You are on page 1of 200

‫*‪*1‬الجزء ‪ 2‬من الطبعة‬

‫*‪*2‬سورة البقرة‬
‫*‪*3‬الية ‪{ 75‬أفتطمعون أن يؤمنوا لكم وقد كان فريق منهم يسمعون كلم ال ثم يحرفونه من‬
‫بعد ما عقلوه وهم يعلمون}‬
‫@قوله تعالى‪" :‬أفتطمعون أن يؤمنوا لكم" هذا استفهام فيه معنى النكار‪ ،‬كأنه أيأسهم من إيمان‬
‫هذه الفرقة من اليهود‪ ،‬أي إن كفروا فلهم سابقة في ذلك‪ .‬والخطاب لصحاب النبي صلى ال عليه‬
‫وسههلم‪ .‬وذلك أن النصههار كان لهههم حرص على إسههلم اليهود للحلف والجوار الذي كان بينهههم‪.‬‬
‫وقيهل‪ :‬الخطاب للنهبي صهلى ال عليهه وسهلم خاصهة‪ ،‬عهن ابهن عباس‪ .‬أي ل تحزن على تكذيبههم‬
‫إياك‪ ،‬وأخهبره أنههم مهن أههل السهوء الذيهن مضوا‪ .‬و"أن" فهي موضهع نصهب‪ ،‬أي فهي أن يؤمنوا‪،‬‬
‫نصهب بأن‪ ،‬ولذلك حذفهت منهه النون‪ .‬يقال‪ :‬طمهع فيهه طمعها وطماعيهة ‪ -‬مخفهف ‪ -‬فههو طمهع‪ ،‬على‬
‫وزن فعهل‪ .‬وأطمعهه فيهه غيره‪ .‬ويقال فهي التعجهب‪ :‬طمهع الرجهل ‪ -‬بضهم الميهم ‪ -‬أي صهار كثيهر‬
‫الطمههع‪ .‬والطمههع‪ :‬رزق الجنههد‪ ،‬يقال‪ :‬أمههر لهههم الميههر بأطماعهههم‪ ،‬أي بأرزاقهههم‪ .‬وامرأة مطماع‪:‬‬
‫تطمع ول تمكن‪.‬‬
‫@قوله تعالى‪" :‬وقهد كان فريهق منههم" الفريهق اسهم جمهع ل واحهد له مهن لفظهه‪ ،‬وجمعهه فهي أدنهى‬
‫العدد أفرقهة‪ ،‬وفهي الكثيهر أفرقاء‪ .‬قوله تعالى‪" :‬يسهمعون" فهي موضهع نصهب خهبر "كان"‪ .‬ويجوز‬
‫أن يكون الخبر "منهم"‪ ،‬ويكون "يسمعون" نعتا لفريق وفيه بُعد‪.‬‬
‫@قوله تعالى‪" :‬كلم ال" قراءة الجماعة‪ .‬وقرأ العمش "كلم ال" على جمع كلمة‪ .‬قال سيبويه‪:‬‬
‫واعلم أن ناسا من ربيعة يقولون "منهم" بكسر الهاء اتباعا لكسرة الميم‪ ،‬ولم يكن المسكن حاجزا‬
‫حصههينا عنده‪" .‬كلم ال" مفعول بهه "يسههمعون"‪ .‬والمراد السههبعون الذيههن اختارهههم موسههى عليههه‬
‫السههلم‪ ،‬فسههمعوا كلم ال فلم يمتثلوا أمره‪ ،‬وحرفوا القول فههي إخبارهههم لقومهههم‪ .‬هذا قول الربيههع‬
‫وابهن إسهحاق‪ ،‬وفهي هذا القول ضعهف‪ .‬ومهن قال‪ :‬إن السهبعين سهمعوا مها سهمع موسهى فقهد أخطهأ‪،‬‬
‫وأذهب بفضيلة موسى واختصاصه بالتكليم‪ .‬وقد قال السدي وغيره‪ :‬لم يطيقوا سماعه‪ ،‬واختلطت‬
‫أذهانهههم ورغبوا أن يكون موسههى يسههمع ويعيده لهههم‪ ،‬فلمهها فرغوا وخرجوا بدلت طائفهة منهههم مهها‬
‫سمعت من كلم ال على لسان نبيهم موسى عليه السلم‪ ،‬كما قال تعالى‪" :‬وإن أحد من المشركين‬
‫استجارك فأجره حتى يسمع كلم ال"‪[ .‬التوبة‪.]6 :‬‬
‫فإن قيل‪ :‬فقد روى الكلبي عن أبي صالح عن ابن عباس أن قوم موسى سألوا موسى أن يسأل ربه‬
‫أن يسمعهم كلمه‪ ،‬فسمعوا صوتا كصوت الشبور‪" :‬إني أنا ال ل إله إل أنا الحي القيوم أخرجتكم‬
‫من مصر بيد رفيعة وذراع شديدة"‪.‬‬
‫قلت‪ :‬هذا حديث باطل ل يصح‪ ،‬رواه ابن مروان عن الكلبي وكلهما ضعيف ل يحتج به وإنما‬
‫الكلم شيء خص به موسى من بين جميع ولد آدم‪ ،‬فإن كان كلم قومه أيضا حتى أسمعهم كلمه‬
‫فمها فضهل موسهى عليههم‪ ،‬وقهد قال وقوله الحهق‪" :‬إنهي اصهطفيتك على الناس برسهالتي وبكلمهي"‬
‫[العراف‪ .]144 :‬وهذا واضح‪.‬‬
‫واختلف الناس بماذا عرف موسهى كلم ال ولم يكهن سهمع قبهل ذلك خطابهه‪ ،‬فمنههم مهن قال‪ :‬إنهه‬
‫سمع كلما ليس بحروف وأصوات‪ ،‬وليس فيه تقطيع ول نفس‪ ،‬فحينئذ علم أن ذلك ليس هو كلم‬
‫البشهر وإنمها ههو كلم رب العالميهن‪ .‬وقال آخرون‪ :‬إنهه لمها سهمع كلمها ل مهن جههة‪ ،‬وكلم البشهر‬
‫يسمع من جهة من الجهات الست‪ ،‬علم أنه ليس من كلم البشر‪ .‬وقيل‪ :‬إنه صار جسده كله مسامع‬
‫حتهى سهمع بهها ذلك الكلم‪ ،‬فعلم أنهه كلم ال‪ .‬وقيهل فيهه‪ :‬إن المعجزة دلت على أن مها سهمعه ههو‬
‫كلم ال‪ ،‬وذلك أنههه قيههل له‪ :‬ألق عصههاك‪ ،‬فألقاههها فصههارت ثعبانهها‪ ،‬فكان ذلك علمههة على صههدق‬
‫الحال‪ ،‬وأن الذي يقول له‪" :‬إني أنا ربك" [طه‪ ]12 :‬هو ال جل وعز‪ .‬وقيل‪ :‬إنه قد كان أضمر‬
‫فهي نفسهه شيئا ل يقهف عليه إل علم الغيوب‪ ،‬فأخهبره ال تعالى فهي خطابهه بذلك الضميهر‪ ،‬فعلم أن‬
‫الذي يخاطبه هو ال جل وعز‪ .‬وسيأتي في سورة "القصص" بيان معنى قوله تعالى‪" :‬نودي من‬
‫شاطئ الوادي اليمن في البقعة المباركة من الشجرة" [القصص‪ ]30 :‬إن شاء ال تعالى‪.‬‬
‫@قوله تعالى‪" :‬ثههم يحرفونهه" قال مجاهههد والسهدي‪ :‬ههم علماء اليهود الذيهن يحرفون التوراة‬
‫فيجعلون الحرام حلل والحلل حرامهها اتباعهها لهوائهههم‪ .‬قوله تعالى‪" :‬مههن بعههد مهها عقلوه وهههم‬
‫يعلمون" أي عرفوه وعلموه‪ .‬وهذا توبيهخ لههم‪ ،‬أي إن هؤلء اليهود قهد سهلفت لبائههم أفاعيهل سهوء‬
‫وعناد فهؤلء على ذلك السنن‪ ،‬فكيف تطمعون في إيمانهم‬
‫ودل هذا الكلم أيضها على أن العالم بالحهق المعانهد فيهه بعيهد مهن الرشهد‪ ،‬لنهه علم الوعهد والوعيهد‬
‫ولم ينهه ذلك عن عناده‪.‬‬
‫*‪ *3‬اليتان‪{ 77 - 76 :‬وإذا لقوا الذيهن آمنوا قالوا آمنها وإذا خل بعضههم إلى بعهض قالوا‬
‫أتحدثونهههم بمهها فتههح ال عليكههم ليحاجوكههم بههه عنههد ربكههم أفل تعقلون‪ ،‬أول يعلمون أن ال يعلم مهها‬
‫يسرون وما يعلنون}‬
‫@قوله تعالى‪" :‬وإذا لقوا الذين آمنوا قالوا آمنا" هذا في المنافقين‪ .‬أصل لقوا‪ :‬لقيوا وقد تقدم‪.‬‬
‫قوله تعالى‪" :‬وإذا خل بعضههم إلى بعهض قالوا أتحدثونههم بمها فتهح ال عليكهم" اليهة فهي اليهود‪،‬‬
‫وذلك أن ناسها منههم أسهلموا ثهم نافقوا فكانوا يحدثون المؤمنيهن مهن العرب بمها عذب بهه آباؤههم‪،‬‬
‫فقالت لهم اليهود‪" :‬أتحدثونهم بما فتح ال عليكم" أي حكم ال عليكم من العذاب‪ ،‬ليقولوا نحن أكرم‬
‫على ال منكم‪ ،‬عن ابن عباس والسدي‪ .‬وقيل‪ :‬إن عليا لما نازل قريظة يوم خيبر سمع سب رسول‬
‫ال صههلى ال عليههه وسههلم فانصههرف إليههه وقال‪ :‬يهها رسههول ال‪ ،‬ل تبلغ إليهههم‪ ،‬وعرض له‪ ،‬فقال‪:‬‬
‫(أظنك سمعت شتمي منهم لو رأوني لكفوا عن ذلك) ونهض إليهم‪ ،‬فلما رأوه أمسكوا‪ ،‬فقال لهم‪:‬‬
‫(أنقضتهم العههد يها إخوة القردة والخنازيهر أخزاكهم ال وأنزل بكهم نقمتهه) فقالوا‪ :‬مها كنهت جاهل يها‬
‫محمهد فل تجههل علينها‪ ،‬مهن حدثهك بهذا؟ مها خرج هذا الخهبر إل مهن عندنها! روي هذا المعنهى عهن‬
‫مجاهد‪.‬‬
‫"وإذا خل" الصل في "خل" خلو‪ ،‬قلبت الواو ألفا لتحركها وانفتاح ما قبلها‪ ،‬وتقدم معنى "خل"‬
‫في أول السورة‪ .‬ومعنى "فتح" حكم‪ .‬والفتح عند العرب‪ :‬القضاء والحكم‪ ،‬ومنه قوله تعالى‪" :‬ربنا‬
‫افتهح بيننها وبيهن قومنها بالحهق وأنهت خيهر الفاتحيهن" أي الحاكميهن‪ ،‬والفتاح‪ :‬القاضهي بلغهة اليمهن‪،‬‬
‫يقال‪ :‬بينهي وبينهك الفتاح‪ ،‬قيهل ذلك لنهه ينصهر المظلوم على الظالم‪ .‬والفتهح‪ :‬النصهر‪ ،‬ومنهه قوله‪:‬‬
‫"يستفتحون على الذين كفروا"‪[ ،‬البقرة‪ ،]89 :‬وقوله‪" :‬إن تستفتحوا فقد جاءكم الفتح" [النفال‪:‬‬
‫‪ .]19‬ويكون بمعنى الفرق بين الشيئين‪.‬‬
‫@قوله تعالى‪" :‬ليحاجوكهم بهه" نصهب بلم كهي‪ ،‬وإن شئت بإضمار أن‪ ،‬وعلمهة النصهب‪ ،‬حذف‬
‫النون‪ .‬قال يونهس‪ :‬وناس مهن العرب يفتحون لم كهي‪ .‬قال الخفهش‪ :‬لن الفتهح الصهل‪ .‬قال خلف‬
‫الحمهر‪ :‬ههي لغهة بنهي العنهبر‪ .‬ومعنهى "ليحاجوكهم" ليعيروكهم‪ ،‬ويقولوا نحهن أكرم على ال منكهم‪.‬‬
‫وقيل‪ :‬المعنى ليحتجوا عليكم بقولكم‪ ،‬يقولون كفرتم به بعد أن وقفتم على صدقه‪ .‬وقيل‪ :‬إن الرجل‬
‫من اليهود كان يلقى صديقه من المسلمين فيقول له‪ :‬تمسك بدين محمد فإنه نبي حقا‪.‬‬
‫@قوله تعالى‪" :‬عنههد ربكههم" قيههل فههي الخرة‪ ،‬كمهها قال‪" :‬ثههم إنكههم يوم القيامههة عنههد ربكههم‬
‫تختصمون"[الزمر‪ .]31 :‬وقيل‪ :‬عند ذكر ربكم‪ .‬وقيل‪" :‬عند" بمعنى "في" أي ليحاجوكم به في‬
‫ربكهم‪ ،‬فيكونوا أحهق بهه منكهم لظهور الحجهة عليكهم‪ ،‬وروي عهن الحسهن‪ .‬والحجهة‪ :‬الكلم المسهتقيم‬
‫على الطلق‪ ،‬ومههن ذلك محجههة الطريههق‪ .‬وحاججههت فلنهها فحججتههه‪ ،‬أي غلبتههه بالحجههة‪ .‬ومنههه‬
‫الحديث‪( :‬فحج آدم موسى)‪.‬‬
‫@قوله تعالى‪" :‬أفل تعقلون" قيل‪ :‬هو من قول الحبار للتباع‪ .‬وقيل‪ :‬هو خطاب من ال تعالى‬
‫للمؤمنيهن‪ ،‬أي أفل تعقلون أن بنهي إسهرائيل ل يؤمنون وههم بهذه الحوال‪ ،‬ثهم وبخههم توبيخها يتلى‬
‫فقال‪" :‬أول يعلمون" اليهة‪ .‬فههو اسهتفهام معناه التوبيهخ والتقريهع‪ .‬وقرأ الجمهور "يعلمون" بالياء‪،‬‬
‫وابن محيصن بالتاء‪ ،‬خطابا للمؤمنين‪ .‬والذي أسروه كفرهم‪ ،‬والذي أعلنوه الجحد به‪.‬‬
‫*‪ *3‬الية‪{ 78 :‬ومنهم أميون ل يعلمون الكتاب إل أماني وإن هم إل يظنون}‬
‫@قوله تعالى‪" :‬ومنههم أميون" أي مهن اليهود‪ .‬وقيهل‪ :‬مهن اليهود والمنافقيهن أميون‪ ،‬أي مهن ل‬
‫يكتب ول يقرأ‪ ،‬واحدهم أمي‪ ،‬منسوب إلى المة المية التي هي على أصل ولدة أمهاتها لم تتعلم‬
‫الكتابة ول قراءتها‪ ،‬ومنه قوله عليه السلم‪( :‬إنا أمة أمية ل نكتب ول نحسب) الحديث‪ .‬وقد قيل‬
‫لههم إنههم أميون لنههم لم يصهدقوا بأم الكتاب‪ ،‬عن ابهن عباس‪ .‬وقال أبو عهبيدة‪ :‬إنمها قيهل لههم أميون‬
‫لنزول الكتاب عليهم‪ ،‬كأنهم نسبوا إلى أم الكتاب‪ ،‬فكأنه قال‪ :‬ومنهم أهل الكتاب ل يعلمون الكتاب‪.‬‬
‫عكرمههة والضحاك‪ :‬هههم نصههارى العرب‪ .‬وقيههل‪ :‬هههم قوم مههن أهههل الكتاب‪ ،‬رفههع كتابهههم لذنوب‬
‫ارتكبوها فصاروا أميين‪ .‬علي رضي ال عنه‪ :‬هم المجوس‪ .‬قلت‪ :‬والقول الول أظهر‪ ،‬وال اعلم‪.‬‬
‫@قوله تعالى‪" :‬ل يعلمون الكتاب إل أماني" "إل" ههنا بمعنى لكن‪ ،‬فهو استثناء منقطع‪ ،‬كقوله‬
‫تعالى‪" :‬وما لهم به من علم إل اتباع الظن" [النساء‪ .]157 :‬وقال النابغة‪:‬‬
‫ول علم إل حسن ظن بصاحب‬ ‫حلفت يمينا غير ذي مثنوية‬
‫وقرأ أبهو جعفهر وشيبهة والعرج "إل أمانهي" خفيفهة الياء‪ ،‬حذفوا إحدى الياءيهن اسهتخفافا‪ .‬قال أبهو‬
‫حاتهم‪ :‬كهل مها جاء مهن هذا النحهو واحده مشدد‪ ،‬فلك فيهه التشديهد والتخفيهف‪ ،‬مثهل أثافهي وأغانهي‬
‫وأماني‪ ،‬ونحوه‪ .‬وقال الخفش‪ :‬هذا كما يقال في جمع مفتاح‪ :‬مفاتيح ومفاتح‪ ،‬وهي ياء الجمع‪ .‬قال‬
‫النحاس‪ :‬الحذف في المعتل أكثر‪ ،‬كما قال الشاعر‪:‬‬
‫ثلث الثافي والرسوم البلقع‬ ‫وهل يرجع التسليم أو يكشف العمى‬
‫والمانههي جمههع أمنيههة وهههي التلوة‪ ،‬وأصههلها أمنويههة على وزن أفعولة‪ ،‬فأدغمههت الواو فههي الياء‬
‫فانكسهرت النون مهن أجهل الياء فصهارت أمنيهة‪ ،‬ومنهه قوله تعالى‪" :‬إل إذا تمنهى ألقهى الشيطان فهي‬
‫أمنيته" [الحج‪ ]52 :‬أي إذا تل ألقى الشيطان في تلوته‪ .‬وقال كعب بن مالك‪:‬‬
‫وآخره لقى حمام المقادر‬ ‫تمنى كتاب ال أول ليله‬
‫وقال آخر‪:‬‬
‫تمني داود الزبور على رسل‬ ‫تمنى كتاب ال آخر ليله‬
‫والماني أيضا الكاذيب‪ ،‬ومنه قول عثمان رضهي ال عنه‪ :‬ما تمنيت منهذ أسلمت‪ ،‬أي ما كذبت‪.‬‬
‫وقول بعهض العرب لبهن دأب وههو يحدث‪ :‬أهذا شيهء رويتهه أم شيهء تمنيتهه؟ أي افتعلتهه‪ .‬وبهذا‬
‫المعنى فسر ابن عباس ومجاهد "أماني" في الية‪ .‬والماني أيضا ما يتمناه النسان ويشتهيه‪ .‬قال‬
‫قتادة‪" :‬إل أماني" يعني انهم يتمنون على ال ما ليس لهم‪ .‬وقيل‪ :‬الماني التقدير‪ ،‬يقال‪ :‬منى له أي‬
‫قدر‪ ،‬قال الجوهري‪ ،‬وحكاه ابن بحر‪ ،‬وأنشد قول الشاعر‪:‬‬
‫حتى تلقي ما يمني لك الماني‬ ‫ل تأمنن وإن أمسيت في حرم‬
‫أي يقدر لك المقدر‪.‬‬
‫@قوله تعالى‪" :‬وإن هم" "إن" بمعنهى مها النافيهة‪ ،‬كما قال تعالى‪" :‬إن الكافرون إل فهي غرور"‬
‫[الملك‪ .]20 :‬قوله تعالى‪" :‬إل يظنون" يكذبون ويحدثون‪ ،‬لنههم ل علم لههم بصهحة مها يتلون‪،‬‬
‫وإنمها ههم مقلدون لحبارههم فيمها يقرؤون بهه‪ .‬قال أبهو بكهر النباري‪ :‬وقهد حدثنها أحمهد بهن يحيهى‬
‫النحوي أن العرب تجعهل الظهن علمها وشكها وكذبها‪ ،‬وقال‪ :‬إذا قامهت براهيهن العلم فكانهت أكثهر مهن‬
‫براهيهن الشهك فالظهن يقيهن‪ ،‬وإذا اعتدلت براهيهن اليقيهن وبراهيهن الشهك فالظهن شهك‪ ،‬وإذا زادت‬
‫براهيهن الشهك على براهيهن اليقيهن فالظهن كذب‪ ،‬قال ال عهز وجهل "وإن ههم إل يظنون" أراد إل‬
‫يكذبون‪.‬‬
‫*‪ *3‬الية‪{ 79 :‬فويل للذين يكتبون الكتاب بأيديهم ثم يقولون هذا من عند ال ليشتروا به ثمنا‬
‫قليل فويل لهم مما كتبت أيديهم وويل لهم مما يكسبون}‬
‫@قوله تعالى‪" :‬فويل" "فويل" اختلف في الويل ما هو‪ ،‬فروى عثمان بن عفان عن النبي صلى‬
‫ال عليه وسلم أنه جبل من نار‪ .‬وروى أبو سعيد الخدري أن الويل واد في جهنم بين جبلين يهوي‬
‫فيه الهاوي أربعين خريفا‪ .‬وروى سفيان وعطاء بن يسار‪ :‬أن الويل في هذه الية واد يجري بفناء‬
‫جهنم من صديد أهل النار‪ .‬وقيل‪ :‬صهريج في جهنم‪ .‬وحكى الزهراوي عن آخرين‪ :‬أنه باب من‬
‫أبواب جهنههم‪ .‬وعههن ابههن عباس‪ :‬الويههل المشقههة مههن العذاب‪ .‬وقال الخليههل‪ :‬الويههل شدة الشههر‪.‬‬
‫الصهمعي‪ :‬الويهل تفجهع وترحهم‪ .‬سهيبويه‪ :‬ويهل لمهن وقهع فهي الهلكهة‪ ،‬وويهح زجهر لمهن أشرف على‬
‫الهلكهة‪ .‬ابهن عرفهة‪ :‬الويهل الحزن‪ :‬يقال‪ :‬تويهل الرجهل إذا دعها بالويهل‪ ،‬وإنمها يقال ذلك عنهد الحزن‬
‫والمكروه‪ ،‬ومنهه قوله‪" :‬فويهل للذيهن يكتبون الكتاب بأيديههم" [البقرة‪ .]79 :‬وقيهل‪ :‬أصهله الهلكهة‪،‬‬
‫وكل من وقع في هلكة دعا بالويل‪ ،‬ومنه قوله تعالى‪" :‬يا ويلتنا مال هذا الكتاب" [الكهف‪.]49 :‬‬
‫وهي الويل والويلة‪ ،‬وهما الهلكة‪ ،‬والجمع الويلت‪ ،‬قال‪:‬‬
‫له الويل إن أمسى ول أم هاشم‬
‫وقال أيضا‪:‬‬
‫فقالت لك الويلت إنك مرجلي‬
‫وارتفههع "ويههل" بالبتداء‪ ،‬وجاز البتداء بههه وإن كان نكرة لن فيههه معنههى الدعاء‪ .‬قال الخفههش‪:‬‬
‫ويجوز النصهب على إضمار فعهل‪ ،‬أي ألزمههم ال ويل‪ .‬وقال الفراء‪ :‬الصهل فهي الويهل "وي" أي‬
‫حزن‪ ،‬كمههها تقول‪ :‬ويهههل لفلن‪ ،‬أي حزن له‪ ،‬فوصهههلته العرب باللم وقدروهههها منهههه فأعربوهههها‪.‬‬
‫والحسهن فيهه إذا فصهل عهن الضافهة الرفهع‪ ،‬لنهه يقتضهي الوقوع‪ .‬ويصهح النصهب على معنهى‬
‫الدعاء‪ ،‬كما ذكرنا‪.‬‬
‫قال الخليههل‪ :‬ولم يسههمع على بنائه إل ويههح وويههس وويههه وويههك وويههل وويههب‪ ،‬وكله يتقارب فههي‬
‫المعنههى‪ .‬وقههد فرق بينههها قوم‪ ،‬وهههي مصههادر لم تنطلق العرب منههها بفعههل‪ .‬قال الجرمههي‪ :‬وممهها‬
‫ينتصهب انتصهاب المصهادر ويله وعوله وويحهه وويسهه‪ ،‬فإذا أدخلت اللم رفعهت فقلت‪ :‬ويهل له‪،‬‬
‫وويح له‪.‬‬
‫@قوله تعالى‪" :‬للذين يكتبون الكتاب" الكتابة معروفة‪ .‬وأول من كتب بالقلم وخط به إدريس عليه‬
‫السلم‪ ،‬وجاء ذلك في حديث أبي ذر‪ ،‬خرجه الجري وغيره‪ .‬وقد قيل‪ :‬إن آدم عليه السلم أعطي‬
‫الخط فصار وراثة في ولده‪.‬‬
‫@قوله تعالى‪" :‬بأيديهم" تأكيد‪ ،‬فإنه قد علم أن الكتب ل يكون إل باليد‪ ،‬فهو مثل قوله‪" :‬ول طائر‬
‫يطيهر بجناحيهه" [النعام‪ ،]38 :‬وقوله‪" :‬يقولون بأفواهههم "[آل عمران‪ .]167 :‬وقيهل‪ :‬فائدة‬
‫"بأيديههم" بيان لجرمههم وإثبات لمجاهرتههم‪ ،‬فإن مهن تولى الفعهل أشهد مواقعهة ممهن لم يتوله وإن‬
‫كان رأيها له وقال ابهن السهراج‪" :‬بأيديههم" كنايهة عهن أنههم مهن تلقائههم دون أن ينزل عليههم‪ ،‬وإن لم‬
‫تكن حقيقة في كتب أيديهم‪.‬‬
‫في هذه الية والتي قبلها التحذير من التبديل والتغيير والزيادة في الشرع‪ ،‬فكل من بدل وغير أو‬
‫ابتدع فهي ديهن ال مها ليهس منهه ول يجوز فيهه فههو داخهل تحهت هذا الوعيهد الشديهد‪ ،‬والعذاب الليهم‪،‬‬
‫وقهد حذر رسهول ال صهلى ال عليهه وسهلم أمتهه لمها قهد علم مها يكون فهي آخهر الزمان فقال‪( :‬أل إن‬
‫مههن قبلكههم مههن أهههل الكتاب افترقوا على اثنتيههن وسههبعين ملة وإن هذه المههة سههتفترق على ثلث‬
‫وسبعين فرقة كلها في النار إل واحدة) الحديث‪ ،‬وسيأتي‪ .‬فحذرهم أن يحدثوا من تلقاء أنفسهم في‬
‫الدين خلف كتاب ال أو سنته أو سنة أصحابه فيضلوا به الناس‪ ،‬وقد وقع ما حذره وشاع‪ ،‬وكثر‬
‫وذاع‪ ،‬فإنا ل وإنا إليه راجعون‪.‬‬
‫@قال علماؤنها رحمهة ال عليههم‪ :‬نعهت ال تعالى أحبارههم بأنههم يبدلون ويحرفون فقال وقوله‬
‫الحهق‪" :‬فويهل للذيهن يكتبون الكتاب بأيديههم" [البقرة‪ ]79 :‬اليهة‪ .‬وذلك أنهه لمها درس المهر فيههم‪،‬‬
‫وسههاءت رعيههة علمائهههم‪ ،‬وأقبلوا على الدنيهها حرصهها وطمعهها‪ ،‬طلبوا أشياء تصههرف وجوه الناس‬
‫إليهههم‪ ،‬فأحدثوا فههي شريعتهههم وبدلوههها‪ ،‬وألحقوا ذلك بالتوراة‪ ،‬وقالوا لسههفهائهم هذا مههن عنههد ال‪،‬‬
‫ليقبلوهها عنههم فتتأكهد رياسهتهم وينالوا بهه حطام الدنيها وأوسهاخها‪ .‬وكان ممها أحدثوا فيهه أن قالوا‪:‬‬
‫ليس علينا في الميين سبيل‪ ،‬وهم العرب‪ ،‬أي ما أخذنا من أموالهم فهو حل لنا‪ .‬وكان مما أحدثوا‬
‫فيهه أن قالوا‪ :‬ل يضرنها ذنهب‪ ،‬فنحهن أحباؤه وأبناؤه‪ ،‬تعالى ال عهن ذلك! وإنمها كان فهي التوراة "يها‬
‫أحباري ويا أبناء رسلي" فغيروه وكتبوا "يا أحبائي ويا أبنائي" فأنزل ال تكذيبهم‪" :‬وقالت اليهود‬
‫والنصهارى نحهن أبناء ال وأحباؤه قهل فلم يعذبكهم بذنوبكهم" [المائدة‪ .]18 :‬فقالت‪ :‬لن يعذبنها ال‪،‬‬
‫وإن عذبنهها فأربعيههن يومهها مقدار أيام العجههل‪ ،‬فأنزل ال تعالى‪" :‬وقالوا لن تمسههنا النار إل أيامهها‬
‫معدودة قهل أتخذتهم عنهد ال عهدا" [البقرة‪ ]80 :‬قال ابهن مقسهم‪ :‬يعنهي توحيدا‪ ،‬بدليهل قوله تعالى‪:‬‬
‫"إل من اتخذ عند الرحمن عهدا" [مريم‪ ]87 :‬يعني ل إله إل ال "فلن يخلف ال عهده أم تقولون‬
‫على ال مها ل تعلمون" [البقرة‪ ]80 :‬ثهم أكذبههم فقال‪" :‬بلى مهن كسهب سهيئة وأحاطهت بهه خطيئتهه‬
‫فأولئك أصهحاب النار ههم فيهها خالدون‪ .‬والذيهن آمنوا وعملوا الصهالحات أولئك أصهحاب الجنهة ههم‬
‫فيها خالدون"‪[ .‬البقرة‪ .]82 - 81 :‬فبين تعالى أن الخلود في النار والجنة إنما هو بحسب الكفر‬
‫واليمان‪ ،‬ل بما قالوه‪.‬‬
‫@قوله تعالى‪" :‬ليشتروا به ثمنا قليل" وصف ال تعالى ما يأخذونه بالقلة‪ ،‬إما لفنائه وعدم ثباته‪،‬‬
‫وإما لكونه حراما‪ ،‬لن الحرام ل بركة فيه ول يربو عند ال‪ .‬قال ابن إسحاق والكلبي‪ :‬كانت صفة‬
‫رسول ال صلى ال عليه وسلم في كتابهم ربعة أسمر‪ ،‬فجعلوه آدم سبطا طويل‪ ،‬وقالوا لصحابهم‬
‫وأتباعهم‪ :‬انظروا إلى صفة النبي ‪ -‬صلى ال عليه وسلم ‪ -‬الذي يبعث في آخر الزمان ليس يشبهه‬
‫نعت هذا‪ ،‬وكانت للحبار والعلماء رياسة ومكاسب‪ ،‬فخافوا إن بينوا أن تذهب مآكلهم ورياستهم‪،‬‬
‫فمن ثم غيروا‪.‬‬
‫@قوله تعالى‪" :‬فويهل لههم ممها كتبهت أيديههم وويهل لههم ممها يكسهبون" قيهل مهن المآكهل‪ .‬وقيهل مهن‬
‫المعاصي‪ .‬وكرر الويل تغليظا لفعلهم‪.‬‬
‫*‪ *3‬الية‪{ 80 :‬وقالوا لن تمسنا النار إل أياما معدودة قل أتخذتم عند ال عهدا فلن يخلف ال‬
‫عهده أم تقولون على ال ما ل تعلمون}‬
‫@قوله تعالى‪" :‬وقالوا" يعني اليهود‪" .‬لن تمسنا النار إل أياما معدودة" اختلف‪ ،‬في سبب نزولها‪،‬‬
‫فقيل‪ :‬إن النبي صلى ال عليه وسلم قال لليهود‪( :‬من أهل النار)‪ .‬قالوا‪ :‬نحن‪ ،‬ثم تخلفونا أنتم‪ .‬فقال‪:‬‬
‫(كذبتم لقد علمتم أنا ل نخلفكم) فنزلت هذه الية‪ ،‬قال ابن زيد‪ .‬وقال عكرمة عن ابن عباس‪ :‬قدم‬
‫رسهول ال صهلى ال عليهه وسهلم المدينهة واليهود تقول‪ :‬إنمها هذه الدنيها سهبعة آلف‪ ،‬وإنمها يعذب‬
‫الناس فهي النار لكهل ألف سهنة مهن أيام الدنيها يوم واحهد فهي النار مهن أيام الخرة‪ ،‬وإنمها ههي سهبعة‬
‫أيام‪ ،‬فأنزل ال الية‪ ،‬وهذا قول مجاهد‪ .‬وقالت طائفة‪ :‬قالت اليهود إن في التوراة أن جهنم مسيرة‬
‫أربعين سنة‪ ،‬وأنهم يقطعون في كل يوم سنة حتى يكملوها وتذهب جهنم‪ .‬ورواه الضحاك عن ابن‬
‫عباس‪ .‬وعن ابن عباس‪ :‬زعم اليهود أنهم وجدوا في التوراة مكتوبا أن ما بين طرفي جهنم مسيرة‬
‫أربعيههن سههنة إلى أن ينتهوا إلى شجرة الزقوم‪ .‬وقالوا‪ :‬إنمهها نعذب حتههى ننتهههي إلى شجرة الزقوم‬
‫فتذههب جهنهم وتهلك‪ .‬وعهن ابهن عباس أيضها وقتادة‪ :‬أن اليهود قالت إن ال أقسهم أن يدخلههم النار‬
‫أربعين يوما عدد عبادتهم العجل‪ ،‬فأكذبهم ال‪ ،‬كما تقدم‪.‬‬
‫فهي هذه اليهة رد على أبهي حنيفهة وأصهحابه حيهث اسهتدلوا بقوله عليهه السهلم‪( :‬دعهي الصهلة أيام‬
‫أقرائك) في أن مدة الحيض ما يسمى أيام الحيض‪ ،‬وأقلها ثلثة وأكثرها عشرة‪ ،‬قالوا‪ :‬لن ما دون‬
‫الثلثة يسمى يوما ويومين‪ ،‬وما زاد على العشرة يقال فيه أحد عشر يوما ول يقال فيه أيام‪ ،‬وإنما‬
‫يقال أيام مهن الثلثههة إلى العشرة‪ ،‬قال ال تعالى‪" :‬فصههيام ثلثهة أيام فههي الحههج" [البقرة‪،]196 .‬‬
‫"تمتعوا في داركم ثلثة أيام" [هود‪" ،]65 :‬سخرها عليهم سبع ليال وثمانية أيام حسوما" [هود‪:‬‬
‫‪.]7‬‬
‫فيقال لههم‪ :‬فقهد قال ال تعالى فهي الصهوم‪" :‬أيامها معدودات" يعنهي جميهع الشههر‪ ،‬وقال‪" :‬لن تمسهنا‬
‫النار إل أيامها معدودات" [آل عمران‪ ]24 :‬يعنهي أربعيهن يومها‪ .‬وأيضها فإذا أضيفهت اليام إلى‬
‫عارض لم يرد بهه تحديهد العدد‪ ،‬بهل يقال‪ :‬أيام مشيهك وسهفرك وإقامتهك‪ ،‬وإن كان ثلثيهن وعشريهن‬
‫وما شئت من العدد‪ ،‬ولعله أراد ما كان معتادا لها‪ ،‬والعادة ست أو سبع‪ ،‬فخرج عليه‪ ،‬وال اعلم‪.‬‬
‫@قوله تعالى‪" :‬قل أتخذتم" تقدم القول في "اتخذ" فل معنى لعادته‪.‬‬
‫@قوله تعالى‪" :‬عند ال عهدا" أي أسلفتم عمل صالحا فآمنتم وأطعتم فتستوجبون بذلك الخروج‬
‫مهن النار! أو ههل عرفتهم ذلك بوحيهه الذي عهده إليكهم‪ .‬قوله تعالى‪" :‬فلن يخلف ال عهده أم تقولون‬
‫على ال ما ل تعلمون توبيخ وتقريع‪.‬‬
‫*‪ *3‬اليهة‪{ 81 :‬بلى مهن كسهب سهيئة وأحاطهت بهه خطيئتهه فأولئك أصهحاب النار ههم فيهها‬
‫خالدون}‬
‫@قوله تعالى‪" :‬بلى" أي ليس المهر كما ذكرتهم‪ .‬قال سيبويه‪ :‬ليهس "بلى" و"نعهم" اسمين‪ .‬وإنما‬
‫همها حرفان مثهل "بهل" وغيره‪ ،‬وههي رد لقولههم‪ :‬إن تمسهنا النار‪ .‬وقال الكوفيون‪ :‬أصهلها بهل التهي‬
‫للضراب عن الول‪ ،‬زيدت عليها الياء ليحسن الوقف‪ ،‬وضمنت الياء معنى اليجاب والنعام‪ .‬فه‬
‫"بل" تدل على رد الجحد‪ ،‬والياء تدل على اليجاب لما بعد‪ .‬قالوا‪ :‬ولو قال قائل‪ :‬ألم تأخذ دينارا؟‬
‫فقلت‪ :‬نعهم‪ ،‬لكان المعنهى ل‪ ،‬لم آخهذ‪ ،‬لنهك حققهت النفهي ومها بعده‪ .‬فإذا قلت‪ :‬بلى‪ ،‬صهار المعنهى قهد‬
‫أخذت‪ .‬قال الفراء‪ :‬إذا قال الرجل لصاحبه‪ :‬ما لك علي شيء‪ ،‬فقال الخر‪ :‬نعم‪ ،‬كان ذلك تصديقا‪،‬‬
‫لن ل شيهء له عليهه‪ ،‬ولو قال‪ :‬بلى‪ ،‬كان ردا لقوله‪ ،‬وتقديره‪ :‬بلى لي عليهك‪ .‬وفهي التنزيهل "ألسهت‬
‫بربكم قالوا بلى" [العراف‪ ]172 :‬ولو قالوا نعم لكفروا‪.‬‬
‫@قوله تعالى‪" :‬سهيئة" السهيئة الشرك‪ .‬قال ابهن جريهج قلت لعطاء‪" :‬مهن كسهب سهيئة"؟ قال‪:‬‬
‫الشرك‪ ،‬وتل "ومهههن جاء بالسهههيئة فكبهههت وجوهههههم فهههي النار"‪ .‬وكذا قال الحسهههن وقتادة‪ ،‬قال‪:‬‬
‫والخطيئة الكبيرة‪.‬‬
‫لما قال تعالى‪" :‬بلى من كسب سيئة وأحاطت به خطيئته" دل على أن المعلق على شرطين ل يتم‬
‫بأقلهمهها‪ ،‬ومثله قوله تعالى‪" :‬إن الذيههن قالوا ربنهها ال ثههم اسههتقاموا" [فصههلت‪ ،]30 :‬وقوله عليههه‬
‫السهلم لسهفيان بهن عبدال الثقفهي وقهد قال له‪ :‬يها رسهول ال‪ ،‬قهل لي فهي السهلم قول ل أسهأل عنهه‬
‫أحدا بعدك‪ .‬قال‪( :‬قههل آمنههت بال ثههم اسههتقم)‪ .‬رواه مسههلم‪ .‬وقههد مضههى القول فههي هذا المعنههى ومهها‬
‫للعلماء فيههه عنههد قوله تعالى لدم وحواء‪" :‬ول تقربهها هذه الشجرة فتكونهها مههن الظالميههن" [البقرة‪:‬‬
‫‪ .]35‬وقرأ نافهع "خطيئاتهه" بالجمهع‪ ،‬الباقون بالفراد‪ ،‬والمعنهى الكثرة‪ ،‬مثهل قوله تعالى‪" :‬وإن‬
‫تعدوا نعمة ال ل تحصوها"‪.‬‬
‫*‪ *3‬الية‪{ 82 :‬والذين آمنوا وعملوا الصالحات أولئك أصحاب الجنة هم فيها خالدون}‬
‫@ فسرت هذه الية في موضع قبل هذا‪.‬‬
‫*‪ *3‬الية‪{ 83 :‬وإذ أخذنا ميثاق بني إسرائيل ل تعبدون إل ال وبالوالدين إحسانا وذي القربى‬
‫واليتامى والمساكين وقولوا للناس حسنا وأقيموا الصلة وآتوا الزكاة ثم توليتم إل قليل منكم وأنتم‬
‫معرضون}‬
‫@قوله تعالى‪" :‬وإذ أخذنها ميثاق بنهي إسهرائيل" تقدم الكلم فهي بيان هذه اللفاظ‪ .‬واختلف فهي‬
‫الميثاق هنا‪ ،‬فقال مكي‪ :‬هو الميثاق الذي أخذ عليهم حين أخرجوا من صلب آدم كالذر‪ .‬وقيل‪ :‬هو‬
‫ميثاق أخذ عليهم وهم عقلء في حياتهم على ألسنة أنبيائهم‪.‬‬
‫@قوله تعالى‪" :‬ل تعبدون إل ال" وعبادة ال إثبات توحيده‪ ،‬وتصديق رسله‪ ،‬والعمل بما أنزل‬
‫فههي كتبههه‪" .‬ل تعبدون" قال سههيبويه‪" :‬ل تعبدون" متعلق بقسههم‪ ،‬والمعنههى وإذ اسههتخلفناهم وال ل‬
‫تعبدون‪ ،‬وأجازه المهبرد والكسهائي والفراء‪ .‬وقرأ أبهي وابهن مسهعود "ل تعبدوا" على النههي‪ ،‬ولهذا‬
‫وصهل الكلم بالمهر فقال‪" :‬وقوموا‪ ،‬وقولوا‪ ،‬وأقيموا‪ ،‬وآتوا"‪ .‬وقيهل‪ :‬ههو فهي موضهع الحال‪ ،‬أي‬
‫أخذنها ميثاقههم موحديهن‪ ،‬أو غيهر معانديهن‪ ،‬قاله قطرب والمهبرد أيضها‪ .‬وهذا إنمها يتجهه على قراءة‬
‫ابهن كثيهر وحمزة والكسهائي "يعبدون" بالياء مهن أسهفل‪ .‬وقال الفراء والزجاج وجماعهة‪ :‬المعنهى‬
‫أخذنها ميثاقههم بأل يعبدوا إل ال‪ ،‬وبأن يحسهنوا للوالديهن‪ ،‬وبأل يسهفكوا الدماء‪ ،‬ثهم حذفهت أن والباء‬
‫فارتفهع الفعهل لزوالهمها‪ ،‬كقوله تعالى‪" :‬أفغيهر ال تأمرونهي"‪ .‬قال المهبرد‪ :‬هذا خطهأ‪ ،‬لن كهل مها‬
‫أضمر في العربية فهو يعمل عمله مظهرا‪ ،‬تقول‪ :‬وبلد قطعت‪ ،‬أي رب بلد‪.‬‬
‫قلت‪ :‬ليس هذا بخطأ‪ ،‬بل هما وجهان صحيحان وعليهما أنشد سيبويه‪:‬‬
‫وأن أشهد اللذات هل أنت مخلدي‬ ‫أل أيها ذا الزاجري أحْضر الوغى‬
‫بالنصب والرفع‪ ،‬فالنصب على إضمار أن‪ ،‬والرفع على حذفها‪.‬‬
‫@قوله تعالى‪" :‬وبالوالديهن إحسهانا" أي وأمرناههم بالوالديهن إحسهانا‪ .‬وقرن ال عهز وجهل فهي هذه‬
‫اليهة حهق الوالديهن بالتوحيهد‪ ،‬لن النشأة الولى مهن عنهد ال‪ ،‬والنشهء الثانهي ‪ -‬وههو التربيهة ‪ -‬مهن‬
‫جهة الوالدين‪ ،‬ولهذا قرن تعالى الشكر لهما بشكره فقال‪" :‬أن اشكر لي ولوالديك" [لقمان‪.]14 :‬‬
‫والحسههان إلى الوالديههن‪ :‬معاشرتهمهها بالمعروف‪ ،‬والتواضههع لهمهها‪ ،‬وامتثال أمرهمهها‪ ،‬والدعاء‬
‫بالمغفرة بعهد مماتهمها‪ ،‬وصهلة أههل ودهمها‪ ،‬على مها يأتهي بيانهه مفصهل فهي "السهراء" إن شاء ال‬
‫تعالى‪.‬‬
‫@قوله تعالى‪" :‬وذي القربهى" عطهف ذي القربهى على الوالديهن‪ .‬والقربهى‪ :‬بمعنهى القرابهة‪ ،‬وههو‬
‫مصدر كالرجعى والعقبى‪ ،‬أي وأمرناهم بالحسان إلى القرابات بصلة أرحامهم‪ .‬وسيأتي بيان هذا‬
‫مفصل في سورة "القتال" إن شاء ال تعالى‪.‬‬
‫@قوله تعالى‪" :‬واليتامى" اليتامى عطف أيضا‪ ،‬وهو جمع يتيم‪ ،‬مثل ندمى جمع نديم‪ .‬واليتم في‬
‫بني آدم بفقد الب‪ ،‬وفي البهائم بفقد الم‪ .‬وحكى الماوردي أن اليتيم يقال في بني آدم في فقد الم‪،‬‬
‫والول المعروف‪ .‬وأصله النفراد‪ ،‬يقال‪ :‬صبي يتيم‪ ،‬أي منفرد من أبيه‪ .‬وبيت يتيم‪ :‬أي ليس قبله‬
‫ول بعده شيء من الشعر‪ .‬ودرة يتيمة‪ :‬ليس لها نظير‪ .‬وقيل‪ :‬أصله البطاء‪ ،‬فسمي به اليتيم‪ ،‬لن‬
‫البر يبطئ عنه‪ .‬ويقال‪ :‬يتم ييتم يتما‪ ،‬مثل عظم يعظم‪ .‬ويتم ييتم يتْما ويتَما‪ ،‬مثل سمع يسمع‪ ،‬ذكر‬
‫الوجهين الفراء‪ .‬وقد أيتمه ال‪ .‬ويدل هذا على الرأفة باليتيم والحض على كفالته وحفظ ماله‪ ،‬على‬
‫ما يأتي بيانه في "النساء"‪ .‬وقال رسول ال صلى ال عليه وسلم‪( :‬كافل اليتيم له أو لغيره أنا وهو‬
‫كهاتين في الجنة)‪ .‬وأشار مالك بالسبابة والوسطى‪ ،‬رواه أبو هريرة وأخرجه مسلم‪ .‬وخرج المام‬
‫الحافظ أبو محمد عبدالغني بن سعيد من حديث الحسن بن دينار أبي سعيد البصري وهو الحسن‬
‫بن واصل قال حدثنا السود بن عبدالرحمن عن هِصّان عن أبي موسى الشعري عن النبي صلى‬
‫ال عليهه وسهلم قال‪( :‬مها قعهد يتيهم مهع قوم على قصهعتهم فيقرب قصهعتهم الشيطان)‪ .‬وخرج أيضها‬
‫من حديث حسين بن قيس وهو أبو علي الرحبي عن عكرمة عن ابن عباس قال‪ :‬قال رسول ال‬
‫صلى ال عليه وسلم‪( :‬من ضم يتيما من بين مسلمين إلى طعامه وشرابه حتى يغنيه ال عز وجل‬
‫غفرت له ذنوبه البتة إل أن يعمل عمل ل يغفر ومن أذهب ال كريمتيه فصبر واحتسب غفرت له‬
‫ذنوبههه ‪ -‬قالوا‪ :‬ومهها كريمتاه؟ قال‪ - :‬عيناه ومههن كان له ثلث بنات أو ثلث أخوات فأنفههق عليهههن‬
‫وأحسن إليهن حتى يبن أو يمتن غفرت له ذنوبه البتة إل أن يعمل عمل ل يغفر) فناداه رجل من‬
‫العراب ممهن هاجهر فقال‪ :‬يها رسهول ال أو اثنتيهن؟ فقال رسهول ال صهلى ال عليهه وسهلم‪( :‬أو‬
‫اثنتين)‪ .‬فكان ابن عباس إذا حدث بهذا الحديث قال‪ :‬هذا وال من غرائب الحديث وغرره‪.‬‬
‫@السهبابة مهن الصهابع ههي التهي تلي البهام‪ ،‬وكانهت فهي الجاهليهة تدعهى بالسهبابة‪ ،‬لنههم كانوا‬
‫يسبون بها‪ ،‬فلما جاء ال بالسلم كرهوا هذا السم فسموها المشيرة‪ ،‬لنهم كانوا يشيرون بها إلى‬
‫ال في التوحيد‪ .‬وتسمى أيضا بالسباحة‪ ،‬جاء تسميتها بذلك في حديث وائل بن حجر وغيره‪ ،‬ولكن‬
‫اللغهة سهارت بمها كانهت تعرفهه فهي الجاهليهة فغلبهت‪ .‬وروي عهن أصهابع رسهول ال صهلى ال عليهه‬
‫وسهلم أن المشيرة منهها كانهت أطول من الوسطى‪ ،‬ثم الوسهطى أقصر منهها‪ ،‬ثم البنصهر أقصهر مهن‬
‫الوسهطى‪ .‬روى يزيهد بهن هارون قال‪ :‬أخبرنها عبدال بهن مقسهم الطائفهي قال حدثتنهي عمتهي سهارة‬
‫بنت مقسم أنها سمعت ميمونة بنت كردم قالت‪ :‬خرجت في حجة حجها رسول ال صلى ال عليه‬
‫وسهلم فرأيهت رسهول ال صهلى ال عليهه وسهلم على راحلتهه وسهأله أبهي عهن أشياء‪ ،‬فلقهد رأيتنهي‬
‫أتعجب وأنا جارية من طول أصبعه التي تلي البهام على سائر أصابعه‪ .‬فقوله عليه السلم‪( :‬أنا‬
‫وهو كهاتيهن فهي الجنة)‪ ،‬وقوله فهي الحديهث الخهر‪( :‬أحشهر أنها وأبهو بكهر وعمهر يوم القيامهة هكذا)‬
‫وأشار بأصهابعه الثلث‪ ،‬فإنمها أراد ذكهر المنازل والشراف على الخلق فقال‪ :‬نحشهر هكذا ونحهن‬
‫مشرفون وكذا كافهل اليتيهم تكون منزلتهه رفيعهة‪ .‬فمهن لم يعرف شأن أصهابع رسهول ال صهلى ال‬
‫عليهه وسهلم صهلى حمهل تأويهل الحديهث على النضمام والقتراب بعضههم مهن بعهض فهي محهل‬
‫القربهة‪ .‬وهذا معنهى بعيهد‪ ،‬لن منازل الرسهل والنهبيين والصهديقين والشهداء والصهالحين مراتهب‬
‫متباينة‪ ،‬ومنازل مختلفة‪.‬‬
‫@قوله تعالى‪" :‬والمساكين" "المساكين" عطف أيضا أي وأمرناهم بالحسان إلى المساكين‪ ،‬وهم‬
‫الذيههن أسههكنتهم الحاجههة وأذلتهههم‪ .‬وهذا يتضمههن الحههض على الصههدقة والمؤاسههاة وتفقههد أحوال‬
‫المسهاكين والضعفاء‪ .‬روى مسهلم عهن أبهي هريرة عهن النهبي صهلى ال عليهه وسهلم قال‪( :‬السهاعي‬
‫على الرملة والمسههكين كالمجاهههد فههي سههبيل ال ‪ -‬وأحسههبه قال ‪ -‬وكالقائم ل يفتههر وكالصههائم ل‬
‫يفطر)‪ .‬قال ابن المنذر‪ :‬وكان طاوس يرى السعي على الخوات أفضل من الجهاد في سبيل ال‪.‬‬
‫@قوله تعالى‪" :‬وقولوا للناس حسهنا" "حسهنا" نصهب على المصهدر على المعنهى‪ ،‬لن المعنهى‬
‫ليحسن قولكم‪ .‬وقيل‪ :‬التقدير وقولوا للناس قول ذا حسن‪ ،‬فهو مصدر ل على المعنى‪ .‬وقرأ حمزة‬
‫والكسائي "حسنا" بفتح الحاء والسين‪ .‬قال الخفش‪ :‬هما بمعنى واحد‪ ،‬مثل البُخل والبَخل‪ ،‬والرشد‬
‫والرشههد‪ .‬وحكههى الخفههش‪" :‬حسههنى" بغيههر تنويههن على فعلى‪ .‬قال النحاس‪" :‬وهذا ل يجوز فههي‬
‫العربيههة‪ ،‬ل يقال مههن هذا شيههء إل باللف واللم‪ ،‬نحههو الفضلى والكههبرى والحسههنى‪ ،‬هذا قول‬
‫سيبويه وقرأ عيسى بن عمر "حسنا" بضمتين‪ ،‬مثل "الحلم"‪ .‬قال ابن عباس‪ :‬المعنى قولوا لهم ل‬
‫إله إل ال ومروههم بهها‪ .‬ابهن جريهج‪ :‬قولوا للناس صهدقا فهي أمهر محمهد صهلى ال عليهه وسهلم ول‬
‫تغيروا نعته‪ .‬سفيان الثوري‪ :‬مروهم بالمعروف وانهوهم عن المنكر‪ .‬أبو العالية‪ :‬قولوا لهم الطيب‬
‫مههن القول‪ ،‬وجازوهههم بأحسههن مهها تحبون أن تجازوا بههه‪ .‬وهذا كله حههض على مكارم الخلق‪،‬‬
‫فينبغي للنسان أن يكون قوله للناس لينا ووجهه منبسطا طلقا مع البر والفاجر‪ ،‬والسني والمبتدع‪،‬‬
‫من غير مداهنة‪ ،‬ومن غير أن يتكلم معه بكلم يظن أنه يرضي مذهبه‪ ،‬لن ال تعالى قال لموسى‬
‫وهارون‪" :‬فقول له قول لينا" [طه‪ .]44 :‬فالقائل ليس بأفضل من موسى وهارون‪ ،‬والفاجر ليس‬
‫بأخبث من فرعون‪ ،‬وقد أمرهما ال تعالى باللين معه‪ .‬وقال طلحة بن عمر‪ :‬قلت لعطاء إنك رجل‬
‫يجتمهع عندك ناس ذوو أهواء مختلفهة‪ ،‬وأنها رجهل فهي حدة فأقول لههم بعهض القول الغليهظ‪ ،‬فقال‪ :‬ل‬
‫تفعههل! يقول ال تعالى‪" :‬وقولوا للناس حسههنا"‪ .‬فدخههل فههي هذه اليههة اليهود والنصههارى فكيههف‬
‫بالحنيفي؟؟‪ .‬وروي عن النبي صلى ال عليه وسلم أنه قال لعائشة‪( :‬ل تكوني فحاشة فإن الفحش‬
‫لو كان رجل لكان رجههل سههوء)‪ .‬وقيههل‪ :‬أراد بالناس محمدا صههلى ال عليههه وسههلم‪ ،‬كقوله‪" :‬أم‬
‫يحسدون الناس على ما آتاهم ال من فضله" [النساء‪ .]54 :‬فكأنه قال‪ :‬قولوا للنبي صلى ال عليه‬
‫وسلم حسنا‪ .‬وحكى المهدوي عن قتادة أن قوله‪" :‬وقولوا للناس حسنا" منسوخ بآية السيف‪ .‬وحكاه‬
‫أبهو نصهر عبدالرحيهم عهن ابهن عباس‪ .‬قال ابهن عباس‪ :‬نزلت هذه اليهة فهي البتداء ثهم نسهختها آيهة‬
‫السهيف‪ .‬قال ابهن عطيهة‪ :‬وهذا يدل على أن هذه المهة خوطبهت بمثهل هذا اللفهظ فهي صهدر السهلم‪،‬‬
‫وأما الخبر عن بني إسرائيل وما أمروا به فل نسخ فيه‪ ،‬وال اعلم‪.‬‬
‫@قوله تعالى‪" :‬وأقيموا الصهلة وآتوا الزكاة" تقدم القول فيهه‪ .‬والخطاب لبنهي إسهرائيل‪ .‬قال ابهن‬
‫عطيهة‪ :‬وزكاتههم ههي التهي كانوا يضعونهها فتنزل النار على مها يتقبهل‪ ،‬ول تنزل على مها لم يتقبهل‪،‬‬
‫ولم تكن كزكاة أمة محمد صلى ال عليه وسلم‪.‬‬
‫قلت‪ :‬وهذا يحتاج إلى نقهل‪ ،‬كمها ثبهت ذلك فهي الغنائم‪ .‬وقهد روي عهن ابهن عباس أنهه قال‪ :‬الزكاة‬
‫التي أمروا بها طاعة ال والخلص‪.‬‬
‫@قوله تعالى‪" :‬ثهم توليتهم" الخطاب لمعاصهري محمهد صهلى ال عليهه وسهلم‪ ،‬وأسهند إليههم تولي‬
‫أسهلفهم إذ ههم كلههم بتلك السهبيل فهي إعراضههم عهن الحهق مثلههم‪ ،‬كمها قال‪" :‬شنشنهة أعرفهها مهن‬
‫أخزم"‪" .‬إل قليل منكهم" كعبدال بهن سهلم وأصهحابه‪ .‬و"قليل" نصهب على السهتثناء‪ ،‬والمسهتثنى‬
‫عند سيبويه منصوب‪ ،‬لنه مشبه بالمفعول‪ .‬وقال محمد بن يزيد‪ :‬هو مفعول على الحقيقة‪ ،‬المعنى‬
‫اسهتثنيت قليل‪" .‬وأنتهم معرضون" ابتداء وخهبر‪ .‬والعراض والتولي بمعنهى واحهد‪ ،‬مخالف بينهمها‬
‫فهي اللفهظ‪ .‬وقيهل‪ :‬التولي فيهه بالجسهم‪ ،‬والعراض بالقلب‪ .‬قال المهدوي‪" :‬وأنتهم معرضون" حال‪،‬‬
‫لن التولي فيه دللة على العراض‪.‬‬
‫*‪ *3‬اليهة‪{ 84 :‬وإذ أخذنها ميثاقكهم ل تسهفكون دماءكهم ول تخرجون أنفسهكم مهن دياركهم ثهم‬
‫أقررتم وأنتم تشهدون}‬
‫@قوله تعالى‪" :‬وإذ أخذنها ميثاقكهم" تقدم القول فيهه‪" .‬ل تسهفكون دماءكهم" المراد بنهو إسهرائيل‪،‬‬
‫ودخههل فيههه بالمعنههى مههن بعدهههم‪" .‬ل تسههفكون دماءكههم" مثههل "ل تعبدون" [البقرة‪ ]83 :‬فههي‬
‫العراب‪ .‬وقرأ طلحههة بههن مصههرف وشعيههب بههن أبههي حمزة بضههم الفاء‪ ،‬وهههي لغههة‪ ،‬وأبههو نهيههك‬
‫"تسفكون" بضم التاء وتشديد الفاء وفتح السين‪ .‬والسفك‪ :‬الصب‪.‬‬
‫@فإن قيل‪ :‬وهل يسفك أحد دمه ويخرج نفسه من داره؟ قيل له‪ :‬لما كانت ملتهم واحدة وأمرهم‬
‫واحهد وكانوا فهي المهم كالشخهص الواحهد جعهل قتهل بعضههم بعضها وإخراج بعضههم بعضها قتل‬
‫لنفسهم ونفيا لها‪ .‬وقيل‪ :‬المراد القصاص‪ ،‬أي ل يقتل أحد فيقتل قصاصا‪ ،‬فكأنه سفك دمه‪ .‬وكذلك‬
‫ل يزنههي ول يرتههد‪ ،‬فإن ذلك يبيههح الدم‪ .‬ول يفسههد فينفههى‪ ،‬فيكون قههد أخرج نفسههه مههن دياره‪ .‬وهذا‬
‫تأويل فيه بعد وإن كان صحيح المعنى‪.‬‬
‫وإنمها كان المهر أن ال تعالى قهد أخهذ على بنهي إسههرائيل فههي التوراة ميثاقهها أل يقتههل بعضهههم‬
‫بعضا‪ ،‬ول ينفيه ول يسترقه‪ ،‬ول يدعه يسرق‪ ،‬إلى غير ذلك من الطاعات‪.‬‬
‫قلت‪ :‬وهذا كله محرم علينهها‪ ،‬وقههد وقههع ذلك كله بالفتههن فينهها‪ ،‬فإنهها ل وإنهها إليههه راجعون! وفههي‬
‫التنزيهل‪" :‬أو يلبسهكم شيعها ويذيهق بعضكهم بأس بعهض" [النعام‪ ]65 :‬وسهيأتي‪ .‬قال ابهن خويهز‬
‫منداد‪ :‬وقهد يجوز أن يراد بهه الظاههر‪ ،‬ل يقتهل النسهان نفسهه‪ ،‬ول يخرج مهن داره سهفها‪ ،‬كمها تقتهل‬
‫الهند أنفسها‪ .‬أو يقتل النسان نفسه من جهد وبلء يصيبه‪ ،‬أو يهيم في الصحراء ول يأوي البيوت‬
‫جهل في ديانته وسفها في حلمه‪ ،‬فهو عموم في جميع ذلك‪ .‬وقد روي أن عثمان بن مظعون بايع‬
‫في عشرة من أصحاب رسول ال صلى ال عليه وسلم فعزموا أن يلبسوا المسوح‪ ،‬وأن يهيموا في‬
‫الصههحراء ول يأووا البيوت‪ ،‬ول يأكلوا اللحههم ول يغشوا النسههاء‪ ،‬فبلغ ذلك النههبي صههلى ال عليههه‬
‫وسهلم فجاء إلى دار عثمان بهن مظعون فلم يجده‪ ،‬فقال لمرأتهه‪( :‬مها حديهث بلغنهي عهن عثمان)؟‬
‫وكرهت أن تفشي سر زوجها‪ ،‬وأن تكذب رسول ال صلى ال عليه وسلم‪ ،‬فقالت‪ :‬يا رسول ال‪،‬‬
‫إن كان قهد بلغهك شيهء فههو كمها بلغهك‪ ،‬فقال‪( :‬قولي لعثمان أخلف لسهنتي أم على غيهر ملتهي‪ ،‬إنهي‬
‫أصلي وأنام وأصوم وأفطر وأغشى النساء وآوي البيوت وآكل اللحم فمن رغب عن سنتي فليس‬
‫مني) فرجع عثمان وأصحابه عما كانوا عليه‪.‬‬
‫@قوله تعالى‪" :‬ول تخرجون" معطوف‪ .‬قوله تعالى‪" :‬أنفسكم" النفس مأخوذة من النفاسة‪ ،‬فنفس‬
‫النسههان أشرف مهها فيههه‪ .‬قوله تعالى‪" :‬مههن دياركههم" والدار‪ :‬المنزل الذي فيههه أبنيههة المقام بخلف‬
‫منزل الرتحال‪ .‬وقال الخليههل‪ :‬كههل موضههع حله قوم فهههو دار لهههم وإن لم تكههن فيههه أبنيههة‪ .‬وقيههل‪:‬‬
‫سميت دارا لدورها على سكانها‪ ،‬كما سمي الحائط حائطا لحاطته على ما يحويه‪.‬‬
‫@قوله تعالى‪" :‬ثهم أقررتهم" مهن القرار‪ ،‬أي بهذا الميثاق الذي أخهذ عليكهم وعلى أوائلكهم‪ .‬قوله‬
‫تعالى‪" :‬وأنتم تشهدون" من الشهادة‪ ،‬أي شهداء بقلوبكم على هذا وقيل‪ :‬الشهادة بمعنى الحضور‪،‬‬
‫أي تحضرون سفك دمائكم‪ ،‬وإخراج أنفسكم من دياركم‪.‬‬
‫*‪ *3‬الية‪{ 85 :‬ثم أنتم هؤلء تقتلون أنفسكم وتخرجون فريقا منكم من ديارهم تظاهرون عليهم‬
‫بالثهم والعدوان وإن يأتوكهم أسهارى تفادوههم وههو محرم عليكهم إخراجههم أفتؤمنون ببعهض الكتاب‬
‫وتكفرون ببعهض فمها جزاء مهن يفعهل ذلك منكهم إل خزي فهي الحياة الدنيها ويوم القيامهة يردون إلى‬
‫أشد العذاب وما ال بغافل عما تعملون}‬
‫*‪*4‬قوله تعالى {ثم أنتم هؤلء تقتلون أنفسكم وتخرجون فريقا منكم من ديارهم تظاهرون عليهم‬
‫بالثم والعدوان وإن يأتوكم أسارى تفادوهم وهو محرم عليكم إخراجهم‪}.. .‬‬
‫@قوله تعالى‪" :‬ثهم أنتهم هؤلء" "أنتهم" فهي موضهع رفهع بالبتداء‪ ،‬ول يعرب‪ ،‬لنهه مضمهر‪.‬‬
‫وضمهت التاء مهن "أنتهم" لنهها كانهت مفتوحهة إذا خاطبهت واحدا مذكرا‪ ،‬ومكسهورة إذا خاطبهت‬
‫واحدة مؤنثهة‪ ،‬فلما ثنيت أو جمعهت لم يبهق إل الضمة‪ .‬قوله تعالى‪" :‬هؤلء" قال القتبي‪ :‬التقدير يا‬
‫هؤلء‪ .‬قال النحاس‪ :‬هذا خطأ على قول سيبويه‪ ،‬ول يجوز هذا أقبل‪ .‬وقال الزجاج‪ :‬هؤلء بمعنى‬
‫الذين‪ .‬قوله تعالى‪" :‬تقتلون أنفسكم وتخرجون فريقا منكم من ديارهم" داخل في الصلة‪ ،‬أي ثم أنتم‬
‫الذين تقتلون‪ .‬وقيل‪" :‬هؤلء" رفع بالبتداء‪ ،‬و"أنتم" خبر مقدم‪ ،‬و"تقتلون" حال من أولء‪ .‬وقيل‪:‬‬
‫"هؤلء" نصهب بإضمار أعنهي‪ .‬وقرأ الزهري "تقتلون" بضهم التاء مشددا‪ ،‬وكذلك "فلم تقتلون‬
‫أنهبياء ال" [البقرة‪ .]91 :‬وهذه اليهة خطاب للمواجهيهن ل يحتمهل رده إلى السهلف‪ .‬نزلت فهي‬
‫بنهي قينقاع وقريظهة والنضيهر مهن اليهود‪ ،‬وكانهت بنهو قينقاع أعداء قريظهة‪ ،‬وكانهت الوس حلفاء‬
‫بنهي قينقاع‪ ،‬والخزرج حلفاء بنهي قريظهة‪ .‬والنضيهر والوس والخزرج إخوان‪ ،‬وقريظهة والنضيهر‬
‫أيضا إخوان‪ ،‬ثم افترقوا فكانوا يقتتلون‪ ،‬ثم يرتفع الحرب فيفدون أساراهم‪ ،‬فعيرهم ال بذلك فقال‪:‬‬
‫"وإن يأتوكم أسارى تفادوهم"‪.‬‬
‫@قوله تعالى‪" :‬تظاهرون" معنهى "تظاهرون" تتعاونون‪ ،‬مشتهق من الظههر‪ ،‬لن بعضههم يقوي‬
‫بعضا فيكون له كالظهر‪ ،‬ومنه قول الشاعر‪:‬‬
‫على واحد ل زلتم قرن واحد‬ ‫تظاهرتم أستاه بيت تجمعت‬
‫وقرأ أهل المدينة وأهل مكة "تظاهرون" بالتشديد‪ ،‬يدغمون التاء في الظاء لقربها منها‪ ،‬والصل‬
‫تتظاهرون‪ .‬وقرأ الكوفيون "تظاهرون" مخففا‪ ،‬حذفوا التاء الثانية لدللة الولى عليها‪ ،‬وكذا "وإن‬
‫تظاهرا عليه" [التحريم‪ .]4 :‬وقرأ قتادة "تظهرون عليهم" وكله راجع إلى معنى التعاون‪ ،‬ومنه‪:‬‬
‫"وكان الكافر على ربه ظهيرا" [الفرقان‪ ]55 :‬وقوله‪" :‬والملئكة بعد ذلك ظهير" [التحريم‪]4 :‬‬
‫فاعلمهه‪" .‬بالثهم والعدوان" والثهم‪ :‬الفعهل الذي يسهتحق عليهه صهاحبه الذم‪ .‬والعدوان‪ :‬الفراط فهي‬
‫الظلم والتجاوز فيه‪.‬‬
‫@قوله تعالى‪" :‬وإن يأتوكهم أسهارى" شرط وجوابهه‪" :‬تفادوههم" و"أسهارى" نصهب على الحال‪.‬‬
‫قال أبهو عبيهد وكان أبهو عمرو يقول‪ :‬مها صهار فهي أيديههم فههم السهارى‪ ،‬ومها جاء مسهتأسرا فههم‬
‫السهرى‪ .‬ول يعرف أههل اللغهة مها قال أبهو عمرو‪ ،‬إنمها ههو كمها تقول‪ :‬سهكارى وسهكرى‪ .‬وقراءة‬
‫الجماعة "أسارى" ما عدا حمزة فإنه قرأ "أسرى" على فعلى‪ ،‬جمع أسير بمعنى مأسور‪ ،‬والباب‬
‫‪ -‬في تكسيره إذا كان كذلك ‪ -‬فعلى‪ ،‬كما تقول‪ :‬قتيل وقتلى‪ ،‬وجريح وجرحى‪ .‬قال أبو حاتم‪ :‬ول‬
‫يجوز أسهارى‪ .‬وقال الزجاج‪ :‬يقال أسهارى كمها يقال سهكارى‪ ،‬وفعالى ههو الصهل‪ ،‬وفعالى داخلة‬
‫عليها‪ .‬وحكي عن محمد بن يزيد قال‪ :‬يقال أسير وأسراء‪ ،‬كظريف وظرفاء‪ .‬قال ابن فارس‪ :‬يقال‬
‫في جمع أسير أسرى وأسارى‪ ،‬وقرئ بهما‪ .‬وقيل‪ :‬أسارى (بفتح الهمزة) وليست بالعالية‪.‬‬
‫السير مشتق من السار‪ ،‬وهو القد الذي يشد به المحمل فسمي أسيرا‪ ،‬لنه يشد وثاقه‪ ،‬والعرب‬
‫تقول‪ :‬قد أسر قتبه‪ ،‬أي شده‪ ،‬ثم سمي كل أخيذ أسيرا وإن لم يؤسر‪ ،‬وقال العشى‪:‬‬
‫كما قيد السرات الحمارا‬ ‫وقيدني الشعر في بيته‬
‫أي أنها فهي بيتهه‪ ،‬يريهد ذلك بلوغهه النهايهة فيهه‪ .‬فأمها السهر فهي قوله عهز وجهل‪" :‬وشددنها أسهرهم"‬
‫[النسان‪ ]28 :‬فهو الخلق‪ .‬وأسرة الرجل رهطه‪ ،‬لنه يتقوى بهم‪.‬‬
‫@قوله تعالى‪" :‬تفادوهم" كذا قرأ نافع وحمزة والكسائي‪ .‬والباقون "تفدوهم" من الفداء‪ .‬والفداء‪:‬‬
‫طلب الفديهة فهي السهير الذي فهي أيديههم‪ .‬قال الجوهري‪" :‬الفداء إذا كسهر أوله يمهد ويقصهر‪ ،‬وإذا‬
‫فتهح فههو مقصهور‪ ،‬يقال‪ :‬قهم فدى لك أبهي‪ .‬ومهن العرب مهن يكسهر "فداء" بالتنويهن إذا جاور لم‬
‫الجر خاصة‪ ،‬فيقول‪ :‬فداء لك‪ ،‬لنه نكرة يريدون به معنى الدعاء‪ .‬وأنشد الصمعي للنابغة‪:‬‬
‫وما أثمر من مال ومن ولد‬ ‫مهل فداء لك القوام كلهم‬
‫ويقال‪ :‬فداه وفاداه إذا أعطههى فداءه فأنقذه‪ .‬وفداه بنفسههه‪ ،‬وفداه يفديههه إذا قال جعلت فداك‪ .‬وتفادوا‪،‬‬
‫أي فدى بعضههم بعضها"‪ .‬والفديهة والفدى والفداء كله بمعنهى واحهد‪ .‬وفاديهت نفسهي إذا أطلقتهها بعهد‬
‫أن دفعت شيئا‪ ،‬بمعنى فديت‪ ،‬ومنه قول العباس للنبي صلى ال عليه وسلم‪ :‬فاديت نفسي وفاديت‬
‫عقيل‪ .‬وهمهها فعلن يتعديان إلى مفعوليههن الثانههي منهمهها بحرف الجههر‪ ،‬تقول‪ :‬فديههت نفسههي بمالي‬
‫وفاديته بمالي‪ ،‬قال الشاعر‪:‬‬
‫وقومك ما أرى لهم اجتماعا‬ ‫قفي فادي أسيرك إن قومي‬
‫@قوله تعالى‪" :‬وههو محرم عليكهم إخراجههم" "ههو" مبتدأ وههو كنايهة عهن الخراج‪ ،‬و"محرم"‬
‫خبره‪ ،‬و"إخراجهم" بدل من "هو" وإن شئت كان كناية عن الحديث والقصة‪ ،‬والجملة التي بعده‬
‫خبره‪ ،‬أي والمر محرم عليكم إخراجهم‪ .‬فه "إخراجهم "مبتدأ ثان‪ .‬و"محرم" خبره‪ ،‬والجملة خبر‬
‫عهن "ههو"‪ ،‬وفهي "محرم" ضميهر مها لم يسهم فاعله يعود على الخراج‪ .‬ويجوز أن يكون "محرم"‬
‫مبتدأ‪ ،‬و"إخراجههم" مفعول مها لم يسهم فاعله يسهد مسهد خهبر "محرم"‪ ،‬والجملة خهبر عهن "ههو"‪.‬‬
‫وزعهم الفراء أن "ههو" عماد‪ ،‬وهذا عنهد البصهريين خطهأ ل معنهى له‪ ،‬لن العماد ل يكون فهي أول‬
‫الكلم‪ .‬ويقرأ "وهو" بسكون الهاء لثقل الضمة‪ ،‬كما قال الشاعر‪:‬‬
‫ماله ل عد من نفره‬ ‫فهْو ل تنمي رميته‬
‫وكذلك إن جئت باللم وثم‪ ،‬وقد تقدم‪.‬‬
‫*‪*4‬قوله تعالى {‪ ...‬أفتؤمنون ببعض الكتاب وتكفرون ببعض فما جزاء من يفعل ذلك منكم إل‬
‫خزي في الحياة الدنيا ويوم القيامة يردون إلى أشد العذاب وما ال بغافل عما تعملون}‬
‫@قوله تعالى‪" :‬أفتؤمنون ببعهض الكتاب وتكفرون ببعهض" قال علماؤنها‪ :‬كان ال تعالى قهد أخهذ‬
‫عليهم أربعة عهود‪ :‬ترك القتل‪ ،‬وترك الخراج‪ ،‬وترك المظاهرة‪ ،‬وفداء أساراهم‪ ،‬فأعرضوا عن‬
‫كههل مهها أمروا بههه إل الفداء‪ ،‬فوبخهههم ال على ذلك توبيخهها يتلى فقال‪" :‬أفتؤمنون ببعههض الكتاب"‬
‫[البقرة‪ ]85 :‬وهو التوراة "وتكفرون ببعض" [البقرة‪!! ]85 :‬‬
‫قلت‪ :‬ولعمههر ال لقههد أعرضنهها نحههن عههن الجميههع بالفتههن فتظاهههر بعضنهها على بعههض! ليههت‬
‫بالمسهلمين‪ ،‬بهل بالكافريهن! حتهى تركنها إخواننها أذلء صهاغرين يجري عليههم حكهم المشركيهن‪ ،‬فل‬
‫حول ول قوة إل بال العلي العظيم!‪.‬‬
‫قال علماؤنها‪ :‬فداء السهارى واجهب وإن لم يبهق درههم واحهد‪ .‬قال ابهن خويهز منداد‪ :‬تضمنهت اليهة‬
‫وجوب فهك السهرى‪ ،‬وبذلك وردت الثار عهن النهبي صهلى ال عليهه وسهلم أنهه فهك السهارى وأمهر‬
‫بفكهم‪ ،‬وجرى بذلك عمل المسلمين وانعقد به الجماع‪ .‬ويجب فك السارى من بيت المال‪ ،‬فإن لم‬
‫يكن فهو فرض على كافة المسلمين‪ ،‬ومن قام به منهم أسقط الفرض عن الباقين‪ .‬وسيأتي‪.‬‬
‫@قوله تعالى‪" :‬فما جزاء مهن يفعهل ذلك منكهم إل خزي فهي الحياة الدنيها" ابتداء وخبر‪ .‬والخزي‬
‫الهوان‪ .‬قال الجوهري‪ :‬وخزي ‪ -‬بالكسهر ‪ -‬يخزى خزيها إذا ذل وهان‪ .‬قال ابهن السهكيت‪ :‬وقهع فهي‬
‫بلية‪ .‬وأخزاه ال‪ ،‬وخزي أيضا يخزى خزاية إذا استحيا‪ ،‬فهو خزيان‪ .‬وقوم خزايا وامرأة خزيا‪.‬‬
‫@قوله تعالى‪" :‬ويوم القيامة يردون" "يردون" بالياء قراءة العامة‪ ،‬وقرأ الحسن "تردون" بالتاء‬
‫على الخطاب‪" .‬إلى أشد العذاب وما ال بغافل عما تعملون" تقدم القول فيه‪ ،‬وكذلك‪" :‬أولئك الذين‬
‫اشتروا" الية فل معنى للعادة‪" .‬يوم" منصوب به "يردون"‪.‬‬
‫*‪ *3‬اليههة ‪{86‬أولئك الذيههن اشتروا الحياة الدنيهها بالخرة فل يخفههف عنهههم العذاب ول هههم‬
‫ينصرون}‬
‫*‪ *3‬الية‪{ 87 :‬ولقد آتينا موسى الكتاب وقفينا من بعده بالرسل وآتينا عيسى ابن مريم البينات‬
‫وأيدناه بروح القدس أفكلمهها جاءكههم رسههول بمهها ل تهوى أنفسههكم اسههتكبرتم ففريقهها كذبتههم وفريقهها‬
‫تقتلون}‬
‫@قوله تعالى‪" :‬ولقد آتينا موسى الكتاب" يعني التوراة‪ .‬قوله تعالى‪" :‬وقفينا من بعده بالرسل" أي‬
‫اتبعنا والتقفية‪ :‬التباع والرداف‪ ،‬مأخوذ من اتباع القفا وهو مؤخر العنق‪ .‬تقول استقفيته إذا جئت‬
‫مهن خلفهه‪ ،‬ومنهه سهميت قافيهة الشعهر‪ ،‬لنهها تتلو سهائر الكلم‪ .‬والقافيهة‪ :‬القفها‪ ،‬ومنهه الحديهث‪( :‬يعقهد‬
‫الشيطان على قافيهة رأس أحدكهم)‪ .‬والقفهي والقفاوة‪ :‬مها يدخهر مهن اللبهن وغيره لمهن تريهد إكرامهه‪.‬‬
‫وقفوت الرجل‪ :‬قذفته بفجور‪ .‬وفلن قفوتي أي تهمتي‪ .‬وقفوتي أي خيرتي‪ .‬قال ابن دريد كأنه من‬
‫الضداد‪ .‬قال العلماء‪ :‬وهذه اليههة مثههل قوله تعالى‪" :‬ثههم أرسههلنا رسههلنا تترى" [المؤمنون‪.]44 :‬‬
‫وكهل رسهول جاء بعهد موسهى فإنمها جاء بإثبات التوراة والمهر بلزومهها إلى عيسهى عليهه السهلم‪.‬‬
‫ويقال‪ :‬رسهل ورسهل لغتان‪ ،‬الولى لغهة الحجاز‪ ،‬والثانيهة لغهة تميهم‪ ،‬وسهواء كان مضافها أو غيهر‬
‫مضاف‪ .‬وكان أبو عمرو يخفف إذا أضاف إلى حرفين‪ ،‬ويثقل إذا أضاف إلى حرف واحد‪.‬‬
‫@قوله تعالى‪" :‬وآتينا عيسى ابن مريم البينات" أي الحجج والدللت‪ ،‬وهي التي ذكرها ال في‬
‫"آل عمران" و"المائدة"‪ ،‬قاله ابهن عباس‪ .‬قوله تعالى‪" :‬وأيدناه" أي قويناه‪ .‬وقرأ مجاههد وابهن‬
‫محيصهن "آيدناه" بالمهد‪ ،‬وهمها لغتان‪ .‬قوله تعالى‪" :‬بروح القدس" روى أبو مالك وأبهو صهالح عهن‬
‫ابن عباس ومعمر عن قتادة قال‪ :‬جبريل عليه السلم‪ .‬وقال حسان‪:‬‬
‫وروح القدس ليس به خفاء‬ ‫وجبريل رسول ال فينا‬
‫قال النحاس‪ :‬وسهمي جبريهل روحها وأضيهف إلى القدس‪ ،‬لنهه كان بتكويهن ال عهز وجهل له روحها‬
‫من غير ولدة والد ولده‪ ،‬وكذلك سمي عيسى روحا لهذا‪ .‬وروى غالب بن عبدال عن مجاهد قال‪:‬‬
‫القدس ههو ال عهز وجهل‪ .‬وكذا قال الحسهن‪ :‬القدس ههو ال‪ ،‬وروحهه جبريهل‪ .‬وروى أبهو روق عهن‬
‫الضحاك عن ابن عباس‪" :‬بروح القدس" قال‪ :‬هو السم الذي كان يحيي به عيسى الموتى‪ ،‬وقاله‬
‫سهعيد بهن جهبير وعبيهد بهن عميهر‪ ،‬وههو اسهم ال العظهم‪ .‬وقيهل‪ :‬المراد النجيهل‪ ،‬سهماه روحها كمها‬
‫سهمى ال القرآن روحها فهي قوله تعالى‪" :‬وكذلك أوحينها إليهك روحها مهن أمرنها" [الشورى‪.]52 :‬‬
‫والول أظهر‪ ،‬وال تعالى اعلم‪ .‬والقدس‪ :‬الطهارة‪ .‬وقد تقدم‪.‬‬
‫@قوله تعالى‪" :‬أفكلمها جاءكهم رسهول بمها ل تهوى أنفسهكم" أي بمها ل يوافقهها ويلئمهها‪ ،‬وحذفهت‬
‫الهاء لطول السم‪ ،‬أي بما ل تهواه‪.‬‬
‫@قوله تعالى‪" :‬اسهتكبرتم" عهن إجابتهه احتقارا للرسهل‪ ،‬واسهتبعادا للرسهالة‪ .‬وأصهل الهوى الميهل‬
‫إلى الشيهء‪ ،‬ويجمهع أهواء‪ ،‬كمها جاء فهي التنزيهل‪ ،‬ول يجمهع أهويهة‪ ،‬على أنههم قهد قالوا فهي ندى‬
‫أندية‪ ،‬قال الشاعر‪:‬‬
‫ل يبصر الكلب في ظلمائها الطنبا‬ ‫في ليلة من جمادى ذات أندية‬
‫قال الجوهري‪ :‬وهههو شاذ وسههمي الهوى لنههه يهوي بصههاحبه إلى النار‪ ،‬ولذلك ل يسههتعمل فههي‬
‫الغالب إل فيما ليس بحق وفيما ل خير فيه‪ ،‬وهذه الية من ذلك‪ .‬وقد يستعمل في الحق‪ ،‬ومنه قول‬
‫عمهر رضهي ال عنهه فهي أسهارى بدر‪ :‬فهوي رسهول ال صهلى ال عليهه وسهلم مها قال أبهو بكهر ولم‬
‫يههو مها قلت‪ .‬وقالت عائشهة للنهبي صهلى ال عليهه وسهلم فهي صهحيح الحديهث‪ :‬وال مها أرى ربهك إل‬
‫يسارع في هواك‪ .‬أخرجهما مسلم‪.‬‬
‫@قوله تعالى‪" :‬ففريقها كذبتهم" "ففريقها" منصهوب بهه "كذبتهم"‪ ،‬وكذا "وفريقها تقتلون" فكان ممهن‬
‫كذبوه عيسى ومحمد عليهما السلم‪ ،‬وممن قتلوه يحيى وزكريا عليهما السلم‪ ،‬على ما يأتي بيانه‬
‫في "سبحان" [السراء] إن شاء ال تعالى‪.‬‬
‫*‪ *3‬الية‪{ 88 :‬وقالوا قلوبنا غلف بل لعنهم ال بكفرهم فقليل ما يؤمنون}‬
‫@قوله تعالى‪" :‬وقالوا" يعنهي اليهود‪ .‬قوله تعالى‪" :‬قلوبنها غلف" بسهكون اللم جمهع أغلف‪ ،‬أي‬
‫عليها أغطية‪ .‬وهو مثل قوله‪" :‬قلوبنا في أكنة مما تدعونا إليه" [فصلت‪ ]5 :‬أي في أوعية‪ .‬قال‬
‫مجاههد‪" :‬غلف" عليهها غشاوة‪ .‬وقال عكرمهة‪ :‬عليهها طابهع‪ .‬وحكهى أههل اللغهة غلفهت السهيف جعلت‬
‫له غلفها‪ ،‬فقلب أغلف‪ ،‬أي مسهتور عهن الفههم والتمييهز‪ .‬وقرأ ابهن عباس والعرج وابهن محيصهن‬
‫"غلف" بضم اللم‪ .‬قال ابن عباس‪ :‬أي قلوبنا ممتلئة علما ل تحتاج إلى علم محمد صلى ال عليه‬
‫وسلم ول غيره‪ .‬وقيل‪ :‬هو جميع غلف‪ .‬مثل خمار وخمر‪ ،‬أي قلوبنا أوعية للعلو فما بالها ل تفهم‬
‫عنك وقد وعينا علما كثيرا! وقيل‪ :‬المعنى فكيف يعزب عنها علم محمد صلى ال عليه وسلم‪.‬‬
‫@قوله تعالى‪" :‬بهل لعنههم ال بكفرههم فقليل مها يؤمنون" بيهن أن السهبب فهي نفورههم عهن اليمان‬
‫إنما هو أنهم لعنوا بما تقدم من كفرهم واجترائهم‪ ،‬وهذا هو الجزاء على الذنب بأعظم منه‪ .‬وأصل‬
‫اللعن في كلم العرب الطرد والبعاد‪ .‬ويقال للذئب‪ :‬لعين‪ .‬وللرجل الطريد‪ :‬لعين‪ ،‬وقال الشماخ‪:‬‬
‫مقام الذئب كالرجل اللعين‬ ‫ذعرت به القطا ونفيت عنه‬
‫ووجههه الكلم‪ :‬مقام الذئب اللعيههن كالرجههل‪ ،‬فالمعنههى أبعدهههم ال مههن رحمتههه‪ .‬وقيههل‪ :‬مههن توفيقههه‬
‫وهدايتهه‪ .‬وقيهل‪ :‬مهن كهل خيهر‪ ،‬وهذا عام‪" .‬فقليل" نعهت لمصهدر محذوف‪ ،‬تقديره فإيمانها قليل مها‬
‫يؤمنون‪ .‬وقال معمهر‪ :‬المعنهى ل يؤمنون إل بقليهل ممها فهي أيديهم ويكفرون بأكثره‪ ،‬ويكون "قليل"‬
‫منصههوب بنزع حرف الصههفة‪ .‬و"مهها" صههلة‪ ،‬أي فقليل يؤمنون‪ .‬وقال الواقدي‪ :‬معناه ل يؤمنون‬
‫قليل ول كثيرا‪ ،‬كمهها تقول‪ :‬مهها أقههل مهها يفعههل كذا‪ ،‬أي ل يفعله البتههة‪ .‬وقال الكسههائي‪ :‬تقول العرب‬
‫مررنا بأرض قل ما تنبت الكراث والبصل‪ ،‬أي ل تنبت شيئا‪.‬‬
‫*‪ *3‬الية‪{ 89 :‬ولما جاءهم كتاب من عند ال مصدق لما معهم وكانوا من قبل يستفتحون على‬
‫الذين كفروا فلما جاءهم ما عرفوا كفروا به فلعنة ال على الكافرين}‬
‫@قوله تعالى‪" :‬ولمها جاءههم" يعنهي اليهود‪ .‬قوله تعالى‪" :‬كتاب مهن عنهد ال" يعنهي القرآن‪ .‬قوله‬
‫تعالى‪" :‬مصدق" نعت لكتاب‪ ،‬ويجوز في غير القرآن نصبه على الحال‪ ،‬وكذلك هو في مصحف‬
‫أبي بالنصب فيما روي‪ .‬قوله تعالى‪" :‬لما معهم" يعني التوراة والنجيل يخبرهم بما فيهما‪.‬‬
‫@قوله تعالى‪" :‬وكانوا مههن قبههل يسههتفتحون على الذيههن كفروا" أي يسههتنصرون‪ .‬والسههتفتاح‬
‫السههتنصار‪ .‬اسههتفتحت‪ :‬اسههتنصرت‪ .‬وفههي الحديههث‪ :‬كان النههبي صههلى ال عليههه وسههلم يسههتفتح‬
‫بصعاليك المهاجرين‪ ،‬أي يستنصر بدعائهم وصلتهم‪ .‬ومنه "فعسى ال أن يأتي بالفتح أو أمر من‬
‫عنده" [المائدة‪ .]52 :‬والنصهر‪ :‬فتهح شيهء مغلق‪ ،‬فههو يرجهع إلى قولههم فتحهت الباب‪ .‬وروى‬
‫النسهائي عهن أبهي سهعيد الخدري أن النهبي صهلى ال عليهه وسهلم قال‪( :‬إنمها نصهر ال هذه المهة‬
‫بضعفائهها بدعوتههم وصهلتهم وإخلصههم)‪ .‬وروى النسهائي أيضها عهن أبهي الدرداء قال‪ :‬سهمعت‬
‫رسههول ال صههلى ال عليههه وسههلم يقول‪( :‬أبغونههي الضعيههف فإنكههم إنمهها ترزقون وتنصههرون‬
‫بضعفائكهم"‪ .‬قال ابهن عباس‪ :‬كانهت يهود خيهبر تقاتهل غطفان فلمها التقوا هزمهت يهود‪ ،‬فعادت يهود‬
‫بهذا الدعاء وقالوا‪ :‬إنها نسهألك بحهق النهبي المهي الذي وعدتنها أن تخرجهه لنها فهي آخهر الزمان إل‬
‫تنصهرنا عليههم‪ .‬قال‪ :‬فكانوا إذا التقوا دعوا بهذا الدعاء فهزموا غطفان‪ ،‬فلمها بعهث النهبي صهلى ال‬
‫عليههه وسههلم كفروا‪ ،‬فأنزل ال تعالى‪" :‬وكانوا مههن قبههل يسههتفتحون على الذيههن كفروا" أي بههك يهها‬
‫محمد‪ ،‬إلى قوله‪" :‬فلعنة ال على الكافرين"‪.‬‬
‫@قوله تعالى‪" :‬فلمها جاءههم مها عرفوا كفروا بهه فلعنهة ال على الكافريهن" "ولمها جاءههم" جواب‬
‫"لمها" الفاء ومها بعدهها فهي قوله "فلمها جاءههم مها عرفوا" فهي قول الفراء‪ ،‬وجواب "لمها" الثانيهة‬
‫"كفروا"‪ .‬وقال الخفهش سهعيد‪ :‬جواب "لمها" محذوف لعلم السهامع‪ ،‬وقاله الزجاج‪ .‬وقال المهبرد‪:‬‬
‫جواب "لمهها" فههي قوله‪" :‬كفروا"‪ ،‬وأعيدت "لمهها" الثانيههة لطول الكلم‪ .‬ويفيههد ذلك تقريههر الذنههب‬
‫وتأكيدا له‪.‬‬
‫*‪ *3‬اليهة‪{ 90 :‬بئسهما اشتروا بهه أنفسههم أن يكفروا بمها أنزل ال بغيها أن ينزل ال مهن فضله‬
‫على من يشاء من عباده فباؤوا بغضب على غضب وللكافرين عذاب مهين}‬
‫@قوله تعالى‪" :‬بئسما اشتروا به أنفسهم أن يكفروا بما أنزل ال" بئس في كلم العرب مستوفية‬
‫للذم‪ ،‬كما أن "نعم" مستوفية للمدح‪ .‬وفي كل واحدة منها أربع لغات‪ِ :‬بئْس َبئْس َبئِس ِبئِس‪ِ .‬نعْم َنعْم‬
‫َنعِم ِنعِم‪ .‬ومذهب سيبويه أن "ما" فاعلة بئس‪ ،‬ول تدخل إل على أسماء الجناس والنكرات‪ .‬وكذا‬
‫نِعهم‪ ،‬فتقول نعهم الرجهل زيهد‪ ،‬ونعهم رجل زيهد‪ ،‬فإذا كان معهها اسهم بغيهر ألف ولم فههو نصهب أبدا‪،‬‬
‫فإذا كان فيهه ألف ولم فههو رفهع أبدا‪ ،‬ونصهب رجهل على التمييهز‪ .‬وفهي نعهم مضمهر على شريطهة‬
‫التفسهير‪ ،‬وزيهد مرفوع على وجهيهن‪ :‬على خهبر ابتداء محذوف‪ ،‬كأنهه قيهل مهن الممدوح؟ قلت ههو‬
‫زيد‪ ،‬والخر على البتداء وما قبله خبره‪ .‬وأجاز أبو علي أن تليها "ما" موصولة وغير موصولة‬
‫من حيث كانت مبهمة تقع على الكثرة ول تخص واحدا بعينه‪ ،‬والتقدير عند سيبويه‪ :‬بئس الشيء‬
‫اشتروا بهه أنفسههم أن يكفروا‪ .‬فهه "أن يكفروا" فهي موضهع رفهع بالبتداء وخهبره فيمها قبله‪ ،‬كقولك‪:‬‬
‫بئس الرجهل زيهد‪ ،‬و"مها" على هذا القول موصهولة‪ .‬وقال الخفهش‪" :‬مها" فهي موضهع نصهب على‬
‫التمييهز‪ ،‬كقولك‪ :‬بئس رجل زيهد‪ ،‬فالتقديهر بئس شيئا أن يكفروا‪ .‬فهه "اشتروا بهه أنفسههم" على هذا‬
‫القول صههفة "مهها"‪ .‬وقال الفراء‪" :‬بئسههما" بجملتههه شيههء واحههد ركههب كحبذا‪ .‬وفههي هذا القول‬
‫اعتراض‪ ،‬لنه يبقى فعل بل فاعل‪ .‬وقال الكسائي‪" :‬ما" و"اشتروا" بمنزلة اسم واحد قائم بنفسه‪،‬‬
‫والتقديهههر بئس اشتراؤههههم أن يكفروا‪ .‬وهذا مردود‪ ،‬فإن نعهههم وبئس ل يدخلن على اسهههم معيهههن‬
‫معرف‪ ،‬والشراء قهد تعرف بإضافتهه إلى الضميهر‪ .‬قال النحاس‪ :‬وأبيهن هذه القوال قول الخفهش‬
‫وسههيبويه‪ .‬قال الفراء والكسههائي‪" :‬أن يكفروا" إن شئت كانههت "أن" فههي موضههع خفههض ردا على‬
‫الهاء فهي بهه‪ .‬قال الفراء‪ :‬أي اشتروا أنفسههم بأن يكفروا بمها أنزل ال‪ .‬فاشترى بمعنهى باع وبمعنهى‬
‫ابتاع‪ ،‬والمعنى‪ :‬بئس الشيء الذي اختاروا لنفسهم حيث استبدلوا الباطل بالحق‪ ،‬والكفر باليمان‪.‬‬
‫@قوله تعالى‪" :‬بغيها" معناه حسهدا‪ ،‬قال قتادة والسهدي‪ ،‬وهو مفعول مهن أجله‪ ،‬وههو على الحقيقة‬
‫مصهدر‪ .‬الصهمعي‪ :‬وههو مأخوذ مهن قولههم‪ :‬قهد بغهى الجرح إذا فسهد‪ .‬وقيهل‪ :‬أصهله الطلب‪ ،‬ولذلك‬
‫سهميت الزانيهة بغيها‪ .‬قوله تعالى‪" :‬أن ينزل ال مهن فضله على مهن يشاء مهن عباده" فهي موضهع‬
‫نصهب‪ ،‬أي لن ينزل‪ ،‬أي لجهل إنزال ال الفضهل على نهبيه صهلى ال عليهه وسهلم‪ .‬وقرأ ابهن كثيهر‬
‫وأبههو عمرو ويعقوب وابههن محيصههن "أن ينزل" مخففهها‪ ،‬وكذلك سههائر مهها فههي القرآن‪ ،‬إل "ومهها‬
‫ننزله" [الحجر‪ ،]21 :‬وفي "النعام" "على أن ينزل آية"‪[ .‬النعام‪.]37 :‬‬
‫@قوله تعالى‪" :‬فباؤوا" أي رجعوا‪ ،‬وأكثر ما يقال في الشر‪ ،‬وقد تقدم‪ .‬قوله تعالى‪" :‬بغضب على‬
‫غضب" تقدم معنى غضب ال عليهم‪ ،‬وهو عقابه‪ ،‬فقيل‪ :‬الغضب الول لعبادتهم العجل‪ ،‬والثاني‬
‫لكفرهم بمحمد صلى ال عليه وسلم‪ ،‬قال ابن عباس‪ .‬وقال عكرمة‪ :‬لنهم كفروا بعيسى ثم كفروا‬
‫بمحمهد‪ ،‬يعنهي اليهود‪ .‬وروى سهعيد عهن قتادة‪ :‬الول لكفرههم بالنجيهل‪ ،‬والثانهي لكفرههم بالقرآن‪.‬‬
‫وقال قوم‪ :‬المراد التأبيهد وشدة الحال عليههم‪ ،‬ل أنهه أراد غضهبين معلليهن بمعصهيتين‪ .‬قوله تعالى‪:‬‬
‫"وللكافرين عذاب مهين" مأخوذ من الهوان‪ ،‬وهو ما اقتضى الخلود في النار دائما بخلف خلود‬
‫العصهاة مهن المسهلمين‪ ،‬فإن ذلك تمحيهص لههم وتطهيهر‪ ،‬كرجهم الزانهي وقطهع يهد السهارق‪ ،‬على مها‬
‫يأتي بيانه في سورة "النساء" من حديث أبي سعيد الخدري إن شاء ال تعالى‪.‬‬
‫*‪ *3‬الية‪{ 91 :‬وإذا قيل لهم آمنوا بما أنزل ال قالوا نؤمن بما أنزل علينا ويكفرون بما وراءه‬
‫وهو الحق مصدقا لما معهم قل فلم تقتلون أنبياء ال من قبل إن كنتم مؤمنين}‬
‫@قوله تعالى‪" :‬وإذا قيل لهم آمنوا" أي صدقوا‪" .‬بما أنزل ال" يعني القرآن‪" .‬قالوا نؤمن" أي‬
‫نصهدق‪" .‬بمها أنزل علينها" يعنهي التوراة‪" .‬ويكفرون بمها وراءه" أي بمها سهواه‪ ،‬عهن الفراء‪ .‬وقتادة‪:‬‬
‫بمهها بعده‪ ،‬وهههو قول أبههي عههبيدة‪ ،‬والمعنههى واحههد‪ .‬قال الجوهري‪ :‬وراء بمعنههى خلف‪ ،‬وقههد تكون‬
‫بمعنههى قدام‪ .‬وهههي مههن الضداد‪ ،‬قال ال تعالى‪" :‬وكان وراءهههم ملك" أي أمامهههم‪ ،‬وتصههغيرها‬
‫وريئه (بالهاء) وههي شاذة‪ .‬وانتصهب "وراءه" على الظرف‪ .‬قال الخفهش‪ :‬يقال لقيتهه مهن وراء‪،‬‬
‫فترفعه على الغاية إذا كان غير مضاف تجعله اسما وهو غير متمكن‪ ،‬كقولك‪ :‬من قبل ومن بعد‪،‬‬
‫وأنشد‪:‬‬
‫لقاؤك إل من وراء وراء‬ ‫إذا أنا لم أومن عليك ولم يكن‬
‫قلت‪ :‬ومنهه قول إبراهيهم عليهه السهلم فهي حديهث الشفاعهة‪( :‬إنمها كنهت خليل مهن وراء وراء)‪.‬‬
‫والوراء‪ :‬ولد الولد أيضا‪.‬‬
‫@قوله تعالى‪" :‬وهو الحق" ابتداء وخبر‪" .‬مصدقا" حال مؤكدة عند سيبويه‪" .‬لما معهم" ما في‬
‫موضع خفض باللم‪ ،‬و"معهم" صلتها‪ ،‬و"معهم" نصب بالستقرار‪ ،‬ومن أسكن جعله حرفا‪.‬‬
‫@قوله تعالى‪" :‬قل فلم تقتلون أنبياء ال من قبل" رد من ال تعالى عليهم في قولهم إنهم آمنوا بما‬
‫أنزل عليههم‪ ،‬وتكذيهب منهه لههم وتوبيهخ‪ ،‬المعنهى‪ :‬فكيهف قتلتهم وقهد نهيتهم عهن ذلك! فالخطاب لمهن‬
‫حضهر محمدا صهلى ال عليهه وسهلم والمراد أسهلفهم‪ .‬وإنمها توجهه الخطاب لبنائههم‪ ،‬لنههم كانوا‬
‫يتولون أولئك الذيههن قتلوا‪ ،‬كمهها قال‪" :‬ولو كانوا يؤمنون بال والنههبي ومهها أنزل إليههه مهها اتخذوهههم‬
‫أولياء" [المائدة‪ ]81 :‬فإذا تولوههم فههم بمنزلتههم‪ .‬وقيهل‪ :‬لنههم رضوا فعلههم فنسهب ذلك إليههم‪.‬‬
‫وجاء "تقتلون" بلفهظ السهتقبال وههو بمعنهى المضهي لمها ارتفهع الشكال بقوله‪" :‬مهن قبهل"‪ .‬وإذا لم‬
‫يشكل فجائز أن يأتي الماضي بمعنى المستقبل‪ ،‬والمستقبل بمعنى الماضي‪ ،‬قال الحطيئة‪:‬‬
‫أن الوليد أحق بالعذر‬ ‫شهد الحطيئة يوم يلقى ربه‬
‫شهد بمعنى يشهد‪.‬‬
‫@قوله تعالى‪" :‬إن كنتهم مؤمنيهن" أي إن كنتهم معتقديهن اليمان فلم رضيتهم بقتهل النهبياء! وقيهل‪:‬‬
‫"إن" بمعنى ما‪ ،‬وأصل "لم" لما‪ ،‬حذفت اللف فرقا بين الستفهام والخبر‪ ،‬ول ينبغي أن يوقف‬
‫عليه‪ ،‬لنه إن وقف عليه بل هاء كان لحنا‪ ،‬وإن وقف عليه بالهاء زيد في السواد‪.‬‬
‫*‪ *3‬الية‪{ 92 :‬ولقد جاءكم موسى بالبينات ثم اتخذتم العجل من بعده وأنتم ظالمون}‬
‫@قوله تعالى‪" :‬ولقهد جاءكهم موسهى بالبينات" اللم لم القسهم‪ .‬والبينات قوله تعالى‪" :‬ولقهد آتينها‬
‫موسهى تسهع آيات بينات" [السهراء‪ ]101 :‬وههي العصها‪ ،‬والسهنون‪ ،‬واليهد‪ ،‬والدم‪ ،‬والطوفان‪،‬‬
‫والجراد والقمل‪ ،‬والضفادع‪ ،‬وفلق البحر‪ .‬وقيل‪ :‬البينات التوراة‪ ،‬وما فيها من الدللت‪.‬‬
‫@قوله تعالى‪" :‬ثهم اتخذتهم العجهل مهن بعده وأنتهم ظالمون" توبيهخ‪ ،‬و"ثهم" أبلغ مهن الواو فهي‬
‫التقريع‪ ،‬أي بعد النظر في اليات والتيان بها اتخذتم‪ .‬وهذا يدل على أنهم إنما فعلوا ذلك بعد مهلة‬
‫من النظر في الية‪ ،‬وذلك أعظم لجرمهم‪.‬‬
‫*‪ *3‬اليهة‪{ 93 :‬وإذ أخذنها ميثاقكهم ورفعنها فوقكهم الطور خذوا مها آتيناكهم بقوة واسهمعوا قالوا‬
‫سمعنا وعصينا وأشربوا في قلوبهم العجل بكفرهم قل بئسما يأمركم به إيمانكم إن كنتم مؤمنين}‬
‫@قوله تعالى‪" :‬وإذ أخذنا ميثاقكم ورفعنا فوقكم الطور خذوا ما آتيناكم بقوة واسمعوا" تقدم الكلم‬
‫فهي هذا‪ .‬ومعنهى "واسهمعوا" أطيعوا‪ ،‬وليهس معناه المهر بإدراك القول فقهط‪ ،‬وإنمها المراد اعلموا‬
‫بما سمعتم والتزموه‪ ،‬ومنه قولهم‪ :‬سمع ال لمن حمده‪ ،‬أي قبل وأجاب‪ .‬قال‪:‬‬
‫يكون ال يسمع ما أقول‬ ‫دعوت ال حتى خفت أل‬
‫أي يقبل‪ ،‬وقال الراجز‪:‬‬
‫خير وأعفى لبني تميم‬ ‫والسمع والطاعة والتسليم‬
‫@قوله تعالى‪" :‬قالوا سمعنا وعصينا" اختلف هل صهدر منههم هذا اللفهظ حقيقة باللسهان نطقا‪ ،‬أو‬
‫يكونوا فعلوا فعل قام مقام القول فيكون مجازا‪ ،‬كما قال‪:‬‬
‫مهل رويدا قد ملت بطني‬ ‫امتل الحوض وقال قطني‬
‫وهذا احتجاج عليهم في قولهم‪" :‬نؤمن بما أنزل علينا"‪.‬‬
‫@قوله تعالى‪" :‬وأشربوا فهي قلوبههم العجهل بكفرههم" أي حهب العجهل والمعنهى‪ :‬جعلت قلوبههم‬
‫تشربه‪ ،‬وهذا تشبيه ومجاز عبارة عن تمكن أمر العجل في قلوبهم‪ .‬وفي الحديث‪( :‬تعرض الفتن‬
‫على القلوب كالحصههير عودا عودا فأي قلب أشربههها نكههت فيههه نكتههة سههوداء‪ )...‬الحديههث‪ ،‬خرجههه‬
‫مسلم‪ .‬يقال أشرب قلبه حب كذا‪ ،‬قال زهير‪:‬‬
‫والحب تشربه فؤادك داء‬ ‫فصحوت عنها بعد حب داخل‬
‫وإنمها عهبر عهن حهب العجهل بالشرب دون الكهل لن شرب الماء يتغلغهل فهي العضاء حتهى يصهل‬
‫إلى باطنها‪ ،‬والطعام مجاور لها غير متغلغل فيها‪ .‬وقد زاد على هذا المعنى أحد التابعين فقال في‬
‫زوجته عثمة‪ ،‬وكان عتب عليها في بعض المر فطلقها وكان محبا لها‪:‬‬
‫فباديه مع الخافي يسير‬ ‫تغلغل حب عثمة في فؤادي‬
‫ول حزن ولم يبلغ سرور‬ ‫تغلغل حيث لم يبلغ شراب‬
‫أطير لو أن إنسانا يطير‬ ‫أكاد إذا ذكرت العهد منها‬
‫وقال السدي وابن جريج‪ :‬إن موسى عليه السلم برد العجل وذراه في الماء‪ ،‬وقال لبني إسرائيل‪:‬‬
‫اشربوا مهن ذلك الماء‪ ،‬فشرب جميعههم‪ ،‬فمهن كان يحهب العجهل خرجهت برادة الذههب على شفتيهه‪.‬‬
‫وروي أنه ما شربه أحد إل جن‪ ،‬حكاه القشيري‪.‬‬
‫قلت‪ :‬أمها تذريتهه فهي البحهر فقهد دل عليهه قوله تعالى‪" :‬ثهم لننسهفنه فهي اليهم نسهفا" [طهه‪،]97 :‬‬
‫وأمها شرب الماء وظهور البرادة على الشفاه فيرده قوله تعالى‪" :‬واشربوا فهي قلوبههم العجهل" وال‬
‫تعالى اعلم‪.‬‬
‫@قوله تعالى‪" :‬قهل بئسهما يأمركهم بهه إيمانكهم إن كنتهم مؤمنيهن" وقهد تقدم ذكره‪" .‬إيمانكهم" أي‬
‫إيمانكم الذي زعمتم في قولكم‪ :‬نؤمن بما أنزل علينا‪ .‬وقيل‪ :‬إن هذا الكلم خطاب للنبي صلى ال‬
‫عليه وسلم‪ ،‬أمر أن يوبخهم‪ ،‬أي قل لهم يا محمد‪ :‬بئس هذه الشياء التي فعلتم وأمركم بها إيمانكم‪.‬‬
‫*‪ *3‬الية‪{ :‬قل إن كانت لكم الدار الخرة عند ال خالصة من دون الناس فتمنوا الموت إن كنتم‬
‫صادقين}‬
‫@قوله تعالى‪" :‬قهل إن كانهت لكهم الدار الخرة" لمها ادعهت اليهود دعاوى باطلة حكاهها ال عهز‬
‫وجههل عنهههم فههي كتابههه‪ ،‬كقوله تعالى‪" :‬لن تمسههنا النار إل أيامهها معدودة" [البقرة‪ ،]80 :‬وقوله‪:‬‬
‫"وقالوا لن يدخهل الجنهة إل مهن كان هودا أو نصهارى" [البقرة‪ ،]111 :‬وقالوا‪" :‬نحهن أبناء ال‬
‫وأحباؤه" [المائدة‪ ]18 :‬أكذبهم ال عز وجل وألزمهم الحجة فقال قل لهم يا محمد‪" :‬إن كان لكم‬
‫الدار الخرة" يعني الجنة "فتمنوا الموت إن كنتم صادقين"‪.‬‬
‫@قوله تعالى‪" :‬عنهد ال خالصهة مهن دون الناس" نصهب على خهبر كان‪ ،‬وإن شئت كان حال‪،‬‬
‫ويكون "عند ال" في موضع الخبر‪" .‬فتمنوا الموت إن كنتم صادقين" في أقوالكم‪ ،‬لن من اعتقد‬
‫أنه من أهل الجنة كان الموت أحب إليه من الحياة في الدنيا‪ ،‬لما يصير إليه من نعيم الجنة‪ ،‬ويزول‬
‫عنهه مهن أذى الدنيها‪ ،‬فأحجموا عهن تمنهي ذلك فرقها مهن ال لقبهح أعمالههم ومعرفتههم بكفرههم فهي‬
‫قولههم‪" :‬نحهن أبناء ال وأحبائه" [المائدة‪ ،]18 :‬وحرصههم على الدنيها تحقيقها لكذبههم‪ .‬وأيضها لو‬
‫تمنوا الموت لماتوا‪ ،‬كما روي عن النبي صلى ال عليه وسلم أنه قال‪( :‬لو أن اليهود تمنوا الموت‬
‫لماتوا ورأوا مقامهم من النار)‪ .‬وقيل‪ :‬إن ال صرفهم عن إظهار التمني‪ ،‬وقصرهم على المساك‬
‫ليجعل ذلك آية لنبيه صلى ال عليه وسلم‪ ،‬فهذه ثلثة أوجه في تركهم التمني‪ .‬وحكى عكرمة عن‬
‫ابن عباس في قوله‪" :‬فتمنوا الموت" أن المراد ادعوا بالموت على أكذب الفريقين منا ومنكم‪ ،‬فما‬
‫دعوا لعلمهم بكذبهم‪.‬‬
‫*‪ *3‬الية‪{ 95 :‬ولن يتمنوه أبدا بما قدمت أيديهم وال عليم بالظالمين}‬
‫@ فإن قيل‪ :‬فالتمني يكون باللسان تارة وبالقلب أخرى‪ ،‬فمن أين علم أنهم لم يتمنوه بقلوبهم؟ قيل‬
‫له‪ :‬نطهق القرآن بذلك بقول "ولن يتمنوه أبدا" ولو تمنوه بقلوبههم لظهروه بألسهنتهم ردا على النهبي‬
‫صههلى ال عليههه‪ ،‬سههلم وإبطال لحجتههه‪ ،‬وهذا بيههن‪" .‬أبدا" ظرف زمان يقههع على القليههل والكثيههر‪،‬‬
‫كالحيهن والوقهت‪ ،‬وههو هنها مهن أول العمهر إلى الموت‪ .‬و"مها" فهي قوله "بمها" بمعنهى الذي والعائد‬
‫محذوف‪ ،‬والتقديههر قدمتههه‪ ،‬وتكون مصههدرية ول تحتاج إلى عائد‪ .‬و"أيديهههم" فههي موضههع رفههع‪،‬‬
‫حذفهت الضمهة مهن الياء لثقلهها مهع الكسهرة‪ ،‬وإن كانهت فهي موضهع نصهب حركتهها‪ ،‬لن النصهب‬
‫خفيف‪ ،‬ويجوز إسكانها في الشعر‪" .‬وال عليم بالظالمين" ابتداء وخبر‪.‬‬
‫*‪ *3‬الية‪{ 96 :‬ولتجدنهم أحرص الناس على حياة ومن الذين أشركوا يود أحدهم لو يعمر ألف‬
‫سنة وما هو بمزحزحه من العذاب أن يعمر وال بصير بما يعملون}‬
‫@قوله تعالى‪" :‬ولتجدنههم أحرص الناس على حياة" يعنهي اليهود‪" .‬ومهن الذيهن أشركوا" قيهل‪:‬‬
‫المعنهى وأحرص‪ ،‬فحذف "من الذين أشركوا" لمعرفتهم بذنوبههم وأل خير لهم عند ال‪ ،‬ومشركو‬
‫العرب ل يعرفون إل هذه الحياة ول علم لهم من الخرة‪ ،‬أل ترى قول شاعرهم‪:‬‬
‫من النشوات والنساء الحسان‬ ‫تمتع من الدنيا فإنك فان‬
‫والضمير في "أحدهم" يعود في هذا القول على اليهود‪ .‬وقيل‪ :‬إن الكلم تم في "حياة" ثم استؤنف‬
‫الخبار عن طائفة من المشركين‪ .‬قيل‪ :‬هم المجوس‪ ،‬وذلك بين في أدعياتهم للعاطس بلغاتهم بما‬
‫معناه "عش ألف سنة"‪ .‬وخص اللف بالذكر لنها نهاية العقد في الحساب‪ .‬وذهب الحسن إلى أن‬
‫"الذين أشركوا" مشركو العرب‪ ،‬خصوا بذلك لنهم ل يؤمنون بالبعث‪ ،‬فهم يتمنون طول العمر‪.‬‬
‫وأصهل سهنة سهنهة‪ .‬وقيهل‪ :‬سهنوة‪ .‬وقيهل‪ :‬فهي الكلم تقديهم وتأخيهر‪ ،‬والمعنهى ولتجدنههم وطائفهة مهن‬
‫الذين أشركوا أحرص الناس على حياة‪.‬‬
‫@قوله تعالى‪" :‬يود أحدهم لو يعمر ألف سنة" أصل "يود" يودد‪ ،‬أدغمت لئل يجمع بين حرفين‬
‫مههن جنههس واحههد متحركيههن‪ ،‬وقلبههت حركههة الدال على الواو‪ ،‬ليدل ذلك على أنههه يفعههل‪ .‬وحكههى‬
‫الكسائي‪ :‬وددت‪ ،‬فيجوز على هذا يود بكسر الواو‪ .‬ومعنى يود‪ :‬يتمنى‪.‬‬
‫@قوله تعالى‪" :‬وما هو بمزحزحه من العذاب أن يعمر" اختلف النحاة في هو‪ ،‬فقيل‪ :‬هو ضمير‬
‫الحههد المتقدم‪ ،‬التقديههر مهها أحدهههم بمزحزحههه‪ ،‬وخههبر البتداء فههي المجرور‪" .‬أن يعمههر" فاعههل‬
‫بمزحزح وقالت فرقة‪ :‬هو ضمير التعمير‪ ،‬والتقدير وما التعمير بمزحزحه‪ ،‬والخبر في المجرور‪،‬‬
‫"أن يعمر" بدل من التعمير على هذا القول‪ .‬وحكى الطبري عن فرقة أنها قالت‪" :‬هو" عماد‪.‬‬
‫قلت‪ :‬وفيهه بعهد‪ ،‬فإن حهق العماد أن يكون بيهن شيئيهن متلزميهن‪ ،‬مثهل قوله‪" :‬إن كان هذا ههو‬
‫الحهق" [النفال‪ ،]32 :‬وقوله‪" :‬ولكهن كانوا ههم الظالميهن" [الزخرف‪ ]76 :‬ونحهو ذلك‪ .‬وقيهل‪:‬‬
‫"ما" عاملة حجازية‪ ،‬و"هو" اسمها‪ ،‬والخبر في "بمزحزحه"‪ .‬وقالت طائفة‪" :‬هو" ضمير المر‬
‫والشأن‪ .‬ابهن عطيهة‪ :‬وفيهه بعهد‪ ،‬فإن المحفوظ عهن النحاة أن يفسهر بجملة سهالمة مهن حرف جهر‪.‬‬
‫وقوله‪" :‬بمزحزحهه" الزحزحهة‪ :‬البعاد والتنحيهة‪ ،‬يقال‪ :‬زحزحتهه أي باعدتهه فتزحزح أي تنحهى‬
‫وتباعد‪ ،‬يكون لزما ومتعديا قال الشاعر في المتعدي‪:‬‬
‫وغافر الذنب زحزحني عن النار‬ ‫يا قابض الروح من نفس إذا احتضرت‬
‫وأنشده ذو الرمة‪:‬‬
‫وغافر الذنب زحزحني عن النار‬ ‫يا قابض الروح عن جسم عصى زمنا‬
‫وقال آخر في اللزم‪:‬‬
‫وما بال ضوء الصبح ل يتوضح‬ ‫خليلي ما بال الدجى ل يتزحزح‬
‫وروى النسائي عن أبي هريرة رضي ال عنه عن النبي صلى ال عليه وسلم قال‪( :‬من صام يوما‬
‫في سبيل ال زحزح ال وجهه عن النار سبعين خريفا)‪.‬‬
‫@قوله تعالى‪" :‬وال بصير بما يعملون" أي بما يعمل هؤلء الذين يود أحدهم أن يعمر ألف سنة‪.‬‬
‫ومن قرأ بالتاء فالتقدير عنده‪ .‬قل لهم يا محمد ال بصير بما تعملون‪ .‬وقال العلماء‪ :‬وصف ال عز‬
‫وجههل نفسههه بأنههه بصههير على معنههى أنههه عالم بخفيات المور‪ .‬والبصههير فههي كلم العرب‪ :‬العالم‬
‫بالشيء الخبير به‪ ،‬ومنه قولهم‪ :‬فلن بصير بالطب‪ ،‬وبصير بالفقه‪ ،‬وبصير بملقاة الرجال‪ ،‬قال‪:‬‬
‫بصير بأدواء النساء طبيب‬ ‫فإن تسألوني بالنساء فإنني‬
‫قال الخطابي‪ :‬البصير العالم‪ ،‬والبصير المبصر‪ .‬وقيل‪ :‬وصف تعالى نفسه بأنه بصير على معنى‬
‫جاعههل الشياء المبصههرة ذوات إبصههار‪ ،‬أي مدركههة للمبصههرات بمهها خلق لههها مههن اللة المدركههة‬
‫والقوة‪ ،‬فال بصير بعباده‪ ،‬أي جاعل عباده مبصرين‪.‬‬
‫*‪ *3‬اليهة‪{ 97 :‬قهل مهن كان عدوا لجبريهل فإنهه نزله على قلبهك بإذن ال مصهدقا لمها بيهن يديهه‬
‫وهدى وبشرى للمؤمنين}‬
‫@قوله تعالى‪" :‬قهل مهن كان عدوا لجبريهل" سهبب نزولهها أن اليهود قالوا للنهبي صهلى ال عليهه‬
‫وسهلم‪ :‬إنهه ليهس نهبي مهن النهبياء إل يأتيهه ملك مهن الملئكهة مهن عنهد ربهه بالرسهالة وبالوحهي‪ ،‬فمهن‬
‫صههاحبك حتههى نتابعههك؟ قال‪( :‬جبريههل) قالوا‪ :‬ذاك الذي ينزل بالحرب وبالقتال‪ ،‬ذاك عدونهها! لو‬
‫قلت‪ :‬ميكائيل الذي ينزل بالقطر وبالرحمة تابعناك‪ ،‬فأنزل ال الية إلى قوله‪" :‬للكافرين" أخرجه‬
‫الترمذي‪.‬‬
‫@قوله تعالى‪" :‬فإنهه نزله على قلبهك" الضميهر فهي "إنهه" يحتمهل معنييهن‪ ،‬الول‪ :‬فإن ال نزل‬
‫جبريهل على قلبهك‪ .‬الثانهي‪ :‬فإن جبريهل نزل بالقرآن على قلبهك‪ .‬وخهص القلب بالذكهر لنهه موضهع‬
‫العقل والعلم وتلقي المعارف‪ .‬ودلت الية على شرف جبريل عليه السلم وذم معاديه‪.‬‬
‫@قوله تعالى‪" :‬بإذن ال" أي بإرادتهه وعلمهه‪" .‬مصهدقا لمها بيهن يديهه" يعنهي التوراة‪" .‬وهدى‬
‫وبشرى للمؤمنين" تقدم معناه والحمد ل‪.‬‬
‫*‪ *3‬الية‪{98 :‬من كان عدوا ل وملئكته ورسله وجبريل وميكال فإن ال عدو للكافرين}‬
‫@قوله تعالى‪" :‬مهن كان عدوا ل" شرط‪ ،‬وجوابهه "فإن ال عدو للكافريهن"‪ .‬وهذا وعيهد وذم‬
‫لمعادي جبريهل عليهه السهلم‪ ،‬وإعلن أن عداوة البعهض تقتضهي عداوة ال لههم‪ .‬وعداوة العبهد ل‬
‫هي معصيته واجتناب طاعته‪ ،‬ومعاداة أوليائه‪ .‬وعداوة ال للعبد تعذيبه وإظهار أثر العداوة عليه‪.‬‬
‫فإن قيل‪ :‬لم خص ال جبريل وميكائيل بالذكر وإن كان ذكر الملئكة قد عمهما؟‬
‫قيهل له‪ :‬خصههما بالذكهر تشريفها لهمها‪ ،‬كمها قال‪" :‬فيهمها فاكههة ونخهل ورمان" [الرحمهن‪.]68 :‬‬
‫وقيهل‪ :‬خصها لن اليهود ذكروهمها‪ ،‬ونزلت اليهة بسهببهما‪ ،‬فذكرهمها واجهب لئل تقول اليهود‪ :‬إنها لم‬
‫نعاد ال وجميهع ملئكتههه‪ ،‬فنههص ال تعالى عليهمها لبطال مها يتأولونهه مههن التخصههيص‪ .‬ولعلماء‬
‫اللسان في جبريل وميكائيل عليهما السلم لغات‪ ،‬فأما التي في جبريل فعشر‪:‬‬
‫الولى‪ :‬جبريل‪ ،‬وهي لغة أهل الحجاز‪ ،‬قال حسان بن ثابت‪:‬‬
‫وجبريل رسول ال فينا‬
‫الثانيهة‪ :‬جبريهل (بفتهح الجيهم) وههي قراءة الحسهن وابهن كثيهر‪ ،‬وروي عهن ابهن كثيهر أنهه قال‪ :‬رأيهت‬
‫النبي صلى ال عليه وسلم في النوم وهو يقرأ جبريل وميكائيل فل أزال أقرؤهما أبدا كذلك‪.‬‬
‫الثالثة‪ :‬جبرئيل (بياء بعد الهمزة‪ ،‬مثال جبرعيل)‪ ،‬كما قرأ أهل الكوفة‪ ،‬وأنشدوا‪:‬‬
‫مدى الدهر إل جبرئيل أمامها‬ ‫شهدنا فما تلقى لنا من كتيبة‬
‫وهي لغة تميم وقيس‪.‬‬
‫الرابعة‪ :‬جبرئل (على وزن جبرعل) مقصور‪ ،‬وهي قراءة أبي بكر عن عاصم‪.‬‬
‫الخامسة‪ :‬مثلها‪ ،‬وهي قراءة يحيى بن يعمر‪ ،‬إل أنه شدد اللم‪.‬‬
‫السادسة‪ :‬جبرائل (بألف بعد الراء ثم همزة) وبها قرأ عكرمة‪.‬‬
‫السابعة‪ :‬مثلها‪ ،‬إل أن بعد الهمزة ياء‪.‬‬
‫الثامنة‪ :‬جبرييل (بياءين بغير همزة) وبها قرأ العمش ويحيى بن يعمر أيضا‪.‬‬
‫التاسعة‪ :‬جبرئين (بفتح الجيم مع همزة مكسورة بعدها ياء ونون)‪.‬‬
‫العاشرة‪ :‬جبرين (بكسر الجيم وتسكين الباء بنون من غير همزة) وهي لغة بني أسد‪ .‬قال الطبري‪:‬‬
‫ولم يقرأ بههها‪ .‬قال النحاس ‪ -‬وذكههر قراءة ابههن كثيههر ‪" : -‬ل يعرف فههي كلم العرب فَعليههل‪ ،‬وفيههه‬
‫فِعليهل‪ ،‬نحهو دهليهز وقطميهر وبرطيهل‪ ،‬وليهس ينكهر أن يكون فهي كلم العجهم مها ليهس له نظيهر فهي‬
‫كلم العرب‪ ،‬وليههس ينكههر أن يكثههر تغيره‪ ،‬كمهها قالوا‪ :‬إبراهيههم وإبرهههم وإبراهههم وإبراهام"‪ .‬قال‬
‫غيره‪ :‬جبريل اسم أعجمي عربته العرب‪ ،‬فلها فيه هذه اللغات ولذلك لم ينصرف‪.‬‬
‫قلت‪ :‬قد تقدم في أول الكتاب أن الصحيح فهي هذه اللفاظ عربية نزل بها جبريل بلسان عربي‬
‫مبين‪ .‬قال النحاس‪ :‬ويجمع جبريل على التكسير جباريل‪ .‬وأما اللغات التي في ميكائيل فست‪:‬‬
‫الولى‪ :‬ميكاييل‪ ،‬قراءة نافع‪.‬‬
‫الثانية‪ :‬وميكائيل (بياء بعد الهمزة) قراءة حمزة‪.‬‬
‫الثالثة‪ :‬ميكال‪ ،‬لغة أهل الحجاز‪ ،‬وهي قراءة أبي عمرو وحفص عن عاصم‪ .‬وروي عن ابن كثير‬
‫الثلثة أوجه‪ ،‬قال كعب بن مالك‪:‬‬
‫فيه مع النصر ميكال وجبريل‬ ‫ويوم بدر لقيناكم لنا مدد‬
‫وقال آخر‪:‬‬
‫وبجبرئيل وكذبوا ميكال‬ ‫عبدوا الصليب وكذبوا بمحمد‬
‫الرابعة‪ :‬ميكئيل‪ ،‬مثل ميكعيل‪ ،‬وهي قراءة ابن محيصن‪.‬‬
‫الخامسة‪ :‬ميكاييل (بياءين) وهي قراءة العمش باختلف عنه‪.‬‬
‫السادسة‪ :‬ميكاءل‪ ،‬كما يقال (إسراءل بهمزة مفتوحة)‪ ،‬وهو اسم أعجمي فلذلك لم ينصرف‪ .‬وذكر‬
‫ابهن عباس أن جهبر وميكها وإسهراف ههي كلهها بالعجميهة بمعنهى‪ :‬عبهد ومملوك‪ .‬وإيهل‪ :‬اسهم ال‬
‫تعالى‪ ،‬ومنه قول أبي بكر الصديق رضي ال عنه حين سمع سجع مسيلمة‪ :‬هذا كلم لم يخرج من‬
‫إل‪ ،‬وفهي التنزيهل‪" :‬ل يرقبون فهي مؤمهن إل ول ذمهة" فهي أحهد التأويليهن‪ ،‬وسهيأتي‪ .‬قال الماوردي‪:‬‬
‫إن جبريهل وميكائيهل اسهمان‪ ،‬أحدهمها عبدال‪ ،‬والخهر عهبيدال‪ ،‬لن إيهل ههو ال تعالى‪ ،‬وجهبر ههو‬
‫عبهد‪ ،‬وميكها ههو عبيهد‪ ،‬فكأن جبريهل عبدال‪ ،‬وميكائيهل عهبيدال‪ ،‬هذا قول ابهن عباس‪ ،‬وليهس له فهي‬
‫المفسرين مخالف‪.‬‬
‫قلت‪ :‬وزاد بعهض المفسهرين‪ :‬وإسهرافيل عبدالرحمهن‪ .‬قال النحاس‪ :‬ومهن تأول الحديهث "جهبر"‬
‫عبهد‪ ،‬و"إل" ال وجب عليه أن يقول‪ :‬هذا جهبرئل ورأيت جهبرئل ومررت بجبرئل‪ ،‬وهذا ل يقال‪،‬‬
‫فوجب أن يكون معنى الحديث أنه مسمى بهذا‪ .‬قال غيره‪ :‬ولو كان كما قالوا لكان مصروفا‪ ،‬فترك‬
‫الصرف يدل على أنه اسم واحد مفرد ليس بمضاف‪ .‬وروى عبدالغني الحافظ من حديث أفلت بن‬
‫خليفة ‪ -‬وهو فليت العامري وهو أبو حسان ‪ -‬عن جسرة بنت دجاجة عن عائشة رضي ال عنها‬
‫قالت‪ :‬قال رسول ال صلى ال عليه وسلم‪( :‬اللهم رب جبريل وميكايل وإسرافيل أعوذ بك من حر‬
‫النار وعذاب القبر)‪.‬‬
‫*‪ *3‬الية‪{ 99 :‬ولقد أنزلنا إليك آيات بينات وما يكفر بها إل الفاسقون}‬
‫@قال ابن عباس رضي ال عنهما‪ :‬هذا جواب لبن صوريا حيث قال لرسول ال صلى ال عليه‬
‫وسهلم‪ :‬يها محمهد مها جئتنها بشيهء نعرفهه‪ ،‬ومها أنزل عليهك مهن آيهة بينهة فنتبعهك بهها؟ فأنزل ال هذه‬
‫الية‪ ،‬ذكره الطبري‪.‬‬
‫*‪ *3‬الية‪{ 100 :‬أو كلما عاهدوا عهدا نبذه فريق منهم بل أكثرهم ل يؤمنون}‬
‫@قوله تعالى‪" :‬أوكلمها عاهدوا عهدا" الواو واو العطهف‪ ،‬دخلت عليها ألف السهتفهام كما تدخل‬
‫على الفاء فهي قوله‪" :‬أفحكهم الجاهليهة" [المائدة‪" ،]50 :‬أفأنهت تسهمع الصهم" [الزخرف‪،]40 :‬‬
‫"أفتتخذونهه وذريتهه" [الكههف‪ .]50 :‬وعلى ثهم كقوله‪" :‬أثهم إذا مها وقهع" [يونهس‪ ]51 :‬هذا قول‬
‫سهيبويه‪ .‬وقال الخفهش‪ :‬الواو زائدة‪ .‬ومذههب الكسهائي أنهها أو‪ ،‬حركهت الواو منهها تسههيل‪ .‬وقرأهها‬
‫قوم أو‪ ،‬ساكنة الواو فتجيء بمعنى بل‪ ،‬كما يقول القائل‪ :‬لضربنك‪ ،‬فيقول المجيب‪ :‬أو يكفي ال‪.‬‬
‫قال ابهن عطيهة‪ :‬وهذا كله متكلف‪ ،‬والصهحيح قول سهيبويه‪" .‬كلمها" نصهب على الظرف‪ ،‬والمعنهي‬
‫في الية مالك بن الصيف‪ ،‬ويقال فيه ابن الضيف‪ ،‬كان قد قال‪ :‬وال ما أخذ علينا عهد في كتابنا‬
‫أن نؤمههن بمحمههد ول ميثاق‪ ،‬فنزلت اليههة‪ .‬وقيههل‪ :‬إن اليهود عاهدوا لئن خرج محمههد لنؤمههن بههه‬
‫ولنكونهن معهه على مشركهي العرب‪ ،‬فلمها بعهث كفروا بهه‪ .‬وقال عطاء‪ :‬ههي العهود التهي كانهت بيهن‬
‫النبي صلى ال عليه وسلم وبين اليهود فنقضوها كفعل قريظة والنضير‪ ،‬دليله قوله تعالى‪" :‬الذين‬
‫عاهدت منهم ثم ينقضون عهدهم في كل مرة وهم ل يتقون" [النفال‪.]56 :‬‬
‫@قوله تعالى‪" :‬نبذه فريق منهم" النبذ‪ :‬الطرح واللقاء‪ ،‬ومنه النبيذ والمنبوذ‪ ،‬قال أبو السود‪:‬‬
‫أخذت كتابي معرضا بشمالكا‬ ‫وخبرني من كنت أرسلت إنما‬
‫كنبذك نعل أخلقت من نعالكا‬ ‫نظرت إلى عنوانه فنبذته‬
‫آخر‪:‬‬
‫نبذوا كتابك واستحلوا المحرما‬ ‫إن الذين أمرتهم أن يعدلوا‬
‫وهذا مثل يضرب لمن استخف بالشيء فل يعمل به‪ ،‬تقول العرب‪ :‬اجعل هذا خلف ظهرك‪ ،‬ودبرا‬
‫منهك‪ ،‬وتحهت قدمهك‪ ،‬أي اتركهه وأعرض عنهه‪ ،‬قال ال تعالى‪" :‬واتخذتموه وراءكهم ظهريها" [هود‪:‬‬
‫‪ .]92‬وأنشد الفراء‪:‬‬
‫بظهر فل يعيا علي جوابها‬ ‫تميم بن زيد ل تكونن حاجتي‬
‫@قوله تعالى‪" :‬بل أكثرهم" ابتداء‪" .‬ل يؤمنون" فعل مستقبل في موضع الخبر‪.‬‬
‫*‪ *3‬الية‪{ 101 :‬ولما جاءهم رسول من عند ال مصدق لما معهم نبذ فريق من الذين أوتوا‬
‫الكتاب كتاب ال وراء ظهورهم كأنهم ل يعلمون}‬
‫@قوله تعالى‪" :‬ولمها جاءههم رسهول مهن عنهد ال مصهدق لمها معههم" نعهت لرسهول‪ ،‬ويجوز نصهبه‬
‫على الحال‪" .‬نبهذ فريهق" جواب "لمها"‪" .‬مهن الذيهن أوتوا الكتاب كتاب ال وراء ظهورههم" نصهب‬
‫بهه "نبهذ"‪ ،‬والمراد التوراة‪ ،‬لن كفرههم بالنهبي عليهه السهلم وتكذيبههم له نبهذ لهها‪ .‬قال السهدي‪ :‬نبذوا‬
‫التوراة وأخذوا بكتاب آصههف‪ ،‬وسههحر هاروت وماروت‪ .‬وقيههل‪ :‬يجوز أن يعنههي بههه القرآن‪ .‬قال‬
‫الشعبي‪ :‬هو بين أيديهم يقرؤونه‪ ،‬ولكن نبذوا العمل به‪ .‬وقال سفيان بن عيينة‪ :‬أدرجوه في الحرير‬
‫والديباج‪ ،‬وحلوه بالذهب والفضة‪ ،‬ولم يحلوا حلله ولم يحرموا حرامه‪ ،‬فذلك النبذ‪ .‬وقد تقدم بيانه‬
‫مسهتوفا‪" .‬كأنههم ل يعلمون" تشهبيه بمهن ل يعلم إذ فعلوا فعهل الجاههل فيجيهء مهن اللفهظ أنههم كفروا‬
‫على علم‪.‬‬
‫*‪ *3‬الية‪{ 102 :‬واتبعوا ما تتلوا الشياطين على ملك سليمان وما كفر سليمان ولكن الشياطين‬
‫كفروا يعلمون الناس السهحر ومها أنزل على الملكيهن ببابهل هاروت وماروت ومها يعلمان مهن أحهد‬
‫حتهى يقول إنمها نحهن فتنهة فل تكفهر فيتعلمون منهمها مها يفرقون بهه بيهن المرء وزوجهه ومها ههم‬
‫بضارين به من أحد إل بإذن ال ويتعلمون ما يضرهم ول ينفعهم ولقد علموا لمن اشتراه ما له في‬
‫الخرة من خلق ولبئس ما شروا به أنفسهم لو كانوا يعلمون}‬
‫*‪*4‬قوله تعالى {واتبعوا مها تتلوا الشياطيهن على ملك سهليمان ومها كفهر سهليمان ولكهن الشياطيهن‬
‫كفروا يعلمون الناس السهحر ومها أنزل على الملكيهن ببابهل هاروت وماروت ومها يعلمان مهن أحهد‬
‫حتى يقول إنما نحن فتنة فل تكفر‪}.. .‬‬
‫@قوله تعالى‪" :‬واتبعوا ما تتلو الشياطين على ملك سليمان" هذا إخبار من ال تعالى عن الطائفة‬
‫الذيهن نبذوا الكتاب بأنههم اتبعوا السهحر أيضها‪ ،‬وههم اليهود‪ .‬وقال السهدي‪ :‬عارضهت اليهود محمدا‬
‫صهلى ال عليهه وسهلم بالتوراة فاتفقهت التوراة والقرآن فنبذوا التوراة وأخذوا بكتاب آصهف وبسهحر‬
‫هاروت وماروت‪ .‬وقال محمهد بهن إسهحاق‪ :‬لمها ذكهر رسهول ال صهلى ال عليهه وسهلم سهليمان فهي‬
‫المرسهلين قال بعهض أحبارههم‪ :‬يزعهم محمهد أن ابهن داود كان نبيها! وال مها كان إل سهاحرا‪ ،‬فأنزل‬
‫ال عز وجل‪" :‬وما كفر سليمان ولكن الشياطين كفروا" أي ألقت إلى بني آدم أن ما فعله سليمان‬
‫مهن ركوب البحهر واسهتسخار الطيهر والشياطيهن كان سهحرا‪ .‬وقال الكلبهي‪ :‬كتبهت الشياطيهن السهحر‬
‫والنيرنجيات على لسان آصف كاتب سليمان‪ ،‬ودفنوه تحت مصله حين انتزع ال ملكه ولم يشعر‬
‫بذلك سليمان‪ ،‬فلما مات سليمان استخرجوه وقالوا للناس‪ :‬إنما ملككم بهذا فتعلموه‪ ،‬فأما علماء بني‬
‫إسههرائيل فقالوا‪ :‬معاذ ال أن يكون هذا علم سههليمان! وأمهها السههفلة فقالوا‪ :‬هذا علم سههليمان‪ ،‬وأقبلوا‬
‫على تعليمه ورفضوا كتب أنبيائهم حتى بعث ال محمدا صلى ال عليه وسلم‪ ،‬فأنزل ال عز وجل‬
‫على نبيه عذر سليمان وأظهر براءته مما رمي به فقال‪" :‬واتبعوا ما تتلوا الشياطين"‪ .‬قال عطاء‪:‬‬
‫"تتلو" تقرأ من التلوة‪ .‬وقال ابن عباس‪" :‬تتلو" تتبع‪ ،‬كما تقول‪ :‬جاء القوم يتلو بعضهم بعضا‪.‬‬
‫وقال الطبري‪" :‬اتبعوا" بمعنى فضلوا‪.‬‬
‫قلت‪ :‬لن كهل مهن اتبهع شيئا وجعله أمامهه فقهد فضله على غيره‪ ،‬ومعنهى "تتلو" يعنهي تلت‪ ،‬فههو‬
‫بمعنى المضي‪ ،‬قال الشاعر‪:‬‬
‫كوم الهجان وكل طرف سابح‬ ‫وإذا مررت بقبره فاعقر به‬
‫فلقد يكون أخادم وذبائح‬ ‫وانضح جوانب قبره بدمائها‬
‫أي فلقهد كان‪ .‬و"مها" مفعول بهه "اتبعوا" أي اتبعوا مها تقولتهه الشياطيهن على سهليمان وتلتهه‪ .‬وقيهل‪:‬‬
‫"ما" نفي‪ ،‬وليس بشيء ل في نظام الكلم ول في صحته‪ ،‬قال ابن العربي‪" .‬على ملك سليمان"‬
‫أي على شرعهه ونبوتهه‪ .‬قال الزجاج‪ :‬قال الفراء على عههد ملك سهليمان‪ .‬وقيهل‪ :‬المعنهى فهي ملك‬
‫سليمان‪ ،‬يعني في قصصه وصفاته وأخباره‪ .‬قال الفراء‪ :‬تصلح على وفي‪ ،‬في مثل هذا الموضع‪.‬‬
‫وقال "على" ولم يقل بعد لقوله تعالى‪" :‬وما أرسلنا من قبلك من رسول ول نبي إل إذا تمنى ألقى‬
‫الشيطان فهي أمنيتهه" [الحهج‪ ]52 :‬أي فهي تلوتهه‪ .‬وقهد تقدم معنهى الشيطان واشتقاقهه‪ ،‬فل معنهى‬
‫لعادته‪ .‬والشياطين هنا قيل‪ :‬هم شياطين الجن‪ ،‬وهو المفهوم من هذا السم‪ .‬وقيل‪ :‬المراد شياطين‬
‫النس المتمردون في الضلل‪ ،‬كقول جرير‪:‬‬
‫وكن يهوينني إذ كنت شيطانا‬ ‫أيام يدعونني الشيطان من غزلي‬
‫@قوله تعالى‪" :‬ومها كفهر سهليمان" تهبرئة مهن ال لسهليمان ولم يتقدم فهي اليهة أن أحدا نسهبه إلى‬
‫الكفهر‪ ،‬ولكهن اليهود نسهبته إلى السهحر‪ ،‬ولكهن لمها كان السهحر كفرا صهار بمنزلة مهن نسهبه إلى‬
‫الكفر‪" .‬ولكن الشياطين كفروا يعلمون الناس السحر" فأثبت كفرهم بتعليم السحر‪ .‬و"يعلمون" في‬
‫موضهع نصهب على الحال‪ ،‬ويجوز أن يكون فهي موضهع رفهع على أنهه خهبر ثان‪ .‬وقرأ الكوفيون‬
‫سوى عاصم "ولكن الشياطين" بتخفيف "لكن"‪ ،‬ورفع النون من "الشياطين"‪ ،‬وكذلك في النفال‬
‫"ولكن ال رمى" [النفال‪ ]17 :‬ووافقهم ابن عامر‪ .‬الباقون بالتشديد والنصب‪ .‬و"لكن" كلمة لها‬
‫معنيان‪ :‬نفهي الخهبر الماضهي‪ ،‬وإثبات الخهبر المسهتقبل‪ ،‬وههي مبنيهة مهن ثلث كلمات‪ :‬ل‪ ،‬ك‪ ،‬إن‪.‬‬
‫"ل" نفي‪ ،‬و"الكاف" خطاب‪ ،‬و"إن" إثبات وتحقيق‪ ،‬فذهبت الهمزة استثقال‪ ،‬وهي تثقل وتخفف‪،‬‬
‫فإذا ثقلت نصبت كإن الثقيلة‪ ،‬وإذا خففت رفعت بها كما ترفع بإن الخفيفة‪.‬‬
‫السههحر‪ ،‬قيههل‪ :‬السههحر أصههله التمويههه والتخاييههل‪ ،‬وهههو أن يفعههل السههاحر أشياء ومعانههي‪ ،‬فيخيههل‬
‫للمسهحور أنهها بخلف مها ههي بهه‪ ،‬كالذي يرى السهراب مهن بعيهد فيخيهل إليهه أنهه ماء‪ ،‬وكراكهب‬
‫السهفينة السهائرة سهيرا حثيثها يخيهل إليهه أن مها يرى مهن الشجار والجبال سهائرة معهه‪ .‬وقيهل‪ :‬ههو‬
‫مشتق من سحرت الصبي إذا خدعته‪ ،‬وكذلك إذا عللته‪ ،‬والتسحير مثله‪ ،‬قال لبيد‪:‬‬
‫عصافير من هذا النام المسحر‬ ‫فإن تسألينا فيم نحن فإننا‬
‫آخر‪:‬‬
‫ونسحر بالطعام وبالشراب‬ ‫أرانا موضعين لمر غيب‬
‫وأجرأ من مجلحة الذئاب‬ ‫عصافير وذبان ودود‬
‫وقوله تعالى‪" :‬إنمها أنهت مهن المسهحرين" [الشعراء‪ ]153 :‬يقال‪ :‬المسهحر الذي خلق ذا سهحر‪،‬‬
‫ويقال من المعللين‪ ،‬أي ممن يأكل الطعام ويشرب الشراب‪ .‬وقيل‪ :‬أصله الخفاء‪ ،‬فإن الساحر يفعله‬
‫في خفية‪ .‬وقيل‪ :‬أصله الصرف‪ ،‬يقال‪ :‬ما سحرك عن كذا‪ ،‬أي ما صرفك عنه‪ ،‬فالسحر مصروف‬
‫عن جهته‪ .‬وقيل‪ :‬أصله الستمالة‪ ،‬وكل من استمالك فقد سحرك‪ .‬وقيل في قوله تعالى‪" :‬بل نحن‬
‫قوم مسحورون" [الحجر‪ ]15 :‬أي سحرنا فأزلنا بالتخييل عن معرفتنا‪ .‬وقال الجوهري‪ :‬السحر‬
‫الخذة‪ ،‬وكل ما لطف مأخذه ودق فهو سحر‪ ،‬وقد سحره يسحره سحرا‪ .‬والساحر‪ :‬العالم‪ ،‬وسحره‬
‫أيضا بمعنى خدعه‪ ،‬وقد ذكرناه‪ .‬وقال ابن مسعود‪ :‬كنا نسمي السحر في الجاهلية العضه‪ .‬والعضه‬
‫عند العرب‪ :‬شدة البهت وتمويه الكذب‪ ،‬قال الشاعر‪:‬‬
‫في عضه العاضه المعضه‬ ‫أعوذ بربي من النافثات‬
‫واختلف هل له حقيقة أم ل‪ ،‬فذكر الغزنوي الحنفي في عيون المعاني له‪ :‬أن السحر عند المعتزلة‬
‫خدع ل أصهل له‪ ،‬وعنهد الشافعهي وسهوسة وأمراض‪ .‬قال‪ :‬وعندنها أصهله طلسهم يبنهى على تأثيهر‬
‫خصهائص الكواكهب‪ ،‬كتأثيهر الشمهس فهي زئبهق عصهي فرعون‪ ،‬أو تعظيهم الشياطيهن ليسههلوا له مها‬
‫عسر‪.‬‬
‫قلت‪ :‬وعندنها أنهه حهق وله حقيقهة يخلق ال عنده مها شاء‪ ،‬على مها يأتهي‪ .‬ثهم مهن السهحر مها يكون‬
‫بخفة اليد كالشعوذة‪ .‬والشعوذي‪ :‬البريد لخفة سيره‪ .‬قال ابن فارس في المجمل‪ :‬الشعوذة ليست من‬
‫كلم أههل الباديهة‪ ،‬وههي خفهة فهي اليديهن وأخذة كالسهحر‪ ،‬ومنهه مها يكون كلمها يحفهظ‪ ،‬ورقهى مهن‬
‫أسماء ال تعالى‪ .‬وقد يكون من عهود الشياطين‪ ،‬ويكون أدوية وأدخنة وغير ذلك‪.‬‬
‫@ سمى رسول ال صلى ال عليه وسلم الفصاحة في الكلم واللسانة فيه سحرا‪ ،‬فقال‪( :‬إن من‬
‫البيان لسهحرا) أخرجهه مالك وغيره‪ .‬وذلك لن فيهه تصهويب الباطهل حتهى يتوههم السهامع أنهه حهق‪،‬‬
‫فعلى هذا يكون قوله عليه السلم‪( :‬إن من البيان لسحرا) خرج مخرج الذم للبلغة والفصاحة‪ ،‬إذ‬
‫شبههها بالسهحر‪ .‬وقيهل‪ :‬خرج مخرج المدح للبلغهة والتفضيهل للبيان‪ ،‬قاله جماعهة مهن أههل العلم‪.‬‬
‫والول أصهح‪ ،‬والدليهل عليهه قوله عليهه السهلم‪( :‬فلعهل بعضكهم أن يكون ألحهن بحجتهه مهن بعهض)‪،‬‬
‫وقوله‪( :‬إن أبغضكم إلي الثرثارون المتفيهقون)‪ .‬الثرثرة‪ :‬كثرة الكلم وترديده‪ ،‬يقال‪ :‬ثرثر الرجل‬
‫فههو ثرثار مهذار‪ .‬والمتفيههق نحوه‪ .‬قال ابهن دريهد‪ .‬فلن يتفيههق فهي كلمهه إذا توسهع فيهه وتنطهع‪،‬‬
‫قال‪ :‬وأصله الفهق وهو المتلء‪ ،‬كأنه مل به فمه‪.‬‬
‫قلت‪ :‬وبهذا المعنهى الذي ذكرناه فسهره عامهر الشعهبي راوي الحديهث وصهعصعة بهن صهوحان‬
‫فقال‪ :‬أمها قوله صهلى ال عليهه وسهلم‪( :‬إن مهن البيان لسهحرا) فالرجهل يكون عليهه الحهق وههو ألحهن‬
‫بالحجج من صاحب الحق فيسحر القوم ببيانه فيذهب بالحق وهو عليه‪ ،‬وإنما يحمد العلماء البلغة‬
‫واللسهانة مها لم تخرج إلى حهد السههاب والطناب‪ ،‬وتصهوير الباطهل فهي صهورة الحهق‪ .‬وهذا بيهن‪،‬‬
‫والحمد ل‪.‬‬
‫@ مهن السهحر مها يكون كفرا مهن فاعله‪ ،‬مثهل مها يدعون مهن تغييهر صهور الناس‪ ،‬وإخراجههم فهي‬
‫هيئة بهيمهة‪ ،‬وقطهع مسهافة شههر فهي ليلة‪ ،‬والطيران فهي الهواء‪ ،‬فكهل مهن فعهل هذا ليوههم الناس أنهه‬
‫محق فذلك كفر منه‪ ،‬قاله أبو نصر عبدالرحيم القشيري‪ .‬قال أبو عمرو‪ :‬من زعم أن الساحر يقلب‬
‫الحيوان مههن صههورة إلى صههورة‪ ،‬فيجعههل النسههان حمارا أو نحوه‪ ،‬ويقدر على نقههل الجسههاد‬
‫وهلكهها وتبديلهها‪ ،‬فهذا يرى قتهل السهاحر لنهه كافهر بالنهبياء‪ ،‬يدعهي مثهل آياتههم ومعجزاتههم‪ ،‬ول‬
‫يتهيأ مع هذا علم صحة النبوة إذ قد يحصل مثلها بالحيلة‪ .‬وأما من زعم أن السحر خدع ومخاريق‬
‫وتمويهات وتخييلت فلم يجب على أصله قتل الساحر‪ ،‬إل أن يقتل بفعله أحدا فيقتل به‪.‬‬
‫@ ذهههب أهههل السههنة إلى أن السههحر ثابههت وله حقيقههة‪ .‬وذهههب عامههة المعتزلة وأبههو إسههحاق‬
‫السهترابادي مهن أصهحاب الشافعهي إلى أن السهحر ل حقيقهة له‪ ،‬وإنمها ههو تمويهه وتخييهل وإيهام‬
‫لكون الشيء على غير ما هو به‪ ،‬وأنه ضرب من الخفة والشعوذة‪ ،‬كما قال تعالى‪" :‬يخيل إليه من‬
‫سحرهم أنها تسعى" [طه‪ ]66 :‬ولم يقل تسعى على الحقيقة‪ ،‬ولكن قال "يخيل إليه"‪ .‬وقال أيضا‪:‬‬
‫"سهحروا أعيهن الناس "[العراف‪ .]116 :‬وهذا ل حجهة فيهه‪ ،‬لنها ل ننكهر أن يكون التخييهل‬
‫وغيره مهن جملة السحر‪ ،‬ولكن ثبهت وراء ذلك أمور جوزها العقل وورد بها السمع‪ ،‬فمن ذلك ما‬
‫جاء في هذه الية من ذكر السحر وتعليمه‪ ،‬ولو لم يكن له حقيقة لم يمكن تعليمه‪ ،‬ول أخبر تعالى‬
‫أنهم يعلمونه الناس‪ ،‬فدل على أن له حقيقة‪ .‬وقوله تعالى في قصة سحرة فرعون‪" :‬وجاؤوا بسحر‬
‫عظيهم" وسهورة "الفلق"‪ ،‬مهع اتفاق المفسهرين على أن سهبب نزولهها مها كان مهن سهحر لبيهد بهن‬
‫العصهم‪ ،‬وههو ممها خرجهه البخاري ومسهلم وغيرهمها عهن عائشهة رضهي ال عنهها قالت‪ :‬سهحر‬
‫رسهول ال صهلى ال عليهه وسهلم يهودي مهن يهود بنهي زريهق يقال له لبيهد بهن العصهم‪ ،‬الحديهث‪.‬‬
‫وفيه‪ :‬أن النبي صلى ال عليه وسلم قال لما حل السحر‪" :‬إن ال شفاني"‪ .‬والشفاء إنما يكون برفع‬
‫العلة وزوال المرض‪ ،‬فدل على أن له حقا وحقيقة‪ ،‬فهو مقطوع به بإخبار ال تعالى ورسوله على‬
‫وجوده ووقوعه‪ .‬وعلى هذا أهل الحل والعقد الذين ينعقد بهم الجماع‪ ،‬ول عبرة مع اتفاقهم بحثالة‬
‫المعتزلة ومخالفتهم أهل الحق‪ .‬ولقد شاع السحر وذاع في سابق الزمان وتكلم الناس فيه‪ ،‬ولم يبد‬
‫مهن الصهحابة ول مهن التابعيهن إنكار لصهله‪ .‬وروى سهفيان عهن أبهي العور عهن عكرمهة عهن ابهن‬
‫عباس قال‪ :‬علم السحر في قرية من قرى مصر يقال لها‪ :‬الفرما‪ ،‬فمن كذب به فهو كافر‪ ،‬مكذب‬
‫ل ورسوله‪ ،‬منكر لما علم مشاهدة وعيانا‪.‬‬
‫@ قال علماؤنا‪ :‬ل ينكر أن يظهر على يد الساحر خرق العادات مما ليس في مقدور البشر من‬
‫مرض وتفريهق وزوال عقهل وتعويهج عضهو إلى غيهر ذلك ممها قام الدليهل على اسهتحالة كونهه مهن‬
‫مقدورات العباد‪ .‬قالوا‪ :‬ول يبعههد فههي السههحر أن يسههتدق جسههم السههاحر حتههى يتولج فههي الكوات‬
‫والخوخات والنتصههاب على رأس قصههبة‪ ،‬والجري على خيههط مسههتدق‪ ،‬والطيران فههي الهواء‬
‫والمشههي على الماء وركوب كلب وغيههر ذلك‪ .‬ومههع ذلك فل يكون السههحر موجبهها لذلك‪ ،‬ول علة‬
‫لوقوعهه ول سهببا مولدا‪ ،‬ول يكون السهاحر مسهتقل بهه‪ ،‬وإنمها يخلق ال تعالى هذه الشياء ويحدثهها‬
‫عنهد وجود السهحر‪ ،‬كمها يخلق الشبهع عنهد الكهل‪ ،‬والري عنهد شرب الماء‪ .‬روى سهفيان عهن عمار‬
‫الذهبي أن ساحرا كان عند الوليد بن عقبة يمشي على الحبل‪ ،‬ويدخل في أست الحمار ويخرج من‬
‫فيهه‪ ،‬فاشتمهل له جندب على السهيف فقتله جندب ‪ -‬هذا ههو جندب بهن كعهب الزدي ويقال البجلي ‪-‬‬
‫وههو الذي قال فهي حقهه النهبي صهلى ال عليهه وسهلم‪( :‬يكون فهي أمتهي رجهل يقال له جندب يضرب‬
‫ضربهة بالسهيف يفرق بيهن الحهق والباطهل)‪ .‬فكانوا يرونهه جندبها هذا قاتهل السهاحر‪ .‬قال علي بهن‬
‫المديني‪ :‬روى عنه حارثة بن مضرب‪.‬‬
‫@ أجمهع المسهلمون على أنهه ليهس فهي السهحر مها يفعهل ال عنده إنزال الجراد والقمهل والضفادع‬
‫وفلق البحههر وقلب العصهها وإحياء الموتههى وإنطاق العجماء‪ ،‬وأمثال ذلك مههن عظيههم آيات الرسههل‬
‫عليهههم السههلم‪ .‬فهذا ونحوه ممهها يجههب القطههع بأنههه ل يكون ول يفعله ال عنههد إرادة السههاحر‪ .‬قال‬
‫القاضي أبو بكر بن الطيب‪ :‬وإنما منعنا ذلك بالجماع ولوله لجزناه‪.‬‬
‫@فهي الفرق بيهن السهحر والمعجزة‪ ،‬قال علماؤنها‪ :‬السهحر يوجهد مهن السهاحر وغيره‪ ،‬وقهد يكون‬
‫جماعهة يعرفونهه ويمكنههم التيان بهه فهي وقهت واحهد‪ .‬والمعجزة ل يمكهن ال أحدا أن يأتهي بمثلهها‬
‫وبمعارضتههها‪ ،‬ثههم السههاحر لم يدع النبوة فالذي يصههدر منههه متميههز عههن المعجزة‪ ،‬فإن المعجزة‬
‫شرطها اقتران دعوى النبوة والتحدي بها‪ ،‬كما تقدم في مقدمة الكتاب‪.‬‬
‫واختلف الفقهاء في حكم الساحر المسلم والذمي‪ ،‬فذهب مالك إلى أن المسلم إذا سحر بنفسه بكلم‬
‫يكون كفرا يقتهل ول يسهتتاب ول تقبهل توبتهه‪ ،‬لنهه أمهر يسهتسر بهه كالزنديهق والزانهي‪ ،‬ولن ال‬
‫تعالى سمى السحر كفرا بقوله‪" :‬وما يعلمان من أحد حتى يقول إنما نحن فتنة فل تكفر" وهو قول‬
‫أحمهد بهن حنبهل وأبهي ثور وإسهحاق والشافعهي وأبهي حنيفهة‪ .‬وروي قتهل السهاحر عهن عمهر وعثمان‬
‫وابن عمر وحفصة وأبي موسى وقيس بن سعد وعن سبعة من التابعين‪ .‬وروي عن النبي صلى‬
‫ال عليه وسلم‪( :‬حد الساحر ضربه بالسيف) خرجه الترمذي وليس بالقوي‪ ،‬انفرد به إسماعيل بن‬
‫مسهلم وههو ضعيهف عندههم‪ ،‬رواه ابهن المنذر‪ :‬وقهد روينها عهن عائشهة أنهها باعهت سهاحرة كانهت‬
‫سهحرتها وجعلت ثمنهها فهي الرقاب‪ .‬قال ابهن المنذر‪ :‬وإذا أقهر الرجهل أنهه سهحر بكلم يكون كفرا‬
‫وجهب قتله إن لم يتهب‪ ،‬وكذلك لو ثبتهت بهه عليهه بينهة ووصهفت البينهة كلمها يكون كفرا‪ .‬وإن كان‬
‫الكلم الذي ذكهر أنهه سهحر بهه ليهس بكفهر لم يجهز قتله‪ ،‬فإن كان أحدث فهي المسهحور جنايهة توجهب‬
‫القصاص اقتص منه إن كان عمد ذلك‪ ،‬وإن كان مما ل قصاص فيه ففيه دية ذلك‪ .‬قال ابن المنذر‪:‬‬
‫وإذا اختلف أصهحاب رسهول ال صهلى ال عليهه وسهلم فهي المسهألة وجهب اتباع أشبهههم بالكتاب‬
‫والسنة‪ ،‬وقد يجوز أن يكون السحر الذي أمر من أمر منهم بقتل الساحر سحرا يكون كفرا فيكون‬
‫ذلك موافقا لسنة رسول ال صلى ال عليه وسلم‪ ،‬ويحتمل أن تكون عائشة رضي ال عنها أمرت‬
‫ببيع ساحرة لم يكن سحرها كفرا‪ .‬فإن احتج محتج بحديث جندب عن النبي صلى ال عليه وسلم‪:‬‬
‫(حد الساحر ضربه بالسيف) فلو صح لحتمل أن يكون أمر بقتل الساحر الذي يكون سحره كفرا‪،‬‬
‫فيكون ذلك موافقها للخبار التهي جاءت عهن النهبي صهلى ال عليه وسهلم أنهه قال‪( :‬ل يحهل دم امرئ‬
‫مسلم إل بإحدى ثلث)‪...‬‬
‫قلت‪ :‬وهذا صحيح‪ ،‬ودماء المسلمين محظورة ل تستباح إل بيقين ول يقين مع الختلف‪ .‬وال‬
‫تعالى اعلم‪ .‬وقال بعهض العلماء‪ :‬إن قال أهل الصهناعة أن السهحر ل يتهم إل مهع الكفهر والسهتكبار‪،‬‬
‫أو تعظيههم الشيطان فالسههحر إذا دال على الكفههر على هذا التقديههر‪ ،‬وال تعالى اعلم‪ .‬وروي عههن‬
‫الشافعههي‪ :‬ل يقتههل السههاحر إل أن يقتههل بسههحره ويقول تعمدت القتههل‪ ،‬وإن قال لم أتعمده لم يقتههل‪،‬‬
‫وكانهت فيهه الديهة كقتهل الخطهأ‪ ،‬وإن أضهر بهه أدب على قدر الضرر‪ .‬قال ابهن العربهي‪ :‬وهذا باطهل‬
‫من وجهين‪ ،‬أحدهما‪ :‬أنه لم يعلم السحر‪ ،‬وحقيقته أنه كلم مؤلف يعظم به غير ال تعالى‪ ،‬وتنسب‬
‫إليهه المقاديهر والكائنات‪ .‬الثانهي‪ :‬أن ال سهبحانه قهد صهرح فهي كتابهه بأنهه كفهر فقال‪" :‬ومها كفهر‬
‫سهليمان" بقول السهحر "ولكهن الشياطيهن كفروا" بهه وبتعليمهه‪ ،‬وهاروت وماروت يقولن‪" :‬إنمها‬
‫نحن فتنة فل تكفر" وهذا تأكيد للبيان‪.‬‬
‫احتهج أصهحاب مالك بأنهه ل تقبهل توبتهه‪ ،‬لن السهحر باطهن ل يظهره صهاحبه فل تعرف توبتهه‬
‫كالزنديهق‪ ،‬وإنمها يسهتتاب مهن أظههر الكفهر مرتدا‪ ،‬قال مالك‪ :‬فإن جاء السهاحر أو الزنديهق تائبها قبهل‬
‫أن يشههد عليهمها قبلت توبتهمها‪ ،‬والحجهة لذلك قوله تعالى‪" :‬فلم يهك ينفعههم إيمانههم لمها رأوا بأسهنا"‬
‫[غافر‪ ]85 :‬فدل على أنه كان ينفعهم إيمانهم قبل نزول العذاب‪ ،‬فكذلك هذان‪.‬‬
‫وأما ساحر الذمة‪ ،‬فقيل يقتل‪ .‬وقال مالك‪ :‬ل يقتل إل أن يقتل بسحره ويضمن ما جنى‪ ،‬ويقتل إن‬
‫جاء منه ما لم يعاهد عليه‪ .‬وقال ابن خويز منداد‪ :‬فأما إذا كان ذميا فقد اختلفت الرواية عن مالك‪،‬‬
‫فقال مرة‪ :‬يسههتتاب وتوبتههه السههلم‪ .‬وقال مرة‪ :‬يقتههل وإن أسههلم‪ .‬وأمهها الحربههي فل يقتههل إذا تاب‪،‬‬
‫وكذلك قال مالك فهي ذمهي سهب النهبي صهلى ال عليهه وسهلم‪ :‬يسهتتاب وتوبتهه السهلم‪ .‬وقال مرة‪:‬‬
‫يقتل ول يستتاب كالمسلم‪ .‬وقال مالك أيضا في الذمي إذا سحر‪ :‬يعاقب‪ ،‬إل أن يكون قتل بسحره‪،‬‬
‫أو أحدث حدثا فيؤخذ منه بقدره‪ .‬وقال غيره‪ :‬يقتل‪ ،‬لنه قد نقض العهد‪ .‬ول يرث الساحر ورثته‪،‬‬
‫لنه كافر إل أن يكون سحره ل يسمى كفرا‪ .‬وقال مالك في المرأة تعقد زوجها عن نفسها أو عن‬
‫غيرها‪ :‬تنكل ول تقتل‪.‬‬
‫@ واختلفوا هل يسأل الساحر حل السحر عن المسحور‪ ،‬فأجازه سعيد بن المسيب على ما ذكره‬
‫البخاري‪ ،‬وإليههه مال المزنههي وكرهههه الحسههن البصههري‪ .‬وقال الشعههبي‪ :‬ل بأس بالنشرة‪ .‬قال ابههن‬
‫بطال‪ :‬وفهي كتاب وههب بهن منبهه أن يأخهذ سهبع ورقات مهن سهدر أخضهر فيدقهه بيهن حجريهن ثهم‬
‫يضربه بالماء ويقرأ عليه آية الكرسي‪ ،‬ثم يحسو منه ثلث حسوات ويغتسل به‪ ،‬فإنه يذهب عنه‬
‫كل ما به‪ ،‬إن شاء ال تعالى‪ ،‬وهو جيد للرجل إذا حبس عن أهله‪.‬‬
‫أنكهر معظهم المعتزلة الشياطين والجن‪ ،‬ودل إنكارههم على قلة مبالتهم وركاكة دياناتهم‪ ،‬وليس‬
‫فههي إثباتهههم مسههتحيل عقلي‪ ،‬وقههد دلت نصههوص الكتاب والسههنة على إثباتهههم‪ ،‬وحههق على اللبيههب‬
‫المعتصهم بحبهل ال أن يثبهت مها قضهى العقهل بجوازه‪ ،‬ونهص الشرع على ثبوتهه‪ ،‬قال ال تعالى‪:‬‬
‫"ولكن الشياطين كفروا" وقال‪" :‬ومن الشياطين من يغوصون له" [النبياء‪ ]82 :‬إلى غير ذلك‬
‫مههن الي‪ ،‬وسههورة "الجههن" تقضههي بذلك‪ ،‬وقال عليههه السههلم‪( :‬إن الشيطان يجري مههن ابههن آدم‬
‫مجرى الدم)‪ .‬وقهد أنكهر هذا الخهبر كثيهر مهن الناس‪ ،‬وأحالوا روحيهن فهي جسهد‪ ،‬والعقهل ل يحيهل‬
‫سهلوكهم فهي النهس إذا كانهت أجسهامهم رقيقهة بسهيطة على مها يقوله بعهض الناس بهل أكثرههم‪ ،‬ولو‬
‫كانوا كثافا لصح ذلك أيضا منهم‪ ،‬كما يصح دخول الطعام والشراب في الفراغ من الجسم‪ ،‬وكذلك‬
‫الديدان قد تكون في بني آدم وهي أحياء‪.‬‬
‫@قوله تعالى‪" :‬وما أنزل على الملكين" "ما" نفي‪ ،‬والواو للعطف على قوله‪" :‬وما كفر سليمان"‬
‫وذلك أن اليهود قالوا‪ :‬إن ال أنزل جبريههل وميكائيههل بالسههحر‪ ،‬فنفههى ال ذلك‪ .‬وفههي الكلم تقديههم‬
‫وتأخيهر‪ ،‬التقديهر ومها كفهر سهليمان‪ ،‬ومها أنزل على الملكيهن‪ ،‬ولكهن الشياطيهن كفروا يعلمون الناس‬
‫السهحر ببابهل هاروت وماروت‪ ،‬فهاروت وماروت بدل مهن الشياطيهن فهي قوله‪" :‬ولكهن الشياطيهن‬
‫كفروا"‪ .‬هذا أولى مها حملت عليهه اليهة مهن التأويهل‪ ،‬وأصهح مها قيهل فيهها ول يلتفهت إلى سهواه‪،‬‬
‫فالسهحر مهن اسهتخراج الشياطيهن للطافهة جوهرههم‪ ،‬ودقهة أفهامههم‪ ،‬وأكثهر مها يتعاطاه مهن النهس‬
‫النسهاء وخاصهة فهي حال طمثههن‪ ،‬قال ال تعالى‪" :‬ومهن شهر النفاثات فهي العقهد" [الفلق‪ .]4 :‬وقال‬
‫الشاعر‪:‬‬
‫ت‪..................‬‬ ‫أعوذ بربي من النافثا‬
‫إن قال قائل‪ :‬كيف يكون اثنان بدل من جمع والبدل إنما يكون على حد المبدل‪ ،‬فالجواب من وجوه‬
‫ثلثهة‪ :‬الول‪ :‬أن الثنيهن قهد يطلق عليهمها اسهم الجمهع‪ ،‬كمها قال تعالى‪" :‬فإن كان له إخوة فلمهه‬
‫السدس" [النساء‪ ]11 :‬ول يحجبها عن الثلث إلى السدس إل اثنان من الخوة فصاعدا‪ ،‬على ما‬
‫يأتهي بيانهه فهي "النسهاء"‪ .‬الثانهي‪ :‬أنهمها لمها كانها الرأس فهي التعليهم نهص عليهمها دون اتباعهمها‪ ،‬كمها‬
‫قال تعالى‪" :‬عليها تسعة عشر" [المدثر‪ .]30 :‬الثالث‪ :‬إنما خصا بالذكر من بينهم لتمردهما‪ ،‬كما‬
‫قال تعالى‪" :‬فيهمها فاكههة ونخهل ورمان" [الرحمهن‪ ]68 :‬وقوله‪" :‬وجبريهل وميكال"‪ .‬وهذا كثيهر‬
‫في القرآن وفي كلم العرب‪ ،‬فقد ينص بالذكر على بعض أشخاص العموم إما لشرفه وإما لفضله‪،‬‬
‫كقوله تعالى‪" :‬إن أولى الناس بإبراهيهههم للذيهههن اتبعوه وهذا النهههبي" [آل عمران‪ ]68 :‬وقوله‪:‬‬
‫"وجبريهل وميكال" [البقرة‪ ،]98 :‬وإمها لطيبهه كقوله‪" :‬فاكههة ونخهل ورمان" [الرحمهن‪،]68 :‬‬
‫وإمها لكثريتهه‪ ،‬كقوله صهلى ال عليهه وسهلم‪( :‬جعلت لي الرض مسهجدا وتربتهها طهورا)‪ ،‬وإمها‬
‫لتمرده وعتوه كمها فهي هذه اليهة‪ ،‬وال تعالى اعلم‪ .‬وقهد قيهل‪ :‬إن "مها" عطهف على السهحر وههي‬
‫مفعولة‪ ،‬فعلى هذا يكون "مههها" بمعنهههى الذي‪ ،‬ويكون السهههحر منزل على الملكيهههن فتنهههة للناس‬
‫وامتحانها‪ ،‬ول أن يمتحهن عباده بمها شاء‪ ،‬كمها امتحهن بنههر طالوت‪ ،‬ولهذا يقول الملكان‪ :‬إنمها نحهن‬
‫فتنة‪ ،‬أي محنة من ال‪ ،‬نخبرك أن عمل الساحر كفر فإن أطعتنا نجوت‪ ،‬وإن عصيتنا هلكت‪ .‬وقد‬
‫روي عن علي وابن مسعود وابن عباس وابن عمر وكعب الحبار والسدي والكلبي ما معناه‪ :‬أنه‬
‫لما كثر الفساد من أولد آدم عليه السلم ‪ -‬وذلك في زمن إدريس عليه السلم ‪ -‬عيرتهم الملئكة‪،‬‬
‫فقال ال تعالى‪ :‬أما إنكم لو كنتم مكانههم‪ ،‬وركبت فيكهم ما ركبت فيههم لعملتم مثل أعمالهم‪ ،‬فقالوا‪:‬‬
‫سهبحانك! مها كان ينبغهي لنها ذلك‪ ،‬قال‪ :‬فاختاروا ملكيهن مهن خياركهم‪ ،‬فاختاروا هاروت وماروت‪،‬‬
‫فأنزلهمها إلى الرض فركهب فيهمها الشهوة‪ ،‬فمها مهر بهمها شههر حتهى فتنها بامرأة اسهمها بالنبطيهة‬
‫"بيدخهت" وبالفارسهية "ناهيهل" وبالعربيهة "الزهرة" اختصهمت إليهمها‪ ،‬وراوداهها عهن نفسهها فأبهت‬
‫إل أن يدخل في دينها ويشربا الخمر ويقتل النفس التي حرم ال‪ ،‬فأجاباها وشربا الخمر وألما بها‪،‬‬
‫فرآهما رجل فقتله‪ ،‬وسألتهما عن السم الذي يصعدان به إلى السماء فعلماها فتكلمت به فعرجت‬
‫فمسخت كوكبا‪ .‬وقال سالم عن أبيه عن عبدال‪ :‬فحدثني كعب الحبر أنهما لم يستكمل يومهما حتى‬
‫عمل بمها حرم ال عليهمها‪ .‬وفهي غيهر هذا الحديهث‪ :‬فخيرا بيهن عذاب الدنيها وعذاب الخرة فاختارا‬
‫عذاب الدنيها‪ ،‬فهمها يعذبان ببابهل فهي سهرب مهن الرض‪ .‬قيهل‪ :‬بابهل العراق‪ .‬وقيهل‪ :‬بابهل نهاونهد‪،‬‬
‫وكان ابهن عمهر فيمها يروى عهن عطاء أنهه كان إذا رأى الزهرة وسههيل سهبهما وشتمهمها‪ ،‬ويقول‪:‬‬
‫إن سهيل كان عشارا باليمن يظلم الناس‪ ،‬وإن الزهرة كانت صاحبة هاروت وماروت‪.‬‬
‫قلنا‪ :‬هذا كله ضعيف وبعيد عن ابن عمر وغيره‪ ،‬ل يصح منه شيء‪ ،‬فإنه قول تدفعه الصول‬
‫في الملئكة الذين هم أمناء ال على وحيه‪ ،‬وسفراؤه إلى رسله "ل يعصون ال ما أمرهم ويفعلون‬
‫ما يؤمرون" [التحريم‪" .]6 :‬بل عباد مكرمون‪ .‬ل يسبقونه بالقول وهم بأمره يعملون" [النبياء‪:‬‬
‫‪" .]27 - 26‬يسهبحون الليهل والنهار ل يفترون" [النهبياء‪ .]20 :‬وأمها العقهل فل ينكهر وقوع‬
‫المعصهية مهن الملئكهة ويوجهد منههم خلف مها كلفوه‪ ،‬ويخلق فيههم الشهوات‪ ،‬إذ فهي قدرة ال تعالى‬
‫كل موهوم‪ ،‬ومن هذا خوف النبياء والولياء الفضلء العلماء‪ ،‬لكن وقوع هذا الجائز ل يدرك إل‬
‫بالسهمع ولم يصهح‪ .‬وممها يدل على عدم صهحته أن ال تعالى خلق النجوم وهذه الكواكهب حيهن خلق‬
‫السماء‪ ،‬ففي الخبر‪( :‬أن السماء لما خلقت خلق فيها سبعة دوارة زحل والمشتري وبهرام وعطارد‬
‫والزهرة والشمس والقمر"‪ .‬وهذا معنى قول ال تعالى‪" :‬وكل في فلك يسبحون" [النبياء‪.]33 :‬‬
‫فثبههت بهذا أن الزهرة وسهههيل قههد كانهها قبههل خلق آدم‪ ،‬ثههم إن قول الملئكههة‪" :‬مهها كان ينبغههي لنهها"‬
‫عورة‪ :‬ل تقدر على فتنتنها‪ ،‬وهذا كفهر نعوذ بال منهه ومهن نسهبته إلى الملئكهة الكرام صهلوات ال‬
‫عليهم أجمعين‪ ،‬وقد نزهناهم وهم المنزهون عن كل ما ذكره ونقله المفسرون‪ ،‬سبحان ربك رب‬
‫العزة عما يصفون‪.‬‬
‫قرأ ابهن عباس وابهن أبزى والضحاك والحسهن‪" :‬الملكيهن" بكسهر اللم‪ .‬قال ابهن أبزى‪ :‬همها داود‬
‫وسهليمان‪" .‬فمها" على هذا القول أيضها نافيهة‪ ،‬وضعهف هذا القول ابهن العربهي‪ .‬وقال الحسهن‪ :‬همها‬
‫علجان كانا ببابل ملكين‪ ،‬فه "ما" على هذا القول مفعولة غير نافية‪..‬‬
‫@قوله تعالى‪" :‬ببابهل" بابهل ل ينصهرف للتأنيهث والتعريهف والعجمهة‪ ،‬وههي قطهر مهن الرض‪،‬‬
‫قيل‪ :‬العراق وما واله‪ .‬وقال ابن مسعود لهل الكوفة‪ :‬أنتم بين الحيرة وبابل‪ .‬وقال قتادة‪ :‬هي من‬
‫نصهيبين إلى رأس العيهن‪ .‬وقال قوم‪ :‬ههي بالمغرب‪ .‬قال ابهن عطيهة‪ :‬وهذا ضعيهف‪ .‬وقال قوم‪ :‬ههو‬
‫جبل نهاوند‪ ،‬فال تعالى اعلم‪.‬‬
‫واختلف فهي تسهميته ببابهل‪ ،‬فقيهل‪ :‬سهمي بذلك لتبلبهل اللسهن بهها حيهن سهقط صهرح نمروذ‪ .‬وقيهل‪:‬‬
‫سهمي بهه لن ال تعالى لمها أراد أن يخالف بيهن ألسهنة بنهي آدم بعهث ريحها فحشرتههم مهن الفاق إلى‬
‫بابهل‪ ،‬فبلبهل ال ألسهنتهم بهها‪ ،‬ثهم فرقتههم تلك الريهح فهي البلد‪ .‬والبلبلة‪ :‬التفريهق‪ ،‬قال معناه الخليهل‪.‬‬
‫وقال أبهو عمهر بهن عبدالبر‪ :‬مهن أخصهر مها قيهل فهي البلبلة وأحسهنه مها رواه داود بهن أبهي هنهد عهن‬
‫علباء بن أحمر عن عكرمة عن ابن عباس أن نوحا عليه السلم لما هبط إلى أسفل الجودي ابتنى‬
‫قرية وسماها ثمانين‪ ،‬فأصبح ذات يوم وقد تبلبلت ألسنتهم على ثمانين لغة‪ ،‬إحداها اللسان العربي‪،‬‬
‫وكان ل يفهم بعضهم عن بعض‪.‬‬
‫روى عبدال بن بشر المازني قال‪ :‬قال رسول ال صلى ال عليه وسلم‪( :‬اتقوا الدنيا فوالذي نفسي‬
‫بيده إنها لسحر من هاروت وماروت)‪ .‬قال علماؤنا‪ :‬إنما كانت الدنيا أسحر منهما لنها تسحرك‬
‫بخدعهها‪ ،‬وتكتمهك فتنتهها‪ ،‬فتدعوك إلى التحارص عليهها والتنافهس فيهها‪ ،‬والجمهع لهها والمنهع‪ ،‬حتهى‬
‫تفرق بينهك وبيهن طاعهة ال تعالى‪ ،‬وتفرق بينهك وبيهن رؤيهة الحهق ورعايتهه‪ ،‬فالدنيها أسهحر منهمها‪،‬‬
‫تأخههذ بقلبههك عههن ال‪ ،‬وعههن القيام بحقوقههه‪ ،‬وعههن وعده ووعيده‪ .‬وسههحر الدنيهها محبتههها وتلذذك‬
‫بشهواتهها‪ ،‬وتمنيهك بأمانيهها الكاذبهة حتهى تأخهذ بقلبهك‪ ،‬ولهذا قال رسهول ال صهلى ال عليهه وسهلم‬
‫(حبك الشيء يعمي ويصم)‪.‬‬
‫@قوله تعالى‪" :‬هاروت وماروت" ل ينصههرف "هاروت"‪ ،‬لنههه أعجمههي معرفههة‪ ،‬وكذا‬
‫"ماروت"‪ ،‬ويجمع هواريت ومواريت‪ ،‬مثل طواغيت‪ ،‬ويقال‪ :‬هوارتة وهوار‪ ،‬وموارتة وموار‪،‬‬
‫ومثله جالوت وطالوت‪ ،‬فاعلم‪ .‬وقهد تقدم ههل همها ملكان أو غيرهمها؟ خلف‪ .‬قال الزجاج‪ :‬وروي‬
‫عهن علي رضهى ال عنهه أنهه قال‪ :‬أي والذي أنزل على الملكيهن‪ ،‬وأن الملكيهن يعلمان الناس تعليهم‬
‫إنذار مهن السهحر ل تعليهم دعاء إليهه‪ .‬قال الزجاج‪ :‬وهذا القول الذي عليهه أكثهر أههل اللغهة والنظهر‪،‬‬
‫ومعناه أنهمهها يعلمان الناس على النهههي فيقولن لهههم‪ :‬ل تفعلوا كذا‪ ،‬ول تحتالوا بكذا لتفرقوا بيههن‬
‫المرء وزوجه‪ .‬والذي أنزل عليهما هو النهي‪ ،‬كأنه قول للناس‪ :‬ل تعملوا كذا‪ ،‬فه "يعلمان" بمعنى‬
‫يعلمان‪ ،‬كما قال‪" :‬ولقد كرمنا بني آدم" أي أكرمنا‪.‬‬
‫@قوله تعالى‪" :‬وما يعلمان من أحد" "من" زائدة للتوكيد‪ ،‬والتقدير‪ :‬وما يعلمان أحدا‪ .‬والضمير‬
‫في "يعلمان" لهاروت وماروت‪ .‬وفي "يعلمان" قولن‪ ،‬أحدهما‪ :‬أنه على بابه من التعليم‪ .‬الثاني‪:‬‬
‫أنهه مهن العلم ل مهن التعليهم‪ ،‬فهه "يعلمان" بمعنهى يعِلمْان‪ ،‬وقهد جاء فهي كلم العرب تعلم بمعنهى‬
‫أعلم‪ ،‬ذكره ابن العرابي وابن النباري‪ .‬قال كعب بن مالك‪.‬‬
‫وأن وعيدا منك كالخذ باليد‬ ‫تعلم رسول ال أنك مدركي‬
‫وقال القطامي‪:‬‬
‫وأن لذلك الغي انقشاعا‬ ‫تعلم أن بعد الغي رشدا‬
‫وقال زهير‪:‬‬
‫فاقدر بذرعك وانظر أين تنسلك‬ ‫تعلمن ها لعمر ال ذا قسما‬
‫وقال آخر‪:‬‬
‫على متطير وهو الثبور‬ ‫تعلم أنه ل طير إل‬
‫"حتى يقول" نصب بحتى فلذلك حذفت منه النون‪ ،‬ولغة هذيل وثقيف "عتى" بالعين المعجمة‪.‬‬
‫"إنما نحن فتنة" لما أنبأ بفتنتهما كانت الدنيا أسحر منهما حين كتمت فتنتها‪" .‬فل تكفر" قالت فرقة‬
‫بتعليهم السهحر‪ ،‬وقالت فرقهة باسهتعماله‪ .‬وحكهى المهدوي أنهه اسهتهزاء‪ ،‬لنهمها إنمها يقولنهه لمهن قهد‬
‫تحققا ضلل‪.‬‬
‫*‪*4‬قوله تعالى‪ ...{ :‬فيتعلمون منهمها مها يفرقون به بيهن المرء وزوجهه ومها هم بضارين به مهن‬
‫أحهد إل بإذن ال ويتعلمون مها يضرههم ول ينفعههم ولقهد علموا لمهن اشتراه مها له فهي الخرة مهن‬
‫خلق ولبئس ما شروا به أنفسهم لو كانوا يعلمون}‬
‫@قوله تعالى‪" :‬فيتعلمون منهمها مها يفرقون بهه بيهن المرء وزوجهه" قال سهيبويه‪ :‬التقديهر فههم‬
‫يتعلمون‪ ،‬قال ومثله "كن فيكون"‪ .‬وقيل‪ :‬هو معطوف على موضع "ما يعلمان"‪ ،‬لن قوله‪" :‬وما‬
‫يعلمان" وإن دخلت عليهه مها النافيهة فمضمنهه اليجاب فهي التعليهم‪ .‬وقال الفراء‪ :‬ههي مردودة على‬
‫قوله‪" :‬يعلمون الناس السحر" فيتعلمون‪ ،‬ويكون "فيتعلمون" متصلة بقول "إنما نحن فتنة" فيأتون‬
‫فيتعلمون‪ .‬قال السدي‪ :‬كانا يقولن لمن جاءهما‪ :‬إنما نحن فتنة فل تكفر‪ ،‬فإن أبى أن يرجع قال له‪:‬‬
‫ائت هذا الرماد فبهل فيهه‪ ،‬فإذا بال فيهه خرج منهه نور يسهطع إلى السهماء‪ ،‬وههو اليمان‪ ،‬ثهم يخرج‬
‫منه دخان أسود فيدخل في أذنيه وهو الكفر‪ ،‬فإذا أخبرهما بما رآه من ذلك علماه ما يفرقون به بين‬
‫المرء وزوجه‪.‬‬
‫ذهبت طائفة من العلماء إلى أن الساحر ليس يقدر على أكثر مما أخبر ال عنه من التفرقة‪ ،‬لن‬
‫ال ذكهر ذلك فهي معرض الذم للسهحر والغايهة فهي تعليمهه‪ ،‬فلو كان يقدر على أكثهر مهن ذلك لذكره‪.‬‬
‫وقالت طائفهة‪ :‬ذلك خرج على الغلب‪ ،‬ول ينكهر أن السهحر له تأثيهر فهي القلوب‪ ،‬بالحهب والبغهض‬
‫وبإلقاء الشرور حتهى يفرق السهاحر بيهن المرء وزوجهه‪ ،‬ويحول بيهن المرء وقلبهه‪ ،‬وذلك بإدخال‬
‫اللم وعظيم السقام‪ ،‬وكل ذلك مدرك بالمشاهدة وإنكاره معاندة‪ ،‬وقد تقدم هذا‪ ،‬والحمد ال‪.‬‬
‫@قوله تعالى‪" :‬وما هم بضارين به من أحد إل بإذن ال" "ما هم"‪ ،‬إشارة إلى السحرة‪ .‬وقيل إلى‬
‫اليهود‪ ،‬وقيل إلى الشياطين‪" .‬بضارين به" أي بالسحر‪" .‬من أحد" أي أحدا‪ ،‬ومن زائدة‪" .‬إل بإذن‬
‫ال" بإرادتهههه وقضائه ل بأمره‪ ،‬لنهههه تعالى ل يأمهههر بالفحشاء ويقضهههي على الخلق بهههها‪ .‬وقال‬
‫الزجاج‪" :‬إل بإذن ال" إل بعلم ال‪ .‬قال النحاس‪ :‬وقول أبههههي إسههههحاق "إل بإذن ال" إل بعلم ال‬
‫غلط‪ ،‬لنه إنما يقال في العلم أذن‪ ،‬وقد أذنت أذنا‪ .‬ولكن لما لم يحل فيما بينهم وبينه وظلوا يفعلونه‬
‫كان كأنه أباحه مجازا‪.‬‬
‫@قوله تعالى‪" :‬ويتعلمون ما يضرهم ول ينفعهم" يريه في الخرة وإن أخذوا بها نفعا قليل في‬
‫الدنيا‪ .‬وقيل‪ :‬يضرهم في الدنيا‪ ،‬لن ضرر السحر والتفريق يعود على الساحر في الدنيا إذا عثر‬
‫عليهه‪ ،‬لنهه يؤدب ويزجهر‪ ،‬ويلحقهه شؤم السهحر‪ .‬وباقهي الي بيهن لتقدم معانيهها‪" .‬ولقهد علموا لمهن‬
‫اشتراه مها له فهي الخرة مهن خلق" واللم فهي "ولقهد علموا" لم توكيهد‪" .‬لمهن اشتراه" لم يميهن‪،‬‬
‫وهي للتوكيد أيضا‪ .‬وموضع "من" رفع بالبتداء‪ ،‬لنه ل يعمل ما قبل اللم فيعمل بعدها‪ .‬و"من"‬
‫بمعنهى الذي‪ .‬وقال الفراء‪ .‬ههي للمجازاة‪ .‬وقال الزجاج‪ :‬ليهس هذا بموضهع شرط‪ ،‬و"مهن" بمعنهى‬
‫الذي‪ ،‬كمها تقول‪ :‬لقهد علمهت‪ ،‬لمن جاءك مها له عقهل‪" .‬مهن خلق" "مهن" زائدة‪ ،‬والتقديهر مها له فهي‬
‫الخرة خلق‪ ،‬ول تزاد فههههي الواجههههب‪ ،‬هذا قول البصههههريين‪ .‬وقال الكوفيون‪ :‬تكون زائدة فههههي‬
‫الواجههب‪ ،‬واسههتدلوا بقوله تعالى‪" :‬يغفههر لكههم مههن ذنوبكههم" [نوح‪ ]4 :‬والخلق‪ :‬النصههيب‪ ،‬قاله‬
‫مجاههد‪ .‬قال الزجاج‪ :‬وكذلك ههو عنهد أههل اللغهة‪ ،‬إل أنهه ل يكاد يسهتعمل إل للنصهيب مهن الخيهر‪.‬‬
‫وسئل عن قوله تعالى‪" :‬ولقد علموا لمن اشتراه ما له في الخرة من خلق" فأخبر أنهم قد علموا‪.‬‬
‫@قوله تعالى‪" :‬ولبئس مها شروا بهه أنفسههم لو كانوا يعلمون" فأخهبر أنههم ل يعلمون‪ ،‬فالجواب‬
‫وهو قول قطرب والخفهش‪ :‬أن يكون الذيهن يعلمون الشياطيهن‪ ،‬والذيهن شروا أنفسههم ‪ -‬أي باعوهها‬
‫‪ -‬ههم النهس الذيهن ل يعلمون‪ .‬قال الزجاج وقال علي بهن سهليمان‪ :‬الجود عندي أن يكون "ولقهد‬
