You are on page 1of 184

‫*‪*1‬الجزء ‪ 10‬من الطبعة‬

‫*‪*2‬سورة الحجر‬
‫*‪*3‬الية‪{ 1 :‬الر تلك آيات الكتاب وقرآن مبين}‬
‫@ تقدم معناه‪ .‬و"الكتاب" قيل فيه‪ :‬إنه اسم لجنس الكتب المتقدمة من التوراة والنجيل‪ ،‬ثم قرنهما‬
‫بالكتاب المبين‪ .‬وقيل‪ :‬الكتاب هو القرآن‪ ،‬جمع له بين السمين‪.‬‬
‫*‪*3‬الية‪{ 2 :‬ربما يود الذين كفروا لو كانوا مسلمين}‬
‫@ "رب" ل تدخل على الفعل‪ ،‬فإذا لحقتها "ما" هيأتها للدخول على الفعل تقول‪ :‬ربما قام زيد‪،‬‬
‫وربميا يقوم زييد‪ .‬ويجوز أن تكون "ميا" نكرة بمعنيى شييء‪ ،‬و"يود" صيفة له؛ أي رب شييء يود‬
‫الكافير‪ .‬وقرأ نافيع وعاصيم "ربميا" مخفيف الباء‪ .‬الباقون مشددة‪ ،‬وهميا لغتان‪ .‬قال أبيو حاتيم‪ :‬أهيل‬
‫الحجاز يخففون ربما؛ قال الشاعر‪:‬‬
‫بين بصرى وطعنة نجلء‬ ‫ربّما ضربة بسيف صقيل‬
‫وتمييم وقييس وربيعية يثقلونهيا‪ .‬وحكيي فيهيا‪َ :‬ر ّبمَا و َر َبمَا‪ ،‬و ّر ّب َتمَا و ّر َب َتمَا‪ ،‬بتخفييف الباء وتشديدهيا‬
‫أيضيا‪ .‬وأصيلها أن تسيتعمل فيي القلييل وقيد تسيتعمل فيي الكثيير؛ أي يود الكفار فيي أوقات كثيرة لو‬
‫كانوا مسلمين؛ قاله الكوفيون‪ .‬ومنه قول الشاعر‪:‬‬
‫قصاراك منها أنها عنك ل تجدي‬ ‫أل ربما أهدت لك العين نظرة‬
‫وقال بعضهيم‪ :‬هيي للتقلييل فيي هذا الموضيع؛ لنهيم قالوا ذلك فيي بعيض المواضيع ل فيي كلهيا؛‬
‫لشغلهيم بالعذاب‪ ،‬وال أعلم‪ .‬قال‪" :‬ربميا يود" وهيي إنميا تكون لميا وقيع؛ لنيه لصيدق الوعيد كأنيه‬
‫عيان قيد كان‪ .‬وخرج الطيبراني أبيو القاسيم مين حدييث جابر بين عبدال قال‪ :‬قال رسيول ال صيلى‬
‫ال علييه وسيلم‪( :‬إن ناسيا مين أمتيي يدخلون النار بذنوبهيم فيكونون فيي النار ميا شاء ال أن يكونوا‬
‫ثم يعيرهم أهل الشرك فيقولون ما نرى ما كنتم تخالفونا فيه من تصديقكم وإيمانكم نفعكم فل يبقى‬
‫موحيد إل أخرجيه ال مين النار ‪ -‬ثيم قرأ رسيول ال صيلى ال علييه وسيلم ‪" -‬ربميا يود الذيين كفروا‬
‫لو كانوا مسلمين")‪ .‬قال الحسن" إذا رأى المشركون المسلمين وقد دخلوا الجنة ومأواهم في النار‬
‫تمنوا أنهم كانوا مسلمين‪ .‬وقال الضحاك‪ :‬هذا التمني إنما هو عند المعاينة في الدنيا حين تبين لهم‬
‫الهدي من الضللة‪ .‬وقيل‪ :‬في القيامة إذا رأوا كرامة المؤمنين وذل الكافرين‪.‬‬
‫*‪*3‬الية‪{ 3 :‬ذرهم يأكلوا ويتمتعوا ويلههم المل فسوف يعلمون}‬
‫@قوله تعالى‪" :‬ذرهم يأكلوا ويتمتعوا" تهديد لهم‪" .‬ويلههم المل" أي يشغلهم عن الطاعة‪ .‬يقال‪:‬‬
‫ألهاه عن كذا أي شغله‪ .‬ولهي هو عن الشيء يلهى‪" .‬فسوف يعلمون" إذا رأوا القيامة وذاقوا وبال‬
‫ما صنعوا‪ .‬وهذه الية منسوخة بالسيف‪.‬‬
‫@ في مسند البزار عن أنس قال قال رسول ال صلى ال عليه وسلم‪( :‬أربعة من الشقاء جمود‬
‫العيييين وقسييياوة القلب وطول الميييل والحرص على الدنييييا)‪ .‬وطول الميييل داء عضال ومرض‬
‫مزمين‪ ،‬ومتيى تمكين مين القلب فسيد مزاجيه واشتيد علجيه‪ ،‬ولم يفارقيه داء ول نجيح فييه دواء‪ ،‬بيل‬
‫أعيييا الطباء ويئس ميين برئه الحكماء والعلماء‪ .‬وحقيقيية المييل‪ :‬الحرص على الدنيييا والنكباب‬
‫عليهيا‪ ،‬والحيب لهيا والعراض عين الخرة‪ .‬وروي عين رسيول ال صيلى ال علييه وسيلم أنيه قال‪:‬‬
‫(نجا أول هذه المة باليقين والزهد ويهلك أخرها بالبخل والمل)‪ .‬ويروى عن أبي الدرداء رضي‬
‫ال عنه أنه قام على درج مسجد دمشق فقال‪( :‬يا أهل دمشيق‪ ،‬أل تسمعون من أخ لكم ناصح‪ ،‬إن‬
‫ميين كان قبلكييم كانوا يجمعون كثيرا ويبنون مشيدا ويأملون بعيدا‪ ،‬فأصييبح جمعهييم بورا وبنيانهييم‬
‫قبورا وأملهيم غرورا‪ .‬هذه عاد قيد ملت البلد أهل ومال وخيل ورجال‪ ،‬فمين يشتري منيي اليوم‬
‫تركتهم بدرهمين! وأنشد‪:‬‬
‫منه ويزعم أن يحظى بأقصاها‬ ‫يا ذا المؤمل أمال وإن بعدت‬
‫أصبحت في ثقة من نيل أدناها‬ ‫أنى تفوز بما ترجوه ويك وما‬
‫وقال الحسين‪( :‬ميا أطال عبيد الميل إل أسياء العميل)‪ .‬وصيدق رضيي ال عنيه! فالميل يكسيل عين‬
‫العمييل ويورث التراخييي والتوانييي‪ ،‬ويعقييب التشاغييل والتقاعييس‪ ،‬ويخلد إلى الرض ويميييل إلى‬
‫الهوى‪ .‬وهذا أمير قيد شوهيد بالعيان فل يحتاج إلى بيان ول يطلب صياحبه بيبرهان؛ كميا أن قصير‬
‫المل يبعث على العمل‪ ،‬ويحيل على المبادرة‪ ،‬ويحث على المسابقة‪.‬‬
‫*‪*3‬الية‪{ 4 :‬وما أهلكنا من قرية إل ولها كتاب معلوم}‬
‫@ أي أجل مؤقت كتب لهم في اللوح المحفوظ‪.‬‬
‫*‪*3‬الية‪{ 5 :‬ما تسبق من أمة أجلها وما يستأخرون}‬
‫@ "مين" صيلة؛ كقولك‪ :‬ميا جاءنيي مين أحيد‪ .‬أي ل تتجاوز أجلهيا فتزييد علييه‪ ،‬ول تتقدم قبله‪.‬‬
‫ونظيره قوله تعالى‪" :‬فإذا جاء أجلهم ل يستأخرون ساعة ول يستقدمون" [العراف‪.]34 :‬‬
‫*‪*3‬اليتان‪{ 7 - 6 :‬وقالوا يا أيها الذي نزل عليه الذكر إنك لمجنون‪ ،‬لو ما تأتينا بالملئكة إن‬
‫كنت من الصادقين}‬
‫@ قاله كفار قرييش لمحميد صيلى ال علييه وسيلم على وجهية السيتهزاء‪ ،‬ثيم طلبوا منيه إتيان‬
‫الملئكيية دللة على صييدقه‪ .‬و"لومييا" تحضيييض على الفعييل كلول وهل‪ .‬وقال الفراء‪ :‬الميييم فييي‬
‫"لوما" بدل من اللم في لول‪ .‬ومثله استولى على الشيء واستومى عليه‪ ،‬ومثله خالمته وخاللته‪،‬‬
‫فهيو خلي وخلميي؛ أي صيديقي‪ .‬وعلى هذا يجوز "لوميا" بمعنيى الخيبر‪ ،‬تقول‪ :‬لوميا زييد لضرب‬
‫عمرو‪ .‬قال الكسائي‪ :‬لول ولوما سواء في الخبر والستفهام‪.‬‬
‫قال ابن مقبل‪:‬‬
‫عوَري‬ ‫ببعض ما فيكما إذ عبتما َ‬ ‫لوما الحياء ولوما الدين عبتكما‬
‫يريد لول الحياء‪ .‬وحكى النحاس لوما ولول وهل واحد‪ .‬وأنشد أهل اللغة على ذلك‪:‬‬
‫بني ضوطرى لول الكمي المقنعا‬ ‫تعدون عقر النيب أفضل مجدكم‬
‫أي هل تعدون الكمي المقنعا‪.‬‬
‫*‪*3‬الية‪{ 8 :‬ما ننزل الملئكة إل بالحق وما كانوا إذا منظرين}‬
‫@ قرأ حفص وحمزة والكسائي "ما ننزل الملئكة إل بالحق" واختاره أبو عبيد‪ .‬وقرأ أبو بكر‬
‫والمفضييل "مييا ُت َنزّل الملئكيية"‪ .‬الباقون "مييا َي َنزّل الملئكيية" وتقديره‪ :‬مييا تتنزل بتاءييين حذفييت‬
‫إحداهميا تخفيفيا‪ ،‬وقيد شدد التاء البزي‪ ،‬واختاره أبيو حاتيم اعتبارا بقوله‪" :‬تنزل الملئكية والروح"‬
‫[القدر‪ .]4 :‬ومعنيى "إل بالحيق" إل بالقرآن‪ .‬وقييل بالرسيالة؛ عين مجاهيد‪ .‬وقال الحسين‪ :‬إل‬
‫بالعذاب إن لم يؤمنوا‪" .‬ومييا كانوا إذا منظرييين" أي لو تنزلت الملئكيية بإهلكهييم لمييا أمهلوا ول‬
‫قبلت لهييم توبيية‪ .‬وقيييل‪ :‬المعنييى لو تنزلت الملئكيية تشهييد لك فكفروا بعييد ذلك لم ينظروا‪ .‬وأصييل‬
‫"إذا" إذ أن ‪ -‬ومعناه حينئذ ‪ -‬فضم إليها أن‪ ،‬واستثقلوا الهمزة فحذفوها‪.‬‬
‫*‪*3‬الية‪{ 9 :‬إنا نحن نزلنا الذكر وإنا له لحافظون}‬
‫@قوله تعالى‪" :‬الذكر" يعني القرآن‪" .‬وإنا له لحافظون" من أن يزاد فيه أو ينقص منه‪ .‬قال قتادة‬
‫وثابت البناني‪ :‬حفظه ال من أن تزيد فيه الشياطين باطل أو تنقص منه حقا؛ فتولى سبحانه حفظه‬
‫فلم يزل محفوظييا‪ ،‬وقال فييي غيره‪" :‬بمييا اسييتحفظوا" [المائدة‪ ،]44 :‬فوكييل حفظييه إليهييم فبدلوا‬
‫وغيروا‪ .‬أنبأنيا الشييخ الفقييه المام أبيو القاسيم عبدال عين أبييه الشييخ الفقييه المام المحدث أبيي‬
‫الحسين علي بين خلف بين معزوز الكوميي التلمسياني قال‪ :‬قرئ على الشيخية العالمية فخير النسياء‬
‫شهدة بنت أبي نصير أحمد بن الفرج الدينوري وذلك بمنزلها بدار السلم فيي آخر جمادى الخرة‬
‫من سنة أربع وستين وخمسمائة‪ ،‬قيل لها‪ :‬أخبركم الشيخ الجل العامل نقيب النقباء أبو الفوارس‬
‫طراد بين محميد الزينيي قراءة علييه وأنيت تسيمعين سينة تسيعين وأربعمائة‪ ،‬أخبرنيا علي بين عبدال‬
‫بين إبراهييم حدثنيا أبيو علي عيسيى بين محميد بين أحميد بين عمير بين عبدالملك بين عبدالعزييز بين‬
‫جريج المعروف بالطوماري حدثنا الحسين بن فهم قال‪ :‬سمعت يحيى بن أكثم يقول‪ :‬كان للمأمون‬
‫‪ -‬وهو أمير إذ ذاك ‪ -‬مجلس نظر‪ ،‬فدخل في جملة الناس رجل يهودي حسن الثوب حسن الوجه‬
‫طيييب الرائحيية‪ ،‬قال‪ :‬فتكلم فأحسيين الكلم والعبارة‪ ،‬قال‪ :‬فلمييا تقوض المجلس دعاه المأمون فقال‬
‫له‪ :‬إسيرائيلي؟ قال نعييم‪ .‬قال له‪ :‬أسييلم حتييى أفعيل بيك وأصيينع‪ ،‬ووعده‪ .‬فقال‪ :‬دينيي وديين آبائي!‬
‫وانصيرف‪ .‬قال‪ :‬فلميا كان بعد سنة جاءنيا مسيلما‪ ،‬قال‪ :‬فتكلم على الفقه فأحسن الكلم؛ فلما تقوض‬
‫المجلس دعاه المأمون وقال‪ :‬ألسيت صياحبنا بالميس؟ قال له‪ :‬بلى‪ .‬قال‪ :‬فميا كان سيبب إسيلمك؟‬
‫قال‪ :‬انصرفت من حضرتك فأحببت أن أمتحن هذه الديان‪ ،‬وأنت تراني حسن الخط‪ ،‬فعمدت إلى‬
‫التوراة فكتبيت ثلث نسيخ فزدت فيهيا ونقصيت‪ ،‬وأدخلتهيا الكنيسية فاشترييت منيي‪ ،‬وعمدت إلى‬
‫النجييل فكتيب نسيخ فزدت فيهيا ونقصيت‪ ،‬وأدخلتهيا البيعية فاشترييت منيي‪ ،‬وعمدت إلى القرآن‬
‫فعملت ثلث نسخ وزدت فيها ونقصت‪ ،‬وأدخلتها الوراقين فتصفحوها‪ ،‬فلما أن وجدوا فيها الزيادة‬
‫والنقصييان رموا بهييا فلم يشتروهييا؛ فعلمييت أن هذا كتاب محفوظ‪ ،‬فكان هذا سييبب إسييلمي‪ .‬قال‬
‫يحيى بن أكثم‪ :‬فحججت تلك السنة فلقيت سفيان بن عيينة فذكرت له الخبر فقال لي‪ :‬مصداق هذا‬
‫فييي كتاب ال عييز وجييل‪ .‬قال قلت‪ :‬فييي أي موضييع؟ قال‪ :‬فييي قول ال تبارك وتعالى فييي التوراة‬
‫والنجييل‪" :‬بميا اسيتحفظوا مين كتاب ال" [المائدة‪ ،]44 :‬فجعيل حفظيه إليهيم فضاع‪ ،‬وقال عيز‬
‫وجل‪" :‬إنا نحن نزلنا الذكر وإنا له لحافظون" فحفظه ال عز وجل علينا فلم يضع‪ .‬وقيل‪" :‬وإنا له‬
‫لحافظون" أي لمحمييد صييلى ال عليييه وسييلم ميين أن يتقول علينييا أو نتقول عليييه‪ .‬أو "وإنييا له‬
‫لحافظون" من أن يكاد أو يقتل‪ .‬نظيره "وال يعصمك من الناس" [المائدة‪ .]67 :‬و"نحن" يجوز‬
‫أن يكون موضعيه رفعيا بالبتداء و"نزلنيا" الخيبر‪ .‬والجملة خيبر "إن"‪ .‬ويجوز أن يكون "نحين"‬
‫تأكيدا لسيم "إن" فيي موضيع نصيب‪ ،‬ول تكون فاصيلة لن الذي بعدهيا لييس بمعرفية وإنميا هيو‬
‫جملة‪ ،‬والجمل تكون نعوتا للنكرات فحكمها حكم النكرات‪.‬‬
‫*‪*3‬الية‪{ 10 :‬ولقد أرسلنا من قبلك في شيع الولين}‬
‫@ المعنيى‪ :‬ولقيد أرسيلنا مين قبلك رسيل‪ ،‬فحذف‪ .‬والشييع جميع شيعية وهيي المية‪ ،‬أي فيي أممهيم؛‬
‫قاله ابين عباس وقتادة‪ .‬الحسين‪ :‬فيي فرقهيم‪ .‬والشيعية‪ :‬الفرقية والطائفية مين الناس المتآلفية المتفقية‬
‫الكلمة‪ .‬فكأن الشيع الفرق؛ ومنه قوله تعالى‪" :‬أو يلبسكم شيعا" [النعام‪ .]65 :‬وأصله مأخوذ من‬
‫الشياع وهو الحطب الصغار يوقد به الكبار ‪ -‬كما تقدم في "النعام"‪ - .‬وقال الكلبي‪ :‬إن الشيع هنا‬
‫القرى‪.‬‬
‫*‪*3‬الية‪{ 11 :‬وما يأتيهم من رسول إل كانوا به يستهزئون}‬
‫@ تسلية للنبي صلى ال عليه وسلم؛ أي كما فعل بك هؤلء المشركون فكذلك فعل بمن قبلك من‬
‫الرسل‪.‬‬
‫*‪*3‬اليتان‪{ 13 - 12 :‬كذلك نسيلكه فيي قلوب المجرميين‪ ،‬ل يؤمنون بيه وقيد خلت سينة‬
‫الولين}‬
‫@قوله تعالى‪" :‬كذلك نسيلكه" أي الضلل والكفير والسيتهزاء والشرك‪" .‬فيي قلوب المجرميين"‬
‫من قومك؛ عن الحسن وقتادة وغيرهما‪ .‬أي كما سلكناه في قلوب من تقدم من شيع الولين كذلك‬
‫نسيلكه فيي قلوب مشركيي قوميك حتيى ل يؤمنوا بيك‪ ،‬كميا لم يؤمين مين قبلهيم برسيلهم‪ .‬وروى ابين‬
‫جرييج عين مجاهيد قال‪ :‬نسيلك التكذييب‪ .‬والسيلك‪ :‬إدخال الشييء فيي الشييء كإدخال الخييط فيي‬
‫المخييط‪ .‬يقال‪ :‬سيلكه يسيلكه سيلكا وسيلوكا‪ ،‬وأسيلكه إسيلكا‪ .‬وسيلك الطرييق سيلوكا وسيلكا وأسيلكه‬
‫دخله‪ ،‬والشيء في غيره مثله‪ ،‬والشيء كذلك والرمح‪ ،‬والخيط في الجوهر؛ كله فعل وأفعل‪ .‬وقال‬
‫عدي بن زيد‪:‬‬
‫وقد سلكوك في يوم عصيب‬
‫والسيلك (بالكسير) الخييط‪ .‬وفيي اليية رد على القدريية والمعتزلة‪ .‬وقييل‪ :‬المعنيى نسيلك القرآن فيي‬
‫قلوبهيم فيكذبون بيه‪ .‬وقال الحسين ومجاهيد وقتادة القول الذي علييه أكثير أهيل التفسيير‪ ،‬وهيو ألزم‬
‫حجية على المعتزلة‪ .‬وعين الحسين أيضيا‪ :‬نسيلك الذكير إلزاميا للحجية؛ ذكره الغزنوي‪" .‬وقيد خلت‬
‫سينة الوليين" أي مضيت سينة ال بإهلك الكفار‪ ،‬فميا أقرب هؤلء مين الهلك‪ .‬وقييل‪" :‬خلت سينة‬
‫الولين" بمثل ما فعل هؤلء من التكذيب والكفر‪ ،‬فهم يقتدون بأولئك‪.‬‬
‫*‪*3‬اليتان‪{ 15 - 14 :‬ولو فتحنا عليهم بابا من السماء فظلوا فيه يعرجون‪ ،‬لقالوا إنما سكرت‬
‫أبصارنا بل نحن قوم مسحورون}‬
‫@ يقال‪ :‬ظيل يفعيل كذا‪ ،‬أي يفعله بالنهار‪ .‬والمصيدر الظلول‪ .‬أي لو أجيبوا إلى ميا اقترحوا مين‬
‫اليات لصيروا على الكفير وتعللوا بالخيالت؛ كميا قالوا للقرآن المعجيز‪ :‬إنيه سيحر‪" .‬يعرجون"‬
‫ميين عرج يعرج أي صييعد‪ .‬والمعارج المصيياعد‪ .‬أي لو صييعدوا إلى السييماء وشاهدوا الملكوت‬
‫والملئكية لصيروا على الكفير؛ عين الحسين وغيره‪ .‬وقييل‪ :‬الضميير فيي "عليهيم" للمشركيين‪ .‬وفيي‬
‫"فظلوا" للملئكة‪ ،‬تذهب وتجيء‪ .‬أي لو كشف لهؤلء حتى يعاينوا أبوابا في السماء تصعد فيها‬
‫الملئكية وتنزل لقالوا‪ :‬رأينيا بأبصيارنا ميا ل حقيقية له؛ عين ابين عباس وقتادة‪ .‬ومعنيى "سيكرت"‬
‫سدت بالسحر؛ قاله ابن عباس والضحاك‪ .‬وقال الحسن‪ :‬سحرت‪ .‬الكلبي‪ :‬أغشيت أبصارنا؛ وعنه‬
‫أيضييا عميييت‪ .‬قتادة‪ :‬أخذت‪ .‬وقال المؤرج‪ :‬دييير بنييا ميين الدوران؛ أي صييارت أبصييارنا سييكرى‪.‬‬
‫جويبر‪ :‬خدعت‪ .‬وقال أبو عمرو بن العلء‪" :‬سكرت" غشيت وغطيت‪ .‬ومنه قول الشاعر‪:‬‬
‫وجعلت عين الحرور تسكر‬ ‫وطلعت شمس عليها مغفر‬
‫وقال مجاهد‪" :‬سكرت" حبست‪ .‬ومنه قول أوس بن حجر‪:‬‬
‫فليست بطلق ول ساكره‬ ‫فصرت على ليلة ساهره‬
‫قلت‪ :‬وهذه أقوال متقاربيية يجمعهييا قولك‪ :‬منعييت‪ .‬قال ابيين عزيييز‪" :‬سييكرت أبصييارنا" سييدت‬
‫أبصارنا؛ هو من قولك‪ ،‬سكرت النهر إذا سددته‪ .‬ويقال‪ :‬هو من سكر الشراب‪ ،‬كأن العين يلحقها‬
‫مييا يلحييق الشارب إذا سييكر‪ .‬وقرأ ابيين كثييير "سييكرت" بالتخفيييف‪ ،‬والباقون بالتشديييد‪ .‬قال ابيين‬
‫العرابييي‪ :‬سييكرت ملئت‪ .‬قال المهدوي‪ :‬والتخفيييف والتشديييد فييي "سييكرت" ظاهران‪ ،‬التشديييد‬
‫للتكثير والتخفيف يؤدي عن معناه‪ .‬والمعروف أن "سكر" ل يتعدى‪ .‬قال أبو علي‪ :‬يجوز أن يكون‬
‫سمع متعديا في البصر‪ .‬ومن قرأ "سكرت" فإنه شبه ما عرض لبصارهم بحال السكران‪ ،‬كأنها‬
‫جرت مجرى السييكران لعدم تحصيييله‪ .‬وقييد قيييل‪ :‬إنييه بالتخفيييف [ميين] سييكر الشراب‪ ،‬وبالتشديييد‬
‫أخذت‪ ،‬ذكرهميييا الماوردي‪ .‬وقال النحاس‪ :‬والمعروف مييين قراءة مجاهيييد والحسييين "سيييكرت"‬
‫بالتخفيف‪ .‬قال الحسن‪ :‬أي سحرت وحكى أبو عبيد عن أبي عبيدة أنه يقال‪ :‬سحرت أبصارهم إذا‬
‫غشيهييا سييمادير حتييى ل يبصييروا‪ .‬وقال الفراء‪ :‬ميين قرأ "سييكرت" أخذه ميين سييكور الريييح‪ .‬قال‬
‫النحاس‪ :‬وهذه القوال متقاربية‪ .‬والصيل فيهيا ميا قال أبيو عمرو بين العلء رحميه ال تعالى‪ ،‬قال‪:‬‬
‫هو من السكر في الشراب‪ .‬وهذا قول حسن؛ أي غشيهم ما غطى أبصارهم كما غشي السكران ما‬
‫غطى عقله‪ .‬وسكور الريح سكونها وفتورها؛ فهو يرجع إلى معنى التحيير‪.‬‬
‫*‪*3‬الية‪{ 16 :‬ولقد جعلنا في السماء بروجا وزيناها للناظرين}‬
‫@ لما ذكر كفر الكافرين وعجز أصنامهم ذكر كمال قدرته ليستدل بها على وحدانيته‪ .‬والبروج‪:‬‬
‫القصييور والمنازل‪ .‬قال ابيين عباس‪ :‬أي جعلنييا فييي السييماء بروج الشمييس والقميير؛ أي منازلهمييا‪.‬‬
‫وأسيييماء هذه البروج‪ :‬الحميييل‪ ،‬والثور‪ ،‬والجوزاء‪ ،‬والسيييرطان‪ ،‬والسيييد‪ ،‬والسييينبلة‪ ،‬والميزان‪،‬‬
‫والعقرب‪ ،‬والقوس‪ ،‬والجدي‪ ،‬والدلو‪ ،‬والحوت‪ .‬والعرب تعيد المعرفية لمواقيع النجوم وأبوابهيا مين‬
‫أجيل العلوم‪ ،‬ويسيتدلون بهيا على الطرقات والوقات والخصيب والجدب‪ .‬وقالوا‪ :‬الفلك اثنيا عشير‬
‫برجا‪ ،‬كل برج ميلن ونصف‪ .‬وأصل البروج الظهور ومنه تبرج المرأة بإظهار زينتها‪ .‬وقد تقدم‬
‫هذا المعنيى فيي النسياء‪ .‬وقال الحسين وقتادة‪ :‬البروج النجوم‪ ،‬وسيميت بذلك لظهورهيا‪ .‬وارتفاعهيا‪.‬‬
‫وقييل‪ :‬الكواكيب العظام؛ قال أبيو صيالح‪ :‬يعنيي السيبعة السييارة‪ .‬وقال قوم‪" :‬بروجيا"؛ أي قصيورا‬
‫وبيوتا فيها الحرس‪ ،‬خلقها ال في السماء‪ .‬فال أعلم‪" .‬وزيناها" يعني السماء؛ كما قال في سورة‬
‫الملك‪" :‬ولقد زينا السماء الدنيا بمصابيح" [الملك‪" .]5 :‬للناظرين" للمعتبرين والمتفكرين‪.‬‬
‫*‪*3‬الية‪{ 17 :‬وحفظناها من كل شيطان رجيم}‬
‫@ أي مرجوم‪ .‬والرجيم الرميي بالحجارة‪ .‬وقييل‪ :‬الرجيم اللعين والطرد‪ .‬وقيد تقدم‪ .‬وقال الكسيائي‪:‬‬
‫كل رجيم في القرآن فهو بمعنى الشتم‪ .‬وزعم الكلبي أن السماوات كلها لم تحفظ من الشياطين إلى‬
‫زمن عيسى‪ ،‬فلما بعث ال تعالى عيسى حفظ منها ثلث سماوات إلى مبعث رسول ال صلى ال‬
‫عليه وسلم‪ ،‬فحفظ جميعها بعد بعثه وحرست منهم بالشهب‪ .‬وقاله ابن عباس رضي ال عنه‪ .‬قال‬
‫ابين عباس‪( :‬وقيد كانيت الشياطيين ل يحجبون عين السيماء‪ ،‬فكانوا يدخلونهيا ويلقون أخبارهيا على‬
‫الكهنية‪ ،‬فيزيدون عليهيا تسيعا فيحدثون بهيا أهيل الرض؛ الكلمية حيق والتسيع باطيل؛ فإذا رأوا شيئا‬
‫ممييا قالوه صييدقوهم فيمييا جاؤوا بييه‪ ،‬فلمييا ولد عيسييى بيين مريييم عليهمييا السييلم منعوا ميين ثلث‬
‫سيماوات‪ ،‬فلميا ولد محميد صيلى ال علييه وسيلم منعوا مين السيماوات كلهيا‪ ،‬فميا منهيم مين أحيد يرييد‬
‫استراق السمع إل رمي بشهاب؛ على ما يأتي‪.‬‬
‫*‪*3‬الية‪{ 18 :‬إل من استرق السمع فأتبعه شهاب مبين}‬
‫@ أي لكن من استرق السمع‪ ،‬أي الخطفة اليسيرة‪ ،‬فهو استثناء منقطع‪ .‬وقيل‪ ،‬هو متصل‪ ،‬أي إل‬
‫ممين اسيترق السيماع‪ .‬أي حفظنيا السيماء مين الشياطيين أن تسيمع شيئا مين الوحيي وغيره؛ إل مين‬
‫استرق السمع فإنا لم نحفظها منه أن تسمع الخبر من أخبار السماء سوى الوحي‪ ،‬فأما الوحي فل‬
‫تسمع منه شيئا؛ لقوله‪" :‬إنهم عن السمع لمعزولون" [الشعراء‪ .]212 :‬وإذا استمع الشياطين إلى‬
‫شيء ليس بوحي فإنهم يقذفونه إلى الكهنة في أسرع من طرفة عين‪ ،‬ثم تتبعهم الشهب فتقتلهم أو‬
‫تخبلهم؛ ذكره الحسن وابن عباس‪.‬‬
‫@قوله تعالى‪" :‬فأتبعه شهاب مبين" أتبعه‪ :‬أدركه ولحقه‪ .‬شهاب‪ :‬كوكب مضيء‪ .‬وكذلك شهاب‬
‫ثاقيب‪ .‬وقوله‪" :‬بشهاب قبيس" [النميل‪ ]7 :‬بشعلة نار فيي رأس عود؛ قاله ابين عزييز‪ .‬وقال ذو‬
‫الرمة‪:‬‬
‫مسوم في سواد الليل منقضب‬ ‫كأنه كوكب في إثر عفرية‬
‫وسييمي الكوكييب شهابييا لبريقييه‪ ،‬يشبييه النار‪ .‬وقيييل‪ :‬شهاب لشعلة ميين نار‪ ،‬قبييس لهييل الرض‪،‬‬
‫فتحرقهم ول تعود إذا أحرقت كما إذا أحرقت النار لم تعد‪ ،‬بخلف الكوكب فإنه إذا أحرق عاد إلى‬
‫مكانيه‪ .‬قال ابين عباس‪ :‬تصيعد الشياطيين أفواجيا تسيترق السيمع فينفرد المارد منهيا فيعلو‪ ،‬فيرميى‬
‫بالشهاب فيصيب جبهته أو أنفه أو ما شاء ال فيلتهب‪ ،‬فيأتي أصحابه وهو يلتهب فيقول‪ :‬إنه كان‬
‫مين الم كذا وكذا‪ ،‬فيذهيب أولئك إلى إخوانهيم مين الكهنية فيزيدون عليهيا تسيعا‪ ،‬فيحدثون بهيا أهيل‬
‫الرض؛ الكلمة حق والتسع باطل‪ .‬فإذا رأوا شيئا مما قالوا قد كان صدقوهم بكل ما جاؤوا به من‬
‫كذبهم‪ .‬وسيأتي هذا المعنى مرفوعا في سورة "سبأ" إن شاء ال تعالى‪.‬‬
‫واختلف فيي الشهاب هيل يقتيل أم ل‪ .‬فقال ابين عباس‪ :‬الشهاب يجرح ويحرق ويخبيل ول يقتيل‪.‬‬
‫وقال الحسين وطائفية‪ :‬يقتيل؛ فعلى هذا القول فيي قتلهيم بالشهيب قبيل إلقاء السيمع إلى الجين قولن‪:‬‬
‫أحدهميا‪ :‬أنهيم يقتلون قبيل إلقائهيم ميا اسيترقوه مين السيمع إلى غيرهيم؛ فعلى هذا ل تصيل أخبار‬
‫السماء إلى غير النبياء‪ ،‬ولذلك انقطعت الكهانة‪ .‬والثاني‪ :‬أنهم يقتلون بعد إلقائهم ما استرقوه من‬
‫السييمع إلى غيرهييم ميين الجيين؛ ولذلك مييا يعودون إلى اسييتراقه‪ ،‬ولو لم يصييل لنقطييع السييتراق‬
‫وانقطع الحراق؛ ذكره الماوردي‬
‫قلت‪ :‬والقول الول أصيح على ميا يأتيي بيانيه فيي "الصيافات"‪ .‬واختلف هيل كان رميي بالشهيب‬
‫قبيل المبعيث؛ فقال الكثرون نعيم‪ .‬وقييل ل‪ ،‬وإنميا ذلك بعيد المبعيث‪ .‬وسييأتي بيان هذه المسيألة فيي‬
‫سورة "الجن" إن شاء ال تعالى‪ .‬وفي "الصافات" أيضا‪ .‬قال الزجاج‪ :‬والرمي بالشهب من آيات‬
‫النيبي صيلى ال علييه وسيلم مميا حدث بعيد مولده؛ لن الشعراء فيي القدييم لم يذكروه فيي أشعارهيم‪،‬‬
‫ولم يشبهوا الشييء السيريع بيه كميا شبهوا بالبرق وبالسييل‪ .‬ول يبعيد أن يقال‪ :‬انقضاض الكواكيب‬
‫كان فيي قدييم الزمان ولكنيه لم يكين رجوميا للشياطيين‪ ،‬ثيم صيار رجوميا حيين ولد النيبي صيلى ال‬
‫عليه وسلم‪ .‬وقال العلماء‪ :‬نحن نرى انقضاض الكواكب‪ ،‬فيجوز أن يكون ذلك كما نرى ثم يصير‬
‫نارا إذا أدرك الشيطان‪ .‬ويجوز أن يقال‪ :‬يرمون بشعلة ميين نار ميين الهوى فيخيييل إلينييا أنييه نجييم‬
‫سيرى‪ .‬والشهاب فيي اللغية النار السياطعة‪ .‬وذكير أبيو داود عين عامير الشعيبي قال‪ :‬لميا بعيث النيبي‬
‫صيلى ال علييه وسيلم رجميت الشياطيين بنجوم لم تكين ترجيم بهيا قبيل‪ ،‬فأتوا عبيد يالييل بين عمرو‬
‫الثقفي فقالوا‪ :‬إن الناس قد فزعوا وقد أعتقوا رقيقهم وسيبوا أنعامهم لما رأوا في النجوم‪ .‬فقال لهم‬
‫‪ -‬وكان رجل أعمى ‪ : -‬ل تعجلوا‪ ،‬وانظروا فإن كانت النجوم التي تعرف فهي عند فناء الناس‪،‬‬
‫وإن كانييت ل تعرف فهييي ميين حدث‪ .‬فنظروا فإذا هييي نجوم ل تعرف‪ ،‬فقالوا‪ :‬هذا ميين حدث‪ .‬فلم‬
‫يلبثوا حتى سمعوا بالنبي صلى ال عليه وسلم‪.‬‬
‫*‪*3‬اليتان‪{ 20 - 19 :‬والرض مددناهيا وألقينيا فيهيا رواسيي وأنبتنيا فيهيا مين كيل شييء‬
‫موزون‪ ،‬وجعلنا لكم فيها معايش ومن لستم له برازقين}‬
‫@قوله تعالى‪" :‬والرض مددناهيا" هذا مين نعميه أيضيا‪ ،‬ومميا يدل على كمال قدرتيه‪ .‬قال ابين‬
‫عباس‪ :‬بسييطناها على وجييه الماء؛ كمييا قال‪" :‬والرض بعييد ذلك دحاهييا" [النازعات‪ ]30 :‬أي‬
‫بسطها‪ .‬وقال‪" :‬والرض فرشناها فنعم الماهدون" [الذاريات‪ .]48 :‬وهو يرد على من زعم أنها‬
‫كالكرة‪ .‬وقد تقدم‪" .‬وألقينا فيها رواسي" جبال ثابتة لئل تتحرك بأهلها‪" .‬وأنبتنا فيها من كل شيء‬
‫موزون" أي مقدر معلوم؛ قاله ابن عباس وسعيد بن جبير‪ .‬وإنما قال "موزون" لن الوزن يعرف‬
‫به مقدار الشيء‪ .‬قال الشاعر‪:‬‬
‫عندي لكل مخاصم ميزانه‬ ‫قد كنت قبل لقائكم ذا ِمرّة‬
‫وقال قتادة‪ :‬موزون يعنيييي مقسيييوم‪ .‬وقال مجاهيييد‪ :‬موزون معدود؛ ويقال‪ :‬هذا كلم موزون؛ أي‬
‫منظوم غيير منتثير‪ .‬فعلى هذا أي أنبتنيا فيي الرض ميا يوزن مين الجواهير والحيوانات والمعادن‪.‬‬
‫وقييد قال ال عييز وجييل فييي الحيوان‪" :‬وأنبتهييا نباتييا حسيينا" [آل عمران‪ .]37 :‬والمقصييود ميين‬
‫النبات النشاء واليجاد‪ .‬وقييل‪" :‬أنبتنيا فيهيا" أي فيي الجبال "مين كيل شييء موزون" مين الذهيب‬
‫والفضيية والنحاس والرصيياص والقصييدير‪ ،‬حتييى الزرنيييخ والكحييل‪ ،‬كييل ذلك يوزن وزنييا‪ .‬روي‬
‫معناه عن الحسن وابن زيد‪ .‬وقيل‪ :‬أنبتنا في الرض الثمار مما يكال ويوزن‪ .‬وقيل‪ :‬ما يوزن فيه‬
‫الثمان لنييه أجييل قدرا وأعييم نفعييا ممييا ل ثميين له‪" .‬وجعلنييا لكييم فيهييا معايييش" يعنييي المطاعييم‬
‫والمشارب التي يعيشون بها؛ واحدها معيشة (بسكون الياء)‪ .‬ومنه قول جرير‪:‬‬
‫ومن لي بالمرقق والصناب‬ ‫تكلفني معيشة آل زيد‬
‫والصيل معيشية على مفعلة (بتحرييك الياء)‪ .‬وقيد تقدم فيي العراف‪ .‬وقييل‪ :‬إنهيا الملبيس؛ قاله‬
‫الحسين‪ .‬وقييل‪ :‬إنهيا التصيرف فيي أسيباب الرزق مدة الحياة‪ .‬قال الماوردي‪ :‬وهيو الظاهير‪" .‬ومين‬
‫لستم له برازقين" يريد الدواب والنعام؛ قاله مجاهد‪ .‬وعنده أيضا هم العبيد والولد الذين قال ال‬
‫فيهيم‪" :‬نحين نرزقهيم وإياكيم" [السيراء‪ ]31 :‬ولفيظ "مين" يجوز أن يتناول العبييد والدواب إذا‬
‫اجتمعوا؛ لنه إذا اجتمع من يعقل وما ل يعقل‪ ،‬غلب من يعقل‪ .‬أي جعلنا لكم فيها معايش وعبيدا‬
‫وإماء ودواب وأولدا نرزقهيم ول ترزقونهيم‪ .‬فيي "مين" على هذا التأوييل فيي موضيع نصيب؛ قال‬
‫معناه مجاهد وغيره‪ .‬وقيل‪ :‬أراد به الوحش‪ .‬قال سعيد‪ :‬قرأ علينا منصور "ومن لستم له برازقين"‬
‫قال‪ :‬الوحيش‪ .‬فيي "مين" على هذا تكون لميا ل يعقيل؛ مثيل "فمنهيم مين يمشيي على بطنيه" [النور‪:‬‬
‫‪ ]45‬اليية‪ .‬وهيي فيي محيل خفيض عطفيا على الكاف والمييم فيي قوله‪" :‬لكيم"‪ .‬وفييه قبيح عنيد‬
‫البصريين؛ فإنه ل يجوز عندهم عطف الظاهر على المضمر إل بإعادة حرف الجر؛ مثل مررت‬
‫به ويزيد‪ .‬ول يجوز مررت به وزيد إل في الشعر‪ .‬كما قال‪:‬‬
‫فاذهب فما بك واليام من عجب‬ ‫فاليوم قربت تهجونا وتشتمنا‬
‫وقد مضى هذا المعنى في "البقرة" وسورة "النساء"‪.‬‬
‫*‪*3‬الية‪{ 21 :‬وإن من شيء إل عندنا خزائنه وما ننزله إل بقدر معلوم}‬
‫@قوله تعالى‪" :‬وإن من شيء إل عندنا خزائنه" أي وإن من شيء من أرزاق الخلق ومنافعهم إل‬
‫عندنا خزائنه؛ يعني المطر المنزل من السماء‪ ،‬لن به نبات كل شيء‪ .‬قال الحسن‪ :‬المطر خزائن‬
‫كيل شييء‪ .‬وقييل‪ :‬الخزائن المفاتييح‪ ،‬أي فيي السيماء مفاتييح الرزاق؛ قاله الكلبيي‪ .‬والمعنيى واحيد‪.‬‬
‫"وما ننزله إل بقدر معلوم" أي ولكن ل ننزله إل على حسب مشيئتنا وعلى حسب حاجة الخلق‬
‫إليه؛ كما قال‪" :‬ولو بسط ال الرزق لعباده لبغوا في الرض ولكن ينزل بقدر ما يشاء" [الشورى‪:‬‬
‫‪ .]27‬وروي عن ابن مسعود والحكم بن عيينة وغيرهما أنه ليس عام أكثر مطرا من عام‪ ،‬ولكن‬
‫ال يقسمه كيف شاء‪ ،‬فيمطر قوم ويحرم آخرون‪ ،‬وربما كان المطر‪ .‬في البحار والقفار‪.‬‬
‫والخزائن جمع الخزانة‪ ،‬وهو الموضع الذي يستر فيه النسان ماله والخزانة أيضا مصيدر خزن‬
‫يخزن‪ .‬وميا كان فيي خزانية النسيان كان معدا له‪ .‬فكذلك ميا يقدر علييه الرب فكأنيه معيد عنده؛ قاله‬
‫القشيري‪ .‬وروى جعفير بين محميد عين أبييه عين جده أنيه قال‪ :‬فيي العرش مثال كيل شييء خلقيه ال‬
‫فييي البر والبحيير‪ .‬وهييو تأويييل قوله تعالى‪" :‬وإن ميين شيييء إل عندنييا خزائنييه"‪ .‬والنزال بمعنييى‬
‫النشاء واليجاد؛ كقوله‪" :‬وأنزل لكيم مين النعام ثمانيية أزواج" وقوله‪" :‬وأنزلنيا الحدييد فييه بأس‬
‫شديد" [الحديد‪ .]25 :‬وقيل‪ :‬النزال بمعنى العطاء‪ ،‬وسماه إنزال لن أحكام ال إنما تنزل من‬
‫السماء‪.‬‬
‫*‪*3‬الية‪{ 22 :‬وأرسلنا الرياح لواقح فأنزلنا من السماء ماء فأسقيناكموه وما أنتم له بخازنين}‬
‫@قوله تعالى‪" :‬وأرسلنا الرياح" قراءة العامة "الرياح" بالجمع‪ .‬وقرأ حمزة بالتوحيد؛ لن معنى‬
‫الرييح الجميع أيضيا وإن كان لفظهيا لفيظ الواحيد‪ .‬كميا يقال‪ :‬جاءت الرييح مين كيل جانيب‪ .‬كميا يقال‪:‬‬
‫أرض سباسب وثوب أخلق‪ .‬وكذلك تفعل العرب في كل شيء اتسع‪ .‬وأما وجه قراءة العامة فلن‬
‫ال تعالى نعتها بي "لواقح" وهي جمع‪ .‬ومعنى لواقح حوامل؛ لنها تحمل الماء والتراب والسحاب‬
‫والخير والنفع‪ .‬قال الزهري‪ :‬وجعل الريح لقحا لنها تحمل السحاب؛ أي تقله وتصرفه ثم تمريه‬
‫فتسييتدره‪ ،‬أي تنزله؛ قال ال تعالى‪" :‬حتييى إذا أقلت سييحابا ثقال" [العراف‪ ]57 :‬أي حملت‪.‬‬
‫وناقية لقيح ونوق لواقيح إذا حملت الجنية فيي بطونهيا‪ .‬وقييل‪ :‬لواقيح بمعنيى ملقحية وهيو الصيل‪،‬‬
‫ولكنهيا ل تلقيح إل وهيي فيي نفسيها لقيح‪ ،‬كأن الرياح لقحيت بخيير‪ .‬وقييل‪ :‬ذوات لقيح‪ ،‬وكيل ذلك‬
‫صيحيح؛ أي منهيا ميا يلقح الشجير؛ كقولهيم‪ :‬عيشية راضيية؛ أي فيهيا رضيا‪ ،‬ولييل نائم؛ أي فييه نوم‪.‬‬
‫ومنهيا ميا تأتيي بالسيحاب‪ .‬يقال‪ :‬لقحيت الناقية (بالكسير) لقحيا ولقاحيا (بالفتيح) فهيي لقيح‪ .‬وألقحهيا‬
‫الفحل أي ألقى إليها الماء فحملته؛ فالرياح كالفحل للسحاب‪ .‬قال الجوهري‪ :‬ورياح لواقح ول يقال‬
‫ملقح‪ ،‬وهو من النوادر‪ .‬وحكى المهدوي عن أبي عبيدة‪ :‬لواقح بمعنى ملقح‪ ،‬ذهب إلى أنه جمع‬
‫ملقحة وملقح‪ ،‬ثم حذفت زوائده‪ .‬وقيل‪ :‬هو جمع لقحة ولقح‪ ،‬على معنى ذات اللقاح على النسب‪.‬‬
‫ويجوز أن يكون معنيى لقيح حامل‪ .‬والعرب تقول للجنوب‪ :‬لقيح وحاميل‪ ،‬وللشمال حاميل وعقييم‪.‬‬
‫وقال عبييد بين عميير‪ :‬يرسيل ال المبشرة فتقيم الرض قميا‪ ،‬ثيم يرسيل المثيرة فتثيير السيحاب‪ ،‬ثيم‬
‫يرسل المؤلفة فتؤلفه‪ ،‬ثم يبعث اللواقح فتلقح الشجر‪ .‬وقيل‪ :‬الريح الملقح التي تحمل الندى فتمجه‬
‫في السحاب‪ ،‬فإذا اجتمع فيه صار مطرا‪ .‬وعن أبي هريرة قال‪ :‬سمعت رسول ال صلى ال عليه‬
‫وسيلم يقول‪( :‬الرييح الجنوب مين الجنية وهيي الرييح اللواقيح التيي ذكرهيا ال فيي كتابيه وفيهيا منافيح‬
‫للناس)‪ .‬وروي عنيه علييه السيلم أنيه قال‪( :‬ميا هبيت جنوب إل أنبيع ال بهيا عينيا غدقية)‪ .‬وقال أبيو‬
‫بكير بين عياش‪ :‬ل تقطير قطرة مين السيحاب إل بعيد أن تعميل الرياح الربيع فيهيا؛ فالصيبا تهيجيه‪،‬‬
‫والدبور تلقحه‪ ،‬والجنوب تدره‪ ،‬والشمال تفرقه‪.‬‬
‫@ روى ابن وهب وابن القاسم وأشهب وابن عبدالحكم عن مالك ‪ -‬واللفظ لشهب ‪ -‬قال مالك‪:‬‬
‫قال ال تعالى‪" :‬وأرسيلنا الرياح لواقيح" فلقاح القميح عندي أن يحبيب ويسينبل‪ ،‬ول أدري ميا ييبيس‬
‫في أكمامه‪ ،‬ولكن يحبب حتى يكون لو يبس حينئذ لم يكن فساد الخير فيه‪ .‬ولقاح الشجر كلها أن‬
‫تثمير ثيم يسيقط منهيا ميا يسيقط ويثبيت ميا يثبيت‪ ،‬ولييس ذلك بأن تورد‪ .‬قال ابين العربيي‪ :‬إنميا عول‬
‫مالك فييي هذا التفسييير على تشييبيه لقاح الشجيير بلقاح الحمييل‪ ،‬وأن الولد إذا عقييد وخلق ونفييخ فيييه‬
‫الروح كان بمنزلة تحبب الثمر وتسنبله؛ لنه سمي باسم تشترك فيه كل حاملة وهو اللقاح‪ ،‬وعليه‬
‫جاء الحديث (نهى النبي صلى ال عليه وسلم عن بيع الحب حتى يشتد)‪ .‬قال ابن عبدالبر‪ :‬البار‬
‫عند أهل العلم في النخل التلقيح‪ ،‬وهو أن يؤخذ شيء من طلع [ذكور] النخل فيدخل بين ظهراني‬
‫طلع الناث‪ .‬ومعنيى ذلك فيي سيائر الثمار طلوع الثمرة مين التيين وغيره حتيى تكون الثمرة مرئيية‬
‫منظورا إليها‪ .‬والمعتبر عند مالك وأصحابه فيما يذكر من الثمار التذكير‪ ،‬وفيما ل يذكر أن يثبت‬
‫مين نواره ميا يثبيت ويسيقط ميا يسيقط‪ .‬وحيد ذلك فيي الزرع ظهوره مين الرض؛ قاله مالك‪ .‬وقيد‬
‫روي عنيه أن إباره أن يحبيب‪ .‬ولم يختلف العلماء أن الحائط إذا انشيق طلع إناثيه فأخير إباره وقيد‬
‫أبر غيره ممن حال مثل حاله‪ ،‬أن حكمه حكم ما أبر؛ لنه قد جاء عليه وقت البار وثمرته ظاهرة‬
‫بعد تغيبها في الحب‪ .‬فإن أبر بعض الحائط كان ما لم يؤبر تبعا له‪ .‬كما أن الحائط إذا بدا صلحه‬
‫كان سائر الحائط تبعا لذلك الصلح في جواز بيعه‪.‬‬
‫@ روى الئمة كلهم عن ابن عمر قال‪ :‬سمعت رسول ال صلى ال عليه وسلم يقول‪( :‬من ابتاع‬
‫نخل بعيد أن تؤبر فثمرتهيا للذي باعهيا إل أن يشترط المبتاع‪ .‬ومين ابتاع عبدا فماله للذي باعيه إل‬
‫أن يشترطيه المبتاع)‪ .‬قال علماؤنيا‪ :‬إنميا لم يدخيل الثمير المؤبر ميع الصيول فيي البييع إل بالشرط؛‬
‫لنه عين موجودة يحاط بها أمن سقوطها غالبا‪ .‬بخلف التي لم تؤبر؛ إذ ليس سقوطها مأمونا فلم‬
‫يتحقيق لهيا وجود‪ ،‬فلم يجيز للبائع اشتراطهيا ول اسيتثناؤها؛ لنهيا كالجنيين‪ .‬وهذا هيو المشهور مين‬
‫مذهب مالك‪ .‬وقيل‪ :‬يجوز استثناؤها؛ هو قول الشافعي‪.‬‬
‫لو اشتري النخيل وبقيي الثمير للبائع جاز لمشتري الصيل شراء الثمرة قبيل طيبهيا على مشهور‬
‫قول مالك‪ ،‬ويرى لهييا حكييم التبعييية وإن أفردت بالعقييد‪ .‬وعنييه فييي رواييية‪ :‬ل يجوز‪ .‬وبذلك قال‬
‫الشافعي وأبو حنيفة والثوري وأهل الظاهر وفقهاء الحديث‪ .‬وهو الظهر من أحاديث النهي عن‬
‫بيع الثمرة قبل بدو صلحها‪.‬‬
‫@ ومميا يتعلق بهذا الباب النهيي عين بييع الملقيح؛ والملقيح الفحول مين البيل‪ ،‬الواحيد ملقيح‪.‬‬
‫والملقيح أيضيا الناث التيي فيي بطونهيا أولدهيا‪ ،‬الواحدة ملقحية (بفتيح القاف)‪ .‬والملقييح ميا فيي‬
‫بطون النوق مين الجنية‪ ،‬الواحدة ملقوحية؛ مين قولهيم‪ :‬لقحيت؛ كالمحموم مين حيم‪ ،‬والمجنون مين‬
‫جن‪ .‬وفي هذا جاء النهي‪ .‬وقد روي عن النبي صلى ال عليه وسلم‪ :‬أنه (نهى عن المجر وهو بيع‬
‫ميا فيي بطون الناث‪ .‬ونهيى عين المضاميين والملقييح)‪ .‬قال أبيو عبييد‪ :‬المضاميين ميا فيي البطون‪،‬‬
‫وهي الجنة‪ .‬والملقيح ما في أصلب الفحول‪ .‬وهو قول سعيد بن المسيب وغيره‪ .‬وقيل بالعكس‪:‬‬
‫إن المضامين ما في ظهور الجمال‪ ،‬والملقيح ما في بطون الناث‪ .‬وهو قول ابن حبيب وغيره‪.‬‬
‫وأي المريين كان‪ ،‬فعلماء المسيلمين مجمعون على أن ذلك ل يجوز‪ .‬وذكير المزنيي عن ابين هشام‬
‫شاهدا بأن الملقيح ما في البطون لبعض العراب‪:‬‬
‫تنتج ما تلقح بعد أزمن‬ ‫منيتي ملقحا في البطن‬
‫وذكر الجوهري على ذلك شاهدا قول الراجز‪:‬‬
‫خيرا من التنان والمسائل‬ ‫إنا وجدنا طرد الهوامل‬
‫ملقوحة في بطن ناب حامل‬ ‫وعدة العام وعام قابل‬
‫@قوله تعالى‪" :‬وأنزلنيا من السماء" أي من السحاب‪ .‬وكل ما علك فأظلك يسمى سماء‪ .‬وقيل‪:‬‬
‫مين جهة السماء‪" .‬ماء" أي قطرا‪" .‬فأسقيناكموه" أي جعلنا ذلك المطير لسقياكم ولشرب مواشيكيم‬
‫وأرضكيم‪ .‬وقييل‪ :‬سيقى وأسيقى بمعنيى‪ .‬وقييل بالفرق‪ ،‬وقيد تقدم‪" .‬وميا أنتيم له بخازنيين" أي ليسيت‬
‫خزائنيه عندكيم؛ أي نحين الخازنون لهذا الماء ننزله إذا شئنيا ونمسيكه إذا شئنيا‪ .‬ومثله "وأنزلنيا مين‬
‫السماء ماء طهورا" [الفرقان‪" ،]48 :‬وأنزلنا من السماء ماء بقدر فأسكناه في الرض وإنا على‬
‫ذهاب به لقادرون" [المؤمنون‪ .]18 :‬وقال سفيان‪ :‬لستم بمانعين المطر‪.‬‬
‫*‪*3‬الية‪{ 23 :‬وإنا لنحن نحيي ونميت ونحن الوارثون}‬
‫@ أي الرض ومن عليها‪ ،‬ول يبقى شيء سوانا‪ .‬نظيره "إنا نحن نرث الرض ومن عليها وإلينا‬
‫يرجعون" [مرييم‪ .]40 :‬فملك كيل شييء ل تعالى‪ .‬ولكين ملك عباده أملكيا فإذا ماتوا انقطعيت‬
‫الدعاوى‪ ،‬فكان ال وارثيا مين هذا الوجيه‪ .‬وقييل‪ :‬الحياء فيي هذه اليية إحياء النطفية فيي الرحام‪.‬‬
‫فأما البعث فقد ذكره بعد هذا في قوله‪" :‬وإن ربك هو يحشرهم" [الحجر‪.]25 :‬‬
‫*‪*3‬الية‪{ 24 :‬ولقد علمنا المستقدمين منكم ولقد علمنا المستأخرين}‬
‫@قوله تعالى‪" :‬ولقييد علمنييا المسييتقدمين منكييم ولقييد علمنييا المسييتأخرين" فيييه ثمان تأويلت‪:‬‬
‫"المسيتقدمين" فيي الخلق إلى اليوم‪ ،‬و"المسيتأخرين" الذيين لم يخلقوا بعيد؛ قاله قتادة وعكرمية‬
‫وغيرهميا‪ .‬الثانيي ‪" -‬المسيتقدمين" الموات‪ ،‬و"المسيتأخرين" الحياء؛ قاله ابين عباس والضحاك‪.‬‬
‫الثالث‪" :‬المسيتقدمين" مين تقدم أمية محميد‪ ،‬و"المسيتأخرين" أمية محميد صيلى ال علييه وسيلم؛ قاله‬
‫مجاهيد‪ .‬الرابيع ‪" -‬المسيتقدمين" فيي الطاعية والخيير‪ ،‬و"المسيتأخرين" فيي المعصيية والشير؛ قاله‬
‫الحسين وقتادة أيضيا‪ .‬الخاميس ‪" -‬المسيتقدمين" فيي صيفوف الحرب‪ ،‬و"المسيتأخرين" فيهيا؛ قاله‬
‫سيعيد بين المسييب‪ .‬السيادس‪" :‬المسيتقدمين" مين قتيل فيي الجهاد‪ ،‬و"المسيتأخرين" مين لم يقتيل‪ ،‬قاله‬
‫القرظيي‪ .‬السيابع‪" :‬المسيتقدمين" أول الخلق‪ ،‬و"المسيتأخرين" آخير الخلق‪ ،‬قال الشعيبي‪ .‬الثامين‪:‬‬
‫"المستقدمين" في صفوف الصلة‪ ،‬و"المستأخرين" فيها بسبب النساء‪ .‬وكل هذا معلوم ال تعالى؛‬
‫فإنه عالم بكل موجود ومعدوم‪ ،‬وعالم بمن خلق وما هو خالقه إلى يوم القيامة‪ .‬إل أن القول الثامن‬
‫هيو سيبب نزول اليية؛ لميا رواه النسيائي والترمذي عين أبيي الجوزاء عين ابين عباس قال‪" :‬كانيت‬
‫امرأة تصيلي خلف رسيول ال صيلى ال علييه وسيلم حسيناء مين أحسين الناس‪ ،‬فكان بعيض القوم‬
‫يتقدم حتى يكون في الصف الول لئل يراها‪ ،‬ويتأخر بعضهم حتى يكون في الصف المؤخر‪ ،‬فإذا‬
‫ركييع نظيير ميين تحييت إبطييه‪ ،‬فأنزل ال عييز وجييل "ولقييد علمنييا المسييتقدمين منكييم ولقييد علمنييا‬
‫المستأخرين"‪ .‬وروي عن أبي الجوزاء ولم يذكر ابن عباس‪ .‬وهو أصح‪.‬‬
‫@ هذا يدل على فضيل أول الوقيت فيي الصيلة وعلى فضيل الصيف الول؛ قال النيبي صيلى ال‬
‫عليييه وسييلم‪( :‬لو يعلم الناس مييا فييي النداء والصييف الول ثييم لم يجدوا إل أن يسييتهموا عليييه‬
‫لسيتهموا)‪ .‬فإذا جاء الرجيل عنيد الزوال فنزل فيي الصيف الول مجاور المام‪ ،‬حاز ثلث مراتيب‬
‫فيي الفضيل‪ :‬أول الوقيت‪ ،‬والصيف الول‪ ،‬ومجاورة المام‪ .‬فإن جاء عنيد الزوال فنزل فيي الصيف‬
‫الخيير أو فيمييا نزل عيين الصييف الول‪ ،‬فقييد حاز فضييل أول الوقييت وفاتييه فضييل الصييف الول‬
‫والمجاورة‪ .‬فإن جاء وقيت الزوال ونزل فيي الصيف الول دون ميا يلي المام فقيد حاز فضيل أول‬
‫الوقيت وفضيل الصيف الول‪ ،‬وفاتيه مجاورة المام‪ .‬فإن جاء بعيد الزوال ونزل فيي الصيف الول‬
‫فقيد فاتيه فضيلة أول الوقيت‪ ،‬وحاز فضيلة الصيف الول ومجاورة المام‪ .‬وهكذا‪ .‬ومجاورة المام‬
‫ل تكون لكيل أحيد‪ ،‬وإنميا هيي كميا قال صيلى ال علييه وسيلم‪( :‬ليلنيي منكيم أولو الحلم والنهيى)‬
‫الحدييث‪ .‬فيميا يلي المام ينبغيي أن يكون لمين كانيت هذه صيفته‪ ،‬فإن نزلهيا غيره أخير وتقدم وهيو‬
‫إلى الموضع؛ لنه حقه بأمر صاحب الشرع‪ ،‬كالمحراب هو موضع المام تقدم أو تأخر؛ قاله ابن‬
‫العربي‪.‬‬
‫قلت‪ :‬وعليه يحمل قول عمر رضيي ال عنه‪ :‬تأخير يا فلن‪ ،‬تقدم يا فلن؛ ثم يتقدم فيكبر‪ .‬وقد‬
‫روي عن كعب أن الرجل من هذه المة ليخر ساجدا فيغفر لمن خلفه‪ .‬وكان كعب يتوخى الصف‬
‫المؤخيير ميين المسييجد رجاء ذلك‪ ،‬ويذكيير أنييه وجده كذلك فييي التوراة‪ .‬ذكره الترمذي الحكيييم فييي‬
‫نوادر الصول‪ .‬وسيأتي في سورة "الصافات" زيادة بيان لهذا الباب إن شاء ال تعالى‪.‬‬
‫@ وكما تدل هذه الية على فضل الصف الول في الصلة‪ ،‬فكذلك تدل على فضل الصف الول‬
‫فيي القتال؛ فإن القيام فيي نحير العدو‪ ،‬وبييع العبيد نفسيه مين ال تعالى ل يوازييه عميل؛ فالتقدم إلييه‬
‫أفضيل‪ ،‬ول خلف فييه ول خفاء بيه‪ .‬ولم يكين أحيد يتقدم فيي الحرب بيين يدي رسيول ال صيلى ال‬
‫عليه وسلم‪ ،‬لنه كان أشجع الناس‪ .‬قال البراء‪ :‬كنا وال إذا احمر البأس نتقي به‪ ،‬وإن الشجاع منا‬
‫للذي يحاذي به‪ ،‬يعني النبي صلى ال عليه وسلم‪.‬‬
‫*‪*3‬الية‪{ 25 :‬وإن ربك هو يحشرهم إنه حكيم عليم}‬
‫@قوله تعالى‪" :‬وإن ربك هو يحشرهم" أي للحساب والجزاء‪" .‬إنه حكيم عليم" تقدم‪.‬‬
‫*‪*3‬الية‪{ 26 :‬ولقد خلقنا النسان من صلصال من حمأ مسنون}‬
‫@قوله تعالى‪" :‬ولقيد خلقنيا النسيان" يعنيي آدم علييه السيلم‪" .‬مين صيلصال" أي مين طيين يابيس؛‬
‫عن ابن عباس وغيره‪ .‬والصلصال‪ :‬الطين الحر خلط بالرمل فصار يتصلصل إذا جف‪ ،‬فإذا طبخ‬
‫بالنار فهو الفخار؛ عن أبي عبيدة‪ .‬وهو قول أكثر المفسرين‪ .‬وأنشد أهل اللغة‪:‬‬
‫كعدو المصلصل الجوال‬
‫وقال مجاهيد‪ :‬هيو الطيين المنتين؛ واختاره الكسيائي‪ .‬قال‪ :‬وهيو مين قول العرب‪ :‬صيل اللحيم وأصيل‬
‫إذا أنتن ‪ -‬مطبوخا كان أو نيئا ‪ -‬يصل صلول‪ .‬قال الحطيئة‪:‬‬
‫ل يفسد اللحم لديه الصلول‬ ‫ذاك فتى يبذل ذا قدره‬
‫وطيين صيلل ومصيلل؛ أي يصيوت إذا نقرتيه كميا يصيوت الحدييد‪ .‬فكان أول ترابيا‪ ،‬أي متفرق‬
‫الجزاء ثيم بيل فصيار طينيا؛ ثيم ترك حتيى أنتين فصيار حميأ مسينونا؛ أي متغيرا‪ ،‬ثيم يبيس فصيار‬
‫صيلصال؛ على قول الجمهور‪ .‬وقيد مضيى فيي "البقرة" بيان هذا‪ .‬والحميأ‪ :‬الطيين السيود‪ ،‬وكذلك‬
‫الحمأة بالتسيكين؛ تقول منيه‪ :‬حمئت البئر حميأ (بالتسيكين) إذا نزعيت حمأتهيا‪ .‬وحمئت البئر حميأ‬
‫(بالتحرييك) كثرت حمأتهيا‪ .‬وأحماتهيا إحماء ألقييت الحمأة؛ عين ابين السيكيت‪ .‬وقال أبيو عيبيدة‪:‬‬
‫الحمأة (بسيكون المييم) مثيل الكمأة‪ .‬والجميع حميء‪ ،‬مثيل تمرة وتمير‪ .‬والحميأ المصيدر‪ ،‬مثيل الهلع‬
‫والجزع‪ ،‬ثييم سييمي بييه‪ .‬والمسيينون المتغييير‪ .‬قال ابيين عباس‪( :‬هييو التراب المبتييل المنتيين‪ ،‬فجعييل‬
‫صيلصال كالفخار)‪ .‬ومثله قول مجاهيد وقتادة‪ ،‬قال‪ :‬المنتين المتغيير؛ مين قولهيم‪ :‬قيد أسين الماء إذا‬
‫تغيير؛ ومنيه "يتسينه" [البقرة‪ ]259 :‬و"ماء غيير آسين" [محميد‪ .]15 :‬ومنيه قول أبيي قييس بين‬
‫السلت‪:‬‬
‫كالمسك فت على ماء العناقيد‬ ‫سقت صداي رضابا غير ذي أسن‬
‫وقال الفراء‪ :‬هو المتغير‪ ،‬وأصله من قولهم‪ :‬سننت الحجر على الحجير إذا حككته به‪ .‬وما يخرج‬
‫من الحجرين يقال له السنانة والسنين؛ ومنه المسن‪ .‬قال الشاعر‪:‬‬
‫تمشي في مرمر مسنون‬ ‫ثم خاصرتها إلى القبة الحمراء‬
‫أي محكول مملس‪ .‬حكيي أن يزييد بين معاويية قال لبييه‪ :‬أل ترى عبدالرحمين بين حسيان يشبيب‬
‫بابنتك‪ .‬فقال معاوية‪ :‬وما قال؟ فقال قال‪:‬‬
‫ميزت من جوهر مكنون‬ ‫هي زهراء مثل لؤلوة الغواص‬
‫فقال معاوية‪ :‬صدق! فقال يزيد‪[ :‬إنه يقول]‪:‬‬
‫في سناء من المكارم دون‬ ‫وإذا ما نسبتها لم تجدها‬
‫فقال‪ :‬صدق! فقال‪ :‬أين قوله‪ :‬ثم خاصرتها‪ ...‬البيت‪ .‬فقال معاوية‪ :‬كذب‪ .‬وقال أبو عبيدة‪ :‬المسنون‬
‫المصييبوب‪ ،‬وهييو ميين قول العرب‪ :‬سييننت الماء وغيره على الوجييه إذا صييببته‪ .‬والسيين الصييب‪.‬‬
‫وروى علي بن أبيي طلحية عن ابين عباس قال‪( :‬المسنون الرطيب)؛ وهذا بمعنيى المصبوب؛ لنه‬
‫ل يكون مصيبوبا إل وهيو رطيب‪ .‬النحاس‪ :‬وهذا قول حسين؛ لنيه يقال‪ :‬سيننت الشييء أي صيببته‪.‬‬
‫قال أبو عمرو بن العلء‪ :‬ومنه الثر المروي عن عمر أنه كان يسن الماء على وجهه ول يشنه‪.‬‬
‫والشين (بالشيين) تفرييق الماء‪ ،‬وبالسيين المهملة صيبه مين غيير تفرييق‪ .‬وقال سييبويه‪ :‬المسينون‬
‫المصور‪ .‬أخذ من سنة الوجه وهو صورته‪ .‬وقال ذو الرمة‪:‬‬
‫ملساء ليس لها خال ول ندب‬ ‫تريك سنة وجه مفرقة‬
‫وقال الخفش‪ :‬المسنون‪ .‬المنصوب القائم؛ من قولهم‪ :‬وجه مسنون إذا كان فيه طول‪ .‬وقد قيل‪ :‬إن‬
‫الصيلصال للتراب المدقيق؛ حكاه المهدوي‪ .‬ومين قال‪ :‬إن الصيلصال هيو المنتين فأصيله صيلل‪،‬‬
‫فأبدل مين إحدى اللميين‪" .‬مين حميأ" مفسير لجنيس الصيلصال؛ كقولك‪ :‬أخذت هذا مين رجيل مين‬
‫العرب‪.‬‬
‫*‪*3‬الية‪{ 27 :‬والجان خلقناه من قبل من نار السموم}‬
‫@قوله تعالى‪" :‬والجان خلقناه من قبل" أي من قبل خلق آدم‪ .‬وقال الحسن‪ :‬يعني إبليس‪ ،‬خلقه ال‬
‫تعالى قبيل آدم علييه السيلم‪ .‬وسيمي جانيا لتوارييه عين العيين‪ .‬وفيي صيحيح مسيلم مين حدييث ثابيت‬
‫عن أنس أن رسول ال صلى ال عليه وسلم قال‪( :‬لما صور ال تعالى آدم عليه السلم في الجنة‬
‫تركه ما شاء ال أن يتركه فجعل إبليس يطيف به ينظر ما هو فلما رآه أجوف عرف أنه خلق خلقا‬
‫ل يمالك)‪" .‬مين نار السيموم" قال ابين مسيعود‪( :‬نار السيموم التيي خلق ال منهيا الجان جزء مين‬
‫سيبعين جزءا مين نار جهنيم)‪ .‬وقال ابين عباس‪( :‬السيموم الرييح الحارة التيي تقتيل)‪ .‬وعنيه (أنهيا نار‬
‫ل دخان لهيا)‪ ،‬والصيواعق تكون منهيا‪ ،‬وهيي نار تكون بيين السيماء والحجاب‪ .‬فإذا أحدث ال أمرا‬
‫اخترقييت الحجاب فهوت الصيياعقة إلى مييا أمرت‪ .‬فالهدة التييي تسييمعون خرق ذلك الحجاب‪ .‬وقال‬
‫الحسين‪ :‬نار السيموم نار دونهيا حجاب‪ ،‬والذي تسيمعون مين انغطاط السيحاب صيوتها‪ .‬وعين ابين‬
‫عباس أيضا قال‪( :‬كان إبليس من حي من أحياء الملئكة يقال لهم الجن خلقوا من نار السموم من‬
‫بين الملئكة ‪ -‬قال ‪ : -‬وخلقت الجن الذين ذكروا في القرآن من مارج من نار‪.‬‬
‫قلت‪ :‬هذا فيه نظر؛ فإنه يحتاج إلى سند يقطع العذر؛ إذ مثله ل يقال من جهة الرأي‪ .‬وقد خرج‬
‫مسيلم من حديث عروة عن عائشية قال رسول ال صيلى ال علييه وسيلم‪( :‬خلقت الملئكية من نور‬
‫وخلق الجان ميين مارج ميين نار وخلق آدم ممييا وصييف لكييم)‪ .‬فقوله‪( :‬خلقييت الملئكيية ميين نور)‬
‫يقتضيييي العموم‪ .‬وال أعلم‪ .‬وقال الجوهري‪ :‬مارج مييين نار نار ل دخان لهيييا خلق منهيييا الجان‪.‬‬
‫والسموم الريح الحارة تؤنث؛ يقال منه‪ :‬سم يومنا فهو يوم مسموم‪ ،‬والجمع سمائم‪ .‬قال أبو عبيدة‪:‬‬
‫(السيموم بالنهار وقيد تكون باللييل‪ ،‬والحرور باللييل وقيد تكون بالنهار)‪ .‬القشيري‪ :‬وسيميت الرييح‬
‫الحارة سموما لدخولها في مسام البدن‪.‬‬
‫*‪*3‬اليتان‪{ 29 - 28 :‬وإذ قال ربك للملئكة إني خالق بشرا من صلصال من حمأ مسنون‪،‬‬
‫فإذا سويته ونفخت فيه من روحي فقعوا له ساجدين}‬
‫@قوله تعالى‪" :‬وإذ قال ربيك للملئكية" تقدم فيي "البقرة"‪" .‬إنيي خالق بشرا مين صيلصال" مين‬
‫طيين "فإذا سيويته" أي سيويت خلقيه وصيورته‪" .‬ونفخيت فييه مين روحيي" النفيخ إجراء الرييح فيي‬
‫الشيء‪ .‬والروح جسم لطيف‪ ،‬أجرى ال العادة بأن يخلق الحياة فيي البدن مع ذلك الجسم‪ .‬وحقيقته‬
‫إضافية خلق إلى خالق؛ فالروح خلق مين خلقيه أضافيه إلى نفسيه تشريفيا وتكريميا؛ كقوله‪( :‬أرضيي‬
‫وسمائي وبيتي وناقة ال وشهر ال)‪ .‬ومثله "وروح منه" وقد تقدم في "النساء" مبينا‪ .‬وذكرنا في‬
‫كتاب (التذكرة) الحاديييث الواردة التييي تدل على أن الروح جسييم لطيييف‪ ،‬وأن النفييس والروح‬
‫اسمان لمسمى واحد‪ .‬وسيأتي ذلك إن شاء ال‪ .‬ومن قال إن الروح هو الحياة قال أراد‪ :‬فإذا ركبت‬
‫فييه الحياة‪" .‬فقعوا له سياجدين" أي خروا له سياجدين‪ .‬وهيو سيجود تحيية وتكرييم ل سيجود عبادة‪.‬‬
‫ول أن يفضيل مين يرييد؛ ففضيل النيبياء على الملئكية‪ .‬وقيد تقدم فيي "البقرة" هذا المعنيى‪ .‬وقال‬
‫القفال‪ :‬كانوا أفضييل ميين آدم‪ ،‬وامتحنهييم بالسييجود له تعريضييا لهييم للثواب الجزيييل‪ .‬وهييو مذهييب‬
‫المعتزلة‪ .‬وقيل‪ :‬أمروا بالسجود ل عند آدم‪ ،‬وكان آدم قبلة لهم‪.‬‬
‫*‪*3‬اليتان‪{ 31 - 30 :‬فسجد الملئكة كلهم أجمعون‪ ،‬إل إبليس أبى أن يكون مع الساجدين}‬
‫@قوله تعالى "فسجد الملئكة كلهم أجمعون‪ .‬إل إبليس" فيه مسألتان‪ :‬الولى‪ :‬ل شك أن إبليس‬
‫كان مأمورا بالسجود؛ لقول‪" :‬ما منعك أل تسجد إذ أمرتك" [العراف‪ ]12 :‬وإنما منعه من ذلك‬
‫السيتكبار والسيتعظام؛ كميا تقدم فيي "البقرة" بيانيه‪ .‬ثيم قييل‪ :‬كان مين الملئكية؛ فهيو اسيتثناء مين‬
‫الجنيس‪ .‬وقال قوم‪ :‬لم يكين مين الملئكية؛ فهيو اسيتثناء منقطيع‪ .‬وقيد مضيى فيي "البقرة" هذا كله‬
‫مستوفى‪ .‬وقال ابن عباس‪ :‬الجان أبو الجن وليسوا شياطين‪ .‬والشياطين ولد إبليس؛ ل يموتون إل‬
‫مع إبليس‪ .‬والجن يموتون‪ ،‬ومنهم المؤمن ومنهم الكافر‪ .‬فآدم أبو النس‪ .‬والجان أبو الجن‪ .‬وإبليس‬
‫أبو الشياطين؛ ذكره الماوردي‪ .‬والذي تقدم في "البقرة" خلف هذا‪ ،‬فتأمله هناك‪.‬‬
‫الثانية‪ :‬الستثناء من الجنس غير الجنس صحيح عند الشافعي‪ ،‬حتى لو قال‪ :‬لفلن علي دينار إل‬
‫ثوبا‪ ،‬أو عشرة أثواب إل قفيز حنطة‪ ،‬وما جانس ذلك كان مقبول‪ ،‬ول يسقط عنه من المبلغ قيمة‬
‫الثوب والحنطيية‪ .‬ويسييتوي فييي ذلك المكيلت والموزونات والمقدرات‪ .‬وقال مالك وأبييو حنيفيية‬
‫رضييي ال عنهمييا‪ :‬اسييتثناء المكيييل ميين الموزون والموزون ميين المكيييل جائز‪ ،‬حتييى لو اسييتثنى‬
‫الدراهييم ميين الحنطيية والحنطيية ميين الدراهييم قبييل‪ .‬فأمييا إذا اسييتثنى المقومات ميين المكيلت أو‬
‫الموزونات‪ ،‬والمكيلت من المقومات‪ ،‬مثل أن يقول‪ :‬علي عشرة دنانير إل ثوبا‪ ،‬أو عشرة أثواب‬
‫إل دينارا ل يصح الستثناء‪ ،‬ويلزم المقر جميع المبلغ‪ .‬وقال محمد بن الحسن‪ :‬الستثناء من غير‬
‫الجنس ل يصح‪ ،‬ويلزم المقر جملة ما أقر به‪ .‬والدليل لقول الشافعي أن لفظ الستثناء يستعمل في‬
‫الجنيس وغيير الجنيس؛ قال ال تعالى‪" :‬ل يسيمعون فيهييا لغوا ول تأثيميا‪ .‬إل قيل سيلما سيلما"‬
‫[الواقعة‪ ]26 - 25 :‬فاستثنى السلم من جملة اللغو‪ .‬ومثله "فسجد الملئكة كلهم أجمعون‪ .‬إل‬
‫إبليس" وإبليس من جملة الملئكة؛ قال ال تعالى‪" :‬إل إبليس كان من الجن ففسق عن أمر ربه"‬
‫[الكهف‪ ]50 :‬وقال الشاعر‪:‬‬
‫إل اليعافير وإل العيس‬ ‫وبلدة ليس بها أنيس‬
‫فاستثنى اليعافير وهي ذكور الظباء‪ ،‬والعيس وهي الجمال البيض من النيس؛ ومثله قول النابغة‪:‬‬
‫ول علم إل حسن ظن بصاحب] (دار الحديث)‬ ‫[حلفت يمينا غير ذي مثنوية‬
‫*‪*3‬اليات‪{ 35 - 32 :‬قال يا إبلييس ميا لك أل تكون مع السياجدين‪ ،‬قال لم أكن لسيجد لبشير‬
‫خلقتيه مين صيلصال مين حميأ مسينون‪ ،‬قال فاخرج منهيا فإنيك رجييم‪ ،‬وإن علييك اللعنية إلى يوم‬
‫الدين}‬
‫@قوله تعالى‪" :‬قال يا إبليس ما لك" أي ما المانع لك‪" .‬أل تكون مع الساجدين" أي في أل تكون‪.‬‬
‫"قال لم أكن لسجد لبشر خلقته من صلصال من حمأ مسنون" بين تكبره وحسده‪ ،‬وأنه خير منه‪،‬‬
‫إذ هيو ميين نار والنار تأكييل الطييين؛ كمييا تقدم فييي "العراف" بيانييه‪" .‬قال فاخرج منهييا" أي ميين‬
‫السيماوات‪ ،‬أو مين جنية عدن‪ ،‬أو مين جملة الملئكية‪" .‬فإنيك رجييم" أي مرجوم بالشهيب‪ .‬وقييل‪:‬‬
‫ملعون مشؤوم‪ .‬وقد تقدم هذا كله مستوفى في البقرة والعراف‪" .‬وإن عليك اللعنة إلى يوم الدين"‬
‫أي لعنتي‪ ،‬كما في سورة "ص"‪.‬‬
‫*‪*3‬اليات‪{ 38 - 36 :‬قال رب فأنظرني إلى يوم يبعثون‪ ،‬قال فإنك من المنظرين‪ ،‬إلى يوم‬
‫الوقت المعلوم}‬
‫@قوله تعالى‪" :‬قال رب فأنظرنيي إلى يوم يبعثون" هذا السؤال من إبلييس لم يكين عن ثقته منيه‬
‫بمنزلتيه عنيد ال تعالى‪ ،‬وأنيه أهيل أن يجاب له دعاء؛ ولكين سيأل تأخيير عذابيه زيادة فيي بلئه؛‬
‫كفعيل الييس مين السيلمة‪ .‬وأراد بسيؤاله النظار إلى يوم يبعثون‪ :‬أجل يموت؛ لن يوم البعيث ل‬
‫موت فييه ول بعده‪ .‬قال ال تعالى‪" :‬فإنيك مين المنظريين" يعنيي مين المؤجليين‪" .‬إلى يوم الوقيت‬
‫المعلوم" قال ابين عباس‪( :‬أراد بيه النفخية الولى)‪ ،‬أي حيين تموت الخلئق‪ .‬وقييل‪ :‬الوقيت المعلوم‬
‫الذي استأثر ال بعلمه‪ ،‬ويجهله إبليس‪ .‬فيموت إبليس ثم يبعث؛ قال ال تعالى‪" :‬كل من عليها فان"‬
‫[الرحمن‪ .]26 :‬وفي كلم ال تعالى له قولن‪ :‬أحدهما‪ :‬كلمه على لسان رسوله‪.‬‬
‫الثاني‪ :‬كلمه تغليظا في الوعيد ل على وجه التكرمة والتقريب‪.‬‬
‫*‪*3‬الية‪{ 39 :‬قال رب بما أغويتني لزينن لهم في الرض ولغوينهم أجمعين}‬
‫@قوله تعالى‪" :‬قال رب بميا أغويتنيي لزينين لهيم فيي الرض" تقدم معنيى الغواء والزينية فيي‬
‫العراف‪ .‬وتزيينيه هنيا يكون بوجهيين‪ :‬إميا بفعيل المعاصيي‪ ،‬وإميا بشغلهيم بزينية الدنييا عين فعيل‬
‫الطاعية‪ .‬ومعنيى‪" :‬ولغوينهيم أجمعيين" أي لضلنهيم عين طرييق الهدى‪ .‬وروى ابين لهيعية عبدال‬
‫عين دراج أبيي السيمح عين أبيي الهيثيم عين أبيي سيعيد الخدري قال قال رسيول ال صيلى ال علييه‬
‫وسييلم‪( :‬إن إبليييس قال يييا رب وعزتييك وجللك ل أزال أغوي بنييي آدم مييا دامييت أرواحهييم فييي‬
‫أجسامهم فقال الرب وعزتي وجللي ل أزال أغفر لهم ما استغفروني)‪.‬‬
‫*‪*3‬الية‪{ 40 :‬إل عبادك منهم المخلصين}‬
‫@قرأ أهل المدينة وأهل الكوفة بفتح اللم؛ أي الذين استخلصتهم وأخلصتهم‪ .‬وقرأ الباقون بكسر‬
‫اللم؛ أي الذين أخلصوا لك العبادة من فساد أو رياء‪ .‬حكى أبو ثمامة أن الحواريين سألوا عيسى‬
‫عليه السلم عن المخلصين ل فقال‪( :‬الذي يعمل ول يحب أن يحمده الناس)‪.‬‬
‫*‪*3‬الية‪{ 41 :‬قال هذا صراط علي مستقيم}‬
‫@قال عمير بين الخطاب‪ :‬معناه هذا صيراط يسيتقيم بصياحبه حتيى يهجيم بيه على الجنية‪ .‬الحسين‪:‬‬
‫"علي" بمعنى إلي‪ .‬مجاهد والكسائي‪ :‬هذا على الوعيد والتهديد؛ كقولك لمن تهدده‪ :‬طريقك علي‬
‫ومصييرك إلي‪ .‬وكقوله‪" :‬إن ربيك لبالمرصياد" [الفجير‪ .]14 :‬فكان معنيى الكلم‪ :‬هذا طرييق‬
‫مرجعيه إلي فأجازي كل بعمله‪ ،‬يعنيي طرييق العبوديية‪ .‬وقييل‪ :‬المعنيى علي أن أدل على الصيراط‬
‫المسيتقيم بالبيان والبرهان‪ .‬وقييل‪ :‬بالتوفييق والهدايية‪ .‬وقرأ ابين سييربن وقتادة والحسين وقييس بين‬
‫عباد وأبيو رجاء وحمييد ويعقوب "هذا صيراط علي مسيتقيم" برفيع "علي" وتنوينيه؛ ومعناه رفييع‬
‫مستقيم‪ ،‬أي رفيع في الدين والحق‪ .‬وقيل‪ :‬رفيع أن ينال‪ ،‬مستقيم أن يمال‪.‬‬
‫*‪*3‬الية‪{ 42 :‬إن عبادي ليس لك عليهم سلطان إل من اتبعك من الغاوين}‬
‫@قوله تعالى‪" :‬إن عبادي لييس لك عليهيم سيلطان" قال العلماء‪ :‬يعنيي على قلوبهيم‪ .‬وقال ابين‬
‫عيينة‪ :‬أي في أن يلقيهم في ذنب يمنعهم عفوي ويضيقه عليهم‪ .‬وهؤلء الذين هداهم ال واجتباهم‬
‫واختارهم واصطفاهم‪.‬‬
‫قلت‪ :‬لعييل قائل يقول‪ :‬قييد أخييبر ال عيين صييفة آدم وحواء عليهمييا السييلم بقوله‪" :‬فأزلهمييا‬
‫الشيطان" [البقرة‪ ،]36 :‬وعين جملة مين أصيحاب نيبيه بقوله‪" :‬إنميا اسيتزلهم الشيطان ببعيض ميا‬
‫كسبوا" [آل عمران‪ ]155 :‬فالجواب ما ذكر‪ ،‬وهو أنه ليس له سلطان على قلوبهم‪ ،‬ول موضع‬
‫إيمانهييم‪ ،‬ول يلقيهييم فييي ذنييب يؤول إلى عدم القبول‪ ،‬بييل تزيله التوبيية وتمحوه الوبيية‪ .‬ولم يكيين‬
‫خروج آدم عقوبية لميا تناول؛ على ميا تقدم فيي "البقرة" بيانيه‪ .‬وأميا أصيحاب النيبي صيلى ال علييه‬
‫وسيلم فقد مضيى القول عنهيم فيي آل عمران‪ .‬ثيم إن قوله سيبحانه‪" :‬لييس لك عليهيم سيلطان" يحتميل‬
‫أن يكون خاصيا فيمين حفظيه ال‪ ،‬ويحتميل أن يكون فيي أكثير الوقات والحوال‪ ،‬وقيد يكون فيي‬
‫تسيلطه تفرييج كربية وإزالة غمية؛ كميا فعيل ببلل‪ ،‬إذ أتاه يهدييه كميا يهدي الصيبي حتيى نام‪ ،‬ونام‬
‫النبي صلى ال عليه وسلم وأصحابه فلم يستيقظوا حتى طلعت الشمس‪ ،‬وفزعوا وقالوا‪ :‬ما كفارة‬
‫ما صنعنا بتفريطنا في صلتنا؟ فقال لهم النبي صلى ال عليه وسلم‪( :‬ليس في النوم تفريط) ففرج‬
‫عنهيم‪" .‬إل مين اتبعيك مين الغاويين" أي الضاليين المشركيين‪ .‬أي سيلطانه على هؤلء؛ دليله "إنميا‬
‫سلطانه على الذين يتولونه والذين هم به مشركون" [النحل‪.]100 :‬‬
‫وهذه اليية والتيي قبلهيا دلييل على جواز اسيتثناء القلييل مين الكثيير والكثيير مين القلييل؛ مثيل أن‬
‫يقول‪ :‬عشرة إل درهميا‪ .‬أو يقول‪ :‬عشرة إل تسيعة‪ .‬وقال أحميد بين حنبيل‪ :‬ل يجوز أن يسيتثنى إل‬
‫قدر النصييف فمييا دونيه‪ .‬وأميا اسيتثناء الكثيير ميين الجملة فل يصييح‪ .‬ودليلنييا هذه الييية‪ ،‬فإن فيهيا‬
‫اسييتثتاء "الغاوييين" ميين العباد والعباد مين الغاوييين‪ ،‬وذلك يدل على أن اسييتثناء القييل ميين الجملة‬
‫واستثناء الكثر من الجملة جائز‪.‬‬
‫*‪*3‬اليتان‪{ 44 - 43 :‬وإن جهنيم لموعدهيم أجمعيين‪ ،‬لهيا سيبعة أبواب لكيل باب منهيم جزء‬
‫مقسوم}‬
‫@قوله تعالى‪" :‬وإن جهنيم لموعدهيم أجمعيين" يعنيي إبلييس ومين اتبعيه‪" .‬لهيا سيبعة أبواب" أي‬
‫أطباق‪ ،‬طبيق فوق طبيق "لكيل باب منهيم" أي لكيل طبقية "منهيم جزء مقسيوم" أي حيظ معلوم‪ .‬ذكير‬
‫ابن المبارك قال‪ :‬أخبرنا إبراهيم أبو هارون الغنوي قال‪ :‬سمعت حطان بن عبدال الرقاشي يقول‬
‫سمعت عليا رضي ال عنه يقول‪ :‬هل تدرون كيف أبواب جهنم؟ قلنا‪ :‬هي مثل أبوابنا‪ .‬قال ل‪ ،‬هي‬
‫هكذا بعضهيا فوق بعيض‪ - ،‬زاد الثعلبيي‪ :‬ووضيع إحدى يدييه على الخرى‪ :‬وأن ال وضيع الجنان‬
‫على الرض‪ ،‬والنيران بعضها فوق بعض‪ ،‬فأسفلها جهنم‪ ،‬وفوقها الحطمة‪ ،‬وفوقها سقر‪ ،‬وفوقها‬
‫الجحييم‪ ،‬وفوقهيا لظيى‪ ،‬وفوقهيا السيعير‪ ،‬وفوقهيا الهاويية‪ ،‬وكيل باب أشيد حرا مين الذي يلييه سيبعين‬
‫مرة‪.‬‬
‫قلت‪ :‬كذا وقييع هذا التفسييير‪ .‬والذي عليييه الكثيير ميين العلماء أن جهنييم أعلى الدركات‪ ،‬وهييي‬
‫مختصية بالعصياة مين أمية محميد صيلى ال علييه وسيلم‪ ،‬وهيي التيي تخلى مين أهلهيا فتصيفق الرياح‬
‫أبوابها‪ .‬ثم لظى‪ ،‬ثم الحطمة‪ ،‬ثم سعير‪ ،‬ثم سقر‪ ،‬ثم الجحيم‪ ،‬ثم الهاوية‪ .‬قال الضحاك‪ :‬في الدرك‬
‫العلى المحمديون‪ ،‬وفييي الثانييي النصييارى‪ ،‬وفييي الثالث اليهود‪ ،‬وفييي الرابييع الصييابئون‪ ،‬وفييي‬
‫الخامس المجوس‪ ،‬وفي السادس مشركو العرب‪ ،‬وفي السابع المنافقون وآل فرعون ومن كفر من‬
‫أهل المائدة‪ .‬قال ال تعالى‪" :‬إن المنافقين في الدرك السفل من النار" [النساء‪ - ]145 :‬وقد تقدم‬
‫في النساء ‪ ، -‬وقال‪" :‬أدخلوا آل فرعون أشد العذاب" [غافر‪ .]46:‬وقسم معاذ بن جبل رضي ال‬
‫عنييه العلماء السييوء ميين هذه الميية تقسيييما على تلك البواب؛ ذكرناه فييي كتاب (التذكرة) وروى‬
‫الترمذي مين حدييث ابين عمير قال‪ :‬قال رسيول ال صيلى ال علييه وسيلم‪( :‬لجهنيم سيبعة أبواب باب‬
‫منها لمن سل سيفه على أمتي) قال‪ :‬حديث غريب‪.‬‬
‫وقال أبي بن كعب‪( :‬لجهنم سبعة أبواب باب منها للحرورية‪ .‬وقال وهب بن منبه‪ :‬بين كل بابين‬
‫مسيرة سبعين سنة‪ ،‬كل باب أشد حرا من الذي فوقه بسبعين ضعفا‪ ،‬وقد ذكرنا هذا كله في كتاب‬
‫التذكرة‪ .‬وروى سلم الطويل عن أبي سفيان عن أنس بن مالك عن النبي صلى ال عليه وسلم في‬
‫قوله ال تعالى‪" :‬لها سبعة أبواب لكل باب منهم جزء مقسوم" جزء أشركوا بال‪ ،‬وجزء شكوا في‬
‫ال‪ ،‬وجزء غفلوا عن ال‪ ،‬وجزء آثروا شهواتهم على ال‪ ،‬وجزء شفوا غيظهم بغضب ال‪ ،‬وجزء‬
‫صيييروا رغبتهييم بحظهييم ميين ال‪ ،‬وجزء عتوا على ال‪ .‬ذكره الحليمييي أبييو عبدال الحسييين بيين‬
‫الحسن في كتاب (منهاج الدين) له‪ ،‬وقال‪ :‬فإن كان ثابتا فالمشركون بال هم الثنوية‪ .‬والشاكون هم‬
‫الذين ل يدرون أن لهم إلها أو ل إله لهم‪ ،‬ويشكون في شريعته أنها من عنده أم ل‪ .‬والغافلون عن‬
‫ال هييم الذييين يجحدونييه أصييل ول يثبتونييه‪ ،‬وهييم الدهرييية‪ .‬والمؤثرون شهواتهييم على ال هييم‬
‫المنهمكون فييي المعاصييي؛ لتكذيبهييم رسييل ال وأمره ونهيييه‪ .‬والشافون غيظهييم بغضييب ال هييم‬
‫القاتلون أنييبياء ال وسييائر الداعييين إليييه‪ ،‬المعذبون ميين ينصييح لهييم أو يذهييب غييير مذهبهييم‪.‬‬
‫والمصيرون رغبتهم بحظهم من ال هم المنكرون بالبعث والحساب؛ فهم يعبدون ما يرغبون فيه‪،‬‬
‫لهيم جمييع حظهيم مين ال تعالى‪ .‬والعاتون على ال الذيين ل يبالون بأن يكون ميا هيم فييه حقيا أو‬
‫باطل‪ ،‬فل يتفكرون ول يعتبرون ول يستدلون‪ .‬وال أعلم بما أراد رسوله صلى ال عليه وسلم إن‬
‫ثبت الحديث‪ .‬ويروى أن سلمان الفارسي رضي ال عنه لما سمع هذه الية "وإن جهنم لموعدهم‬
‫أجمعيين" فير ثلثية أيام مين الخوف ل يعقيل‪ ،‬فجييء بيه إلى رسيول ال صيلى ال علييه وسيلم فسيأله‬
‫فقال‪ :‬ييا رسيول ال‪ ،‬أنزلت هذه اليية "وإن جهنيم لموعدهيم أجمعيين"؟ فوالذي بعثيك بالحيق لقيد‬
‫قطعيت قلبيي؛ فأنزل ال تعالى "إن المتقيين فيي جنات وعيون" [الحجير‪ .]45 :‬وقال بلل‪ :‬كان‬
‫النيبي صيلى ال عليه وسيلم يصيلي فيي مسيجد المدينية وحده‪ ،‬فمرت بيه امرأة أعرابيية فصيلت خلفه‬
‫ولم يعلم بها‪ ،‬فقرأ رسول ال صلى ال عليه وسلم هذه الية "لها سبعة أبواب لكل باب منهم جزء‬
‫مقسوم" فخرت العرابية مغشيا عليها‪ ،‬وسمع النبي صلى ال عليه وسلم وجبتها فانصرف ودعا‬
‫بماء فصيب على وجههيا حتيى أفاقيت وجلسيت‪ ،‬فقال النيبي صيلى ال علييه وسيلم‪( :‬ييا هذه مالك)؟‬
‫فقالت‪ :‬أهذا شييء مين كتاب ال المنزل‪ ،‬أو تقوله مين تلقاء نفسيك؟ فقال‪( :‬ييا أعرابييه‪ ،‬بيل هيو مين‬
‫كتاب ال تعالى المنزل) فقالت‪ :‬كييل عضييو ميين أعضائي يعذب على كييل باب منهييا؟ قال‪( :‬يييا‬
‫أعرابيية‪ ،‬بيل لكيل باب منهيم جزء مقسيوم يعذب أهيل كيل منهيا على قدر أعمالهيم) فقالت‪ :‬وال إنيي‬
‫امرأة مسكينة‪ ،‬ما لي مال‪ ،‬وما لي إل سبعة أعبد‪ ،‬أشهدك يا رسول ال‪ ،‬أن كل عبد منهم عن كل‬
‫باب من أبواب جهنم حر لوجه ال تعالى‪ :‬فأتاه جبريل فقال‪" .‬يا رسول ال‪ ،‬بشر العرابية أن ال‬
‫قد حرم عليها أبواب جهنم كلها وفتح لها أبواب الجنة كلها)‪.‬‬
‫*‪*3‬اليتان‪{ 46 - 45 :‬إن المتقين في جنات وعيون‪ ،‬ادخلوها بسلم آمنين}‬
‫@قوله تعالى‪" :‬إن المتقيين فيي جنات وعيون" أي الذيين اتقوا الفواحيش والشرك‪ .‬و"فيي جنات"‬
‫أي بسياتين‪" .‬وعيون" هيي النهار الربعية‪ :‬ماء وخمير ولبين وعسيل‪ .‬وأميا العيون المذكورة فيي‬
‫سورة "النسان"‪ :‬الكافور والزنجبيل والسلسبيل‪ ،‬وفي "المطففين"‪ :‬التسنيم‪ ،‬فيأتي ذكرها وأهلها‬
‫إن شاء ال‪ .‬وضم العين من "عيون" على الصل‪ ،‬والكسر مراعاة للياء‪ ،‬وقرئ بهما ‪" -‬ادخلوها‬
‫بسيلم آمنيين" قراءة العامية "ادخلوهيا" بوصيل اللف وضيم الخاء‪ ،‬مين دخيل يدخيل‪ ،‬على المير‪.‬‬
‫تقديره‪ :‬قييل ادخلوهيا‪ .‬وقرأ الحسين وأبيو العاليية وروييس عين يعقوب "ادخلوهيا" بضيم التنويين‬
‫ووصيل اللف وكسير الخاء على الفعيل المجهول‪ ،‬مين أدخيل‪ .‬أي أدخلهيم ال إياهيا‪ .‬ومذهبهيم كسير‬
‫التنوين في مثل "برحمة ادخلوا الجنة" [العراف‪ ]49 :‬وشبهه؛ إل أنهم ههنا ألقوا حركة الهمزة‬
‫على التنوين؛ إذ هي ألف قطع‪ ،‬ولكن فيه انتقال من كسر إلى ضم ثم من ضم إلى كسر فيثقل على‬
‫اللسيان‪" .‬بسيلم" أي بسيلمة مين كيل داء وآفية‪ .‬وقييل‪ :‬بتحيية مين ال لهيم‪" .‬آمنيين" أي مين الموت‬
‫والعذاب والعزل والزوال‪.‬‬
‫*‪*3‬اليتان‪{ 48 - 47 :‬ونزعنا ما في صدورهم من غل إخوانا على سرر متقابلين‪ ،‬ل يمسهم‬
‫فيها نصب وما هم منها بمخرجين}‬
‫@ قال ابن عباس‪ :‬أول ما يدخل أهل الجنة الجنة تعرض لهم عينان‪ ،‬فيشربون من إحدى العينين‬
‫فيذهب ال ما في قلوبهم من غل‪ ،‬ثم يدخلون العين الخرى فيغتسلون فيها فتشرق ألوانهم وتصفو‬
‫وجههيم‪ ،‬وتجري عليهيم نضرة النعييم؛ ونحوه عين علي رضيي ال عنيه‪ .‬وقال علي بين الحسيين‪:‬‬
‫نزلت فيي أبيي بكير وعمير وعلي والصيحابة‪ ،‬يعنيي ميا كان بينهيم فيي الجاهليية مين الغيل‪ .‬والقول‬
‫الول أظهر‪ ،‬يدل عليه سياق الية‪ .‬وقال علي رضي ال عنه‪( :‬أرجو أن أكون أنا وطلحة والزبير‬
‫من هؤلء)‪ .‬والغل‪ :‬الحقد والعداوة؛ يقال منه‪ :‬غل يغل‪ .‬ويقال من الغلول وهو السرقة من المغنم‪:‬‬
‫غل يغل‪ :‬ويقال من الخيانة‪ :‬أغل يغل‪ .‬كما قال‪:‬‬
‫جزاء مغل بالمانة كاذب‬ ‫جزى ال عنا حمزة بنة نوفل‬
‫وقيد مضيى هذا فيي آل عمران‪" .‬إخوانيا على سيرر متقابليين" أي ل ينظير بعضهيم إلى قفيا بعيض‬
‫تواصيل وتحاببيا؛ عين مجاهيد وغيره‪ .‬وقييل‪ :‬السيرة تدور كيفميا شاؤوا‪ ،‬فل يرى أحيد قفيا أحيد‪.‬‬
‫وقييل‪" :‬متقابليين" قيد أقبلت عليهيم الزواج وأقبلوا عليهين بالود‪ .‬وسيرر جميع سيرير‪ .‬مثيل جدييد‬
‫وجدد‪ .‬وقييل‪ :‬هيو مين السيرور؛ فكأنيه مكان رفييع ممهيد للسيرور‪ .‬والول أظهير‪ .‬قال ابين عباس‪:‬‬
‫(على سيرر مكللة بالياقوت والزبرجيد والدر)‪ ،‬السيرير ميا بيين صينعاء إلى الجابيية وميا بيين عدن‬
‫إلى أيلة‪" .‬وإخوانييا" نصييب على الحال ميين "المتقييين" أو ميين المضميير فييي "ادخلوهييا"‪ ،‬أو ميين‬
‫المضمير فيي "آمنيين"‪ ،‬أو يكون حال مقدرة مين الهاء والمييم فيي "صيدورهم"‪" .‬ل يمسيهم فيهيا‬
‫نصيب" أي إعياء وتعيب‪" .‬وميا هيم منهيا بمخرجيين" دلييل على أن نعييم الجنية دائم ل يزول‪ ،‬وأن‬
‫أهلها فيها باقون‪ .‬أكلها دائم؛ "إن هذا لرزقنا ما له من نفاد" [ص‪.]54 :‬‬
‫*‪*3‬اليتان‪{ 50 - 49 :‬نبئ عبادي أني أنا الغفور الرحيم‪ ،‬وأن عذابي هو العذاب الليم}‬
‫@ هذه الية وزان قوله عليه السلم‪( :‬لو يعلم المؤمن ما عند ال من العقوبة ما طمع بجنته أحد‬
‫ولو يعلم الكافير ميا عنيد ال مين الرحمية ميا قنيط مين رحمتيه أحيد) أخرجيه مسيلم مين حدييث أبيي‬
‫هريرة‪ .‬وقد تقدم في الفاتحة‪ .‬وهكذا ينبغي للنسان أن يذكر نفسه وغيره فيخوف ويرجى‪ ،‬ويكون‬
‫الخوف فيي الصحة أغلب عليه منه في المرض‪ .‬وجاء في الحديث أن النبي صلى ال عليه وسلم‬
‫خرج على الصحابة وهم يضحكون فقال‪( :‬أتضحكون وبين أيديكم الجنة والنار) فشيق ذلك عليهيم‬
‫فنزلت الية‪ .‬ذكره الماوردي والمهدوي‪ .‬ولفظ الثعلبي عن ابن عمر قال‪ :‬اطلع علينا النبي صلى‬
‫ال عليه وسلم من الباب الذي يدخل منه بنو شيبة ونحن نضحك فقال‪( :‬مالكم تضحكون ل أراكم‬
‫تضحكون) ثيم أدبر حتيى إذا كان عنيد الحجير رجيع القهقري فقال لنيا‪( :‬إنيي لميا خرجيت جاءنيي‬
‫جبريل فقال يا محمد لم تقنط عبادي من رحمتي "نبئ عبادي أني أنا الغفور الرحيم‪ .‬وأن عذابي‬
‫هو العذاب الليم"‪ .‬فالقنوط إياس‪ ،‬والرجاء إهمال‪ ،‬وخير المور أوساطها‪.‬‬
‫*‪*3‬اليات‪{ 54 - 51 :‬ونبئهيم عين ضييف إبراهييم‪ ،‬إذ دخلوا علييه فقالوا سيلما قال إنيا منكيم‬
‫وجلون‪ ،‬قالوا ل توجل إنا نبشرك بغلم عليم‪ ،‬قال أبشرتموني على أن مسني الكبر فبم تبشرون}‬
‫@قوله تعالى‪" :‬ونبئهم عن ضيف إبراهيم" ضيف إبراهيم‪ :‬الملئكة الذين بشروه بالولد وبهلك‬
‫قوم لوط‪ .‬وقيد تقدم ذكرهيم‪ .‬وكان إبراهييم علييه السيلم يكنيى أبيا الضيفان‪ ،‬وكان لقصيره أربعية‬
‫أبواب لكيل يفوتيه أحيد‪ .‬وسيمي الضييف ضيفيا لضافتيه إلييك ونزوله علييك‪ .‬وقيد مضيى مين حكيم‬
‫الضييف فيي "هود" ميا يكفيي والحميد ل‪" .‬إذ دخلوا علييه" جميع الخيبر لن الضييف اسيم يصيلح‬
‫للواحيد والجميع والتثنيية والمذكير والمؤنيث كالمصيدر‪ .‬ضافيه وأضافيه أماله؛ ومنيه الحدييث (حيين‬
‫تضيف الشمس للغروب)‪ ،‬وضيفوفة السهم‪ ،‬والضافة والنحوية‪" .‬فقالوا سلما" أي سلموا سلما‪.‬‬
‫"قال إنا منكم وجلون" أي فزعون خائفون‪ ،‬وإنما قال هذا بعد أن قرب العجل ورآهم ل يأكلون‪،‬‬
‫على ميا تقدم فيي هود‪ .‬وقييل‪ :‬أنكير السيلم ولم يكين فيي بلدهيم رسيم السيلم‪" .‬قالوا ل توجيل" أي‬
‫قالت الملئكية ل تخيف‪" .‬إنيا نبشرك بغلم علييم" أي حلييم؛ قاله مقاتيل‪ .‬وقال الجمهور‪ :‬عالم‪ .‬وهيو‬
‫إسييحاق‪" .‬قال أبشرتمونييي على أن مسييني الكييبر" "أن" مصييدرية؛ أي علي مييس الكييبر إياي‬
‫وزوجتي‪ ،‬وقد تقدم في هود وإبراهيم‪ ،‬حيث يقول‪" :‬فبم تبشرون" استفهام تعجب‪ .‬وقيل‪ :‬استفهام‬
‫حقيقييي‪ .‬وقرأ الحسيين "توجييل" بضييم التاء‪ .‬والعمييش "بشرتمونييي" بغييير ألف‪ ،‬ونافييع وشيبيية‬
‫"تبشرون" بكسير النون والتخفييف؛ مثيل‪" ،‬أتحاجونيي" وقيد تقدم تعليله‪ .‬وقرأ ابين كثيير وابين‬
‫محيصييين "تبشرون" بكسييير النون مشددة‪ ،‬تقديره تبشروننيييي‪ ،‬فأدغيييم النون فيييي النون‪ .‬الباقون‬
‫"تبشرون" بنصب النون بغير إضافة‪.‬‬
‫*‪*3‬الية‪{ 55 :‬قالوا بشرناك بالحق فل تكن من القانطين}‬
‫@قوله تعالى‪" :‬قالوا بشرناك بالحيق" أي بميا ل خلف فييه‪ ،‬وأن الولد لبيد منيه‪" .‬فل تكين مين‬
‫القانطيين" أي مين اليسيين مين الولد‪ ،‬وكان قيد أييس مين الولد لفرط الكيبر‪ .‬وقراءة العامية "مين‬
‫القانطين" باللف‪ .‬وقرأ العمش ويحيى بن وثاب "من القنطين" بل ألف‪ .‬وروي عن أبي عمرو‪.‬‬
‫وهو مقصور من "القانطين"‪ .‬ويجوز أن يكون من لغة من قال‪ :‬قنط يقنط؛ مثل حذر يحذر‪ .‬وفتح‬
‫النون وكسيرها مين "يقنيط" لغتان قرئ بهميا‪ .‬وحكيى فييه "يقنيط" بالضيم‪ .‬ولم يأت فييه "قنيط يقنيط"‬
‫[و] من فتح النون في الماضي والمستقبل فإنه جمع بين اللغتين‪ ،‬فأخذ في الماضي بلغة من قال‪:‬‬
‫قنَط يقنِط‪ ،‬وفي المستقبل بلغة من قال‪ :‬قنِظ يقنَط؛ ذكره المهدوي‪.‬‬
‫*‪*3‬الية‪{ 56 :‬قال ومن يقنط من رحمة ربه إل الضالون}‬
‫@أي المكذبون الذاهبون عين طرييق الصيواب‪ .‬يعنيي أنيه اسيتبعد الولد لكيبر سينه ل أنيه قنيط مين‬
‫رحمة ال تعالى‪.‬‬
‫*‪*3‬اليات‪{ 60 - 57 :‬قال فما خطبكم أيها المرسلون‪ ،‬قالوا إنا أرسلنا إلى قوم مجرمين‪ ،‬إل‬
‫آل لوط إنا لمنجوهم أجمعين‪ ،‬إل امرأته قدرنا إنها لمن الغابرين}‬
‫@ لميا علم أنهيم ملئكية ‪ -‬إذ أخيبروه بأمير خارق للعادة وهيو بشراهيم بالولد ‪ -‬قال‪ :‬فميا خطبكيم؟‬
‫والخطيب المير الخطييير‪ .‬أي فمييا أمركيم وشأنكييم وميا الذي جئتييم بيه‪" .‬قالوا إنيا أرسيلنا إلى قوم‬
‫مجرمين" أي مشركين ضالين‪ .‬وفي الكلم إضمار؛ أي أرسلنا إلى قوم مجرمين لنهلكهم‪" .‬إل آل‬
‫لوط" أتباعيه وأهيل دينيه‪" .‬إنيا لمنجوهيم" وقرأ حمزة والكسيائي "لم ْنجُوهيم" بالتخفييف مين أنجيى‪.‬‬
‫الباقون‪ :‬بالتشديييد ميين نجييى‪ ،‬واختاره أبييو عبيييد وأبييو حاتييم‪ .‬والتنجييية والنجاء التخليييص‪" .‬إل‬
‫امرأته" استثنى من آل لوط امرأته وكانت كافرة فالتحقت بالمجرمين في الهلك‪ .‬وقد تقدمت قصة‬
‫قوم لوط فيي "العراف" وسيورة "هود" بميا فييه كفايية‪" .‬قدرنيا إنهيا لمين الغابريين" أي قضينيا‬
‫وكتبنا إنها لمن الباقين في العذاب‪ .‬والغابر‪ :‬الباقي‪ .‬قال‪:‬‬
‫إنك ل تدري من الناتج‬ ‫ل تكسع الشول بأغبارها‬
‫الغبار بقاييا اللبين‪ .‬وقرأ أبيو بكير والمفضيل "قَدَرنيا" بالتخفييف هنيا وفيي النميل‪ ،‬وشدد الباقون‪.‬‬
‫الهروي‪ :‬يقال قدّر وقدَر‪ ،‬بمعنى‪.‬‬
‫@ ل خلف بيين أهيل اللسيان وغيرهيم أن السيتثناء مين النفيي إثبات ومين الثبات نفيي؛ فإذا قال‬
‫رجيل‪ :‬له علي عشرة دراهيم إل أربعية إل درهميا؛ ثبيت القرار بسيبعة؛ لن الدرهيم مسيتثنى مين‬
‫الربعة‪ ،‬وهو مثبت لنه مستثنى من منفي‪ ،‬وكانت الربعة منفية لنها مستثناة من موجب وهو‬
‫العشرة‪ ،‬فعاد الدرهيم إلى السيتة فصيارت سيبعة‪ .‬وكذلك لو قال‪ :‬علي خمسية دراهيم إل درهيم إل‬
‫ثلثيييه؛ كان عليييه أربعيية دراهييم وثلث‪ .‬وكذلك إذا قال‪ :‬لفلن علي عشرة إل تسييعة إل ثمانييية إل‬
‫سييبعة؛ كان السييتثناء الثانييي راجعييا إلى مييا قبله‪ ،‬والثالث إلى الثانييي فيكون عليييه درهمان؛ لن‬
‫العشرة إثبات والثمانية إثبات فيكون مجموعها ثمانية عشر‪ .‬والتسعة نفي والسبعة نفي فيكون ستة‬
‫عشر تسقط من ثمانية عشر ويبقى درهمان‪ ،‬وهو القدر الواجب بالقرار ل غير‪ .‬فقوله سبحانه‪:‬‬
‫"إنا أرسلنا إلى قوم مجرمين‪ .‬إل آل لوط إنا لمنجوهم أجمعين‪ .‬إل امرأته" فاستثنى آل لوط من‬
‫القوم المجرمييين‪ ،‬ثييم قال‪" :‬إل امرأتييه" فاسييتثناها ميين آل لوط‪ ،‬فرجعييت فييي التأويييل إلى القوم‬
‫المجرمين كما بينا‪ .‬وهكذا الحكم في الطلق‪ ،‬لو قال لزوجته‪ :‬أنت طالق ثلثا إل اثنتين إل واحدة‬
‫طلقت اثنتين؛ لن الواحدة رجعت إلى الباقي من المستثنى منه وهي الثلث‪ .‬وكذا كل ما جاء من‬
‫هذا فتفهمه‪.‬‬
‫*‪*3‬اليات‪{ 65 - 61 :‬فلما جاء آل لوط المرسلون‪ ،‬قال إنكم قوم منكرون‪ ،‬قالوا بل جئناك بما‬
‫كانوا فييه يمترون‪ ،‬وأتيناك بالحيق وإنيا لصيادقون‪ ،‬فأسير بأهلك بقطيع مين اللييل واتبيع أدبارهيم ول‬
‫يلتفت منكم أحد وامضوا حيث تؤمرون}‬
‫@قوله تعالى‪" :‬فلما جاء آل لوط المرسلون‪ ،‬قال إنكم قوم منكرون" أي ل أعرفكم‪ .‬وقيل‪ :‬كانوا‬
‫شبابيا ورأى جمال فخاف عليهيم مين فتنية قوميه؛ فهذا هيو النكار‪" .‬قالوا بيل جئناك بميا كانوا فييه‬
‫يمترون" أي يشكون أنيه نازل بهيم‪ ،‬وهيو العذاب‪" .‬وأتيناك بالحيق" أي بالصيدق‪ .‬وقييل‪ :‬بالعذاب‪.‬‬
‫"وإنا لصادقون" أي في هلكهم‪" .‬فأسر بأهلك بقطع من الليل" تقدم في "هود"‪" .‬واتبع أدبارهم"‬
‫أي كين مين ورائهيم لئل يتخلف منهيم أحيد فيناله العذاب‪" .‬ول يلتفيت منكيم أحيد" نهوا عين اللتفات‬
‫ليجدوا في السير ويتباعدوا عن القرية قبل أن يفاجئهم الصبح‪ .‬وقيل‪ :‬المعنى ل يتخلف‪" .‬وامضوا‬
‫حييث تؤمرون" قال ابين عباس (يعنيي الشام)‪ .‬مقاتيل‪ .‬يعنيي صيفد‪ ،‬قريية مين قرى لوط‪ .‬وقيد تقدم‪.‬‬
‫وقيييل‪ :‬إنييه مضييى إلى أرض الخليييل بمكان يقال له اليقييين‪ ،‬وإنمييا سييمي اليقييين لن إبراهيييم لمييا‬
‫خرجت الرسل شيعهم‪ ،‬فقال لجبريل‪ :‬من أين يخسف بهم؟ قال‪( :‬من هاهنا) وحد له حدا‪ ،‬وذهب‬
‫جبرييل‪ ،‬فلميا جاء لوط‪ .‬جلس عنيد إبراهييم وارتقبيا ذلك العذاب‪ ،‬فلميا اهتزت الرض قال إبراهييم‪:‬‬
‫(أيقنت بال) فسمي اليقين‪.‬‬
‫*‪*3‬اليات‪{ 71 - 66 :‬وقضينا إليه ذلك المر أن دابر هؤلء مقطوع مصبحين‪ ،‬وجاء أهل‬
‫المدينيية يسييتبشرون‪ ،‬قال إن هؤلء ضيفييي فل تفضحون‪ ،‬واتقوا ال ول تخزون‪ ،‬قالوا أولم ننهييك‬
‫عن العالمين‪ ،‬قال هؤلء بناتي إن كنتم فاعلين}‬
‫@قوله تعالى‪" :‬وقضينا إليه" أي أوحينا إلى لوط‪" .‬ذلك المر أن دابر هؤلء مقطوع مصبحين"‬
‫نظيره "فقطيع دابر القوم الذيين ظلموا"‪[ .‬النعام‪" ]45 :‬مصيبحين" أي عنيد طلوع الصيبح‪ .‬وقيد‬
‫تقدم‪" .‬وجاء أهل المدينة" أي أهل مدينة لوط "يستبشرون" مستبشرين بالضياف طمعا منهم في‬
‫ركوب الفاحشيية‪" .‬قال إن هؤلء ضيفييي" أي أضيافييي‪" .‬فل تفضحون" أي تخجلون‪" .‬واتقوا ال‬
‫ول تخزون" يجوز أن يكون مين الخزي وهيو الذل والهوان‪ ،‬ويجوز أن يكون مين الخزايية وهيو‬
‫الحياء والخجيل‪ .‬وقيد تقدم فيي هود‪" .‬قالوا أولم ننهيك عين العالميين" أي عين أن تضييف‪ ،‬أحدا لنيا‬
‫نريد منهم الفاحشة‪ .‬وكانوا يقصدون بفعلهم الغرباء؛ عن الحسن‪ .‬وقد تقدم في العراف‪ .‬وقيل‪ :‬أو‬
‫لم ننهك عن أن تكلمنا في أحد من الناس إذا قصدناه بالفاحشة‪" .‬قال هؤلء بناتي إن كنتم فاعلين"‬
‫أي فتزوجوهن ول تركنوا إلى الحرام‪ .‬وقد تقدم بيان هذا في هود‪.‬‬
‫*‪*3‬الية‪{ 72 :‬لعمرك إنهم لفي سكرتهم يعمهون}‬
‫@ قال القاضيي أبيو بكير بين العربيي‪ :‬قال المفسيرون بأجمعهيم أقسيم ال تعالى ههنيا بحياة محميد‬
‫صلى ال عليه وسلم تشريفا له‪ ،‬أن قومه من قريش في سكرتهم يعمهون وفي حيرتهم يترددون‪.‬‬
‫قلت‪ :‬وهكذا قال القاضيي عياض‪ :‬أجميع أهيل التفسيير فيي هذا أنيه قسيم مين ال جيل جلله بمدة‬
‫حياة محميد صيلى ال علييه وسيلم‪ .‬وأصيله ضيم العيين مين العمير ولكنهيا فتحيت لكثرة السيتعمال‪.‬‬
‫ومعناه وبقائك يييا محمييد‪ .‬وقيييل وحياتييك‪ .‬وهذا نهاييية التعظيييم وغاييية البر والتشريييف‪ .‬قال أبييو‬
‫الجوزاء‪ :‬ما أقسم ال بحياة أحد غير محمد صلى ال عليه وسلم؛ لنه أكرم البرية عنده‪ .‬قال ابن‬
‫العربي‪" :‬ما الذي يمنع أن يقسم ال سبحانه وتعالى بحياة لوط ويبلغ به من التشريف ما شاء‪ ،‬وكل‬
