪:‬‬
‫العَالمِينَ تأو ً‬
‫‪ 23434‬ـ حدثني محمد بن عل يّ بن الحسن بن شقيق‪ ,‬قال‪ :‬سمعت أبي‪ ,‬قال‪ :‬أخبرنا الحسين‬
‫بن وا قد‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا الع مش‪ ,‬عن مجا هد‪ ,‬عن ا بن عباس‪ ,‬قال‪ :‬من قال ل إله إل ال‪ ,‬فلي قل‬
‫ح ْمدُ لِلّه ِـ رَب ّـ‬
‫ن لَه ُـ الدّين َـ ال َ‬
‫على إثرهـا‪ :‬الحمـد ل رب العالميـن‪ ,‬فذلك قوله‪ :‬فادْعُوهُـ ُمخْلِصـِي َ‬
‫العَاَلمِينَ»‪.‬‬
‫‪ 23435‬ـ حدثنا عبد الحميد بن بيان السكري قال‪ :‬حدثنا محمد بن يزيد‪ ,‬عن إسماعيل‪ ,‬عن‬
‫سعيد بن جبير‪ ,‬قال‪« :‬إذا قال أحد كم‪ :‬ل إله إل ال وحده ل شر يك له‪ ,‬فلي قل‪ :‬الح مد ل ر بّ‬
‫ب العَاَلمِينَ‪.‬‬
‫ح ْمدُ لِّلهِ رَ ّ‬
‫ن لَ ُه الدّينَ ال َ‬
‫العالمين‪ ,‬ثم قال‪ :‬فادْعُو ُه ُمخْلِصِي َ‬
‫‪ 23436‬ـ حدثني محمد بن عبد الرحمن‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا محمد بن بشر‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا إسماعيل بن‬
‫أبي خالد‪ ,‬عن سعيد بن جُبير أنه كان يستجب إذا قال‪ :‬ل إله إل ال‪ ,‬يتبعها الحمد ل‪ ,‬ثم قرأ‬
‫حمْ ُد لِلّ ِه رَبّ العَاَلمِينَ‪.‬‬
‫ن ال َ‬
‫ن لَ ُه الدّي َ‬
‫ل هُ َو فادْعُو ُه ُمخِْلصِي َ‬
‫حيّ ل إَلهَ إ ّ‬
‫هذه الَية‪ :‬هُ َو ال َ‬
‫حدثني محمد بن عمارة‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا عبيد ال بن موسى‪ ,‬قال‪ :‬أخبرنا إسماعيل بن أبي خالد‪,‬‬
‫عن عامر‪ ,‬عن سعيد بن جبير‪ ,‬قال‪ :‬إذ قال أحدكم ل إله إل ال وحده‪ ,‬فليقل بأثرها‪ :‬الحمد ل‬
‫ح ْمدُ لِلّ ِه رَبّ العَاَلمِينَ}‪.‬‬
‫ن ال َ‬
‫رب العالمين‪ ,‬ثم قرأ فادْعُوهُ ُمخِْلصِينَ َلهُ الدّي َ‬

‫‪66‬‬ ‫الية ‪:‬‬


‫ن اللّ هِ َلمّا جَآ َءنِ يَ‬
‫ع ُبدَ اّلذِي نَ َتدْعُو نَ مِن دُو ِ‬
‫ن أَ ْ‬
‫القول في تأويل قوله تعالى‪{ :‬قُلْ ِإنّي ُنهِي تُ َأ ْ‬
‫ن ُأسِْلمَ ِلرَبّ ا ْلعَاَلمِينَ }‪.‬‬
‫ا ْل َب ّينَاتُ مِن ّربّي وَُأ ِمرْتُ أَ ْ‬
‫يقول تعالى ذكره لنبيه محمد صلى ال عليه وسلم‪ :‬قل يا محمد لمشركي قومك من قريش‬
‫ن اللّ ِه من الَلهة والوثان َلمّا جا َءنِي ال َبيّناتُ‬
‫ن دُو ِ‬
‫ن مِ ْ‬
‫ع ُبدَ اّلذِي نَ َتدْعُو َ‬
‫إنّي ُنهِيتُ أيها القوم أ نْ َأ ْ‬
‫ن رَبّي يقول‪ :‬ل ما جاء ني الَيات الواضحات من ع ند ر بي‪ ,‬وذلك آيات كتاب ال الذي أنزله‬
‫مِ ْ‬
‫ن أُ سِْلمَ ِلرَب العَاَلمِي نَ يقول‪ :‬وأمر ني ر بي أن أذلّ لر بّ كلّ ش يء‪ ,‬ومالك كلّ خلق‬
‫وأ ِمرْت أ ْ‬
‫بالخضوع‪ ,‬وأخضع له بالطاعة دون غيره من الشياء‪.‬‬
‫‪67‬‬ ‫الية ‪:‬‬
‫جكُ مْ‬
‫خ ِر ُ‬
‫القول في تأويل قوله تعالى‪{ :‬هُ َو اّلذِي خَلَ َقكُ مْ مّن ُترَا بٍ ثُ مّ مِن ّنطْفَ ٍة ثُ مّ مِ نْ عَلَ َقةٍ ثُ مّ ُي ْ‬
‫سمّى‬
‫شيُوخا َومِنكُ مْ مّن ُيتَ َو ّفىَ مِن َقبْلُ وَِل َتبُْلغُوَ ْا َأجَلً مّ َ‬
‫ش ّدكُـ ْم ثُ مّ ِل َتكُـونُواْ ُ‬
‫طِفْلً ثُ مّ ِلتَـبُْلغُوَاْ َأ ُ‬
‫وََلعَلّـ ُكمْ َتعْقِلُونَ }‪.‬‬
‫يقول تعالى ذكره آمرا نبيه محمدا صلى ال عل يه و سلم بت نبيه مشر كي قو مه على حج جه‬
‫لربـ العالميـن الذي صـفته هذه‬
‫ّ‬ ‫عليهـم فـي وحدانيتـه‪ :‬قـل يـا محمـد لقومـك‪ :‬أُمرت أن أسـلم‬
‫ن ُنطْفَةٍ ثُ ّم مِ نْ عَلَ َقةٍ بعد أن كنتم نطفا‬
‫الصفات‪ ,‬وهي أنه خلق أباكم آدم م نْ ُترَا بٍ‪ ,‬ثُ مّ خلقكم مِ ْ‬
‫ش ّدكُمْ‪ ,‬فتتكامل قواكم‪ ,‬ويتناهى شبابكم‪,‬‬
‫جكُمْ طِفْلً من بطون أمهاتكم صغارا‪ ,‬ثُمّ ِل َتبُْلغُوا أ ُ‬
‫خرِ ُ‬
‫ثُمّ ُي ْ‬
‫وتمام خلق كم شيو خا َو ِم ْنكُ مْ مَ نْ ُي َتوَفّى مِ نْ َقبْلُ أن يبلغ الشيخو خة وَِل َتبُْلغُوا أجَلً مُ سَمًى يقول‪:‬‬
‫ُونـ‬
‫ُمـ َتعْقِل َ‬
‫ولتبلغوا ميقاتـا مؤقتـا لحياتكـم‪ ,‬وأجلً محدودا ل تجاوزونـه‪ ,‬ول تتقدمون قبله وََلعَّلك ْ‬
‫يقول‪ :‬وكي تعقلوا حجج ال عليكم بذلك‪ ,‬وتتدبروا آياته فتعرفوا بها أنه ل إله غيره فعل ذلك‪.‬‬

‫‪69-68‬‬ ‫الية ‪:‬‬


‫ضىَ َأمْرا َفِإنّمَا يَقُولُ لَهُـ كُن‬
‫حيِــي َو ُيمِيتُـ َفِإذَا قَ َ‬
‫القول فـي تأويـل قوله تعالى‪{ :‬هُ َو اّلذِي ُي ْ‬
‫صرَفُونَ }‪.‬‬
‫ي آيَاتِ الّلهِ َأّنىَ ُي ْ‬
‫ن فِ َ‬
‫ن ُيجَادِلُو َ‬
‫فيَكُونُ * أََلمْ َترَ إِلَى اّلذِي َ‬
‫حيِي و ُيمِيتُ‬
‫يقول تعالى ذكره لنبيه محمد صلى ال عليه وسلم‪ :‬قل لهم يا محمد‪ :‬ه َو اّلذِي ُي ْ‬
‫يقول قل لهم‪ :‬ومن صفته جل ثناؤه أنه هو الذي يحيي من يشاء بعد مماته‪ ,‬ويميت من يشاء‬
‫مـن الحياء بعـد حياتـه و إذَا قَضَى أمْرا يقول‪ :‬وإذا قضـى كون أمـر مـن المور التـي يريـد‬
‫تكوين ها فإنّمَا يَقُولُ َل ُه كُ نْ يع ني للذي ير يد تكوي نه كن‪ ,‬فيكون ما أراد تكوي نه موجودا بغ ير‬
‫معاناة‪ ,‬ول كلفة مؤنة‪.‬‬
‫ن يقول لنبيه محمد صلى ال عليه‬
‫صرَفُو َ‬
‫ن يُجادِلُونَ فِي آياتِ الّل ِه أنّى يُ ْ‬
‫وقوله‪ :‬ألَ ْم تَ َر إلى اّلذِي َ‬
‫وسلم‪ :‬ألم تر يا محمد هؤلء المشركين من قومك‪ ,‬الذين يخاصمونك في حجج ال وآياته أنّى‬
‫ُيصْ َرفُونَ يقول‪ :‬أيّ وجه يصرفون عن الحق‪ ,‬ويعدلون عن الرشد‪ ,‬كما‪:‬‬
‫صرَفُونَ‪ :‬أنى يكذبون‬
‫‪23437‬ـ حدثنا بشر‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا يزيد‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا سعيد‪ ,‬عن قتادة أنّى يُ ْ‬
‫ويعدلون‪.‬‬
‫صرَفُونَ‬
‫‪ 23438‬ـ حدثني يونس‪ ,‬قال‪ :‬أخبرنا ابن وهب‪ ,‬قال‪ :‬قال ابن زيد‪ ,‬في قوله‪ :‬أنّى يُ ْ‬
‫قال‪ُ :‬يصْ َرفُونَ عن الحقّ‪.‬‬
‫واختلف أهل التأويل في الذين عنوا بهذه الَية‪ ,‬فقال بعضهم‪ :‬عنى بها أهل القدر‪ .‬ذكر من‬
‫قال ذلك‪:‬‬
‫‪ 23439‬ـ حدثنا محمد بن بشار ومحمد بن المثنى‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا مؤمل‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا سفيان‪ ,‬عن‬
‫داود بن أبي هند‪ ,‬عن محمد بن سيرين‪ ,‬قال‪ :‬إن لم تكن هذه الَية نزلت في القدرية‪ ,‬فإني ل‬
‫ن إلى قوله‪ :‬لَ مْ َنكُ نْ‬
‫ن فِي آيا تِ الّل ِه أ نى يُ صْ َرفُو َ‬
‫ن يُجادِلُو َ‬
‫أدري في من نزلت‪ :‬ألَ مْ َترَ إلَى اّلذِي َ‬
‫شيْئا كذَلكَ ُيضِلّ الّلهُ الكا ِفرِينَ‪.‬‬
‫ل َ‬
‫ن قَبْ ُ‬
‫َندْعُوا مِ ْ‬
‫ي بن سهل‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا زيد بن أبي الزرقاء‪ ,‬عن سفيان‪ ,‬عن داود بن أبي هند‪,‬‬
‫حدثني عل ّ‬
‫عن ابن سيرين‪ ,‬قال‪ :‬إن لم يكن أهل القدر الذين يخوضون في آيات ال فل علم لنا به‪.‬‬
‫‪ 23440‬ـ حدث ني يو نس‪ ,‬قال‪ :‬أخبر نا ا بن و هب‪ ,‬قال‪ :‬أ خبرني مالك بن أ بي الخ ير الزيادي‪,‬‬
‫عن أبي قبيل‪ ,‬قال‪ :‬أخبرني عقبة بن عامر الجهني‪ ,‬أن رسول ال صلى ال عليه وسلم قال‪:‬‬
‫ل اللّي نِ» فقال عقبة‪ :‬يا رسول ال‪ ,‬وما أهل الكتاب؟ قال‪:‬‬
‫ل الكِتا بِ‪ ,‬وأهْ ُ‬
‫ن ُأ ّمتِي أهْ ُ‬
‫س َيهِْلكُ ِم ْ‬
‫«َ‬
‫ن آ َمنُوا»‪ ,‬فقال عقبة‪ :‬يا رسول ال‪ ,‬وما أهل اللّين؟ قال‪:‬‬
‫ن اّلذِي َ‬
‫«قَوْمٌ َي َتعَّلمُونَ كِتابَ اللّهِ يُجادِلُو َ‬
‫ن ال صّلَوَاتِ»‪ .‬قال أ بو قب يل‪ :‬ل أح سب المكذّب ين بالقدر إل‬
‫ضيّعُو َ‬
‫شهَوَا تِ‪ ,‬و ُي َ‬
‫«قَوْ مٌ َي ّت ِبعُو نَ ال ّ‬
‫الذين يجادلون الذين آمنوا‪ ,‬وأما أهل اللّين‪ ,‬فل أحسبهم إل أهل العمود ليس عليهم إمام جماعة‪,‬‬
‫ول يعرفون شهر رمضان‪.‬‬
‫وقال آخرون‪ :‬بل عنى به أهل الشرك‪ .‬ذكر من قال ذلك‪:‬‬
‫‪23441‬ـ حدثني يونس‪ ,‬قال‪ :‬أخبرنا ابن وهب‪ ,‬قال‪ :‬قال ابن زيد‪ ,‬في قوله‪ :‬ألَمْ َترَ إلَى اّلذِي نَ‬
‫ن قال‪ :‬هؤلء المشركون‪.‬‬
‫ت اللّ ِه أنى ُيصْ َرفُو َ‬
‫يُجادِلُونَ فِي آيا ِ‬
‫ن َك ّذبُوا‬
‫وال صواب من القول في ذلك ما قاله ا بن ز يد و قد ب ين ال حقي قة ذلك بقوله‪ :‬اّلذِي َ‬
‫ب و ِبمَا أ ْرسَلْنا بِ ِه رُسُلَنا‪.‬‬
‫با ْل ِكتَا ِ‬

‫‪74-70‬‬ ‫الية ‪:‬‬


‫القول في تأويل قوله تعالى‪{ :‬اّلذِي نَ َك ّذبُو ْا بِا ْلكِـتَابِ َو ِبمَآ َأرْ سَ ْلنَا بِ هِ رُ سَُلنَا فَ سَ ْوفَ َيعَْلمُو نَ *‬
‫ن * ثُ مّ قِيلَ َلهُ مْ‬
‫جرُو َ‬
‫سَ‬‫حمِي مِ ثُ ّم فِي النّارِ يُ ْ‬
‫سحَبُونَ * فِي ا ْل َ‬
‫لسِلُ يُ ْ‬
‫عنَا ِقهِ مْ وال سّ َ‬
‫ل فِ يَ أَ ْ‬
‫ِإذِ الغْلَ ُ‬
‫شيْئا َكذَلِكَ‬
‫عنّا بَل لّمْ َن ُكنْ ّندْعُواْ مِن َقبْلُ َ‬
‫ن اللّ ِه قَـالُو ْا ضَـلّواْ َ‬
‫ن * مِن دُو ِ‬
‫ن مَا كُنتُ ْم ُتشْ ِركُو َ‬
‫َأيْ َ‬
‫ُيضِلّ اللّ ُه ا ْلكَا ِفرِينَ }‪.‬‬
‫يقول تعالى ذكره‪ :‬ألم تر إلى الذين يجادلون في آيات ال أنى يصرفون الذين كذّبوا بكتاب‬
‫ال‪ ,‬و هو هذا القرآن و«الذ ين» الثان ية في مو ضع خ فض ردا ل ها على «الذ ين» الولى على‬
‫و جه الن عت وبِمَا أرْ سَلْنا بِ ِه رُ سُلَنا يقول‪ :‬وكذّبوا أي ضا مع تكذيب هم بكتاب ال ب ما أر سلنا به‬
‫رسلنا من إخلص العبادة ل‪ ,‬والبراءة مما يعبد دونه من الَلهة والنداد‪ ,‬والقرار بالبعث بعد‬
‫الممات للثواب والعقاب‪.‬‬
‫ل في أعْنا ِقهِ مْ وال سّلسِلُ‪ ,‬وهذا تهد يد من ال المشرك ين به‬
‫ن إذِ الغْل ِ‬
‫وقوله‪ :‬فَ سَ ْوفَ َيعَْلمُو َ‬
‫يقول جلّ ثناؤه‪ :‬فسـوف يعلم هؤلء الذيـن يجادلون فـي آيات ال‪ ,‬المكذّبون بالكتاب حقيقـة مـا‬
‫ت خبرهم به يا مح مد‪ ,‬و صحة ما هم به اليوم مكذبون من هذا الكتاب‪ ,‬ح ين تج عل الغلل‬
‫وال سلسل في أعناق هم في جه نم‪ .‬وقرأت قراء الم صار‪ :‬وال سلسلُ‪ ,‬برفع ها عط فا ب ها على‬
‫حبُونَ»‬
‫سَ‬‫الغلل على المع نى الذي بيّ نت‪ .‬وذُ كر عن ا بن عباس أ نه كان يقرؤه «وال سّلسِلُ يُ ْ‬
‫بن صب ال سلسل في الحم يم‪ .‬و قد حُ كي أي ضا ع نه أ نه كان يقول‪ :‬إن ما هو و هم في ال سلسل‬
‫يسحبون‪ ,‬ول يجيز أهل العلم بالعربية خفض السم والخافض مضمر‪ .‬وكان بعضهم يقول في‬
‫ذلك‪ :‬لو أن متوهّما قال‪ :‬إنما المعنى‪ :‬إذ أعناقهم في الغلل والسلسل يسحبون‪ ,‬جاز الخفض‬
‫في السلسل على هذا المذهب‪ ,‬وقال‪ :‬مثله‪ ,‬مما ردّ إلى المعنى‪ ,‬قول الشاعر‪:‬‬
‫ل ْرقَما‬
‫حيّاتُ ِمنْ ُه ال َقدَماالُ ْفعُوَانَ والشّجاعَ ا َ‬
‫َقدْ سَالمَ ال َ‬
‫فنصب الشّجاع والحيات قبل ذلك مرفو عة‪ ,‬لن المعنى‪ :‬قد سالمت رجله الحيات وسالمتها‪,‬‬
‫فلما احتاج إلى نصب القافية‪ ,‬جعل الفعل من القدم واقعا على الحيات‪.‬‬
‫والصواب من القراءة عندنا في ذلك ما عليه قراء المصار‪ ,‬لجماع الحجة عليه‪ ,‬وهو رفع‬
‫السلسل عطفا بها على ما في قوله‪ :‬فِي أعْنا ِق ِهمْ من ذكر الغلل‪.‬‬
‫ن يقول‪ :‬يسحب هؤلء الذين كذّبوا في الدنيا بالكتاب زبانيةُ العذاب يوم القيامة‬
‫حبُو َ‬
‫سَ‬‫وقوله‪ :‬يُ ْ‬
‫في الحميم‪ ,‬وهو ما قد انتهى حرّه‪ ,‬وبلغ غايته‪.‬‬
‫ن يقول‪ :‬ثم في نار جه نم يحرقون‪ ,‬يقول‪ :‬ت سجر ب ها جه نم‪ :‬أي‬
‫جرُو َ‬
‫سَ‬‫وقوله‪ :‬ثُ مّ فِي النّارِ يُ ْ‬
‫توقد بهم‪ .‬وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل‪ .‬ذكر من قال ذلك‪:‬‬
‫‪23442‬ـ حدثني محمد بن عمرو‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا أبو عاصم‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا عيسى وحدثني الحارث‪,‬‬
‫قال‪ :‬حدثنـا الحسـن‪ ,‬قال‪ :‬حدثنـا ورقاء‪ ,‬جميعـا عـن ابـن أبـي نجيـح‪ ,‬عـن مجاهـد‪ ,‬فـي قوله‪:‬‬
‫سجَرُونَ قال‪ :‬يوقد بهم النار‪.‬‬
‫ُي ْ‬
‫سجَرُونَ‬
‫ي ثُ مّ فِي النّارِ يُ ْ‬
‫‪ 23443‬ـ حدثنا محمد‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا أحمد‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا أسباط‪ ,‬عن السد ّ‬
‫قال‪ :‬يحرقون في النار‪.‬‬
‫‪ 23444‬ـ حدث ني يو نس‪ ,‬قال‪ :‬أخبر نا ا بن و هب‪ ,‬قال‪ :‬قال ا بن ز يد‪ ,‬في قوله‪ :‬ثُ مّ فِي النّارِ‬
‫سجَرُونَ قال‪ :‬يسجرون في النار‪ :‬يوقد عليهم فيها‪.‬‬
‫ُي ْ‬
‫ن اللّ هِ يقول‪ :‬ثم قيل‪ :‬أين الذين كنتم تشركون‬
‫ن دُو ِ‬
‫ن مِ ْ‬
‫وقوله‪ :‬ثُ مّ قِيلَ َلهُ مْ أ ْينَما ُك ْنتُ مْ تُش ِركُو َ‬
‫بعبادتكم إياها من دون ال من آلهتكم وأوثانكم حتى يغيثوكم فينقذوكم مما أنتم فيه من البلء‬
‫والعذاب‪ ,‬فإن المعبود يغ يث من عبده وخد مه وإن ما يقال هذا ل هم توبي خا وتقري عا على ما كان‬
‫من هم في الدن يا من الك فر بال وطا عة الشيطان‪ ,‬فأجاب الم ساكين ع ند ذلك فقالوا‪ :‬ضلوا ع نا‪:‬‬
‫يقول‪ :‬عدلوا عنا‪ ,‬فأخذوا غير طريقنا‪ ,‬وتركونا في هذا البلء‪ ,‬بل ما ضلوا عنا‪ ,‬ولكنا لم نكن‬
‫ندعـو مـن قبـل فـي الدنيـا شيئا‪ :‬أي لم نكـن نعبـد شيئا يقول ال تعالى ذكره‪ :‬كذَلكَـ ُيضِلّ اللّهُـ‬
‫ل عنهم في جهنم ما كانوا يعبدون في الدنيا من دون‬
‫الكَا ِفرِي نَ يقول‪ :‬كما أضلّ هؤلء الذين ض ّ‬
‫ل ال أهـل الكفـر بـه عنـه‪ ,‬وعـن رحمتـه‬
‫ال مـن الَلهـة والوثان آلهتهـم وأوثانهـم‪ ,‬كذلك يض ّ‬
‫وعبادته‪ ,‬فل يرحمهم فينجيهم من النار‪ ,‬ول يغيثهم فيخفف عنهم ما هم فيه من البلء‪.‬‬

‫‪76-75‬‬ ‫الية ‪:‬‬


‫القول فـي تأويـل قوله تعالى‪{ :‬ذَِلكُم ْـ بِمَا كُنتُم ْـ َت ْفرَحُونَـ فِي الرْضِـ ِب َغ ْيرِ ا ْلحَقّـ َوبِمَا كُنتُم ْـ‬
‫ن فِيهَا َف ِبئْسَ َمثْوَى ا ْل ُم َت َكّبرِينَ }‪.‬‬
‫ج َهنّمَ خَاِلدِي َ‬
‫ب َ‬
‫َتمْ َرحُونَ * ا ْدخُلُوَ ْا َأبْوَا َ‬
‫ق هذا الذي فعلنا اليوم‬
‫يعني تعالى ذكره بقوله‪ :‬ذَِلكُ مْ ِبمَا ُك ْنتُ مْ تَ ْف َرحُو نَ في الرْ ضِ بغَيرِ الحَ ّ‬
‫بكم أيها القوم من تعذيبنا كم العذاب الذي أنتم فيه‪ ,‬بفرحكم الذي كنتم تفرحونه في الدنيا‪ ,‬بغير‬
‫ما أذن لكم به من الباطل والمعاصي‪ ,‬وبمرحكم فيها‪ ,‬والمرح‪ :‬هو الشر والبطر‪ .‬وبنحو الذي‬
‫قلنا في ذلك قال أهل التأويل‪ .‬ذكر من قال ذلك‪:‬‬
‫‪ 23445‬ـ حدثني محمد بن سعد‪ ,‬قال‪ :‬ثني أبي‪ ,‬قال‪ :‬ثني عمي‪ ,‬قال‪ :‬ثني أبي‪ ,‬عن أبيه‪ ,‬عن‬
‫ا بن عباس‪ ,‬قوله‪ :‬بِمَا ُك ْنتُ مْ َت ْفرَحُو نَ في الرْ ضِ بغَيرِ الحَ قّ إلى فَبئْ سَ َمثْوَى ال ُم َتكَبّري نَ قال‪:‬‬
‫خيَلء‪ ,‬والعمل في الرض بالخطيئة‪ ,‬وكان ذلك في الشرك‪ ,‬وهو مثل‬
‫الفرح والمرح‪ :‬الفخر وال ُ‬
‫ن وذلك في الشرك‪.‬‬
‫ل لَ ُه قَ ْومُ ُه ل تَ ْفرَحْ إنّ الّل َه ل ُيحِبّ ال َف ِرحِي َ‬
‫قوله لقارون‪ :‬إ ْذ قا َ‬
‫‪23446‬ـ حدثني محمد بن عمرو‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا أبو عاصم‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا عيسى وحدثني الحارث‪,‬‬
‫قال‪ :‬حدثنا الحسن‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا ورقاء‪ ,‬جميعا عن ابن أبي نجيح‪ ,‬عن مجاهد‪ ,‬قوله‪ِ :‬بمَا ُك ْنتُ مْ‬
‫شرُون‪.‬‬
‫حقّ وبما ُك ْن ُتمْ َتمْ َرحُونَ قال‪َ :‬تبْطرون وتأ َ‬
‫ض بغَيرِ ال َ‬
‫ن في الرْ ِ‬
‫تَ ْف َرحُو َ‬
‫ن قال‪:‬‬
‫‪ 23447‬ـ حدثنا محمد‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا أحمد‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا أسباط‪ ,‬عن السديّ‪ ,‬قوله‪َ :‬ت ْم َرحُو َ‬
‫تبطرون‪.‬‬
‫ن فِيها يقول تعالى ذكره لهم‪ :‬ادخلوا أبواب جهنم السبعة من‬
‫ج َهنّمَ خَاِلدِي َ‬
‫ب َ‬
‫وقوله‪ :‬ا ْدخُلُوا أ ْبوَا َ‬
‫ن يقول‪ :‬فبئس منزل المتكبرين في الدنيا‬
‫كلْ باب منها جزء مقسوم منكم َف ِبئْ سَ َمثْوَى ال ُم ُت َكّبرِي َ‬
‫على ال أن يوحدوه‪ ,‬ويؤمنوا برسله اليوم جهنم‪.‬‬

‫‪77‬‬ ‫الية ‪:‬‬


‫ض اّلذِي َن ِعدُهُ مْ أَوْ‬
‫عدَ اللّ هِ حَ قّ فَ ـِإمّا ُنرِ َينّ كَ َبعْ َ‬
‫القول في تأو يل قوله تعالى‪{ :‬فَا صْ ِبرْ ِإ نّ َو ْ‬
‫َنتَ َو ّف َينّكَ َفإَِل ْينَا ُي ْرجَعُونَ }‪.‬‬
‫يقول تعالى ذكره ل نبيه مح مد صلى ال عل يه و سلم‪ :‬فا صبر يا مح مد على ما يجادلك به‬
‫هؤلء المشركون في آيات ال التي أنزلناها عليك‪ ,‬وعلى تكذيبهم إياك‪ ,‬فإن ال منجز لك فيهم‬
‫ما وعدك من الظ فر علي هم‪ ,‬والعلو علي هم‪ ,‬وإحلل العقاب ب هم‪ ,‬ك سنتنا في مو سى بن عمران‬
‫ل ثناؤه‪ :‬فإما نرينك يا محمد في حياتك بعض‬
‫ومن كذّبه فإمّا ُن ِر َينّكَ َبعْضَ اّلذِي َن ِعدُهُمْ يقول ج ّ‬
‫ل ذلك ب هم‬
‫ل ب هم أ ْو َنتَ َو ّفيَنّ كَ ق بل أن يح ّ‬
‫الذي ن عد هؤلء المشرك ين من العذاب والنق مة أن يح ّ‬
‫جعُونَ يقول‪ :‬فإلينا مصيرك ومصيرهم‪ ,‬فنحكم عند ذلك بينك وبينهم بالحقّ بتخليدنا هم‬
‫فَإلَيْنا ُي ْر َ‬
‫في النار‪ ,‬وإكرامناك بجوارنا في جنات النعيم‪.‬‬
‫‪78‬‬ ‫الية ‪:‬‬
‫صنَا عََليْ كَ َو ِم ْنهُ مْ مّن‬
‫القول في تأويل قوله تعالى‪{ :‬وََل َقدْ َأرْ سَلْنَا رُ سُلً مّن َقبْلِ كَ ِم ْنهُم مّن قَ صَ ْ‬
‫ل ِبِإذْ نِ الّل هِ َفِإذَا جَـآءَ َأ ْمرُ اللّ ِه ُقضِ يَ بِا ْلحَ قّ‬
‫ل أَن َي ْأتِ يَ بِآيَةٍ ِإ ّ‬
‫لّ مْ نَقْ صُصْ عََليْ كَ َومَا كَا نَ ِلرَ سُو ٍ‬
‫سرَ ُهنَاِلكَ ا ْل ُم ْبطِلُونَ }‪.‬‬
‫خِ‬‫َو َ‬
‫ن َقبْلِ كَ إلى‬
‫يقول تعالى ذكره لنبيه محمد صلى ال عليه وسلم‪ :‬وَلَ َقدْ أرْ سَلْنا يامحمد رُ سُلً مِ ْ‬
‫أممها ِم ْنهُمْ َمنْ َقصَصْنا عََل ْيكَ يقول‪ :‬من أولئك الذين أرسلنا إلى أممهم من قصصنا عليك نبأهم‬
‫ن َلمْ نَ ْقصُصّ عََل ْيكَ نبأهم‪ .‬وذُكر عن أنس أنهم ثمانية آلف‪ .‬ذكر الرواية بذلك‪:‬‬
‫َو ِم ْن ُهمْ مِ ْ‬
‫‪ 23448‬ـ حدثنا عل يّ بن شعيب السمسار‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا معن بن عيسى‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا إبراهيم بن‬
‫المهاجر بن مسمار‪ ,‬عن محمد بن المنكدر‪ ,‬عن يزيد بن أبان‪ ,‬عن أنس بن مالك‪ ,‬قال‪ :‬بُعث‬
‫النبيّ صلى ال عليه وسلم بعد ثمانية آلف من النبياء‪ ,‬منهم أربعة آلف من بني إسرائيل‪.‬‬
‫‪ 23449‬ـ حدثنا أبو ُك َريْب قال‪ :‬حدثنا يونس‪ ,‬عن عتبة بن عتيبة البصريّ العبد يّ‪ ,‬عن أبي‬
‫سهل عن وهب بن عبد ال بن كعب بن سور الزدي‪ ,‬عن سلمان‪ ,‬عن النبي صلى ال عليه‬
‫وسلم قال‪« :‬بعث ال أربعة آلف نبي»‪.‬‬
‫‪23450‬ــ حدثنـي أحمـد بـن الحسـين الترمذي‪ ,‬قال‪ :‬حدثنـا آدم بـن أبـي إياس‪ ,‬قال‪ :‬حدثنـا‬
‫إسرائيل‪ ,‬عن جابر‪ ,‬عن ابن عبد ال بن يحيى‪ ,‬عن عل يّ بن أبي طالب رضي ال عنه‪ ,‬في‬
‫ك قال‪ :‬بعث ال عبدا حبشيا نبيا‪ ,‬فهو‬
‫صصْنا عََليْ كَ َو ِم ْنهُ مْ ِم نْ لَ مْ َنقْ صُصّ عََليْ َ‬
‫ن قَ َ‬
‫قوله‪ِ :‬م ْنهُ مْ مَ ْ‬
‫الذي لم نقصص عليك‪.‬‬
‫ن اللّ ِه يقول تعالى ذكره‪ :‬وما جعلنا لرسول ممن‬
‫ن َي ْأتِيَ بآيَ ٍة إلّ بإذْ ِ‬
‫لأْ‬
‫وقوله‪ :‬وَما كانَ ِلرَسُو ِ‬
‫أرسلناه من قبلك الذين قصصناهم عليك‪ ,‬والذين لم نقصصهم عليك إلى أممها أن يأتي قومه‬
‫ل ثناؤه لنبيه‪ :‬فلذلك لم يجعل‬
‫بآية فاصلة بينه وبينهم‪ ,‬إل بإذن ال له بذلك‪ ,‬فيأتيهم بها يقول ج ّ‬
‫لك أن تأ تي قو مك ب ما ي سألونك من الَيات دون إذن نا لك بذلك‪ ,‬ك ما لم نج عل ل من قبلك من‬
‫ي بالحَ قّ يع ني بالعدل‪ ,‬و هو أن ين جي ر سله‬
‫ر سلنا إل أن نأذن له به فإذَا جاءَ أ ْمرُ الّل ِه قُضِ َ‬
‫ن يقول‪ :‬وهلك هنالك الذ ين أبطلوا في قيل هم الكذب‪,‬‬
‫سرَ هُنالِ كَ ال ُمبْطِلُو َ‬
‫والذ ين آمنوا مع هم وخَ ِ‬
‫وافترائهم على ال وادعائهم له شريكا‪.‬‬