‫علموا" للملكيهن‪ ،‬لنهمها أولى بأن يعلموا‪ .‬وقال‪" :‬علموا" كمها يقال‪ :‬الزيدان قاموا‪ .‬وقال الزجاج‪:‬‬
‫الذيهن علموا علماء اليهود‪ ،‬ولكهن قيهل‪" :‬لو كانوا يعلمون" أي فدخلوا فهي محهل مهن يقال له‪ :‬لسهت‬
‫بعالم‪ ،‬لنهم تركوا العمل بعلمهم واسترشدوا من الذين عملوا بالسحر‪.‬‬
‫*‪ *3‬الية‪{ 103 :‬ولو أنهم آمنوا واتقوا لمثوبة من عند ال خير لو كانوا يعلمون}‬
‫@قوله تعالى‪" :‬ولو أنههم آمنوا واتقوا" أي اتقوا السهحر‪" .‬لمثوبهة مهن عنهد ال خيهر لو كانوا‬
‫يعلمون" المثوبة الثواب‪ ،‬وهي جواب "ولو أنهم آمنوا" عند قوم‪ .‬قال الخفش سعيد‪ :‬ليس له "لو"‬
‫هنها جواب فهي اللفهظ ولكهن فهي المعنهى‪ ،‬والمعنهى لثيبوا‪ .‬وموضهع "أن" مهن قوله‪" :‬ولو أنههم"‬
‫موضههع رفههع‪ ،‬أي لو وقههع إيمانهههم‪ ،‬لن "لو" ل يليههها إل الفعههل ظاهرا أو مضمرا‪ ،‬لنههها بمنزلة‬
‫حروف الشرط إذ كان ل بهد له مهن جواب‪ ،‬و"أن" يليه فعهل‪ .‬قال محمهد بهن يزيهد‪ :‬وإنمها لم يجاز بهه‬
‫"لو" لن سبيل حروف المجازاة كلها أن تقلب الماضي إلى معنى المستقبل‪ ،‬فلما لم يكن هذا في‬
‫"لو" لم يجز أن يجازى بها‪.‬‬
‫*‪ *3‬الية‪{ 104 :‬يا أيها الذين آمنوا ل تقولوا راعنا وقولوا انظرنا واسمعوا وللكافرين عذاب‬
‫أليم}‬
‫@قوله تعالى‪" :‬يا أيها الذين آمنوا ل تقولوا راعنا" ذكر شيئا آخر من جهالت اليهود والمقصود‬
‫نههي المسهلمين عهن مثهل ذلك‪ .‬وحقيقهة "راعنها" فهي اللغهة أرعنها ولنرعهك‪ ،‬لن المفاعلة مهن اثنيهن‪،‬‬
‫فتكون من رعاك ال‪ ،‬أي احفظنا ولنحفظك‪ ،‬وارقبنا ولنرقبك‪ .‬ويجوز أن يكون من أرعنا سمعك‪،‬‬
‫أي فرغ سمعك لكلمنها‪ .‬وفهي المخاطبة بهذا جفاء‪ ،‬فأمهر المؤمنين أن يتخيروا مهن اللفاظ أحسهنها‬
‫ومهن المعانهي أرقهها‪ .‬قال ابهن عباس‪ :‬كان المسهلمون يقولون للنهبي صهلى ال عليهه وسهلم‪ :‬راعنها‪.‬‬
‫على جهة الطلب والرغبة ‪ -‬من المراعاة ‪ -‬أي التفت إلينا‪ ،‬وكان هذا بلسان اليهود سبا‪ ،‬أي اسمع‬
‫ل سمعت‪ ،‬فاغتنموها وقالوا‪ :‬كنا نسبه سرا فالن نسبه جهرا‪ ،‬فكانوا يخاطبون بها النبي صلى ال‬
‫عليهه وسهلم ويضحكون فيمها بينههم‪ ،‬فسهمعها سهعد بهن معاذ وكان يعرف لغتههم‪ ،‬فقال لليهود‪ :‬عليكهم‬
‫لعنهة ال! لئن سهمعتها مهن رجهل منكهم يقولهها للنهبي صهلى ال عليهه وسهلم لضربهن عنقهه‪ ،‬فقالوا‪:‬‬
‫أولسهتم تقولونهها؟ فنزلت اليهة‪ ،‬ونهوا عنهها لئل تقتدي بهها اليهود فهي اللفهظ وتقصهد المعنهى الفاسهد‬
‫فيه‪.‬‬
‫في هذه الية دليلن‪[:‬أحدهما] على تجنب اللفاظ المحتملة التي فيها التعريض للتنقيص والغض‪،‬‬
‫ويخرج مهن هذا فههم القذف بالتعريهض‪ ،‬وذلك يوجهب الحهد عندنها خلفها لبهي حنيفهة والشافعههي‬
‫وأصهحابهما حيهن قالوا‪ :‬التعريهض محتمهل للقذف وغيره‪ ،‬والحهد ممها يسهقط بالشبههة‪ .‬وسهيأتي فهي‬
‫"النور" بيان هذا‪ ،‬إن شاء ال تعالى‪[ .‬الدليهل الثانهي] التمسهك بسهد الذرائع وحمايتهها وههو مذههب‬
‫مالك وأصحابه وأحمد بن حنبل في رواية عنه‪ ،‬وقد دل على هذا الصل الكتاب والسنة‪ .‬والذريعة‬
‫عبارة عهن أمهر غيهر ممنوع لنفسهه يخاف مهن ارتكابهه الوقوع فهي ممنوع‪ .‬أمها الكتاب فهذه اليهة‪،‬‬
‫ووجهه التمسهك بهها أن اليهود كانوا يقولون ذلك وههي سهب بلغتههم‪ ،‬فلمها علم ال ذلك منههم منهع مهن‬
‫إطلق ذلك اللفهظ‪ ،‬لنهه ذريعهة للسهب‪ ،‬وقوله تعالى‪" :‬ول تسهبوا الذيهن يدعون مهن دون ال فيسهبوا‬
‫ال عدوا بغير علم" [النعام‪ ]108 :‬فمنع من سب آلهتهم مخافة مقابلتهم بمثل ذلك‪ ،‬وقوله تعالى‪:‬‬
‫"واسهألهم عهن القريهة التهي كانهت حاضرة البحهر" [العراف‪ ]163 :‬اليهة‪ ،‬فحرم عليههم تبارك‬
‫وتعالى الصهيد فهي يوم السهبت‪ ،‬فكانهت الحيتان تأتيههم يوم السهبت شرعها‪ ،‬أي ظاهرة‪ ،‬فسهدوا عليهها‬
‫يوم السبت وأخذوها يوم الحد‪ ،‬وكان السد ذريعة للصطياد‪ ،‬فمسخهم ال قردة وخنازير‪ ،‬وذكر‬
‫ال لنهها ذلك معنههى التحذيههر عههن ذلك‪ ،‬وقوله تعالى لدم وحواء‪" :‬ول تقربهها هذه الشجرة" [البقرة‪:‬‬
‫‪ ]35‬وقد تقدم‪ .‬وأما السنة فأحاديث كثيرة ثابتة صحيحة‪ ،‬منها حديث عائشة رضي ال عنها أن‬
‫أم حبيبهة وأم سهلمة رضهي ال عنههن ذكرتها كنيسهة رأياهها بالحبشهة فيهها تصهاوير [فذكرتها ذلك]‬
‫لرسهول ال صهلى ال عليهه وسهلم‪ ،‬فقال رسهول ال صهلى ال عليهه وسهلم‪( :‬إن أولئك إذا كان فيههم‬
‫الرجهل الصهالح فمات بنوا على قهبره مسهجدا وصهوروا فيهه تلك الصهور أولئك شرار الخلق عنهد‬
‫ال)‪ .‬أخرجههه البخاري ومسههلم‪ .‬قال علماؤنهها‪ :‬ففعههل ذلك أوائلهههم ليتأنسههوا برؤيههة تلك الصههور‬
‫ويتذكروا أحوالهم الصالحة فيجتهدون كاجتهادهم ويعبدون ال عز وجل عند قبورهم‪ ،‬فمضت لهم‬
‫بذلك أزمان‪ ،‬ثهم أنههم خلف مهن بعدههم خلوف جهلوا أغراضههم‪ ،‬ووسهوس لههم الشيطان أن آباءكهم‬
‫وأجدادكهم كانوا يعبدون هذه الصهورة فعبدوهها‪ ،‬فحذر النهبي صهلى ال عليهه وسهلم عهن مثهل ذلك‪،‬‬
‫وشدد النكيهر والوعيهد على مهن فعهل ذلك‪ ،‬وسهد الذرائع المؤديهة إلى ذلك فقال‪( :‬اشتهد غضهب ال‬
‫على قوم اتخذوا قبور أنبيائهم وصالحيهم مساجد) وقال‪( :‬اللهم ل تجعل قبري وثنا يعبد)‪ .‬وروى‬
‫مسههلم عههن النعمان بههن بشيههر قال‪ :‬سههمعت رسههول ال صههلى ال عليههه وسههلم يقول‪( :‬الحلل بيّن‬
‫والحرام بيهن وبينهمها أمور متشابهات فمهن اتقهى الشبهات اسهتبرأ لدينهه وعرضهه ومهن وقهع فهي‬
‫الشبهات وقع في الحرام كالراعي يرعى حول الحمى يوشك أن يقع فيه) الحديث‪ ،‬فمنع من القدام‬
‫على الشبهات مخافهة الوقوع فهي المحرمات‪ ،‬وذلك سهدا للذريعهة‪ .‬وقال صهلى ال عليهه وسهلم‪( :‬ل‬
‫يبلغ العبهد أن يكون مهن المتقيهن حتهى يدع مها ل بأس بهه حذرا ممها بهه البأس)‪ .‬وقال صهلى ال عليهه‬
‫وسلم‪( :‬إن من الكبائر شتم الرجل والديه) قالوا‪ :‬يا رسول ال وهل يشتم الرجل والديه؟ قال‪( :‬نعم‬
‫يسب أبا الرجل فيسب أباه ويسب أمه فيسب أمه)‪ .‬فجعل التعرض لسب الباء كسب الباء‪ .‬وقال‬
‫صلى ال عليه وسلم‪( :‬إذا تبايعتم بالعينة وأخذتم أذناب البقر ورضيتم بالزرع وتركتم الجهاد سلط‬
‫ال عليكم ذل ل ينزعه منكم حتى ترجعوا إلى دينكم)‪ .‬وقال أبو عبيد الهروي‪ :‬العينة هو أن يبيع‬
‫الرجل من رجل سلعة بثمن معلوم إلى أجل مسمى‪ ،‬ثم يشتريها منه بأقل من الثمن الذي باعها به‪.‬‬
‫قال‪ :‬فإن اشترى بحضرة طالب العينهة سهلعة مهن آخهر بثمهن معلوم وقبضهها ثهم باعهها مهن طالب‬
‫العينهة بثمهن أكثهر ممها اشتراه إلى أجهل مسهمى ثهم باعهها المشتري مهن البائع الول بالنقهد بأقهل مهن‬
‫الثمهن فهذه أيضها عينهة‪ ،‬وههي أهون مهن الولى‪ ،‬وههو جائز عنهد بعضههم‪ .‬وسهميت عينهة لحصهول‬
‫النقهد لصهاحب العينهة‪ ،‬وذلك لن العيهن ههو المال الحاضهر والمشتري إنمها يشتريهها ليبيعهها بعيهن‬
‫حاضهر يصهل إليهه مهن فوره‪ .‬وروى ابهن وههب عهن مالك أن أم ولد لزيهد بهن الرقهم ذكرت لعائشهة‬
‫رضهي ال عنهها أنهها باعهت مهن زيهد عبدا بثمانمائة إلى العطاء ثهم ابتاعتهه منهه بسهتمائة نقدا‪ ،‬فقالت‬
‫عائشة‪ :‬بئس ما شريت‪ ،‬وبئس ما اشتريت! أبلغي زيدا أنه قد أبطل جهاده مع رسول ال صلى ال‬
‫عليهه وسهلم إن لم يتهب‪ .‬ومثهل هذا ل يقال بالرأي‪ ،‬لن إبطال العمال ل يتوصهل إلى معرفتهها إل‬
‫بالوحهي‪ ،‬فثبهت أنهه مرفوع إلى النهبي صهلى ال عليهه وسهلم ال عليهه وسهلم‪ .‬وقال عمهر بهن الخطاب‬
‫رضي ال عنه‪ :‬دعوا الربا والريبة‪ .‬ونهى ابن عباس رضي ال عنهما عن دراهم بدراهم بينهما‬
‫حريزة‪.‬‬
‫قلت‪ :‬فهذه ههي الدلة التهي لنها على سهد الذرائع‪ ،‬وعليهه بنهى المالكيهة كتاب الجال وغيره مهن‬
‫المسههائل فههي البيوع وغيرههها‪ .‬وليههس عنههد الشافعيههة كتاب الجال‪ .‬لن ذلك عندهههم عقود مختلفههة‬
‫مسهههتقلة‪ ،‬قالوا‪ :‬وأصهههل الشياء على الظواههههر ل على الظنون‪ .‬والمالكيهههة جعلوا السهههلعة محللة‬
‫ليتوصل بها إلى دراهم بأكثر منها‪ ،‬وهذا هو الربا بعينه‪ ،‬فاعلمه‪.‬‬
‫"ل تقولوا راعنا" نهي يقتضي التحريم‪ ،‬على ما تقدم‪ .‬وقرأ الحسن "راعنا" منونة‪ .‬وقال‪ :‬أي‬
‫هجرا من القول‪ ،‬وهو مصدر ونصبه بالقول‪ ،‬أي ل تقولوا رعونة‪ .‬وقرأ زر بن حبيش والعمش‬
‫"راعونها"‪ ،‬يقال لمها نتهأ مهن الجبهل‪ :‬رعهن‪ ،‬والجبهل أرعهن‪ .‬وجيهش أرعهن أي متفرق‪ .‬وكذا رجهل‬
‫أرعن‪ ،‬أي متفرق الحجج وليس عقله مجتمعا‪ ،‬عن النحاس‪ .‬وقال ابن فارس‪ :‬رعن الرجل يرعن‬
‫رعنا فهو أرعن‪ ،‬أي أهوج‪ .‬والمرأة رعناء‪ .‬وسميت البصرة رعناء لنها تشبه برعن الجبل‪ ،‬قال‬
‫ابن دريد ذلك‪ ،‬وأنشد للفرزدق‪:‬‬
‫مهها كانههت البصههرة الرعناء لي وطنهها@قوله تعالى‪:‬‬ ‫لول ابههن عتبههة عمرو والرجاء له‬
‫"وقولوا انظرنها" أمروا أن يخاطبوه صهلى ال عليهه وسهلم بالجلل‪ ،‬والمعنهى‪ :‬أقبهل علينها وانظهر‬
‫إلينا‪ ،‬فحذف حرف التعدية‪ ،‬كما قال‪:‬‬
‫ن كما ينظر الراك الظباء‬ ‫ظاهرات الجمال والحسن ينظر‬
‫أي إلى الراك‪ .‬وقال مجاهد‪ :‬المعنى فهمنا وبين لنا‪ .‬وقيل‪ :‬المعنى انتظرنا وتأن بنا‪ ،‬قال‪:‬‬
‫من الدهر ينفعني لدى أم جندب‬ ‫فإنكما إن تنظراني ساعة‬
‫والظاهر استدعاء نظر العين المقترن بتدبر الحال‪ ،‬وهذا هو معنى راعنا‪ ،‬فبدلت اللفظة للمؤمنين‬
‫وزال تعلق اليهود‪ .‬وقرأ العمههش وغيره "انظرنهها" بقطههع اللف وكسههر الظاء‪ ،‬بمعنههى أخرنهها‬
‫وأمهلنا حتى نفهم عنك ونتلقى منك‪ ،‬قال الشاعر‪:‬‬
‫وانظرنا نخبرك اليقينا‬ ‫أبا هند فل تعجل علينا‬
‫@قوله تعالى‪" :‬واسمعوا وللكافرين عذاب أليم" لما نهى وأمر جل وعز‪ ،‬حض على السمع الذي‬
‫في ضمنه الطاعة واعلم أن لمن خالف أمره فكفر عذابا أليما‪.‬‬
‫*‪ *3‬الية‪{ 105 :‬ما يود الذين كفروا من أهل الكتاب ول المشركين أن ينزل عليكم من خير‬
‫من ربكم وال يختص برحمته من يشاء وال ذو الفضل العظيم}‬
‫@قوله تعالى‪" :‬مها يود" أي مها يتمنهى‪ ،‬وقهد تقدم‪" .‬الذيهن كفروا مهن أههل الكتاب ول المشركيهن"‬
‫معطوف على "أههل"‪ .‬ويجوز‪ :‬ول المشركون‪ ،‬تعطفهه على الذيهن‪ ،‬قاله النحاس‪" .‬أن ينزل عليكهم‬
‫من خير من ربكم" "من "زائدة‪" ،‬خير" اسم ما لم يسم فاعله‪ .‬و"أن" في موضع نصب‪ ،‬أي بأن‬
‫ينزل‪.‬‬
‫@قوله تعالى‪" :‬وال يختص برحمته من يشاء" قال علي بن أبي طالب رضي ال عنه‪" :‬يختص‬
‫برحمتهه" أي بنبوتهه‪ ،‬خهص بهها محمدا صهلى ال عليهه وسهلم‪ .‬وقال قوم‪ :‬الرحمهة القرآن‪ .‬وقيهل‪:‬‬
‫الرحمة في هذه الية عامة لجميع أنواعها التي قد منحها ال عباده قديما وحديثا‪ ،‬يقال‪ :‬رحم يرحم‬
‫إذا رق‪ .‬والرحههم والمرحمههة والرحمههة بمعنههى‪ ،‬قال ابهن فارس‪ .‬ورحمهة ال لعباده‪ :‬إنعامهه عليهههم‬
‫وعفوه لهم‪.‬‬
‫@قوله تعالى‪" :‬وال ذو الفضل العظيم" "ذو" بمعنى صاحب‪.‬‬
‫*‪ *3‬الية‪{ 106 :‬ما ننسخ من آية أو ننسها نأت بخيهر منها أو مثلها ألم تعلم أن ال على كل‬
‫شيء قدير} فيها خمس عشرة مسألة‪:‬‬
‫@الولى‪ :‬قوله تعالى‪" :‬ما ننسخ من آية أو ننسها نأت بخير منها" "ننسها" عطف على "ننسخ"‬
‫وحذفهت الياء للجزم‪ .‬ومهن قرأ "ننسهأها" حذف الضمهة مهن الهمزة للجزم‪ ،‬وسهيأتي معناه‪" .‬نأت"‬
‫جواب الشرط‪ ،‬وهذه آيهة عظمهى فهي الحكام‪ .‬وسهببها أن اليهود لمها حسهدوا المسهلمين فهي التوجهه‬
‫إلى الكعبهة وطعنوا فهي السهلم بذلك‪ ،‬وقالوا‪ :‬إن محمدا يأمهر أصهحابه بشيهء ثهم ينهاههم عنهه‪ ،‬فمها‬
‫كان هذا القرآن إل مهن جهتهه‪ ،‬ولهذا يناقهض بعضهه بعضها‪ ،‬فأنزل ال‪" :‬وإذا بدلنها آيهة مكان آيهة"‬
‫[النحل‪ ]101 :‬وأنزل "ما ننسخ من آية"‪.‬‬
‫@الثانية‪ :‬معرفة هذا الباب أكيدة وفائدته عظيمة‪ ،‬ل يسهتغني عن معرفته العلماء‪ ،‬ول ينكره إل‬
‫الجهلة الغهبياء‪ ،‬لمها يترتهب عليهه مهن النوازل فهي الحكام‪ ،‬ومعرفهة الحلل مهن الحرام‪ .‬روى أبهو‬
‫البختري قال‪ :‬دخههل علي رضههي ال عنههه المسههجد فإذا رجههل يخوف الناس‪ ،‬فقال‪ :‬مهها هذا؟ قالوا‪:‬‬
‫رجل يذكر الناس‪ ،‬فقال‪ :‬ليس برجل يذكر الناس! لكنه يقول أنا فلن ابن فلن فاعرفوني‪ ،‬فأرسل‬
‫إليهه فقال‪ :‬أتعرف الناسهخ مهن المنسهوخ؟! فقال‪ :‬ل‪ ،‬قال‪ :‬فاخرج مهن مسهجدنا ول تذكهر فيهه‪ .‬وفهي‬
‫روايهة أخرى‪ :‬أعلمهت الناسهخ والمنسهوخ؟ قال‪ :‬ل‪ ،‬قال‪ :‬هلكهت وأهلكهت!‪ .‬ومثله عهن ابهن عباس‬
‫رضي ال عنهما‪.‬‬
‫@الثالثة‪ :‬النسخ في كلم العرب على وجهين‪:‬‬
‫[أحدهمها] النقهل‪ ،‬كنقهل كتاب مهن آخهر‪ .‬وعلى هذا يكون القرآن كله منسهوخا‪ ،‬أعنهي مهن اللوح‬
‫المحفوظ وإنزاله إلى بيههت العزة فههي السههماء الدنيهها‪ ،‬وهذا ل مدخههل له فههي هذه اليههة‪ ،‬ومنههه قوله‬
‫تعالى‪" :‬إنا كنا نستنسخ ما كنتم تعملون" [الجاثية‪ ]29 :‬أي نأمر بنسخه وإثباته‪.‬‬
‫الثاني‪ :‬البطال والزالة‪ ،‬وهو المقصود هنا‪ ،‬وهو منقسم في اللغة على ضربين‪ :‬أحدهما‪ :‬إبطال‬
‫الشيء وزواله وإقامة آخر مقامه‪ ،‬ومنه نسخت الشمس الظل إذا أذهبته وحلت محله‪ ،‬وهو معنى‬
‫قوله تعالى‪" :‬ما ننسخ من آية أو ننسها نأت بخير منها"‪ .‬وفي صحيح مسلم‪( :‬لم تكن نبوة قط إل‬
‫تناسهخت) أي تحولت مهن حال إلى حال‪ ،‬يعنهي أمهر المهة‪ .‬قال ابهن فارس‪ :‬النسهخ نسهخ الكتاب‪،‬‬
‫والنسهخ أن تزيهل أمرا كان مهن قبهل يعمهل بهه ثهم تنسهخه بحادث غيره‪ ،‬كاليهة تنزل بأمهر ثهم ينسهخ‬
‫بأخرى‪ .‬وكل شيء خلف شيئا فقد انتسخه‪ ،‬يقال‪ :‬انتسخت الشمس الظل‪ ،‬والشيب الشباب‪ .‬وتناسخ‬
‫الورثة‪ :‬أن تموت ورثة بعد ورثة وأصل الميراث قائم لم يقسم‪ ،‬وكذلك تناسخ الزمنة والقرون‪.‬‬
‫إزالة الشيهء دون أن يقوم آخهر مقامهه‪ ،‬كقولههم‪ :‬نسهخت الريهح الثهر‪ ،‬ومهن هذا المعنهى قوله تعالى‬
‫"فينسخ ال ما يلقي الشيطان" [الحج‪ ]52 :‬أي يزيله فل يتلى ول يثبت في المصحف بدله‪ .‬وزعم‬
‫أبو عبيد أن هذا النسخ الثاني قد كان ينزل على النبي صلى ال عليه وسلم السورة فترفع فل تتلى‬
‫ول تكتب‪.‬‬
‫قلت‪ :‬ومنه ما روي عن أبي بن كعب وعائشة رضي ال عنهما أن سورة "الحزاب" كانت تعدل‬
‫سهورة البقرة فهي الطول‪ ،‬على مها يأتهي مبينها هناك إن شاء ال تعالى‪ .‬وممها يدل على هذا مها ذكره‬
‫أبو بكر النباري حدثنا أبي حدثنا نصر بن داود حدثنا أبو عبيد حدثنا عبدال بن صالح عن الليث‬
‫عهن يونهس وعقيهل عهن ابهن شهاب قال‪ :‬حدثنهي أبهو أمامهة بهن سههل بهن حنيهف فهي مجلس سهعيد بهن‬
‫المسيب أن رجل قام من الليل ليقرأ سورة من القرآن فلم يقدر على شيء منها‪ ،‬وقام آخر فلم يقدر‬
‫على شيء منها‪ ،‬فغدوا على رسول ال صلى ال عليه وسلم‪ ،‬فقال أحدهم‪ :‬قمت الليلة يا رسول ال‬
‫لقرأ سهورة مهن القرآن فلم أقدر على شيهء منهها‪ ،‬فقام الخهر فقال‪ :‬وأنها وال كذلك يها رسهول ال‪،‬‬
‫فقام الخهر فقال‪ :‬وأنها وال كذلك يها رسهول ال‪ ،‬فقال رسهول ال صهلى ال عليهه وسهلم‪( :‬إنهها ممها‬
‫نسهخ ال البارحهة)‪ .‬وفهي إحدى الروايات‪ :‬وسهعيد بهن المسهيب يسهمع مها يحدث بهه أبهو أمامهة فل‬
‫ينكره‪.‬‬
‫@الرابعهة‪ :‬أنكرت طوائف مهن المنتميهن للسهلم المتأخريهن جوازه‪ ،‬وههم محجوجون بإجماع‬
‫السهلف السهابق على وقوعهه فهي الشريعهة‪ .‬وأنكرتهه أيضها طوائف مهن اليهود‪ ،‬وههم محجوجون بمها‬
‫جاء فهي توراتههم بزعمههم أن ال تعالى قال لنوح عليهه السهلم عنهد خروجهه مهن السهفينة‪ :‬إنهي قهد‬
‫جعلت كهل دابهة مأكل لك ولذريتهك‪ ،‬وأطلقهت ذلك لكهم كنبات العشهب‪ ،‬مها خل الدم فل تأكلوه‪ .‬ثهم‬
‫حرم على موسى وعلى بني إسرائيل كثيرا من الحيوان‪ ،‬وبما كان آدم عليه السلم يزوج الخ من‬
‫الخهت‪ ،‬وقهد حرم ال ذلك على موسهى عليهه السهلم وعلى غيره‪ ،‬وبأن إبراهيهم الخليهل أمهر بذبهح‬
‫ابنه ثم قال له‪ :‬ل تذبحه‪ ،‬وبأن موسى أمر بني إسرائيل أن يقتلوا من عبد منهم العجل‪ ،‬ثم أمرهم‬
‫برفع السيف عنهم‪ ،‬وبأن نبوته غير متعبد بها قبل بعثه‪ ،‬ثم تعبد بها بعد ذلك‪ ،‬إلى غير ذلك‪ .‬وليس‬
‫هذا من باب البداء بل هو نقل العباد من عبادة إلى عبادة‪ ،‬وحكم إلى حكم‪ ،‬لضرب من المصلحة‪،‬‬
‫إظهارا لحكمتهه وكمال مملكتهه‪ .‬ول خلف بيهن العقلء أن شرائع النهبياء قصهد بهها مصهالح الخلق‬
‫الدينية والدنيوية‪ ،‬وإنما كان يلزم البداء لو لم يكن عالما بمآل المور‪ ،‬وأما العالم بذلك فإنما تتبدل‬
‫خطاباته بحسب تبدل المصالح‪ ،‬كالطبيب المراعي أحوال العليل‪ ،‬فراعى ذلك في خليقته بمشيئته‬
‫وإرادتههه‪ ،‬ل إله إل هههو‪ ،‬فخطابههه يتبدل‪ ،‬وعلمههه وإرادتههه ل تتغيههر‪ ،‬فإن ذلك محال فههي جهههة ال‬
‫تعالى‪.‬‬
‫وجعلت اليهود النسههههخ والبداء شيئا واحدا‪ ،‬ولذلك لم يجوزوه فضلوا‪ .‬قال النحاس‪ :‬والفرق بيههههن‬
‫النسهخ والبداء أن النسهخ تحويهل العبادة مهن شيهء إلى شيهء قهد كان حلل فيحرم‪ ،‬أو كان حرامها‬
‫فيحلل‪ .‬وأمها البداء فههو ترك مها عزم عليهه‪ ،‬كقولك‪ :‬امهض إلى فلن اليوم‪ ،‬ثهم تقول ل تمهض إليهه‪،‬‬
‫فيبدو لك العدول عن القول الول‪ ،‬وهذا يلحق البشر لنقصانهم‪ .‬وكذلك إن قلت‪ :‬ازرع كذا في هذه‬
‫السنة‪ ،‬ثم قلت‪ :‬ل تفعل‪ ،‬فهو البداء‪.‬‬
‫@الخامسة‪ :‬اعلم أن الناسخ على الحقيقة هو ال تعالى‪ ،‬ويسمى الخطاب الشرعي ناسخا تجوزا‪،‬‬
‫إذ بهه يقهع النسهخ‪ ،‬كمها قهد يتجوز فيسهمى المحكوم فيهه ناسهخا‪ ،‬فيقال‪ :‬صهوم رمضان ناسهخ لصهوم‬
‫عاشوراء‪ ،‬فالمنسوخ هو المزال‪ ،‬والمنسوخ عنه هو المتعبد بالعبادة المزالة‪ ،‬وهو المكلف‪.‬‬
‫@السادسة‪ :‬اختلفت عبارات أئمتنا في حد الناسخ‪ ،‬فالذي عليه الحذاق من أهل السنة أنه إزالة ما‬
‫قهد استقر من الحكهم الشرعهي بخطاب وارد متراخيا‪ ،‬هكذا حده القاضهي عبدالوهاب والقاضهي أبهو‬
‫بكههر‪ ،‬وزادا‪ :‬لوله لكان السههابق ثابتهها‪ ،‬فحافظهها على معنههى النسههخ اللغوي‪ ،‬إذ هههو بمعنههى الرفههع‬
‫والزالة‪ ،‬وتحرزا مههن الحكههم العقلي‪ ،‬وذكههر الخطاب ليعههم وجوه الدللة مههن النههص والظاهههر‬
‫والمفهوم وغيره‪ ،‬وليخرج القياس والجماع‪ ،‬إذ ل يتصور النسخ فيهما ول بهما‪ .‬وقيدا بالتراخي‪،‬‬
‫لنهه لو اتصهل بهه لكان بيانها لغايهة الحكهم ل ناسهخا‪ ،‬أو يكون آخهر الكلم يرفهع أوله‪ ،‬كقولك‪ :‬قهم ل‬
‫تقم‪.‬‬
‫@السابعة‪ :‬المنسوخ عند أئمتنا أهل السنة هو الحكم الثابت نفسه ل مثله‪ ،‬كما تقوله المعتزلة بأنه‬
‫الخطاب الدال على أن مثهل الحكهم الثابهت فيمها يسهتقبل بالنهص المتقدم زائل‪ .‬والذي قادههم إلى ذلك‬
‫مذهبههم فهي أن الوامهر مراده‪ ،‬وأن الحسهن صهفة نفسهية للحسهن‪ ،‬ومراد ال حسهن‪ ،‬وهذا قهد أبطله‬
‫علماؤنا في كتبهم‪.‬‬
‫@الثامنهة‪ :‬اختلف علماؤنها فهي الخبار ههل يدخلهها النسهخ‪ ،‬فالجمهور على أن النسهخ إنمها ههو‬
‫مختهص بالوامهر والنواههي‪ ،‬والخهبر ل يدخله النسهخ لسهتحالة الكذب على ال تعالى‪ .‬وقيهل‪ :‬إن‬
‫الخهبر إذا تضمهن حكمها شرعيها جاز نسهخه‪ ،‬كقوله تعالى‪" :‬ومهن ثمرات النخيهل والعناب تتخذون‬
‫منه سكرا "[النحل‪ .]67 :‬وهناك يأتي القول فيه إن شاء ال تعالى‪.‬‬
‫@التاسعة‪ :‬التخصيص من العموم يوهم أنه نسخ وليس به‪ ،‬لن المخصص لم يتناول العموم قط‪،‬‬
‫ولو ثبههت تناول العموم لشيههء مهها ثههم أخرج ذلك الشيههء عههن العموم لكان نسههخا ل تخصههيصا‪،‬‬
‫والمتقدمون يطلقون على التخصيص نسخا توسعا ومجازا‪.‬‬
‫@العاشرة‪ :‬اعلم أنهه قهد يرد فهي الشرع أخبار ظاهرهها الطلق والسهتغراق‪ ،‬ويرد تقييدهها فهي‬
‫موضع آخر فيرتفع ذلك الطلق‪ ،‬كقوله تعالى‪" :‬وإذا سألك عبادي عني فإني قريب أجيب دعوة‬
‫الداعي إذا دعان" [البقرة‪ .]186 :‬فهذا الحكم ظاهره خبر عن إجابة كل داع على كل حال‪ ،‬لكن‬
‫قد جاء ما قيده في موضع آخر‪ ،‬كقوله "فيكشف ما تدعون إليه إن شاء" [النعام‪ .]41 :‬فقد يظن‬
‫مههن ل بصههيرة عنده أن هذا مههن باب النسههخ فههي الخبار وليههس كذلك‪ ،‬بههل هههو مههن باب الطلق‬
‫والتقييد‪ .‬وسيأتي لهذه المسألة زيادة بيان في موضعها إن شاء ال تعالى‪.‬‬
‫@الحاديهة عشرة‪ :‬قال علماؤنها رحمههم ال تعالى‪ :‬جائز نسهخ الثقهل إلى الخهف‪ ،‬كنسهخ الثبوت‬
‫لعشرة بالثبوت لثنيههن‪ .‬ويجوز نسههخ الخههف إلى الثقههل‪ ،‬كنسههخ يوم عاشوراء واليام المعدودة‬
‫برمضان‪ ،‬على ما يأتي بيانه في آية الصيام‪ .‬وينسخ المثل بمثله ثقل وخفة‪ ،‬كالقبلة‪ .‬وينسخ الشيء‬
‫ل إلى بدل كصهدقة النجوى‪ .‬وينسهخ القرآن بالقرآن‪ .‬والسهنة بالعبارة‪ ،‬وهذه العبارة يراد بهها الخهبر‬
‫المتواتهر القطعهي‪ .‬وينسهخ خهبر الواحهد بخهبر الواحهد‪ .‬وحذاق الئمهة على أن القرآن ينسهخ بالسهنة‪،‬‬
‫وذلك موجود فههي قوله عليههه السههلم‪( :‬ل وصههية لوارث)‪ .‬وهههو ظاهههر مسههائل مالك‪ .‬وأبههى ذلك‬
‫الشافعي وأبو الفرج المالكي‪ ،‬والول أصح‪ ،‬بدليل أن الكل حكم ال تعالى ومن عنده وإن اختلفت‬
‫في السماء‪ .‬وأيضا فإن الجلد ساقط في حد الزنى عن الثيب الذي يرجم‪ ،‬ول مسقط لذلك إل السنة‬
‫فعل النبي صلى ال عليه وسلم‪ ،‬هذا بين‪ .‬والحذاق أيضا على أن السنة تنسخ بالقرآن وذلك موجود‬
‫في القبلة‪ ،‬فإن الصلة إلى الشام لم تكن في كتاب ال تعالى‪ .‬وفي قوله تعالى‪" :‬فل ترجعوهن إلى‬
‫الكفار" [الممتحنهة‪ ]10 :‬فإن رجوعههن إنمها كان بصهلح النهبي صهلى ال عليهه وسهلم لقريهش‪.‬‬
‫والحذاق على تجويز نسخ القرآن بخبر الواحد عقل‪ ،‬واختلفوا هل وقع شرعا‪ ،‬فذهب أبو المعالي‬
‫وغيره إلى وقوعه فهي نازلة مسهجد قباء‪ ،‬على مها يأتهي بيانهه‪ ،‬وأبهى ذلك قوم‪ .‬ول يصح نسهخ نص‬
‫بقياس‪ ،‬إذ مهن شروط القياس أل يخالف نصها‪ .‬وهذا كله فهي مدة النهبي صهلى ال عليهه وسهلم‪ ،‬وأمها‬
‫بعد موته واستقرار الشريعة فأجمعت المة أنه ل نسخ‪ ،‬ولهذا كان الجماع ل ينسخ ول ينسخ به‬
‫إذ انعقاده بعهد انقطاع الوحهي‪ ،‬فإذا وجدنها إجماعها يخالف نصها فيعلم أن الجماع اسهتند إلى نهص‬
‫ناسخ ل نعلمه نحن‪ ،‬وأن ذلك النص المخالف متروك العمل به‪ ،‬وأن مقتضاه نسخ وبقي سنة يقرأ‬
‫ويروى‪ ،‬كمها آيهة عدة السهنة فهي القرآن تتلى‪ ،‬فتأمهل هذا فإنهه نفيهس‪ ،‬ويكون مهن باب نسهخ الحكهم‬
‫دون التلوة‪ ،‬ومثله صهدقة النجوى‪ .‬وقهد تنسهخ التلوة دون الحكهم كآيهة الرجهم‪ .‬وقهد تنسهخ التلوة‬
‫والحكم معا‪ ،‬ومنه قول الصهديق رضي ال عنه‪ :‬كنا نقرأ "ل ترغبوا عن آبائكهم فإنه كفهر" ومثله‬
‫كثير‪.‬‬
‫والذي عليهه الحذاق أن مهن لم يبلغهه الناسهخ فههو متعبهد بالحكهم الول‪ ،‬كمها يأتهي بيانهه فهي تحويهل‬
‫القبلة‪ .‬والحذاق على جواز نسههخ الحكههم قبههل فعله‪ ،‬وهههو موجود فههي قصههة الذبيههح‪ ،‬وفههي فرض‬
‫خمسهين صهلة قبهل فعلهها بخمهس‪ ،‬على مها يأتهي بيانهه فهي "السهراء" و"الصهافات"‪ ،‬إن شاء ال‬
‫تعالى‪.‬‬
‫@الثانية عشر‪ :‬لمعرفة الناسخ طرق‪ ،‬منها ‪ -‬أن يكون في اللفظ ما يدل عليه‪ ،‬كقوله عليه السلم‪:‬‬
‫(كنت نهيتكم عن زيارة القبور فزوروها ونهيتكم عن الشربة إل في ظروف الدم فاشربوا في‬
‫كههل وعاء غيههر أل تشربوا مسههكرا) ونحوه‪ .‬ومنههها ‪ -‬أن يذكههر الراوي التاريههخ‪ ،‬مثههل أن يقول‪:‬‬
‫سهمعت عام الخندق‪ ،‬وكان المنسهوخ معلومها قبله‪ .‬أو يقول‪ :‬نسهخ حكهم كذا بكذا‪ .‬ومنهها ‪ -‬أن تجمهع‬
‫المة على حكم أنه منسوخ وأن ناسخة متقدم‪ .‬وهذا الباب مبسوط في أصول الفقه‪ ،‬نبهنا منه على‬
‫ما فيه لمن اقتصر كفاية‪ ،‬وال الموفق للهداية‪.‬‬
‫@الثالثهة عشرة‪ :‬قرأ الجمهور "مها ننسهخ" بفتهح النون‪ ،‬مهن نسهخ‪ ،‬وههو الظاههر المسهتعمل على‬
‫معنى‪ :‬ما نرفع من حكم آية ونبقي تلوتها‪ ،‬كما تقدم‪ .‬ويحتمل أن يكون المعنى‪ :‬ما نرفع من حكم‬
‫آيهة وتلوتهها‪ ،‬على مها ذكرناه‪ .‬وقرأ ابهن عامهر "ننسهخ" بضهم النون‪ ،‬مهن أنسهخت الكتاب‪ ،‬على‬
‫معنهى وجدتهه منسهوخا‪ .‬قال أبهو حاتهم‪ :‬ههو غلط‪ :‬وقال الفارسهي أبهو علي‪ :‬ليسهت لغهة‪ ،‬لنهه ل يقال‪:‬‬
‫نسهخ وأنسهخ بمعنهى‪ ،‬إل أن يكون المعنهى مها نجده منسهوخا‪ ،‬كمها تقول‪ :‬أحمدت الرجهل وأبخلتهه‪،‬‬
‫بمعنهى وجدته محمودا وبخيل‪ .‬قال أبو علي‪ :‬وليس نجده منسوخا إل بأن ننسخه‪ ،‬فتتفق القراءتان‬
‫فهي المعنهى وإن اختلفتها فهي اللفهظ‪ .‬وقيهل‪" :‬مها ننسهخ" مها نجعهل لك نسهخه‪ ،‬يقال‪ :‬نسهخت الكتاب إذا‬
‫كتبتههه‪ ،‬وانتسههخته غيري إذا جعلت نسههخه له‪ .‬قال مكههي‪ :‬ول يجوز أن تكون الهمزة للتعدي‪ ،‬لن‬
‫المعنهى يتغيهر‪ ،‬ويصهير المعنهى مها ننسهخك مهن آيهة يها محمهد‪ ،‬وإنسهاخه إياهها إنزالهها عليهه‪ ،‬فيصهير‬
‫المعنهى مها ننزل عليهك مهن آيهة أو ننسهها نأت بخيهر منهها أو مثلهها‪ ،‬فيؤول المعنهى إلى أن كهل آيهة‬
‫أنزلت أتهى بخيهر منهها‪ ،‬فيصهير القرآن كله منسهوخا وهذا ل يمكهن‪ ،‬لنهه لم ينسهخ إل اليسهير مهن‬
‫القرآن‪ .‬فلمها امتنهع أن يكون أفعهل وفعهل بمعنهى إذ لم يسهمع‪ ،‬وامتنهع أن تكون الهمزة للتعدي لفسهاد‬
‫المعنى‪ ،‬لم يبق ممكن إل أن يكون من باب أحمدته وأبخلته إذا وجدته محمودا أو بخيل‪.‬‬
‫@الرابعة عشرة‪ :‬قوله تعالى‪" :‬أو ننسها" قرأ أبو عمرو وابن كثير بفتح النون والسين والهمز‪،‬‬
‫وبههه قرأ عمههر وابههن عباس وعطاء ومجاهههد وأبههي بههن كعههب وعبيههد بههن عميههر والنخعههي وابههن‬
‫محيصهن‪ ،‬مهن التأخيهر‪ ،‬أي نؤخهر نسهخ لفظهها‪ ،‬أي نتركهه فهي آخهر أم الكتاب فل يكون‪ .‬وهذا قول‬
‫عطاء‪ .‬وقال غير عطاء‪ :‬معنى أو ننسأها‪ :‬نؤخرها عن النسخ إلى وقت معلوم‪ ،‬من قولهم‪ :‬نسأت‬
‫هذا المهر إذا أخرتهه‪ ،‬ومهن ذلك قولههم‪ :‬بعتهه نسهأ إذا أخرتهه‪ .‬قال ابهن فارس‪ :‬ويقولون‪ :‬نسهأ ال فهي‬
‫أجلك‪ ،‬وأنسهأ ال أجلك‪ .‬وقهد انتسهأ القوم إذا تأخروا وتباعدوا‪ ،‬ونسهأتهم أنها أخرتههم‪ .‬فالمعنهى نؤخهر‬
‫نزولها أو نسخها على ما ذكرنا‪ .‬وقيل‪ :‬نذهبها عنكم حتى ل تقرأ ول تذكر‪ .‬وقرأ الباقون "ننسها"‬
‫بضهم النون‪ ،‬مهن النسهيان الذي بمعنهى الترك‪ ،‬أي نتركهها فل نبدلهها ول ننسهخها‪ ،‬قاله ابهن عباس‬
‫والسههدي‪ ،‬ومنههه قوله تعالى‪" :‬نسههوا ال فنسههيهم" [التوبههة‪ ]67 :‬أي تركوا عبادتههه فتركهههم فههي‬
‫العذاب‪ .‬واختار هذه القراءة أبهو عبيههد وأبههو حاتهم‪ ،‬قال أبهو عبيههد‪ :‬سهمعت أبها نعيههم القارئ يقول‪:‬‬
‫قرأت على النبي صلى ال عليه وسلم في المنام بقراءة أبي عمرو فلم يغير علي إل حرفين‪ ،‬قال‪:‬‬
‫قرأت عليههه "أرنهها" [البقرة‪ ]128 :‬فقال‪ :‬أرنهها‪ ،‬فقال أبههو عبيههد‪ :‬وأحسههب الحرف الخههر "أو‬
‫ننسأها" فقال‪" :‬أو ننسها"‪ .‬وحكى الزهري "ننسها" نأمر بتركها‪ ،‬يقال‪ :‬أنسيته الشيء أي أمرت‬
‫بتركه‪ ،‬ونسيته تركته‪ ،‬قال الشاعر‪:‬‬
‫لست بناسيها ول منسيها‬ ‫إن علي عقبة أقضيها‬
‫أي ول آمههر بتركههها‪ .‬وقال الزجاج‪ :‬إن القراءة بضههم النون ل يتوجههه فيههها معنههى الترك‪ ،‬ل يقال‪:‬‬
‫أنسى بمعنى ترك‪ ،‬وما روى علي بن أبي طلحة عن ابن عباس "أو ننسها "قال‪ :‬نتركها ل نبدلها‪،‬‬
‫فل يصح‪ .‬ولعل ابن عباس قال‪ :‬نتركها‪ ،‬فلم يضبط‪ .‬والذي عليه أكثر أهل اللغة والنظر أن معنى‬
‫"أو ننسها" نبح لكم تركها‪ ،‬من نسي إذا ترك‪ ،‬ثم تعديه‪ .‬وقال أبو علي وغيره‪ :‬ذلك متجه‪ ،‬لنه‬
‫بمعنهى نجعلك تتركهها‪ .‬وقيهل‪ :‬مهن النسهيان على بابهه الذي هو عدم الذكهر‪ ،‬على معنهى أو ننسهكها يها‬
‫محمهد فل تذكرهها‪ ،‬نقهل بالهمهز فتعدى الفعهل إلى مفعوليهن‪ :‬وهمها النهبي والهاء‪ ،‬لكهن اسهم النهبي‬
‫محذوف‪.‬‬
‫@الخامسة عشر‪ :‬قوله تعالى‪" :‬نأت بخير منها" لفظة "بخير" هنا صفة تفضيل‪ ،‬والمعنى بأنفع‬
‫لكهم أيهها الناس فهي عاجهل إن كانهت الناسهخة أخهف‪ ،‬وفهي آجهل إن كانهت أثقهل‪ ،‬وبمثلهها إن كانهت‬
‫مسهتوية‪ .‬وقال مالك‪ :‬محكمهة مكان منسهوخة‪ .‬وقيهل ليهس المراد بأخيهر التفضيهل‪ ،‬لن كلم ال ل‬
‫يتفاضهل‪ ،‬وإنمها هو مثهل قوله‪" :‬مهن جاء بالحسهنة فله خيهر منهها" [النمهل‪ ]89 :‬أي فله منهها خيهر‪،‬‬
‫أي نفع وأجر‪ ،‬ل الخير الذي هو بمعنى الفضل‪ ،‬ويدل على القول الول قوله‪" :‬أو مثلها"‪.‬‬
‫*‪ *3‬الية‪{ 107 :‬ألم تعلم أن ال له ملك السماوات والرض وما لكم من دون ال من ولي ول‬
‫نصير}‬
‫@قوله تعالى‪" :‬ألم تعلم أن ال له ملك السهماوات والرض" "ألم تعلم" جزم بلم‪ ،‬وحروف‬
‫السههتفهام ل تغيههر عمههل العامههل‪ ،‬وفتحههت "أن" لنههها فههي موضههع نصههب‪" .‬له ملك السههماوات‬
‫والرض" أي باليجاد والختراع‪ ،‬والملك والسهههلطان‪ ،‬ونفوذ المهههر والرادة‪ .‬وارتفهههع "ملك"‬
‫بالبتداء‪ ،‬والخبر "له" والجملة خبر "أن"‪ .‬والخطاب للنبي صلى ال عليه وسلم والمراد أمته‪.‬‬
‫@قوله تعالى‪" :‬وما لكم من دون ال من ولي ول نصير" المعنى أي قل لهم يا محمد ألم تعلموا‬
‫أن ل سلطان السموات والرض وما لكم من دون ال من ولي‪ ،‬من وليت أمر فلن‪ ،‬أي قمت به‪،‬‬
‫ومنه ولي العههد‪ ،‬أي القيم بما عهد إليه مهن أمر المسلمين‪ .‬ومعنهى "من دون ال" سوى ال وبعهد‬
‫ال‪ ،‬كما قال أمية بن أبي الصلت‪:‬‬
‫وما على حدثان الدهر من باق‬ ‫يا نفس ما لك دون ال من واق‬
‫وقراءة الجماعة "ول نصير" بالخفض عطفا على "ولي" ويجوز "ول نصير" بالرفع عطفا على‬
‫الموضع‪ ،‬لن المعنى ما لكم من دون ال ولي ول نصير‪.‬‬
‫*‪ *3‬اليهة‪{ 108 :‬أم تريدون أن تسهألوا رسهولكم كمها سهئل موسهى مهن قبهل ومهن يتبدل الكفهر‬
‫باليمان فقد ضل سواء السبيل}‬
‫@قوله تعالى‪" :‬أم تريدون" هذه "أم" المنقطعهة التهي بمعنهى بهل‪ ،‬أي بهل تريدون‪ ،‬ومعنهى الكلم‬
‫التوبيخ‪.‬‬
‫"أن تسألوا رسولكم" في موضع نصب "تريدون"‪" .‬كما سئل موسى من قبل" الكاف في موضع‬
‫نصب نعت لمصدر‪ ،‬أي سؤال كما‪ .‬و"موسى" في موضع رفع على ما لم يسم فاعله‪" .‬من قبل"‪:‬‬
‫سههؤالهم إياه أن يريهههم ال جهرة‪ ،‬وسههألوا محمدا أن يأتههي بال والملئكههة قههبيل‪ .‬عههن ابههن عباس‬
‫ومجاهد‪ :‬سألوا أن يجعل لهم الصفا ذهبا‪ .‬وقرأ الحسن "كما سيل"‪ ،‬وهذا على لغة من قال‪ :‬سلت‬
‫أسههأل‪ ،‬ويجوز أن يكون على بدل الهمزة ياء سههاكنة على غيههر قياس فانكسههرت السههين قبلههها‪ .‬قال‬
‫النحاس‪ :‬بدل الهمزة بعيد‪.‬‬
‫@قوله تعالى‪" :‬ومن يتبدل الكفر باليمان فقد ضل سواء السبيل" والسواء من كل شيء‪ :‬الوسط‪.‬‬
‫قاله أبو عبيدة معمر بن المثنى‪ ،‬ومنه قوله‪" :‬في سواء الجحيم" [الصافات‪ .]55 :‬وحكى عيسى‬
‫بهن عمهر قال‪ :‬مها زلت أكتهب حتهى انقطهع سهوائي‪ ،‬وأنشهد قول حسهان يرثهي رسهول ال صهلى ال‬
‫عليه وسلم‪.‬‬
‫بعد المغيب في سواء الملحد‬ ‫يا ويح أصحاب النبي ورهطه‬
‫وقيهل‪ :‬السهواء القصهد‪ ،‬عهن الفراء‪ ،‬أي ذههب عهن قصهد الطريهق وسهمته‪ ،‬أي طريهق طاعهة ال عهز‬
‫وجهل‪ .‬وعهن ابهن عباس أيضها أن سهبب نزول هذه اليهة أن رافهع بهن خزيمهة ووههب بهن زيهد قال‬
‫للنبي صلى ال عليه وسلم‪ :‬ائتنا بكتاب من السماء نقرؤه‪ ،‬وفجر لنا أنهارا نتبعك‪.‬‬
‫*‪ *3‬اليهة‪{109 :‬ود كثيهر مهن أههل الكتاب لو يردونكهم مهن بعهد إيمانكهم كفارا حسهدا مهن عنهد‬
‫أنفسههم مهن بعهد مها تهبين لههم الحهق فاعفوا واصهفحوا حتهى يأتهي ال بأمره إن ال على كهل شيهء‬
‫قدير}‬
‫@قوله تعالى‪" :‬ود كثير من أهل الكتاب لو يردونكم من بعد إيمانكم كفارا حسدا من عند أنفسهم‬
‫من بعد ما تبين لهم الحق" فيها مسألتان‪:‬‬
‫الولى‪" :‬ود" تمنهى‪ ،‬وقهد تقدم‪" .‬كفارا" مفعول ثان بهه "يردونكهم"‪" .‬مهن عنهد أنفسههم" قيهل‪ :‬ههو‬
‫متعلق "بود"‪ .‬وقيهل‪ :‬بهه "حسهدا"‪ ،‬فالوقهف على قوله‪" :‬كفارا"‪ .‬و"حسهدا" مفعول له‪ ،‬أي ودوا ذلك‬
‫للحسهد‪ ،‬أو مصهدر دل على ما قبله على الفعل‪ .‬ومعنى "من عند أنفسهم" أي من تلقائهم من غير‬
‫أن يجدوه فههي كتاب ول أمروا بههه‪ ،‬ولفظههة الحسههد تعطههى هذا‪ .‬فجاء "مههن عنههد أنفسهههم" تأكيدا‬
‫وإلزامهها‪ ،‬كمهها قال تعالى‪" :‬يقولون بأفواههههم" [آل عمران‪" ،]167 :‬يكتبون الكتاب بأيديهههم"‬
‫[البقرة‪" ،]79 :‬ول طائر يطير بجناحيه"‪[ .‬النعام‪ .]38 :‬والية في اليهود‪.‬‬
‫الثانيههة‪ :‬الحسههد نوعان‪ :‬مذموم ومحمود‪ ،‬فالمذموم أن تتمنههى زوال نعمههة ال عههن أخيههك المسههلم‪،‬‬
‫وسهواء تمنيهت مهع ذلك أن تعود إليهك أو ل‪ ،‬وهذا النوع الذي ذمهه ال تعالى فهي كتابهه بقوله‪" :‬أم‬
‫يحسدون الناس على ما آتاهم ال من فضله" [النساء‪ ]54 :‬وإنما كان مذموما لن فيه تسفيه الحق‬
‫سهبحانه‪ ،‬وأنهه أنعهم على مهن ل يسهتحق‪ .‬وأمها المحمود فههو مها جاء فهي صهحيح الحديهث مهن قوله‬
‫عليه السلم‪( :‬ل حسد إل في اثنين رجل آتاه ال القرآن فهو يقوم به آناء الليل وآناء النهار ورجل‬
‫آتاه ال مال فهههو ينفقههه آناء الليههل وآناء النهار)‪ .‬وهذا الحسههد معناه الغبطههة‪ .‬وكذلك ترجههم عليههه‬
‫البخاري "باب الغتباط فهي العلم والحكمهة"‪ .‬وحقيقتهها‪ :‬أن تتمنهى أن يكون لك مها لخيهك المسهلم‬
‫من الخير والنعمة ول يزول عنه خيره‪ ،‬وقد يجوز أن يسمى هذا منافسة‪ ،‬ومنه قوله تعالى‪" :‬وفي‬
‫ذلك فليتنافس المتنافسون" [المطففين‪ ]26 :‬أي "من بعد ما تبين لهم الحق" أي من بعد ما تبين‬
‫الحق لهم وهو محمد صلى ال عليه وسلم‪ ،‬والقرآن الذي جاء به‪.‬‬
‫@قوله تعالى‪" :‬فاعفوا واصفحوا" فيه مسألتان‪:‬‬
‫الولى‪ :‬قوله تعالى‪" :‬فاعفوا" والصههل اعفووا حذفههت الضمههة لثقلههها‪ ،‬ثههم حذفههت الواو للتقاء‬
‫السهاكنين‪ .‬والعفهو‪ :‬ترك المؤاخذة بالذنهب‪ .‬والصهفح‪ :‬إزالة أثره مهن النفهس‪ .‬صهفحت عهن فلن إذا‬
‫أعرضههت عههن ذنبههه‪ .‬وقههد ضربههت عنههه صههفحا إذا أعرضههت عنههه وتركتههه‪ ،‬ومنههه قوله تعالى‪:‬‬
‫"أفنضرب عنكم الذكر صفحا" [الزخرف‪.]5 :‬‬
‫الثانيهة‪ :‬هذه الية منسهوخة بقوله‪" :‬قاتلوا الذين ل يؤمنون" [التوبة‪ ]29 :‬إلى قوله‪" :‬صهاغرون"‬
‫[التوبة‪ ]29 :‬عن ابن عباس‪ .‬وقيل‪ :‬الناسخ لها "فاقتلوا المشركين" [التوبة‪ .]5 :‬قال أبو عبيدة‪:‬‬
‫كهل آيهة فيهها ترك للقتال فههي مكيهة منسهوخة بالقتال‪ .‬قال ابهن عطيهة‪ :‬وحكمهه بأن هذه اليهة مكيهة‬
‫ضعيف‪ ،‬لن معاندات اليهود إنما كانت بالمدينة‪.‬‬
‫قلت‪ :‬وههو الصهحيح‪ ،‬روى البخاري ومسهلم عهن أسهامة بهن زيهد أن رسهول ال صهلى ال عليهه‬
‫وسلم ركب على حمار عليه قطيفة فدكية وأسامة وراءه‪ ،‬يعود سعد بن عبادة في بني الحارث بن‬
‫الخزرج قبل وقعة بدر‪ ،‬فسارا حتى مرا بمجلس فيه عبدال بن أبي ابن سلول ‪ -‬وذلك قبل أن يسلم‬
‫عبدال بهن أبهي ‪ -‬فإذا فهي المجلس أخلط مهن المسهلمين والمشركيهن عبدة الوثان واليهود‪ ،‬وفهي‬
‫المسلمين عبدال بن رواحة‪ ،‬فلما غشيت المجلس عجاجة الدابة خمر ابن أبي أنفه بردائه وقال‪ :‬ل‬
‫تغهبروا علينها! فسهلم رسهول ال صهلى ال عليهه وسهلم ثهم وقهف فنزل‪ ،‬فدعاههم إلى ال تعالى وقرأ‬
‫عليههم القرآن‪ ،‬فقال له عبدال بهن أبهي بهن سهلول‪ :‬أيهها المرء‪ ،‬ل أحسهن ممها تقول إن كان حقها! فل‬
‫تؤذنا به في مجالسنا‪[ ،‬ارجع إلى رحلك] فمن جاءك فاقصص عليه‪ .‬قال عبدال بن رواحة‪ :‬بلى يا‬
‫رسهول ال‪ ،‬فاغشنها فهي مجالسهنا‪ ،‬فإنها نحهب ذلك‪ .‬فاسهتتب المشركون والمسهلمون واليهود حتهى‬
‫كادوا يتثاورون‪ ،‬فلم يزل رسهول ال صهلى ال عليهه وسهلم يخفضههم حتهى سهكنوا‪ ،‬ثهم ركهب رسهول‬
‫ال صلى ال عليه وسلم دابته فسار حتى دخل على سعد بن عبادة‪ ،‬فقال رسول ال صلى ال عليه‬
‫وسهلم‪[( :‬يها سهعد] ألم تسهمع إلى مها قال أبهو حباب ‪ -‬يريهد عبدال بهن أبهي ‪ -‬قال كذا وكذا) فقال‪ :‬أي‬
‫رسهول ال‪ ،‬بأبهي أنهت وأمهي! اعهف عنهه واصهفح‪ ،‬فوالذي أنزل عليهك الكتاب بالحهق لقهد جاءك ال‬
‫بالحق الذي أنزل عليك‪ ،‬ولقد اصطلح أهل هذه البحيرة على أن يتوجوه ويعصبوه بالعصابة‪ ،‬فلما‬
‫رد ال ذلك بالحهق الذي أعطاك شرق بذلك‪ ،‬فذلك فعهل مها رأيهت‪ ،‬فعفها عنهه رسهول ال صهلى ال‬
‫عليهه وسهلم‪ .‬وكان رسهول ال صهلى ال عليهه وسهلم وأصهحابه يعفون عهن المشركيهن وأههل الكتاب‬
‫كمهها أمرهههم ال تعالى‪ ،‬ويصههبرون على الذى‪ ،‬قال ال عههز وجههل‪" :‬ولتسههمعن مههن الذيههن أوتوا‬
‫الكتاب مهن قبلكهم ومهن الذيهن أشركوا أذى كثيرا" [آل عمران‪ ،]186 :‬وقال‪" :‬ود كثيهر مهن أههل‬
‫الكتاب" فكان رسهول ال صهلى ال عليهه وسهلم يتأول فهي العفهو عنههم مها أمره ال بهه حتهى أذن له‬
‫فيههم‪ ،‬فلمها غزا رسههول ال صهلى ال عليهه وسههلم بدرا فقتهل ال بهه مهن قتههل مههن صهناديد الكفار‬
‫وسادات قريش‪ ،‬فقفل رسول ال صلى ال عليه وسلم وأصحابه غانمين منصورين‪ ،‬معهم أسارى‬
‫من صناديد الكفار وسادات قريش‪ ،‬قال عبدال بن أبي ابن سلول ومن معه من المشركين وعبدة‬
‫الوثان‪ :‬هذا أمر قد توجه‪ ،‬فبايعوا رسول ال صلى ال عليه وسلم السلم‪ ،‬فأسلموا‪.‬‬
‫@قوله تعالى‪" :‬حتهى يأتهي ال بأمره" يعنهي قتهل قريظهة وجلء بنهي النضيهر‪" .‬إن ال على كهل‬
‫شيء قدير" تقدم ذكره ول الحمد‪.‬‬
‫*‪ *3‬الية‪{110 :‬وأقيموا الصلة وآتوا الزكاة وما تقدموا لنفسكم من خير تجدوه عند ال إن‬
‫ال بما تعملون بصير}‬
‫@قوله تعالى‪" :‬وأقيموا الصهلة وآتوا الزكاة" تقدم‪ .‬والحمهد ل تعالى‪" .‬ومها تقدموا لنفسهكم مهن‬
‫خيهر تجدوه عنهد ال" جاء فهي الحديهث (أن العبهد إذا مات قال الناس مها خلف وقالت الملئكهة مها‬
‫قدم)‪ .‬وخرج البخاري والنسهائي عهن عبدال قال‪ :‬قال رسهول ال صهلى ال عليهه وسهلم‪( :‬أيكهم مال‬
‫وارثه أحب إليه من ماله)‪ .‬قالوا‪ :‬يا رسول ال‪ ،‬ما منا من أحد إل ماله أحب إليه من مال وارثه‪،‬‬
‫قال رسول ال صلى ال عليه وسلم‪( :‬ليس منكم من أحد إل مال وارثه أحب إليه من ماله‪ .‬مالك ما‬
‫قدمت ومال وارثك ما أخرت)‪ ،‬لفظ النسائي‪ .‬ولفظ البخاري‪ :‬قال عبدال قال النبي صلى ال عليه‬
‫وسهلم‪( :‬أيكهم مال وارثهه أحهب إليهه مهن ماله) قالوا‪ :‬يها رسهول ال‪ ،‬مها منها أحهد إل ماله أحهب إليهه‪،‬‬
‫قال‪( :‬فإن ماله مها قدم ومال وارثهه مها أخهر)‪ .‬وجاء عهن عمهر بهن الخطاب رضهي ال عنهه أنهه مهر‬
‫ببقيهع الغرقهد فقال‪ :‬السهلم عليكهم أههل القبور‪ ،‬أخبار مها عندنها أن نسهاءكم قهد تزوجهن‪ ،‬ودوركهم قهد‬
‫سهكنت‪ ،‬وأموالكهم قهد قسهمت‪ .‬فأجابهه هاتهف‪ :‬يها ابهن الخطاب أخبار مها عندنها أن مها قدمناه وجدناه‪،‬‬
‫وما أنفقناه فقد ربحناه‪ ،‬وما خلفناه فقد خسرناه‪ .‬ولقد أحسن القائل‪:‬‬
‫واعمل فليس إلى الخلود سبيل‬ ‫قدم لنفسك قبل موتك صالحا‬
‫وقال آخر‪:‬‬
‫قبل الممات وقبل حبس اللسن‬ ‫قدم لنفسك توبة مرجوة‬
‫وقال آخر‪:‬‬
‫والقوم حولك يضحكون سرورا‬ ‫ولدتك إذ ولدتك أمك باكيا‬
‫في يوم موتك ضاحكا مسرورا‬ ‫فاعمل ليوم تكون فيه إذا بكوا‬
‫وقال آخر‪:‬‬
‫فإنما خلفك ما تعلم‬ ‫سابق إلى الخير وبادر به‬
‫على الذي قدمه يقدم‬ ‫وقدم الخير فكل امرئ‬
‫وأحسن من هذا كله قول أبي العتاهية‪:‬‬
‫إنما يبقى وراءك مصلح أو مفسد‬ ‫إسعد بمالك في حياتك‬
‫وأخو الصلح قليله يتزيد‬ ‫وإذا تركت لمفسد لم يبقه‬
‫إن المورث نفسه لمسدد‬ ‫وإن استطعت فكن لنفسك وارثا‬
‫"إن ال بما تعملون بصير" تقدم‪.‬‬
‫*‪ *3‬اليتان‪{ 112 - 111 :‬وقالوا لن يدخل الجنة إل من كان هودا أو نصارى تلك أمانيهم‬
‫قهل هاتوا برهانكهم إن كنتهم صهادقين‪ ،‬بلى مهن أسهلم وجههه ل وههو محسهن فله أجره عنهد ربهه ول‬
‫خوف عليهم ول هم يحزنون}‬
‫@قوله تعالى‪" :‬وقالوا لن يدخل الجنة إل من كان هودا أو نصارى تلك أمانيهم" المعنى‪ :‬وقالت‬
‫اليهود لن يدخهل الجنهة إل مهن كان يهوديها‪ .‬وقالت النصهارى لن يدخهل الجنهة إل مهن كان نصهرانيا‪.‬‬
‫وأجاز الفراء أن يكون "هودا" بمعنهههى يهوديههها‪ ،‬حذف منهههه الزائد‪ ،‬وأن يكون جمهههع هائد‪ .‬وقال‬
‫الخفهش سهعيد‪" :‬إل مهن كان" جعهل "كان" واحدا على لفهظ "مهن"‪ ،‬ثهم قال هودا فجمهع‪ ،‬لن معنهى‬
‫"من" جمع‪ .‬ويجوز "تلك أمانيهم" وتقدم الكلم في هذا‪ ،‬والحمد ل‪.‬‬
‫@قوله تعالى‪" :‬قهل هاتوا برهانكهم" أصهل "هاتوا" هاتيوا‪ ،‬حذفهت الضمهة لثقلهها ثهم حذفهت الياء‬
‫للتقاء السههاكنين‪ ،‬يقال فههي الواحههد المذكههر‪ :‬هات‪ ،‬مثههل رام‪ ،‬وفههي المؤنههث‪ :‬هاتههي‪ ،‬مثههل رامههي‪.‬‬
‫والبرهان‪ :‬الدليل الذي يوقع اليقين‪ ،‬وجمعه براهين‪ ،‬مثل قربان وقرابين‪ ،‬وسلطان وسلطين‪ .‬قال‬
‫الطهبري‪ :‬طلب الدليهل هنها يقضهي إثبات النظهر ويرد على مهن ينفيهه‪" .‬إن كنتهم صهادقين" يعنهي فهي‬
‫إيمانكهم أو فهي قولكهم تدخلون الجنهة‪ ،‬أي بينوا مها قلتهم بهبرهان‪ ،‬ثهم قال تعالى‪" :‬بلى" ردا عليههم‬
‫وتكذيبا لهم‪ ،‬أي ليس كما تقولون‪ .‬وقيل‪ :‬إن "بلى" محمولة على المعنى‪ ،‬كأنه قيل أما يدخل الجنة‬
‫أحد؟ فقيل‪" :‬بلى من أسلم وجهه ل" ومعنى "أسلم" استسلم وخضع‪ .‬وقيل‪ :‬أخلص عمله‪ .‬وخص‬
‫الوجه بالذكر لكونه أشرف ما يرى من النسان‪ ،‬ولنه موضع الحواس‪ ،‬وفيه يظهر العز والذل‪.‬‬
‫والعرب تخهبر بالوجهه عهن جملة الشيهء‪ .‬ويصهح أن يكون الوجهه فهي هذه اليهة المقصهد‪" .‬وههو‬
‫محسههن فله أجره عنههد ربههه ول خوف عليهههم ول هههم يحزنون" جملة فههي موضههع الحال‪ ،‬وعاد‬
‫الضميههر فههي "وجهههه" و"له" على لفههظ "مههن" وكذلك "أجره" وعاد فههي "عليهههم" على المعنههى‪،‬‬
‫وكذلك في "يحزنون" وقد تقدم‪.‬‬
‫*‪ *3‬الية‪{ 113 :‬وقالت اليهود ليست النصارى على شيء وقالت النصارى ليست اليهود على‬
‫شيهء وههم يتلون الكتاب كذلك قال الذيهن ل يعلمون مثهل قولههم فال يحكهم بينههم يوم القيامهة فيمها‬
‫كانوا فيه يختلفون}‬
‫@قوله تعالى‪" :‬وقالت اليهود ليسهت النصهارى على شيهء وقالت النصهارى ليسهت اليهود على‬
‫شيء"‬
‫معناه ادعهى كهل فريهق منههم أن صهاحبه ليهس على شيهء‪ ،‬وأنهه أحهق برحمهة ال منهه‪" .‬وههم يتلون‬
‫الكتاب" يعنههي التوراة والنجيههل‪ ،‬والجملة فههي موضههع الحال‪" .‬كذلك قال الذيههن ل يعلمون مثههل‬
‫قولههم فال يحكهم بينههم يوم القيامهة فيمها كانوا فيهه يختلفون" والمراد "بالذيهن ل يعلمون" فهي قول‬
‫الجمهور‪ :‬كفار العرب‪ ،‬لنههم ل كتاب لههم‪ .‬وقال عطاء‪ :‬المراد أمهم كانهت قبهل اليهود والنصهارى‪.‬‬
‫الربيهع بهن أنهس‪ :‬المعنهى كذلك قالت اليهود قبهل النصهارى‪ .‬ابهن عباس‪ :‬قدم أههل نجران على النهبي‬
‫صلى ال عليه وسلم فأتتهم أحبار يهود‪ ،‬فتنازعوا عند النبي صلى ال عليه وسلم‪ ،‬وقالت كل فرقة‬
‫منهم للخرى لستم على شيء‪ ،‬فنزلت الية‪.‬‬
‫*‪ *3‬الية‪{ 114 :‬ومن أظلم ممن منع مساجد ال أن يذكر فيها اسمه وسعى في خرابها أولئك‬
‫ما كان لهم أن يدخلوها إل خائفين لهم في الدنيا خزي ولهم في الخرة عذاب عظيم}‬
‫@قوله تعالى‪" :‬ومهن أظلم ممهن منهع مسهاجد ال أن يذكهر فيهها اسهمه وسهعى فهي خرابهها" "ومهن"‬
‫رفهع بالبتداء‪ ،‬و"أظلم" خهبره‪ ،‬والمعنهى ل أحهد أظلم‪ .‬و"أن" فهي موضهع نصهب على البدل مهن‬
‫"مساجد"‪ ،‬ويجوز أن يكون التقدير‪ :‬كراهية أن يذكر‪ ،‬ثم حذف‪ .‬ويجوز أن يكون التقدير‪ :‬من أن‬
‫يذكههر فيههها‪ ،‬وحرف الخفههض يحذف مههع "أن" لطول الكلم‪ .‬وأراد بالمسههاجد هنهها بيههت المقدس‬
‫ومحاريبهه‪ .‬وقيهل الكعبهة‪ ،‬وجمعهت لنهها قبلة المسهاجد أو للتعظيهم‪ .‬وقيهل‪ :‬المراد سهائر المسهاجد‪،‬‬
‫والواحهد مسهجد (بكسهر الجيهم)‪ ،‬ومهن العرب مهن يقول‪ :‬مسهجد‪( ،‬بفتحهها)‪ .‬قال الفراء‪" :‬كهل مها كان‬
‫على فعهل يفعهل‪ ،‬مثهل دخهل يدخهل‪ ،‬فالمفعهل منهه بالفتهح اسهما كان أو مصهدرا‪ ،‬ول يقهع فيهه الفرق‪،‬‬
‫مثل دخل يدخل مدخل‪ ،‬وهذا مدخله‪ ،‬إل أحرفا من السماء ألزموها كسر العين‪ ،‬من ذلك‪ :‬المسجد‬
‫والمطلع والمغرب والمشرق والمسههقط والمفرق والمجزر والمسههكن والمرفههق (مهن رفههق يرفههق)‬
‫والمنبهت والمنسهك (مهن نسهك ينسهك)‪ ،‬فجعلوا الكسهر علمهة للسهم‪ ،‬وربمها فتحهه بعهض العرب فهي‬
‫السم"‪ .‬والمسجد (بالفتح)‪ :‬جبهة الرجل حيث يصيبه ندب السجود‪ .‬والراب السبعة مساجد‪ ،‬قاله‬
‫الجوهري‪.‬‬
‫@واختلف الناس في المراد بهذه الية وفيمن نزلت‪ ،‬فذكر المفسرون أنها نزلت في بخت نصر‪،‬‬
‫لنه كان أخرب بيت المقدس‪ .‬وقال ابن عباس وغيره‪ :‬نزلت في النصارى‪ ،‬والمعنى كيف تدعون‬
‫أيهها النصهارى أنكهم مهن أههل الجنهة! وقهد خربتهم بيهت المقدس ومنعتهم المصهلين مهن الصهلة فيهه‪.‬‬
‫ومعنهى اليهة على هذا‪ :‬التعجهب مهن فعهل النصهارى بهبيت المقدس مهع تعظيمههم له‪ ،‬وإنمها فعلوا مها‬
‫فعلوا عداوة لليهود‪ .‬روى سههعيد عهن قتادة قال‪ :‬أولئك أعداء ال النصههارى‪ .‬حملهههم إبغاض اليهود‬
‫على أن أعانوا بخهت نصهر البابلي المجوسهي على تخريهب بيهت المقدس‪ .‬وروي أن هذا التخريهب‬
‫بقي إلى زمن عمر رضي ال عنه‪ .‬وقيل‪ :‬نزلت في المشركين إذ منعوا المصلين والنبي صلى ال‬
‫عليه وسلم‪ ،‬وصدوهم عن المسجد الحرام عام الحديبية‪ .‬وقيل‪ :‬المراد من منع من كل مسجد إلى‬
‫يوم القيامههة‪ ،‬وهههو الصههحيح‪ ،‬لن اللفههظ عام ورد بصههيغة الجمههع‪ ،‬فتخصههيصها ببعههض المسههاجد‬
‫وبعض الشخاص ضعيف‪ ،‬وال تعالى اعلم‪.‬‬
‫@خراب المساجد قد يكون حقيقيا كتخريب بخت نصر والنصارى بيت المقدس على ما ذكر أنهم‬
‫غزوا بنهي إسهرائيل مهع بعهض ملوكههم ‪ -‬قيهل‪ :‬اسهمه نطوس بهن اسهبيسانوس الرومهي فيمها ذكهر‬
‫الغزنوي ‪ -‬فقتلوا وسبوا‪ ،‬وحرقوا التوراة‪ ،‬وقذفوا في بيت المقدس العذرة وخربوه‪.‬‬
‫ويكون مجازا كمنع المشركين المسلمين حين صدوا رسول ال صلى ال عليه وسلم عن المسجد‬
‫الحرام‪ ،‬وعلى الجملة فتعطيل المساجد عن الصلة وإظهار شعائر السلم فيها خراب لها‪.‬‬
‫@قال علماؤنا‪ :‬ولهذا قلنا ل يجوز منع المرأة من الحج إذا كانت ضرورة‪ ،‬سواء كان لها محرم‬
‫أو لم يكن‪ ،‬ول تمنع أيضا من الصلة في المساجد ما لم يخف عليها الفتنة‪ ،‬وكذلك قال النبي صلى‬
‫ال عليهه وسهلم‪( :‬ل تمنعوا إماء ال مسهاجد ال) ولذلك قلنها‪ :‬ل يجوز نقهض المسهجد ول بيعهه ول‬
‫تعطيله وإن خربههت المحلة‪ ،‬ول يمنههع بناء المسههاجد إل أن يقصههدوا الشقاق والخلف‪ ،‬بأن يبنوا‬
‫مسههجدا إلى جنههب مسههجد أو قربههه‪ ،‬يريدون بذلك تفريههق أهههل المسههجد الول وخرابههه واختلف‬
‫الكلمهة‪ ،‬فإن المسهجد الثانهي ينقهض ويمنهع مهن بنيانهه‪ ،‬ولذلك قلنها‪ :‬ل يجوز أن يكون فهي المصهر‬
‫جامعان‪ ،‬ول لمسجد واحد إمامان‪ ،‬ول يصلي في مسجد جماعتان‪ .‬وسيأتي لهذا كله مزيد بيان في‬
‫سورة "براءة" إن شاء ال تعالى‪ ،‬وفي "النور" حكم المساجد وبنائها بحول ال تعالى‪ .‬ودلت الية‬
‫أيضها على تعظيهم أمهر الصهلة‪ ،‬وأنهها لمها كانهت أفضهل العمال وأعظمهها أجرا كان منعهها أعظهم‬
‫إثما‪.‬‬
‫@كل موضع يمكن أن يعبد ال فيه ويسجد له يسمى مسجدا‪ ،‬قال صلى ال عليه وسلم‪( :‬جعلت‬
‫لي الرض مسهجدا وطهورا)‪ ،‬أخرجهه الئمهة‪ .‬وأجمعهت المهة على أن البقعهة إذا عينهت للصهلة‬
‫بالقول خرجت عن جملة الملك المختصة بربها وصارت عامة لجميع المسلمين‪ ،‬فلو بنى رجل‬
‫فههي داره مسههجدا وحجزه على الناس واختههص بههه لنفسههه لبقههي على ملكههه ولم يخرج إلى حههد‬
‫المسهجدية‪ ،‬ولو أباحهه للناس كلههم كان حكمهه حكهم سهائر المسهاجد العامهة‪ ،‬وخرج عهن اختصهاص‬
‫الملك‪.‬‬
‫@قوله تعالى‪" :‬أولئك مها كان لههم أن يدخلوهها إل خائفيهن" "أولئك" مبتدأ ومها بعده خهبره‪.‬‬
‫"خائفين" حال‪ ،‬يعني إذا استولى عليها المسلمون وحصلت تحت سلطانهم فل يتمكن الكافر حينئذ‬
‫مهن دخولهها‪ .‬فإن دخلوهها‪ ،‬فعلى خوف مهن إخراج المسهلمين لههم‪ ،‬وتأديبههم على دخولهها‪ .‬وفهي هذا‬
‫دليهل على أن الكافهر ليهس له دخول المسهجد بحال‪ ،‬على مها يأتهي فهي "براءة" إن شاء ال تعالى‪.‬‬
‫ومن جعل الية في النصارى روى أنه مر زمان بعد بناء عمر بيت المقدس في السلم ل يدخله‬
‫نصراني إل أوجع ضربا بعد أن كان متعبدهم‪ .‬ومن جعلها في قريش قال‪ :‬كذلك نودي بأمر النبي‬
‫صهلى ال عليهه وسهلم‪( :‬أل ل يحهج بعهد العام مشرك‪ ،‬ول يطوف بالبيهت عريان)‪ .‬وقيهل‪ :‬ههو خهبر‬
‫ومقصهوده المهر‪ ،‬أي جاهدوههم واسهتأصلوهم حتهى ل يدخهل أحهد منههم المسهجد الحرام إل خائفها‪،‬‬
‫كقوله‪" :‬وما كان لكم أن تؤذوا رسول ال" [الحزاب‪ ]53 .‬فإنه نهي ورد بلفظ الخبر‪.‬‬
‫@قوله تعالى‪" :‬لههم فهي الدنيها خزي ولههم فهي الخرة عذاب عظيهم" قيهل القتهل للحربهي‪ ،‬والجزيهة‬
‫للذمي‪ ،‬عن قتادة‪ .‬السدي‪ :‬الخزي لهم في الدنيا قيام المهدي‪ ،‬وفتح عمورية ورومية وقسطنطينية‪،‬‬
‫وغير ذلك من مدنهم‪ ،‬على ما ذكرناه في كتاب التذكرة‪ .‬ومن جعلها في قريش جعل الخزي عليهم‬
‫في الفتح‪ ،‬والعذاب في الخرة لمن مات منهم كافرا‪.‬‬
‫*‪ *3‬الية‪{ 115 :‬ول المشرق والمغرب فأينما تولوا فثم وجه ال إن ال واسع عليم}‬
‫@قوله تعالى‪" :‬ول المشرق والمغرب" "المشرق" موضههع الشروق‪" .‬والمغرب" موضههع‬
‫الغروب‪ ،‬أي همهها له ملك ومهها بينهمهها مههن الجهات والمخلوقات باليجاد والختراع‪ ،‬كمهها تقدم‪.‬‬
‫وخصههما بالذكهر والضافهة إليهه تشريفها‪ ،‬نحهو بيهت ال‪ ،‬وناقهة ال‪ ،‬ولن سهبب اليهة اقتضهى ذلك‪،‬‬
‫على ما يأتي‪.‬‬
‫@قوله تعالى‪" :‬فأينمها تولوا فثهم وجهه ال" "فأينمها تولوا" شرط‪ ،‬ولذلك حذفهت النون‪ ،‬و"أيهن"‬
‫العاملة‪ ،‬و"مها" زائدة‪ ،‬والجواب "فثهم وجهه ال"‪ .‬وقرأ الحسهن "تولوا" بفتهح التاء واللم‪ ،‬والصهل‬
‫تتولوا‪ .‬و"ثم" في موضع نصب على الظرف‪ ،‬ومعناها البعد‪ ،‬إل أنها مبنية على الفتح غير معربة‬
‫لنها مبهمة‪ ،‬تكون بمنزلة هناك للبعد‪ ،‬فإن أردت القرب قلت هنا‪.‬‬
‫@اختلف العلماء فهي المعنهى الذي نزلت فيهه "فأينمها تولوا" على خمسهة أقوال‪ :‬فقال عبدال بهن‬
‫عامر بن ربيعة‪ :‬نزلت فيمن صلى إلى غير القبلة في ليلة مظلمة‪ ،‬أخرجه الترمذي عنه عن أبيه‬
‫قال‪ :‬كنا مع النبي صلى ال عليه وسلم في سفر في ليلة مظلمة فلم ندر أين القبلة‪ ،‬فصلى كل رجل‬
‫منا على حياله‪ ،‬فلما أصبحنا ذكرنا ذلك للنبي صلى ال عليه وسلم فنزلت‪" :‬فأينما تولوا فثم وجه‬
‫ال"‪ .‬قال أبو عيسى‪ :‬هذا حديث ليس إسناده بذاك‪ ،‬ل نعرفه إل من حديث أشعث السمان‪ ،‬وأشعث‬
‫بهن سهعيد أبهو الربيهع يضعهف فهي الحديهث‪ .‬وقهد ذههب أكثهر أههل العلم إلى هذا‪ ،‬قالوا‪ :‬إذا صهلى فهي‬
‫الغيهم لغيهر القبلة ثهم اسهتبان له بعهد ذلك أنهه صهلى لغيهر القبلة فإن صهلته جائزة‪ ،‬وبهه يقول سهفيان‬
‫وابن المبارك وأحمد وإسحاق‪.‬‬
‫قلت‪ :‬وهو قول أبي حنيفة ومالك‪ ،‬غير أن مالكا قال‪ :‬تستحب له العادة في الوقت‪ ،‬وليس ذلك‬
‫بواجب عليه‪ ،‬لنه قد أدى فرضه على ما أمر‪ ،‬والكمال يستدرك في الوقت‪ ،‬استدلل بالسنة فيمن‬
‫صلى وحده ثم أدرك تلك الصلة في وقتها في جماعة أنه يعيد معهم‪ ،‬ول يعيد في الوقت استحبابا‬
‫إل مههن اسههتدبر القبلة أو شرق أو غرب جدا مجتهدا‪ ،‬وأمهها مههن تيامههن أو تياسههر قليل مجتهدا فل‬
‫إعادة عليههه فههي وقههت ول غيره‪ .‬وقال المغيرة والشافعههي‪ :‬ل يجزيههه‪ ،‬لن القبلة شرط مههن شروط‬
‫الصهلة‪ .‬ومها قاله مالك أصهح‪ ،‬لن جههة القبلة تبيهح الضرورة تركهها فهي المسهايفة‪ ،‬وتبيحهها أيضها‬
‫الرخصة حالة السفر‪ .‬وقال ابن عمر‪ :‬نزلت في المسهافر يتنفل حيثما توجهت به راحلته‪ .‬أخرجه‬
‫مسهلم عنهه‪ ،‬قال‪ :‬كان رسهول ال صهلى ال عليهه وسهلم يصهلي وههو مقبهل مهن مكهة إلى المدينهة على‬
‫راحلتهه حيهث كان وجههه‪ ،‬قال‪ :‬وفيهه نزلت "فأينمها تولوا فثهم وجه ال"‪ .‬ول خلف بيهن العلماء فهي‬
‫جواز النافلة على الراحلة لهذا الحديهث ومها كان مثله‪ .‬ول يجوز لحهد أن يدع القبلة عامدا بوجههة‬
‫من الوجوه إل في شدة الخوف‪ ،‬على ما يأتي‪.‬‬
‫واختلف قول مالك في المريض يصلي على محمله‪ ،‬فمرة قال‪ :‬ل يصلي على ظهر البعير فريضة‬
‫وإن اشتهد مرضهه‪ .‬قال سهحنون‪ :‬فإن فعهل أعاد‪ ،‬حكاه الباجهي‪ .‬ومرة قال‪ :‬إن كان ممهن ل يصهلي‬
‫بالرض إل إيماء فليصهل على البعيهر بعهد أن يوقهف له ويسهتقبل القبلة وأجمعوا على أنهه ل يجوز‬
‫لحد صحيح أن يصلي فريضة إل بالرض إل في الخوف الشديد خاصة‪ ،‬على ما يأتي بيانه‪.‬‬
‫واختلف الفقهاء فهي المسهافر سهفرا ل تقصهر فهي مثله الصهلة‪ ،‬فقال مالك وأصهحابه والثوري‪ :‬ل‬
‫يتطوع على الراحلة إل في سفر تقصر في مثله الصلة‪ ،‬قالوا‪ :‬لن السفار التي حكي عن رسول‬
‫ال صهلى ال عليهه وسهلم أنهه كان يتطوع فيهها كانهت ممها تقصهر فيهه الصهلة‪ .‬وقال الشافعهي وأبهو‬
‫حنيفهة وأصهحابهما والحسهن بهن حهي والليهث بهن سهعد وداود بهن علي‪ :‬يجوز التطوع على الراحلة‬
‫خارج المصههر فههي كههل سههفر‪ ،‬وسههواء كان ممهها تقصههر فيههه الصههلة أو ل‪ ،‬لن الثار ليههس فيههها‬
‫تخصهيص سهفر مهن سهفر‪ ،‬فكهل سهفر جائز ذلك فيهه‪ ،‬إل أن يخهص شيهء مهن السهفار بمها يجهب‬
‫التسهليم له‪ .‬وقال أبهو يوسهف‪ :‬يصهلي فهي المصهر على الدابهة باليماء‪ ،‬لحديهث يحيهى بهن سهعيد عهن‬
‫أنس بن مالك أنه صلى على حمار في أزقة المدينة يومئ إيماء‪ .‬وقال الطبري‪ :‬يجوز لكل راكب‬
‫وماش حاضرا كان أو مسهافرا أن يتنفهل على دابتهه وراحلتهه وعلى رجليهه [باليماء]‪ .‬وحكهي عهن‬
‫بعض أصحاب الشافعي أن مذهبهم جواز التنفل على الدابة في الحضر والسفر‪ .‬وقال الثرم‪ :‬قيل‬
‫لحمهد بن حنبل الصلة على الدابة في الحضهر‪ ،‬فقال‪ :‬أما فهي السفر فقد سمعت‪ ،‬وما سمعت في‬
‫الحضهر‪ .‬قال ابهن القاسهم‪ :‬مهن تنفهل فهي محمله تنفهل جالسها‪ ،‬قيامهه تربهع‪ ،‬يركهع واضعها يديهه على‬
‫ركبتيه ثم يرفع رأسه‪ .‬وقال قتادة‪ :‬نزلت في النجاشي‪ ،‬وذلك أنه لما مات دعا النبي صلى ال عليه‬
‫وسلم المسلمين إلى الصلة عليه خارج المدينة‪ ،‬فقالوا‪ :‬كيف نصلي على رجل مات؟ وهو يصلي‬
‫لغيهر قبلتنها‪ ،‬وكان النجاشهي ملك الحبشهة ‪ -‬واسهمه أصهحمة وههو بالعربيهة عطيهة ‪ -‬يصهلي إلى بيهت‬
‫المقدس حتهى مات‪ ،‬وقهد صهرفت القبلة إلى الكعبهة فنزلت اليهة‪ ،‬ونزل فيهه‪" :‬وإن مهن أههل الكتاب‬
‫لمن يؤمن بال" [آل عمران‪ ]199 :‬فكان هذا عذرا للنجاشي‪ ،‬وكانت صلة النبي صلى ال عليه‬
‫وسههلم بأصههحابه سههنة تسههع مههن الهجرة‪ .‬وقههد اسههتدل بهذا مههن أجاز الصههلة على الغائب‪ ،‬وهههو‬
‫الشافعهي‪ .‬قال ابهن العربهي‪ :‬ومهن أغرب مسهائل الصهلة على الميهت مها قال الشافعهي‪ :‬يصهلي على‬
‫الغائب‪ ،‬وقد كنت ببغداد في مجلس المام فخر السلم فيدخل عليه الرجل من خراسان فيقول له‪:‬‬
‫كيف حال فلن؟ فيقول له‪ :‬مات‪ ،‬فيقول‪ :‬إنا ل وإنا إليه راجعون! ثم يقول لنا‪ :‬قوموا فلصل لكم‪،‬‬
‫فيقوم فيصلي عليه بنا‪ ،‬وذلك بعد ستة أشهر من المدة‪ ،‬وبينه وبين بلده ستة أشهر‪.‬‬
‫والصل عندهم في ذلك صلة النبي صلى ال عليه وسلم على النجاشي‪ .‬وقال علماؤنا رحمة ال‬
‫عليهم‪ :‬النبي صلى ال عليه وسلم بذلك مخصوص لثلثة أوجه‪:‬‬
‫أحدها‪ :‬أن الرض دحيت له جنوبا وشمال حتى رأى نعش النجاشي‪ ،‬كما دحيت له شمال وجنوبا‬
‫حتى رأى المسجد القصى‪ .‬وقال المخالف‪ :‬وأي فائدة في رؤيته‪ ،‬وإنما الفائدة في لحوق بركته‪.‬‬
‫الثانههي‪ :‬أن النجاشههي لم يكههن له هناك ولي مههن المؤمنيههن يقوم بالصههلة عليههه‪ .‬قال المخالف‪ :‬هذا‬
‫محال عادة ملك على دين ل يكون له اتباع‪ ،‬والتأويل بالمحال محال‪.‬‬
‫الثالث‪ :‬أن النههبي صههلى ال عليههه وسههلم إنمهها أراد بالصههلة على النجاشههي إدخال الرحمههة عليههه‬
‫واسهتئلف بقيهة الملوك بعده إذا رأوا الهتمام بهه حيها وميتها‪ .‬قال المخالف‪ :‬بركهة الدعاء مهن النهبي‬
‫صلى ال عليه وسلم ومن سواه تلحق الميت باتفاق‪ .‬قال ابن العربي‪ :‬والذي عندي في صلة النبي‬
‫صلى ال عليه وسلم على النجاشي أنه علم أن النجاشي ومن آمن معه ليس عندهم من سنة الصلة‬
‫على الميت أثر‪ ،‬فعلم أنهم سيدفنونه بغير صلة فبادر إلى الصلة عليه‪.‬‬
‫قلت‪ :‬والتأويل الول أحسن‪ ،‬لنه إذا رآه فما صلى على غائب وإنما صلى على مرئي حاضر‪،‬‬
‫والغائب ما ل يرى‪ .‬وال تعالى اعلم‪.‬‬
‫القول الرابهع‪ :‬قال ابن زيهد‪ :‬كانهت اليهود قهد اسهتحسنت صهلة النهبي صهلى ال عليه وسهلم إلى بيهت‬
‫المقدس وقالوا‪ :‬ما اهتدى إل بنا‪ ،‬فلما حول إلى الكعبة قالت اليهود‪ :‬ما ولهم عن قبلتهم التي كانوا‬
‫عليههها‪ ،‬فنزلت‪" :‬ول المشرق والمغرب" فوجههه النظههم على هذا القول‪ :‬أن اليهود لمهها أنكروا أمههر‬
‫القبلة بين ال تعالى أن له أن يتعبهد عباده بما شاء‪ ،‬فإن شاء أمرههم بالتوجه إلى بيهت المقدس‪ ،‬وإن‬
‫شاء أمرهم بالتوجه إلى الكعبة‪ ،‬فعل ل حجة عليه ول يسأل عما يفعل وهم يسألون‪.‬‬
‫القول الخامهس‪ :‬أن اليهة منسهوخة بقوله‪" :‬وحيهث مها كنتهم فولوا وجوهكهم شطره" [البقرة‪]144 :‬‬
‫ذكره ابن عباس‪ ،‬فكأنه كان يجوز في البتداء أن يصلي المرء كيف شاء ثم نسخ ذلك‪ .‬وقال قتادة‪:‬‬
‫الناسههخ قوله تعالى‪" :‬فول وجهههك شطههر المسههجد الحرام" [البقرة‪ ]144 :‬أي تلقاءه‪ ،‬حكاه أبههو‬
‫عيسى الترمذي‪.‬‬
‫وقول سهادس‪ :‬روي عهن مجاههد والضحاك أنهها محكمهة‪ ،‬المعنهى‪ :‬أينمها كنتهم مهن شرق وغرب فثهم‬
‫وجهه ال الذي أمرنها باسهتقباله وههو الكعبهة‪ .‬وعهن مجاههد أيضها وابهن جهبير لمها نزلت‪" :‬ادعونهي‬
‫اسهتجب لكهم" قالوا‪ :‬إلى أيهن؟ فنزلت‪" :‬فأينمها تولوا فثهم وجهه ال"‪ .‬وعهن ابهن عمهر والنخعهي‪ :‬أينمها‬
‫تولوا في أسفاركم ومنصرفاتكم فثم وجه ال‪ .‬وقيل‪ :‬هي متصلة بقوله تعالى‪" :‬ومن أظلم ممن منع‬
‫مساجد ال أن يذكر فيها اسمه" [البقرة‪ ]114 :‬الية‪ ،‬فالمعنى أن بلد ل أيها المؤمنون تسعكم‪،‬‬
‫فل يمنعكهم تخريهب مهن خرب مسهاجد ال أن تولوا وجوهكهم نحهو قبلة ال أينمها كنتهم مهن أرضهه‪.‬‬
‫وقيهل‪ :‬نزلت حيهن صهد النهبي صهلى ال عليهه وسهلم عهن البيهت عام الحديبيهة فاغتهم المسهلمون لذلك‪.‬‬
‫فهذه عشرة أقوال‪ .‬ومهن جعلهها منسهوخة فل اعتراض عليهه مهن جههة كونهها خهبرا‪ ،‬لنهها محتملة‬
‫لمعنهى المهر‪ .‬يحتمهل أن يكون معنهى "فأينمها تولوا فثهم وجهه ال"‪ :‬ولوا وجوهكهم نحهو وجهه ال‪،‬‬
‫وهذه الية هي التي تل سعيد بن جبير رحمه ال لما أمر الحجاج بذبحه إلى الرض‪.‬‬
‫@اختلف الناس فهي تأويهل الوجهه المضاف إلى ال تعالى فهي القرآن والسهنة‪ ،‬فقال الحذاق‪ :‬ذلك‬
‫راجههع إلى الوجود‪ ،‬والعبارة عنههه بالوجههه مههن مجاز الكلم‪ ،‬إذ كان الوجههه أظهههر العضاء فههي‬
‫الشاههد وأجلهها قدرا‪ .‬وقال ابهن فورك‪ :‬قهد تذكهر صهفة الشيهء والمراد بهها الموصهوف توسهعا‪ ،‬كمها‬
‫يقول القائل‪ :‬رأيهت علم فلن اليوم‪ ،‬ونظرت إلى علمهه‪ ،‬وإنمها يريهد بذلك رأيهت العالم ونظرت إلى‬
‫العالم‪ ،‬كذلك إذا ذكهر الوجهه هنها‪ ،‬والمراد مهن له الوجهه‪ ،‬أي الوجود‪ .‬وعلى هذا يتأول قوله تعالى‪:‬‬
‫"إنما نطعمكم لوجه ال" [النسان‪ ]9 :‬لن المراد به‪ :‬ل الذي له الوجه‪ ،‬وكذلك قوله‪" :‬إل ابتغاء‬
‫وجه ربه العلى" [الليل‪ ]20 :‬أي الذي له الوجه‪ .‬قال ابن عباس‪ :‬الوجه عبارة عنه عز وجل‪،‬‬
‫كما قال‪" :‬ويبقى وجه ربك ذو الجلل والكرام "[الرحمن‪ .]27 :‬وقال بعض الئمة‪ :‬تلك صفة‬
‫ثابتهة بالسهمع زائدة على مها توجبهه العقول مهن صهفات القديهم تعالى‪ .‬قال ابهن عطيهة‪ :‬وضعهف أبهو‬
‫المعالي هذا القول‪ ،‬وهو كذلك ضعيف‪ ،‬وإنما المراد وجوده‪ .‬وقيل‪ :‬المراد بالوجه هنا الجهة التي‬
‫وجهنا إليها أي القبلة‪ .‬وقيل‪ :‬الوجه القصد‪ ،‬كما قال الشاعر‪:‬‬
‫رب العباد إليه الوجه والعمل‬ ‫أستغفر ال ذنبا لست محصيه‬
‫وقيل‪ :‬المعنى فثم رضا ال وثوابه‪ ،‬كما قال‪" :‬إنما نطعمكم لوجه ال" [النسان‪ ]9 :‬أي لرضائه‬
‫وطلب ثوابه‪ ،‬ومنه قوله صلى ال عليه وسلم‪( :‬من بنى مسجدا يبتغي به وجه ل بنى ال له مثله‬
‫فهي الجنهة)‪ .‬وقوله‪( :‬يجاء يوم القيامهة بصهحف مختمهة فتنصهب بيهن يدي ال تعالى فيقول عهز وجهل‬
‫لملئكته ألقوا هذا واقبلوا هذا فتقول الملئكة وعزتك يا ربنا ما رأينا إل خيرا وهو اعلم فيقول إن‬
‫هذا كان لغيههر وجهههي ول أقبههل مههن العمههل إل مهها ابتغههي بههه وجهههي) أي خالصهها لي‪ ،‬خرجههه‬
‫الدارقطنهي‪ .‬وقيهل‪ :‬المراد فثهم ال‪ ،‬والوجهه صهلة‪ ،‬وههو كقوله‪" :‬وههو معكهم"‪ .‬قاله الكلبهي والقتهبي‪،‬‬
‫ونحوه قول المعتزلة‪.‬‬
‫@قوله تعالى‪" :‬إن ال واسهع عليهم" أي يوسهع على عباده فهي دينههم‪ ،‬ول يكلفههم مها ليهس فهي‬
‫وسهعهم‪ .‬وقيهل‪" :‬واسهع" بمعنهى أنهه يسهع علمهه كهل شيهء‪ ،‬كمها قال‪" :‬وسهع كهل شيهء علمها" [طهه‪:‬‬
‫‪ .]98‬وقال الفراء‪ :‬الواسع هو الجواد الذي يسع عطاؤه كل شيء‪ ،‬دليله قوله تعالى‪" :‬ورحمتي‬
‫وسعت كل شيء" [العراف‪ .]156 :‬وقيل‪ :‬واسع المغفرة أي ل يتعاظمه ذنب‪ .‬وقيل‪ :‬متفضل‬
‫على العباد وغنهي عهن أعمالههم‪ ،‬يقال‪ :‬فلن يسهع مها يسهأل‪ ،‬أي ل يبخهل‪ ،‬قال ال تعالى‪" :‬لينفهق ذو‬
‫سعة من سعته" [الطلق‪ ]7 :‬أي لينفق الغني مما أعطاه ال‪ .‬وقد أتينا عليه في الكتاب "السنى"‬
‫والحمد ل‪.‬‬
‫*‪ *3‬الية‪{ 116 :‬وقالوا اتخذ ال ولدا سبحانه بل له ما في السماوات والرض كل له قانتون}‬
‫@قوله تعالى‪" :‬وقالوا اتخذ ال ولدا" هذا إخبار عن النصارى في قولهم‪ :‬المسيح ابن ال‪ .‬وقيل‬
‫عن اليهود في قولهم‪ :‬عزير ابن ال‪ .‬وقيل عن كفرة العرب في قولهم‪ :‬الملئكة بنات ال‪ .‬وقد جاء‬
‫مثل هذه الخبار عن الجهلة الكفار في "مريم] و[النبياء]‪.‬‬
‫@قوله تعالى‪" :‬سهبحانه بهل له" اليهة‪ .‬خرج البخاري عهن ابهن عباس عهن النهبي صهلى ال عليهه‬
‫وسلم قال‪( :‬قال ال تعالى كذبني ابن آدم ولم يكن له ذلك وشتمني ولم يكن له ذلك فأما تكذيبه إياي‬
‫فزعهم أنهي ل أقدر أن أعيده كمها كان وأمها شتمهه إياي فقوله لي ولد فسهبحاني أن اتخهذ صهاحبة أو‬
‫ولدا"‪.‬‬
‫@"سهبحان" منصهوب على المصهدر‪ ،‬ومعناه التهبرئة والتنزيهه والمحاشاة‪ ،‬مهن قولههم‪ :‬اتخهذ ال‬
‫ولدا‪ ،‬بهل ههو ال تعالى واحهد فهي ذاتهه‪ ،‬أحهد فهي صهفاته‪ ،‬لم يلد فيحتاج إلى صهاحبة‪" ،‬أنهى يكون له‬
‫ولد ولم تكهن له صهاحبة وخلق كهل شيهء" [النعام‪ ]101 :‬ولم يولد فيكون مسهبوقا‪ ،‬جهل وتعالى‬
‫عمهها يقول الظالمون والجاحدون علوا كههبيرا‪" .‬بههل له مهها فههي السههماوات والرض" "مهها" رفههع‬
‫بالبتداء والخههبر فههي المجرور‪ ،‬أي كههل ذلك له ملك باليجاد والختراع‪ .‬والقائل بأنههه اتخههذ ولدا‬
‫داخل في جملة السموات والرض‪ .‬وقد تقدم أن معنى سبحان ال‪ :‬براءة ال من السوء‪.‬‬
‫@ل يكون الولد إل من جنس الوالد‪ ،‬فكيف يكون للحق سبحانه أن يتخذ ولدا من مخلوقاته وهو ل‬
‫يشبهه شيء‪ ،‬وقد قال‪" :‬إن كل من في السماوات والرض إل آتي الرحمن عبدا" [مريم‪،]93 :‬‬
‫كمهها قال هنهها‪" :‬بههل له مهها فههي السههموات والرض" فالولديههة تقتضههي الجنسههية والحدوث‪ ،‬والقدم‬
‫يقتضي الوحدانية والثبوت‪ ،‬فهو سبحانه القديم الزلي الواحد الحد‪ ،‬الفرد الصمد‪ ،‬الذي لم يلد ولم‬
‫يولد ولم يكهن له كفوا أحهد‪ .‬ثهم إن البنوة تنافهي الرق والعبوديهة‪ - .‬على مها يأتهي بيانهه فهي سهورة‬
‫"مريم" إن شاء ال تعالى ‪ -‬فكيف يكون ولد عبدا هذا محال‪ ،‬وما أدى إلى المحال محال‪.‬‬
‫@قوله تعالى‪" :‬كل له قانتون" ابتداء وخبر‪ ،‬والتقدير كلهم‪ ،‬ثم حذف الهاء والميم‪" .‬قانتون" أي‬
‫مطيعون وخاضعون‪ ،‬فالمخلوقات كلها تقنت ل‪ ،‬أي تخضع وتطبع‪ .‬والجمادات قنوتهم في ظهور‬
‫الصهنعة عليههم وفيههم‪ .‬فالقنوت الطاعهة‪ ،‬والقنوت السهكوت‪ ،‬ومنهه قول زيهد بهن أرقهم‪ :‬كنها نتكلم فهي‬
‫الصهلة‪ ،‬يكلم الرجهل صهاحبه إلى جنبهه حتهى نزلت‪" :‬وقوموا ل قانتيهن" [البقرة‪ ]238 :‬فأمرنها‬
‫بالسكوت ونهينا عن الكلم‪ .‬والقنوت‪ :‬الصلة‪ ،‬قال الشاعر‪:‬‬
‫وعلى عمد من الناس اعتزل‬ ‫قانتا ل يتلو كتبه‬
‫وقال السدي وغيره فهي قوله‪" :‬كل له قانتون" أي يوم القيامة‪ .‬الحسن‪ :‬كل قائم بالشهادة أنه عبده‪.‬‬
‫والقنوت في اللغة أصله القيام‪ ،‬ومنه الحديث‪( :‬أفضل الصلة طول القنوت) قاله الزجاج‪ .‬فالخلق‬
‫قانتون‪ ،‬أي قائمون بالعبودية إما إقرارا وإما أن يكونوا على خلف ذلك‪ ،‬فأثر الصنعة بين عليهم‪.‬‬
‫وقيههل‪ :‬أصههله الطاعههة‪ ،‬ومنههه قوله تعالى‪" :‬والقانتيههن والقانتات" [الحزاب‪ .]35 :‬وسههيأتي لهذا‬
‫مزيد بيان عند قوله تعالى‪" :‬وقوموا ل قانتين" [البقرة‪.]238 :‬‬
‫*‪ *3‬الية‪{ 117 :‬بديع السماوات والرض وإذا قضى أمرا فإنما يقول له كن فيكون}‬
‫@قوله تعالى‪" :‬بديع السماوات والرض" فعيل للمبالغة‪ ،‬وارتفع على خبر ابتداء محذوف‪ ،‬واسم‬
‫الفاعهل مبدع‪ ،‬كبصهير مهن مبصهر‪ .‬أبدعهت الشيهء ل عهن مثال‪ ،‬فال عهز وجهل بديهع السهموات‬
‫والرض‪ ،‬أي منشئها وموجدهها ومبدعها ومخترعها على غير حد ول مثال‪ .‬وكل من أنشأ ما لم‬
‫يسهبق إليهه قيهل له مبدع‪ ،‬ومنهه أصهحاب البدع‪ .‬وسهميت البدعهة بدعهة لن قائلهها ابتدعهها مهن غيهر‬
‫فعل أو مقال إمام‪ ،‬وفي البخاري (ونعمت البدعة هذه) يعني قيام رمضان‪.‬‬
‫@كل بدعة صدرت من مخلوق فل يجوز أن يكون لها أصل في الشرع أول‪ ،‬فإن كان لها أصل‬
‫كانهت واقعهة تحهت عموم مها ندب ال إليهه وخهص رسهول عليهه‪ ،‬فههي فهي حيهز المدح‪ .‬وإن لم يكهن‬
‫مثاله موجودا كنوع مهن الجود والسهخاء وفعهل المعروف‪ ،‬فهذا فعله مهن الفعال المحمودة‪ ،‬وإن لم‬
‫يكن الفاعل قد سبق إليه‪ .‬ويعضد هذا قول عمر رضي ال عنه‪ :‬نعمت البدعة هذه‪ ،‬لما كانت من‬
‫أفعال الخيهر وداخلة فهي حيهز المدح‪ ،‬وههي وإن كان النهبي صهلى ال عليهه وسهلم قهد صهلها إل أنهه‬
‫تركهها ولم يحافهظ عليهها‪ ،‬ول جمهع الناس‪ ،‬عليهها‪ ،‬فمحافظهة عمهر رضهي ال عنهه عليهها‪ ،‬وجمهع‬
‫الناس لهها‪ ،‬وندبههم إليهها‪ ،‬بدعهة لكنهها بدعهة محمودة ممدوحهة‪ .‬وإن كانهت فهي خلف مها أمهر ال بهه‬
‫ورسول فهي في حيز الذم والنكار‪ ،‬قال معناه الخطابي وغيره‪.‬‬
‫قلت‪ :‬وههو معنهى قوله صهلى ال عليهه وسهلم فهي خطبتهه‪( :‬وشهر المور محدثاتهها وكهل بدعهة‬
‫ضللة) يريهد مها لم يوافهق كتابها أو سهنة‪ ،‬أو عمهل الصهحابة رضهي ال عنههم‪ ،‬وقهد بيهن هذا بقول‪:‬‬
‫(من سن في السلم سنة حسنة كان له أجرها وأجر من عمل بها من بعده من غير أن ينقص من‬
‫أجورهم شيء ومن سن في السلم سنة سيئة كان عليه وزرها ووزر من عمل بها من بعده من‬
‫غيهر أن ينقهص مهن أوزارههم شيهء)‪ .‬وهذا إشارة إلى مها ابتدع مهن قبيهح وحسهن‪ ،‬وههو أصهل هذا‬
‫الباب‪ ،‬وبال العصمة والتوفيق‪ ،‬ل رب غيره‪.‬‬
‫@قوله تعالى‪" :‬وإذا قضى" أي إذا أراد إحكامه وإتقانه ‪ -‬كما سبق في علمه ‪ -‬قال له كن‪ .‬قال‬
‫ابهن عرفهة‪ :‬قضاء الشيهء إحكامهه وإمضاؤه والفراغ منهه‪ ،‬ومنهه سهمي القاضهي‪ ،‬لنهه إذا حكهم فقهد‬
‫فرغ مما ببن الخصمين‪ .‬وقال الزهري‪ :‬قضى في اللغة على وجوه‪ ،‬مرجعها إلى انقطاع الشيء‬
‫وتمامه‪ ،‬قال أبو ذؤيب‪:‬‬
‫داود أو صنع السوابغ تبع‬ ‫وعليهما مسرودتان قضاهما‬
‫وقال الشماخ في عمر بن الخطاب رضي ال عنه‪:‬‬
‫بواثق في أكمامها لم تفتق‬ ‫قضيت أمورا ثم غادرت بعدها‬
‫قال علماؤنها‪" :‬قضهى" لفهظ مشترك‪ ،‬يكون بمعنهى الخلق‪ ،‬قال ال تعالى‪" :‬فقضاههن سهبع سهماوات‬
‫في يومين" [فصلت‪ ]12 :‬أي خلقهن‪ .‬ويكون بمعنى العلم‪ ،‬قال ال تعالى‪" :‬وقضينا إلى بني‬
‫إسرائيل في الكتاب" [السراء‪ ]4 :‬أي أعلمنا‪ .‬ويكون بمعنى المر‪ ،‬كقوله تعالى‪" :‬وقضى ربك‬
‫أل تعبدوا إل إياه" [السهراء‪ .]23 :‬ويكون بمعنهى اللزام وإمضاء الحكام‪ ،‬ومنهه سهمي الحاكهم‬
‫قاضيها‪ .‬ويكون بمعنهى توفيهة الحهق‪ ،‬قال ال تعالى‪" :‬فلمها قضهى موسهى الجهل" [القصهص‪.]29 :‬‬
‫ويكون بمعنهى الرادة‪ ،‬كقوله تعالى‪" :‬فإذا قضهى أمرا فإنمها يقول له كهن فيكون" [غافهر‪ ]68 :‬أي‬
‫إذا أراد خلق شيء‪ .‬قال ابن عطية‪" :‬قضى" معناه قدر‪ ،‬وقد يجيء بمعنى أمضى‪ ،‬ويتجه في هذه‬
‫اليهة المعنيان على مذههب أههل السهنة قدر فهي الزل وأمضهى فيهه‪ .‬وعلى مذههب المعتزلة أمضهى‬
‫عند الخلق واليجاد‪.‬‬
‫@قوله تعالى‪" :‬أمرا" المهر واحهد المور‪ ،‬وليهس بمصهدر أمهر يأمهر‪ .‬قال علماؤنها‪ :‬والمهر فهي‬
‫القرآن يتصرف على أربعة عشر وجها‪:‬‬
‫الول‪ :‬الديههن‪ ،‬قال ال تعالى‪" :‬حتههى جاء الحههق وظهههر أمههر ال" [التوبههة‪ ]48 :‬يعنههي ديههن ال‬
‫السهلم‪ .‬الثانهي‪ :‬القول‪ ،‬ومنهه قوله تعالى‪" :‬فإذا جاء أمرنها" يعنهي قولنها‪ ،‬وقوله‪" :‬فتنازعوا أمرههم‬
‫بينهم" [طه‪ ]62 :‬يعني قولهم‪.‬‬
‫الثالث‪ :‬العذاب‪ ،‬ومنه قوله تعالى‪" :‬لما قضي المر" [إبراهيم‪ ]22 :‬يعني لما وجب العذاب بأهل‬
‫النار‪.‬‬
‫الرابههع‪ :‬عيسههى عليههه السههلم‪ ،‬قال ال تعالى‪" :‬إذا قضههى أمرا" [آل عمران‪ ]47 :‬يعنههي عيسههى‪،‬‬
‫وكان في علمه أن يكون من غير أب‪.‬‬
‫الخامهس‪ :‬القتهل ببدر‪ ،‬قال ال تعالى‪" :‬فإذا جاء أمهر ال" [غافهر‪ ]78 :‬يعنهي القتهل ببدر‪ ،‬وقوله‬
‫تعالى‪" :‬ليقضي ال أمرا كان مفعول" [النفال‪ ]42 :‬يعني قتل كفار مكة‪.‬‬
‫السادس‪ :‬فتح مكة‪ ،‬قال ال تعالى‪" :‬فتربصوا حتى يأتي ال بأمره" [التوبة‪ ]24 :‬يعني فتح مكة‪.‬‬
‫السهابع‪ :‬قتهل قريظهة وجلء بنهي الضيهر‪ ،‬قال ال تعالى‪" :‬فاعفوا واصهفحوا حتهى يأتهي ال بأمره"‬
‫[البقرة‪.]109 :‬‬
‫الثامن‪ :‬القيامة‪ ،‬قال ال تعالى‪" :‬أتى أمر ال" [النحل‪.]1 :‬‬
‫التاسع‪ :‬القضاء‪ ،‬قال ال تعالى‪" :‬يدبر المر" [يونس‪ ]3 :‬يعني القضاء‪.‬‬
‫العاشهر‪ :‬الوحهي‪ ،‬قال ال تعالى‪" :‬يدبر المهر مهن السهماء إلى الرض "[السهجدة‪ ]5 :‬يقول‪ :‬ينزل‬
‫الوحي من السماء إلى الرض‪ ،‬وقوله‪" :‬يتنزل المر بينهن" [الطلق‪ ]12 :‬يعني الوحي‪.‬‬
‫الحادي عشر‪ :‬أمر الخلق‪ ،‬قال ال تعالى‪" :‬أل إلى ال تصير المور" [الشورى‪ ]53 :‬يعني أمور‬
‫الخلئق‪.‬‬
‫الثانهي عشهر‪ :‬النصهر‪ ،‬قال ال تعالى‪" :‬يقولون ههل لنها مهن المهر مهن شيهء" [آل عمران‪]154 :‬‬
‫يعنون النصر‪" ،‬قل إن المر كله ل" [آل عمران‪ ]154 :‬يعني النصر‪.‬‬
‫الثالث عشر‪ :‬الذنب‪ ،‬قال ال تعالى‪" :‬فذاقت وبال أمرها" [الطلق‪ ]9 :‬يعني جزاء ذنبها‪.‬‬
‫الرابههع عشههر‪ :‬الشأن والفعههل‪ ،‬قال ال تعالى‪" :‬ومهها أمههر فرعون برشيههد" [هود‪ ]97 :‬أي فعله‬
‫وشأنه‪ ،‬وقال‪" :‬فليحذر الذين يخالفون عن أمره" [النور‪ ]63 :‬أي فعله‪.‬‬
‫@قوله تعالى‪" :‬فإنما يقول له كن" قيل‪ :‬الكاف من كينونه‪ ،‬والنون من نوره‪ ،‬وهي المراد بقوله‬
‫عليههه السههلم‪( :‬أعوذ بكلمات ال التامات مههن شههر مهها خلق)‪ .‬ويروى‪( :‬بكلمههة ال التامههة) على‬
‫الفراد‪ .‬فالجمع لما كانت هذه الكلمة في المور كلها‪ ،‬فإذا قال لكل أمر كن‪ ،‬ولكل شيء كن‪ ،‬فهن‬
‫كلمات‪ .‬يدل على هذا مها روي عهن أبهي ذر عهن النهبي صهلى ال عليهه وسهلم فيمها يحكهى عهن ال‬
‫تعالى‪( :‬عطائي كلم وعذابهي كلم)‪ .‬خرجهه الترمذي فهي حديهث فيهه طول‪ .‬والكلمهة على الفراد‬
‫بمعنههى الكلمات أيضهها‪ ،‬لكههن لمهها تفرقههت الكلمههة الواحدة فههي المور فههي الوقات صههارت كلمات‬
‫ومرجعههن إلى كلمهة واحدة‪ .‬وإنمها قيهل "تامهة" لن أقهل الكلم عنهد أههل اللغهة على ثلثهة أحرف‪:‬‬
‫حرف مبتدأ‪ ،‬وحرف تحشهى بهه الكلمهة‪ ،‬وحرف يسهكت عليهه‪ .‬وإذا كان على حرفيهن فههو عندههم‬
‫منقوص‪ ،‬كيد ودم وفم‪ ،‬وإنما نقص لعلة‪ .‬فهي من الدميين المنقوصات لنها على حرفين‪ ،‬ولنها‬
‫كلمههة ملفوظههة بالدوات‪ .‬ومههن ربنهها تبارك وتعالى تامههة‪ ،‬لنههها بغيههر الدوات‪ ،‬تعالى عههن شبههه‬
‫المخلوقين‪.‬‬
‫@قوله تعالى‪" :‬فيكون" قرئ برفع النون على الستئناف‪ .‬قال سيبويه‪ .‬فهو يكون‪ ،‬أو فإنه يكون‪.‬‬
‫وقال غيره‪ :‬هو معطوف على "يقول"‪ ،‬فعلى الول كائنا بعد المر‪ ،‬وإن كان معدوما فإنه بمنزلة‬
‫الموجود إذا ههو عنده معلوم‪ ،‬على مها يأتهي بيانهه‪ .‬وعلى الثانهي كائنها مهع المهر‪ ،‬واختاره الطهبري‬
‫وقال‪ :‬أمره للشيهء بهه "كهن" ل يتقدم الوجود ول يتأخهر عنه‪ ،‬فل يكون الشيهء مأمورا بالوجود إل‬
‫وههو موجود بالمهر‪ ،‬ول موجودا إل وههو مأمور بالوجود‪ ،‬على مها يأتهي بيانهه‪ .‬قال‪ :‬ونظيره قيام‬
‫الناس مهن قبورههم ل يتقدم دعاء ال ول يتأخهر عنهه‪ ،‬كمها قال "ثهم إذا دعاكهم دعوة مهن الرض إذا‬
‫أنتم تخرجون" [الروم‪ .]25 :‬وضعف ابن عطية هذا القول وقال‪ :‬هو خطأ من جهة المعنى‪ ،‬لنه‬
‫يقتضي أن القول مع التكوين والوجود‪.‬‬
‫وتلخيهص المعتقهد فهي هذه اليهة‪ :‬أن ال عهز وجهل لم يزل آمرا للمعدومات بشرط وجودهها‪ ،‬قادرا‬
‫مع تأخر المقدورات‪ ،‬عالما مع تأخر المعلومات‪ .‬فكل ما في الية يقتضي الستقبال فهو بحسب‬
‫المأمورات‪ ،‬إذ المحدثات تجيهء بعهد أن لم تكهن‪ .‬وكهل مها يسهند إلى ال تعالى مهن قدرة وعلم فههو‬
‫قديم ولم يزل‪ .‬والمعنى الذي تقتضيه عبارة "كن"‪ :‬هو قديم قائم بالذات‪.‬‬
‫وقال أبو الحسن الماوردي فإن قيل‪ :‬ففي أي حال يقول له كن فيكون؟ أفي حال عدمه‪ ،‬أم في حال‬
‫وجوده؟ فإن كان فهي حال عدمهه اسهتحال أن يأمهر إل مأمورا‪ ،‬كمها يسهتحيل أن يكون المهر إل مهن‬
‫آمهر‪ ،‬وإن كان فهي حال وجوده فتلك حال ل يجوز أن يأمهر فيهها بالوجود والحدوث‪ ،‬لنهه موجود‬
‫حادث؟ قيل عن هذا السؤال أجوبة ثلثة‪:‬‬
‫أحدهها‪ :‬أنهه خهبر مهن ال تعالى عهن نفوذ أوامره فهي خلقهه الموجود‪ ،‬كمها أمهر فهي بنهي إسهرائيل أن‬
‫يكونوا قردة خاسئين‪ ،‬ول يكون هذا واردا في إيجاد المعدومات‪.‬‬
‫الثاني‪ :‬أن ال عز وجل عالم هو كائن قبل كونه‪ ،‬فكانت الشياء التي لم تكن وهي كائنة بعلمه قبل‬
‫كونها مشابهة للتي هي موجودة‪ ،‬فجاز أن يقول لها‪ :‬كوني‪ .‬ويأمرها بالخروج من حال العدم إلى‬
‫حال الوجود‪ ،‬لتصور جميعها له ولعلمه بها في حال العدم‪.‬‬
‫الثالث‪ :‬أن ذلك خهبر مهن ال تعالى عام عهن جميهع مها يحدثهه ويكونهه إذا أراد خلقهه وإنشاءه كان‪،‬‬
‫ووجهد مهن غيهر أن يكون هناك قول يقوله‪ ،‬وإنمها ههو قضاء يريده‪ ،‬فعهبر عنهه بالقول وإن لم يكهن‬
‫قول‪ ،‬كقول أبي النجم‪:‬‬
‫قد قالت التساع للبطن الحق‬
‫ول قول هناك‪ ،‬وإنما أراد أن الظهر قد لحق بالبطن‪ ،‬وكقول عمرو بن حممة الدوسي‪:‬‬
‫إذا رام تطيارا يقال له قع‬ ‫فأصبحت مثل النسر طارت فراخه‬
‫وكما قال الخر‪:‬‬
‫ونجيا لحمكما أن يمزقا‬ ‫قالت جناحاه لساقيه الحقا‬
‫*‪ *3‬الية‪{ 118 :‬وقال الذين ل يعلمون لول يكلمنا ال أو تأتينا آية كذلك قال الذين من قبلهم‬
‫مثل قولهم تشابهت قلوبهم قد بينا اليات لقوم يوقنون}‬
‫@قوله تعالى‪" :‬وقال الذيهن ل يعلمون لول يكلمنها ال أو تأتينها آيهة" قال ابهن عباس‪ :‬ههم اليهود‪.‬‬
‫مجاهههد‪ :‬النصههارى‪ ،‬ورجحههه الطههبري‪ ،‬لنهههم المذكورون فههي اليههة أول‪ .‬وقال الربيههع والسههدي‬
‫وقتادة‪ :‬مشركو العرب‪ .‬و"لول" بمعنى "هل" تحضيض‪ ،‬كما قال الشهب بن رميلة‪:‬‬
‫بني ضوطري لول الكمي المقنعا‬ ‫تعدون عقر النيب أفضل مجدكم‬
‫وليسهت هذه "لول" التهي تعطهي منهع الشيهء لوجود غيره‪ ،‬والفرق بينهمها عنهد علماء اللسهان أن‬
‫"لول" بمعنهى التحضيهض ل يليهها إل الفعهل مظهرا أو مقدرا‪ ،‬والتهي للمتناع يليهها البتداء‪،‬‬
‫وجرت العادة بحذف الخهبر‪ .‬ومعنهى الكلم هل يكلمنها ال بنبوة محمهد صهلى ال عليهه وسهلم فنعلم‬
‫أنهه نهبي فنؤمهن بهه‪ ،‬أو يأتينها بآيهة تكون علمهة على نبوتهه‪ .‬واليهة‪ :‬الدللة والعلمهة‪ ،‬وقهد تقدم‪.‬‬
‫"كذلك قال الذيهن مهن قبلههم مثهل قولههم" "الذيهن مهن قبلههم" اليهود والنصهارى فهي قول مهن جعهل‬
‫"الذيهن ل يعلمون كفار العرب‪ ،‬أو المهم السهالفة فهي قول مهن جعهل "الذيهن ل يعلمون" اليهود‬
‫والنصارى‪ ،‬أو اليهود في قول من جعل "الذين ل يعلمون" النصارى‪" .‬تشابهت قلوبهم" قيل‪ :‬في‬
‫التعنيهت والقتراح وترك اليمان‪ .‬وقال الفراء‪" .‬تشابههت قلوبههم" فهي اتفاقههم على الكفهر‪" .‬قهد بينها‬
‫اليات لقوم يوقنون" تقدم‪.‬‬
‫*‪ *3‬الية‪{ 119 :‬إنا أرسلناك بالحق بشيرا ونذيرا ول تسأل عن أصحاب الجحيم}‬
‫@قوله تعالى‪" :‬إنا أرسلناك بالحق بشيرا ونذيرا" "بشيرا" نصب على الحال‪" ،‬ونذيرا" عطف‬
‫عليه‪ ،‬قد تقدم معناهما‪" .‬ول تسأل عن أصحاب الجحيم" قال مقاتل‪ :‬إن النبي صلى ال عليه وسلم‬
‫قال‪( :‬لو أنزل ال بأسهه باليهود لمنوا)‪ ،‬فأنزل ال تعالى‪" :‬ول تسهأل عهن أصهحاب الجحيهم" برفهع‬
‫تسهأل‪ ،‬وههي قراءة الجمهور‪ ،‬ويكون فهي موضهع الحال بعطفهه على "بشيرا ونذيرا"‪ .‬والمعنهى إنها‬
‫أرسههلناك بالحههق بشيرا ونذيرا غيههر مسههؤول‪ .‬وقال سههعيد الخفههش‪ :‬ول تسههأل (بفتههح التاء وضههم‬
‫اللم)‪ ،‬ويكون فهي موضهع الحال عطفها على "بشيرا ونذيرا"‪ .‬والمعنهى‪ :‬إنها أرسهلناك بالحهق بشيرا‬
‫ونذيرا غير سهائل عنههم‪ ،‬لن علم ال بكفرههم بعهد إنذارهم يغنهي عن سؤاله عنهم‪ .‬هذا معنهى غير‬
‫سهائل‪ .‬ومعنهى غيهر مسهؤول ل يكون مؤاخذا بكفهر مهن كفهر بعهد التبشيهر والنذار‪ .‬وقال ابهن عباس‬
‫ومحمد بن كعب‪ :‬إن رسول ال صلى ال عليه وسلم وقال ذات يوم‪( :‬ليت شعري ما فعل أبواي)‪.‬‬
‫فنزلت هذه الية‪ ،‬وهذا على قراءة من قرأ "ول تسأل" جزما على النهي‪ ،‬وهي قراءة نافع وحده‪،‬‬
‫وفيه وجهان‪:‬‬
‫أحدهما‪ :‬أنه نهى عن السؤال عمن عصى وكفر من الحياء‪ ،‬لنه قد يتغير حاله فينتقل عن الكفر‬
‫إلى اليمان‪ ،‬وعن المعصية إلى الطاعة‪.‬‬
‫والثانههي‪ :‬وهههو الظهههر‪ ،‬أنههه نهههى عههن السههؤال عمههن مات على كفره ومعصههيته‪ ،‬تعظيمهها لحاله‬
‫وتغليظها لشأنهه‪ ،‬وهذا كمها يقال‪ :‬ل تسهأل عهن فلن! أي قهد بلغ فوق مها تحسهب‪ .‬وقرأ ابهن مسهعود‬
‫"ولن تسهأل"‪ .‬وقرأ أبهي "ومها تسهأل"‪ ،‬ومعناهمها موافهق لقراءة الجمهور‪ ،‬نفهى أن يكون مسهؤول‬
‫عنهم‪ .‬وقيل‪ :‬إنما سأل أي أبويه أحدث موتا‪ ،‬فنزلت‪ .‬وقد ذكرنا في كتاب "التذكرة" أن ال تعالى‬
‫أحيها له أباه وأمه وآمنا به‪ ،‬وذكرنا قول عليه السهلم للرجل‪( :‬إن أبي وأباك فهي النار) وبينها ذلك‪،‬‬
‫والحمد ل‪.‬‬
‫*‪ *3‬الية‪{ 120 :‬ولن ترضى عنك اليهود ول النصارى حتى تتبع ملتهم قل إن هدى ال هو‬
‫الهدى ولئن اتبعت أهواءهم بعد الذي جاءك من العلم ما لك من ال من ولي ول نصير}‬
‫@قوله تعالى‪" :‬ولن ترضى عنك اليهود ول النصارى حتى تتبع ملتهم" فيه مسألتان‪:‬‬
‫الولى‪ :‬قوله تعالى‪" : :‬ولن ترضهى عنهك اليهود ول النصهارى حتهى تتبهع ملتههم" المعنهى‪ :‬ليهس‬
‫غرضههم يها محمهد بمها يقترحون مهن اليات أن يؤمنوا‪ ،‬بهل لو أتيتههم بكهل مها يسهألون لم يرضوا‬
‫عنك‪ ،‬وإنما يرضيهم ترك ما أنت عليه من السلم واتباعهم‪ .‬يقال‪ :‬رضي يرضى رِضا ورُضا‬
‫ورُضوانا ورِضوانا ومَرضاة‪ ،‬وهو من ذوات الواو‪ ،‬ويقال في التثنية‪ :‬رِضوان‪ ،‬وحكى الكسائي‪:‬‬
‫رِضَيان‪ .‬وحكي رضاء ممدود‪ ،‬وكأنه مصدر راضى يراضي مُراضاة ورِضاء‪" .‬تتبع" منصوب‬
‫بأن ولكنهها ل تظههر مهع حتهى‪ ،‬قاله الخليهل‪ .‬وذلك أن حتهى خافضهة للسهم‪ ،‬كقوله‪" :‬حتهى مطلع‬
‫الفجر" [القدر‪ ]5 :‬وما يعمل في السم ل يعمل في الفعل البتة‪ ،‬وما يخفض اسما ل ينصب شيئا‪.‬‬
‫وقال النحاس‪" :‬تتبع" منصوب بحتى‪ ،‬و"حتى" بدل من أن‪ .‬والملة‪ :‬اسم لما شرعه ال لعباده في‬
‫كتبههه وعلى ألسههنة رسههله‪ .‬فكانههت الملة والشريعههة سههواء‪ ،‬فأمهها الديههن فقههد فرق بينههه وبيههن الملة‬
‫والشريعة‪ ،‬فإن الملة والشريعة ما دعا ال عباده إلى فعله‪ ،‬والدين ما فعله العباد عن أمره‪.‬‬
‫الثانية‪ :‬تمسك بهذه الية جماعة من العلماء منهم أبو حنيفة والشافعي وداود وأحمد بن حنبل على‬
‫أن الكفهر كله ملة واحدة‪ ،‬لقوله تعالى‪" :‬ملتههم" فوحهد الملة‪ ،‬وبقوله تعالى‪" :‬لكهم دينكهم ولي ديهن"‬
‫[الكافرون‪ ،]6 :‬وبقوله عليه السلم‪( :‬ل يتوارث أهل ملتين) على أن المراد به السلم والكفر‪،‬‬
‫بدليل قوله عليه السلم‪( :‬ل يرث المسلم الكافر)‪ .‬وذهب مالك وأحمد في الرواية الخرى إلى أن‬
‫الكفر ملل‪ ،‬فل يرث اليهودي النصراني‪ ،‬ول يرثان المجوسي‪ ،‬أخذا بظاهر قوله عليه السلم‪( :‬ل‬
‫يتوارث أهل ملتين)‪ ،‬وأما قوله تعالى‪" :‬ملتهم" فالمراد به الكثرة وإن كانت موحدة في اللفظ بدليل‬
‫إضافتهها إلى ضميهر الكثرة‪ ،‬كمها تقول‪ :‬أخذت عهن علماء أههل المدينهة ‪ -‬مثل ‪ -‬علمههم‪ ،‬وسهمعت‬
‫عليهم حديثهم‪ ،‬يعني علومهم وأحاديثهم‪.‬‬
‫@قوله تعالى‪" :‬قل إن هدى ال هو الهدى" المعنى ما أنت عليه يا محمد من هدى ال الحق الذي‬
‫يضعه في قلب من يشاء هو الهدى الحقيقي‪ ،‬ل ما يدعيه هؤلء‪.‬‬
‫@قوله تعالى‪" :‬ولئن اتبعت أهواءهم" الهواء جمع هوى‪ ،‬كما تقول‪ :‬جمل وأجمال‪ ،‬ولما كانت‬
‫مختلفهة جمعهت‪ ،‬ولو حمهل على أفراد الملة لقال هواههم‪ .‬وفهي هذا الخطاب وجهان‪ :‬أحدهمها‪ :‬أنهه‬
‫للرسول‪ ،‬لتوجه الخطاب إليه‪ .‬والثاني‪ :‬أنه للرسول والمراد به أمته‪ ،‬وعلى الول يكون فيه تأديب‬
‫لمتهه‪ ،‬إذ منزلتههم دون منزلتهه‪ .‬وسهبب اليهة أنههم كانوا يسهألون المسهالمة والهديهة‪ ،‬ويعدون النهبي‬
‫صلى ال عليه وسلم بالسلم‪ ،‬فأعلمه ال أنهم لن يرضوا عنه حتى يتبع ملتهم‪ ،‬وأمره بجهادهم‪.‬‬
‫@قوله تعالى‪" :‬بعد الذي جاءك من العلم ما لك من ال من ولي ول نصير" مثل أحمد بن حنبل‬
‫عمهن يقول‪ :‬القرآن مخلوق‪ ،‬فقال‪ :‬كافهر‪ ،‬فقيهل‪ :‬بهم كفرتهه؟ فقال‪ :‬بآيات مهن كتاب ال تعالى‪" :‬ولئن‬
‫اتبعهت أهواءههم مهن بعهد مها جاءك مهن العلم" [البقرة‪ ]145 :‬والقرآن مهن علم ال‪ .‬فمهن زعهم أنهه‬
‫مخلوق فقد كفر‪.‬‬
‫*‪ *3‬اليات‪{123 - 122 - 121 :‬الذين آتيناهم الكتاب يتلونه حق تلوته أولئك يؤمنون به‬
‫ومهن يكفهر بهه فأولئك ههم الخاسهرون‪ ،‬يها بنهي إسهرائيل اذكروا نعمتهي التهي أنعمهت عليكهم وأنهي‬
‫فضلتكهم على العالميهن‪ ،‬واتقوا يومها ل تجزي نفهس عهن نفهس شيئا ول يقبهل منهها عدل ول تنفعهها‬
‫شفاعة ول هم ينصرون}‬
‫@قوله تعالى‪" :‬الذين آتيناهم الكتاب" قال قتادة‪ :‬هم أصحاب النبي صلى ال عليه وسلم‪ ،‬والكتاب‬
‫على هذا التأويل القرآن‪ .‬وقال ابن زيد‪ :‬هم من أسلم من بني إسرائيل‪ .‬والكتاب على هذا التأويل‪:‬‬
‫التوراة‪ ،‬واليهة تعهم‪ .‬و"الذيهن" رفهع بالبتداء‪" ،‬آتيناههم" صهلته‪" ،‬يتلونهه" خهبر البتداء‪ ،‬وإن شئت‬
‫كان الخبر "أولئك يؤمنون به"‪.‬‬
‫واختلف فهي معنهى "يتلونهه حهق تلوتهه" فقيهل‪ :‬يتبعونهه حهق اتباعه‪ ،‬باتباع المهر والنههي‪ ،‬فيحللون‬
‫حلله‪ ،‬ويحرمون حرامهه‪ ،‬ويعملون بمها تضمنهه‪ ،‬قاله عكرمهة‪ .‬قال عكرمهة‪ :‬أمها سهمعت قول ال‬
‫تعالى‪" :‬والقمر إذا تلها" [الشمس‪ 2 :‬أي اتبعها‪ ،‬وهو معنى قول ابن عباس وابن مسعود رضي‬
‫ال عنهما‪ .‬وقال الشاعر‪:‬‬
‫قد جعلت دلوي تستتليني‬
‫وروى نصر بن عيسى عن مالك عن نافع عن ابن عمر عن النبي صلى ال عليه وسلم في قوله‬
‫تعالى‪" :‬يتلونه حق تلوته" قال‪( :‬يتبعونه حق اتباعه)‪ .‬في إسناده غير واحد من المجهولين فيما‬
‫ذكهر الخطيهب أبهو بكهر أحمهد‪ ،‬إل أن معناه صهحيح‪ .‬وقال أبهو موسهى الشعري‪ :‬مهن يتبهع القرآن‬
‫يهبط به على رياض الجنة‪ .‬وعن عمر بن الخطاب رضي ال عنه‪ :‬هم الذين إذا مروا بآية رحمة‬
‫سهألوها مهن ال‪ ،‬وإذا مروا بآيهة عذاب اسهتعاذوا منهها‪ .‬وقهد روي هذا المعنهى عهن النهبي صهلى ال‬
‫عليه وسلم‪ :‬كان إذا مر بآية رحمة سأل‪ ،‬وإذا مر بآية عذاب تعوذ‪ .‬وقال الحسن‪ :‬هم الذين يعملون‬
‫بمحكمه‪ ،‬ويؤمنون بمتشابهه‪ ،‬ويكلون ما أشكل عليهم إلى عالمه‪ .‬وقيل‪ :‬يقرؤونه حق قراءته‪.‬‬
‫قلت‪ :‬وهذا فيهه بعهد‪ ،‬إل أن يكون المعنهى يرتلون ألفاظهه‪ ،‬ويفهمون معانيهه‪ ،‬فإن بفههم المعانهي‬
‫يكون التباع لمن وفق‪.‬‬
‫*‪ *3‬الية‪{ 124 :‬وإذ ابتلى إبراهيم ربه بكلمات فأتمهن قال إني جاعلك للناس إماما قال ومن‬
‫ذريتي قال ل ينال عهدي الظالمين} فيه عشرون مسألة‪:‬‬
‫@الولى‪ :‬لمها جرى ذكهر الكعبهة والقبلة اتصهل ذلك بذكهر إبراهيهم عليهه السهلم‪ ،‬وأنهه الذي بنهى‬
‫البيهت‪ ،‬فكان مهن حهق اليهود ‪ -‬وههم مهن نسهل إبراهيهم ‪ -‬أل يرغبوا عهن دينهه‪ .‬والبتلء‪ :‬المتحان‬
‫والختبار‪ ،‬ومعناه أمهر وتعبهد‪ .‬وإبراهيهم تفسهيره بالسهريانية فيمها ذكهر الماوردي‪ ،‬وبالعربيهة فيمها‬
‫ذكهر ابهن عطيهة‪ :‬أب رحيهم‪ .‬قال السههيلي‪ :‬وكثيرا مها يقهع التفاق بيهن السهرياني والعربهي أو يقاربهه‬
‫في اللفظ‪ ،‬أل ترى أن إبراهيم تفسيره أب راحم‪ ،‬لرحمته بالطفال‪ ،‬ولذلك جعل هو وسارة زوجته‬
‫كافلين لطفال المؤمنين يموتون صغارا إلى يوم القيامة‪.‬‬
‫قلت‪ :‬وممها يدل على هذا مها خرجهه البخاري مهن حديهث الرؤيها الطويهل عهن سهمرة‪ ،‬وفيهه‪ :‬أن‬
‫النهبي صهلى ال عليهه وسهلم رأى فهي الروضهة إبراهيهم عليهه السهلم وحوله أولد الناس‪ .‬وقهد أتينها‬
‫عليه في كتاب التذكرة‪ ،‬والحمد ل‪.‬‬
‫وإبراهيم هو ابن تاريخ بن ناخور في قول بعض المؤرخين‪ .‬وفي التنزيل‪" :‬وإذ قال إبراهيم لبيه‬
‫آزر" [النعام‪ ]74 :‬وكذلك في صحيح البخاري‪ ،‬ول تناقض في ذلك‪ ،‬على ما يأتي في "النعام"‬
‫بيانههه إن شاء ال تعالى‪ .‬وكان له أربههع بنيههن‪ :‬إسههماعيل وإسههحاق ومديههن ومدائن‪ ،‬على مهها ذكره‬
‫السهههيلي‪ .‬وقدم على الفاعههل للهتمام‪ ،‬إذ كون الرب تبارك وتعالى مبتليهها معلوم‪ ،‬وكون الضميههر‬
‫المفعول فهي العربيهة متصهل بالفاعهل موجهب تقديهم المفعول‪ ،‬فإنمها بنهي الكلم على هذا الهتمام‪،‬‬
‫فاعلمه‪ .‬وقراءة العامة "إبراهيم" بالنصب‪" ،‬ربه" بالرفع على ما ذكرنا‪ .‬وروي عن جابر بن زيد‬
‫أنه قرأ على العكس‪ ،‬وزعم أن ابن عباس أقرأه كذلك‪ .‬والمعنى دعا إبراهيم ربه وسأل‪ ،‬وفيه بعد‪،‬‬
‫لجل الباء في قوله‪" :‬بكلمات"‪.‬‬
‫@الثانيهة‪ :‬قوله تعالى‪" :‬بكلمات" الكلمات جمهع كلمهة‪ ،‬ويرجهع تحقيقهها إلى كلم الباري تعالى‪،‬‬
‫لكنه عبر عنها عن الوظائف التي كلفها إبراهيم عليه السلم‪ ،‬ولما كان تكليفها بالكلم سميت به‪،‬‬
‫كمها سهمي عيسهى كلمهة‪ ،‬لنهه صهدر عهن كلمهة وههي "كهن"‪ .‬وتسهمية الشيهء بمقدمتهه أحهد قسهمي‬
‫المجاز‪ ،‬قاله ابن العربي‪.‬‬
‫@الثالثة‪ :‬واختلف العلماء في المراد بالكلمات على أقوال‪ :‬أحدها‪ :‬شرائع السلم‪ ،‬وهي ثلثون‬
‫سهما‪ ،‬عشرة منها في سورة براءة‪" :‬التائبون العابدون" [التوبة‪ ]112 :‬إلى آخرها‪ ،‬وعشرة في‬
‫الحزاب‪" :‬إن المسهلمين والمسهلمات" [الحزاب‪ ]35 :‬إلى آخرهها‪ ،‬وعشرة فهي المؤمنون‪" :‬قهد‬
‫أفلح المؤمنون" [المؤمنون‪ ]1 :‬إلى قوله‪" :‬على صلواتهم يحافظون" [المؤمنون‪ ]9 :‬وقوله فهي‬
‫"سهأل سهائل"‪" :‬إل المصهلين" إلى قوله‪" :‬والذيهن ههم على صهلتهم يحافظون"‪ .‬قال ابهن عباس‬
‫رضي ال عنهما‪ :‬ما ابتلى ال أحدا بهن فقام بها كلها إل إبراهيم عليه السلم‪ ،‬ابتلي بالسلم فأتمه‬
‫فكتهب ال له البراءة فقال‪" :‬وإبراهيهم الذي وفهى" [النجهم‪ .]37 :‬وقال بعضههم‪ :‬بالمهر والنههي‪،‬‬
‫وقال بعضههم‪ :‬بذبهح ابنهه‪ ،‬وقال بعضههم‪ :‬بأداء الرسهالة‪ ،‬والمعنهى متقارب‪ .‬وقال مجاههد‪ :‬ههي قوله‬
‫تعالى‪ :‬إنههي مبتليههك بأمههر‪ ،‬قال‪ :‬تجعلنههي للناس إمامهها؟ قال نعههم‪ .‬قال‪ :‬ومههن ذريتههي؟ قال‪ :‬ل ينال‬
‫عهدي الظالميههن‪ ،‬قال‪ :‬تجعههل البيههت مثابههة للناس؟ قال نعههم‪ .‬قال‪ :‬وأمنهها؟ قال نعههم‪ .‬قال‪ :‬وترينهها‬
‫مناسههكنا وتتوب علينهها؟ قال نعههم‪ .‬قال‪ :‬وترزق أهله مههن الثمرات؟ قال نعههم‪ .‬وعلى هذا القول فال‬
‫تعالى هو الذي أتم‪ .‬وأصح من هذا ما ذكره عبدالرزاق عن معمر عن طاوس عن ابن عباس في‬
‫قوله‪" :‬وإذ ابتلى إبراهيم ربه بكلمات فأتمهن" قال‪ :‬ابتله ال بالطهارة‪ ،‬خمس في الرأس وخمس‬
‫في الجسد‪ :‬قص الشارب‪ ،‬والمضمضة‪ ،‬والستنشاق‪ ،‬والسواك‪ ،‬وفرق الشعر‪ .‬وفي الجسد‪ :‬تقليم‬
‫الظفار‪ ،‬وحلق العانههة‪ ،‬والختتان‪ ،‬ونتههف البههط‪ ،‬وغسههل مكان الغائط والبول بالماء‪ ،‬وعلى هذا‬
‫القول فالذي أتم هو إبراهيم‪ ،‬وهو ظاهر القرآن‪ .‬وروى مطر عن أبي الجلد أنها عشر أيضا‪ ،‬إل‬
‫أنهه جعهل موضهع الفرق غسهل البراجهم‪ ،‬وموضهع السهتنجاء السهتحداد‪ .‬وقال قتادة‪ :‬ههي مناسهك‬
‫الحج خاصة‪ .‬الحسن‪ :‬هي الخلل الست‪ :‬الكوكب‪ ،‬والقمر‪ ،‬والشمس‪ ،‬والنار‪ ،‬والهجرة‪ ،‬والختان‪.‬‬
‫قال أبهو إسهحاق الزجاج‪ :‬وهذه القوال ليسهت بمتناقضهة‪ ،‬لن هذا كله ممها ابتلي بهه إبراهيهم عليهه‬
‫السلم‪.‬‬
‫قلت‪ :‬وفهي الموطهأ وغيره عهن يحيهى بهن سهعيد أنهه سهمع سهعيد بهن المسهيب يقول‪ :‬إبراهيهم عليهه‬
‫السلم أول من اختتن‪ ،‬وأول من أضاف الضيف‪ ،‬وأول من استحد‪ ،‬وأول من قلم الظفار‪ ،‬وأول‬
‫مهن قهص الشارب‪ ،‬وأول مهن شاب‪ ،‬فلمها رأى الشيهب قال‪ :‬مها هذا؟ قال‪ :‬وقار‪ ،‬قال‪ :‬يها رب زدنهي‬
‫وقارا‪ .‬وذكر أبو بكر بن أبي شيبة عن سعيد بن إبراهيم عن أبيه قال‪ :‬أول من خطب على المنابر‬
‫إبراهيهم خليهل ال‪ .‬قال غيره‪ :‬وأول مهن ثرد الثريهد‪ ،‬وأول مهن ضرب بالسهيف‪ ،‬وأول مهن اسهتاك‪،‬‬
‫وأول من استنجى بالماء‪ ،‬وأول من لبس السراويل‪ .‬وروى معاذ بن جبل قال‪ :‬قال النبي صلى ال‬
‫عليه وسلم‪( :‬إن أتخذ المنبر فقد اتخذه أبي إبراهيم وإن أتخذ العصا فقد اتخذها أبي إبراهيم)‪.‬‬
‫قلت‪ :‬وهذه أحكام يجب بيانها والوقف عليها والكلم فيها‪ ،‬فأول ذلك "الختان" وما جاء فيه‪.‬‬
‫@الرابعهة‪ :‬أجمهع العلماء على أن إبراهيهم عليهه السهلم أول مهن اختتهن‪ .‬واختلف فهي السهن التهي‬
‫اختتهن فيهها‪ ،‬ففهي الموطهأ عهن أبهي هريرة موقوفها‪( :‬وههو ابهن مائة وعشريهن سهنة وعاش بعهد ذلك‬
‫ثمانين سنة)‪ .‬ومثل هذا ل يكون رأيا‪ ،‬وقد رواه الوزاعي مرفوعا عن يحيى بن سعيد عن سعيد‬
‫ابن المسيب عن أبي هريرة قال‪ :‬قال رسول ال صلى ال عليه وسلم‪( :‬اختتن إبراهيم عليه السلم‬
‫وهو ابن مائة وعشرين سنة ثم عاش بعد ذلك ثمانين سنة)‪ .‬ذكره أبو عمر‪ .‬وروي مسندا مرفوعا‬
‫من غير رواية يحيى من وجوه‪( :‬أنه اختتن حين بلغ ثمانين سنة واختتن بالقدوم)‪ .‬كذا في صحيح‬
‫مسهلم وغيره "ابهن ثمانيهن سهنة"‪ ،‬وههو المحفوظ فهي حديهث ابهن عجلن وحديهث العرج عهن أبهي‬
‫هريرة عن النبي صلى ال عليه وسلم‪ .‬قال عكرمة‪ :‬اختتن إبراهيم وهو ابن ثمانين سنة‪ .‬قال‪ :‬ولم‬
‫يطهف بالبيهت بعهد على ملة إبراهيهم إل مختون‪ ،‬هكذا قال عكرمهة وقال المسهيب بهن رافهع‪ ،‬ذكره‬
‫المروزي‪ .‬و"القدوم" يروي مشددا ومخففا‪ .‬قال أبو الزناد‪ :‬القدوم (مشددا)‪ :‬موضع‪.‬‬
‫@الخامسة‪ :‬واختلف العلماء في الختان‪ ،‬فجمهورهم على أن ذلك من مؤكدات السنن ومن فطرة‬
‫السههلم التههي ل يسههع تركههها فههي الرجال‪ .‬وقالت طائفههة‪ :‬ذلك فرض‪ ،‬لقوله تعالى‪" :‬أن اتبههع ملة‬
‫إبراهيهم حنيفها" [النحهل‪ .]123 :‬قال قتادة‪ :‬ههو الختتان‪ ،‬وإليهه مال بعهض المالكييهن‪ ،‬وههو قول‬
‫الشافعهي‪ .‬واسهتدل ابهن سهريج على وجوبهه بالجماع على تحريهم النظهر إلى العورة‪ ،‬وقال‪ :‬لول أن‬
‫الختان فرض لما أبيح النظر إليها من المختون‪ .‬وأجيب عن هذا بأن مثل هذا يباح لمصلحة الجسم‬
‫كنظهر الطهبيب‪ ،‬والطهب ليهس بواجهب إجماعها‪ ،‬على مها يأتهي فهي "النحهل" بيانهه إن شاء ال تعالى‪.‬‬
‫وقد احتج بعض أصحابنا بما رواه الحجاج بن أرطأة عن أبي المليح عن أبيه عن شداد بن أوس‬
‫أن رسول ال صلى ال عليه وسلم قال‪( :‬الختان سنة للرجال مكرمة للنساء)‪ .‬والحجاج ليس ممن‬
‫يحتج به‪.‬‬
‫قلت‪ :‬أعلى مها يحتهج بهه فهي هذا الباب حديهث أبهي هريرة عهن النهبي صهلى ال عليهه وسهلم قال‪:‬‬
‫(الفطرة خمس الختتان‪ )...‬الحديث‪ ،‬وسيأتي‪ .‬وروى أبو داود عن أم عطية أن امرأة كانت تختن‬
‫النسهاء بالمدينهة‪ ،‬فقال لهها النهبي صهلى ال عليهه وسهلم‪( :‬ل تنهكهي فإن ذلك أحظهى للمرأة وأحهب‬
‫للبعل)‪ .‬قال أبو داود‪ :‬وهذا الحديث ضعيف راويه مجهول‪ .‬وفي رواية ذكرها رزين‪( :‬ول تنهكي‬
‫فإنه أنور للوجه وأحظى عند الرجل)‪.‬‬
‫@السهادسة‪ :‬فإن ولد الصهبي مختونا فقد كفهي مؤنة الختان‪ .‬قال الميموني قال لي أحمد‪ :‬إن ههنها‬
‫رجل ولد له ولد مختون‪ ،‬فاغتهم لذلك غمها شديدا‪ ،‬فقلت له‪ :‬إذا كان ال قهد كفاك المؤنهة فمها غمهك‬
‫بهذا‪.‬‬
‫@السهابعة‪ :‬قال أبهو الفرج الجوزي حدثهت عهن كعهب الحبار قال‪ :‬خلق مهن النهبياء ثلثهة عشهر‬
‫مختونيههن‪ :‬آدم وشيههث وإدريههس ونوح وسههام ولوط ويوسههف وموسههى وشعيههب وسههليمان ويحيههى‬
‫وعيسى والنبي صلى ال عليه وسلم‪ .‬وقال محمد بن حبيب الهاشمي‪ :‬هم أربعة عشر‪ :‬آدم وشيث‬
‫ونوح وهود وصههالح ولوط وشعيههب ويوسههف وموسههى وسههليمان وزكريهها وعيسههى وحنظلة بههن‬
‫صفوان (نبي أصحاب الرس) ومحمد صلى ال عليه وعليهم أجمعين‪.‬‬
‫قلت‪ :‬اختلفهت الروايات فههي النههبي صهلى ال عليهه وسهلم‪ ،‬فذكههر أبهو نعيههم الحافههظ فههي "كتاب‬
‫الحلية" بإسناده أن النبي صلى ال عليه وسلم ولد مختونا‪ .‬وأسند أبو عمر في التمهيد حدثنا أحمد‬
‫بن محمد بن أحمد حدثنا محمد بن عيسى حدثنا يحيى بن أيوب بن بادي العلف حدثنا محمد بن‬
‫أبى السري العسقلني حدثنا الوليد بن مسلم عن شعيب عن عطاء الخراساني عن عكرمة عن ابن‬
‫عباس‪ :‬أن عبدالمطلب ختههن النههبي صههلى ال عليههه وسههلم يوم سههابعه‪ ،‬وجعههل له مأدبههة وسههماه‬
‫"محمدا"‪ .‬قال أبو عمر‪ :‬هذا حديث مسند غريب‪ .‬قال يحيى بن أيوب‪ :‬طلبت هذا الحديث فلم أجده‬
‫عنهد أحهد مهن أههل الحديهث ممهن لقيتهه إل عنهد ابهن أبهي السهري‪ .‬قال أبهو عمهر‪ :‬وقهد قيهل‪ :‬إن النهبي‬
‫صلى ال عليه وسلم ولد مختونا‪.‬‬
‫@الثامنة‪ :‬واختلفوا متى يختن الصبي‪ ،‬فثبت في الخبار عن جماعة من العلماء أنهم قالوا‪ :‬ختن‬
‫إبراهيهم إسهماعيل لثلث عشرة سهنة‪ .‬وختهن ابنهه إسهحاق لسهبعة أيام‪ .‬وروي عهن فاطمهة أنهها كانهت‬
‫تختهن ولدهها يوم السهابع‪ ،‬وأنكهر ذلك مالك وقال ذلك مهن عمهل اليهود‪ .‬ذكره عنهه ابهن وههب‪ .‬وقال‬
‫الليث بن سعد‪ :‬يختن الصبي ما بين سبع سنين إلى عشر‪ .‬ونحوه روى ابن وهب عن مالك‪ .‬وقال‬
‫أحمد‪ :‬لم أسمع في ذلك شيئا‪ .‬وفي البخاري عن سعيد بن جبير قال‪ :‬سئل ابن عباس‪ :‬مثل من أنت‬
‫حين قبض رسول ال صلى ال عليه وسلم؟ قال‪ :‬أنا يومئذ مختون‪ .‬قال‪ :‬وكانوا ل يختنون الرجل‬
‫حتى يدرك أو يقارب الحتلم‪.‬‬
‫واسهتحب العلماء فهي الرجهل الكهبير يسهلم أن يختهن‪ ،‬وكان عطاء يقول‪ :‬ل يتهم إسهلمه حتهى يختتهن‬
‫وإن بلغ ثمانين سنة‪ .‬وروي عن الحسن أنه كان يرخص للشيخ الذي يسلم أل يختتن‪ ،‬ول يرى به‬
‫بأسها ول بشهادتهه وذبيحتهه وحجهه وصهلته‪ ،‬قال ابهن عبدالبر‪ :‬وعامهة أههل العلم على هذا‪ .‬وحديهث‬
‫بريدة فهي حهج الغلف ل يثبهت‪ .‬وروي عهن ابهن عباس وجابر بهن زيهد وعكرمهة‪ :‬أن الغلف ل‬
‫تؤكل ذبيحته ول تجوز شهادته‪.‬‬
‫@التاسعة‪ :‬قوله‪[ :‬وأول من استحد] فالستحداد استعمال الحديد في حلق العانة‪ .‬وروت أم سلمة‬
‫أن النههبي صههلى ال عليههه وسههلم كان إذا اطلى ولي عانتههه بيده‪ .‬وروى ابههن عباس أن رجل طلى‬
‫رسهول ال صهلى ال عليهه وسهلم حتهى إذا بلغ إلى عانتهه قال له‪ :‬اخرج عنهي‪ ،‬ثهم طلى عانتهه بيده‪.‬‬
‫وروى أنهس أن النهبي صهلى ال عليهه وسهلم كان ل يتنور‪ ،‬وكان إذا كثهر الشعهر على عانتهه حلقهه‪.‬‬
‫قال ابن خويز منداد‪ :‬وهذا يدل على أن الكثر من فعله كان الحلق وإنما تنور نادرا‪ ،‬ليصح الجمع‬
‫بين الحديثين‪.‬‬
‫@العاشرة‪ :‬فهي تقليهم الظفار‪ .‬وتقليهم الظفار‪ :‬قصهها‪ ،‬والقلمهة مها يزال منهها‪ .‬وقال مالك‪ :‬أحهب‬
‫للنساء من قص الظفار وحلق العانة مثل ما هو على الرجال‪ .‬ذكره الحارث بن مسكين وسحنون‬
‫عن ابن القاسم‪ .‬وذكر الترمذي الحكيم في "نوادر الصول" له‬
‫@ حدثنها عمهر بهن أبهي عمهر قال‪ :‬حدثنها إبراهيهم بهن العلء الزبيدي عهن عمهر بهن بلل الفزاري‬
‫قال‪ :‬سمعت عبدال بن بشر المازني يقول‪ :‬قال رسول ال صلى ال عليه وسلم‪( :‬قصوا أظافيركم‬
‫وادفنوا قلماتكم ونقوا براجمكم ونظفوا لثاتكم من الطعام وتسننوا ول تدخلوا علي قخرا بخرا) ثم‬
‫تكلم عليهه فأحسهن‪ .‬قال الترمذي‪ :‬فأمها قهص الظفار فمهن أجهل أنهه يخدش ويخمهش ويضهر‪ ،‬وههو‬
‫مجتمع الوسخ‪ ،‬فربما أجنب ول يصل الماء إلى البشرة من أجل الوسخ فل يزال جنبا‪ .‬ومن أجنب‬
‫فبقهي موضع إبرة من جسده بعد الغسل غير مغسول فهو جنب على حاله حتى يعم الغسل جسهده‬
‫كله‪ ،‬فلذلك ندبههم إلى قهص الظفار‪ .‬والظافيهر جمهع الظفور‪ ،‬والظفار جمهع الظفهر‪ .‬وفهي حديهث‬
‫رسهول ال صهلى ال عليهه وسهلم حيهث سهها فهي صهلته فقال‪( :‬ومها لي ل أوههم ورفهع أحدكهم بيهن‬
‫ظفره وأنملته ويسألني أحدكم عن خبر السماء وفي أظافيره الجنابة والتفث)‪ .‬وذكر هذا الخبر أبو‬
‫الحسهن علي بهن محمهد الطهبري المعروف بالكيها فهي "أحكام القرآن" له‪ ،‬عهن سهليمان بهن فرج أبهي‬
‫واصل قال‪ :‬أتيت أبا أيوب رضي ال عنه فصافحته‪ ،‬فرأى في أظفاري طول فقال‪ :‬جاء رجل إلى‬
‫النهبي صهلى ال عليهه وسهلم يسهأله عهن خهبر السهماء فقال‪( :‬يجيهء أحدكهم يسهأل عهن خهبر السهماء‬
‫وأظفاره كأظفار الطير حتى يجتمع فيها الوسخ والتفث)‪.‬‬
‫وأمها قوله‪( :‬ادفنوا قلماتكهم) فإن جسهد المؤمهن ذو حرمهة‪ ،‬فمها سهقط منهه وزال عنه فحفظهه مهن‬
‫الحرمة قائم‪ ،‬فيحق عليه أن يدفنه‪ ،‬كما أنه لو مات دفن‪ ،‬فإذا مات بعضه فكذلك أيضا تقام حرمته‬
‫بدفنه‪ ،‬كي ل يتفرق ول يقع في النار أو في مزابل قذرة‪ .‬وقد أمر رسول ال صلى ال عليه وسلم‬
‫بدفهن دمهه حيهث احتجهم كهي ل تبحهث عنهه الكلب‪ .‬حدثنها بذلك أبهي رحمهه ال تعالى قال‪ :‬حدثنها‬
‫موسهى بهن إسهماعيل قال‪ :‬حدثنها الهنيهد بهن القاسهم بهن عبدالرحمهن بهن ماعهز قال‪ :‬سهمعت عامهر بهن‬
‫عبدال بن الزبير يقول إن أباه حدثه أنه أتى رسول ال صلى ال عليه وسلم وهو يحتجم‪ ،‬فلما فرغ‬
‫قال‪( :‬يها عبدال اذههب بهذا الدم فأهرقهه حيهث ل يراك أحهد)‪ .‬فلمها برز عهن رسهول ال صهلى ال‬
‫عليه وسلم عمد إلى الدم فشربه‪ ،‬فلما رجع قال‪( :‬يا عبدال ما صنعت به؟)‪ .‬قال‪ :‬جعلته في أخفى‬
‫مكان ظننت أنه خافيا عن الناس‪ .‬قال‪( :‬لعلك شربته؟) قال نعم‪ .‬قال‪( :‬لم شربت الدم‪ ،‬وويل للناس‬
‫منهك وويهل لك مهن الناس)‪ .‬حدثنهي أبهي قال‪ :‬حدثنها مالك بهن سهليمان الهروي قال‪ :‬حدثنها داود بهن‬
‫عبدالرحمهن عهن هشام بهن عروة عهن أبيهه عهن عائشهة قالت‪ :‬كان رسهول ال صهلى ال عليهه وسهلم‬
‫يأمر بدفن سبعة أشياء من النسان‪ :‬الشعر‪ ،‬والظفر‪ ،‬والدم‪ ،‬والحيضة‪ ،‬والسن‪ ،‬والقلفة‪ ،‬والبشيمة‪.‬‬
‫وأمها قوله‪( :‬نقوا براجمكهم) فالبراجهم تلك الغضون مهن المفاصهل‪ ،‬وههي مجتمهع الدرن (واحدهها‬
‫برجمة) وهو ظهر عقدة كل مفصل‪ ،‬فظهر العقدة يسمى برجمة‪ ،‬وما بين العقدتين تسمى راجبة‪،‬‬
‫وجمعههها رواجههب‪ ،‬وذلك ممهها يلي ظهرههها‪ ،‬وهههي قصهبة الصههبع‪ ،‬فلكهل أصهبع برجمتان وثلث‬
‫رواجهب إل البهام فإن لهها برجمهة وراجبتيهن‪ ،‬فأمهر بتنقيتهه لئل يدرن فتبقهى فيهه الجنابهة‪ ،‬ويحول‬
‫الدرن بين الماء والبشرة‪.‬‬
‫وأمهها قوله‪( :‬نظفوا لثاتكههم) فاللثههة واحدة‪ ،‬واللثات جماعههة‪ ،‬وهههي اللحمههة فوق السههنان ودون‬
‫السنان‪ ،‬وهي منابتها‪ .‬والعمور‪ :‬اللحمة القليلة بين السنين‪ ،‬واحدها عمر‪ .‬فأمر بتنظيفها لئل يبقى‬
‫فيها وضر الطعام فتتغير عليه النكهة وتتنكر الرائحة‪ ،‬ويتأذى الملكان‪ ،‬لنه طريق القرآن‪ ،‬ومقعد‬
‫الملكيهن عنهد نابيهه‪ .‬وروي فهي الخهبر فهي قوله تعالى‪" :‬مها يلفهظ مهن قول إل لديهه رقيهب عتيهد" [ق‪:‬‬
‫‪ ]18‬قال‪ :‬عند نابيه‪ .‬حدثنا بذلك محمد بن علي الشقيقي قال‪ :‬سمعت أبي يذكر ذلك عن سفيان بن‬
‫عيينهة‪ ،‬وجاد مها قال‪ ،‬وذلك أن اللفهظ ههو عمهل الشفتيهن يلفهظ الكلم عهن لسهانه إلى البراز‪ .‬وقوله‪:‬‬
‫"لديه" أي عنده‪ ،‬واللدى والعند في لغتهم السائرة بمعنى واحد‪ ،‬وكذلك قولهم "لدن" فالنون زائدة‪.‬‬
‫فكأن الية تنبئ أن الرقيب عتيد عند مغلظ الكلم وهو الناب‪.‬‬
‫وأما قوله‪( :‬تسننوا) وهو السواك مأخوذ من السن‪ ،‬أي نظفوا السن‪.‬‬
‫وقوله‪( :‬ل تدخلوا علي قخرا بخرا) فالمحفوظ عندي (قحل وقلحهها)‪ .‬وسههمعت الجارود يذكههر‬
‫عههن النضههر قال‪ :‬القلح الذي قههد اصههفرت أسههنانه حتههى بخرت مههن باطنههها‪ ،‬ول أعرف القخههر‪.‬‬
‫والبخهر‪ :‬الذي تجهد له رائحهة منكرة لبشرتهه‪ ،‬يقال‪ :‬رجهل أبخهر‪ ،‬ورجال بخهر‪ .‬حدثنها الجارود قال‪:‬‬
‫حدثنها جريهر عهن منصهور عهن أبهي علي عهن أبهي جعفهر بهن تمام بهن العباس عهن أبيهه قال‪ :‬قال‬
‫رسول ال صلى ال عليه وسلم‪( :‬استاكوا‪ ،‬ما لكم تدخلون علي قلحا)‪.‬‬
‫@الحاديهة عشرة‪ :‬فهي قهص الشارب‪ .‬وههو الخهذ منهه حتهى يبدو طرف الشفهة وههو الطار‪ ،‬ول‬
‫يجزه فيمثههل نفسههه‪ ،‬قاله مالك‪ .‬وذكههر ابههن عبدالحكههم عنههه قال‪ :‬وأرى أن يؤدب مههن حلق شاربههه‪.‬‬
‫وذكهر أشههب عنهه أنهه قال فهي حلق الشارب‪ :‬هذه بدع‪ ،‬وأرى أن يوجهع ضربها مهن فعله‪ .‬وقال ابهن‬
‫خويز منداد قال مالك‪ :‬أرى أن يوجع من حلقه ضربا‪ .‬كأنه يراه ممثل بنفسه‪ ،‬وكذلك بنتفه الشعر‪،‬‬
‫وتقصيره عنده أولى من حلقه‪ .‬وكذلك روي عن النبي صلى ال عليه وسلم أنه كان ذا لمة‪ ،‬وكان‬
‫أصحابه من بين وافر الشعر أو مقصر‪ ،‬وإنما حلق وحلقوا في النسك‪ .‬وروي أن رسول ال صلى‬
‫ال عليهه وسهلم كان يقهص أظافره وشاربهه قبهل أن يخرج إلى الجمعهة‪ .‬وقال الطحاوي‪ :‬لم نجهد عهن‬
‫الشافعي في هذا شيئا منصوصا‪ ،‬وأصحابه الذين رأيناهم‪ :‬المزني والربيع كانا يحفيان شواربهما‪،‬‬
‫ويدل ذلك أنهمها أخذا ذلك عهن الشافعهي رحمهه ال تعالى‪ .‬قال‪ :‬وأمها أبهو حنيفهة وزفهر وأبهو يوسهف‬
‫ومحمهد فكان مذهبههم فهي شعهر الرأس والشارب أن الحفاء أفضهل مهن التقصهير‪ .‬وذكهر ابهن خويهز‬
‫منداد عهن الشافعهي أن مذهبهه فهي حلق الشارب كمذههب أبهي حنيفهة سهواء‪ .‬وقال أبهو بكهر الثرم‪:‬‬
‫رأيت أحمد بن حنبل يحفي شاربه شديدا‪ ،‬وسمعته سئل عن السنة في إحفاء الشارب فقال‪ :‬يحفى‬
‫كما قال النبي صلى ال عليه وسلم‪( :‬احفوا الشوارب)‪ .‬قال أبو عمر‪ :‬إنما في هذا الباب أصلن‪:‬‬
‫أحدهمها‪ :‬أحفوا‪ ،‬وههو لفهظ محتمهل التأويهل‪ .‬والثانهي‪ :‬قهص الشارب‪ ،‬وههو مفسهر‪ ،‬والمفسهر يقضهي‬
‫على المجمل‪ ،‬وهو عمل أهل المدينة‪ ،‬وهو أولى ما قيل به في هذا الباب‪ .‬روى الترمذي عن ابن‬
‫عباس قال‪ :‬كان رسههول ال صههلى ال عليههه وسههلم يقههص مههن شاربههه ويقول‪( :‬إن إبراهيههم خليههل‬
‫الرحمهن كان يفعله)‪ .‬قال‪ :‬هذا حديهث حسهن غريهب‪ .‬وخرج مسهلم عن أبهي هريرة عن النهبي صهلى‬
‫ال عليههه وسههلم قال‪( :‬الفطرة خمههس الختتان والسههتحداد وقههص الشارب وتقليههم الظفار ونتههف‬
‫البهط)‪ .‬وفيهه عهن ابهن عمهر قال‪ :‬قال رسهول ال صهلى ال عليهه وسهلم‪( :‬خالفوا المشركيهن احفوا‬
‫الشوارب وأوفوا اللحهى)‪ .‬والعاجهم يقصهون لحاههم‪ ،‬ويوفرون شواربههم أو يوفرونهمها معا‪ ،‬وذلك‬
‫عكس الجمال والنظافة‪ .‬ذكر رزين عن نافع أن ابن عمر كان يحفي شاربه حتى ينظر إلى الجلد‪،‬‬
‫ويأخهذ هذيهن‪ ،‬يعنهي مها بيهن الشارب واللحية‪ .‬وفهي البخاري‪ :‬وكان ابهن عمهر يأخهذ مهن طول لحيتهه‬
‫ما زاد على القبضة إذا حج أو اعتمر‪ .‬وروى الترمذي عن عبدال بن عمرو بن العاص أن رسول‬
‫ال صلى ال عليه وسلم كان يأخذ من لحيته من عرضها وطولها‪ .‬قال‪ :‬هذا حديث غريب‪.‬‬
‫@الثانيهة عشرة‪ :‬وأمها البهط فسهنته النتهف‪ ،‬كمها أن سهنة العانهة الحلق‪ ،‬فلو عكهس جاز لحصهول‬
‫النظافة‪ ،‬والول أولى‪ ،‬لنه المتيسر المعتاد‪.‬‬
‫@الثالثة عشرة‪ :‬وفرق الشعر‪ :‬تفريقه في المفرق‪ ،‬وفي صفته صلى ال عليه وسلم‪ :‬إن انفرقت‬
‫عقيصته فرق‪ ،‬يقال‪ :‬فرقت الشعر أفرقه فرقا‪ ،‬يقال‪ :‬إن انفرق شعر رأسه فرقه في مفرقه‪ ،‬فإن لم‬
‫ينفرق تركهه وفرة واحدة‪ .‬خرج النسهائي عهن ابهن عباس أن رسهول ال صهلى ال عليهه وسهلم كان‬
‫يسدل شعره‪ ،‬وكان المشركون يفرقون شعورهم‪ ،‬وكان يحب موافقة أهل الكتاب فيما لم يؤمر فيه‬
‫بشيهء‪ ،‬ثهم فرق رسهول ال صهلى ال عليهه وسهلم بعهد ذلك‪ ،‬أخرجهه البخاري ومسهلم عهن أنهس‪ .‬قال‬
‫القاضهي عياض‪ :‬سهدل الشعهر إرسهاله‪ ،‬والمراد بهه ههنها عنهد العلماء إرسهاله على الجهبين‪ ،‬واتخاذه‬
‫كالقصهة‪ ،‬والفرق فهي الشعهر سهنة‪ ،‬لنهه الذي رجهع إليهه النهبي صهلى ال عليهه وسهلم‪ .‬وقهد روي أن‬
‫عمر بن عبدالعزيز كان إذا انصرف من الجمعة أقام على باب المسجد حرسا يجزون ناصية كل‬
‫من لم يفرق شعره‪ .‬وقد قيل‪ :‬إن الفرق كان من سنة إبراهيم عليه السلم‪ ،‬فال اعلم‪.‬‬
‫@الرابعهة عشرة‪ :‬وأمها الشيهب فنور ويكره نتفهه‪ ،‬ففهي النسهائي وأبهي داود مهن حديهث عمرو بهن‬
‫شعيهب عن أبيهه عن جده قال‪ :‬قال رسهول ال صهلى ال عليهه وسهلم‪( :‬ل تنتفوا الشيهب مها مهن مسهلم‬
‫يشيب شيبة في السلم إل كانت له نورا يوم القيامة وكتب ال له حسنة وحط عنه خطيئة)‪.‬‬
‫قلت‪ :‬وكمها يكره نتفهه كذلك يكره تغييره بالسهواد‪ ،‬فأمها تغييره بغيهر السهواد فجائز‪ ،‬لقوله صهلى‬
‫ال عليهه وسهلم فهي حهق أبهي قحافهة ‪ -‬وقهد جيهء بهه ولحيتهه كالثغامهة بياضها ‪( : -‬غيروا هذا بشيهء‬
‫واجتنبوا السواد)‪ .‬ولقد أحسن من قال‪:‬‬
‫ول خير في العلى إذا فسد الصل‬ ‫يسود أعلها ويبيض أصلها‬
‫وقال الخر‪:‬‬
‫سل المليك له سترا من النار‬ ‫يا خاضب الشيب بالحناء تستره‬
‫@الخامسهة عشرة‪ :‬وأمها الثريهد فههو أزكهى الطعام وأكثره بركهة‪ ،‬وههو طعام العرب‪ ،‬وقهد شههد له‬
‫النهبي صهلى ال عليهه وسهلم بالفضهل على سهائر الطعام فقال‪( :‬فضهل عائشهة على النسهاء كفضهل‬
‫الثريد على سائر الطعام)‪ .‬وفي صحيح البستي عن أسماء بنت أبي بكر أنها كانت إذا ثردت غطته‬
‫شيئا حتههى يذهههب فوره وتقول‪ :‬إنههي سههمعت رسههول ال صههلى ال عليههه وسههلم يقول‪( :‬إنههه أعظههم‬
‫للبركة)‪.‬‬
‫@السادسة عشرة‪ :‬قلت‪ :‬وهذا كله في معنى ما ذكره عبدالرزاق عن ابن عباس‪ ،‬وما قاله سعيد‬
‫بهن المسهيب وغيره‪ .‬ويأتههي ذكهر المضمضهة والسهتنشاق والسهواك فههي سهورة "النسهاء" وحكهم‬
‫السهتنجاء فهي "براءة" وحكهم الضيافهة فهي "هود" إن شاء ال تعالى‪ .‬وخرج مسهلم عهن أنهس قال‪:‬‬
‫وقت لنا في قص الشارب وتقليم الظفار ونتف البط وحلق العانة أل نترك أكثر من أربعين ليلة‪،‬‬
‫قال علماؤنا‪ :‬هذا تحديد في أكثر المدة‪ ،‬والمستحب تفقد ذلك من الجمعة إلى الجمعة‪ ،‬وهذا الحديث‬
‫يرويه جعفر بن سليمان‪ .‬قال العقيلي‪ :‬في حديثه نظر‪ .‬وقال أبو عمر فيه‪ :‬ليس بحجة‪ ،‬لسوء حفظه‬
‫وكثرة غلطهه‪ .‬وهذا الحديهث ليهس بالقوي مهن جههة النقهل‪ ،‬ولكنهه قهد قال بهه قوم‪ ،‬وأكثرههم على أل‬
‫توقيت في ذلك‪ ،‬وبال التوفيق‪.‬‬
‫@السهابعة عشرة‪ :‬قوله تعالى‪" :‬قال إنهي جاعلك للناس إمامها" المام‪ :‬القدوة‪ ،‬ومنهه قيهل لخيهط‬
‫البناء‪ :‬إمام‪ ،‬وللطريههق‪ :‬إمام‪ ،‬لنههه يؤم فيههه للمسههالك‪ ،‬أي يقصههد‪ .‬فالمعنههى‪ :‬جعلناك للناس إمامهها‬
‫يأتمون بهك فهي هذه الخصهال‪ ،‬ويقتدي بهك الصهالحون‪ .‬فجعله ال تعالى إمامها لههل طاعتهه‪ ،‬فلذلك‬
‫اجتمعت المم على الدعوى فيه ‪ -‬وال اعلم ‪ -‬أنه كان حنيفا‪.‬‬
‫@الثامنة عشرة‪ :‬قوله تعالى‪" :‬قال ومن ذريتي" دعاء على جهة الرغباء إلى ال تعالى‪ ،‬أي من‬
‫ذريتهي يها رب فاجعهل‪ .‬وقيهل‪ :‬هذا منهه على جههة السهتفهام عنههم‪ ،‬أي ومهن ذريتهي يها رب ماذا‬
‫يكون؟ فأخهبره ال تعالى أن فيههم عاصهيا وظالمها ل يسهتحق المامهة‪ .‬قال ابهن عباس‪ :‬سهأل إبراهيهم‬
‫عليهه السهلم أن يجعهل مهن ذريتهه إمام‪ ،‬فأعلمهه ال أن فهي ذريتهه مهن يعصهي فقال‪" :‬ل ينال عهدي‬
‫الظالمين"‪.‬‬
‫@التاسهعة عشرة‪ :‬قوله تعالى‪" :‬ومهن ذريتهي" أصهل ذريهة‪ ،‬فعليهة مهن الذر‪ ،‬لن ال تعالى أخرج‬
‫الخلق مهن صهلب آدم عليهه السهلم كالذر حيهن أشهدههم على أنفسههم‪ .‬وقيهل‪ :‬ههو مأخوذ مهن ذرأ ال‬
‫الخلق يذرؤهم ذرءا خلقهم‪ ،‬ومنه الذرية وهي نسل الثقلين‪ ،‬إل أن العرب تركت همزها‪ ،‬والجمع‬
‫الذراري‪ .‬وقرأ زيد بن ثابت "ذرية" بكسر الذال و"ذرية" بفتحها‪ .‬قال ابن جني أبو الفتح عثمان‪:‬‬
‫يحتمل أصل هذا الحرف أربعة ألفاظ‪ :‬أحدها‪ :‬ذرأ‪ ،‬والثانهي‪ :‬ذرر‪ ،‬والثالث‪ :‬ذرو‪ ،‬والرابع‪ :‬ذري‪،‬‬
‫فأمها الهمزة فمهن ذرأ ال الخلق‪ ،‬وأمها ذرر فمهن لفهظ الذر ومعناه‪ ،‬وذلك لمها ورد فهي الخهبر (أن‬
‫الخلق كان كالذر) وأمها الواو والياء‪ ،‬فمهن ذروت الحهب وذريتهه يقالن جميعها‪ ،‬وذلك قوله تعالى‪:‬‬
‫"فأصهبح هشيمها تذروه الرياح" [الكههف‪ ]45 :‬وهذا للطفهه وخفتهه‪ ،‬وتلك حال الذر أيضها‪ .‬قال‬
‫الجوهري‪ :‬ذرت الريهح التراب وغيره تذروه وتذريهه ذروا وذريها أي نسهفته‪ ،‬ومنهه قولههم‪ :‬ذرى‬
‫الناس الحنطة‪ ،‬وأذريت الشيء إذا ألقيته‪ ،‬كإلقائك الحب للزرع‪ .‬وطعنه فأذراه عن ظهر دابته‪ ،‬أي‬
‫ألقاه‪ .‬وقال الخليههل‪ :‬إنمهها سههموا ذريههة‪ ،‬لن ال تعالى ذرأههها على الرض كمهها ذرأ الزارع البذر‪.‬‬
‫وقيل‪ :‬أصل ذرية‪ ،‬ذرورة‪ ،‬لكن لما كثر التضعيف أبدل من إحدى الراءات ياء‪ ،‬فصارت ذروية‪،‬‬
‫ثم أدغمت الواو في الياء فصارت ذرية‪ .‬والمراد بالذرية هنا البناء خاصة‪ ،‬وقد تطلق على الباء‬
‫والبناء‪ ،‬ومنه قوله تعالى‪" :‬وآية لهم أنا حملنا ذريتهم" [يس‪ ]41 :‬يعني آباءهم‪.‬‬
‫@عشرون‪ :‬قوله تعالى‪" :‬قال ل ينال عهدي الظالميهن" اختلف فهي المراد بالعههد‪ ،‬فروى أبهو‬
‫صهالح عهن ابهن عباس أنهه النبوة‪ ،‬وقال السهدي‪ .‬مجاههد‪ :‬المامهة‪ .‬قتادة‪ :‬اليمان‪ .‬عطاء‪ :‬الرحمهة‪.‬‬
‫الضحاك‪ :‬دين ال تعالى‪ .‬وقيل‪ :‬عهده أمره‪ .‬ويطلق العهد على المر‪ ،‬قال ال تعالى‪" :‬إن ال عهد‬
‫إلينا" [آل عمران‪ ]183 :‬أي أمرنا‪ .‬وقال‪" :‬ألم أعهد إليكم يا بني آدم" [يس‪ ]60 :‬يعني ألم أقدم‬
‫إليكههم المههر بههه‪ ،‬وإذا كان عهههد ال هههو أوامره فقوله‪" :‬ل ينال عهدي الظالميههن" أي ل يجوز أن‬
‫يكونوا بمحهل مهن يقبهل منههم أوامهر ال ول يقيمون عليهها‪ ،‬على مها يأتهي بيانهه بعهد هذا آنفها إن شاء‬
‫ال تعالى‪ .‬وروى معمر عن قتادة في قوله تعالى‪" :‬ل ينال عهدي الظالمين" قال‪ :‬ل ينال عهد ال‬
‫فهي الخرة الظالميهن‪ ،‬فأمها فهي الدنيها فقهد ناله الظالم فأمهن بهه‪ ،‬وأكهل وعاش وأبصهر‪ .‬قال الزجاج‪:‬‬
‫وهذا قول حسههن‪ ،‬أي ل ينال أمانههي الظالميههن‪ ،‬أي ل أؤمنهههم مههن عذابههي‪ .‬وقال سههعيد بههن جههبير‪:‬‬
‫الظالم هنهها المشرك‪ .‬وقرأ ابههن مسههعود وطلحههة بههن مصههرف "ل ينال عهدي الظالمون" برفههع‬
‫الظالمون‪ .‬الباقون بالنصههب‪ .‬وأسههكن حمزة وحفههص وابههن محيصههن الياء فههي "عهدي"‪ ،‬وفتحههها‬
‫الباقون‪.‬‬
‫@استدل جماعة من العلماء بهذه الية على أن المام يكون من أهل العدل والحسان والفضل مع‬
‫القوة على القيام بذلك‪ ،‬وههو الذي أمهر النهبي صهلى ال عليهه وسهلم أل ينازعوا المهر أهله‪ ،‬على مها‬
‫تقدم من القول فيه‪ .‬فأما أهل الفسوق والجور والظلم فليسوا له بأهل‪ ،‬لقوله تعالى‪" :‬ل ينال عهدي‬
‫الظالميهن" ولهذا خرج ابهن الزبيهر والحسهين بهن علي رضهي ال عنههم‪ .‬وخرج خيار أههل العراق‬
‫وعلماؤههم على الحجاج‪ ،‬وأخرج أههل المدينهة بنهي أميهة وقاموا عليههم‪ ،‬فكانهت الحرة التهي أوقعهها‬
‫بههم مسهلم بهن عقبهة‪ .‬والذي عليهه الكثهر مهن العلماء أن الصهبر على طاعهة المام الجائر أولى مهن‬
‫الخروج عليه‪ ،‬لن فهي منازعته والخروج عليهه استبدال المن بالخوف‪ ،‬وإراقهة الدماء‪ ،‬وانطلق‬
‫أيدي السههفهاء‪ ،‬وشههن الغارات على المسههلمين‪ ،‬والفسههاد فههي الرض‪ .‬والول مذهههب طائفههة مههن‬
‫المعتزلة‪ ،‬وهو مذهب الخوارج‪ ،‬فاعلمه‪.‬‬
‫@قال ابن خويز منداد‪ :‬وكل من كان ظالما لم يكن نبيا ول خليفة ول حاكما ول مفتيا‪ ،‬ول إمام‬
‫صهلة‪ ،‬ول يقبهل عنهه مها يرويهه عهن صهاحب الشريعهة‪ ،‬ول تقبهل شهادتهه فهي الحكام‪ ،‬غيهر أنهه ل‬
‫يعزل بفسههقه حتههى يعزله أهههل الحههل والعقههد‪ .‬ومهها تقدم مههن أحكامههه موافقهها للصههواب ماض غيههر‬
‫منقوض‪ .‬وقد نص مالك على هذا في الخوارج والبغاة أن أحكامهم ل تنقض إذا أصابوا بها وجها‬
‫مهن الجتهاد‪ ،‬ولم يخرقوا الجماع‪ ،‬أو يخالفوا النصهوص‪ .‬وإنمها قلنها ذلك لجماع الصهحابة‪ ،‬وذلك‬
‫أن الخوارج قهد خرجوا فهي أيامههم ولم ينقهل أن الئمهة تتبعوا أحكامههم‪ ،‬ول نقضوا شيئا منهها‪ ،‬ول‬
‫أعادوا أخهذ الزكاة ول إقامهة الحدود التهي أخذوا وأقاموا‪ ،‬فدل على أنههم إذا أصهابوا وجهه الجتهاد‬
‫لم يتعرض لحكامهم‪.‬‬
‫@قال ابن خويز منداد‪ :‬وأما أخذ الرزاق من الئمة الظلمة فلذلك ثلثة أحوال‪ :‬إن كان جميع ما‬
‫فههي أيديهههم مأخوذا على موجههب الشريعههة فجائز أخذه‪ ،‬وقههد أخذت الصههحابة والتابعون مههن يههد‬
‫الحجاج وغيره‪ .‬وإن كان مختلطها حلل وظلمها كمها فهي أيدي المراء اليوم فالورع تركهه‪ ،‬ويجوز‬
‫للمحتاج أخذه‪ ،‬وههو كلص فهي يده مال مسهروق‪ ،‬ومال جيهد حلل وقهد وكله فيهه رجهل فجاء اللص‬
‫يتصهدق بهه على إنسهان فيجوز أن تؤخهذ منهه الصهدقة‪ ،‬وإن كان قهد يجوز أن يكون اللص يتصهدق‬
‫ببعهض مها سهرق‪ ،‬إذا لم يكهن شيهء معروف بنههب‪ ،‬وكذلك لو باع أو اشترى كان العقهد صهحيحا‬
‫لزما ‪ -‬وإن كان الورع التنزه عنه ‪ -‬وذلك أن الموال ل تحرم بأعيانها وإنما تحرم لجهاتها‪ .‬وإن‬
‫كان مها فهي أيديههم ظلمها صهراحا فل يجوز أن يؤخهذ مهن أيديههم‪ .‬ولو كان مها فهي أيديههم مهن المال‬
‫مغصهوبا غيهر أنهه ل يعرف له صهاحب ول مطالب‪ ،‬فههو كمها لو وجهد فهي أيدي اللصهوص وقطاع‬
‫الطريههق‪ ،‬ويجعههل فههي بيههت المال وينتظههر طالبههه بقدر الجتهاد‪ ،‬فإذا لم يعرف صههرفه المام فههي‬
‫مصالح المسلمين‪.‬‬
‫*‪ *3‬الية‪{ 125 :‬وإذ جعلنا البيت مثابة للناس وأمنا واتخذوا من مقام إبراهيم مصلى وعهدنا‬
‫إلى إبراهيم وإسماعيل أن طهرا بيتي للطائفين والعاكفين والركع السجود}‬
‫@قوله تعالى‪" :‬وإذ جعلنا البيت مثابة للناس وأمنا" فيه مسألتان‪:‬‬
‫الولى‪ :‬قوله تعالى‪" :‬جعلنا" بمعنى صيرنا لتعديه إلى مفعولين‪ ،‬وقد تقدم‪" .‬البيت" يعني الكعبة‪.‬‬
‫"مثابة" أي مرجعا‪ ،‬يقال‪ :‬ثاب يثوب مثابا ومثابة وثؤوبا وثوبانا‪ .‬فالمثابة مصدر وصف به ويراد‬
‫به الموضع الذي يثاب إليه‪ ،‬أي يرجع إليه‪ .‬قال ورقة بن نوفل في الكعبة‪:‬‬