‫ما يعطيه ال تعالى للوط من فضل يؤتي ضعفيه من شرف لمحمد صلى ال عليه وسلم؛ لنه أكرم‬
‫على ال منه؛ أو ل ترى أنه سبحانه أعطى إبراهيم الخلة وموسى التكليم وأعطى ذلك لمحمد‪ ،‬فإذا‬
‫أقسم بحياة لوط فحياة محمد أرفع‪ .‬ول يخرج من كلم إلى كلم لم يجر له ذكر لغير ضرورة"‪.‬‬
‫قلت‪ :‬ميا قاله حسين؛ فإنييه كان يكون قسييمه سيبحانه بحياة محمييد صييلى ال علييه وسيلم كلمييا‬
‫معترضا في قصة لوط‪ .‬قال القشيري أبو نصر عبدالرحيم بن عبدالكريم في تفسيره‪ :‬ويحتمل أن‬
‫يقال‪ :‬يرجيع ذلك إلى قوم لوط‪ ،‬أي كانوا فيي سيكرتهم يعمهون‪ .‬وقييل‪ :‬لميا وعيظ لوط قوميه وقال‬
‫هؤلء بناتي قالت الملئكة‪ :‬يا لوط‪" ،‬لعمرك إنهم لفي سكرتهم يعمهون" ول يدرون ما يحل بهم‬
‫صباحا‪ .‬فإن قيل‪ :‬فقد أقسم تعالى بالتين والزيتون وطور سينين؛ فما في هذا؟ قيل له‪ :‬ما من شيء‬
‫أقسيم ال بيه إل وذلك دللة على فضله على ميا يدخيل فيي عداده‪ ،‬فكذلك نبينيا صيلى ال علييه وسيلم‬
‫يجيب أن يكون أفضيل ممين هيو فيي عداده‪ .‬والعمير والعمير (بضيم العيين وفتحهيا) لغتان ومعناهميا‬
‫واحيد؛ إل أنيه ل يسيتعمل فيي القسيم إل بالفتيح لكثرة السيتعمال‪ .‬وتقول‪ :‬عمرك ال‪ ،‬أي أسيأل ال‬
‫تعميرك‪ .‬و"لعمرك" رفع بالبتداء وخبره محذوف‪ .‬المعنى لعمرك مما أقسم به‪.‬‬
‫@ كره كثير من العلماء أن يقول النسان لعمري؛ لن معناه وحياتي‪ .‬قال إبراهيم النخعي‪ :‬يكره‬
‫للرجييل أن يقول لعمري؛ لنييه حلف بحياة نفسييه‪ ،‬وذلك ميين كلم ضعفيية الرجال‪ .‬ونحييو هذا قال‬
‫مالك‪ :‬إن المسييتضعفين ميين الرجال والمؤنثييين يقسييمون بحياتييك وعيشييك‪ ،‬وليييس ميين كلم أهييل‬
‫الذكران‪ ،‬وإن كان ال سيبحانه أقسيم بيه فيي هذه القصية‪ ،‬فذلك بيان لشرف المنزلة والرفعية لمكانيه‪،‬‬
‫فل يحميل علييه سيواه ول يسيتعمل فيي غيره‪ .‬وقال ابين حيبيب‪ :‬ينبغيي أن يصيرف "لعمرك" فيي‬
‫الكلم لهذه الييية‪ .‬وقال قتادة‪ :‬هييو مين كلم العرب‪ .‬قال ابيين العربييي‪ :‬وبييه أقول‪ ،‬لكين الشرع قييد‬
‫قطعه في الستعمال ورد القسم إليه‪.‬‬
‫قلت‪ .‬القسم بي "لعمرك ولعمري" ونحوه في أشعار العرب وفصيح كلمها كثير‪.‬‬
‫قال النابغة‪:‬‬
‫لقد نطقت بطل على القارع‬ ‫لعمري وما عمري علي بهين‬
‫آخر‪:‬‬
‫لكالطول المرخى وثنياه باليد‬ ‫لعمرك إن الموت ما أخطأ الفتى‬
‫آخر‪:‬‬
‫عمرك ال كيف يلتقيان‬ ‫أيها المنكح الثريا سهيل‬
‫آخر‪:‬‬
‫لعمر ال أعجبني رضاها‬ ‫إذا رضيت علي بنو قشير‬
‫وقال بعييض أهييل المعانييي‪ :‬ل يجوز هذا؛ لنييه ل يقال ل عميير‪ ،‬وإنمييا هييو تعالى أزلي‪ .‬ذكره‬
‫الزهراوي‪.‬‬
‫@ قد مضى الكلم فيما يحلف به وما ل يجوز الحلف به في "المائدة"‪ ،‬وذكرنا هناك قول أحمد‬
‫بين حنبيل فيمين أقسيم بالنيبي صيلى ال علييه وسيلم لزمتيه الكفارة‪ .‬قال ابين خوييز منداد‪ :‬مين جوز‬
‫الحلف بغير ال تعالى مما يجوز تعظيمه بحق من الحقوق فليس يقول إنها يمين تتعلق بها كفارة؛‬
‫إل أنه من قصد الكذب كان ملوما؛ لنه في الباطن مستخف بما وجب عليه تعظيمه‪ .‬قالوا‪ :‬وقوله‬
‫تعالى "لعمرك" أي وحياتك‪ .‬وإذا أقسم ال تعالى بحياة نبيه فإنما أراد بيان التصريح لنا أنه يجوز‬
‫لنيا أن نحلف بحياتيه‪ .‬وعلى مذهيب مالك معنيى قوله‪" :‬لعمرك" و"التيين والزيتون" [التيين‪.]1 :‬‬
‫"والطور‪ .‬وكتاب مسييطور" [الطور‪" ]2 - 1 :‬والنجييم إذا هوى" [النجييم‪" ]1 :‬والشمييس‬
‫وضحاها" [الضحى‪" ]1 .‬ل أقسم بهذا البلد‪ .‬وأنت حل بهذا البلد‪ .‬ووالد وما ولد" [البلد‪]3 - 1 :‬‬
‫كيييل هذا معناه‪ :‬وخالق التيييين والزيتون‪ ،‬وبرب الكتاب المسيييطور‪ ،‬وبرب البلد الذي حللت بيييه‪،‬‬
‫وخالق عيشيك وحياتيك‪ ،‬وحيق محميد؛ فلليميين والقسيم حاصيل بيه سيبحانه ل بالمخلوق‪ .‬قال ابين‬
‫خويز منداد‪ :‬ومن جوز اليمين بغير ال تعالى تأول قوله صلى ال عليه وسلم‪( :‬ل تحلفوا بآبائكم)‬
‫وقال‪ :‬إنما نهى عن الحلف بالباء الكفار‪ ،‬أل ترى أنه قال لما حلفوا بآبائهم‪( :‬للجبل عند ال أكرم‬
‫ميين آبائكييم الذييين ماتوا فييي الجاهلييية)‪ .‬ومالك حمييل الحديييث على ظاهره‪ .‬قال ابيين خويييز منداد‪:‬‬
‫واسيتدل أيضيا مين جوز ذلك بأن أيمان المسيلمين جرت منيذ عهيد النيبي صيلى ال علييه وسيلم إلى‬
‫يومنيا هذا أن يحلفوا بالنيبي صيلى ال علييه وسيلم‪ ،‬حتيى أن أهيل المدينية إلى يومنيا هذا إذا حاكيم‬
‫أحدهيم صياحبه قال‪ :‬احلف لي بحيق ميا حواه هذا القيبر‪ ،‬وبحيق سياكن هذا القيبر‪ ،‬يعنيي النيبي صيلى‬
‫ال عليه وسلم‪ ،‬وكذلك بالحرم والمشاعر العظام‪ ،‬والركن والمقام والمحراب وما يتلى فيه‪.‬‬
‫*‪*3‬اليتان‪{ 74 - 73 :‬فأخذتهيم الصييحة مشرقيين‪ ،‬فجعلنييا عاليهيا سيافلها وأمطرنيا عليهيم‬
‫حجارة من سجيل}‬
‫@قوله تعالى‪" :‬فأخذتهيم الصييحة مشرقيين" نصيب على الحال‪ ،‬أي وقيت شروق الشميس‪ .‬يقال‪:‬‬
‫أشرقت الشمس أي أضاءت‪ ،‬وشرقت إذا طلعت‪ .‬وقيل‪ :‬هما لغتان بمعنى‪ .‬وأشرق القوم أي دخلوا‬
‫فيي وقت شروق الشمس‪ .‬مثل أصيبحوا وأمسوا‪ ،‬وهو المراد في الية‪ .‬وقيل‪ :‬أراد شروق الفجير‪.‬‬
‫وقييل‪ :‬أول العذاب كان عنيد الصيبح وامتيد إلى شروق الشميس‪ ،‬فكان تمام الهلك عنيد ذلك‪ .‬وال‬
‫أعلم‪ .‬و"الصيحة" العذاب‪ .‬وتقدم ذكر "سجيل" [هود‪.]82 :‬‬
‫*‪*3‬الية‪{ 75 :‬إن في ذلك ليات للمتوسمين}‬
‫@قوله تعالى‪" :‬للمتوسيمين" روى الترمذي الحكييم فيي (نوادر الصيول) مين حدييث أبيي سيعيد‬
‫الخدري عين رسيول ال صيلى ال علييه وسيلم أنيه قال‪( :‬للمتفرسيين) وهيو قول مجاهيد‪ .‬وروى أبيو‬
‫عيسيى الترمذي عين أبيي سيعيد الخدري قال قال رسيول ال صيلى ال علييه وسيلم‪( :‬اتقوا فراسية‬
‫المؤمين فإنيه ينظير بنور ال ‪ -‬ثيم قرأ ‪" -‬إن فيي ذلك ليات للمتوسيمين")‪ .‬قال‪ :‬هذا حدييث غرييب‪.‬‬
‫وقال مقاتل وابن زيد‪ :‬للمتوسمين للمتفكرين‪ .‬الضحاك‪ :‬للنظارين‪ .‬قال الشاعر‪:‬‬
‫بعثوا إلى عريفهم يتوسموا‬ ‫أو كلما وردت عكاظ قبيلة‬
‫وقال قتادة‪ :‬للمعتبرين‪ .‬قال زهير‪:‬‬
‫أنيق لعين الناظر المتوسم‬ ‫وفيهن ملهى للصديق ومنظر‬
‫وقال أبو عبيدة‪ :‬للمتبصرين‪ ،‬والمعنى متقارب‪ .‬وروى الترمذي الحكيم من حديث ثابت عن أنس‬
‫ابن مالك قال قال رسول ال صلى ال عليه وسلم‪( :‬إن ل عز وجل عبادا يعرفون الناس بالتوسم)‪.‬‬
‫قال العلماء‪ :‬التوسيم تفعيل مين الوسيم‪ ،‬وهيي العلمية التيي يسيتدل بهيا على مطلوب غيرهيا‪ .‬يقال‪:‬‬
‫توسيمت فييه الخيير إذا رأييت ميسيم ذلك فييه؛ ومنيه قول عبدال بين رواحية للنيبي صيلى ال علييه‬
‫وسلم‪:‬‬
‫وال يعلم أني ثابت البصر‬ ‫إني توسمت فيك الخير أعرفه‬
‫آخر‪:‬‬
‫عليه وقلت المرء من آل هاشم‬ ‫توسمته لما رأيت مهابة‬
‫واتسم الرجل إذا جعل لنفسة علمة يعرف بها‪ .‬وتوسم الرجل طلب كل الوسمي‪ .‬وأنشد‪:‬‬
‫على وجهة من ظاعن متوسم‬ ‫وأصبحن كالدوم النواعم غدوة‬
‫وقال ثعلب‪ :‬الواسيم الناظير إلييك مين فرقيك إلى قدميك‪ .‬وأصيل التوسيم التثبيت والتفكير؛ مأخوذ مين‬
‫الوسم وهو التأثير بحديدة في جلد البعير وغيره‪ ،‬وذك يكون بجودة القريحة وحدة الخاطر وصفاء‬
‫الفكير‪ .‬زاد غيره‪ :‬وتفرييغ القلب مين حشيو الدنييا‪ ،‬وتطهيره مين أدناس المعاصيي وكدورة الخلق‬
‫وفضول الدنييا‪ .‬روى نهشيل عين ابين عباس "للمتوسيمين" قال‪ :‬لهيل الصيلح والخيير‪ .‬وزعميت‬
‫الصيوفية أنهيا كرامية‪ .‬وقييل‪ :‬بيل هيي اسيتدلل بالعلمات‪ ،‬ومين العلمات ميا يبدو ظاهرا لكيل أحيد‬
‫وبأول نظرة‪ ،‬ومنهيا ميا يخفيى فل يبدو لكيل أحيد ول يدرك ببادئ النظير‪ .‬قال الحسين‪ :‬المتوسيمون‬
‫هييم الذييين يتوسييمون المور فيعلمون أن الذي أهلك قوم لوط قادر على أن يهلك الكفار؛ فهذا ميين‬
‫الدلئل الظاهرة‪ .‬ومثله قول ابين عباس‪( :،‬ميا سيألني أحيد عين شييء إل عرفيت أفقييه هيو أو غيير‬
‫فقيه)‪ .‬وروي عن الشافعي ومحمد بن الحسن أنهما كانا بفناء الكعبة ورجل على باب المسجد فقال‬
‫أحدهما‪ :‬أراه نجارا‪ ،‬وقال الخر‪ :‬بل حدادا‪ ،‬فتبادر من حضر إلى الرجل فسأل فقال‪ :‬كنت نجارا‬
‫وأنيا اليوم حداد‪ .‬وروي عين جندب بين عبدال البجلي أنيه أتيى على رجيل يقرأ القرآن فوقيف فقال‪:‬‬
‫من سمع سمع ال به‪ ،‬ومن راءى راءى ال به‪ .‬فقلنا له‪ :‬كأنك عرضت بهذا الرجل‪ ،‬فقال‪ :‬إن هذا‬
‫يقرأ علييك القرآن اليوم ويخرج غدا حرورييا؛ فكان رأس الحروريية‪ ،‬واسيمه مرداس‪ .‬وروي عين‬
‫الحسن البصري أنه دخل عليه عمرو بن عبيد فقال‪ :‬هذا سيد فتيان البصرة إن لم يحدث‪ ،‬فكان من‬
‫أمره مين القدر ميا كان‪ ،‬حتيى هجره عامية إخوانيه‪ .‬وقال ليوب‪ :‬هذا سييد فتيان أهيل البصيرة‪ ،‬ولم‬
‫يسييتثن‪ .‬وروي عيين الشعييبي أنييه قال لداود الزدي وهييو يماريييه‪ :‬إنييك ل تموت حتييى تكوى فييي‬
‫رأسيك‪ ،‬وكان كذلك‪ .‬وروي أن عمير بين الخطاب رضيي ال عنيه دخيل علييه قوم مين مذحيج فيهيم‬
‫الشتير‪ ،‬فصيعد فييه النظير وصيوبه وقال‪ :‬أيهيم هذا؟ قالوا‪ :‬مالك بين الحارث‪ .‬فقال‪ :‬ميا له قاتله ال!‬
‫إنيي لرى للمسيلمين منيه‪ .‬يوميا عصييبا؛ فكان منيه فيي الفتنية ميا كان‪ .‬وروي عين عثمان بين عفان‬
‫رضي ال عنه‪ :‬أن أنس بن مالك دخل عليه‪ ،‬وكان قد مر بالسوق فنظر إلى امرأة‪ ،‬فلما نظر إليه‬
‫قال عثمان‪( :‬يدخل أحدكم علي وفي عينيه أثر الزنى فقال له أنس‪ :‬أوحيا بعد رسول ال صلى ال‬
‫عليه وسلم؟ فقال ل ولكن برهان وفراسة وصدق)‪ .‬ومثله كثير عن الصحابة والتابعين رضي ال‬
‫عنهم أجمعين‪.‬‬
‫@ قال أبو بكر بن العربي‪" :‬إذا ثبت أن التوسم والتفرس من مدارك المعاني فإن ذلك ل يترتب‬
‫علييه حكيم ول يؤخيذ بيه موسيوم ول متفرس‪ .‬وقيد كان قاضيي القضاة الشاميي المالكيي ببغداد أيام‬
‫كوني بالشام يحكم بالفراسة في الحكام‪ ،‬جريا على طريق إياس بن معاوية أيام كان قاضيا‪ ،‬وكان‬
‫شيخنا فخر السلم أبو بكر الشاشي صنف جزءا في الرد عليه‪ ،‬كتبه لي بخطه وأعطانيه‪ ،‬وذلك‬
‫صحيح؛ فإن مدارك الحكام معلومة شرعا مدركة قطعا وليست الفراسة منها‬
‫*‪*3‬اليات‪{ 79 - 76 :‬وإنها لبسبيل مقيم‪ ،‬إن في ذلك لية للمؤمنين‪ ،‬وإن كان أصحاب اليكة‬
‫لظالمين‪ ،‬فانتقمنا منهم وإنهما لبإمام مبين}‬
‫@قوله تعالى‪" :‬وإنهيا" يعنيي قرى قوم لوط‪" .‬لبسيبيل مقييم" أي على طرييق قوميك ييا محميد إلى‬
‫الشام‪" .‬إن في ذلك لية للمؤمنين" أي لعبرة للمصدقين‪" .‬وإن كان أصحاب اليكة لظالمين" يريد‬
‫قوم شعيب‪ ،‬كانوا أصحاب غياض ورياض وشجر مثمر‪ .‬واليكة‪ :‬الغيضة‪ ،‬وهي جماعة الشجر‪،‬‬
‫والجمع اليك‪ .‬ويروى أن شجرهم كان دوما وهو المقل‪ .‬قال النابغة‪:‬‬
‫بردا أسف لثاته بالثمد‬ ‫تجلو بقادمتي حمامة أيكة‬
‫وقييل‪ :‬اليكية اسيم القريية‪ .‬وقييل اسيم البلدة‪ .‬وقال أبيو عيبيدة‪ :‬اليكية وليكية مدينتهيم‪ ،‬بمنزلة بكية مين‬
‫مكة‪ .‬وتقدم خبر شعيب وقومه‪" .‬وإنهما لبإمام مبين" أي بطريق واضح في نفسه‪ ،‬يعني مدينة قوم‬
‫لوط وبقعة أصحاب اليكة يعتبر بهما من يمر عليهما‪.‬‬
‫*‪*3‬الية‪{ 80 :‬ولقد كذب أصحاب الحجر المرسلين}‬
‫@ الحجر ينطلق على معان‪ :‬منها حجر الكعبة‪ .‬ومنها الحرام؛ قال ال تعالى‪" :‬وحجرا محجورا"‬
‫[الفرقان‪ ]53 :‬أي حراميا محرميا‪ .‬والحجير العقيل؛ قال ال تعالى‪" :‬لذي حجير" [الفجير‪]5 :‬‬
‫والحجير حجير القمييص؛ والفتيح أفصيح‪ .‬والحجير الفرس النثيى‪ .‬والحجير ديار ثمود‪ ،‬وهيو المراد‬
‫هنييا‪ ،‬أي المدينيية؛ قال الزهري‪ .‬قتادة‪ :‬وهييي مييا بييين مكيية وتبوك‪ ،‬وهييو الوادي الذي فيييه ثمود‪.‬‬
‫الطيبري‪ :‬هيي أرض بيين الحجاز والشام‪ ،‬وهيم قوم صيالح‪ .‬وقال‪" :‬المرسيلين" وهيو صيالح وحده‪،‬‬
‫ولكين مين كذب نبييا فقيد كذب النيبياء كلهيم؛ لنهيم على ديين واحيد فيي الصيول فل يجوز التفرييق‬
‫بينهم‪ .‬وقيل‪ :‬كذبوا صالحا ومن تبعه ومن تقدمه من النبيين أيضا‪ .‬وال أعلم‬
‫روى البخاري عين ابين عمير أن رسيول ال صيلى ال علييه وسيلم لميا نزل الحجير فيي غزوة تبوك‬
‫أمرهيم أل يشربوا مين بئرهيا ول يسيتقوا منهيا‪ .‬فقالوا‪ :‬قيد عجنيا واسيتقينا‪ .‬فأمرهيم رسيول ال صيلى‬
‫ال علييه وسيلم أن يهريقوا الماء وأن يطرحوا ذلك العجيين‪ .‬وفيي الصيحيح عين ابين عمير أن الناس‬
‫نزلوا مع رسول ال صلى ال عليه وسلم على الحجر أرض ثمود‪ ،‬فاستقوا من آبارها وعجنوا به‬
‫العجيين‪ ،‬فأمرهيم رسيول ال صيلى ال علييه وسيلم أن يهريقوا ميا اسيتقوا ويعلفوا البيل العجيين‪،‬‬
‫وأمرهم أن يستقوا من البئر التي تردها الناقة‪ .‬وروي أيضا عن ابن عمر قال‪ :‬مررنا مع رسول‬
‫ال صيلى ال علييه وسيلم على الحجير فقال لنيا رسيول ال صيلى ال علييه وسيلم‪( :‬ل تدخلوا مسياكن‬
‫الذين ظلموا أنفسهم إل أن تكونوا باكين حذرا أن يصيبكم مثل ما أصابهم) ثم زجر فأسرع‪.‬‬
‫قلت‪ :‬ففيي هذه اليية التيي بيين الشارع حكمهيا وأوضيح أمرهيا ثمان مسيائل‪ ،‬اسيتنبطها العلماء‬
‫واختلف فييي بعضهييا الفقهاء‪ ،‬فأولهييا‪ :‬كراهيية دخول تلك المواضييع‪ ،‬وعليهييا حمييل بعييض العلماء‬
‫دخول مقابر الكفار؛ فإن دخيل النسيان شيئا مين تلك المواضيع والمقابر فعلى الصيفة التيي أرشيد‬
‫إليهيا النيبي صيلى ال علييه وسيلم مين العتبار والخوف والسيراع‪ .‬وقيد قال رسيول ال صيلى ال‬
‫عليه وسلم‪( :‬ل تدخلوا أرض بابل فإنها ملعونة)‪.‬‬
‫مسألة‪ :‬أمر النبي بهرق ما استقوا من بئر ثمود وإلقاء ما عجن وخبز به لجل أنه ماء سخط‪،‬‬
‫فلم يجيز النتفاع به فرارا مين سخط ال‪ .‬وقال (اعلفوه البيل)‪ .‬قلت‪ :‬وهكذا حكيم الماء النجيس وما‬
‫يعجين بيه‪ .‬وثانيهيا‪ :‬قال مالك‪ :‬إن ميا ل يجوز اسيتعماله مين الطعام والشراب يجوز أن تعلفيه البيل‬
‫والبهائم؛ إذ ل تكليف عليها؛ وكذلك قال‪ ،‬في العسل النجس‪ :‬إنه يعلفه النحل‪ .‬وثالثها‪ :‬أمر رسول‬
‫ال صيلى ال علييه وسيلم بعلف ميا عجين بهذا الماء البيل‪ ،‬ولم يأمير بطرحيه كميا أمير لحوم الحمير‬
‫النسية يوم خيبر؛ فدل على أن لحم الحمر أشد‪ .‬في التحريم وأغلظ في التنجيس‪ .‬وقد أمر رسول‬
‫ال صييلى ال عليييه وسييلم بكسييب الحجام أن يعلف الناضييح والرقيييق‪ ،‬ولم يكيين ذلك لتحريييم ول‬
‫تنجيس‪ .‬قال الشافعي‪ :‬ولو كان حراما لم يأمره أن يطعمه رقيقه؛ لنه متعبد فيه كما تعبد في نفسه‪.‬‬
‫ورابعها‪ :‬في أمره صلى ال عليه وسلم بعلف البل العجين دليل على جواز حمل الرجل النجاسة‬
‫إلى كلبه ليأكلوها؛ خلفا لمن منع ذلك من أصحابنا وقال‪ :‬تطلق الكلب عليها ول يحملها إليهم‪.‬‬
‫وخامسيها‪ :‬أمره صيلى ال علييه وسيلم أن يسيتقوا مين بئر الناقية دلييل على التيبرك بآثار النيبياء‬
‫والصيالحين‪ ،‬وإن تقادميت أعصيارهم وخفييت آثارهيم؛ كميا أن فيي الول دليل على بغيض أهيل‬
‫الفسيياد وذم ديارهييم وآثارهييم‪ .‬هذا‪ ،‬وإن كان التحقيييق أن الجمادات غييير مؤاخذات‪ ،‬لكيين المقرون‬
‫بالمحبوب محبوب‪ ،‬والمقرون بالمكروه المبغوض مبغوض؛ كما كثير‪:‬‬
‫أحب لحبها سود الكلب‬ ‫أحب لحبها السودان حتى‬
‫وكما قال آخر‪:‬‬
‫أقبل ذا الجدار وذا الجدارا‬ ‫أمر على الديار ديار ليلى‬
‫ولكن حب من سكن الديارا‬ ‫وما تلك الديار شغفن قلبي‬
‫وسيادسها‪ :‬منيع بعيض العلماء الصيلة بهذا الموضيع وقال‪ :‬ل تجوز الصيلة فيهيا لنهيا دار سيخط‬
‫وبقعة غضب‪ .‬قال ابن العربي‪ :‬فصارت هذه البقعة مستثناة من قوله صلى ال عليه وسلم‪( :‬جعلت‬
‫لي الرض مسجدا وطهورا) فل يجوز التيمم بترابها ول الوضوء من مائها ول الصلة فيها‪ .‬وقد‬
‫روى الترمذي عن ابن عمر أن رسول ال صلى ال عليه وسلم نهى أن يصلى في سبع مواطن‪:‬‬
‫فيي المزبلة والمجزرة والمقيبرة وقارعية الطرييق‪ ،‬وفيي الحمام وفيي معاطين البيل وفوق ببيت ال‪.‬‬
‫وفي الباب عن أبي مرثد وجابر وأنس‪ :‬حديث ابن عمر إسناده ليس بذاك القوي‪ ،‬وقد تكلم في زيد‬
‫بين جيبيرة مين قبيل حفظيه‪ .‬وقيد زاد علماؤنيا‪ :‬الدار المغصيوبة والكنيسية والبيعية والبييت الذي فييه‬
‫تماثيل‪ ،‬والرض المغصوبة أو موضعا تستقبل فيه نائما أو وجه رجل أو جدارا عليه نجاسة‪ .‬قال‬
‫ابين العربيي‪ :‬ومين هذه المواضيع ميا منيع لحيق الغيير‪ ،‬ومنيه ميا منيع لحيق ال تعالى‪ ،‬ومنيه ميا منيع‬
‫لجييل النجاسيية المحققيية أو لغلبتهييا؛ فمييا منييع لجييل النجاسيية إن فرش فيييه ثوب طاهيير كالحمام‬
‫والمقبرة فيها أو إليها فإن ذلك جائز فيي المدونة‪ .‬وذكر أبو مصعب عنه الكراهة‪ .‬وفرق علماؤنا‬
‫بيين المقيبرة القديمية والجديدة لجيل النجاسية‪ ،‬وبيين مقيبرة المسيلمين والمشركيين؛ لنهيا دار عذاب‬
‫وبقعة سخط كالحجر‪ .‬وقال مالك في المجموعة‪ :‬ل يصلي في أعطان البل وإن فرش ثوبا؛ كأنه‬
‫رأى لها علتين‪ :‬الستتار بها ونفارها فتفسد على المصلي صلته‪ ،‬فإن كانت واحدة فل بأس؛ كما‬
‫كان النبي صلى ال عليه وسلم يفعل؛ في الحديث الصحيح‪ .‬وقال مالك‪ :‬ل يصلي على بساط فيه‬
‫تماثيل إل من ضرورة‪ .‬وكره ابن القاسم الصلة إلى القبلة فيها تماثيل‪ ،‬وفي الدار المغصوبة‪ ،‬فإن‬
‫فعيل أجزأه وذكير بعضهيم عين مالك أن الصيلة فيي الدار المغصيوبة ل تجزئ‪ .‬قال ابين العربيي‪:‬‬
‫وذلك عندي بخلف الرض‪ .‬فإن الدار ل تدخل إل بإذن‪ ،‬والرض وإن كانت ملكا فإن المسجدية‬
‫فيها قائمة ل يبطلها الملك‪.‬‬
‫قلت‪ :‬الصيحيح ‪ -‬إن شاء ال ‪ -‬الذي يدل علييه النظيير والخيبر أن الصيلة بكيل موضيع طاهير‬
‫جائزة صحيحة‪ .‬وما روي من قوله صلى ال عليه وسلم‪( :‬إن هذا واد به شيطان) وقد رواه معمر‬
‫عن الزهري فقال‪ :‬واخرجوا عن الموضع الذي أصابتكم فيه الغفلة‪ .‬وقول علي‪ :‬نهاني رسول ال‬
‫صلى ال عليه وسلم أن أصلي بأرض بابل فإنها ملعونة‪ .‬وقوله عليه السلم حين مر بالحجر من‬
‫ثمود‪( :‬ل تدخلوا على هؤلء المعذبيين إل أن تكونوا باكيين) ونهييه عين الصيلة فيي معاطين البيل‬
‫إلى ذلك مميا فيي هذا الباب‪ ،‬فإنيه مردود إلى الصيول المجتميع عليهيا والدلئل الصيحيح مجيئهيا‪.‬‬
‫قال المام الحافيظ أبيو عمير‪ :‬المختار عندنيا فيي هذا الباب أن ذلك الوادي وغيره مين بقاع الرض‬
‫جائز أن يصلى فيها كلها ما لم تكن فيها نجاسة متيقنة تمنع من ذلك‪ ،‬ول معنى لعتلل من اعتل‬
‫بأن موضع النوم عن الصلة موضع شيطان‪ ،‬وموضع ملعون ل يجب أن تقام فيه الصلة‪ ،‬وكل‬
‫ميا روي فيي هذا الباب من النهيي عن الصيلة فيي المقيبرة وبأرض بابل وأعطان البل وغير ذلك‬
‫مميا فيي هذا المعنيى‪ ،‬كل ذلك عندنا منسوخ ومدفوع لعموم قوله صلى ال عليه وسيلم‪( :‬جعلت لي‬
‫الرض كلهييا مسييجدا وطهورا)‪ ،‬وقوله صييلى ال عليييه وسييلم مخييبرا‪ :‬إن ذلك ميين فضائله وممييا‬
‫خصيى بيه‪ ،‬وفضائله عنيد أهيل العلم ل يجوز عليهيا النسيخ ول التبدييل ول النقيص‪ .‬قال صيلى ال‬
‫عليه وسلم‪( :‬أوتيت خمسا ‪ -‬وقد روي ستا‪ ،‬وقد روي ثلثا وأربعا‪ ،‬وهي تنتهي إلى أزيد من تسع‪،‬‬
‫قال فيهين ‪( -‬لم يؤتهن أحيد قبلي بعثيت إلى الحمير والسيود ونصيرت بالرعيب وجعلت أمتيي خير‬
‫المييم وأحلت لي الغنائم وجعلت لي الرض مسييجدا وطهورا وأوتيييت الشفاعيية وبعثييت بجوامييع‬
‫الكلم وبينيا أنيا نائم أتييت بمفاتييح الرض فوضعيت فيي يدي وأعطييت الكوثير‪ .‬وختيم بيي النيبيون)‬
‫رواه جماعة من الصحابة‪ .‬وبعضهم يذكر بعضها‪ ،‬ويذكر بعضهم ما لم يذكر غيره‪ ،‬وهي صحاح‬
‫كلهيا‪ .‬وجائز على فضائله الزيادة وغيير جائز فيهيا النقصيان؛ أل ترى أنيه كان عبدا قبيل أن يكون‬
‫نبيا ثم كان نبيا قبل أن يكون رسول؛ وكذلك روي عنه‪ .‬وقال‪( :‬ما أدري ما يفعل بي ول بكم) ثم‬
‫نزلت "ليغفر لك ال ما تقدم من ذنبك وما تأخر" [الفتح‪ .]2 :‬وسمع رجل يقوله‪ :‬يا خير البرية؛‬
‫فقال‪( :‬ذاك إبراهييم) وقال‪( :‬ل يقولن أحدكيم أنيا خيير مين يونيس بن متيى) وقال‪( :‬السييد يوسيف بين‬
‫يعقوب بين إسيحاق بين إبراهييم عليهيم السيلم) ثيم قال بعيد ذلك كله‪( :‬أنيا سييد ولد آدم ول فخير)‪.‬‬
‫ففضائله صيلى ال علييه وسيلم لم تزل تزداد إلى أن قبضيه ال؛ فمين ههنيا قلنيا‪ :‬إنيه ل يجوز عليهيا‬
‫النسيخ ول السيتثناء ول النقصيان‪ ،‬وجائز فيهيا الزيادة‪ .‬وبقوله صيلى ال علييه وسيلم‪( :‬جعلت لي‬
‫الرض مسجدا وطهورا) أجزنا الصلة في المقبرة والحمام وفي كل موضع من الرض إذا كان‬
‫طاهرا ميين النجاس‪ .‬وقال صييلى ال عليييه وسييلم لبييي ذر‪( :‬حيثمييا أدركتييك الصييلة فصييل فإن‬
‫الرض كلها مسجد) ذكره البخاري ولم يخص موضعا من موضع‪.‬‬
‫وأميا مين احتيج بحدييث ابين وهيب قال‪ :‬أخيبرني يحييى بين أيوب عين زييد بين جيبيرة عين داود بين‬
‫حصيين عين نافيع عين ابين عمير حدييث الترمذي الذي ذكرناه فهيو حدييث انفرد بيه زييد بين جيبيرة‬
‫وأنكروه علييه‪ ،‬ول يعرف هذا الحدييث مسيندا إل بروايية يحييى بين أيوب عين زييد بين جيبيرة‪ .‬وقيد‬
‫كتب الليث بن سعد إلى عبدال بن نافع مولى ابن عمر يسأله عن هذا الحديث‪ ،‬وكتب إليه عبدال‬
‫بن نافع ل أعلم من حدث بهذا عن نافع إل قد قال عليه الباطل‪ .‬ذكره الحلواني عن سعيد بن أبي‬
‫مرييم عين اللييث‪ ،‬ولييس فييه تخصييص مقيبرة المشركيين مين غيرهيا‪ .‬وقيد روي عين علي بين أبيي‬
‫طالب قال‪ :‬نهاني حبيبي صلى ال عليه وسلم أن أصلي في المقبرة‪ ،‬ونهاني أن أصلي في أرض‬
‫بابل فإنها ملعونة‪ .‬وإسناده ضعيف مجتمع على ضعفه‪ ،‬وأبو صالح الذي رواه عن علي هو سعيد‬
‫بيين عبدالرحميين الغفاري‪ ،‬بصييري ليييس بمشهور ول يصييح له سييماع عيين علي‪ ،‬وميين دونييه‬
‫مجهولون ل يعرفون‪ .‬قال أبييو عميير‪ :‬وفييي الباب عيين علي ميين قوله غييير مرفوع حديييث حسيين‬
‫السيناد‪ ،‬رواه الفضيل بين دكيين قال‪ :‬حدثنيا المغيرة بين أبيي الحير الكندي قال حدثنيي أبيو العنبيس‬
‫حجر بن عنبس قال‪ :‬خرجنا مع علي إلى الحرورية‪ ،‬فلما جاوزنا سوريا وقع بأرض بابل‪ ،‬قلنا‪ :‬يا‬
‫أميير المؤمنيين أمسييت‪ ،‬الصيلة الصيلة؛ فأبيى أن يكلم أحدا‪ .‬قالوا‪ :‬ييا أميير المؤمنيين‪ ،‬قيد أمسييت‪.‬‬
‫قال بلى‪ ،‬ولكن ل أصلي في أرض خسف ال بها‪ .‬والمغيرة بن أبي الحر كوفي ثقة؛ قاله يحيى بن‬
‫معيين وغيره‪ .‬وحجير بين عنبيس مين كبار أصيحاب علي‪ .‬وروى الترمذي عين أبيي سيعيد الخدري‬
‫قال قال رسول ال صلى ال عليه وسلم‪( :‬الرض كلها مسجد إل المقبرة والحمام)‪ .‬قال الترمذي‪:‬‬
‫رواه سفيان الثوري عن عمرو بن يحيى عن أبيه عن النبي مرسل‪ ،‬وكأنه أثبت وأصح‪ .‬قال أبو‬
‫عمير‪ :‬فسيقط الحتجاج بيه عنيد مين ل يرى المرسيل حجية‪ ،‬ولو ثبيت كان الوجيه ميا ذكرنيا‪ .‬ولسينا‬
‫نقول كما قال بعض المنتحلين لمذهب المدنين‪ :‬إن المقبرة في هذا الحديث وغيره أريد بها مقبرة‬
‫المشركييين خاصيية؛ فإنييه قال‪ :‬المقييبرة والحمام باللف واللم؛ فغييير جائز أن يرد ذلك إلى مقييبرة‬
‫دون مقيبرة أو حمام دون حمام بغيير توقييف علييه‪ ،‬فهيو قول ل دلييل علييه مين كتاب ول سينة ول‬
‫خيبر صيحيح‪ ،‬ول مدخيل له فيي القياس ول فيي المعقول‪ ،‬ول دل علييه فحوى الخطاب ول خرج‬
‫عليه الخبر‪ .‬ول يخلو تخصيص من خص مقبرة المشركين من أحد وجهين‪ :‬إما أن يكون من أجل‬
‫اختلف الكفار إليهييا بأقدامهييم فل معنييى لخصييوص المقييبرة بالذكيير؛ لن كييل موضييع هييم فيييه‬
‫بأجسيامهم وأقدامهيم فهيو كذلك‪ ،‬وقيد جيل رسيول ال صيلى ال عليه وسيلم أن يتكلم بميا ل معنيى له‪.‬‬
‫أو يكون مين أجيل أنهيا بقعية سيخط‪ ،‬فلو كان كذلك ميا كان رسيول ال صيلى ال علييه وسيلم ليبنيي‬
‫مسيجده فيي مقيبرة المشركيين وينبشهيا ويسيويها ويبنيي عليهيا‪ ،‬ولو جاز لقائل أن يخيص مين المقام‬
‫مقيبرة للصيلة فيهيا لكانيت مقيبرة المشركيين أولى بالخصيوص والسيتثناء مين أجيل هذا الحدييث‪.‬‬
‫وكل من كره الصلة في المقبرة لم يخص مقبرة من مقبرة؛ لن اللف واللم إشارة إلى الجنس ل‬
‫إلى معهود‪ ،‬ولو كان بيين مقيبرة المسيلمين والمشركيين فرق لنيبيه صيلى ال علييه وسيلم ولم يهمله؛‬
‫لنييه بعييث مبينييا‪ .‬ولو سيياغ لجاهييل أن يقول‪ :‬مقييبرة كذا لجاز لخيير أن يقول‪ :‬حمام كذا؛ لن فييي‬
‫الحدييييث المقيييبرة والحمام‪ .‬وكذلك قوله‪ :‬المزبلة والمجزرة؛ غيييير جائز أن يقال‪ :‬مزبلة كذا ول‬
‫مجزرة كذا ول طريق كذا؛ لن التحكم في دين ال غير جائز‪.‬‬
‫وأجمع العلماء على أن التيمم على مقبرة المشركين إذا كان الموضع طيبا طاهرا نظيفا جائز‪.‬‬
‫وكذلك أجمعوا على أن ميين صييلى فييي كنيسيية أو بيعيية على موضييع طاهيير‪ ،‬أن صييلته ماضييية‬
‫جائزة‪ .‬وقيد تقدم هذا فيي سيورة "براءة"‪ .‬ومعلوم أن الكنيسية أقرب إلى أن تكون بقعية سيخط مين‬
‫المقبرة؛ لنها بقعة يعصى ال ويكفر به فيها‪ ،‬وليس كذلك المقبرة‪ .‬وقد وردت السنة باتخاذ البيع‬
‫والكنائس مسيياجد‪ .‬روى النسيائي عين طلق بين علي قال‪ :‬خرجنيا وفدا إلى النيبي صيلى ال علييه‬
‫وسلم فبايعناه وصلينا معه‪ ،‬وأخبرناه أن بأرضنا بيعة لنا‪ ،‬وذكر الحديث‪ .‬وفيه‪( :‬فإذا أتيتم أرضكم‬
‫فاكسروا بيعتكم واتخذوها مسجدا)‪ .‬وذكر أبو داود عن عثمان بن أبي العاص أن النبي صلى ال‬
‫علييه وسيلم أمره أن يجعيل مسيجد الطائف حييث كانيت طواغيتهيم‪ .‬وقيد تقدم فيي "براءة"‪ .‬وحسيبك‬
‫بمسيجد النيبي صيلى ال عليه وسيلم الذي أسيس على التقوى مبنييا فيي مقيبرة المشركيين؛ وهو حجية‬
‫على كيل مين كره الصيلة فيهيا‪ .‬وممين كره الصيلة فيي المقيبرة سيواء كانيت لمسيلمين أو مشركيين‬
‫الثوري أجزأه إذا صيلى فيي المقيبرة فيي موضيع لييس فييه نجاسية؛ للحادييث المعلومية فيي ذلك‪،‬‬
‫ولحدييث أبيي هريرة أن رسييول ال صيلى ال علييه وسيلم قال‪( :‬صييلوا فييي بيوتكييم ول تتخذوهيا‬
‫قبورا)‪ ،‬ولحديث أبي مرثد الغنوي عن النبي صلى ال عليه وسلم أنه قال‪( :‬ل تصلوا إلى القبور‬
‫ول تجلسييوا عليهييا)‪ .‬وهذان حديثان ثابتان ميين جهيية السييناد‪ ،‬ول حجيية فيهمييا؛ لنهمييا محتملن‬
‫للتأويل‪ ،‬ول يجب أن يمتنع من الصلة في كل موضع طاهر إل بدليل ل يحتمل تأويل‪ .‬ولم يفرق‬
‫أحيد مين فقهاء المسيلمين بيين مقيبرة المسيلمين والمشركيين إل ميا حكيناه مين خطيل القول الذي ل‬
‫يشتغيل بمثله‪ ،‬ول وجيه له فيي نظير ول فيي صيحيح أثير‪ .‬وثامنهيا‪ :‬الحائط يلقيى فييه النتين والعذرة‬
‫ليكرم فل يصلى فيه حتى يسقى ثلث مرات‪ ،‬لما رواه الدارقطني عن مجاهد عن ابن عباس عن‬
‫النيبي صيلى ال علييه وسيلم فيي الحائط يلقيى فييه العذرة والنتين قال‪( :‬إذا سيقي ثلث مرات فصيل‬
‫فييه)‪ .‬وخرجيه أيضيا مين حدييث نافيع عين ابين عمير أنيه سيئل عين هذه الحيطان التيي تلقيى فيهيا‬
‫العذرات وهذا الزبيل‪ ،‬أيصيلى فيهيا؟ فقال‪ :‬إذا سيقيت ثلث مرات فصيل فيهيا‪ .‬رفيع ذلك إلى النيبي‬
‫صلى ال عليه وسلم اختلفا في السناد‪ ،‬وال أعلم‪.‬‬
‫*‪*3‬الية‪{ 81 :‬وآتيناهم آياتنا فكانوا عنها معرضين}‬
‫@قوله تعالى‪" :‬وآتيناهيم آياتنيا" أي بآياتنيا‪ .‬كقوله‪" :‬آتنيا غداءنيا" [الكهيف‪ ]62 :‬أي بغدائنيا‪.‬‬
‫والمراد الناقة‪ ،‬وكان فيها آيات جمة‪ :‬خروجها من الصخرة‪ ،‬ودنو نتاجها عند خروجها‪ ،‬وعظمها‬
‫حتيى لم تشبههيا ناقية‪ ،‬وكثرة لبنهيا حتيى تكفيهيم جميعيا‪ .‬ويحتميل أنيه كان لصيالح آيات أخير سيوى‬
‫الناقة‪ ،‬كالبئر وغيره‪" .‬معرضين" أي لم يعتبروا‪.‬‬
‫*‪*3‬اليات‪{ 85 - 82 :‬وكانوا ينحتون من الجبال بيوتا آمنين‪ ،‬فأخذتهم الصيحة مصبحين‪ ،‬فما‬
‫أغنى عنهم ما كانوا يكسبون}‬
‫@قوله تعالى‪" :‬وكانوا ينحتون مين الجبال بيوتيا" النحيت فيي كلم العرب‪ :‬البري والنجير‪ .‬نحتيه‬
‫ينحته (بالكسر) نحتا أي براه‪ .‬والنحاتة البراية‪ .‬والمنحت ما ينحت به‪ .‬وفي التنزيل "أتعبدون ما‬
‫تنحتون" [الصافات‪ ]95 :‬أي تنجرون وتصنعون‪ .‬فكانوا يتخذون من الجبال بيوتا لنفسهم بشدة‬
‫قوتهيم‪" .‬آمنيين" أي مين أن تسيقط عليهيم أو تخرب‪ .‬وقييل‪ :‬آمنيين مين الموت‪ .‬وقييل‪ :‬مين العذاب‪.‬‬
‫"فأخذتهم الصيحة مصبحين" أي في وقت الصبح‪ ،‬وهو نصب على الحال‪ .‬وقد تقدم ذكر الصيحة‬
‫في هود والعراف‪" .‬فما أغنى عنهم ما كانوا يكسبون" من الموال والحصون في الجبال‪ ،‬ول ما‬
‫أعطوه من القوة‪.‬‬
‫*‪*3‬اليتان‪{ 86 - 85 :‬وما خلقنا السماوات والرض وما بينهما إل بالحق وإن الساعة لتية‬
‫فاصفح الصفح الجميل‪ ،‬إن ربك هو الخلق العليم}‬
‫@قوله تعالى‪" :‬وميا خلقنيا السيماوات والرض وميا بينهميا إل بالحيق" أي للزوال والفناء‪ .‬وقييل‪:‬‬
‫أي لجازي المحسين والمسييء؛ كميا قال‪" :‬ول ميا فيي السيماوات وميا فيي الرض ليجزى الذيين‬
‫أسياؤوا بميا عملوا ويجزى الذيين أحسنوا بالحسنى" [النجيم‪" .]31 :‬وإن الساعة لتية" أي لكائنة‬
‫فيجزى كيل بعمله‪" .‬فاصيفح الصيفح الجمييل" مثيل "واهجرهيم هجرا جميل" [المزميل‪ ]10 :‬أي‬
‫تجاوز عنهييم يييا محمييد‪ ،‬واعفيو عفوا حسيينا؛ ثيم نسيخ بالسييف‪ .‬قال قتادة‪ :‬نسييخه قوله‪" :‬فخذوهيم‬
‫واقتلوهيم حييث ثقفتموهيم" [النسياء‪ .]91 :‬وأن النيبي صيلى ال علييه وسيلم فال لهيم‪( :‬لقيد جئتكيم‬
‫بالذبح وبعثت بالحصاد ولم أبعث بالزراعة)؛ قاله عكرمة ومجاهد‪ .‬وقيل‪ :‬ليس بمنسوخ‪ ،‬وأنه أمر‬
‫بالصيفح فيي حيق نفسيه فيميا بينيه وبينهيم‪ .‬والصيفح‪ :‬العراض؛ عين الحسين وغيره‪" .‬إن ربيك هيو‬
‫الخلق" أي المقدر للخلق والخلق‪" .‬العليم" بأهل الوفاق والنفاق‪.‬‬
‫*‪*3‬الية‪{ 87 :‬ولقد آتيناك سبعا من المثاني والقرآن العظيم}‬
‫@قوله تعالى‪" :‬ولقيد آتيناك سيبعا مين المثانيي" اختلف العلماء فيي السيبع المثانيي؛ فقييل‪ :‬الفاتحية؛‬
‫قاله علي بين أبيي طالب وأبيو هريرة والربييع بين أنيس وأبيو العاليية والحسين وغيرهيم‪ ،‬وروي عين‬
‫النيبي صيلى ال علييه وسيلم مين وجوه ثابتية‪ ،‬مين حدييث أبيي بين كعيب وأبيي سيعيد بين المعلى‪ .‬وقيد‬
‫تقدم فيي تفسيير الفاتحية‪ .‬وخرج الترمذي مين حدييث أبيي هريرة قال قال رسيول ال صيلى ال علييه‬
‫وسلم‪( :‬الحمد ل أم القرآن وأم الكتاب والسبع المثاني)‪ .‬قال‪ :‬هذا حديث حسن صحيح‪ .‬وهذا نص‪،‬‬
‫وقد تقدم في الفاتحة‪ .‬وقال الشاعر‪:‬‬
‫أم الكتاب السبع من مثاني‬ ‫نشدتكم بمنزل القرآن‬
‫وقال ابييييين عباس‪( :‬هيييييي السيييييبع الطول‪ :‬البقرة‪ ،‬وآل عمران‪ ،‬والنسييييياء‪ ،‬والمائدة‪ ،‬والنعام‪،‬‬
‫والعراف‪ ،‬والنفال والتوبية معيا؛ إذ لييس بينهميا التسيمية)‪ .‬روى النسيائي حدثنيا علي بين حجير‬
‫أخبرنا شرييك عن أبيي إسيحاق عن سيعيد بن جيبير عن ابن عباس فيي قوله عيز وجيل‪" :‬سبعا من‬
‫المثاني" قال‪ :‬السبع الطول‪ ،‬وسميت مثاني لن العبر والحكام والحدود ثنيت فيها‪ .‬وأنكر قوم هذا‬
‫وقالوا‪ :‬أنزلت هذه الييية بمكيية‪ ،‬ولم ينزل ميين الطول شيييء إذ ذاك‪ .‬وأجيييب بأن ال تعالى أنزل‬
‫القرآن إلى السيماء الدنييا ثيم أنزل منهيا نجوميا‪ ،‬فميا أنزله إلى السيماء الدنييا فكأنميا أتاه محمدا صيلى‬
‫ال عليه وسلم وإن لم ينزل عليه بعد‪ .‬وممن قال إنها السبع الطول‪ :‬عبدال بن مسعود وعبدال بن‬
‫عمر وسعيد بن جبير ومجاهد‪ .‬وقال جرير‪:‬‬
‫مضيعا للمفصل والمثاني‬ ‫جزى ال الفرزدق حين يمسي‬
‫وقيييل‪( :‬المثانييي القرآن كله؛ قال ال تعالى‪" :‬كتابييا متشابهييا مثانييي" [الزميير‪ .)]23 :‬هذا قول‬
‫الضحاك وطاوس وأبيو مالك‪ ،‬وقاله ابين عباس‪ .‬وقييل له مثانيي لن النباء والقصيص ثنييت فييه‪.‬‬
‫وقالت صفية بنت عبدالمطلب ترثي رسول ال صلى ال عليه وسلم‪:‬‬
‫يخص بتنزيل القران المعظم‬ ‫فقد كان نورا ساطعا يهتدى به‬
‫أي القرآن‪ .‬وقيل‪ :‬المراد بالسبع المثاني أقسام القرآن من المر والنهي والتبشير والنذار وضرب‬
‫المثال وتعديد نعم وأنباء قرون؛ قال زياد بن أبي مريم‪ .‬والصحيح الول لنه نص‪ .‬وقد قدمنا في‬
‫الفاتحية أنيه لييس فيي تسيميتها بالمثانيي ميا يمنيع مين تسيمية غيرهيا بذلك؛ إل أنيه إذا ورد عين النيبي‬
‫صلى ال عليه وسلم وثبت عنه نص في شيء ل يحتمل التأويل كان الوقوف عنده‪.‬‬
‫@قوله تعالى‪" :‬والقرآن العظييم" فييه إضمار تقديره‪ :‬وهيو أن الفاتحية القرآن العظييم لشتمالهيا‬
‫على ما يتعلق بأصول السلم‪ .‬وقد تقدم في الفاتحة‪ .‬وقيل‪ :‬الواو مقحمة‪ ،‬التقدير‪ :‬ولقد آتيناك سبعا‬
‫من المثاني القرآن العظيم‪ .‬ومنه قول الشاعر‪:‬‬
‫وليث الكتيبة في المزدحم‬ ‫إلى الملك القرم وابن الهمام‬
‫وقد تقدم عند قوله‪" :‬حافظوا على الصلوات والصلة الوسطى" [البقرة‪]238 :‬‬
‫*‪*3‬الية‪{ 88 :‬ل تمدن عينيك إلى ما متعنا به أزواجا منهم ول تحزن عليهم واخفض جناحك‬
‫للمؤمنين}‬
‫@قوله تعالى‪" :‬ل تمدن عينيك" المعنى‪ :‬قد أغنيتك بالقرآن عما في أيدي الناس؛ فإنه ليس منا من‬
‫لم يتغين بالقرآن؛ أي لييس منيا مين رأى أنيه لييس يغنيي بميا عنده من القرآن حتيى يطميح بصيره إلى‬
‫زخارف الدنيييا وعنده معارف المولى‪ .‬يقال‪ :‬إنييه وافييى سييبع قوافييل ميين البصييرة وأذرعات ليهود‬
‫قريظية والنضيير فيي يوم واحيد‪ ،‬فيهيا البر والطييب والجوهير وأمتعية البحير‪ ،‬فقال المسيلمون‪ :‬لو‬
‫كانيت هذه الموال لنيا لتقوينيا بهيا وأنفقناهيا فيي سيبيل ال‪ ،‬فأنزل ال تعالى‪" :‬ولقيد آتيناك سيبعا مين‬
‫المثانيي" أي فهيي خيير لكيم مين القوافيل السيبع‪ ،‬فل تمدن أعينكيم إليهيا‪ .‬وإلى هذا صيار ابين عيينية‪،‬‬
‫وأورد قوله عليه السلم‪( :‬ليس منا من لم يتغن بالقرآن) أي من لم يستغن به‪ .‬وقد تقدم هذا المعنى‬
‫فيي أول الكتاب‪" .‬أزواجيا منهيم" أي أمثال فيي النعيم‪ ،‬أي الغنياء بعضهيم أمثال بعيض فيي الغنيى‪،‬‬
‫فهم أزواج‪.‬‬
‫@ هذه اليية تقتضيي الزجير عين التشوف إلى متاع الدنييا على الدوام‪ ،‬وإقبال العبيد على عبادة‬
‫موله‪ .‬ومثله "ول تمدن عينيك إلى ما متعنا به أزواجا منهم زهرة الحياة الدنيا لنفتنهم فيه" [طه‪:‬‬
‫‪ ]131‬اليية‪ .‬ولييس كذلك؛ فإنيه روي عين النيبي صيلى ال علييه وسيلم أنيه قال‪( :‬حبيب إلي مين‬
‫دنياكييم النسيياء والطيييب وجعلت قرة عينييي فييي الصييلة)‪ .‬وكان عليييه الصييلة والسييلم متشاغييل‬
‫بالنسياء‪ ،‬جبلة الدميية وتشوف الخلقية النسيانية‪ ،‬ويحافيظ على الطييب‪ ،‬ول تقير له عيين إل فيي‬
‫الصييلة لدى مناجاة المولى‪ .‬ويرى أن مناجاتييه أحرى ميين ذلك وأولى‪ .‬ولم يكيين فييي دييين محمييد‬
‫الرهبانية والقبال على العمال الصالحة بالكلية كما كان في دين عيسى‪ ،‬وإنما شرع ال سبحانه‬
‫حنيفيية سيمحة خالصية عن الحرج خفيفية على الدميي‪ ،‬يأخيذ مين الدميية بشهواتهيا ويرجيع إلى ال‬
‫بقلب سيليم‪ .‬ورأى الفراء والمخلصيون مين الفضلء النكفاف عين اللذات والخلوص لرب الرض‬
‫والسيماوات اليوم أولى؛ لميا غلب على الدنييا مين الحرام‪ ،‬واضطير العبيد فيي المعاش إلى مخالطية‬
‫مين ل تجوز مخالطتيه ومصيانعة مين تحرم مصيانعته‪ ،‬فكانيت القراءة أفضيل‪ ،‬والفرار عين الدنييا‬
‫أصيوب للعبيد وأعدل؛ قال صيلى ال علييه وسيلم‪( :‬يأتيي على الناس زمان يكون خيير مال المسيلم‬
‫غنما يتبع بها شعف الجبال ومواقع القطر يفر بدينه من الفتن)‪.‬‬
‫@قوله تعالى‪" :‬ول تحزن عليهم" أي ول تحزن على المشركين إن لم يؤمنوا‪ .‬وقيل‪ :‬المعنى ل‬
‫تحزن على ما متعوا به في الدنيا فلك في الخرة أفضل منه‪ .‬وقيل‪ :‬ل تحزن عليهم إن صاروا إلى‬
‫العذاب فهيم أهيل العذاب‪" .‬واخفيض جناحيك للمؤمنيين" أي ألن جانبيك لمين آمين بيك وتواضيع لهيم‪.‬‬
‫وأصيله أن الطائر إذا ضيم فرخيه إلى نفسيه بسيط جناحيه ثيم قبضيه على الفرخ‪ ،‬فجعيل ذلك وصيفا‬
‫لتقريييب النسييان أتباعييه‪ .‬ويقال‪ :‬فلن خافييض الجناح‪ ،‬أي وقور سيياكن‪ .‬والجناحان ميين ابيين آدم‬
‫جانباه؛ ومنه "واضمم يدك إلى جناحك" [طه‪ ]22 :‬وجناح الطائر يده‪ .‬وقال الشاعر‪:‬‬
‫يمد على أخي سقم جناحا‬ ‫وحسبك فتية لزعيم قوم‬
‫أي تواضعا ولينا‪.‬‬
‫*‪*3‬اليتان‪{ 90 - 89 :‬وقل إني أنا النذير المبين‪ ،‬كما أنزلنا على المقتسمين}‬
‫@ فيي الكلم حذف؛ أي إني أنا النذيير المبين عذابا‪ ،‬فحذف المفعول‪ ،‬إذ كان النذار يدل عليه‪،‬‬
‫كميا قال فيي موضيع آخير‪" :‬أنذرتكيم صياعقة مثيل صياعقة عاد وثمود" [فصيلت‪ .]13 :‬وقييل‪:‬‬
‫الكاف زائدة‪ ،‬أي أنذرتكيم ميا أنزلنيا على المقتسيمين؛ كقوله‪" :‬لييس كمثله شييء" [الشورى‪]11 :‬‬
‫وقيل‪ :‬أنذرتكم مثل ما أنزلنا بالمقتسمين‪ .‬وقيل‪ :‬المعنى كما أنزلنا على المقتسمين‪ ،‬أي من العذاب‬
‫وكفيناك المسيتهزئين‪ ،‬فاصيدع بميا تؤمير وأعرض عين المشركيين الذيين بغوا‪ ،‬فإنيا كفيناك أولئك‬
‫الرؤساء الذين كنت تلقى منهم ما تلقى‪.‬‬
‫واختلف في "المقتسمين" على أقوال سبعة‪ :‬الول‪ :‬قال مقاتل والفراء‪ :‬هم ستة عشر رجل بعثهم‬
‫الوليد بن المغيرة أيام الموسم فاقتسموا أعقاب مكة وأنقابها وفجاجها يقولون لمن سلكها‪ :‬ل تغتروا‬
‫بهذا الخارج فينيا يدعيي النبوة؛ فإنيه مجنون‪ ،‬وربميا قالوا سياحر‪ ،‬وربميا قالوا شاعير‪ ،‬وربميا قالوا‬
‫كاهن‪ .‬وسموا المقتسمين لنهم اقتسموا هذه الطرق‪ ،‬فأماتهم ال شر ميتة‪ ،‬وكانوا نصبوا الوليد بن‬
‫المغيرة حكما على باب المسجد‪ ،‬فإذا سألوه عن النبي صلى ال عليه وسلم قال‪ :‬صدق أولئك‪.‬‬
‫الثاني‪ :‬قال قتادة‪ :‬هم قوم من كفار قريش اقتسموا كتاب ال فجعلوا بعضه شعرا‪ ،‬وبعضه سحرا‪،‬‬
‫وبعضيه كهانية‪ ،‬وبعضيه أسياطير الوليين‪ .‬الثالث‪ :‬قال ابين عباس‪( :‬هيم أهيل الكتاب آمنوا ببعضيه‬
‫وكفروا ببعضيه)‪ .‬وكذلك قال عكرمية‪ :‬هيم أهيل الكتاب‪ ،‬وسيموا مقتسيمين لنهيم كانوا مسيتهزئين‪،‬‬
‫فيقول بعضهيم‪ :‬هذه السيورة لي وهذه السيورة لك‪ .‬وهيو القول الرابيع‪ .‬الخاميس‪ :‬قال قتادة‪ :‬قسيموا‬
‫كتابهيم ففرقوه وبددوه وحرفوه‪ .‬السيادس‪ :‬قال زييد بين أسيلم‪ :‬المراد قوم صيالح‪ ،‬تقاسيموا على قتله‬
‫فسموا مقتسمين؛ كما قال تعالى‪" :‬تقاسموا بال لنبيتنه وأهله" [النمل‪.]49 :‬‬
‫السيابع‪ :‬قال الخفيش‪ :‬هيم قوم اقتسيموا أيمانيا تحالفوا عليهيا‪ .‬وقييل‪ :‬إنهيم العاص بين وائل وعتبية‬
‫وشيبة ابنا ربيعة وأبو جهل بن هشام وأبو البختري بن هشام والنضر بن الحارث وأمية بن خلف‬
‫ومنبه بن الحجاج؛ ذكره الماوردي‪.‬‬
‫*‪*3‬الية‪{ 91 :‬الذين جعلوا القرآن عضين}‬
‫@ هذه صفة المقتسمين‪ .‬وقيل‪ :‬هو مبتدأ وخبره "لنسألنهم"‪ .‬وواحد العضين عضة‪ ،‬من عضيت‬
‫الشييء تعضيية أي فرقتيه؛ وكيل فرقية عضية‪ .‬وقال بعضهيم‪ :‬كانيت فيي الصيل عضوة فنقصيت‬
‫الواو‪ ،‬ولذلك جمعت عضين؛ كما قالوا‪ :‬عزين في جمع عزة‪ ،‬والصل عزوة‪ .‬وكذلك ثبة وثبين‪.‬‬
‫ويرجييع المعنييى إلى مييا ذكرناه فييي المقتسييمين‪ .‬قال ابيين عباس‪( :‬آمنوا ببعييض وكفروا ببعييض)‪.‬‬
‫وقييل‪ :‬فرقوا أقاويلهيم فييه فجعلوه كذبيا وسيحرا وكهانية وشعرا‪ .‬عضوتيه أي فرقتيه‪ .‬قال الشاعير ‪-‬‬
‫هو رؤبة ‪: -‬‬
‫وليس دين ال بالمعضى‬
‫أي بالمفرق‪ .‬ويقال‪ :‬نقصيانه الهاء وأصيله عضهية؛ لن العضيه والعضيين فيي لغية قرييش السيحر‪.‬‬
‫وهم يقولون للساحر‪ :‬عاضه وللساحرة عاضهة‪ .‬قال الشاعر‪:‬‬
‫ت في عُقَد العاضه ال ُمعْضه‬ ‫أعوذ بربي من النافثا‬
‫وفيي الحدييث‪ :‬لعين رسيول ال صيلى ال علييه وسيلم العاضهية والمسيتعضهة‪ ،‬وفسير‪ :‬السياحرة‬
‫والمسييتسحرة‪ .‬والمعنييى‪ :‬أكثروا البهييت على القرآن ونوعوا الكذب فيييه‪ ،‬فقالوا‪ :‬سييحر وأسيياطير‬
‫الوليين‪ ،‬وأنيه مفترى‪ ،‬إلى غيير ذلك‪ .‬ونظيير عضية فيي النقصيان شفية‪ ،‬والصيل شفهية‪ .‬كميا قالوا‪:‬‬
‫سينة‪ ،‬والصيل سينهة‪ ،‬فنقصيوا الهاء الصيلية وأثبتيت هاء العلمية وهيي للتأنييث‪ .‬وقييل‪ :‬هيو مين‬
‫العضيه وهيي النميمية‪ .‬والعضيهية البهتان‪ ،‬وهيو أن يعضيه النسيان ويقول‪ ،‬فييه ميا لييس فييه‪ .‬يقال‬
‫عضهييه عضهييا رماه بالبهتان‪ .‬وقييد أعضهييت أي جئت بالبهتان‪ .‬قال الكسييائي‪ :‬العضيية الكذب‬
‫والبهتان‪ ،‬وجمعهيا عضون؛ مثيل عزة وعزون؛ قال تعالى‪" :‬الذيين جعلوا القرآن عضيين"‪ .‬ويقال‪:‬‬
‫عضوه أي آمنوا بما أحبوا منه وكفروا بالباقي‪ ،‬فأحب كفرهم إيمانهم‪ .‬وكان الفراء يذهب إلى أنه‬
‫مأخوذ من العضاة‪ ،‬وهي شجر الوادي ويخرج كالشوك‪.‬‬
‫*‪*3‬اليتان‪{ 93 - 92 :‬فوربك لنسألنهم أجمعين‪ ،‬عما كانوا يعملون}‬
‫@قوله تعالى‪" :‬فوربيك لنسيألنهم أجمعيين" أي لنسيألن هؤلء الذيين جرى ذكرهيم عميا عملوا فيي‬
‫الدنيييا‪ .‬وفييي البخاري‪ :‬وقال عدة ميين أهييل العلم فييي قوله‪" :‬فوربييك لنسييألنهم أجمعييين عمييا كانوا‬
‫يعملون" عن ل إله إل ال‪.‬‬
‫قلت‪ :‬وهذا قييد روي مرفوعييا‪ ،‬روى الترمذي الحكيييم قال‪ :‬حدثنييا الجارود بيين معاذ قال حدثنييا‬
‫الفضل بن موسى عن شريك عن ليث عن بشير بن نهيك عن أنس بن مالك عن رسول ال صلى‬
‫ال عليه وسلم في قوله‪" :‬فوربك لنسألنهم أجمعين عما كانوا يعمون" قال‪( :‬عن قول ل إله إل ال)‬
‫قال أبيو عبدال‪ :‬معناه عندنيا عين صيدق ل إله إل ال ووفائهيا؛ وذلك أن ال تعالى ذكير فيي تنزيله‬
‫العمييل فقال‪" :‬عمييا كانوا يعملون" ولم يقييل عمييا كانوا يقولون‪ ،‬وإن كان قييد يجوز أن يكون القول‬
‫أيضيا عميل اللسيان‪ ،‬فإنميا المعنيي بيه ميا يعرفيه أهيل اللغية أن القول قول والعميل عميل‪ .‬وإنميا قال‬
‫رسيول ال صيلى ال علييه وسيلم‪( :‬عين ل إله إل ال) أي عين الوفاء بهيا والصيدق لمقالهيا‪ .‬كميا قال‬
‫الحسيين البصييري‪ :‬ليييس اليمان بالتحلي ول الدييين بالتمنييي ولكيين مييا وقيير فييي القلوب وصييدقته‬
‫العمال‪ .‬ولهذا ما قال رسول ال صلى ال عليه وسلم‪( :‬من قال ل إله إل ال مخلصا دخل الجنة)‬
‫قييل‪ :‬ييا رسيول ال‪ ،‬وميا إخلصيها؟ قال‪( :‬أن تحجزه عين محارم ال)‪ .‬رواه زييد بين أرقيم‪ .‬وعنيه‬
‫أيضا قال قال رسول ال صلى ال عليه وسلم‪( :‬إن ال عهد إلي أل يأتيني أحد من أمتي بل إله إل‬
‫ال ل يخلط بهيا شيئا إل وجبيت له الجنة) قالوا‪ :‬ييا رسيول ال‪ ،‬وميا الذي يخلط بل إله إل ال؟ قال‪:‬‬
‫(حرصا على الدنيا وجمعا لها ومنعا لها‪ ،‬يقولون قول النبياء ويعملون أعمال الجبابرة)‪ .‬وروى‬
‫أنس بن مالك قال قال رسول ال صلى ال عليه وسلم‪( :‬ل إله إل ال تمنع العباد من سخط ال ما‬
‫لم يؤثروا صيفقة دنياهيم على دينهيم فإذا آثروا صيفقة دنياهيم على دينهيم ثيم قالوا ل إله إل ال ردت‬
‫عليهم وقال ال كذبتم)‪ .‬أسانيدها في نوادر الصول‪.‬‬
‫قلت‪ :‬والية بعمومها تدل على سؤال الجميع) ومحاسبتهم كافرهم ومؤمنهم‪ ،‬إل من دخل الجنة‬
‫بغيير حسياب على ميا بيناه فيي كتاب (التذكرة)‪ .‬فإن قييل‪ :‬وهيل يسيأل الكافير ويحاسيب؟ قلنيا‪ :‬فييه‬
‫خلف وذكرناه فيييي التذكرة‪ .‬والذي يظهييير سيييؤال‪ ،‬لليييية وقوله‪" :‬وقفوهيييم إنهيييم مسيييؤولون"‬
‫[الصيافات‪ ]24 :‬وقوله‪" :‬إن إلينيا إيابهيم ثم إن علينا حسابهم" [الغاشية‪ .]26 - 25 :‬فإن قييل‪:‬‬
‫فقيد قال تعالى‪" :‬ول يسيأل عين ذنوبهيم المجرمون" [القصيص‪ ]78 :‬وقال‪" :‬فيومئذ ل يسيأل عين‬
‫ذنبه إنس ول جان" [الرحمن‪ ،]39 :‬وقال‪" :‬ول يكلمهم ال" [البقرة‪ ،]174 :‬وقال‪" :‬إنهم عن‬
‫ربهم يومئذ لمحجوبون" [المطففين‪ .]15 :‬قلنا‪ :‬القيامة مواطن‪ ،‬فموطن يكون فيه سؤال وكلم‪،‬‬
‫وموطين ل يكون ذلك فييه‪ .‬قال عكرمية‪ :‬القيامية مواطين‪ ،‬يسيأل فيي بعضهيا ول يسيأل فيي بعضهيا‪.‬‬
‫وقال ابيين عباس‪( :‬ل يسييألهم سييؤال اسييتخبار واسييتعلم هييل عملتييم كذا وكذا؛ لن ال عالم بكييل‬
‫شييء‪ ،‬ولكين يسيألهم سيؤال تقرييع وتوبييخ فيقول لهيم‪ :‬لم عصييتم القرآن وميا حجتكيم فييه؟ واعتميد‬
‫قطرب هذا القول‪ .‬وقيييل‪" :‬لنسييألنهم أجمعييين" يعنييي المؤمنييين المكلفييين؛ بيانييه قوله تعالى‪" :‬ثييم‬
‫لتسئلن يومئذ عن النعيم" [التكاثر‪ .]8 :‬والقول بالعموم أولى كما ذكر‪ .‬وال أعلم‪.‬‬
‫*‪*3‬اليتان‪{ 95 - 94 :‬فاصدع بما تؤمر وأعرض عن المشركين‪ ،‬إنا كفيناك المستهزئين}‬
‫@قوله تعالى‪" :‬فاصيدع بميا تؤمير" أي بالذي تؤمير بيه‪ ،‬أي بلغ رسيالة ال جمييع الخلق لتقوم‬
‫الحجيية عليهييم‪ ،‬فقييد أمرك ال بذلك‪ .‬والصييدع‪ :‬الشييق‪ .‬وتصييدع القوم أي تفرقوا؛ ومنييه "يومئذ‬
‫يصدعون" [الروم‪ ]43 :‬أي يتفرقون‪ .‬وصدعته فانصدع أي انشق‪ .‬أصل الصدع الفرق والشق‪.‬‬
‫قال أبو ذؤيب يصف الحمار وأتنه‪:‬‬
‫يفيض على القداح ويصدع‬ ‫وكأنهن ربابة وكأنه يسر‬
‫أي يفرق ويشيق‪ .‬فقوله‪" :‬اصيدع بميا تؤمير" قال الفراء‪ :‬أراد فاصيدع بالمير‪ ،‬أي أظهير دينيك‪ ،‬فيي‬
‫"ما" مع الفعل على هذا بمنزلة المصدر‪ .‬وقال ابن العرابي‪ :‬معنى اصدع بما تؤمر‪ ،‬أي اقصد‪.‬‬
‫وقييل‪" :‬فاصيدع بميا تؤمير" أي فرق جمعهيم وكلمتهيم بأن تدعوهيم إلى التوحييد فإنهيم يتفرقون بأن‬
‫يجيب البعض؛ فيرجع الصدع على هذا إلى صدع جماعة الكفار‪.‬‬
‫@قوله تعالى‪" :‬وأعرض عن المشركين" أي عن الهتمام باستهزائهم وعن المبالة بقولهم‪ ،‬فقد‬
‫برأك ال عمييا يقولون‪ .‬وقال ابيين عباس‪( :‬هييو منسييوخ بقوله "فاقتلوا المشركييين" [التوبيية‪.)]5 :‬‬
‫وقال عبدال بن عبيد‪ :‬ما زال النبي صلى ال عليه وسلم مستخفيا حتى نزل قوله تعالى‪" :‬فاصدع‬
‫بميا تؤمير" فخرج هيو وأصيحابه‪ .‬وقال مجاهيد‪ :‬أراد الجهير بالقرآن فيي الصيلة‪" .‬وأعرض عين‬
‫المشركيين" ل تبال بهيم‪ .‬قال ابين إسيحاق‪ :‬لميا تمادوا فيي الشير وأكثروا برسيول ال صيلى ال علييه‬
‫وسيييلم السيييتهزاء أنزل ال تعالى "فاصيييدع بميييا تؤمييير وأعرض عييين المشركيييين‪ .‬إنيييا كفيناك‬
‫المستهزئين‪ .‬الذين يجعلون مع ال إلها آخر فسوف يعلمون"‪ .‬والمعنى‪ :‬اصدع بما تؤمر ول تخف‬
‫غير ال؛ فإن ال كافيك من أذاك كما كفاك المستهزئين‪ ،‬وكانوا خمسة من رؤساء أهل مكة‪ ،‬وهم‬
‫الوليييد بيين المغيرة وهييو رأسييهم‪ ،‬والعاص بيين وائل‪ ،‬والسييود بيين المطلب بيين أسييد أبييو زمعيية‪.‬‬
‫والسيود بين عبيد يغوث‪ ،‬والحارث بين الطلطلة‪ ،‬أهلكهيم ال جميعيا‪ ،‬قييل يوم بدر فيي يوم واحيد؛‬
‫لستهزائهم برسول ال صلى ال عليه وسلم‪ .‬وسبب هلكهم فيما ذكر ابن إسحاق‪ :‬أن جبريل أتى‬
‫رسيول ال صيلى ال علييه وسيلم وهيم يطوفون بالبييت‪ ،‬فقام وقام رسيول ال صيلى ال علييه وسيلم‬
‫فمير به السود بن المطلب فرمى في وجهه بورقة خضراء فعميي ووجعت عينه‪ ،‬فجعل يضرب‬
‫حبَنيا‪.‬‬
‫برأسيه الجدار‪ .‬ومير بيه السيود بين عبيد يغوث فأشار إلى بطنيه فاسيتسقى بطنيه فمات منيه َ‬
‫حبِن للمفعول عظم بطنه بالماء الصفر‪ ،‬فهو أحبن‪ ،‬والمرأة حبناء؛‬ ‫حبَنا و ُ‬
‫(يقال‪ :‬حبِن (بالكسر) َ‬
‫قاله في الصحاح)‪ .‬ومر به الوليد بن المغيرة فأشار إلى أثر جرح بأسفل كعب رجله‪ ،‬وكان أصابه‬
‫قبل ذلك بسنين‪ ،‬وهو يجر سبله‪ ،‬وذلك أنه مر برجل من خزاعة يريش نبل له فتعلق سهم من نبله‬
‫بإزاره فخدش فييي رجله ذلك الخدش ولييس بشييء‪ ،‬فانتقيض بيه فقتله‪ .‬ومير بيه العاص بين وائل‬
‫فأشار إلى أخميص رجله‪ ،‬فمرج على حمار له يرييد الطائف‪ ،‬فربيض بيه على شبرمية فدخلت فيي‬
‫أخميص رجله شوكية فقتلتيه‪ .‬ومير بيه الحارث بين الطلطلة‪ ،‬فأشار إلى رأسيه فامتخيط قيحيا فقتله‪.‬‬
‫وقيد ذكير فيي سيبب موتهيم اختلف قرييب مين هذا‪ .‬وقييل‪ :‬إنهيم المراد بقوله تعالى‪" :‬فخير عليهيم‬
‫السقف من فوقهم" [النحل‪ ]26 :‬شبه ما أصابهم في موتهم بالسقف الواقع عليهم؛ على ما يأتي‪.‬‬
‫*‪*3‬الية‪{ 96 :‬الذين يجعلون مع ال إلها آخر فسوف يعلمون}‬
‫@ هذه صفة المستهزئين‪ .‬وقيل‪ :‬هو ابتداء وخبره "فسوف يعلمون"‪.‬‬
‫*‪*3‬الية‪{ 97 :‬ولقد نعلم أنك يضيق صدرك بما يقولون}‬
‫@قوله تعالى‪" :‬ولقد نعلم أنك يضيق صدرك" أي قلبك؛ لن الصدر محل القلب‪" .‬بما يقولون"‬
‫أي بما تسمعه من تكذيبك ورد قولك‪ ،‬وتنال‪ .‬ويناله أصحابك من أعدائك‪.‬‬
‫*‪*3‬الية‪{ 98 :‬فسبح بحمد ربك وكن من الساجدين}‬
‫@قوله تعالى‪" :‬فسبح بحمد ربك" أي فافزع إلى الصلة‪ ،‬فهي غاية التسبيح ونهاية التقديس‪.‬‬
‫@قوله تعالى‪" :‬وكن مين الساجدين" ل خفاء أن غاية القرب فيي الصلة حال السجود‪ ،‬كميا قال‬
‫علييه السيلم‪( :‬أقرب ميا يكون العبيد مين ربيه وهيو سياجد فأخلصيوا الدعاء)‪ .‬ولذلك خيص السيجود‬
‫بالذكر‬
‫قال ابن العربي‪ :‬ظن بعض الناس أن المراد بالمر هنا السجود نفسه‪ ،‬فرأى هذا الموضع محل‬
‫سجود في القرآن‪ ،‬وقد شاهدت المام بمحراب زكريا من البيت المقدس طهره ال‪ ،‬يسجد في هذا‬
‫الموضع وسجدت معه فيها‪ ،‬ولم يره جماهير العلماء‪.‬‬
‫قلت‪ :‬قد ذكر أبو بكر النقاش أن ههنا سجدة عند أبي حذيفة ويمان بن رئاب‪ ،‬ورأى أنها واجبة‬
‫*‪*3‬الية‪{ 99 :‬واعبد ربك حتى يأتيك اليقين}‬
‫@ فييه مسيألة واحدة‪ :‬وهيو أن اليقيين الموت‪ .‬أمره بعبادتيه إذ قصير عباده فيي خدمتيه‪ ،‬وأن ذلك‬
‫يجب عليه‪ .‬فإن قيل‪ :‬فما فائدة قوله‪" :‬حتى يأتيك اليقين" وكان قوله‪" :‬واعبد ربك" كافيا في المر‬
‫بالعبادة‪ .‬قييل له‪ :‬الفائدة فيي هذا أنيه لو قال‪" :‬واعبيد ربيك" مطلقيا ثيم عبده مرة واحدة كان مطيعيا؛‬
‫وإذا قال "حتيى يأتييك اليقيين" كان معناه ل تفارق هذا حتيى تموت‪ .‬فإن قييل‪ :‬كييف قال سيبحانه‪:‬‬
‫"واعبد ربك حتى يأتيك اليقين" ولم يقل أبدا؛ فالجواب أن اليقين أبلغ من قوله‪ :‬أبدا؛ لحتمال لفظ‬
‫البيد للحظية الواحدة ولجمييع البيد‪ .‬وقيد تقدم هذا المعنيى‪ .‬والمراد اسيتمرار العبادة مدة حياتيه‪ ،‬كميا‬
‫قال العبيد الصيالح‪ :‬وأوصياني بالصيلة والزكاة ميا دميت حييا‪ .‬ويتركيب على هذا أن الرجيل إذا قال‬
‫لمرأته‪ :‬أنت طالق أبدا‪ ،‬وقال‪ :‬نويت يوما أو شهرا كانت عليه الرجعة‪ .‬ولو قال‪ :‬طلقتها حياتها لم‬
‫يراجعها‪ .‬والدليل على أن اليقين الموت حديث أم العلء النصارية‪ ،‬وكانت من المبايعات‪ ،‬وفيه‪:‬‬
‫فقال رسيول ال صيلى ال علييه وسيلم‪( :‬أميا عثمان ‪ -‬أعنيي عثمان بين مظعون ‪ -‬فقيد جاءه اليقيين‬
‫وإنيي لرجيو له الخيير وال ميا أدري وأنيا رسيول ال ميا يفعيل بيه) وذكير الحدييث‪ .‬انفرد بإخراجيه‬
‫البخاري رحميه ال وكان عمير بين عبدالعزييز يقول‪ :‬ميا رأييت يقينيا أشبيه بالشيك مين يقيين الناس‬
‫بالموت ثم ل يستعدون له؛ يعني كأنهم فيه شاكون‪ .‬وقد قيل‪ :‬إن اليقين هنا الحق الذي ل ريب فيه‬
‫مين نصيرك على أعدائك؛ قال ابين شجرة؛ والول أصيح‪ ،‬وهيو قول مجاهيد وقتادة والحسين‪ .‬وال‬
‫اعلم‪ .‬وقيد روى جيبير بين نفيير عين أبيي مسيلم الخولنيي أنيه سيمعه يقول إن النيبي صيلى ال علييه‬
‫وسلم قال‪( :‬ما أوحي إلي أن أجمع المال وأكون من التاجرين لكن أوحي إلي أن سبح بحمد ربك‬
‫وكن من الساجدين واعبد ربك حتى يأتيك اليقين)‪.‬‬
‫*‪*2‬سورة النحل‬
‫*‪*3‬مقدمة السورة‬
‫@ سيورة النحيل وهيي مكيية كلهيا فيي قول الحسين وعكرمية وعطاء وجابر‪ .‬وتسيمى سيورة النعيم‬
‫بسبب ما عدد ال فيها من نعمه على عباده‪ .‬وقيل‪ :‬هي مكية غير قوله تعالى‪" :‬وإن عاقبتم فعاقبوا‬
‫بمثيل ميا عوقبتيم بيه" [النحيل‪ ]126 :‬اليية؛ نزلت بالمدينية فيي شأن التمثييل بحمزة وقتلى أحيد‪.‬‬
‫وغير قوله تعالى‪" :‬واصبر وما صبرك إل بال" [النحل‪ .]127 :‬وغير قوله‪" :‬ثم إن ربك للذين‬
‫هاجروا" [النحيل‪ ]110:‬اليية‪ .‬وأميا قوله‪" :‬والذيين هاجروا فيي ال مين بعيد ميا ظلموا" [النحيل‪:‬‬
‫‪ ]41‬فمكي‪ ،‬في شأن هجرة الحبشة‪ .‬وقال ابن عباس‪ :‬هي مكية إل ثلث آيات منها نزلت بالمدينة‬
‫بعيد قتيل حمزة‪ ،‬وهيي قوله‪" :‬ول تشتروا بعهيد ال ثمنيا قليل" إلى قوله "بأحسين ميا كانوا يعملون"‬
‫[النحل‪.]95 :‬‬
‫*‪*3‬الية‪{ 1 :‬أتى أمر ال فل تستعجلوه سبحانه وتعالى عما يشركون}‬
‫@قوله تعالى‪" :‬أتيى أمير ال فل تسيتعجلوه" قييل‪" :‬أتيى" بمعنيى يأتيي؛ فهيو كقولك‪ :‬إن أكرمتنيي‬
‫أكرمتيك‪ .‬وقيد تقدم أن أخبار ال تعالى فيي الماضيي والمسيتقبل سيواء؛ لنيه آت ل محالة‪ ،‬كقوله‪:‬‬
‫"ونادى أصحاب الجنة أصحاب النار" [العراف‪ .]44 :‬و"أمر ال" عقابه لمن أقام على الشرك‬
‫وتكذيب رسوله‪ .‬قال الحسن وابن جريج والضحاك‪ :‬إنه ما جاء به القرآن من فرائضه وأحكامه‪.‬‬
‫وفيه بعد؛ لنه لم ينقل أن أحدا من الصحابة استعجل فرائض ال من قبل أن تفرض عليهم‪ ،‬وأما‬
‫مسيتعجلو العذاب والعقاب فذلك منقول عين كثيير مين كفار قرييش وغيرهيم‪ ،‬حتيى قال النضير بين‬
‫الحارث‪" :‬اللهم إن كان هذا هو الحق من عندك" الية‪ ،‬فاستعجل العذاب‪.‬‬
‫قلت‪ :‬قيد يسيتدل الضحاك بقول عمير رضيي ال عنيه‪ :‬وافقيت ربيي فيي ثلث‪ :‬فيي مقام إبراهييم‪،‬‬
‫وفيي الحجاب‪ ،‬وفيي أسيارى بدر؛ خرجيه مسيلم والبخاري‪ .‬وقال الزجاج‪ :‬هيو ميا وعدهيم بيه مين‬
‫المجازاة على كفرهم‪ ،‬وهو كقوله‪" :‬حتى إذا جاء أمرنا وفار التنور" [هود‪ .]40 :‬وقيل‪ :‬هو يوم‬
‫القيامية أو ميا يدل على قربهيا مين أشراطهيا‪ .‬قال ابين عباس‪ :‬لميا نزلت "اقتربيت السياعة وانشيق‬
‫القمير" [القمير‪ ]1 :‬قال الكفار‪ :‬إن هذا يزعيم أن القيامية قيد قربيت‪ ،‬فأمسيكوا عين بعيض ميا كنتيم‬
‫تعملون‪ ،‬فأمسييكوا وانتظروا فلم يروا شيئا‪ ،‬فقالوا‪ :‬مييا نرى شيئا فنزلت "اقترب للناس حسييابهم"‬
‫[النيبياء‪ ]1 :‬اليية‪ .‬فأشفقوا وانتظروا قرب السياعة‪ ،‬فامتدت اليام فقالوا‪ :‬ميا نرى شيئا فنزلت‬
‫"أتى أمر ال" فوثب رسول ال صلى ال عليه وسلم والمسلمون وخافوا؛ فنزلت "فل تستعجلوه"‬
‫فاطمأنوا‪ ،‬فقال النيبي صيلى ال علييه وسيلم‪( :‬بعثيت أنيا والسياعة كهاتيين) وأشار بأصيبعيه‪ :‬السيبابة‬
‫والتيي تليهيا‪ .‬يقول‪( :‬إن كادت لتسيبقني فسيبقتها)‪ .‬وقال ابين عباس‪ :‬كان بعيث النيبي صيلى ال علييه‬
‫وسيلم مين أشراط السياعة‪ ،‬وأن جبرييل لميا أمير بأهيل السيماوات مبعوثيا إلى محميد صيلى ال علييه‬
‫وسلم قالوا ال أكبر‪ ،‬قد قامت الساعة‪.‬‬
‫@قوله تعالى‪" :‬سبحانه وتعالى عما يشركون" أي تنزيها له عما يصفونه به من أنه ل يقدر على‬
‫قيام السييياعة‪ ،‬وذلك أنهيييم يقولون‪ :‬ل يقدر أحيييد على بعيييث الموات‪ ،‬فوصيييفوه بالعجيييز الذي ل‬
‫يوصف به إل المخلوق‪ ،‬وذلك شرك‪ .‬وقيل‪" :‬عما يشركون" أي عن إشراكهم‪ .‬وقيل‪" :‬ما" بمعنى‬
‫الذي أي ارتفع عن الذين أشركوا به‪.‬‬
‫*‪*3‬الية‪{ 2 :‬ينزل الملئكة بالروح من أمره على من يشاء من عباده أن أنذروا أنه ل إله إل‬
‫أنا فاتقون}‬
‫@ قرأ المفضيل عين عاصيم " َت َنزّل الملئكةُ" والصيل تتنزل‪ ،‬فالفعيل مسيند إلى الملئكية‪ .‬وقرأ‬
‫الكسيائي عين أبيي بكير عين عاصيم باختلف عنيه والعميش " ُتنَزّل الملئكةُ" غيير مسيمى الفاعيل‪.‬‬
‫وقرأ الجعفيي عين أبيي بكير عين عاصيم " ُتنَزّل الملئكةَ" بالنون مسيمى الفاعيل‪ ،‬الباقون " ُي َنزّل"‬
‫بالياء مسيمى الفاعيل‪ ،‬والضميير فييه لسيم ال عيز وجيل‪ .‬وروي عين قتادة "تنزل الملئكية" بالنون‬
‫والتخفيييف‪ .‬وقرأ العمييش "تنزل" بفتييح التاء وكسيير الزاي‪ ،‬ميين النزول‪" .‬الملئكيية" رفعييا مثييل‬
‫"تنزل الملئكية" [القدر‪" ]4 :‬بالروح" أي بالوحيي وهيو النبوة؛ قاله ابين عباس‪ .‬نظيره "يلقيي‬
‫الروح مين أمره على مين يشاء مين عباده" [غافير‪ .]15 :‬الربييع بين أنيس‪ :‬بكلم ال وهيو القرآن‪.‬‬
‫وقيييل‪ :‬هييو بيان الحييق الذي يجييب اتباعييه‪ .‬وقيييل أرواح الخلق؛ قاله قتادة‪ ،‬ل ينزل ملك إل ومعييه‬
‫روح‪ .‬وكذا روي عين ابين عباس أن الروح خلق مين خلق ال عيز وجيل كصيور ابين آدم‪ ،‬ل ينزل‬
‫من السماء ملك إل ومعه واحد منهم‪ .‬وقيل بالرحمة؛ قاله الحسن وقتادة‪ .‬وقيل بالهداية؛ لنها تحيا‬
‫بهيا القلوب كميا تحييا بالرواح البدان‪ ،‬وهيو معنيى قول الزجاج‪ .‬قال الزجاج‪ :‬الروح ميا كان فييه‬
‫مييين أمييير ال حياة بالرشاد إلى أمره‪ .‬وقال أبيييو عيييبيدة‪ :‬الروح هنيييا جبرييييل‪ .‬والباء فيييي قوله‪:‬‬
‫"بالروح" بمعنيى ميع‪ ،‬كقولك‪ :‬خرج بثيابه‪ ،‬أي ميع ثيابيه‪" .‬من أمره" أي بأمره‪" .‬على من يشاء‬
‫مين عباده" أي على الذيين اختارهيم ال للنبوة‪ .‬وهذا رد لقولهيم‪" :‬لول نزل هذا القرآن على رجيل‬
‫مين القريتيين عظييم" [الزخرف‪" .]31 :‬أن أنذروا أنيه ل إله إل أنيا فاتقون" تحذيير مين عبادة‬
‫الوثان‪ ،‬ولذلك جاء النذار؛ لن أصييله التحذييير ممييا يخاف منييه‪ .‬ودل على ذلك قوله‪" :‬فاتقون"‪.‬‬
‫و"أن" فيي موضيع نصيب بنزع الخافيض‪ ،‬أي بأن أنذروا أهيل الكفير بأنيه ل إله إل ال‪" ،‬فأن" فيي‬
‫محل نصب بسقوط الخافض أو بوقوع النذار عليه‪.‬‬
‫*‪*3‬الية‪{ 3 :‬خلق السماوات والرض بالحق تعالى عما يشركون}‬
‫@قوله تعالى‪" :‬خلق السماوات والرض بالحق" أي للزوال والفناء‪ .‬وقيل‪" :‬بالحق" أي للدللة‬
‫على قدرته‪ ،‬وأن له أن يتعبد العباد بالطاعة وأن يحيى بعد الموت‪" .‬تعالى عما يشركون" أي من‬
‫هذه الصنام التي ل تقدر على خلق شيء‪.‬‬
‫*‪*3‬الية‪{ 4 :‬خلق النسان من نطفة فإذا هو خصيم مبين}‬
‫@قوله تعالى‪" :‬خلق النسان من نطفة" لما ذكر الدليل على توحيده ذكر بعده النسان ومناكدته‬
‫وتعدي طوره‪ .‬و"النسان" اسم للجنس‪ .‬وروي أن المراد به أبي بن خلف الجمحي‪ ،‬جاء إلى النبي‬
‫صلى ال عليه وسلم بعظم رميم فقال‪ :‬أترى يحيي ال هذا بعد ما قد رم‪ .‬وفي هذا أيضا نزل "أولم‬
‫ير النسان أنا خلقناه من نطفة فإذا هو خصيم مبين" [يس‪ ]77 :‬أي خلق النسان من ماء يخرج‬
‫من بين الصلب والترائب‪ ،‬فنقله أطوارا إلى أن ولد ونشأ بحيث يخاصم في المور‪ .‬فمعنى الكلم‬
‫التعجيب مين النسيان "وضرب لنيا مثل ونسيي خلقيه" [ييس‪ ]78 :‬وقوله‪" :‬فإذا هيو خصييم" أي‬
‫مخاصيم‪ ،‬كالنسييب بمعنيى المناسيب‪ .‬أي يخاصيم ال عيز وجيل فيي قدرتيه‪ .‬و"ميبين" أي ظاهير‬
‫الخصيومة‪ .‬وقييل‪ :‬ييبين عين نفسيه الخصيومة بالباطيل‪ .‬والميبين‪ :‬هيو المفصيح عميا فيي ضميره‬
‫بمنطقه‪.‬‬
‫*‪*3‬الية‪{ 5 :‬والنعام خلقها لكم فيها دفء ومنافع ومنها تأكلون}‬
‫@قوله تعالى‪" :‬والنعام خلقها لكم" لما ذكر النسان ذكر ما من به عليه‪ .‬والنعام‪ :‬البل والبقر‬
‫والغنم‪ .‬وأكثر ما يقال‪ :‬نعم وأنعام للبل‪ ،‬ويقال للمجموع ول يقال للغنم مفردة‪ .‬قال حسان‪:‬‬
‫إلى عذراء منزلها خلء‬ ‫عفت ذات الصابع فالجواء‬
‫تعفيها الروامس والسماء‬ ‫ديار من بني الحسحاس قفر‬
‫خلل مروجها نعم وشاء‬ ‫وكانت ل يزال بها أنيس‬
‫فالنعيم هنيا البيل خاصية‪ .‬وقال الجوهري‪ :‬والنعيم واحيد النعام وهيي المال الراعيية‪ ،‬وأكثير ميا يقيع‬
‫هذا السيم على البيل‪ .‬قال الفراء‪ :‬هيو ذكير ل يؤنيث‪ ،‬يقولون‪ :‬هذا نعيم وارد‪ ،‬ويجميع على نعمان‬
‫مثيل حميل وحملن‪ .‬والنعام تذكير وتؤنيث؛ قال ال تعالى‪" :‬مميا فيي بطونيه" [النحيل‪ .]66:‬وفيي‬
‫موضيع "مميا فيي بطونهيا" [المؤمنون‪ .]21 :‬وانتصيب النعام عطفيا على النسيان‪ ،‬أو بفعيل‬
‫مقتدر‪ ،‬وهو أوجه‪.‬‬
‫@قوله تعالى‪" :‬دفيء" الدفيء‪ :‬السيخانة‪ ،‬وهيو ميا اسيتدفئ بيه مين أصيوافها وأوبارهيا وأشعارهيا‪،‬‬
‫ملبييس ولحييف وقطييف‪ .‬وروي عيين ابيين عباس‪ :‬دفؤهييا نسييلها؛ وال أعلم قال الجوهري فييي‬
‫الصيحاح‪ :‬الدفيء نتاج البيل وألبانهيا وميا ينتفيع بيه منهيا؛ قال ال تعالى‪" :‬لكيم فيهيا دفيء"‪ .‬وفيي‬
‫الحدييث (لنيا مين دفئهيم ميا سيلموا بالميثاق)‪ .‬والدفيء أيضيا السيخونة‪ ،‬تقول منيه‪ :‬دفيئ الرجيل دفاءة‬
‫مثل كره كراهة‪ .‬وكذلك دفئ دفأ مثل ظمئ ظمأ‪ .‬والسم الدفء بالكسر وهو الشيء الذي يدفئك‪،‬‬
‫والجميع الدفاء‪ .‬تقول‪ :‬ميا علييه دفيء؛ لنيه اسيم‪ .‬ول تقول‪ :‬ميا علييك دفاءة؛ لنيه مصيدر‪ .‬وتقول‪:‬‬
‫اقعيد فيي دفيء هذا الحائط أي ركنيه‪ .‬ورجيل دفيئ على فعيل إذا لبيس ميا يدفئه‪ .‬وكذلك رجيل دفآن‬
‫وامرأة دفأى‪ .‬وقيد أدفأه الثوب وتدفيأ هيو بالثوب واسيتدفأ بيه‪ ،‬وأدفيأ بيه وهيو افتعيل؛ أي ميا لبيس ميا‬
‫يدفئه‪ .‬ودفؤت ليلتنييا‪ ،‬ويوم دفيييء على فعيييل وليلة دفيئة‪ ،‬وكذلك الثوب والبيييت‪ .‬والمدفئة البييل‬
‫الكثيرة؛ لن بعضها يدفئ بعضا بأنفاسها‪ ،‬وقد يشدد‪ .‬والمدفأة البل الكثيرة الوبار والشحوم؛ عن‬
‫الصمعي‪ .‬وأنشد الشماخ‪:‬‬
‫على أثباجهن من الصقيع‬ ‫وكيف يضيع صاحب مدفآت‬
‫@قوله تعالى‪" :‬ومنافع" قال ابن عباس‪ :‬المنافع نسل كل دابة‪ .‬مجاهد‪ :‬الركوب والحمل واللبان‬
‫واللحوم والسيمن‪" .‬ومنهيا تأكلون" أفرد منفعية الكيل بالذكير لنهيا معظيم المنافيع‪ .‬وقييل‪ :‬المعنيى‬
‫ومن لحومها تأكلون عند الذبح‪.‬‬
‫@ دلت هذه اليية على لباس الصيوف‪ ،‬وقيد لبسيه رسيول ال صيلى ال علييه وسيلم والنيبياء قبله‬
‫كموسى وغيره‪ .‬وفي حديث المغيرة‪ :‬فغسل وجهه وعليه جبة من صوف شامية ضيقة الكمين‪...‬‬
‫الحديييث‪ ،‬خرجييه مسييلم وغيره‪ .‬قال ابيين العربييي‪ :‬وهييو شعار المتقييين ولباس الصييالحين وشارة‬
‫الصيحابة والتابعيين‪ ،‬واختيار الزهاد والعارفيين‪ ،‬وهيو يلبيس لينيا وخشنيا وجيدا ومقاربيا ورديئا‪،‬‬
‫وإليه نسب جماعة من الناس الصوفية؛ لنه لباسهم في الغالب‪ ،‬فالياء للنسب والهاء للتأنيث‪ .‬وقد‬
‫انشدني بعض أشياخهم بالبيت المقدس طهره ال‪:‬‬
‫فيه وظنوه مشتقا من الصوف‬ ‫تشاجر الناس في الصوفي واختلفوا‬
‫صافى فصوفي حتى سمي الصوفي‬ ‫ولست أنحل هذا السم غير فتى‬
‫*‪*3‬الية‪{ 6 :‬ولكم فيها جمال حين تريحون وحين تسرحون}‬
‫@ الجمال ما يتجمل به ويتزين‪ .‬والجمال‪ :‬الحسن‪ .‬وقد جمُل الرجل ‪ -‬بالضم ‪ -‬جمال فهو جميل‪،‬‬
‫والمرأة جميلة‪ ،‬وجملء أيضا؛ عن الكسائي‪ .‬وأنشد‪:‬‬
‫بذّت الخلق جميعا بالجمال‬ ‫فهي جملء كبدر طالع‬
‫وقول أبي ذؤيب‪:‬‬
‫جمالك أيها القلب القريح‬
‫يريييد‪ :‬الزم تجملك وحياءك ول تجزع جزعييا قبيحييا‪ .‬قال علماؤنييا‪ :‬فالجمال يكون فييي الصييورة‬
‫وتركيييب الخلقيية‪ ،‬ويكون فييي الخلق الباطنيية‪ ،‬ويكون فييي الفعال‪ .‬فأمييا جمال الخلقيية فهييو أميير‬
‫يدركيه البصير ويلقييه إلى القلب متلئميا‪ ،‬فتتعلق بيه النفيس مين غيير معرفية بوجيه ذلك ول نسيبته‬
‫لحيد مين البشير‪ .‬وأميا جمال الخلق فكونهيا على الصيفات المحمودة مين العلم والحكمية والعدل‬
‫والعفية‪ ،‬وكظيم الغييظ وإرادة الخيير لكيل أحيد‪ .‬وأميا جمال الفعال فهيو وجودهيا ملئمية لمصيالح‬
‫الخلق وقاضية لجلب المنافع فيهم وصرف الشر عنهم‪ .‬وجمال النعام والدواب من جمال الخلقة‪،‬‬
‫وهيو مرئي بالبصيار موافيق للبصيائر‪ .‬ومين جمالهيا كثرتهيا وقول الناس إذا رأوهيا هذه نعيم فلن؛‬
‫قاله السدي‪ .‬ولنها إذا راحت توفر حسنها وعظم شأنها وتعلقت القلوب بها؛ لنها إذ ذاك أعظم ما‬
‫تكون أسيمنة وضروعيا؛ قاله قتادة‪ .‬ولهذا المعنيى قدم الرواح على السيراح لتكاميل درهيا وسيرور‬
‫النفيس بهيا إذ ذاك‪ .‬وال أعلم‪ .‬وروى أشهيب عين مالك قال‪ :‬يقول ال عيز وجيل "ولكيم فيهيا جمال‬
‫حييين تريحون وحييين تسييرحون" وذلك فييي المواشييي حييين تروح إلى المرعييى وتسييرح عليييه‪.‬‬
‫والرواح رجوعهيا بالعشيي مين المرعيى‪ ،‬والسيراح بالغداة؛ تقول‪ :‬سيرحت البيل أسيرحها سيرحا‬
‫وسروحا إذا غدوت بها إلى المرعى فخليتها‪ ،‬وسرحت هي‪ .‬المتعدي واللزم واحد‪.‬‬
‫*‪*3‬الية‪{ 7 :‬وتحمل أثقالكم إلى بلد لم تكونوا بالغيه إل بشق النفس إن ربكم لرؤوف رحيم}‬
‫@قوله تعالى‪" :‬وتحميل أثقالكيم" الثقال أثقال الناس مين متاع وطعام وغيره‪ ،‬وهيو ميا يثقيل‬
‫النسيييان حمله‪ .‬وقييييل‪ :‬المراد أبدانهيييم؛ يدل على ذلك قوله تعالى‪" :‬وأخرجيييت الرض أثقالهيييا"‬
‫[الزلزلة‪ .]2 :‬والبلد مكة‪ ،‬في قول عكرمة‪ .‬وقيل‪ :‬هو محمول على العموم في كل بلد مسلكه على‬
‫الظهير‪ .‬وشيق النفيس‪ :‬مشقتهيا وغايية جهدهيا‪ .‬وقراءة العامية بكسير الشيين‪ .‬قال الجوهري‪ :‬والشيق‬
‫المشقية؛ ومنيه قوله تعالى‪" :‬لم تكونوا بالغييه إل بشيق النفيس" وهذا قيد يفتيح‪ ،‬حكاه أبو عيبيدة‪ .‬قال‬
‫المهدوي‪ :‬وكسير الشيين وفتحهيا فيي "شيق" متقاربان‪ ،‬وهميا بمعنيى المشقية‪ ،‬وهيو مين الشيق فيي‬
‫العصيا ونحوهيا؛ لنيه ينال منهيا كالمشقية مين النسيان‪ .‬وقال الثعلبيي‪ :‬وقرأ أبيو جعفير "إل بشيق‬
‫النفيس" وهميا لغتان‪ ،‬مثيل رق ورق وجيص وجيص ورطيل ورطيل‪ .‬وينشيد قول الشاعير بكسير‬
‫الشين وفتحها‪:‬‬
‫أخي نصب من شقها ودؤوب‬ ‫وذي إبل يسعى ويحسبها له‬
‫ويجوز أن يكون بمعمى المصدر‪ ،‬من شققت عليه شقا‪ .‬والشق أيضا بالكسر النصف‪ ،‬يقال‪ :‬أخذت‬
‫شيق الشاة وشقية الشاة‪ .‬وقيد يكون المراد مين اليية هذا المعنيى؛ أي لم تكونوا بالغييه إل بنقيص مين‬
‫القوة وذهاب شييق منهييا‪ ،‬أي لم تكونوا تبلغوه إل بنصييف قوى أنفسييكم وذهاب النصييف الخيير‪.‬‬
‫والشق أيضا الناحية من الجبل‪ .‬وفي حديث أم زرع‪ :‬وجدني في أهل غنيمة بشق‪ .‬قال أبو عبيد‪:‬‬
‫هيو اسيم موضيع‪ .‬والشيق أيضيا‪ :‬الشقييق‪ ،‬يقال‪ :‬هيو أخيي وشيق نفسيي‪ .‬وشيق اسيم كاهين مين كهان‬
‫العرب‪ .‬والشق أيضا‪ :‬الجانب؛ ومنه قول امرئ القيس‪:‬‬
‫بشق وتحتي شقها لم يحول‬ ‫إذا ما بكى من خلفها انصرفت له‬
‫فهو مشترك‪.‬‬
‫@ منّ ال سبحانه بالنعام عموما‪ ،‬وخص البل هنا بالذكر في حمل الثقال على سائر النعام؛‬
‫فإن الغنيم للسيرح والذبيح‪ ،‬والبقير للحرث‪ ،‬والبيل للحميل‪ .‬وفيي صيحيح مسيلم عين أبيي هريرة قال‬
‫قال رسيول ال صيلى ال علييه وسيلم‪( :‬بينميا رجيل يسيوق بقرة له قيد حميل عليهيا التفتيت إلييه البقرة‬
‫فقالت إنييي لم أخلق لهذا ولكنييي إنمييا خلقييت للحرث فقال الناس سييبحان ال تعجبييا وفزعييا أبقرة‬
‫تتكلم)؟ فقال رسول ال صلى ال عليه وسلم‪( :‬وإني أومن به وأبو بكر وعمرو)‪ .‬فدل هذا الحديث‬
‫على أن البقر ل يحمل عليها ول تركب‪ ،‬وإنما هي للحرث وللكل والنسل والرسل‪.‬‬
‫@ في هذه الية دليل على جواز السفر بالدواب وحمل الثقال عليها‪ .‬ولكن على قدر ما تحتمله‬
‫من غير إسراف فيي الحمل مع الرفق في السير‪ .‬وقد أمر النبي صلى ال عليه وسلم بالرفيق بها‬
‫والراحة لها ومراعاة التفقد لعلفها وسقيها‪ .‬وروى مسلم من حديث أبي هريرة قال قال رسول ال‬
‫صيلى ال علييه وسيلم‪( :‬إذا سيافرتم فيي الخصيب فأعطوا البيل حظهيا مين الرض وإذا سيافرتم فيي‬
‫السينة فبادروا بهيا نقيهيا) رواه مالك فيي الموطيأ عين أبيي عبييد عين خالد بين معدان‪ .‬وروى معاويية‬
‫بن قرة قال‪ :‬كان لبي الدرداء جمل يقال له دمون‪ ،‬فكان يقول‪ :‬يا دمون‪ ،‬ل تخاصمني عند ربك‪.‬‬
‫فالدواب عجيم ل تقدر أن تحتال لنفسيها ميا تحتاج إلييه‪ ،‬ول تقدر أن تفصيح بحوائجهيا‪ ،‬فمين ارتفيق‬
‫بمرافقها ثم ضيعها من حوائجها فقد ضيع الشكر وتعرض للخصومة بين يدي ال تعالى‪ .‬وروى‬
‫مطر بن محمد قال‪ :‬حدثنا أبو داود قال حدثنا ابن خالد قال حدثنا المسيب بن آدم قال‪ .‬رأيت عمر‬
‫بن الخطاب رضي ال عنه ضرب جمال وقال‪ :‬تحمل على بعيرك ما ل يطيق‪.‬‬
‫*‪*3‬الية‪{ 8 :‬والخيل والبغال والحمير لتركبوها وزينة ويخلق ما ل تعلمون}‬
‫@قوله تعالى‪" :‬والخييل" بالنصيب معطوف‪ ،‬أي وخلق الخييل‪ .‬وقرأ ابين أبيي عبلة "والخييل‬
‫والبغال والحمير" بالرفع فيها كلها‪ .‬وسميت الخيل خيل لختيالها في المشية‪ .‬وواحد الخيل خائل‪،‬‬
‫كضائن واحيد ضيين‪ .‬وقييل ل واحيد له‪ .‬ولميا أفرد سيبحانه الخييل والبغال والحميير بالذكير دل على‬
‫أنهيا لم تدخيل تحيت لفيظ النعام وقييل دخلت ولكين أفردهيا بالذكير لميا يتعلق بهيا مين الركوب؛ فإنيه‬
‫يكثر في الخيل والبغال والحمير‪.‬‬
‫@ قال العلماء‪ :‬ملكنيا ال تعالى النعام والدواب وذللهيا لنيا‪ ،‬وأباح لنيا تسيخيرها والنتفاع بهيا‬
‫رحمة منه تعالى لنا‪ ،‬وما ملكه النسان وجاز له تسخيره من الحيوان فكراؤه له جائز بإجماع أهل‬
‫العلم‪ ،‬ل اختلف بينهم في ذلك‪ .‬وحكم كراء الرواحل والدواب مذكور في كتب الفقه‪.‬‬
‫@ ل خلف بين العلماء فيي اكتراء الدواب والرواحل عليها والسفر بها؛ لقوله تعالى‪" :‬وتحمل‬
‫أثقالكم" [النحل‪ ]7 :‬الية‪ .‬وأجازوا أن يكري الرجل الدابة والراحلة إلى مدينة بعينها وإن لم يسم‬
‫أيين ينزل منهيا‪ ،‬وكيم مين منهيل ينزل فييه‪ ،‬وكييف صيفة سييره‪ ،‬وكيم ينزل فيي طريقية‪ ،‬واجتزوا‬
‫بالمتعارف بيين الناس فيي ذلك‪ .‬قال علماؤنيا‪ :‬والكراء يجري مجرى البيوع فيميا يحيل منيه ويحرم‪.‬‬
‫قال ابن القاسم فيمن اكترى دابة إلى موضع كذا بثوب مروي ولم يصف رقعته وذرعه‪ :‬لم يجز؛‬
‫لن مالكا لم يجيز هذا في البيع‪ ،‬ول يجيز في ثمن الكراء إل ما يجوز في ثمن البيع‪.‬‬
‫قلت‪ :‬ول يختلف فييي هذا إن شاء ال؛ لن ذلك إجارة‪ .‬قال ابيين المنذر‪ :‬وأجمييع كيل مين يحفيظ‬
‫عنه من أهل العلم على أن من اكترى دابة ليحمل عليها عشرة أقفزة قمح فحمل عليها ما اشترط‬
‫فتلفييت أن ل شيييء عليييه‪ .‬وهكذا إن حمييل عليهييا عشرة أقفزة شعييير‪ .‬واختلفوا فيميين اكترى دابيية‬
‫ليحمييل عليهييا عشرة أقفزة فحمييل عليهييا أحييد عشيير قفيزا‪ ،‬فكان الشافعييي وأبييو ثور يقولن‪ :‬هييو‬
‫ضامن لقيمة الدابة وعليه الكراء‪ .‬وقال ابن أبي ليلى‪ :‬عليه قيمتها ول أجر عليه‪ .‬وفيه قول ثالث ‪-‬‬
‫وهو أن عليه الكراء وعليه جزء من أجر وجزء من قيمة الدابة بقدر ما زاد من الحمل؛ وهذا قول‬
‫النعمان ويعقوب ومحمييد‪ .‬وقال ابيين القاسييم صيياحب مالك‪ :‬ل ضمان عليييه فييي قول مالك إذا كان‬
‫القفيز الزائد ل يفدح الدابة‪ ،‬ويعلم أن مثله ل تعطب فيه الدابة‪ ،‬ولرب الدابة أجر القفيز الزائد مع‬
‫الكراء الول؛ لن عطبهييا ليييس ميين أجييل الزيادة‪ .‬وذلك بخلف مجاوزة المسييافة؛ لن مجاوزة‬
‫المسافة َتعَد كله فيضمن إذا هلكت في قليله وكثيره‪ .‬والزيادة على الحمل المشترط اجتمع فيه إذ نٌ‬
‫وتعد‪ ،‬فإذا كانت الزيادة ل تعطب في مثلها علم أن هلكها مما أذن له فيه‪.‬‬
‫@ واختلف أهيل العلم فيي الرجيل يكتري الدابية بأجير معلوم إلى موضيع مسيمى‪ ،‬فيتعدى فيجتاز‬
‫ذلك المكان ثيم يرجيع إلى المكان المأذون له فيي المصيير إلييه‪ .‬فقالت طائفية‪ :‬إذا جاوز ذلك المكان‬
‫ضمين ولييس علييه فيي التعدي كراء؛ هكذا قال الثوري‪ .‬وقال أبيو حنيفية‪ :‬الجير له فيميا سيمى‪ ،‬ول‬
‫أجير له فيميا لم يسيم؛ لنيه خالف فهيو ضامين‪ ،‬وبيه قال يعقوب‪ .‬وقال الشافعيي‪ :‬علييه الكراء الذي‬
‫سيمى‪ ،‬وكراء المثيل فيميا جاوز ذلك‪ ،‬ولو عطبيت لزميه قيمتهيا‪ .‬ونحوه قال الفقهاء السيبعة‪ ،‬مشيخية‬
‫أهيل المدينية قالوا‪ :‬إذا بلغ المسيافة ثيم زاد فعلييه كراء الزيادة إن سيلمت وإن هلكيت ضمين‪ .‬وقال‬
‫أحميد وإسيحاق وأبيو ثور‪ :‬علييه الكراء والضمان‪ .‬قال ابين المنذر‪ :‬وبيه نقول‪ .‬وقال ابين القاسيم‪ :‬إذا‬
‫بلغ المكتري الغايية التيي اكترى إليهيا ثيم زاد ميل ونحوه أو أميال أو زيادة كثيرة فعطبيت الدابية‪،‬‬
‫فلربهييا كراؤه الول والخيار فييي أخذه كراء الزائد بالغييا مييا بلغ‪ ،‬أو قيميية الدابيية يوم التعدي‪ .‬ابيين‬
‫المواز‪ :‬وقيد روى أنيه ضامين ولو زاد خطوة‪ .‬وقال ابين القاسيم عين مالك فيي زيادة المييل ونحوه‪:‬‬
‫وأميا ميا يعدل الناس إلييه فيي المرحلة فل يضمين‪ .‬وقال ابين حيبيب عين ابين الماجشون وأصيبغ‪ :‬إذا‬
‫كانت الزيادة يسيرة أو جاز المد الذي تكاراها إليه بيسير‪ ،‬ثم رجع بها سالمة إلى موضع تكاراها‬
‫إليه فماتت‪ ،‬أو ماتت في الطريق إلى الموضع الذي تكاراها إليه‪ ،‬فليس له إل كراء الزيادة‪ ،‬كرده‬
‫لميا تسيلف من الوديعية‪ .‬ولو زاد كثيرا مميا فييه مقام اليام الكثيرة التيي يتغيير فيي مثلهيا سيوقها فهيو‬
‫ضامين‪ ،‬كميا لو ماتيت فيي مجاوزة الميد أو المسيافة؛ لنيه إذا كانيت زيادة يسييرة مميا يعلم أن ذلك‬
‫مما لم يعن على قتلها فهلكها بعد ردها إلى الموضع المأذون له فيه كهلك ما تسلف من الوديعة‬
‫بعد رده ل محالة‪ .‬وإن كانت الزيادة كثيرة فتلك الزيادة قد أعانت على قتلها‪.‬‬
‫@ قال ابين القاسيم وابين وهيب قال مالك قال ال تعالى‪" :‬والخييل والبغال والحميير لتركبوهيا‬
‫وزينية" فجعلهيا للركوب والزينية ولم يجعلهيا للكيل؛ ونحوه عين أشهيب‪ .‬ولهذا قال أصيحابنا‪ :‬ل‬
‫يجوز أكل لحوم الخيل والبغال والحمير؛ لن ال تعالى لما نص على الركوب والزينة دل على ما‬
‫عداه بخلفه‪ .‬وقال في "النعام" "ومنها تأكلون" مع ما امتن ال منها من الدفء والمنافع‪ ،‬فأباح‬
‫لنا أكلها بالذكاة المشروعة فيها‪ .‬وبهذه الية احتج ابن عباس والحكم بن عيينة‪ ،‬قال الحكم‪ :‬لحوم‬
‫الخييل حرام فيي كتاب ال‪ ،‬وقرأ هذه اليية والتيي قبلهيا وقال‪ :‬هذه للكيل وهذه للركوب‪ .‬وسيئل ابن‬
‫عباس عيين لحوم الخيييل فكرههيييا‪ ،‬وتل هذه الييية وقال‪ :‬هذه للركوب‪ ،‬وقرأ الييية التيييي قبلهيييا‬
‫"والنعام خلقها لكم فيها دفء ومنافع" ثم قال‪ :‬هذه للكل‪ .‬وبه قال مالك وأبو حنيفة وأصحابهما‬
‫والوزاعيي ومجاهيد وأبيو عبييد وغيرهيم‪ ،‬واحتجوا بميا أخرجيه أبيو داود والنسيائي والدارقطنيي‬
‫وغيرهم عن صالح بن يحيى بن المقدام بن معد يكرب عن أبيه عن جده عن خالد بن الوليد‪ ،‬أن‬
‫رسيول ال صيلى ال علييه وسيلم نهيى يوم خييبر عين أكيل لحوم الخييل والبغال والحميير‪ ،‬وكيل ذي‬
‫ناب من السباع أو مخلب من الطير‪ .‬لفظ الدارقطني‪ .‬وعند النسائي أيضا عن خالد بن الوليد أنه‬
‫سمع النبي صلى ال عليه وسلم يقول‪( :‬ل يحل أكل لحوم الخيل والبغال والحمير)‪ .‬وقال الجمهور‬
‫مين الفقهاء والمحدثيين‪ :‬هيي مباحية‪ .‬وروي عين أبيي حنيفية‪ .‬وشذت طائفية فقالت بالتحرييم؛ منهيم‬
‫الحكيم كميا ذكرنيا‪ ،‬وروي عين أبيي حنيفية‪ .‬حكيى الثلث روايات عنيه الرويانيي فيي بحير المذهيب‬
‫على مذهب الشافعي‪.‬‬
‫قلت‪ :‬الصيحيح الذي يدل علييه النظير والخيبر جواز أكيل لحوم الخييل‪ ،‬وأن اليية والحدييث ل‬
‫حجية فيهميا لزمية‪ .‬أميا اليية فل دلييل فيهيا على تحرييم الخييل‪ .‬إذ لو دلت علييه لدلت على تحرييم‬