‫‪81-79‬‬ ‫الية ‪:‬‬


‫جعَلَ َلكُ مُ ال ْنعَا مَ ِل َت ْركَ ـبُو ْا ِمنْهَا َو ِمنْهَا َت ْأكُلُو نَ *‬
‫القول في تأو يل قوله تعالى‪{ :‬اللّ ُه اّلذِي َ‬
‫حمَلُو نَ * َو ُيرِيكُ مْ‬
‫صدُو ِركُمْ وَعََل ْيهَا وَعَلَى الْفُلْ كِ ُت ْ‬
‫وََلكُ مْ فِيهَا َمنَافِ عُ وَِلتَـبُْلغُواْ عََل ْيهَا حَاجَةً فِي ُ‬
‫ت اللّ ِه تُنكِرُونَ }‪.‬‬
‫آيَاتِهِ َفَأيّ آيَا ِ‬
‫يقول تعالى ذكره‪ :‬اللّه ُـ الذي ل تصـلح اللوهـة إل له أيهـا المشركون بـه مـن قريـش اّلذِي‬
‫جعَلَ َلكُ مُ النْعا مَ مـن ال بل والب قر والغنـم والخيـل‪ ,‬وغ ير ذلك من البهائم التـي يقتني ها أهـل‬
‫َ‬
‫ن يعني البل والبقر‬
‫السلم لمركب أو لمطعم ِل َت ْر َكبُوا ِمنْها يعني‪ :‬الخيل والحمير َو ِمنْها تَأكُلُو َ‬
‫والغ نم‪ .‬وقال‪ِ :‬ل َت ْر َكبُوا ِمنْ ها ومعناه‪ :‬لتركبوا من ها بع ضا ومن ها بع ضا تأكلون‪ ,‬فحذف ا ستغناء‬
‫بدللة الكلم على ما حذف‪.‬‬
‫وقوله‪ :‬وََلكُ مْ فِي ها مَنافِ ُع وذلك أن ج عل ل كم من جلود ها بيو تا ت ستخفونها يوم ظعن كم‪ ,‬ويوم‬
‫إقامتكم‪ ,‬ومن أصوافها وأوبارها وأشعارها أثاثا ومتاعا إلى حين‪.‬‬
‫صدُو ِر ُكمْ يقول‪ :‬ولتبلغوا بالحمولة على بعضها‪ ,‬وذلك البل‬
‫وقوله‪ :‬وَِل َتبُْلغُوا عََليْها حاجَةَ في ُ‬
‫حمِلُ‬
‫حا جة في صدروكم لم تكونوا بالغي ها لول هي‪ ,‬إل بش قّ أنف سكم‪ ,‬ك ما قال جلّ ثناؤه‪ :‬وَت ْ‬
‫أثْقاَلكُ مْ إلى بََلدٍ لَ مْ َتكُونُوا باِلغِي ِه إلّ ِبشِ قّ النْفُ سِ‪ .‬وبن حو الذي قل نا في ذلك قال أ هل التأو يل‪.‬‬
‫ذكر من قال ذلك‪:‬‬
‫‪23451‬ـ حدثنا بشر‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا يزيد‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا سعيد‪ ,‬عن قتادة‪ ,‬قوله‪ :‬وَِل َتبُْلغُوا عََليْها حاجَةً‬
‫صدُو ِر ُكمْ يعني البل تحمل أثقالكم إلى بلد‪.‬‬
‫في ُ‬
‫‪ 23452‬ـ حدث ني الحارث‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا الح سن‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا ورقاء‪ ,‬عن ا بن أ بي نج يح‪ ,‬عن‬
‫صدُو ِر ُكمْ لحاجتكم ما كانت‪.‬‬
‫مجاهد وَِل َتبُْلغُوا عََليْها حاجَ َة في ُ‬
‫وقوله‪َ :‬وعََليْها يعني‪ :‬وعلى هذه البل‪ ,‬وما جانسها من النعام المركوبة َوعَلى الفُلْ كِ يعني‪:‬‬
‫ن يقول نحملكم على هذه في البرّ‪ ,‬وعلى هذه في البحر و ُيرِيكُ مْ آياتِ ِه يقول‪:‬‬
‫حمَلُو َ‬
‫وعلى السفن ُت ْ‬
‫ن يقول‪ :‬فأي حجج ال التي يريكم أيها الناس‪ .‬في السماء‬
‫ويريكم حججه‪ ,‬فأ يّ آيا تِ الّل هِ ُت ْنكَرو َ‬
‫والرض تنكرون صحتها‪ ,‬فتكذّبون من أجل فسادها بتوحيد ال‪ ,‬وتدعون من دونه إلها‪.‬‬

‫‪82‬‬ ‫الية ‪:‬‬


‫ن مِن‬
‫ظرُواْ َكيْفَ كَانَ عَا ِقبَةُ اّلذِي َ‬
‫القول فـي تأويـل قوله تعالى‪َ{ :‬أفَلَمْ يَسِيرُو ْا فِي الرْضِ َفيَن ُ‬
‫سبُونَ }‪.‬‬
‫ع ْنهُم مّا كَانُواْ َي ْك ِ‬
‫غ َنىَ َ‬
‫شدّ قُ ّوةً وَآثَارا فِي الرْضِ َفمَآ أَ ْ‬
‫َقبْلِ ِهمْ كَانُوَ ْا َأكْـثَرَ ِم ْن ُهمْ وََأ َ‬
‫يقول تعالى ذكره‪ :‬أفلم يسر يا محمد هؤلء المجادلون في آيات ال من مشركي قومك في‬
‫البلد‪ ,‬فإنهم أهل سفر إلى الشأم واليمن‪ ,‬رحلتهم في الشتاء والصيف‪ ,‬فينظروا فيما وطئوا من‬
‫البلد إلى وقائعنا بمن أوقعنا به من المم قبلهم‪ ,‬ويروا ما أحللنا بهم من بأسنا بتكذيبهم رسلنا‪,‬‬
‫وجحود هم آيات نا‪ ,‬ك يف كان ع قبى تكذيب هم‪ .‬كانوا أك ثر من هم يقول‪ :‬كان أولئك الذ ين من ق بل‬
‫هؤلء المكذّب يك من قر يش أك ثر عددا من هؤلء وأش ّد بط شا‪ ,‬وأقوى قوّة‪ ,‬وأب قى في الرض‬
‫آثارا‪ ,‬لنهم كانوا ينحتون من الجبال بيوتا ويتخذون مصانع‪ .‬وكان مجاهد يقول في ذلك ما‪:‬‬
‫‪ 23453‬ـ حدث ني الحرث‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا الح سن‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا ورقاء‪ ,‬عن ا بن أ بي نج يح‪ ,‬عن‬
‫مجاهد وآثارا فِي الرْضِ المشي بأرجلهم‪.‬‬
‫ن يقول‪ :‬فلما جاءهم بأسنا وسطوتنا‪ ,‬لم ي غن عنهم ما كانوا‬
‫سبُو َ‬
‫ع ْنهُ مْ ما كانُوا َيكْ ِ‬
‫غنَى َ‬
‫َفمَا أ ْ‬
‫يعملون من البيوت في الجبال‪ ,‬ولم يدفع عنهم ذلك شيئا‪ ,‬ولكنهم بادوا جميعا فهلكوا‪ .‬وقد قيل‪:‬‬
‫ي شيء أغنى عنهم وعلى هذا التأويل يجب أن يكون «ما»‬
‫ع ْنهُ مْ فأ ّ‬
‫غنَى َ‬
‫إن معنى قوله‪َ :‬فمَا أ ْ‬
‫الولى في مو ضع ن صب‪ ,‬والثان ية في مو ضع ر فع‪ .‬يقول‪ :‬فلهؤلء المجادل يك من قو مك يا‬
‫مح مد في أولئك مع تبر إن اع تبروا‪ ,‬ومت عظ إن اتعظوا‪ ,‬وإن بأ سنا إذا حلّ بالقوم المجرم ين لم‬
‫يدفعه دافع‪ ,‬ولم يمنعه مانع‪ ,‬وهو بهم إن لم ينيبوا إلى تصديقك واقع‪.‬‬
‫‪83‬‬ ‫الية ‪:‬‬
‫القول ف ـي تأوي ـل قوله تعالى‪{ :‬فَلَمّا جَآ َء ْتهُ مْ رُ سُُلهُم بِا ْلبَ ّينَا تِ فَ ِرحُو ْا بِمَا عِندَهُ مْ مّ نَ ا ْلعِلْ مِ‬
‫ستَ ْه ِزئُونَ }‪.‬‬
‫َوحَاقَ ِبهِم مّا كَانُو ْا بِ ِه َي ْ‬
‫يقول تعالى ذكره‪ :‬فلما جاءت هؤلء المم الذين من قبل قريش المكذّبة رسلها رسلهم الذين‬
‫ع ْندَهُ مْ مِ نَ‬
‫ل فَ ِرحُوا بِمَا ِ‬
‫أر سلهم ال إلي هم بالبينات‪ ,‬يع ني‪ :‬بالواضحات من ح جج ال عزّ وج ّ‬
‫ل من هم ب ما عند هم من العلم وقالوا‪ :‬لن نب عث‪ ,‬ولن يعذّب نا ال‪ .‬وبن حو‬
‫العِلْ مِ يقول‪ :‬فرحوا جه ً‬
‫الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل‪ .‬ذكر من قال ذلك‪:‬‬
‫‪23454‬ـ حدثني محمد بن عمرو‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا أبو عاصم‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا عيسى وحدثني الحارث‪,‬‬
‫قال‪ :‬حدث نا الح سن‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا ورقاء‪ ,‬جمي عا عن ا بن أ بي نج يح‪ ,‬عن مجا هد في قول ال‬
‫ن العِ ْلمِ قال‪ :‬قولهم‪ :‬نحن أعلم منهم‪ ,‬لن نعذّب‪ ,‬ولن نبعث‪.‬‬
‫ع ْندَ ُهمْ مِ َ‬
‫فَ ِرحُوا ِبمَا ِ‬
‫‪ 23455‬ـ حدث نا مح مد بن الح سين‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا أح مد بن المف ضل‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا أ سباط‪ ,‬عن‬
‫ن العِ ْلمِ بجهالتهم‪.‬‬
‫ع ْندَ ُهمْ مِ َ‬
‫السديّ َف ِرحُوا ِبمَا ِ‬
‫س َت ْهزِئُونَ يقول‪ :‬وحاق بهم من عذاب ال ما كانوا يستعجلون‬
‫وقوله‪ :‬وَحا قَ ِبهِ مْ ما كانُوا ِب ِه يَ ْ‬
‫رسلهم به استهزاء وسخرية‪ .‬وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل‪ .‬ذكر من قال ذلك‪:‬‬
‫‪ 23456‬ـ حدثنا محمد بن عمرو‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا أبو عاصم‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا عيسى وحدثني الحارث‪,‬‬
‫ق ِبهِ مْ‬
‫قال‪ :‬حدثنا الحسن‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا ورقاء‪ ,‬جميعا عن ابن أبي نجيح‪ ,‬عن مجاهد‪ ,‬قوله‪ :‬وَحا َ‬
‫ن ما جاءتهم به رسلهم من الحقّ‪.‬‬
‫س َت ْه ِزئُو َ‬
‫ما كانُوا بِهِ َي ْ‬

‫‪84‬‬ ‫الية ‪:‬‬


‫حدَ هُ َوكَـ َف ْرنَا ِبمَا ُكنّا بِ هِ‬
‫{فََلمّا رَأَوْ ْا َبأْ سَنَا قَالُوَ ْا آ َمنّا بِاللّ هِ َو ْ‬ ‫القول فـي تأويـل قوله تعالى‪:‬‬
‫ُمشْ ِركِينَ }‪.‬‬
‫يقول تعالى ذكره‪ :‬فل ما رأت هذه ال مم المكذّ بة ر سلها بأ سنا‪ ,‬يع ني عقاب ال الذي وعدت هم‬
‫به رسُلهم قد حلّ بهم‪ ,‬كما‪:‬‬
‫‪ 23457‬ـ حدثنا مح مد‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا أحمد‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا أسباط‪ ,‬عن السديّ فََلمّارأَوْا بأ سَنا قال‪:‬‬
‫النقمات التي نزلت بهم‪.‬‬
‫حدَ ُه يقول‪ :‬قالوا‪ :‬أقررنا بتوحيد ال‪ ,‬وصدّقنا أنه ل آله غيره َوكَ َفرْنا‬
‫وقوله‪ :‬قَالُوا آ َمنّا باللّ هِ َو ْ‬
‫بِمَا كُنّا بِ ِه ُمشْ ِركِي نَ يقول‪ :‬وجحد نا الَل هة ال تي ك نا ق بل وقت نا هذا نشرك ها في عبادت نا ال‬
‫ونعبدها معه‪ ,‬ونتخذها آلهة‪ ,‬فبرئنا منها‪.‬‬
‫‪85‬‬ ‫الية ‪:‬‬
‫سنّ َة اللّ ِه اّلتِي َقدْ خَلَتْ‬
‫سنَا ُ‬
‫القول فـي تأويـل قوله تعالى‪{ :‬فَلَمْ يَكُ يَن َف ُعهُمْ إِيمَا ُنهُمْ َلمّا رَأَوْ ْا َبأْ َ‬
‫خسِ َر ُهنَاِلكَ ا ْلكَا ِفرُونَ }‪.‬‬
‫عبَادِهِ َو َ‬
‫فِي ِ‬
‫يقول تعالى ذكره‪ :‬فلم يك ينفعهم تصديقهم في الدنيا بتوحيد ال عند معاينة عقابه قد نزل‪,‬‬
‫وعذا به قد حلّ‪ ,‬لن هم صدّقوا ح ين ل ين فع الت صديق م صدّقا‪ ,‬إذ كان قد م ضى ح كم ال في‬
‫ال سابق من عل مه‪ ,‬أن من تاب ب عد نزول العذاب من ال على تكذي به لم تنف عه توب ته‪ .‬وبن حو‬
‫الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل‪ .‬ذكر من قال ذلك‪:‬‬
‫‪23458‬ـ حدثنا بشر‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا يزيد‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا سعيد‪ ,‬عن قتادة قوله‪ :‬فََلمْ َيكُ َينْ َف ُع ُهمْ إيمَا ُن ُهمْ‬
‫لَما رأَوْا بأْسَنا‪ :‬لما رأوا عذاب ال في الدنيا لم ينفعهم اليمان عند ذلك‪.‬‬
‫ت فِي عِبادِ هِ يقول‪ :‬ترك ال تبارك وتعالى إقالتهم‪ ,‬وقبول التوبة‬
‫سنّةَ الّل هِ التي قَدْ خَلَ ْ‬
‫وقوله‪ُ :‬‬
‫منهم‪ ,‬ومراجعتهم اليمان بال‪ ,‬وتصديق رسلهم بعد معاينتهم بأسه‪ ,‬قد نزل بهم سنته التي قد‬
‫مضت في خلقه‪ ,‬فلذلك لم يُقلهم ولم يقبل توبتهم في تلك الحال‪ ,‬كما‪:‬‬
‫ت فِي‬
‫سنّ َة الّل هِ الّتي َقدْ خَلَ ْ‬
‫‪ 23459‬ـ حدثنا بشر‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا يزيد‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا سعيد‪ ,‬عن قتادة ُ‬
‫عِباد هِ يقول‪ :‬كذلك كانت سنة ال في الذين خلوا من قبل إذا عاينوا عذاب ال لم ينفعهم إيمانهم‬
‫عند ذلك‪.‬‬
‫وقوله‪َ :‬وخَ سِرَ هُنالِ كَ الكافِرُو نَ يقول‪ :‬وهلك عند مجيء بأس ال‪ ,‬فغبنت صفقته ووضُع في‬
‫بيعـه الَخرة بالدنيـا‪ ,‬والمغفرة بالعذاب‪ ,‬واليمان بالكفـر‪ ,‬الكافرون بربهـم‪ ,‬الجاحدون توحيـد‬
‫خالقهم‪ ,‬المتخذون من دونه آلهة يعبدونهم من دون بارئهم‪.‬‬

‫سورة فصلت‬
‫سورة فصلت مكية‬
‫وآياتها أربع وخمسون‬
‫بسم ال الرحمَن الرحيـم‬

‫‪4-1‬‬ ‫الية ‪:‬‬


‫القول فـي تأويـل قوله تعالى‪:‬‬
‫ع َر ِبيّا لّقَوْ ٍم َيعَْلمُو نَ *‬
‫ب فُ صّلَتْ آيَاتُ ُه ُقرْآنا َ‬
‫حمَـنِ ال ّرحِي مِ * ِكتَا ٌ‬
‫{حـمَ * تَنزِيلٌ ّم نَ ال ّر ْ‬
‫س َمعُونَ }‪.‬‬
‫عرَضَ َأ ْك َثرُ ُهمْ َفهُ ْم لَ َي ْ‬
‫َبشِيرا َو َنذِيرا َفأَ ْ‬
‫قال أبو جعفر‪ :‬قد تقدم القول منا فيما مضى قبلُ في معنى «حم»‪ ,‬والقول في هذا الموضع‬
‫كالقول في ذلك‪.‬‬
‫ِيمـ يقول تعالى ذكره‪ :‬هذا القرآن تنزيـل مـن عنـد الرحمـن‬
‫َنـ ال ّرح ِ‬
‫حم ِ‬‫ِنـ ال ّر ْ‬
‫لم َ‬‫وقوله‪َ :‬ت ْنزِي ٌ‬
‫ت آياتُ ُه يقول‪ :‬كتاب بي نت آياته‬
‫الرحيم نزّله على نبيه محمد صلى ال عليه وسلم كِتا بٌ فُ صّلَ ْ‬
‫كما‪:‬‬
‫‪ 23460‬ـ حدثنا محمد‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا أحمد‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا أسباط‪ ,‬عن السديّ‪ ,‬قوله‪ :‬فُ صّلَتْ آياتُ هُ‬
‫قال‪ُ :‬بيّنت آياتُه‪.‬‬
‫ع َربِيّا يقول تعالى ذكره‪ :‬فُصلت آياته هكذا‪.‬‬
‫وقوله‪ :‬قُرآنا َ‬
‫و قد اختلف أ هل العرب ية في و جه ن صب القرآن‪ ,‬فقال ب عض نحوي يّ الب صرة قوله‪ :‬كِتا بٌ‬
‫ع َر ِبيّا شغل الفعل‬
‫فُصّلت الكتاب خبر لمبتدأ أخبر أن التنزيل كتاب‪ ,‬ثم قال‪ :‬فُصّلَتْ آياُت ُه قُرآنا َ‬
‫بالَيات ح تى صارت بمنزلة الفا عل‪ ,‬فن صب القرآن‪ ,‬وقال‪َ :‬بشِيرا و َنذِيرا على أ نه صفة‪ ,‬وإن‬
‫شئت جعلت نصبه على المدح كأنه حين ذكره أقبل في مدحته‪ ,‬فقال‪ :‬ذكرنا قرآنا عربيا بشيرا‬
‫ونذيرا‪ ,‬وذكرناه قرآ نا عرب يا‪ ,‬وكان في ما م ضى من ذكره دل يل على ما أض مر‪ .‬وقال ب عض‬
‫نحوي يّ الكو فة‪ :‬ن صب قرآ نا على الف عل‪ :‬أي ف صلت آيا ته كذلك‪ .‬قال‪ :‬و قد يكون الن صب ف يه‬
‫على الق طع‪ ,‬لن الكلم تا مّ ع ند قوله «آيا ته»‪ .‬قال‪ :‬ولو كان رف عا على أ نه من ن عت الكتاب‬
‫ب أ ْنزَلْنا هُ إَليْ كَ مُبارَ كٌ وقال‪ :‬وكذلك قوله‪َ :‬بشِيرا‬
‫كان صوابا‪ ,‬ك ما قال في مو ضع آ خر‪ :‬كِتا ٌ‬
‫َو َنذِيرا فيه ما في قُرآنا عَربيّا‪.‬‬
‫وقوله‪ :‬لِ َقوْ مٍ َيعَْلمُو نَ يقول‪ :‬فصلت آيات هذا الكتاب قرآنا عربيا لقوم يعلمون اللسان العربي‪,‬‬
‫بشيرا لهم يبشرهم إن هم آمنوا به‪ ,‬وعملوا بما أنزل فيه من حدود ال وفرائضه بالجنة‪ ,‬ونذيرا‬
‫يقول ومنذرا من كذّب به ولم يعمل بما فيه بأمر ال في عاجل الدنيا‪ ,‬وخلود البد في نار جهنم‬
‫في آجل الَخرة‪.‬‬
‫عرَ ضَ أ ْك َثرُهُ مْ يقول تعالى ذكره‪ :‬فاستكبر عن الصغاء له وتدبر ما فيه من حجج‬
‫وقوله‪ :‬فَأ ْ‬
‫ال‪ ,‬وأعرض عنه أكثر هؤلء القوم الذين أنزل هذا القرآن بشيرا لهم ونذيرا‪ ,‬وهم قوم رسول‬
‫ال صـلى ال عليـه وسـلم َفهُم ْـ ل يَس ْـَمعُونَ يقول‪ :‬فهـم ل يصـغون له فيسـمعوا إعراضـا عنـه‬
‫واستكبارا‪.‬‬

‫‪5‬‬ ‫الية ‪:‬‬


‫القول فـي تأويـل قوله تعالى‪َ { :‬وقَالُو ْا قُلُو ُبنَا فِ يَ َأ ِكنّ ٍة ِممّا َتدْعُونَا إَِل ْي هِ َوفِي آذا ِننَا َوقْرٌ َومِن‬
‫عمَلْ ِإ ّننَا عَامِلُونَ }‪.‬‬
‫حجَابٌ فَا ْ‬
‫َب ْي ِننَا َو َب ْي ِنكَ ِ‬
‫يقول تعالى ذكره‪ :‬وقال هؤلء المشركون المعرضون عن آيات ال من مشر كي قر يش إذ‬
‫دعا هم مح مد نبيّ ال إلى القرار بتوح يد ال وت صديق ما في هذا القرآن من أ مر ال ونه يه‪,‬‬
‫وسائر ما أنزل فيه قُلُوبُنا في أ ِكنّةٍ يقول‪ :‬في أغطية ِممّا َتدْعُونا يا محمد إلَي هِ من توحيد ال‪,‬‬
‫وتصديقك فيما جئتنا به‪ ,‬ل نفقه ما تقول وفي آذانِنا َو ْقرٌ وهو الثقل‪ ,‬ل نسمع ما تدعونا إليه‬
‫ل ل ما يد عو إل يه وكرا هة له‪ .‬و قد م ضى البيان ق بل عن معا ني هذه الحرف بشواهده‪,‬‬
‫ا ستثقا ً‬
‫وذكر ما قال أهل التأويل فيه‪ ,‬فكرهنا إعادة ذلك في هذا الموضع‪ .‬وقد‪:‬‬
‫‪ 23461‬ـ حدثني محمد بن عمرو قال‪ :‬حدثنا أبو عاصم‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا عيسى وحدثني الحارث‪,‬‬
‫قال‪ :‬حدثنا الحسن‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا ورقاء‪ ,‬جميعا عن ابن أبي نجيح‪ ,‬عن مجاهد‪ ,‬في قوله‪ :‬قُلُوبُنا‬
‫ج ْعبَة لل ّنبْل‪.‬‬
‫في أ ِكّنةٍ قال‪ :‬عليها أغطية كال َ‬
‫‪23462‬ـ حدثنا محمد‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا أحمد‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا أسباط‪ ,‬عن السديّ‪ ,‬قوله‪ :‬وَقالُوا قُلُوبُنا فِي‬
‫أ ِكنّةٍ قال‪ :‬عليها أغطية وفِي آذَانِنا َو ْقرٌ قال‪ :‬صمم‪.‬‬
‫ن َب ْينِنا َو َب ْينِ كَ حِجا بٌ يقولون‪ :‬ومن بيننا وبينك يا محمد ساتر ل نجتمع من أجله‬
‫وقوله‪َ :‬و ِم ْ‬
‫ن حن وأ نت‪ ,‬فيرى بعض نا بع ضا‪ ,‬وذلك الحجاب هو اختلف هم في الد ين‪ ,‬لن دين هم كان عبادة‬
‫الوثان‪ ,‬ودين محمد صلى ال عليه وسلم عبادة ال وحده ل شريك له‪ ,‬فذلك هو الحجاب الذي‬
‫زعموا أنه بينهم وبين نبيّ ال‪ ,‬وذلك هو خلف بعضهم بعضا في الدين‪.‬‬
‫عمَلْ إنّنا عامِلُو نَ يقول‪ :‬قالوا‪ :‬له صلى ال عليه وسلم‪ :‬فاعمل يا محمد بدينك وما‬
‫وقوله‪ :‬فا ْ‬
‫تقول إ نه الح قّ‪ ,‬إن نا عاملون بدين نا‪ ,‬و ما تقول إ نه الح قّ‪ ,‬ودع دعاء نا إلى ما تدعو نا إل يه من‬
‫ن َب ْينِ نا َو َب ْينِ كَ حِجا بٌ والمع نى‪:‬‬
‫دي نك‪ ,‬فإ نا ندع دعاءك إلى دين نا‪ .‬وأدخلت « من» في قوله َومِ ْ‬
‫وبيننا وبينك حجاب‪ ,‬توكيدا للكلم‪.‬‬

‫‪7-6‬‬ ‫الية ‪:‬‬


‫حدٌ‬
‫حىَ إِلَ يّ َأنّمَآ إِلَ ـ ُه ُكمْ إِلَ ـهٌ وَا ِ‬
‫شرٌ ّمثُْلكُ مْ يُو َ‬
‫القول ف ـي تأوي ـل قوله تعالى‪{ :‬قُلْ ِإنّمَآ َأ َناْ َب َ‬
‫ُمـ‬
‫خرَةِ ه ْ‬
‫لِ‬‫ُمـ بِا َ‬
‫ُونـ ال ّزكَاةَ وَه ْ‬
‫ل يُ ْؤت َ‬
‫ِينـ َ‬
‫ِينـ * اّلذ َ‬
‫ش ِرك َ‬
‫َاسـَتغْ ِفرُوهُ َو َويْلٌ لّ ْل ُم ْ‬
‫ْهـ و ْ‬
‫َاسـتَقِيمُوَ ْا إَِلي ِ‬
‫ف ْ‬
‫كَا ِفرُونَ }‪.‬‬
‫يقول تعالى ذكره‪ :‬قل يا محمد لهؤلء المعرضين عن آيات ال من قومك‪ :‬أيها القوم‪ ,‬ما أنا‬
‫إل بشر من بني آدم مثلكم في الجنس والصورة والهيئة لست بمَلك يُوحَى إل يّ يوحي ال إل يّ‬
‫ستَقِيمُوا إَل ْي هِ يقول‪ :‬فا ستقيموا إل يه بالطا عة‪,‬‬
‫أن ل معبود ل كم ت صلح عباد ته إل معبود وا حد فا ْ‬
‫س َتغْ ِفرُو ُه يقول‪ :‬وسلوه العفو لكم‬
‫ووجهوا إليه وجوهكم بالرغبة والعبادة دون الَلهة والوثان وَا ْ‬
‫عن ذنوبكم التي سلفت منكم بالتوبة من شرككم‪ ,‬يتب عليكم ويغفر لكم‪.‬‬
‫ن يقول تعالى ذكره‪:‬‬
‫لخِرَ ِة هُ مْ كا ِفرُو َ‬
‫ن ل يُو ْءتَو نَ الزّكاةَ وَهُ مْ با َ‬
‫ن اّلذِي َ‬
‫ش ِركِي َ‬
‫وقوله‪َ :‬و َويْلٌ ل ْل ُم ْ‬
‫و صديد أ هل النار‪ ,‬و ما ي سيل من هم للمدع ين ل شري كا العابد ين الوثان دو نه الذ ين ل يؤتون‬
‫الزكاة‪.‬‬
‫اختلف أهل التأويل في ذلك‪ ,‬فقال بعضهم‪ :‬معناه‪ :‬الذي ل يعطون ال الطاعة التي تطهرهم‪,‬‬
‫وت َزكّي أبدانهم‪ ,‬ول يوحدونه وذلك قول يُذكر عن ابن عباس‪ .‬ذكر الرواية بذلك‪:‬‬
‫‪ 23463‬ـ حدثني عل يّ‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا أبو صالح‪ ,‬قال‪ :‬ثني معاوية‪ ,‬عن عل يّ‪ ,‬عن ا بن عباس‪,‬‬
‫ن ل يُو ْءتُونَ الزّكا َة قال‪ :‬هم الذين ل يشهدون أن ل إله إل ال‪.‬‬
‫ل ل ْل ُمشْ ِركِينَ اّلذِي َ‬
‫قوله‪ :‬وَ َويْ ٌ‬
‫‪ 23464‬ـ حدث ني سعد بن ع بد ال بن ع بد الح كم‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا ح فص‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا الح كم بن‬
‫ن الزّكاةَ‪ :‬الذ ين ل يقولون ل إله إل‬
‫ن ل يُو ْءتُو َ‬
‫ن اّلذِي َ‬
‫ش ِركِي َ‬
‫أبان‪ ,‬عن عكر مة‪ ,‬قوله‪َ :‬و َويْلٌ ل ْل ُم ْ‬
‫ال‪.‬‬
‫وقال آخرون‪ :‬بـل معنـى ذلك‪ :‬الذيـن ل يقرّون بزكاة أموالهـم التـي فرضهـا ال فيهـا‪ ,‬ول‬
‫يعطونها أهلها‪ .‬وقد ذكرنا أيضا قائلي ذلك قبلُ‪ .‬وقد‪:‬‬
‫شرِكِي نَ اّلذِي نَ ل‬
‫ل ل ْل ُم ْ‬
‫‪ 23465‬ـ حدثنا بشر‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا يزيد‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا سعيد‪ ,‬عن قتادة وَ َويْ ٌ‬
‫ن الزّكا َة قال‪ :‬ل يقرّون بها ول يؤمنون بها‪ .‬وكان يقال‪ :‬إن الزكاة قنطرة السلم‪ ,‬فمن‬
‫يُو ْءتُو َ‬
‫قطعها نجا‪ ,‬ومن تخلف عنها هلك وقد كان أهل الردّة بعد نبيّ ال قالوا‪ :‬أما الصلة فنصلّي‪,‬‬
‫وأما الزكاة فوال ل تغصب أموالنا قال‪ :‬فقال أبو ب كر‪ :‬وال ل أفرّق بين شيء جمع ال بي نه‬
‫والّلهِ لو منعوني عِقالً مما فرض ال ورسوله لقاتلناهم عليه‪.‬‬
‫ن اّلذِينَ‬
‫شرِكِي َ‬
‫‪23466‬ـ حدثنا محمد‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا أحمد‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا أسباط‪ ,‬عن السديّ َو َويْلٌ ل ْل ُم ْ‬
‫ن الزّكاةَ قال‪ :‬لو َزكّوا وهم مشركون لم ينفعهم‪.‬‬
‫ل يُو ْءتُو َ‬
‫والصواب من القول في ذلك ما قاله الذين قالوا‪ :‬معناه‪ :‬ل يؤدّون زكاة أموالهم وذلك أن ذلك‬
‫خرَ ِة هُ مْ كا ِفرُو نَ دليلً على أن ذلك كذلك‪,‬‬
‫هو الشهر من معنى الزكاة‪ ,‬وأن في قوله‪ :‬وَهُ ْم بالَ ِ‬
‫ـل‬
‫لن الكفار الذيـن عنوا بهذه الَيـة كانوا ل يشهدون أن ل إله إل ال‪ ,‬فلو كان قوله‪ :‬اّلذِين َ‬
‫ُمـ‬
‫لخِرَ ِة ه ْ‬
‫ُمـ با َ‬
‫ُونـ الزّكاةَ مرادا بـه الذيـن ل يشهدون أن ل إله إل ال لم يكـن لقوله‪ :‬وَه ْ‬
‫يُو ْءت َ‬
‫كا ِفرُو نَ مع نى‪ ,‬ل نه معلوم أن من ل يش هد أن ل إله إل ال ل يؤ من بالَخرة‪ ,‬و في اتباع ال‬
‫ن قوله‪ :‬اّلذِي نَ ل يُو ْءتُو نَ الزّكا َة ما ينبىء عن أن الزكاة في هذا‬
‫خرَةِ هُ مْ كافِرُو َ‬
‫لِ‬‫قوله‪ :‬وَهُ مْ با َ‬
‫الموضع معنيّ بها زكاة الموال‪.‬‬
‫ن يقول‪ :‬وهم بقيام الساعة‪ ,‬وبعث ال خلقه أحياء من قبورهم‪,‬‬
‫خرَ ِة هُمْ كا ِفرُو َ‬
‫وقوله‪ :‬وَهُ ْم بالَ ِ‬
‫من بعد بلئهم وفنائهم منكرون‪.‬‬