‫تخب إليها اليعملت الذوامل‬ ‫مثابا لفناء القبائل كلها‬
‫وقرأ العمهههش‪" :‬مثابات" على الجمهههع‪ .‬ويحتمهههل أن يكون مهههن الثواب‪ ،‬أي يثابون هناك‪ .‬وقال‬
‫مجاهد‪ :‬ل يقضي أحد منه وطرأ‪ ،‬قال الشاعر‪:‬‬
‫ليس منه الدهر يقضون الوطر‬ ‫جعل البيت مثابا لهم‬
‫والصهل مثوبهة‪ ،‬قلبهت حركهة الواو على الثاء فقلبهت الواو ألفها اتباعها لثاب يثوب‪ ،‬وانتصهب على‬
‫المفعول الثاني‪ ،‬ودخلت الهاء للمبالغة لكثرة من يثوب أي يرجع‪ ،‬لنه قل ما يفارق أحد البيت إل‬
‫وهو يرى أنه لم يقض منه وطرا‪ ،‬فهي كنسابة وعلمة‪ ،‬قاله الخفش‪ .‬وقال غيره‪ :‬هي هاء تأنيث‬
‫المصدر وليست للمبالغة‪.‬‬
‫فإن قيل‪ :‬ليس كل من جاءه يعود إليه‪ ،‬قيل‪ :‬ليس يختص بمن ورد عليه‪ ،‬وإنما المعنى أنه ل يخلو‬
‫من الجملة‪ ،‬ول يعدم قاصدا من الناس‪ ،‬وال تعالى اعلم‪.‬‬
‫الثانية‪ :‬قوله تعالى‪" :‬وأمنا" استدل به أبو حنيفة وجماعة من فقهاء المصار على ترك إقامة الحد‬
‫فهي الحرم على المحصهن والسهارق إذا لجهأ إليهه‪ ،‬وعضدوا ذلك بقوله تعالى‪" :‬ومهن دخله كان آمنها‬
‫"[آل عمران‪ ]97 :‬كأنه قال‪ :‬آمنوا من دخل البيت‪ .‬والصحيح إقامة الحدود في الحرم‪ ،‬وأن ذلك‬
‫مهن المنسهوخ‪ ،‬لن التفاق حاصهل أنهه ل يقتهل فهي البيهت‪ ،‬ويقتهل خارج البيهت‪ .‬وإنمها الخلف ههل‬
‫يقتل في الحرم أم ل؟ والحرم ل يقع عليه اسم البيت حقيقة‪ .‬وقد أجمعوا أنه لو قتل في الحرم قتل‬
‫بهه‪ ،‬ولو أتهى حدا أقيهد منهه فيهه‪ ،‬ولو حارب فيهه حورب وقتهل مكانهه‪ .‬وقال أبهو حنيفهة‪ :‬مهن لجهأ إلى‬
‫الحرم ل يقتهل فيهه ول يتابهع‪ ،‬ول يزال يضيهق عليهه حتهى يموت أو يخرج‪ .‬فنحهن نقتله بالسهيف‪،‬‬
‫وهو يقتله بالجوع والصد‪ ،‬فأي قتل أشد من هذا‪ .‬وفي قوله‪" :‬وأمنا" تأكيد للمر باستقبال الكعبة‪،‬‬
‫أي ليس في بيت المقدس هذه الفضيلة‪ ،‬ول يحج إليه الناس‪ ،‬ومن استعاذ بالحرم أمن من أن يغار‬
‫عليه‪ .‬وسيأتي بيان هذا في "المائدة" إن شاء ال تعالى‪.‬‬
‫@قوله تعالى‪" :‬واتخذوا من مقام إبراهيم مصلى" فيه ثلث مسائل‪:‬‬
‫الولى‪ :‬قوله تعالى‪" :‬واتخذوا" قرأ نافهع وابهن عامهر بفتهح الخاء على جههة الخهبر عمهن اتخذه مهن‬
‫متبعهي إبراهيهم‪ ،‬وههو معطوف على "جعلنها" أي جعلنها البيهت مثابهة واتخذوه مصهلى‪ .‬وقيهل ههو‬
‫معطوف على تقديههر إذ‪ ،‬كأنههه قال‪ :‬وإذ جعلنهها البيههت مثابههة وإذ اتخذوا‪ ،‬فعلى الول الكلم جملة‬
‫واحدة‪ ،‬وعلى الثاني جملتان‪ .‬وقرأ جمهور القراء "واتخذوا" بكسر الخاء على جهة المر‪ ،‬قطعوه‬
‫مهن الول وجعلوه معطوفها جملة على جملة‪ .‬قال المهدوي‪ :‬يجوز أن يكون معطوفها على "اذكروا‬
‫نعمتهي" كأنهه قال ذلك لليهود‪ ،‬أو على معنهى إذ جعلنها البيهت‪ ،‬لن معناه اذكروا إذ جعلنها‪ .‬أو على‬
‫معنى قوله‪" :‬مثابة" لن معناه ثوبوا‪.‬‬
‫الثانيهة‪ :‬روى ابهن عمهر قال‪ :‬قال عمهر‪ :‬وافقهت ربهي فهي ثلث‪ :‬فهي مقام إبراهيهم‪ ،‬وفهي الحجاب‪،‬‬
‫وفهي أسهارى بدر‪ .‬خرجهه مسهلم وغيره‪ .‬وخرجهه البخاري عهن أنهس قال‪ :‬قال عمهر‪ :‬وافقهت ال فهي‬
‫ثلث‪ ،‬أو وافقنهي ربهي فهي ثلث‪ ...‬الحديهث‪ ،‬وأخرجهه أبهو داود الطيالسهي فهي مسهنده فقال‪ :‬حدثنها‬
‫حماد بن سلمة حدثنا علي بن زيد عن أنس بن مالك قال قال عمر‪ :‬وافقت ربي في أربع‪ ،‬قلت يا‬
‫رسول ال‪ :‬لو صليت خلف المقام؟ فنزلت هذه الية‪" :‬واتخذوا من مقام إبراهيم مصلى" وقلت‪ :‬يا‬
‫رسههول ال‪ ،‬لو ضربههت على نسههائك الحجاب فإنههه يدخههل عليهههن البر والفاجههر؟ فأنزل ال‪" :‬وإذا‬
‫سهألتموهن متاعها فاسهألوهن مهن وراء حجاب" [الحزاب‪ ،]53 :‬ونزلت هذه اليهة‪" :‬ولقهد خلقنها‬
‫النسهان مهن سهللة مهن طيهن "[المؤمنون‪ ،]12 :‬فلمها نزلت قلت أنها‪ :‬تبارك ال أحسهن الخالقيهن‪،‬‬
‫فنزلت‪" :‬فتبارك ال أحسن الخالقين "[المؤمنون‪ ،]14 :‬ودخلت على أزواج النبي صلى ال عليه‬
‫وسههلم فقلت‪ :‬لتنتهههن أو ليبدلنههه ال بأزواج خيههر منكههن‪ ،‬فنزلت اليههة‪" :‬عسههى ربههه إن طلقكههن‬
‫"[التحريم‪.]5 :‬‬
‫قلت‪ :‬ليس في هذه الرواية ذكر للسارى‪ ،‬فتكون موافقة عمر في خمس‪.‬‬
‫الثالثة‪ :‬قوله تعالى‪" :‬من مقام" المقام في اللغة‪ :‬موضع القدمين‪ .‬قال النحاس‪" :‬مقام" من قام يقوم‪،‬‬
‫ويكون مصدرا واسما للموضع‪ .‬ومقام من أقام‪ ،‬فأما قول زهير‪:‬‬
‫وأندية ينتابها القول والفعل‬ ‫وفيهم مقامات حسان وجوههم‬
‫فمعناه‪ :‬فيههم أههل مقامات‪ .‬واختلف فهي تعييهن المقام على أقوال‪ ،‬أصهحها ‪ -‬أنهه الحجهر الذي تعرفهه‬
‫الناس اليوم الذي يصهههلون عنده ركعتهههي طواف القدوم‪ .‬وهذا قول جابر بهههن عبدال وابهههن عباس‬
‫وقتادة وغيرهم‪ .‬وفي صحيح مسلم من حديث جابر الطويل أن النبي صلى ال عليه وسلم لما رأى‬
‫البيهت اسهتلم الركهن فرمهل ثلثها‪ ،‬ومشهى أربعها‪ ،‬ثهم تقدم إلى مقام إبراهيهم فقرأ‪" :‬واتخذوا مهن مقام‬
‫إبراهيههم مصههلى" فصههلى ركعتيههن قرأ فيهمهها به ه "قههل هههو ال أحههد" [الخلص] و"قههل يهها أيههها‬
‫الكافرون" [الكافرون]‪ .‬وهذا يدل على أن ركعتههي الطواف وغيرهمهها مههن الصههلوات لهههل مكههة‬
‫أفضهل ويدل مهن وجهه على أن الطواف للغرباء أفضهل‪ ،‬على مها يأتهي‪ .‬وفهي البخاري‪ :‬أنهه الحجهر‬
‫الذي ارتفهع عليهه إبراهيهم حيهن ضعهف عهن رفهع الحجارة التهي كان إسهماعيل يناولهها إياه فهي بناء‬
‫البيت‪ ،‬وغرقت قدماه فيه‪ .‬قال أنس‪ :‬رأيت في المقام أثر أصابعه وعقبه وأخمص قدميه‪ ،‬غير أنه‬
‫أذهبههه مسههح الناس بأيديهههم‪ ،‬حكاه القشيري‪ .‬وقال السههدي‪ :‬المقام الحجههر الذي وضعتههه زوجههة‬
‫إسههماعيل تحههت قدم إبراهيههم عليههه السههلم حيههن غسههلت رأسههه‪ .‬وعههن ابههن عباس أيضهها ومجاهههد‬
‫وعكرمة وعطاء‪ :‬الحج كله‪ .‬وعن عطاء‪ :‬عرفة ومزدلفة والجمار‪ ،‬وقاله الشعبي‪ .‬النخعي‪ :‬الحرم‬
‫كله مقام إبراهيم‪ ،‬وقاله مجاهد‪.‬‬
‫قلت‪ :‬والصحيح في المقام القول الول‪ ،‬حسب ما ثبت في الصحيح‪ .‬وخرج أبو نعيم من حديث‬
‫محمهد بهن سهوقة عهن محمهد بهن المنكدر عهن جابر قال‪ :‬نظهر النهبي صهلى ال عليهه وسهلم إلى رجهل‬
‫بيهن الركهن والمقام‪ ،‬أو الباب والمقام وههو يدعهو ويقهل‪ :‬اللههم اغفهر لفلن‪ ،‬فقال له النهبي صهلى ال‬
‫عليهه وسهلم‪( :‬مها هذا)؟ فقال‪ :‬رجهل اسهتودعني أن أدعهو له فهي هذا المقام‪ ،‬فقال‪( :‬ارجهع فقهد غفهر‬
‫لصاحبك)‪ .‬قال أبو نعيم‪ :‬حدثناه أحمد بن محمد بن أحمد بن إبراهيم القاضي قال حدثنا محمد بن‬
‫عاصهم بهن يحيهى الكاتهب قال حدثنها عبدالرحمهن بهن القاسهم القطان الكوفهي قال حدثنها الحارث بهن‬
‫عمران الجعفري ابهن سهوقه‪ ،‬فذكره‪ .‬قال أبهو نعيهم‪ :‬كذا رواه عبدالرحمهن عهن الحارث عهن محمهد‬
‫عههن جابر‪ ،‬وإنمهها يعرف مههن حديههث الحارث عههن محمههد عههن عكرمههة عههن ابههن عباس‪ .‬ومعنههى‬
‫"مصلى"‪ .‬مدعى يدعى فيه‪ ،‬قال مجاهد‪ .‬وقيل‪ :‬موضع صلة يصلى عنده‪ ،‬قال قتادة‪ .‬وقيل‪ :‬قبلة‬
‫يقف المام عندها‪ ،‬قال الحسن‪.‬‬
‫@قوله تعالى‪" :‬وعهدنهها إلى إبراهيههم وإسههماعيل أن طهرا بيتههي للطائفيههن والعاكفيههن والركههع‬
‫السجود" فيه ست مسائل‪:‬‬
‫الول‪ :‬قوله تعالى‪" :‬وعهدنهها" قيههل‪ :‬معناه أمرنهها‪ .‬وقيههل‪ :‬أوحينهها‪" .‬أن طهرا" "أن" فههي موضههع‬
‫نصههب على تقديههر حذف الخافههض‪ .‬وقال سههيبويه‪ :‬إنههها بمعنههى أي مفسههرة‪ ،‬فل موضههع لههها مههن‬
‫العراب‪ .‬وقال الكوفيون‪ :‬تكون بمعنههى القول‪ .‬و"طهرا" قيههل معناه‪ :‬مههن الوثان‪ ،‬عههن مجاهههد‬
‫والزهري‪ .‬وقال عبيهد بهن عميهر وسهعيد بهن جهبير‪ :‬مهن الفات والريهب‪ .‬وقيهل‪ :‬مهن الكفار‪ .‬وقال‬
‫السهدي‪ :‬ابنياه وأسهساه على طهارة ونيهة طهارة‪ ،‬فيجهئ مثهل قوله‪" :‬أسهس على التقوى" [التوبهة‪:‬‬
‫‪ .]108‬وقال يمان‪ :‬بخراه وخلقاه‪" .‬بيتي" أضاف البيت إلى نفسه إضافة تشريف وتكريم‪ ،‬وهي‬
‫إضافهة مخلوق إلى خالق‪ ،‬ومملوك إلى مالك‪ .‬وقرأ الحسهن وابهن أبهي إسهحاق وأههل المدينهة وهشام‬
‫وحفص‪" :‬بيتي" بفتح الياء‪ ،‬والخرون بإسكانها‪.‬‬
‫الثانيهة‪ :‬قوله تعالى‪" :‬للطائفيهن" ظاهره الذيهن يطفون بهه‪ ،‬وههو قول عطاء‪ .‬وقال سهعيد بهن جهبير‪:‬‬
‫معناه للغرباء الطارئين على مكة‪ ،‬وفيه بعد‪" .‬والعاكفين" المقيمين من بلدي وغريب‪ ،‬عن عطاء‪.‬‬
‫وكذلك قوله‪" :‬للطائفين"‪ .‬والعكوف في اللغة‪ :‬اللزوم والقبال على الشيء‪ ،‬كما قال الشاعر‪:‬‬
‫عكف النبيط يلعبون الفنزجا‬
‫وقال مجاهد‪ :‬العاكفون المجاورون‪ .‬ابن عباس‪ :‬المصلون‪ .‬وقيل‪ :‬الجالسون بغير طواف والمعنى‬
‫متقارب‪" .‬والركهع السهجود" أي المصهلون عنهد الكعبهة‪ .‬وخهص الركوع والسهجود بالذكهر لنهمها‬
‫أقرب أحوال المصلي إلى ال تعالى‪ .‬وقد تقدم معنى الركوع والسجود لغة والحمد ل‪.‬‬
‫الثالثهة‪ :‬لمها قال ال تعالى "أن طهرا بيتهي" دخهل فيهه بالمعنهى جميهع بيوتهه تعالى‪ ،‬فيكون حكمهها‬
‫حكمه في التطهير والنظافة‪ .‬وإنما خص الكعبة بالذكر لنه لم يكن هناك غيرها‪ ،‬أو لكونها أعظم‬
‫حرمة‪ ،‬والول أظهر‪ ،‬وال أعلم‪ .‬وفي التنزيل "في بيوت أذن ال أن ترفع" [النور‪ ]36 :‬وهناك‬
‫يأتههي حكههم المسههاجد إن شاء ال تعالى‪ .‬وروي عههن عمههر بههن الخطاب رضههي ال عنههه أنههه سههمع‬
‫صهوت رجهل فهي المسهجد فقال‪ :‬مها هذا! أتدري أيهن أنهت!؟ وقال حذيفهة قال النهبي صهلى ال عليهه‬
‫وسلم‪( :‬إن ال أوحى إلي يا أخا المنذرين يا أخا المرسلين أنذر قومك أل يدخلوا بيتا من بيوتي إل‬
‫بقلوب سهليمة وألسهنة صهادقة وأيهد نقيهة وفروج طاهرة وأل يدخلوا بيتها مهن بيوتهي مها دام لحهد‬
‫عندهم مظلمة فإني ألعنه ما دام قائما بين يدي حتى يرد تلك الظلمة إلى أهلها فأكون سمعه الذي‬
‫يسههمع بههه وبصههره الذي يبصههر بههه ويكون مههن أوليائي وأصههفيائي ويكون جاري مههع النههبيين‬
‫والصديقين والشهداء والصالحين)‪.‬‬
‫الرابعهة‪ :‬اسهتدل الشافعهي وأبهو حنيفهة والثوري وجماعهة مهن السهلف بهذه اليهة على جواز الصهلة‬
‫الفرض والنفهل داخهل البيهت‪ .‬قال الشافعهي رحمهه ال‪ :‬إن صهلى فهي جوفهها مسهتقبل حائطها مهن‬
‫حيطانهها فصهلته جائزة‪ ،‬وإن صهلى نحهو الباب والباب مفتوح فصهلته باطلة‪ ،‬وكذلك مهن صهلى‬
‫على ظهرها‪ ،‬لنه لم يستقبل منها شيئا‪ .‬وقال مالك‪ :‬ل يصلى فيه الفرض ول السنن‪ ،‬ويصلى فيه‬
‫التطوع‪ ،‬غير أنه إن صلى فيه الفرض أعاد في الوقت‪ .‬وقال أصبغ‪ :‬يعيد أبدا‪.‬‬
‫قلت‪ :‬وهو الصحيح‪ ،‬لما رواه مسلم عن ابن عباس قال‪ :‬أخبرني أسامة بن زيد أن النبي صلى‬
‫ال عليه وسلم لما دخل البيت دعا في نواحيه كلها ولم يصل فيه حتى خرج منه‪ ،‬فلما خرج ركع‬
‫في قبل الكعبة ركعتين وقال‪( :‬هذه القبلة) وهذا نص‪.‬‬
‫فإن قيهل‪ :‬فقهد روى البخاري عهن ابهن عمهر قال‪ :‬دخهل رسهول ال صهلى ال عليهه وسهلم هو وأسهامة‬
‫بن زيد وبلل وعثمان بن طلحة الحجبي البيت فأغلقوا عليهم الباب‪ .‬فلما فتحوا كنت أول من ولج‬
‫فلقيههت بلل فسههألته‪ :‬هههل صههلى فيههه رسههول ال صههلى ال عليههه وسههلم؟ قال‪ ،‬نعههم بيههن العموديههن‬
‫اليمانييهن‪ .‬وأخرجهه مسهلم‪ ،‬وفيهه قال‪ :‬جعهل عموديهن عهن يسهاره وعمودا عهن يمينهه وثلثهة أعمدة‬
‫وراءه‪ ،‬وكان البيهت يومئذ على سهتة أعمدة‪ .‬قلنها‪ :‬هذا يحتمهل أن يكون صهلى بمعنهى دعها‪ ،‬كمها قال‬
‫أسامة‪ ،‬ويحتمل أن يكون صلى الصلة العرفية‪ ،‬وإذا احتمل هذا وهذا سقط الحتجاج به‪.‬‬
‫فإن قيهل‪ :‬فقهد روى ابهن المنذر وغيره عن أسهامة قال‪ :‬رأى النهبي صهلى ال عليه وسهلم صهورا فهي‬
‫الكعبة فكنت آتية بماء في الدلو يضرب به تلك الصور‪ .‬وخرجه أبو داود الطيالسي قال‪ :‬حدثنا ابن‬
‫أبهي ذئب عهن عبدالرحمهن بهن مهران قال حدثنها عميهر مولى ابهن عباس عهن أسهامة بهن زيهد قال‪:‬‬
‫دخلت على رسول ال صلى ال عليه وسلم في الكعبة ورأى صورا قال‪ :‬فدعا بدلو من ماء فأتيته‬
‫به فجعل يمحوها ويقول‪( :‬قاتل ال قوما يصورون مال يخلقون)‪ .‬فيحتمل أن يكون النبي صلى ال‬
‫عليه وسلم صلى في حالة مضي أسامة في طلب الماء فشاهد بلل ما لم يشاهده أسامة‪ ،‬فكان من‬
‫أثبت أولى ممن نفى‪ ،‬وقد قال أسامة نفسه‪ :‬فأخذ الناس بقول بلل وتركوا قولي‪ .‬وقد روى مجاهد‬
‫عهن عبدال بهن صهفوان قال‪ :‬قلت لعمهر بهن الخطاب‪ :‬كيهف صهنع رسهول ال صهلى ال عليهه وسهلم‬
‫حين دخل الكعبة؟ قال‪ :‬صلى ركعتين‪.‬‬
‫قلنا‪ :‬هذا محمول على النافلة‪ ،‬ول نعلم خلفا بين العلماء في صحة النافلة في الكعبة‪ ،‬وأما الفرض‬
‫فل‪ ،‬لن ال تعالى عين الجهة بقوله تعالى‪" :‬فولوا وجوهكم شطره" [البقرة‪ ]144 :‬على ما يأتي‬
‫بيانهه‪ ،‬وقوله صهلى ال عليهه وسهلم لمها خرج‪( :‬هذه القبلة) فعينهها كمها عينهها ال تعالى‪ .‬ولو كان‬
‫الفرض يصههح داخلههها لمهها قال‪( :‬هذه القبلة)‪ .‬وبهذا يصههح الجمههع بيههن الحاديههث‪ ،‬وههو أولى مههن‬
‫إسقاط بعضها‪ ،‬فل تعارض‪ ،‬والحمد ل‪.‬‬
‫الخامسة‪ :‬واختلفوا أيضا في الصلة على ظهرها‪ ،‬فقال الشافعي ما ذكرناه‪ .‬وقال مالك‪ :‬من صلى‬
‫على ظهر الكعبة أعاد في الوقت‪ .‬وقد روي عن بعض أصحاب مالك‪ :‬يعيد أبدا‪ .‬وقال أبو حنيفة‪:‬‬
‫من صلى على ظهر الكعبة فل شيء عليه‪.‬‬
‫السهادسة‪ :‬واختلفوا أيضها أيمها أفضهل الصهلة عنهد البيهت أو الطواف بهه؟ فقال مالك‪ :‬الطواف لههل‬
‫المصهار أفضهل‪ ،‬والصهلة لههل مكهة أفضهل وذكهر عهن ابهن عباس وعطاء ومجاههد‪ .‬والجمهور‬
‫على أن الصهلة أفضهل‪ .‬وفهي الخهبر‪( :‬لول رجال خشهع وشيوخ ركهع وأطفال رضهع وبهائم رتهع‬
‫لصهببنا عليكهم العذاب صهبا)‪ .‬وذكهر أبهو بكهر أحمهد بهن علي بهن ثابهت الخطيهب فهي كتاب (السهابق‬
‫واللحق) عن عبدال بن مسعود قال‪ :‬قال رسول ال صلى ال عليه وسلم‪( :‬لول فيكم رجال خشع‬
‫وبهائم رتع وصبيان رضع لصب العذاب على المذنبين صبا)‪ .‬لم يذكر فيه "وشيوخ ركع"‪ .‬وفي‬
‫حديهث أبهي ذر (الصهلة خيهر موضوع فاسهتكثر أو اسهتقل)‪ .‬خرجهه الجري‪ .‬والخبار فهي فضهل‬
‫الصلة والسجود كثيرة تشهد لقول الجمهور‪ ،‬وال تعالى اعلم‪.‬‬
‫*‪ *3‬الية‪{ 126 :‬وإذ قال إبراهيم رب اجعل هذا بلدا آمنا وارزق أهله من الثمرات من آمن‬
‫منهم بال واليوم الخر قال ومن كفر فأمتعه قليل ثم أضطره إلى عذاب النار وبئس المصير}‬
‫@قوله تعالى‪" :‬وإذ قال إبراهيهم رب اجعهل هذا بلدا آمنها" "بلدا آمنها" يعنهي مكهة‪ ،‬فدعها لذريتهه‬
‫وغيرهم بالمن ورغد العيش‪ .‬فروي أنه لما دعا بهذا الدعاء أمر ال تعالى جبريل فاقتلع الطائف‬
‫من الشام فطاف بها حول البيت أسبوعا‪ ،‬فسميت الطائف لذلك‪ ،‬ثم أنزلها تهامة‪ ،‬وكانت مكة وما‬
‫يليهها حيهن ذلك قفرا ل ماء ول نبات‪ ،‬فبارك ال فيمها حولهها كالطائف وغيرهها‪ ،‬وأنبهت فيهها أنواع‬
‫الثمرات‪ ،‬على ما يأتي بيانه في سورة "إبراهيم" إن شاء ال تعالى‪.‬‬
‫@اختلف العلماء في مكة هل صارت حرما آمنا بسؤال إبراهيم أو كانت قبله كذلك على قولين‪:‬‬
‫أحدهما‪ :‬أنها لم تزل حرما من الجبابرة المسلطين‪ ،‬ومن الخسوف والزلزل‪ ،‬وسائر المثلت التي‬
‫تحهل بالبلد‪ ،‬وجعهل فهي النفوس المتمردة مهن تعظيمهها والهيبهة لهها مها صهار بهه أهلهها متميزيهن‬
‫بالمهن مهن غيرههم مهن أههل القرى‪ .‬ولقهد جعهل فيهها سهبحانه مهن العلمهة العظيمهة على توحيده مها‬
‫شوهد من أمر الصيد فيها‪ ،‬فيجتمع فيها الكلب والصيد فل يهيج الكلب الصيد ول ينفر منه‪ ،‬حتى‬
‫إذا خرجا من الحرم عدا الكلب عليه وعاد إلى النفور والهرب‪.‬‬
‫وإنمهها سههأل إبراهيههم ربههه أن يجعلههها آمنهها مههن القحههط والجدب والغارات‪ ،‬وأن يرزق أهله مههن‬
‫الثمرات‪ ،‬ل على مها ظنهه بعهض الناس أنهه المنهع مهن سهفك الدم فهي حهق مهن لزمهه القتهل‪ ،‬فإن ذلك‬
‫يبعهد كونهه مقصهودا لبراهيهم صهلى ال عليهه وسهلم حتهى يقال‪ :‬طلب مهن ال أن يكون فهي شرعهه‬
‫تحريم قتل من التجأ إلى الحرم‪ ،‬هذا بعيد جدا‪.‬‬
‫الثانهي‪ :‬أن مكهة كانهت حلل قبهل دعوة إبراهيهم عليهه السهلم كسهائر البلد‪ ،‬وأن بدعوتهه صهارت‬
‫حرما آمنا كما صارت المدينة بتحريم رسول ال صلى ال عليه وسلم أمنا بعد أن كانت حلل‪.‬‬
‫احتج أهل المقالة الولى بحديث ابن عباس قال‪ :‬قال رسول ال صلى ال عليه وسلم يوم فتح مكة‬
‫(إن هذا البلد حرمهه ال تعالى يوم خلق السموات والرض فهو حرام بحرمة ال تعالى إلى يوم‬
‫القيامة وإنه لم يحل القتال فيه لحد قبلي ولم يحل لي إل ساعة من نهار فهو حرام بحرمة ال إلى‬
‫يوم القيامة ل يعضد شوكه ول ينفر صيده ول تلتقط لقطته إل من عرفها ول يختلى خلها) فقال‬
‫العباس‪ :‬يها رسهول ال إل الذخههر فإنههه لقينهههم ولبيوتهههم‪ ،‬فقال‪( :‬إل الذخههر)‪ .‬ونحوه حديههث أبههي‬
‫شريح‪ ،‬أخرجهما مسلم وغيره‪.‬‬
‫وفي صحيح مسلم أيضا عن عبدال بن زيد بن عاصم أن رسول ال صلى ال عليه وسلم قال‪( :‬إن‬
‫إبراهيهم حرم مكهة ودعها لهلهها وإنهي حرمهت المدينهة كمها حرم إبراهيهم مكهة وإنهي دعوت فهي‬
‫صاعها ومدها بمثلي ما دعا به إبراهيم لهل مكة)‪ .‬قال ابن عطية‪" :‬ول تعارض بين الحديثين‪،‬‬
‫لن الول إخبار بسهههابق علم ال فيهههها وقضائه‪ ،‬وكون الحرمهههة مدة آدم وأوقات عمارة القطهههر‬
‫بإيمان‪ .‬والثانهي إخبار بتجديهد إبراهيهم لحرمتهها وإظهاره ذلك بعهد الدثور‪ ،‬وكان القول الول مهن‬
‫النبي صلى ال عليه وسلم ثاني يوم الفتح إخبارا بتعظيم حرمة مكة على المؤمنين بإسناد التحريم‬
‫إلى ال تعالى‪ ،‬وذكر إبراهيم عند تحريم المدينة مثال لنفسه‪ ،‬ول محالة أن تحريم المدينة هو أيضا‬
‫مهن قبهل ال تعالى ومهن نافهذ قضائه وسهابق علمهه"‪ .‬وقال الطهبري‪ :‬كانهت مكهة حرامها فلم يتعبدال‬
‫الخلق بذلك حتى سأله إبراهيم فحرمها‪.‬‬
‫@قوله تعالى‪" :‬وارزق أهله مهن الثمرات مهن آمهن منههم بال واليوم الخهر" تقدم معنهى الرزق‪.‬‬
‫والثمرات جمههع ثمرة‪ ،‬قههد تقدم‪" .‬مههن آمههن" بدل مههن أهههل‪ ،‬بدل البعههض مههن الكههل‪ .‬واليمان‪:‬‬
‫التصديق‪ ،‬وقد تقدم‪.‬‬
‫"قال ومن كفر فأمتعهه قليل ثم أضطره إلى عذاب النار وبئس المصهير" "قال ومن كفهر" "مهن"‬
‫فهي قوله "ومهن كفهر" فهي موضهع نصهب‪ ،‬والتقديهر وارزق مهن كفهر‪ ،‬ويجوز أن يكون فهي موضهع‬
‫رفع بالبتداء‪ ،‬وهي شرط والخبر "فأمتعه" وهو الجواب‪.‬‬
‫واختلف هل هذا القول من ال تعالى أو من إبراهيم عليه السلم؟ فقال أبي بن كعب وابن إسحاق‬
‫وغيرهمهها‪ :‬هههو مههن ال تعالى‪ ،‬وقرؤوا "فأمتعههه" بضههم الهمزة وفتههح الميههم وتشديههد التاء‪" .‬ثههم‬
‫أضطره" بقطهع اللف وضهم الراء‪ ،‬وكذلك القراء السهبعة خل ابهن عامهر فإنهه سهكن الميهم وخفهف‬
‫التاء‪ .‬وحكهى أبهو إسهحاق الزجاج أن فهي قراءة أبهي "فنمتعهه قليل ثهم نضطره" بالنون‪ .‬وقال ابهن‬
‫عباس ومجاهد وقتادة‪ :‬هذا القول من إبراهيم عليه السلم‪ .‬وقرؤوا "فأمتعه" بفتح الهمزة وسكون‬
‫الميهم‪" ،‬ثهم اضطره" بوصهل اللف وفتهح الراء‪ ،‬فكأن إبراهيهم عليهه السهلم دعها للمؤمنيهن وعلى‬
‫الكافرين‪ ،‬وعليه فيكون الضمير في "قال" لبراهيم‪ ،‬وأعيد "قال" لطول الكلم‪ ،‬أو لخروجه من‬
‫الدعاء لقوم إلى الدعاء على آخريهههن‪ .‬والفاعهههل فهههي "قال" على قراءة الجماعهههة اسهههم ال تعالى‪،‬‬
‫واختاره النحاس‪ ،‬وجعل القراءة بفتح الهمزة وسكون الميم ووصل اللف شاذة‪ ،‬قال‪ :‬ونسق الكلم‬
‫والتفسير جميعا يدلن على غيرها‪ ،‬أما نسق الكلم فإن ال تعالى خبر عن إبراهيم عليه السلم أنه‬
‫قال‪" :‬رب اجعهل هذا بلدا آمنها" ثهم جاء بقوله عهز وجهل‪" :‬وارزق أهله مهن الثمرات مهن آمهن منههم‬
‫بال واليوم الخر" ولم يفصل بينه بقال‪ ،‬ثم قال بعد‪" :‬قال ومن كفر" فكان هذا جوابا من ال‪ ،‬ولم‬
‫يقهل بعهد‪ :‬قال إبراهيهم‪ .‬وأمها التفسهير فقهد صهح عهن ابهن عباس وسهعيد بهن جهبير ومحمهد بهن كعهب‪.‬‬
‫وهذا لفظ ابن عباس‪ :‬دعا إبراهيم عليه السلم لمن آمن دون الناس خاصة‪ ،‬فأعلم ال عز وجل أنه‬
‫يرزق مهن كفهر كمها يرزق مهن آمهن‪ ،‬وأنهه يمتعهه قليل ثهم يضطره إلى عذاب النار‪ .‬قال أبهو جعفهر‪:‬‬
‫وقال ال عهز وجهل‪" :‬كل نمهد هؤلء وهؤلء مهن عطاء ربهك" [السهراء‪ ]20 :‬وقال جهل ثناؤه‪:‬‬
‫"وأمم سنمتعهم" [هود‪ .]48 :‬قال أبو إسحاق‪ :‬إنما علم إبراهيم عليه السلم أن في ذريته كفارا‬
‫فخص المؤمنين‪ ،‬لن ال تعالى قال‪" :‬ل ينال عهدي الظالمين"‪.‬‬
‫*‪ *3‬الية‪{ 127 :‬وإذ يرفع إبراهيم القواعد من البيت وإسماعيل ربنا تقبل منا إنك أنت السميع‬
‫العليم}‬
‫@قوله تعالى‪" :‬وإذ يرفهع إبراهيهم القواعهد مهن البيهت وإسهماعيل" القواعهد‪ :‬أسهاسه‪ ،‬فهي قول أبهي‬
‫عهبيدة والفراء‪ .‬وقال الكسهائي‪ :‬ههي الجدر‪ .‬والمعروف أنهها السهاس‪ .‬وفهي الحديهث‪( :‬إن البيهت لمها‬
‫هدم أخرجهت منهه حجارة عظام) فقال ابهن الزبيهر‪ :‬هذه القواعهد التهي رفعهها إبراهيهم عليهه السهلم‪.‬‬
‫وقيل‪ :‬إن القواعد كانت قد اندرست فأطلع ال إبراهيم عليها‪ .‬ابن عباس‪ :‬وضع البيت على أركان‬
‫رآها قبل أن تخلق الدنيا بألفي عام ثم دحيت الرض من تحته‪ .‬والقواعد واحدتها قاعدة‪ .‬والقواعد‬
‫من النساء واحدها قاعد‪.‬‬
‫واختلف الناس فيمهن بنهى البيهت أول وأسهسه‪ ،‬فقيهل‪ :‬الملئكهة‪ .‬روي عهن جعفهر بهن محمهد قال‪:‬‬
‫سئل أبي وأنا حاضر عن بدء خلق البيت فقال‪ :‬إن ال عز وجل لما قال‪" :‬إني جاعل في الرض‬
‫خليفة" [البقرة‪ ]30 :‬قالت الملئكة‪" :‬أتجعل فيها من يفسد فيها ويسفك الدماء ونحن نسبح بحمدك‬
‫ونقدس لك" [البقرة‪ ]30 :‬فغضهب عليههم‪ ،‬فعاذوا بعرشهه وطافوا حوله سهبعة أشواط يسهترضون‬
‫ربههم حتهى رضهي ال عنههم‪ ،‬وقال لههم‪ :‬ابنوا لي بيتها فهي الرض يتعوذ بهه مهن سهخطت عليهه مهن‬
‫بني آدم‪ ،‬ويطوف حوله كما طفتم حول عرشي‪ ،‬فأرضى عنه كما رضيت عنكم‪ ،‬فبنوا هذا البيت‪.‬‬
‫وذكهر عبدالرزاق عهن ابهن جريهج عهن عطاء وابهن المسهيب وغيرهمها أن ال عهز وجهل أوحهى إلى‬
‫آدم‪ :‬إذا هبطهت ابهن لي بيتها ثهم احفهف بهه كمها رأيهت الملئكهة تحهف بعرشهي الذي فهي السهماء‪ .‬قال‬
‫عطاء‪ :‬فزعههم الناس أنههه بناه مههن خمسههة أجبههل‪ :‬مههن حراء‪ ،‬ومههن طور سههينا‪ ،‬ومههن لبنان‪ ،‬ومههن‬
‫الجودي‪ ،‬ومهن طور زيتها‪ ،‬وكان ربضهه مهن حراء‪ .‬قال الخليهل‪ :‬والربهض ههنها السهاس المسهتدير‬
‫بالبيهت مهن الصهخر‪ ،‬ومنهه يقال لمها حول المدينهة‪ :‬ربهض‪ .‬وذكهر الماوردي عهن عطاء عهن ابهن‬
‫عباس قال‪ :‬لمهها أهبههط آدم مههن الجنههة إلى الرض قال له‪ :‬يهها آدم‪ ،‬اذهههب فابههن لي بيتهها وطههف بههه‬
‫واذكرنهي عنده كمها رأيهت الملئكهة تصهنع حول عرشهي‪ ،‬فأقبهل آدم يتخطهى وطويهت له الرض‪،‬‬
‫وقبضت له المفازة‪ ،‬فل يقع قدمه على شيء من الرض إل صار عمرانا حتى انتهى إلى موضع‬
‫البيت الحرام‪ ،‬وأن جبريل عليه السلم ضرب بجناحيه الرض فأبرز عن أس ثابت على الرض‬
‫السهابعة السهفلى‪ ،‬وقذفهت إليهه الملئكهة بالصهخر‪ ،‬فمها يطيهق الصهخرة منهها ثلثون رجل‪ ،‬وأنهه بناه‬
‫مهن خمسهة أجبهل كمها ذكرنها‪ .‬وقهد روي فهي بعهض الخبار‪ :‬أنهه أهبهط لدم عليهه السهلم خيمهة مهن‬
‫خيام الجنة‪ ،‬فضربت في موضع الكعبة ليسكن إليها ويطوف حولها‪ ،‬فلم تزل باقية حتى قبض ال‬
‫عهز وجهل آدم ثهم رفعهت‪ .‬وهذا مهن طريهق وههب بهن منبهه‪ .‬وفهي روايهة‪ :‬أنهه أهبهط معهه بيهت فكان‬
‫يطوف به والمؤمنون من ولده كذلك إلى زمان الغرق‪ ،‬ثم رفعه ال فصار فهي السماء‪ ،‬وهو الذي‬
‫يدعى البيت المعمور‪ .‬روي هذا عن قتادة ذكره الحليمي في كتاب "منهاج الدين" له‪ ،‬وقال‪ :‬يجوز‬
‫أن يكون معنهى مها قال قتادة مهن أنهه أهبهط مهع آدم بيهت‪ ،‬أي أهبهط معهه مقدار البيهت المعمور طول‬
‫وعرضهها وسههمكا‪ ،‬ثههم قيههل له‪ :‬ابههن بقدره‪ ،‬وتحرى أن يكون بحياله‪ ،‬فكان حياله موضههع الكعبههة‪،‬‬
‫فبناهها فيهه‪ .‬وأمها الخيمهة فقهد يجوز أن تكون أنزلت وضربهت فهي موضهع الكعبهة‪ ،‬فلمها أمهر ببنائهها‬
‫فبناهها كانهت حول الكعبهة طمأنينهة لقلب آدم صهلى ال عليهه وسهلم مها عاش ثهم رفعهت‪ ،‬فتتفهق هذه‬
‫الخبار‪ .‬فهذا بناء آدم عليه السلم‪ ،‬ثم بناه إبراهيهم عليه السهلم‪ .‬قال ابن جريهج وقال ناس‪ :‬أرسل‬
‫ال سهحابة فيهها رأس‪ ،‬فقال الرأس‪ :‬يها إبراهيهم‪ ،‬إن ربهك يأمرك أن تأخهذ بقدر هذه السهحابة‪ ،‬فجعهل‬
‫ينظر إليها ويخط قدرهها‪ ،‬ثهم قال الرأس‪ :‬إنه قهد فعلت‪ ،‬فحفهر فأبرز عن أسهاس ثابهت فهي الرض‪.‬‬
‫وروي عهن علي بهن أبهي طالب رضهي ال عنهه‪ :‬أن ال تعالى لمها أمهر إبراهيهم بعمارة البيهت خرج‬
‫مهن الشام ومعهه ابنهه إسهماعيل وأمهه هاجهر‪ ،‬وبعهث معهه السهكينة لهها لسهان تتكلم بهه يغدو معهها‬
‫إبراهيهم إذا غدت‪ ،‬ويروح معهها إذا راحهت‪ ،‬حتهى انتههت بهه إلى مكهة‪ ،‬فقالت لبراهيهم‪ :‬ابهن على‬
‫موضعي الساس‪ ،‬فرفع البيت هو وإسماعيل حتى انتهى إلى موضع الركن‪ ،‬فقال لبنه‪ :‬يا بني‪،‬‬
‫ابغني حجرا أجعله علما للناس‪ ،‬فجاءه بحجر فلم يرضه‪ ،‬وقال‪ :‬ابغني غيره‪ ،‬فذهب يلتمس‪ ،‬فجاءه‬
‫وقهد أتهى بالركهن فوضعهه موضعهه‪ ،‬فقال‪ :‬يها أبة‪ ،‬مهن جاءك بهذا الحجهر؟ فقال‪ :‬من لم يكلنهي إليهك‪.‬‬
‫ابهن عباس‪ :‬صهالح أبهو قهبيس‪ :‬يها إبراهيهم‪ ،‬يها خليهل الرحمهن‪ ،‬إن لك عندي وديعهة فخذهها‪ ،‬فإذا ههو‬
‫بحجر أبيض من ياقوت الجنة كان آدم قد نزل به من الجنة‪ ،‬فلما رفع إبراهيم وإسماعيل القواعد‬
‫مهن البيهت جاءت سهحابة مربعهة فيهها رأس فنادت‪ :‬أن ارفعها على تربيعهي‪ .‬فهذا بناء إبراهيهم عليهه‬
‫السهلم‪ .‬وروي أن إبراهيهم وإسماعيل لما فرغها من بناء البيهت أعطاهما ال الخيهل جزاء عن رفهع‬
‫قواعد البيت‪.‬‬
‫روى الترمذي الحكيم حدثنا عمر بن أبي عمر حدثني نعيم بن حماد حدثنا عبدالوهاب بن همام‬
‫أخو عبدالرزاق عن ابن جريج عن ابن أبي مليكة عن ابن عباس قال‪ :‬كانت الخيل وحشاً كسائر‬
‫الوحهش‪ ،‬فلمها أذن ال لبراهيهم وإسهماعيل برفهع القواعهد قال ال تبارك اسهمه‪( :‬إنهي معطيكمها كنزا‬
‫ادخرتههه لكمهها) ثههم أوحههى إلى إسههماعيل أن اخرج إلى أجياد فادع يأتههك الكنههز‪ .‬فخرج إلى أجياد ‪-‬‬
‫وكانهت وطنها ‪ -‬ول يدري مها الدعاء ول الكنهز‪ ،‬فألهمهه‪ ،‬فلم يبهق على وجهه الرض فرس بأرض‬
‫العرب إل جاءتهه فأمكنتهه مهن نواصهيها وذللهها له‪ ،‬فاركبوهها واعلفوهها فإنهها مياميهن‪ ،‬وههي ميراث‬
‫أبيكهم إسهماعيل‪ ،‬فإنمها سهمي الفرس عربيها لن إسهماعيل أمهر بالدعاء وإياه أتهى‪ .‬وروى عبدالمنعهم‬
‫بن إدريس عن وهب بن منبه‪ ،‬قال‪ :‬أول من بنى البيت بالطين والحجارة شيث عليه السلم‪ .‬وأما‬
‫بنيان قريهش له فمشهور‪ ،‬وخهبر الحيهة فهي ذلك مذكور‪ ،‬وكانهت تمنعههم مهن هدمهه إلى أن اجتمعهت‬
‫قريههش عنههد المقام فعجوا إلى ال تعالى وقالوا‪ :‬ربنهها‪ ،‬لم ترع‪ ،‬أردنهها تشريههف بيتههك وتزيينههه‪ ،‬فإن‬
‫كنهت ترضهى بذلك وإل فمها بدا لك فافعهل‪ ،‬فسهمعوا خواتها مهن السهماء ‪ -‬والخوات‪ :‬حفيهف جناح‬
‫الطيهر الضخهم ‪ -‬فإذا ههو بطائر أعظهم مهن النسهر‪ ،‬أسهود الظههر أبيهض البطهن والرجليهن‪ ،‬فغرز‬
‫مخاليبهه فهي قفها الحيهة‪ ،‬ثهم انطلق بهها تجهر ذنبهها أعظهم مهن كذا وكذا حتهى انطلق بهها نحهو أجياد‪،‬‬
‫فهدمتهها قريهش وجعلوا يبنونهها بحجارة الوادي تحملهها قريهش على رقابهها‪ ،‬فرفعوهها فهي السهماء‬
‫عشرين ذراعا‪ ،‬فبينا النبي صلى ال عليه وسلم يحمل حجارة من أجياد وعليه نمرة فضاقت عليه‬
‫النمرة فذههب يرفهع النمرة على عاتقهه‪ ،‬فترى عورتهه مهن صهغر النمرة‪ ،‬فنودي‪ :‬يها محمهد‪ ،‬خمهر‬
‫عورتك‪ ،‬فلم ير عريانا بعد‪ .‬وكان بين بنيان الكعبة وبين ما أنزل عليه خمس سنين‪ ،‬وبين مخرجه‬
‫وبنائهها خمهس عشرة سهنة‪ .‬ذكره عبدالرزاق عهن معمهر عهن عبدال بهن عثمان عهن أبهي الطفيهل‪.‬‬
‫وذكر عن معمر عن الزهري‪ :‬حتى إذا بنوها وبلغوا موضع الركن اختصمت قريش في الركن‪،‬‬
‫أي القبائل تلي رفعهه؟ حتهى شجهر بينههم‪ ،‬فقالوا‪ :‬تعالوا نحكهم أول مهن يطلع علينها مهن هذه السهكة‪،‬‬
‫فاصهطلحوا على ذلك‪ ،‬فاطلع عليههم رسهول ال صهلى ال عليهه وسهلم وههو غلم عليهه وشاح نمرة‪،‬‬
‫فحكموه فأمر بالركن فوضع في ثوب‪ ،‬ثم أمر سيد كل قبيلة فأعطاه ناحية من الثوب‪ ،‬ثم ارتقى هو‬
‫فرفعوا إليه الركن‪ ،‬فكان هو يضعه صلى ال عليه وسلم‪.‬‬
‫قال ابن إسحاق‪ :‬وحدثت أن قريشا وجدوا في الركن كتابا بالسريانية فلم يدر ما هو‪ ،‬حتى قرأه‬
‫لههم رجهل مهن يهود‪ ،‬فإذا فيهه‪" :‬أنها ال ذو بكهة خلقتهها يوم خلقهت السهموات والرض وصهورت‬
‫الشمههس والقمهر‪ ،‬وحففتههها بسههبعة أملك حنفاء ل تزول حتههى يزول أخشباههها‪ ،‬مبارك لهلههها فههي‬
‫الماء واللبهن"‪ .‬وعهن أبهي جعفهر محمهد بهن علي قال‪ :‬كان باب الكعبهة على عههد العماليهق وجرههم‬
‫وإبراهيهم عليهه السهلم بالرض حتهى بنتهه قريهش‪ .‬خرج مسهلم عهن عائشهة رضهي ال عنهها قالت‪:‬‬
‫سهألت رسهول ال صهلى ال عليهه وسهلم عهن الجدر أمهن البيهت ههو؟ قال‪( :‬نعهم) قلت‪ :‬فلم لم يدخلوه‬
‫[فهي البيهت]؟ قال‪( :‬إن قومهك قصهرت بههم النفقهة)‪ .‬قلت‪ :‬فمها شأن بابهه مرتفعها؟ قال‪( :‬فعهل ذلك‬
‫قومك ليدخلوا من شاؤوا ويمنعوا من شاؤوا ولول أن قومك حديث عهدهم في الجاهلية فأخاف أن‬
‫تنكهر قلوبههم لنظرت أن أدخهل الجدر فهي البيهت وأن ألزق بابهه بالرض)‪ .‬وخرج عهن عبدال بهن‬
‫الزبير رضي ال عنه قال‪ :‬حدثتني خالتي (يعني عائشة) رضي ال عنها قالت قال النبي صلى ال‬
‫عليهه وسهلم‪( :‬يها عائشهة لول أن قومهك حديثهو عههد بشرك لهدمهت الكعبهة فألزقتهها بالرض وجعلت‬
‫لها بابين بابا شرقيا وبابا غربيا وزدت فيها ستة أذرع من الحجر فإن قريشا اقتصرتها حيث بنت‬
‫الكعبهة)‪ .‬وعهن عروة عهن [أبيهه عهن] عائشهة قالت قال لي رسهول ال صهلى ال عليهه وسهلم‪( :‬لول‬
‫حداثهة [عههد] قومهك بالكفهر لنقضهت الكعبهة ولجعلتهها على أسهاس إبراهيهم فإن قريشها حيهن بنهت‬
‫الكعبة استقصرت ولجعلت لها خلفا)‪ .‬وفي البخاري قال هشام بن عروة‪ :‬يعني بابا‪ .‬وفي البخاري‬
‫أيضها‪( :‬لجعلت لهها خلقيهن) يعنهي بابيهن‪ ،‬فهذا بناء قريهش‪ .‬ثهم لمها غزا أههل الشام عبدال بهن الزبيهر‬
‫ووهت الكعبة من حريقهم‪ ،‬هدمها ابن الزبير وبناها على ما أخبرته عائشة‪ ،‬وزاد فيه خمسة أذرع‬
‫مهن الحجهر‪ ،‬حتهى أبدى أسها نظهر الناس إليهه‪ ،‬فبنهى عليهه البناء‪ ،‬وكان طول الكعبهة ثمانهي عشرة‬
‫ذراعها‪ ،‬فلمها زاد فيهه اسهتقصره‪ ،‬فزاد فهي طوله عشرة أذرع‪ ،‬وجعهل لهها بابيهن أحدهمها يدخهل منهه‪،‬‬
‫والخهر يخرج منهه‪ ،‬كذا فهي صهحيح مسهلم‪ ،‬وألفاظ الحديهث تختلف‪ .‬وذكهر سهفيان عهن داود بهن‬
‫شابور عهن مجاههد قال‪ :‬لمها أراد ابهن الزبيهر أن يهدم الكعبهة ويبنيهه قال للناس‪ :‬اهدموا‪ ،‬قال‪ :‬فأبوا‬
‫أن يهدموا وخافوا أن ينزل عليههم العذاب‪ .‬قال مجاههد‪ :‬فخرجنها إلى منهى فأقمنها بهها ثلثها ننتظهر‬
‫العذاب‪ .‬قال‪ :‬وارتقههى ابههن الزبيههر على جدار الكعبههة هههو بنفسههه‪ ،‬فلمهها رأوا أنههه لم يصههبه شيههء‬
‫اجترؤوا على ذلك‪ ،‬قال‪ :‬فهدموا‪ .‬فلما بناها جعل لها بابين‪ :‬بابا يدخلون منه‪ ،‬وبابا يخرجون منه‪،‬‬
‫وزاد فيهه ممها يلي الحجهر سهتة أذرع‪ ،‬وزاد فهي طولهها تسهعة أذرع‪ .‬قال مسهلم فهي حديثهه‪ :‬فلمها قتهل‬
‫ابهن الزبيهر كتهب الحجاج إلى عبدالملك بهن مروان يخهبره بذلك‪ ،‬ويخهبره أن ابهن الزبيهر قهد وضهع‬
‫البناء على أس نظر إليه العدول من أهل مكة‪ ،‬فكتب إليه عبدالملك‪ :‬إنا لسنا من تلطيخ ابن الزبير‬
‫في شيء‪ ،‬أما ما زاد في طوله فأقره‪ ،‬وأما ما زاد فيه من الحجر فرده إلى بنائه‪ ،‬وسد الباب الذي‬
‫فتحهه‪ ،‬فنقضهه وأعاده إلى بنائه‪ .‬فهي روايهة‪ :‬قال عبدالملك‪ :‬مها كنهت أظهن أبها خهبيب (يعنهي ابهن‬
‫الزبيهر) سهمع مهن عائشهة مها كان يزعهم أنهه سهمعه منهها‪ ،‬قال الحارث بهن عبدال‪ :‬بلى‪ ،‬أنها سهمعته‬
‫منهههها‪ ،‬قال‪ :‬سهههمعتها تقول ماذا؟ قال‪ :‬قالت قال رسهههول ال صهههلى ال عليهههه وسهههلم‪( :‬إن قومهههك‬
‫اسهتقصروا مهن بنيان البيهت ولول حداثهة عهدههم بالشرك أعدت مها تركوا منهه فإن بدا لقومهك مهن‬
‫بعدي أن يبنوه فهلمههي لريههك مهها تركوا منههه فأراههها قريبهها مههن سههبعة أذرع)‪ .‬فههي أخرى‪ :‬قال‬
‫عبدالملك‪ :‬لو كنهت سهمعته قبهل أن أهدمهه لتركتهه على مها بنهى ابهن الزبيهر‪ .‬فهذا مها جاء فهي بناء‬
‫الكعبة من الثار‪.‬‬
‫وروي أن الرشيد ذكر لمالك بن أنس أنه يريد هدم ما بنى الحجاج من الكعبة‪ ،‬وأن يرده على‬
‫بناء ابن الزبير لما جاء عن النبي صلى ال عليه وسلم وامتثله ابن الزبير‪ ،‬فقال له مالك‪ :‬ناشدتك‬
‫ال يا أمير المؤمنين‪ ،‬أل تجعل هذا البيت ملعبة للملوك‪ ،‬ل يشاء أحد منهم إل نقض البيت وبناه‪،‬‬
‫فتذههب هيبتهه مهن صهدور الناس‪ .‬وذكهر الواقدي‪ :‬حدثنها معمهر عهن همام بهن نبهه سهمع أبها هريرة‬
‫يقول‪ :،‬نهى رسول ال صلى ال عليه وسلم عن سب أسعد الحميري‪ ،‬وهو تبع‪ ،‬وهو أول من كسا‬
‫البيهت‪ ،‬وههو تبهع الخهر‪ .‬قال ابهن إسهحاق‪ :‬كانهت تكسهى القباطهي ثهم كسهيت البرد‪ ،‬وأول مهن كسهاها‬
‫الديباج الحجاج‪.‬‬
‫قال العلماء‪ :‬ول ينبغهي أن يؤخهذ مهن كسهوة الكعبهة شيهء‪ ،‬فإنهه مهدى إليهها‪ ،‬ول ينقهص منهها‬
‫شيء‪ .‬روي عن سعيد بن جبير أنه كان يكره أن يؤخذ من طيب الكعبة يستشفى به‪ ،‬وكان إذا رأى‬
‫الخادم يأخذ منه قفدها قفدة ل يألو أن يوجعها‪ .‬وقال عطاء‪ :‬كان أحدنا إذا أراد أن يستشفي به جاء‬
‫بطيب من عنده فمسح به الحجر ثم أخذه‪.‬‬
‫@قوله تعالى‪" :‬ربنها تقبهل منها" المعنهى‪ :‬ويقولن "ربنها"‪ ،‬فحذف‪ .‬وكذلك ههي فهي قراءة أبهي‬
‫وعبدال بن مسعود‪" :‬وإذ يرفع إبراهيم القواعد من البيت وإسماعيل ويقولن ربنا تقبل منا"‬
‫وتفسير إسماعيل‪ :‬اسمع يا ال‪ ،‬لن "إيل" بالسريانية هو ال‪ ،‬وقد تقدم‪ .‬فقيل‪ :‬إن إبراهيم لما دعا‬
‫ربه قال‪ :‬اسمع يا إيل‪ ،‬فلما أجابه ربه ورزقه الولد سماه بما دعاه‪ .‬ذكره الماوردي‪.‬‬
‫@قوله تعالى‪" :‬إنهك أنهت السهميع العليهم" اسهمان مهن أسهماء ال تعالى قهد أتينها عليهمها فهي الكتاب‬
‫"السنى في شرح أسماء ال الحسنى"‪.‬‬
‫*‪*3‬الية ‪{ 128:‬ربنا واجعلنا مسلمين لك ومن ذريتنا أمة مسلمة لك وأرنا مناسكنا وتب علينا‬
‫إنك أنت التواب الرحيم}‬
‫@قوله تعالى‪" :‬ربنها واجعلنها مسهلمين لك" أي صهيرنا‪ ،‬و"مسهلمين" مفعول ثان‪ ،‬سهأل التثهبيت‬
‫والدوام‪ .‬والسلم في هذا الموضع‪ :‬اليمان والعمال جميعا‪ ،‬ومنه قوله تعالى‪" :‬إن الدين عند ال‬
‫السهلم" [آل عمران‪ ]19 :‬ففهي هذا دليهل لمهن قال‪ :‬إن اليمان والسهلم شيهء واحهد‪ ،‬وعضدوا‬
‫هذا بقوله تعالى في الية الخرى‪" :‬فأخرجنا من كان فيها من المؤمنين‪ .‬فما وجدنا فيها غير بيت‬
‫من المسلمين" [الذاريات‪ .]36 - 35 :‬وقرأ ابن عباس وعوف العرابي "مسلمين" على الجمع‪.‬‬
‫@قوله تعالى‪" :‬ومهن ذريتنها أمهة مسهلمة لك" أي ومهن ذريتنها فاجعهل‪ ،‬فيقال‪ :‬إنهه لم يدع نهبي إل‬
‫لنفسهه ولمتهه إل إبراهيهم فإنهه دعها مهع دعائه لنفسهه ولمتهه ولهذه المهة‪ .‬و"مهن" فهي قوله‪" :‬ومهن‬
‫ذريتنها" للتبعيهض‪ ،‬لن ال تعالى قهد كان أعلمهه أن منههم ظالميهن‪ .‬وحكهى الطهبري‪ :‬أنهه أراد بقوله‬
‫"ومن ذريتنا" العرب خاصة‪ .‬قال السهيلي‪ :‬وذريتهما العرب‪ ،‬لنهم بنو نبت بن إسماعيل‪ ،‬أو بنو‬
‫تيمن بن إسماعيل‪ ،‬ويقال‪ :‬قيدر بن نبت بن إسماعيل‪ .‬أما العدنانية فمن نبت‪ ،‬وأما القحطانية فمن‬
‫قيدر بهن نبهت بهن إسهماعيل‪ ،‬أو تيمهن على أحهد القوليهن‪ .‬قال ابهن عطيهة‪ :‬وهذا ضعيهف‪ ،‬لن دعوتهه‬
‫ظهرت فهي العرب وفيمهن آمهن مهن غيرههم‪ .‬والمهة‪ :‬الجماعهة هنها‪ ،‬وتكون واحدا إذا كان يقتدى بهه‬
‫في الخير‪ ،‬ومنه قوله تعالى‪" :‬إن إبراهيم كان أمة قانتا ل" [النحل‪ ،]120 :‬وقال صلى ال عليه‬
‫وسلم في زيد بن عمرو بن نفيل‪( :‬يبعث أمة وحده) لنه لم يشرك في دينه غيره‪ ،‬وال اعلم‪ .‬وقد‬
‫يطلق لفهظ المهة على غيهر هذا المعنهى‪ ،‬ومنهه قوله تعالى‪" :‬إنها وجدنها آبائنها على أمهة" [الزخرف‪:‬‬
‫‪ ]22‬أي على دين وملة‪ ،‬ومنه قوله تعالى‪" :‬إن هذه أمتكم أمة واحدة" [النبياء‪ .]92 :‬وقد تكون‬
‫بمعنهى الحيهن والزمان‪ ،‬ومنهه قوله تعالى "وادكهر بعهد أمهة" [يوسهف‪ ]45 :‬أي بعهد حيهن وزمان‪.‬‬
‫ويقال‪ :‬هذه أمهة زيهد‪ ،‬أي أم زيهد‪ .‬والمهة أيضها‪ :‬القامهة‪ ،‬يقال‪ :‬فلن حسهن المهة‪ ،‬أي حسهن القامهة‪،‬‬
‫قال‪:‬‬
‫هن حسان الوجوه طوال المم‬ ‫وإن معاوية الكرميه‬
‫وقيل‪ :‬المة الشجة التي تبلغ أم الدماغ‪ ،‬يقال‪ :‬رجل مأموم وأميم‪.‬‬
‫@قوله تعالى‪" :‬وأرنا مناسكنا" "أرنا" من رؤية البصر‪ ،‬فتتعدى إلى مفعولين‪ ،‬وقيل‪ :‬من رؤية‬
‫القلب‪ ،‬ويلزم قائله أن يتعدى الفعهل منهه إلى ثلثهة مفاعيهل‪ .‬قال ابهن عطيهة‪ :‬وينفصهل بأنهه يوجهد‬
‫معدى بالهمزة من رؤية القلب إلى مفعولين [كغير المعدى]؛ قال حطائط بن يعفر أخو السود بن‬
‫يعفر‪:‬‬
‫أرى ما ترين أو بخيل مخلدا‬ ‫أريني جوادا مات هزل لنني‬
‫وقرأ عمهر بهن عبدالعزيهز وقتادة وابهن كثيهر وابهن محيصهن والسهدي وروح عهن يعقوب ورويهس‬
‫والسهوسي "أرنها" بسهكون الراء فهي القرآن‪ ،‬واختاره أبهو حاتهم‪ .‬وقرأ أبهو عمرو باختلس كسهرة‬
‫الراء‪ ،‬والباقون بكسهرها‪ ،‬واختاره أبهو عبيهد‪ .‬وأصهله أرئنها بالهمهز‪ ،‬فمهن قرأ بالسهكون قال‪ :‬ذهبهت‬
‫الهمزة وذهبت حركتها وبقيت الراء ساكنة على حالها‪ ،‬واستدل بقول الشاعر‪:‬‬
‫من ماء زمزم إن القوم قد ظمئوا‬ ‫أرنا إداوة عبدال نملؤها‬
‫ومهن كسهر فإنهه نقهل حركهة الهمزة المحذوفهة إلى الراء‪ ،‬وأبهو عمهر وطلب الخفهة‪ .‬وعهن شجاع بهن‬
‫أبي نصر وكان أمينا صادقا أنه رأى رسول ال صلى ال عليه وسلم في المنام فذاكره أشياء من‬
‫حروف أبهي عمرو فلم يرد عليهه إل حرفيهن‪ :‬هذا‪ ،‬والخهر "مها ننسهخ مهن آيهة أو ننسهأها" [البقرة‪:‬‬
‫‪ ]106‬مهموزا‪.‬‬
‫@قوله تعالى‪" :‬مناسكنا" يقال‪ :‬إن أصل النسك في اللغة الغسل‪ ،‬يقال منه‪ :‬نسك ثوبه إذا غسله‪.‬‬
‫وهو في الشرع اسم للعبادة‪ ،‬يقال‪ :‬رجل ناسك إذا كان عابدا‪.‬‬
‫واختلف العلماء في المراد بالمناسك هنا‪ ،‬فقيل‪ :‬مناسك الحج ومعالمه‪ ،‬قاله قتادة والسدي‪ .‬وقال‬
‫مجاهد وعطاء وابن جريج‪ :‬المناسك المذابح‪ ،‬أي مواضع الذبح‪ .‬وقيل‪ :‬جميع المتعبدات‪ .‬وكل ما‬
‫يتعبهد بهه إلى ال تعالى يقال له منْسهَك ومنسهِك‪ .‬والناسهك‪ :‬العابهد‪ .‬قال النحاس‪ :‬يقال نسهك ينسهك‪،‬‬
‫فكان يجهب أن يقال على هذا‪ :‬منسهك‪ ،‬إل أنهه ليهس فهي كلم العرب مفعهل‪ .‬وعهن زهيهر بهن محمهد‬
‫قال‪ :‬لمها فرغ إبراهيهم عليهه السهلم مهن بناء البيهت الحرام قال‪ :‬أي رب‪ ،‬قهد فرغهت فأرنها مناسهكنا‪،‬‬
‫فبعهث ال تعالى إليهه جبريهل فحهج به‪ ،‬حتهى إذا رجهع من عرفهة وجاء يوم النحهر عرض له إبليهس‪،‬‬
‫فقال له‪ :‬احصبه‪ ،‬فحصبه بسبع حصيات‪ ،‬ثم الغد ثم اليوم الثالث‪ ،‬ثم عل ثبيرا فقال‪ :‬يا عباد ال‪،‬‬
‫أجيبوا‪ ،‬فسهمع دعوتهه مهن بيهن البحهر ممهن فهي قلبهه مثقال ذرة مهن إيمان‪ ،‬فقال‪ :‬لبيهك‪ ،‬اللههم لبيهك‪،‬‬
‫قال‪ :‬ولم يزل على وجهه الرض سهبعة مسهلمون فصهاعدا‪ ،‬لول ذلك لهلكهت الرض ومهن عليهها‪.‬‬
‫وأول مهن أجابهه أههل اليمهن‪ .‬وعهن أبهي مجلز قال‪ :‬لمها فرغ إبراهيهم مهن البيهت جاءه جبريهل عليهه‬
‫السلم فأراه الطواف بالبيت ‪ -‬قال‪ :‬وأحسبه قال‪" :‬والصفا والمروة ‪ -‬ثم انطلقا إلى العقبة فعرض‬
‫لهمها الشيطان‪ ،‬فأخهذ جبريهل سهبع حصهيات وأعطهى إبراهيهم سهبع حصهيات‪ ،‬فرمهى وكهبر‪ ،‬وقال‬
‫لبراهيم‪ :‬ارم وكبر‪ ،‬فرميا وكبرا مع كل رمية حتى أفل الشيطان‪ .‬ثم انطلقا إلى الجمرة الوسطى‪،‬‬
‫فعرض لهمها الشيطان‪ ،‬فأخهذ جبريهل سهبع حصهيات وأعطهى إبراهيهم سهبع حصهيات‪ ،‬وقال‪ :‬ارم‬
‫وكههبر‪ ،‬فرميهها وكههبرا مههع كههل رميههة حتههى أفههل الشيطان‪ .‬ثههم أتيهها الجمرة القصههوى فعرض لهمهها‬
‫الشيطان‪ ،‬فأخذ جبريل سبع حصيات وأعطى إبراهيم سبع حصيات وقال‪ :‬ارم وكبر‪ ،‬فرميا وكبرا‬
‫مهع كهل رميهة حتهى أفهل الشيطان‪ .‬ثهم أتهى بهه جمعها فقال‪ :‬ههنها يجمهع الناس الصهلوات‪ .‬ثهم أتهى بهه‬
‫عرفات فقال‪ :‬عرفههت؟ فقال نعههم‪ ،‬فمههن ثههم سههمي عرفات‪ .‬وروي أنههه قال له‪ :‬عرَفْهت‪ ،‬عرفت هَ‪،‬‬
‫عرفهههت؟ أي منهههى والجمهههع وهذا‪ ،‬فقال نعهههم‪ ،‬فسهههمي ذلك المكان عرفات‪ .‬وعهههن خصهههيف بهههن‬
‫عبدالرحمههن أن مجاهدا حدثههه قال‪ :‬لمهها قال إبراهيههم عليههه السههلم‪" :‬وأرنهها مناسههكنا" أي الصههفا‬
‫والمروة‪ ،‬وهمها مهن شعائر ال بنهص القرآن‪ ،‬ثهم خرج بهه جبريهل‪ ،‬فلمها مهر بجمرة العقبهة إذا إبليهس‬
‫عليها‪ ،‬فقال له جبريل‪ :‬كبر وارمه‪ ،‬فارتفع إبليس إلى الوسطى‪ ،‬فقال جبريل‪ :‬كبر وارمه‪ ،‬ثم في‬
‫الجمرة القصهوى كذلك‪ .‬ثم انطلق به إلى المشعهر الحرام‪ ،‬ثهم أتهى بهه عرفة فقال له‪ :‬هل عرفهت مها‬
‫أريتك؟ قال نعم‪ ،‬فسميت عرفات لذلك فيما قيل‪ ،‬قال‪ :‬فأذن في الناس بالحج‪ ،‬قال‪ :‬كيف أقول؟ قال‬
‫قهل‪ :‬يها أيهها الناس‪ ،‬أجيبوا ربكهم‪ ،‬ثلث مرار‪ ،‬ففعهل‪ ،‬فقالوا‪ :‬لبيهك‪ ،‬اللههم لبيهك‪ .‬قال‪ :‬فمهن أجاب‬
‫يومئذ فهو حاج‪ .‬وفي رواية أخرى‪ :‬أنه حين نادى استدار فدعا في كل وجه‪ ،‬فلبى الناس من كل‬
‫مشرق ومغرب‪ ،‬وتطأطأت الجبال حتههى بعههد صههوته‪ .‬وقال محمههد بههن إسههحاق‪ :‬لمهها فرغ إبراهيههم‬
‫خليهل الرحمهن صلوات ال عليه من بناء البيت الحرام جاءه جبريهل عليه السلم فقال له‪ :‬طهف به‬
‫سهبعا‪ ،‬فطاف بهه سهبعا ههو وإسهماعيل عليهمها السهلم‪ ،‬يسهتلمان الركان كلهها فهي كهل طواف‪ ،‬فلمها‬
‫أكمل سبعا صليا خلف المقام ركعتين‪ .‬قال‪ :‬فقام جبريل فأراه المناسك كلها‪ :‬الصفا والمروة ومنى‬
‫والمزدلفهة‪ .‬قال‪ :‬فلمها دخهل منهى وهبهط مهن العقبهة تمثهل له إبليهس‪ ،....‬فذكهر نحهو مها تقدم‪ .‬قال ابهن‬
‫إسهحاق‪ :‬وبلغنهي أن آدم عليهه السهلم كان يسهتلم الركان كلهها قبهل إبراهيهم عليهه السهلم‪ .‬وقال‪ :‬حهج‬
‫إسحاق وسارة من الشام‪ ،‬وكان إبراهيم عليه السلم يحجه كل سنة على البراق‪ ،‬وحجته بعد ذلك‬
‫النهبياء والمهم‪ .‬وروى محمهد بهن سهابط عهن النهبي صهلى ال عليهه وسهلم أنهه قال‪( :‬كان النهبي مهن‬
‫النهبياء إذا هلكهت أمتهه لحهق مكهة فتعبهد بهها ههو ومهن آمهن معهه حتهى يموتوا فمات بهها نوح وهود‬
‫وصهالح وقبورههم بيهن زمزم والحجهر)‪ .‬وذكهر ابهن وههب أن شعيبها مات بمكهة ههو ومهن معهه مهن‬
‫المؤمنيهن‪ ،‬فقبورههم فهي غربهي مكهة بيهن دار الندوة وبيهن بنهي سههم‪ .‬وقال ابهن عباس‪ :‬فهي المسهجد‬
‫الحرام قهبران ليهس فيهه غيرهمها‪ ،‬قهبر إسهماعيل وقهبر شعيهب عليهمها السهلم‪ ،‬فقهبر إسهماعيل فهي‬
‫الحجر‪ ،‬وقبر شعيب مقابل الحجر السود‪ .‬وقال عبدال بن ضمرة السلولي‪ :‬ما بين الركن والمقام‬
‫إلى زمزم قبور تسعة وتسعين نبيا جاؤوا حجاجا فقبروا هنالك‪ ،‬صلوات ال عليهم أجمعين‪.‬‬
‫@قوله تعالى‪" :‬وتهب علينها" اختلف فهي معنهى قول إبراهيهم وإسهماعيل عليهمها السهلم‪" :‬وتهب‬
‫علينا" وهم أنبياء معصومون‪ ،‬فقالت طائفة‪ :‬طلبا التثبيت والدوام‪ ،‬ل أنهما كان لهما ذنب‪.‬‬
‫قلت‪ :‬وهذا حسههن‪ ،‬وأحسههن منههه أنهمهها لمهها عرفهها المناسههك وبنيهها البيههت أرادا أن يبينهها للناس‬
‫ويعرفاههم أن ذلك الموقهف وتلك المواضهع مكان التنصهل مهن الذنوب وطلب التوبهة‪ .‬وقيهل‪ :‬المعنهى‬
‫وتهب على الظلمهة منها‪ .‬وقهد مضهى الكلم فهي عصهمة النهبياء عليههم السهلم فهي قصهة آدم عليهه‬
‫السههلم‪ .‬وتقدم القول فههي معنههى قوله‪" :‬إنههك أنههت التواب الرحيههم" [البقرة‪ ]128 :‬فأغنههى عههن‬
‫إعادته‪.‬‬
‫*‪*3‬اليهة ‪{ 129 :‬ربنها وابعهث فيههم رسهول منههم يتلو عليههم آياتهك ويعلمههم الكتاب والحكمهة‬
‫ويزكيهم إنك أنت العزيز الحكيم}‬
‫@قوله تعالى‪" :‬ربنا وابعث فيهم رسول منهم" يعني محمدا صلى ال عليه وسلم‪ .‬وفي قراءة أبي‬
‫"وابعث في آخرهم رسول منهم"‪ .‬وقد روى خالد بن معدان‪ :‬أن نفرا من أصحاب النبي صلى ال‬
‫عليهه وسهلم قالوا له‪ :‬يها رسهول ال‪ ،‬أخبرنها عهن نفسهك‪ ،‬قال‪( :‬نعهم أنها دعوة أبهي إبراهيهم وبشرى‬
‫عيسهى)‪ .‬و"رسهول" أي مرسهل‪ ،‬وههو فعول مهن الرسهالة‪ .‬قال ابهن النباري‪ :‬يشبهه أن يكون أصهله‬
‫مهن قولهم‪ :‬ناقة مرسال ورسلة‪ ،‬إذا كانت سهلة السهير ماضيهة أمام النوق‪ .‬ويقال للجماعة المهملة‬
‫المرسهلة‪ :‬رسهل‪ ،‬وجمعهه أرسهال‪ .‬يقال‪ :‬جاء القوم أرسهال‪ ،‬أي بعضههم فهي أثهر بعهض‪ ،‬ومنهه يقال‬
‫للبن رسل‪ ،‬لنه يرسل من الضرع‪.‬‬
‫@قوله تعالى‪" :‬ويعلمههم الكتاب والحكمهة" "الكتاب" القرآن و"الحكمهة" المعرفهة بالديهن‪ ،‬والفقهه‬
‫فهي التأويهل‪ ،‬والفههم الذي ههو سهجية ونور مهن ال تعالى‪ ،‬قاله مالك‪ ،‬ورواه عنهه ابهن وههب‪ ،‬وقال‬
‫ابههن زيههد‪ .‬وقال قتادة‪" :‬الحكمههة" السههنة وبيان الشرائع‪ .‬وقيههل‪ :‬الحكههم والقضاء خاصههة‪ ،‬والمعنههى‬
‫متقارب‪ .‬ونسب التعليم إلى النبي صلى ال عليه وسلم من حيث هو يعطي المور التي ينظر فيها‪،‬‬
‫ويعلم طريهق النظهر بمها يلقيهه ال إليهه مهن وحيهه‪" .‬ويزكيههم" أي يطهرههم مهن وضهر الشرك‪ ،‬عهن‬
‫ابههن جريههج وغيره‪ .‬والزكاة‪ :‬التطهيههر‪ ،‬وقههد تقدم‪ .‬وقيههل‪ :‬إن اليات تلوة ظاهههر اللفاظ‪ .‬والكتاب‬
‫معانههي اللفاظ‪ .‬والحكمههة الحكههم‪ ،‬وهههو مراد ال بالخطاب مههن مطلق ومقيههد‪ ،‬ومفسههر ومجمههل‪،‬‬
‫وعموم وخصهوص‪ ،‬وههو معنهى مها تقدم‪ ،‬وال تعالى اعلم‪" .‬والعزيهز" معناه المنيهع الذي ل ينال‬
‫ول يغالب‪ .‬وقال ابهن كيسهان‪ :‬معناه الذي ل يعجزه شيهء‪ ،‬دليله‪" :‬ومها كان ال ليعجزه مهن شيهء‬
‫فهي السهماوات ول فهي الرض"‪[ .‬فاطهر‪ .]44 :‬الكسهائي‪" :‬العزيهز" الغالب‪ ،‬ومنهه قوله تعالى‪:‬‬
‫"وعزني في الخطاب" [ص‪ ]23 :‬وفي المثل‪" :‬من عز بز" أي من غلب سلب‪ .‬وقيل‪" :‬العزيز"‬
‫الذي ل مثهل له‪ ،‬بيانهه "ليهس كمثله شيهء" [الشورى‪ .]11 :‬وقهد زدنها هذا المعنهى بيانها فهي اسهمه‬
‫العزيز في كتاب "السنى في شرح أسماء ال الحسنى" وقد تقدم معنى "الحكيم" والحمد ال‪.‬‬
‫*‪*3‬الية ‪{ 130 :‬ومن يرغب عن ملة إبراهيم إل من سفه نفسه ولقد اصطفيناه في الدنيا وإنه‬
‫في الخرة لمن الصالحين}‬
‫@قوله تعالى‪" :‬ومن يرغهب عن ملة إبراهيهم إل من سهفه نفسهه" "من" اسهتفهام فهي موضع رفهع‬
‫بالبتداء‪ ،‬و"يرغب" صلة "من"‪" .‬إل من سفه نفسه" في موضع الخبر‪ .‬وهو تقريع وتوبيخ وقع‬
‫فيهه معنهى النفهي‪ ،‬أي ومها يرغهب‪ ،‬قاله النحاس‪ .‬والمعنهى‪ :‬يزههد فيهها وينأى بنفسهه عنهها‪ ،‬أي عهن‬
‫الملة وههي الديهن والشرع‪" .‬إل مهن سهفه نفسهه" قال قتادة‪ :‬ههم اليهود والنصهارى‪ ،‬رغبوا عهن ملة‬
‫إبراهيههم واتخذوا اليهوديههة والنصههرانية بدعههة ليسههت مههن ال تعالى‪ .‬قال الزجاج‪" :‬سههفه" بمعنههى‬
‫جهل‪ ،‬أي جهل أمر نفسه فلم يفكر فيها‪ .‬وقال أبو عبيدة‪ :‬المعنى أهلك نفسه‪ .‬وحكى ثعلب والمبرد‬
‫أن "سهفه" بكسهر الفاء يتعدى كسهفه بفتهح الفاء وشدهها‪ .‬وحكهي عهن أبهي الخطاب ويونهس أنهها لغهة‪.‬‬
‫وقال الخفش‪" :‬سفه نفسه" أي فعل بها من السفه ما صار به سفيها‪ .‬وعنه أيضا هي لغة بمعنى‬
‫سفه‪ ،‬حكاه المهدوي‪ ،‬والول ذكره الماوردي‪ .‬فأما سفه بضم الفاء فل يتعدى‪ ،‬قاله المبرد وثعلب‪.‬‬
‫وحكهى الكسهائي عهن الخفهش أن المعنهى جههل فهي نفسهه‪ ،‬فحذفهت "فهي" فانتصهب‪ .‬قال الخفهش‪:‬‬
‫ومثله "عقدة النكاح" [البقرة‪ ،]235 :‬أي على عقدة النكاح‪ .‬وهذا يجري على مذهب سيبويه فيما‬
‫حكاه مهن قولههم‪ :‬ضرب فلن الظههر والبطهن‪ ،‬أي فهي الظههر والبطهن‪ .‬الفراء‪ :‬ههو تمييهز‪ .‬قال ابهن‬
‫بحر‪ :‬معناه جهل نفسه وما فيها من الدللت واليات الدالة على أن لها صانعا ليس كمثله شيء‪،‬‬
‫فيعلم به توحيد ال وقدرته‪.‬‬
‫قلت‪ :‬وهذا ههو معنهى قول الزجاج‪ ،‬فيفكهر فهي نفسهه مهن يديهن يبطهش بهمها‪ ،‬ورجليهن يمشهي‬
‫عليهمها‪ ،‬وعيهن يبصهر بهها‪ ،‬وأذن يسهمع بهها‪ ،‬ولسهان ينطهق بهه‪ ،‬وأضراس تنبهت له عنهد غناه عهن‬
‫الرضاع وحاجتههه إلى الغذاء ليطحههن بههها الطعام‪ ،‬ومعدة أعدت لطبههخ الغذاء‪ ،‬وكبههد يصههعد إليههها‬
‫صفوه‪ ،‬وعروق ومعابر ينفذ فيها إلى الطراف‪ ،‬وأمعاء يرسب إليها ثفل الغذاء ويبرز من أسفل‬
‫البدن‪ ،‬فيستدل بهذا على أن له خالقا قادرا عليما حكيما‪ ،‬وهذا معنى قوله تعالى‪" :‬وفي أنفسكم أفل‬
‫تبصهرون" [الذاريات‪ .]21 :‬أشار إلى هذا الخطابهي رحمه ال تعالى‪ .‬وسهيأتي له مزيهد بيان فهي‬
‫سورة "والذاريات" إن شاء ال تعالى‪.‬‬
‫وقد استدل بهذه الية من قال‪ :‬إن شريعة إبراهيم شريعة لنا إل ما نسخ منها‪ ،‬وهذا كقوله‪" :‬ملة‬
‫أبيكم إبراهيم" [الحج‪" ،]78 :‬أن اتبع ملة إبراهيم" [النحل‪ .]123 :‬وسيأتي بيانه‪.‬‬
‫@قوله تعالى‪" :‬ولقههد اصههطفيناه فههي الدنيهها" أي اخترناه للرسههالة فجعلناه صههافيا مههن الدناس‬
‫والصل في "اصطفيناه" اصتفيناه‪ ،‬أبدلت التاء طاء لتناسبها مع الصاد في الطباق‪ .‬واللفظ مشتق‬
‫من الصفوة‪ ،‬ومعناه تخير الصفى‪.‬‬
‫@قوله تعالى‪" :‬وإنه في الخرة لمن الصالحين" الصالح في الخرة هو الفائز‪ .‬ثم قيل‪ :‬كيف جاز‬
‫تقديههم "فههي الخرة" وهههو داخههل فههي الصههلة‪ ،‬قال النحاس‪ :‬فالجواب أنههه ليههس التقديههر إنههه لمههن‬
‫الصهالحين فهي الخرة‪ ،‬فتكون الصهلة قهد تقدمهت‪ ،‬ولههل العربيهة فيهه ثلثهة أقوال‪ :‬منهها أن يكون‬
‫المعنههى وإنههه صههالح فههي الخرة‪ ،‬ثههم حذف‪ .‬وقيههل‪" :‬فههي الخرة" متعلق بمصههدر محذوف‪ ،‬أي‬
‫صهلحه فهي الخرة‪ .‬والقول الثالث‪ :‬أن "الصهالحين" ليهس بمعنهى الذيهن صهلحوا‪ ،‬ولكنهه اسهم قائم‬
‫بنفسه‪ ،‬كما يقال الرجل والغلم‪.‬‬
‫قلت‪ :‬وقول رابع أن المعنى وإنه في عمل الخرة لمن الصالحين‪ ،‬فالكلم على حذف مضاف‪.‬‬
‫وقال الحسهين بن الفضهل‪ :‬فهي الكلم تقديهم وتأخيهر‪ ،‬مجازه ولقهد اصهطفيناه فهي الدنيا والخرة وإنه‬
‫لمههن الصههالحين‪ .‬وروى حجاج بههن حجاج ‪ -‬وهههو حجاج السههود‪ ،‬وهههو أيضهها حجاج الحول‬
‫المعروف بزق العسههل ‪ -‬قال‪ :‬سههمعت معاويههة بههن قرة يقول‪ :‬اللهههم إن الصههالحين أنههت أصههلحتهم‬
‫ورزقتهم أن عملوا بطاعتك فرضيت عنهم‪ ،‬اللهم كما أصلحتهم فأصلحنا‪ ،‬وكما رزقتهم أن عملوا‬
‫بطاعتك فرضيت عنهم فارزقنا أن نعمل بطاعتك‪ ،‬وارض عنا‪.‬‬
‫*‪*3‬الية ‪{ 131 :‬إذ قال له ربه أسلم قال أسلمت لرب العالمين}‬
‫@العامل في "إذ" قوله‪" :‬اصطفيناه" أي اصطفيناه إذ قال له ربه أسلم‪ .‬وكان هذا القول من ال‬
‫تعالى حين ابتله بالكوكب والقمر والشمس‪ .‬قال ابن كيسان والكلبي‪ :‬أي أخلص دينك ل بالتوحيد‪.‬‬
‫وقيهل‪ :‬اخضهع واخشهع‪ .‬وقال ابهن عباس‪ :‬إنمها قال له ذلك حيهن خرج مهن السهرب‪ ،‬على مها يأتهي‬
‫ذكره في "النعام"‪ .‬والسلم هنها على أتم وجوهه‪ .‬والسلم فهي كلم العرب‪ :‬الخضوع والنقياد‬
‫للمستسلم‪ .‬وليس كل إسلم إيمانا‪ ،‬وكل إيمان إسلم‪ ،‬لن من آمن بال فقد استسلم وانقاد ل‪ .‬وليس‬
‫كههل مههن أسههلم آمههن بال‪ ،‬لنههه قههد يتكلم فزعهها مههن السههيف‪ ،‬ول يكون ذلك إيمانهها‪ ،‬خلفهها للقدريههة‬
‫والخوارج حيهث قالوا‪ :‬إن السهلم ههو اليمان‪ ،‬فكهل مؤمهن مسهلم‪ ،‬وكهل مسهلم مؤمهن‪ ،‬لقوله‪" :‬إن‬
‫الديهن عنهد ال السهلم" [آل عمران‪ ]19 :‬فدل على أن السهلم ههو الديهن‪ ،‬وأن مهن ليهس بمسهلم‬
‫فليهههس بمؤمهههن‪ .‬ودليلنههها قوله تعالى‪" :‬قالت العراب آمنههها قهههل لم تؤمنوا ولكهههن قولوا أسهههلمنا"‬
‫[الحجرات‪ ]14 :‬الية‪ .‬فأخبر ال تعالى أنه ليس كل من أسلم مؤمنا‪ ،‬فدل على أنه ليس كل مسلم‬
‫مؤمنها‪ ،‬وقال صهلى ال عليهه وسهلم لسهعد بهن أبهي وقاص لمها قال له‪ :‬اعهط فلنها فإنهه مؤمهن‪ ،‬فقال‬
‫النبي صلى ال عليه وسلم‪( :‬أو مسلم) الحديث‪ ،‬خرجه مسلم‪ ،‬فدل على أن اليمان ليس السلم‪،‬‬
‫فإن اليمان باطن‪ ،‬والسلم ظاهر‪ ،‬وهذا بين‪ .‬وقد يطلق اليمان بمعنى السلم‪ ،‬والسلم ويراد‬
‫بههه اليمان‪ ،‬للزوم أحدهمهها الخههر وصههدوره عنههه‪ ،‬كالسههلم الذي هههو ثمرة اليمان ودللة على‬
‫صحته‪ ،‬فاعلمه‪ .‬وبال التوفيق‪.‬‬
‫*‪*3‬الية ‪{ 132 :‬ووصى بها إبراهيم بنيه ويعقوب يا بني إن ال اصطفى لكم الدين فل تموتن‬
‫إل وأنتم مسلمون}‬
‫@قوله تعالى‪" :‬ووصهى بهها إبراهيهم بنيهه ويعقوب" أي بالملة‪ ،‬وقيهل‪ :‬بالكلمهة التهي ههي قوله‪:‬‬
‫"أسهلمت لرب العالميهن" وههو أصهوب‪ ،‬لنهه أقرب مذكور‪ ،‬أي قولوا أسهلمنا‪ .‬ووصهى وأوصهى‬
‫لغتان لقريش وغيرهم بمعنى‪ ،‬مثل كرمنا وأكرمنا‪ ،‬وقرئ بهما‪ .‬وفي مصحف عبدال "ووصى"‪،‬‬
‫وفهي مصهحف عثمان "وأوصهى" وههي قراءة أههل المدينهة والشام‪ .‬الباقون "ووصهى" وفيهه معنهى‬
‫التكثيهر‪" .‬وإبراهيهم" رفهع بفعله‪" ،‬ويعقوب" عطهف عليهه‪ ،‬وقيهل‪ :‬ههو مقطوع مسهتأنف‪ ،‬والمعنهى‪:‬‬
‫وأوصهى يعقوب وقال يها بنهي إن ال اصهطفى لكهم الديهن‪ ،‬فيكون إبراهيهم قهد وصهى بنيهه‪ ،‬ثهم وصهى‬
‫بعده يعقوب بنيه‪.‬‬
‫وبنهو إبراهيهم‪ :‬إسهماعيل‪ ،‬وأمهه هاجهر القبطيهة‪ ،‬وههو أكهبر ولده‪ ،‬نقله إبراهيهم إلى مكهة وههو‬
‫رضيهع‪ .‬وقيهل‪ :‬كان له سهنتان‪ ،‬وقيهل‪ :‬كان له أربهع عشرة سهنة‪ ،‬والول أصهح‪ ،‬على مها يأتهي فهي‬
‫سورة "إبراهيم" بيانه إن شاء ال تعالى‪ :‬وولد قبل أخيه إسحاق بأربع عشرة سنة‪ ،‬ومات وله مائة‬
‫وسهبع وثلثون سهنة‪ .‬وقيهل‪ :‬مائة وثلثون‪ .‬وكان سهنه لمها مات أبوه إبراهيهم عليهمها السهلم تسهعا‬
‫وثمانيهن سنة‪ ،‬وهو الذبيهح فهي قول‪ .‬وإسحاق أمهه سارة‪ ،‬وهو الذبيح فهي قول آخر‪ ،‬وهو الصح‪،‬‬
‫على مها يأتهي بيانهه فهي سهورة "والصهافات" إن شاء ال‪ .‬ومهن ولده الروم واليونان والرمهن ومهن‬
‫يجري مجراههم وبنهو إسهرائيل‪ .‬وعاش إسهحاق مائة وثمانيهن سهنة‪ ،‬ومات بالرض المقدسهة ودفهن‬
‫عند أبيه إبراهيم الخليل عليهما السلم‪ .‬ثم لما توفيت سارة تزوج إبراهيم عليه السلم قنطورا بنت‬
‫يقطهن الكنعانيهة‪ ،‬فولدت له مديهن ومدايهن ونهشان وزمران ونشيهق وشيوخ‪ ،‬ثهم توفهي عليهه السهلم‪.‬‬
‫وكان بيهن وفاتهه وبيهن مولد النهبي صهلى ال عليهه وسهلم نحهو مهن ألفهي سهنة وسهتمائة سهنة‪ ،‬واليهود‬
‫ينقصهون مهن ذلك نحوا من أربعمائة سنة‪ .‬وسهيأتي ذكر أولد يعقوب فهي سورة "يوسف" إن شاء‬
‫ال تعالى‪ .‬وقرأ عمرو بن فائد السواري وإسماعيل بن عبدال المكي‪" :‬ويعقوب" بالنصب عطفا‬
‫على "بنيههه"‪ ،‬فيكون يعقوب داخل فيمههن أوصههى‪ .‬قال القشيري‪ :‬وقرئ "يعقوب" بالنصههب عطفهها‬
‫على "بنيه" وهو بعيد‪ ،‬لن يعقوب لم يكن فيما بين أولد إبراهيم لما وصاهم‪ ،‬ولم ينقل أن يعقوب‬
‫أدرك جده إبراهيم‪ ،‬وإنما ولد بعد موت إبراهيم‪ ،‬وأن يعقوب أوصى بنيه أيضا كما فعل إبراهيم‪.‬‬
‫وسيأتي تسمية أولد يعقوب إن شاء ال تعالى‪.‬‬
‫قال الكلبههي‪ :‬لمهها دخههل يعقوب إلى مصههر رآهههم يعبدون الوثان والنيران والبقههر‪ ،‬فجمههع ولده‬
‫وخاف عليهم وقال‪ :‬ما تعبدون من بعدي؟‬
‫ويقال‪ :‬إنمها سهمي يعقوب لنهه كان ههو والعيهص توأميهن‪ ،‬فخرج مهن بطهن أمهه آخذا بعقهب أخيهه‬
‫العيص‪ .‬وفي ذلك نظر‪ ،‬لن هذا اشتقاق عربي‪ ،‬ويعقوب اسم أعجمي‪ ،‬وإن كان قد وافق العربية‬
‫في التسمية به كذكر الخجل‪ .‬عاش عليه السلم مائة وسبعا وأربعين سنة ومات بمصر‪ ،‬وأوصى‬
‫أن يحمل إلى الرض المقدسة‪ ،‬ويدفن عند أبيه إسحاق‪ ،‬فحمله يوسف ودفنه عنده‪.‬‬
‫@قوله تعالى‪" :‬يا بني" معناه أن يا بني‪ ،‬وكذلك هو في قراءة أبي وابن مسعود والضحاك‪ .‬قال‬
‫الفراء‪ :‬ألغيهت أن لن التوصهية كالقول‪ ،‬وكهل كلم يرجهع إلى القول جاز فيهه دخول أن وجاز فيهه‬
‫إلغاؤها‪ .‬قال‪ :‬وقول النحويين إنما أراد "أن" فألغيت ليس بشيء‪ .‬النحاس‪" :‬يا بني" نداء مضاف‪،‬‬
‫وهذه ياء النفههس ل يجوز هنهها إل فتحههها‪ ،‬لنههها لو سههكنت للتقههى سههاكنان‪ ،‬ومثله "بمصههرخي"‬
‫[إبراهيم‪.]22 :‬‬
‫@قوله تعالى‪" :‬إن ال" كسههرت "إن" لن أوصههى وقال واحههد‪ .‬وقيههل‪ :‬على إضمار القول‪.‬‬
‫"اصطفى" اختار‪ .‬قال الراجز‪:‬‬
‫خلفة ال التي أعطاكا‬ ‫يا ابن ملوك ورثوا الملكا‬
‫لك اصطفاها ولها اصطفاكا‬
‫"لكم الدين" أي السلم‪ ،‬واللف واللم في "الدين" للعهد‪ ،‬لنهم قد كانوا عرفوه‪" .‬فل تموتن إل‬
‫وأنتم مسلمون" إيجاز بليغ‪ .‬والمعنى‪ :‬الزموا السلم ودوموا عليه ول تفارقه حتى‪ ،‬تموتوا‪ .‬فأتى‬
‫بلفظ موجز يتضمن المقصود‪ ،‬ويتضمن وعظا وتذكيرا بالموت‪ ،‬وذلك أن المرء يتحقق أنه يموت‬
‫ول يدري متهى‪ ،‬فإذا أمهر بأمهر ل يأتيهه الموت إل وههو عليهه‪ ،‬فقهد توجهه الخطاب مهن وقهت المهر‬
‫دائبها لزما‪" .‬ل" نههي "تموتن" فهي موضهع جزم بالنههي‪ ،‬أكهد بالنون الثقيلة‪ ،‬وحذفت الواو للتقاء‬
‫السهاكنين‪" .‬إل وأنتهم مسهلمون" ابتداء وخهبر فهي موضهع الحال‪ ،‬أي محسهنون بربكهم الظهن‪ ،‬وقيهل‬
‫مخلصون‪ ،‬وقيل مفوضون‪ ،‬وقيل مؤمنون‪.‬‬
‫*‪*3‬الية ‪{ 133 :‬أم كنتم شهداء إذ حضر يعقوب الموت إذ قال لبنيه ما تعبدون من بعدي قالوا‬
‫نعبد إلهك وإله آبائك إبراهيم وإسماعيل وإسحاق إلها واحدا ونحن له مسلمون}‬
‫@قوله تعالى‪" :‬أم كنتم شهداء إذ حضر يعقوب الموت إذ قال لبنيه ما تعبدون من بعدي"‬
‫"أم كنتم شهداء" خبر كان‪ ،‬ولم يصرف لن فيه ألف التأنيث‪ ،‬ودخلت لتأنيث الجماعة كما تدخل‬
‫الهاء‪ .‬والخطاب لليهود والنصهارى الذيهن ينسهبون إلى إبراهيهم مها لم يوص بهه بنيهه‪ ،‬وأنههم على‬
‫اليهوديهة والنصهرانية‪ ،‬فرد ال عليههم قولههم وكذبههم‪ ،‬وقال لههم على جههة التوبيهخ‪ :‬أشهدتهم يعقوب‬
‫وعلمتهم بمها أوصهى فتدعون عهن علم‪ ،‬أي لم تشهدوا‪ ،‬بهل أنتهم تفترون‪ .‬و"أم" بمعنهى بهل‪ ،‬أي بهل‬
‫أشهههد أسههلفكم يعقوب‪ .‬والعامههل فههي "إذ" الولى معنههى الشهادة‪ ،‬و"إذ" الثانيههة بدل مههن الولى‪.‬‬
‫و"شهداء" جمهع شاههد أي حاضهر‪ .‬ومعنهى "حضهر يعقوب الموت" أي مقدماتهه وأسهبابه‪ ،‬وإل فلو‬
‫حضههر الموت لمهها أمكههن أن يقول شيئا‪ .‬وعههبر عههن المعبود "بمهها" ولم يقههل مههن‪ ،‬لنههه أراد أن‬
‫يختبرهم‪ ،‬ولو قال "من" لكان مقصوده أن ينظهر من لهم الهتداء منهم‪ ،‬وإنما أراد تجربتهم فقال‬
‫"مها"‪ .‬وأيضها فالمعبودات المتعارفهة مهن دون ال جمادات كالوثان والنار والشمهس والحجارة‪،‬‬
‫فاستفهم عما يعبدون من هذه‪ .‬ومعنى "من بعدي" أي من بعد موتي‪ .‬وحكي أن يعقوب حين خير‬
‫كمها تخيهر النهبياء اختار الموت وقال‪ :‬أمهلونهي حتهى أوصهي بنهي وأهلي‪ ،‬فجمعههم وقال لههم هذا‪،‬‬
‫فاهتدوا وقالوا‪" :‬نعبد إلهك" الية‪ .‬فأروه ثبوتهم على الدين ومعرفتهم بال تعالى‪.‬‬
‫@قوله تعالى‪" :‬قالوا نعبهد إلههك وإله آبائك إبراهيهم وإسهماعيل وإسهحاق" "إبراهيهم وإسهماعيل‬
‫وإسهحاق" فهي موضهع خفهض على البدل‪ ،‬ولم تنصهرف لنهها أعجميهة‪ .‬قال الكسهائي‪ :‬وإن شئت‬
‫صهرفت "إسهحاق" وجعلتهه مهن السهحق‪ ،‬وصهرفت "يعقوب" وجعلتهه مهن الطيهر‪ .‬وسهمى ال كهل‬
‫واحد من العم والجد أبا‪ ،‬وبدأ بذكر الجد ثم إسماعيل العم لنه أكبر من إسحاق‪ .‬و"إلها" بدل من‬
‫"إلههك" بدل النكرة مهن المعرفهة‪ ،‬وكرره لفائدة الصهفة بالوحدانيهة‪ .‬وقيهل‪" :‬إلهها" حال‪ .‬قال ابهن‬
‫عطيههة‪ :‬وهههو قول حسههن‪ ،‬لن الغرض إثبات حال الوحدانيههة‪ .‬وقرأ الحسههن ويحيههى بههن يعمههر‬
‫والجحدري وأبو رجاء العطاردي "وإله أبيك" وفيه وجهان‪ :‬أحدهما‪ :‬أن يكون أفرد وأراد إبراهيم‬
‫وحده‪ ،‬وكره أن يجعهل إسهماعيل أبها لنهه عهم‪ .‬قال النحاس‪ :‬وهذا ل يجهب‪ ،‬لن العرب تسهمي العهم‬
‫أبا‪ .‬الثاني‪ :‬على مذهب سيبويه أن يكون "أبيك" جمع سلمة‪ ،‬حكى سيبويه أب وأبون وأبين‪ ،‬كما‬
‫قال الشاعر‪:‬‬
‫فقلنا أسلموا إن أخوكم‬
‫وقال آخر‪:‬‬
‫بكين وفديننا بالبينا‬ ‫فلما تبين أصواتنا‬
‫قوله تعالى‪" :‬ونحههن له مسههلمون" ابتداء وخههبر‪ ،‬ويحتمههل أن يكون فههي موضههع الحال والعامههل‬
‫"نعبد"‪.‬‬
‫*‪*3‬الية ‪{ 134 :‬تلك أمة قد خلت لها ما كسبت ولكم ما كسبتم ول تسألون عما كانوا يعملون}‬
‫@قوله تعالى‪" :‬تلك أمة قد خلت" "تلك" مبتدأ‪ ،‬و"أمة" خبر‪" ،‬قد خلت" نعت لمة‪ ،‬وإن شئت‬
‫كانت خبر المبتدأ‪ ،‬وتكون "أمة" بدل من "تلك"‪" .‬لها ما كسبت" "ما" في موضع رفع بالبتداء‬
‫أو بالصفة على قول الكوفيين‪" .‬ولكم ما كسبتم" مثله‪ ،‬يريد من خير وشر‪ .‬وفي هذا دليل على أن‬
‫العبهد يضاف إليهه أعمال وأكسهاب‪ ،‬وإن كان ال تعالى أقدره على ذلك‪ ،‬إن كان خيرا فبفضله وإن‬
‫كان شرا فبعدله‪ ،‬وهذا مذهههب أهههل السههنة‪ ،‬والي فههي القرآن بهذا المعنههى كثيرة‪ .‬فالعبههد مكتسههب‬
‫لفعاله‪ ،‬على معنى أنه خلقت له قدرة مقارنة للفعل‪ ،‬يدرك بها الفرق بين حركة الختيار وحركة‬
‫الرعشهة مثل‪ ،‬وذلك التمكهن ههو مناط التكليهف‪ .‬وقالت الجبريهة بنفهي اكتسهاب العبهد‪ ،‬وإنهه كالنبات‬
‫الذي تصرفه الرياح‪ .‬وقالت القدرية والمعتزلة خلف هذين القولين‪ ،‬وإن العبد يخلق أفعاله‪.‬‬
‫@قوله تعالى‪" :‬ول تسهألون عمها كانوا يعملون" أي ل يؤاخهذ أحهد بذنهب أحهد‪ ،‬مثهل قوله تعالى‪:‬‬
‫"ول تزر وازرة وزر أخرى" [النعام‪ ]164 :‬أي ل تحمل حاملة ثقل أخرى‪ ،‬وسيأتي‪.‬‬
‫*‪*3‬الية ‪{ 135 :‬وقالوا كونوا هودا أو نصارى تهتدوا قل بل ملة إبراهيم حنيفا وما كان من‬
‫المشركين}‬
‫@قوله تعالى‪" :‬وقالوا كونوا هودا أو نصارى تهتدوا" دعت كل فرقة إلى ما هي عليه‪ ،‬فرد ال‬
‫تعالى ذلك عليههم فقال‪" :‬بهل ملة" أي قهل يها محمهد‪ :‬بهل نتبهع ملة‪ ،‬فلهذا نصهب الملة‪ .‬وقيهل‪ :‬المعنهى‬
‫بل نهتدي بملة إبراهيم‪ ،‬فلما حذف حرف الجر صار منصوبا‪ .‬وقرأ العرج وابن أبي عبلة‪" :‬بل‬
‫ملة" بالرفع‪ ،‬والتقدير بل الهدى ملة‪ ،‬أو ملتنا دين إبراهيم‪ .‬و"حنيفا" مائل عن الديان المكروهة‬
‫إلى الحق دين إبراهيم‪ ،‬وهو في موضع نصب على الحال‪ ،‬قاله الزجاج‪ .‬أي بل نتبع ملة إبراهيم‬
‫فهي هذه الحالة‪ .‬وقال علي بهن سهليمان‪ :‬ههو منصهوب على أعنهي‪ ،‬والحال خطهأ‪ ،‬ل يجوز جاءنهي‬
‫غلم هنهد مسهرعة‪ .‬وسهمي إبراهيهم حنيفها لنهه حنهف إلى ديهن ال وههو السهلم‪ .‬والحنهف‪ :‬الميهل‪،‬‬
‫ومنهه رجهل حنفاء‪ ،‬ورجهل أحنهف‪ ،‬وههو الذي تميهل قدماه كهل واحدة منهمها إلى أختهها بأصهابعها‪.‬‬
‫قالت أم الحنف‪:‬‬
‫ما كان في فتيانكم من مثله‬ ‫وال لول حنف برجله‬
‫وقال الشاعر‪:‬‬
‫حنيفا وفي قرن الضحى ينتصر‬ ‫إذا حول الظل العشي رأيته‬
‫أي الحرباء تسهههتقبل القبلة بالعشهههي‪ ،‬والمشرق بالغداة‪ ،‬وههههو قبلة النصهههارى‪ .‬وقال قوم‪ :‬الحنهههف‬
‫السهتقامة‪ ،‬فسهمي ديهن إبراهيهم حنيفها لسهتقامته‪ .‬وسهمي المعوج الرجليهن أحنهف تفاؤل بالسهتقامة‪،‬‬
‫كما قيل للديغ سليم‪ ،‬وللمهلكة مفازة‪ ،‬في قول أكثرهم‪.‬‬
‫*‪*3‬اليهة ‪{ 136 :‬قولوا آمنها بال ومها أنزل إلينها ومها أنزل إلى إبراهيهم وإسهماعيل وإسهحاق‬
‫ويعقوب والسهباط ومها أوتهي موسهى وعيسهى ومها أوتهي النهبيون مهن ربههم ل نفرق بيهن أحهد منههم‬
‫ونحن له مسلمون}‬
‫@قوله تعالى‪" :‬قولوا آمنها بال" خرج البخاري عهن أبهي هريرة رضهي ال عنهه قال‪ :‬كان أههل‬
‫الكتاب يقرؤون التوراة بالعبرانيهة ويفسهرونها بالعربيهة لههل السهلم‪ ،‬فقال رسهول ال صهلى ال‬
‫عليه وسلم‪( :‬ل تصدقوا أهل الكتاب ول تكذبوهم وقولوا آمنا بال وما أنزل) الية‪ .‬وقال محمد بن‬
‫سهيرين‪ :‬إذا قيهل لك أنهت مؤمهن؟ فقهل‪" :‬آمنها بال ومها أنزل إلينها ومها أنزل إلى إبراهيهم وإسهماعيل‬
‫وإسحاق" الية‪ .‬وكره أكثر السلف أن يقول الرجل‪ :‬أنا مؤمن حقا‪ ،‬وسيأتي بيانه في "النفال" إن‬
‫شاء ال تعالى‪ .‬وسئل بعض المتقدمين عن رجل قيل له‪ :‬أتؤمن بفلن النبي‪ ،‬فسماه باسم لم يعرفه‪،‬‬
‫فلو قال نعم‪ ،‬فلعله لم يكن نبيا‪ ،‬فقد شهد بالنبوة لغير نبي‪ ،‬ولو قال ل‪ ،‬فلعله نبي‪ ،‬فقد جحد نبيا من‬
‫النهبياء‪ ،‬فكيهف يصهنع؟ فقال‪ :‬ينبغهي أن يقول‪ :‬إن كان نبيها فقهد آمنهت بهه‪ .‬والخطاب فهي هذه اليهة‬
‫لهذه المهة‪ ،‬علمههم اليمان‪ .‬قال ابهن عباس‪ :‬جاء نفهر مهن اليهود إلى النهبي صهلى ال عليهه وسهلم‬
‫فسهألوه عمهن يؤمهن بهه مهن النهبياء‪ ،‬فنزلت اليهة‪ .‬فلمها جاء ذكهر عيسهى قالوا‪ :‬ل نؤمهن بعيسهى ول‬
‫من آمن به‪.‬‬
‫@قوله تعالى‪" :‬وما أنزل إلينا وما أنزل إلى إبراهيم وإسماعيل وإسحاق ويعقوب والسباط وما‬
‫أوتي موسى وعيسى وما أوتي النبيون من ربهم" جمع إبراهيم براهيم‪ ،‬وإسماعيل سماعيل‪ ،‬قاله‬
‫الخليل وسيبويه‪ ،‬وقال الكوفيون‪ ،‬وحكوا براهمة وسماعلة‪ ،‬وحكوا براهم وسماعل‪ .‬قال محمد بن‬
‫يزيهد‪ :‬هذا غلط‪ ،‬لن الهمزة ليهس هذا موضهع زيادتهها‪ ،‬ولكهن أقول‪ :‬أباره وأسهامع‪ ،‬ويجوز أباريهه‬
‫وأساميع‪ .‬وأجاز أحمد بن يحيى براه‪ ،‬كما يقال في التصغير بريه‪ .‬وجمع إسحاق أساحيق‪ ،‬وحكى‬
‫الكوفيون أساحقة وأساحق‪ ،‬وكذا يعقوب ويعاقيب‪ ،‬ويعاقبة ويعاقب‪ .‬قال النحاس‪ :‬فأما إسرائيل فل‬
‫نعلم أحدا يجيههز حذف الهمزة مههن أوله‪ ،‬وإنمهها يقال أسههاريل‪ ،‬وحكههى الكوفيون أسههارلة وأسههارل‪.‬‬
‫والباب في هذا كله أن يجمع مسلما فيقال‪ :‬إبراهيمون وإسحاقون ويعقوبون‪ ،‬والمسلم ل عمل فيه‪.‬‬
‫والسهباط‪ :‬ولد يعقوب عليهه السهلم‪ ،‬وههم اثنها عشهر ولدا‪ ،‬ولد لكهل واحهد منههم أمهة مهن الناس‪،‬‬
‫واحدهم سبط‪ .‬والسبط في بني إسرائيل بمنزلة القبيلة في ولد إسماعيل‪ .‬وسموا السباط من السبط‬
‫وههو التتابهع‪ ،‬فههم جماعهة متتابعون‪ .‬وقيهل‪ :‬أصهله مهن السهبط (بالتحريهك) وههو الشجهر‪ ،‬أي ههم فهي‬
‫الكثرة بمنزلة الشجر‪ ،‬الواحدة سبطة‪ .‬قال أبو إسحاق الزجاج‪ :‬ويبين لك هذا ما حدثنا به محمد بن‬
‫جعفهر النباري قال حدثنها أبهو نجيهد الدقاق قال حدثنها السهود بهن عامهر قال حدثنها إسهرائيل عهن‬
‫سهماك عهن عكرمهة عهن ابهن عباس قال‪ :‬كهل النهبياء مهن بنهي إسهرائيل إل عشرة‪ :‬نوحها وشعيبها‬
‫وهودا وصهالحا ولوطها وإبراهيهم وإسهحاق ويعقوب وإسهماعيل ومحمدا صهلى ال عليهه وسهلم‪ .‬ولم‬
‫يكههن أحهد له اسههمان إل عيسهى ويعقوب‪ .‬والسههبط‪ :‬الجماعهة والقههبيلة الراجعون إلى أصهل واحهد‪.‬‬
‫وشعر سبط وسبط‪ :‬غير جعد‪" .‬ل نفرق بين أحد منهم ونحن له مسلمون" قال الفراء‪ :‬أي ل نؤمن‬
‫ببعضهم ونكفر ببعضهم كما فعلت اليهود والنصارى‪.‬‬
‫*‪*3‬الية ‪{ 137 :‬فإن آمنوا بمثل ما آمنتم به فقد اهتدوا وإن تولوا فإنما هم في شقاق فسيكفيكهم‬
‫ال وهو السميع العليم}‬
‫@قوله تعالى‪" :‬فإن آمنوا بمثهل مها آمنتهم بهه فقهد اهتدوا" الخطاب لمحمهد صهلى ال عليهه وسهلم‬
‫وأمتهه‪ .‬المعنهى‪ :‬فإن آمنوا مثهل إيمانكهم‪ ،‬وصهدقوا مثهل تصهديقكم فقهد اهتدوا‪ ،‬فالمماثلة وقعهت بيهن‬
‫اليمانين‪ ،‬وقيل‪ :‬إن الباء زائدة مؤكدة‪ .‬وكان ابن عباس يقرأ فيما حكى الطبري‪" :‬فإن آمنوا بالذي‬
‫آمنتهم بهه فقهد اهتدوا" وهذا ههو معنهى القراءة وإن خالف المصهحف‪" ،‬فمثهل" زائدة كمها ههي فهي‬
‫قوله‪" :‬ليس كمثله شيء" [الشورى‪ ]11 :‬أي ليس كهو شيء‪ .‬وقال الشاعر‪:‬‬
‫فصيروا مثل كعصف مأكول‬
‫وروى بقيهة حدثنها شعبهة عهن أبهي حمزة عهن ابهن عباس قال‪ :‬ل تقولوا فإن آمنوا بمثهل مها آمنتهم بهه‬
‫فإن ال ليس له مثل‪ ،‬ولكن قولوا‪ :‬بالذي آمنتم به‪ .‬تابعه علي بن نصر الجهضمي عن شعبة‪ ،‬ذكره‬
‫البيهقهي‪ .‬والمعنهى‪ :‬أي فإن آمنوا بنهبيكم وبعامهة النهبياء ولم يفرقوا بينههم كمها لم تفرقوا فقهد اهتدوا‪،‬‬
‫وإن أبوا إل التفريهق فههم الناكبون عن الديهن إلى الشقاق "فسهيكفيكهم ال"‪ .‬وحكهى عن جماعة مهن‬
‫أههل النظهر قالوا‪ :‬ويحتمهل أن تكون الكاف فهي قوله‪" :‬ليهس كمثله شيهء" زائدة‪ .‬قال‪ :‬والذي روي‬
‫عهن ابهن عباس مهن نهيهه عهن القراءة العامهة شيهء ذههب إليهه للمبالغهة فهي نفهي التشهبيه عهن ال عهز‬
‫وجل‪ .‬وقال ابن عطية‪ :‬هذا من ابن عباس على جهة التفسير‪ ،‬أي هكذا فليتأول‪ .‬وقد قيل‪ :‬إن الباء‬
‫بمعنى على‪ ،‬والمعنى‪ :‬فإن آمنوا على مثل إيمانكم‪ .‬وقيل‪" :‬مثل" على بابها أي بمثل المنزل‪ ،‬دليله‬
‫قوله‪" :‬وقل آمنت بما أنزل ال من كتاب" [الشورى‪ ،]15 :‬وقوله‪" :‬وقولوا آمنا بالذي أنزل إلينا‬
‫وأنزل إليكم" [العنكبوت‪.]46 :‬‬
‫@قوله تعالى‪" :‬وإن تولوا" أي عهن اليمان "فإنمها ههم فهي شقاق" قال زيهد بهن أسهلم‪ :‬الشقاق‬
‫المنازعهة‪ .‬وقيهل‪ :‬الشقاق المجادلة والمخالفهة والتعادي‪ .‬وأصهله مهن الشهق وههو الجانهب‪ ،‬فكأن كهل‬
‫واحد من الفريقين في شق غير شق صاحبه‪ .‬قال الشاعر‪:‬‬
‫وتفجر بالشقاق وبالنفاق‬ ‫إلى كم تقتل العلماء قسرا‬
‫وقال آخر‪:‬‬
‫بغاة ما بقينا في شقاق‬ ‫وإل فاعلموا أنا وأنتم‬
‫وقيهل‪ :‬إن الشقاق مأخوذ مهن فعل ما يشهق ويصعب‪ ،‬فكأن كل واحد من الفريقين يحرص على ما‬
‫يشق على صاحبه‪.‬‬
‫@قوله تعالى‪" :‬فسيكفيكهم ال وهو السميع العليم" أي فسيكفي ال رسوله عدوه‪ .‬فكان هذا وعدا‬
‫مهن ال تعالى لنهبيه عليهه السهلم أنهه سهيكفيه مهن عانده ومهن خالفهه مهن المتوليهن بمهن يهديهه مهن‬
‫المؤمنيههن‪ ،‬فأنجههز له الوعههد‪ ،‬وكان ذلك فههي قتههل بنههي قينقاع وبنههي قريظههة وإجلء بنههي النضيههر‪.‬‬
‫والكاف والهاء والميهم فهي موضهع نصهب مفعولن‪ .‬ويجوز فهي غيهر القرآن‪ :‬فسهيكفيك إياههم‪ .‬وهذا‬
‫الحرف "فسيكفيكهم ال" هو الذي وقع عليه دم عثمان حين قتل بإخبار النبي صلى ال عليه وسلم‬
‫إياه بذلك‪ .‬و"السهميع" لقول كهل قائل "العليهم" بمها ينفذه فهي عباده ويجريهه عليههم‪ .‬وحكهي أن أبها‬
‫دلمة دخل على المنصور وعليه قلنسوة طويلة‪ ،‬ودراعة مكتوب بين كتفيها "فسيكفيكهم ال وهو‬
‫السميع العليم"‪ ،‬وسيف معلق في وسطه‪ ،‬وكان المنصور قد أمر الجند بهذا الزي‪ ،‬فقال له‪ :‬كيف‬
‫حالك يها أبها دلمهة؟ قال‪ :‬بشهر يها أميهر المؤمنيهن قال‪ :‬وكيهف ذاك؟ قال‪ :‬مها ظنهك برجهل وجههه فهي‬
‫وسهطه‪ ،‬وسهيفه فهي أسهته‪ ،‬وقهد نبهذ كتاب ال وراء ظهره فضحهك المنصهور منهه‪ ،‬وأمهر بتغييهر ذلك‬
‫الزي من وقته‪.‬‬
‫*‪*3‬الية ‪{ 138 :‬صبغة ال ومن أحسن من ال صبغة ونحن له عابدون}‬
‫@قوله تعالى‪" :‬صهبغة ال" قال الخفهش وغيره‪ :‬ديهن ال‪ ،‬وههو بدل مهن "ملة" وقال الكسهائي‪:‬‬
‫وهههي منصههوبة على تقديههر اتبعوا‪ .‬أو على الغراء أي الزموا‪ .‬ولو قرئت بالرفههع لجاز‪ ،‬أي هههي‬
‫صههبغة ال‪ .‬وروى شيبان عههن قتادة قال‪ :‬إن اليهود تصههبغ أبناءهههم يهودا‪ ،‬وإن النصههارى تصههبغ‬
‫أبناءهههم نصههارى‪ ،‬وإن صههبغة ال السههلم‪ .‬قال الزجاج‪ :‬ويدلك على هذا أن "صههبغة" بدل مههن‬
‫"ملة"‪ .‬وقال مجاهد‪ :‬أي فطرة ال التي فطر الناس عليها‪ .‬قال أبو إسحاق الزجاج‪ :‬وقول مجاهد‬
‫هذا يرجههع إلى السههلم‪ ،‬لن الفطرة ابتداء الخلق‪ ،‬وابتداء مهها خلقوا عليههه السههلم‪ .‬وروي عههن‬
‫مجاهههد والحسههن وأبههي العاليههة وقتادة‪ :‬الصهبغة الديههن‪ .‬وأصههل ذلك أن النصهارى كانوا يصهبغون‬
‫أولدههم فهي الماء‪ ،‬وهو الذي يسهمونه المعمودية‪ ،‬ويقولون‪ :‬هذا تطهيهر لههم‪ .‬وقال ابهن عباس‪ :‬هو‬
‫أن النصارى كانوا إذا ولد لهم ولد فأتى عليه سبعة أيام غمسوه في ماء لهم يقال له ماء المعمودية‪،‬‬
‫فصهههبغوه بذلك ليطهروه بهههه مكان الختان‪ ،‬لن الختان تطهيهههر‪ ،‬فإذا فعلوا ذلك قالوا‪ :‬الن صهههار‬
‫نصهرانيا حقها‪ ،‬فرد ال تعالى ذلك عليههم بأن قال‪" :‬صهبغة ال" أي صهبغة ال أحسهن صهبغة وههي‬
‫السهلم‪ ،‬فسهمي الديهن صهبغة اسهتعارة ومجازا مهن حيهث تظههر أعماله وسهمته على المتديهن‪ ،‬كمها‬
‫يظهر أثر الصبغ في الثوب‪ .‬وقال بعض شعراء ملوك همدان‪.‬‬
‫وصبغة همدان خير الصبغ‬ ‫وكل أناس لهم صبغة‬
‫فأكرم بصبغتنا في الصبغ‬ ‫صبغنا على ذاك أبناءنا‬
‫وقيهل‪ :‬إن الصهبغة الغتسهال لمهن أراد الدخول فهي السهلم‪ ،‬بدل مهن معموديهة النصهارى‪ ،‬ذكره‬
‫الماوردي‪.‬‬
‫قلت‪ :‬وعلى هذا التأويل يكون غسل الكافر واجبا تعبدا‪،‬‬
‫@معنهى "صهبغة ال" غسهل ال‪ ،‬أي اغتسهلوا عنهد إسهلمكم الغسهل الذي أوجبهه ال عليكهم‪ .‬وبهذا‬
‫المعنى جاءت السنة الثابتة في قيس بن عاصم وثمامة بن أثال حين أسلما‪ .‬روى أبو حاتم البستي‬
‫فهي صهحيح مسهنده عهن أبهي هريرة رضهي ال عنهه‪ :‬أن ثمامهة الحنفهي أسهر فمهر بهه النهبي صهلى ال‬
‫عليهه وسهلم يومها فأسهلم‪ ،‬فبعهث بهه إلى حائط أبهي طلحهة فأمره أن يغتسهل فاغتسهل وصهلى ركعتيهن‪،‬‬
‫فقال رسهول ال صهلى ال عليه وسهلم‪( :‬حسهن إسهلم صهاحبكم)‪ .‬وخرج أيضها عن قيهس بن عاصهم‬
‫أنهه أسهلم‪ ،‬فأمره النهبي صهلى ال عليهه وسهلم أن يغتسهل بماء وسهدر‪ .‬ذكره النسهائي وصهححه أبهو‬
‫محمد عبدالحق‪ .‬وقيل‪ :‬إن القربة إلى ال تعالى يقال لها صبغة‪ ،‬حكاه ابن فارس في المجمل‪ .‬وقال‬
‫الجوهري‪" :‬صههبغة ال" دينههه‪ .‬وقيههل‪ :‬إن الصههبغة الختان‪ ،‬اختتههن إبراهيههم فجرت الصههبغة على‬
‫الختان لصبغهم الغلمان في الماء‪ ،‬قاله الفراء‪" .‬ونحن له عابدون" ابتداء وخبر‪.‬‬
‫*‪*3‬اليهة ‪{ 139 :‬قهل أتحاجوننها فهي ال وههو ربنها وربكهم ولنها أعمالنها ولكهم أعمالكهم ونحهن له‬
‫مخلصون}‬
‫@قال الحسن‪ :‬كانت المحاجة أن قالوا‪ :‬نحن أولى بال منكم‪ ،‬لنا أبناء ال وأحباؤه‪ .‬وقيل‪ :‬لتقدم‬
‫آبائنا وكتبنا‪ ،‬ولنا لم نعبد الوثان‪ .‬فمعنى الية‪ :‬قل لهم يا محمد‪ ،‬أي قل لهؤلء اليهود والنصارى‬
‫الذيهن زعموا أنههم أبناء ال وأحباؤه وادعوا أنههم أولى بال منكهم لقدم آبائههم وكتبههم‪" :‬أتحاجوننها"‬
‫أي أتجاذبوننهها الحجههة على دعواكههم والرب واحههد‪ ،‬وكههل مجازى بعمله‪ ،‬فأي تأثيههر لقدم الديههن‪.‬‬
‫ومعنههى "فههي ال" أي فههي دينههه والقرب منههه والحظوة له‪ .‬وقراءة الجماعههة‪" :‬أتحاجوننهها"‪ .‬وجاز‬
‫اجتماع حرفيههن مثليههن مههن جنههس واحههد متحركيههن‪ ،‬لن الثانههي كالمنفصههل‪ .‬وقرأ ابههن محيصههن‬
‫"أتحاجونها" بالدغام لجتماع المثليهن‪ .‬قال النحاس‪ :‬وهذا جائز إل أنهه مخالف للسهواد‪ .‬ويجوز‬
‫"أتحاجون" بحذف النون الثانية‪ ،‬كما قرأ نافع "فبم تبشرون" [الحجر‪.]54 :‬‬
‫@قوله تعالى‪" :‬ونحن له مخلصون" أي مخلصون العبادة‪ ،‬وفيه معنى التوبيخ‪ ،‬أي ولم تخلصوا‬
‫أنتههم فكيههف تدعون مهها نحههن أولى بههه منكههم‪ ،‬والخلص حقيقتههه تصههفية الفعههل عههن ملحظههة‬
‫المخلوقين‪ ،‬قال صلى ال عليه وسلم‪( :‬إن ال تعالى يقول أنا خير شريك فمن أشرك معي شريكا‬
‫فههو لشريكهي يها أيهها الناس أخلصهوا أعمالكهم ل تعالى فإن ال تعالى ل يقبهل إل مها خلص له ول‬
‫تقولوا هذا ل وللرحم فإنها للرحم وليس ل منها شيء ول تقولوا هذا ل ولوجوهكم فإنها لوجوهكم‬
‫وليهس ل تعالى منهها شيهء)‪ .‬رواه الضحاك بهن قيهس الفهري قال‪ :‬قال رسهول ال صهلى ال عليهه‬
‫وسهلم‪ .‬فذكره‪ ،‬خرجهه الدارقطنهي‪ .‬وقال رويهم‪ :‬الخلص مهن العمهل ههو أل يريهد صهاحبه عليهه‬
‫عوضا في الدارين ول حظا من الملكين‪ .‬وقال الجنيد‪ :‬الخلص سر بين العبد وبين ال‪ ،‬ل يعلمه‬
‫ملك فيكتبههه‪ ،‬ول شيطان فيفسههده‪ ،‬ول هوى فيميله‪ .‬وذكههر أبههو القاسههم القشيري وغيره عههن النههبي‬
‫صهلى ال عليهه وسهلم أنهه قال‪( :‬سهألت جبريهل عهن الخلص مها ههو فقال سهألت رب العزة عهن‬
‫الخلص ما هو قال سر من سري استودعته قلب من أحببته من عبادي)‪.‬‬
‫*‪*3‬الية ‪{ 140 :‬أم تقولون إن إبراهيم وإسماعيل وإسحاق ويعقوب والسباط كانوا هودا أو‬
‫نصارى قل أأنتم أعلم أم ال ومن أظلم ممن كتم شهادة عنده من ال وما ال بغافل عما تعملون}‬
‫@قوله تعالى‪" :‬أم تقولون" بمعنهههى قالوا‪ .‬وقرأ حمزة والكسهههائي وعاصهههم فهههي روايهههة حفهههص‬
‫"تقولون" بالتاء وههي قراءة حسهنة‪ ،‬لن الكلم متسهق‪ ،‬كأن المعنهى‪ :‬أتحاجوننها فهي ال أم تقولون‬
‫إن النهبياء كانوا على دينكهم‪ ،‬فههي أم المتصهلة‪ ،‬وههي على قراءة مهن قرأ بالياء منقطعهة‪ ،‬فيكون‬
‫كلمين وتكون "أم" بمعنى بل‪" .‬هودا" خبر كان‪ ،‬وخبر "إن" في الجملة‪ .‬ويجوز في غير القرآن‬
‫رفع "هودا" على خبر "إن" وتكون كان ملغاة‪ ،‬ذكره النحاس‪.‬‬
‫@قوله تعالى‪" :‬قل أأنتم أعلم أم ال" تقرير وتوبيخ في ادعائهم بأنهم كانوا هودا أو نصارى‪ .‬فرد‬
‫ال عليهم بأنه أعلم بهم منكم‪ ،‬أي لم يكونوا هودا ول نصارى‪.‬‬
‫@قوله تعالى‪" :‬ومن أظلم" لفظه الستفهام‪ ،‬والمعنى‪ :‬ل أحد أظلم‪" .‬ممن كتم شهادة" يريد علمهم‬
‫بأن النهبياء كانوا على السهلم‪ .‬وقيل‪ :‬مها كتموه مهن صفة محمهد صهلى ال عليهه وسهلم‪ ،‬قاله قتادة‪،‬‬
‫والول أشبهه بسهياق اليهة‪" .‬ومها ال بغافهل عمها تعملون" وعيهد وإعلم بأنهه لم يترك أمرههم سهدى‬
‫وأنه يجازيهم على أعمالهم‪ .‬والغافل‪ :‬الذي ل يفطن للمور إهمال منه‪ ،‬مأخوذ من الرض الغفل‬
‫وههي التهي ل علم بهها ول أثهر عمارة‪ .‬وناقهة غفهل‪ :‬ل سهمة بهها‪ .‬ورجهل غفهل‪ :‬لم يجرب المور‪.‬‬
‫وقال الكسائي‪ :‬أرض غفل لم تمطر‪ .‬غفلت عن الشيء غفلة وغفول‪ ،‬وأغفلت الشيء‪ :‬تركته على‬
‫ذكر منك‪.‬‬
‫*‪*3‬الية ‪{ 141 :‬تلك أمة قد خلت لها ما كسبت ولكم ما كسبتم ول تسألون عما كانوا يعملون}‬
‫@كررها لنها تضمنت معنى التهديد والتخويف‪ ،‬أي إذا كان أولئك النبياء على إمامتهم وفضلهم‬
‫يجازون بكسبهم فأنتم أحرى‪ ،‬فوجب التأكيد‪ ،‬فلذلك كررها‪.‬‬
‫*‪*3‬اليهة ‪{ 142 :‬سهيقول السهفهاء مهن الناس مها ولههم عهن قبلتههم التهي كانوا عليهها قهل ل‬
‫المشرق والمغرب يهدي من يشاء إلى صراط مستقيم}‬
‫@قوله تعالى‪" :‬سيقول السفهاء من الناس" أعلم ال تعالى أنهم سيقولون في تحويل المؤمنين من‬
‫الشام إلى الكعبهة‪ ،‬مها ولههم‪ .‬و"سهيقول" بمعنهى قال‪ ،‬جعهل المسهتقبل موضهع الماضهي‪ ،‬دللة على‬
‫اسههتدامة ذلك وأنهههم يسههتمرون على ذلك القول‪ .‬وخههص بقوله‪" :‬مههن الناس" لن السههفه يكون فههي‬
‫جمادات وحيوانات‪ .‬والمراد مهن "السهفهاء" جميهع مهن قال‪" :‬مها ولههم"‪ .‬والسهفهاء جمهع‪ ،‬واحده‬
‫سفيه‪ ،‬وهو الخفيف العقل‪ ،‬من قولهم‪ :‬ثوب سفيه إذا كان خفيف النسج‪ ،‬وقد تقدم‪ .‬والنساء سفائه‪.‬‬
‫وقال المؤرج‪ :‬السهههفيه البهات الكذاب المتعمهههد خلف مههها يعلم‪ .‬قطرب‪ :‬الظلوم الجهول‪ ،‬والمراد‬
‫بالسفهاء هنا اليهود الذين بالمدينة‪ ،‬قاله مجاهد‪ .‬السدي‪ :‬المنافقون‪ .‬الزجاج‪ :‬كفار قريش لما أنكروا‬
‫تحويههل القبلة قالوا‪ :‬قههد اشتاق محمههد إلى مولده وعههن قريههب يرجههع إلى دينكههم‪ ،‬وقالت اليهود‪ :‬قههد‬
‫التبس عليه أمره وتحير‪ .‬وقال المنافقون‪ :‬ما ولهم عن قبلتهم‪ ،‬واستهزؤوا بالمسلمين‪ .‬و"ولهم"‬
‫يعني عدلهم وصرفهم‪.‬‬
‫@ روى الئمة واللفظ لمالك عن ابن عمر قال‪ :‬بينما الناس بقباء في صلة الصبح إذ جاءهم آت‬
‫فقال‪ :‬رسههول ال صههلى ال عليههه وسههلم قههد أنزل عليههه الليلة قرآن‪ ،‬وقههد أمههر أن يسههتقبل الكعبههة‬
‫فاستقبلوها‪ ،‬وكانت وجوههم إلى الشام فاستداروا إلى الكعبة‪ .‬وخرج البخاري عن البراء أن النبي‬
‫صهلى ال عليهه وسهلم صهلى إلى بيهت المقدس سهتة عشهر شهرا أو سهبعة عشهر شهرا‪ ،‬وكان يعجبهه‬
‫أن تكون قبلتهه قبهل البيهت‪ ،‬وإنهه صهلى أول صهلة صهلها العصهر وصهلى معهه قوم‪ ،‬فخرج رجهل‬
‫ممهن كان صهلى مهع النهبي صهلى ال عليهه وسهلم فمهر على أههل المسهجد وههم راكعون فقال‪ :‬أشههد‬
‫بال‪ ،‬لقد صليت مع النبي صلى ال عليه وسلم قبل مكة‪ ،‬فداروا؟؟ كما هم قبل البيت‪ .‬وكان الذي‬
‫مات على القبلة قبهل أن تحول قبهل البيهت رجال قتلوا لم ندر مها نقول فيههم‪ ،‬فأنزل ال عهز وجهل‪:‬‬
‫"وما كان ال ليضيع إيمانكم" [البقرة‪ ،]143 :‬ففي هذه الرواية صلة العصر‪ ،‬وفي رواية مالك‬
‫صلة الصبح‪ .‬وقيل‪ :‬نزل ذلك على النبي صلى ال عليه وسلم في مسجد بني سلمة وهو في صلة‬
‫الظههر بعهد ركعتيهن منهها فتحول فهي الصهلة‪ ،‬فسهمي ذلك المسهجد مسهجد القبلتيهن‪ .‬وذكهر أبو الفرج‬
‫أن عباد بن نهيك كان مع النبي صلى ال عليه وسلم في هذه الصلة‪ .‬وذكر أبو عمر في التمهيد‬
‫عهن نويلة بنهت أسهلم وكانهت مهن المبايعات‪ ،‬قالت‪ :‬كنها فهي صهلة الظههر فأقبهل عباد بهن بشهر بهن‬
‫قيظهي فقال‪ :‬إن رسهول ال صهلى ال عليهه وسهلم قهد اسهتقبل القبلة ‪ -‬أو قال‪ :‬البيهت الحرام ‪ -‬فتحول‬
‫الرجال مكان النسهاء‪ ،‬وتحول النسهاء مكان الرجال‪ .‬وقيهل‪ :‬إن اليهة نزلت فهي غيهر صهلة‪ ،‬وههو‬
‫الكثر‪ .‬وكان أول صلة إلى الكعبة العصر‪ ،‬وال اعلم‪ .‬وروي أن أول من صلى إلى الكعبة حين‬
‫صهرفت القبلة عهن بيهت المقدس أبهو سهعيد بهن المعلى‪ ،‬وذلك أنهه كان مجتازا على المسهجد فسهمع‬
‫رسهول ال صهلى ال عليهه وسهلم يخطهب الناس بتحويهل القبلة على المنهبر وهو يقرأ هذه الية‪" :‬قهد‬
‫نرى تقلب وجههك فهي السهماء" [البقرة‪ ]144:‬حتهى فرغ مهن اليهة‪ ،‬فقلت لصهاحبي‪ :‬تعال نركهع‬
‫ركعتيههن قبههل أن ينزل رسههول ال صههلى ال عليههه وسههلم فنكون أول مههن صههلى فتوارينهها نعمهها‬
‫فصهليناهما‪ ،‬ثهم نزل رسهول ال صهلى ال عليهه وسهلم فصهلى بالناس الظههر يومئذ‪ .‬قال أبهو عمهر‪:‬‬
‫ليهس لبهي سهعيد بهن المعلى غيهر هذا الحديهث‪ ،‬وحديهث‪" :‬كنهت أصهلي" فهي فضهل الفاتحهة‪ ،‬خرجهه‬
‫البخاري‪ ،‬وقد تقدم‪.‬‬
‫@ واختلف في وقت تحويل القبلة بعد قدومه المدينة‪ ،‬فقيل‪ :‬حولت بعد ستة عشر شهرا أو سبعة‬
‫عشهر شهرا‪ ،‬كمها فهي البخاري‪ .‬وخرجهه الدارقطنهي عهن البراء أيضها‪ .‬قال‪ :‬صهلينا مهع رسهول ال‬
‫صهلى ال عليهه وسهلم بعهد قدومهه المدينهة سهتة عشهر شهرا نحهو بيهت المقدس‪ ،‬ثهم علم ال هوى نهبيه‬
‫فنزلت‪" :‬قد نرى تقلب وجهك في السماء" الية‪ .‬ففي هذه الرواية ستة عشر شهرا من غير شك‪.‬‬
‫وروى مالك عهن يحيهى بهن سهعيد عهن سهعيد بهن المسهيب أن تحويلهها كان قبهل غزوة بدر بشهريهن‪.‬‬
‫قال إبراهيهم بهن إسحاق‪ :‬وذلك فهي رجب مهن سنة اثنتيهن‪ .‬وقال أبو حاتهم البسهتي‪ :‬صلى المسهلمون‬
‫إلى بيهت المقدس سهبعة عشهر شهرا وثلثهة أيام سهواء‪ ،‬وذلك أن قدومهه المدينهة كان يوم الثنيهن‬
‫لثنتهي عشرة ليلة خلت مهن شههر ربيهع الول‪ ،‬وأمره ال عهز وجهل باسهتقبال الكعبهة يوم الثلثاء‬
‫للنصف من شعبان‪.‬‬
‫@ واختلف العلماء أيضا في كيفية استقباله بيت المقدس على ثلثة أقوال‪ ،‬فقال الحسن‪ :‬كان ذلك‬
‫منه عن رأي واجتهاد‪ ،‬وقال عكرمة وأبو العالية‪ .‬الثاني‪ :‬أنه كان مخيرا بينه وبين الكعبة‪ ،‬فاختار‬
‫القدس طمعها فهي إيمان اليهود واسهتمالتهم‪ ،‬قاله الطهبري‪ ،‬وقال الزجاج‪ :‬امتحانها للمشركيهن لنههم‬
‫ألفوا الكعبهة‪ .‬الثالث‪ :‬وههو الذي عليهه الجمهور‪ :‬ابهن عباس وغيره‪ ،‬وجهب عليهه اسهتقباله بأمهر ال‬
‫تعالى ووحيههه ل محالة‪ ،‬ثههم نسههخ ال ذلك وأمره ال أن يسههتقبل بصههلته الكعبههة‪ ،‬واسههتدلوا بقوله‬
‫تعالى‪" :‬ومهها جعلنهها القبلة التههي كنههت عليههها إل لنعلم مههن يتبههع الرسههول ممههن ينقلب على عقههبيه"‬
‫[البقرة‪ ]143 :‬الية‪.‬‬
‫@ واختلفوا أيضا حين فرضت عليه الصلة أول بمكة‪ ،‬هل كانت إلى بيت المقدس أو إلى مكة‪،‬‬
‫على قوليهن‪ ،‬فقالت طائفهة‪ :‬إلى بيهت المقدس وبالمدينهة سهبعة عشهر شهرا‪ ،‬ثهم صهرفه ال تعالى إلى‬
‫الكعبة‪ ،‬قاله ابن عباس‪ .‬وقال آخرون‪ :‬أول ما افترضت الصلة عليه إلى الكعبة‪ ،‬ولم يزل يصلي‬
‫إليهها طول مقامهه بمكهة على مها كانهت عليهه صهلة إبراهيهم وإسهماعيل‪ ،‬فلمها قدم المدينهة صهلى إلى‬
‫بيهت المقدس سهتة عشهر شهرا أو سهبعة عشهر شهرا‪ ،‬على الخلف‪ ،‬ثهم صهرفه ال إلى الكعبهة‪ .‬قال‬
‫أبو عمر‪ :‬وهذا أصح القولين عندي‪ .‬قال غيره‪ :‬وذلك أن النبي صلى ال عليه وسلم لما قدم المدينة‬
‫أراد أن يستألف اليهود فتوجه إلى قبلتهم ليكون ذلك أدعى لهم‪ ،‬فلما تبين عنادهم وأيس منهم أحب‬
‫أن يحول إلى الكعبة فكان ينظر إلى السماء‪ ،‬وكانت محبته إلى الكعبة لنها قبلة إبراهيم‪ ،‬عن ابن‬
‫عباس‪ .‬وقيل‪ :‬لنها كانت أدعى للعرب إلى السلم‪ ،‬وقيل‪ :‬مخالفة لليهود‪ ،‬عن مجاهد‪ .‬وروي عن‬
‫أبي العالية الرياحي أنه قال‪ :‬كانت مسجد صالح عليه السلم وقبلته إلى الكعبة‪ ،‬قال‪ :‬وكان موسى‬
‫عليه السلم يصلي إلى الصخرة نحو الكعبة‪ ،‬وهي قبلة النبياء كلهم‪ ،‬صلوات ال عليهم أجمعين‪.‬‬
‫@ في هذه الية دليل واضح على أن في أحكام ال تعالى وكتابه ناسخا ومنسوخا‪ ،‬وأجمعت عليه‬
‫المهة إل مهن شهذ‪ ،‬كمها تقدم‪ .‬وأجمهع العلماء على أن القبلة أول مها نسهخ مهن القرآن‪ ،‬وأنهها نسهخت‬
‫مرتين‪ ،‬على أحد القولين المذكورين في المسألة قبل‪.‬‬
‫ودلت أيضها على جواز نسهخ السهنة بالقرآن‪ ،‬وذلك أن النهبي صهلى ال عليهه وسهلم صهلى نحهو‬
‫بيهت المقدس‪ ،‬وليهس فهي ذلك قرآن‪ ،‬فلم يكن الحكهم إل مهن جهة السهنة ثم نسخ ذلك بالقرآن‪ ،‬وعلى‬
‫هذا يكون‪" :‬كنت عليها" بمعنى أنت عليها‪.‬‬
‫@ وفيها دليل على جواز القطع بخبر الواحد‪ ،‬وذلك أن استقبال بيت المقدس كان مقطوعا به من‬
‫الشريعهة عندههم‪ ،‬ثهم أن أههل قباء لمها أتاههم التهي وأخهبرهم أن القبلة قهد حولت إلى المسهجد الحرام‬
‫قبلوا قوله واستداروا نحو الكعبة‪ ،‬فتركوا المتواتر بخبر الواحد وهو مظنون‪.‬‬
‫وقههد اختلف العلماء فههي جوازه عقل ووقوعههه‪ ،‬فقال أبههو حاتههم‪ :‬والمختار جواز ذلك عقل لو‬
‫تعبدالشرع به‪ ،‬ووقوعا في زمن رسول ال صلى ال عليه وسلم بدليل قصة قباء‪ ،‬وبدليل أنه كان‬
‫عليههه السههلم ينفههذ آحاد الولة إلى الطراف وكانوا يبلغون الناسههخ والمنسههوخ جميعهها‪ .‬ولكههن ذلك‬
‫ممنوع بعهد وفاتهه صهلى ال عليهه وسهلم‪ ،‬بدليهل الجماع مهن الصهحابة على أن القرآن والمتواتهر‬
‫المعلوم ل يرفهع بخهبر الواحهد‪ ،‬فل ذاههب إلى تجويزه من السهلف والخلف‪ .‬احتج من منهع ذلك بأنه‬
‫يفضي إلى المحال وهو رفع المقطوع بالمظنون‪ .‬وأما قصة أهل قباء وولة النبي صلى ال عليه‬
‫وسههلم فمحمول على قرائن إفادة العلم إمهها نقل وتحقيقهها‪ ،‬وإمهها احتمال وتقديرا‪ .‬وتتميههم هذا سههؤال‬
‫وجوابا في أصول الفقه‪.‬‬
‫@ وفيهها دليهل على أن مهن لم يبلغهه الناسهخ إنهه متعبهد بالحكهم الول‪ ،‬خلفها لمهن قال‪ :‬إن الحكهم‬
‫الول يرتفهع بوجود الناسهخ ل بالعلم بهه‪ ،‬والول أصهح‪ ،‬لن أههل قباء لم يزالوا يصهلون إلى بيهت‬
‫المقدس إلى أن أتاهم التي فأخبرهم بالناسخ فمالوا نحو الكعبة‪ .‬فالناسخ إذا حصل في الوجود فهو‬
‫رافهع ل محالة لكهن بشرط العلم بهه‪ ،‬لن الناسهخ خطاب‪ ،‬ول يكون خطابها فهي حهق مهن لم يبلغهه‪.‬‬
‫وفائدة هذا الخلف فهي عبادات فعلت بعهد النسهخ وقبهل البلغ ههل تعاد أم ل‪ ،‬وعليهه تنبنهي مسهألة‬
‫الوكيههل فههي تصههرفه بعههد عزل موكله أو موتههه وقبههل علمههه بذلك على قوليههن‪ .‬وكذلك المقارض‪،‬‬
‫والحاكهم إذا مات مهن وله أو عزل‪ .‬والصهحيح أن مها فعله كهل واحهد مهن هؤلء ينفهذ فعله ول يرد‬
‫حكمه‪ .‬قال القاضي عياض‪ :‬ولم يختلف المذهب في أحكام من أعتق ولم يعلم بعتقه أنها أحكام حر‬
‫فيمها بينهه وبيهن الناس‪ ،‬وأمها بينهه وبيهن ال تعالى فجائزة‪ .‬ولم يختلفوا فهي المعتقهة أنهها ل تعيهد مها‬
‫صلت بعد عتقها وقبل علمها بغير ستر‪ ،‬وإنما اختلفوا فيمن يطرأ عليه موجب بغير حكم عبادته‬
‫وهو فيها‪ ،‬قياسا على مسألة قباء‪ ،‬فمن صلى على حال ثم تغيرت به حاله تلك قبل أن يتم صلته‬
‫إنهه يتمهها ول يقطعهها ويجزيهه مها مضهى‪ .‬وكذلك كمهن صهلى عريانها ثهم وجهد ثوبها فهي الصهلة‪ ،‬أو‬
‫ابتدأ صهلته صهحيحا فمرض‪ ،‬أو مريضها فصهح‪ ،‬أو قاعدا ثهم قدر على القيام‪ ،‬أو أمهة عتقهت وههي‬
‫في الصلة إنها تأخذ قناعها وتبني‪.‬‬
‫قلت‪ :‬وكمن دخهل فهي الصلة بالتيمم فطرأ عليه الماء إنه ل يقطهع‪ ،‬كما يقوله مالك والشافعهي ‪-‬‬
‫رحمهما ال ‪ -‬وغيرهما‪ .‬وقيل‪ :‬يقطع‪ ،‬وهو قول أبي حنيفة رحمه ال تعالى وسيأتي‪.‬‬
‫@ وفيها دليل على قبول خبر الواحد‪ ،‬وهو مجمع عليه من السلف معلوم بالتواتر من عادة النبي‬
‫صهلى ال عليهه وسهلم فهي توجيههه ولتهه ورسهله آحادا للفاق‪ ،‬ليعلموا الناس دينههم فيبلغوههم سهنة‬
‫رسولهم صلى ال عليه وسلم من الوامر والنواهي‪.‬‬
‫@ وفيها دليل على أن القرآن كان ينزل على رسول ال صلى ال عليه وسلم شيئا بعد شيء وفي‬
‫حال بعهد حال‪ ،‬على حسهب الحاجهة إليهه‪ ،‬حتهى أكمهل ال دينهه‪ ،‬كمها قال‪" :‬اليوم أكملت لكهم دينكهم"‬
‫[المائدة‪.]3:‬‬
‫@قوله تعالى‪" :‬قهل ل المشرق والمغرب" أقامهه حجهة‪ ،‬أي له ملك المشارق والمغارب ومها‬
‫بينهما‪ ،‬فله أن يأمر بالتوجه إلى أي جهة شاء‪ ،‬وقد تقدم‪.‬‬
‫@قوله تعالى‪" :‬يهدي مهن يشاء" إشارة إلى هدايهة ال تعالى هذه المهة إلى قبلة إبراهيهم‪ ،‬وال‬
‫تعالى اعلم‪ .‬والصراط‪ .‬الطريق‪ .‬والمستقيم‪ :‬الذي ل اعوجاج فيه‪ ،‬وقد تقدم‪.‬‬
‫*‪*3‬الية ‪{ 143 :‬وكذلك جعلناكم أمة وسطا لتكونوا شهداء على الناس ويكون الرسول عليكم‬
‫شهيدا وما جعلنا القبلة التي كنت عليها إل لنعلم من يتبع الرسول ممن ينقلب على عقبيه وإن كانت‬
‫لكبيرة إل على الذين هدى ال وما كان ال ليضيع إيمانكم إن ال بالناس لرؤوف رحيم}‬
‫@قوله تعالى‪" :‬وكذلك جعلناكم أمة وسطا" المعنى‪ :‬وكما أن الكعبة وسط الرض كذلك جعلناكم‬
‫أمهة وسهطا‪ ،‬أي جعلناكهم دون النهبياء وفوق المهم‪ .‬والوسهط‪ :‬العدل‪ ،‬وأصهل هذا أن أحمهد الشياء‬
‫أوسهطها‪ .‬وروى الترمذي عهن أبهي سهعيد الخدري عهن النهبي صهلى ال عليهه وسهلم فهي قوله تعالى‪:‬‬
‫"وكذلك جعلناكهم أمهة وسهطا" قال‪( :‬عدل)‪ .‬قال‪ :‬هذا حديهث حسهن صهحيح‪ .‬وفهي التنزيهل‪" :‬قال‬
‫أوسطهم" [القلم‪ ]28 :‬أي أعدلهم وخيرهم‪ .‬وقال زهير‪:‬‬
‫إذا نزلت إحدى الليالي بمعظم‬ ‫هم وسط يرضى النام بحكمهم‬
‫آخر‪:‬‬
‫بصغير المر أو إحدى الكبر‬ ‫أنتم أوسط حي علموا‬
‫وقال آخر‪:‬‬
‫ل تسألن إن سألت شططا‬ ‫ل تذهبن في المور فرطا‬
‫وكن من الناس جميعا وسطا‬
‫ووسهط الوادي‪ :‬خيهر موضهع فيهه وأكثره كل وماء‪ .‬ولمها كان الوسهط مجانبها للغلو والتقصهير كان‬
‫محمودا‪ ،‬أي هذه المة لم تغل غلو النصارى في أنبيائهم‪ ،‬ول قصروا تقصير اليهود في أنبيائهم‪.‬‬
‫وفهي الحديهث‪( :‬خيهر المور أوسهطها)‪ .‬وفيهه عهن علي رضهي ال عنهه‪" :‬عليكهم بالنمهط الوسهط‪،‬‬
‫فإليه ينزل العالي‪ ،‬وإليه يرتفع النازل"‪ .‬وفلن من أوسط قومه‪ ،‬وإنه لواسطة قومه‪ ،‬ووسط قومه‪،‬‬
‫أي من خيارهم وأهل الحسب منهم‪ .‬وقد وسط وساطة وسطة‪ ،‬وليس من الوسط الذي بين شيئين‬
‫فههي شيههء‪ .‬والوسههط (بسههكون السههين) الظرف‪ ،‬تقول‪ :‬صههليت وسههط القوم‪ .‬وجلسههت وسههط الدار‬
‫(بالتحريك) لنه اسم‪ .‬قال الجوهري‪ :‬وكل موضع صلح فيه "بين" فهو وسط‪ ،‬وإن لم يصلح فيه‬
‫"بين" فهو وسط بالتحريك‪ ،‬وربما يسكن وليس بالوجه‪.‬‬
‫@قوله تعالى‪" :‬لتكونوا" نصب بلم كي‪ ،‬أي لن تكونوا‪" .‬شهداء" خبر كان‪" .‬على الناس" أي‬
‫فهي المحشهر للنهبياء على أممههم‪ ،‬كمها ثبهت فهي صهحيح البخاري عهن أبهي سهعيد الخدري قال قال‬
‫رسول ال صلى ال عليه وسلم‪( :‬يدعى نوح عليه السلم يوم القيامة فيقول لبيك وسعديك يا رب‬
‫فيقول ههل بلغهت فيقول نعهم فيقال لمتهه ههل بلغكهم فيقولون مها أتانها مهن نذيهر فيقول مهن يشههد لك‬
‫فيقول محمهد وأمتهه فيشهدون أنهه قهد بلغ ويكون الرسهول عليكهم شهيدا فذلك قوله عهز وجهل وكذلك‬
‫جعلناكم أمة وسطا لتكونوا شهداء على الناس ويكون الرسول عليكم شهيدا‪ .)...‬وذكر هذا الحديث‬
‫مطول ابن المبارك بمعناه‪ ،‬وفيه‪( :‬فتقول تلك المم كيف يشهد علينا من لم يدركنا فيقول لهم الرب‬
‫سهبحانه كيهف تشهدون على مهن لم تدركوا فيقولون ربنها بعثهت إلينها رسهول وأنزلت إلينها عهدك‬
‫وكتابهك وقصهصت علينها أنههم قهد بلغوا فشهدنها بمها عهدت إلينها فيقول الرب صهدقوا فذلك قوله عهز‬
‫وجههل وكذلك جعلناكههم أمههة وسههطا ‪ -‬والوسههط العدل ‪ -‬لتكونوا شهداء على الناس ويكون الرسههول‬
‫عليكهم شهيدا)‪ .‬قال ابهن أنعهم‪ :‬فبلغنهي أنهه يشههد يومئذ أمهة محمهد عليهه السهلم‪ ،‬إل مهن كان فهي قلبهه‬
‫حنهة على أخيهه‪ .‬وقالت طائفهة‪ :‬معنهى اليهة يشههد بعضكهم على بعهض بعهد الموت‪ ،‬كمها ثبهت فهي‬
‫صهحيح مسهلم عهن أنهس عهن النهبي صهلى ال عليهه وسهلم أنهه قال حيهن مرت بهه جنازة فأثنهي عليهها‬
‫خيهر فقال‪( :‬وجبهت وجبهت وجبهت)‪ .‬ثهم مهر عليهه بأخرى فأثنهي عليهها شهر فقال‪( :‬وجبهت وجبهت‬
‫وجبههت)‪ .‬فقال عمههر‪ :‬فدى لك أبههي وأمههي‪ ،‬مههر بجنازة فأثنههي عليههها خيههر فقلت‪( :‬وجبههت وجبههت‬
‫وجبهت) ومهر بجنازة فأثنهي عليهها شهر فقلت‪( :‬وجبهت وجبهت وجبهت)؟ فقال رسهول ال صهلى ال‬
‫عليه وسلم‪( :‬من أثنيتم عليه خيرا وجبت له الجنة ومن أثنيتم عليه شرا وجبت له النار أنتم شهداء‬
‫ال فهي الرض أنتهم شهداء ال فهي الرض أنتهم شهداء ال فهي الرض)‪ .‬أخرجهه البخاري بمعناه‪.‬‬
‫وفهي بعهض طرقهه فهي غيهر الصهحيحين وتل‪" :‬لتكونوا شهداء على الناس ويكون الرسهول عليكهم‬
‫شهيدا"‪ .‬وروى أبان وليهث عهن شههر بهن حوشهب عهن عبادة بهن الصهامت قال سهمعت رسهول ال‬
‫صهلى ال عليهه وسهلم يقول‪( :‬أعطيهت أمتهي ثلثها لم تعهط إل النهبياء كان ال إذا بعهث نبيها قال له‬
‫ادعنهي اسهتجب لك وقال لهذه المهة ادعونهي اسهتجب لكهم وكان ال إذا بعهث النهبي قال له مها جعهل‬
‫عليهك فهي الديهن مهن حرج وقال لهذه المهة ومها جعهل عليكهم فهي الديهن مهن حرج وكان ال إذا بعهث‬
‫النهبي جعله شهيدا على قومهه وجعهل هذه المهة شهداء على الناس)‪ .‬خرجهه الترمذي الحكيهم أبهو‬
‫عبدال في "نوادر الصول"‪.‬‬
‫@قال علماؤنها‪ :‬أنبأنها ربنها تبارك وتعالى فهي كتابهه بمها أنعهم علينها مهن تفضيله لنها باسهم العدالة‬
‫وتوليهة خطيهر الشهادة على جميهع خلقهه‪ ،‬فجعلنها أول مكانها وإن كنها آخرا زمانها‪ ،‬كمها قال عليهه‬
‫السلم‪( :‬نحن الخرون الولون)‪ .‬وهذا دليل على أنه ل يشهد إل العدول‪ ،‬ول ينفذ قول الغير على‬
‫الغير إل أن يكون عدل‪ .‬وسيأتي بيان العدالة وحكمها في آخر السورة إن شاء ال تعالى‪.‬‬
‫@وفيهه دليهل على صهحة الجماع ووجوب الحكهم بهه‪ ،‬لنههم إذا كانوا عدول شهدوا على الناس‪.‬‬
‫فكهل عصهر شهيهد على مهن بعده‪ ،‬فقول الصهحابة حجهة وشاههد على التابعيهن‪ ،‬وقول التابعيهن على‬
‫من بعدهم‪ .‬وإذ جعلت المة شهداء فقد وجب قبول قولهم‪ .‬ول معنى لقول من قال‪ :‬أريد به جميع‬
‫المة‪ ،‬لنه حينئذ ل يثبت مجمع عليه إلى قيام الساعة‪ .‬وبيان هذا في كتب أصول الفقه‪.‬‬
‫@قوله تعالى‪" :‬ويكون الرسهول عليكهم شهيدا" قيهل‪ :‬معناه بأعمالكهم يوم القيامهة‪ .‬وقيهل‪" :‬عليكهم"‬
‫بمعنى لكم‪ ،‬أي يشهد لكم باليمان‪ .‬وقيل‪ :‬أي يشهد عليكم بالتبليغ لكم‪.‬‬
‫@قوله تعالى‪" :‬ومها جعلنها القبلة التهي كنهت عليهها" قيهل‪ :‬المراد بالقبلة هنها القبلة الولى‪ ،‬لقوله‬
‫"كنت عليها"‪ .‬وقيل‪ :‬الثانية‪ ،‬فتكون الكاف زائدة‪ ،‬أي أنت الن عليها‪ ،‬كما تقدم‪ ،‬وكما قال‪" :‬كنتم‬
‫خير أمة أخرجت للناس" [آل عمران‪ ]110 :‬أي أنتم‪ ،‬في قول بعضهم‪ ،‬وسيأتي‪.‬‬
‫@قوله تعالى‪" :‬إل لنعلم من يتبع الرسول" قال علي بن أبي طالب رضي ال تعالى عنه‪ :‬معنى‬
‫"لنعلم" لنرى‪ .‬والعرب تضع العلم مكان الرؤية‪ ،‬والرؤية مكان العلم‪ ،‬كقوله تعالى‪" :‬ألم تر كيف‬
‫فعل ربك" [الفيل‪ ]1 :‬بمعنى ألم تعلم‪ .‬وقيل‪ :‬المعنى إل لتعلموا أننا نعلم‪ ،‬فإن المنافقين كانوا في‬
‫شهك مهن علم ال تعالى بالشياء قبهل كونهها‪ .‬وقيهل‪ :‬المعنهى لنميهز أههل اليقيهن مهن أههل الشهك‪ ،‬حكاه‬
‫ابهن فورك‪ ،‬وذكره الطهبري عهن ابهن عباس‪ .‬وقيهل‪ :‬المعنهى إل ليعلم النهبي واتباعهه‪ ،‬وأخهبر تعالى‬
‫بذلك عهن نفسهه‪ ،‬كمها يقال‪ :‬فعهل الميهر كذا‪ ،‬وإنمها فعله اتباعهه‪ ،‬ذكره المهدوي وههو جيهد‪ .‬وقيهل‪:‬‬
‫معناه ليعلم محمد‪ ،‬فأضاف علمه إلى نفسه تعالى تخصيصا وتفضيل‪ ،‬كما كنى عن نفسه سبحانه‬
‫فهي قوله‪( :‬يها ابهن آدم مرضهت فلم تعدنهي) الحديهث‪ .‬والول أظههر‪ ،‬وأن معناه علم المعاينهة الذي‬
‫يوجهب الجزاء‪ ،‬وههو سهبحانه عالم الغيهب والشهادة‪ ،‬علم مها يكون قبهل أن يكون‪ ،‬تختلف الحوال‬
‫على المعلومات وعلمهه ل يختلف بهل يتعلق بالكهل تعلقها واحدا‪ .‬وهكذا كهل مها ورد فهي الكتاب مهن‬
‫هذا المعنههى مههن قوله تعالى‪" :‬وليعلم ال الذيههن آمنوا ويتخههذ منكههم شهداء" [آل عمران‪،]140 :‬‬
‫"ولنبلونكم حتى نعلم المجاهدين منكم والصابرين" [محمد‪ ]31 :‬وما أشبه‪ .‬والية جواب لقريش‬
‫فهي قولههم‪" :‬مها ولههم عهن قبلتههم التهي كانوا عليهها" [البقرة‪ ]142 :‬وكانهت قريهش تألف الكعبهة‪،‬‬
‫فأراد ال عز وجل أن يمتحنهم بغير ما ألفوه ليظهر من يتبع الرسول ممن ل يتبعه‪ .‬وقرأ الزهري‬
‫"إل ليعلم" "فمهن" فهي موضهع رفهع على هذه القراءة‪ ،‬لنهها اسهم مها لم يسهم فاعله‪ .‬وعلى قراءة‬
‫الجماعهة فهي موضهع نصهب على المفعول‪" .‬يتبهع الرسهول" يعنهي فيمها أمهر بهه مهن اسهتقبال الكعبهة‪.‬‬
‫"ممن ينقلب على عقبيه" يعني ممن يرتد عن دينه‪ ،‬لن القبلة لما حولت ارتد من المسلمين قوم‬
‫ونافهق قوم‪ ،‬ولهذا قال‪" :‬وإن كانهت لكهبيرة" أي تحويلهها‪ ،‬قال ابهن عباس ومجاههد وقتادة‪ .‬والتقديهر‬
‫في العربية‪ :‬وإن كانت التحويلة‪.‬‬
‫@قوله تعالى‪" :‬وإن كانت لكبيرة" ذهب الفراء إلى أن "إن" واللم بمعنى ما وإل‪ ،‬والبصريون‬
‫يقولون‪ :‬ههي إن الثقيلة خففهت‪ .‬وقال الخفهش‪ :‬أي وإن كانهت القبلة أو التحويلة أو التوليهة لكهبيرة‪.‬‬
‫"إل على الذيهن هدى ال" أي خالق الهدى الذي ههو اليمان فهي قلوبههم‪ ،‬كمها قال تعالى‪" :‬أولئك‬
‫كتب في قلوبهم اليمان" [المجادلة‪.]22 :‬‬
‫@قوله تعالى‪" :‬وما كان ال ليضيع إيمانكم" اتفق العلماء على أنها نزلت فيمن مات وهو يصلي‬
‫إلى بيههت المقدس‪ ،‬كمهها ثبههت فههي البخاري مههن حديههث البراء بههن عازب‪ ،‬على مهها تقدم‪ .‬وخرج‬
‫الترمذي عن ابهن عباس قال‪ :‬لما وجه النهبي صلى ال عليه وسلم إلى الكعبة قالوا‪ :‬يا رسول ال‪،‬‬
‫كيهف بإخواننها الذيهن ماتوا وههم يصهلون إلى بيهت المقدس؟ فأنزل ال تعالى‪" :‬ومها كان ال ليضيهع‬
‫إيمانكهم" اليهة‪ ،‬قال‪ :‬هذا حديهث حسهن صههحيح‪ .‬فسهمى الصههلة إيمانهها لشتمالهها على نيهة وقول‬
‫وعمل‪ .‬وقال مالك‪ :‬إني لذكر بهذه الية قول المرجئة‪ :‬إن الصلة ليست من اليمان‪ .‬وقال محمد‬
‫بههن إسهحاق‪" :‬ومها كان ال ليضيههع إيمانكههم" أي بالتوجهه إلى القبلة وتصههديقكم لنههبيكم‪ ،‬وعلى هذا‬
‫معظهم المسهلمين والصهوليين‪ .‬وروى ابهن وههب وابهن القاسهم وابهن عبدالحكهم وأشههب عهن مالك‬
‫"وما كان ال ليضيع إيمانكم" قال‪ :‬صلتكم‪.‬‬
‫@قوله تعالى‪" :‬إن ال بالناس لرؤوف رحيم" الرأفة أشد من الرحمة‪ .‬وقال أبو عمرو بن العلء‪:‬‬
‫الرأفههة أكثههر مههن الرحمههة‪ ،‬والمعنههى متقارب‪ .‬وقههد أتينهها على لغتههه وأشعاره ومعانيههه فههي الكتاب‬
‫"السهنى فهي شرح أسهماء ال الحسهنى" فلينظهر هناك‪ .‬وقرأ الكوفيون وأبهو عمرو "لرؤف" على‬
‫وزن فعل‪ ،‬وهي لغة بني أسد‪ ،‬ومنه قول الوليد بن عقبة‪:‬‬
‫يقاتل عمه الرؤف الرحيم‬ ‫وشر الطالبين فل تكنه‬
‫وحكهى الكسهائي أن لغهة بنهي أسهد "لرأف"‪ ،‬على فعهل‪ .‬وقرأ أبهو جعفهر بهن القعقاع "لروف" مثقل‬
‫بغير همز‪ ،‬وكذلك سهل كل همزة في كتاب ال تعالى‪ ،‬ساكنة كانت أو متحركة‪.‬‬
‫*‪*3‬اليهة ‪{ 144 :‬قهد نرى تقلب وجههك فهي السهماء فلنولينهك قبلة ترضاهها فول وجههك شطهر‬
‫المسجد الحرام وحيث ما كنتم فولوا وجوهكم شطره وإن الذين أوتوا الكتاب ليعلمون أنه الحق من‬
‫ربهم وما ال بغافل عما يعملون}‬
‫@قال العلماء‪ :‬هذه الية مقدمة في النزول على قوله تعالى‪" :‬سيقول السفهاء من الناس "[البقرة‪:‬‬
‫‪ .]142‬ومعنى "تقلب وجهك"‪ :‬تحول وجهك إلى السماء‪ ،‬قاله الطبري‪ .‬الزجاج‪ :‬تقلب عينيك في‬
‫النظر إلى السماء‪ ،‬والمعنى متقارب‪ .‬وخص السماء بالذكر إذ هي مختصة بتعظيم ما أضيف إليها‬
‫ويعود منها كالمطر والرحمة والوحي‪ .‬ومعنى "ترضاها" تحبها‪ .‬قال السدي‪ :‬كان إذا صلى نحو‬
‫بيت المقدس رفع رأسه إلى السماء ينظر ما يؤمر به‪ ،‬وكان يحب أن يصلي إلى قبل الكعبة فأنزل‬
‫ال تعالى‪" :‬قهد نرى تقلب وجههك فهي السهماء"‪ .‬وروى أبهو إسهحاق عهن البراء قال‪ :‬كان رسهول ال‬
‫صهلى ال عليهه وسهلم صهلى نحهو بيهت المقدس سهتة عشهر شهرا أو سهبعة عشهر شهرا‪ ،‬وقهد كان‬
‫رسههول ال صههلى ال عليههه وسههلم يحههب أن يوجههه نحههو الكعبههة‪ ،‬فأنزل ال تعالى‪" :‬قههد نرى تقلب‬
‫وجهك في السماء"‪ .‬وقد تقدم هذا المعنى والقول فيه‪ ،‬والحمد ل‪.‬‬
‫@قوله تعالى‪" :‬فول" أمر "وجهك شطر" أي ناحية "المسجد الحرام" يعني الكعبة‪ ،‬ول خلف‬
‫في هذا‪ .‬قيل‪ :‬حيال البيت كله‪ ،‬عن ابن عباس‪ .‬وقال ابن عمر‪ :‬حيال الميزاب من الكعبة‪ ،‬قال ابن‬
‫عطية‪ .‬والميزاب‪ :‬هو قبلة المدينة وأهل الشام‪ ،‬وهناك قبلة أهل الندلس‪.‬‬
‫قلت‪ :‬قهد روى ابهن جريهج عهن عطاء عهن ابهن عباس رضهي ال عنهمها أن رسهول ال صهلى ال‬
‫عليه وسلم قال‪( :‬البيت قبلة لهل المسجد والمسجد قبلة لهل الحرم والحرم قبلة لهل الرض في‬
‫مشارقها ومغاربها من أمتي)‪.‬‬
‫@قوله تعالى‪" :‬شطهر المسهجد الحرام" الشطهر له محامهل‪ :‬يكون الناحيهة والجههة‪ ،‬كمها فهي هذه‬
‫اليهة‪ ،‬وههو ظرف مكان‪ ،‬كمها تقول‪ :‬تلقاءه وجهتهه‪ .‬وانتصهب الظرف لنهه فضلة بمنزلة المفعول‬
‫[به]‪ ،‬وأيضا فإن الفعل واقع فيه‪ .‬وقال داود بن أبي هند‪ :‬إن في حرف ابن مسعود "فول وجهك‬
‫تلقاء المسجد الحرام"‪ .‬وقال الشاعر‪:‬‬
‫صدور العيس شطر بني تميم‪.‬‬ ‫أقول لم زنباع أقيمي‬
‫وقال آخر‪:‬‬
‫هول له ظلم يغشاكم قطعا‬ ‫وقد أظلكم من شطر ثغركم‬
‫وقال آخر‪:‬‬
‫وما تغني الرسالة شطر عمرو‬ ‫أل من مبلغ عمرا رسول‬
‫وشطهر الشيء‪ :‬نصهفه‪ ،‬ومنه الحديهث‪( :‬الطهور شطهر اليمان)‪ .‬ويكون من الضداد‪ ،‬يقال‪ :‬شطهر‬
‫إلى كذا إذا أقبل نحوه‪ ،‬وشطر عن كذا إذا أبعد منه وأعرض عنه‪ .‬فأما الشاطر من الرجال فلنه‬
‫قد أخذ في نحو غير الستواء‪ ،‬وهو الذي أعيا أهله خبثا‪ ،‬وقد شطر وشطر (بالضم) شطارة فيهما‬
‫وسئل بعضهم عن الشاطر‪ ،‬فقال‪ :‬هو من أخذ في البعد عما نهى ال عنه‪.‬‬
‫@ل خلف بين العلماء أن الكعبة قبلة في كل أفق‪ ،‬وأجمعوا على أن من شاهدها وعاينها فرض‬
‫عليه استقبالها‪ ،‬وأنه إن ترك استقبالها وهو معاين لها وعالم بجهتها فل صلة له‪ ،‬وعليه إعادة كل‬
‫مهها صههلى ذكره أبههو عمههر‪ .‬وأجمعوا على أن كههل مههن غاب عنههها أن يسههتقبل ناحيتههها وشطرههها‬
‫وتلقاءهها‪ ،‬فإن خفيهت عليهه فعليهه أن يسهتدل على ذلك بكهل مها يكنهه مهن النجوم والرياح والجبال‬
‫وغيهر ذلك ممها يمكهن أن يسهتدل بهه على ناحيتهها‪ .‬ومهن جلس فهي المسهجد الحرام فليكهن وجههه إلى‬
‫الكعبة وينظر إليها إيمانا واحتسابا‪ ،‬فإنه يروى أن النظر إلى الكعبة عبادة‪ ،‬قاله عطاء ومجاهد‪.‬‬
‫@واختلفوا ههل فرض الغائب اسهتقبال العيهن أو الجههة‪ ،‬فمنههم مهن قال بالول‪ .‬قال ابهن العربهي‪:‬‬
‫وههو ضعيهف‪ ،‬لنهه تكليهف لمها ل يصهل إليهه‪ .‬ومنههم مهن قال بالجههة‪ ،‬وههو الصهحيح لثلثهة أوجهه‪:‬‬
‫الول‪ :‬أنهه الممكهن الذي يرتبهط بهه التكليهف‪ .‬الثانهي‪ :‬أنهه المأمور بهه فهي القرآن‪ ،‬لقوله تعالى‪" :‬فول‬
‫وجهههك شطههر المسههجد الحرام وحيههث مهها كنتههم" يعنههي مههن الرض مههن شرق أو غرب "فولوا‬
‫وجوهكم شطره"‪ .‬الثالث‪ :‬أن العلماء احتجوا بالصف الطويل الذي يعلم قطعا أنه أضعاف عرض‬
‫البيت‪.‬‬
‫@في هذه الية حجة واضحة لما ذهب إليه مالك ومن وافقه في أن المصلي حكمه أن ينظر أمامه‬
‫ل إلى موضهع سهجوده‪ .‬وقال الثوري وأبهو حنيفهة والشافعهي والحسهن بهن حهي‪ .‬يسهتحب أن يكون‬
‫نظره إلى موضع سجوده‪ .‬وقال شريك القاضي‪ :‬ينظر في القيام إلى موضع السجود‪ ،‬وفي الركوع‬
‫إلى موضهع قدميهه‪ ،‬وفهي السهجود إلى موضهع أنفهه‪ ،‬وفهي القعود إلى حجره‪ .‬قال ابهن العربهي‪ :‬إنمها‬
‫ينظهر أمامهه إن حنهى رأسهه ذههب بعهض القيام المفترض عليهه فهي الرأس وههو أشرف العضاء‪،‬‬
‫وإن أقام رأسهه وتكلف النظهر ببصهره إلى الرض فتلك مشقهة عظيمهة وحرج‪ .‬ومها جعهل علينها فهي‬
‫الدين من حرج‪ ،‬أما إن ذلك أفضل لمن قدر عليه‪.‬‬
‫@قوله تعالى‪" :‬وإن الذين أوتوا الكتاب" يريد اليهود والنصارى "ليعلمون أنه الحق من ربهم"‬
‫يعنهي تحويهل القبلة مهن بيهت المقدس‪ .‬فإن قيهل‪ :‬كيهف يعلمون ذلك وليهس مهن دينههم ول فهي كتابههم؟‬
‫قيل عنه جوابان‪ :‬أحدهما‪ :‬أنهم لما علموا من كتابهم أن محمدا صلى ال عليه وسلم نبي علموا أنه‬
‫ل يقول إل الحهق ول يأمهر إل بهه‪ .‬الثانهي‪ :‬أنههم علموا مهن دينههم جواز النسهخ وإن جحده بعضههم‪،‬‬
‫فصاروا عالمين بجواز القبلة‪.‬‬
‫@قوله تعالى‪" :‬ومها ال بغافهل عمها يعملون" تقدم معناه‪ .‬وقرأ ابهن عامهر وحمزة والكسهائي‬
‫"تعملون" بالتاء على مخاطبة أهل الكتاب أو أمة محمد صلى ال عليه وسلم‪ .‬وعلى الوجهين فهو‬
‫إعلم بأن ال تعالى ل يهمل أعمال العباد ول يغفل عنها‪ ،‬وضمنه الوعيد‪ .‬وقرأ الباقون بالياء من‬
‫تحت‪.‬‬
‫*‪*3‬اليهة ‪{ 145 :‬ولئن أتيت الذيهن أوتوا الكتاب بكهل آية مها تبعوا قبلتهك ومها أنت بتابع قبلتههم‬
‫ومهها بعضهههم بتابههع قبلة بعههض ولئن اتبعههت أهواءهههم مههن بعههد مهها جاءك مههن العلم إنههك إذا لمههن‬
‫الظالمين}‬
‫@قوله تعالى‪" :‬ولئن أتيت الذين أوتوا الكتاب بكل آية ما تبعوا قبلتك" لنهم كفروا وقد تبين لهم‬
‫الحهق‪ ،‬وليهس تنفعههم اليات‪ ،‬أي العلمات‪ .‬وجمهع قبلة فهي التكسهير‪ :‬قبهل‪ .‬وفهي التسهليم‪ :‬قبلت‪.‬‬
‫ويجوز أن تبدل مههن الكسههرة فتحههة‪ ،‬فتقول قبلت‪ .‬ويجوز أن تحذف الكسههرة وتسههكن الباء فتقول‬
‫قبلت‪ .‬وأجيبت "لئن" بجواب "لو" وهي ضدها في أن "لو" تطلب في جوابها المضي والوقوع‪،‬‬
‫و"لئن" تطلب السههتقبال‪ ،‬فقال الفراء والخفههش‪ :‬أجيبههت بجواب "لو" لن المعنههى‪ :‬ولو أتيههت‪.‬‬
‫وكذلك تجاب "لو" بجواب "لئن"‪ ،‬تقول‪ :‬لو أحسنت أحسن إليك‪ ،‬ومثله قوله تعالى‪" :‬ولئن أرسلنا‬
‫ريحا فرأوه مصفرا لظلوا" [الروم‪ ]51 :‬أي ولو أرسلنا ريحا‪ .‬وخالفهما سيبويه فقال‪ :‬إن معنى‬
‫"لئن" مخالف لمعنهى "لو" فل يدخهل واحهد منهمها على الخهر‪ ،‬فالمعنهى‪ :‬ولئن أتيهت الذيهن أوتوا‬
‫الكتاب بكهل آيهة ل يتبعون قبلتهك‪ .‬قال سهيبويه‪ :‬ومعنهى "ولئن أرسهلنا ريحها فرأوه مصهفرا لظلوا"‬
‫ليظلن‪.‬‬
‫@قوله تعالى‪" :‬وما أنت بتابع قبلتهم" لفظ خبر ويتضمن المر‪ ،‬أي فل تركن إلى شيء من ذلك‬
‫ثهم أخهبر تعالى أن اليهود ليسهت متبعهة قبلة النصهارى ول النصهارى متبعهة قبلة اليهود‪ ،‬عن السهدي‬
‫وابهن زيهد‪ .‬فهذا إعلم باختلفههم وتدابرههم وضللههم‪ .‬وقال قوم‪ :‬المعنهى ومها مهن اتبعهك ممهن أسهلم‬
‫منهم بمتبع قبلة من لم يسلم‪ ،‬ول من لم يسلم قبلة من أسلم‪ .‬والول أظهر‪ ،‬وال تعالى اعلم‪.‬‬
‫@قوله تعالى‪" :‬ولئن اتبعت أهواءهم من بعد ما جاءك من العلم إنك إذا لمن الظالمين" الخطاب‬
‫للنهبي صهلى ال عليهه وسهلم‪ ،‬والمراد أمتهه ممهن يجوز أن يتبهع هواه فيصهير باتباعهه ظالمها‪ ،‬وليهس‬
‫يجوز أن يفعل النبي صلى ال عليه وسلم ما يكون به ظالما‪ ،‬فهو محمول على إرادة أمته لعصمة‬
‫النهبي صهلى ال عليهه وسهلم وقطعنها أن ذلك ل يكون منهه‪ ،‬وخوطهب النهبي صهلى ال عليهه وسهلم‬
‫تعظيمهها للمههر ولنههه المنزل عليههه‪ .‬والهواء‪ :‬جمههع هوى‪ ،‬وقههد تقدم‪ ،‬وكذا "مههن العلم" [البقرة‪:‬‬
‫‪ ]120‬تقدم أيضا‪ ،‬فل معنى للعادة‪.‬‬
‫*‪*3‬الية ‪{ 146 :‬الذين آتيناهم الكتاب يعرفونه كما يعرفون أبناءهم وإن فريقا منههم ليكتمون‬
‫الحق وهم يعلمون}‬
‫@قوله تعالى‪" :‬الذيهن آتيناههم الكتاب يعرفونهه كمها يعرفون أبناءههم" "الذيهن" فهي موضهع رفهع‬
‫بالبتداء والخههبر "يعرفونههه"‪ .‬ويصههح أن يكون فههي موضههع خفههض على الصههفة "للظالميههن"‪،‬‬
‫و"يعرفون" فههي موضههع الحال‪ ،‬أي يعرفون نبوتههه وصههدق رسههالته‪ ،‬والضميههر عائد على محمههد‬
‫صههلى ال عليههه وسههلم‪ ،‬قاله مجاهههد وقتادة وغيرهمهها‪ .‬وقيههل‪" :‬يعرفون" تحويههل القبلة عههن بيههت‬
‫المقدس إلى الكعبهة أنهه حهق‪ ،‬قال ابهن عباس وابهن جريهج والربيهع وقتادة أيضها‪ .‬وخهص البناء فهي‬
‫المعرفة بالذكر دون النفس وإن كانت ألصق لن النسان يمر عليه من زمنه برهة ل يعرف فيها‬
‫نفسه‪ ،‬ول يمر عليه وقت ل يعرف فيه ابنه‪ .‬وروي أن عمر قال لعبدال بن سلم‪ :‬أتعرف محمدا‬
‫صهلى ال عليهه وسهلم كمها تعرف ابنهك؟ فقال‪ :‬نعهم وأكثهر‪ ،‬بعهث ال أمينهه فهي سهمائه إلى أمينهه فهي‬
‫أرضه بنعته فعرفته‪ ،‬وابني ل أدري ما كان من أمه‪.‬‬
‫@قوله تعالى‪" :‬وإن فريقها منههم ليكتمون الحهق" يعنهي محمدا صهلى ال عليهه وسهلم‪ ،‬قاله مجاههد‬
‫وقتادة وخصيف‪ .‬وقيل‪ :‬استقبال الكعبة‪ ،‬على ما ذكرنا آنفا‪.‬‬
‫"وهم يعلمون" ظاهر في صحة الكفر عنادا‪ ،‬ومثله‪" :‬وجحدوا بها واستيقنتها أنفسهم" [النمل‪:‬‬
‫‪ ]14‬وقوله "فلما جاءهم ما عرفوا كفروا به"[البقرة‪.]89:‬‬
‫*‪*3‬الية ‪{ 147 :‬الحق من ربك فل تكونن من الممترين}‬
‫@قوله تعالى‪" :‬الحق من ربك" يعني استقبال الكعبة‪ ،‬ل ما أخبرك به اليهود من قبلتهم‪ .‬وروي‬
‫عهن علي رضهي ال عنهه أنهه قرأ "الحهق" منصهوبا بهه "يعلمون" أي يعلمون الحهق‪ .‬ويصهح نصهبه‬
‫على تقديههر الزم الحههق‪ .‬والرفههع على البتداء أو على إضمار مبتدأ والتقديههر هههو الحههق‪ ،‬أو على‬
‫إضمار فعههل‪ ،‬أي جاءك الحههق‪ .‬قال النحاس‪ :‬فأمهها الذي فههي "النههبياء" "الحههق فهههم معرضون"‬
‫[النبياء‪ ]24 :‬فل نعلم أحدا قرأه إل منصوبا‪ ،‬والفرق بينهما أن الذي في سورة "البقرة" مبتدأ‬
‫آية‪ ،‬والذي في النبياء ليس كذلك‪.‬‬
‫@قوله تعالى‪" :‬فل تكونن من الممترين" أي من الشاكين‪ .‬والخطاب للنبي صلى ال عليه وسلم‬
‫والمراد أمتهه‪ .‬يقال‪ :‬امترى فلن [فهي] كذا إذا اعترضهه اليقيهن مرة والشهك أخرى فدافهع إحداهمها‬
‫بالخرى‪ ،‬ومنه المراء لن كل واحد منهما يشك في قول صاحبه‪ .‬والمتراء في الشيء الشك فيه‪،‬‬
‫وكذا التماري‪ .‬وأنشد الطبري شاهدا على أن الممترين الشاكون قول العشى‪:‬‬
‫هن ركضا إذا ما السراب أرجحن‬ ‫تدر على أسؤق الممتريه‬
‫قال ابهن عطيهة‪ :‬ووههم فهي هذا‪ ،‬لن أبها عهبيدة وغيره قال‪ :‬الممترون فهي البيهت ههم الذيهن يمرون‬
‫الخيهل بأرجلههم همزا لتجري كأنههم يحتلبون الجري منهها‪ ،‬وليهس فهي البيهت معنهى الشهك كمها قال‬
‫الطبري‪.‬‬
‫قلت‪ :‬معنهى الشهك فيهه موجود‪ ،‬لنهه يحتمهل أن يختهبر الفرس صهاحبه ههل ههو على مها عههد مهن‬
‫الجري أم ل‪ ،‬لئل يكون أصابه شيء‪ ،‬أو يكون هذا عند أول شرائه فيجريه ليعلم مقدار جربه‪ .‬قال‬
‫الجوهري‪ :‬ومريههت الفرس إذا اسههتخرجت مهها عنده مههن الجري بسههوط أو غيره‪ .‬والسههم المريههة‬
‫(بالكسهر) وقهد تضهم‪ .‬ومريهت الناقهة مريها‪ :‬إذا مسهحت ضرعهها لتدر‪ .‬وأمرت ههي إذا در لبنهها‪،‬‬
‫والسم المرية (بالكسر)‪ ،‬والضم غلط‪ .‬والمرية‪ :‬الشك‪ ،‬وقد تضم‪ ،‬وقرئ بهما‪.‬‬
‫*‪*3‬الية ‪{ 148 :‬ولكل وجهة هو موليها فاستبقوا الخيرات أينما تكونوا يأت بكم ال جميعا إن‬
‫ال على كل شيء قدير}‬
‫@قوله تعالى‪" :‬ولكل وجهة" الوجهة وزنها فعلة من المواجهة‪ .‬والوجهة والجهة والوجه بمعنى‬
‫واحهد‪ ،‬والمراد القبلة‪ ،‬أي إنههم ل يتبعون قبلتهك وأنهت ل تتبهع قبلتههم‪ ،‬ولكهل وجههة إمها بحهق وإمها‬
‫بهوى‪.‬‬
‫@قوله تعالى‪" :‬ههو موليهها" "ههو" عائد على لفهظ كهل ل على معناه‪ ،‬لنهه لو كان على المعنهى‬
‫لقال‪ :‬ههم مولوهها وجوهههم‪ ،‬فالهاء واللف مفعول أول والمفعول الثانهي محذوف‪ ،‬أي ههو موليهها‬
‫وجههه ونفسهه‪ .‬والمعنهى‪ :‬ولكهل صهاحب ملة قبلة‪ ،‬صهاحب القبلة موليهها وجههه‪ ،‬على لفهظ كهل وههو‬
‫قول الربيهع وعطاء وابهن عباس‪ .‬وقال علي بهن سهليمان‪" :‬موليهها" أي متوليهها‪ .‬وقرأ ابهن عباس‬
‫وابن عامر "مولها" على ما لم يسم فاعله‪ .‬والضمير على هذه القراءة لواحد‪ ،‬أي ولكل واحد من‬
‫الناس قبلة‪ ،‬الواحهههد مولهههها أي مصهههروف إليهههها‪ ،‬قاله الزجاج‪ .‬ويحتمهههل أن يكون على قراءة‬
‫الجماعة "هو" ضمير اسم ال عز وجل وإن لم يجر له ذكر‪ ،‬إذ معلوم أن ال عز وجل فاعل ذلك‬
‫والمعنهى‪ :‬لكهل صهاحب ملة قبلة ال موليهها إياه‪ .‬وحكهى الطهبري‪ :‬أن قومها قرؤوا "ولكهل وجههة"‬
‫بإضافة كل إلى وجهة‪ .‬قال ابن عطية‪ :‬وخطأها الطبري‪ ،‬وهي متجهة‪ ،‬أي فاستبقوا الخيرات لكل‬
‫وجهة ولكموها‪ ،‬ول تعترضوا فيما أمركم بين هذه وهذه‪ ،‬أي إنما عليكم الطاعة في الجميع‪ .‬وقدم‬
‫قول "ولكل وجهة" على المر في قوله‪" :‬فاستبقوا الخيرات" للهتمام بالوجهة كما يقدم المفعول‪،‬‬
‫وذكهر أبهو عمرو الدانهي هذه القراءة عهن ابهن عباس رضهي ال عنهمها‪ .‬وسهلمت الواو فهي "وجههة"‬
‫للفرق بيهن عدة وزنهة‪ ،‬لن جههة ظرف‪ ،‬وتلك مصهادر‪ .‬وقال أبهو علي‪ :‬ذههب قوم إلى أنهه مصهدر‬
‫شهذ عهن القياس فسهلم‪ .‬وذههب قوم إلى أنهه اسهم وليهس بمصهدر‪ .‬وقال غيهر أبهي علي‪ :‬وإذا أردت‬
‫المصدر قلت جهة‪ ،‬وقد يقال الجهة في الظرف‪.‬‬
‫@قوله تعالى‪" :‬فاسهتبقوا الخيرات" أي إلى الخيرات‪ ،‬فحذف الحرف‪ ،‬أي بادروا مها أمركهم ال‬
‫عز وجل من استقبال البيت الحرام‪ ،‬وإن كان يتضمن الحث على المبادرة والستعجال إلى جميع‬
‫الطاعات بالعموم‪ ،‬فالمراد مها ذكهر مهن السهتقبال لسهياق الي‪ .‬والمعنهى المراد المبادرة بالصهلة‬
‫أول وقتها‪ ،‬وال تعالى اعلم‪ .‬روى النسائي عن أبي هريرة رضي ال عنه أن رسول ال صلى ال‬
‫عليهه وسهلم قال‪( :‬إنمها مثهل المهجهر إلى الصهلة كمثهل الذي يهدي البدنهة ثهم الذي على أثره كالذي‬
‫يهدي البقرة ثههم الذي على أثره كالذي يهدي الكبههش ثههم الذي على أثره كالذي يهدي الدجاجههة ثههم‬
‫الذي على أثره كالذي يهدي البيضهة)‪ .‬وروى الدارقطنهي عهن أبهي هريرة رضهي ال عنهه قال قال‬