‫لحوم الحمير‪ ،‬والسورة مكية‪ ،‬وأي حاجة كانت إلى تجدييد تحريم لحوم الحمير عام خيبر وقد ثبت‬
‫في الخبار تحليل الخيل على ما يأتي‪ .‬وأيضا لما ذكر تعالى النعام ذكر الغلب من منافعها وأهم‬
‫ميا فيهيا‪ ،‬وهيو حميل الثقال والكيل‪ ،‬ولم يذكير الركوب ول الحرث بهيا ول غيير ذلك مصيرحا بيه‪،‬‬
‫وقييد تركييب ويحرث بهييا؛ قال ال تعالى‪" :‬الذي جعييل لكييم النعام لتركبوا منهييا ومنهييا تأكلون"‬
‫[غافر‪ .]79:‬وقال في الخيل‪" :‬لتركبوها وزينة" فذكر أيضا أغلب منافعها والمقصود منها‪ ،‬ولم‬
‫يذكير حميل الثقال عليهيا‪ ،‬وقيد تحميل كميا هيو مشاهيد فلذلك لم يذكير الكيل‪ .‬وقيد بينيه علييه السيلم‬
‫الذي جعل إليه بيان ما أنزل عليه ما يأتيي‪ ،‬ول يلزم مين كونهيا خلقيت للركوب والزينية أل تؤكل‪،‬‬
‫فهذه البقرة قيد أنطقهيا خالقهيا الذي أنطيق كيل شييء فقالت‪ :‬إنميا خلقيت للحرث‪ .‬فيلزم مين علل أن‬
‫الخيل ل تؤكل لنها خلقت للركوب وأل تؤكل البقر لنها خلقت للحرث‪ .‬وقد أجمع المسلمون على‬
‫جواز أكلهيا‪ ،‬فكذلك الخييل بالسينة الثابتية فيهيا‪ .‬روى مسيلم مين حدييث جابر قال‪ :‬نهيى رسيول ال‬
‫صيلى ال علييه وسيلم يوم خييبر عين لحوم الحمير الهليية وأذن فيي لحوم الخييل‪ .‬وقال النسيائي عين‬
‫جابر‪ :‬أطعمنا رسول ال صلى ال عليه وسلم يوم خيبر لحوم الخيل ونهانا عن لحوم الحمر‪ .‬وفي‬
‫روايية عين جابر قال‪ :‬كنيا نأكيل لحوم الخييل على عهيد رسيول ال صيلى ال علييه وسيلم‪ .‬فإن قييل‪:‬‬
‫الروايية عين جابر بأنهيم أكلوهيا فيي خييبر حكايية حال وقضيية فيي عيين‪ ،‬فيحتميل أن يكونوا ذبحوا‬
‫لضرورة‪ ،‬ول يحتيج بقضاييا الحوال‪ .‬قلنيا‪ :‬الروايية عين جابر وإخباره بأنهييم كانوا يأكلون لحوم‬
‫الخييل على عهيد رسيول ال صيلى ال علييه وسيلم يزييل ذلك الحتمال‪ ،‬ولئن سيلمناه فمعنيا حدييث‬
‫أسيماء قالت‪ :‬نحرنيا فرسيا على عهيد رسيول ال صيلى ال علييه وسيلم ونحين بالمدينية فأكلناه؛ رواه‬
‫مسلم‪ .‬وكل تأويل من غير ترجيح في مقابلة النص فإنما هو دعوى‪ ،‬ل يلتفت إليه ول يعرج عليه‪.‬‬
‫وقيد روى الدارقطنيي زيادة حسينة ترفيع كيل تأوييل فيي حدييث أسيماء‪ ،‬قالت أسيماء‪ :‬كان لنيا فرس‬
‫على عهيد رسيول ال صيلى ال علييه وسيلم أرادت أن تموت فذبحناهيا فأكلناهيا‪ .‬فذبحهيا إنميا كان‬
‫لخوف الموت عليهيا ل لغيير ذلك مين الحوال‪ .‬وبال التوفييق‪ .‬فإن قييل‪ :‬حيوان مين ذوات الحوافير‬
‫فل يؤكيل كالحمار؟ قلنيا‪ :‬هذا قياس الشبيه وقيد اختلف أرباب الصيول فيي القول بيه‪ ،‬ولئن سيلمناه‬
‫فهييو منتقييض بالخنزييير؛ فإنييه ذو ظلف وقييد باييين ذوات الظلف‪ ،‬وعلى أن القياس إذا كان فييي‬
‫مقابلة النيص فهيو فاسيد الوضيع ل التفات إلييه‪ .‬قال الطيبري‪ :‬وفيي إجماعهيم على جواز ركوب ميا‬
‫ذكر للكل دليل على جواز أكل ما ذكر للركوب‪.‬‬
‫@ وأما البغال فإنهيا تلحق بالحميير‪ ،‬إن قلنيا إن الخيل ل تؤكيل؛ فإنهيا تكون متولدة مين عينيين ل‬
‫يؤكلن‪ .‬وإن قلنيا إن الخييل تؤكيل‪ ،‬فإنهيا عيين متولدة مين مأكول وغيير مأكول فغلب التحرييم على‬
‫ميا يلزم فيي الصيول‪ .‬وكذلك ذبيح المولود بيين كافريين أحدهميا مين أهيل الذكاة والخير لييس مين‬
‫أهلهيا‪ ،‬ل تكون ذكاة ول تحيل بيه الذبيحية‪ .‬وقيد علل تحرييم أكيل الحمار بأنيه أبدى جوهره الخيبيث‬
‫حيث نزا على ذكر وتلوط؛ فسمي رجسا‪.‬‬
‫@ في الية دليل على أن الخيل ل زكاة فيها؛ لن ال سبحانه من علينا بما أباحنا منها وكرمنا به‬
‫مين منافعهيا‪ ،‬فغيير جائز أن يلزم فيهيا كلفية إل بدلييل‪ .‬وقيد روى مالك عين عبدال بين دينار عين‬
‫سيليمان بين يسيار عين عراك بين مالك عين أبيي هريرة أن رسيول ال صيلى ال علييه وسيلم قال‪:‬‬
‫(لييس على المسيلم فيي عبده ول فرسيه صيدقة)‪ .‬وروى أبيو داود عين أبيي هريرة عين رسيول ال‬
‫صلى ال عليه وسلم قال‪( :‬ليس في الخيل والرقيق زكاة إل زكاة الفطر في الرقيق)‪ .‬وبه قال مالك‬
‫والشافعيي والوزاعي واللييث وأبو يوسيف ومحميد‪ .‬وقال أبو حنيفية‪ :‬إن كانيت إناثيا كلهيا أو ذكورا‬
‫وإناثيا‪ ،‬ففيي كيل فرس دينار إذا كانيت سيائمة‪ ،‬وإن شاء قومهيا فأخرج عين كيل مائتيي درهيم خمسية‬
‫دراهيم‪ .‬واحتيج بأثير عين النيبي صيلى ال علييه وسيلم أنيه قال‪( :‬فيي الخييل السيائمة فيي كيل فرس‬
‫دينار) وبقوله صلى ال عليه وسلم‪( :‬الخيل ثلثة‪ )...‬الحديث‪ .‬وفيه‪( :‬ولم ينس حق ال في رقابها‬
‫ول ظهورهيا)‪ .‬والجواب عين الول أنيه حدييث لم يروه إل غورك السيعدي عين جعفير عين محميد‬
‫عين أبييه عين جابر‪ .‬قال الدارقطنيي‪ :‬تفرد بيه غورك عين جعفير وهيو ضعييف جدا‪ ،‬ومين دونيه‬
‫ضعفاء‪ .‬وأما الحديث فالحيق المذكور فيه هو الخروج عليها إذا وقع النفيير وتعين بها لقتال العدو‬
‫إذا تعيين ذلك علييه‪ ،‬ويحميل المنقطعيين عليهيا إذا احتاجوا لذلك‪ ،‬وهذا واجيب علييه إذا تعيين ذلك‪،‬‬
‫كميا يتعيين علييه أن يطعمهيم عنيد الضرورة‪ ،‬فهذه حقوق ال فيي رقابهيا‪ .‬فإن قييل‪ :‬هذا هيو الحيق‬
‫الذي في ظهورها وبقي الحق الذي في رقابها؛ قيل‪ :‬قد روي (ل ينسى حق ال فيها) ول فرق بين‬
‫قوله‪( :‬حيق ال فيهيا) أو (فيي رقابهيا وظهورهيا) فإن المعنيى يرجيع إلى شييء واحيد؛ لن الحيق‬
‫يتعلق بجملتهيا‪ .‬وقيد قال جماعية مين العلماء ‪ :‬إن الحيق هنيا حسين ملكهيا وتعهيد شبعهيا والحسيان‬
‫إليها وركوبها غير مشقوق عليها؛ كما جاء في الحديث (ل تتخذوا ظهورها كراسي)‪ .‬وإنما خص‬
‫رقابهيييا بالذكييير لن الرقاب والعناق تَسييْتعّار كثيرا فيييي مواضيييع الحقوق اللزمييية والفروض‬
‫الواجبية؛ ومنيه قوله تعالى‪" :‬فتحريير رقبية مؤمنية" [النسياء‪ ]92 :‬وكثير عندهيم اسيتعمال ذلك‬
‫واستعارته حتى جعلوه في الرباع والموال؛ أل ترى قول كثير‪:‬‬
‫غلقت لضحكته رقاب المال‬ ‫غمر الرداء إذا تبسم ضاحكا‬
‫وأيضا فإن الحيوان الذي تجب فيه الزكاة له نصاب من جنسه‪ ،‬ولما خرجت الخيل عن ذلك علمنا‬
‫سيقوط الزكاة فيهيا‪ .‬وأيضيا فإيجابيه الزكاة فيي إناثهيا منفردة دون الذكور تناقيض منيه‪ .‬ولييس فيي‬
‫الحديث فصل بينهما‪ .‬ونقيس الناث على الذكور في نفي الصدقة بأنه حيوان مقتنى لنسله ل لدره‪،‬‬
‫ول تجيب الزكاة فيي ذكوره فلم تجيب فيي إناثيه كالبغال والحميير‪ .‬وقيد روي عنيه أنيه ل زكاة فيي‬
‫إناثها وإن انفردت كذكورها منفردة‪ ،‬وهذا الذي عليه الجمهور‪ .‬قال ابن عبدالبر‪ :‬الخبر في صدقة‬
‫الخيييل عيين عميير صييحيح ميين حديييث الزهري وغيره‪ .‬وقييد روي ميين حديييث مالك‪ ،‬ورواه عنييه‬
‫جويريية عين الزهري أن السيائب بين يزييد قال ‪ :‬لقيد رأييت أبيي يقوم الخييل ثيم يدفيع صيدقتها إلى‬
‫عمر‪ .‬وهذا حجة لبي حنيفة وشيخه حماد بن أبي سليمان‪ ،‬ل أعلم أحدا من فقهاء المصار أوجب‬
‫الزكاة في الخيل غيرهما‪ .‬تفرد به جويرية عن مالك وهو ثقة‪.‬‬
‫@قوله تعالى‪" :‬وزينية" منصيوب بإضمار فعيل‪ ،‬المعنيى‪ :‬وجعلهيا زينية‪ .‬وقييل ‪ :‬هيو مفعول مين‬
‫أجله‪ .‬والزينية‪ :‬ميا يتزيين بيه‪ ،‬وهذا الجمال والتزييين وإن كان مين متاع الدنييا فقيد أذن ال سيبحانه‬
‫لعباده فييه؛ قال النيبي صيلى ال علييه وسيلم‪( :‬البيل عيز لهلهيا والغنيم بركية والخييل فيي نواصييها‬
‫الخيير)‪ .‬خرجيه البرقانيي وابين ماجية فيي السينن‪ .‬وإنميا جميع النيبي صيلى ال علييه وسيلم العيز فيي‬
‫البيل؛ لن فيهيا اللباس والكيل واللبين والحميل والغزو وإن نقصيها الكير والفير وجعيل البركية فيي‬
‫الغنيم لميا فيهيا مين اللباس والطعام والشراب وكثرة الولد؛ فإنهيا تلد فيي العام ثلث مرات إلى ميا‬
‫يتبعهيا مين السيكينة‪ ،‬وتحميل صياحبها علييه مين خفيض الجناح وليين الجانيب؛ بخلف الفداديين أهيل‬
‫الوبر‪ .‬وقرن النيبي صيلى ال علييه وسيلم الخيير بنواصيي الخييل بقيية الدهير لميا فيهيا مين الغنيمية‬
‫المستفادة للكسب والمعاش‪ ،‬وما يوصل إليه من قهر العداء وغلب الكفار وإعلء كلمة ال تعالى‪.‬‬
‫@قوله تعالى‪" :‬ويخلق ميا ل تعلمون" قال الجمهور‪ :‬مين الخلق‪ .‬وقييل‪ :‬مين أنواع الحشرات‬
‫والهوام فيي أسيافل الرض والبر والبحير مميا لم يره البشير ولم يسيمعوا بيه‪ .‬وقييل ‪ :‬ويخلق ميا ل‬
‫تعلمون" مميا أعيد ال فيي الجنية لهلهيا وفيي النار لهلهيا‪ ،‬مميا لم تره عيين ولم تسيمع بيه أذن ول‬
‫خطير على قلب بشير‪ .‬وقال قتادة والسيدي‪ :‬هيو خلق السيوس فيي الثياب والدود فيي الفواكيه‪ .‬ابين‬
‫عباس‪ :‬عيين تحيت العرش؛ حكاه الماوردي‪ .‬الثعلبيي‪ :‬وقال ابين عباس عين يميين العرش نهير مين‬
‫النور مثل السماوات السبع والرضين السبع والبحار السبع سبعين مرة‪ ،‬يدخله جبريل كل سحر‬
‫فيغتسل فيزداد نورا إلى نوره وجمال إلى جماله وعِظما إلى عظمه‪ ،‬ثم ينتفض فيخرج ال من كل‬
‫ريشة سبعين ألف قطرة‪ ،‬ويخرج من كل قطرة سبعة آلف ملك‪ ،‬يدخل منهم كل يوم سبعون ألف‬
‫ملك إلى البييت المعمور‪ ،‬وفيي الكعبية سيبعون ألفيا ل يعدون إلييه إلى يوم القيامية‪ .‬وقول خاميس‪:‬‬
‫وهيو ميا روي عين النيبي صيلى ال علييه وسيلم أنهيا أرض بيضاء‪ ،‬مسييرة الشميس ثلثيين يوميا‬
‫مشحونية خلقيا ل يعلمون أن ال تعالى يعصيى فيي الرض‪ ،‬قالوا‪ :‬ييا رسيول ال‪ ،‬مين ولد آدم؟ قال‪:‬‬
‫(ل يعلمون أن ال خلق آدم)‪ .‬قالوا‪ :‬يا رسول ال‪ ،‬فأين إبليس منهم؟ قال ‪( :‬ل يعلمون أن ال خلق‬
‫إبليس) ‪ -‬ثم تل "ويخلق ما ل تعلمون" ذكره الماوردي‪.‬‬
‫قلت‪ :‬ومن هذا المعنى ما ذكر البيهقي عن الشعبي قال‪ :‬إن ل عبادا من وراء الندلس كما بيننا‬
‫وبييين الندلس‪ ،‬مييا يرون أن ال عصيياه مخلوق‪ ،‬رضراضهييم الدر والياقوت وجبالهييم الذهييب‬
‫والفضة‪ ،‬ل يحرثون ول يزرعون ول يعملون عمل‪ ،‬لهم شجر على أبوابهم لها ثمر هي طعامهم‬
‫وشجيير لهييا أوراق عراض هييي لباسييهم؛ ذكره فييي بدء الخلق ميين "كتاب السييماء والصييفات"‪.‬‬
‫وخرج من حديث موسى بن عقبة عن محمد بن المنكدر عن جابر بن عبدال النصاري أنه قال‬
‫قال رسول ال صلى ال عليه وسلم‪( :‬أذن لي أن أحدث عن ملك من ملئكة ال من حملة العرش‬
‫ما بين شحمة أذنه إلى عاتقه مسيرة سبعمائة عام)‪.‬‬
‫*‪*3‬الية‪{ 9 :‬وعلى ال قصد السبيل ومنها جائر ولو شاء لهداكم أجمعين}‬
‫@قوله تعالى‪" :‬وعلى ال قصيد السيبيل" أي على ال بيان قصيد السيبيل‪ ،‬فحذف المضاف وهيو‬
‫البيان‪ .‬والسيبيل‪ :‬السيلم‪ ،‬أي على ال بيانيه بالرسيل والحجيج والبراهيين‪ .‬وقصيد السيبيل‪ :‬اسيتعانة‬
‫الطرييق؛ يقال‪ :‬طرييق قاصيد أي يؤدي إلى المطلوب‪" .‬ومنهيا جائر" أي ومين السيبيل جائر؛ أي‬
‫عادل عن الحق فل يهتدى به؛ ومنه قول امرئ القيس‪:‬‬
‫قصد السبيل ومنه ذو دخل‬ ‫ومن الطريقة جائر وهدى‬
‫وقال طرفة‪:‬‬
‫يجور بها الملح طورا ويهتدي‬ ‫عدولية أو من سفين ابن يامن‬
‫عدَوْلَي قريية بالبحريين‪ .‬والعدولي‪ :‬الملح؛ قاله فيي الصيحاح‪ .‬وفيي‬ ‫العدوليية سيفينة منسيوبة إلى َ‬
‫التنزييل "وأن هذا صيراطي مسيتقيما فاتبعوه ول تتبعوا السيبل" [النعام‪ .]153 :‬وقييل‪ :‬المعنيى‬
‫ومنهيم جائر عين سيبيل الحيق‪ ،‬أي عادل عنيه فل يهتدى إلييه‪ .‬وفيهييم قولن‪ :‬أحدهميا‪ :‬أنهييم أهيل‬
‫الهواء المختلفية؛ قاله ابين عباس‪ .‬الثانيي‪ :‬ملل الكفير مين اليهوديية والمجوسيية والنصيرانية‪ .‬وفيي‬
‫مصيحف عبدال "ومنكيم جائر" وكذا قرأ علي "ومنكيم" بالكاف‪ .‬وقييل‪ :‬المعنيى وعنهيا جائر؛ أي‬
‫عين السيبيل‪ .‬فيي "مين" بمعنيى عين‪ .‬وقال ابين عباس‪ :‬أي مين أراد ال أن يهدييه سيهل له طرييق‬
‫اليمان‪ ،‬ومين أراد أن يضله ثقيل علييه اليمان وفروعيه‪ .‬وقييل‪ :‬معنيى "قصيد السيبيل" مسييركم‬
‫ورجوعكم‪ .‬والسبيل واحدة بمعنى الجمع‪ ،‬ولذلك أنث الكناية فقال‪" :‬ومنها" والسبيل مؤنثة في لغة‬
‫أهل الحجاز‪.‬‬
‫@قوله تعالى‪" :‬ولو شاء لهداكم أجمعين" بين أن المشيئة ل تعالى‪ ،‬وهو يصحح ما ذهب إليه ابن‬
‫عباس في تأويل الية‪ ،‬ويرد على القدرية ومن وافقها كما تقدم‪.‬‬
‫*‪*3‬الية‪{ 10 :‬هو الذي أنزل من السماء ماء لكم منه شراب ومنه شجر فيه تسيمون}‬
‫@ الشراب مييا يشرب‪ ،‬والشجيير معروف‪ .‬أي ينبييت ميين المطار أشجارا وعروشييا ونباتييا‪.‬‬
‫و"تسييمون" ترعون إبلكيم؛ يقال‪ :‬سيامت السيائمة تسيوم سيوما أي رعيت‪ ،‬فهيي سيائمة‪ .‬والسيوام‬
‫والسيائم بمعنيى‪ ،‬وهيو المال الراعيي‪ .‬وجميع السيائم والسيائمة سيوائم‪ .‬وأسيمتها أنيا أي أخرجتهيا إلى‬
‫الرعي‪ ،‬فأنا مسيم وهي مسامة وسائمة‪ .‬قال‪:‬‬
‫أولى لك ابن مسيمة الجمال‬
‫وأصل السوم البعاد في المرعى‪ .‬وقال الزجاج‪ :‬أخذ من السومة وهي العلمة؛ أي أنها تؤثر في‬
‫الرض علمات برعيها‪ ،‬أو لنها تعلم للرسال في المرعى‪.‬‬
‫قلت‪ :‬والخييييل المسيييومة تكون المرعيييية‪ .‬وتكون المعلمييية‪ .‬وقوله‪" :‬مسيييومين" [آل عمران‪:‬‬
‫‪ ]125‬قال الخفش تكون معلمين وتكون مرسلين؛ من قولك‪ :‬سوم فيها الخيل أي أرسلها‪ ،‬ومنه‬
‫السائمة‪ ،‬وإنما جاء بالياء والنون لن الخيل سومت وعليها ركبانها‪.‬‬
‫*‪*3‬الية‪{ 11 :‬ينبت لكم به الزرع والزيتون والنخيل والعناب ومن كل الثمرات إن في ذلك‬
‫لية لقوم يتفكرون}‬
‫@قوله تعالى‪" :‬ينبت لكم به الزرع والزيتون والنخيل والعناب ومن كل الثمرات" قرأ أبو بكر‬
‫عيين عاصييم "ننبييت" بالنون على التعظيييم‪ .‬العاميية بالياء على معنييى ينبييت ال لكييم؛ يقال‪ :‬ينبييت‬
‫الرض وأنبتت بمعنى‪ ،‬ونبت البقل وأنبت بمعنى‪ .‬وأنشد الفراء‪:‬‬
‫قطينا بها حتى إذا أنبت البقل‬ ‫رأيت ذوي الحاجات حول بيوتهم‬
‫أي نبت‪ .‬وأنبته ال فهو منبوت‪ ،‬على غير قياس‪ .‬وأنبت الغلم نبتت عانته‪ .‬ونبت الشجر غرسه؛‬
‫يقال‪ :‬نبيت أجلك بيين عينييك‪ .‬ونبيت الصيبي تنبيتيا ربيتيه‪ .‬والمنبيت موضيع النبات؛ يقال‪ :‬ميا أحسين‬
‫نابتة بني فلن؛ أي ما ينت عليه أموالهم وأولدهم‪ .‬ونبتت لهم نابتة إذا نشأ لهم نشء صغار‪ .‬وإن‬
‫بني فلن لنابتة شر‪ .‬والنوابت من الحادث الغمار‪ .‬والنبيت حي من اليمن‪ .‬والينبوت شجر؛ كله‬
‫عن الجوهري‪" .‬والزيتون" جمع زيتونة‪ .‬ويقال للشجرة نفسها‪ :‬زيتونة‪ ،‬وللثمرة زيتونة‪" .‬إن في‬
‫ذلك" أي النزال والنبات‪" .‬لية" أي دللة "لقوم يتفكرون"‪.‬‬
‫*‪*3‬الية‪{ 12 :‬وسخر لكم الليل والنهار والشمس والقمر والنجوم مسخرات بأمره إن في ذلك‬
‫ليات لقوم يعقلون}‬
‫@قوله تعالى‪" :‬وسيخر لكيم اللييل والنهار" أي للسيكون والعمال؛ كميا قال‪" :‬ومين رحمتيه جعيل‬
‫لكيم اللييل والنهار لتسيكنوا فييه ولتبتغوا مين فضله" [القصيص‪" .]73 :‬والشميس والقمير والنجوم‬
‫مسيييخرات بأمره" أي مذللت لمعرفييية الوقات ونضيييج الثمار والزرع والهتداء بالنجوم فيييي‬
‫الظلمات‪ .‬وقرأ ابين عامير وأهيل الشام "والشميس والقمير والنجوم مسيخرات" بالرفيع على البتداء‬
‫والخيييبر‪ .‬الباقون بالنصيييب عطفيييا على ميييا قبله‪ .‬وقرأ حفيييص عييين عاصيييم برفيييع "والنجوم"‪،‬‬
‫"مسيخرات" خيبره‪ .‬وقرئ "والشميس والقمير والنجوم" بالنصيب‪" .‬مسيخرات" بالرفيع‪ ،‬وهيو خيبر‬
‫ابتداء محذوف أي فييي مسيخرات‪ ،‬وهيي فيي قراءة مين نصيبها حال مؤكدة؛ كقوله‪" :‬وهيو الحيق‬
‫مصيدقا" [البقرة‪" .]91 :‬إن فيي ذلك ليات لقوم يعقلون" أي يعقلون عين ال ميا نبههيم علييه‬
‫ووفقهم له‪.‬‬
‫*‪*3‬الية‪{ 13 :‬وما ذرأ لكم في الرض مختلفا ألوانه إن في ذلك لية لقوم يذكرون}‬
‫@قوله تعالى‪" :‬وميا ذرأ" أي وسيخر ميا ذرأ فيي الرض لكيم‪" .‬ذرأ" أي خلق؛ ذرأ ال الخلق‬
‫يذرؤهيم ذرءا خلقهيم‪ ،‬فهيو ذارئ؛ ومنيه الذريية وهيي نسيل الثقليين‪ ،‬إل أن العرب تركيت همزهيا‪،‬‬
‫والجمييع الذراري‪ .‬يقال‪ :‬أنمييى ال ذرأك وذروك‪ ،‬أي ذريتييك‪ .‬وأصييل الذرو والذرء التفريييق عيين‬
‫جمع‪ .‬وفي الحديث‪ :‬ذرء النار؛ أي أنهم خلقوا لها‪.‬‬
‫@ ميا ذرأه ال سيبحانه منيه مسيخر مذلل كالدواب والنعام والشجار وغيرهيا‪ ،‬ومنيه غيير ذلك‪.‬‬
‫والدلييل علييه ميا رواه مالك فيي الموطيأ عين كعيب الحبار قال‪ :‬لول كلمات أقولهين لجعلتنيي يهود‬
‫حمارا‪ .‬فقييل له‪ :‬وميا هين؟ فقال‪ :‬أعوذ بوجيه ال العظييم الذي لييس شييء أعظيم منيه‪ ،‬وبكلمات ال‬
‫التامات التي ل يجاوزهن بر ول فاجر‪ ،‬وبأسماء ال الحسنى كلها ما علمت منها وما لم أعلم‪ ،‬من‬
‫شر ما خلق وبرأ وذرأ‪ .‬وفيه عن يحيى بن سعيد أنه قال‪ :‬أسري برسول ال صلى ال عليه وسلم‬
‫فرأى عفريتا من الجن يطلبه بشعلة من نار‪ ،‬الحديث‪ .‬وفيه‪ :‬وشر ما ذرأ في الرض‪ .‬وقد ذكرناه‬
‫وما في معناه في غير هذا الموضع‪.‬‬
‫@قوله تعالى‪" :‬مختلفيا ألوانيه" "مختلفيا" نصيب على الحال‪ .‬و"ألوانيه" هيئاتيه ومناظره‪ ،‬يعنيي‬
‫الدواب والشجر وغيرها‪" .‬إن في ذلك" أي في اختلف ألوانها‪" .‬لية" أي لعبرة‪" .‬لقوم يذكرون"‬
‫أي يتعظون ويعلمون أن فيي تسيخير هذه المكونات لعلمات على وحدانيية ال تعالى‪ ،‬وأنيه ل يقدر‬
‫على ذلك أحد غيره‪.‬‬
‫*‪*3‬اليية‪{ 14 :‬وهيو الذي سيخر البحير لتأكلوا منيه لحميا طرييا وتسيتخرجوا منيه حليية تلبسيونها‬
‫وترى الفلك مواخر فيه ولتبتغوا من فضله ولعلكم تشكرون}‬
‫@قوله تعالى‪" :‬وهو الذي سخر البحر" تسخير البحر هو تمكين البشر من التصرف فيه وتذليله‬
‫بالركوب والرفاء وغيره‪ ،‬وهذه نعمة من نعم ال علينا‪ ،‬فلو شاء سلطه علينا وأغرقنا‪ .‬وقد مضى‬
‫الكلم في البحر وفي صيده‪ .‬وسماه هنا لحما واللحوم عند مالك ثلثة أجناس‪ :‬فلحم ذوات الربع‬
‫جنييس‪ ،‬ولحييم ذوات الريييش جنييس‪ ،‬ولحييم ذوات الماء جنييس‪ .‬فل يجوز بيييع الجنييس ميين جنسييه‬
‫متفاضل‪ ،‬ويجوز بييع لحيم البقير والوحيش بلحيم الطيير والسيمك متفاضل‪ ،‬وكذلك لحيم الطيير بلحيم‬
‫البقير والوحيش والسيمك يجوز متفاضل‪ .‬وقال أبيو حنيفية‪ :‬اللحيم كلهيا أصيناف مختلفية كأصيولها؛‬
‫فلحيم البقير صينف‪ ،‬ولحيم الغنيم صينف‪ ،‬ولحيم البيل صينف‪ ،‬وكذلك الوحيش مختلف‪ ،‬كذلك الطيير‪،‬‬
‫وكذلك السمك‪ ،‬وهو جحد قولي الشافعي‪ .‬والقول الخر أن الكل من النعم والصيد والطير والسمك‬
‫جنس واحد ل يجوز التفاضل فيه‪ .‬والقول الول هو المشهور من مذهبه عند أصحابه‪ .‬ودليلنا هو‬
‫أن ال تعالى فرق بين أسماء النعام في حياتها فقال‪" :‬ثمانية أزواج من الضأن اثنين ومن المعيز‬
‫اثنين" [النعام‪ ]143 :‬ثم قال‪" :‬ومن البل اثنين ومن البقر اثنين" فلما أن أم بالجميع إلى اللحم‬
‫قال‪" :‬أحلت لكيم بهيمية النعام" [المائدة‪ ]1 :‬فجمعهيا بلحيم واحيد لتقارب منافعهيا كتقارب لحيم‬
‫الضأن والمعز‪ .‬وقال في موضع آخر‪" :‬ولحم طير مما يشتهون" [الواقعة‪ ]21 :‬وهذا جمع طائر‬
‫الذي هيو الواحيد‪ ،‬لقوله تعالى‪" :‬ول طائر يطيير بجناحييه" [النعام‪ ]38 :‬فجميع لحيم الطيير كله‬
‫باسيم واحيد‪ .‬وقال هنيا‪" :‬لحميا طرييا" فجميع أصيناف السيمك بذكير واحيد‪ ،‬فكان صيغاره ككباره فيي‬
‫الجمع بينهما‪ .‬وقد روي عن ابن عمر أنه سئل عن لحم المعز بلحم الكباش أشيء واحد؟ فقال ل؛‬
‫ول مخالف له فصيار كالجماع‪ ،‬وال أعلم‪ .‬ول حجية للمخالف فيي نهييه صيلى ال علييه وسيلم عين‬
‫بيييع الطعام إل مثل بمثييل؛ فإن الطعام فييي الطلق يتناول الحنطيية وغيرهييا ميين المأكولت ول‬
‫يتناول اللحييم؛ أل ترى أن القائل إذا قال‪ :‬أكلت اليوم طعامييا لم يسييبق الفهييم منييه إلى أكييل اللحييم‪،‬‬
‫وأيضيا فإنيه معارض بقوله صيلى ال علييه وسيلم‪( :‬إذا اختلف الجنسيان فيبيعوا كييف شئتيم) وهذان‬
‫جنسيان‪ ،‬وأيضيا فقيد اتفقنيا على جواز بييع اللحيم بلحيم الطيير متفاضل ل لعلة أنيه بييع طعام ل زكاة‬
‫له بيع بلحم ليس فيه الزكاة‪ ،‬وكذلك بيع السمك بلحم الطير متفاضل‪.‬‬
‫وأميا الجراد فالمشهور عندنيا جواز بييع بعضيه ببعيض متفاضل‪ .‬وذكير عين سيحنون أنيه يمنيع‬
‫من ذلك‪ ،‬وإليه مال بعض المتأخرين ورآه مما يدخر‪.‬‬
‫@ اختلف العلماء فيمين حلف أل يأكيل لحميا؛ فقال ابين القاسيم‪ :‬يحنيث بكيل نوع مين هذه النواع‬
‫الربعية‪ .‬وقال أشهيب فيي المجموعية‪ .‬ل يحنيث إل بكيل لحوم النعام دون الوحيش وغيره‪ ،‬مراعاة‬
‫للعرف والعادة‪ ،‬وتقديما لها على إطلق اللفظ اللغوي‪ ،‬وهو أحسن‪.‬‬
‫@قوله تعالى‪" :‬وتستخرجوا منه حلية تلبسونها" يعني به اللؤلؤ والمرجان؛ لقوله تعالى‪" :‬يخرج‬
‫منهميا اللؤلؤ والمرجان" [الرحمين‪ .]22 :‬وإخراج الحليية إنميا هيي فيميا عرف مين الملح فقيط‪.‬‬
‫وقال‪ :‬إن في الزمرد بحريا‪ .‬وقد خطئ الهذلي في قوله في وصف الدرّة‪:‬‬
‫على وجهها ماء الفرات يدوم‬ ‫فجاء بها من در ة لطمية‬
‫فجعلهيا مين الماء الحلو‪ .‬فالحليية حيق وهيي نحلة ال تعالى لدم وولده‪ .‬خلق آدم وتوج وكلل بإكلييل‬
‫الجنة‪ ،‬وختم بالخاتم الذي ورثه عنه سليمان بن داود صلوات ال عليهم‪ ،‬وكان يقال له خاتم العز‬
‫فيما روي‪.‬‬
‫@ امتن ال سبحانه على الرجال والنساء امتنانا عاما بما يخرج من البحر‪ ،‬فل يحرم عليهم شيء‬
‫منه‪ ،‬وإنما حرم ال تعالى على الرجال الذهب والحرير‪ .‬روى الصحيح عن عمر بن الخطاب قال‬
‫قال رسيول ال صيلى ال علييه وسيلم‪( :‬ل تلبسيوا الحريير فإنيه مين لبسيه فيي الدنييا لم يلبسيه فيي‬
‫الخرة)‪ .‬وسيييأتي فييي سييورة "الحييج" الكلم فيييه إن شاء ال‪ .‬وروى البخاري عيين ابيين عميير أن‬
‫رسول ال صلى ال عليه وسلم اتخذ خاتما من ذهب‪ ،‬وجعل فصه مما يلي باطن كفه‪ ،‬ونقش فيه‬
‫محمد رسول ال؛ فاتخذ الناس مثله؛ فلما رآهم قد اتخذوها رمى به وقال‪( :‬ل ألبسه أبدا) ثم اتخذ‬
‫خاتميا من فضة فاتخذ الناس خواتيم الفضة‪ .‬قال ابن عمر‪ :‬فلبس الخاتم بعد النبي صلى ال عليه‬
‫وسيلم أبيو بكير ثيم عمير ثيم عثمان‪ ،‬حتيى وقيع مين عثمان فيي بئر أرييس‪ .‬قال أبيو داود‪ :‬لم يختلف‬
‫الناس على عثمان حتى سقط الخاتم من يده‪ .‬وأجمع العلماء على جواز التختم بالورق على الجملة‬
‫للرجال‪ .‬قال الخطابييي‪ .‬وكره للنسيياء التختييم بالفضيية؛ لنييه ميين زي الرجال‪ ،‬فإن لم يجدن ذهبييا‬
‫فليصييفرنه بزعفران أو بشبهييه‪ .‬وجمهور العلماء ميين السييلف والخلف على تحريييم اتخاذ الرجال‬
‫خاتيم الذهيب‪ ،‬إل ميا روي عين أبيي بكير بين عبدالرحمين وخباب‪ ،‬وهيو خلف شاذ‪ ،‬وكيل منهميا لم‬
‫يبلغهما النهي والنسخ‪ .‬وال أعلم‪ .‬وأما ما رواه أنس بن مالك أنه رأى في يد رسول ال صلى ال‬
‫عليه وسلم خاتما من ورق يوما واحدا‪ ،‬ثم إن الناس اصطنعوا الخواتم‪ ،‬من ورق ولبسوها‪ ،‬فطرح‬
‫رسييول ال صييلى ال عليييه وسييلم خاتمييه فطرح الناس خواتيمهييم ‪ -‬أخرجييه الصييحيحان واللفييظ‬
‫للبخاري ‪ -‬فهو عند العلماء وهم من ابن شهاب؛ لن الذي نبذ رسول ال صلى ال عليه وسلم إنما‬
‫هو خاتم الذهب‪ .‬رواه عبدالعزيز بن صهيب وقتادة عن أنس‪ ،‬وهو خلف ما روى ابن شهاب عن‬
‫أنس فوجب القضاء بالجملة على الواحد إذا خالفها‪ ،‬مع ما يشهد للجماعة من حديث ابن عمر‪.‬‬
‫@ إذا ثبت جواز التختم للرجال بخاتم الفضة والتحلي به‪ ،‬فقد كره ابن سيرين وغيره من العلماء‬
‫نقشيه وأن يكون فييه ذكير ال‪ .‬وأجاز نقشيه جماعية مين العلماء‪ .‬ثيم إذا نقيش علييه اسيم ال أو كلمية‬
‫حكمة أو كلمات من القرآن وجعله في شماله‪ ،‬فهل يدخل به الخلء ويستنجي بشماله؟ خففه سعيد‬
‫بين المسييب ومالك‪ .‬قييل لمالك‪ :‬إن كان فيي الخاتيم ذكير ال ويلبسيه فيي الشمال أيسيتنجى بيه؟ قال‪:‬‬
‫أرجيو أن يكون خفيفيا‪ .‬وروي عنيه الكراهية وهيو الولى‪ .‬وعلى المنيع مين ذلك أكثير أصيحابه‪ .‬وقيد‬
‫روى همام عين ابين جرييج عين الزهري عين أنيس قال‪ :‬كان رسيول ال صيلى ال علييه وسيلم إذا‬
‫دخيل الخلء وضيع خاتميه‪ .‬قال أبيو داود‪ :‬هذا حدييث منكير‪ ،‬وإنميا يعرف عين ابين جرييج عين زياد‬
‫ابين سيعد عين الزهري عين أنيس أن النيبي صيلى ال علييه وسيلم اتخيذ خاتميا مين ورق ثيم ألقاه‪ .‬قال‬
‫أبو داود‪ :‬لم يحدث بهذا إل همام‪.‬‬
‫@ روى البخاري عين أنيس بين مالك أن رسيول ال صيلى ال علييه وسيلم اتخيذ خاتميا مين فضية‬
‫ونقش فيه "محمد رسول ال" وقال‪( :‬إني اتخذت خاتما من ورق ونقشت فيه محمد رسول ال فل‬
‫ينقشين أحيد على نقشيه)‪ .‬قال علماؤنيا‪ :‬فهذا دلييل على جواز نقيش اسيم صياحب الخاتيم على خاتميه‪.‬‬
‫قال مالك‪ :‬ومين شأن الخلفاء والقضاة نقيش أسيمائهم على خواتيمهيم‪ ،‬ونهييه علييه السيلم‪ :‬ل ينقشين‬
‫أحد على نقش خاتمه‪ ،‬من أجل أن ذلك اسمه وصفته برسالة ال له إلى خلقه‪ .‬وروى أهل الشام أنه‬
‫ل يجوز الخاتم لغير ذي سلطان‪ .‬وروى في ذلك حديثا عن أبي ريحانة‪ ،‬وهو حديث ل حجة فيه‬
‫لضعفيه‪ .‬وقوله عليه السيلم‪( :‬ل ينقشين أحد على نقشه) يرده ويدل على جواز اتخاذ الخاتيم لجميع‬
‫الناس‪ ،‬إذا لم ينقيش على نقيش خاتميه‪ .‬وكان نقيش خاتيم الزهري "محميد يسيأل ال العافيية"‪ .‬وكان‬
‫نقيش خاتيم مالك "حسيبي ال ونعيم الوكييل"‪ .‬وذكير الترمذي الحكييم فيي "نوادر الصيول" أن نقيش‬
‫خاتيم موسيى علييه السيلم "لكيل أجيل كتاب" [الرعيد‪ .]38 :‬وبلغ عمير بين عبدالعزييز أن ابنيه‬
‫اشترى خاتما بألف درهيم فكتيب إليه‪ :‬إنيه بلغني أنك اشترييت خاتميا بألف درهيم‪ ،‬فبعه وأطعيم منه‬
‫ألف جائع‪ ،‬واشتر خاتما من حديد بدرهم‪ ،‬واكتب عليه "رحم ال امرأ عرف قدر نفسه"‪.‬‬
‫@ من حلف أل يلبس حليا فلبس لؤلؤا لم يحنث؛ وبه قال أبو حنيفة‪ .‬قال ابن خويز منداد‪ :‬لن هذا‬
‫وإن كان السيم اللغوي يتناوله فلم يقصيده باليميين‪ ،‬واليمان تخيص بالعرف؛ أل ترى أنيه لو حلف‬
‫أل ينام على فراش فنام على الرض لم يحنيث‪ ،‬وكذلك ل يسيتضيء بسيراج فجلس فيي الشميس ل‬
‫يحنيث‪ ،‬وإن كان ال تعالى قيد سيمى الرض فراشيا والشميس سيراجا‪ .‬وقال الشافعيي وأبيو يوسيف‬
‫ومحميد‪ :‬مين حلف أل يلبيس حلييا ولبيس اللؤلؤ فإنيه يحنيث؛ لقوله تعالى‪" :‬وتسيتخرجوا منيه حليية‬
‫تلبسونها" والذي يخرج منه‪ :‬اللؤلؤ والمرجان‪.‬‬
‫@قوله تعالى‪" :‬وترى الفلك مواخير فييه" الفلك‪ :‬السيفن‪ ،‬وإفراده وجمعيه بلفيظ واحيد‪ ،‬ويذكير‬
‫ويؤنيث‪ .‬وليسيت الحركات فيي المفرد تلك بأعيانهيا فيي الجميع‪ ،‬بيل كأنيه بنيى الجميع بناء آخير؛ يدل‬
‫على ذلك توسيط التثنيية فيي قولهيم‪ :‬فلكان‪ .‬والفلك المفرد مذكير؛ قال تعالى‪" :‬فيي الفلك المشحون"‬
‫[يس‪ ]41 :‬فجاء به مذكرا‪ ،‬وقال‪" :‬والفلك التي تجري في البحر" فأنث‪ .‬ويحتمل واحدا وجمعا؛‬
‫وقال‪" :‬حتى إذا كنتم في الفلك وجرين بهم بريح طيبة" [يونس‪ ]22 :‬فجمع؛ فكأنه يذهب بها إذا‬
‫كانت واحدة إلى المركب فيذكر‪ ،‬وإلى السفينة فيؤنث‪ .‬وقيل‪ :‬واحده فلك؛ مثل أسد وأسد‪ ،‬وخشب‬
‫وخشيب‪ ،‬وأصيله مين الدوران‪ ،‬ومنيه‪ :‬فلك السيماء التيي تدور علييه النجوم‪ .‬وفلكيت الجاريية اسيتدار‬
‫ثديها؛ ومنه فلكة المغزل‪ .‬وسميت السفينة فلكا لنها تدور بالماء أسهل دور‪ .‬وقوله‪" :‬مواخر" قال‬
‫ابييين عباس‪ :‬جواري‪ ،‬مييين جرت تجري‪ .‬سيييعيد بييين جيييبير‪ :‬معترضييية‪ .‬الحسييين‪ :‬مواقييير‪ .‬قتادة‬
‫والضحاك‪ :‬أي تذهييب وتجيييء‪ ،‬مقبلة ومدبرة بريييح واحدة‪ .‬وقيييل‪" :‬مواخيير" ملججيية فييي داخييل‬
‫البحر؛ وأصل المخر شق الماء عن يمين وشمال‪ .‬مخرت السفينة تمخر وتمخر مخرا ومخورا إذا‬
‫جرت تشيق الماء ميع صيوت؛ ومنيه قوله تعالى‪" :‬وترى الفلك مواخير فييه" يعنيي جواري‪ .‬وقال‬
‫الجوهري‪ :‬ومخر السابح إذا شق الماء بصدره‪ ،‬ومخر الرض شقها للزراعة‪ ،‬ومخرها بالماء إذا‬
‫حبس الماء فيها حتى تصير أريضة؛ أي خليقة بجودة نبات الزرع‪ .‬وقال الطبري‪ :‬المخر في اللغة‬
‫صيوت هبوب الرييح؛ ولم يقييد كونيه فيي ماء‪ ،‬وقال‪ :‬إن مين ذلك قول واصيل مولى أبيي عيينية‪ :‬إذا‬
‫أراد أحدكيم البول فليتمخيير الرييح؛ أي لينظيير فييي صيوتها فيي الجسيام مين أيين تهيب‪ ،‬فيتجنيب‬
‫اسيتقبالها لئل ترد علييه بوله‪" .‬ولتبتغوا مين فضله" أي ولتركبوه للتجارة وطلب الربيح‪" .‬ولعلكيم‬
‫تشكرون" تقدم‬
‫*‪*3‬الية‪{ 15 :‬وألقى في الرض رواسي أن تميد بكم وأنهارا وسبل لعلكم تهتدون}‬
‫@قوله تعالى‪" :‬وألقى في الرض رواسي" أي جبال ثابتة‪ .‬رسا يرسو إذا ثبت وأقام‪ .‬قال‪:‬‬
‫ترسو إذا نفس الجبان تُطلّع‬ ‫فصبرت عارفة لذلك حرة‬
‫"أن تمييد بكيم" أي لئل تمييد؛ عنيد الكوفييين‪ .‬وكراهيية أن تمييد؛ على قول البصيريين‪ .‬والمييد‪:‬‬
‫الضطراب يمينا وشمال؛ ماد الشيء يميد ميدا إذا تحرك؛ ومادت الغصان تمايلت‪ ،‬وماد الرجل‬
‫تبختيير‪ .‬قال وهيب بيين منبيه‪ :‬خلق ال الرض فجعلت تميييد وتمور‪ ،‬فقالت الملئكية‪ .‬إن هذه غييير‬
‫مقرة أحدا على ظهرهيا فأصيبحت وقيد أرسييت بالجبال‪ ،‬ولم تدر الملئكية ميم خلقيت الجبال‪ .‬وقال‬
‫علي بين أبيي طالب رضيي ال عنيه‪ :‬لميا خلق ال الرض قمصيت ومالت وقالت‪ :‬أي رب! أتجعيل‬
‫علي من يعمل بالمعاصي والخطايا‪ ،‬ويلقي علي الجيف والنتن! فأرسى ال تعالى فيها من الجبال‬
‫ما ترون وما ل ترون‪ .‬وروى الترمذي في آخر "كتاب التفسير" حدثنا محمد بن بشار حدثنا يزيد‬
‫بين هارون أخبرنيا العوام بين حوشيب عين سيليمان بين أبيي سيليمان عين أنيس بين مالك عين النيبي‬
‫صلى ال عليه وسلم قال‪( :‬لما خلق ال الرض جعلت تميد فخلق الجبال فعاد بها عليها فاستقرت‬
‫فعجبيت الملئكية مين شدة الجبال قالوا ييا رب هيل مين خلقيك شييء أشيد مين الجبال قال نعيم الحدييد‬
‫قالوا ييا رب فهل من خلقك شيء أشيد مين الحدييد قال نعم النار فقالوا ييا رب فهل من خلقك شيء‬
‫أشد من النار قال نعم الماء قالوا يا رب فهل من خلقك شيء أشد من الماء قال نعم الريح قالوا يا‬
‫رب فهل من خلقك شيء أشد من الريح قال نعم ابن آدم تصدق بصدقة بيمينه يخفيها من شماله)‪.‬‬
‫قال أبو عيسى‪ :‬هذا حديث غريب ل نعرفه مرفوعا إل من هذا الوجه‪.‬‬
‫قلت‪ :‬وفي هذه الية أدل دليل على استعمال السباب‪ ،‬وقد كان قادرا على سكونها دون الجبال‪.‬‬
‫وقيد تقدم هذا المعنيى‪" .‬وأنهارا" أي وجعيل فيهيا أنهارا‪ ،‬أو ألقيى فيهيا أنهارا‪" .‬وسيبل" أي طرقيا‬
‫ومسالك‪" .‬لعلكم تهتدون" أي إلى حيث تقصدون من البلد فل تضلون ول تتحيرون‪.‬‬
‫*‪*3‬الية‪{ 16 :‬وعلمات وبالنجم هم يهتدون}‬
‫@قوله تعالى‪" :‬وعلمات" قال ابين عباس‪ :‬العلمات معالم الطرق بالنهار؛ أي جعيل للطرييق‬
‫علمات يقيع الهتداء بهيا‪" .‬وبالنجيم هيم يهتدون" يعنيي باللييل‪ ،‬والنجيم يراد بيه النجوم‪ .‬وقرأ ابين‬
‫وثاب "وبالنجم"‪ .‬الحسن‪ :‬بضم النون والجيم جميعا ومراده النجوم‪ ،‬فقصره؛ كما قال الشاعر‪:‬‬
‫أن ترد الماء إذا غاب النجم‬ ‫إن الفقير بيننا قاض حكم‬
‫وكذلك القول لمين قرأ "النجيم" إل أنيه سيكن اسيتخفافا‪ .‬ويجوز أن يكون النجيم جميع نجيم كسُيقُف‬
‫وسَقف‪ .‬واختلف في النجوم؛ فقال الفراء‪ :‬الجدي والفرقدان‪ .‬وقيل‪ :‬الثريا‪ .‬قال الشاعر‪:‬‬
‫وغودر البقل ملوى ومحصود‬ ‫حتى إذا ما استقل النجم في غلس‬
‫أي منيه ملوي ومنيه محصيود‪ ،‬وذلك عنيد طلوع الثرييا يكون‪ .‬وقال الكلبيي‪ :‬العلمات الجبال‪ .‬وقال‬
‫مجاهيد‪ :‬هيي النجوم؛ لن مين النجوم ميا يهتدى بهيا‪ ،‬ومنهيا ميا يكون علمية ل يهتدى بهيا؛ وقاله‬
‫قتادة والنخعي‪ .‬وقيل‪ :‬تم الكلم عند قوله "وعلمات" ثم ابتدأ وقال‪" :‬وبالنجم هم يهتدون"‪ .‬وعلى‬
‫الول‪ :‬أي وجعل لكم علمات ونجوما تهتدون بها‪ .‬ومن العلمات الرياح يهتدى بها‪ .‬وفي المراد‬
‫بالهتداء قولن‪ :‬أحدهميا‪ :‬فيي السيفار‪ ،‬وهذا قول الجمهور‪ .‬الثانيي‪ :‬فيي القبلة‪ .‬وقال ابين عباس‪:‬‬
‫سيألت رسيول ال صيلى ال عليه وسيلم عن قوله تعالى‪" :‬وبالنجيم هيم يهتدون" قال‪( :‬هو الجدي يا‬
‫ابن عباس‪ ،‬عليه قبلتكم وبه تهتدون في بركم وبحركم) ذكره الماوردي‪.‬‬
‫@ قال ابن العربي‪ :‬أما جميع النجوم فل يهتدي بها إل العارف بمطالعها ومغاربها‪ ،‬والفرق بين‬
‫الجنوبيي والشمالي منهيا‪ ،‬وذلك قلييل فيي الخريين‪ .‬وأميا الثرييا فل يهتدي بهيا إل مين يهتدي بجمييع‬
‫النجوم‪ .‬وإنميا الهدي لكيل أحيد بالجدي والفرقديين؛ لنهيا مين النجوم المنحصيرة المطالع الظاهرة‬
‫السمت الثابتة في المكان‪ ،‬فإنها تدور على القطب الثابت دورانا محصل‪ ،‬فهي أبدا هدى الخلق في‬
‫البر إذا عمييت الطرق‪ ،‬وفيي البحير عنيد مجرى السيفن‪ ،‬وفيي القبلة إذا جهيل السيمت‪ ،‬وذلك على‬
‫الجملة بأن تجعل القطب على ظهر منكبك اليسر فما استقبلت فهو سمت الجهة‪.‬‬
‫قلت‪ :‬وسأل ابن عباس رسول ال صلى ال عليه وسلم عن النجم فقال‪( :‬هو الجدي عليه قبلتكم‬
‫وبه تهتدون فيي بركيم وبحركم)‪ .‬وذلك أن آخر الجدي بنات نعش الصغرى والقطب الذي تستوي‬
‫عليه القبلة بينها‪.‬‬
‫@ قال علماؤنيا‪ :‬وحكيم اسيتقبال القبلة على وجهيين‪ :‬أحدهميا‪ :‬أن يراهيا ويعاينهيا فيلزميه اسيتقبالها‬
‫وإصيابتها وقصيد جهتهيا بجمييع بدنيه‪ .‬والخير‪ :‬أن تكون الكعبية بحييث ل يراهيا فيلزميه التوجيه‬
‫نحوهيا وتلقاءهيا بالدلئل‪ ،‬وهيي الشميس والقمير والنجوم والرياح وكيل ميا يمكين بيه معرفية جهتهيا‪،‬‬
‫ومين غابيت عنيه وصيلى مجتهدا إلى غيير ناحيتهيا وهيو ممين يمكنيه الجتهاد فل صيلة له؛ فإذا‬
‫صيلى مجتهدا مسيتدل ثيم انكشيف له بعيد الفراغ مين صيلته أنيه صيلى إلى غيير القبلة أعاد إن كان‬
‫في وقتها‪ ،‬وليس ذلك بواجب عليه؛ لنه قد أدى فرضه على ما أمر به‪ .‬وقد مضى هذا المعنى في‬
‫"البقرة" مستوفى والحمد ل‪.‬‬
‫*‪*3‬الية‪{ 17 :‬أفمن يخلق كمن ل يخلق أفل تذكرون}‬
‫@قوله تعالى‪" :‬أفمن يخلق" هو ال تعالى‪" .‬كمن ل يخلق" يريد الصنام‪" .‬أفل تذكرون" أخبر‬
‫عين الوثان التيي ل تخلق ول تضير ول تنفيع‪ ،‬كميا يخيبر عمين يعقيل على ميا تسيتعمله العرب فيي‬
‫ذلك؛ فإنهيم كانوا يعبدونهيا فذكرت بلفيظ "مين" كقوله‪" :‬ألهيم أرجيل" [العراف‪ .]195 :‬وقييل‪:‬‬
‫لقتران الضميير فيي الذكير بالخالق‪ .‬قال الفراء‪ :‬هيو كقول العرب‪ :‬اشتبيه علي الراكيب وجمله فل‬
‫أدري مين ذا ومين ذا؛ وإن كان أحدهميا غيير إنسيان‪ .‬قال المهدوي‪ :‬ويسيأل بيي "مين" عين البارئ‬
‫تعالى ول يسأل عنه بي "ما"؛ لن "ما" إنما يسأل بها عن الجناس‪ ،‬وال تعالى ليس بذي جنس‪،‬‬
‫ولذلك أجاب موسى عليه السلم حين قال له‪" :‬فمن ربكما يا موسى" [طه‪ ]49 :‬ولم يجب حين‬
‫قال له‪" :‬وميا رب العالميين" [الشعراء‪ ]23 :‬إل بجواب "مين" وأضرب عين جواب "ميا" حيين‬
‫كان السؤال فاسدا‪ .‬ومعنى الية‪ :‬من كان قادرا على خلق الشياء المتقدمة الذكر كان بالعبادة أحق‬
‫ممن هو مخلوق ل يضر ول ينفع؛ "هذا خلق ال فأروني ماذا خلق الذين من دونه" [لقمان‪]11 :‬‬
‫"أروني ماذا خلقوا من الرض" [فاطر‪.]40 :‬‬
‫*‪*3‬اليتان‪{ 19 - 18 :‬وإن تعدوا نعمية ال ل تحصيوها إن ال لغفور رحييم‪ ،‬وال يعلم ميا‬
‫تسرون وما تعلنون}‬
‫@قوله تعالى‪" :‬أي إن تعدوا نعمة ال ل تحصوها" تقدم في إبراهيم‪" .‬إن ال لغفور رحيم‪ ،‬وال‬
‫يعلم ما تسرون وما تعلنون" أي ما تبطنونه وما تظهرونه‪ .‬وقد تقدم‪.‬‬
‫*‪*3‬اليتان‪{ 21 - 20 :‬والذين يدعون من دون ال ل يخلقون شيئا وهم يخلقون‪ ،‬أموات غير‬
‫أحياء وما يشعرون أيان يبعثون}‬
‫@قوله تعالى‪" :‬والذيين يدعون مين دون ال" قراءة العامية "تدعون" بالتاء لن ميا قبله خطاب‪.‬‬
‫روى أبو بكر عن عاصم وهبيرة عن حفص "يدعون" بالياء‪ ،‬وهي قراءة يعقوب‪ .‬فأما قوله‪" :‬ما‬
‫تسرون وما تعلنون" فكلهم بالتاء على الخطاب؛ إل ما روى هبيرة عن حفص عن عاصم أنه قرأ‬
‫بالياء‪" .‬ل يخلقون شيئا" أي ل يقدرون على خلق شييء "وهيم يخلقون"‪" .‬أموات غيير أحياء" أي‬
‫هيم أموات‪ ،‬يعنيي الصينام‪ ،‬ل أرواح فيهيا ول تسيمع ول تبصير‪ ،‬أي هيي جمادات فكييف تعبدونهيا‬
‫وأنتيم أفضيل منهيا بالحياة‪" .‬وميا يشعرون" يعنيي الصينام‪" .‬أيان يبعثون" وقرأ السيلمي‪" ،‬إيان"‬
‫بكسير الهمزة‪ ،‬وهميا لغتان‪ ،‬موضعيه نصيب بيي "يبعثون" وهيي فيي معنيى السيتفهام‪ .‬والمعنيى‪ :‬ل‬
‫يدرون متى يبعثون‪ .‬وعبر عنها كما عبر عن الدميين؛ لنهم زعموا أنها تعقل عنهم وتعلم وتشفع‬
‫لهيم عنيد ال تعالى‪ ،‬فجرى خطابهيم على ذلك‪ .‬وقيد قييل‪ :‬إن ال يبعيث الصينام يوم القيامية ولهيا‬
‫أرواح فتتبرأ من عبادتهم‪ ،‬وهي في الدنيا جماد ل تعلم متى تبعث‪ .‬قال ابن عباس؛ تبعث الصنام‬
‫وتركب فيها الرواح ومعها شياطينها فيتبرؤون من عبدتها‪ ،‬ثم يؤمر بالشياطين والمشركين إلى‬
‫النار‪ .‬وقيل‪ :‬إن الصنام تطرح في النار مع عبادتها يوم القيامة؛ دليله "إنكم وما تعبدون من دون‬
‫ال حصب جهنم" [النيبياء‪ .]98 :‬وقييل‪ :‬تم الكلم عنيد قوله‪" :‬ل يخلقون شيئا وهيم يخلقون" ثيم‬
‫ابتدأ فوصييف المشركييين بأنهييم أموات‪ ،‬وهذا الموت موت كفيير‪" .‬ومييا يشعرون أيان يبعثون" أي‬
‫وميا يدري الكفار متيى يبعثون‪ ،‬أي وقيت البعيث؛ لنهيم ل يؤمنون بالبعيث حتيى يسيتعدوا للقاء ال‬
‫وقيل‪ :‬أي وما يدريهم متى الساعة‪ ،‬ولعلها تكون قريبا‪.‬‬
‫*‪*3‬اليتان‪{ 23 - 22 :‬إلهكييم إله واحييد فالذييين ل يؤمنون بالخرة قلوبهييم منكرة وهييم‬
‫مستكبرون‪ ،‬ل جرم أن ال يعلم ما يسرون وما يعلنون إنه ل يحب المستكبرين}‬
‫@قوله تعالى‪" :‬إلهكم إله واحد" لما بين استحالة الشراك بال تعالى بين أن المعبود واحد ل رب‬
‫غيره ول معبود سواه‪" .‬فالذين ل يؤمنون بالخرة قلوبهم منكرة" أي ل تقبل الوعظ ول ينفع فيها‬
‫الذكير‪ ،‬وهذا رد على القدريية‪" .‬وهيم مسيتكبرون" متكيبرون متعظمون عين قبول الحيق‪ .‬وقيد تقدم‪.‬‬
‫"ل جرم أن ال يعلم ميا يسيرون وميا يعلنون" أي مين القول والعميل فيجازيهيم‪ .‬قال الخلييل‪" :‬ل‬
‫جرم" كلمية تحقييق ول تكون إل جوابيا؛ يقال‪ :‬فعلوا ذلك؛ فيقال‪ :‬ل جرم سييندمون‪ .‬أي حقيا أن لهيم‬
‫النار‪ .‬وقد مضى القول فيه‪" .‬إنه ل يحب المستكبرين" أي ل يثيبهم ول يثني عليهم‪ .‬وعن الحسن‬
‫بيين علي أنييه ميير بمسيياكين قييد قدموا كسييرا بينهييم وهييم يأكلون فقالوا‪ :‬الغذاء يييا أبييا عبدال‪ ،‬فنزل‬
‫وجلس معهم وقال‪" :‬إنه ل يحب المستكبرين" فلما فرغ قال‪ :‬قد أجبتكم فأجيبوني؛ فقاموا معه إلى‬
‫منزله فأطعمهم وسقاهم وأعطاهم وانصرفوا‪ .‬قال العلماء‪ .‬وكل ذنب يمكن التستر منه وإخفاؤه إل‬
‫الكبر؛ فإنه فسق يلزمه العلن‪ ،‬وهو أصل العصيان كله‪ .‬وفي الحديث الصحيح (إن المستكبرين‬
‫يحشرون أمثال الذر يوم القيامة يطؤهم الناس بأقدامهم لتكبرهم)‪ .‬أو كما قال صلى ال عليه وسلم‪:‬‬
‫(تصيغر لهيم أجسيامهم فيي المحشير حتيى يضرهيم صيغرها وتعظيم لهيم فيي النار حتيى يضرهيم‬
‫عظمها)‪.‬‬
‫*‪*3‬الية‪{ 24 :‬وإذا قيل لهم ماذا أنزل ربكم قالوا أساطير الولين}‬
‫@قوله تعالى‪" :‬وإذا قييل لكيم ماذا أنزل ربكيم" يعنيي وإذا قييل لمين تقدم ذكره ممين ل يؤمين‬
‫بالخرة وقلوبهييم منكرة بالبعييث "ماذا أنزل ربكييم"‪ .‬قيييل‪ :‬القائل النضيير بيين الحارث‪ ،‬وأن الييية‬
‫نزلت فييه‪ ،‬وكان خرج إلى الحيرة فاشترى أحادييث "كليلة ودمنية" فكان يقرأ على قرييش ويقول‪:‬‬
‫ما يقرأ محمد على أصحابه إل أساطير الولين؛ أي ليس هو من تنزيل ربنا‪ .‬وقيل‪ :‬إن المؤمنين‬
‫هييم القائلون لهييم اختبارا فأجابوا بقولهييم‪" :‬أسيياطير الولييين" فأقروا بإنكار شيييء هييو أسيياطير‬
‫الولين‪ .‬والساطير‪ :‬الباطيل والترهات‪ .‬والقول في "ماذا أنزل ربكم" كالقول في "ماذا ينفقون"‬
‫[البقرة‪ ]215 :‬وقوله‪" :‬أسياطير الوليين"‪ .‬خيبر ابتداء محذوف‪ ،‬التقديير‪ :‬الذي أنزله أسياطير‬
‫الولين‪.‬‬
‫*‪*3‬اليية‪{ 25 :‬ليحملوا أوزارهيم كاملة يوم القيامية ومين أوزار الذيين يضلونهيم بغيير علم أل‬
‫ساء ما يزرون}‬
‫@قوله تعالى‪" :‬ليحملوا أوزارهيم" قييل‪ :‬هيي لم كيي‪ ،‬وهيي متعلقية بميا قبلهيا‪ .‬وقييل‪ :‬لم العاقبية‪،‬‬
‫كقوله‪" :‬ليكون لهم عدوا وحزنا" [القصص‪ .]8 :‬أي قولهم في القرآن والنبي أدّاهم إلى أن حملوا‬
‫أوزارهيم؛ أي ذنوبهيم‪ .‬وقييل‪ :‬هيي لم المير‪ ،‬والمعنيى التهدد‪" .‬كاملة" لم يتركوا منهيا شيئا لنكبية‬
‫أصيابتهم فيي الدنييا بكفرهيم‪" .‬ومين أوزار الذيين يضلونهيم" قال مجاهيد‪ :‬يحملون وزر مين أضلوه‬
‫ول ينقص من إثم المضل شيء‪ .‬وفي الخبر (أيما داع دعا إلى ضللة فاتبع فإن عليه مثل أوزار‬
‫من اتبعه من غير أن ينقص من أوزارهم شيء وأيما داع دعا إلى هدى فاتبع فله مثل أجورهم من‬
‫غييير أن ينقييص ميين أجورهييم شيييء) خرجييه مسييلم بمعناه‪ .‬و"ميين" للجنييس ل للتبعيييض؛ فدعاة‬
‫الضللة عليهييم مثييل أوزار ميين اتبعهييم‪ .‬وقوله‪" :‬بغييير علم" أي يضلون الخلق جهل منهييم بمييا‬
‫يلزمهييم مين الثام؛ إذ لو علموا لميا أضلوا‪" .‬أل سياء ميا يزرون" أي بئس الوزر الذي يحملونييه‪.‬‬
‫ونظير هذه الية "وليحملن أثقالهم وأثقال مع أثقالهم" [العنكبوت‪ ]13 :‬وقد تقدم‪.‬‬
‫*‪*3‬الية‪{ 26 :‬قد مكر الذين من قبلهم فأتى ال بنيانهم من القواعد فخر عليهم السقف من فوقهم‬
‫وأتاهم العذاب من حيث ل يشعرون}‬
‫@قوله تعالى‪" :‬قيد مكير الذيين مين قبلهيم" أي سيبقهم بالكفير أقوام ميع الرسيل المتقدميين فكانيت‬
‫العاقبة الجميلة للرسل‪" .‬فأتى ال بنيانهم من القواعد فخر عليهم السقف من فوقهم" قال ابن عباس‬
‫وزييد بين أسيلم وغيرهميا‪ :‬إنيه النمرود بين كنعان وقوميه‪ ،‬أرادوا صيعود السيماء وقتال أهله؛ فبنوا‬
‫الصييرح ليصيعدوا منيه بعييد أن صينع بالنسيور ميا صيينع‪ ،‬فخير‪ .‬كميا تقدم بيانيه فيي آخير سيورة‬
‫"إبراهييم"‪ .‬ومعنيى "فأتيى ال بنيانهيم" أي أتيى أمره البنيان‪ ،‬إميا زلزلة أو ريحيا فخربتيه‪ .‬قال ابن‬
‫عباس ووهب‪ :‬كان طول الصرح في السماء خمسة آلف ذراع‪ ،‬وعرضه ثلثة آلف‪ .‬وقال كعب‬
‫ومقاتيل‪ :‬كان طول فرسيخين‪ ،‬فهبيت رييح فألقيت رأسيه فيي البحير وخير عليهيم الباقيي‪ .‬ولميا سيقط‬
‫الصرح تبلبلت ألسن الناس من الفزع يومئذ‪ ،‬فتكلموا بثلثة وسبعين لسانا‪ ،‬فلذلك سمي بابل‪ ،‬وما‬
‫كان لسيان قبيل ذلك إل السيريانية‪ .‬وقرأ ابين هرميز وابين محيصين "السيقف" بضيم السيين والقاف‬
‫جميعا‪ .‬وضم مجاهد السين وأسكن القاف تخفيفا؛ كما تقدم في "وبالنجم" في الوجهين‪ .‬والشبه أن‬
‫يكون جميع سيقف‪ .‬والقواعيد‪ :‬أصيول البناء‪ ،‬وإذا اختلت القواعيد سيقط البناء‪ .‬وقوله‪" :‬مين فوقهيم"‬
‫قال ابن العرابي‪ُ :‬وكِد ليعلمك أنهم كانوا حالين تحته‪ .‬والعرب تقول‪ :‬خر علينا سقف ووقع علينا‬
‫حائط إذا كان يملكيه وإن لم يكين وقيع علييه‪ .‬فجاء بقوله‪" :‬مين فوقهيم" ليخرج هذا الشيك الذي فيي‬
‫كلم العرب فقال‪" :‬مين فوقهييم" أي عليهيم وقيع وكانوا تحتيه فهلكوا ومييا أفلتوا‪ .‬وقيييل‪ :‬إن المراد‬
‫بالسيقف السماء؛ أي إن العذاب أتاهيم من السماء التي هي فوقهيم؛ قال ابين عباس‪ .‬وقييل‪ :‬إن قوله‪:‬‬
‫"فأتى ال بنيانهم من القواعد" تمثيل‪ ،‬والمعنى‪ :‬أهلكهم فكانوا بمنزلة من سقط عليه بنيانه‪ .‬وقيل‪:‬‬
‫المعنيى أحبيط ال أعمالهيم فكانوا بمنزلة مين سيقط بنيانيه‪ .‬وقييل‪ :‬المعنيى أبطيل مكرهيم وتدبيرهيم‬
‫فهلكوا كميا هلك مين نزل علييه السيقف مين فوقيه‪ .‬وعلى هذا اختلف فيي الذيين خير عليهيم السيقف؛‬
‫فقال ابين عباس وابين زييد ميا تقدم‪ .‬وقييل‪ :‬إنيه بختنصير وأصيحابه؛ قال بعيض المفسيرين‪ .‬وقييل‪:‬‬
‫المراد المقتسيمون الذيين ذكرهيم ال فيي سيورة الحجير؛ قال الكلبيي‪ .‬وعلى هذا التأوييل يخرج وجيه‬
‫التمثيل‪ ،‬وال أعلم‪" .‬وأتاهم العذاب من حيث ل يشعرون" أي من حيث ظنوا أنهم في أمان‪ .‬وقال‬
‫ابن عباس‪ :‬يعني البعوضة التي أهلك ال بها نمرودا‪.‬‬
‫*‪*3‬اليية‪{ 27 :‬ثيم يوم القيامية يخزيهيم ويقول أيين شركائي الذيين كنتيم تشاقون فيهيم قال الذيين‬
‫أوتوا العلم إن الخزي اليوم والسوء على الكافرين}‬
‫@قوله تعالى‪" :‬ثيم يوم القيامية يخزيهيم" أي يفضحهيم بالعذاب ويذلهيم بيه ويهينهيم "ويقول أيين‬
‫شركائي" أي بزعمكم وفي دعواكم‪ ،‬أي اللهة التي عبدتم دوني‪ ،‬وهو سؤال توبيخ‪" .‬الذين كنتم‬
‫تشاقون فيهيم" أي تعادون أنيبيائي بسيببهم‪ ،‬فليدفعوا عنكيم هذا العذاب‪ .‬وقرأ ابين كثيير "شركاي"‬
‫بياء مفتوحة من غير همز‪ ،‬والباقون بالهمز‪ .‬وقرأ نافع "تشاقون" بكسر النون على الضافة‪ ،‬أي‬
‫تعادوننييي فيهييم‪ .‬وفتحهييا الباقون‪" .‬قال الذييين أوتوا العلم" قال ابيين عباس‪ :‬أي الملئكيية‪ .‬وقيييل‬
‫المؤمنون‪" .‬إن الخزي اليوم" أي الهوان والذل يوم القياميييييييية‪" .‬والسييييييييوء" أي العذاب‪" .‬على‬
‫الكافرين"‪.‬‬
‫*‪*3‬الية‪{ 28 :‬الذين تتوفاهم الملئكة ظالمي أنفسهم فألقوا السلم ما كنا نعمل من سوء بلى إن‬
‫ال عليم بما كنتم تعملون}‬
‫@قوله تعالى‪" :‬الذين تتوفاهم الملئكة ظالمي أنفسهم" هذا من صفة الكافرين‪ .‬و"ظالمي أنفسهم"‬
‫نصيييب على الحال؛ أي وهيييم ظالمون أنفسيييهم إذ أوردوهيييا موارد الهلك‪" .‬فألقوا السيييلم" أي‬
‫السيتسلم‪ .‬أي أقروا ل بالربوبيية وانقادوا عنيد الموت وقالوا‪" :‬ميا كنيا نعميل مين سيوء" أي مين‬
‫شرك‪ .‬فقالت لهيم الملئكية‪" :‬بلى" قيد كنتيم تعملون السيواء‪" .‬إن ال علييم بميا كنتيم تعملون" وقال‬
‫عكرمية‪ .‬نزلت هذه اليية بالمدينية فيي قوم أسيلموا بمكية ولم يهاجروا‪ ،‬فأخرجتهيم قرييش إلى بدر‬
‫كرهيا فقتلوا بهيا؛ فقال‪" :‬الذيين تتوفاهيم الملئكية" بقبيض أرواحهيم‪" .‬ظالميي أنفسيهم" فيي مقامهيم‬
‫بمكية وتركهيم الهجرة‪" .‬فألقوا السيلم" يعنيي فيي خروجهيم معهيم‪ .‬وفييه ثلثية أوجيه‪ :‬أحدهيا‪ :‬أنيه‬
‫الصلح؛ قال الخفش‪ .‬الثاني‪ :‬الستسلم؛ قال قطرب‪ .‬الثالث‪ :‬الخضوع؛ قاله مقاتل‪" .‬ما كنا نعمل‬
‫مين سيوء" يعنيي مين كفير‪" .‬بلى إن ال علييم بميا كنتيم تعملون" يعنيي أن أعمالهيم أعمال الكفار‪.‬‬
‫وقيل‪ :‬إن بعض المسلمين لما رأوا قلة المؤمنين رجعوا إلى المشركين؛ فنزلت فيهم‪ .‬وعلى القول‬
‫الول فل يخرج كافير ول منافيق مين الدنييا حتيى ينقاد ويسيتسلم‪ ،‬ويخضيع ويذل‪ ،‬ول تنفعهيم حينئذ‬
‫توبة ول إيمان؛ كما قال‪" :‬فلم يك ينفعهم إيمانهم لما رأوا بأسنا" [غافر‪.]85 :‬‬
‫*‪*3‬الية‪{ 29 :‬فادخلوا أبواب جهنم خالدين فيها فلبئس مثوى المتكبرين}‬
‫@قوله تعالى‪" :‬فادخلوا أبواب جهنم" أي يقال لهم ذلك عند الموت‪ .‬وقيل‪ :‬هو بشارة لهم بعذاب‬
‫القيبر؛ إذ هيو باب مين أبواب جهنيم للكافريين‪ .‬وقييل‪ :‬ل تصيل أهيل الدركية الثانيية إليهيا مثل إل‬
‫بدخول الدركة الولى ثم الثانية ثم الثالثة هكذا‪ .‬وقيل‪ :‬لكل دركة باب مفرد‪ ،‬فالبعض يدخلون من‬
‫باب والبعض يدخلون من باب آخر‪ .‬فال أعلم‪" .‬خالدين فيها" أي ماكثين فيها‪" .‬فلبئس مثوى" أي‬
‫مقام "المتكيبرين" الذيين تكيبروا عين اليمان وعين عبادة ال تعالى‪ ،‬وقيد بينهيم بقوله الحيق‪" :‬إنهيم‬
‫كانوا إذا قيل لهم ل إله إل ال يستكبرون" [الصافات‪.]35 :‬‬
‫*‪*3‬اليتان‪{ 31 - 30 :‬وقيل للذين اتقوا ماذا أنزل ربكم قالوا خيرا للذين أحسنوا في هذه الدنيا‬
‫حسينة ولدار الخرة خيير ولنعيم دار المتقيين‪ ،‬جنات عدن يدخلونهيا تجري مين تحتهيا النهار لهيم‬
‫فيها ما يشاؤون كذلك يجزي ال المتقين}‬
‫@قوله تعالى‪" :‬وقييل للذيين اتقوا ماذا أنزل ربكيم قالوا خيرا" أي قالوا‪ :‬أنزل خيرا؛ وتم الكلم‪.‬‬
‫و"ماذا" على هذا اسيم واحيد‪ .‬وكان يرد الرجيل مين العرب مكية فيي أيام الموسيم فيسيأل المشركيين‬
‫عين محميد علييه السيلم فيقولون‪ :‬سياحر أو شاعير أو كاهين أو مجنون‪ .‬ويسيأل المؤمنيين فيقولون‪:‬‬
‫أنزل ال عليييه الخييير والهدى‪ ،‬والمراد القرآن‪ .‬وقيييل‪ :‬إن هذا يقال لهييل اليمان يوم القياميية‪ .‬قال‬
‫الثعلبي‪ :‬فإن قيل‪ :‬لم ارتفع الجواب في قوله‪" :‬أساطير الولين" [النحل‪ ]24 :‬وانتصب في قوله‪:‬‬
‫"خيرا" فالجواب أن المشركيين لم يؤمنوا بالتنزييل‪ ،‬فكأنهيم قالوا‪ :‬الذي يقوله محميد هيو أسياطير‬
‫الولين‪ .‬والمؤمنين آمنوا بالنزول فقالوا‪ :‬أنزل خيرا‪ ،‬وهذا مفهوم معناه من العراب‪ ،‬والحمد ل‪.‬‬
‫@قوله تعالى‪" :‬للذين أحسنوا في هذه الدنيا حسنة" قيل‪ :‬هو من كلم ال عز وجل‪ .‬وقيل‪ :‬هو من‬
‫جملة كلم الذييين اتقوا‪ .‬والحسيينة هنييا‪ :‬الجنيية؛ أي ميين أطاع ال فله الجنيية غدا‪ .‬وقيييل‪" :‬للذييين‬
‫أحسنوا" اليوم حسنة في الدنيا من النصر والفتح والغنيمة "ولدار الخرة خير" أي ما ينالون في‬
‫الخرة من ثواب الجنة خير وأعظم من دار الدنيا؛ لفنائها وبقاء الخرة‪" .‬ولنعم دار المتقين" فيه‬
‫وجهان‪ :‬قال الحسن‪ :‬المعنى ولنعم دار المتقين الدنيا؛ لنهم نالوا بالعمل فيها ثواب الخرة ودخول‬
‫الجنيية‪ .‬وقيييل‪ :‬المعنييى ولنعييم دار المتقييين الخرة؛ وهذا قول الجمهور‪ .‬وعلى هذا تكون "جنات‬
‫عدن" بدل ميين الدار فلذلك ارتفييع‪" .‬جنات عدن" بدل ميين الدار فلذلك ارتفييع‪ .‬وقيييل‪ :‬ارتفييع على‬
‫تقدييير هييي جنات‪ ،‬فهييي مبينيية لقوله‪" :‬دار المتقييين"‪ .‬أو تكون مرفوعيية بالبتداء‪ ،‬التقدييير‪ :‬جنات‬
‫عدن نعم دار المتقين‪" .‬يدخلونها" في موضع الصفة‪ ،‬أي مدخولة‪ .‬وقيل‪" :‬جنات" رفع بالبتداء‪،‬‬
‫وخيبره "يدخلونهيا" وعلييه يخرج قول الحسين‪ .‬وال أعلم‪" .‬تجري مين تحتهيا النهار" تقدم‪" .‬لهيم‬
‫فيها ما يشاؤون" أي مما تمنوه وأرادوه‪" .‬كذلك يجزي ال المتقين" أي مثل هذا الجزاء يجزي ال‬
‫المتقين‪.‬‬
‫*‪*3‬الييية‪{ 32 :‬الذييين تتوفاهييم الملئكيية طيييبين يقولون سييلم عليكييم ادخلوا الجنيية بمييا كنتييم‬
‫تعملون}‬
‫@قوله تعالى‪" :‬الذيين تتوفاهيم الملئكية طييبين" قرأ العميش وحمزة "يتوفاهيم الملئكية" فيي‬
‫الموضعييين بالياء‪ ،‬واختاره أبيو عبييد؛ لمييا روي عين ابين مسييعود أنيه قال‪ :‬إن قريشييا زعموا أن‬
‫الملئكية إناث فذكروهيم أنتيم‪ .‬الباقون بالتاء؛ لن المراد بيه الجماعية مين الملئكية‪ .‬و"طييبين" فييه‬
‫سييتة أقوال‪ :‬الول‪" :‬طيييبين" طاهرييين ميين الشرك‪ .‬الثانييي‪ :‬صييالحين‪ .‬الثالث‪ :‬زاكييية أفعالهييم‬
‫وأقوالهييم‪ .‬الرابييع‪ :‬طيييبين النفييس ثقيية بمييا يلقونييه ميين ثواب ال تعالى‪ .‬الخامييس‪ :‬طيبيية نفوسييهم‬
‫بالرجوع إلى ال‪ .‬السيادس‪" :‬طييبين" أن تكون وفاتهيم طيبية سيهلة ل صيعوبة فيهيا ول ألم؛ بخلف‬
‫ميا تقبض بيه روح الكافير والمخلط‪ .‬وال أعلم‪" .‬يقولون سلم عليكم" يحتميل وجهين‪ :‬أحدهميا‪ :‬أن‬
‫يكون السيلم إنذارا لهيم بالوفاة‪ .‬الثانيي‪ :‬أن يكون تبشيرا لهيم بالجنية؛ لن السيلم أمان‪ .‬وذكير ابين‬
‫المبارك قال‪ :‬حدثنيي حيوة قال أخيبرني أبيو صيخر عين محميد بين كعيب القرظيي قال‪ :‬إذا اسيتنقعت‬
‫ي ال ال يقرأ عليك السلم‪ .‬ثم نزع بهذه‬ ‫نفس العبد المؤمن جاءه ملك الموت فقال‪ :‬السلم عليك ول ّ‬
‫الية "الذين تتوفاهيم الملئكة طيبين يقولون سلم عليكم"‪ .‬وقال ابن مسعود‪ :‬إذا جاء ملك الموت‬
‫يقبيض روح المؤمين قال‪ :‬ربيك مقرئك السيلم‪ .‬وقال مجاهيد‪ :‬إن المؤمين ليبشير بصيلح ولده مين‬
‫بعده لتقر عينه‪ .‬وقد أتينا على هذا في كتاب التذكرة وذكرنا هناك الخبار الواردة في هذا المعنى‪،‬‬
‫والحميد ل‪" .‬ادخلوا الجنية" يحتميل وجهيين‪ :‬أحدهميا‪ :‬أن يكون معناه أبشروا بدخول الجنية‪ .‬الثانيي‪:‬‬
‫أن يقولوا ذلك لهم في الخرة "بما كنتم تعملون" يعني في الدنيا من الصالحات‪.‬‬
‫*‪*3‬الية‪{ 33 :‬هل ينظرون إل أن تأتيهم الملئكة أو يأتي أمر ربك كذلك فعل الذين من قبلهم‬
‫وما ظلمهم ال ولكن كانوا أنفسهم يظلمون}‬
‫@قوله تعالى‪" :‬هل ينظرون إل أن تأتيهم الملئكة" هذا راجع إلى الكفار‪ ،‬أي ما ينتظرون إل أن‬
‫تأتيهم الملئكة لقبض أرواحهم وهم ظالمون لنفسهم‪ .‬وقرأ العمش وابن وثاب وحمزة والكسائي‬
‫وخلف "يأتيهم الملئكة" بالياء‪ .‬والباقون بالتاء على ما تقدم‪" .‬أو يأتي أمر ربك" أي بالعذاب من‬
‫القتيل كيوم بدر‪ ،‬أو الزلزلة والخسيف فيي الدنييا‪ .‬وقييل‪ :‬المراد يوم القيامية‪ .‬والقوم لم ينتظروا هذه‬
‫الشياء لنهم ما آمنوا بها‪ ،‬ولكن امتناعهم عن اليمان أوجب عليهم العذاب‪ ،‬فأضيف ذلك إليهم‪،‬‬
‫أي عاقبتهيم العذاب‪" .‬كذلك فعيل الذيين مين قبلهيم" أي أصيروا على الكفير فأتاهيم أمير ال فهلكوا‪.‬‬
‫"وما ظلمهم ال" أي ما ظلمهم ال بتعذيبهم وإهلكهم‪ ،‬ولكن ظلموا أنفسهم بالشرك‪.‬‬
‫*‪*3‬الية‪{ 34 :‬فأصابهم سيئات ما عملوا وحاق بهم ما كانوا به يستهزئون}‬
‫@قوله تعالى‪" :‬فأصابهم سيئات ما عملوا" قيل‪ :‬فيه تقديم وتأخير؛ التقدير‪ :‬كذلك فعل الذين من‬
‫قبلهيم فأصيابهم سييئات ميا عملوا‪ ،‬وميا ظلمهيم ال ولكين كانوا أنفسيهم يظلمون‪ ،‬فأصيابهم عقوبات‬
‫كفرهم وجزاء الخبيث من أعمالهم‪" .‬وحاق بهم" أي أحاط بهم ودار‪" .‬ما كانوا به يستهزئون" أي‬
‫عقاب استهزائهم‪.‬‬
‫*‪*3‬الية‪{ 35 :‬وقال الذين أشركوا لو شاء ال ما عبدنا من دونه من شيء نحن ول آباؤنا ول‬
‫حرمنا من دونه من شيء كذلك فعل الذين من قبلهم فهل على الرسل إل البلغ المبين}‬
‫@قوله تعالى‪" :‬وقال الذيين أشركوا لو شاء ال ميا عبدنيا مين دونيه مين شييء" أي شيئا‪ ،‬و"مين"‬
‫صيلة‪ .‬قال الزجاج‪ :‬قالوه اسيتهزاء‪ ،‬ولو قالوه عين اعتقاد لكانوا مؤمنيين‪ .‬وقيد مضيى‪" .‬كذلك فعيل‬
‫الذين من قبلهم" أي مثل هذا التكذيب والستهزاء فعل من كان قبلهم بالرسل فأهلكوا‪" .‬فهل على‬
‫الرسل إل البلغ المبين" أي ليس عليهم إل التبليغ‪ ،‬وأما الهداية فهي إلى ال تعالى‪.‬‬
‫*‪*3‬الية‪{ 36 :‬ولقد بعثنا في كل أمة رسول أن اعبدوا ال واجتنبوا الطاغوت فمنهم من هدى‬
‫ال ومنهم من حقت عليه الضللة فسيروا في الرض فانظروا كيف كان عاقبة المكذبين}‬
‫@قوله تعالى‪" :‬ولقيد بعثنيا فيي كيل أمية رسيول أن اعبدوا ال" أي بأن اعبدوا ال ووحدوه‪.‬‬
‫"واجتنبوا الطاغوت" أي اتركوا كيل معبود دون ال كالشيطان والكاهين والصينم‪ ،‬وكيل مين دعيا‬
‫إلى الضلل‪" .‬فمنهم من هدى ال" أي أرشده إلى دينه وعبادته‪" .‬ومنهم من حقت عليه الضللة"‬
‫أي بالقضاء السيابق علييه حتيى مات على كفره‪ ،‬وهذا يرد على القدريية؛ لنهيم زعموا أن ال هدى‬
‫الناس كلهم ووفقهم للهدى‪ ،‬وال تعالى يقول‪" :‬فمنهم من هدى ال ومنهم من حقت عليه الضللة"‬
‫وقييد تقدم‪" .‬فسيييروا فييي الرض" أي فسيييروا معتييبرين فييي الرض "فانظروا كيييف كان عاقبيية‬
‫المكذبين" أي كيف صار آخر أمرهم إلى الخراب والعذاب والهلك‪.‬‬
‫*‪*3‬الية‪{ 37 :‬إن تحرص على هداهم فإن ال ل يهدي من يضل وما لهم من ناصرين}‬
‫@قوله تعالى‪" :‬إن تحرص على هداهم" أي إن تطلب يا محمد بجهدك هداهم‪" .‬فإن ال ل يهدي‬
‫من يضل وما لهم من ناصرين" أي ل يرشد من أضله‪ ،‬أي من سبق له من ال الضللة لم يهده‪.‬‬
‫وهذه قراءة ابين مسيعود وأهيل الكوفية‪" .‬فيهدي" فعيل مسيتقبل وماضييه هدى‪ .‬و"مين" فيي موضيع‬
‫نصب "بيهدي" ويجوز أن يكون هدى يهدي بمعنى اهتدى يهتدي‪ ،‬رواه أبو عبيد عن الفراء قال‪:‬‬
‫كميا قرئ "أمين ل يهدي إل أن يهدى" [يونيس‪ ]35 :‬بمعنيى يهتدي‪ .‬قال أبيو عبييد‪ .‬ول نعلم أحدا‬
‫روى هذا غيير الفراء‪ ،‬ولييس بمتهيم فيميا يحكييه‪ .‬النحاس‪ :‬حكيي لي عين محميد بين يزييد كأن معنيى‬
‫"ل يهدي من يضل" من علم ذلك منه وسبق ذلك له عنده‪ ،‬قال‪ :‬ول يكون يهدي بمعنى يهتدي إل‬
‫أن يكون يهدي أو يهدي‪ .‬وعلى قول الفراء "يهدي" بمعنى يهتدي‪ ،‬فيكون "من" في موضع رفع‪،‬‬
‫والعائد إلى "ميين" الهاء المحذوفيية ميين الصييلة‪ ،‬والعائد إلى اسييم "إن" الضمييير المسييتكن فييي‬
‫"يضل"‪ .‬وقرأ الباقون "ل يهدى" بضم الياء وفتح الدال‪ ،‬واختاره أبو عبيد وأبو حاتم‪ ،‬على معنى‬
‫ميين أضله ال لم يهده هاد؛ دليله قوله‪" :‬ميين يضلل ال فل هادي له" [العراف‪ ]186 :‬و"ميين"‬
‫فييي موضيع رفيع على أنيه اسيم ميا لم يسيم فاعله‪ ،‬وهيي بمعنييى الذي‪ ،‬والعائد عليهيا مين صيلتها‬
‫محذوف‪ ،‬والعائد على اسم إن من "فإن ال" الضمير المستكن في "يضل"‪.‬‬
‫*‪*3‬الية‪{ 38 :‬وأقسموا بال جهد أيمانهم ل يبعث ال من يموت بلى وعدا عليه حقا ولكن أكثر‬
‫الناس ل يعلمون}‬
‫@قوله تعالى‪" :‬وأقسيموا بال جهيد أيمانهيم" هذا تعجييب مين صينعهم‪ ،‬إذ أقسيموا بال وبالغوا فيي‬
‫تغليظ اليمين بأن ال ل يبعث من يموت‪ .‬ووجه التعجيب أنهم يظهرون تعظيم ال فيقسمون به ثم‬
‫يعجزونه عن بعث الموات‪ .‬وقال أبو العالية‪ :‬كان لرجل من المسلمين على مشرك دين فتقاضاه‪،‬‬
‫وكان فيي بعيض كلميه‪ :‬والذي أرجوه بعيد الموت إنيه لكذا‪ ،‬فأقسيم المشرك بال‪ :‬ل يبعيث ال مين‬
‫يموت؛ فنزلت الييية‪ .‬وقال قتادة ‪ :‬ذكيير لنييا أن ابيين عباس قال له رجييل‪ :‬يييا ابيين عباس‪ ،‬إن ناسييا‬
‫يزعمون أن عليييا مبعوث بعييد الموت قبييل السيياعة‪ ،‬ويتأولون هذه الييية‪ .‬فقال ابيين عباس‪ :‬كذب‬
‫أولئك! إنميا هذه اليية عامية للناس‪ ،‬لو كان علي مبعوثيا قبيل القيامية ميا نكحنيا نسياءه ول قسيمنا‬
‫ميراثييه‪" .‬بلى" هذا رد عليهييم؛ أي بلى ليبعثنهييم‪" .‬وعدا عليييه حقييا" مصييدر مؤكييد؛ لن قوله‬
‫"يبعثهييم" يدل على الوعييد‪ ،‬أي وعييد البعييث وعدا حقييا‪" .‬ولكيين أكثيير الناس ل يعلمون" أنهييم‬
‫مبعوثون‪ .‬وفي البخاري عن أبي هريرة عن النبي صلى ال عليه وسلم (قال ال تعالى كذبني ابن‬
‫آدم ولم يكين له ذلك وشتمنيي ولم يكين له ذلك فأميا تكذيبيه إياي فقوله لن يعيدنيي كميا بدأنيي وأميا‬
‫شتمه إياي فقوله اتخذ ال ولدا وأنا الحد الصمد لم يلد ولم يولد ولم يكن له كفوا أحد)‪ .‬وقد تقدم‪.‬‬
‫*‪*3‬الية‪{ 39 :‬ليبين لهم الذي يختلفون فيه وليعلم الذين كفروا أنهم كانوا كاذبين}‬
‫@قوله تعالى‪" :‬ليبين لهم" أي ليظهر لهم‪" .‬الذي يختلفون فيه" أي من أمر البعث‪" .‬وليعلم الذين‬
‫كفروا" بالبعيث وأقسيموا علييه "أنهيم كانوا كاذبيين" وقييل‪ :‬المعنيى ولقيد بعثنيا فيي كيل أمية رسيول‬
‫لييبين لهيم الذي يختلفون فييه‪ ،‬والذي اختلف فييه المشركون والمسيلمون أمور‪ :‬منهيا البعيث‪ ،‬ومنهيا‬
‫عبادة الصنام‪ ،‬ومنها إقرار قوم بأن محمدا حق ولكن منعهم من اتباعه التقليد؛ كأبي طالب‪.‬‬
‫*‪*3‬الية‪{ 40 :‬إنما قولنا لشيء إذا أردناه أن نقول له كن فيكون}‬
‫@ أعلمهيم سيهولة الخلق علييه‪ ،‬أي إذا أردنيا أن نبعيث مين يموت فل تعيب علينيا ول نصيب فيي‬
‫إحيائهيم‪ ،‬ول فيي غيير ذلك مميا نحدثيه؛ لنيا إنميا نقول له كين فيكون‪ .‬قراءة ابين عامير والكسيائي‬
‫"فيكون" نصيبا عطفيا على أن نقول‪ .‬وقال الزجاج‪ :‬يجوز أن يكون نصيبا على جواب "كين"‪.‬‬
‫الباقون بالرفيع على معنيى فهيو يكون‪ .‬وقال ابين النباري‪ :‬أوقيع لفيظ الشييء على المعلوم عنيد ال‬
‫قبل الخلق لنه بمنزلة ما وجد وشوهد‪ .‬وفي الية دليل على أن القرآن غير مخلوق؛ لنه لو كان‬
‫قوله‪" :‬كن" مخلوقا لحتاج إلى قول ثان‪ ،‬والثاني إلى ثالث وتسلسل وكان محال‪ .‬وفيها دليل على‬
‫أن ال سبحانه مريد لجميع الحوادث كلها خيرها وشرها نفعها وضرها؛ والدليل على ذلك أن من‬
‫يرى في سلطانه ما يكرهه ول يريده فلحد شيئين‪ :‬إما لكونه جاهل ل يدري‪ ،‬وإما لكونه مغلوبا‬
‫ل يطيييق‪ ،‬ول يجوز ذلك فييي وصييفه سييبحانه‪ ،‬وقييد قام الدليييل على أنييه خالق لكتسيياب العباد‪،‬‬
‫ويستحيل أن يكون فاعل لشيء وهو غير مريد له؛ لن أكثر أفعالنا يحصل على خلف مقصودنا‬
‫وإرادتنا‪ ،‬فلو لم يكن الحق سبحانه مريدا لها لكانت تلك الفعال تحصل من غير قصد؛ وهذا قول‬
‫الطبيعيين‪ ،‬وقد أجمع الموحدون على خلفه وفساده‪.‬‬
‫*‪*3‬الية‪{ 41 :‬والذين هاجروا في ال من بعد ما ظلموا لنبوئنهم في الدنيا حسنة ولجر الخرة‬
‫أكبر لو كانوا يعلمون}‬
‫@قوله تعالى‪" :‬والذيين هاجروا فيي ال مين بعيد ميا ظلموا" قيد تقدم فيي "النسياء" معنيى الهجرة‪،‬‬
‫وهيي ترك الوطان والهيل والقرابية فيي ال أو فيي ديين ال‪ ،‬وترك السييئات‪ .‬وقييل‪" :‬فيي" بمعنيى‬
‫اللم‪ ،‬أي ل‪" .‬ميين بعييد مييا ظلموا" أي عذبوا فييي ال‪ .‬نزلت فييي صييهيب وبلل وخباب وعمار‪،‬‬
‫عذبهيم أهيل مكية حتيى قالوا لهيم ميا أرادوا‪ ،‬فلميا خلوهيم هاجروا إلى المدينية؛ قاله الكلبيي‪ .‬وقييل‪:‬‬
‫نزلت فيي أبيي جندل بين سيهيل‪ .‬وقال قتادة‪ :‬المراد أصيحاب محميد صيلى ال علييه وسيلم‪ ،‬ظلمهيم‬
‫المشركون بمكيية وأخرجوهييم حتييى لحييق طائفيية منهييم بالحبشيية؛ ثييم بوأهييم ال تعالى دار الهجرة‬
‫وجعل لهم أنصارا من المؤمنين‪ .‬والية تعم الجميع‪" .‬لنبوئنهم في الدنيا حسنة" في الحسينة ستة‬
‫أقوال‪ :‬الول‪ :‬نزول المدينة؛ قاله ابن عباس والحسن والشعبي وقتادة‪ .‬الثاني‪ :‬الرزق الحسن؛ قاله‬
‫مجاهيد‪ .‬الثالث‪ :‬النصير على عدوهيم؛ قاله الضحاك‪ .‬الرابيع‪ :‬إنيه لسيان صيدق؛ حكاه ابين جرييج‪.‬‬
‫الخامس‪ :‬ما استولوا عليه من فتوح البلد وصار لهم فيها من الوليات‪ .‬السادس‪ :‬ما بقي لهم في‬
‫الدنيا من الثناء‪ ،‬وما صار فيها لولدهم من الشرف‪ .‬وكل ذلك اجتمع لهم بفضل ال‪ ،‬والحمد ل‪.‬‬
‫"ولجير الخرة أكيبر" أي ولجير دار الخرة أكيبر‪ ،‬أي أكيبر مين أن يعلميه أحيد قبيل أن يشاهده؛‬
‫"وإذا رأييت ثيم رأييت نعيميا وملكيا كيبيرا" [النسيان‪" ]20 :‬لو كانوا يعلمون" أي لو كان هؤلء‬
‫الظالمون يعلمون ذلك‪ .‬وقيييل‪ :‬هييو راجييع إلى المؤمنييين‪ .‬أي لو رأوا ثواب الخرة وعاينوه لعلموا‬
‫أنه أكبر من حسنة الدنيا‪ .‬وروي أن عمر بن الخطاب رضي ال عنه كان إذا دفع إلى المهاجرين‬
‫العطاء قال‪ :‬هذا ما وعدكم ال في الدنيا وما أدخر لكم في الخرة أكثر؛ ثم تل عليهم هذه الية‪.‬‬
‫*‪*3‬الية‪{ 42 :‬الذين صبروا وعلى ربهم يتوكلون}‬
‫@ قييل‪" :‬الذيين" بدل مين "الذيين" الول‪ .‬وقييل‪ :‬مين الضميير فيي "لنبوئنهيم" وقييل‪ :‬هيم الذيين‬
‫صيبروا على دينهيم‪" .‬وعلى ربهيم يتوكلون" فيي كيل أمورهيم‪ .‬وقال بعيض أهيل التحقييق‪ :‬خيار‬
‫الخلق من إذا نابه أمر صبر‪ ،‬وإذا عجز عن أمر توكل؛ قال ال تعالى‪" :‬الذين صبروا وعلى ربهم‬
‫يتوكلون"‪.‬‬
‫*‪*3‬اليتان‪{ 44 - 43 :‬وما أرسلنا من قبلك إل رجال نوحي إليهم فاسألوا أهل الذكر إن كنتم‬
‫ل تعلمون‪ ،‬بالبينات والزبر وأنزلنا إليك الذكر لتبين للناس ما نزل إليهم ولعلهم يتفكرون}‬
‫@قوله تعالى‪" :‬وميا أرسيلنا مين قبلك إل رجال نوحيي إليهيم" قراءة العامية "يوحيى" بالياء وفتيح‬
‫الحاء‪ .‬وقرأ حفص عن عاصيم "نوحي إليهم" بنون العظمة وكسر الحاء‪ .‬نزلت فيي مشركيي مكة‬
‫حييث أنكروا نبوة محميد صيلى ال علييه وسيلم وقالوا‪ :‬ال أعظيم مين أن يكون رسيوله بشرا‪ ،‬فهل‬
‫بعيث إلينيا ملكيا؛ فرد ال تعالى عليهيم بقوله‪" :‬وميا أرسيلنا مين قبلك" إلى الميم الماضيية ييا محميد‬
‫"إل رجال" آدمييين‪" .‬فاسيألوا أهيل الذكير" قال سيفيان‪ :‬يعنيي مؤمنيي أهيل الكتاب‪ .‬وقييل‪ :‬المعنيى‬
‫فاسيألوا أهيل الكتاب فإن لم يؤمنوا فهيم معترفون بأن الرسيل كانوا مين البشير‪ .‬روي معناه عين ابين‬
‫عباس ومجاهد‪ .‬وقال ابن عباس‪ :‬أهل الذكر أهل القرآن‪ .‬وقيل‪ :‬أهل العلم‪ ،‬والمعنى متقارب‪" .‬إن‬
‫كنتييم ل تعلمون" يخييبرونكم أن جميييع النييبياء كانوا بشرا‪" .‬بالبينات والزبر" قيييل‪" :‬بالبينات‪،‬‬
‫متعلق "بأرسيلنا"‪ .‬وفيي الكلم تقدييم وتأخيير‪ ،‬أي ميا أرسيلنا مين قبلك بالبينات والزبر إل رجال ‪-‬‬
‫أي غيير رجال‪" ،‬فإل" بمعنيى غيير؛ كقوله‪ :‬ل إله إل ال‪ ،‬وهذا قول الكلبيي ‪ -‬نوحيي إليهيم‪ .‬وقييل‪:‬‬
‫فيييي الكلم حذف دل علييييه "أرسيييلنا" أي أرسيييلناهم بالبينات والزبر‪ .‬ول يتعلق "بالبينات" بيييي‬
‫"أرسيلنا" الول على هذا القول؛ لن ميا قبيل "إل" ل يعميل فيميا بعدهيا‪ ،‬وإنميا يتعلق بأرسيلنا‬
‫المقدرة‪ ،‬أي أرسيلناهم بالبينات‪ .‬وقييل‪ :‬مفعول "بتعلمون" والباء زائدة‪ ،‬أو نصيب بإضمار أعنيي؛‬
‫كما قال العشى‪:‬‬
‫ول قائل إل هو المتعيبا‬ ‫وليس مجيرا إن أتى الحي خائف‬
‫أي أعنيي المتعييب‪ .‬والبينات‪ :‬الحجيج والبراهيين‪ .‬والزبر‪ :‬الكتيب‪ .‬وقيد تقدم‪" .‬وأنزلنيا إلييك الذكير"‬
‫يعنييي القرآن‪" .‬لتييبين للناس مييا نزل إليهييم" فييي هذا الكتاب ميين الحكام والوعييد والوعيييد بقولك‬
‫وفعلك؛ فالرسول صلى ال عليه وسلم مبين عن ال عز وجل مراده مما أجمله في كتابه من أحكام‬
‫الصلة والزكاة‪ ،‬وغير ذلك مما لم يفصله‪" .‬ولعلهم يتفكرون" فيتعظون‪.‬‬
‫*‪*3‬اليات‪{ 47 - 45 :‬أفأمين الذيين مكروا السييئات أن يخسيف ال بهيم الرض أو يأتيهيم‬
‫العذاب من حيث ل يشعرون‪ ،‬أو يأخذهم في تقلبهم فما هم بمعجزين‪ ،‬أو يأخذهم على تخوف فإن‬
‫ربكم لرؤوف رحيم}‬
‫@قوله تعالى‪" :‬أفأمين الذيين مكروا السييئات" أي بالسييئات‪ ،‬وهذا وعييد للمشركيين الذيين احتالوا‬
‫في إبطال السلم‪" .‬أن يخسف ال بهم الرض" قال ابن عباس‪ :‬كما خسف بقارون‪ ،‬يقال‪ :‬خسف‬
‫المكان يخسيف خسيوفا ذهيب فيي الرض‪ ،‬وخسيف ال بيه الرض خسيوفا أي غاب بيه فيهيا؛ ومنيه‬
‫قوله‪" :‬فخسييفنا بييه وبداره الرض" [القصييص‪ .]81 :‬وخسييف هييو فييي الرض وخسييف بييه‪.‬‬
‫والسييتفهام بمعنييى النكار؛ أي يجييب أل يأمنوا عقوبيية تلحقهييم كمييا لحقييت المكذبييين‪" .‬أو يأتيهييم‬
‫العذاب من حيث ل يشعرون" كما فعل بقوم لوط وغيرهم‪ .‬يريد يوم بدر؛ فإنهم أهلكوا ذلك اليوم‪،‬‬
‫ولم يكين شييء منيه فيي حسيابهم‪" .‬أو يأخذهيم فيي تقلبهيم" أي فيي أسيفارهم وتصيرفهم؛ قاله قتادة‪.‬‬
‫وقييل‪" :‬فيي تقلبهيم" على فراشهيم أينميا كانوا‪ .‬وقال الضحاك‪ :‬باللييل والنهار‪" .‬فميا هيم بمعجزيين"‬
‫أي مسيابقين ال ول فائتيييه‪" .‬أو يأخذهييم على تخوف" قال ابين عباس ومجاهيد وغيرهييم أي على‬
‫تنقيص مين أموالهيم ومواشيهيم وزروعهيم‪ .‬وكذا قال ابين العرابيي‪ :‬أي على تنقيص مين الموال‬
‫والنفس والثمرات حتى أهلكهم كلهم‪ .‬وقال الضحاك‪ :‬هو من الخوف؛ المعنى‪ :‬يأخذ طائفة ويدع‬
‫طائفة‪ ،‬فتخاف الباقية أن ينزل بها ما نزل بصاحبتها‪ .‬وقال الحسن‪" :‬على تخوف" أن يأخذ القرية‬
‫فتخافيه القريية الخرى‪ ،‬وهذا هيو معنيى القول الذي قبله بعينيه‪ ،‬وهميا راجعان إلى المعنيى الول‪،‬‬
‫وأن التخوف التنقييص؛ تخوفييه تنقصييه‪ ،‬وتخوفييه الدهيير وتخونييه ‪ -‬بالفاء والنون ‪ -‬بمعنييى؛ يقال‪:‬‬
‫تخونني فلن حقي إذا تنقصك‪ .‬قال ذو الرمة‪:‬‬
‫مرا سحاب ومرا بارح ترب‬ ‫ل‪ ،‬بل هو الشوق من دار تخونها‬
‫وقال لبيد‪:‬‬
‫تخونها نزولي وارتحالي‬
‫أي تنقيص لحمهيا وشحمهيا‪ .‬وقال الهيثيم بين عدي‪ :‬التخوف "بالفاء" التنقيص‪ ،‬لغية لزد شنوءة‪.‬‬
‫وأنشد‪:‬‬
‫سلسل في الحلوق لها صليل‬ ‫تخوف غدرهم مالي وأهدى‬
‫وقال سعيد بن المسيب‪ :‬بينما عمر بن الخطاب رضي ال عنه على المنبر قال‪ :‬يا أيها الناس‪ ،‬ما‬
‫تقولون فيي قول ال عيز وجيل‪" :‬أو يأخذهيم على تخوف" فسيكت الناس‪ ،‬فقال شييخ مين بنيي هذييل‪:‬‬
‫هيي لغتنيا ييا أميير المؤمنيين‪ ،‬التخوف التنقيص‪ .‬فخرج رجيل فقال‪ :‬ييا فلن‪ ،‬ميا فعيل دينيك؟ قال‪:‬‬
‫تخوفتيه‪ ،‬أي تنقصيته؛ فرجيع فأخيبر عمير فقال عمير‪ :‬أتعرف العرب ذلك فيي أشعارهيم؟ قال نعيم؛‬
‫قال شاعرنا أبو كبير الهذلي يصف ناقة تنقص السير سنامها بعد تمكه واكتنازه‪:‬‬
‫كما تخوف عود النبعة السفن‬ ‫تخوف الرحل منها تامكا قردا‬
‫فقال عمير‪ :‬ييا أيهيا الناس‪ ،‬عليكيم بديوانكيم شعير الجاهليية فإن فييه تفسيير كتابكيم ومعانيي كلمكيم‪.‬‬
‫تميك السينام يتميك تمكيا‪ ،‬أي طال وارتفيع‪ ،‬فهيو تاميك‪ .‬والسيفن والمسيفن ميا يُنجير بيه الخشيب‪ .‬وقال‬
‫اللييث بين سيعد‪" :‬على تخوف" على عجيل‪ .‬وقال‪ :‬على تقرييع بميا قدموه مين ذنوبهيم‪ ،‬وهذا مروي‬
‫عن ابن عباس أيضا‪ .‬وقال قتادة‪" :‬على تخوف" أن يعاقب أو يتجاوز‪" .‬فإن ربكم لرؤوف رحيم"‬
‫أي ل يعاجل بل يمهل‪.‬‬
‫*‪*3‬الية‪{ 48 :‬أولم يروا إلى ما خلق ال من شيء يتفيأ ظلله عن اليمين والشمائل سجدا ل‬
‫وهم داخرون}‬
‫@ قرأ حمزة والكسائي وخلف ويحيى والعمش "تروا" بالتاء‪ ،‬على أن الخطاب لجميع الناس‪.‬‬
‫الباقون بالياء خبرا عن الذين يمكرون السيئات؛ وهو الختيار‪" .‬من شيء" يعني من جسم قائم له‬
‫ظيل مين شجرة أو جبيل؛ قاله ابين عباس‪ .‬وإن كانيت الشياء كلهيا سيميعة مطيعية ل تعالى‪" .‬يتفييأ‬
‫ظلله" قرأ أبيو عمرو ويعقوب وغيرهميا بالتاء لتأنييث الظلل‪ .‬الباقون بالياء‪ ،‬واختاره أبيو عبييد‪.‬‬
‫أي يميل من جانب إلى جانب‪ ،‬ويكون أول النهار على حال ويتقلص ثم يعود في آخر النهار على‬
‫حالة أخرى؛ فدورانها وميلنها من موضع إلى موضع سجودها؛ ومنه قيل للظل بالعشيي‪ :‬فيء؛‬
‫لنيه فاء مين المغرب إلى المشرق‪ ،‬أي رجيع‪ .‬والفييء الرجوع؛ ومنيه "حتيى تفييء إلى أمير ال"‬
‫[الحجرات‪ .]9 :‬روي معنى هذا القول عن الضحاك وقتادة وغيرهما‪ ،‬وقال الزجاج‪ :‬يعني سجود‬
‫الجسيم‪ ،‬وسيجوده انقياده وميا يرى فييه مين أثير الصينعة‪ ،‬وهذا عام فيي كيل جسيم‪ .‬ومعنيى "وهيم‬
‫داخرون" أي خاضعون صياغرون‪ .‬والدخور‪ :‬الصيغار والذل‪ .‬يقال‪ :‬دخير الرجيل ‪ -‬بالفتيح ‪ -‬فهيو‬
‫داخر‪ ،‬وأدخره ال‪ .‬وقال ذو الرمة‪:‬‬
‫ومنجحر في غير أرضك في جحر‬ ‫فلم يبق إل داخر في مخيس‬
‫كذا نسبه الماوردي لذي الرمة‪ ،‬ونسبه الجوهري للفرزدق وقال‪ :‬المخيس اسم سجن كان بالعراق؛‬
‫أي موضع التذلل‪ ،‬وقال‪.‬‬
‫بنيت بعد نافع مخيسا‬ ‫أما تراني كيسا مكيسا‬
‫ووحد اليمين في قوله‪" :‬عن اليمين" وجمع الشمال؛ لن معنى اليمين وإن كان واحدا الجمع‪ .‬ولو‬
‫قال‪ :‬عن اليمان والشمائل‪ ،‬واليمين والشمائل‪ ،‬أو اليمين والشمال‪ ،‬أو اليمان والشمال لجاز؛ لن‬
‫المعنيى للكثرة‪ .‬وأيضيا فمين شأن العرب إذا اجتمعيت علمتان فيي شييء واحيد أن تجميع إحداهميا‬
‫وتفرد الخرى؛ كقوله تعالى‪" :‬ختييييم ال على قلوبهييييم وعلى سييييمعهم" [البقرة‪ ]7 :‬وكقوله‪:‬‬
‫"ويخرجهيم مين الظلمات إلى النور" [المائدة‪ ]16 :‬ولو قال على أسيماعهم وإلى النوار لجاز‪.‬‬
‫ويجوز أن يكون رد اليميين على لفيظ "ميا" والشمال على معناهيا‪ .‬ومثيل هذا فيي الكلم كثيير‪ .‬فال‬
‫الشاعر‪:‬‬
‫قد عض أعناقهم جلد الجواميس‬ ‫الواردون وتيم في ذرا سبأ‬
‫ولم يقل جلود‪ .‬وقييل‪ :‬وحد اليميين لن الشمس إذا طلعت وأنيت متَوجّه إلى القبلة انبسيط الظيل عن‬
‫اليمين ثم في حال يميل إلى جهة الشمال ثم حالت‪ ،‬فسماها شمائل‪.‬‬
‫*‪*3‬اليتان‪{ 50 - 49 :‬ول يسجد ما في السماوات وما في الرض من دابة والملئكة وهم ل‬
‫يستكبرون‪ ،‬يخافون ربهم من فوقهم ويفعلون ما يؤمرون}‬
‫@قوله تعالى‪" :‬ول يسيجد ما في السماوات وما فيي الرض من دابة" أي من كل ما يدب على‬
‫الرض‪" .‬والملئكة" يعني الملئكة الذين في الرض‪ ،‬وإنما أفردهم بالذكر لختصاصهم بشرف‬
‫المنزلة‪ ،‬فميزهيم مين صيفة الدبييب بالذكير وإن دخلوا فيهيا؛ كقوله‪" :‬فيهميا فاكهية ونخيل ورمان"‬
‫[الرحمن‪ .]68 :‬وقيل‪ :‬لخروجهم من جملة ما يدب لما جعل ال لهم من الجنحة‪ ،‬فلم يدخلوا في‬
‫الجملة فلذلك ذكروا‪ .‬وقييل‪ :‬أراد "ول يسيجد مين فيي السيماوات" مين الملئكية والشميس والقمير‬
‫والنجوم والرياح والسييحاب‪" ،‬ومييا فييي الرض ميين دابيية" وتسييجد ملئكيية الرض‪" .‬وهييم ل‬
‫يسييتكبرون" عيين عبادة ربهييم‪ .‬وهذا رد على قريييش حيييث زعموا أن الملئكيية بنات ال‪ .‬ومعنييى‬
‫"يخافون ربهيم مين فوقهيم" أي عقاب ربهيم وعذابيه‪ ،‬لن العذاب المهلك إنميا ينزل مين السيماء‪.‬‬
‫وقييل‪ :‬المعنيى يخافون قدرة ربهيم التيي هيي فوق قدرتهيم؛ ففي الكلم حذف‪ .‬وقييل‪ :‬معنيى "يخافون‬
‫ربهيم مين فوقهيم" يعنيي الملئكية‪ ،‬يخافون ربهيم وهيي مين فوق ميا فيي الرض مين دابية وميع ذلك‬
‫يخافون؛ فلن يخاف مين دونهيم أولى؛ دلييل هذا القول قوله تعالى‪" :‬ويفعلون ميا يؤمرون" يعنيي‬
‫الملئكة‪.‬‬
‫*‪*3‬الية‪{ 51 :‬وقال ال ل تتخذوا إلهين اثنين إنما هو إله واحد فإياي فارهبون}‬
‫@قوله تعالى‪" :‬وقال ال ل تتخذوا إلهيين اثنين" قيل‪ :‬المعنى ل تتخذوا اثنيين إلهين‪ .‬وقييل‪ :‬جاء‬
‫قوله "اثنين" توكيدا‪ .‬ولما كان الله الحق ل يتعدد وأن كل من يتعدد فليس بإله‪ ،‬اقتصر على ذكر‬
‫الثنيين؛ لنيه قصيد نفيي التعدييد‪" .‬إنميا هيو إله واحيد" يعنيي ذاتيه المقدسية‪ .‬وقيد قام الدلييل العقلي‬
‫والشرعي على وحدانيته والحمد ل‪" .‬فإياي فارهبوني" أي خافون‪ .‬وقد تقدم‪.‬‬
‫*‪*3‬الية‪{ 52 :‬وله ما في السماوات والرض وله الدين واصبا أفغير ال تتقون}‬
‫@قوله تعالى‪" :‬وله ميا فيي السيماوات والرض وله الديين واصيبا" الديين‪ :‬الطاعية والخلص‪.‬‬
‫و"واصييبا" معناه دائمييا؛ قال الفراء‪ ،‬حكاه الجوهري‪ .‬وصييب الشيييء يصييب وصييوبا‪ ،‬أي دام‪.‬‬
‫ووصيب الرجيل على المير إذا واظيب علييه‪ .‬والمعنيى‪ :‬طاعية ال واجبية أبدا‪ .‬وممين قال واصيبا‬
‫دائميا‪ :‬الحسين ومجاهيد وقتادة والضحاك‪ .‬ومنيه قوله تعالى‪" :‬ولهيم عذاب واصيب" [الصيافات‪]9:‬‬
‫أي دائم‪ .‬وقال الدولي‪:‬‬
‫بدم يكون الدهر أجمع واصبا‬ ‫ل أبتغي الحمد القليل بقاؤه‬
‫أنشد الغزنوي والثعلبي وغيرهما‪:‬‬
‫يوما بذم الدهر أجمع واصبا‬ ‫ما أبتغي الحمد القليل بقاؤه‬
‫وقيل‪ :‬الوصب التعب والعياء؛ أي تجب طاعة ال وإن تعب العبد فيها‪ .‬ومنه قول الشاعر‪:‬‬
‫ول يعض على شرسوفه الصفر‬ ‫ل يمسك الساق من أين ول وصب‬
‫وقال ابيين عباس‪" :‬واصييبا" واجبييا‪ .‬الفراء والكلبييي‪ :‬خالصييا‪" .‬أفغييير ال تتقون" أي ل ينبغييي أن‬
‫تتقوا غير ال‪" .‬فغير" نصب بي "تتقون"‪.‬‬
‫*‪*3‬اليات‪{ 55 - 53 :‬وميا بكيم مين نعمية فمين ال ثيم إذا مسيكم الضير فإلييه تجأرون‪ ،‬ثيم إذا‬
‫كشف الضر عنكم إذا فريق منكم بربهم يشركون‪ ،‬ليكفروا بما آتيناهم فتمتعوا فسوف تعلمون}‬
‫@قوله تعالى‪" :‬وميا بكيم مين نعمية فمين ال" قال الفراء‪" .‬ميا" بمعنيى الجزاء‪ .‬والباء فيي "بكيم"‬