‫‪9-8‬‬ ‫الية ‪:‬‬


‫غ ْيرُ َم ْمنُو نٍ *‬
‫جرٌ َ‬
‫ت َلهُ مْ َأ ْ‬
‫عمِلُواْ ال صّاِلحَا ِ‬
‫ن آ َمنُواْ َو َ‬
‫ن اّلذِي َ‬
‫القول فـي تأويـل قوله تعالى‪ِ{ :‬إ ّ‬
‫ن لَ ُه أَندَادا ذَِلكَ رَبّ ا ْلعَاَلمِينَ }‪.‬‬
‫جعَلُو َ‬
‫ض فِي َي ْو َميْنِ َو َت ْ‬
‫ن بِاّلذِي خََلقَ الرْ َ‬
‫قُلْ أَِإ ّن ُكمْ َل َتكْ ُفرُو َ‬
‫يقول تعالى ذكره‪ :‬إن الذين صدّقوا ال ورسوله‪ ,‬وعملوا بما أمرهم ال به ورسوله‪ ,‬وانتهوا‬
‫غ ْيرُ َم ْمنُو نٍ يقول‪ :‬لمن فعل ذلك‬
‫جرٌ َ‬
‫عما نهياهم عنه‪ ,‬وذلك هو الصالحات من العمال َلهُ مْ أ ْ‬
‫أجر غير منقوص عما وعدهم أن يأجرهم عليه‪.‬‬
‫وقد اختلف في تأويل ذلك أهل التأويل‪ ,‬وقد بيّناه فيما مضى بما أغنى عن إعادته في هذا‬
‫الموضع‪ .‬وقد‪:‬‬
‫‪ 23467‬ـ حدث نا مح مد بن الح سين‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا أح مد بن المف ضل‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا أ سباط‪ ,‬عن‬
‫ن قال بعضهم‪ :‬غير منقوص‪ .‬وقال بعضهم‪ :‬غير ممنون عليهم‪.‬‬
‫غ ْيرُ َم ْمنُو ٍ‬
‫جرٌ َ‬
‫السديّ َل ُهمْ أ ْ‬
‫‪ 23468‬ـ حدثني عل يّ‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا أبو صالح‪ ,‬قال‪ :‬ثني معاوية‪ ,‬عن عل يّ‪ ,‬عن ا بن عباس‪,‬‬
‫غيْ ُر َم ْمنُونٍ يقول‪ :‬غير منقوص‪.‬‬
‫جرٌ َ‬
‫قوله‪ :‬أ ْ‬
‫‪23469‬ـ حدثني محمد بن عمرو‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا أبو عاصم‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا عيسى وحدثني الحارث‪,‬‬
‫غ ْيرُ َم ْمنُو نٍ قال‪:‬‬
‫جرٌ َ‬
‫قال‪ :‬حدث نا الح سن‪ ,‬قال‪ :‬ورقاء‪ ,‬جمي عا عن ا بن أ بي نج يح‪ ,‬قوله‪َ :‬لهُ مْ أ ْ‬
‫محسوب‪.‬‬
‫ن بالّذِي خَلَ قَ الرْ ضَ فِي َي ْو َميْ نِ وذلك يوم ال حد ويوم الثن ين وبذلك‬
‫وقوله‪ :‬أ ِئ ّنكُ ْم َل َتكْ ُفرُو َ‬
‫جاءت الخبار عن ر سول ال صلى ال عل يه و سلم وقال ته العلماء‪ ,‬و قد ذكر نا كثيرا من ذلك‬
‫فيما مضى قبل‪ ,‬ونذكر بعض ما لم نذكره قبل إن شاء ال‪ .‬ذكر بعض ما لم نذكره فيما مضى‬
‫من الخبار بذلك‪:‬‬
‫‪ 23470‬ـ حدث نا هناد بن ال سريّ‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا أ بو ب كر بن عياش‪ ,‬عن أ بي سعيد البقال‪ ,‬عن‬
‫عكر مة‪ ,‬عن ا بن عباس‪ ,‬قال‪ :‬هناد‪ :‬قرأت سائر الحد يث على أ بي ب كر أن اليهود أ تت ال نبيّ‬
‫حدِ‬
‫صلى ال عليه وسلم فسألته عن خلق السموات والرض‪ ,‬قال‪« :‬خَلَ قَ الّل هُ الرْ ضَ َيوْ مَ ال َ‬
‫شجَرَ والمَاءَ‬
‫ن منَافِ عَ‪َ ,‬وخَلَ قَ يَوْ مَ ال ْربَعا ِء ال ّ‬
‫وَال ْث َنيْ نِ‪َ ,‬وخَلَ قَ الجِبالَ َيوْ مَ الثّلثا ِء ومَا فِيهِ نّ ِم ْ‬
‫خرَابـَ‪ ,‬فَ َهذِ هِ أ ْر َبعَةٌ‪ ,‬ثُمّـ قال‪ :‬أ ِئ ّنكُ مْ َل َتكْفُرو نَ باّلذِي خَلَقَـ الرْ ضَ فِي‬
‫وال َمدَائِ نَ وال ُعمْرَا نَ وال َ‬
‫ن فَ ْوقِها وبَارَكَ فِيها‪َ ,‬و َق ّدرَ‬
‫جعَلَ فِيها رَوَاسي ِم ْ‬
‫جعَلُونَ َل ُه أ ْندَادا‪ ,‬ذلكَ رَبّ العَاَلمِينَ‪َ ,‬و َ‬
‫يَ ْو َميْنِ‪َ ,‬و َت ْ‬
‫خمِيسِ السّماءَ‪ ,‬وخََلقَ يَ ْومَ‬
‫ن ِلمَنْ سأَلَ‪ .‬قالَ‪َ :‬وخََلقَ يَ ْومَ ال َ‬
‫سوَاءً للسّائِليِ َ‬
‫فِيها أقْوَاتَها في أ ْر َبعَةِ أيّامٍ َ‬
‫شمْسَ وال َق َمرَ وَالمَلئِكَ ِة إلى ثَلثَ ساعاتٍ بَ ِقيَتْ ِم ْن ُه َفخَلَقَ في أ ّولِ ساعَ ٍة مِ نْ‬
‫ج ُمعَةِ ال ّنجُومَ وال ّ‬
‫ال ُ‬
‫شيْءً مِمّا َي ْنتَفِ ُع بِ هِ‬
‫ل َ‬
‫لفَ َة على كُ ّ‬
‫ن ما تَ‪ ,‬و في الثّا ِنيَ ِة ألْقَى ا َ‬
‫ت مَ ْ‬
‫ن َيمُو ُ‬
‫َهذِ ِه الثّلثَةِ الَجالَ حِي َ‬
‫خرِ ساعَةٍ»‬
‫خ َرجَ هُ ِمنْها في آ ِ‬
‫سجُودِ َل هُ‪ ,‬وأ ْ‬
‫جنّةَ‪ ,‬وأ َمرَ إبْلِي سَ بال ّ‬
‫س َكنَ ُه ال َ‬
‫النّا سُ‪ ,‬وفي الثّاِلثَ ِة آدَ مَ وأ ْ‬
‫ستَوَى على ال َعرْ شِ»‪ ,‬قالوا‪ :‬قد أ صبت لو أتم مت‪,‬‬
‫قالت اليهود‪ :‬ثم ماذا يا مح مد؟ قال‪« :‬ثُ ّم ا ْ‬
‫سمَوَاتِ‬
‫ي صلى ال عل يه وسلم غض با شديدا‪ ,‬فنزل‪ :‬وَلَ َقدْ خَلَقْنا ال ّ‬
‫قالوا ثم ا ستراح فغضب النب ّ‬
‫صبِرْ عَلى ما يَقُولُونَ‪.‬‬
‫ستّةِ أيّامٍ وَما َمسّنا مِنْ َلغُوبٍ فا ْ‬
‫والرْضَ َومَا َب ْي َنهُما فِي ِ‬
‫‪23471‬ـ حدثنا تميم بن المنتصر‪ ,‬قال‪ :‬أخبرنا إسحاق‪ ,‬عن شريك‪ ,‬عن غالب بن غلب‪ ,‬عن‬
‫عطاء بن أ بي رباح‪ ,‬عن ا بن عباس‪ ,‬قال‪ :‬إن ال خلق يوما واحدا فسماه ال حد‪ ,‬ثم خلق ثان يا‬
‫فسماه الثنين‪ ,‬ثم خلق ثالثا فسماه الثلثاء‪ ,‬ثم خلق رابعا فسماه الربعاء‪ ,‬ثم خلق خامسا فسماه‬
‫الخم يس قال‪ :‬فخلق الرض في يوم ين‪ :‬ال حد والثن ين‪ ,‬وخلق الجبال يوم الثلثاء‪ ,‬فذلك قول‬
‫الناس‪ :‬هـو يوم ثقيـل‪ ,‬وخلق مواضـع النهار والشجار يوم الربعاء‪ ,‬وخلق الطيـر والوحوش‬
‫ل شيـء يوم‬
‫والهوامـ والسـباع يوم الخميـس‪ ,‬وخلق النسـان يوم الجمعـة‪ ,‬ففرغ مـن خلق ك ّ‬
‫ّ‬
‫الجمعة‪.‬‬
‫ض فِي‬
‫‪ 23472‬ـ حدثنا موسى‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا عمرو‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا أسباط‪ ,‬عن السديّ خَلَ قَ الرْ َ‬
‫ن في الحد والثنين‪.‬‬
‫يَ ْو َميْ ِ‬
‫وقد قيل غير ذلك وذلك ما‪:‬‬
‫‪ 23473‬ـ حدثني القاسم بن بشر بن معروف والحسين بن عل يّ قال‪ :‬حدثنا حجاج‪ ,‬عن ابن‬
‫جر يج‪ ,‬قال أ خبرني إ سماعيل بن أم ية‪ ,‬عن أيوب بن خالد‪ ,‬عن ع بد ال بن را فع مولى أ مّ‬
‫سلمة‪ ,‬عن أبي هريرة قال‪ :‬أخذ رسول ال صلى ال عليه وسلم بيدي فقال‪« :‬خَلَ قَ الّل ُه ال ّترْبَةَ‬
‫شجَ َر يَوْمَـ ال ْث َنيْنـِ‪َ ,‬وخَلَق َـ ال َم ْكرُوهُـ يَوْمَـ‬
‫حدِ‪َ ,‬وخَلَق َـ ال ّ‬
‫يَوْمَـ السّـبْتِ‪َ ,‬وخَلَق َـ فِيهـا الجِبالَ يَوْمَـ ال َ‬
‫صرِ يَوْ مَ‬
‫خمِي سِ‪َ ,‬وخَلَ قَ آدَ مَ َب ْعدَ العَ ْ‬
‫ث فِيها الدّوَا بّ َيوْ َم ال َ‬
‫الثّلثاءِ‪َ ,‬وخَلَ قَ النّورَ َيوْ َم ال ْربِعاءِ‪َ ,‬وبَ ّ‬
‫صرِ إلى الّليْلِ»‪.‬‬
‫ن العَ ْ‬
‫ج ُمعَةِ فِيما بَي َ‬
‫ت ال ُ‬
‫عةٍ ِمنْ ساعا ِ‬
‫خرِ خَلْق في آخرِ سا َ‬
‫ج ُمعَةِ آ ِ‬
‫ال ُ‬
‫ـ أ ْندَادا يقول‪ :‬وتجعلون لمـن خلق ذلك كذلك أندادا‪ ,‬وهـم الكفاء مـن‬
‫ـ لَه ُ‬
‫جعَلُون َ‬
‫وقوله‪َ :‬و َت ْ‬
‫الرجال تطيعونهم في معاصي ال‪ ,‬وقد بيّنا معنى الندّ بشواهده فيما مضى قبل‪.‬‬
‫وقوله‪ :‬ذَل كَ رَ بّ العَالمِي نَ يقول‪ :‬الذي فعل هذا الفعل‪ ,‬وخلق الرض في يومين‪ ,‬مالك جميع‬
‫ل ما دونه مملوك له‪ ,‬فكيف يجوز أن يكون له ند؟ هل‬
‫الجن والنس‪ ,‬وسائر أجناس الخلق‪ ,‬وك ّ‬
‫يكون المملوك العاجز الذي ل يقدر على شيء ندّا لمالكه القادر عليه؟‬

‫‪11-10‬‬ ‫الية ‪:‬‬


‫ي مِن فَ ْو ِقهَا َوبَارَكَ فِيهَا َو َق ّدرَ فِيهَآ َأقْوَا َتهَا‬
‫جعَلَ فِيهَا رَوَاسِ َ‬
‫القول فـي تأويـل قوله تعالى‪َ { :‬و َ‬
‫ن فَقَالَ لَهَا وَلِلرْ ضِ ا ْئتِيَا‬
‫سمَآءِ وَهِ يَ ُدخَا ٌ‬
‫ستَ َوىَ إِلَى ال ّ‬
‫فِ يَ َأ ْر َبعَ ِة َأيّا مٍ سَوَآ ًء لّل سّآئِلِينَ * ثُ مّ ا ْ‬
‫طَوْعا أَ ْو َكرْها قَاَلتَآ َأ َت ْينَا طَآ ِئعِينَ }‪.‬‬
‫يقول تعالى ذكره‪ :‬وجعل في الرض التي خلق في يومين جبالً رواسي‪ ,‬وهي الثوابت في‬
‫الرض من فوقها‪ ,‬يعني‪ :‬من فوق الرض على ظهرها‪.‬‬
‫وقوله‪ :‬وَبارَ كَ فِيهـا يقول‪ :‬وبارك في الرض فجعل ها دائ مة الخ ير لهل ها‪ .‬و قد ذكـر عن‬
‫السديّ في ذلك ما‪:‬‬
‫‪ 23474‬ـ حدثنا موسى‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا عمرو‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا أسباط‪ ,‬عن السدي‪ :‬وبَارَ كَ فِيها قال‪:‬‬
‫أنبت شجرها‪.‬‬
‫َو َق ّدرَ فِيها أقواتها‪ .‬اختلف أهل التأويل في ذلك‪ ,‬فقال بعضهم‪ :‬وقدر فيها أقوات أهلها بمعنى‬
‫أرزاقهم ومعايشهم‪ .‬ذكر من قال ذلك‪:‬‬
‫‪ 23475‬ـ حدث نا ا بن ع بد العلى‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا ا بن ثور‪ ,‬عن مع مر‪ ,‬عن الح سن َو َق ّدرَ فِي ها‬
‫أقْوَاتَها قال‪ :‬أرزاقها‪.‬‬
‫‪ 23476‬ـ حدث ني يو نس‪ ,‬قال‪ :‬أخبر نا ا بن و هب‪ ,‬قال‪ :‬قال ا بن ز يد‪ ,‬في قول ال‪َ :‬و َقدّ َر فِي ها‬
‫أقواتها قال‪ :‬قدّر فيها أرزاق العباد‪ ,‬ذلك القوات‪.‬‬
‫‪ 23477‬ـ حدثنا موسى‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا عمرو‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا أسباط‪ ,‬عن السديّ َو َقدّرَ فِيها أقْوَاتها‬
‫يقول‪ :‬أقواتها لهلها‪.‬‬
‫وقال آخرون‪ :‬بل معناه‪ :‬وقدّر فيها ما يصلحها‪ .‬ذكر من قال ذلك‪:‬‬
‫ي بن سهل‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا الوليد بن مسلم‪ ,‬عن خليد بن دعلج‪ ,‬عن قتادة‪,‬‬
‫‪ 23478‬ـ حدثني عل ّ‬
‫قوله‪َ :‬وقَ ّدرَ فِيها أقْوَاتَها قال‪ :‬صلحها‪.‬‬
‫وقال آخرون‪ :‬بل معنى ذلك‪ :‬وقدّر فيها جبالها وأنهارها وأشجارها‪ .‬ذكر من قال ذلك‪:‬‬
‫‪ 23479‬ـ حدثنا بشر‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا يز يد‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا سعيد‪ ,‬عن قتادة َو َقدّرَ فِيها أقْوَاتَ ها‪ :‬خلق‬
‫ب كلها‪.‬‬
‫فيها جبالها وأنهارها وبحارها وشجرها‪ ,‬وساكنها من الدوا ّ‬
‫حدث نا ا بن ع بد العلى‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا ا بن ثور‪ ,‬عن مع مر‪ ,‬عن قتادة َو َق ّدرَ فِي ها أقْوَاتَ ها قال‪:‬‬
‫جبالها ودوابها وأنهارها وبحارها‪.‬‬
‫وقال آخرون‪ :‬بل معنى ذلك‪ :‬وقدّر فيها أقواتها من المطر‪ .‬ذكر من قال ذلك‪:‬‬
‫‪23480‬ـ حدثني محمد بن عمرو‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا أبو عاصم‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا عيسى وحدثني الحارث‪,‬‬
‫قال‪ :‬حدثنا الحسن‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا ورقاء‪ ,‬جميعا عن ابن أبي نجيح‪ ,‬عن مجاهد‪ ,‬في قوله‪َ :‬و َقدّرَ‬
‫فِيها أقْوَاتَها قال‪ :‬من المطر‪.‬‬
‫ل بلدة من ها ما لم يجعله في الَ خر من ها لمعاش‬
‫وقال آخرون‪ :‬بل مع نى ذلك‪ :‬وقدّر في ك ّ‬
‫بعضهم من بعض بالتجارة من بلدة إلى بلدة‪ .‬ذكر من قال ذلك‪:‬‬
‫‪ 23481‬ـ حدثني الحسين بن محمد الذارع‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا أبو محصن‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا حسين‪ ,‬عن‬
‫عكرمة‪ ,‬في قوله‪َ :‬و َقدّ َر فِيها أقْوَاتَها قال‪ :‬اليماني باليمن‪ ,‬والسابريّ بسابور‪.‬‬
‫حدثني محمد بن عبد ال بن بزيع‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا أبو محصن‪ ,‬عن حصين‪ ,‬قال‪ :‬قال عكرمة‬
‫َو َق ّدرَ فِيها أقْوَاتَها اليمانية باليمن‪ ,‬والسابرية بسابور‪ ,‬وأشباه هذا‪.‬‬
‫‪23482‬ـ حدثنا أبو كُريب‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا ابن إدريس‪ ,‬قال‪ :‬سمعت حصينا عن عكرمة في قوله‪:‬‬
‫َو َق ّدرَ فِي ها أقْوَاتَ ها قال‪ :‬في كل أرض قوت ل ي صلح في غير ها‪ ,‬اليما ني بالي من‪ ,‬وال سابري‬
‫بسابور‪.‬‬
‫حدث ني يعقوب بن إبراه يم‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا هش يم‪ ,‬قال‪ :‬أخبر نا ح صين عن عكر مة في قوله‪:‬‬
‫َو َق ّدرَ فِيهـا أقْوَاتَهـا قال‪ :‬البلد يكون فيـه القوت أو الشيـء ل يكون لغيره‪ ,‬أل ترى أن السـابريّ‬
‫إنما يكون بسابور‪ ,‬وأن العصب إنما يكون باليمن ونحو ذلك‪.‬‬
‫‪ 23483‬ـ حدثني إسماعيل بن سيف‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا ابن عبد الواحد بن زياد‪ ,‬عن خَ صِيف‪ ,‬عن‬
‫مجاهد‪ ,‬في قوله‪َ :‬و َق ّدرَ فِيها أقْوَاتَها قال‪ :‬السابريّ بسابور‪ ,‬والطيالسة من الريّ‪.‬‬
‫‪ 23484‬ـ حدثني إسماعيل‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا أبو النضر صاحب البصري‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا أبو عوانة‪,‬‬
‫ي من سابور‪ ,‬والطيال سة‬
‫عن مطرّف‪ ,‬عن الضحاك في قوله‪َ :‬و َقدّرَ فِي ها أقْوَاتَ ها قال‪ :‬ال سابر ّ‬
‫من الريّ والحبر من اليمن‪.‬‬
‫وال صواب من القول في ذلك أن يقال‪ :‬إن ال تعالى أخبر أنه قدّر في الرض أقوات أهلها‪,‬‬
‫وذلك ما يقوت هم من الغذاء‪ ,‬وي صلحهم من المعاش‪ ,‬ولم يخ صص جلّ ثناؤه بقوله‪َ :‬و َقدّرَ فِي ها‬
‫أقْوَاتَها أنه قدّر فيها قوتا دون قوت‪ ,‬بل ع مّ الخبر عن تقديره فيها جميع القوات‪ ,‬ومما يقوت‬
‫ف في البلد لما خصّ‬
‫أهلها ما ل يصلحهم غيره من الغذاء‪ ,‬وذلك ل يكون إل بالمطر والتصر ّ‬
‫به بعضا دون بعض‪ ,‬ومما أخرج من الجبال من الجواهر‪ ,‬ومن البحر من المآكل والحليّ‪ ,‬ول‬
‫ح مما قال جلّ ثناؤه‪ :‬قدّر في الرض أقوات أهلها‪ ,‬لما وصفنا من العلة‪.‬‬
‫قول في ذلك أص ّ‬

‫ل ثناؤه‪ :‬في أ ْر َبعَةِ أيّا مٍ ل ما ذكر نا ق بل من ال خبر الذي روي نا عن ا بن عباس‪ ,‬عن‬
‫وقال ج ّ‬
‫رسـول ال صـلى ال عليـه وسـلم أنـه فرغ مـن خلق الرض وجميـع أسـبابها ومنافعهـا مـن‬
‫الشجار والماء والمدائن والعمران والخراب فـي أربعـة أيام‪ ,‬أوّلهنّـ يوم الحـد‪ ,‬وآخرهنّـ يوم‬
‫الربعاء‪.‬‬
‫‪ 23485‬ـ حدثني موسى‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا عمرو‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا أسباط‪ ,‬عن السديّ‪ ,‬قال‪ :‬خلق الجبال‬
‫فيها وأقوات أهلها وشجرها وما ينبغي لها في يومين‪ ,‬في الثلثاء والربعاء‪.‬‬
‫وقال بعض نحويي البصرة‪ :‬قال‪ :‬خلق الرض في يومين‪ ,‬ثم قال في أربعة أيام‪ ,‬لنه يعني‬
‫أن هذا مـع الوّل أربعـة أيام‪ ,‬كمـا تقول‪ :‬تزوّجـت أمـس امرأة‪ ,‬واليوم ثنتيـن‪ ,‬وإحداهمـا التـي‬
‫تزوّجتها أمس‪.‬‬
‫ن اختلف أهل التأويل في تأويله‪ ,‬فقال بعضمهم‪ :‬تأويله‪ :‬سواء لمن سأل‬
‫وقوله‪ :‬سَوَاءً للسائِلِي َ‬
‫عن مبلغ الجل الذي خلق ال فيه الرض‪ ,‬وجعل فيها الرواسي من فوقها والبركة‪ ,‬وقدّر فيها‬
‫القوات بأهلها‪ ,‬وجده كما أخبر ال أربعة أيام ل يزدن على ذلك ول ينقصن منه‪ .‬ذكر من قال‬
‫ذلك‪:‬‬
‫سوَاءً لل سّائِلِينَ من سأل‬
‫‪ 23486‬ـ حدثنا بشر‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا يزيد‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا سعيد‪ ,‬عن قتادة َ‬
‫عن ذلك وجده‪ ,‬كما قال ال‪.‬‬
‫حدثنا ابن عبد العلى‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا ابن ثور‪ ,‬عن معمر‪ ,‬عن قتادة سَوَا ًء لل سّائِلِينَ قال‪ :‬من‬
‫سأل فهو كما قال ال‪.‬‬
‫‪ 23487‬ـ حدث نا مو سى بن هارون‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا عمرو‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا أ سباط‪ ,‬عن ال سديّ فِي‬
‫أ ْربَعَ ِة أيّامٍ سَوَاء للسّائِلِينَ يقول‪ :‬من سأل فهكذا المر‪.‬‬
‫وقال آخرون‪ :‬بل معنى ذلك‪ :‬سواء لمن سأل ربه شيئا مما به الحاجة إليه من الرزق‪ ,‬فإن‬
‫ال قد قدّر له من القوات في الرض‪ ,‬على قدر م سألة كل سائل من هم لو سأله ل ما ن فذ من‬
‫علمه فيهم قبل أن يخلقهم‪ .‬ذكر من قال ذلك‪:‬‬
‫سوَاءً للسّائِلِينَ قال‪:‬‬
‫‪23488‬ـ حدثني يونس‪ ,‬قال‪ :‬أخبرنا ابن وهب قال‪ :‬قال ابن زيد في قوله َ‬
‫قدّر ذلك على قدر مسائلهم‪ ,‬يعلم ذلك أنه ل يكون من مسائلهم شيء إل شيء قد علمه قبل أن‬
‫يكون‪.‬‬
‫واختلفـت القراء فـي قراءة ذلك‪ .‬فقرأتـه عامـة قراء المصـار غيـر أبـي جعفـر والحسـن‬
‫سوَاءٍ»‬
‫سوَاءٌ» بالرفع‪ .‬وقرأ الحسن‪َ « :‬‬
‫البصري‪ :‬سَوَاءً بالن صب‪ .‬وقرأه أبو جعفر القارىء‪َ « :‬‬
‫بالجر‪.‬‬
‫والصواب من القراءة في ذلك ما عليه قراءة المصار‪ ,‬وذلك قراءته بالنصب لجماع الحجة‬
‫من القراء عليه‪ ,‬ولصحة معناه‪ .‬وذلك أن معنى الكلم‪ :‬قدر فيها أقواتها سواء لسائليها على ما‬
‫بهم إليه الحاجة‪ ,‬وعلى ما يصلحهم‪.‬‬
‫سمَ فِيها أقْوَاتَها»‪.‬‬
‫وقد ذُكر عن ابن مسعود أنه كان يقرأ ذلك‪َ « :‬وقَ ّ‬
‫وقد اختلف أهل العربية في وجه نصب سواءً‪ ,‬فقال بعض نحويي البصرة‪ :‬من نصبه جعله‬
‫مصدرا‪ ,‬كأنه قال‪ :‬استواء‪ .‬قال‪ :‬وقد قُرىء بالجرّ وجعل اسما للمستويات‪ :‬أي في أربعة أيام‬
‫تامّة‪ .‬وقال بعض نحويي الكوفة‪ :‬من خفض سواء‪ ,‬جعلها من نعت اليام‪ ,‬وإن شئت من نعت‬
‫سوَاءً‬
‫الربعة‪ ,‬ومن نصبها جعلها متّصلة بالقوات‪ .‬قال‪ :‬وقد تُرفع كأنه ابتداء‪ ,‬كأنه قال‪ :‬ذلك َ‬
‫ن يقول‪ :‬لمن أراد علمه‪.‬‬
‫للسّائِلِي َ‬
‫والصواب من القول في ذلك أن يكون نصبه إذا نصب حالً من القوات‪ ,‬إذ كانت سواء قد‬
‫شب هت بال سماء النكرة‪ ,‬فق يل‪ :‬مررت بقوم سواء‪ ,‬ف صارت تت بع النكرات‪ ,‬وإذا تب عت النكرات‬
‫انقطعت من المعارف فنصبت‪ ,‬فقيل‪ :‬مررت بإخوتك سواء‪ ,‬وقد يجوز أن يكون إذا لم يدخلها‬
‫تثنية ول جمع أن تشبه بالمصادر‪ .‬وأما إذا رُفعت‪ ,‬فإنما تُرفع ابتداء بضمير ذلك ونحوه‪ ,‬وإذا‬
‫جرّت فعلى التباع لليام أو للربعة‪.‬‬
‫ُ‬
‫لرْض ا ْئتِيا طَوْ عا أ ْو َكرْها قالَتا أ َتيْنا‬
‫ن فَقالَ َلهَا وَل َ‬
‫ستَوَى إلى ال سّماءِ وَهِ يَ دُخا ٌ‬
‫وقوله‪ :‬ثُ مّ ا ْ‬
‫طا ِئعِي نَ يع ني تعالى ذكره‪ :‬ثم ا ستوى إلى ال سماء‪ ,‬ثم ارت فع إلى ال سماء‪ .‬و قد بيّ نا أقوال أ هل‬
‫العلم في ذلك فيما مضى قبل‪.‬‬
‫لرْض ا ْئتِيـا طَوْعـا أ ْو كَرْهـا يقول جلّ ثناؤه‪ :‬فقال ال للسـماء والرض‪:‬‬
‫وقوله‪ :‬فَقالَ لهـا وَل َ‬
‫جيئا بما خلقت فيكما‪ ,‬أما أنت يا سماء فأطلعي ما خلقت فيك من الشمس والقمر والنجوم‪ ,‬وأما‬
‫أنت يا أرض فأخرجي ما خلقت فيك من الشجار والثمار والنبات‪ ,‬وتشقّقِي عن النهار قالَتا‬
‫ن جئنا بما أحدثت فينا من خلقك‪ ,‬مستجيبين لمرك ل نعصي أمرك‪ .‬وبنحو الذي‬
‫أ َتيْنا طا ِئعِي َ‬
‫قلنا في ذلك قال أهل التأويل‪ .‬ذكر من قال ذلك‪:‬‬
‫‪ 23489‬ـ حدث نا أ بو هشام‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا ا بن يمان‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا سفيان‪ ,‬عن ا بن جر يج‪ ,‬عن‬
‫لرْض ا ْئتِيا طَ ْو عا أوْ َكرْها قالَتا‬
‫سليمان بن موسى‪ ,‬عن مجاهد‪ ,‬عن ا بن عباس‪ ,‬فَقالَ لها وَل َ‬
‫ن قال‪ :‬قال ال لل سموات‪ :‬أطل عي شم سي وقمري‪ ,‬وأطل عي نجو مي‪ ,‬وقال للرض‪:‬‬
‫أ َتيْ نا طا ِئعِي َ‬
‫شققي أنهارك واخرجي ثمارك‪ ,‬فقالتا‪ :‬أعطينا طائعين‪.‬‬
‫جرَ يج‪ ,‬عن سليمان‬
‫‪ 23490‬ـ حدث ني يعقوب بن إبراه يم‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا ا بن عل ية‪ ,‬عن ا بن ُ‬
‫الحول‪ ,‬عن طاوس‪ ,‬عن ابن عباس‪ ,‬في قوله ا ْئتِنا‪ :‬أعطيا‪ .‬وفي قوله‪ :‬قَالَتا أئ َتيْا قالتا‪ :‬أعطينا‪.‬‬
‫وق يل‪ :‬أتي نا طائع ين‪ ,‬ولم يُ قل طائعت ين‪ ,‬وال سماء والرض مؤنثتان‪ ,‬لن النون واللف اللت ين‬
‫هما كناية أسمائهما في قوله أ َتيْنا نظيره كناية أسماء المخبرين من الرجال عن أنفسهم‪ ,‬فأجرى‬
‫ن على ما جرى به ال خبر عن الرجال كذلك‪ .‬و قد كان ب عض أ هل العرب ية يقول‪:‬‬
‫قوله طائِعِي َ‬
‫ذهب به إلى السموات والرض ومن فيهنّ‪.‬‬
‫وقال آخرون منهم‪ :‬قيل ذلك كذلك لنهما لما تكلمتا أشبهتا الذكور من بني آدم‪.‬‬