‫رسهول ال صهلى ال عليهه وسهلم‪( :‬إن أحدكهم ليصهلي الصهلة لوقتهها وقهد ترك مهن الوقهت الول مها‬
‫هو خير له من أهله وماله)‪ .‬وأخرجه مالك عن يحيى بن سعيد قوله‪ .‬وروى الدارقطني أيضا عن‬
‫ابهن عمهر قال قال رسهول ال صهلى ال عليهه وسهلم‪( :‬خيهر العمال الصهلة فهي أول وقتهها)‪ .‬وفهي‬
‫حديهث ابهن مسهعود "أول وقتهها" بإسهقاط "فهي"‪ .‬وروي أيضها عهن إبراهيهم بهن عبدالملك عهن أبهي‬
‫محذورة عههن أبيههه عههن جده قال قال رسههول ال صههلى ال عليههه وسههلم‪( :‬أول الوقههت رضوان ال‬
‫ووسط الوقت رحمة ال وآخر الوقت عفو ال)‪ .‬زاد ابن العربي‪ :‬فقال أبو بكر‪ :‬رضوان ال أحب‬
‫إلينها مهن عفوه‪ ،‬فإن رضوانهه عهن المحسهنين وعفوه عهن المقصهرين‪ ،‬وهذا اختيار الشافعهي‪ .‬وقال‬
‫أبو حنيفة‪ :‬آخر الوقت أفضل‪ ،‬لنه وقت الوجوب‪ .‬وأما مالك ففصل القول‪ ،‬فأما الصبح والمغرب‬
‫فأول الوقهت فيهمها أفضهل‪ ،‬أمها الصهبح فلحديهث عائشهة رضهي ال عنهها قالت‪( :‬إن كان رسهول ال‬
‫صلى ال عليه وسلم ليصلي الصبح فينصرف النساء متلفعات بمروطهن ما يعرفن من الغلس) ‪-‬‬
‫في رواية ‪( -‬متلففات)‪ .‬وأما المغرب فلحديث سلمة بن الكوع أن رسول ال صلى ال عليه وسلم‬
‫كان يصلي المغرب إذا غربت الشمس وتوارت بالحجاب‪ ،‬أخرجهما مسلم‪ .‬وأما العشاء فتأخيرها‬
‫أفضل لمن قدر عليه‪ .‬روى ابن عمر قال‪ :‬مكثنا [ذات] ليلة ننتظر رسول ال صلى ال عليه وسلم‬
‫لصلة العشاء الخرة‪ ،‬فخرج إلينا حين ذهب ثلث الليل أو بعده‪ ،‬فل ندري أشيء شغله في أهله أو‬
‫غير ذلك‪ ،‬فقال حين خرج‪( :‬إنكم لتنتظرون صلة ما ينتظرها أهل دين غيركم ولول أن يثقل على‬
‫أمتي لصليت بهم هذه الساعة)‪ .‬وفي البخاري عن أنس قال‪ :‬أخر النبي صلى ال عليه وسلم صلة‬
‫العشاء إلى نصهف الليهل ثهم صهلى‪ ،...‬وذكهر الحديهث‪ .‬وقال أبهو برزة‪ :‬كان النهبي صهلى ال عليهه‬
‫وسهلم يسهتحب تأخيرهها‪ .‬وأمها الظههر فإنهها تأتهي الناس [على] غفلة فيسهتحب تأخيرهها قليل حتهى‬
‫يتأهبوا ويجتمعوا‪ .‬قال أبهو الفرج قال مالك‪ :‬أول الوقهت أفضهل فهي كهل صهلة إل للظههر فهي شدة‬
‫الحر‪ .‬وقال ابن أبي أويس‪ :‬وكان مالك يكره أن يصلي الظهر عند الزوال ولكن بعد ذلك‪ ،‬ويقول‪:‬‬
‫تلك صهلة الخوارج‪ .‬وفهي صهحيح البخاري وصهحيح الترمذي عهن أبهي ذر الغفاري قال‪ :‬كنها مهع‬
‫النهبي صهلى ال عليهه وسهلم فهي سهفر فأراد المؤذن أن يؤذن للظههر‪ ،‬فقال النهبي صهلى ال عليهه‬
‫وسهلم‪( :‬أبرد) ثهم أراد أن يؤذن فقال له‪( :‬أبرد) حتهى رأينها فيهء التلول‪ ،‬فقال النهبي صهلى ال عليهه‬
‫وسلم‪( :‬إن شدة الحر من فيح جهنم فإذا اشتد الحر فأبردوا بالصلة)‪ .‬وفي صحيح مسلم عن أنس‬
‫أن النهبي صهلى ال عليهه وسهلم كان يصهلي الظههر إذا زالت الشمهس‪ .‬والذي يجمهع ببن الحديثيهن مها‬
‫رواه أنهس أنهه إذا كان الحهر أبرد بالصهلة‪ ،‬وإذا كان البرد عجهل‪ .‬قال أبهو عيسهى الترمذي‪" :‬وقهد‬
‫اختار قوم [مههن أهههل العلم] تأخيههر صههلة الظهههر فههي شدة الحههر‪ ،‬وهههو قول ابههن المبارك وأحمههد‬
‫وإسهحاق‪ .‬قال الشافعهي‪ :‬إنمها البراد بصهلة الظههر إذا كان [مسهجدا] ينتاب أهله مهن البعهد‪ ،‬فأمها‬
‫المصهلي وحده والذي يصهلي فهي مسهجد قومهه فالذي أحهب له أل يؤخهر الصهلة فهي شدة الحهر‪ .‬قال‬
‫أبهو عيسهى‪ :‬ومعنهى مهن ذههب إلى تأخيهر الظههر فهي شدة الحهر ههو أولى وأشبهه بالتباع‪ ،‬وأمها مها‬
‫ذهب إليه الشافعي رحمه ال أن الرخصة لمن ينتاب من البعد وللمشقة على الناس‪ ،‬فإن في حديث‬
‫أبهي ذر رضهي ال عنهه مها يدل على خلف مها قال الشافعهي‪ .‬قال أبهو ذر‪ :‬كنها مهع النهبي صهلى ال‬
‫عليه وسلم في سفر فأذن بلل بصلة الظهر‪ ،‬فقال النبي صلى ال عليه وسلم‪[( :‬يا بلل] أبرد ثم‬
‫أبرد)‪ .‬فلو كان المر على ما ذهب إليه الشافعي لم يكن للبراد في ذلك الوقت معنى‪ ،‬لجتماعهم‬
‫فهي السهفر وكانوا ل يحتاجون أن ينتابوا مهن البعهد"‪ .‬وأمها العصهر فتقديمهها أفضهل‪ .‬ول خلف فهي‬
‫مذهبنها أن تأخيهر الصهلة رجاء الجماعهة أفضهل مهن تقديمهها‪ ،‬فإن فضهل الجماعهة معلوم‪ ،‬وفضهل‬
‫أول الوقت مجهول وتحصيل المعلوم أولى قاله ابن العربي‪.‬‬
‫@قوله تعالى‪" :‬أين ما تكونوا" شرط‪ ،‬وجوابه‪" :‬يأت بكم ال جميعا" يعني يوم القيامة‪" .‬إن ال‬
‫على كل شيء قدير" ثم وصف نفسه تعالى بالقدرة على كل شيء لتناسب الصفة مع ما ذكر من‬
‫العادة بعد الموت والبلى‪.‬‬
‫*‪*3‬اليتان ‪{150 - 149 :‬ومهن حيهث خرجهت فول وجههك شطهر المسهجد الحرام وإنهه للحهق‬
‫من ربك وما ال بغافل عما تعملون‪ ،‬ومن حيث خرجت فول وجهك شطر المسجد الحرام وحيث‬
‫مهها كنتههم فولوا وجوهكههم شطره لئل يكون للناس عليكههم حجهة إل الذيههن ظلموا منههم فل تخشوههم‬
‫واخشوني ولتم نعمتي عليكم ولعلكم تهتدون}‬
‫@قوله تعالى‪" :‬ومهن حيهث خرجهت فول وجههك شطهر المسهجد الحرام" قيهل‪ :‬هذا تأكيهد للمهر‬
‫باسهتقبال الكعبهة واهتمام بهها‪ ،‬لن موقهع التحويهل كان صهعبا فهي نفوسههم جدا‪ ،‬فأكهد المهر ليرى‬
‫الناس الهتمام به فيخف عليهم وتسكن نفوسهم إليه‪ .‬وقيل‪ :‬أراد بالول‪ :‬ول وجهك شطر الكعبة‪،‬‬
‫أي عاينها إذا صليت تلقاءها‪ .‬ثم قال‪ ::‬وحيث ما كنتم" معاشر المسلمين في سائر المساجد بالمدينة‬
‫وغيرههها "فولوا وجوهكههم شطره" ثههم قال "ومههن حيههث خرجههت" يعنههي وجوب السههتقبال فههي‬
‫السفار‪ ،‬فكان هذا أمرا بالتوجه إلى الكعبة في جميع المواضع من نواحي الرض‪.‬‬
‫قلت‪ :‬هذا القول أحسهن مهن الول‪ ،‬لن فيهه حمهل كهل آيهة على فائدة‪ .‬وقهد روى الدارقطنهي عهن‬
‫أنهس بهن مالك قال‪ :‬كان النهبي صهلى ال عليهه وسهلم إذا كان فهي سهفر فأراد أن يصهلي على راحلتهه‬
‫اسهتقبل القبلة وكهبر ثهم صهلى حيهث توجههت بهه‪ .‬أخرجهه أبهو داود أيضها‪ ،‬وبهه قال الشافعهي وأحمهد‬
‫وأبو ثور‪ .‬وذهب مالك إلى أنه ل يلزمه الستقبال‪ ،‬لحديث ابن عمر قال‪ :‬كان رسول ال صلى ال‬
‫عليهه وسهلم يصهلي وههو مقبهل مهن مكهة إلى المدينهة على راحلتهه‪ ..‬قال‪ :‬وفيهه نزل "فأينمها تولوا فثهم‬
‫وجه ال" [البقرة‪ ]115 :‬وقد تقدم‪.‬‬
‫قلت‪ :‬ول تعارض بين الحديثين‪ ،‬لن هذا من باب المطلق والمقيد‪ ،‬فقول الشافعي أولى‪ ،‬وحديث‬
‫أنهس فهي ذلك حديهث صهحيح‪ .‬ويروى أن جعفهر بهن محمهد سهئل مها معنهى تكريهر القصهص فهي‬
‫القرآن؟ فقال‪ :‬علم ال أن كل الناس ل يحفظ القرآن‪ ،‬فلو لم تكن القصة مكررة لجاز أن تكون عند‬
‫بعض الناس ول تكون عند بعض‪ ،‬فكررت لتكون عند من حفظ البعض‪.‬‬
‫@قوله تعالى‪" :‬لئل يكون للناس عليكهم حجهة إل الذيهن ظلموا منههم" قال مجاههد‪ :‬ههم مشركهو‬
‫العرب‪ .‬وحجتهههم قولههم‪ :‬راجعهت قبلتنهها‪ ،‬وقههد أجيبوا عهن هذا بقوله‪" :‬قهل ل المشرق والمغرب"‬
‫[البقرة‪ .]142 :‬وقيل‪ :‬معنى "لئل يكون للناس عليكم حجة" لئل يقولوا لكم‪ :‬قد أمرتم باستقبال‬
‫الكعبة ولستم ترونها‪ ،‬فلما قال عز وجل‪" :‬وحيث ما كنتم فولوا وجوهكم شطره" زال هذا‪ .‬وقال‬
‫أبهو عهبيدة‪ :‬إن "إل" ههنها بمعنهى الواو‪ ،‬أي والذيهن ظلموا‪ ،‬فههو اسهتثناء بمعنهى الواو‪ ،‬ومنهه قول‬
‫الشاعر‪:‬‬
‫دار الخليفة إل دار مروانا‬ ‫ما بالمدينة دار غير واحدة‬
‫كأنهههه قال‪ :‬إل دار الخليفهههة ودار مروان‪ ،‬وكذا قيهههل فهههي قوله تعالى‪" :‬إل الذيهههن آمنوا وعملوا‬
‫الصالحات فلهم أجر غير ممنون" [التين‪ ]6 :‬أي الذين آمنوا‪ .‬وأبطل الزجاج هذا القول وقال‪ :‬هذا‬
‫خطههأ عنههد الحذاق مههن النحوييههن‪ ،‬وفيههه بطلن المعانههي‪ ،‬وتكون "إل" ومهها بعدههها مسههتغنى عههن‬
‫ذكرهما‪ .‬والقول عندهم أن هذا استثناء ليس من الول‪ ،‬أي لكن الذين ظلموا منهم فإنهم يحتجون‪.‬‬
‫قال أبههو إسههحاق الزجاج‪ :‬أي عرفكههم ال أمههر الحتجاج فههي القبلة فههي قوله‪" :‬ولكههل وجهههة هههو‬
‫موليهها" "لئل يكون للناس عليكهم حجهة" إل مهن ظلم باحتجاجهه فيمها قهد وضهح له‪ ،‬كمها تقول‪ :‬مالك‬
‫علي حجة إل الظلم أو إل أن تظلمني‪ ،‬أي مالك حجة البتة ولكنك تظلمني‪ ،‬فسمى ظلمه حجة لن‬
‫المحتهج بهه سهماه حجهة وإن كانهت داحضهة‪ .‬وقال قطرب‪ :‬يجوز أن يكون المعنهى لئل يكون للناس‬
‫عليكهم حجهة إل على الذيهن ظلموا‪ ،‬فالذيهن بدل مهن الكاف والميهم فهي "عليكهم"‪ .‬وقالت فرقهة‪" :‬إل‬
‫الذيهن" اسهتثناء متصهل‪ ،‬روي معناه عهن ابهن عباس وغيره‪ ،‬واختاره الطهبري وقال‪ :‬نفهى ال أن‬
‫يكون لحد حجة على النبي صلى ال عليه وسلم وأصحابه في استقبالهم الكعبة‪ .‬والمعنى‪ :‬ل حجة‬
‫لحد عليكم إل الحجة الداحضة‪ .‬حيث قالوا‪ :‬ما ولهم‪ ،‬وتحير محمد في دينه‪ ،‬وما توجه إلى قبلتنا‬
‫إل أنا كنا أهدى منه‪ ،‬وغير ذلك من القوال التي لم تنبعث إل من عابد وثن أو يهودي أو منافق‪.‬‬
‫والحجهة بمعنهى المحاجهة التهي ههي المخاصهمة والمجادلة‪ .‬وسهماها ال حجهة وحكهم بفسهادها حيهث‬
‫كانهت مهن ظلمهة‪ .‬وقال ابهن عطيهة‪ :‬وقيهل إن السهتثناء منقطهع‪ ،‬وهذا على أن يكون المراد بالناس‬
‫اليهود‪ ،‬ثهم اسهتثنى كفار العرب‪ ،‬كأنهه قال‪ :‬لكهن الذيهن ظلموا يحاجونكهم‪ ،‬وقوله "منهههم" يرد هذا‬
‫التأويهل‪ .‬والمعنهى لكهن الذيهن ظلموا‪ ،‬يعنهي كفار قريهش فهي قولههم‪ :‬رجهع محمهد إلى قبلتنها وسهيرجع‬
‫إلى ديننها كله‪ .‬ويدخهل فهي ذلك كهل مهن تكلم فهي النازلة مهن غيهر اليهود‪ .‬وقرأ ابهن عباس وزيهد بهن‬
‫علي وابهن زيهد "أل الذيهن ظلموا" بفتهح الهمزة وتخفيهف اللم على معنهى اسهتفتاح الكلم‪ ،‬فيكون‬
‫"الذين ظلموا" ابتداء‪ ،‬أو على معنى الغراء‪ ،‬فيكون "الذين" منصوبا بفعل مقدر‪.‬‬
‫@قوله تعالى‪" :‬فل تخشوههم" يريهد الناس "واخشونهي" الخشيهة أصهلها طمأنينهة فهي القلب تبعهث‬
‫على التوقهي‪ .‬والخوف‪ :‬فزع القلب تخهف له العضاء‪ ،‬ولخفهة العضاء بهه سهمي خوفها‪ .‬ومعنهى‬
‫الية التحقير لكل من سوى ال تعالى‪ ،‬والمر بإطراح أمرهم ومراعاة أمر ال تعالى‪.‬‬
‫@قوله تعالى‪" :‬ولتهم نعمتهي عليكهم" معطوف على "لئل يكون" أي ولن أتهم‪ ،‬قاله الخفهش‪.‬‬
‫وقيهل‪ :‬مقطوع فهي موضهع رفهع بالبتداء والخهبر مضمهر‪ ،‬التقديهر‪ :‬ولتهم نعمتهي عليكهم عرفتكهم‬
‫قبلتهي‪ ،‬قاله الزجاج‪ .‬وإتمام النعمهة الهدايهة إلى القبلة‪ ،‬وقيهل‪ :‬دخول الجنهة‪ .‬قال سهعيد بهن جهبير‪ :‬ولم‬
‫تتم نعمة ال على عبد حتى يدخله الجنة‪ .‬و"لعلكم تهتدون" تقدم‪.‬‬
‫*‪*3‬اليهة‪{ 151 :‬كمها أرسهلنا فيكهم رسهول منكهم يتلو عليكهم آياتنها ويزكيكهم ويعلمكهم الكتاب‬
‫والحكمة ويعلمكم ما لم تكونوا تعلمون}‬
‫@قوله تعالى‪" :‬كمها أرسهلنا" الكاف فهي موضهع نصهب على النعهت لمصهدر محذوف‪ ،‬المعنهى‪:‬‬
‫ولتهم نعمتهي عليكهم إتمامها مثهل مها أرسهلنا‪ ،‬قاله الفراء‪ .‬قال ابهن عطيهة‪ :‬وهذا أحسهن القوال‪ ،‬أي‬
‫ولتم نعمتي عليكم في بيان سنة إبراهيم عليه السلم مثل ما أرسلنا‪ .‬وقيل‪ :‬المعنى ولعلكم تهتدون‬
‫اهتداء مثل ما أرسلنا‪ .‬وقيل‪ :‬هي في موضع نصب على الحال‪ ،‬والمعنى‪ :‬ولتم نعمتي عليكم في‬
‫هذه الحال‪ .‬والتشبيه واقع على أن النعمة في القبلة كالنعمة في الرسالة‪ ،‬وأن الذكر المأمور به في‬
‫عظمهه كعظهم النعمهة‪ .‬وقيهل‪ :‬معنهى الكلم على التقديهم والتأخيهر‪ ،‬أي فاذكرونهي كمها أرسهلنا روي‬
‫عن علي رضي ال عنه واختاره الزجاج‪ .‬أي كما أرسلنا فيكم رسول تعرفونه بالصدق فاذكروني‬
‫بالتوحيد والتصديق به‪ .‬والوقف على "تهتدون" على هذا القول جائز‪.‬‬
‫قلت‪ :‬وهذا اختيار الترمذي الحكيهم فهي كتابهه‪ ،‬أي كمها فعلت بكهم هذا مهن المنهن التهي عددتهها‬
‫عليكم فاذكروني بالشكر أذكركم بالمزيد‪ ،‬لن في ذكركم ذلك شكرا لي‪ ،‬وقد وعدتكم بالمزيد على‬
‫الشكر‪ ،‬وهو قوله‪" :‬لئن شكرتم لزيدنكم" [إبراهيم‪ ،]7 :‬فالكاف في قوله "كما" هنا‪ ،‬وفي النفال‬
‫"كما أخرجك ربك" [النفال‪ ]5 :‬وفي آخر الحجر "كما أنزلنا على المقتسمين" [الحجهر‪]90 :‬‬
‫متعلقة بما بعده‪ ،‬على ما يأتي بيانه‪.‬‬
‫*‪*3‬الية‪{ 152 :‬فاذكروني أذكركم واشكروا لي ول تكفرون}‬
‫@قوله تعالى‪" :‬فاذكروني أذكركم" أمر وجوابه‪ ،‬وفيه معنى المجازاة فلذلك جزم‪ .‬وأصل الذكر‬
‫التنبه بالقلب للمذكور والتيقظ له‪ .‬وسمي الذكر باللسان ذكرا لنه دللة على الذكر القلبي‪ ،‬غير أنه‬
‫لما كثر إطلق الذكر على القول اللساني صار هو السابق للفهم‪.‬‬
‫ومعنهى اليهة‪ :‬اذكرونهي بالطاعهة أذكركهم بالثواب والمغفرة‪ ،‬قاله سهعيد بهن جهبير‪ .‬وقال أيضها‪:‬‬
‫الذكهر طاعهة ال‪ ،‬فمهن لم يطعهه لم يذكره وإن أكثهر التسهبيح والتهليهل وقراءة القرآن‪ ،‬وروي عهن‬
‫النهبي صهلى ال عليهه وسهلم‪( :‬مهن أطاع ال فقهد ذكهر ال وإن أقهل صهلته وصهومه وصهنيعه للخيهر‬
‫ومن عصى ال فقد نسي ال وإن كثر صلته وصومه وصنيعه للخير)‪ ،‬ذكره أبو عبدال محمد بن‬
‫خويهز منداد فهي "أحكام القرآن" له‪ .‬وقال أبهو عثمان النهدي‪ :‬إنهي لعلم السهاعة التهي يذكرنها ال‬
‫فيهها‪ ،‬قيهل له‪ :‬ومهن أيهن تعلمهها؟ قال يقول ال عهز وجهل‪" :‬فاذكرونهي أذكركهم"‪ .‬وقال السهدي‪ :‬ليهس‬
‫من عبد يذكر ال إل ذكره ال عز وجل‪ ،‬ل يذكره مؤمن إل ذكره ال برحمته‪ ،‬ول يذكره كافر إل‬
‫ذكره ال بعذاب‪ .‬وسهئل أبهو عثمان فقيهل له‪ :‬نذكهر ال ول نجهد فهي قلوبنها حلوة؟ فقال‪ :‬احمدوا ال‬
‫تعالى على أن زين جارحة من جواركم بطاعته‪ .‬وقال ذو النون المصري رحمه ال‪ :‬من ذكر ال‬
‫تعالى ذكرا على الحقيقة نسي في جنب ذكره كل شيء‪ ،‬وحفظ ال عليه كل شيء‪ ،‬وكان له عوضا‬
‫من كل شيء‪ .‬وقال معاذ بن جبل رضي ال عنه‪ :‬ما عمل ابن آدم من عمل أنجى له من عذاب ال‬
‫من ذكر ال‪ .‬والحاديث في فضل الذكر وثوابه كثيرة خرجها الئمة‪ .‬روى ابن ماجة عن عبدال‬
‫بن بسر أن أعرابيا قال لرسول ال صلى ال عليه وسلم‪ :‬إن شرائع السلم قد كثرت علي فأنبئني‬
‫منها بشيء أتشبث به‪ ،‬قال‪( :‬ل يزال لسانك رطبا من ذكر ال عز وجل)‪ .‬وخرج عن أبي هريرة‬
‫عن النبي صلى ال عليه وسلم قال‪( :‬إن ال عز وجل يقول أنا مع عبدي إذا هو ذكرني وتحركت‬
‫بهي شفتاه)‪ .‬وسهيأتي لهذا الباب مزيهد بيان عنهد قوله تعالى‪" :‬يها أيهها الذيهن آمنوا اذكروا ال ذكرا‬
‫كثيرا" [الحزاب‪ ]41:‬وأن المراد ذكر القلب الذي يجب استدامته في عموم الحالت‪.‬‬
‫@قوله تعالى‪" :‬واشكروا لي" قال الفراء يقال‪ :‬شكرتهك وشكرت لك‪ ،‬ونصهحتك ونصهحت لك‪،‬‬
‫والفصيح الول‪ .‬والشكر معرفة الحسان والتحدث به‪ ،‬وأصله في اللغة الظهور‪ ،‬وقد تقدم‪ .‬فشكر‬
‫العبد ل تعالى ثناؤه عليه بذكر إحسانه إليه‪ ،‬وشكر الحق سبحانه للعبد ثناؤه عليه بطاعته له‪ ،‬إل‬
‫أن شكر العبد نطق باللسان وإقرار بالقلب بإنعام الرب مع الطاعات‪.‬‬
‫@قوله تعالى‪" :‬ول تكفرون" نهي‪ ،‬ولذلك حذفت منه نون الجماعة‪ ،‬وهذه نون المتكلم‪ .‬وحذفت‬
‫الياء لنها رأس آية‪ ،‬وإثباتها أحسن في غير القرآن‪ ،‬أي ل تكفروا نعمتي وأيادي‪ .‬فالكفر هنا ستر‬
‫النعمة ل التكذيب‪ .‬وقد مضى القول في الكفر لغة‪.‬‬
‫*‪*3‬الية‪{ 153 :‬يا أيها الذين آمنوا استعينوا بالصبر والصلة إن ال مع الصابرين}‬
‫@قد تقدم شرح هذه الية‪.‬‬
‫*‪*3‬الية‪{ 154 :‬ول تقولوا لمن يقتل في سبيل ال أموات بل أحياء ولكن ل تشعرون}‬
‫@هذا مثهل قوله تعالى في الية الخرى‪" :‬ول تحسهبن الذين قتلوا في سبيل ال أمواتا بل أحياء‬
‫عند ربهم يرزقون" [آل عمران‪ ،]169 :‬وهناك يأتي الكلم في الشهداء وأحكامهم‪ ،‬إن شاء ال‬
‫تعالى‪.‬‬
‫وإذا كان ال تعالى يحييههههم بعههد الموت ليرزقههههم ‪ -‬على مهها يأتههي ‪ -‬فيجوز أن يحيههي الكفار‬
‫ليعذبههم‪ ،‬ويكون فيهه دليهل على عذاب القهبر‪ .‬والشهداء أحياء كمها قال ال تعالى‪ ،‬وليهس معناه أنههم‬
‫سيحيون‪ ،‬إذ لو كان كذلك لم يكن بين الشهداء وبين غيرهم فرق إذ كل أحد سيحيا‪ .‬ويدل على هذا‬
‫قوله تعالى‪" :‬ولكهههن ل تشعرون" والمؤمنون يشعرون أنههههم سهههيحيون‪ .‬وارتفهههع "أموات" على‬
‫إضمار مبتدأ‪ ،‬وكذلك "بل أحياء" أي هم أموات وهم أحياء‪ ،‬ول يصح إعمال القول فيه لنه ليس‬
‫بينه وبينه تناسب‪ ،‬كما يصح في قولك‪ :‬قلت كلما وحجة‪.‬‬
‫*‪*3‬الية‪{ 155 :‬ولنبلونكم بشيء من الخوف والجوع ونقص من الموال والنفس والثمرات‬
‫وبشر الصابرين}‬
‫@قوله تعالى‪" :‬ولنبلونكهم" هذه الواو مفتوحهة عنهد سهيبويه للتقاء السهاكنين‪ .‬وقال غيره‪ :‬لمها‬
‫ضمهت إلى النون الثقيلة بنهي الفعهل فصهار بمنزلة خمسهة عشهر‪ .‬والبلء يكون حسهنا ويكون سهيئا‪.‬‬
‫وأصهله المحنهة‪ ،‬وقهد تقدم‪ .‬والمعنهى لنمتحننكهم لنعلم المجاههد والصهابر علم معاينهة حتهى يقهع عليهه‬
‫الجزاء‪ ،‬كمها تقدم‪ .‬وقيهل‪ :‬إنمها ابتلوا بهذا ليكون آيهة لمهن بعدههم فيعلموا أنههم إنمها صهبروا على هذا‬
‫حين وضح لهم الحق‪ .‬وقيل‪ :‬أعلمهم بهذا ليكونوا على يقين منه أنه يصيبهم‪ ،‬فيوطنوا أنفسهم عليه‬
‫فيكونوا أبعد لهم من الجزع‪ ،‬وفيه تعجيل ثواب ال تعالى على العز وتوطين النفس‪.‬‬
‫@قوله تعالى‪" :‬بشيهء" لفهظ مفرد ومعناه الجمهع‪ .‬وقرأ الضحاك "بأشياء" على الجمهع‪ .‬وقرأ‬
‫الجمهور بالتوحيهد‪ ،‬أي بشيهء مهن هذا وشيهء مهن هذا‪ ،‬فاكتفهى بالول إيجازا "مهن الخوف" أي‬
‫خوف العدو والفزع فهههي القتال‪ ،‬قاله ابهههن عباس‪ .‬وقال الشافعهههي‪ :‬ههههو خوف ال عهههز وجهههل‪.‬‬
‫"والجوع" يعنهي المجاعهة بالجدب والقحهط‪ ،‬فهي قول ابهن عباس‪ .‬وقال الشافعهي‪ :‬ههو الجوع فهي‬
‫شههر رمضان‪" .‬ونقهص مهن الموال بسهبب الشتغال بقتال الكفار‪ .‬وقيهل‪ :‬بالجوائح المتلفهة‪ .‬وقال‬
‫الشافعهههي‪ :‬بالزكاة المفروضهههة‪" .‬والنفهههس" قال ابهههن عباس‪ :‬بالقتهههل والموت فهههي الجهاد‪ .‬وقال‬
‫الشافعههي‪ :‬يعنههي بالمراض‪" .‬والثمرات" قال الشافعههي‪ :‬المراد موت الولد‪ ،‬وولد الرجههل ثمرة‬
‫قلبه‪ ،‬كما جاء في الخبر‪ ،‬على ما يأتي‪ .‬وقال ابن عباس‪ :‬المراد قلة النبات وانقطاع البركات‪.‬‬
‫@قوله تعالى‪" :‬وبشر الصابرين" أي بالثواب على الصبر‪ .‬والصبر أصله الحبس‪ ،‬وثوابه غير‬
‫مقدر‪ ،‬وقهد تقدم‪ .‬لكهن ل يكون ذلك إل بالصهبر عنهد الصهدمة الولى‪ ،‬كمها روى البخاري عهن أنهس‬
‫عن النبي صلى ال عليه وسلم قال‪( :‬إنما الصبر عند الصدمة الولى)‪ .‬وأخرجه مسلم أتم منه‪ ،‬أي‬
‫إنمها الصهبر الشاق على النفهس الذي يعظهم الثواب عليهه إنمها ههو عنهد هجوم المصهيبة وحرارتهها‪،‬‬
‫فإنه يدل على قوة القلب وتثبته في مقام الصبر‪ ،‬وأما إذا بردت حرارة المصيبة فكل أحد يصبر إذ‬
‫ذاك‪ ،‬ولذلك قيل‪ :‬يجب على كل عاقل أن يلتزم عند المصيبة ما ل بد للحمق منه بعد ثلث‪ .‬وقال‬
‫سهههل بههن عبدال التسههتري‪ :‬لمهها قال تعالى‪" :‬وبشههر الصههابرين" صههار الصههبر عيشهها‪ .‬والصههبر‬
‫صهبران‪ :‬صهبر عهن معصهية ال‪ ،‬فهذا مجاههد‪ ،‬وصهبر على طاعهة ال‪ ،‬فهذا عابهد‪ .‬فإذا صهبر عهن‬
‫معصهية ال وصهبر على طاعهة ال أورثهه ال الرضها بقضائه‪ ،‬وعلمهة الرضها سهكون القلب بمها‬
‫ورد على النفههس مههن المكروهات والمحبوبات‪ .‬وقال الخواص‪ :‬الصههبر الثبات على أحكام الكتاب‬
‫والسهنة‪ .‬وقال رويهم‪ :‬الصهبر ترك الشكوى‪ .‬وقال ذو النون المصهري‪ :‬الصهبر ههو السهتعانة بال‬
‫تعالى‪ .‬وقال السهتاذ أبهو علي‪ :‬الصهبر حدة أل تعترض على التقديهر‪ ،‬فأمها إظهار البلوى على غيهر‬
‫وجهه الشكوى فل ينافهي الصهبر‪ ،‬قال ال تعالى فهي قصهة أيوب‪" :‬إنها وجدناه صهابرا نعهم العبهد"‬
‫[ص‪ ]44 :‬مع أخبر عنه أنه قال‪" :‬مسني الضر" [النبياء‪.]83 :‬‬
‫*‪*3‬اليتان‪{ 157 - 156 :‬الذيهن إذا أصهابتهم مصهيبة قالوا إنها ل وإنها إليهه راجعون‪ ،‬أولئك‬
‫عليهم صلوات من ربهم ورحمة وأولئك هم المهتدون}‬
‫@قوله تعالى‪" :‬مصهيبة" المصهيبة‪ :‬كهل مها يؤذي المؤمهن ويصهيبه‪ ،‬يقال‪ :‬أصهابه إصهابة ومصهابة‬
‫ومصهابا‪ .‬والمصهيبة واحدة المصهائب‪ .‬والمصهوبة (بضهم الصهاد) مثهل المصهيبة‪ .‬وأجمعهت العرب‬
‫على همهز المصهائب‪ ،‬وأصهله الواو‪ ،‬كأنههم شبهوا الصهلي بالزائد‪ ،‬ويجمهع على مصهاوب‪ ،‬وههو‬
‫الصل‪ .‬والمصاب الصابة‪ ،‬قال الشاعر‪:‬‬
‫أهدى السلم تحية ظلم‬ ‫أسليم إن مصابكم رجل‬
‫وصهاب السههم القرطاس يصهيب صهيبا‪ ،‬لغهة فهي أصهابه‪ .‬والمصهيبة‪ :‬النكبهة ينكبهها النسهان وإن‬
‫صغرت‪ ،‬وتستعمل في الشر‪ ،‬روى عكرمة أن مصباح رسول ال صلى ال عليه وسلم انطفأ ذات‬
‫ليلة فقال‪" :‬إنها ل وإنها إليهه راجعون" فقيهل‪ :‬أمصهيبة ههي يها رسهول ال؟ قال‪( :‬نعهم كهل مها آذى‬
‫المؤمن فهو مصيبة)‪.‬‬
‫قلت‪ :‬هذا ثابهت معناه فهي الصهحيح‪ ،‬خرج مسهلم عهن أبهي سهعيد وعهن أبهي هريرة رضهي ال‬
‫عنهما أنهما سمعا رسول ال صلى ال عليه وسلم يقول‪( :‬ما يصيب المؤمن من وصب ول نصب‬
‫ول سقم ول حزن حتى الهم يهمه إل كفر به من سيئاته)‪.‬‬
‫@خرج ابن ماجة في سننه حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة حدثنا وكيع بن الجراح عن هشام ابن زياد‬
‫عهن أمهه عهن فاطمهة بنهت الحسهين عهن أبيهها قال قال رسهول ال صهلى ال عليه وسهلم‪( :‬مهن أصهيب‬
‫بمصههيبة فذكههر مصههيبته فأحدث اسههترجاعا وإن تقادم عهدههها كتههب ال له مههن الجههر مثله يوم‬
‫أصيب)‪.‬‬
‫@من أعظم المصهائب المصيبة في الدين‪ ،‬ذكر أبو عمر عن الفريابي قال حدثنا فطر بن خليفة‬
‫حدثنها عطاء بهن أبهي رباح قال قال رسهول ال صهلى ال عليهه وسهلم‪( :‬إذا أصهاب أحدكهم مصهيبة‬
‫فليذكر مصابه بي فإنها من أعظم المصائب)‪ .‬أخرجه السمرقندي أبو محمد في مسنده‪ ،‬أخبرنا أبو‬
‫نعيهم قال‪ :‬أنبأنها فطهر‪ ،...‬فذكهر مثله سواء‪ .‬وأسهند مثله عن مكحول مرسهل‪ .‬قال أبو عمر‪ :‬وصدق‬
‫رسول ال صلى ال عليه وسلم‪ ،‬لن المصيبة به أعظم من كل مصيبة يصاب بها المسلم بعده إلى‬
‫يوم القيامهة‪ ،‬انقطهع الوحهي وماتهت النبوة‪ .‬وكان أول ظهور الشهر بارتداد العرب وغيهر ذلك‪ ،‬وكان‬
‫أول انقطاع الخيهر وأول نقصهانه‪ .‬قال أبهو سهعيد‪ :‬مها نفضنها أيدينها مهن التراب مهن قهبر رسهول ال‬
‫صلى ال عليه وسلم حتى أنكرنا قلوبنا‪ .‬ولقد أحسن أبو العتاهية في نظمه معنى هذا الحديث حيث‬
‫يقول‪:‬‬
‫واعلم بأن المرء غير مخلد‬ ‫اصبر لكل مصيبة وتجلد‬
‫وترى المنية للعباد بمرصد‬ ‫أو ما ترى أن المصائب جمة‬
‫هذا سبيل لست فيه بأوحد‬ ‫من لم يصب ممن ترى بمصيبة؟‬
‫فاذكر مصابك بالنبي محمد‬ ‫فإذا ذكرت محمدا ومصابه‬
‫@قوله تعالى‪" :‬قالوا إنا ل وإنا إليه راجعون" جعل ال تعالى هذه الكلمات ملجأ لذوي المصائب‪،‬‬
‫وعصمة للممتحنين‪ :‬لما جمعت من المعاني المباركة‪ ،‬فإن قوله‪" :‬إنا ل" توحيد وإقرار بالعبودية‬
‫والملك‪ .‬وقوله‪" :‬وإنهها إليههه راجعون" إقرار بالهلك على أنفسههنا والبعههث مههن قبورنهها‪ ،‬واليقيههن أن‬
‫رجوع المر كله إليه كما هو له‪ .‬قال سعيد بن جبير رحمه ال تعالى‪ :‬لم تعط هذه الكلمات نبيا قبل‬
‫نبينا‪ ،‬ولو عرفها يعقوب لما قال‪ :‬يا أسفي على يوسف‪.‬‬
‫@قال أبهو سهنان‪ :‬دفنهت ابنهي سهنانا‪ ،‬وأبهو طلحهة الخولنهي على شفيهر القهبر‪ ،‬فلمها أردت الخروج‬
‫أخذ بيدي فأنشطني وقال‪ :‬أل أبشرك يا أبا سنان‪ ،‬حدثني الضحاك عن أبي موسى أن النبي صلى‬
‫ال عليههه وسههلم قال‪( :‬إذا مات ولد العبههد قال ال لملئكتههه أقبضتههم ولد عبدي فيقولون نعههم فيقول‬
‫أقبضتهم ثمرة فؤاده فيقولون نعهم فيقول فماذا قال عبدي فيقولون حمدك واسهترجع فيقول ال تعالى‬
‫ابنوا لعبدي بيتها فهي الجنة وسهموه بيهت الحمهد)‪ .‬وروى مسهلم عهن أم سهلمة قالت سهمعت رسهول ال‬
‫صلى ال عليه وسلم يقول‪( :‬ما من مسلم تصيبه مصيبة فيقول ما أمره ال عز وجل إنا ل وإنا إليه‬
‫راجعون اللههم أجرنهي فهي مصهيبتي وأخلف لي خيرا منهها إل أخلف ال له خيرا منهها)‪ .‬فهذا تنهبيه‬
‫على قوله تعالى‪" :‬وبشر الصابرين" [البقرة‪ ]155 :‬إما بالخلف كما أخلف ال لم سلمة رسول‬
‫ال صهلى ال عليهه وسهلم‪ ،‬فإنهه تزوجهها لمها مات أبهو سهلمة زوجهها‪ .‬وإمها بالثواب الجزيهل‪ ،‬كمها فهي‬
‫حديث أبي موسى‪ ،‬وقد يكون بهما‪.‬‬
‫@قوله تعالى‪" :‬أولئك عليهههم صههلوات مههن ربهههم ورحمههة" هذه نعههم مههن ال عههز وجههل على‬
‫الصهابرين المسهترجعين‪ .‬وصهلة ال على عبده‪ :‬عفوه ورحمتهه وبركتهه وتشريفهه إياه فههي الدنيهها‬
‫والخرة‪ .‬وقال الزجاج‪ :‬الصهلة مهن ال عهز وجهل الغفران والثناء الحسهن‪ .‬ومهن هذا الصهلة على‬
‫الميت إنما هو الثناء عليه والدعاء له‪ ،‬وكرر الرحمة لما اختلف اللفظ تأكيدا وإشباعا للمعنى‪ ،‬كما‬
‫قال‪" :‬مهن البينات والهدى" [البقرة‪ ،]159 :‬وقوله "أم يحسهبون أنها ل نسهمع سهرهم ونجواههم"‬
‫[الزخرف‪ .]80 :‬وقال الشاعر‪:‬‬
‫رب كريم وشفيع مطاع‬ ‫صلى على يحيى وأشياعه‬
‫وقيهل‪ :‬أراد بالرحمهة كشهف الكربهة وقضاء الحاجهة‪ .‬وفهي البخاري وقال عمهر رضهي ال عنهه‪ :‬نعهم‬
‫العدلن ونعههم العلوة‪" :‬الذيههن إذا أصههابتهم مصههيبة قالوا إنهها ل وإنهها إليههه راجعون‪ .‬أولئك عليهههم‬
‫صههلوات مههن ربهههم ورحمههة وأولئك هههم المهتدون"‪ .‬أراد بالعدليههن الصههلة والرحمههة‪ ،‬وبالعلوة‬
‫الهتداء‪ .‬قيل‪ :‬إلى استحقاق الثواب وإجزال الجر‪ ،‬وقيل‪ :‬إلى تسهيل المصائب وتخفيف الحزن‪.‬‬
‫*‪*3‬الية‪{ 158 :‬إن الصفا والمروة من شعائر ال فمن حج البيت أو اعتمر فل جناح عليه أن‬
‫يطوف بهما ومن تطوع خيرا فإن ال شاكر عليم}‬
‫@روى البخاري عن عاصم بن سليمان قال‪ :‬سألت أنس بن مالك عن الصفا والمروة فقال‪ :‬كنا‬
‫نرى أنهمها مهن أمهر الجاهليهة‪ ،‬فلمها كان السهلم أمسهكنا عنهمها‪ ،‬فأنزل ال عهز وجهل‪" :‬إن الصهفا‬
‫والمروة من شعائر ال فمن حج البيت أو اعتمر فل جناح عليه أن يطوف بهما" وخرج الترمذي‬
‫عهن عروة قال‪( :‬قلت لعائشهة مها أرى على أحهد لم يطهف بيهن الصهفا والمروة شيئا‪ ،‬ومها أبالي أل‬
‫أطوف بينهمها‪ .‬فقالت‪ :‬بئس مها قلت يها ابهن أختهي‪ ،‬طاف رسهول ال صهلى ال عليهه وسهلم وطاف‬
‫المسهلمون‪ ،‬وإنمها كان مهن أههل لمناة الطاغيهة التهي بالمشلل ل يطوفون بيهن الصهفا والمروة‪ ،‬فأنزل‬
‫ال تعالى‪" :‬فمن حج البيت أو اعتمر فل جناح عليه أن يطوف بهما" ولو كانت كما تقول لكانت‪:‬‬
‫"فل جناح عليهه أل يطوف بهمها") قال الزهري‪ :‬فذكرت ذلك لبهي بكهر بهن عبدالرحمهن بهن‬
‫الحارث بهن هشام فأعجبهه ذلك وقال‪ :‬إن هذا لعلم‪ ،‬ولقهد سهمعت رجال مهن أههل العلم يقولون‪ :‬إنمها‬
‫كان مهن ل يطوف بيهن الصهفا والمروة مهن العرب يقولون إن طوافنها بيهن هذيهن الحجريهن مهن أمهر‬
‫الجاهليههة‪ .‬وقال آخرون مههن النصههار‪ :‬إنمهها أمرنهها بالطواف [بالبيههت] ولم نؤمههر بههه بيههن الصههفا‬
‫والمروة‪ ،‬فأنزل ال تعالى‪" :‬إن الصههفا والمروة مههن شعائر ال" قال أبههو بكههر بههن عبدالرحمههن‪:‬‬
‫فأراهها قهد نزلت فهي هؤلء وهؤلء‪ .‬قال‪" :‬هذا حديهث حسهن صهحيح"‪ .‬أخرجهه البخاري بمعناه‪،‬‬
‫وفيه بعد قوله فأنزل ال تعالى "إن الصفا والمروة من شعائر ال"‪" :‬قالت عائشة وقد سن رسول‬
‫ال صلى ال عليه وسلم الطواف بينهما‪ ،‬فليس لحد أن يترك الطواف بينهما"‪ ،‬ثم أخبرت أبا بكر‬
‫بهن عبدالرحمهن فقال‪ :‬إن هذا لعلم مها كنهت سهمعته‪ ،‬ولقهد سهمعت رجال مهن أههل العلم يذكرون أن‬
‫الناس ‪ -‬إل من ذكرت عائشة ‪ -‬ممن كان يهل بمناة كانوا يطوفون كلهم بالصفا والمروة‪ ،‬فلما ذكر‬
‫ال تعالى الطواف بالبيههت ولم يذكههر الصههفا والمروة فههي القرآن قالوا‪ :‬يهها رسههول ال‪ ،‬كنهها نطوف‬
‫بالصهفا والمروة‪ ،‬وإن ال أنزل الطواف بالبيهت فلم يذكهر الصهفا‪ ،‬فههل علينها مهن حرج أن نطوف‬
‫بالصهفا والمروة؟ فأنزل ال عهز وجهل‪" :‬إن الصهفا والمروة مهن شعائر ال" اليهة‪ .‬قال أبهو بكهر‪:‬‬
‫فأسهمع هذه اليهة نزلت فهي الفريقيهن كليهمها‪ :‬فهي الذيهن كانوا يتحرجون أن يطوفوا فهي الجاهليهة‬
‫بالصهفا والمروة‪ ،‬والذيهن يطوفون ثهم تحرجوا أن يطوفوا بهمها فهي السهلم‪ ،‬مهن أجهل أن ال تعالى‬
‫أمههر بالطواف بالبيههت‪ ،‬ولم يذكههر الصههفا حتههى ذكههر ذلك بعههد مهها ذكههر الطواف بالبيههت"‪ .‬وروى‬
‫الترمذي عن عاصم بن سليمان الحول قال‪( :‬سألت أنس بن مالك عن الصفا والمروة فقال‪ :‬كانا‬
‫من شعائر الجاهلية‪ ،‬فلما كان السلم أمسكنا عنهما‪ ،‬فأنزل ال عز وجل‪" :‬إن الصفا والمروة من‬
‫شعائر ال فمن حج البيت أو اعتمر فل جناح عليه أن يطوف بهما" قال‪ :‬هما تطوع "ومن تطوع‬
‫خيرا فإن ال شاكر عليم") قال‪ :‬هذا حديث حسن صحيح‪ .‬خرجه البخاري أيضا‪ .‬وعن ابن عباس‬
‫قال‪ :‬كان فهي الجاهليهة شياطيهن تعزف الليهل كله بيهن الصهفا والمروة وكان بينهمها آلههة‪ ،‬فلمها ظههر‬
‫السهلم قال المسهلمون‪ :‬يها رسهول ال‪ ،‬ل نطوف بيهن الصهفا والمروة فإنهمها شرك‪ ،‬فنزلت‪ .‬وقال‬
‫الشعههبي‪ :‬كان على الصهفا فههي الجاهليهة صههنم يسهمى "إسههافا" وعلى المروة صههنم يسهمى "نائلة"‬
‫فكانوا يمسحونهما إذا طافوا‪ ،‬فامتنع المسلمون من الطواف بينهما من أجل ذلك‪ ،‬فنزلت الية‪.‬‬
‫@أصل الصفا في اللغة الحجر الملس‪ ،‬وهو هنا جبل بمكة معروف‪ ،‬وكذلك المروة جبل أيضا‪،‬‬
‫ولذلك أخرجهمها بلفهظ التعريهف‪ .‬وذكهر الصهفا لن آدم المصهطفى صهلى ال عليهه وسهلم وقهف عليهه‬
‫فسهمي بهه‪ ،‬ووقفهت حواء على المروة فسهميت باسهم المرأة‪ ،‬فأنهث لذلك‪ ،‬وال اعلم‪ .‬وقال الشعهبي‪:‬‬
‫كان على الصههفا صههنم يسههمى [إسههافا] وعلى المروة صههنم يدعههى [نائلة] فاطرد ذلك فههي التذكيههر‬
‫والتأنيث وقدم المذكر‪ ،‬وهذا حسن‪ ،‬لن الحاديث المذكورة تدل على هذا المعنى‪ .‬وما كان كراهة‬
‫مهن كره الطواف بينهمها إل مهن أجهل هذا‪ ،‬حتهى رفهع ال الحرج فهي ذلك‪ .‬وزعهم أههل الكتاب أنهمها‬
‫زنيا في الكعبة فمسخهما ال حجرين فوضعهما على الصفا والمروة ليعتبر بهما‪ ،‬فلما طالت المدة‬
‫عبدا من دون ال‪ ،‬وال تعالى أعلم‪ .‬والصفا (مقصور)‪ :‬جمع صفاة‪ ،‬وهي الحجارة الملس‪ .‬وقيل‪:‬‬
‫الصفا اسم مفرد‪ ،‬وجمعه صفي (بضم الصاد) وأصفاء على مثل أرحاء‪ .‬قال الراجز‪:‬‬
‫مواقع الطير على الصفي‬ ‫كأن متنيه من النفي‬
‫وقيههل‪ :‬مههن شروط الصههفا البياض والصههلبة‪ ،‬واشتقاقههه مهن صههفا يصههفو‪ ،‬أي خلص مهن التراب‬
‫والطيهن‪ .‬والمروة (واحدة المرو) وههي الحجارة الصهغار التهي فيهها ليهن‪ .‬وقهد قيهل إنهها الصهلب‪.‬‬
‫والصهحيح أن المرو الحجارة صهليبها ورخوهها الذي يتشظهى وترق حاشيتهه‪ ،‬وفهي هذا يقال‪ :‬المرو‬
‫أكثر ويقال في الصليب‪ .‬قال الشاعر‪:‬‬
‫فإذا ما صادف المرو رضخ‬ ‫وتولى الرض خفا ذابل‬
‫وقال أبو ذؤيب‪:‬‬
‫بصفا المشقر كل يوم تقرع‬ ‫حتى كأني للحوادث مروة‬
‫وقد قيل‪ :‬إنها الحجارة السود‪ .‬وقيل‪ :‬حجارة بيض براقة تكون فيها النار‪.‬‬
‫@قوله تعالى‪" :‬من شعائر ال" أي من معالمه ومواضع عباداته‪ ،‬وهي جمع شعيرة‪ .‬والشعائر‪:‬‬
‫المتعبدات التههي أشعرههها ال تعالى‪ ،‬أي جعلههها أعلمهها للناس‪ ،‬مههن الموقههف والسههعي والنحههر‪.‬‬
‫والشعار‪ :‬العلمههة‪ ،‬يقال‪ :‬أشعههر الهدي أعلمههه بغرز حديدة فههي سههنامه‪ ،‬مههن قولك‪ :‬أشعرت أي‬
‫أعلمت‪ ،‬وقال الكميت‪:‬‬
‫شعائر قربان بهم يتقرب‬ ‫نقلهم جيل فجيل تراهم‬
‫@قوله تعالى‪" :‬فمن حج البيت" أي قصد‪ .‬وأصل الحج القصد‪ ،‬قال الشاعر‪:‬‬
‫يحجون سب الزبرقان المزعفرا‬ ‫فأشهد من عوف حلول كثيرة‬
‫السب‪ :‬لفظ مشترك‪ .‬قال أبو عبيدة‪ :‬السب (بالكسر) الكثير السباب‪ .‬وسبك أيضا الذي يسابك‪ ،‬قال‬
‫الشاعر‪:‬‬
‫إن سبي من الرجال الكريم‬ ‫ل تسبنني فلست بسبي‬
‫والسب أيضا الخمار‪ ،‬وكذلك العمامة‪ ،‬قال المخبل السعدي‪:‬‬
‫يحجون سب الزبرقان المزعفرا‬
‫والسب أيضا الحبل في لغة هذيل‪ ،‬قال أبو ذؤيب‪:‬‬
‫بجرداء مثل الوكف يكبو غرابها‬ ‫تدلى عليها بين سب وخيطة‬
‫والسههبوب‪ :‬الحبال‪ .‬والسههب‪ :‬شقههة كتان رقيقههة‪ ،‬والسههبيبة مثله‪ ،‬والجمههع السههبوب والسههبائب‪ ،‬قاله‬
‫الجوهري‪ .‬وحج الطبيب الشجة إذا سبرها بالميل‪ ،‬قال الشاعر‪:‬‬
‫يحج مأمومة في قعرها لجف‬
‫اللجهف‪ :‬الخسهف‪ .‬تلجفهت البئر‪ :‬انخسهف أسهفلها‪ .‬ثهم اختهص هذا السهم بالقصهد إلى البيهت الحرام‬
‫لفعال مخصوصة‪.‬‬
‫@قوله تعالى‪" :‬أو اعتمر" أي زار والعمرة‪ :‬الزيارة‪ ،‬قال الشاعر‪:‬‬
‫مغزى بعيدا من بعيد وضبر‬ ‫لقد سما ابن معمر حين اعتمر‬
‫@قوله تعالى‪" :‬فل جناح عليهه" أي ل إثهم‪ .‬وأصهله مهن الجنوح وههو الميهل‪ ،‬ومنهه الجوانهح‬
‫للعضاء لعوجاجهها‪ .‬وقهد تقدم تأويهل عائشهة لهذه اليهة‪ .‬قال ابهن العربهي‪" :‬وتحقيهق القول فيهه أن‬
‫قول القائل‪ :‬ل جناح عليههك أن تفعههل‪ ،‬إباحههة الفعههل‪ .‬وقوله‪ :‬ل جناح عليههك أل تفعههل‪ ،‬إباحههة لترك‬
‫الفعهل‪ ،‬فلمها سهمع عروة قول ال تعالى‪" :‬فل جناح عليهه أن يطوف بهمها" قال‪ :‬هذا دليهل على أن‬
‫ترك الطواف جائز‪ ،‬ثهم رأى الشريعهة مطبقهة على أن الطواف ل رخصهة فهي تركهه فطلب الجمهع‬
‫بيهن هذيهن المتعارضيهن‪ .‬فقالت له عائشهة‪ :‬ليهس قوله‪" :‬فل جناح عليهه أن يطوف بهمها" دليل على‬
‫ترك الطواف‪ ،‬إنمهها كان يكون دليل على تركههه لو كان "فل جناح عليهه أل يطوف بهمهها" فلم يأت‬
‫هذا اللفههظ لباحههة ترك الطواف‪ ،‬ول فيههه دليههل عليههه‪ ،‬وإنمهها جاء لفادة إباحههة الطواف لمههن كان‬
‫يتحرج منهه فهي الجاهليهة‪ ،‬أو لمهن كان يطوف بهه فهي الجاهليهة قصهدا للصهنام التهي كانهت فيهه‪،‬‬
‫فأعلمهم ال سبحانه أن الطواف ليس بمحظور إذا لم يقصد الطائف قصدا باطل"‪.‬‬
‫فإن قيل‪ :‬فقد روى عطاء عن ابن عباس أنه قرأ "فل جناح عليه أل يطوف بهما" وهي قراءة‬
‫ابهن مسهعود‪ ،‬ويروى أنهها فهي مصهحف أبهي كذلك‪ ،‬ويروى عهن أنهس مثهل هذا‪ .‬والجواب أن ذلك‬
‫خلف مها فهي المصهحف‪ ،‬ول يترك مها قهد ثبهت فهي المصهحف إلى قراءة ل يدرى أصهحت أم ل‪،‬‬
‫وكان عطاء يكثر الرسال عن ابن عباس من غير سماع‪ .‬والرواية في هذا عن أنس قد قيل إنها‬
‫ليست بالمضبوطة‪ ،‬أو تكون "ل" زائدة للتوكيد‪ ،‬كما قال‪:‬‬
‫لما رأين الشمط القفندرا‬ ‫وما ألوم البيض أل تسخرا‬
‫@روى الترمذي عن جابر أن النبي صلى ال عليه وسلم حين قدم مكة فطاف بالبيت سبعا فقرأ‪:‬‬
‫"واتخذوا من مقام إبراهيم مصلى" [البقرة‪ ]125 :‬وصلى خلف المقام‪ ،‬ثم أتى الحجر فاستلمه ثم‬
‫قال‪( :‬نبدأ بمها بدأ ال بهه) فبدأ بالصهفا وقال‪" :‬إن الصهقا والمروة مهن شعائر ال" قال‪ :‬هذا حديهث‬
‫حسهن صهحيح‪ ،‬والعمهل على هذا عنهد أههل العلم أنهه يبدأ بالصهفا قبهل المروة‪ ،‬فإن بدأ بالمروة قبهل‬
‫الصفا لم يجزه ويبدأ بالصفا‪.‬‬
‫@واختلف العلماء فهي وجوب السهعي بيهن الصهفا والمروة‪ ،‬فقال الشافعهي وابهن حنبهل‪ :‬ههو ركهن‪،‬‬
‫وههو المشهور مهن مذههب مالك‪ ،‬لقوله عليهه السهلم‪( :‬اسهعوا فإن ال كتهب عليكهم السهعي)‪ .‬خرجهه‬
‫الدارقطني‪ .‬وكتب بمعنى أوجب‪ ،‬لقوله تعالى‪" :‬كتب عليكم الصيام" [البقرة‪ ،]183 :‬وقوله عليه‬
‫السهلم‪( :‬خمهس صهلوات كتبههن ال على العباد)‪ .‬وخرج ابهن ماجهة عهن أم ولد لشيبهة قالت‪ :‬رأيهت‬
‫رسهول ال صهلى ال عليهه وسهلم يسهعى بيهن الصهفا والمروة وههو يقول‪( :‬ل يقطهع البطهح إل شدا)‬
‫فمن تركه أو شوطا منه ناسيا أو عامدا رجع من بلده أو من حيث ذكر إلى مكة‪ ،‬فيطوف ويسعى‪،‬‬
‫لن السعي ل يكون إل متصل بالطواف‪ .‬وسواء عند مالك كان ذلك في حج أو عمرة وإن لم يكن‬
‫فهي العمرة فرضا‪ ،‬فإن كان قد أصاب النساء فعليه عمرة وهدي عند مالك مع تمام مناسهكه‪ .‬وقال‬
‫الشافعههي‪ :‬عليههه هدي‪ ،‬ول معنههى للعمرة إذا رجههع وطاف وسههعى‪ .‬وقال أبههو حنيفههة وأصههحابه‬
‫والثوري والشعبي‪ :‬ليس بواجب‪ ،‬فإن تركه أحد من الحاج حتى يرجع إلى بلده جبره بالدم‪ ،‬لنه‬
‫سنة من سنن الحج‪ .‬وهو قول مالك في العتبية‪ .‬وروي عن ابن عباس وابن الزبير وأنس بن مالك‬
‫وابهههن سهههيرين أنهههه تطوع‪ ،‬لقوله تعالى‪" :‬ومهههن تطوع خيرا"‪ .‬وقرأ حمزة والكسهههائي "يطوع"‬
‫مضارع مجزوم‪ ،‬وكذلك "فمهن تطوع خيرا فههو خيهر له" الباقون "تطوع" ماض‪ ،‬وههو مها يأتيهه‬
‫المؤمهن مهن قبهل نفسهه فمهن أتهى بشيهء مهن النوافهل فإن ال يشكره‪ .‬وشكهر ال للعبهد إثابتهه على‬
‫الطاعهة‪ .‬والصهحيح مها ذههب إليهه الشافعهي رحمهه ال تعالى لمها ذكرنها‪ ،‬وقوله عليهه السهلم‪( :‬خذوا‬
‫عنهي مناسهككم) فصهار بيانها لمجمهل الحهج‪ ،‬فالواجهب أن يكون فرضها‪ ،‬كهبيانه لعدد الركعات‪ ،‬ومها‬
‫كان مثهل ذلك إذا لم يتفهق على أنهه سهنة أو تطوع‪ .‬وقال طليهب‪ :‬رأى ابهن عباس قومها يطوفون بيهن‬
‫الصفا والمروة فقال‪ :‬هذا ما أورثتكم أمكم أم إسماعيل‪.‬‬
‫قلت‪ :‬وهذا ثابت في صحيح البخاري‪ ،‬على ما يأتي بيانه في سورة "إبراهيم"‪.‬‬
‫@ول يجوز أن يطوف أحد بالبيت ول بين الصفا والمروة راكبا إل من عذر‪ ،‬فإن طاف معذورا‬
‫فعليهه دم‪ ،‬وإن طاف غيهر معذور أعاد إن كان بحضرة البيهت‪ ،‬وإن غاب عنهه أهدى‪ .‬إنمها قلنها ذلك‬
‫لن النهبي صهلى ال عليهه وسهلم طاف بنفسهه وقال‪( :‬خذوا عنهي مناسهككم)‪ .‬وإنمها جوزنها ذلك مهن‬
‫العذر‪ ،‬لن النبي صلى ال عليه وسلم طاف على بعيره واستلم الركن بمحجنه‪ ،‬وقال لعائشهة وقد‬
‫قالت له‪ :‬إني اشتكي‪ ،‬فقال‪( :‬طوفي من وراء الناس وأنت راكبة)‪ .‬وفرق أصحابنا بين أن يطوف‬
‫على بعيهر أو يطوف على ظههر إنسهان‪ ،‬فإن طاف على ظههر إنسهان لم يجزه‪ ،‬لنهه حينئذ ل يكون‬
‫طائفها‪ ،‬وإنمها الطائف الحامهل‪ .‬وإذا طاف على بعيهر يكون ههو الطائف‪ .‬قال ابهن خويهز منداد‪ :‬وهذه‬
‫تفرقهة اختيار‪ ،‬وأمها الجزاء فيجزئ‪ ،‬أل ترى أنهه لو أغمهي عليهه فطيهف بهه محمول‪ ،‬أو وقهف بهه‬
‫بعرفات محمول كان مجزئا عنه‪.‬‬
‫*‪*3‬اليهة‪{ 159 :‬إن الذيهن يكتمون مها أنزلنها مهن البينات والهدى مهن بعهد مها بيناه للناس فهي‬
‫الكتاب أولئك يلعنهم ال ويلعنهم اللعنون}‬
‫@قوله تعالى‪" :‬إن الذيهن يكتمون مها أنزلنها" أخهبر ال تعالى أن الذي يكتهم مها أنزل مهن البينات‬
‫والهدى ملعون‪ .‬واختلفوا مهن المراد بذلك‪ ،‬فقيهل‪ :‬أحبار اليهود ورهبان النصهارى الذيهن كتموا أمهر‬
‫محمد صلى ال عليه وسلم‪ ،‬وقد كتم اليهود أمر الرجم‪ .‬وقيل‪ :‬المراد كل من كتم الحق‪ ،‬فهي عامة‬
‫في كل من كتم علما من دين ال يحتاج إلى بثه‪ ،‬وذلك مفسر في قوله صلى ال عليه وسلم‪( :‬من‬
‫سههئل عههن علم يعلمههه فكتمههه ألجمههه ال يوم القيامههة بلجام مههن نار)‪ .‬رواه أبههو هريرة وعمرو بههن‬
‫العاص‪ ،‬أخرجه ابن ماجة‪ .‬ويعارضه قول عبدال بن مسعود‪ :‬ما أنت بمحدث قوما حديثا ل تبلغه‬
‫عقولههم إل كان لبعضههم فتنهة‪ .‬وقال عليهه السهلم‪( :‬حدث الناس بمها يفهمون أتحبون أن يكذب ال‬
‫ورسهوله)‪ .‬وهذا محمول على بعهض العلوم‪ ،‬كعلم الكلم أو مها ل يسهتوي فهي فهمهه جميهع العوام‪،‬‬
‫فحكم العالم أن يحدث بما يفهم عنه‪ ،‬وينزل كل إنسان منزلته‪ ،‬وال تعالى اعلم‪.‬‬
‫@هذه اليهة ههي التهي أراد أبهو هريرة رضهي ال عنهه فهي قوله‪ :‬لول آيهة فهي كتاب ال تعالى مها‬
‫حدثتكهم حديثها‪ .‬وبهها اسهتدل العلماء على وجوب تبليهغ العلم الحهق‪ ،‬وتهبيان العلم على الجملة‪ ،‬دون‬
‫أخهذ الجرة عليهه‪ ،‬إذ ل يسهتحق الجرة على مها عليهه فعله‪ ،‬كمها ل يسهتحق الجرة على السهلم‪،‬‬
‫وقد مضى القول في هذا‪.‬‬
‫وتحقيهق اليهة ههو‪ :‬أن العالم إذا قصهد كتمان العلم عصهى‪ ،‬وإذا لم يقصهده لم يلزمهه التبليهغ إذا‬
‫عرف أنهه مهع غيره‪ .‬وأمها مهن سهئل فقهد وجهب عليهه التبليهغ لهذه اليهة وللحديهث‪ .‬أمها أنهه ل يجوز‬
‫تعليهم الكافهر القرآن والعلم حتهى يسهلم‪ ،‬وكذلك ل يجوز تعليهم المبتدع الجدال والحجاج ليجادل بهه‬
‫أهل الحق‪ ،‬ول يعلم الخصم على خصمه حجة يقطع بها ماله‪ ،‬ول السلطان تأويل يتطرق به إلى‬
‫مكاره الرعية‪ ،‬ول ينشر الرخص في السفهاء فيجلوا ذلك طريقا إلى ارتكاب المحظورات‪ ،‬وترك‬
‫الواجبات ونحهو ذلك‪ .‬يروى عههن النههبي صههلى ال عليهه وسههلم أنهه قال‪( :‬ل تمنعوا الحكمههة أهلههها‬
‫فتظلموههم ول تضعوهها فهي غيهر أهلهها فتظلموهها)‪ .‬وروي عنهه صهلى ال عليهه وسهلم أنهه قال‪( :‬ل‬
‫تعلقوا الدر فهي أعناق الخنازيهر)‪ ،‬يريهد تعليهم الفقهه مهن ليهس مهن أهله‪ .‬وقهد قال سهحنون‪ :‬إن حديهث‬
‫أبهي هريرة وعمرو بهن العاص إنمها جاء فهي الشهادة‪ .‬قال ابهن العربهي‪ :‬والصهحيح خلفهه‪ ،‬لن فهي‬
‫الحديث (من سئل عن علم) ولم يقل عن شهادة‪ ،‬والبقاء على الظاهر حتى يرد عليه ما يزيله‪ ،‬وال‬
‫اعلم‪.‬‬
‫@قوله تعالى‪" :‬من البينات والهدى" يعم المنصوص عليه والمستنبط‪ ،‬لشمول اسم الهدى للجميع‪.‬‬
‫وفيهه دليهل على وجوب العمهل بقول الواحهد‪ ،‬لنهه ل يجهب عليهه البيان إل وقهد وجهب قبول قوله‪،‬‬
‫وقال‪" :‬إل الذين تابوا وأصلحوا وبينوا" [البقرة‪ ]160 :‬فحكم بوقوع البيان بخبرهم‪.‬‬
‫فإن قيل‪ :‬إنه يجوز أن يكون كل واحد منهم منهيا عن الكتمان ومأمورا بالبيان ليكثر المخبرون‬
‫ويتواتهر بههم الخهبر‪ .‬قلنها‪ :‬هذا غلط‪ ،‬لنههم لم ينهوا عهن الكتمان إل وههم ممهن يجوز عليههم التواطهؤ‬
‫عليه‪ ،‬ومن جاز منهم التواطؤ على الكتمان فل يكون خبرهم موجبا للعلم‪ ،‬وال تعالى اعلم‪.‬‬
‫@لما قال‪" :‬من البينات والهدى" دل على أن ما كان من غير ذلك جائز كتمه‪ ،‬ل سيما إن كان‬
‫مهع ذلك خوف فإن ذلك آكهد فهي الكتمان‪ .‬وقهد ترك أبهو هريرة ذلك حيهن خاف فقال‪ :‬حفظهت عهن‬
‫رسهول ال صهلى ال عليهه وسهلم وعاءيهن‪ ،‬فأمها أحدهمها فبثثتهه‪ ،‬وأمها الخهر فلو بثثتهه قطهع هذا‬
‫البلعوم‪ .‬أخرجهه البخاري‪ .‬قال أبهو عبدال‪ :‬البلعوم مجرى الطعام‪ .‬قال علماؤنها‪ :‬وهذا الذي لم يبثهه‬
‫أبو هريرة وخاف على نفسه فيه الفتنة أو القتل إنما هو مما يتعلق بأمر الفتن والنص على أعيان‬
‫المرتدين والمنافقين‪ ،‬ونحو هذا مما ل يتعلق بالبينات والهدى‪ ،‬وال تعالى اعلم‪.‬‬
‫@قوله تعالى‪" :‬مهن بعهد مها بيناه" الكنايهة فهي "بيناه" ترجهع إلى مها أنزل مهن البينات والهدى‪.‬‬
‫والكتاب‪ :‬اسم جنس‪ ،‬فالمراد جميع الكتب المنزلة‪.‬‬
‫@قوله تعالى‪" :‬أولئك يلعنهم ال" أي يتبرأ منهم ويبعدهم من ثوابه ويقول لهم‪ :‬عليكم لعنتي‪ ،‬كما‬
‫قال للّعين‪" :‬وإن عليك لعنتي" [ص‪ .]78 :‬وأصل اللعن في اللغة البعاد والطرد‪ ،‬وقد تقدم‪.‬‬
‫@قوله تعالى‪" :‬ويلعنههم اللعنون" قال قتادة والربيع‪ :‬المراد "باللعنون" الملئكهة والمؤمنون‪.‬‬
‫قال ابههن عطيههة‪ :‬وهذا واضههح جار على مقتضههى الكلم‪ .‬وقال مجاهههد وعكرمههة‪ :‬هههم الحشرات‬
‫والبهائم يصيبهم الجدب بذنوب علماء السوء الكاتمين فيلعنونهم‪ .‬قال الزجاج‪ :‬والصواب قول من‬
‫قال‪" :‬اللعنون" الملئكههة والمؤمنون‪ ،‬فأمهها أن يكون ذلك لدواب الرض فل يوقههف على حقيقتههه‬
‫إل بنص أو خبر لزم ولم نجد من ذينك شيئا‪.‬‬
‫قلت‪ :‬قهد جاء بذلك خهبر رواه البراء بهن عازب رضهي ال عنهه قال قال رسهول ال صهلى ال‬
‫عليههه وسههلم فههي قوله تعالى‪" :‬يلعنهههم ال ويلعنهههم اللعنون" قال‪( :‬دواب الرض)‪ .‬أخرجههه ابههن‬
‫ماجة عن محمد بن الصباح أنبأنا عمار بن محمد عن ليث عن أبي المنهال عن زاذان عن البراء‪،‬‬
‫إسناد حسن‪.‬‬
‫فإن قيل‪ :‬كيف جمع من ل يعقل جمع من يعقل؟ قيل‪ :‬لنه أسند إليهم فعل من يعقل‪ ،‬كما قال‪:‬‬
‫"رأيتهم لي ساجدين" [يوسف‪ ]4 :‬ولم يقل ساجدات‪ ،‬وقد قال‪" :‬لم شهدتم علينا" [فصلت‪،]21 :‬‬
‫وقال‪" :‬وتراهم ينظرون إليك" [العراف‪ ،]198 :‬ومثله كثير‪ ،‬وسيأتي إن شاء ال تعالى‪ .‬وقال‬
‫البراء بن عازب وابن عباس‪" :‬اللعنون" كل المخلوقات ما عدا الثقلين‪ :‬الجن والنس‪ ،‬وذلك أن‬
‫النبي صلى ال عليه وسلم قال‪( :‬الكافر إذا ضرب في قبره فصاح سمعه الكل إل الثقلين ولعنه كل‬
‫سهامع)‪ .‬وقال ابهن مسهعود والسهدي‪( :‬ههو الرجهل يلعهن صهاحبه فترتفهع اللعنهة إلى السهماء ثهم تنحدر‬
‫فل تجهد صهاحبها الذي قيلت فيهه أهل لذلك‪ ،‬فترجهع إلى الذي تكلم بهها فل تجده أهل فتنطلق فتقهع‬
‫على اليهود الذين كتموا ما أنزل ال تعالى‪ ،‬فهو قوله‪" :‬ويلعنهم اللعنون" فمن مات منهم ارتفعت‬
‫اللعنة عنه فكانت فيمن بقي من اليهود)‪.‬‬
‫*‪*3‬الية‪{ 160 :‬إل الذين تابوا وأصلحوا وبينوا فأولئك أتوب عليهم وأنا التواب الرحيم}‬
‫@قوله تعالى‪" :‬إل الذيهن تابوا" اسهتثنى تعالى التائبيهن الصهالحين لعمالههم وأقوالههم المنيهبين‬
‫لتوبتههم‪ .‬ول يكفهي فهي التوبهة عنهد علمائنها قول القائل‪ :‬قهد تبهت‪ ،‬حتهى يظههر منهه فهي الثانهي خلف‬
‫الول‪ ،‬فإن كان مرتدا رجهع إلى السهلم مظهرا شرائعهه‪ ،‬وإن كان مهن أههل المعاصهي ظههر منهه‬
‫العمهل الصهالح‪ ،‬وجانهب أههل الفسهاد والحوال التهي كان عليهها‪ ،‬وإن كان مهن أههل الوثان جانبههم‬
‫وخالط أهل السلم‪ ،‬وهكذا يظهر عكس ما كان عليه‪ .‬وسيأتي بيان التوبة وأحكامها في "النساء"‬
‫إن شاء ال تعالى‪ .‬وقال بعض العلماء في قوله‪" :‬وبينوا" أي بكسر الخمر وإراقتها‪ .‬وقيل‪" :‬بينوا"‬
‫يعنهي مها فهي التوراة مهن نبوة محمهد صهلى ال عليهه وسهلم ووجوب اتباعهه‪ .‬والعموم أولى على مها‬
‫بيناه‪ ،‬أي بينوا خلف مها كانوا عليهه‪ ،‬وال تعالى اعلم‪" .‬فأولئك أتوب عليههم وأنها التواب الرحيهم"‬
‫تقدم ول الحمد والمنة‪.‬‬
‫*‪*3‬اليهة‪{ 161 :‬إن الذيهن كفروا وماتوا وههم كفار أولئك عليههم لعنهة ال والملئكهة والناس‬
‫أجمعين}‬
‫@قوله تعالى‪" :‬وهم كفار" الواو واو الحال‪ .‬قال ابن العربي‪ :‬قال لي كثير من أشياخي إن الكافر‬
‫المعين ل يجوز لعنه‪ ،‬لن حاله عند الموافاة ل تعلم‪ ،‬وقد شرط ال تعالى في هذه الية في إطلق‬
‫اللعنة‪ :‬الموافاة على الكفر‪ ،‬وأما ما روي عن النبي صلى ال عليه وسلم أنه لعن أقواما بأعيانههم‬
‫من الكفار فإنما كان ذلك لعلمه بمآلهم‪ .‬قال ابن العربهي‪ :‬والصحيح عندي جواز لعنه لظاههر حاله‬
‫ولجواز قتله وقتاله‪ ،‬وقد روي عن النبي صلى ال عليه وسلم أنه قال‪( :‬اللهم إن عمرو بن العاص‬
‫هجانهي وقهد علم أنهي لسهت بشاعهر فالعنهه واهجهه عدد مها هجانهي)‪ .‬فلعنهه‪ ،‬وإن كان اليمان والديهن‬
‫والسلم مآله‪ .‬وانتصف بقوله‪( :‬عدد ما هجاني) ولم يزد ليعلم العدل والنصاف‪ .‬وأضاف الهجو‬
‫إلى ال تعالى فههي باب الجزاء دون البتداء بالوصههف بذلك‪ ،‬كمهها يضاف إليههه المكههر والسههتهزاء‬
‫والخديعة‪ ،‬سبحانه وتعالى عما يقول الظالمون علوا كبيرا‪.‬‬
‫قلت‪ :‬أمهها لعههن الكفار جملة مههن غيههر تعييههن فل خلف فههي ذلك‪ ،‬لمهها رواه مالك عهن داود بهن‬
‫الحصههين أنههه سههمع العرج يقول‪ :‬مهها أدركههت الناس إل وهههم يلعنون الكفرة فههي رمضان‪ .‬قال‬
‫علماؤنها‪ :‬وسهواء كانهت لههم ذمهة أم لم تكهن‪ ،‬وليهس ذلك بواجهب‪ ،‬ولكنهه مباح لمهن فعله‪ ،‬لجحدههم‬
‫الحهق وعداوتههم للديهن وأهله‪ ،‬وكذلك كهل مهن جاههر بالمعاصهي كشراب الخمهر وأكلة الربها‪ ،‬ومهن‬
‫تشبه من النساء بالرجال ومن الرجال بالنساء‪ ،‬إلى غير ذلك مما ورد في الحاديث لعنه‪.‬‬
‫@ليس لعن الكافر بطريق الزجر له عن الكفر‪ ،‬بل هو جزاء على الكفر وإظهار قبح كفره‪ ،‬كان‬
‫الكافر ميتا أو مجنونا‪ .‬وقال قوم من السلف‪ :‬إنه ل فائدة في لعن من جن أو مات منهم‪ ،‬ل بطريق‬
‫الجزاء ول بطريق الزجر‪ ،‬فإنه ل يتأثر به‪.‬‬
‫والمراد باليهة على هذا المعنهى أن الناس يلعنونهه يوم القيامهة ليتأثهر بذلك ويتضرر ويتألم قلبهه‪،‬‬
‫فيكون ذلك جزاء على كفره‪ ،‬كمها قال تعالى‪" :‬ثهم يوم القيامهة يكفهر بعضكهم ببعهض ويلعهن بعضكهم‬
‫بعضا" [العنكبوت‪ ،]25 :‬ويدل على هذا القول أن الية دالة على الخبار عن ال تعالى بلعنهم‪،‬‬
‫ل على المهر‪ .‬وذكهر ابهن العربهي أن لعن العاصهي المعين ل يجوز اتفاقها‪ ،‬لما روي عن النهبي أنه‬
‫أتي بشارب خمر مرارا‪ ،‬فقال بعض من حضره‪ :‬لعنه ال‪ ،‬ما أكثر ما يؤتى به‪ ،‬فقال النبي صلى‬
‫ال عليههه وسههلم‪( :‬ل تكونوا عون الشيطان على أخيكههم) فجعههل له حرمههة الخوة‪ ،‬وهذا يوجههب‬
‫الشفقة‪ ،‬وهذا حديث صحيح‪.‬‬
‫قلت‪ :‬خرجهه البخاري ومسهلم‪ ،‬وقهد ذكهر بعهض العلماء خلفها فهي لعهن العاصهي المعيهن‪ ،‬قال‪:‬‬
‫وإنما قال عليه السلم‪( :‬ل تكونوا عون الشيطان على أخيكم) في حق نعيمان بعد إقامة الحد عليه‪،‬‬
‫ومهن أقيهم عليهه حهد ال تعالى فل ينبغهي لعنهه‪ ،‬ومهن لم يقهم عليهه الحهد فلعنتهه جائزة سهواء سهمي أو‬
‫عين أم ل‪ ،‬لن النبي صلى ال عليه وسلم ل يلعن إل من تجب عليه اللعنة ما دام على تلك الحالة‬
‫الموجبهة للعهن‪ ،‬فإذا تاب منهها وأقلع وطهره الحهد فل لعنهة تتوجهه عليهه‪ .‬وبيهن هذا قوله صهلى ال‬
‫عليهه وسهلم‪( :‬إذا زنهت أمهة أحدكهم فليجلدهها الحهد ول يثرب)‪ .‬فدل هذا الحديهث مهع صهحته على أن‬
‫التثريب واللعن إنما يكون قبل أخذ الحد وقبل التوبة‪ ،‬وال تعالى اعلم‪.‬‬
‫قال ابن العربهي‪ :‬وأمها لعن العاصي مطلقا فيجوز إجماعا‪ ،‬لمها روي عن النبي صلى ال عليه‬
‫وسلم أنه قال‪( :‬لعن ال السارق يسرق البيضة فتقطع يده)‪.‬‬
‫@قوله تعالى‪" :‬أولئك عليهم لعنة ال والملئكة والناس أجمعين" أي إبعادهم من رحمته وأصل‬
‫اللعن‪ :‬الطرد والبعاد‪ ،‬وقد تقدم‪ .‬فاللعنة من العباد الطرد‪ ،‬ومن ال العذاب‪ .‬وقرأ الحسن البصري‬
‫"والملئكهة والناس أجمعون" بالرفهع‪ .‬وتأويلهها‪ :‬أولئك جزاؤههم أن يلعنههم ال ويلعنههم الملئكهة‬
‫ويلعنههم الناس أجمعون‪ ،‬كمها تقول‪ :‬كرههت قيام زيهد وعمرو وخالد‪ ،‬لن المعنهى‪ :‬كرههت أن قام‬
‫زيد‪ .‬وقراءة الحسن هذه مخالفة للمصاحف‪.‬‬
‫فإن قيل‪ :‬ليس يلعنهم جميع الناس لن قومهم ل يلعنونهم‪ ،‬قيل عن هذا ثلثة أجوبة‪ ،‬أحدها‪ :‬أن‬
‫اللعنهة مهن أكثهر الناس يطلق عليهها لعنهة الناس تغليبها لحكهم الكثهر على القهل‪ .‬الثانهي‪ :‬قال السهدي‪:‬‬
‫كهل أحهد يلعهن الظالم‪ ،‬وإذا لعهن الكافهر الظالم فقهد لعهن نفسهه‪ .‬الثالث‪ :‬قال أبهو العاليهة‪ :‬المراد بهه يوم‬
‫القيامة يلعنهم قومهم مع جميع الناس‪ ،‬كما قال تعالى‪" :‬ثم يوم القيامة يكفر بعضكم ببعض ويلعن‬
‫بعضكم بعضا" [العنكبوت‪]25 :‬‬
‫*‪*3‬الية‪{ 162 :‬خالدين فيها ل يخفف عنهم العذاب ول هم ينظرون}‬
‫@قوله تعالى‪" :‬خالدين فيها" يعني في اللعنة‪ ،‬أي في جزائها‪ .‬وقيل‪ :‬خلودهم في اللعنة أنها مؤبدة‬
‫عليههم "ول ههم ينظرون" أي ل يؤخرون عهن العذاب وقتها مهن الوقات‪ .‬و"خالديهن" نصهب على‬
‫الحال مههن الهاء والميههم فههي "عليهههم"‪ ،‬والعامههل فيههه الظرف مههن قوله‪" :‬عليهههم" لن فيههها معنههى‬
‫استقرار اللعنة‪.‬‬
‫*‪*3‬الية‪{ 163 :‬وإلهكم إله واحد ل إله إل هو الرحمن الرحيم}‬
‫@قوله تعالى‪" :‬وإلهكهم إله واحهد" لمها حذر تعالى مهن كتمان الحهق بيهن أن أول مها يجهب إظهاره‬
‫ول يجوز كتمانهه أمهر التوحيهد‪ ،‬ووصهل ذلك بذكهر البرهان‪ ،‬وعلم طريهق النظهر‪ ،‬وههو الفكهر فهي‬
‫عجائب الصنع‪ ،‬ليعلم أنه ل بد له من فاعل ل يشبهه شيء‪ .‬قال ابن عباس رضي ال عنهما‪ :‬قالت‬
‫كفار قريههش‪ :‬يهها محمههد انسههب لنهها ربههك‪ ،‬فأنزل ال تعالى سههورة "الخلص" وهذه اليههة‪ .‬وكان‬
‫للمشركين ثلثمائة وستون صنما‪ ،‬فبين ال أنه واحد‪.‬‬
‫@قوله تعالى‪" :‬ل إله إل ههو" نفهي وإثبات‪ .‬أولهها كفهر وآخرهها إيمان‪ ،‬ومعناه ل معبود إل ال‪.‬‬
‫وحكهي عهن الشبلي رحمهه ال أنهه كان يقول‪ :‬ال‪ ،‬ول يقول‪ :‬ل إله‪ ،‬فسهئل عهن ذلك فقال أخشهى أن‬
‫آخذ في كلمة الجحود ول أصل إلى كلمة القرار‪.‬‬
‫قلت‪ :‬وهذا مهن علومههم الدقيقهة‪ ،‬التهي ليسهت لهها حقيقهة‪ ،‬فإن ال جهل اسهمه ذكهر هذا المعنهى فهي‬
‫كتابه نفيا وإثباتا وكرره‪ ،‬ووعد بالثواب الجزيل لقائله على لسان نبيه صلى ال عليه وسلم‪ ،‬خرجه‬
‫الموطهأ والبخاري ومسهلم وغيرههم‪ .‬وقال صهلى ال عليهه وسهلم‪( :‬من كان آخهر كلمهه ل إله إل ال‬
‫دخههل الجنههة) خرجههه مسههلم‪ .‬والمقصههود القلب ل اللسههان‪ ،‬فلو قال‪ :‬ل إله ومات ومعتقده وضميره‬
‫الوحدانيهة ومها يجهب له مهن الصهفات لكان مهن أههل الجنهة باتفاق أههل السهنة‪ .‬وقهد أتينها على معنهى‬
‫اسهمه الواحهد‪ ،‬ول إله إل ههو والرحمهن الرحيهم فهي (الكتاب السهنى فهي شرح أسهماء ال الحسهنى)‪.‬‬
‫والحمد ل‪.‬‬
‫*‪*3‬اليهة‪{ 164 :‬إن فهي خلق السهماوات والرض واختلف الليهل والنهار والفلك التهي تجري‬
‫فهي البحهر بمها ينفهع الناس ومها أنزل ال مهن السهماء من ماء فأحيها به الرض بعهد موتهها وبهث فيهها‬
‫من كل دابة وتصريف الرياح والسحاب المسخر بين السماء والرض ليات لقوم يعقلون}‬
‫@قال عطاء‪ :‬لما نزلت "وإلهكم إله واحد" قالت كفار قريش‪ :‬كيف يسع الناس إله واحد‪ ،‬فنزلت‬
‫"إن فهي خلق السهماوات والرض"‪ .‬ورواه سهفيان عهن أبيهه عهن أبهي الضحهى قال‪ :‬لمها نزلت‬
‫"وإلهكههم إله واحههد" قالوا هههل مههن دليههل على ذلك؟ فأنزل ال تعالى "إن فههي خلق السههموات‬
‫والرض" فكأنهم طلبوا آية فبين لهم دليل التوحيد‪ ،‬وأن هذا العالم والبناء العجيب ل بد له من بان‬
‫وصهانع‪ .‬وجمهع السهموات لنهها أجناس مختلفهة كهل سهماء مهن جنهس غيهر جنهس الخرى‪ .‬ووحهد‬
‫الرض لنها كلها تراب‪ ،‬وال تعالى اعلم‪.‬‬
‫فآيههة السههموات‪ :‬ارتفاعههها بغيههر عمههد مههن تحتههها ول علئق مههن فوقههها‪ ،‬ودل ذلك على القدرة‬
‫وخرق العادة‪ .‬ولو جاء نبي فتحدي بوقوف جبل في الهواء دون علقة كان معجزا‪ .‬ثم ما فيها من‬
‫الشمس والقمر والنجوم السائرة والكواكب الزاهرة شارقة وغاربة نيرة وممحوة آية ثانية‪.‬‬
‫وآية الرض‪ :‬بحارها وأنهارها ومعادنها وشجرها وسهلها ووعرها‪.‬‬
‫@قوله تعالى‪" :‬واختلف الليل والنهار" قيل‪ :‬اختلفهما بإقبال أحدهما وإدبار الخر من حيث ل‬
‫يعلم‪ .‬وقيهل‪ :‬اختلفهمها فهي الوصهاف مهن النور والظلمهة والطول والقصهر‪ .‬والليهل جمهع ليلة‪ ،‬مثهل‬
‫تمرة وتمر ونخلة ونخل‪ .‬ويجمع أيضا ليالي وليال بمعنى‪ ،‬وهو مما شذ عن قياس الجموع‪ ،‬كشبه‬
‫ومشابهه وحاجهة وحوائج وذكهر ومذاكهر‪ ،‬وكأن ليالي فهي القياس جمهع ليلة‪ .‬وقهد اسهتعملوا ذلك فهي‬
‫الشعر قال‪:‬‬
‫في كل يوم وكل ليلة‬
‫وقال آخر‪:‬‬
‫حتى يقول كل راء إذ رآه‬ ‫في كل يوم ما وكل ليله‬
‫يا ويحه من جمل ما أشقاه‬
‫قال ابههن فارس فههي المجمههل‪ :‬ويقال إن بعههض الطيههر يسههمى ليل‪ ،‬ول أعرفههه والنهار يجمههع نهههر‬
‫وأنهرة‪ .‬قال أحمد بن يحيى ثعلب‪َ :‬نهَر جمع ُنهُر وهو جمع الجمع للنهار‪ ،‬وقيل النهار اسم مفرد‬
‫لم يجمع لنه بمعنى المصدر‪ ،‬كقولك الضياء‪ ،‬يقع على القليل والكثير‪ .‬والول أكثر‪ ،‬قال الشاعر‪:‬‬
‫ثريد ليل وثريد بالنهر‬ ‫لول الثريدان هلكنا بالضمر‬
‫قال ابن فارس‪ :‬النهار معروف‪ ،‬والجمع نهر وأنهار‪ .‬ويقال‪ :‬إن النهار يجمع على النهر‪ .‬والنهار‪:‬‬
‫ضياء مها بيهن طلوع الفجهر إلى غروب الشمهس‪ .‬ورجهل نههر‪ :‬صهاحب نهار‪ .‬ويقال إن النهار فرخ‬
‫الحبارى‪ .‬قال النضهر بهن شميهل‪ :‬أول النهار طلوع الشمهس‪ ،‬ول يعهد مها قبهل ذلك مهن النهار‪ .‬وقال‬
‫ثعلب‪ :‬أوله عند العرب طلوع الشمس‪ ،‬استشهد بقول أمية بن أبي الصلت‪.‬‬
‫حمراء يصبح لونها يتورد‬ ‫والشمس تطلع كل آخر ليلة‬
‫وأنشد قول عدي بن زيد‪:‬‬
‫بين النهار وبين الليل قد فصل‬ ‫وجاعل الشمس مصرا ل خفاء به‬
‫وأنشد الكسائي‪:‬‬
‫أمارة تسليمي عليك فسلمي‬ ‫إذا طلعت شمس النهار فإنها‬
‫قال الزجاج فهي كتاب النواء‪ :‬أول النهار ذرور الشمهس‪ .‬وقسهم ابهن النباري الزمهن ثلثهة أقسهام‪:‬‬
‫قسهما جعله ليل محضها‪ ،‬وههو مهن غروب الشمهس إلى طلوع الفجهر‪ .‬وقسهما جعله نهارا محضها‪،‬‬
‫وههو مهن طلوع الشمهس إلى غروبهها‪ .‬وقسهما جعله مشتركها بيهن النهار والليهل‪ ،‬وههو مها بيهن طلوع‬
‫الفجر إلى طلوع الشمس‪ ،‬لبقايا ظلمة الليل ومبادئ ضوء النهار‪.‬‬
‫قلت‪ :‬والصههحيح أن النهار مههن طلوع الفجههر إلى غروب الشمههس‪ ،‬كمهها رواه ابههن فارس فههي‬
‫المجمهل‪ ،‬يدل عليهه مها ثبهت فهي صهحيح مسهلم عهن عدي بهن حاتهم قال‪ :‬لمها نزلت "حتهى يتهبين لكهم‬
‫الخيهط البيهض مهن الخيهط السهود مهن الفجهر" [البقرة‪ ]187 :‬قال له عدي‪ :‬يها رسهول ال‪ ،‬إنهي‬
‫أجعل تحت وسادتي عقالين‪ :‬عقال أبيض وعقال أسود‪ ،‬أعرف بهما الليل من النهار‪ .‬فقال رسول‬
‫ال صهلى ال عليهه وسهلم‪( :‬إن وسهادك لعريهض إنمها ههو سهواد الليهل وبياض النهار)‪ .‬فهذا الحديهث‬
‫يقضي أن النهار من طلوع الفجر إلى غروب الشمس‪ ،‬وهو مقتضى الفقه في اليمان‪ ،‬وبه ترتبط‬
‫الحكام‪ .‬فمههن حلف أل يكلم فلنهها نهارا فكلمههه قبههل طلوع الشمههس حنههث‪ ،‬وعلى الول ل يحنههث‪.‬‬
‫وقول النهبي ههو الفيصهل فهي ذلك والحكهم‪ .‬وأمها على ظاههر اللغهة وأخذه مهن السهنة فههو مهن وقهت‬
‫السفار إذا اتسع وقت النهار‪ ،‬كما قال‪:‬‬
‫يرى قائم من دونها ما وراءها‬ ‫ملكت بها كفي فأنهرت فتقها‬
‫وقهد جاء عهن حذيفهة مها يدل على هذا القول‪ ،‬خرجهه النسهائي‪ .‬وسهيأتي فهي آي الصهيام إن شاء ال‬
‫تعالى‪.‬‬
‫@قوله تعالى‪" :‬والفلك التي تجري في البحر" الفلك‪ :‬السفن‪ ،‬وإفراده وجمعه بلفظ واحد‪ ،‬ويذكر‬
‫ويؤنهث‪ .‬وليسهت الحركات فهي المفرد تلك بأعيانهها فهي الجمهع‪ ،‬بهل كأنهه بنهى الجمهع بناء آخهر‪ ،‬يدل‬
‫على ذلك توسهط التثنيهة فهي قولههم‪ :‬فلكان‪ .‬والفلك المفرد مذكهر‪ ،‬قال تعالى‪" :‬فهي الفلك المشحون"‬
‫[يس‪ ]41 :‬فجاء به مذكرا‪ ،‬وقال‪" :‬والفلك التي تجري في البحر" فأنث‪ .‬ويحتمل واحدا وجمعا‪،‬‬
‫وقال‪" :‬حتى إذا كنتم في الفلك وجرين بهم بريح طيبة" [يونس‪ ]22 :‬فجمع‪ ،‬فكأنه يذهب بها إذا‬
‫كانت واحدة إلى المركب فيذكر‪ ،‬وإلى السفينة فيؤنث‪ .‬وقيل‪ :‬واحده فلك‪ ،‬مثل أسد وأسد‪ ،‬وخشب‬
‫وخشهب‪ ،‬وأصهله مهن الدوران‪ ،‬ومنهه‪ :‬فلك السهماء التهي تدور عليهه النجوم‪ .‬وفلكهت الجاريهة اسهتدار‬
‫ثديها‪ ،‬ومنه فلكة المغزل‪ .‬وسميت السفينة فلكا لنها تدور بالماء أسهل دور‪.‬‬
‫ل إياهها حتهى تجري على وجهه الماء ووقوفهها فوقهه مهع ثقلهها‪.‬‬ ‫ووجهه اليهة فهي الفلك‪ :‬تسهخير ا ّ‬
‫وأول من عملها نوح عليه السلم كما أخبر تعالى‪ ،‬وقال له جبريل‪ :‬اصنعها على جؤجؤ الطائر‪،‬‬
‫فعملهها نوح عليهه السهلم وراثهة فهي العالميهن بمها أراه جبريهل‪ .‬فالسهفينة طائر مقلوب والماء فهي‬
‫أسفلها نظير الهواء في أعلها‪ ،‬قاله ابن العربي‪.‬‬
‫هذه اليههة ومهها كان مثلههها دليههل على جواز ركوب البحههر مطلقهها لتجارة كان أو عبادة‪ ،‬كالحههج‬
‫ل صهلى الّ عليهه وسهلم فقال‪:‬‬ ‫والجهاد‪ .‬ومهن السهنة حديهث أبهي هريرة قال‪ :‬جاء رجهل إلى رسهول ا ّ‬
‫يها رسهول الّ‪ ،‬إنها نركهب البحهر ونحمهل معنها القليهل مهن الماء‪ .‬الحديهث‪ .‬وحديهث أنهس بهن مالك فهي‬
‫قصهة أم حرام‪ ،‬أخرجهمها الئمهة‪ :‬مالك وغيره‪ .‬روى حديهث أنهس عنهه جماعهة عهن إسهحاق بهن‬
‫عبدال بن أبي طلحة عن أنس‪ ،‬ورواه بشر بن عمر عن مالك عن إسحاق عن أنس عن أم حرام‪،‬‬
‫جعله مهن مسهند أم حرام ل مهن مسهند أنهس‪ .‬هكذا حدث عنهه بهه بندار محمهد بهن بشار‪ ،‬ففيهه دليهل‬
‫واضههح على ركوب البحههر فههي الجهاد للرجال والنسههاء‪ ،‬وإذا جاز ركوبههه للجهاد فركوبههه للحههج‬
‫المفترض أولى وأوجهب‪ .‬وروي عهن عمهر بهن الخطاب وعمهر بهن عبدالعزيهز رضهي الّ عنهمها‬
‫المنههع مههن ركوبههه‪ .‬والقرآن والسههنة يرد هذا القول‪ ،‬ولو كان ركوبههه يكره أو ل يجوز لنهههى عنههه‬
‫النهبي صهلى الّ عليهه وسهلم الذيهن قالوا له‪ :‬إنها نركهب البحهر‪ .‬وهذه اليهة ومها كان مثلهها نهص فهي‬
‫الغرض وإليهها المفزع‪ .‬وقهد تؤول مها روي عهن العمريهن فهي ذلك بأن ذلك محمول على الحتياط‬
‫وترك التغرير بالمهج في طلب الدنيا والستكثار منها‪ ،‬وأما في أداء الفرائض فل‪ .‬ومما يدل على‬
‫ل تعالى ضرب البحههر وسههط الرض وجعههل الخلق فههي‬ ‫جواز ركوبههه مههن جهههة المعنههى أن ا ّ‬
‫ل سهبيله‬‫العدوتيهن‪ ،‬وقسهم المنافهع بيهن الجهتيهن فل يوصهل إلى جلبهها إل بشهق البحهر لهها‪ ،‬فسههل ا ّ‬
‫بالفلك‪ ،‬قاله ابهن العربهي‪ .‬قال أبهو عمهر‪ :‬وقهد كان مالك يكره للمرأة الركوب للحهج فهي البحهر‪ ،‬وههو‬
‫للجهاد لذلك أكره‪ .‬والقرآن والسنة يرد قوله‪ ،‬إل أن بعض أصحابنا من أهل البصرة قال‪ :‬إنما كره‬
‫ذلك مالك لن السفن بالحجاز صغار‪ ،‬وأن النساء ل يقدرن على الستتار عند الخلء فيها لضيقها‬
‫وتزاحهم الناس فيهها‪ ،‬وكان الطريهق مهن المدينهة إلى مكهة على البر ممكنها‪ ،‬فلذلك كره مالك ذلك‪.‬‬
‫وأمها السهفن الكبار نحهو سهفن أههل البصهرة فليهس بذلك بأس‪ .‬قال‪ :‬والصهل أن الحهج على كهل مهن‬
‫اسههتطاع إليههه سههبيل مههن الحرار البالغيههن‪ ،‬نسههاء كانوا أو رجال‪ ،‬إذا كان الغلب مههن الطريههق‬
‫المن‪ ،‬ولم يخص بحرا من بر‪.‬‬
‫قلت‪ :‬فدل الكتاب والسهنة والمعنهى على إباحهة ركوبهه للمعنييهن جميعها‪ :‬العبادة والتجارة‪ ،‬فههي‬
‫الحجة وفيها السوة‪ .‬إل أن الناس في ركوب البحر تختلف أحوالهم‪ ،‬فرب راكب يسهل عليه ذلك‬
‫ول يشق‪ ،‬وآخر يشق عليه ويضعف به‪ ،‬كالمائد المفرط الميد‪ ،‬ومن لم يقدر معه على أداء فرض‬
‫الصلة ونحوها من الفرائض‪ ،‬فالول ذلك له جائز‪ ،‬والثاني يحرم عليه ويمنع منه‪.‬‬
‫ول خلف بيهن أههل العلم أن البحهر إذا أرتهج لم يجهز ركوبهه لحهد بوجهه مهن الوجوه فهي حيهن‬
‫ارتجاجه ول في الزمن الذي الغلب فيه عدم السلمة‪ ،‬وإنما يجوز عندهم ركوبه في زمن تكون‬
‫السلمة فيه الغلب‪ ،‬فإن الذين يركبونه حال السلمة وينجون ل حاصر لهم‪ ،‬والذين يهلكون فيه‬
‫محصورون‪.‬‬
‫@قوله تعالى‪" :‬بمها ينفهع الناس" أي بالذي ينفعههم مهن التجارات وسهائر المآرب التهي تصهلح بهها‬
‫أحوالهم‪ .‬وبركوب البحر تكتسب الرباح‪ ،‬وينتفع من يحمل إليه المتاع أيضا‪ .‬وقد قال بعض من‬
‫طعهن فهي الديهن‪ :‬إن الّ تعالى يقول فهي كتابكهم‪" :‬مها فرطنها فهي الكتاب مهن شيهء" [النعام‪]38 :‬‬
‫فأيهن ذكهر التوابهل المصهلحة للطعام مهن الملح والفلفهل وغيهر ذلك؟ فقيهل له فهي قوله‪" :‬بمها ينفهع‬
‫الناس"‪.‬‬
‫@قوله تعالى‪" :‬وما أنزل ال من السماء من ماء فأحيا به الرض بعد موتها" يعني بها المطار‬
‫التي بها إنعاش العالم وإخراج النبات والرزاق‪ ،‬وجعل منه المخزون عدة للنتفاع في غير وقت‬
‫نزوله‪ ،‬كما قال تعالى‪" :‬فأسكناه في الرض" [المؤمنون‪.]18 :‬‬
‫@قوله تعالى‪" :‬وبث فيها من كل دابة" أي فرق ونشر‪ ،‬ومنه "كالفراش المبثوث" [القارعة‪]4 :‬‬
‫ل تعالى‪" :‬ومها مهن‬ ‫ودابهة تجمهع الحيوان كله‪ ،‬وقهد أخرج بعهض الناس الطيهر‪ ،‬وههو مردود‪ ،‬قال ا ّ‬
‫دابة في الرض إل على ال رزقها" [هود‪ ]6 :‬فإن الطير يدب على رجليه في بعض حالته‪ ،‬قال‬
‫العشى‪:‬‬
‫دبيب قطا البطحاء في كل منهل‬
‫وقال علقمة بن عبدة‪:‬‬
‫صواعقها لطيرهن دبيب‬
‫@قوله تعالى‪" :‬وتصهريف الرياح" تصهريفها‪ :‬إرسهالها عقيمها وملقحهة‪ ،‬وصهرا ونصهرا وهلكها‪،‬‬
‫وحارة وباردة‪ ،‬ولينهة وعاصهفة‪ .‬وقيهل‪ :‬تصهريفها إرسهالها جنوبها وشمال‪ ،‬ودبورا وصهبا‪ ،‬ونكباء‪،‬‬
‫وهههي التههي تأتههي بيههن مهههبي ريحيههن‪ .‬وقيههل‪ :‬تصههريفها أن تأتههي السههفن الكبار بقدر مهها تحملههها‪،‬‬
‫والصغار كذلك‪ ،‬ويصهرف عنهمها مها يضهر بهمها‪ ،‬ول اعتبار بكهبر القلع ول صغرها‪ ،‬فإن الريهح‬
‫لو جاءت جسهدا واحدا لصهدمت القلع وأغرقهت‪ .‬والرياح جمهع ريهح سهميت بهه لنهها تأتهي بالروح‬
‫غالبا‪ .‬روى أبو داود عن أبي هريرة قال سمعت رسول الّ صلى الّ عليه وسلم يقول‪( :‬الريح من‬
‫ل خيرها واستعيذوا بالّ‬ ‫ل تأتي بالرحمة وتأتي بالعذاب فإذا رأيتموها فل تسبوها واسألوا ا ّ‬ ‫روح ا ّ‬
‫من شرها)‪ .‬وأخرجه أيضا ابن ماجة في سننه حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة حدثنا يحيى بن سعيد‬
‫عن الوزاعي عن الزهري حدثنا ثابت الزرقي عن أبي هريرة قال قال رسول الّ صلى الّ عليه‬
‫ل مههن خيرههها‬ ‫وسههلم‪( :‬ل تسههبوا الريههح فإنههها مههن روح ال تأتههي بالرحمههة والعذاب ولكههن سههلوا ا ّ‬
‫وتعوذوا بالّ من شرها)‪ .‬وروي عن النبي صلى الّ عليه وسلم أنه قال‪( :‬ل تسبوا الريح فإنها من‬
‫نفس الرحمن)‪ .‬المعنى‪ :‬أن الّ تعالى جعل فيها التفريج والتنفيس والترويح‪ ،‬والضافة من طريق‬
‫ل تعالى جعلها كذلك‪ .‬وفي صحيح مسلم عن ابن عباس عن النبي صلى الّ‬ ‫الفعل‪ .‬والمعنى‪ :‬أن ا ّ‬
‫عليهه وسهلم أنهه قال‪( :‬نصهرت بالصهبا وأهلكهت عاد بالدبور)‪ .‬وهذا معنهى مها جاء فهي الخهبر أن الّ‬
‫سهبحانه وتعالى فرج عهن نهبيه صهلى الّ عليهه وسهلم بالريهح يوم الحزاب‪ ،‬فقال تعالى‪" :‬فأرسهلنا‬
‫عليههم ريحها وجنودا لم تروهها" [الحزاب‪ .]9 :‬ويقال‪ :‬نفهس الّ عهن فلن كربهة من كرب الدنيها‪،‬‬
‫أي فرج عنه‪ .‬وفي صحيح مسلم من حديث أبي هريرة رضي الّ عنه‪( :‬من نفس عن مسلم كربة‬
‫من كرب الدنيا نفس الّ عنه كربة من كرب يوم القيامة)‪ .‬أي فرج عنه‪ .‬وقال الشاعر‪:‬‬
‫على كبد مهموم تجلت هموهما‬ ‫كأن الصبا ريح إذا ما تنسمت‬
‫قال ابن العرابي‪ :‬النسيم أول هبوب الريح‪ .‬وأصل الريح روح‪ ،‬ولهذا قيل في جمع القلة أرواح‪،‬‬
‫ول يقال‪ :‬أرياح‪ ،‬لنها من ذوات الواو‪ ،‬وإنما قيل‪ :‬رياح من جهة الكثرة وطلب تناسب الياء معها‪.‬‬
‫وفي مصحف حفصة "وتصريف الرواح"‪.‬‬
‫@قوله تعالى‪" :‬وتصريف الرياح" قرأ حمزة والكسائي "الريح" على الفراد‪ ،‬وكذا في العراف‬
‫والكهف وإبراهيم والنمل والروم وفاطر والشورى والجاثية‪ ،‬ل خلف بينهما في ذلك ‪ 0‬ووافقهما‬
‫ابهن كثيهر فهي العراف والنمهل والروم وفاطهر والشورى‪ .‬وأفرد حمزة "الرياح لواقهح" [الحجهر‪:‬‬
‫‪ .]22‬وأفرد ابن كثير "وهو الذي أرسل الرياح" [الفرقان‪ ]48 :‬في الفرقان وقرأ الباقون بالجمع‬
‫فهي جميعهها سهوى الذي فهي إبراهيهم والشورى فلم يقرأهمها بالجمهع سهوى نافهع‪ ،‬ولم يختلف السهبعة‬
‫فيمها سهوى هذه المواضهع‪ .‬والذي ذكرناه فهي الروم ههو الثانهي "ال الذي يرسهل الرياح" [الروم‪:‬‬
‫‪ .]48‬ول خلف بينههم فهي "الرياح مبشرات" [الروم‪ .]46 :‬وكان أبهو جعفهر يزيهد بهن القعقاع‬
‫يجمههع الرياح إذا كان فيههها ألف ولم فههي جميههع القرآن‪ ،‬سههوى "تهوي بههه الريههح" [الحههج‪]31 :‬‬
‫و"الريهح العقيهم" [الذاريات‪ ]41 :‬فإن لم يكهن فيهه ألف ولم أفرد‪ .‬فمهن وحهد الريهح فلنهه اسهم‬
‫للجنهس يدل على القليهل والكثيهر‪ .‬ومهن جمهع فلختلف الجهات التهي تههب منهها الرياح‪ .‬ومهن جمهع‬
‫مهع الرحمهة ووحد مع العذاب فإنه فعل ذلك اعتبارا بالغلب فهي القرآن‪ ،‬نحو‪" :‬الرياح مبشرات"‬
‫والريح العقيم" فجاءت في القرآن مجموعة مع الرحمة مفردة مع العذاب‪ ،‬إل في يونس في قوله‪:‬‬
‫"وجرين بهم بريح طيبة" [يونس‪ .]22 :‬وروي أن رسول الّ صلى الّ عليه وسلم كان يقول إذا‬
‫هبت الريح‪( :‬اللهم اجعلها رياحا ول تجعلها ريحا)‪ .‬وذلك لن ريح العذاب شديدة ملتئمة الجزاء‬
‫كأنها جسم واحد‪ ،‬وريح الرحمة لينة متقطعة فلذلك هي رياح‪ .‬فأفردت مع الفلك في "يونس"‪ ،‬لن‬
‫ريح إجراء السفن إنما هي ريح واحدة متصلة ثم وصفت بالطيب فزال الشتراك بينها وبين ريح‬
‫العذاب‪.‬‬
‫@قال العلماء‪ :‬الريهح تحرك الهواء‪ ،‬وقهد يشتهد ويضعهف‪ .‬فإذا بدت حركهة الهواء مهن تجاه القبلة‬
‫ذاهبهة إلى سهمت القبلة قيهل لتلك الريهح‪" :‬الصهبا"‪ .‬وإذا بدت حركهة الهواء مهن وراء القبلة وكانهت‬
‫ذاهبة إلى تجاه القبلة قيل لتلك الريح‪" :‬الدبور"‪ .‬وإذا بدت حركة الهواء عن يمين القبلة ذاهبة إلى‬
‫يسارها قيل لها‪" :‬ريح الجنوب"‪ .‬وإذا بدت حركة الهواء عن يسار القبلة ذاهبة إلى يمينها قيل لها‪:‬‬
‫"ريهح الشمال"‪ .‬ولكهل واحدة مهن هذه الرياح طبهع‪ ،‬فتكون منفعتهها بحسهب طبعهها‪ ،‬فالصهبا حارة‬
‫يابسههة‪ ،‬والدبور باردة رطبههة‪ ،‬والجنوب حارة رطبههة‪ ،‬والشمال باردة يابسههة‪ .‬واختلف طباعههها‬
‫كاختلف طبائع فصول السنة‪ .‬وذلك أن الّ تعالى وضع للزمان أربعة فصول مرجعها إلى تغيير‬
‫أحوال الهواء‪ ،‬فجعهل الربيهع الذي ههو أول الفصهول حارا رطبها‪ ،‬ورتهب فيهه النشهء والنمهو فتنزل‬
‫فيهه المياه‪ ،‬وتخرج الرض زهرتهها وتظههر نباتهها‪ ،‬ويأخهذ الناس فهي غرس الشجار وكثيهر مهن‬
‫الزرع‪ ،‬وتتوالد فيهه الحيوانات وتكثهر اللبان‪ .‬فإذا انقضهى الربيهع تله الصهيف الذي ههو مشاكهل‬
‫للربيهع فهي إحدى طهبيعتيه وههي الحرارة‪ ،‬ومبايهن له فهي الخرى وههي الرطوبهة‪ ،‬لن الهواء فهي‬
‫الصهيف حار يابهس‪ ،‬فتنضهج فيهه الثمار وتيبهس فيهه الحبوب المزروعهة فهي الربيهع‪ .‬فإذا انقضهى‬
‫الصهيف تبعهه الخريهف الذي ههو مشاكهل للصهيف فهي إحدى طهبيعتيه وههي اليبهس‪ ،‬ومبايهن له فهي‬
‫الخرى وههي الحرارة‪ ،‬لن الهواء فهي الخريهف بارد يابهس‪ ،‬فيتناههى فيهه صهلح الثمار وتيبهس‬
‫وتجههف فتصهير إلى حال الدخار‪ ،‬فتقطههف الثمار وتحصههد العناب وتفرغ مههن جمعهها الشجار‪.‬‬
‫فإذا انقضهى الخريهف تله الشتاء وههو ملئم للخريهف فهي إحدى طهبيعتيه وههي البرودة‪ ،‬ومبايهن له‬
‫في الخرى وهو اليبس‪ ،‬لن الهواء في الشتاء بارد رطب‪ ،‬فتكثر المطار والثلوج وتهمد الرض‬
‫ل تبارك وتعالى إليها حرارة الربيع‪ ،‬فإذا اجتمعت مع‬ ‫كالجسد المستريح‪ ،‬فل تتحرك إل أن يعيد ا ّ‬
‫ل سهبحانه وتعالى‪ .‬وقهد تههب رياح كثيرة سهوى مها‬ ‫الرطوبهة كان عنهد ذلك النشهء والنمهو بإذن ا ّ‬
‫ذكرناه‪ ،‬إل أن الصول هذه الربع‪ .‬فكل ريح تهب بين ريحين فحكمها حكم الريح التي تكون في‬
‫هبوبها أقرب إلى مكانها وتسمى "النكباء"‪.‬‬
‫@قوله تعالى‪" :‬والسهحاب المسهخر بيهن السهماء والرض" سهمي السهحاب سهحابا لنسهحابه فهي‬
‫الهواء ‪ 0‬وسهحبت ذيلي سهحبا‪ .‬وتسهحب فلن على فلن‪ :‬اجترأ‪ .‬والسهحب‪ :‬شدة الكهل والشرب‪.‬‬
‫والمسهخر‪ :‬المذلل‪ ،‬وتسهخيره بعثهه مهن مكان إلى آخهر‪ .‬وقيهل‪ :‬تسهخيره ثبوتهه بيهن السهماء والرض‬
‫مهن غيهر عمهد ول علئق‪ ،‬والول أظههر‪ .‬وقهد يكون بماء وبعذاب‪ ،‬روى مسهلم عهن أبهي هريرة‬
‫رضي الّ عنه عن النبي صلى الّ عليه وسلم قال‪( :‬بينما رجل بفلة من الرض فسمع صوتا في‬
‫سهحابة اسهق حديقهة فلن فتنحهى ذلك السهحاب فأفرغ ماءه فهي حرة فإذا شرجهة مهن تلك الشراج قهد‬
‫اسههتوعبت ذلك الماء كله فتتبههع الماء فإذا رجههل قائم فههي حديقتههه يحول الماء بمسههحاته فقال له يهها‬
‫عبدال مها اسهمك قال فلن للسهم الذي سهمع فهي السهحابة فقال له يها عبدال لم تسهألني عهن اسهمي‬
‫فقال إني سمعت صوتا في السحاب الذي هذا ماؤه يقول اسق حديقة فلن لسمك فما تصنع فيها؟‬
‫قال أمها إذ قلت هذا فإنهي أنظهر إلى مها يخرج منهها فأتصهدق بثلثهه وآكهل أنها وعيالي ثلثها وأرد فيهها‬
‫ثلثهه)‪ .‬وفهي روايهة "وأجعهل ثلثهه فهي المسهاكين والسهائلين وابهن السهبيل)‪ .‬وفهي التنزيهل‪" :‬وال الذي‬
‫أرسهل الرياح فتثيهر سهحابا فسهقناه إلى بلد ميهت" [فاطهر‪ ،]9 :‬وقال‪" :‬حتهى إذا أقلت سهحابا ثقال‬
‫سهقناه لبلد ميهت" [العراف‪ ]57 :‬وههو فهي التنزيهل كثيهر‪ .‬وخرج ابهن ماجهة عهن عائشهة أن النهبي‬
‫صهلى الّ عليهه وسهلم كان إذا رأى سهحابا مقبل مهن أفهق مهن الفاق ترك مها ههو فيهه وإن كان فهي‬
‫صهلة حتهى يسهتقبله فيقول‪( :‬اللههم إنها نعوذ بهك مهن شهر مها أرسهل بهه) فإن أمطهر قال‪( :‬اللههم سهيبا‬
‫ل على ذلك‪ .‬أخرجه مسلم بمعناه عن عائشة‬ ‫نافعا) مرتين أو ثلثا‪ ،‬وإن كشفه الّ ولم يمطر حمد ا ّ‬
‫ل صهلى الّ عليهه وسهلم إذا كان يوم الريهح‬ ‫زوج النهبي صهلى الّ عليهه وسهلم قالت‪ :‬كان رسهول ا ّ‬
‫والغيههم عرف ذلك فههي وجههه وأقبههل وأدبر‪ ،‬فإذا مطرت سههر بههه وذهههب عنههه ذلك‪ .‬قالت عائشههة‪:‬‬
‫فسهألته فقال‪( :‬إنهي خشيهت أن يكون عذابها سهلط على أمتهي)‪ .‬ويقول إذا رأى المطهر‪( :‬رحمهة)‪ .‬فهي‬
‫رواية فقال‪( :‬لعله يا عائشة كما قال قوم عاد "فلما رأوه عارضا مستقبل أوديتهم قالوا هذا عارض‬
‫ممطرنها") [الحقاف‪ .]24 :‬فهذه الحاديهث والي تدل على صهحة القول الول وأن تسهخيرها‬
‫ل تعالى أعلم‪ .‬فإن الثبوت يدل على عدم النتقال‪ ،‬فإن أريههد بالثبوت كونههها فههي‬ ‫ليههس ثبوتههها‪ ،‬وا ّ‬
‫الهواء ليسهت فهي السهماء ول فهي الرض فصهحيح‪ ،‬لقوله "بيهن" وههي مهع ذلك مسهخرة محمولة‪،‬‬
‫ل تعالى‪" :‬ألم يروا إلى الطيهر مسهخرات فهي جهو‬ ‫وذلك اعظهم فهي القدرة‪ ،‬كالطيهر فهي الهواء‪ ،‬قال ا ّ‬
‫السماء ما يمسكهن إل ال" [النحل‪ ]79 :‬وقال‪" :‬أو لم يروا إلى الطير فوقهم صافات ويقبضن ما‬
‫يمسكهن إل الرحمن" [الملك‪.]19 :‬‬
‫@قال كعب الحبار‪ :‬السحاب غربال المطر‪ ،‬لول السحاب حين ينزل الماء من السماء لفسد ما‬
‫يقهع عليهه مهن الرض‪ ،‬رواه عنهه ابهن عباس‪ .‬ذكره الخطيهب أبهو بكهر أحمهد بهن علي عهن معاذ بهن‬
‫عبدال بن خبيب الجهني قال‪ :‬رأيت ابن عباس مر على بغلة وأنا في بني سلمة‪ ،‬فمر به تبيع ابن‬
‫امرأة كعهب فسهلم على ابهن عباس فسهأله ابهن عباس‪ :‬ههل سهمعت كعهب الحبار يقول فهي السهحاب‬
‫شيئا ؟ قال‪ :‬نعم‪ ،‬قال‪ :‬السحاب غربال المطر‪ ،‬لول السحاب حين ينزل الماء من السماء لفسد ما‬
‫يقهع عليهه مهن الرض‪ .‬قال‪ :‬سهمعت كعبها يقول فهي الرض تنبهت العام نباتها‪ ،‬وتنبهت عامها قابل‬
‫غيره؟ قال نعههم‪ ،‬سههمعته يقول‪ :‬إن البذر ينزل مههن السههماء‪ .‬قال ابههن عباس‪ :‬وقههد سههمعت ذلك مههن‬
‫كعب‪.‬‬
‫@قوله تعالى‪" :‬ليات" أي دللت تدل على وحدانيتهه وقدرتهه‪ ،‬ولذلك ذكهر هذه المور عقيهب‬
‫قوله‪" :‬وإلهكهم إله واحهد" ليدل على صهدق الخهبر عمها ذكره قبلهها مهن وحدانيتهه سهبحانه‪ ،‬وذكهر‬
‫رحمته ورأفته بخلقه‪ .‬وروي عن النبي صلى ال عليه وسلم أنه قال‪( :‬ويل لمن قرأ هذه الية فمج‬
‫بها) أي لم يتفكر فيها ولم يعتبرها‪.‬‬
‫فإن قيل‪ :‬فما أنكرت أنها أحدثت أنفسها‪ .‬قيل له‪ :‬هذا محال‪ ،‬لنها لو أحدثت أنفسها لم تخل من‬
‫أن تكون أحدثتههها وهههي موجودة أو هههي معدومههة‪ ،‬فإن أحدثتههها وهههي معدومههة كان محال‪ ،‬لن‬
‫الحداث ل يتأتى إل من حي عالم قادر مريد‪ ،‬وما ليس بموجود ل يصح وصفه بذلك‪ ،‬وإن كانت‬
‫موجودة فوجودهها يغنهي عهن إحداث أنفسهها‪ .‬وأيضها فلو جاز مها قالوه لجاز أن يحدث البناء نفسهه‬
‫ل تعالى لم يقتصهر بهها‬ ‫وكذلك النجارة والنسهج‪ ،‬وذلك محال‪ ،‬ومها أدى إلى المحال محال‪ .‬ثهم أن ا ّ‬
‫فهي وحدانيتهه على مجرد الخبار حتهى قرن ذلك بالنظهر والعتبار فهي آي مهن القرآن‪ ،‬فقال لنهبيه‬
‫صههلى الّ عليههه وسههلم‪" :‬قههل انظروا ماذا فههي السههموات والرض" [يونههس‪ ]101 :‬والخطاب‬
‫للكفار‪ ،‬لقوله تعالى‪" :‬ومهها تغنههي اليات والنذر عههن قوم ل يؤمنون"‪ ،‬وقال‪" :‬أو لم ينظروا فههي‬
‫ملكوت السموات والرض" [العراف‪ ]185 :‬يعني بالملكوت اليات‪ .‬وقال‪" :‬وفي أنفسكم أفل‬
‫تبصرون" [الذاريات‪ .]21 :‬يقول‪ :‬أو لم ينظروا في ذلك نظر تفكر وتدبر حتى يستدلوا بكونها‬
‫محل للحوادث والتغييرات على أنهها محدثات‪ ،‬وأن المحدث ل يسهتغني عهن صهانع يصهنعه‪ ،‬وأن‬
‫ذلك الصانع حكيم عالم قدير مريد سميع بصير متكلم‪ ،‬لنه لو لم يكن بهذه الصفات لكان النسان‬
‫أكمهل منهه وذلك محال‪ .‬وقال تعالى‪" :‬ولقهد خلقنها النسهان مهن سهللة مهن طيهن" [المؤمنون‪]12 :‬‬
‫يعنهي آدم عليهه السهلم‪" ،‬ثهم جعلناه" أي جعلنها نسهله وذريتهه "نطفهة فهي قرار مكيهن" [المؤمنون‪:‬‬
‫‪ ]13‬إلى قوله "تبعثون"‪ .‬فالنسهان إذا تفكهر بهذا التنهبيه بمها جعهل له مهن العقهل فهي نفسهه رآهها‬
‫مدبرة وعلى أحوال شتى مصرفة‪ .‬كان نطفة ثم علقة ثم مضغة ثم لحما وعظما‪ ،‬فيعلم أنه لم ينقل‬
‫نفسهه مهن حال النقهص إلى حال الكمال‪ ،‬لنهه ل يقدر على أن يحدث لنفسهه فهي الحال الفضهل التهي‬
‫ههي كمال عقله وبلوغ أشده عضوا مهن العضاء‪ ،‬ول يمكنهه أن يزيهد فهي جوارحهه جارحهة‪ ،‬فيدله‬
‫ذلك على أنهه فهي حال نقصهه وأوان ضعفهه عهن فعهل ذلك أعجهز‪ .‬وقهد يرى نفسهه شابها ثهم كهل ثهم‬
‫شيخا وهو لم ينقل نفسه من حال الشباب والقوة إلى حال الشيخوخة والهرم‪ ،‬ول اختاره لنفسه ول‬
‫فههي وسهعه أن يزايهل حال المشيهب ويراجهع قوة الشباب‪ ،‬فيعلم بذلك أنهه ليهس ههو الذي فعهل تلك‬
‫الفعال بنفسهه‪ ،‬وأن له صهانعا صهنعه وناقل نقله مهن حال إلى حال‪ ،‬ولول ذلك لم تتبدل أحواله بل‬
‫ناقهل ول مدبر‪ .‬وقال بعهض الحكماء‪ :‬إن كهل شيهء فهي العالم الكهبير له نظيهر فهي العالم الصهغير‪،‬‬
‫الذي ههو بدن النسهان‪ ،‬ولذلك قال تعالى‪" :‬لقهد خلقنها النسهان فهي أحسهن تقويهم" [التيهن‪ ]4 :‬وقال‪:‬‬
‫"وفهي أنفسهكم أفل تبصهرون" [الذاريات‪ .]21 :‬فحواس النسهان أشرف مهن الكواكهب المضيئة‪،‬‬
‫والسمع والبصر منها بمنزلة الشمس والقمر في إدراك المدركات بها‪ ،‬وأعضاؤه تصير عند البلى‬
‫ترابا من جنس الرض‪ ،‬وفيه من جنس الماء العرق وسائر رطوبات البدن‪ ،‬ومن جنس الهواء فيه‬
‫الروح والنفهس‪ ،‬ومهن جنهس النار فيهه المرة الصهفراء‪ .‬وعروقهه بمنزلة النهار فهي الرض‪ ،‬وكبده‬
‫بمنزلة العيون التههي تسههتمد منههها النهار‪ ،‬لن العروق تسههتمد مههن الكبههد‪ .‬ومثانتههه بمنزلة البحههر‪،‬‬
‫لنصباب ما في أوعية البدن إليها كما تنصب النهار إلى البحر‪ .‬وعظامه بمنزلة الجبال التي هي‬
‫أوتاد الرض‪ .‬وأعضاؤه كالشجار‪ ،‬فكما أن لكل شجر ورقا وثمرا فكذلك لكل عضو فعل أو أثر‪.‬‬
‫والشعهر على البدن بمنزلة النبات والحشيش على الرض ثم إن النسان يحكهي بلسانه كهل صهوت‬
‫حيوان‪ ،‬ويحاكهي بأعضائه صهنيع كهل حيوان‪ ،‬فههو العالم الصهغير مهع العالم الكهبير مخلوق محدث‬
‫لصانع واحد‪ ،‬ل إله إل هو‪.‬‬
‫*‪*3‬الية‪{ 165 :‬ومن الناس من يتخذ من دون ال أندادا يحبونهم كحب ال والذين آمنوا أشد‬
‫حبا ل ولو يرى الذين ظلموا إذ يرون العذاب أن القوة ل جميعا وأن ال شديد العذاب}‬
‫@لما أخبر الّ سبحانه وتعالى في الية قبل ما دل على وحدانيته وقدرته وعظم سلطانه أخبر أن‬
‫مهع هذه اليات القاهرة لذوي العقول مهن يتخهذ معهه أندادا‪ ،‬وواحدهها نهد‪ ،‬وقهد تقدم‪ .‬والمراد الوثان‬
‫والصنام التي كانوا يعبدونها كعبادة الّ مع عجزها‪ ،‬قاله مجاهد‪.‬‬
‫@قوله تعالى‪" :‬يحبونههم كحهب ال والذيهن آمنوا أشهد حبها ل" أي يحبون أصهنامهم على الباطهل‬
‫كحههب المؤمنيههن ل على الحههق‪ ،‬قاله المههبرد‪ ،‬وقال معناه الزجاج‪ .‬أي أنهههم مههع عجههز الصههنام‬
‫يحبونهههم كحههب المؤمنيههن ل مههع قدرتههه‪ .‬وقال ابههن عباس والسههدي‪ :‬المراد بالنداد الرؤسههاء‬
‫المتبعون‪ ،‬يطيعونهم في معاصي الّ‪ .‬وجاء الضمير في "يحبونهم" على هذا على الصل‪ ،‬وعلى‬
‫الول جاء ضميهر الصهنام ضميهر مهن يعقهل على غيهر الصهل‪ .‬وقال ابهن كيسهان والزجاج أيضها‪:‬‬
‫ل تعالى فهي المحبهة‪ .‬قال أبهو إسهحاق‪:‬‬‫معنهى "يحبونههم كحهب الّ" أي يسهوون بيهن الصهنام وبيهن ا ّ‬
‫وهذا القول الصحيح‪ ،‬والدليل على صحته‪" :‬والذين آمنوا أشد حبا ل" وقرأ أبو رجاء "يحبونهم"‬
‫بفتح الياء‪ .‬وكذلك ما كان منه في القرآن‪ ،‬وهي لغة‪ ،‬يقال‪ :‬حببت الرجل فهو محبوب‪ .‬قال الفراء‪:‬‬
‫أنشدني أبو تراب‪:‬‬
‫حببت لحبها سود الكلب‬ ‫أحب لحبها السودان حتى‬
‫@و"من" في قوله "من يتخذ" في موضع رفع بالبتداء‪ ،‬و"يتخذ" على اللفظ‪ ،‬ويجوز فهي غير‬
‫القرآن "يتخذون" على المعنى‪ ،‬و"يحبونهم" على المعنى‪ ،‬و"يحبهم" على اللفظ‪ ،‬وهو في موضع‬
‫نصههب على الحال مههن الضميههر الذي فههي "يتخههذ" أي محههبين‪ ،‬وإن شئت كان نعتهها للنداد‪ ،‬أي‬
‫محبوبهة‪ .‬والكاف مهن "كحهب" نعهت لمصهدر محذوف‪ ،‬أي يحبونههم حبها كحهب الّ‪" .‬والذيهن آمنوا‬
‫أشهد حبها ل" أي أشهد مهن حهب أههل الوثان لوثانههم والتابعيهن لمتبوعههم‪ .‬وقيهل‪ :‬إنمها قال "والذيهن‬
‫آمنوا أشهد حبها ل" لن الّ تعالى أحبههم أول ثهم أحبوه‪ .‬ومهن شههد له محبوبهه بالمحبهة كانهت محبتهه‬
‫ل تعالى‪" :‬يحبهم ويحبونه" [المائدة‪ .]54 :‬وسيأتي بيان حب المؤمنين ل تعالى وحبه‬ ‫أتم‪ ،‬قال ا ّ‬
‫ل تعالى‪.‬‬‫لهم في سورة "آل عمران" إن شاء ا ّ‬
‫@قوله تعالى‪" :‬ولو يرى الذين ظلموا إذ يرون العذاب أن القوة ل جميعا وأن ال شديد العذاب"‬
‫قراءة أهل المدينة وأهل الشام بالتاء‪ ،‬وأهل مكة وأهل الكوفة وأبو عمرو بالياء‪ ،‬وهو اختيار أبي‬
‫عبيههد‪ .‬وفههي اليههة إشكال وحذف‪ ،‬فقال أبههو عبيههد‪ :‬المعنههى لو يرى الذيههن ظلموا فههي الدنيهها عذاب‬
‫الخرة لعلموا حين يرونه أن القوة ل جميعا‪ .‬و"يرى" على هذا من رؤية البصر‪ .‬قال النحاس في‬
‫كتاب "معانههي القرآن" له‪ :‬وهذا القول هههو الذي عليههه أهههل التفسههير‪ .‬وقال فههي كتاب "إعراب‬
‫القرآن" له‪ :‬وروي عهن محمهد بهن يزيهد أنهه قال‪ :‬هذا التفسهير الذي جاء بهه أبهو عبيهد بعيهد‪ ،‬وليسهت‬
‫عبارته فيه بالجيدة‪ ،‬لنه يقدر‪ :‬ولو يرى الذين ظلموا العذاب‪ ،‬فكأنه يجعله مشكوكا فيه وقد أوجبه‬
‫الّ تعالى‪ ،‬ولكهن التقديهر وههو قول الخفهش‪ :‬ولو يرى الذيهن ظلموا أن القوة ل‪ .‬و"يرى" بمعنهى‬
‫يعلم‪ ،‬أي لو يعلمون حقيقههة قوة الّ عههز وجههل وشدة عذابههه‪ ،‬فههه "يرى" واقعههة على أن القوة ل‪،‬‬
‫وسدت مسد المفعولين‪ .‬و"الذين" فاعل "يرى"‪ ،‬وجواب "لو" محذوف‪ ،‬أي لتبينوا ضرر اتخاذهم‬
‫اللههة‪ ،‬كمها قال عهز وجهل‪" .‬ولو ترى إذ وقفوا على ربههم" [النعام‪" ،]30 :‬ولو ترى إذ وقفوا‬
‫على النار" [النعام‪ ]27 :‬ولم يأت لهه "لو" جواب‪ .‬قال الزهري وقتادة‪ :‬الضمار أشهد للوعيهد‪،‬‬
‫ومثله قول القائل‪ :‬لو رأيهت فلنها والسهياط تأخذه ومهن قرأ بالتاء فالتقديهر‪ :‬ولو ترى يها محمهد الذيهن‬
‫ظلموا فهي حال رؤيتههم العذاب وفزعههم منهه واسهتعظامهم له لقروا أن القوة ل‪ ،‬فالجواب مضمهر‬
‫على هذا النحو من المعنى وهو العامل في "أن"‪ .‬وتقدير آخر‪ :‬ولو ترى يا محمد الذين ظلموا في‬
‫حال رؤيتههم العذاب وفزعههم منهه لعلمهت أن القوة ل جميعها‪ .‬وقهد كان النهبي صهلى الّ عليهه وسهلم‬
‫علم ذلك‪ ،‬ولكههن خوطههب والمراد أمتههه‪ ،‬فإن فيهههم مههن يحتاج إلى تقويههة علمههه بمشاهدة مثههل هذا‪.‬‬
‫ويجوز أن يكون المعنى‪ :‬قل يا محمد للظالم هذا‪ .‬وقيل‪" :‬أن" في موضع نصب مفعول من أجله‪،‬‬
‫أي لن القوة ل جميعا‪ .‬وأنشد سيبويه‪.‬‬
‫وأعرض عن شتم اللئيم تكرما‬ ‫وأغفر عوراء الكريم ادخاره‬
‫أي لدخاره‪ ،‬والمعنى‪ :‬ولو ترى يا محمد الذين ظلموا في حال رؤيتهم للعذاب لن القوة ل لعلمت‬
‫مبلغهههم مههن النكال ولسههتعظمت مهها حههل بهههم‪ .‬ودخلت "إذ" وهههي لمهها مضههى فههي إثبات هذه‬
‫المسهتقبلت تقريبها للمهر وتصهحيحا لوقوعهه‪ .‬وقرأ ابهن عامهر وحده "يرون" بضهم الياء‪ ،‬والباقون‬
‫بفتحهها‪ .‬وقرأ الحسهن ويعقوب وشيبهة وسهلم وأبهو جعفهر "إن القوة‪ ،‬وإن الّ" بكسهر الهمزة فيهمها‬
‫على السههتئناف أو على تقديههر القول‪ ،‬أي ولو ترى الذيههن ظلموا إذ يرون العذاب يقولون إن القوة‬
‫ل‪ .‬وثبت بنص هذه الية القوة ل‪ ،‬بخلف قول المعتزلة في نفيهم معاني الصفات القديمة‪ ،‬تعالى‬
‫الّ عن قولهم‪.‬‬
‫*‪*3‬الية‪{ 166 :‬إذ تبرأ الذين اتبعوا من الذين اتبعوا ورأوا العذاب وتقطعت بهم السباب}‬
‫@قوله تعالى‪" :‬إذ تبرأ الذين اتبعوا" يعني السادة والرؤساء تبرؤوا ممن اتبعهم على الكفر‪ .‬عن‬
‫قتادة وعطاء والربيع‪ .‬وقال قتادة أيضا والسدي‪ :‬هم الشياطين المضلون تبرؤوا من النس‪ .‬وقل‪:‬‬
‫ههو عام فهي كهل متبوع‪" .‬ورأوا العذاب" يعنهي التابعيهن والمتبوعيهن‪ ،‬قيهل‪ :‬بتيقنههم له عنهد المعاينهة‬
‫في الدنيا‪ .‬وقيل‪ :‬عند العرض والمساءلة في الخرة‪.‬‬
‫قلت‪ :‬كلهمهها حاصههل‪ ،‬فهههم يعاينون عنههد الموت مهها يصههيرون إليههه مههن الهوان‪ ،‬وفههي الخرة‬
‫يذوقون أليم العذاب والنكال‪.‬‬
‫@قوله تعالى‪" :‬وتقطعهت بههم السهباب" أي الوصهلت التهي كانوا يتواصهلون بهها فهي الدنيها مهن‬
‫رحم وغيره‪ ،‬عن مجاهد وغيره‪ .‬الواحد سبب ووصلة‪ .‬وأصل السبب الحبل يشد بالشيء فيجذبه‪،‬‬
‫ثم جعل كل ما جر شيئا سببا‪ .‬وقال السدي وابن زيد‪ :‬إن السباب أعمالهم‪ .‬والسبب الناحية‪ ،‬ومنه‬
‫قول زهير‪:‬‬
‫ولو رام أسباب السماء بسلم‬ ‫ومن هاب أسباب المنايا ينلنه‬
‫*‪*3‬الية‪{ 167 :‬وقال الذين اتبعوا لو أن لنا كرة فنتبرأ منهم كما تبرؤوا منا كذلك يريهم ال‬
‫أعمالهم حسرات عليهم وما هم بخارجين من النار}‬
‫@قوله تعالى‪" :‬وقال الذين اتبعوا لو أن لنا كرة" "أن" في موضع رفع‪ ،‬أي لو ثبت أن لنا رجعة‬
‫"فنتبرأ منهم" جواب التمني‪ .‬والكرة‪ :‬الرجعة والعودة إلى حال قد كانت‪ ،‬أي قال التباع‪ :‬لو رددنا‬
‫إلى الدنيها حتهى نعمهل صهالحا ونتهبرأ منههم "كمها تهبرؤوا منها" أي تهبرأ كمها‪ ،‬فالكاف فهي موضهع‬
‫نصههب على النعههت لمصههدر محذوف‪ .‬ويجوز أن يكون نصههبا على الحال‪ ،‬تقديرههها متههبرئين‪،‬‬
‫والتبرؤ النفصال‪.‬‬
‫@قوله تعالى‪" :‬كذلك يريهم ال أعمالهم حسرات عليهم" الكاف في موضع رفع‪ ،‬أي المر كذلك‪.‬‬
‫ل العذاب كذلك يريههم الّ أعمالههم‪ .‬و"يريههم الّ" قيهل‪ :‬ههي‪ ،‬مهن رؤيهة البصهر‪،‬‬ ‫أي كمها أراههم ا ّ‬
‫فيكون متعديها لمفعوليهن‪ :‬الول الهاء والميهم فهي "يريههم"‪ ،‬والثانهي "أعمالههم"‪ ،‬وتكون "حسهرات"‬
‫حال‪ .‬ويحتمهههل أن يكون مهههن رؤيهههة القلب‪ ،‬فتكون "حسهههرات" المفعول الثالث‪" .‬أعمالههههم" قال‬
‫الربيههع‪ :‬أي العمال الفاسههدة التههي ارتكبوههها فوجبههت لهههم بههها النار‪ .‬وقال ابههن مسههعود والسههدي‪:‬‬
‫العمال الصهالحة التهي تركوهها ففاتتههم الجنهة‪ ،‬ورويهت فهي هذا القول أحاديهث‪ .‬قال السهدي‪ :‬ترفهع‬
‫لهم الجنة فينظرون إليها وإلى بيوتهم فيها لو أطاعوا الّ تعالى‪ ،‬ثم تقسم بين المؤمنين فذلك حين‬
‫يندمون‪ .‬وأضيفهت هذه العمال إليههم مهن حيهث ههم مأمورون بهها‪ ،‬وأمها إضافهة العمال الفاسهدة‬
‫إليههم فمهن حيهث عملوهها‪ .‬والحسهرة واحدة الحسهرات‪ ،‬كتمرة وتمرات‪ ،‬وجفنهة وجفنات‪ ،‬وشهوة‬
‫وشهوات‪ .‬هذا إذا كان اسهههما‪ ،‬فإن نعتهههه سهههكنت‪ ،‬كقولك‪ :‬ضخمهههة وضخمات‪ ،‬وعبلة وعبلت‪.‬‬
‫والحسرة أعلى درجات الندامة على شيء فائت‪ .‬والتحسر‪ :‬التلهف‪ ،‬يقال‪ :‬حسرت عليه (بالكسر)‬
‫أحسهر حسهرا وحسهرة‪ .‬وههي مشتقهة مهن الشيهء الحسهير الذي قهد انقطهع وذهبهت قوتهه‪ ،‬كالبعيهر إذا‬
‫عيههي‪ .‬وقيههل‪ :‬هههي مشتقههة مههن حسههر إذا كشههف‪ ،‬ومنههه الحاسههر فههي الحرب‪ :‬الذي ل درع معههه‪.‬‬
‫والنحسار‪ .‬النكشاف‪.‬‬
‫@قوله تعالى‪" :‬وما هم بخارجين من النار" دليل على خلود الكفار فيها وأنهم ل يخرجون منها‪.‬‬
‫وهذا قول جماعة أهل السنة‪ ،‬لهذه الية ولقوله تعالى‪" :‬ول يدخلون الجنة حتى يلج الجمل في سم‬
‫الخياط" [العراف‪ .]40 :‬وسيأتي‪.‬‬
‫*‪*3‬اليهة‪{ 168 :‬يها أيهها الناس كلوا ممها فهي الرض حلل طيبها ول تتبعوا خطوات الشيطان‬
‫إنه لكم عدو مبين}‬
‫@قوله تعالى‪" :‬يها أيهها الناس" قيهل‪ :‬إنهها نزلت فهي ثقيهف وخزاعهة وبنهي مدلج فيمها حرموه على‬
‫أنفسههم مهن النعام‪ ،‬واللفهظ عام‪ .‬والطيهب هنها الحلل‪ ،‬فههو تأكيهد لختلف اللفهظ‪ ،‬وهذا قول مالك‬
‫فهي الطيهب‪ .‬وقال الشافعهي‪ :‬الطيهب المسهتلذ‪ ،‬فههو تنويهع‪ ،‬ولذلك يمنهع أكهل الحيوان القذر‪ .‬وسهيأتي‬
‫ل تعالى‪.‬‬
‫بيان هذا في "النعام" و"العراف" إن شاء ا ّ‬
‫@قوله تعالى‪" :‬حلل طيبها" "حلل" حال‪ ،‬وقيهل مفعول‪ .‬وسهمي الحلل حلل لنحلل عقدة‬
‫الحظهر عنه‪ .‬قال سهل بن عبدال‪ :‬النجاة فهي ثلثة‪ :‬أكل الحلل‪ ،‬وأداء الفرائض‪ ،‬والقتداء بالنبي‬
‫صلى الّ عليه وسلم‪ .‬وقال أبو عبدال الساجي واسمه سعيد بن يزيد‪ :‬خمس خصال بها تمام العلم‪،‬‬
‫وهي‪ :‬معرفة الّ عز وجل‪ ،‬ومعرفة الحق وإخلص العمل ل‪ ،‬والعمل على السنة‪ ،‬وأكل الحلل‪،‬‬
‫فإن فقدت واحدة لم يرفع العمل‪ .‬قال سهل‪ :‬ول يصح أكل الحلل إل بالعلم‪ ،‬ول يكون المال حلل‬
‫حتهى يصهفو مهن سهت خصهال‪ :‬الربها والحرام والسهحت ‪ -‬وههو اسهم مجمهل ‪ -‬والغلول والمكروه‬
‫والشبهة‪.‬‬
‫@قوله تعالى‪" :‬ول تتبعوا" نههي "خطوات الشيطان" "خطوات" جمهع خطوة وخطوة بمعنهى‬
‫واحههد‪ .‬قال الفراء‪ :‬الخطوات جمههع خطوة‪ ،‬بالفتههح‪ .‬وخطوة (بالضههم)‪ :‬مهها بيههن القدميههن‪ .‬وقال‬
‫الجوهري‪ :‬وجمههع القلة خطوات وخطوات وخطوات‪ ،‬والكثيههر خطهها‪ .‬والخطوة (بالفتههح)‪ :‬المرة‬
‫الواحدة‪ ،‬والجمع خطوات (بالتحريك) وخطاء‪ ،‬مثل ركوة وركاء‪ ،‬قال امرؤ القيس‪:‬‬
‫فواد خطاء وواد مطر‬ ‫لها وثبات كوثب الظباء‬
‫وقرأ أبو السمال العدوي وعبيد بن عمير "خطوات" بفتح الخاء والطاء‪ .‬وروي عن علي بن أبي‬
‫طالب وقتادة والعرج وعمرو بهن ميمون والعمهش "خطؤات" بضهم الخاء والطاء والهمزة على‬
‫الواو‪ .‬قال الخفش‪ :‬وذهبوا بهذه القراءة إلى أنها جمع خطيئة‪ ،‬من الخطهأ ل من الخطو‪ .‬والمعنى‬
‫على قراءة الجمهور‪ :‬ول تقفوا أثهههر الشيطان وعمله‪ ،‬ومههها لم يرد بهههه الشرع فههههو منسهههوب إلى‬
‫الشيطان‪ .‬قال ابن عباس‪" :‬خطوات الشيطان" أعماله‪ .‬مجاهد‪ :‬خطاياه‪ .‬السدي‪ :‬طاعته‪ .‬أبو مجلز‪:‬‬
‫هي النذور في المعاصي‪.‬‬
‫قلت‪ :‬والصههحيح أن اللفههظ عام فههي كههل مهها عدا السههنن والشرائع مههن البدع والمعاصههي‪ .‬وتقدم‬
‫القول في "الشيطان" مستوفى‪.‬‬
‫@قوله تعالى‪" :‬إنه لكم عدو مبين" أخبر تعالى بأن الشيطان عدو‪ ،‬وخبره حق وصدق‪ .‬فالواجب‬
‫على العاقل أن يأخذ حذره من هذا العدو الذي قد أبان عداوته من زمن آدم‪ ،‬وبذل نفسه وعمره في‬
‫ل تعالى بالحذر منههه فقال جههل مههن قائل‪" :‬ول تتبعوا خطوات‬ ‫إفسههاد أحوال بنههي آدم‪ ،‬وقههد أمههر ا ّ‬
‫الشيطان إنهه لكهم عدو مهبين"‪" ،‬إنمها يأمركهم بالسهوء والفحشاء وأن تقولوا على ال مها ل تعلمون"‬
‫[البقرة‪ ]169 :‬وقال‪" :‬الشيطان يعدكم الفقر ويأمركم بالفحشاء" [البقرة‪ ]268 :‬وقال‪" :‬ويريد‬
‫الشيطان أن يضلهم ضلل بعيدا" [النساء‪ ]60 :‬وقال‪" :‬إنما يريد الشيطان أن يوقع بينكم العداوة‬
‫والبغضاء فهي الخمهر والميسهر ويصهدكم عهن ذكهر ال وعهن الصهلة فههل أنتهم منتهون" [المائدة‪:‬‬
‫‪ ]91‬وقال‪" :‬إنهه عدو مضهل مهبين" [القصهص‪ ]15 :‬وقال‪" :‬إن الشيطان لكهم عدو فاتخذه عدوا‬
‫إنمها يدعوا حزبهه ليكونوا مهن أصهحاب السهعير" [فاطهر‪ .]6 :‬وهذا غايهة فهي التحذيهر‪ ،‬ومثله فهي‬
‫القرآن كثيهر‪ .‬وقال عبدال بهن عمهر‪ :‬إن إبليهس موثهق فهي الرض السهفلى‪ ،‬فإذا تحرك فإن كهل شهر‬
‫الرض بيهن اثنيهن فصهاعدا مهن تحركهه‪ .‬وخرج الترمذي مهن حديهث أبهي مالك الشعري وفيهه‪:‬‬
‫ل فإن مثل ذلك كمثل رجل خرج العدو في أثره سراعا حتهى إذا أتى على‬ ‫(وآمركم أن تذكروا ا ّ‬
‫حصهن حصهين فأحرز نفسهه منههم كذلك العبهد ل يحرز نفسهه مهن الشيطان إل بذكهر الّ) الحديهث‪.‬‬
‫وقال فيه‪ :‬حديث حسن صحيح غريب‪.‬‬
‫*‪*3‬الية‪{ 169 :‬إنما يأمركم بالسوء والفحشاء وأن تقولوا على ال ما ل تعلمون}‬
‫@قوله تعالى‪" :‬إنمها يأمركهم بالسهوء والفحشاء" سهمي السهوء سهوءا لنهه يسهوء صهاحبه بسهوء‬
‫عواقبه‪ .‬وهو مصدر ساءه يسوءه سوءا ومساءة إذا أحزنه‪ .‬وسؤته فسيء إذا أحزنته فحزن‪ ،‬قال‬
‫الّ تعالى‪" :‬سيئت وجوه الذين كفروا" [الملك‪ .]27 :‬وقال الشاعر‪:‬‬
‫فطالما قد سرني الدهر‬ ‫إن يك هذا الدهر قد ساءني‬
‫لذاك شكر ولذاك صبر‬ ‫المر عندي فيهما واحد‬
‫والفحشاء أصله قبح المنظر‪ ،‬كما قال‪:‬‬
‫وجيد كجيد الريم ليس بفاحش‬
‫ثهم اسهتعملت اللفظهة فيمها يقبهح مهن المعانهي‪ .‬والشرع ههو الذي يحسهن ويقبهح‪ ،‬فكهل مها نههت عنهه‬
‫الشريعهة فههو مهن الفحشاء‪ .‬وقال مقاتهل‪ :‬إن كهل مها فهي القرآن مهن ذكهر الفحشاء فإنهه الزنهى‪ ،‬إل‬
‫قوله‪" :‬الشيطان يعدكم الفقر ويأمركم بالفحشاء" [البقرة‪ ]268 :‬فإنه منع الزكاة‪.‬‬
‫قلت‪ :‬فعلى هذا قيل‪ :‬السوء ما ل حد فيه‪ ،‬والفحشاء ما فيه حد‪ .‬وحكي عن ابن عباس وغيره‪،‬‬
‫ل تعالى أعلم‪.‬‬
‫وا ّ‬
‫@قوله تعالى‪" :‬وأن تقولوا على ال مها ل تعلمون" قال الطهبري‪ :‬يريهد مها حرموا مهن البحيرة‬
‫والسههائبة ونحوههها ممهها جعلوه شرعهها‪" .‬وأن تقولوا" فههي موضههع خفههض عطفهها على قوله تعالى‪:‬‬
‫"بالسوء والفحشاء"‪.‬‬
‫*‪*3‬اليهة‪{ 170 :‬وإذا قيهل لههم اتبعوا مها أنزل ال قالوا بهل نتبهع مها ألفينها عليهه آباءنها أولو كان‬
‫آباؤهم ل يعقلون شيئا ول يهتدون}‬
‫@قوله تعالى‪" :‬وإذا قيل لهم" يعني كفار العرب‪ .‬ابن عباس‪ :‬نزلت في اليهود‪ .‬الطبري‪ :‬الضمير‬
‫فهي "لههم" عائد على الناس مهن قوله تعالى‪" :‬يها أيهها الناس كلوا"‪ .‬وقيهل‪ :‬ههو عائد على "مهن" فهي‬
‫قوله تعالى‪" :‬ومهن الناس مهن يتخهذ مهن دون ال" [البقرة‪ ]165 :‬اليهة‪ .‬وقوله‪" :‬اتبعوا مها أنزل‬
‫ال" أي بالقبول والعمل‪" .‬قالوا بل نتبع ما ألفينا عليه آباءنا" ألفينا‪ :‬وجدنا‪ .‬وقال الشاعر‪:‬‬
‫ول ذاكر ال إل قليل‬ ‫فألفيته غير مستعتب‬
‫@قوله تعالى‪" :‬أولو كان آباؤهم" اللف للستفهام‪ ،‬وفتحت الواو لنها واو عطف‪ ،‬عطفت جملة‬
‫كلم على جملة‪ ،‬لن غايهة الفسهاد فهي اللتزام أن يقولوا‪ :‬نتبهع آباءنها ولو كانوا ل يعقلون‪ ،‬فقرروا‬
‫على التزامهم هذا‪ ،‬إذ هي حال آبائهم‪.‬‬
‫مسألة‪ :‬قال علماؤنا‪ :‬وقوة ألفاظ هذه الية تعطي إبطال التقليد‪ ،‬ونظيرها‪" :‬وإذا قيل لهم تعالوا‬
‫إلى مها أنزل ال وإلى الرسهول قالوا حسهبنا مها وجدنها عليهه آباءنها" [المائدة‪ ]104 :‬اليهة‪ .‬وهذه‬
‫الية والتي قبلها مرتبطة بما قبلهما‪ ،‬وذلك أن الّ سبحانه أخبر عن جهالة العرب فيما تحكمت فيه‬
‫بآرائها السفيهة في البحيرة والسائبة والوصيلة‪ ،‬فاحتجوا بأنه أمر وجدوا عليه آباءهم فاتبعوهم في‬
‫ل على رسهوله وأمهر بهه فهي دينهه‪ ،‬فالضميهر فهي "لههم" عائد عليههم فهي‬ ‫ذلك‪ ،‬وتركوا مها أنزل ا ّ‬
‫اليتين جميعا‪.‬‬
‫ل تعالى الكفار باتباعهم لبائهم في الباطل‪ ،‬واقتدائهم بهم‬ ‫@تعلق قوم بهذه الية في ذم التقليد لذم ا ّ‬
‫فهي الكفهر والمعصهية‪ .‬وهذا فهي الباطهل صهحيح‪ ،‬أمها التقليهد فهي الحهق فأصهل مهن أصهول الديهن‪،‬‬
‫وعصهمة مهن عصهم المسهلمين يلجهأ إليهها الجاههل المقصهر عهن درك النظهر‪ .‬واختلف العلماء فهي‬
‫جوازه في مسائل الصول على ما يأتي‪ ،‬وأما جوازه في مسائل الفروع فصحيح‪.‬‬
‫التقليهد عنهد العلماء حقيقتهه قبول قول بل حجهة‪ ،‬وعلى هذا فمهن قبهل قول النهبي صهلى الّ عليهه‬
‫وسلم من غير نظر في معجزته يكون مقلدا‪ ،‬وأما من نظر فيها فل يكون مقلدا‪ .‬وقيل‪ :‬هو اعتقاد‬
‫صحة فتيا من ل يعلم صحة قوله‪ .‬وهو في اللغة مأخوذ من قلدة البعير‪ ،‬فإن العرب تقول‪ :‬قلدت‬
‫البعيهر إذا جعلت فهي عنقهه حبل يقاد بهه‪ ،‬فكأن المقلد يجعهل أمره كله لمهن يقوده حيهث شاء‪ ،‬وكذلك‬
‫قال شاعرهم‪:‬‬
‫ثبت الجنان بأمر الحرب مضطلعا‬ ‫وقلدوا أمركم ل دركم‬
‫التقليهد ليهس طريقها للعلم ول موصهل له‪ ،‬ل فهي الصهول ول فهي الفروع‪ ،‬وههو قول جمهور‬
‫العقلء والعلماء‪ ،‬خلفها لمها يحكهى عهن جهال الحشويهة والثعلبيهة مهن أنهه طريهق إلى معرفهة الحهق‪،‬‬
‫وأن ذلك هو الواجب‪ ،‬وأن النظر والبحث حرام‪ ،‬والحتجاج عليهم في كتب الصول‪.‬‬
‫@فرض العامي الذي ل يشتغل باستنباط الحكام من أصولها لعدم أهليته فيما ل يعلمه من أمر‬
‫دينهه ويحتاج إليهه أن يقصهد أعلم مهن فهي زمانهه وبلده فيسهأله عهن نازلتهه فيمتثهل فيهها فتواه‪ ،‬لقوله‬
‫تعالى‪" :‬فاسألوا أهل الذكر إن كنتم ل تعلمون" [النحل‪ ،]43 :‬وعليه الجتهاد في أعلم أهل وقته‬
‫بالبحث عنه‪ ،‬حتى يقع عليه التفاق من الكثر من الناس‪ .‬وعلى العالم أيضا فرض أن يقلد عالما‬
‫مثله فهي نازلة خفهي عليهه فيهها وجهه الدليهل والنظهر‪ ،‬وأراد أن يجدد الفكهر فيهها والنظهر حتهى يقهف‬
‫على المطلوب‪ ،‬فضاق الوقههت عههن ذلك‪ ،‬وخاف على العبادة أن تفوت‪ ،‬أو على الحكههم أن يذهههب‪،‬‬
‫سههواء كان ذلك المجتهههد الخههر صههحابيا أو غيره‪ ،‬وإليههه ذهههب القاضههي أبههو بكههر وجماعههة مههن‬
‫المحققين‪.‬‬
‫@قال ابهن عطيهة‪ :‬أجمعهت المهة على إبطال التقليهد فهي العقائد‪ .‬وذكهر فيهه غيره خلفها كالقاضهي‬
‫أبي بكر بن العربي وأبي عمر وعثمان بن عيسى بن درباس الشافعي‪ .‬قال ابن درباس في كتاب‬
‫"النتصهار" له‪ :‬وقال بعهض الناس يجوز التقليهد فهي أمهر التوحيهد‪ ،‬وههو خطهأ لقوله تعالى‪" :‬إنها‬
‫وجدنها آباءنها على أمهة" [الزخرف‪ .]23 :‬فذمههم بتقليدههم آباءههم وتركههم اتباع الرسهل‪ ،‬كصهنيع‬
‫أهل الهواء في تقليدهم كبراءهم وتركهم اتباع محمد صلى الّ عليه وسلم في دينه‪ ،‬ولنه فرض‬
‫على كل مكلف تعلم أمر التوحيد والقطع به‪ ،‬وذلك ل يحصل إل من جهة الكتاب والسنة‪ ،‬كما بيناه‬
‫ل يهدي من يريد‪.‬‬‫في آية التوحيد‪ ،‬وا ّ‬
‫قال ابن درباس‪ :‬وقد أكثر أهل الزيغ القول على من تمسك بالكتاب والسنة أنهم مقلدون‪ .‬وهذا‬
‫خطأ منهم‪ ،‬بل هو بهم أليق وبمذاهبهم أخلق‪ ،‬إذ قبلوا قول ساداتهم وكبرائهم فيما خالفوا فيه كتاب‬
‫الّ وسنة رسوله وإجماع الصحابة رضي الّ عنهم‪ ،‬فكانوا داخلين فيمن ذمهم الّ بقوله‪" :‬ربنا إنا‬
‫أطعنها سهادتنا وكبراءنها" [الحزاب‪ ]67 :‬إلى قوله‪" :‬كهبيرا" وقوله‪" :‬إنها وجدنها آباءنها على أمهة‬
‫وإنها على آثارههم مقتدون" [الزخرف‪ .]23 :‬ثهم قال لنهبيه‪" :‬قال أو لو جئتكهم بأهدى ممها وجدتهم‬
‫عليهه آباءكهم قالوا إنها بمها أرسهلتم بهه كافرون" [الزخرف‪ ]24 :‬ثهم قال لنهبيه عليهه السهلم "فانتقمنها‬
‫منههم" اليهة‪ .‬فهبين تعالى أن الهدى فيمها جاءت بهه رسهله عليههم السهلم‪ .‬وليهس قول أههل الثهر فهي‬
‫عقائدههم‪ :‬إنها وجدنها أئمتنها وآباءنها والناس على الخهذ بالكتاب والسهنة وإجماع السهلف الصهالح مهن‬
‫المهة‪ ،‬مهن قولههم‪ :‬إنها وجدنها آباءنها وأطعنها سهادتنا وكبراءنها بسهبيل‪ ،‬لن هؤلء نسهبوا ذلك إلى‬
‫التنزيل وإلى متابعة الرسول‪ ،‬وأولئك نسبوا إفكهم إلى أهل الباطيل‪ ،‬فازدادوا بذلك في التضليل‪،‬‬
‫أل ترى أن الّ سبحانه أثنى على يوسف عليه السلم في القرآن حيث قال‪" :‬إني تركت ملة قوم ل‬
‫يؤمنون بال وههم بالخرة ههم كافرون‪ .‬واتبعهت ملة آبائي إبراهيهم وإسهحاق ويعقوب مها كان لنها أن‬
‫نشرك بال مهن شيهء ذلك مهن فضهل ال علينها وعلى الناس" [يوسهف‪ .]38:‬فلمها كان آباؤه عليهه‬
‫وعليههم السهلم أنهبياء متبعيهن للوحهي وههو الديهن الخالص الذي ارتضاه ال‪ ،‬كان اتباعهه آباءه مهن‬
‫صفات المدح‪ .‬ولم يجئ فيما جاؤوا به ذكر العراض وتعلقها بالجواهر وانقلبها فيها‪ ،‬فدل على‬
‫أن ل هدى فيها ول رشد في واضعيها‪.‬‬
‫قال ابهن الحصهار‪ :‬وإنمها ظههر التلفهظ بهها فهي زمهن المأمون بعهد المائتيهن لمها ترجمهت كتهب‬
‫الوائل وظههر فيهها اختلفههم فهي قدم العالم وحدوثهه‪ ،‬واختلفههم فهي الجوههر وثبوتهه‪ ،‬والعرض‬
‫وماهيتههه‪ ،‬فسههارع المبتدعون ومههن فههي قلبههه زيههغ إلى حفههظ تلك الصههطلحات‪ ،‬وقصههدوا بههها‬
‫الغراب على أهل السنة‪ ،‬وإدخال الشبه على الضعفاء من أهل الملة‪ .‬فلم يزل المر كذلك إلى أن‬
‫ظهرت البدعهة‪ ،‬وصهارت للمبتدعهة شيعهة‪ ،‬والتبهس المهر على السهلطان‪ ،‬حتهى قال الميهر بخلق‬
‫القرآن‪ ،‬وجبر الناس عليه‪ ،‬وضرب أحمد بن حنبل على ذلك‪.‬‬
‫فانتدب رجال مهن أههل السهنة كالشيهخ أبهي الحسهن الشعري وعبدال بهن كلب وابهن مجاههد‬
‫والمحاسهبي وأضرابههم‪ ،‬فخاضوا مهع المبتدعهة فهي اصهطلحاتهم‪ ،‬ثهم قاتلوههم وقتلوههم بسهلحهم‬
‫وكان مههن درج مههن المسههلمين مههن هذه المههة متمسههكين بالكتاب والسههنة‪ ،‬معرضيههن عههن شبههه‬
‫الملحدين‪ ،‬لم ينظروا في الجوهر والعرض‪ ،‬على ذلك كان السلف‪.‬‬
‫قلت‪ :‬ومهن نظهر الن فهي اصهطلح المتكلميهن حتهى يناضهل بذلك عهن الديهن فمنزلتهه قريبهة مهن‬
‫النبيين‪ .‬فأما من يهجن من غلة المتكلمين طريق من أخذ بالثر من المؤمنين‪ ،‬ويحض على درس‬
‫كتهب الكلم‪ ،‬وأنهه ل يعرف الحهق إل مهن جهتهها بتلك الصهطلحات فصهاروا مذموميهن لنقضههم‬
‫طريق المتقدمين من الئمة الماضين‪ ،‬والّ أعلم‪ .‬وأما المخاصمة والجدال بالدليل والبرهان فذلك‬
‫ل تعالى‪.‬‬
‫بين في القرآن‪ ،‬وسيأتي بيانه إن شاء ا ّ‬
‫*‪*3‬الية‪{ 171 :‬ومثل الذين كفروا كمثل الذي ينعق بما ل يسمع إل دعاء ونداء صم بكم عمي‬
‫فهم ل يعقلون}‬
‫@شبهه تعالى واعهظ الكفار وداعيههم وههو محمهد صهلى الّ عليهه وسهلم بالراعهي الذي ينعهق بالغنهم‬
‫والبهل فل تسهمع إل دعاءه ونداءه‪ ،‬ول تفههم مها يقول‪ ،‬هكذا فسهره ابهن عباس ومجاههد وعكرمهة‬
‫والسههدي والزجاج والفراء وسههيبويه‪ ،‬وهذه نهايههة اليجاز‪ .‬قال سههيبويه‪ :‬لم يشبهوا بالناعههق إنمهها‬
‫شبهوا بالمنعوق بهه‪ .‬والمعنهى‪ :‬ومثلك يها محمهد ومثهل الذيهن كفروا كمثهل الناعهق والمنعوق بهه مهن‬
‫البهائم التهي ل تفههم‪ ،‬فحذف لدللة المعنهى‪ .‬وقال ابهن زيهد‪ :‬المعنهى مثهل الذيهن كفروا فهي دعائههم‬
‫اللهة الجماد كمثل الصائح في جوف الليل فيجيبه الصدى‪ ،‬فهو يصيح بما ل يسمع‪ ،‬ويجيبه ما ل‬
‫حقيقة فيه ول منتفع‪ .‬وقال قطرب‪ :‬المعنى مثل الذين كفروا في دعائهم ما ل يفهم‪ ،‬يعني الصنام‪،‬‬
‫كمثل الراعي إذا نعق بغنمه وهو ل يدري أين هي‪ .‬قال الطبري‪ :‬المراد مثل الكافرين في دعائهم‬
‫آلهتههم كمثهل الذي ينعهق بشيهء بعيهد فههو ل يسهمع مهن أجهل البعهد‪ ،‬فليهس للناعهق مهن ذلك إل النداء‬
‫الذي يتعبهه وينصهبه‪ .‬ففهي هذه التأويلت الثلثهة يشبهه الكفار بالناعهق الصهائح‪ ،‬والصهنام بالمنعوق‬
‫بهه‪ .‬والنعيهق‪ :‬زجهر الغنهم والصهياح بهها‪ ،‬يقال‪ :‬نعهق الراعهي بغنمهه ينعهق نعيقها ونعاقها ونعقانها‪ ،‬أي‬
‫صاح بها وزجرها‪ .‬قال الخطل‪:‬‬
‫منتك نفسك في الخلء ضلل‬ ‫انعق بضأنك يا جرير فإنما‬
‫قال القتهبي‪ :‬لم يكهن جريهر راعهي ضأن‪ ،‬وإنمها أراد أن بنهي كليهب يعيرون برعهي الضأن‪ ،‬وجريهر‬
‫منهم‪ ،‬فهو في جهلهم‪ .‬والعرب تضرب المثل براعي الغنم في الجهل ويقولون‪" :‬أجهل من راعي‬
‫ضأن"‪ .‬قال القتبي‪ :‬ومن ذهب إلى هذا في معنى الية كان مذهبا‪ ،‬غير أنه لم يذهب إليه أحد من‬
‫العلماء فيمها نعلم‪ .‬والنداء للبعيهد‪ ،‬والدعاء للقريهب‪ ،‬ولذلك قيهل للذان بالصهلة نداء لنهه للباعهد‪.‬‬
‫وقهد تضهم النون فهي النداء والصهل الكسهر‪ .‬ثهم شبهه تعالى الكافريهن بأنههم صهم بكهم عمهي‪ .‬وقهد تقدم‬
‫في أول السورة‪.‬‬
‫*‪*3‬اليهة‪{ 172 :‬يها أيهها الذيهن آمنوا كلوا مهن طيبات مها رزقناكهم واشكروا ل إن كنتهم إياه‬
‫تعبدون}‬
‫@هذا تأكيد للمر الول‪ ،‬وخص المؤمنين هنا بالذكر تفضيل‪ .‬والمراد بالكل النتفاع من جميع‬
‫الوجوه‪ .‬وقيههل‪ :‬هههو الكههل المعتاد‪ .‬وفههي صههحيح مسههلم عههن أبههي هريرة رضههي الّ عنههه قال قال‬
‫ل أمههر‬‫ل تعالى طيههب ل يقبههل إل طيبهها وإن ا ّ‬‫ل صههلى الّ عليههه وسههلم‪( :‬أيههها الناس إن ا ّ‬
‫رسههول ا ّ‬
‫المؤمنيهن بمها أمهر بهه المرسهلين فقال "يها أيهها الرسهل كلوا مهن الطيبات واعملوا صهالحا إنهي بمها‬
‫تعملون عليم" [المؤمنون‪ ]51 :‬وقال‪" :‬يا أيها الذين آمنوا كلوا من طيبات ما رزقناكم" ثم ذكر‬
‫الرجهل يطيهل السهفر أشعهث أغهبر يمهد يديهه إلى السهماء يها رب يها رب ومطعمهه حرام [ومشربهه‬
‫حرام] وملبسههه حرام [وغذي بالحرام] فأنههى يسههتجاب لذلك)‪" .‬واشكروا ل إن كنتههم إياه تعبدون"‬
‫تقدم معنى الشكر فل معنى للعادة‪.‬‬
‫*‪*3‬الية‪{ 173 :‬إنما حرم عليكم الميتة والدم ولحم الخنزير وما أهل به لغير ال فمن اضطر‬
‫غير باغ ول عاد فل إثم عليه إن ال غفور رحيم}‬
‫@قوله تعالى‪" :‬إنما حرم عليكم" "إنما" كلمة موضوعة للحصر‪ ،‬تتضمن النفي والثبات‪ ،‬فتثبت‬
‫مها تناوله الخطاب وتنفي ما عداه‪ ،‬وقهد حصهرت ههنا التحريهم‪ ،‬ل سهيما وقد جاءت عقيب التحليهل‬
‫في قوله تعالى‪" :‬يا أيها الذين آمنوا كلوا من طيبات ما رزقناكم" فأفادت الباحة على الطلق‪ ،‬ثم‬
‫عقبها بذكر المحرم بكلمة "إنما" الحاصرة‪ ،‬فاقتضى ذلك اليعاب للقسمين‪ ،‬فل محرم يخرج عن‬
‫هذه الية‪ ،‬وهي مدنية‪ ،‬وأكدها بالية الخرى التي روي أنها نزلت بعرفة‪" :‬قل ل أجد فيما أوحي‬
‫ي محرما على طاعم يطعمه" [النعام‪ ]145 :‬إلى آخرها‪ ،‬فاستوفى البيان أول وآخرا‪ ،‬قاله ابن‬ ‫إل ّ‬
‫ل تعالى‪.‬‬
‫العربي‪ .‬وسيأتي الكلم في تلك في "النعام" إن شاء ا ّ‬
‫@قوله تعالى‪" :‬الميتة" نصهب بهه "حرّم"‪ ،‬و"ما" كافة‪ .‬ويجوز أن تجعلهها بمعنهى الذي‪ ،‬منفصلة‬
‫فهي الخهط‪ ،‬وترفهع "الميتهة والدم ولحهم الخنزيهر" على خهبر "إن" وههي قراءة ابهن أبهي عبلة‪ .‬وفهي‬
‫"حرم" ضمير يعود على الذي‪ ،‬ونظيره قوله تعالى‪" :‬إنما صنعوا كيد ساحر" [طه‪ .]69 :‬وقرأ‬
‫أبهو جعفهر "حرم" بضهم الحاء وكسهر الراء ورفهع السهماء بعدهها‪ ،‬إمها على مها لم يسهم فاعله‪ ،‬وإمها‬
‫على خهبر إن‪ .‬وقرأ أبهو جعفهر بهن القعقاع أيضها "الميتهة" بالتشديهد‪ .‬الطهبري‪ :‬وقال جماعهة مهن‬
‫اللغويين‪ :‬التشديد والتخفيف في ميت وميت لغتان‪ .‬وقال أبو حاتم وغيره‪ :‬ما قد مات فيقالن فيه‪،‬‬
‫ومهها لم يمههت بعههد فل يقال فيههه "ميههت" بالتخفيههف‪ ،‬دليله قوله تعالى‪" :‬إنههك ميههت وإنهههم ميتون"‬
‫[الزمر‪ .]30 :‬وقال الشاعر‪:‬‬
‫إنما الميت ميت الحياء‬ ‫ليس من مات فاستراح بميت‬
‫ولم يقرأ أحد بتخفيف ما لم يمت‪ ،‬إل ما روى البزي عن ابن كثير "وما هو بميت" والمشهور عنه‬
‫التثقيل‪ ،‬وأما قول الشاعر‪:‬‬
‫فسرك أن يعيش فجئ بزاد‬ ‫إذا ما مات ميت من تميم‬
‫فل أبلغ فهي الهجاء مهن أنهه أراد الميهت حقيقهة‪ ،‬وقهد ذههب بعهض الناس إلى أنهه أراد مهن شارف‬
‫الموت‪ ،‬والول أشهر‪.‬‬
‫@الميتهة‪ :‬مها فارقتهه الروح مهن غيهر ذكاة ممها يذبهح‪ ،‬ومها ليهس بمأكول فذكاتهه كموتهه‪ ،‬كالسهباع‬
‫ل تعالى‪.‬‬‫وغيرها‪ ،‬على ما يأتي بيانه هنا وفي "النعام" إن شاء ا ّ‬
‫هذه اليهة عامهة دخلهها التخصهيص بقوله عليهه السهلم‪( :‬أحلت لنها ميتتان الحوت والجراد ودمان‬
‫الكبههد والطحال)‪ .‬أخرجههه الدار قطنههي‪ ،‬وكذلك حديههث جابر فههي العنههبر يخصههص عموم القرآن‬
‫بصحة سنده‪ .‬خرجه البخاري ومسلم مع قوله تعالى‪" :‬أحل لكم صيد البحر" [المائدة‪ ،]96 :‬على‬
‫ل تعالى‪ .‬وأكثهر أههل العلم على جواز أكهل جميهع دواب البحهر حيهها‬ ‫مها يأتهي بيانهه هناك‪ ،‬إن شاء ا ّ‬
‫وميتهها‪ ،‬وههو مذههب مالك‪ .‬وتوقهف أن يجيهب فهي خنزيهر الماء وقال‪ :‬أنتهم تقولون خنزيرا قال ابهن‬
‫القاسم‪ :‬وأنا أتقيه ول أراه حراما‪.‬‬
‫@ وقد اختلف الناس في تخصيص كتاب الّ تعالى بالسنة‪ ،‬ومع اختلفهم في ذلك اتفقوا على أنه‬
‫ل يجوز تخصيصه بحديث ضعيف‪ ،‬قاله ابن العربي‪ .‬وقد يستدل على تخصيص هذه الية أيضا‬
‫ل صهلى الّ عليهه‬ ‫بمها فهي صهحيح مسهلم مهن حديهث عبدال بهن أبهي أوفهى قال‪ :‬غزونها مهع رسهول ا ّ‬
‫وسهلم سهبع غزوات كنها نأكهل الجراد معهه‪ .‬وظاهره أكله كيهف مها مات بعلج أو حتهف أنفهه‪ ،‬وبهذا‬
‫قال ابهن نافهع وابهن عبدالحكهم وأكثهر العلماء‪ ،‬وههو مذههب الشافعهي وأبهي حنيفهة وغيرهمها‪ .‬ومنهع‬
‫مالك وجمهور أصههحابه مههن أكله إن مات حتههف أنفههه‪ ،‬لنههه مههن صههيد البر‪ ،‬أل ترى أن المحرم‬
‫يجزئه إذا قتله‪ ،‬فأشبهه الغزال‪ .‬وقال أشههب‪ :‬إن مات مهن قطهع رجهل أو جناح لم يؤكهل‪ ،‬لنهها حالة‬
‫قههد يعيههش بههها وينسههل‪ .‬وسههيأتي لحكههم الجراد مزيههد بيان فههي "العراف" عنههد ذكره‪ ،‬إن شاء الّ‬
‫تعالى‪.‬‬
‫@ واختلف العلماء هل يجوز أن ينتفع بالميتة أو بشيء من النجاسات‪ ،‬واختلف عن مالك في ذلك‬
‫أيضها‪ ،‬فقال مرة‪ :‬يجوز النتفاع بهها‪ ،‬لن النهبي صهلى الّ عليهه وسهلم مهر على شاة ميمونهة فقال‪:‬‬
‫(هل أخذتم إهابها) الحديث‪ .‬وقال مرة‪ :‬جملتها محرم‪ ،‬فل يجوز النتفاع بشيء منها‪ ،‬ول بشيء‬
‫مههن النجاسههات على وجههه مههن وجوه النتفاع‪ ،‬حتههى ل يجوز أن يسههقى الزرع ول الحيوان الماء‬
‫النجس‪ ،‬ول تعلف البهائم النجاسات‪ ،‬ول تطعم الميتة الكلب والسباع‪ ،‬وإن أكلتها لم تمنع‪ .‬ووجه‬
‫هذا القول ظاهههر قوله تعالى‪" :‬حرمههت عليكههم الميتههة والدم" [المائدة‪ ]3 :‬ولم يخههص وجههها مههن‬
‫وجههه‪ ،‬ول يجوز أن يقال‪ :‬هذا الخطاب مجمههل‪ ،‬لن المجمههل مهها ل يفهههم المراد مههن ظاهره‪ ،‬وقههد‬
‫فهمهت العرب المراد مهن قوله تعالى‪" :‬حرمهت عليكهم الميتهة"‪ ،‬وأيضها فإن النهبي صهلى الّ عليهه‬
‫وسهلم قال‪( :‬ل تنتفعوا مهن الميتهة بشيهء)‪ .‬وفهي حديهث عبدال بهن عكيهم؟؟ (ل تنتفعوا مهن الميتهة‬
‫بإهاب ول عصب)‪ .‬وهذا آخر ما ورد به كتابه قبل موته بشهر‪ ،‬وسيأتي بيان هذه الخبار والكلم‬
‫ل تعالى‪.‬‬
‫عليها في "النحل" إن شاء ا ّ‬
‫@ فأما الناقة إذا نحرت‪ ،‬أو البقرة أو الشاة إذا ذبحت‪ ،‬وكان في بطنها جنين ميت فجائز أكله من‬
‫غير تذكية له في نفسه‪ ،‬إل أن يخرج حيا فيذكى‪ ،‬ويكون له حكم نفسه‪ ،‬وذلك أن الجنين إذا خرج‬
‫منهها بعهد الذبهح ميتها جرى مجرى العضهو مهن أعضائهها‪ .‬وممها يهبين ذلك أنهه لو باع الشاة واسهتثنى‬
‫مها فهي بطنهها لم يجهز‪ ،‬كمها لو اسهتثنى عضوا منهها‪ ،‬وكان مها فهي بطنهها تابعها لهها كسهائر أعضائهها‪.‬‬
‫وكذلك لو أعتقها من غير أن يوقع على ما في بطنها عتقا مبتدأ‪ ،‬ولو كان منفصل عنها لم يتبعها‬
‫ل صهلى الّ عليهه وسهلم سهئل عهن‬ ‫فهي بيهع ول عتهق‪ .‬وقهد روى جابر رضهي الّ عنهه أن رسهول ا ّ‬
‫البقرة والشاة تذبهح‪ ،‬والناقهة تنحهر فيكون فهي بطنهها جنيهن ميهت‪ ،‬فقال‪( :‬إن شئتهم فكلوه لن ذكاتهه‬
‫ذكاة أمه)‪ .‬خرجه أبو داود بمعناه من حديث أبي سعيد الخدري وهو نص ل يحتمل‪ .‬وسيأتي لهذا‬
‫مزيد بيان في سورة "المائدة" إن شاء الّ تعالى‪.‬‬
‫@ واختلفت الرواية عن مالك في جلد الميتة هل يطهر بالدباغ أو ل‪ ،‬فروي عنه أنه ل يطهر‪،‬‬
‫وههو ظاههر مذهبهه‪ .‬وروي عنهه أنهه يطههر‪ ،‬لقوله عليهه السهلم (أيمها إهاب دبهغ فقهد طههر)‪ .‬ووجهه‬
‫قوله‪ :‬ل يطههر‪ ،‬بأنهه جزء مهن الميتهة لو أخهذ منهها فهي حال الحياة كان نجسها‪ ،‬فوجهب أل يطهره‬
‫الدباغ قياسها على اللحهم‪ .‬وتحمهل الخبار بالطهارة على أن الدباغ يزيهل الوسهاخ عهن الجلد حتهى‬
‫ينتفهع بهه فهي الشياء اليابسهة وفهي الجلوس عليهه‪ ،‬ويجوز أيضها أن ينتفهع بهه فهي الماء بأن يجعهل‬
‫سهقاء‪ ،‬لن الماء على أصهل الطهارة مها لم يتغيهر له وصهف على مها يأتهي مهن حكمهه فهي سهورة‬
‫"الفرقان"‪ .‬والطهارة في اللغة متوجهة نحو إزالة الوساخ كما تتوجه إلى الطهارة الشرعية‪ ،‬والّ‬
‫تعالى أعلم‪.‬‬
‫@ وأما شعر الميتة وصوفها فطاهر‪ ،‬لما روي عن أم سلمة رضي الّ عنها عن النبي صلى الّ‬
‫عليه وسلم أنه قال‪( :‬ل بأس بمسك الميتة إذا دبغ وصوفها وشعرها إذا غسل)‪ .‬ولنه كان طاهرا‬
‫لو أخذ منها في حال الحياة فوجب أن يكون كذلك بعد الموت‪ ،‬إل أن اللحم لما كان نجسا في حال‬
‫الحياة كان كذلك بعهد الموت‪ ،‬فيجهب أن يكون الصهوف خلفهه فهي حال الموت كمها كان خلفهه فهي‬
‫حال الحياة استدلل بالعكس‪ .‬ول يلزم على هذا اللبن والبيضة من الدجاجة الميتة‪ ،‬لن اللبن عندنا‬
‫طاههر بعهد الموت‪ ،‬وكذلك البيضهة‪ ،‬ولكنهمها حصهل فهي وعاء نجهس فتنجسها بمجاورة الوعاء ل‬
‫أنهما نجسا بالموت‪ .‬وسيأتي مزيد بيان لهذه المسألة والتي قبلها وما للعلماء فيهما من الخلف في‬
‫سورة "النحل" إن شاء الّ تعالى‪.‬‬
‫@ وأما ما وقعت فيه الفأرة فله حالتان‪ :‬حالة تكون إن أخرجت الفأرة حية فهو طاهر‪ .‬وإن ماتت‬
‫فيهه فله حالتان‪ :‬حالة يكون مائعها فإنهه ينجهس جميعهه‪ .‬وحالة يكون جامدا فإنهه ينجهس مها جاورهها‪،‬‬
‫فتطرح ومها حولهها‪ ،‬وينتفهع بمها بقهي وههو على طهارتهه‪ ،‬لمها روي أن النهبي صهلى الّ عليهه وسهلم‬
‫سهئل عهن الفأرة تقهع فهي السهمن فتموت‪ ،‬فقال عليهه السهلم‪( :‬إن كان جامدا فاطرحوهها ومها حولهها‬
‫وإن كان مائعها فأريقوه)‪ .‬واختلف العلماء فيهه إذا غسهل‪ ،‬فقيهل‪ :‬ل يطههر بالغسهل‪ ،‬لنهه مائع نجهس‬
‫فأشبهه الدم والخمهر والبول وسهائر النجاسهات‪ .‬وقال ابهن القاسهم‪ :‬يطههر بالغسهل‪ ،‬لنهه جسهم تنجهس‬
‫بمجاورة النجاسهة فأشبهه الثوب‪ ،‬ول يلزم على هذا الدم‪ ،‬لنهه نجهس بعينهه‪ ،‬ول الخمهر والبول لن‬
‫الغسل يستهلكهما ول يتأتى فيه‪.‬‬
‫فإذا حكمنا بطهارته بالغسل رجع إلى حالته الولى في الطهارة وسائر وجوه النتفاع‪ ،‬لكن ل‬
‫يهبيعه حتهى يهبين‪ ،‬لن ذلك عيهب عنهد الناس تأباه نفوسههم‪ .‬ومنههم مهن يعتقهد تحريمهه ونجاسهته‪ ،‬فل‬
‫يجوز بيعهه حتهى يهبين العيهب كسهائر الشياء المعيبهة‪ .‬وأمها قبهل الغسهل فل يجوز بيعهه بحال‪ ،‬لن‬
‫النجاسهات عنده ل يجوز بيعهها‪ ،‬ولنهه مائع نجهس فأشبهه الخمهر‪ ،‬ولن النهبي صهلى الّ عليهه وسهلم‬
‫ل اليهود حرمت عليهم الشحوم فحملوها فباعوها وأكلوا أثمانها‬ ‫سئل عن ثمن الخمر فقال‪( :‬لعن ا ّ‬
‫وأن الّ إذا حرم شيئا حرم ثمنه) وهذا المائع محرم لنجاسته فوجب أن يحرم ثمنه بحكم الظاهر‪.‬‬
‫@ واختلف إذا وقع في القدر حيوان‪ ،‬طائر أو غيره فمات فروى ابن وهب عن مالك أنه قال‪ :‬ل‬
‫يؤكهل مها فهي القدر‪ ،‬وقهد تنجهس بمخالطهة الميتهة إياه‪ .‬وروى ابهن القاسهم عنهه أنهه قال‪ :‬يغسهل اللحهم‬
‫ويراق المرق‪ .‬وقهد سهئل ابهن عباس عهن هذه المسهألة فقال‪ :‬يغسهل اللحهم ويؤكهل‪ .‬ول مخالف له فهي‬
‫المرق من أصحابه‪ ،‬ذكره ابن خويز منداد‪.‬‬
‫@ فأمهها أنفحههة الميتههة ولبههن الميتههة فقال الشافعههي‪ :‬ذلك نجههس لعموم قوله تعالى "حرمههت عليكههم‬
‫الميتهة" [المائدة‪ .]3 :‬وقال أبهو حنيفهة بطهارتهمها‪ ،‬ولم يجعهل لموضهع الخلقهة أثرا فهي تنجهس مها‬
‫جاوره ممها حدث فيهه خلقهة‪ ،‬قال‪ :‬ولذلك يؤكهل اللحهم بمها فيهه مهن العروق‪ ،‬مهع القطهع بمجاورة الدم‬
‫لدواخلهها مهن غيهر تطهيهر ول غسهل إجماعها‪ .‬وقال مالك نحهو قول أبهي حنيفهة إن ذلك ل ينجهس‬
‫بالموت‪ ،‬ولكههن ينجههس بمجاورة الوعاء النجههس وهههو ممهها ل يتأتههى فيههه الغسههل‪ .‬وكذلك الدجاجههة‬
‫تخرج منها البيضة بعد موتها‪ ،‬لن البيضة لينة في حكم المائع قبل خروجها‪ ،‬وإنما تجمد وتصلب‬
‫بالهواء‪.‬‬