‫متعلقة بفعل مضمر‪ ،‬تقديره‪ :‬وما يكن بكم‪" .‬من نعمة" أي صحة جسم وسعة رزق وولد فمن ال‪.‬‬
‫وقييل‪ :‬المعنيى وميا بكيم مين نعمية فمين ال هيي‪" .‬ثيم إذا مسيكم الضير" أي السيقم والبلء والقحيط‪.‬‬
‫"فإليه تجأرون" أي تضجون بالدعاء‪ .‬يقال‪ :‬جأر يجار جؤارا‪ .‬والجؤار مثل الخوار؛ يقال‪ :‬جأر‬
‫الثور يجأر‪ ،‬أي صيياح‪ .‬وقرأ بعضهييم "عجل جسييدا له جؤار"؛ حكاه الخفييش‪ .‬وجأر الرجييل إلى‬
‫ال‪ ،‬أي تضرع بالدعاء‪ .‬وقال العشى يصف بقرة‪:‬‬
‫وكان النكير أن تضيف وتجأرا‬ ‫فطافت ثلثا بين يوم وليلة‬
‫"ثم إذا كشف الضر عنكم" أي البلء والسقم‪" .‬إذا فريق منكم بربهم يشركون" بعد إزالة البلء‬
‫وبعيد الجؤار‪ .‬فمعنيى الكلم التعجييب مين الشراك بعيد النجاة مين الهلك‪ ،‬وهذا المعنيى مكرر فيي‬
‫القرآن‪ ،‬وقال الزجاج‪ :‬هذا خاص بمن كفر‪" .‬ليكفروا بميا آتيناهيم" أي ليجحدوا نعمية ال التيي أنعيم‬
‫بهيا عليهيم مين كشيف الضير والبلء‪ .‬أي أشركوا ليجحدوا‪ ،‬فاللم لم كيي‪ .‬وقييل لم العاقبية‪ .‬وقييل‪:‬‬
‫"ليكفروا بما آتيناهم" أي ليجعلوا النعمة سببا للكفر‪ ،‬وكل هذا فعل خبيث؛ كما قال‪:‬‬
‫والكفر مخبثة لنفس المنعم‬
‫"فتمتعوا" أمر تهديد‪ .‬وقرأ عبدال "قل تمتعوا"‪" .‬فسوف تعلمون" أي عاقبة أمركم‪.‬‬
‫*‪*3‬الية‪{ 56 :‬ويجعلون لما ل يعلمون نصيبا مما رزقناهم تال لتسألن عما كنتم تفترون}‬
‫@قوله تعالى‪" :‬ويجعلون لما ل يعلمون نصيبا مما رزقناهم" ذكر نوعا آخر من جهالتهم‪ ،‬وأنهم‬
‫يجعلون لميا ل يعلمون أنيه يضير وينفيع ‪ -‬وهيي الصينام ‪ -‬شيئا مين أموالهيم يتقربون بيه إلييه؛ قال‬
‫مجاهييد وقتادة وغيرهمييا‪ .‬فييي "يعلمون" على هذا للمشركييين‪ .‬وقيييل هييي للوثان‪ ،‬وجرى بالواو‬
‫والنون مجرى ميين يعقييل‪ ،‬فهييو رد على "مييا" ومفعول يعلم محذوف‪ ،‬والتقدييير‪ :‬ويجعييل هؤلء‬
‫الكفار للصينام التيي ل تعلم شيئا نصييبا‪ .‬وقيد مضيى فيي "النعام‪ "136:‬تفسيير هذا المعنيى‪ ،‬ثيم‬
‫رجييع ميين الخييبر إلى الخطاب فقال‪" :‬تال لتسييئلن" وهذا سييؤال توبيييخ‪" .‬عمييا كنتييم تفترون" أي‬
‫تختلقونه من الكذب على ال أنه أمركم بهذا‪.‬‬
‫*‪*3‬الية‪{ 57 :‬ويجعلون ل البنات سبحانه ولهم ما يشتهون}‬
‫@قوله تعالى‪" :‬ويجعلون ل البنات" نزلت فيي خزاعية وكنانية؛ فإنهيم زعموا أن الملئكية بنات‬
‫ال‪ ،‬فكانوا يقولون الحقوا البنات بالبنات‪" .‬سيبحانه" نزه نفسيه وعظمهيا عميا نسيبوه إلييه مين اتخاذ‬
‫الولد‪" .‬ولهيم ميا يشتهون" أي يجعلون لنفسيهم البنيين ويأنفون مين البنات‪ .‬وموضيع "ميا" رفيع‬
‫بالبتداء‪ ،‬والخيبر "لهيم" وتيم الكلم عنيد قوله‪" :‬سيبحانه"‪ .‬وأجاز الفراء كونهيا نصيبا‪ ،‬على تقديير‪:‬‬
‫ويجعلون لهم ما يشتهون‪ .‬وأنكره الزجاج وقال‪ :‬العرب تستعمل في مثل هذا ويجعلون لنفسهم‪.‬‬
‫*‪*3‬الية‪{ 58 :‬وإذا بشر أحدهم بالنثى ظل وجهه مسودا وهو كظيم}‬
‫@قوله تعالى‪" :‬وإذا بشر أحدهم بالنثى" أي أخبر أحدهم بولدة بنت‪" .‬ظل وجهه مسودا"‬
‫أي متغيرا‪ ،‬ولييس يرييد السيواد الذي هيو ضيد البياض‪ ،‬وإنميا هيو كنايية عين غميه بالبنيت‪ .‬والعرب‬
‫تقول لكل من لقي مكروها‪ :‬قد اسود وجهه غما وحزنا؛ قال الزجاج‪ .‬وحكى الماوردي أن المراد‬
‫سيواد اللون قال‪ :‬وهيو قول الجمهور‪" .‬وهيو كظييم" أي ممتلئ مين الغيم‪ .‬وقال ابين عباس‪ :‬حزيين‪.‬‬
‫وقال الخفيش‪ :‬هيو الذي يكظيم غيظيه فل يظهره‪ .‬وقييل‪ :‬إنيه المغموم الذي يطبيق فاه فل يتكلم مين‬
‫الغم؛ مأخوذ من الكظامة وهو شد فم القربة؛ قاله علي بن عيسى‪ .‬وقد تقدم‪.‬‬
‫*‪*3‬الية‪{ 59 :‬يتوارى من القوم من سوء ما بشر به أيمسكه على هون أم يدسه في التراب أل‬
‫ساء ما يحكمون}‬
‫@قوله تعالى‪" :‬يتوارى من القوم" أي يختفي ويتغيب‪" .‬من سوء ما بشر به" أي من سوء الحزن‬
‫والعار والحياء الذي يلحقيه بسيبب البنيت‪" .‬أيمسيكه" ذكير الكنايية لنيه مردود على "ميا"‪" .‬على‬
‫هون" أي هوان‪ .‬وكذا قرأ عيسييى الثقفييي "على هوان" والهون الهوان بلغيية قريييش؛ قاله اليزيدي‬
‫وحكاه أبو عبيد عن الكسائي‪ .‬وقال الفراء‪ :‬هو القليل بلغة تميم‪ .‬وقال الكسائي‪ :‬هو البلء والمشقة‪.‬‬
‫وقالت الخنساء‪:‬‬
‫س يوم الكريهة أبقى لها‬ ‫نهين النفوس وهون النفو‬
‫وقرأ العمييش "أيمسييكه على سييوء" ذكره النحاس‪ ،‬قال‪ :‬وقرأ الجحدري "أم يدسييها فييي التراب"‬
‫يرده على قوله‪" :‬بالنثيييى" ويلزميييه أن يقرأ "أيمسيييكها"‪ .‬وقييييل‪ :‬يرجيييع الهوان إلى البنيييت؛ أي‬
‫أيمسييكها وهييي مهانيية عنده‪ .‬وقيييل‪ :‬يرجييع إلى المولود له؛ أيمسييكه على رغييم أنفييه أم يدسييه فييي‬
‫التراب‪ ،‬وهيو ميا كانوا يفعلونيه مين دفين البنيت حيية‪ .‬قال قتادة‪ :‬كان مضير وخزاعية يدفنون البنات‬
‫أحياء؛ وأشدهم في هذا تميم‪ .‬زعموا خوف القهر عليهم وطمع غير الكفاء فيهن‪ .‬وكان صعصعة‬
‫ابين ناجيية عيم الفرزدق إذا أحيس بشييء مين ذلك وجيه إلى والد البنيت إبل يسيتحييها بذلك‪ .‬فقال‬
‫الفرزدق يفتخر‪:‬‬
‫وأحيا الوئيد فلم يوأد‬ ‫وعمي الذي منع الوائدات‬
‫وقييل‪ :‬دسيها إخفاؤهيا عين الناس حتيى ل تعرف‪ ،‬كالمدسيوس فيي التراب لخفائه عين البصيار؛‬
‫وهذا محتمل‪.‬‬
‫@ مسيألة‪ :‬ثبيت فيي صيحيح مسيلم عين عائشية رضيي ال عنهيا قالت‪ :‬جاءتنيي امرأة ومعهيا ابنتان‬
‫لها‪ ،‬فسألتني فلم تجد عندي غير تمرة واحدة‪ ،‬فأعطيتها إياها فأخذتها فقسمتها بين ابنتيها ولم تأكل‬
‫منها شيئا‪ ،‬ثم قامت فخرجت وابنتاها‪ ،‬فدخل علي النبي صلى ال عليه وسلم فحدثته حديثها‪ ،‬فقال‬
‫النبي صلى ال عليه وسلم‪( :‬من ابتلي من البنات بشيء فأحسن إليهن كن له سترا من النار)‪ .‬ففي‬
‫هذا الحديث ما يدل على أن البنات بلية‪ ،‬ثم أخبر أن في الصبر عليهن والحسان إليهن ما يقي من‬
‫النار‪ .‬وعين عائشية رضيى ال عنهيا أنهيا قالت‪ :‬جاءتنيي مسيكينة تحميل ابنتيين لهيا‪ ،‬فأطعمتهيا ثلث‬
‫تمرات فأعطيت كيل واحدة منهميا تمرة‪ ،‬ورفعيت إلى فيهيا تمرة لتأكلهيا فاسيتطعمتها ابنتاهيا فشقيت‬
‫التمرة التي كانت تريد أن تأكلها بينهميا؛ فأعجبنيي شأنهيا‪ ،‬فذكرت الذي صينعت لرسول ال صلى‬
‫ال عليه وسلم فقال‪( :‬إن ال عز وجل قد أوجب لها بها الجنة أو أعتقها بها من النار)‪ .‬وعن أنس‬
‫بن مالك قال قال رسول ال صلى ال عليه وسلم‪( :‬من عال جاريتين حتى تبلغا جاء يوم القيامة أنا‬
‫وهو) وضم أصابعه‪ ،‬خرجهما أيضا مسلم رحمه ال وخرج أبو نعيم الحافظ من حديث العمش‬
‫عين أبيي وائل عين عبدال قال قال رسيول ال صيلى ال علييه وسيلم‪( :‬مين كانيت له بنيت فأدبهيا‬
‫فأحسين أدبهيا وعلمهيا فأحسين تعليمهيا وأسيبغ عليهيا مين نعيم ال التيي أسيبغ علييه كانيت له سيترا أو‬
‫حجابا من النار)‪ .‬وخطب إلى عقيل بن علفة ابنته الجرباء فقال‪:‬‬
‫ألف وعبدان وخور عشر‬ ‫إني وإن سيق إلي المهر‬
‫أحب أصهاري إلي القبر‬
‫وقال عبدال بن طاهر‪:‬‬
‫ثلثة أصهار إذا حمد الصهر‬ ‫لكل أبي بنت يراعي شؤونها‬
‫وقبر يواريها وخيرهم القبر‬ ‫فبعل يراعيها وخدر يكنها‬
‫"أل ساء ما يحكمون" أي في إضافة البنات إلى خالقهم وإضافة البنين إليهم‪ .‬نظيره "ألكم الذكر‬
‫وله النثى‪ .‬تلك إذا قسمة ضيزى" [النجم‪ ]21 :‬أي جائرة‪ ،‬وسيأتي‪.‬‬
‫*‪*3‬الية‪{ 60 :‬للذين ل يؤمنون بالخرة مثل السوء ول المثل العلى وهو العزيز الحكيم}‬
‫@قوله تعالى‪" :‬للذين ل يؤمنون بالخرة" أي لهؤلء الواصفين ل البنات "مثل السوء" أي صفة‬
‫السوء من الجهل والكفر‪ .‬وقيل‪ :‬هو وصفهم ال تعالى بالصاحبة والولد‪ .‬وقيل‪ :‬أي العذاب والنار‪.‬‬
‫"ول المثيل العلى" أي الوصيف العلى مين الخلص والتوحييد؛ قاله قتادة‪ .‬وقييل‪ :‬أي الصيفة‬
‫العليا بأنه خالق رازق قادر ومجاز‪ .‬وقال ابن عباس‪" :‬مثل السوء" النار‪ ،‬و"المثل العلى "شهادة‬
‫أن ل إله إل ال‪ .‬وقييل‪ :‬لييس كمثله شييء‪ .‬وقييل‪" :‬ول المثيل العلى" كقوله‪" :‬ال نور السيماوات‬
‫والرض مثيل نوره" [النور‪ .]35 :‬فإن قييل‪ :‬كييف أضاف المثيل هنيا إلى نفسيه وقيد قال‪" :‬فل‬
‫تضربوا ل المثال" [النحل‪ ]74 :‬فالجواب أن قوله‪" :‬فل تضربوا ل المثال" أي المثال التي‬
‫توجييب الشباه والنقائص؛ أي ل تضربوا ل مثل يقتضييي نقصييا وتشبيهييا بالخلق‪ .‬والمثييل العلى‬
‫وصيفه بميا ل شيبيه له ول نظيير‪ ،‬جيل وتعالى عميا يقول الظالمون والجاحدون علوا كيبيرا‪" .‬وهيو‬
‫العزيز الحكيم" تقدم‪.‬‬
‫*‪*3‬اليية‪{ 61 :‬ولو يؤاخيذ ال الناس بظلمهيم ميا ترك عليهيا مين دابية ولكين يؤخرهيم إلى أجيل‬
‫مسمى فإذا جاء أجلهم ل يستأخرون ساعة ول يستقدمون}‬
‫@قوله تعالى‪" :‬ولو يؤاخذ ال الناس بظلمهم" أي بكفرهم وافترائهم‪ ،‬وعاجلهم‪" .‬ما ترك عليها"‬
‫أي على الرض‪ ،‬فهو كناية عن غير مذكور‪ ،‬لكن دل عليه قوله‪" :‬من دابة" فإن الدابة ل تدب إل‬
‫على الرض‪ .‬والمعنييى المراد ميين دابيية كافرة‪ ،‬فهييو خاص‪ .‬وقيييل‪ :‬المعنييى أنييه لو أهلك الباء‬
‫بكفرهيم لم تكين البناء‪ .‬وقييل‪ :‬المراد باليية العموم؛ أي لو أخيذ ال الخلق بميا كسيبوا ميا ترك على‬
‫ظهر هذه الرض من دابة من نبي ول غيره؛ وهذا قول الحسن‪ .‬وقال ابن مسعود وقرأ هذه الية‪:‬‬
‫لو أخييذ ال الخلئق بذنوب المذنييبين لصيياب العذاب جميييع الخلق حتييى الجعلن فييي حجرهييا‪،‬‬
‫ولمسيك المطار مين السيماء والنبات مين الرض فمات الدواب‪ ،‬ولكين ال يأخيذ بالعفيو والفضيل؛‬
‫كما قال‪" :‬ويعفو عن كثير" [الشورى‪" .]30 :‬فإذا جاء أجلهم" أي أجل موتهم ومنتهى أعمارهم‪.‬‬
‫أو الوقييت المعلوم عنييد ال عييز وجييل‪ .‬وقرأ ابين سيييرين "جاء آجالهييم" بالجمييع وقيييل‪" :‬فإذا جاء‬
‫أجلهيم" أي فإذا جاء يوم القيامية‪ .‬وال أعلم‪" .‬ل يسيتأخرون سياعة ول يسيتقدمون" وقيد تقدم‪ .‬فإن‬
‫قييل‪ :‬فكييف يعيم بالهلك ميع أن فيهيم مؤمنيا لييس بظالم؟ قييل‪ :‬يجعيل هلك الظالم انتقاميا وجزاء‪،‬‬
‫وهلك المؤمن معوضا بثواب الخرة‪ .‬وفي صحيح مسلم عن عبدال بن عمر قال‪ :‬سمعت رسول‬
‫ال صلى ال عليه وسلم يقول‪( :‬إذا أراد ال بقوم عذابا أصاب العذاب من كان فيهم ثم بعثوا على‬
‫نياتهيم)‪ .‬وعين أم سيلمة وسيئلت عين الجييش الذي يخسيف بيه وكان ذلك فيي أيام ابين الزبيير‪ ،‬فقالت‬
‫قال رسيول ال صيلى ال علييه وسيلم‪( :‬يعوذ بالبييت عائذ فيبعيث إلييه بعيث فإذا كانوا بيبيداء مين‬
‫الرض خسيف بهيم) فقلت‪ :‬ييا رسيول ال‪ ،‬فكييف بمين كان كارهيا؟ قال‪( :‬يخسيف بيه معهيم ولكنيه‬
‫يبعييث يوم القياميية على نيتييه)‪ .‬وقييد أتينييا على هذا المعنييى مجودا فييي "كتاب التذكرة" وتقدم فييي‬
‫"المائدة" وآخير "النعام" ميا فييه كفايية‪ ،‬والحميد ل‪ .‬وقييل "فإذا جاء أجلهيم" أي فإذا جاء يوم‬
‫القيامة‪ .‬وال أعلم‪.‬‬
‫*‪*3‬الية‪{ 62 :‬ويجعلون ل ما يكرهون وتصف ألسنتهم الكذب أن لهم الحسنى ل جرم أن لهم‬
‫النار وأنهم مفرطون}‬
‫@قوله تعالى‪" :‬ويجعلون ل ميا يكرهون" أي مين البنات‪" .‬وتصيف ألسينتهم الكذب" أي وتقول‬
‫ألسينتهم الكذب‪" .‬الكذب" مفعول "تصيف" و"أن" فيي محيل نصيب بدل مين الكذب؛ لنيه بيان له‪.‬‬
‫وقيل‪" :‬الحسنى" الجزاء الحسن؛ قال الزجاج‪ .‬وقرأ ابن عباس وأبو العالية ومجاهد وابن محيصن‬
‫"الكذب" برفيع الكاف والذال والباء نعتيا لللسينة؛ وكذا "ول تقولوا لميا تصيف ألسينتكم الكذب"‬
‫[النحيل‪ .]116 :‬والكذب جميع كذوب؛ مثيل رسيول ورسيل وصيبور وصيبر وشكور وشكير‪" .‬أن‬
‫لهم الحسنى" قال مجاهد‪ :‬هو قولهم أن لهم البنين ول البنات‪" .‬ل جرم أن لهم النار" قال الخليل‪:‬‬
‫"ل جرم" كلمة تحقيق ول تكون إل جوابا؛ يقال‪ :‬فعلوا ذلك؛ فيقال‪ :‬ل جرم سيندمون‪ .‬أي حقا أن‬
‫لهيم النار‪" .‬وأنهيم مفرطون" متركون منسييون فيي النار؛ قاله ابين العرابيي وأبيو عيبيدة والكسيائي‬
‫والفراء‪ ،‬وهيو قول سيعيد بين جيبير ومجاهيد‪ .‬وقال ابين عباس وصيعيد بين جيبير أيضيا‪ :‬مبعدون‪.‬‬
‫قتادة والحسيين‪ :‬معجلون إلى النار مقدمون إليهييا‪ .‬والفارط‪ :‬الذي يتقدم إلى الماء؛ ومنييه قول النييبي‬
‫صلى ال عليه وسلم‪( :‬أنا فرطكم على الحوض) أي متقدمكم‪ .‬وقال القطامي‪:‬‬
‫كما تعجل فراط لوراد‬ ‫فاستعجلونا وكانوا من صحابتنا‬
‫والفراط‪ :‬المتقدمون فيي طلب الماء‪ .‬والوراد‪ :‬المتأخرون‪ .‬وقرأ نافيع فيي روايية ورش "مفرطون"‬
‫بكسير الراء وتخفيفهيا‪ ،‬وهيي قراءة عبدال بين مسيعود وابين عباس‪ ،‬ومعناه مسيرفون فيي الذنوب‬
‫والمعصية‪ ،‬أي أفرطوا فيها‪ .‬يقال‪ :‬أفرط فلن على فلن إذا أربى عليه‪ ،‬وقال له أكثر مما قال من‬
‫الشير‪ .‬وقرأ أبيو جعفير القارئ "مفرطون" بكسير الراء وتشديدهيا‪ ،‬أي مضيعون أمير ال؛ فهيو مين‬
‫التفريط في الواجب‪.‬‬
‫*‪*3‬اليية‪{ 63 :‬تال لقيد أرسيلنا إلى أميم مين قبلك فزيين لهيم الشيطان أعمالهيم فهيو وليهيم اليوم‬
‫ولهم عذاب أليم}‬
‫@قوله تعالى‪" :‬تال لقد أرسلنا إلى أمم من قبلك فزين لهم الشيطان أعمالهم" أي أعمالهم الخبيثة‪.‬‬
‫هذا تسيلية للنيبي صيلى ال علييه وسيلم بأن مين تقدميه مين النيبياء قيد كفير بهيم قومهيم‪" .‬فهيو وليهيم‬
‫اليوم" أي ناصرهم في الدنيا على زعمهم‪ .‬وقيل‪" :‬فهو وليهم" أي قرينهم في النار‪" .‬اليوم" يعني‬
‫يوم القيامة‪ ،‬وأطلق عليه اسم اليوم لشهرته‪ .‬وقيل يقال لهم يوم القيامة‪ :‬هذا وليكلم فاستنصروا به‬
‫لينجيكم من العذاب‪ ،‬على جهة التوبيخ لهم‪" .‬ولهم عذاب أليم" في الخرة‪.‬‬
‫*‪*3‬اليية‪{ 64 :‬وميا أنزلنيا علييك الكتاب إل لتيبين لهيم الذي اختلفوا فييه وهدى ورحمية لقوم‬
‫يؤمنون}‬
‫@قوله تعالى‪" :‬وميا أنزلنيا علييك الكتاب" أي القرآن "إل لتيبين لهيم الذي اختلفوا فييه" مين الديين‬
‫والحكام فتقوم الحجيية عليهييم ببيانييك‪ .‬وعطفييك "هدى ورحميية" على موضييع قوله‪" :‬لتييبين" لن‬
‫محله نصيييب‪ .‬ومجاز الكلم‪ :‬وميييا أنزلنيييا علييييك الكتاب إل تبيانيييا للناس‪" .‬وهدى ورحمييية لقوم‬
‫يؤمنون" أي رشدا ورحمة للمؤمنين‪.‬‬
‫*‪*3‬اليية‪{ 65 :‬وال أنزل مين السيماء ماء فأحييا بيه الرض بعيد موتهيا إن فيي ذلك ليية لقوم‬
‫يسمعون}‬
‫@قوله تعالى‪" :‬وال أنزل من السماء" أي السحاب‪" .‬ماء فأحيا به الرض بعد موتها" عاد الكلم‬
‫إلى تعداد النعييم وبيان كمال القدرة‪" .‬إن فييي ذلك لييية" أي دللة على البعييث على وحدانيتييه؛ إذ‬
‫علموا أن معبودهيم ل يسيتطيع شيئا‪ ،‬فتكون هذه الدللة‪" .‬لقوم يسيمعون" عين ال تعالى بالقلوب ل‬
‫بالذان؛ "فإنها ل تعمى البصار ولكن تعمى القلوب التي في الصدور" [الحج‪.]46 :‬‬
‫*‪*3‬الية‪{ 66 :‬وإن لكم في النعام لعبرة نسقيكم مما في بطونه من بين فرث ودم لبنا خالصا‬
‫سائغا للشاربين}‬
‫@قوله تعالى‪" :‬وإن لكم في النعام لعبرة" قد تقدم القول في النعام‪ ،‬وهي هنا الصناف الربعة‪:‬‬
‫البييل والبقيير والضأن والمعييز‪" .‬لعييبرة" أي دللة على قدرة ال ووحدانيتييه وعظمتييه‪ .‬والعييبرة‬
‫أصلها تمثيل الشيء بالشيء لتعرف حقيقته من طريق المشاكلة‪ ،‬ومنه "فاعتبروا" [الحشر‪.]2 :‬‬
‫وقال أبيو بكير الوراق‪ :‬العيبرة فيي النعام تسيخيرها لربابهيا وطاعتهيا لهيم‪ ،‬وتمردك على ربيك‬
‫وخلفك له في كل شيء‪ .‬ومن أعظم العبر بريء يحمل مذنبا‪.‬‬
‫@قوله تعالى‪" :‬نسقيكم" قراءة أهل المدينة وابن عامر وعاصم في رواية أبي بكر بفتح النون من‬
‫سيقى يسيقي‪ .‬وقرأ الباقون وحفيص عين عاصيم بضيم النون مين أسيقى يسيقي‪ ،‬وهيي قراءة الكوفييين‬
‫وأهل مكة‪ .‬قيل‪ :‬هما لغتان‪ .‬وقال لبيد‪:‬‬
‫نميرا والقبائل من هلل‬ ‫سقى قومي بني مجد وأسقى‬
‫وقييل‪ :‬يقال لميا كان مين يدك إلى فييه سيقيته‪ ،‬فإذا جعلت له شرابيا أو عرضتيه لن يشرب بفييه أو‬
‫يزرعه قلت أسقيته؛ قال ابن عزيز‪ ،‬وقد تقدم‪ .‬وقرأت فرقة "تسقيكم" بالتاء‪ ،‬وهي ضعيفة‪ ،‬يعني‬
‫النعام‪ .‬وقرئ بالياء‪ ،‬أي يسقيكم ال عز وجل‪ .‬والقراء على القراءتين المتقدمتين؛ ففتح النون لغة‬
‫قريش وضمها لغة حمير‪.‬‬
‫@قوله تعالى‪" :‬مما في بطونه" اختلف الناس في الضمير من قوله‪" :‬مما في بطونه" على ماذا‬
‫يعود‪ .‬فقييل‪ :‬هيو عائد إلى ميا قبله وهيو جميع المؤنيث‪ .‬قال سييبويه‪ :‬العرب تخيبر عين النعام بخيبر‬
‫الواحيد‪ .‬قال ابين العربيي‪ :‬وميا أراه عول علييه إل مين هذه اليية‪ ،‬وهذا ل يشبيه منصيبه ول يلييق‬
‫بإدراكه‪ .‬وقيل‪ :‬لما كان لفظ الجمع وهو اسم الجنس يذكر ويؤنث فيقال‪ :‬هو النعام وهي النعام‪،‬‬
‫جاز عود الضميير بالتذكيير؛ وقال الزجاج‪ ،‬وقال الكسيائي‪ :‬معناه مميا فيي بطون ميا ذكرناه‪ ،‬فهيو‬
‫عائد على المذكور؛ وقيد قال ال تعالى‪" :‬إنهيا تذكرة‪ ،‬فمين شاء ذكره" [عبيس‪ ]12 - 11 :‬وقال‬
‫الشاعر‪:‬‬
‫مثل الفراخ نتفت حواصله‬
‫ومثله كثيير‪ .‬وقال الكسيائي‪" :‬مميا فيي بطونيه" أي مميا فيي بطون بعضيه؛ إذ الذكور ل ألبان لهيا‪،‬‬
‫وهييو الذي عول عليييه أبييو عييبيدة‪ .‬وقال الفراء‪ :‬النعام والنعييم واحييد‪ ،‬والنعييم يذكيير‪ ،‬ولهذا تقول‬
‫العرب‪ :‬هذا نعم وارد‪ ،‬فرجع الضمير إلى لفظ النعم الذي هو بمعنى النعام‪ .‬قال ابن العربي‪ :‬إنما‬
‫رجع التذكير إلى معنى الجمع‪ ،‬والتأنيث إلى معنى الجماعة‪ ،‬فذكره هنا باعتبار لفظ الجمع‪ ،‬وأنثه‬
‫في سورة المؤمنين باعتبار لفظ الجماعة فقال‪" :‬نسقيكم مما في بطونها" [المؤمنون‪ ]21 :‬وبهذا‬
‫التأوييل ينتظيم المعنيى انتظاميا حسينا‪ .‬والتأنييث باعتبار لفيظ الجماعية والتذكيير باعتبار لفيظ الجميع‬
‫أكثر من رمل يبرين وتيهاء فلسطين‪.‬‬
‫@ استنبط بعض العلماء الجلة وهو القاضي إسماعيل من عود هذا الضمير‪ ،‬أن لبن الفحل يفيد‬
‫التحرييم‪ ،‬وقال‪ :‬إنميا جييء بيه مذكرا لنيه راجيع إلى ذكير النعيم؛ لن اللبين للذكير محسيوب‪ ،‬ولذلك‬
‫قضى النبي صلى ال عليه وسلم بأن لبن الفحل يحرم حين أنكرته عائشة في حديث أفلح أخي أبي‬
‫القعيس (فللمرأة السقي وللرجل اللقاح) فجرى الشتراك فيه بينهما‪ .‬وقد مضى‪.‬‬
‫@قوله تعالى‪" :‬من بين فرث ودم لبنا خالصا" نبه سبحانه على عظيم قدرته بخروج اللبن خالصا‬
‫بييين الفرث والدم‪ .‬والفرث‪ :‬الزبييل الذي ينزل إلى الكرش‪ ،‬فإذا خرج لم يسييم فرثييا‪ .‬يقال‪ :‬أفرثييت‬
‫الكرش إذا أخرجيت ميا فيهيا‪ .‬والمعنيى‪ :‬أن الطعام يكون فييه ميا فيي الكرش ويكون منيه الدم‪ ،‬ثيم‬
‫يخلص اللبين مين الدم؛ فأعلم ال سيبحانه أن هذا اللبين يخرج مين بيين ذلك وبيين الدم فيي العروق‪.‬‬
‫وقال ابن عباس‪ :‬إن الدابة تأكل العلف فإذا استقر في كرشها طبخته فكان أسفله فرثا وأوسطه لبنا‬
‫وأعله دميا‪ ،‬والكبيد مسيلط على هذه الصيناف فتقسيم الدم وتميزه وتجرييه فيي العروق‪ ،‬وتجري‬
‫اللبين فيي الضرع ويبقيى الفرث كميا هيو فيي الكرش؛ "حكمية بالغية فميا تغين النذر" [القمير‪.]5:‬‬
‫"خالصيا" يرييد مين حمرة الدم وقذارة الفرث وقيد جمعهميا وعاء واحيد‪ .‬وقال ابين بحير‪ :‬خالصيا‬
‫بياضه‪ .‬قال النابغة‪:‬‬
‫بخالصة الردان خضر المناكب‬
‫أي بيض الكمام‪ .‬وهذه قدرة ل تنبغي إل للقائم على كل شيء بالمصلحة‪.‬‬
‫@ قال النقاش‪ :‬فيي هذا دلييل على أن المنيي لييس بنجيس‪ .‬وقاله أيضيا غيره واحتيج بأن قال‪ :‬كميا‬
‫يخرج اللبيين ميين بييين الفرث والدم سييائغا خالصييا كذلك يجوز أن يخرج المنييي على مخرج البول‬
‫طاهرا‪ .‬قال ابين العربيي‪ :‬إن هذا لجهيل عظييم وأخيذ شنييع‪ .‬اللبين جاء الخيبر عنيه مجييء النعمية‬
‫والمنية الصيادرة عين القدرة ليكون عيبرة‪ ،‬فاقتضيى ذلك كله وصيف الخلوص واللذة؛ ولييس المنيي‬
‫من هذه الحالة حتى يكون ملحقا به أو مقيسا عليه‪.‬‬
‫قلت‪ :‬قييد يعارض هذا بأن يقال‪ :‬وأي منيية أعظييم وأرفييع ميين خروج المنييي الذي يكون عنييه‬
‫النسيان المكرم؛ وقيد قال تعالى‪" :‬يخرج مين بيين الصيلب والترائب" [الطارق‪ ،]7 :‬وقال‪" :‬وال‬
‫جعيل لكيم مين أنفسيكم أزواجيا وجعيل لكيم مين أزواجكيم بنيين وحفدة" [النحيل‪ ]72 :‬وهذا غايية فيي‬
‫المتنان‪ .‬فإن قييل‪ :‬إنيه يتنجيس بخروجيه فيي مجرى البول‪ ،‬قلنيا‪ :‬هيو ميا أردناه‪ ،‬فالنجاسية عارضية‬
‫وأصيله طاهير؛ وقيد قييل‪ :‬إن مخرجيه غيير مخرج البول وخاصية المرأة؛ فإن مدخيل الذكير منهيا‬
‫ومخرج الولد غيير مخرج البول على ميا قال العلماء‪ .‬فإن قييل‪ :‬أصيله دم فهيو نجيس‪ ،‬قلنيا ينتقيض‬
‫بالمسييك‪ ،‬فإن أصييله دم وهييو طاهيير‪ .‬ومميين قال بطهارتييه الشافعييي وأحمييد وإسييحاق وأبييو ثور‬
‫وغيرهيم؛ لحدييث عائشية رضيي ال عنهيا قالت‪ :‬كنيت أفركيه مين ثوب رسيول ال صيلى ال علييه‬
‫وسلم يابسا بظفري‪ .‬قال الشافعي‪ :‬فإن لم يفرك فل بأس به‪ .‬وكان سعد بن أبي وقاص يفرك المني‬
‫من ثوبه‪ .‬وقال ابن عباس‪ :‬هو كالنخامة أمطه عنك بإذخرة وامسحه بخرقة‪ .‬فإن قيل‪ :‬فقد ثبت عن‬
‫عائشة أنها قالت‪ :‬كنت أغسل المني من ثوب رسول ال صلى ال عليه وسلم ثم يخرج إلى الصلة‬
‫في ذلك الثوب وأنا أنظر إلى أثر الغسل فيه‪ .‬قلنا‪ :‬يحتمل أن تكون غسلته استقذارا كالشياء التي‬
‫تزال ميين الثوب كالنجاسيية‪ ،‬ويكون هذا جمعييا بييين الحاديييث‪ .‬وال أعلم‪ .‬وقال مالك وأصييحابه‬
‫والوزاعي‪ :‬هو نجس‪ .‬قال مالك‪ :‬غسل الحتلم من الثوب أمر واجب مجتمع عليه عندنا‪ ،‬وهو‬
‫قول الكوفيين‪ .‬ويروى عن عمر بن الخطاب وابن مسعود وجابر بن سمرة أنهم غسلوه من ثيابهم‪.‬‬
‫واختلف فيه عن ابن عمر وعائشة‪ .‬وعلى هذين القولين في نجاسة المني وطهارته التابعون‪.‬‬
‫@ في هذه الية دليل على جواز النتفاع باللبان من الشرب وغيره‪ ،‬فأما لبن الميتة فل يجوز‬
‫النتفاع بيه؛ لنيه مانيع طاهير حصيل فيي وعاء نجيس‪ ،‬وذلك أن ضرع الميتية نجيس واللبين طاهير‬
‫فإذا حلب صار مأخوذا من وعاء نجس‪ .‬فأما لبن المرأة الميتة فاختلف أصحابنا فيه‪ ،‬فمن قال‪ :‬إن‬
‫النسيان طاهير حييا وميتيا فهيو طاهير‪ .‬ومين قال‪ :‬ينجيس بالموت فهيو نجيس‪ .‬وعلى القوليين جميعيا‬
‫تثبت الحرمة؛ لن الصبي قد يغتذي به كما يغتذي من الحية‪ ،‬وذلك أن رسول ال صلى ال عليه‬
‫وسلم قال‪( :‬الرضاع ما أنبت اللحم وأنشز العظم)‪ .‬ولم يخص‪.‬‬
‫@قوله تعالى‪" :‬سائغا للشاربين" أي لذيذا هينا ل يغص به من شربه‪ .‬يقال‪ :‬ساغ الشراب يسوغ‬
‫سيوغا أي سيهل مدخله فيي الحلق‪ ،‬وأسياغه شاربيه‪ ،‬وسيغته أنيا أسييغه وأسيوغه‪ ،‬يتعدى‪ ،‬والجود‬
‫أسييغته إسيياغة‪ .‬يقال‪ :‬أسييغ لي غصييتي أي أمهلنييي ول تعجلنييي؛ وقال تعالى‪" :‬يتجرعييه ول يكاد‬
‫يسييغه" [إبراهييم‪ .]17 :‬والسيواغ ‪ -‬بكسير السيين ‪ -‬ميا أسيغت بيه غصيتك‪ .‬يقال‪ :‬الماء سيواغ‬
‫الغصص؛ ومنه قول الكميت‪:‬‬
‫فكانت سواغا أن جئزت بغصة‬
‫وروي أن اللبن لم يَشرَق به أحد قط‪ ،‬وروي ذلك عن النبي صلى ال عليه وسلم‪.‬‬
‫@ في هذه الية دليل على استعمال الحلوة والطعمة اللذيذة وتناولها‪ ،‬ول يقال‪ :‬إن ذلك يناقض‬
‫الزهد أو يباعده‪ ،‬لكن إذا كان من وجهه ومن غير سرف ول إكثار‪ .‬وفي الصحيح عن أنس قال‪:‬‬
‫لقيد سيقيت رسيول ال صيلى ال علييه وسيلم بقدحيي هذا الشراب كله‪ :‬العسيل والنيبيذ واللبين والماء‪.‬‬
‫وقد كره القراء أكل الفالوذج واللبن من الطعام‪ ،‬وأباحه عامة العلماء‪ .‬وروي عن الحسن أنه كان‬
‫على مائدة ومعه مالك بن دينار‪ ،‬فأتى بفالوذج فامتنع عن أكله‪ ،‬فقال له الحسن‪ :‬كل فإن عليك في‬
‫الماء البارد أكثر من هذا‪.‬‬
‫@ روى أبو داود وغيره عن ابن عباس قال‪ :‬أتي رسول ال صلى ال عليه وسلم بلبن فشرب‪،‬‬
‫فقال رسول ال صلى ال عليه وسلم‪( :‬إذا أكل أحدكم طعاما فليقل اللهم بارك لنا فيه وأطعمنا خيرا‬
‫منه‪ .‬وإذا سقي لبنا فليقل اللهم بارك لنا فيه وزدنا منه فإنه ليس شيء يجزي عن الطعام والشراب‬
‫إل اللبيين)‪ .‬قال علماؤنييا‪ :‬فكيييف ل يكون ذلك وهيو أول مييا يغتذي بييه النسييان وتنمييي بيه الجثييث‬
‫والبدان‪ ،‬فهيو قوت خلي عين المفاسيد بيه قوام الجسيام‪ ،‬وقيد جعله ال تعالى علمية لجبرييل على‬
‫هداية هذه المة التي هي خير المم أمة؛ فقال في الصحيح‪( :‬فجاءني جبريل بإناء من خمر وإناء‬
‫مين لبين فاخترت اللبين فقال لي جبرييل اخترت الفطرة أميا إنيك لو اخترت الخمير غوت أمتيك)‪ .‬ثيم‬
‫إن في الدعاء بالزيادة منه علمة الخصب وظهور الخيرات والبركات؛ فهو مبارك كله‪.‬‬
‫*‪*3‬الية‪{ 67 :‬ومن ثمرات النخيل والعناب تتخذون منه سكرا ورزقا حسنا إن في ذلك لية‬
‫لقوم يعقلون}‬
‫@قوله تعالى‪" :‬ومين ثمرات النخييل" قال الطيبري‪ :‬التقديير ومين ثمرات النخييل والعناب ميا‬
‫تتخذون؛ فحذف "ما" ودل على حذفه قوله‪" :‬منه"‪ .‬وقيل‪ :‬المحذوف شيء‪ ،‬والمر قريب‪ .‬وقيل‪:‬‬
‫معنى "منه" أي من المذكور‪ ،‬فل يكون في الكلم حذف وهو أولى‪ .‬ويجوز أن يكون قوله‪" :‬ومن‬
‫ثمرات" عطفييا على "النعام"؛ أي ولكييم ميين ثمرات النخيييل والعناب عييبرة‪ .‬ويجوز أن يكون‬
‫معطوفيا على "مميا" أي ونسيقيكم أيضيا مشروبات مين ثمرات‪" .‬سيكرا" السيكر ميا يسيكر؛ هذا هيو‬
‫المشهور فييي اللغيية‪ .‬قال ابيين عباس‪ :‬نزلت هذه الييية قبييل تحريييم الخميير‪ .‬وأراد بالسييكر الخميير‪،‬‬
‫وبالرزق الحسين جمييع ميا يؤكيل ويشرب حلل مين هاتيين الشجرتيين‪ .‬وقال بهذا القول ابين جيبير‬
‫والنخعيي والشعيبي وأبيو ثور‪ .‬وقيد قييل‪ :‬إن السيكر الخيل بلغية الحبشية‪ ،‬والرزق الحسين الطعام‪.‬‬
‫وقيل‪ :‬السكر العصير الحلو الحلل‪ ،‬وسمي سكرا لنه قد يصير مسكرا إذا بقي‪ ،‬فإذا بلغ السكار‬
‫حرم‪ .‬قال ابين العربيي‪ :‬أسَيدُ هذه القوال قول ابين عباس‪ ،‬ويخرج ذلك على أحيد معنييين‪ ،‬إميا أن‬
‫يكون ذلك قبيل تحرييم الخمير‪ ،‬وإميا أن يكون المعنييى‪ :‬أنعيم ال عليكييم بثمرات النخييل والعناب‬
‫تتخذون منيه مييا حرم ال عليكييم اعتداء منكييم‪ ،‬وميا أحييل لكيم اتفاقييا أو قصييدا إلى منفعية أنفسيكم‪.‬‬
‫والصحيح أن ذلك كان قبل تحرييم الخمير فتكون منسوخة؛ فإن هذه الية مكية باتفاق مين العلماء‪،‬‬
‫وتحريم الخمر مدني‪.‬‬
‫قلت‪ :‬فعلى أن السيكر الخمير أو العصيير الحلو ل نسيخ‪ ،‬وتكون اليية محكمية وهيو حسين‪ .‬قال‬
‫ابن عباس‪ :‬الحبشة يسمون الخل السكر‪ ،‬إل أن الجمهور على أن السكر الخمر‪ ،‬منهم ابن مسعود‬
‫وابن عمر وأبو رزين والحسن ومجاهد وابن أبي ليلى والكلبي وغيرهم ممن تقدم ذكرهيم‪ ،‬كلهم‬
‫قالوا‪ :‬السيكر ميا حرميه ال مين ثمرتيهميا‪ .‬وكذا قال أهيل اللغية‪ :‬السيكر اسيم للخمير وميا يسيكر‪،‬‬
‫وأنشدوا‪:‬‬
‫إذا جرى فيهم المزاء والسكر‬ ‫بئس الصحاة وبئس الشرب شربهم‬
‫والرزق الحسيين‪ :‬مييا أحله ال ميين ثمرتيهمييا‪ .‬وقيييل‪ :‬إن قوله "تتخذون منييه سييكرا" خييبر معناه‬
‫السيتفهام بمعنيى النكار‪ ،‬أي أتتخذون منيه سيكرا وتدعون رزقيا حسينا الخيل والزبييب والتمير؛‬
‫كقوله‪" :‬فهيم الخالدون" [النيبياء‪ ]34 :‬أي أفهيم الخالدون‪ .‬وال أعلم‪ .‬وقال أبيو عيبيدة‪ :‬السيكر‬
‫الطعم؛ يقال‪ :‬هذا سكر لك أي طعم‪ .‬وأنشد‪:‬‬
‫جعلت عيب الكرمين سكرا‬
‫أي جعلت ذمهيم طعميا‪ .‬وهذا اختيار الطيبري أن السيكر ميا يطعيم مين الطعام وحيل شربيه مين ثمار‬
‫النخيييل والعناب‪ ،‬وهييو الرزق الحسيين‪ ،‬فاللفييظ مختلف والمعنييى واحييد؛ مثييل "إنمييا أشكييو بثييي‬
‫وحزني إلى ال" [يوسف‪ ]86 :‬وهذا حسن ول نسخ‪ ،‬إل أن الزجاج قال‪ :‬قول أبي عبيدة هذا ل‬
‫يعرف‪ ،‬وأهيل التفسيير على خلفيه‪ ،‬ول حجية له فيي البييت الذي أنشده؛ لن معناه عنيد غيره أنيه‬
‫يصيف أنهيا تتخمير بعيوب الناس‪ .‬وقال الحنفيون‪ :‬المراد بقوله‪" :‬سيكرا" ميا ل يسيكر مين النبذة؛‬
‫والدلييل علييه أن ال سيبحانه وتعالى امتين على عباده بميا خلق لهيم مين ذلك‪ ،‬ول يقيع المتنان إل‬
‫بمحلل ل بمحرم‪ ،‬فيكون ذلك دليل على جواز شرب مييا دون المسييكر ميين النييبيذ‪ ،‬فإذا انتهييى إلى‬
‫السكر لم يجز‪ ،‬وعضدوا هذا من السنة بما روي عن النبي صلى ال عليه وسلم أنه قال‪( :‬حرم ال‬
‫الخمير بعينهيا والسيكر مين غيرهيا)‪ .‬وبميا رواه عبدالملك بين نافيع عين ابين عمير قال‪ :‬رأييت رجل‬
‫جاء إلى رسيول ال صيلى ال علييه وسيلم وهيو عنيد الركين‪ ،‬ودفيع إلييه القدح فرفعيه إلى فييه فوجده‬
‫شديدا فرده إلى صيياحبه‪ ،‬فقال له حينئذ رجييل ميين القوم‪ :‬يييا رسييول ال‪ ،‬أحرام هييو؟ فقال‪( :‬علي‬
‫بالرجيل) فأتيى بيه فأخيذ منيه القدح‪ ،‬ثيم دعيا بماء فصيبه فييه ثيم رفعيه إلى فييه فقطيب‪ ،‬ثيم دعيا بماء‬
‫أيضا فصبه فيه ثم قال‪( :‬إذا اغتلمت عليكم هذه الوعية فاكسروا متونها بالماء)‪ .‬وروي أنه عليه‬
‫السلم كان ينبذ له فيشربه ذلك اليوم‪ ،‬فإذا كان من اليوم الثاني أو الثالث سقاه الخادم إذا تغير‪ ،‬ولو‬
‫كان حراميا ميا سيقاه إياه‪ .‬قال الطحاوي‪ :‬وقيد روى أبيو عون الثقفيي عين عبدال بين شداد عين ابين‬
‫عباس قال‪ :‬حرميت الخمير بعينهيا القلييل منهيا والكثيير والسيكر مين كيل شراب‪ ،‬خرجيه الدارقطنيي‬
‫أيضيا‪ .‬ففيي هذا الحدييث وميا كان مثله‪ ،‬أن غيير الخمير لم تحرم عينيه كميا حرميت الخمير بعينهيا‪.‬‬
‫قالوا‪ :‬والخمير شراب العنيب ل خلف فيهيا‪ ،‬ومين حجتهيم أيضيا ميا رواه شرييك بين عبدال‪ ،‬حدثنيا‬
‫أبيو إسيحاق الهمدانيي عين عمرو بين ميمون قال قال عمير بين الخطاب‪ :‬إنيا نأكيل لحوم هذه البيل‬
‫ولييس يقطعيه فيي بطوننيا إل النيبيذ‪ .‬قال شرييك‪ :‬ورأييت الثوري يشرب النيبيذ فيي بييت حيبر أهيل‬
‫زمانييه مالك بيين مغول‪ .‬والجواب أن قولهييم‪ :‬إن ال سييبحانه وتعالى امتيين على عباده ول يكون‬
‫امتنانيه إل بميا أحيل فصيحيح؛ بييد أنيه يحتميل أن يكون ذلك قبيل تحرييم الخمير كميا بيناه فيكون‬
‫منسيوخا كميا قدمناه‪ .‬قال ابين العربيي‪ :‬إن قييل كييف ينسيخ هذا وهيو خيبر والخيبر ل يدخله النسيخ‪،‬‬
‫قلنا‪ :‬هذا كلم من لم يتحقق الشريعة‪ ،‬وقد بينا أن الخبر إذا كان عن الوجود الحقيقي أو عن إعطاء‬
‫ثواب فضل مين ال فهيو الذي ل يدخله النسيخ‪ ،‬فأميا إذا تضمين الخيبر حكميا شرعييا فالحكام تتبدل‬
‫وتنسيخ‪ ،‬جاءت بخيبر أو أمير‪ ،‬ول يرجيع النسيخ إلى نفيس اللفيظ وإنميا يرجيع إلى ميا تضمنيه‪ ،‬فإذا‬
‫فهمتم هذا خرجتم عن الصنف الغبي الذي أخبر ال عن الكفار فيه بقوله‪" :‬وإذا بدلنا آية مكان آية‬
‫وال أعلم بمييا ينزل قالوا إنمييا أنييت مفتيير بييل أكثرهييم ل يعلمون" [النحييل‪ .]101 :‬المعنييى أنهييم‬
‫جهلوا أن الرب يأميير بمييا يشاء ويكلف مييا يشاء‪ ،‬ويرفييع ميين ذلك بعدل مييا يشاء ويثبييت مييا يشاء‬
‫وعنده أم الكتاب‪.‬‬
‫قلت‪ :‬هذا تشنيييع شنيييع حتييى يلحييق فيييه العلماء الخيار فييي قصييور الفهييم بالكفار‪ ،‬والمسييألة‬
‫أصييولية‪ ،‬وهييي أن الخبار عيين الحكام الشرعييية هييل يجوز نسييخها أم ل؟ اختلف فييي ذلك‪،‬‬
‫والصحيح جوازه لهذه الية وما كان مثلها‪ ،‬ولن الخبر عن مشروعية حكم ما يتضمن طلب ذلك‬
‫المشروع‪ ،‬وذلك الطلب هو الحكم الشرعي الذي يستدل على نسخه‪ .‬وال أعلم‪ .‬وأما ما ذكروا من‬
‫الحادييث فالول والثانيي ضعيفان؛ لنيه علييه السيلم قيد روي عنيه بالنقيل الثابيت أنيه قال‪( :‬كيل‬
‫شراب أسيكر فهيو حرام) وقال‪( :‬كيل مسيكر خمير وكيل مسيكر حرام) وقال‪( :‬ميا أسيكر كثيره فقليله‬
‫حرام)‪ .‬قال النسائي‪ :‬وهؤلء أهل الثبت والعدالة مشهورون بصحة النقل‪ ،‬وعبدالملك ل يقوم مقام‬
‫واحيد منهيم ولو عاضده مين أشكاله جماعية‪ ،‬وبال التوفييق‪ .‬وأميا الثالث وإن كان صيحيحا فإنيه ميا‬
‫كان يسقيه للخادم على أنه مسكر‪ ،‬وإنما كان يسقيه لنه متغير الرائحة‪ .‬وكان صلى ال عليه وسلم‬
‫يكره أن توجيد منيه الرائحية‪ ،‬فلذلك لم يشربيه‪ ،‬ولذلك تحييل علييه أزواجيه فيي عسيل زبييب بأن قييل‬
‫له‪ :‬إنا نجد منك ريح مغافير‪ ،‬يعني ريحا منكرة‪ ،‬فلم يشربه بعد‪ .‬وسيأتي في التحريم‪ .‬وأما حديث‬
‫ابين عباس فقيد روي عنيه خلف ذلك مين روايية عطاء وطاوس ومجاهيد أنيه قال‪ :‬ميا أسيكر كثيره‬
‫فقليله حرام‪ ،‬ورواه عنه قيس بن دينار‪ .‬وكذلك فتياه في المسكر؛ قاله الدارقطني‪ .‬والحديث الول‬
‫رواه عنه عبدال بن شداد وقد خالفه الجماعة‪ ،‬فسقط القول به مع ما ثبت عن النبي صلى ال عليه‬
‫وسلم‪ .‬وأما ما روي عن عمر من قوله‪ :‬ليس يقطعه في بطوننا إل النبيذ‪ ،‬فإنه يريد غير المسكر‬
‫بدليل ما ذكرنا‪ .‬وقد روى النسائي عن عتبة بن فرقد قال‪ :‬كان النبيذ الذي شربه عمر بن الخطاب‬
‫قيد خلل‪ .‬قال النسيائي‪ :‬ومميا يدل على صيحة هذا حدييث السيائب‪ ،‬قال الحارث بين مسيكين قراءة‬
‫علييه وأنيا أسيمع عن ابين القاسيم‪ :‬حدثنيي مالك عن ابين شهاب عين السيائب بين يزييد‪ ،‬أنيه أخيبره أن‬
‫عمير بين الخطاب خرج عليهيم فقال‪ :‬إنيي وجدت مين فلن رييح شراب‪ ،‬فزعيم أنيه شراب الطلء‪،‬‬
‫وأنيا سيائل عميا شرب‪ ،‬فإن كان مسيكرا جلدتيه‪ ،‬فجلده عمير بين الخطاب رضيي ال عنيه الحيد تاميا‪.‬‬
‫وقد قال في خطبته على منبر رسول ال صلى ال عليه وسلم‪ :‬أما بعد‪ ،‬أيها الناس فإنه نزل تحريم‬
‫الخمر وهي من خمسة‪ :‬من العنب والعسل والتمر والحنطة والشعير‪ .‬والخمر ما خامر العقل‪ .‬وقد‬
‫تقدم في "المائدة"‪.‬‬
‫فإن قييل‪ :‬فقيد أحيل شربيه إبراهييم النخعيي وأبيو جعفير الطحاوي وكان إمام أهيل زمانيه‪ ،‬وكان‬
‫سيفيان الثوري يشربيه‪ .‬قلنيا‪ :‬ذكير النسيائي فيي كتابيه أن أول مين أحيل المسيكر مين النبذة إبراهييم‬
‫النخعيي‪ ،‬وهذه زلة مين عالم وقيد حذرنيا مين زلة العالم‪ ،‬ول حجية فيي قول أحيد ميع السينة‪ .‬وذكير‬
‫النسيائي أيضيا عين ابين المبارك قال‪ :‬ميا وجدت الرخصية فيي المسيكر عين أحيد صيحيحا إل عين‬
‫إبراهيييم‪ .‬قال أبييو أسييامة‪ :‬مييا رأيييت رجل أطلب للعلم ميين عبدال بيين المبارك الشامات ومصيير‬
‫واليمين والحجاز‪ .‬وأميا الطحاوي وسيفيان لو صيح ذلك عنهميا لم يحتيج بهميا على مين خالفهميا مين‬
‫الئمية فيي تحرييم المسيكر ميع ميا ثبيت مين السينة؛ على أن الطحاوي قيد ذكير فيي كتابيه الكيبير فيي‬
‫الختلف خلف ذلك‪ .‬قال أبييو عميير بيين عبدالبر فييي كتاب التمهيييد له‪ :‬قال أبييو جعفيير الطحاوي‬
‫اتفقت المة على أن عصير العنب إذا اشتد وغلى وقذف بالزبد فهو خمر ومستحله كافر‪ .‬واختلفوا‬
‫في نقيع التمر إذا غلى وأسكر‪ .‬قال‪ :‬فهذا يدلك على أن حديث يحيى بن أبي كثير عن أبي هريرة‬
‫عن النبي صلى ال عليه وسلم أنه قال‪( :‬الخمر من هاتين الشجرتين النخلة والعنب) غير معمول‬
‫به عندهم؛ لنهم لو قبلوا الحديث لكفروا مستحل نقيع التمر‪ ،‬فثبت أنه لم يدخل في الخمر المحرمة‬
‫غيير عصيير العنيب الذي قيد اشتيد وبلغ أن يسيكر‪ .‬قال‪ :‬ثيم ل يخلو مين أن يكون التحرييم معلقيا بهيا‬
‫فقط غير مقيس عليها غيرها أو يجب القياس عليها‪ ،‬فوجدناهم جميعا قد قاسوا عليها نقيع التمر إذا‬
‫غلى وأسيكر كثيره وكذلك نقييع الزبييب‪ .‬قال‪ :‬فوجيب قياسيا على ذلك أن يحرم كيل ميا أسيكر مين‬
‫الشربة‪ .‬قال‪ :‬وقد روي عن النبي صلى ال عليه وسلم أنه قال‪( :‬كل مسكر حرام) واستغنى عن‬
‫مسينده لقبول الجمييع له‪ ،‬وإنميا الخلف بينهيم فيي تأويله‪ ،‬فقال بعضهيم‪ :‬أراد بيه جنيس ميا يسيكر‪.‬‬
‫وقال بعضهم‪ :‬أراد به ما يقع السكر عنده كما ل يسمى قاتل إل مع وجود القتل‪.‬‬
‫قلت‪ :‬فهذا يدل على أنييه محرم عنييد الطحاوي لقوله‪ ،‬فوجييب قياسييا على ذلك أن يحرم كييل مييا‬
‫أسكر من الشربة‪ .‬وقد روى الدارقطني في سننه عن عائشة رضي ال عنها أنها قالت‪ :‬إن ال لم‬
‫يحرم الخمير لسيمها وإنميا حرمهيا لعاقبتهيا‪ ،‬فكيل شراب يكون عاقبتيه كعاقبية الخمير فهيو حرام‬
‫كتحرييم الخمير‪ .‬قال ابين المنذر‪ :‬وجاء أهيل الكوفية بأخبار معلولة‪ ،‬وإذا اختلف الناس فيي الشييء‬
‫وجيب رد ذلك إلى كتاب ال وسينة رسيوله علييه السيلم‪ ،‬وميا روي عين بعيض التابعيين أنيه شرب‬
‫الشراب الذي يسكر كثيره فللقوم ذنوب يستغفرون ال منها‪ ،‬وليس يخلو ذلك من أحد معنيين‪ :‬إما‬
‫مخطيئ أخطيأ فيي التأوييل على حدييث سيمعه‪ ،‬أو رجيل أتيى ذنبيا لعله أن يكثير مين السيتغفار ل‬
‫تعالى‪ ،‬والنيبي صيلى ال علييه وسيلم حجية ال على الوليين والخريين مين هذه المية‪ .‬وقيد قييل فيي‬
‫تأوييل اليية‪ :‬إنهيا إنميا ذكرت للعتبار‪ ،‬أي مين قدر على خلق هذه الشياء قادر على البعيث‪ ،‬وهذا‬
‫العتبار ل يختلف بأن كانت الخمر حلل أو حراما‪ ،‬فاتخاذ السكر ل يدل على التحريم‪ ،‬وهو كما‬
‫قال تعالى‪" :‬قل فيهما إثم كبير ومنافع للناس" [البقرة‪ .]219 :‬وال أعلم‪.‬‬
‫*‪*3‬الية‪{ 68 :‬وأوحى ربك إلى النحل أن اتخذي من الجبال بيوتا ومن الشجر ومما يعرشون}‬
‫@قوله تعالى‪" :‬وأوحى ربك إلى النحل" قد مضى القول في الوحي وأنه قد يكون بمعنى اللهام‪،‬‬
‫وهو ما يخلقه ال تعالى فيي القلب ابتداء من غيير سبب ظاهير‪ ،‬وهو مين قوله تعالى‪" :‬ونفس وما‬
‫سواها‪ .‬فألهمها فجورها وتقواها" [الشمس‪ .]8 - 7 :‬ومن ذلك البهائم وما يخلق ال سبحانه فيها‬
‫مين درك منافعهيا واجتناب مضارهيا وتدبيير معاشهيا‪ .‬وقيد أخيبر عيز وجيل بذلك عين الموت فقال‪:‬‬
‫"تحدث أخبارها‪ .‬بأن ربك أوحى لها" [الزلزلة‪ .]5 - 4 :‬قال إبراهيم الحربي‪ .‬ل عز وجل في‬
‫الموات قدرة لم يدر ميا هيي‪ ،‬لم يأتهيا رسيول مين عنيد ال ولكين ال تعالى عرفهيا ذلك؛ أي ألهمهيا‪.‬‬
‫ول خلف بيين المتأوليين أن الوحيي هنيا بمعنيى اللهام‪ .‬وقرأ يحييى بين وثاب "إلى النحيل" بفتيح‬
‫الحاء‪ .‬وسيييمي نحل لن ال عييز وجييل نحله العسيييل الذي يخرج منييه؛ قاله الزجاج‪ .‬الجوهري‪:‬‬
‫والنحيل والنحلة ال ّدبّر يقيع على الذكير والنثيى‪ ،‬حتيى يقال‪ :‬يعسيوب‪ .‬والنحيل يؤنيث فيي لغية أهيل‬
‫الحجاز‪ ،‬وكل جمع ليس بينه وبين واحده إل الهاء‪ .‬وروي من حديث أبي هريرة عن النبي صلى‬
‫ال علييه وسيلم أنيه قال‪( :‬الذبان كلهيا فيي النار يجعلهيا عذابيا لهيل النار إل النحيل) ذكره الترمذي‬
‫الحكييم فيي نوادر الصيول‪ .‬وروي عين ابين عباس قال‪ :‬نهيى رسيول ال صيلى ال علييه وسيلم عين‬
‫قتييل النملة والنحلة والهدهييد والصييرد‪ ،‬خرجييه أبيو داود أيضييا‪ ،‬وسييأتي فييي "النمييل" إن شاء ال‬
‫تعالى‪" .‬أن اتخذي من الجبال بيوتا ومن الشجر" هذا إذا لم يكن لها مالك‪ .‬وجعل ال بيوت النحل‬
‫فيي هذه الثلثية النواع‪ ،‬إميا فيي الجبال وكواهيا‪ ،‬وإميا فيي متجوف الشجار‪ ،‬وإميا فيميا يعرش ابين‬
‫آدم من الجباح والخليا والحيطان وغيرهيا‪ .‬وعرش معناه هنا هيأ‪ ،‬وأكثر ما يستعمل فيما يكون‬
‫من إتقان الغصان والخشب وترتيب ظللها؛ ومنه العريش الذي صنع لرسول ال صلى ال عليه‬
‫وسلم يوم بدر‪ ،‬ومن هذا لفظة العرش‪ .‬يقال‪ :‬عرش يعرش ويعرش [بكسر الراء وضمها]‪ ،‬وقرئ‬
‫بهما‪ .‬قرأ ابن عامر بالضم وسائرهم بالكسر‪ ،‬واختلف في ذلك عن عاصم‪.‬‬
‫قال ابين العربيي‪ :‬ومين عجييب ميا خلق ال فيي النحيل أن ألهمهيا لتخاذ بيوتهيا مسيدسة‪ ،‬فبذلك‬
‫اتصيلت حتيى صيارت كالقطعية الواحدة‪ ،‬وذلك أن الشكال مين المثلث إلى المعشير إذا جميع كيل‬
‫واحيد منهيا إلى أمثاله لم يتصيل وجاءت بينهميا فرج‪ ،‬إل الشكيل المسيدس؛ فإنيه إذا جميع إلى أمثاله‬
‫اتصل كأنه كالقطعة الواحدة‪.‬‬
‫*‪*3‬اليية‪{ 69 :‬ثيم كلي مين كيل الثمرات فاسيلكي سيبل ربيك ذلل يخرج مين بطونهيا شراب‬
‫مختلف ألوانه فيه شفاء للناس إن في ذلك لية لقوم يتفكرون}‬
‫@قوله تعالى‪" :‬ثم كلي من كل الثمرات" وذلك أنها إنما تأكل النوار من الشجار‪" .‬فاسلكي سبل‬
‫ربيك" أي طرق ربيك‪ .‬والسيبل‪ :‬الطرق‪ ،‬وأضافهيا إلييه لنيه خالقهيا‪ .‬أي ادخلي طرق ربيك لطلب‬
‫الرزق فيي الجبال وخلل الشجير‪" .‬ذلل" جميع ذلول وهيو المنقاد؛ أي مطيعية مسيخرة‪ .‬فيي "ذلل"‬
‫حال مين النحيل‪ .‬أي تنقاد وتذهيب حييث شاء صياحبها؛ لنهيا تتبيع أصيحابها حييث ذهبوا؛ قاله ابين‬
‫زيد‪ .‬وقيل‪ :‬المراد بقوله "ذلل" السبل‪ .‬يقول‪ :‬مذلل طرقها سهلة للسلوك عليها؛ واختاره الطبري‪،‬‬
‫و"ذلل" حال من السبل‪ .‬واليعسوب سيد النحل‪ ،‬إذا وقف وقفت وإذا سار سارت‪.‬‬
‫@قوله تعالى‪" :‬يخرج مين بطونهيا شراب" رجيع الخطاب إلى الخيبر على جهية تعدييد النعمية‬
‫والتنييبيه على العييبرة فقال‪" :‬يخرج ميين بطونهييا شراب" يعنييي العسييل‪ .‬وجمهور الناس على أن‬
‫العسيل يخرج مين أفواه النحيل؛ وورد عين علي بين أبيي طالب رضيي ال عنيه أنيه قال فيي تحقيره‬
‫للدنيا‪ :‬أشرف لباس ابن آدم فيها لعاب دودة‪ ،‬وأشرف شرابه رجيع نحلة‪ .‬فظاهر هذا أنه من غير‬
‫الفيم‪ .‬وبالجملة فإنيه يخرج ول يدرى مين فيهيا أو أسيفلها‪ ،‬ولكين ل يتيم صيلحه إل بحميي أنفاسيها‪.‬‬
‫وقيد صينع أرسيطاطاليس بيتيا مين زجاج لينظير إلى كيفيية ميا تصينع‪ ،‬فأبيت أن تعميل حتيى لطخيت‬
‫باطن الزجاج بالطين؛ ذكره الغزنوي‪ .‬وقال‪" :‬من بطونها" لن استحالة الطعمة ل تكون إل في‬
‫البطن‪.‬‬
‫@قوله تعالى‪" :‬مختلف ألوانيه" يرييد أنواعيه مين الحمير والبييض والصيفر والجاميد والسيائل‪،‬‬
‫والم واحدة والولد مختلفون دليل على أن القدرة نوعته بحسب تنويع الغذاء‪ ،‬كما يختلف طعمه‬
‫بحسب اختلف المراعي؛ ومن هذا المعنى قول زينب للنبي صلى ال عليه وسلم‪( :‬جرست نحله‬
‫العرفط) حين شبهت رائحته برائحة المغافير‪.‬‬
‫@قوله تعالى‪" :‬فييه شفاء للناس" الضميير للعسيل؛ قال الجمهور‪ .‬أي فيي العسيل شفاء للناس‪.‬‬
‫وروي عين ابين عباس والحسين ومجاهيد والضحاك والفراء وابين كيسيان‪ :‬الضميير للقرآن؛ أي فيي‬
‫القرآن شفاء‪ .‬النحاس‪ :‬وهذا قول حسن؛ أو فيما قصصنا عليكم من اليات والبراهين شفاء للناس‪.‬‬
‫وقييل‪ :‬العسيل فييه شفاء‪ ،‬وهذا القول بيين أيضيا؛ لن أكثير الشربية والمعجونات التيي يتعالج بهيا‬
‫أصلها من العسل‪ .‬قال القاضي أبو بكر بن العربي‪ :‬من قال إنه القرآن بعيد ما أراه يصح عنهم‪،‬‬
‫ولو صيح نقل لم يصيح عقل؛ فإن مسياق الكلم كله للعسيل‪ ،‬لييس للقرآن فييه ذكير‪ .‬قال ابين عطيية‪:‬‬
‫وذهيب قوم مين أهيل الجهالة إلى أن هذه اليية يراد بهيا أهيل البييت وبنيو هاشيم‪ ،‬وأنهيم النحيل‪ ،‬وأن‬
‫الشراب القرآن والحكمية‪ ،‬وقيد ذكير هذا بعضهيم فيي مجلس المنصيور أبيي جعفير العباسيي‪ ،‬فقال له‬
‫رجييل مميين حضيير‪ :‬جعييل ال طعامييك وشرابييك ممييا يخرج ميين بطون بنييي هاشييم‪ ،‬فأضحييك‬
‫الحاضرين وبهت الخر وظهرت سخافة قوله‪.‬‬
‫@ اختلف العلماء في قوله تعالى‪" :‬فيه شفاء للناس" هل هو على عمومه أم ل؛ فقالت طائفة‪ :‬هو‬
‫على العموم في كل حال ولكل أحد‪ ،‬فروي عن ابن عمر أنه كان ل يشكو قرحة ول شيئا إل جعل‬
‫علييه عسيل‪ ،‬حتيى الدميل إذا خرج علييه طلى علييه عسيل‪ .‬وحكيى النقاش عين أبيي وجرة أنيه كان‬
‫يكتحيل بالعسيل ويسيتمشي بالعسيل ويتداوى بالعسيل‪ .‬وروي أن عوف بين مالك الشجعيي مرض‬
‫فقييل له‪ :‬أل نعالجيك؟ فقال‪ :‬ائتونيي بالماء‪ ،‬فإن ال تعالى يقول‪" :‬ونزلنيا مين السيماء ماء مباركيا"‬
‫[ق‪ ]9 :‬ثيم قال‪ :‬ائتونيي بعسيل‪ ،‬فإن ال تعالى يقول‪" :‬فييه شفاء للناس" وائتونيي بزييت‪ ،‬فإن ال‬
‫تعالى يقول‪" :‬مين شجرة مباركية" [النور‪ ]35 :‬فجاؤوه بذلك كله فخلطيه جميعيا ثيم شربيه فيبرئ‪.‬‬
‫ومنهيم من قال‪ :‬إنيه على العموم إذا خلط بالخيل ويطبيخ فيأتيي شرابيا ينتفيع بيه فيي كيل حالة مين كيل‬
‫داء‪ .‬وقالت طائفة‪ :‬إن ذلك على الخصوص ول يقتضي العموم في كل علة وفي كل إنسان‪ ،‬بل إنه‬
‫خبر عن أنه يشفي كما يشفي غيره من الدوية في بعض وعلى حال دون حال؛ ففائدة الية إخبار‬
‫منيه فيي أنيه دواء لميا كثير الشفاء بيه وصيار خليطيا ومعينيا للدوية فيي الشربية والمعاجيين؛ ولييس‬
‫هذا بأول لفييظ خصييص فالقرآن مملوء منييه ولغيية العرب يأتييي فيهييا العام كثيرا بمعنييى الخاص‬
‫والخاص بمعنيى العام‪ .‬ومميا يدل على أنيه لييس على العموم أن "شفاء" نكرة فيي سيياق الثبات‪،‬‬
‫ول عموم فيها باتفاق أهل اللسان ومحققي أهل العلم ومختلقي أهل الصول‪ .‬لكن قد حملته طائفة‬
‫ميين أهييل الصييدق والعزم على العموم‪ .‬فكانوا يسييتشفون بالعسييل ميين كييل الوجاع والمراض‪،‬‬
‫وكانوا يشفون من عللهم ببركة القرآن وبصحة التصديق واليقان‪ .‬ابن العربي‪ :‬ومن ضعفت نيته‬
‫وغلبته على الدين عادته أخذه مفهوما على قول الطباء‪ ،‬والكل من حكم الفعال لما يشاء‪.‬‬
‫@ إن قال قائل‪ :‬قيد رأينيا من ينفعيه العسيل ومين يضره‪ ،‬فكييف يكون شفاء للناس؟ قييل له‪ :‬الماء‬
‫حياة كل شيء وقد رأينا من يقتله الماء إذا أخذه على ما يضاده من علة في البدن‪ ،‬وقد رأينا شفاء‬
‫العسل في أكثر هذه الشربة؛ قال معناه الزجاج‪ .‬وقد اتفق الطباء عن بكرة أبيهم على مدح عموم‬
‫منفعة السكنجبين في كل مرض‪ ،‬وأصله العسل وكذلك سائر المعجونات‪ ،‬على أن النبي صلى ال‬
‫عليه وسلم قد حسم داء الشكال وأزاح وجه الحتمال حين أمر الذي يشتكي بطنه بشرب العسل‪،‬‬
‫فلميا أخيبره أخوه بأنيه لم يزده إل اسيتطلقا أمره بعود الشراب له فيبرئ؛ وقال‪( :‬صيدق ال وكذب‬
‫بطن أخيك)‪.‬‬
‫اعترض بعييض زنادقيية الطباء على هذا الحديييث فقال‪ :‬قييد أجمعييت الطباء على أن العسييل‬
‫يُس يهِل فكيييف يوصييف لميين بييه السييهال؛ فالجواب أن ذلك القول حييق فييي نفسييه لميين حصييل له‬
‫التصيديق بنيبيه علييه السيلم‪ ،‬فيسيتعمله على الوجيه الذي عينيه وفيي المحيل الذي أمره بعقيد نيية‬
‫وحسن طوية‪ ،‬فإنه يرى منفعته ويدرك بركته‪ ،‬كما قد اتفق لصاحب هذا العسل وغيره كما تقدم‪.‬‬
‫وأميا ميا حكييي مين الجماع فدليييل على جهله بالنقيل حيييث لم يقيييد وأطلق‪ .‬قال المام أبيو عبدال‬
‫المازري‪ :‬ينبغي أن يعلم أن السهال يعرض من ضروب كثيرة‪ ،‬منها السهال الحادث عن التخم‬
‫والهيضات؛ والطباء مجمعون فيييي مثيييل هذا على أن علجيييه بأن يترك للطبيعييية وفعلهيييا‪ ،‬وإن‬
‫احتاجت إلى معين على السهال أعينت ما دامت القوة باقية‪ ،‬فأما حبسها فضرر‪ ،‬فإذا وضح هذا‬
‫قلنيا‪ :‬فيمكين أن يكون ذلك الرجيل أصيابه السيهال عين امتلء وهيضية فأمره النيبي صيلى ال علييه‬
‫وسيلم بشرب العسيل فزاده إلى أن فنييت المادة فوقيف السيهال فوافقيه شرب العسيل‪ .‬فإذا خرج هذا‬
‫عين صيناعة الطيب أذِن ذلك بجهيل المعترض بتلك الصيناعة‪ .‬قال‪ :‬ولسينا نسيتظهر على قول نبينيا‬
‫بأن يصيدقه الطباء بل لو كذبوه لكذبناهيم ولكفرناهم وصدقناه صلى ال عليه وسلم؛ فإن أوجدونا‬
‫بالمشاهدة صيحة ميا قالوه فنفتقير حينئذ إلى تأوييل كلم رسيول ال صيلى ال علييه وسيلم وتخريجيه‬
‫على ما يصح إذ قامت الدللة على أنه ل يكذب‪.‬‬
‫@في قوله تعالى‪" :‬فيه شفاء للناس" دليل على جواز التعالج بشرب الدواء وغير ذلك خلفا لمن‬
‫كره ذلك مين جلة العلماء‪ ،‬وهيو يرد على الصيوفية الذيين يزعمون أن الوليية ل تتيم إل إذا رضيي‬
‫بجمييع ميا نزل بيه مين البلء‪ ،‬ول يجوز له مداواة‪ .‬ول معنيى لمين أنكير ذلك‪ ،‬روى الصيحيح عين‬
‫جابر عن رسول ال صلى ال عليه وسلم أنه قال‪( :‬لكل داء دواء فإذا أصيب دواء الداء برأ بإذن‬
‫ال)‪ .‬وروى أبيو داود والترمذي عين أسيامة بين شرييك قال قالت العراب‪ :‬أل نتداوى ييا رسيول‬
‫ال؟ قال‪( :‬نعييم‪ .‬يييا عباد ال تداووا فإن ال لم يضييع داء إل وضييع له شفاء أو دواء إل داء واحييد)‬
‫قالوا‪ :‬ييا رسيول ال وميا هيو؟ قال‪( :‬الهرم) لفيظ الترمذي‪ ،‬وقال‪ :‬حدييث حسين صيحيح‪ .‬وروي عين‬
‫أبي خزامة عن أبيه قال‪ :‬سألت رسول ال صلى ال عليه وسلم فقلت‪ :‬يا رسول ال‪ ،‬أرأيت رقى‬
‫نسيترقيها ودواء نتداوى بيه وتقاة نتقيهيا‪ ،‬هيل ترد مين قدر ال شيئا؟ قال‪( :‬هيي مين قدر ال) قال‪:‬‬
‫حدييث حسين‪ ،‬ول يعرف لبيي خزامية غيير هذا الحدييث‪ .‬وقال صيلى ال علييه وسيلم‪( :‬إن كان فيي‬
‫شييء مين أدويتكيم خيير ففيي شرطية محجيم أو شربية مين عسيل أو لذعية بنار وميا أحيب أن أكتوي)‬
‫أخرجه الصحيح‪ .‬والحاديث في هذا الباب أكثر من أن تحصى‪ .‬وعلى إباحة التداوي والسترقاء‬
‫جمهور العلماء‪ .‬روي أن ابن عمر اكتوى من اللقوة ورقيي من العقرب‪ .‬وعن ابن سيرين أن ابن‬
‫عميير كان يسييقي ولده الترياق‪ .‬وقال مالك‪ :‬ل بأس بذلك‪ .‬وقييد احتييج ميين كره ذلك بمييا رواه أبييو‬
‫هريرة قال‪ :‬قال رسيول ال صيلى ال علييه وسيلم‪( :‬دخلت أمية بقضهيا وقضيضهيا الجنية كانوا ل‬
‫يسيرقون ول يكتوون ول يتطيرون وعلى ربهيم يتوكلون)‪ .‬قالوا‪ :‬فالواجيب على المؤمين أن يترك‬
‫ذلك اعتصياما بال وتوكل علييه وثقية بيه وانقطاعيا إلييه؛ فإن ال تعالى قيد علم أيام المرض وأيام‬
‫الصييحة فلو حرص الخلق على تقليييل ذلك أو زيادتييه مييا قدروا؛ قال ال تعالى‪" :‬مييا أصيياب ميين‬
‫مصييبة فيي الرض ول فيي أنفسيكم إل فيي كتاب مين قبيل أن نبرأهيا" [الحدييد‪ .]22 :‬وممين ذهيب‬
‫إلى هذا جماعية مين أهيل الفضيل والثير‪ ،‬وهيو قول ابين مسيعود وأبيي الدرداء رضوان ال عليهيم‪.‬‬
‫دخل عثمان بن عفان على ابن مسعود في مرضه الذي قبض فيه فقال له عثمان‪ :‬ما تشتكي؟ قال‬
‫ذنوبي‪ .‬قال‪ :‬فما تشتهي؟ قال رحمة ربي‪ .‬قال‪ :‬أل أدعو لك طبيبا؟ قال‪ :‬الطبيب أمرضني‪ ...‬وذكر‬
‫الحديث‪ .‬وسيأتي بكماله في فضل الواقعة إن شاء ال تعالى‪ .‬وذكر وكيع قال‪ :‬حدثنا أبو هلل عن‬
‫معاوية بن قرة قال‪ :‬مرض أبو الدرداء فعادوه وقالوا‪ :‬أل ندعو لك طبيبا؟ قال‪ :‬الطبيب أضجعني‪.‬‬
‫وإلى هذا ذهب الربيع بن خيثم‪ .‬وكره سعيد بن جبير الرقى‪ .‬وكان الحسن يكره شرب الدوية كلها‬
‫إل اللبين والعسيل‪ .‬وأجاب الولون عين الحدييث بأنيه ل حجية فييه‪ ،‬لنيه يحتميل أن يكون قصيد إلى‬
‫نوع من الكي مكروه بدليل كي النبي صلى ال عليه وسلم أبيا يوم الحزاب على أكحله لما رمي‪.‬‬
‫وقال‪( :‬الشفاء فيي ثلثية) كميا تقدم‪ .‬ويحتميل أن يكون قصيد إلى الرقيى بميا لييس فيي كتاب ال‪ ،‬وقيد‬
‫قال سبحانه وتعالى‪" :‬وننزل من القرآن ما هو شفاء" [السيراء‪ ]82 :‬على ما يأتي بيانه‪ .‬ورقى‬
‫أصحابه وأمرهم بالرقية؛ على ما يأتي بيانه‪.‬‬
‫@ ذهب مالك وجماعة أصحابه إلى أن ل زكاة في العسل وإن كان مطعوما مقتاتا‪ .‬واختلف فيه‬
‫قول الشافعييي‪ ،‬والذي قطييع بييه فييي قوله الجديييد‪ :‬أنييه ل زكاة فيييه‪ .‬وقال أبييو حنيفيية بوجوب زكاة‬
‫العسيل فيي قليله وكثيره؛ لن النصياب عنده فييه لييس بشرط‪ .‬وقال محميد بين الحسين‪ :‬ل شييء فييه‬
‫حتيى يبيل ثمانيية أفراق‪ ،‬والفرق سيتة وثلثون رطل من أرطال العراق‪ .‬وقال أبيو يوسيف‪ :‬فيي كيل‬
‫عشرة أزقاق زق؛ متمسيكا بميا رواه الترمذي عين ابين عمير قال قال رسيول ال صيلى ال علييه‬
‫وسلم‪( :‬في العسل في كل عشرة أزقاق زق) قال أبو عيسى‪ :‬في إسناده مقال‪ ،‬ول يصح عن النبي‬
‫صيلى ال علييه وسيلم فيي هذا الباب كيبير شييء‪ ،‬والعميل على هذا عنيد أكثير أهيل العلم‪ ،‬وبيه يقول‬
‫أحمد وإسحاق‪ ،‬وقال بعض أهل العلم‪ :‬ليس في العسل شيء‪.‬‬
‫@قوله تعالى‪" :‬إن فيي ذلك ليية لقوم يتفكرون" أي يعتيبرون؛ ومين العيبرة فيي النحيل بإنصياف‬
‫النظيير وإلطاف الفكيير فييي عجيييب أمرهييا‪ .‬فيشهييد اليقييين بأن ملهمهييا الصيينعة اللطيفية مييع البنييية‬
‫الضعيفة‪ ،‬وحذقها باحتيالها في تفاوت أحوالها هو ال سبحانه وتعالى؛ كما قال‪" :‬وأوحى ربك إلى‬
‫النحيل" [النحيل‪ ]68 :‬اليية‪ .‬ثيم أنهيا تأكيل الحاميض والمير والحلو والمالح والحشائش الضارة‪،‬‬
‫فيجعله ال تعالى عسل حلوا وشفاء‪ ،‬وفي هذا دليل على قدرته‪.‬‬
‫*‪*3‬الية‪{ 70 :‬وال خلقكم ثم يتوفاكم ومنكم من يرد إلى أرذل العمر لكي ل يعلم بعد علم شيئا‬
‫إن ال عليم قدير}‬
‫@قوله تعالى‪" :‬وال خلقكم ثم يتوفاكم" بين معناه‪" .‬ومنكم من يرد إلى أرذل العمر" يعني أردأه‬
‫وأوضعه‪ .‬وقيل‪ :‬الذي ينقص قوته وعقله ويصيره إلى الخرف ونحوه‪ .‬وقال ابن عباس‪ :‬يعني إلى‬
‫أسيفل العمير‪ ،‬يصيير كالصيبي الذي ل عقيل له؛ والمعنيى متقارب‪ .‬وفيي صيحيح البخاري عين أنيس‬
‫بين مالك قال كان رسيول ال صيلى ال علييه وسيلم يتعوذ يقول‪( :‬اللهيم إنيي أعوذ بيك مين الكسيل‬
‫وأعوذ بك من الجبن وأعوذ بك من الهرم وأعوذ بك من البخل)‪ .‬وفي حديث سعد بن أبي وقاص‬
‫(وأعوذ بك أن أرد إلى أرذل العمر) الحديث‪ .‬خرجه البخاري‪" .‬لكي ل يعلم بعد علم شيئا إن ال‬
‫عليم قدير" أي يرجع إلى حالة الطفولية فل يعلم ما كان يعلم قبل من المور لفرط الكبر‪ .‬وقد قيل‪:‬‬
‫هذا ل يكون للمؤمين‪ ،‬لن المؤمين ل ينزع عنيه علميه‪ .‬وقييل‪ :‬المعنيى لكيل يعميل بعيد علم شيئا؛‬
‫فعيبر عين العميل بالعلم لفتقاره إلييه؛ لن تأثيير الكيبر فيي عمله أبلغ مين تأثيره فيي علميه‪ .‬والمعنيى‬
‫المقصود الحتجاج على منكري البعث‪ ،‬أي الذي رده إلى هذه الحال قادر على أن يميته ثم يحييه‪.‬‬
‫*‪*3‬الية‪{ 71 :‬وال فضل بعضكم على بعض في الرزق فما الذين فضلوا برادي رزقهم على‬
‫ما ملكت أيمانهم فهم فيه سواء أفبنعمة ال يجحدون}‬
‫@قوله تعالى‪" :‬وال فضل بعضكم على بعض في الرزق" أي جعل منكم غنيا وحرا وعبدا‪" .‬فما‬
‫الذيين فضلوا" أي فيي الرزق‪" .‬برادي رزقهيم على ميا ملكيت أيمانهيم" أي ل يرد المولى على ميا‬
‫ملكيت يمينيه مميا رزق شيئا حتيى يسيتوي المملوك والمالك فيي المال‪ .‬وهذا مثيل ضربيه ال لعبدة‬
‫الصيينام‪ ،‬أي إذا لم يكيين عييبيدكم معكييم سييواء فكيييف تجعلون عييبيدي معييي سييواء؛ فلمييا لم يكيين‬
‫يشركهييم عييبيدهم فييي أموالهييم لم يجييز لهييم أن يشاركوا ال تعالى فييي عبادة غيره ميين الوثان‬
‫والنصاب وغيرهما مما عبد؛ كالملئكة والنبياء وهم عبيده وخلقه‪ .‬حكى معناه الطبري‪ ،‬وقاله‬
‫ابين عباس ومجاهيد وقتادة وغيرهيم‪ .‬وعين ابين عباس أيضيا أنهيا نزلت فيي نصيارى نجران حيين‬
‫قالوا عيسيى ابين ال فقال ال لهيم "فميا الذيين فضلوا برادي رزقهيم على ميا ملكيت أيمانهيم" أي ل‬
‫يرد المولى على ما ملكت يمينه مما رزق حتى يكون المولى والعبد في المال شرعا سواء‪ ،‬فكيف‬
‫ترضون لي ميا ل ترضون لنفسيكم فتجعلون لي ولدا مين عيبيدي‪ .‬ونظيرهيا "ضرب لكيم مثل مين‬
‫أنفسيكم هيل لكيم مين ميا ملكيت أيمانكيم مين شركاء فيي ميا رزقناكيم فأنتيم فييه سيواء" [الروم‪]28 :‬‬
‫على ما يأتي‪ .‬ودل هذا على أن العبد ل يملك‪ ،‬على ما يأتي أنفا‪.‬‬
‫*‪*3‬الية‪{ 72 :‬وال جعل لكم من أنفسكم أزواجا وجعل لكم من أزواجكم بنين وحفدة ورزقكم‬
‫من الطيبات أفبالباطل يؤمنون وبنعمة ال هم يكفرون}‬
‫@قوله تعالى‪" :‬وال جعل لكم من أنفسكم أزواجا" جعل بمعنى خلق "من أنفسكم أزواجا" يعني‬
‫آدم خلق منه حواء‪ .‬وقيل‪ :‬المعنى جعل لكم من أنفسكم‪ ،‬أي من جنسكم ونوعكم وعلى خلقتكم؛ كما‬
‫قال‪" :‬لقد جاءكم رسول من أنفسكم" [التوبة‪ ]128 :‬أي من الدميين‪ .‬وفي هذا رد على العرب‬
‫التي كانت تعتقد أنها كانت تزوج الجن وتباضعها‪ ،‬حتى روي أن عمرو بن هند تزوج منهم غول‬
‫وكان يخبؤهيا عين البرق لئل تراه فتنفير‪ ،‬فلميا كان فيي بعيض الليالي لميع البرق وعاينتيه السيعلة‬
‫فقالت‪ :‬عمرو ونفرت‪ ،‬فلم يرهيا أبدا‪ .‬وهذا مين أكاذيبهيا‪ ،‬وإن كان جائزا فيي حكيم ال وحكمتيه فهيو‬
‫رد على الفلسفة الذين ينكرون وجود الجن ويحيلون طعامهم‪" .‬أزواجا" زوج الرجل هي ثانيته‪،‬‬
‫فإنيه فرد فإذا انضافيت إلييه كانيا زوجيين‪ ،‬وإنميا جعلت الضافية إلييه دونهيا لنيه أصيلها فيي الوجود‬
‫كما تقدم‪.‬‬
‫@قوله تعالى‪" :‬وجعل لكم من أزواجكم بنين" ظاهر في تعديد النعمة في البناء‪ ،‬ووجود البناء‬
‫يكون منهميا معيا؛ ولكنيه لميا كان خلق المولود فيهيا وانفصياله عنهيا أضييف إليهيا‪ ،‬ولذلك تبعهيا فيي‬
‫الرق والحريية وصيار مثلهيا فيي الماليية‪ .‬قال ابين العربيي‪ :‬سيمعت إمام الحنابلة بمدينية السيلم أبيا‬
‫الوفاء علي بين عقييل يقول‪ :‬إنميا تبيع الولد الم فيي الماليية وصيار بحكمهيا فيي الرق والحريية؛ لنيه‬
‫انفصيل عين الب نطفية ل قيمية له ول ماليية فييه ول منفعية‪ ،‬وإنميا اكتسيب ميا اكتسيب بهيا ومنهيا‬
‫فلجيل ذلك تبعهيا‪ .‬كميا لو أكيل رجيل تمرا فيي أرض رجيل وسيقطت منيه نواة فيي الرض مين ييد‬
‫الكيل فصيارت نخلة فإنهيا ملك صياحب الرض دون الكيل بإجماع مين المية لنهيا انفصيلت عين‬
‫الكل ول قيمة لها‪.‬‬
‫@قوله تعالى‪" :‬وحفدة" روى ابين القاسيم عين مالك قال وسيألته عين قوله تعالى‪" :‬بنيين وحفدة"‬
‫قال‪ :‬الحفدة الخدم والعوان فييي رأيييي‪ .‬وروي عيين ابيين عباس فييي قوله تعالى‪" :‬وحفدة" قال هييم‬
‫العوان‪ ،‬من أعانك فقد حفدك‪ .‬قيل له‪ :‬فهل تعرف العرب ذلك؟ قال نعم وتقول أو ما سمعت قول‬
‫الشاعر‪:‬‬
‫بأكفهن أزمة الجمال‬ ‫حفد الولئد حولهن وأسلمت‬
‫أي أسرعن الخدمة‪ .‬والولئد‪ :‬الخدم‪ ،‬الواحدة وليدة؛ قال العشى‪:‬‬
‫إذا الحداة على أكسائها حفدوا‬ ‫كلفت مجهولها نوقا يمانية‬
‫أي أسيرعوا‪ .‬وقال ابن عرفية‪ :‬الحفدة عنيد العرب العوان‪ ،‬فكيل مين عميل عمل أطاع فييه وسيارع‬
‫فهيو حافيد‪ ،‬قال‪ :‬ومنيه قولهيم إلييك نسيعى ونحفيد‪ ،‬والحفدان السيرعة‪ .‬قال أبيو عبييد‪ :‬الحفيد العميل‬
‫والخدميية‪ .‬وقال الخليييل بيين أحمييد‪ :‬الحفدة عنييد العرب الخدم‪ ،‬وقاله مجاهييد‪ .‬وقال الزهري‪ :‬قيييل‬
‫الحفدة أولد الولد‪ .‬وروي عن ابن عباس‪ .‬وقيل الختان؛ قاله ابن مسعود وعلقمة وأبو الضحاك‬
‫وسعيد بن جبير وإبراهيم؛ ومنه قول الشاعر‪:‬‬
‫لها حفد ما يعد كثير‬ ‫فلو أن نفسي طاوعتني لصبحت‬
‫عيوف لصهار اللئام قذور‬ ‫ولكنها نفس علي أبية‬
‫وروى زر عيين عبدال قال‪ :‬الحفدة الصييهار؛ وقاله إبراهيييم‪ ،‬والمعنييى متقارب‪ .‬قال الصييمعي‪:‬‬
‫الختين مين كان مين قبيل المرأة‪ ،‬مثيل أبيهيا وأخيهيا وميا أشبههميا؛ والصيهار منهيا جميعيا‪ .‬يقال‪:‬‬
‫أصيهر فلن إلى بنيي فلن وصياهر‪ .‬وقول عبدال هيم الختان‪ ،‬يحتميل المعنييين جميعيا‪ .‬يحتميل أن‬
‫يكون أراد أبا المرأة وما أشبهه من أقربائها‪ ،‬ويحتمل أن يكون أراد وجعل لكم من أزواجكم بنين‬
‫وبنات تزوجونهيين‪ ،‬فيكون لكييم بسييببهن أختان‪ .‬وقال عكرميية‪ :‬الحفدة ميين نفييع الرجال ميين ولده؛‬
‫وأصله من حفد يحفد ‪ -‬بفتح العين في الماضي وكسرها في المستقبل ‪ -‬إذا أسرع في سيره؛ كما‬
‫قال كثير‪:‬‬
‫حفد الولئد بينهن‪ ...‬البيت‬
‫ويقال‪ :‬حفدت وأحفدت‪ ،‬لغتان إذا خدميت‪ .‬ويقال‪ :‬حافيد وحفيد؛ مثيل خادم وخدم‪ ،‬وحافيد وحفدة مثيل‬
‫كافير وكفرة‪ .‬قال المهدوي‪ :‬ومين جعيل الحفدة الخدم جعله منقطعيا مميا قبله ينوي بيه التقدييم؛ كأنيه‬
‫قال‪ :‬جعل لكم حفدة وجعل لكم من أزواجكم بنين‪.‬‬
‫قلت‪ :‬ما قال الزهري من أن الحفدة أولد الولد هو ظاهر القرآن بل نصه؛ أل ترى أنه قال‪:‬‬
‫"وجعيل لكيم مين أزواجكيم بنيين وحفدة" فجعيل الحفدة والبنيين منهين‪ .‬وقال ابين العربيي‪ :‬الظهير‬
‫عندي فيي قوله "بنيين وحفدة" أن البنيين أولد الرجيل لصيلبه والحفدة أولد ولده‪ ،‬ولييس فييي قوة‬
‫اللفظ أكثير من هذا‪ ،‬ويكون تقدير الية على هذا‪ :‬وجعل لكم من أزواجكيم بنين ومن البنين حفدة‪.‬‬
‫وقال معناه الحسن‪.‬‬
‫@ إذا فرعنيا على قول مجاهيد وابين عباس ومالك وعلماء اللغية فيي قولهيم إن الحفدة الخدم‬
‫والعوان‪ ،‬فقييد خرجييت خدميية الولد والزوجيية ميين القرآن بأبدع بيان؛ قاله ابيين العربييي‪ .‬روي‬
‫البخاري وغيره عين سيهل بين سيعد أن أبيا أسييد السياعدي دعيا النيبي صيلى ال علييه وسيلم لعرسيه‬
‫فكانت امرأته خادمهم‪ ...‬الحديث‪ ،‬وفي الصحيح عن عائشة قالت‪ :‬أنا فتلت قلئد بدن النبي صلى‬
‫ال عليييه وسييلم بيدي‪ .‬الحديييث‪ .‬ولهذا قال علماؤنييا‪ :‬عليهييا أن تفرش الفراش وتطبييخ القدر وتقييم‬
‫الدار‪ ،‬بحسيب حالهيا وعادة مثلهيا؛ قال ال تعالى‪" :‬وجعيل منهيا زوجهيا ليسيكن إليهيا" [العراف‪:‬‬
‫‪ ]189‬فكأنه جمع لنا فيها السكن والستمتاع وضربا من الخدمة بحسب جري العادة‪.‬‬
‫@ ويخدم الرجل زوجته فيما خف من الخدمة ويعينها‪ ،‬لما روته عائشة أن النبي صلى ال عليه‬
‫وسلم كان يكون في مهنة أهله فإذا سمع الذان خرج‪ .‬وهذا قول مالك‪ :‬ويعينها‪ .‬وفي أخلق النبي‬
‫صلى ال عليه وسلم أنه كان يخصف النعل ويقم البيت ويخيط الثوب‪ .‬وقالت عائشة وقد قيل لها‪:‬‬
‫ميا كان يعميل رسيول ال صيلى ال علييه وسيلم فيي بيتيه؟ قالت‪ :‬كان بشرا مين البشير يفلي ثوبيه‬
‫ويحلب شاته ويخدم نفسه‪.‬‬
‫@ وينفيق على خادمية واحدة‪ ،‬وقييل على أكثير؛ على قدر الثروة والمنزلة‪ .‬وهذا أمير دائر على‬
‫العرف الذي هو أصل من أصول الشريعة‪ ،‬فإن نساء العراب وسكان البوادي يخدمن أزواجهن‬
‫في استعذاب الماء وسياسة الدواب‪ ،‬ونساء الحواضر يخدم المقل منهم زوجته فيما خف ويعينها‪،‬‬
‫وأما أهل الثروة فيخدمون أزواجهن ويترفهن معهم إذا كان لهم منصب ذلك؛ فإن كان أمرا مشكل‬
‫شرطت عليه الزوجة ذلك‪ ،‬فتشهد أنه قد عرف أنها ممن ل تخدم نفسها فالتزم إخدامها‪ ،‬فينفذ ذلك‬
‫وتنقطع الدعوى فيه‪.‬‬
‫@قوله تعالى‪" :‬ورزقكيم مين الطيبات" أي مين الثمار والحبوب والحيوان‪" .‬أفبالباطيل" يعنيي‬
‫الصينام؛ قال ابين عباس‪" .‬يؤمنون" قراءة الجمهور بالياء‪ .‬وقرأ أبيو عبدالرحمين بالتاء‪" .‬وبنعمية‬
‫ال" أي بالسلم‪" .‬هم يكفرون"‪.‬‬
‫*‪*3‬اليتان‪{ 74 - 73 :‬ويعبدون مين دون ال ميا ل يملك لهيم رزقيا مين السيماوات والرض‬
‫شيئا ول يستطيعون‪ ،‬فل تضربوا ل المثال إن ال يعلم وأنتم ل تعلمون}‬
‫@قوله تعالى‪" :‬ويعبدون ميين دون ال مييا ل يملك لهييم رزقييا ميين السييماوات" يعنييي المطيير‪.‬‬
‫"والرض"‬
‫يعنيي النبات‪" .‬شيئا" قال الخفيش‪ :‬هيو بدل مين الرزق‪ .‬وقال الفراء‪ :‬هيو منصيوب بإيقاع الرزق‬
‫علييه؛ أي يعبدون ميا ل يملك أن يرزقهيم شيئا‪" .‬ول يسيتطيعون" أي ل يقدرون على شييء‪ ،‬يعنيي‬
‫الصنام‪" .‬فل تضربوا ل المثال" أي ل تشبهوا به هذه الجمادات؛ لنه واحد قادر ل مثل له‪ .‬وقد‬
‫تقدم‪.‬‬
‫*‪*3‬الية‪{ 75 :‬ضرب ال مثل عبدا مملوكا ل يقدر على شيء ومن رزقناه منا رزقا حسنا فهو‬
‫ينفق منه سرا وجهرا هل يستوون الحمد ل بل أكثرهم ل يعلمون}‬
‫@قوله تعالى‪" :‬ضرب ال مثل" نبه تعالى على ضللة المشركين‪ ،‬وهو منتظم بما قبله من ذكر‬
‫نعم ال عليهم وعدم مثل ذلك من آلهتهم‪" .‬ضرب ال مثل" أي بين شبها؛ ثم ذكر ذلك فقال‪" :‬عبدا‬
‫مملوكيا" أي كميا ل يسيتوي عندكيم عبيد مملوك ل يقدر مين أمره على شييء ورجيل حير قيد رزق‬
‫رزقيا حسينا فكذلك أنيا وهذه الصينام‪ .‬فالذي هيو مثال فيي هذه اليية هيو عبيد بهذه الصيفة مملوك ل‬
‫يقدر على شيء من المال ول من أمير نفسه‪ ،‬وإنما هو مسخر بإرادة سيده‪ .‬ول يلزم من اليية أن‬
‫العبيد كلهم بهذه الصفة؛ فإن النكرة في الثبات ل تقتضي الشمول عند أهل اللسان كما تقدم‪ ،‬وإنما‬
‫تفيد واحدا‪ ،‬فإذا كانت بعد أمر أو نهي أو مضافة إلى مصدر كانت للعموم الشيوعي؛ كقوله‪ :‬أعتق‬
‫رجل ول تهيين رجل‪ ،‬والمصييدر كإعتاق رقبيية‪ ،‬فأي رجييل أعتييق فقييد خرج عيين عهدة الخطاب‪،‬‬
‫ويصح منه الستثناء‪ .‬وقال قتادة‪ :‬هذا المثل للمؤمن والكافر؛ فذهب قتادة إلى أن العبد المملوك هو‬
‫الكافر؛ لنه ل ينتفع في الخرة بشيء من عبادته‪ ،‬وإلى أن معنى "ومن رزقناه منا رزقا حسنا"‬
‫المؤمين‪ .‬والول علييه الجمهور مين أهيل التأوييل‪ .‬قال الصيم‪ :‬المراد بالعبيد المملوك الذي ربميا‬
‫يكون أشد من موله أسرا وأنضر وجها‪ ،‬وهو لسيده ذليل ل يقدر إل على ما أذن له فيه؛ فقال ال‬
‫تعالى ضربيا للمثال‪ .‬أي فإذا كان هذا شأنكيم وشأن عيبيدكم فكييف جعلتيم أحجارا مواتيا شركاء ل‬
‫تعالى في خلقه وعبادته‪ ،‬وهي ل تعقل ول تسمع‪.‬‬
‫@ فهم المسلمون من هذه الية ومما قبلها نقصان رتبة العبد عن الحر في الملك‪ ،‬وأنه ل يملك‬
‫شيئا وإن ملك‪ .‬قال أهيل العراق‪ :‬الرق ينافيي الملك‪ ،‬فل يملك شيئا البتية بحال‪ ،‬وهيو قول الشافعيي‬
‫في الجديد‪ ،‬وبه قال الحسن وابن سيرين‪ .‬ومنهم من قال‪ :‬يملك إل أنه ناقص الملك‪ ،‬لن لسيده أن‬
‫ينتزعه منه أي وقت شاء‪ ،‬وهو قول مالك ومن اتبعه‪ ،‬وبه قال الشافعي في القديم‪ .‬وهو قول أهل‬
‫الظاهير؛ ولهذا قال أصيحابنا‪ :‬ل تجيب علييه عبادات الموال مين زكاة وكفارات‪ ،‬ول مين عبادات‬
‫البدان ما يقطعه عن خدمة سيده كالحج والجهاد وغير ذلك‪ .‬وفائدة هذه المسألة أن سيده لو ملكه‬
‫جارية جاز له أن يطأها بملك اليمين‪ ،‬ولو ملكه أربعين من الغنم فحال عليها الحول لم تجب على‬
‫السييد زكاتهيا لنهيا ملك غيره‪ ،‬ول على العبيد لن ملكيه غيير مسيتقر‪ .‬والعراقيي يقول‪ :‬ل يجوز له‬
‫أن يطيأ الجاريية‪ ،‬والزكاة فيي النصياب واجبية على السييد كميا كانيت‪ .‬ودلئل هذه المسيألة للفريقيين‬
‫في كتب الخلف‪ .‬وأدل دليل لنا قوله تعالى‪" :‬ال الذي خلقكم ثم رزقكم" [الروم‪ ]40 :‬فسوى بين‬
‫العبيد والحير فيي الرزق والخلق‪ .‬وقال علييه السيلم‪( :‬مين أعتيق عبدا وله مال‪ )...‬فأضاف المال‬
‫إلييه‪ .‬وكان ابين عمير يرى عبده يتسيرى فيي ماله فل يعييب علييه ذلك‪ .‬وروي عين ابين عباس أن‬
‫عبدا له طلق امرأتييه طلقتييين فأمره أن يرتجعهييا بملك اليمييين؛ فهذا دليييل على أنييه يملك مييا بيده‬
‫ويفعل فيه ما يفعل المالك في ملكه ما لم ينتزعه سيده‪ .‬وال أعلم‪.‬‬
‫@ وقد استدل بعض العلماء بهذه الية على أن طلق العبد بيد سيده‪ ،‬وعلى أن بيع المة طلقها؛‬
‫معول على قوله تعالى‪" :‬ل يقدر على شييء"‪ .‬قال‪ :‬فظاهره يفييد أنيه ل يقدر على شييء أصيل‪ ،‬ل‬
‫على الملك ول على غيره فهيو على عموميه‪ ،‬إل أن يدل دلييل على خلفيه‪ .‬وفيميا ذكرناه عين ابين‬
‫عمر وابن عباس ما يدل على التخصيص‪ .‬وال تعالى أعلم‪.‬‬
‫@ قال أبيو منصيور فيي عقيدتيه‪ :‬الرزق ميا وقيع الغتذاء بيه‪ .‬وهذه اليية ترد هذا التخصييص؛‬
‫وكذلك قوله تعالى‪" :‬ومما رزقناهم ينفقون" [البقرة‪ .]3 :‬و"أنفقوا مما رزقناكم" [البقرة‪]254 :‬‬
‫وغيير ذلك مين قول النيبي صيلى ال علييه وسيلم‪( :‬جعيل رزقيي تحيت ظيل رمحيي) وقوله‪( :‬أرزاق‬
‫أمتي في سنابك خيلها وأسنة رماحها)‪ .‬فالغنيمة كلها رزق‪ ،‬وكل ما صح به النتفاع فهو رزق‪،‬‬
‫وهو مراتب‪ :‬أعلها ما يغذي‪ .‬وقد حصر رسول ال صلى ال عليه وسلم وجوه النتفاع في قوله‪:‬‬
‫(يقول ابين آدم مالي مالي وهيل لك مين مالك إل ميا أكلت فأفنييت أو لبسيت فأبلييت أو تصيدقت‬
‫فأمضييت)‪ .‬وفيي معنيى اللباس يدخيل الركوب وغيير ذلك‪ .‬وفيي ألسينة المحدثيين‪ :‬السيماع رزق‪،‬‬
‫يعنون سماع الحديث‪ ،‬وهو صحيح‪.‬‬
‫@قوله تعالى‪" :‬ومن رزقناه منا رزقا حسنا" هو المؤمن‪ ،‬يطيع ال في نفسه وماله‪ .‬والكافر ما لم‬
‫ينفق في الطاعة صار كالعبد الذي ل يملك شيئا‪" .‬هل يستوون" أي ل يستوون‪ ،‬ولم يقل يستويان‬
‫لمكان "مين" لنيه اسيم مبهيم يصيلح للواحيد والثنيين والجميع والمذكير والمؤنيث‪ .‬وقييل‪" :‬إن عبدا‬
‫مملوكا"‪" ،‬ومن رزقناه" أريد بهما الشيوع في الجنس‪" .‬الحمد ل" أي هو مستحق للحمد دون ما‬
‫يعبدون مين دونيه؛ إذ ل نعمية للصينام عليهيم مين ييد ول معروف فتحميد علييه‪ ،‬إنميا الحميد الكاميل‬
‫ل؛ لنييه المنعييم الخالق‪" .‬بييل أكثرهييم" أي أكثيير المشركييين‪" .‬ل يعلمون" أن الحمييد لي‪ ،‬وجميييع‬
‫النعمة مني‪ .‬وذكر الكثر وهو يريد الجميع‪ ،‬فهو خاص أريد به التعميم‪ .‬وقيل‪ :‬أي بل أكثر الخلق‬
‫ل يعلمون‪ ،‬وذلك أن أكثرهم المشركون‪.‬‬
‫*‪*3‬اليية‪{ 76 :‬وضرب ال مثل رجليين أحدهميا أبكيم ل يقدر على شييء وهو كيل على موله‬
‫أينما يوجهه ل يأت بخير هل يستوي هو ومن يأمر بالعدل وهو على صراط مستقيم}‬
‫@قوله تعالى‪" :‬وضرب ال مثل رجليين أحدهميا أبكيم" هذا مثيل آخير ضربيه ال تعالى لنفسيه‬
‫وللوثين‪ ،‬فالبكيم الذي ل يقدر على شييء هيو الوثين‪ ،‬والذي يأمير بالعدل هيو ال تعالى؛ قاله قتادة‬
‫وغيره‪ .‬وقال ابيين عباس‪ :‬البكييم عبييد كان لعثمان رضييي ال عنييه‪ ،‬وكان يعرض عليييه السييلم‬
‫فيأبى‪ ،‬ويأمر بالعدل عثمان‪ .‬وعنه أيضا أنه مثل لبي بكر الصديق ومولى له كافر‪ .‬وقيل‪ :‬البكم‬
‫أبيو جهيل‪ ،‬والذي يأمير بالعدل عمار بين ياسير العنسيي‪ ،‬وعنيس "بالنون" حيي مين مذحيج‪ ،‬وكان‬
‫حليفا لبني مخزوم رهط أبي جهل‪ ،‬وكان أبو جهل يعذبه على السلم ويعذب أمه سمية‪ ،‬وكانت‬
‫مولة لبي جهل‪ ،‬وقال لها ذات يوم‪ :‬إنما آمنت بمحمد لنك تحبينه لجماله‪ ،‬ثم طعنها بالرمح في‬
‫قبلهيا فماتيت‪ ،‬فهيي أول شهييد مات فيي السيلم‪ ،‬رحمهيا ال‪ .‬مين كتاب النقاش وغيره‪ .‬وسييأتي هذا‬
‫فييي آيية الكراه مبينيا إن شاء ال تعالى‪ .‬وقال عطاء‪ :‬البكيم أبيي بين خلف‪ ،‬كان ل ينطييق بخييير‪.‬‬
‫"وهو كل على موله" أي قومه لنه كان يؤذيهم ويؤذي عثمان بن مظعون‪ .‬وقال مقاتل‪ :‬نزلت‬
‫فيي هشام بين عمرو بين الحارث‪ ،‬كان كافرا قلييل الخيير يعادي النيبي صيلى ال علييه وسيلم‪ .‬وقييل‪:‬‬
‫إن البكيم الكافير‪ ،‬والذي يأمير بالعدل المؤمين جملة بجملة؛ روى عين ابين عباس وهيو حسين لنيه‬
‫يعم‪ .‬والبكم الذي ل نطق له‪ .‬وقيل الذي ل يعقل‪ .‬وقيل الذي ل يسمع ول يبصر‪ .‬وفي التفسير إن‬
‫البكم ها هنا الوثن‪ .‬بين أنه ل قدرة له ول أمر‪ ،‬وأن غيره ينقله وينحته فهو كل عليه‪ .‬وال المر‬
‫بالعدل‪ ،‬الغالب على كييل شيييء‪" .‬وهييو كييل على موله" أي ثقييل على وليييه وقرابتييه‪ ،‬ووبال على‬
‫صاحبه وابن عمه‪ .‬وقد يسمى اليتيم كل لثقله على من يكفله؛ ومنه قول الشاعر‪:‬‬
‫إذا كان عظم الكل غير شديد‬ ‫أكول لمال الكل قبل شبابه‬
‫والكل أيضا الذي ل ولد له ول والد‪ .‬والكل العيال‪ ،‬والجمع الكلول‪ ،‬يقال منه‪ :‬كل السكين يكل كل‬
‫أي غلظييت شفرتييه فلم يقطييع‪" .‬أينمييا يوجييه ل يأت بخييير" قرأ الجمهور "يوجهييه" وهييو خييط‬
‫المصحف؛ أي أينما يرسله صاحبه ل يأت بخير‪ ،‬لنه ل يعرف ول يفهم ما يقال له ول يفهم عنه‪.‬‬
‫وقرأ يحييى بين وثاب "أينميا يوجيه" على الفعيل المجهول‪ .‬وروي عين ابين مسيعود أيضيا "توجيه"‬
‫على الخطاب‪" .‬هيل يسيتوي هيو ومين يأمير بالعدل وهيو على صيراط مسيتقيم" أي هيل يسيتوي هذا‬
‫البكم ومن يأمر بالعدل وهو على الصراط المستقيم‪.‬‬
‫*‪*3‬الية‪{ 77 :‬ول غيب السماوات والرض وما أمر الساعة إل كلمح البصر أو هو أقرب إن‬
‫ال على كل شيء قدير}‬
‫@قوله تعالى‪" :‬ول غيب السماوات والرض" تقدم معناه‪ .‬وهذا متصل بقوله "إن ال يعلم وأنتم‬
‫ل تعلمون" [النحل‪ ]74 :‬أي شرع التحليل والتحريم إنما يحسن ممن يحيط بالعواقب والمصالح‬
‫وأنتم أيها المشركون ل تحيطون بها فلم تتحكمون‪" .‬وما أمر الساعة إل كلمح البصر" وتجازون‬
‫فيها بأعمالكم‪ .‬والساعة هي الوقت الذي تقوم فيه القيامة؛ سميت ساعة لنها تفجأ الناس في ساعة‬
‫فيموت الخلق بصييحة‪ .‬واللمح النظير بسيرعة؛ يقال لمحيه لمحا ولمحانيا‪ .‬ووجه التأويل أن الساعة‬
‫لما كانت آتية ول بد جعلت من القرب كلمح البصر‪ .‬وقال الزجاج‪ :‬لم يرد أن الساعة تأتي في لمح‬
‫البصر‪ ،‬وإنما وصف سرعة القدرة على التيان بها؛ أي يقول للشيء كن فيكون‪ .‬وقيل‪ :‬إنما مثل‬
‫بلمح البصر لنه يلمح السماء مع ما هي عليه من البعد من الرض‪ .‬وقيل‪ :‬هو تمثيل للقرب؛ كما‬
‫يقول القائل‪ :‬ما السنة إل لحظة‪ ،‬وشبهه‪ .‬وقيل‪ :‬المعنى هو عند ال كذلك ل عند المخلوقين؛ دليله‬
‫قوله‪" :‬إنهيم يرونيه بعيدا‪ .‬ونراه قريبيا"‪[ .‬المعارج‪" .]7 - 6 :‬أو هيو أقرب" لييس "أو" للشيك بيل‬
‫للتمثيل بأيهما أراد الممثل‪ .‬وقيل‪ :‬دخلت لشك المخاطب‪ .‬وقيل‪" :‬أو" بمنزلة بل‪" .‬إن ال على كل‬
‫شيء قدير" تقدم‪.‬‬
‫*‪*3‬اليية‪{ 78 :‬وال أخرجكيم مين بطون أمهاتكيم ل تعلمون شيئا وجعيل لكيم السيمع والبصيار‬
‫والفئدة لعلكم تشكرون}‬
‫@قوله تعالى‪" :‬وال أخرجكم من بطون أمهاتكم ل تعلمون شيئا" ذكر أن من نعمه أن أخرجكم‬
‫مين بطون أمهاتكيم أطفال ل علم لكيم بشييء‪ .‬وفييه ثلثية أقاوييل‪ :‬أحدهيا‪ :‬ل تعلمون شيئا مميا أخيذ‬
‫عليكييم ميين الميثاق فييي أصييلب آبائكييم‪ .‬الثانييي‪ :‬ل تعلمون شيئا ممييا قضييى عليكييم ميين السييعادة‬
‫والشقاء‪ .‬الثالث‪ :‬ل تعلمون شيئا ميين منافعكييم؛ وتييم الكلم‪ ،‬ثييم ابتدأ فقال‪" :‬وجعييل لكييم السييمع‬
‫والبصيار والفئدة" أي التيي تعلمون بهيا وتدركون؛ لن ال جعيل ذلك لعباده قبيل إخراجهيم مين‬
‫البطون وإنمييا أعطاهييم ذلك بعدمييا أخرجهييم؛ أي وجعيل لكييم السييمع لتسييمعوا بيه الميير والنهييي‪،‬‬
‫والبصيار لتبصيروا بهيا آثار صينعه‪ ،‬والفئدة لتصيلوا بهيا إلى معرفتيه‪ .‬والفئدة‪ :‬جميع الفؤاد نحيو‬
‫غراب وأغربية‪ .‬وقيد قييل فيي ضمين قوله "وجعيل لكيم السيمع" إثبات النطيق لن مين لم يسيمع لم‬
‫يتكلم‪ ،‬وإذا وجدت حاسة السمع وجد النطق‪ .‬وقرأ العمش وابن وثاب وحمزة "إمهاتكم" هنا وفي‬
‫النور والزمر والنجم‪ ،‬بكسر الهمزة والميم‪ .‬وأما الكسائي فكسر الهمزة وفتح الميم؛ وإنما كان هذا‬
‫للتباع‪ .‬الباقون بضم الهمزة وفتح الميم على الصل‪ .‬وأصل المهات‪ :‬أمات‪ ،‬فزيدت الهاء تأكيدا‬
‫كمييا زادوا هاء فييي أهرقييت الماء وأصييله أرقييت‪ .‬وقييد تقدم هذا المعنييى فييي "الفاتحيية"‪" .‬لعلكييم‬
‫تشكرون" فيييه تأويلن‪ :‬أحدهمييا‪ :‬تشكرون نعمييه‪ .‬الثانييي‪ :‬يعنييي تبصييرون آثار صيينعته؛ لن‬
‫إبصارها يؤدي إلى الشرك‪.‬‬
‫*‪*3‬اليية‪{ 79 :‬ألم يروا إلى الطيير مسيخرات فيي جيو السيماء ميا يمسيكهن إل ال إن فيي ذلك‬
‫ليات لقوم يؤمنون}‬
‫@قوله تعالى‪" :‬ألم يروا إلى الطيير مسيخرات فيي جيو السيماء ميا يمسيكهن إل ال" قرأ يحييى بين‬
‫وثاب والعمييش وابيين عاميير وحمزة ويعقوب "تروا" بالتاء على الخطاب‪ ،‬واختاره أبييو عبيييد‪.‬‬