‫‪12‬‬ ‫الية ‪:‬‬


‫سمَآءٍ‬
‫ل َ‬
‫حىَ فِي كُ ّ‬
‫ت فِي يَ ْو َميْ نِ وََأ ْو َ‬
‫سمَاوَا ٍ‬
‫سبْعَ َ‬
‫القول ف ـي تأوي ـل قوله تعالى‪{ :‬فَ َقضَاهُ نّ َ‬
‫سمَآءَ ال ّد ْنيَا ِبمَصَابِيحَ َوحِفْظا ذَِلكَ تَ ْقدِيرُ ا ْل َعزِيزِ ا ْلعَلِيمِ }‪.‬‬
‫َأ ْمرَهَا َو َز ّينّا ال ّ‬
‫يقول تعالى ذكره‪ :‬ففرغ مـن خلقهـن سـبع سـموات فـي يوميـن‪ ,‬وذلك يوم الخميـس ويوم‬
‫الجمعة‪ ,‬كما‪:‬‬
‫‪ 23491‬ـ حدثني موسى‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا عمرو‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا أسباط‪ ,‬عن السديّ‪ ,‬قال‪ :‬استوى إلى‬
‫السماء وهي دخان من تنفس الماء حين تنفس‪ ,‬فجعلها سماء واحدة‪ ,‬ففتقها‪ ,‬فجعلها سبع سموات‬
‫فـي يوميـن‪ ,‬فـي الخميـس والجمعـة‪ .‬وإنمـا سُـمّي يوم الجمعـة لنـه جمـع فيـه خلق السـموات‬
‫والرض‪.‬‬
‫وقوله‪ :‬وأ ْوحَى فِي كُلّ سَماءٍ أ ْمرَها يقول‪ :‬وألقى في كل سماء من السموات السبع ما أراد‬
‫من الخلق‪ .‬وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل‪ .‬ذكر من قال ذلك‪:‬‬
‫‪23492‬ـ حدثني محمد بن عمرو‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا أبو عاصم‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا عيسى وحدثني الحارث‪,‬‬
‫قال‪ :‬حدثنا الحسن‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا ورقاء‪ ,‬جميعا عن ابن أبي نجيح‪ ,‬عن مجاهد‪ ,‬في قوله‪ :‬وأ ْوحَى‬
‫ل سَماءٍ أ ْمرَها قال‪ :‬ما أمر ال به وأراده‪.‬‬
‫فِي كُ ّ‬
‫‪ 23493‬ـ حدث نا مو سى‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا عمرو‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا أ سباط‪ ,‬عن ال سديّ وأوْحَى فِي كُلّ‬
‫ل سماء خلق ها من الملئ كة والخلق الذي في ها من البحار وجبال‬
‫سَماءٍ أ ْمرَهاقال‪ :‬خلق في ك ّ‬
‫البرد‪ ,‬وما ل يعلم‪.‬‬
‫‪ 23494‬ـ حدث نا ب شر‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا يز يد‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا سعيد‪ ,‬عن قتادة وأوْحَى فِي كُلّ سَماءٍ‬
‫أ ْمرَها‪ :‬خلق فيها شمسها وقمرها ونجومها وصلحها‪.‬‬
‫وقوله‪َ :‬و َزيّنا ال سّماءَ ال ّدنْيا ِبمَ صَابِيحَ َوحِفْظا يقول تعالى ذكره‪ :‬وزيّنا السماء الدنيا إليكم أيها‬
‫الناس بالكواكب وهي المصابيح‪ ,‬كما‪:‬‬
‫‪23495‬ـ حدثنا موسى‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا عمرو‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا أسباط‪ ,‬عن السديّ َزيّنا ال ّدنْيا ِبمَصَابِيحَ‬
‫قال‪ :‬ثم زين السماء بالكواكب‪ ,‬فجعلها زينة َوحِفْظا من الشياطين‪.‬‬
‫واختلف أهل العربية في وجه نصبه قوله‪َ :‬وحِفْظا فقال بعض نحويي البصرة‪ :‬نصب بمعنى‪:‬‬
‫وحفظنا ها حف ظا‪ ,‬كأ نه قال‪ :‬ونحفظ ها حف ظا‪ ,‬ل نه ح ين قال‪َ :‬زيّنا ها ِبمَ صابِيحَ قد أ خبر أ نه قد‬
‫نظر في أمرها وتعهدها‪ ,‬فهذا يدلّ على الحفظ‪ ,‬كأنه قال‪ :‬وحفظناها حفظا‪ .‬وكان بعض نحويي‬
‫الكوفة يقول‪ :‬نصب ذلك على معنى‪ :‬وحفظا زيناها‪ ,‬لن الواو لو سقطت لكان إنا زينا السماء‬
‫الدنيا حفظا وهذا القول الثاني أقرب عندنا للصحة من الوّل‪.‬‬
‫وقد بيّنا العلة في نظير ذلك في غير موضع من هذا الكتاب‪ ,‬فأغنى ذلك عن إعادته‪.‬‬
‫وقوله‪ :‬ذل كَ تَ ْقدِيرُ ال َعزِيزِ العَلِي مِ يقول تعالى ذكره‪ :‬هذا الذي و صفت ل كم من خل قي ال سماء‬
‫والرض و ما فيه ما‪ ,‬وتزيي ني ال سماء الدن يا بزي نة الكوا كب‪ ,‬على ما بي نت تقد ير العز يز في‬
‫نقمته من أعدائه‪ ,‬العليم بسرائر عباده وعلنيتهم‪ ,‬وتدبيرهم على ما فيه صلحهم‪.‬‬

‫‪14-13‬‬ ‫الية ‪:‬‬


‫عقَ ًة ّمثْلَ صَاعِقَةِ عَادٍ َو َثمُودَ‬
‫عرَضُو ْا فَقُلْ أَن َذ ْر ُتكُ ْم صَا ِ‬
‫القول فـي تأويـل قوله تعالى‪َ { :‬فإِ نْ َأ ْ‬
‫ل اللّ هَ قَالُو ْا لَ ْو شَآءَ َر ّبنَا لنزَلَ‬
‫ل َت ْع ُبدُوَاْ ِإ ّ‬
‫ن خَلْ ِفهِ مْ َأ ّ‬
‫ن َأ ْيدِيهِ مْ َو ِم ْ‬
‫* ِإ ْذ جَآ َء ْتهُ مُ الرّ سُلُ مِن َبيْ ِ‬
‫ل ِئكَةً َفِإنّا ِبمَآ ُأ ْرسِلْ ُتمْ ِبهِ كَافِرُونَ }‪.‬‬
‫مَ َ‬
‫يقول تعالى ذكره‪ :‬فإن أعرض هؤلء المشركون عن هذه الح جة ال تي بيّنت ها ل هم يا مح مد‪,‬‬
‫ونبهتهـم عليهـا فلم يؤمنوا بهـا ولم يقرّوا أن فاعـل ذلك هـو ال الذي ل إله غيره‪ ,‬فقـل لهـم‪:‬‬
‫أنذرتكم أيها الناس صاعقة تهلككم مثل صاعقة عاد وثمود‪.‬‬
‫ل ما أفسد الشيء وغيره عن هيئته‪ .‬وقيل في هذا‬
‫وقد بيّنا فيما مضى أن معنى الصاعقة‪ :‬ك ّ‬
‫الموضع عنى بها وقيعة من ال وعذاب‪ .‬ذكر من قال ذلك‪:‬‬
‫‪23496‬ـ حدثنا ابن عبد العلى‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا ابن ثور‪ ,‬عن معمر‪ ,‬عن قتادة‪ ,‬في قوله‪ :‬صَاعِ َقةٌ‬
‫ِمثْلَ صـَاعِ َقةِ عادٍ وَثمُو َد قال‪ :‬يقول‪ :‬أنذرتكـم وقيعـة عاد وثمود‪ ,‬قال‪ :‬عذاب مثـل عذاب عاد‬
‫وثمود‪.‬‬
‫وقوله‪ :‬إذْ جا َء ُتهُمْ الرّسُلُ مِنْ َبيْنِ أ ْيدِيهِمْ َومِنْ خَلْ ِفهِمْ يقول‪ :‬فقل‪ :‬أنذرتكم صاعقة مثل صاعقة‬
‫عاد وثمود ال تي أهلكت هم‪ ,‬إذ جاءت عادا وثمود الر سل من ب ين أيدي هم فقوله «إذ» من صلة‬
‫ن أ ْيدِيهِ مْ الرسل التي أتت آباء الذين هلكوا بالصاعقة من هاتين‬
‫صاعقة‪ .‬وعنى بقوله‪ :‬مِ نْ بَي ِ‬
‫ن خَلْ ِفهِ مْ‪ :‬من خلف الرسل الذين بعثوا إلى آبائهم رسلً إليهم‪ ,‬وذلك‬
‫المتين‪ .‬وعنى بقوله‪َ :‬ومِ ْ‬
‫أن ال ب عث إلى عاد هودا‪ ,‬فكذّبوه من ب عد ر سل قد كا نت تقدم ته إلى آبائ هم أي ضا‪ ,‬فكذّبو هم‪,‬‬
‫فأهلكوا‪ .‬وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل‪ .‬ذكر من قال ذلك‪:‬‬
‫‪ 23497‬ـ حدثني محمد بن سعد‪ ,‬قال‪ :‬ثني أبي‪ ,‬قال‪ :‬ثني عمي‪ ,‬قال‪ :‬ثني أبي‪ ,‬عن أبيه‪ ,‬عن‬
‫ع َرضُوا‪ ...‬إلى قوله‪َ :‬ومِن ْـ خَلْ ِفهِم ْـ قال‪ :‬الرسـل التـي كانـت قبـل هود‪,‬‬
‫ابـن عباس‪ ,‬قوله‪ :‬فإن أ ْ‬
‫والرسل الذين كانوا بعده‪ ,‬بعث ال قبله رسلً‪ ,‬وبعث من بعده رسلً‪.‬‬
‫ـ يقول تعالى ذكره‪ :‬جاءتهـم الرسـل بأن ل تعبدوا إل ال وحده ل‬
‫وقوله‪ :‬ألّ َت ْع ُبدُوا إلّ اللّه َ‬
‫ل ْنزَلَ مَل ِئكَةً يقول جلّ ثناؤه‪ :‬فقالوا لرسـلهم إذ دعوهـم إلى‬
‫شريـك له‪ ,‬قالوا‪ :‬لَ ْو شاءَ َربّنـا َ‬
‫القرار بتوح يد ال‪ :‬لو شاء رب نا أن نوحده‪ ,‬ول نع بد من دو نه شيئا غيره‪ ,‬لنزل إلي نا ملئ كة‬
‫من السماء رسلً بما تدعوننا أنتم إليه‪ ,‬ولم يرسلكم وأنتم بشر مثلنا‪ ,‬ولكنه رضى عبادتنا ما‬
‫نعبد‪ ,‬فلذلك لم يرسل إلينا بالنهي عن ذلك ملئكة‪.‬‬
‫ـتُمْ بِهِـ كا ِفرُونَـ يقول‪ :‬قال لرسـلهم‪ :‬فإنـا بالذي أرسـلكم بـه ربكـم إلينـا‬
‫وقوله‪ :‬فإنّا بِمَا ُأرْسِ ْل‬
‫جاحدون غير مصدّقين به‪.‬‬

‫‪15‬‬ ‫الية ‪:‬‬


‫شدّ‬
‫ن َأ َ‬
‫ستَ ْك َبرُواْ فِي الرْ ضِ ِب َغ ْيرِ ا ْلحَ قّ َوقَالُو ْا مَ ْ‬
‫القول فـي تأويـل قوله تعالى‪َ { :‬فَأمّا عَادٌ فَا ْ‬
‫حدُونَ }‪.‬‬
‫جَ‬‫شدّ ِم ْن ُهمْ قُ ّوةً َوكَانُواْ بِآيَا ِتنَا َي ْ‬
‫ِمنّا قُوّ ًة أَوََل ْم َيرَوْاْ َأنّ الّلهَ اّلذِي خَلَ َق ُهمْ ُهوَ َأ َ‬
‫ْضـ تكـبرا‬
‫فاسـتَ ْك َبرُوا على ربهـم وتجـبروا فِي الر ِ‬
‫يقول تعالى ذكره‪ :‬فأمّا عادٌ قوم هود ْ‬
‫ن اللّ َه اّلذِي خَلَ َقهُ مْ وأعطاهم‬
‫شدّ ِمنّا قُ ّوةٍ أوَلَ مْ َيرَوْا أ ّ‬
‫وعتوّا بغير ما أذن ال لهم به وَقالُوا َم نْ أ َ‬
‫شدّ ِم ْنهُ مْ قُ ّو ًة فيحذروا عقا به‪ ,‬ويتقوا سطوته‬
‫ما أعطا هم من ع ظم الخلق‪ ,‬وشدّة الب طش هُو أ َ‬
‫ُونـ يقول‪ :‬وكانوا بأدلتنـا وحججنـا عليهـم‬
‫حد َ‬ ‫جَ‬
‫لكفرهـم بـه‪ ,‬وتكذيبهـم رسـله وكانُوا بآياتِنـا َي ْ‬
‫يجحدون‪.‬‬
‫‪16‬‬ ‫الية ‪:‬‬
‫صرْصَرا فِ يَ َأيّا مٍ ّنحِ سَاتٍ ّل ُنذِي َقهُ مْ‬
‫القول ف ـي تأوي ـل قوله تعالى‪َ { :‬فَأرْ سَ ْلنَا عََل ْيهِ مْ رِيحا َ‬
‫صرُونَ }‪.‬‬
‫خزَىَ وَ ُهمْ لَ يُن َ‬
‫خرَ ِة َأ ْ‬
‫لِ‬‫حيَا ِة ال ّد ْنيَا وََل َعذَابُ ا َ‬
‫خزْيِ فِي ا ْل َ‬
‫ب ا ْل ِ‬
‫عذَا َ‬
‫َ‬
‫يقول تعالى ذكره‪ :‬فأرسلنا على عاد ريحا صرصرا‪.‬‬
‫واختلف أهل التأويل في معنى الصرصر‪ ,‬فقال بعضهم‪ :‬عني بذلك أنها ريح شديدة‪ .‬ذكر من‬
‫قال ذلك‪:‬‬
‫‪ 23498‬ـ حدث ني مح مد بن عمرو‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا أ بو عا صم‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا عي سى‪ ,‬عن ا بن أ بي‬
‫نجيح‪ ,‬عن مجاهد‪ ,‬قوله‪ :‬ريحا صَرصَرا قال‪ :‬شديدة‪.‬‬
‫حدثني الحارث‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا الحسن‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا ورقاء‪ ,‬عن ابن أبي نجيح‪ ,‬عن مجاهد رِيحا‬
‫صَ ْرصَرا شديدة السّموم عليهم‪.‬‬
‫وقال آخرون‪ :‬بل عنى بها أنها باردة‪ .‬ذكر من قال ذلك‪:‬‬
‫‪ 23499‬ـ حدث نا ب شر‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا يز يد‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا سعيد‪ ,‬عن قتادة فأَرْ سَلْنا عََل ْيهِ مْ رِي حا‬
‫صَ ْرصَرا قال‪ :‬الصرصر‪ :‬الباردة‪.‬‬
‫صرْصَرا‬
‫حدثنا ابن عبد العلى‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا ابن ثور‪ ,‬عن معمر‪ ,‬عن قتادة‪ ,‬في قوله‪ :‬رِيحا َ‬
‫قال‪ :‬باردة‪.‬‬
‫‪ 23500‬ـ حدث نا مح مد بن الح سين‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا أح مد‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا أ سباط‪ ,‬عن ال سديّ رِي حا‬
‫صَ ْرصَرا قال‪ :‬باردة ذات الصوت‪.‬‬
‫‪ 23501‬ـ حُدثت عن الحسين‪ ,‬قال‪ :‬سمعت أبا معاذ يقول‪ :‬حدثنا عبيد‪ ,‬قال‪ :‬سمعت الضحاك‬
‫يقول‪ ,‬في قوله‪ :‬رَيحا صَ ْرصَرا يقول‪ :‬ريحا فيها برد شديد‪.‬‬
‫وأولى القوليـن فـي ذلك بالصـواب قول مجاهـد‪ ,‬وذلك أن قوله‪ :‬ص َـرْصَرا إنمـا هـو صـوت‬
‫الريح إذا هبّت بشدّة‪ ,‬ف سُمع لها كقول القائل‪ :‬صرر‪ ,‬ثم جعل ذلك من أجل التضعيف الذي في‬
‫الراء‪ ,‬فقال ثـم أبدلت إحدى الراءات صـادا لكثرة الراءات‪ ,‬كمـا قيـل فـي ردّده‪ :‬ردرده‪ ,‬وفـي‬
‫نههه‪ :‬نهنهه‪ ,‬كما قال رؤبة‪:‬‬
‫س بالمُسَ ّفهِ‬
‫فا ْليَ ْومَ َقدْ َن ْه َن َهنِي َت َن ْه ُنهِيوأ ّولُ حِ ْلمٍ َليْ َ‬
‫وكما قيل في كففه‪ :‬كفكفه‪ ,‬كما قال النابغة‪:‬‬
‫ع ْبرَةً غََلبَتْ عُداتِيإذَا َن ْه َن ْهتُها عادَتْ ذُباحا‬
‫ُأكَ ْف ِكفُ َ‬
‫و قد ق يل‪ :‬إن الن هر الذي ي سمى صرصرا‪ ,‬إن ما سمي بذلك ل صوت الماء الجاري ف يه‪ ,‬وإ نه‬
‫«فعلل» من صرر نظير الريح الصرصر‪.‬‬
‫وقوله‪ :‬في أيّا مٍ َنحِ ساتٍ اختلف أ هل التأو يل في تأو يل النح سات‪ ,‬فقال بعض هم‪ :‬عُ ني ب ها‬
‫المتتابعات‪.‬ذكر من قال ذلك‪:‬‬
‫‪ 23502‬ـ حدثني محمد بن سعد‪ ,‬قال‪ :‬ثني أبي‪ ,‬قال‪ :‬ثني عمي‪ ,‬قال‪ :‬ثني أبي‪ ,‬عن أبيه‪ ,‬عن‬
‫ابن عباس‪ ,‬قوله‪ :‬في أيّامٍ َنحِساتٍ قال‪ :‬أيام متتابعات أنزل ال فيهنّ العذاب‪.‬‬
‫وقال آخرون‪ :‬عِني بذلك المشائيم‪ .‬ذكر من قال ذلك‪:‬‬
‫‪23503‬ـ حدثني محمد بن عمرو‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا أبو عاصم‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا عيسى وحدثني الحارث‪,‬‬
‫قال‪ :‬حدثنـا الحسـن‪ ,‬قال‪ :‬حدثنـا ورقاء‪ ,‬جميعـا عـن ابـن أبـي نجيـح‪ ,‬عـن مجاهـد‪ ,‬قوله‪ :‬أيّام ٍـ‬
‫ت قال‪ :‬مشائيم‪.‬‬
‫َنحِسا ٍ‬
‫‪ 23504‬ـ حدثنا بشر‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا يزيد‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا سعيد‪ ,‬عن قتادة في أيّا مٍ َنحِساتٍ أيام وال‬
‫كانت مشؤومات على القوم‪.‬‬
‫حدثنـا ابـن عبـد العلى‪ ,‬قال‪ :‬حدثنـا ابـن ثور‪ ,‬عـن معمـر‪ ,‬عـن قتادة‪ ,‬قال‪ :‬النحسـات‪:‬‬
‫المشؤومات النكدات‪.‬‬
‫‪ 23505‬ـ حدث نا مح مد بن الح سين‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا أح مد بن المف ضل‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا أ سباط‪ ,‬عن‬
‫السديّ في أيّامٍ َنحِساتٍ قال‪ :‬أيام مشؤومات عليهم‪.‬‬
‫وقال آخرون‪ :‬معنى ذلك‪ :‬أيام ذات شرّ‪ .‬ذكر من قال ذلك‪:‬‬
‫‪ 23506‬ـ حدث ني يو نس‪ ,‬قال‪ :‬أخبر نا ا بن و هب‪ ,‬قال‪ :‬قال ا بن ز يد قوله‪ :‬أيّا مٍ َنحِ ساتٍ قال‪:‬‬
‫النحس‪ :‬الشرّ أرسل عليهم ريح شرّ ليس فيها من الخير شيء‪.‬‬
‫وقال آخرون‪ :‬النحسات‪ :‬الشداد‪ .‬ذكر من قال ذلك‪:‬‬
‫‪ 23507‬ـ حُدثت عن الحسين‪ ,‬قال‪ :‬سمعت أبا معاذ يقول‪ :‬حدثنا عبيد‪ ,‬قال‪ :‬سمعت الضحاك‬
‫ت قال‪ :‬شداد‪.‬‬
‫يقول في أيّامٍ َنحِسا ٍ‬
‫وأولى القوال في ذلك بال صواب قول من قال ع نى ب ها‪ :‬أيام مشائ يم ذات نحوس‪ ,‬لن ذلك‬
‫هو المعروف من معنى النحس في كلم العرب‪.‬‬
‫وقد اختلفت القرّاء في قراءة ذلك‪ ,‬فقرأته عامة قرّاء المصار غير نافع وأبي عمرو في أيّامٍ‬
‫َنحِساتٍ بكسر الحاء‪ ,‬وقرأه نافع وأبو عمرو‪َ « :‬نحْساتٍ» بسكون الحاء‪ .‬وكان أبو عمرو فيما‬
‫س َتمِرٌ وأن الحاء فيه ساكنة‪.‬‬
‫ذكر لنا عنه يحتج لتسكينه الحاء بقوله‪ :‬يَ ْو ِم َنحْسٍ ُم ْ‬
‫وال صواب من القول في ذلك أن يقال‪ :‬إنه ما قراءتان مشهورتان‪ ,‬قد قرأ بكلّ واحدة منه ما‬
‫قرّاء علماء مع اتفاق معنييهما‪ ,‬وذلك أن تحريك الحاء وتسكينها في ذلك لغتان معروفتان‪ ,‬يقال‬
‫هذا يو ٌم َنحْسٌ‪ ,‬ويومٌ َنحِسٌ‪ ,‬بكسر الحاء وسكونها قال الفرّاء‪ :‬أنشدني بعض العرب‪:‬‬
‫صرُ ُهمْ َنحِسُ‬
‫طيّا وَب ْهرَاءَ قَ ْو ٌم نَ ْ‬
‫جذَاما وََلخْما أنّ إخْ َوتُه ْم َ‬
‫أبلِ ْغ ُ‬
‫وأما من السكون فقول ال يَ ْومِ َنحْسٍ ومنه قول الراجز‪:‬‬
‫س ْعدِ وَنجْما َنحْسا‬
‫ن بال ّ‬
‫ج َميْ ِ‬
‫شمْسانَ ْ‬
‫غ ْي َميْنِ َويَوْما َ‬
‫َي ْو َميْنِ َ‬
‫فمن كان في لغته‪« :‬يَوْ ٍم َنحْسٍ» قال‪« :‬في أيّا ٍم َنحْساتٍ»‪ ,‬ومن كان في لغته‪ :‬يَوْمِ َنحْسٍ قال‪:‬‬
‫في أيّامٍ َنحِساتٍ‪ ,‬وقد قال بعضهم‪ :‬النحْس بسكون الحاء‪ :‬هو الشؤم نفسه‪ ,‬وإن إضافة اليوم إلى‬
‫الن حس‪ ,‬إن ما هو إضا فة إلى الشؤم‪ ,‬وإن النحِس بك سر الحاء ن عت لليوم بأ نه مشؤوم‪ ,‬ولذلك‬
‫ت لنها أيام مشائيم‪.‬‬
‫قيل‪ :‬في أيّامٍ َنحِسا ٍ‬
‫ْيـ فـي الحَياةِ ال ّدنْيـا يقول جلّ ثناؤه‪ :‬ولعذابنـا إياهـم فـي الَخرة‬
‫خز ِ‬‫َابـ ال َ‬
‫عذ َ‬ ‫ُمـ َ‬
‫وقوله‪ِ :‬ل ُنذِي َقه ْ‬
‫صرُونَ يقول‪ :‬وهم يعني عادا ل ينصرهم من ال يوم‬
‫أخزى لهم وأشدّ إهانة وإذللً وهُ مْ ل ُينْ َ‬
‫القيامة إذا عذّبهم ناصر‪ ,‬فينقذهم منه‪ ,‬أو ينتصر لهم‪.‬‬

‫‪18-17‬‬ ‫الية ‪:‬‬


‫خ َذ ْتهُ مْ‬
‫حبّواْ ا ْل َع َمىَ عَلَى ا ْل ُه َدىَ َفأَ َ‬
‫س َت َ‬
‫القول ف ـي تأوي ـل قوله تعالى‪{ :‬وَأَمّا َثمُودُ َفهَ َد ْينَاهُ مْ فَا ْ‬
‫ج ْينَا اّلذِينَ آ َمنُواْ َوكَانُواْ يتّقُونَ }‪.‬‬
‫ن * َو َن ّ‬
‫سبُو َ‬
‫صَاعِقَ ُة ا ْل َعذَابِ ا ْلهُونِ ِبمَا كَانُواْ َي ْك ِ‬
‫ق وطريق الرشد‪ ,‬كما‪:‬‬
‫يقول تعالى ذكره‪ :‬فبيّنا لهم سبيل الح ّ‬
‫‪ 23508‬ـ حدثني عل يّ‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا أبو صالح‪ ,‬قال‪ :‬ثني معاوية‪ ,‬عن عل يّ‪ ,‬عن ا بن عباس‪,‬‬
‫قوله‪ :‬وأمّا َثمُودُ َف َه َديْنا ُهمْ‪ :‬أي بيّنا لهم‪.‬‬
‫‪23509‬ـ حدثنا بشر‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا يزيد‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا سعيد‪ ,‬عن قتادة وأمّا َثمُودُ َف َه َديْناهُمْ بيّنا لهم‬
‫سبيل الخير والشرّ‪.‬‬
‫‪ 23510‬ـ حدثنا محمد‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا أحمد‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا أسباط‪ ,‬عن السديّ وأمّا َثمُودُ َف َه َديْناهُ مْ‬
‫بيّنا لهم‪.‬‬
‫‪ 23511‬ـ حدث ني يو نس‪ ,‬قال‪ :‬أخبر نا ا بن و هب‪ ,‬قال‪ :‬قال ا بن ز يد‪ ,‬في قوله‪ :‬وأمّا َثمُودُ‬
‫ـ قال‪ :‬أعلمناهـم الهدى والضللة‪ ,‬ونهيناهـم أن يتّبعوا الضللة‪ ,‬وأمرناهـم أن يتبعوا‬
‫َفهَ َديْناهُم ْ‬
‫الهدى‪.‬‬
‫وقد اختلفت القرّاء في قراءة قوله‪َ :‬ثمُو ُد فقرأته عامة القرّاء من المصار غير العمش وعبد‬
‫ال بن أ بي إ سحاق بر فع ثمود‪ ,‬وترك إجرائ ها على أن ها ا سم لل مة ال تي تعرف بذلك‪ .‬وأ ما‬
‫العمـش فإنـه ذكـر عنـه أنـه كان يُجزي ذلك فـي القرآن كله إل فـي قوله‪ :‬وآ َتيْنَا َثمُودَ النّاقَةَ‬
‫صرَ ًة فإ نه كان ل يجر يه في هذا المو ضع خا صة من أ جل أ نه في خ طّ الم صحف في هذا‬
‫ُمبْ ِ‬
‫الموضع بغير ألف‪ ,‬وكان يوجه ثمود إلى أنه اسم رجل بعينه معروف‪ ,‬أو اسم جيل معروف‪.‬‬
‫وأما ابن إسحاق فإنه كان يقرؤه نصبا‪ .‬وأما ثمود بغير إجراء‪ ,‬وذلك وإن كان له في العربية‬
‫وجه معروف‪ ,‬فإن أفصح منه وأصحّ في العراب عند أهل العربية الرفع لطلب أما السماء‬
‫وأن الفعال ل تليها‪ ,‬وإنما تعمل العرب الفعال التي بعد السماء فيها إذا حسن تقديمها قبلها‬
‫والف عل في أ ما ل يح سن تقدي مه ق بل ال سم أل ترى أ نه ل يقال‪ :‬وأ ما هدي نا فثمود‪ ,‬ك ما يقال‪:‬‬
‫وأمّا َثمُودُ َف َهدَيْنا ُهمْ‪.‬‬
‫والصواب من القراءة في ذلك عندنا الرفع وترك الجراء أما الرفع فلما وصفت‪ ,‬وأما ترك‬
‫الجراء فلنه اسم للمة‪.‬‬
‫حبّوا العَمَـى على ال ُهدَى يقول‪ :‬فاختاروا العمـى على البيان الذي بيّنـت لهـم‪,‬‬
‫ـتَ َ‬
‫وقوله‪ :‬فاس ْ‬
‫والهدى الذي عرفتهم‪ ,‬بأخذهم طريق الضلل على الهدى‪ ,‬يعني على البيان الذي بيّنه لهم‪ ,‬من‬
‫توحيد ال‪ .‬وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل‪ .‬ذكر من قال ذلك‪:‬‬
‫حبّوا ال َعمَى على‬
‫س َت َ‬
‫‪ 23512‬ـ حدثنا محمد‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا أحمد‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا أسباط‪ ,‬عن السديّ فا ْ‬
‫ال ُهدَى قال‪ :‬اختاروا الضللة والعمى على الهدى‪.‬‬
‫‪ 23513‬ـ حدثني محمد بن سعد‪ ,‬قال‪ :‬ثني أبي‪ ,‬قال‪ :‬ثني عمي‪ ,‬قال‪ :‬ثني أبي‪ ,‬عن أبيه‪ ,‬عن‬
‫حبّوا ال َعمَى على ال ُهدَى قال‪ :‬أرسل ال إليهم الرسل‬
‫س َت َ‬
‫ابن عباس‪ ,‬قوله‪ :‬وأمّا َثمُودُ َفهَ َديْناهُ مْ فا ْ‬
‫بالهدى فاستحبوا العمى على الهدى‪.‬‬
‫حبّوا ال َعمَى‬
‫س َت َ‬
‫‪ 23514‬ـ حدثنا ابن عبد العلى‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا ابن ثور‪ ,‬عن معمر‪ ,‬عن قتادة فا ْ‬
‫يقول‪ :‬بيّنا لهم‪ ,‬فاستحبوا العمى على الهدى‪.‬‬
‫حبّوا ال َعمَى‬
‫س َت َ‬
‫‪ 23515‬ـ حدثني يونس‪ ,‬قال‪ :‬أخبرنا ابن وهب‪ ,‬قال‪ :‬قال ابن زيد‪ ,‬في قوله‪ :‬فا ْ‬
‫عمََلهُ مْ‪ ...‬إلى آ خر‬
‫ل ُأمّةٍ َ‬
‫على ال ُهدَى قال‪ :‬ا ستحبوا الضللة على الهدى‪ ,‬وقرأ‪ :‬وَكذَل كَ َزيّ نا ِلكُ ّ‬
‫ن اللّ هَ ُيضِلّ‬
‫عمَِل ِه فَرآ ُه حَ سَنا فإ ّ‬
‫ن لَ هُ سُوءُ َ‬
‫ن ُزيّ َ‬
‫الَية‪ ,‬قال‪ :‬فزين لثمود عملها القبيح‪ ,‬وقرأ‪َ :‬أ َفمَ ْ‬
‫ن يَشاءُ‪ ...‬إلى آخر الَية‪.‬‬
‫مَ ْ‬
‫سبُونَ يقول‪ :‬فأهلكت هم من العذاب المذلّ‬
‫عقَ ُة العَذا بِ الهُو نِ بِمَا كانُوا يكْ ِ‬
‫خ َذ ْتهُ مْ صَا ِ‬
‫وقوله‪ :‬فَأ َ‬
‫المهين لهم مُهلكة أذلتهم وأخزتهم والهون‪ :‬هو الهوان‪ ,‬كما‪:‬‬
‫عذَا بِ الهُو نِ قال‪:‬‬
‫‪ 23516‬ـ حدث نا مح مد‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا أح مد‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا أ سباط‪ ,‬عن ال سديّ َ‬
‫الهوان‪.‬‬
‫سبُونَ من الَثام بكفرهم بال قبل ذلك‪ ,‬وخلفهم إياه‪ ,‬وتكذيبهم رسله‪.‬‬
‫وقوله‪ِ :‬بمَا كانُوا َي ْك ِ‬
‫ن آ َمنُوا يقول‪ :‬ونجي نا الذ ين آمنوا من العذاب الذي أخذ هم بكفر هم بال‪,‬‬
‫جيْ نا اّلذِي َ‬
‫وقوله‪ :‬و َن ّ‬
‫ل بهـم مـن‬
‫ُونـ يقول‪ :‬وكانوا يخافون ال أن يح ّ‬
‫الذيـن وحّدوا ال‪ ,‬وصـدّقوا رسـله وَكانُوا َيتّق َ‬
‫العقوبـة على كفرهـم لو كفروا مـا ح ّل بالذيـن هلكوا منهـم‪ ,‬فآمنوا اتّقاء ال وخوف وعيده‪,‬‬
‫وصدّقوا رسله‪ ,‬وخلعوا الَلهة والنداد‪.‬‬