‫قال ابن خويز منداد فإن قيل‪ :‬فقولكم يؤدي إلى خلف الجماع‪ ،‬وذلك أن النبي صلى الّ عليه‬
‫وسهلم والمسهلمين بعده كانوا يأكلون الجبهن وكان مجلوبها إليههم مهن أرض العجهم‪ ،‬ومعلوم أن ذبائح‬
‫العجم وهم مجوس ميتة‪ ،‬ولم يعتدوا بأن يكون مجمدا بأنفحة ميته أو ذكي‪ .‬قيل له‪ :‬قدر ما يقع من‬
‫النفحهة فهي اللبهن المجبهن يسهير‪ ،‬واليسهير مهن النجاسهة معفهو عنهه إذا خالط الكثيهر مهن المائع‪ .‬هذا‬
‫جواب على إحدى الروايتين‪ .‬وعلى الرواية الخرى إنما كان ذلك في أول السلم‪ ،‬ول يمكن أحد‬
‫أن ينقل أن الصحابة أكلت الجبن المحمول من أرض العجم‪ ،‬بل الجبن ليس من طعام العرب‪ ،‬فلما‬
‫انتشر المسلمون في أرض العجم بالفتوح صارت الذبائح لهم‪ ،‬فمن أين لنا أن النبي صلى الّ عليه‬
‫وسههلم والصههحابة أكلت جبنهها فضل عههن أن يكون محمول مههن أرض العجههم ومعمول مههن أنفخههة‬
‫ذبائحهم‪.‬‬
‫وقال أبهو عمهر‪ :‬ول بأس بأكهل طعام عبدة الوثان والمجوس وسهائر مهن ل كتاب له مهن الكفار‬
‫ما لم يكن من ذبائحهم ولم يحتج إلى ذكاة إل الجبن لما فيه من أنفحة الميتة‪ .‬وفي سنن ابن ماجة‬
‫"الجبن والسمن" حدثنا إسماعيل بن موسى السدي حدثنا سيف بن هارون عن سليمان التيمي عن‬
‫ل صهلى الّ عليهه وسهلم عهن السهمن‬ ‫أبهي عثمان النهدي عهن سهلمان الفارسهي قال‪ :‬سهئل رسهول ا ّ‬
‫والجبن والفراء‪ .‬فقال‪( :‬الحلل ما أحل الّ في كتابه والحرام ما حرم الّ في كتابه وما سكت عنه‬
‫فهو مما عفا عنه)‪.‬‬
‫@قوله تعالى‪" :‬والدم" اتفق العلماء على أن الدم حرام نجس ل يؤكل ول ينتفع به‪ .‬قال ابن خويز‬
‫منداد‪ :‬وأمها الدم فمحرم مها لم تعهم بهه البلوى‪ ،‬ومعفهو عمها تعهم بهه البلوى‪ .‬والذي تعهم بهه البلوى ههو‬
‫الدم فهي اللحهم وعروقهه‪ ،‬ويسهيره فهي البدن والثوب يصهلى فيهه‪ .‬وإنمها قلنها ذلك لن الّ تعالى قال‪:‬‬
‫"حرمهت عليكهم الميتهة والدم" [المائدة‪ ،]3 :‬وقال فهي موضهع آخهر "قهل ل أجهد فيمها أوحهى إليّه‬
‫محرمها على طاعهم يطعمهه إل أن يكون ميتهة أو دمها مسهفوحا" [النعام‪ .]145 :‬فحرم المسهفوح‬
‫من الدم‪ .‬وقد روت عائشة رضي الّ عنها قالت‪( :‬كنا نطبخ البرمة على عهد رسول الّ صلى الّ‬
‫عليههه وسههلم تعلوههها الصههفرة مههن الدم فنأكههل ول ننكره) لن التحفههظ مههن هذا إصههر وفيههه مشقههة‪،‬‬
‫والصهر والمشقهة فهي الديهن موضوع‪ .‬وهذا أصهل فهي الشرع‪ ،‬أن كلمها حرجهت المهة فهي أداء‬
‫العبادة فيهه وثقهل عليهها سهقطت العبادة عنهها فيهه‪ ،‬أل ترى أن المضطهر يأكهل الميتهة‪ ،‬وأن المريهض‬
‫يفطر ويتيمم في نحو ذلك‪.‬‬
‫قلت‪ :‬ذكههر الّ سههبحانه وتعالى الدم ههنهها مطلقهها‪ ،‬وقيده فههي النعام بقوله "مسههفوحا" [النعام‪:‬‬
‫‪ ]145‬وحمل العلماء ههنا المطلق على المقيد إجماعا‪ .‬فالدم هنا يراد به المسفوح‪ ،‬لن ما خالط‬
‫اللحم فغير محرم بإجماع‪ ،‬وكذلك الكبد والطحال مجمع عليه‪ .‬وفي دم الحوت المزايل له اختلف‪،‬‬
‫وروي عن القابسي أنه طاهر‪ ،‬ويلزم على طهارته أنه غير محرم‪ .‬وهو اختيار ابن العربي‪ ،‬قال‪:‬‬
‫لنه لو كان دم السمك نجسا لشرعت ذكاته‪.‬‬
‫قلت‪ :‬وهو مذهب أبي حنيفة في دم الحوت‪ ،‬سمعت بعض الحنفية يقول‪ :‬الدليل على أنه طاهر‬
‫أنه إذا يبس أبيض بخلف سائر الدماء فإنه يسود‪ .‬وهذه النكتة لهم في الحتجاج على الشافعية‪.‬‬
‫ل تعالى ذكهر اللحهم مهن الخنزيهر ليدل على تحريهم عينهه‬ ‫@قوله تعالى‪" :‬ولحهم الخنزيهر" خهص ا ّ‬
‫ذكي أو لم يذك‪ ،‬وليعم الشحم وما هنالك من الغضاريف وغيرها‪.‬‬
‫أجمعت المة على تحريم شحم الخنزير‪ .‬وقد استدل مالك وأصحابه على أن من حلف أل يأكل‬
‫شحمها فأكهل لحمها لم يحنهث بأكهل اللحهم‪ .‬فإن حلف أل يأكهل لحمها فأكهل شحمها حنهث لن اللحهم مهع‬
‫الشحم يقع عليه اسم اللحم‪ ،‬فقد دخل الشحم في اسم اللحم ول يدخل اللحم في اسم الشحم‪ .‬وقد حرم‬
‫الّ تعالى لحهم الخنزيهر فناب ذكهر لحمهه عهن شحمهه‪ ،‬لنهه دخهل تحهت اسهم اللحهم‪ .‬وحرم الّ تعالى‬
‫على بنهي إسهرائيل الشحوم بقوله‪" :‬حرمنها عليههم شحومهمها" [النعام‪ ]146 :‬فلم يقهع بهذا عليههم‬
‫تحريم اللحم ولم يدخل في اسم الشحم‪ ،‬فلهذا فرق مالك بين الحالف في الشحم والحالف في اللحم‪،‬‬
‫إل أن يكون للحالف نيههة فههي اللحههم دون الشحههم فل يحنههث والّ تعالى أعلم‪ .‬ول يحنههث فههي قول‬
‫الشافعهي وأبهي ثور وأصهحاب الرأي إذا حلف أل يأكهل لحمها فأكهل شحمها‪ .‬وقال أحمهد‪ :‬إذا حلف أل‬
‫يأكل لحما فأكل الشحم ل بأس به إل أن يكون أراد اجتناب الدسم‪.‬‬
‫@ ل خلف أن جملة الخنزير محرمة إل الشعر فإنه يجوز الخرازة به‪ .‬وقد روي أن رجل سأل‬
‫رسول الّ صلى الّ عليه وسلم عن الخرازة بشعر الخنزير‪ ،‬فقال‪( :‬ل بأس بذلك) ذكره ابن خويز‬
‫ل صههلى الّ عليههه وسههلم كانههت‪ ،‬وبعده موجودة‬ ‫منداد‪ ،‬قال‪ :‬ولن الخرازة على عهههد رسههول ا ّ‬
‫ل صهلى الّ عليهه وسهلم أنكرهها ول أحهد مهن الئمهة بعده‪ .‬ومها أجازه‬ ‫ظاهرة‪ ،‬ل نعلم أن رسهول ا ّ‬
‫الرسول صلى الّ عليه وسلم فهو كابتداء الشرع منه‪.‬‬
‫ل خلف في تحريم خنزير البر كما ذكرنا‪ ،‬وفي خنزير الماء خلف‪ .‬وأبى مالك أن يجيب فيه‬
‫ل تعالى‪.‬‬ ‫بشيء‪ ،‬وقال‪ :‬أنتم تقولون خنزيرا وقد تقدم‪ ،‬وسيأتي بيانه في "المائدة" إن شاء ا ّ‬
‫@ ذهب أكثر اللغويين إلى أن لفظة الخنزير رباعية‪ .‬وحكى ابن سيده عن بعضهم أنه مشتق من‬
‫خزر العيهن‪ ،‬لنهه كذلك ينظهر‪ ،‬واللفظهة على هذا ثلثيهة‪ .‬وفهي الصهحاح‪ :‬وتخازر الرجهل إذا ضيهق‬
‫جفنه ليحدد النظهر‪ .‬والخزر‪ :‬ضيهق العين وصهغرها‪ .‬رجهل أخزر بيهن الخزر‪ .‬ويقال‪ :‬هو أن يكون‬
‫النسان كأنه ينظر بمؤخرها‪ .‬وجمع الخنزير خنازير‪ .‬والخنازير أيضا علة معروفة‪ ،‬وهي قروح‬
‫صلبة تحدث في الرقبة‪.‬‬
‫@قوله تعالى‪" :‬وما أهل به لغير ال" أي ذكر عليه غير اسم الّ تعالى‪ ،‬وهي ذبيحة المجوسي‬
‫والوثني والمعطل‪ .‬فالوثني يذبح للوثن‪ ،‬والمجوسي للنار‪ ،‬والمعطل ل يعتقد شيئا فيذبح لنفسه‪ .‬ول‬
‫خلف بيهن العلماء أن مها ذبحهه المجوسهي لناره والوثنهي لوثنهه ل يؤكهل‪ ،‬ول تؤكهل ذبيحتهمها عنهد‬
‫مالك والشافعهي وغيرهمها وإن لم يذبحها لناره ووثنهه‪ ،‬وأجازهمها ابهن المسهيب وأبهو ثور إذا ذبهح‬
‫ل تعالى فههي سههورة "المائدة"‪ .‬والهلل‪ :‬رفههع‬ ‫لمسههلم بأمره‪ .‬وسههيأتي لهذا مزيههد بيان إن شاء ا ّ‬
‫الصوت‪ ،‬يقال‪ :‬أهل بكذا‪ ،‬أي رفع صوته‪ .‬قال ابن أحمر يصف فلة‪:‬‬
‫كما يهل الراكب المعتمر‬ ‫يهل بالفرقد ركبانها‬
‫وقال النابغة‪:‬‬
‫بهيج متى يرها يهل ويسجد‬ ‫أو درة صدفية غواصها‬
‫ومنه إهلل الصبي واستهلله‪ ،‬وهو صياحه عند ولدته‪ .‬وقال ابن عباس وغيره‪ :‬المراد ما ذبح‬
‫للنصهاب والوثان‪ ،‬ل مها ذكهر عليهه اسهم المسهيح‪ ،‬على مها يأتهي بيانهه فهي سهورة "المائدة" إن شاء‬
‫ال تعالى‪ .‬وجرت عادة العرب بالصهياح باسهم المقصهود بالذبيحهة‪ ،‬وغلب ذلك فهي اسهتعمالهم حتهى‬
‫عبر به عن النية التي هي علة التحريم‪ ،‬أل ترى أن علي بن أبي طالب رضي الّ عنه راعى النية‬
‫ل بهه‪ ،‬فتركهها الناس‪ .‬قال ابهن‬‫فهي البهل التهي نحرهها غالب أبهو الفرزدق فقال‪ :‬إنهها ممها أهل لغيهر ا ّ‬
‫عطيهة‪ :‬ورأيهت فهي أخبار الحسهن بهن أبهي الحسهن أنهه سهئل عهن امرأة مترفهة صهنعت للعبهها عرسها‬
‫فنحرت جزورا‪ ،‬فقال الحسن‪ :‬ل يحل أكلها فإنها إنما نحرت لصنم‪.‬‬
‫قلت‪ :‬ومن هذا المعنى ما رويناه عن يحيى بن يحيى التميمي شيخ مسلم قال‪ :‬أخبرنا جرير عن‬
‫قابوس قال‪ :‬أرسههل أبههي امرأة إلى عائشههة رضههي الّ عنههها وأمرههها أن تقرأ عليههها السههلم منههه‪،‬‬
‫ل صهلى الّ عليهه وسهلم يدوم عليهها‪ .‬قالت‪( :‬كان‬ ‫وتسهألها أيهة صهلة كانهت أعجهب إلى رسهول ا ّ‬
‫يصهلي قبهل الظههر أربهع ركعات يطيهل فيههن القيام ويحسهن الركوع والسهجود‪ ،‬فأمها مها لم يدع قهط‪،‬‬
‫صهحيحا ول مريضها ول شاهدا‪ ،‬ركعتيهن قبهل صهلة الغداة‪ .‬قالت امرأة عنهد ذلك مهن الناس‪ :‬يها أم‬
‫المؤمنين‪ ،‬إن لنا أظآرا من العجهم ل يزال يكون لههم عيد فيهدون لنا منه‪ ،‬أفنأكهل منه شيئا؟ قالت‪:‬‬
‫أما ما ذبح لذلك اليوم فل تأكلوا ولكن كلوا من أشجارهم)‪.‬‬
‫@قوله تعالى‪" :‬فمهن اضطهر" قرئ بضهم النون للتباع وبالكسهر وههو الصهل للتقاء السهاكنين‪،‬‬
‫وفيههه إضمار‪ ،‬أي فمههن اضطههر إلى شيههء مههن هذه المحرمات أي أحوج إليههها‪ ،‬فهههو افتعههل مههن‬
‫الضرورة‪ .‬وقرأ ابهن محيصهن "فمهن اطّر" بإدغام الضاد فهي الطاء‪ .‬وأبهو السهمال "فمهن اضطهر"‬
‫بكسر الطاء‪ .‬وأصله اضطرر فلما أدغمت نقلت حركة الراء إلى الطاء‪.‬‬
‫الضطرار ل يخلو أن يكون بإكراه من ظالم أو بجوع فهي مخمصهة‪ .‬والذي عليه الجمهور مهن‬
‫الفقهاء والعلماء في معنى الية هو من صيره العدم والغرث وهو الجوع إلى ذلك‪ ،‬وهو الصحيح‪.‬‬
‫وقيههل‪ :‬معناه أكره وغلب على أكههل هذه المحرمات‪ .‬قال مجاهههد‪ :‬يعنههي أكره عليههه كالرجههل يأخذه‬
‫ل تعالى‪ ،‬إل أن الكراه يبيح ذلك إلى‬ ‫العدو فيكرهونه على أكل لحم الخنزير وغيره من معصية ا ّ‬
‫آخر الكراه‪.‬‬
‫وأما المخمصة فل يخلو أن تكون دائمة أو ل‪ ،‬فإن كانت دائمة فل خلف في جواز الشبع من‬
‫الميتهة‪ ،‬إل أنهه ل يحهل له أكلهها وههو يجهد مال مسهلم ل يخاف فيهه قطعها‪ ،‬كالتمهر المعلق وحريسهة‬
‫الجبهل‪ ،‬ونحهو ذلك ممها ل قطهع فيهه ول أذى‪ .‬وهذا ممها ل اختلف فيهه‪ ،‬لحديهث أبهي هريرة رضهي‬
‫الّ عنه قال‪ :‬بينما نحن مع رسول الّ صلى الّ عليه وسلم في سفر إذ رأينا إبل مصرورة بعضاه‬
‫ل صهلى الّ عليهه وسهلم فرجعنها إليهه فقال‪( :‬إن هذه البهل لههل‬ ‫الشجهر فثبنها إليهها فنادانها رسهول ا ّ‬
‫بيهت مهن المسهلمين ههو قوتههم ويمنههم بعهد الّ أيسهركم لو رجعتهم إلى مزاودكهم فوجدتهم مها فيهها قهد‬
‫ذهههب بههه أترون ذلك عدل) قالوا ل‪ ،‬فقال‪( :‬إن هذه كذلك)‪ .‬قلنهها‪ :‬أفرأيههت إن احتجنهها إلى الطعام‬
‫والشراب؟ فقال‪( :‬كههل ول تحمههل واشرب ول تحمههل)‪ .‬خرجههه ابههن ماجههة رحمههه الّ‪ ،‬وقال‪ :‬هذا‬
‫الصل عندي‪ .‬وذكره ابن المنذر قال‪ :‬قلنا يا رسول الّ‪ ،‬ما يحل لحدنا من مال أخيه إذا اضطر‬
‫إليه؟ قال‪( :‬يأكل ول يحمل ويشرب ول يحمل)‪ .‬قال ابن المنذر‪ :‬وكل مختلف فيه بعد ذلك فمردود‬
‫إلى تحريهم الّ الموال‪ .‬قال أبهو عمهر‪ :‬وجملة القول فهي ذلك أن المسهلم إذا تعيهن عليهه رد رمهق‬
‫مهجههة المسههلم‪ ،‬وتوجههه الفرض فههي ذلك بأل يكون هناك غيره قضههي عليههه بترميههق تلك المهجههة‬
‫الدميهة‪ .‬وكان للممنوع منهه مها له مهن ذلك محاربهة مهن منعهه ومقاتلتهه‪ ،‬وإن أتهى ذلك على نفسهه‪،‬‬
‫وذلك عند أهل العلم إذا لم يكن هناك إل واحد ل غير‪ ،‬فحينئذ يتعين عليه الفرض‪ .‬فإن كانوا كثيرا‬
‫أو جماعهة وعددا كان ذلك عليههم فرضها على الكفايهة‪ .‬والماء فهي ذلك وغيره ممها يرد نفهس المسهلم‬
‫ويمسكها سواء‪ .‬إل أنهم اختلفوا في وجوب قيمة ذلك الشيء على الذي ردت به مهجته ورمق به‬
‫نفسهه‪ ،‬فأوجبهها موجبون‪ ،‬وأباهها آخرون‪ ،‬وفهي مذهبنها القولن جميعها‪ .‬ول خلف بيهن أههل العلم‬
‫متأخريههم ومتقدميهم في وجوب رد مهجة المسلم عند خوف الذهاب والتلف بالشيء اليسير الذي‬
‫ل مضرة فيه على صاحبه وفيه البلغة‪.‬‬
‫@خرج ابن ماجة أنبأنا أبو بكر بن أبي شيبة أنبأنا شبابة (ح) وحدثنا محمد ابن بشار ومحمد بن‬
‫الوليهد قال حدثنها محمهد بهن جعفهر حدثنها شعبهة عهن أبهي بشهر جعفهر بهن إياس قال‪ :‬سهمعت عباد بهن‬
‫شرحبيل ‪ -‬رجل من بني غبر ‪ -‬قال‪ :‬أصابنا عام مخمصة فأتيت المدينة فأتيت حائطا من حيطانها‬
‫فأخذت سنبل ففركته وأكلته وجعلته في كسائي‪ ،‬فجاء صاحب الحائط فضربني وأخذ ثوبي‪ ،‬فأتيت‬
‫رسهول الّ صهلى الّ عليهه وسهلم فأخهبرته‪ ،‬فقال للرجهل‪( :‬مها أطعمتهه إذ كان جائعها أو سهاغبا ول‬
‫علمته إذ كان جاهل) فأمره النبي صلى الّ عليه وسلم فرد إليه ثوبه‪ ،‬وأمر له بوسق من طعام أو‬
‫نصف وسق‪.‬‬
‫قلت‪ :‬هذا حديث صحيح اتفق على رجاله البخاري ومسلم‪ ،‬إل ابن أبي شيبة فإنه لمسلم وحده‪.‬‬
‫وعباد بن شرحبيل الغبري اليشكري لم يخرج له البخاري ومسلم شيئا‪ ،‬وليس له عن النبي صلى‬
‫الّ عليهه وسهلم غيهر هذه القصهة فيمها ذكهر أبهو عمهر رحمهه الّ‪ ،‬وههو ينفهي القطهع والدب فهي‬
‫المخمصة‪ .‬وقد روى أبو داود عن الحسن عن سمرة أن النبي صلى الّ عليه وسلم قال‪( :‬إذا أتى‬
‫أحدكهم على ماشيهة فإن كان فيهها صهاحبها فليسهتأذنه فإن أذن له فليحتلب وليشرب وإن لم يكهن فيهها‬
‫فليصهوت ثلثها فإن أجاب فليسهتأذنه فإن أذن له وإل فليحتلب وليشرب ول يحمهل)‪ .‬وذكهر الترمذي‬
‫عن يحيهى بن سليم عن عبيدالّ عن نافع عن ابن عمر عن النبي صلى الّ عليه وسلم قال‪( :‬من‬
‫دخل حائطا فليأكل ول يتخذ خبنة)‪ .‬قال‪ :‬هذا حديث غريب ل نعرفه إل من حديث يحيى بن سليم‪.‬‬
‫وذكر من حديث عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده أن النبي صلى الّ عليه وسلم سئل عن الثمر‬
‫المعلق‪ ،‬فقال‪( :‬مهن أصهاب منهه مهن ذي حاجهة غيهر متخهذ خبنهة فل شيهء عليهه)‪ .‬قال فيهه‪ :‬حديهث‬
‫حسن‪ .‬وفي حديث عمر رضي الّ عنه‪( :‬إذا مر أحدكم بحائط فليأكل ول يتخذ ثبانا)‪ .‬قال أبو عبيد‬
‫قال أبو عمر‪ :‬وهو الوعاء الذي يحمل فيه الشيء‪ ،‬فإن حملته بين يديك فهو ثبان‪ ،‬يقال‪ :‬قد تثبنت‬
‫ثبانا‪ ،‬فإن حملته على ظهرك فهو الحال‪ ،‬يقال منه‪ :‬قد تحولت كسائي إذا جعلت فيه شيئا ثم حملته‬
‫على ظهرك‪ .‬فإن جعلته في حضنك فهو خبنة‪ ،‬ومنه حديث عمرو بن شعيب المرفوع (ول يتخذ‬
‫خبنهة)‪ .‬يقال منهه‪ :‬خبنت أخبهن خبنها‪ .‬قال أبو عبيد‪ :‬وإنما يوجه هذا الحديهث أنه رخهص فيهه للجائع‬
‫المضطر الذي ل شيء معه يشتري به أل يحمل إل ما كان في بطنه قدر قوته‪.‬‬
‫قلت‪ :‬لن الصل المتفق عليه تحريم مال الغير إل بطيب نفس منه‪ ،‬فإن كانت هناك عادة بعمل‬
‫ذلك كمها كان فهي أول السهلم‪ ،‬أو كمها ههو الن فهي بعهض البلدان‪ ،‬فذلك جائز‪ .‬ويحمهل ذلك على‬
‫أوقات المجاعة والضرورة‪ ،‬كما تقدم والّ أعلم‪.‬‬
‫وإن كان الثانهي وههو النادر فهي وقهت مهن الوقات‪ ،‬فاختلف العلماء فيهها على قوليهن‪ :‬أحدهمها‪:‬‬
‫أنه يأكل حتى يشبع ويتضلع‪ ،‬ويتزود إذا خشي الضرورة فيما بين يديه من مفازة وقفر‪ ،‬وإذا وجد‬
‫عنهها غنهى طرحهها‪ .‬قال معناه مالك فهي موطئه‪ ،‬وبهه قال الشافعهي وكثيهر مهن العلماء‪ .‬والحجهة فهي‬
‫ذلك أن الضرورة ترفهع التحريهم فيعود مباحها‪ .‬ومقدار الضرورة إنمها ههو فهي حالة عدم القوت إلى‬
‫حالة وجوده‪ .‬وحديث العنبر نص في ذلك‪ ،‬فإن أصحاب النبي صلى الّ عليه وسلم لما رجعوا من‬
‫سههفرهم وقههد ذهههب عنهههم الزاد‪ ،‬انطلقوا إلى سههاحل البحههر فرفههع لهههم على سههاحله كهيئة الكثيههب‬
‫الضخهم‪ ،‬فلمها أتوه إذا ههي دابهة تدعهى العنهبر‪ ،‬فقال أبهو عهبيدة أميرههم‪ :‬ميتهة‪ .‬ثهم قال‪ :‬ل‪ ،‬بهل نحهن‬
‫ل صهلى الّ عليهه وسهلم وفهي سهبيل الّ‪ ،‬وقهد اضطررتهم فكلوا‪ .‬قال‪ :‬فأقمنها عليهها‬ ‫رسهل رسهول ا ّ‬
‫شهرا ونحهن ثلثمائة حتهى سهمنا‪ ،‬الحديهث‪ .‬فأكلوا وشبعوا ‪ -‬رضوان الّ عليههم ‪ -‬ممها اعتقدوا أنهه‬
‫ميتهة وتزودوا منهها إلى المدينهة‪ ،‬وذكروا ذلك للنهبي صهلى الّ عليهه وسهلم فأخهبرهم صهلى الّ عليهه‬
‫وسلم أنه حلل وقال‪( :‬هل معكم من لحمه شيء فتطعمونا) فأرسلوا إلى رسول الّ صلى الّ عليه‬
‫وسهلم منهه فأكله‪ .‬وقالت طائفهة‪ .‬يأكهل بقدر سهد الرمهق‪ .‬وبهه قال ابهن الماجشون وابهن حهبيب وفرق‬
‫أصهحاب الشافعهي بيهن حالة المقيهم والمسهافر فقالوا‪ :‬المقيهم يأكهل بقدر مها يسهد رمقهه‪ ،‬والمسهافر‬
‫يتضلع ويتزود‪ :‬فإذا وجههد غنههى عنههها طرحههها‪ ،‬وإن وجههد مضطرا أعطاه إياههها ول يأخههذ منههه‬
‫عوضا‪ ،‬فإن الميتة ل يجوز بيعها‪.‬‬
‫@ فإن اضطر إلى خمر فإن كان بإكراه شرب بل خلف‪ ،‬وإن كان بجوع أو عطش فل يشرب‪،‬‬
‫وبه قال مالك فهي العتبية قال‪ :‬ول يزيده الخمر إل عطشها‪ .‬وهو قول الشافعهي‪ ،‬فإن الّ تعالى حرم‬
‫الخمههر تحريمهها مطلقهها‪ ،‬وحرم الميتههة بشرط عدم الضرورة‪ .‬وقال البهري‪ :‬إن ردت الخمههر عنهه‬
‫ل تعالى قال فهي الخنزيهر "فإنهه رجهس" ثهم أباحهه للضرورة‪ .‬وقال‬ ‫جوعها أو عطشها شربهها‪ ،‬لن ا ّ‬
‫تعالى في الخمر إنها "رجس" فتدخل في إباحة الخنزير للضرورة بالمعنى الجلي الذي هو أقوى‬
‫من القياس‪ ،‬ول بد أن تروي ولو ساعة‪ ،‬وترد الجوع ولو مدة‪.‬‬
‫@ روى أصبغ عن ابن القاسم أنه قال‪ :‬يشرب المضطر الدم ول يشرب الخمر‪ ،‬ويأكل الميتة ول‬
‫يقرب ضوال البههل ‪ -‬وقاله ابههن وهههب ‪ -‬ويشرب البول ول يشرب الخمههر‪ ،‬لن الخمههر يلزم فيههها‬
‫الحد فهي أغلظ‪ .‬نص عليه أصحاب الشافعي‪.‬‬
‫@ فإن غهص بلقمهة فههل يسهيغها بخمهر أو ل‪ ،‬فقيهل‪ .‬ل‪ ،‬مخافهة أن يدعهي ذلك‪ .‬وأجاز ذلك ابهن‬
‫حههبيب‪ ،‬لنههها حالة ضرورة‪ .‬ابههن العربههي‪" :‬أمهها الغاص بلقمههة فإنههه يجوز له فيمهها بينههه وبيههن الّ‬
‫تعالى‪ ،‬وأمهها فيمهها بيننهها فإن شاهدناه فل تخفههى علينهها بقرائن الحال صههورة الغصههة مههن غيرههها‪،‬‬
‫ل تعالى باطنها‪ .‬ثهم إذا‬‫فيصهدق إذا ظههر ذلك‪ ،‬وإن لم يظههر حددناه ظاهرا وسهلم مهن العقوبهة عنهد ا ّ‬
‫وجد المضطر ميتة وخنزيرا ولخم ابن آدم أكل الميتة‪ ،‬لنها حلل في حال‪ .‬والخنزير وابن آدم ل‬
‫يحهل بحال‪ .‬والتحريهم المخفهف أولى أن يقتحهم مهن التحريهم المثقهل‪ ،‬كمها لو أكره أن يطهأ أختهه أو‬
‫أجنبيهة‪ ،‬وطهئ الجنبيهة لنهها تحهل له بحال‪ .‬وهذا ههو الضابهط لهذه الحكام‪ .‬ول يأكهل ابهن آدم ولو‬
‫مات‪ ،‬قاله علماؤنا‪ ،‬وبه قال أحمد وداود‪ .‬احتج أحمد بقوله عليه السلم‪( :‬كسر عظم الميت ككسره‬
‫حيا)‪ .‬وقال الشافعي‪ :‬يأكل لحم ابن آدم‪ .‬ول يجوز له أن يقتل ذميا لنه محترم الدم‪ ،‬ول مسلما ول‬
‫أسهيرا لنهه مال الغيهر‪ .‬فإن كان حربيها أو زانيها محصهنا جاز قتله والكهل منهه‪ .‬وشنهع داود على‬
‫المزني بأن قال‪ :‬قد أبحت أكل لحوم النبياء فغلب عليه ابن شريح بأن قال‪ :‬فأنت قد تعرضت لقتل‬
‫النهبياء إذ منعتههم مهن أكهل الكافهر‪ .‬قال ابهن العربهي‪ :‬الصهحيح عندي أل يأكهل الدمهي إل إذا تحقهق‬
‫أن ذلك ينجيه ويحييه‪ ،‬والّ أعلم‪.‬‬
‫@ سئل مالك عن المضطر إلى أكل الميتة وهو يجد مال الغير تمرا أو زرعا أو غنما‪ ،‬فقال‪ :‬إن‬
‫أمن الضرر على بدنه بحيث ل يعد سارقا ويصدق في قوله‪ ،‬أكل من أي ذلك وجد ما يرد جوعه‬
‫ول يحمهل منهه شيئا‪ ،‬وذلك أحهب إليّه مهن أن يأكهل الميتهة‪ ،‬وقهد تقدم هذا المعنهى مسهتوفى‪ .‬وإن ههو‬
‫خشههي أل يصههدقوه وأن يعدوه سههارقا فإن أكهل الميتههة أجوز عندي‪ ،‬وله فههي أكههل الميتهة على هذه‬
‫المنزلة سعة‪.‬‬
‫@ روى أبو داود قال حدثنا موسى بن إسماعيل قال حدثنا حماد عن سماك بن حرب عن جابر‬
‫بههن سههمرة أن رجل نزل الحرة ومعههه أهله وولده‪ ،‬فقال رجههل‪ :‬إن ناقههة لي ضلت فإن وجدتههها‬
‫فأمسكها‪ ،‬فوجدها فلم يجد صاحبها فمرضت‪ ،‬فقالت امرأته‪ :‬انحرها‪ ،‬فأبىّ فنفقت‪ .‬فقالت‪ :‬اسلخها‬
‫ل صهلى الّ عليهه وسهلم فأتاه فسهأله‪،‬‬
‫حتهى نقدد لحمهها وشحمهها ونأكله‪ ،‬فقال‪ :‬حتهى أسهأل رسهول ا ّ‬
‫فقال‪( :‬هل عندك غنى يغنيك) قال ل‪ ،‬قال‪( :‬فكلوها) قال‪ :‬فجاء صاحبها فأخبره الخبر‪ ،‬فقال‪ :‬هل‬
‫كنههت نحرتههها فقال‪ :‬اسههتحييت منههك‪ .‬قال ابههن خويههز منداد‪ :‬فههي هذا الحديههث دليلن‪ :‬أحدهمهها‪ :‬أن‬
‫المضطر يأكل من الميتة وإن لم يخف التلف‪ ،‬لنه سأله عن الغنى ولم يسأله عن خوفه على نفسه‪.‬‬
‫والثاني‪ :‬يأكل ويشبع ويدخر ويتزود‪ ،‬لنه أباحه الدخار ولم يشترط عليه أل يشبع‪ .‬قال أبو داود‪:‬‬
‫وحدثنها هارون بهن عبدال قال حدثنها الفضهل بهن دكيهن قال أنبأنها عقبهة بهن وههب بهن عقبهة العامري‬
‫قال‪ :‬سمعت أبي يحدث عن الفجيع العامري أنه أتى رسول الّ صلى الّ عليه وسلم فقال‪ :‬ما يحل‬
‫لنا الميتة؟ قال‪( :‬ما طعامكم) قلنا‪ :‬نغتبق ونصطبح‪ .‬قال أبو نعيم‪ :‬فسره لي عقبة‪ :‬قدح غدوة وقدح‬
‫عشيهة قال‪( :‬ذاك وأبهي الجوع)‪ .‬قال‪ :‬فأحهل لههم الميتهة على هذه الحال‪ .‬قال أبهو داود‪ :‬الغبوق مهن‬
‫آخهر النهار والصهبوح مهن أول النهار‪ .‬وقال الخطابهي‪ :‬الغبوق العشاء‪ ،‬والصهبوح الغداء‪ ،‬والقدح‬
‫مهن اللبهن بالغداة‪ ،‬والقدح بالعشهي يمسهك الرمهق ويقيهم النفهس‪ ،‬وإن كان ل يغذي البدن ول يشبهع‬
‫الشبهع التام‪ ،‬وقهد أباح لههم مهع ذلك تناول الميتهة‪ ،‬فكان دللتهه أن تناول الميتهة مباح إلى أن تأخههذ‬
‫النفهس حاجتهها من القوت‪ .‬وإلى هذا ذهب مالك وهو أحهد قولي الشافعهي‪ .‬قال ابن خويهز منداد‪ :‬إذا‬
‫جاز أن يصطبحوا ويغتبقوا جاز أن يشبعوا ويتزودوا‪ .‬وقال أبو حنيفة والشافعي في القول الخر‪:‬‬
‫ل يجوز له أن يتناول من الميتة إل قدر ما يمسك رمقه‪ ،‬وإليه ذهب المزني‪ .‬قالوا‪ :‬لنه لو كان في‬
‫البتداء بهذه الحال لم يجهز له أن يأكهل منهها شيئا‪ ،‬فكذلك إذا بلغهها بعهد تناولهها‪ .‬وروى نحوه عهن‬
‫الحسهههن‪ .‬وقال قتادة‪ :‬ل يتضلع منهههها بشيهههء‪ .‬وقال مقاتهههل بهههن حيان‪ :‬ل يزداد على ثلث لقهههم‪.‬‬
‫والصحيح خلف هذا‪ ،‬كما تقدم‪.‬‬
‫وأمههها التداوي بهههها فل يخلو أن يحتاج إلى اسهههتعمالها قائمهههة العيهههن أو محرقهههة‪ ،‬فإن تغيرت‬
‫بالحراق فقال ابن حبيب‪ :‬يجوز التداوي بها والصلة‪ .‬وخففه ابن الماجشون بناء على أن الحرق‬
‫تطهير لتغير الصفات‪ .‬وفي العتبية من رواية مالك في المرتك يصنع من عظام الميتة إذا وضعه‬
‫في جرحه ل يصلي به حتى يغسله‪ .‬وإن كانت الميتة قائمة بعينها فقد قال سحنون‪ :‬ل يتداوى بها‬
‫بحال ول بالخنزيهر‪ ،‬لن منهها عوضها حلل بخلف المجاعهة‪ .‬ولو وجهد منهها عوض فهي المجاعهة‬
‫لم تؤكهل‪ .‬وكذلك الخمهر ل يتداوى بهها‪ ،‬قاله مالك‪ ،‬وههو ظاههر مذههب الشافعهي‪ ،‬وههو اختيار ابهن‬
‫أبي هريرة من أصحابه‪ .‬وقال أبو حنيفة‪ :‬يجوز شربها للتداوي دون العطش‪ ،‬وهو اختيار القاضي‬
‫الطهبري مهن أصهحاب الشافعهي‪ ،‬وههو قول الثوري‪ .‬وقال بعهض البغدادييهن مهن الشافعيهة‪ :‬يجوز‬
‫شربههها للعطههش دون التداوي‪ ،‬لن ضرر العطههش عاجههل بخلف التداوي‪ .‬وقيههل‪ :‬يجوز شربههها‬
‫للمرين جميعا‪ .‬ومنع بعض أصحاب الشافعي التداوي بكل محرم إل بأبوال البل خاصة‪ ،‬لحديث‬
‫العرنييهن‪ .‬ومنهع بعضههم التداوي بكهل محرم‪ ،‬لقوله عليهه السهلم‪( :‬إن الّ لم يجعهل شفاء أمتهي فيمها‬
‫حرم عليههم)‪ ،‬ولقوله عليهه السهلم لطارق بهن سهويد وقهد سهأله عهن الخمهر فنهاه أو كره أن يصهنعها‬
‫فقال‪ ،‬إنما أصنعها للدواء‪ ،‬فقال‪( :‬إنه ليس بدواء ولكنه داء)‪ .‬رواه مسلم في الصحيح‪ .‬وهذا يحتمل‬
‫أن يقيد بحالة الضطرار‪ ،‬فإنه يجوز التداوي بالسم ول يجوز شربه‪ ،‬والّ أعلم‪.‬‬
‫@قوله تعالى‪" :‬غيهر باغ" "غيهر" نصهب على الحال‪ ،‬وقيهل‪ :‬على السهتثناء‪ .‬وإذا رأيهت "غيهر"‬
‫يصلح في موضعه "في" فهي حال‪ ،‬وإذا صلح موضعها "إل" فهي استثناء‪ ،‬فقس عليه‪ .‬و"باغ"‬
‫أصهله باغهي‪ ،‬ثقلت الضمهة على الياء فسهكنت والتنويهن سهاكن‪ ،‬فحذفهت الياء والكسهرة تدل عليهها‪.‬‬
‫والمعنى فيما قال قتادة والحسن والربيع وابن زيد وعكرمة "غير باغ" في أكله فوق حاجته‪" ،‬ول‬
‫عاد" بأن يجههد عههن هذه المحرمات مندوحههة ويأكلههها‪ .‬وقال السههدي‪" :‬غيههر باغ" فههي أكلههها شهوة‬
‫وتلذذا‪" ،‬ول عاد" باستيفاء الكل إلى حد الشبع‪ .‬وقال مجاهد وابن جبير وغيرهما‪ :‬المعنى "غير‬
‫باغ" على المسهلمين "ول عاد" عليههم‪ ،‬فيدخهل فهي الباغهي والعادي قطاع الطريهق والخارج على‬
‫السهلطان والمسهافر فهي قطهع الرحهم والغارة على المسهلمين ومها شاكله‪ .‬وهذا صهحيح‪ ،‬فإن أصهل‬
‫ل تعالى‪" :‬ول تكرهوا‬ ‫البغي في اللغة قصد الفساد‪ ،‬يقال‪ :‬بغت المرأة تبغي بغاء إذا فجرت‪ ،‬قال ا ّ‬
‫فتياتكهم على البغاء" [النور‪ .]33 :‬وربمها اسهتعمل البغهي فهي طلب غيهر الفسهاد‪ .‬والعرب تقول‪:‬‬
‫خرج الرجل في بغاء إبل له‪ ،‬أي في طلبها‪ ،‬ومنه قول الشاعر‪:‬‬
‫ء الخير تعقاد الرتائم‬ ‫ل يمنعك من بغا‬
‫من واليامن كالشائم‬ ‫إن الشائم كاليا‬
‫@قوله تعالى‪" :‬ول عاد" أصهل "عاد" عائد‪ ،‬فههو مهن المقلوب‪ ،‬كشاكهي السهلح وهار ولث‪.‬‬
‫ل فهههي حالة الضطرار أكهههل جميهههع‬ ‫والصهههل شائك وهائر ولئث‪ ،‬مهههن لثهههت العمامهههة‪ .‬فأباح ا ّ‬
‫المحرمات لعجزه عن جميع المباحات كما بينا‪ ،‬فصار عدم المباح شرطا في استباحة المحرم‪.‬‬
‫@ واختلف العلماء إذا اقترن بضرورته معصية‪ ،‬بقطع طريق وإخافة سبيل‪ ،‬فحظرها عليه مالك‬
‫ل سهبحانه أباح ذلك عونها‪ ،‬والعاصهي ل يحهل أن‬ ‫والشافعهي فهي أحهد قوليهه لجهل معصهيته‪ ،‬لن ا ّ‬
‫يعان‪ ،‬فإن أراد الكهل فليتهب وليأكهل‪ .‬وأباحهها له أبهو حنيفهة والشافعهي فهي القول الخهر له‪ ،‬وسهويا‬
‫فهي اسهتباحته بيهن طاعتهه ومعصهيته‪ .‬قال ابهن العربهي‪ :‬وعجبها ممهن يبيهح له ذلك مهع التمادي على‬
‫المعصية‪ ،‬وما أظن أحدا يقوله‪ ،‬فإن قاله فهو مخطئ قطعا‪.‬‬
‫قلت‪ :‬الصحيح خلف هذا‪ ،‬فإن إتلف المرء نفسه في سفر المعصية أشد معصية مما هو فيه‪،‬‬
‫ل تعالى‪" :‬ول تقتلوا أنفسهكم" [النسهاء‪ ]29 :‬وهذا عام‪ ،‬ولعله يتوب فهي ثانهي حال فتمحهو‬ ‫قال ا ّ‬
‫التوبهة عنهه مها كان‪ ،‬وقهد قال مسهروق‪ :‬مهن اضطهر إلى أكهل الميتهة والدم ولحهم الخنزيهر فلم يأكهل‬
‫حتهى مات دخهل النار‪ ،‬إل أن يعفهو الّ عنهه‪ .‬قال أبهو الحسهن الطهبري المعروف بالكيها‪ :‬وليهس أكهل‬
‫الميتة عند الضرورة رخصة بل هو عزيمة واجبة‪ ،‬ولو امتنع من أكل الميتة كان عاصيا‪ ،‬وليس‬
‫تناول الميتة من رخص السفر أو متعلقا بالسفر بل هو من نتائج الضرورة سفرا كان أو حضرا‪،‬‬
‫وههو كالفطار للعاصهي المقيهم إذا كان مريضها‪ ،‬وكالتيمهم للعاصهي المسهافر عنهد عدم الماء‪ .‬قال‪:‬‬
‫وهو الصحيح عندنا‪.‬‬
‫قلت‪ :‬واختلفههت الروايات عههن مالك فههي ذلك‪ ،‬فالمشهور مههن مذهبههه فيمهها ذكره الباجههي فههي‬
‫المنتقى‪ :‬أنه يجوز له الكل في سفر المعصية ول يجوز له القصر والفطر‪ .‬وقال ابن خويز منداد‪:‬‬
‫فأمهها الكههل عنههد الضطرار فالطائع والعاصههي فيههه سههواء‪ ،‬لن الميتههة يجوز تناولههها فههي السههفر‬
‫والحضر‪ ،‬وليس بخروج الخارج إلى المعاصي يسقط عنه حكم المقيم بل أسوأ حالة من أن يكون‬
‫مقيمها‪ ،‬وليهس كذلك الفطهر والقصهر‪ ،‬لنهمها رخصهتان متعلقتان بالسهفر‪ .‬فمتهى كان السهفر سهفر‬
‫معصهية لم يجهز أن يقصهر فيهه‪ ،‬لن هذه الرخصهة تختهص بالسهفر‪ ،‬ولذلك قلنها‪ :‬إنهه يتيمهم إذا عدم‬
‫الماء فهي سفر المعصية‪ ،‬لن التيمم فهي الحضهر والسفر سواء‪ .‬وكيف يجوز منعه من أكل الميتة‬
‫والتيمهم لجهل معصهية ارتكبهها‪ ،‬وفهي تركهه الكهل تلف نفسهه‪ ،‬وتلك أكهبر المعاصهي‪ ،‬وفهي تركهه‬
‫التيمهم إضاعة للصلة‪ .‬أيجوز أن يقال له‪ :‬ارتكبهت معصهية فارتكب أخرى أيجوز أن يقال لشارب‬
‫الخمهر‪ :‬ازن‪ ،‬وللزانهي‪ :‬اكفهر أو يقال لهمها‪ :‬ضيعها الصهلة؟ ذكهر هذا كله فهي أحكام القرآن له‪ ،‬ولم‬
‫يذكههر خلفهها عههن مالك ول عههن أحههد مههن أصههحابه‪ .‬وقال الباجههي‪" :‬وروى زياد بههن عبدالرحمههن‬
‫الندلسهي أن العاصهي بسهفره يقصهر الصهلة‪ ،‬ويفطهر فهي رمضان‪ .‬فسهوى بيهن ذلك كله‪ ،‬وهو قول‬
‫أبهي حنيفهة‪ .‬ول خلف أنهه ل يجوز له قتهل نفسهه بالمسهاك عهن الكهل‪ ،‬وأنهه مأمور بالكهل على‬
‫وجههه الوجوب‪ ،‬ومههن كان فههي سههفر معصههية ل تسههقط عنههه الفروض والواجبات مههن الصههيام‬
‫والصهلة‪ ،‬بهل يلزمهه التيان بهها‪ ،‬فكذلك مها ذكرناه‪ .‬وجهه القول الول أن هذه المعانهي إنمها أبيحهت‬
‫فهي السهفار لحاجهة الناس إليهها‪ ،‬فل يباح له أن يسهتعين بهها على المعاصهي وله سهبيل إلى أل يقتهل‬
‫نفسهه‪ .‬قال ابهن حهبيب‪ :‬وذلك بأن يتوب ثهم يتناول لحهم الميتهة بعهد توبتهه‪ .‬وتعلق ابهن حهبيب فهي ذلك‬
‫بقوله تعالى‪" :‬فمهن اضطهر غيهر باغ ول عاد" فاشترط فهي إباحهة الميتهة للضرورة أل يكون باغيها‪.‬‬
‫والمسهافر على وجه الحرابهة أو القطهع‪ ،‬أو فهي قطهع رحهم أو طالب إثهم ‪ -‬باغ ومعتهد‪ ،‬فلم توجهد فيهه‬
‫شروط الباحة‪ ،‬والّ أعلم "‪.‬‬
‫قلت‪ :‬هذا اسههتدلل بمفهوم الخطاب‪ ،‬وهههو مختلف فيههه بيههن الصههوليين‪ ،‬ومنظومهها اليههة أن‬
‫المضطهر غيهر باغ ول عاد ول إثهم عليهه‪ ،‬وغيره مسهكوت عنهه‪ ،‬والصهل عموم الخطاب‪ ،‬فمهن‬
‫ادعى زواله لمر ما فعليه الدليل‪.‬‬
‫@قوله تعالى‪" :‬إن ال غفور رحيم" أي يغفر المعاصي‪ ،‬فأولى أل يؤاخذ بما رخص فيه‪ ،‬ومن‬
‫رحمته أنه رخص‪.‬‬
‫*‪*3‬اليهة‪{ 174 :‬إن الذيهن يكتمون مها أنزل ال مهن الكتاب ويشترون بهه ثمنها قليل أولئك مها‬
‫يأكلون في بطونهم إل النار ول يكلمهم ال يوم القيامة ول يزكيهم ولهم عذاب أليم}‬
‫@قوله تعالى‪" :‬إن الذين يكتمون ما أنزل ال من الكتاب" يعني علماء اليهود‪ ،‬كتموا ما أنزل الّ‬
‫في التوراة من صفة محمد صلى الّ عليه وسلم وصحة رسالته‪ .‬ومعنى "أنزل"‪ :‬أظهر‪ ،‬كما قال‬
‫تعالى‪" :‬ومهن قال سهأنزل مثهل مها أنزل ال" [النعام‪ ]93 :‬أي سهأظهر‪ .‬وقيهل‪ :‬ههو على بابهه مهن‬
‫النزول‪ ،‬أي مها أنزل بهه ملئكتهه على رسهله‪" .‬ويشترون بهه" أي بالمكتوم "ثمنها قليل" يعنهي أخهذ‬
‫الرشاء‪ .‬وسهماه قليل لنقطاع مدتهه وسهوء عاقبتهه‪ .‬وقيهل‪ :‬لن مها كانوا يأخذونهه مهن الرشاء كان‬
‫قليل‪.‬‬
‫قلت‪ :‬وهذه اليهة وإن كانهت فهي الخبار فإنهها تتناول مهن المسهلمين مهن كتهم الحهق مختارا لذلك‬
‫بسبب دنيا يصيبها‪ ،‬وقد تقدم هذا المعنى‪.‬‬
‫@قوله تعالى‪" :‬في بطونهم" ذكر البطون دللة وتأكيدا على حقيقة الكل‪ ،‬إذ قد يستعمل مجازا‬
‫في مثل أكل فلن أرضي ونحوه‪ .‬وفي ذكر البطون أيضا تنبيه على جشعهم وأنهم باعوا آخرتهم‬
‫بحظهههم مههن المطعههم الذي ل خطههر له‪ .‬ومعنههى "إل النار" أي إنههه حرام يعذبهههم الّ عليههه بالنار‪،‬‬
‫فسهمي مها أكلوه مهن الرشاء نارا لنهه يؤديههم إلى النار‪ ،‬هكذا قال أكثهر المفسهرين‪ .‬وقيهل‪ :‬أي إنهه‬
‫يعاقبههم على كتمانههم بأكهل النار فهي جهنهم حقيقهة‪ .‬فأخهبر عهن المآل بالحال‪ ،‬كمها قال تعالى‪" :‬إن‬
‫الذين يأكلون أموال اليتامى ظلما إنما يأكلون في بطونهم نارا" [النساء‪ ]10 :‬أي أن عاقبته تؤول‬
‫إلى ذلك‪ ،‬ومنه قولهم‪:‬‬
‫لدوا للموت وابنوا للخراب‬
‫قال‪:‬‬
‫فللموت ما تلد الوالدة‬
‫آخر‪:‬‬
‫ودورنا لخراب الدهر نبنيها‬
‫وهو في القرآن والشعر كثير‪.‬‬
‫@قوله تعالى‪" :‬ول يكلمههم ال" عبارة عهن الغضهب عليههم وإزالة الرضها عنههم‪ ،‬يقال‪ :‬فلن ل‬
‫يكلم فلنهها إذا غضههب عليههه‪ .‬وقال الطههبري‪ :‬المعنههى "ول يكلمهههم" بمهها يحبونههه‪ .‬وفههي التنزيههل‬
‫"اخسؤوا فيها ول تكلمون" [المؤمنون‪ .]108 :‬وقيل‪ :‬المعنى ول يرسل إليهم الملئكة بالتحية‪.‬‬
‫"ول يزكيههم" أي ل يصهلح أعمالههم الخبيثهة فيطهرههم‪ .‬وقال الزجاج‪ :‬ل يثنهي عليههم خيرا ول‬
‫يسهميهم أزكياء‪" .‬أليهم" بمعنهى مؤلم‪ ،‬وقهد تقدم‪ .‬وفهي صهحيح مسهلم عهن أبهي هريرة رضهي الّ عنهه‬
‫ل صهلى الّ عليهه وسهلم‪( :‬ثلثهة ل يكلمههم الّ يوم القيامهة ول يزكيههم ول ينظهر‬ ‫قال قال رسهول ا ّ‬
‫إليهههم ولههم عذاب أليهم شيهخ زان وملك كذاب وعائل مسهتكبر)‪ .‬وإنمها خهص هؤلء بأليههم العذاب‬
‫وشدة العقوبهة لمحهض المعاندة والسهتخفاف الحامهل لههم على تلك المعاصهي‪ ،‬إذ لم يحملههم على‬
‫ذلك حاجهة‪ ،‬ول دعتههم إليهه ضرورة كمها تدعهو مهن لم يكهن مثلههم‪ .‬ومعنهى "ل ينظهر إليههم" ل‬
‫ل تعالى‪.‬‬
‫يرحمهم ول يعطف عليهم‪ .‬وسيأتي في "آل عمران" إن شاء ا ّ‬
‫*‪*3‬اليهة‪{ 175 :‬أولئك الذيهن اشتروا الضللة بالهدى والعذاب بالمغفرة فمها أصهبرهم على‬
‫النار}‬
‫@قوله تعالى‪" :‬أولئك الذين اشتروا الضللة بالهدى والعذاب بالمغفرة" تقدم القول فيه‪ .‬ولما كان‬
‫العذاب تابعا للضللة وكانت المغفرة تابعة للهدى الذي طرحوه دخل في تجوز الشراء‪.‬‬
‫@قوله تعالى‪" :‬فما أصبرهم على النار" مذهب الجمهور ‪ -‬منهم الحسن ومجاهد ‪ -‬أن "ما" معناه‬
‫التعجهب وههو مردود إلى المخلوقيهن‪ ،‬كأنهه قال‪ :‬اعجبوا مهن صهبرهم على النار ومكثههم فيهها‪ .‬وفهي‬
‫التنزيل‪" :‬قتل النسان ما أكفره" [عبس‪ ]17 :‬و"أسمع بهم وأبصر" [مريم‪ .]38 :‬وبهذا المعنى‬
‫صهدر أبهو علي‪ .‬قال الحسهن وقتادة وابهن جهبير والربيهع‪ :‬مها لههم والّ عليهها مهن صهبر‪ ،‬ولكهن مها‬
‫أجرأهم على النار وهي لغة يمنية معروفة‪ .‬قال الفراء أخبرني الكسائي قال‪ :‬أخبرني قاضي اليمن‬
‫أن خصهمين اختصهما إليهه فوجبهت اليميهن على أحدهمها فحلف‪ ،‬فقال له صهاحبه‪ :‬مها أصهبرك على‬
‫الّ؟ أي مهها أجرأك عليههه‪ .‬والمعنههى‪ :‬مهها أشجعهههم على النار إذ يعملون عمل يؤدي إليههها‪ .‬وحكههى‬
‫الزجاج أن المعنهى مها أبقاههم على النار‪ ،‬مهن قولههم‪ :‬مها أصهبر فلنها على الحبهس أي مها أبقاه فيهه‪.‬‬
‫وقيهل‪ :‬المعنهى فمها أقهل جزعههم مهن النار‪ ،‬فجعهل قلة الجزع صهبرا وقال الكسهائي وقطرب‪ :‬أي مها‬
‫أدومههم على عمهل أههل النار‪ .‬وقيهل‪" :‬مها" اسهتفهام معناه التوبيهخ‪ ،‬قاله ابهن عباس والسهدي وعطاء‬
‫وأبو عبيدة معمر بن المثنى‪ ،‬ومعناه‪ :‬أي أكثر شيء صبرهم على عمل أهل النار؟ وقيل‪ :‬هذا على‬
‫وجه الستهانة بهم والستخفاف بأمرهم‪.‬‬
‫*‪*3‬الية‪{ 176 :‬ذلك بأن ال نزل الكتاب بالحق وإن الذين اختلفوا في الكتاب لفي شقاق بعيد}‬
‫@قوله تعالى‪" :‬ذلك" في موضع رفع‪ ،‬وهو إشارة إلى الحكم‪ ،‬كأنه قال‪ :‬ذلك الحكم بالنار‪ .‬وقال‬
‫الزجاج‪ :‬تقديره المهههر ذلك‪ ،‬أو ذلك المهههر‪ ،‬أو ذلك العذاب لههههم‪ .‬قال الخفهههش‪ :‬وخهههبر "ذلك"‬
‫مضمههر‪ ،‬معناه ذلك معلوم لهههم‪ .‬وقيههل‪ :‬محله نصههب‪ ،‬معناه فعلنهها ذلك بهههم‪" .‬بأن ال نزل الكتاب"‬
‫يعنههي القرآن فههي هذا الموضههع "بالحههق" أي بالصههدق‪ .‬وقيههل بالحجههة‪" .‬وإن الذيههن اختلفوا فههي‬
‫الكتاب" يعنهي التوراة‪ ،‬فادعى النصهارى أن فيها صفة عيسهى‪ ،‬وأنكهر اليهود صفته‪ .‬وقيل‪ :‬خالفوا‬
‫آباءهم وسلفهم في التمسك بها‪ .‬وقيل‪ :‬خالفوا ما في التوراة من صفة محمد صلى الّ عليه وسلم‬
‫واختلفوا فيههها‪ .‬وقيههل‪ :‬المراد القرآن‪ ،‬والذيههن اختلفوا كفار قريههش‪ ،‬يقول بعضهههم‪ :‬هههو سههحر‪،‬‬
‫وبعضهههم يقول‪ :‬أسههاطير الوليههن‪ ،‬وبعضهههم‪ :‬مفترى‪ ،‬إلى غيههر ذلك وقههد تقدم القول فههي معنههى‬
‫الشقاق‪ ،‬والحمد ل‪.‬‬
‫*‪*3‬اليهة‪{ 177 :‬ليهس البر أن تولوا وجوهكهم قبهل المشرق والمغرب ولكهن البر مهن آمهن بال‬
‫واليوم الخهر والملئكهة والكتاب والنهبيين وآتهى المال على حبهه ذوي القربهى واليتامهى والمسهاكين‬
‫وابههن السههبيل والسههائلين وفههي الرقاب وأقام الصههلة وآتههى الزكاة والموفون بعهدهههم إذا عاهدوا‬
‫والصابرين في البأساء والضراء وحين البأس أولئك الذين صدقوا وأولئك هم المتقون}‬
‫@قوله تعالى‪" :‬ليس البر" اختلف من المراد بهذا الخطاب‪ ،‬فقال قتادة‪ :‬ذكر لنا أن رجل سأل نبي‬
‫الّ صلى الّ عليه وسلم عن البر‪ ،‬فأنزل الّ هذه الية‪ .‬قال‪ :‬وقد كان الرجل قبل الفرائض إذا شهد‬
‫أن ل إله إل الّ‪ ،‬وأن محمدا عبده ورسههوله‪ ،‬ثههم مات على ذلك وجبههت له الجنههة‪ ،‬فأنزل الّ هذه‬
‫اليهة‪ ،‬وقال الربيهع وقتادة أيضها‪ :‬الخطاب لليهود والنصهارى لنههم اختلفوا فهي التوجهه والتولي‪،‬‬
‫فاليهود إلى المغرب قبل بيت المقدس‪ ،‬والنصارى إلى المشرق مطلع الشمس‪ ،‬وتكلموا في تحويل‬
‫القبلة وفضلت كل فرقة توليتها‪ ،‬فقيل لهم‪ :‬ليس البر ما أنتم فيه‪ ،‬ولكن البر من آمن بالّ‪.‬‬
‫@ قرأ حمزة وحفهص "البر" بالنصهب‪ ،‬لن ليهس مهن أخوات كان‪ ،‬يقهع بعدهها المعرفتان فتجعهل‬
‫أيهما شئت السهم أو الخبر‪ ،‬فلما وقع بعد "ليس"‪" :‬البر" نصبه‪ ،‬وجعل "أن تولوا" السم‪ ،‬وكان‬
‫المصههدر أولى بأن يكون اسههما لنههه ل يتنكههر‪ ،‬والبر قههد يتنكههر والفعههل أقوى فههي التعريههف‪ .‬وقرأ‬
‫الباقون "البر" بالرفهع على أنهه اسهم ليهس‪ ،‬وخهبره "أن تولوا"‪ ،‬تقديره ليهس البر توليتكهم وجوهكهم‪،‬‬
‫وعلى الول ليس توليتكم وجوهكم البر‪ ،‬كقوله‪" :‬ما كان حجتهم إل أن قالوا" [الجاثية‪" ،]25 :‬ثم‬
‫كان عاقبههة الذيههن أسههاؤوا السههوءى أن كذبوا" [الروم‪" ]10 :‬فكان عاقبتهمهها أنهمهها فههي النار"‬
‫[الحشهر‪ ]17 :‬ومها كان مثله‪ .‬ويقوي قراءة الرفهع أن الثانهي معهه الباء إجماعها فهي قوله‪" :‬وليهس‬
‫البر بأن تأتوا البيوت مهن ظهورهها" [البقرة‪ ]189 :‬ول يجوز فيهه إل الرفهع‪ ،‬فحمهل الول على‬
‫الثانهي أولى مهن مخالفتهه له‪ .‬وكذلك ههو فهي مصهحف أبهي بالباء "ليهس البر بأن تولوا" وكذلك فهي‬
‫مصحف ابن مسعود أيضا‪ ،‬وعليه أكثر القراء‪ ،‬والقراءتان حسنتان‪.‬‬
‫@قوله تعالى‪" :‬ولكن البر من آمن بال" البر ههنا اسم جامع للخير‪ ،‬والتقدير‪ :‬ولكن البر بر من‬
‫آمههن‪ ،‬فحذف المضاف‪ ،‬كقوله تعالى‪" :‬واسههأل القريههة" [يوسههف‪" ،]82 :‬وأشربوا فههي قلوبهههم‬
‫العجل" [البقرة‪ ]93 :‬قاله الفراء وقطرب والزجاج‪ .‬وقال الشاعر‪:‬‬
‫فإنما هي إقبال وإدبار‬
‫أي ذات إقبال وذات إدبار وقال النابغة‪:‬‬
‫خللته كأبي مرحب‬ ‫وكيف تواصل من أصبحت‬
‫أي كخللة أبهي مرحهب‪ ،‬فحذف‪ .‬وقيهل‪ :‬المعنهى ولكهن ذا البر‪ ،‬كقوله تعالى‪" :‬ههم درجات عنهد ال"‬
‫[آل عمران‪ ]163 :‬أي ذوو درجات‪ .‬وذلك أن النبي صلى الّ عليه وسلم لما هاجر إلى المدينة‬
‫وفرضهت الفرائض وصهرفت القبلة إلى الكعبهة وحدت الحدود أنزل الّ هذه اليهة فقال‪ :‬ليهس البر‬
‫كله أن تصهلوا ول تعملوا غيهر ذلك‪ ،‬ولكهن البر ‪ -‬أي ذا البر ‪ -‬مهن آمهن بالّ‪ ،‬إلى آخرهها‪ ،‬قاله ابهن‬
‫عباس ومجاهههد والضحاك وعطاء وسههفيان والزجاج أيضهها‪ .‬ويجوز أن يكون "البر" بمعنههى البار‬
‫والبر‪ ،‬والفاعل قد يسمى بمعنى المصدر‪ ،‬كما يقال‪ :‬رجل عدل‪ ،‬وصوم وفطر‪ .‬وفي التنزيل‪" :‬إن‬
‫أصبح ماؤكم غورا" [الملك‪ ]30 :‬أي غائرا‪ ،‬وهذا اختيار أبي عبيدة‪ .‬وقال المبرد‪ :‬لو كنت ممن‬
‫يقرأ القرآن لقرأت "ولكن البر" بفتح الباء‪.‬‬
‫@قوله تعالى‪" :‬وآتهى المال على حبهه" اسهتدل بهه مهن قال‪ :‬إن فهي المال حقها سهوى الزكاة وبهها‬
‫كمال البر‪ .‬وقيل‪ :‬المراد الزكاة المفروضة‪ ،‬والول أصح‪ ،‬لما خرجه الدارقطني عن فاطمة بنت‬
‫ل صهلى الّ عليهه وسهلم‪( :‬إن فهي المال حقها سهوى الزكاة) ثهم تل هذه اليهة‬ ‫قيهس قالت قال رسهول ا ّ‬
‫"ليس البر أن تولوا وجوهكم" إلى آخر الية‪ .‬وأخرجه ابن ماجة في سننه والترمذي في جامعه‬
‫وقال‪" :‬هذا حديهث ليهس إسهناده بذاك‪ ،‬وأبهو حمزة ميمون العور يضعهف‪ .‬وروى بيان وإسهماعيل‬
‫بن سالم عن الشعبي هذا الحديث قوله وهو أصح"‪.‬‬
‫قلت‪ :‬والحديث وإن كان فيه مقال فقد دل على صحته معنى ما في الية نفسها من قوله تعالى‪:‬‬
‫"وأقام الصهلة وآتهى الزكاة" فذكهر الزكاة مهع الصهلة‪ ،‬وذلك دليهل على أن المراد بقوله‪" :‬وآتهى‬
‫المال على حبههه" ليههس الزكاة المفروضههة‪ ،‬فإن ذلك كان يكون تكرارا‪ ،‬والّ أعلم‪ .‬واتفههق العلماء‬
‫على أنه إذا نزلت بالمسلمين حاجة بعد أداء الزكاة فإنه يجب صرف المال إليها‪ .‬قال مالك رحمه‬
‫الّ‪ :‬يجهب على الناس فداء أسهراهم وإن اسهتغرق ذلك أموالههم‪ .‬وهذا إجماع أيضها‪ ،‬وههو يقوي مها‬
‫اخترناه‪ ،‬والموفق الله‪.‬‬
‫@قوله تعالى‪" :‬على حبه" الضمير في "حبه" اختلف في عوده‪ ،‬فقيل‪ :‬يعود على المعطي للمال‪،‬‬
‫وحذف المفعول وهههو المال‪ .‬ويجوز نصههب "ذوي القربههى" بالحههب‪ ،‬فيكون التقديههر على حههب‬
‫المعطهي ذوي القربهى ‪ 0‬وقيهل‪ :‬يعود على المال‪ ،‬فيكون المصهدر مضافها إلى المفعول‪ .‬قال ابهن‬
‫عطية‪ :‬ويجيء قوله "على حبه" اعتراضا بليغا أثناء القول‪.‬‬
‫قلت‪ :‬ونظيره قوله الحههق‪" :‬ويطعمون الطعام على حبههه مسههكينا" [النسههان‪ ]8 :‬فإنههه جمههع‬
‫المعنييهن‪ ،‬العتراض وإضافهة المصهدر إلى المفعول‪ ،‬أي على حهب الطعام‪ .‬ومهن العتراض قوله‬
‫الحهق‪" :‬ومهن يعمهل مهن الصهالحات مهن ذكهر أو أنثهى وههو مؤمهن فأولئك" [النسهاء‪ ]124 :‬وهذا‬
‫عندهم يسمى التتميم‪ ،‬وهو نوع من البلغة‪ ،‬ويسمى أيضا الحتراس والحتياط‪ ،‬فتمم بقوله "على‬
‫حبه" وقوله‪" :‬وهو مؤمن" [النساء‪ ،]124 :‬ومنه قول زهير‪:‬‬
‫يلق السماحة منه والندى خلقا‬ ‫من يلق يوما على علته هرما‬
‫وقال امرؤ القيس‪:‬‬
‫أفانين جري غير كز ول وان‬ ‫على هيكل يعطيك قبل سؤاله‬
‫فقوله‪" :‬على علته" و"قبل سؤاله" تتميم حسن‪ ،‬ومنه قول عنترة‪:‬‬
‫سهل مخالفتي إذا لم أظلم‬ ‫أثني علي بما علمت فإنني‬
‫فقوله‪" :‬إذا لم أظلم" تتميم حسن‪ .‬وقال طرفة‪:‬‬
‫صوب الربيع وديمة تهمي‬ ‫فسقى ديارك غير مفسدها‬
‫وقال الربيع بن ضبع الفزاري‪:‬‬
‫وكل امرئ إل أحاديثه فان‬ ‫فنيت وما يفنى صنيعي ومنطقي‬
‫فقوله‪" :‬غير مفسدها"‪ ،‬و"إل أحاديثه" تتميم واحتراس‪ .‬وقال أبو هفان‪:‬‬
‫وأفنى الندى أموالنا غير عائب‬ ‫فأفنى الردى أرواحنا غير ظالم‬
‫فقوله‪" :‬غير ظالم" و"غير عائب" تتميم واحتياط‪ ،‬وهو في الشعر كثير‪ .‬وقيل‪ :‬يعود على اليتاء‪،‬‬
‫لن الفعل يدل على مصدره‪ ،‬وهو كقوله تعالى‪" :‬ول يحسبن الذين يبخلون بما آتاهم ال من فضله‬
‫هو خيرا لههم" [آل عمران‪ ]180 :‬أي البخهل خيرا لهم‪ ،‬فإذا أصهابت الناس حاجة أو فاقة فإيتاء‬
‫ل تعالى في قوله "من آمن بالّ"‪ .‬والمعنى المقصود أن‬ ‫المال حبيب إليهم‪ .‬وقيل‪ :‬يعود على اسم ا ّ‬
‫يتصدق المرء في هذه الوجوه وهو صحيح شحيح يخشى الفقر ويأمن البقاء‪.‬‬
‫واختلف ههل يعطهى اليتيهم مهن صهدقة التطوع بمجرد اليتهم على وجهه الصهلة وإن كان غنيها‪ ،‬أو ل‬
‫يعطهى حتهى يكون فقيرا‪ ،‬قولن للعلماء‪ .‬وهذا على أن يكون إيتاء المال غيهر الزكاة الواجبهة‪ ،‬على‬
‫ما نبينه آنفا‪.‬‬
‫ل تعالى وفيمها بينههم وبيهن‬
‫@قوله تعالى‪" :‬والموفون بعهدههم إذا عاهدوا" أي فيمها بينههم وبيهن ا ّ‬
‫الناس‪" .‬والصهابرين فهي البأسهاء والضراء" البأسهاء‪ :‬الشدة والفقهر‪ .‬والضراء‪ :‬المرض والزمانهة‪،‬‬
‫ل تعالى أيمها عبهد مهن عبادي ابتليتهه ببلء فهي فراشهه‬ ‫قاله ابهن مسهعود‪ .‬وقال عليهه السهلم‪( :‬يقول ا ّ‬
‫فلم يشهك إلى عواده أبدلتهه لحمها خيرا مهن لحمهه ودمها خيرا مهن دمهه فإن قبضتهه فإلى رحمتهي وإن‬
‫عافيته عافيته وليس له ذنب) قيل‪ :‬يا رسول الّ‪ ،‬ما لحم خير من لحمه؟ قال‪( :‬لحم لم يذنب) قيل‪:‬‬
‫فما دم خير من دمه؟ قال‪( :‬دم لم يذنب)‪ .‬والبأساء والضراء اسمان بنيا على فعلء‪ ،‬ول فعل لهما‪،‬‬
‫لنهما اسمان وليسا بنعت‪" .‬وحين البأس" أي وقت الحرب‪.‬‬
‫@قوله تعالى‪" :‬والموفون بعهدههم إذا عاهدوا والصهابرين" فقيهل‪ :‬يكون "الموفون" عطفها على‬
‫"من" لن من في موضع جمع ومحل رفع‪ ،‬كأنه قال‪ :‬ولكن البر المؤمنون والموفون‪ ،‬قاله الفراء‬
‫والخفهش‪" .‬والصهابرين" نصهب على المدح‪ ،‬أو بإضمار فعهل‪ .‬والعرب تنصهب على المدح وعلى‬
‫الذم كأنههم يريدون بذلك إفراد الممدوح والمذموم ول يتبعونهه أول الكلم‪ ،‬وينصهبونه‪ .‬فأمها المدح‬
‫فقوله‪" :‬والمقيمين الصلة" [النساء‪ .]162 :‬وأنشد الكسائي‪:‬‬
‫إل نميرا أطاعت أمر غاويها‬ ‫وكل قوم أطاعوا أمر مرشدهم‬
‫والقائلون لمن دار نخليها‬ ‫الظاعنين ولما يظعنوا أحدا‬
‫وأنشد أبو عبيدة‪:‬‬
‫سم العداة وآفة الجزر‬ ‫ل يبعدن قومي الذين هم‬
‫والطيبون معاقد الزر‬ ‫النازلين بكل معترك‬
‫وقال آخر‪:‬‬
‫نحن بني ضبة أصحاب الجمل‬
‫فنصهب على المدح‪ .‬وأمهها الذم فقوله تعالى‪" :‬ملعونيهن أينمهها ثقفوا" [الحزاب‪ ]61 :‬اليههة‪ .‬وقال‬
‫عروة بن الورد‪:‬‬
‫عداة ال من كذب وزور‬ ‫سقوني الخمر ثم تكنفوني‬
‫وهذا مهيهع فهي النعوت‪ ،‬ل مطعهن فيهه مهن جههة العراب‪ ،‬موجود فهي كلم العرب كمها بينها‪.‬‬
‫وقال بعههض مههن تعسههف فههي كلمههه‪ :‬إن هذا غلط مههن الكتاب حيههن كتبوا مصههحف المام‪ ،‬قال‪:‬‬
‫والدليل على ذلك ما روي عن عثمان أنه نظر في المصحف فقال‪ :‬أرى فيه لحنا وستقيمه العرب‬
‫بألسهنتها‪ .‬وهكذا قال فهي سهورة النسهاء "والمقيميهن الصهلة" [النسهاء‪ ،]162 :‬وفهي سهورة المائدة‬
‫"والصهابئون" [المائدة‪ .]69 :‬والجواب مها ذكرناه‪ .‬وقيهل‪" :‬الموفون" رفهع على البتداء والخهبر‬
‫محذوف‪ ،‬تقديره وهههم الموفون‪ .‬وقال الكسههائي‪" :‬والصهابرين" عطههف على "ذوي القربههى" كأنهه‬
‫قال‪ :‬وآتهى الصهابرين‪ .‬قال النحاس‪" :‬وهذا القول خطهأ وغلط بيهن‪ ،‬لنهك إذا نصهبت "والصهابرين"‬
‫ونسهقته على "ذوي القربهى" دخهل فهي صهلة "مهن" وإذا رفعهت "والموفون" على أنهه نسهق على‬
‫"من" فقد نسقت على "من" من قبل أن تتم الصلة‪ ،‬وفرقت بين الصلة والموصول بالمعطوف"‪.‬‬
‫وقال الكسائي‪ :‬وفي قراءة عبدال "والموفين‪ ،‬والصابرين"‪ .‬وقال النحاس‪" :‬يكونان منسوقين على‬
‫"ذوي القربهى" أو على المدح‪ .‬قال الفراء‪ :‬وفهي قراءة عبدال فهي النسهاء "والمقيميهن الصهلة‬
‫والمؤتون الزكاة" [النسههاء‪ .]162 :‬وقرأ يعقوب والعمههش "والموفون والصههابرون" بالرفههع‬
‫فيهمهها‪ .‬وقرأ الجحدري "بعهودهههم"‪ .‬وقههد قيههل‪ :‬إن "والموفون" عطههف على الضميههر الذي فههي‬
‫"آمهن"‪ .‬وأنكره أبهو علي وقال‪ :‬ليهس المعنهى عليهه‪ ،‬إذ ليهس المراد أن البر بر مهن آمهن بالّ ههو‬
‫والموفون‪ ،‬أي آمنهها جميعهها‪ .‬كمهها تقول‪ :‬الشجاع مههن أقدم ههو وعمرو‪ ،‬وإنمهها الذي بعههد قوله "مههن‬
‫آمن" تعداد لفعال من آمن وأوصافهم‪.‬‬
‫@ قال علماؤنها‪ :‬هذه آيهة عظيمهة مهن أمهات الحكام‪ ،‬لنهها تضمنهت سهت عشرة قاعدة‪ :‬اليمان‬
‫بال وبأسههمائه وصههفاته ‪ -‬وقههد أتينهها عليههها فههي "الكتاب السههنى" ‪ -‬والنشههر والحشههر والميزان‬
‫والصهراط والحوض والشفاعهة والجنهة والنار ‪ -‬وقهد أتينها عليهها فهي كتاب "التذكرة" ‪ -‬والملئكهة‬
‫والكتهب المنزلة وأنهها حهق مهن عنهد ال ‪ -‬كمها تقدم ‪ -‬والنهبيين وإنفاق المال فيمها يعهن مهن الواجهب‬
‫والمندوب وإيصال القرابة وترك قطعهم وتفقد اليتيم وعدم إهماله والمساكين كذلك‪ ،‬ومراعاة ابن‬
‫السههبيل ‪ -‬قيههل المنقطههع بهه‪ ،‬وقيههل‪ :‬الضيههف ‪ -‬والسههؤال وفههك الرقاب‪ .‬وسههيأتي بيان هذا فههي آيهة‬
‫الصدقات‪ ،‬والمحافظة على الصلة وإيتاء الزكاة والوفاء بالعهود والصبر في الشدائد‪ .‬وكل قاعدة‬
‫مههن هذه القواعههد تحتاج إلى كتاب‪ .‬وتقدم التنههبيه على أكثرههها‪ ،‬ويأتههي بيان باقيههها بمهها فيههها فههي‬
‫موضعها إن شاء ال تعالى‪.‬‬
‫@قوله تعالى‪" :‬أولئك الذيهن صهدقوا وأولئك ههم المتقون" وصهفهم بالصهدق والتقوى فهي أمورههم‬
‫والوفاء بههها‪ ،‬وأنهههم كانوا جاديههن فههي الديههن‪ ،‬وهذا غايههة الثناء‪ .‬والصههدق‪ :‬خلف الكذب ويقال‪:‬‬
‫صدقوهم القتال‪ .‬والصديق‪ :‬الملزم للصدق‪ ،‬وفي الحديث‪( :‬عليكم بالصدق فإن الصدق يهدي إلى‬
‫البر وإن البر يهدي إلى الجنههة ومهها يزال الرجههل يصههدق ويتحرى الصههدق حتههى يكتههب عنههد الّ‬
‫صديقا)‪.‬‬
‫*‪*3‬الية‪{ 178 :‬يا أيها الذين آمنوا كتب عليكم القصاص في القتلى الحر بالحر والعبد بالعبد‬
‫والنثى بالنثى فمن عفي له من أخيه شيء فاتباع بالمعروف وأداء إليه بإحسان ذلك تخفيف من‬
‫ربكم ورحمة فمن اعتدى بعد ذلك فله عذاب أليم}‬
‫@ روى البخاري والنسائي والدارقطني عن ابن عباس قال‪" :‬كان في بني إسرائيل القصاص ولم‬
‫تكهن فيههم الديهة‪ ،‬فقال الّ لهذه المهة‪" :‬كتهب عليكهم القصهاص فهي القتلى الحهر بالحهر والعبهد بالعبهد‬
‫والنثهى بالنثهى فمهن عفهي له مهن أخيهه شيهء" فالعفهو أن يقبهل الديهة فهي العمهد "فاتباع بالمعروف‬
‫وأداء إليهه بإحسهان" يتبهع بالمعروف ويؤدي بإحسهان "ذلك تخفيهف مهن ربكهم ورحمهة" ممها كتهب‬
‫على من كان قبلكم "فمن اعتدى بعد ذلك فله عذاب أليم" قتل بعد قبول الدية"‪ .‬هذا لفظ البخاري‪:‬‬
‫حدثنها الحميدي حدثنها سهفيان حدثنها عمرو قال سهمعت مجاهدا قال سهمعت ابهن عباس يقول‪ :‬وقال‬
‫الشعهبي فهي قوله تعالى‪" :‬الحهر بالحهر والعبهد بالعبهد والنثهى بالنثهى" قال‪ :‬أنزلت فهي قهبيلتين مهن‬
‫قبائل العرب اقتتلتا فقالوا‪ ،‬نقبل بعبدنا فلن بن فلن‪ ،‬وبأمتنا فلنة بنت فلن‪ ،‬ونحوه عن قتادة‪.‬‬
‫@قوله تعالى‪" :‬كتهب عليكهم القصهاص" "كتهب" معناه فرض وأثبهت‪ ،‬ومنهه قول عمهر بهن أبهي‬
‫ربيعة‪:‬‬
‫وعلى الغانيات جر الذيول‬ ‫كتب القتل والقتال علينا‬
‫وقد قيل‪ :‬إن "كتب" هنا إخبار عما كتب في اللوح المحفوظ وسبق به القضاء‪ .‬والقصاص مأخوذ‬
‫من قص الثر وهو اتباعه‪ ،‬ومنه القاص لنه يتبع الثار والخبار‪ .‬وقص الشعر اتباع أثره‪ ،‬فكأن‬
‫القاتل سلك طريقا من القتل فقص أثره فيها ومشى على سبيله في ذلك‪ ،‬ومنه "فارتدا على آثارهما‬
‫قصصا" [الكهف‪ .]64 :‬وقيل‪ :‬القص القطع‪ ،‬يقال‪ :‬قصصت ما بينهما‪ .‬ومنه أخذ القصاص‪ ،‬لنه‬
‫يجرحه مثل جرحه أو يقتله به‪ ،‬يقال‪ :‬أقص الحاكم فلنا من فلن وأباءه به فأمثله فامتثل منه‪ ،‬أي‬
‫اقتص منه‪.‬‬
‫@ صورة القصاص هو أن القاتل فرض عليه إذا أراد الولي القتل الستسلم لمر الّ والنقياد‬
‫لقصاصه المشروع‪ ،‬وأن الولي فرض عليه الوقوف عند قاتل وليه وترك التعدي على غيره‪ ،‬كما‬
‫كانت العرب تتعدى فتقتل غير القاتل‪ ،‬وهو معنى قوله عليه السلم‪( :‬إن من أعتى الناس على الّ‬
‫يوم القيامهة ثلثهة رجهل قتهل غيهر قاتله ورجهل قتهل فهي الحرم ورجهل أخهذ بذحول الجاهليهة)‪ .‬قال‬
‫الشعبي وقتادة وغيرهما‪ :‬إن أهل الجاهلية كان فيهم بغي وطاعة للشيطان‪ ،‬فكان الحي إذا كان فيه‬
‫عهز ومنعهة فقتهل لههم عبهد‪ ،‬قتله عبهد قوم آخريهن قالوا‪ :‬ل نقتهل بهه إل حرا‪ ،‬وإذا قتلت منههم امرأة‬
‫قالوا‪ :‬ل نقتل بها إل رجل‪ ،‬وإذا قتل لهم وضيع قالوا‪ :‬ل نقتل به إل شريفا‪ ،‬ويقولون‪[ :‬القتل أوقى‬
‫للقتل] بالواو والقاف‪ ،‬ويروي [أبقى] بالباء والقاف‪ ،‬ويروى [أنفى] بالنون والفاء‪ ،‬فنهاهم الّ عن‬
‫البغهي فقال‪" :‬كتهب عليكهم القصهاص فهي القتلى الحهر بالحهر والعبهد بالعبهد" اليهة‪ ،‬وقال "ولكهم فهي‬
‫القصاص حياة" [البقرة‪ .]179 :‬وبين الكلمين في الفصاحة والجزل بون عظيم‪.‬‬
‫@ل خلف أن القصهاص فهي القتهل ل يقيمهه إل أولو المهر‪ ،‬فرض عليههم النهوض بالقصهاص‬
‫وإقامة الحدود وغير ذلك‪ ،‬لن الّ سبحانه خاطب جميع المؤمنين بالقصاص‪ ،‬ثم ل يتهيأ للمؤمنين‬
‫جميعها أن يجتمعوا على القصهاص‪ ،‬فأقاموا السهلطان مقام أنفسههم فهي إقامهة القصهاص وغيره مهن‬
‫الحدود‪ .‬وليهس القصهاص بلزم إنمها اللزم أل يتجاوز القصهاص وغيره مهن الحدود إلى العتداء‪،‬‬
‫فأما إذا وقع الرضا بدون القصاص من دية أو عفو فذلك مباح‪ ،‬على ما يأتي بيانه‪ .‬فإن قيل‪ :‬فإن‬
‫قوله تعالى "كتهب عليكهم" معناه فرض وألزم‪ ،‬فكيهف يكون القصهاص غيهر واجهب؟ قيهل له‪ :‬معناه‬
‫إذا أردتههم‪ ،‬فأعلم أن القصههاص هههو الغايههة عنههد التشاح‪ .‬والقتلى جمههع قتيههل‪ ،‬لفههظ مؤنههث تأنيههث‬
‫الجماعهة‪ ،‬وههو ممها يدخهل على الناس كرهها‪ ،‬فلذلك جاء على هذا البناء كجرحهى وزمنهى وحمقهى‬
‫وصرعى وغرقى‪ ،‬وشبههن‪.‬‬
‫@قوله تعالى‪" :‬الحر بالحر والعبد بالعبد والنثى بالنثى" الية‪ .‬اختلف في تأويلها‪ ،‬فقالت طائفة‪:‬‬
‫جاءت اليهة مبينهة لحكهم النوع إذا قتهل نوعهه‪ ،‬فهبينت حكهم الحهر إذا قتهل حرا‪ ،‬والعبهد إذا قتهل عبدا‪،‬‬
‫والنثى إذا قتلت أنثى‪ ،‬ولم تتعرض لحد النوعين إذا قتل الخر‪ ،‬فالية محكمة وفيها إجمال يبينه‬
‫قوله تعالى‪" :‬وكتبنها عليههم فيهها أن النفهس بالنفهس" [المائدة‪ ،]45 :‬وبينهه النهبي صهلى الّ عليهه‬
‫وسلم بسنته لما قتل اليهودي بالمرأة‪ ،‬قاله مجاهد‪ ،‬وذكره أبو عبيد عن ابن عباس‪ .‬وروي عن ابن‬
‫عباس أيضا أنها منسوخة بآية "المائدة" وهو قول أهل العراق‪.‬‬
‫@ قال الكوفيون والثوري‪ :‬يقتهل الحهر بالعبهد‪ ،‬والمسهلم بالذمهي‪ ،‬واحتجوا بقوله تعالى‪" :‬يها أيهها‬
‫الذيهن آمنوا كتهب عليكهم القصهاص فهي القتلى" فعهم‪ ،‬وقوله‪" :‬وكتبها عليههم فيهها أن النفهس بالنفهس"‬
‫[المائدة‪ ،]45 :‬قالوا‪ :‬والذمهي مهع المسهلم متسهاويان فهي الحرمهة التهي تكفهي فهي القصهاص وههي‬
‫حرمهة الدم الثابتهة على التأبيهد‪ ،‬فإن الذمهي محقون الدم على التأبيهد‪ ،‬والمسهلم كذلك‪ ،‬وكلهمها قهد‬
‫صهار مهن أههل دار السهلم‪ ،‬والذي يحقهق ذلك أن المسهلم يقطهع بسهرقة مال الذمهي‪ ،‬وهذا يدل على‬
‫أن مال الذمهي قهد سهاوى مال المسهلم‪ ،‬فدل على مسهاواته لدمهه إذ المال إنمها يحرم بحرمهة مالكهه‪.‬‬
‫واتفهق أبهو حنيفهة وأصهحابه والثوري وابهن أبهي ليلى على أن الحهر يقتهل بالعبهد كمها يقتهل العبهد بهه‪،‬‬
‫وههو قول داود‪ ،‬وروي ذلك عهن علي وابهن مسهعود رضهي الّ عنهمها‪ ،‬وبهه قال سهعيد بهن المسهيب‬
‫وقتادة وإبراهيهم النخعهي والحكهم بهن عيينهة‪ .‬والجمهور مهن العلماء ل يقتلون الحهر بالعبهد‪ ،‬للتنويهع‬
‫والتقسيم في الية‪ .‬وقال أبو ثور‪ :‬لما اتفق جميعهم على أنه ل قصاص بين العبيد والحرار فيما‬
‫دون النفوس كانههت النفوس أحرى بذلك‪ ،‬ومهن فرق منههم بيهن ذلك فقهد ناقههض‪ .‬وأيضهها فالجماع‬
‫فيمهن قتهل عبدا خطهأ أنهه ليهس عليهه إل القيمهة‪ ،‬فكمها لم يشبهه الحهر فهي الخطهأ لم يشبههه فهي العمهد‪.‬‬
‫وأيضها فإن العبهد سهلعة مهن السهلع يباع ويشترى‪ ،‬ويتصهرف فيهه الحهر كيهف شاء‪ ،‬فل مسهاواة بينهه‬
‫وبين الحر ول مقاومة‪.‬‬
‫قلت‪ :‬هذا الجماع صهحيح‪ ،‬وأمها قوله أول‪" :‬ولمها اتفهق جميعههم ‪ -‬إلى قوله ‪ -‬فقهد ناقهض" فقهد‬
‫قال ابن أبي ليلى وداود بالقصاص بين الحرار والعبيد في النفس وفي جميع العضاء‪ ،‬واستدل‬
‫داود بقوله عليهه السهلم‪( :‬المسهلمون تتكافهأ دماؤههم) فلم يفرق بيهن حهر وعبهد‪ .‬وسهيأتي بيانهه فهي‬
‫ل تعالى‪.‬‬
‫"النساء" إن شاء ا ّ‬
‫@ والجمهور أيضها على أنهه ل يقتهل مسهلم بكافهر‪ ،‬لقوله صهلى الّ عليهه وسهلم‪( :‬ل يقتهل مسهلم‬
‫بكافر) أخرجه البخاري عن علي بن أبي طالب‪ .‬ول يصح لهم ما رووه من حديث ربيعة أن النبي‬
‫صهلى الّ عليهه وسهلم قتهل يوم خيهبر مسهلما بكافهر‪ ،‬لنهه منقطهع‪ ،‬ومهن حديهث ابهن البيلمانهي وههو‬
‫ضعيهف عهن ابهن عمهر عهن النهبي صهلى الّ عليهه وسهلم مرفوعها‪ .‬قال الدارقطنهي‪" :‬لم يسهنده غيهر‬
‫إبراهيهم بهن أبهي يحيهى وههو متروك الحديهث‪ .‬والصهواب عهن ربيعهة عهن ابهن البيلمانهي مرسهل عهن‬
‫النهبي صهلى الّ عليهه وسهلم‪ ،‬وابهن البيلمانهي ضعيهف الحديهث ل تقوم بهه حجهة إذا وصهل الحديهث‪،‬‬
‫فكيف بما يرسله"‪.‬‬
‫قلت‪ :‬فل يصهح فهي الباب إل حديهث البخاري‪ ،‬وههو يخصهص عموم قوله تعالى‪" :‬كتهب عليكهم‬
‫القصاص في القتلى" الية‪ ،‬وعموم قوله‪" :‬النفس بالنفس" [المائدة‪.]45 :‬‬
‫@ روي عهن علي بهن أبهي طالب والحسهن بهن أبهي الحسهن البصهري أن اليهة نزلت مبينهة حكهم‬
‫المذكورين‪ ،‬ليدل ذلك على الفرق بينهم وبين أن يقتل حر عبدا أو عبد حرا‪ ،‬أو ذكر أنثى أو أنثى‬
‫ذكرا‪ ،‬وقال‪ :‬إذا قتل رجل امرأة فإن أراد أولياؤها قتلوا صاحبهم ووفوا أولياءه نصف الدية‪ ،‬وإن‬
‫أرادوا اسهههتحيوه وأخذوا منهههه ديهههة المرأة‪ .‬وإذا قتلت امرأة رجل فإن أراد أولياؤه قتلهههها قتلوهههها‬
‫وأخذوا نصف الدية‪ ،‬وإل أخذوا دية صاحبهم واستحيوها‪ .‬روى هذا الشعبي عن علي‪ ،‬ول يصح‪،‬‬
‫لن الشعبي لم يلق عليا‪ .‬وقد روى الحكم عن علي وعبدال قال‪ :‬إذا قتل الرجل المرأة متعمدا فهو‬
‫بهها قود‪ ،‬وهذا يعارض روايهة الشعهبي عهن علي‪ .‬وأجمهع العلماء على أن العور والشهل إذا قتهل‬
‫رجل سهالم العضاء أنهه ليهس لوليهه أن يقتهل العور‪ ،‬ويأخهذ منهه نصهف الديهة مهن أجهل أنهه قتهل ذا‬
‫عينين وهو أعور‪ ،‬وقتل ذا يدين وهو أشل‪ ،‬فهذا يدل على أن النفس مكافئة للنفس‪ ،‬ويكافئ الطفل‬
‫فيها الكبير‪.‬‬
‫ويقال لقائل ذلك‪ :‬إن كان الرجههل ل تكافئه المرأة ول تدخههل تحههت قول النههبي صههلى الّ عليههه‬
‫وسههلم‪( :‬المسههلمون تتكافههأ دماؤهههم) فلم قتلت الرجههل بههها وهههي ل تكافئه ثههم تأخههذ نصههف الديههة‪،‬‬
‫والعلماء قههد أجمعوا أن الديههة ل تجتمههع مههع القصههاص‪ ،‬وأن الديههة إذا قبلت حرم الدم وارتفههع‬
‫القصهاص‪ ،‬فليهس قولك هذا بأصهل ول قياس‪ ،‬قاله أبهو عمهر رضهي الّ عنهه‪ .‬وإذا قتهل الحهر العبهد‪،‬‬
‫فإن أراد سهيد العبهد قتهل وأعطهى ديهة الحهر إل قيمهة العبهد‪ ،‬وإن شاء اسهتحيا وأخهذ قيمهة العبهد‪ ،‬هذا‬
‫مذكور عن‪ ،‬علي والحسن‪ ،‬وقد أنكر ذلك عنهم أيضا‪.‬‬
‫@ وأجمع العلماء على قتل الرجل بالمرأة والمرأة بالرجل‪ ،‬والجمهور ل يرون الرجوع بشيء‪.‬‬
‫وفرقة ترى التباع بفضل الديات‪ .‬قال مالك والشافعي وأحمد وإسحاق والثوري وأبو ثور‪ :‬وكذلك‬
‫القصهاص بينهمها فيمها دون النفهس‪ .‬وقال حماد بهن أبهي سهليمان وأبهو حنيفهة‪ :‬ل قصهاص بينهمها فيمها‬
‫دون النفهس وإنمها ههو فهي النفهس بالنفههس‪ ،‬وهمهها محجوجان بإلحاق مهها دون النفههس بالنفهس على‬
‫طريق الحرى والولى‪ ،‬على ما تقدم‪.‬‬
‫قال ابن العربهي‪ :‬ولقد بلغت الجهالة بأقوام إلى أن قالوا‪ :‬يقتل الحهر بعبد نفسه‪ ،‬ورووا في ذلك‬
‫ل صهلى الّ عليهه وسهلم قال‪( :‬مهن قتهل عبده قتلناه) وههو‬ ‫حديثها عهن الحسهن عهن سهمرة أن رسهول ا ّ‬
‫حديهث ضعيهف‪ .‬ودليلنها قوله تعالى‪" :‬ومهن قتهل مظلومها فقهد جعلنها لوليهه سهلطانا فل يسهرف فهي‬
‫القتل" [السراء‪ ]33 :‬والولي ههنا السيد‪ ،‬فكيف يجعل له سلطان على نفسه"‪ .‬وقد اتفق الجميع‬
‫على أن السيد لو قتل عبده خطأ أنه ل تؤخذ منه قيمته لبيت المال‪ ،‬وقد روى عمرو بن شعيب عن‬
‫أبيهه عهن جده أن رجل قتهل عبده متعمدا فجلده النهبي صهلى ال عليهه وسهلم (ونفاه سهنة ومحها سههمه‬
‫من المسلمين ولم يقده به)‪.‬‬
‫فإن قيههل‪ :‬فإذا قتههل الرجههل زوجتههه لم لم تقولوا‪ :‬ينصههب النكاح شبهههة فههي درء القصههاص عهن‬
‫الزوج‪ ،‬إذ النكاح ضرب مهن الرق‪ ،‬وقهد قال ذلك الليهث بهن سهعد‪ .‬قلنها‪ :‬النكاح ينعقهد لهها عليهه‪ ،‬كمها‬
‫ينعقهد له عليهها‪ ،‬بدليهل أنهه ل يتزوج أختهها ول أربعها سهواها‪ ،‬وتطالبهه فهي حهق الوطهء بمها يطالبهها‪،‬‬
‫ولكهن له عليهها فضهل القوامهة التهي جعهل الّ له عليهها بمها أنفهق مهن ماله‪ ،‬أي بمها وجهب عليهه مهن‬
‫صداق ونفقة‪ ،‬فلو أورث شبهة لورثها في الجانبين‪.‬‬
‫قلت‪ :‬هذا الحديهث الذي ضعفهه ابهن العربهي وههو صهحيح‪ ،‬أخرجهه النسهائي وأبهو داود‪ ،‬وتتميهم‬
‫متنهه‪( :‬ومهن جدعهه جدعناه ومهن أخصهاه أخصهيناه)‪ .‬وقال البخاري عهن علي بهن المدينهي‪ :‬سهماع‬
‫الحسههن مههن سههمرة صههحيح‪ ،‬وأخههذ بهذا الحديههث‪ .‬وقال البخاري‪ :‬وأنهها أذهههب إليههه‪ ،‬فلو لم يصههح‬
‫الحديث لما ذهب إليه هذان المامان‪ ،‬وحسبك بهما‪ .‬ويقتل الحر بعبد نفسه‪ .‬قال النخعي والثوري‬
‫فهي أحهد قوليهه وقهد قيهل‪ :‬إن الحسهن لم يسهمع مهن سهمرة إل حديهث العقيقهة‪ ،‬والّ أعلم‪ .‬واختلفوا فهي‬
‫القصهاص بيهن العبيهد فيمها دون النفهس‪ ،‬هذا قول عمهر بهن عبدالعزيهز وسهالم بهن عبدال والزهري‬
‫وقران ومالك والشافعي وأبو ثور‪ .‬وقال الشعبي والنخعي والثوري وأبو حنيفة‪ :‬ل قصاص بينهم‬
‫إل في النفس‪ .‬قال ابن المنذر‪ :‬الول أصح‪.‬‬
‫@ روى الدارقطني وأبو عيسى الترمذي عن سراقة بن مالك قال‪ :‬حضرت رسول الّ صلى الّ‬
‫عليهه وسهلم يقيهد الب مهن ابنهه‪ ،‬ول يقيهد البهن مهن أبيهه‪ .‬قال أبهو عيسهى‪" :‬هذا حديهث ل نعرفهه مهن‬
‫حديهث سهراقة إل من هذا الوجهه‪ ،‬وليهس إسهناده بصهحيح‪ ،‬رواه إسهماعيل بن عياش عهن المثنهى بهن‬
‫الصهباح‪ ،‬والمثنهى يضعهف فهي الحديهث‪ ،‬وقهد روى هذا الحديهث أبهو خالد الحمهر عهن الحجاج عهن‬
‫عمرو بهن شعيهب عهن أبيهه عهن جده عهن عمهر عهن النهبي صهلى الّ عليهه وسهلم‪ .‬وقهد روي هذا‬
‫الحديهث عهن عمرو بهن شعيهب مرسهل‪ ،‬وهذا الحديهث فيهه اضطراب‪ ،‬والعمهل على هذا عنهد أههل‬
‫العلم أن الب إذا قتهل ابنهه ل يقتهل بهه‪ ،‬وإذا قذفهه ل يحهد"‪ .‬وقال ابهن المنذر‪ :‬اختلف أههل العلم فهي‬
‫الرجل يقتل ابنه عمدا‪ ،‬فقالت طائفة‪ :‬ل قود عليه وعليه ديته‪ ،‬وهذا قول الشافعي وأحمد وإسحاق‬
‫وأصحاب الرأي‪ ،‬وروي ذلك عن عطاء ومجاهد‪ .‬وقال مالك وابن نافع وابن عبدالحكم‪ :‬يقتل به‪.‬‬
‫وقال ابن المنذر‪ :‬وبهذا نقول لظاهر الكتاب والسنة‪ ،‬فأما ظاهر الكتاب فقوله تعالى‪" :‬كتب عليكم‬
‫ل صهلى الّ عليهه وسهلم‪:‬‬ ‫القصهاص فهي القتلى الحهر بالحهر والعبهد بالعبهد"‪ ،‬والثابهت عهن رسهول ا ّ‬
‫(المؤمنون تتكافأ دماؤهم) ول نعلم خبرا ثابتا يجب به استثناء الب من جملة الية‪ ،‬وقد روينا فيه‬
‫أخبارا غيهر ثابتهة‪ .‬وحكهى الكيها الطهبري عهن عثمان البتهي أنهه يقتهل الوالد بولده‪ ،‬للعمومات فهي‬
‫القصاص‪ .‬وروي مثل ذلك عن مالك‪ ،‬ولعلهما ل يقبلن أخبار الحاد في مقابلة عمومات القرآن‪.‬‬
‫قلت‪ :‬ل خلف فههي مذههب مالك أنهه إذا قتهل الرجهل ابنههه متعمدا مثهل أن يضجعهه ويذبحهه أو‬
‫يصههبره ممهها ل عذر له فيههه ول شبهههة فههي ادعاء الخطههأ‪ ،‬أنههه يقتههل بههه قول واحدا‪ .‬فأمهها إن رماه‬
‫بالسهلح أدبها أو حنقها فقتله‪ ،‬ففيهه فهي المذههب قولن‪ :‬يقتهل بهه‪ ،‬ول يقتهل بهه وتغلظ الديهة‪ ،‬وبهه قال‬
‫جماعة العلماء‪ .‬ويقتل الجنبي بمثل هذا‪ .‬ابن العربي‪" :‬سمعت شيخنا فخر السلم الشاشي يقول‬
‫فهي النظهر‪ :‬ل يقتهل الب بابنهه‪ ،‬لن الب كان سهبب وجوده‪ ،‬فكيهف يكون ههو سهبب عدمهه؟ وهذا‬
‫يبطل بما إذا زنى بابنته فإنه يرجم‪ ،‬وكان سبب وجودها وتكون هي سبب عدمه‪ ،‬ثم أي فقه تحت‬
‫ل صهلى الّ‬ ‫ل تعالى فهي ذلك‪ .‬وقهد أثروا عهن رسهول ا ّ‬ ‫هذا‪ ،‬ولم ل يكون سهبب عدمهه إذا عصهى ا ّ‬
‫عليهه وسهلم أنهه قال‪( :‬ل يقاد الوالد بولده) وههو حديهث باطهل‪ ،‬ومتعلقههم أن عمهر رضهي الّ عنهه‬
‫قضهى بالديهة مغلظهة في قاتهل ابنهه ولم ينكهر أحد من الصهحابة عليه‪ ،‬فأخذ سائر الفقهاء رضي الّ‬
‫عنهم المسألة مسجلة‪ ،‬وقالوا‪ :‬ل يقتل الوالد بولده‪ ،‬وأخذها مالك محكمة مفصلة فقال‪ :‬إنه لو حذفه‬
‫بالسهيف وهذه حالة محتملة لقصهد القتهل وعدمهه‪ ،‬وشفقهة البوة شبههة منتصهبة شاهدة بعدم القصهد‬
‫إلى القتهل تسهقط القود‪ ،‬فإذا أضجعهه كشهف الغطاء عهن قصهده فالتحهق بأصهله"‪ .‬قال ابهن المنذر‪:‬‬
‫وكان مالك والشافعي وأحمد وإسحاق يقولون‪ :‬إذا قتل البن الب قتل به‪.‬‬
‫@ وقد استدل المام أحمد بن حنبل بهذه الية على قوله‪ :‬ل تقتل الجماعة بالواحد‪ ،‬قال‪ :‬لن الّ‬
‫سهبحانه شرط المسهاواة ول مسهاواة بيهن الجماعهة والواحهد‪ .‬وقهد قال تعالى‪" :‬وكتبنها عليههم فيهها أن‬
‫النفس بالنفس والعين بالعين" [المائدة‪ .]45 :‬والجواب أن المراد بالقصاص في الية قتل من قتل‬
‫كائنها مهن كان‪ ،‬ردا على العرب التهي كانهت تريهد أن تقتهل بمهن قتهل مهن لم يقتهل‪ ،‬وتقتهل فهي مقابلة‬
‫ل سهبحانه بالعدل والمسهاواة‪ ،‬وذلك بأن‬ ‫الواحهد مائة‪ ،‬افتخارا واسهتظهارا بالجاه والمقدرة‪ ،‬فأمهر ا ّ‬
‫يقتل من قتل‪ ،‬وقد قتل عمر رضي الّ عنه سبعة برجل بصنعاء وقال‪ :‬لو تمال عليه أهل صنعاء‬
‫لقتلتهم به جميعا‪ .‬وقتل علي رضي الّ عنه الحرورية عبدالّ بن خباب فإنه توقف عن قتالهم حتى‬
‫ل أكهبر نادوههم أن‬‫يحدثوا‪ ،‬فلمها ذبحوا عبدال بهن خباب كمها تذبهح الشاة‪ ،‬وأخهبر علي بذلك قال‪( :‬ا ّ‬
‫أخرجوا إلينها قاتهل عبدال بهن خباب‪ ،‬فقالوا‪ :‬كلنها قتله‪ ،‬ثلث مرات‪ ،‬فقال علي لصهحابه‪ :‬دونكهم‬
‫القوم‪ ،‬فمها لبهث أن قتلههم علي وأصهحابه) خرج الحديثيهن الدارقطنهي فهي سهننه‪ .‬وفهي الترمذي عهن‬
‫أبي سعيد وأبي هريرة عن رسول الّ صلى الّ عليه وسلم قال‪( :‬لو أن أهل السماء وأهل الرض‬
‫اشتركوا في دم مؤمن لكبهم الّ في النار)‪ .‬وقال فيه‪ :‬حديث غريب‪ .‬وأيضا فلو علم الجماعة أنهم‬
‫إذا قتلوا الواحهد لم يقتلوا لتعاون العداء على قتهل أعدائههم بالشتراك فهي قتلههم وبلغوا المهل مهن‬
‫التشفهي‪ ،‬ومراعاة هذه القاعدة أولى مهن مراعاة اللفاظ والّ أعلم‪ .‬وقال ابهن المنذر‪ :‬وقال الزهري‬
‫وحبيب بن أبي ثابت وابن سيرين‪ :‬ل يقتل اثنان بواحد‪ .‬روينا ذلك عن معاذ بن جبل وابن الزبير‬
‫وعبدالملك‪ ،‬قال ابهن المنذر‪ :‬وهذا أصهح‪ ،‬ول حجهة مهع مهن أباح قتهل جماعهة بواحهد‪ .‬وقهد ثبهت عهن‬
‫ابن الزبير ما ذكرناه‪.‬‬
‫@ روى الئمة عن أبي شريح الكعبي قال قال رسول الّ صلى الّ عليه وسلم‪( :‬أل إنكم معشر‬
‫خزاعهة قتلتهم هذا القتيهل مهن هذيهل وإنهي عاقله فمهن قتهل له بعهد مقالتهي هذه قتيهل فأهله بيهن خيرتيهن‬
‫أن يأخذوا العقهل أو يقتلوا)‪ ،‬لفهظ أبهي داود‪ .‬وقال الترمذي‪ :‬حديهث حسهن صهحيح‪ .‬وروي عهن أبهي‬
‫شريح الخزاعي عن النبي صلى الّ عليه وسلم قال‪( :‬من قتل له قتيل فله أن يقتل أو يعفو أو يأخذ‬
‫الدية)‪ .‬وذهب إلى هذا بعض أهل العلم‪ ،‬وهو قول أحمد وإسحاق‪.‬‬
‫@ اختلف أههل العلم فهي أخهذ الديهة مهن قاتهل العمهد‪ ،‬فقالت طائفهة‪ :‬ولي المقتول بالخيار إن شاء‬
‫اقتص وإن شاء أخذ الدية وإن لم يرض القاتل‪ .‬يروى هذا عن سعيد بن المسيب وعطاء والحسن‪،‬‬
‫ورواه أشهب عن مالك‪ ،‬وبه قال الليث والوزاعي والشافعي وأحمد وإسحاق وأبو ثور‪ .‬وحجتهم‬
‫حديهث أبهي شريهح ومها كان فهي معناه‪ ،‬وههو نهص فهي موضهع الخلف‪ ،‬وأيضها مهن طريهق النظهر‬
‫ل تعالى‪" :‬ول تقتلوا‬ ‫فإنمهها لزمتههه الديههة بغيههر رضاه‪ ،‬لن فرضهها عليههه إحياء نفسههه‪ ،‬وقههد قال ا ّ‬
‫أنفسكم" [النساء‪ .]29 :‬وقوله‪" :‬فمن عفي له من أخيه شيء" أي ترك له دمه في أحد التأويلت‪،‬‬
‫ورضي منه بالدية "فاتباع بالمعروف" أي فعلى صاحب الدم اتباع بالمعروف في المطالبة بالدية‪،‬‬
‫وعلى القاتهل أداء إليهه بإحسهان‪ ،‬أي مهن غيهر مماطلة وتأخيهر عهن الوقهت "ذلك تخفيهف مهن ربكهم‬
‫ورحمة" أي أن من كان قبلنا لم يفرض الّ عليهم غير النفس بالنفس‪ ،‬فتفضل الّ على هذه المة‬
‫بالدية إذا رضي بها ولي الدم‪ ،‬على ما يأتي بيانه‪ .‬وقال آخرون‪ :‬ليس لولي المقتول إل القصاص‪،‬‬
‫ول يأخههذ الديههة إل إذا رضههي القاتههل‪ ،‬رواه ابههن القاسههم عههن مالك وهههو المشهور عنههه‪ ،‬وبههه قال‬
‫الثوري والكوفيون‪ .‬واحتجوا بحديهث أنهس فهي قصهة الربيهع حيهن كسهرت ثنيهة المرأة‪ ،‬رواه الئمهة‬
‫قالوا‪ :‬فلما حكم رسول الّ صلى الّ عليه وسلم بالقصاص وقال‪( :‬القصاص كتاب الّ‪ ،‬القصاص‬
‫كتاب الّ) ولم يخيهر المجنهي عليهه بيهن القصهاص والديهة ثبهت بذلك أن الذي يجهب بكتاب الّ وسهنة‬
‫رسهوله فهي العمهد ههو القصهاص‪ ،‬والول أصهح‪ ،‬لحديهث أبهي شريهح المذكور‪ .‬وروى الربيهع عهن‬
‫الشافعهي قال‪ :‬أخهبرني أبهو حنيفهة بهن سهماك بهن الفضهل الشهابهي قال‪ :‬وحدثنهي ابهن أبهي ذئب عهن‬
‫ل صلى الّ عليه وسلم قال عام الفتح‪( :‬من قتل له قتيل‬ ‫المقبري عن أبي شريح الكعبي أن رسول ا ّ‬
‫فهو بخير النظرين إن أحب أخذ العقل وإن أحب فله القود)‪ .‬فقال أبو حنيفة‪ :‬فقلت لبن أبي ذئب‪:‬‬
‫أتأخهذ بهذا يها أبها الحارث فضرب صهدري وصهاح علي صهياحا كثيرا ونال منهي وقال‪ :‬أحدثهك عن‬
‫رسول الّ صلى الّ عليه وسلم وتقول‪ :‬تأخذ به نعم آخذ به‪ ،‬وذلك الفرض علي وعلى من سمعه‪،‬‬
‫إن الّ عز وجل ثناؤه اختار محمدا صلى الّ عليه وسلم من الناس فهداهم به وعلى يديه‪ ،‬واختار‬
‫لهههم مهها اختاره له وعلى لسههانه‪ ،‬فعلى الخلق أن يتبعوه طائعيههن أو داخريهن‪ ،‬ل مخرج لمسهلم مهن‬
‫ذلك‪ ،‬قال‪ :‬وما سكت عني حتى تمنيت أن يسكت‪.‬‬
‫@قوله تعالى‪" :‬فمن عفي له من أخيه شيء فاتباع بالمعروف وأداء إليه بإحسان" اختلف العلماء‬
‫في تأويل "من" و"عفي" على تأويلت خمس‪:‬‬
‫أحدهها أن "مهن" يراد بهها القاتهل‪ ،‬و"عفهي" تتضمهن عافيها ههو ولي الدم‪ ،‬والخ ههو المقتول‪،‬‬
‫و"شيههء" هههو الدم الذي يعفههى عنههه ويرجههع إلى أخههذ الديههة‪ ،‬هذا قول ابههن عباس وقتادة ومجاهههد‬
‫وجماعهة مهن العلماء‪ .‬والعفهو فهي هذا القول على بابهه الذي ههو الترك‪ .‬والمعنهى‪ :‬أن القاتهل إذا عفها‬
‫عنهه ولي المقتول عهن دم مقتوله وأسهقط القصهاص فإنهه يأخهذ الديهة ويتبهع بالمعروف‪ ،‬ويؤدي إليهه‬
‫القاتل بإحسان‪.‬‬
‫الثانهي‪ :‬وههو قول مالك أن "مهن" يراد بهه الولي "وعفهي" يسهر‪ ،‬ل على بابهها فهي العفهو‪ ،‬والخ‬
‫يراد به القاتل‪ ،‬و"شيء" هو الدية‪ ،‬أي أن الولي إذا جنح إلى العفو عن القصهاص على أخذ الدية‬
‫فإن القاتهل مخيهر بيهن أن يعطيهها أو يسهلم نفسهه‪ ،‬فمرة تيسهر ومرة ل تيسهر‪ .‬وغيهر مالك يقول‪ :‬إذا‬
‫رضي الولياء بالدية فل خيار للقاتل بل تلزمه‪ .‬وقد روي عن مالك هذا القول‪ ،‬ورجحه كثير من‬
‫أصهحابه‪ .‬وقال أبهو حنيفهة‪ :‬إن معنهى "عفهي" بذل‪ ،‬والعفهو فهي اللغهة‪ :‬البذل‪ ،‬ولهذا قال الّ تعالى‪:‬‬
‫"خذ العفو" [العراف‪ ]199 :‬أي ما سهل‪ .‬وقال أبو السود الدؤلي‪:‬‬
‫خذي العفو مني تستديمي مودتي‬
‫وقال صلى الّ عليه وسلم‪( :‬أول الوقت رضوان الّ وآخره عفو الّ) يعني شهد الّ على عباده‪.‬‬
‫فكأنههه قال‪ :‬مههن بذل له شيههء مههن الديههة فليقبههل وليتبههع بالمعروف‪ .‬وقال قوم‪ :‬وليؤد إليههه القاتههل‬
‫بإحسان‪ ،‬فندبه تعالى إلى أخذ المال إذا سهل ذلك من جهة القاتل‪ ،‬وأخبر أنه تخفيف منه ورحمة‪،‬‬
‫كمها قال ذلك عقهب ذكهر القصهاص فهي سهورة "المائدة" "فمهن تصهدق بهه فههو كفارة له" [المائدة‪:‬‬
‫‪ ]45‬فندب إلى رحمة العفو والصدقة‪ ،‬وكذلك ندب فيما ذكر في هذه الية إلى قبول الدية إذا بذلها‬
‫الجاني بإعطاء الدية‪ ،‬ثم أمر الولي باتباع وأمر الجاني بالداء بالحسان‪.‬‬
‫وقهد قال قوم‪ :‬إن هذه اللفاظ فهي المعينيهن الذين نزلت فيههم الية كلها وتساقطوا الديات فيما بينههم‬
‫مقاصهة‪ .‬ومعنهى اليهة‪ :‬فمهن فضهل له مهن الطائفتيهن على الخرى شيهء مهن تلك الديات‪ ،‬ويكون‬
‫"عفي" بمعنى فضل‪.‬‬
‫روى سفيان بن حسين بن شوعة عن الشعبي قال‪ :‬كان بين حيين من العرب قتال‪ ،‬فقتل من هؤلء‬
‫وهؤلء‪ .‬وقال أحههد الحييههن‪ :‬ل نرضههى حتههى يقتههل بالمرأة الرجههل وبالرجههل المرأة‪ ،‬فارتفعوا إلى‬
‫رسول الّ صلى الّ عليه وسلم‪ ،‬فقال عليه السلم‪( :‬القتل سواء) فاصطلحوا على الديات‪ ،‬ففضل‬
‫أحهد الحييهن على الخهر‪ ،‬فههو قوله‪" :‬كتهب" إلى قوله‪" :‬فمهن عفهي له مهن أخيهه شيهء" يعنهي فمهن‬
‫فضهل له على أخيهه فضهل فليؤده بالمعروف‪ ،‬فأخهبر الشعهبي عهن السهبب فهي نزول اليهة‪ ،‬وذكهر‬
‫سفيان العفو هنا الفضل‪ ،‬وهو معنى يحتمله اللفظ‪.‬‬
‫وتأويل خامس‪ :‬وهو قول علي رضي الّ عنه والحسن في الفضل بين دية الرجل والمرأة والحر‬
‫والعبهد‪ ،‬أي مهن كان له ذلك الفضهل فاتباع بالمعروف‪ ،‬و"عفهي" فهي هذا الموضهع أيضهها بمعنههى‬
‫فضل‪.‬‬
‫ل تعالى على حسهن القتضاء مهن الطالب‪ ،‬وحسهن القضاء مهن المؤدي‪،‬‬ ‫@هذه اليهة حهض مهن ا ّ‬
‫وههههل ذلك على الوجوب أو الندب‪ .‬فقراءة الرفهههع تدل على الوجوب‪ ،‬لن المعنهههى فعليهههه اتباع‬
‫بالمعروف‪ .‬قال النحاس‪" :‬فمهن عفهي له" شرط والجواب‪ ،‬لن المعنهى فعليهه اتباع بالمعروف‪ .‬قال‬
‫النحاس‪" :‬فمهههن عفهههي له" شرط والجواب "فاتباع" وههههو رفهههع بالبتداء‪ ،‬والتقديهههر فعليهههه اتباع‬
‫بالمعروف‪ .‬ويجوز فهي غيهر القرآن "فاتباعها" و"أداء" بجعلهمها مصهدرين‪ .‬قال ابهن عطيهة‪ :‬وقرأ‬
‫إبراهيههم بههن أبههي عبلة "فاتباعهها" بالنصههب‪ .‬والرفههع سههبيل للواجبات‪ ،‬كقوله تعالى‪" :‬فإمسههاك‬
‫بمعروف" [البقرة‪ .]229 :‬وأما المندوب إليه فيأتي منصوبا‪ ،‬كقوله‪" :‬فضرب الرقاب" [محمد‪:‬‬
‫‪.]4‬‬
‫@قوله تعالى‪" :‬ذلك تخفيف من ربكم ورحمة" لن أهل التوراة كان لهم القتل ولم يكن لهم غير‬
‫ل تعالى ذلك تخفيفها لهذه‬ ‫ذلك‪ ،‬وأههل النجيهل كان لههم العفهو ولم يكهن لههم قود ول ديهة‪ ،‬فجعهل ا ّ‬
‫المة‪ ،‬فمن شاء قتل‪ ،‬ومن شاء أخذ الدية‪ ،‬ومن شاء عفا‪.‬‬
‫@قوله تعالى‪" :‬فمن اعتدى بعد ذلك فله عذاب أليم" شرط وجوابه‪ ،‬أي قتل بعد أخذ الدية وسقوط‬
‫[الدم] قاتل وليه‪" .‬فله عذاب أليم" قال الحسن‪ :‬كان الرجل في الجاهلية إذا قتل قتيل فر إلى قومه‬
‫فيجيهء قومهه فيصهالحون بالديهة فيقول ولي المقتول‪ :‬إنهي أقبهل الديهة‪ ،‬حتهى يأمهن القاتهل ويخرج‪،‬‬
‫فيقتله ثم يرمي إليهم بالدية‪.‬‬
‫واختلف العلماء فيمهن قتهل بعهد أخهذ الديهة‪ ،‬فقال جماعهة مهن العلماء منههم مالك والشافعهي‪ :‬ههو‬
‫كمههن قتههل ابتداء‪ ،‬إن شاء الولي قتله وإن شاء عفهها عنههه وعذابههه فههي الخرة‪ .‬وقال قتادة وعكرمههة‬
‫والسهدي وغيرههم‪ :‬عذابهه أن يقتهل البتهة‪ ،‬ول يمكهن الحاكهم الولي مهن العفهو‪ .‬وروى أبهو داود عهن‬
‫جابر بن عبدال قال قال رسول الّ صلى الّ عليه وسلم‪( :‬ل أعفى من قتل بعد أخذ الدية)‪ .‬وقال‬
‫الحسهن‪ :‬عذابهه أن يرد الديهة فقهط ويبقهى إثمهه إلى عذاب الخرة‪ .‬وقال عمهر بهن عبدالعزيهز‪ :‬أمره‬
‫إلى المام يصنع فيه ما يرى‪ .‬وفي سنن الدارقطني عن أبي شريح الخزاعي قال‪ :‬سمعت رسول‬
‫الّ صهلى الّ عليهه وسهلم يقول‪( :‬مهن أصهيب بدم أو خبهل ‪ -‬والخبهل عرج ‪ -‬فههو بالخيار بيهن إحدى‬
‫ثلث فإن أراد الرابعة فخذوا على يديه بين أن يقتص أو يعفو أو يأخذ العقل فإن قبل شيئا من ذلك‬
‫ثم عدا بعد ذلك فله النار خالدا فيها مخلدا)‪.‬‬
‫*‪*3‬الية‪{ 179 :‬ولكم في القصاص حياة يا أولي اللباب لعلكم تتقون}‬
‫@قوله تعالى‪" :‬ولكم في القصاص حياة" هذا من الكلم البليغ الوجيز كما تقدم‪ .‬ومعناه‪ :‬ل يقتل‬
‫بعضكهم بعضها‪ ،‬رواه سهفيان عهن السهدي عهن أبهي مالك‪ .‬والمعنهى‪ :‬أن القصهاص إذا أقيهم وتحقهق‬
‫الحكم فيه ازدجر من يريد قتل آخر‪ ،‬مخافة أن يقتص منه فحييا بذلك معا‪ .‬وكانت العرب إذا قتل‬
‫الرجههل الخههر حمههي قبيلهمهها وتقاتلوا وكان ذلك داعيهها إلى قتههل العدد الكثيههر‪ ،‬فلمهها شرع الّ‬
‫القصاص قنع الكل به وتركوا القتتال‪ ،‬فلهم في ذلك حياة‪.‬‬
‫اتفق أئمة الفتوى على أنه ل يجوز لحد أن يقتص من أحد حقه دون السلطان‪ ،‬وليس للناس أن‬
‫يقتص بعضهم من بعض‪ ،‬وإنما ذلك لسلطان أو من نصبه السلطان لذلك‪ ،‬ولهذا جعل الّ السلطان‬
‫ليقبض أيدي الناس بعضهم عن بعض‪.‬‬
‫وأجمع العلماء على أن على السلطان أن يقتص من نفسه إن تعدى على أحد من رعيته‪ ،‬إذ هو‬
‫واحهد منههم‪ ،‬وإنمها له مزيهة النظهر لههم كالوصهي والوكيهل‪ ،‬وذلك ل يمنهع القصهاص‪ ،‬وليهس بينههم‬
‫وبيهن العامهة فرق فهي أحكام الّ عهز وجهل‪ ،‬لقوله جهل ذكره‪" :‬كتهب عليكهم القصهاص فهي القتلى"‪،‬‬
‫وثبهت عهن أبهي بكهر الصهديق رضهي الّ عنهه أنهه قال لرجهل شكها إليهه أن عامل قطهع يده‪ :‬لئن كنهت‬
‫ل صهلى الّ عليهه‬ ‫صهادقا لقيدنهك منهه‪ .‬وروى النسهائي عهن أبهي سهعيد الخدري قال‪ :‬بينها رسهول ا ّ‬
‫وسهلم يقسهم شيئا إذ أكهب عليهه رجهل‪ ،‬فطعنهه رسهول الّ صهلى الّ عليهه وسهلم بعرجون كان معهه‪،‬‬
‫ل صهلى الّ عليهه وسهلم‪( :‬تعال فاستقد)‪ .‬قال‪ :‬بل عفوت يها رسهول‬ ‫فصاح الرجل‪ ،‬فقال له رسول ا ّ‬
‫الّ‪ .‬وروى أبو داود الطيالسي عن أبي فراس قال‪ :‬خطب عمر بن الخطاب رضي الّ عنه فقال‪:‬‬
‫أل مهن ظلمهه أميره فليرفهع ذلك إلي أقيده منهه‪ .‬فقام عمرو بهن العاص فقال‪ :‬يها أميهر المؤمنيهن‪ ،‬لئن‬
‫أدب رجهل منها رجل مهن أههل رعيتهه لتقصهنه منهه؟ قال‪ :‬كيهف ل أقصهه منهه وقهد رأيهت رسهول الّ‬
‫صلى الّ عليه وسلم يقص من نفسه‪ .‬ولفظ أبي داود السجستاني عنه قال‪ :‬خطبنا عمر بن الخطاب‬
‫فقال‪ :‬إنهي لم أبعهث عمالي ليضربوا أبشاركهم ول ليأخذوا أموالكهم‪ ،‬فمهن فعهل ذلك بهه فليرفعهه إلي‬
‫أقصه منه‪ .‬وذكر الحديث بمعناه‪.‬‬
‫@قوله تعالى‪" :‬لعلكم تتقون" تقدم معناه‪ .‬والمراد هنا "تتقون" القتل فتسلمون من القصاص‪ ،‬ثم‬
‫ل يثيههب بالطاعههة على الطاعههة‪ .‬وقرأ أبههو‬‫يكون ذلك داعيههة لنواع التقوى فههي غيههر ذلك‪ ،‬فإن ا ّ‬
‫الجوزاء أوس بههن عبدال الربعههي "ولكههم فههي القصههص حياة"‪ .‬قال النحاس‪ :‬قراءة أبههي الجوزاء‬
‫شاذة‪ .‬قال غيره‪ :‬يحتمهل أن يكون مصهدرا كالقصهاص‪ .‬وقيهل‪ :‬أراد بالقصهص القرآن‪ ،‬أي لكهم فهي‬
‫ل الذي شرع فيه القصص حياة‪ ،‬أي نجاة‪.‬‬ ‫كتاب ا ّ‬
‫*‪*3‬الية‪{ 180 :‬كتب عليكم إذا حضر أحدكم الموت إن ترك خيرا الوصية للوالدين والقربين‬
‫بالمعروف حقا على المتقين}‬
‫@قوله تعالى‪" :‬كتهب عليكهم" هذه آيهة الوصهية‪ ،‬ليهس فهي القرآن ذكهر للوصهية إل فهي هذه اليهة‪،‬‬
‫وفي "النساء"‪" :‬من بعد وصية" [النساء‪ ]12 :‬وفي "المائدة"‪" :‬حين الوصية"‪[ .‬المائدة‪]106 :‬‬
‫والتهي فهي البقرة أتمهها وأكملهها ونزلت قبهل نزول الفرائض والمواريهث‪ ،‬على مها يأتهي بيانهه‪ .‬وفهي‬
‫الكلم تقديههر واو العطههف‪ ،‬أي وكتههب عليكههم‪ ،‬فلمهها طال الكلم أسههقطت الواو‪ .‬ومثله فههي بعههض‬
‫القوال‪" :‬ل يصههلها إل الشقههى‪ .‬الذي كذب وتولى" [الليههل‪ ]16 - 15 :‬أي والذي‪ ،‬فحذف‪.‬‬
‫وقيهل‪ :‬لمها ذكهر أن لولي الدم أن يقتهص‪ ،‬فهذا الذي أشرف على مهن يقتهص منهه وههو سهبب الموت‬
‫فكأنما حضره الموت‪ ،‬فهذا أوان الوصية‪ ،‬فالية مرتبطة بما قبلها ومتصلة بها فلذلك سقطت واو‬
‫العطهف‪ .‬و"كتهب" معناه فرض وأثبهت‪ ،‬كمها تقدم‪ .‬وحضور الموت‪ :‬أسهبابه‪ ،‬ومتهى حضهر السهبب‬
‫كنت به العرب عن المسبب‪ ،‬قال شاعرهم‪:‬‬
‫سائل بني أسد ما هذه الصوت‬ ‫يا أيها الراكب المزجي مطيته‬
‫قول يبرئكم إني أنا الموت‬ ‫وقل لهم بادروا بالعذر والتمسوا‬
‫وقال عنترة‪:‬‬
‫وصلت بنانها بالهندوان‬ ‫وإن الموت طوع يدي إذا ما‬
‫وقال جرير في مهاجاة الفرزدق‪:‬‬
‫فليس لهارب مني نجاء‬ ‫أنا الموت الذي حدثت عنه‬
‫إن قيهل‪ :‬لم قال "كتهب" ولم يقهل كتبهت‪ ،‬والوصهية مؤنثهة؟ قيهل له‪ :‬إنمها ذلك لنهه أراد بالوصهية‬
‫اليصهاء‪ .‬وقيهل‪ :‬لنهه تخلل فاصهل‪ ،‬فكان الفاصهل كالعوض مهن تاء التأنيهث‪ ،‬تقول العرب‪ :‬حضهر‬
‫القاضي اليوم امرأة‪ .‬وقد حكى سيبويه‪ :‬قام امرأة‪ .‬ولكن حسن ذلك إنما هو مع طول الحائل‪.‬‬
‫@قوله تعالى‪" :‬إن ترك خيرا" "إن" شرط‪ ،‬وفهي جوابهه لبهي الحسهن الخفهش قولن‪ ،‬قال‬
‫الخفش‪ :‬التقدير فالوصية‪ ،‬ثم حذفت الفاء‪ ،‬كما قال الشاعر‪:‬‬
‫ل يشكرها والشر بالشر عند الّ مثلن‬ ‫من يفعل الحسنات ا ّ‬
‫والجواب الخهر‪ :‬أن الماضهي يجوز أن يكون جوابهه قبله وبعده‪ ،‬فيكون التقديهر الوصهية للوالديهن‬
‫والقربيههههن إن ترك خيرا‪ .‬فإن قدرت الفاء فالوصههههية رفههههع بالبتداء‪ ،‬وإن لم تقدر الفاء جاز أن‬
‫ترفعههها بالبتداء‪ ،‬وأن ترفعههها على مهها لم يسههم فاعله‪ ،‬أي كتههب عليكههم الوصههية‪ .‬ول يصههح عنههد‬
‫جمهور النحاة أن تعمل "الوصية" في "إذا" لنها في حكم الصلة للمصدر الذي هو الوصية وقد‬
‫تقدمهت‪ ،‬فل يجوز أن تعمهل فيهها متقدمهة‪ .‬ويجوز أن يكون العامهل فهي "إذا"‪" :‬كتهب" والمعنههى‪:‬‬
‫توجهه إيجاب الّ إليكهم ومقتضهى كتابهه إذا حضهر‪ ،‬فعهبر عهن توجهه اليجاب بكتهب لينتظهم إلى هذا‬
‫المعنههى أنهه مكتوب فهي الزل‪ .‬ويجوز أن يكون العامههل فههي "إذا" اليصههاء يكون مقدرا دل على‬
‫الوصية‪ ،‬المعنى‪ :‬كتب عليكم اليصاء إذا‪.‬‬
‫@قوله تعالى‪" :‬خيرا" الخير هنا المال من غير خلف‪ ،‬واختلفوا في مقداره‪ ،‬فقيل‪ :‬المال الكثير‪،‬‬
‫روي ذلك عهن علي وعائشهة وابهن عباس وقالوا فهي سهبعمائة دينار إنهه قليهل‪ .‬قتادة عهن الحسهن‪:‬‬
‫الخيهر ألف دينار فمها فوقهها‪ .‬الشعهبي‪ :‬مها بيهن خمسهمائة دينار إلى ألف‪ .‬والوصهية عبارة عهن كهل‬
‫شيهء يؤمهر بفعله ويعههد به فهي الحياة وبعهد الموت‪ .‬وخصهصها العرب بمها يعههد بفعله وتنفيذه بعهد‬
‫الموت‪ ،‬والجمهع وصهايا كالقضايها جمهع قضيهة‪ .‬والوصهي يكون الموصهي والموصهى إليهه‪ ،‬وأصهله‬
‫من وصى مخففا‪ .‬وتواصى النبت تواصيا إذا اتصل‪ .‬وأرض واصية‪ :‬متصلة النبات‪ .‬وأوصيت له‬
‫بشيهء وأوصهيت إليهه إذا جعلتهه وصهيك‪ .‬والسهم الوصهاية والوصهاية (بالكسهر والفتهح)‪ .‬وأوصهيته‬
‫ووصهيته أيضها توصهية بمعنهى‪ ،‬والسهم الوصهاة‪ .‬وتواصهى القوم أوصهى بعضههم بعضها‪ .‬وفهي‬
‫الحديث‪( :‬استوصوا بالنساء خيرا فإنهن عوان عندكم)‪ .‬ووصيت الشيء بكذا إذا وصلته به‪.‬‬
‫@ اختلف العلماء في وجوب الوصية على من خلف مال‪ ،‬بعد إجماعهم على أنها واجبة على من‬
‫قبله ودائع وعليهه ديون‪ .‬واكثهر العلماء على أن الوصهية غيهر واجبهة على مهن ليهس قبله شيهء مهن‬
‫ذلك‪ ،‬وههو قول مالك والشافعهي والثوري‪ ،‬موسهرا كان الموصهي أو فقيرا‪ .‬وقالت طائفهة‪ :‬الوصهية‬
‫واجبهههة على ظاههههر القرآن‪ ،‬قال الزهري وأبهههو مجلز‪ ،‬قليل كان المال أو كثيرا‪ .‬وقال أبهههو ثور‪:‬‬
‫ليسهت الوصهية واجبهة إل على رجهل عليهه ديهن أو عنده مال لقوم‪ ،‬فواجهب عليهه أن يكتهب وصهيته‬
‫ويخهبر بمها عليهه‪ .‬فأمها مهن ل ديهن عليهه ول وديعهة عنده فليسهت بواجبهة عليهه إل أن يشاء‪ .‬قال ابهن‬
‫المنذر‪ :‬وهذا حسن‪ ،‬لن الّ فرض أداء المانات إلى أهلها‪ ،‬ومن ل حق عليه ول أمانة قبله فليس‬
‫واجب عليه أن يوصي‪ .‬احتج الولون بما رواه الئمة عن ابن عمر أن رسول الّ صلى الّ عليه‬
‫وسهلم قال‪( :‬مها حهق امرئ مسهلم له شيهء يريهد أن يوصهي فيهه يهبيت ليلتيهن إل ووصهيته مكتوبهة‬
‫عنده) وفهي روايهة (يهبيت ثلث ليال) وفيهها قال عبدال بهن عمهر‪ :‬مها مرت عليّه ليلة منهذ سهمعت‬
‫رسهول الّ صهلى الّ عليهه وسهلم قال ذلك إل وعندي وصهيتي‪ .‬احتهج مهن لم يوجبهها بأن قال‪ :‬لو‬
‫كانت واجبة لم يجعلهها إلى إرادة الموصهي‪ ،‬ولكان ذلك لزما على كل حال‪ ،‬ثم لو سلم أن ظاهره‬
‫الوجوب فالقول بالموجهب يرده‪ ،‬وذلك فيمهن كانهت عليهه حقوق للناس يخاف ضياعهها عليههم‪ ،‬كمها‬
‫قال أبههو ثور‪ .‬وكذلك إن كانههت له حقوق عنههد الناس يخاف تلفههها على الورثههة‪ ،‬فهذا يجههب عليههه‬
‫الوصية ول يختلف فيه‪.‬‬
‫ل تعالى‪" :‬كتب عليكم" وكتب فرض‪ ،‬فدل على وجوب الوصية قيل لهم‪ :‬قد‬ ‫فإن قيل‪ :‬فقد قال ا ّ‬
‫تقدم الجواب عنه في الية قبل‪ ،‬والمعنى‪ :‬إذا أردتم الوصية‪ ،‬والّ أعلم‪ .‬وقال النخعي‪ :‬مات رسول‬
‫الّ صهلى الّ عليهه وسهلم ولم يوص‪ ،‬وقهد أوصهى أبهو بكهر‪ ،‬فإن أوصهى فحسهن‪ ،‬وإن لم يوص فل‬
‫شيء عليه‪.‬‬
‫ل تعالى في كتابه مقدار ما يوصى به من المال‪ ،‬وإنما قال‪" :‬إن ترك خيرا" والخير‬ ‫@ لم يبين ا ّ‬
‫المال‪ ،‬كقوله‪" :‬وما تنفقوا من خير" [البقرة‪" ،]272 :‬وإنه لحب الخير" [العاديات‪ ]8 :‬فاختلف‬
‫العلماء فهي مقدار ذلك‪ ،‬فروي عهن أبهي بكهر الصهديق رضهي الّ عنهه أنهه أوصهى بالخمهس‪ .‬وقال‬
‫علي رضهي الّ عنهه مهن غنائم المسهلمين بالخمهس‪ .‬وقال معمهر عهن قتادة‪ .‬أوصهى عمهر بالربهع‪.‬‬
‫وذكره البخاري عهن ابهن عباس‪ .‬وروي عهن علي رضهي الّ عنهه أنهه قال‪( :‬لن أوصهي بالخمهس‬
‫أحب إليّ من أن أوصي بالربع‪ ،‬ولن أوصي بالربع أحب إليّ من أوصي بالثلث) واختار جماعة‬
‫لمههن ماله قليههل وله ورثههة ترك الوصههية‪ ،‬روي ذلك عههن علي وابههن عباس وعائشههة رضوان الّ‬
‫عليههم أجمعيهن‪ .‬روى بهن أبهي شيبهة مهن حديهث ابهن أبهي مليكهة عهن عائشهة قال لهها‪ :‬إنهي أريهد أن‬
‫ل تعالى‬ ‫أوصههي‪ :‬قالت‪ :‬وكههم مالك؟ قال‪ :‬ثلثههة آلف‪ .‬قالت‪ :‬فكههم عيالك؟ قال أربعههة‪ .‬قالت‪( :‬إن ا ّ‬
‫يقول‪" :‬إن ترك خيرا" وهذا شيء يسير فدعه لعيالك فإنه أفضل لك)‬
‫@ ذههب الجمهور مهن العلماء إلى أنهه ل يجوز لحهد أن يوصهي بأكثهر مهن الثلث إل أبها حنيفهة‬
‫وأصهههحابه فإنههههم قالوا‪ :‬إن لم يترك الموصهههي ورثهههة جاز له أن يوصهههي بمال كله‪ .‬وقالوا‪ :‬إن‬
‫القتصار على الثلث في الوصية إنما كان من أجل أن يدع ورثته أغنياء‪ ،‬لقوله عليه السلم‪( :‬إنك‬
‫أن تذر ورثتههك أغنياء خيههر مههن أن تذرهههم عالة يتكففون الناس) الحديههث‪ ،‬رواه الئمههة‪ .‬ومههن ل‬
‫وارث له فليس ممن عني بالحديث‪ ،‬روي هذا القول عن ابن عباس‪ ،‬وبه قال أبو عبيدة ومسروق‪،‬‬
‫وإليه ذههب إسهحاق ومالك فهي أحهد قوليهه‪ ،‬وروي عن علي وسهبب الخلف مهع مها ذكرنها‪ ،‬الخلف‬
‫في بيت المال هل هو وارث أو حافظ لما يجعل فيه؟ قولن‪:‬‬
‫أجمهع العلماء على أن مهن مات وله ورثهة فليهس له أن يوصهي بجميهع ماله‪ .‬وروي‪ .‬عهن عمرو‬
‫بهن العاص رضهي الّ عنهه أنهه قال حيهن حضرتهه الوفاة لبنهه عبدال‪( :‬إنهي قهد أردت أن أوصهي‪،‬‬
‫فقال له‪ :‬أوص ومالك فههي مالي‪ ،‬فدعهها كاتبهها فأملى‪ ،‬فقال عبدال‪ :‬فقلت له مهها أراك إل وقههد أتيههت‬
‫على مالي ومالك‪ ،‬ولو دعوت إخوتي فاستحللتهم‪).‬‬
‫وأجمعوا أن للنسههان أن يغيههر وصههيته ويرجههع فيمهها شاء منههها‪ ،‬إل أنهههم اختلفوا مههن ذلك فههي‬
‫المدبر‪ ،‬فقال مالك رحمهه الّ‪ :‬المهر المجمهع عليهه عندنها أن الموصهي إذا أوصهى فهي صهحته أو‬
‫مرضهه بوصهية فيهها عتاقهة رقيهق مهن رقيقهه أو غيهر ذلك فإنهه يغيهر مهن ذلك مها بدا له ويصهنع مهن‬
‫ذلك مهها شاء حتههى يموت‪ ،‬وإن أحههب أن يطرح تلك الوصههية ويسههقطها فعههل‪ ،‬إل أن يدبر فإن دبر‬
‫ل صهلى الّ عليهه وسهلم قال‪( :‬مها حهق‬ ‫مملوكها فل سهبيل له إلى تغييهر مها دبر‪ ،‬وذلك أن رسهول ا ّ‬
‫امرئ مسهلم له شيهء يوصهي فيهه يهبيت ليلتيهن إل ووصهيته مكتوبهة عنده)‪ .‬قال أبهو الفرج المالكهي‪:‬‬
‫المدبر في القياس كالمعتق إلى شهر‪ ،‬لنه أجل آت ل محالة‪ .‬وأجمعوا أل يرجع في اليمين بالعتق‬
‫والعتهق إلى أجهل فكذلك المدبر‪ ،‬وبهه قال أبهو حنيفهة‪ .‬وقال الشافعهي وأحمهد وإسهحاق‪ :‬ههو وصهية‪،‬‬
‫لجماعهم أنه في الثلث كسائر الوصايا‪ .‬وفي إجازتهم وطء المدبرة ما ينقض قياسهم المدبر على‬
‫العتق إلى أجل‪ ،‬وقد ثبت أن النبي صلى الّ عليه وسلم باع مدبرا‪ ،‬وأن عائشة دبرت جارية لها ثم‬
‫باعتها‪ ،‬وهو قول جماعة من التابعين‪ .‬وقالت طائفة‪ :‬يغير الرجل من وصيته ما شاء إل العتاقة‪.‬‬
‫وكذلك قال الشعبي وابن سيرين وابن شبرمة والنخعي‪ ،‬وهو قول سفيان الثوري‪.‬‬
‫@ واختلفوا في الرجل يقول لعبده‪ :‬أنت حر بعد موتي‪ ،‬وأراد الوصية‪ ،‬فله الرجوع عند مالك في‬
‫ذلك‪ .‬وإن قال‪ :‬فلن مدبر بعههد موتههي‪ ،‬لم يكههن له الرجوع فيههه‪ .‬وإن أراد التدبيههر بقوله الول لم‬
‫يرجهع أيضها عنهد أكثهر أصهحاب مالك‪ .‬وأمها الشافعهي وأحمهد وإسهحاق وأبهو ثور فكهل هذا عندههم‬
‫وصهية‪ ،‬لنهه فهي الثلث‪ ،‬وكهل مها كان فهي الثلث فههو وصهية‪ ،‬إل أن الشافعهي قال‪ :‬ل يكون الرجوع‬
‫فهي المدبر إل بأن يخرجهه عهن ملكهه بهبيع أو هبهة‪ .‬وليهس قوله‪ - :‬قهد رجعهت ‪ -‬رجوعها‪ ،‬وإن لم‬
‫يخرج المدبر عن ملكه حتى يموت فإنه يعتق بموته‪ .‬وقال في القديم‪ :‬يرجع في المدبر كما يرجع‬
‫فهي الوصهية‪ .‬واختاره المزنهي قياسها على إجماعههم على الرجوع فيمهن أوصهى بعتقهه‪ .‬وقال أبهو‬
‫ثور‪ :‬إذا قال قههد رجعههت فههي مدبري فقههد بطههل التدبيههر‪ ،‬فإن مات لم يعتههق‪ .‬واختلف ابههن القاسههم‬
‫وأشهههب فيمههن قال‪ :‬عبدي حههر بعههد موتههي‪ ،‬ولم يرد الوصههية ول التدبيههر‪ ،‬فقال ابههن القاسههم‪ :‬هههو‬
‫وصية‪ .‬وقال أشهب‪ :‬هو مدبر وإن لم يرد الوصية‪.‬‬
‫@ اختلف العلماء في هذه الية هل هي منسوخة أو محكمة‪ ،‬فقيل‪ :‬هي محكمة‪ ،‬ظاهرها العموم‬
‫ومعناها الخصوص في الوالدين اللذين ل يرثان كالكافرين والعبدين وفي القرابة غير الورثة‪ ،‬قاله‬
‫الضحاك وطاوس والحسهن‪ ،‬واختاره الطهبري‪ .‬وعهن الزهري أن الوصهية واجبهة فيمها قهل أو كثهر‪.‬‬
‫وقال ابن المنذر‪ :‬أجمع كل من يحفظ عنه من أهل العلم على أن الوصية للوالدين اللذين ل يرثان‬
‫والقرباء الذين ل يرثون جائزة‪ .‬وقال ابن عباس والحسن أيضا وقتادة‪ :‬الية عامة‪ ،‬وتقرر الحكم‬
‫بهها برههة مهن الدههر‪ ،‬ونسهخ منهها كهل مهن كان يرث بآيهة الفرائض‪ .‬وقهد قيهل‪ :‬إن آيهة الفرائض لم‬
‫تستقل بنسخها بل بضميمة أخرى‪ ،‬وهي قوله عليه السلم‪( :‬إن الّ قد أعطى لكل ذي حق حقه فل‬
‫وصية لوارث)‪ .‬رواه أبو أمامة‪ ،‬أخرجه الترمذي وقال‪ :‬هذا حديث حسن صحيح‪ .‬فنسخ الية إنما‬
‫كان بالسهنة الثابتهة ل بالرث‪ ،‬على الصهحيح مهن أقوال العلماء‪ .‬ولول هذا الحديهث لمكهن الجمهع‬
‫بيههن اليتيههن بأن يأخذوا المال عههن المورث بالوصههية‪ ،‬وبالميراث إن لم يوص‪ ،‬أو مهها بقههي بعههد‬
‫الوصهية‪ ،‬لكهن منهع مهن ذلك هذا الحديهث والجماع‪ .‬والشافعهي وأبهو الفرج وإن كانها منعها مهن نسهخ‬
‫ل تبارك وتعالى ومن عنده وإن اختلفت فهي‬ ‫الكتاب بالسنة فالصهحيح جوازه بدليل أن الكهل حكم ا ّ‬
‫السهماء‪ ،‬وقهد تقدم هذا المعنهى‪ .‬ونحهن وإن كان هذا الخهبر بلغنها آحادا لكهن قهد انضهم إليهه إجماع‬
‫المسهلمين أنهه ل تجوز وصهية لوارث‪ .‬فقهد ظههر أن وجوب الوصهية للقربيهن الوارثيهن منسهوخ‬
‫بالسنة وأنها مستند المجمعين‪ .‬والّ أعلم‪.‬‬
‫وقال ابههن عباس والحسههن‪ :‬نسههخت الوصههية للوالديههن بالفرض فههي سههورة "النسههاء" وثبتههت‬
‫للقربيهن الذيهن ل يرثون‪ ،‬وههو مذههب الشافعهي وأكثهر المالكييهن وجماعهة مهن أههل العلم‪ .‬وفهي‬
‫البخاري عهن ابهن عباس قال‪ :‬كان المال للولد وكانهت الوصهية للوالديهن‪ ،‬فنسهخ مهن ذلك مها أحهب‪،‬‬
‫فجعهل للذكهر مثهل حهظ النثييهن‪ ،‬وجعهل للبويهن لكهل واحهد منهمها السهدس‪ ،‬للمرأة الثمهن والربهع‪،‬‬
‫وللزوج الشطر والربع‪.‬‬
‫وقال ابن عمر وابن عباس وابن زيد‪ :‬الية منسوخة‪ ،‬وبقيت الوصية ندبا‪ ،‬ونحو هذا قول مالك‬
‫رحمهه الّ‪ ،‬وذكره النحاس عهن الشعهبي والنخعهي‪ .‬وقال الربيهع بهن خثيهم‪ :‬ل وصهية‪ .‬قال عروة بهن‬
‫ثابهت‪ :‬قلت للربيهع بهن خثيههم أوص لي بمصهحفك‪ ،‬فنظهر إلى ولده وقرأ "وأولوا الرحام بعضهههم‬
‫أولى ببعض في كتاب ال" [النفال‪ .]75 :‬ونحو هذا صنع ابن عمر رضي الّ عنه‪.‬‬
‫@قوله تعالى‪" :‬والقربين" القربون جمع أقرب‪ .‬قال قوم‪ :‬الوصية للقربين أولى من الجانب‪،‬‬
‫ل تعالى عليهم‪ ،‬حتى قال الضحاك‪ :‬إن أوصى لغير قرابته فقد ختم عمله بمعصية‪ .‬وروي‬ ‫لنص ا ّ‬
‫عن ابن عمر أنه أوصى لمهات أولده لكل واحدة بأربعة آلف‪ .‬وروي أن عائشة وصت لمولة‬
‫لهها بأثاث البيهت‪ .‬وروي عهن سهالم بهن عبدال بمثهل ذلك‪ .‬وقال الحسهن‪ :‬إن أوصهى لغيهر القربيهن‬
‫ردت الوصية للقربين‪ ،‬فإن كانت لجنبي فمعهم‪ ،‬ول تجوز لغيرهم مع تركهم‪ .‬وقال الناس حين‬
‫مات أبو العالية‪ :‬عجبا له أعتقته امرأة من رياح وأوصهى بماله لبني هاشم‪ .‬وقال الشعبي‪ :‬لم يكن‬
‫له ذلك ول كرامههة‪ .‬وقال طاوس‪ :‬إذا أوص لغيههر قرابتههه ردت الوصههية إلى قرابتههه ونقههض فعله‪،‬‬
‫وقاله جابر بن زيد‪ ،‬وقد روي مثل هذا عن الحسن أيضا‪ ،‬وبه قال إسحاق بن راهوية‪ .‬وقال مالك‬
‫والشافعهي وأبهو حنيفهة وأصهحابهم والوزاعهي وأحمهد بهن حنبهل‪ :‬مهن أوصهى لغيهر قرابتهه وترك‬
‫قرابته محتاجين فبئسما صنع وفعله مع ذلك جائز ماض لكل من أوصى له من غني وفقير‪ ،‬قريب‬
‫وبعيد‪ ،‬مسلم وكافر‪ .‬وهو معنى ما روي عن ابن عمر وعائشة‪ ،‬وهو وقول ابن عمر وابن عباس‪.‬‬
‫قلت‪ :‬القول الول أحسن‪ ،‬وأما أبو العالية رضي الّ عنه فلعله نظر إلى أن بني هاشم أولى من‬
‫معتقتهه لصهحبته ابهن عباس وتعليمهه إياه وإلحاقهه بدرجهة العلماء فهي الدنيها والخرى‪ .‬وهذه البوة‬
‫وإن كانهت معنويهة فههي الحقيقيهة‪ ،‬ومعتقتهه غايتهها أن ألحقتهه بالحرار فهي الدنيها‪ ،‬فحسهبها ثواب‬
‫عتقها‪ ،‬والّ أعلم‪.‬‬
‫@ ذهب الجمهور من العلماء إلى أن المريض يحجر عليه في ماله‪ ،‬وشذ أهل الظاهر فقالوا‪ :‬ل‬
‫يحجر عليه وهو كالصحيح‪ ،‬والحديث والمعنى يرد عليهم‪ .‬قال سعد‪ :‬عادني رسول الّ صلى الّ‬
‫عليه وسلم في حجة الوداع من وجع أشفيت منه على الموت فقلت يا رسول الّ‪ ،‬بلغ بي ما ترى‬
‫مههن الوجههع‪ ،‬وأنهها ذو مال ول يرثنههي إل بنههت واحدة‪ ،‬أفأتصههدق بثلثههي مالي؟ قال‪( :‬ل)‪ ،‬قلت‪:‬‬
‫أفأتصدق بشطره؟ قال‪( :‬ل‪ ،‬الثلث والثلث كثير إنك أن تذر ورثتك أغنياء خير من أن تذرهم عالة‬
‫يتكففون الناس) الحديث‪.‬‬
‫ومنهع أههل الظاههر أيضها الوصهية بأكثهر مهن الثلث وإن أجازهها الورثهة‪ .‬وأجاز ذلك الكافهة إذا‬
‫أجازههها الورثههة‪ ،‬وهههو الصههحيح‪ ،‬لن المريههض إنمهها منههع مههن الوصههية بزيادة على الثلث لحههق‬
‫الوارث‪ ،‬فإذا أسههقط الورثههة حقهههم كان ذلك جائزا صههحيحا‪ ،‬وكان كالهبههة مههن عندهههم‪ .‬وروى‬
‫الدارقطني عن ابن عباس‪ ،‬قال قال رسول الّ صلى الّ عليه وسلم‪( :‬ل تجوز الوصية لوارث إل‬
‫ل صههلى الّ عليههه وسههلم‪( :‬ل‬ ‫أن يشاء الورثههة)‪ .‬وروي عههن عمرو بههن خارجههة قال قال رسههول ا ّ‬
‫وصية لوارث إل أن تجيز الورثة)‪.‬‬
‫@ واختلفوا في رجوع المجيزين للوصية للوارث في حياة الموصي بعد وفاته‪ ،‬فقالت طائفة‪ :‬ذلك‬
‫جائز عليههم وليهس لههم الرجوع فيهه‪ .‬هذا قول عطاء بهن أبهي رباح وطاوس والحسهن وابهن سهيرين‬
‫وابهن أبهي ليلى والزهري وربيعهة والوزاعهي‪ .‬وقالت طائفهة‪ :‬لههم الرجوع فهي ذلك إن أحبوا‪ .‬هذا‬
‫قول ابهن مسهعود وشريهح والحكهم وطاوس والثوري والحسهن بهن صهالح وأبهي حنيفهة والشافعهي‬
‫وأحمهد وأبهي ثور‪ ،‬واختاره ابهن المنذر‪ .‬وفرق مالك فقال‪ :‬إذا أذنوا فهي صهحته فلههم أن يرجعوا‪،‬‬
‫وإن أذنوا له فهي مرضهه حيهن يحجهب عهن ماله فذلك جائز عليههم‪ ،‬وههو قول إسهحاق‪ .‬احتهج أههل‬
‫المقالة الولى بأن المنهع وقهع مهن أجهل الورثهة‪ ،‬فإذا أجازوه جاز‪ .‬وقهد اتفقوا أنهه إذا أوصهى بأكثهر‬
‫من ثلثه لجنبي جاز بإجازتهم‪ ،‬فكذلك ههنا‪ .‬واحتج أهل القول الثاني بأنهم أجازوا شيئا لم يملكوه‬
‫في ذلك الوقت‪ ،‬وإنما يملك المال بعد وفاته‪ ،‬وقد يموت الوارث المستأذن قبله ول يكون وارثا وقد‬
‫يرثهه غيره‪ ،‬فقهد أجاز مهن ل حهق له فيهه فل يلزمهه شيهء‪ .‬واحتهج مالك بأن قال‪ :‬إن الرجهل إذا كان‬
‫صهحيحا فههو أحهق بماله كله يصهنع فيهه مها شاء‪ ،‬فإذا أذنوا له فهي صهحته فقهد تركوا شيئا لم يجهب‬
‫لهم‪ ،‬وإذا أذنوا له في مرضه فقد تركوا ما وجب لهم من الحق‪ ،‬فليس لهم أن يرجعوا فيه إذا كان‬
‫قد أنفذه لنه قد فات‪.‬‬
‫فإن لم ينفهذ المريهض ذلك كان للوارث الرجوع فيهه لنهه لم يفهت بالتنفيهذ‪ ،‬قال البهري‪ .‬وذكهر‬
‫ابهن المنذر عهن إسهحاق بهن راهويهة أن قول مالك فهي هذه المسهألة أشبهه بالسهنة مهن غيره‪ .‬قال ابهن‬
‫المنذر‪ :‬واتفهق قول مالك والثوري والكوفييهن والشافعهي وأبهي ثور أنههم إذا أجازوا ذلك بعهد وفاتهه‬
‫لزمهم‪.‬‬
‫@ واختلفوا في الرجل يوصي لبعض ورثته بمال‪ ،‬ويقول في وصيته‪ :‬إن أجازها الورثة فهي له‪،‬‬
‫وإن لم يجيزوه فهو في سبيل الّ‪ ،‬فلم يجيزوه‪ .‬فقال مالك‪ :‬إن لم تجز الورثة ذلك رجع إليهم‪ .‬وفي‬
‫قول الشافعي وأبي حنيفة ومعمر صاحب عبدالرزاق يمضي في سبيل الّ‪.‬‬
‫@ ل خلف في وصية البالغ العاقل غير المحجور عليه‪ ،‬واختلف فهي غيره‪ ،‬فقال مالك‪ :‬المهر‬
‫المجمهع عليهه عندنها أن الضعيهف فهي عقله والسهفيه والمصهاب الذي يفيهق أحيانها وصهاياهم إذا كان‬
‫معههم مهن عقولههم مها يعرفون مها يوصهون بهه‪ .‬وكذلك الصهبي الصهغير إذا كان يعقهل مها أوصهى بهه‬
‫ولم يأت بمنكههر مههن القول فوصههيته جائزة ماضيههة‪ .‬وقال أبههو حنيفههة وأصههحابه‪ :‬ل تجوز وصههية‬
‫الصبي‪ .‬وقال المزني‪ :‬وهو قياس قول الشافعي‪ ،‬ولم أجد للشافعي في ذلك شيئا ذكره ونص عليه‪.‬‬
‫واختلف أصحابه على قولين‪ :‬أحدهما كقول مالك‪ ،‬والثاني كقول أبي حنيفة‪ .‬وحجتهم أنه ل يجوز‬
‫طلقه ول عتاقه ول يقتص منه في جناية ول يحد في قذف‪ ،‬فليس كالبالغ المحجور عليه‪ ،‬فكذلك‬
‫وصيته‪ .‬قال أبو عمر‪ :‬قد اتفق هؤلء على أن وصية البالغ المحجور عليه جائزة‪ .‬ومعلوم أن من‬
‫يعقهل مهن الصهبيان مها يوصهي بهه فحاله حال المحجور عليهه فهي ماله‪ ،‬وعلة الحجهر تبذيهر المال‬
‫وإتلفه‪ ،‬وتلك علة مرتفعة عنه بالموت‪ ،‬وهو بالمحجور عليه في ماله أشبه منه بالمجنون الذي ل‬
‫يعقل‪ ،‬فوجب أن تجوز وصيته مع المر الذي جاء فيه عن عمر رضي الّ عنه‪ .‬وقال مالك‪ :‬إنه‬
‫المر المجمع عليه عندهم بالمدينة‪ ،‬وبالّ التوفيق‪ .‬وقال محمد بن شريح‪ :‬من أوصى من صغير‬
‫أو كبير فأصاب الحق فالّ قضاه على لسانه ليس للحق مدفع‪.‬‬
‫@قوله تعالى‪" :‬بالمعروف" يعني بالعدل‪ ،‬ل وكس فيه ول شطط‪ ،‬وكان هذا موكل إلى اجتهاد‬
‫ل سهبحانه تقديهر ذلك على لسهان نهبيه عليهه السهلم‪ ،‬فقال عليهه‬ ‫الميهت ونظهر الموصهي‪ ،‬ثهم تولى ا ّ‬
‫السهلم‪( :‬الثلث والثلث كثيهر)‪ ،‬وقهد تقدم مها للعلماء فهي هذا‪ .‬وقال صهلى الّ عليهه وسهلم‪( :‬إن الّ‬
‫تصههدق عليكههم بثلث أموالكههم عنههد وفاتكههم زيادة لكههم فههي حسههناتكم ليجعلههها لكههم زكاة)‪ .‬أخرجههه‬
‫الدارقطني عن أبي أمامة عن معاذ بن جبل عن النبي صلى الّ عليه وسلم‪ .‬وقال الحسن‪ :‬ل تجوز‬
‫وصهية إل فهي الثلث‪ ،‬وإليهه ذههب البخاري واحتهج بقوله تعالى‪" :‬وأن احكهم بينههم بمها أنزل ال"‬
‫[المائدة‪ ]49 :‬وحكهم النهبي صهلى الّ عليهه وسهلم بأن الثلث كثيهر ههو الحكهم بمها أنزل الّ‪ .‬فمهن‬
‫ل صهلى الّ عليهه وسهلم وزاد على الثلث فقهد أتهى مها نههى النهبي صهلى الّ‬ ‫تجاوز مها حده رسهول ا ّ‬
‫ل صلى الّ عليه وسلم عالما‪ .‬وقال‬ ‫عليه وسلم عنه‪ ،‬وكان بفعله ذلك عاصيا إذا كان بحكم رسول ا ّ‬
‫الشافعي‪ :‬وقوله (الثلث كثير) يريد أنه غير قليل‪.‬‬
‫@قوله تعالى‪" :‬حقها على المتقيهن" يعنهي ثابتها ثبوت نظهر وتحصهين‪ ،‬ل ثبوت فرض ووجوب‬
‫بدليههل قوله‪" :‬على المتقيههن" وهذا يدل على كونههه ندبهها‪ ،‬لنههه لو كان فرضهها لكان على جميههع‬
‫المسهلمين‪ ،‬فلمها خهص الّ من يتقهي‪ ،‬أي يخاف تقصهيرا‪ ،‬دل على أنه غيهر لزم إل فيمها يتوقهع تلفه‬
‫إن مات‪ ،‬فيلزمهه فرضها المبادرة بكتبهه والوصهية بهه‪ ،‬لنهه إن سهكت عنهه كان تضييعها له وتقصهيرا‬
‫منه‪ ،‬وقد تقدم هذا المعنى‪ .‬وانتصب "حقا" على المصهدر المؤكد‪ ،‬ويجوز في غير القرآن "حق"‬
‫بمعنى ذلك حق‪.‬‬
‫@ قال العلماء‪ :‬المبادرة بكتهب الوصهية ليسهت مأخوذة مهن هذه اليهة‪ .‬وإنمها ههي مهن حديهث ابهن‬
‫عمر‪ .‬وفائدتها‪ :‬المبالغة في زيادة الستيثاق وكونها مكتوبة مشهودا بها وهي الوصية المتفق على‬
‫العمل بها‪ ،‬فلو أشهد العدول وقاموا بتلك الشهادة لفظا لعمل بها وإن لم تكتب خطا‪ ،‬فلو كتبها بيده‬
‫ولم يشهد فلم يختلف قول مالك أنه ل يعمل بها إل فيما يكون فيها من إقرار بحق لمن ل يتهم عليه‬
‫فيلزمه تنفيذه‪.‬‬
‫@ روى الدارقطني عن أنس بن مالك قال‪ :‬كانوا يكتبون في صدور وصاياهم (هذا ما أوصى به‬
‫فلن بن فلن أنه يشهد أن ل إله إل الّ وحده ل شريك له‪ ،‬وأن محمدا عبده ورسوله‪ ،‬وأن الساعة‬
‫ل حهق‬ ‫ل يبعهث مهن فهي القبور‪ .‬وأوصهى مهن ترك بعده مهن أهله بتقوى ا ّ‬ ‫آتيهة ل ريهب فيهها‪ ،‬وأن ا ّ‬
‫تقاتهه وأن يصهلحوا ذات بينههم‪ ،‬ويطيعوا الّ ورسهوله إن كانوا مؤمنيهن‪ ،‬وأوصهاهم بمها وصهى بهه‬
‫ل أصطفى لكم الدين فل تموتن إل وأنتم مسلمون)‪.‬‬ ‫إبراهيم بنيه ويعقوب‪ :‬يا بني إن ا ّ‬
‫*‪*3‬الية‪{ 181 :‬فمن بدله بعد ما سمعه فإنما إثمه على الذين يبدلونه إن ال سميع عليم}‬
‫@قوله تعالى‪" :‬فمن بدله" شرط‪ ،‬وجوابه "فإنما إثمه على الذين يبدلونه" و"ما" كافة "لن" عن‬
‫العمهل‪ .‬و"إثمهه" رفهع بالبتداء‪" ،‬على الذيهن يبدلونهه" موضهع الخهبر‪ .‬والضميهر فهي "بدله" يرجهع‬
‫إلى اليصهاء‪ ،‬لن الوصهية فهي معنهى اليصهاء‪ ،‬وكذلك الضميهر فهي "سهمعه"‪ ،‬وههو كقوله‪" :‬فمهن‬
‫جاءه موعظهة مهن ربهه" [البقرة‪ ]275:‬أي وعهظ‪ ،‬وقوله‪" :‬إذا حضهر القسهمة" [النسهاء‪ ]8 :‬أي‬
‫المال‪ ،‬بدليل قوله "منه"‪ .‬ومثله قول الشاعر‪:‬‬
‫ما هذه الصوت‬
‫أي الصيحة‪ .‬وقال امرؤ القيس‪:‬‬
‫كخرعوبة البانة المنفطر‬ ‫برهرهة رؤدة رخصة‬
‫والمنفطههر المنتفههخ بالورق‪ ،‬وهههو أنعههم مهها يكون‪ ،‬ذهههب إلى القضيههب وترك لفههظ الخرعوبههة‪.‬‬
‫و"سهمعه" يحتمهل أن يكون سهمعه مهن الوصهي نفسهه‪ ،‬ويحتمهل أن يكون سهمعه ممهن يثبهت بهه ذلك‬
‫عنده‪ ،‬وذلك عدلن‪ .‬والضميهر فهي "إثمهه" عائد على التبديهل‪ ،‬أي إثهم التبديهل عائد على المبدل ل‬
‫على الميهت‪ ،‬فإن الموصهي خرج بالوصهية عهن اللوم وتوجههت على الوارث أو الولي‪ .‬وقيهل‪ :‬إن‬
‫هذا الموصي إذا غير الوصية أو لم يجزها على ما رسم له في الشرع فعليه الثم‪.‬‬
‫@ في هذه الية دليل على أن الدين إذا أوصى به الميت خرج به عن ذمته وحصل الولي مطلوبا‬
‫به‪ ،‬له الجر في قضائه‪ ،‬وعليه الوزر في تأخيره‪ .‬وقال القاضي أبو بكر بن العربي‪" :‬وهذا إنما‬
‫يصهح إذا كان الميهت لم يفرط فهي أدائه‪ ،‬وأمها إذا قدر عليهه وتركهه ثهم وصهى بهه فإنهه ل يزيله عهن‬
‫ذمته تفريط الولي فيه"‪.‬‬
‫ول خلف أنه إذا أوصى بما ل يجوز‪ ،‬مثل أن يوصي بخمر أو خنزير أو شيء من المعاصي‬
‫أنه يجوز تبديله ول يجوز إمضاؤه‪ ،‬كما ل يجوز إمضاء ما زاد على الثلث‪ ،‬قاله أبو عمر‪.‬‬
‫@قوله تعالى‪" :‬إن ال سهميع عليهم" صهفتان ل تعالى ل يخفهى معهمها شيهء مهن جنهف الموصهين‬
‫وتبديل المعتدين‪.‬‬
‫*‪*3‬اليهة‪{ 182 :‬فمهن خاف مهن موص جنفها أو إثمها فأصهلح بينههم فل إثهم عليهه إن ال غفور‬
‫رحيم}‬
‫@قوله تعالى‪" :‬فمهن خاف" "مهن" شرط‪ ،‬و"خاف" بمعنهى خشهي‪ .‬وقيهل‪ :‬علم‪ .‬والصهل خوف‪،‬‬
‫قلبهت الواو ألفها لتحركهها وتحرك مها قبلهها‪ .‬وأههل الكوفهة يميلون "خاف" ليدلوا على الكسهرة مهن‬
‫فعلت‪" .‬مههن موص" بالتشديههد قراءة أبههي بكههر عههن عاصههم وحمزة والكسههائي‪ ،‬وخفههف الباقون‪،‬‬
‫والتخفيف أبين‪ ،‬لن أكثر النحويين يقولون "موص" للتكثير‪ .‬وقد يجوز أن يكون مثل كرم وأكرم‪.‬‬
‫"جنفها" مهن جنهف يجنهف إذا جار‪ ،‬والسهم منهه جنهف وجانهف‪ ،‬عهن النحاس‪ .‬وقيهل‪ :‬الجنهف الميهل‪.‬‬
‫قال العشى‪:‬‬
‫وما قصدت من أهلها لسوائكا‬ ‫تجانف عن حجر اليمامة ناقتي‬
‫وفهي الصهحاح‪" :‬الجنهف" الميهل‪ .‬وقهد جنهف بالكسهر يجنهف جنفها إذا مال‪ ،‬ومنهه قوله تعالى‪" :‬فمهن‬
‫خاف من موص جنفا"‪ .‬قال الشاعر‪:‬‬
‫وإنا من لقائهم لزور‬ ‫هم المولى وإن جنفوا علينا‬
‫قال أبو عبيدة‪ :‬المولى ههنا في موضع الموالي‪ ،‬أي بني العم‪ ،‬كقوله تعالى‪" :‬ثم يخرجكهم طفل"‪.‬‬
‫وقال لبيد‪:‬‬
‫ضيمي وقد جنفت علي خصومي‬ ‫إني امرؤ منعت أرومة عامر‬
‫قال أبو عبيدة‪ :‬وكذلك الجانئ (بالهمز) وهو المائل أيضا‪ .‬ويقال‪ :‬أجنف الرجل‪ ،‬أي جاء بالجنف‪.‬‬
‫كمها يقال‪ :‬ألم‪ ،‬أي أتهى بمها يلم عليهه‪ .‬وأخهس‪ ،‬أي أتهى بخسهيس‪ .‬وتجانهف لثهم‪ ،‬أي مال‪ .‬ورجهل‬
‫أجنهف‪ ،‬أي منحنهي الظههر‪ .‬وجنفهى (على فعلى بضهم الفاء وفتهح العيهن"‪ :‬اسهم موضهع‪ ،‬عهن ابهن‬
‫السهكيت‪ .‬وروي عهن علي أنهه قرأ "حيفها" بالحاء والياء‪ ،‬أي ظلمها‪ .‬وقال مجاههد‪" :‬فمهن خاف" أي‬
‫من خشي أن يجنف الموصي ويقطع ميراث طائفة ويتعمد الذية‪ ،‬أو يأتيها دون تعمد‪ ،‬وذلك هو‬
‫الجنف دون إثم‪ ،‬فإن تعمد فهو الجنف في إثم‪ .‬فالمعنى من وعظ في ذلك ورد عنه فأصلح بذلك ما‬
‫بينهه وبيهن ورثتهه وبيهن الورثهة فهي ذاتههم فل إثهم عليهه‪" .‬فل إثهم عليهه" أي ل يلحقهه إثهم المبدل‬
‫المذكور قبل‪ .‬وإن كان في فعله تبديل ما ول بد‪ ،‬ولكنه تبديل لمصلحة‪ .‬والتبديل الذي فيه الثم إنما‬
‫هههو تبديههل الهوى‪" .‬إن ال غفور" عههن الموصههي إذا عملت فيههه الموعظههة ورجههع عمهها أراد مههن‬
‫الذيهة‪ .‬وقال ابهن عباس وقتادة والربيهع وغيرههم‪ :‬معنهى اليهة مهن خاف أي علم ورأى وأتهى علمهه‬
‫عليهه بعهد موت الموصهي أن الموصهي جنهف وتعمهد أذيهة بعهض ورثتهه فأصهلح مها وقهع بيهن الورثهة‬
‫من الضطراب والشقاق‪.‬‬
‫@ الخطاب بقوله‪" :‬فمن خاف" لجميع المسلمين‪ .‬قيل لهم‪ :‬إن خفتم من موص ميل في الوصية‬
‫وعدول عهن الحههق ووقوعها فههي إثهم ولم يخرجههها بالمعروف‪ ،‬وذلك بأن يوصههي بالمال إلى زوج‬
‫ابنته أو لولد ابنته لينصرف المال إلى ابنته‪ ،‬أو إلى ابن ابنه والغرض أن ينصرف المال إلى ابنه‪،‬‬
‫أو أوصى لبعيد وترك القريب‪ ،‬فبادروا إلى السعي في الصلح بينهم‪ ،‬فإذا وقع الصلح سقط الثم‬
‫عن المصلح‪ .‬والصلح فرض على الكفاية‪ ،‬فإذا قام أحدهم به سقط عن الباقين‪ ،‬وإن لم يفعلوا أثم‬
‫الكل‪.‬‬
‫@ في هذه الية دليل على الحكم بالظن‪ ،‬لنه إذا ظن قصد الفساد وجب السعي في الصلح‪ ،‬وإذا‬
‫تحقق الفساد لم يكن صلحا إنما يكون حكما بالدفع وإبطال للفساد وحسما له‪.‬‬
‫@قوله تعالى‪" :‬فأصلح بينهم" عطف على "خاف"‪ ،‬والكناية عن الورثة‪ ،‬ولم يجر لهم ذكر لنه‬
‫قد عرف المعنى‪ ،‬وجواب الشرط "فل إثم عليه"‪.‬‬
‫@ ل خلف أن الصدقة في حال الحياة والصحة أفضل منها عند الموت‪ ،‬لقوله عليه السلم وقد‬
‫سئل‪ :‬أي الصدقة أفضل؟ فقال‪( :‬أن تصدق وأنت صحيح شحيح) الحديث‪ ،‬أخرجه أهل الصحيح‪.‬‬
‫ل صهلى الّ عليهه وسهلم قال‪( :‬لن يتصهدق‬ ‫وروى الدارقطنهي عهن أبهي سهعيد الخدري أن رسهول ا ّ‬
‫المرء في حياته بدرهم خير له من أن يتصدق عند موته بمائة)‪ .‬وروى النسائي عن أبي الدرداء‬
‫عن النبي صلى الّ عليه وسلم قال‪( :‬مثل الذي ينفق أو يتصدق عند موته مثل الذي يهدي بعد ما‬
‫يشبع)‪.‬‬
‫@ من لم يضر في وصيته كانت كفارة لما ترك من زكاته‪ .‬روى الدارقطني عن معاوية ابن قرة‬
‫عن أبيه قال قال رسول الّ صلى الّ عليه وسلم‪( :‬من حضرته الوفاة فأوصى فكانت وصيته على‬
‫ل كانت كفارة لما ترك من زكاته)‪ .‬فإن ضر في الوصية وهي‪ :‬فقد روى الدار قطني أيضا‬ ‫كتاب ا ّ‬
‫عهن ابهن عباس عهن رسهول الّ صهلى الّ عليهه وسهلم قال‪( :‬الضرار فهي الوصهية مهن الكبائر)‪.‬‬
‫وروى أبههو داود عههن أبههي هريرة رضههي الّ عنههه أن رسههول الّ صههلى الّ عليههه وسههلم قال‪( :‬إن‬
‫ل سهتين سهنة ثهم يحضرهمها الموت فيضاران فهي الوصهية فتجهب‬ ‫الرجهل أو المرأة ليعمهل بطاعهة ا ّ‬
‫لهما النار)‪ .‬وترجم النسائي "الصلة على من جنف في وصيته" أخبرنا علي بن حجر أنبأنا هشيم‬
‫عهن منصهور وههو ابهن زاذان عهن الحسهن عهن عمران بهن حصهين رضهي الّ عنهه أن رجل أعتهق‬
‫سهتة مملوكيهن له عنهد موتهه ولم يكهن له مال غيرههم‪ ،‬فبلغ ذلك النهبي صهلى الّ عليهه وسهلم فغضهب‬
‫من ذلك وقال‪( :‬لقد هممت أل أصلي عليه) [ثم دعا مملوكيه] فجزأهم ثلثة أجزاء ثم أقرع بينهم‬
‫فأعتهق اثنيهن وأرق أربعهة‪ .‬وأخرجهه مسهلم بمعناه إل أنهه قال فهي آخره‪ :‬وقال له قول شديدا‪ ،‬بدل‬
‫قوله‪( :‬لقد هممت أل أصلي عليه)‪.‬‬
‫*‪*3‬اليهة‪{ 183 :‬يها أيهها الذيهن آمنوا كتهب عليكهم الصهيام كمها كتهب على الذيهن مهن قبلكهم لعلكهم‬
‫تتقون}‬
‫@قوله تعالى‪" :‬يها أيهها الذيهن آمنوا كتهب عليكهم الصهيام" لمها ذكهر مها كتهب على المكلفيهن مهن‬
‫القصاص والوصية ذكر أيضا أنه كتب عليهم الصيام وألزمهم إياه وأوجبه عليهم‪ ،‬ول خلف فيه‪،‬‬
‫قال صهلى الّ عليهه وسهلم‪( :‬بنهي السهلم على خمهس شهادة أن ل إله إل الّ وأن محمدا رسهول الّ‬
‫وإقام الصهلة وإيتاء الزكاة وصهوم رمضان والحهج) رواه ابهن عمهر‪ .‬ومعناه فهي اللغهة‪ :‬المسهاك‪،‬‬
‫ل تعالى‬‫وترك التنقههل مههن حال إلى حال‪ .‬ويقال للصههمت صههوم‪ ،‬لنههه إمسههاك عههن الكلم‪ ،‬قال ا ّ‬
‫مخهبرا عهن مريهم‪" :‬إنهي نذرت للرحمهن صهوما" [مريهم‪ ]26 :‬أي سهكوتا عهن الكلم‪ .‬والصهوم‪:‬‬
‫ركود الريهح‪ ،‬وههو إمسهاكها عهن الهبوب‪ .‬وصهامت الدابهة على آريهها‪ :‬قامهت وثبتهت فلم تعتلف‪.‬‬
‫وصام النهار‪ :‬اعتدل‪ .‬ومصام الشمس حيث تستوي في منتصف النهار‪ ،‬ومنه قول النابغة‪:‬‬
‫تحت العجاج وخيل تعلك اللجما‬ ‫خيل صيام وخيل غير صائمة‬
‫أي خيل ثابتة ممسكة عن الجري والحركة‪ ،‬كما قال‪:‬‬
‫كأن الثريا علقت في مصامها‬
‫أي هي ثابتة في مواضعها فل تنتقل‪ ،‬وقوله‪:‬‬
‫والبكرات شرهن الصائما‬
‫يعني التي ل تدور‪ .‬وقال امرؤ القيس‪:‬‬
‫ذمول إذا صام النهار وهجرا‬ ‫فدعها وسل الهم عنك بجسرة‬
‫أي أبطأت الشمس عن النتقال والسير فصارت بالبطاء كالممسكة‪ .‬وقال آخر‪:‬‬
‫وسال للشمس لعاب فنزل‬ ‫حتى إذا صام النهار واعتدل‬
‫وقال آخر‪:‬‬
‫د ما تطعم النوم إل صياما‬ ‫نعاما بوجرة صفر الخدو‬
‫أي قائمة‪ .‬والشعر في هذا المعنى كثير‪.‬‬
‫والصهوم فهي الشرع‪ :‬المسهاك عهن المفطرات مهع اقتران النيهة بهه مهن طلوع الفجهر إلى غروب‬
‫الشمههس‪ ،‬وتمامههه وكماله باجتناب المحظورات وعدم الوقوع فههي المحرمات‪ ،‬لقوله عليههه السههلم‪:‬‬
‫(من لم يدع قول الزور والعمل به فليس ل حاجة في أن يدع طعامه وشرابه)‪.‬‬
‫@ فضل الصوم عظيم‪ ،‬وثوابه جسيم‪ ،‬جاءت بذلك أخبار كثيرة صحاح وحسان ذكرها الئمة في‬
‫ل بالضافة إليه‪ ،‬كما‬ ‫مسانيدهم‪ ،‬وسيأتي بعضها‪ ،‬ويكفيك الن منها في فضل الصوم أن خصه ا ّ‬
‫ثبت في الحديث عن النبي صلى الّ عليه وسلم أنه قال مخبرا عن ربه‪( :‬يقول الّ تبارك وتعالى‬
‫كهل عمهل ابهن آدم له إل الصهوم فإنهه لي وأنها أجزي بهه) الحديهث‪ .‬وإنمها خهص الصهوم بأنهه له وإن‬
‫كانت العبادات كلها له لمرين باين الصوم بهما سائر العبادات‪ .‬أحدهما‪ :‬أن الصوم يمنع من ملذ‬
‫النفس وشهواتها ما ل يمنع منه سائر العبادات‪ .‬الثاني‪ :‬أن الصوم سر بين العبد وبين ربه ل يظهر‬
‫إل له‪ ،‬فلذلك صار مختصا به‪ .‬وما سواه من العبادات ظاهر‪ ،‬ربما فعله تصنعا ورياء‪ ،‬فلهذا صار‬
‫أخص بالصوم من غيره‪ .‬وقيل غير هذا‪.‬‬
‫@قوله تعالى‪" :‬كما كتب" الكاف في موضع نصب على النعت‪ ،‬التقدير كتابا كما‪ ،‬أو صوما كما‪.‬‬
‫أو على الحال من الصيام أي كتب عليكم الصيام مشبها كما كتب على الذين من قبلكم‪ .‬وقال بعض‬
‫النحاة‪ :‬الكاف فهي موضع رفهع نعتها للصيام‪ ،‬إذ ليهس تعريفه بمحهض‪ ،‬لمكان الجمال الذي فيهه بما‬
‫فسهرته الشريعهة‪ ،‬فلذلك جاز نعتهه "بكمها" إذ ل ينعهت بهها إل النكرات‪ ،‬فههو بمنزلة كتهب عليكهم‬
‫صهيام‪ ،‬وقهد ضعهف هذا القول‪ .‬و"مها" فهي موضهع خفهض‪ ،‬وصهلتها‪" :‬كتهب على الذيهن مهن قبلكهم"‪.‬‬
‫والضمير في "كتب" يعود على "ما"‪ .‬واختلف أهل التأويل في موضع التشبيه وهي‪:‬‬
‫ل تعالى كتب‬ ‫قال الشعبي وقتادة وغيرهما‪ :‬التشبيه يرجع إلى وقت الصوم وقدر الصوم‪ ،‬فإن ا ّ‬
‫على قوم موسى وعيسى صوم رمضان فغيروا‪ ،‬وزاد أحبارهم عليهم عشرة أيام ثم مرض بعض‬
‫ل أن يزيهد فهي صهومهم عشرة أيام ففعهل‪ ،‬فصهار صهوم النصهارى خمسهين‬ ‫أحبارههم فنذر إن شفاه ا ّ‬
‫يوما‪ ،‬فصعب عليهم في الحر فنقلوه إلى الربيع‪ .‬واختار هذا القول النحاس وقال‪ :‬وهو الشبه بما‬
‫في الية‪ .‬وفيه حديث يدل على صحته أسنده عن دغفل بن حنظلة عن النبي صلى الّ عليه وسلم‬
‫قال‪( :‬كان على النصارى صوم شهر فمرض رجل منهم فقالوا لئن شفاه الّ لنزيدن عشرة ثم كان‬
‫ل لنزيدن سههبعة ثههم كان ملك آخههر فقالوا لنتمههن هذه‬
‫آخههر فأكههل لحمهها فأوجههع فاه فقالوا لئن شفاه ا ّ‬
‫السهبعة اليام ونجعهل صهومنا فهي الربيهع قال فصهار خمسهين)‪ .‬وقال مجاههد‪ :‬كتهب الّ عهز وجهل‬
‫صهوم شههر رمضان على كهل أمة‪ .‬وقيهل‪ :‬أخذوا بالوثيقة فصهاموا قبل الثلثين يومها وبعدها يومها‪،‬‬
‫قرنهها بعههد قرن‪ ،‬حتههى بلغ صههومهم خمسههين يومهها‪ ،‬فصههعب عليهههم فههي الحههر فنقلوه إلى الفصههل‬
‫الشمسي‪ .‬قال النقاش‪ :‬وفي ذلك حديث عن دغفل بن حنظلة والحسن البصري والسدي‪.‬‬
‫قلت‪ :‬ولهذا ‪ -‬والّ أعلم ‪ -‬كره الن صهوم يوم الشهك والسهتة مهن شوال بإثهر يوم الفطهر متصهل‬
‫به‪ .‬قال الشعبي‪ :‬لو صمت السنة كلها لفطرت يوم الشك‪ ،‬وذلك أن النصارى فرض عليهم صوم‬
‫شهههر رمضان كمها فرض علينها‪ ،‬فحولوه إلى الفصهل الشمسهي‪ ،‬لنهه قههد كان يوافهق القيهظ فعدوا‬
‫ثلثين يوما‪ ،‬ثم جاء بعدهم قرن فأخذوا بالوثيقة لنفسهم فصاموا قبل الثلثين يوما وبعدها يوما‪،‬‬
‫ثهم لم يزل الخهر يسهتن بسهنة مهن كان قبله حتهى صهاروا إلى خمسهين يومها فذلك قوله تعالى‪" :‬كمها‬
‫كتهب على الذيهن مهن قبلكهم"‪ .‬وقيهل‪ :‬التشهبيه راجهع إلى أصهل وجوبهه على مهن تقدم‪ ،‬ل فهي الوقهت‬
‫والكيفيهة‪ .‬وقيهل‪ :‬التشهبيه واقهع على صهفة الصهوم الذي كان عليههم مهن منعههم مهن الكهل والشرب‬
‫والنكاح‪ ،‬فإذا حان الفطار فل يفعهل هذه الشياء مهن نام‪ .‬وكذلك كان فهي النصهارى أول وكان فهي‬
‫أول السلم‪ ،‬ثم نسخه الّ تعالى بقوله‪" :‬أحل لكم ليلة الصيام الرفث إلى نسائكم" [البقرة‪]187 :‬‬
‫على ما يأتي بيانه‪ ،‬قاله السدي وأبو العالية والربيع‪ .‬وقال معاذ بن جبل وعطاء‪ :‬التشبيه واقع على‬
‫الصههوم ل على الصههفة ول على العدة وإن اختلف الصههيامان بالزيادة والنقصههان‪ .‬المعنههى‪" :‬كتههب‬
‫عليكم الصيام" أي في أول السلم ثلثة أيام من كل شهر ويوم عاشوراء‪" ،‬كما كتب على الذين‬
‫من قبلكم" وهم اليهود ‪ -‬في قول ابن عباس ‪ -‬ثلثة أيام ويوم عاشوراء‪ .‬ثم نسخ هذا في هذه المة‬
‫بشهر رمضان‪ .‬وقال معاذ بن جبل‪ :‬نسخ ذلك "بأيام معدودات" ثم نسخت اليام برمضان‪.‬‬
‫@قوله تعالى‪" :‬لعلكههم تتقون" "لعههل" ترج فههي حقهههم‪ ،‬كمهها تقدم‪ .‬و"تتقون" قيههل‪ :‬معناه هنهها‬
‫تضعفون‪ ،‬فإنهه كلمها قهل الكهل ضعفهت الشهوة‪ ،‬وكلمها ضعفهت الشهوة قلت المعاصهي وهذا وجهه‬
‫مجازي حسهن‪ .‬وقيهل‪ :‬لتتقوا المعاصهي‪ .‬وقيهل‪ :‬ههو على العموم‪ ،‬لن الصهيام كمها قال عليهه السهلم‪:‬‬
‫(الصيام جنة ووجاء) وسبب تقوى‪ ،‬لنه يميت الشهوات‪.‬‬
‫*‪*3‬الية‪{ 184 :‬أياما معدودات فمن كان منكم مريضا أو على سفر فعدة من أيام أخر وعلى‬
‫الذيهن يطيقونهه فديهة طعام مسهكين فمهن تطوع خيرا فههو خيهر له وأن تصهوموا خيهر لكهم إن كنتهم‬
‫تعلمون}‬
‫@قوله تعالى‪" :‬أيامها معدودات" "أيامها" مفعول ثان "بكتهب"‪ ،‬قاله الفراء‪ .‬وقيهل‪ :‬نصهب على‬
‫الظرف "لكتهب"‪ ،‬أي كتهب عليكهم الصهيام فهي أيام‪ .‬واليام المعدودات‪ :‬شههر رمضان‪ ،‬وهذا يدل‬