‫الباقون بالياء على الخيبر‪" .‬مسيخرات" مذللت لمير ال تعالى؛ قاله الكلبيي‪ .‬وقييل‪" :‬مسيخرات"‬
‫مذللت لمنافعكيم‪" .‬فيي جيو السيماء" الجيو ميا بيين السيماء والرض؛ وأضاف الجيو إلى السيماء‬
‫لرتفاعييه عيين الرض‪ .‬وفييي قوله "مسييخرات" دليييل على مسييخر سييخرها ومدبر مكنهييا ميين‬
‫التصرف‪" .‬ما يمسكهن إل ال" في حال القبض والبسط والصطفاف‪ .‬بين لهم كيف يعتبرون بها‬
‫على وحدانيته‪" .‬إن في ذلك ليات" أي علمات وعبرا ودللت‪" .‬لقوم يؤمنون" بال وبما جاءت‬
‫به رسلهم‪.‬‬
‫*‪*3‬الية‪{ 80 :‬وال جعل لكم من بيوتكم سكنا وجعل لكم من جلود النعام بيوتا تستخفونها يوم‬
‫ظعنكم ويوم إقامتكم ومن أصوافها وأوبارها وأشعارها أثاثا ومتاعا إلى حين}‬
‫@قوله تعالى‪" :‬جعل لكم" معناه صير‪ .‬وكل ما علك فأظلك فهو سقف وسماء‪ ،‬وكل ما أقلك فهو‬
‫أرض‪ ،‬وكل ما سترك من جهاتك الربع فهو جدار؛ فإذا انتظمت واتصلت فهو بيت‪ .‬وهذه الية‬
‫فيهييا تعديييد نعييم ال تعالى على الناس فييي البيوت‪ ،‬فذكيير أول بيوت المدن وهييي التييي للقاميية‬
‫الطويلة‪ .‬وقوله‪" :‬سكنا" أي تسكنون فيها وتهدأ جوارحكم من الحركة‪ ،‬وقد تتحرك فيه وتسكن في‬
‫غيره؛ إل أن القول خرج على الغالب‪ .‬وعيد هذا فيي جملة النعيم فإنيه لو شاء خلق العبيد مضطربيا‬
‫أبدا كالفلك لكان ذلك كمييا خلق وأراد‪ ،‬لو خلقييه سيياكنا كالرض لكان كمييا خلق وأراد‪ ،‬ولكنييه‬
‫أوجده خلقيا يتصيرف للوجهيين‪ ،‬ويختلف حاله بيين الحالتيين‪ ،‬وردده كييف وأيين‪ .‬والسيكن مصيدر‬
‫يوصف به الواحد والجمع‪.‬‬
‫@قوله تعالى‪" :‬وجعل لكم من جلود النعام بيوتا تستخفونها" ذكر تعالى بيوت القلة والرحلة فقال‬
‫"وجعيل لكيم مين جلود النعام بيوتيا تسيتخفونها" أي مين النطاع والدم‪" .‬بيوتيا" يعنيي الخيام‬
‫والقباب يخف عليكم حملها فيي السيفار‪" .‬يوم ظعنكيم" الظعن‪ :‬سيير البادية فيي النتجاع والتحول‬
‫من موضع إلى موضع؛ ومنه قول عنترة‪:‬‬
‫وجرى ببينهم الغراب البقع‬ ‫ظعن الذين فراقهم أتوقع‬
‫والظعن الهودج أيضا؛ قال‪:‬‬
‫وإذ جادت بوشك البين غربان‬ ‫أل هل هاجك الظعان إذ بانوا‬
‫وقرئ بإسيكان العيين وفتحهيا كالشعير والشعير‪ .‬وقييل‪ :‬يحتميل أن يعيم بيوت الدم وبيوت الشعير‬
‫وبيوت الصييوف؛ لن هذه ميين الجلود لكونهييا ثابتيية فيهييا؛ نحييا إلى ذلك ابيين سييلم‪ .‬وهييو احتمال‬
‫حسين‪ ،‬ويكون قوله "ومين أصيوافها" ابتداء كلم‪ ،‬كأنيه قال جعيل أثاثيا؛ يرييد الملبيس والوطاء‪،‬‬
‫وغير ذلك؛ قال الشاعر‪:‬‬
‫بذي الزي الجميل من الثاث‬ ‫أهاجتك الظعائن يوم بانوا‬
‫ويحتمييل أن يريييد بقوله "ميين جلود النعام" بيوت الدم فقييط كمييا قدمناه أول‪ .‬ويكون قوله "وميين‬
‫أصيوافها" عطفيا على قوله "مين جلود النعام" أي جعيل بيوتيا أيضيا‪ .‬قال ابين العربيي‪ :‬وهذا أمير‬
‫انتشر في تلك الديار‪ ،‬وعزبت عنه بلدنا‪ ،‬فل تضرب الخبية عندنا إل من الكتان والصوف‪ ،‬وقد‬
‫كان للنبي صلى ال عليه وسلم قبة من أدم‪ ،‬وناهيك من أدم الطائف غلء في القيمة‪ ،‬واعتلء في‬
‫الصنعة‪ ،‬وحسنا في البشرة‪ ،‬ولم يعد ذلك صلى ال عليه وسلم ترفا ول رآه سرفا؛ لنه مما امتن‬
‫ال سيبحانه مين نعمتيه وأذن فييه مين متاعيه‪ ،‬وظهرت وجوه منفعتيه فيي الكتنان والسيتظلل الذي‬
‫ل يقدر على الخروج عنيه جنيس النسيان‪ .‬ومين غرييب ميا جرى أنيي زرت بعيض المتزهديين مين‬
‫الغافلين مع بعض المحدثين‪ ،‬فدخلنا عليه في خباء كتان فعرض عليه صاحبي المحدث أن يحمله‬
‫إلى منزله ضيفا‪ ،‬وقال‪ :‬إن هذا موضع يكثر فيه الحر والبيت أرفق بك وأطيب لنفسي فيك؛ فقال‪:‬‬
‫هذا الخباء لنيا كثيير‪ ،‬وكان فيي صينعنا مين الحقيير؛ فقلت‪ :‬لييس كميا زعميت فقيد كان لرسيول ال‬
‫صيلى ال علييه وسيلم وهيو رئييس الزهاد قبية مين أدم طائفيي يسيافر معهيا ويسيتظل بهيا؛ فبهيت‪،‬‬
‫ورأيته على منزلة من العي فتركته مع صاحبي وخرجت عنه‪.‬‬
‫@قوله تعالى‪" :‬ومن أصوافها وأوبارها وأشعارها" أذن ال سبحانه بالنتفاع بصوف الغنم ووبر‬
‫البل وشعر المعز‪ ،‬كما أذن في العظم‪ ،‬وهو ذبحها وأكل لحومها‪ ،‬ولم يذكر القطن والكتان لنه‬
‫لم يكين فيي بلد العرب المخاطيبين بيه‪ ،‬وإنميا عدد عليهيم ميا أنعيم بيه عليهيم‪ ،‬وخوطبوا فيميا عرفوا‬
‫بما فهموا‪ .‬وما قام مقام هذه وناب منابها فيدخل في الستعمال والنعمة مدخلها؛ وهذا كقوله تعالى‪:‬‬
‫"وينزل مين السيماء مين جبال فيهيا مين برد" [النور‪]43 :‬؛ فخاطبهيم بالبرد لنهيم كانوا يعرفون‬
‫نزوله كثيرا عندهييم‪ ،‬وسييكت عيين ذكيير الثلج؛ لنييه لم يكيين فييي بلدهييم‪ ،‬وهييو مثله فييي الصييفة‬
‫والمنفعة‪ ،‬وقد ذكرهما النبي صلى ال عليه وسلم معا في التطهير فقال‪( :‬اللهم اغسلني بماء وثلج‬
‫وبرد)‪ .‬قال ابين عباس‪ :‬الثلج شييء أبييض ينزل مين السيماء وميا رأيتيه قيط‪ .‬وقييل‪ :‬إن ترك ذكير‬
‫القطن والكتان إنما كان إعراضا عن الترف؛ إذ ملبس عباد ال الصالحين إنما هو الصوف‪ .‬وهذا‬
‫فيه نظر؛ فإنه سبحانه يقول‪" :‬يا بني آدم قد أنزلنا عليكم لباسا يواري سوآتكم" [العراف‪]26 :‬‬
‫وقال هنا‪" :‬وجعل لكم سرابيل" فأشار إلى القطن والكتان في لفظة "سرابيل" وال أعلم‪ .‬و"أثاثا"‬
‫قال الخليل‪ :‬متاعا منضما بعضه إلى بعض؛ من أث إذا كثر‪ .‬قال‪:‬‬
‫أثيث كقنو النخلة المتعثكل‬ ‫وفرع يزين المتن أسود فاحم‬
‫ابن عباس‪" :‬أثاثا" ثيابا‪.‬‬
‫وتضمنيييت هذه اليييية جواز النتفاع بالصيييواف والوبار والشعار على كيييل حال‪ ،‬ولذلك قال‬
‫أصيحابنا‪ :‬صيوف الميتية وشعرهيا طاهير يجوز النتفاع بيه على كيل حال‪ ،‬ويغسيل مخافية أن يكون‬
‫علق به وسخ؛ وكذلك روت أم سلمة عن النبي صلى ال عليه وسلم أنه قال‪( :‬ل بأس بجلد الميتة‬
‫إذا دبيغ وصيوفها وشعرهيا إذا غسيل) لنيه مميا ل يحله الموت‪ ،‬سيواء كان شعير ميا يؤكيل لحميه أو‬
‫ل‪ ،‬كشعير ابين آدم والخنزيير‪ ،‬فإنيه طاهير كله؛ وبيه قال أبيو حنيفية‪ ،‬ولكنيه زاد علينيا فقال‪ :‬القرن‬
‫والسن والعظم مثل الشعر؛ قال‪ :‬لن هذه الشياء كلها ل روح فيها ل تنجس بموت الحيوان‪ .‬وقال‬
‫الحسن البصري والليث بن سعد والوزاعي‪ :‬إن الشعور كلها نجسة ولكنها تطهر بالغسل‪ .‬وعن‬
‫الشافعي ثلث روايات‪ :‬الولى‪ :‬طاهرة ل تنجس بالموت‪ .‬الثانية‪ :‬تنجس‪ .‬الثالثة‪ :‬الفرق بين شعر‬
‫ابين آدم وغيره‪ ،‬فشعير ابين آدم طاهير وميا عداه نجيس‪ .‬ودليلنيا عموم قوله تعالى‪" :‬ومين أصيوافها"‬
‫اليية‪ .‬فمن علينا بأن جعل لنا النتفاع بهيا‪ ،‬ولم يخصيى شعير الميتة من المذكاة‪ ،‬فهيو عموم إل أن‬
‫يمنيع منيه دلييل‪ .‬وأيضيا فإن الصيل كونهيا طاهرة قبيل الموت بإجماع‪ ،‬فمين زعيم أنيه انتقيل إلى‬
‫نجاسية فعلييه الدلييل‪ .‬فإن قييل قوله‪" :‬حرميت عليكيم الميتية" [المائدة‪ ]3 :‬وذلك عبارة عين الجملة‪.‬‬
‫قلنيا‪ :‬نخصيه بميا ذكرنيا؛ فإنيه منصيوص علييه فيي ذكير الصيوف‪ ،‬ولييس فيي آيتكيم ذكره صيريحا‪،‬‬
‫فكان دليلنا أولى‪ .‬وال أعلم‪ .‬وقد عول الشيخ المام أبو إسحاق إمام الشافعية ببغداد على أن الشعر‬
‫جزء متصيل بالحيوان خِلقية‪ ،‬فهيو ينميي بنمائه ويتنجيس بموتيه كسيائر الجزاء‪ .‬وأجييب بأن الماء‬
‫ليييس بدليييل على الحياة؛ لن النبات ينمييي وليييس بحييي‪ .‬وإذا عولوا على النماء المتصييل لمييا على‬
‫الحيوان عولنيا نحين على البانية التيي تدل على عدم الحسياس الذي يدل على عدم الحياة‪ .‬وأميا ميا‬
‫ذكره الحنفيون فيي العظيم والسين والقرن أنيه مثيل الشعير‪ ،‬فالمشهور عندنيا أن ذلك نجيس كاللحيم‪.‬‬
‫وقال ابيين وهييب مثييل قول أبييي حنيفيية‪ .‬ولنييا قول ثالث‪ :‬هييل تلحييق أطراف القرون والظلف‬
‫بأصيولها أو بالشعير‪ ،‬قولن‪ .‬وكذلك الشعري مين الرييش حكميه حكيم الشعير‪ ،‬والعظميي منيه حكميه‬
‫حكميه‪ .‬ودليلنيا قوله صيلى ال علييه وسيلم‪( :‬ل تنتفعوا مين الميتية بشييء) وهذا عام فيهيا وفيي كيل‬
‫جزء منها‪ ،‬إل ما قام دليله؛ ومن الدليل القاطع على ذلك قوله تعالى‪" :‬قال من يحيي العظام وهي‬
‫رمييم" [ييس‪ ،]78 :‬وقال تعالى‪" :‬وانظير إلى العظام كييف ننشزهيا" [البقرة‪ ،]259 :‬وقال‪:‬‬
‫"فكسيونا العظام لحميا" [المؤمنون‪ ،]14 :‬وقال‪" :‬أئذا كنيا عظاميا نخرة" [النازعات‪]11 :‬‬
‫فالصل هي العظام‪ ،‬والروح والحياة فيها كما في اللحم والجلد‪ .‬وفي حديث عبدال بن عكيم‪( :‬ل‬
‫تنتفعوا من الميتة بإهاب ول عصب)‪ .‬فإن قيل‪ :‬قد ثبت في الصحيح أن النبي صلى ال عليه وسلم‬
‫قال في شاة ميمونة‪( :‬أل انتفعتم بجلدها)؟ فقالوا‪ :‬يا رسول ال‪ ،‬إنها ميتة‪ .‬فقال‪( :‬إنما حرم أكلها)‬
‫والعظم ل يؤكل‪ .‬قلنا‪ :‬العظم يؤكل‪ ،‬وخاصة عظم الجمل الرضيع والجدي والطير‪ ،‬وعظم الكبير‬
‫يشوى ويؤكل‪ .‬وما ذكرناه قبل يدل على وجود الحياة فيه‪ ،‬وما كان طاهرا بالحياة ويستباح بالذكاة‬
‫ينجس بالموت‪ .‬وال أعلم‪.‬‬
‫@قوله تعالى‪" :‬من جلود النعام" عام في جلد الحي والميت‪ ،‬فيجوز النتفاع بجلود الميتة وإن لم‬
‫تدبيغ؛ وبيه قال ابين شهاب الزهري واللييث بين سيعد‪ .‬قال الطحاوي‪ :‬لم نجيد عين أحيد مين الفقهاء‬
‫جواز بيييع جلد الميتيية قبييل الدباغ إل عيين الليييث‪ .‬قال أبييو عميير‪ :‬يعنييي ميين الفقهاء أئميية الفتوى‬
‫بالمصيار بعد التابعين‪ ،‬وأما ابن شهاب فذلك عنه صيحيح‪ ،‬وهو قول أباه جمهور أهيل العلم‪ .‬وقيد‬
‫روي عنهما خلف هذا القول‪ ،‬والول أشهر‪.‬‬
‫قلت‪ :‬قيد ذكير الدارقطنيي فيي سيننه حدييث يحييى بين أيوب عين يونيس وعقييل عين الزهري‪،‬‬
‫وحدييث بقيية عين الزبيدي‪ ،‬وحدييث محميد بين كثيير العبدي وأبيي سيلمة المنقري عين سيليمان بين‬
‫كثير عن الزهري‪ ،‬وقال في آخرها‪ :‬هذه أسانيد صحاح‪.‬‬
‫@ اختلف العلماء في جلد الميتة إذا دبغ هل يطهر أم ل؛ فذكر ابن عبدالحكم عن مالك ما يشبه‬
‫مذهيب ابين شهاب فيي ذلك‪ .‬وذكره ابين خوييز منداد فيي كتابيه عين ابين عبدالحكيم أيضيا‪ .‬قال ابين‬
‫خوييز منداد‪ :‬وهيو قول الزهري واللييث‪ .‬قال‪ :‬والظاهير مين مذهيب مالك ميا ذكره ابين عبدالحكيم‪،‬‬
‫وهيو أن الدباغ ل يطهير جلد الميتية‪ ،‬ولكين يبييح النتفاع بيه فيي الشياء اليابسية‪ ،‬ول يصيلى علييه‬
‫ول يؤكل فيه‪ .‬وفي المدونة لبن القاسم‪ :‬من اغتصب جلد ميتة غير مدبوغ فأتلفه كان عليه قيمته‪.‬‬
‫وحكى أن ذلك قول مالك‪ .‬وذكر أبو الفرج أن مالكا قال‪ :‬من اغتصب لرجل جلد ميتة غير مدبوغ‬
‫فل شيء عليه‪ .‬قال إسماعيل‪ :‬إل أن يكون لمجوسي‪ .‬وروى ابن وهب‪ ،‬وابن عبدالحكم عن مالك‬
‫جواز بيعيه‪ ،‬وهذا فيي جلد كيل ميتية إل الخنزيير وحده؛ لن الزكاة ل تعميل فييه‪ ،‬فالدباغ أولى‪ .‬قال‬
‫أبيو عمير‪ :‬وكيل جلد ذكيي فجائز اسيتعماله للوضوء وغيره‪ .‬وكان مالك يكره الوضوء فيي إناء جلد‬
‫الميتية بعيد الدباغ على اختلف مين قوله‪ ،‬ومرة قال‪ :‬إنيه لم يكرهيه إل فيي خاصية نفسيه‪ ،‬وتكره‬
‫الصيلة علييه وبيعيه‪ ،‬وتابعيه على ذلك جماعية مين أصيحابه‪ .‬وأميا أكثير المدنييين فعلى إباحية ذلك‬
‫وإجازتيه؛ لقول رسيول ال صيلى ال علييه وسيلم‪( :‬أيميا إهاب دبيغ فقيد طهير)‪ .‬وعلى هذا أكثير أهيل‬
‫الحجاز والعراق من أهل الفقه والحديث‪ ،‬وهو اختيار ابن وهب‪.‬‬
‫@ ذهب المام أحمد بن حنبل رضي ال عنه إلى أنه ل يجوز النتفاع بجلود الميتة في شيء وإن‬
‫دبغت؛ لنهيا كلحم الميتة‪ .‬والخبار بالنتفاع بعد الدباغ ترد قوله‪ .‬واحتج بحديث عبدال بن عكيم‬
‫‪ -‬رواه أبو داود ‪ -‬قال‪ :‬قرئ علينا كتاب رسول ال صلى ال عليه وسلم بأرض جهينة وأنا غلم‬
‫شاب‪( :‬أل تستمتعوا من الميتة بإهاب ول عصب)‪ .‬وفي رواية‪ :‬قبل موته بشهر‪ .‬رواه القاسم بن‬
‫مخيمرة عن عبدال بن عكيم‪ ،‬قال‪ :‬حدثنا مشيخة لنا أن النبي صلى ال عليه وسلم كتب إليهم‪ ..‬قال‬
‫داود بن علي‪ :‬سألت يحيى بن معين عن هذا الحديث‪ ،‬فضعفه وقال‪ :‬ليس بشيء‪ ،‬إنما يقول حدثني‬
‫الشياخ‪ ،‬قال أبيو عمير‪ :‬ولو كان ثابتيا لحتميل أن يكون مخالفيا للحادييث المرويية عين ابين عباس‬
‫وعائشية وسيلمة بين المحبيق وغيرهيم‪ ،‬لنيه جائز أن يكون معنيى حدييث ابين عكييم (أل تنتفعوا مين‬
‫الميتية بإهاب) قبيل الدباغ؛ وإذا احتميل أل يكون مخالف ا فلييس لنيا أن نجعله مخالفيا‪ ،‬وعلينيا أن‬
‫نستعمل الخبرين ما أمكن‪ ،‬وحديث عبدال بن عكيم وإن كان قبل موت النبي صلى ال عليه وسلم‬
‫بشهر كما جاء في الخبر فيمكن أن تكون قصة ميمونة وسماع ابن عباس منه (أيما إهاب دبغ فقد‬
‫طهر) قبل موته بجمعة أو دون جمعة‪ ،‬وال أعلم‪.‬‬
‫@ المشهور عندنيا أن جلد الخنزيير ل يدخيل فيي الحدييث ول يتناوله العموم‪ ،‬وكذلك الكلب عنيد‬
‫الشافعيي‪ .‬وعنيد الوزاعيي وأبيي ثور‪ :‬ل يطهير بالدباغ إل جلد ميا يؤكيل لحميه‪ .‬وروى معين بين‬
‫عيسى عن مالك أنه سئل عن جلد الخنزير إذا دبغ فكرهه‪ .‬قال ابن وضاح‪ :‬وسمعت سحنونا يقول‬
‫ل بأس بيه؛ وكذلك قال محميد بين عبدالحكيم وداود بين علي وأصيحابه؛ لقوله علييه السيلم‪( :‬أيميا‬
‫مسك دبغ فقد طهر)‪ .‬قال أبو عمر‪ :‬يحتمل أن يكون أراد بهذا القول عموم الجلود المعهود النتفاع‬
‫بهيا‪ ،‬فأميا الخنزيير فلم يدخيل فيي المعنيى لنيه غيير معهود النتفاع بجلده‪ ،‬إذ ل تعميل فييه الذكاة‪.‬‬
‫ودليل آخر وهو ما قاله النضر بن شميل‪ :‬إن الهاب جلد البقر والغنم والبل‪ ،‬وما عداه فإنما يقال‬
‫له‪ :‬جلد ل إهاب‪.‬‬
‫قلت‪ :‬وجلد الكلب وميا ل يؤكيل لحميه أيضيا غيير معهود النتفاع بيه فل يطهير؛ وقيد قال صيلى‬
‫ال علييه وسيلم‪( :‬أكيل كيل ذي ناب مين السيباع حرام) فليسيت الذكاة فيهيا ذكاة‪ ،‬كميا أنهيا ليسيت فيي‬
‫الخنزيير ذكاة‪ .‬وروى النسيائي عين المقدام بين معيد يكرب قال‪( :‬نهيى رسيول ال صيلى ال علييه‬
‫وسلم عن الحرير والذهب ومياثر النمور )‬
‫@ اختلف الفقهاء في الدباغ التي تطهر به جلود الميتة ما هو؟ فقال أصحاب مالك وهو المشهور‬
‫مين مذهبيه‪ :‬كيل شييء دبيغ الجلد مين ملح أو قرظ أو شيب أو غيير ذلك فقيد جاز النتفاع بيه‪ .‬وكذلك‬
‫قال أبو حنيفة وأصحابه‪ ،‬وهو قول داود‪ .‬وللشافعي في هذه المسألة قولن‪ :‬أحدهما‪ :‬هذا‪ ،‬والخر‬
‫أنيه ل يطهير إل الشيب والقرظ؛ لنيه الدباغ المعهود على عهيد النيبي صيلى ال علييه وسيلم‪ ،‬وعلييه‬
‫خرج الخطابي ‪ -‬وال أعلم ‪ -‬ما رواه النسائي عن ميمونة زوج النبي صلى ال عليه وسلم أنه مر‬
‫برسول ال صلى ال عليه وسلم رجال من قريش يجرون شاة لهم مثل الحصان؛ فقال لهم رسول‬
‫ال صلى ال عليه وسلم‪( :‬لو أخذتم إهابها) قالوا‪ .‬إنها ميتة‪ ،‬فقال رسول ال صلى ال عليه وسلم‪:‬‬
‫(يطهرها الماء والقرظ)‪.‬‬
‫@قوله تعالى‪" :‬أثاثيا" الثاث متاع البييت‪ ،‬واحدهيا أثاثية؛ هذا قول أبيي زييد النصياري‪ .‬وقال‬
‫الموي‪ :‬الثاث متاع البيت‪ ،‬وجمعه آثة وأثث‪ .‬وقال غيرهما‪ :‬الثاث جميع أنواع المال ول واحد‬
‫له مين لفظيه‪ .‬وقال الخلييل‪ :‬أصيله مين الكثرة واجتماع بعيض المتاع إلى بعيض حتيى يكثير؛ ومنيه‬
‫شعر أثيث أي كثير‪ .‬وأث شعر فلن يأث أثا إذا كثر والتف؛ قال امرؤ القيس‪:‬‬
‫أثيث كقنو النخلة المتعثكل‬ ‫وفرع يزين المتن أسود فاحم‬
‫وقيل‪ :‬الثاث ما يلبس ويفترش‪ .‬وقد تأثثت إذا اتخذت أثاثا‪ .‬وعن ابن عباس رضي ال عنه "أثاثا"‬
‫مال‪ .‬وقد تقدم القول في الحين؛ وهو هنا وقت غير معين بحسب كل إنسان‪ ،‬إما بموته وإما بفقد‬
‫تلك الشياء التي هي أثاث‪ .‬ومن هذه اللفظة قول الشاعر‪:‬‬
‫بذي الزي الجميل من الثاث‬ ‫أهاجتك الظعائن يوم بانوا‬
‫*‪*3‬الية‪{ 81 :‬وال جعل لكم مما خلق ظلل وجعل لكم من الجبال أكنانا وجعل لكم سرابيل‬
‫تقيكم الحر وسرابيل تقيكم بأسكم كذلك يتم نعمته عليكم لعلكم تسلمون}‬
‫@قوله تعالى‪" :‬وال جعيل لكيم مميا خلق ظلل" الظلل‪ :‬كل ميا يسيتظل به من البيوت والشجير‪.‬‬
‫وقوله "مميا خلق" يعيم جمييع الشخاص المظلة‪" .‬أكنانيا" الكنان‪ :‬جميح كين‪ ،‬وهيو الحافيظ مين‬
‫المطيير والريييح وغييير ذلك؛ وهييي هنييا الغيران فييي الجبال‪ ،‬جعلهييا ال عدة للخلق يأوون إليهييا‬
‫ويتحصنون به أو يعتزلون عن الخلق فيها‪ .‬وفي الصحيح أنه عليه السلم كان في أول أمره يتعبد‬
‫بغار حراء ويمكيث فييه الليالي‪ ..‬الحدييث‪ ،‬وفيي صيحيح البخاري قال‪ :‬خرج رسيول ال صيلى ال‬
‫علييه وسيلم مين مكية مهاجرا هاربيا مين قوميه فارا بدينيه ميع صياحبه أبيي بكير حتيى لحقيا بغار فيي‬
‫جبيل ثور‪ ،‬فمكنيا فييه ثلث ليال ييبيت عندهميا فييه عبدال بين أبيي بكير وهيو غلم شاب ثقيف لقين‬
‫فيدلج مين عندهميا بسيحر فيصيبح ميع قرييش بمكية كبائت فل يسيمع أمرا يكادان بيه إل وعاه حتيى‬
‫يأتيهميا بخيبر ذلك حيين يختلط الظلم‪ ،‬ويرعيى عليهميا عامير بين فهيرة مولى أبيي بكير منحية مين‬
‫غنم فيريحها عليهما حتى تذهب ساعة من العشاء فيبيتان في رسل‪ ،‬وهو لبن منحتهما ورضيفهما‬
‫حتيى ينعيق بهميا عامير بين فهيرة بغلس‪ ،‬يفعيل ذلك فيي كيل ليلة مين تلك الليالي الثلث‪ ...‬وذكير‬
‫الحديث‪ .‬انفراد بإخراجه البخاري‪.‬‬
‫@قوله تعالى‪" :‬وجعيل لكم سيرابيل تقيكيم الحير" يعنيي القمص‪ ،‬واحدهيا سيربال‪" .‬وسرابيل تقيكيم‬
‫بأسكم" يعني الدروع التي تقي الناس في الحرب؛ ومنه قول كعب بن زهير‪:‬‬
‫من نسج داود في الهيجا سرابيل‬ ‫شم العرانين أبطال لبوسهم‬
‫@ إن قال قائل‪ :‬كييف قال "وجعيل لكيم مين الجبال أكنانيا" ولم يذكير السيهل‪ ،‬فالجواب أن القوم‬
‫كانوا أصحاب جبال ولم يكونوا أصحاب سهل‪ ،‬وأيضا‪ :‬فذكر أحدهما يدال على الخر؛ ومنه قول‬
‫الشاعر‪:‬‬
‫أريد الخير أيهما يليني‬ ‫وما أدري إذا يممت أرضا‬
‫أم الشر الذي هو يبتغيني‬ ‫أألخير الذي أنا أبتغيه‬
‫@ قال العلماء‪ :‬فيي قوله تعالى‪" :‬وسيرابيل تقيكيم بأسيكم" دلييل على اتخاذ العباد عدة الجهاد‬
‫ليسيتعينوا بهيا على قتال العداء‪ ،‬وقيد لبسيها النيبي صيلى ال علييه وسيلم تقاة الجراحية وإن كان‬
‫يطلب الشهادة‪ ،‬ولييس للعبيد أن يطلبهيا بأن يسيتسلم للحتوف وللطعين بالسينان وللضرب بالسييوف‪،‬‬
‫ولكنيه يلبيس لمية حرب لتكون له قوة على قتال عدوه‪ ،‬ويقاتيل لتكون كلمية ال هيي العلييا‪ ،‬ويفعيل‬
‫ال بعد ما يشاء‪.‬‬
‫@قوله تعالى‪" :‬كذلك يتيم نعمتيه عليكيم لعلكيم تسيلمون" قرأ ابين محيصين وحمييد "تتيم" بتاءيين‪،‬‬
‫"نعمته" رفعا على أنها الفاعل‪ .‬الباقون "يتم" بضم الياء على أن ال هو يتمها‪ .‬و"تسلمون" قراءة‬
‫ابن عباس وعكرمة "تسلمون" بفتح التاء واللم‪ ،‬أي تسلمون من الجراح‪ ،‬وإسناده ضعيف؛ رواه‬
‫عباد بيين العوام عيين حنظلة عيين شهيير عيين ابيين عباس‪ .‬الباقون بضييم التاء‪ ،‬ومعناه تسييتسلمون‬
‫وتنقادون إلى معرفية ال وطاعتيه شكرا على نعميه‪ .‬قال أبيو عبييد‪ :‬والختيار قراءة العامية؛ لن ميا‬
‫أنعم ال به علينا من السلم أفضل مما أنعم به من السلمة من الجراح‪.‬‬
‫*‪*3‬الية‪{ 82 :‬فإن تولوا فإنما عليك البلغ المبين}‬
‫@قوله تعالى‪" :‬فإن تولوا" أي أعرضوا عين النظير والسيتدلل واليمان‪" .‬فإنميا علييك البلغ"‬
‫أي ليس عليك إل التبليغ‪ ،‬وأما الهداية فإلينا‪.‬‬
‫*‪*3‬الية‪{ 83 :‬يعرفون نعمة ال ثم ينكرونها وأكثرهم الكافرون}‬
‫@قوله تعالى‪" :‬يعرفون نعمية ال" قال السيدي‪ :‬يعنيي محمدا صيلى ال علييه وسيلم‪ ،‬أي يعرفون‬
‫نبوته "ثم ينكرونها" ويكذبونه‪ .‬وقال مجاهد‪ :‬يريد ما عدد ال عليهم في هذه السورة من النعم؛ أي‬
‫يعرفون أنهيا مين عنيد ال وينكرونهيا بقولهيم إنهيم ورثوا ذلك عين آبائهيم‪ .‬وبمثله قال قتادة‪ .‬وقال‬
‫عون بيين عبدال‪ :‬هييو قول الرجييل لول فلن لكان كذا‪ ،‬ولول فلن مييا أصييبت كذا‪ ،‬وهييم يعرفون‬
‫النفيع والضير مين عنيد ال‪ .‬وقال الكلبيي‪ :‬هيو أن رسيول ال صيلى ال علييه وسيلم لميا عرفهيم بهذه‬
‫النعيم كلهيا عرفوهيا وقالوا‪ :‬نعم‪ ،‬هي كلهيا نعيم من ال‪ ،‬ولكنهيا بشفاعة آلهتنيا‪ .‬وقيل‪ :‬يعرفون نعمية‬
‫ال بتقلبهم فيها‪ ،‬وينكرونها بترك الشكر عليها‪ .‬ويحتمل سادسا‪ :‬يعرفونها في الشدة وينكرونها في‬
‫الرخاء‪ .‬ويحتميل سيابعا‪ :‬يعرفونهيا بأقوالهيم وينكرونهيا بأفعالهيم‪ .‬ويحتميل ثامنيا‪ :‬يعرفونهيا بقلوبهيم‬
‫ويجحدونهييا بألسيينتهم؛ نظيرهييا "وجحدوا بهييا واسييتيقنتها أنفسييهم" [النمييل‪" ]14 :‬وأكثرهييم‬
‫الكافرون" يعني جميعهم؛ حسبما تقدم‪.‬‬
‫*‪*3‬الية‪{ 84 :‬ويوم نبعث من كل أمة شهيدا ثم ل يؤذن للذين كفروا ول هم يستعتبون}‬
‫@قوله تعالى‪" :‬ويوم نبعيث مين كيل أمية شهيدا" نظيره‪" :‬فكييف إذا جئنيا مين كيل أمية بشهييد"‬
‫[النساء‪ ]41 :‬وقد تقدم‪" .‬ثم ل يؤذن للذين كفروا" أي فيي العتذار والكلم؛ كقوله‪" :‬ول يؤذن‬
‫لهيم فيعتذرون" [المرسيلت‪ .]36 :‬وذلك حيين تطبيق عليهيم جهنيم‪ ،‬كميا تقدم فيي أول "الحجير"‬
‫ويأتي‪.‬‬
‫@قوله تعالى‪" :‬ول هم يستعتبون" يعني يسترضون‪ ،‬أي ل يكلفون أن يرضوا ربهم؛ لن الخرة‬
‫ليسييت بدار تكليييف‪ ،‬ول يتركون إلى رجوع الدنيييا فيتوبون‪ .‬وأصييل الكلميية ميين العتييب وهييي‬
‫الموجدة؛ يقال‪ :‬عتب عليه يعتب إذا وجد عليه‪ ،‬فإذا فاوضه ما عتب عليه فيه قيل عاتبه‪ ،‬فإذا رجع‬
‫إلى مسيرتك فقيد أعتيب‪ ،‬والسيم العتيبى وهيو رجوع المعتوب علييه إلى ميا يرضيي العاتيب؛ قال‬
‫الهروي‪ .‬وقال النابغة‪:‬‬
‫وإن كنت ذا عتبى فمثلك ُي ْعتِب‬ ‫فإن كنت مظلوما فعبدا ظلمته‬
‫*‪*3‬الية‪{ 85 :‬وإذا رأى الذين ظلموا العذاب فل يخفف عنهم ول هم ينظرون}‬
‫@قوله تعالى‪" :‬وإذا رأى الذيين ظلموا" أي أشركوا‪" .‬العذاب" أي عذاب جهنيم بالدخول فيهيا‪.‬‬
‫"فل يخفف عنهم ول هم ينظرون" أي ل يمهلون؛ إذ ل توبة لهم ثم‪.‬‬
‫*‪*3‬اليتان‪{ 87 - 86 :‬وإذا رأى الذين أشركوا شركاءهم قالوا ربنا هؤلء شركاؤنا الذين كنا‬
‫ندعوا مين دونيك فألقوا إليهيم القول إنكيم لكاذبون‪ ،‬وألقوا إلى ال يومئذ السيلم وضيل عنهيم ميا كانوا‬
‫يفترون}‬
‫@قوله تعالى‪" :‬وإذا رأى الذين أشركوا شركاءهم" أي أصنامهم وأوثانهم التي عبدوها وذلك أن‬
‫ال يبعث معبوديهم فيتبعونهم حتى يوردوهم النار‪ .‬وفي صحيح مسلم‪( :‬من كان يعبد شيئا فليتبعه‬
‫فيتبع من كان يعبد الشمس الشمس ويتبع من كان يعبد القمر القمر ويتبع من كان يعبد الطواغيت‬
‫الطواغييت‪ )...‬الحدييث‪ ،‬خرجيه مين حدييث أنيس‪ ،‬والترمذي مين حدييث أبيي هريرة‪ ،‬وفييه‪( :‬فيمثيل‬
‫لصياحب الصيليب صيليبه ولصياحب التصياوير تصياويره ولصياحب النار ناره فيتبعون ميا كانوا‬
‫يعبدون‪ )...‬وذكيير الحديييث‪" .‬قالوا ربنييا هؤلء شركاؤنييا الذييين كنييا ندعييو ميين دونييك" أي الذييين‬
‫جعلناهييم لك شركاء‪" .‬فألقوا إليهييم القول إنكييم لكاذبون" أي ألقييت إليهييم اللهيية القول‪ ،‬أي نطقييت‬
‫بتكذيب من عبدها بأنها لم تكن آلهة‪ ،‬ول أمرتهم بعبادتها‪ ،‬فيُنطق ال الصنام حتى تظهر عند ذلك‬
‫فضيحيية الكفار‪ .‬وقيييل‪ :‬المراد بذلك الملئكيية الذييين عبدوهييم‪" .‬وألقوا إلى ال يومئذ السييلم" يعنييي‬
‫المشركيين‪ ،‬أي اسيتسلموا لعذابيه وخضعوا لعزه‪ .‬وقييل‪ :‬اسيتسلم العابيد والمعبود وانقادوا لحكميه‬
‫فيهيم‪" .‬وضيل عنهيم ميا كانوا يفترون" أي زال عنهيم ميا زيين لهيم الشيطان وميا كانوا يؤملون مين‬
‫شفاعة آلهتهم‪.‬‬
‫*‪*3‬الييية‪{ 88 :‬الذييين كفروا وصييدوا عيين سييبيل ال زدناهييم عذابييا فوق العذاب بمييا كانوا‬
‫يفسدون}‬
‫@قوله تعالى‪" :‬الذين كفروا وصدوا عن سبيل ال زدناهم عذابا فوق العذاب" قال ابن مسعود‪:‬‬
‫عقارب أنيابهيا كالنخيل الطوال‪ ،‬وحيات مثيل أعناق البيل‪ ،‬وأفاعيي كأنهيا البخاتيي تضربهيم‪ ،‬فتلك‬
‫الزيادة وقييل‪ :‬المعنيى يخرجون مين النار إلى الزمهريير فيبادرون مين شدة برده إلى النار‪ .‬وقييل‪:‬‬
‫المعنى زدنا القادة عذابا فوق السفلة‪ ،‬فأحد العذابين على كفرهم والعذاب الخر على صدهم‪" .‬بما‬
‫كانوا يفسدون" في الدنيا من الكفر والمعصية‪.‬‬
‫*‪*3‬اليية‪{ 89 :‬ويوم نبعيث فيي كيل أمية شهيدا عليهيم مين أنفسيهم وجئنيا بيك شهيدا على هؤلء‬
‫ونزلنا عليك الكتاب تبيانا لكل شيء وهدى ورحمة وبشرى للمسلمين}‬
‫@قوله تعالى‪" :‬ويوم نبعث في كل أمة شهيدا عليهم من أنفسهم" وهم النبياء شهداء على أممهم‬
‫يوم القيامية بأنهيم قيد بلغوا الرسيالة ودعوهيم إلى اليمان‪ ،‬فيي كيل زمان شهييد وإن لم يكين نبييا؛‬
‫وفيهم قولن‪ :‬أحدهما‪ :‬أنهم أئمة الهدى الذين هم خلفاء النبياء‪ .‬الثاني‪ :‬أنهم العلماء الذين حفظ ال‬
‫بهم شرائع أنبيائه‪.‬‬
‫قلت‪ :‬فعلى هذا لم تكن فترة إل وفيها من يوحد ال؛ كقس بن ساعدة‪ ،‬وزيد بن عمرو بن نفيل‬
‫الذي قال فييه النيبي صيلى ال علييه وسيلم‪( :‬يبعيث أمية وحده)‪ ،‬وسيَطيح‪ ،‬وورقية بين نوفيل الذي قال‬
‫فيه النبي صلى ال عليه وسلم‪( :‬رأيته ينغمس في أنهار الجنة)‪ .‬فهؤلء ومن كان مثلهم حجة على‬
‫أهييل زمانهييم وشهيييد عليهييم‪ .‬وال أعلم‪ .‬وقوله‪ " :‬وجئنييا بييك شهيدا على هؤلء" تقدم فييي "البقرة‬
‫و"النساء"‪.‬‬
‫@قوله تعالى‪" :‬ونزلنيا علييك الكتاب تبيانيا لكيل شييء" نظيره‪" :‬ميا فرطنيا فيي الكتاب مين شييء"‬
‫[النعام‪ ]38 :‬وقد تقدم‪ .‬وقال مجاهد‪ :‬تبيانا للحلل والحرام‪.‬‬
‫*‪*3‬اليية‪{ 90 :‬إن ال يأمير بالعدل والحسيان وإيتاء ذي القربيى وينهيى عين الفحشاء والمنكير‬
‫والبغي يعظكم لعلكم تذكرون}‬
‫@قوله تعالى‪" :‬إن ال يأمر بالعدل والحسان" روي عن عثمان بن مظعون أنه قال‪ :‬لما نزلت‬
‫هذه الية قرأتها على علي بن أبي طالب رضي ال عنه فتعجب فقال‪ :‬يا آل غالب‪ ،‬اتبعوه تفلحوا‪،‬‬
‫فوال إن ال أرسله ليأمركيم بمكارم الخلق‪ .‬وفي حديث ‪ -‬إن أبا طالب لما قيل له‪ :‬إن ابن أخيك‬
‫زعيم أن ال أنزل علييه "إن ال يأمير بالعدل والحسيان" اليية‪ ،‬قال‪ :‬اتبعوا ابين أخيي‪ ،‬فوال إنيه ل‬
‫يأمير إل بمحاسين الخلق‪ .‬وقال عكرمية‪ :‬قرأ النيبي صيلى ال علييه وسيلم على الولييد بين المغيرة‬
‫"إن ال يأمر بالعدل والحسان" إلى آخرها‪ ،‬فقال‪ :‬يا ابن أخي أعد‪ ،‬فأعاد عليه فقال‪ :‬وال إن له‬
‫لحلوة‪ ،‬وإن عليه لطلوة‪ ،‬وإن أصله لمورق‪ ،‬وأعله لمثمر‪ ،‬وما هو بقول بشر‪ ،‬وذكر الغزنوي‬
‫أن عثمان بين مظعون هيو القارئ‪ .‬قال عثمان‪ :‬ميا أسيلمت ابتداء إل حياء مين رسيول ال صيلى ال‬
‫عليه وسلم حتى نزلت هذه الية وأنا عنده فاستقر اليمان في قلبي‪ ،‬فقرأتها على الوليد بن المغيرة‬
‫فقال‪ :‬يا ابن أخي أعد فأعدت فقال‪ :‬وال إن له لحلوة‪ ...‬وذكر تمام الخبر‪ .‬وقال ابن مسعود‪ :‬هذه‬
‫أجميع آيية فيي القرآن لخيير يمتثيل‪ ،‬ولشير يجتنيب‪ .‬وحكيى النقاش قال‪ :‬يقال زكاة العدل الحسيان‪،‬‬
‫وزكاة القدرة العفو‪ ،‬وزكاة الغنى المعروف‪ ،‬وزكاة الجاه كتب الرجل إلى إخوانه‪.‬‬
‫@ اختلف العلماء فيي تأوييل العدل والحسيان؛ فقال ابين عباس‪ :‬العدل ل إله إل ال‪ ،‬والحسيان‬
‫أداء الفرائض‪ .‬وقيييل‪ :‬العدل الفرض‪ ،‬والحسييان النافلة‪ .‬وقال سييفيان بيين عيينيية‪ :‬العدل هييا هنييا‬
‫اسيتواء السيريرة‪ ،‬والحسيان أن تكون السيريرة أفضيل مين العلنيية‪ .‬علي بين أبيي طالب‪ :‬العدل‬
‫النصاف‪ ،‬والحسان التفضل‪ .‬قال ابن عطية‪ :‬العدل هو كل مفروض‪ ،‬من عقائد وشرائع في أداء‬
‫المانات‪ ،‬وترك الظلم والنصيياف‪ ،‬وإعطاء الحييق‪ .‬والحسييان هييو فعييل كييل مندوب إليييه؛ فميين‬
‫الشياء ميا هيو كله مندوب إلييه‪ ،‬ومنهيا ميا هيو فرض‪ ،‬إل أن حيد الجزاء منيه داخيل فيي العدل‪،‬‬
‫والتكميييل الزائد على الجزاء داخييل فييي الحسييان‪ .‬وأمييا قول ابيين عباس ففيييه نظيير؛ لن أداء‬
‫الفرائض هي السلم حسبما فسره رسول ال صلى ال عليه وسلم في حديث سؤال جبريل‪ ،‬وذلك‬
‫هيو العدل‪ ،‬وإنميا الحسيان التكميلت والمندوب إلييه حسيبما يقتضييه تفسيير النيبي صيلى ال علييه‬
‫وسلم في حديث سؤال جبريل بقوله‪( :‬أن تعبد ال كأنك تراه فإن لم تكن تراه فإنه يراك)‪ .‬فإن صح‬
‫هذا عن ابن عباس فإنميا أراد الفرائض مكملة‪ .‬وقال ابين العربيي‪ :‬العدل بيين العبيد وبين ربيه إيثار‬
‫حقه تعالى على حظ نفسه‪ ،‬وتقديم رضاه على هواه‪ ،‬والجتناب للزواجر والمتثال للوامر‪ .‬وأما‬
‫العدل بينييه وبييين نفسييه فمنعهييا ممييا فيييه هلكهييا؛ قال ال تعالى‪" :‬ونهييى النفييس عيين الهوى"‬
‫[النازعات‪ ]40 :‬وعزوب الطماع عن التباع‪ ،‬ولزوم القناعة في كل حال ومعنى‪ .‬وأما العدل‬
‫بينه وبين الخلق فبذل النصيحة‪ ،‬وترك الخيانة فيما قل وكثر‪ ،‬والنصاف من نفسك لهم بكل وجه‪،‬‬
‫ول يكون منك إساءة إلى أحد بقول ول فعل ل في سر ول في علن‪ ،‬والصبر على ما يصيبك منهم‬
‫من البلوى‪ ،‬وأقل ذلك النصاف وترك الذى‪.‬‬
‫قلت‪ :‬هذا التفصييل فيي العدل حسين وعدل‪ ،‬وأميا الحسيان فقيد قال علماؤنيا‪ :‬الحسيان مصيدر‬
‫أحسين يحسين إحسيانا‪ .‬ويقال على معنييين‪ :‬أحدهميا متعيد بنفسيه؛ كقولك‪ :‬أحسينت كذا‪ ،‬أي حسينته‬
‫وكلمتيه‪ ،‬وهيو منقول بالهمزة مين حسين الشييء‪ .‬وثانيهميا متعيد بحرف جير؛ كقولك‪ :‬أحسينت إلى‬
‫فلن‪ ،‬أي أوصلت إليه ما ينتفع به‪.‬‬
‫قلت‪ :‬وهيو فيي هذه اليية مراد بالمعنييين معيا؛ فإنيه تعالى يحيب مين خلقيه إحسيان بعضهيم إلى‬
‫بعيض‪ ،‬حتيى أن الطائر فيي سيجنك والسينور فيي دارك ل ينبغيي أن تقصير تعهده بإحسيانك؛ وهيو‬
‫تعالى غني عن إحسانهم‪ ،‬ومنه الحسان والنعم والفضل والمنن‪ .‬وهو في حديث جبريل بالمعنى‬
‫الول ل بالثاني؛ فإن المعنى الول راجع إلى إتقان العبادة ومراعاتها بأدائها المصححة والمكملة‪،‬‬
‫ومراقبة الحق فيها واستحضار عظمته وجلله حالة الشروع وحالة الستمرار‪ .‬وهو المراد بقوله‬
‫(أن تعبد ال كأنك تراه فإن لم تكن تراه فإنه يراك)‪ .‬وأرباب القلوب في هذه المراقبة على حالين‪:‬‬
‫أحدهما غالب عليه مشاهدة الحق فكأنه يراه‪ .‬ولعل النبي صلى ال عليه وسلم أشار إلى هذه الحالة‬
‫بقوله‪( :‬وجعلت قرة عينييي فييي الصييلة)‪ .‬وثانيهمييا‪ :‬ل تنتهييي إلى هذا‪ ،‬لكين يغلب عليييه أن الحييق‬
‫سييبحانه مطلع عليييه ومشاهييد له‪ ،‬وإليييه الشارة بقوله تعالى‪" :‬الذي يراك حييين تقوم‪ .‬وتقلبييك فييي‬
‫السياجدين" [الشعراء‪ ]219 - 218 :‬وقوله‪" :‬إل كنيا عليكيم شهودا إذ تفيضون فييه" [يونيس‪:‬‬
‫‪.]61‬‬
‫@قوله تعالى‪" :‬وإيتاء ذي القربيى" أي القرابية؛ يقول‪ :‬يعطيهيم المال كميا قال "وآت ذا القربيى‬
‫حقيه" [السيراء‪ ]26 :‬يعنيي صيلته‪ .‬وهذا مين باب عطيف المندوب على الواجيب‪ ،‬وبيه اسيتدل‬
‫الشافعيي فيي إيجاب إيتاء المكاتيب‪ ،‬على ميا يأتيي بيانيه‪ .‬وإنميا خيص ذا القربيى لن حقوقهيم أوكيد‬
‫وصلتهم أوجب؛ لتأكيد حق الرحم التي اشتق ال اسمها من اسمه‪ ،‬وجعل صلتها من صلته‪ ،‬فقال‬
‫في الصحيح‪( :‬أما ترضين أن أصل من وصلك وأقطع من قطعك)‪ .‬ول سيما إذا كانوا فقراء‪.‬‬
‫@قوله تعالى‪" :‬وينهى عن الفحشاء والمنكر والبغي" الفحشاء‪ :‬الفحش‪ ،‬وهو كل قبيح من قول أو‬
‫فعيل‪ .‬ابين عباس‪ :‬هيو الزنيى‪ .‬والمنكير‪ :‬ميا أنكره الشرع بالنهيي عنيه‪ ،‬وهيو يعيم جمييع المعاصيي‬
‫والرذائل والدناءات على اختلف أنواعهييا‪ .‬وقيييل هيو الشرك‪ .‬والبغييي‪ :‬هييو الكييبر والظلم والحقييد‬
‫والتعدي؛ وحقيقته تجاوز الحد‪ ،‬وهو داخل تحت المنكر‪ ،‬لكنه تعالى خصه بالذكر اهتماما به لشدة‬
‫ضرره‪ .‬وفي الحديث عن النبي صلى ال عليه وسلم (ل ذنب أسرع عقوبة من بغ يٍ)‪ .‬وقال عليه‬
‫السيلم‪( :‬الباغيي مصيروع)‪ .‬وقيد وعيد ال مين بُغيي علييه بالنصير‪ .‬وفيي بعيض الكتيب المنزلة‪ :‬لو‬
‫بغى جبل على جبل لجعل الباغي منهما دكا‪..‬‬
‫@ ترجم المام أبو عبدال بن إسماعيل البخاري في صحيحه فقال‪( :‬باب قول ال تعالى‪" :‬إن ال‬
‫يأميير بالعدل والحسييان وإيتاء ذي القربييى وينهييى عيين الفحشاء والمنكيير والبغييي يعظكييم لعلكييم‬
‫تذكرون" وقوله‪" :‬إنميا بغيكيم على أنفسيكم" [يونيس‪" ،]23 :‬ثيم بغيي علييه لينصيرنه ال"‪ ،‬وترك‬
‫إثارة الشير على مسيلم أو كافير) ثيم ذكير حدييث عائشية فيي سيحر لبييد بين العصيم النيبي صيلى ال‬
‫علييه وسيلم‪ .‬قال ابين بطال‪ :‬فتأول رضيي ال عنيه مين هذه اليات ترك إثارة الشير على مسيلم أو‬
‫كافر؛ كما دل عليه حديث عائشة حيث قال عليه السلم‪( :‬أما ال فقد شفاني وأما أنا فأكره أن أثير‬
‫على الناس شرا)‪ .‬ووجيييه ذلك ‪ -‬وال أعلم ‪ -‬أنيييه تأول فيييي قول ال تعالى‪" :‬إن ال يأمييير بالعدل‬
‫والحسيان" الندب بالحسيان إلى المسييء وترك معاقبتيه على إسياءته‪ .‬فإن قييل‪ :‬كييف يصيح هذا‬
‫التأويييل فييي آيات البغييي‪ .‬قيييل‪ :‬وجييه ذلك ‪ -‬وال أعلم ‪ -‬أنييه لمييا أعلم ال عباده بأن ضرر البغييي‬
‫ينصيرف على الباغيي بقوله‪" :‬إنميا بغيكيم على أنفسيكم" وضمين تعالى نصيرة مين بغيي علييه‪ ،‬كان‬
‫الولى بمين بغيي علييه شكير ال على ميا ضمين مين نصيره ومقابلة ذلك بالعفيو عمين بغيى علييه؛‬
‫وكذلك فعل النبي صلى ال عليه وسلم باليهودي الذي سحره‪ ،‬وقد كان له النتقام منه بقوله‪" :‬وإن‬
‫عاقبتيم فعاقبوا بمثيل ميا عوقبتيم بيه" [النحيل‪ .]126 :‬ولكين آثير الصيفح أخذا بقوله‪" :‬ولمين صيبر‬
‫وغفر إن ذلك لمن عزم المور" [الشورى‪.]43 :‬‬
‫@ تضمنيت هذه اليية المير بالمعروف والنهيي عن المنكير‪ .‬روي أن جماعية رفعيت عاملهيا إلى‬
‫أبي جعفر المنصور العباسي‪ ،‬فحاجها العامل وغلبها؛ بأنهم لم يثبتوا عليه كبير ظلم ول جوره في‬
‫شييء؛ فقام فتيى مين القوم فقال‪ :‬ييا أميير المؤمنيين‪ ،‬إن ال يأمير بالعدل والحسيان‪ ،‬وإنيه عدل ولم‬
‫يحسن‪ .‬قال‪ :‬فعجب أبو جعفر من إصابته وعزل العامل‪.‬‬
‫*‪*3‬اليية‪{ 91 :‬وأوفوا بعهيد ال إذا عاهدتيم ول تنقضوا اليمان بعيد توكيدهيا وقيد جعلتيم ال‬
‫عليكم كفيل إن ال يعلم ما تفعلون}‬
‫@قوله تعالى‪" :‬وأوفوا بعهيد ال" لفيظ عام لجمييع ميا يعقيد باللسيان ويلتزميه النسيان بالعدل‬
‫والحسيان لن المعنيى فيهيا‪ :‬افعلوا كذا‪ ،‬وانتهوا عين كذا؛ فعطيف على ذلك التقديير‪ .‬وقيد قييل‪ :‬إنهيا‬
‫نزلت فيي بيعية النيبي صيلى ال علييه وسيلم على السيلم‪ .‬وقييل‪ :‬نزلت فيي التزام الحلف الذي كان‬
‫في الجاهلية وجاء السلم بالوفاء؛ قاله قتادة ومجاهد وابن زيد‪ .‬والعموم يتناول كل ذلك كما بيناه‪.‬‬
‫روى الصحيح عن جبير بن مطعم قال قال رسول ال صلى ال عليه وسلم‪( :‬ل حلف في السلم‬
‫وأيما حلف كان في الجاهلية لم يزده السلم إل شدة) يعني في نصرة الحق والقيام به والمواساة‪.‬‬
‫وهذا كنحو حلف الفضول الذي ذكره ابن إسحاق قال‪ :‬اجتمعت قبائل من قريش في دار عبدال بن‬
‫جدعان لشرفييه ونسييبه‪ ،‬فتعاقدوا وتعاهدوا على أل يجدوا بمكيية مظلومييا ميين أهلهييا أو غيرهييم إل‬
‫قاموا معيه حتيى ترد علييه مظلمتيه؛ فسيمت قرييش ذلك الحلف حلف الفضول‪ ،‬أي حلف الفضائل‪.‬‬
‫والفضول هنيا جميع فضيل للكثرة كفلس وفلوس‪ .‬روى ابين إسيحاق عين ابين شهاب قال قال رسيول‬
‫ال صلى ال عليه وسلم‪( :‬لقد شهدت في دار عبدال بن جدعان حلفا ما أحب أن لي به حمر النعم‬
‫لو أدعى به في السلم لجبت)‪ .‬وقال ابن إسحاق‪ :‬تحامل الوليد بن عتبة على حسين بن علي في‬
‫مال له‪ ،‬لسيلطان الولييد فإنيه كان أميرا على المدينية؛ فقال له حسيين بين علي‪ :‬احلف بال لتنصيفني‬
‫من حقي أو لخذن سيفي ثم لقومن في مسجد رسول ال صلى ال عليه وسلم ثم لدعون بحلف‬
‫الفضول‪ .‬قال عبدال بين الزبيير‪ :‬وأنيا أحلف وال لئن دعانيا لخذن سييفي ثيم لقومين معيه حتيى‬
‫ينتصيف من حقيه أو نموت جميعيا‪ .‬وبلغيت المسيور بين مخرمية فقال مثيل ذلك‪ .‬وبلغيت عبدالرحمين‬
‫بين عثمان بين عيبيدال التيميي فقال مثيل ذلك‪ .‬فلميا بلغ ذلك الولييد أنصيفه‪ .‬قال العلماء‪ :‬فهذا الحلف‬
‫الذي كان فيي الجاهليية هيو الذي شده السيلم وخصيه النيبي علييه الصيلة والسيلم مين عموم قوله‪:‬‬
‫(ل حلف فيي السيلم)‪ .‬والحكمية فيي ذلك أن الشرع جاء بالنتصيار مين الظالم وأخيذ الحيق منيه‬
‫وإيصاله إلى المظلوم‪ ،‬وأوجب ذلك بأصل الشريعة إيجابا عاما على من قدر من المكلفين‪ ،‬وجعل‬
‫لهم السبيل على الظالمين فقال تعالى‪" :‬إنما السبيل على الذين يظلمون الناس ويبغون في الرض‬
‫بغير الحق أولئك لهم عذاب أليم"[الشورى‪ .]42 :‬وفي الصحيح‪( :‬انصر أخاك ظالما أو مظلوما)‬
‫قالوا‪ :‬ييا رسيول ال‪ ،‬هذا ننصيره مظلوميا فكييف ننصيره ظالميا؟ قال‪( :‬تأخيذ على يدييه‪ :‬فيي روايية‪:‬‬
‫تمنعه من الظلم فإن ذلك نصره)‪ .‬وقد تقدم قوله عليه السلم‪( :‬إن الناس إذا رأوا الظالم ولم يأخذوا‬
‫على يديه أوشك أن يعمهم ال بعقاب من عنده)‪.‬‬
‫@قوله تعالى‪" :‬ول تنقضوا اليمان بعيد توكيدهيا" يقول بعيد تشديدهيا وتغليظهيا؛ يقال‪ :‬توكييد‬
‫وتأكيد‪ ،‬ووكد وأكد‪ ،‬وهما لغتان‪.‬‬
‫@قوله تعالى‪" :‬وقد جعلتم ال عليكم كفيل" يعني شهيدا‪ .‬ويقال حافظا‪ ،‬ويقال ضامنا‪ .‬وإنما قال‬
‫"بعيد توكيدها" فرقا بين اليمين المؤكدة بالعزم وبين لغو اليمين وقال ابن وهب وابن القاسيم عن‬
‫مالك التوكيد هو حلف النسان في الشيء الواحد مرارا‪ ،‬يردد فيه اليمان ثلثا أو أكثر من ذلك؛‬
‫كقوله‪ :‬وال ل أنقصيه مين كذا‪ ،‬وال ل أنقصيه مين كذا‪ ،‬وال ل أنقصيه مين كذا‪ .‬قال‪ :‬فكفارة ذلك‬
‫واحدة مثيل كفارة اليميين‪ .‬وقال يحييى بين سيعيد‪ :‬هيي العهود‪ ،‬والعهيد يميين‪ ،‬ولكين الفرق بينهميا أن‬
‫العهد ل يكفر‪ .‬قال النبي صلى ال عليه وسلم‪( :‬ينصب لكل غادر لواء يوم القيامة عند استه بقدر‬
‫غدرتيه يقال هذه غدرة فلن)‪ .‬وأميا اليميين بال فقيد شرع ال سيبحانه فيهيا الكفارة بخصيلة واحدة‪،‬‬
‫وحيل ميا انعقدت علييه اليميين‪ .‬وقال ابين عمير‪ :‬التوكييد هيو أن يحلف مرتيين‪ ،‬فإن حلف واحدة فل‬
‫كفارة فيه‪ .‬وقد تقدم‪.‬‬
‫*‪*3‬الية‪{ 92 :‬ول تكونوا كالتي نقضت غزلها من بعد قوة أنكاثا تتخذون أيمانكم دخل بينكيم‬
‫أن تكون أمة هي أربى من أمة إنما يبلوكم ال به وليبينن لكم يوم القيامة ما كنتم فيه تختلفون}‬
‫@قوله تعالى‪" :‬ول تكونوا كالتي نقضت غزلها من بعد قوة أنكاثا" النقض والنكث واحد‪ ،‬والسم‬
‫النكيث والنقيض‪ ،‬والجميع النكاث‪ .‬فشبهيت هذه اليية الذي يحلف ويعاهيد وييبرم عهده ثيم ينقضيه‬
‫بالمرأة تغزل غزلها وتفتله محكما ثم تحله‪ .‬ويروى أن امرأة حمقاء كانت بمكة تسمى ريطة بنت‬
‫عمرو بين كعيب بين سيعد بين تييم بين مرة كانيت تفعيل ذلك‪ ،‬فبهيا وقيع التشيبيه؛ قال الفراء‪ ،‬وحكاه‬
‫عبدال بين كثيير والسيدي ولم يسيميا المرأة‪ ،‬وقال مجاهيد وقتادة‪ :‬وذلك ضرب مثيل‪ ،‬ل على امرأة‬
‫معينية‪ .‬و"أنكاثا" نصيب على الحال‪ .‬والدخل‪ :‬الدغيل والخديعة والغش‪ .‬قال أبو عبيدة‪ :‬كيل أمر لم‬
‫يكين صيحيحا فهيو دخيل‪" .‬أن تكون أمية هيي أربيى مين أمية" قال المفسيرون‪ :‬نزلت هذه اليية فيي‬
‫العرب الذيين كانيت القيبيلة منهيم إذ حالفيت أخرى‪ ،‬ثيم جاءت إحداهميا قيبيلة كثيرة قويية فداخلتهيا‬
‫غدرت الولى ونقضيييت عهدهيييا ورجعيييت إلى هذه الكيييبرى ‪ -‬قاله مجاهيييد ‪ -‬فقال ال تعالى‪ :‬ل‬
‫تنقضوا العهود من أجل أن طائفة أكثر من طائفة أخرى أو أكثر أموال فتنقضون أيمانكم إذا رأيتم‬
‫الكثرة والسيعة فيي الدنييا لعدائكيم المشركيين‪ .‬والمقصيود النهيي عين العود إلى الكفير بسيبب كثرة‬
‫الكفار وكثرة أموالهم‪ .‬وقال الفراء‪ :‬المعنى ل تغدروا بقوم لقلتهم وكثرتكم أو لقلتكم وكثرتهم‪ ،‬وقد‬
‫عززتموهم باليمان‪" .‬أربى" أي أكثر؛ من ربا الشيء يربو إذا كثر‪ .‬والضمير في (به) يحتمل أن‬
‫يعود على الوفاء الذي أمييير ال بيييه‪ .‬ويحتميييل أن يعود على الرباء؛ أي أن ال تعالى ابتلى عباده‬
‫بالتحاسد وطلب بعضهم الظهور على بعض‪ ،‬واختبرهم بذلك من يجاهد نفسه فيخالفها ممن يتبعها‬
‫ويعميل بمقتضيى هواهيا؛ وهيو معنيى قوله‪" :‬إنميا يبلوكيم ال بيه ولييبينن لكيم يوم القيامية ميا كنتيم فييه‬
‫تختلفون" من البعث وغيره‪.‬‬
‫*‪*3‬الية‪{ 93 :‬ولو شاء ال لجعلكم أمة واحدة ولكن يضل من يشاء ويهدي من يشاء ولتسألن‬
‫عما كنتم تعملون}‬
‫@قوله تعالى‪" :‬ولو شاء ال لجعلكيم أمية واحدة" أي على ملة واحدة‪" .‬ولكين يضيل مين يشاء"‬
‫بخذلنه إياهم؛ عدل منه فيهم‪" .‬ويهدي من يشاء" بتوفيقه إياهم؛ فضل منه عليهم‪ ،‬ول يسأل عما‬
‫يفعيل بيل تسيألون أنتيم‪ .‬واليية ترد على أهيل القدر كميا تقدم‪ .‬واللم فيي "ولييبينن‪ ،‬ولتسيئلن" ميع‬
‫النون المشددة يدلن على قسم مضمر‪ ،‬أي وال ليبينن لكم ولتسئلن‪.‬‬
‫*‪*3‬الية‪{ 94 :‬ول تتخذوا أيمانكم دخل بينكم فتزل قدم بعد ثبوتها وتذوقوا السوء بما صددتم‬
‫عن سبيل ال ولكم عذاب عظيم}‬
‫@قوله تعالى‪" :‬ول تتخذوا أيمانكيم دخل بينكيم" كرر ذلك تأكيدا‪" .‬فتزل قدم بعيد ثبوتها" مبالغية‬
‫في النهي عنه لعظم موقعه في الدين وتردده في معاشرات الناس؛ أي ل تعقدوا اليمان بالنطواء‬
‫على الخديعيية والفسيياد فتزل قدم بعييد ثبوتهييا‪ ،‬أي عيين اليمان بعييد المعرفيية بال‪ .‬وهذه اسييتعارة‬
‫للمسيتقيم الحال يقيع فيي شير عظييم ويسيقط فييه؛ لن القدم إذا زلت نقلت النسيان مين حال خيير إلى‬
‫حال شر؛ ومن هذا المعنى قول كثير‪:‬‬
‫فلما توافينا ثبت وزلت‬
‫والعرب تقول لكل مبتلى بعد عافية أو ساقط في ورطة‪ :‬زلت قدمه؛ كقول الشاعر‪:‬‬
‫وتقتل إن زلت بك القدمان‬ ‫سيمنع منك السبق إن كنت سابقا‬
‫ويقال لمن أخطأ في شيء‪ :‬زل فيه‪ .‬ثم توعد تعالى بعدُ بعذاب في الدنيا وعذاب عظيم في الخرة‪.‬‬
‫وهذا الوعييد إنميا هيو فيمين نقيض عهيد رسيول ال صيلى ال علييه وسيلم؛ فإن مين عاهده ثيم نقيض‬
‫عهده خرج من اليمان‪ ،‬ولهذا قال‪" :‬وتذوقوا السوء بما صددتم عن سبيل ال" أي بصدكم‪ .‬وذوق‬
‫السوء في الدنيا هو ما يحل بهم من المكروه‪.‬‬
‫*‪*3‬اليتان‪{ 96 - 95 :‬ول تشتروا بعهيد ال ثمنيا قليل إنميا عنيد ال هيو خيير لكيم إن كنتيم‬
‫تعلمون‪ ،‬ما عندكم ينفد وما عند ال باق ولنجزين الذين صبروا أجرهم بأحسن ما كانوا يعملون}‬
‫@قوله تعالى‪" :‬ول تشتروا بعهد ال ثمنا قليل" نهى عن الرُشا وأخذ الموال على نقض العهد؛‬
‫أي ل تنقضوا عهودكم لعرض قليل من الدنيا‪ .‬وإنما كان قليل وإن كثر لنه مما يزول‪ ،‬فهو على‬
‫التحقييق قلييل‪ ،‬وهيو المراد بقوله‪" :‬ميا عندكيم ينفيد وميا عنيد ال باق" فيبين الفرق بيين حال الدنييا‬
‫وحال الخرة بأن هذه تنفد وتحول‪ ،‬وما عند ال من مواهب فضله ونعيم جنته ثابت ل يزول لمن‬
‫وفي بالعهد وثبت على العقد‪ .‬ولقد أحسن من قال‪:‬‬
‫يوما وتبقى في غد آثامه‬ ‫المال ينفد حله وحرامه‬
‫حتى يطيب شرابه وطعامه‬ ‫ليس التقي بمتق للهه‬
‫آخر‪:‬‬
‫أليس مصير ذاك إلى انتقال‬ ‫هب الدنيا تساق إليك عفوا‬
‫أظلك ثم آذن بالزوال‬ ‫وما دنيال إل مثل فيء‬
‫@قوله تعالى‪" :‬ولنجزيين الذيين صيبروا" أي على السيلم والطاعات وعين المعاصيي‪" .‬أجرهيم‬
‫بأحسيين مييا كانوا يعملون" أي ميين الطاعات‪ ،‬وجعلهييا أحسيين لن مييا عداهييا ميين الحسيين مباح‪،‬‬
‫والجزاء إنميا يكون على الطاعات مين حييث الوعيد مين ال‪ .‬وقرأ عاصيم وابين كثيير "ولنجزيين"‬
‫بالنون على التعظييم‪ .‬الباقون بالياء‪ .‬وقييل‪ :‬إن هذه اليية "ول تشتروا‪ "...‬نزلت فيي امرئ القييس‬
‫بين عابيس الكندي وخصيمه ابين أسيوع‪ ،‬اختصيما فيي أرض فأراد امرؤ القييس أن يحلف فلميا سيمع‬
‫هذه الية نكل وأقر له بحقه؛ وال أعلم‪.‬‬
‫*‪*3‬اليية‪{ 97 :‬مين عميل صيالحا مين ذكير أو أنثيى وهيو مؤمين فلنحيينيه حياة طيبية ولنجزينهيم‬
‫أجرهم بأحسن ما كانوا يعملون}‬
‫@قوله تعالى‪" :‬من عمل صالحا من ذكر أو أنثى وهو مؤمن فلنحيينه حياة طيبة" شرط وجوابه‪.‬‬
‫وفييي الحياة الطيبيية خمسيية أقوال‪ :‬الول‪ :‬أنييه الرزق الحلل؛ قاله ابيين عباس وسييعيد بيين جييبير‬
‫وعطاء والضحاك‪ .‬الثانيي‪ :‬القناعية؛ قاله الحسين البصيري وزييد بين وهيب ووهيب بين منبيه‪ ،‬ورواه‬
‫الحكيم عين عكرمية عين ابين عباس‪ ،‬وهيو قول علي بين أبيي طالب رضيي ال عنيه‪ .‬الثالث‪ :‬توفيقيه‬
‫إلى الطاعات فإنها تؤديه إلى رضوان ال؛ قال معناه الضحاك‪ .‬وقال أيضا‪ :‬من عمل صالحا وهو‬
‫مؤمن في فاقة وميسرة فحياته طيبة‪ ،‬ومن أعرض عن ذكر ال ولم يؤمن بربه ول عمل صالحا‬
‫فمعيشتيه ضنيك ل خيير فيهيا‪ .‬وقال مجاهيد وقتادة وابين زييد‪ :‬هيي الجنية‪ ،‬وقاله الحسين‪ ،‬وقال‪ :‬ل‬
‫تطييب الحياة لحيد إل فيي الجنية‪ .‬وقييل هيي السيعادة‪ ،‬روي عين ابين عباس أيضيا‪ .‬وقال أبيو بكير‬
‫الوراق‪ :‬هيي حلوة الطاعية‪ .‬وقال سيهل بين عبدال التسيتري‪ :‬هيي أن ينزع عين العبيد تدبيره ويرد‬
‫تدبيره إلى الحييق‪ .‬وقال جعفيير الصييادق‪ :‬هييي المعرفيية بال‪ ،‬وصييدق المقام بييين يدي ال‪ .‬وقيييل‪:‬‬
‫السيتغناء عين الخلق والفتقار إلى الحيق‪ .‬وقييل‪ :‬الرضيا بالقضاء‪" .‬ولنجزينهيم أجرهيم" أي فيي‬
‫الخرة‪ .‬وقال (فلنحيينيه) ثيم قال (ولنجزينهيم) لن (مين) يصيلح للواحيد والجميع‪ ،‬فأعاد مرة على‬
‫اللفيظ ومرة على المعنيى‪ ،‬وقيد تقدم‪ .‬وقال أبيو صيالح‪ :‬جلس ناس مين أهيل التوراة وناس مين أهيل‬
‫النجيل وناس من أهل الوثان‪ ،‬فقال هؤلء‪ :‬نحن أفضل‪ ،‬وقال هؤلء‪ :‬نحن أفضل؛ فنزلت‪.‬‬
‫*‪*3‬الية‪{ 98 :‬فإذا قرأت القرآن فاستعذ بال من الشيطان الرجيم}‬
‫@ هذه الية متصلة بقوله‪" :‬ونزلنا عليك الكتاب تبيانا لكل شيء" [النحل‪ ]89 :‬فإذا أخذت في‬
‫قراءتيه فاسيتعذ بال مين أن يعرض لك الشيطان فيصيدك عين تدبره والعميل بميا فييه؛ ولييس يرييد‬
‫اسيتعذ بعيد القراءة؛ بيل هيو كقولك‪ :‬إذا أكلت فقيل بسيم ال؛ أي إذا أردت أن تأكيل‪ .‬وقيد روى جيبير‬
‫بن مطعم عن أبيه قال‪ :‬سمعت رسول ال صلى ال عليه وسلم حين افتتح الصلة قال (اللهم إني‬
‫أعوذ بك من الشيطان من همزه ونفخه ونفثه)‪ .‬وروى أبو سعيد الخدري أن النبي صلى ال عليه‬
‫وسيلم كان يتعوذ فيي صيلته قبيل القراءة‪ .‬قال الكييا الطيبري‪ :‬ونقيل عين بعيض السيلف التعوذ بعيد‬
‫القراءة مطلقا‪ ،‬احتجاجا بقوله تعالى‪" :‬فإذا قرأت القرآن فاستعذ بال من الشيطان الرجيم" ول شك‬
‫أن ظاهر ذلك يقتضيي أن تكون الستعاذة بعد القراءة؛ كقوله تعالى‪" :‬فإذا قضيتيم الصلة فاذكروا‬
‫ال قياميا وقعودا" [النسياء‪ .]103 :‬إل أن غيره محتميل‪ ،‬مثيل قوله تعالى‪" :‬وإذا قلتيم فاعدلوا"‬
‫[النعام‪" ]152 :‬وإذا سيألتموهن متاعيا فاسيألوهن مين وراء حجاب" [الحزاب‪ ]53 :‬ولييس‬
‫المراد بيه أن يسيألها مين وراء حجاب بعيد سيؤال متقدم‪ .‬ومثله قول القائل‪ :‬إذا قلت فاصيدق‪ ،‬وإذا‬
‫أحرميت فاغتسيل؛ يعنيي قبيل الحرام‪ .‬والمعنيى فيي جمييع ذلك‪ :‬إذا أردت ذلك؛ فكذلك السيتعاذة‪.‬‬
‫وقد تقدم هذا المعنى‪.‬‬
‫*‪*3‬الية‪{ 100 - 99 :‬إنه ليس له سلطان على الذين آمنوا وعلى ربهم يتوكلون‪ ،‬إنما سلطانه‬
‫على الذين يتولونه والذين هم به مشركون}‬
‫@قوله تعالى‪" :‬إنه ليس له سلطان على الذين آمنوا" أي بالغواء والكفر‪ ،‬أي ليس لك قدرة على‬
‫أن تحملهييم على ذنييب ل يغفيير؛ قاله سييفيان‪ .‬وقال مجاهييد‪ :‬ل حجيية له على مييا يدعوهييم إليييه مين‬
‫المعاصي‪ .‬وقيل‪ :‬إنه ليس عليهم سلطان بحال؛ لن ال تعالى صرف سلطانه عليهم حين قال عدو‬
‫ال إبلييس لعنيه ال "ولغوينهيم أجمعيين‪ .‬إل عبادك منهيم المخلصيين" [الحجير‪ ]40 - 39 :‬قال‬
‫ال تعالى‪" :‬إن عبادي ليس لك عليهم سلطان إل من اتبعك من الغاوين" [الحجر‪.]42 :‬‬
‫قلت‪ :‬قد بينا أن هذا عام يدخله التخصيص‪ ،‬وقد أغوى آدم وحواء عليهما السلم بسلطانه‪ ،‬وقد‬
‫شوش على الفضلء أوقاتهييم بقوله‪ :‬ميين خلق ربييك؟ حسييبما تقدم فييي "العراف"‪" .‬إنميا سيلطانه‬
‫على الذييين يتولونييه" أي يطيعونييه‪ .‬يقال‪ :‬توليتييه أي أطعتييه‪ ،‬وتوليييت عنييه‪ ،‬أي أعرضييت عنييه‪.‬‬
‫"والذين هم به مشركون" أي بال؛ قاله مجاهد والضحاك‪ .‬وقيل‪ :‬يرجع "به" إلى الشيطان؛ قاله‬
‫الربيع بن أنس والقتيبي‪ .‬والمعنى‪ :‬والذين هم من أجله مشركون‪ .‬يقال‪ :‬كفرت بهذه الكلمة‪ ،‬أي من‬
‫أهلها‪ .‬وصار فلن بك عالما‪ ،‬أي من أجلك‪ .‬أي والذي تولى الشيطان مشركون بال‪.‬‬
‫*‪*3‬اليتان‪{ 102 - 101 :‬وإذا بدلنا آية مكان آية وال أعلم بما ينزل قالوا إنما أنت مفتر بل‬
‫أكثرهييم ل يعلمون‪ ،‬قييل نزله روح القدس ميين ربييك بالحييق ليثبييت الذييين آمنوا وهدى وبشرى‬
‫للمسلمين}‬
‫@قوله تعالى‪" :‬وإذا بدلنيا آيية مكان آيية وال أعلم بميا ينزل" قييل‪ :‬المعنيى بدلنيا شريعية متقدمية‬
‫بشريعية مسيتأنفة؛ قاله ابين بحير‪ .‬مجاهيد‪ :‬أي رفعنيا آيية وجعلنيا موضعهيا غيرهيا‪ .‬وقال الجمهور‪:‬‬
‫نسخنا آية بآية أشد منها عليهم‪ .‬والنسخ والتبديل رفع الشيء مع وضع عيره مكانه‪" .‬قالوا" يريد‬
‫كفار قرييش‪" .‬إنميا أنيت مفتير" أي كاذب مختلق‪ ،‬وذلك لميا رأوا مين تبدييل الحكيم‪ .‬فقال ال‪" :‬بيل‬
‫أكثرهييم ل يعلمون" ل يعلمون أن ال شرع الحكام وتبديييل البعييض بالبعييض‪ .‬وقوله‪" :‬قييل نزله‬
‫روح القدس" يعنيي جبرييل‪ ،‬نزل بالقرآن كله ناسيخه ومنسيوخه‪ .‬وروي بإسيناد صيحيح عين عامير‬
‫الشعبي قال‪ :‬وكل إسرافيل بمحمد صلى ال عليه وسلم ثلث سنين‪ ،‬فكان يأتيه بالكلمة والكلمة‪ ،‬ثم‬
‫نزل عليه جبريل بالقرآن‪ .‬وفي صحيح مسلم أيضا أنه نزل عليه بسورة "الحمد" ملك لم ينزل إلى‬
‫الرض قط‪ .‬كما تقدم في الفاتحة بيانه‪" .‬من ربك بالحق" أي من كلم ربك‪" .‬ليثبت الذين آمنوا"‬
‫أي بما فيه من الحجج واليات‪" .‬وهدى" أي وهو هدى "وبشرى للمسلمين"‪.‬‬
‫*‪*3‬اليية‪{ 103 :‬ولقد نعلم أنهيم يقولون إنما يعلمه بشير لسان الذي يلحدون إليه أعجميي وهذا‬
‫لسان عربي مبين}‬
‫@قوله تعالى‪" :‬ولقد نعلم أنهم يقولون إنما يعلمه بشر" اختلف في اسم هذا الذي قالوا إنما يعلمه؛‬
‫فقييل‪ :‬هيو غلم الفاكيه بين المغيرة واسيمه جيبر‪ ،‬كان نصيرانيا فأسيلم؛ وكانوا إذا سيمعوا مين النيبي‬
‫صلى ال عليه وسلم ما مضى وما هو آت مع أنه أمي لم يقرأ قالوا‪ :‬إنما يعلمه جبر وهو أعجمي؛‬
‫فقال ال تعالى‪" :‬لسيان الذي يلحدون إلييه أعجميي وهذا لسيان عربيي ميبين" أي كييف يعلميه جيبر‬
‫وهيو أعجميي هذا الكلم الذي ل يسيتطيع النيس والجين أن يعارضوا منيه سيورة واحدة فميا فوقهيا‪.‬‬
‫وذكيير النقاش أن مولى جييبر كان يضربييه ويقول له‪ :‬أنييت تعلم محمدا‪ ،‬فيقول‪ :‬ل وال‪ ،‬بييل هييو‬
‫يعلمني ويهديني‪ .‬وقال ابن إسحاق‪ :‬كان النبي صلى ال عليه وسلم ‪ -‬فيما بلغني ‪ -‬كثيرا ما يجلس‬
‫عنييد المروة إلى غلم نصييراني يقال له جييبر‪ ،‬عبييد بنييي الحضرمييي‪ ،‬وكان يقرأ الكتييب‪ ،‬فقال‬
‫المشركون‪ :‬وال ميا يعلم محمدا ميا يأتيي بيه إل جيبر النصيراني‪ .‬وقال عكرمية‪ :‬اسيمه يعييش عبيد‬
‫لبني الحضرمي‪ ،‬كان رسول ال صلى ال عليه وسلم يلقنه القرآن؛ ذكره المارودي‪ .‬وذكر الثعلبي‬
‫عن عكرمة وقتادة أنه غلم لبني المغيرة اسمه يعيش‪ ،‬وكان يقرأ الكتب العجمية‪ ،‬فقالت قريش‪:‬‬
‫إنما يعلمه بشر‪ ،‬فنزلت‪ .‬المهدوي عن عكرمة‪ :‬هو غلم لبني عامر بن لؤي‪ ،‬واسمه يعيش‪ .‬وقال‬
‫عبدال بين مسيلم الحضرميي‪ :‬كان لنيا غلمان نصيرانيان مين أهيل عيين التمير‪ ،‬اسيم أحدهميا يسيار‬
‫واسيم الخير جيبر‪ .‬كذا ذكير الماوردي والقشيري والثعلبيي؛ إل أن الثعلبيي قال‪ :‬يقال لحدهميا نبيت‬
‫ويكنيى أبيا فكيهية‪ ،‬والخير جيبر‪ ،‬وكانيا صييقلين يعملن السييوف؛ وكانيا يقرأن كتابيا لهيم‪ .‬الثعلبيي‪:‬‬
‫يقرأن التوراة والنجييل‪ .‬الماوردي والمهدوي‪ :‬التوراة‪ .‬فكان رسيول ال صيلى ال عليه وسيلم يمير‬
‫بهما ويسمع قراءتهما‪ ،‬وكان المشركون يقولون‪ :‬يتعلم منهما‪ ،‬فأنزل ال هذه الية وأكذبهم‪ .‬وقيل‪:‬‬
‫عنوا سييلمان الفارسييي رضييي ال عنييه؛ قاله الضحاك‪ .‬وقيييل‪ :‬نصييرانيا بمكيية اسييمه بلعام‪ ،‬وكان‬
‫غلميا يقرأ التوراة؛ قاله ابين عباس‪ .‬وقال القتيبي‪ :‬كان بمكية رجيل نصيراني يقال له أبيو ميسيرة‬
‫يتكلم بالرومية‪ ،‬فربما قعد إليه رسول ال صلى ال عليه وسلم‪ ،‬فقال الكفار‪ :‬إنما يتعلم محمد منه‪،‬‬
‫فنزلت‪ .‬وفيي روايية أنيه عداس غلم عتبية بين ربيعية‪ .‬وقييل‪ :‬عابيس غلم حويطيب بين عبدالعزى‬
‫ويسار أبو فكيهة مولى ابن الحضرمي‪ ،‬وكانا قد أسلما‪ .‬وال أعلم‬
‫قلت‪ :‬والكل محتمل؛ فإن النبي صلى ال عليه وسلم ربما جلس إليهم في أوقات مختلفة ليعلمهم‬
‫ممييا علمييه ال‪ ،‬وكان ذلك بمكيية‪ .‬وقال النحاس‪ :‬وهذه القوال ليسييت بمتناقضيية؛ لنييه يجوز أن‬
‫يكونوا أومأوا إلى هؤلء جميعا‪ ،‬وزعموا أنهم يعلمونه‪.‬‬
‫قلت‪ :‬وأما ما ذكره الضحاك من أنه سلمان ففيه بعد؛ لن سلمان إنما أتى النبي صلى ال عليه‬
‫وسلم بالمدينة‪ ،‬وهذه الية مكية‪.‬‬
‫@قوله تعالى‪" :‬لسيان الذي يلحدون إليه أعجمي" اللحاد‪ :‬الميل؛ يقال‪ :‬لحد وألحد‪ ،‬أي مال عن‬
‫القصيد‪ .‬وقرأ حمزة "يلحدون" بفتيح الياء والحاء؛ أي لسيان الذي يميلون إلييه ويشيرون أعجميي‪.‬‬
‫والعجميية‪ :‬الخفاء وضييد البيان‪ .‬ورجييل أعجييم وامرأة عجماء‪ ،‬أي ل يفصييح؛ ومنييه عجييم الذنييب‬
‫لسييتتاره‪ .‬والعجماء‪ :‬البهيميية؛ لنهييا ل توضييح عيين نفسييها‪ .‬وأعجمييت الكتاب أي أزلت عجمتييه‪.‬‬
‫والعرب تسيمي كيل مين ل يعرف لغتهيم ول يتكلم بكلمهيم أعجمييا‪ .‬وقال الفراء‪ :‬العجيم الذي فيي‬
‫لسيانه عجمية وإن كان مين العرب‪ ،‬والعجميي أو العجميي الذي أصيله مين العجيم‪ .‬وقال أبيو علي‪:‬‬
‫العجمييي الذي ل يفصييح‪ ،‬سييواء كان ميين العرب أو ميين العجييم‪ ،‬وكذلك العجييم والعجمييي‬
‫المنسيوب إلى العجيم وإن كان فصييحا‪ .‬وأراد باللسيان القرآن؛ لن العرب تقول للقصييدة والبييت‪:‬‬
‫لسان؛ قال الشاعر‪:‬‬
‫وخنت وما حسبتك أن تخونا‬ ‫لسان الشر تهديها إلينا‬
‫يعني باللسان القصيدة‪" .‬وهذا لسان عربي مبين" أي أفصح ما يكون من العربية‪.‬‬
‫*‪*3‬الية‪{ 104 :‬إن الذين ل يؤمنون بآيات ال ل يهديهم ال ولهم عذاب أليم}‬
‫@قوله تعالى‪" :‬إن الذيين ل يؤمنون بآيات ال" أي هؤلء المشركون الذيين ل يؤمنون بالقرآن‪.‬‬
‫"ل يهديهم ال ولهم عذاب أليم"‪.‬‬
‫*‪*3‬الية‪{ 105 :‬إنما يفتري الكذب الذين ل يؤمنون بآيات ال وأولئك هم الكاذبون}‬
‫@قوله تعالى‪" :‬إنما يفتري الكذب الذين ل يؤمنون بآيات ال" هذا جواب وصفهم النبي صلى ال‬
‫علييه وسيلم بالفتراء‪" .‬وأولئك هيم الكاذبون" هذا مبالغية فيي وصيفهم بالكذب؛ أي كيل كذب قلييل‬
‫بالنسيبة إلى كذبهيم‪ .‬ويقال‪ :‬كذب فلن ول يقال إنيه كاذب؛ لن الفعيل قيد يكون لزميا وقيد ل يكون‬
‫لزميا‪ .‬فأميا النعيت فيكون لزميا ولهذا يقال‪ :‬عصيى آدم ربيه فغوى‪ ،‬ول يقال‪ :‬إنيه عاص غاو‪ .‬فإذا‬
‫قيل‪ :‬كذب فلن فهو كاذب‪ ،‬كان مبالغة في الوصف بالكذب؛ قاله القشيري‪.‬‬
‫*‪*3‬الية‪{ 106 :‬من كفر بال من بعد إيمانه إل من أكره وقلبه مطمئن باليمان ولكن من شرح‬
‫بالكفر صدرا فعليهم غضب من ال ولهم عذاب عظيم}‬
‫@قوله تعالى‪" :‬مين كفير بال" هذا متصيل بقوله تعالى‪" :‬ول تنقضوا اليمان بعيد توكيدهيا"‬
‫[النحل‪ ]91 :‬فكان مبالغة في الوصف بالكذب؛ لن معناه ل ترتدوا عن بيعة الرسول صلى ال‬
‫علييه وسيلم‪ .‬أي مين كفير مين بعيد إيمانيه وارتيد فعلييه غضيب ال‪ .‬قال الكلبيي‪ :‬نزلت فيي عبدال بين‬
‫أبي سرح ومقيس بن ضبابة وعبدال بن خطل‪ ،‬وقيس بن الوليد بن المغيرة‪ ،‬كفروا بعد إيمانهم‪.‬‬
‫وقال الزجاج‪" :‬مين كفير بال مين بعيد إيمانيه" بدل ممين يفتري الكذب؛ أي إنميا يفتري الكذب مين‬
‫كفر بال من بعد إيمانه؛ لنه رأى الكلم إلى آخر الستثناء غير تام فعلقه بما قبله‪ .‬وقال الخفش‪:‬‬
‫"من" ابتداء وخبره محذوف‪ ،‬اكتفي منه بخبر"من" الثانية؛ كقولك‪ :‬من يأتنا من يحسن نكرمه‪.‬‬
‫@قوله تعالى‪" :‬إل مين أكره" هذه اليية نزلت فيي عمار بين ياسير‪ ،‬فيي قول أهيل التفسيير؛ لنيه‬
‫قارب بعض ما ندبوه إليه‪ .‬قال ابن عباس‪ :‬أخذه المشركون وأخذوا أباه وأمه سمية وصهيبا وبلل‬
‫وخبابا وسالما فعذبوهم‪ ،‬وربطت سمية بين بعيرين ووجئ قبلها بحربة‪ ،‬وقيل لها إنك أسلمت من‬
‫أجيل الرجال؛ فقتلت وقتيل زوجهيا ياسير‪ ،‬وهميا أول قتيليين فيي السيلم‪ .‬وأميا عمار فأعطاهيم ميا‬
‫أرادوا بلسانه مكرها‪ ،‬فشكا ذلك إلى رسول ال صلى ال عليه وسلم‪ ،‬فقال له رسول ال صلى ال‬
‫علييه وسيلم‪( :‬كييف تجيد قلبيك)؟ قال‪ :‬مطمئن باليمان‪ .‬فقال رسيول ال صيلى ال علييه وسيلم‪( :‬فإن‬
‫عادوا فعيد)‪ .‬وروى منصيور بين المعتمير عين مجاهيد قال‪ :‬أول شهيدة فيي السيلم أم عمار‪ ،‬قتلهيا‬
‫أبيو جهيل‪ ،‬وأول شهييد من الرجال مهجيع مولى عمير‪ .‬وروى منصيور أيضيا عين مجاهيد قال‪ :‬أول‬
‫مين أظهير السيلم سيبعة‪ :‬رسيول ال صيلى ال علييه وسيلم وأبيو بكير‪ ،‬وبلل‪ ،‬وخباب‪ ،‬وصيهيب‪،‬‬
‫وعمار‪ ،‬وسيمية أم عمار‪ .‬فأميا رسيول ال صيلى ال علييه وسيلم فمنعيه أبيو طالب‪ ،‬وأميا أبيو بكير‬
‫فمنعيه قوميه‪ ،‬وأخذوا الخريين فألبسيوهم أدرع الحدييد‪ ،‬ثيم صيهروهم فيي الشميس حتيى بلغ منهيم‬
‫الجهد كل مبلغ من حر الحديد والشمس‪ ،‬فلما كان من العشي أتاهم أبو جهل ومعه حربة‪ ،‬فجعل‬
‫يسبهم ويوبخهم‪ ،‬وأتى سمية فجعل يسبها ويرفث‪ ،‬ثم طعن فرجها حتى خرجت الحربة من فمها‬
‫فقتلهيا؛ رضيي ال عنهيا‪ .‬قال‪ :‬وقال الخرون ميا سيئلوا إل بلل فإنيه هانيت علييه نفسيه فيي ال‪،‬‬
‫فجعلوا يعذبونه ويقولون له‪ :‬ارجع عن دينك‪ ،‬وهو يقول أحد أحد؛ حتى ملوه‪ ،‬ثم كتفوه وجعلوا في‬
‫عنقه حبل من ليف‪ ،‬ودفعوه إلى صبيانهم يلعبون به بين أخشبي مكة حتى ملوه وتركوه‪ ،‬قال فقال‬
‫عمار‪ :‬كلنيا تكلم بالذي قالوا ‪ -‬لول أن ال تداركنيا ‪ -‬غيير بلل فإنيه هانيت علييه نفسيه فيي ال‪ ،‬فهان‬
‫على قوميه حتيى ملوه وتركوه‪ .‬والصيحيح أن أبيا بكير اشترى بلل فأعتقيه‪ .‬وروى ابين أبيي نجييح‬
‫عين مجاهيد أن ناسيا مين أهيل مكية آمنوا‪ ،‬فكتيب إليهيم بعيض أصيحاب محميد صيلى ال علييه وسيلم‬
‫بالمدينية‪ :‬أن هاجروا إلينيا‪ ،‬فإنيا ل نراكيم منيا حتيى تهاجروا إلينيا‪ ،‬فخرجوا يريدون المدينية حتيى‬
‫أدركتهيم قرييش بالطرييق‪ ،‬ففتنوهيم فكفروا مكرهيين‪ ،‬ففيهيم نزلت هذه اليية‪ .‬ذكير الروايتيين عين‬
‫مجاهييد إسييماعيل بيين إسييحاق‪ .‬وروى الترمذي عيين عائشيية قالت قال رسييول ال صييلى ال عليييه‬
‫وسلم‪( :‬ما خير عمار بين أمرين إل اختار أرشدهما) هذا حديث حسن غريب‪ .‬وروي عن أنس بن‬
‫مالك قال قال رسول ال صلى ال عليه وسلم‪( :‬إن الجنة تشتاق إلى ثلثة علي وعمار وسلمان بن‬
‫ربيعة)‪ .‬قال الترمذي‪ :‬هذا حديث غريب ل نعرفه إل من حديث الحسن بن صالح‪.‬‬
‫@ لما سمح ال عز وجل بالكفر به وهو أصل الشريعة عند الكراه ولم يؤاخذ به‪ ،‬حمل العلماء‬
‫علييه فروع الشريعية كلهيا‪ ،‬فإذا وقيع الكراه عليهيا لم يؤاخيذ بيه ولم يترتيب علييه حكيم؛ وبيه جاء‬
‫الثير المشهور عين النيبي صيلى ال علييه وسيلم‪( :‬رفيع عين أمتيي الخطيأ والنسييان وميا اسيتكرهوا‬
‫علييه) الحدييث‪ .‬والخيبر وإن لم يصيح سينده فإن معناه صيحيح باتفاق مين العلماء؛ قاله القاضيي أبيو‬
‫بكر بن العربي‪ .‬وذكر أبو محمد عبدالحق أن إسناده صحيح قال‪ :‬وقد ذكره أبو بكر الصيلي في‬
‫الفوائد وابن المنذر في كتاب القناع‪.‬‬
‫@ أجمع أهل العلم على أن من أكره على الكفر حتى خشي على نفسه القتل‪ ،‬أنه ل إثم عليه إن‬
‫كفيير وقلبييه مطمئن باليمان‪ ،‬ول تييبين منييه زوجتييه ول يحكييم عليييه بحكييم الكفيير؛ هذا قول مالك‬
‫والكوفييين والشافعيي؛ غيير محميد بين الحسين فإنيه قال‪ :‬إذا أظهير الشرك كان مرتدا فيي الظاهير‪،‬‬
‫وفيما بينه وبين ال تعالى على السلم‪ ،‬وتبين منه امرأته ول يصلى عليه إن مات‪ ،‬ول يرث أباه‬
‫إن مات مسلما‪ .‬وهذا قول يرده الكتاب والسنة‪ ،‬قال ال تعالى‪" :‬إل من أكره" الية‪ .‬وقال‪" :‬إل أن‬
‫تتقوا منهم تقاة" [آل عمران‪ ]28 :‬وقال‪" :‬إن الذين توفاهم الملئكة ظالمي أنفسهم قالوا فيم كنتم‬
‫قالوا كنيا مسيتضعفين فيي الرض" [النسياء‪ ]97 :‬اليية‪ .‬وقال‪" :‬إل المسيتضعفين مين الرجال‬
‫والنساء والولدان" [النساء‪ ]98 :‬الية‪ .‬فعذر ال المستضعفين الذين يمتنعون من ترك ما أمر ال‬
‫به‪ ،‬والمكره ل يكون إل مستضعفا غير ممتنع من فعل ما أمر به؛ قاله البخاري‪.‬‬
‫@ ذهبيت طائفية مين العلماء إلى أن الرخصية إنميا جاءت فيي القول‪ ،‬وأميا فيي الفعيل فل رخصية‬
‫فييه‪ ،‬مثيل أن يكرهوا على السيجود لغيير ال أو الصيلة لغيير القبلة‪ ،‬أو قتيل مسيلم أو ضربيه أو أكيل‬
‫ماله‪ ،‬أو الزنى وشرب الخمر وأكل الربا؛ يروى هذا عن الحسن البصري‪ ،‬رضي ال عنه‪ .‬وهو‬
‫قول الوزاعيي وسيحنون مين علمائنيا‪ .‬وقال محميد بين الحسين‪ :‬إذا قييل للسيير‪ :‬اسيجد لهذا الصينم‬
‫وإل قتلتك‪ .‬فقال‪ :‬إن كان الصنم مقابل القبلة فليسجد ويكون نيته ل تعالى‪ ،‬وإن كان لغير القبلة فل‬
‫يسييجد وإن قتلوه‪ .‬والصييحيح أنييه يسييجد وإن كان لغييير القبلة‪ ،‬ومييا أحراه بالسييجود حينئذ؛ ففييي‬
‫الصيحيح عين ابين عمير قال‪ :‬كان رسيول ال صيلى ال علييه وسيلم يصيلي وهيو مقبيل مين مكية إلى‬
‫المدينة على راحلته حيث كان وجهه‪ ،‬قال‪ :‬وفيه نزلت "فأينما تولوا فثم وجه ال" [البقرة‪]115 :‬‬
‫في رواية‪ :‬ويوتر عليها‪ ،‬غير أنه ل يصلي عليها المكتوبة‪ .‬فإذا كان هذا مباحا في السفر في حالة‬
‫المن لتعب النزول عن الدابة للتنفل فكيف بهذا‪ .‬واحتج من قصر الرخصة على القول بقول ابن‬
‫مسيعود‪ :‬ميا من كلم يدرأ عنيي سيوطين من ذي سلطان إل كنت متكلما به‪ .‬فقصير الرخصية على‬
‫القول ولم يذكر الفعل‪ ،‬وهذا ل حجة فيه؛ لنه يحتمل أن يجعل للكلم مثال وهو يريد أن الفعل في‬
‫حكميه‪ .‬وقالت طائفية‪ :‬الكراه فيي الفعيل والقول سيواء إذا أسير اليمان‪ .‬روي ذلك عين عمير بين‬
‫الخطاب ومكحول‪ ،‬وهيو قول مالك وطائفية مين أهيل العراق‪ .‬روى ابين القاسيم عين مالك أن مين‬
‫أكره على شرب الخمر وترك الصلة أو الفطار في رمضان‪ ،‬أن الثم عنه مرفوع‪.‬‬
‫@ أجميع العلماء على أن مين أكره على قتيل غيره أنيه ل يجوز له القدام على قتله ول انتهاك‬
‫حرمته بجلد أو غيره‪ ،‬ويصبر على البلء الذي نزل به‪ ،‬ول يحل له أن يفدي نفسه بغيره‪ ،‬ويسأل‬
‫ال العافية في الدنيا والخرة‪.‬‬
‫واختلف فيي الزنيى‪ ،‬فقال مطرف وأصيبغ وابين عبدالحكيم وابين الماجشون‪ :‬ل يفعيل أحيد ذلك‪،‬‬
‫وإن قتيل لم يفعله‪ ،‬فإن فعله فهيو آثيم ويلزميه الحيد؛ وبيه قال أبيو ثور والحسين‪ .‬قال ابين العربيي‪:‬‬
‫الصيحيح أنيه يجوز القدام على الزنيى ول حيد علييه‪ ،‬خلفيا لمين ألزميه ذلك؛ لنيه رأى أنهيا شهوة‬
‫خلقيية ل يتصيور الكراه عليهيا‪ ،‬وغفيل عين السيبب فيي باعيث الشهوة وهيو اللجاء إلى ذلك‪ ،‬وهيو‬
‫الذي أسيقط حكميه‪ ،‬وإنميا يجيب الحيد على شهوة بعيث عليهيا سيبب اختياري‪ ،‬فقاس الشييء على‬
‫ضده‪ ،‬فلم يحيل بصيواب مين عنده‪ .‬وقال ابين خوييز منداد فيي أحكاميه‪ :‬اختلف أصيحابنا متيى أكره‬
‫الرجيل على الزنيى؛ فقال بعضهيم‪ :‬علييه الحيد؛ لنيه إنميا يفعيل ذلك باختياره‪ .‬وقال بعضهيم‪ :‬ل حيد‬
‫علييه‪ .‬قال ابين خوييز منداد‪ :‬وهيو الصيحيح‪ .‬وقال أبيو حنيفية‪ :‬إن أكرهيه غيير السيلطان حيد‪ ،‬وإن‬
‫أكرهيه السيلطان فالقياس أن يحيد‪ ،‬ولكين اسيتحسن أل يحيد‪ .‬وخالفيه صياحباه فقال‪ :‬ل حيد علييه فيي‬
‫الوجهين‪ ،‬ولم يراعوا النتشار‪ ،‬وقالوا‪ :‬متى علم أنه يتخلص من القتل بفعل الزنى جاز أن ينتشر‪.‬‬
‫قال ابن المنذر‪ :‬ل حد عليه‪ ،‬ول فرق بين السلطان في ذلك وغير السلطان‪.‬‬
‫@ اختلف العلماء في طلق المكره وعتاقه؛ فقال الشافعي وأصحابه‪ :‬ل يلزمه شيء‪ .‬وذكر ابن‬
‫وهيب عين عمير وعلي وابين عباس أنهيم كانوا ل يرون طلقيه شيئا‪ .‬وذكره ابين المنذر عين ابين‬
‫الزبير وابن عمر وابن عباس وعطاء وطاوس والحسن وشريح والقاسم وسالم ومالك والوزاعي‬
‫وأحميد وإسيحاق وأبيي ثور‪ .‬وأجازت طائفية طلقيه؛ روي ذلك عين الشعيبي والنخعيي وأبيي قلبية‬
‫والزهري وقتادة‪ ،‬وهو قول الكوفيين‪ .‬قال أبو حنيفة‪ :‬طلق المكره يلزم؛ لنه لم يعدم فيه أكثر من‬
‫الرضيا‪ ،‬ولييس وجوده بشرط فيي الطلق كالهازل‪ .‬وهذا قياس باطيل؛ فإن الهازل قاصيد إلى إيقاع‬
‫الطلق راض به‪ ،‬والمكره غير راض ول نية له في الطلق‪ ،‬وقد قال عليه السلم‪( :‬إنما العمال‬
‫بالنيات )‪ .‬وفيي البخاري‪ :‬وقال ابين عباس فيمين يكرهيه اللصيوص فيطلق‪ :‬لييس بشييء؛ وبيه قال‬
‫ابين عمير وابين الزبيير والشعيبي والحسين‪ .‬وقال الشعيبي‪ :‬إن أكرهيه اللصيوص فلييس بطلق‪ ،‬وإن‬
‫أكرهه السلطان فهو طلق‪ .‬وفسره ابن عيينة فقال‪ :‬إن اللص يقدم على قتله والسلطان ل يقتله‪.‬‬
‫@ وأما بيع المكره والمضغوط فله حالتان‪ .‬الولى‪ :‬أن يبيع ماله في حق وجب عليه؛ فذلك ماض‬
‫سائغ ل رجوع فيه عند الفقهاء؛ لنه يلزمه أداء الحق إلى ربه من غير المبيع‪ ،‬فلما لم يفعل ذلك‬
‫كان بيعيه اختيارا منيه فلزميه‪ .‬وأميا بييع المكره ظلميا أو قهرا فذلك بييع ل يجوز علييه‪ .‬وهيو أولى‬
‫بمتاعيه يأخذه بل ثمين‪ ،‬ويتبيع المشتري بالثمين ذلك الظالم؛ فإن فات المتاع رجيع بثمنيه أو بقيمتيه‬
‫بالكثيير ميين ذلك على الظالم إذا كان المشتري غييير عالم بظلمييه‪ .‬قال مطرف‪ :‬وميين كان ميين‬
‫المشتريين يعلم حال المكره فإنيه ضامين لميا ابتاع مين رقيقيه وعروضيه كالغاصيب‪ ،‬وكلميا أحدث‬
‫المبتاع في ذلك من عتق أو تدبير أو تحبيس فل يلزم المكره‪ ،‬وله أخذ متاعه‪ .‬قال سحنون‪ :‬أجمع‬
‫أصيييحابنا وأهيييل العراق على أن بييييع المكره على الظلم والجور ل يجوز‪ .‬وقال البهري ‪ :‬إنيييه‬
‫إجماع‪.‬‬
‫@ وأما نكاح المكره؛ فقال سحنون‪ :‬أجمع أصحابنا على إبطال نكاح المكره والمكرهة‪ ،‬وقالوا‪:‬‬
‫ل يجوز المقام عليييه‪ ،‬لنييه لم ينعقييد‪ .‬قال محمييد بيين سييحنون‪ :‬وأجاز أهييل العراق نكاح المكره‪،‬‬
‫وقالوا‪ :‬لو أكره على أن ينكح امرأة بعشرة آلف درهم‪ ،‬وصداق مثلها ألف درهم‪ ،‬أن النكاح جائز‬
‫وتلزمييه اللف ويبطييل الفضييل‪ .‬قال محمييد‪ :‬فكمييا أبطلوا الزائد على اللف فكذلك يلزمهييم إبطال‬
‫النكاح بالكراه‪ .‬وقولهم خلف السنة الثابتة في حديث خنساء بنت خذام النصارية‪ ،‬ولمره صلى‬
‫ال عليه وسلم بالستئمار في أبضاعهن‪ ،‬وقد تقدم‪ ،‬فل معنى لقولهم‪.‬‬
‫فان وطئها المكره على النكاح غير مكره على الوطء والرضا بالنكاح لزمه النكاح عندنا على‬
‫المسيمى مين الصيداق ودرئ عنيه الحيد‪ .‬وإن قال‪ :‬وطئتهيا على غيير رضيا منيي بالنكاح فعلييه الحيد‬
‫والصيداق المسيمى؛ لنيه مدع لبطال الصيداق المسيمى‪ ،‬وتحيد المرأة إن أقدميت وهيي عالمية أنيه‬
‫مكره على النكاح‪ .‬وأمييا المكرهيية على النكاح وعلى الوطييء فل حييد عليهييا ولهييا الصييداق‪ ،‬ويحييد‬
‫الواطئ؛ فأعلمه‪ .‬قاله سحنون‪.‬‬
‫@ إذا استكرهت المرأة على الزنى فل حد عليها؛ لقوله "إل من أكره" وقوله عليه السلم‪( :‬إن‬
‫ال تجاوز عين أمتيي الخطيأ والنسييان وميا اسيتكرهوا علييه)‪ .‬ولقول ال تعالى‪" :‬فإن ال مين بعيد‬
‫إكراههين غفور رحييم" [النور‪ ]33 :‬يرييد الفتيات‪ .‬وبهذا المعنيى حكيم عمير فيي الوليدة التيي‬
‫اسيتكرهها العبيد فلم يحدهيا‪ .‬والعلماء متفقون على أنيه ل حيد على امرأة مسيتكرهة‪ .‬وقال مالك‪ :‬إذا‬
‫وجدت المرأة حامل وليس لها زوج فقالت استكرهت فل يقبل ذلك منها وعليها الحد‪ ،‬إل أن تكون‬
‫لهيا بينية أو جاءت تدميي على أنهيا أوتييت‪ ،‬أو ميا أشبيه ذلك‪ .‬واحتيج بحدييث عمير بين الخطاب أنيه‬
‫قال‪ :‬الرجيم فيي كتاب ال حيق على مين زنيى مين الرجال والنسياء إذا أحصين إذا قاميت البينية‪ ،‬أو‬
‫كان الحبل أو العتراف‪ .‬قال ابن المنذر‪ :‬وبالقول الول أقول‪.‬‬
‫@ واختلفوا في وجوب الصداق للمستكرهة؛ فقال عطاء والزهري‪ :‬لها صداق مثلها؛ وهو قول‬
‫مالك والشافعيي وأحميد وإسيحاق وأبيي ثور‪ .‬وقال الثوري‪ :‬إذا أقييم الحيد على الذي زنيى بهيا بطيل‬
‫الصداق‪ .‬وروي ذلك عن الشعبي‪ ،‬وبه قال أصحاب مالك وأصحاب الرأي‪ .‬قال ابن المنذر‪ :‬القول‬
‫الول صحيح‪.‬‬
‫@ إذا أكره النسان على إسلم أهله لما لم يحل أسلمها‪ ،‬ولم يقتل نفسه دونها ول احتمل أذية في‬
‫تخليصها‪ .‬والصل في ذلك ما خرجه البخاري عن أبي هريرة قال قال رسول ال صلى ال عليه‬
‫وسيلم‪( :‬هاجير إبراهييم علييه السيلم بسيارة ودخيل بهيا قريية فيهيا ملك مين الملوك أو جبار مين‬
‫الجبابرة فأرسل إليه أن أرسل بها إلي فأرسل بها فقام إليها فقامت تتوضأ وتصلي فقالت اللهم إن‬
‫كنيت آمنيت بيك وبرسيولك فل تسيلط علي هذا الكافير فغيط حتيى ركيض برجله)‪ .‬ودل هذا الحدييث‬
‫أيضا على أن سارة لما لم يكن عليها ملمة‪ ،‬فكذلك ل يكون على المستكرهة ملمة‪ ،‬ول حد فيما‬
‫هو أكبر من الخلوة‪ .‬وال أعلم‪.‬‬
‫@ وأمييا يمييين المكره فغييير لزميية عنييد مالك والشافعييي وأبييي ثور وأكثيير العلماء‪ .‬قال ابيين‬
‫الماجشون‪ :‬وسواء حلف فيميا هو طاعية ل أو فيميا هو معصيية إذ أكره على اليميين؛ وقاله أصيبغ‪.‬‬
‫وقال مطرف‪ :‬إن أكره على اليمين فيما هو ل معصية أو ليس في فعله طاعة ول معصية فاليمين‬
‫فييه سياقطة‪ ،‬وإن أكره على اليميين فيميا هيو طاعية مثيل أن يأخيذ الوالي رجل فاسيقا فيكرهيه أن‬
‫يحلف بالطلق ل يشرب خمرا‪ ،‬أول يفسيق ول يغيش فيي عمله‪ ،‬أو الولد يحلف ولده تأديبيا له فإن‬
‫اليميين تلزم؛ وإن كان المكره قيد أخطيأ فيميا يكلف مين ذلك‪ .‬وقال بيه ابين حيبيب‪ .‬وقال أبيو حنيفية‬
‫ومن اتبعه من الكوفيين‪ :‬إنه إن حلف أل يفعل ففعل حنث‪ ،‬قالوا‪ :‬لن المكره له أن يوري في يمينه‬
‫كلها‪ ،‬فلما لم يور ول ذهبت نيته إلى خلف ما أكره عليه فقد قصد إلى اليمين‪ .‬احتج الولون بأن‬
‫قالوا‪ :‬إذا أكره عليها فنيته مخالفة لقوله؛ لنه كاره لما حلف عليه‪.‬‬
‫@ قال ابن العربي‪ :‬ومن غريب المر أن علماءنا اختلفوا في الكراه على الحنث هل يقع به أم‬
‫ل؛ وهذه مسييألة عراقييية سييرت لنييا منهييم‪ ،‬ل كانييت هذه المسييألة ول كانوا! وأي فرق يييا معشيير‬
‫أصيحابنا بيين الكراه على اليميين فيي أنهيا ل تلزم وبيين الحنيث فيي أنيه ل يقيع! فاتقوا ال وراجعوا‬
‫بصائركم‪ ،‬ول تغتروا بهذه الروية فإنها وصمة في الدراية‪.‬‬
‫إذا أكره الرجييل على أن يحلف وإل أخييذ له مال كأصييحاب المكييس وظلميية السييعاة وأهييل‬
‫العتداء؛ فقال مالك‪ :‬ل تقييية له فييي ذلك‪ ،‬وإنمييا يدرأ المرء بيمينييه عيين بدنييه ل ماله‪ .‬وقال ابيين‬
‫الماجشون‪ :‬ل يحنث وإن درأ عن ماله ولم يخف على بدنه‪ .‬وقال ابن القاسم بقول مطرف‪ ،‬ورواه‬
‫عن مالك‪ ،‬وقاله ابن عبدالحكم وأصبغ‪.‬‬
‫قلت‪ :‬قول ابيين الماجشون صييحيح؛ لن المدافعيية عيين المال كالمدافعيية عيين النفييس؛ وهييو قول‬
‫الحسين وقتادة وسييأتي‪ .‬وقال رسيول ال صيلى ال علييه وسيلم‪( :‬إن دماءكيم وأموالكيم وأعراضكيم‬
‫عليكيم حرام) وقال‪( :‬كيل المسيلم على المسيلم حرام دميه وماله وعرضيه)‪ .‬وروى أبيو هريرة قال‪:‬‬
‫جاء رجل إلى رسول ال صلى ال عليه وسلم فقال‪ :‬يا رسول ال‪ ،‬أرأيت إن جاء رجل يريد أخذ‬
‫مالي؟ قال‪( :‬فل تعطييه مالك)‪ .‬قال‪ :‬أرأيييت إن قاتلنييي؟ قال‪( :‬قاتله) قال‪ :‬أرأيييت إن قتلنييي؟ قال‪:‬‬
‫(فأنت شهيد) قال‪ :‬أرأيت إن قتلته؟ قال‪( :‬هو في النار) خرجه مسلم‪ .‬وقد مضى الكلم فيه‪ .‬وقال‬
‫مطرف وابين الماجشون‪ :‬وإن بدر الحالف بيمينيه للوالي الظالم قبيل أن يسيألها ليذب بهيا عميا خاف‬
‫عليه من ماله وبدنه فحلف له فإنها تلزمه‪ .‬وقاله ابن عبدالحكم وأصبغ‪ .‬وقال أيضا ابن الماجشون‬
‫فيمين أخذه ظالم فحلف له بالطلق البتية مين غيير أن يحلفيه وتركيه وهيو كاذب‪ ،‬وإنميا حلف خوفيا‬
‫مين ضربيه وقتله وأخيذ ماله‪ :‬فإن كان إنميا تيبرع باليميين غلبية خوف ورجاء النجاة مين ظلميه فقيد‬
‫دخل في الكراه ول شيء عليه‪ ،‬وإن لم يحلف على رجاء النجاة فهو حانث‪.‬‬
‫@ قال المحققون من العلماء‪ :‬إذا تلفظ المكره بالكفر فل يجوز له أن يجريه على لسانه إل مجرى‬
‫المعارييييض؛ فإن فيييي المعارييييض لمندوحييية عييين الكذب‪ .‬ومتيييى لم يكييين كذلك كان كافرا؛ لن‬
‫المعاريييض ل سييلطان للكراه عليهييا‪ .‬مثاله ‪ -‬أن يقال له‪ :‬اكفيير بال فيقول باللهييي؛ فيزيييد الياء‪.‬‬
‫وكذلك إذا قييل له‪ :‬أكفير بالنيبي فيقول هيو كافير بالنيبي‪ ،‬مشددا وهيو المكان المرتفيع مين الرض‪.‬‬
‫ويطلق على ما يعمل من الخوص شبه المائدة فيقصد أحدهما بقلبه ويبرأ من الكفر ويبرأ من إثمه‪.‬‬
‫فإن قيل له‪ :‬أكفر بالنبيء (مهموزا) فيقول هو كافر بالنبيء يريد بالمخبر‪ ،‬أي مخبر كان كطليحة‬
‫ومسلمة الكذاب‪ .‬أو يريد به النبيء الذي قال فيه الشاعر‪:‬‬
‫مكان النبيء من الكاثب‬ ‫فأصبح رتما دقاق الحصى‬
‫@ أجميع العلماء على أن مين أكره على الكفير فاختار القتيل أنيه أعظيم أجرا عنيد ال ممين اختار‬
‫الرخصية‪ .‬واختلفوا فيمين أكره على غيير القتيل مين فعيل ميا ل يحيل له؛ فقال أصيحاب مالك‪ :‬الخيذ‬
‫بالشدة فيي ذلك واختيار القتيل والضرب أفضيل عنيد ال مين الخيذ بالرخصية‪ ،‬ذكره ابين حيبيب‬
‫وسحنون‪ .‬وذكر ابن سحنون عن أهل العراق أنه إذا تهدد بقتل أو قطع أو ضرب يخاف منه التلف‬
‫فله أن يفعل ما أكره عليه من شرب خمر أو أكل خنزير؛ فان لم يفعل حتى قتل خفنا أن يكون آثما‬
‫لنيه كالمضطير‪ .‬وروى خباب بين الرت قال‪ :‬شكونيا إلى رسيول ال صيلى ال علييه وسيلم وهيو‬
‫متوسيد بردة له فيي ظيل الكعبية فقلت‪ :‬أل تسيتنصر لنيا أل تدعيو لنيا؟ فقال‪( :‬قيد كان مين قبلكيم يؤخيذ‬