‫‪20-19‬‬ ‫الية ‪:‬‬


‫حّتىَ ِإذَا‬
‫عدَآ ُء اللّ ِه إِلَى النّارِ َفهُ مْ يُوزَعُو نَ * َ‬
‫شرُ أَ ْ‬
‫حَ‬‫القول فـي تأويـل قوله تعالى‪َ { :‬ويَوْ مَ ُي ْ‬
‫س ْم ُعهُمْ وََأ ْبصَارُ ُهمْ َوجُلُودُهُم ِبمَا كَانُواْ َي ْعمَلُونَ }‪.‬‬
‫ش ِهدَ عََل ْي ِهمْ َ‬
‫مَا جَآءُوهَا َ‬
‫يقول تعالى ذكره‪ :‬ويوم يجمـع هؤلء المشركون أعداء ال إلى النار‪ ,‬إلى نار جهنـم‪ ,‬فهـم‬
‫يحبس أوّلهم على آخرهم‪ ,‬كما‪:‬‬
‫‪ 23517‬ـ حدث نا مح مد‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا أح مد‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا أ سباط‪ ,‬عن ال سديّ َفهُ مْ يُوزَعُو نَ قال‪:‬‬
‫يحبس أوّلهم على آخرهم‪.‬‬
‫ن قال‪ :‬عليهم‬
‫‪ 23518‬ـ حدثنا بشر‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا يزيد‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا سعيد‪ ,‬عن قتادة َفهُ ْم يُوزَعُو َ‬
‫وزعة تردّ أولهم على أُخراهم‪.‬‬
‫س ْم ُعهُمْ وأبْ صَارُ ُهمْ يقول‪ :‬حتى إذا ما جاؤوا النار شهد‬
‫ش ِهدَ عََل ْيهِ مْ َ‬
‫وقوله‪ :‬حتى إذَا ما جاؤها َ‬
‫عليهـم سـمعهم بمـا كانوا يصـغون بـه فـي الدنيـا إليـه‪ ,‬ويسـتمعون له‪ ,‬وأبصـارهم بمـا كانوا‬
‫يبصرون به وينظرون إليه في الدنيا َوجُلُودُو ُه ْم بِما كانُوا َي ْعمَلُونَ‪.‬‬
‫وقد قيل‪ :‬عُني بالجلود في هذا الموضع‪ :‬الفروج‪ .‬ذكر من قال ذلك‪:‬‬
‫‪23519‬ـ حدثنا ابن حميد‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا يعقوب القمي‪ ,‬عن الحكم الثقفي‪ ,‬رجل من آل أبي عقيل‬
‫ش ِه ْدتُمْ عََليْنا إنما عُني فروجهم‪ ,‬ولكن كني عنها‪.‬‬
‫رفع الحديث‪ ,‬وقَالُوا ِلجُلُودِ ِهمْ ِلمَ َ‬
‫‪23520‬ـ حدثني يونس‪ ,‬قال‪ :‬أخبرنا ابن وهب‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا حرملة‪ ,‬أنه سمع عبيد ال بن أبي‬
‫س ْم ُع ُهمْ وأ ْبصَارُ ُهمْ َوجُلُودُ ُهمْ قال‪ :‬جلودهم‪ :‬الفروج‪.‬‬
‫ش ِهدَ عََل ْي ِهمْ َ‬
‫جعفر‪ ,‬يقول حتى إذَا ما جاؤها َ‬
‫وهذا القول الذي ذكرناه ع من ذكر نا ع نه في مع نى الجلود‪ ,‬وإن كان مع نى يحتمله التأو يل‪,‬‬
‫فليـس بالغلب على معنـى الجلود ول بالشهـر‪ ,‬وغيـر جائز نقـل معنـى ذلك المعروف على‬
‫الشيء القرب إلى غيره إل بحجة يجب التسليم لها‪.‬‬

‫‪22-21‬‬ ‫الية ‪:‬‬


‫شهِدتّ مْ عََل ْينَا قَالُوَ ْا أَنطَ َقنَا اللّ ُه اّلذِي أَنطَ قَ‬
‫القول فـي تأويـل قوله تعالى‪َ { :‬وقَالُو ْا ِلجُلُودِهِ مْ لِ َم َ‬
‫س ْم ُعكُمْ‬
‫ش َهدَ عََل ْيكُ مْ َ‬
‫س َتتِرُونَ أَن َي ْ‬
‫ن * وَمَا كُنتُ مْ تَ ْ‬
‫جعُو َ‬
‫شيْءٍ وَهُ َو خَلَ َقكُ مْ َأوّلَ َمرّةٍ وَإَِل ْي هِ ُت ْر َ‬
‫كُلّ َ‬
‫ن اللّ َه لَ َيعَْلمُ َكثِيرا ّممّا َت ْعمَلُونَ }‪.‬‬
‫ل َأبْصَا ُركُمْ َولَ جُلُو ُدكُمْ وَلَـكِن ظَنَن ُتمْ أَ ّ‬
‫َو َ‬
‫يقول تعالى ذكره‪ :‬وقال هؤلء الذ ين يحشرون إلى النار من أعداء ال سبحانه لجلود هم إذ‬
‫شهدت علي هم ب ما كانوا في الدن يا يعملون‪ :‬لم شهد تم علي نا ب ما ك نا نع مل في الدن يا؟ فأجابت هم‬
‫شيْ ٍء فنطقنا وذُكر أن هذه الجوارح تشهد على أهلها عند‬
‫جلودهم‪ :‬أ ْنطَقَنا الّل َه اّلذِي َأ ْنطَ قَ كُلّ َ‬
‫ا ستشهاد ال إيا ها علي هم إذا هم أنكروا الفعال ال تي كانوا فعلو ها في الدن يا ب ما ي سخط ال‪,‬‬
‫وبذلك جاء الخبر عن رسول ال صلى ال عليه وسلم‪ .‬ذكر الخبار التي رُويت عن رسول ال‬
‫صلى ال عليه وسلم‪.‬‬
‫ي بن قادم الفزاري‪ ,‬قال‪ :‬أخبر نا‬
‫‪ 23521‬ـ حدث نا أح مد بن حازم الغفار يّ‪ ,‬قال‪ :‬أخبر نا عل ّ‬
‫شريك‪ ,‬عن عبيد ال ُم ْكتِب‪ ,‬عن الشعبيّ‪ ,‬عن أنس‪ ,‬قال‪ :‬ضحك رسول ال صلى ال عليه وسلم‬
‫حكْ تُ؟» قالوا‪ :‬م مّ ضحكت يا رسول‬
‫ضِ‬‫سأَلُونِي م مّ َ‬
‫ذات يوم حتى بدت نواجذه‪ ,‬ثم قال‪« :‬أل تَ ْ‬
‫ع ْدتَنِي أ نْ ل‬
‫ت مِ نْ ُمجَادَلَ ِة ال َع ْبدِ َربّ هُ َيوْ مَ القِيامَ ِة قال‪ :‬يقُولُ‪ :‬يا رَ بّ أَليْ سَ َو َ‬
‫جبْ ُ‬
‫عِ‬‫ال؟ قال‪َ « :‬‬
‫ن نَفْ سِي‪ ,‬قالَ‪ :‬أوََليْس كَفَى بِي‬
‫ك ذل كَ‪ ,‬قال‪ :‬فإنّي ل أ ْقبَلُ عَل يّ شاهِدا إلّ ِم ْ‬
‫ن لَ َ‬
‫َتظْلِ َمنِي؟ قالَ‪ :‬فإ ّ‬
‫شهِيدا‪ ,‬وَبالمَلئِكَ ِة ال ِكرَام ِـ الكاتـبين؟ قالَ َف ُيخْتَم ُـ عَلى فِيهـِ‪َ ,‬و َت َتكَلّمُـ أرْكانُه ُـ بِمَا كان َـ َي ْعمَلُ‪ ,‬قالَ‪:‬‬
‫َ‬
‫ت أُجادِلُ»‪.‬‬
‫ع ْنكُنّ ُكنْ ُ‬
‫سحْقا‪َ ,‬‬
‫َفيَقُولُ َل ُهنّ‪ُ :‬بعْدا َلكُنّ و ُ‬
‫حدثنا ابن حميد‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا مهران‪ ,‬عن سفيان‪ ,‬عن عبيد المكتب‪ ,‬عن فضيل بن عمرو‪,‬‬
‫عن الشعبي‪ ,‬عن أنس‪ ,‬عن النبيّ صلى ال عليه وسلم بنحوه‪.‬‬
‫‪ 23522‬ـ حدثني عباس بن أبي طالب‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا يحيى بن أبي بكر‪ ,‬عن شبل‪ ,‬قال‪ :‬سمعت‬
‫أ با قز عة يحدّث عمرو بن دينار‪ ,‬عن حك يم بن معاو ية‪ ,‬عن أب يه‪ ,‬عن ال نبيّ صلى ال عل يه‬
‫ن ُركْبا نا َومُشا ًة على‬
‫حشَرُو َ‬
‫و سلم أ نه قال‪ ,‬وأشار بيده إلى الشأم‪ ,‬قال‪ « :‬ها هُ نا إلى ها هُ نا ُت ْ‬
‫خرُ ها وأ ْك َرمُ ها على الّل هِ‪,‬‬
‫س ْبعِين ُأمّةً أ ْنتُ مْ آ ِ‬
‫ُوجُو ِهكُ مْ يَوْ مَ القِيامَةِ‪ ,‬على أفْوَاهِكُم الفِدا مُ‪ ,‬تُ َوفّو نَ َ‬
‫خذُهُ»‪.‬‬
‫ب مِنْ أحَد ُكمْ َف ِ‬
‫وإن أوّلَ ما ُيعْرِ ُ‬
‫حدثنا مجاهد بن موسى‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا يزيد‪ ,‬قال‪ :‬أخبرنا الجريري‪ ,‬عن حكيم بن معاوية‪ ,‬عن‬
‫ن أوّلَ ما‬
‫أبيه عن النبيّ صلى ال عليه وسلم قال‪َ « :‬تجِيئُو نَ يَوْ َم القِيامَ ِة على أفْوَا ِهكُمْ ال ِفدَامُ‪ ,‬وإ ّ‬
‫خذُهُ و َكفّهُ»‪.‬‬
‫لدِمي َف ِ‬
‫َي َتكَلّمُ ِمنَ ا َ‬
‫‪ 23523‬ـ حدثني يعقوب بن إبراهيم‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا ابن علية‪ ,‬عن َبهْز بن حكيم‪ ,‬عن أبيه‪ ,‬عن‬
‫جدّه‪ ,‬قال‪ :‬قال ر سول ال صلى ال عل يه و سلم «مالي ُأمْ سِكُ بحَج ِزكُ مْ مِ نَ النّارِ؟ أل إن رَبّي‬
‫ب َقدْ بَّل ْغتُهُ مْ‪َ ,‬فيُبَلّغ شا ِه ُدكُ مْ غا ِئ َبكُ مْ‪ ,‬ثُ مّ إ ّنكُ مْ‬
‫داع يّ وإنّ ُه سائلي هَلْ بَّلغْ تُ عِبادَ هُ؟ وإنّي قائِلٌ‪ :‬رَ ّ‬
‫خذُ ُه و َكفّهُ»‪.‬‬
‫ح ِد َكمْ لَ َف ِ‬
‫عنْ أ ْ‬
‫ن أوّلَ ما ُيبِينُ َ‬
‫ُمدّعُونَ مُ َق ّدمَ ًة أفْوَا ُه ُكمْ بالفِدامِ‪ُ ,‬ثمّ إ ّ‬
‫‪ 23524‬ـ حدثني محمد بن خلف‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا الهيثم بن خارجة‪ ,‬عن إسماعيل بن عياش‪ ,‬عن‬
‫ي صلى ال عليه وسلم يقول‪« :‬إنّ‬
‫ضمضم بن زُرْعة‪ ,‬عن شريح بن عبيد‪ ,‬عن عقبة‪ ,‬سمع النب ّ‬
‫ن ال ّرجْلِ الشمال»‪.‬‬
‫خذُهُ مِ َ‬
‫ختَمُ على الفْوَا ِه َف ِ‬
‫ن النْسانِ يَ ْو َم ُي ْ‬
‫عظْم َتكَّلمَ مِ َ‬
‫أوّلَ َ‬
‫ـم الخلق الوّل ولم تكونوا شيئا‪,‬‬
‫ل َمرّةٍ يقول تعالى ذكره‪ :‬وال خلقكـ‬
‫وقوله‪ :‬وَ ُهوَ خَلَ َقكُم ـْ أوّ َ‬
‫ش َهدَ‬
‫ن في الدن يا أ نْ َي ْ‬
‫س َت ِترُو َ‬
‫جعُو نَ يقول‪ :‬وإل يه م صيركم من ب عد ممات كم‪ ,‬وَ ما ُك ْنتُ مْ تَ ْ‬
‫وَإَل ْي هِ ُت ْر َ‬
‫س ْم ُع ُكمْ وَل أ ْبصَا ُر ُكمْ وَل جُلُو ُد ُكمْ‪.‬‬
‫عََل ْي ُكمْ يوم القيامة َ‬
‫س َتتِرُونَ‪ ,‬فقال بعض هم‪ :‬معناه‪ :‬و ما كن تم‬
‫واختلف أ هل التأو يل في مع نى قوله‪ :‬وَ ما ُك ْنتُ مْ تَ ْ‬
‫تستَخْفُون‪ .‬ذكر من قال ذلك‪:‬‬
‫‪ 23525‬ـ حدث نا مح مد بن الح سين‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا أح مد‪ ,‬بن المف ضل‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا أ سباط‪ ,‬عن‬
‫ستَخْفُون منها‪.‬‬
‫س َتتِرُونَ‪ :‬أي َت ْ‬
‫السديّ وَما ُك ْن ُتمْ َت ْ‬
‫وقال آخرون‪ :‬معناه‪ :‬وما كنتم تتقون‪ .‬ذكر من قال ذلك‪:‬‬
‫‪ 23526‬ـ حدثني محمد بن عمرو‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا أبو عاصم حدثنا عيسى وحدثني الحارث‪ ,‬قال‪:‬‬
‫حدثنـا الحسـن‪ ,‬قال‪ :‬حدثنـا ورقاء‪ ,‬جميعـا عـن ابـن أبـي نجيـح‪ ,‬عـن مجاهـد‪ ,‬قوله‪ :‬وَمـا ُك ْنتُم ْـ‬
‫ن قال‪ :‬تتقون‪.‬‬
‫ستَ ِترُو َ‬
‫َت ْ‬
‫وقال آخرون‪ :‬بل معنى ذلك‪ :‬وما كنتم تظنون‪ .‬ذكر من قال ذلك‪:‬‬
‫س َت ِترُونَ يقول‪:‬‬
‫‪ 23527‬ـ حدثنا بشر‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا يزيد‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا سعيد‪ ,‬عن قتادة وَما ُك ْنتُ مْ تَ ْ‬
‫س ْم ُع ُكمْ وَل أبْصَارُ ُكمْ حتى بلغ َكثِيرا ِممّا كنتم َتعْملَونَ‪ ,‬وال إن‬
‫ش َهدَ عََل ْيكُمْ َ‬
‫وما كنتم تظنون أنْ َي ْ‬
‫عليك با ابن آدم لشهودا غير متهمة من بدنك‪ ,‬فراقبهم واتق ال في سرّ أمرك وعلنيتك‪ ,‬فإنه‬
‫ل يخفى عليه خافية‪ ,‬الظلمة عنده ضوء‪ ,‬والسرّ عنده علنية‪ ,‬فمن استطاع أن يموت وهو بال‬
‫ن فليفعل‪ ,‬ول قوّة إل بال‪.‬‬
‫حسن الظ ّ‬
‫وأولى القوال فـي ذلك بالصـواب قول مـن قال‪ :‬معنـى ذلك‪ :‬ومـا كنتـم تسـَتخْفُون‪ ,‬فتتركوا‬
‫ركوب محارم ال في الدنيا حذرا أن يشهد عليكم سمعكم وأبصاركم اليوم‪.‬‬
‫وإنما قلنا ذلك أولى القوال في ذلك بالصواب‪ ,‬لن المعروف من معاني الستتار الستخفاء‪.‬‬
‫فإن قال قائل‪ :‬وكيف يستخفى النسان عن نفسه مما يأتي؟ قيل‪ :‬قد بيّنا أن معنى ذلك إنما‬
‫هو الماني‪ ,‬وفي تركه إتيانه إخفاؤه عن نفسه‪.‬‬
‫ظ َن ْنتُمْ أنّ الّل َه ل َيعْلَمُ َكثِيرا ِممّا كنتم َت ْعمَلُونَ يقول جلّ ثناؤه‪ :‬ولكن حسبتم حين‬
‫وقوله‪ :‬وََل ِكنْ َ‬
‫ركبتم في الدنيا من معاصي ال أن ال ل يعلم كثيرا مما تعملون من أعمالكم الخبيثة‪ ,‬فلذلك لم‬
‫تستتروا أن يشهد عليكم سمعكم وأبصاركم وجلودكم‪ ,‬فتتركوا ركوب ما حرّم ال عليكم‪.‬‬
‫وذُكر أن هذه الَية نزلت من أجل نفر تدارَؤا بينهم في علم ال بما يقولونه ويتكلمون سرّا‪.‬‬
‫ذكر الخبر بذلك‪.‬‬
‫‪23528‬ـ حدثني محمد بن يحيى القطعي‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا أبو داود‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا قيس‪ ,‬عن منصور‪,‬‬
‫عن مجاهد‪ ,‬عن أبي معمر الزدي‪ ,‬عن عبد ال بن مسعود‪ ,‬قال‪ :‬كنت مستترا بأستار الكعبة‪,‬‬
‫فد خل ثل ثة ن فر‪ ,‬ثَقَفيان وقُرش يّ‪ ,‬أو قُرشيان وثَقَ فى‪ ,‬كث ير شحوم بطونه ما‪ ,‬قل يل ف قه قلوبه ما‪,‬‬
‫فتكلموا بكلم لم أفهمـه‪ ,‬فقال أحدهـم‪ :‬أترون أن ال يسـمع مـا نقول؟ فقال الرجلن‪ :‬إذا رفعنـا‬
‫أصواتنا سمع‪ ,‬وإذا لم نرفع لم يسمع‪ ,‬فأتيت رسول ال صلى ال عليه وسلم‪ ,‬فذكرت له ذلك‪,‬‬
‫س ْم ُعكُمْ وَل أ ْبصَارُ ُكمْ‪ ...‬إلى آخر الَية‪.‬‬
‫ش َهدَ عََل ْي ُكمْ َ‬
‫ن أن َي ْ‬
‫ستَ ِترُو َ‬
‫فنزلت هذه الَية‪ :‬وَما ُك ْن ُتمْ َت ْ‬
‫حدثنا محمد بن بشار‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا يحيى بن سعيد‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا سفيان‪ ,‬قال‪ :‬ثني العمش‪ ,‬عن‬
‫عمارة بن عم ير‪ ,‬عن و هب بن ربي عة‪ ,‬عن ع بد ال بن م سعود‪ ,‬قال‪ :‬إ ني لم ستتر بأ ستار‬
‫الكعبـة‪ ,‬إذ دخـل ثلثـة نفـر‪ ,‬ثقفـي وختناه قرشيان‪ ,‬قليـل فقـه قلوبهمـا‪ ,‬كثيـر شحوم بطونهمـا‪,‬‬
‫فتحدثوا بينهم بحديث‪ ,‬فقال أحدهم‪ :‬أترى ال يسمع ما قلنا؟‪ ,‬فقال الَخر‪ :‬إنه يسمع إذا رفعنا‪,‬‬
‫ول يسمع إذا خفضنا‪ .‬وقال الَخر‪ :‬إذا كان يسمع منه شيئا فهو يسمعه كله‪ ,‬قال‪ :‬فأتيت رسول‬
‫شهَدَ عََل ْيكُ مْ‬
‫ن َي ْ‬
‫نأ ْ‬
‫ال صلى ال عليه وسلم‪ ,‬فذكرت ذلك له‪ ,‬فنزلت هذه الَية‪ :‬وَما ُك ْنتُ مْ تَ سْ َت ِترُو َ‬
‫ستَ ْع ِتبُوا فَمَا ُه ْم مِنْ ال ُم ْع َتبِينَ‪.‬‬
‫ن َي ْ‬
‫س ْمعُ ُكمْ وَل أ ْبصَا َر ُكمْ‪ ...‬حتى بلغ وإ ْ‬
‫َ‬
‫حدثنا ابن بشار‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا يحيى‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا سفيان‪ ,‬قال‪ :‬ثني منصور‪ ,‬عن مجاهد‪ ,‬عن‬
‫أبي معمر‪ ,‬عن عبد ال بنحوه‪.‬‬

‫‪23‬‬ ‫الية ‪:‬‬


‫ّنـ‬
‫ح ُتمْ م َ‬
‫َصـَب ْ‬
‫ُمـ َفأ ْ‬
‫ُمـ َأرْدَاك ْ‬
‫ظنَنتُم ِب َر ّبك ْ‬
‫ُمـ اّلذِي َ‬
‫ظ ّنك ُ‬
‫ُمـ َ‬
‫القول فــي تأويــل قوله تعالى‪َ { :‬وذَِلك ْ‬
‫اُلخَاسِرِينَ }‪.‬‬
‫يقول تعالى ذكره‪ :‬وهذا الذي كان منكم في الدنيا من ظنكم أن ال ل يعلم كثيرا مما تعملون‬
‫من قبائح أعمالكم ومساويها‪ ,‬هو ظنكم الذي ظننتم بربكم في الدنيا أرداكم‪ ,‬يعني أهلككم‪ .‬يقال‬
‫ِيـ هـو‪ :‬إذا هلك‪ ,‬فهـو يردى ردًى ومنـه قول‬
‫منـه‪ :‬أردى فلنـا كذا وكذا‪ :‬إذا أهلكـه‪ ,‬و َرد َ‬
‫العشى‪:‬‬
‫أفِي الطّ ْوفِ خِ ْفتِ عَليّ ال ّردَىو َكمْ ِمنْ َردٍ أهَْلهُ َلمْ َي ِرمْ‬
‫يع ني‪ :‬و كم من هالك أهله لم يرم‪ .‬وبن حو الذي قل نا في ذلك قال أ هل التأو يل‪ .‬ذ كر من قال‬
‫ذلك‪:‬‬
‫‪ 23529‬ـ حدث نا مح مد‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا أح مد‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا أ سباط‪ ,‬عن ال سديّ‪ ,‬قوله‪ :‬أ ْردَاكُ مْ قال‪:‬‬
‫أهلككم‪.‬‬
‫‪ 23530‬ـ حدث نا ا بن ع بد العلى‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا مح مد بن ثور‪ ,‬عن مع مر‪ ,‬قال‪ :‬تل الح سن‪:‬‬
‫ظ ّنكُ ُم اّلذِي ظَ َننْتُم ِب َربّكُ مْ أ ْردَاكُ مْ فقال‪ :‬إن ما ع مل الناس على قدر ظنون هم برب هم فأ ما‬
‫َوذَِلكُ مْ َ‬
‫المؤمن فأحسن بال الظن‪ ,‬فأحسن العمل وأما الكافر والمنافق‪ ,‬فأساءا الظ نّ فأساءا العمل‪ ,‬قال‬
‫س ْم ُع ُكمْ وَل أبْ صَا ُركُمْ‪ ...‬ح تى بلغ‪ :‬الخا سرين‪ .‬قال‬
‫ش َهدَ عََل ْيكُ مْ َ‬
‫س َتتِرُونَ أ نْ َي ْ‬
‫رب كم‪ :‬وَ ما ُك ْنتُ مْ تَ ْ‬
‫ب ما كان هذا ظني بك‪,‬‬
‫معمر‪ :‬وحدثني رجل‪ :‬أنه يؤمر برجل إلى النار‪ ,‬فيلتفت فيقول‪ :‬يا ر ّ‬
‫قال‪ :‬وما كان ظنك بي؟ قال‪ :‬كان ظني أن تغفر لي ول تعذّبني‪ ,‬قال‪ :‬فإني عند ظنك بي‪.‬‬
‫ن ظنان‪ ,‬فظ نّ‬
‫‪ 23531‬ـ حدثنا ب شر‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا يزيد‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا سعيد‪ ,‬عن قتادة‪ ,‬قال‪ :‬الظ ّ‬
‫ت أنّى مُل قٍ حِسا ِبيَهْ‪ ,‬وهذا‬
‫ظنَنْ ُ‬
‫ل إنّي َ‬
‫ن أ ّنهُ مْ مُلقُوا َربّه مْ قا َ‬
‫ظنّو َ‬
‫منج‪ ,‬وظ نّ ُم ْردٍ قالَ‪ :‬اّلذِي نَ َي ُ‬
‫ظ َن ْنتُم ِبرَ ّب ُكمْ أ ْردَاكُمْ هذا ظنّ ُم ْردٍ‪.‬‬
‫ظ ّنكُمُ اّلذِي َ‬
‫الظنّ المنجى ظنا يقينا‪ ,‬وقال ها هنا‪َ :‬وذَِل ُكمْ َ‬
‫ن وذُكر لنا أن نبيّ ال صلى ال‬
‫س َتيْ ِقنِي َ‬
‫ن بمُ ْ‬
‫ظنّا وَما َنحْ ُ‬
‫ن إلّ َ‬
‫ن نَظُ ّ‬
‫نإ ْ‬
‫وقوله‪ :‬وَقالَ الكا ِفرُو َ‬
‫َهـ إذَا دَعانِي»‪.‬‬
‫ّهـ بِي‪ ,‬وأنـا َمع ُ‬
‫ظن ِ‬‫ع ْن َد َ‬
‫ع ْبدِي ِ‬
‫عليـه وسـلم كان يقول ويروي ذلك عـن ربـه‪َ « :‬‬
‫وموضع قوله‪ :‬ذَِلكُمْ رفع بقوله ظنكم‪ .‬وإذا كان ذلك كذلك‪ ,‬كان قوله‪ :‬أ ْردَاكُمْ في موضع نصب‬
‫بمع نى‪ :‬مرد يا ل كم‪ .‬و قد يُحت مل أن يكون في مو ضع ر فع بال ستئناف‪ ,‬بمع نى‪ :‬مردٍ ل كم‪ ,‬ك ما‬
‫حمَ ًة في قراءة من قرأه بالرفع‪ .‬فمعنى الكلم‪ :‬هذا الظنّ‬
‫حكِيمِ ُهدًى َو َر ْ‬
‫ب ال َ‬
‫ت الكِتا ِ‬
‫قال‪ :‬تِلكَ آيا ُ‬
‫الذي ظننتم بربكم من أنه ل يعلم كثيرا مما تعملون هو الذي أهلككم‪ ,‬لنكم من أجل هذا الظ نّ‬
‫حتُمْ‬
‫ص َب ْ‬
‫اجترأتم على محارم ال فقدمتم عليها‪ ,‬وركبتم ما نهاكم ال عنه‪ ,‬فأهلككم ذلك وأرداكم فأَ ْ‬
‫سرِينَ يقول‪ :‬فأ صبحتم اليوم من الهالك ين‪ ,‬قد غب تم ببيعكم منازل كم من الج نة بمنازل‬
‫ن الخا ِ‬
‫مِ ْ‬
‫أهل الجنة من النار‪.‬‬

‫‪24‬‬ ‫الية ‪:‬‬


‫س َتعْ ِتبُو ْا فَمَا هُم مّ نَ‬
‫صبِرُو ْا فَالنّارُ َمثْوًى ّلهُ مْ وَإِن يَ ْ‬
‫القول ف ـي تأوي ـل قوله تعالى‪َ { :‬فإِن يَ ْ‬
‫ا ْل ُم ْع َتبِينَ }‪.‬‬
‫يقول تعالى ذكره‪ :‬فإن ي صبر هؤلء الذ ين يحشرون إلى النار على النار‪ ,‬فالنار م سكن ل هم‬
‫ومنزل‪ ,‬وإ نْ يَ سْ َت ْع ِتبُوا يقول‪ :‬وإن ي سألوا العُ تبى‪ ,‬و هي الرج عة ل هم إلى الذي يحبون بتخف يف‬
‫العذاب عنهم َفمَا هُمْ ِمنَ ال َم ْع َتبِينَ يقول‪ :‬فليسوا بالقوم الذين يرجع بهم إلى الجنة‪ ,‬فيخفف عنهم‬
‫ل ثناؤه مخبرا عنهم‪ :‬قالُوا َربّنا غََلبَتْ عََليْنا ش ْق َوتَنا‪ ...‬إلى‬
‫ما هم فيه من العذاب‪ ,‬وذلك كقوله ج ّ‬
‫عنّا يَوْما ِم نَ العَذا بِ‪ ...‬إلى قوله‪:‬‬
‫ن وكقولهم لخزنة جهنم‪ :‬ادْعُوا رَ ّبكُ مْ ُيخَفّ فْ َ‬
‫قوله وَل ُتكَّلمُو ِ‬
‫ن إلّ فِي ضَللِ‪.‬‬
‫وَما دعاءُ الكافرَي َ‬
‫‪25‬‬ ‫الية ‪:‬‬
‫ن َأ ْيدِيهِ مْ وَمَا خَلْ َفهُ مْ‬
‫القول ف ـي تأوي ـل قوله تعالى‪َ { :‬وقَّيضْنَا َلهُ مْ قُ َرنَآءَ َف َز ّينُواْ لَهُم مّا َبيْ َ‬
‫سرِينَ }‪.‬‬
‫لنْسِ ِإ ّن ُهمْ كَانُواْ خَا ِ‬
‫جنّ وَا ِ‬
‫ل ِفيَ ُأ َممٍ َقدْ خَلَتْ مِن َقبِْلهِمْ ّمنَ ا ْل ِ‬
‫حقّ عََل ْيهِ ُم الْقَوْ ُ‬
‫َو َ‬
‫يع ني تعالى ذكره بقوله‪َ :‬و َقّيضْ نا َلهُ مْ ُقرَناءَ وبعث نا ل هم نُظراء من الشياط ين‪ ,‬فجعلنا هم ل هم‬
‫قرناء قرنّاهم بهم يزيّنون لهم قبائح أعمالهم‪ ,‬فزينوا لهم ذلك‪ .‬وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل‬
‫التأويل‪ .‬ذكر من قال ذلك‪:‬‬
‫‪ 23532‬ـ حدث نا مح مد‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا أح مد‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا أ سباط‪ ,‬عن ال سديّ َوقَّيضْ نا َلهُ مْ قُرَناءَ‬
‫قال‪ :‬الشيطان‪.‬‬
‫‪23533‬ـ حدثني محمد بن عمرو‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا أبو عاصم‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا عيسى وحدثني الحارث‪,‬‬
‫قال‪ :‬حدثنا الحسن‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا ورقاء‪ ,‬جميعا عن ابن أبي نجيح‪ ,‬عن مجاهد قوله‪َ :‬و َقّيضْنا َلهُمْ‬
‫قُرَناءَ قال‪ :‬شياطين‪.‬‬
‫وقوله‪ :‬فَ َز ّينُوا َلهُ مْ ما بَي نَ أ ْيدِيهِ مْ وَما خَلْ َفهُمْ يقول‪ :‬فزين لهؤلء الكفار قرناؤهم من الشياطين‬
‫ما بين أيديهم من أمر الدنيا‪ .‬فحسنوا ذلك لهم وحبّبوه إليهم حتى آثروه على أمر الَخرة وَما‬
‫خَلْ َفهُ مْ يقول‪ :‬وح سّنوا لهم أيضا ما بعد مماتهم بأن دعوهم إلى التكذيب بالمعاد‪ ,‬وأن من هلك‬
‫من هم‪ ,‬فلن يُب عث‪ ,‬وأن ل ثواب ول عقاب ح تى صدّقوهم على ذلك‪ ,‬و سهل علي هم ف عل كلّ ما‬
‫ل ما يلتذونه من الفواحش باستحسانهم ذلك لنفسهم‪ .‬وبنحو الذي قلنا في‬
‫يشتهونه‪ ,‬وركوب ك ّ‬
‫ذلك قال أهل التأويل‪ .‬ذكر من قال ذلك‪:‬‬
‫ي فَ َز ّينُوا َلهُ مْ ما بَي نَ‬
‫‪ 23534‬ـ حدث نا مح مد‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا أح مد‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا أ سباط‪ ,‬عن ال سد ّ‬
‫أ ْيدِي ِهمْ من أمر الدنيا وَما خَلْ َف ُهمْ من أمر الَخرة‪.‬‬
‫ل يقول تعالى ذكره‪ :‬ووجب لهم العذاب بركوبهم ما ركبوا مما زين‬
‫وقوله‪َ :‬وحَ قّ عََل ْيهِ مُ القَوْ ُ‬
‫لهم قرناؤهم وهم من الشياطين‪ ,‬كما‪:‬‬
‫‪ 23535‬ـ حدث نا مح مد‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا أح مد‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا أ سباط‪ ,‬عن ال سديّ َوحَ قّ عََل ْيهِ مُ ال َقوْلُ‬
‫قال‪ :‬العذاب‪.‬‬
‫ن والنْ سِ‪ ,‬يقول تعالى ذكره‪ :‬وح قّ على هؤلء الذ ين‬
‫ن َقبِْلهِ مْ ِم نَ الجِ ّ‬
‫في ُأمَ مٍ قَ ْد خَلَ تْ مِ ْ‬
‫قيضنا لهم قُرَناء من الشياطين‪ ,‬فزيّنوا لهم ما بين أيديهم وما خلفهم العذاب في أمم قد مضت‬
‫قبلهـم مـن ضربائهـم‪ ,‬حق ّـ عليهـم مـن عذابنـا مثـل الذي حَقّـ على هؤلء بعضهـم مـن الجنّـ‬
‫سرِينَ يقول‪ :‬إن تلك المم الذين ح قّ عليهم عذابنا من الج نّ‬
‫وبعضهم من النس إ ّنهُ مْ كانُوا خا ِ‬
‫والنس‪ ,‬كانوا مغبونين ببيعهم رضا ال ورحمته بسخطه وعذابه‪.‬‬