‫على خلف ما روي عن معاذ‪ ،‬والّ أعلم‪.‬‬
‫@قوله تعالى‪" :‬فمن كان منكم مريضا" للمريض حالتان‪ :‬إحداهما‪ :‬أل يطيق الصوم بحال‪ ،‬فعليه‬
‫الفطهر واجبها‪ .‬الثانيهة‪ :‬أن يقدر على الصهوم بضرر ومشقهة‪ ،‬فهذا يسهتحب له الفطهر ول يصهوم إل‬
‫جاهل‪ .‬قال ابن سيرين‪ :‬متى حصل النسان في حال يستحق بها اسم المرض صح الفطر‪ ،‬قياسا‬
‫على المسهافر لعلة السهفر‪ ،‬وإن لم تدع إلى الفطهر ضرورة‪ .‬قال طريهف بهن تمام العطاردي‪ :‬دخلت‬
‫على محمههد بههن سههيرين فههي رمضان وههو يأكههل‪ ،‬فلمهها فرع قال‪ :‬إنهه وجعههت أصههبعي هذه‪ .‬وقال‬
‫جمهور مههن العلماء‪ :‬إذا كان بههه مرض يؤلمههه ويؤذيههه أو يخاف تماديههه أو يخاف تزيده صههح له‬
‫الفطههر‪ .‬قال ابههن عطيههة‪ :‬وهذا مذهههب حذاق أصههحاب مالك وبههه يناظرون‪ .‬وأمهها لفههظ مالك فهههو‬
‫المرض الذي يشهق على المرء ويبلغ بهه‪ .‬وقال ابهن خويهز منداد‪ :‬واختلفهت الروايهة عهن مالك فهي‬
‫المرض المبيهح للفطهر‪ ،‬فقال مرة‪ :‬ههو خوف التلف مهن الصهيام‪ .‬وقال مرة‪ :‬شدة المرض والزيادة‬
‫فيه والمشقة الفادحة‪ .‬وهذا صحيح مذهبه وهو مقتضى الظاهر‪ ،‬لنه لم يخص مرضا من مرض‬
‫فهو مباح في كل مرض‪ ،‬إل ما خصه الدليل من الصداع والحمى والمرضى اليسير الذي ل كلفة‬
‫معهه فهي الصهيام‪ .‬وقال الحسهن‪ :‬إذا لم يقدر مهن المرض على الصهلة قائمها أفطهر‪ ،‬وقاله النخعهي‪.‬‬
‫وقالت فرقههة‪ :‬ل يفطههر بالمرض إل مههن دعتههه ضرورة المرض نفسههه إلى الفطههر‪ ،‬ومتههى احتمههل‬
‫ل تعالى‪.‬‬ ‫الضرورة معه لم يفطر‪ .‬وهذا قول الشافعي رحمه ا ّ‬
‫ل تعالى‪ .‬قال البخاري‪ :‬اعتللت‬ ‫قلت‪ :‬قول ابهههن سهههيربن أعدل شيهههء فهههي هذا الباب إن شاء ا ّ‬
‫بنيسابور علة خفيفة وذلك في شهر رمضان‪ ،‬فعادني إسحاق بن راهوية نفر من أصحابه فقال لي‪:‬‬
‫أفطرت يها أبها عبدال؟ فقلت نعهم‪ .‬فقال‪ :‬خشيهت أن تضعهف عهن قبول الرخصهة‪ .‬قلت‪ :‬حدثنها عبدان‬
‫عن ابن المبارك عن ابن جريج قال قلت لعطاء‪ :‬من أي المرض أفطر؟ قال‪ :‬من أي مرض كان‪،‬‬
‫كما قال الّ تعالى‪" :‬فمن كان منكم مريضا" قال البخاري‪ :‬وهذا الحديث لم يكن عند إسحاق‪ .‬وقال‬
‫أبهو حنيفهة‪ :‬إذا خاف الرجهل على نفسهه وههو صهائم إن لم يفطهر أن تزداد عينهه وجعها أو حماه شدة‬
‫أفطر‪.‬‬
‫@قوله تعالى‪" :‬أو على سهفر" اختلف العلماء فهي السهفر الذي يجوز فيهه الفطهر والقصهر‪ ،‬بعهد‬
‫إجماعهههم على سههفر الطاعههة كالحههج والجهاد‪ ،‬ويتصههل بهذيههن سههفر صههلة الرحههم وطلب المعاش‬
‫الضروري‪ .‬أمها سهفر التجارات والمباحات فمختلف فيهه بالمنهع والجازة‪ ،‬والقول بالجواز أرجهح‪.‬‬
‫وأمها سهفر العاصهي فيختلف فيهه بالجواز والمنهع‪ ،‬والقول بالمنهع أرجهح‪ ،‬قاله ابهن عطيهة‪ .‬ومسهافة‬
‫الفطر عند مالك حيث تقصر الصلة واختلف العلماء في قدر ذلك‪ ،‬فقال مالك‪ :‬يوم وليلة‪ ،‬ثم رجع‬
‫فقال‪ :‬ثمانيهة وأربعون ميل قال ابهن خويهز منداد‪ :‬وههو ظاههر مذهبهه‪ ،‬وقال مرة‪ :‬اثنان وأربعون‬
‫ميل وقال مرة سهههتة وثلثون ميل وقال مرة‪ :‬مسهههيرة يوم وليلة‪ ،‬وروى عنهههه يومان‪ ،‬وههههو قول‬
‫الشافعي‪ .‬وفصل مرة بين البر والبحر‪ ،‬فقال في البحر مسيرة يوم وليلة‪ ،‬وفي البر ثمانية وأربعون‬
‫ميل‪ ،‬وفههي المذهههب ثلثون ميل‪ ،‬وفههي غيههر المذهههب ثلثههة أميال‪ .‬وقال ابههن عمرو وابههن عباس‬
‫والثوري‪ :‬الفطر في سفر ثلثة أيام‪ ،‬حكاه ابن عطية‪.‬‬
‫قلت‪ :‬والذي فهي البخاري‪ :‬وكان ابهن عمهر وابهن عباس يفطران ويقصهران فهي أربعهة برد وههي‬
‫ستة عشر فرسخا‪.‬‬
‫@ اتفق العلماء على أن المسافر في رمضان ل يجوز له أن يبيت الفطر‪ ،‬لن المسافر ل يكون‬
‫مسهافرا بالنيهة بخلف المقيهم‪ ،‬وإنمها يكون مسهافرا بالعمهل والنهوض‪ ،‬والمقيهم ل يفتقهر إلى عمهل‪،‬‬
‫لنه إذا نوى القامة كان مقيما في الحين‪ ،‬لن القامة ل تفتقر إلى عمل فافترقا‪ .‬ول خلف بينهم‬
‫أيضا في الذي يؤمل السفر أنه ل يجوز له أن يفطر قبل أن يخرج‪ ،‬فإن أفطر فقال ابن حبيب‪ :‬إن‬
‫كان قههد تأهههب لسههفره وأخههذ فههي أسههباب الحركههة فل شيههء عليههه‪ ،‬وحكههى ذلك عههن أصههبغ وابههن‬
‫الماجشون‪ ،‬فإن عاقه عن السفر عائق كان عليه الكفارة‪ ،‬وحسبه أن ينجو إن سافر‪ .‬وروى عيسى‬
‫عهن ابهن القاسهم أنهه ليهس عليهه إل قضاء يوم‪ ،‬لنهه متأول فهي فطره‪ .‬وقال أشههب‪ :‬ليهس عليهه شيهء‬
‫مهن الكفارة سهافر أو لم يسهافر‪ .‬وقال سهحنون‪ :‬عليهه الكفارة سهافر أو لم يسهافر‪ ،‬وههو بمنزلة المرأة‬
‫تقول‪ :‬غدا تأتينههي حيضتههي‪ ،‬فتفطههر لذلك‪ ،‬ثههم رجههع إلى قول عبدالملك وأصههبغ وقال‪ :‬ليههس مثههل‬
‫المرأة‪ ،‬لن الرجل يحدث السفر إذا شاء‪ ،‬والمرأة ل تحدث الحيضة‪.‬‬
‫قلت‪ :‬قول ابن القاسم وأشهب في نفي الكفارة حسن‪ ،‬لنه فعل ما يجوز له فعله‪ ،‬والذمة بريئة‪،‬‬
‫فل يثبت فيها شيء إل بيقين ول يقين مع الختلف‪ ،‬ثم إنه مقتضى قوله تعالى‪" :‬أو على سفر"‪.‬‬
‫وقال أبو عمر‪ :‬هذا أصح أقاويلهم في هذه المسألة‪ ،‬لنه غير منتهك لحرمة الصوم بقصد إلى ذلك‬
‫وإنمها ههو متأول‪ ،‬ولو كان الكهل مهع نيهة السهفر يوجهب عليهه الكفارة لنهه كان قبهل خروجهه مها‬
‫أسهقطها عنهه خروجهه‪ ،‬فتأمهل ذلك تجده كذلك‪ ،‬إن شاء الّ تعالى‪ .‬وقهد روى الدارقطنهي‪ :‬حدثنها أبهو‬
‫بكر النيسابوري حدثنا إسماعيل بن إسحاق بن سهل بمصر قال حدثنا ابن أبي مريم حدثنا محمد‬
‫بن جعفر أخبرني زيد بن أسلم قال‪ :‬أخبرني محمد بن المنكدر عن محمد بن كعب أنه قال‪ :‬أتيت‬
‫أنس بن مالك في رمضان وهو يريد السفر وقد رحلت دابته ولبس ثياب السفر وقد تقارب غروب‬
‫الشمهس‪ ،‬فدعها بطعام فأكهل منهه ثهم ركهب‪ .‬فقلت له‪ :‬سهنة؟ قال نعهم‪ .‬وروي عهن أنهس أيضها قال قال‬
‫لي أبهو موسهى‪ :‬ألم أنبئنهك إذا خرجهت خرجهت صهائما‪ ،‬وإذا دخلت دخلت‪ ،‬صهائما‪ ،‬فإذا خرجهت‬
‫فأخرج مفطرا‪ ،‬وإذا دخلت فادخل مفطرا‪ .‬وقال الحسن البصري‪ :‬يفطر إن شاء في بيته يوم يريد‬
‫أن يخرج‪ .‬وقال أحمههد‪ :‬يفطههر إذا برز عههن البيوت‪ .‬وقال إسههحاق‪ :‬ل‪ ،‬بههل حيههن يضههع رجله فههي‬
‫الرحل‪ .‬قال ابن المنذر‪ :‬قول أحمد صحيح‪ ،‬لنهم يقولون لمن أصبح صحيحا ثم اعتل‪ :‬إنه يفطر‬
‫بقيهة يومه‪ ،‬وكذلك إذا أصهبح فهي الحضهر ثهم خرج إلى السهفر فله كذلك أن يفطهر‪ .‬وقالت طائفهة‪ :‬ل‬
‫يفطههر يومههه ذلك وإن نهههض فههي سههفره‪ ،‬كذلك قال الزهري ومكحول ويحيههى النصههاري ومالك‬
‫والوزاعهي والشافعهي وأبهو ثور وأصهحاب الرأي‪ .‬واختلفوا إن فعهل‪ ،‬فكلههم قال يقضهي ول يكفهر‪.‬‬
‫قال مالك‪ :‬لن السهفر عذر طارئ‪ ،‬فكان كالمرض يطرأ عليهه‪ .‬وروي عهن بعهض أصهحاب مالك‬
‫أنهه يقضهي ويكفهر‪ ،‬وههو قول ابهن كنانهة والمخزومهي‪ ،‬وحكاه الباجهي عهن الشافعهي‪ ،‬واختاره ابهن‬
‫العربههي وقال بههه‪ ،‬قال‪ :‬لن السههفر عذر طرأ بعههد لزوم العبادة ويخالف المرض والحيههض‪ ،‬لن‬
‫المرض يبيح له الفطر‪ ،‬والحيض يحرم عليها الصوم‪ ،‬والسفر ل يبيح له ذلك فوجبت عليه الكفارة‬
‫لهتههك حرمتههه‪ .‬قال أبههو عمههر‪ :‬وليههس هذا بشيههء‪ ،‬لن الّ سههبحانه قههد أباح له الفطههر فههي الكتاب‬
‫والسنة‪ .‬وأما قولهم ل يفطر فإنما ذلك استحباب لما عقده فإن أخذ برخصة الّ كان عليه القضاء‪،‬‬
‫ل ول رسهوله صهلى الّ عليهه‬ ‫وأمها الكفارة فل وجهه لهها‪ ،‬ومهن أوجبهها فقهد أوجهب مها لم يوجبهه ا ّ‬
‫وسهلم‪ .‬وقهد روي عهن ابهن عمهر فهي هذه المسهألة‪( :‬يفطهر إن شاء فهي يومهه ذلك إذا خرج مسهافرا)‬
‫وهو قول الشعبي وأحمد وإسحاق‪.‬‬
‫قلت‪ :‬وقهد ترجهم البخاري رحمهه الّ على هذه المسهألة [باب مهن أفطهر فهي السهفر ليراه الناس]‬
‫ل صهلى الّ عليهه وسهلم مهن المدينهة إلى مكهة‬ ‫وسهاق الحديهث عهن ابهن عباس قال‪( :‬خرج رسهول ا ّ‬
‫فصهام حتهى بلغ عسهفان‪ ،‬ثهم دعها بماء فرفعهه إلى يديهه ليريهه الناس فأفطهر حتهى قدم مكهة وذلك فهي‬
‫رمضان‪ .‬وأخرجه مسلم أيضا عن ابن عباس وقال فيه‪ :‬ثم دعا بإناء فيه شراب شربه نهارا ليراه‬
‫ل التوفيهق‪ .‬وفيهه أيضها‬
‫الناس ثهم أفطهر حتهى دخهل مكهة)‪ .‬وهذا نهص فهي الباب فسهقط مها خالفهه‪ ،‬وبا ّ‬
‫حجة على من يقول‪ :‬إن الصوم ل ينعقد في السفر‪ .‬روي عن عمر وابن عباس وأبي هريرة وابن‬
‫عمر‪ .‬قال ابن عمر‪( :‬من صام في السفر قضى في الحضر) وعن عبدالرحمن بن عوف‪( :‬الصائم‬
‫فهي السهفر كالمفطهر فهي الحضهر) وقال بهه قوم مهن أههل الظاههر‪ ،‬واحتجوا بقوله تعالى‪" :‬فعدة مهن‬
‫أيام أخر" على ما يأتي بيانه‪ ،‬وبما روى كعب بن عاصم قال‪ :‬سمعت النبي صلى الّ عليه وسلم‬
‫يقول‪( :‬ليس من البر الصيام في السفر)‪ .‬وفيه أيضا حجة على من يقول‪ :‬إن من بيت الصوم في‬
‫السههفر فله أن يفطههر وإن لم يكههن له عذر‪ ،‬وإليههه ذهههب مطرف‪ ،‬وهههو أحههد قولي الشافعههي وعليههه‬
‫جماعهة مهن أههل الحديهث‪ .‬وكان مالك يوجهب عليهه القضاء والكفارة لنهه كان مخيرا فهي الصهوم‬
‫والفطهر‪ ،‬فلمها اختار الصهوم وبيتهه لزمهه ولم يكهن له الفطهر‪ ،‬فإن أفطهر عامدا مهن غيهر عذر كان‬
‫عليه القضاء والكفارة‪ .‬وقد روي عنه أنه ل كفارة عليه‪ ،‬وهو قول أكثر أصحابه إل عبدالملك فإنه‬
‫قال‪ :‬إن أفطهر بجماع كفهر‪ ،‬لنهه ل يقوى بذلك على سهفره ول عذر له‪ ،‬لن المسهافر إنمها أبيهح له‬
‫الفطههر ليقوى بذلك على سههفره‪ .‬وقال سههائر الفقهاء بالعراق والحجاز‪ :‬إنههه ل كفارة عليههه‪ ،‬منهههم‬
‫الثوري والوزاعي والشافعي وأبو حنيفة وسائر فقهاء الكوفة‪ ،‬قاله أبو عمر‪.‬‬
‫@ واختلف العلماء في الفضل من الفطر أو الصوم في السفر‪ ،‬فقال مالك والشافعي في بعض ما‬
‫روي عنهما‪ :‬الصوم أفضل لمن قوي عليه‪ .‬وجل مذهب مالك التخيير وكذلك مذهب الشافعي‪ .‬قال‬
‫الشافعي ومن اتبعه‪ :‬هو مخير‪ ،‬ولم يفصل‪ ،‬وكذلك ابن علية‪ ،‬لحديث أنس قال‪( :‬سافرنا مع النبي‬
‫صهلى الّ عليهه وسهلم فهي رمضان فلم يعهب الصهائم على المفطهر ول المفطهر على الصهائم) خرجهه‬
‫مالك والبخاري ومسهلم‪ .‬وروي عن عثمان بهن أبي العاص الثقفهي وأنس بهن مالك صهاحبي رسهول‬
‫الّ صلى الّ عليه وسلم أنهما قال‪( :‬الصوم في السفر أفضل لمن قدر عليه) وهو قول أبي حنيفة‬
‫وأصحابه‪ .‬وروي عن ابن عمر وابن عباس‪ :‬الرخصة أفضل‪ ،‬وقال به سعيد بن المسيب والشعبي‬
‫وعمههر بههن عبدالعزيههز ومجاهههد وقتادة والوزاعههي وأحمههد وإسههحاق‪ .‬كههل هؤلء يقولون الفطههر‬
‫ل تعالى‪" :‬يريد ال بكم اليسر ول يريد بكم العسر" [البقرة‪]185:‬‬ ‫أفضل‪ ،‬لقول ا ّ‬
‫@قوله تعالى‪" :‬فعدة من أيام أخر" في الكلم حذف‪ ،‬أي من يكن منكم مريضا أو مسافرا فأفطر‬
‫فليقهض‪ .‬والجمهور من العلماء على أن أهل البلد إذا صهاموا تسعة وعشرين يومها وفهي البلد رجهل‬
‫مريض لم يصح فإنه يقضهي تسهعة وعشرين يوما‪ .‬وقال قوم منههم الحسهن بن صهالح بن حهي‪ :‬إنه‬
‫يقضي شهرا بشهر من غير مراعاة عدد اليام‪ .‬قال الكيا الطبري‪ :‬وهذا بعيد‪ ،‬لقوله تعالى‪" :‬فعدة‬
‫مهن أيام أخهر" ولم يقهل فشههر من أيام أخهر‪ .‬وقوله‪" :‬فعدة" يقتضهي اسهتيفاء عدد مها أفطهر فيهه‪ ،‬ول‬
‫شههك أنهه لو أفطههر بعهض رمضان وجهب قضاء مهها أفطههر بعده بعدده‪ ،‬كذلك يجههب أن يكون حكههم‬
‫إفطاره جميعه في اعتبار عدده‪.‬‬
‫@قوله تعالى‪" :‬فعدة" ارتفهع "عدة" على خبر البتداء‪ ،‬تقديره فالحكهم أو فالواجب عدة‪ ،‬ويصح‬
‫فعليهه عدة‪ .‬وقال الكسهائي‪ :‬ويجوز فعدة‪ ،‬أي فليصهم عدة مهن أيام‪ .‬وقيهل‪ :‬المعنهى فعليهه صهيام عدة‪،‬‬
‫فحذف المضاف وأقيمت العدة مقامة‪ .‬والعدة فعلة من العد‪ ،‬وهي بمعنى المعدود‪ ،‬كالطحن بمعنى‬
‫المطحون‪ ،‬تقول‪ :‬أسههمع جعجعههة ول أرى طحنهها‪ .‬ومنههه عدة المرأة‪" .‬مههن أيام أخههر" لم ينصههرف‬
‫"أخر" عند سيبوبه لنها معدولة عن اللف واللم‪ ،‬لن سبيل فعل من هذا الباب أن يأتي باللف‬
‫واللم‪ ،‬نحو الكبر والفضل‪ .‬وقال الكسائي‪ :‬هي معدولة عن آخر‪ ،‬كما تقول‪ :‬حمراء وحمر‪ ،‬فلذلك‬
‫لم تنصهرف‪ .‬وقيهل‪ :‬منعهت مهن الصهرف لنهها على وزن جمهع وههي صهفة ليام‪ ،‬ولم يجيهء أخرى‬
‫لئل يشكهل بأنهها صهفة للعدة‪ .‬وقيهل‪ :‬إن "أخهر" جمهع أخرى كأنهه أيام أخرى ثهم كثرت فقيهل‪ :‬أيام‬
‫أخر‪ .‬وقيل‪ :‬إن نعت اليام يكون مؤنثا فلذلك نعتت بأخر‪.‬‬
‫@اختلف الناس في وجوب تتابعها على قولين ذكرهما الدار قطني في "سننه"‪ ،‬فروي عن عائشة‬
‫رضههي الّ عنههها قالت‪ :‬نزلت "فعدة مههن أيام أخههر متتابعات" فسههقطت "متتابعات" قال هذا إسههناد‬
‫صحيح‪ .‬وروي عن أبي هريرة قال قال رسول الّ صلى الّ عليه وسلم‪( :‬من كان عليه صوم من‬
‫رمضان فليسرده ول يقطعه) في إسناده عبدالرحمن بن إبراهيم ضعيف الحديث‪ .‬وأسنده عن ابن‬
‫عباس فهي قضاء رمضان "صهمه كيهف شئت"‪ .‬وقال ابهن عمهر‪" :‬صهمه كمها أفطرتهه"‪ .‬وأسهند عهن‬
‫أبي عبيدة بن الجراح وابن عباس وأبي هريرة ومعاذ بن جبل وعمرو بن العاص‪ .‬وعن محمد بن‬
‫المنكدر قال‪ :‬بلغني أن رسول الّ صلى الّ عليه وسلم سئل عن تقطيع صيام رمضان فقال‪( :‬ذلك‬
‫ل أحهق أن يعفهو‬ ‫إليهك أرأيهت لو كان على أحدكهم ديهن فقضهى الدرههم والدرهميهن ألم يكهن قضاه فا ّ‬
‫ويغفهر)‪ .‬إسهناده حسهن إل أنهه مرسهل ول يثبهت متصهل‪ .‬وفهي موطهأ مالك عهن نافهع أن عبدال بهن‬
‫عمر كان يقول‪ :‬يصوم رمضان متتابعا من أفطره متتابعا من مرض أو في سفر‪ .‬قال الباجي في‬
‫المنتقهى‪ :‬يحتمهل أن يريهد الخبار عهن الوجوب‪ ،‬ويحتمهل أن يريهد الخبار عهن السهتحباب‪ ،‬وعلى‬
‫السهتحباب جمهور الفقهاء‪ .‬وإن فرقهه أجزأه‪ ،‬وبذلك قال مالك والشافعهي‪ .‬والدليهل على صهحة هذا‬
‫قوله‪" :‬فعدة مهن أيام أخهر" ولم يخهص متفرقهة مهن متتابعهة‪ ،‬وإذا أتهى بهها متفرقهة فقهد صهام عدة مهن‬
‫أيام أخهر‪ ،‬فوجهب أن يجزيهه"‪ .‬ابهن العربهي‪ :‬إنمها وجهب التتابهع فهي الشههر لكونهه معينها‪ ،‬وقهد عدم‬
‫التعييههن فههي القضاء فجاز التفريههق‪ .‬لمهها قال تعالى‪" :‬فعدة مههن أيام أخههر" دل ذلك على وجوب‬
‫القضاء مهن غيهر تعييهن لزمان‪ ،‬لن اللفهظ مسهترسل على الزمان ل يختهص ببعضهها دون بعهض‪.‬‬
‫وفي الصحيحين عن عائشة رضي الّ عنها قالت‪ :‬يكون عليّ الصوم من رمضان فما أستطيع أن‬
‫أقضيه إل في شعبان‪ ،‬الشغل من رسول الّ‪ ،‬أو برسول الّ صلى الّ عليه وسلم‪ .‬في رواية‪ :‬وذلك‬
‫ل صهلى الّ عليهه وسهلم‪ .‬وهذا نهص وزيادة بيان لليهة‪ .‬وذلك يرد على داود قوله‪:‬‬ ‫لمكان رسهول ا ّ‬
‫إنهه يجهب عليه قضاؤه ثانهي شوال‪ .‬ومن لم يصهمه ثهم مات فههو آثهم عنده‪ ،‬وبنهى عليهه أنهه لو وجهب‬
‫عليهه عتهق رقبهة فوجهد رقبهة تباع بثمهن فليهس له أن يتعداهها ويشتري غيرهها‪ ،‬لن الفرض عليهه أن‬
‫يعتهق أول رقبهة يجدهها فل يجزيهه غيرهها‪ .‬ولو كانهت عنده رقبهة فل يجوز له أن يشتري غيرهها‪،‬‬
‫ولو مات الذي عنده فل يبطل العتق‪ ،‬كما يبطل فيمن نذر أن يعتق رقبة بعينها فماتت يبطل نذره‪،‬‬
‫وذلك يفسهد قوله‪ .‬وقال بعهض الصهوليين‪ :‬إذا مات بعهد مضهي اليوم الثانهي مهن شوال ل يعصهي‬
‫على شرط العزم‪ .‬والصههحيح أنههه غيههر آثههم ول مفرط‪ ،‬وهههو قول الجمهور‪ ،‬غيههر أنههه يسههتحب له‬
‫تعجيل القضاء لئل تدركه المنية فيبقى عليه الفرض‪.‬‬
‫@مهن كان عليهه قضاء أيام مهن رمضان فمضهت عليهه عدتهها مهن اليام بعهد الفطهر أمكنهه فيهها‬
‫صهيامه فأخهر ذلك ثهم جاءه مانهع منعهه مهن القضاء إلى رمضان آخهر فل إطعام عليهه‪ ،‬لنهه ليهس‬
‫بمفرط حيهن فعهل مها يجوز له مهن التأخيهر‪ .‬هذا قول البغدادييهن مهن المالكييهن‪ ،‬ويرونهه قول ابهن‬
‫القاسم في المدونة‪.‬‬
‫فإن أخهر قضاءه عهن شعبان الذي ههو غايهة الزمان الذي يقضهى فيهه رمضان فههل يلزمهه لذلك‬
‫كفارة أو ل‪ ،‬فقال مالك والشافعي وأحمد وإسحاق‪ :‬نعم‪ .‬وقال أبو حنيفة والحسن والنخعي وداود‪:‬‬
‫ل‪.‬‬
‫قلت‪ :‬وإلى هذا ذهب البخاري لقوله‪ ،‬ويذكر عن أبي هريرة مرسل وابن عباس أنه يطعم‪ ،‬ولم‬
‫يذكر الّ الطعام‪ ،‬إنما قال‪" :‬فعدة من أيام أخر"‪.‬‬
‫قلت‪ :‬قهد جاء عهن أبهي هريرة مسهندا فيمهن فرط فهي قضاء رمضان حتهى أدركهه رمضان آخهر‬
‫قال‪( :‬يصهوم هذا مهع الناس‪ ،‬ويصهوم الذي فرط فيهه ويطعهم لكهل يوم مسهكينا) خرجهه الدارقطنهي‬
‫وقال‪ :‬إسناد صحيح‪ .‬وروي عنه مرفوعا إلى النبي صلى الّ عليه وسلم في رجل أفطر في شهر‬
‫رمضان مهن مرض ثهم صهح ولم يصهم حتهى أدركهه رمضان آخهر قال‪( :‬يصهوم الذي أدركهه ثهم‬
‫يصوم الشهر الذي أفطر فيه ويطعم لكل يوم مسكينا)‪ .‬في إسناده ابن نافع وابن وجيه ضعيفان‪.‬‬
‫فإن تمادى به المرض فلم يصح حتى جاء رمضان آخر‪ ،‬فروى الدارقطني عن ابن عمر (أنه‬
‫يطعم مكان كل يوم مسكينا مدا من حنطة‪ ،‬ثم ليس عليه قضاء) وروي أيضا عن أبي هريرة أنه‬
‫قال‪( :‬إذا لم يصح بين الرمضانين صام عن هذا وأطعم عن الثاني ول قضاء عليه‪ ،‬وإذا صح فلم‬
‫يصهم حتهى إذا أدركهه رمضان آخهر صهام عهن هذا وأطعهم عهن الماضهي‪ ،‬فإذا أفطهر قضاه) إسهناد‬
‫صحيح‪ .‬قال علماؤنا‪ :‬وأقوال الصحابة على خلف القياس قد يحتج بها‪ .‬وروي عن ابن عباس أن‬
‫رجل جاء إليهه فقال‪ :‬مرضهت رمضانيهن؟ فقال له ابهن عباس‪( :‬اسهتمر بهك مرضهك‪ ،‬أو صهححت‬
‫بينهما؟) فقال‪ :‬بل صححت‪ ،‬قال‪( :‬صم رمضانين وأطعم ستين مسكينا) وهذا بدل من قوله‪ :‬إنه لو‬
‫تمادى بههه مرضههه ل قضاء عليههه‪ .‬وهذا يشبههه مذهبهههم فههي الحامههل والمرضههع أنهمهها يطعمان ول‬
‫قضاء عليهما‪ ،‬على ما يأتي‪.‬‬
‫واختلف من أوجب عليه الطعام في قدر ما يجب أن يطعم‪ ،‬فكان أبو هريرة والقاسم بن محمد‬
‫ومالك والشافعي يقولون‪ :‬يطعم عن كل يوم مدا‪ .‬وقال الثوري‪ :‬يطعم نصف صاع عن كل يوم‪.‬‬
‫@ واختلفوا فيمن أفطر أو جامع في قضاء رمضان ماذا يجب عليه‪ ،‬فقال مالك‪ :‬من أفطر يوما‬
‫من قضاء رمضان ناسيا لم يكن عليه شيء غير قضائه‪ ،‬ويستحب له أن يتمادى فيه للختلف ثم‬
‫يقضيهه‪ ،‬ولو أفطره عامدا أثهم ولم يكهن عليهه غيهر قضاء ذلك اليوم ول يتمادى‪ ،‬لنهه ل معنهى لكفهه‬
‫عمها يكهف الصهائم ههنها إذ ههو غيهر صهائم عنهد جماعهة العلماء لفطاره عامدا‪ .‬وأمها الكفارة فل‬
‫خلف عنهد مالك وأصهحابه أنهها ل تجهب فهي ذلك‪ ،‬وههو قول جمهور العلماء‪ .‬قال مالك‪ :‬ليهس على‬
‫مهن أفطهر يومها مهن قضاء رمضان بإصهابة أهله أو غيهر ذلك كفارة‪ ،‬وإنمها عليهه قضاء ذلك اليوم‪.‬‬
‫وقال قتادة‪ :‬على مهن جامهع فهي قضاء رمضان القضاء والكفارة‪ .‬وروى ابهن القاسهم عهن مالك أن‬
‫من أفطر في قضاء رمضان فعليه يومان‪ ،‬وكان ابن القاسم يفتي به ثم رجع عنه ثم قال‪ :‬إن أفطر‬
‫عمدا فهي قضاء القضاء كان عليهه مكانهه صهيام يوميهن‪ ،‬كمهن أفسهد حجهه بإصهابة أهله‪ ،‬وحهج قابل‬
‫فأفسهد حجهه أيضها بإصهابة أهله كان عليهه حجتان‪ .‬قال أبهو عمهر‪ :‬قهد خالفهه فهي الحهج ابهن وههب‬
‫وعبدالملك‪ ،‬وليهس يجهب القياس على أصهل مختلف فيهه‪ .‬والصهواب عندي ‪ -‬والّ أعلم ‪ -‬أنهه ليهس‬
‫عليه في الوجهين إل قضاء يوم واحد‪ ،‬لنه يوم واحد أفسده مرتين‪.‬‬
‫قلت‪ :‬وههو مقتضهى قوله تعالى‪" :‬فعدة مهن أيام أخهر" فمتهى أتهى بيوم تام بدل عمها أفطره فهي‬
‫قضاء رمضان فقد أتى بالواجب عليه‪ ،‬ول يجب عليه غير ذلك‪ ،‬والّ أعلم‪.‬‬
‫@ والجمهور على أن من أفطر في رمضان لعلة فمات من علته تلك‪ ،‬أو سافر فمات في سفره‬
‫ذلك أنه ل شيء عليه‪ .‬وقال طاوس وقتادة في المريض يموت قبل أن يصح‪ :‬يطعم عنه‪.‬‬
‫واختلفوا فيمههن مات وعليههه صههوم مههن رمضان لم يقضههه‪ ،‬فقال مالك والشافعههي والثوري‪ :‬ل‬
‫يصوم أحد عن أحد‪ .‬وقال أحمد وإسحاق وأبو ثور والليث وأبو عبيد وأهل الظاهر‪ :‬يصام عنه‪،‬‬
‫إل أنهههم خصههصوه بالنذر‪ ،‬وروي مثله عههن الشافعههي‪ .‬وقال أحمههد وإسههحاق فههي قضاء رمضان‪:‬‬
‫ل صهلى الّ عليهه وسهلم‬ ‫يطعهم عنهه‪ .‬احتهج مهن قال بالصهوم بمها رواه مسهلم عهن عائشهة أن رسهول ا ّ‬
‫قال‪( :‬من مات وعليه صيام صام عنه وليه)‪ .‬إل أن هذا عام في الصوم‪ ،‬يخصصه ما رواه مسلم‬
‫ل صهلى الّ عليهه وسهلم فقالت‪ :‬يها رسهول الّ‪،‬‬ ‫أيضها عهن ابهن عباس قال‪ :‬جاءت امرأة إلى رسهول ا ّ‬
‫إن أمي قد ماتت وعليها صوم نذر ‪ -‬وفي رواية صوم شهر ‪ -‬أفأصوم عنها؟ قال‪( :‬أرأيت لو كان‬
‫على أمهك ديهن فقضيتيهه أكان يؤدي ذلك عنهها) قالت‪ :‬نعهم‪ ،‬قال‪( :‬فصهومي عهن أمهك)‪ .‬احتهج مالك‬
‫ومههن وافقههه بقول سههبحانه‪" :‬ول تزر وازرة وزر أخرى" [النعام‪ ]164 :‬وقوله‪" :‬وأن ليههس‬
‫للنسان إل ما سعى" [النجم‪ ]39 :‬وقوله‪" :‬ول تكسب كل نفس إل عليها" [النعام‪ ]164 :‬وبما‬
‫خرجه النسائي عن ابن عباس عن النبي صلى الّ عليه وسلم أنه قال‪( :‬ل يصلي أحد عن أحد ول‬
‫يصوم أحد عن أحد ولكن يطعم عنه مكان يوم مدا من حنطة)‪.‬‬
‫قلت‪ :‬وهذا الحديههث عام‪ ،‬فيحتمههل أن يكون المراد بقوله‪( :‬ل يصههوم أحههد عههن أحههد) صههوم‬
‫رمضان‪ .‬فأما صوم النذر فيجوز‪ ،‬بدليل حديث ابن عباس وغيره‪ ،‬فقد جاء في صحيح مسلم أيضا‬
‫مهن حديهث بريدة نحهو حديهث ابهن عباس‪ ،‬وفهي بعهض طرقهه‪ :‬صهوم شهريهن أفأصهوم عنهها؟ قال‪:‬‬
‫(صومي عنها) قالت‪ :‬إنها لم تحج قط أفأحج عنها؟ قال‪( :‬حجي عنها)‪ .‬فقولها‪ :‬شهرين‪ ،‬يبعد أن‬
‫يكون رمضان‪ ،‬والّ أعلم‪ .‬وأقوى ما يحتج به لمالك أنه عمل أهل المدينة‪ ،‬ويعضده القياس الجليّ‪،‬‬
‫وههو أنهه عبادة بدنيهة ل مدخهل للمال فيهها فل تفعهل عمهن وجبهت عليهه كالصهلة‪ .‬ول ينقهض هذا‬
‫بالحج لن للمال فيه مدخل‪.‬‬
‫ل تعالى‬
‫@ اسهتدل بهذه اليهة مهن قال‪ :‬إن الصهوم ل ينعقهد فهي السهفر وعليهه القضاء أبدا‪ ،‬فإن ا ّ‬
‫يقول‪" :‬فمههن كان منكههم مريضهها أو على سههفر فعدة مههن أيام أخههر" أي فعليههه عدة‪ ،‬ول حذف فههي‬
‫الكلم ول إضمار وبقوله عليه الصلة والسلم‪( :‬ليس من البر الصيام في السفر)‪.‬‬
‫قال‪ :‬مها لم يكهن مهن البر فههو مهن الثهم‪ ،‬فيدل ذلك على أن صهوم رمضان ل يجوز فهي السهفر]‪.‬‬
‫والجمهور يقولون‪ :‬فيهه محذوف فأفطهر‪ ،‬كمها تقدم‪ .‬وههو الصهحيح‪ ،‬لحديهث أنهس قال‪( :‬سهافرنا مهع‬
‫رسههول الّ صههلى الّ عليههه وسههلم فههي رمضان فلم يعههب الصههائم على المفطههر ول المفطههر على‬
‫الصهائم) رواه مالك عهن حميهد الطويهل عهن أنهس‪ .‬وأخرجهه مسهلم عهن أبهي سهعيد الخدري قال‪:‬‬
‫(غزونا مع رسول الّ صلى الّ عليه وسلم لست عشرة مضت من رمضان فمنا من صام ومنا‬
‫من أفطر‪ ،‬فلم يعب الصائم على المفطر ول المفطر على الصائم)‪.‬‬
‫@قوله تعالى‪" :‬وعلى الذين يطيقونه" قرأ الجمهور بكسر الطاء وسكون الياء‪ ،‬وأصله يطوقونه‬
‫نقلت الكسههرة إلى الطاء وانقلبههت الواو ياء لنكسههار مها قبلهها‪ .‬وقرأ حميههد على الصههل مهن غيهر‬
‫اعتلل‪ ،‬والقياس العتلل‪ .‬ومشهور قراءة ابن عباس "يطوقونه" بفتح الطاء مخففة وتشديد الواو‬
‫بمعنهى يكلفونهه‪ .‬وقهد روى مجاههد "يطيقونهه" بالياء بعهد الطاء على لفهظ "يكيلونهه" وههي باطلة‬
‫ومحال‪ ،‬لن الفعل مأخوذ من الطوق‪ ،‬فالواو لزمة واجبة فيه ول مدخل للياء في هذا المثال‪ .‬قال‬
‫أبو بكر النباري‪ :‬وأنشدنا أحمد بن يحيى النحوي لبي ذؤيب‪:‬‬
‫مطبعة من يأتها ل يضيرها‬ ‫فقيل تحمل فوق طوقك إنها‬
‫فأظهر الواو في الطوق‪ ،‬وصح بذلك أن واضع الياء مكانها يفارق الصواب‪ .‬وروى ابن النباري‬
‫عهن ابهن عباس "يطيقونهه" بفتهح الياء وتشديهد الطاء والياء مفتوحتيهن بمعنهى يطيقونهه‪ ،‬يقال‪ :‬طاق‬
‫وأطاق وأطيق بمعنى‪ .‬وعن ابن عباس أيضا وعائشة وطاوس وعمرو بن دينار "يطوقونه" بفتح‬
‫الياء وشهد الطاء مفتوحهة‪ ،‬وههي صهواب فهي اللغهة‪ ،‬لن الصهل يتطوقونهه فأسهكنت التاء وأدغمهت‬
‫في الطاء فصارت طاء مشددة‪ ،‬وليست من القرآن‪ ،‬خلفا لمن أثبتها قرآنا‪ ،‬وإنما هي قراءة على‬
‫التفسهير‪ .‬وقرأ أههل المدينهة والشام "فديهة طعام" مضافها "مسهاكين" جمعها‪ .‬وقرأ ابهن عباس "طعام‬
‫مسكين" بالفراد فيما ذكر البخاري وأبو داود والنسائي عن عطاء عنه‪ .‬وهي قراءة حسنة‪ ،‬لنها‬
‫بينت الحكم في اليوم‪ ،‬واختارها أبو عبيد‪ ،‬وهي قراءة أبي عمرو وحمزة والكسائي‪ .‬قال أبو عبيد‪:‬‬
‫فهبينت أن لكهل يوم إطعام واحهد‪ ،‬فالواحهد مترجهم عهن الجميهع‪ ،‬وليهس الجميهع بمترجهم عهن واحهد‪.‬‬
‫وجمع المساكين ل يدري كم منهم في اليوم إل من غير الية‪ .‬وتخرج قراءة الجمع في "مساكين"‬
‫لمها كان الذيهن يطيقونه جمهع وكهل واحهد منههم يلزمهه مسهكين فجمهع لفظهه‪ ،‬كمها قال تعالى‪" :‬والذيهن‬
‫يرمون المحصهنات ثهم لم يأتوا بأربعهة شهداء فاجلدوههم ثمانيهن جلدة" [النور‪ ]4 :‬أي اجلدوا كهل‬
‫واحد منهم ثمانين جلدة‪ ،‬فليست الثمانون متفرقة في جميعهم‪ ،‬بل لكل واحد ثمانون‪ ،‬قال معناه أبو‬
‫عليّ‪ .‬واختار قراءة الجمع النحاس قال‪ :‬وما اختاره أبو عبيد مردود‪ ،‬لن هذا إنما يعرف بالدللة‪،‬‬
‫فقهد علم أن معنهى "وعلى الذيهن يطيقونهه فديهة طعام مسهاكين" أن لكهل يوم مسهكينا‪ ،‬فاختيار هذه‬
‫القراءة لترد جمعا على جمع‪ .‬قال النحاس‪ :‬واختار أبو عبيد أن يقرأ "فدية طعام" قال‪ :‬لن الطعام‬
‫هو الفدية‪ ،‬ول يجوز أن يكون الطعام نعتا لنه جوهر ولكنه يجوز على البدل‪ ،‬وأبين من أن يقرأ‬
‫"فدية طعام" بالضافة‪ ،‬لن "فدية" مبهمة تقع للطعام وغيره‪ ،‬قصار مثل قولك‪ :‬هذا ثوب خز‪.‬‬
‫@ واختلف العلماء في المراد بالية‪ ،‬فقيل‪ :‬هي منسوخة‪ .‬روى البخاري‪" :‬وقال ابن نمير حدثنا‬
‫العمش حدثنا عمرو بن مرة حدثنا ابن أبي ليلى حدثنا أصحاب محمد صلى الّ عليه وسلم‪ :‬نزل‬
‫رمضان فشق عليهم فكان من أطعم كل يوم مسكينا ترك الصوم ممن يطيقه ورخص لهم في ذلك‬
‫فنسهختها "وأن تصهوموا خيهر لكهم"‪ .‬وعلى هذا قراءة الجمهور "يطيقونهه" أي يقدرون عليهه‪ ،‬لن‬
‫فرض الصههيام هكذا‪ :‬مههن أراد صههام ومهن أراد أطعههم مسههكينا‪ .‬وقال ابههن عباس‪ :‬نزلت هده اليههة‬
‫رخصة للشيوخ والعجزة خاصة إذا أفطروا وهم يطيقون الصوم‪ ،‬ثم نسخت بقوله "فمن شهد منكم‬
‫الشههر فليصهمه" [البقرة‪ ]185 :‬فزالت الرخصهة إل لمهن عجهز منههم‪ .‬قال الفراء‪ :‬الضميهر فهي‬
‫"يطيقونه" يجوز أن يعود على الصيام‪ ،‬أي وعلى الذين يطيقون الصيام أن يطعموا إذا أفطروا‪،‬‬
‫ثم نسخ بقوله‪،" :‬وأن تصوموا"‪ .‬ويجوز أن يعود على الفداء‪ ،‬أي وعلى الذين يطيقون الفداء فدية‪.‬‬
‫وأمها قراءة "يطوقونهه" على معنهى يكلفونهه مهع المشقهة اللحقهة لههم‪ ،‬كالمريهض والحامهل فإنهمها‬
‫يقدران عليهه لكهن بمشقهة تلحقههم فهي أنفسههم‪ ،‬فإن صهاموا أجزأههم وإن افتدوا فلههم ذلك‪ .‬ففسهر ابهن‬
‫عباس ‪ -‬إن كان السهناد عنهه صهحيحا ‪" -‬يطيقونهه" بيطوقونهه ويتكلفونهه فأدخله بعهض النقلة فهي‬
‫القرآن‪ .‬روى أبههو داود عههن ابههن عباس "وعلى الذيههن يطيقونههه" قال‪ :‬أثبتههت للحبلى والمرضههع‪.‬‬
‫وروي عنهه أيضها "وعلى الذيهن يطيقونهه فديهة طعام مسهكين" قال‪ :‬كانهت رخصهة للشيهخ الكهبير‬
‫والمرأة الكبيرة وهما يطيقان الصوم أن يفطرا ويطعما مكان كل يوم مسكينا‪ ،‬والحبلى والمرضع‬
‫إذا خافتها على أولدهمها أفطرتها وأطعمتها‪ .‬وخرج الدارقطنهي عنهه أيضها قال‪ :‬رخهص للشيهخ الكهبير‬
‫أن يفطهر ويطعهم عهن كهل يوم مسهكينا ول قضاء عليهه‪ ،‬هذا إسهناد صهحيح‪ .‬وروي عنهه أيضها أنهه‬
‫قال‪" :‬وعلى الذيههن يطيقونهه فديههة طعام" ليسههت بمنسههوخة‪ ،‬ههو الشيههخ الكهبير والمرأة الكهبيرة ل‬
‫يستطيعان أن يصوما‪ ،‬فيطعما مكان كل يوم مسكينا‪ ،‬وهذا صحيح‪ .‬وروي عنه أيضا أنه قال لم‬
‫ولد له حبلى أو مرضهع‪ :‬أنهت من الذيهن ل يطيقون الصهيام‪ ،‬عليهك الجزاء ول عليهك القضاء‪ ،‬وهذا‬
‫إسناد صحيح‪ .‬وفي رواية‪ :‬كانت له أم ولد ترضع ‪ -‬من غير شك ‪ -‬فأجهدت فأمرها أن تفطر ول‬
‫تقضي‪ ،‬هذا صحيح‪.‬‬
‫قلت‪ :‬فقد ثبت بالسانيد الصحاح عن ابن عباس أن الية ليست بمنسوخة وأنها محكمة في حق‬
‫مهن ذكهر‪ .‬والقول الول صهحيح أيضها‪ ،‬إل أنهه يحتمهل أن يكون النسهخ هناك بمعنهى التخصهيص‪،‬‬
‫فكثيرا مها يطلق المتقدمون النسهخ بمعناه‪ ،‬والّ أعلم‪ .‬وقال الحسهن البصهري وعطاء بهن أبهي رباح‬
‫والضحاك والنخعهي والزهري وربيعهة والوزاعهي وأصهحاب الرأي‪ :‬الحامهل والمرضهع يفطران‬
‫ول إطعام عليهمها‪ ،‬بمنزلة المريهض يفطهر ويقضهي‪ ،‬وبهه قال أبهو عبيهد وأبهو ثور‪ .‬وحكهى ذلك أبهو‬
‫عبيهد عهن أبهي ثور‪ ،‬واختاره ابهن المنذر‪ ،‬وههو قول مالك فهي الحبلى إن أفطرت‪ ،‬فأمها المرضهع إن‬
‫أفطرت فعليههها القضاء والطعام‪ .‬وقال الشافعههي وأحمههد‪ :‬يفطران ويطعمان ويقضيان‪ ،‬وأجمعوا‬
‫على أن المشايههخ والعجائز الذيههن ل يطيقون الصههيام أو يطيقونههه على مشقههة شديدة أن يفطروا‪.‬‬
‫واختلفوا فيمها عليههم‪ ،‬فقال ربيعهة ومالك‪ :‬ل شيهء عليههم‪ ،‬غيهر أن مالكها قال‪ :‬لو أطعموا عهن كهل‬
‫يوم مسهكينا كان أحهب إليهّ‪ .‬وقال أنهس وابهن عباس وقيهس بهن السهائب وأبهو هريرة‪ :‬عليههم الفديهة‪.‬‬
‫وهههو قول الشافعههي وأصههحاب الرأي وأحمههد وإسههحاق‪ ،‬اتباعهها لقول الصههحابة رضههي الّ عههن‬
‫جميعههم‪ ،‬وقوله تعالى‪" :‬فمهن كان منكهم مريضها أو على سهفر فعدة مهن أيام أخهر" ثهم قال‪" :‬وعلى‬
‫الذيهن يطيقونهه فديهة طعام مسهكين" وهؤلء ليسهوا بمرضهى ول مسهافرين‪ ،‬فوجبهت عليههم الفديهة‪.‬‬
‫والدليههل لقول مالك‪ :‬أن هذا مفطههر لعذر موجود فيههه وهههو الشيخوخههة والكههبر فلم يلزمههه إطعام‬
‫كالمسافر والمريض‪ .‬وروي هذا عن الثوري ومكحول‪ ،‬واختاره ابن المنذر‪.‬‬
‫@ واختلف من أوجب الفدية على من ذكر في مقدارها‪ ،‬فقال مالك‪ :‬مد بمد النبي صلى الّ عليه‬
‫وسهلم عهن كهل يوم أفطره‪ ،‬وبهه قال الشافعهي‪ .‬وقال أبهو حنيفهة‪ :‬كفارة كهل يوم صهاع تمهر أو نصهف‬
‫صاع بر‪ .‬وروي عن ابن عباس نصف صاع من حنطة‪ ،‬ذكره الدارقطني‪ .‬وروي عن أبي هريرة‬
‫قال‪ :‬مهن أدركهه الكهبر فلم يسهتطع أن يصهوم فعليهه لكهل يوم مهد مهن قمهح‪ .‬وروي عهن أنهس بن مالك‬
‫أنه ضعف عن الصوم عاما فصنع جفنة من طعام ثم دعا بثلثين مسكينا فأشبعهم‪.‬‬
‫@قوله تعالى‪" :‬فمن تطوع خيرا فهو خير له" قال ابن شهاب‪ :‬من أراد الطعام مع الصوم‪ .‬وقال‬
‫مجاهد‪ :‬من زاد في الطعام على المد‪ .‬ابن عباس‪" :‬فمن تطوع خيرا" قال‪ :‬مسكينا آخر فهو خير‬
‫له‪ .‬ذكره الدارقطنههي وقال‪ :‬إسههناد صههحيح ثابههت‪ .‬و"خيههر" الثانههي صههفة تفضيههل‪ ،‬وكذلك الثالث‬
‫و"خيهر" الول‪ .‬وقرأ عيسهى بهن عمرو ويحيهى بهن وثاب وحمزة والكسهائي "يطوع خيرا" مشددا‬
‫وجزم العين على معنى يتطوع‪ .‬الباقون "تطوع" بالتاء وتخفيف الطاء وفتح العين على الماضي‪.‬‬
‫@قوله تعالى‪" :‬وأن تصوموا خير لكم" أي والصيام خير لكم‪ .‬وكذا قرأ أبيّ‪ ،‬أي من الفطار مع‬
‫الفديهة وكان هذا قبهل النسهخ‪ .‬وقيهل‪" :‬وأن تصهوموا" فهي السهفر والمرض غيهر الشاق والّ أعلم‪.‬‬
‫وعلى الجملة فإنه يقتضي الحض على الصوم‪ ،‬أي فاعلموا ذلك وصوموا‪.‬‬
‫*‪*3‬الية‪{ 185 :‬شهر رمضان الذي أنزل فيه القرآن هدى للناس وبينات من الهدى والفرقان‬
‫فمهن شههد منكهم الشههر فليصهمه ومهن كان مريضها أو على سهفر فعدة مهن أيام أخهر يريهد ال بكهم‬
‫اليسر ول يريد بكم العسر ولتكملوا العدة ولتكبروا ال على ما هداكم ولعلكم تشكرون}‬
‫@قوله تعالى‪" :‬شههر رمضان" قال أههل التاريهخ‪ :‬أول مهن صهام رمضان نوح عليهه السهلم لمها‬
‫ل رمضان على كل أمة‪ ،‬ومعلوم أنه كان قبل نوح‬ ‫خرج من السفينة‪ .‬وقد تقدم قول مجاهد‪ :‬كتب ا ّ‬
‫أمم‪ ،‬والّ أعلم‪ .‬والشهر مشتق من الشهار لنه مشتهر ل يتعذر علمه على أحد يريده‪ ،‬ومنه يقال‪:‬‬
‫شهرت السههيف إذا سههللته‪ .‬ورمضان مأخوذ مههن رمههض الصههائم يرمههض إذا حههر جوفههه مههن شدة‬
‫العطهش‪ .‬والرمضاء ممدودة‪ :‬شدة الحهر‪ ،‬ومنهه الحديهث‪( :‬صهلة الوابيهن إذا رمضهت الفصهال)‪.‬‬
‫خرجه مسلم‪ .‬ورمض الفصال أن تحرق الرمضاء أخفافها فتبرك من شدة حرها‪ .‬فرمضان ‪ -‬فيما‬
‫ذكروا ‪ -‬وافهق شدة الحهر‪ ،‬فههو مأخوذ مهن الرمضاء‪ .‬قال الجوهري‪ :‬وشههر رمضان يجمهع على‬
‫رمضانات وأرمضاء‪ ،‬يقال إنههم لمها نقلوا أسهماء الشهور عهن اللغهة القديمهة سهموها بالزمنهة التهي‬
‫وقعت فيها‪ ،‬فوافق هذا الشهر أيام رمض الحر فسمي بذلك‪ .‬وقيل‪ :‬إنما سمي رمضان لنه يرمض‬
‫الذنوب أي يحرقهها بالعمال الصهالحة‪ ،‬مهن الرماض وههو الحراق‪ ،‬ومنهه رمضهت قدمهه مهن‬
‫الرمضاء أي احترقت‪ .‬وأرمضتني الرمضاء أي أحرقتني‪ ،‬ومنه قيل‪ :‬أرمضني المر‪ .‬وقيل‪ :‬لن‬
‫القلوب تأخهذ فيه من حرارة الموعظة والفكرة في أمر الخرة كما يأخذ الرمل والحجارة من حر‬
‫الشمس‪ .‬والرمضاء‪ :‬الحجارة المحماة‪ .‬وقيل‪ :‬هو من رمضت النصل أرمضه وأرمضه رمضا إذا‬
‫دققته بيهن حجريهن ليرق‪ .‬ومنه نصهل رميهض ومرموض ‪ -‬عهن ابن السهكيت ‪ ، -‬وسهمي الشههر بهه‬
‫لنهههم كانوا يرمضون أسههلحتهم فههي رمضان ليحاربوا بههها فههي شوال قبههل دخول الشهههر الحرم‪.‬‬
‫وحكى الماوردي أن اسمه في الجاهلية "ناتق" وأنشد للمفضل‪:‬‬
‫وولت على الدبار فرسان خثعما‬ ‫وفي ناتق أجلت لدى حومة الوغي‬
‫و"شهههر" بالرفههع قراءة الجماعههة على البتداء‪ ،‬والخههبر "الذي أنزل فيههه القرآن"‪ .‬أو يرتفههع على‬
‫إضمار مبتدأ‪ ،‬المعنى‪ :‬المفروض عليكم صومه شهر رمضان‪ ،‬أو فيما كتب عليكم شهر رمضان‪.‬‬
‫ويجوز أن يكون "شهر" مبتدأ‪ ،‬و"الذي أنزل فيه القرآن" صفة‪ ،‬والخبر "فمن شهد منكم الشهر"‪.‬‬
‫وأعيهد ذكهر الشههر تعظيمها‪ ،‬كقوله تعالى‪" :‬الحاقهة مها الحاقهة" [الحاقهة‪ .]2 - 1 :‬وجاز أن يدخله‬
‫معنى الجزاء‪ ،‬لن شهر رمضان وإن كان معرفة فليس معرفة بعينها لنه شائع في جميع القابل‪،‬‬
‫قاله أبهو علي‪ .‬وروي عهن مجاههد وشههر بهن حوشهب نصهب "شههر"‪ ،‬ورواهها هارون العور عهن‬
‫أبههي عمرو‪ ،‬ومعناه‪ :‬الزموا شهههر رمضان أو صههوموا‪ .‬و"الذي أنزل فيههه القرآن" نعههت له‪ ،‬ول‬
‫يجوز أن ينتصههب بتصههوموا‪ ،‬لئل يفرق بيههن الصههلة والموصههول بخههبر أن وهههو "خيههر لكههم"‪.‬‬
‫الرماني‪ :‬يجوز نصبه على البدل من قول "أياما معدودات" [البقرة‪.]184 :‬‬
‫@ واختلف هل يقال "رمضان" دون أن يضاف إلى شهر‪ ،‬فكره ذلك مجاهد وقال‪ :‬يقال كما قال‬
‫الّ تعالى‪ .‬وفي الخبر‪( :‬ل تقولوا رمضان بل انسبوه كما نسبه الّ في القرآن فقال شهر رمضان)‪.‬‬
‫وكان يقول‪ :‬بلغنهي أنهه اسهم مهن أسهماء الّ‪ .‬وكان يكره أن يجمهع لفظهه لهذا المعنهى‪ .‬ويحتهج بمها‬
‫ل تعالى‪ ،‬وهذا ليس بصحيح فإنه من حديث أبي معشر نجيح وهو‬ ‫روي‪ :‬رمضان اسم من أسماء ا ّ‬
‫ضعيهف‪ .‬والصهحيح جواز إطلق رمضان مهن غيهر إضافهة كمها ثبهت فهي الصهحاح وغيرهها‪ .‬روى‬
‫ل صههلى الّ عليههه وسههلم قال‪( :‬إذا جاء رمضان فتحههت أبواب‬ ‫مسههلم عههن أبههي هريرة أن رسههول ا ّ‬
‫الرحمهة وغلقهت أبواب النار وصهفدت الشياطيهن)‪ .‬وفهي صهحيح البسهتي عنهه قال قال رسهول الّ‬
‫صهلى الّ عليهه وسهلم‪( :‬إذا كان رمضان فتحهت له أبواب الرحمهة وغلقهت أبواب جهنهم وسهلسلت‬
‫الشياطين)‪ .‬وروي عن ابن شهاب عن أنس بن أبي أنس أن أباه حدثه أنه سمع أبا هريرة يقول‪،...‬‬
‫فذكره‪ .‬قال البسهتي‪ :‬أنهس بهن أبهي أنهس هذا ههو والد مالك بهن أنهس‪ ،‬واسهم أبهي أنهس مالك بهن أبهي‬
‫عامر من ثقات أهل المدينة‪ ،‬وهو مالك ابن أبي عامر بن عمرو بن الحارث بن عثمان بن جثيل‬
‫بن عمرو من ذي أصبح من أقيال اليمن‪ .‬وروى النسائي عن أبي هريرة قال قال رسول الّ صلى‬
‫الّ عليهه وسهلم‪( :‬أتاكهم رمضان شههر مبارك فرض الّ عهز وجهل عليكهم صهيامه تفتهح فيهه أبواب‬
‫السماء وتغلق فيه أبواب الجحيم وتغل فيه مردة الشياطين ل فيه ليلة خير من ألف شهر من حرم‬
‫خيرههها فقههد حرم)‪ .‬وأخرجههه أبههو حاتههم البسههتي أيضهها وقال‪ :‬فقوله (مردة الشياطيههن) تقييههد لقوله‪:‬‬
‫(صفدت الشياطين وسلسلت)‪ .‬وروى النسائي أيضا عن ابن عباس قال قال رسول الّ صلى الّ‬
‫عليهه وسهلم لمرأة مهن النصهار‪( :‬إذا كان رمضان فاعتمري فإن عمرة فيهه تعدل حجهة)‪ .‬وروى‬
‫ل تعالى‬‫النسهائي أيضها عهن عبدالرحمهن بهن عوف قال قال رسهول الّ صهلى الّ عليهه وسهلم‪( :‬إن ا ّ‬
‫فرض صيام رمضان [عليكم] وسننت لكم قيامه فمن صامه وقامه إيمانا واحتسابا خرج من ذنوبه‬
‫كيوم ولدته أمه)‪ .‬والثار في هذا كثيرة‪ ،‬كلها بإسقاط شهر‪ .‬وربما أسقطت العرب ذكر الشهر من‬
‫رمضان‪ .‬قال الشاعر‪:‬‬
‫أبيض من أخت بني إباض‬ ‫جارية في درعها الفضفاض‬
‫تقطع الحديث باليماض‬ ‫جارية في رمضان الماضي‬
‫وفضل رمضان عظيم‪ ،‬وثوابه جسيم‪ ،‬يدل على ذلك معنى الشتقاق من كونه محرقا للذنوب‪ ،‬وما‬
‫كتبناه من الحاديث‪.‬‬
‫@ فرض الّ صيام شههر رمضان أي مدة هلله‪ ،‬وبه سمي الشهر‪ ،‬كما جاء في الحديث‪( :‬فإن‬
‫غمي عليكم الشهر) أي الهلل‪ ،‬وسيأتي‪ ،‬وقال الشاعر‪:‬‬
‫والشهر مثل قلمة الظفر‬ ‫أخوان من نجد على ثقة‬
‫في أربع زادت على عشر‬ ‫حتى تكامل في استدارته‬
‫وفرض علينها عنهد غمهة الهلل إكمال عدة شعبان ثلثيهن يومها‪ ،‬وإكمال عدة رمضان ثلثيهن يومها‪،‬‬
‫حتى ندخل في العبادة بيقين ونخرج عنها بيقين‪ ،‬فقال في كتابه "وأنزلنا إليك الذكر لتبين للناس ما‬
‫نزل إليههم" [النحهل‪ .]44 :‬وروى الئمهة الثبات عهن النهبي صهلى الّ عليهه وسهلم قال‪( :‬صهوموا‬
‫لرؤيتهه وأفطروا لرؤيتهه فإن غهم عليكهم فاكملوا العدد) فهي روايهة (فإن غمهي عليكهم الشههر فعدوا‬
‫ثلثيهن)‪ .‬وقهد ذههب مطرف بهن عبدال بهن الشخيهر وههو من كبار التابعيهن وابهن قتيبهة مهن اللغوييهن‬
‫فقال‪ :‬يعول على الحسهاب عنهد الغيهم بتقديهر المنازل واعتبار حسهابها فهي صهوم رمضان‪ ،‬حتهى إنهه‬
‫لو كان صحوا لرؤي‪ ،‬لقوله عليه السلم‪( :‬فإن أغمي عليكم فاقدروا له) أي استدلوا عليه بمنازله‪،‬‬
‫وقدروا إتمام الشهههر بحسههابه‪ .‬وقال الجمهور‪ :‬معنههى (فاقدروا له) فأكملوا المقدار‪ ،‬يفسههره حديههث‬
‫أبهههي هريرة (فأكملوا العدة)‪ .‬وذكهههر الداودي أنهههه قيهههل فهههي معنهههى قوله "فاقدروا له"‪ :‬أي قدروا‬
‫المنازل‪ .‬وهذا ل نعلم أحدا قال بهه إل بعهض أصهحاب الشافعهي أنهه يعتهبر فهي ذلك بقول المنجميهن‪،‬‬
‫والجماع حجهة عليههم‪ .‬وقهد روى ابهن نافهع عهن مالك فهي المام ل يصهوم لرؤيهة الهلل ول يفطهر‬
‫لرؤيتهه‪ ،‬وإنمها يصهوم ويفطهر على الحسهاب‪ :‬إنهه ل يقتدى بهه ول يتبهع‪ .‬قال ابهن العربهي‪ :‬وقهد زل‬
‫بعض أصحابنا فحكى عن الشافعي أنه قال‪ :‬يعول على الحساب‪ ،‬وهي عثرة ل لعاً لها‪.‬‬
‫@ واختلف مالك والشافعي هل يثبت هلل رمضان‪ .‬بشهادة واحد أو شاهدين‪ ،‬فقال مالك‪ :‬ل يقبل‬
‫فيهه شهادة الواحهد لنهها شهادة على هلل فل يقبهل فيهها أقهل مهن اثنيهن‪ ،‬أصهله الشهادة على هلل‬
‫شوال وذي الحجة‪ .‬وقال الشافعي وأبو حنيفة‪ :‬يقبل الواحد‪ ،‬لما رواه أبو داود عن ابن عمر قال‪:‬‬
‫ل صهلى الّ عليهه وسهلم أنهي رأيتهه‪ ،‬فصهام وأمهر الناس‬ ‫تراءى الناس الهلل فأخهبرت بهه رسهول ا ّ‬
‫بصهيامه‪ .‬وأخرجهه الدارقطنهي وقال‪ :‬تفرد بهه مروان بهن محمهد عهن ابهن وههب وههو ثقهة‪ .‬روى‬
‫الدارقطنهي "أن رجل شههد عنهد علي بهن أبهي طالب على رؤيهة هلل رمضان فصهام‪ ،‬أحسهبه قال‪:‬‬
‫وأمر الناس أن يصوموا‪ ،‬وقال‪ :‬أصوم يوما من شعبان أحب إلى من أن أفطر يوما من رمضان‪.‬‬
‫قال الشافعهههي‪ :‬فإن لم تهههر العامهههة هلل شههههر رمضان ورآه رجهههل عدل رأيهههت أن أقبله للثهههر‬
‫والحتياط‪ .‬وقال الشافعهههي بعهههد‪ :‬ل يجوز على رمضان إل شاهدان‪ .‬قال الشافعهههي وقال بعهههض‬
‫أصحابنا‪ :‬ل أقبل عليه إل شاهدين‪ ،‬وهو القياس على كل مغيب"‪.‬‬
‫@ واختلفوا فيمن رأى هلل رمضان وحده أو هلل شوال‪ ،‬فروى الربيع عن الشافعي‪ :‬من رأى‬
‫هلل رمضان وحده فليصههمه‪ ،‬ومههن رأى هلل شوال وحده فليفطههر‪ ،‬وليخههف ذلك‪ .‬وروى ابههن‬
‫وهب عن مالك في الذي يرى هلل رمضان وحده أنه يصوم‪ ،‬لنه ل ينبغي له أن يفطر وهو يعلم‬
‫أن ذلك اليوم مهن شههر رمضان‪ .‬ومهن رأى هلل شوال وحده فل يفطهر‪ ،‬لن الناس يتهمون على‬
‫أن يفطهر منههم مهن ليهس مأمونها‪ ،‬ثهم يقول أولئك إذا ظههر عليههم‪ :‬قهد رأينها الهلل‪ .‬قال ابهن المنذر‪:‬‬
‫وبهذا قال الليهث بهن سهعد وأحمهد بهن حنبهل‪ .‬وقال عطاء وإسهحاق‪ :‬ل يصهوم ول يفطهر‪ .‬قال ابهن‬
‫المنذر‪ :‬يصوم ويفطر‪.‬‬
‫@ واختلفوا إذا أخبر مخبر عن رؤية بلد‪ ،‬فل يخلو أن يقرب أو يبعد‪ ،‬فإن قرب فالحكهم واحد‪،‬‬
‫وإن بعد فلهل كل بلد رؤيتهم‪ ،‬روي هذا عن عكرمة والقاسم وسالم‪ ،‬وروي عن ابن عباس‪ ،‬وبه‬
‫قال إسهحاق‪ ،‬وإليهه أشار البخاري حيهث بوب‪[ :‬لههل كهل بلد رؤيتههم] وقال آخرون‪ .‬إذا ثبهت عنهد‬
‫الناس أن أههل بلد قهد رأوه فعليههم قضاء مها أفطروا‪ ،‬هكذا قال الليهث بهن سهعد والشافعهي‪ .‬قال ابهن‬
‫المنذر‪ :‬ول أعلمه إل قول المزني والكوفي‪.‬‬
‫قلت‪ :‬ذكهر الكيها الطهبري فهي كتاب أحكام القرآن له‪ :‬وأجمهع أصهحاب أبهي حنيفهة على أنهه إذا‬
‫صهام أههل بلد ثلثيهن يومها للرؤيهة‪ ،‬وأههل بلد تسهعة وعشريهن يومها أن على الذيهن صهاموا تسهعة‬
‫وعشرين يوما قضاء يوم‪ .‬وأصحاب الشافعي ل يرون ذلك‪ ،‬إذ كانت المطالع في البلدان يجوز أن‬
‫تختلف‪ .‬وحجهة أصهحاب أبهي حنيفهة قوله تعالى‪" :‬ولتكملوا العدة" وثبهت برؤيهة أههل بلد أن العدة‬
‫ثلثون فوجهب على هؤلء إكمالهها‪ .‬ومخالفههم يحتهج بقوله صهلى الّ عليهه وسهلم‪( :‬صهوموا لرؤيتهه‬
‫وأفطروا لرؤيته) الحديث‪ ،‬وذلك يوجب اعتبار عادة كل قوم في بلدهم‪ .‬وحكى أبو عمر الجماع‬
‫على أنه ل تراعى الرؤية فيمها بعد من البلدان كالندلس من خراسان‪ ،‬قال‪ :‬ولكل بلد رؤيتهم‪ ،‬إل‬
‫مها كان كالمصهر الكهبير ومها تقاربهت أقطاره مهن بلدان المسهلمين‪ .‬روى مسهلم عهن كريهب أن أم‬
‫الفضهل بنهت الحارث بعثتهه إلى معاويهة بالشام قال‪ :‬فقدمهت الشام فقضيهت حاجتهها واسهتهل عليّه‬
‫رمضان وأنا بالشام فرأيت الهلل ليلة الجمعة ثم قدمت المدينة في آخر الشهر فسألني عبدال بن‬
‫عباس رضهي الّ عنهمها‪ ،‬ثهم ذكهر الهلل فقال‪ :‬متهى رأيتهم الهلل؟ فقلت‪ :‬رأيناه ليلة الجمعهة‪ .‬فقال‪:‬‬
‫أنهت رأيتهه؟ فقلت نعهم‪ ،‬ورآه الناس وصهاموا وصهام معاويهة‪ .‬فقال‪ :‬لكنها رأيناه ليلة السهبت فل نزال‬
‫نصوم حتى نكمل ثلثين أو نراه‪ .‬فقلت‪ :‬أو ل تكتفي برؤية معاوية وصيامه؟ فقال ل‪ ،‬هكذا أمرنا‬
‫ل صهلى الّ‬ ‫رسهول الّ صهلى الّ عليهه وسهلم‪ .‬قال علماؤنها‪ :‬قول ابهن عباس (هكذا أمرنها رسهول ا ّ‬
‫عليهه وسهلم) كلمهة تصهريح برفهع ذلك إلى النهبي صهلى الّ عليهه وسهلم وبأمره‪ .‬فههو حجهة على أن‬
‫البلد إذا تباعدت كتباعهد الشام مهن الحجاز فالواجهب على أههل كهل بلد أن تعمهل على رؤيتهه دون‬
‫رؤيهة غيره‪ ،‬وإن ثبهت ذلك عنهد المام العظهم‪ ،‬مها لم يحمهل الناس على ذلك‪ ،‬فإن حمهل فل تجوز‬
‫ل صهلى الّ عليهه وسهلم) يحتمهل أن يكون‬ ‫مخالفتهه‪ .‬وقال الكيها الطهبري‪ :‬قوله (هكذا أمرنها رسهول ا ّ‬
‫تأول فيههه قول رسههول الّ صههلى الّ عليههه وسههلم‪( :‬صههوموا لرؤيتههه وأفطروا لرؤيتههه)‪ .‬وقال ابههن‬
‫العربي‪ :‬واختلف في تأويل قول ابن عباس هذا فقيل‪ :‬رده لنه خبر واحد‪ ،‬وقيل‪ :‬رده لن القطار‬
‫مختلفهة فهي المطالع‪ ،‬وههو الصهحيح‪ ،‬لن كريبها لم يشههد وإنمها أخهبر عهن حكهم ثبهت بالشهادة‪ ،‬ول‬
‫خلف فهي الحكهم الثابهت أنهه يجزي فيهه خهبر الواحهد‪ .‬ونظيره مها لو ثبهت أنهه أههل ليلة الجمعهة‬
‫بأغمات وأهل بأشبيلية ليلة السبت فيكون لهل كل بلد رؤيتهم‪ ،‬لن سهيل يكشف من أغمات ول‬
‫يكشف من أشبيلية‪ ،‬وهذا يدل على اختلف المطالع‪.‬‬
‫ل فههي هذه المسههألة فروى ابهن وهههب وابهن القاسههم عنهه فههي‬‫قلت‪ :‬وأمهها مذههب مالك رحمههه ا ّ‬
‫المجموعة أن أهل البصرة إذا رأوا هلل رمضان ثم بلغ ذلك إلى أهل الكوفة والمدينة واليمن أنه‬
‫يلزمههم الصهيام أو القضاء إن فات الداء‪ .‬وروي القاضهي أبهو إسهحاق عهن ابهن الماجشون أنهه إن‬
‫كان ثبهت بالبصهرة بأمهر شائع ذائع يسهتغنى عهن الشهادة والتعديهل له فإنهه يلزم غيرههم مهن أههل‬
‫البلد القضاء‪ ،‬وإن كان إنمها ثبهت عنهد حاكمههم بشهادة شاهديهن لم يلزم ذلك مهن البلد إل مهن كان‬
‫يلزمهه حكهم ذلك الحاكهم ممهن ههو فهي وليتهه‪ ،‬أو يكون ثبهت ذلك عنهد أميهر المؤمنيهن فيلزم القضاء‬
‫جماعة المسلمين‪ .‬قال‪ :‬وهذا قول مالك‪.‬‬
‫@ قرأ جمهور الناس "شههر" بالرفهع على أنه خهبر ابتداء مضمهر‪ ،‬أي ذلكهم شههر‪ ،‬أو المفترض‬
‫عليكهم صهيامه شههر رمضان‪ ،‬أو الصهوم أو اليام‪ .‬وقيهل‪ :‬ارتفهع على أنهه مفعول لم يسهم فاعله بهه‬
‫"كتب" أي كتب عليكم شهر رمضان‪ .‬و"رمضان" ل ينصرف لن النون فيه زائدة‪ .‬ويجوز أن‬
‫يكون مرفوعها على البتداء‪ ،‬وخهبره "الذي أنزل فهي القرآن"‪ .‬وقيهل‪ :‬خهبره "فمهن شههد"‪ ،‬و"الذي‬
‫أنزل" نعهت له‪ .‬وقيهل‪ :‬ارتفهع على البدل مهن الصهيام‪ .‬فمهن قال‪ :‬إن الصهيام فهي قوله "كتهب عليكهم‬
‫الصهيام" ههي ثلثهة أيام وعاشوراء قال هنها بالبتداء‪ .‬ومهن قال‪ :‬إن الصهيام هناك رمضان قال هنها‬
‫بالبتداء أو بالبدل مهن الصهيام‪ ،‬أي كتهب عليكهم شههر رمضان‪ .‬وقرأ مجاههد وشههر بهن حوشهب‬
‫"شههر" بالنصهب‪ .‬قال الكسهائي‪ :‬المعنهى كتهب عليكهم الصهيام‪ ،‬وأن تصهوموا شههر رمضان‪ .‬وقال‬
‫الفراء‪ :‬أي كتب عليكم الصيام أي أن تصوموا شهر رمضان‪ .‬قال النحاس‪" :‬ل يجوز أن ينتصب‬
‫"شههر رمضان" بتصهوموا‪ ،‬لنهه يدخهل فهي الصهلة ثهم يفرق بيهن الصهلة والموصهول‪ ،‬وكذلك إن‬
‫نصهبته بالصهيام‪ ،‬ولكهن يجوز أن تنصهبه على الغراء‪ ،‬أي الزموا شههر رمضان‪ ،‬وصهوموا شههر‬
‫رمضان‪ ،‬وهذا بعيد أيضا لنه لم يتقدم ذكر الشهر فيعرى به"‪.‬‬
‫قلت‪ :‬قوله "كتهب عليكهم الصهيام" يدل على الشههر فجاز الغراء‪ ،‬وههو اختيار أبهي عبيهد‪ .‬وقال‬
‫الخفهش‪ :‬انتصهب على الظرف‪ .‬وحكهي عهن الحسهن وأبهي عمرو إدغام الراء فهي الراء‪ ،‬وهذا ل‬
‫يجوز لئل يجتمع ساكنان‪ ،‬ويجوز أن تقلب حركة الراء على الهاء فتضم الهاء ثم تدغم‪ ،‬وهو قول‬
‫الكوفيين‪.‬‬
‫@قوله تعالى‪" :‬الذي أنزل فيه القرآن" نص في أن القرآن نزل في شهر رمضان‪ ،‬وهو يبين قوله‬
‫عهز وجهل‪" :‬حهم‪ .‬والكتاب المهبين‪ .‬إنها أنزلناه فهي ليلة مباركهة" [الدخان‪ ]3 - 1 :‬يعنهي ليلة القدر‪،‬‬
‫ولقوله‪" :‬إنها أنزلناه فهي ليلة القدر" [القدر‪ .]1 :‬وفهي هذا دليهل على أن ليلة القدر إنمها تكون فهي‬
‫رمضان ل فههي غيره‪ .‬ول خلف أن القرآن أنزل مههن اللوح المحفوظ ليلة القدر ‪ -‬على مهها بيناه ‪-‬‬
‫جملة واحدة‪ ،‬فوضع في بيت العزة في سماء الدنيا‪ ،‬ثم كان جبريل صلى الّ عليه وسلم ينزل به‬
‫نجما نجما في الوامر والنواهي والسباب‪ ،‬وذلك في عشرين سنة‪ .‬وقال ابن عباس‪ :‬أنزل القرآن‬
‫من اللوح المحفوظ جملة واحدة إلى الكتبة في سماء الدنيا‪ ،‬ثم أنزل به جبريل عليه السلم نجوما ‪-‬‬
‫يعنهي اليهة واليتيهن ‪ -‬فهي أوقات مختلفهة فهي إحدى وعشريهن سهنة‪ .‬وقال مقاتهل فهي قوله تعالى‪:‬‬
‫"شههر رمضان الذي أنزل فيهه القرآن" قال أنزل مهن اللوح المحفوظ كهل عام فهي ليلة القدر إلى‬
‫سههماء الدنيهها‪ ،‬ثههم نزل إلى السههفرة مههن اللوح المحفوظ فههي عشريههن شهرا‪ ،‬ونزل بههه جبريههل فههي‬
‫عشرين سنة‪.‬‬
‫قلت‪ :‬وقول مقاتهههل هذا خلف مههها نقهههل مهههن الجماع "أن القرآن أنزل جملة واحدة" والّ أعلم‪.‬‬
‫وروى واثلة بهن السهقع عهن النهبي صهلى الّ عليهه وسهلم أنهه قال‪( :‬أنزلت صهحف إبراهيهم أول ليلة‬
‫من شهر رمضان والتوراة لست مضين منه والنجيل لثلث عشرة والقرآن لربع وعشرين)‪.‬‬
‫قلت‪ :‬وفههي هذا الحديههث دللة على مهها يقول الحسههن أن ليلة القدر تكون ليلة أربههع وعشريههن‪.‬‬
‫ل تعالى بيان هذا‪.‬‬‫وسيأتي إن شاء ا ّ‬
‫ل تعالى‪ ،‬وهو بمعنى المقروء‪ ،‬كالمشروب يسمى‬ ‫@قوله تعالى‪" :‬القرآن" (القرآن)‪ :‬اسم لكلم ا ّ‬
‫شرابهها‪ ،‬والمكتوب يسههمى كتابهها‪ ،‬وعلى هذا قيههل‪ :‬هههو مصههدر قرأ يقرأ قراءة وقرآنهها بمعنههى‪ .‬قال‬
‫الشاعر‪:‬‬
‫يقطع الليل تسبيحا وقرآنا‬ ‫ضحوا بأشمط عنوان السجود به‬
‫أي قراءة‪ .‬وفي صحيح مسلم عن عبدال بن عمر (أن في البحر شياطين مسجونة أوثقها سليمان‬
‫عليهه السهلم يوشهك أن تخرج فتقرأ على الناس قرآنها) أي قراءة‪ .‬وفهي التنزيهل‪" :‬وقرآن الفجهر إن‬
‫قرآن الفجهر كان مشهودا" [السهراء‪ ]78 :‬أي قراءة الفجهر‪ .‬ويسهمى المقروء قرآنها على عادة‬
‫العرب في تسميتها المفعول باسم المصدر‪ ،‬كتسميتهم للمعلوم علما وللمضروب ضربا للمشروب‬
‫شربها‪ ،‬كمها ذكرنها‪ ،‬ثهم اشتههر السهتعمال فهي هذا واقترن بهه العرف الشرعهي‪ ،‬فصهار القرآن اسهما‬
‫لكلم الّ‪ ،‬حتهههى إذا قيهههل‪ :‬القرآن غيهههر مخلوق‪ ،‬يراد بهههه المقروء ل القراءة لذلك‪ .‬وقهههد يسهههمى‬
‫ل قرآنهها توسههعا‪ ،‬وقههد قال صههلى الّ عليههه وسههلم‪( :‬ل تسههافروا‬
‫المصههحف الذي يكتههب فيههه كلم ا ّ‬
‫بالقرآن إلى أرض العدو) أراد به المصحف‪ .‬وهو مشتق من قرأت الشيء جمعته‪ .‬وقيل‪ :‬هو اسم‬
‫علم لكتاب الّ‪ ،‬غير مشتق كالتوراة والنجيل‪ ،‬وهذا يحكى عن الشافعي‪ .‬والصحيح الشتقاق في‬
‫الجميع‪ ،‬وسيأتي‪.‬‬
‫@قوله تعالى‪" :‬هدى للناس" (هدى) فهي موضهع نصهب على الحال مهن القرآن‪ ،‬أي هاديها لههم‪.‬‬
‫"وبينات" عطف عليه‪ .‬و"الهدى" الرشاد والبيان‪ ،‬كما تقدم أي بيانا لهم وإرشادا‪ .‬والمراد القرآن‬
‫بجملتهه مهن محكهم ومتشابهه وناسهخ ومنسهوخ‪ ،‬ثهم شرف بالذكهر والتخصهيص البينات منهه‪ ،‬يعنهي‬
‫الحلل والحرام والمواعههظ والحكام‪" .‬وبينات" جمههع بينههة‪ ،‬مههن بان الشيههء يههبين إذا وضههح‪.‬‬
‫"والفرقان" ما فرق بين الحق والباطل‪ ،‬أي فصل‪ ،‬وقد تقدم‪.‬‬
‫@قوله تعالى‪" :‬فمن شهد منكم الشهر فليصمه" قراءة العامة بجزم اللم‪ .‬وقرأ الحسن والعرج‬
‫بكسهر اللم‪ ،‬وههي لم المهر وحقهها الكسهر إذا أفردت‪ ،‬فإذا وصهلت بشيهء ففيهها وجهان‪ :‬الجزم‬
‫والكسههر‪ .‬وإنمهها توصههل بثلثههة أحرف‪ :‬بالفاء كقوله "فليصههمه" "فليعبدوا" [قريههش‪ .]3 :‬والواو‬
‫كقوله‪" :‬وليوفوا" [الحهج‪ .]29 :‬وثهم كقوله‪" :‬ثهم ليقضوا" [الحهج‪ ]29 :‬و"شههد" بمعنهى حضهر‪،‬‬
‫وفيه إضمار‪ ،‬أي من شههد منكهم المصهر فهي الشههر عاقل بالغها صهحيحا مقيما فليصمه‪ ،‬وهو يقال‬
‫عام فيخصص بقوله‪" :‬فمن كان منكم مريضا أو على سفر" الية‪ .‬وليس الشهر بمفعول وإنما هو‬
‫ظرف زمان‪ .‬وقهد اختلف العلماء فهي تأويهل هذا‪ ،‬فقال علي بهن أبهي طالب وابهن عباس وسهويد بهن‬
‫غفلة وعائشهة ‪ -‬أربعة من الصهحابة ‪ -‬وأبو مجلز لحهق بن حميهد وعبيدة السلماني‪( :‬من شههد أي‬
‫من حضر دخول الشهر وكان مقيما في أوله في بلده وأهله فليكمل صيامه‪ ،‬سافر بعد ذلك أو أقام‪،‬‬
‫وإنما يفطر في السفر من دخل عليه رمضان وهو في سفر) والمعنى عندهم‪ :‬من أدركه رمضان‬
‫مسافرا أفطر وعليه عدة من أيام أخر‪ ،‬ومن أدركه حاضرا فليصمه‪ .‬وقال جمهور المة‪ :‬من شهد‬
‫أول الشههر وآخره فليصهم مها دام مقيمها‪ ،‬فإن سهافر أفطهر‪ ،‬وهذا ههو الصهحيح وعليهه تدل الخبار‬
‫الثابتهة‪ .‬وقهد ترجهم البخاري رحمهه الّ ردا على القول الول "باب إذا صهام أيامها مهن رمضان ثهم‬
‫سافر" حدثنا عبدال بن يوسف قال أنبأنا مالك عن ابن شهاب عن عبيدالّ بن عبدال بن عتبة عن‬
‫ل صهلى الّ عليهه وسهلم خرج إلى مكهة فهي رمضان فصهام حتهى بلغ الكديهد‬ ‫ابهن عباس أن رسهول ا ّ‬
‫أفطر فأفطر الناس‪ .‬قال أبو عبدال‪ :‬والكديد ما بين عسفان وقديد‪.‬‬
‫قلت‪ :‬قهد يحتمهل أن يحمهل قول علي رضهي الّ عنهه ومهن وافقهه على السهفر المندوب كزيارة‬
‫الخوان مههن الفضلء والصههالحين‪ ،‬أو المباح فههي طلب الرزق الزائد على الكفايههة‪ .‬وأمهها السههفر‬
‫الواجب في طلب القوت الضروري‪ ،‬أو فتح بلد إذا تحقق ذلك‪ ،‬أو دفع عدو‪ ،‬فالمرء فيه مخير ول‬
‫يجب عليه المساك‪ ،‬بل الفطر فيه أفضل للتقوى‪ ،‬وإن كان شهد الشهر في بلده وصام بعضه فيه‪،‬‬
‫لحديهههث ابهههن عباس وغيره‪ ،‬ول يكون فهههي هذا خلف إن شاء الّ والّ أعلم‪ .‬وقال أبهههو حنيفهههة‬
‫وأصحابه‪ :‬من شهد الشهر بشروط التكليف غير مجنون ول مغمى عليه فليصمه‪ ،‬ومن دخل عليه‬
‫رمضان وهو مجنون وتمادى به طول الشهر فل قضاء عليه‪ ،‬لنه لم يشهد الشهر بصفة يجب بها‬
‫الصهيام‪ .‬ومهن جن أول الشههر وآخره فإنهه يقضهي أيام جنونهه‪ .‬ونصهب الشههر على هذا التأويهل هو‬
‫على المفعول الصريح به "شهد"‪.‬‬
‫@قهد تقرر أن فرض الصهوم مسهتحق بالسهلم والبلوغ والعلم بالشههر‪ ،‬فإذا أسهلم الكافهر أو بلغ‬
‫الصهبي قبهل الفجهر لزمهمها الصهوم صهبيحة اليوم‪ ،‬وإن كان الفجهر اسهتحب لهمها المسهاك‪ ،‬وليهس‬
‫عليهمها قضاء الماضهي مهن الشههر ول اليوم الذي بلغ فيهه أو أسهلم‪ .‬وقهد اختلف العلماء فهي الكافهر‬
‫يسهلم فهي آخهر يوم مهن رمضان‪ ،‬ههل يجهب عليهه قضاء رمضان كله أول؟ وههل يجهب عليهه قضاء‬
‫اليوم الذي أسلم فيه؟ فقال المام مالك والجمهور‪ :‬ليس عليه قضاء ما مضى‪ ،‬لنه إنما شهد الشهر‬
‫مههن حيههن إسههلمه‪ .‬قال مالك‪ :‬وأحههب إليهّ أن يقضههي اليوم الذي أسههلم فيههه‪ .‬وقال عطاء والحسههن‪:‬‬
‫يصهوم مها بقهي ويقضهي مها مضهى‪ .‬وقال عبدالملك بهن الماجشون‪ :‬يكهف عهن الكهل فهي ذلك اليوم‬
‫ويقضيه‪ .‬وقال أحمد وإسحاق مثله‪ .‬وقال ابن المنذر‪ :‬ليس عليه أن يقضي ما مضى من الشهر ول‬
‫ذلك اليوم‪ .‬وقال الباجي‪ :‬من قال من أصحابنا أن الكفار مخاطبون بشرائع السلم ‪ -‬وهو مقتضى‬
‫قول مالك وأكثهر أصهحابه ‪ -‬أوجهب عليهه المسهاك فهي بقية يومهه‪ .‬ورواه فهي المدونهة ابهن نافهع عهن‬
‫مالك‪ ،‬وقاله الشيهخ أبهو القاسهم‪ .‬ومهن قال مهن أصهحابنا ليسهوا مخاطهبين قال‪ :‬ل يلزمهه المسهاك فهي‬
‫بقية يومه‪ ،‬وهو مقتضى قول أشهب وعبدالملك بن الماجشون‪ ،‬وقاله ابن القاسم‪.‬‬
‫قلت‪ :‬وههو الصهحيح لقوله تعالى‪" :‬يها أيهها الذيهن آمنوا" فخاطهب المؤمنيهن دون غيرههم‪ ،‬وهذا‬
‫واضهح‪ ،‬فل يجهب عليهه المسهاك فهي بقيهة اليوم ول قضاء مها مضهى‪ .‬وتقدم الكلم فهي معنهى قوله‪:‬‬
‫"ومن كان مريضا أو على سفر فعدة من أيام أخر" [البقرة‪ ]184:‬والحمد ل‪.‬‬
‫@قوله تعالى‪" :‬يريد ال بكم اليسر" قراءة جماعة "اليسر" بضم السين لغتان‪ ،‬وكذلك "العسر"‪.‬‬
‫قال مجاههد والضحاك‪" :‬اليسهر" الفطهر فهي السهفر‪ ،‬و"العسهر" الصهيام فهي السهفر‪ .‬والوجهه عموم‬
‫اللفظ في جميع أمور الدين‪ ،‬كما قال تعالى‪" :‬وما جعل عليكم في الدين من حرج" [الحج‪،]78 :‬‬
‫ل يسهر)‪ ،‬وقال صهلى الّ عليهه وسهلم‪( :‬يسهروا ول‬ ‫وروي عهن النهبي صهلى الّ عليهه وسهلم (ديهن ا ّ‬
‫تعسروا)‪ .‬واليسر من السهولة‪ ،‬ومنه اليسار للغنى‪ .‬وسميت اليد اليسرى تفاؤل‪ ،‬أو لنه يسهل له‬
‫المهر بمعاونتهها لليمنهى‪ ،‬قولن‪ .‬وقوله‪" :‬ول يريهد بكهم العسهر" ههو بمعنهى قوله "يريهد الّ بكهم‬
‫اليسر" فكرر تأكيدا‪.‬‬
‫ل سهبحانه مريهد بإرادة قديمهة أزليهة زائدة على الذات‪ .‬هذا مذههب أههل‬
‫@ دلت اليهة على أن ا ّ‬
‫السهنة‪ ،‬كمها أنهه عالم بعلم‪ ،‬قادر بقدرة‪ ،‬حهي بحياة‪ ،‬سهميع بسهمع‪ ،‬بصهير ببصهر‪ ،‬متكلم بكلم‪ .‬وهذه‬
‫كلها معان وجودية أزلية زائدة على الذات‪ .‬وذهب الفلسفة والشيعة إلى نفيها‪ ،‬تعالى الّ عن قول‬
‫الزائغيهن وإبطال المبطليهن‪ .‬والذي يقطهع دابر أههل التعطيهل أن يقال‪ :‬لو لم يصهدق كونهه ذا إرادة‬
‫لصهدق أنهه ليهس بذي إرادة‪ ،‬ولو صهح ذلك لكان كهل مها ليهس بذي إرادة ناقصها بالنسهبة إلى مهن له‬
‫إرادة‪ ،‬فإن من كانت له الصفات الرادية فله أن يخصص الشيء وله أل يخصصه‪ ،‬فالعقل السليم‬
‫يقضهي بأن ذانك؟؟ كمال له وليس بنقصان‪ ،‬حتى أنه لو قدر بالوهم سلب ذلك المر عنه لقد كان‬
‫حاله أول أكمهل بالنسهبة إلى حال ثانيها‪ ،‬فلم يبهق إل أن يكون مها لم يتصهف أنقهص ممها ههو متصهف‬
‫به‪ ،‬ول يخفي ما فيه من المحال‪ ،‬فإنه كيف يتصور أن يكون المخلوق أكمل من الخالق‪ ،‬والخالق‬
‫أنقص منه‪ ،‬والبديهة تقضي برده وإبطاله‪ .‬وقد وصف نفسه جل جلله وتقدست أسماؤه بأنه مريد‬
‫فقال تعالى‪" :‬فعال لمها يريهد" [هود‪ ]107 :‬وقال سهبحانه‪" :‬يريهد ال بكهم اليسهر ول يريهد بكهم‬
‫العسهر" [البقرة‪ ]185 :‬وقال‪" :‬يريهد ال أن يخفهف عنكهم" [النسهاء‪ ،]28 :‬إذا أراد أمراً فإنمها‬
‫يقول كن فيكون‪ .‬ثم إن هذا العالم على غاية من الحكمة والتقان والنتظام والحكام‪ ،‬وهو مع ذلك‬
‫جائز وجوده وجائز عدمه‪ ،‬فالذي خصصه بالوجود يجب أن يكون مريدا له قادرا عليه عالما به‪،‬‬
‫فإن لم يكهن عالمها قادرا ل يصهح منهه صهدور شيهء‪ ،‬ومهن لم يكهن عالمها وإن كان قادرا لم يكهن مها‬
‫صههدر منههه على نظام الحكمههة والتقان‪ ،‬ومههن لم يكههن مريدا لم يكههن تخصههيص بعههض الجائزات‬
‫بأحوال وأوقات دون البعهض بأولى مهن العكهس‪ ،‬إذ نسهبتها إليهه نسهبة واحدة‪ .‬قالوا‪ :‬وإذ ثبهت كونهه‬
‫قادرا مريدا وجههب أن يكون حيهها‪ ،‬إذ الحياة شرط هذه الصههفات‪ ،‬ويلزم مههن كونههه حيهها أن يكون‬
‫سههميعا بصههيرا متكلمهها‪ ،‬فإن لم تثبههت له هذه الصههفات فإنههه ل محالة متصههف بأضدادههها كالعمههى‬
‫والطرش والخرس على ما عرف فهي الشاههد‪ ،‬والبارئ سبحانه وتعالى يتقدس عن أن يتصهف بمها‬
‫يوجب في ذاته نقصا‪.‬‬
‫@قوله تعالى‪" :‬ولتكملوا العدة" فيهه تأويلن‪ :‬أحدهمها‪ :‬إكمال عدة الداء لمهن أفطهر فهي سهفره أو‬
‫مرضه‪ .‬الثاني‪ :‬عدة الهلل سواء كانت تسعا وعشرين أو ثلثين‪ .‬قال جابر ابن عبدال قال النبي‬
‫صلى الّ عليه وسلم‪( :‬إن الشهر يكون تسعا وعشرين)‪ .‬وفي هذا رد لتأويل من تأول قوله صلى‬
‫الّ عليهه وسهلم‪( :‬شهرا عيهد ل ينقصهان رمضان وذو الحجهة) أنهمها ل ينقصهان عهن ثلثيهن يومها‪،‬‬
‫أخرجهه أبهو داود‪ .‬وتأوله جمهور العلماء على معنهى أنهمها ل ينقصهان فهي الجهر وتكفيهر الخطايها‪،‬‬
‫سواء كانا من تسع وعشرين أو ثلثين‪.‬‬
‫@ ول اعتبار برؤية هلل شوال يوم الثلثين من رمضان نهارا بل هو لليلة التي تأتي‪ ،‬هذا هو‬
‫الصهحيح‪ .‬وقهد اختلف الرواة عهن عمهر فهي هذه المسهألة فروى الدارقطنهي عهن شقيهق قال‪ :‬جاءنها‬
‫كتاب عمهر ونحهن بخانقيهن قال فهي كتابهه‪( :‬إن الهلة بعضهها أكهبر مهن بعهض‪ ،‬فإذا رأيتهم الهلل‬
‫نهارا فل تفطروا حتهى يشههد شاهدان أنهمها رأياه بالمهس) وذكره أبهو عمهر مهن حديهث عبدالرزاق‬
‫عهن معمهر عهن العمهش عهن أبهي وائل قال‪ :‬كتهب إلينها عمهر‪ ،...‬فذكره‪ .‬قال أبهو عمهر‪ :‬وروي عهن‬
‫علي بهن أبهي طالب مثهل مها ذكره عبدالرزاق أيضها‪ ،‬وههو قول ابهن مسهعود وابهن عمهر وأنهس بهن‬
‫مالك‪ ،‬وبهه قال مالك والشافعهي وأبهو حنيفهة ومحمهد بهن الحسهن والليهث والوزاعهي‪ ،‬وبهه قال أحمهد‬
‫وإسحاق‪ .‬وقال سفيان الثوري وأبو يوسف‪ :‬إن رئي بعد الزوال فهو لليلة التي تأتي‪ ،‬وإن رئي قبل‬
‫الزوال فههو لليلة الماضيهة‪ .‬وروي مثهل ذلك عهن عمهر‪ ،‬ذكره عبدالرزاق عهن الثوري عهن مغيرة‬
‫عهن شباك عهن إبراهيهم قال‪ :‬كتهب عمهر إلى عتبهة بهن فرقهد "إذا رأيتهم الهلل نهارا قبهل أن تزول‬
‫الشمس لتمام ثلثين فأفطروا‪ ،‬وإذا رأيتموه بعد ما تزول الشمس فل تفطروا حتى تمسوا"‪ ،‬وروي‬
‫عن علي مثله‪ .‬ول يصح في هذه المسألة شيء من جهة السناد على علي‪ .‬وروي عن سليمان بن‬
‫ربيعهة مثهل قول الثوري‪ ،‬وإليهه ذههب عبدالملك بهن حهبيب‪ ،‬وبهه كان يفتهي بقرطبهة‪ .‬واختلف عهن‬
‫عمر بن عبدالعزيز في هذه المسألة‪ ،‬قال أبو عمر‪ :‬والحديث عن عمر بمعنى ما ذهب إليه مالك‬
‫والشافعهي وأبهو حنيفهة متصهل‪ ،‬والحديهث الذي روي عنهه بمذههب الثوري منقطهع‪ ،‬والمصهير إلى‬
‫المتصهل أولى‪ .‬وقهد احتهج مهن ذههب مذههب الثوري بأن قال‪ :‬حديهث العمهش مجمهل لم يخهص فيهه‬
‫قبل الزوال ول بعده‪ ،‬وحديث إبراهيم مفسر‪ ،‬فهو أولى أن يقال به‪.‬‬
‫قلت‪ :‬قد روي مرفوعا معنى ما روي عن عمر متصل موقوفا روته عائشة زوج النبي صلى‬
‫الّ عليه وسلم قالت‪ :‬أصبح رسول الّ صلى الّ عليه وسلم صائما صبح ثلثين يوما‪ ،‬فرأى هلل‬
‫شوال نهارا فلم يفطر حتى أمسى‪ .‬أخرجه الدارقطني من حديث الواقدي وقال‪ :‬قال الواقدي حدثنا‬
‫معاذ بهن محمهد النصهاري قال‪ :‬سهألت الزهري عهن هلل شوال إذا رئي باكرا‪ ،‬قال سهمعت سهعيد‬
‫بهن المسهيب يقول‪ :‬إن رئي هلل شوال بعهد أن طلع الفجهر إلى العصهر أو إلى أن تغرب الشمهس‬
‫فهو من الليلة التي تجيء‪ ،‬قال أبو عبدال‪ :‬وهذا مجمع عليه‪.‬‬
‫@ روى الدارقطني عن ربعي بن حراش عن رجل من أصحاب النبي صلى الّ عليه وسلم‪ :‬قال‪:‬‬
‫اختلف الناس في آخر يوم من رمضان فقدم أعرابيان فشهدا عند النبي صلى الّ عليه وسلم لهل‬
‫ل صههلى الّ عليههه وسههلم الناس أن يفطروا وأن يغدوا إلى‬ ‫الهلل أمههس عشيههة‪( ،‬فأمههر رسههول ا ّ‬
‫مصلهم) قال الدارقطني‪ :‬هذا إسناد حسن ثابت‪ .‬قال أبو عمر‪ :‬ل خلف عن مالك وأصحابه أنه‬
‫ل تصهلى صهلة العيهد فهي غيهر يوم العيهد ول فهي يوم العيهد بعهد الزوال‪ ،‬وحكهي عهن أبهي حنيفهة‪.‬‬
‫واختلف قول الشافعي في هذه المسألة‪ ،‬فمرة قال بقول مالك‪ ،‬واختاره المزني وقال‪ :‬إذا لم يجز أن‬
‫تصلى في يوم العيد بعد الزوال فاليوم الثاني أبعد من وقتها وأحرى أل تصلى فيه‪ .‬وعن الشافعي‬
‫روايهة أخرى أنهها تصهلى فهي اليوم الثانهي ضحهى‪ .‬وقال البويطهي‪ :‬ل تصهلى إل أن يثبهت فهي ذلك‬
‫حديث‪ .‬قال أبو عمر‪ :‬لو قضيت صلة العيد بعد خروج وقتها لشبهت الفرائض‪ ،‬وقد أجمعوا في‬
‫سهائر السهنن أنهها ل تقضهى‪ ،‬فهذه مثلهها‪ .‬وقال الثوري والوزاعهي وأحمهد بهن حنبهل‪ :‬يخرجون مهن‬
‫الغههد‪ ،‬وقاله أبههو يوسههف فههي الملء‪ .‬وقال الحسههن بههن صههالح بههن حههي‪ :‬ل يخرجون فههي الفطههر‬
‫ويخرجون في الضحى‪ .‬قال أبو يوسف‪ :‬وأما في الضحى فيصليها بهم في اليوم الثالث‪ .‬قال أبو‬
‫عمهر‪ :‬لن الضحهى أيام عيهد وههي صهلة عيهد‪ ،‬وليهس الفطهر يوم عيهد إل يوم واحهد‪ ،‬فإذا لم تصهل‬
‫فيهه لم تقهض فهي غيره‪ ،‬لنهها ليسهت بفريضهة فتقضهى‪ .‬وقال الليهث بهن سهعد‪ :‬يخرجون فهي الفطهر‬
‫والضحى من الغد‪.‬‬
‫قلت‪ :‬والقول بالخروج إن شاء الّ أصهح‪ ،‬للسهنة الثابتهة فهي ذلك‪ ،‬ول يمتنهع أن يسهتثني الشارع‬
‫مهن السهنن مها شاء فيأمهر بقضائه بعهد خروج وقتهه‪ .‬وقهد روى الترمذي عهن أبهي هريرة قال قال‬
‫رسهول الّ صهلى الّ عليهه وسهلم‪( :‬مهن لم يصهل ركعتهي الفجهر فليصهلهما بعهد مها تطلع الشمهس)‪.‬‬
‫صححه أبو محمد‪ .‬قال الترمذي‪ :‬والعمل على هذا عند بعض أهل العلم‪ ،‬وبه يقول سفيان الثوري‬
‫والشافعي وأحمد وإسحاق وابن المبارك‪ .‬وروي عن عمر أنه فعله‪.‬‬
‫قلت‪ :‬وقد قال علماؤنا‪ :‬من ضاق عليه الوقت وصلى الصبح وترك ركعتي الفجر فإنه يصليهما‬
‫بعد طلوع الشمس إن شاء‪ .‬وقيل‪ :‬ل يصليهما حينئذ‪ .‬ثم إذا قلنا‪ :‬يصليهما فهل ما يفعله قضاء‪ ،‬أو‬
‫ركعتان ينوب له ثوابهمها عهن ثواب ركعتهي الفجهر‪ .‬قال الشيهخ أبهو بكهر‪ :‬وهذا الجاري على أصهل‬
‫المذهب‪ ،‬وذكر القضاء تجوز‪.‬‬
‫قلت‪ :‬ول يبعد أن يكون حكم صلة الفطر في اليوم الثاني على هذا الصل‪ ،‬ل سيما مع كونها‬
‫مرة واحدة في السنة مع ما ثبت من السنة‪ .‬روى النسائي قال‪ :‬أخبرني عمرو بن علي قال حدثنها‬
‫يحيهى قال حدثنها شعبهة قال حدثنهي أبهو بشهر عهن أبهي عميهر بهن أنهس عهن عمومهة له‪ :‬أن قومها رأوا‬
‫الهلل فأتوا النهبي صهلى الّ عليهه وسهلم فأمرههم أن يفطروا بعهد مها ارتفهع النهار وأن يخرجوا إلى‬
‫العيد من الغد‪ .‬في رواية‪ :‬ويخرجوا لمصلهم من الغد‪.‬‬
‫@ قرأ أبهو بكهر عهن عاصهم وأبهو عمرو ‪ -‬فهي بعهض مها روي عنهه ‪ -‬والحسهن وقتادة والعرج‬
‫"ولتكملوا العدة" بالتشديد‪ .‬والباقون بالتخفيف‪ .‬واختار الكسائي التخفيف‪ ،‬كقوله عز وجل‪" :‬اليوم‬
‫أكملت لكم دينكم" [المائدة‪ .]3 :‬قال النحاس‪ :‬وهما لغتان بمعنى واحد‪ ،‬كما قال عز وجل‪" :‬فمهل‬
‫الكافريهن أمهلههم رويدا" [الطارق‪ .]17 :‬ول يجوز "ولتكلموا" بإسهكان اللم‪ ،‬والفرق بيهن هذا‬
‫وبيهن مها تقدم أن التقديهر‪ :‬ويريهد لن تكملوا‪ ،‬ول يجوز حذف أن والكسهرة‪ ،‬هذا قول البصهريين‪،‬‬
‫ونحوه قول كثير أبو صخر‪:‬‬
‫أريد لنسى ذكرها‬
‫أي لن أنسى‪ ،‬وهذه اللم هي الداخلة على المفعول‪ ،‬كالتي في قولك‪ :‬ضربت لزيد‪ ،‬المعنى ويريد‬
‫إكمال العدة‪ .‬وقيههل‪ :‬هههي متعلقههة بفعههل مضمههر بعههد‪ ،‬تقديره‪ :‬ولن تكملوا العدة رخههص لكههم هذه‬
‫الرخصههة‪ .‬وهذا قول الكوفييههن وحكاه النحاس عههن الفراء‪ .‬قال النحاس‪ :‬وهذا قول حسههن‪ ،‬ومثله‪:‬‬
‫"وكذلك نري إبراهيهم ملكوت السهماوات والرض وليكون مهن الموقنيهن" [النعام‪ ]75 :‬أي‬
‫وليكون مهن الموقنيهن فعلنها ذلك‪ .‬وقيهل‪ :‬الواو مقحمهة‪ .‬وقيهل‪ :‬يحتمهل أن تكون هذه اللم لم المهر‬
‫والواو عاطفهة جملة كلم على جملة كلم‪ .‬وقال أبهو إسهحاق إبراهيهم بهن السهري‪ :‬ههو محمول على‬
‫ل ذلك ليسهل عليكم ولتكملوا العدة‪ ،‬قال‪ :‬ومثله ما أنشده سيبويه‪.‬‬ ‫المعنى‪ ،‬والتقدير‪ :‬فعل ا ّ‬
‫إل رواكد جمرهن هباء‬ ‫بادت وغير آيهن مع البلى‬
‫فبدا وغيب ساره المعزاء‬ ‫ومشجج أما سواء قذاله‬
‫شاده يشيده شيدا جصهصه‪ ،‬لن معناه بادت إل رواكهد بهها رواكهد‪ ،‬فكأنهه قال‪ :‬وبهها مشجهج أو ثهم‬
‫مشجج‪.‬‬
‫@قوله تعالى‪" :‬ولتكبروا ال" عطف عليه‪ ،‬ومعناه الحض على التكبير في آخر رمضان في قول‬
‫جمهور أهل التأويل‪ .‬واختلف الناس في حده‪ ،‬فقال الشافعي‪ :‬روي عن سعيد ابن المسيب وعروة‬
‫وأبي سلمة أنهم كانوا يكبرون ليلة الفطر ويحمدون‪ ،‬قال‪ :‬وتشبه ليلة النحر بها‪ .‬وقال ابن عباس‪:‬‬
‫حهق على المسهلمين إذا رأوا هلل شوال أن يكهبروا وروي عنهه‪ :‬يكهبر المرء مهن رؤيهة الهلل إلى‬
‫انقضاء الخطبة‪ ،‬ويمسك وقت خروج المام ويكبر بتكبيره‪ .‬وقال قوم‪ :‬يكبر من رؤية الهلل إلى‬
‫خروج المام للصهلة‪ .‬وقال سهفيان‪ :‬ههو التكهبير يوم الفطهر‪ .‬زيهد بهن أسهلم‪ :‬يكهبرون إذا خرجوا إلى‬
‫المصلى فإذا انقضت الصلة انقضى العيد‪ .‬وهذا مذهب مالك‪ ،‬قال مالك‪ :‬هو من حين يخرج من‬
‫داره إلى أن يخرج المام‪ .‬وروى ابهن القاسهم وعلي بهن زياد‪ :‬أنهه إن خرج قبهل طلوع الشمهس فل‬
‫يكههبر فههي طريقههه ول جلوسههه حتههى تطلع الشمههس‪ ،‬وإن غدا بعههد الطلوع فليكههبر فههي طريقههه إلى‬
‫المصههلى وإذا جلس حتههى يخرج المام‪ .‬والفطههر والضحههى فههي ذلك سههواء عنههد مالك‪ ،‬وبههه قال‬
‫الشافعههي‪ .‬وقال أبههو حنيفههة‪ :‬يكههبر فههي الضحههى ول يكههبر فههي الفطههر‪ ،‬والليههل عليههه قوله تعالى‪:‬‬
‫"ولتكهبروا الّ" ولن هذا يوم عيهد ل يتكرر فهي العام فسهن الكهبير فهي الخروج إليهه كالضحهى‪.‬‬
‫وروى الدارقطنهي عهن أبهي عبدالرحمهن السهلمي قال‪ :‬كانوا فهي التكهبير فهي الفطهر أشهد منههم فهي‬
‫الضحى‪ .‬وروي عن ابن عمر‪( :‬أن رسول الّ صلى الّ عليه وسلم كان يكبر يوم الفطر من حين‬
‫يخرج مهن بيتهه حتهى يأتهي المصهلى) وروي عهن ابهن عمهر‪ :‬أنهه كان إذا غدا يوم الضحهى ويوم‬
‫الفطهر يجههر بالتكهبير حتهى يأتهي ثهم يكهبر حتهى يأتهي المام‪ .‬وأكثهر أههل العلم على التكهبير فهي عيهد‬
‫الفطهر مهن أصهحاب النهبي صهلى الّ عليهه وسهلم وغيرههم فيمها ذكهر ابهن المنذر قال‪ :‬وحكهى ذلك‬
‫الوزاعههي عههن إلياس‪ .‬وكان الشافعههي يقول إذا رأى هلل شوال‪ :‬أحببههت أن يكههبر الناس جماعههة‬
‫وفرادى‪ ،‬ول يزالون يكهبرون ويظهرون التكهبير حتهى يغدوا إلى المصهلى وحيهن يخرج المام إلى‬
‫الصهلة‪ ،‬وكذلك أحهب ليلة الضحهى لمهن لم يحهج‪ .‬وسهيأتي حكهم صهلة العيديهن والتكهبير فيهمها فهي‬
‫ل تعالى‪.‬‬
‫"سبح اسم ربك العلى" [العلى] و"الكوثر" [الكوثر] إن شاء ا ّ‬
‫@ ولفهظ التكهبير عنهد مالك وجماعهة مهن العلماء‪ :‬الّ أكهبر الّ أكهبر الّ أكهبر‪ ،‬ثلثها‪ ،‬وروي عهن‬
‫ل أكهبر‬‫جابر بهن عبدال‪ .‬ومهن العلماء مهن يكهبر ويهلل ويسهبح أثناء التكهبير‪ .‬ومنههم مهن يقول‪ :‬ا ّ‬
‫ل بكرة وأصههيل‪ .‬وكان ابههن المبارك يقول إذا خرج مههن يوم‬ ‫كههبيرا‪ ،‬والحمههد ل كثيرا‪ ،‬وسههبحان ا ّ‬
‫ل أكهبر على مها هدانها‪ .‬قال ابهن‬‫ل أكهبر ول الحمهد‪ ،‬ا ّ‬ ‫ل أكهبر‪ ،‬ل إله إل الّ‪ ،‬وا ّ‬‫الفطهر‪ :‬الّ أكهبر ا ّ‬
‫المنذر‪ :‬وكان مالك ل يحههد فيههه حدا‪ .‬وقال أحمههد‪ :‬هههو واسههع‪ .‬قال ابههن العربههي‪" :‬واختار علماؤنهها‬
‫التكبير المطلق‪ ،‬وهو ظاهر القرآن وإليه أميل"‪.‬‬
‫@قوله تعالى‪" :‬على ما هداكم" قيل‪ :‬لما ضل فيه النصارى من تبديل صيامهم‪ .‬وقيل‪ :‬بدل عما‬
‫كانت الجاهلية تفعله من التفاخر بالباء والتظاهر بالحساب وتعديد المناقب‪ .‬وقيل‪ :‬لتعظموه على‬
‫ما أرشدكم إليه من الشرائع‪ ،‬فهو عام‪.‬‬
‫وتقدم معنى "ولعلكم تشكرون"‬
‫*‪*3‬الية‪{ 186 :‬وإذا سألك عبادي عني فإني قريب أجيب دعوة الداع إذا دعان فليستجيبوا لي‬
‫وليؤمنوا بي لعلهم يرشدون}‬
‫@قوله تعالى‪" :‬وإذا سهألك" المعنهى وإذا سهألوك عهن المعبود فأخهبرهم أنهه قريهب يثيهب على‬
‫الطاعهة ويجيهب الداعهي‪ ،‬ويعلم مها يفعله العبهد مهن صهوم وصهلة وغيهر ذلك‪ .‬واختلف فهي سهبب‬
‫نزولهها‪ ،‬فقال مقاتهل‪ :‬إن عمهر رضهي الّ عنهه واقهع امرأتهه بعهد مها صهلى العشاء فندم على ذلك‬
‫وبكى‪ ،‬وجاء إلى رسول الّ صلى الّ عليه وسلم فأخبره بذلك ورجع مغتما‪ ،‬وكان ذلك قبل نزول‬
‫الرخصهة‪ ،‬فنزلت هذه اليهة‪" :‬إذا سهألك عبادي عنهي فإنهي قريهب"‪ .‬وقيهل‪ :‬لمها وجهب عليههم فهي‬
‫البتداء ترك الكهل بعهد النوم فأكهل بعضههم ثهم ندم‪ ،‬فنزلت هذه اليهة فهي قبول التوبهة ونسهخ ذلك‬
‫الحكهم‪ ،‬على مها يأتهي بيانهه‪ .‬وروى الكلبهي عهن أبهي صهالح عهن ابهن عباس قال‪ :‬قالت اليهود كيهف‬
‫يسهمع ربنها دعاءنها‪ ،‬وأنهت تزعهم أن بيننها وبيهن السهماء خمسهمائة عام‪ ،‬وغلظ كهل سهماء مثهل ذلك؟‬
‫فنزلت هذه اليههة‪ .‬وقال الحسههن‪ :‬سههببها أن قومهها قالوا للنههبي صههلى الّ عليههه وسههلم‪ :‬أقريههب ربنهها‬
‫فنناجيه‪ ،‬أم بعيد فنناديه؟ فنزلت‪ .‬وقال عطاء وقتادة‪ :‬لما نزلت‪" :‬وقال ربكم ادعوني أستجب لكم"‬
‫[غافر‪ ]60 :‬قال قوم‪ :‬في أي ساعة ندعوه؟ فنزلت‪.‬‬
‫قوله تعالى‪" :‬فإنههي قريههب" أي بالجابههة‪ .‬وقيههل بالعلم‪ .‬وقيههل‪ :‬قريههب مههن أوليائي بالفضال‬
‫والنعام‪.‬‬
‫@قوله تعالى‪" :‬أجيب دعوة الداعي إذا دعان" أي أقبل عبادة من عبدني‪ ،‬فالدعاء بمعنى العبادة‪،‬‬
‫والجابهة بمعنهى القبول‪ .‬دليله مها رواه أبهو داود عهن النعمان بهن بشيهر عهن النهبي صهلى الّ عليهه‬
‫وسهلم قال‪( :‬الدعاء ههو العبادة قال ربكهم ادعونهي أسهتجب لكهم) فسههمي الدعاء عبادة‪ ،‬ومنهه قوله‬
‫تعالى‪" :‬إن الذين يستكبرون عن عبادتي سيدخلون جهنم داخرين" [غافر‪ ]60 :‬أي دعائي‪ .‬فأمر‬
‫تعالى بالدعاء وحض عليه وسماه عبادة‪ ،‬ووعد بأن يستجيب لهم‪ .‬روى ليث عن شهر بن حوشب‬
‫عهن عبادة بهن الصهامت قال سهمعت رسهول الّ صهلى الّ عليهه وسهلم يقول‪( :‬أعطيهت أمتهي ثلثها لم‬
‫ل إذا بعث نبيها قال ادعني أستجب لك وقال لهذه المة ادعوني أستجب لكم‬ ‫تعهط إل النبياء كان ا ّ‬
‫ل إذا بعهث النهبي قال له مها جعهل عليهك فهي الديهن مهن حرج وقال لهذه المة مها جعهل عليكهم‬ ‫وكان ا ّ‬
‫ل إذا بعهث النهبي جعله شهيدا على قومهه وجعهل هذه المهة شهداء على‬ ‫فهي الديهن مهن حرج وكان ا ّ‬
‫الناس)‪ .‬وكان خالد الربعههي يقول‪ :‬عجبههت لهذه المههة فههي "ادعونههي أسههتجب لكههم" [غافههر‪]60 :‬‬
‫أمرهههم بالدعاء ووعدهههم بالجابههة‪ ،‬وليههس بينهمهها شرط‪ .‬قال له قائل‪ :‬مثههل ماذا؟ قال مثههل قوله‪:‬‬
‫"وبشر الذين آمنوا وعملوا الصالحات" [البقرة‪ ]25 :‬فههنا شرط‪ ،‬وقوله‪" :‬وبشر الذين آمنوا أن‬
‫لهم قدم صدق" [يونس‪ ]2 :‬فليس فيه شرط العمل‪ ،‬ومثل قوله‪" :‬فادعوا ال مخلصين له الدين"‬
‫[غافر‪ ]14 :‬فههنا شرط‪ ،‬وقوله‪" :‬ادعوني أستجب لكم" ليس فيه شرط‪ .‬وكانت المم تفزع إلى‬
‫أنبيائها في حوائجهم حتى تسأل النبياء لهم ذلك‪.‬‬
‫فإن قيهل‪ :‬فمها للداعهي قهد يدعهو فل يجاب؟ فالجواب أن يعلم أن قوله الحهق فهي اليتيهن "أجيهب"‬
‫"أسهتجب" ل يقتضهي السهتجابة مطلقها لكهل داع على التفصهيل‪ ،‬ول بكهل مطلوب على التفصهيل‪،‬‬
‫فقهد قال ربنها تبارك وتعالى فهي آيهة أخرى‪" :‬ادعوا ربكهم تضرعها وخفيهة إنهه ل يحهب المعتديهن"‬
‫[العراف‪ ]55 :‬وكهل مصهر على كهبيرة عالمها بهها أو جاهل فههو معتهد‪ ،‬وقهد أخهبر أنهه ل يحهب‬
‫المعتديهن فكيهف يسهتجيب له‪ .‬وأنواع العتداء كثيرة‪ ،‬يأتهي بيانههنها وفهي "العراف" إن شاء الّ‬
‫تعالى‪ .‬وقال بعهض العلماء‪ :‬أجيهب إن شئت‪ ،‬كمها قال‪" :‬فيكشهف مها تدعون إليهه إن شاء" [النعام‪:‬‬
‫‪ ]41‬فيكون هذا من باب المطلق والمقيد‪ .‬وقد دعا النبي صلى الّ عليه وسلم فهي ثلث فأعطهي‬
‫ل تعالى‪ .‬وقيهل‪ :‬إنمها مقصهود هذا‬ ‫اثنتيهن ومنهع واحدة‪ ،‬على مها يأتهي بيانهه فهي "النعام" إن شاء ا ّ‬
‫الخبار تعريهف جميهع المؤمنيهن أن هذا وصهف ربههم سهبحانه أن يجيهب دعاء الداعيهن فهي الجملة‪،‬‬
‫وأنهه قريهب مهن العبهد يسهمع دعاءه ويعلم اضطراره فيجيبهه بمها شاء وكيهف شاء "ومهن أضهل ممهن‬
‫يدعوا من دون ال من ل يستجيب له" [الحقاف‪ ]5 :‬الية‪ .‬وقد يجيب السيد عبده والوالد ولده ثم‬
‫ل يعطيهه سهؤله‪ .‬فالجابهة كانهت حاصهلة ل محالة عنهد وجود الدعوة‪ ،‬لن أجيهب وأسهتجب خهبر ل‬
‫ينسخ فيصير المخبر كذابا‪ .‬يدل على هذا التأويل ما روى ابن عمر عن النبي صلى الّ عليه وسلم‬
‫قال‪( :‬مهن فتهح له فهي الدعاء فتحهت له أبواب الجابهة)‪ .‬وأوحهى الّ تعالى إلى داود‪ :‬أن قهل للظلمهة‬
‫من عبادي ل يدعوني فإني أوجبت على نفسي أن أجيب من دعاني وإني إذا أجبت الظلمة لعنتهم‪.‬‬
‫ل يجيهب كهل الدعاء‪ ،‬فإمها أن تظههر الجابهة فهي الدنيها‪ ،‬وإمها أن يكفهر عنهه‪ ،‬وإمها أن‬
‫وقال قوم‪ :‬إن ا ّ‬
‫يدخر له في الخرة‪ ،‬لما رواه أبو سعيد الخدري قال قال رسول الّ صلى الّ عليه وسلم‪( :‬ما من‬
‫مسهلم يدعهو بدعوة ليهس فيهها إثهم ول قطيعهة رحهم إل أعطاه الّ بهها إحدى ثلث إمها أن يعجهل له‬
‫دعوتهه وإمها أن يدخهر له وإمها أن يكهف عنهه مهن السهوء بمثلهها)‪ .‬قالوا‪ :‬إذن نكثهر؟ قال‪( :‬ل أكثهر)‪.‬‬
‫خرجه أبو عمر بن عبدالبر‪ ،‬وصححه أبو محمد عبدالحق‪ ،‬وهو في الموطأ منقطع السند‪ .‬قال أبو‬
‫ل تعالى "ادعوني أستجب لكم" [غافر‪]60 :‬‬ ‫عمر‪ :‬وهذا الحديث يخرج في التفسير المسند لقول ا ّ‬
‫فهذا كله مهن الجابهة‪ .‬وقال ابهن عباس‪ :‬كهل عبهد دعها اسهتجيب له‪ ،‬فإن كان الذي يدعهو بهه رزقها له‬
‫في الدنيا أعطيه‪ ،‬وإن لم يكن رزقا له في الدنيا ذخر له‪.‬‬
‫قلت‪ :‬وحديث أبي سعيد الخدري وإن كان إذنا بالجابة في إحدى ثلث فقد دلك على صحة ما‬
‫تقدم مهن اجتناب العتداء المانهع مهن الجابهة حيهث قال فيهه‪( :‬مها لم يدع بإثهم أو قطيعهة رحهم) وزاد‬
‫مسهلم‪( :‬مها لم يسهتعجل)‪ .‬رواه عهن أبهي هريرة عهن النهبي صهلى الّ عليهه وسهلم أنهه قال‪( :‬ل يزال‬
‫يسهتجاب للعبهد مها لم يدع بإثهم أو قطيعهة رحهم مها لم يسهتعجل ‪ -‬قيهل‪ :‬يها رسهول الّ‪ ،‬مها السهتعجال؟‬
‫قال ‪ -‬يقول قههد دعوت وقههد دعوت فلم أر يسههتجيب لي فيسههتحسر عنههد ذلك ويدع الدعاء)‪ .‬وروى‬
‫البخاري ومسههلم وأبههو داود عههن أبههي هريرة أن رسههول الّ صههلى الّ عيههه وسههلم قال‪( :‬يسههتجاب‬
‫لحدكههم مهها لم يعجههل يقول دعوت فلم يسههتجب لي)‪ .‬قال علماؤنهها رحمههة الّ عليهههم‪ :‬يحتمههل قوله‬
‫(يسهتجاب لحدكهم) الخبار عهن وجوب وقوع الجابهة‪ ،‬والخبار عهن جواز وقوعهها‪ ،‬فإذا كان‬
‫بمعنهى الخبار عهن الوجوب والوقوع فإن الجابهة تكون بمعنهى الثلثهة الشياء المتقدمهة‪ .‬فإذا قال‪:‬‬
‫قهد دعوت فلم يسهتجب لي‪ ،‬بطهل وقوع أحهد هذه الثلثهة الشياء وعري الدعاء مهن جميعهها‪ .‬وإن‬
‫كان بمعنهى جواز الجابهة فإن الجابهة حينئذ تكون بفعهل مها دعها بهه خاصهة‪ ،‬ويمنهع مهن ذلك قول‬
‫الداعي‪ :‬قد دعوت فلم يستجب لي‪ ،‬لن ذلك من باب القنوط وضعف اليقين والسخط‪.‬‬
‫قلت‪ :‬ويمنهع مهن إجابهة الدعاء أيضها أكهل الحرام ومها كان فهي معناه‪ ،‬قال صهلى الّ عليهه وسهلم‪:‬‬
‫(الرجل يطيل السفر أشعث أغبر يمد يديه إلى السماء يا رب يا رب ومطعمه حرام ومشربه حرام‬
‫وملبسههه حرام وغذي بالحرام فأنّىه يسههتجاب لذلك) وهذا اسههتفهام على جهههة السههتبعاد مههن قبول‬
‫دعاء مهن هذه صهفته‪ ،‬فإن إجابهة الدعاء ل بهد لهها مهن شروط فهي الداعهي وفهي الدعاء وفهي الشيهء‬
‫المدعهو بهه‪ .‬فمهن شرط الداعهي أن يكون عالمها بأن ل قادر على حاجتهه إل الّ‪ ،‬وأن الوسهائط فهي‬
‫ل ل يسهتجيب دعاء مهن‬ ‫قبضتهه ومسهخرة بتسهخيره‪ ،‬وأن يدعهو بنيهة صهادقة وحضور قلب‪ ،‬فإن ا ّ‬
‫قلب غافهل له‪ ،‬وأن يكون مجتنبها لكهل الحرام‪ ،‬وأل يمهل مهن الدعاء‪ .‬ومهن شرط المدعهو فيهه أن‬
‫يكون مهن المور الجائزة الطلب والفعهل شرعها‪ ،‬كمها قال‪( :‬مها لم يدع بإثهم أو قطيعهة رحهم) فيدخهل‬
‫فهي الثهم كهل مها يأثهم بهه مهن الذنوب‪ ،‬ويدخهل فهي الرحهم جميهع حقوق المسهلمين ومظالمههم‪ .‬وقال‬
‫سهههل بههن عبدال التسههتري‪ :‬شروط الدعاء سههبعة‪ :‬أولههها التضرع والخوف والرجاء والمداومههة‬
‫والخشوع والعموم وأكهل الحلل‪ .‬وقال ابهن عطاء‪ :‬إن للدعاء أركانها وأجنحهة وأسهبابا وأوقاتها‪ ،‬فإن‬
‫وافهق أركانهه قوي‪ ،‬وإن وافهق أجنحتهه طار فهي السهماء‪ ،‬وإن وافهق مواقيتهه فاز‪ ،‬وإن وافهق أسهبابه‬
‫أنجح‪ .‬فأركانه حضور القلب والرأفة والستكانة والخشوع‪ ،‬وأجنحته الصدق‪ ،‬ومواقيته السحار‪،‬‬
‫وأسهبابه الصهلة على محمهد صهلى الّ عليهه وسهلم‪ .‬وقيهل‪ :‬شرائطهه أربهع‪ :‬أولهها حفهظ القلب عنهد‬
‫الوحدة‪ ،‬وحفظ اللسان مع الخلق‪ ،‬وحفظ العين عن النظر إلى ما ل يحل‪ ،‬وحفظ البطن من الحرام‪.‬‬
‫وقد قيل‪ :‬إن بن من شرط الدعاء أن يكون سليما من اللحن‪ ،‬كما أنشد بعضهم‪:‬‬
‫كذاك إذا دعاه ل يجيب‬ ‫ينادي ربه باللحن ليث‬
‫ل فلم تطيعوه‪ ،‬وعرفتم‬ ‫وقيل لبراهيم بن أدهم‪ :‬ما بالنا ندعو فل يستجاب لنا؟ قال‪ :‬لنكم عرفتم ا ّ‬
‫ل فلم تؤدوا شكرهها‪ ،‬وعرفتهم‬ ‫الرسهول فلم تتبعوا سهنته‪ ،‬وعرفتهم القرآن فلم تعملوا بهه‪ ،‬وأكلتهم نعهم ا ّ‬
‫الجنهههة فلم تطلبوهههها‪ ،‬وعرفتهههم النار فلم تهربوا منهههها‪ ،‬وعرفتهههم الشيطان فلم تحاربوه ووافقتموه‪،‬‬
‫وعرفتههم الموت فلم تسههتعدوا له‪ ،‬ودفنتههم الموات فلم تعتههبروا‪ ،‬وتركتههم عيوبكههم واشتغلتههم بعيوب‬
‫الناس‪ .‬قال علي رضهههي الّ عنهههه لنوف البكالي‪ :‬يههها نوف‪ ،‬إن الّ أوحهههى إلى داود أن مهههر بنهههي‬
‫إسرائيل أل يدخلوا بيتا من بيوتي إل بقلوب طاهرة‪ ،‬وأبصار خاشعة‪ ،‬وأيد نقية‪ ،‬فإني ل أستجيب‬
‫لحهد منههم‪ ،‬مها دام لحهد مهن خلقهي مظلمهة‪ .‬يها نوف‪ ،‬ل تكونهن شاعرا ول عريفها ول شرطيها ول‬
‫جابيها ول عشارا‪ ،‬فإن داود قام فهي سهاعة مهن الليهل فقال‪ :‬إنهها سهاعة ل يدعهو عبهد إل اسهتجيب له‬
‫فيهها‪ ،‬إل أن يكون عريفها أو شرطيها أو جابيها أو عشارا‪ ،‬أو صهاحب عرطبهة‪ ،‬وههي الطنبور‪ ،‬أو‬
‫صهاحب كوبة‪ ،‬وههي الطبهل‪ .‬قال علماؤنها‪ :‬ول يقهل الداعهي‪ :‬اللههم أعطنهي إن شئت‪ ،‬اللههم اغفهر لي‬
‫إن شئت‪ ،‬اللهم ارحمني إن شئت‪ ،‬بل يعري سؤاله ودعاءه من لفظ المشيئة‪ ،‬ويسأل سؤال من يعلم‬
‫أنه ل يفعل إل أن يشاء‪ .‬وأيضا فإن في قوله‪" :‬إن شئت" نوع من الستغناء عن مغفرته وعطائه‬
‫ورحمتهه‪ ،‬كقول القائل‪ :‬إن شئت أن تعطينهي كذا فافعهل‪ ،‬ل يسهتعمل هذا إل مهع الغنهي عنهه‪ ،‬وأمها‬
‫المضطهر إليهه فإنهه يعزم فهي مسهألته ويسهأل سهؤال فقيهر مضطهر إلى مها سهأله‪ .‬روى الئمهة واللفهظ‬
‫للبخاري عههن أنههس بههن مالك قال قال رسههول الّ صههلى الّ عليههه وسههلم‪( :‬إذا دعهها أحدكههم فليعزم‬
‫المسهألة ول يقولن اللههم إن شئت فأعطنهي فإنهه ل مسهتكره له)‪ .‬وفهي الموطهأ‪( :‬اللههم اغفهر لي أن‬
‫شئت‪ ،‬اللههم ارحمنهي إن شئت)‪ .‬قال علماؤنها‪ :‬قوله (فليعزم المسهألة) دليهل على أنهه ينبغهي للمؤمهن‬
‫أن يجتههد فهي الدعاء ويكون على رجاء مهن الجابهة‪ ،‬ول يقنهط مهن رحمهة الّ‪ ،‬لنهه يدعهو كريمها‪.‬‬
‫ل قد أجاب دعاء شر الخلق‬ ‫قال سفيان بن عيينة‪ :‬ل يمنعن أحدا من الدعاء ما يعلمه من نفسه فإن ا ّ‬
‫إبليس‪ ،‬قال‪ :‬رب فأنظرني إلى يوم يبعثون‪ ،‬قال فإنك من المنظرين‪ .‬وللدعاء أوقات وأحوال يكون‬
‫الغالب فيههها الجابههة‪ ،‬وذلك كالسههحر ووقههت الفطههر‪ ،‬ومهها بيههن الذان والقامههة‪ ،‬ومهها بيههن الظهههر‬
‫والعصهههر فهههي يوم الربعاء‪ ،‬وأوقات الضطرار وحالة السهههفر والمرض‪ ،‬وعنهههد نزول المطهههر‬
‫والصهف فهي سهبيل الّ‪ .‬كهل هذا جاءت بهه الثار‪ ،‬ويأتهي بيانهها فهي مواضعهها‪ .‬وروى شههر بهن‬
‫حوشهب أن أم الدرداء قالت له‪ :‬يها شههر‪ ،‬أل تجهد القشعريرة؟ قلت نعهم‪ .‬قالت‪ :‬فادع الّ فإن الدعاء‬
‫ل صهلى الّ عليهه وسهلم فهي مسهجد الفتهح‬ ‫مسهتجاب عنهد ذلك‪ .‬وقال جابر بهن عبدال‪ :‬دعها رسهول ا ّ‬
‫ثلثا يوم الثنين ويوم الثلثاء فاستجيب له يوم الربعاء بين الصلتين فعرفت السرور في وجهه‪.‬‬
‫قال جابر‪ :‬ما نزل بي أمر مهم غليظ إل توخيت تلك الساعة فأدعو فيها فأعرف الجابة‪.‬‬
‫@قوله تعالى‪" :‬فليستجيبوا لي" قال أبو رجاء الخراساني‪ :‬فليدعوا لي‪ .‬وقال ابن عطية‪ :‬المعنى‬
‫فليطلبوا أن أجيبهم‪ .‬وهذا هو باب استفعل أي طلب الشيء إل ما شذ مثل استغنى الّ‪ .‬وقال مجاهد‬
‫وغيره‪ :‬المعنههى فليجيبوا إلي ّه فيمهها دعوتهههم إليههه مههن اليمان‪ ،‬أي الطاعههة والعمههل ويقال‪ :‬أجاب‬
‫واستجاب بمعنى‪ ،‬ومنه قول الشاعر‪:‬‬
‫فلم يستجبه عند ذاك مجيب‬
‫أي لم يجبه والسين زائدة واللم لم المر‪ .‬وكذا "وليؤمنوا" وجزمت لم المر لنها تجعل الفعل‬
‫مستقبل ل غير فأشبهت إن التي للشرط‪ .‬وقيل‪ :‬لنها ل تقع إل على الفعل‪.‬‬
‫@قوله تعالى‪" :‬وليؤمنوا بي لعلهم يرشدون" اللم لم المر وجزمت لنها تجعل الفعل مستقبل‬
‫ل غيهر‪ ،‬فأشبههت إن التهي للشرط‪ .‬وقيهل‪ :‬لنهها ل تقهع إل على الفعهل‪ .‬والرشاد خلف الغهي‪ .‬وقهد‬
‫رشهد يرشهد رشدا‪ .‬ورشهد بالكسهر يرشهد رشدا‪ ،‬لغهة فيهه‪ .‬وأرشده الّ‪ .‬والمراشهد‪ :‬مقاصهد الطرق‪.‬‬
‫والطريق الرشد‪ :‬نحو القصد‪ .‬وتقول‪ :‬هو لرشدة‪ .‬خلف قولك‪ :‬لزنية وأم راشد كنية للفأرة وبنو‬
‫رشدان‪ :‬بطهههن مههههن العرب‪ ،‬عهههن الجوهري‪ .‬وقال الهروي‪ :‬الرّشههههد والرّشههههد والرشاد‪ :‬الهدى‬
‫والستقامة‪ ،‬ومنه قوله‪" :‬لعلهم يرشدون"‪.‬‬
‫*‪*3‬الية‪{ 187 :‬أحل لكم ليلة الصيام الرفث إلى نسائكم هن لباس لكم وأنتم لباس لهن علم ال‬
‫أنكهم كنتهم تختانون أنفسهكم فتاب عليكهم وعفها عنكهم فالن باشروههن وابتغوا مها كتهب ال لكهم وكلوا‬
‫واشربوا حتى يتبين لكم الخيط البيض من الخيط السود من الفجر ثم أتموا الصيام إلى الليل ول‬
‫تباشروههن وأنتهم عاكفون فهي المسهاجد تلك حدود ال فل تقربوهها كذلك يهبين ال آياتهه للناس لعلههم‬
‫يتقون}‬
‫@قوله تعالى‪" :‬أحهل لكهم" لفهظ "أحهل" يقتضهي أنهه كان محرمها قبهل ذلك ثهم نسهخ‪ .‬روى أبهو داود‬
‫عن ابن أبي ليلى قال وحدثنا أصحابنا قال‪ :‬وكان الرجل إذا أفطر فنام قبل أن يأكل لم يأكل حتى‬
‫يصهبح‪ ،‬قال‪ :‬فجاء عمهر فأراد امرأتهه فقالت‪ :‬إنهي قهد نمهت‪ ،‬فظهن أنهها تعتهل فأتاهها‪ .‬فجاء رجهل مهن‬
‫النصهار فأراد طعامها فقالوا‪ :‬حتهى نسهحن؟؟ لك شيئا فنام‪ ،‬فلمها أصهبحوا أنزلت هذه اليهة‪ ،‬وفيهها‪:‬‬
‫"أحهل لكهم ليلة الصيام الرفث إلى نسهائكم"‪ .‬وروى البخاري عن البراء قال‪ :‬كان أصهحاب محمد‬
‫صهلى الّ عليهه وسهلم إذا كان الرجهل صهائما فحضهر الفطار فنام قبهل أن يفطهر لم يأكهل ليلتهه ول‬
‫يومهه حتهى يمسهي‪ ،‬وأن قيهس بهن صهرمة النصهاري كان صهائما ‪ -‬وفهي روايهة‪ :‬كان يعمهل فهي‬
‫النخيهل بالنهار وكان صهائما ‪ -‬فلمها حضهر الفطار أتهى امرأتهه فقال لهها‪ :‬أعندك طعام؟ قالت ل‪،‬‬
‫ولكهن أنطلق فأطلب لك‪ ،‬وكان يومهه يعمهل‪ ،‬فغلبتهه عيناه‪ ،‬فجاءتهه امرأتهه فلمها رأتهه قالت‪ :‬خيبهة لك‬
‫فلما انتصف النهار غشي عليه‪ ،‬فذكر ذلك للنبي صلى الّ عليه وسلم فنزلت هذه الية‪" :‬أحل لكم‬
‫ليلة الصههيام الرفههث إلى نسههائكم" ففرحوا فرحهها شديدا‪ ،‬ونزلت‪" :‬وكلوا واشربوا حتههى يتههبين لكههم‬
‫الخيط البيض من الخيط السود من الفجر"‪ .‬وفي البخاري أيضا عن البراء قال‪ :‬لما نزل صوم‬
‫ل تعالى‪:‬‬ ‫رمضان كانوا ل يقربون النسههههاء رمضان كله‪ ،‬وكان رجال يخونون أنفسهههههم‪ ،‬فأنزل ا ّ‬
‫"علم الّ أنكم كنتم تختانون أنفسكم فتاب عليكم وعفا عنكم" يقال‪ :‬خان واختان بمعنى من الخيانة‪،‬‬
‫ل فقههد خان نفسههه إذ جلب إليههها‬‫أي تخونون أنفسههكم بالمباشرة فههي ليالي الصههوم‪ .‬ومههن عصههى ا ّ‬
‫العقاب‪ .‬وقال القتههبي‪ :‬أصههل الخيانههة أن يؤتمههن الرجههل على شيههء فل يؤدي المانههة فيههه‪ .‬وذكههر‬
‫ل تعالى عنه رجع من عند النبي صلى الّ عليه وسهلم وقد سمر عنده‬ ‫الطهبري‪ :‬أن عمهر رضهي ا ّ‬
‫ليلة فوجهد امرأتهه قهد نامهت فأرادهها فقالت له‪ :‬قهد نمهت‪ ،‬فقال لهها‪ :‬مها نمهت‪ ،‬فوقهع بهها‪ .‬وصهنع كعهب‬
‫بهن مالك مثله‪ ،‬فغدا عمهر على النهبي صهلى الّ عليهه وسهلم فقال‪ :‬أعتذر إلى الّ وإليهك‪ ،‬فإن نفسهي‬
‫زينت؟؟ لي فواقعت أهلي‪ ،‬فهل تجد لي من رخصة؟ فقال لي‪( :‬لم تكن حقيقا يا عمر) فلما بلغ بيته‬
‫أرسهل إليهه فأنبأه بعذره فهي آيهة مهن القرآن‪ .‬وذكره النحاس ومكهي‪ ،‬وأن عمهر نام ثهم وقهع بامرأتهه‪،‬‬
‫ل أنكم كنتم تختانون أنفسكم فتاب‬ ‫وأنه أتى النبي صلى الّ عليه وسلم فأخبره بذلك فنزلت‪" :‬علم ا ّ‬
‫عليكم وعفا عنكم فالن باشروهن" الية‪.‬‬
‫@قوله تعالى‪" :‬ليلة الصيام الرفث" (ليلة) نصب على الظرف وهي اسم جنس فلذلك أفردت‪.‬‬
‫@قوله تعالى‪" :‬الرفث إلى نسائكم" والرفث‪ :‬كناية عن الجماع لن الّ عز وجل كريم يكني‪ ،‬قاله‬
‫ابهن عباس والسهدي‪ .‬وقال الزجاج‪ :‬الرفهث كلمهة جامعهة لكهل مها يريهد الرجهل مهن امرأتهه‪ ،‬وقال‬
‫الزهري أيضا‪ .‬وقال ابن عرفة‪ :‬الرفث ههنا الجماع‪ .‬والرفث‪ :‬التصريح بذكر الجماع والعراب‬
‫به‪ .‬قال الشاعر‪:‬‬
‫وبهن عن رفث الرجال نفار‬ ‫ويرين من أنس الحديث زوانيا‬
‫وقيل‪ :‬الرفث أصله قول الفحش‪ ،‬يقال‪ :‬رفث وأرفث إذا تكلم بالقبيح‪ ،‬ومنه قول الشاعر‪:‬‬
‫عن اللغا ورفث التكلم‬ ‫ورب أسراب حجيج كظم‬
‫وتعدى "الرفث" بإلى في قوله تعالى جده‪" :‬الرفث إلى نسائكم"‪ .‬وأنت ل تقول‪ :‬رفثت إلى النساء‪،‬‬
‫ولكنهه جيهء بهه محمول على الفضاء الذي يراد بهه الملبسهة فهي مثهل قوله‪" :‬وقهد أفضهى بعضكهم‬
‫إلى بعض" [النساء‪ .]21 :‬ومن هذا المعنى‪" :‬وإذا خلوا إلى شياطينهم" [البقرة‪ ]14 :‬كما تقدم‪.‬‬
‫وقوله‪" :‬يوم يحمى عليها" [التوبة‪ ]35 :‬أي يوقد‪ ،‬لنك تقول‪ :‬أحميت الحديدة في النار‪ ،‬وسيأتي‪،‬‬
‫ومنه قوله‪" :‬فليحذر الذين يخالفون عن أمره‪[ "،‬النور‪ ]63 :‬حمل على معنى ينحرفون عن أمره‬
‫أو يروغون عههن أمره‪ ،‬لنههك تقول‪ :‬خالفههت زيدا‪ .‬ومثله قوله تعالى‪" :‬وكان بالمؤمنيههن رحيمهها"‬
‫[الحزاب‪ ]43 :‬حمهل على معنهى رؤوف فهي نحو "بالمؤمنيهن رؤوف رحيهم" [التوبة‪،]128 :‬‬
‫أل ترى أنهك تقول‪ :‬رؤفهت بهه‪ ،‬ول تقول رحمهت بهه‪ ،‬ولكنهه لمها وافقهه فهي المعنهى نزل منزلتهه فهي‬
‫التعدية‪ .‬ومن هذا الضرب قول أبي كبير الهذلي‪:‬‬
‫كرها وعقد نطاقها لم يحلل‬ ‫حملت به في ليلة مزؤودة‬
‫عدى "حملت" بالباء‪ ،‬وحقه أن يصل إلى المفعول بنفسه‪ ،‬كما جاء في التنزيل‪" :‬حملته أمه كرها‬
‫ووضعته كرها" [الحقاف‪ ،]15 :‬ولكنه قال‪ :‬حملت به‪ ،‬لنه في معنى حبلت به‪.‬‬
‫@قوله تعالى‪" :‬هن لباس لكم" ابتداء وخبر‪ ،‬وشددت النون من "هن" لنها بمنزلة الميم والواو‬
‫فهي المذكهر‪" .‬وأنتهم لباس لههن" أصهل اللباس فهي الثياب‪ ،‬ثهم سهمي امتزاج كهل واحهد مهن الزوجيهن‬
‫بصاحبه لباسا‪ ،‬لنضمام الجسد وامتزاجهما وتلزمهما تشبيها بالثوب‪ .‬وقال النابغة الجعدي‪:‬‬
‫تداعت فكانت عليه لباسا‬ ‫إذا ما الضجيع ثنى جيدها‬
‫وقال أيضا‪:‬‬
‫وأفنيت بعد أناس أناسا‬ ‫لبست أناسا فأفنيتهم‬
‫وقال بعضههم‪ :‬يقال لمها سهتر الشيهء وداراه‪ :‬لباس‪ .‬فجائز أن يكون كهل واحهد منهمها سهترا لصهاحبه‬
‫عمها ل يحهل‪ ،‬كمها ورد فهي الخهبر‪ .‬وقيهل‪ :‬لن كهل واحهد منهمها سهتر لصهاحبه فيمها يكون بينهمها مهن‬
‫الجماع مهن أبصهار الناس‪ .‬وقال أبهو عبيهد وغيره‪ :‬يقال للمرأة ههي لباسهك وفراشهك وإزارك‪ .‬قال‬
‫رجل لعمر بن الخطاب‪:‬‬
‫فدى لك من أخي ثقة إزاري‬ ‫أل أبلغ أبا حفص رسول‬
‫قال أبو عبيد‪ :‬أي نسائي‪ .‬وقيل نفسي‪ .‬وقال الربيع‪ :‬هن فراش لكم‪ ،‬وأنتم لحاف لهن‪ .‬مجاهد‪ :‬أي‬
‫سكن لكم‪ ،‬أي يسكن بعضكم إلى بعض‪.‬‬
‫@قوله تعالى‪" :‬علم ال أنكم كنتهم تختانون أنفسهكم" يستأمر بعضكهم بعضا فهي مواقعهة المحظور‬
‫من الجماع والكل بعد النوم في ليالي الصوم‪ ،‬كقوله تعالى‪" :‬تقتلون أنفسكم" [البقرة‪ ]85 :‬يعني‬
‫يقتل بعضكم بعضا‪ .‬ويحتمل أن يريد به كل واحد منهم في نفسه بأنه يخونها‪ ،‬وسماه خائنا لنفسه‬
‫من حيث كان ضرره عائدا عليه‪ ،‬كما تقدم‪ .‬وقوله‪" :‬فتاب عليكم" يحتمل معنيين‪ :‬أحدهما ‪ -‬قبول‬
‫التوبهة مهن خيانتههم لنفسههم‪ .‬والخهر ‪ -‬التخفيهف عنههم بالرخصهة والباحهة‪ ،‬كقوله تعالى‪" :‬علم أن‬
‫لن تحصهوه فتاب عليكهم" [المزمهل‪ ]20 :‬يعنهي خفهف عنكهم‪ .‬وقوله عقيهب القتهل الخطهأ‪" :‬فمهن لم‬
‫يجهد فصهيام شهريهن متتابعيهن توبهة مهن ال" [النسهاء‪ ]92 :‬يعنهي تخفيفها‪ ،‬لن القاتهل خطهأ لم يفعهل‬
‫شيئا تلزمهه التوبهة منهه‪ ،‬وقال تعالى‪" :‬لقهد تاب ال على النهبي والمهاجريهن والنصهار الذيهن اتبعوه‬
‫فهي سهاعة العسهرة" [التوبهة‪ ]117 :‬وإن لم يكهن مهن النهبي صهلى الّ عليهه وسهلم مها يوجهب التوبهة‬
‫منه‪ .‬وقوله‪" :‬وعفا عنكم" يحتمل العفو من الذنب‪ ،‬ويحتمل التوسعة والتسهيل‪ ،‬كقول النبي صلى‬
‫الّ عليه وسلم‪( :‬أول الوقت رضوان الّ وآخره عفو الّ) يعني تسهيله وتوسعته‪ .‬فمعنى "علم الّ"‬
‫أي علم وقوع هذا منكهم مشاهدة "فتاب عليكهم" بعهد مها وقهع‪ ،‬أي خفهف عنكهم "وعفها" أي سههل‪.‬‬
‫و"تختانون" مههن الخيانههة‪ ،‬كمهها تقدم‪ .‬قال ابههن العربههي‪" :‬وقال علماء الزهههد‪ :‬وكذا فلتكههن العنايههة‬
‫ل تعالى شريعهة‪ ،‬وخفهف مهن أجله عهن‬ ‫وشرف المنزلة‪ ،‬خان نفسهه عمهر رضهي الّ عنهه فجعلهها ا ّ‬
‫المة فرضي الّ عنه وأرضاه"‪.‬‬
‫@قوله تعالى‪" :‬فالن باشروهن" كناية عن الجماع‪ ،‬أي قد أحل لكم ما حرم عليكم‪ .‬وسمي الوقاع‬
‫مباشرة لتلصهق البشرتين فيه‪ .‬قال ابن العربي‪ :‬وهذا يدل على أن سبب الية جماع عمر رضي‬
‫الّ عنهه ل جوع قيهس‪ ،‬لنهه لو كان السهبب جوع قيهس لقال‪ :‬فالن كلوا‪ ،‬ابتدأ بهه لنهه المههم الذي‬
‫نزلت الية لجله‪.‬‬
‫@قوله تعالى‪" :‬وابتغوا مها كتهب ال لكهم" قال ابهن عباس ومجاههد والحكهم بهن عيينهة وعكرمهة‬
‫والحسههن والسههدي والربيههع والضحاك‪ :‬معناه وابتغوا الولد‪ ،‬يدل عليههه أنههه عقيههب قوله‪" :‬فالن‬
‫ل لنها ههو القرآن‪ .‬الزجاج‪ :‬أي ابتغوا القرآن بمها أبيهح لكهم‬
‫باشروههن"‪ .‬وقال ابهن عباس‪ :‬مها كتهب ا ّ‬
‫فيه وأمرتهم به‪ .‬وروي عن ابن عباس ومعاذ بن جبل أن المعنى وابتغوا ليلة القدر‪ .‬وقيل‪ :‬المعنى‬
‫اطلبوا الرخصة والتوسعة‪ ،‬قاله قتادة‪ .‬قال ابن عطية‪ :‬وهو قول حسن‪ .‬وقيل‪" :‬ابتغوا ما كتب الّ‬
‫لكههم" مههن الماء والزوجات‪ .‬وقرأ الحسههن البصههري والحسههن بههن قرة "واتبعوا" مههن التباع‪،‬‬
‫وجوزها ابن عباس‪ ،‬ورجح "ابتغوا" من البتغاء‪.‬‬
‫@قوله تعالى‪" :‬وكلوا واشربوا" هذا جواب نازلة قيهس‪ ،‬والول جواب عمهر‪ ،‬وقهد ابتدأ بنازلة‬
‫عمر لنه المهم فهو المقدم‪.‬‬
‫قوله تعالى‪" :‬حتى يتبين لكم الخيط البيض من الخيط السود من الفجر" "حتى" غاية للتبيين‪،‬‬
‫ول يصهح أن يقهع التهبيين لحهد ويحرم عليهه الكهل إل وقهد مضهى لطلوع الفجهر قدر‪ .‬واختلف فهي‬
‫الحهد الذي بتهبينه يجهب المسهاك‪ ،‬فقال الجمهور‪ :‬ذلك الفجهر المعترض فهي الفهق يمنهه ويسهرة‪،‬‬
‫وبهذا جاءت الخبار ومضت عليه المصار‪ .‬روى مسلم عن سمرة بن جندب رضي الّ عنه قال‬
‫ل صههلى الّ عليههه وسههلم‪( :‬ل يغرنكههم مههن سههحوركم أذان بلل ول بياض الفههق‬ ‫قال رسههول ا ّ‬
‫المسههتطيل هكذا حتههى يسههتطير هكذا)‪ .‬وحكاه حماد بيديههه قال‪ :‬يعنههي معترضهها‪ .‬وفههي حديههث ابههن‬
‫مسهعود‪( :‬إن الفجهر ليهس الذي يقول هكذا ‪ -‬وجمهع أصهابعه ثهم نكسهها إلى الرض ‪ -‬ولكهن الذي‬
‫يقول هكذا ‪ -‬ووضهع المسهبحة على المسهبحة ومهد يديهه)‪ .‬وروى الدارقطنهي عهن عبدالرحمهن بهن‬
‫عباس أنه بلغه أن رسول الّ صلى الّ عليه وسلم قال‪( :‬هما فجران فأما الذي كأنه ذنب السرحان‬
‫فإنه ل يحل شيئا ول يحرمه وأما المستطيل الذي عارض الفق ففيه تحل الصلة ويحرم الطعام)‬
‫هذا مرسهل وقالت طائفهة‪ :‬ذلك بعهد طلوع الفجهر وتهبينه فهي الطرق والبيوت‪ ،‬روي ذلك عهن عمهر‬
‫وحذيفة وابن عباس وطلق بن علي وعطاء بن أبي رباح والعمش سليمان وغيرهم أن المساك‬
‫يجهب بتهبيين الفجهر فهي الطرق وعلى رؤوس الجبال‪ .‬وقال مسهروق‪ :‬لم يكهن يعدون الفجهر فجركهم‬
‫إنما كانوا يعدون الفجر الذي يمل البيوت‪ .‬وروى النسائي عن عاصم عن زر قال قلنا لحذيفة‪ :‬أي‬
‫ساعة تسحرت مع رسول الّ صلى الّ عليه وسلم؟ قال‪ :‬هو النهار إل أن الشمس لم تطلع‪ .‬وروى‬
‫الدارقطنهي عهن طلق بهن علي أن نهبي الّ قال‪( :‬كلوا وأشربوا ول يغرنكهم السهاطع المصهعد وكلوا‬
‫واشربوا حتهى يعرض لكهم الحمهر)‪ .‬قال الدارقطنهي‪ :‬قيهس بهن طلق ليهس بالقوي‪ .‬وقال أبهو داود‪:‬‬
‫هذا ممهها تفرد بههه أهههل اليمامههة‪ .‬قال الطههبري‪ :‬والذي قادهههم إلى هذا الصههوم إنمهها هههو فههي النهار‪،‬‬
‫والنهار عندههم مهن طلوع الشمهس‪ ،‬وآخره غروبهها‪ ،‬وقهد مضهى الخلف فهي هذا بيهن اللغوييهن‪.‬‬
‫ل صهلى الّ عليهه وسهلم ذلك بقوله‪( :‬إنمها ههو سهواد الليهل وبياض النهار) الفيصهل‬ ‫وتفسهير رسهول ا ّ‬
‫في ذلك‪ ،‬وقوله "أياما معدودات" [البقرة‪ .]184 :‬وروى الدارقطني عن عائشة رضي الّ عنها‬
‫عن النبي صلى الّ عليه وسلم قال‪( :‬من لم يبيت الصيام قبل طلوع الفجر فل صيام له)‪ .‬تفرد به‬
‫عبدال بهن عباد عهن المفضهل بهن فضالة بهذا السهناد‪ ،‬وكلههم ثقات‪ .‬وروي عهن حفصهة أن النهبي‬
‫صلى الّ عليه وسلم قال‪( :‬من لم يجمع الصيام قبل الفجر فل صيام له)‪ .‬رفعه عبدال بن أبي بكر‬
‫وهو من الثقات الرفعاء‪ ،‬وروي عن حفصة مرفوعا من قولها‪ .‬ففي هذين الحديثين دليل على ما‬
‫قاله الجمهور فهي الفجهر‪ ،‬ومنهع مهن الصهيام دون نيهة قبهل الفجهر‪ ،‬خلفها لقول أبهي حنيفهة‪ ،‬وذلك أن‬
‫الصيام من جملة العبادات فل يصح إل بنية‪ ،‬وقد وقتها الشارع قبل الفجر‪ ،‬فكيف يقال‪ :‬إن الكل‬
‫والشرب بعهد الفجهر جائز وروى البخاري ومسهلم عهن سههل بهن سهعد قال‪ :‬نزلت "وكلوا واشربوا‬
‫حتهى يتهبين لكهم الخيهط البيهض مهن الخيهط السهود" ولم ينزل "مهن الفجهر" وكان رجال إذا أرادوا‬
‫الصوم ربط أحدهم في رجليه الخيط البيض والخيط السود‪ ،‬ول يزال يأكل ويشرب حتى يتبين‬
‫له رؤيتهمها‪ ،‬فأنزل الّ بعهد "مهن الفجهر" فعلموا أنهه إنمها يعنهي بذلك بياض النهار‪ .‬وعهن عدي بهن‬
‫حاتهم قال قلت‪ :‬يها رسهول الّ‪ ،‬مها الخيهط البيهض مهن الخيهط السهود أهمها الخيطان؟ قال‪( :‬إنهك‬
‫لعريههض القفهها إن أبصههرت الخيطيههن ‪ -‬ثههم قال ‪ -‬ل بههل هههو سههواد الليههل وبياض النهار)‪ .‬أخرجههه‬
‫البخاري‪ .‬وسمي الفجر خيطا لن ما يبدو من البياض يرى ممتدا كالخيط‪ .‬قال الشاعر‪:‬‬
‫والخيط السود جنح الليل مكتوم‬ ‫الخيط البيض ضوء الصبح منفلق‬
‫والخيط في كلمههم عبارة عن اللون‪ .‬والفجر مصهدر فجرت الماء أفجره فجرا إذا جرى وانبعث‪،‬‬
‫وأصله الشق‪ ،‬فلذلك قيل للطالع من تباشير ضياء الشمس من مطلعها‪ :‬فجرا لنبعاث ضوئه‪ ،‬وهو‬
‫أول بياض النهار الظاههر المسهتطير فهي الفهق المنتشهر‪ ،‬تسهميه العرب الخيهط البيهض‪ ،‬كمها بينها‪.‬‬
‫قال أبو دواد اليادي‪:‬‬
‫ولح من الصبح خيط أنارا‬ ‫فلما أضاءت لنا سدفة‬
‫وقال آخر‪:‬‬
‫وسدف الليل البهيم ساتره‬ ‫قد كاد يبدو وبدت تباشره‬
‫وقهد تسهميه أيضها الصهديع‪ ،‬ومنهه قولههم‪ :‬انصهدع الفجهر‪ ،‬قال بشهر بهن أبهي خازم أو عمرو بهن معهد‬
‫يكرب‪:‬‬
‫كأن بياض لبته صديع‬ ‫ترى السرحان مفترشا يديه‬
‫وشبهه الشماخ بمفرق الرأس فقال‪:‬‬
‫أشق كمفرق الرأس الدهين‬ ‫إذا ما الليل كان الصبح فيه‬
‫ويقولون في المر الواضح‪ :‬هذا كفلق الصبح‪ ،‬وكانبلج الفجر‪ ،‬وتباشير الصبح‪ .‬قال الشاعر‪:‬‬
‫وابن ذكاء كامن في كفر‬ ‫فوردت قبل انبلج الفجر‬
‫ل جهل ذكره الليهل ظرفها للكهل والشرب‬ ‫@قوله تعالى‪" :‬ثهم أتموا الصهيام إلى الليهل" جعهل ا ّ‬
‫والجماع‪ ،‬والنهار ظرفا للصيام‪ ،‬فبين أحكام الزمانين وغاير بينهما‪ .‬فل يجوز في اليوم شيء مما‬
‫أباحهه بالليهل إل لمسهافر أو مريهض‪ ،‬كمها تقدم بيانهه‪ .‬فمهن أفطهر فهي رمضان مهن غيهر مهن ذكهر فل‬
‫يخلو إما أن يكون عامدا أو ناسيا‪ ،‬فإن كان الول فقال مالك‪ :‬من أفطر في رمضان عامدا بأكل أو‬
‫شرب أو جماع فعليهه القضاء والكفارة‪ ،‬لمها رواه مالك فهي موطئه‪ ،‬ومسهلم فهي صهحيحه عهن أبهي‬
‫هريرة أن رجل أفطر في رمضان فأمره رسول الّ صلى ال عليه وسلم (أن يكفر بعتق رقبة أو‬
‫صيام شهرين متتابعين أو إطعام ستين مسكينا) الحديث‪ .‬وبهذا قال الشعبي‪ .‬وقال الشافعي وغيره‪:‬‬
‫إن هذه الكفارة إنمهها تختههص بمههن أفطههر بالجماع‪ ،‬لحديههث أبههي هريرة أيضهها قال‪ :‬جاء رجههل إلى‬
‫ل صهلى ال عليهه وسهلم فقال‪ :‬هلكهت يها رسهول الّ قال‪( :‬ومها أهلكهك) قال‪ :‬وقعهت على‬ ‫رسهول ا ّ‬
‫امرأتههي فههي رمضان‪ )...‬الحديههث‪ .‬وفيههه ذكههر الكفارة على الترتيههب‪ ،‬أخرجههه مسههلم‪ .‬وحملوا هذه‬
‫القضية على القضية الولى فقالوا‪ :‬هي واحدة‪ ،‬وهذا غير مسلم به بل هما قضيتان مختلفتان‪ ،‬لن‬
‫مسهاقهما مختلف‪ ،‬وقهد علق الكفارة على مهن أفطهر مجردا عهن القيوم فلزم مطلقها‪ .‬وبهذا قال مالك‬
‫وأصههحابه والوزاعههي وإسههحاق وأبههو ثور والطههبري وابههن المنذر‪ ،‬وروي ذلك عههن عطاء فههي‬
‫رواية‪ ،‬وعن الحسن والزهري‪ .‬ويلزم الشافعي القول به فإنه يقول‪ :‬ترك الستفصال مع تعارض‬
‫الحوال يدل على هموم الحكم‪ .‬وأوجب الشافعي عليه مع القضاء العقوبة لنتهاك حرمة الشهر‪.‬‬
‫@ واختلفوا أيضا فيما يجب على المرأة يطؤها زوجها في شهر رمضان‪ ،‬فقال مالك وأبو يوسف‬
‫وأصهحاب الرأي‪ :‬عليهها مثهل مها على الزوج‪ .‬وقال الشافعهي‪ :‬ليهس عليهها إل كفارة واحدة‪ ،‬وسهواء‬
‫طاوعته أو أكرهها‪ ،‬لن النبي صلى الّ عليه وسلم أجاب السائل بكفارة واحدة ولم يفصل‪ .‬وروي‬
‫عن أبي حنيفة‪ :‬إن طاوعتهه فعلى كل واحد منهما كفارة‪ ،‬وإن أكرههها فعليهه كفارة واحدة ل غيهر‪.‬‬
‫وهو قول سهحنون بهن سهعيد المالكهي‪ .‬وقال مالك‪ :‬عليه كفارتان‪ ،‬وهو تحصهيل مذهبهه عنهد جماعهة‬
‫أصحابه‪.‬‬
‫واختلفوا أيضا فيمن جامع ناسيا لصومه أو أكل‪ ،‬فقال الشافعي وأبو حنيفة وأصحابه وإسحاق‪:‬‬
‫ليهس عليهه فهي الوجهيهن شيهء‪ ،‬ل قضاء ول كفارة‪ .‬وقال مالك والليهث والوزاعهي‪ :‬عليهه القضاء‬
‫ول كفارة‪ ،‬وروي مثل ذلك عن عطاء‪ .‬وقد روي عن عطاء أن عليه الكفارة إن جامع‪ ،‬وقال‪ :‬مثل‬
‫هذا ل ينسى‪ .‬وقال قوم من أهل الظاهر‪ :‬سواء وطئ ناسيا أو عامدا فعليه القضاء والكفارة‪ ،‬وهو‬
‫قول ابهن الماجشون عبدالملك‪ ،‬وإليهه ذههب أحمهد بهن حنبهل‪ ،‬لن الحديهث الموجهب للكفارة لم يفرق‬
‫فيه بين الناسي والعامد‪ .‬قال ابن المنذر‪ :‬ل شيء عليه‪.‬‬
‫قال مالك والشافعهي وأبهو ثور وأصهحاب الرأي‪ :‬إذا أكهل ناسهيا فظهن أن ذلك قهد فطّره فجامهع‬
‫عامدا أن عليه القضاء ول كفارة عليه‪ .‬قال ابن المنذر‪ :‬وبه نقول‪ .‬وقيل في المذهب‪ :‬عليه القضاء‬
‫والكفارة إن كان قاصدا لهتك حرمة صومه جرأة وتهاونا‪ .‬قال أبو عمر‪ :‬وقد كان يجب على أصل‬
‫مالك أل يكفر‪ ،‬لن من أكل ناسيا فهو عنده مفطر يقضي يومه ذلك‪ ،‬فأي حرمة هتك وهو مفطر‪.‬‬
‫وعند غير مالك‪ :‬ليس بمفطر كل من أكل ناسيا لصومه‪.‬‬
‫قلت‪ :‬وهههو الصههحيح‪ ،‬وبههه قال الجمهور‪ :‬إن مههن أكههل أو شرب ناسههيا فل قضاء عليههه وإن‬
‫صومه تام‪ ،‬لحديث أبي هريرة قال قال رسول الّ صلى الّ عليه وسلم‪( :‬إذا أكل الصائم ناسيا أو‬
‫شرب ناسيا فإنما هو رزق ساقه الّ تعالى إليه ول قضاء عليه ‪ -‬في رواية ‪ -‬وليتم صومه فإن الّ‬
‫أطعمه وسقاه)‪ .‬أخرجه الدارقطني‪ .‬وقال‪ :‬إسناد صحيح وكلهم ثقات‪ .‬قال أبو بكر الثرم‪ :‬سمعت‬
‫أبا عبدال يسأل عمن أكل ناسيا في رمضان‪ ،‬قال‪ :‬ليس عليه شيء على حديث أبي هريرة‪ .‬ثم قال‬
‫أبهو عبدال مالك‪ :‬وزعموا أن مالكها يقول عليهه القضاء وضحهك‪ .‬وقال ابهن المنذر‪ :‬ل شيهء عليهه‪،‬‬
‫لقول النبي صلى الّ عليه وسلم لمن أكل أو شرب ناسيا‪( :‬يتم صومه) وإذا قال (يتم صومه) فأتمه‬
‫فهو صوم تام كامل‪.‬‬
‫قلت‪ :‬وإذا كان من أفطر ناسيا ل قضاء عليه وصومه صوم تام فعليه إذا جامع عامدا القضاء‬
‫والكفارة ‪ -‬والّ أعلم ‪ -‬كمههن لم يفطههر ناسههيا‪ .‬وقههد احتههج علماؤنهها على إيجاب القضاء بأن قالوا‪:‬‬
‫المطلوب منهه صهيام يوم تام ل يقهع فيهه خرم‪ ،‬لقوله تعالى‪" :‬ثهم أتموا الصهيام إلى الليهل" وهذا لم‬
‫يأت بهه على التمام فههو باق عليهه‪ ،‬ولعهل الحديهث فهي صهوم التطوع لخفتهه‪ .‬وقهد جاء فهي صهحيحي‬
‫البخاري ومسهلم‪( :‬مهن نسهي وههو صهائم فأكهل أو شرب فليتهم صهومه) فلم يذكهر قضاء ول تعرض‬
‫له‪ ،‬بهل الذي تعرض له سهقوط المؤاخذة والمهر بمضيهه على صهومه وإتمامهه‪ ،‬هذا إن كان واجبها‬
‫فدل على ما ذكرناه من القضاء‪ .‬وأما صوم التطوع فل قضاء فيه لمن أكل ناسيا‪ ،‬لقوله صلى ال‬
‫عليه وسلم‪( :‬ل قضاء عليه)‪.‬‬
‫قلت‪ :‬هذا مها احتهج بهه علماؤنها وههو صهحيح‪ ،‬لول مها صهح عهن الشارع مها ذكرناه‪ ،‬وقهد جاء‬
‫بالنص الصريح الصحيح وهو ما رواه أبو هريرة عن النبي صلى الّ عليه وسلم قال‪( :‬من أفطر‬
‫في شهر رمضان ناسيا فل قضاء عليه ول كفارة) أخرجه الدارقطني وقال‪ :‬تفرد به ابن مرزوق‬
‫وهو ثقة عن النصاري‪ ،‬فزال الحتمال وارتفع الشكال‪ ،‬والحمد ل ذي الجلل والكمال‪.‬‬
‫@ لمها بيهن سهبحانه محظورات الصهيام وههي الكهل والشرب والجماع‪ ،‬ولم يذكهر المباشرة التهي‬
‫ههي اتصهال البشرة بالبشرة كالقبلة والجسهة وغيرهها‪ ،‬دل ذلك على صهحة صهوم مهن قبهل وباشهر‪،‬‬
‫لن فحوى الكلم إنمهها يدل على تحريههم مهها أباحههه الليههل وهههو الشياء الثلثههة‪ ،‬ول دللة فيههه على‬
‫غيرهها بهل ههو موقوف على الدليهل‪ ،‬ولذلك شاع الختلف فيهه‪ ،‬واختلف علماء السهلف فيهه‪ ،‬فمهن‬
‫ذلك المباشرة‪ .‬قال علماؤنها‪ :‬يكره لمهن ل يأمهن على نفسهه ول يملكهها‪ ،‬لئل يكون سهببا إلى مها يفسهد‬
‫الصوم‪ .‬روى مالك عن نافع أن عبدال بن عمر رضي الّ عنهما كان ينهي عن القبلة والمباشرة‬
‫للصههائم‪ ،‬وهذا ‪ -‬والّ أعلم ‪ -‬خوف مهها يحدث عنهمهها‪ ،‬فإن قبههل وسههلم فل جناح عليههه‪ ،‬وكذلك إن‬
‫باشر‪ .‬وروى البخاري عن عائشة قالت‪ :‬كان النبي صلى الّ عليه وسلم يقبل ويباشر وهو صائم‪.‬‬
‫وممهن كره القبلة للصهائم عبدال بهن مسهعود وعروة بهن الزبيهر‪ .‬وقهد روي عهن ابهن مسهعود أنهه‬
‫يقضهي يومها مكانهه‪ ،‬والحديهث حجهة عليههم‪ .‬قال أبهو عمهر‪ :‬ول أعلم أحدا رخهص فيهها لمهن يعلم أنهه‬
‫يتولد عليه منها ما يفسد صومه‪ ،‬فإن قبل فأمنى فعليه القضاء ول كفارة‪ ،‬قال أبو حنيفة وأصحابه‬
‫والثوري والحسهن والشافعهي‪ ،‬واختاره ابهن المنذر وقال‪ :‬ليهس لمهن أوجهب عليهه الكفارة حجهة‪ .‬قال‬
‫أبهو عمهر‪ :‬ولو قبهل فأمذى لم يكهن عليهه شيهء عندههم‪ .‬وقال أحمهد‪ :‬مهن قبهل فأمذى أو أمنهى فعليهه‬
‫القضاء ول كفارة عليههه‪ ،‬إل على مههن جامههع فأولج عامدا أو ناسههيا‪ .‬وروى ابههن القاسههم عههن مالك‬
‫فيمهن قبهل أو باشهر فأنعهظ ولم يخرج منهه ماء جملة عليهه القضاء‪ .‬وروى ابهن وههب عنهه ل قضاء‬
‫عليهه حتهى يمذي‪ .‬قال القاضهي أبهو محمهد‪ :‬واتفهق أصهحابنا على أنهه ل كفارة عليهه‪ .‬وإن كان منيها‬
‫فهههل تلزمههه الكفارة مههع القضاء‪ ،‬فل يخلو أن يكون قبههل قبلة واحدة فأنزل‪ ،‬أو قبههل فالتههذ فعاود‬
‫فأنزل‪ ،‬فإن كان قبهل قبلة واحدة أو باشهر أو لمهس مرة فقال أشههب وسهحنون‪ :‬ل كفارة عليهه حتهى‬
‫يكرر‪ .‬وقال ابهن القاسهم‪ :‬يكفهر فهي ذلك كله‪ ،‬إل فهي النظهر فل كفارة عليهه حتهى يكرر‪ .‬وممهن قال‬
‫بوجوب الكفارة عليههه إذا قبههل أو باشههر أو لعههب امرأتههه أو جامههع دون الفرج فأمنههى‪ :‬الحسههن‬
‫البصههري وعطاء وابههن المبارك وأبههو ثور وإسههحاق‪ ،‬وهههو قول مالك فههي المدونههة‪ .‬وحجههة قول‬
‫أشههب‪ :‬أن اللمهس والقبلة والمباشرة ليسهت تفطهر فهي نفسهها‪ ،‬وإنمها يبقهى أن تؤول إلى المهر الذي‬
‫يقهع بهه الفطهر‪ ،‬فإذا فعهل مرة واحدة لم يقصهد النزال وإفسهاد الصهوم فل كفارة عليهه كالنظهر إليهها‪،‬‬
‫وإذا كرر ذلك فقههد قصههد إفسههاد صههومه فعليههه الكفارة كمهها لو تكرر النظههر‪ .‬قال اللخمههي‪ :‬واتفههق‬
‫جميعهم في النزال عن النظر أن ل كفارة عليه إل أن يتابع‪ .‬والصل أنه ل تجب الكفارة إل على‬
‫مهن قصهد الفطهر وانتهاك حرمهة الصهوم‪ ،‬فإذا كان ذلك وجهب أن ينظهر إلى عادة مهن نزل بهه ذلك‪،‬‬
‫فإذا كان ذلك شأنهه أن ينزل عهن قبلة أو مباشرة مرة‪ ،‬أو كانهت عادتهه مختلفهة‪ :‬مرة ينزل‪ ،‬ومرة ل‬
‫ينزل‪ ،‬رأيت عليه الكفارة‪ ،‬لن فاعل ذلك قاصد لنتهاك صومه أو متعرض له‪ .‬وإن كانت عادته‬
‫السههلمة فقدر أن كان منههه خلف العادة لم يكههن عليههه كفارة‪ ،‬وقههد يحتمههل قول مالك فههي وجوب‬
‫الكفارة‪ ،‬لن ذلك ل يجري إل ممهن يكون ذلك طبعهه واكتفهي بمها ظههر منهه‪ .‬وحمهل أشههب المهر‬
‫على الغالب من الناس أنهم يسلمون من ذلك‪ ،‬وقولهم في النظر دليل على ذلك‪.‬‬
‫قلت‪ :‬ما حكاه من التفاق في النظر وجعله أصل ليس كذلك‪ ،‬فقد حكى الباجي في المنتقى "فإن‬
‫نظهر نظرة واحدة يقصهد بهها اللذة فأنزل فقهد قال الشيهخ أبهو الحسهن‪ :‬عليهه القضاء والكفارة‪ .‬قال‬
‫الباجهي‪ :‬وههو الصهحيح عندي‪ ،‬لنهه إذا قصهد بهها السهتمتاع كانهت كالقبلة وغيهر ذلك مهن أنواع‬
‫السهتمتاع‪ ،‬والّ أعلم"‪ .‬وقال جابر بهن زيهد والثوري والشافعهي وأبهو ثور وأصهحاب الرأي فيمهن‬
‫ردد النظهر إلى المرأة حتهى أمنهى‪ :‬فل قضاء عليهه ول كفارة‪ ،‬قاله ابهن المنذر‪ .‬قال الباجهي‪ :‬وروى‬
‫في المدنية ابن نافع عن مالك أنه إن نظر إلى امرأة متجردة فالتذ فأنزل عليه القضاء دون الكفارة‪.‬‬
‫@ والجمهور مهن العلماء على صهحة صهوم مهن طلع عليهه الفجهر وههو جنهب‪ .‬وقال القاضهي أبهو‬
‫بكهر بهن العربهي‪" :‬وذلك جائز إجماعها‪ ،‬وقهد كان وقهع فيهه بيهن الصهحابة كلم ثهم اسهتقر المهر على‬
‫أن من أصبح جنبا فإن صومه صحيح"‪.‬‬
‫قلت‪ :‬أما ما ذكر من وقوع الكلم فصحيح مشهور‪ ،‬وذلك قول أبي هريرة‪ :‬من أصبح جنبا فل‬
‫صهوم له‪ ،‬أخرجهه الموطهأ وغيره‪ .‬وفهي كتاب النسهائي أنهه قال لمها روجهع‪ :‬والّ مها أنها قلتهه‪ ،‬محمهد‬
‫صهلى الّ عليهه وسهلم والّ قاله‪ .‬وقهد اختلف فهي رجوعهه عنهها‪ ،‬وأشههر قوليهه عنهد أههل العلم أنهه ل‬
‫صهوم له‪ ،‬حكاه ابهن المنذر‪ ،‬وروي عهن الحسهن بهن صهالح‪ .‬وعهن أبهي هريرة أيضها قول ثالث قال‪:‬‬
‫إذا علم بجنابته ثم نام حتى يصبح فهو مفطر‪ ،‬وإن لم يعلم حتى أصبح فهو صائم‪ ،‬روي ذلك عن‬
‫عطاء وطاوس وعروة بهههن الزبيهههر‪ .‬وروي عهههن الحسهههن والنخعهههي أن ذلك يجزي فهههي التطوع‬
‫ويقضى في الفرض‪.‬‬
‫قلت‪ :‬فهذه أربعهة أقوال للعلماء فيمهن أصهبح جنبها‪ ،‬والصهحيح منهها مذههب الجمهور‪ ،‬لحديهث‬
‫ل صهلى الّ عليهه وسهلم كان يصهبح جنبها مهن جماع‬ ‫عائشهة رضهي الّ عنهها وأم سهلمة أن رسهول ا ّ‬
‫ل صهلى الّ عليهه وسهلم‬ ‫غيهر احتلم ثهم يصهوم‪ .‬وعهن عائشهة رضهي الّ عنهها قالت‪ :‬كان رسهول ا ّ‬
‫يدركه الفجر في رمضان وهو جنب من غير احتلم فيغتسل ويصوم‪ ،‬أخرجهما البخاري ومسلم‪.‬‬
‫وههو الذي يفههم مهن ضرورة قوله تعالى‪" :‬فالن باشروههن" اليهة‪ ،‬فإنهه لمها مهد إباحهة الجماع إلى‬
‫طلوع الفجر فبالضرورة يعلم أن الفجر يطلع عليه وهو جنب‪ ،‬وإنما يتأتى الغسل بعد الفجر‪ .‬وقد‬
‫قال الشافعههي‪ :‬ولو كان الذكههر داخههل المرأة فنزعههه مههع طلوع الفجههر أنههه ل قضاء عليههه‪ .‬وقال‬
‫المزني‪ :‬عليه القضاء لنه من تمام الجماع‪ ،‬والول اصح لما ذكرنا‪ ،‬وهو قول علمائنا‪.‬‬
‫@ واختلفوا في الحائض تطهر قبل الفجر وتترك التطهر حتى تصبح‪ ،‬فجمهورهم على وجوب‬
‫الصهوم عليهها وإجزائه‪ ،‬سهواء تركتهه عمدا أو سههوا كالجنهب‪ ،‬وههو قول مالك وابهن القاسهم‪ .‬وقال‬
‫عبدالملك‪ :‬إذا طهرت الحائض قبهل الفجر فأخرت غسلها حتى طلع الفجهر فيومهها يوم فطهر‪ ،‬لنها‬
‫فهي بعضهه غيهر طاهرة‪ ،‬وليسهت كالجنهب لن الحتلم ل ينقهض الصهوم‪ ،‬والحيضهة تنقضهه‪ .‬هكذا‬
‫ذكره أبو الفرج في كتابه عن عبدالملك‪ .‬وقال الوزاعي‪ :‬تقضي لنها فرطت في الغتسال‪ .‬وذكر‬
‫ابهن الجلب عهن عبدالملك أنهها إن طهرت قبهل الفجهر فهي وقهت يمكنهها فيهه الغسهل ففرطهت ولم‬
‫تغتسههل حتههى أصههبحت لم يضرههها كالجنههب‪ ،‬وإن كان الوقههت ضيقهها ل تدرك فيههه الغسههل لم يجههز‬
‫صومها ويومها يوم فطر‪ ،‬وقاله مالك‪ ،‬وهي كمن طلع عليها الفجر وهي حائض‪ .‬وقال محمد بن‬
‫مسلمة في هذه‪ :‬تصوم وتقضي‪ ،‬مثل قول الوزاعي‪ .‬وروي عنه أنه شذ فأوجب على من طهرت‬
‫قبل الفجر ففرطت وتوانت وتأخرت حتى تصبح ‪ -‬الكفارة مع القضاء‪.‬‬
‫وإذا طهرت المرأة ليل في رمضان فلم تدر أكان ذلك قبل الفجر أو بعده‪ ،‬صامت وقضت ذلك‬
‫اليوم احتياطا‪ ،‬ول كفارة عليها‪.‬‬
‫@ روي عهن النهبي صهلى الّ عليهه وسهلم أنهه قال‪" :‬أفطهر الحاجهم والمحجوم"‪ .‬مهن حديهث ثوبان‬
‫وحديث شداد بن أوس وحديث رافع بن خديج‪ ،‬وبه قال أحمد وإسحاق‪ ،‬وصحح أحمد حديث شداد‬
‫بهن أوس‪ ،‬وصهحح علي بهن المدينهي حديهث رافهع بهن خديهج‪ .‬وقال مالك والشافعهي والثوري‪ :‬ل‬
‫قضاء عليه‪ ،‬إل أنه يكره له ذلك من أجل التغرير‪ .‬وفي صحيح مسلم من حديث أنس أنه قيل له‪:‬‬
‫أكنتم تكرهون الحجامة للصائم؟ قال ل‪ ،‬إل من أجل الضعف‪ .‬وقال أبو عمر‪ :‬حديث شداد ورافع‬
‫ل صههلى الّ عليههه وسههلم (احتجههم صههائما‬‫وثوبان عندنهها منسههوخ بحديههث ابههن عباس أن رسههول ا ّ‬
‫محرمها) لن فهي حديهث شداد بهن أوس وغيره أنهه صهلى الّ عليهه وسهلم مهر عام الفتهح على رجهل‬
‫يحتجم لثمان عشره ليلة خلت من رمضان فقال‪( :‬أفطر الحاجم والمحجوم)‪ .‬واحتجم هو صلى الّ‬
‫عليهه وسهلم عام حجهة الوداع وههو محرم صهائم‪ ،‬فإذا كانهت حجتهه صهلى الّ عليهه وسهلم عام حجهة‬
‫الوداع فهي ناسخة ل محالة‪ ،‬لنه صلى الّ عليه وسلم لم يدرك بعد ذلك رمضان‪ ،‬لنه توفي في‬
‫ربيع الول‪ ،‬صلى الّ عليه وسلم‪.‬‬
‫@قوله تعالى‪" :‬ثم أتموا الصيام إلى الليل" أمر يقتضي الوجوب من غير خلف‪ .‬و"إلى" غاية‪،‬‬
‫فإذا كان مها بعدهها مهن جنهس مها قبلهها داخهل فهي حكمهه‪ ،‬كقولك‪ :‬اشتريهت الفدان إلى حاشيتهه‪ ،‬أو‬
‫اشتريههت منههك مههن هذه الشجرة إلى هذه الشجرة ‪ -‬والمههبيع شجههر‪ ،‬فإن الشجرة داخلة فههي المههبيع‪.‬‬
‫بخلف قولك‪ :‬اشتريههت الفدان إلى الدار‪ ،‬فإن الدار ل تدخههل فههي المحدود إذ ليسههت مههن جنسههه‪.‬‬
‫فشرط تعالى تمام الصوم حتى يتبين الليل‪ ،‬كما جوز الكل حتى يتبين النهار‪.‬‬
‫@ ومن تمام الصوم استصحاب النيهة دون رفعها‪ ،‬فإن رفعها فهي بعهض النهار ونوى الفطهر إل‬
‫أنهه لم يأكهل ولم يشرب فجعله فهي المدونهة مفطرا وعليهه القضاء‪ .‬وفهي كتاب ابهن حهبيب أنهه على‬
‫صومه‪ ،‬قال‪ :‬ول يخرجه من الصوم إل الفطار بالفعل وليس بالنية‪ .‬وقيل‪ :‬عليه القضاء والكفارة‪.‬‬
‫وقال سههحنون‪ :‬إنمهها يكفههر مههن بيههت الفطههر‪ ،‬فأمهها مههن نواه فههي نهاره فل يضره‪ ،‬وإنمهها يقضههي‬
‫استحسانا‪ .‬قلت‪ :‬هذا حسن‪.‬‬
‫@قوله تعالى‪" :‬إلى الليل" إذا تبين الليل سن الفطر شرعا‪ ،‬أكل أو لم يأكل‪ .‬قال ابن العربي‪ :‬وقد‬
‫سهئل المام أبهو إسهحاق الشيرازي عهن رجهل حلف بالطلق ثلثها أنهه ل يفطهر على حار ول بارد‪،‬‬
‫فأجاب أنه بغروب الشمس مفطر ل شيء عليه‪ ،‬واحتج بقوله صلى الّ عليه وسلم‪( :‬إذا جاء الليل‬
‫مهن ههنها وأدبر النهار مهن ههنها فقهد أفطهر الصهائم)‪ .‬وسهئل عنهها المام أبهو نصهر بهن الصهباغ‬
‫صاحب الشامل فقال‪ :‬ل بد أن يفطر على حار أو بارد‪ .‬وما أجاب به المام أبو إسحاق أولى‪ ،‬لنه‬
‫مقتضى الكتاب والسنة‪.‬‬
‫فإن ظهن أن الشمهس قهد غابهت لغيهم أو غيره فأفطهر ثهم ظهرت الشمهس فعليهه القضاء فهي قول‬
‫أكثهر العلماء‪ .‬وفهي البخاري عهن أسهماء بنهت أبهي بكهر رضهي الّ عنهمها قالت‪ :‬أفطرنها على عههد‬
‫رسول الّ صلى الّ عليه وسلم يوم غيم ثم طلعت الشمس‪ ،‬قيل لهشام‪ :‬فأمروا بالقضاء‪ ،‬قال‪ :‬ل بد‬
‫مهن قضاء؟‪ .‬قال عمهر فهي الموطهأ فهي هذا‪ :‬الخطهب يسهير‪ ،‬وقهد اجتهدنها فهي الوقهت يريهد القضاء‪.‬‬
‫وروي عن عمر أنه قال‪ :‬ل قضاء عليه‪ ،‬وبه قال الحسن البصري‪ :‬ل قضاء عليه كالناسي‪ ،‬وهو‬
‫ل تعالى‪" :‬إلى الليل" يرد هذا القول‪ ،‬والّ أعلم‪.‬‬
‫قول إسحاق وأهل الظاهر‪ .‬وقول ا ّ‬
‫@ فإن أفطهر وههو شاك فهي غروبهها كفهر مهع القضاء‪ ،‬قال مالك إل أن يكون الغلب عليهه‬