‫الرجييل فيحفيير له فييي الرض فيجعييل فيهييا فيجاء بالمنشار فيوضييع على رأسييه فيجعييل نصييفين‬
‫ويمشيط بأمشاط الحدييد ميا دون لحميه وعظمه فميا يصيده ذلك عن دينه وال ليتمن هذا المير حتيى‬
‫يسير الراكب من صنعاء إلى حضرموت ل يخاف إل ال والذئب على غنمه ولكنكم تستعجلون)‪.‬‬
‫فوصفه صلى ال عليه وسلم هذا عن المم السالفة على جهة المدح لهم والصبر على المكروه في‬
‫ذات ال‪ ،‬وأنهم لم يكفروا فيي الظاهير وتبطنوا اليمان ليدفعوا العذاب عن أنفسهم‪ .‬وهذه حجية من‬
‫آثر الضرب والقتل والهوان على الرخصة والمقام بدار الجنان‪ .‬وسيأتي لهذا مزيد بيان في سورة‬
‫[الخدود] [البروج] إن شاء ال تعالى‪ .‬وذكير أبيو بكير محميد بين محميد بين الفرج البغدادي قال‪:‬‬
‫حدثنا شريح بن يونس عن إسماعيل بن إبراهيم عن يونس بن عبيد عن الحسن أن عيونا لمسيلمة‬
‫أخذوا رجليين مين أصيحاب النيبي صيلى ال علييه وسيلم فذهبوا بهميا إلى مسييلمة‪ ،‬فقال لحدهميا‪:‬‬
‫أتشهييد أن محمدا رسييول ال؟ قال نعييم‪ .‬قال‪ :.‬أتشهييد أنييي رسييول ال؟ قال نعييم‪ .‬فخلى عنييه‪ .‬وقال‬
‫للخر‪ :‬أتشهد أن محمدا رسول ال؟ قال نعم‪ .‬قال‪ :‬وتشهد أني رسول ال؟ قال‪ :‬أنا أصم ل أسمع؛‬
‫فقدميه وضرب عنقيه‪ .‬فجاء هذا إلى النيبي صيلى ال علييه وسيلم فقال‪ :‬هلكيت‪ ،‬قال‪( :‬وميا أهلكيك)؟‬
‫فذكيير الحديييث‪ ،‬قال‪ :‬أمييا صيياحبك فأخييذ بالثقيية وأمييا أنييت فأخذت بالرخصيية على مييا أنييت عليييه‬
‫الساعة)قال‪ :‬أشهد أنك رسول ال‪ .‬قال (أنت على ما أنت عليه)‪ .‬الرخصة فيمن حلفه سلطان ظالم‬
‫على نفسيييه أو على أن يدله على رجيييل أو مال رجيييل؛ فقال الحسييين‪ :‬إذا خاف علييييه وعلى ماله‬
‫فليحلف ول يكفير يمينيه؛ وهيو قول قتادة إذا حلف على نفسيه أو مال نفسيه‪ .‬وقيد تقدم ميا للعلماء فيي‬
‫هذا‪.‬‬
‫وذكير موسيى بين معاويية أن أبيا سيعيد بين أشرس صياحب مالك اسيتحلفه السيلطان بتونيس على‬
‫رجل أراد السلطان قتله أنه ما آواه‪ ،‬ول يعلم له موضعا؛ قال‪ :‬فحلف له ابن أشرس؛ وابن أشرس‬
‫يومئذ قد علم موضعه وآواه‪ ،‬فحلفه بالطلق ثلثا‪ ،‬فحلف له ابن أشرس‪ ،‬ثم قال لمرأته‪ :‬اعتزلي‬
‫فاعتزلته؛ ثم ركب ابن أشرس حتى قدم على البهلول بن راشيد القيروان‪ ،‬فأخيبره بالخبر؛ فقال له‬
‫البهلول‪ :‬قال مالك إنييك حانييث‪ .‬فقال ابيين أشرس‪ :‬وأنييا سييمعت مالكييا يقول ذلك‪ ،‬وإنمييا أردت‬
‫الرخصية أو كلم هذا معناه؛ فقال له البهلول ابين راشيد‪ :‬قال الحسين البصيري إنيه ل حنيث علييك‪.‬‬
‫قال‪ :‬فرجع ابن أشرس إلى زوجته وأخذ بقول الحسن‪ .‬وذكر عبدالملك بن حبيب قال‪ :‬حدثني معبد‬
‫عن المسيب بن شريك عن أبي شيبة قال‪ :‬سألت أنس بن مالك عن الرجل يؤخذ بالرجل‪ ،‬هل ترى‬
‫أن يحلف ليقييه بيمينيه؟ فقال نعيم؛ ولن أحلف سيبعين يمينيا وأحنيث أحيب إلي أن أدل على مسيلم‪.‬‬
‫وقال إدرييس بين يحييى كان الولييد بين عبدالملك يأمير جواسييس يتجسيسون الخلق يأتونيه بالخبار‪،‬‬
‫قال‪ :‬فجلس رجل منهم في حلقة رجاء بن حيوة فسمع بعضهم يقع في الوليد‪ ،‬فرفع ذلك إليه فقال‪:‬‬
‫يا رجاء! اذكر بالسوء في مجلسك ولم تغير! فقال‪ :‬ما كان ذلك يا أمير المؤمنين؛ فقال له الوليد‪:‬‬
‫قييل آل الذي ل إله إل هيو‪ ،‬قال‪ :‬آل الذي ل إله إل هيو‪ ،‬فأميير الولييد بالجاسييوس فضربيه سييبعين‬
‫سيوطا‪ ،‬فكان يلقيى رجاء فيقول‪ :‬ييا رجاء‪ ،‬بيك يسيتقى المطير‪ ،‬وسيبعون سيوطا فيي ظهري! فيقول‬
‫رجاء‪ :‬سبعون سوطا في ظهرك خير لك من أن يقتل رجل مسلم‪.‬‬
‫@ واختلف العلماء فيي حيد الكراه؛ فروي عين عمير بين الخطاب رضيي ال عنيه أنيه قال‪ :‬لييس‬
‫الرجل آمن على نفسه إذا أخفته أو أوثقته أو ضربته‪ .‬وقال ابن مسعود‪ :‬ما كلم يدرأ عني سوطين‬
‫إل كنيت متكلميا بيه‪ .‬وقال الحسين‪ :‬التقيية جائزة للمؤمين إلى يوم القيامية‪ ،‬إل أن ال تبارك وتعالى‬
‫ليس يجعل في القتل تقية‪ .‬وقال النخعي‪ :‬القيد إكراه‪ ،‬والسجن إكراه‪ .‬وهذا قول مالك‪ ،‬إل أنه قال‪:‬‬
‫والوعييد المخوف إكراه وإن لم يقيع إذا تحقيق ظلم ذلك المعتدي وإنفاذه لميا يتوعيد بيه‪ ،‬ولييس عنيد‬
‫مالك وأصحابه في الضرب والسجن توقيت‪ ،‬إنما هو ما كان يؤلم من الضرب‪ ،‬وما كان من سجن‬
‫يدخييل منييه الضيييق على المكره‪ .‬وإكراه السيلطان وغيره عنيد مالك إكراه‪ .‬وتناقييض الكوفيون فلم‬
‫يجعلوا السيجن والقييد إكراه ميا يدل على أن الكراه يكون مين غيير تلف نفيس‪ .‬وذهيب مالك إلى أن‬
‫ميين أكره على يمييين بوعيييد أو سييجن أو ضرب أنيه يحلف‪ ،‬ول حنييث عليييه؛ وهيو قول الشافعييي‬
‫وأحمد وأبي ثور وأكثر العلماء‪.‬‬
‫@ ومن هذا الباب ما ثبت إن من المعاريض لمندوحة عن الكذب‪ .‬وروى العمش عن إبراهيم‬
‫النخعي أنه قال‪ :‬ل بأس إذا بلغ الرجل عنك شيء أن تقول‪ :‬وال‪ ،‬إن ال يعلم ما قلت فيك من ذلك‬
‫ميين شيييء‪ .‬قال عبدالملك بيين حييبيب‪ :‬معناه أن ال يعلم أن الذي قلت‪ ،‬وهييو فييي ظاهره انتفاء ميين‬
‫القول‪ ،‬ول حنث علن من قال ذلك في يمينه ول كذب عليه في كلمه‪ .‬وقال النخعي‪ :‬كان لهم كلم‬
‫مين ألغاز اليمان يدرؤون بيه عين أنفسيهم‪ ،‬ل يرون ذلك مين الكذب ول يخشون فييه الحنيث‪ .‬قال‬
‫عبدالملك‪ :‬وكانوا يسيمون ذلك المعارييض مين الكلم‪ ،‬إذا كان ذلك فيي غيير مكير ول خديعية فيي‬
‫حق‪ .‬وقال العمش‪ :‬كان إبراهيم النخعي إذا أتاه أحد يكره الخروج إليه جلس في مسجد بيته وقال‬
‫لجاريته‪ :‬قولي له هو وال في المسجد‪ .‬وروى مغيرة عن إبراهيم أنه كان يجيز للرجل من البعث‬
‫إذا عرضوا على أميرهيم أن يقول‪ :‬وال ميا أهتدي إل ميا سيدد لي غيري‪ ،‬ول أركيب إل ميا حملنيي‬
‫غيري؛ ونحييو هذا ميين الكلم‪ .‬قال عبدالملك‪ :‬يعنييي بقوله (غيري) ال تعالى‪ ،‬هييو مسييدده وهييو‬
‫يحمله؛ فلم يكونوا يرون على الرجل في هذا حنثا في يمينه‪ ،‬ول كذبا في كلمه‪ ،‬وكانوا يكرهون‬
‫أن يقال هذا فيي خديعية وظلم وجحدان حيق فمين اجترأ وفعيل أثيم فيي خديعتيه ولم تجيب علييه كفارة‬
‫في يمينه‪.‬‬
‫@قوله تعالى‪" :‬ولكن من شرح بالكفر صدرا" أي وسعه لقبول الكفر‪ ،‬ول يقدر أحد على ذلك إل‬
‫ال؛ فهيو يرد على القدريية‪ .‬و(صيدرا) نصيب على المفعول‪" .‬فعليهيم غضيب مين ال ولهيم عذاب‬
‫عظيم" وهو عذاب جهنم‪.‬‬
‫*‪*3‬اليات‪{ 109 - 107 :‬ذلك بأنهم استحبوا الحياة الدنيا على الخرة وأن ال ل يهدي القوم‬
‫الكافرين‪ ،‬أولئك الذين طبع ال على قلوبهم وسمعهم وأبصارهم وأولئك هم الغافلون‪ ،‬ل جرم أنهم‬
‫في الخرة هم الخاسرون}‬
‫@قوله تعالى‪" :‬ذلك" أي ذلك الغضب‪" .‬بأنهم استحبوا الحياة الدنيا" أي اختاروها على الخرة‪.‬‬
‫"وأن ال" "أن" في موضع خفض عطفا على "بأنهم" فقال‪" :‬أولئك الذين طبع ال على قلوبهم"‬
‫أي عيين فهييم المواعييظ‪" .‬وسييمعهم" عيين كلم ال تعالى‪" .‬وأبصييارهم" عيين النظيير فييي اليات‪.‬‬
‫"وأولئك هم الغافلون" عما يراد بهم‪" .‬ل جرم أنهم في الخرة هم الخاسرون" تقدم‪.‬‬
‫*‪*3‬اليية‪{ 110 :‬ثيم إن ربيك للذيين هاجروا مين بعيد ميا فتنوا ثيم جاهدوا وصيبروا إن ربيك مين‬
‫بعدها لغفور رحيم}‬
‫@قوله تعالى‪" :‬ثيم إن ربيك للذيين هاجروا مين بعيد ميا فتنوا ثيم جاهدوا وصيبروا" هذا كله فيي‬
‫عمار‪ .‬والمعنى وصبروا على الجهاد؛ ذكره النحاس‪ .‬وقال قتادة‪ :‬نزلت فيي قوم خرجوا مهاجرين‬
‫إلى المدينة بعد أن فتنهم المشركون وعذبوهم‪ ،‬وقد تقدم ذكرهم فيي هذه السورة‪ .‬وقيل‪ :‬نزلت فيي‬
‫ابين أبيي سيرح‪ ،‬وكان قيد ارتيد ولحيق بالمشركيين فأمير النيبي صيلى ال علييه وسيلم بقتله يوم فتيح‬
‫مكية‪ ،‬فاسيتجار بعثمان فأجاره النيبي صيلى ال علييه وسيلم؛ ذكره النسيائي عين عكرمية عين ابين‬
‫عباس قال‪ :‬فيي سيورة النحيل "مين كفير بال مين بعيد إيمانيه إل مين أكره ‪ -‬إلى قوله ‪ -‬ولهيم عذاب‬
‫عظييم" فنسيخ‪ ،‬واسيتثنى مين ذلك فقال‪" :‬ثيم إن ربيك للذيين هاجروا مين بعيد ميا فتنوا ثيم جاهدوا‬
‫وصيبروا إن ربيك مين بعدهيا لغفور رحييم" وهيو عبدال بين سيعد بين أبيي سيرح الذي كان على‬
‫مصير‪ ،‬كان يكتيب لرسيول ال صيلى ال علييه وسيلم فأزله الشيطان فلحيق بالكفار فأمير بيه أن يقتيل‬
‫يوم الفتيح؛ فاسيتجار له عثمان بين عفان فأجاره رسيول ال صيلى ال علييه وسيلم‪" .‬إن ربيك مين‬
‫بعدها لغفور رحيم" أي إن ال غفور رحيم في ذلك‪ .‬أو ذكرهم‪:‬‬
‫*‪*3‬اليية‪{ 111 :‬يوم تأتيي كيل نفيس تجادل عين نفسيها وتوفيى كيل نفيس ميا عملت وهيم ل‬
‫يظلمون}‬
‫@قوله تعالى‪" :‬يوم تأتيي كيل نفيس تجادل عين نفسيها" أي تخاصيم وتحاج عين نفسيها؛ جاء فيي‬
‫الخيبر أن كيل أحيد يقول يوم القيامية‪ :‬نفسيي نفسيي! مين شدة هول يوم القيمية سيوى محميد صيلى ال‬
‫علييه وسيلم فإنيه يسيأل فيي أمتيه‪ .‬وفيي حدييث عمير أنيه قال لكعيب الحبار‪ :‬ييا كعيب‪ ،‬خوّفنيا هيّجنيا‬
‫حدّثنيا نبّهنيا‪ .‬فقال له كعيب‪ :‬ييا أميير المؤمنيين‪ ،‬والذي نفسيي بيده لو وافييت يوم القيامية بمثيل عميل‬
‫سيبعين نبييا لتيت علييك تارات ل يهميك إل نفسيك‪ ،‬وإن لجهنيم زفرة ل يبقيى ملك مقرب ول نيبي‬
‫منتخب إل وقع جاثيا على ركبتيه‪ ،‬حتى إن إبراهيم الخليل ليدلي بالخلة فيقول‪ :‬يا رب‪ ،‬أنا خليلك‬
‫إبراهييم‪ ،‬ل أسيألك اليوم إل نفسيي! قال‪ :‬ييا كعيب‪ ،‬أيين تجيد ذلك فيي كتاب ال؟ قال‪ :‬قوله تعالى‪:‬‬
‫"يوم تأتي كل نفس تجادل عن نفسها وتوفى كل نفس ما عملت وهم ل يظلمون"‪ .‬وقال ابن عباس‬
‫فيي هذه اليية‪ :‬ميا تزال الخصيومة بالناس يوم القيامية حتيى تخاصيم الروح الجسيد؛ فتقول الروح‪:‬‬
‫رب‪ ،‬الروح منك أنت خلقته‪ ،‬لم تكن لي يد أبطش بها‪ ،‬ول رجل أمشي بها‪ ،‬ول عين أبصر بها‪،‬‬
‫ول أذن أسييمع بهييا ول عقييل أعقييل بييه‪ ،‬حتييى جئت فدخلت فييي هذا الجسييد‪ ،‬فضعييف عليييه أنواع‬
‫العذاب ونجني؛ فيقول الجسد‪ :‬رب‪ ،‬أنت خلقتني بيدك فكنت كالخشبة‪ ،‬ليس لي يد أبطش بها‪ ،‬ول‬
‫قدم أسيعى بيه‪ ،‬ول بصير أبصير بيه‪ ،‬ول سيمع أسيمع بيه‪ ،‬فجاء هذا كشعاع النور‪ ،‬فبيه نطيق لسياني‪،‬‬
‫وبه أبصرت عيني‪ ،‬وبه مشت رجلي‪ ،‬وبه سمعت أذني‪ ،‬فضعف عليه أنواع العذاب ونجني منه‪.‬‬
‫قال‪ :‬فيضرب ال لهما مثل أعمى ومقعدا دخل بستانا فيه ثمار‪ ،‬فالعمى ل يبصر الثمرة والمقعد‬
‫ل ينالها‪ ،‬فنادى المقعد العمى ايتني فاحملني آكل وأطعمك‪ ،‬فدنا منه فحمله‪ ،‬فأصابوا من الثمرة؛‬
‫فعلى من يكون العذاب؟ قال‪ :‬عليكما جميعا العذاب؛ ذكره الثعلبي‪.‬‬
‫*‪*3‬اليية‪{ 112 :‬وضرب ال مثل قريية كانيت آمنية مطمئنية يأتيهيا رزقهيا رغدا مين كيل مكان‬
‫فكفرت بأنعم ال فأذاقها ال لباس الجوع والخوف بما كانوا يصنعون}‬
‫@قوله تعالى‪" :‬وضرب ال مثل قرية" هذا متصل بذكر المشركين‪ .‬وكان رسول ال صلى ال‬
‫علييه وسيلم دعيا على مشركيي قرييش وقال‪( :‬اللهيم اشدد وطأتيك على مضير واجعلهيا عليهيم سينين‬
‫كسيني يوسيف)‪ .‬فابتلوا بالقحيط حتيى أكلوا العظام‪ ،‬ووجيه إليهيم رسيول ال صيلى ال علييه وسيلم‬
‫طعامييا ففرق فيهييم‪" .‬كانييت آمنيية" ل يهاج أهلهييا‪" .‬يأتيهييا رزقهييا رغدا ميين كييل مكان" ميين البر‬
‫والبحر؛ نظيره "يجبى إليه ثمرات كل شيء" [القصص‪ ]57 :‬الية‪" .‬فكفرت بأنعم ال" النعم‪:‬‬
‫جميع النعمية؛ كالشيد جميع الشدة‪ .‬وقييل‪ :‬جميع نعميى؛ مثيل بؤسيى وأبؤس‪ .‬وهذا الكفران تكذييب‬
‫بمحمد صلى ال عليه وسلم‪" .‬فأذاقها ال" أي أذاق أهلها‪" .‬لباس الجوع والخوف" سماه لباسا لنه‬
‫يظهر عليهم من الهزال وشحوبة اللون وسوء الحال ما هو كاللباس‪" .‬بما كانوا يصنعون" أي من‬
‫الكفر والمعاصي‪ .‬وقرأه حفص بن غياث ونصر بن عاصم وابن أبي إسحاق والحسن وأبو عمرو‬
‫فيما روى عنه عبدالوارث وعبيد وعباس "والخوف" نصبا بإيقاع أذاقها عليه‪ ،‬عطفا على "لباس‬
‫الجوع" وأذاقهيا الخوف‪ .‬وهيو بعيث النيبي صيلى ال علييه وسيلم سيراياه التيي كانيت تطييف بهيم‪.‬‬
‫وأصيل الذوق بالفيم ثيم يسيتعار فيوضيع موضيع البتلء‪ .‬وضرب مكية مثل لغيرهيا مين البلد؛ أي‬
‫أنها مع جوار بيت ال وعمارة مسجده لما كفر أهلها أصابهم القحط فكيف بغيرها من القرى‪ .‬وقد‬
‫قييل‪ :‬إنهيا المدينية‪ ،‬آمنيت برسيول ال صيلى ال علييه وسيلم‪ ،‬ثيم كفرت بأنعيم ال لقتيل عثمان بين‬
‫عفان‪ ،‬وميا حدث بهيا بعيد رسيول ال صيلى ال علييه وسيلم مين الفتين‪ .‬وهذا قول عائشية وحفصية‬
‫زوجي النبي صلى ال عليه وسلم‪ .‬وقيل‪ :‬إنه مثل مضروب بأي قرية كانت على هذه الصفة من‬
‫سائر القرى‪.‬‬
‫*‪*3‬الية‪{ 113 :‬ولقد جاءهم رسول منهم فكذبوه فأخذهم العذاب وهم ظالمون}‬
‫@قوله تعالى‪" :‬ولقيد جاءهيم رسيول منهيم فكذبوه" هذا يدل على أنهيا مكية‪ .‬وهيو قول ابين عباس‬
‫ومجاهد وقتادة‪" .‬فأخذهم العذاب" وهو الجوع الذي وقع بمكة‪ .‬وقيل‪ :‬الشدائد والجوع منها‪.‬‬
‫*‪*3‬الية‪{ 114 :‬فكلوا مما رزقكم ال حلل طيبا واشكروا نعمة ال إن كنتم إياه تعبدون}‬
‫@قوله تعالى‪" :‬فكلوا مميا رزقكيم ال" أي كلوا ييا معشير المسيلمين مين الغنائم‪ .‬وقييل‪ :‬الخطاب‬
‫للمشركيين؛ لن النيبي صيلى ال علييه وسيلم بعيث إليهيم بطعام رقية عليهيم‪ ،‬وذلك أنهيم لميا ابتلوا‬
‫بالجوع سييبع سيينين‪ ،‬وقطييع العرب عنهييم الميرة بأميير النييبي صييلى ال عليييه وسييلم أكلوا العظام‬
‫المحرقيية والجيفيية والكلب الميتيية والجلود والعلهييز‪ ،‬وهييو الوبر يعالج بالدم‪ .‬ثييم إن رؤسيياء مكيية‬
‫كلموا رسييول ال صييلى ال عليييه وسييلم حييين جهدوا وقالوا‪ :‬هذا عذاب الرجال فمييا بال النسيياء‬
‫والصيبيان‪ .‬وقال له أبيو سيفيان‪ :‬ييا محميد‪ ،‬إنيك جئت تأمير بصيلة الرحيم والعفيو‪ ،‬وإن قوميك قيد‬
‫هلكوا؛ فادع ال لهيم‪ .‬فدعيا لهيم رسيول ال صيلى ال علييه وسيلم‪ ،‬وأذن للناس بحميل الطعام إليهيم‬
‫وهم بعد مشركون‪.‬‬
‫*‪*3‬الية‪{ 115 :‬إنما حرم عليكم الميتة والدم ولحم الخنزير وما أهل لغير ال به فمن اضطر‬
‫غير باغ ول عاد فإن ال غفور رحيم}‬
‫@ تقدم في "البقرة" القول فيها مستوفى‪.‬‬
‫*‪*3‬اليتان‪{ 117 - 116 :‬ول تقولوا لما تصف ألسنتكم الكذب هذا حلل وهذا حرام لتفتروا‬
‫على ال الكذب إن الذين يفترون على ال الكذب ل يفلحون‪ ،‬متاع قليل ولهم عذاب أليم}‬
‫@قوله تعالى‪" :‬لميا تصيف" ميا هنيا مصيدرية‪ ،‬أي لوصيف‪ .‬وقييل‪ :‬اللم لم سيبب وأجيل‪ ،‬أي ل‬
‫تقول لجل وصيفكم "الكذب" بنزع الخافض‪ ،،‬أي لميا تصيف ألسنتكم مين الكذب‪ .‬وقرئ "الكذب"‬
‫بضيم الكاف والذال والباء‪ ،‬نعتيا لللسينة‪ .‬وقرأ الحسين هنيا خاصية "الكذب" بفتيح الكاف وخفيض‬
‫الذال والباء‪ ،‬نعتيا "لميا"؛ التقديير‪ :‬ول تقولوا لوصيف ألسينتكم الكذب‪ .‬وقييل على البدل مين ميا؛ أي‬
‫ول تقولوا للكذب الذي تصيفه ألسينتكم هذا حلل وهذا حرام لتفتروا على ال الكذب‪ .‬اليية خطاب‬
‫للكفار الذييين حرموا البحائر والسييوائب وأحلوا مييا فييي بطون النعام وإن كان ميتيية‪ .‬فقوله تعالى‪:‬‬
‫"هذا حلل" إشارة إلى ميتية بطون النعام‪ ،‬وكيل ميا أحلوه‪" .‬وهذا حرام" إشارة إلى البحائر‬
‫والسيوائب وكيل ميا حرموه‪" .‬إن الذيين يفترون على ال الكذب ل يفلحون‪ ،‬متاع قلييل" أي ميا هيم‬
‫فيه من نعيم الدنيا يزول عن قريب‪ .‬وقال الزجاج‪ :‬أي متاعهم متاع قليل‪ .‬وقيل‪ :‬لهم متاع قليل ثم‬
‫يردون إلى عذاب أليم‪.‬‬
‫@ أسيند الدارميي أبيو محميد فيي مسينده أخبرنيا هارون عين حفيص عين العميش قال‪ :‬ميا سيمعت‬
‫إبراهيييم قييط يقول حلل ول حرام‪ ،‬ولكيين كان يقول‪ :‬كانوا يكرهون وكانوا يسييتحبون‪ .‬وقال ابيين‬
‫وهييب قال مالك‪ :‬لم يكيين ميين فتيييا الناس أن يقولوا هذا حلل وهذا حرام‪ ،‬ولكيين يقولوا إياكييم كذا‬
‫وكذا‪ ،‬ولم أكن لصنع هذا‪ .‬ومعنى هذا‪ :‬أن التحليل والتحريم إنما هو ل عز وجل‪ ،‬وليس لحد أن‬
‫يقول أو يصيرح بهذا فيي عيين مين العيان‪ ،‬إل أن يكون البارئ تعالى يخيبر بذلك عنيه‪ .‬وميا يؤدي‬
‫إلييه الجتهاد فيي أنيه حرام يقول‪ :‬إنيي أكره كذا‪ .‬وكذلك كان مالك يفعيل اقتداء بمين تقدم مين أهيل‬
‫الفتوى‪ .‬فإن قييل‪ :‬فقيد قال فيمين قال لزوجتيه أنيت علي حرام إنهيا حرام ويكون ثلثيا‪ .‬فالجواب أن‬
‫مالكيا لميا سيمع علي بين أبيي طالب يقول إنهيا حرام اقتدى بيه‪ .‬وقيد يقوى الدلييل على التحرييم عنيد‬
‫المجتهيد فل بأس عنيد ذلك أن يقول ذلك‪ ،‬كميا يقول إن الربيا حرام فيي غيير العيان السيتة‪ ،‬وكثيرا‬
‫ميا يطلق مالك رحميه ال؛ فذلك حرام ل يصيلح فيي الموال الربويية وفيميا خالف المصيالح وخرج‬
‫عن طريق المقاصد لقوة الدلة في ذلك‪.‬‬
‫*‪*3‬الية‪{ 118 :‬وعلى الذين هادوا حرمنا ما قصصنا عليك من قبل وما ظلمناهم ولكن كانوا‬
‫أنفسهم يظلمون}‬
‫@قوله تعالى‪" :‬وعلى الذيين هادوا" بيين أن النعام والحرث حلل لهذه المية‪ ،‬فأميا اليهود‬
‫فحرمييت عليهييم منهيا أشياء‪" .‬حرمنيا ميا قصييصنا علييك مين قبيل" أي فييي سيورة النعام‪" .‬وميا‬
‫ظلمناهم" أي بتحريم ما حرمنا عليهم‪ ،‬ولكن ظلموا أنفسهم فحرمنا عليهم تلك الشياء عقوبة لهم؛‬
‫كما تقدم في "النساء"‪.‬‬
‫*‪*3‬الية‪{ 119 :‬ثم إن ربك للذين عملوا السوء بجهالة ثم تابوا من بعد ذلك وأصلحوا إن ربك‬
‫من بعدها لغفور رحيم}‬
‫@قوله تعالى‪" :‬ثيم إن ربيك للذيين عملوا السيوء" أي الشرك؛ قاله ابين عباس‪ .‬وقيد تقدم فيي‬
‫"النساء"‪.‬‬
‫*‪*3‬الية‪{ 120 :‬إن إبراهيم كان أمة قانتا ل حنيفا ولم يك من المشركين}‬
‫@قوله تعالى‪" :‬إن إبراهييم كان أمية قانتيا ل حنيفيا" دعيا علييه السيلم مشركيي العرب إلى ملة‬
‫إبراهيييم؛ إذ كان أباهييم وبانييي البيييت الذي بييه عزهييم؛ والميية‪ :‬الرجييل الجامييع للخييير‪ ،‬وقييد تقدم‬
‫محامله‪ .‬وقال ابين وهيب وابين القاسيم عين مالك قال‪ :‬بلغنيي أن عبدال بين مسيعود قال‪ :‬يرحيم ال‬
‫معاذا! كان أمة قانتا‪ .‬فقيل له‪ :‬يا أبا عبدالرحمن‪ ،‬إنما ذكر ال عز وجل بهذا إبراهيم عليه السلم‪.‬‬
‫فقال ابين مسيعود‪ :‬إن المية الذي يعلم الناس الخيير‪ ،‬وإن القانيت هيو المطييع‪ .‬وقيد تقدم القنوت فيي‬
‫"البقرة" و"حنيفا" في "النعام"‪.‬‬
‫*‪*3‬اليتان‪{ 122 - 121 :‬شاكرا لنعميه اجتباه وهداه إلى صيراط مسيتقيم‪ ،‬وآتيناه فيي الدنييا‬
‫حسنة وإنه في الخرة لمن الصالحين}‬
‫@قوله تعالى‪" :‬شاكرا" أي كان شاكرا‪" .‬لنعميه" النعيم جميع نعمية‪ ،‬وقيد تقدم‪" .‬اجتباه" أي‬
‫اختاره‪ " .‬وهداه إلى صييراط مسييتقيم‪ ،‬وآتيناه فييي الدنيييا حسيينة" قيييل‪ :‬الولد الطيييب‪ .‬وقيييل الثناء‬
‫الحسن‪ .‬وقيل‪ :‬النبوة‪ .‬وقيل‪ :‬الصلة مقرونة بالصلة على محمد عليه السلم في التشهد‪ .‬وقيل‪ :‬إنه‬
‫ليس أهل دين إل وهم يتولونه‪ .‬وقيل‪ :‬بقاء ضيافته وزيارة قبره‪ .‬وكل ذلك أعطاه ال وزاده صلى‬
‫ال عليه وسلم‪" .‬وإنه فيي الخرة لمن الصالحين" "من" بمعنى مع‪ ،‬أي مع الصالحين؛ لنه كان‬
‫في الدنيا أيضا مع الصالحين‪ .‬وقد تقدم‪.‬‬
‫*‪*3‬الية‪{ 123 :‬ثم أوحينا إليك أن اتبع ملة إبراهيم حنيفا وما كان من المشركين}‬
‫@ قال ابين عمير‪ :‬أمير باتباعيه فيي مناسيك الحيج كميا علم إبراهييم جبرييل عليهميا السيلم‪ .‬وقال‬
‫الطبري‪ :‬أمر باتباعه في التبرؤ من الوثان والتزين بالسلم‪ .‬وقيل‪ :‬أمر باتباعه في جميع ملته‬
‫إل ميا أمير بتركيه؛ قاله بعيض أصيحاب الشافعيي على ميا حكاه الماوردي‪ .‬والصيحيح التباع فيي‬
‫عقائد الشرع دون الفروع؛ لقوله تعالى‪" :‬لكل جعلنا منكم شرعة ومنهاجا" [المائدة‪.]48 :‬‬
‫مسألة‪ :‬في هذه الية دليل على جواز اتباع الفضل للمفضول ‪ -‬لما تقدم في الصول ‪ -‬والعمل‬
‫به‪ ،‬ول درك على الفاضل في ذلك؛ لن النبي صلى ال عليه وسلم أفضل النبياء عليهم السلم‪،‬‬
‫وقد أمر بالقتداء بهم فقال‪" :‬فبهداهم اقتده" [النعام‪ .]90 :‬وقال هنا‪" :‬ثم أوحينا إليك أن اتبع ملة‬
‫إبراهيم"‪.‬‬
‫*‪*3‬الية‪{ 124 :‬إنما جعل السبت على الذين اختلفوا فيه وإن ربك ليحكم بينهم يوم القيامة فيما‬
‫كانوا فيه يختلفون}‬
‫@قوله تعالى‪" :‬إنميا جعيل السيبت على الذيين اختلفوا فييه" أي لم يكين فيي شرع إبراهييم ول فيي‬
‫دينييه‪ ،‬بييل كان سييمحا ل تغليييظ فيييه‪ ،‬وكان السييبت تغليظييا على اليهود فييي رفييض العمال وترك‬
‫التبسييط فيي المعاش بسيبب اختلفهيم فييه‪ ،‬ثيم جاء عيسيى علييه السيلم بيوم الجمعية فقال‪ :‬تفرغوا‬
‫للعبادة فيي كيل سيبعة أيام يوميا واحدا‪ .‬فقالوا‪ :‬ل نرييد أن يكون عيدهيم بعيد عيدنيا‪ ،‬فاختاروا الحيد‪.‬‬
‫وقيد اختلف العلماء فيي كيفيية ميا وقيع لهيم مين الختلف؛ فقالت طائفية‪ :‬إن موسيى علييه السيلم‬
‫أمرهم بيوم الجمعة وعينه لهم‪ ،‬وأخبرهم بفضيلته على غيره‪ ،‬فناظروه أن السبت أفضل؛ فقال ال‬
‫له‪( :‬دعهيم وميا اختاروا لنفسيهم)‪ .‬وقييل‪ :‬إن ال تعالى لم يعينيه لهيم‪ ،‬وإنميا أمرهيم بتعظييم يوم فيي‬
‫الجمعية فاختلف اجتهادهيم فيي تعيينيه‪ ،‬فعينيت اليهود السيبت؛ لن ال تعالى فرغ فييه مين الخلق‪.‬‬
‫وعينيت النصيارى يوم الحيد؛ لن ال تعالى بدأ فييه بالخلق‪ .‬فألزم كيل منهيم ميا أداه إلييه اجتهاده‪.‬‬
‫وعيين ال لهذه المية يوم الجمعية مين غيير أن يكلهيم إلى اجتهادهيم فضل منيه ونعمية‪ ،‬فكانيت خيير‬
‫المم أمة‪ .‬روى الصحيح عن أبي هريرة قال قال رسول ال صلى ال عليه وسلم‪( :‬نحن الخرون‬
‫الولون يوم القيامة ونحن أول من يدخل الجنة بييد أنهيم أوتوا الكتاب من قبلنا وأوتيناه من بعدهيم‬
‫فاختلفوا فيه فهدانا ال لما اختلفوا فيه من الحق فهذا يومهم الذي اختلفوا فيه فهدانا ال له ‪ -‬قال يوم‬
‫الجمعية ‪ -‬فاليوم لنيا وغدا لليهود وبعيد غيد للنصيارى) فقوله‪( :‬فهذا يومهيم الذي اختلفوا فييه) يقوي‬
‫قول مين قال‪ :‬إنيه لم يعيين لهيم؛ فإنيه لو عيين لهيم وعاندوا لميا قييل (اختلفوا)‪ .‬وإنميا كان ينبغيي أن‬
‫يقال فخالفوا فييه وعاندوا‪ .‬ومميا يقوييه أيضيا قوله علييه السيلم‪( :‬أضيل ال عين الجمعية مين كان‬
‫قبلنا)‪ .‬وهذا نص في المعنى‪ .‬وقد جاء في بعض طرقه (فهذا يومهم الذي فرض ال عليهم اختلفوا‬
‫فييه)‪ .‬وهيو حجية للقول الول‪ .‬وقيد روي‪( :‬إن ال كتيب الجمعية على مين كان قبلنيا فاختلفوا فييه‬
‫وهدانا ال له فالناس لنا فيه تبع)‪.‬‬
‫@قوله تعالى‪" :‬على الذين اختلفوا فيه" يريد في يوم الجمعة كما بيناه؛ اختلفوا على نبيهم موسى‬
‫وعيسى‪ .‬ووجه التصال بما قبله أن النبي صلى ال عليه وسلم أمر باتباع الحق‪ ،‬وحذر ال المة‬
‫من الختلف عليه فيشدد عليهم كما شدد على اليهود‪.‬‬
‫*‪*3‬الية‪{ 125 :‬ادع إلى سبيل ربك بالحكمة والموعظة الحسنة وجادلهم بالتي هي أحسن إن‬
‫ربك هو أعلم بمن ضل عن سبيله وهو أعلم بالمهتدين}‬
‫@ هذه اليية نزلت بمكية فيي وقيت المير بمهادنية قرييش‪ ،‬وأمره أن يدعيو إلى ديين ال وشرعيه‬
‫بتلطيف وليين دون مخاشنية وتعنييف‪ ،‬وهكذا ينبغيي أن يوعيظ المسيلمون إلى يوم القيامية ‪ 0‬فهيي‬
‫محكمية فيي جهية العصياة مين الموحديين‪ ،‬ومنسيوخة بالقتال فيي حيق الكافريين‪ .‬وقيد قييل‪ :‬إن مين‬
‫أمكنت معه هذه الحوال من الكفار ورجي إيمانه بها دون قتال فهي فيه محكمة‪ .‬وال أعلم‪.‬‬
‫*‪*3‬الية‪{ 126 :‬وإن عاقبتم فعاقبوا بمثل ما عوقبتم به ولئن صبرتم لهو خير للصابرين}‬
‫@ أطبيق جمهور أهيل التفسيير أن هذه اليية مدنيية‪ ،‬نزلت فيي شأن التمثييل بحمزة فيي يوم أحيد‪،‬‬
‫ووقع ذلك فيي صحيح البخاري وفي كتاب السير‪ .‬وذهب النحاس إلى أنها مكية‪ ،‬والمعنيى متصل‬
‫بميا قبلهيا مين المكيي اتصيال حسينا؛ لنهيا تتدرج الرتيب من الذي يُدعيى ويُوعيظ‪ ،‬إلى الذي يجادل‪،‬‬
‫إلى الذي يجازى على فعله‪ .‬ولكين ميا روى الجمهور أثبيت‪ .‬روى الدارقطنيي عين ابين عباس قال‪:‬‬
‫لما انصرف المشركون عن قتلى أحد انصرف رسول ال صلى ال عليه وسلم فرأى منظرا ساءه‬
‫رأى حمزة قد شُق بطنه‪ ،‬واصطلم أنفه‪ ،‬وجدعت أذناه‪ ،‬فقال‪( :‬لول أن يحزن النساء أو تكون سنة‬
‫بعدي لتركتيه حتيى يبعثيه ال مين بطون السيباع والطيير لمثلن مكانيه بسيبعين رجل) ثيم دعيا بيبردة‬
‫وغطيى بهيا وجهيه‪ ،‬فخرجيت رجله فغطيى رسيول ال صيلى ال علييه وسيلم وجهيه وجعيل على‬
‫رجليه من الذخر‪ ،‬ثم قدمه فكبر عليه عشرا‪ ،‬ثم جعل يجاء بالرجل فيوضع وحمزة مكانه‪ ،‬حتى‬
‫صيلى علييه سيبعين صيلة‪ ،‬وكان القتلى سيبعين‪ ،‬فلميا دفنوا وفرغ منهيم نزلت هذه اليية‪" :‬ادع إلى‬
‫سيبيل ربيك بالحكمية والموعظية الحسينة ‪ -‬إلى قوله ‪ -‬وأصيبر وميا صيبرك إل بال" فصيبر‪ .‬رسيول‬
‫ال صيلى ال علييه وسيلم ولم يمثيل بأحيد‪ .‬خرجيه إسيماعيل بين إسيحاق مين حدييث أبيي هريرة‪،‬‬
‫وحدييث ابين عباس أكميل‪ .‬وحكيى الطيبري عين فرقية أنهيا قالت‪ :‬إنميا نزلت هذه اليية فيمين أصييب‬
‫بظلمة أل ينال من ظالمه إذا تمكن إل مثل ظلمته ل يتعداه إلى غيره‪ .‬وحكاه الماوردي عن ابن‬
‫سيرين ومجاهد‪.‬‬
‫@ واختلف أهل العلم فيمن ظلمه رجل في أخذ مال ثم ائتمن الظالم المظلوم على مال‪ ،‬هل يجوز‬
‫له خيانتيه فيي القدر الذي ظلميه؛ فقالت فرقية‪ :‬له ذلك؛ منهيم ابين سييرين وإبراهييم النخعيي وسيفيان‬
‫ومجاهيد؛ واحتجيت بهذه اليية وعموم لفظهيا‪ .‬وقال مالك وفرقية معيه‪ :‬ل يجوز له ذلك؛ واحتجوا‬
‫بقول رسييول ال صييلى ال عليييه وسييلم‪( :‬أد المانيية إلى ميين ائتمنييك ول تخيين ميين خانييك)‪ .‬رواه‬
‫الدارقطنيي‪ .‬ووقيع فيي مسيند ابين إسيحاق أن هذا الحدييث إنميا ورد فيي رجيل زنيى بامرأة آخير‪ ،‬ثيم‬
‫تمكين الخير مين زوجية الثانيي بأن تركهيا عنده وسيافر؛ فاسيتشار ذلك الرجيل رسيول ال صيلى ال‬
‫علييه وسيلم فيي المير فقال له‪( :‬أد المانية إلى مين ائتمنيك ول تخين مين خانيك)‪ .‬وعلى هذا يتقوى‬
‫قول مالك فييي أميير المال؛ لن الخيانيية لحقيية فييي ذلك‪ ،‬وهييي رذيلة ل انفكاك عنهييا‪ ،‬فينبغييي أن‬
‫يتجنبها لنفسه؛ فإن تمكن من النتصاف من مال لم يأتمنه عليه فيشبه أن ذلك جائز وكأن ال حكم‬
‫له؛ كما لو تمكن الخذ بالحكم من الحاكم‪ .‬وقد قيل‪ :‬إن هذه الية منسوخة‪ ،‬نسختها "واصبر وما‬
‫صبرك إل بال"‪.‬‬
‫@ في هذه الية دليل على جواز التماثل في القصاص؛ فمن قتل بحديدة قتل بها‪ .‬ومن قتل بحجر‬
‫قتل به‪ ،‬ول يتعدى قدر الواجب‪ ،‬وقد تقدم‪.‬‬
‫@ سمى ال تعالى الذايات في هذه الية عقوبة‪ ،‬والعقوبة حقيقة إنما هي الثانية‪ ،‬وإنما فعل ذلك‬
‫ليسييتوي اللفظان وتتناسييب ديباجيية القول‪ ،‬وهذا بعكييس قوله‪" :‬ومكروا ومكيير ال" [آل عمران‪:‬‬
‫‪ ]54‬وقوله‪" :‬ال يستهزئ بهم" [البقرة‪ ]15 :‬فإن الثاني هنا هو المجاز والول هو الحقيقة؛ قاله‬
‫ابن عطية‪.‬‬
‫*‪*3‬اليتان‪{ 128 - 127 :‬واصيبر وميا صيبرك إل بال ول تحزن عليهيم ول تيك فيي ضييق‬
‫مما يمكرون‪ ،‬إن ال مع الذين اتقوا والذين هم محسنون}‬
‫@ قال ابين زييد‪ :‬هيي منسيوخة بالقتال‪ .‬وجمهور الناس على أنهيا محكمية‪ .‬أي اصيبر بالعفيو عين‬
‫المعاقبة بمثل ما عاقبوا في المثلة‪" .‬ول تحزن عليهم" أي على قتلى أحد فإنهم صاروا إلى رحمة‬
‫ال‪" .‬ول تكن في ضيق" ضيق جمع ضيقة؛ قال الشاعر‪:‬‬
‫كشف الضيقة عنا وفسح‬
‫وقراءة الجمهور بفتيح الضاد‪ .‬وقرأ ابين كثيير بكسير الضاد‪ ،‬وروييت عين نافيع‪ ،‬وهيو غلظ ممين‬
‫رواه‪ .‬قال بعييض اللغويييين‪ :‬الكسيير والفتييح فييي الضاد لغتان فييي المصييدر‪ .‬قال الخفييش‪ :‬الضيييق‬
‫والضييق مصيدر ضاق يضييق‪ .‬والمعنيى‪ :‬ل يضييق صيدرك مين كفرهيم‪ .‬وقال الفراء‪ :‬الضييق ميا‬
‫ضاف عنيه صيدرك‪ ،‬والضييق ميا يكون فيي الذي يتسيع ويضييق؛ مثيل الدار والثواب‪ .‬وقال ابين‬
‫السيكيت‪ :‬هميا سيواء؛ يقال‪ :‬فيي صيدره ضييق وضييق‪ .‬القتيبي‪ :‬ضييق مخفيف ضييق؛ أي ل تكن فيي‬
‫أمر ضيق فخفف؛ مثل هين وهين‪ .‬وقال ابن عرفة‪ :‬يقال ضاق الرجل إذا بخل‪ ،‬وأضاق إذا افتقر‪.‬‬
‫وقوله‪" :‬إن ال مييع الذييين اتقوا والذييين هييم محسيينون" أي الفواحييش والكبائر بالنصيير والمعونيية‬
‫والفضييل والبر والتأييييد‪ .‬وتقدم معنييى الحسييان‪ .‬وقيييل لهَرم بيين حِبان عنييد موتييه‪ :‬أوصيينا؛ فقال‪:‬‬
‫أوصيكم بآيات ال وآخر سورة النحل "ادع إلى سبيل ربك" إلى آخرها‪.‬‬
‫*‪*2‬سورة السراء‬
‫*‪*3‬مقدمة السورة‬
‫@ هذه السيورة مكيية‪ ،‬إل ثلث آيات‪ :‬قوله عيز وجيل (وإن كادوا ليسيتفزونك) [السيراء‪]76 :‬‬
‫حييين جاء رسييول ال صييلى ال عليييه وسييلم وفييد ثقيييف‪ ،‬وحييين قالت اليهود‪ :‬ليسييت هذه بأرض‬
‫النيبياء‪ .‬وقوله عيز وجيل‪( :‬وقيل رب أدخلنيي مدخيل صيدق وأخرجنيي مخرج صيدق) [السيراء‪:‬‬
‫‪ ]80‬وقوله تعالى (إن ربيك أحاط بالناس) [السيراء‪ ]60 :‬اليية‪ .‬وقال مقاتيل‪ :‬وقوله عيز وجيل‬
‫(إن الذين أوتوا العلم من قبله) [السراء‪ ]107 :‬الية‪ .‬وقال ابن مسعود رضي ال عنه في بني‬
‫إسرائيل والكهف ومريم‪ :‬إنهن من العتاق الول‪ ،‬وهن من تلدي؛ يريد من قديم كسبه‪.‬‬
‫*‪*3‬اليية‪{ 1 :‬سيبحان الذي أسيرى بعبده ليل مين المسيجد الحرام إلى المسيجد القصيى الذي‬
‫باركنا حوله لنريه من آياتنا إنه هو السميع البصير}‬
‫@قوله تعالى‪" :‬سيبحان" (سيبحان) اسيم موضوع موضيع المصيدر‪ ،‬وهيو غيير متمكين؛ لنيه ل‬
‫يجرى بوجوه العراب‪ ،‬ول تدخيل علييه اللف واللم‪ ،‬ولم يجير منيه فعيل‪ ،‬ولم ينصيرف لن فيي‬
‫آخره زائدتيين‪ ،‬تقول‪ :‬سيبحت تسيبيحا وسيبحانا‪ ،‬مثيل كفرت اليميين تكفيرا وكفرانيا‪ .‬ومعناه التنزييه‬
‫والبراءة ل عز وجل من كل نقص‪ .‬فهو ذكر عظيم ل تعالى ل يصلح لغيره؛ فأما قول ا لشاعر‪:‬‬
‫سبحان من علقمة الفاخر‬ ‫أقول لما جاءني فخره‬
‫فإنميا ذكره على طريييق النادر‪ .‬وقيد روى طلحية بين عيبيدال الفياض أحيد العشرة أنيه قال للنيبي‬
‫صيلى ال علييه وسيلم‪ :‬ميا معنيى سيبحان ال؟ فقال‪( :‬تنزييه ال مين كيل سيوء)‪ .‬والعاميل فييه على‬
‫مذهييب سيييبويه الفعييل الذي ميين معناه ل ميين لفظييه‪ ،‬إذ لم يجيير ميين لفظييه فعييل‪ ،‬وذلك مثييل قعييد‬
‫القرفصيياء‪ ،‬واشتمييل الصييماء؛ فالتقدييير عنده‪ :‬أنزه ال تنزيهييا؛ فوقييع (سييبحان ال) مكان قولك‬
‫تنزيها‪.‬‬
‫@قوله تعالى‪" :‬أسرى بعبده" "أسرى" فيه لغتان‪ :‬سرى وأسرى؛ كسقى وأسقى‪ ،‬كما تقدم‪ .‬قال‪:‬‬
‫تزجي الشمال عليه جامد البرد‬ ‫أسرت عليه من الجوزاء سارية‬
‫وقال آخر‪:‬‬
‫أسرت إلي ولم تكن تسري‬ ‫حي النضيرة ربة الخدر‬
‫فجميع بيين اللغتيين فيي البيتيين‪ .‬والسيراء‪ :‬سيير اللييل؛ يقال‪ :‬سيريت مسيرى وسيرى‪ ،‬وأسيريت‬
‫إسراء؛ قال الشاعر‪:‬‬
‫ولم يلتني من سراها ليت‬ ‫وليلة ذات ندى سريت‬
‫وقيل‪ :‬أسرى سار من أول الليل‪ ،‬وسرى سار من آخره؛ والول أعرف‪.‬‬
‫@قوله تعالى‪" :‬بعبده" قال العلماء‪ :‬لو كان للنبي صلى ال عليه وسلم اسم أشرف منه لسماه به‬
‫في تلك الحالة العلية‪ .‬وفي معناه أنشدوا‪:‬‬
‫يعرفه السامع والرائي‬ ‫يا قوم قلبي عند زهراء‬
‫فإنه أشرف أسمائي‬ ‫ل تدعني إل بيا عبدها‬
‫وقيد تقدم‪ .‬قال القشيري‪ :‬لميا رفعيه ال تعالى إلى حضرتيه السينية‪ ،‬وأرقاه فوق الكواكيب العلويية‪،‬‬
‫ألزمه اسم العبودية تواضعا للمة‪.‬‬
‫@ ثبت السراء في جميع مصنفات الحديث‪ ،‬وروي عن الصحابة في كل أقطار السلم فهو من‬
‫المتواتر بهذا الوجه‪ .‬وذكر النقاش‪ :‬ممن رواه عشرين صحابيا‪ .‬روى الصحيح عن أنس بن مالك‬
‫أن رسول ال صلى ال عليه وسلم قال‪( :‬أتيت بالبراق وهو دابة أبيض طويل فوق الحمار ودون‬
‫البغيل يضيع حافره عنيد منتهيى طرفيه ‪ -‬قال ‪ -‬فركبتيه حتييى أتييت بييت المقدس ‪ -‬قال ‪ -‬فربطتيه‬
‫بالحلقية التيي تربيط بهيا النيبياء ‪ -‬قال ‪ -‬ثيم دخلت المسيجد فصيليت فييه ركعتيين ثيم خرجيت فجاءنيي‬
‫جبريل عليه السلم بإناء من خمر وإناء من لبن فاخترت اللبن فقال جبريل اخترت الفطرة ‪ -‬قال ‪-‬‬
‫ثييم عرج بنييا إلى السييماء‪ )...‬وذكيير الحديييث‪ .‬وممييا ليييس فييي الصييحيحين مييا خرجييه الجري‬
‫والسيمرقندي‪ ،‬قال الجري عين أبيي سيعيد الخدري فيي قوله تعالى "سيبحان الذي أسيرى بعبده ليل‬
‫من المسجد الحرام إلى المسجد القصى الذي باركنا حوله" قال أبو سعيد‪ :‬حدثنا رسول ال صلى‬
‫ال علييه وسيلم عين ليلة أسيري بيه‪ ،‬قال النيبي صيلى ال علييه وسيلم‪( :‬أتييت بدابية هيي أشبيه الدواب‬
‫بالبغل له أذنان يضطربان وهو البراق الذي كانت النبياء تركبه قبل فركبته فانطلق تقع يداه عند‬
‫منتهى بصره فسمعت نداء عن يميني يا محمد على رسلك حتى أسألك فمضيت ولم أعرج عليه ثم‬
‫سيمعت نداء عين يسياري ييا محميد على رسيلك فمضييت ولم أعرج علييه ثيم اسيتقبلتني امرأة عليهيا‬
‫مين كيل زينية الدنييا رافعية يديهيا تقول على رسيلك حتيى أسيألك فمضييت ولم أعرج ثيم أتييت بييت‬
‫المقدس القصى فنزلت عن الدابة فأوثقته في الحلقة التي كانت النبياء توثق بها ثم دخلت المسجد‬
‫وصيليت فييه فقال لي جبرييل علييه السيلم ميا سيمعت ييا محميد فقلت نداء عين يمينيي ييا محميد على‬
‫رسلك حتى أسألك فمضيت ولم أعرج فقال ذلك داعي اليهود ولو وقفت لتهودت أمتك ‪ -‬قال ‪ -‬ثم‬
‫سييمعت نداء عيين يسيياري على رسييلك حتييى أسييألك فمضيييت ولم أعرج عليييه فقال ذلك داعييي‬
‫النصيارى أميا إنيك لو وقفيت لتنصيرت أمتيك ‪ -‬قال ‪ -‬ثيم اسيتقبلتني امرأة عليهيا مين كيل زينية الدنييا‬
‫رافعية يديهيا تقول على رسيلك فمضييت ولم أعرج عليهيا فقال تلك الدنييا لو وقفيت لخترت الدنييا‬
‫على الخرة ‪ -‬قال ‪ -‬ثيم أتييت بإناءيين أحدهما فيه لبين والخير فيه خمير فقييل لي خذ فاشرب أيهما‬
‫شئت فأخذت اللبين فشربتيه فقال لي جبرييل أصيبت الفطرة ولو أنيك أخذت الخمير غوت أمتيك ثيم‬
‫جاء بالمعراج الذي تعرج فييه أرواح بنيي آدم فإذا هيو أحسين ميا رأييت أو لم تروا إلى المييت كييف‬
‫يحيد بصيره إلييه فعرج بنيا حتيى أتينيا باب السيماء الدنييا فاسيتفتح جبرييل فقييل مين هذا قال جبرييل‬
‫قالوا ومن معك قال محمد قالوا وقد أرسل إليه؟ قال نعم ففتحوا لي وسلموا علي وإذا ملك يحرس‬
‫السيماء يقال له إسيماعيل معه سيبعون ألف ملك ميع كيل ملك مائة ألف ‪ -‬قال ‪ -‬وميا يعلم جنود ربيك‬
‫إل هو‪ )...‬وذكر الحديث إلى أن قال‪( :‬ثم مضينيا إلى السماء الخامسية وإذا أنيا بهارون بن عمران‬
‫المحب في قومه وحوله تبع كثير من أمته فوصفه النبي صلى ال عليه وسلم وقال طويل اللحية‬
‫تكاد لحيته تضرب في سرته ثم مضينا إلى السماء السادسة فإذا أنا بموسى فسلم علي ورحب بي‬
‫‪ -‬فوصفه النبي صلى ال عليه وسلم فقال ‪ -‬رجل كثير الشعر ولو كان عليه قميصان خرج شعره‬
‫منهما‪ )...‬الحديث‪.‬‬
‫وروى البزار أن رسول ال صلى ال عليه وسلم أتي بفرس فحمل عليه‪ ،‬كل خطوة منه أقصى‬
‫بصره‪ ...‬وذكر الحديث‪ .‬وقد جاء في صفة البراق من حديث ابن عباس قال قال رسول ال صلى‬
‫ال علييه وسيلم‪( :‬بينيا أنيا نائم فيي الحجير إذ أتانيي آت فحركنيي برجله فاتبعيت الشخيص فإذا هيو‬
‫جبرييل علييه السيلم قائم على باب المسيجد معيه دابية دون البغيل وفوق الحمار وجههيا وجيه إنسيان‬
‫وخفهيا خيف حافير وذنبهيا ذنيب ثور وعرفهيا عرف الفرس فلميا أدناهيا منيي جبرييل علييه السيلم‬
‫نفرت ونفشت عرفها فمسحها جبريل عليه السلم وقال يا برقة ل تنفري من محمد فوال ما ركبك‬
‫ملك مقرب ول نيبي مرسيل أفضيل مين محميد صيلى ال علييه وسيلم ول أكرم على ال منيه قالت قيد‬
‫علمت أنه كذلك وأنه صاحب الشفاعة وإني أحب أن أكون في شفاعته فقلت أنت في شفاعتي إن‬
‫شاء ال تعالى‪ )...‬الحديث‪ .‬وذكر أبو سعيد عبدالملك بن محمد النيسابوري عن أبي سعيد الخدري‬
‫قال‪ :‬لما مر النبي صلى ال عليه وسلم بإدريس عليه السلم في السماء الرابعة قال‪ :‬مرحبا بالخ‬
‫الصيالح والنيبي الصيالح الذي وعدنيا أن نراه فلم نره إل الليلة قال فإذا فيهيا مرييم بنيت عمران لهيا‬
‫سيبعون قصيرا مين لؤلؤ ولم موسيى بين عمران سيبعون قصيرا مين مرجانية حمراء مكللة باللؤلؤ‬
‫أبوابها وأسرتها من عرق واحد فلما عرج المعراج إلى السماء الخامسة وتسبيح أهلها سبحان من‬
‫جميع بيين الثلج والنار مين قالهيا مرة واحدة كان له مثيل ثوابهيم اسيتفتح الباب جبرييل علييه السيلم‬
‫ففتح له فإذا هو بكهل لم ير قط كهل أجمل منه عظيم العينين تضرب لحيته قريبا من سرته قد كان‬
‫أن تكون شمطيه وحوله قوم جلوس يقيص عليهيم فقلت ييا جبرييل مين هذا قال هارون المحيب فيي‬
‫قومه‪ )..‬وذكر الحديث‪.‬‬
‫فهذه نبذة مختصرة من أحاديث السراء خارجة عن الصحيحين‪ ،‬ذكرها أبو الربيع سليمان ابن‬
‫سييبع بكمالهييا فييي كتاب (شفاء الصييدور) له‪ .‬ول خلف بييين أهييل العلم وجماعيية أهييل السييير أن‬
‫الصيلة إنميا فرضيت على النيبي صيلى ال علييه وسيلم بمكية فيي حيين السيراء حيين عرج بيه إلى‬
‫السماء‪ .‬واختلفوا في تاريخ السراء وهيئة الصلة‪ ،‬وهل كان إسراء بروحه أو جسده؛ فهذه ثلث‬
‫مسييائل تتعلق بالييية‪ ،‬وهييي ممييا ينبغييي الوقوف عليهييا والبحييث عنهييا‪ ،‬وهييي أهييم ميين سييرد تلك‬
‫الحاديث‪ ،‬وأنا أذكر ما وقفت عليه فيها من أقاويل العلماء واختلف الفقهاء بعون ال تعالى‪.‬‬
‫فأميا المسيألة الولى‪ :‬وهيي هيل كان إسيراء بروحيه أو جسيده؛ اختلف فيي ذلك السيلف والخلف‪،‬‬
‫فذهبيت طائفية إلى أنيه إسيراء بالروح‪ ،‬ولم يفارق شخصيه مضجعيه‪ ،‬وأنهيا كانيت رؤييا رأى فيهيا‬
‫الحقائق‪ ،‬ورؤييا النيبياء حيق‪ .‬ذهيب إلى هذا معاويية وعائشية‪ ،‬وحكيي عين الحسين وابين إسيحاق‪.‬‬
‫وقالت طائفية‪ :‬كان السيراء بالجسيد يقظية إلى بييت المقدس‪ ،‬وإلى السيماء بالروح؛ واحتجوا بقوله‬
‫تعالى‪" :‬سيبحان الذي أسيرى بعبده ليل مين المسيجد الحرام إلى المسيجد القصيى" فجعيل المسيجد‬
‫القصى غاية السراء‪ .‬قالوا‪ :‬ولو كان السراء بجسده إلى زائد على المسجد القصى لذكره‪ ،‬فإنه‬
‫كان يكون أبلغ في المدح‪ .‬وذهب معظم السلف والمسلمين إلى أنه كان إسراء بالجسد وفي اليقظة‪،‬‬
‫وأنيه ركيب البراق بمكية‪ ،‬ووصيل إلى بييت المقدس وصيلى فييه ثيم أسيري بجسيده‪ .‬وعلى هذا تدل‬
‫الخبار التيي أشرنيا إليهيا واليية‪ .‬ولييس فيي السيراء بجسيده وحال يقظتيه اسيتحالة‪ ،‬ول يعدل عين‬
‫الظاهير والحقيقية إلى التأوييل إل عنيد السيتحالة‪ ،‬ولو كان مناميا لقال بروح عبده ولم يقيل بعبده‪.‬‬
‫وقوله "ميا زاغ البصير وميا طغيى" [النجيم‪ ]17 :‬يدل على ذلك‪ .‬ولو كان مناما لما كانت فيه آية‬
‫ول معجزة‪ ،‬ولميا قالت له أم هانيئ‪ :‬ل تحدث الناس فيكذبوك‪ ،‬والفضيل أبيو بكير بالتصيديق‪ ،‬ولميا‬
‫أمكن قريشا التشنيع والتكذيب‪ ،‬وقد كذبه قريش فيما أخبر به حتى ارتد أقوام كانوا آمنوا‪ ،‬فلو كان‬
‫بالرؤييا لم يسيتنكر‪ ،‬وقيد قال له المشركون‪ :‬إن كنيت صيادقا فخبرنيا عين عيرنيا ابين لقيتهيا؟ قال‪:‬‬
‫(بمكان كذا وكذا مررت عليها ففزع فلن) فقيل له‪ :‬ما رأيت يا فلن‪ ،‬قال‪ :‬ما رأيت شيئا! غير أن‬
‫البل قد نفرت‪ .‬قالوا‪ :‬فأخبرنا متى تأتينا العير؟ قال‪( :‬تأتيكم يوم كذا وكذا)‪ .‬قالوا‪ :‬أية ساعة؟ قال‪:‬‬
‫(ميا أدري‪ ،‬طلوع الشميس مين هيا هنيا أسيرع أم طلوع العيير مين هيا هنيا)‪ .‬فقال رجيل‪ :‬ذلك اليوم؟‬
‫هذه الشمس قد طلعت‪ .‬وقال رجل‪ :‬هذه عيركم قد طلعت‪ ،‬واستخبروا النبي صلى ال عليه وسلم‬
‫عن صفة بيت المقدس فوصفه لهم ولم يكن رآه قبل ذلك‪ .‬روى الصحيح عن أبي هريرة قال قال‬
‫رسول ال صلى ال عليه وسلم‪( :‬لقد رأيتني في الحجر وقريش تسألني عن مسراي فسألتني عن‬
‫أشياء من بيت المقدس لم أثبتها فكربت كربا ما كربت مثله قط ‪ -‬قال ‪ -‬فرفعه ال لي أنظر إليه فما‬
‫سألوني عن شيء إل أنبأتهم به‪ )...‬الحديث‪ .‬وقد اعترض قول عائشة ومعاوية (إنما أسري بنفس‬
‫رسيول ال صيلى ال علييه وسيلم (بأنهيا كانيت صيغيرة لم تشاهيد‪ ،‬ول حدثيت عين النيبي صيلى ال‬
‫علييه وسيلم‪ .‬وأميا معاويية فكان كافرا فيي ذلك الوقيت غيير مسيتشهد للحال‪ ،‬ولم يحدث عين النيبي‬
‫صلى ال عليه وسلم‪ .‬ومن أراد الزيادة على ما ذكرنا فليقف على (كتاب الشفاء) للقاضي عياض‬
‫يجد من ذلك الشفاء‪ .‬وقد احتج لعائشة بقوله تعالى‪" :‬وما جعلنا الرؤيا التي أريناك إل فتنة للناس"‬
‫[السراء‪ ]60 :‬فسماها رؤيا‪ .‬وهذا يرده قوله تعالى‪" :‬سيبحان الذي أسرى بعبده ليل" ول يقال‬
‫فيي النوم أسيرى‪ .‬وأيضيا فقيد يقال لرؤيية العيين‪ :‬رؤييا‪ ،‬على ميا يأتيي بيانيه فيي هذه السيورة‪ .‬وفيي‬
‫نصيوص الخبار الثابتية دللة واضحية على أن السيراء كان بالبدن‪ ،‬وإذا ورد الخيبر بشييء هيو‬
‫مجوز فيي العقيل فيي قدرة ال تعالى فل طرييق إلى النكار‪ ،‬ل سييما فيي زمين خرق العوائد‪ ،‬وقيد‬
‫كان للنبي صلى ال عليه وسلم معارج؛ فل يبعد أن يكون البعض بالرؤيا‪ ،‬وعليه يحمل قوله عليه‬
‫السيلم فيي الصيحيح‪( :‬بينيا أنيا عنيد البييت بيين النائم واليقظان‪ )...‬الحدييث‪ .‬ويحتميل أن يرد مين‬
‫السراء إلى نوم‪ .‬وال أعلم‪.‬‬
‫@ فيي تارييخ السيراء‪ ،‬وقيد اختلف العلماء فيي ذلك أيضيا‪ ،‬واختلف فيي ذلك على ابين شهاب؛‬
‫فروى عنه موسى بن عقبة أنه أسري به إلى بيت المقدس قبل خروجه إلى المدينة بسينة‪ .‬وروى‬
‫عنيه يونيس عين عروة عين عائشية قالت‪ :‬توفييت خديجية قبيل أن تفرض الصيلة‪ .‬قال ابين شهاب‪:‬‬
‫وذلك بعد مبعث النبي صلى ال عليه وسلم بسبعة أعوام‪ .‬وروي عن الوقاصي قال‪ :‬أسري به بعد‬
‫مبعثيه بخميس سينين‪ .‬قال ابين شهاب‪ :‬وفرض الصييام بالمدينية قبيل بدر‪ ،‬وفرضيت الزكاة والحيج‬
‫بالمدينية‪ ،‬وحرميت الخمير بعيد أحيد‪ .‬وقال ابين إسيحاق‪ :‬أسيري بيه مين المسيجد الحرام إلى المسيجد‬
‫القصيى وهيو بييت المقدس‪ ،‬وقيد فشيا السيلم بمكية فيي القبائل‪ .‬وروى عنيه يونيس بين بكيير قال‪:‬‬
‫صلت خديجة مع النبي صلى ال عليه وسلم‪ .‬وسيأتي‪ .‬قال أبو عمر‪ :‬وهذا يدلك على أن السراء‬
‫كان قبل الهجرة بأعوام؛ لن خديجة قد توفيت قبل الهجرة بخمس سنين وقيل بثلث وقيل بأربع‪.‬‬
‫وقول ابيين إسييحاق مخالف لقول ابيين شهاب‪ ،‬على أن ابيين شهاب قييد اختلف عنييه كمييا تقدم‪ .‬وقال‬
‫الحربي‪ :‬أسري به ليلة سبع وعشرين من شهر ربيع الخر قبل الهجرة بسنة‪ .‬وقال أبو بكر محمد‬
‫بن علي ابن القاسم الذهبي في تاريخه‪ :‬أسري به من مكة إلى بيت المقدس‪ ،‬وعرج به إلى السماء‬
‫بعد مبعثه بثمانية عشر شهرا‪ .‬قال أبو عمر‪ :‬ل أعلم أحدا من أهل السير قال ما حكاه الذهبي‪ ،‬ولم‬
‫يسند قول إلى أحد ممن يضاف إليه هذا العلم منهم‪ ،‬ول رفعه إلى من يحتج به عليهم‪.‬‬
‫@ وأميا فرض الصيلة وهيئتهيا حيين فرضيت‪ ،‬فل خلف بيين أهيل العلم وجماعية أهيل السيير أن‬
‫الصيلة إنميا فرضيت بمكية ليلة السيراء حيين عرج بيه إلى السيماء‪ ،‬وذلك منصيوص فيي الصيحيح‬
‫وغيره‪ .‬وإنميا اختلفوا فيي هيئتهيا حيين فرضيت؛ فروي عين عائشية رضيي ال عنهيا أنهيا فرضيت‬
‫ركعتيين ركعتيين‪ ،‬ثيم زييد فيي صيلة الحضير فأكملت أربعيا‪ ،‬وأقرت صيلة السيفر على ركعتيين‪.‬‬
‫وبذلك قال الشعبي وميمون بن مهران ومحمد بن إسحاق‪ .‬قال الشعبي‪ :‬إل المغرب‪ .‬قال يونس بن‬
‫بكيير‪ :‬وقال ابين إسيحاق ثيم إن جبرييل علييه السيلم أتيى النيبي صيلى ال علييه وسيلم حيين فرضيت‬
‫عليه الصلة يعني في السراء فهمز له بعقبه في ناحية الوادي فانفجرت عين ماء فتوضأ جبريل‬
‫ومحمد ينظر عليهما السلم فوضأ وجهه واستنشق وتمضمض ومسح برأسه وأذنيه ورجليه إلى‬
‫الكعيبين ونضيح فرجيه‪ ،‬ثيم قام يصيلي ركعتيين بأربيع سيجدات‪ ،‬فرجيع رسيول ال صيلى ال علييه‬
‫وسلم وقد أقر ال عينه وطابت نفسه وجاءه ما يحب من أمر ال تعالى‪ ،‬فأخذ بيد خديجة ثم أتى بها‬
‫العين فتوضأ كما توضأ جبريل ثم ركع ركعتين وأربع سجدات هو وخديجة‪ ،‬ثم كان هو وخديجة‬
‫يصليان سواء‪ .‬وروي عن ابن عباس أنها فرضت في الحضر أربعا وفي السفر ركعتين‪ .‬وكذلك‬
‫قال نافع بن جبير والحسن بن أبي الحسن البصري‪ ،‬وهو قول ابن جريج‪ ،‬وروي عن النبي صلى‬
‫ال علييه وسيلم ميا يوافيق ذلك‪ .‬ولم يختلفوا فيي أن جبرييل علييه السيلم هبيط صيبيحة ليلة السيراء‬
‫عنيد الزوال‪ ،‬فعلم النيبي صيلى ال علييه وسيلم الصيلة ومواقيتهيا‪ .‬وروى يونيس بين بكيير عين سيالم‬
‫مولى أبيي المهاجير قال سيمعت ميمون بين مهران يقول‪ :‬كان أول الصيلة مثنيى‪ ،‬ثيم صيلى رسيول‬
‫ال صيلى ال علييه وسيلم أربعيا فصيارت سينه‪ ،‬وأقرت الصيلة للمسيافر وهيي تمام‪ .‬قال أبيو عمير‪:‬‬
‫وهذا إسييناد ل يحتييج بمثله‪ ،‬وقوله (فصييارت سيينة) قول منكيير‪ ،‬وكذلك اسييتثناء الشعييبي المغرب‬
‫وحدها ولم يذكر الصبح قول ل معنى له‪ .‬وقد أجمع المسلمون أن فرض الصلة في الحضر أربع‬
‫إل المغرب والصبح ول يعرفون غير ذلك عمل ونقل مستفيضا‪ ،‬ول يضرهم الختلف فيما كان‬
‫أصل فرضها‪.‬‬
‫@ قد مضى الكلم في الذان في "المائدة" والحمد ل‪ .‬ومضى في "آل عمران" أن أول مسجد‬
‫وضيع فيي الرض المسيجد الحرام‪ ،‬ثيم المسيجد القصيى‪ .‬وأن بينهميا أربعيين عاميا مين حدييث أبيي‬
‫ذر‪ ،‬وبناء سيليمان علييه السيلم المسيجد القصيى ودعاؤه له مين حدييث عبدال بين عمرو ووجيه‬
‫الجميع فيي ذلك؛ فتأمله هناك فل معنيى للعادة‪ .‬ونذكير هنيا قوله صيلى ال علييه وسيلم‪( :‬ل تشيد‬
‫الرحال إل إلى ثلثيية مسيياجد إلى المسييجد الحرام وإلى مسييجدي هذا وإلى مسييجد إيلياء أو بيييت‬
‫المقدس)‪ .‬خرجيه مالك مين حدييث أبيي هريرة‪ .‬وفييه ميا يدل على فضيل هذه المسياجد الثلثية على‬
‫سييائر المسيياجد؛ لهذا قال العلماء‪ :‬ميين نذر صييلة فييي مسييجد ل يصييل إلييه إل برحلة وراحلة فل‬
‫يفعيل‪ ،‬ويصيلي فيي مسيجده‪ ،‬إل فيي الثلثية المسياجد المذكورة فإنيه من نذر صيلة فيهيا خرج إليهيا‪.‬‬
‫وقيد قال مالك وجماعية من أهيل العلم فيمين نذر رباطيا فيي ثغير يسيده‪ :‬فإنيه يلزميه الوفاء حييث كان‬
‫الرباط لنيه طاعية ال عيز وجيل‪ .‬وقيد زاد أبيو البختري فيي هذا الحدييث مسيجد الجنيد‪ ،‬ول يصيح‬
‫وهو موضوع‪ ،‬وقد تقدم في مقدمة الكتاب‪.‬‬
‫@قوله تعالى‪" :‬إلى المسيجد القصيى" سيمي القصيى لبعيد ميا بينيه وبيين المسيجد الحرام‪ ،‬وكان‬
‫أبعيد مسيجد عين أهيل مكية فيي الرض يعظيم بالزيارة‪ ،‬ثيم قال‪" :‬الذي باركنيا حوله" قييل‪ :‬بالثمار‬
‫وبمجاري النهار‪ .‬وقيل‪ :‬بمن دفن حوله من النبياء والصالحين؛ وبهذا جعله مقدسا‪ .‬وروى معاذ‬
‫بين جبيل عين النيبي صيلى ال علييه وسيلم أنيه قال‪( :‬يقول ال تعالى ييا شام أنيت صيفوتي مين بلدي‬
‫وأنا سائق إليك صفوتي من عبادي)‪" .‬لنريه من آياتنا" هذا من باب تلوين الخطاب‪.‬‬
‫واليات التييي أراه ال ميين العجائب التييي أخييبر بهييا الناس‪ ،‬وإسييراؤه ميين مكيية إلى المسييجد‬
‫القصيى فيي ليلة وهيو مسييرة شهير‪ ،‬وعروجيه إلى السيماء ووصيفه النيبياء واحدا واحدا‪ ،‬حسيبما‬
‫ثبت في صحيح مسلم وغيره‪" .‬إنه هو السميع البصير" تقدم‪.‬‬
‫*‪*3‬الية‪{ 2 :‬وآتينا موسى الكتاب وجعلناه هدى لبني إسرائيل أل تتخذوا من دوني وكيل}‬
‫@ أي كرمنيا محمدا صيلى ال علييه وسيلم بالمعراج‪ ،‬وأكرمنيا موسيى بالكتاب وهيو التوراة‪.‬‬
‫"وجعلناه" أي ذلك الكتاب‪ .‬وقيل موسى‪ .‬وقيل معنى الكلم‪ :‬سبحان الذي أسرى بعبده ليل وأتى‬
‫موسيى الكتاب؛ فخرج مين الغيبية إلى الخبار عين نفسيه جيل وعيز‪ .‬وقييل‪ :‬إن معنيى سيبحان الذي‬
‫أسييرى بعبده ليل‪ ،‬معناه أسييرينا‪ ،‬يدل علييه ميا بعده مين قوله‪" :‬لنرييه مين آياتنيا" [السييراء‪]1 :‬‬
‫فحميل "وآتينيا موسيى الكتاب" على المعنيى‪" .‬أل تتخذوا" قرأ أبيو عمرو (يتخذوا) بالياء‪ .‬الباقون‬
‫بالتاء‪ .‬فيكون مين باب تلويين الخطاب‪" .‬وكيل" أي شريكيا؛ عين مجاهيد‪ .‬وقييل‪ :‬كفيل بأمورهيم؛‬
‫حكاه الفراء‪ .‬وقيييل‪ :‬ربييا يتوكلون عليييه فييي أمورهييم؛ قاله الكلبييي‪ .‬وقال الفراء‪ :‬كافيييا؛ والتقدييير‪:‬‬
‫عهدنيا إلييه فيي الكتاب أل تتخذوا مين دونيي وكيل‪ .‬وقييل‪ :‬التقديير لئل تتخذوا‪ .‬والوكييل‪ :‬مين يوكيل‬
‫إليه المر‪.‬‬
‫*‪*3‬الية‪{ 3 :‬ذرية من حملنا مع نوح إنه كان عبدا شكورا}‬
‫@ أي يا ذرية من حملنا‪ ،‬على النداء؛ قال مجاهد ورواه عنه ابن أبي نجيح‪ .‬والمراد بالذرية كل‬
‫ميين احتييج عليييه بالقرآن‪ ،‬وهييم جميييع ميين على الرض؛ ذكره المهدوي‪ .‬وقال الماوردي‪ :‬يعنييي‬
‫موسيى وقوميه مين بنيي إسيرائيل‪ ،‬والمعنيى ييا ذريية مين حملنيا ميع نوح ل تشركوا‪ .‬وذكير نوحيا‬
‫ليذكرهم نعمة النجاء من الغرق على آبائهم‪ .‬وروى سفيان عن حميد عن مجاهد أنه قرأ (ذرية)‬
‫بفتح الذال وتشديد الراء والياء‪ .‬وروى هذه القراءة عامر بن الواجد عن زيد بن ثابت‪ .‬وروي عن‬
‫زييد بين ثابيت أيضيا "ذريية" بكسير الذال وشيد الراء‪ .‬ثيم بيين أن نوحيا كان عبدا شكورا يشكير ال‬
‫على نعمه ول يرى الخير إل من عنده‪ .‬قال قتادة‪ :‬كان إذا لبس ثوبا قال‪ :‬بسم ال‪ ،‬فإذا نزعه قال‪:‬‬
‫الحميد ل‪ .‬كذا روى عنيه معمير‪ .‬وروى معمير عين منصيور عين إبراهييم قال‪ :‬شكره إذا أكيل قال‪:‬‬
‫بسم ال‪ ،‬فإذا فرغ من الكل قال‪ :‬الحمد ل‪ .‬قال سلمان الفارسي‪ :‬لنه كان يحمد ال على طعامه‪.‬‬
‫وقال عمران بن سليم‪ :‬إنما سمى نوحا عبدا شكورا لنه كان إذا أكل قال‪ :‬الحمد ل الذي أطعمني‬
‫ولو شاء لجاعنييي‪ ،‬وإذا شرب قال‪ :‬الحمييد ل الذي سييقاني ولو شاء لظمأنييي‪ ،‬وإذا اكتسييى قال‪:‬‬
‫الحميييد ل الذي كسييياني ولو شاء لعرانيييي‪ ،‬وإذا احتذى قال‪ :‬الحميييد ل الذي حذانيييي ولو شاء‬
‫لحفانيي‪ ،‬وإذا قضيى حاجتيه قال‪ :‬الحميد ل الذي أخرج عنيي الذى ولو شاء لحبسيه فيي‪ .‬ومقصيود‬
‫اليية‪ :‬إنكيم مين ذريية نوح وقيد كان عبدا شكورا فأنتيم أحيق بالقتداء بيه دون آبائكيم الجهال‪ .‬وقييل‪:‬‬
‫المعنييى أن موسييى كان عبدا شكورا إذ جعله ال ميين ذرييية نوح‪ .‬وقيييل‪ :‬يجوز أن يكون "ذرييية"‬
‫مفعول ثانيييا "لتتخذوا" ويكون قوله‪" :‬وكيل" يراد بييه الجمييع فيسييوغ ذلك فييي القراءتييين جميعييا‬
‫أعني الياء والتاء في "تتخذوا"‪ .‬ويجوز أيضا في القراءتين جميعا أن يكون "ذرية" بدل من قوله‬
‫"وكيل" لنه بمعنى الجمع؛ فكأنه قال ل تتخذوا ذرية من حملنا مع نوح‪ .‬ويجوز نصبها بإضمار‬
‫أعنيي وأمدح‪ ،‬والعرب قيد تنصيب على المدح والذم‪ .‬ويجوز رفعهيا على البدل مين المضمير فيي‬
‫"تتخذوا" فيي قراءة مين قرأ بالياء؛ ول يحسين ذلك لمين قرأ بالتاء لن المخاطيب ل يبدل منيه‬
‫الغائب‪ .‬ويجوز جرهيا على البدل من بني إسرائيل في الوجهين‪ .‬فأما "أن" من قوله "أل تتخذوا"‬
‫فهييي على قراءة ميين قرأ بالياء فييي موضييع نصييب بحذف الجار‪ ،‬التقدييير‪ :‬هديناهييم لئل يتخذوا‪.‬‬
‫ويصيلح على قراءة التاء أن تكون زائدة والقول مضمير كميا تقدم‪ .‬ويصيلح أن تكون مفسيرة بمعنيى‬
‫أي‪ ،‬ل موضع لها من العراب‪ ،‬وتكون "ل" للنهي فيكون خروجا من الخبر إلى النهي‪.‬‬
‫*‪*3‬اليية‪{ 4 :‬وقضينيا إلى بنيي إسيرائيل فيي الكتاب لتفسيدن فيي الرض مرتيين ولتعلن علوا‬
‫كبيرا}‬
‫@قوله تعالى‪" :‬وقضينيا إلى بنيي إسيرائيل فيي الكتاب" قرأ سيعيد بين جيبير وأبيو العاليية "فيي‬
‫الكتب" على لفظ الجمع‪ .‬وقد يرد لفظ الواحد ويكون معناه الجمع؛ فتكون القراءتان بمعنى واحد‪.‬‬
‫ومعنييى "قضينييا" أعلمنييا وأخبرنييا؛ قاله ابيين عباس‪ :‬وقال قتادة‪ :‬حكمنييا؛ وأصييل القضاء الحكام‬
‫للشيء والفراغ منه‪ ،‬وقيل‪ :‬قضينا أوحينا؛ ولذلك قال‪" :‬إلى بني إسرائيل"‪ .‬وعلى قول قتادة يكون‬
‫"إلى" بمعنيى على؛ أي قضينيا عليهيم وحكمنيا‪ .‬وقاله ابين عباس أيضيا‪ .‬والمعنيى بالكتاب اللوح‬
‫المحفوظ‪" .‬لتفسيدن" وقرأ ابين عباس "لتفسيدن"‪ .‬عيسيى الثقفيي "لتفسيدن"‪ .‬والمعنيى فيي القراءتيين‬
‫قرييب؛ لنهيم إذا أفسيدوا فسيدوا‪ ،‬والمراد بالفسياد مخالفية أحكام التوراة‪" .‬فيي الرض" يرييد أرض‬
‫الشام وبيت المقدس وما والها‪" .‬مرتين ولتعلن" اللم فيي "لتفسدن ولتعلن" لم قسم مضمر كما‬
‫تقدم‪" .‬علوا كبيرا" أراد التكبر والبغي والطغيان والستطالة والغلبة والعدوان‪.‬‬
‫*‪*3‬الية‪{ 5 :‬فإذا جاء وعد أولهما بعثنا عليكم عبادا لنا أولي بأس شديد فجاسوا خلل الديار‬
‫وكان وعدا مفعول}‬
‫@قوله تعالى‪" :‬فإذا جاء وعد أولهما" أي أولى المرتين من فسادهم‪" .‬بعثنا عليكم عبادا لنا أولي‬
‫بأس شدييد" هيم أهيل بابيل‪ ،‬وكان عليهيم بختنصير فيي المرة الولى حيين كذبوا إرمياء وجرحوه‬
‫وحبسيوه؛ قاله ابين عباس وغيره‪ .‬وقال قتادة‪ :‬أرسيل عليهيم جالوت فقتلهيم‪ ،‬فهيو وقوميه أولو بأس‬
‫شديد‪ .‬وقال مجاهد‪ :‬جاءهم جند من فارس يتجسسون أخبارهم ومعهم بختنصر فوعى حديثهم من‬
‫بين أصحابه‪ ،‬ثم رجعوا إلى فارس ولم يكن قتال‪ ،‬وهذا في المرة الولى‪ ،‬فكان منهم جوس خلل‬
‫الديار ل قتل؛ ذكره القشيري أبو نصر‪ .‬وذكر المهدوي عن مجاهد أنه جاءهم بختنصر فهزمه بنو‬
‫إسرائيل‪ ،‬ثم جاءهم ثانية فقتلهم ودمرهم تدميرا‪ .‬ورواه ابن أبي نجيح عن مجاهد؛ ذكره النحاس‪.‬‬
‫وقال محمد بن إسحاق في خبر فيه طول‪ :‬إن المهزوم سنحاريب ملك بابل‪ ،‬جاء ومعه ستمائة ألف‬
‫رايية تحيت كيل رايية مائة ألف فارس فنزل حول بييت المقدس فهزميه ال تعالى وأمات جميعهيم إل‬
‫سينحاريب وخمسية نفير مين كتابيه‪ ،‬وبعيث ملك بنيي إسيرائيل واسيمه صيديقة فيي طلب سينحاريب‬
‫فأخذ مع الخمسة‪ ،‬أحدهم بختنصر‪ ،‬فطرح في رقابهم الجوامع وطاف بهم سبعين يوما حول بيت‬
‫المقدس وإيلياء ويرزقهم كل يوم خبزتين من شعير لكل رجل منهم‪ ،‬ثم أطلقهم فرجعوا إلى بابل‪،‬‬
‫ثيم مات سينحاريب بعيد سيبع سينين‪ ،‬واسيتخلف بختنصيير وعظميت الحداث فييي بنيي إسيرائيل‪،‬‬
‫واستحلوا المحارم وقتلوا نبيهم شعيا؛ فجاءهم بختنصر ودخل هو وجنوده بيت المقدس وقتل بني‬
‫إسيرائيل حتيى أفناهيم‪ .‬وقال ابين عباس وابين مسيعود‪ :‬أول الفسياد قتيل زكرييا‪ .‬وقال ابين إسيحاق‪:‬‬
‫فسيادهم فيي المرة الولى قتيل شعييا نيبي ال فيي الشجرة؛ وذلك أنيه لميا مات صيديقة ملكهيم مرج‬
‫أمرهيم وتنافسيوا على الملك وقتيل بعضهيم بعضيا وهيم ل يسيمعون مين نيبيهم؛ فقال ال تعالى له قيم‬
‫فييي قومييك أوح على لسييانك‪ ،‬فلمييا فرغ ممييا أوحييى ال إليييه عدوا عليييه ليقتلوه فهرب فانفلقييت له‬
‫شجرة فدخييل فيهييا‪ ،‬وأدركييه الشيطان فأخييذ هدبيية ميين ثوبييه فأراهييم إياهييا‪ ،‬فوضعوا المنشار فييي‬
‫وسطها فنشروها حتى قطعوها وقطعوه في وسطها‪ .‬وذكر ابن إسحاق أن بعض العلماء أخبره أن‬
‫زكرييا مات موتيا ولم يقتيل وإنميا المقتول شعييا‪ .‬وقال سيعيد بين جيبير فيي قوله تعالى‪" :‬ثيم بعثنيا‬
‫عليكم عبادا لنا أولي بأس شديد فجاسوا خلل الديار" هو سنحاريب من أهل نينوى بالموصل ملك‬
‫بابيل‪ .‬وهذا خلف ميا قال ابين إسيحاق‪ ،‬فال أعلم‪ .‬وقييل‪ :‬إنهيم العمالقية وكانوا كفارا‪ ،‬قاله الحسين‪.‬‬
‫ومعنيى جاسيوا‪ :‬عاثوا وقتلوا؛ وكذلك جاسيوا وهاسيوا وداسيوا‪ ،‬قاله ابين عزييز‪ ،‬وهيو قول القتيبي‪.‬‬
‫وقرأ ابييين عباس‪( :‬حاسيييوا) بالحاء المهملة‪ .‬قال أبيييو زييييد‪ :‬الحوس والجوس والعوس والهوس‪:‬‬
‫لطواف باللييل‪ .‬وقال الجوهري‪ :‬الجوس مصيدر قولك جاسيوا خلل الديار‪ ،‬أي تخللوهيا فطلبوا ميا‬
‫فيهييا كمييا يجوس الرجييل الخبار أي يطلبهييا؛ وكذلك الجتياس‪ .‬والجوسييان (بالتحريييك) الطوفان‬
‫بالليل؛ وهو قول أبي عبيدة‪ .‬وقال الطبري‪ :‬طافوا بين الديار يطلبونهم ويقتلونهم ذاهبين وجائين؛‬
‫فجمييع بييين قول أهييل اللغيية‪ .‬قال ابيين عباس‪ :‬مشوا وترددوا بييين الدور والمسيياكن‪ .‬وقال الفراء‪:‬‬
‫قتلوكم بين بيوتكم؛ وأنشد لحسان‪:‬‬
‫فجاس به العداء عرض العساكر‬ ‫ومنا الذي لقى بسيف محمد‬
‫وقال قطرب‪ :‬نزلوا؛ قال‪:‬‬
‫وأبنا بسادتهم موثقينا‬ ‫فجسنا ديارهم عنوة‬
‫"وكان وعدا مفعول" أي قضاء كائنا ل خلف فيه‪.‬‬
‫*‪*3‬الية‪{ 6 :‬ثم رددنا لكم الكرة عليهم وأمددناكم بأموال وبنين وجعلناكم أكثر نفيرا}‬
‫@قوله تعالى‪" :‬ثيم رددنيا لكيم الكرة عليهيم" أي الدولة والرجعية؛ وذلك لميا تبتيم وأطعتيم‪ .‬ثيم قييل‪:‬‬
‫ذلك بقتل داود جالوت أو بقتل غيره‪ ،‬على الخلف في من قتلهم‪" .‬وأمددناكم بأموال وبنين" حتى‬
‫عاد أمركم كما كان‪" .‬وجعلناكم أكثر نفيرا" أي أكثر عددا ورجال من عدوكم‪ .‬والنفير من نفر مع‬
‫الرجيل مين عشيرتيه؛ يقال‪ :‬نفيير ونافير مثيل قديير وقادر ويجوز أن يكون النفيير جميع نفير كالكلييب‬
‫والمعيز والعبيد؛ قال الشاعر‪:‬‬
‫وحمير أكرم بقوم نفيرا‬ ‫فاكرم بقحطان من والد‬
‫والمعنيى‪ :‬أنهيم صياروا بعيد هذه الوقعية الولى أكثير انضماميا وأصيلح أحوال؛ جزاء مين ال تعالى‬
‫لهم على عودهم إلى الطاعة‪.‬‬
‫*‪*3‬الية‪{ 7 :‬إن أحسنتم أحسنتم لنفسكم وإن أسأتم فلها فإذا جاء وعد الخرة ليسوؤوا وجوهكم‬
‫وليدخلوا المسجد كما دخلوه أول مرة وليتبروا ما علوا تتبيرا}‬
‫@قوله تعالى‪" :‬إن أحسنتم أحسينتم لنفسكم" أي نفع إحسانكم عائد عليكم‪" .‬وإن أسأتم فلها" أي‬
‫فعليها؛ نحو سلم لك‪ ،‬أي سلم عليك‪ .‬قال‪:‬‬
‫فخر صريعا لليدين وللفم‬
‫أي على اليدييين وعلى الفييم‪ .‬وقال الطييبري‪ :‬اللم بمعنييى إلى‪ ،‬يعنييي وإن أسييأتم فإليهييا‪ ،‬أي فإليهييا‬
‫ترجيع السياءة؛ لقوله تعالى‪" :‬بأن ربيك أوحيى لهيا" [الزلزلة‪ ]5 :‬أي إليهيا‪ .‬وقييل‪ :‬فلهيا الجزاء‬
‫والعقاب‪ .‬وقال الحسيين بين الفضيل‪ :‬فلهيا رب يغفير السياءة‪ .‬ثيم يحتميل أن يكون هذا خطابيا لبنيي‬
‫إسيرائيل فيي أول المير؛ أي أسيأتم فحيل بكيم القتيل والسيبي والتخرييب ثيم أحسينتم فعاد إليكيم الملك‬
‫والعلو وانتظام الحال‪ .‬ويحتمل أنه خوطب بهذا بنو إسرائيل في زمن محمد صلى ال عليه وسلم؛‬
‫أي عرفتم استحقاق أسلفكم للعقوبة على العصيان فارتقبوا مثله‪ .‬أو يكون خطابا لمشركي قريش‬
‫على هذا الوجيه‪" .‬فإذا جاء وعيد الخرة" مين إفسيادكم؛ وذلك أنهيم قتلوا فيي المرة الثانيية يحييى بين‬
‫زكريا عليهما السلم‪ ،‬قتله ملك من بني إسرائيل يقال له لخت؛ قاله القتبي‪ .‬وقال الطبري‪ :‬اسمه‬
‫هردوس‪ ،‬ذكره فييي التاريييخ؛ حمله على قتله امرأة اسييمها أزبيييل‪ .‬وقال السييدي‪ :‬كان ملك بنييي‬
‫إسرائيل يكرم يحيى بن زكريا ويستشيره في المر‪ ،‬فاستشاره الملك أن يتزوج بنت امرأة له فنهاه‬
‫عنها وقال‪ :‬إنها ل تحل لك؛ فحقدت أمها على يحيى عليه السلم‪ ،‬ثم ألبست ابنتها ثيابا حمرا رقاقا‬
‫وطيبتهيا وأرسيلتها إلى الملك وهيو على شرابيه‪ ،‬وأمرتهيا أن تتعرض له‪ ،‬وإن أرادهيا أبيت حتيى‬
‫يعطيهيا ميا تسيأله؛ فإذا أجاب سيألت أن يؤتيى برأس يحييى بين زكرييا فيي طسيت مين ذهيب؛ ففعلت‬
‫ذلك حتى أتى برأس يحيى بن زكريا والرأس تتكلم حتى وضع بين يديه وهو يقول‪ :‬ل تحل لك؛ ل‬
‫تحل لك؛ فلما أصبح إذا دمه يغلي‪ ،‬فألقى عليه التراب فغلى فوقه‪ ،‬فلم يزل يلقى عليه التراب حتى‬
‫بلغ سيور المدينية وهيو فيي ذلك يغلي؛ ذكره الثعلبيي وغيره‪ .‬وذكير ابين عسياكر الحافيظ فيي تاريخيه‬
‫عين الحسيين بين علي قال‪ :‬كان ملك مين هذه الملوك مات وترك امرأتيه وابنتيه فورث ملكيه أخوه‪،‬‬
‫فأراد أن يتزوج امرأة أخييه‪ ،‬فاسيتشار يحييى بين زكرييا فيي ذلك‪ ،‬وكانيت الملوك فيي ذلك الزمان‬
‫يعملون بأمير النيبياء‪ ،‬فقال له‪ :‬ل تتزوجهيا فإنهيا بغيي؛ فعرفيت ذلك المرأة أنيه قيد ذكرهيا وصيرفه‬
‫عنهيا‪ ،‬فقالت‪ :‬مين أيين هذا! حتيى بلغهيا أنيه مين قبيل يحييى‪ ،‬فقالت‪ :‬ليقتلن يحييى أو ليخرجين مين‬
‫ملكيه‪ ،‬فعمدت إلى ابنتهيا وصينعتها‪ ،‬ثيم قالت‪ :‬اذهيبي إلى عميك عنيد المل فإنيه إذا رآك سييدعوك‬
‫ويجلسيك فيي حجره‪ ،‬ويقول سيليني ميا شئت‪ ،‬فإنيك لن تسيأليني شيئا إل أعطيتيك‪ ،‬فإذا قال لك ذلك‬
‫فقولي‪ :‬ل أسأل إل رأس يحيى‪ .‬قال‪ :‬وكانت الملوك إذا تكلم أحدهم بشيء على رؤوس المل ثم لم‬
‫يميض له نزع مين ملكيه؛ ففعلت ذلك‪ .‬قال‪ :‬فجعيل يأتييه الموت مين قتله يحييى‪ ،‬وجعيل يأتييه الموت‬
‫مين خروجيه مين ملكيه‪ ،‬فاختار ملكيه فقتله‪ .‬قال‪ :‬فسياخت بأمهيا الرض‪ .‬قال ابين جدعان‪ :‬فحدثيت‬
‫بهذا الحديث ابن المسيب فقال أفما أخبرك كيف كان قتل زكريا؟ قلت ل؛ إن زكريا حيث قتل ابنه‬
‫انطلق هاربيا منهيم واتبعوه حتيى أتيى على شجرة ذات سياق فدعتيه إليهيا فانطوت علييه وبقييت مين‬
‫ثوبيه هدبية تكفتهيا الرياح‪ ،‬فانطلقوا إلى الشجرة فلم يجدوا أثره بعدهيا‪ ،‬ونظروا بتلك الهدبية فدعوا‬
‫بالمنشار فقطعوا الشجرة فقطعوه معها‪.‬‬
‫قلت‪ :‬وقيع فيي التارييخ الكيبير للطيبري فحدثنيي أبيو السيائب قال حدثنيا أبيو معاويية عين العميش‬
‫عين المنهال عين سيعيد بين جيبير عين ابين عباس قال‪( :‬بعيث عيسيى بين مرييم يحييى بين زكرييا فيي‬
‫اثنيي عشير مين الحوارييين يعلمون الناس‪ ،‬قال‪ :‬كان فيميا نهوهيم عنيه نكاح ابنية الخ‪ ،‬قال‪ :‬وكان‬
‫لملكهم ابنة أخ تعجبه‪) ...‬وذكر الخبر بمعناه‪ .‬وعن ابن عباس قال‪( :‬بعث يحيى بن زكريا في اثني‬
‫عشير مين الحوارييين يعلمون الناس‪ ،‬وكان فيميا يعلمونهيم ينهونهيم عين نكاح بنيت الخيت‪ ،‬وكان‬
‫لملكهيم بنيت أخيت تعجبيه‪ ،‬وكان يرييد أن يتزوجهيا‪ ،‬وكان لهيا كيل يوم حاجية يقضيهيا‪ ،‬فلميا بلغ ذلك‬
‫أمهييا أنهييم نهوا عيين نكاح بنييت الخييت قالت لهييا‪ :‬إذا دخلت على الملك فقال ألك حاجيية فقولي‪:‬‬
‫حاجتي أن تذبح يحيى بن زكريا؛ فقال‪ :‬سليني سوى هذا! قالت‪ :‬ما أسألك إل هذا‪ .‬فلما أبت عليه‬
‫دعا بطست ودعا به فذبحه‪ ،‬فندرت قطرة من دمه على وجه الرض فلم تزل تغلي حتى بعث ال‬
‫عليهم بختنصر فألقى في نفسه أن يقتل على ذلك الدم منهم حتى يسكن ذلك الدم‪ ،‬فقتل عليه منهم‬
‫سيبعين ألفيا‪ ،‬فيي روايية خمسية وسيبعين ألفيا‪ .‬قال سيعيد بين المسييب‪ :‬هيي ديية كيل نيبي‪ .‬وعين ابين‬
‫عباس قال‪( :‬أوحيى ال إلى محميد صيلى ال علييه وسيلم إنيي قتلت بيحييى بين زكرييا سيبعين ألفيا‪،‬‬
‫وإني قاتل بابن ابنتك سبعين ألفا وسبعين ألفا)‪ .‬وعن سمير بن عطية قال‪ :‬قتل على الصخرة التي‬
‫في بيت المقدس سبعون نبيا منهم يحيى بن زكريا‪ .‬وعن زيد بن واقد قال‪ :‬رأيت رأس يحيى عليه‬
‫السيلم حييث أرادوا بناء مسيجد دمشيق أخرج مين تحيت ركين مين أركان القبية التيي تلي المحراب‬
‫مما يلي الشرق‪ ،‬فكانت البشرة والشعر على حاله لم يتغير‪ .‬وعن قرة بن خالد قال‪ :‬ما بكت السماء‬
‫على أحيد إل على يحييى بين زكرييا والحسيين بين علي؛ وحمرتهيا بكاؤهيا‪ .‬وعين سيفيان بين عيينية‬
‫قال‪ :‬أوحش ما يكون ابن آدم في ثلثة مواطن‪ :‬يوم ولد فيخرج إلى دار هم‪ ،‬وليلة يبيت مع الموتى‬
‫فيجاور جيرانيا لم يير مثلهيم‪ ،‬ويوم يبعيث فيشهيد مشهدا لم يير مثله؛ قال ال تعالى ليحييى فيي هذه‬
‫الثلثة مواطن‪" :‬وسلم عليه يوم ولد ويوم يموت ويوم يبعث حيا" [مريم‪ .]15 :‬كله من التاريخ‬
‫المذكور‪.‬‬
‫واختلف فيمن كان المبعوث عليهم في المرة الخرة؛ فقيل‪ :‬بختنصر‪ .‬وقاله القشيري أبو نصر‪،‬‬
‫لم يذكير غيره‪ .‬قال السيهيلي‪ :‬وهذا ل يصيح؛ لن قتيل يحييى كان بعيد رفيع عيسيى‪ ،‬وبختنصير كان‬
‫قبل عيسى ابن مريم عليهما السلم بزمان طويل‪ ،.‬وقبل السكندر؛ وبين السكندر وعيسى نحو‬
‫من ثلثمائة سنة‪ ،‬ولكنه أريد بالمرة الخرى حين قتلوا شعيا‪ ،‬فقد كان بختنصير إذ ذاك حيا‪ ،‬فهو‬
‫الذي قتلهيم وخرب بييت المقدس واتبعهيم إلى مصير‪ .‬وأخرجهيم منهيا‪ .‬وقال الثعلبيي‪ :‬ومين روى أن‬
‫بختنصير هيو الذي غزا بنيي إسيرائيل عنيد قتلهيم يحييى بين زكرييا فغلط عنيد أهيل السيير والخبار؛‬
‫لنهيم مجمعون على أن بختنصير إنميا غزا بنيي إسيرائيل عنيد قتلهيم شعييا وفيي عهيد إرمياء‪ .‬قالوا‪:‬‬
‫وميين عهييد إرمياء وتخريييب بختنصيير بيييت المقدس إلى مولد يحيييى بيين زكريييا عليهمييا السييلم‬
‫أربعمائة سينة وإحدى وسيتون سينة‪ ،‬وذلك أنهيم يعدون مين عهيد تخرييب بييت المقدس إلى عمارتيه‬
‫فيي عهيد كوسيك سيبعين سينة‪ ،‬ثيم مين بعيد عمارتيه إلى ظهور السيكندر على بيت المقدس ثمانيية‬
‫وثمانين سنة‪ ،‬ثم من بعد مملكة السكندر إلى مولد يحيى ثلثمائة وثلثا وستين سنة‪.‬‬
‫قلت‪ :‬ذكير جميعيه الطيبري فيي التارييخ رحميه ال‪ .‬قال الثعلبيي‪ :‬والصيحيح مين ذلك ميا ذكره‬
‫محمد بن إسحاق قال‪ :‬لما رفع ال عيسى من بين أظهرهم وقتلوا يحيى ‪ -‬وبعض الناس يقول‪ :‬لما‬
‫قتلوا زكرييا ‪ -‬بعيث ال إليهيم ملكيا مين ملوك بابيل يقال له‪ :‬خردوس‪ ،‬فسيار إليهيم بأهيل بابيل وظهير‬
‫عليهم بالشأم‪ ،‬ثم قال لرئيس جنوده‪ :‬كنت حلفت بإلهي لئن أظهرني ال على بيت المقدس لقتلنهم‬
‫حتيى تسييل دماؤهيم فيي وسيط عسيكري‪ ،‬وأمير أن يقتلهيم حتيى يبلغ ذلك منهيم‪ ،‬فدخيل الرئييس بييت‬
‫المقدس فوجد فيها دماء تغلي‪ ،‬فسألهم فقالوا‪ :‬دم قربان قربناه فلم يتقبل منا منذ ثمانين سنة‪ .‬قال ما‬
‫صيدقتموني‪ ،‬فذبيح على ذلك الدم سيبعمائة وسيبعين رجل مين رؤسيائهم فلم يهدأ‪ ،‬فأتيى بسيبعمائة‬
‫غلم مين غلمانهيم فذبحوا على الدم فلم يهدأ‪ ،‬فأمير بسيبعة آلف مين سيبيهم وأزواجهيم فذبحهيم على‬
‫الدم فلم يبرد‪ ،‬فقال‪ :‬يا بني إسرائيل‪ ،‬أصدقوني قبل أل أترك منكم نافخ نار من أنثى ول من ذكر‬
‫إل قتلته‪ .‬فلما رأوا الجهد قالوا‪ :‬إن هذا دم نبي منا كان ينهانا عن أمور كثيرة من سخط ال فقتلناه‪،‬‬
‫فهذا دميه‪ ،‬كان اسيمه يحييى بين زكرييا‪ ،‬ميا عصيى ال قيط طرفية عيين ول هيم بمعصيية‪ .‬فقال‪ :‬الن‬
‫صدقتموني‪ ،‬وخر ساجدا ثم قال‪ :‬لمثل هذا ينتقم منكم‪ ،‬وأمر بغلق البواب وقال‪ :‬أخرجوا من كان‬
‫ها هنا من جيش خردوس‪ ،‬وخل في بني إسرائيل وقال‪ :‬يا نبي ال يا يحيى بن زكريا قد علم ربي‬
‫وربيك ميا قيد أصياب قوميك مين أجلك‪ ،‬فاهدأ بإذن ال قبيل أل أبقيي منهيم أحدا‪ .‬فهدأ دم يحييى بين‬
‫زكريييا بإذن ال عييز وجييل‪ ،‬ورفييع عنهييم القتييل وقال‪ :‬رب إنييي آمنييت بمييا آميين بييه بنيو إسييرائيل‬
‫وصيدقت بيه؛ فأوحيى ال تعالى إلى رأس مين رؤوس النيبياء‪ :‬إن هذا الرئييس مؤمين صيدوق‪ .‬ثيم‬
‫قال‪ :‬إن عدو ال خردوس أمرني أن أقتل منكم حتى تسيل دماؤكم وسط عسكره‪ ،‬وإني ل أعصيه‪،‬‬
‫فأمرهيم فحفروا خندقيا وأمير بأموالهيم مين البيل والخييل والبغال والحميير والبقير والغنيم فذبحوهيا‬
‫حتييى سييال الدم إلى العسييكر‪ ،‬وأميير بالقتلى الذييين كانوا قتلوا قبييل ذلك فطرحوا على مييا قتييل مين‬
‫مواشيهم‪ ،‬ثم انصرف عنهم إلى بابل‪ ،‬وقد كاد أن يفني بني إسرائيل‪.‬‬
‫قلت‪ :‬قيد ورد فيي هذا الباب حدييث مرفوع فييه طول مين حدييث حذيفية‪ ،‬وقيد كتبناه فيي كتاب‬
‫التذكرة مقطعيا فيي أبواب فيي أخبار المهدي‪ ،‬نذكير منهيا هنيا ميا ييبين معنيى اليية ويفسيرها حتيى ل‬
‫يحتاج معيه إلى بيان‪ ،‬قال حذيفية‪ :‬قلت ييا رسيول ال‪ ،‬لقيد كان بييت المقدس عنيد ال عظيميا جسييم‬
‫الخطر عظيم القدر‪ .‬فقال رسول ال صلى ال عليه وسلم‪( :‬هو من أجل البيوت ابتناه ال لسليمان‬
‫بين داود عليهميا السيلم مين ذهيب وفضية ودر وياقوت وزمرد)‪ :‬وذلك أن سيليمان بين داود لميا بناه‬
‫سيخر ال له الجين فأتوه بالذهيب والفضية مين المعادن‪ ،‬وأتوه بالجواهير والياقوت والزمرد‪ ،‬وسيخر‬
‫ال تعالى له الجن حتى بنوه من هذه الصناف‪ .‬قال حذيفة‪ :‬فقلت يا رسول ال‪ ،‬وكيف أخذت هذه‬
‫الشياء مين بييت المقدس‪ .‬فقال رسيول ال صيلى ال علييه وسيلم‪ :‬إن بنيي إسيرائيل لميا عصيوا ال‬
‫وقتلوا النيبياء سيلط ال عليهيم بختنصير وهيو مين المجوس وكان ملكيه سيبعمائة سينة‪ ،‬وهيو قوله‪:‬‬
‫"فإذا جاء وعيد أولهميا بعثنيا عليكيم عبادا لنيا أولي بأس شدييد فجاسيوا خلل الديار وكان وعدا‬
‫مفعول" فدخلوا بيييت المقدس وقتلوا الرجال وسييبوا النسيياء والطفال وأخذوا الموال وجميييع مييا‬
‫كان فييي بيييت المقدس ميين هذه الصييناف فاحتملوهييا على سييبعين ألفييا ومائة ألف عجلة حتييى‬
‫أودعوها أرض بابل‪ ،‬فأقاموا يستخدمون بني إسرائيل ويستملكونهم بالخزي والعقاب والنكال مائة‬
‫عام‪ ،‬ثييم إن ال عييز وجييل رحمهييم فأوحييى إلى ملك ميين ملوك فارس أن يسييير إلى المجوس فييي‬
‫أرض بابيل‪ ،‬وأن يسيتنقذ مين فيي أيديهيم من بنيي إسيرائيل؛ فسار إليهيم ذلك الملك حتيى دخيل أرض‬
‫بابيل فاسيتنقذ مين بقيي مين بنيي إسيرائيل مين أيدي المجوس واسيتنقذ ذلك الحلي الذي كان فيي بييت‬
‫المقدس ورده ال إلييه كميا كان أول مرة وقال لهيم‪ :‬ييا بنيي إسيرائيل إن عدتيم إلى المعاصيي عدنيا‬
‫عليكيم بالسيبي والقتيل‪ ،‬وهيو قوله‪" :‬عسيى ربكيم أن يرحمكيم وإن عدتيم عدنيا" [السيراء‪ ]8 :‬فلميا‬
‫رجعيت بنيو إسيرائيل إلى بييت المقدس عادوا إلى المعاصيي فسيلط ال عليهيم ملك الروم قيصير‪،‬‬
‫وهيييو قوله‪" :‬فإذا جاء وعيييد الخرة ليسيييوؤوا وجوهكيييم وليدخلوا المسيييجد كميييا دخلوه أول مرة‬
‫وليتبروا ما علوا تتبير" فغزاهم في البر والبحر فسباهم وقتلهم وأخذ أموالهم ونساءهم‪ ،‬وأخذ حلي‬
‫جميع بيت المقدس واحتمله على سبعين ألفا ومائة ألف عجلة حتى أودعه في كنيسة الذهب‪ ،‬فهو‬
‫فيها الن حتى يأخذه المهدي فيرده إلى بيت المقدس‪ ،‬وهو ألف سفينة وسبعمائة سفينة يرسى بها‬
‫على يافا حتى تنقل إلى بيت المقدس وبها يجمع ال الولين والخرين‪ ...‬وذكر الحديث‪.‬‬
‫@قوله تعالى‪" :‬فإذا جاء وعد الخرة" أي من المرتين؛ وجواب "إذا" محذوف‪ ،‬تقديره بعثناهم؛‬
‫دل علييه "بعثنيا" الول‪" .‬ليسيوؤوا وجوهكيم" أي بالسيبي والقتيل فيظهير أثير الحزن فيي وجوهكيم؛‬
‫في"ليسوؤوا" متعلق بمحذوف؛ أي بعثنا عبادا ليفعلوا بكم ما يسوء وجوهكم‪ .‬قيل‪ :‬المراد بالوجوه‬
‫السيادة؛ أي ليذلوهيم‪ .‬وقرأ الكسيائي "لنسيوء" بنون وفتيح الهمزة‪ ،‬فعيل مخيبر عين نفسيه معظيم‪،‬‬
‫اعتبارا بقوله "وقضينييا ‪ -‬وبعثنييا ‪ -‬ورددنييا"‪ .‬ونحوه عيين علي‪ .‬وتصييديقها قراءة أُبَي (لنسييوءن)‬
‫بالنون وحرف التوكييد‪ .‬وقرأ أبيو بكير والعميش وابين وثاب وحمزة وابين عامير (ليسيوء) بالياء‬
‫على التوحييد وفتيح الهمزة؛ ولهيا وجهان‪ :‬أحدهميا‪ :‬ليسيوء ال وجوهكيم‪ .‬والثانيي‪ :‬ليسيوء الوعيد‬
‫وجوهكم‪ .‬وقرأ الباقون "ليسوؤوا" بالياء وضم الهمزة على الجمع؛ أي ليسوء العباد الذين هم أولو‬
‫بأس شديد وجوهكم‪ " .‬وليدخلوا المسجد كما دخلوه أول مرة وليتبروا" أي ليدمروا ويهلكوا‪ .‬وقال‬
‫قطرب‪ :‬يهدموا؛ قال الشاعر‪:‬‬
‫يتبر ما يبني وآخر رافع‬ ‫فما الناس إل عاملن فعامل‬
‫"ما علوا" أي غلبوا عليه من بلدكم "تتبيرا"‪.‬‬
‫*‪*3‬الية‪{ 8 :‬عسى ربكم أن يرحمكم وإن عدتم عدنا وجعلنا جهنم للكافرين حصيرا}‬
‫@قوله تعالى‪" :‬عسى ربكم أن يرحمكم" وهذا مما أخبروا به في كتابهم‪ .‬و"عسى" وعد من ال‬
‫أن يكشيف عنهيم‪ .‬و"عسيى" مين ال واجبية‪" .‬أن يرحمكيم" بعيد انتقاميه منكيم‪ ،‬وكذلك كان؛ فكثير‬
‫عددهيم وجعيل منهيم الملوك‪" .‬وإن عدتيم عدنيا" قال قتادة‪ :‬فعادوا فبعيث ال عليهيم محمدا صيلى ال‬
‫عليه وسلم؛ فهم يعطون الجزية بالصغار؛ وروي عن ابن عباس‪ .‬وهذا خلف ما تقدم في الحديث‬
‫وغيره ‪ 0‬وقال القشيري‪ :‬وقد حل العقاب ببني إسرائيل مرتين على أيدي الكفار‪ ،‬ومرة على أيدي‬
‫المسيلمين‪ .‬وهذا حيين عادوا فعاد ال عليهيم‪ .‬وعلى هذا يصيح قول قتادة‪" .‬وجعلنيا جهنيم للكافريين‬
‫حصيييرا" أي محبسييا وسييجنا‪ ،‬ميين الحصيير وهييو الحبييس‪ .‬قال الجوهري‪ :‬يقال حصييره يحصييره‬
‫حصرا ضيق عليه وأحاط به‪ .‬والحصير‪ :‬الضيق البخيل‪ .‬والحصير‪ :‬البارية‪ .‬والحصير‪ :‬الجنب‪،‬‬
‫قال الصيمعي‪ :‬هيو ميا بيين العرق الذي يظهير فيي جنيب البعيير والفرس معترضيا فميا فوقيه إلى‬
‫منقطع الجنب‪ .‬والحصير‪ :‬الملك؛ لنه محجوب‪ .‬قال لبيد‪:‬‬
‫جن لدى باب الحصير قيام‬ ‫وقماقم غلب الرقاب كأنهم‬
‫ويروى‪:‬‬
‫ومقامة غلب الرقاب‪...‬‬
‫على أن يكون (غلب) به ل من (مقامة) كأنه قال‪ :‬ورب غلب الرقاب‪ .‬وروي عن أبي عبيدة‪:‬‬
‫‪ .. .‬لدى طرف الحصير قيام‬
‫أي عنييد طرف البسيياط للنعمان بيين المنذر‪ .‬والحصييير‪ :‬المحبييس؛ قال ال تعالى‪" :‬وجعلنييا جهنييم‬
‫للكافريين حصييرا"‪ .‬قال القشيري‪ :‬ويقال للذي يفرش حصيير؛ لحصير بعضيه على بعيض بالنسيج‪.‬‬
‫وقال الحسيين‪ :‬أي فراشييا ومهادا؛ ذهييب إلى الحصييير الذي يفرش‪ ،‬لن العرب تسييمي البسيياط‬
‫الصغير حصيرا‪ .‬قال الثعلبي‪ :‬وهو وجه حسن‪.‬‬
‫*‪*3‬اليتان‪{ 10 - 9 :‬إن هذا القرآن يهدي للتيي هيي أقوم ويبشير المؤمنيين الذيين يعملون‬
‫الصالحات أن لهم أجرا كبيرا‪ ،‬وأن الذين ل يؤمنون بالخرة أعتدنا لهم عذابا أليما}‬
‫@قوله تعالى‪" :‬إن هذا القرآن يهدي للتيي هيي أقوم" لميا ذكير المعراج ذكير ميا قضيى إلى بنيي‬
‫إسيرائيل‪ ،‬وكان ذلك دللة على نبوة محميد صيلى ال علييه وسيلم‪ ،‬ثيم بيين أن الكتاب الذي أنزله ال‬
‫عليه سبب اهتداء‪ .‬ومعنى "للتي هي أقوم" أي الطريقة التي هي أسد وأعدل وأصوب؛ في "التي"‬
‫نعيييت لموصيييوف محذوف‪ ،‬أي الطريقييية إلى نيييص أقوم‪ .‬وقال الزجاج‪ :‬للحال التيييي هيييي أقوم‬
‫الحالت‪ ،‬وهي توحيد ال واليمان برسله‪ .‬وقاله الكلبي والفراء‪.‬‬
‫@قوله تعالى‪" :‬ويبشر المؤمنين الذين يعملون الصالحات" تقدم‪" .‬أن لهم" في موضع نصب بي‬
‫"بشر" وقال الكسائي وجماعة من البصريين‪" :‬أن" في موضع خفض بإضمار الباء‪ .‬أي بأن لهم‪.‬‬
‫"أجرا كيبيرا" أي الجنية‪" .‬وأن الذيين ل يؤمنون بالخرة" أي ويبشرهيم بأن لعدائهيم العقاب‪.‬‬
‫والقرآن معظميه وعيد ووعييد‪ .‬وقرأ حمزة والكسيائي "و َي ْبشُر" مخففيا بفتيح الياء وضيم الشيين‪ ،‬وقيد‬
‫ذكر‪.‬‬
‫*‪*3‬الية‪{ 11 :‬ويدع النسان بالشر دعاءه بالخير وكان النسان عجول}‬