‫‪27-26‬‬ ‫الية ‪:‬‬


‫س َمعُو ْا ِلهَـذَا الْ ُقرْآنِ وَا ْلغَوْ ْا فِي ِه َلعَّلكُمْ‬
‫ل تَ ْ‬
‫ن كَ َفرُواْ َ‬
‫ل اّلذِي َ‬
‫القول فـي تأويـل قوله تعالى‪َ { :‬وقَا َ‬
‫ج ِز َي ّنهُمْ َأسْوََأ اّلذِي كَانُو ْا َي ْعمَلُونَ }‪.‬‬
‫شدِيدا وََل َن ْ‬
‫عذَابا َ‬
‫ن كَ َفرُواْ َ‬
‫ن * فََل ُنذِيقَنّ اّلذِي َ‬
‫َتغِْلبُو َ‬
‫َسـ َمعُوا ِلهَذا‬
‫ِينـ كَفروا بال ورسـوله مـن مشركـي قريـش‪ :‬ل ت ْ‬
‫ل اّلذ َ‬
‫يقول تعالى ذكره‪َ :‬وقَا َ‬
‫القُرآ نِ وَا ْلغُوا فِي هِ يقول‪ :‬قالوا للذ ين يطيعونهم من أوليائ هم من المشرك ين‪ :‬ل ت سمعوا لقارىء‬
‫هذا القرآن إذا قرأه‪ ,‬ول تصغوا له‪ ,‬ول تتبعوا ما فيه فتعملوا به‪ ,‬كما‪:‬‬
‫‪ 23536‬ـ حدثني محمد بن سعد‪ ,‬قال‪ :‬ثني أبي‪ ,‬قال‪ :‬ثني عمي‪ ,‬قال‪ :‬ثني أبي‪ ,‬عن أبيه‪ ,‬عن‬
‫ن قال‪ :‬هذا‬
‫س َمعُوا ِلهَذا القُرآ نِ وَا ْلغُوا فِي هِ َلعَّلكُ مْ َتغِْلبُو َ‬
‫ن كَفروا ل تَ ْ‬
‫ا بن عباس قوله‪َ :‬وقَالَ اّلذِي َ‬
‫قول المشركين‪ ,‬قالوا‪ :‬ل تتبعوا هذا القرآن والهوا عنه‪.‬‬
‫وقوله‪ :‬وَا ْل َغوْا ف يه يقول‪ :‬الغطوا بالبا طل من القول إذا سمعتم قارئه يقرؤه َكيْ ما ل ت سمعوه‪,‬‬
‫ول تفهموا ما فيه‪ .‬وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل‪ .‬ذكر من قال ذلك‪:‬‬
‫‪ 23537‬ـ حدث نا ا بن حم يد‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا حكام‪ ,‬عن عنب سة‪ ,‬عن مح مد بن ع بد الرح من‪ ,‬عن‬
‫س َمعُوا ِلهَذا القُرآ نِ وَا ْلغَوا فِي ِه قال‪ :‬المكاء‬
‫القا سم بن أ بي بزّة‪ ,‬عن مجا هد‪ ,‬في قول ال‪ :‬ل تَ ْ‬
‫والتصفير‪ ,‬وتخليط من القول على رسول ال صلى ال عليه وسلم إذا قرأ‪ ,‬قريش تفعله‪.‬‬
‫حدثني محمد بن عمرو‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا أبو عاصم‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا عيسى وحدثني الحارث‪ ,‬قال‪:‬‬
‫حدثنا الحسن‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا ورقاء‪ ,‬جميعا عن ابن أبي نجيح‪ ,‬عن مجاهد‪ ,‬قوله‪ :‬وَا ْلغَوْا فِي هِ قال‪:‬‬
‫بالمكاء والت صفير والتخل يط في المن طق على ر سول ال صلى ال عل يه و سلم إذا قرأ القرآن‪,‬‬
‫قريش تفعله‪.‬‬
‫‪23538‬ـ حدثنا بشر‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا يزيد‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا سعيد‪ ,‬عن قتادة‪ ,‬قوله‪َ :‬وقَالَ اّلذِينَ كَفروا ل‬
‫ـ وَا ْلغَوا فِيهـِ‪ :‬أي اجحدوا بـه وأنكروه وعادوه‪ ,‬قال‪ :‬هذا قول مشركـي‬
‫ـ َمعُوا ِلهَذا القُرآن ِ‬
‫تَس ْ‬
‫العرب‪.‬‬
‫‪23539‬ـ حدثنا ابن عبد العلى‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا ابن ثور‪ ,‬عن معمر‪ ,‬قال‪ :‬قال بعضهم في قوله‪:‬‬
‫وَا ْل َغوْا فِي ِه قال‪ :‬تحدثوا وصيحوا كيما ل تسمعوه‪.‬‬
‫وقوله‪َ :‬لعَّلكُ مْ َتغِْلبُو نَ يقول‪ :‬لعل كم بفعل كم ذلك ت صدون من أراد ا ستماعه عن ا ستماعه‪ ,‬فل‬
‫ي سمعه‪ ,‬وإذا لم ي سمعه ولم يفه مه لم يتب عه‪ ,‬فتغلبون بذلك من فعل كم محمدا‪ .‬قال ال جلّ ثناؤه‪:‬‬
‫ِينـ َك َفرُوا بال مـن مشركـي قريـش الذيـن قالوا هذا القول عذابـا شديدا فـي الَخرة‬
‫ِيقنـ اّلذ َ‬
‫فََلنُذ ّ‬
‫ن يقول‪ :‬ولنثيبن هم على فعل هم ذلك وغيره من أفعال هم بأق بح‬
‫ج ِز َينّهُ مْ أَ سْوََأ اّلذِي كانُوا َي ْعمَلُو َ‬
‫وََل َن ْ‬
‫جزاء أعمالهم التي عملوها في الدنيا‪.‬‬

‫‪28‬‬ ‫الية ‪:‬‬


‫عدَآءِ الّل ِه النّارُ َلهُ مْ فِيهَا دَارُ الخُ ْل ِد جَزَآ ًء بِمَا‬
‫جزَآءُ َأ ْ‬
‫القول ف ـي تأوي ـل قوله تعالى‪{ :‬ذَلِ كَ َ‬
‫جحَدُون }‪.‬‬
‫كَانُوا بِآيا ِتنَا َي ْ‬
‫يقول تعالى ذكره‪ :‬هذا الجزاء الذي يجزى به هؤلء الذين كفروا من مشركي قريش جزاء‬
‫ل ثناؤه الخبر عن صفة ذلك الجزاء‪ ,‬وما هو؟ فقال‪ :‬هو النار‪ ,‬فالنار بيان‬
‫أعداء ال ثم ابتدأ ج ّ‬
‫عن الجزاء‪ ,‬وترجمة عنه‪ ,‬وهي مرفوعة بالردّ عليه ثم قال‪َ :‬لهُ مْ فِيهَا دَارُ الخُ ْل ِد يعني لهؤلء‬
‫المشركين بال في النار دار الخلد يعني دار المكث واللبث‪ ,‬إلى غير نهاية ول أمد والدار التي‬
‫ل ثناؤه أن ها ل هم في النار هي النار‪ ,‬وح سن ذلك لختلف اللفظ ين‪ ,‬ك ما يقال‪ :‬لك من‬
‫أ خبر ج ّ‬
‫بلدتك دار صالحة‪ ,‬ومن الكوفة دار كريمة‪ ,‬والدار‪ :‬هي الكوفة والبلدة‪ ,‬فيحسن ذلك لختلف‬
‫عدَاءِ الّل ِه النّارُ دَارُ الخُ ْلدِ» ففي‬
‫جزَاءُ أ ْ‬
‫اللفاظ‪ ,‬وقد ذُكر لنا أنها في قراءة ابن مسعود‪« :‬ذَلِ كَ َ‬
‫ذلك تصحيح ما قلنا من التأويل في ذلك‪ ,‬وذلك أنه ترجم بالدار عن النار‪.‬‬
‫ن يقول‪ :‬فعلنا هذا الذي فعلنا بهؤلء من مجازاتنا إياهم‬
‫حدُو َ‬
‫جَ‬‫جزَاءً ِبمَا كانُوا بآياتنا َي ْ‬
‫وقوله‪َ :‬‬
‫النار على فعلهم جزاء منا بجحودهم في الدنيا بآياتنا التي احتججنا بها عليهم‪.‬‬

‫‪29‬‬ ‫الية ‪:‬‬


‫ن ا ْلجِنّ وَالِنسِ‬
‫لنَا مِ َ‬
‫ن َأضَ ّ‬
‫القول فـي تأويـل قوله تعالى‪َ { :‬وقَال اّلذِينَ كَ َفرُو ْا َر ّبنَآ َأ ِرنَا الّل َذيْ ِ‬
‫ت َأقْدَا ِمنَا ِل َيكُونَا ِمنَ السْفَلِينَ }‪.‬‬
‫جعَ ْلهُمَا َتحْ َ‬
‫َن ْ‬
‫يقول تعالى ذكره‪ :‬وقال الذين كفروا بال ورسوله يوم القيامة بعد ما أدخلوا جهنم‪ :‬يا ربنا‬
‫ن إبليس‪ ,‬والذي هو‬
‫أرنا اللذين أضلّنا من خلقك من جنهم وإنسهم‪ .‬وقيل‪ :‬إن الذي هو من الج ّ‬
‫من النس ابن آدم الذي قتل أخاه‪ .‬ذكر من قال ذلك‪:‬‬
‫‪ 23540‬ـ حدثنا ابن بشار‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا عبد الرحمن‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا سفيان‪ ,‬عن ثابت الحداد‪ ,‬عن‬
‫ن الجِ نّ‬
‫حبة العرن يّ‪ ,‬عن عل يّ بن أبي طالب رضي ال عنه في قوله‪ :‬أرِنا الّل َذيْ نِ أضَلّنا ِم َ‬
‫والنْسِ قال‪ :‬إبليس البالسة وابن آدم الذي قتل أخاه‪.‬‬
‫حدث نا ابـن بشار‪ ,‬قال‪ :‬حدثنـا ع بد الرحمـن‪ ,‬قال‪ :‬حدثنـا سفيان‪ ,‬عن سلمة‪ ,‬عن مالك بن‬
‫ن والنْسِ‬
‫ن الجِ ّ‬
‫حصين‪ ,‬عن أبيه‪ ,‬عن عليّ رضي ال عنه في قوله‪َ :‬ربّنا أرِنا الّل َذيْنِ أضَلّنا مِ َ‬
‫قال‪ :‬إبليس وابن آدم الذي قتل أخاه‪.‬‬
‫حدثنا ابن المثنى‪ ,‬قال‪ :‬ثني وهب بن جرير‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا شعبة‪ ,‬عن سلمة بن كهيل‪ ,‬عن أبي‬
‫ن الجِ نّ والنْ سِ‬
‫ن أضَلّنا مِ َ‬
‫مالك وابن مالك‪ ,‬عن أبيه‪ ,‬عن عل يّ رضي ال عنه َربّنا أرِنا الّل َذيْ ِ‬
‫قال‪ :‬ابن آدم الذي قتل أخاه‪ ,‬وإبليس البالسة‪.‬‬
‫ي بن أ بي طالب‬
‫حدث نا مح مد‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا أح مد‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا أ سباط‪ ,‬عن ال سديّ‪ ,‬عن عل ّ‬
‫ن والنْ سِ‪ ...‬الَية‪ ,‬فإنهما ابن آدم‬
‫ج ّ‬
‫ن أضَلّنا مِ نَ ال ِ‬
‫رضي ال عنه‪ ,‬في قوله‪َ :‬ربّنا أرِنا الّل َذيْ ِ‬
‫القاتل‪ ,‬وإبليس البالسة‪ .‬فأما ابن آدم فيدعو به كلّ صاحب كبيرة دخل النار من أجل الدعوة‪.‬‬
‫ل صاحب شرك‪ ,‬يدعوانهما في النار‪.‬‬
‫وأما إبليس فيدعو به ك ّ‬
‫‪ 23541‬ـ حدثنا محمد بن عبد العلى‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا محمد بن ثور‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا معمر‪ ,‬عن قتادة‬
‫جنّ والنْسِ هو الشيطان‪ ,‬وابن آدم الذي قتل أخاه‪.‬‬
‫ن أضَلّنا ِمنَ ال ِ‬
‫َربّنا أرِنا الّل َذيْ ِ‬
‫ن يقول‪ :‬نج عل هذ ين اللذ ين أضل نا ت حت‬
‫ت أقْدامِ نا ِل َيكُو نا مِ نَ ال سْفَلِي َ‬
‫جعَ ْلهُ ما تحْ َ‬
‫وقوله‪َ :‬ن ْ‬
‫ل مـا سـفل منهـا فهـو أشدّ على أهله‪,‬‬
‫أقدامنـا‪ ,‬لن أبواب جهنـم بعضهـا أسـفل مـن بعـض‪ ,‬وك ّ‬
‫وعذاب أهله أغلظ‪ ,‬ولذلك سأل هؤلء الكفار رب هم أن يري هم اللذ ين أضل هم ليجعلوه ما أ سفل‬
‫منهم ليكونا في أشدّ العذاب في الدرك السفل من النار‪.‬‬
‫‪30‬‬ ‫الية ‪:‬‬
‫ل ِئكَةُ‬
‫ستَقَامُواْ َت َت َنزّلُ عََل ْيهِ مُ ا ْلمَ َ‬
‫ن قَالُواْ َر ّبنَا الّل ُه ثُ مّ ا ْ‬
‫ن اّلذِي َ‬
‫القول فـي تأويـل قوله تعالى‪ِ{ :‬إ ّ‬
‫عدُونَ }‪.‬‬
‫جنّةِ اّلتِي كُن ُتمْ تُو َ‬
‫ح َزنُواْ وََأ ْبشِرُو ْا بِا ْل َ‬
‫َألّ َتخَافُواْ َولَ َت ْ‬
‫ن قالُوا َربّنا اللّ هُ وحده ل شريك له‪ ,‬وبرئوا من الَلهة والنداد‪ ,‬ثُمّ‬
‫ن اّلذِي َ‬
‫يقول تعالى ذكره‪ :‬إ ّ‬
‫ستَقامُوا على توح يد ال‪ ,‬ولم يخلطوا توح يد ال بشرك غيره به‪ ,‬وانتهوا إلى طاع ته في ما أ مر‬
‫ا ْ‬
‫ونهى‪.‬‬
‫وبنحو الذي قلنا في ذلك جاء الخبر عن رسول ال صلى ال عليه وسلم وقاله أهل التأويل‬
‫ستَقامُوا‪ .‬ذ كر ال خبر بذلك عن ر سول ال صلى ال‬
‫على اختلف من هم‪ ,‬في مع نى قوله‪ :‬ثُ مّ ا ْ‬
‫عليه وسلم‪.‬‬
‫‪23542‬ـ حدثنا عمرو بن عليّ‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا سالم بن قتيبة أبو قتيبة‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا سهيل بن أبي‬
‫حزم القطعي‪ ,‬عن ثابت البنانيّ‪ ,‬عن أنس بن مالك‪ ,‬أن رسول ال صلى ال عليه وسلم قرأ‪ :‬إنّ‬
‫ستَقامُوا قال‪ « :‬قد قال ها الناس‪ ,‬ثم ك فر أكثر هم‪ ,‬ف من مات علي ها ف هو‬
‫اّلذِي نَ قالُوا َربّ نا الّل هُ ثُ ّم ا ْ‬
‫ممن استقام»‪.‬‬
‫وقال بعضهم‪ :‬معناه‪ :‬ولم يشركوا به شيئا‪ ,‬ولكن تموا على التوحيد‪ .‬ذكر من قال ذلك‪:‬‬
‫‪ 23543‬ـ حدثنا ابن بشار‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا عبد الرحمن‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا سفيان‪ ,‬عن أبي إسحاق‪ ,‬عن‬
‫عامر بن سعد‪ ,‬عن سعيد بن عمران‪ ,‬قال‪ :‬قد قرأت عند أبي بكر الصدّيق رضي ال عنه هذه‬
‫ستَقامُوا قال‪ :‬هم الذين لم يشركوا بال شيئا‪.‬‬
‫ن اّلذِينَ قالُوا َربّنا الّل ُه ُثمّ ا ْ‬
‫الَية‪ :‬إ ّ‬
‫حدثنا ابن وكيع‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا أبي‪ ,‬عن سفيان بإسناده‪ ,‬عن أبي بكر الصديق رضي ال عنه‪,‬‬
‫مثله‪.‬‬
‫‪ 23544‬ـ قال حدثنا جرير بن عبد الحميد‪ ,‬وعبد ال بن إدريس‪ ,‬عن الشيباني‪ ,‬عن أبي بكر‬
‫بن أبي موسى‪ ,‬عن السود بن هلل‪ ,‬عن أبي بكر رضي ال عنه أنه قال لصحابه إ نّ اّلذِي نَ‬
‫ستَقامُوا قال‪ :‬قالوا‪ :‬رب نا ال ثم عملوا ب ها‪ ,‬قال‪ :‬ل قد حملتمو ها على غ ير‬
‫قالُوا َربّ نا اللّ ُه ثُ مّ ا ْ‬
‫ستَقامُوا الذين لم يعدلوها بشرك ول غيره‪.‬‬
‫ن اّلذِينَ قالُوا َربّنا اللّ ُه ُثمّ ا ْ‬
‫المحمل إ ّ‬
‫حدثنا أبو كريب وأبو السائب قال‪ :‬حدثنا ابن إدريس‪ ,‬قال‪ :‬أخبرنا الشيباني‪ ,‬عن أبي بكر‬
‫بن أبي موسى‪ ,‬عن السود بن هلل المحاربي‪ ,‬قال‪ :‬قال‪ :‬أبو بكر‪ :‬ما تقولون في هذه الَية‪:‬‬
‫ستَقامُوا قال‪ :‬فقالوا‪ :‬ربنا ال ثم استقاموا من ذنب‪ ,‬قال‪ .‬فقال أبو‬
‫إ نّ اّلذِي نَ قالُوا َربّنا اللّ هُ ثُ مّ ا ْ‬
‫بكر‪ :‬لقد حملتم على غير المحمل‪ ,‬قالوا‪ :‬ربنا ال ثم استقاموا فلم يلتفوا إلى إله غيره‪.‬‬
‫ن قالُوا‬
‫ن اّلذِي َ‬
‫‪ 23545‬ـ حدثنا ابن حميد‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا حكام‪ ,‬عن عنبسة‪ ,‬عن ليث‪ ,‬عن مجاهد إ ّ‬
‫ستَقامُوا قال‪ :‬أي على‪ :‬ل إله إل ال‪.‬‬
‫َربّنا الّلهُ ُث ّم ا ْ‬
‫ن قالُوا َربّ نا الّل ُه ثُ مّ‬
‫‪ 23546‬ـ قال‪ :‬ث نا حكام عن عمرو‪ ,‬عن من صور‪ ,‬عن مجا هد إ نّ اّلذِي َ‬
‫ستَقامُوا قال‪ :‬أسلموا ثم لم يشركوا به حتى لحقوا به‪.‬‬
‫اْ‬
‫ستَقامُوا قال هم‬
‫ن اّلذِي نَ قالُوا َربّنا اللّ ُه ثُ مّ ا ْ‬
‫قال‪ :‬ثنا جرير‪ ,‬عن منصور‪ ,‬عن مجاهد‪ ,‬قوله إ ّ‬
‫الذين قالوا ربنا ال لم يشركوا به حتى لقوه‪.‬‬
‫‪23547‬ـ قال‪ :‬ثنا حكام‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا عمرو‪ ,‬عن منصور‪ ,‬عن جامع بن شداد‪ ,‬عن السود بن‬
‫هلل مثل ذلك‪.‬‬
‫ن قالُوا َربّنا‬
‫ن اّلذِي َ‬
‫‪ 23548‬ـ حدثنا محمد‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا أحمد‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا أسباط‪ ,‬عن السديّ إ ّ‬
‫ستَقامُوا قال‪ :‬تموا على ذلك‪.‬‬
‫اللّ ُه ُثمّ ا ْ‬
‫‪23549‬ـ حدثني سعد بن عبد ال بن عبد الحكم‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا حفص بن عمر‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا الحكم‬
‫ستَقامُوا قال‪ :‬استقاموا على شهادة أن ل‬
‫ن قالُوا َربّنا الّل ُه ثُمّ ا ْ‬
‫ن اّلذِي َ‬
‫بن أبان‪ ,‬عن عكرمة قوله‪ :‬إ ّ‬
‫إله إل ال‪.‬‬
‫وقال آخرون‪ :‬معنى ذلك‪ :‬ثم استقاموا على طاعته‪ .‬ذكر من قال ذلك‪:‬‬
‫‪23550‬ـ حدثنا أحمد بن منيع‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا عبد ال بن المبارك‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا يونس بن يزيد عن‬
‫ستَقامُوا قال‪:‬‬
‫الزهري‪ ,‬قال‪ :‬تل عمر رضي ال عنه على المنبر‪ :‬إ نّ اّلذِي نَ قالُوا َربّنا الّل ُه ثُ مّ ا ْ‬
‫استقاموا وال بطاعته‪ ,‬ولم يروغوا روغان الثعلب‪.‬‬
‫ن اّلذِي نَ‬
‫‪ 23551‬ـ حدثنا ابن عبد العلى‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا محمد بن ثور‪ ,‬عن معمر‪ ,‬عن قتادة‪ :‬إ ّ‬
‫ستَقامُوا قال استقاموا على طاعة ال‪ .‬وكان الحسن إذا تلها قال‪ :‬اللهمّ فأنت‬
‫قالُوا َربّنا الّل ُه ثُمّ ا ْ‬
‫ربنا فارزقنا الستقامة‪.‬‬
‫‪23552‬ـ حدثني عليّ‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا عبد ال‪ ,‬قال‪ :‬ثني معاوية‪ ,‬عن عليّ‪ ,‬عن ابن عباس‪ ,‬قوله‪:‬‬
‫ستَقامُوا يقول‪ :‬على أداء فرائضه‪.‬‬
‫ن اّلذِينَ قالُوا َربّنا الّلهُ ُث ّم ا ْ‬
‫إّ‬
‫ن اّلذِي نَ قالُوا‬
‫‪ 23553‬ـ حدثني يونس‪ ,‬قال‪ :‬أخبرنا ابن وهب‪ ,‬قال‪ :‬قال ابن زيد‪ ,‬في قوله‪ :‬إ ّ‬
‫ستَقامُوا قال‪ :‬على عبادة ال وعلى طاعته‪.‬‬
‫َربّنا الّلهُ ُث ّم ا ْ‬
‫وقوله‪َ :‬تتَنزّلُ عََل ْيهِمُ المَل ِئكَةُ يقول‪ :‬تتهبط عليهم الملئكة عند نزول الموت بهم‪ .‬وبنحو الذي‬
‫قلنا في ذلك قال أهل التأويل‪ .‬ذكر من قال ذلك‪:‬‬
‫‪ 23554‬ـ حدث نا ا بن حم يد‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا حكام‪ ,‬عن عنب سة‪ ,‬عن مح مد بن ع بد الرح من‪ ,‬عن‬
‫ل تَخافُوا وَل َتحْ َزنُوا قال‪:‬‬
‫القاسم بن أبي بزّة‪ ,‬عن مجاهد‪ ,‬في قوله‪َ :‬تتَنزّلُ عََل ْيهِ مُ المَل ِئكَ ُة أ نْ َ‬
‫عند الموت‪.‬‬
‫حدثني محمد بن عمرو‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا أبو عاصم‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا عيسى‪ ,‬وحدثني الحارث‪ ,‬قال‪:‬‬
‫حدثنا الحسن‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا ورقاء‪ ,‬جميعا عن ابن أبي نجيح‪ ,‬عن مجاهد‪ ,‬مثله‪.‬‬
‫‪ 23555‬ـ حدثنا محمد‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا أحمد‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا أسباط‪ ,‬عن السديّ َتتَنزّلُ عََل ْيهِ مُ المَل ِئكَةُ‬
‫قال‪ :‬عند الموت‪.‬‬
‫ح َزنُوا يقول‪ :‬تتنزل عليهـم الملئكـة بأن ل تخافوا ول تحزنوا فإن‬
‫وقوله‪ :‬أن ْـ لَ تَخافُوا وَل َت ْ‬
‫في موضع نصب إذا كان ذلك معناه‪.‬‬
‫ح َزنُوا»‬
‫ن لَ تَخافُوا وَل َت ْ‬
‫و قد ذُ كر عن ع بد ال أ نه كان يقرأ ذلك « َتتَنزّلُ عََل ْيهِ مُ المَل ِئكَةُ أ ْ‬
‫بمعنى‪ :‬تتنزّل عليهم قائلة‪ :‬ل تخافوا‪ ,‬ول تحزنوا‪ .‬وعنى بقوله‪ :‬ل تَخافُوا ما تقدمون عليه من‬
‫ح َزنُوا على ما تخلفو نه وراء كم‪ .‬وبن حو الذي قل نا في ذلك قال أ هل التأو يل‪.‬‬
‫ب عد ممات كم وَل َت ْ‬
‫ذكر من قال ذلك‪:‬‬
‫ن لَ تَخافُوا وَل‬
‫‪ 23556‬ـ حدث نا مح مد‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا أح مد‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا أ سباط‪ ,‬عن ال سديّ أ ْ‬
‫َتحْ َزنُوا قال ل تخافوا ما أمامكم‪ ,‬ول تحزنوا على ما بعدكم‪.‬‬
‫‪23557‬ـ حدثني يونس‪ ,‬قال‪ :‬أخبرنا يحيى بن حسان‪ ,‬عن مسلم بن خالد‪ ,‬عن ابن أبي نجيح‪,‬‬
‫ح َزنُوا قال‪ :‬ل تخافوا مـا تقدمون‬
‫أنـ لَ تَخافُوا وَل َت ْ‬
‫ِمـ المَل ِئكَةُ ْ‬
‫عـن مجاهـد‪ ,‬قوله‪َ :‬تتَنزّلُ عََل ْيه ُ‬
‫عليه من أمر الَخرة‪ ,‬ول تحزنوا على ما خلفتم من دنياكم من أهل وولد‪ ,‬فإنا نخلفكم في ذلك‬
‫كله‪.‬‬
‫وقيل‪ :‬إن ذلك في الَخرة‪ .‬ذكر من قال ذلك‪:‬‬
‫‪ 23558‬ـ حدثني عل يّ‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا أبو صالح‪ ,‬قال‪ :‬ثني معاوية‪ ,‬عن عل يّ‪ ,‬عن ا بن عباس‪,‬‬
‫جنّةِ فذلك في الَخرة‪.‬‬
‫ح َزنُوا وأ ْبشِرُوا بال َ‬
‫ن لَ تَخافُوا وَل َت ْ‬
‫قوله‪َ :‬تتَنزّلُ عََل ْي ِهمُ المَل ِئكَةُ أ ْ‬
‫عدُو نَ يقول‪ :‬وسرّوا بأن لكم في الَخرة الجنة التي كنتم‬
‫جنّ ِة التي ُك ْنتُ مْ تُو َ‬
‫شرُوا بال َ‬
‫وقوله‪ :‬وأ ْب ِ‬
‫توعدونها في الدنيا على إيمانكم بال‪ ,‬واستقامتكم على طاعته‪ ,‬كما‪:‬‬
‫جنّ ِة التي‬
‫شرُوا بال َ‬
‫‪ 23559‬ـ حدثنا محمد‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا أحمد‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا أسباط‪ ,‬عن السديّ وأ ْب ِ‬
‫عدُونَ في الدنيا‪.‬‬
‫ُك ْنتُمْ تُو َ‬

‫‪32-31‬‬ ‫الية ‪:‬‬


‫خرَةِ وََلكُ مْ فِيهَا مَا‬
‫لِ‬‫حيَاةِ ال ّدنْيَا وَفِي ا َ‬
‫القول ف ـي تأوي ـل قوله تعالى‪َ { :‬نحْ نُ َأوِْليَآ ُؤكُ ْم فِي ا ْل َ‬
‫ن * ُن ُزلً ّمنْ غَفُورٍ ّرحِيمٍ }‪.‬‬
‫س ُكمْ وََل ُك ْم فِيهَا مَا َتدّعُو َ‬
‫شتَ ِهيَ أَن ُف ُ‬
‫َت ْ‬
‫يقول تعالى ذكره م خبرا عن ق يل ملئك ته ال تي تتنزل على هؤلء المؤمن ين الذ ين ا ستقاموا‬
‫على طاعته عند موتهم‪َ :‬نحْ نُ أوْلَياوكُ مْ أيها القوم فِي الحَياةِ ال ّدنْيا كنا نتولكم فيها وذكر أنهم‬
‫الحفظة الذين كانوا يكتبون أعمالهم‪ .‬ذكر من قال ذلك‪:‬‬
‫‪ 23560‬ـ حدث نا مح مد‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا أح مد‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا أ سباط‪ ,‬عن ال سديّ َنحْ نُ أوْلِياوكُ مْ فِي‬
‫الحَياةِ ال ّدنْيا نحن الحفظة الذين كنا معكم في الدنيا‪ ,‬ونحن أولياؤكم في الَخرة‪.‬‬
‫لخِرَ ِة يقول‪ :‬و في الَخرة أي ضا ن حن أولياؤ كم‪ ,‬ك ما ك نا ل كم في الدن يا أولياء‪.‬‬
‫وقوله‪ :‬وفِي ا َ‬
‫سكُمْ يقول‪ :‬ول كم في الَخرة ع ند ال ما تشت هي أنف سكم من اللذّات‬
‫شتَهِي أنْفُ ُ‬
‫وََلكُ مْ فِي ها ما َت ْ‬
‫والشهوات‪ .‬وقوله‪ :‬وََلكُ مْ فِي ها ما تدّعُو نَ يقول‪ :‬ول كم في الَخرة ما تدّعون‪ .‬وقوله‪ُ :‬ن ُزلً مِ نْ‬
‫ل لكم من ر بّ غفور لذنوبكم‪ ,‬رحيم ب كم أن يعاقب كم‬
‫غَفُورٍ َرحِي مٍ يقول‪ :‬أعطاكم ذلك ربكم نز ً‬
‫س ُكمْ وَل ُكمْ فِيها ما‬
‫بعد توبتكم ونصب ُن ُزلً على المصدر من معنى قوله‪ :‬وََل ُكمْ فِيها ما َتشْ َتهِي أنْ ُف ُ‬
‫َتدّعُونَ لن في ذلك تأويل أنزلكم ربكم بما يشتهون من النعيم ُن ُزلً‪.‬‬

‫‪34-33‬‬ ‫الية ‪:‬‬


‫عمِلَ صَالِحا َوقَالَ‬
‫ن قَ ْولً مّمّن دَعَآ إِلَى اللّ هِ َو َ‬
‫القول ف ـي تأوي ـل قوله تعالى‪َ { :‬ومَ نْ َأحْ سَ ُ‬
‫سيّئَ ُة ا ْدفَ عْ بِالّتِي هِ يَ َأحْ سَنُ َفِإذَا اّلذِي َب ْينَ كَ‬
‫ل ال ّ‬
‫سنَةُ َو َ‬
‫ستَوِي ا ْلحَ َ‬
‫ن * َولَ تَ ْ‬
‫ِإنّنِي مِ نَ ا ْلمُ سِْلمِي َ‬
‫حمِيمٌ }‪.‬‬
‫عدَا َو ٌة َكَأنّهُ وَِليّ َ‬
‫َو َب ْينَهُ َ‬
‫ل ممن قال ربنا ال ثم استقام على اليمان به‪,‬‬
‫يقول تعالى ذكره‪ :‬ومن أحسن أيها الناس قو ً‬
‫والنتهاء إلى أمره ونه يه‪ ,‬ود عا عباد ال إلى ما قال وع مل به من ذلك‪ .‬وبن حو الذي قل نا في‬
‫ذلك قال أهل التأويل‪ .‬ذكر من قال ذلك‪:‬‬
‫‪23561‬ـ حدثنا محمد بن عبد العلى‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا محمد بن ثور‪ ,‬عن معمر‪ ,‬قال‪ :‬تل الحسن‪:‬‬
‫ن المُ سِْلمِينَ قال‪ :‬هذا حبيب ال‪,‬‬
‫ن َأحْ سَن قَ ْولً ِممّ نْ دَعا إلى الّل ِه وَعمِلَ صَالِحا وَقالَ إ ّننِي ِم َ‬
‫َومَ ْ‬
‫أحبـ الخلق إلى ال‪ ,‬أجاب ال فـي دعوتـه‪,‬‬
‫ّ‬ ‫وليـ ال‪ ,‬هذا صـفوة ال‪ ,‬هذا خيرة ال‪ ,‬هذا‬
‫ّ‬ ‫هذا‬
‫ودعـا الناس إلى مـا أجاب ال فيـه مـن دعوتـه‪ ,‬وعمـل صـالحا فـي إجابتـه‪ ,‬وقال‪ :‬إننـي مـن‬
‫المسلمين‪ ,‬فهذا خليفة ال‪.‬‬
‫ن َأحْ سَن قَ ْولً‬
‫‪ 23562‬ـ حدث نا ب شر‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا يز يد‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا سعيد‪ ,‬عن قتادة‪ ,‬قوله‪َ :‬و َم ْ‬
‫ن دَعا إلى الّل هِ‪ ...‬الَية‪ ,‬قال‪ :‬هذا عبد صدّق قولَه عمل هُ‪ ,‬ومولجُه مخرجُه‪ ,‬وسرّه علنيته‪,‬‬
‫ِممّ ْ‬
‫وشاهده مغي به‪ ,‬وإن المنا فق ع بد خالف قولَه عملُه‪ ,‬ومولجَه مخرجُه‪ ,‬و سرّه علني ته‪ ,‬وشاهده‬
‫مغيبه‪.‬‬
‫واختلف أ هل العلم في الذي أر يد بهذه ال صفة من الناس‪ ,‬فقال بعض هم‪ :‬عُنِي ب ها نبيّ ال‬
‫صلى ال عليه وسلم‪ .‬ذكر من قال ذلك‪:‬‬
‫‪ 23563‬ـ حدث نا مح مد بن الح سين‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا أح مد‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا أ سباط‪ ,‬عن ال سديّ َومَ نْ‬
‫ل ِممّنْ دَعا إلى الّلهِ قال‪ :‬محمد صلى ال عليه وسلم حين دعا إلى السلم‪.‬‬
‫حسَنُ قَ ْو ً‬
‫َأ ْ‬
‫ن َأحْ سَن قَ ْولً‬
‫‪ 23564‬ـ حدثني يونس قال‪ :‬أخبرنا ابن وهب‪ ,‬قال‪ :‬قال ابن زيد‪ ,‬في قوله‪َ :‬ومَ ْ‬
‫ن قال‪ :‬هذا رسول ال صلى ال عل يه‬
‫ن المُ سْلِمِي َ‬
‫ل صَالِحا وَقالَ إ ّننِي مِ َ‬
‫ِممّ نْ َد عا إلى الّل هِ وَعمِ َ‬
‫وسلم‪.‬‬
‫وقال آخرون‪ :‬عُنى به المؤذّن‪ .‬ذكر من قال ذلك‪:‬‬
‫‪ 23565‬ـ حدث ني داود بن سليمان بن يز يد المك تب الب صري‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا عمرو بن جر ير‬
‫ل ِممّنْ‬
‫حسَن قَ ْو ً‬
‫البجلي‪ ,‬عن إسماعيل بن أبي خالد‪ ,‬عن قيس بن أبي حازم‪ ,‬في قول ال‪َ :‬ومَنْ َأ ْ‬
‫دَعا إلى اللّ ِه قال‪ :‬المؤذّن وَعمِلَ صَالِحا قال‪ :‬الصلة ما بين الذان إلى القامة‪.‬‬