‫غروبها‪ .‬ومهن شك عنده فهي طلوع الفجهر لزمهه الكف عن الكل‪ ،‬فإن أكهل مع شكه فعليهه القضاء‬
‫كالناسهي‪ ،‬لم يختلف فهي ذلك قوله‪ .‬ومهن أههل العلم بالمدينهة وغيرهها مهن ل يرى عليهه شيئا حتهى‬
‫يتبين له طلوع الفجر‪ ،‬وبه قال ابن المنذر‪ .‬وقال الكيا الطبري‪ :‬وقد ظن قوم أنه إذا أبيح له الفطر‬
‫إلى أول الفجر فإذا أكل على ظن أن الفجر لم يطلع فقد أكل بإذن الشرع في وقت جواز الكل فل‬
‫قضاء عليهه‪ ،‬كذلك قال مجاههد وجابر بهن زيهد‪ .‬ول خلف فهي وجوب القضاء إذا غهم عليهه الهلل‬
‫فهي أول ليلة مهن رمضان فأكهل ثهم بان أنهه مهن رمضان‪ ،‬والذي نحهن فيهه مثله‪ .‬وكذلك السهير فهي‬
‫دار الحرب إذا أكل ظنا أنه من شعبان ثم بان خلفه‪.‬‬
‫@قوله تعالى‪" :‬إلى الليهل" فيهه مها يقتضهي النههي عهن الوصهال‪ ،‬إذ الليهل غايهة الصهيام‪ ،‬وقالتهه‬
‫عائشهة‪ .‬وهذا موضهع اختلف فيهه‪ ،‬فمهن واصهل عبدال بهن الزبيهر وإبراهيهم التيمهي وأبهو الجوزاء‬
‫وأبهو الحسهن الدينوري وغيرههم‪ .‬كان ابهن الزبيهر يواصهل سهبعا‪ ،‬فإذا أفطهر شرب السهمن والصهبر‬
‫حتى يفتق أمعاءه‪ ،‬قال‪ :‬وكانت تيبس أمعاؤه‪ .‬وكان أبو الجوزاء يواصل سبعة أيام وسبع ليال ولو‬
‫قبض على ذراع الرجل الشديد لحطمها‪ .‬وظاهر القرآن والسنة يقتضي المنع‪ ،‬قال صلى الّ عليه‬
‫وسلم‪( :‬إذا غابت الشمس من ههنا وجاء الليل من ههنا فقد أفطر الصائم)‪ .‬خرجه مسلم من حديث‬
‫عبدال بن أبي أوفى‪ .‬ونهى عن الوصال‪ ،‬فلما أبوا أن ينتهوا عن الوصال واصل بهم يوما ثم يوما‬
‫ثم رأوا الهلل فقال‪( :‬لو تأخر الهلل لزدتكم) كالمنكل لهم حين أبوا أن ينتهوا‪ .‬أخرجه مسلم عن‬
‫أبهي هريرة‪ .‬وفهي حديهث أنهس‪( :‬لو مهد لنها الشههر لواصهلنا وصهال يدع المتعمقون تعمقههم)‪ .‬خرجهه‬
‫مسلم أيضا‪ .‬وقال صلى الّ عليه وسلم‪( :‬إياكم والوصال إياكم والوصال) تأكيدا في المنع لهم منه‪،‬‬
‫وأخرجه البخاري‪ .‬وعلى كراهية الوصال ‪ -‬لما ذكرنا ولما فيه من ضعف القوى وإنهاك البدان ‪-‬‬
‫جمهور العلماء‪ .‬وقد حرمه بعضهم لما فيه من مخالفة الظاهر والتشبه بأهل الكتاب‪ ،‬قال صلى الّ‬
‫عليهه وسهلم‪( :‬إن فصهل مها بيهن صهيامنا وصهيام أههل الكتاب أكلة السهحر)‪ .‬خرجهه مسهلم وأبهو داود‪.‬‬
‫وفي البخاري عن أبي سعيد الخدري أنه سمع رسول الّ صلى الّ عليه وسلم يقول‪( :‬ل تواصلوا‬
‫فأيكههم أراد أن يواصههل فليواصههل حتههى السههحر) قالوا‪ :‬فإنههك تواصههل يهها رسههول الّ؟ قال‪( :‬لسههت‬
‫كهيئتكهم إنهي أبيهت لي مطعهم وسهاق يسهقيني)‪ .‬قالوا‪ :‬وهذا إباحهة لتأخيهر الفطهر إلى السهحر‪ ،‬وههو‬
‫الغايهة فهي الوصهال لمهن أراده‪ ،‬ومنهع مهن اتصهال يوم بيوم‪ ،‬وبهه قال أحمهد وإسهحاق وابهن وههب‬
‫صاحب مالك‪ .‬واحتج من أجاز الوصال بأن قال‪ :‬إنما كان النهي عن الوصال لنهم كانوا حديثي‬
‫عهد بالسلم‪ ،‬فخشي رسول الّ صلى الّ عليه وسلم أن يتكلفوا الوصال وأعلى المقامات فيفتروا‬
‫أو يضعفوا عمها كان أنفهع منهه مهن الجهاد والقوة على العدو‪ ،‬ومهع حاجتههم فهي ذلك الوقهت‪ .‬وكان‬
‫ههو يلتزم فهي خاصهة نفسهه الوصهال وأعلى مقامات الطاعات‪ ،‬فلمها سهألوه عهن وصهالهم أبدى لههم‬
‫فارقها بينهه وبينههم‪ ،‬وأعلمههم أن حالتهه فهي ذلك غيهر حالتههم فقال‪( :‬لسهت مثلكهم إنهي أبيهت يطعمنهي‬
‫ربهي ويسهقيني)‪ .‬فلمها كمهل اليمان فهي قلوبههم واسهتحكم فهي صهدورهم ورسهخ‪ ،‬وكثهر المسهلمون‬
‫وظهروا على عدوهم‪ ،‬واصل أولياء الّ وألزموا أنفسهم أعلى المقامات والّ أعلم‪.‬‬
‫قلت‪ :‬ترك الوصهههال مهههع ظهور السهههلم وقههههر العداء أولى‪ ،‬وذلك أرفهههع الدرجات وأعلى‬
‫المنازل والمقامات‪ ،‬والدليهل على ذلك مها ذكرناه‪ .‬وأن الليهل ليهس بزمان صهوم شرعهي‪ ،‬حتهى لو‬
‫شرع إنسهان فيهه الصهوم بنيهة مها أثيهب عليهه‪ ،‬والنهبي صهلى الّ عليهه وسهلم مها أخهبر عهن نفسهه أنهه‬
‫واصههل‪ ،‬وإنمهها الصههحابة ظنوا ذلك فقالوا‪ :‬إنههك تواصههل‪ ،‬فأخههبر أنههه يطعههم ويسههقى‪ .‬وظاهههر هذه‬
‫الحقيقة‪ :‬أنه صلى الّ عليه وسلم يؤتى بطعام الجنة وشرابها‪ .‬وقيل‪ :‬إن ذلك محمول على ما يرد‬
‫على قلبه من المعاني واللطائف‪ ،‬وإذا احتمل اللفظ الحقيقة والمجاز فالصل الحقيقة حتى يرد دليل‬
‫يزيلهها‪ .‬ثهم لمها أبوا أن ينتهوا عهن الوصهال واصهل بههم وههو على عادتهه كمها أخهبر عهن نفسهه‪ ،‬وههم‬
‫على عادتهم حتى يضعفوا ويقل صبرهم فل يواصلوا‪ .‬وهذه حقيقة التنكيل حتى يدعوا تعمقهم وما‬
‫أرادوه مهن التشديهد على أنفسههم‪ .‬وأيضها لو تنزلنها على أن المراد بقوله‪( :‬أطعهم وأسهقى) المعنهى‬
‫لكان مفطرا حكما‪ ،‬كما أن من اغتاب في صومه أو شهد بزور مفطر حكما‪ ،‬ول فرق بينهما‪ ،‬قال‬
‫صههلى الّ عليههه وسههلم‪( :‬مههن لم يدع قول الزور والعمههل بههه فليههس ل حاجههة فههي أن يدع طعامههه‬
‫وشرابهه)‪ .‬وعلى هذا الحهد مها واصهل النهبي صهلى الّ عليهه وسهلم ول أمهر بهه‪ ،‬فكان تركهه أولى‪.‬‬
‫وبالّ التوفيق‪.‬‬
‫@ ويستحب للصهائم إذا أفطهر أن يفطهر على رطبات أو تمرات أو حسوات مهن الماء‪ ،‬لمها رواه‬
‫ل صهلى الّ عليهه وسهلم يفطهر على رطبات قبهل أن يصهلي‪،‬‬ ‫أبهو داود عهن أنهس قال‪ :‬كان رسهول ا ّ‬
‫فإن لم تكهن رطبات فعلى تمرات‪ ،‬فإن لم تكهن تمرات حسها حسهوات مهن ماء‪ .‬وأخرجهه الدارقطنهي‬
‫وقال فيه‪ :‬إسناد صحيح‪ .‬وروى الدارقطني عن ابن عباس قال‪ :‬كان النبي صلى الّ عليه وسلم إذا‬
‫أفطر قال‪( :‬لك صمنا وعلى رزقك أفطرنا فتقبل منا إنك أنت السميع العليم)‪ .‬وعن ابن عمر قال‬
‫كان رسول الّ صلى الّ عليه وسلم يقول إذا أفطر‪( :‬ذهب الظمأ وابتلت العروق وثبت الجر إن‬
‫شاء الّ)‪ .‬خرجهه أبو داود أيضها‪ .‬وقال الدارقطنهي‪ :‬تفرد به الحسهين بن واقهد إسهناده حسهن‪ .‬وروى‬
‫ابن ماجة عن عبدال بن الزبير قال‪ :‬أفطر رسول الّ صلى الّ عليه وسلم عند سعد بن معاذ فقال‪:‬‬
‫(أفطر عندكم الصائمون وأكل طعامكم البرار وصلت عليكم الملئكة)‪ .‬وروي أيضا عن زيد بن‬
‫ل صهلى الّ عليهه وسهلم‪( :‬مهن فطهر صهائما كان له مثهل أجرههم مهن‬ ‫خالد الجهنهي قال‪ :‬قال رسهول ا ّ‬
‫غير أن ينقص من أجورهم شيئا)‪ .‬وروي أيضا عن عبدال بن عمرو بن العاص قال‪ :‬قال رسول‬
‫الّ صلى الّ عليه وسلم‪( :‬إن للصائم عند فطره لدعوة ما ترد)‪ .‬قال ابن أبي مليكة‪ :‬سمعت عبدال‬
‫بهن عمرو يقول إذا أفطهر‪ :‬اللههم إنهي أسهألك برحمتهك التهي وسهعت كهل شيهء أن تغفهر لي‪ .‬وفهي‬
‫صحيح مسلم عن النبي صلى الّ عليه وسلم‪( :‬للصائم فرحتان يفرحهما إذا أفطر فرح بفطره وإذا‬
‫لقي ربه فرح بصومه)‪.‬‬
‫@ ويستحب له أن يصوم من شوال ستة أيام‪ ،‬لما رواه مسلم والترمذي وأبو داود والنسائي وابن‬
‫ماجهة عهن أبهي أيوب النصهاري قال قال رسهول ال صهلى ال عليهه وسهلم‪( :‬مهن صهام رمضان ثهم‬
‫أتبعهه سهتا مهن شوال كان له كصهيام الدههر) هذا حديهث حسهن صهحيح مهن حديهث سهعد بهن سهعيد‬
‫النصهاري المدنهي‪ ،‬وههو ممهن لم يخرج له البخاري شيئا‪ ،‬وقهد جاء بإسهناد جيهد مفسهرا مهن حديهث‬
‫أبي أسماء الرحبي عن ثوبان مولى النبي صلى الّ عليه وسلم أنه سمع رسول الّ صلى الّ عليه‬
‫ل الحسنة بعشر أمثالها فشهر رمضان بعشرة أشهر وستة أيام بعد الفطر تمام‬ ‫وسلم يقول‪( :‬جعل ا ّ‬
‫السنة)‪ .‬رواه النسائي‪ .‬واختلف في صيام هذه اليام‪ ،‬فكرهها مالك في موطئه خوفا أن يلحق أهل‬
‫الجهالة برمضان مها ليهس منهه‪ ،‬وقهد وقهع مها خافهه حتهى أنهه كان فهي بعهض بلد خراسهان يقومون‬
‫لسحورها على عادتهم في رمضان‪ .‬وروى مطرف عن مالك أنه كان يصومها في خاصة نفسه‪.‬‬
‫واستحب صيامها الشافعي‪ ،‬وكرهه أبو يوسف‪.‬‬
‫@قوله تعالى‪" :‬ول تباشروههن وأنتهم عاكفون فهي المسهاجد" بيهن جهل تعالى أن الجماع يفسهد‬
‫العتكاف‪ .‬وأجمهع أههل العلم على أن مهن جامهع امرأتهه وههو معتكهف عامدا لذلك فهي فرجهها أنهه‬
‫مفسد لعتكافه‪ ،‬واختلفوا فيما عليه إذا فعل ذلك‪ ،‬فقال الحسن البصري‪ :‬عليه ما على المواقع أهله‬
‫فهي رمضان‪ .‬فأمها المباشرة مهن غيهر جماع فإن قصهد بهها التلذذ فههي مكروههة‪ ،‬وإن لم يقصهد لم‬
‫يكره‪ ،‬لن عائشهة كانهت ترجهل رأس رسهول الّ صهلى الّ عليهه وسهلم وههو معتكهف‪ ،‬وكانهت ل‬
‫ل صهلى الّ عليهه وسهلم بيدهها‪ ،‬فدل بذلك على أن المباشرة بغيهر شهوة‬ ‫محالة تمهس بدن رسهول ا ّ‬
‫غيهر محظورة‪ ،‬هذا قول عطاء والشافعهي وابهن المنذر‪ .‬قال أبهو عمهر‪ :‬وأجمعوا على أن المعتكهف‬
‫ل يباشهر ول يقبهل‪ .‬واختلفوا فيمها عليهه إن فعهل‪ ،‬فقال مالك والشافعهي‪ :‬إن فعهل شيئا مهن ذلك فسهد‬
‫اعتكافهه‪ ،‬قال المزنهي‪ .‬وقال فهي موضهع آخهر مهن مسهائل العتكاف‪ :‬ل يفسهد العتكاف مهن الوطهء‬
‫إل ما يوجب الحد‪ ،‬واختاره المزني قياسا على أصله في الحج والصوم‪.‬‬
‫@قوله تعالى‪" :‬وأنتهم عاكفون" جملة فهي موضهع الحال‪ .‬والعتكاف فهي اللغهة‪ :‬الملزمهة‪ ،‬يقال‬
‫عكف على الشيء إذا لزمه مقبل عليه‪ .‬قال الراجز‪:‬‬
‫عكف النبيط يلعبون الفنزجا‬
‫وقال الشاعر‪:‬‬
‫عكوف البواكي بينهن صريع‬ ‫وظل بنات الليل حولي عكفا‬
‫ولما كان المعتكف ملزما للعمل بطاعة الّ مدة اعتكافه لزمه هذا السم‪ .‬وهو في عرف الشرع‪:‬‬
‫ملزمهة طاعهة مخصهوصة فهي وقهت مخصهوص على شرط مخصهوص فهي موضهع مخصهوص‪.‬‬
‫وأجمع العلماء على أنه ليس بواجب‪ ،‬وهو قربة من القرب ونافلة من النوافل عمل بها رسول الّ‬
‫صهلى الّ عليهه وسهلم وأصهحابه وأزواجهه‪ ،‬ويلزمهه إن ألزمهه نفسهه‪ ،‬ويكره الدخول فيهه لمهن يخاف‬
‫عليه العجز عن الوفاء بحقوقه‪.‬‬
‫ل تعالى‪" :‬فهي المسهاجد"‬‫@ أجمهع العلماء على أن العتكاف ل يكون إل فهي المسهجد‪ ،‬لقول ا ّ‬
‫واختلفوا في المراد بالمساجد‪ ،‬فذهب قوم إلى أن الية خرجت على نوع من المساجد‪ ،‬وهو ما بناه‬
‫نهبي كالمسهجد الحرام ومسهجد النهبي صهلى الّ عليهه وسهلم ومسهجد إيلياء‪ ،‬روي هذا عهن حذيفهة بهن‬
‫اليمان وسهعيد بهن المسهيب‪ ،‬فل يجوز العتكاف عندههم فهي غيرهها‪ .‬وقال آخرون‪ :‬ل اعتكاف إل‬
‫في مسجد تجمع فيه الجمعة‪ ،‬لن الشارة في الية عندهم إلى ذلك الجنس من المساجد‪ ،‬روي هذا‬
‫عن علي بن أبي طالب وابن مسعود‪ ،‬وهو قول عروة والحكم وحماد والزهري وأبي جعفر محمد‬
‫بن علي‪ ،‬وهو أحد قولي مالك‪ .‬وقال آخرون‪ :‬العتكاف في كل مسجد جائز‪ ،‬يروى هذا القول عن‬
‫سهعيد بهن جهبير وأبهي قلبهة وغيرههم‪ ،‬وههو قول الشافعهي وأبهي حنيفهة وأصهحابهما‪ .‬وحجتههم حمهل‬
‫الية على عمومها في كل مسجد له إمام ومؤذن‪ ،‬وهو أحد قولي مالك‪ ،‬وبه يقول ابن علية وداود‬
‫بن علي والطبري وابن المنذر‪ .‬وروى الدارقطني عن الضحاك عن حذيفة قال‪ :‬سمعت رسول ا ّ‬
‫ل‬
‫صهلى الّ عليهه وسهلم يقول‪( :‬كهل مسهجد له مؤذن وإمام فالعتكاف فيهه يصهلح)‪ .‬قال الدارقطنهي‪:‬‬
‫والضحاك لم يسمع من حذيفة‪.‬‬
‫@ وأقل العتكاف عند مالك وأبي حنيفة يوم وليلة‪ ،‬فإن قال‪ :‬ل عليّ اعتكاف ليلة لزمه اعتكاف‬
‫ليلة ويوم‪ .‬وكذلك إن نذر اعتكاف يوم لزمهههه يوم وليلة‪ .‬وقال سهههحنون‪ :‬مهههن نذر اعتكاف ليلة فل‬
‫شيهء عليهه‪ .‬وقال أبهو حنيفهة وأصهحابه‪ :‬إن نذر يومها فعليهه يوم بغيهر ليلة‪ ،‬وإن نذر ليلة فل شيهء‬
‫عليهه‪ ،‬كمها قال سهحنون‪ .‬قال الشافعهي‪ :‬عليهه مها نذر‪ ،‬إن نذر ليلة فليلة‪ ،‬وإن نذر يومها فيومها‪ .‬قال‬
‫الشافعهي‪ :‬أقله لحظهة ول حهد لكثره‪ .‬وقال بعهض أصهحاب أبهي حنيفهة‪ :‬يصهح العتكاف سهاعة‪.‬‬
‫وعلى هذا القول فليس من شرطه صوم‪ ،‬وروي عن أحمد بن حنبل في أحد قوليه‪ ،‬وهو قول داود‬
‫بن علي وابن علية‪ ،‬واختاره ابن المنذر وابن العربي‪ .‬واحتجوا بأن اعتكاف رسول الّ صلى الّ‬
‫عليههههه وسههههلم كان فههههي رمضان‪ ،‬ومحال أن يكون صههههوم رمضان لرمضان ولغيره‪ .‬ولو نوى‬
‫المعتكهف فهي رمضان بصومه التطوع والفرض فسد صومه عند مالك وأصحابه‪ .‬ومعلوم أن ليل‬
‫المعتكهف يلزمهه فيهه مهن اجتناب مباشرة النسهاء مها يلزمهه فهي نهاره‪ ،‬وأن ليله داخهل فهي اعتكافهه‪،‬‬
‫وأن الليل ليس بموضع صوم‪ ،‬فكذلك نهاره ليس بمفتقر إلى الصوم‪ ،‬وإن صام فحسن‪ .‬وقال مالك‬
‫وأبو حنيفة وأحمد في القول الخر‪ :‬ل يصح إل بصوم‪ .‬وروي عن ابن عمر وابن عباس وعائشة‬
‫رضهي الّ عنههم‪ .‬وفهي الموطهأ عهن القاسهم بهن محمهد ونافهع مولى عبدال بهن عمهر‪ :‬ل اعتكاف إل‬
‫بصيام‪ ،‬لقول الّ تعالى في كتابه‪" :‬وكلوا واشربوا" إلى قوله‪" :‬في المساجد" وقال‪ :‬فإنما ذكر الّ‬
‫العتكاف مهع الصهيام‪ .‬قال يحيهى قال مالك‪ :‬وعلى ذلك المهر عندنها‪ .‬واحتجوا بمها رواه عبدال بهن‬
‫بديهل عهن عمرو بهن دينار عهن ابهن عمهر أن عمهر جعهل عليهه أن يعتكهف فهي الجاهليهة ليلة أو يومها‬
‫عنههد الكعبههة فسههأل النههبي صههلى الّ عليههه وسههلم فقال‪( :‬اعتكههف وصههم)‪ .‬أخرجههه أبههو داود‪ .‬وقال‬
‫الدارقطني‪ :‬تفرد به ابن بديل عن عمرو وهو ضعيف‪ .‬وعن عائشة أن النبي صلى الّ عليه وسلم‬
‫قال‪( :‬ل اعتكاف إل بصهيام)‪ .‬قال الدارقطنهي‪ :‬تفرد بهه سهويد بهن عبدالعزيهز عهن سهفيان بهن حسهين‬
‫عن الزهري عن عروة عن عائشة‪ .‬وقالوا‪ :‬ليس من شرط الصوم عندنا أن يكون للعتكاف‪ ،‬بل‬
‫يصههح أن يكون الصههوم له ولرمضان ولنذر ولغيره‪ ،‬فإذا نذره الناذر فإنمهها ينصههرف إلى مقتضاه‬
‫في أصل الشرع‪ ،‬وهذا كمن نذر صلة فإنها تلزمه‪ ،‬ولم يكن عليه أن يتطهر لها خاصة بل يجزئه‬
‫أن يؤديها بطهارة لغيرها‪.‬‬
‫@ وليس للمعتكف أن يخرج من معتكفه إل لما ل بد له منه‪ ،‬لما روى الئمة عن عائشة قالت‪:‬‬
‫(كان رسول الّ صلى الّ عليه وسلم إذا اعتكف يدني إلى رأسه فأرجله‪ ،‬وكان ل يدخل البيت إل‬
‫لحاجههة النسههان) تريههد الغائط والبول‪ .‬ول خلف فههي هذا بيههن المههة ول بيههن الئمههة‪ ،‬فإذا خرج‬
‫المعتكف لضرورة وما ل بد له منه ورجع في فوره بعد زوال الضرورة بنى على ما مضى من‬
‫اعتكافهه ول شيهء عليهه‪ .‬ومهن الضرورة المرض البيهن والحيهض‪ .‬واختلفوا فهي خروجهه لمها سهوى‬
‫ذلك‪ ،‬فمذههب مالك مها ذكرنها‪ ،‬وكذلك مذههب الشافعهي وأبهي حنيفهة‪ .‬وقال سهعيد بهن جهبير والحسهن‬
‫والنخعهي‪ :‬يعود المريهض ويشههد الجنائز‪ ،‬وروي عهن علي وليهس بثابهت عنهه‪ .‬وفرق إسهحاق بيهن‬
‫العتكاف الواجههب والتطوع‪ ،‬فقال فههي العتكاف الواجههب‪ :‬ل يعود المريههض ول يشهههد الجنائز‪،‬‬
‫وقال فهي التطوع‪ :‬يشترط حيهن يبتدئ حضور الجنائز وعيادة المرضهى والجمعهة‪ .‬وقال الشافعهي‪:‬‬
‫يصح اشتراط الخروج من معتكفه لعيادة مريض وشهود الجنائز وغير ذلك من حوائجه‪ .‬واختلف‬
‫فيه عن أحمد‪ ،‬فمنع منه مرة وقال مرة‪ :‬أرجو أل يكون به بأس‪ .‬وقال الوزاعي كما قال مالك‪ :‬ل‬
‫يكون فهي العتكاف شرط‪ .‬قال ابهن المنذر‪ :‬ل يخرج المعتكهف مهن اعتكافهه إل لمها ل بهد له منهه‪،‬‬
‫وهو الذي كان النبي صلى الّ عليه وسلم يخرج له‪.‬‬
‫@ واختلفوا فهي خروجهه للجمعهة‪ ،‬فقالت طائفهة‪ :‬يخرج للجمعهة ويرجهع إذا سهلم‪ ،‬لنهه خرج إلى‬
‫فرض ول ينتقهض اعتكافهه‪ .‬ورواه ابهن الجههم عهن مالك‪ ،‬وبهه قال أبهو حنيفهة‪ ،‬واختاره ابهن العربهي‬
‫وابن المنذر‪ .‬ومشهور مذهب مالك أن من أراد أن يعتكف عشرة أيام أو نذر ذلك لم يعتكف إل في‬
‫المسجد الجامع‪ .‬وإذ ا اعتكف في غيره لزمه الخروج إلى الجمعة وبطل اعتكافه‪ .‬وقال عبدالملك‪:‬‬
‫يخرج إلى الجمعة فيشهدها ويرجع مكانه ويصح اعتكافه‪.‬‬
‫قلت‪ :‬وهههو صههحيح لقوله تعالى‪" :‬وأنتههم عاكفون فههي المسههاجد" فعههم‪ .‬وأجمههع العلماء على أن‬
‫العتكاف ليههس بواجههب وأنههه سههنة‪ ،‬وأجمههع الجمهور مههن الئمههة على أن الجمعههة فرض على‬
‫العيان‪ ،‬ومتى اجتمع واجبان أحدهما آكد من الخر قدم الكد‪ ،‬فكيف إذا اجتمع مندوب وواجب‪،‬‬
‫ولم يقل بترك الخروج إليها‪ ،‬فكان الخروج إليها في معنى حاجة النسان‪.‬‬
‫المعتكهف إذا أتهى كهبيرة فسهد اعتكافهه‪ ،‬لن الكهبيرة ضهد العبادة‪ ،‬كمها أن الحدث ضهد الطهارة‬
‫ل تعالى عليهه أعلى منازل العتكاف فهي العبادة‪ .‬قاله ابهن خويهز منداد‬ ‫والصهلة‪ ،‬وترك مها حرم ا ّ‬
‫عن مالك‪.‬‬
‫@ روى مسلم عن عائشة قالت‪( :‬كان رسول الّ صلى الّ عليه وسلم إذا أراد أن يعتكف صلى‬
‫الفجهر ثهم دخهل معتكفهه‪ )...‬الحديهث‪ .‬واختلف العلماء فهي وقهت دخول المعتكهف فهي اعتكافهه‪ ،‬فقال‬
‫الوزاعهي بظاههر هذا الحديهث‪ ،‬وروي عهن الثوري والليهث بهن سهعد فهي أحهد قوليهه‪ ،‬وبهه قال ابهن‬
‫المنذر وطائفة مهن التابعين‪ .‬وقال أبو ثور‪ :‬إنما يفعل هذا مهن نذر عشرة أيام‪ ،‬فإن زاد عليهها فقبهل‬
‫غروب الشمس‪ .‬وقال مالك والشافعي وأبو حنيفة وأصحابهم‪ :‬إذا أوجب على نفسه اعتكاف شهر‪،‬‬
‫دخهل المسهجد قبهل غروب الشمهس مهن ليلة ذلك اليوم‪ .‬قال مالك‪ :‬وكذلك كهل مهن أراد أن يعتكهف‬
‫يومهها أو أكثههر‪ .‬وبههه قال أبههو حنيفههة وابههن الماجشون عبدالملك‪ ،‬لن أول ليلة أيام العتكاف داخلة‬
‫فيها‪ ،‬وأنه زمن للعتكاف فلم يتبعض كاليوم‪ .‬وقال الشافعي‪ :‬إذا قال ل عل يّ يوم دخل قبل طلوع‬
‫الفجر وخرج بعد غروب الشمس‪ ،‬خلف قوله في الشهر‪ .‬وقال الليث في أحد قوليه وزفر‪ :‬يدخل‬
‫قبل طلوع الفجر‪ ،‬والشهر واليوم عندهم سواء‪ .‬وروي مثل ذلك عن أبي يوسف‪ ،‬وبه قال القاضي‬
‫عبدالوهاب‪ ،‬وأن الليلة إنمها تدخهل فهي العتكاف على سهبيل التبهع‪ ،‬بدليهل أن العتكاف ل يكون إل‬
‫بصوم وليس الليل بزمن للصوم‪ .‬فثبت أن المقصود بالعتكاف هو النهار دون الليل‪.‬‬
‫قلت‪ :‬وحديث عائشة يرد هذه القوال وهو الحجة عند التنازع‪ ،‬وهو حديث ثابت ل خلف في‬
‫صحته‪.‬‬
‫@ استحب مالك لمن اعتكف العشر الواخر أن يبيت ليلة الفطر في المسجد حتى يغدو منه إلى‬
‫المصلى‪ ،‬وبه قال أحمد‪ .‬وقال الشافعي والوزاعي‪ :‬يخرج إذا غابت الشمس‪ ،‬ورواه سحنون عن‬
‫ابهن القاسهم‪ ،‬لن العشهر يزول بزوال الشههر‪ ،‬والشههر ينقضهي بغروب الشمهس مهن آخهر يوم مهن‬
‫شهر رمضان‪ .‬وقال سحنون‪ :‬إن ذلك على الوجوب‪ ،‬فإن خرج ليلة الفطر بطل اعتكافه‪ .‬وقال ابن‬
‫الماجشون‪ :‬وهذا يرده مها ذكرنها مهن انقضاء الشههر‪ ،‬ولو كان المقام ليلة الفطهر مهن شرط صهحة‬
‫العتكاف لمهها صههح اعتكاف ل يتصههل بليلة الفطههر‪ ،‬وفههي الجماع على جواز ذلك دليههل على أن‬
‫مقام ليلة الفطهر للمعتكهف ليهس شرطها فهي صهحة العتكاف‪ .‬فهذه جمهل كافيهة مهن أحكام الصهيام‬
‫والعتكاف اللئقة باليات‪ ،‬فيها لممن اقتصر عليها كفاية‪ ،‬والّ الموفق للهداية‪.‬‬
‫ل فل تخالفوهها‪" ،‬فتلك" إشارة إلى هذه‬ ‫@قوله تعالى‪" :‬تلك حدود ال" أي هذه الحكام حدود ا ّ‬
‫الوامهر والنواههي‪ .‬والحدود‪ :‬الحواجهز‪ .‬والحهد‪ :‬المنهع‪ ،‬ومنهه سهمي الحديهد حديدا‪ ،‬لنهه يمنهع مهن‬
‫وصهول السهلح إلى البدن‪ .‬وسهمي البواب والسهجان حدادا‪ ،‬لنهه يمنهع مهن فهي الدار مهن الخروج‬
‫منهها‪ ،‬ويمنهع الخارج مهن الدخول فيهها‪ .‬وسهميت حدود الّ لنهها تمنهع أن يدخهل فيهها مها ليهس منهها‪،‬‬
‫وأن يخرج منهها مها ههو منهها‪ ،‬ومنهها سهميت الحدود فهي المعاصهي‪ ،‬لنهها تمنهع أصهحابها مهن العود‬
‫إلى أمثالها‪ .‬ومنه سميت الحاد في العدة‪ ،‬لنها تمتنع من الزينة‪.‬‬
‫@قوله تعالى‪" :‬كذلك يهبين ال آياتهه للناس" أي كمها بيهن هذه الحدود يهبين جميهع الحكام لتتقوا‬
‫مجاوزتههها‪ .‬واليات‪ :‬العلمات الهاديههة إلى الحههق‪ .‬و"لعلهههم" ترج فههي حقهههم‪ ،‬فظاهههر ذلك عموم‬
‫ل للهدى‪ ،‬بدللة اليات التي تتضمن أن الّ يضل من يشاء‪.‬‬ ‫ومعناه خصوص فيمن يسره ا ّ‬
‫*‪*3‬الية‪{ 188 :‬ول تأكلوا أموالكم بينكم بالباطل وتدلوا بها إلى الحكام لتأكلوا فريقا من أموال‬
‫الناس بالثم وأنتم تعلمون}‬
‫@قوله تعالى‪" :‬ول تأكلوا أموالكهم بينكهم" قيهل‪ :‬إنهه نزل فهي عبدان بهن أشوع الحضرمهي‪ ،‬ادعهى‬
‫مال على امرئ القيس الكندي واختصما إلى النبي صلى الّ عليه وسلم‪ ،‬فأنكر امرؤ القيس وأراد‬
‫أن يحلف فنزلت هذه الية‪ ،‬فكف عن اليمين وحكم عبدان في أرضه ولم يخاصمه‪.‬‬
‫@الخطاب بهذه اليهة يتضمهن جميهع أمهة محمهد صهلى الّ عليهه وسهلم‪ ،‬والمعنهى‪ :‬ل يأكهل بعضكهم‬
‫مال بعض بغير حق‪ .‬فيدخل في هذا‪ :‬القمار والخداع والغصوب وجحد الحقوق‪ ،‬وما ل تطيب به‬
‫نفهس مالكهه‪ ،‬أو حرمتهه الشريعهة وإن طابهت بهه نفهس مالكهه‪ ،‬كمههر البغهي وحلوان الكاههن وأثمان‬
‫الخمور والخنازيهر وغيهر ذلك‪ .‬ول يدخهل فيهه الغبهن فهي البيهع مهع معرفهة البائع بحقيقهة مها باع لن‬
‫الغبن كأنه هبة‪ ،‬على ما يأتي بيانه في سورة "النساء"‪ .‬وأضيفت الموال إلى ضمير المنهي لما‬
‫كان كل واحد منهما منهيا ومنهيا عنه‪ ،‬كما قال‪" :‬تقتلون أنفسكم" [البقرة‪ .]85 :‬وقال قوم‪ :‬المراد‬
‫بالية "ل تأكلوا أموالكم بينكم بالباطل" [النساء‪ ]29 :‬أي في الملهي والقيان والشرب والبطالة‪،‬‬
‫فيجيء على هذا إضافة المال إلى ضمير المالكين‪.‬‬
‫@مهن أخهذ مال غيره ل على وجهه إذن الشرع فقهد أكله بالباطهل‪ ،‬ومهن الكهل بالباطهل أن يقضهي‬
‫القاضههي لك وأنههت تعلم أنههك مبطههل‪ ،‬فالحرام ل يصههير حلل بقضاء القاضههي‪ ،‬لنههه إنمهها يقضههي‬
‫بالظاههر‪ .‬وهذا إجماع فهي الموال‪ ،‬وإن كان عنهد أبهي حنيفهة قضاؤه ينفهذ فهي الفروج باطنها‪ ،‬وإذا‬
‫كان قضاء القاضي ل يغير حكم الباطن في الموال في الفروج أولى‪ .‬وروى الئمة عن أم سلمة‬
‫ل صهلى الّ عليهه وسهلم‪( :‬إنكهم تختصهمون إلي ولعهل بعضكهم أن يكون ألحهن‬ ‫قالت قال رسهول ا ّ‬
‫بحجته من بعض فأقضي له على نحو مما أسمع فمن قطعت له من حق أخيه شيئا فل يأخذه فإنما‬
‫أقطع له قطعة من نار ‪ -‬في رواية ‪ -‬فليحملها أو يذرها)‪ .‬وعلى القول بهذا الحديث جمهور العلماء‬
‫وأئمهة الفقهاء‪ .‬وههو نهص فهي أن حكهم الحاكهم على الظاههر ل يغيهر حكهم الباطهن‪ ،‬وسهواء كان ذلك‬
‫فهي الموال والدماء والفروج‪ ،‬إل مها حكهي عهن أبهي حنيفهة فهي الفروج‪ ،‬وزعهم أنهه لو شههد شاهدا‬
‫زور على رجل بطلق زوجته وحكم الحاكم بشهادتهما لعدالتهما عنده فإن فرجها يحل لمتزوجها‬
‫‪ -‬ممهن يعلم أن القضيهة باطهل ‪ -‬بعهد العدة‪ .‬وكذلك لو تزوجهها أحهد الشاهديهن جاز عنده‪ ،‬لنهه لمها‬
‫حلت للزواج فهي الظاههر كان الشاههد وغيره سهواء‪ ،‬لن قضاء القاضهي قطهع عصهمتها‪ ،‬وأحدث‬
‫فهي ذلك التحليهل والتحريهم فهي الظاههر والباطهن جميعها‪ ،‬ولول ذلك مها حلت للزواج‪ .‬واحتهج بحكهم‬
‫اللعان وقال‪ :‬معلوم أن الزوجة إنمها وصهلت إلى فراق زوجها باللعان الكاذب‪ ،‬الذي لو علم الحاكهم‬
‫كذبها فيه لحدهها ومها فرق بينهمها‪ ،‬فلم يدخهل هذا فهي عموم قوله عليهه السلم‪( :‬فمن قضيت له من‬
‫حق أخيه شيئا فل يأخذه‪ )...‬الحديث‪.‬‬
‫@وهذه اليهة متمسهك كهل مؤالف ومخالف فهي كهل حكهم يدعونهه لنفسههم بأنهه ل يجوز‪ ،‬فيسهتدل‬
‫عليه بقوله تعالى‪" :‬ل تأكلوا أموالكم بينكم بالباطل" [النساء‪ .]29 :‬فجوابه أن يقال له‪ :‬ل نسلم أنه‬
‫باطل حتى تبينه بالدليل‪ ،‬وحينئذ يدخل في هذا العموم‪ ،‬فهي دليل على أن الباطل في المعاملت ل‬
‫يجوز‪ ،‬وليس فيها تعيين الباطل‪.‬‬
‫@قوله تعالى‪" :‬بالباطهل" الباطهل فهي اللغهة‪ :‬الذاههب الزائل‪ ،‬يقال‪ :‬بطهل يبطهل بطول وبطلنها‪،‬‬
‫وجمههع الباطههل بواطههل‪ .‬والباطيههل جمههع البطولة‪ .‬وتبطههل أي اتبههع اللّهههو‪ .‬وأبطههل فلن إذا جاء‬
‫بالباطل‪ .‬وقوله تعالى‪" :‬ل يأتيه الباطل" [فصلت‪ ]42 :‬قال قتادة‪ :‬هو إبليس‪ ،‬ل يزيد في القرآن‬
‫ول ينقص‪ .‬وقوله‪" :‬ويمح ال الباطل" [الشورى‪ ]24 :‬يعني الشرك‪ .‬والبطلة‪ :‬السحرة‪.‬‬
‫@قوله تعالى‪" :‬وتدلوا بهها إلى الحكام" اليهة‪ .‬قيهل‪ :‬يعنهي الوديعهة ومها ل تقوم فيهه بينهة‪ ،‬عهن ابهن‬
‫عباس والحسهن‪ .‬وقيهل‪ :‬ههو مال اليتيهم الذي فهي أيدي الوصهياء‪ ،‬يرفعهه إلى الحكام إذا طولب بهه‬
‫ليقتطع بعضه وتقوم له الظاهر حجة‪ .‬وقال الزجاج‪ :‬تعملون ما يوجبه ظاهر الحكام وتتركون ما‬
‫علمتهم أنهه الحهق‪ .‬يقال‪ :‬أدلى الرجهل بحجتهه أو بالمهر الذي يرجهو النجاح بهه‪ ،‬تشبيهها بالذي يرسهل‬
‫الدلو فهي البئر‪ ،‬يقال‪ :‬أدلى دلوه‪ :‬أرسهلها‪ .‬ودلهها‪ :‬أخرجهها‪ .‬وجمهع الدلو والدلء‪ :‬أدل ودلء ودلي‪.‬‬
‫والمعنهى فهي اليهة‪ :‬ل تجمعوا بيهن أكهل المال بالباطهل وبيهن الدلء إلى الحكام بالحجهج الباطلة‪،‬‬
‫وههو كقوله‪" :‬ول تلبسهوا الحهق بالباطهل وتكتموا الحهق" [البقرة‪ .]42 :‬وههو مهن قبيهل قولك‪ :‬ل‬
‫تأكل السمك وتشرب اللبن‪ .‬وقيل‪ :‬المعنى ل تصانعوا بأموالكم الحكام وترشوهم ليقضوا لكم على‬
‫أكثهر منهها‪ ،‬فالباء إلزاق مجرد‪ .‬قال ابهن عطيهة‪ :‬وهذا القول يترجهح‪ ،‬لن الحكام مظنهة الرشاء إل‬
‫من عصم وهو القل‪ .‬وأيضا فإن اللفظين متناسبان‪ :‬تدلوا من إرسال الدلو‪ ،‬والرشوة من الرشاء‪،‬‬
‫كأنه يمد بها ليقضي الحاجة‪.‬‬
‫قلت‪ :‬ويقوي هذا قوله‪" :‬وتدلوا بهها" تدلوا فهي موضهع جزم عطفها على تأكلوا كمها ذكرنها‪ .‬وفهي‬
‫مصهههحف أبهههي "ول تدلوا" بتكرار حرف النههههي‪ ،‬وهذه القراءة تؤيهههد جزم "تدلوا" فهههي قراءة‬
‫الجماعهة‪ .‬وقيهل‪" :‬تدلوا" فهي موضهع نصهب على الظرف‪ ،‬والذي ينصهب فهي مثهل هذا عنهد سهيبويه‬
‫"أن" مضمرة‪ .‬والهاء في قوله "بها" ترجع إلى الموال‪ ،‬وعلى القول الول إلى الحجة ولم يجر‬
‫لها ذكر‪ ،‬فقوي القول الثاني لذكر الموال‪ ،‬والّ أعلم‪ .‬في الصحاح‪" .‬والرشوة معروفة‪ ،‬والرشوة‬
‫بالضههم مثله‪ ،‬والجمههع رُشههى ورِشههى‪ ،‬وقههد رشاه يرشوه‪ .‬وارتشههى‪ :‬أخههذ الرشوة‪ .‬واسههترشى فههي‬
‫حكمه‪ :‬طلب الرشوة عليه"‪.‬‬
‫قلت‪ :‬فالحكام اليوم عين الرشا ل مظنته‪ ،‬ول حول ول قوة إل بالّ‪.‬‬
‫@قوله تعالى‪" :‬لتأكلوا" نصهب بلم كهي‪" .‬فريقها" أي قطعهة وجزءا‪ ،‬فعهبر عهن الفريهق بالقطعهة‬
‫والبعهض‪ .‬والفريهق‪ :‬القطعهة مهن الغنهم تشهذ عهن معظمهها‪ .‬وقيهل‪ :‬فهي الكلم تقديهم وتأخيهر‪ ،‬التقديهر‪:‬‬
‫لتأكلوا أموال فريق من الناس‪" .‬بالثم" معناه بالظلم والتعدي‪ ،‬وسمي ذلك إثما لما كان الثم يتعلق‬
‫بفاعله‪" .‬وأنتم تعلمون" أي بطلن ذلك وإثمه‪ ،‬وهذه مبالغة في الجرأة والمعصية‪.‬‬
‫@اتفق أهل السنة على أن من أخذ ما وقع عليه اسم مال قل أو كثر أنه يفسق بذلك‪ ،‬وأنه محرم‬
‫عليهه أخذه‪ .‬خلفها لبشهر بهن المعتمهر ومهن تابعهه مهن المعتزلة حيهث قالوا‪ :‬إن المكلف ل يفسهق إل‬
‫بأخهذ مائتهي درههم ول يفسهق بدون ذلك‪ .‬وخلفها لبهن الجبائي حيهث قال‪ :‬إنهه يفسهق بأخهذ عشرة‬
‫دراهم ول يفسق بدونها‪ .‬وخلفا لبن الهذيل حيث قال‪ :‬يفسق بأخذ خمسة دراهم‪ .‬وخلفا لبعض‬
‫قدريهة البصهرة حيهث قال‪ :‬يفسهق بأخهذ درههم فمها فوق‪ ،‬ول يفسهق بمها دون ذلك‪ .‬وهذا كله مردود‬
‫بالقرآن والسهنة وباتفاق علماء المهة‪ ،‬قال صهلى الّ عليه وسهلم‪( :‬إن دماءكهم وأموالكهم وأعراضكهم‬
‫عليكم حرام) الحديث‪ ،‬متفق على صحته‪.‬‬
‫*‪*3‬الية‪{ 189 :‬يسألونك عن الهلة قل هي مواقيت للناس والحج وليس البر بأن تأتوا البيوت‬
‫من ظهورها ولكن البر من اتقى وأتوا البيوت من أبوابها واتقوا ال لعلكم تفلحون}‬
‫@قوله تعالى‪" :‬يسألونك عن الهلة" هذا مما سأل عنه اليهود واعترضوا به على النبي صلى الّ‬
‫عليه وسلم‪ ،‬فقال معاذ‪ :‬يا رسول الّ‪ ،‬إن اليهود تغشانا ويكثرون مسألتنا عن الهلة فما بال الهلل‬
‫يبدو دقيقا ثم يزيد حتى يستوي ويستدير‪ ،‬ثم ينتقص حتى يعود كما كان؟ فأنزل الّ هذه الية‪.‬‬
‫وقيهل‪ :‬إن سهبب نزولهها سهؤال قوم مهن المسهلمين النهبي صهلى الّ عليهه وسهلم عهن الهلل ومها سهبب‬
‫محاقه وكماله ومخالفته لحال الشمس‪ ،‬قال ابن عباس وقتادة والربيع وغيرهم‪.‬‬
‫قوله تعالى‪" :‬عهن الهلة" الهلة جمهع الهلل‪ ،‬وجمهع وههو واحهد فهي الحقيقهة مهن حيهث كونهه‬
‫هلل واحدا فهي شههر‪ ،‬غيهر كونهه هلل فهي آخهر‪ ،‬فإنمها جمهع أحواله مهن الهلة‪ .‬ويريهد بالهلة‬
‫شهورها‪ ،‬وقد يعبر بالهلل عن الشهر لحلوله فيه‪ ،‬كما قال‪:‬‬
‫والشهر مثل قلمة الظفر‬ ‫أخوان من نجد على ثقة‬
‫وقيل‪ :‬سمي شهرا لن اليدي تشهر بالشارة إلى موضع الرؤية ويدلون عليه‪ .‬ويطلق لفظ الهلل‬
‫لليلتيهن مهن آخهر الشههر‪ ،‬وليلتيهن مهن أوله‪ .‬وقيهل‪ :‬لثلث مهن أوله‪ .‬وقال الصهمعي‪ :‬ههو هلل حتهى‬
‫يحجر ويستدير له كالخيط الرقيق‪ .‬وقيل‪ :‬بل هو هلل حتى يبهر بضوئه السماء‪ ،‬وذلك ليلة سبع‪.‬‬
‫قال أبههو العباس‪ :‬وإنمهها قيههل له هلل لن الناس يرفعون أصههواتهم بالخبار عنههه‪ .‬ومنههه اسههتهل‬
‫الصهبي إذا ظهرت حياتهه بصهراخه‪ .‬واسهتهل وجههه فرحها وتهلل إذا ظههر فيهه السهرور‪ .‬قال أبهو‬
‫كبير‪:‬‬
‫برقت كبرق العارض المتهلل‬ ‫وإذا نظرت إلى أسرة وجهه‬
‫ويقال‪ :‬أهللنها الهلل إذا دخلنها فيهه‪ .‬قال الجوهري‪" :‬وأههل الهلل واسهتهل على مها لم يسهم فاعله‪.‬‬
‫ويقال أيضها‪ :‬اسهتهل بمعنهى تبين‪ ،‬ول يقال‪ :‬أههل ويقال‪ :‬أهللنها عن ليلة كذا‪ ،‬ول يقال‪ :‬أهللناه فههل‪،‬‬
‫كما يقال‪ :‬أدخلناه فدخل‪ ،‬وهو قياسه"‪ :‬قال أبو نصر عبدالرحيم القشيري في تفسيره‪ :‬ويقال‪ :‬أهل‬
‫الهلل واستهل وأهللنا الهلل واستهللنا‪.‬‬
‫@قال علماؤنا‪ :‬من حلف ليقضين غريمه أو ليفعلن كذا في الهلل أو رأس الهلل أو عند الهلل‪،‬‬
‫ففعههل ذلك بعههد رؤيههة الهلل بيوم أو يوميههن لم يحنههث‪ .‬وجميههع الشهور تصههلح لجميههع العبادات‬
‫والمعاملت على ما يأتي‪.‬‬
‫@قوله تعالى‪" :‬قل هي مواقيت للناس والحج" تبيين لوجه الحكمة في زيادة القمر ونقصانه‪ ،‬وهو‬
‫زوال الشكال فهههي الجال والمعاملت واليمان والحههج والعدد والصههوم والفطهههر ومدة الحمههل‬
‫والجارات والكرية‪ ،‬إلى غير ذلك من مصالح العباد‪ .‬ونظيره قوله الحق‪" :‬وجعلنا الليل والنهار‬
‫آيتيهن فمحونها آيهة الليهل وجعلنها آيهة النهار مبصهرة لتبتغوا فضل مهن ربكهم ولتعلموا عدد السهنين‬
‫والحسهاب" [السهراء‪ ]12 :‬على مها يأتهي‪ .‬وقوله‪" :‬ههو الذي جعهل الشمهس ضياء والقمهر نورا‬
‫وقدره منازل لتعلموا عدد السههنين والحسههاب" [يونههس‪ .]5 :‬وإحصههاء الهلة أيسههر مههن إحصههاء‬
‫اليام‪.‬‬
‫@وبهذا الذي قررناه يرد على أههل الظاههر ومهن قال بقولههم‪ :‬إن المسهاقاة تجوز إلى الجهل‬
‫المجهول سههنين غيهر معلومههة‪ ،‬واحتجوا بأن رسهول الّ صهلى الّ عليهه وسهلم عامههل اليهود على‬
‫ل صهلى الّ عليهه وسهلم مهن غيهر توقيهت‪ .‬وهذا ل دليهل فيهه‪،‬‬ ‫شطهر الزرع والنخهل مها بدا لرسهول ا ّ‬
‫لنه عليه السلم قال لليهود‪( :‬أقركم فيها ما أقركم الّ)‪ .‬وهذا أدل دليل وأوضح سبيل على أن ذلك‬
‫خصهوص له‪ ،‬فكان ينتظههر فهي ذلك القضاء مهن ربهه‪ ،‬وليهس كذلك غيره‪ .‬وقهد أحكمهت الشريعهة‬
‫معاني الجارات وسائر المعاملت‪ ،‬فل يجوز شيء منها إل على ما أحكمه الكتاب والسنة‪ ،‬وقال‬
‫به علماء المة‪.‬‬
‫@قوله تعالى‪" :‬مواقيهت" المواقيهت‪ :‬جميهع الميقات وههو الوقهت‪ .‬وقيهل‪ :‬الميقات منتههى الوقهت‪.‬‬
‫و"مواقيهت" ل تنصهرف‪ ،‬لنهه جمهع ل نظيهر له فهي الحاد‪ ،‬فههو جمهع ونهايهة جمهع‪ ،‬إذ ليهس يجمهع‬
‫فصههار كأن الجمههع تكرر فيههها‪ .‬وصههرفت "قواريههر" فههي قوله‪" :‬قواريرا" [النسههان‪ ]16:‬لنههها‬
‫وقعهت فهي رأس آيهة فنونهت كمها تنون القوافهي‪ ،‬فليهس ههو تنويهن الصهرف الذي يدل على تمكهن‬
‫السم‪.‬‬
‫@قوله تعالى‪" :‬والحهج" بفتهح الحاء قراءة الجمهور‪ .‬وقرأ ابهن أبهي إسهحاق بالكسهر فهي جميهع‬
‫القرآن‪ ،‬وفي قوله‪" :‬حج البيت" [آل عمران‪ ]97 :‬في "آل عمران"‪ .‬سيبويه‪ :‬الحج كالرد والشد‪،‬‬
‫والحج كالذكر‪ ،‬فهما مصدران بمعنى وقيل‪ :‬الفتح مصدر‪ ،‬والكسر السم‪.‬‬
‫أفرد سبحانه الحج بالذكر لنه مما يحتاج فيه إلى معرفة الوقت‪ ،‬وأنه ل يجوز النسيء فيه عن‬
‫وقتهه‪ ،‬بخلف مها رأتهه العرب‪ ،‬فإنهها كانهت تحهج بالعدد وتبدل الشهور‪ ،‬فأبطهل الّ قولههم وفعلههم‪،‬‬
‫على ما يأتي بيانه في "براءة" إن شاء الّ تعالى‪.‬‬
‫@استدل مالك رحمه الّ وأبو حنيفة وأصحابهما في أن الحرام بالحج يصح في غير أشهر الحج‬
‫ل تعالى جعل الهلة كلها ظرفا لذلك‪ ،‬فصح أن يحرم في جميعها بالحج‪ ،‬وخالف‬ ‫بهذه الية‪ ،‬لن ا ّ‬
‫في ذلك الشافعي‪ ،‬لقوله تعالى‪" :‬الحج أشهر معلومات" [البقرة‪ ]197 :‬على ما يأتي‪ .‬وأن معنى‬
‫هذه اليههة أن بعضههها مواقيههت للناس‪ ،‬وبعضههها مواقيههت للحههج‪ ،‬وهذا كمهها تقول‪ :‬الجاريههة لزيههد‬
‫وعمرو‪ ،‬وذلك يقضهي أن يكون بعضهها لزيهد وبعضهها لعمرو‪ ،‬ول يجوز أن يقال‪ :‬جميعهها لزيهد‬
‫وجميعههها لعمرو‪ .‬والجواب أن يقال‪ :‬إن ظاهههر قوله "هههي مواقيههت للناس والحههج" يقتضههي كون‬
‫جميعهها مواقيهت للناس وجميعهها مواقيهت للحهج‪ ،‬ولو أراد التبعيهض لقال‪ :‬بعضهها مواقيهت للناس‬
‫وبعضهها مواقيهت للحهج‪ .‬وهذا كمها تقول‪ :‬إن شههر رمضان ميقات لصهوم زيهد وعمرو‪ .‬ول خلف‬
‫أن المراد بذلك أن جميعهه ميقات لصهوم كهل واحهد منهمها‪ .‬ومها ذكروه مهن الجاريهة فصهحيح‪ ،‬لن‬
‫كونهها جمعاء لزيهد مهع كونهها جمعاء لعمرو مسهتحيل‪ ،‬وليهس كذلك فهي مسهألتنا‪ ،‬فإن الزمان يصهح‬
‫أن يكون ميقاتا لزيد وميقاتا لعمرو‪ ،‬فبطل ما قالوه‪.‬‬
‫@ل خلف بيهن العلماء أن مهن باع معلومها مهن السهلع بثمهن معلوم إلى أجهل معلوم مهن شهور‬
‫العرب أو إلى أيام معروفهههة العدد أن البيهههع جائز‪ .‬وكذلك قالوا فهههي السهههلم إلى الجهههل المعلوم‪.‬‬
‫واختلفوا فهي مهن باع إلى الحصهاد أو إلى الدياس أو إلى العطاء وشبهه ذلك‪ ،‬فقال مالك‪ :‬ذلك جائز‬
‫لنههه معروف‪ ،‬وبههه قال أبههو ثور‪ .‬وقال أحمههد‪ :‬أرجههو أل يكون بههه بأس‪ .‬وكذلك إلى قدوم الغزاة‪.‬‬
‫ل تعالى وقههت‬ ‫وعههن ابههن عمههر أنههه كان يبتاع إلى العطاء‪ .‬وقالت طائفههة‪ .‬ذلك غيههر جائز‪ ،‬لن ا ّ‬
‫المواقيهت وجعلهها علمها لجالههم فهي بياعاتههم ومصهالحهم‪ .‬كذلك قال ابهن عباس‪ ،‬وبهه قال الشافعهي‬
‫والنعمان‪ .‬قال ابن المنذر‪ :‬قول ابن عباس صحيح‪.‬‬
‫@إذا رئي الهلل كهبيرا فقال علماؤنها‪ :‬ل يعول على كهبره ول على صهغره وإنمها ههو ابهن ليلتهه‪.‬‬
‫روى مسهلم عهن أبهي البختري قال‪ :‬خرجنها للعمرة فلمها نزلنها ببطهن نخلة قال‪ :‬تراءينها الهلل‪ ،‬فقال‬
‫بعض القوم‪ :‬هو ابن ثلث‪ ،‬وقال بعض القوم‪ :‬هو ابن ليلتين‪ .‬قال‪ :‬فلقينا ابن عباس فقلنا‪ :‬إنا رأينا‬
‫الهلل فقال بعهض القوم ههو ابهن ثلث‪ ،‬وقال بعهض القوم ههو ابهن ليلتيهن‪ .‬فقال‪ :‬أي ليلة رأيتموه؟‬
‫قال فقلنها‪ :‬ليلة كذا وكذا‪ .‬فقال‪ :‬إن رسهول الّ صهلى الّ عليهه وسهلم قال‪( :‬إن الّ مده للرؤيهة) فههو‬
‫لليلة رأيتموه‪.‬‬
‫@قوله تعالى‪" :‬وليس البر بأن تأتوا البيوت من ظهورها" اتصل هذا بذكر مواقيت الحج لتفاق‬
‫وقوع القضيتين في وقت السؤال عن الهلة وعن دخول البيوت من ظهورها‪ ،‬فنزلت الية فيهما‬
‫جميعها‪ .‬وكان النصار إذا حجوا وعادوا ل يدخلون من أبواب بيوتهم‪ ،‬فإنهم كانوا إذا أهلوا بالحج‬
‫أو العمرة يلتزمون شرعا أل يحول بينهم وبين السماء حائل‪ ،‬فإذا خرج الرجل منهم بعد ذلك‪ ،‬أي‬
‫مهن بعهد إحرامهه مهن بيتهه‪ ،‬فرجهع لحاجهة ل يدخهل مهن باب الحجرة مهن أجهل سهقف البيهت أن يحول‬
‫بينهه وبيهن السهماء‪ ،‬فكان يتسهنم ظههر بيتهه على الجدران ثهم يقوم فهي حجرتهه فيأمهر بحاجتهه فتخرج‬
‫إليهه مهن بيتهه‪ .‬فكانوا يرون هذا مهن النسهك والبر‪ ،‬كمها كانوا يعتقدون أشياء نسهكا‪ ،‬فرد عليههم فيهها‪،‬‬
‫وبيهن الرب تعالى أن البر فهي امتثال أمره‪ .‬وقال ابهن عباس فهي روايهة أبهي صهالح‪ :‬كان الناس فهي‬
‫الجاهليهة وفهي أول السهلم إذا أحرم رجهل منههم بالحهج فإن كان مهن أههل المدر ‪ -‬يعنهي مهن أههل‬
‫البيوت ‪ -‬نقب في ظهر بيته فمنه يدخل ومنه يخرج‪ ،‬أو يضع سلما فيصعد منه وينحدر عليه‪ .‬وإن‬
‫كان مهن أههل الوبر ‪ -‬يعنهي أههل الخيام ‪ -‬يدخهل مهن خلف الخيام الخيمهة‪ ،‬إل مهن كان مهن الحمهس‪.‬‬
‫وروى الزهري أن النهبي صهلى الّ عليهه وسهلم أههل زمهن الحديبيهة بالعمرة فدخهل حجرتهه ودخهل‬
‫خلفه رجل أنصاري من بني سلمة‪ ،‬فدخل وخرق عادة قومه‪ ،‬فقال له النبي صلى الّ عليه وسلم‪:‬‬
‫(لم دخلت وأنهت قهد أحرمهت)‪ .‬فقال‪ :‬دخلت أنهت فدخلت بدخولك‪ .‬فقال له النهبي صهلى الّ عليهه‬
‫وسهلم‪( :‬إنهي أحمهس" أي مهن قوم ل يدينون بذلك‪ .‬فقال له الرجهل‪ :‬وأنها دينهي دينهك‪ ،‬فنزلت اليهة‪،‬‬
‫وقال ابن عباس وعطاء وقتادة‪ ،‬وقيل‪ :‬إن هذا الرجل هو قطبة بن عامر النصاري‪.‬‬
‫والحمهس‪ :‬قريهش وكنانهة وخزاعهة وثقيهف وجشهم وبنهو عامهر بهن صهعصعة وبنهو نصهر بهن‬
‫معاوية‪ .‬وسموا حمسا لتشديدهم في دينهم‪ .‬والحماسة الشدة‪ .‬قال العجاج‪:‬‬
‫وكم قطعنا من قفاف حمس‬
‫أي شداد‪ .‬ثهم اختلفوا فهي تأويلهها‪ ،‬فقيهل مها ذكرنها‪ ،‬وههو الصهحيح‪ .‬وقيهل‪ :‬إنهه النسهيء وتأخيهر الحهج‬
‫به‪ ،‬حتى كانوا يجعلون الشهر الحلل حراما بتأخير الحج إليه‪ ،‬والشهر الحرام حلل بتأخير الحج‬
‫عنهه‪ ،‬فيكون ذكهر البيوت على هذا مثل لمخالفهة الواجهب فهي الحهج وشهوره‪ .‬وسهيأتي بيان النسهيء‬
‫فههي سههورة [براءة] إن شاء ال تعالى‪ .‬وقال أبههو عههبيدة‪ :‬اليههة ضرب مثههل‪ ،‬المعنههى ليههس البر أن‬
‫تسهألوا الجهال ولكهن اتقوا ال واسهألوا العلماء‪ ،‬فهذا كمها تقول‪ :‬أتيهت هذا المهر مهن بابهه‪ .‬وحكهى‬
‫المهدوي ومكهي عهن ابهن النباري‪ ،‬والماوردي عهن ابهن زيهد أن اليهة مثهل فهي جماع النسهاء‪ ،‬أمهر‬
‫بإتيانههن فهي القبهل ل مهن الدبر‪ .‬وسهمي النسهاء بيوتها لليواء إليههن كاليواء إلى البيوت‪ .‬قال ابهن‬
‫عطيهة‪ :‬وهذا بعيهد مغيهر نمهط الكلم‪ .‬وقال الحسهن‪ :‬كانوا يتطيرون‪ ،‬فمهن سهافر ولم تحصهل حاجتهه‬
‫كان يأتهي بيتهه مهن وراء ظهره تطيرا مهن الخيبهة‪ ،‬فقيهل لههم‪ :‬ليهس فهي التطيهر بر‪ ،‬بهل البر أن تتقوا‬
‫ال وتتوكلوا عليه‪.‬‬
‫قلت‪ :‬القول الول أصههح هذه القوال‪ ،‬لمهها رواه البراء قال‪ :‬كان النصههار إذا حجوا فرجعوا لم‬
‫يدخلوا البيوت من أبوابها‪ ،‬قال‪ :‬فجاء رجل من النصار فدخل من بابه‪ ،‬فقيل له فهي ذلك‪ ،‬فنزلت‬
‫هذه اليههة‪" :‬وليههس البر بأن تأتوا البيوت مههن ظهورههها" وهذا نههص فههي البيوت حقيقههة‪ .‬خرجههه‬
‫البخاري ومسهلم‪ .‬وأمها تلك القوال فتؤخهذ مهن موضهع آخهر ل مهن اليهة‪ ،‬فتأمله‪ .‬وقهد قيهل‪ :‬إن اليهة‬
‫خرجت مخرج التنبيه من ال تعالى على أن يأتوا البر من وجهه‪ ،‬وهو الوجه الذي أمر ال تعالى‬
‫بهه‪ ،‬فذكهر إتيان البيوت مهن أبوابهها مثل ليشيهر بهه إلى أن نأتهي المور مهن مأتاهها الذي ندبنها ال‬
‫تعالى إليه‪.‬‬
‫قلت‪ :‬فعلى هذا يصههح مهها ذكههر مههن القوال‪ .‬والبيوت جمههع بيههت‪ ،‬وقرئ بضههم الباء وكسههرها‪.‬‬
‫وتقدم معنى التقوى والفلح ولعل‪ ،‬فل معنى للعادة‪.‬‬
‫@في هذه الية بيان أن ما لم يشرعه ال قربة ول ندب إليه ل يصير قربة بأن يتقرب به متقرب‪.‬‬
‫قال ابهن خويهز منداد‪ :‬إذا أشكهل مها ههو بر وقربهة بمها ليهس ههو بر وقربهة أن ينظهر فهي ذلك العمهل‪،‬‬
‫فإن كان له نظيههر فهي الفرائض والسهنن فيجوز أن يكون‪ ،‬وإن لم يكهن فليهس بهبر ول قربههة‪ .‬قال‪:‬‬
‫وبذلك جاءت الثار عن النبي صلى ال عليه وسلم‪ .‬وذكر حديث ابن عباس قال‪ :‬بينما رسول ال‬
‫صلى ال عليه وسلم يخطب إذا هو برجل قائم في الشمس فسأل عنه‪ ،‬فقالوا‪ :‬هو أبو إسرائيل‪ ،‬نذر‬
‫أن يقوم ول يقعهد ول يسهتظل ول يتكلم ويصهوم‪ .‬فقال النهبي صهلى ال عليهه وسهلم‪( :‬مروه فليتكلم‬
‫وليستظل وليقعد وليتم صومه)‪ .‬فأبطل النبي صلى ال عليه وسلم ما كان غير قربة مما ل أصل‬
‫له في شريعته‪ ،‬وصحح ما كان قربة مما له نظير في الفرائض والسنن‪.‬‬
‫*‪*3‬الية‪{ 190 :‬وقاتلوا في سبيل ال الذين يقاتلونكم ول تعتدوا إن ال ل يحب المعتدين}‬
‫@قوله تعالى‪" :‬وقاتلوا" هذه الية أول آية نزلت في المر بالقتال‪ ،‬ول خلف في أن القتال كان‬
‫محظورا قبههل الهجرة بقوله‪" :‬ادفههع بالتههي هههي أحسههن" [فصههلت‪ ]34 :‬وقوله‪" :‬فاعههف عنهههم‬
‫واصهفح" [المائدة‪ ]13 :‬وقوله‪" :‬واهجرههم هجرا جميل" [المزمهل‪ ]10 :‬وقوله‪" :‬لسهت عليههم‬
‫بمسيطر" [الغاشية‪ ]22 :‬وما كان مثله مما نزل بمكة‪ .‬فلما هاجر إلى المدينة أمر بالقتال فنزل‪:‬‬
‫"وقاتلوا في سبيل ال الذين يقاتلونكم" قاله الربيع بن أنس وغيره‪ .‬وروي عن أبي بكر الصديق‬
‫أن أول آيهة نزلت فهي القتال‪" :‬أذن للذيهن يقاتلون بأنههم ظلموا" [الحهج‪ .]39 :‬والول أكثهر‪ ،‬وأن‬
‫آية الذن إنما نزلت في القتال عامة لمن قاتل ولمن لم يقاتل من المشركين‪ ،‬وذلك أن النبي صلى‬
‫ال عليهه وسهلم خرج مهع أصهحابه إلى مكهة للعمرة‪ ،‬فلمها نزل الحديبيهة بقرب مكهة ‪ -‬والحديبيهة اسهم‬
‫بئر‪ ،‬فسهمي ذلك الموضهع باسهم تلك البئر ‪ -‬فصهده المشركون عهن البيهت‪ ،‬وأقام بالحديبيهة شهرا‪،‬‬
‫فصهالحوه على أن يرجهع مهن عامهه ذلك كمها جاء‪ ،‬على أن تخلى له مكهة فهي العام المسهتقبل ثلثهة‬
‫أيام‪ ،‬وصالحوه على أل يكون بينهم قتال عشر سنين‪ ،‬ورجع إلى المدينة‪ .‬فلما كان من قابل تجهز‬
‫لعمرة القضاء‪ ،‬وخاف المسلمون غدر الكفار وكرهوا القتال في الحرم وفي الشهر الحرام‪ ،‬فنزلت‬
‫هذه اليهة‪ ،‬أي يحهل لكهم القتال إن قاتلكهم الكفار‪ .‬فاليههة متصهلة بمها سهبق مهن ذكهر الحهج وإتيان‬
‫البيوت مهن ظهورهها‪ ،‬فكان عليهه السهلم يقاتهل مهن قاتله ويكهف عمهن كهف عنهه‪ ،‬حتهى نزل "فاقتلوا‬
‫المشركين" [التوبة‪ ]5 :‬فنسخت هذه الية‪ ،‬قاله جماعة من العلماء‪ .‬وقال ابن زيد والربيع‪ :‬نسخها‬
‫"وقاتلوا المشركيهن كافهة" [التوبهة‪ ]36 :‬فأمهر بالقتال لجميهع الكفار‪ .‬وقال ابهن عباس وعمهر بهن‬
‫عبدالعزيز ومجاهد‪ :‬هي محكمة أي قاتلوا الذين هم بحالة من يقاتلونكم‪ ،‬ول تعتدوا في قتل النساء‬
‫والصهبيان والرهبان وشبهههم‪ ،‬على مها يأتهي بيانهه‪ .‬قال أبهو جعفهر النحاس‪ :‬وهذا أصهح القوليهن فهي‬
‫السهنة والنظهر‪ ،‬فأمها السهنة فحديهث ابهن عمهر أن رسهول ال صهلى ال عليهه وسهلم رأى فهي بعهض‬
‫مغازيهه امرأة مقتولة فكره ذلك‪ ،‬ونههى عهن قتهل النسهاء والصهبيان‪ ،‬رواه الئمهة‪ .‬وأمها النظهر فإن‬
‫"فاعل" ل يكون في الغالب إل من اثنين‪ ،‬كالمقاتلة والمشاتمة والمخاصمة‪ ،‬والقتال ل يكون في‬
‫النسههاء ول فههي الصههبيان ومههن أشبههههم‪ ،‬كالرهبان والزمنههى والشيوخ والجراء فل يقتلون‪ .‬وبهذا‬
‫أوصهى أبهو بكهر الصهديق رضهي ال عنهه يزيهد بهن أبهي سهفيان حيهن أرسهله إلى الشام‪ ،‬إل أن يكون‬
‫لهؤلء إذاية‪ ،‬أخرجه مالك وغيره‪ ،‬وللعلماء فيهم صور ست‪:‬‬
‫الولى‪ :‬النسهاء إن قاتلن قتلن‪ ،‬قال سهحنون‪ :‬فهي حالة المقاتلة وبعدهها‪ ،‬لعموم قوله‪" :‬وقاتلوا فهي‬
‫سهبيل ال الذيهن يقاتلونكهم"‪" ،‬واقتلوههم حيهث ثقفتموههم" [البقرة‪ .]191 :‬وللمرأة آثار عظيمهة فهي‬
‫القتال‪ ،‬منههها المداد بالموال‪ ،‬ومنههها التحريههض على القتال‪ ،‬وقههد يخرجههن ناشرات شعورهههن‬
‫نادبات مثيرات معيرات بالفرار‪ ،‬وذلك يبيهح قتلههن‪ ،‬غيهر أنههن إذا حصهلن فهي السهر فالسهترقاق‬
‫أنفع لسرعة إسلمهن ورجوعهن عن أديانهن‪ ،‬وتعذر فرارهن إلى أوطانهن بخلف الرجال‪.‬‬
‫الثانيهة‪ :‬الصهبيان فل يقتلون للنههي الثابهت عهن قتهل الذريهة‪ ،‬ولنهه ل تكليهف عليههم‪ ،‬فإن قاتهل‬
‫الصبي قتل‪.‬‬
‫الثالثهة‪ :‬الرهبان ل يقتلون ول يسهترقون‪ ،‬بهل يترك لههم مها يعيشون بهه مهن أموالههم‪ ،‬وهذا إذا‬
‫انفردوا عن أهل الكفر‪ ،‬لقول أبي بكر ليزيد‪" :‬وستجد أقواما زعموا أنهم حبسوا أنفسهم ل‪ ،‬فذرهم‬
‫ومهها زعموا أنهههم حبسههوا أنفسهههم له" فإن كانوا مههع الكفار فههي الكنائس قتلوا‪ .‬ولو ترهبههت المرأة‬
‫فروى أشهههب أنههها ل تهاج‪ .‬وقال سههحنون‪ :‬ل يغيههر الترهههب حكمههها‪ .‬قال القاضههي أبههو بكههر بههن‬
‫العربي‪" :‬والصحيح عندي رواية أشهب‪ ،‬لنها داخلة تحت قوله‪" :‬فذرهم وما حبسوا أنفسهم له"‪.‬‬
‫الرابعههة‪ :‬الزمنههى‪ .‬قال سههحنون‪ :‬يقتلون‪ .‬وقال ابههن حههبيب‪ :‬ل يقتلون‪ .‬والصههحيح أن تعتههبر‬
‫أحوالههم‪ ،‬فإن كانهت فيههم إذايهة قتلوا‪ ،‬وإل تركوا ومها ههم بسهبيله مهن الزمانهة وصهاروا مال على‬
‫حالهم وحشوة‪.‬‬
‫الخامسههة‪ :‬الشيوخ‪ .‬قال مالك فههي كتاب محمههد‪ :‬ل يقتلون‪ .‬والذي عليههه جمهور الفقهاء‪ :‬إن كان‬
‫شيخها كهبيرا هرمها ل يطيهق القتال‪ ،‬ول ينتفهع بهه فهي رأي ول مدافعهة فإنهه ل يقتهل‪ ،‬وبهه قال مالك‬
‫وأبو حنيفة‪ .‬وللشافعي قولن‪ :‬أحدهما‪ :‬مثل قول الجماعة‪ .‬والثاني‪ :‬يقتل هو والراهب‪ .‬والصحيح‬
‫الول لقول أبهي بكهر ليزيهد‪ ،‬ول مخالف له فثبهت أنهه إجماع‪ .‬وأيضها فإنهه ممهن ل يقاتهل ول يعيهن‬
‫العدو فل يجوز قتله كالمرأة‪ ،‬وأما إن كان ممن تخشى مضرته بالحرب أو الرأي أو المال فهذا إذا‬
‫أسهر يكون المام فيهه مخيرا بيهن خمسهة أشياء‪ :‬القتهل أو المهن أو الفداء أو السهترقاق أو عقهد الذمهة‬
‫على أداء الجزية‪.‬‬
‫السهههادسة‪ :‬العسهههفاء‪ ،‬وههههم الجراء والفلحون‪ ،‬فقال مالك فهههي كتاب محمهههد‪ :‬ل يقتلون وقال‬
‫الشافعهي‪ :‬يقتهل الفلحون والجراء والشيوخ الكبار إل أن يسهلموا أو يؤدوا الجزيهة‪ .‬والول أصهح‪،‬‬
‫لقوله عليهه السهلم فهي حديهث رباح بهن الربيهع (الحهق بخالد بهن الوليهد فل يقتلن ذريهة ول عسهيفا)‪.‬‬
‫وقال عمهر بهن الخطاب‪ :‬اتقوا ال فهي الذريهة والفلحيهن الذي ل ينصهبون لكهم الحرب‪ .‬وكان عمهر‬
‫بن عبدالعزيز ل يقتل حراثا‪ ،‬ذكره ابن المنذر‪.‬‬
‫@روى أشههب عهن مالك أن المراد بقوله‪" :‬وقاتلوا فهي سهبيل ال الذيهن يقاتلونكهم" أههل الحديبيهة‬
‫أمروا بقتال من قاتلهم‪ .‬والصحيح أنه خطاب لجميع المسلمين‪ ،‬أمر كل أحد أن يقاتل من قاتله إذ ل‬
‫يمكن سواه‪ .‬أل تراه كيف بينها في سورة "براءة" بقوله‪" :‬قاتلوا الذين يلونكم من الكفار" [التوبة‪:‬‬
‫‪ ]123‬وذلك أن المقصود أول كان أهل مكة فتعينت البداءة بهم‪ ،‬فلما فتح ال مكة كان القتال لمن‬
‫يلي ممن كان يؤذي حتى تعم الدعوة وتبلغ الكلمة جميع الفاق ول يبقى أحد من الكفرة‪ ،‬وذلك باق‬
‫متماد إلى يوم القيامة‪ ،‬ممتد إلى غاية هي قوله عليه السلم‪( :‬الخيل معقود في نواصيها الخير إلى‬
‫يوم القيامة الجر والمغنم)‪ .‬وقيل‪ :‬غايته نزول عيسى ابن مريم عليه السلم‪ ،‬وهو موافق للحديث‬
‫الذي قبله‪ ،‬لن نزوله من أشراط الساعة‪.‬‬
‫@قوله تعالى‪" :‬ول تعتدوا" قيل في تأويله ما قدمناه‪ ،‬فهي محكمة‪ .‬فأما المرتدون فليس إل القتل‬
‫أو التوبهة‪ ،‬وكذلك أههل الزيهغ والضلل ليهس إل السهيف أو التوبهة‪ .‬ومهن أسهر العتقاد بالباطهل ثهم‬
‫ظههر عليهه فههو كالزنديهق يقتهل ول يسهتتاب‪ .‬وأمها الخوارج على أئمهة العدل فيجهب قتالههم حتهى‬
‫يرجعوا إلى الحهق‪ .‬وقال قوم‪ :‬المعنهى ل تعتدوا فهي القتال لغيهر وجهه ال‪ ،‬كالحميهة وكسهب الذكهر‪،‬‬
‫بل قاتلوا في سبيل ال الذين يقاتلونكم‪ ،‬يعني دينا وإظهارا للكلمة‪ .‬وقيل‪" :‬ل تعتدوا" أي ل تقاتلوا‬
‫من لم يقاتل‪ .‬فعلى هذا تكون الية منسوخة بالمر بالقتال لجميع الكفار‪ ،‬وال أعلم‪.‬‬
‫*‪*3‬الية‪{ 191 :‬واقتلوهم حيث ثقفتموهم وأخرجوهم من حيث أخرجوكم والفتنة أشد من القتل‬
‫ول تقاتلوهم عند المسجد الحرام حتى يقاتلوكم فيه فإن قاتلوكم فاقتلوهم كذلك جزاء الكافرين}‬
‫@قوله تعالى‪" :‬ثقفتموههم" يقال‪ :‬ثقِف يثقِف ثقْفها وثقَفها‪ ،‬ورجهل ثقهف لقهف‪ :‬إذا كان محكمها لمها‬
‫يتناوله مهن المور‪ .‬وفهي هذا دليهل على قتهل السهير‪ ،‬وسهيأتي بيان هذا فهي "النفال" إن شاء ال‬
‫تعالى‪" .‬وأخرجوههم مهن حيهث أخرجوكهم" أي مكهة‪ .‬قال الطهبري‪ :‬الخطاب للمهاجريهن والضميهر‬
‫لكفار قريش‪.‬‬
‫@قوله تعالى‪" :‬والفتنهة أشهد مهن القتهل" أي الفتنهة التهي حملوكهم عليهها وراموا رجوعكهم بهها إلى‬
‫الكفر أشد من القتل‪ .‬قال مجاهد‪ :‬أي من أن يقتل المؤمن‪ ،‬فالقتل أخف عليه من الفتنة‪ .‬وقال غيره‪:‬‬
‫أي شركهم بال وكفرهم به أعظم جرما وأشد من القتل الذي عيروكم به‪ .‬وهذا دليل على أن الية‬
‫نزلت فهي شأن عمرو بهن الحضرمهي حيهن قتله واقهد بهن عبدال التميمهي فهي آخهر يوم مهن رجهب‬
‫الشهر الحرام‪ ،‬حسب ما هو مذكور في سرية عبدال بن جحش‪ ،‬على ما يأتي بيانه‪ ،‬قاله الطبري‬
‫وغيره‪.‬‬
‫@قوله تعالى‪" :‬ول تقاتلوههم عند المسهجد الحرام حتى يقاتلوكم فيه" اليهة‪ .‬للعلماء فهي هذه الية‬
‫قولن‪ :‬أحدهمها‪ :‬أنهها منسهوخة‪ ،‬والثانهي‪ :‬أنهها محكمهة‪ .‬قال مجاههد‪ :‬اليهة محكمهة‪ ،‬ول يجوز قتال‬
‫أحهد فهي المسهجد الحرام إل بعهد أن يقاتهل‪ ،‬وبهه قال طاوس‪ ،‬وههو الذي يقتضيهه نهص اليهة‪ ،‬وههو‬
‫الصهحيح مهن القوليهن‪ ،‬وإليهه ذههب أبهو حنيفهة وأصهحابه‪ .‬وفهي الصهحيح عهن ابهن عباس قال قال‬
‫رسول ال صلى ال عليه وسلم يوم فتح مكة‪( :‬إن هذا البلد حرمه ال يوم خلق السموات والرض‬
‫فهههو حرام بحرمههة ال تعالى إلى يوم القيامههة وإنههه لم يحههل القتال فيههه لحههد قبلي ولم يحههل لي إل‬
‫سههاعة مههن نهار فهههو حرام بحرمههة ال إلى يوم القيامههة)‪ .‬وقال قتادة‪ :‬اليههة منسههوخة بقوله تعالى‪:‬‬
‫"فإذا انسهلخ الشههر الحرم فاقتلوا المشركيهن حيث وجدتموههم" [التوبهة‪ .]5 :‬وقال مقاتل‪ :‬نسخها‬
‫قوله تعالى‪" :‬واقتلوههم حيهث ثقفتموههم" ثهم نسهخ هذا قوله‪" :‬اقتلوا المشركيهن حيهث وجدتموههم"‪.‬‬
‫فيجوز البتداء بالقتال فهي الحرم‪ .‬وممها احتجوا بهه أن "براءة" نزلت بعهد سهورة "البقرة" بسهنتين‪،‬‬
‫وأن النبي صلى ال عليه وسلم دخل مكة وعليه المغفر‪ ،‬فقيل‪ :‬إن ابن خطل متعلق بأستار الكعبة‪،‬‬
‫فقال‪( :‬اقتلوه)‪.‬‬
‫وقال ابن خويز منداد‪" :‬ول تقاتلوهم عند المسجد الحرام" منسوخة‪ ،‬لن الجماع قد تقرر بأن‬
‫عدوا لو استولى على مكة وقال‪ :‬لقاتلكم‪ ،‬وأمنعكم من الحج ول أبرح من مكة لوجب قتاله وإن لم‬
‫يبدأ بالقتال‪ ،‬فمكهة وغيرهها مهن البلد سهواء‪ .‬وإنمها قيهل فيهها‪ :‬ههي حرام تعظيمها لهها‪ ،‬أل ترى أن‬
‫رسهول ال صهلى ال عليهه وسهلم بعهث خالد بهن الوليهد يوم الفتهح وقال‪( :‬احصهدهم بالسهيف حتهى‬
‫تلقانهي على الصهفا) حتهى جاء العباس فقال‪ :‬يها رسهول ال‪ ،‬ذهبهت قريهش‪ ،‬فل قريهش بعهد اليوم‪ .‬أل‬
‫ترى أنهه قال فهي تعظيمهها‪( :‬ول يلتقهط لقطتهها إل منشهد) واللقطهة بهها وبغيرهها سهواء‪ .‬ويجوز أن‬
‫تكون منسهوخة بقوله‪" :‬وقاتلوههم حتهى ل تكون فتنهة" [البقرة‪ .]193 :‬قال ابهن العربهي‪ :‬حضرت‬
‫فهي بيهت المقدس ‪ -‬طهره ال ‪ -‬بمدرسهة أبهي عقبهة الحنفهي‪ ،‬والقاضهي الزنجانهي يلقهي علينها الدرس‬
‫فهي يوم جمعهة‪ ،‬فبينها نحهن كذلك إذ دخهل علينها رجهل بههي المنظهر على ظهره أطمار‪ ،‬فسهلم سهلم‬
‫العلماء وتصدر في صدر المجلس بمدارع الرعاء‪ ،‬فقال القاضي الزنجاني‪ :‬من السيد؟ فقال‪ :‬رجل‬
‫سلبه الشطار أمس‪ ،‬وكان مقصدي هذا الحرم المقدس‪ ،‬وأنا رجل من أهل صاغان من طلبة العلم‪.‬‬
‫فقال القاضهي مبادرا‪ :‬سهلوه ‪ -‬على العادة فهي إكرام العلماء بمبادرة سهؤالهم ‪ -‬ووقعهت القرعهة على‬
‫مسهألة الكافهر إذا التجهأ إلى الحرم ههل يقتهل أم ل؟ فأفتهى بأنهه ل يقتهل‪ .‬فسهئل عهن الدليهل‪ ،‬فقال قوله‬
‫تعالى‪" :‬ول تقاتلوهم عند المسجد الحرام حتى يقاتلوكم فيه" قرئ "ول تقتلوهم‪ ،‬ول تقاتلوهم" فإن‬
‫قرئ "ول تقتلوههم" فالمسهألة نهص‪ ،‬وإن قرئ "ول تقاتلوههم" فههو تنهبيه‪ ،‬لنهه إذا نههى عهن القتال‬
‫الذي هو سبب القتل كان دليل بينا ظاهرا على النهي عن القتل‪ .‬فاعترض عليه القاضي منتصرا‬
‫للشافعهي ومالك‪ ،‬وإن لم يهر مذهبهمها‪ ،‬على العادة‪ ،‬فقال‪ :‬هذه اليهة منسهوخة بقوله تعالى‪" :‬فاقتلوا‬
‫المشركيهن حيهث وجدتموههم" [التوبهة‪ .]5 :‬فقال له الصهاغاني‪ :‬هذا ل يليهق بمنصهب القاضهي‬
‫وعلمهه‪ ،‬فإن هذه اليهة التهي اعترضهت بهها عامهة فهي الماكهن‪ ،‬والتهي احتججهت بهها خاصهة‪ ،‬ول‬
‫يجوز لحهد أن يقول‪ :‬إن العام ينسهخ الخاص‪ .‬فبههت القاضهي الزنجانهي‪ ،‬وهذا مهن بديهع الكلم‪ .‬قال‬
‫ابن العربي‪ :‬فإن لجأ إليه كافر فل سبيل إليه‪ ،‬لنص الية والسنة الثابتة بالنهي عن القتال فيه‪ .‬وأما‬
‫الزاني والقاتل فل بد من إقامة الحد عليه‪ ،‬إل أن يبتدئ الكافر بالقتال فيقتل بنص القرآن‪.‬‬
‫قلت‪ :‬وأمها مها احتجوا بهه مهن قتهل ابهن خطهل وأصهحابه فل حجهة فيهه‪ ،‬فإن ذلك كان فهي الوقهت‬
‫الذي أحلت له مكهة وههي دار حرب وكفهر‪ ،‬وكان له أن يريهق دماء مهن شاء مهن أهلهها فهي السهاعة‬
‫التي أحل له فيها القتال‪ .‬فثبت وصح أن القول الول أصح‪ ،‬وال أعلم‪.‬‬
‫@قال بعض العلماء‪ :‬في هذه الية دليل على أن الباغي على المام بخلف الكافر‪ ،‬فالكافر يقتل‬
‫إذا قاتل بكل حال‪ ،‬والباغي إذا قاتل يقاتل بنية الدفع‪ .‬ول يتبع مدبر ول يجهز على جريح‪ .‬على ما‬
‫يأتي بيانه من أحكام الباغين في "الحجرات" إن شاء ال تعالى‪.‬‬
‫*‪*3‬الية‪{ 192 :‬فإن انتهوا فإن ال غفور رحيم}‬
‫@قوله تعالى‪" :‬فإن انتهوا" أي عن قتالكم باليمان فإن ال يغفر لهم جميع ما تقدم‪ ،‬ويرحم كل‬
‫منههم بالعفهو عمها اجترم‪ ،‬نظيره قوله تعالى‪" :‬قهل للذيهن كفروا إن ينتهوا يغفهر لههم مها قهد سهلف"‬
‫[النفال‪ .]38 :‬وسيأتي‪.‬‬
‫*‪*3‬اليهة‪{ 193 :‬وقاتلوههم حتهى ل تكون فتنهة ويكون الديهن ل فإن انتهوا فل عدوان إل على‬
‫الظالمين}‬
‫@قوله تعالى‪" :‬وقاتلوههم" أمهر بالقتال لكهل مشرك فهي كهل موضهع‪ ،‬على مهن رآهها ناسهخة‪ .‬ومهن‬
‫رآها غير ناسخة قال‪ :‬المعنى قاتلوا هؤلء الذين قال ال فيهم‪" :‬فإن قاتلوكم" والول أظهر‪ ،‬وهو‬
‫أمههر بقتال مطلق ل بشرط أن يبدأ الكفار‪ .‬دليههل ذلك قوله تعالى‪" :‬ويكون الديههن ل"‪ ،‬وقال عليههه‬
‫السههلم‪( :‬أمرت أن أقاتههل الناس حتههى يقولوا ل إله إل ال)‪ .‬فدلت اليههة والحديههث على أن سههبب‬
‫القتال ههو الكفهر‪ ،‬لنهه قال‪" :‬حتهى ل تكون فتنهة" أي كفهر‪ ،‬فجعهل الغايهة عدم الكفهر‪ ،‬وهذا ظاههر‪.‬‬
‫قال ابن عباس وقتادة والربيع والسدي وغيرهم‪ :‬الفتنة هناك الشرك وما تابعه من أذى المؤمنين‪.‬‬
‫وأصهل الفتنهة‪ :‬الختبار والمتحان مأخوذ مهن فتنهت الفضهة إذا أدخلتهها فهي النار لتميهز رديئهها مهن‬
‫جيدها‪ .‬وسيأتي بيان محاملها إن شاء ال تعالى‪.‬‬
‫@قوله تعالى‪" :‬فإن انتهوا" أي عن الكفر‪ ،‬إما بالسلم كما تقدم في الية قبل‪ ،‬أو بأداء الجزية‬
‫فههي حههق أهههل الكتاب‪ ،‬على مهها يأتههي بيانههه فههي "براءة" وإل قوتلوا وهههم الظالمون ل عدوان إل‬
‫عليههم‪ .‬وسهمي مها يصهنع بالظالميهن عدوانها مهن حيهث ههو جزاء عدوان‪ ،‬إذ الظلم يتضمهن العدوان‪،‬‬
‫فسهمي جزاء العدوان عدوانها‪ ،‬كقوله‪" :‬وجزاء سهيئة سهيئة مثلهها" [الشورى‪ .]40 :‬والظالمون ههم‬
‫على أحد التأويلين‪ :‬من بدأ بقتال‪ ،‬وعلى التأويل الخر‪ :‬من بقي على كفر وفتنة‪.‬‬
‫*‪*3‬الية‪{ 194 :‬الشهر الحرام بالشهر الحرام والحرمات قصاص فمن اعتدى عليكم فاعتدوا‬
‫عليه بمثل ما اعتدى عليكم واتقوا ال واعلموا أن ال مع المتقين}‬
‫@قوله تعالى‪" :‬الشههر الحرام" قهد تقدم اشتقاق الشههر‪ .‬وسهبب نزولهها مها روي عهن ابهن عباس‬
‫وقتادة ومجاههد ومقسهم والسهدي والربيهع والضحاك وغيرههم قالوا‪ :‬نزلت فهي عمرة القضيهة وعام‬
‫الحديبيههة‪( ،‬وذلك أن رسههول ال صههلى ال عليههه وسههلم خرج معتمرا حتههى بلغ الحديبيههة) فههي ذي‬
‫القعدة سههنة سههت‪ ،‬فصههده المشركون كفار قريههش عههن البيههت فانصههرف‪ ،‬ووعده ال سههبحانه أنههه‬
‫سهيدخله‪ ،‬فدخله سهنة سهبع وقضهى نسهكه‪ ،‬فنزلت هذه اليهة‪ .‬وروي عهن الحسهن أن المشركيهن قالوا‬
‫للنهبي صهلى ال عليهه وسهلم‪ :‬أنهيهت يها محمهد عهن القتال فهي الشههر الحرام؟ قال‪( :‬نعهم)‪ .‬فأرادوا‬
‫قتاله‪ ،‬فنزلت اليهة‪ .‬المعنهى‪ :‬إن اسهتحلوا ذلك فيهه فقاتلههم‪ ،‬فأباح ال باليهة مدافعتههم‪ ،‬والقول الول‬
‫أشهر وعليه الكثر‪.‬‬
‫@قوله تعالى‪" :‬والحرمات قصهاص" الحرمات جمهع حرمهة‪ ،‬كالظلمات جمهع ظلمهة‪ ،‬والحجرات‬
‫جمهع حجرة‪ .‬وإنمها جمعهت الحرمات لنهه أراد حرمهة الشههر الحرام وحرمهة البلد الحرام‪ ،‬وحرمهة‬
‫الحرام‪ .‬والحرمة‪ :‬ما منعت من انتهاكه‪ .‬والقصاص المساواة‪ ،‬أي اقتصصت لكم منهم إذ صدوكم‬
‫سنة ست فقضيتم العمرة سنة سبع‪ .‬فه "الحرمات قصاص" على هذا متصل بما قبله ومتعلق‪ .‬به‪.‬‬
‫وقيل‪ :‬هو مقطوع منه‪ ،‬وهو ابتداء أمر كان في أول السلم‪ :‬إن من انتهك حرمتك نلت منه مثل‬
‫مها اعتدى عليهك‪ ،‬ثهم نسهخ ذلك بالقتال‪ .‬وقالت طائفهة‪ :‬مها تناولت اليهة مهن التعدي بيهن أمهة محمهد‬
‫صههلى ال عليههه وسههلم والجنايات ونحوههها لم ينسههخ‪ ،‬وجاز لمههن تعدي عليههه فههي مال أو جرح أن‬
‫يتعدى بمثهل مها تعدي بهه عليهه إذا خفهي له ذلك‪ ،‬وليهس بينهه وبيهن ال تعالى فهي ذلك شيهء‪ ،‬قاله‬
‫الشافعهي وغيره‪ ،‬وههي روايهة فهي مذههب مالك‪ .‬وقالت طائفهة مهن أصهحاب مالك‪ :‬ليهس ذلك له‪،‬‬
‫وأمور القصهاص وقهف على الحكام‪ .‬والموال يتناولهها قوله صهلى ال عليهه وسهلم‪( :‬أد المانهة إلى‬
‫مهن ائتمنهك ول تخهن مهن خانهك)‪ .‬خرجهه الدارقطنهي وغيره‪ .‬فمهن ائتمنهه مهن خانهه فل يجوز له أن‬
‫يخونه ويصل إلى حقه مما ائتمنه عليه‪ ،‬وهو المشهور من المذهب‪ ،‬وبه قال أبو حنيفة تمسكا بهذا‬
‫الحديهث‪ ،‬وقوله تعالى‪" :‬إن ال يأمركهم أن تؤدوا المانات إلى أهلهها" [النسهاء‪ .]58 :‬وههو قول‬
‫عطاء الخراساني‪ .‬قال قدامة بن الهيثم‪ :‬سألت عطاء بن ميسرة الخراساني فقلت له‪ :‬لي على رجل‬
‫حق‪ ،‬وقد جحدني به وقد أعيا علي البينة‪ ،‬أفأقتص من ماله؟ قال‪ :‬أرأيت لو وقع بجاريتك‪ ،‬فعلمت‬
‫ما كنت صانعا‪.‬‬
‫قلت‪ :‬والصحيح جواز ذلك كيف ما توصل إلى أخذ حقه ما لم يعد سارقا‪ ،‬وهو مذهب الشافعي‬
‫وحكاه الداودي عهن مالك‪ ،‬وقال بهه ابهن المنذر‪ ،‬واختاره ابهن العربهي‪ ،‬وأن ذلك ليهس خيانهة وإنمها‬
‫هو وصول إلى حق‪ .‬وقال رسول ال صلى ال عليه وسلم‪( :‬انصر أخاك ظالما أو مظلوما) وأخذ‬
‫الحق من الظالم نصر له‪ .‬وقال صلى ال عليه وسلم لهند بنت عتبة امرأة أبي سفيان لما قالت له‪:‬‬
‫إن أبها سهفيان رجهل شحيهح ل يعطينهي من النفقة مها يكفينهي ويكفهي بنهي إل مها أخذت مهن ماله بغيهر‬
‫علمههه‪ ،‬فهههل علي جناح؟ فقال رسههول ال صههلى ال عليههه وسههلم‪( :‬خذي مهها يكفيههك ويكفههي ولدك‬
‫بالمعروف)‪ .‬فأباح لها الخذ وأل تأخذ إل القدر الذي يجب لها‪ .‬وهذا كله ثابت في الصحيح‪ ،‬قوله‬
‫تعالى‪" :‬فمن اعتدى عليكم فاعتدوا عليه بمثل ما اعتدى عليكم" قاطع في موضع الخلف‪.‬‬
‫@واختلفوا إذا ظفر له بمال من غير جنس ماله‪ ،‬فقيل‪ :‬ل يأخذ إل بحكم الحاكم‪ .‬وللشافعي قولن‪،‬‬
‫أصههحهما الخههذ‪ ،‬قياسهها على مهها لو ظفههر له مههن جنههس ماله‪ .‬والقول الثانههي ل يأخههذ لنههه خلف‬
‫الجنس‪ .‬ومنهم من قال‪ :‬يتحرى قيمة ما له عليه ويأخذ مقدار ذلك‪ .‬وهذا هو الصحيح لما بيناه من‬
‫الدليل‪ ،‬وال أعلم‪.‬‬
‫وإذا فرعنا على الخذ فهل يعتبر ما عليه من الديون وغير ذلك‪ ،‬فقال الشافعي‪ :‬ل‪ ،‬بل يأخذ ما‬
‫له عليه‪ .‬وقال مالك‪ :‬يعتبر ما يحصل له مع الغرماء في الفلس‪ ،‬وهو القياس‪ ،‬وال أعلم‪.‬‬
‫@قوله تعالى‪" :‬فمهن اعتدى عليكهم فاعتدوا عليهه بمثهل مها اعتدى عليكهم" عموم متفهق عليهه‪ ،‬إمها‬
‫بالمباشرة إن أمكهن‪ ،‬وإمها بالحكام‪ .‬واختلف الناس فهي المكافأة ههل تسهمى عدوانها أم ل‪ ،‬فمهن قال‪:‬‬
‫ليههس فههي القرآن مجاز‪ ،‬قال‪ :‬المقابلة عدوان‪ ،‬وههو عدوان مباح‪ ،‬كمهها أن المجاز فههي كلم العرب‬
‫كذب مباح‪ ،‬لن قول القائل‪:‬‬
‫فقالت له العينان سمعا وطاعة‬
‫وكذلك‪:‬‬
‫امتل الحوض وقال قطني‬
‫وكذلك‪:‬‬
‫شكا إلي جملي طول السرى‬
‫ومعلوم أن هذه الشياء ل تنطهق‪ .‬وحهد الكذب‪ :‬إخبار عهن الشيهء على خلف مها ههو بهه‪ .‬ومهن قال‬
‫فههي القرآن مجاز سههمى هذا عدوانهها على طريههق المجاز ومقابلة الكلم بمثله‪ ،‬كمهها قال عمرو بههن‬
‫كلثوم‪:‬‬
‫فنجهل فوق جهل الجاهلينا‬ ‫أل ل يجهلن أحد علينا‬
‫وقال الخر‪:‬‬
‫ولي فرس للجهل بالجهل مسرج‬ ‫ولي فرس للحلم بالحلم ملجم‬
‫ومن رام تعويجي فإني معوج‬ ‫ومن رام تقويمي فإني مقوم‬
‫يريد‪ :‬أكافئ الجاهل والمعوج‪ ،‬ل أنه امتدح بالجهل والعوجاج‪.‬‬
‫@واختلف العلماء فيمن استهلك أو أفسد شيئا من الحيوان أو العروض التي ل تكال ول توزن‪،‬‬
‫فقال الشافعهي وأبهو حنيفهة وأصهحابهما وجماعهة مهن العلماء‪ :‬عليهه فهي ذلك المثهل‪ ،‬ول يعدل إلى‬
‫القيمهة إل عنهد عدم المثهل‪ ،‬لقوله تعالى‪" :‬فمهن اعتدى عليكهم فاعتدوا عليهه بمثهل مها اعتدى عليكهم"‬
‫وقوله تعالى‪" :‬وإن عاقبتم فعاقبوا بمثل ما عوقبتم به" [النحل‪.]126 :‬‬
‫قالوا‪ :‬وهذا عموم فهي جميهع الشياء كلهها‪ ،‬وعضدوا هذا بأن النهبي صهلى ال عليهه وسهلم حبهس‬
‫القصهعة المكسهورة فهي بيهت التهي كسهرتها ودفهع الصهحيحة وقال‪( :‬إناء بإناء وطعام بطعام) خرجهه‬
‫أبو داود قال‪ :‬حدثنا مسهدد حدثنا يحيهى ح وحدثنا محمهد بن المثنى حدثنا خالد عن حميهد عن أنس‬
‫أن رسهول ال صهلى ال عليهه وسهلم كان عنهد بعهض نسهائه‪ ،‬فأرسهلت إحدى أمهات المؤمنيهن مهع‬
‫خادم قصهعة فيهها طعام‪ ،‬قال‪ :‬فضربهت بيدهها فكسهرت القصهعة‪ .‬قال ابهن المثنهى‪ :‬فأخهذ النهبي صهلى‬
‫ال عليهه وسهلم الكسهرتين فضهم إحداهمها إلى الخرى‪ ،‬فجعهل يجمهع فيهها الطعام ويقول‪( :‬غارت‬
‫أمكم)‪ .‬زاد ابن المثنى (كلوا) فأكلوا حتى جاءت قصعتها التي في بيتها‪ .‬ثم رجعنا إلى لفظ حديث‬
‫مسهدد وقال‪( :‬كلوا) وحبهس الرسهول والقصهعة حتهى فرغوا‪ ،‬فدفهع القصهعة الصهحيحة إلى الرسهول‬
‫وحبهس المكسهورة فهي بيتهه‪ .‬حدثنها أبهو داود قال‪ :‬حدثنها مسهدد حدثنها يحيهى عهن سهفيان قال وحدثنها‬
‫فليهت العامري ‪ -‬قال أبهو داود‪ :‬وههو أفلت بهن خليفهة ‪ -‬عهن جسهرة بنهت دجاجهة قالت قالت عائشهة‬
‫رضهى ال عنهها‪ :‬مها رأيهت صهانعا طعامها مثهل صهفية‪ ،‬صهنعت لرسهول ال صهلى ال عليهه وسهلم‬
‫طعامها فبعثهت بهه‪ ،‬فأخذنهي أفكهل فكسهرت الناء‪ ،‬فقلت‪ :‬يها رسهول ال‪ ،‬مها كفارة مها صهنعت؟ قال‪:‬‬
‫(إناء مثل إناء وطعام مثل طعام)‪ .‬قال مالك وأصحابه‪ :‬عليه في الحيوان والعروض التي ل تكال‬
‫ول توزن القيمهة ل المثل‪ ،‬بدليهل تضمين النهبي صلى ال عليه وسلم الذي أعتق نصهف عبده قيمهة‬
‫نصههف شريكههه‪ ،‬ولم يضمنههه مثههل نصههف عبده‪ .‬ول خلف بيههن العلماء على تضميههن المثههل فههي‬
‫المطعومات والمشروبات والموزونات‪ ،‬لقوله عليه السلم‪( :‬طعام بطعام)‪.‬‬
‫@ل خلف بين العلماء أن هذه الية أصل في المماثلة في القصاص‪ ،‬فمن قتل بشيء قتل بمثل ما‬
‫قتهل بهه‪ ،‬وههو قول الجمهور‪ ،‬مها لم يقتله بفسهق كاللوطيهة وإسهقاء الخمهر فيقتهل بالسهيف‪ .‬وللشافعيهة‬
‫قول‪ :‬إنهه يقتهل بذلك‪ ،‬فيتخهذ عود على تلك الصهفة ويطعهن بهه فهي دبره حتهى يموت‪ ،‬ويسهقى عهن‬
‫الخمهر ماء حتهى يموت‪ .‬وقال ابهن الماجشون‪ :‬إن مهن قتهل بالنار أو بالسهم ل يقتهل بهه‪ ،‬لقول النهبي‬
‫صهلى ال عليهه وسهلم‪( :‬ل يعذب بالنار‪ ،‬إل ال)‪ .‬والسهم نار باطنهة‪ .‬وذههب الجمهور إلى أنهه يقتهل‬
‫بذلك‪ ،‬لعموم الية‪.‬‬
‫@وأما القَوَد بالعصا فقال مالك في إحدى الروايتين‪ :‬إنه إن كان في القتل بالعصا تطويل وتعذيب‬
‫قتهل بالسهيف‪ ،‬رواه عنهه ابهن وههب‪ ،‬وقاله ابهن القاسهم‪ .‬وفهي الخرى‪ :‬يقتهل بهها وإن كان فيهه ذلك‪،‬‬
‫وهو قول الشافعي‪ .‬وروى أشهب وابن نافع عن مالك في الحجر والعصا أنه يقتل بهما إذا كانت‬
‫الضربههة مجهزة‪ ،‬فأمهها أن يضرب ضربات فل‪ .‬وعليههه ل يرمههى بالنبههل ول بالحجارة لنههه مههن‬
‫التعذيب‪ ،‬وقاله عبدالملك‪ .‬قال ابن العربي‪" :‬والصحيح من أقوال علمائنا أن المماثلة واجبة‪ ،‬إل أن‬
‫تدخل في حد التعذيب فلتترك إلى السيف"‪ .‬واتفق علماؤنا على أنه إذا قطع يده ورجله وفقأ عينه‬
‫بقصد التعذيب فعل به ذلك‪ ،‬كما فعل النبي صلى ال عليه وسلم بقتلة الرعاء‪ .‬وإن كان في مدافعة‬
‫أو مضاربة قتل بالسيف‪ .‬وذهبت طائفة إلى خلف هذا كله فقالوا‪ :‬ل قود إل بالسيف‪ ،‬وهو مذهب‬
‫أبي حنيفة والثعبي والنخعي‪ .‬واحتجوا على ذلك بما روي عن النبي صلى ال عليه وسلم قال‪( :‬ل‬
‫قود إل بحديدة)‪ ،‬وبالنههي عهن ال ُمثْلة‪ ،‬وقوله‪( :‬ل يعذب بالنار إل رب النار)‪ .‬والصهحيح مها ذههب‬
‫إليهه الجمهور‪ ،‬لمها رواه الئمهة عهن أنهس بهن مالك أن جاريهة وجهد رأسهها قهد رض بيهن حجريهن‪،‬‬
‫فسهألوها‪ :‬مهن صهنع هذا بهك! أفلن‪ ،‬أفلن؟ حتههى ذكروا يهوديها فأومأت برأسهها‪ ،‬فأخههذ اليهودي‬
‫فأقر‪ ،‬فأمر به رسول ال صلى ال عليه وسلم أن ترض رأسه بالحجارة‪ .‬وفي رواية‪ :‬فقتله رسول‬
‫ال صلى ال عليه وسلم بين حجرين‪ .‬وهذا نص صريح صحيح‪ ،‬وهو مقتضى قوله تعالى‪" :‬وإن‬
‫عاقبتم فعاقبوا بمثل ما عوقبتم به" [النحل‪ .]126 :‬وقوله‪" :‬فاعتدوا عليه بمثل ما اعتدى عليكم"‪.‬‬
‫وأما ما استدلوا به من حديث جابر فحديث ضعيف عند المحدثين‪ ،‬ل يروى عن طريق صحيح‪،‬‬
‫لو صهح قلنها بموجبهه‪ ،‬وأنهه إذا قتهل بحديدة قتهل بهها‪ ،‬يدل على ذلك حديهث أنهس‪ :‬أن يهوديها رض‬
‫رأس جاريهة بيهن حجريهن فرض رسهول ال صهلى ال عليهه وسهلم رأسهه بيهن حجريهن‪ .‬وأمها النههي‬
‫عن المثلة فنقول أيضا بموجبها إذا لم يمثل‪ ،‬فإذا مثل مثلنا به‪ ،‬يدل على ذلك حديث العرنيين‪ ،‬وهو‬
‫صههحيح أخرجههه الئمههة‪ .‬وقوله‪( :‬ل يعذب بالنار إل رب النار) صههحيح إذا لم يحرق‪ ،‬فإن حرق‬
‫حرق‪ ،‬يدل عليههه عموم القرآن‪ .‬قال الشافعههي‪ :‬إن طرحههه فههي النار عمدا طرحههه فههي النار حتههى‬
‫يموت‪ ،‬وذكره الوقار فههي مختصههره عهن مالك‪ ،‬وههو قول محمههد بههن عبدالحكههم‪ .‬قال ابههن المنذر‪:‬‬
‫وقول كثيهر من أههل العلم فهي الرجهل يخنهق الرجهل‪ :‬عليهه القود‪ ،‬وخالف فهي ذلك محمهد بهن الحسهن‬
‫فقال‪ :‬لو خنقهه حتهى مات أو طرحهه فهي بئر فمات‪ ،‬أو ألقاه مهن جبهل أو سهطح فمات‪ ،‬لم يكهن عليهه‬
‫قصهاص وكان على عاقلتهه الديهة‪ ،‬فإن كان معروفها بذلك ‪ -‬قهد خنهق غيهر واحهد ‪ -‬فعليهه القتهل‪ .‬قال‬
‫ابهن المنذر‪ :‬ولمها أقاد النهبي صهلى ال عليهه وسهلم مهن اليهودي الذي رض رأس الجاريهة بالحجهر‬
‫كان هذا في معناه‪ ،‬فل معنى لقوله‪.‬‬
‫قلت‪ :‬وحكهى هذا القول غيره عهن أبهي حنيفهة فقال‪ :‬وقهد شهذ أبهو حنيفهة فقال فيمهن قتهل بخنهق أو‬
‫بسهم أو ترديهة مهن جبهل أو بئر أو بخشبهة‪ :‬إنهه ل يقتهل ول يقتهص منهه‪ ،‬إل إذا قتهل بمحدد حديهد أو‬
‫حجههر أو خشههب أو كان معروفهها بالخنههق والترديههة وكان على عاقلتههه الديههة‪ .‬وهذا منههه رد للكتاب‬
‫والسنة‪ ،‬وإحداث ما لم يكن عليه أمر المة‪ ،‬وذريعة إلى رفع القصاص الذي شرعه ال للنفوس‪،‬‬
‫فليس عنه مناص‪.‬‬
‫@واختلفوا فيمهن حبهس رجل وقتله آخهر‪ ،‬فقال عطاء‪ :‬يقتهل القاتهل ويحبهس الحابهس حتهى يموت‪.‬‬
‫وقال مالك‪ :‬إن كان حبسههه وهههو يرى أنههه يريههد قتله قتل جميعهها‪ ،‬وفههي قول الشافعههي وأبههي ثور‬
‫والنعمان يعاقب الحابس‪ .‬واختاره ابن المنذر‪.‬‬
‫قلت‪ :‬قول عطاء صهحيح‪ ،‬وههو مقتضهى التنزيهل‪ .‬وروى الدارقطنهي عهن ابهن عمهر عهن النهبي‬
‫صلى ال عليه وسلم قال‪( :‬إذا أمسك الرجل الرجل وقتله الخر يقتل القاتل ويحبس الذي أمسكه)‪.‬‬
‫رواه سفيان الثوري عن إسماعيل بن أمية عن نافع عن ابن عمر‪ ،‬ورواه معمر وابن جريج عن‬
‫إسماعيل مرسل‪.‬‬
‫@قوله تعالى‪" :‬فمن اعتدى" العتداء هو التجاوز‪ ،‬قال ال تعالى‪" :‬ومن يتعد حدود ال" [البقرة‪:‬‬
‫‪ ]229‬أي يتجاوزها‪ ،‬فمن ظلمك فخذ حقك منه بقدر مظلمتك‪ ،‬ومن شتمك فرد عليه مثل قوله‪،‬‬
‫ومهن أخهذ عرضهك فخهذ عرضهه‪ ،‬ل تتعدى إلى أبويهه ول إلى ابنهه أو قريبهه‪ ،‬وليهس لك أن تكذب‬
‫عليهه وإن كذب عليهك‪ ،‬فإن المعصهية ل تقابهل بالمعصهية‪ ،‬فلو قال لك مثل‪ :‬يها كافهر‪ ،‬جاز لك أن‬
‫تقول له‪ :‬أنهت الكافهر‪ .‬وإن قال لك‪ :‬يها زان‪ ،‬فقصهاصك أن تقول له‪ :‬يها كذاب يها شاههد زور‪ .‬ولو‬
‫قلت له يها زان‪ ،‬كنهت كاذبها وأثمهت فهي الكذب‪ .‬وإن مطلك وههو غنهي دون عذر فقال‪ :‬يها ظالم‪ ،‬يها‬
‫آكل أموال الناس‪ ،‬قال النبي صلى ال عليه وسلم‪َ( :‬ليّ الواجد يحل عرضه وعقوبته)‪ .‬أما عرضه‬
‫فبمها فسهرناه‪ ،‬وأمها عقوبتهه فالسهجن يحبهس فيهه‪ .‬وقال ابهن عباس‪ :‬نزل هذا قبهل أن يقوى السهلم‪،‬‬
‫فأمر من أوذي من المسلمين أن يجازي بمثل ما أوذي به‪ ،‬أو يصبر أو يعفو‪ ،‬ثم نسخ ذلك بقوله‪:‬‬
‫"وقاتلوا المشركيهن كافهة" [التوبهة‪ .]36 :‬وقيهل‪ :‬نسهخ ذلك بتصهييره إلى السهلطان‪ .‬ول يحهل لحهد‬
‫أن يقتص من أحد إل بإذن السلطان‪.‬‬
‫*‪*3‬اليهة‪{ 195 :‬وأنفقوا فهي سهبيل ال ول تلقوا بأيديكهم إلى التهلكهة وأحسهنوا إن ال يحهب‬
‫المحسنين}‬
‫@ روى البخاري عن حذيفة‪" :‬وأنفقوا في سبيل ال ول تلقوا بأيديكم إلى التهلكة" قال‪ :‬نزلت في‬
‫النفقة‪ .‬وروى يزيد بن أبي حبيب عن أسلم أبي عمران قال‪ :‬غزونا القسطنطينية‪ ،‬وعلى الجماعة‬
‫عبدالرحمهن بهن الوليهد‪ ،‬والروم ملصهقو ظهورههم بحائط المدينهة‪ ،‬فحمهل رجهل على العدو‪ ،‬فقال‬
‫الناس‪ :‬مه مه! ل إله إل ال‪ ،‬يلقي بيديه إلى التهلكة! فقال أبو أيوب‪ :‬سبحان ال! أنزلت هذه الية‬
‫فينا معاشر النصار لما نصر ال نبيه وأظهر دينه‪ ،‬قلنا‪ :‬هلم نقيم في أموالنا ونصلحها‪ ،‬فأنزل ال‬
‫عهز وجهل‪" :‬وأنفقوا فهي سهبيل ال" اليهة‪ .‬واللقاء باليهد إلى التهلكهة أن نقيهم فهي أموالنها ونصهلحها‬
‫وندع الجهاد‪ .‬فلم يزل أبههو أيوب مجاهدا فههي سههبيل ال حتههى دفههن بالقسههطنطينية‪ ،‬فقههبره هناك‪.‬‬
‫فأخبرنها أبهو أيوب أن اللقاء باليهد إلى التهلكهة ههو ترك الجهاد فهي سهبيل ال‪ ،‬وأن اليهة نزلت فهي‬
‫ذلك‪ .‬وروي مثله عن حذيفة والحسن وقتادة ومجاهد والضحاك‪.‬‬
‫قلت‪ :‬وروى الترمذي عهن يزيهد بهن أبهي حهبيب عهن أسهلم أبهي عمران هذا الخهبر بمعناه فقال‪:‬‬
‫"كنا بمدينة الروم‪ ،‬فأخرجوا إلينا صفا عظيما من الروم‪ ،‬فخرج إليهم من المسلمين مثلهم أو أكثر‪،‬‬
‫وعلى أهل مصر عقبة بن عامر‪ ،‬وعلى الجماعة فضالة بن عبيد‪ ،‬فحمل رجل من المسلمين على‬
‫صهف الروم حتهى دخهل فيههم‪ ،‬فصهاح الناس وقالوا‪ :‬سهبحان ال يلقهي بيديهه إلى التهلكهة‪ .‬فقام أبهو‬
‫أيوب النصهاري فقال‪ :‬يها أيهها الناس‪ ،‬إنكهم تتأولون هذه اليهة هذا التأويهل‪ ،‬وإنمها أنزلت هذه اليهة‬
‫فينا معاشر النصار لما أعز ال السلم وكثر ناصروه‪ ،‬فقال بعضنا لبعض سرا دون رسول ال‬
‫صلى ال عليه وسلم‪ :‬إن أموالنا قد ضاعت‪ ،‬وإن ال قد أعز السلم وكثر ناصروه‪ ،‬فلو أقمنا في‬
‫أموالنا فأصلحنا ما ضاع منها‪ ،‬فأنزل ال على نبيه صلى ال عليه وسلم يرد عليه ما قلنا‪" :‬وأنفقوا‬
‫في سبيل ال ول تلقوا بأيديكم إلى التهلكة"‪ .‬فكانت التهلكة القامة على الموال وإصلحها وتركنا‬
‫الغزو‪ ،‬فمهها زال أبههو أيوب شاخصهها فههي سههبيل ال حتههى دفههن بأرض الروم‪ .‬قال أبهو عيسههى‪ :‬هذا‬
‫حديههث حسههن غريههب صههحيح"‪ .‬وقال حذيفههة بههن اليمان وابههن عباس وعكرمههة وعطاء ومجاهههد‬
‫وجمهور الناس‪ :‬المعنههى ل تلقوا بأيديكههم بأن تتركوا النفقههة فههي سههبيل ال وتخافوا العيلة‪ ،‬فيقول‬
‫الرجهل‪ :‬ليهس عندي‪ ،‬مها أنفقهه‪ .‬وإلى هذا المعنهى ذههب البخاري إذ لم يذكهر غيره‪ ،‬وال أعلم‪ .‬قال‬
‫ابن عباس‪ :‬أنفق في سبيل ال‪ ،‬وإن لم يكن لك إل سهم أو مشقص‪ ،‬ول يقولن أحدكم‪ :‬ل أجد شيئا‪.‬‬
‫ونحوه عهن السهدي‪ :‬أنفهق ولو عقال‪ ،‬ول تلقهي بيدك إلى التهلكهة فتقول‪ :‬ليهس عندي شيهء‪ .‬وقول‬
‫ثالث‪ .‬قاله ابههن عباس‪ ،‬وذلك أن رسههول ال صههلى ال عليههه وسههلم لمهها أمههر الناس بالخروج إلى‬
‫الجهاد قام إليههه أناس مههن العراب حاضريههن بالمدينههة فقالوا‪ :‬بماذا نتجهههز! فوال مهها لنهها زاد ول‬
‫يطعمنا أحد‪ ،‬فنزل قوله تعالى‪" :‬وأنفقوا في سبيل ال" يعني تصدقوا يا أهل الميسرة في سبيل ال‪،‬‬
‫يعني في طاعة ال‪" .‬ول تلقوا بأيديكم إلى التهلكة" يعني ول تمسكوا بأيديكم عن الصدقة فتهلكوا‪،‬‬
‫وهكذا قال مقاتهل‪ .‬ومعنهى ابهن عباس‪ :‬ول تمسهكوا عهن الصهدقة فتهلكوا‪ ،‬أي ل تمسهكوا عهن النفقهة‬
‫على الضعفاء‪ ،‬فإنهم إذا تخلفوا عنكم غلبكم العدو فتهلكوا‪ .‬وقول رابع ‪ -‬قيل للبراء بن عازب في‬
‫هذه الية‪ :‬أهو الرجل يحمل على الكتيبة؟ فقال ل‪ ،‬ولكنه الرجل يصيب الذنب فيلقي بيديه ويقول‪:‬‬
‫قههد بالغههت فههي المعاصههي ول فائدة فههي التوبههة‪ ،‬فييأس مههن ال فينهمههك بعههد ذلك فههي المعاصههي‪.‬‬
‫فالهلك‪ :‬اليأس مهن ال‪ ،‬وقاله عهبيدة السهلماني‪ .‬وقال زيهد بهن أسهلم‪ :‬المعنهى ل تسهافروا فهي الجهاد‬
‫بغير زاد‪ ،‬وقد كان فعل ذلك قوم فأداهم ذلك إلى النقطاع في الطريق‪ ،‬أو يكون عالة على الناس‪.‬‬
‫فهذه خمسهة أقوال‪" .‬سهبيل ال" هنها‪ :‬الجهاد‪ ،‬واللفهظ يتناول بعهد جميهع سهبله‪ .‬والباء فهي "بأيديكهم"‬
‫زائدة‪ ،‬التقديههههر تلقوا أيديكههههم‪ .‬ونظيره‪" :‬ألم يعلم بأن ال يرى" [العلق‪ .]14 :‬وقال المههههبرد‪:‬‬
‫"بأيديكهم" أي بأنفسهكم‪ ،‬فعهبر بالبعهض عهن الكهل‪ ،‬كقوله‪" :‬فبمها كسهبت أيديكهم"‪[ ،‬الشورى‪،]30 :‬‬
‫"بمها قدمهت يداك" [الحهج‪ .]10 :‬وقيهل‪ :‬هذا ضرب مثهل‪ ،‬تقول‪ :‬فلن ألقهى بيده فهي أمهر كذا إذا‬
‫استسلم‪ ،‬لن المستسلم في القتال يلقي سلحه بيديه‪ ،‬فكذلك فعل كل عاجز في أي فعل كان‪ ،‬ومنه‬
‫قول عبدالمطلب‪[ :‬وال إن إلقاءنها بأيدينها للموت لعجهز] وقال قوم‪ :‬التقديهر ل تلقوا أنفسهكم بأيديكهم‪،‬‬
‫كما تقول‪ :‬ل تفسد حالك برأيك‪ .‬التهلكة بضم اللم مصدر من هلك يهلك هلكا وهلكا وتهلكة‪ ،‬أي‬
‫ل تأخذوا فيمها يهلككهم‪ ،‬قاله الزجاج وغيره‪ .‬أي إن لم تنفقوا عصهيتم ال وهلكتهم‪ .‬وقيهل‪ :‬إن معنهى‬
‫اليهة ل تمسهكوا أموالكهم فيرثهها منكهم غيركهم‪ ،‬فتهلكوا بحرمان منفعهة أموالكهم‪ .‬ومعنهى آخهر‪ :‬ول‬
‫تمسهكوا فيذههب عنكهم الخلف فهي الدنيها والثواب فهي الخرة‪ .‬ويقال‪" :‬ل تلقوا بأيديكهم إلى التهلكهة"‬
‫يعنههي ل تنفقوا مههن حرام فيرد عليكههم فتهلكوا‪ .‬ونحوه عههن عكرمههة قال‪" :‬ول تلقوا بأيديكههم إلى‬
‫التهلكهة" قال‪" :‬ول تيمموا الخهبيث منهه تنفقون" [البقرة‪ ]267 :‬وقال الطهبري‪ :‬قوله "ول تلقوا‬
‫بأيديكم إلى التهلكة" عام في جميع ما ذكر لدخوله فيه‪ ،‬إذ اللفظ يحتمله‪.‬‬
‫@اختلف العلماء في اقتحام الرجل في الحرب وحمله على العدو وحده‪ ،‬فقال القاسم ابن مخيمرة‬
‫والقاسهم بهن محمهد وعبدالملك مهن علمائنها‪ :‬ل بأس أن يحمهل الرجهل وحده على الجيهش العظيهم إذا‬
‫كان فيهه قوة‪ ،‬وكان ل بنيهة خالصهة‪ ،‬فان لم تكهن فيهه قوة فذلك مهن التهلكهة‪ .‬وقيهل‪ :‬إذا طلب الشهادة‬
‫وخلصهت النيهة فليحمهل‪ ،‬لن مقصهوده واحهد منههم‪ ،‬وذلك بيهن فهي قوله تعالى‪" :‬ومهن الناس مهن‬
‫يشري نفسهه ابتغاء مرضات ال" [البقرة‪ .]207 :‬وقال ابهن خويهز منداد‪ :‬فأمها أن يحمهل الرجهل‬
‫على مائة أو على جملة العسههكر أو جماعههة اللصههوص والمحاربيههن والخوارج فلذلك حالتان‪ :‬إن‬
‫علم وغلب على ظنهه أن سهيقتل مهن حمهل عليهه وينجهو فحسهن‪ ،‬وكذلك لو علم وغلب على ظنهه أن‬
‫يقتهل ولكهن سهينكي نكايهة أو سهيبلي أو يؤثهر أثرا ينتفهع بهه المسهلمون فجائز أيضها‪ .‬وقهد بلغنهي أن‬
‫عسهكر المسهلمين لمها لقي الفرس نفرت خيل المسلمين من الفيلة‪ ،‬فعمهد رجل منهم فصهنع فيل مهن‬
‫طيهن وأنهس بهه فرسهه حتهى ألفهه‪ ،‬فلمها أصهبح لم ينفهر فرسهه مهن الفيهل فحمهل على الفيهل الذي كان‬
‫يقدمها فقيل له‪ :‬إنه قاتلك‪ .‬فقال‪ :‬ل ضير أن أقتل ويفتح للمسلمين‪ .‬وكذلك يوم اليمامة لما تحصنت‬
‫بنو حنيفة بالحديقة‪ ،‬قال رجل من المسلمين‪ :‬ضعوني في الحجفة؟؟ وألقوني إليهم‪ ،‬ففعلوا وقاتلهم‬
‫وحده وفتح الباب‪.‬‬
‫قلت‪ :‬ومن هذا ما روي أن رجل قال للنبي صلى ال عليه وسلم‪ :‬أرأيت إن قتلت في سبيل ال‬
‫صهابرا محتسهبا؟ قال‪( :‬فلك الجنهة)‪ .‬فانغمهس فهي العدو حتهى قتهل‪ .‬وفهي صهحيح مسهلم عهن أنهس بهن‬
‫مالك أن رسول ال صلى ال عليه وسلم أفرد يوم أحد في سبعة من النصار ورجلين من قريش‪،‬‬
‫فلمها رهقوه قال‪( :‬مهن يردههم عنها وله الجنهة) أو (ههو رفيقهي فهي الجنهة) فتقدم رجهل مهن النصهار‬
‫فقاتل حتى قتل‪ .‬ثم رهقوه أيضا فقال‪( :‬من يردهم عنا وله الجنة) أو (هو رفيقي في الجنة)‪ .‬فتقدم‬
‫رجهل مهن النصهار فقاتهل حتهى قتهل‪ .‬فلم يزل كذلك حتهى قتهل السهبعة‪ ،‬فقال النهبي صهلى ال عليهه‬
‫وسهلم‪( :‬مها أنصهفنا أصهحابنا)‪ .‬هكذا الروايهة (أنصهفنا) بسهكون الفاء (أصهحابنا) بفتهح الباء‪ ،‬أي لم‬
‫ندلهههم للقتال حتههى قتلوا‪ .‬وروي بفتههح الفاء ورفههع الباء‪ ،‬ووجهههها أنههها ترجههع لمههن فههر عنههه مههن‬
‫أصهحابه‪ ،‬وال أعلم‪ .‬وقال محمهد بهن الحسهن‪ :‬لو حمهل رجهل واحهد على ألف رجهل مهن المشركيهن‬
‫وههو وحده‪ ،‬لم يكهن بذلك بأس إذا كان يطمهع فهي نجاة أو نكايهة فهي العدو‪ ،‬فإن لم يكهن كذلك فههو‬
‫مكروه‪ ،‬لنه عرض نفسه للتلف في غير منفعة للمسلمين‪ .‬فإن كان قصده تجرئة المسلمين عليهم‬
‫حتى يصنعوا مثل صنيعه فل يبعد جوازه‪ ،‬ولن فيه منفعة للمسلمين على بعض الوجوه‪ .‬وإن كان‬
‫قصده إرهاب العدو وليعلم صلبة المسلمين في الدين فل يبعد جوازه‪ .‬وإذا كان فيه نفع للمسلمين‬
‫فتلفت نفسه لعزاز دين ال وتوهين الكفر فهو المقام الشريف الذي مدح ال به المؤمنين في قوله‪:‬‬
‫"إن ال اشترى من المؤمنين أنفسهم" [التوبة‪ ]111 :‬الية‪ ،‬إلى غيرها من آيات المدح التي مدح‬
‫ال بهها مهن بذل نفسهه‪ .‬وعلى ذلك ينبغهي أن يكون حكهم المهر بالمعروف والنههي عهن المنكهر أنهه‬
‫متهى رجها نفعها فهي الديهن فبذل نفسهه فيهه حتهى قتهل كان فهي أعلى درجات الشهداء‪ ،‬قال ال تعالى‪:‬‬
‫"وأمهر بالمعروف وانهه عهن المنكهر واصهبر على مها أصهابك إن ذلك مهن عزم المور" [لقمان‪:‬‬
‫‪ .]17‬وقد روى عكرمة عن ابن عباس عن النبي صلى ال عليه وسلم أنه قال‪( :‬أفضل الشهداء‬
‫حمزة بهن عبدالمطلب ورجهل تكلم بكلمهة حهق عنهد سهلطان جائر فقتله)‪ .‬وسهيأتي القول فهي هذا فهي‬
‫"آل عمران" إن شاء تعالى‪.‬‬
‫@قوله تعالى‪" :‬وأحسنوا إن ال يحب المحسنين" أي في النفاق في الطاعة‪ ،‬وأحسنوا الظن بال‬
‫في إخلفه عليكم‪ .‬وقيل‪" :‬أحسنوا" في أعمالكم بامتثال الطاعات‪ ،‬روي ذلك عن بعض الصحابة‪.‬‬
‫*‪*3‬اليهة‪{ 196 :‬وأتموا الحهج والعمرة ل فإن أحصهرتم فمها اسهتيسر مهن الهدي ول تحلقوا‬
‫رؤوسهكم حتهى يبلغ الهدي محله فمهن كان منكهم مريضها أو بهه أذى مهن رأسهه ففديهة مهن صهيام أو‬
‫صهدقة أو نسهك فإذا أمنتهم فمهن تمتهع بالعمرة إلى الحهج فمها اسهتيسر مهن الهدي فمهن لم يجهد فصهيام‬
‫ثلثهة أيام فهي الحهج وسهبعة إذا رجعتهم تلك عشرة كاملة ذلك لمهن لم يكهن أهله حاضري المسهجد‬
‫الحرام واتقوا ال واعلموا أن ال شديد العقاب}‬
‫*‪*4‬قوله تعالى‪{ :‬وأتموا الحج والعمرة ل}‬
‫@اختلف العلماء في المعنى المراد بإتمام الحج والعمرة ل‪ ،‬فقيل‪ :‬أداؤهما والتيان بهما‪ ،‬كقوله‪:‬‬
‫"فأتمهن" [البقرة‪ ]124 :‬وقوله‪" :‬ثم أتموا الصيام إلى الليل" [البقرة‪ ]187 :‬أي ائتوا بالصيام‪،‬‬
‫وهذا على مذهههب مههن أوجههب العمرة‪ ،‬على مهها يأتههي‪ .‬ومههن لم يوجبههها قال‪ :‬المراد تمامهمهها بعههد‬
‫الشروع فيهمها‪ ،‬فإن مهن أحرم بنسهك وجهب عليهه المضهي فيهه ول يفسهخه‪ ،‬قال معناه الشعهبي وابهن‬
‫زيهد‪ .‬وعهن علي بهن أبهي طالب رضهي ال عنهه‪ :‬إتمامهمها أن تحرم بهمها مهن دويرة أهلك‪ .‬وروي‬
‫ذلك عن عمر بن الخطاب وسعد بن أبي وقاص‪ ،‬وفعله عمران بن حصين‪ .‬وقال سفيان الثوري‪:‬‬
‫إتمامهمههها أن تخرج قاصهههدا لهمههها ل لتجارة ول لغيهههر ذلك‪ ،‬ويقوي هذا قوله "ل"‪ .‬وقال عمهههر‪:‬‬
‫إتمامهما أن يفرد كل واحد منهما من غير تمتع وقران‪ ،‬وقاله ابن حبيب‪ .‬وقال مقاتل‪ :‬إتمامهما أل‬
‫تستحلوا فيهما ما ل ينبغي لكم‪ ،‬وذلك أنهم كانوا يشركون في إحرامهم فيقولون‪ :‬لبيك اللهم لبيك‪،‬‬
‫ل شريك لك إل شريكا هو لك‪ ،‬تملكه وما ملك‪ .‬فقال‪ :‬فأتموهما ول تخلطوهما بشيء آخر‪.‬‬
‫قلت‪ :‬أمها مها روي عهن علي وفعله عمران بهن حصهين فهي الحرام قبهل المواقيهت التهي وقتهها‬
‫رسول ال صلى ال عليه وسلم فقد قال به عبدال بن مسعود وجماعة من السلف‪ ،‬وثبت أن عمر‬
‫أهل من إيلياء‪ ،‬وكان السود وعلقمة وعبدالرحمن وأبو إسحاق يحرمون من بيوتهم‪ ،‬ورخص فيه‬
‫الشافعي‪ .‬وروى أبو داود والدارقطني عن أم سلمة قالت قال رسول ال صلى ال عليه وسلم‪( :‬من‬
‫أحرم مهن بيهت المقدس بحهج أو عمرة كان مهن ذنوبهه كيوم ولدتهه أمهه) فهي روايهة (غفهر له مها تقدم‬
‫مهن ذنبهه ومها تأخهر)‪ .‬وخرجهه أبهو داود وقال‪" :‬يرحهم ال وكيعها أحرم مهن بيهت المقدس‪ ،‬يعنهي إلى‬
‫مكههة"‪ .‬ففههي هذا إجازة الحرام قبههل الميقات‪ .‬وكره مالك رحمههه ال أن يحرم أحههد قبههل الميقات‪،‬‬
‫ويروى ذلك عن عمر بن الخطاب‪ ،‬وأنه أنكر على عمران بن حصين إحرامه من البصرة‪ .‬وأنكر‬
‫عثمان على ابهن عمهر إحرامهه قبهل الميقات‪ .‬وقال أحمهد وإسهحاق‪ :‬وجهه العمهل المواقيهت‪ ،‬ومهن‬
‫الحجة لهذا القول أن رسول ال صلى ال عليه وسلم وقت المواقيت وعينها‪ ،‬فصارت بيانا لمجمل‬
‫الحج‪ ،‬ولم يحرم صلى ال عليه وسلم من بيته لحجته‪ ،‬بل أحرم من ميقاته الذي وقته لمته‪ ،‬وما‬
‫فعله صههلى ال عليههه وسههلم فهههو الفضههل إن شاء ال‪ .‬وكذلك صههنع جمهور الصههحابة والتابعيههن‬
‫بعدهم‪ .‬واحتج أهل المقالة الولى بأن ذلك أفضل بقول عائشة‪ :‬ما خير رسول ال صلى ال عليه‬
‫وسهلم بيهن أمريهن إل اختار أيسهرهما‪ ،‬وبحديهث أم سهلمة مهع مها ذكهر عهن الصهحابة فهي ذلك‪ ،‬وقهد‬
‫شهدوا إحرام رسههول ال صههلى ال عليههه وسههلم فههي حجتههه مههن ميقاتههه‪ ،‬وعرفوا مغزاه ومراده‪،‬‬
‫وعلموا أن إحرامه من ميقاته كان تيسيرا على أمته‪.‬‬
‫@ روى الئمهة أن رسهول ال صهلى ال عليهه وسهلم وقهت لههل المدينهة ذا الحليفهة‪ ،‬ولههل الشام‬
‫الجحفة‪ ،‬ولهل نجد قرن‪ ،‬ولهل اليمن يلملم‪ ،‬هن لهن ولمن أتى عليهن من غير أهلهن ممن أراد‬
‫الحهج والعمرة‪ .‬ومهن كان دون ذلك فمهن حيهث أنشهأ‪ ،‬حتهى أههل مكهة مهن مكهة يهلون منهها‪ .‬وأجمهع‬
‫أهل العلم على القول بظاهر هذا الحديث واستعماله‪ ،‬ل يخالفون شيئا منه‪ .‬واختلفوا في ميقات أهل‬
‫العراق وفيمن وقته‪ ،‬فروى أبو داود والترمذي عن ابن عباس أن النبي صلى ال عليه وسلم وقت‬
‫لههل المشرق العقيهق‪ .‬قال الترمذي‪ :‬هذا حديهث حسهن‪ .‬وروي أن عمهر وقهت لههل العراق ذات‬
‫عرق‪ .‬وفي كتاب أبي داود عن عائشة أن رسول ال صلى ال عليه وسلم وقت لهل العراق ذات‬
‫عرق‪ ،‬وهذا ههو الصهحيح‪ .‬ومهن روى أن عمهر وقتهه لن العراق فهي وقتهه افتتحهت‪ ،‬فغفلة منهه‪ ،‬بهل‬
‫وقته رسول ال صلى ال عليه وسلم كما وقت لهل الشام الجحفة‪ .‬والشام كلها يومئذ دار كفر كما‬
‫كانت العراق وغيرها يومئذ من البلدان‪ ،‬ولم تفتح العراق ول الشام إل على عهد عمر‪ ،‬وهذا ما ل‬
‫خلف فيهه بيهن أههل السهير‪ .‬قال أبهو عمهر‪ :‬كهل عراقهي أو مشرقهي أحرم مهن ذات عرق فقهد أحرم‬
‫عنهد الجميهع مهن ميقاتهه‪ ،‬والعقيهق أحوط عندههم وأولى مهن ذات عرق‪ ،‬وذات عرق ميقاتههم أيضها‬
‫بإجماع‪.‬‬
‫@ أجمع أهل العلم على أن من أحرم قبل أن يأتي الميقات أنه محرم‪ ،‬وإنما منع من ذلك من رأى‬
‫الحرام عنههد الميقات أفضههل‪ ،‬كراهيههة أن يضيههق المرء على نفسههه مهها قههد وسههع ال عليههه‪ ،‬وأن‬
‫يتعرض بمهها ل يؤمههن أن يحدث فههي إحرامههه‪ ،‬وكلهههم ألزمههه الحرام إذا فعههل ذلك‪ ،‬لنههه زاد ولم‬
‫ينقص‪.‬‬
‫@ فهي هذه اليهة دليهل على وجوب العمرة‪ ،‬لنهه تعالى أمهر بإتمامهها كمها أمهر بإتمام الحهج‪ .‬قال‬
‫الصبي بن معبد‪ :‬أتيت عمر رضي ال عنه فقلت إني كنت نصرانيا فأسلمت‪ ،‬وإني وجدت الحج‬
‫والعمرة مكتوبتيهن علي‪ ،‬وإنهي أهللت بهمها جميعها‪ .‬فقال له عمهر هديهت لسهنة نبيهك قال ابهن المنذر‪:‬‬
‫ولم ينكهر عليهه قوله‪" :‬وجدت الحهج والعمرة مكتوبتيهن علي"‪ .‬وبوجوبهمها قال علي بهن أبهي طالب‬
‫وابهن عمهر وابهن عباس‪ .‬وروى الدارقطنهي عهن ابهن جريهج قال‪ :‬أخهبرني نافهع أن عبدال بهن عمهر‬
‫كان يقول‪ :‬ليس من خلق ال أحد إل عليه حجة وعمرة واجبتان من استطاع ذلك سبيل‪ ،‬فمن زاد‬
‫بعدهها شيئا فههو خيهر وتطوع‪ .‬قال‪ :‬ولم أسهمعه يقول فهي أههل مكهة شيئا‪ .‬قال ابهن جريهج‪ :‬وأخهبرت‬
‫عن عكرمة أن ابن عباس قال‪ :‬العمرة واجبة كوجوب الحج من استطاع إليه سبيل‪ .‬وممن ذهب‬
‫إلى وجوبها من التابعين عطاء وطاوس ومجاهد والحسن وابن سيرين والشعبي وسعيد بن جبير‬
‫وأبههو بردة ومسههروق وعبدال بههن شداد والشافعههي وأحمههد وإسههحاق وأبههو عبيههد وابههن الجهههم مههن‬
‫المالكييهن‪ .‬وقال الثوري‪ :‬سهمعنا أنهها واجبهة‪ .‬وسهئل زيهد بهن ثابهت عهن العمرة قبهل الحهج‪ ،‬فقال‪:‬‬
‫صلتان ل يضرك بأيهما بدأت‪ ،‬ذكره الدارقطني‪ .‬وروي مرفوعا عن محمد بن سيرين عن زيد‬
‫بهن ثابهت قال قال رسهول ال صهلى ال عليهه وسهلم‪( :‬إن الحهج والعمرة فريضتان ل يضرك بأيهمها‬
‫بدأت)‪ .‬وكان مالك يقوله‪ :‬العمرة سهههنة ول نعلم أحدا أرخهههص فهههي تركهههها‪ .‬وههههو قول النخعهههي‬
‫وأصهحاب الرأي فيمها حكهى ابهن المنذر‪ .‬وحكهى بعهض القزوينييهن والبغدادييهن عهن أبهي حنيفهة أنهه‬
‫كان يوجبهها كالحهج‪ ،‬وبأنهها سهنة ثابتهة‪ ،‬قاله ابهن مسهعود وجابر بهن عبدال‪ .‬روى الدارقطنهي حدثنها‬
‫محمهد بهن القاسهم بهن زكريها حدثنها محمهد بهن العلء أبهو كريهب حدثنها عبدالرحيهم بهن سهليمان عهن‬
‫حجاج عن محمد بن المنكدر عن جابر بن عبدال قال‪ :‬سأل رجل رسول ال صلى ال عليه وسلم‬
‫عن الصلة والزكاة والحج‪ :‬أواجب هو؟ قال‪( :‬نعم) فسأله عن العمرة‪ :‬أواجبة هي؟ قال‪( :‬ل وأن‬
‫تعتمهر خيهر لك)‪ .‬رواه يحيهى بهن أيوب عهن حجاج وابهن جريهج عهن ابهن المنكدر عهن جابر موقوفها‬
‫من قول جابر فهذه حجة من لم يوجبها من السنة‪ .‬قالوا‪ :‬وأما الية فل حجة فيها للوجوب‪ ،‬لن ال‬
‫سههبحانه إنمهها قرنههها فههي وجوب التمام ل فههي البتداء‪ ،‬فإنههه ابتدأ الصههلة والزكاة فقال "وأقيموا‬
‫الصلة وآتوا الزكاة" [المزمل‪ .]20 :‬وابتدأ بإيجاب الحج فقال‪" :‬ول على الناس حج البيت" [آل‬
‫عمران‪ ]97 :‬ولمها ذكهر العمرة أمهر بإتمامهها ل بابتدائهها‪ ،‬فلو حهج عشهر حجهج‪ ،‬أو اعتمهر عشهر‬
‫عمر لزم التمام في جميعها‪ ،‬فإنما جاءت الية للزام التمام ل للزام البتداء‪ ،‬وال أعلم‪ .‬واحتج‬
‫المخالف مههن جهههة النظههر على وجوبههها بأن قال‪ :‬عماد الحههج الوقوف بعرفههة‪ ،‬وليههس فههي العمرة‬
‫وقوف‪ ،‬فلو كانهت كسهنة الحهج لوجهب أن تسهاويه فهي أفعاله‪ ،‬كمها أن سهنة الصهلة تسهاوي فريضتهها‬
‫في أفعالها‪.‬‬
‫@ قرأ الشعبي وأبو حيوة برفع التاء في "العمرة"‪ ،‬وهي تدل على عدم الوجوب‪ .‬وقرأ الجماعة‬
‫"العمرة" بنصب التاء‪ ،‬وهي تدل على الوجوب‪ .‬وفي مصحف ابن مسعود "وأتموا الحج والعمرة‬
‫إلى البيت ل" وروي عنه "وأقيموا الحج والعمرة إلى البيت"‪ .‬وفائدة التخصيص بذكر ال هنا أن‬
‫العرب كانههت تقصههد الحههج للجتماع والتظاهههر والتناضههل والتنافههر وقضاء الحاجههة وحضور‬
‫السواق‪ ،‬وكل ذلك ليس ل فيه طاعة‪ ،‬ول حظ بقصد‪ ،‬ول قربة بمعتقد‪ ،‬فأمر ال سبحانه بالقصد‬
‫إليه لداء فرضه وقضاء حقه‪ ،‬ثم سامح في التجارة‪ ،‬على ما يأتي‪.‬‬
‫@ ل خلف بيهن العلماء فيمهن شههد مناسهك الحهج وههو ل ينوي حجها ول عمرة هه والقلم جار له‬
‫وعليهه هه أن شهودهها بغيهر نيهة ول قصهد غيهر مغهن عنهه‪ ،‬وأن النيهة تجهب فرضها‪ ،‬لقوله تعالى‪:‬‬
‫{وأتموا} ومن تمام العبادة حضور النية‪ ،‬وهي فرض كالحرام عند الحرام‪ ،‬لقوله عليه السلم‬
‫لمها ركهب راحلتهه‪( :‬لبيهك بحجهة وعمرة معها) على مها يأتهي‪ .‬وذكهر الربيهع فهي كتاب البويطهي عهن‬
‫الشافعهي قال‪ :‬ولو لبهى رجهل ولم ينهو حجها ول عمرة لم يكهن حاجها ول معتمرا‪ ،‬ولو نوى ولم يلب‬
‫حتهى قضهى المناسهك كان حجهه تامها‪ ،‬واحتهج بحديهث النهبي صهلى ال عليهه وسهلم‪( :‬إنمها العمال‬
‫بالنيات)‪ .‬قال‪ :‬ومن فعل مثل ما فعل علي حين أهل على إهلل النبي صلى ال عليه وسلم أجزته‬
‫تلك النية‪ ،‬لنها وقعت على نية لغيره قد تقدمت‪ ،‬بخلف الصلة‪.‬‬
‫@ واختلف العلماء فهي المراههق والعبهد يحرمان بالحهج ثهم يحتلم هذا ويعتهق هذا قبهل الوقوف‬
‫بعرفهة‪ ،‬فقال مالك‪ :‬ل سهبيل لهمها إلى رفض الحرام ول لحهد متمسهكا بقوله تعالى‪{ :‬وأتموا الحهج‬
‫والعمرة ل} ومهن رفهض إحرامهه فل يتهم حجهه ول عمرتهه‪ .‬وقال أبهو حنيفهة‪ :‬جائز للصهبي إذا بلغ‬
‫قبل الوقوف بعرفة أن يجدد إحراما‪ ،‬فإن تمادى على حجه ذلك لم يجزه من حجة السلم‪ .‬واحتج‬
‫بأنهه لمها لم يكهن الحهج يجزي عنهه‪ ،‬ولم يكهن الفرض لزمها له حيهن أحرم بالحهج ثهم لزمهه حيهن بلغ‬
‫استحال أن يشغل عن فرض قد تعين عليه بنافلة ويعطل فرضه‪ ،‬كمن دخل في نافلة وأقيمت عليه‬
‫المكتوبة وخشي فوتها قطع النافلة ودخل في المكتوبة‪ .‬وقال الشافعي‪ :‬إذا أحرم الصبي ثم بلغ قبل‬
‫الوقوف بعرفهة فوقهف بهها محرمها أجزأه مهن حجهة السهلم‪ ،‬وكذلك العبهد‪ .‬قال‪ :‬ولو عتهق بمزدلفهة‬
‫وبلغ الصبي بها فرجعا إلى عرفة بعد العتق والبلوغ فأدركا الوقوف بها قبل طلوع الفجر أجزت‬
‫عنهمها مهن حجهة السهلم‪ ،‬ولم يكهن عليهمها دم‪ ،‬ولو احتاطها فأهراقها دمها كان أحهب إلي‪ ،‬وليهس ذلك‬
‫بالبيهن عندي‪ .‬واحتهج فهي إسهقاط تجديهد الحرام بحديهث علي رضهي ال عنهه إذ قال له رسهول ال‬
‫صهلى ال عليهه وسهلم حيهن أقبهل مهن اليمهن مهل بالحهج‪( :‬بهم أهللت) قال قلت‪ :‬لبيهك اللههم بإهلل‬
‫كإهلل نبيههك‪ .‬فقال رسههول ال صههلى ال عليههه وسههلم‪( :‬فإنههي أهللت بالحههج وسههقت الهدي)‪ .‬قال‬
‫الشافعهي‪ :‬ولم ينكهر عليهه رسهول ال صهلى ال عليهه وسهلم مقالتهه‪ ،‬ول أمره بتجديهد نيهة لفراد أو‬
‫تمتع أو قران‪ .‬وقال مالك في النصراني يسلم عشية عرفة فيحرم بالحج‪ :‬أجزأه من حجة السلم‪،‬‬
‫وكذلك العبهد يعتهق‪ ،‬والصهبي يبلغ إذا لم يكونوا محرميهن ول دم على واحهد منههم‪ ،‬وإنمها يلزم الدم‬
‫مهن أراد الحهج ولم يحرم مهن الميقات‪ .‬وقال أبهو حنيفهة‪ :‬يلزم العبهد الدم‪ .‬وههو كالحهر عندههم فهي‬
‫تجاوز الميقات‪ ،‬بخلف الصبي والنصراني فإنهما ل يلزمهما الحرام لدخول مكة لسقوط الفرض‬
‫عنهما‪ .‬فإذا أسلم الكافر وبلغ الصبي كان حكمهما حكم المكي‪ ،‬ول شيء عليهما في ترك الميقات‪.‬‬
‫*‪*4‬قوله تعالى‪{ :‬فإن أحصرتم}‬
‫عضْلة من العُضل‪.‬‬ ‫@قال ابن العربي‪ :‬هذه آية مشكلة‪ُ ،‬‬
‫قلت‪ :‬ل إشكال فيههها‪ ،‬ونحههن نبينههها غايههة البيان فنقول‪ :‬الحصههار هههو المنههع مههن الوجههه الذي‬
‫تقصهده بالعوائق جملة‪ ،‬فهه "جملة" أي بأي عذر كان‪ ،‬كان حصهر عدو أو جور سهلطان أو مرض‬
‫أو ما كان‪ .‬واختلف العلماء في تعيين المانع هنا على قولين‪ :‬الول‪ :‬قال علقمة وعروة بن الزبير‬
‫وغيرهما‪ :‬هو المرض ل العدو‪ .‬وقيل‪ :‬العدو خاصة‪ ،‬قاله ابن عباس وابن عمر وأنس والشافعي‪.‬‬
‫قال ابن العربي‪ :‬وهو اختيار علمائنا‪ .‬ورأى أكثر أهل اللغة ومحصليها على أن "أحصر" عرض‬
‫للمرض‪ ،‬و"حصر" نزل به العدو‪.‬‬
‫قلت‪ :‬مها حكاه ابهن العربهي مهن أنهه اختيار علمائنها فلم يقهل بهه إل أشههب وحده‪ ،‬وخالفهه سهائر‬
‫أصههحاب مالك فههي هذا وقالوا‪ :‬الحصههار إنمهها هههو المرض‪ ،‬وأمهها العدو فإنمهها يقال فيههه‪ :‬حصههر‬
‫حصرا فهو محصور‪ ،‬قاله الباجي في المنتقى‪ .‬وحكى أبو إسحاق الزجاج أنه كذلك عند جميع أهل‬
‫اللغههة‪ ،‬على مهها يأتههي‪ .‬وقال أبههو عههبيدة والكسههائي‪" :‬أحصههر" بالمرض‪ ،‬و"حصههر" بالعدو‪ .‬وفههي‬
‫المجمهل لبهن فارس على العكهس‪ ،‬فحصهر بالمرض‪ ،‬وأحصهر بالعدو‪ .‬وقالت طائفهة‪ :‬يقال أحصهر‬
‫فيهما جميعا من الرباعي‪ ،‬حكاه أبو عمر‪.‬‬
‫قلت‪ :‬وههو يشبهه قول مالك حيهث ترجهم فهي موطئه "أحصهر" فيهمها‪ ،‬فتأمله‪ .‬وقال الفراء‪ :‬همها‬
‫بمعنهى واحهد فهي المرض والعدو‪ .‬قال القشيري أبهو نصهر‪ :‬وادعهت الشافعيهة أن الحصهار يسهتعمل‬
‫في العدو‪ ،‬فأما المرض فيستعمل فيه الحصر‪ ،‬والصحيح أنهما يستعملن فيهما‪.‬‬
‫قلت‪ :‬مها ادعتهه الشافعيهة قهد نهص الخليهل بهن أحمهد وغيره على خلفهه‪ .‬قال الخليهل‪ :‬حصهرت‬
‫الرجهل حصهرا منعتهه وحبسهته‪ ،‬وأحصهر الحاج عهن بلوغ المناسهك مهن مرض أو نحوه‪ ،‬هكذا قال‪،‬‬
‫جعهل الول ثلثيها مهن حصهرت‪ ،‬والثانهي فهي المرض رباعيها‪ .‬وعلى هذا خرج قول ابهن عباس‪ :‬ل‬
‫حصهر إل حصهر العدو‪ .‬وقال ابهن السهكيت‪ :‬أحصهره المرض إذا منعهه مهن السهفر أو مهن حاجهة‬
‫يريدها‪ .‬وقد حصره العدو يحصرونه إذا ضيقوا عليه فأطافوا به‪ ،‬وحاصروه محاصرة وحصارا‪.‬‬
‫قال الخفههش‪ :‬حصههرت الرجههل فهههو محصههور‪ ،‬أي حبسههته‪ .‬قال‪ :‬وأحصههرني بولي‪ ،‬وأحصههرني‬
‫مرضهي‪ ،‬أي جعلنهي أحصهر نفسهي‪ .‬قال أبهو عمرو الشيبانهي‪ :‬حصهرني الشيهء وأحصهرني‪ ،‬أي‬
‫حبسني‪.‬‬
‫قلت‪ :‬فالكثر من أهل اللغة على أن "حصر" في العدو‪ ،‬و"أحصر" في المرض‪ ،‬وقد قيل ذلك‬
‫في قول ال تعالى‪" :‬للفقراء الذين أحصروا في سبيل ال" [البقرة‪ .]273 :‬وقال ابن ميادة‪:‬‬
‫عليك ول أن أحصرتك شغول‬ ‫وما هجر ليلى أن تكون تباعدت‬
‫وقال الزجاج‪ :‬الحصار عند جميع أهل اللغة إنما هو من المرض‪ ،‬فأما من العدو فل يقال فيه إل‬
‫حصر‪ ،‬يقال‪ :‬حصر حصرا‪ ،‬وفي الول أحصر إحصارا‪ ،‬فدل على ما ذكرناه‪ .‬وأصل الكلمة من‬
‫الحبهس‪ ،‬ومنهه الحصهير للذي يحبهس نفسهه عهن البوح بسهره‪ .‬والحصهير‪ :‬الملك لنهه كالمحبوس مهن‬
‫وراء الحجاب‪ .‬والحصههير الذي يجلس عليههه لنضمام بعههض طاقات البردي إلى بعههض‪ ،‬كحبههس‬
‫الشيء مع غيره‪.‬‬
‫@ ولمها كان أصهل الحصهر الحبهس قالت الحنفيهة‪ :‬المحصهر مهن يصهير ممنوعها مهن مكهة بعهد‬
‫الحرام بمرض أو عدو أو غيهر ذلك‪ .‬واحتجوا بمقتضهى الحصهار مطلقها‪ ،‬قالوا‪ :‬وذكهر المهن فهي‬
‫آخههر اليههة ل يدل على أنههه ل يكون مههن المرض‪ ،‬قال صههلى ال عليههه وسههلم‪( :‬الزكام أمان مههن‬
‫الجذام)‪ ،‬وقال‪( :‬مهن سهبق العاطهس بالحمهد أمهن مهن الشوص واللوص والعلوص)‪ .‬الشوص‪ :‬وجهع‬
‫السهن‪ .‬واللوص‪ :‬وجهع الذن‪ .‬والعلوص‪ :‬وجهع البطهن‪ .‬أخرجهه ابهن ماجهة فهي سهننه‪ .‬قالوا‪ :‬وإنمها‬
‫جعلنا حبس العدو حصارا قياسا على المرض إذا كان في حكمه‪ ،‬ل بدللة الظاهر‪ .‬وقال ابن عمر‬
‫وابهن الزبيهر وابهن عباس والشافعهي وأههل المدينهة‪ :‬المراد باليهة حصهر العدو‪ ،‬لن اليهة نزلت فهي‬
‫سهنة سهت فهي عمرة الحديبيهة حيهن صهد المشركون رسهول ال صهلى ال عليهه وسهلم عهن مكهة‪ .‬قال‬
‫ابهن عمهر‪ :‬خرجنها مهع رسهول ال صهلى ال عليهه وسهلم فحال كفار قريهش دون البيهت فنحهر النهبي‬
‫صهلى ال عليهه وسهلم هديهه وحلق رأسهه‪ .‬ودل على هذا قوله تعالى‪" :‬فإذا أمنتهم"‪ .‬ولم يقهل‪ :‬برأتهم‪،‬‬
‫وال أعلم‪.‬‬
‫@ جمهور الناس على أن المحصر بعدو يحل حيث أحصر وينحر هديه إن كان ثم هدي ويحلق‬
‫رأسه‪ .‬وقال قتادة وإبراهيم‪ :‬يبعث بهديه إن أمكنه‪ ،‬فإذا بلغ محله صار حلل‪ .‬وقال أبو حنيفة‪ :‬دم‬
‫الحصار ل يتوقف على يوم النحر‪ ،‬بل يجوز ذبحه قبل يوم النحر إذا بلغ محله‪ ،‬وخالفه صاحباه‬
‫فقال‪ :‬يتوقف على يوم النحر‪ ،‬وإن نحر قبله لم يجزه‪ .‬وسيأتي لهذه المسألة زيادة بيان‪.‬‬
‫@ الكثر من العلماء على أن من أحصر بعدو كافر أو مسلم أو سلطان حبسه في سجن أن عليه‬
‫الهدي‪ ،‬وهو قول الشافعهي‪ ،‬وبه قال أشهب‪ .‬وكان ابن القاسم يقول‪ :‬ليس على من صد عن البيت‬
‫فهي حهج أو عمرة هدي إل أن يكون سهاقه معهه‪ ،‬وههو قول مالك‪ .‬ومهن حجتهمها أن النهبي صهلى ال‬
‫عليهه وسهلم إنمها نحهر يوم الحديبيهة هديها قهد كان أشعره وقلده حيهن أحرم بعمرة‪ ،‬فلمها لم يبلغ ذلك‬
‫الهدي محله للصهد أمهر بهه رسهول ال صهلى ال عليهه وسهلم فنحهر‪ ،‬لنهه كان هديها وجهب بالتقليهد‬
‫والشعار‪ ،‬وخرج ل فلم يجهز الرجوع فيهه‪ ،‬ولم ينحره رسهول ال صهلى ال عليهه وسهلم مهن أجهل‬
‫الصهد‪ ،‬فلذلك ل يجهب على مهن صهد عهن البيهت هدي‪ .‬واحتهج الجمهور بأن رسهول ال صهلى ال‬
‫عليهه وسهلم لم يحهل يوم الحديبيهة ولم يحلق رأسهه حتهى نحهر الهدي‪ ،‬فدل ذلك على أن مهن شرط‬
‫إحلل المحصههر ذبههح هدي إن كان عنده‪ ،‬وإن كان فقيرا فمتههى وجده وقدر عليههه ل يحههل إل بههه‪،‬‬
‫وههو مقتضهى قوله‪" :‬فإن أحصهرتم فمها اسهتيسر مهن الهدي"‪ .‬وقهد قيهل‪ :‬يحهل ويهدي إذا قدر عليهه‪،‬‬
‫والقولن للشافعي‪ ،‬وكذلك من ل يجد هديا يشتريه‪ ،‬قولن‪.‬‬
‫@ قال عطاء وغيره‪ :‬المحصر بمرض كالمحصر بعدو‪ .‬وقال مالك والشافعي وأصحابهما‪ :‬من‬
‫أحصره المرض فل يحله إل الطواف بالبيت وإن أقام سنين حتى يفيق‪ .‬وكذلك من أخطأ العدد أو‬
‫خفي عليه الهلل‪ .‬قال مالك‪ :‬وأهل مكة في ذلك كأهل الفاق‪ .‬قال‪ :‬وإن احتاج المريض إلى دواء‬
‫تداوى بهه وافتدى وبقهي على إحرامهه ل يحهل مهن شيهء حتهى يهبرأ مهن مرضهه‪ ،‬فإذا برىء مهن‬
‫مرضه مضى إلى البيت فطاف به سبعا‪ ،‬وسعى بين الصفا والمروة‪ ،‬وحل من حجته أو عمرته‪.‬‬
‫وهذا كله قول الشافعهي‪ ،‬وذههب فهي ذلك إلى مها روي عهن عمهر وابهن عباس وعائشهة وابهن عمهر‬
‫وابن الزبير أنهم قالوا في المحصر بمرض أو خطأ العدد‪ :‬إنه ل يحله إل الطواف بالبيت‪ .‬وكذلك‬
‫من أصابه كسر أو بطن منخرق‪ .‬وحكم من كانت هذه حاله عند مالك وأصحابه أن يكون بالخيار‬
‫إذا خاف فوت الوقوف بعرفههة لمرضههه‪ ،‬إن شاء مضههى إذا أفاق إلى البيههت فطاف وتحلل بعمرة‪،‬‬
‫وإن شاء أقام على إحرامه إلى قابل‪ ،‬وإن أقام على إحرامه ولم يواقع شيئا مما نهي عنه الحاج فل‬
‫هدي عليهه‪ .‬ومهن حجتهه فهي ذلك الجماع مهن الصهحابة على أن مهن أخطهأ العدد أن هذا حكمهه ل‬
‫يحله إل الطواف بالبيههت‪ .‬وقال فههي المكههي إذا بقههي محصههورا حتههى فرغ الناس مههن حجهههم‪ :‬فإنههه‬
‫يخرج إلى الحل فيلبي ويفعل ما يفعله المعتمر ويحل‪ ،‬فإذا كان قابل حج وأهدى‪ .‬وقال ابن شهاب‬
‫الزهري فهي إحصهار مهن أحصهر بمكهة مهن أهلهها‪ :‬ل بهد له مهن أن يقهف بعرفهة وإن نعهش نعشها‪.‬‬
‫واختار هذا القول أبههو بكههر محمههد بههن أحمههد بههن عبدال بههن بكيههر المالكههي فقال‪ :‬قول مالك فههي‬
‫المحصهر المكهي أن عليهه مها على الفاق مهن إعادة الحهج والهدي خلف ظاههر الكتاب‪ ،‬لقول ال‬
‫عههز وجههل‪" :‬ذلك لمههن لم يكههن أهله حاضري المسههجد الحرام"‪ .‬قال‪ :‬والقول عندي فههي هذا قول‬
‫الزهري فهي أن الباحهة مهن ال عهز وجهل لمهن لم يكهن أهله حاضري المسهجد الحرام أن يقيهم لبعهد‬
‫المسافة يتعالج وإن فاته الحج‪ ،‬فأما من كان بينه وبين المسجد الحرام ما ل تقصر في مثله الصلة‬
‫فإنه يحضر المشاهد وإن نعش نعشا لقرب المسافة بالبيت‪ .‬وقال أبو حنيفة وأصحابه‪ :‬كل من منع‬
‫مههن الوصههول إلى البيههت بعدو أو مرض أو ذهاب نفقههة أو إضلل راحلة أو لدغ هامههة فإنههه يقههف‬
‫مكانهه على إحرامهه ويبعهث بهديهه أو بثمهن هديهه‪ ،‬فإذا نحهر فقهد حهل مهن إحرامهه‪ .‬كذلك قال عروة‬
‫وقتادة والحسهن وعطاء والنخعهي ومجاههد وأههل العراق‪ ،‬لقوله تعالى‪" :‬فإن أحصهرتم فمها اسهتيسر‬
‫من الهدي" الية‪.‬‬
‫@ قال مالك وأصهحابه‪ :‬ل ينفهع المحرم الشتراط فهي الحهج إذا خاف الحصهر بمرض أو عدو‪،‬‬
‫وههو قول الثوري وأبهي حنيفهة وأصهحابهم‪ .‬والشتراط أن يقول إذا أههل‪ :‬لبيهك اللههم لبيهك‪ ،‬ومحلي‬
‫حيث حبستني من الرض‪ .‬وقال أحمد بن حنبل وإسحاق بن راهويه وأبو ثور‪ :‬ل بأس أن يشترط‬
‫وله شرطهه‪ ،‬وقاله غيهر واحهد مهن الصهحابة والتابعيهن‪ ،‬وحجتههم حديهث ضباعهة بنهت الزبيهر بهن‬
‫عبدالمطلب أنهها أتهت رسهول ال صهلى ال عليهه وسهلم فقالت‪ :‬يها رسهول ال‪ ،‬إنهي أردت الحهج‪،‬‬
‫أأشترط؟ قال‪( :‬نعهم)‪ .‬قالت‪ :‬فكيهف أقول؟ قال‪( :‬قولي لبيهك اللههم لبيهك ومحلي مهن الرض حيهث‬
‫حبسهتني)‪ .‬أخرجهه أبهو داود والدارقطنهي وغيرهمها‪ .‬قال الشافعهي‪ :‬لو ثبهت حديهث ضباعهة لم أعده‪،‬‬
‫وكان محله حيث حبسه ال‪.‬‬
‫قلت‪ :‬قهد صهححه غيهر واحهد‪ ،‬منههم أبهو حاتهم البسهتي وابهن المنذر‪ ،‬قال ابهن المنذر‪ :‬ثبهت أن‬
‫رسول ال صلى ال عليه وسلم قال لضباعة بنت الزبير‪( :‬حجي واشترطي)‪ .‬وبه قال الشافعي إذ‬
‫هو بالعراق‪ ،‬ثم وقف عنه بمصر‪ .‬قال ابن المنذر‪ :‬وبالقول الول أقول‪ .‬وذكره عبدالرزاق أخبرنا‬
‫ابن جريج قال‪ :‬أخبرني أبو الزبير أن طاوسا وعكرمة أخبراه عن ابن عباس قال‪ :‬جاءت ضباعة‬
‫بنهت الزبيهر إلى رسهول ال صهلى ال عليهه وسهلم فقالت‪ :‬إنهي امرأة ثقيلة وإنهي أريهد الحهج‪ ،‬فكيهف‬
‫تأمرنههي أن أهههل؟ قال‪( :‬أهلي واشترطههي أن محلي حيههث حبسههتني)‪ .‬قال‪ :‬فأدركههت‪ .‬وهذا إسههناد‬
‫صحيح‪.‬‬
‫@ واختلفت العلماء أيضا في وجوب القضاء على من أحصر‪ ،‬فقال مالك والشافعي‪ :‬من أحصر‬
‫بعدو فل قضاء عليه بحجه ول عمرته‪ ،‬إل أن يكون ضرورة لم يكن حج‪ ،‬فيكون عليه الحج على‬
‫حسهب وجوبهه عليهه‪ ،‬وكذلك العمرة عنهد مهن أوجبهها فرضها‪ .‬وقال أبهو حنيفهة‪ :‬المحصهر بمرض أو‬
‫عدو عليهه حجهة وعمرة‪ ،‬وههو قول الطهبري‪ .‬قال أصهحاب الرأي‪ :‬إن كان مهل بحهج قضهى حجهة‬
‫وعمرة‪ ،‬لن إحرامههه بالحهج صههار عمرة‪ .‬وإن كان قارنهها قضههى حجههة وعمرتيههن‪ .‬وإن كان مهل‬
‫بعمرة قضههى عمرة‪ .‬وسههواء عندهههم المحصههر بمرض أو عدو‪ ،‬على مهها تقدم‪ .‬واحتجوا بحديههث‬
‫ميمون ابن مهران قال‪ :‬خرجت معتمرا عام حاصر أهل الشام ابن الزبير بمكة وبعث معي رجال‬
‫مهن قومهي بهدي‪ ،‬فلمها انتهيهت إلى أههل الشام منعونهي أن أدخهل الحرم‪ ،‬فنحرت الهدي مكانهي ثهم‬
‫حللت ثهم رجعهت‪ ،‬فلمها كان مهن العام المقبهل خرجهت لقضهي عمرتهي‪ ،‬فأتيهت ابهن عباس فسهألته‪،‬‬
‫فقال‪ :‬أبدل الهدي‪ ،‬فإن رسهول ال صهلى ال عليهه وسهلم أمهر أصهحابه أن يبدلوا الهدي الذي نحروا‬
‫عام الحديبيهة فهي عمرة القضاء‪ .‬واسهتدلوا بقوله عليهه السهلم‪( :‬مهن كسهر أو عرج فقهد حهل وعليهه‬
‫حجة أخرى أو عمرة أخرى)‪ .‬رواه عكرمة عن الحجاج بن عمرو النصاري قال‪ :‬سمعت رسول‬
‫ال صهلى ال عليهه وسهلم يقول‪( :‬مهن عرج أو كسهر فقهد حهل وعليهه حجهة أخرى)‪ .‬قالوا‪ :‬فاعتمار‬
‫رسهول ال صهلى ال عليهه وسهلم وأصهحابه فهي العام المقبهل مهن عام الحديبيهة إنمها كان قضاء لتلك‬
‫العمرة‪ ،‬قالوا‪ :‬ولذلك قيهل لهها عمرة القضاء‪ .‬واحتهج مالك بأن رسهول ال صهلى ال عليهه وسهلم لم‬
‫يأمر أحدا من أصحابه ول ممن كان معه أن يقضوا شيئا ول أن يعودوا لشيء‪ ،‬ول حفظ ذلك عنه‬
‫بوجه من الوجوه‪ ،‬ول قال في العام المقبل‪ :‬إن عمرتي هذه قضاء عن العمرة التي حصرت فيها‪،‬‬
‫ولم ينقل ذلك عنه‪ .‬قالوا‪ :‬وعمرة القضاء وعمرة القضية سواء‪ ،‬وإنما قيل لها ذلك لن رسول ال‬
‫صهلى ال عليهه وسهلم قاضهى قريشها وصهالحهم فهي ذلك العام على الرجوع عهن البيهت وقصهده مهن‬
‫قابل‪ ،‬فسميت بذلك عمرة القضية‪.‬‬
‫@ لم يقهل أحهد مهن الفقهاء فيمهن كسهر أو عرج أنهه يحهل مكانهه بنفهس الكسهر غيهر أبهي ثور على‬
‫ظاهر حديث الحجاج بن عمرو‪ ،‬وتابعه على ذلك داود بن علي وأصحابه‪ .‬وأجمع العلماء على أنه‬
‫يحل من كسر‪ ،‬ولكن اختلفوا فيما به يحل‪ ،‬فقال مالك وغيره‪ :‬يحل بالطواف بالبيت ل يحله غيره‪.‬‬
‫ومن خالفه من الكوفيين يقول‪ :‬يحل بالنية وفعل ما يتحلل به‪ ،‬على ما تقدم من مذهبه‪.‬‬
‫@ ل خلف بيهن علماء المصهار أن الحصهار عام فهي الحهج والعمرة‪ .‬وقال ابهن سهيرين‪ :‬ل‬
‫إحصهار فهي العمرة‪ ،‬لنهها غيهر مؤقتهة‪ .‬وأجيهب بأنهها وإن كانهت غيهر مؤقتهة لكهن فهي الصهبر إلى‬
‫زوال العذر ضرر‪ ،‬وفي ذلك نزلت الية‪ .‬وحكي عن ابن الزبير أن من أحصره العدو أو المرض‬
‫فل يحله إل الطواف بالبيت‪ ،‬وهذا أيضا مخالف لنص الخبر عام الحديبية‪.‬‬
‫@ الحاصهر ل يخلو أن يكون كافرا أو مسهلما‪ ،‬فإن كان كافرا لم يجهز قتاله ولو وثهق بالظهور‬
‫عليههه‪ ،‬ويتحلل بموضعههه‪ ،‬لقوله تعالى‪" :‬ول تقاتلوهههم عنههد المسههجد الحرام" كمهها تقدم‪ .‬ولو سههأل‬
‫الكافههر جعل لم يجههز‪ ،‬لن ذلك وهههن فههي السههلم‪ .‬فإن كان مسههلما لم يجههز قتاله بحال‪ ،‬ووجههب‬
‫التحلل‪ ،‬فإن طلب شيئا ويتخلى عهن الطريهق جاز دفعهه‪ ،‬ولم يجهز القتال لمها فيهه مهن إتلف المههج‪،‬‬
‫وذلك ل يلزم فههي أداء العبادات‪ ،‬فإن الديههن أسههمح‪ .‬وأمهها بذل الجعههل فلمهها فيههه مههن دفههع أعظههم‬
‫الضررين بأهونهما‪ ،‬ولن الحج مما ينفق فيه المال‪ ،‬فيعد هذا من النفقة‪.‬‬
‫@ والعدو الحاصهر ل يخلو أن يتيقهن بقاؤه واسهتيطانه لقوتهه وكثرتهه أو ل‪ ،‬فإن كان الول حهل‬
‫المحصهر مكانهه مهن سهاعته‪ .‬وإن كان الثانهي وههو ممها يرجهى زواله فهذا ل يكون محصهورا حتهى‬
‫يبقهى بينهه وبيهن الحهج مقدار مها يعلم أنهه إن زال العدو ل يدرك فيهه الحهج‪ ،‬فيحهل حينئذ عنهد ابهن‬
‫القاسم وابن الماجشون‪ .‬وقال أشهب‪ :‬ل يحل من حصر عن الحج بعدو حتى يوم النحر‪ ،‬ول يقطع‬
‫التلبية حتى يروح الناس إلى عرفة‪ .‬وجه قول ابن القاسم‪ :‬أن هذا وقت يأس من إكمال حجه لعدو‬
‫غالب‪ ،‬فجاز له أن يحهل فيهه‪ ،‬أصهل ذلك يوم عرفهة‪ .‬ووجهه قول أشههب أن عليهه أن يأتهي مهن حكهم‬
‫الحرام بمها يمكنهه والتزامهه له إلى يوم النحهر‪ ،‬الوقهت الذي يجوز للحاج التحلل بمها يمكنهه التيان‬
‫به فكان ذلك عليه‪.‬‬
‫@قوله تعالى‪" :‬فما استيسر من الهدي" "ما" في موضع رفع‪ ،‬أي فالواجب أو فعليكم ما استيسر‪.‬‬
‫ويحتمل أن يكون في موضع نصب‪ ،‬أي فانحروا أو فاهدوا‪ .‬و"ما استيسر" عند جمهور أهل العلم‬
‫شاة‪ .‬وقال ابن عمر وعائشة وابن الزبير‪" :‬ما استيسر" جمل دون جمل‪ ،‬وبقرة دون بقرة ل يكون‬
‫مهن غيرهمها‪ .‬وقال الحسهن‪ :‬أعلى الهدي بدنهة‪ ،‬وأوسهطه بقرة‪ ،‬وأخسهه شاة‪ .‬وفهي هذا دليهل على مها‬
‫ذههب إليهه مالك مهن أن المحصهر بعدو ل يجهب عليهه القضاء‪ ،‬لقوله‪" :‬فمها اسهتيسر مهن الهدي" ولم‬
‫يذكر قضاء‪ .‬وال أعلم‪.‬‬
‫@قوله تعالى‪" :‬من الهدي" ال َهدْي وال َهدِ يّ لغتان‪ .‬وهو ما يهدى إلى بيت ال من بدنة أو غيرها‪.‬‬
‫والعرب تقول‪ :‬كم هدي بني فلن‪ ،‬أي كم إبلهم‪ .‬وقال أبو بكر‪ :‬سميت هديا لن منها ما يهدى إلى‬
‫بيهت ال‪ ،‬فسهميت بمها يلحهق بعضهها‪ ،‬كمها قال تعالى‪" :‬فإن أتيهن بفاحشهة فعليههن نصهف مها على‬
‫المحصنات من العذاب" [النساء‪ .]25 :‬أراد فإن زنى الماء فعلى المة منهن إذا زنت نصف ما‬
‫على الحرة البكههر إذا زنههت‪ ،‬فذكههر ال المحصههنات وهههو يريههد البكار‪ ،‬لن الحصههان يكون فههي‬
‫أكثرههن فسهمين بأمهر يوجهد فهي بعضههن‪ .‬والمحصهنة مهن الحرائر ههي ذات الزوج‪ ،‬يجهب عليهها‬
‫الرجهم إذا زنهت‪ ،‬والرجهم ل يتبعهض‪ ،‬فيكون على المهة نصهفه‪ ،‬فانكشهف بهذا أن المحصهنات يراد‬
‫بهههن البكار ل أولت الزواج‪ .‬وقال الفراء‪ :‬أهههل الحجاز وبنههو أسههد يخفون الهدي‪ ،‬قال‪ :‬وتميههم‬
‫وسفلى قيس يثقلون فيقولون‪ :‬هدي‪ .‬قال الشاعر‪:‬‬
‫وأعناق الهدي مقلدات‬ ‫حلفت برب مكة والمصلى‬
‫قال‪ :‬وواحد الهدي هدية‪ .‬ويقال في جمع الهدي‪ :‬أهداء‪.‬‬
‫*‪*4‬قوله تعالى‪{ :‬ول تحلقوا رؤوسكم حتى يبلغ الهدي محله}‬
‫@قوله تعالى‪" :‬ول تحلقوا رؤوسهكم حتهى يبلغ الهدي محله" الخطاب لجميهع المهة محصهر‬
‫ومخلى‪ .‬ومن العلماء من يراها للمحصرين خاصة‪ ،‬أي ل تتحللوا من الحرام حتى ينحر الهدي‪.‬‬
‫والمحهل‪ :‬الموضهع الذي يحهل فيهه ذبحهه‪ .‬فالمحهل فهي حصهر العدو عنهد مالك والشافعهي‪ :‬موضهع‬
‫الحصهر‪ ،‬اقتداء برسهول ال صهلى ال عليهه وسهلم زمهن الحديبيهة‪ ،‬قال ال تعالى‪" :‬والهدي معكوفها‬
‫أن يبلغ محله" [الفتهح‪ ]25 :‬قيهل‪ :‬محبوسها إذا كان محصههرا ممنوعها مهن الوصهول إلى البيهت‬
‫العتيهق‪ .‬وعنهد أبهي حنيفهة محهل الهدي فهي الحصهار‪ :‬الحرم‪ ،‬لقوله تعالى‪" :‬ثهم محلهها إلى البيهت‬
‫العتيق" [الحج‪ .]33 :‬وأجيب عن هذا بأن المخاطب به المن الذي يجد الوصول إلى البيت‪ .‬فأما‬
‫المحصر فخارج من قول ال تعالى‪" :‬ثم محلها إلى البيت العتيق" بدليل نحر النبي صلى ال عليه‬
‫وسهلم وأصهحابه هديههم بالحديبيهة وليسهت مهن الحرم‪ .‬واحتجوا مهن السهنة بحديهث ناجيهة بهن جندب‬
‫صهاحب النهبي صلى ال عليه وسلم أنه قال للنهبي صلى ال عليه وسلم‪ :‬ابعهث معهي الهدي فأنحره‬
‫بالحرم‪ .‬قال‪( :‬فكيهف تصهنع بهه) قال‪ :‬أخرجهه فهي الوديهة ل يقدرون عليهه‪ ،‬فأنطلق بهه حتهى أنحره‬
‫فهي الحرم‪ .‬وأجيهب بأن هذا ل يصهح‪ ،‬وإنمها ينحهر حيهث حهل‪ ،‬اقتداء بفعله عليهه السهلم بالحديبيهة‪،‬‬
‫وهو الصحيح الذي رواه الئمة‪ ،‬ولن الهدي تابع للمهدي‪ ،‬والمهدي حل بموضعه‪ ،‬فالمهدى أيضا‬
‫يحل معه‪.‬‬
‫@ واختلف العلماء على ما قررناه في المحصر هل له أن يحلق أو يحل بشيء من الحل قبل أن‬
‫ينحر ما استيسر من الهدي‪ ،‬فقال مالك‪ :‬السنة الثابتة التي ل اختلف فيها عندنا أنه ل يجوز لحد‬
‫أن يأخذ من شعره حتى ينحر هديه‪ ،‬قال ال تعالى‪" :‬ول تحلقوا رؤوسكم حتى يبلغ الهدي محله"‪.‬‬
‫وقال أبهو حنيفهة وأصهحابه‪ :‬إذا حهل المحصهر قبهل أن ينحهر هديهه فعليهه دم‪ ،‬ويعود حرامها كمها كان‬
‫حتهى ينحهر هديهه‪ .‬وإن أصهاب صهيدا قبهل أن ينحهر الهدي فعليهه الجزاء‪ .‬وسهواء فهي ذلك الموسهر‬
‫والمعسهر ل يحهل أبدا حتهى ينحهر أو ينحهر عنهه‪ .‬قالوا‪ :‬وأقهل مها يهديهه شاة‪ ،‬ل عمياء ول مقطوعهة‬
‫الذنين‪ ،‬وليس هذا عندهم موضع صيام‪ .‬قال أبو عمر‪ :‬قول الكوفيين فيه ضعف وتناقض‪ ،‬لنهم‬
‫ل يجيزون لمحصهر بعدو ول مرض أن يحهل حتهى ينحهر هديهه فهي الحرم‪ .‬وإذا أجازوا للمحصهر‬
‫بمرض أن يبعهث بهدي ويواعهد حامله يومها ينحره فيهه فيحهل ويحلق فقهد أجازوا له أن يحهل على‬
‫غيهر يقيهن مهن نحهر الهدي وبلوغهه‪ ،‬وحملوه على الحلل بالظنون‪ .‬والعلماء متفقون على أنهه ل‬
‫يجوز لمهن لزمهه شيهء مهن فرائضهه أن يخرج منهه بالظهن‪ ،‬والدليهل على أن ذلك ظهن قولههم‪ :‬لو‬
‫عطهب ذلك الهدي أو ضهل أو سهرق فحهل مرسهله وأصهاب النسهاء وصهاد أنهه يعود حرامها وعليهه‬
‫جزاء مها صهاد‪ ،‬فأباحوا له فسهاد الحهج وألزموه مها يلزم مهن لم يحهل مهن إحرامهه‪ .‬وهذا مها ل خفاء‬
‫فيهه مهن التناقهض وضعهف المذاههب‪ ،‬وإنمها بنوا مذهبههم هذا كله على قول ابهن مسهعود ولم ينظروا‬
‫فههي خلف غيره له‪ .‬وقال الشافعههي فههي المحصههر إذا أعسههر بالهدي‪ :‬فيههه قولن‪ :‬ل يحههل أبدا إل‬
‫بهدي‪ .‬والقول الخر‪ :‬أنه مأمور أن يأتي بما قدر عليه‪ ،‬فإن لم يقدر على شيء كان عليه أن يأتي‬
‫بههه إذا قدر عليههه‪ .‬قال الشافعههي‪ :‬ومههن قال هذا قال‪ :‬يحههل مكانههه ويذبههح إذا قدر‪ ،‬فإن قدر على أن‬
‫يكون الذبهح بمكهة لم يجزه أن يذبهح إل بهها‪ ،‬وإن لم يقدر ذبهح حيهث قدر‪ .‬قال ويقال ل يجزيهه إل‬
‫هدي‪ .‬ويقال‪ :‬إذا لم يجهد هديها كان عليهه الطعام أو الصهيام‪ .‬وإن لم يجهد واحدا مهن هذه الثلثهة أتهى‬
‫بواحد منها إذا قدر‪ .‬وقال في العبد‪ :‬ل يجزيه إل الصوم‪ ،‬تقوم له الشاة دراهم ثم الدراهم طعاما ثم‬
‫يصوم عن كل مد يوما‪.‬‬
‫@ واختلفوا إذا نحهر المحصهر هديهه ههل له أن يحلق أو ل‪ ،‬فقالت طائفهة‪ :‬ليهس عليهه أن يحلق‬
‫رأسه‪ ،‬لنه قد ذهب عنه النسك‪ .‬واحتجوا بأنه لما سقط عنه بالحصار جميع المناسك كالطواف‬
‫والسعي ‪ -‬وذلك مما يحل به المحرم من إحرامه ‪ -‬سقط عنه سائر ما يحل به المحرم من أجل أنه‬
‫محصهر‪ .‬وممن احتج بهذا وقال به أبو حنيفهة ومحمهد بهن الحسن قال‪ :‬ليس على المحصهر تقصهير‬
‫ول حلق‪ .‬وقال أبههو يوسههف‪ :‬يحلق المقصههر‪ ،‬فإن لم يحلق فل شيههء عليههه‪ .‬وقههد حكههى ابههن أبههي‬
‫عمران عهن ابهن سهماعة عهن أبهي يوسهف فهي نوادره أن عليهه الحلق‪ ،‬والتقصهير ل بهد له منهه‪.‬‬
‫واختلف قول الشافعهي فهي هذه المسهألة على قوليهن‪ :‬أحدهمها أن الحلق للمحصهر مهن النسهك‪ ،‬وههو‬
‫قول مالك‪ .‬والخهر ليهس من النسهك كما قال أبو حنيفهة‪ .‬والحجة لمالك أن الطواف بالبيت والسهعي‬
‫بين الصفا والمروة قد منع من ذلك كله المحصر وقد صد عنه‪ ،‬فسقط عنه ما قد حيل بينه وبينه‪.‬‬
‫وأمها الحلق فلم يحهل بينهه وبينه‪ ،‬وهو قادر على أن يفعله‪ ،‬ومها كان قادرا على أن يفعله فههو غيهر‬
‫ساقط عنه ومما يدل على أن الحلق باق على المحصر كما هو باق على من قد وصل إلى البيت‬
‫سواء قوله تعالى‪" :‬ول تحلقوا رؤوسكم حتى يبلغ الهدي محله"‪ ،‬وما رواه الئمة من دعاء رسول‬
‫ال صلى ال عليه وسلم للمحلقين ثلثا وللمقصرين واحدة‪ .‬وهو الحجة القاطعة والنظر الصحيح‬
‫فهي هذه المسهألة‪ ،،‬وإلى هذا ذههب مالك وأصهحابه‪ .‬والحلق عندههم نسهك على الحاج الذي قهد أتهم‬
‫حجه‪ ،‬وعلى من فاته الحج‪ ،‬والمحصر بعدو والمحصر بمرض‪.‬‬
‫@ روى الئمة واللفظ لمالك عن نافع عن عبدال بن عمر أن رسول ال صلى ال عليه وسلم‪.‬‬
‫قال‪( :‬اللههم ارحهم المحلقيهن) قالوا‪ :‬والمقصهرين يها رسهول ال‪ ،‬قال‪( :‬اللههم ارحهم المحلقيهن) قالوا‪:‬‬
‫والمقصرين يا رسول ال‪ ،‬قال‪( :‬والمقصرين)‪ .‬قال علماؤنا‪ :‬ففي دعاء رسول ال صلى ال عليه‬
‫وسلم للمحلقين ثلثا وللمقصرين مرة دليل على أن الحلق في الحج والعمرة أفضل من التقصير‪،‬‬
‫وههو مقتضهى قوله تعالى‪" :‬ول تحلقوا رؤوسهكم" اليهة‪ ،‬ولم يقهل تقصهروا‪ .‬وأجمهع أههل العلم على‬
‫أن التقصهير يجزئ عهن الرجال‪ ،‬إل شيهء ذكهر عهن الحسهن أنهه كان يوجهب الحلق فهي أول حجهة‬
‫يحجها النسان‪.‬‬
‫@ لم تدخل النساء في الحلق‪ ،‬وأن سنتهن التقصير‪ ،‬لما روي عن النبي صلى ال عليه وسلم أنه‬