‫@قوله تعالى‪" :‬ويدع النسان بالشر" قال ابن عباس وغيره‪ :‬هو دعاء الرجل على نفسه وولده‬
‫عند الضجر بما ل يحب أن يستجاب له‪ :‬اللهم أهلكه‪ ،‬ونحوه‪" .‬دعاءه بالخير" أي كدعائه ربه أن‬
‫يهيب له العافيية؛ فلو اسيتجاب ال دعاءه على نفسيه بالشير هلك لكين بفضله ل يسيتجيب له فيي ذلك‪.‬‬
‫نظيره‪" :‬ولو يعجيل ال للناس الشير اسيتعجالهم بالخيير" [يونيس‪ ]11 :‬وقيد تقدم‪ .‬وقييل‪ :‬نزلت فيي‬
‫النضر بن الحارث‪ ،‬كان يدعو ويقول‪" :‬اللهم إن كان هذا هو الحق من عندك فأمطر علينا حجارة‬
‫من السماء أو ائتنا بعذاب أليم" [النفال‪ .]32 :‬وقيل‪ :‬هو أن يدعو في طلب المحظور كما يدعو‬
‫في طلب المباح‪ ،‬قال الشاعر وهو ابن جامع‪:‬‬
‫وارفع من مئزري المسبل‬ ‫أطوف بالبيت فيمن يطوف‬
‫واتلو من المحكم المنزل‬ ‫وأسجد بالليل حتى الصباح‬
‫يسخر لي ربة المحمل‬ ‫عسى فارج الهم عن يوسف‬
‫قال الجوهري‪ :‬يقال ميا على فلن محميل مثال مجلس أي معتميد‪ .‬والمحميل أيضيا‪ :‬واحيد محاميل‬
‫الحاج‪ .‬والمحمل مثال المرجل‪ :‬علقة السيف‪ .‬وحذفت الواو من "ويدع النسان" في اللفظ والحظ‬
‫ولم تحذف فيي المعنيى لن موضعهيا رفيع فحذفيت لسيتقبالها اللم السياكنة؛ كقوله تعالى‪" :‬سيندع‬
‫الزبانييية" [العلق‪" ]18 :‬ويمييح ال الباطييل" [الشورى‪" ]24 :‬وسييوف يؤت ال المؤمنييين"‬
‫[النسياء‪" ]146 :‬يناد المناد" [ق‪" ]41 :‬فميا تغين النذر" [القمير‪" .]5 :‬وكان النسيان عجول"‬
‫أي طبعه العجلة‪ ،‬فيعجل بسؤال الشر كما يعجل بسؤال الخير‪ .‬وقيل‪ :‬أشار به إلى آدم عليه السلم‬
‫حين نهض قبل أن يركب فيه الروح على الكمال‪ .‬قال سلمان‪ :‬أول ما خلق ال تعالى من آدم رأسه‬
‫فجعيل ينظير وهيو يخلق جسيده‪ ،‬فلميا كان عنيد العصير بقييت رجله لم ينفيخ فيهميا الروح فقال‪ :‬ييا‬
‫رب عجل قبل الليل؛ فذلك قوله‪" :‬وكان النسان عجول"‪ .‬وقال ابن عباس‪ :‬لما انتهت النفخة إلى‬
‫سييرته نظيير إلى جسييده فذهييب لينهييض فلم يقدر؛ فذلك قوله‪" :‬وكان النسييان عجول"‪ .‬وقال ابيين‬
‫مسيعود‪ :‬لميا دخيل الروح فيي عينييه نظير إلى ثمار الجنية؛ فذلك حيين يقول‪" :‬خلق النسيان مين‬
‫عجيل" ذكره البيهقيي‪ .‬وفيي صيحيح مسيلم عين أنيس بين مالك أن رسيول ال صيلى ال علييه وسيلم‬
‫قال‪( :‬لما صور ال تعالى آدم في الجنة تركه ما شاء ال أن يتركه فجعل إبليس يطيف به ينظر ما‬
‫هيو فلميا رآه أجوف عرف أنيه خلق خلقيا ل يتمالك) وقيد تقدم‪ .‬وقييل‪ :‬سيلم علييه السيلم أسييرا إلى‬
‫سودة فبات يئن فسألته فقال‪ :‬أنيني لشدة القد والسر؛ فأرخت من كتافه فلما نامت هرب؛ فأخبرت‬
‫النيبي صيلى ال علييه وسيلم فقال‪( :‬قطيع ال يدييك) فلميا أصيبحت كانيت تتوقيع الفية؛ فقال علييه‬
‫السلم‪( :‬إني سألت ال تعالى أن يجعل دعائي على من ل يستحق من أهلي لني بشر أغضب كما‬
‫يغضيب البشير) ونزلت اليية؛ ذكره القشيري أبيو نصير رحميه ال‪ .‬وفيي صيحيح مسيلم عين أبيي‬
‫هريرة قال سيمعت رسيول ال صيلى ال علييه وسيلم يقول‪( :‬اللهيم إنميا محميد بشير يغضيب كميا‬
‫يغضب البشر وإني قد اتخذت عندك عهدا لن تخلفينه فأيما مؤمن آذيته أو سببته أو جلدته فاجعلها‬
‫له كفارة وقربية تقربيه بهيا إلييك يوم القيامية)‪ .‬وفيي الباب عين عائشية وجابر‪ .‬وقييل‪ :‬معنيى "وكان‬
‫النسان عجول" أي يؤثر العاجل وإن قل‪ ،‬على الجل وإن جل‪.‬‬
‫*‪*3‬اليية‪{ 12 :‬وجعلنيا اللييل والنهار آيتيين فمحونيا آيية اللييل وجعلنيا آيية النهار مبصيرة لتبتغوا‬
‫فضل من ربكم ولتعلموا عدد السنين والحساب وكل شيء فصلناه تفصيل}‬
‫@قوله تعالى‪" :‬وجعلنيا اللييل والنهار آيتيين" أي علمتيين على وحدانيتنيا ووجودنيا وكمال علمنيا‬
‫وقدرتنا‪ .‬والية فيهما‪ :‬إقبال كل واحد منهما من حيث ل يعلم‪ ،‬وإدباره إلى حيث ل يعلم‪ .‬ونقصان‬
‫أحدهمييا بزيادة الخيير وبالعكييس آييية أيضييا‪ .‬وكذلك ضوء النهار وظلميية الليييل‪ .‬وقييد مضييى هذا‪.‬‬
‫"فمحونا آية الليل" ولم يقل‪ :‬فمحونا الليل‪ ،‬فلما أضاف الية إلى الليل والنهار دل على أن اليتين‬
‫المذكورتيين لهميا ل هميا‪ .‬و"محونيا" معناه طمسينا‪ .‬وفيي الخيبر أن ال تعالى أمير جبرييل علييه‬
‫السيلم فأمير جناحيه على وجيه القمير فطميس عنيه الضوء وكان كالشميس فيي النور‪ ،‬والسيواد الذي‬
‫يرى في القمر من أثر المحو‪ .‬قال ابن عباس‪ :‬جعل ال الشمس سبعين جزءا والقمر سبعين جزءا‪،‬‬
‫فمحا من نور القمر تسعة وستين جزءا فجعله مع نور الشمس‪ ،‬فالشمس على مائة وتسع وثلثين‬
‫جزءا والقمر على جزء واحد‪ .‬وعنه أيضيا‪ :‬خلق ال شمسيين من نور عرشيه‪ ،‬وجعيل ما سيبق فيي‬
‫علميه أن يكون شمسيا مثيل الدنييا على قدرهيا ميا بيين مشارقهيا إلى مغاربهيا‪ ،‬وجعيل القمير دون‬
‫الشمييس؛ فأرسييل جبريييل عليييه السييلم فأميير جناحييه على وجهييه ثلث مرات وهييو يومئذ شمييس‬
‫فطميس ضوءه وبقيي نوره؛ فالسيواد الذي ترونيه فيي القمير أثير المحيو‪ ،‬ولو تركيه شمسيا لم يعرف‬
‫الليل من النهار ذكر عنه الول الثعلبي والثاني المهدوي؛ وسيأتي مرفوعا‪ .‬وقال علي رضي ال‬
‫عنه وقتادة‪ :‬يريد بالمحو اللطخة السوداء التي في القمر‪ ،‬ليكون ضوء القمر أقل من ضوء الشمس‬
‫فيتميز به الليل من النهار‪" .‬وجعلنا آية النهار مبصرة" أي جعلنا شمسه مضيئة للبصار‪ .‬قال أبو‬
‫عمرو بيين العلء‪ :‬أي يبصيير بهييا‪ .‬قال الكسييائي‪ :‬وهييو ميين قول العرب أبصيير النهار إذا أضاء‪،‬‬
‫وصيار بحالة يبصير بهيا‪ .‬وقييل‪ :‬هو كقولهيم خيبيث مخبث إذا كان أصيحابه خبثاء‪ .‬ورجيل مضعيف‬
‫إذا كانت دوابه ضعافا؛ فكذلك النهار مبصرا إذا كان أهله بصراء‪" .‬لتبتغوا فضل من ربكم" يريد‬
‫التصيرف فيي المعاش‪ .‬ولم يذكير السيكون في الليل اكتفاء بميا ذكير فيي النهار‪ .‬وقيد قال فيي موضيع‬
‫آخر‪" :‬هو الذي جعل لكم الليل لتسكنوا فيه والنهار مبصرا" [يونس‪" .]67 :‬ولتعلموا عدد السنين‬
‫والحساب" أي لو لم يفعل ذلك لما عرف الليل من النهار‪ ،‬ول كان يعرف الحساب والعدد‪" .‬وكل‬
‫شييء فصلناه تفصييل" أي من أحكام التكلييف؛ وهو كقوله‪" :‬تبيانيا لكيل شييء" [النحل‪" ]89 :‬ما‬
‫فرطنا في الكتاب من شيء" [النعام‪ .]38 :‬وعن ابن عباس أن النبي صلى ال عليه وسلم قال‪:‬‬
‫(لما أبرم ال خلقه فلم يبق من خلقه غير آدم خلق شمسا من نور عرشه وقمرا فكانا جميعا شمسين‬
‫فأما ما كان في سابق علم ال أن يدعها شمسا فخلقها مثل الدنيا ما بين مشارقها ومغاربها وأما ما‬
‫كان فيي علم ال أن يخلقهيا قمرا فخلقهيا دون الشميس فيي العظيم ولكين إنميا يرى صيغرهما من شدة‬
‫ارتفاع السيماء وبعدهيا مين الرض فلو ترك ال الشميس والقمير كميا خلقهميا لم يعرف اللييل مين‬
‫النهار ول كان الجير يدري إلى متى يعمل ول الصائم إلى متى يصوم ول المرأة كيف تعتد ول‬
‫تدرى أوقات الصييلوات والحييج ول تحييل الديون ول حييين يبذرون ويزرعون ول متييى يسييكنون‬
‫للراحية لبدانهيم وكأن ال نظير إلى عباده وهيو أرحيم بهيم مين أنفسيهم فأرسيل جبرييل فأمير جناحيه‬
‫على وجيه القمير ثلث مرات وهيو يومئذ شميس فطميس عنيه الضوء وبقيي فييه النور فذلك قوله‬
‫"وجعلنا الليل والنهار آيتين" الية‪.‬‬
‫*‪*3‬اليتان‪{ 14 - 13 :‬وكيل إنسيان ألزمناه طائره فيي عنقه ونخرج له يوم القيامية كتابيا يلقاه‬
‫منشورا‪ ،‬اقرأ كتابك كفى بنفسك اليوم عليك حسيبا}‬
‫@قوله تعالى‪" :‬وكل إنسان ألزمناه طائره في عنقه" قال الزجاج‪ :‬ذكر العنيق عبارة عن اللزوم‬
‫كلزوم القلدة للعنيق‪ .‬وقال ابن عباس‪" :‬طائره" عمله وما قدر عليه من خير وشر‪ ،‬وهو ملزمه‬
‫أينميا كان‪ .‬وقال مقاتيل والكلبيي‪ :‬خيره وشره معيه ل يفارقيه حتيى يحاسيب بيه‪ .‬وقال مجاهيد‪ :‬عمله‬
‫ورزقيه‪ ،‬وعنيه‪ :‬ميا مين مولود يولد إل وفيي عنقيه ورقية فيهيا مكتوب شقيي أو سيعيد‪ .‬وقال الحسين‪:‬‬
‫"ألزمناه طائره" أي شقاوته وسعادته وما كتب له من خير وشر وما طار له من التقدير‪ ،‬أي صار‬
‫له عنيد القسيمة فيي الزل‪ .‬وقييل‪ :‬أراد به التكلييف‪ ،‬أي قدرناه إلزام الشرع‪ ،‬وهو بحييث لو أراد أن‬
‫يفعل ما أمر به وينزجر عما زجر به أمكنه ذلك‪" .‬ونخرج له يوم القيامة كتابا يلقاه منشورا" يعني‬
‫كتاب طائره الذي فيي عنقيه‪ .‬وقرأ الحسين وأبيو رجاء ومجاهيد‪" :‬طيره" بغيير ألف؛ ومنيه ميا روي‬
‫فيي الخيبر (اللهيم ل خيير إل خيرك ول طيير إل طيرك ول رب غيرك)‪ .‬وقرأ ابين عباس والحسين‬
‫ومجاهد وابن محيصن وأبو جعفر ويعقوب "ويخرج" بفتح الياء وضم الراء‪ ،‬على معنى ويخرج‬
‫له الطائر كتابا؛ في "كتابا" منصوب على الحال‪ .‬ويحتمل أن يكون المعنى‪ :‬ويخرج الطائر فيصير‬
‫كتابا‪ .‬وقرأ يحيى بن وثاب "ويخرج" بضم الياء وكسر الراء؛ وروي عن مجاهد؛ أي يخرج ال‪.‬‬
‫وقرأ شيبية ومحميد بين السيميقع‪ ،‬وروي أيضيا عين أبيي جعفير‪" :‬ويخرج" بضيم الياء وفتيح الراء‬
‫على الفعيل المجهول‪ ،‬ومعناه‪ :‬ويخرج له الطائر كتابيا‪ .‬الباقون "ونخرج" بنون مضمومية وكسير‬
‫الراء؛ أي ونحن نخرج‪ .‬احتج أبو عمرو في هذه القراءة بقوله "ألزمناه"‪ .‬وقرأ أبو جعفر والحسن‬
‫وابن عامر "يلقاه" بضم الياء وفتح اللم وتشديد القاف‪ ،‬بمعنى يؤتاه‪ .‬الباقون بفتح الياء خفيفة‪ ،‬أي‬
‫يراه منشورا‪ .‬وقال "منشورا" تعجيل للبشرى بالحسنة والتوبيخ بالسيئة‪ .‬وقال أبو السوار العدوي‬
‫وقرأ هذه الية "وكل إنسان ألزمناه طائره في عنقه" قال‪ :‬هما نشرتان وطية؛ أما ما حييت يا ابن‬
‫آدم فصحيفتك المنشورة فأمل فيها ما شئت؛ فإذا مت طويت حتى إذا بعثت نشرت‪" .‬اقرأ كتابك"‬
‫قال الحسيين‪ :‬يقرأ النسييان كتابييه أميييا كان أو غييير أمييي‪" .‬كفييى بنفسييك اليوم عليييك حسيييبا" أي‬
‫محاسيبا‪ .‬وقال بعيض الصيلحاء‪ :‬هذا كتاب‪ ،‬لسيانك قلميه‪ ،‬وريقيك مداده‪ ،‬وأعضاؤك قرطاسيه‪ ،‬أنيت‬
‫كنت المملي على حفظتك‪ ،‬ما زيد فيه ول نقص منه‪ ،‬ومتى أنكرت منه شيئا يكون فيه الشاهد منك‬
‫عليك‪.‬‬
‫*‪*3‬الية‪{ 15 :‬من اهتدى فإنما يهتدي لنفسه ومن ضل فإنما يضل عليها ول تزر وازرة وزر‬
‫أخرى وما كنا معذبين حتى نبعث رسول}‬
‫@قوله تعالى‪" :‬مين اهتدى فإنميا يهتدي لنفسيه ومين ضيل فإنميا يضيل عليهيا" أي إنميا كيل أحيد‬
‫يحاسيب عين نفسيه ل عين غيره؛ فمين اهتدى فثواب اهتدائه له‪ ،‬ومين ضيل فعقاب كفره علييه‪" .‬ول‬
‫تزر وازرة وزر أخرى" تقدم في النعام‪ .‬وقال ابن عباس‪ :‬نزلت في الوليد بن المغيرة‪ ،‬قال لهل‬
‫مكة‪ :‬اتبعون واكفروا بمحمد وعلي أوزاركم‪ ،‬فنزلت هذه الية؛ أي إن الوليد ل يحمل آثامكم وإنما‬
‫إثيم كيل واحيد عليه‪ .‬يقال‪ :‬وزر يزر وزرا‪ ،‬ووزرة‪ ،‬أي أثم‪ .‬والوزر‪ :‬الثقيل المثقل والجمع أوزار؛‬
‫ومنه "يحملون أوزارهم على ظهورهم" [النعام‪ ]31 :‬أي أثقال ذنوبهم‪ .‬وقد وزر إذا حمل فهو‬
‫وازر؛ ومنه وزير السلطان الذي يحمل ثقل دولته‪ .‬والهاء في قوله كناية عن النفس‪ ،‬أي ل تؤخذ‬
‫نفيس آثمية بإثيم أخرى‪ ،‬حتيى أن الوالدة تلقيي ولدهيا يوم القيامية فتقول‪ :‬ييا بنيي ألم يكين حجري لك‬
‫وطاء‪ ،‬ألم يكيين ثديييي لك سييقاء‪ ،‬ألم يكيين بطنييي لك وعاء‪ ،‬فيقول‪ :‬بلى يييا أميه فتقول‪ :‬يييا بنييي فإن‬
‫ذنوبي أثقلتني فاحمل عني منها ذنبا واحدا فيقول‪ :‬إليك عني يا أمه فإني بذنبي عنك اليوم مشغول‪.‬‬
‫مسيألة‪ :‬نزعيت عائشية رضيي ال عنهيا بهذه اليية فيي الرد على ابين عمير حييث قال‪ :‬إن المييت‬
‫ليعذب ببكاء أهله‪ .‬قال علماؤنيا‪ :‬وإنميا حملهيا على ذلك أنهيا لم تسيمعه‪ ،‬وأنيه معارض لليية‪ .‬ول‬
‫وجيه لنكارهيا‪ ،‬فإن الرواة لهذا المعنيى كثيير‪ ،‬كعمير وابنيه والمغيرة بين شعبية وقيلة بنيت مخرمية‪،‬‬
‫وهم جازمون بالرواية؛ فل وجه لتخطئتهم‪ .‬ول معارضة بين الية والحديث؛ فإن الحديث محمله‬
‫على ما إذا كان النوح من وصية الميت وسنته‪ ،‬كما كانت الجاهلية تفعله‪ ،‬حتى قال طرفة‪:‬‬
‫وشقي علي الجيب يا بنت معبد‬ ‫إذا مت فانعيني بما أنا أهله‬
‫وقال‪:‬‬
‫ومن يبك حول كامل فقد اعتذر‬ ‫إلى الحول ثم اسم السلم عليكما‬
‫وإلى هذا نحا البخاري‪ .‬وقد ذهب جماعة من أهل العلم منهم داود إلى اعتقاد ظاهر الحديث‪ ،‬وأنه‬
‫إنميا يعذب بنوحهيم؛ لنيه أهميل نهيهيم عنيه قبيل موتيه وتأديبهيم بذلك‪ ،‬فيعذب بتفريطيه فيي ذلك؛‬
‫وبترك ميا أمره ال بيه مين قوله‪" :‬قوا أنفسيكم وأهليكيم نارا" [التحرييم‪ ]6 :‬ل بذنيب غيره‪ ،‬وال‬
‫أعلم‪.‬‬
‫@قوله تعالى‪" :‬وما كنا معذبين حتى نبعث رسول" أي لم نترك الخلق سدى‪ ،‬بل أرسلنا الرسل‪.‬‬
‫وفي هذا دليل على أن الحكام ل تثبت إل بالشرع‪ ،‬خلفا للمعتزلة القائلين بأن العقل يقبح ويحسن‬
‫ويبيح ويحظر‪ .‬وقد تقدم في البقرة القول فيه‪ .‬والجمهور على أن هذا في حكم الدنيا؛ أي أن ال ل‬
‫يهلك أمية بعذاب إل بعيد الرسيالة إليهيم والنذار‪ .‬وقالت فرقية‪ :‬هذا عام فيي الدنييا والخرة‪ ،‬لقوله‬
‫تعالى‪" :‬كلما ألقي فيها فوج سألهم خزنتها ألم يأتكم نذير قالوا بلى قد جاءنا" [الملك‪ .]8 :‬قال ابن‬
‫عطيية‪ :‬والذي يعطييه النظير أن بعثيه آدم علييه السيلم بالتوحييد وبيث المعتقدات فيي بنييه ميع نصيب‬
‫الدلة الدالة على الصيانع ميع سيلمة الفطير توجيب على كيل أحيد مين العالم اليمان واتباع شريعية‬
‫ال‪ ،‬ثيم تجدد ذلك فيي زمين نوح علييه السيلم بعيد غرق الكفار‪ .‬وهذه اليية أيضيا يعطيي احتمال‬
‫ألفاظهيا نحيو هذا فيي الذيين لم تصيلهم رسيالة‪ ،‬وهم أهل الفترات الذيين قيد قدر وجودهيم بعض أهيل‬
‫العلم‪ .‬وأميا ميا روي مين أن ال تعالى يبعيث إليهيم يوم القيامية وإلى المجانيين والطفال فحدييث لم‬
‫يصح‪ ،‬ول يقتضي ما تعطيه الشريعة من أن الخرة ليست دار تكليف‪ .‬قال المهدوي‪ :‬وروي عن‬
‫أبي هريرة أن ال عز وجل يبعث يوم القيامة رسول إلى أهل الفطرة والبكم والخرس والصم؛‬
‫فيطيعيه منهيم مين كان يرييد أن يطيعيه فيي الدنييا‪ ،‬وتل اليية؛ رواه معمير عين ابين طاوس عين أبييه‬
‫عن أبي هريرة‪ ،‬ذكره النحاس‪.‬‬
‫قلت‪ :‬هذا موقوف‪ ،‬وسييأتي مرفوعيا فيي آخير سيورة [طيه] إن شاء ال تعالى؛ ول يصيح‪ .‬وقيد‬
‫اسيتدل قوم فيي أن أهيل الجزائر إذا سيمعوا بالسيلم وآمنوا فل تكلييف عليهيم فيميا مضيى؛ وهذا‬
‫صحيح‪ ،‬ومن لم تبلغه الدعوة فهو غير مستحق للعذاب من جهة العقل‪ ،‬وال أعلم‪.‬‬
‫*‪*3‬الية‪{ 16 :‬وإذا أردنا أن نهلك قرية أمرنا مترفيها ففسقوا فيها فحق عليها القول فدمرناها‬
‫تدميرا}‬
‫@ أخبر ال تعالى في الية التي قبل أنه لم يهلك القرى قبل ابتعاث الرسل‪ ،‬ل لنه يقبح منه ذلك‬
‫إن فعيل‪ ،‬ولكنه وعيد منيه‪ ،‬ول خلف فيي وعده‪ .‬فإذا أراد إهلك قريية ميع تحقييق وعده على ميا قاله‬
‫تعالى أمر مترفيها بالفسق والظلم فيها فحق عليها القول بالتدمير‪ .‬يعلمك أن من هلك هلك بإرادته‪،‬‬
‫فهو الذي يسبب السباب ويسوقها إلى غاياتها ليحق القول السابق من ال تعالى‪.‬‬
‫"أمرنيا" قرأ أبيو عثمان النهدي وأبيو رجاء وأبييو العاليية‪ ،‬والربيييع ومجاهييد والحسين "أمرنيا"‬
‫بالتشديييد‪ ،‬وهييي قراءة علي رضييي ال عنييه؛ أي سييلطنا شرارهييا فعصييوا فيهييا‪ ،‬فإذا فعلوا ذلك‬
‫أهلكناهييم‪ .‬وقال أبييو عثمان النهدي "أمرنييا" بتشديييد الميييم‪ ،‬جعلناهييم أمراء مسييلطين؛ وقاله ابيين‬
‫عزيز‪ .‬وتأمر عليهم تسلط عليهم‪ .‬وقرأ الحسن أيضيا وقتادة وأبو حيوة الشامي ويعقوب وخارجة‬
‫عيين نافييع وحماد بيين سييلمة عيين ابيين كثييير وعلى وابيين عباس باختلف عنهمييا "آمرنييا" بالمييد‬
‫والتخفييف‪ ،‬أي أكثرنيا جبابرتهيا وأمراءهيا؛ قاله الكسيائي‪ .‬وقال أبيو عيبيدة‪ :‬آمرتيه بالميد وأمرتيه‪،‬‬
‫لغتان بمعنييى كثرتييه؛ ومنييه الحديييث (خييير المال مهرة مأمورة أو سييكة مأبورة) أي كثيرة النتاج‬
‫والنسل‪ .‬وكذلك قال ابن عزيز‪ :‬آمرنا وأمرنا بمعنى واحد؛ أي أكثرنا‪ .‬وعن الحسن أيضا ويحيى‬
‫بين يعمير "أمرنيا" بالقصير وكسير المييم على فعلنيا‪ ،‬وروييت عين ابين عباس‪ .‬قال قتادة والحسين‪:‬‬
‫المعنى أكثرنا؛ وحكى نحوه أبو زيد وأبو عبيد‪ ،‬وأنكره الكسائي وقال‪ :‬ل يقال من الكثرة إل آمرنا‬
‫بالميد؛ قال وأصيلها "أأمرنيا" فخفيف‪ ،‬حكاه المهدوي‪ .‬وفيي الصيحاح‪ :‬وقال أبيو الحسين أمير ماله‬
‫بالكسر أي كثر‪ .‬وأمر القوم أي كثروا؛ قال الشاعر‪:‬‬
‫أمرون ل يرثون سهم القعدد‬
‫وآمير ال ماله‪ :‬بالميد‪ :‬الثعلبيي‪ :‬ويقال للشييء الكثيير أمير‪ ،‬والفعيل منيه‪ :‬أمير القوم يأمرون أمرا إذا‬
‫كثروا‪ .‬قال ابن مسعود‪ :‬كنا نقول في الجاهلية للحي إذا كثروا‪ :‬أمر أمر بني فلن؛ قال لبيد‪:‬‬
‫قل وإن أكثرت من العدد‬ ‫كل بني حرة مصيرهم‬
‫يوما يصيروا للهلك والنكد‬ ‫إن يغبطوا يهبطوا وإن أمروا‬
‫قلت‪ :‬وفيي حدييث هرقيل الحدييث الصيحيح‪( :‬لقيد أمِر أ ْم ُر ابين أبيي كبشية‪ ،‬إنيه ليخافيه ملك بنيي‬
‫الصييفر) أي كثيير‪ .‬وكله غييير متعييد ولذلك أنكره الكسييائي‪ ،‬وال اعلم‪ .‬قال المهدوي‪ :‬وميين قرأ‬
‫"أمير" فهيي لغية‪ ،‬ووجيه تعديية "أمير" أنيه شبهيه بعمير مين حييث كانيت الكثرة أقرب شييء إلى‬
‫العمارة‪ ،‬فعدي كميا عدي عمير‪ .‬الباقون "أمرنيا" مين المير؛ أي أمرناهيم بالطاعية إعذارا وإنذارا‬
‫وتخويفا ووعيدا‪" .‬ففسقوا فيها" أي فخرجوا عن الطاعة عاصين لنا‪" .‬فحق عليها القول" فوجب‪،‬‬
‫عليها الوعيد؛ عن ابن عباس‪ .‬وقيل‪" :‬أمرنا" جعلناهم أمراء؛ لن العرب تقول‪ :‬أمير غير مأمور‪،‬‬
‫أي غير مؤمر‪ .‬وقيل‪ :‬معناه بعثنا مستكبريها‪ .‬قال هارون‪ :‬وهي قراءة ُأبَي "بعثنا أكابر مجرميها‬
‫ففسيقوا" ذكره الماوردي‪ .‬وحكيى النحاس‪ :‬وقال هارون فيي قراءة أبيي "وإذا أردنيا أن نهلك قريية‬
‫بعثنا فيها أكابر مجرميها فمكروا فيها فحق عليها القول"‪ .‬ويجوز أن يكون "أمرنا" بمعنى أكثرنا؛‬
‫ومنه (خير المال مهرة مأمورة) على ما تقدم‪ .‬وقال قوم‪ :‬مأمورة اتباع لمأبورة؛ كالغدايا والعشايا‪.‬‬
‫وكقوله‪( :‬ارجعين مأزورات غيير مأجورات)‪ .‬وعلى هذا ل يقال‪ :‬أمرهيم ال‪ ،‬بمعنيى كثرهيم‪ ،‬بيل‬
‫يقال‪ :‬آمره وأمره‪ .‬واختار أبيو عبييد وأبيو حاتيم قراءة العامية‪ .‬قال أبيو عبييد‪ :‬وإنميا اخترنيا "أمرنيا"‬
‫لن المعاني الثلثة تجتمع فيها من المر والمارة والكثرة‪ .‬والمترف‪ :‬المنعم؛ وخصوا بالمر لن‬
‫غيرهم تبع لهم‪.‬‬
‫@قوله تعالى‪" :‬فدمرناها" أي استأصلناها بالهلك‪" .‬تدميرا" وذكر المصدر للمبالغة في العذاب‬
‫الواقيع بهيم‪ .‬وفيي الصيحيح مين حدييث بنيت جحيش زوج النيبي صيلى ال علييه وسيلم قالت‪ :‬خرج‬
‫رسول ال صلى ال عليه وسلم يوما فزعا محمرا وجهه يقول‪( :‬ل إله إل ال ويل للعرب من شر‬
‫قيد اقترب فتيح اليوم مين ردم يأجوج ومأجوج مثيل هذه) وحلق بإصيبعه البهام والتيي تليهيا‪ .‬قالت‪:‬‬
‫فقلت ييا رسيول ال‪ ،‬أنهلك وفينيا الصيالحون؟ قال‪( :‬نعيم إذا كثير الخبيث)‪ .‬وقيد تقدم الكلم فيي هذا‬
‫الباب‪ ،‬وأن المعاصي إذا ظهرت ولم تغير كانت سببا لهلك الجميع؛ وال اعلم‪.‬‬
‫*‪*3‬الية‪{ 17 :‬وكم أهلكنا من القرون من بعد نوح وكفى بربك بذنوب عباده خبيرا بصيرا}‬
‫@قوله تعالى‪" :‬وكم أهلكنا من القرون من بعد نوح" أي كم من قوم كفروا حل بهم البوار‪ .‬يخوف‬
‫كفار مكية‪ ،‬وقيد تقدم‪" .‬وكفيى بربيك بذنوب عباده خيبيرا بصييرا" "خيبيرا" عليميا بهيم‪" .‬بصييرا"‬
‫يبصر أعمالهم؛ وقد تقدم‪.‬‬
‫*‪*3‬اليتان‪{ 19 - 18 :‬من كان يريد العاجلة عجلنا له فيها ما نشاء لمن نريد ثم جعلنا له جهنم‬
‫يصيلها مذموميا مدحورا‪ ،‬ومين أراد الخرة وسيعى لهيا سيعيها وهيو مؤمين فأولئك كان سيعيهم‬
‫مشكورا}‬
‫@قوله تعالى‪" :‬مين كان يرييد العاجلة" يعنيي الدنييا‪ ،‬والمراد الدار العاجلة؛ فعيبر بالنعيت عين‬
‫المنعوت‪" .‬عجلنييا له فيهييا مييا نشاء لميين نريييد" أي لم نعطييه منهييا إل مييا نشاء ثييم نؤاخذه بعمله‪،‬‬
‫وعاقبتييه دخول النار‪" .‬مذمومييا مدحورا" أي مطردا مبعدا ميين رحميية ال‪ .‬وهذه صييفة المنافقييين‬
‫الفاسيقين‪ ،‬والمرائيين المداجيين‪ ،‬يلبسيون السيلم والطاعية لينالوا عاجيل الدنييا مين الغنائم وغيرهيا‪،‬‬
‫فل يقبل ذلك العمل منهم في الخرة ول يعطون في الدنيا إل ما قسم لهم‪ .‬وقد تقدم في "هود" أن‬
‫هذه اليية تقييد اليات المطلقية؛ فتأمله‪" .‬ومين أراد الخرة" أي الدار الخرة‪" .‬وسيعى لهيا سيعيها"‬
‫أي عمل لها عملها من الطاعات‪" .‬وهو مؤمن" لن الطاعات ل تقبل إل من مؤمن‪" .‬فأولئك كان‬
‫سيعيهم مشكورا" أي مقبول غيير مردود‪ .‬وقييل‪ :‬مضاعفيا؛ أي تضاعيف لهيم الحسينات إلى عشير‪،‬‬
‫وإلى سيبعين وإلى سيبعمائة ضعيف‪ ،‬وإلى أضعاف كثيرة؛ كميا روي عين أبيي هريرة وقيد قييل له‪:‬‬
‫أسييمعت رسييول ال صييلى ال عليييه وسييلم يقول‪( :‬إن ال ليجزي على الحسيينة الواحدة ألف ألف‬
‫حسنة )؟ فقال سمعته يقول‪( :‬إن ال ليجزي على الحسنة الواحدة ألفي ألف حسنة)‪.‬‬
‫*‪*3‬اليات‪{ 22 - 20 :‬كل نمد هؤلء وهؤلء من عطاء ربك وما كان عطاء ربك محظورا‪،‬‬
‫انظر كيف فضلنا بعضهم على بعض وللخرة أكبر درجات وأكبر تفضيل‪ ،‬ل تجعل مع ال إلها‬
‫آخر فتقعد مذموما مخذول}‬
‫@قوله تعالى‪" :‬كل نميد هؤلء وهؤلء مين عطاء ربيك" اعلم أنيه يرزق المؤمنيين والكافريين‪.‬‬
‫"وميا كان عطاء ربيك محظورا" أي محبوسيا ممنوعيا؛ مين حظير يحظير حظرا وحظارا‪ .‬ثيم قال‬
‫تعالى‪" :‬انظير كييف فضلنيا بعضهيم على بعيض" فيي الرزق والعميل؛ فمين مقيل ومكثير‪" .‬وللخرة‬
‫أكيبر درجات وأكيبر تفضيل" أي للمؤمنيين؛ فالكافير وإن وسيع علييه فيي الدنييا مرة‪ ،‬وقتير على‬
‫المؤميين مرة فالخرة ل تقسييم إل مرة واحدة بأعمالهييم؛ فميين فاتييه شيييء منهييا لم يسييتدركه فيهييا‪.‬‬
‫وقوله‪" :‬ل تجعييل مييع ال إلهييا آخيير" الخطاب للنييبي صييلى ال عليييه وسييلم والمراد أمتييه‪ .‬وقيييل‪:‬‬
‫الخطاب للنسان‪" .‬فتقعد" أي تبقى‪" .‬مذموما مخذول" ل ناصر لك ول وليا‪.‬‬
‫*‪*3‬اليتان‪{ 24 - 23 :‬وقضى ربك أل تعبدوا إل إياه وبالوالدين إحسانا إما يبلغن عندك الكبر‬
‫أحدهميا أو كلهميا فل تقيل لهميا أف ول تنهرهميا وقيل لهميا قول كريميا‪ ،‬واخفيض لهميا جناح الذل‬
‫من الرحمة وقل رب ارحمهما كما ربياني صغيرا}‬
‫@قوله تعالى‪" :‬وقضى" أي أمر وألزم وأوجب‪ .‬قال ابن عباس والحسن وقتادة‪ :‬وليس هذا قضاء‬
‫حكيم بيل هيو قضاء أمير‪ .‬وفيي مصيحف ابين مسيعود "ووصيى" وهيي قراءة أصيحابه وقراءة ابين‬
‫عباس أيضا وعلي وغيرهما‪ ،‬وكذلك عند أبي بن كعب‪ .‬قال ابن عباس‪ :‬إنما هو "ووصى ربك"‬
‫فالتصيقت إحدى الواويين فقرئت "وقضيى ربيك" إذ لو كان على القضاء ميا عصيى ال أحيد‪ .‬وقال‬
‫الضحاك‪ :‬تصيحفت على قوم "وصيى بقضيي" حيين اختلطيت الواو بالصياد وقيت كتيب المصيحف‪.‬‬
‫وذكير أبيو حاتيم عين ابين عباس مثيل قول الضحاك‪ .‬وقال عين ميمون بين مهران أنيه قال‪ :‬إن على‬
‫قول ابن عباس لنورا؛ قال ال تعالى‪" :‬شرع لكم من الدين ما وصى به نوحا والذي أوحينا إليك"‬
‫[الشورى‪ ]13 :‬ثم أبى أبو حاتم أن يكون ابن عباس قال ذلك‪ .‬وقال‪ :‬لو قلنا هذا لطعن الزنادقة‬
‫فيي مصيحفنا‪ ،‬ثيم قال علماؤنيا المتكلمون وغيرهيم‪ :‬القضاء يسيتعمل فيي اللغية على وجوه‪ :‬فالقضاء‬
‫بمعنيى المير؛ كقوله تعالى‪" :‬وقضيى ربيك أل تعبدوا إل إياه" معناه أمير‪ .‬والقضاء بمعنيى الخلق؛‬
‫كقوله‪" :‬فقضاهن سبع سماوات في يومين" [فصلت‪ ]12 :‬يعني خلقهن‪ .‬والقضاء بمعنى الحكم؛‬
‫كقوله تعالى‪" :‬فاقيض ميا أنيت قاض" يعنيي احكيم ميا أنيت تحكيم‪ .‬والقضاء بمعنيى الفراغ؛ كقوله‪:‬‬
‫"قضيى المير الذي فييه تسيتفتيان" [يوسيف‪ ]41 :‬أي فرغ منيه؛ ومنيه قوله تعالى "فإذا قضيتيم‬
‫مناسككم" [البقرة‪ .]200 :‬وقوله تعالى‪" :‬فإذا قضييت الصيلة"‪ .‬والقضاء بمعنيى الرادة؛ كقوله‬
‫تعالى‪" :‬إذا قضييى أمرا فإنمييا يقول له كيين فيكون" [آل عمران‪ .]47 :‬والقضاء بمعنييى العهييد؛‬
‫كقوله تعالى‪" :‬وما كنت بجانب الغربي إذ قضينا إلى موسى المر" [القصص‪.]44 :‬‬
‫فإذا كان القضاء يحتميل هذه المعانيي فل يجوز إطلق القول بأن المعاصيي بقضاء ال؛ لنيه إن‬
‫أريد به المر فل خلف أنه ل يجوز ذلك‪ ،‬لن ال تعالى لم يأمر بها‪ ،‬فإنه ل يأمر بالفحشاء‪ .‬وقال‬
‫زكرييا بين سيلم‪ :‬جاء رجيل إلى الحسين فقال إنيه طلق امرأتيه ثلثيا‪ .‬فقال‪ :‬إنيك قيد عصييت ربيك‬
‫وبانت منك‪ .‬فقال الرجل‪ :‬قضى ال ذلك علي فقال الحسن وكان فصيحا‪ :‬ما قضى ال ذلك أي ما‬
‫أمر ال به‪ ،‬وقرأ هذه الية‪" :‬وقضى ربك أل تعبدوا إل إياه"‪.‬‬
‫@ أمر ال سبحانه بعبادته وتوحيده‪ ،‬وجعل بر الوالدين مقرونا بذلك‪ ،‬كما قرن شكرهما بشكره‬
‫فقال‪" :‬وقضييى ربييك أل تعبدوا إل إياه وبالوالدييين إحسييانا"‪ .‬وقال‪" :‬أن اشكيير لي ولوالديييك إلي‬
‫المصير" [لقمان‪ .]14 :‬وفي صحيح البخاري عن عبدال قال‪ :‬سألت النبي صلى ال عليه وسلم‬
‫أي العميل أحيب إلى ال عيز وجيل؟ قال‪( :‬الصيلة على وقتهيا) قال‪ :‬ثيم أي؟ قال‪( :‬ثيم بر الوالديين)‬
‫قال ثم أي؟ قال‪( :‬الجهاد في سبيل ال) فأخبر صلى ال عليه وسلم أن بر الوالدين أفضل العمال‬
‫بعد الصلة التي هي أعظم دعائم السلم‪ .‬ورتب ذلك بي (ثم) التي تعطي الترتيب والمهلة‪.‬‬
‫@ من البر بهما والحسان إليهما أل يتعرض لسبهما ول يعقهما؛ فإن ذلك من الكبائر بل خلف‪،‬‬
‫وبذلك وردت السنة الثابتة؛ ففي صحيح مسلم عن عبدال بن عمرو أن رسول ال صلى ال عليه‬
‫وسلم قال‪( :‬إن من الكبائر شتم الرجل والديه) قالوا‪ :‬يا رسول ال‪ ،‬وهل يشتم الرجل والديه؟ قال‬
‫(نعم‪ .‬يسب الرجل أبا الرجل فيسب أباه ويسب أمه فيسب أمه)‪.‬‬
‫@ عقوق الوالدييين مخالفتهمييا فييي أغراضهمييا الجائزة لهمييا؛ كمييا أن برهمييا موافقتهمييا على‬
‫أغراضهما‪ .‬وعلى هذا إذا أمرا أو أحدهما ولدهما بأمر وجبت طاعتهما فيه‪ ،‬إذا لم يكن ذلك المر‬
‫معصيية‪ ،‬وإن كان ذلك المأمور بيه مين قبييل المباح فيي أصيله‪ ،‬وكذلك إذا كان مين قبييل المندوب‪.‬‬
‫وقد ذهب بعض الناس إلى أن أمرهما بالمباح يصيره في حق الولد مندوبا إليه وأمرهما بالمندوب‬
‫يزيده تأكيدا في ندبيته‪.‬‬
‫@ روى الترمذي عن عمر قال‪ :‬كانت تحتي امرأة أحبها‪ ،‬وكان أبي يكرهها فأمرني أن أطلقها‬
‫فأبييت‪ ،‬فذكرت ذلك للنيبي صيلى ال علييه وسيلم فقال‪( :‬ييا عبدال بين عمير طلق امرأتيك)‪ .‬قال هذا‬
‫حديث حسن صحيح‪.‬‬
‫@ روى الصحيح عن أبي هريرة قال‪ :‬جاء رجل إلى النبي صلى ال عليه وسلم فقال‪ :‬من أحق‬
‫الناس بحسن صحابتي؟ قال‪( :‬أمك) قال‪ :‬ثم من؟ قال‪( :‬ثم أمك) قال‪ :‬ثم من؟ قال‪( :‬ثم أمك) قال‪:‬‬
‫ثيم مين؟ قال‪( :‬ثيم أبوك)‪ .‬فهذا الحدييث يدل على أن محبية الم والشفقية عليهيا ينبغيي أن تكون ثلثية‬
‫أمثال محبة الب؛ لذكر النبي صلى ال عليه وسلم الم ثلث مرات وذكر الب في الرابعة فقط‪.‬‬
‫وإذا توصييل هذا المعنييى شهييد له العيان‪ .‬وذلك أن صييعوبة الحمييل وصييعوبة الوضييع وصييعوبة‬
‫الرضاع والتربيية تنفرد بهيا الم دون الب؛ فهذه ثلث منازل يخلو منهيا الب‪ .‬وروي عين مالك‬
‫أن رجل قال له‪ :‬إن أبيي فيي بلد السيودان‪ ،‬وقيد كتيب إلي أن أقدم علييه‪ ،‬وأميي تمنعنيي مين ذلك؛‬
‫فقال‪ :‬أطيع أباك‪ ،‬ول تعيص أميك‪ .‬فدل قول مالك هذا أن برهميا متسياو عنده‪ .‬وقيد سيئل اللييث عين‬
‫هذه المسألة فأمره بطاعة الم؛ وزعم أن لها ثلثي البر‪ .‬وحديث أبي هريرة يدل على أن لها ثلثة‬
‫أرباع البر؛ وهو الحجة على من خالف‪ .‬وقد زعم المحاسبي في (كتاب الرعاية) له أنه ل خلف‬
‫بييين العلماء أن للم ثلثيية أرباع البر وللب الربييع؛ على مقتضييى حديييث أبييي هريرة رضييي ال‬
‫عنه‪ .‬وال اعلم‪.‬‬
‫ل يختيص بر الوالديين بأن يكونيا مسيلمين‪ ،‬بيل إن كانيا كافريين يبرهميا ويحسين إليهميا إذا كان لهميا‬
‫عهيد؛ قال ال تعالى‪" :‬ل ينهاكيم ال عين الذيين لم يقاتلوكيم فيي الديين ولم يخرجوكيم مين دياركيم أن‬
‫تيبروهم" [الممتحنية‪ .]8 :‬وفيي صيحيح البخاري عين أسيماء قالت‪ :‬قدميت أميي وهيي مشركية فيي‬
‫عهد قريش ومدتهم إذ عاهدوا النبي صلى ال عليه وسلم مع أبيها‪ ،‬فاستفتيت النبي صلى ال عليه‬
‫وسلم فقلت‪ :‬إن أمي قدمت وهي راغبة أفأصلها؟ قال‪( :‬نعم صلي أمك)‪ .‬وروي أيضا عن أسماء‬
‫قالت‪ :‬أتتنيي أميي راغبية فيي عهيد النيبي صيلى ال علييه وسيلم فسيأل النيبي صيلى ال علييه وسيلم‬
‫أأصلها؟ قال‪( :‬نعم)‪ .‬قال ابن عينية‪ :‬فأنزل ال عز وجل فيها‪" :‬ل ينهاكم ال عن الذين لم يقاتلوكم‬
‫في الدين" [الممتحنة‪ ]8 :‬الول معلق والثاني مسند‪.‬‬
‫@ من الحسان إليهميا والبر بهما إذا لم يتعين الجهاد أل يجاهيد إل بإذنهميا‪ .‬روى الصيحيح عن‬
‫عبدال بين عمرو قال‪ :‬جاء رجيل إلى النيبي صيلى ال علييه وسيلم يسيتأذنه فيي الجهاد فقال‪( :‬أحيي‬
‫والداك)؟ قال نعم‪ .‬قال‪( :‬ففيهما فجاهد)‪ .‬لفظ مسلم‪ .‬في غير الصحيح قال‪ :‬نعم؛ وتركتهما يبكيان‪.‬‬
‫قال‪( :‬اذهيب فأضحكهميا كميا أبكيتهميا)‪ .‬وفيي خيبر آخير أنيه قال‪( :‬نوميك ميع أبوييك على فراشهميا‬
‫يضاحكانيك ويلعبانيك أفضيل لك مين الجهاد معيي)‪ .‬ذكره ابين خوييز منداد‪ .‬ولفيظ البخاري فيي‬
‫كتاب بر الوالديين‪ :‬أخبرنيا أبيو نعييم أخبرنيا سيفيان عين عطاء بين السيائب عين أبييه عين عبدال بين‬
‫عمرو قال‪ :‬جاء رجييل إلى النييبي صييلى ال عليييه وسييلم يبايعييه على الهجرة‪ ،‬وترك أبويييه يبكيان‬
‫فقال‪( :‬ارجع إليهما فأضحكهما كما أبكيتهما)‪ .‬قال ابن المنذر‪ :‬في هذا الحديث النهي عن الخروج‬
‫بغير إذن البوين ما لم يقع النفير؛ فإذا وقع وجب الخروج على الجميع‪ .‬وذلك بين في حديث أبي‬
‫قتادة أن رسول ال صلى ال عليه وسلم بعث جيش المراء‪...‬؛ فذكر قصة زيد بن حارثة وجعفر‬
‫بن أبي طالب وابن رواحة وأن منادي وسول ال صلى ال عليه وسلم نادى بعد ذلك‪ :‬أن الصلة‬
‫جامعيية؛ فاجتمييع الناس فحمييد ال وأثنييى عليييه ثييم قال‪( :‬أيهييا الناس‪ ،‬اخرجوا فأمدوا إخوانكييم ول‬
‫يتخلفين أحيد) فخرج الناس مشاة وركبانيا فيي حير شدييد‪ .‬فدل قوله‪( :‬اخرجوا فأمدوا إخوانكيم) أن‬
‫العذر فييي التخلف عيين الجهاد إنمييا هييو مييا لم يقييع النفييير؛ مييع قوله عليييه السييلم‪( :‬فإذا اسييتنفرتم‬
‫فانفروا)‪.‬‬
‫قلت‪ :‬وفيي هذه الحادييث دلييل على أن المفروض أو المندوبات متيى اجتمعيت قدم الهيم منهيا‪.‬‬
‫وقد استوفى هذا المعنى المحاسبي في كتاب الرعاية‪.‬‬
‫@ واختلفوا فيي الوالديين المشركيين هل يخرج بإذنهما إذا كان الجهاد من فروض الكفاية؛ فكان‬
‫الثوري يقول‪ :‬ل يغزو إل بإذنهميييا‪ .‬وقال الشافعيييي‪ :‬له أن يغزو بغيييير إذنهميييا‪ .‬قال ابييين المنذر‪:‬‬
‫والجداد آباء‪ ،‬والجدات أمهات فل يغزو المرء إل بإذنهيم‪ ،‬ول أعلم دللة توجيب ذلك لغيرهيم مين‬
‫الخوة وسيائر القرابات‪ .‬وكان طاوس يرى السيعي على الخوات أفضيل مين الجهاد فيي سيبيل ال‬
‫عز وجل‪.‬‬
‫@ من تمام برهما صلة أهل ودهما؛ ففي الصحيح عن ابن عمر قال‪ :‬سمعت رسول ال صلى ال‬
‫عليه وسلم يقول‪( :‬إن من أبر صلة الرجل أهل ود أبيه بعد أن يولي)‪ .‬وروى أبو أسيد وكان بدريا‬
‫قال‪ :‬كنت مع النبي صلى ال عليه وسلم جالسا فجاءه رجل من النصار فقال‪ :‬يا رسول ال‪ ،‬هل‬
‫بقيي مين بر والدي مين بعيد موتهميا شييء أبرهميا بيه؟ قال‪( :‬نعيم‪ .‬الصيلة عليهميا والسيتغفار لهميا‬
‫وإنفاذ عهدهما بعدهما وإكرام صديقهما وصلة الرحم التي ل رحم لك إل من قبلهما فهذا الذي بقي‬
‫علييك)‪ .‬وكان صيلى ال علييه وسيلم يهدي لصيدائق خديجية برا بهيا ووفاء لهيا وهيي زوجتيه‪ ،‬فميا‬
‫ظنك بالوالدين‪.‬‬
‫@قوله تعالى‪" :‬إميا يبلغين عندك الكيبر أحدهميا أو كلهميا" خيص حالة الكيبر لنهيا الحالة التيي‬
‫يحتاجان فيهييا إلى بره لتغييير الحال عليهمييا بالضعييف والكييبر؛ فألزم فييي هذه الحالة ميين مراعاة‬
‫أحوالهميا أكثير مميا ألزميه مين قبيل‪ ،‬لنهميا فيي هذه الحالة قيد صيارا كل علييه‪ ،‬فيحتاجان أن يلي‬
‫منهميا فيي الكيبر ميا كان يحتاج فيي صيغره أن يلييا منيه؛ فلذلك خيص هذه الحالة بالذكير‪ .‬وأيضيا‬
‫فطول المكيث للمرء يوجيب السيتثقال للمرء عادة ويحصيل الملل ويكثير الضجير فيظهير غضبيه‬
‫على أبويه وتنتفخ لهما أوداجه‪ ،‬ويستطيل عليهما بدالة البنوة وقلة الديانة‪ ،‬وأقل المكروه ما يظهره‬
‫بتنفسه المتردد من الضجر‪ .‬وقد أمر أن يقابلهما بالقول الموصوف بالكرامة‪ ،‬وهو السالم عن كل‬
‫عيب فقال‪" :‬فل تقل لهما أف ول تنهرهما وقل لهما قول كريما"‪ .‬روى مسلم عن أبي هريرة قال‬
‫قال رسول ال صلى ال عليه وسلم‪( :‬رغم أنفه رغم أنفه رغم أنفه) قيل‪ :‬من يا رسول ال؟ قال‪:‬‬
‫(مين أدرك والدييه عنيد الكيبر أحدهميا أو كليهميا ثيم لم يدخيل الجنية)‪ .‬وقال البخاري فيي كتاب‬
‫الوالدين‪ :‬حدثنا مسدد حدثنا بشر بن المفضل حدثنا عبدالرحمن بن إسحاق عن أبي سعيد المقبري‬
‫عن أبي هريرة عن النبي صلى ال عليه وسلم قال‪( :‬رغم أنف رجل ذكرت عنده فلم يصل علي‪.‬‬
‫رغيم أنيف رجيل أدرك أبوييه عنيد الكيبر أو أحدهميا فلم يدخله الجنية‪ .‬ورغيم أنيف رجيل دخيل علييه‬
‫رمضان ثيم انسيلخ قبيل أن يغفير له)‪ .‬حدثنيا ابين أبيي أوييس حدثنيا أخيي عين سيليمان بين بلل عين‬
‫محمد بن هلل عن سعد بن إسحاق بن كعب بن عجرة السالمي عن أبيه رضي ال عنه قال‪ :‬إن‬
‫كعيب بين عجرة رضيي ال عنيه قال قال النيبي صيلى ال علييه وسيلم‪( :‬أحضروا المنيبر) فلميا خرج‬
‫رقي إلى المنبر‪ ،‬فرقي في أول درجة منه قال آمين ثم رقي في الثانية فقال آمين ثم لما رقى في‬
‫الثالثية قال آميين‪ ،‬فلميا فرغ ونزل مين المنيبر قلنيا‪ :‬ييا رسيول ال‪ ،‬لقيد سيمعنا منيك اليوم شيئا ميا كنيا‬
‫نسيمعه منيك؟ قال‪( :‬وسيمعتموه)؟ قلنيا نعيم‪ .‬قال‪( :‬إن جبرييل علييه السيلم اعترض فال‪ :‬بعيد مين‬
‫أدرك رمضان فلم يغفير له فقلت آميين فلميا رقييت فيي الثانيية قال بعيد مين ذكرت عنده فلم يصيل‬
‫علييك فقلت آميين فلميا رقييت فيي الثالثية قال بعيد مين أدرك عنده أبواه الكيبر أو أحدهميا فلم يدخله‬
‫الجنة قلت آمين)‪ .‬حدثنا أبو نعيم حدثنا سلمة بن وردان سمعت أنسا رضي ال عنه يقول‪ :‬ارتقى‬
‫رسول ال صلى ال عليه وسلم على المنبر درجة فقال آمين ثم ارتقى درجة فقال آمين ثم ارتقى‬
‫الدرجة الثالثة فقال آمين‪ ،‬ثم استوى وجلس فقال أصحابه‪ :‬يا رسول ال‪ ،‬علم أمنت؟ قال‪( :‬أتاني‬
‫جبرييل علييه السيلم فقال رغيم أنيف مين ذكرت عنده فلم يصيل علييك فقلت آميين ورغيم أنيف مين‬
‫أدرك أبوييه أو أحدهميا فلم يدخيل الجنية فقلت آميين) الحديييث‪ .‬فالسييعيد الذي يبادر اغتنام فرصيية‬
‫برهما لئل تفوته بموتهما فيندم على ذلك‪ .‬والشقي من عقهما‪ ،‬ل سيما من بلغه المر ببرهما‪.‬‬
‫@قوله تعالى‪" :‬فل تقيل لهميا أف" أي ل تقيل لهميا ميا يكون فييه أدنيى تيبرم‪ .‬وعين أبيي رجاء‬
‫العطاردي قال‪ :‬الف الكلم القذع الردييء الخفيي‪ .‬وقال مجاهيد‪ :‬معناه إذا رأييت منهميا فيي حال‬
‫الشيييخ الغائط والبول الذي رأياه منييك فييي الصييغر فل تقذرهمييا وتقول أف‪ .‬والييية أعييم ميين هذا‪.‬‬
‫والف والتيف وسيخ الظفار‪ .‬ويقال لكيل ميا يضجير ويسيتثقل‪ :‬أف له‪ .‬قال الزهري‪ :‬والتيف أيضيا‬
‫الشيييء الحقييير‪ .‬وقرئ "أف" منون مخفوض؛ كمييا تخفييض الصييوات وتنون‪ ،‬تقول‪ :‬صييه ومييه‪.‬‬
‫وفيييه عشيير لغات‪ :‬أف‪ ،‬وإف‪ ،‬وأف‪ ،‬وأفييا وأف‪ ،‬وأفييه‪ ،‬وإف لك (بكسيير الهمزة)‪ ،‬وأف (بضييم‬
‫الهمزة وتسكين الفاء)‪ ،‬وأفا (مخففة الفاء)‪ .‬وفي الحديث‪( :‬فألقى طرف ثوبه على أنفه ثم قال أف‬
‫أف)‪ .‬قال أبو بكر‪ :‬معناه استقذار لما شم‪ .‬وقال بعضهم‪ :‬معنى أف الحتقار والستقلل؛ أخذ من‬
‫الف وهيو القلييل‪ .‬وقال القتيبي‪ :‬أصيله نفخيك الشييء يسيقط علييك مين رماد وتراب وغيير ذلك‪،‬‬
‫وللمكان ترييد إماطية شييء لتقعيد فييه؛ فقيلت هذه الكلمية لكيل مسيتثقل‪ .‬وقال أبيو عمرو بين العلء‪:‬‬
‫الف وسيخ بيين الظفار‪ ،‬والتيف قلمتهيا‪ .‬وقال الزجاج‪ :‬معنيى أف النتين‪ .‬وقال الصيمعي‪ :‬الف‬
‫وسخ الذن‪ ،‬والتف وسخ الظفار؛ فكثر استعماله حتى ذكر في كل ما يتأذى به‪ .‬وروي من حديث‬
‫علي بيين أبييي طالب رضييي ال عنييه قال قال رسييول ال صييلى ال عليييه وسييلم‪( :‬لو علم ال ميين‬
‫العقوق شيئا أردا من "أف" لذكره فليعمل البار ما شاء أن يعمل فلن يدخل النار‪ .‬وليعمل العاق ما‬
‫شاء أن يعميل فلن يدخيل الجنية)‪ .‬قال علماؤنيا‪ :‬وإنميا صيارت قولة "أف" للبويين أردأ شييء لنيه‬
‫رفضهميا رفيض كفير النعمية‪ ،‬وجحيد التربيية ورد الوصيية التيي أوصياه فيي التنزييل‪ .‬و"أف" كلمية‬
‫مقولة لكييل شيييء مرفوض؛ ولذلك قال إبراهيييم لقومييه‪" :‬أف لكييم ولمييا تعبدون ميين دون ال"‬
‫[النبياء‪ ]67 :‬أي رفض لكم ولهذه الصنام معكم‪.‬‬
‫@قوله تعالى‪" :‬ول تنهرهما" النهر‪ :‬الزجر والغلظة‪" .‬وقل لهما قول كريما" أي لينا لطيفا‪ ،‬مثل‪:‬‬
‫ييا أبتاه وييا أماه‪ ،‬مين غيير أن يسيميهما ويكنيهميا؛ قال عطاء‪ .‬وقال ابين البداح التجييبي‪ :‬قلت لسيعيد‬
‫بين المسييب كيل ميا فيي القرآن مين بر الوالديين قيد عرفتيه إل قوله‪" :‬وقيل لهميا قول كريميا" ميا هذا‬
‫القول الكريم؟ قال ابن المسيب‪ :‬قول العبد المذنب السيد الفظ الغليظ‪.‬‬
‫@قوله تعالى‪" :‬واخفيض لهميا جناح الذل مين الرحمية" هذه اسيتعارة فيي الشفقية والرحمية بهميا‬
‫والتذلل لهما تذلل الرعية للمير والعبيد للسادة؛ كما أشار إليه سعيد بن المسيب‪ .‬وضرب خفض‬
‫الجناح ونصيبه مثل لجناح الطائر حيين ينتصيب بجناحيه لولده‪ .‬والذل‪ :‬هيو الليين‪ .‬وقراءة الجمهور‬
‫بضيم الذال‪ ،‬مين ذل يذل ذل وذلة ومذلة فهيو ذال وذلييل‪ .‬وقرأ سيعيد بين جيبير وابين عباس وعروة‬
‫بين الزبيير "الذل" بكسير الذال‪ ،‬وروييت عين عاصيم؛ مين قولهيم‪ :‬دابية ذلول بينية الذل‪ .‬والذل فيي‬
‫الدواب المنقاد السيهل دون الصيعب‪ .‬فينبغيي بحكيم هذه اليية أن يجعيل النسيان نفسيه ميع أبوييه فيي‬
‫خير ذلة‪ ،‬في أقواله وسكناته ونظره‪ ،‬ول يحد إليهما بصره فإن تلك هي نظرة الغاضب‪.‬‬
‫الخطاب فيي هذه اليية للنيبي صيلى ال علييه وسيلم والمراد بيه أمتيه؛ إذ لم يكين له علييه السيلم فيي‬
‫ذلك الوقيت أبوان‪ .‬ولم يذكير الذل فيي قوله تعالى‪" :‬واخفيض جناحيك لمين اتبعيك مين المؤمنيين"‬
‫[الشعراء‪ ]215 :‬وذكره هنا بحسب عظم الحق وتأكيده‪ .‬و"من" في قوله‪" :‬من الرحمة" لبيان‬
‫الجنيس‪ ،‬أي إن هذا الخفيض يكون مين الرحمية المسيتكنة فيي النفيس‪ ،‬ل بأن يكون ذلك اسيتعمال‪.‬‬
‫ويصح أن يكون لنتهاء الغاية‪،‬‬
‫@قوله تعالى‪" :‬وقيل رب ارحمهميا" أمير تعالى عباده بالترحيم على آبائهيم والدعاء لهيم‪ ،‬وأن‬
‫ترحهمييا كمييا رحماك وترفييق بهمييا كمييا رفقييا بييك؛ إذ ولياك صييغيرا جاهل محتاجييا فآثراك على‬
‫أنفسيهما‪ ،‬وأسيهرا ليلهميا‪ ،‬وجاعيا وأشبعاك‪ ،‬وتعرييا وكسيواك‪ ،‬فل تجزيهميا إل أن يبلغيا مين الكيبر‬
‫الحيد الذي كنيت فييه مين الصيغر‪ ،‬فتلي منهميا ميا ولييا منيك‪ ،‬ويكون لهميا حينئذ فضيل التقدم‪ .‬قال‬
‫صلى ال عليه وسلم‪( :‬ل يجزي ولد والدا إل أن يجده مملوكا فيشتريه فيعتقه)‪ .‬وسيأتي في سورة‬
‫[مريم] الكلم على هذا الحديث‪ .‬والية "وقل رب أرحمهما" نزلت في سعد بن أبي وقاص‪ ،‬فإنه‬
‫أسلم‪ ،‬فألقت أمه نفسها في الرمضاء متجردة‪ ،‬فذكر ذلك لسعد فقال‪ :‬لتمت‪ ،‬فنزلت الية‬
‫@قوله تعالى‪" :‬كما ربياني" خص التربية بالذكر ليتذكر العبد شفقة البوين وتبعهما في التربية‪،‬‬
‫فيزيده ذلك إشفاقييا لهمييا وحنانييا عليهمييا‪ ،‬وهذا كله فييي البوييين المؤمنييين‪ .‬وقييد نهييى القرآن عيين‬
‫الستغفار للمشركين الموات ولو كانوا أولي قربى‪ ،‬كما تقدم‪ .‬وذكر عن ابن عباس وقتادة أن هذا‬
‫كله منسييوخ بقوله‪" :‬مييا كان للنييبي والذييين آمنوا أن يسييتغفروا للمشركييين ‪ -‬إلى قوله ‪ -‬أصييحاب‬
‫الجحييم" [التوبية‪ ]113 :‬فإذا كان والدا المسيلم ذمييين اسيتعمل معهميا ميا أمره ال بيه هاهنيا؛ إل‬
‫الترحيم لهميا بعيد موتهميا على الكفير؛ لن هذا وحده نسيخ باليية المذكورة‪ .‬وقييل‪ :‬لييس هذا موضيع‬
‫نسخ‪ ،‬فهو دعاء بالرحمة الدنيوية للبوين المشركين ما داما حيين‪ ،‬كما تقدم‪ .‬أو يكون عموم هذه‬
‫الية خص بتلك‪ ،‬ل رحمة الخرة‪ ،‬ل سيما وقد قيل إن قوله‪" :‬وقل رب أرحمهما" نزلت في سعد‬
‫بين أبيي وقاص‪ ،‬فإنيه أسيلم‪ ،‬فألقيت أميه نفسيها فيي الرمضاء متجردة‪ ،‬فذكير ذلك لسيعد فعال‪ :‬لتميت‪،‬‬
‫فنزلت الييية‪ .‬وقيييل‪ :‬الييية خاصيية فييي الدعاء للبوييين المسييلمين‪ .‬والصييواب أن ذلك عموم كمييا‬
‫ذكرنا‪ ،‬وقال ابن عباس قال النبي صلى ال عليه وسلم‪( :‬من أمسى مرضيا لوالديه وأصبح أمسى‬
‫وأصييبح وله بابان مفتوحان ميين الجنيية وإن واحدا فواحدا‪ .‬وميين أمسييى وأصييبح مسييخطا لوالديييه‬
‫أمسييى وأصييبح وله بابان مفتوحان إلى النار وإن واحدا فواحدا) فقال رجييل‪ :‬يييا رسييول ال‪ ،‬وإن‬
‫ظلماه؟ قال‪( :‬وإن ظلماه وإن ظلماه وإن ظلماه)‪ .‬وقد روينا بالسناد المتصل عن جابر بن عبدال‬
‫رضيي ال تعالى عنيه قال‪ :‬جاء رجيل إلى النيبي صيلى ال علييه وسيلم فقال‪ :‬ييا رسيول ال‪ ،‬إن أبيي‬
‫أخيذ مالي‪ .‬فقال النيبي صيلى ال علييه وسيلم للرجيل‪( :‬فأتنيي بأبييك) فنزل جبرييل علييه السيلم على‬
‫النبي صلى ال عليه وسلم فقال‪( :‬إن ال عز وجل يقرئك السلم ويقول لك إذا جاءك الشيخ فاسأله‬
‫عن شيء قاله في نفسه ما سمعته أذناه) فلما جاء الشيخ قال له النبي صلى ال عليه وسلم‪( :‬ما بال‬
‫ابنيك يشكوك أترييد أن تأخيذ ماله)؟ فقال‪ :‬سيله ييا رسيول ال‪ ،‬هيل أنفقيه إل على إحدى عماتيه أو‬
‫خالتيه أو على نفسيي! فقال له رسيول ال صيلى ال علييه وسيلم‪( :‬إييه‪ ،‬دعنيا مين هذا أخيبرني عين‬
‫شيء قلته في نفسك ما سمعته أذناك)؟ فقال الشيخ‪ :‬وال يا رسول ال‪ ،‬ما زال ال عز وجل يزيدنا‬
‫بك يقينا‪ ،‬لقد قلت في نفسي شيئا ما سمعته أذناي‪ .‬قال‪( :‬قل وأنا أسمع) قال قلت‪:‬‬
‫تعل بما أجني عليك وتنهل‬ ‫غذوتك مولودا ومنتك يافعا‬
‫لسقمك إل ساهرا أتململ‬ ‫إذا ليلة ضافتك بالسقم لم أبت‬
‫طرقت به دوني فعيني تهمل‬ ‫كأني أنا المطروق دونك بالذي‬
‫لتعلم أن الموت وقت مؤجل‬ ‫تخاف الردى نفسي عليك وإنها‬
‫إليها مدى ما كنت فيك أؤمل‬ ‫فلما بلغت السن والغاية التي‬
‫كأنك أنت المنعم المتفضل‬ ‫جعلت جزائي غلظة وفظاظة‬
‫فعلت كما الجار المصاقب يفعل‬ ‫فليتك إذ لم ترع حق أبوتي‬
‫علي بمال دون مالك تبخل‬ ‫فأوليتني حق الجوار ولم تكن‬
‫قال‪ :‬فحينئذ أخذ النبي صلى ال عليه وسلم بتلبيب ابنه وقال‪( :‬أنت ومالك لبيك)‪ .‬قال الطبراني‪:‬‬
‫اللخمي ل يروى ‪ -‬يعني هذا الحديث ‪ -‬عن ابن المنكدر بهذا التمام والشعر إل بهذا السناد؛ وتفرد‬
‫به عبيدال بن خلصة‪ .‬وال اعلم‪.‬‬
‫*‪*3‬الية‪{ 25 :‬ربكم أعلم بما في نفوسكم إن تكونوا صالحين فإنه كان للوابين غفورا}‬
‫@قوله تعالى‪" :‬ربكيم أعلم بميا فيي نفوسيكم" أي مين اعتقاد الرحمية بهميا والحنيو عليهميا‪ ،‬أو مين‬
‫غيير ذلك مين العقوق‪ ،‬أو مين جعيل ظاهير برهميا رياء‪ .‬وقال ابين جيبير‪ :‬يرييد البادرة التيي تبدر‪،‬‬
‫كالفلتيية والزلة‪ ،‬تكون ميين الرجييل إلى أبويييه أو أحدهمييا‪ ،‬ل يريييد بذلك بأسييا؛ قال ال تعالى‪" :‬إن‬
‫تكونوا صييالحين" أي صييادقين فييي نييية البر بالوالدييين فإن ال يغفيير البادرة‪ .‬وقوله‪" :‬فإنييه كان‬
‫للوابييين غفورا" وعييد بالغفران مييع شرط الصييلح والوبيية بعييد الوبيية إلى طاعيية ال سييبحانه‬
‫وتعالى‪ .‬قال سعيد بن المسيب‪ :‬هو العبد يتوب ثم يذنب ثم يتوب ثم يذنب‪ .‬وقال ابن عباس رضي‬
‫ال عنييه‪ :‬الواب‪ :‬الحفيييظ الذي إذا ذكيير خطاياه اسييتغفر منهييا‪ .‬وقال عبيييد بيين عمييير‪ :‬هييم الذييين‬
‫يذكرون ذنوبهم في الخلء ثم يستغفرون ال عز وجل‪ .‬وهذه القوال متقاربة‪ .‬وقال عون العقيلي‪:‬‬
‫الوابون هم الذين يصلون صلة الضحى‪ .‬وفي الصحيح‪( :‬صلة الوابين حين ترمض الفصال)‪.‬‬
‫وحقيقة اللفظ من آب يؤوب إذا رجع‪.‬‬
‫*‪*3‬اليتان‪{ 27 - 26 :‬وآت ذا القربيى حقيه والمسيكين وابين السيبيل ول تبذر تبذيرا‪ ،‬إن‬
‫المبذرين كانوا إخوان الشياطين وكان الشيطان لربه كفورا}‬
‫@قوله تعالى‪" :‬وآت ذا القربى حقه" أي كما راعيت حق الوالدين فصل الرحم‪ ،‬ثم تصدق على‬
‫المسيكين وابين السيبيل‪ .‬وقال علي بين الحسيين فيي قوله تعالى‪" :‬وآت ذا القربيى حقيه"‪ :‬هيم قرابية‬
‫النيبي صيلى ال علييه وسيلم‪ ،‬أمير صيلى ال علييه وسيلم بإعطائهيم حقوقهيم مين بييت المال‪ ،‬أي مين‬
‫سهم ذوي القربى من الغزو والغنيمة‪ ،‬ويكون خطابا للولة أو من قام مقامهم‪ .‬والحق في هذه الية‬
‫ما يتعين من صلة الرحم‪ ،‬وسد الخلة‪ ،‬والمواساة عند الحاجة بالمال‪ ،‬والمعونة بكل وجه‪.‬‬
‫@قوله تعالى‪" :‬ول تبذر" أي ل تسرف في النفاق في غير حق‪ .‬قال الشافعي رضي ال عنه‪:‬‬
‫والتبذيير إنفاق المال فيي غيير حقيه‪ ،‬ول تبذيير فيي عميل الخيير‪ .‬وهذا قول الجمهور‪ .‬وقال أشهيب‬
‫عن مالك‪ :‬التبذير هو أخذ المال من حقه ووضعه في غير حقه‪ ،‬وهو السراف‪ ،‬وهو حرام لقوله‬
‫تعالى‪" :‬إن المبذريين كانوا إخوان الشياطيين" وقوله‪" :‬إخوان" يعنيي أنهيم فيي حكمهيم؛ إذ المبذر‬
‫ساع في إفساد كالشياطين‪ ،‬أو أنهم يفعلون ما تسول لهم أنفسهم‪ ،‬أو أنهم يقرنون بهم غدا في النار؛‬
‫ثلثية أقوال‪ .‬والخوان هنيا جميع أخ مين غيير النسيب؛ ومنيه قوله تعالى‪" :‬إنميا المؤمنون إخوة"‬
‫[الحجرات‪ .]10 :‬وقوله تعالى‪" :‬وكان الشيطان لربه كفورا" أي احذروا متابعته والتشبه به في‬
‫الفسيياد‪ .‬والشيطان اسييم الجنييس‪ .‬وقرأ الضحاك "إخوان الشيطان" على النفراد‪ ،‬وكذلك ثبييت فييي‬
‫مصحف أنس بن مالك رضي ال عنه‪.‬‬
‫@ من أنفق مال في الشهوات زائدا على قدر الحاجات وعرضه بذلك للنفاد فهو مبذر‪ .‬ومن أنفق‬
‫ربح مال في شهواته وحفظ الصل أو الرقبة فليس بمبذر‪ .‬ومن أنفق درهما في حرام فهو مبذر‪،‬‬
‫ويحجر عليه في نفقته الدرهم في الحرام‪ ،‬ول يحجر عليه إن بذله في الشهوات إل إذا خيف عليه‬
‫النفاد‪.‬‬
‫*‪*3‬الية‪{ 28 :‬وإما تعرضن عنهم ابتغاء رحمة من ربك ترجوها فقل لهم قول ميسورا}‬
‫@ وهيو أنيه سيبحانه وتعالى خيص نيبيه صيلى ال علييه وسيلم بقوله‪" :‬وإميا تعرضين عنهيم ابتغاء‬
‫رحمية مين ربيك ترجوهيا"‪ .‬وهيو تأدييب عجييب وقول لطييف بدييع‪ ،‬أي ل تعرض عنهيم إعراض‬
‫مسييتهين عيين ظهيير الغنييى والقدرة فتحرمهييم‪ .‬وإنمييا يجوز أن تعرض عنهييم عنييد عجييز يعرض‬
‫وعائق يعوق‪ ،‬وأنت عند ذلك ترجو من ال سبحانه وتعالى فتح باب الخير لتتوصل به إلى مواساة‬
‫السائل؛ فإن قعد بك الحال فقل لهم قول ميسورا‪.‬‬
‫@ فيي سيبب نزولهيا؛ فال ابين زييد‪ :‬نزلت اليية فيي قوم كانوا يسيألون رسيول ال صيلى ال علييه‬
‫وسيلم فيأبيى أن يعطيهيم؛ لنيه كان يعلم منهيم نفقية المال فيي فسياد‪ ،‬فكان يعرض عنهيم رغبية فيي‬
‫الجير فيي منعهيم لئل يعينهيم على فسيادهم‪ .‬وقال عطاء الخراسياني فيي قوله تعالى "وإميا تعرضين‬
‫عنهيم ابتغاء رحمية مين ربيك ترجوهيا" قال‪ :‬لييس هذا فيي ذكير الوالديين‪ ،‬جاء ناس مين مزينية إلى‬
‫النبي صلى ال عليه وسلم يستحملونه؛ فقال‪( :‬ل أجد ما أحملكم عليه) فتولوا وأعينهم تفيض من‬
‫الدميع حزنيا؛ فأنزل ال تعالى‪" :‬وإميا تعرضين عنهيم ابتغاء رحمية مين ربيك ترجوهيا"‪ .‬والرحمية‬
‫الفييء‪ .‬والضميير فيي "عنهيم" عائد على مين تقدم ذكرهيم مين الباء والقرابية والمسياكين وأبناء‬
‫السبيل‪.‬‬
‫@قوله تعالى‪" :‬فقيل لهيم قول ميسيورا" أمره بالدعاء لهيم‪ ،‬أي يسير فقرهيم عليهيم بدعائك لهيم‪.‬‬
‫وقيل‪ :‬ادع لهم دعاء يتضمن الفتح لهم والصلح‪ .‬وقيل‪ :‬المعنى "وإما تعرضن" أي إن أعرضت‬
‫ييا محميد عين إعطائهيم لضييق ييد فقيل لهيم قول ميسيورا؛ أي أحسين القول وأبسيط العذر‪ ،‬وادع لهيم‬
‫بسعة الرزق‪ ،‬وقل إذا وجدت فعلت وأكرمت؛ فإن ذلك يعمل في مسرة نفسه عمل المواساة‪ .‬وكان‬
‫علييه الصيلة والسيلم إذا سيئل ولييس عنده ميا يعطيي سيكت انتظارا لرزق يأتيي مين ال سيبحانه‬
‫وتعالى كراهية الرد‪ ،‬فنزلت هذه اليية‪ ،‬فكان صيلى ال علييه وسيلم إذا سيئل ولييس عنده ميا يعطيي‬
‫قال‪( :‬يرزقنييا ال وإياكييم ميين فضله)‪ .‬فالرحميية على هذا التأويييل الرزق المنتظيير‪ .‬وهذا قول ابيين‬
‫عباس ومجاهيد وعكرمية‪ .‬و"قول ميسيورا" أي لينيا لطيفيا طيبيا‪ ،‬مفعول بمعنيى الفاعيل‪ ،‬مين لفيظ‬
‫اليسر كالميمون‪ ،‬أي وعدا جميل‪ ،‬على ما بيناه‪ .‬ولقد أحسن من قال‪:‬‬
‫للسائلين فإني لين العود‬ ‫إل تكن َو ِرقٌ يوما أجود بها‬
‫إما نوالي وإما حسن مردودي‬ ‫ل يعدم السائلون الخير من خلقي‬
‫تقول‪ :‬يسرت لك كذا إذا أعددته‪.‬‬
‫*‪*3‬الية‪{ 29 :‬ول تجعل يدك مغلولة إلى عنقك ول تبسطها كل البسط فتقعد ملوما محسورا}‬
‫@قوله تعالى‪" :‬ول تجعل يدك مغلولة إلى عنقك" هذا مجاز عبر به عن البخيل الذي ل يقدر من‬
‫قلبه على إخراج شيء من ماله؛ فضرب له مثل الغل الذي يمنع من التصرف باليد‪ .‬وفي صحيح‬
‫البخاري ومسيلم عن أبيي هريرة رضيي ال عنه قال‪ :‬ضرب رسول ال صيلى ال عليه وسلم مثيل‬
‫البخيل والمتصدق كمثل رجلين عليهما جبتان من حديه قد اضطرت أيديهما إلى ثديهما وتراقيهما‬
‫فجعيل المتصيدق كلميا تصيدق بصيدقة انبسيطت عنيه حتيى تغشيى أنامله وتعفيو أثره وجعيل البخييل‬
‫كلما هم بصدقة قلصت وأخذت كل حلقة بمكانها‪ .‬قال أبو هريرة رضي ال عنه‪ :‬فأنا رأيت رسول‬
‫ال صلى ال عليه وسلم يقول بأصبعيه هكذا في جيبه فلو رأيته يوسعها ول تتوسع‪.‬‬
‫@قوله تعالى‪" :‬ول تبسيطها كيل البسيط" ضرب بسيط الييد مثل لذهاب المال‪ ،‬فإن قبيض الكيف‬
‫يحبس ما فيها‪ ،‬وبسطها يذهب ما فيها‪ .‬وهذا كله خطاب للنبي صلى ال عليه وسلم والمراد أمته‪،‬‬
‫وكثيرا ميا جاء فيي القرآن؛ فإن النيبي صيلى ال علييه وسيلم لميا كان سييدهم وواسيطتهم إلى ربهيم‬
‫عبر به عنهم على عادة العرب في ذلك‪ .‬وأيضا فإنه عليه الصلة والسلم لم يكن يدخر شيئا لغد‪،‬‬
‫وكان يجوع حتى يشد الحجر على بطنه من الجوع‪ .‬وكان كثير من الصحابة ينفقون في سبيل ال‬
‫جميييع أموالهييم‪ ،‬فلم يعنفهييم النييبي صييلى ال عليييه وسييلم ولم ينكيير عليهييم لصييحة يقينهييم وشدة‬
‫بصائرهم‪ .‬وإنما نهى ال سبحانه وتعالى عن الفراط في النفاق‪ ،‬وإخراج ما حوته يده من المال‬
‫مين خييف علييه الحسيرة على ميا خرج مين يده‪ ،‬فأميا مين وثيق بموعود ال عيز وجيل وجزييل ثوابيه‬
‫فيميا أنفقيه فغيير مراد باليية‪ ،‬وال اعلم‪ .‬وقييل‪ :‬إن هذا الخطاب للنيبي صيلى ال علييه وسيلم فيي‬
‫خاصية نفسيه‪ ،‬علميه فييه كيفيية النفاق‪ ،‬وأمره بالقتصياد‪ .‬قال جابر وابين مسيعود‪ :‬جاء غلم إلى‬
‫النبي صلى ال عليه وسلم فقال‪ :‬إن أمي تسألك كذا وكذا‪ .‬فقال‪( :‬ما عندنا اليوم شيء)‪ .‬قال‪ :‬فتقول‬
‫لك اكسني قميصك؛ فخلع قميصه فدفعه إليه وجلس في البيت عريانا‪ .‬وفي رواية جابر‪ :‬فأذن بلل‬
‫للصيلة وانتظير رسيول ال صيلى ال علييه وسيلم يخرج‪ ،‬واشتغلت القلوب‪ ،‬فدخيل بعضهيم فإذا هيو‬
‫عار؛ فنزلت هذه الية‪ .‬وكل هذا في إنفاق الخير‪ .‬وأما إنفاق الفساد فقليله وكثيره حرام‪ ،‬كما تقدم‪.‬‬
‫@ نهت هذه الية عن استفراغ الوجد فيما يطرأ أول من سؤال المؤمنين؛ لئل يبقى من يأتي بعد‬
‫ذلك ل شيء له‪ ،‬أو لئل يضيع المنفق عياله‪ .‬ونحوه من كلم الحكمة‪ :‬ما رأيت قط سرفا إل ومعه‬
‫حق مضيع‪ .‬وهذه من آيات فقه الحال فل يبين حكمها إل باعتبار شخص شخص من الناس‪.‬‬
‫@قوله تعالى‪" :‬فتقعيد ملوميا محسيورا" قال ابين عرفية‪ :‬يقول ل تسيرف ول تتلف مالك فتبقيى‬
‫محسيورا منقطعيا عين النفقية والتصيرف؛ كميا يكون البعيير الحسيير‪ ،‬وهيو الذي ذهبيت قوتيه فل‬
‫انبعاث به؛ ومنه قوله تعالى‪" :‬ينقلب إليك البصر خاسئا وهو حسير" [الملك‪ ]4 :‬أي كليل منقطع‪.‬‬
‫وقال قتادة‪ :‬أي نادميا على ميا سيلف منيك؛ فجعله مين الحسيرة‪ ،‬وفييه بعيد؛ لن الفاعيل مين الحسيرة‬
‫حسر وحسران ول يقال محسور‪ .‬والملوم‪ :‬الذي يلم على إتلف ماله‪ ،‬أو يلومه من ل يعطيه‪.‬‬
‫*‪*3‬اليتان‪{ 31 - 30 :‬إن ربك يبسط الرزق لمن يشاء ويقدر إنه كان بعباده خبيرا بصيرا‪،‬‬
‫ول تقتلوا أولدكم خشية إملق نحن نرزقهم وإياكم إن قتلهم كان خطأ كبيرا}‬
‫@ قيد مضيى الكلم فيي هذه اليية فيي النعام‪ ،‬والحميد ل‪ .‬والملق‪ :‬الفقير وعدم الملك‪ .‬أملق‬
‫الرجل أي لم يبق له إل الملقات؛ وهي الحجارة العظام الملس‪ .‬قال الهذلي يصف صائدا‪:‬‬
‫إذا سامت على الملقات ساما‬ ‫أتيح لها أقيدر ذو حَشيف‬
‫الواحدة ملقة‪ .‬والقيدر تصغير القدر‪ ،‬وهو الرجل القصير‪ .‬والحشيف من الثياب‪ :‬الخلق‪ .‬وسامت‬
‫مرت‪ .‬وقال شمر‪ :‬أملق لزم ومتعد‪ ،‬أملق إذا افتقر‪ ،‬وأملق الدهر ما بيده‪ .‬قال أوس‪:‬‬
‫وأملق ما عندي خطوب َت َنبّل‬
‫@قوله تعالى‪" :‬خطئا" قراءة الجمهور بكسير الخاء وسيكون الطاء وبالهمزة والقصير‪ .‬وقرأ ابن‬
‫عامر "خطأ" بفتح الخاء والطاء والهمزة مقصورة‪ ،‬وهي قراءة أبي جعفر يزيد‪ .‬وهاتان قراءتان‬
‫مأخوذتان مين "خطيئ" إذا أتيى الذنيب على عميد‪ .‬قال ابين عرفية‪ :‬يقال خطيئ فيي ذنبيه خطيأ إذا أثيم‬
‫فييه‪ ،‬وأخطيأ إذا سيلك سيبيل خطيأ عامدا أو غيير عاميد‪ .‬قال‪ :‬ويقال خطيئ فيي معنيى أخطيأ‪ .‬وقال‬
‫الزهري‪ :‬يقال خطيئ يخطيأ خطئا إذا تعميد الخطيأ؛ مثيل أثيم يأثيم إثميا‪ .‬وأخطيأ إذا لم يتعميد إخطاء‬
‫وخطأ‪ .‬قال الشاعر‪:‬‬
‫علي وإن ما أهلكت مال‬ ‫دعيني إنما خطئي وصوبي‬
‫والخطأ السم يقوم مقام الخطاء‪ ،‬وهو ضد الصواب‪ .‬وفيه لغتان‪ :‬القصر وهو الجيد‪ ،‬والمد وهو‬
‫قلييل‪ ،‬وروي عين ابين عباس رضيي ال تعالى عنهميا "خطيأ" بفتيح الخاء وسيكون الطاء وهمزة‪.‬‬
‫وقرأ ابين كثيير بكسير الخاء وفتيح الطاء وميد الهمزة‪ .‬قال النحاس‪ :‬ول أعرف لهذه القراءة وجهيا‪،‬‬
‫ولذلك جعلها أبو حاتم غلطا‪ .‬قال أبو علي‪ :‬هي مصدر من خاطأ يخاطئ‪ ،‬وإن كنا ل نجد خاطأ‪،‬‬
‫ولكن وجدنا تخاطأ‪ ،‬وهو مطاوع خاطأ‪ ،‬فدلنا عليه؛ ومنه قول الشاعر‪:‬‬
‫وأخر يومي فلم أعجل‬ ‫تخاطأت النبل أحشاءه‬
‫وقول الخر في وصف مهاة‪:‬‬
‫وخرطومه في منقع الماء راسب‬ ‫تخاطأه القناص حتى وجدته‬
‫الجوهري‪ :‬تخاطأه أي أخطأه؛ وقال أوفى بن مطر المازني‪:‬‬
‫بأن خليلك لم يقتل‬ ‫أل أبلغا خلتي جابرا‬
‫وأخر يومي فلم يعجل‬ ‫تخاطأت النبل أحشاءه‬
‫وقرأ الحسين "خطاء" بفتيح الخاء والطاء والميد فيي الهمزة‪ .‬قال أبيو حاتيم‪ :‬ل يعرف هذا فيي اللغية‬
‫وهيي غلط غيير جائز‪ .‬وقال أبيو الفتيح‪ :‬الخطيأ مين أخطأت بمنزلة العطاء مين أعطييت‪ ،‬هيو اسيم‬
‫بمعنى المصدر‪ ،‬وعن الحسن أيضا "خطى" بفتح الخاء والطاء منونة من غير همز‪.‬‬
‫*‪*3‬الية‪{ 32 :‬ول تقربوا الزنى إنه كان فاحشة وساء سبيل}‬
‫@ قال العلماء‪ :‬قوله تعالى "ول تقربوا الزنى" أبلغ من أن يقول‪ :‬ول تزنوا؛ فإن معناه ل تدنوا‬
‫من الزنى‪ .‬والزنى يمد ويقصر‪ ،‬لغتان‪ .‬قال الشاعر‪:‬‬
‫كان الزناء فريضة الرجم‬ ‫كانت فريضة ما تقول كما‬
‫و "سيبيل" نصيب على التميييز؛ التقديير‪ :‬وسياء سيبيله سيبيل‪ .‬أي لنيه يؤدي إلى النار‪ .‬والزنيى مين‬
‫الكبائر‪ ،‬ول خلف فيه وفي قبحه ل سيما بحليلة الجار‪ .‬وينشأ عنه استخدام ولد الغير واتخاذه ابنا‬
‫وغيير ذلك مين الميراث وفسياد النسياب باختلط المياه‪ .‬وفيي الصيحيح أن النيبي صيلى ال علييه‬
‫وسيلم أتيى بامرأة مُجيح على باب فسيطاط فقال‪( :‬لعله يرييد أن يُلم بهيا) فقالوا‪ :‬نعيم‪ .‬فقال رسيول ال‬
‫صلى ال عليه وسلم‪( :‬لقد هممت أن ألعنه لعنا يدخل معه قبره كيف يورثه وهو ل يحل له كيف‬
‫يستخدمه وهو ل يحل له)‪.‬‬
‫*‪*3‬اليية‪{ 33 :‬ول تقتلوا النفيس التيي حرم ال إل بالحيق ومين قتيل مظلوميا فقيد جعلنيا لولييه‬
‫سلطانا فل يسرف في القتل إنه كان منصورا}‬
‫@قوله تعالى‪" :‬ول تقتلوا النفس التي حرم ال إل بالحق ومن قتل مظلوما" أي بغير سبب يوجب‬
‫القتيل‪" .‬فقد جعلنا لولييه" أي لمسيتحق دمه‪ .‬قال ابن خويز منداد‪ :‬الولي يجيب أن يكون ذكرا؛ لنه‬
‫أفرده بالولية بلفظ التذكير‪ .‬وذكر إسماعيل بن إسحاق في قوله تعالى‪" :‬فقد جعلنا لوليه" ما يدل‬
‫على خروج المرأة عين مطلق لفيظ الولي‪ ،‬فل جرم‪ ،‬لييس للنسياء حيق فيي القصياص لذلك ول أثير‬
‫لعفوهيا‪ ،‬ولييس لهييا السييتيفاء‪ .‬وقال المخالف‪ :‬إن المراد هييا هنييا بالولي الوارث؛ وقييد قال تعالى‪:‬‬
‫"والمؤمنون والمؤمنات بعضهم أولياء بعض" [التوبة‪ ،]71 :‬وقال‪" :‬والذين آمنوا ولم يهاجروا‬
‫ميا لكيم من وليتهيم مين شيء"‪[ ،‬النفال‪ ،]72 :‬وقال‪" :‬وأولوا الرحام بعضهم أولى ببعض فيي‬
‫كتاب ال" [النفال‪ ]75 :‬فاقتضى ذلك إثبات القود لسائر الورثة؛ وأما ما ذكروه من أن الولي في‬
‫ظاهره على التذكيير وهيو واحيد‪ ،‬كأن ميا كان بمعنيى الجنيس يسيتوي المذكير والمؤنيث فييه‪ ،‬وتتمتيه‬
‫فيي كتيب الخلف‪" .‬سيلطانا" أي تسيليطا إن شاء قتيل وإن شاء عفيا‪ ،‬وإن شاء أخيذ الديية؛ قاله ابين‬
‫عباس رضيي ال تعالى عنهميا والضحاك وأشهيب والشافعيي‪ .‬وقال ابين وهيب قال مالك‪ :‬السيلطان‬
‫أمر ال‪ .‬ابن عباس‪ :‬السلطان الحجة‪ .‬وقيل‪ :‬السلطان طلبه حتى يدفع إليه‪ .‬قال ابن العربي‪ :‬وهذه‬
‫القوال متقاربية‪ ،‬وأوضحهيا قول مالك‪ :‬إنيه أمير ال‪ .‬ثيم إن أمير ال عيز وجيل لم يقيع نصيا فاختلف‬
‫العلماء فيه؛ فقال ابن القاسم عن مالك وأبي حنيفة‪ :‬القتل خاصة‪ .‬وقال أشهب‪ :‬الخيرة؛ كما ذكرنا‬
‫آنفا‪ ،‬وبه قال الشافعي‪ .‬وقد مضى في سورة "البقرة" هذا المعنى‪.‬‬
‫@قوله تعالى‪" :‬فل يسرف في القتل" فيه ثلثة أقوال‪ :‬ل يقتل غير قاتله؛ قاله الحسن والضحاك‬
‫ومجاهيد وسيعيد بين جيبير‪ .‬الثانيي‪ :‬ل يقتيل بدل ولييه اثنيين كميا كانيت العرب تفعله‪ .‬الثالث‪ :‬ل يمثيل‬
‫بالقاتل؛ قاله طلق بن حبيب‪ ،‬وكله مراد لنه إسراف منهي عنه‪ .‬وقد مضى في "البقرة" القول في‬
‫هذا مسييتوفى‪ .‬وقرأ الجمهور "يسييرف" بالياء‪ ،‬يريييد الولي‪ ،‬وقرأ ابيين عاميير وحمزة والكسييائي‬
‫"تسيرف" بالتاء مين فوق‪ ،‬وهيي قراءة حذيفية‪ .‬وروى العلء بين عبدالكرييم عين مجاهيد قال‪ :‬هيو‬
‫للقاتيل الول‪ ،‬والمعنى عندنا فل تسيرف أيهيا القاتل‪ .‬وقال الطبري‪ :‬هو على معنيى الخطاب للنيبي‬
‫صيلى ال علييه وسيلم والئمية مين بعده‪ .‬أي ل تقتلوا غيير القاتيل‪ .‬وفيي حرف أبيي "فل تسيرفوا فيي‬
‫القتل"‪.‬‬
‫@قوله تعالى‪" :‬إنه كان منصورا" أي معانا‪ ،‬يعني الولي‪ .‬فإن قيل‪ :‬وكم من ولي مخذول ل يصل‬
‫إلى حقه‪ .‬قلنا‪ :‬المعونة تكون بظهور الحجة تارة وباستيفائها أخرى‪ ،‬وبمجموعهما ثالثة‪ ،‬فأيها كان‬
‫فهيو نصير مين ال سيبحانه وتعالى‪ .‬وروى ابين كثيير عين مجاهيد قال‪ :‬إن المقتول كان منصيورا‪.‬‬
‫النحاس‪ :‬ومعنى قوله إن ال نصره بوليه‪ .‬وروي أنه في قراءة ُأبَي "فل تسرفوا في القتل إن ولي‬
‫المقتول كان منصورا"‪ .‬قال النحاس‪ :‬البين بالياء ويكون للولي؛ لنه إنما يقال‪ :‬ل يسرف إن كان‬
‫له أن يقتيييل‪ ،‬فهذا للولي‪ .‬وقيييد يجوز بالتاء ويكون للولي أيضيييا‪ ،‬إل أنيييه يحتاج فييييه إلى تحوييييل‬
‫المخاطبة‪ .‬قال الضحاك‪ :‬هذا أول ما نزل من القرآن في شأن القتل‪ ،‬وهي مكية‪.‬‬
‫*‪*3‬الية‪{ 34 :‬ول تقربوا مال اليتيم إل بالتي هي أحسن حتى يبلغ أشده وأوفوا بالعهد إن العهد‬
‫كان مسؤول}‬
‫@قوله تعالى‪" :‬ول تقربوا مال اليتيم إل بالتي هي أحسن حتى يبلغ أشده" قد مضى الكلم فيه في‬
‫النعام‪.‬‬
‫@قوله تعالى‪" :‬وأوفوا بالعهد" قد مضى الكلم فيه في غير موضع‪ .‬قال الزجاج‪ :‬كل ما أمر ال‬
‫به ونهى عنه فهو من العهد‪" .‬إن العهد كان مسؤول" عنه‪ ،‬فحذف؛ كقوله‪" :‬ويفعلون ما يؤمرن"‬
‫[التحرييم‪ ]6 :‬بيه وقييل‪ :‬إن العهيد يسيأل تبكيتيا لناقضيه فيقال‪ :‬نقضيت‪ ،‬كميا تسيأل الموؤودة تبكيتيا‬
‫لوائدها‪.‬‬
‫*‪*3‬الية‪{ 35 :‬وأوفوا الكيل إذا كلتم وزنوا بالقسطاس المستقيم ذلك خير وأحسن تأويل}‬
‫@قوله تعالى‪" :‬وأوفوا الكييل إذا كلتيم" تقدم الكلم فييه أيضيا فيي النعام‪ .‬وتقتضيي هذه اليية أن‬
‫الكييل على البائع‪ ،‬وقيد مضيى فيي سيورة "يوسيف" فل معنيى للعادة‪ .‬والقسيطاس (بضيم القاف‬
‫وكسيرها)‪ :‬الميزان بلغية الروم؛ قاله ابن عزييز‪ .‬وقال الزجاج‪ :‬القسيطاس‪ :‬الميزان صيغيرا كان أو‬
‫كيبيرا‪ .‬وقال مجاهيد‪ :‬القسيطاس العدل‪ ،‬وكان يقول‪ :‬هيي لغية روميية‪ ،‬وكأن الناس قييل لهيم‪ :‬زنوا‬
‫بمعدلة فيي وزنكيم‪ .‬وقرأ ابين كثيير وأبيو عمرو ونافيع وابين عامير وعاصيم فيي روايية أبيي بكير‬
‫"القسطاس" بضم القاف‪ .‬وحمزة والكسائي وحفص عن عاصم (بكسر القاف) وهما لغتان‪.‬‬
‫@قوله تعالى‪" :‬ذلك خير" أي وفاء الكيل وإقامة الوزن خير عند ربك وأبرك‪" .‬وأحسن تأويل"‬
‫أي عاقبة‪ .‬قال الحسن‪ :‬ذكر لنا أن رسول ال صلى ال عليه وسلم قال‪( :‬ل يقدر رجل على حرام‬
‫ثم يدعه ليس لديه إل مخافة ال تعالى إل أبدله ال في عاجل الدنيا قبل الخرة ما هو خير له من‬
‫ذلك)‪.‬‬
‫*‪*3‬اليية‪{ 36 :‬ول تقيف ميا لييس لك بيه علم إن السيمع والبصير والفؤاد كيل أولئك كان عنيه‬
‫مسؤول}‬
‫@قوله تعالى‪" :‬ول تقف" أي ل تتبع ما ل تعلم ول يعنيك‪ .‬قال قتادة‪ :‬ل تقل رأيت وأنت لم تر‪،‬‬
‫وسمعت وأنت لم تسمع‪ ،‬وعلمت وأنت لم تعلم؛ وقاله ابن عباس رضي ال عنهما‪ .‬قال مجاهد‪ :‬ل‬
‫تذم أحدا بميا لييس لك بيه علم؛ وقاله ابين عباس رضيي ال عنهميا أيضيا‪ .‬وقال محميد ابين الحنفيية‪:‬‬
‫هييي شهادة الزور‪ .‬وقال القتييبي‪ :‬المعنييى ل تتبييع الحدس والظنون؛ وكلهييا متقاربيية‪ .‬وأصييل القفييو‬
‫البهت والقذف بالباطل؛ ومنه قوله عليه الصلة والسلم‪( :‬نحن بنو النضر ابن كنانة ل نقفو أمنا‬
‫ول ننتفي من أبينا) أي ل نسب أمنا‪ .‬وقال الكميت‪:‬‬
‫ول أقفو الحواصن إن قفينا‬ ‫فل أرمي البريء بغير ذنب‬
‫يقال‪ :‬قفوته أقفوه‪ ،‬وقفته أقوفه‪ ،‬وقفيته إذا اتبعت أثره‪ .‬ومنه القافة لتتبعهيم الثار وقافية كل شيء‬
‫آخره‪ ،‬ومنه قافية الشعر؛ لنها تقفو البيت‪ .‬ومنه اسم النبي صلى ال عليه وسلم المقفي؛ لنه جاء‬
‫آخيير النييبياء‪ .‬ومنييه القائف‪ ،‬وهييو الذي يتبييع أثيير الشبييه‪ .‬يقال‪ :‬قاف القائف يقوف إذا فعييل ذلك‪.‬‬
‫وتقول‪ :‬فقوت للثر‪ ،‬بتقديم الفاء على القاف‪ .‬ابن عطية‪ :‬ويشبه أن يكون هذا من تلعب العرب في‬
‫بعض اللفاظ؛ كما قالوا‪ :‬رعملي في لعمري‪ .‬وحكى الطبري عن فرقة أنها قالت‪ :‬قفا وقاف‪ ،‬مثل‬
‫عتا وعات‪ .‬وذهب منذر بن سعيد إلى أن قفا وقاف مثل جبذ وجذب‪ .‬وبالجملة فهذه الية تنهى عن‬
‫قول الزور والقذف‪ ،‬ومييا أشبييه ذلك ميين القوال الكاذبيية والرديئة‪ .‬وقرأ بعييض الناس فيمييا حكييى‬
‫الكسيائي "تقيف" بضيم القاف وسيكون الفاء‪ .‬وقرأ الجراح "والفاد" بفتيح الفاء‪ ،‬وهيي لغية لبعيض‬
‫الناس‪ ،‬وأنكرها أبو حاتم وغيره‪.‬‬
‫@ قال ابن خويز منداد‪ :‬تضمنت هذه الية الحكم بالقافة؛ لنه لما قال‪" :‬ول تقف ما ليس لك به‬
‫علم" دل على جواز ميا لنيا بيه علم‪ ،‬فكيل ميا علميه النسيان أو غلب على ظنيه جاز أن يحكيم بيه‪،‬‬
‫وبهذا احتججنا على إثبات القرعة والخرص؛ لنه ضرب من غلبة الظن‪ ،‬وقد يسمى علما اتساعا‪.‬‬
‫فالقائف يلحق الولد بأبيه من طريق الشبه بينهما كما يلحق الفقيه الفرع بالصل من طريق الشبه‪.‬‬
‫وفيي الصيحيح عين عائشية‪ :‬أن رسيول ال صيلى ال علييه وسيلم دخيل علي مسيرورا تيبرق أسيارير‬
‫وجهيه فقال‪( :‬ألم تري أن مُجززا نظير إلى زييد بن حارثية وأسيامة بين زييد عليهميا قطيفية قيد غطييا‬
‫رؤوسيهما وبدت أقدامهميا فقال إن بعيض هذه القدام لمين بعيض)‪ .‬وفيي حدييث يونيس بين يزييد‪:‬‬
‫(وكان مجززا قائفا)‪.‬‬
‫@ قال المام أبو عبدال المازري‪ :‬كانت الجاهلية تقدح في نسب أسامة لكونه أسود شديد السواد‪،‬‬
‫وكان زييد أبوه أبييض مين القطين‪ ،‬هكذا ذكره أبيو داود عين أحميد بين صيالح‪ .‬قال القاضيي عياض‪:‬‬
‫وقال غيير أحميد كان زييد أزهير اللون‪ ،‬وكان أسيامة شدييد الدمية؛ وزييد بين حارثية عربيي صيريح‬
‫من كلب‪ ،‬أصابه سباء‪ ،‬حسبما يأتي في سورة "الحزاب" إن شاء ال تعالى‪.‬‬
‫@ استدل جمهور العلماء على الرجوع إلى القافة عند التنازع في الولد‪ ،‬بسرور النبي صلى ال‬
‫علييه وسيلم بقول هذا القائف؛ وميا كان علييه السيلم بالذي يسير بالباطيل ول يعجبيه‪ .‬ولم يأخيذ بذلك‬
‫أبيو حنيفية وإسيحاق والثوري وأصيحابهم متمسيكين بإلغاء النيبي صيلى ال علييه وسيلم الشبيه فيي‬
‫حديث اللعان؛ على ما يأتي في سورة [النور] إن شاء ال تعالى‪.‬‬
‫@ واختلف الخذون بأقوال القافية‪ ،‬هيل يؤخيذ بذلك فيي أولد الحرائر والماء أو يختيص بأولد‬
‫الماء‪ ،‬على قوليين؛ فالول‪ :‬قول الشافعيي ومالك رضيي ال عنهميا فيي روايية ابين وهيب عنيه‪،‬‬
‫ومشهور مذهبه قصره على ولد المة‪ .‬والصحيح ما رواه ابن وهب عنه وقال الشافعي رضي ال‬
‫عنه؛ لن الحديث الذي هو الصيل فيي الباب إنما وقع فيي الحرائر‪ ،‬فإن أسيامة وأباه حران فكييف‬
‫يلغيى السيبب الذي خرج علييه دلييل الحكيم وهيو الباعيث علييه‪ ،‬هذا مميا ل يجوز عنيد الصيوليين‪.‬‬
‫وكذلك اختلف هؤلء‪ ،‬هل يكتفي بقول واحد من القافة أو ل بد من اثنين لنها شهادة؛ وبالول قال‬
‫ابن القاسم وهو ظاهر الخبر بل نصه‪ .‬وبالثاني قال مالك والشافعي رضي ال عنهما‪.‬‬
‫@قوله تعالى‪" :‬إن السمع والبصر والفؤاد كل أولئك كان عنه مسؤول" أي يسأل كل واحد منهم‬
‫عميا اكتسيب‪ ،‬فالفؤاد يسيأل عميا افتكير فييه واعتقده‪ ،‬والسيمع والبصير عميا رأس مين ذلك وسيمع‪.‬‬
‫وقيل‪ :‬المعنى أن ال سبحانه وتعالى يسأل النسان عما حواه سمعه وبصره وفؤاده؛ ونظيره قوله‬
‫صيلى ال علييه وسيلم‪( :‬كلكيم راع وكلكيم مسيؤول عين رعيتيه) فالنسيان راع على جوارحيه؛ فكأنيه‬
‫قال كيل هذه كان النسيان عنيه مسيؤول‪ ،‬فهيو على حذف مضاف‪ .‬والمعنيى الول أبلغ فيي الحجية؛‬
‫فإنيه يقيع تكذيبيه مين جوارحيه‪ ،‬وتلك غايية الخزي؛ كميا قال‪" :‬اليوم نختيم على أفواههيم وتكلمنيا‬
‫أيديهيم وتشهيد أرجلهيم بميا كانوا يكسيبون" [ييس‪ ،]60:‬وقوله "شهيد عليهيم سيمعهم وأبصيارهم‬
‫وجلودهم بما كانوا يعملون" [فصلت‪ .]20:‬وعبر عن السمع والبصر والفؤاد بأولئك لنها حواس‬
‫لهيا إدراك‪ ،‬وجعلهيا فيي هذه اليية مسيؤولة‪ ،‬فهيي حالة مين يعقيل‪ ،‬فلذلك عيبر عنهيا بأولئك‪ .‬وقال‬
‫سييبويه رحميه ال فيي قوله تعالى‪" :‬رأيتهيم لي سياجدين" [يوسيف‪ :]4 :‬إنميا قال‪" :‬رأيتهيم" فيي‬
‫نجوم‪ ،‬لنيه لميا وصيفها بالسيجود وهيو مين فعيل مين يعقيل عيبر عنهيا بكنايية مين يعقيل؛ وقيد تقدم‪.‬‬
‫وحكى الزجاج أن العرب تعبر عما يعقل وعما ل يعقل بأولئك‪ ،‬وأنشد هو والطبري‪:‬‬
‫والعيش بعد أولئك اليام‬ ‫ذم المنازل بعد منزلة اللوى‬
‫وهذا أمر يوقف عنده‪ .‬وأما البيت فالرواية فيه "القوام" وال اعلم‪.‬‬
‫*‪*3‬اليتان‪{ 38 - 37 :‬ول تميش فيي الرض مرحيا إنيك لن تخرق الرض ولن تبلغ الجبال‬
‫طول‪ ،‬كل ذلك كان سيئه عند ربك مكروها}‬
‫@قوله تعالى‪" :‬ول تمش في الرض مرحا" هذا نهي عن الخيلء وأمر بالتواضع‪ .‬والمرح‪ :‬شدة‬
‫الفرح‪ .‬وقييل‪ :‬التكيبر فيي المشيي‪ .‬وقييل‪ :‬تجاوز النسيان قدره‪ .‬وقال قتادة‪ :‬هيو الخيلء فيي المشيي‪.‬‬
‫وقيل‪ :‬هو البطر والشر‪ .‬وقيل‪ :‬هو النشاط وهذه القوال متقاربة ولكنها منقسمة قسمين‪ :‬أحدهما‬
‫مذموم والخيير محمود؛ فالتكييبر والبطيير والخيلء وتجاوز النسييان قدره مذموم والفرح والنشاط‬
‫محمود‪ .‬وقيد وصيف ال تعالى نفسيه بأحدهميا؛ ففيي الحدييث الصيحيح (ل أفرج بتوبية العبيد مين‬
‫رجيل‪ )...‬الحدييث‪ .‬والكسيل مذموم شرعيا والنشاط ضده‪ .‬وقيد يكون التكيبر وميا فيي معناه محمودا‪،‬‬
‫وذلك على أعداء ال والظلمة‪ .‬أسند أبو حاتم بن حبان عن ابن جابر بن عتيك عن أبيه عن رسول‬
‫ال صلى ال عليه وسلم أنه قال‪( :‬من الغيرة ما يبغض ال عز وجل ومنها ما يحب ال عز وجل‬
‫ومن الخيلء ما يحب ال عز وجل ومنها ما يبغض ال فأما الغيرة التي يحب ال الغيرة في الدين‬
‫والغيرة التيي يبغيض ال الغيرة فيي غيير دينيه والخيلء التيي يحيب ال اختيال الرجيل بنفسيه عنيد‬
‫القتال وعند الصدقة والختيال الذي يبغض ال الخيلء في الباطل) وأخرجه أبو داود في مصنفه‬
‫وغيره‪ .‬وأنشدوا‪:‬‬
‫فكم تحتها قوم همو منك أرفع‬ ‫ول تمش فوق الرض إل تواضعا‬
‫فكم مات من قوم همو منك أمنع‬ ‫وإن كنت في عز وحرز ومَنعة‬
‫@ إقبال النسان على الصيد ونحوه ترفعا دون حاجة إلى ذلك داخل في هذه الية‪ ،‬وفيه تعذيب‬
‫الحيوان وإجراؤه لغير معنى‪ .‬وأما الرجل يستريح في اليوم النادر والساعة من يومه‪ ،‬ويجم فيها‬
‫نفسيه فيي التطرح والراحية ليسيتعين بذلك على شغيل مين البر‪ ،‬كقراءة علم أو صيلة‪ ،‬فلييس بداخيل‬
‫في هذه الية‪.‬‬
‫@قوله تعالى‪" :‬مرحيا" قراءة الجمهور بفتيح الراء‪ .‬وقراءة فرقية فيميا حكيى يعقوب بكسير الراء‬
‫على بناء اسيم الفاعيل‪ .‬والول أبلغ‪ ،‬فإن قولك‪ :‬جاء زييد ركضيا أبلغ مين قولك‪ :‬جاء زييد راكضيا؛‬
‫فكذلك قولك مرحا‪ .‬والمرح المصدر أبلغ من أن يقال مرحا‪.‬‬
‫@قوله تعالى‪" :‬إنيك لن تخرق الرض" يعنيي لن تتولج باطنهيا فتعلم ميا فيهيا "ولن تبلغ الجبال‬
‫طول" أي لن تسييياوي الجبال بطولك ول تطاولك‪ ،‬ويقال‪ :‬خرق الثوب أي شقيييه‪ ،‬وخرق الرض‬
‫قطعهييا‪ .‬والخرق‪ :‬الواسييع ميين الرض‪ .‬أي لن تخرق الرض بكييبرك ومشيييك عليهييا‪" .‬ولن تبلغ‬
‫الجبال طول" بعظمتيك‪ ،‬أي بقدرتيك ل تبلغ هذا المبلغ‪ ،‬بيل أنيت عبيد ذلييل‪ ،‬محاط بيك مين تحتيك‬
‫ومين فوقيك‪ ،‬والمحاط محصيور ضعييف‪ ،‬فل يلييق بيك التكيبر‪ .‬والمراد بخرق الرض هنيا نقبهيا ل‬
‫قطعها بالمسافة؛ وال اعلم‪ .‬وقال الزهري‪ :‬معناه لن تقطعها‪ .‬النحاس‪ :‬وهذا أبين؛ لنه مأخوذ من‬
‫الخرق وهييي الصييحراء الواسييعة‪ .‬ويقال‪ :‬فلن أخرق ميين فلن‪ ،‬أي أكثيير سييفرا وعزة ومنعيية‪.‬‬
‫ويروي أن سيبأ دوخ الرض بأجناده شرقيا وغربيا وسيهل وجبل‪ ،‬وقتيل سيادة وسيبى ‪ -‬وبيه سيمي‬
‫سبأ ‪ -‬ودان له الخلق‪ ،‬فلما رأى ذلك انفرد عن أصحابه ثلثة أيام ثم خرج إليهم فقال‪ :‬إني لما نلت‬
‫ما لم ينل أحد رأيت البتداء بشكر هذه النعم‪ ،‬فلم أر أوقع في ذلك من السجود للشمس إذا أشرقت‪،‬‬
‫فسييجدوا لهييا‪ ،‬وكان ذلك أول عبادة الشمييس؛ فهذه عاقبيية الخيلء والتكييبر والمرح؛ نعوذ بال ميين‬
‫ذلك‪.‬‬
‫@قوله تعالى‪" :‬كل ذلك كان سيئه عند ربك مكروها" "ذلك "إشارة إلى جملة ما تقدم ذكره مما‬
‫أمير بيه ونهيى عنيه‪" .‬ذلك" يصيلح للواحيد والجميع والمؤنيث والمذكير‪ .‬وقرأ عاصيم وابين عامير‬
‫وحمزة والكسائي ومسروق "سيئة" على إضافة سيئ إلى الضمير‪ ،‬ولذلك قال‪" :‬مكروها" نصب‬
‫على خيبر كان‪ .‬والسييء‪ :‬هيو المكروه‪ ،‬وهيو الذي ل يرضاه ال عيز وجيل ول يأمير بيه‪ .‬وقيد ذكير‬
‫ال سبحانه وتعالى في هذه الي من قوله‪" :‬وقضى ربك ‪ -‬إلى قوله ‪ -‬كان سيئة" [السراء‪]23 :‬‬
‫مأمورات بها ومنهيات عنها‪ ،‬فل يخبر عن الجميع بأنه سيئة فيدخل المأمور به في المنهي عنه‪.‬‬
‫واختار هذه القراءة أبيييو عبييييد‪ .‬ولن فيييي قراءة أُبَييي "كيييل ذلك كان سييييئاته" فهذه ل تكون إل‬
‫للضافية‪ .‬وقرأ ابين كثيير ونافيع وأبيو عمرو "سييئة" بالتنويين؛ أي كيل ميا نهيى ال ورسيوله عنيه‬
‫سييئة‪ .‬وعلى هذا انقطيع الكلم عنيد قوله‪" :‬وأحسين تأويل" [النسياء‪ ]59 :‬ثيم قال‪" :‬ول تقيف ميا‬
‫ليس لك به علم" [السراء‪" ،]36 :‬ول تمش"‪ ،‬ثم قال‪" :‬كل ذلك كان سيئة" بالتنوين‪ .‬وقيل‪ :‬إن‬
‫قوله "ول تقتلوا أولدكيم" [النعام‪ ]151 :‬إلى هذه اليية كان سييئة ل حسينة فييه‪ ،‬فجعلوا "كل"‬
‫محيطيا بالمنهيي عنيه دون غيره‪ .‬وقوله‪" :‬مكروهيا" لييس نعتيا لسييئة‪ ،‬بيل هيو بدل منيه؛ والتقديير‪:‬‬
‫كان سييئة وكان مكروهيا‪ .‬وقيد قييل‪ :‬إن "مكروهيا" خيبر ثان لكان حميل على لفظيه كيل‪ ،‬و"سييئة"‬
‫محمول على المعنى في جميع هذه الشياء المذكورة قبل‪ .‬وقال بعضهم‪ :‬وهو نعت لسيئة؛ لنه لما‬
‫كان تأنيثها غير حقيقي جاز أن توصف بمذكر‪ .‬وضعف أبو علي الفارسي هذا وقال‪ :‬إن المؤنث‬
‫إذا ذكير فإنميا ينبغيي أن يكون ميا بعده مذكرا‪ ،‬وإنميا التسياهل أن يتقدم الفعيل المسيند إلى المؤنيث‬
‫وهو في صيغة ما يسند إلى المذكر؛ أل ترى قول الشاعر‪:‬‬
‫ول أرض أبقل إبقالها‬ ‫فل مزنة ودقت ودقها‬
‫مسييتقبح عندهييم‪ .‬ولو قال قائل‪ :‬أبقييل أرض لم يكيين قبيحييا‪ .‬قال أبييو علي‪ :‬ولكيين يجوز فييي قوله‬
‫"مكروهيا" أن يكون بدل مين "سييئة"‪ .‬ويجوز أن يكون حال مين الضميير الذي فيي "عنيد ربيك"‬
‫ويكون "عند ربك" في موضع الصفة لسيئة‪.‬‬
‫@ اسيتدل العلماء بهذه اليية على ذم الرقيص وتعاطييه‪ .‬قال المام أبيو الوفاء بين عقييل‪ :‬قيد نيص‬
‫القرآن على النهيي عين الرقيص فقال‪" :‬ول تمشيي فيي الرض مرحيا" وذم المختال‪ .‬والرقيص أشيد‬
‫المرح والبطير‪ .‬أو لسينا الذيين قسينا النيبيذ على الخمير لتفاقهميا فيي الطراب والسيكر‪ ،‬فميا بالنيا ل‬
‫نقيس القضيب وتلحين الشعير معه على الطنبور والمزمار والطبل لجتماعهما‪ .‬فميا أقبح من ذي‬
‫لحيية‪ ،‬وكييف إذا كان شيبية‪ ،‬يرقيص ويصيفق على إيقاع اللحان والقضبان‪ ،‬وخصيوصا إن كانيت‬
‫أصيوات لنسيوان ومردان‪ ،‬وهيل يحسين لمين بيين يدييه الموت والسيؤال والحشير والصيراط‪ ،‬ثيم هيو‬