‫ن المُ سْلِمِينَ يقول‪ :‬وقال‪ :‬إنني ممن خضع ل بالطاعة‪ ,‬وذلّ له بالعبودة‪,‬‬
‫وقوله‪ :‬وَقالَ إ ّننِي مِ َ‬
‫وخشع له باليمان بوحدانيته‪.‬‬
‫س ّيئَ ُة يقول تعالى ذكره‪ :‬ول ت ستوي ح سنة الذ ين قالوا رب نا‬
‫سنَةَ وَل ال ّ‬
‫ستَوِي الحَ َ‬
‫وقوله‪ :‬وَل تَ ْ‬
‫ال ثم استقاموا‪ ,‬فأحسنوا في قولهم‪ ,‬وإجابتهم ربهم إلى ما دعاهم إليه من طاعته‪ ,‬ودعوا عباد‬
‫س َمعُوا َلهَذا ال ُقرْآ نِ وَا ْل َغوْا فِي ِه َلعَّلكُ مْ‬
‫ال إلى مثل الذي أجابوا ربهم إليه‪ ,‬وسيئة الذين قالوا‪ :‬ل تَ ْ‬
‫ل ثناؤه أ نه‬
‫َتغِْلبُو نَ فكذلك ل ت ستوي ع ند ال أحوال هم ومنازل هم‪ ,‬ولكن ها تختلف ك ما و صف ج ّ‬
‫السـّيئَةُفكرّر ل‪ ,‬والمعنـى‪ :‬ل تسـتوي‬
‫َسـنَةَ وَل ّ‬
‫َسـتَوِي الح َ‬
‫خالف بينهمـا‪ ,‬وقال جلّ ثناؤه‪ :‬وَل ت ْ‬
‫ل مـا كان غيـر مسـا ٍو شيئا‪ ,‬فالشيـء الذي هـو له غيـر مسـاو غيـر‬
‫الحسـنة ول السـيئة‪ ,‬لن ك ّ‬
‫م ساويه‪ ,‬ك ما أن كلّ ما كان م ساويا لش يء فالَ خر الذي هو له م ساو‪ ,‬م ساوٍ له‪ ,‬فيقال‪ :‬فلن‬
‫مساو فلنا‪ ,‬وفلن له مساو‪ ,‬فكذلك فلن ليس مساويا لفلن‪ ,‬ول فلن مساويا له‪ ,‬فلذلك كرّرت‬
‫ل مع ال سيئة‪ ,‬ولو لم ت كن مكرّرة مع ها كان الكلم صحيحا‪ .‬و قد كان ب عض نحو يي الب صرة‬
‫يقول‪ :‬يجوز أن يقال‪ :‬الثانية زائدة يريد‪ :‬ل يستوي عبد ال وزيد‪ ,‬فزيدت ل توكيدا‪ ,‬كما قال‪:‬‬
‫ْسـمُ‬
‫ْمـ القِيامَةِ وَل ُأق ِ‬
‫ْسـمُ ِبيَو ِ‬
‫ِتابـ ألّ يَ ْق ِدرُونـَ‪ :‬أي لن يعلم‪ ,‬وكمـا قال‪ :‬ل ُأق ِ‬
‫َمـ أ ْهلُ الك ِ‬
‫َلئِلّ َيعْل َ‬
‫سمُ‬
‫ل َيعْلَ مَ أ ْهلَ الكِتا بِ‪ ,‬وفي قوله‪ :‬ل ُأقْ ِ‬
‫بالنّفْ سِ الّلوّامَةِ‪ .‬وقد كان بعضهم ينكر قوله هذا في‪َ :‬لئِ ّ‬
‫ل الكِتا بِ أن ل يقدرون ردّت إلى موضع ها‪ ,‬لن الن في‬
‫فيقول‪ :‬ل الثان ية في قوله‪َ :‬لئِلّ َيعْلَ مَ أهْ َ‬
‫أظنـ زيدا ل يقوم قال‪:‬‬
‫ّ‬ ‫أظنـ زيدا ل يقوم‪ ,‬بمعنـى‪:‬‬
‫ّ‬ ‫إنمـا لحـق يقدرون ل العلم‪ ,‬كمـا يقال‪ :‬ل‬
‫وربمـا ا ستوثقوا فجاؤوا به أ ّولً وآخرا‪ ,‬وربمـا اكتفوا بالوّل من الثا ني‪ .‬وحُ كي سـماعا مـن‬
‫العرب‪ :‬مـا كأنـي أعرفهـا‪ :‬أي كأنـي لأعرفهـا‪ .‬قال‪ :‬وأمـا «ل» فـي قوله ل ُأقْس ِـُم فإنمـا هـو‬
‫جواب‪ ,‬والقسم بعدها مستأنف‪ ,‬ول يكون حرف الجحد مبتدأ صلة‪.‬‬
‫س ّيئَ ُة ول ي ستوي اليمان بال والع مل بطاع ته‬
‫سنَةَ وَل ال ّ‬
‫ستَوِي الحَ َ‬
‫وإن ما عُنِي بقوله‪ :‬وَل تَ ْ‬
‫والشرك به والعمل بمعصيته‪.‬‬
‫ي أحْ سَنُ يقول تعالى ذكره ل نبيه مح مد صلى ال عل يه و سلم‪ :‬اد فع يا‬
‫وقوله‪ :‬ا ْدفِ عْ بالّتِي هِ َ‬
‫محمد بحلمك جهل من جهل عليك‪ ,‬وبعفوك عمن أساء إليك إساءة المسيء‪ ,‬وبصبرك عليهم‬
‫مكروه ما تجد منهم‪ ,‬ويلقاك من قبلهم‪ .‬وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل على اختلف‬
‫منهم في تأويله‪ .‬ذكر من قال ذلك‪:‬‬
‫‪ 23566‬ـ حدثني عل يّ‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا أبو صالح‪ ,‬قال‪ :‬ثني معاوية‪ ,‬عن عل يّ‪ ,‬عن ا بن عباس‪,‬‬
‫قوله‪ :‬ا ْدفَ عْ بالّتِي هِ يَ أحْ سَنُ قال‪ :‬أ مر ال المؤمن ين بال صبر ع ند الغ ضب‪ ,‬والحلم والع فو ع ند‬
‫الساءة‪ ,‬فإذا فعلوا ذلك عصمهم ال من الشيطان‪ ,‬وخضع لهم عدوّهم‪ ,‬كأنه وليّ حميم‪.‬‬
‫وقال آخرون‪ :‬معنى ذلك‪ :‬ادفع بالسلم على من أساء إليك إساءته‪ .‬ذكر من قال ذلك‪:‬‬
‫‪ 23567‬ـ حدث نا مح مد بن بشار‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا أ بو عا مر‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا سفيان‪ ,‬عن طل حة بن‬
‫حسَنُ قال‪ :‬بالسلم‪.‬‬
‫يأْ‬
‫عمرو‪ ,‬عن عطاء ادْفَ ْع باّلتِي ِه َ‬
‫‪ 23568‬ـ حدثنا محمد بن عبد العلى‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا محمد بن ثور‪ ,‬عن معمر‪ ,‬عن عبد الكريم‬
‫ن قال‪ :‬السلم عليك إذا لقيته‪.‬‬
‫حسَ ُ‬
‫الجزري‪ ,‬عن مجاهد ا ْدفَعْ باّلتِي ِهيَ أ ْ‬
‫حمِي مٌ يقول تعالى ذكره‪ :‬افعل هذا الذي أمرتك‬
‫ي َ‬
‫عدَوَاةٌ كأنّ هُ وَلِ ّ‬
‫وقوله‪ :‬فإذَا اّلذِي َب ْينَ كَ َو َب ْينَ هُ َ‬
‫به يا مح مد من د فع سيئة الم سيء إل يك بإح سانك الذي أمر تك به إل يه‪ ,‬في صير الم سيء إل يك‬
‫ي لك من ب ني أعما مك‪ ,‬قر يب‬
‫الذي بي نك وبي نه عداوة‪ ,‬كأ نه من ملطف ته إياك‪ ,‬وبرّه لك‪ ,‬ول ّ‬
‫النسب بك والحميم‪ :‬هو القريب‪ ,‬كما‪:‬‬
‫حمِي مٌ‪ :‬أي كأنه‬
‫‪ 23569‬ـ حدثنا بشر‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا يزيد‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا سعيد‪ ,,‬عن قتادة كأنّ ُه وَلِ يّ َ‬
‫وليّ قريب‪.‬‬

‫‪36-35‬‬ ‫الية ‪:‬‬


‫عظِيمٍ *‬
‫ل ذُو حَظّ َ‬
‫ص َبرُواْ َومَا يُلَقّاهَآ ِإ ّ‬
‫ل اّلذِي نَ َ‬
‫القول فـي تأويـل قوله تعالى‪َ { :‬ومَا يُلَقّاهَا ِإ ّ‬
‫سمِيعُ ا ْلعَلِيمُ }‪.‬‬
‫س َت ِعذْ بِاللّ ِه ِإنّ ُه هُ َو ال ّ‬
‫ش ْيطَانِ َن ْزغٌ فَا ْ‬
‫غ ّنكَ ِمنَ ال ّ‬
‫وَِإمّا يَنزَ َ‬
‫يقول تعالى ذكره‪ :‬ومـا يُعط َى دفـع السـيئة بالحسـنة إل الذيـن صـبروا ل على المكاره‪,‬‬
‫والمور الشاقة وقال‪ :‬وَما يُلَقّاها ولم يقل‪ :‬وما يلقاه‪ ,‬لن معنى الكلم‪ :‬وما يلقى هذه الفعلة من‬
‫دفع السيئة بالتي هي أحسن‪.‬‬
‫عظِي مٍ يقول‪ :‬و ما يل قى هذه إل ذو ن صيب وجدّ له سابق في‬
‫وقوله‪ :‬وَ ما يُلَقّا ها إلّ ذُو حَ ظّ َ‬
‫المبرات عظيم‪ ,‬كما‪:‬‬
‫‪ 23570‬ـ حدثنا محمد‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا أحمد‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا أسباط‪ ,‬عن السديّ‪ ,‬في قوله‪ :‬وَما يَُلقّاها‬
‫عظِيمٍ‪ :‬ذو جدّ‪.‬‬
‫حظّ َ‬
‫إلّ ذُو َ‬
‫وقيل‪ :‬إن ذلك الح ظّ الذي أخبر ال جلّ ثناؤه في هذه الَية أنه لهؤلء القوم هو الجنة‪ .‬ذكر‬
‫من قال ذلك‪:‬‬
‫‪ 23571‬ـ حدث نا ب شر‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا يز يد‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا سعيد‪ ,‬عن قتادة وَ ما يُلَقّا ها إلّ اّلذِي نَ‬
‫صَبرُوا‪ ...‬الَية‪ .‬والح ظّ العظيم‪ :‬الجنة‪ .‬ذُكر لنا أن أبا بكر رضي ال عنه شتمه رجل ونبيّ‬
‫ال صلى ال عليه وسلم شاهد‪ ,‬فعفا عنه ساعة‪ ,‬ثم إن أبا بكر جاش به الغضب‪ ,‬فردّ عليه‪ ,‬فقام‬
‫النبيّ صلى ال عليه وسلم فاتبعه أبو بكر‪ ,‬فقال يا رسول ال شتمني الرجل‪ ,‬فعفوت وصفحت‬
‫وأنت قاعد‪ ,‬فلما أخذت أنتصر قمت يا نبيّ ال‪ ,‬فقال نبيّ ال صلى ال عليه وسلم‪« :‬إّن ُه كا نَ‬
‫شيْطا نُ‪ ,‬فَوَال ما ُكنْ تُ‬
‫ت َت ْنتَ صِرُ ذَهَ بَ المَلَ كُ وَجاءَ ال ّ‬
‫ن المَل ِئكَةَ‪ ,‬فَلَمّا َق ُربْ َ‬
‫ك مَلَ كٌ ِم َ‬
‫عنْ َ‬
‫َيرُدّ َ‬
‫ن يا أبا َب ْكرٍ»‪.‬‬
‫شيْطا َ‬
‫لُجالِسَ ال ّ‬
‫‪ 23572‬ـ حدثني عل يّ‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا أبو صالح‪ ,‬قال‪ :‬ثني معاوية‪ ,‬عن عل يّ‪ ,‬عن ا بن عباس‪,‬‬
‫عظِيمٍ يقول‪ :‬الذين أع ّد ال لهم الجنة‪.‬‬
‫ل ذُو حَظّ َ‬
‫ل اّلذِينَ صَبرُوا وَما يُلَقّاها إ ّ‬
‫قوله‪ :‬وَما يُلَقّاها إ ّ‬
‫شيْطا نِ َنزْ غٌ فا سْ َت ِعذْ باللّ هِ‪ ...‬الَ ية‪ ,‬يقول تعالى ذكره‪ :‬وإما يلق ين‬
‫غنّ كَ ِم نَ ال ّ‬
‫وقوله‪ :‬وَإمّا يَنزَ َ‬
‫الشيطان يـا محمـد فـي نفسـك وسـوسة مـن حديـث النفـس إرادة حملك على مجازاة المسـيء‬
‫بالسـاءة‪ ,‬ودعائك إلى مسـاءته‪ ,‬فاسـتجر بال واعتصـم مـن خطواتـه‪ ,‬إن ال هـو السـميع‬
‫لستعاذتك منه واستجارتك به من نزغاته‪ ,‬ولغير ذلك من كلمك وكلم غيرك‪ ,‬العليم بما ألقى‬
‫في نفسك من نزغاته‪ ,‬وحدّثتك به نفسك ومما يذهب ذلك من قبلك‪ ,‬وغير ذلك من أمور وأمور‬
‫خلقه‪ ,‬كما‪:‬‬
‫غنّ كَ ِم نَ‬
‫‪ 23573‬ـ حدث نا مح مد‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا أح مد‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا أ سباط‪ ,‬عن ال سديّ وَإمّا يَنزَ َ‬
‫شيْطانِ ال ّرجِيمِ‪.‬‬
‫س َتعِ ْذ باللّهِ ِمنَ ال ّ‬
‫ن َنزْغٌ قال‪ :‬وسوسة وحديث النفس فا ْ‬
‫شيْطا ِ‬
‫ال ّ‬
‫شيْطا نِ‬
‫ن ال ّ‬
‫غنّ كَ مِ َ‬
‫‪ 23574‬ـ حدثني يونس‪ ,‬قال‪ :‬أخبرنا ابن وهب‪ ,‬قال‪ :‬قال ابن زيد وَإمّا يَنزَ َ‬
‫غ هذا الغضب‪.‬‬
‫َنزْ ٌ‬

‫‪37‬‬ ‫الية ‪:‬‬


‫شمْسِ‬
‫جدُو ْا لِل ّ‬
‫شمْسُ وَا ْل َق َمرُ لَ تَسْ ُ‬
‫ن آيَاتِهِ الّليْلُ وَال ّنهَارُ وَال ّ‬
‫القول فـي تأويـل قوله تعالى‪َ { :‬ومِ ْ‬
‫ن إِن كُنتُمْ ِإيّاهُ َت ْع ُبدُونَ }‪.‬‬
‫جدُو ْا لِلّ ِه اّلذِي خَلَ َقهُ ّ‬
‫سُ‬‫ل لِلْ َق َمرِ وَا ْ‬
‫َو َ‬
‫يقول تعالى ذكره‪ :‬ومن حجج ال تعالى على خلقه ودللته على وحداني ته‪ ,‬وعظيم سلطانه‪,‬‬
‫اختلف الل يل والنهار‪ ,‬ومعاق بة كلّ وا حد منه ما صاحبه‪ ,‬والش مس والق مر‪ ,‬ل الش مس تدرك‬
‫ن ل ت سجدوا أي ها الناس للش مس ول للق مر‪,‬‬
‫س َبحُو َ‬
‫ل فِي فَلَ كٍ يَ ْ‬
‫الق مر وَل الّليْلُ سا ِبقُ النّها ِر وكُ ّ‬
‫فإنهما وإن جريا في الفلك بمنافعكم‪ ,‬فإنما يجريان به لكم بإجراء ال إياهما لكم طائعين له في‬
‫جريهمـا ومسـيرهما‪ ,‬ل بأنهمـا يقدران بأنفسـهما على سـير وجري دون إجراء ال إياهمـا‬
‫وتسييرهما‪ ,‬أو يستطيعان لكم نفعا أو ضرّا‪ ,‬وإنما ال مسخرهما لكم لمنافعكم ومصالحكم‪ ,‬فله‬
‫فاسـجدوا‪ ,‬وإياه فاعبدوا دونهـا‪ ,‬فإنـه إن شاء طمـس ضوءهمـا‪ ,‬فترككـم حيارَى فـي ظلمـة ل‬
‫جدُوا لِّل ِه اّلذِي خَلَ َقهُ نّ فج مع بالهاء والنون‪ ,‬لن‬
‫سُ‬‫تهتدون سبيلً‪ ,‬ول تب صرون شيئا‪ .‬وق يل‪ :‬وَا ْ‬
‫المراد مـن الكلم‪ :‬واسـجدوا ل الذي خلق اليـل والنهار والشمـس والقمـر‪ ,‬وذلك جمـع‪ ,‬وأنـث‬
‫كنايتهن‪ ,‬وإن كان من شأن العرب إذا جمعوا الذكر إلى النثى أن يخرجوا كنايتهما بلفظ كناية‬
‫المذكـر فيقولوا‪ :‬أخواك وأختاك كلمونـي‪ ,‬ول يقولوا‪ :‬كلمنـي‪ ,‬لن مـن شأنهـم أن يؤنثوا أخبار‬
‫الذكور من غ ير ب ني آدم في الج مع‪ ,‬فيقولوا‪ :‬رأ يت مع عمرو أثوا با فأخذته نّ م نه‪ .‬وأعجب ني‬
‫خواتيم لزيد قبضتهنّ منه‪.‬‬
‫ن يقول‪ :‬إن كن تم تعبدون ال‪ ,‬وتذلون له بالطا عة وإن من طاع ته‬
‫ن ُك ْنتُ ْم إيّا هُ َت ْع ُبدُو َ‬
‫وقوله‪ :‬إ ْ‬
‫أن تخلصـوا له العبادة‪ ,‬ول تشركوا فـي طاعتكـم إياه وعبادتكموه شيئا سـواه‪ ,‬فإن العبادة ل‬
‫تصلح لغيره ول تنبغي لشيء سواه‪.‬‬

‫‪38‬‬ ‫الية ‪:‬‬


‫س َت ْك َبرُواْ فَاّلذِي نَ عِندَ َربّ كَ يُ سَ ّبحُونَ َل هُ بِالّليْلِ وَال ّنهَارِ‬
‫القول ف ـي تأوي ـل قوله تعالى‪َ { :‬فإِ نِ ا ْ‬
‫سَأمُونَ }‪.‬‬
‫ل َي ْ‬
‫وَ ُهمْ َ‬
‫يقول تعالى ذكره‪ :‬فإن استكبر يا محمد هؤلء الذين أنت بين أظهرهم من مشركي قريش‪,‬‬
‫وتعظموا عن أن يسجدوا ال الذي خلقهم وخلق الشمس والقمر‪ ,‬فإن الملئكة الذين عند ربك ل‬
‫يستكبرون عن ذلك‪ ,‬ول يتعظمون عنه‪ ,‬بل يسبحون له‪ ,‬ويصلون ليلً ونهارا‪ ,‬وهم ل يسأمون‬
‫يقول‪ :‬و هم ل يفترون عن عبادت هم‪ ,‬ول يملون ال صلة له‪ .‬وبن حو الذي قل نا في ذلك قال أ هل‬
‫التأويل‪ .‬ذكر من قال ذلك‪:‬‬
‫‪ 23575‬ـ حدثني محمد بن سعد‪ ,‬قال‪ :‬ثني أبي‪ ,‬قال‪ :‬ثني عمي‪ ,‬قال‪ :‬ثني أبي‪ ,‬عن أبيه‪ ,‬عن‬
‫ن لَ هُ بالّليْلِ والنّهارِ قال‪ :‬يعني محمدا‪,‬‬
‫س ّبحُو َ‬
‫ع ْندَ َربّ كَ يُ َ‬
‫س َت ْك َبرُوا فاّلذِي نَ ِ‬
‫نا ْ‬
‫ابن عباس‪ ,‬قوله‪ :‬فإ ِ‬
‫يقول‪ :‬عبادي ملئكة صافون يسبحون ول يستكبرون‪.‬‬
‫‪39‬‬ ‫الية ‪:‬‬
‫شعَ ًة فَِإذَآ أَنزَ ْلنَا عََل ْيهَا ا ْلمَآءَ‬
‫القول فـي تأويـل قوله تعالى‪َ { :‬ومِ نْ آيَا ِت هِ َأنّ كَ َترَى الرْ ضَ خَا ِ‬
‫شيْءٍ َقدِيرٌ }‪.‬‬
‫ل َ‬
‫حىِ ا ْل َم ْو َتىَ ِإنّهُ عََلىَ كُ ّ‬
‫حيَاهَا َل ُم ْ‬
‫ي َأ ْ‬
‫ن اّلذِ َ‬
‫ت إِ ّ‬
‫ا ْه َتزّتْ َو َربَ ْ‬
‫يقول تعالى ذكره‪ :‬ومن حجج ال أيضا وأدلته على قدرته على نشر الموتى من بعد بلها‪,‬‬
‫وإعادتها لهيئتها كما كانت من بعد فنائها أنك يا محمد ترى الرض دارسة غبراء‪ ,‬ل نبات بها‬
‫ول زرع‪ ,‬كما‪:‬‬
‫‪23576‬ـ حدثنا بشر‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا يزيد‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا سعيد‪ ,‬عن قتادة‪ ,‬قوله‪َ :‬و ِمنْ آياتِ ِه أنّكَ َترَى‬
‫شعَةً‪ :‬أي غبراء متهشمة‪.‬‬
‫الرْضَ خا ِ‬
‫‪ 23577‬ـ حدثنا محمد‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا أحمد‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا أسباط‪ ,‬عن السدي َومِ نْ آيا ِت هِ أنّ كَ َترَى‬
‫شعَةً قال‪ :‬يابسة متهمشة‪.‬‬
‫الرْضَ خا ِ‬
‫ّتـ يقول تعالى ذكره‪ :‬فإذا أنزلنـا مـن السـماء غيثـا على هذه‬
‫فإذَا أنْزَلْنـا عََليْهـا المَاءَ ا ْه َتز ْ‬
‫الرض الخاشعة اهتزت بالنبات‪ ,‬يقول‪ :‬تحرّكت به‪ ,‬كما‪:‬‬
‫‪ 23578‬ـ حدثنا محمد بن عمرو‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا أبو عاصم‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا عيسى وحدثني الحارث‪,‬‬
‫قال‪ :‬حدث نا الح سن‪ ,‬قال‪ :‬ورقاء‪ ,‬جمي عا عن ا بن أ بي نج يح‪ ,‬عن مجا هد‪ ,‬قوله‪ :‬اهتّزت قال‪:‬‬
‫بالنبات‪.‬‬
‫َو َربَتْ يقول‪ :‬انتفخت‪ ,‬كما‪:‬‬
‫‪23579‬ـ حدثنا محمد‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا أحمد‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا أسباط‪ ,‬عن السديّ َورَبَتْ انتفخت‪.‬‬
‫‪ 23580‬ـ حدث نا ب شر‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا يز يد‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا سعيد‪ ,‬عن قتادة فإذَا أ ْنزَلْ نا عََليْ ها المَاءَ‬
‫ت يعرف الغيث في سحتها وربوها‪.‬‬
‫ا ْه َتزّتْ َو َربَ ْ‬
‫‪23581‬ـ حدثني محمد بن عمرو‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا أبو عاصم‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا عيسى وحدثني الحارث‪,‬‬
‫قال‪ :‬حدث نا الح سن‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا ورقاء‪ ,‬جمي عا عن ا بن أ بي نج يح‪ ,‬عن مجا هد َو َربَ تْ للنبات‪,‬‬
‫قال‪ :‬ارتفعت قبل أن تنبت‪.‬‬
‫وقوله‪ :‬إ نّ اّلذِي أحْيا ها َل ُمحْ يِ المَوْتَى يقول تعالى ذكره‪ :‬إن الذي أح يا هذه الرض الدار سة‬
‫فأخرج من ها النبات‪ ,‬وجعل ها تهتزّ بالزرع من ب عد يب سها ودثور ها بالم طر الذي أنزل علي ها‪,‬‬
‫القادر أن يحيي أموات بني آدم من بعد مماتهم بالماء الذي ينزل من السماء لحيائهم‪ .‬وبنحو‬
‫الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل‪ .‬ذكر من قال ذلك‪:‬‬
‫‪ 23582‬ـ حدث نا مح مد‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا أح مد‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا أ سباط‪ ,‬عن ال سديّ‪ ,‬قال‪ :‬ك ما يح يي‬
‫الرض بالمطر‪ ,‬كذلك يحيي الموتى بالماء يوم القيامة بين النفختين‪.‬‬
‫ي المَوْتى‪.‬‬
‫ن اّلذِي أحْياها َل ُمحْ ِ‬
‫يعني بذلك تأويل قوله‪ :‬إ ّ‬
‫شيُ ٍء قَدِيرٌ يقول تعالى ذكره‪ :‬إن ربـك يـا محمـد على إحياء خلقـه بعـد‬
‫ّهـ على كُلّ َ‬
‫وقوله‪ :‬إن ُ‬
‫مماتهم وعلى كل ما يشاء ذو قدرة ل يعجز شيء أراده‪ ,‬ول يتعذّر عليه فعل شيء شاءه‪.‬‬

‫‪40‬‬ ‫الية ‪:‬‬


‫حدُو نَ فِ يَ آيَا ِتنَا لَ َيخْ َفوْ نَ عََل ْينَآ َأ َفمَن يُلْ َقىَ فِي‬
‫ن يُ ْل ِ‬
‫ن اّلذِي َ‬
‫القول فـي تأويـل قوله تعالى‪ِ{ :‬إ ّ‬
‫ن َبصِيرٌ }‪.‬‬
‫ش ْئ ُتمْ ِإنّ ُه ِبمَا َت ْعمَلُو َ‬
‫عمَلُواْ مَا ِ‬
‫خيْرٌ أَم مّن َي ْأ ِتيَ آمِنا َي ْومَ الْ ِقيَامَةِ ا ْ‬
‫النّا ِر َ‬
‫حدُو نَ فِي آياتِ نا إن الذ ين يميلون عن الح قّ في حجج نا‬
‫ن يُ ْل ِ‬
‫ن اّلذِي َ‬
‫يع ني جلّ ثناؤه بقوله‪ :‬إ ّ‬
‫وأدلت نا‪ ,‬ويعدلون عن ها تكذي با ب ها وجحودا ل ها‪ .‬و قد بيّ نت في ما م ضى مع نى الل حد بشواهده‬
‫المغنية عن إعادتها في هذا الموضع‪.‬‬
‫و سنذكر ب عض اختلف المختلفيـن فـي المراد به من معناه فـي هذا المو ضع‪ .‬اختلف أهـل‬
‫التأو يل في المراد به من مع نى اللحاد في هذا المو ضع‪ ,‬فقال بعض هم‪ :‬أر يد به معار ضة‬
‫المشركين القرآن باللغط والصفير استهزاء به‪ .‬ذكر من قال ذلك‪:‬‬
‫‪23583‬ــ حدثنـي محمـد بـن عمرو‪ ,‬قال‪ :‬حدثنـا أبـو عاصـم‪ ,‬قال‪ :‬حدثنـا عيسـى‪ :‬وحدثنـي‬
‫الحارث‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا الح سن‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا ورقاء‪ ,‬جمي عا عن ا بن أ بي نج يح‪ ,‬عن مجا هد‪ ,‬في‬
‫ن فِي آياتِنا قال‪ :‬ال ُمكَاء وما ذكر معه‪.‬‬
‫حدُو َ‬
‫ن يُ ْل ِ‬
‫قوله‪ :‬إنّ اّلذِي َ‬
‫وقال بعضهم‪ :‬أريد به الخبر عن كذبهم في آيات ال‪ .‬ذكر من قال ذلك‪:‬‬
‫ن فِي‬
‫حدُو َ‬
‫ن يُ ْل ِ‬
‫‪ 23584‬ـ حدث نا ب شر‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا يز يد‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا سعيد‪ ,‬عن قتادة إ نّ اّلذِي َ‬
‫آياتِناقال‪ :‬يكذّبون في آياتنا‪.‬‬
‫وقال آخرون‪ :‬أريد به يعاندون‪ .‬ذكر من قال ذلك‪:‬‬
‫ن فِي‬
‫حدُو َ‬
‫ن يُ ْل ِ‬
‫ن اّلذِي َ‬
‫‪ 23585‬ـ حدثنا محمد‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا أحمد‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا أسباط‪ ,‬عن السديّ إ ّ‬
‫آياتِنا قال‪ :‬يشاقّون‪ :‬يعاندون‪.‬‬
‫وقال آخرون‪ :‬أريد به الكفر والشرك‪ .‬ذكر من قال ذلك‪:‬‬
‫حدُونَ‬
‫ن يُ ْل ِ‬
‫‪23586‬ـ حدثني يونس‪ ,‬قال‪ :‬أخبرنا ابن وهب‪ ,‬قال‪ :‬قال ابن زيد‪ ,‬في قوله‪ :‬إنّ اّلذِي َ‬
‫فِي آياتِنا ل َيخْفَ ْونَ عََليْنا قال‪ :‬هؤلء أهل الشرك وقال‪ :‬اللحاد‪ :‬الكفر والشرك‪.‬‬
‫وقال آخرون‪ :‬أريد به الخبر عن تبديلهم معاني كتاب ال‪ .‬ذكر من قال ذلك‪:‬‬
‫‪ 23587‬ـ حدثني محمد بن سعد‪ ,‬قال‪ :‬ثني أبي‪ ,‬قال‪ :‬ثني عمي‪ ,‬قال‪ :‬ثني أبي‪ ,‬عن أبيه‪ ,‬عن‬
‫حدُو نَ فِي آياتِ نا ل َيخْ َفوْ نَ عََليْ نا قال‪ :‬هو أن يو ضع الكلم على‬
‫ن اّلذِي نَ يُ ْل ِ‬
‫ا بن عباس‪ ,‬قوله‪ :‬إ ّ‬
‫غير موضعه‪.‬‬
‫ل هذه القوال التي ذكرناها في تأويل ذلك قريبات المعاني‪ ,‬وذلك أن اللحد واللحاد‪ :‬هو‬
‫وك ّ‬
‫ل عنهـا بالتكذيـب بهـا‪ ,‬ويكون بالسـتهزاء مُكاء‬
‫الميـل‪ ,‬وقـد يكون ميلً عـن آيات ال‪ ,‬وعدو ً‬
‫صدِية‪ ,‬ويكون مفارقة لها وعنادا‪ ,‬ويكون تحريفا لها وتغييرا لمعانيها‪.‬‬
‫و َت ْ‬
‫ول قول أولى بالصحة في ذلك مما قلنا‪ ,‬وأن يعم الخبر عنهم بأنهم ألحدوا في آيات ال‪ ,‬كما‬
‫عمّ ذلك ربنا تبارك وتعالى‪.‬‬
‫ْنـ عََليْنـا يقول تعالى ذكره‪ :‬نحـن بهـم عالمون ل يخفون علينـا‪ ,‬ونحـن لهـم‬
‫وقوله‪ :‬ل َيخْ َفو َ‬
‫بالمر صاد إذا وردوا علي نا‪ ,‬وذلك تهد يد من ال جلّ ثناؤه ل هم بقوله‪ :‬سيعلمون ع ند ورود هم‬
‫علينا ماذا يلقون من أليم عذابنا‪ ,‬ثم أخبر جلّ ثناؤه عما هو فاعل بهم عند ورودهم عليه‪ ,‬فقال‪:‬‬
‫ن يأْتِي آمِ نا يَوْ مَ ال ِقيَامَةِ يقول تعالى ذكره لهؤلء الذ ين يُلحدون‬
‫أفمَ نْ يُلْقَى فِي النّار خَيْر أ مْ مَ ْ‬
‫في آياتنا اليوم في الدنيا يوم القيامة عذاب النار‪ ,‬ثم قال ال‪ :‬أفهذا الذي يلقى في النار خير‪ ,‬أم‬
‫ل جلله؟ هذا الكافر‪ ,‬إنه إن آمن بآيات‬
‫الذي يأتي يوم القيامة آمنا من عذاب ال ليمانه بال ج ّ‬
‫ال‪ ,‬وات بع أ مر ال ونه يه‪ ,‬أمّ نه يوم القيا مة م ما حذّره م نه من عقا به إن ورد عل يه يومئذ به‬
‫كافرا‪.‬‬
‫ش ْئتُ مْ وهذا أيضا وعيد لهم من ال خرج مخرج المر‪ ,‬وكذلك كان مجاهد‬
‫عمَلُوا ما ِ‬
‫وقوله‪ :‬ا ْ‬
‫يقول‪:‬‬
‫‪23588‬ـ حدثنا ابن بشار‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا عبد الرحمن‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا سفيان‪ ,‬عن ابن أبي نجيح عن‬
‫ش ْئ ُتمْ قال‪ :‬هذا وعيد‪.‬‬
‫عمَلُوا ما ِ‬
‫مجاهد ا ْ‬
‫ل ثناؤه‪ :‬إن ال أي ها الناس بأعمال كم ال تي تعملونها ذو‬
‫وقوله‪ :‬إنّ هُ بِما َت ْعمَلُو نَ بَ صِيرٌ يقول ج ّ‬
‫خبرة وعلم ل يخفى عليه منها‪ ,‬ول من غيرها شيء‪.‬‬