‫قال‪( :‬ليهس على النسهاء حلق إنمها عليههن التقصهير)‪ .‬خرجهه أبهو داود عهن ابهن عباس‪ .‬وأجمهع أههل‬
‫العلم على القول بهه‪ .‬ورأت جماعهة أن حلقهها رأسهها مهن المثلة‪ ،‬واختلفوا فهي قدر مها تقصهر مهن‬
‫رأسهها‪ ،‬فكان ابهن عمهر والشافعهي وأحمهد وإسهحاق يقولون‪ :‬تقصهر مهن كهل قرن مثهل النملة‪ .‬وقال‬
‫عطاء‪ :‬قدر ثلث أصابع مقبوضة‪ .‬وقال قتادة‪ :‬تقصر الثلث أو الربع‪ .‬وفرقت حفصة بنت سيرين‬
‫بين المرأة التي قعدت فتأخذ الربع‪ ،‬وفي الشابة أشارت بأنملتها تأخذ وتقلل‪ .‬وقال مالك‪ :‬تأخذ من‬
‫جميهع قرون رأسهها‪ ،‬ومها أخذت مهن ذلك فههو يكفيهها‪ ،‬ول يجزي عنده أن تأخهذ مهن بعهض القرون‬
‫وتبقي بعضا‪ .‬قال ابن المنذر‪ :‬يجزي ما وقع عليه اسم تقصير‪ ،‬وأحوط أن تأخذ من جميع القرون‬
‫قدر أنملة‪.‬‬
‫@ ل يجوز لحد أن يحلق رأسه حتى ينحر هديه‪ ،‬وذلك أن سنة الذبح قبل الحلق‪ .‬والصل في‬
‫ذلك قوله تعالى‪" :‬ول تحلقوا رؤوسهكم حتههى يبلغ الهدي محله" وكذلك فعهل رسهول ال صههلى ال‬
‫عليهه سهلم‪ ،‬بدأ فنحهر هديهه ثهم حلق بعهد ذلك‪ ،‬فمهن خالف هذا فقدم الحلق قبهل النحهر فل يخلو أن‬
‫يقدمههه خطههأ وجهل أو عمدا وقصههدا‪ ،‬فإن كان الول فل شيههء عليههه‪ ،‬رواه ابههن حههبيب عههن ابههن‬
‫القاسم‪ ،‬وهو المشهور من مذهب مالك‪ .‬وقال ابن الماجشون‪ :‬عليه الهدي‪ ،‬وبه قال أبو حنيفة‪ .‬وإن‬
‫كان الثانهي فقهد روى القاضهي أبهو الحسهن أنهه يجوز تقديهم الحلق على النحهر‪ ،‬وبهه قال الشافعهي‪.‬‬
‫والظاههر مهن المذهب المنهع‪ ،‬والصهحيح الجواز‪ ،‬لحديهث ابن عباس أن النبي صلى ال عليه وسلم‬
‫قيهل له فهي الذبهح والحلق والرمهي والتقديهم والتأخيهر فقال‪( :‬ل حرج) رواه مسلم‪ .‬وخرج ابن ماجهة‬
‫عن عبدال بن عمرو أن النبي صلى ال عليه وسلم سئل عمن ذبح قبل أن يحلق‪ ،‬أو حلق قبل أن‬
‫يذبح فقال‪( :‬ل حرج)‪.‬‬
‫@ ل خلف أن حلق الرأس في الحج نسك مندوب إليه وفي غير الحج جائز‪ ،‬خلفا لمن قال‪ :‬إنه‬
‫مثلة‪ ،‬ولو كان مثلة مها جاز فهي الحهج ول غيره‪ ،‬لن رسهول ال صهلى ال عليهه وسهلم نههى عهن‬
‫المثلة‪ ،‬وقد حلق رؤوس بني جعفر بعد أن أتاه قتله بثلثة أيام‪ ،‬ولو لم يجز الحلق ما حلقهم‪ .‬وكان‬
‫علي بهن أبهي طالب رضهي ال عنهه يحلق رأسهه‪ .‬قال ابهن عبدالبر‪ :‬وقهد أجمهع العلماء على حبهس‬
‫الشعر وعلى إباحة الحلق‪ .‬وكفى بهذا حجة‪ ،‬وبال التوفيق‪.‬‬
‫*‪*4‬قوله تعالى‪{ :‬فمن كان منكم مريضا أو به أذى من رأسه ففدية من صيام أو صدقة أو نسك}‬
‫@قوله تعالى‪" :‬فمن كان منكم مريضا" استدل بعض علماء الشافعية بهذه الية على أن المحصر‬
‫في أول الية العدو ل المرض‪ ،‬وهذا ل يلزم‪ ،‬فإن معنى قوله‪" :‬فمن كان منكم مريضا أو به أذى‬
‫مهن رأسهه" فحلق "ففديهة" أي فعليهه فديهة‪ ،‬وإذا كان واردا فهي المرض بل خلف كان الظاههر أن‬
‫أول اليهة ورد فيمهن ورد فيهه وسهطها وآخرهها‪ ،‬لتسهاق الكلم بعضهه على بعهض‪ ،‬وانتظام بعضهه‬
‫ببعض‪ ،‬ورجوع الضمار في آخر الية إلى من خوطب في أولها‪ ،‬فيجب حمل ذلك على ظاهره‬
‫حتههى يدل الدليههل على العدول عنههه‪ .‬وممهها يدل على مهها قلناه سههبب نزول هذه اليههة‪ ،‬روى الئمههة‬
‫واللفظ للدارقطني‪ :‬عن كعب بن عجرة أن رسول ال صلى ال عليه وسلم رآه وقمله يتساقط على‬
‫وجههه فقال‪( :‬أيؤذيهك هوامهك) قال نعهم‪( .‬فأمره أن يحلق وههو بالحديبيهة‪ ،‬ولم يهبين لههم أنههم يحلون‬
‫بهها وههم على طمهع أن يدخلوا مكهة‪ ،‬فأنزل ال الفديهة‪ ،‬فأمره رسهول ال صهلى ال عليهه وسهلم أن‬
‫يطعههم فرقهها بيههن سههتة مسههاكين‪ ،‬أو يهدي شاة‪ ،‬أو يصههوم ثلثههة أيام)‪ .‬خرجههه البخاري بهذا اللفههظ‬
‫أيضا‪ .‬فقوله‪ :‬ولم يبين لهم أنهم يحلون بها‪ ،‬يدل على أنهم ما كانوا على يقين من حصر العدو لهم‪،‬‬
‫فإذا الموجب للفدية الحلق للذى والمرض‪ ،‬وال أعلم‪.‬‬
‫قال الوزاعي في المحرم يصيبه أذى في رأسه‪ :‬إنه يجزيه أن يكفر بالفدية قبل الحلق‪.‬‬
‫قلت‪ :‬فعلى هذا يكون المعنهى "فمهن كان منكهم مريضها أو بهه أذى مهن رأسهه ففديهة مهن صهيام أو‬
‫صدقة أو نسك" إن أراد أن يحلق‪ ،‬ومن قدر فحلق ففدية‪ ،‬فل يفتدي حتى يحلق‪ ،‬وال أعلم‪.‬‬
‫@ قال ابهن عبدالبر‪ :‬كهل مهن ذكهر النسهك فهي هذا الحديهث مفسهرا فإنمها ذكره بشاة‪ ،‬وههو أمهر ل‬
‫خلف فيههه بيههن العلماء‪ .‬وأمهها الصههوم والطعام فاختلفوا فيههه‪ ،‬فجمهور فقهاء المسههلمين على أن‬
‫الصهوم ثلثهة أيام‪ ،‬وههو محفوظ صهحيح فهي حديهث كعهب بهن عجرة‪ .‬وجاء عهن الحسهن وعكرمهة‬
‫ونافهع قالوا‪ :‬الصهوم فهي فديهة الذى عشرة أيام‪ ،‬والطعام عشرة مسهاكين‪ ،‬ولم يقهل أحهد بهذا مهن‬
‫فقهاء المصار ول أئمة الحديث‪ .‬وقد جاء من رواية أبي الزبير عن مجاهد عن عبدالرحمن عن‬
‫كعهب بهن عجرة أنهه حدثهه أنهه كان أههل فهي ذي القعدة‪ ،‬وأنهه قمهل رأسهه فأتهى عليهه النهبي صهلى ال‬
‫عليهه وسهلم وههو يوقهد تحهت قدر له‪ ،‬فقال له‪( :‬كأنهك يؤذيهك هوام رأسهك)‪ .‬فقال أجهل‪ .‬قال‪( :‬احلق‬
‫واهد هديا)‪ .‬فقال‪ :‬ما أجد هديا‪ .‬قال‪( :‬فأطعم ستة مسهاكين)‪ .‬فقال‪ :‬ما أجد‪ .‬قال‪( :‬صم ثلثة أيام)‪.‬‬
‫قال أبو عمر‪ :‬كان ظاهر هذا الحديث على الترتيب وليس كذلك‪ ،‬ولو صح هذا كان معناه الختيار‬
‫أول فأول‪ ،‬وعامههة الثار عههن كعههب بههن عجرة وردت بلفههظ التخييههر‪ ،‬وهههو نههص القرآن‪ ،‬وعليههه‬
‫مضى عمل العلماء في كل المصار وفتواهم‪ ،‬وبال التوفيق‪.‬‬
‫@ اختلف العلماء فهي الطعام فهي فديهة الذى‪ ،‬فقال مالك والشافعهي وأبهو حنيفهة وأصهحابهم‪:‬‬
‫الطعام فههي ذلك مدان بمههد النههبي صههلى ال عليههه وسههلم‪ ،‬وهههو قول أبههي ثور وداود‪ .‬وروي عههن‬
‫الثوري أنه قال في الفدية‪ :‬من البر نصف صاع‪ ،‬ومن التمر والشعير والزبيب صاع‪ .‬وروي عن‬
‫أبي حنيفة أيضا مثله‪ ،‬جعل نصف صاع بر عدل صاع تمر‪ .‬قال ابن المنذر‪ :‬وهذا غلط‪ ،‬لن في‬
‫بعهض أخبار كعهب أن النهبي صهلى ال عليهه وسهلم قال له‪( :‬أن تصهدق بثلثهة أصهوع مهن تمهر على‬
‫ستة مساكين)‪ .‬وقال أحمد بن حنبل مرة كما قال مالك والشافعي‪ ،‬ومرة قال‪ :‬إن أطعم برا فمد لكل‬
‫مسكين‪ ،‬وإن أطعم تمرا فنصف صاع‪.‬‬
‫ول يجزئ أن يغدي المساكين ويعشيهم في كفارة الذى حتى يعطي كل مسكين مدين بمد النبي‬
‫صهلى ال عليهه وسهلم‪ .‬وبذلك قال مالك والثوري والشافعهي ومحمهد بهن الحسهن‪ .‬وقال أبهو يوسهف‪:‬‬
‫يجزيه أن يغديهم ويعشيهم‪.‬‬
‫@ أجمع أهل العلم على أن المحرم ممنوع من حلق شعره وجزه وإتلفه بحلق أو نورة أو غير‬
‫ذلك إل فهي حالة العلة كما نص على ذلك القرآن‪ .‬وأجمعوا على وجوب الفديهة على من حلق وهو‬
‫محرم بغير علة‪ ،‬واختلفوا فيما على من فعل ذلك‪ ،‬أو لبس أو تطيب بغير عذر عامدا‪ ،‬فقال مالك‪:‬‬
‫بئس ما فعل وعليه الفدية‪ ،‬وهو مخير فيها‪ ،‬وسواء عنده العمد في ذلك والخطأ‪ ،‬لضرورة وغير‬
‫ضرورة‪ .‬وقال أبو حنيفة والشافعي وأصحابهما وأبو ثور‪ :‬ليس بمخير إل في الضرورة‪ ،‬لن ال‬
‫تعالى قال‪" :‬فمهن كان منكهم مريضها أو بهه أذى مهن رأسهه" فإذا حلق رأسهه عامدا أو لبهس عامدا‬
‫لغير عذر فليس بمخير وعليه دم ل غير‪.‬‬
‫@ واختلفوا فيمن فعل ذلك ناسيا‪ ،‬فقال مالك رحمه ال‪ :‬العامد والناسي في ذلك سواء في وجوب‬
‫الفديهة‪ ،‬وههو قول أبهي حنيفهة والثوري والليهث‪ .‬وللشافعهي فهي هذه المسهألة قولن‪ :‬أحدهمها‪ :‬ل فديهة‬
‫عليهه‪ ،‬وههو قول داود وإسهحاق‪ .‬والثانهي‪ :‬عليهه الفديهة‪ .‬وأكثهر العلماء يوجبون الفديهة على المحرم‬
‫بلبس المحيط وتغطية الرأس أو بعضه‪ ،‬ولبس الخفين وتقليم الظافر ومس الطيب وإماطة الذى‪،‬‬
‫وكذلك إذا حلق شعر جسده أو اطلى‪ ،‬أو حلق مواضع المحاجم‪ .‬والمرأة كالرجل في ذلك‪ ،‬وعليها‬
‫الفدية في الكحل وإن لم يكن فيه طيب‪ .‬وللرجل أن يكتحل بما ل طيب فيه‪ .‬وعلى المرأة الفدية إذا‬
‫غطهت وجههها أو لبسهت القفازيهن‪ ،‬والعمهد والسههو والجههل فهي ذلك سهواء‪ ،‬وبعضههم يجعهل عليهمها‬
‫دما في كل شيء من ذلك‪ .‬وقال داود‪ :‬ل شيء عليهما في حلق شعر الجسد‪.‬‬
‫@ واختلف العلماء في موضع الفدية المذكورة‪ ،‬فقال عطاء‪ :‬ما كان من دم فبمكة‪ ،‬وما كان من‬
‫طعام أو صههيام فحيههث شاء‪ ،‬وبنحههو ذلك قال أصههحاب الرأي‪ .‬وعههن الحسههن أن الدم بمكههة‪ .‬وقال‬
‫طاوس والشافعي‪ :‬الطعام والدم ل يكونان إل بمكة‪ ،‬والصوم حيث شاء‪ ،‬لن الصيام ل منفعة فيه‬
‫لههل الحرم‪ ،‬وقهد قال ال سهبحانه "هديها بالغ الكعبهة" [المائدة‪ ]95 :‬رفقها لمسهاكين جيران بيتهه‪،‬‬
‫فالطعام فيه منفعة بخلف الصيام‪ ،‬وال أعلم‪ .‬وقال مالك‪ :‬يفعل ذلك أين شاء‪ ،‬وهو الصحيح من‬
‫القول‪ ،‬وههو قول مجاههد‪ .‬والذبهح هنها عنهد مالك نسهك وليهس بهدي لنهص القرآن والسهنة‪ ،‬والنسهك‬
‫يكون حيهث شاء‪ ،‬والهدي ل يكون إل بمكهة‪ .‬ومهن حجتهه أيضها مها رواه عهن يحيهى بهن سهعيد فهي‬
‫موطئه‪ ،‬وفيه‪ :‬فأمر علي بن أبي طالب رضي ال عنه برأسه ‪ -‬يعني رأس حسين ‪ -‬فحلق ثم نسك‬
‫عنه بالسقيا فنحر عنه بعيرا‪ .‬قال مالك قال يحيى بن سعيد‪ :‬وكان حسين خرج مع عثمان في سفره‬
‫ذلك إلى مكة‪ .‬ففي هذا أوضح دليل على أن فدية الذى جائز أن تكون بغير مكة‪ ،‬وجائز عند مالك‬
‫فهي الهدي إذا نحهر فهي الحرم أن يعطاه غيهر أههل الحرم‪ ،‬لن البغيهة فهي إطعام مسهاكين المسهلمين‪.‬‬
‫قال مالك‪ :‬ولمهها جاز الصههوم أن يؤتههى بههه بغيههر الحرم جاز إطعام غيههر أهههل الحرم‪ ،‬ثههم إن قوله‬
‫تعالى‪" :‬فمن كان منكم مريضا" الية‪ ،‬أوضح الدللة على ما قلناه‪ ،‬فإنه تعالى لما قال‪" :‬ففدية من‬
‫صهيام أو صهدقة أو نسهك" لم يقهل فهي موضهع دون موضهع‪ ،‬فالظاههر أنهه حيثمها فعهل أجزأه‪ .‬وقال‪:‬‬
‫"أو نسك" فسقى ما يذبح نسكا‪ ،‬وقد سماه رسول ال صلى ال عليه وسلم كذلك ولم يسمه هديا‪،‬‬
‫فل يلزمنها أن نرده قياسها على الهدي‪ ،‬ول أن نعتهبره بالهدي مهع مها جاء فهي ذلك عهن علي‪ .‬وأيضها‬
‫فإن النهبي صهلى ال عليهه وسهلم لمها أمهر كعبها بالفديهة مها كان فهي الحرم‪ ،‬فصهح أن ذلك كله يكون‬
‫خارج الحرم‪ ،‬وقد روي عن الشافعي مثل هذا في وجه بعيد‪.‬‬
‫@قوله تعالى‪" :‬أو نسك" النسك‪ :‬جمع نسيكة‪ ،‬وهي الذبيحة ينسكها العبد ل تعالى‪ .‬ويجمع أيضا‬
‫على نسهائك‪ .‬والنسهك‪ :‬العبادة في الصهل‪ ،‬ومنه قوله تعالى‪" :‬وأرنها مناسهكنا" [البقرة‪ ]128 :‬أي‬
‫متعبداتنها‪ .‬وقيهل‪ :‬إن أصهل النسهك فهي اللغهة الغسهل‪ ،‬ومنهه نسهك ثوبهه إذا غسهله‪ ،‬فكأن العابهد غسهل‬
‫نفسهه مهن أدران الذنوب بالعبادة‪ .‬وقيهل‪ :‬النسهك سهبائك الفضهة‪ ،‬كهل سهبيكة منهها نسهيكة‪ ،‬فكأن العابهد‬
‫خلص نفسه من دنس الثام وسبكها‪.‬‬
‫*‪*4‬قوله تعالى‪{ :‬فإذا أمنتم فمن تمتع بالعمرة إلى الحج فما استيسر من الهدي}‬
‫@قوله تعالى‪" :‬فإذا أمنتم" قيل‪ :‬معناه برأتم من المرض‪ .‬وقيل‪ :‬من خوفكم من العدو المحصر‪،‬‬
‫قاله ابهن عباس وقتادة‪ .‬وههو أشبهه باللفهظ إل أن يتخيهل الخوف مهن المرض فيكون المهن منهه‪ ،‬كمها‬
‫تقدم‪ ،‬وال أعلم‪.‬‬
‫@قوله تعالى‪" :‬فمن تمتع بالعمرة إلى الحج" اختلف العلماء من المخاطب بهذا؟ فقال عبدال بن‬
‫الزبيهر وعلقمهة وإبراهيهم‪ :‬اليهة فهي المحصهرين دون المخلى سهبيلهم‪ .‬وصهورة المتمتهع عنهد ابهن‬
‫الزبير‪ :‬أن يحصر الرجل حتى يفوته الحج‪ ،‬ثم يصل إلى البيت فيحل بعمرة‪ ،‬ثم يقضي الحج من‬
‫قابهل‪ ،‬فهذا قهد تمتهع بمها بيهن العمرة إلى حهج القضاء‪ .‬وصهورة المتمتهع المحصهر عنهد غيره‪ :‬أن‬
‫يحصهر فيحهل دون عمرة ويؤخرهها حتهى يأتهي مهن قابهل فيعتمهر فهي أشههر الحهج ويحهج مهن عامهه‪.‬‬
‫وقال ابن عباس وجماعة‪ :‬الية في المحصرين وغيرهم ممن خلي سبيله‪.‬‬
‫@ ل خلف بين العلماء في أن التمتع جائز على ما يأتي تفصيله‪ ،‬وأن الفراد جائز وأن القرآن‬
‫جائز‪ ،‬لن رسول ال صلى ال عليه وسلم رضي كل ولم ينكره في حجته على أحد من أصحابه‪،‬‬
‫بهل أجازه لههم ورضيهه منههم‪ ،‬صهلى ال عليهه وسهلم‪ .‬وإنمها اختلف العلماء فيمها كان بهه رسهول ال‬
‫صهلى ال عليهه وسهلم محرمها فهي حجتهه وفهي الفضهل مهن ذلك‪ ،‬لختلف الثار الواردة فهي ذلك‪،‬‬
‫فقال قائلون منههم مالك‪ :‬كان رسهول ال صهلى ال عليهه وسهلم مفردا‪ ،‬والفراد أفضهل مهن القران‪.‬‬
‫قال‪ :‬والقران أفضل من التمتع‪ .‬وفي صحيح مسلم عن عائشة قالت‪ :‬خرجنا مع رسول ال صلى‬
‫ال عليه وسلم فقال‪( :‬من أراد منكم أن يهل بحج وعمرة فليفعل ومن أراد أن يهل بحج فليهل ومن‬
‫أراد أن يهل بعمرة فليهل) قالت عائشة‪ :‬فأهل رسول ال صلى ال عليه وسلم بحج‪ ،‬وأهل به ناس‬
‫معهه‪ ،‬وأههل ناس بالعمرة والحهج‪ ،‬وأههل ناس بعمرة‪ ،‬وكنهت فيمهن أههل بالعمرة‪ ،‬رواه جماعهة عهن‬
‫هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة‪ .‬وقال بعضهم فيه‪ :‬قال رسول ال صلى ال عليه وسلم‪( :‬وأما‬
‫أنا فأهل بالحج) وهذا نص في موضع الخلف‪ ،‬وهو حجة من قال بالفراد وفضله‪ .‬وحكى محمد‬
‫بن الحسن عن مالك أنه قال‪ :‬إذا جاء عن النبي صلى ال عليه وسلم حديثان مختلفان وبلغنا أن أبا‬
‫بكهر وعمهر عمل بأحهد الحديثيهن وتركها الخهر كان فهي ذلك دللة على أن الحهق فيمها عمل بهه‪.‬‬
‫واستحب أبو ثور الفراد أيضا وفضله على التمتع والقران‪ ،‬وهو أحد قولي الشافعي في المشهور‬
‫عنه‪ .‬واستجب آخرون التمتع بالعمرة إلى الحج‪ ،‬قالوا‪ :‬وذلك أفضل‪ .‬وهو مذهب عبدال بن عمر‬
‫وعبدال بن الزبير‪ ،‬وبه قال أحمد بن حنبل‪ ،‬وهو أحد قولي الشافعي‪ .‬قال الدارقطني قال الشافعي‪:‬‬
‫اخترت الفراد‪ ،‬والتمتهع حسهن ل نكرههه‪ .‬احتهج مهن فضهل التمتهع بمها رواه مسهلم عهن عمران بهن‬
‫حصهين قال‪ :‬نزلت آيهة المتعهة فهي كتاب ال ‪ -‬يعنهي متعهة الحهج ‪ -‬وأمرنها بهها رسهول ال صهلى ال‬
‫عليه وسلم ثم لم تنزل آية تنسخ آية متعة الحج‪ ،‬ولم ينه عنها رسول ال صلى ال عليه وسلم حتى‬
‫مات‪ ،‬قال رجل برأيه بعد ما شاء‪ .‬وروى الترمذي حدثنا قتيبة بن سعيد عن مالك بن أنس عن ابن‬
‫شهاب عن محمد بن عبدال بن الحارث بن نوفل أنه سمع سعد بن أبي وقاص والضحاك بن قيس‬
‫عام حج معاوية بن أبي سفيان وهما يذكران التمتع بالعمرة إلى الحج‪ ،‬فقال الضحاك بن قيس‪ :‬ل‬
‫يصهنع ذلك إل مهن جههل أمهر ال تعالى‪ .‬فقال سهعد‪ :‬بئس مها قلت يها ابهن أخهي! فقال الضحاك‪ :‬فإن‬
‫عمههر بههن الخطاب قههد نهههى عههن ذلك‪ .‬فقال سههعد‪ :‬قههد صههنعها رسههول ال صههلى ال عليههه وسههلم‬
‫وصنعناها معه‪ ،‬هذا حديث صحيح‪.‬‬
‫وروى ابهن إسهحاق عهن الزهري عهن سهالم قال‪ :‬إنهي لجالس مهع ابهن عمهر فهي المسهجد إذ جاءه‬
‫رجهل مهن أههل الشام فسهأل عهن التمتهع بالعمرة إلى الحهج‪ ،‬فقال ابهن عمهر‪( :‬حسهن جميهل‪ .‬قال‪ :‬فإن‬
‫أباك كان ينهى عنها‪ .‬فقال‪ :‬ويلك فإن كان أبي نهى عنها وقد فعله رسول ال صلى ال عليه وسلم‬
‫وأمههر بههه‪ ،‬أفبقول أبههي آخههذ‪ ،‬أم بأمههر رسههول ال صههلى ال عليههه وسههلم !؟ قههم عنههي‪ ).‬أخرجههه‬
‫الدارقطنهي‪ ،‬وأخرجهه أبهو عيسهى الترمذي مهن حديهث صهالح بهن كيسهان عهن ابهن شهاب عهن سهالم‪.‬‬
‫وروي عن ليث عن طاوس عن ابن عباس قال‪( :‬تمتع رسول ال صلى ال عليه وسلم وأبو بكر‬
‫وعمر وعثمان‪ ،‬وأول من نههى عنهها معاوية) حديهث حسن‪ .‬قال أبو عمر‪ :‬حديث ليث هذا حديث‬
‫منكر‪ ،‬وهو ليث بن أبي سليم ضعيف‪ .‬والمشهور عن عمر وعثمان أنهما كانا ينهيان عن التمتع‪،‬‬
‫وإن كان جماعة من أهل العلم قد زعموا أن المتعة التي نهى عنها عمر وضرب عليها فسخ الحج‬
‫في العمرة‪ .‬فأما التمتع بالعمرة إلى الحج فل‪ .‬وزعم من صحح نهي عمر عن التمتع أنه إنما نهى‬
‫عنهه لينتجهع البيهت مرتيهن أو أكثهر فهي العام حتهى تكثهر عمارتهه بكثرة الزوار له فهي غيهر الموسهم‪،‬‬
‫وأراد إدخال الرفهق على أههل الحرم بدخول الناس تحقيقها لدعوة إبراهيهم‪" :‬فاجعهل أفئدة مهن الناس‬
‫تهوي إليههم" [إبراهيهم‪ .]37 :‬وقال آخرون‪ :‬إنمها نههى عنهها لنهه رأى الناس مالوا إلى التمتهع‬
‫ليسارته وخفته‪ ،‬فخشي أن يضيع الفراد والقران وهما سنتان للنبي صلى ال عليه وسلم‪ .‬واحتج‬
‫أحمد في اختياره التمتع بقوله صلى ال عليه وسلم‪( :‬لو استقبلت من أمري ما استدبرت ما سقت‬
‫الهدي ولجعلتهها عمرة)‪ .‬أخرجهه الئمهة‪ .‬وقال آخرون‪ :‬القران أفضهل‪ ،‬منههم أبهو حنيفهة والثوري‪،‬‬
‫وبههه قال المزنههي قال‪ :‬لنههه يكون مؤديهها للفرضيههن جميعهها‪ ،‬وهههو قول إسههحاق‪ .‬قال إسههحاق‪ :‬كان‬
‫رسهول ال صهلى ال عليهه وسهلم قارنها‪ ،‬وههو قول علي بهن أبهي طالب‪ .‬واحتهج مهن اسهتحب القران‬
‫وفضله بمها رواه البخاري عهن عمهر بهن الخطاب قال‪ :‬سهمعت رسهول ال صهلى ال عليهه وسهلم‬
‫بوادي العقيهق يقول‪( :‬أتانهي الليلة آت مهن ربهي فقال صهل فهي هذا الوادي المبارك وقهل عمرة فهي‬
‫حجهة)‪ .‬وروى الترمذي عهن أنهس قال سهمعت رسهول ال صهلى ال عليهه وسهلم يقول‪( :‬لبيهك بعمرة‬
‫وحجهة)‪ .‬وقال‪ :‬حديهث حسهن صهحيح‪ .‬قال أبهو عمهر‪ :‬والفراد إن شاء ال أفضهل‪ ،‬لن رسهول ال‬
‫صهلى ال عليهه وسهلم كان مفردا‪ ،‬فلذلك قلنها إنهه أفضهل‪ ،‬لن الثار أصهح عنهه فهي إفراده صهلى ال‬
‫عليهه وسهلم‪ ،‬ولن الفراد أكثهر عمل ثهم العمرة عمهل آخهر‪ .‬وذلك كله طاعهة والكثهر منهها أفضهل‪.‬‬
‫وقال أبهو جعفهر النحاس‪ :‬المفرد أكثهر تعبها مهن المتمتهع‪ ،‬لقامتهه على الحرام وذلك أعظهم لثوابهه‪.‬‬
‫والوجهه فهي اتفاق الحاديهث أن رسهول ال صهلى ال عليه وسهلم لمها أمرنها بالتمتهع والقران جاز أن‬
‫يقال‪ :‬تمتع رسول ال صلى ال عليه وسلم وقرن‪ ،‬كما قال جل وعز‪" :‬ونادى فرعون في قومه"‬
‫[الزخرف‪ .]51 :‬وقال عمهر بهن الخطاب‪ :‬رجمنها ورجهم رسهول ال صهلى ال عليهه وسهلم‪ ،‬وإنمها‬
‫أمر بالرجم‪.‬‬
‫قلت‪ :‬الظههر فهي حجتهه عليهه السهلم القران‪ ،‬وأنهه كان قارنها‪ ،‬لحديهث عمهر وأنهس المذكوريهن‪.‬‬
‫وفي صحيح مسلم عن بكر عن أنس قال‪( :‬سمعت النبي صلى ال عليه وسلم يلبي بالحج والعمرة‬
‫معا)‪ .‬قال بكر‪ :‬فحدثت بذلك ابن عمر فقال‪ :‬لبى بالحج وحده‪ ،‬فلقيت أنسا فحدثته بقول ابن عمر‪،‬‬
‫فقال أنهس‪ :‬مها تعدوننها إل صهبيانا! سهمعت رسهول ال صهلى ال عليهه وسهلم يقول‪( :‬لبيهك عمرة‬
‫وحجا)‪ .‬وفي صحيح مسلم أيضا عن ابن عباس قال‪ :‬أهل النبي صلى ال عليه وسلم بعمرة وأهل‬
‫أصحابه بحج‪ ،‬فلم يحل النبي صلى ال عليه وسلم ول من ساق الهدي من أصحابه‪ ،‬وحل بقيتهم‪.‬‬
‫قال بعض أهل العلم‪ :‬كان رسول ال صلى ال عليه وسلم قارنا‪ ،‬وإذا كان قارنا فقد حج واعتمر‪،‬‬
‫واتفقهت الحاديهث‪ .‬وقال النحاس‪ :‬ومهن أحسهن مها قيهل فهي هذا أن رسهول ال صهلى ال عليهه وسهلم‬
‫أههل بعمرة‪ ،‬فقال مهن رآه‪ :‬تمتهع ثهم أههل بحجهة‪ .‬فقال مهن رآه‪ :‬أفرد ثهم قال‪( :‬لبيهك بحجهة وعمرة)‪.‬‬
‫فقال من سمعه‪ :‬قرن‪ .‬فاتفقت الحاديث‪ .‬والدليل على هذا أنه لم يرو أحد عن النبي صلى ال عليه‬
‫وسهلم أنهه قال‪ :‬أفردت الحهج ول تمتعهت‪ .‬وصهح عنهه أنهه قال‪( :‬قرنهت) كمها رواه النسهائي عهن علي‬
‫أنهه قال‪ :‬أتيهت رسهول ال صهلى ال عليه وسهلم فقال لي‪( :‬كيهف صهنعت) قلت‪ :‬أهللت بإهللك‪ .‬قال‬
‫(فإني سقت الهدي وقرنت)‪ .‬قال وقال صلى ال عليه وسلم لصحابه‪( :‬لو استقبلت من أمري كما‬
‫اسهتدبرت لفعلت كمها فعلتهم ولكنهي سهقت الهدي وقرنهت)‪ .‬وثبهت عهن حفصهة قالت قلت‪ :‬يها رسهول‬
‫ال‪ ،‬مها بال الناس قهد حلوا مهن عمرتههم ولم تحلل أنهت؟ قال‪( :‬إنهي لبدت رأسهي وسهقت هدي فل‬
‫أحل حتى أنحر)‪ .‬وهذا يبين أنه كان قارنا‪ ،‬لنه لو كان متمتعا أو مفردا لم يمتنع من نحر الهدي‪.‬‬
‫قلت‪ :‬مها ذكره النحاس أنهه لم يرو أحهد أن النهبي صهلى ال عليهه وسهلم قال‪( :‬أفردت الحهج) فقهد‬
‫تقدم من رواية عائشة أنه قال‪( :‬وأما أنا فأهل بالحج)‪ .‬وهذا معناه‪ :‬فأنا أفرد الحج‪ ،‬إل أنه يحتمل‬
‫أن يكون قهد أحرم بالعمرة‪ ،‬ثهم قال‪ :‬فأنها أههل بالحهج‪ .‬وممها يهبين هذا مها رواه مسهلم عهن ابهن عمهر‪،‬‬
‫وفيهه‪ :‬وبدأ رسهول ال صهلى ال عليهه وسهلم فأههل بالعمرة ثهم أههل بالحهج‪ ،‬فلم يبهق فهي قوله‪( :‬فأنها‬
‫أهل بالحج) دليل على الفراد‪ .‬وبقي قوله عليه السلم‪( :‬فإني قرنت)‪ .‬وقول أنس خادمه أنه سمعه‬
‫يقول‪( :‬لبيك بحجة وعمرة معا) نص صريح في القران ل يحتمل التأويل‪ .‬وروى الدارقطني عن‬
‫عبدال بن أبي قتادة عن أبيه قال‪ :‬إنما جمع رسول ال صلى ال عليه وسلم بين الحج والعمرة لنه‬
‫علم أنه ليس بحاج بعدها‪.‬‬
‫@ وإذا مضى القول في الفراد والتمتع والقران وأن كل ذلك جائز بإجماع فالتمتع بالعمرة إلى‬
‫الحهج عنهد العلماء على أربعهة أوجهه‪ ،‬منهها وجهه واحهد مجتمهع عليهه‪ ،‬والثلثهة مختلف فيهها‪ .‬فأمها‬
‫الوجهه المجتمهع عليهه فههو التمتهع المراد بقول ال جهل وعهز‪" :‬فمهن تمتهع بالعمرة إلى الحهج فمها‬
‫اسهتيسر مهن الهدي" وذلك أن يحرم الرجهل بعمرة فهي أشههر الحهج ‪ -‬على مها يأتهي بيانهها ‪ -‬وأن‬
‫يكون مهن أههل الفاق‪ ،‬وقدم مكهة ففرغ منهها ثهم أقام حلل بمكهة إلى أن أنشهأ الحهج منهها فهي عامهه‬
‫ذلك قبل رجوعه إلى بلده‪ ،‬أو قبل خروجه إلى ميقات أهل ناحيته‪ ،‬فإذا فعل ذلك كان متمتعا وعليه‬
‫مها أوجب ال على المتمتهع‪ ،‬وذلك مها استيسر من الهدي‪ ،‬يذبحه ويعطيهه للمساكين بمنهى أو بمكة‪،‬‬
‫فإن لم يجهد صهام ثلثهة أيام‪ ،‬وسهبعة إذا رجهع إلى بلده ‪ -‬على مها يأتهي ‪ -‬وليهس له صهيام يوم النحهر‬
‫بإجماع من المسلمين‪ .‬واختلف في صيام أيام التشريق على ما يأتي‪.‬‬
‫فهذا إجماع مهن أههل العلم قديمها وحديثها فهي المتعهة‪ ،‬ورابطهها ثمانيهة شروط‪ :‬الول‪ :‬أن يجمهع‬
‫بين الحج والعمرة‪ .‬الثاني‪ :‬في سفر واحد‪ .‬الثالث‪ :‬في عام واحد‪ .‬الرابع‪ :‬في أشهر الحج‪ .‬الخامس‪:‬‬
‫تقديم العمرة‪ .‬السادس‪ :‬أل يمزجها‪ ،‬بل يكون إحرام الحج بعد الفراغ من العمرة‪ .‬السابع‪ :‬أن تكون‬
‫العمرة والحهج عهن شخهص واحهد‪ .‬الثامهن‪ :‬أن يكون مهن غيهر أههل مكهة‪ .‬وتأمهل هذه الشروط فيمها‬
‫وصفنا من حكم التمتع تجدها‪.‬‬
‫والوجهه الثانهي مهن وجوه التمتهع بالعمرة إلى الحهج‪ :‬القران‪ ،‬وههو أن يجمهع بينهمها فهي إحرام‬
‫واحهد فيههل بهمها جميعها فهي أشههر الحهج أو غيرهها‪ ،‬يقول‪ :‬لبيهك بحجهة وعمرة معها‪ ،‬فإذا قدم مكهة‬
‫طاف لحجتهه وعمرتهه طوافها واحدا وسهعى سهعيا واحدا‪ ،‬عنهد مهن رأى ذلك‪ ،‬وههم مالك والشافعهي‬
‫وأصهحابهما وإسهحاق وأبهو ثور‪ ،‬وههو مذههب عبدال بهن عمهر وجابر بهن عبدال وعطاء بهن أبهي‬
‫رباح والحسهن ومجاههد وطاوس‪ ،‬لحديهث عائشهة رضهي ال عنهها قالت‪( :‬خرجنها مهع رسهول ال‬
‫صهلى ال عليهه وسهلم فهي حجهة الوداع فأهللنها بعمرة‪ )...‬الحديهث‪ .‬وفيهه‪( :‬وأمها الذيهن جمعوا بيهن‬
‫الحهج والعمرة فإنمها طافوا طوافها واحدا) أخرجهه البخاري‪ .‬وقال صهلى ال عليهه وسهلم لعائشهة يوم‬
‫النفر ولم تكن طافت بالبيت وحاضت‪( :‬يسعك طوافك لحجك وعمرتك) في رواية‪( :‬يجزئ عنك‬
‫طوافهك بالصهفا والمروة عهن حجهك وعمرتهك)‪ .‬أخرجهه مسهلم ‪ -‬أو طاف طوافيهن وسهعى سهعيين‪،‬‬
‫عنهد مهن رأى ذلك‪ ،‬وههو أبهو حنيفهة وأصهحابه والثوري والوزاعهي والحسهن بهن صهالح وابهن أبهي‬
‫ليلى‪ ،‬وروي عن علي وابن مسعود‪ ،‬وبه قال الشعبي وجابر بن زيد‪ .‬واحتجوا بأحاديث عن علي‬
‫عليهه السهلم أنهه جمهع بيهن الحهج والعمرة فطاف لهمها طوافيهن وسهعى لهمها سهعيين‪ ،‬ثهم قال‪ :‬هكذا‬
‫رأيهت رسهول ال صهلى ال عليهه وسهلم فعهل‪ .‬أخرجهمها الدارقطنهي فهي سهننه وضعفهها كلهها‪ ،‬وإنمها‬
‫جعل القران من باب التمتع‪ ،‬لن القارن يتمتع بترك النصب في السفر إلى العمرة مرة وإلى الحج‬
‫أخرى‪ ،‬ويتمتهع بجمعهمها‪ ،‬ولم يحرم لكهل واحهد مهن ميقاتهه‪ ،‬وضهم الحهج إلى العمرة‪ ،‬فدخهل تحهت‬
‫قول ال عز وجل‪" :‬فمن تمتع بالعمرة إلى الحج فما استيسر من الهدي"‪ .‬وهذا وجه من التمتع ل‬
‫خلف بيههن العلماء فههي جوازه‪ .‬وأهههل المدينههة ل يجيزون الجمههع بيههن العمرة والحههج إل بسههياق‬
‫الهدي‪ ،‬وهو عندهم بدنة ل يجوز دونها‪ .‬ومما يدل على أن القران تمتع قول ابن عمر‪ :‬إنما جعل‬
‫القران لهههل الفاق‪ ،‬وتل قول ال جههل وعههز‪" :‬ذلك لمههن لم يكههن أهله حاضري المسههجد الحرام"‬
‫فمهن كان مهن حاضري المسهجد الحرام وتمتهع أو قرن لم يكهن عليهه دم قران ول تمتهع‪ .‬قال مالك‪:‬‬
‫وما سمعت أن مكيها قرن‪ ،‬فإن فعل لم يكهن عليه هدي ول صيام‪ ،‬وعلى قول مالك جمهور الفقهاء‬
‫فهي ذلك‪ .‬وقال عبدالملك بهن الماجشون‪ :‬إذا قرن المكهي الحهج مهع العمرة كان عليهه دم القران مهن‬
‫أجل أن ال إنما أسقط عن أهل مكة الدم والصيام في التمتع‪.‬‬
‫والوجه الثالث من التمتع‪ :‬هو الذي توعد عليه عمر بن الخطاب وقال‪( :‬متعتان كانتا على عهد‬
‫رسهول ال صهلى ال عليهه وسهلم أنها أنههى عنهمها وأعاقهب عليهمها‪ :‬متعهة النسهاء ومتعهة الحهج) وقهد‬
‫تنازع العلماء فهي جواز هذا بعهد هلم جرا‪ ،‬وذلك أن يحرم الرجهل بالحهج حتهى إذا دخهل مكهة فسهخ‬
‫حجه في عمرة‪ ،‬ثم حل وأقام حلل حتى يهل بالحج يوم التروية‪ .‬فهذا هو الوجه الذي تواردت به‬
‫الثار عهن النهبي صهلى ال عليهه وسهلم (فيهه أنهه أمهر أصهحابه فهي حجتهه مهن لم يكهن معهه هدي ولم‬
‫يسهقه وقهد كان أحرم بالحهج أن يجعلهها عمرة) وقهد أجمهع العلماء على تصهحيح الثار بذلك عنهه‬
‫صلى ال عليه وسلم ولم يدفعوا شيئا منها‪ ،‬إل أنهم اختلفوا في القول بها والعمل لعلل فجمهورهم‬
‫على ترك العمل بها‪ ،‬لنها عندهم خصوص خص بها رسول ال صلى ال عليه وسلم أصحابه في‬
‫حجته تلك‪ .‬قال أبو ذر‪( :‬كانت المتعة لنا في الحج خاصة) أخرجه مسلم‪ .‬وفي رواية عنه أنه قال‪:‬‬
‫(ل تصلح المتعتان إل لنا خاصة‪ ،‬يعني متعة النساء ومتعة الحج) والعلة في الخصوصية ووجه‬
‫الفائدة فيهها مها قاله ابهن عباس رضهي ال عنهه قال‪( :‬كانوا يرون أن العمرة فهي أشههر الحهج مهن‬
‫أفجهر الفجور فهي الرض ويجعلون المحرم صهفرا ويقولون‪ :‬إذا برأ الدبر‪ ،‬وعفها الثهر‪ ،‬وانسهلخ‬
‫صهفر‪ ،‬حلت العمرة لمهن اعتمهر‪ .‬فقدم النهبي صهلى ال عليهه وسهلم وأصهحابه صهبيحة رابعهة مهليهن‬
‫بالحج‪ ،‬فأمرهم أن يجعلوها عمرة‪ ،‬فتعاظم ذلك عندهم فقالوا‪ :‬يا رسول ال‪ ،‬أي الحل؟ قال‪( :‬الحل‬
‫كله)‪ .‬أخرجه مسلم‪ .‬وفي المسند الصحيح لبي حاتم عن ابن عباس قال‪( :‬وال ما أعمر رسول ال‬
‫صهلى ال عليهه وسهلم عائشهة فهي ذي الحجهة إل ليقطهع بذلك أمهر أههل الشرك‪ ،‬فإن هذا الحهي مهن‬
‫قريهش ومهن دان دينههم كانوا يقولون‪ :‬إذا عفها الوبر‪ ،‬وبرأ الدبر‪ ،‬وانسهلخ صهفر‪ ،‬حلت العمرة لمهن‬
‫اعتمهر‪ .‬فقهد كانوا يحرمون العمرة حتهى ينسهلخ ذو الحجهة‪ ،‬فمها أعمهر رسهول ال صهلى ال عليهه‬
‫وسلم عائشة إل لينقض ذلك من قولهم) ففي هذا دليل علي أن رسول ال صلى ال عليه وسلم إنما‬
‫فسههخ الحههج فههي العمرة ليريهههم أن العمرة فههي أشهههر الحههج ل بأس بههها‪ .‬وكان ذلك له ولمههن معههه‬
‫خاصة‪ ،‬لن ال عز وجل قد أمر بإتمام الحج والعمرة كل من دخل فيها أمرا مطلقا‪ ،‬ول يجب أن‬
‫يخالف ظاهر كتاب ال إل إلى ما ل إشكال فيه من كتاب ناسخ أو سنة مبينة‪ .‬واحتجوا بما ذكرناه‬
‫عهن أبهي ذر وبحديهث الحارث بهن بلل عهن أبيهه قال قلنها‪ :‬يها رسهول ال‪ ،‬فسهخ الحهج لنها خاصهة أم‬
‫للناس عامههة؟ قال‪( :‬بههل لنهها خاصههة)‪ .‬وعلى هذا جماعههة فقهاء الحجاز والعراق والشام‪ ،‬إل شيههء‬
‫يروى عهن ابهن عباس والحسهن والسهدي‪ ،‬وبهه قال أحمهد بهن حنبهل‪ .‬قال أحمهد‪ :‬ل أرد تلك الثار‬
‫الواردة المتواترة الصحاح في فسخ الحج في العمرة بحديث الحارث بن بلل عن أبيه وبقول أبي‬
‫ذر‪ .‬قال‪ :‬ولم يجمعوا على مها قال أبهو ذر‪ ،‬ولو أجمعوا كان حجهة‪ ،‬قال‪ :‬وقهد خالف ابهن عباس أبها‬
‫ذر ولم يجعله خصوصا‪ .‬واحتج أحمد بالحديث الصحيح‪ ،‬حديث جابر الطويل في الحج‪ ،‬وفيه‪ :‬أن‬
‫النهبي صهلى ال عليهه وسهلم قال‪( :‬لو أنهي اسهتقبلت مهن أمري مها اسهتدبرت لم أسهق الهدي وجعلتهها‬
‫عمرة) فقام سهراقة بهن مالك بهن جعشهم فقال‪ :‬يها رسهول ال‪ ،‬ألعامنها هذا أم لبهد؟ فشبهك رسهول ال‬
‫صهلى ال عليهه وسهلم أصهابعه واحدة فهي الخرى وقال‪( :‬دخلت العمرة فهي الحهج ‪ -‬مرتيهن ‪ -‬ل بهل‬
‫لبهد أبهد) لفهظ مسهلم‪ .‬وإلى هذا وال أعلم مال البخاري حيهث ترجهم [باب مهن لبهى بالحهج وسهماه]‬
‫وساق حديث جابر بن عبدال‪ :‬قدمنا مع رسول ال صلى ال عليه وسلم ونحن نقول‪ :‬لبيك بالحج‪،‬‬
‫فأمرنها رسهول ال صهلى ال عليهه وسهلم فجعلناهها عمرة‪ .‬وقال قوم‪ :‬إن أمهر النهبي صهلى ال عليهه‬
‫وسلم بالحلل كان على وجه آخر‪ .‬وذكهر مجاهد ذلك الوجه‪ ،‬وهو أن أصحاب رسول ال صلى‬
‫ال عليهه وسهلم مها كانوا فرضوا الحهج أول‪ ،‬بهل أمرههم أن يهلوا مطلقها وينتظروا مها يؤمرون بهه‪،‬‬
‫وكذلك أهههل علي باليمههن‪ .‬وكذلك كان إحرام النههبي صههلى ال عليههه وسههلم‪ ،‬ويدل عليههه قوله عليههه‬
‫السلم‪( :‬لو استقبلت من أمري ما استدبرت ما سقت الهدى وجعلتها عمرة) فكأنه خرج ينتظر ما‬
‫يؤمهر بهه ويأمهر؟؟ أصهحابه بذلك‪ ،‬ويدل على ذلك قوله عليهه السهلم‪( :‬أتانهي آت مهن ربهي فهي هذا‬
‫الوادي المبارك وقال قل حجة في عمرة)‪.‬‬
‫والوجه الرابع من المتعة‪ :‬متعة المحصر ومن صد عن البيت‪ ،‬ذكر يعقوب بن شيبة قال حدثنا‬
‫أبو سلمة التبوذكي حدثنا وهيب حدثنا إسحاق بن سويد قال سمعت عبدال بن الزبير وهو يخطب‬
‫يقول‪ :‬أيهها الناس‪ ،‬إنهه وال ليهس التمتهع بالعمرة إلى الحهج كمها تصهنعون‪ ،‬ولكهن التمتهع أن يخرج‬
‫الرجل حاجا فيحبسه عدو أو أمر يعذر به حتى تذهب أيام الحج‪ ،‬فيأتي البيت فيطوف ويسعى بين‬
‫الصفا والمروة‪ ،‬ثم يتمتع بحله إلى العام المستقبل ثم يحج ويهدي‪.‬‬
‫وقد مضى القول في حكم المحصر وما للعلماء في ذلك مبينا‪ ،‬والحمد ل‪.‬‬
‫فكان من مذهبه أن المحصر ل يحل ولكنه يبقى على إحرامه حتى يذبح عنه الهدي يوم النحر‪،‬‬
‫ثم يحلق ويبقى على إحرامه حتى يقدم مكة فيتحلل من حجه بعمل عمرة‪ .‬والذي ذكره ابن الزبير‬
‫خلف عموم قوله تعالى‪" :‬فإن أحصرتم فما استيسر من الهدي" بعد قوله‪" :‬وأتموا الحج والعمرة‬
‫ل" ولم يفصل في حكم الحصار بين الحج والعمرة‪ ،‬والنبي صلى ال عليه وسلم وأصحابه حين‬
‫أحصروا بالحديبية حلوا وحل‪ ،‬وأمرهم بالحلل‪.‬‬
‫واختلف العلماء أيضها لم سهمي المتمتهع متمتعها‪ ،‬فقال ابهن القاسهم‪ :‬لنهه تمتهع بكهل مها ل يجوز‬
‫للمحرم فعله مهن وقهت حله فهي العمرة إلى وقهت إنشائه الحهج‪ .‬وقال غيره‪ :‬سهمي متمتعها لنهه تمتهع‬
‫بإسهقاط أحهد السهفرين‪ ،‬وذلك أن حهق العمرة أن تقصهد بسهفر‪ ،‬وحهق الحهج كذلك‪ ،‬فلمها تمتهع بإسهقاط‬
‫أحدهما ألزمه ال هديا‪ ،‬كالقارن الذي يجمع بين الحج والعمرة في سفر واحد‪ ،‬والوجه الول أعم‪،‬‬
‫فإنهه يتمتهع بكهل مها يجوز للحلل أن يفعله‪ ،‬وسهقط عنهه السهفر بحجهه مهن بلده‪ ،‬وسهقط عنهه الحرام‬
‫مهن ميقاتهه فهي الحهج‪ .‬وهذا ههو الوجهه الذي كرههه عمهر وابهن مسهعود‪ ،‬وقال أو قال أحدهمها‪ :‬يأتهي‬
‫أحدكهم منهي وذكره يقطهر منيها‪ ،‬وقهد أجمهع المسهلمون على جواز هذا‪ .‬وقهد قال جماعهة مهن العلماء‪:‬‬
‫إنما كرهه عمر لنه أحب أن يزار البيت في العام مرتين‪ :‬مرة في الحج‪ ،‬ومرة في العمرة‪ .‬ورأى‬
‫الفراد أفضهل‪ ،‬فكان يأمهر بهه ويميهل إليهه وينههى عهن غيره اسهتحبابا‪ ،‬ولذلك قال‪( :‬افصهلوا بيهن‬
‫حجكم وعمرتكم‪ ،‬فإنه أتم لحج أحدكم وأتم لعمرته أن يعتمر في غير أشهر الحج)‬
‫@ اختلف العلماء فيمهن اعتمهر فهي أشههر الحهج ثهم رجهع إلى بلده ومنزله ثهم حهج مهن عامهه‪ ،‬فقال‬
‫الجمهور مهن العلماء‪ :‬ليهس بمتمتهع‪ ،‬ول هدي عليهه ول صهيام‪ .‬وقال الحسهن البصهري‪ :‬ههو متمتهع‬
‫وإن رجهع إلى أهله‪ ،‬حهج أو لم يحهج‪ .‬قال لنهه كان يقال‪ :‬عمرة فهي أشههر الحهج متعهة‪ ،‬رواه هشيهم‬
‫عن يونس عن الحسن‪ .‬وقد روي عن يونس عن الحسن‪ :‬ليس عليه هدي‪ .‬والصحيح القول الول‪،‬‬
‫هكذا ذكهر أبهو عمهر حهج أو لم يحهج ولم يذكره ابهن المنذر‪ .‬قال ابهن المنذر‪ :‬وحجتهه ظاههر الكتاب‬
‫قوله عز وجل‪" :‬فمن تمتع بالعمرة إلى الحج" ولم يستثن‪ :‬راجعا إلى أهله وغير راجع‪ ،‬ولو كان‬
‫ل جل ثناؤه في ذلك مراد لبينه في كتابه أو على لسان رسول ال صلى ال عليه وسلم‪ .‬وقد روي‬
‫عهن سهعيد بهن المسهيب مثهل قول الحسهن‪ .‬قال أبهو عمهر‪ :‬وقهد روي عهن الحسهن أيضها فهي هذا الباب‬
‫قول لم يتابع عليه أيضا‪ ،‬ول ذهب إليه أحد من أهل العلم‪ .‬وذلك أنه قال‪ :‬من اعتمر بعد يوم النحر‬
‫فههي متعهة‪ .‬وقهد روي عهن طاوس قولن همها أشهد شذوذا ممها ذكرنها عهن الحسهن‪ ،‬أحدهمها‪ :‬أن مهن‬
‫اعتمر في غير أشهر الحج ثم أقام حتى دخل وقت الحج‪ ،‬ثم حج من عامه أنه متمتع‪ .‬هذا لم يقل‬
‫بهه أحهد مهن العلماء غيره‪ ،‬ول ذههب إليهه أحهد مهن فقهاء المصهار‪ .‬وذلك ‪ -‬وال أعلم ‪ -‬أن شهور‬
‫الحههج أحههق بالحههج مههن العمرة‪ ،‬لن العمرة جائزة فههي السههنة كلههها‪ ،‬والحههج إنمهها موضعههه شهور‬
‫معلومة‪ ،‬فإذا جعل أحد العمرة في أشهر الحج فقد جعلها في موضع كان الحج أولى به‪ ،‬إل أن ال‬
‫تعالى قد رخص في كتابه وعلى لسان رسول ال صلى ال عليه وسلم في عمل العمرة في أشهر‬
‫الحج للمتمتع وللقارن ولمن شاء أن يفردها‪ ،‬رحمة منه‪ ،‬وجمل فيه ما استيسر من الهدي‪ .‬والوجه‬
‫الخهر قاله فهي المكهي إذا تمتهع مهن مصهر مهن المصهار فعليهه الهدي‪ ،‬وهذا لم يعرج عليهه‪ ،‬لظاههر‬
‫قوله تعالى‪" :‬ذلك لمهن لم يكهن أهله حاضري المسهجد الحرام" والتمتهع الجائز عنهد جماعهة العلماء‬
‫ما أوضحناه بالشرائط التي ذكرناها‪ ،‬وبال توفيقنا‪.‬‬
‫@ أجمع العلماء على أن رجل من غير أهل مكة لو قدم مكة معتمرا في أشهر الحج عازما على‬
‫القامهة بهها ثهم أنشهأ الحهج مهن عامهه فحهج أنهه متمتهع‪ ،‬عليهه مها على المتمتهع‪ .‬وأجمعوا فهي المكهي‬
‫يجيء من وراء الميقات محرما بعمرة‪ ،‬ثم ينشئ الحج من مكة وأهله بمكة ولم يسكن سواها أنه ل‬
‫دم عليهه‪ ،‬وكذلك إذا سهكن غيرهها وسهكنها وكان له فيهها أههل وفهي غيرهها‪ .‬وأجمعوا على أنهه إن‬
‫انتقل من مكة بأهله ثم قدمها في أشهر الحج معتمرا فأقام بها حتى حج من عامه أنه متمتع‪.‬‬
‫@ واتفهق مالك والشافعهي وأبهو حنيفهة وأصهحابهم والثوري وأبهو ثور على أن المتمتهع يطوف‬
‫لعمرته بالبيت ويسعى بين الصفا والمروة‪ ،‬وعليه بعد أيضا طواف آخر بحجة وسعي بين الصفا‬
‫والمروة‪ .‬وروي عن عطاء وطاوس أنه يكفيه سعي واحد بين الصفا والمروة‪ ،‬والول المشهور‪،‬‬
‫وهو الذي عليه الجمهور‪ ،‬وأما طواف القارن فقد تقدم‪.‬‬
‫@ واختلفوا فيمن أنشأ عمرة في غير أشهر الحج ثم عمل لها في أشهر الحج‪ ،‬فقال مالك‪ :‬عمرته‬
‫فهي الشههر الذي حل فيهه‪ ،‬يريهد إن كان حل منهها فهي غيهر أشههر الحج فليهس بمتمتهع‪ ،‬وإن كان حهل‬
‫منهها فهي أشههر الحهج فههو متمتهع إن حهج مهن عامهه‪ .‬وقال الشافعهي‪ :‬إذا طاف بالبيهت فهي الشههر‬
‫الحرم للعمرة فههو متمتهع إن حهج مهن عامهه‪ ،‬وذلك أن العمرة إنمها تكمهل بالطواف بالبيهت‪ ،‬وإنمها‬
‫ينظر إلى كمالها‪ ،‬وهو قول الحسن البصري والحكم بن عيينة وابن شبرمة وسفيان الثوري‪ .‬وقال‬
‫قتادة وأحمد وإسحاق‪ :‬عمرته للشهر الذي أهل فيه‪ ،‬وروي معنى ذلك عن جابر بن عبدال‪ .‬وقال‬
‫طاوس‪ :‬عمرته للشهر الذي يدخل فيه الحرم‪ .‬وقال أصحاب الرأي‪ :‬إن طاف لها ثلثة أشواط في‬
‫رمضان‪ ،‬وأربعههة أشواط فههي شوال فحههج مههن عامههه أنههه متمتههع‪ .‬وإن طاف فههي رمضان أربعههة‬
‫أشواط‪ ،‬وفي شوال ثلثة أشواط لم يكن متمتعا‪ .‬وقال أبو ثور‪ :‬إذا دخل في العمرة في غير أشهر‬
‫الحهج فسهواء أطاف لهها فهي رمضان أو فهي شوال ل يكون بهذه العمرة متمتعها‪ .‬وههو معنهى قول‬
‫أحمد وإسحاق‪ :‬عمرته للشهر الذي أهل فيه‪.‬‬
‫@ أجمهع أههل العلم على أن لمهن أههل بعمرة فهي أشههر الحهج أن يدخهل عليهها الحهج مها لم يفتتهح‬
‫الطواف بالبيهت‪ ،‬ويكون قارنها بذلك‪ ،‬يلزمهه مها يلزم القارن الذي أنشهأ الحهج والعمرة معها‪ .‬واختلقوا‬
‫في إدخال الحج على العمرة بعد أن افتتح الطواف‪ ،‬فقال مالك‪ :‬يلزمه ذلك ويصير قارنا ما لم يتم‬
‫طوافهه‪ ،‬وروي مثله عهن أبهي حنيفهة‪ ،‬والمشهور عنهه أنهه ل يجوز إل قبهل الخهذ فهي الطواف‪ ،‬وقهد‬
‫قيهل‪ :‬له أن يدخهل الحهج على العمرة مها لم يركهع ركعتهي الطواف‪ .‬وكهل ذلك قول مالك وأصهحابه‪.‬‬
‫فإذا طاف المعتمر شوطا واحد لعمرته ثم أحرم بالحج صار قارنا‪ ،‬وسقط عنه باقي عمرته ولزمه‬
‫دم القران‪ .‬وكذلك مههن أحرم بالحههج فههي أضعاف طوافههه أو بعههد فراغههه منههه قبههل ركوعههه‪ .‬وقال‬
‫بعضهم‪ :‬له أن يدخل الحج على العمرة ما لم يكمل السعي بين الصفا والمروة‪ .‬قال أبو عمر‪ :‬وهذا‬
‫كله شذوذ عند أهل العلم‪ .‬وقال أشهب‪ :‬إذا طاف لعمرته شوطا واحدا لم يلزمه الحرام به ولم يكن‬
‫قارنها‪ ،‬ومضهى على عمرتهه حتهى يتمهها ثهم يحرم بالحهج‪ ،‬وهذا قول الشافعهي وعطاء‪ ،‬وبهه قال أبهو‬
‫ثور‪.‬‬
‫@ واختلفوا فهي إدخال العمرة على الحهج‪ ،‬فقال مالك وأبهو ثور وإسهحاق‪ :‬ل تدخهل العمرة على‬
‫الحهج‪ ،‬ومهن أضاف العمرة إلى الحهج فليسهت العمرة بشيهء‪ ،‬قاله مالك‪ ،‬وههو أحهد قولي الشافعهي‪،‬‬
‫وههو المشهور عنهه بمصهر‪ .‬وقال أبهو حنيفهة وأصهحابه والشافعهي فهي القديهم‪ :‬يصهير قارنها‪ ،‬ويكون‬
‫عليه ما على القارن ما لم يطف بحجته شوطا واحدا‪ ،‬فإن طاف لم يلزمه‪ ،‬لنه قد عمل في الحج‪.‬‬
‫قال ابن المنذر‪ :‬وبقول مالك أقول في هذه المسألة‪.‬‬
‫@ قال مالك‪ :‬من أهدى هديا للعمرة وهو متمتع لم يجز ذلك‪ ،‬وعليه هدي آخر لمتعته‪ ،‬لنه إنما‬
‫يصير متمتعا إذا أنشأ الحج بعد أن حل من عمرته‪ ،‬وحينئذ يجب على الهدي‪ .‬وقال أبو حنيفة وأبو‬
‫ثور وإسهحاق‪ :‬ل ينحهر هديهه إل يوم النحهر‪ .‬وقال أحمهد‪ :‬إن قدم المتمتهع قبهل العشهر طاف وسهعى‬
‫ونحهر هديهه‪ ،‬وإن قدم فهي العشهر لم ينحهر إل يوم النحهر‪ ،‬وقاله عطاء‪ .‬وقال الشافعهي‪ :‬يحهل مهن‬
‫عمرته إذا طاف وسعى‪ ،‬ساق هديا أو لم يسقه‪.‬‬
‫@ واختلف مالك والشافعهي فهي المتمتهع يموت‪ ،‬فقال الشافعهي‪ :‬إذا أحرم بالحهج وجهب عليهه دم‬
‫المتعة إذا كان واجدا لذلك‪ ،‬حكاه الزعفراني عنه‪ .‬وروى ابن وهب عن مالك أنه سئل عن المتمتع‬
‫يموت بعهد مها يحرم بالحهج بعرفهة أو غيرهها‪ ،‬أترى عليهه هديها؟ قال‪ :‬مهن مات مهن أولئك قبهل أن‬
‫يرمي جمرة العقبة فل أرى عليه هديا‪ ،‬ومن رمى الجمرة ثم مات فعليه الهدي‪ .‬قيل له‪ :‬من رأس‬
‫المال أو من الثلث؟ قال‪ :‬بل من رأس المال‪.‬‬
‫*‪*4‬قوله تعالى‪{ :‬فمن لم يجد فصيام ثلثة أيام في الحج وسبعة إذا رجعتم تلك عشرة كاملة ذلك‬
‫لمن لم يكن أهله حاضري المسجد الحرام واتقوا ال واعلموا أن ال شديد العقاب}‬
‫@قوله تعالى‪" :‬فمهن لم يجهد" يعنهي الهدي‪ ،‬إمها لعدم المال أو لعدم الحيوان‪ ،‬صهام ثلثهة أيام فهي‬
‫الحج وسبعة إذا رجع إلى بلده‪ .‬والثلثة اليام في الحج آخرها يوم عرفة‪ ،‬هذا قول طاوس‪ ،‬وروي‬
‫عهن الشعهبي وعطاء ومجاههد والحسهن البصهري والنخعهي وسهعيد بهن جهبير وعلقمهة وعمرو بهن‬
‫دينار وأصهحاب الرأي‪ ،‬حكاه ابهن المنذر‪ .‬وحكهى أبهو ثور عهن أبهي حنيفهة يصهومها فهي إحرامهه‬
‫بالعمرة‪ ،‬لنهه أحهد إحرامهي التمتهع‪ ،‬فجاز صهوم اليام فيهه كإحرامهه بالحهج‪ .‬وقال أبهو حنيفهة أيضها‬
‫وأصهحابه‪ :‬يصهوم قبهل يوم الترويهة يومها‪ ،‬ويوم الترويهة ويوم عرفهة‪ .‬وقال ابهن عباس ومالك بهن‬
‫أنهس‪ :‬له أن يصهومها منهذ يحرم بالحهج إلى يوم النحهر‪ ،‬لن ال تعالى قال‪" :‬فصهيام ثلثهة أيام فهي‬
‫الحههج" فإذا صههامها فههي العمرة فقههد أتاه قبههل وقتههه فلم يجزه‪ .‬وقال الشافعههي وأحمههد بههن حنبههل‪:‬‬
‫يصهومهن مها بيهن أن يههل بالحهج إلى يوم عرفهة‪ ،‬وههو قول ابهن عمهر وعائشهة‪ ،‬وروي هذا عهن‬
‫مالك‪ ،‬وهههو مقتضههى قوله فههي موطئه‪ ،‬ليكون يوم عرفههة مفطرا‪ ،‬فذلك أتبههع للسههنة‪ ،‬وأقوى على‬
‫العبادة‪ ،‬وسهههيأتي‪ .‬وعهههن أحمهههد أيضههها‪ :‬جائز أن يصهههوم الثلثهههة قبهههل أن يحرم‪ .‬وقال الثوري‬
‫والوزاعي‪ :‬يصومهن من أول أيام العشر‪ ،‬وبه قال عطاء‪ .‬وقال عروة‪ :‬يصومها ما دام بمكة في‬
‫أيام منى‪ ،‬وقاله أيضا مالك وجماعة من أهل المدينة‪.‬‬
‫وأيام منهى ههي أيام التشريهق الثلثهة التهي تلي يوم النحهر‪ .‬روى مالك فهي الموطهأ عهن عائشهة أم‬
‫المؤمنيهن أنهها كانهت تقول‪" :‬الصهيام لمهن تمتهع بالعمرة إلى الحهج لمهن لم يجهد هديها مها بيهن أن يههل‬
‫بالحهج إلى يوم عرفهة‪ ،‬فإن لم يصهم صهام أيام منهى"‪ .‬وهذا اللفهظ يقتضهي صهحة الصهوم مهن وقهت‬
‫يحرم بالحج المتمتع إلى يوم عرفة‪ ،‬وأن ذلك مبدأ‪ ،‬إما لنه وقت الداء وما بعد ذلك من ذلك من‬
‫أيام منى وقت القضاء‪ ،‬على ما يقول أصحاب الشافعي‪ ،‬وإما لن في تقديم الصيام قبل يوم النحر‬
‫إبراء للذمهة‪ ،‬وذلك مأمور بهه‪ .‬والظههر مهن المذههب أنهها على وجهه الداء‪ ،‬وإن كان الصهوم قبلهها‬
‫أفضهل‪ ،‬كوقهت الصهلة الذي فيهه سهعة للداء وإن كان أوله أفضهل مهن آخره‪ .‬وهذا ههو الصهحيح‬
‫وأنها أداء ل قضاء‪ ،‬فإن قوله‪" :‬أيام في الحج" يحتمل أن يريد موضع الحج ويحتمل أن يريد أيام‬
‫الحهج‪ ،‬فإن كان المراد أيام الحهج فهذا القول صهحيح‪ ،‬لن آخهر أيام الحهج يوم النحهر‪ ،‬ويحتمهل أن‬
‫يكون آخر أيام الحج أيام الرمي‪ ،‬لن الرمي عمل من عمل الحج خالصا وإن لم يكن من أركانه‪.‬‬
‫وإن كان المراد موضهع الحهج صهامه مها دام بمكهة فهي أيام منهى‪ ،‬كمها قال عروة‪ ،‬ويقوى جدا‪ .‬وقهد‬
‫قال قوم‪ :‬له أن يؤخرها ابتداء إلى أيام التشريق‪ ،‬لنه ل يجب عليه الصيام إل بأل يجد الهدي يوم‬
‫النحهر‪ .‬فإن قيهل‪ :‬فقهد ذههب جماعهة مهن أههل المدينهة والشافعهي فهي الجديهد وعليه أكثهر أصهحابه إلى‬
‫أنه ل يجوز صوم أيام التشريق لنهي رسول ال صلى ال عليه وسلم عن صيام أيام منى‪ ،‬قيل له‪:‬‬
‫إن ثبت النهي فهو عام يخصص منه المتمتع بما ثبت في البخاري أن عائشة كانت تصومها‪ .‬وعن‬
‫ابههن عمههر وعائشههة قال‪ :‬لم يرخههص فههي أيام التشريههف أن يصههمن إل لمههن لم يجههد الهدي‪ .‬وقال‬
‫الدارقطني‪ :‬إسناده صحيح‪ ،‬ورواه مرفوعها عن ابن عمر وعائشة مهن طرق ثلثة ضعفهها‪ .‬وإنمها‬
‫رخهص فهي صهومها لنهه لم يبهق مهن أيامه إل بمقدارها‪ ،‬وبذلك يتحقهق وجوب الصوم لعدم الهدي‪.‬‬
‫قال ابن المنذر‪ :‬وقد روينا عن علي بن أبي طالب أنه قال‪ :‬إذا فاته الصوم صام بعد أيام التشريق‪،‬‬
‫وقال الحسهن وعطاء‪ .‬قال ابهن المنذر‪ :‬وكذلك نقول‪ .‬وقالت طائفهة‪ :‬إذا فاتهه الصهوم فهي العشهر لم‬
‫يجزه إل الهدي‪ .‬روي ذلك عن ابن عباس وسعيد بن جبير وطاوس ومجاهد‪ ،‬وحكاه أبو عمر عن‬
‫أبي حنيفة وأصحابه عنه‪ ،‬فتأمله‪.‬‬
‫@ أجمع العلماء على أن الصوم ل سبيل للمتمتع إليه إذا كان يجد الهدي‪ ،‬واختلفوا فيه إذا كان‬
‫غير واجد للهدي فصام ثم وجد الهدي قبل إكمال صومه‪ ،‬فذكر ابن وهب عن مالك قال‪ :‬إذا دخل‬
‫فهي الصهوم ثهم وجهد هديها فأحهب إلي أن يهدي‪ ،‬فإن لم يفعهل أجزاه الصهيام‪ .‬وقال الشافعهي‪ :‬يمضهي‬
‫في صومه وهو فرضه‪ ،‬وكذلك قال أبو ثور‪ ،‬وهو قول الحسن وقتادة‪ ،‬واختاره ابن المنذر‪ .‬وقال‬
‫أبو حنيفة‪ :‬إذا أيسر في اليوم الثالث من صومه بطل الصوم ووجب عليه الهدي‪ ،‬وإن صام ثلثة‬
‫أيام فهي الحهج ثهم أيسهر كان له أن يصهوم السهبعة اليام ل يرجهع إلى الهدي‪ ،‬وبهه قال الثوري وابهن‬
‫أبي نجيح وحماد‪.‬‬
‫@قوله تعالى‪" :‬وسهبعة" قراءة الجمهور بالخفهض على العطهف‪ .‬وقرأ زيهد بهن علي "وسهبعة"‬
‫بالنصههب‪ ،‬على معنههى‪ :‬وصههوموا سههبعة‪" .‬إذا رجعتههم" يعنههي إلى بلدكههم‪ ،‬قاله ابههن عمههر وقتادة‬
‫والربيهع ومجاههد وعطاء‪ ،‬وقاله مالك فهي كتاب محمهد‪ ،‬وبهه قال الشافعهي‪ .‬قال قتادة والربيهع‪ :‬هذه‬
‫رخصة من ال تعالى‪ ،‬فل يجب على أحد صوم السبعة إل إذا وصل وطنه‪ ،‬إل أن يتشدد أحد‪ ،‬كما‬
‫يفعل من يصوم في السفر في رمضان‪ .‬وقال أحمد وإسحاق‪ :‬يجزيه الصوم في الطريق‪ ،‬وروي‬
‫عههن مجاهههد وعطاء‪ .‬قال مجاهههد‪ :‬إن شاء صههامها فههي الطريههق‪ ،‬إنمهها هههي رخصههة‪ ،‬وكذلك قال‬
‫عكرمة والحسن‪ .‬والتقدير عند بعض أهل اللغة‪ :‬إذا رجعتم من الحج‪ ،‬أي إذا رجعتم إلى ما كنتم‬
‫عليه قبل الحرام من الحل‪ .‬وقال مالك في الكتاب‪ :‬إذا رجع من منى فل بأس أن يصوم وقال ابن‬
‫العربي‪ :‬إن كان تخفيفا ورخصة فيجوز تقديم الرخص وترك الرفق فيها إلى العزيمة إجماعا‪ .‬وإن‬
‫كان ذلك توقيتا فليس فيه نص‪ ،‬ول ظاهر أنه أراد البلد‪ ،‬وأنها المراد في الغلب‪.‬‬
‫قلت‪ :‬بهل فيهه ظاههر يقرب إلى النهص‪ ،‬يهبينه مها رواه مسهلم عهن ابهن عمهر قال‪ :‬تمتهع رسهول ال‬
‫صلى ال عليه وسلم في حجة الوداع بالعمرة إلى الحج وأهدى‪ ،‬فساق معه الهدي من ذي الحليفة‪،‬‬
‫وبدأ رسهول ال صهلى ال عليهه وسهلم فأههل بالعمرة ثهم أههل بالحهج‪ ،‬وتمتهع الناس مهع رسهول ال‬
‫صلى ال عليه وسلم بالعمرة إلى الحج‪ ،‬فكان من الناس من أهدى فساق الهدي‪ ،‬ومنهم من لم يهد‪،‬‬
‫فلمها قدم رسهول ال صهلى ال عليهه وسهلم مكهة قال للناس‪( :‬مهن كان منكهم أهدى فإنهه ل يحهل مهن‬
‫شيههء حرم منههه حتههى يقضههي حجههه ومههن لم يكههن منكههم أهدى فليطههف بالبيههت وبالصههفا والمروة‬
‫وليقصر وليحلل ثم ليهل بالحج وليهد فمن لم يجد هديا فليصم ثلثة أيام في الحج وسبعة إذا رجع‬
‫إلى أهله) الحديث‪ .‬وهذا كالنص في أنه ل يجوز صوم السبعة اليام إل في أهله وبلده‪ ،‬وال أعلم‪.‬‬
‫وكذا قال البخاري فهي حديهث ابهن عباس‪( :‬ثهم أمرنها عشيهة الترويهة أن نههل بالحهج فإذا فرغنها مهن‬
‫المناسك جئنا فطفنا بالبيت وبالصفا والمروة وقد تم حجنا وعلينا الهدي‪ ،‬كما قال ال تعالى‪" :‬فما‬
‫اسهتيسر مهن الهدي فمهن لم يجهد فصهيام ثلثهة أيام فهي الحهج وسهبعة إذا رجعتهم إلى أمصهاركم‪)...‬‬
‫[البقرة‪ ]196 :‬الحديث وسيأتي‪ .‬قال النحاس‪ :‬وكان هذا إجماعا‪.‬‬
‫@قوله تعالى‪" :‬تلك عشرة كاملة" يقال‪ :‬كمهل يكمهل‪ ،‬مثهل نصهر ينصهر‪ .‬كمهل يكمهل‪ ،‬مثهل عظهم‬
‫يعظم‪ .‬وكمل يكمل‪ ،‬مثل حمد يحمد‪ ،‬ثلث لغات‪ .‬واختلفوا في معنى قوله‪" :‬تلك عشرة" وقد علم‬
‫أنهها عشرة‪ ،‬فقال الزجاج‪ :‬لمها جاز أن يتوههم متوههم التخييهر بيهن ثلثهة أيام فهي الحهج أو سهبعة إذا‬
‫رجههع بدل منههها‪ ،‬لنههه لم يقههل وسههبعة أخرى ‪ -‬أزيههل ذلك بالجملة مههن قوله "تلك عشرة" ثههم قال‪:‬‬
‫"كاملة"‪ .‬وقال الحسن‪" :‬كاملة" في الثواب كمن أهدى‪ .‬وقيل‪" :‬كاملة" في البدل عن الهدي‪ ،‬يعني‬
‫العشرة كلهها بدل عهن الهدي‪ .‬وقيهل‪" :‬كاملة" فهي الثواب كمهن لم يتمتهع‪ .‬وقيهل‪ :‬لفظهها لفهظ الخبار‬
‫ومعناهها المهر‪ ،‬أي أكملوهها فذلك فرضهها‪ .‬وقال المهبرد‪" :‬عشرة" دللة على انقضاء العدد‪ ،‬لئل‬
‫يتوهم متوهم أنه قد بقي منه شيء بعد ذكر السبعة‪ .‬وقيل‪ :‬هو توكيد‪ ،‬كما تقوله‪ :‬كتبت بيدي‪ .‬ومنه‬
‫قول الشاعر‪:‬‬
‫وسادسة تميل إلى شمامي‬ ‫ثلث واثنتان فهن خمس‬
‫فقول "خمس" تأكيد‪ .‬ومثله قول الخر‪:‬‬
‫وست حين يدركني العشاء‬ ‫ثلث بالغداة فذاك حسي‬
‫وشرب المرء فوق الري داء‬ ‫فذلك تسعة في اليوم ريي‬
‫وقوله‪" :‬كاملة" تأكيهد آخهر‪ ،‬فيهه زيادة توصهية بصهيامها وأل ينقهص مهن عددهها‪ ،‬كمها تقول لمهن‬
‫تأمره بأمر ذي بال‪ :‬ال ال ل تقصر‪.‬‬
‫@قوله تعالى‪" :‬ذلك لمهن لم يكهن أهله حاضري المسهجد الحرام" أي إنمها يجهب دم التمتهع عهن‬
‫الغريهب الذي ليهس مهن حاضري المسهجد الحرام‪ .‬خرج البخاري "عهن ابهن عباس أنهه سهئل عهن‬
‫متعهة الحهج فقال‪ :‬أههل المهاجرون والنصهار وأزواج النهبي صهلى ال عليهه وسهلم فهي حجهة الوداع‬
‫وأهللنا‪ ،‬فلما قدمنا مكة قال رسول ال صلى ال عليه وسلم‪( :‬اجعلوا إهللكم بالحج عمرة إل من‬
‫قلد الهدي) طفنا بالبيت وبالصفا والمروة وأتينا النساء ولبسنا الثياب‪ ،‬وقال‪( :‬من قلد الهدي فإنه ل‬
‫يحهل حتهى يبلغ الهدي محله) ثهم أمرنها عشيهة الترويهة أن نههل بالحهج‪ ،‬فإذا فرغنها مهن المناسهك جئنها‬
‫فطفنها بالبيهت وبالصهفا والمروة فقهد تهم حجنها وعلينها الهدي‪ ،‬كمها قال ال تعالى‪" :‬فمها اسهتيسر مهن‬
‫الهدي فمهن لم يجهد فصهيام ثلثهة أيام فهي الحهج وسهبعة إذا رجعتهم" إلى أمصهاركم‪ ،‬الشاة تجزي‪،‬‬
‫فجمعوا نسكين في عام بين الحج والعمرة فإن ال أنزله في كتابه وسنة نبيه صلى ال عليه وسلم‬
‫وأباحه للناس غير أهل مكة‪ ،‬قال ال عز وجل‪" :‬ذلك لمن لم يكن أهله حاضري المسجد الحرام"‬
‫وأشهر الحج التي ذكر ال عز وجل شوال وذو القعدة وذو الحجة‪ ،‬فمن تمتع في هذه الشهر فعليه‬
‫دم أو صوم‪ .‬والرفث‪ :‬الجماع والفسوق‪ :‬المعاصي‪ .‬والجدال‪ :‬المراء‪.‬‬
‫@ اللم في قوله "لمن" بمعنى على‪ ،‬أي وجوب الدم على من لم يكن من أهل مكة‪ ،‬كقوله عليه‬
‫السهلم‪( :‬اشترطهي لههم الولء)‪ .‬وقوله تعالى‪" :‬وإن أسهأتم فلهها" [السهراء‪ ]7 :‬أي فعليهها‪ .‬وذلك‬
‫إشارة إلى التمتهع والقران للغريب عنهد أبي حنيفة وأصحابه‪ ،‬ل متعهة ول قران لحاضري المسجد‬
‫الحرام عندهم‪ .‬ومن فعل ذلك كان عليه دم جناية ل يأكل منه‪ ،‬لنه ليس بدم تمتع‪ .‬وقال الشافعي‪:‬‬
‫لهههم دم تمتههع وقران‪ .‬والشارة ترجههع إلى الهدي والصههيام‪ ،‬فل هدي ول صههيام عليهههم‪ .‬وفرق‬
‫عبدالملك بهن الماجشون بيهن التمتهع والقران‪ ،‬فأوجهب الدم فهي القران وأسهقطه فهي التمتهع‪ ،‬على مها‬
‫تقدم عنه‪.‬‬
‫@ واختلف الناس في حاضري المسجد الحرام ‪ -‬بعد الجماع على أن أهل مكة وما اتصل بها‬
‫من حاضريه‪ .‬وقال الطبري‪ :‬بعد الجماع على أهل الحرم‪ .‬قال ابن عطية‪ :‬وليس كما قال ‪ -‬فقال‬
‫بعض العلماء‪ :‬من كان يجب عليه الجمعة فهو حضري‪ ،‬ومن كان أبعد من ذلك فهو بدوي‪ ،‬فجعل‬
‫اللفظة من الحضارة والبداوة‪ .‬وقال مالك وأصحابه هم أهل مكة وما اتصل بها خاصة‪ .‬وعند أبي‬
‫حنيفة وأصحابه‪ :‬هم أهل المواقيت ومن وراءها من كل ناحية‪ ،‬فمن كان من أهل المواقيت أو من‬
‫أههل مها وراءهها فههم مهن حاضري المسهجد الحرام‪ .‬وقال الشافعهي وأصهحابه‪ :‬ههم مهن ل يلزمهه‬
‫تقصير الصلة من موضعه إلى مكة‪ ،‬وذلك أقرب المواقيت‪ .‬وعلى هذه القوال مذاهب السلف في‬
‫تأويل الية‪.‬‬
‫@قوله تعالى‪" :‬واتقوا ال" أي فيما فرضه عليكم‪ .‬وقيل‪ :‬هو أمر بالتقوى على العموم‪ ،‬وتحذير‬
‫من شدة عقابه‪.‬‬
‫*‪*3‬اليهة‪{ 197 :‬الحهج أشههر معلومات فمهن فرض فيههن الحهج فل رفهث ول فسهوق ول جدال‬
‫في الحج وما تفعلوا من خير يعلمه ال وتزودوا فإن خير الزاد التقوى واتقون يا أولي اللباب}‬
‫@قوله تعالى‪" :‬الحج أشهر معلومات" لما ذكر الحج والعمرة سبحانه وتعالى في قوله‪" :‬وأتموا‬
‫الحج والعمرة ل" [البقرة‪ ]196 :‬بين اختلفهما في الوقت‪ ،‬فجميع السنة وقت للحرام بالعمرة‪،‬‬
‫ووقهت العمرة‪ .‬وأمها الحهج فيقهع فهي السهنة مرة‪ ،‬فل يكون فهي غيهر هذه الشههر‪ .‬و"الحهج أشههر‬
‫معلومات" ابتداء وخهبر‪ ،‬وفهي الكلم حذف تقديره‪ :‬أشههر الحهج أشههر‪ ،‬أو وقهت الحهج أشههر‪ ،‬أو‬
‫وقهت عمهل الحهج أشههر‪ .‬وقيهل التقديهر‪ :‬الحهج فهي أشههر‪ .‬ويلزمهه مهع سهقوط حرف الجهر نصهب‬
‫الشهههر‪ ،‬ولم يقرأ أحههد بنصههبها‪ ،‬إل أنههه يجوز فههي الكلم النصههب على أنههه ظرف‪ .‬قال الفراء‪:‬‬
‫الشهههر رفههع‪ ،‬لن معناه وقههت الحههج أشهههر معلومات‪ .‬قال الفراء‪ :‬وسههمعت الكسههائي يقول‪ :‬إنمهها‬
‫الصيف شهران‪ ،‬وإنما الطيلسان ثلثة أشهر‪ .‬أراد وقت الصيف‪ ،‬ووقت لباس الطيلسان‪ ،‬فحذف‪.‬‬
‫@ واختلف فههي الشهههر المعلومات‪ ،‬فقال ابههن مسههعود وابههن عمههر وعطاء والربيههع ومجاهههد‬
‫والزهري‪ :‬أشهههر الحههج شوال وذو العقدة وذو الحجههة كله‪ .‬وقال ابههن عباس والسههدي والشعههبي‬
‫والنخعههي‪ :‬هههي شوال وذو القعدة وعشرة مههن ذي الحجههة‪ ،‬وروي عههن ابههن مسههعود‪ ،‬وقاله ابههن‬
‫الزبيهر‪ ،‬والقولن مرويان عهن مالك‪ ،‬حكهى الخيهر ابهن حهبيب‪ ،‬والول ابهن المنذر‪ .‬وفائدة الفرق‬
‫تعلق الدم‪ ،‬فمهن قال‪ :‬إن ذا الحجهة كله مهن أشههر الحهج لم يهر دمها فيمها يقهع مهن العمال بعهد يوم‬
‫النحر‪ ،‬لنها في أشهر الحج‪ .‬وعلى القول الخير ينقضي الحج بيوم النحر‪ ،‬ويلزم الدم فيما عمل‬
‫بعد ذلك لتأخيره عن وقته‪.‬‬
‫لم يسم ال تعالى أشههر الحهج فهي كتابهه‪ ،‬لنهها كانت معلومة عندههم‪ .‬ولفهظ الشهر قهد يقهع على‬
‫شهريهن وبعهض الثالث‪ ،‬لن بعهض الشههر يتنزل منزلة كله‪ ،‬كمها يقال‪ :‬رأيتهك سهنة كذا‪ ،‬أو على‬
‫عهد فلن‪ .‬ولعله إنما رآه في ساعة منها‪ ،‬فالوقت يذكر بعضه بكله‪ ،‬كما قال النبي صلى ال عليه‬
‫وسهلم‪( :‬أيام منهى ثلثهة)‪ .‬وإنمها ههي يومان وبعهض الثالث‪ .‬ويقولون‪ :‬رأيتهك اليوم‪ ،‬وجئتهك العام‪.‬‬
‫وقيل‪ :‬لما كان الثنان وما فوقهما جمع قال أشهر‪ ،‬وال أعلم‪.‬‬
‫@اختلف في الهلل بالحج في غير أشهر الحج‪ ،‬فروي عن ابن عباس‪ :‬من سنة الحج أن يحرم‬
‫به في أشهر الحج‪ .‬وقال عطاء ومجاهد وطاوس والوزاعي‪ :‬من أحرم بالحج قبل أشهر الحج لم‬
‫يجزه ذلك عن حجة ويكون عمرة‪ ،‬كمن دخل في صلة قبل وقتها فإنه ل تجزيه وتكون نافلة‪ ،‬وبه‬
‫قال الشافعهي وأبهو ثور‪ .‬وقال الوزاعهي‪ :‬يحهل بعمرة‪ .‬وقال أحمهد بهن حنبهل‪ :‬هذا مكروه‪ ،‬وروي‬
‫عن مالك‪ ،‬والمشهور عنه جواز الحرام بالحهج فهي جميهع السهنة كلها‪ ،‬وهو قول أبي حنيفة‪ .‬وقال‬
‫النخعهي‪ :‬ل يحهل حتهى يقضهي حجهه‪ ،‬لقوله تعالى‪" :‬يسهألونك عهن الهلة قهل ههي مواقيهت للناس‬
‫والحج" [البقرة‪ ]189 :‬وقد تقدم القول فيها‪ .‬وما ذهب إليه الشافعي أصح‪ ،‬لن تلك عامة‪ ،‬وهذه‬
‫اليهة خاصهة‪ .‬ويحتمهل أن يكون مهن باب النهص على بعهض أشخاص العموم‪ ،‬لفضهل هذه الشههر‬
‫على غيرها‪ ،‬وعليه فيكون قول مالك صحيح‪ ،‬وال أعلم‪.‬‬
‫@قوله تعالى‪" :‬فمههن فرض فيهههن الحههج" أي الزمههه نفسههه بالشروع فيههه بالنيههة قصههدا باطنهها‪،‬‬
‫وبالحرام فعل ظاهرا‪ ،‬وبالتلبيهة نطقها مسهموعا‪ ،‬قاله ابهن حهبيب وأبهو حنيفهة فهي التلبيهة‪ .‬وليسهت‬
‫التلبيهة عنهد الشافعهي مهن أركان الحهج‪ ،‬وههو قول الحسهن بهن حهي‪ .‬قال الشافعهي‪ :‬تكفهي النيهة فهي‬
‫الحرام بالحهج‪ .‬وأوجهب التلبيهة أههل الظاههر وغيرههم‪ .‬وأصهل الفرض فهي اللغهة‪ :‬الحهز والقطهع‪،‬‬
‫ومنهه فرضهة القوس والنههر والجبهل‪ .‬ففرضيهة الحهج لزمهة للعبهد الحهر كلزوم الحهز للقدح‪ .‬وقيهل‪:‬‬
‫"فرض" أي أبان‪ ،‬وهذا يرجهع إلى القطهع‪ ،‬لن مهن قطهع شيئا فقهد أبانهه عهن غيره‪ .‬و"مهن" رفهع‬
‫بالبتداء ومعناهها الشرط‪ ،‬والخهبر قوله‪" :‬فرض"‪ ،‬لن "مهن" ليسهت بموصهولة‪ ،‬فكأنهه قال‪ :‬رجهل‬
‫فرض‪ .‬وقال‪" :‬فيهن" ولم يقل فيها‪ ،‬فقال قوم‪ :‬هما سواء في الستعمال‪ .‬وقال المازني أبو عثمان‪:‬‬
‫الجمهع الكثيهر لمها ل يعقهل يأتهي كالواحدة المؤنثهة‪ ،‬والقليهل ليهس كذلك‪ ،‬تقول‪ :‬الجذاع انكسهرن‪،‬‬
‫والجذوع انكسرت‪ ،‬ويؤيد ذلك قول ال تعالى‪" :‬إن عدة الشهور" [التوبة‪ ]36 :‬ثم قال‪" :‬منها"‪.‬‬
‫@قوله تعالى‪" :‬فل رفث" قال ابن عباس وابن جبير والسدي وقتادة والحسن وعكرمة والزهري‬
‫ومجاهههد ومالك‪ :‬الرفههث الجماع‪ ،‬أي فل جماع لنههه يفسههده‪ .‬وأجمههع العلماء على أن الجماع قبههل‬
‫الوقوف بعرفههة مفسههد للحههج‪ ،‬وعليههه حههج قابههل والهدي‪ .‬وقال عبدال بههن عمههر وطاوس وعطاء‬
‫وغيرهم‪ :‬الرفث الفحاش للمرأة بالكلم‪ ،‬لقوله‪ :‬إذا أحللنا فعلنا بك كذا‪ ،‬من غير كناية‪ ،‬وقاله ابن‬
‫عباس أيضا‪ ،‬وأنشد وهو محرم‪:‬‬
‫إن تصدق الطير ننك لميسا‬ ‫وهن يمشين بنا هميسا‬
‫فقال له صهاحبه حصهين بهن قيهس‪ :‬أترفهث وأنهت محرم فقال‪ :‬إن الرفهث مها قيهل عنهد النسهاء‪ .‬وقال‬
‫قوم‪ :‬الرفث الفحاش بذكر النساء‪ ،‬كان ذلك بحضرتهن أم ل‪ .‬وقيل‪ :‬الرفث كلمة جامعة لما يريده‬
‫الرجل من أهله‪ .‬وقال أبو عبيدة‪ :‬الرفث اللغا من الكلم‪ ،‬وأنشد‪:‬‬
‫عن اللغا ورفث التكلم‬ ‫ورب أسراب حجيج كظم‬
‫يقال‪ :‬رفههث يرفههث‪ ،‬بضههم الفاء وكسههرها‪ .‬وقرأ ابههن مسههعود "فل رفوث" على الجمههع‪ .‬قال ابههن‬
‫العربي‪ :‬المراد بقوله "فل رفث" نفيه مشروعا ل موجدا‪ ،‬فإنا نجد الرفث فيه ونشاهده‪ ،‬وخبر ال‬
‫سههبحانه ل يجوز أن يقههع بخلف مخههبره‪ ،‬وإنمهها يرجههع النفههي إلى وجوده مشروعهها ل إلى وجوده‬
‫محسوسا‪ ،‬كقوله تعالى‪" :‬والمطلقات يتربصن بأنفسهن ثلثة قروء" [البقرة‪ ]228 :‬معناه‪ :‬شرعا‬
‫ل حسها‪ ،‬فإنها نجهد المطلقات ل يتربصهن‪ ،‬فعاد النفهي إلى الحكهم الشرعهي ل إلى الوجود الحسهي‪.‬‬
‫وهذا كقوله تعالى‪" :‬ل يمسه إل المطهرون" [الواقعة‪ ]79 :‬إذا قلنا‪ :‬إنه وارد في الدميين ‪ -‬وهو‬
‫الصهحيح ‪ -‬أن معناه ل يمسهه أحهد منههم شرعها‪ ،‬فإن وجهد المهس فعلى خلف حكهم الشرع‪ ،‬وهذه‬
‫الدقيقة هي التي فاتت العلماء فقالوا‪ :‬إن الخبر يكون بمعنى النهي‪ ،‬وما وجد ذلك قط‪ ،‬ول يصح أن‬
‫يوجد‪ ،‬فإنهما مختلفان حقيقة ومتضادان وصفا‪.‬‬
‫@قوله تعالى‪" :‬ول فسوق" يعني جميع المعاصي كلها‪ ،‬قاله ابن عباس وعطاء والحسن‪ .‬وكذلك‬
‫قال ابن عمر وجماعة‪ :‬الفسوق إتيان معاصي ال عز وجل في حال إحرامه بالحج‪ ،‬كقتل الصيد‬
‫وقهص الظفهر وأخهذ الشعهر‪ ،‬وشبهه ذلك‪ .‬وقال ابهن زيهد ومالك‪ :‬الفسهوق الذبهح للصهنام‪ ،‬ومنهه قوله‬
‫تعالى‪" :‬أو فسهقا أههل لغيهر ال بهه" [النعام‪ .]145 :‬وقال الضحاك‪ :‬الفسهوق التنابهز باللقاب‪،‬‬
‫ومنه قوله‪" :‬بئس السم الفسوق" [الحجرات‪ .]11 :‬وقال ابن عمر أيضا‪ :‬الفسوق السباب‪ ،‬ومنه‬
‫قوله عليههه السههلم‪( :‬سههباب المسههلم فسههوق وقتاله كفههر)‪ .‬والقول الول أصههح‪ ،‬لنههه يتناول جميههع‬
‫القوال‪ .‬قال صهلى ال عليهه وسهلم‪( :‬مهن حهج فلم يرفهث ولم يفسهق رجهع كيوم ولدتهه أمهه)‪( ،‬والحهج‬
‫المهبرور ليهس له جزاء إل الجنهة) خرجهه مسهلم وغيره‪ .‬وجاء عنهه صهلى ال عليهه وسهلم أنهه قال‪:‬‬
‫(والذي نفسهي بيده مها بيهن السهماء والرض مهن عمهل أفضهل مهن الجهاد فهي سهبيل ال أو حجهة‬
‫مهبرورة ل رفهث فيهها ول فسهوق ول جدال)‪ .‬وقال الفقهاء‪ :‬الحهج المهبرور ههو الذي لم يعهص ال‬
‫تعالى فيهه أثناء أدائه‪ .‬وقال الفراء‪ :‬ههو الذي لم يعهص ال سهبحانه بعده‪ ،‬ذكهر القوليهن ابهن العربهي‬
‫رحمه ال‪.‬‬
‫قلت‪ :‬الحج المبرور هو الذي لم يعص ال سبحانه فيه ل بعده‪ .‬قال الحسن‪ :‬الحج المبرور هو أن‬
‫يرجع صاحبه زاهدا في الدنيا راغبا في الخرة‪ .‬وقيل غير هذا‪ ،‬وسيأتي‪.‬‬
‫@قوله تعالى‪" :‬ول جدال فهي الحهج" قرئ "فل رفهث ول فسهوق" بالرفهع والتنويهن فيهمها‪ .‬وقرئا‬
‫بالنصهب بغيهر تنويهن‪ .‬وأجمعوا على الفتهح فهي "ول جدال"‪ ،‬وههو يقوي قراءة النصهب فيمها قبله‪،‬‬
‫ولن المقصود النفي العام من الرفث والفسوق والجدال‪ ،‬وليكون الكلم على نظام واحد في عموم‬
‫المنفهي كله‪ ،‬وعلى النصهب أكثهر القراء‪ .‬والسهماء الثلثهة فهي موضهع رفهع‪ ،‬كهل واحهد مهع "ل"‪.‬‬
‫وقوله "فهي الحهج" خهبر عهن جميعهها‪ .‬ووجهه قراءة الرفهع أن "ل" بمعنهى "ليهس" فارتفهع السهم‬
‫بعدها‪ ،‬لنه اسمها‪ ،‬والخبر محذوف تقديره‪ :‬فليس رفث ول فسوق في الحج‪ ،‬دل عليه "في الحج"‬
‫الثاني الظاهر وهو خبر "ل جدال"‪ .‬وقال أبو عمرو بن العلء‪ :‬الرفع بمعنى فل يكونن رفث ول‬
‫فسوق‪ ،‬أي شيء يخرج من الحج‪ ،‬ثم ابتدأ النفي فقال‪ :‬ول جدال‪.‬‬
‫قلت‪ :‬فيحتمهههل أن تكون كان تامهههة‪ ،‬مثهههل قوله‪" :‬وإن كان ذو عسهههرة" فل تحتاج إلى خهههبر‪.‬‬
‫ويحتمههل أن تكون ناقصههة والخههبر محذوف‪ ،‬كمهها تقدم آنفهها‪ .‬ويجوز أن يرفههع "رفههث وفسههوق"‬
‫بالبتداء‪" ،‬ول" للنفههي‪ ،‬والخههبر محذوف أيضهها‪ .‬وقرأ أبهو جعفههر بههن القعقاع بالرفههع فههي الثلثههة‪.‬‬
‫ورويهت عهن عاصهم فهي بعهض الطرق وعليهه يكون "فهي الحهج" خهبر الثلثهة‪ ،‬كمها قلنها فهي قراءة‬
‫النصب‪ ،‬وإنما لم يحسن أن يكون "في الحج" خبر عن الجميع مع اختلف القراءة‪ ،‬لن خبر ليس‬
‫منصهوب وخهبر "ول جدال" مرفوع‪ ،‬لن "ول جدال" مقطوع مهن الول وههو فهي موضهع رفهع‬
‫بالبتداء‪ ،‬ول يعمهل عاملن فهي اسهم واحهد‪ .‬ويجوز "فل رفهث ول فسهوق" تعطفهه على الموضهع‪.‬‬
‫وأنشد النحويون‪:‬‬
‫اتسع الخرق على الراقع‬ ‫ل نسب اليوم ول خلة‬
‫ويجوز فهي الكلم "فل رفهث ول فسهوقا ول جدال فهي الحهج" عطفها على اللفهظ على مها كان يجهب‬
‫في "ل" قال الفراء‪ :‬ومثله‪:‬‬
‫إذا هو بالمجد ارتدى وتأزرا‬ ‫فل أب وابنا مثل مروان وابنه‬
‫وقال أبهو رجاء العطاردي‪" :‬فل رفهث ول فسهوق" بالنصهب فيهمها‪" ،‬ول جدال" بالرفهع والتنويهن‪.‬‬
‫وأنشد الخفش‪:‬‬
‫ل أم لي إن كان ذاك ول أب‬ ‫هذا وجدكم الصغار بعينه‬
‫وقيههل‪ :‬إن معنههى "فل رفههث ول فسههوق" النهههي‪ ،‬أي ل ترفثوا ول تفسههقوا‪ .‬ومعنههى "ول جدال"‬
‫النفهي‪ ،‬فلمها اختلفها فهي المعنهى خولف بينهمها فهي اللفهظ‪ .‬قال القشيري‪ :‬وفيهه نظهر‪ ،‬إذ قيهل‪" :‬ول‬
‫جدال" نهي أيضا‪ ،‬أي ل تجادلوا‪ ،‬فلم فرق بينهما‪.‬‬
‫@قوله تعالى‪" :‬ول جدال" الجدال وزنه فعال من المجادلة‪ ،‬وهي مشتقة من الجدل وهو الفتل‪،‬‬
‫ومنه زمام مجدول‪ .‬وقيل‪ :‬هي مشتقة من الجدالة التي هي الرض فكأن كل واحد من الخصمين‬
‫يقاوم صاحبه حتى يغلبه‪ ،‬فيكون كمن ضرب به الجدالة‪ .‬قال الشاعر‪:‬‬
‫وأترك العاجز بالجداله‬ ‫قد أركب اللة بعد الله‬
‫منعفرا ليست له محالة‬
‫واختلفت العلماء في المعنى المراد به هنا على أقوال ستة‪ ،‬فقال ابن مسعود وابن عباس وعطاء‪:‬‬
‫الجدال هنها أن تماري مسهلما حتهى تغضبهه فينتههي إلى السهباب‪ ،‬فأمها مذاكرة العلم فل نههي عنهها‪.‬‬
‫وقال قتادة‪ :‬الجدال السههباب‪ .‬وقال ابههن زيههد ومالك بههن أنههس‪ :‬الجدال هنهها أن يختلف الناس‪ :‬أيهههم‬
‫صادف موقف إبراهيم عليه السلم‪ ،‬كما كانوا يفعلون في الجاهلية حين كانت قريش تقف في غير‬
‫موقههف سههائر العرب‪ ،‬ثههم يتجادلون بعههد ذلك‪ ،‬فالمعنههى على هذا التأويههل‪ :‬ل جدال فههي مواضعههه‪.‬‬
‫وقالت طائفههة‪ :‬الجدال هنهها أن تقول طائفههة‪ :‬الحههج اليوم‪ ،‬وتقول طائفههة‪ :‬الحههج غدا‪ .‬وقال مجاهههد‬
‫وطائفهة معهه‪ :‬الجدال المماراة فهي الشهور حسهب مها كانهت عليهه العرب مهن النسهيء‪ ،‬كانوا ربمها‬
‫جعلوا الحهج فهي غيهر ذي الحجهة‪ ،‬ويقهف بعضههم بجمهع وبعضههم بعرفهة‪ ،‬ويتمارون فهي الصهواب‬
‫من ذلك‪.‬‬
‫قلت‪ :‬فعلى هذين التأويلين ل جدال في وقته ول في موضعه‪ ،‬وهذان القولن أصح ما قيل في‬
‫تأويهل قوله "ول جدال"‪ ،‬لقوله صهلى ال عليهه وسهلم‪( :‬إن الزمان قهد اسهتدار كهيئتهه يوم خلق ال‬
‫السموات والرض‪ )...‬الحديث‪ ،‬وسيأتي في "براءة"‪ .‬يعني رجع أمر الحج كما كان‪ ،‬أي عاد إلى‬
‫يومهه ووقتهه‪ .‬وقال صهلى ال عليهه وسهلم لمها حهج‪( :‬خذوا عنهي مناسهككم) فهبين بهذا مواقهف الحهج‬
‫ومواضعهه‪ .‬وقال محمهد بهن كعهب القرظهي‪ :‬الجدال أن تقول طائفهة‪ :‬حجنها أبر مهن حجكهم‪ .‬ويقول‬
‫الخر مثل ذلك‪ .‬وقيل‪ :‬الجدال كان في الفخر بالباء‪ ،‬وال أعلم‪.‬‬
‫@قوله تعالى‪" :‬ومها تفعلوا مهن خيهر يعلمهه ال" شرط وجوابهه‪ ،‬والمعنهى‪ :‬أن ال يجازيكهم على‬
‫أعمالكهم‪ ،‬لن المجازاة إنمها تقهع مهن العالم بالشيهء‪ .‬وقيهل‪ :‬ههو تحريهض وحهث على حسهن الكلم‬
‫مكان الفحهش‪ ،‬وعلى البر والتقوى فهي الخلق مكان الفسهوق والجدال‪ .‬وقيهل‪ :‬جعهل فعهل الخيهر‬
‫عبارة عن ضبط أنفسهم حتى ل يوجد ما نهوا عنه‪.‬‬
‫@قوله تعالى‪" :‬وتزودوا" أمهر باتخاذ الزاد‪ .‬قال ابهن عمهر وعكرمهة ومجاههد وقتادة وابهن زيهد‪:‬‬
‫نزلت اليهة فهي طائفهة مهن العرب كانهت تجيهء إلى الحهج بل زاد‪ ،‬ويقول بعضههم‪ :‬كيهف نحهج بيهت‬
‫ال ول يطعمنههها‪ ،‬فكانوا يبقون عالة على الناس‪ ،‬فنهوا عهههن ذلك‪ ،‬وأمهههر بالزاد‪ .‬وقال عبدال بهههن‬
‫الزبيههر‪ :‬كان الناس يتكههل بعضهههم على بعههض بالزاد‪ ،‬فأمروا بالزاد‪ .‬وكان للنههبي صههلى ال عليههه‬
‫وسهلم فهي مسهيره راحلة عليهها زاد‪ ،‬وقدم عليهه ثلثمائة رجهل مهن مزينهة‪ ،‬فلمها أرادوا أن ينصهرفوا‬
‫قال‪( :‬يها عمهر زود القوم)‪ .‬وقال بعهض الناس‪" :‬تزودوا" الرفيهق الصهالح‪ .‬وقال ابهن عطيهة‪ :‬وهذا‬
‫تخصيص ضعيف‪ ،‬والولى في معنى الية‪ :‬وتزودوا لمعادكم من العمال الصالحة‪.‬‬
‫قلت‪ :‬القول الول أصح‪ ،‬فإن المراد الزاد المتخذ في سفر الحج المأكول حقيقة كما ذكرنا‪ ،‬كما‬
‫روى البخاري عههههن ابههههن عباس قال‪ :‬كان أهههههل اليمههههن يحجون ول يتزودون ويقولون‪ :‬نحههههن‬
‫المتوكلون‪ ،‬فإذا قدموا مكهة سهألوا الناس‪ ،‬فأنزل ال تعالى‪" :‬وتزودوا فإن خيهر الزاد التقوى" وهذا‬
‫نهص فيمها ذكرنها‪ ،‬وعليهه أكثهر المفسهرين‪ :‬قال الشعهبي‪ :‬الزاد التمهر والسهويق‪ .‬ابهن جهبير‪ :‬الكعهك‬
‫والسويق‪ .‬قال ابن العربي‪" :‬أمر ال تعالى بالتزود لمن كان له مال‪ ،‬ومن لم يكن له مال فإن كان‬
‫ذا حرفهة تنفهق فهي الطريهق أو سهائل فل خطاب عليهه‪ ،‬وإنمها خاطهب ال أههل الموال الذيهن كانوا‬
‫يتركون أموالههم ويخرجون بغيهر زاد ويقولون‪ :‬نحهن المتوكلون‪ .‬والتوكهل له شروط‪ ،‬مهن قام بهها‬
‫خرج بغيهر زاد ول يدخهل فهي الخطاب‪ ،‬فإنهه خرج على الغلب مهن الخلق وههم المقصهرون عهن‬
‫درجة التوكل الغافلون عن حقائقه‪ ،‬وال عز وجل أعلم"‪ .‬قال أبو الفرج الجوزي‪ :‬وقد لبس إبليس‬
‫على قوم يدعون التوكهل‪ ،‬فخرجوا بل زاد وظنوا أن هذا ههو التوكهل وههم على غايهة الخطهأ‪ .‬قال‬
‫رجهل لحمهد بهن حنبهل‪ :‬أريهد أن أخرج إلى مكهة على التوكهل بغيهر زاد‪ ،‬فقال له أحمهد‪ :‬اخرج فهي‬
‫غير القافلة‪ .‬فقال ل‪ ،‬إل معهم‪ .‬قال‪ :‬فعلى جرب الناس توكلت؟!‬
‫@قوله تعالى‪" :‬فإن خيهر الزاد التقوى" أخهبر تعالى أن خيهر الزاد اتقاء المنهيات فأمرههم أن‬
‫يضموا إلى التزود التقوى‪ .‬وجاء قول "فإن خيههر الزاد التقوى" محمول على المعنههى‪ ،‬لن معنههى‬
‫"وتزودوا" اتقوا ال في اتباع ما أمركم به من الخروج بالزاد‪ :‬وقيل‪ :‬يحتمل أن يكون المعنى‪ :‬فإن‬
‫خير الزاد ما اتقى به المسافر من الهلكة أو الحاجة إلى السؤال والتكفف‪ .‬وقيل‪ :‬فيه تنبيه على أن‬
‫هذه الدار ليسهت بدار قرار‪ .‬قال أههل الشارات‪ :‬ذكرههم ال تعالى سهفر الخرة وحثههم على تزود‬
‫التقوى‪ ،‬فإن التقوى زاد الخرة‪ .‬قال العشى‪:‬‬
‫ولقيت بعد الموت من قد تزودا‬ ‫إذ أنت لم ترحل بزاد من التقى‬
‫وأنك لم ترصد كما كان أرصدا‬ ‫ندمت على أل تكون كمثله‬
‫وقال آخر‪:‬‬
‫تذهب فيه حيلة السابح‬ ‫الموت بحر طامح موجه‬
‫مقالة من مشفق ناصح‬ ‫يا نفس إني قائل فاسمعي‬
‫غير التقى والعمل الصالح‬ ‫ل يصحب النسان في قبره‬
‫@قوله تعالى‪" :‬واتقون يا أولي اللباب" خص أولي اللباب بالخطاب ‪ -‬وإن كان المر يعم الكل‬
‫‪ -‬لنهم الذين قامت عليهم حجة ال‪ ،‬وهم قابلو أوامره والناهضون بها‪ .‬واللباب جمع لب‪ ،‬ولب‬
‫كهل شيهء‪ :‬خالصهه‪ ،‬ولذلك قيهل للعقهل‪ :‬لب‪ .‬قال النحاس‪ :‬سهمعت أبها إسهحاق يقول قال لي أحمهد بهن‬
‫يحيهى ثعلب‪ :‬أتعرف فهي كلم العرب شيئا مهن المضاعهف جاء على فعهل؟ قلت نعهم‪ ،‬حكهى سهيبويه‬
‫عن يونس‪ :‬لببت تلب‪ ،‬فاستحسنه وقال‪ :‬ما أعرف له نظيرا‪.‬‬
‫*‪*3‬الية‪{ 198 :‬ليس عليكم جناح أن تبتغوا فضل من ربكم فإذا أفضتم من عرفات فاذكروا‬
‫ال عند المشعر الحرام واذكروه كما هداكم وإن كنتم من قبله لمن الضالين}‬
‫@قوله تعالى‪" :‬جناح" أي إثم‪ ،‬وهو اسم ليس‪" .‬أن تبتغوا" في موضع نصب خبر ليس‪ ،‬أي في‬
‫أن تبتغوا‪ .‬وعلى قول الخليهل والكسهائي أنهها فهي موضهع خفهض‪ .‬ولمها أمهر تعالى بتنزيهه الحهج عهن‬
‫الرفهث والفسهوق والجدال ورخهص فهي التجارة‪ ،‬المعنهى‪ :‬ل جناح عليكهم فهي أن تبتغوا فضهل ال‪.‬‬
‫وابتغاء الفضهل ورد فهي القرآن بمعنهى التجارة‪ ،‬قال ال تعالى‪" :‬فانتشروا فهي الرض وابتغوا مهن‬
‫فضل ال" [الجمعة‪ .]10 :‬والدليل على صحة هذا ما رواه البخاري عن ابن عباس قال‪( :‬كانت‬
‫عكاظ ومجنة وذو المجاز أسواقا في الجاهلية فتأثموا أن يتجروا في المواسم فنزلت‪" :‬ليس عليكم‬
‫جناح أن تبتغوا فضل من ربكم" في مواسم الحج"‪.‬‬
‫@إذا ثبت هذا ففي الية دليل على جواز التجارة في الحج للحاج مع أداء العبادة‪ ،‬وأن القصد إلى‬
‫ذلك ل يكون شركها ول يخرج بهه المكلف عهن رسهم الخلص المفترض عليهه‪ ،‬خلفها للفقراء‪ .‬أمها‬
‫إن الحهج دون تجارة أفضهل‪ ،‬لعروهها عهن شوائب الدنيها وتعلق القلب بغيرهها‪ .‬روى الدارقطنهي فهي‬
‫سننه عن أبي أمامة التيمي قال قلت لبن عمر‪ :‬إني رجل أكرى في هذا الوجه‪ ،‬وإن ناسا يقولون‪:‬‬
‫إنه ل حج لك‪ .‬فقال ابن عمر‪ :‬جاء رجل إلى رسول ال صلى ال عليه وسلم فسأله مثل هذا الذي‬
‫سهألتني‪ ،‬فسهكت حتهى نزلت هذه اليهة‪" :‬ليهس عليكهم جناح أن تبتغوا فضل مهن ربكهم" فقال رسهول‬
‫ال صلى ال عليه وسلم‪( :‬إن لك حجا)‪.‬‬
‫@قوله تعالى‪" :‬فإذا أفضتهم" أي اندفعتهم‪ .‬ويقال‪ :‬فاض الناء إذا امتل حتهى ينصهب عهن نواحيهه‪.‬‬
‫ورجل فياض‪ ،‬أي مندفق بالعطاء‪ .‬قال زهير‪:‬‬
‫على معتفيه ما تغب فواضله‬ ‫وأبيض فياض يداه غمامة‬
‫وحديث مستفيض‪ ،‬أي شائع‪.‬‬
‫@قوله تعالى‪" :‬مههن عرفات" قراءة الجماعههة "عرفات" بالتنويههن‪ ،‬وكذلك لو سههميت امرأة‬
‫بمسهلمات‪ ،‬لن التنويهن هنها ليهس فرقها بيهن مها ينصهرف ومها ل ينصهرف فتحذفهه‪ ،‬وإنمها ههو بمنزلة‬
‫النون في مسلمين‪ .‬قال النحاس‪ :‬هذا الجيهد‪ .‬وحكى سيبويه عن العرب حذف التنوين من عرفات‪،‬‬
‫يقوله‪ :‬هذه عرفات يهها هذا‪ ،‬ورأيههت عرفات يهها هذا‪ ،‬بكسههر التاء وبغيههر تنويههن‪ ،‬قال‪ :‬لمهها جعلوههها‬
‫معرفة حذفوا التنوين‪ .‬وحكى الخفش والكوفيون فتح التاء‪ ،‬تشبيها بتاء فاطمة وطلحة‪ .‬وأنشدوا‪:‬‬
‫بيثرب أدنى دارها نظر عال‬ ‫تنورتها من أذرعات وأهلها‬
‫والقول الول أحسههن‪ ،‬وأن التنويههن فيههه على حده فههي مسههلمات‪ ،‬الكسههرة مقابلة الياء فههي مسههلمين‬
‫والتنوين مقابل النون‪ .‬وعرفات‪ :‬اسم علم‪ ،‬سمي بجمع كأذرعات‪ .‬وقيل‪ :‬سمي بما حوله‪ ،‬كأرض‬
‫سهباسب‪ .‬وقيهل‪ :‬سهميت تلك البقعهة عرفات لن الناس يتعارفون بهها‪ .‬وقيهل‪ :‬لن آدم لمها هبهط وقهع‬
‫بالهنهد‪ ،‬وحواء بجدة‪ ،‬فاجتمعها بعهد طول الطلب بعرفات يوم عرفهة وتعارفها‪ ،‬فسهمي اليوم عرفهة‪،‬‬
‫والموضع عرفات‪ ،‬قاله الضحاك‪ .‬وقيل غير هذا لما تقدم ذكره عند قوله تعالى‪" :‬وأرنا مناسكنا"‬
‫[البقرة‪ .]128 :‬قال ابهن عطيهة‪ :‬والظاههر أن اسهمه مرتجهل كسهائر أسهماء البقاع‪ .‬وعرفهة ههي‬
‫نعمان الراك‪ ،‬وفيها يقول الشاعر‪:‬‬
‫لهند ولكن لم يبلغه هندا‬ ‫تزودت من نعمان عوذ أراكة‬
‫وقيهل‪ :‬ههي مأخوذة مهن العرف وههو الطيهب‪ ،‬قال ال تعالى‪" :‬عرفهها لههم" [محمهد‪ ]6 :‬أي طيبهها‪،‬‬
‫فهههي طيبههة بخلف منههى التههي فيههها الفروث والدماء‪ ،‬فلذلك سههميت عرفات‪ .‬ويوم الوقوف‪ ،‬يوم‬
‫عرفة‪ .‬وقال بعضهم‪ :‬أصل هذين السمين من الصبر‪ ،‬يقال‪ :‬رجل عارف‪ .‬إذا كان صابرا خاشعا‬
‫ويقال في المثل‪ :‬النفس عروف وما حملتها تتحمل‪ .‬قال‪:‬‬
‫فصبرت عارفة لذلك حرة‬
‫أي نفس صابرة‪ .‬وقال ذو الرمة‪:‬‬
‫عروف لما خطت عليه المقادر‬
‫أي صههبور على قضاء ال‪ ،‬فسههمي بهذا السههم لخضوع الحاج وتذللهههم‪ ،‬وصههبرهم على الدعاء‬
‫وأنواع البلء واحتمال الشدائد‪ ،‬لقامة هذه العبادة‪.‬‬
‫@أجمع أهل العلم على أن من وقف بعرفة يوم عرفة قبل الزوال ثم أفاض منها قبل الزوال أنه ل‬
‫يعتهد بوقوفهه ذلك قبهل الزوال‪ .‬وأجمعوا على تمام حهج مهن وقهف بعرفهة بعهد الزوال وأفاض نهارا‬
‫قبل الليل‪ ،‬إل مالك بن أنس فإنه قال‪ :‬ل بد أن يأخذ من الليل شيئا‪ .‬وأما من وقف بعرفة بالليل فإنه‬
‫ل خلف بين المة في تمام حجه‪ .‬والحجة للجمهور مطلق قوله تعالى‪" :‬فإذا أفضتم من عرفات"‬
‫ولم يخهص ليل مهن نهار‪ ،‬وحديهث عروة بهن مضرس قال‪ :‬أتيهت النهبي صهلى ال عليهه وسهلم وههو‬
‫فهي الموقهف مهن جمهع‪ ،‬فقلت يها رسهول ال‪ ،‬جئتهك مهن جبلي طيهء أكللت مطيتهي‪ ،‬وأتعبهت نفسهي‪،‬‬
‫وال إن تركت من جبل إل وقفت عليه‪ ،‬فهل لي من حج يا رسول ال؟ فقال رسول ال صلى ال‬
‫عليه وسلم‪( :‬من صهلى معنا صهلة الغداة بجمهع وقهد أتهى عرفات قبل ذلك ليل أو نهارا فقد قضهى‬
‫تفثه وتم حجه)‪ .‬أخرجه غير واحد من الئمة‪ ،‬منهم أبو داود والنسائي والدارقطني واللفظ له وقال‬
‫الترمذي‪ :‬حديهث حسهن صهحيح‪ .‬وقال أبهو عمهر‪ :‬حديهث عروة بهن مضرس الطائي حديهث ثابهت‬
‫صهحيح‪ ،‬رواه جماعهة مهن أصهحاب الشعهبي الثقات عهن الشعهبي عهن عروة بهن مضرس‪ ،‬منههم‬
‫إسماعيل بن أبي خالد وداود بن أبي هند وزكريا بن أبي زائدة وعبدال بن أبي السفر ومطرف‪،‬‬
‫كلهم عن الشعبي عن عروة بن مضرس بن أوس بن حارثة بن لم‪ .‬وحجة مالك من السنة الثابتة‪:‬‬
‫حديث جابر الطويل‪ ،‬خرجه مسلم‪ ،‬وفيه‪ :‬فلم يزل واقفا حتى غربت الشمس وذهبت الصفرة قليل‬
‫حتى غاب القرص‪ .‬وأفعاله على الوجوب‪ ،‬ل سيما في الحج وقد قال‪( :‬خذوا عني مناسككم)‪.‬‬
‫@واختلف الجمهور فيمن أفاض قبل غروب الشمس ولم يرجع ماذا عليه مع صحة الحج‪ ،‬فقال‬
‫عطاء وسههفيان الثوري والشافعههي وأحمههد وأبههو ثور وأصههحاب الرأي وغيرهههم‪ :‬عليههه دم‪ .‬وقال‬
‫الحسهن البصهري‪ :‬عليهه هدي‪ .‬وقال ابهن جريهج‪ :‬عليهه بدنهة‪ .‬وقال مالك‪ :‬عليهه حهج قابهل‪ ،‬والهدي‬
‫ينحره فهي حهج قابهل‪ ،‬وههو كمهن فاتهه الحهج‪ .‬فإن عاد إلى عرفهة حتهى يدفهع بعهد مغيهب الشمهس فقال‬
‫الشافعههي‪ :‬ل شيههء عليههه‪ ،‬وهههو قول أحمههد وإسههحاق وداود‪ ،‬وبههه قال الطههبري‪ .‬وقال أبههو حنيفههة‬
‫وأصحابه والثوري‪ :‬ل يسقط عنه الدم وإن رجع بعد غروب الشمس‪ ،‬وبذلك قال أبو ثور‪.‬‬
‫@ول خلف بين العلماء في أن الوقوف بعرفة راكبا لمن قدر عليه أفضل‪ ،‬لن النبي صلى ال‬
‫عليه وسلم كذلك وقف إلى أن دفع منها بعد غروب الشمس‪ ،‬وأردف أسامة بن زيد‪ ،‬وهذا محفوظ‬
‫فهي حديث جابر الطويل وحديث علي‪ ،‬وفي حديث ابن عباس أيضا‪ .‬قال جابر‪( :‬ثم ركب رسول‬
‫ال صلى ال عليه وسلم حتى أتى الموقف‪ ،‬فجعل بطن ناقته القصواء إلى الصخرات‪ ،‬وجعل حبل‬
‫المشاة بين يديه واستقبل القبلة‪ ،‬فلم يزل واقفا حتى غربت الشمس وذهبت الصفرة قليل حتى غاب‬
‫القرص‪ ،‬وأردف أسههامة بههن زيههد خلفههه‪ )...‬الحديههث‪ .‬فإن لم يقدر على الركوب وقههف قائمهها على‬
‫رجليههه داعيهها‪ ،‬مهها دام يقدر‪ ،‬ول حرج عليههه فههي الجلوس إذا لم يقدر على الوقوف‪ ،‬وفههي الوقوف‬
‫راكبا مباهاة وتعظيم للحج "ومن يعظم شعائر ال فإنها من تقوى القلوب" [الحج‪ .]32 :‬قال ابن‬
‫وههب فهي موطئه قال لي مالك‪ :‬الوقوف بعرفهة على الدواب والبهل أحهب إلي مهن أن أقهف قائمها‪،‬‬
‫قال‪ :‬ومن وقف قائما فل بأس أن يستريح‪.‬‬
‫@ثبت في صحيح مسلم وغيره عن أسامة بن زيد أنه عليه السلم (كان إذا أفاض من عرفة يسير‬
‫العنق فإذا وجد فجوة ن صّ) قال هشام بن عروة‪ :‬والنص فوق العنق وهكذا ينبغي على أئمة الحاج‬
‫فمهن دونههم‪ ،‬لن فهي اسهتعجال السهير إلى المزدلفهة اسهتعجال الصهلة بهها‪ ،‬ومعلوم أن المغرب ل‬
‫تصلى تلك الليلة إل مع العشاء بالمزدلفة‪ ،‬وتلك سنتها‪ ،‬على ما يأتي بيانه إن شاء ال تعالى‪.‬‬
‫@ظاههر عموم القرآن والسهنة الثابتهة يدل على أن عرفهة كلهها موقهف‪ ،‬قال صهلى ال عليهه وسهلم‪:‬‬
‫(ووقفهت ههنها وعرفهة كلهها موقهف) رواه مسهلم وغيره مهن حديهث جابر الطويهل‪ .‬وفهي موطهأ مالك‬
‫أنهه بلغهه أن رسهول ال صهلى ال عليهه وسهلم قال‪( :‬عرفهة كلهها موقهف وارتفعوا عهن بطهن عرنهة‬
‫والمزدلفة كلها موقف وارتفعوا عن بطن ُمحَسّر)‪ .‬قال ابن عبدالبر‪ :‬هذا الحديث يتصل من حديث‬
‫جابر بن عبدال‪ ،‬ومن حديث ابن عباس‪ ،‬ومن حديث علي بن أبي طالب‪ ،‬وأكثر الثار ليس فيها‬
‫استثناء بطن عرنة من عرفة‪ ،‬وبطن محسر من المزدلفة‪ ،‬وكذلك نقلها الحفاظ الثقات الثبات من‬
‫أههل الحديهث فهي حديهث جعفهر بهن محمهد عهن أبيهه عهن جابر‪ .‬قال أبهو عمهر‪ :‬واختلف الفقهاء فيمهن‬
‫وقف بعرفة بعرنة‪ ،‬فقال مالك فيما ذكر ابن المنذر عنه‪ :‬يهريق دما وحجه تام‪ .‬وهذه رواية رواها‬
‫خالد بن نزار عن مالك‪ .‬وذكر أبو المصهعب أنه كمن لم يقف وحجه فائت‪ ،‬وعليه الحج من قابل‬
‫إذا وقهف ببطهن عرنهة‪ .‬وروي عن ابهن عباس قال‪ :‬مهن أفاض مهن عرنهة فل حهج له‪ .‬وهو قول ابهن‬
‫القاسهم وسهالم‪ ،‬وذكهر ابهن المنذر هذا القول عهن الشافعهي‪ ،‬قال وبهه أقول‪ :‬ل يجزيهه أن يقهف بمكان‬
‫أمهر رسهول ال صهلى ال عليهه وسهلم أل يوقهف بهه‪ .‬قال ابهن عبدالبر‪ :‬السهتثناء ببطهن عرنهة مهن‬
‫عرفة لم يجىء مجيئا تلزم حجته‪ ،‬ل من جهة النقل ول من جهة الجماع‪ .‬وحجة من ذهب مذهب‬
‫أبهي المصهعب أن الوقوف بعرفهة فرض مجمهع عليهه فهي موضهع معيهن‪ ،‬فل يجوز أداؤه إل بيقيهن‪،‬‬
‫ول يقين مع الختلف‪ .‬وبطن عرنة يقال بفتح الراء وضمها‪ ،‬وهو بغربي مسجد عرفة‪ ،‬حتى (لقد‬
‫قال بعهض العلماء‪ :‬إن الجدار الغربهي مهن مسهجد عرفهة لو سهقط سهقط فهي بطهن عرنهة‪ .‬وحكهى‬
‫الباجي عن ابن حبيب أن عرفة في الحل‪ ،‬وعرنة في الحرم‪ .‬قال أبو عمر‪ :‬وأما بطن محسر فذكر‬
‫وكيهع‪ :‬حدثنها سهفيان عهن أبهي الزبيهر عهن جابر أن النهبي صهلى ال عليهه وسهلم (أوضهع فهي بطهن‬
‫حسّر)‬‫ُم َ‬
‫@ول بأس بالتعريهف فهي المسهاجد يوم عرفهة بغيهر عرفهة‪ ،‬تشبيهها بأههل عرفهة‪ .‬روى شعبهة عهن‬
‫قتادة عهن الحسهن قال‪ :‬أول مهن صهنع ذلك ابهن عباس بالبصهرة‪ .‬يعنهي اجتماع الناس يوم عرفهة فهي‬
‫المسجد بالبصرة‪ .‬وقال موسى بن أبي عائشة‪ :‬رأيت عمر بن حريث يخطب يوم عرفة وقد اجتمع‬
‫الناس إليهه‪ .‬وقال الثرم‪ :‬سهألت أحمهد بهن حنبهل عهن التعريهف فهي المصهار‪ ،‬يجتمعون يوم عرفهة‪،‬‬
‫فقال‪ :‬أرجهو أل يكون بهه بأس‪ ،‬قهد فعله غيهر واحهد‪ :‬الحسهن وبكهر وثابهت ومحمهد بهن واسهع‪ ،‬كانوا‬
‫يشهدون المسجد يوم عرفة‪.‬‬
‫@ فهي فضهل يوم عرفهة‪ ،‬يوم عرفهة فضله عظيهم وثوابهه جسهيم‪ ،‬يكفهر ال فيهه الذنوب العظام‪،‬‬
‫ويضاعهف فيهه الصهالح مهن العمال‪ ،‬قال صهلى ال عليهه وسهلم‪( :‬صهوم يوم عرفهة يكفهر السهنة‬
‫الماضيهة والباقيهة)‪ .‬أخرجهه الصهحيح‪ .‬وقال صهلى ال عليهه وسهلم‪( :‬أفضهل الدعاء دعاء يوم عرفهة‬
‫وأفضهل مها قلت أنها والنهبيون مهن قبلي ل إله إل ال وحده ل شريهك له)‪ .‬وروى الدارقطنههي عهن‬
‫عائشهة أن رسهول ال صهلى ال عليهه وسهلم قال‪( :‬مها مهن يوم أكثهر أن يعتهق ال فيهه عددا مهن النار‬
‫من يوم عرفة وإنه ليدنو عز وجل ثم يباهي بهم الملئكة يقول ما أراد هؤلء)‪ .‬وفي الموطأ عن‬
‫عهبيدال بهن كريهز أن رسهول ال صهلى ال عليهه وسهلم قال‪( :‬مها رئي الشيطان يومها ههو فيهه أصهغر‬
‫ول أحقهر ول أدحهر ول أغيهظ منهه فهي يوم عرفهة ومها ذاك إل لمها رأى مهن تنزل الرحمهة وتجاوز‬
‫ال عن الذنوب العظام إل ما رأى يوم بدر)‪ .‬قيل‪ :‬وما رأى يوم بدر يا رسول ال؟ قال‪( :‬أما إنه قد‬
‫رأى جبريهل يزع الملئكهة)‪ .‬قال أبهو عمهر‪ :‬روى هذا الحديهث أبهو النضهر إسهماعيل بهن إبراهيهم‬
‫العجلي عن مالك عن إبراهيم بن أبي عبلة عن طلحة بن عبيد بن كريز عن أبيه‪ ،‬ولم يقل في هذا‬
‫الحديهث عهن أبيهه غيره وليهس بشيهء‪ ،‬والصهواب مها فهي الموطهأ‪ .‬وذكهر الترمذي الحكيهم فهي نوادر‬
‫الصول‪ :‬حدثنا حاتم بن نعيم التميمي أبو روح قال حدثنا هشام بن عبدالملك أبو الوليد الطيالسي‬
‫قال حدثنا عبدالقاهر بن السري السلمي قال حدثني ابن لكنانة بن عباس بن مرداس عن أبيه عن‬
‫جده عباس بههن مرداس أن رسههول ال صههلى ال عليههه وسههلم (دعهها لمتههه عشيههة عرفههة بالمغفرة‬
‫والرحمة‪ ،‬وأكثر الدعاء فأجابه‪ :‬إني قد فعلت إل ظلم بعضهم بعضا فأما ذنوبهم فيما بيني وبينهم‬
‫فقهد غفرتهها‪ .‬قال‪ :‬يها رب إنهك قادر أن تثيهب هذا المظلوم خيرا مهن مظلمتهه وتغفهر لهذا الظالم فلم‬
‫يجبه تلك العشية‪ ،‬فلما كان الغداة غداة المزدلفة اجتهد في الدعاء فأجابه‪ :‬إني قد غفرت لهم‪ ،‬فتبسم‬
‫رسول ال صلى ال عليه وسلم‪ ،‬فقيل له‪ :‬تبسمت يا رسول ال في ساعة لم تكن تتبسم فيها؟ فقال‪:‬‬
‫تبسمت من عدو ال إبليس إنه لما علم أن ال قد استجاب لي في أمتي أهوى يدعو بالويل والثبور‬
‫ويحثهي التراب على رأسهه ويفهر)‪ .‬وذكهر أبهو عبدالغنهي الحسهن بهن علي حدثنها عبدالرزاق حدثنها‬
‫مالك عهن أبهي الزناد عهن العرج عهن أبهي هريرة قال قال رسهول ال صهلى ال عليهه وسهلم‪( :‬إذا‬
‫كان يوم عرفهة غفهر ال للحاج الخالص وإذا كان ليلة المزدلفهة غفهر ال للتجار وإذا كان يوم منهى‬
‫غفر ال للجمالين وإذا كان يوم جمرة العقبة غفر ال للسؤال ول يشهد ذلك الموقف خلق ممن قال‬
‫ل إله إل ال إل غفهر له)‪ .‬قال أبهو عمهر‪ :‬هذا حديهث غريهب مهن حديهث مالك‪ ،‬وليهس محفوظها عنهه‬
‫إل مهن هذا الوجهه‪ ،‬وأبهو عبدالغنهي ل أعرفهه‪ ،‬وأههل العلم مها زالوا يسهامحون أنفسههم فهي روايات‬
‫الرغائب والفضائل عن كل أحد‪ ،‬وإنما كانوا يتشددون في أحاديث الحكام‪.‬‬
‫@استحب أهل العلم صوم يوم عرفة إل بعرفة‪ .‬روى الئمة واللفظ للترمذي عن ابن عباس أن‬
‫النهبي صهلى ال عليهه وسهلم أفطهر بعرفهة‪ ،‬وأرسهلت إليهه أم الفضهل بلبهن فشرب‪ .‬قال‪ :‬حديهث حسهن‬
‫صهحيح‪ .‬وقهد روي عهن ابهن عمهر قال‪( :‬حججهت مهع النهبي صهلى ال عليهه وسهلم فلم يصهمه ‪ -‬يعنهي‬
‫يوم عرفة ‪ -‬ومع أبي بكر فلم يصمه‪ ،‬ومع عمر فلم يصمه) والعمل على هذا عند أكثر أهل العلم‪،‬‬
‫يسهتحبون الفطار بعرفهة ليتقوى بهه الرجهل على الدعاء‪ ،‬وقهد صهام بعهض أههل العلم يوم عرفهة‬
‫بعرفهة‪ .‬وأسهند عهن ابهن عمهر مثهل الحديهث الول‪ ،‬وزاد فهي آخره‪ :‬ومهع عثمان فلم يصهمه‪ ،‬وأنها ل‬
‫أصهومه ول آمهر بهه ول أنههى عنهه‪ ،‬حديهث حسهن‪ .‬وذكره ابهن المنذر‪ .‬وقال عطاء فهي صهوم يوم‬
‫عرفهة‪ :‬أصهوم فهي الشتاء ول أصهوم فهي الصهيف‪ .‬وقال يحيهى النصهاري‪ :‬يجهب الفطهر يوم عرفهة‪.‬‬
‫وكان عثمان بهن أبهي العاصهي وابهن الزبيهر وعائشهة يصهومون يوم عرفهة‪ .‬قال ابهن المنذر‪ :‬الفطهر‬
‫يوم عرفهة بعرفات أحهب إلي‪ ،‬اتباعها لرسهول ال صهلى ال عليهه وسهلم‪ ،‬والصهوم بغيهر عرفهة أحهب‬
‫إلي‪ ،‬لقول رسهول ال صههلى ال عليهه وسهلم وقههد سههئل عهن صهوم يوم عرفهة فقال‪( :‬يكفهر السهنة‬
‫الماضيهة والباقيهة)‪ .‬وقهد روينها عهن عطاء أنهه قال‪ :‬مهن أفطهر يوم عرفهة ليتقوى على الدعاء فإن له‬
‫مثل أجر الصائم‪.‬‬
‫@قوله تعالى‪" :‬فاذكروا ال عند المشعر الحرام" أي اذكروه بالدعاء والتلبية عند المشعر الحرام‪.‬‬
‫ويسههمى جمعهها لنههه يجمههع ثههم المغرب والعشاء‪ ،‬قاله قتادة‪ .‬وقيههل‪ :‬لجتماع آدم فيههه مههع حواء‪،‬‬
‫وازدلف إليههها‪ ،‬أي دنهها منههها‪ ،‬وبههه سههميت المزدلفههة‪ .‬ويجوز أن يقال‪ :‬سههميت بفعههل أهلههها‪ ،‬لنهههم‬
‫يزدلفون إلى ال‪ ،‬أي يتقربون بالوقوف فيهها‪ .‬وسهمي مشعرا مهن الشعار وههو العلمهة‪ ،‬لنهه معلم‬
‫للحج والصلة والمبيت به‪ ،‬والدعاء عنده من شعائر الحج‪ .‬ووصف بالحرام لحرمته‪.‬‬
‫@ثبت أن رسول ال صلى ال عليه وسلم صلى المغرب والعشاء بالمزدلفة جميعا‪ .‬وأجمع أهل‬
‫العلم ‪ -‬ل اختلف بينههم ‪ -‬أن السهنة أن يجمهع الحاج بجمهع بيهن المغرب والعشاء‪ .‬واختلفوا فيمهن‬
‫صهلها قبهل أن يأتهي جمعها‪ ،‬فقال مالك‪ :‬مهن وقهف مهع المام ودفهع بدفعهه فل يصهلي حتهى يأتهي‬
‫المزدلفة فيجمهع بينهها‪ ،‬واسهتدل على ذلك بقوله لسهامة بن زيهد‪( :‬الصهلة أمامهك)‪ .‬قال ابن حهبيب‪:‬‬
‫مهن صهلى قبهل أن يأتهي المزدلفهة دون عذر يعيهد متهى مها علم‪ ،‬بمنزلة مهن قهد صهلى قبهل الزوال‪،‬‬
‫لقوله عليههه السههلم‪( :‬الصههلة أمامههك)‪ .‬وبههه قال أبههو حنيفههة‪ .‬وقال أشهههب‪ :‬ل إعادة عليههه‪ ،‬إل أن‬
‫يصليهما قبل مغيب الشفق فيعيد العشاء وحدها‪ ،‬وبه قال الشافعي‪ ،‬وهو الذي نصره القاضي أبو‬
‫الحسن‪ ،‬واحتج له بأن هاتين صلتان سن الجمع بينهما‪ ،‬فلم يكن ذلك شرطا في صحتهما‪ ،‬وإنما‬
‫كان على معنهى السهتحباب‪ ،‬كالجمهع بيهن الظههر والعصهر بعرفهة‪ .‬واختار ابهن المنذر هذا القول‪،‬‬
‫وحكاه عهن عطاء بهن أبهي رباح وعروة بهن الزبيهر والقاسهم بهن محمهد وسهعيد بهن جهبير وأحمهد‬
‫وإسهحاق وأبهي ثور ويعقوب‪ .‬وحكهي عهن الشافعهي أنهه قال‪ :‬ل يصهلي حتهى يأتهي المزدلفهة‪ ،‬فإن‬
‫أدركه نصف الليل قبل أن يأتي المزدلفة صلهما‪.‬‬
‫@ومهن أسهرع فأتهى المزدلفهة قبهل مغيهب الشفهق فقهد قال ابهن حهبيب‪ :‬ل صهلة لمهن عجهل إلى‬
‫المزدلفهة قبهل مغيهب الشفهق‪ ،‬ل لمام ول غيره حتهى يغيهب الشفهق‪ ،‬لقوله عليهه السهلم‪( :‬الصهلة‬
‫أمامهك) ثهم صهلها بالمزدلفهة بعهد مغيهب الشفهق ومهن جههة المعنهى أن وقهت هذه الصهلة بعهد مغيهب‬
‫الشفق‪ ،‬فل يجوز أن يؤتى بها قبله‪ ،‬ولو كان لها وقت قبل مغيب الشفق لما أخرت عنه‪.‬‬
‫@وأما من أتى عرفة بعد دفع المام‪ ،‬أو كان له عذر ممن وقف مع المام فقد قال ابن المواز‪:‬‬
‫مهن وقهف بعهد المام فليصهل كهل صهلة لوقتهها‪ .‬وقال مالك فيمهن كان له عذر يمنعهه أن يكون مهع‬
‫المام‪ :‬إنه يصلي إذا غاب الشفق الصلتين يجمع بينهما‪ .‬وقال ابن القاسم فيمن وقف بعد المام‪:‬‬
‫إن رجها أن يأتهي المزدلفهة ثلث الليهل فليؤخهر الصهلة حتهى يأتهي المزدلفهة‪ ،‬وإل صهلى كهل صهلة‬
‫لوقتهها‪ .‬فجعهل ابهن المواز تأخيهر الصهلة إلى المزدلفهة لمهن وقهف مهع المام دون غيره‪ ،‬وراعهى‬
‫مالك الوقههت دون المكان‪ ،‬واعتههبر ابههن القاسههم الوقههت المختار للصههلة والمكان‪ ،‬فإذا خاف فوات‬
‫الوقت المختار بطل اعتبار المكان‪ ،‬وكان مراعاة وقتها المختار أولى‪.‬‬
‫@اختلف العلماء في هيئة الصلة بالمزدلفة على وجهين‪ :‬أحدهما‪ :‬الذان والقامة‪ .‬والخر‪ :‬هل‬
‫يكون جمعهما متصل ل يفصل بينهما بعمل‪ ،‬أو يجوز العمل بينهما وحط الرحال ونحو ذلك‪ ،‬فأما‬
‫الذان والقامهة فثبهت أن رسهول ال صهلى ال عليهه وسهلم صهلى المغرب والعشاء بالمزدلفهة بأذان‬
‫واحد وإقامتين‪ .‬أخرجه الصحيح من حديث جابر الطويل‪ ،‬وبه قال أحمد بن حنبل وأبو ثور وابن‬
‫المنذر‪ .‬وقال مالك‪ :‬يصليهما بأذانين وإقامتين‪ ،‬وكذلك الظهر والعصر بعرفة‪ ،‬إل أن ذلك في أول‬
‫وقت الظهر بإجماع‪ .‬قال أبو عمر‪ :‬ل أعلم فيما قاله مالك حديثا مرفوعا إلى النبي صلى ال عليه‬
‫وسهلم بوجهه مهن الوجوه‪ ،‬ولكنهه روي عهن عمهر بهن الخطاب‪ ،‬وزاد ابهن المنذر ابهن مسهعود‪ .‬ومهن‬
‫الحجهة لمالك فهي هذا الباب مهن جههة النظهر أن رسهول ال صهلى ال عليهه وسهلم سهن فهي الصهلتين‬
‫بمزدلفة وعرفة أن الوقت لهما جميعا وقت واحد‪ ،‬وإذا كان وقتهما واحدا وكانت كل صلة تصلى‬
‫فهي وقتهها لم تكهن واحدة منهمها أولى بالذان والقامهة مهن الخرى‪ ،‬لن ليهس واحدة منهمها تقضهى‪،‬‬
‫وإنمها ههي صهلة تصهلى فهي وقتهها‪ ،‬وكهل صهلة صهليت فهي وقتهها سهنتها أن يؤذن لهها وتقام فهي‬
‫الجماعة‪ ،‬وهذا بين‪ ،‬وال أعلم‪ .‬وقال آخرون‪ :‬أما الولى منهما فتصلى بأذان وإقامة‪ ،‬وأما الثانية‬
‫فتصلى بل أذان ول إقامة‪ .‬قالوا‪ :‬وإنما أمر عمر بالتأذين الثاني لن الناس قد تفرقوا لعشائهم فأذن‬
‫ليجمعههههم‪ .‬قالوا‪ :‬وكذلك نقول إذا تفرق الناس عهههن المام لعشاء أو غيره‪ ،‬أمهههر المؤذنيهههن فأذنوا‬
‫ليجمعهم‪ ،‬وإذا أذن أقام‪ .‬قالوا‪ :‬فهذا معنى ما روي عن عمر‪ ،‬وذكروا حديث عبدالرحمن بن يزيد‬
‫قال‪ :‬كان ابن مسعود يجعل العشاء بالمزدلفة بين الصلتين‪ ،‬وفي طريق أخرى وصلى كل صلة‬
‫بأذان وإقامهة‪ ،‬ذكره عبدالرزاق‪ .‬وقال آخرون‪ :‬تصهلى الصهلتان جميعها بالمزدلفهة بإقامهة ول أذان‬
‫فهي شيهء منهمها‪ ،‬روي عهن ابهن عمهر وبهه قال الثوري‪ .‬وذكهر عبدالرزاق وعبدالملك بهن الصهباح‬
‫عن الثوري عن سلمة بن كهيل عن سعيد بن جبير عن ابن عمر قال‪( :‬جمع رسول ال صلى ال‬
‫عليه وسلم بين المغرب والعشاء بجمع‪ ،‬صلى المغرب ثلثا والعشاء ركعتين بإقامة واحدة) وقال‬
‫آخرون‪ :‬تصلى الصلتان جميعا بين المغرب والعشاء بجمع بأذان واحد وإقامة واحدة‪ .‬وذهبوا في‬
‫ذلك إلى ما رواه هشيم عن يونس بن عبيد عن سعيد بن جبير عن ابن عمر أنه جمع بين المغرب‬
‫والعشاء بجمع بأذان واحد وإقامة واحدة‪ ،‬لم يجعل بينهما شيئا‪ .‬وروي مثل هذا مرفوعا من حديث‬
‫خزيمة بن ثابت‪ ،‬وليس بالقوي‪ .‬وحكى الجوزجاني عن محمد بن الحسن عن أبي يوسف عن أبي‬
‫حنيفههة أنهمهها تصههليان بأذان واحههد وإقامتيههن‪ ،‬يؤذن للمغرب ويقام للعشاء فقههط‪ .‬وإلى هذا ذهههب‬
‫الطحاوي لحديث جابر‪ ،‬وهو القول الول وعليه المعول‪ .‬وقال آخرون‪ :‬تصلى بإقامتين دون أذان‬
‫لواحدة منهمها‪ .‬وممهن قال ذلك الشافعهي وأصهحابه وإسهحاق وأحمهد بهن حنبهل فهي أحهد قوليهه‪ ،‬وههو‬
‫قول سهالم بهن عبدال والقاسهم بهن محمهد‪ ،‬واحتجوا بمها ذكره عبدالرزاق عهن معمهر عهن ابهن شهاب‬
‫عهن سهالم عهن ابهن عمهر (أن النهبي صهلى ال عليهه وسهلم لمها جاء المزدلفهة جمهع بيهن المغرب‬
‫والعشاء‪ ،‬صلى المغرب ثلثا والعشاء ركعتين بإقامة لكل واحدة منهما ولم يصل بينهما شيئا) قال‬
‫أبو عمر‪ :‬والثار عن ابن عمر في هذا القول من أثبت ما روي عنه في هذا الباب‪ ،‬ولكنها محتملة‬
‫للتأويهل‪ ،‬وحديهث جابر لم يختلف فيهه‪ ،‬فههو أولى‪ ،‬ول مدخهل فهي هذه المسهألة للنظهر‪ ،‬وإنمها فيهها‬
‫التباع‪.‬‬
‫@وأما الفصل بين الصلتين بعمل غير الصلة فثبت عن أسامة بن زيد (أن النبي صلى ال عليه‬
‫وسلم لما جاء المزدلفة نزل فتوضأ فأسبغ الوضوء‪ ،‬ثم أقيمت الصلة فصلى المغرب‪ ،‬ثم أناخ كل‬
‫إنسان بعيره في منزله‪ ،‬ثم أقيمت الصلة فصهلها‪ ،‬ولم يصل بينهما شيئا) في رواية‪( :‬ولم يحلوا‬
‫حتى أقام العشاء الخرة فصلى ثم حلوا) وقد ذكرنا آنفا عن ابن مسعود أنه كان يجعل العشاء بين‬
‫الصهلتين‪ ،‬ففهي هذا جواز الفصهل بيهن الصهلتين بجمهع‪ .‬وقهد سهئل مالك فيمهن أتهى المزدلفهة‪ :‬أيبدأ‬
‫بالصههلة أو يؤخههر حتههى يحههط عههن راحلتههه؟ فقال‪ :‬أمهها الرحههل الخفيههف فل بأس أن يبدأ بههه قبههل‬
‫الصلة‪ ،‬وأما المحامل والزوامل فل أرى ذلك‪ ،‬وليبدأ بالصلتين ثم يحط عن راحلته‪ .‬وقال أشهب‬
‫فهي كتبه‪ :‬له حط رحله قبل الصلة‪ ،‬وحطه له بعد أن يصلي المغرب أحب إلي ما لم يضطر إلى‬
‫ذلك‪ ،‬لما بدابته من الثقل‪ ،‬أو لغير ذلك من العذر‪ .‬وأما التنفل بين الصلتين فقال ابن المنذر‪ :‬ول‬
‫أعلمهم يختلفون أن من السنة أل يتطوع بينهما الجامع بين الصلتين وفي حديث أسامة‪ :‬ولم يصل‬
‫بينهما شيئا‪.‬‬
‫@وأما المبيت بالمزدلفة فليس ركنا في الحج عند الجمهور‪ .‬واختلفوا فيما يجب على من لم يبت‬
‫بالمزدلفهة ليلة النحهر ولم يقهف بجمهع‪ ،‬فقال مالك‪ :‬مهن لم يبهت بهها فعليهه دم‪ ،‬ومهن قام بهها أكثهر ليله‬
‫فل شيء عليه‪ ،‬لن المبيت بها ليلة النحر سنة مؤكدة عند مالك وأصحابه‪ ،‬ل فرض‪ ،‬ونحوه قول‬
‫عطاء والزهري وقتادة وسفيان الثوري وأحمد وإسحاق وأبي ثور وأصحاب الرأي فيمن لم يبت‪.‬‬
‫وقال الشافعي‪ :‬إن خرج منها بعد نصف الليل فل شيء عليه‪ ،‬وإن خرج قبل نصف الليل فلم يعد‬
‫إلى المزدلفههة افتدى‪ ،‬والفديههة شاة‪ .‬وقال عكرمههة والشعههبي والنخعههي والحسههن البصههري‪ :‬الوقوف‬
‫بالمزدلفة فرض‪ ،‬ومن فاته جمع ولم يقف فقد فاته الحج‪ ،‬ويجعل إحرامه عمرة‪ .‬وروي ذلك عن‬
‫ابهن الزبيهر ههو قول الوزاعهي‪ .‬وروي عهن الثوري مثهل ذلك‪ ،‬والصهح عنهه أن الوقوف بهها سهنة‬
‫مؤكدة‪ .‬وقال حماد بن‪ .‬أبي سليمان‪ .‬من فاتته الفاضة من جمع فقد فاته الحج‪ ،‬وليتحلل بعمرة ثم‬
‫ليحج قابل‪ .‬واحتجوا بظاهر الكتاب والسنة‪ ،‬فأما الكتاب فقول ال تعالى‪" :‬فإذا أفضتم من عرفات‬
‫فاذكروا ال عنهد المشعهر الحرام" وأمها السهنة فقوله صهلى ال عليهه وسهلم‪( :‬مهن أدرك جمعها فوقهف‬
‫مهههع الناس حتهههى يفيهههض فقهههد أدرك ومهههن لم يدرك ذلك فل حهههج له)‪ .‬ذكره ابهههن المنذر‪ .‬وروى‬
‫الدارقطنهي عهن عروة بهن مضرس‪ :‬قال أتيهت النهبي صهلى ال عليهه وسهلم وههو بجمهع فقلت له‪ :‬يها‬
‫رسهول ال‪ ،‬ههل لي مهن حهج؟ فقال‪( :‬مهن صهلى معنها هذه الصهلة ثهم وقهف معنها حتهى نفيهض وقهد‬
‫أفاض قبل ذلك من عرفات ليل أو نهارا فقد تم حجه وقضى تفثه)‪ .‬قال الشعبي‪ :‬من لم يقف بجمع‬
‫جعلههها عمرة‪ .‬وأجاب مههن احتههج للجمهور بأن قال‪ :‬أمهها اليههة فل حجههة فيههها على الوجوب فههي‬
‫الوقوف ول المبيت‪ ،‬إذ ليس ذلك مذكورا فيها‪ ،‬وإنما فيها مجرد الذكر‪ .‬وكل قد أجمع أنه لو وقف‬
‫بمزدلفهة ولم يذكهر ال أن حجهه تام‪ ،‬فإذا لم يكهن الذكهر المأمور به مهن صهلب الحج فشهود الموطهن‬
‫أولى بأل يكون كذلك‪ .‬قال أبو عمر‪ :‬وكذلك أجمعوا أن الشمس إذا طلعت يوم النحر فقد فات وقت‬
‫الوقوف بجمههع‪ ،‬وإن مههن أدرك الوقوف بههها قبههل طلوع الشمههس فقههد أدرك‪ ،‬ممههن يقول إن ذلك‬
‫فرض‪ ،‬ومهن يقول إن ذلك سهنة‪ .‬وأمها حديهث عروة بهن مضرس فقهد جاء فهي بعهض طرقهه بيان‬
‫الوقوف بعرفههة دون المههبيت بالمزدلفههة‪ ،‬ومثله حديههث عبدالرحمههن بههن يعمههر الديلي قال‪ :‬شهدت‬
‫رسول ال صلى ال عليه وسلم بعرفة‪ ،‬وأتاه ناس من أهل نجد فسألوه عن الحج‪ ،‬فقال رسول ال‬
‫صلى ال عليه وسلم‪( :‬الحج عرفة من أدركها قبل أن يطلع الفجر من ليلة جمع فقد تم حجه) رواه‬
‫النسهائي قال‪ :‬أخبرنها إسهحاق بهن إبراهيهم قال حدثنها وكيهع قال حدثنها سهفيان ‪ -‬يعنهي الثوري ‪ -‬عهن‬
‫بكير بن عطاء عن عبدالرحمن بن يعمر الديلي قال‪ :‬شهدت‪ ،...‬فذكره‪ .‬ورواه ابن عيينة عن بكير‬
‫عن عبدالرحمن بن يعمر الديلي قال‪ :‬شهدت رسول ال صلى ال عليه وسلم يقول‪( :‬الحج عرفات‬
‫فمن أدرك عرفة قبل أن يطلع الفجر فقد أدرك وأيام منى ثلثة فمن تعجل في يومين فل إثم عليه‬
‫ومههن تأخههر فل إثههم عليههه)‪ .‬وقوله فههي حديههث عروة‪( :‬مههن صههلى صههلتنا هذه)‪ .‬فذكههر الصههلة‬
‫بالمزدلفة‪ ،‬فقد أجمع العلماء أنه لو بات بها ووقف ونام عن الصلة فلم يصل مع المام حتى فاتته‬
‫أن حجه تام‪ .‬فلما كان حضور الصلة مع المام ليس من صلب الحج كان الوقوف بالموطن الذي‬
‫تكون فيههه الصههلة أحرى أن يكون كذلك‪ .‬قالوا‪ :‬فلم يتحقههق بهذا الحديههث ذلك الفرض إل بعرفههة‬
‫خاصة‪.‬‬
‫@قوله تعالى‪" :‬واذكروه كمها هداكهم" كرر المهر تأكيدا‪ ،‬كمها تقول‪ :‬ارم‪ .‬ارم‪ .‬وقيهل‪ :‬الول أمهر‬
‫بالذكهر عنهد المشعهر الحرام‪ .‬والثانهي أمهر بالذكهر على حكهم الخلص وقيهل‪ :‬المراد بالثانهي تعديهد‬
‫النعمهة وأمهر بشكرهها‪ ،‬ثهم ذكرههم بحال ضللههم ليظههر قدر النعام فقال‪" :‬وإن كنتهم مهن قبله لمهن‬
‫الضاليهن" والكاف فهي "كمها" نعهت لمصهدر محذوف‪ ،‬و" مها" مصهدرية أو كافهة والمعنهى‪ :‬اذكروه‬
‫ذكرا حسهنا كمها هداكهم هدايهة حسهنة‪ ،‬واذكروه كمها علمكهم كيهف تذكرونهه ل تعدلوا عنهه‪ .‬و"إن"‬
‫مخففههة مههن الثقيلة‪ ،‬يدل على ذلك دخول اللم فههي الخههبر‪ ،‬قال سههيبويه‪ .‬الفراء‪ :‬نافيههة بمعنههى مهها‪،‬‬
‫واللم بمعنى إل‪ ،‬كما قال‪:‬‬
‫حلت عليك عقوبة الرحمن‬ ‫ثكلتك أمك إن قتلت لمسلما‬
‫أو بمعنى قد أي قد كنتم ثلثة أقوال والضمير في "قبله" عائد إلى الهدي‪ .‬وقيل إلى القرآن‪ ،‬أي ما‬
‫كنتم من قبل إنزاله إل ضالين‪ .‬وإن شئت على النبي صلى ال عليه وسلم كناية عن غير مذكور‪،‬‬
‫والول أظهر وال أعلم‪.‬‬
‫*‪*3‬الية‪{ 199 :‬ثم أفيضوا من حيث أفاض الناس واستغفروا ال إن ال غفور رحيم}‬
‫@قوله تعالى‪" :‬ثهم أفيضوا مهن حيهث أفاض الناس" قيهل‪ :‬الخطاب للحمهس‪ ،‬فإنههم كانوا ل يقفون‬
‫مهع الناس بعرفات‪ ،‬بهل كانوا يقفون بالمزدلفهة وههي مهن الحرم‪ ،‬وكانوا يقولون‪ :‬نحهن قطيهن ال‪،‬‬
‫فينبغهي لنها أن نعظهم الحرم‪ ،‬ول نعظهم شيئا مهن الحهل‪ ،‬وكانوا مهع معرفتههم وإقرارههم إن عرفهة‬
‫موقهف إبراهيهم عليهه السهلم ل يخرجون مهن الحرم‪ ،‬ويقفون بجمهع ويفيضون منهه ويقهف الناس‬
‫بعرفهة‪ ،‬فقيهل لههم‪ :‬أفيضوا مهع الجملة‪ .‬و"ثهم" ليسهت فهي هذه اليهة للترتيهب وإنمها ههي لعطهف جملة‬
‫كلم ههي منهها منقطعهة‪ .‬وقال الضحاك‪ :‬المخاطهب باليهة جملة المهة‪ ،‬والمراد بهه "الناس" إبراهيهم‬
‫عليه السلم‪ ،‬كما قال‪" :‬الذين قال لهم الناس" [آل عمران‪ ]173 :‬وهو يريد واحدا‪ .‬ويحتمل على‬
‫هذا أن يؤمروا بالفاضهة مهن عرفهة‪ ،‬ويحتمهل أن تكون إفاضهة أخرى‪ ،‬وههي التهي مهن المزدلفهة‪،‬‬
‫فتجيهء "ثهم" على هذا الحتمال على بابهها‪ ،‬وعلى هذا الحتمال عول الطهبري‪ .‬والمعنهى‪ :‬أفيضوا‬
‫مهن حيهت أفاض إبراهيهم مهن مزدلفهة جمهع‪ ،‬أي ثهم أفيضوا إلى منهى لن الفاضهة مهن عرفات قبهل‬
‫الفاضة من جمع‪.‬‬
‫قلت‪ :‬ويكون فههي هذا حجهة لمههن أوجههب الوقوف بالمزدلفهة‪ ،‬للمههر بالفاضههة منههها‪ ،‬وال أعلم‬
‫والصهحيح فهي تأويهل هذه اليهة مهن القوليهن القول الول‪ .‬روى الترمذي عهن عائشهة قالت‪ :‬كانهت‬
‫قريش ومن كان على دينها وهم الحمس يقفون بالمزدلفة يقولون‪ :‬نحن قطين ال‪ ،‬وكان من سواهم‬
‫يقفون بعرفههة‪ ،‬فأنزل ال تعالى‪" :‬ثههم أفيضوا مههن حيههث أفاض الناس" هذا حديههث حسههن صههحيح‪.‬‬
‫وفي صحيح مسلم عن عائشة قالت‪ :‬الحمس هم الذين أنزل ال فيهم‪" :‬ثم أفيضوا من حيث أفاض‬
‫الناس" قالت‪ :‬كان الناس يفيضون مهن عرفات‪ ،‬وكان الحمهس يفيضون مهن المزدلفهة‪ ،‬يقولون‪ :‬ل‬
‫نفيض إل من الحرم‪ ،‬فلما نزلت‪" :‬أفيضوا من حيث أفاض الناس" رجعوا إلى عرفات‪ .‬وهذا نص‬
‫صههريح‪ ،‬ومثله كثيههر صههحيح‪ ،‬فل معول على غيره مههن القوال‪ .‬وال المسههتعان‪ .‬وقرأ سههعيد بههن‬
‫جهبير "الناسهي" وتأويله آدم عليهه السهلم‪ ،‬لقوله تعالى‪" :‬فنسهي ولم نجهد له عزمها" [طهه‪.]115 :‬‬
‫ويجوز عند بعضهم تخفيف الياء فيقول الناس‪ ،‬كالقاض والهاد‪ .‬ابن عطية‪ :‬أما جوازه في العربية‬
‫فذكره سهيبويه‪ ،‬وأمها جوازه مقروءا بهه فل أحفظهه‪ .‬وأمهر تعالى بالسهتغفار لنهها مواطنهه‪ ،‬ومظان‬
‫القبول ومسهاقط الرحمهة‪ .‬وقالت فرقهة‪ :‬المعنهى واسهتغفروا ال مهن فعلكهم الذي كان مخالفها لسهنة‬
‫إبراهيم في وقوفكم بقزح من المزدلفة دون عرفة‪.‬‬
‫@ روى أبو داود عن علي قال‪ :‬فلما أصبح ‪ -‬يعنهي النبي صلى ال عليه وسلم وقف على قزح‬
‫فقال‪( :‬هذا قزح وههو الموقهف وجمهع كلهها موقهف ونحرت ههنها ومنهى كلهها منحهر فانحروا فهي‬
‫رحالكهم)‪ .‬فحكهم الحجيهج إذا دفعوا مهن عرفهة إلى المزدلفهة أن يهبيتوا بهها ثهم يغلس بالصهبح المام‬
‫بالناس ويقفون بالمشعهر الحرام‪ .‬وقزح ههو الجبهل الذي يقهف عليهه المام‪ ،‬ول يزالون يذكرون ال‬
‫ويدعون إلى قرب طلوع الشمهههس‪ ،‬ثهههم يدفعون قبهههل الطلوع‪ ،‬على مخالفهههة العرب‪ ،‬فإنههههم كانوا‬
‫يدفعون بعههد الطلوع ويقولون‪ :‬أشرق ثههبير‪ ،‬كيمهها نغيههر‪ ،‬أي كيمهها نقرب مههن التحلل فنتوصههل إلى‬
‫الغارة‪ .‬وروى البخاري عهن عمرو بهن ميمون قال‪ :‬شهدت عمهر صهلى بجمهع الصهبح ثهم وقهف‬
‫فقال‪ :‬إن المشركيهن كانوا ل يفيضون حتهى تطلع الشمهس ويقولون‪ :‬أشرق ثهبير‪ ،‬وأن النهبي صهلى‬
‫ال عليه وسلم خالفهم فدفع قبل أن تطلع الشمس‪ .‬وروى ابن عيينة عن ابن جريج عن محمد بن‬
‫مخرمهة عهن ابهن طاوس عهن أبيهه أن أههل الجاهليهة كانوا يدفعون مهن عرفهة قبهل غروب الشمهس‪،‬‬
‫وكانوا يدفعون من المزدلفة بعد طلوع الشمس‪ ،‬فأخر رسول ال صلى ال عليه وسلم هذا وعجل‬
‫هذا‪ ،‬أخر الدفع من عرفة‪ ،‬وعجل الدفع من المزدلفة مخالفا هدي المشركين‪.‬‬
‫@ فإذا دفعوا قبهل الطلوع فحكمههم أن يدفعوا على هيئة الدفهع مهن عرفهة‪ ،‬وههو أن يسهير المام‬
‫بالناس سهير العنهق‪ ،‬فإذا وجهد أحدههم فرجهة زاد فهي العنهق شيئا‪ .‬والعنهق‪ :‬مشهي للدواب معروف ل‬
‫يجهل‪ .‬والنص‪ :‬فوق العنق‪ ،‬كالخبب أو فوق ذلك‪ .‬وفي صحيح مسلم عن أسامة بن زيد رضي ال‬
‫عنهمها وسهئل‪ :‬كيهف كان يسهير رسهول ال صهلى ال عليهه وسهلم حيهن أفاض مهن عرفهة؟ قال‪ :‬كان‬
‫يسير العنق‪ ،‬فإذا وجد فجوة نص‪ .‬قال هشام‪ :‬والنص فوق العنق‪ ،‬وقد تقدم‪ .‬ويستحب له أن يحرك‬
‫فهي بطهن محسهر قدر رميهة بحجهر‪ ،‬فإن لم يفعهل فل حرج‪ ،‬وههو مهن منهى‪ .‬وروى الثوري وغيره‬
‫عهن أبهي الزبيهر عهن جابر قال‪ :‬دفهع رسهول ال صهلى ال عليهه وسهلم وعليهه السهكينة وقال لههم‪:‬‬
‫(أوضعوا فهي وادي محسهر) وقال لههم‪( :‬خذوا عنهي مناسهككم)‪ .‬فإذا أتوا منهى وذلك غدوة يوم‬
‫النحههر‪ ،‬رموا جمرة العقبههة بههها ضحههى ركبانهها إن قدروا‪ ،‬ول يسههتحب الركوب فههي غيرههها مههن‬
‫الجمار‪ ،‬ويرمونها بسبع حصيات‪ ،‬كل حصاة منها مثل حصى الخذف ‪ -‬على ما يأتي بيانه ‪ -‬فإذا‬
‫رموهها حهل لههم كهل مها حرم عليههم مهن اللباس والتفهث كله‪ ،‬إل النسهاء والطيهب والصهيد عنهد مالك‬
‫وإسحاق في رواية أبي داود الخفاف عنه‪ .‬وقال عمر بن الخطاب وابن عمر‪ :‬يحل له كل شيء إل‬
‫النساء والطيب‪ .‬ومن تطيب عند مالك بعد الرمي وقبل الفاضة لم ير عليه فدية‪ ،‬لما جاء في ذلك‪.‬‬
‫ومن صاد عنده بعد أن رمى جمرة العقبة وقبل أن يفيض كان عليه الجزاء‪ .‬وقال الشافعي وأحمد‬
‫وإسحاق وأبو ثور‪ :‬يحل له كل شيء إل النساء‪ ،‬وروي عن ابن عباس‪.‬‬
‫ويقطههع الحاج التلبيههة بأول حصههاة يرميههها مهن جمرة العقبهة‪ ،‬وعلى هذا أكثههر أهههل العلم بالمدينههة‬
‫وغيرهها‪ ،‬وههو جائز مباح عنهد مالك‪ .‬والمشهور عنهه قطعهها عنهد زوال الشمهس مهن يوم عرفهة‪،‬‬
‫على ما ذكر في موطئه عن علي‪ ،‬وقال‪ :‬هو المر عندنا‪.‬‬
‫قلت‪ :‬والصهل فهي هذه الجملة مهن السهنة مها رواه مسهلم عهن الفضهل بهن عباس‪ ،‬وكان رديهف‬
‫رسهول ال صهلى ال عليهه وسهلم أنهه قال فهي عشيهة عرفهة وغداة جمهع للناس حيهن دفعوا‪( :‬عليكهم‬
‫بالسهكينة) وههو كاف ناقتهه حتهى دخهل محسهرا وههو مهن منهى قال‪( :‬عليكهم بحصهى الخذف الذي‬
‫يرمى به الجمرة)‪ ،‬وقال‪ :‬لم يزل رسول ال صلى ال عليه وسلم يلبي حتى رمى جمرة العقبة‪ .‬في‬
‫روايهة‪ :‬والنهبي صهلى ال عليهه وسهلم يشيهر بيده كمها يخذف النسهان‪ .‬وفهي البخاري عهن عبدال أنهه‬
‫انتهى إلى الجمرة الكبرى جعل البيت عن يساره ومنى عن يمينه‪ ،‬ورمى بسبع وقال‪ :‬هكذا رمى‬
‫الذي أنزلت عليههه سههورة البقرة صههلى ال عليههه وسههلم وروى الدار قطنههي عههن عائشههة قالت قال‬
‫رسول ال صلى ال عليه وسلم‪( :‬إذا رميتم وحلقتم وذبحتم فقد حل لكم كل شيء إل النساء وحل‬
‫لكم الثياب والطيب)‪ .‬وفي البخاري عن عائشة قالت‪ :‬طيبت رسول ال صلى ال عليه وسلم بيدي‬
‫هاتين‪ ،‬حين أحرم‪ ،‬ولحله حين أحل قبل أن يطوف‪ ،‬وبسطت يديها‪ .‬وهذا هو التحلل الصغر عند‬
‫العلماء‪ .‬والتحلل الكههبر‪ :‬طواف الفاضههة‪ ،‬وهههو الذي يحههل النسههاء وجميههع محظورات الحرام‬
‫وسيأتي ذكره في سورة "الحج" إن شاء ال تعالى‪.‬‬
‫@قوله تعالى‪" :‬إن ال غفور رحيم" أي يغفر المعاصي‪ ،‬فأولى أل يؤاخذ بما رخص فيه‪ ،‬ومن‬
‫رحمته أنه رخص‪.‬‬
‫*‪*3‬الية‪{ 200 :‬فإذا قضيتم مناسككم فاذكروا ال كذكركم آباءكم أو أشد ذكرا فمن الناس من‬
‫يقول ربنا آتنا في الدنيا وما له في الخرة من خلق}‬
‫@قوله تعالى‪" :‬فإذا قضيتهم مناسهككم" قال مجاههد‪ :‬المناسهك الذبائح وهراقهة الدماء وقيهل‪ :‬ههي‬
‫شعائر الحج‪ ،‬لقوله عليه السلم‪( :‬خذوا عني مناسككم)‪ .‬المعنى‪ :‬فإذا فعلتم منسكا من مناسك الحج‬
‫فاذكروا ال وأثنوا عليههه بآلئه عندكههم‪ .‬وأبههو عمرو يدغههم الكاف فههي الكاف وكذلك "مهها سههلككم"‬
‫لنهما مثلن و"قضيتم" هنا بمعنى أديتم وفرغتم‪ ،‬قال ال تعالى‪" :‬فإذا قضيت الصلة" [الجمعة‪:‬‬
‫‪ ]10‬أي أديتم الجمعة‪ .‬وقد يعبر بالقضاء عما فعل من العبادات خارج وقتها المحدود لها‪.‬‬
‫@قوله تعالى‪" :‬فاذكروا ال كذكركهم آباءكهم" كانهت عادة العرب إذا قضهت حجهها تقهف عنهد‬
‫الجمرة‪ ،‬فتفاخهر بالباء‪ ،‬وتذكهر أيام أسهلفها مهن بسهالة وكرم‪ ،‬وغيهر ذلك‪ ،‬حتهى أن الواحهد منههم‬
‫ليقول‪ :‬اللهم إن أبي كان عظيم القبة‪ ،‬عظيم الجفنة‪ ،‬كثير المال‪ ،‬فأعطني مثل ما أعطيته فل يذكر‬
‫غير أبيه‪ ،‬فنزلت الية ليلزموا أنفسهم ذكر ال أكثر من التزامهم ذكر آبائهم أيام الجاهلية هذا قول‬
‫جمهور المفسههرين‪ .‬وقال ابههن عباس وعطاء والضحاك والربيههع‪ :‬معنههى اليههة واذكروا ال كذكههر‬
‫الطفال آباءهم وأمهاتهم‪ :‬أبه أمه‪ ،‬أي فاستغيثوا به والجؤوا إليه كما كنتم تفعلون في حال صغركم‬
‫بآبائكم‪ .‬وقالت طائفة‪ :‬معنى الية اذكروا ال وعظموه وذبوا عن حرمه‪ ،‬وادفعوا من أراد الشرك‬
‫فهي دينهه ومشاعره‪ ،‬كمها تذكرون آباءكهم بالخيهر إذا غهض أحهد منههم‪ ،‬وتحمون جوانبههم وتذبون‬
‫عنههم‪ .‬وقال أبهو الجوزاء لبهن عباس‪ :‬إن الرجهل اليوم ل يذكهر أباه‪ ،‬فمها معنهى اليهة؟ قال‪ :‬ليهس‬
‫كذلك‪ ،‬ولكهن أن تغضهب ل تعالى إذا عصهي أشهد مهن غضبهك لوالديهك إذا شتمها والكاف مهن قول‬
‫"كذكركهم" فهي موضهع نصهب‪ ،‬أي ذكرا كذكركهم‪" .‬أو أشهد" قال الزجاج ‪" :‬أو أشهد" فهي موضهع‬
‫خفهض عطفها على ذكركهم‪ ،‬المعنهى ‪ :‬أو كأشهد ذكرا‪ ،‬ولم ينصهرف لنهه "أفعهل" صهفة‪ ،‬ويجوز أن‬
‫يكون في موضع نصب بمعنى أو اذكروه أشد‪ .‬و" ذكرا "نصب على البيان‪.‬‬
‫@قوله تعالى‪" :‬فمهن الناس مهن يقول ربنها" "مهن" فهي موضهع رفهع بالبتداء وإن شئت بالصهفة‬
‫يقول "ربنا آتنا في الدنيا" صلة "من" والمراد المشركون‪ .‬قال أبو وائل والسدي وابن زيد‪ :‬كانت‬
‫العرب فهي الجاهليهة تدعو في مصهالح الدنيها فقهط‪ ،‬فكانوا يسهألون البل والغنهم والظفر بالعدو‪ ،‬ول‬
‫يطلبون الخرة‪ ،‬إذ كانوا ل يعرفونههها ول يؤمنون بههها‪ ،‬فنهوا عههن ذلك الدعاء المخصههوص بأمههر‬
‫الدنيها‪ ،‬وجاء النههي فهي صهيغة الخهبر عنههم ويجوز أن يتناول هذا الوعيهد المؤمهن أيضها إذا قصهر‬
‫دعواتههه فههي الدنيهها‪ ،‬وعلى هذا فه ه "مهها له فههي الخرة مههن خلق" أي كخلق الذي يسههأل الخرة‬
‫والخلق النصيب‪ .‬و"من" زائدة وقد تقدم‪.‬‬
‫*‪*3‬الية‪{ 201 :‬ومنهم من يقول ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الخرة حسنة وقنا عذاب النار}‬
‫@قوله تعالى‪" :‬ومنهم" أي من الناس‪ ،‬وهم المسلمون يطلبون خير الدنيا والخرة‪ .‬واختلف في‬
‫تأويهل الحسهنتين على أقوال عديدة‪ ،‬فروي عهن علي بهن أبهي طالب رضهي ال عنهه أن الحسهنة فهي‬
‫الدنيا المرأة الحسناء‪ ،‬وفي الخرة الحور العين‪" .‬وقنا عذاب النار"‪ :‬المرأة السوء‪.‬‬
‫قلت‪ :‬وهذا فيه بعد‪ ،‬ول يصح عن علي‪ ،‬لن النار حقيقة في النار المحرقة‪ ،‬وعبارة المرأة عن‬
‫النار تجوز‪ .‬وقال قتادة‪ :‬حسهنة الدنيها العافيهة فهي الصهحة وكفاف المال‪ .‬وقال الحسهن‪ :‬حسهنة الدنيها‬
‫العلم والعبادة‪ .‬وقيل غير هذا‪ .‬والذي عليه أكثر أهل العلم أن المراد بالحسنتين نعم الدنيا والخرة‪.‬‬
‫وهذا ههو الصهحيح‪ ،‬فإن اللفهظ يقتضهي هذا كله‪ ،‬فإن "حسهنة" نكرة فهي سهياق الدعاء‪ ،‬فههو محتمهل‬
‫لكل حسنة من الحسنات على البدل‪ .‬وحسنة الخرة‪ :‬الجنة بإجماع‪ .‬وقيل‪ :‬لم يرد حسنة واحدة‪ ،‬بل‬
‫أراد‪ :‬أعطنا في الدنيا عطية حسنة‪ ،‬فحذف السم‪.‬‬
‫@قوله تعالى‪" :‬وقنا عذاب النار" أصل "قنا" أو قنا حذفت الواو كما حذفت في يقي ويشي‪ ،‬لنها‬
‫بين ياء وكسرة‪ ،‬مثل يعد‪ ،‬هذا قول البصريين‪ .‬وقال الكوفيون‪ :‬حذفت فرقا بين اللزم والمتعدي‪.‬‬
‫قال محمهد بهن يزيهد‪ :‬هذا خطهأ‪ ،‬لن العرب تقول‪ .‬ورم يرم‪ ،‬فيحذفون الواو‪ .‬والمراد باليهة الدعاء‬
‫في أل يكون المرء ممن يدخلها بمعاصيه وتخرجه الشفاعة‪ .‬ويحتمل أن يكون دعاء مؤكدا لطلب‬
‫دخول الجنهة‪ ،‬لتكون الرغبهة فهي معنهى النجاة والفوز مهن الطرفيهن‪ ،‬كمها قال أحهد الصهحابة للنهبي‬
‫صلى ال عليه وسلم أنا إنما أقول في دعائي‪ :‬اللهم أدخلني الجنة وعافني من النار‪ ،‬ول أدري ما‬
‫دندنتهك ول دندنهة معاذ‪ .‬فقال له رسهول ال صهلى ال عليهه وسهلم‪( :‬حولهها ندندن) خرجهه أبهو داود‬
‫في سننه وابن ماجة أيضا‪.‬‬
‫@ هذه الية من جوامع الدعاء التي عمت الدنيا والخرة‪ .‬قيل لنس‪ :‬ادع ال لنا‪ ،‬فقال‪ :‬اللهم آتنا‬
‫فهي الدنيها حسهنة وفهي الخرة حسهنة وقنها عذاب النار‪ .‬قالوا‪ :‬زدنها‪ .‬قال‪ :‬مها تريدون قهد سهألت الدنيها‬
‫والخرة وفهي الصهحيحين عهن أنهس قال‪ :‬كان أكثهر دعوة يدعهو بهها النهبي صهلى ال عليهه وسهلم‬
‫يقول‪( :‬اللهم آتنا في الدنيا حسنة وفي الخرة حسنة وقنا عذاب النار)‪ .‬قال‪ :‬فكان أنس إذا أراد أن‬
‫يدعهو بدعوة دعها بهها‪ ،‬فإذا أراد أن يدعهو بدعاء دعها بهها فيهه‪ .‬وفهي حديهث عمهر أنهه كان يطوف‬
‫بالبيهت وههو يقول‪ :‬ربنها آتنها فهي الدنيها حسهنة وفهي الخرة حسهنة وقنها عذاب النار‪ .‬مها له هجيرى‬
‫غيرهها‪ ،‬ذكره أبهو عبيهد‪ .‬وقال ابهن جريهج‪ :‬بلغنهي أنهه كان يأمهر أن يكون أكثهر دعاء المسهلم فهي‬
‫الموقهف هذه اليهة‪" :‬ربنها آتنها فهي الدنيها حسهنة وفهي الخرة حسهنة وقنها عذاب النار"‪ .‬وقال ابهن‬
‫عباس‪ :‬إن عند الركن ملكا قائما منذ خلق ال السموات والرض يقول آمين‪ ،‬فقولوا‪" :‬ربنا آتنا في‬
‫الدنيها حسهنة وفهي الخرة حسهنة وقنها عذاب النار" وسهئل عطاء بهن أبهي رباح عهن الركهن اليمانهي‬
‫وههو يطوف بالبيهت‪ ،‬فقال عطاء‪ :‬حدثنهي أبهو هريرة أن النهبي صهلى ال عليهه وسهلم قال‪( :‬وكهل بهه‬
‫سهبعون ملكها فمهن قال اللههم إنهي أسهألك العفهو والعافيهة فهي الدنيها والخرة ربنها آتنها فهي الدنيها حسهنة‬
‫وفهي الخرة حسهنة وقنها عذاب النار قالوا آميهن‪ )...‬الحديهث‪ .‬خرجهه ابهن ماجهة فهي السهنن‪ ،‬وسهيأتي‬
‫بكماله مسندا في "الحج] إن شاء ال‪.‬‬
‫*‪*3‬الية‪{ 202 :‬أولئك لهم نصيب مما كسبوا وال سريع الحساب}‬
‫@قوله تعالى‪" :‬أولئك لهم نصيب مما كسبوا" هذا يرجع إلى الفريق الثاني فريق السلم‪ ،‬أي لهم‬
‫ثواب الحهههج أو ثواب الدعاء‪ ،‬فإن دعاء المؤمهههن عبادة‪ .‬وقيهههل‪ :‬يرجهههع "أولئك" إلى الفريقيهههن‪،‬‬
‫فللمؤمن ثواب عمله ودعائه‪ ،‬وللكافر عقاب شركه وقصر نظره على الدنيا‪ ،‬وهو مثل قوله تعالى‪:‬‬
‫"ولكل درجات مما عملوا" [النعام‪.]132 :‬‬
‫@قوله تعالى‪" :‬وال سريع الحساب" من سرع يسرع ‪ -‬مثل عظم يعظم ‪ -‬سرعا وسرعة‪ ،‬فهو‬
‫سريع‪" .‬الحساب"‪ :‬مصدر كالمحاسبة‪ ،‬وقد يسمى المحسوب حسابا‪ .‬والحساب العد‪ ،‬يقال‪ :‬حسب‬
‫يحسب حسابا وحسابة وحُسبانا وحِسبانا وحسبا‪ ،‬أي عد وأنشد ابن العرابي‪:‬‬
‫سقيا مليك حسن الربابه‬ ‫يا جمل أسقاك بل حسابه‬
‫قتلتني بالدل والخلبه‬
‫والحسهب‪ :‬مها عهد مهن مفاخهر المرء‪ .‬ويقال‪ :‬حسهبه دينهه‪ .‬ويقال‪ :‬ماله‪ ،‬ومنهه الحديهث‪ :‬الحسهب المال‬
‫والكرم التقوى) رواه سههمرة بههن جندب‪ ،‬أخرجههه ابههن ماجههة‪ ،‬وهههو فههي الشهاب أيضهها‪ .‬والرجههل‬
‫حسيب‪ ،‬وقد حسب حسابة (بالضم)‪ ،‬مثل خطب خطابة‪ .‬والمعنى في الية‪ :‬إن ال سبحانه سريع‬
‫الحسهاب‪ ،‬ل يحتاج إلى عهد ول إلى عقهد ول إلى إعمال فكهر كمها يفعله الحسهاب‪ ،‬ولهذا قال وقول‬
‫الحهق‪" :‬وكفهى بنها حاسهبين" [النهبياء‪ ،]47 :‬وقال رسهول ال صهلى ال عليه وسهلم‪( :‬اللههم منزل‬
‫الكتاب سريع الحساب) الحديث‪ .‬فال جل وعز عالم بما للعباد وعليهم فل يحتاج إلى تذكر وتأمل‪،‬‬
‫إذ قهد علم مها للمحاسهب وعليهه‪ ،‬لن الفائدة فهي الحسهاب علم حقيقتهه‪ .‬وقيهل‪ :‬سهريع المجازاة للعباد‬
‫بأعمالههم وقيهل‪ :‬المعنهى ل يشغله شأن عهن شأن‪ ،‬فيحاسهبهم فهي حالة واحدة‪ ،‬كمها قال وقوله الحهق‪:‬‬
‫"ما خلقكم ول بعثكم إل كنفس واحدة" [لقمان‪ .]28 :‬قال الحسن‪ :‬حسابه أسرع من لمح البصر‪،‬‬
‫وفهي الخهبر (إن ال يحاسهب فهي قدر حلب شاة)‪ .‬وقيهل‪ :‬ههو أنهه إذا حاسهب واحدا فقهد حاسهب جميهع‬
‫الخلق‪ .‬وقيل لعلي بن أبي طالب رضي ال عنه‪ :‬كيف يحاسب ال العباد في يوم؟ قال‪ :‬كما يرزقهم‬
‫فهي يوم‪ .‬ومعنهى الحسهاب‪ :‬تعريهف ال عباده مقاديهر الجزاء على أعمالههم‪ ،‬وتذكيره إياههم بمها قهد‬
‫نسهوه‪ ،‬بدليهل قوله تعالى‪" :‬يوم يبعثههم ال جميعها فينبئههم بمها عملوا أحصهاه ال ونسهوه" [المجادلة‪:‬‬
‫‪ .]6‬وقيل‪ :‬معنى الية سريع بمجيء يوم الحساب‪ ،‬فالمقصد بالية النذار بيوم القيامة‪.‬‬
‫قلت‪ :‬والكل محتمل فيأخذ العبد لنفسه في تخفيف الحساب عنه بالعمال الصالحة‪ ،‬وإنما يخف‬
‫الحساب في الخرة على من حاسب نفسه في الدنيا‪.‬‬
‫@قال ابهن عباس فهي قوله تعالى‪" :‬أولئك لههم نصهيب ممها كسهبوا" ههو الرجهل يأخهذ مال يحهج بهه‬
‫عهن غيره‪ ،‬فيكون له ثواب‪ .‬وروي عنهه فهي هذه اليهة أن رجل قال‪ :‬يها رسهول ال‪ ،‬مات أبهي ولم‬
‫يحج‪ ،‬أفأحج عنه؟ فقال النبي صلى ال عليه وسلم ‪( :‬لو كان على أبيك دين فقضيته أما كان ذلك‬
‫يجزي)‪ .‬قال نعههم‪ .‬قال‪( :‬فديههن ال أحههق أن يقضههى)‪ .‬قال‪ :‬فهههل لي مههن أجههر؟ فأنزل ال تعالى‪:‬‬
‫"أولئك لههم نصهيب ممها كسهبوا" يعنهي مهن حهج عهن ميهت كان الجهر بينهه وبيهن الميهت‪ .‬قال أبهو‬
‫عبدال محمهد بهن خويهز منداد فهي أحكامهه‪ :‬قول ابهن عباس نحهو قول مالك‪ ،‬لن تحصهيل مذههب‬
‫مالك أن المحجوج عنه يحصل له ثواب النفقة‪ ،‬والحجة للحاج‪ ،‬فكأنه يكون له ثواب بدنه وأعماله‪،‬‬
‫وللمحجوج عنهه ثواب ماله وإنفاقهه‪ ،‬ولهذا قلنها‪ :‬ل يختلف فهي هذا حكهم مهن حهج عهن نفسهه حجهة‬
‫السلم أو لم يحج‪ ،‬لن العمال التي تدخلها النيابة ل يختلف حكم المستناب فيها بين أن يكون قد‬
‫أدى عههن نفسههه أو لم يؤد‪ ،‬اعتبارا بأعمال الديههن والدنيهها‪ .‬أل ترى أن الذي عليههه زكاة أو كفارة أو‬
‫غيهر ذلك يجوز أن يؤدي عهن غيره وإن لم يؤد عهن نفسهه‪ ،‬وكذلك مهن لم يراع مصهالحه فهي الدنيها‬
‫يصح أن ينوب عن غيره من مثلها فتتم لغيره وإن لم تتم لنفسه‪ ،‬ويزوج غيره وإن لم يزوج نفسه‪.‬‬

You might also like