‫‪42-41‬‬ ‫الية ‪:‬‬


‫عزِيزٌ * لّ‬
‫ن كَ َفرُواْ بِال ّذ ْكرِ َلمّا جَآءَهُ مْ وَِإنّ هُ َل ِكتَا بٌ َ‬
‫ن اّلذِي َ‬
‫القول فـي تأويـل قوله تعالى‪ِ{ :‬إ ّ‬
‫حمِيدٍ }‪.‬‬
‫حكِيمٍ َ‬
‫ن َ‬
‫ن خَلْفِ ِه تَنزِيلٌ مّ ْ‬
‫ن َيدَيْ ِه َولَ مِ ْ‬
‫َي ْأتِيهِ ا ْلبَاطِلُ مِن َبيْ ِ‬
‫يقول تعالى ذكره‪ :‬إن الذين جحدوا هذا القرآن وكذّبوا به لما جاءهم‪ ,‬وعنى بالذكر القرآن‪,‬‬
‫كما‪:‬‬
‫‪ 23589‬ـ حدث نا ب شر‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا يز يد‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا سعيد‪ ,‬عن قتادة‪ ,‬قوله‪ :‬إ نّ اّلذِي نَ َك َفرُوا‬
‫بالذّ ْكرِ َلمّا جاءَ ُه ْم كفروا بالقرآن‪.‬‬
‫عزِيزٌ يقول تعالى ذكره‪ :‬وإن هذا الذكـر لكتاب عزيـز بإعزاز ال إياه‪,‬‬
‫ّهـ َلكِتاب َ‬
‫وقوله‪ :‬وَإن ُ‬
‫وحفظـه مـن كلّ مـن أراد له تبديلً‪ ,‬أو تحريفـا‪ ,‬أو تغييرا‪ ,‬مـن إنسـي وجنـي وشيطان مارد‪.‬‬
‫وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل‪ .‬ذكر من قال ذلك‪:‬‬
‫عزِيزٌ‬
‫‪ 23590‬ـ حدثنا بشر‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا يزيد‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا سعيد‪ ,‬عن قتادة‪ ,‬قوله‪ :‬وَإنّ ُه َلكِتا بٌ َ‬
‫يقول‪ :‬أعزّه ال لنه كلمه‪ ,‬وحفظه من الباطل‪.‬‬
‫‪ 23591‬ـ حدث نا مح مد بن الح سين‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا أح مد بن المف ضل‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا أ سباط‪ ,‬عن‬
‫عزِيزٌ قال‪ :‬عزيز من الشيطان‪.‬‬
‫السديّ وَإنّ ُه َلكِتابٌ َ‬
‫ن خَلْفِهِ اختلف أهل التأويل في تأويله فقال بعضهم‪:‬‬
‫ن َيدَيْهِ وَل ِم ْ‬
‫وقوله‪ :‬ل يأتِيهِ الباطِلُ مِنْ بَي ِ‬
‫معناه‪ :‬ل يأتيه النكير من بين يديه ول من خلفه‪ .‬ذكر من قال ذلك‪:‬‬
‫‪ 23592‬ـ حدثنا أبو كريب‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا ابن يمان‪ ,‬عن أشعث‪ ,‬عن جعفر‪ ,‬عن سعيد ل َي ْأتِي هِ‬
‫ل مِنْ َب ْينَ َي َديْهِ وَل مِنْ خَلْ ِف ِه قال‪ :‬النكير من بين يديه ول من خلفه‪.‬‬
‫الباطِ ُ‬
‫وقال آخرون‪ :‬معنى ذلك‪ :‬ل يستطيع الشيطان أن ينقص منه حقا‪ ,‬ول يزيد فيه باطلً‪ ,‬قالوا‪:‬‬
‫والباطل هو الشيطان‪.‬‬
‫ن َبيْنِ َي َديْ ِه من قِبَل الحقّ وَل مِنْ خَلْ ِف ِه من قِبلَ الباطل‪ .‬ذكر من قال ذلك‪:‬‬
‫وقوله‪ :‬مِ ْ‬
‫ن َبيْ نَ‬
‫‪ 23593‬ـ حدث نا ب شر‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا يز يد‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا سعيد‪ ,‬عن قتادة ل َي ْأتِي ِه الباطِلُ مِ ْ‬
‫ن خَلْ ِفهِ الباطل‪ :‬إبليس ل يستطيع أن ينقص منه حقا‪ ,‬ول يزيد فيه باطلً‪.‬‬
‫َي َديْهِ وَل مِ ْ‬
‫وقال آخرون‪ :‬معناه‪ :‬إن الباطل ل يطيق أن يزيد فيه شيئا من الحروف ول ينقص منه شيئا‬
‫منها‪ .‬ذكر من قال ذلك‪:‬‬
‫‪ 23594‬ـ حدث نا مح مد بن الح سين‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا أح مد بن المف ضل‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا أ سباط‪ ,‬عن‬
‫ن خَلْفِ ِه قال‪ :‬الباطل‪ :‬هو الشيطان ل يستطيع أن يزيد‬
‫ن َي َديْهِ وَل مِ ْ‬
‫ن َبيْ َ‬
‫السديّ ل َي ْأتِيهِ الباطِلُ مِ ْ‬
‫فيه حرفا ول ينقص‪.‬‬
‫وأولى القوال فـي ذلك عندنـا بالصـواب أن يقال‪ :‬معناه‪ :‬ل يسـتطيع ذو باطـل بكيده تغييره‬
‫بكيده‪ ,‬وتبديل شيء من معانيه عما هو به‪ ,‬وذلك هو التيان من بين يديه‪ ,‬ول إلحاق ما ليس‬
‫منه فيه‪ ,‬وذلك إتيانه من خلفه‪.‬‬
‫حمِيدٍ يقول تعالى ذكره‪ :‬هو تنزيل من عندي ذي حكمة بتدبير عباده‪,‬‬
‫حكِيمٍ ِ‬
‫ن َ‬
‫ل مِ ْ‬
‫وقوله‪َ :‬ت ْنزِي ٌ‬
‫وصرفهم فيما فيه مصالحهم‪ ,‬حميد يقول‪ :‬محمود على نعمه عليهم بأياديه عندهم‪.‬‬

‫‪43‬‬ ‫الية ‪:‬‬


‫ن َربّ كَ َلذُو‬
‫ل مَا قَدْ قِيلَ لِلرّ سُلِ مِن َقبْلِ كَ ِإ ّ‬
‫القول ف ـي تأوي ـل قوله تعالى‪{ :‬مّا يُقَالُ لَ كَ ِإ ّ‬
‫ب أَلِيمٍ }‪.‬‬
‫َمغْ ِفرَةَ َوذُو عِقَا ٍ‬
‫يقول تعالى ذكره لنبيه محمد صلى ال عليه وسلم‪ :‬ما يقول لك هؤلء المشركون المكذّبون‬
‫ما جئت هم به من ع ند ر بك إل ما قد قاله من قبل هم من ال مم الذ ين كانوا من قبلك‪ ,‬يقول له‪:‬‬
‫فاصـبر على مـا نالك مـن أذى منهـم‪ ,‬كمـا صـبر أولو العزم مـن الرسـل‪ ,‬وَل َتكُن ْـ كَصـَاحِبِ‬
‫الحُوتِ‪ ,‬وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل‪ .‬ذكر من قال ذلك‪:‬‬
‫ل ما َقدْ قِيلَ‬
‫‪ 23595‬ـ حدثنا بشر‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا يزيد‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا سعيد‪ ,‬عن قتادة ما يُقالُ لَ كَ إ ّ‬
‫ل مِ نْ َقبْلِ كَ يعزّي نبيه صلى ال عليه وسلم كما تسمعون‪ ,‬يقول‪َ :‬كذَل كَ ما أتَى اّلذِي نَ ِم نْ‬
‫للرّ سُ ِ‬
‫جنُونٌ‪.‬‬
‫حرٌ أ ْو َم ْ‬
‫ل قالُوا سا ِ‬
‫ن َرسُولٍ إ ّ‬
‫َقبْلِ ِهمْ مِ ْ‬

‫ل لَ كَ‬
‫ي في قوله‪ :‬ما يُقا ُ‬
‫‪ 23596‬ـ حدثنا محمد‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا أحمد‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا أسباط‪ ,‬عن السد ّ‬
‫ن َقبِْلكَ قال‪ :‬ما يقولون إل ما قد قال المشركون للرسل من قبلك‪.‬‬
‫إلّ ما َقدْ قِيلَ لل ّرسُلِ مِ ْ‬
‫ن َربّك َلذُو َمغْ ِفرَ ٍة يقول‪ :‬إن ربك لذو مغفرة لذنوب التائبين إليه من ذنوبهم بالصفح‬
‫وقوله‪ :‬إ ّ‬
‫ِيمـ يقول‪ :‬وهـو ذو عقاب مؤلم لمـن أصـر على كفره وذنوبـه‪ ,‬فمات على‬
‫ِقابـ أل ٍ‬
‫عنهـم َوذُو ع ٍ‬
‫الصرار على ذلك قبل التوبة منه‪.‬‬

‫‪44‬‬ ‫الية ‪:‬‬


‫جمِ يّ‬
‫عَ‬‫ج ِميّا لّقَالُواْ َل ْولَ فُ صّلَتْ آيَاتُ ُه ءَا ْ‬
‫عَ‬‫جعَ ْلنَا هُ ُقرْآنا أ ْ‬
‫القول ف ـي تأويـل قوله تعالى‪{ :‬وَلَ ْو َ‬
‫ن لَ يُ ْؤ ِمنُو نَ فِ يَ آذَا ِنهِ مْ َو ْقرٌ وَ ُهوَ عََل ْيهِ مْ عَمًى‬
‫ع َربِ يّ قُلْ هُ َو لِّلذِي نَ آ َمنُو ْا ُهدًى َوشِفَآءٌ وَاّلذِي َ‬
‫َو َ‬
‫ن مِن ّمكَانٍ َبعِيدٍ }‪.‬‬
‫أُوْلَـ ِئكَ ُينَادَوْ َ‬
‫يقول تعالى ذكره‪ :‬ولو جعلنـا هذا القرآن الذي أنزلناه يـا محمـد أعجميـا لقال قومـك مـن‬
‫قريش‪َ :‬لوْل فُ صّلَتْ آياتُ هُ يعني‪ :‬هل بينت أدلته وما فيه من آية‪ ,‬فنفقهه ونعلم ما هو وما فيه‪,‬‬
‫أأعجميـّ‪ ,‬يعنـي أنهـم كانوا يقولون إنكارا له‪ :‬أأعجمـي هذا القرآن ولسـان الذي أُنزل عليـه‬
‫عربيّ؟ وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل‪ .‬ذكر من قال ذلك‪:‬‬
‫‪23597‬ـ حدثنا محمد بن بشار‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا محمد بن جعفر‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا شعبة‪ ,‬عن أبي بشر‪,‬‬
‫ع َربِ يّ قال‪ :‬لو كان هذا‬
‫جمِ يّ وَ َ‬
‫عَ‬‫عن سعيد بن جبير أنه قال في هذه الَية َلوْل فُ صّلَتْ آياتُ هُ أأ ْ‬
‫القرآن أعجميا لقالوا‪ :‬القرآن أعجميّ‪ ,‬ومحمد عربي‪.‬‬
‫حدثنا محمد بن المثنى‪ ,‬قال‪ :‬ثني محمد بن أبي عد يّ‪ ,‬عن داود بن أبي هند‪ ,‬عن جعفر بن‬
‫ع َربِيّ قال‪ :‬الرسول‬
‫جمِيّ َو َ‬
‫عَ‬‫ت آياتُهُ أأ ْ‬
‫أبي وحشية عن سعيد بن جبير في هذه الَية‪ :‬لَوْل فُصّلَ ْ‬
‫عربيّ‪ ,‬واللسان أعجمي‪.‬‬
‫حدثنا ابن المثنى‪ ,‬قال‪ :‬ثني عبد العلى‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا أبو داود عن سعيد بن جبير في قوله‪:‬‬
‫ع َر ِبيّ قرآن أعجميّ ولسان عربيّ‪.‬‬
‫جمِيّ وَ َ‬
‫عَ‬‫ج ِميّا لَقالُوا لَوْل فُصّلَتْ آيا ُتهُ أأ ْ‬
‫عَ‬‫جعَلْنا ُه قُرْآنا أ ْ‬
‫وََلوْ َ‬
‫‪ 23598‬ـ حدث نا ا بن المث نى‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا ع بد العلى‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا داود‪ ,‬عن مح مد بن أ بي‬
‫موسى‪ ,‬عن عبد ال بن مطيع بنحوه‪.‬‬
‫‪ 23599‬ـ حدثني محمد بن عمرو‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا أبو عاصم‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا عيسى وحدثني الحارث‬
‫قال‪ :‬حدثنا الحسن‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا ورقاء‪ ,‬جميعا عن ابن أبي نجيح‪ ,‬عن مجاهد‪ ,‬قوله‪ :‬لَوْل فُصّلَتْ‬
‫آياتُهُ فجعل عربيا‪ ,‬أعجمي الكلم وعربيّ الرجل‪.‬‬
‫جعَلْنا هُ‬
‫‪23600‬ـ حدثنا محمد‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا أحمد‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا أسباط‪ ,‬عن السديّ‪ ,‬في قوله‪ :‬وََلوْ َ‬
‫ج ِميّا لَقالُوا لَوْل فُ صّلَتْ آياُت هُ يقول‪ :‬بُينت آياته‪ ,‬أأعجم يّ وعرب يّ‪ ,‬نحن قوم عرب مالنا‬
‫عَ‬‫قُرْآنا أ ْ‬
‫ولل ُعجْمة‪.‬‬
‫وقـد خالف هذا القول الذي ذكرناه عـن هؤلء آخرون‪ ,‬فقالوا‪ :‬معنـى ذلك لَوْل فُصّـلَتْ آياتُهُـ‬
‫جمِ يّ بترك الستفهام فيه‪,‬‬
‫عَ‬‫بعضها عرب يّ‪ ,‬وبعضها عجم يّ‪ .‬وهذا التأويل على تأويل من قرأ أ ْ‬
‫وجعله خبرا من ال تعالى عن قيل المشركين ذلك‪ ,‬يعني‪ :‬هل فصّلت آياته‪ ,‬منها عجميّ تعرفه‬
‫العجم‪ ,‬ومنها عربي تفقهه العرب‪ .‬ذكر من قال ذلك‪:‬‬
‫‪ 23601‬ـ حدثنا ابن حميد‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا يعقوب‪ ,‬عن جعفر‪ ,‬عن سعيد‪ ,‬قال‪ :‬قالت قريش‪ :‬لول‬
‫جمِ يّ َوعَربِ يّ‪ ,‬قُلْ ُهوَ‬
‫عَ‬‫أنزل هذا القرآن أعجم يا وعرب يا‪ ,‬فأنزل ال وقَالُوا لَوْل فُ صّلَتْ آياتُ هُ أ ْ‬
‫سجّيلٍ قال‪ :‬فارسية‪,‬‬
‫ن ِ‬
‫ن آ َمنُوا ُهدًى َوشِفا ًء فأنزل ال بعد هذه الَية كل لسان‪ ,‬فيه حِجارَةٍ مِ ْ‬
‫لّلذِي َ‬
‫أعربت‪ :‬سنك وكَلّ‪.‬‬
‫ي على وجه الستفهام‪ ,‬وذُكر عن الحسن البصري أنه‬
‫ع َربِ ّ‬
‫جمِيّ َو َ‬
‫عَ‬‫وقرأت قرّاء المصار‪ :‬أأ ْ‬
‫قرأ ذلك‪ :‬أعجمي بهمزة واحدة على غير مذهب الستفهام‪ ,‬على المعنى الذي ذكرناه عن جعفر‬
‫بن أبي المغيرة‪ ,‬عن سعيد بن جبير‪.‬‬
‫والصواب من القراءة في ذلك عندنا القراءة التي عليها قرّاء المصار لجماع الحجة عليها‬
‫على مذهب الستفهام‪.‬‬
‫وقوله‪ :‬قُلْ هُ َو لّلذِي نَ آ َمنُوا ُهدًى وشِفاءٌ يقول تعالى ذكره‪ :‬قل يا محمد لهم‪ :‬هو‪ ,‬ويعني بقوله‬
‫ن آ َمنُوا بال ور سوله‪ ,‬و صدّقوا ب ما جاء هم به من ع ند رب هم ُهدًى يع ني بيان‬
‫هُوَ القرآن لِّلذِي َ‬
‫للحقّ َوشِفاءٌ يعني أنه شفاء من الجهل‪ .‬وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل‪ .‬ذكر من قال‬
‫ذلك‪:‬‬
‫‪ 23602‬ـ حدثنا بشر‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا يزيد‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا سعيد‪ ,‬عن قتادة قُلْ ُهوَ لِّلذِي نَ آ َمنُوا ُهدًى‬
‫وَشفا ٌء قال‪ :‬جعله ال نورا وبركة وشفاء للمؤمنين‪.‬‬
‫ن آ َمنُوا‬
‫‪ 23603‬ـ حدث نا مح مد‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا أح مد‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا أ سباط‪ ,‬عن ال سدي قُلْ هُ َو لِّلذِي َ‬
‫ُهدًى وَشفا ٌء قال‪ :‬القرآن‪.‬‬
‫وقوله‪ :‬واّلذِينَـ ل يُو ْء ِمنُونَـ فِي آذَا ِنهِم ْـ َو ْقرٌ وَ ُهوَ عََل ْيهِم ْـ عَمًى يقول تعالى ذكره‪ :‬والذيـن ل‬
‫يؤمنون بال ور سوله‪ ,‬و ما جاء هم به من عنـد ال فـي آذان هم ثقـل عن اسـتماع هذا القرآن‪,‬‬
‫و صمم ل ي ستمعونه ولكن هم يعرضون ع نه‪ ,‬و هو علي هم عمًى يقول‪ :‬وهذا القرآن على قلوب‬
‫هؤلء المكذّبين به عمًى عنه‪ ,‬فل يبصرون حججه عليهم‪ ,‬وما فيه من مواعظه‪ .‬وبنحو الذي‬
‫قلنا في ذلك قال أهل التأويل‪ .‬ذكر من قال ذلك‪:‬‬
‫ن فِي‬
‫ن ل يُو ْء ِمنُو َ‬
‫‪ 23604‬ـ حدث نا ب شر‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا يز يد‪ ,‬قال‪ :‬حدث نا سعيد‪ ,‬عن قتادة واّلذِي َ‬
‫عمًى عموا وصموا عن القرآن‪ ,‬فل ينتفعون به‪ ,‬ول يرغبون فيه‪.‬‬
‫آذَا ِنهِمْ َو ْقرٌ وَ ُهوَ عََل ْي ِهمْ َ‬
‫ن ل يُو ْء ِمنُونَ فِي‬
‫‪23605‬ـ حدثنا محمد‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا أحمد‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا أسباط‪ ,‬عن السديّ واّلذِي َ‬
‫عمًى قال‪ :‬عميت قلوبهم عنه‪.‬‬
‫آذَا ِنهِمْ َو ْقرٌ قال‪ :‬صمم وَ ُهوَ عََل ْيهِمْ َ‬
‫عمًى‬
‫‪23606‬ـ حدثني يونس‪ ,‬قال‪ :‬أخبرنا ابن وهب‪ ,‬قال‪ :‬قال ابن زيد‪ ,‬في قوله‪ :‬وَ ُهوَ عََل ْيهِمْ َ‬
‫قال‪ :‬العمى‪ :‬الكفر‪.‬‬
‫وقرأت قرّاء الم صار‪ :‬وَ ُهوَ عََل ْيهِ مْ عَمًى بف تح الم يم‪ .‬وذُ كر عن ا بن عباس أ نه قرأ‪« :‬و هو‬
‫عمٍ» بكسر الميم على وجه النعت للقرآن‪.‬‬
‫عليهم َ‬
‫والصواب من القراءة في ذلك عندنا ما عليه قرّاء المصار‪.‬‬
‫ن َبعِيدٍ اختلف أهل التأويل في معناه‪ ,‬فقال بعضهم‪ :‬معنى ذلك‪:‬‬
‫ن مَكا ٍ‬
‫وقوله‪ :‬أُولَئ كَ يُنادَوْ نَ ِم ْ‬
‫ل ثناؤه‪ ,‬لعمى قلوبهم عن فهم ما أنزل في القرآن من حججه ومواعظه ببعيد‪,‬‬
‫تشبيه من ال ج ّ‬
‫فهم سامع مع صوت من بعيد نودي‪ ,‬فلم يفهم ما نودي‪ ,‬كقول العرب للرجل القليل الفهم‪ :‬إنك‬
‫لُتنَادَى من بعيد‪ ,‬وكقولهم لل َفهِم‪ :‬إنك لتأخذ المور من قريب‪ .‬ذكر من قال ذلك‪:‬‬
‫‪ 23607‬ـ حدثنا ابن بشار‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا عبد الرحمن‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا سفيان‪ ,‬عن ابن جريج‪ ,‬عن‬
‫ن مَكانٍ َبعِيدٍ قال‪ :‬بعيد من قلوبهم‪.‬‬
‫ن مِ ْ‬
‫بعض أصحابه‪ ,‬عن مجاهد أُولَئكَ يُنادَوْ َ‬
‫حدثنا ابن بشار‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا أبو أحمد‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا سفيان‪ ,‬عن ابن جريج عن مجاهد‪ ,‬بنحوه‪.‬‬
‫ن مِنْ‬
‫‪23608‬ـ حدثني يونس‪ ,‬قال‪ :‬أخبرنا ابن وهب‪ ,‬قال‪ :‬قال ابن زيد‪ ,‬في قوله‪ :‬أُولَئكَ يُنادَوْ َ‬
‫مَكانٍ َبعِيدٍ قال‪ :‬ضيّعوا أن يقبلوا المر من قريب‪ ,‬يتوبون ويؤمنون‪ ,‬فيقبل منهم‪ ,‬فأبوا‪.‬‬
‫وقال آخرون‪ :‬بل مع نى ذلك‪ :‬إن هم ينادون يوم القيا مة من مكان بع يد من هم بأش نع أ سمائهم‪.‬‬
‫ذكر من قال ذلك‪:‬‬
‫‪ 23609‬ـ حدثنا ابن بشار‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا أبو أحمد‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا سفيان‪ ,‬عن أجلح‪ ,‬عن الضحاك‬
‫ن َبعِيدٍ قال‪ :‬ينادَى الرجل بأشنع اسمه‪.‬‬
‫ن مِنْ مَكا ٍ‬
‫بن مزاحم أُولَئكَ يُنادَوْ َ‬
‫ن كَ َفرُوا بالذّكْر َلمّا جاءَهُ مْ فقال بعضهم‪:‬‬
‫ن اّلذِي َ‬
‫واختلف أهل العربية في موضع تمام قوله‪ :‬إ ّ‬
‫ن كَ َفرُوا بالذّكْر أُولَئ كَ‬
‫ن اّلذِي َ‬
‫ن َبعِيدٍ وجعل قائلوا هذا القول خبر إ ّ‬
‫ن مَكا ٍ‬
‫تمامه‪ :‬أُولَئ كَ يُنادَوْ نَ ِم ْ‬
‫ن َبعِيدٍ وقال بعض نحويي البصرة‪ :‬ذلك ويجوز أن يكون على الخبار التي في‬
‫يُنادَ ْونَ ِمنْ مَكا ٍ‬
‫القرآن ي ستغنى ب ها‪ ,‬ك ما ا ستغنت أشياء عن ال خبر إذا قال الكلم‪ ,‬وعرف المع نى‪ ,‬ن حو قوله‪:‬‬
‫ض وما أشبه ذلك‪.‬‬
‫طعَتْ ِبهِ الرْ ُ‬
‫ت بِ ِه الجِبالُ أ ْو قُ ّ‬
‫سيّرَ ْ‬
‫وََلوْ أنّ ُقرْآنا ُ‬
‫‪ 23610‬ـ قال‪ :‬وحدثني شيخ أهل العلم‪ ,‬قال‪ :‬سمعت عيسى بن عمر يسأل عمرو بن عبيد إ نّ‬
‫ُمـ أيـن خـبره؟ فقال عمرو‪ :‬معناه فـي التفسـير‪ :‬إن الذيـن كفروا‬
‫ِينـ كَ َفرُوا بال ّذ ْكرِ لَمّا جاءَه ْ‬
‫اّلذ َ‬
‫عزِيزٌ فقال عيسى‪ :‬أجدت يا أبا عثمان‪.‬‬
‫بالذكر لما جاءهم كفروا به وإنّ ُه َل ِكتَابٌ َ‬
‫َئكـ‬
‫ِينـ كَ َفرُوا بالذّك ْر أُول َ‬
‫إنـ اّلذ َ‬
‫وكان بعـض نحويـي الكوفـة يقول‪ :‬إن شئت جعلت جواب ّ‬
‫ن مِنْ مَكانٍ َبعِيدٍ وإن شئت كان جوابه في قوله‪ :‬وإّن ُه َلكِتابٌ عَزيزٌ‪ ,‬فيكون جوابه معلوما‪,‬‬
‫يُنادَ ْو َ‬
‫فترك فيكون أعرب الوجهين وأشبهه بما جاء في القرآن‪.‬‬
‫وقال آخرون‪ :‬بل ذلك مما انصرف عن الخبر عما ابتدىء به إلى الخبر عن الذي بعده من‬
‫الذكر فعلى هذا القول ترك الخبر عن الذين كفروا بالذكر‪ ,‬وجعل الخبر عن الذكر فتمامه على‬
‫هذا القول وإنـه لكتاب عزيـز فكان معنـى الكلم عنـد قائل هذا القول‪ :‬إن الذكـر الذي كفـر بـه‬
‫ن ِم ْنكُ مْ َو َيذَرُو نَ‬
‫هؤلء المشركون ل ما جاء هم‪ ,‬وإ نه لكتاب عز يز‪ ,‬وشب هه بقوله‪ :‬وَاّلذِي نَ ُي َت َوفّوْ َ‬
‫ن بأنْ ُفسِهِنّ‪.‬‬
‫أزْوَاجا َيتَربّصْ َ‬
‫وأولى القوال في ذلك عندي بالصواب أن يقال‪ :‬هو مما ترك خبره اكتفاء بمعرفة السامعين‬
‫بمعناه لما تطاول الكلم‪.‬‬
‫‪45‬‬ ‫الية ‪:‬‬
‫القول فـي تأويـل قوله تعالى‪:‬‬
‫ت مِن ّربّ كَ َل ُقضِ يَ َب ْي َنهُ مْ وَِإ ّنهُ مْ َلفِي شَ كّ‬
‫سبَقَ ْ‬
‫ل كَِلمَةٌ َ‬
‫ختُلِ فَ فِي هِ وَلَ ْو َ‬
‫ب فَا ْ‬
‫وََل َقدْ آ َت ْينَا مُو سَى ا ْل ِكتَا َ‬
‫ّمنْهُ ُمرِيبٍ ‪.‬‬
‫ِتابـ يـا محمـد‪ ,‬يعنـي التوراة‪ ,‬كمـا آتيناك الفرقان‪,‬‬
‫يقول تعالى ذكره‪ :‬وَلَ َقدْ آ َتيْنـا مُوسـَى الك َ‬
‫ن َربّكَ‬
‫ت مِ ْ‬
‫سبَقَ ْ‬
‫ختُلِفَ فِيهِ يقول‪ :‬فاختلف في العمل بما فيه الذين أوتوه من اليهود وَلَوْل كَِلمَ ٌة َ‬
‫فا ْ‬
‫لَ ُقضِ يَ َب ْي ِنهُ مْ يقول‪ :‬ولول ما سبق من قضاء ال وحكمه فيهم أنه أخر عذابهم إلى يوم القيامة‬
‫لقضي بينهم يقول‪ :‬لعجل الفصل بينهم فيما اختلفوا فيه بإهلكه المبطلين منهم‪ ,‬كما‪:‬‬
‫‪ 23611‬ـ حدثنا محمد‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا أحمد‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا أسباط‪ ,‬عن السديّ‪ ,‬في قوله‪ :‬وَلَوْل كَِلمَةٌ‬
‫ن َر ّبكَ قال‪ :‬أخروا إلى يوم القيامة‪.‬‬
‫سبَقَتْ مِ ْ‬
‫َ‬
‫وقوله‪ :‬وإ ّنهُ مْ لَفِي شَ كّ ِمنْ ُه مُرِي بٍ يقول‪ :‬وإن الفر يق المب طل من هم ل في ش كّ م ما قالوا ف يه‬
‫مُريب يقول‪ :‬يريبهم قولهم فيه ما قالوا‪ ,‬لنهم قالوا بغير ثبت‪ ,‬وإنما قالوه ظنّا‪.‬‬
‫‪46‬‬ ‫الية ‪:‬‬
‫القول فـي تأويـل قوله تعالى‪:‬‬
‫لمٍ لّ ْل َعبِيدِ ‪.‬‬
‫ن َأسَآءَ َفعََل ْيهَا َومَا َر ّبكَ ِبظَ ّ‬
‫ل صَالِحا فَِلنَ ْفسِهِ َومَ ْ‬
‫عمِ َ‬
‫مّنْ َ‬
‫يقول تعالى ذكره‪ :‬من ع مل بطا عة ال في هذه الدن يا‪ ,‬فأت مر لمره‪ ,‬وانت هى ع ما نهاه ع نه‬
‫فَِلنَفْ سِهِ يقول‪ :‬فلنف سه ع مل ذلك ال صالح من الع مل‪ ,‬ل نه يجازى عل يه جزاءه‪ ,‬في ستوجب في‬
‫ن أ ساءَ َفعََليْها يقول‪ :‬ومن عمل بمعاصي ال فيها‪,‬‬
‫المعاد من ال الجنة‪ ,‬والنجاة من النار‪َ ,‬ومَ ْ‬
‫فعلى نفسه جنى‪ ,‬لنه أكسبها بذلك سخط ال‪ ,‬والعقاب الليم وَما َربّكَ ِبظَلّمٍ ل ْلعَبيدِ يقول تعالى‬
‫ذكره‪ :‬و ما ر بك يا مح مد بحا مل عقو بة ذ نب مذ نب على غ ير مكت سبه‪ ,‬بل ل يعا قب أحدا إل‬
‫على جرمه الذي اكتسبه في الدنيا‪ ,‬أو على سبب استحقه به منه‪ ,‬وال أعلم‪.‬‬

You might also like