‫إلى إحدى الداريين‪ ،‬يشميس بالرقيص شميس البهائم‪ ،‬ويصيفق تصيفيق النسيوان‪ ،‬ولقيد رأييت مشاييخ‬
‫في عمري ما بان لهم سن من التبسم فضل عن الضحك مع إدمان مخالطتي لهم وقال أبو الفرج‬
‫ابين الجوزي رحميه ال‪ :‬ولقيد حدثنيي بعيض المشاييخ عين المام الغزالي رضيي ال عنيه أنيه قال‪:‬‬
‫الرقييص حماقيية بييين الكتفييين ل تزول إل باللعييب‪ .‬وسيييأتي لهذا الباب مزيييد بيان فييي "الكهييف"‬
‫وغيرها إن شاء ال تعالى‪.‬‬
‫*‪*3‬الية‪{ 39 :‬ذلك مما أوحى إليك ربك من الحكمة ول تجعل مع ال إلها آخر فتلقى في جهنم‬
‫ملوما مدحورا}‬
‫@ الشارة بي "ذلك" إلى هذه الداب والقصص والحكام التي تضمنتها هذه اليات المتقدمة التي‬
‫نزل بهيا جبرييل علييه السيلم‪ .‬أي هذه مين الفعال المحكمية التيي تقتضيهيا حكمية ال عيز وجيل فيي‬
‫عباده‪ ،‬وخلقهيا لهيم مين محاسين الخلق والحكمية وقوانيين المعانيي المحكمية والفعال الفاضلة‪ .‬ثيم‬
‫عطيف قوله "ول تجعيل" على ميا تقدم مين النواهيي‪ .‬والخطاب للنيبي صيلى ال علييه وسيلم المراد‬
‫كل من سمع الية من البشر‪ .‬والمدحور‪ :‬المهان المبعد المقصى‪ .‬وقد تقدم في هذه السورة‪ .‬ويقال‬
‫في الدعاء‪ :‬اللهم ادحر عنا الشيطان؛ أي أبعده‪.‬‬
‫*‪*3‬الية‪{ 40 :‬أفأصفاكم ربكم بالبنين واتخذ من الملئكة إناثا إنكم لتقولون قول عظيما}‬
‫@قوله تعالى‪" :‬أفأصفاكم ربكم بالبنين واتخذ من الملئكة إناثا" هذا يرد على من قال من العرب‪:‬‬
‫الملئكية بنات ال‪ ،‬وكان لهيم بنات أيضيا ميع النيبيين‪ ،‬ولكنيه أراد‪ :‬أفأخلص لكيم البنيين دونيه وجعيل‬
‫البنات مشتركة بينكم وبينه‪" .‬إنكم لتقولون قول عظيما" أي في الثم عند ال عز وجل‪.‬‬
‫*‪*3‬الية‪{ 41 :‬ولقد صرفنا في هذا القرآن ليذكروا وما يزيدهم إل نفورا}‬
‫@قوله تعالى‪" :‬ولقيد صيرفنا" أي بينيا‪ .‬وقييل كررنيا‪ .‬والتصيريف‪ :‬صيرف الشييء مين جهية إلى‬
‫جهية‪ .‬والمراد بهذا التصيريف البيان والتكريير‪ .‬وقييل‪ :‬المغايرة؛ أي غايرنيا بيين المواعيظ ليذكروا‬
‫ويعتييبروا ويتعظوا‪ .‬وقراءة العاميية "صييرفنا" بالتشديييد على التكثييير حيييث وقييع‪ .‬وقرأ الحسيين‬
‫بالتخفييف‪ .‬قال الثعلبيي‪ :‬سيمعت أبيا القاسيم الحسيين يقول بحضرة المام الشييخ أبيي الطييب‪ :‬لقوله‬
‫تعالى‪" :‬صيرفنا" معنيان؛ أحدهميا لم يجعله نوعيا واحدا بيل وعدا ووعيدا ومحكميا ومتشابهيا ونهييا‬
‫وأمرا وناسيخا ومنسيوخا وأخبارا وأمثال؛ مثيل تصيريف الرياح مين صيبا ودبور وجنوب وشمال‪،‬‬
‫وصيريف الفعال مين الماضييي والمسيتقبل والمير والنهيي والفعيل والفاعيل والمفعول ونحوهيا‪.‬‬
‫والثانيي أنيه لم ينزل مرة واحدة بيل نجوميا؛ نحيو قوله "وقرآنيا فرقناه" [السيراء‪ ]106 :‬ومعناه‪:‬‬
‫أكثرنا صرف جبريل عليه السلم إليك‪ .‬وقوله "في هذا القرآن" قيل "في" زائدة‪ ،‬والتقدير‪ :‬ولقد‬
‫صرفنا هذا القرآن؛ مثل "وأصلح لي في ذريتي" [الحقاف‪ ]15 :‬أي أصلح ذريتي‪ .‬وقوله "في‬
‫هذا القرآن" يعني المثال والعبر والحكم والمواعظ والحكام والعلم‪.‬‬
‫@قوله تعالى‪" :‬ليذكروا‬
‫قراءة يحيييى والعمييش وحمزة والكسييائي "ليذكروا" مخففييا‪ ،‬وكذلك فييي الفرقان "ولقييد صييرفناه‬
‫بينهم ليذكروا" [الفرقان‪ .]50:‬الباقون بالتشديد‪ .‬واختاره أبو عبيد؛ لن معناه ليتذكروا وليتعظوا‪.‬‬
‫قال المهدوي‪ :‬ميين شدد "ليذكروا" أراد التدبر‪ .‬وكذلك ميين قرأ "ليذكروا"‪ .‬ونظييير الول "ولقييد‬
‫وصلنا لهم القول لعلهم يتذكرون" [القصص‪ ]51 :‬والثاني‪" :‬واذكروا ما فيه" [البقرة‪]63 :‬‬
‫@قوله تعالى‪" :‬وما يزيدهم‬
‫أي التصريف والتذكير‪.‬‬
‫@قوله تعالى‪" :‬إل نفورا‬
‫أي تباعدا عين الحيق وغفلة عين النظير والعتبار؛ وذلك لنهيم اعتقدوا فيي القرآن أنيه حيلة وسيحر‬
‫وكهانة وشعر‪.‬‬
‫*‪*3‬اليتان‪{ 43 - 42 :‬قيل لو كان معيه آلهية كميا يقولون إذا لبتغوا إلى ذي العرش سيبيل‪،‬‬
‫سبحانه وتعالى عما يقولون علوا كبيرا}‬
‫@قوله تعالى‪" :‬قيل لو كان معيه آلهية" هذا متصيل بقوله تعالى‪" :‬ول تجعيل ميع ال إلهيا آخره"‬
‫[السراء ‪ ]22‬وهو رد على عُباد الصنام‪" .‬كما يقولون" قرأ ابن كثير وحفص "يقولون" بالياء‪.‬‬
‫الباقون "تقولون" بالتاء على الخطاب‪" .‬إذا لبتغوا" يعنييي اللهيية‪" .‬إلى ذي العرش سييبيل" قال‬
‫ابين العباس رضيي ال تعالى عنهميا‪ :‬لطلبوا ميع ال منازعية وقتال كميا تفعيل ملوك الدنييا بعضهيم‬
‫ببعيض‪ .‬وقال سيعيد بين جيبير رضيي ال تعالى عنيه‪ :‬المعنيى إذاً لطلبوا طريقيا إلى الوصيول إلييه‬
‫ليزيلوا ملكيه‪ ،‬لنهيم شركاؤه‪ .‬وقال قتادة‪ :‬المعنيى إذا لبتغيت اللهية القربية إلى ذي العرش سيبيل‪،‬‬
‫والتمسيت الزلفية عنده لنهيم دونيه‪ ،‬والقوم اعتقدوا أن الصينام تقربهيم إلى ال زلفيى‪ ،‬فإذا اعتقدوا‬
‫في الصنام أنها محتاجة إلى ال سبحانه وتعالى فقد بطل أنها آلهة‪" .‬سبحانه وتعالى عما يقولون‬
‫علوا كبيرا" نزه سبحانه نفسه وقدسه ومجده عما ل يليق به‪ .‬والتسبيح‪ :‬التنزيه‪ .‬وقد تقدم‪.‬‬
‫*‪*3‬اليية‪{ 44 :‬تسيبح له السيماوات السيبع والرض ومين فيهين وإن مين شييء إل يسيبح بحمده‬
‫ولكن ل تفقهون تسبيحهم إنه كان حليما غفورا}‬
‫@قوله تعالى‪" :‬تسيبح له السيماوات السيبع والرض ومين فيهين" أعاد على السيماوات والرض‬
‫ضميير مين يعقيل‪ ،‬لميا أسيند إليهيا فعيل العاقيل وهيو التسيبيح‪ .‬وقوله‪" :‬ومين فيهين" يرييد الملئكية‬
‫والنس والجن‪ ،‬ثم ع ّم بعيد ذلك الشياء كلها في قوله‪" :‬وإن من شيء إل يسيبح بحمده"‪ .‬واختلف‬
‫فيي هذا العموم‪ ،‬هيل هيو مخصيص أم ل؛ فقالت فرقية‪ :‬لييس مخصيوصا والمراد بيه تسيبيح الدللة‪،‬‬
‫وكل محدث يشهد على نفسه بأن ال عز وجل خالق قادر‪ .‬وقالت طائفة‪ :‬هذا التسبيح حقيقة‪ ،‬وكل‬
‫شييء على العموم يسيبح تسيبيحا ل يسيمعه البشير ول يفقهيه‪ ،‬ولو كان ميا قاله الولون مين أنيه أثير‬
‫الصيينعة والدللة لكان أمرا مفهومييا‪ ،‬والييية تنطييق بأن هذا التسييبيح ل يفقييه‪ .‬وأجيبوا بأن المراد‬
‫بقوله‪" :‬ل تفقهون" الكفار الذيين يعرضون عين العتبار فل يفقهون حكمية ال سيبحانه وتعالى فيي‬
‫الشياء‪ .‬وقالت فرقية‪ :‬قوله "مين شييء" عموم‪ ،‬ومعناه الخصيوص فيي كيل حيي ونام‪ ،‬ولييس ذلك‬
‫فيي الجمادات‪ .‬ومين هذا قول عكرمية‪ :‬الشجرة تسيبح والسيطوان ل يسيبح‪ .‬وقال يزييد الرقاشيي‬
‫للحسين وهميا فيي طعام وقيد قدم الخوان‪ :‬أيسيبح هذا الخوان ييا أبيا سيعيد؟ فقال‪ :‬قيد كان يسيبح مرة؛‬
‫يريد أن الشجرة في زمن ثمرها واعتدالها كانت تسبح‪ ،‬وأما الن فقد صار خوانا مدهونا‪.‬‬
‫قلت‪ :‬ويسيتدل لهذا القول مين السينة بميا ثبيت عين ابين عباس رضيي ال تعالى عنهميا أن النيبي‬
‫صيلى ال علييه وسيلم مير على قيبرين فقال‪( :‬إنهميا ليعذبان وميا يعذبان فيي كيبير أميا أحدهميا فكان‬
‫يمشيي بالنميمية وأميا الخير فكان ل يسيتبرئ مين البول) قال‪ :‬فدعيا بعسييب رطيب فشقيه اثنيين‪ ،‬ثيم‬
‫غرس على هذا واحدا وعلى هذا واحدا ثييم قال‪( :‬لعله يخفييف عنهمييا مييا لم ييبسييا)‪ .‬فقوله عليييه‬
‫الصيلة والسيلم‪( .‬ميا لم ييبسيا) إشارة إلى أنهميا ميا داميا رطيبين يسيبحان‪ ،‬فإذا يبسيا صيارا جمادا‪.‬‬
‫وال اعلم‪ .‬وفيي مسيند أبيي داود الطيالسيي‪ :‬فتوضيع على أحدهميا نصيفا وعلى الخير نصيفا وقال‪:‬‬
‫(لعله أن يهون عليهميا العذاب ميا دام فيهميا مين بلوتهميا شييء)‪ .‬قال علماؤنيا‪ :‬ويسيتفاد مين هذا‬
‫غرس‪ ،‬الشجار وقراءة القرآن على القبور‪ ،‬وإذا خفيييف عنهيييم بالشجار فكييييف بقراءة الرجيييل‬
‫المؤمين القرآن‪ .‬وقيد بينيا هذا المعنيى فيي كتاب التذكرة بيانيا شافييا‪ ،‬وأنيه يصيل إلى المييت ثواب ميا‬
‫يهدى إليه‪ .‬والحمد ل على ذلك‪ .‬وعلى التأويل الثاني ل يحتاج إلى ذلك؛ فإن كل شيء من الجماد‬
‫وغيره يسبح‪.‬‬
‫قلت‪ :‬ويسيتدل لهذا التأوييل وهذا القول مين الكتاب بقوله سيبحانه وتعالى‪" :‬واذكير عبدنيا داود ذا‬
‫اليد إنه أواب‪ .‬إنا سخرنا الجبال معه يسبحن بالعشي والشراق" [ص‪ ،]17 :‬وقوله‪" :‬وإن منها‬
‫لما يهبط من خشية ال" [البقرة‪ - ]74 :‬على قول مجاهد ‪ ، -‬وقوله‪" :‬وتخر الجبال هدا‪ .‬أن دعوا‬
‫للرحمن ولدا" [مريم‪ .]90:‬وذكر ابن المبارك في (دقائقه) أخبرنا مسعر عن عبدال بن واصل‬
‫عين عوف بين عبدال قال قال عبدال بين مسيعود رضيي ال عنيه‪ :‬إن الجبيل يقول للجبيل‪ :‬ييا فلن‪،‬‬
‫هل مر بك اليوم ذاكر ل عز وجل؟ فإن قال نعم سر به‪ .‬ثم قرأ عبدال "وقالوا اتخذ الرحمن ولدا"‬
‫الية‪ .‬قال‪ :‬أفتراهن يسمعن الزور ول يسمعن الخير‪ .‬وفيه عن أنس بن مالك رضي ال عنه قال‪:‬‬
‫ميا مين صيباح ول رواح إل تنادي بقاع الرض بعضهيا بعضيا‪ .‬ييا جاراه؛ هيل مير بيك اليوم عبيد‬
‫فصييلى ل أو ذكيير ال عليييك؟ فميين قائلة ل‪ ،‬وميين قائلة نعييم‪ ،‬فإذا قالت نعييم رأت لهييا بذلك فضل‬
‫عليها‪ .‬وقال رسول ال صلى ال عليه وسلم‪( :‬ل يسمع صوت المؤذن جن ول إنس ول شجر ول‬
‫حجير ول مدر ول شيء إل شهد له يوم القيامة)‪ .‬رواه ابن ماجه في سننه‪ ،‬ومالك فيي موطئه من‬
‫حديث أبي سعيد الخدري رضي ال عنه‪ .‬وخرج البخاري عن عبدال رضي ال عنه قال‪ :‬لقد كنا‬
‫نسيمع تسيبيح الطعام وهيو يؤكيل‪ .‬فيي غيير هذه الروايية عين ابين مسيعود رضيي ال تعالى عنيه‪ :‬كنيا‬
‫نأكل مع وسول ال صلى ال عليه وسلم الطعام ونحن نسمع تسبيحه‪ .‬وفي صحيح مسلم عن جابر‬
‫بن سمرة رضي ال عنه قال قال رسول ال صلى ال عليه وسلم‪( :‬إني لعرف حجرا بمكة كان‬
‫يسيلم علي قبيل أن أبعيث إنيي لعرفيه الن)‪ .‬قييل‪ :‬إنيه الحجير السيود‪ ،‬وال اعلم‪ .‬والخبار فيي هذا‬
‫المعنيى كثيرة؛ وقيد أتينيا على جملة منهيا فيي اللميع اللؤلئيية فيي شرح العشرينيات النبويية للفاداري‬
‫رحميه ال‪ ،‬وخيبر الجذع أيضيا مشهور فيي هذا الباب خرجيه البخاري فيي موضيع مين كتابيه‪ .‬وإذا‬
‫ثبت ذلك في جماد واحد جاز في جميع الجمادات‪ ،‬ول استحالة في شيء من ذلك؛ فكل شيء يسبح‬
‫للعموم‪ .‬وكذا قال النخعيي وغيره‪ :‬هيو عام فيميا فييه روح وفيميا ل روح فيه حتيى صيرير الباب‪.‬‬
‫واحتجوا بالخبار التي ذكرنا‪ .‬وقيل‪ :‬تسبيح الجمادات أنها تدعو الناظر إليها إلى أن يقول‪ :‬سبحان‬
‫ال! لعدم الدراك منها‪ .‬وقال الشاعر‪:‬‬
‫وتستقر حشا الرائي بترعاد‬ ‫تُلقى بتسبيحة من حيث ما انصرفت‬
‫أي يقول مين رآهيا‪ :‬سيبحان خالقهيا‪ .‬فالصيحيح أن الكيل يسيبح للخبار الدالة على ذلك لو كان ذلك‬
‫التسبيح تسبيح دللة فأي تخصيص لداود‪ ،‬وإنما ذلك تسبيح المقال بخلق الحياة والنطاق بالتسبيح‬
‫كميا ذكرنا‪ .‬وقد نصت السنة على ميا دل عليه ظاهير القرآن من تسيبيح كيل شييء فالقول به أولى‪.‬‬
‫وال اعلم‪ .‬وقرأ الحسيين وأبييو عمرو ويعقوب وحفييص وحمزة والكسييائي وخلف "تفقهون" بالتاء‬
‫لتأنيث الفاعل‪ .‬الباقون بالياء‪ ،‬واختاره أبو عبيد‪ ،‬قال‪ :‬للحائل بين الفعل والتأنيث‪" .‬إنه كان حليما"‬
‫عن ذنوب عباده في الدنيا‪" .‬غفورا" للمؤمنين في الخرة‪.‬‬
‫*‪*3‬الية‪{ 45 :‬وإذا قرأت القرآن جعلنا بينك وبين الذين ل يؤمنون بالخرة حجابا مستورا}‬
‫@ عن أسماء بنت أبي بكر رضي ال تعالى عنهما قالت‪ :‬لما نزلت سورة "تبت يدا أبي لهب"‬
‫أقبلت العوراء أم جميل بنت حرب ولها ولولة وفي يدها فِهر وهي تقول‪:‬‬
‫ودينه قلينا‬ ‫وأمره أبينا‬ ‫مذمما عصينا‬
‫والنيبي صيلى ال علييه وسيلم قاعيد فيي المسيجد ومعيه أبيو بكير رضيي ال عنيه؛ فلميا رآهيا أبيو بكير‬
‫قال‪ :‬ييا رسيول ال‪ ،‬لقيد أقبلت وأنيا أخاف أن تراك! قال رسيول ال صيلى ال علييه وسيلم‪( :‬إنهيا لن‬
‫تراني) وقرأ قرآنا فاعتصم به كما قال‪ .‬وقرأ "وإذا قرأت القرآن جعلنا بينك وبين الذين ل يؤمنون‬
‫بالخرة حجابيا مسيتورا"‪ .‬فوقفيت على أبيي بكير رضيي ال عنيه ولم تير رسيول ال صيلى ال علييه‬
‫وسيلم فقالت‪ :‬ييا أبيا بكير‪ ،‬أخيبرت أن صياحبك هجانيي! فقال‪ :‬ل ورب هذا البييت ميا هجاك‪ .‬قال‪:‬‬
‫فولت وهي تقول‪ :‬قد علمت قريش أني ابنة سيدها‪ .‬وقال سعيد بن جبير رضي ال عنه‪ :‬لما نزلت‬
‫"تبت يدا أبي لهب وتب" [المسد‪ ]1 :‬جاءت امرأة أبي لهب إلى النبي صلى ال عليه وسلم ومعه‬
‫أبيو بكير رضيي ال عنيه‪ ،‬فقال أبيو بكير‪ :‬لو تنحييت عنهيا لئل تسيمعك ميا يؤذييك‪ ،‬فإنهيا امرأة بذيية‪.‬‬
‫فقال النيبي صيلى ال علييه وسيلم‪( :‬إنيه سييحال بينيي وبينهيا) فلم تره‪ .‬فقالت لبيي بكير‪ :‬ييا أبيا بكير‪،‬‬
‫هجانيا صياحبك! فقال‪ :‬وال ميا ينطيق بالشعير ول يقوله‪ .‬فقالت‪ :‬وإنيك لمصيدقه؛ فاندفعيت راجعية‪.‬‬
‫فقال أبو بكير رضيي ال عنه‪ :‬يا رسول ال‪ ،‬أما رأتك؟ قال‪( :‬ل ما زال ملك ببنيي وبينها يسترني‬
‫حتى ذهبت)‪ .‬وقال كعب رضي ال عنه في هذه الية‪ :‬كان النبي صلى ال عليه وسلم يستتر من‬
‫المشركيين بثلث آيات‪ :‬اليية التيي فيي الكهيف "إنيا جعلنيا على قلوبهيم أكنية أن يفقهوه وفيي آذانهيم‬
‫وقرا"‪[ ،‬الكهف‪ ،]57 :‬والية في النحل "أولئك الذين طبع ال على قلوبهم وسمعهم وأبصارهم"‬
‫[النحل‪ ،]108 :‬والية التي في الجاثية "أفرأيت من اتخذ إلهه هواه وأضله ال على علم وختم‬
‫على سيمعه وقلبيه وجعيل على بصيره غشاوة" [الجاثيية‪ ]23 :‬اليية‪ .‬فكان النيبي صيلى ال علييه‬
‫وسلم إذا قرأهن يستتر من المشركين‪ .‬قال كعب رضي ال تعالى عنه‪ :‬فحدثت بهن رجل من أهل‬
‫الشام‪ ،‬فأتيى أرض الروم فأقام بهيا زمانيا‪ ،‬ثيم خرج هاربيا فخرجوا فيي طلبيه فقرأ بهين فصياروا‬
‫يكونون معه على طريقه ول يبصرونه‪ .‬قال الثعلبي‪ :‬وهذا الذي يروونه عن كعب حدثت به رجل‬
‫مين أهيل الري فأسير بالديلم‪ ،‬فمكيث زمانيا ثيم خرج هاربيا فخرجوا فيي طلبيه فقرأ بهين حتيى جعلت‬
‫ثيابهن لتلمس ثيابه فما يبصرونه‪.‬‬
‫قلت‪ :‬ويزاد إلى هذه الييية أول سييورة يييس إلى قوله "فهييم ل يبصييرون"‪ .‬فإن فييي السيييرة فييي‬
‫هجرة النيبي صيلى ال علييه وسيلم ومقام علي رضيي ال عنيه فيي فراشيه قال‪ :‬وخرج رسيول ال‬
‫صيلى ال علييه وسيلم فأخيذ حفنية مين تراب فيي يده‪ ،‬وأخيذ ال عيز وجيل على أبصيارهم عنيه فل‬
‫يرونييه‪ ،‬فجعييل ينثيير ذلك التراب على رؤوسييهم وهييو يتلو هذه اليات ميين يييس‪" :‬يييس‪ .‬والقرآن‬
‫الحكييم‪ .‬إنيك لمين المرسيلين‪ .‬على صيراط مسيتقيم‪ .‬تنزييل العزييز الرحييم ‪ -‬إلى قوله ‪ -‬وجعلنيا مين‬
‫بيين أيديهيم سيدا ومين خلفهيم سيدا فأغشيناهيم فهيم ل يبصيرون" [ييس‪ .]6 :‬حتيى فرغ رسيول ال‬
‫صيلى ال علييه وسيلم مين هذه اليات‪ ،‬ولم يبيق منهيم رجيل إل وقيد وضيع على رأسيه ترابيا‪ ،‬ثيم‬
‫انصرف إلى حيث أراد أن يذهب‪.‬‬
‫قلت‪ :‬ولقد اتفق لي ببلدنا الندلس بحصن منثور من أعمال قرطبة مثل هذا‪ .‬وذلك أني هربت‬
‫أمام العدو وانحزت إلى ناحييية عنييه‪ ،‬فلم ألبييث أن خرج فييي طلبييي فارسييان وأنييا فييي فضاء ميين‬
‫الرض قاعيد لييس يسيترني عنهميا شييء‪ ،‬وأنيا أقرأ أول سيورة ييس وغيير ذلك مين القرآن؛ فعيبرا‬
‫علي ثيم رجعيا مين حييث جاءا وأحدهميا يقول للخير‪ :‬هذا ديبله؛ يعنون شيطانيا‪ .‬وأعميى ال عيز‬
‫وجييل أبصييارهم فلم يرونييي‪ ،‬والحمييد ل حمدا كثيرا على ذلك‪ .‬وقيييل‪ :‬الحجاب المسييتور طبييع ال‬
‫على قلوبهييم حتييى ل يفقهوه ول يدركوا مييا فيييه ميين الحكميية؛ قاله قتادة‪ .‬وقال الحسيين‪ :‬أي أنهييم‬
‫لعراضهم عن قراءتيك وتغافلهيم عنيك كمن بينيك وبينيه حجاب فيي عدم رؤيتيه لك حتيى كأن على‬
‫قلوبهيم أغطيية‪ .‬وقييل‪ :‬نزلت فيي قوم كانوا يؤذون رسيول ال صيلى ال علييه وسيلم إذا قرأ القرآن‪،‬‬
‫وهيم أبيو جهيل وأبيو سيفيان والنضير بين الحارث وأم جمييل امرأة أبيي لهيب وحويطيب؛ فحجيب ال‬
‫سيبحانه وتعالى رسيوله صيلى ال علييه وسيلم عين أبصيارهم عنيد قراءة القرآن‪ ،‬وكانوا يمرون بيه‬
‫ول يرونه؛ قاله الزجاج وغيره‪ .‬وهو معنى القول الول بعينه‪ ،‬وهو الظهر في الية‪ ،‬وال اعلم‪.‬‬
‫وقوله‪" :‬مسيتورا" فييه قولن‪ :‬أحدهميا ‪ -‬أن الحجاب مسيتور عنكيم ل ترونيه‪ .‬والثانيي‪ :‬أن الحجاب‬
‫ساتر عنكم ما وراءه؛ ويكون مستورا به بمعنى ساتر‪.‬‬
‫*‪*3‬الية‪{ 46 :‬وجعلنا على قلوبهم أكنة أن يفقهوه وفي آذانهم وقرا وإذا ذكرت ربك في القرآن‬
‫وحده ولوا على أدبارهم نفورا}‬
‫@قوله تعالى‪" :‬وجعلنا على قلوبهم أكنة" "أكنة" جمع كنان‪ ،‬وهو ما ستر الشيء‪ .‬وقد تقدم في‬
‫"النعام"‪" .‬أن يفقهوه" أي لئل يفقهوه‪ ،‬أو كراهيية أن يفقهوه‪ ،‬أي أن يفهموا ميا فييه مين الوامير‬
‫والنواهيي والحكيم والمعانيي‪ .‬وهذا رد على القدريية‪" .‬وفيي آذانهيم وقرا" أي صيمما وثقل‪ .‬وفيي‬
‫الكلم إضمار‪ ،‬أي أن يسيمعوه‪" .‬وإذا ذكرت ربيك فيي القرآن وحده" أي قلت‪ :‬ل إله إل ال وأنيت‬
‫تتلو القرآن‪ .‬وقال أبيو الجوزاء أوس بين عبدال‪ :‬لييس شييء أطرد للشياطيين مين القلب مين قول ل‬
‫إله إل ال‪ ،‬ثييم تل "وإذا ذكرت ربييك فييي القرآن وحده ولوا على أدبارهييم نفورا"‪ .‬وقال علي بيين‬
‫الحسيين‪ :‬هيو قوله بسيم ال الرحمين الرحييم‪ .‬وقيد تقدم هذا فيي البسيملة‪" .‬ولوا على أدبارهيم نفورا"‬
‫قييل‪ :‬يعنيي بذلك المشركيين‪ .‬وقييل الشياطيين‪ .‬و"نفورا" جميع نافير؛ مثيل شهود جميع شاهيد‪ ،‬وقعود‬
‫جميع قاعيد‪ ،‬فهيو منصيوب على الحال‪ .‬ويجوز أن يكون مصيدوا على غيير الصيدر؛ إذ كان قوله‬
‫"ولوا" بمعنى نقروا‪ ،‬فيكون معناه نفورا نفورا‪.‬‬
‫*‪*3‬الية‪{ 47 :‬نحن أعلم بما يستمعون به إذ يستمعون إليك وإذ هم نجوى إذ يقول الظالمون إن‬
‫تتبعون إل رجل مسحورا}‬
‫@قوله تعالى‪" :‬نحن أعلم بما يستمعون به إذ يستمعون إليك" قيل‪ :‬الباء زائدة في قوله "به" أي‬
‫يستمعونه‪ .‬وكانوا يستمعون من النبي صلى ال عليه وسلم القرآن ثم ينفرون فيقولون‪ :‬هو ساحر‬
‫ومسييحور؛ كمييا أخييبر ال تعالى بييه عنهييم؛ قاله قتادة وغيره‪" .‬وإذ هييم نجوى" أي متناجون فييي‬
‫أمرك‪ .‬قال قتادة‪ :‬وكانت نجواهم قولهم إنه مجنون وإنه ساحر وإنه يأتي بأساطير الولين‪ ،‬وغير‬
‫ذلك‪ .‬وقيل‪ :‬نزلت حين دعا عتبة أشراف قريش إلى طعام صنعه لهم‪ ،‬فدخل عليهم النبي صلى ال‬
‫عليه وسلم وقرأ عليهم القرآن ودعاهم إلى ال؛ فتناجوا؛ يقولون ساحر ومجنون‪ .‬وقيل‪ :‬أمر النبي‬
‫صلى ال عليه وسلم عليا أن يتخذ طعاما ويدعو إليه أشراف قريش من المشركين؛ ففعل ذلك علي‬
‫ودخييل عليهييم رسييول ال صييلى ال عليييه وسييلم وقرأ عليهييم القرآن ودعاهييم إلى التوحيييد‪ ،‬وقال‪:‬‬
‫(قولوا ل إله إل ال لتطيعكم العرب وتدين لكم العجم) فأبوا‪ ،‬وكانوا يستمعون من النبي صلى ال‬
‫عليه وسلم ويقولون بينهم متناجين‪ :‬هو ساحر وهو مسحور؛ فنزلت الية‪ .‬وقال الزجاج‪ :‬النجوى‬
‫اسم للمصدر؛ أي وإذ هم ذو نجوى‪ ،‬أي سرار‪" .‬إذ يقول الظالمون" أبو جهل والوليد بن المغيرة‬
‫وأمثالهميا‪" .‬إن تتبعون إل رجل مسيحورا" أي مطبوبيا قيد خبله السيحر فاختلط علييه أمره‪ ،‬يقولون‬
‫ذلك لينفروا عنييه الناس‪ .‬وقال مجاهييد‪" :‬مسييحورا" أي مخدوعييا؛ مثييل قوله‪" :‬فأنييي تسييحرون"‬
‫[المؤمنون‪ ]89 :‬أي من أين تخدعون‪ .‬وقال أبو عبيدة‪" :‬مسحورا" معناه أن له سحرا‪ ،‬أي رئة‪،‬‬
‫فهييو ل يسييتغني عيين الطعام والشراب؛ فهييو مثلكييم وليييس بملك‪ .‬وتقول العرب للجبان‪ :‬قييد انتفييخ‬
‫سحره‪ .‬ولكل من أكل من آدمي وغيره أو شرب مسحور ومسحر‪ .‬قال لبيد‪:‬‬
‫عصافير من هذا النام المسحر‬ ‫فإن تسألينا فيم نحن فإننا‬
‫وقال امرؤ القيس‪:‬‬
‫ونسحر بالطعام وبالشراب‬ ‫أرانا موضعين لمر غيب‬
‫أي نغذي ونعلل‪ .‬وفيي الحدييث عين عائشية رضيي ال عنهيا أنهيا قالت‪ :‬مين هذه التيي تسياميني مين‬
‫أزواج النبي صلى ال عليه وسلم؛ وقد توفي رسول ال صلى ال عليه وسلم بين سحري ونحري‪.‬‬
‫*‪*3‬الية‪{ 48 :‬انظر كيف ضربوا لك المثال فضلوا فل يستطيعون سبيل}‬
‫@قوله تعالى‪" :‬انظر كيف ضربوا لك المثال" عجّبه من صنعهم كيف يقولون تارة ساحر وتارة‬
‫مجنون وتارة شاعير‪" .‬فضلوا فل يسيتطيعون سيبيل" أي حيلة فيي صيد الناس عنيك‪ .‬وقييل‪ :‬ضلوا‬
‫عين الحيق فل يجدون سيبيل‪ ،‬أي إلى الهدى‪ .‬وقييل‪ :‬مخرجيا؛ لتناقيض كلمهيم فيي قولهيم‪ :‬مجنون‪،‬‬
‫ساحر‪ ،‬شاعر‪.‬‬
‫*‪*3‬الية‪{ 49 :‬وقالوا أئذا كنا عظاما ورفاتا أئنا لمبعوثون خلقا جديدا}‬
‫@قوله تعالى‪" :‬وقالوا أئذا كنا عظاما ورفاتا" أي قالوا وهم يتناجون لما سمعوا القرآن وسمعوا‬
‫أميير البعييث‪ :‬لو لم يكيين مسييحورا مخدوعييا لمييا قال هذا‪ .‬قال ابيين عباس‪ :‬الرفات الغبار‪ .‬مجاهييد‪:‬‬
‫التراب‪ .‬والرفات مييا تكسيير وبلي ميين كييل شيييء؛ كالفتات والحطام والرضاض؛ عيين أبييي عييبيدة‬
‫والكسائي والفراء والخفش‪ .‬تقول منه‪ :‬رفت الشيء رفتا‪ ،‬أي حطم؛ فهو مرفوت‪" .‬أئنا لمبعوثون‬
‫خلقيا جديدا" "أئنيا" اسيتفهام والمراد بيه الجحيد والنكار‪ .‬و" خلقيا" نصيب لنيه مصيدر؛ أي بعثيا‬
‫جديدا‪ .‬وكان هذا غاية النكار منهم‪.‬‬
‫*‪*3‬اليتان‪{ 51 - 50 :‬قل كونوا حجارة أو حديدا‪ ،‬أو خلقا مما يكبر في صدوركم فسيقولون‬
‫مين يعيدنيا قيل الذي فطركيم أول مرة فسيينغضون إلييك رؤوسيهم ويقولون متيى هيو قيل عسيى أن‬
‫يكون قريبا}‬
‫@ أي قل لهم يا محمد كونوا على جهة التعجيز حجارة أو حديدا في الشدة والقوة‪ .‬قال الطبري‪:‬‬
‫أي إن عجبتم من إنشاء ال لكم عظاما ولحما فكونوا أنتم حجارة أو حديدا إن قدرتم‪ .‬وقال علي بن‬
‫عيسى‪ :‬معناه أنكم لو كنتم حجارة أو حديدا لم تفوتوا ال عز وجل إذا أرادكم؛ إل أنه خرج مخرج‬
‫المر‪ ،‬لنه أبلغ في اللزام‪ .‬وقيل‪ :‬معناه لو كنتم حجارة أو حديدا لعادكم كما بدأكم‪ ،‬ولماتكم ثم‬
‫أحياكييم‪ .‬وقال مجاهييد‪ :‬المعنييى كونوا مييا شئتييم فسييتعادون‪ .‬النحاس‪ :‬وهذا قول حسيين؛ لنهييم ل‬
‫يسييتطيعون أن يكونوا حجارة‪ ،‬وإنمييا المعنييى أنهييم قييد أقروا بخالقهييم وأنكروا البعييث فقيييل لهييم‬
‫اسيتشعروا أن تكونوا ميا شئتيم‪ ،‬فلو كنتيم حجارة أو حديدا لبعثتيم كميا خلقتيم أول مرة‪" .‬أو خلقيا مميا‬
‫يكيبر فيي صيدوركم" قال مجاهيد‪ :‬يعنيي السيماوات والرض والجبال لعظمهيا فيي النفوس‪ .‬وهيو‬
‫معنييى قول قتادة‪ .‬يقول‪ :‬كونوا مييا شئتييم‪ ،‬فإن ال يميتكييم ثييم يبعثكييم‪ .‬وقال ابيين عباس وابيين عميير‬
‫وعبدال بين عمرو بين العاص وابين جيبير ومجاهيد أيضيا وعكرمية وأبيو صيالح والضحاك‪ :‬يعنيي‬
‫الموت؛ لنه ليس شيء أكبر في نفس ابن آدم منه؛ قال أمية بن أبي الصلت‪:‬‬
‫وللموت خلق في النفوس فظيع‬
‫يقول‪ :‬إنكيم لو خلقتيم مين حجارة أو حدييد أو كنتيم الموت لميتنكيم ولبعثنكيم؛ لن القدرة التيي بهيا‬
‫أنشأتكم بها نعيدكم‪ .‬وهو معنى قوله‪" :‬فسيقولون من يعيدنا"‪ .‬وفي الحديث أنه (يؤتى بالموت يوم‬
‫القيامية فيي صيورة كبيش أملح فيذبيح بيين الجنية والنار)‪ .‬وقييل‪ :‬أراد بيه البعيث؛ لنيه كان أكيبر فيي‬
‫صييدورهم؛ قاله الكلبييي‪" .‬فطركييم" خلقكييم وأنشأكييم‪" .‬فسييينغضون إليييك رؤوسييهم" أي يحركون‬
‫رؤوسهم استهزاء؛ يقال‪ :‬نغض رأسه ينغض وينغض نغضا ونغوضا؛ أي تحرك‪ .‬وأنغض رأسه‬
‫أي حركه‪ ،‬كالمتعجب من الشيء؛ ومنه قوله تعالى‪" :‬فسينغضون إليك رؤوسهم"‪ .‬قال الراجز‪:‬‬
‫أنغض نحوي رأسه وأقنعا‬
‫ويقال أيضا‪ :‬نغض فلن رأسه أي حركه؛ يتعدى ول يتعدى‪ ،‬حكاه الخفش‪ .‬ويقال‪ :‬نغضت سنه؛‬
‫أي حركت وانقلعت‪ .‬قال الراجز‪:‬‬
‫ونغضت من هرم أسنانها‬
‫وقال آخر‪:‬‬
‫لما رأتني انغضت لي الرأسا‬
‫وقال آخر‪:‬‬
‫بمسد فوق المحال النغض‬ ‫ل ماء في المقراة إن لم تنهض‬
‫المحال والمحالة‪ :‬البكرة العظيمية التيي يسيتقي بهيا البيل‪" .‬ويقولون متيى هيو" أي البعيث والعادة‬
‫وهذا الوقت‪" .‬قل عسى أن يكون قريبا" أي هو قريب؛ لن عسى واحب؛ نظيره "وما يدريك لعل‬
‫السياعة تكون قريبا" [الحزاب‪ ]63 :‬و"لعل السياعة قريب" [الشورى‪ .]17 :‬وكيل‪ ،‬ميا هو آت‬
‫فهو قريب‪.‬‬
‫*‪*3‬الية‪{ 52 :‬يوم يدعوكم فتستجيبون بحمده وتظنون إن لبثتم إل قليل}‬
‫@قوله تعالى‪" :‬يوم يدعوكيم" الدعاء‪ :‬النداء إلى المحشير بكلم تسيمعه الخلئق‪ ،‬يدعوهيم ال‬
‫تعالى فييه بالخروج‪ .‬وقييل‪ :‬بالصييحة التيي يسيمعونها؛ فتكون داعيية لهيم إلى الجتماع فيي أرض‬
‫القياميية‪ .‬قال صييلى ال عليييه وسييلم‪( :‬إنكييم تدعون يوم القياميية بأسييمائكم وأسييماء آبائكييم فأحسيينوا‬
‫أسماءكم)‪" .‬فتستجيبون بحمده" أي باستحقاقه الحمد على الحياء‪ .‬وقال أبو سهل‪ :‬أي والحمد ل؛‬
‫كما قال‪:‬‬
‫لبست‪ ،‬ول من غدرة أتقنع‬ ‫فإني بحمد ال ل ثوب فاجر‬
‫وقيييل‪ :‬حامدييين ل تعالى بألسيينتكم‪ .‬قال سييعيد بيين جييبير‪ :‬تخرج الكفار ميين قبورهييم وهييم يقولون‬
‫سيييبحانك وبحمدك؛ ولكييين ل ينفعهيييم اعتراف ذلك اليوم‪ .‬وقال ابييين عباس‪" :‬بحمده" بأمره؛ أي‬
‫تقرون بأنيه خالقكيم‪ .‬وقال قتادة‪ :‬بمعرفتيه وطاعتيه‪ .‬وقييل‪ :‬المعنيى بقدرتيه‪ .‬وقييل‪ :‬بدعائه إياكيم‪ .‬قال‬
‫علماؤنا‪ :‬وهو الصحيح؛ فإن النفخ في الصور إنما هو سبب لخروج أهل القبور؛ بالحقيقة إنما هو‬
‫خروج الخلق بدعوة الحيييق‪ ،‬قال ال تعالى‪" :‬يوم يدعوكيييم فتسيييتجيبون بحمده" فيقومون يقولون‬
‫سيبحانك اللهيم وبحمدك‪ .‬قال‪ :‬فيوم القيامية يوم يبدأ بالحميد ويختيم بيه؛ قال ال تعالى‪" :‬يوم يدعوكيم‬
‫فتسيتجيبون بحمده" وقال فيي آخير "وقضيى بينهيم بالحيق وقييل الحميد ل رب العالميين" [الزمير‪:‬‬
‫‪" .]75‬وتظنون إن لبثتم إل قليل" يعني بين النفختين؛ وذلك أن العذاب يكف عن المعذبين بين‬
‫النفختييين‪ ،‬وذلك أربعون عامييا فينامون؛ فذلك قوله تعالى‪" :‬ميين بعثنييا ميين مرقدنييا" [يييس‪]52 :‬‬
‫فيكون خاصيا للكفار‪ .‬وقال مجاهيد‪ :‬للكافريين هجعية قبيل يوم القيامية يجدون فيهيا طعيم النوم‪ ،‬فإذا‬
‫صييح بأهيل القبور قاموا مذعوريين‪ .‬وقال قتادة‪ :‬المعنيى أن الدنييا تحاقرت فيي أعينهيم وقلت حيين‬
‫رأوا يوم القيامة‪ .‬الحسن‪" :‬وتظنون إن لبثتم إل قليل" في الدنيا لطول لبثكم في الخرة‪.‬‬
‫*‪*3‬اليية‪{ 53 :‬وقيل لعبادي يقولوا التيي هيي أحسين إن الشيطان ينزغ بينهيم إن الشيطان كان‬
‫للنسان عدوا مبينا}‬
‫@قوله تعالى‪" :‬وقيل لعبادي يقولوا التيي هيي أحسين" تقدم إعرابيه‪ .‬واليية نزلت فيي عمير بين‬
‫الخطاب‪ .‬وذلك أن رجل ميين العرب شتمييه‪ ،‬وسييبه عميير وهييم بقتله‪ ،‬فكادت تثييير فتنيية فأنزل ال‬
‫تعالى فيه‪" :‬وقل لعبادي يقولوا التي هي أحسن" ذكره الثعلبي والماوردي وابن عطية والواحدي‪.‬‬
‫وقييل‪ :‬نزلت لميا قال المسيلمون‪ :‬ايذن لنيا ييا رسيول ال فيي قتالهيم فقيد طال إيذاؤهيم إيانيا‪ ،‬فقال‪( :‬لم‬
‫أوميير بعييد بالقتال) فأنزل ال تعالى‪" :‬وقييل لعبادي يقولوا التييي هييي أحسيين"؛ قاله الكلبييي‪ .‬وقيييل‪:‬‬
‫المعنيى قيل لعبادي الذيين اعترفوا بأنيي خالقهيم وهيم يعبدون الصينام‪ ،‬يقولوا التيي هيي أحسين مين‬
‫كلمية التوحييد والقرار بالنبوة‪ .‬وقييل‪ :‬المعنى وقل لعبادي المؤمنيين إذا جادلوا الكفار فيي التوحييد‪،‬‬
‫أن يقولوا الكلمة التي هي أحسن‪ .‬كما قال‪" :‬ول تسبوا الذين يدعون من دون ال فيسبوا ال عدوا‬
‫بغير علم" [النعام‪ .]108 :‬وقال الحسن‪ :‬هو أن يقول للكافر إذا تشطط‪ :‬هداك ال! يرحمك ال!‬
‫وهذا قبل أن أمروا بالجهاد‪ .‬وقيل‪ :‬المعنى قل لهم يأمروا بما أمر ال به وينهوا عما نهى ال عنه؛‬
‫وعلى هذا تكون الية عامة في المؤمن والكافر‪ ،‬أي قل للجميع‪ .‬وال أعلم‪ .‬وقالت طائفة‪ :‬أمر ال‬
‫تعالى فييي هذه الييية المؤمنييين فيمييا بينهييم خاصيية‪ ،‬بحسيين الدب وإلنيية القول‪ ،‬وخفييض الجناح‬
‫وإطراح نزغات الشيطان؛ وقد قال صلى ال عليه وسلم‪( :‬وكونوا عباد ال إخوانا)‪ .‬وهذا أحسن‪،‬‬
‫وتكون الية محكمة‪.‬‬
‫@قوله تعالى‪" :‬إن الشيطان ينزغ بينهم" أي بالفساد وإلقاء العداوة والغواء‪ .‬وقد تقدم في آخر‬
‫"العراف" [ويوسف]‪ .‬يقال‪ :‬نزغ بيننا أي أفسد؛ قاله اليزيدي‪ .‬وقال غيره‪ :‬النزغ الغراء‪" .‬إن‬
‫الشيطان كان للنسيان عدوا مبينيا" أي شدييد العداوة‪ .‬وقيد تقدم فيي "البقرة"‪ .‬وفيي الخيبر (أن قوميا‬
‫جلسوا يذكرون ال‪ ،‬عز وجل فجاء الشيطان ليقطع مجلسهم فمنعته الملئكة فجاء إلى قوم جلسوا‬
‫قريبا منهم ل يذكرون ال فحرش بينهم فتخاصموا وتواثبوا فقال هؤلء الذاكرون قوموا بنا نصلح‬
‫بين إخواننا فقاموا وقطعوا مجلسهم وفرح بذلك الشيطان)‪ .‬فهذا من بعض عداوته‪.‬‬
‫*‪*3‬الية‪{ 54 :‬ربكم أعلم بكم إن يشأ يرحمكم أو إن يشأ يعذبكم وما أرسلناك عليهم وكيل}‬
‫@قوله تعالى‪" :‬ربكيم أعلم بكيم إن يشيأ يرحمكيم أو إن يشيأ يعذبكيم" هذا خطاب للمشركيين‪،‬‬
‫والمعنييى‪ :‬إن يشييأ يوفقكييم للسييلم فيرحمكييم‪ ،‬أو يميتكييم على الشرك فيعذبكييم؛ قاله ابيين جريييج‪.‬‬
‫و"اعلم" بمعنيى علييم؛ نحيو قولهيم‪ :‬ال أكيبر‪ ،‬بمعنيى كيبير‪ .‬وقييل‪ :‬الخطاب للمؤمنيين؛ أي إن يشيأ‬
‫يرحمكم بأن يحفظكم من كفار مكة‪ ،‬أو إن يشأ يعذبكم بتسليطهم عليكم؛ قاله الكلبي‪" .‬وما أرسلناك‬
‫عليهم وكيل" أي وما وكلناك في منعهم من الكفر ول جعلنا إليك إيمانهم‪ .‬وقيل‪ :‬ما جعلناك كفيل‬
‫لهم تؤخذ بهم؛ قاله الكلبي‪ .‬وقال الشاعر‪:‬‬
‫برد المور الماضيات وكيل‬ ‫ذكرت أبا أروى فبت كأنني‬
‫أي كفيل‪.‬‬
‫*‪*3‬الية‪{ 55 :‬وربك أعلم بمن في السماوات والرض ولقد فضلنيا بعض النبيين على بعض‬
‫وآتينا داود زبورا}‬
‫@قوله تعالى‪" :‬وربيك أعلم بمين فيي السيماوات والرض" أعاد بعيد أن قال‪" :‬ربكيم اعلم بكيم"‬
‫ليبين أنه خالقهم وأنه جعلهم مختلقين في أخلقهم وصورهم وأحوالهم ومالهم "أل يعلم من خلق"‬
‫[الملك‪ .]14 :‬وكذا النبيون فضل بعضهم على بعض عن علم منه بحالهم‪ .‬وقد مضى القول في‬
‫هذا فييي (البقرة)‪" .‬وآتينييا داود زبورا" الزبور‪ :‬كتاب ليييس فيييه حلل ول حرام‪ ،‬ول فرائض ول‬
‫حدود؛ وإنمييا هييو دعاء وتحميييد وتمجيييد‪ .‬أي كمييا آتينييا داود الزبور فل تنكروا أن يؤتييى محمييد‬
‫القرآن‪ .‬وهو في محاجة اليهود‪.‬‬
‫*‪*3‬الية‪{ 56 :‬قل ادعوا الذين زعمتم من دونه فل يملكون كشف الضر عنكم ول تحويل}‬
‫@قوله تعالى‪" :‬قل ادعوا الذين زعمتم من دونه" لما ابتليت قريش بالقحط وشكوا إلى رسول ال‬
‫صيلى ال علييه وسيلم أنزل ال هذه اليية؛ أي ادعوا الذيين تعبدون مين دون ال وزعمتيم أنهيم آلهية‪.‬‬
‫وقال الحسن‪ :‬يعني الملئكة وعيسى وعزيرا‪ .‬ابن مسعود‪ :‬يعني الجن‪" .‬فل يملكون كشف الضر‬
‫عنكيم" أي القحيط سيبع سينين‪ ،‬على قول مقاتيل‪" .‬ول تحويل" مين الفقير إلى الغنيى ومين السيقم إلى‬
‫الصحة‪.‬‬
‫*‪*3‬اليية‪{ 57 :‬أولئك الذيين يدعون يبتغون إلى ربهيم الوسييلة أيهيم أقرب ويرجون رحمتيه‬
‫ويخافون عذابه إن عذاب ربك كان محذورا}‬
‫@قوله تعالى‪" :‬أولئك الذيين يدعون" "أولئك" مبتدأ "الذيين" صيفة "أولئك" وضميير الصيلة‬
‫محذوف؛ أي يدعونهم‪ .‬يعني أولئك المدعوون‪ .‬و"يبتغون" خبر‪ ،‬أو يكون حال‪ ،‬و"الذين يدعون"‬
‫خيبر؛ أي يدعون إلييه عبادا إلى عبادتيه‪ .‬وقرأ ابين مسيعود "تدعون" بالتاء على الخطاب‪ .‬الباقون‬
‫بالياء على الخيبر‪ .‬ول خلف فيي "يبتغون" أنيه بالياء‪ .‬وفيي صيحيح مسيلم مين كتاب التفسيير عين‬
‫عبدال بين مسيعود فيي قوله عيز وجيل‪" :‬أولئك الذيين يدعون يبتغون إلى ربهيم الوسييلة" قال‪ :‬نفير‬
‫من الجن أسلموا وكانوا يعبدون‪ ،‬فبقي الذين كانوا يعبدون على عبادتهم وقد أسلم النفر من الجن‪.‬‬
‫في رواية قال‪ :‬نزلت في نفر من العرب كانوا يعبدون نفرا من الجن فأسلم الجنيون والنس الذين‬
‫كانوا يعبدونهيم ل يشعرون؛ فنزلت "أولئك الذيين يدعون يبتغون إلى ربهيم الوسييلة"‪ .‬وعنيه أيضيا‬
‫أنهيم الملئكية كانيت تعبدهيم قبائل مين العرب؛ ذكره الماوردي‪ .‬وقال ابين عباس ومجاهيد‪ :‬عزيير‬
‫وعيسيى‪ .‬و"يبتغون" يطلبون مين ال الزلفية والقربية‪ ،‬ويتضرعون إلى ال تعالى فيي طلب الجنية‪،‬‬
‫وهي الوسيلة‪ .‬أعلمهم ال تعالى أن المعبودين يبتغون القربة إلى ربهم‪ .‬والهاء والميم في "ربهم"‬
‫تعود على العابدين أو على المعبودين أو عليهم جميعا‪ .‬وأما "يدعون" فعلى العابدين‪" .‬ويبتغون"‬
‫على المعبوديين‪" .‬أيهيم أقرب" ابتداء وخيبر‪ .‬ويجوز أن يكون "أيهيم أقرب" بدل مين الضميير فيي‬
‫"يبتغون"‪ ،‬والمعنيى يبتغيي أيهيم أقرب الوسييلة إلى ال‪" .‬ويرجون رحمتيه ويخافون عذابيه إن‬
‫عذاب ربيك كان محذورا" أي مخوفيا ل أمان لحيد منيه؛ فينبغيي أن يحذر منيه ويخاف‪ .‬وقال سيهل‬
‫بن عبدال‪ :‬الرجاء والخوف زمانان على النسان‪ ،‬فإذا استويا استقامت أحواله‪ ،‬وإن رجح أحدهما‬
‫بطل الخر‪.‬‬
‫*‪*3‬الية‪{ 58 :‬وإن من قرية إل نحن مهلكوها قبل يوم القيامة أو معذبوها عذابا شديدا كان ذلك‬
‫في الكتاب مسطورا}‬
‫@قوله تعالى‪" :‬وإن من قرية إل نحن مهلكوها" أي مخربوها‪" .‬قبل يوم القيامة أو معذبوها عذابا‬
‫شديدا" قال مقاتييل‪ :‬أمييا الصييالحة فبالموت‪ ،‬وأمييا الطالحيية فبالعذاب‪ .‬وقال ابيين مسييعود‪ :‬إذا ظهيير‬
‫الزنيى والربيا فيي قريية أذن ال فيي هلكهيم‪ .‬فقييل‪ :‬المعنيى وإن مين قريية ظالمية؛ يقوي ذلك قوله‪:‬‬
‫"وما كنا مهلكيي القرى إل وأهلهيا ظالمون" [القصص‪ .]59 :‬أي فليتيق المشركون‪ ،‬فإنه ميا من‬
‫قريية كافرة إل سييحل بهيا العذاب‪" .‬كان ذلك فيي الكتاب" أي فيي اللوح‪" .‬مسيطورا" أي مكتوبيا‪.‬‬
‫والسطر‪ :‬الخط والكتابة وهو في الصل مصدر‪ .‬والسطر(بالتحريك)‪ ،‬مثله‪ .‬قال جرير‪:‬‬
‫ما تكمل التيم في ديوانهم سطرا‬ ‫من شاء بايعته مالي وخُلعته‬
‫الخلعيية (بضييم الخاء)‪ :‬خيار المال‪ .‬والسييطر جمييع أسييطار؛ مثييل سييبب وأسييباب‪ ،‬ثييم يجمييع على‬
‫أساطير‪ .‬وجمع السطر أسطر وسطور؛ مثل أفلس وفلوس‪ .‬والكتاب هنا يراد به اللوح المحفوظ‪.‬‬
‫*‪*3‬الية‪{ 59 :‬وما منعنا أن نرسل باليات إل أن كذب بها الولون وآتينا ثمود الناقة مبصرة‬
‫فظلموا بها وما نرسل باليات إل تخويفا}‬
‫@قوله تعالى‪" :‬وما منعنا أن نرسل باليات إل أن كذب بها الولون" في الكلم حذف‪ ،‬والتقدير‪:‬‬
‫وما منعنا أن نرسل باليات التي اقترحوها إل أن يكذبوا بها فيهلكوا كما فعل بمن كان قبلهم‪ .‬قال‬
‫معناه قتادة وابن جريج وغيرهما‪ .‬فأخر ال تعالى العذاب عن كفار قريش لعلمه أن فيهم من يؤمن‬
‫وفيهيم مين يولد مؤمنيا‪ .‬وقيد تقدم فيي "النعام" وغيرهيا أنهيم طلبوا أن يحول ال لهيم الصيفا ذهبيا‬
‫وتتنحيى الجبال عنهيم؛ فنزل جبرييل وقال‪( :‬إن شئت كان ميا سيأل قوميك ولكنهيم إن لم يؤمنوا لم‬
‫يمهلوا وإن شئت اسيتأنيت بهيم)‪ .‬فقال‪( :‬ل بيل اسيتأن بهيم)‪ .‬و"أن" الولى فيي محيل نصيب بوقوع‬
‫المنيع عليهيم‪ ،‬و"أن" الثانيية فيي محيل رفيع‪ .‬والباء فيي "باليات" زائدة‪ .‬ومجاز الكلم‪ :‬وميا منعنيا‬
‫إرسال اليات إل تكذيب الولين‪ ،‬وال تعالى ل يكون ممنوعا عن شيء؛ فالمعنى المبالغة في أنه‬
‫ل يفعل‪ ،‬فكأنه قد منع عنه‪ .‬ثم بين ما فعل بمن سأل اليات فلم يؤمن بها فقال‪" :‬وآتينا ثمود الناقة‬
‫مبصيييرة" أي آيييية دالة مضيئة نيرة على صيييدق صيييالح‪ ،‬وعلى قدرة ال تعالى‪ .‬وقيييد تقدم ذلك‪.‬‬
‫"فظلموا بهيا" أي ظلموا بتكذيبهيا‪ .‬وقييل‪ :‬جحدوا بهيا وكفروا أنهيا مين عنيد ال فاسيتأصلهم ال‬
‫بالعذاب‪" .‬وميا نرسيل باليات إل تخويفيا" فييه خمسية أقوال‪ :‬الول‪ :‬العيبر والمعجزات التيي جعلهيا‬
‫ال على أيدي الرسييل ميين دلئل النذار تخويفييا للمكذبييين‪ .‬الثانييي‪ :‬أنهييا آيات النتقام تخويفييا ميين‬
‫المعاصيي‪ .‬الثالث‪ :‬أنهيا تقلب الحوال مين صيغر إلى شباب ثيم إلى تكهيل ثيم إلى مشييب‪ ،‬لتعتيبر‬
‫بتقلب أحوالك فتخاف عاقبيية أمرك؛ وهذا قول أحمييد بيين حنبييل رضييي ال عنييه‪ .‬الرابييع‪ :‬القرآن‪.‬‬
‫الخامس‪ :‬الموت الذريع؛ قاله الحسن‪.‬‬
‫*‪*3‬الية‪{ 60 :‬وإذ قلنا لك إن ربك أحاط بالناس وما جعلنا الرؤيا التي أريناك إل فتنة للناس‬
‫والشجرة الملعونة في القرآن ونخوفهم فما يزيدهم إل طغيانا كبيرا}‬
‫@قوله تعالى‪" :‬وإذ قلنا لك إن ربك أحاط بالناس" قال ابن عباس‪ :‬الناس هنا أهل مكة‪ ،‬وإحاطته‬
‫بهيم إهلكيه إياهيم؛ أي أن ال سييهلكهم‪ .‬وذكره بلفيظ الماضيي لتحقيق كونيه‪ .‬وعنيي بهذا الهلك‬
‫الموعود ميا جرى يوم بدر ويوم الفتيح‪ .‬وقييل‪ :‬معنيى "أحاط بالناس" أي أحاطيت قدرتيه بهيم‪ ،‬فهيم‬
‫في قبضته ل يقدرون على الخروج من مشيئته؛ قاله مجاهد وابن أبي نجيح‪ .‬وقال الكلبي‪ :‬المعنى‬
‫أحاط علمييه بالناس‪ .‬وقيييل‪ :‬المراد عصييمته ميين الناس أن يقتلوه حتييى يبلغ رسييالة ربييه؛ أي ومييا‬
‫أرسيلناك عليهيم حفيظيا‪ ،‬بيل علييك التبلييغ‪ ،‬فبلغ بجدك فإنيا نعصيمك منهيم ونحفظيك‪ ،‬فل تهبهيم‪،‬‬
‫واميض لميا آمرك بيه مين تبلييغ الرسيالة‪ ،‬فقدرتنيا محيطية بالكيل؛ قال معناه الحسين وعروة وقتادة‬
‫وغيرهم‪.‬‬
‫@قوله تعالى‪" :‬وميا جعلنيا الرؤييا التيي أريناك إل فتنية للناس" لميا بيين أن إنزال آيات القرآن‬
‫تتضمين التخوييف ضيم إلييه ذكير آيية السيراء‪ ،‬وهيي المذكورة فيي صيدر السيورة‪ .‬وفيي البخاري‬
‫والترمذي عن ابن عباس في قوله تعالى‪" :‬وما جعلنا الرؤيا التي أريناك إل فتنة للناس" قال‪ :‬هي‬
‫رؤيييا عييين أريهييا النييبي صييلى ال عليييه وسييلم ليلة أسييري بييه إلى بيييت المقدس‪ .‬قال‪" :‬والشجرة‬
‫الملعونية فيي القرآن" هيي شجرة الزقوم‪ .‬قال أبيو عيسيى الترمذي‪ :‬هذا حدييث صيحيح‪ .‬وبقول ابين‬
‫عباس قالت عائشية ومعاويية والحسين ومجاهيد وقتادة وسيعيد بين جيبير والضحاك وابين أبيي نجييح‬
‫وابين زييد‪ .‬وكانيت الفتنية ارتداد قوم كانوا أسيلموا حيين أخيبرهم النيبي صيلى ال علييه وسيلم أنيه‬
‫أسري به‪ .‬وقيل‪ :‬كانت رؤيا نوم‪ .‬وهذه الية تقضي بفساده‪ ،‬وذلك أن رؤيا المنام ل فتنة فيها‪ ،‬وما‬
‫كان أحيد لينكرهيا‪ .‬وعين ابين عباس قال‪ :‬الرؤييا التيي فيي هذه اليية هيي رؤييا رسيول ال صيلى ال‬
‫علييه وسيلم أنيه يدخيل مكية فيي سينة الحديبيية‪ ،‬فرد فافتتين المسيلمون لذلك‪ ،‬فنزلت اليية‪ ،‬فلميا كان‬
‫العام المقبل دخلها‪ ،‬وأنزل ال تعالى "لقد صدق ال رسوله الرؤيا بالحق" [الفتح‪ .]27 :‬وفي هذا‬
‫التأوييل ضعيف؛ لن السيورة مكيية وتلك الرؤييا كانيت بالمدينية‪ .‬وقال فيي روايية ثالثية‪ :‬إنيه علييه‬
‫السيلم رأى فيي المنام بنيي مروان ينزون على منيبره نزو القردة‪ ،‬فسياءه ذلك فقييل‪ :‬إنميا هيي الدنييا‬
‫أعطوهيا‪ ،‬فسيري عنيه‪ ،‬وميا كان له بمكية منيبر ولكنيه يجوز أن يرى بمكية رؤييا المنيبر بالمدينية‪.‬‬
‫وهذا التأوييل الثالث قاله أيضيا سيهل بين سيعد رضيي ال عنيه‪ .‬قال سيهل إنميا هذه الرؤييا هيي أن‬
‫رسيول ال صيلى ال علييه وسيلم كان يرى بنيي أميية ينزون على منيبره نزو القردة‪ ،‬فاغتيم لذلك‪،‬‬
‫وميا اسيتجمع ضاحكيا مين يومئذ حتيى مات صيلى ال علييه وسيلم‪ .‬فنزلت اليية مخيبرة أن ذلك مين‬
‫تملكهم وصعودهم يجعلها ال فتنة للناس وامتحانا‪ .‬وقرأ الحسن بن على في خطبته في شأن بيعته‬
‫لمعاويية‪" :‬وإن أدري لعله فتنية لكيم ومتاع إلى حيين" [النيبياء‪ .]111 :‬قال ابين عطيية‪ :‬وفيي هذا‬
‫التأويل نظر‪ ،‬ول يدخل في هذه الرؤيا عثمان ول عمر بن عبدالعزيز ول معاوية‪.‬‬
‫@قوله تعالى‪" :‬والشجرة الملعونة في القرآن" فيه تقديم وتأخير؛ أي ما جعلنا الرؤيا التي أريناك‬
‫والشجرة الملعونة في القرآن إل فتنة للناس‪ .‬وفتنتها أنهم لما خوفوا بها قال أبو جهل استهزاء‪ :‬هذا‬
‫محميد يتوعدكيم بنار تحرق الحجارة‪ ،‬ثيم يزعيم أنهيا تنبيت الشجير والنار تأكيل الشجير‪ ،‬وميا نعرف‬
‫الزقوم إل التمير والزبيد‪ ،‬ثيم أمير أبيو جهيل جاريية فأحضرت تمرا وزبدا وقال لصيحابه‪ :‬تزقموا‪.‬‬
‫وقد قيل‪ :‬إن القائل ما نعلم الزقوم إل التمر والزبد ابن الزبعرى حيث قال‪ :‬كثر ال من الزقوم في‬
‫داركم‪ ،‬فإنه التمير بالزبد بلغة اليمن‪ .‬وجائز أن يقول كلهميا ذلك‪ .‬فافتتن أيضا لهذه المقالة بعض‬
‫الضعفاء‪ ،‬فأخييبر ال تعالى نييبيه عليييه السييلم أنييه إنمييا جعييل السييراء وذكيير شجرة الزقوم فتنيية‬
‫واختبارا ليكفير مين سيبق علييه الكفير ويصيدق مين سيبق له اليمان‪ .‬كميا روي أن أبيا بكير الصيديق‬
‫رضي ال عنه قيل له صبيحة السراء‪ :‬إن صاحبك يزعم أنه جاء البارحة من بيت المقدس فقال‪:‬‬
‫إن كان قال ذلك فلقيد صيدق‪ .‬فقييل له‪ :‬أتصيدقه قبيل أن تسيمع منيه؟ فقال‪ :‬أيين عقولكيم؟ أنيا أصيدقه‬
‫بخبر السماء‪ ،‬فكيف ل أصدقه بخبر بيت المقدس‪ ،‬والسماء أبعد منها بكثير‪.‬‬
‫قلت‪ :‬ذكر هذا الخبر ابن إسحاق‪ ،‬ونصه‪ :‬قال كان من الحديث فيما بلغني عن مسراه صلى ال‬
‫عليه وسلم عن عبدال بن مسعود وأبي سعيد الخدري وعائشة ومعاوية بن أبي سفيان والحسن بن‬
‫أبيي الحسين وابين شهاب الزهري وقتادة وغيرهيم مين أهيل العلم وأم هانيئ بنيت أبيي طالب‪ ،‬ميا‬
‫اجتميع فيي هذا الحدييث‪ ،‬كيل يحدث عنيه بعيض ميا ذكير مين أمره حيين أسيري بيه صيلى ال علييه‬
‫وسيلم‪ ،‬وكان فيي مسيراه وميا ذكير عنيه بلء وتمحييص وأمير مين أمير ال عيز وجيل فيي قدرتيه‬
‫وسلطانه فيه عبرة لولي اللباب‪ ،‬وهدى ورحمة وثبات لمن آمن وصدق وكان من أمر ال تعالى‬
‫على يقين؛ فأسرى به صلى ال عليه وسلم كيف شاء وكما شاء ليريه من آياته ما أراد‪ ،‬حتى عاين‬
‫ما عاين من أمره وسلطانه العظيم‪ ،‬وقدرته التي يصنع بها ما يريد‪ .‬وكان عبدال بن مسعود فيما‬
‫بلغني عنه يقول‪ :‬أتى رسول ال صلى ال عليه وسلم بالبراق ‪ -‬وهي الدابة التي كانت تحمل عليها‬
‫النبياء قبله تضع حافرها في منتهى طرفها ‪ -‬فحمل عليها‪ ،‬ثم خرج به صاحبه يُرى اليات فيما‬
‫بيين السيماء والرض‪ ،‬حتيى انتهيى إلى بييت المقدس‪ ،‬فوجيد فييه إبراهييم وموسيى وعيسيى فيي نفير‬
‫من النبياء قد جمعوا له فصلى بهم ثم أتي بثلثة آنية‪ :‬إناء فيه لبن وإناء فيه خمر؛ وإناء فيه ماء‪.‬‬
‫قال‪ :‬فقال رسيول ال صيلى ال علييه وسيلم‪( :‬فسيمعت قائل يقول حيين عُرضَت عليّي إن أخيذ الماء‬
‫فغرق وغرقيت أمتيه وإن أخيذ الخمير فغوي وغوت أمتيه وإن أخيذ اللبين فهُدي وهُدييت أمتيه قال‬
‫فأخذت إناء اللبن فشربت فقال له جبريل هُديت وهُديت أمتك يا محمد)‪ .‬قال ابن إسحاق‪ :‬وحدثت‬
‫عن الحسن أنه قال قال رسيول ال صلى ال عليه وسلم‪( :‬بينميا أنا نائم فيي الحجر جاءني جبرييل‬
‫علييه السيلم فهمزنيي بقدميه فجلسيت فلم أر شيئا ثيم عدت لمضجعيي فجاءنيي الثانيية فهمزنيي بقدميه‬
‫فجلسيت فلم أر شيئا فعدت لمضجعيي فجاءنيي الثالثية فهمزنيي بقدميه فجلسيت فأخيذ بعضدي فقميت‬
‫معيه فخرج إلى باب المسيجد فإذا دابية أبييض بيين البغيل والحمار فيي فخدييه جناحان يحفيز بهميا‬
‫رجلييه يضيع حافره فيي منتهيى طرفيه فحملنيي علييه ثيم خرج معيي ل يفوتنيي ول أفوتيه)‪ .‬قال ابين‬
‫إسحاق‪ :‬وحدثت عن قتادة أنه قال‪ :‬حدثت أن رسول ال صلى ال عليه وسلم قال‪( :‬لما دنوت منه‬
‫لركبه شمس فوضع جبريل يده على معرفته ثم قال أل تستحي يا براق مما تصنع فوال ما ركبك‬
‫عبد ل قبل محمد أكرم عليه منه قال فاستحيا حتى أرفض عرقا ثم قر حتى ركبته)‪.‬‬
‫قال الحسن في حديثه‪ :‬فمضى رسول ال صلى ال عليه وسلم ومضى معه جبريل حتى انتهى‬
‫إلى بيت المقدس‪ ،‬فوجد فيه إبراهيم وموسى وعيسى في نفر من النبياء‪ ،‬فأمهم رسول ال صلى‬
‫ال عليه وسلم فصلى بهم ثم أتى بإناءين‪ :‬في أحدهما خمر وفي الخر لبن‪ ،‬قال‪ :‬فأخذ رسول ال‬
‫صيلى ال علييه وسيلم إناء اللبين فشرب منيه وترك إناء الخمير‪ .‬قال‪ :‬فقال له جبرييل‪ :‬هدييت الفطرة‬
‫وهدييت أمتيك وحرميت عليكيم الخمير‪ .‬ثيم انصيرف رسيول ال صيلى ال علييه وسيلم إلى مكية‪ ،‬فلميا‬
‫أصييبح غدا على قريييش فأخييبرهم الخييبر؛ فقال أكثيير الناس‪ :‬هذا وال الميير البييين وال إن العييير‬
‫لتطرد شهرا ميين مكيية إلى الشام‪ ،‬مدبرة شهرا ومقبلة شهرا‪ ،‬فيذهييب ذلك محمييد فييي ليلة واحدة‬
‫ويرجيع إلى مكية قال‪ :‬فارتيد كثيير ممين كان أسيلم‪ ،‬وذهيب الناس إلى أبيي بكير فقالوا‪ :‬هيل لك ييا أبيا‬
‫بكير فيي صياحبك يزعيم أنيه قيد جاء هذه الليلة بييت المقدس‪ ،‬وصيلى فييه ورجيع إلى مكية‪ .‬قال فقال‬
‫أبيو بكير الصيديق رضيي ال عنيه‪ :‬إنكيم تكذبون علييه‪ .‬فقالوا‪ :‬بلى‪ ،‬هيا هيو ذا فيي المسيجد يحدث بيه‬
‫الناس‪ .‬فقال أبو بكر‪ :‬وال لئن كان قاله لقد صدق فما يعجبكم من ذلك فوال إنه ليخبرني إن الخبر‬
‫ليأتييه مين السيماء إلى الرض فيي سياعة مين لييل أو نهار فأصيدقه‪ ،‬فهذا أبعيد مميا تعجبون منيه‪ .‬ثيم‬
‫أقبيل حتيى انتهيى إلى رسيول ال صيلى ال علييه وسيلم فقال‪ :‬ييا نيبي ال‪ ،‬أحدثيت هؤلء أنيك جئت‬
‫بييت المقدس هذه الليلة؟ قال (نعيم) قال‪ :‬ييا نيبي ال‪ ،‬فصيفه لي فإنيي قيد جئتيه؟ فقال الحسين‪ :‬فقال‬
‫رسول ال صلى ال عليه وسلم‪( :‬رفع لي حتى نظرت إليه) فجعل رسول ال صلى ال عليه وسلم‬
‫يصفه لبي بكر ويقول أبو بكر رضي ال عنه‪ :‬صدقت‪ ،‬أشهد أنك رسول ال‪ .‬كلما وصف له منه‬
‫شيئا قال‪ :‬صدقت‪ ،‬أشهيد أنك رسول ال‪ .‬قال‪ :‬حتيى إذا انتهيى قال رسول ال صلى ال عليه وسلم‬
‫لبي بكر رضي ال عنه‪( :‬وأنت يا أبا بكر الصديق) فيومئذ سماه الصديق‪ .‬قال الحسن‪ :‬وأنزل ال‬
‫تعالى فيميين ارتييد عيين السييلم لذلك‪" :‬ومييا جعلنييا الرؤيييا التييي أريناك إل فتنيية للناس والشجرة‬
‫الملعونة قي القرآن ونخوفهم فما يزيدهم إل طغيانا كبيرا"‪ .‬فهذا حديث الحسن عن مسرى رسول‬
‫ال صلى ال عليه وسلم وما دخل فيه من حديث قتادة‪ .‬وذكر باقي السراء عمن تقدم في السيرة‪.‬‬
‫وقال ابين عباس‪ :‬هذه الشجرة بنيو أميية‪ ،‬وأن النيبي صيلى ال علييه وسيلم نفيى الحكيم‪ .‬وهذا قول‬
‫ضعييف محدث والسيورة مكيية‪ ،‬فيبعيد هذا التأوييل؛ إل أن تكون هذه اليية مدنيية‪ ،‬ولم يثبيت ذلك‪.‬‬
‫وقييد قالت عائشيية لمروان‪ :‬لعيين ال أباك وأنييت فييي صييلبه فأنييت بعييض ميين لعنيية ال‪ .‬ثييم قال‪:‬‬
‫"والشجرة الملعونة في القرآن" ولم يجر في القرآن لعن هذه الشجرة‪ ،‬ولكن ال لعن الكفار وهم‬
‫آكلوها‪ .‬والمعنى‪ :‬والشجرة الملعونة في القرآن آكلوها‪ .‬ويمكن أن يكون هذا على قول العرب لكل‬
‫طعام مكروه ضار‪ :‬ملعون‪ .‬وقال ابين عباس‪ :‬الشجرة الملعونية هيي هذه الشجرة التيي تلتوي على‬
‫الشجر فتقتله‪ ،‬يعني الكشوث‪" .‬ونخوفهم" أي بالزقوم‪" .‬فما يزيدهم" التخويف إل الكفر‪.‬‬
‫*‪*3‬اليتان‪{ 62 - 61 :‬وإذ قلنا للملئكة اسجدوا لدم فسجدوا إل إبليس قال أأسجد لمن خلقت‬
‫طينا‪ ،‬قال أرأيتك هذا الذي كرمت علي لئن أخرتن إلى يوم القيامة لحتنكن ذريته إل قليل}‬
‫@قوله تعالى‪" :‬وإذ قلنيا للملئكية اسيجدوا لدم" تقدم ذكير كون الشيطان عدو النسيان‪ ،‬فانجير‬
‫الكلم إلى ذكر آدم‪ .‬والمعنى‪ :‬اذكر بتمادي هؤلء المشركين وعتوهم على ربهم قصة إبليس حين‬
‫عصيى ربيه وأبيى السيجود‪ ،‬وقال ميا قال‪ ،‬وهيو ميا أخيبر ال تعالى فيي قوله تعالى‪" :‬فسيجدوا إل‬
‫إبليس قال أأسجد لمن خلقت طينا" أي من طين‪ .‬وهذا استفهام إنكار‪ .‬وقد تقدم القول في خلق آدم‬
‫فييي "البقرة" و"النعام" مسييتوفى‪" .‬قال أرأيتييك" أي قال إبليييس‪ .‬والكاف توكيييد للمخاطبيية‪" .‬هذا‬
‫الذي كرمييت علي" أي فضلتييه علي‪ .‬ورأى جوهيير النار خيرا ميين جوهيير الطييين ولم يعلم أن‬
‫الجواهيير متماثلة‪ .‬وقييد تقدم هذا فييي "العراف"‪ .‬و"هذا" نصييب بييي "أرأيييت"‪" .‬الذي" نعتييه‪.‬‬
‫والكرام‪ :‬اسيم جاميع لكيل ميا يحميد‪ .‬وفيي الكلم حذف تقديره‪ :‬أخيبرني عين هذا الذي فضلتيه علي‪،‬‬
‫لم فضلتيه وقيد خلقتنيي مين نار وخلقتيه مين طيين؟ فحذف لعلم السيامع‪ .‬وقييل‪ :‬ل حاجية إلى تقديير‬
‫الحذف؛ أي أترى هذا الذي كرمتييه علي لفعلن بييه كذا وكذا‪ .‬ومعنييى "لحتنكيين" فييي قول ابيين‬
‫عباس‪ :‬لسيتولين عليهيم‪ .‬وقاله الفراء‪ .‬مجاهيد‪ :‬لحتوينهيم‪ .‬ابين زييد‪ :‬لضلنهيم‪ .‬والمعنيى متقارب؛‬
‫أي لسيتأصلن ذريتيه بالغواء والضلل‪ ،‬ولجتاحنهيم‪ .‬وروي عين العرب‪ :‬إحتنيك الجراد الزرع‬
‫إذا ذهيب بيه كله‪ .‬وقييل‪ :‬معناه لسيوقنهم حييث شئت وأقودنهيم حييث أردت‪ .‬ومين قولهيم‪ :‬حنكيت‬
‫الفرس أحنكه وأحنكه حنكا إذا جعلت في فيه الرسن‪ .‬وكذلك إحتنكه‪ .‬والقول الول قريب من هذا؛‬
‫لنه إنما يأتي على الزرع بالحنك‪ .‬وقال الشاعر‪:‬‬
‫جهدا إلى جهد بنا وأضعفت‬ ‫أشكو إليك سنة قد أجحفت‬
‫واحتنكت أموالنا واجتلفت‬
‫"إل قليل" يعنيي المعصيومين‪ ،‬وهيم الذيين ذكرهيم ال فيي قوله‪" :‬إن عبادي لييس لك عليهيم‬
‫سلطان" [السراء‪ ]65 :‬وإنما قال إبليس ذلك ظنا؛‪ .‬كما قال ال تعالى‪" :‬ولقد صدق عليهم إبليس‬
‫ظنه" [سبأ‪ ]20 :‬أو علم من طبع البشر تركب الشهوة فيهم؛ أو بنى على قول الملئكة‪" :‬أتجعل‬
‫فيهيا مين يفسيد فيهيا" [البقرة‪ .]30 :‬وقال الحسين‪ :‬ظين ذلك لنيه وسيوس إلى آدم علييه السيلم فلم‬
‫يجد له عزما‪.‬‬
‫*‪*3‬الية‪{ 63 :‬قال اذهب فمن تبعك منهم فإن جهنم جزاؤكم جزاء موفورا}‬
‫@قوله تعالى‪" :‬قال اذهب" هذا أمر إهانة؛ أي اجهد جهدك فقد أنظرناك "فمن تبعك منهم" أي‬
‫أطاعيك مين ذريية آدم‪" .‬فإن جهنيم جزاؤكيم جزاء موفورا" أي وافرا؛ عين مجاهيد وغيره‪ .‬وهيو‬
‫نصيب على المصيدر‪ ،‬يقال‪ :‬وفرتيه أفره وفرا‪ ،‬ووفير المال بنفسيه يفير وفورا فهيو وافير؛ فهيو لزم‬
‫ومتعد‪.‬‬
‫*‪*3‬الية‪{ 64 :‬واستفزز من استطعت منهم بصوتك وأجلب عليهم بخيلك ورجلك وشاركهم في‬
‫الموال والولد وعدهم وما يعدهم الشيطان إل غرورا}‬
‫@قوله تعالى‪" :‬واسيتفزز" أي اسيتزل واسيتخف‪ .‬وأصيله القطيع‪ ،‬ومنيه تفزز الثوب إذا انقطيع‪.‬‬
‫والمعنييى اسييتزله بقطعييك إياه عيين الحييق‪ .‬واسييتفزه الخوف أي اسييتخفه‪ .‬وقعييد مسييتفزا أي غييير‬
‫مطمئن‪" .‬واسيتفزز" أمير تعجييز‪ ،‬أي أنيت ل تقدر على إضلل أحيد‪ ،‬ولييس لك على أحيد سيلطان‬
‫فافعل ما شئت‪" .‬بصوتك" وصوته كل داع يدعو إلى معصية ال تعالى؛ عن ابن عباس‪ .‬مجاهد‪:‬‬
‫الغناء والمزامييير واللهييو‪ .‬الضحاك‪ :‬صييوت المزمار‪ .‬وكان آدم عليييه السييلم أسييكن أولد هابيييل‬
‫أعلى الجبيل‪ ،‬وولد قابييل أسيفله‪ ،‬وفيهيم بنات حسيان‪ ،‬فزمير اللعيين فلم يتمالكوا أن انحدروا فزنوا‬
‫ذكره الغزنوي‪ .‬وقيل‪" :‬بصوتك" بوسوستك‪.‬‬
‫@قوله تعالى‪" :‬وأجلب عليهيم بخيلك ورجلك" أصيل الجلب السيوق بجلبية مين السيائق؛ يقال‪:‬‬
‫أجلب إجلبا‪ .‬والجلب والجلبة‪ :‬الصوات؛ تقول منه‪ :‬جلبوا بالتشديد‪ .‬وجلب الشيء يجلبه ويجلبه‬
‫جلبا وجلبا‪ .‬وجلبت الشيء إلى نفسي واجتلبته بمعنى‪ .‬وأجلب على العدو إجلبا؛ أي جمع عليهم‪.‬‬
‫فالمعنى أجمع عليهم كل ما تقدر عليه من مكايدك وقال أكثر المفسرين‪ :‬يريد كل راكب وماش في‬
‫معصية ال تعالى‪ .‬وقال ابن عباس ومجاهد وقتادة‪ :‬إن له خيل ورجل من الجن والنس‪ .‬فما كان‬
‫مين راكيب وماش يقاتيل فيي معصيية ال فهيو مين خييل إبلييس ورجالتيه‪ .‬وروى سيعيد بين جيبير‬
‫ومجاهيد عين ابين عباس قال‪ :‬كيل خييل سيارت فيي معصيية ال‪ ،‬وكيل رجيل مشيى فيي معصيية ال‪،‬‬
‫وكييل مال أصيييب ميين حرام‪ ،‬وكييل ولد بغييية فهييو للشيطان‪ .‬والرجييل جمييع راجييل؛ مثييل صييحب‬
‫وصاحب‪ .‬وقرأ حفص "ورجلك" بكسر الجيم وهما لغتان؛ يقال‪ :‬رجل ورجل بمعنى راجل‪ .‬وقرأ‬
‫عكرمة وقتادة "ورجالك" على الجمع‪.‬‬
‫@قوله تعالى‪" :‬وشاركهيم فيي الموال والولد" أي اجعيل لنفسيك شركية فيي ذلك‪ .‬فشركتيه فيي‬
‫الموال إنفاقها في معصية ال؛ قاله الحسن‪ .‬وقيل‪ :‬هي التي أصابوها من غير حلها؛ قاله مجاهد‪.‬‬
‫ابين عباس‪ :‬ميا كانوا يحرمونيه مين البحيرة والسيائبة والوصييلة والحام‪ .‬وقاله قتادة‪ .‬الضحاك‪ :‬ميا‬
‫كانوا يذبحونيه للهتهيم‪ .‬والولد قييل‪ :‬هيم أولد الزنيى‪ ،‬قاله مجاهيد والضحاك وعبدال بين عباس‪.‬‬
‫وعنه أيضا هو ما قتلوا من أولدهم وأتوا فيهم من الجرائم‪ .‬وعنه أيضا‪ :‬هو تسميتهم عبد الحارث‬
‫وعبد العزى وعبد اللت وعبد الشمس ونحوه‪ .‬وقيل‪ :‬هو صبغة أولدهم في الكفر حتى هودوهم‬
‫ونصييروهم‪ ،‬كصيينع النصييارى بأولدهييم بالغميس فيي الماء الذي لهيم؛ قال قتادة‪ .‬وقول خاميس ‪-‬‬
‫روى عن مجاهيد قال‪ :‬إذا جاميع الرجيل ولم يسيم انطوى الجان على إحليله فجاميع معيه‪ ،‬فذلك قوله‬
‫تعالى‪" :‬لم يطمثهين إنيس قبلهيم ول جان" وسييأتي‪ .‬وروى مين حدييث عائشية قالت قال رسيول ال‬
‫صيلى ال علييه وسيلم‪( :‬إن فيكيم مغرّبيين) قلت‪ :‬ييا رسيول ال‪ ،‬وميا المغربون؟ قال‪(:‬الذيين يشترك‬
‫فيهم الجن)‪ .‬رواه الترمذي الحكيم في نوادر الصول‪ .‬قال الهروي‪ :‬سموا مغربين لنه دخل فيهم‬
‫عرق غريييب‪ .‬قال الترمذي الحكيييم‪ :‬فللجيين مسيياماة بابيين آدم فييي المور والختلط؛ فمنهييم ميين‬
‫يتزوج فيهم‪ ،‬وكانت بلقيس ملكة سبأ أحد أبويها من الجن‪ .‬وسيأتي بيانه إن شاء ال تعالى‪.‬‬
‫@قوله تعالى‪" :‬وعدهم" أي منّهم الماني الكاذبة‪ ،‬وأنه ل قيامة ول حساب‪ ،‬وأنه إن كان حساب‬
‫وجنية ونار فأنتيم أولى بالجنية مين غيركيم يقوييه قوله تعالى‪" :‬يعديهيم ويمنيهيم وميا بعدهيم الشيطان‬
‫إل غرورا" أي باطل‪ .‬وقبييل "وعدهييم" أي عدهييم النصيير على ميين أرادهييم بسييوء‪ .‬وهذا الميير‬
‫للشيطان تهدد ووعيد له‪ .‬وقيل‪ :‬استخفاف به وبمن اتبعه‪.‬‬
‫@ فيي اليية ميا يدل على تحرييم المزاميير والغناء واللهيو؛ لقوله‪" :‬واسيتفزز مين اسيتطعت منهيم‬
‫بصيوتك وأجلب عليهيم" على قول مجاهيد‪ .‬وميا كان مين صيوت الشيطان أو فعله وميا يسيتحسنه‬
‫فواجيب التنزه عنيه‪ .‬وروى نافيع عين ابين عمير أنيه سيمع صيوت زمارة فوضيع أصيبعيه فيي أذنييه‪،‬‬
‫وعدل راحلته عن الطريق وهو يقول‪ :‬يا نافع! أتسمع؟ فأقول نعم؛ فمضى حتى قلت له ل‪ ،‬فوضع‬
‫يدييه وأعاد راحلتيه إلى الطرييق وقال‪ :‬رأييت رسيول ال صيلى ال علييه وسيلم سيمع صيوت زمارة‬
‫راع فصيينع مثييل هذا‪ .‬قال علماؤنييا‪ :‬إذا كان هذا فعلهييم فييي حييق صييوت ل يخرج عيين العتدال‪،‬‬
‫فكيييف بغناء أهييل هذا الزمان وزمرهييم‪ .‬وسيييأتي لهذا مزيييد بيان فييي سييورة [لقمان] إن شاء ال‬
‫تعالى‪.‬‬
‫*‪*3‬الية‪{ 65 :‬إن عبادي ليس لك عليهم سلطان وكفى بربك وكيل}‬
‫@قوله تعالى‪" :‬إن عبادي ليس لك عليهم سلطان" قال ابن عباس‪ :‬هم المؤمنون‪ .‬وقد تقدم الكلم‬
‫فيه‪" .‬وكفى بربك وكيل" أي عاصما من القبول من إبليس‪ ،‬وحافظا من كيده وسوء مكره‪.‬‬
‫*‪*3‬الية‪{ 66 :‬ربكم الذي يزجي لكم الفلك في البحر لتبتغوا من فضله إنه كان بكم رحيما}‬
‫@قوله تعالى‪" :‬ربكم الذي يزجي لكم الفلك في البحر" الزجاء‪ :‬السوق؛ ومنه قوله تعالى‪" :‬ألم‬
‫تر أن ال يزجي سحابا"‪ .‬وقال الشاعر‪:‬‬
‫سائل بنى أسد ما هذه الصوت‬ ‫يا أيها الراكب المزجي مطيته‬
‫وإزجاء الفلك‪ :‬سيوقه بالرييح اللينية‪ .‬والفلك هنيا جميع‪ ،‬وقيد تقدم‪ .‬والبحير الماء الكثيير عذبيا كان أو‬
‫ملحييا‪ ،‬وقييد غلب هذا السييم على الملح‪ .‬وهذه الييية توقيييف على آلء ال وفضله عنييد عباده؛ أي‬
‫ربكيم الذي أنعيم عليكيم بكذا وكذا فل تشركوا بيه شيئا‪" .‬لتبتغوا مين فضله" أي فيي التجارات‪ .‬وقيد‬
‫تقدم‪" .‬إنه كان بكم رحيما"‪.‬‬
‫*‪*3‬اليية‪{ 67 :‬وإذا مسيكم الضير فيي البحير ضيل مين تدعون إل إياه فلميا نجاكيم إلى البر‬
‫أعرضتم وكان النسان كفورا}‬
‫@قوله تعالى‪" :‬وإذا مسيكم الضير فيي البحير" "الضير" لفيظ يعيم خوف الغرق والمسياك عين‬
‫الجري‪ .‬وأهوال حالتيه اضطرابيه وتموجيه‪" .‬ضيل مين تدعون إل إياه" "ضيل" معناه تلف وفقيد؛‬
‫وهي عبارة تحقيير لمن يدعي إلها من دون ال‪ .‬المعنيى فيي هذه الية‪ :‬أن الكفار إنميا يعتقدون فيي‬
‫أصينامهم أنهيا شافعية‪ ،‬وأن لهيا فضل‪ .‬وكيل واحيد منهيم بالفطرة يعلم علميا ل يقدر على مدافعتيه أن‬
‫الصينام ل فعيل لهيا فيي الشدائد العظام‪ ،‬فوقفهيم ال مين ذلك على حالة البحير حييث تنقطيع الحييل‪.‬‬
‫"فلميا نجاكيم إلى البر أعرضتيم" أي عين الخلص‪" .‬وكان النسيان كفورا" النسيان هنيا الكافير‪.‬‬
‫وقيل‪ :‬وطبع النسان كفورا للنعم إل من عصمه ال؛ فالنسان لفظ الجنس‪.‬‬
‫*‪*3‬اليية‪{ 68 :‬أفأمنتيم أن يخسيف بكيم جانيب البر أو يرسيل عليكيم حاصيبا ثيم ل تجدوا لكيم‬
‫وكيل}‬
‫@قوله تعالى‪" :‬أفأمنتم أن يخسف بكم جانب البر" بين أنه قادر على هلكهم في البر وإن سلموا‬
‫من البحر‪ .‬والخسف‪ :‬أن تنهار الرض بالشيء؛ يقال‪ :‬بئر خسيف إذا انهدم أصلها‪ .‬وعين خاسف‬
‫أي غارت حدقتهيا فيي الرأس‪ .‬وعيين مين الماء خاسيفو أي غاز ماؤهيا‪ .‬وخسيفت الشميس أي غابيت‬
‫عين الرض‪ .‬وقال أبيو عمرو‪ :‬والخسييف البئر التيي تحفير فيي الحجارة فل ينقطيع ماؤهيا كثرة‪.‬‬
‫والجميع خسيف‪ .‬وجانيب البر‪ :‬ناحيية الرض؛ وسيماه جانبيا لنيه يصيير بعيد الخسيف جانبيا‪ .‬وأيضيا‬
‫فإن البحر جانب والبر جانب‪ .‬وقيل‪ :‬إنهم كانوا على ساحل البحر‪ ،‬وساحله جانب البر‪ ،‬وكانوا فيه‬
‫آمنيين مين أهوال البحير‪ ،‬فحذرهيم ميا أمنوه مين البر كميا حذرهيم ميا خافوه مين البحير‪" .‬أو يرسيل‬
‫عليكيم حاصيبا" يعنيي ريحيا شديدة‪ ،‬وهيي التيي ترميي بالحصيباء‪ ،‬وهيي الحصيى الصيغار؛ قاله أبيو‬
‫عيبيدة والقتيبي‪ .‬وقال قتادة‪ :‬يعنيي حجارة مين السيماء تحصيبهم‪ ،‬كميا فعيل بقوم لوط‪ .‬ويقال للسيحابة‬
‫التيي ترميي بالبرد‪ :‬صياحب‪ ،‬وللرييح التيي تحميل التراب والحصيباء حاصيب وحصيبة أيضيا‪ .‬قال‬
‫لبيد‪:‬‬
‫أذيالها كل عصوف حصبه‬ ‫جرت عليها أن خوت من أهلها‬
‫وقال الفرزدق‪:‬‬
‫بحاصب كنديف القطن منثور‬ ‫مستقبلين شمال الشام يضربنا‬
‫"ثم ل تجدوا لكم وكيل" أي حافظا ونصيرا يمنعكم من بأس ال‪.‬‬
‫*‪*3‬الية‪{ 69 :‬أم أمنتم أن يعيدكم فيه تارة أخرى فيرسل عليكم قاصفا من الريح فيغرقكم بما‬
‫كفرتم ثم ل تجدوا لكم علينا به تبيعا}‬
‫@قوله تعالى‪" :‬أم أمنتيم أن يعيدكيم فييه تارة أخرى" يعنيي فيي البحير‪" .‬فيرسيل عليكيم قاصيفا مين‬
‫الرييح" القاصيف‪ :‬الرييح الشديدة التيي تكسير بشدة؛ مين قصيف الشييء يقصيفه؛ أي كسيره بشدة‪.‬‬
‫والقصييف‪ :‬الكسيير؛ يقال‪ :‬قصييفت الريييح السييفينة‪ .‬وريييح قاصييف‪ :‬شديدة‪ .‬ورعييد قاصييف‪ :‬شديييد‬
‫الصييوت‪ .‬يقال‪ :‬قصييف الرعييد وغيره قصيييفا‪ .‬والقصيييف‪ :‬هشيييم الشجيير‪ .‬والتقصييف التكسيير‪.‬‬
‫والقصف أيضا‪ :‬اللهو واللعب؛ يقال‪ :‬إنها مولدة‪" .‬فيغرقكم بما كفرتم" أي بكفركم‪ .‬وقرأ ابن كثير‬
‫وأبو عمرو "نخسف بكم" "أو نرسل عليكم" "أن نعيدكم" "فنرسل عليكم" "فنغرقكم" بالنون في‬
‫الخمسية على التعظييم‪ ،‬لقوله‪" :‬علينيا" الباقون بالياء؛ لقوله فيي اليية قبيل‪" :‬إياه"‪ .‬وقرأ أبيو جعفير‬
‫وشيبية وروييس ومجاهيد "فتغرقكيم" بالتاء نعتيا للرييح‪ .‬وعين الحسين وقتادة "فيغرقكيم" بالياء ميع‬
‫التشدييد فيي الراء‪ .‬وقرأ أبيو جعفير "الرياح" هنيا وفيي كيل القرآن‪ .‬وقييل‪ :‬إن القاصيف المهلكية فيي‬
‫البر‪ ،‬والعاصف المغرقة في البحر؛ حكاه الماوردي‪" .‬ثم ل تجدوا لكم علينا به تبيعا" قال مجاهد‪:‬‬
‫ثائرا‪ .‬النحاس‪ :‬وهيو من الثأر‪ .‬وكذلك يقال لكيل مين طلب بثأر أو غيره‪ :‬تيبيع وتابيع؛ ومنيه "فاتباع‬
‫بالمعروف" [البقرة‪ ]178 :‬أي مطالبة‪.‬‬
‫*‪*3‬الية‪{ 70 :‬ولقد كرمنا بني آدم وحملناهم في البر والبحر ورزقناهم من الطيبات وفضلناهم‬
‫على كثير ممن خلقنا تفضيل}‬
‫@قوله تعالى‪" :‬ولقد كرمنا بني آدم" الية‪ .‬لما ذكر من الترهيب ما ذكر بين النعمة عليهم أيضا‪.‬‬
‫"كرمنا" تضعيف كرم؛ أي جعلنا لهم كرما أي شرفا وفضل‪ .‬وهذا هو كرم نفي النقصان ل كرم‬
‫المال‪ .‬وهذه الكرامية يدخيل فيهيا خلقهيم على هذه الهيئة فيي امتداد القامية وحسين الصيورة‪ ،‬وحملهيم‬
‫فيي البر والبحير مميا ل يصيح لحيوان سيوى بنيي آدم أن يكون يتحميل بإرادتيه وقصيده وتدبيره‪.‬‬
‫وتخصييصهم بميا خصيهم بيه مين المطاعيم والمشارب والملبيس‪ ،‬وهذا ل يتسيع فييه حيوان اتسياع‬
‫بنييي آدم؛ لنهييم يكسييبون المال خاصيية دون الحيوان‪ ،‬ويلبسييون الثياب ويأكلون المركبات ميين‬
‫الطعمة‪ .‬وغاية كل حيوان يأكل لحما نيئا أو طعاما غير مركب‪ .‬وحكى الطبري عن جماعة أن‬
‫التفضييل هو أن يأكل بيده وسائر الحيوان بالفيم‪ .‬وروي عن ابن عباس؛ ذكره المهدوي والنحاس؛‬
‫وهو قول الكلبي ومقاتل؛ ذكره الماوردي‪ .‬وقال الضحاك‪ :‬كرمهم بالنطق والتمييز‪ .‬عطاء‪ :‬كرمهم‬
‫بتعدييل القامية وامتدادهيا‪ .‬يمان‪ :‬بحسين الصيورة‪ .‬محميد بين كعيب‪ :‬بأن جعيل محمدا صيلى ال علييه‬
‫وسلم منهم‪ .‬وقيل أكرم الرجال باللحى والنساء بالذوائب‪ .‬وقال محمد بن جرير الطبري‪ :‬بتسليطهم‬
‫على سييائر الخلق‪ ،‬وتسييخير سييائر الخلق لهييم‪ .‬وقيييل‪ :‬بالكلم والخييط‪ .‬وقيييل‪ :‬بالفهييم والتمييييز‪.‬‬
‫والصيحيح الذي يعول علييه أن التفضييل إنميا كان بالعقيل الذي هيو عمدة التكلييف‪ ،‬وبيه يعرف ال‬
‫ويفهم كلمه‪ ،‬ويوصل إلى نعيمه وتصديق رسله؛ إل أنه لما لم ينهض بكل المراد من العبد بعثت‬
‫الرسيل وأنزلت الكتيب‪ .‬فمثال الشرع الشميس‪ ،‬ومثال العقيل العيين؛ فإذا فتحيت وكانيت سيليمة رأت‬
‫الشمس وأدركت تفاصيل الشياء‪ .‬وما تقدم من القوال بعضه أقوى من بعض‪ .‬وقد جعل ال في‬
‫بعيض الحيوان خصيال يفضيل بهيا ابين آدم أيضيا؛ كجري الفرس وسيمعه وإبصياره‪ ،‬وقوة الفييل‬
‫وشجاعة السد وكرم الديك‪ .‬وإنما التكريم والتفضيل بالعقل كما بيناه‪ .‬وال اعلم‪.‬‬
‫@ قالت فرقة‪ :‬هذه الية تقتضي تفضيل الملئكة على النس والجن من حيث إنهم المستثنون في‬
‫قوله تعالى‪" :‬ول الملئكية المقربون" [النسياء‪ .]171 :‬وهذا غيير لزم مين اليية‪ ،‬بيل التفضييل‬
‫فيهيا بيين النيس والجين؛ فإن هذه اليية إنميا عدد ال فيهيا على بنيي آدم ميا خصيهم بيه مين سيائر‬
‫الحيوان‪ ،‬والجيين هييو الكثييير المفضول‪ ،‬والملئكيية هييم الخارجون عيين الكثييير المفضول‪ ،‬ولم‬
‫تتعرض اليية لذكرهيم‪ ،‬بيل يحتميل أن الملئكية أفضيل‪ ،‬ويحتميل العكيس‪ ،‬ويحتميل التسياوي‪ ،‬وعلى‬
‫الجملة فالكلم ل ينتهي في هذه المسألة إلى القطع‪ .‬وقد تحاشى قوم من الكلم في هذا كما تحاشوا‬
‫ميين الكلم فييي تفضيييل بعييض النييبياء على بعييض؛ إذ فييي الخييبر (ل تخايروا بييين النييبياء ول‬
‫تفضلونيي على يونيس بين متيى)‪ .‬وهذا لييس بشييء؛ لوجود النيص فيي القرآن فيي التفضييل بيين‬
‫النبياء‪ .‬وقد بيناه في "البقرة" ومضى فيها الكلم في تفضيل الملئكة والمؤمن‪.‬‬
‫@قوله تعالى‪" :‬ورزقناهم من الطيبات" يعني لذيذ المطاعم المشارب‪ .‬قال مقاتل‪ :‬السمن والعسل‬
‫والزبييد والتميير والحلوى‪ ،‬وجعييل رزق غيرهييم مييا ل يخفييى عليكييم ميين التبيين والعظام وغيرهييا‪.‬‬
‫"وفضلناهيم على كثيير ممين خلقنيا تفضيل" أي على البهائم والدواب والوحيش والطيير بالغلبية‬
‫والستيلء‪ ،‬والثواب والجزاء والحفظ والتمييز وإصابة الفراسة‪.‬‬
‫@ هذه الية ترد ما روي عن عائشة رضي ال عنها‪ ،‬قالت قال رسول ال صلى ال عليه وسلم‪:‬‬
‫(احرموا أنفسكم طيب الطعام فإنما قوى الشيطان أن يجري فيي العروق منها)‪ .‬وبه يستدل كثير‬
‫من الصوفية في ترك أكل الطيبات‪ ،‬ول أصل له؛ لن القرآن يرده‪ ،‬والسنة الثابتة بخلفه‪ ،‬على ما‬
‫تقرر فيي غيير موضيع‪ .‬وقيد حكيى أبيو حاميد الطوسيي قال‪ :‬كان سيهل يقتات مين ورق النبيق مدة‪.‬‬
‫وأكيل دقاق ورق التيين ثلث سينين‪ .‬وذكير إبراهييم بين البنيا قال‪ :‬صيحبت ذا النون مين إخمييم إلى‬
‫السيكندرية‪ ،‬فلميا كان وقيت إفطاره أخرجيت قرصيا وملحيا كان معيي‪ ،‬وقلت‪ :‬هلم‪ .‬فقال لي‪ :‬ملحيك‬
‫مدقوق؟ قلت نعم‪ .‬قال‪ :‬لست تفلح! فنظرت إلى مزوده وإذا فيه قليل سويق شعير يسف منه‪ .‬وقال‬
‫أبو يزيد‪ :‬ما أكلت شيئا مما يأكله بنو آدم أربعين سنة‪ .‬قال علماؤنا‪ :‬وهذا مما ل يجوز حمل النفس‬
‫عليه؛ لن ال تعالى أكرم الدمي بالحنطة وجعل قشورها لبهائمهم‪ ،‬فل يصح مزاحمة الدواب في‬
‫أكل التبن‪ ،‬وأما سويق الشعير فإنه يورث القولنج‪ ،‬وإذا اقتصر النسان على خبز الشعير والملح‬
‫الجرييش فإنيه ينحرف مزاجيه؛ لن خبيز الشعيير بارد مجفيف‪ ،‬والملح يابيس قابيض يضير الدماغ‬
‫والبصير‪ .‬وإذا مالت النفيس إلى ميا يصيلحها فمنعيت فقيد قووميت حكمية البارئ سيبحانه بردهيا‪ ،‬ثيم‬
‫يؤثر ذلك في البدن‪ ،‬فكان هذا الفعل مخالفا للشرع والعقل‪ .‬ومعلوم أن البدن مطية الدمي‪ ،‬ومتى‬
‫لم يرفق بالمطية لم تبلغ‪ .‬وروي عن إبراهيم بن أدهم أنه اشترى زبدا وعسل وخبز حُوارى‪ ،‬فقيل‬
‫له‪ :‬هذا كله؟ فقال‪ :‬إذا وجدنيا أكلنيا أكيل الرجال‪ ،‬وإذا عدمنيا صيبرنا صيبر الرجال‪ .‬وكان الثوري‬
‫يأكيل اللحيم والعنيب والفالوذج ثيم يقوم إلى الصيلة‪ .‬ومثيل هذا عين السيلف كثيير‪ .‬وقيد تقدم منيه ميا‬
‫يكفي في المائدة والعراف وغيرهما‪ .‬والول غلو في الدين إن صح عنهم "ورهبانية ابتدعوها ما‬
‫كتبناها عليهم" [الحديد‪.]27:‬‬
‫*‪*3‬الية‪{ 71 :‬يوم ندعوا كل أناس بإمامهم فمن أوتي كتابه بيمينه فأولئك يقرؤون كتابهم ول‬
‫يظلمون فتيل}‬
‫@قوله تعالى‪" :‬يوم ندعو كل أناس بإمامهم" روى الترمذي عن أبي هريرة عن النبي صلى ال‬
‫عليه وسلم في قوله تعالى‪" :‬يوم ندعو كل أناس بإمامهم" قال‪( :‬يدعي أحدهم فيعطي كتابه بيمينه‪،‬‬
‫ويمد له في جسمه ستون ذراعا‪ ،‬ويبيض وجهه ويجعل على رأسه تاج من لؤلؤ يتلل فينطلق إلى‬
‫أصحابه فيرونه من بعيد فيقولون اللهم ائتنا بهذا وبارك لنا في هذا حتى يأتيهم فيقول أبشروا لكل‬
‫منكيم مثيل هذا ‪ -‬قال ‪ -‬وأميا الكافير فيسيود وجهيه ويميد له فيي جسيمه سيتون ذرعيا على صيورة آدم‬
‫ويلبس تاجا فيراه أصحابه فيقولون نعوذ بال من شر هذا! اللهم ل تأتنا بهذا‪ .‬قال‪ :‬فيأتيهم فيقولون‬
‫اللهيم أخره‪ .‬فيقول أبعدكيم ال فإن لكيل رجيل منكيم مثيل هذا)‪ .‬قال أبيو عيسيى‪ :‬هذا حدييث حسين‬
‫غرييب‪ .‬ونظيير هذا قوله‪" :‬وترى كيل أمية جاثيية كيل أمية تدعيي إلى كتابهيم اليوم تجزون ميا كنتيم‬
‫تعملون"‪ .‬والكتاب يسيمى إماميا؛ لنيه يرجيع إلييه فيي تعرف أعمالهيم‪ .‬وقال ابين عباس والحسين‬
‫وقتادة والضحاك‪" :‬بإمامهيم" أي بكتابهيم‪ ،‬أي بكتاب كيل إنسيان منهيم الذي فييه عمله؛ دليله "فمين‬
‫أوتيي كتابيه بيمينيه"‪ .‬وقال ابين زييد‪ :‬بالكتاب المنزل عليهيم‪ .‬أي يدعيي كيل إنسيان بكتابيه الذي كان‬
‫يتلوه؛ فيدعيي أهيل التوراة بالتوراة‪ ،‬وأهيل القرآن بالقرآن؛ فيقال‪ :‬يأهييل القرآن‪ ،‬ماذا عملتيم‪ ،‬هييل‬
‫امتثلتيم أوامره هيل اجتنبتيم نواهييه! وهكذا‪ .‬وقال مجاهيد‪" :‬بإمامهيم" بنيبيهم‪ ،‬والمام مين يؤتيم بيه‪.‬‬
‫فيقال‪ :‬هاتوا متبعي إبراهيم عليه السلم‪ ،‬هاتوا متبعي موسى عليه السلم‪ ،‬هاتوا متبعي الشيطان‪،‬‬
‫هاتوا متبعييي الصيينام‪ .‬فيقوم أهييل الحييق فيأخذون كتابهييم بأيمانهييم‪ ،‬ويقوم أهييل الباطييل فيأخذون‬
‫كتابهم بشمالهم‪ .‬وقاله قتادة‪ .‬وقال على رضى ال عنه‪ :‬بإمام عصرهم‪ .‬وروى عن النبي صلى ال‬
‫علييه وسيلم فيي قوله‪" :‬يوم ندعيو كيل أناس بإمامهيم" فقال‪( :‬كيل يدعيي بإمام زمانهيم وكتاب ربهيم‬
‫وسنة نبيهم فيقول هاتوا متبعي إبراهيم هاتوا متبعي موسى هاتوا متبعي عيسى هاتوا متبعي محمد‬
‫‪ -‬عليهيم أفضيل الصيلوات والسيلم ‪ -‬فيقوم أهيل الحيق فيأخذون كتابهيم بأيمانهيم‪ ،‬ويقول‪ :‬هاتوا‬
‫متبعي الشيطان هاتوا متبعي رؤساء الضللة إمام هدى وإمام ضللة)‪ .‬وقال الحسن وأبو العالية‪:‬‬
‫"بإمامهيم" أي بأعمالهيم‪ .‬وقاله ابين عباس‪ .‬فيقال‪ :‬أيين الراضون بالمقدور‪ ،‬أيين الصيابون عين‬
‫المحذور‪ .‬وقيييل‪ :‬بمذاهبهييم؛ فيدعون بميين كانوا يأتمون بييه فييي الدنيييا‪ :‬يييا حنفييي‪ ،‬يييا شافعييي‪ ،‬يييا‬
‫معتزلي‪ ،‬ييا قدري‪ ،‬ونحوه؛ فيتبعونيه فيي خيير أو شير أو على حيق أو باطيل‪ ،‬وهذا معنيى قوله أبيي‬
‫عيبيدة‪ .‬وقيد تقدم‪ .‬وقال أبيو هريرة‪ :‬يدعيي أهيل الصيداقة مين باب الصيداقة‪ ،‬وأهيل الجهاد مين باب‬
‫الجهاد‪ ،...‬الحدييث بطوله‪ .‬أبيو سيهل‪ :‬يقال أيين فلن المصيلي والصيوام‪ ،‬وعكسيه الدفاف والنمام‪.‬‬
‫وقال محمد بن كعب‪" :‬بإمامهم" بأمهاتهم‪ .‬وإمام جمع آم‪ .‬قالت الحكماء‪ :‬وفي ذلك ثلثة أوجه من‬
‫الحكمية؛ أحدهيا ‪ -‬لجيل عيسيى‪ .‬والثانيي ‪ -‬إظهار لشرف الحسين والحسيين‪ .‬والثالث ‪ -‬لئل يفتضيح‬
‫أولد الزنى‪.‬‬
‫قلت‪ :‬وفي هذا القول نظر؛ فإن في الحديث الصحيح عن ابن عمر قال قال رسول ال صلى ال‬
‫علييه وسيلم‪( :‬إذا جميع ال الوليين والخريين يوم القيام يرفيع لكيل غادر لواء فيقال هذه غدرة فلن‬
‫بين فلن) خرجيه مسيلم والبخاري‪ .‬فقوله‪" :‬هذه غدرة فلن ابين فلن" دلييل على أن الناس يدعون‬
‫فيي الخرة بأسيمائهم وأسيماء آبائهيم‪ ،‬وهذا يرد على مين قال‪ :‬إنميا يدعون بأسيماء أمهاتهيم لن فيي‬
‫ذلك سترا على آبائهم‪ .‬وال أعلم‪.‬‬
‫@قوله تعالى‪" :‬فمن أوتي كتابه بيمينه" هذا يقوي قول من قال‪" :‬بإمامهم" بكتابهم ويقويه أيضا‬
‫قوله‪" :‬وكيل شييء أحصييناه فيي إمام ميبين" [ييس‪" .]12:‬فأولئك يقرؤون كتابهيم ول يظلمون‬
‫فتيل" الفتيل الذي في شق النواة‪ .‬وقد مضى في "النساء"‪.‬‬
‫*‪*3‬الية‪{ 72 :‬ومن كان في هذه أعمى فهو في الخرة أعمى وأضل سبيل}‬
‫@قوله تعالى‪" :‬ومين كان فيي هذه أعميى" أي فيي الدنييا عين العتبار وإبصيار الحيق‪" .‬فهيو فيي‬
‫الخرة" أي في أمر الخرة "أعمى" وقال عكرمة‪ :‬جاء نفر من أهل اليمن إلى ابن عباس فسألوه‬
‫عن هذه الية فقال‪ :‬اقرؤوا ما قبلها "ربكم الذي يزجي لكم الفلك في البحر ‪ -‬إلى ‪ -‬تفضيل"‪ .‬قال‬
‫ابين عباس‪ :‬مين كان فيي هذه النعيم واليات التيي رأى أعميى فهيو عين الخرة التيي لم يعايين أعميى‬
‫وأضيل سيبيل‪ .‬وقييل‪ :‬المعنيى مين عميى عين النعيم التيي أنعيم ال بهيا علييه فيي الدنييا فهيو عين نعيم‬
‫الخرة أعمى‪ .‬وقيل‪ :‬المعنى من كان في الدنيا التي أمهل فيها وفسح له ووعد بقبول التوبة أعمى‬
‫فهيو فيي الخرة أعميى وأضيل سيبيل‪ .‬وقييل‪ :‬ومين كان فيي الدنييا أعميى عين حجيج ال بعثيه ال يوم‬
‫القيامية أعميى؛ كميا قال‪" :‬ونحشره يوم القيامية أعميى" اليات‪ .‬وقال‪" :‬ونحشرهيم يوم القيامية على‬
‫وجوههيم عمييا وبكميا وصيما مأواهيم جهنيم"‪ .‬وقييل‪ :‬المعنيى فيي قوله "فهيو فيي الخرة أعميى" فيي‬
‫جميييع القوال‪ :‬أشييد عمييى؛ لنييه ميين عمييى القلب‪ ،‬ول يقال مثله فييي عمييى العييين‪ .‬قال الخليييل‬
‫وسيبويه‪ :‬لنه خلقة بمنزلة اليد والرجل‪ ،‬فلم يقل ما أعماه كما ل يقال ما أيداه‪ .‬الخفش‪ :‬لم يقل فيه‬
‫ذلك لنيه على أكثير مين ثلثية أحرف‪ ،‬وأصيله أعميى‪ .‬وقيد أجاز بعيض النحوييين ميا أعماه وميا‬
‫أعشاه؛ لن فعله عمى وعشى‪ .‬وقال الفراء‪ :‬حدثني بالشام شيخ بصرى أنه سمع العرب تقول‪ :‬ما‬
‫أسود شعره‪ .‬قال الشاعر‪:‬‬
‫وفي المخازى لكم أشباح أشياخ‬ ‫ما في المعالي لكم ظل ول ثمر‬
‫لؤما وأبيضهم سربال طباخ‬ ‫أما الملوك فأنت اليوم ألمهم‬
‫وأمال أبيو بكير وحمزة والكسيائي وخلف الحرفيين "أعميى" و"أعميى" وفتيح الباقون‪ .‬وأمال أبيو‬
‫عمرو الول وفتح الثاني‪" .‬وأضل سبيل" يعني أنه ل يجد طريقا إلى الهداية‪.‬‬
‫*‪*3‬اليية‪{ 73 :‬وإن كادوا ليفتنونيك عين الذي أوحينيا إلييك لتفتري علينيا غيره وإذا لتخذوك‬
‫خليل}‬
‫@قوله تعالى‪" :‬وإن كادوا ليفتنونيك" قال سيعيد بن جيبير‪ :‬كان النيبي صيلى ال علييه وسيلم يسيتلم‬
‫الحجر السود في طوافه‪ ،‬فمنعته قريش وقالوا‪ :‬ل ندعك تستلم حتى تُلِم بآلهتنا‪ .‬فحدث نفسه وقال‪:‬‬
‫(ميا علي أن أُلِم بهيا بعيد أن يدعونيي أسيتلم الحجير وال يعلم أنيي لهيا كاره) فأبيى ال تعالى ذلك‬
‫وأنزل عليه هذه الية؛ قال مجاهد وقتادة‪ .‬وقال ابن عباس في رواية عطاء‪ :‬نزلت في وفد ثقيف‪،‬‬
‫أتوا النيبي صيلى ال علييه وسيلم فسيألوه شططيا وقالوا‪ :‬متعنيا بآلهتنيا سينة حتيى نأخيذ ميا يهدى لهيا‪،‬‬
‫فإذا أخذناه كسيرناها وأسيلمنا‪ ،‬وحرم وادينيا كميا حرميت مكية‪ ،‬حتيى تعرف العرب فضلنيا عليهيم؛‬
‫فهم رسول ال صلى ال عليه وسلم أن يعطيهم ذلك فنزلت هذه الية‪ .‬وقيل‪ :‬هو قول أكابر قريش‬
‫للنبي صلى ال عليه وسلم‪ :‬اطرد عنا هؤلء السقاط والموالي حتى نجلس معك ونسمع منك؛ فهم‬
‫بذلك حتى نهي عنه‪ .‬وقال قتادة ذكر لنا أن قريشا خلوا برسول ال صلى ال عليه وسلم ذات ليلة‬
‫إلى الصبح يكلمونيه ويفخمونه‪ ،‬ويسيودونه ويقاربونه؛ فقالوا‪ :‬إنيك تأتيي بشيء ل يأتيي به أحيد من‬
‫الناس‪ ،‬وأنيت سييدنا ييا سيدنا؛ وميا زالوا به حتيى كاد يقاربهيم فيي بعيض ميا يريدون‪ ،‬ثيم عصيمه ال‬
‫من ذلك‪ ،‬وأنزل ال تعالى هذه الية‪ .‬ومعنى "ليفتنونك" أي يزيلونك‪ .‬يقال‪ :‬فتنت الرجل عن رأيه‬
‫إذا أزلته عما كان عليه؛ قاله الهروي‪ .‬وقييل يصيرفونك‪ ،‬والمعنيى واحد‪" .‬عن الذي أوحينا إليك"‬
‫أي حكم القرآن؛ لن في إعطائهم ما سألوه مخالفة لحكم القرآن‪" .‬لتفتري علينا غيره" أي لتختلق‬
‫علينيا غيير ميا أوحينيا إلييك‪ ،‬وهيو قول ثقييف‪ :‬وحرم وادينيا كميا حرميت مكية‪ ،‬شجرهيا وطيرهيا‬
‫ووحشهييا‪ ،‬فإن سييألتك العرب لم خصييصتهم فقييل ال أمرنييي بذلك حتييى يكون عذرا لك‪" .‬وإذا‬
‫لتخذوك خليل" أي لو فعلت مييا أرادوا لتخذوك خليل‪ ،‬أي والوك وصييافوك؛ مأخوذ ميين النخلة‬
‫(بالضيم) وهيي الصيداقة لممايلتيه لهيم‪ .‬وقييل‪" :‬لتخذوك خليل" أي فقيرا‪ .‬مأخوذ مين الخلة (بفتيح‬
‫الخاء) وهي الفقر لحاجته إليهم‪.‬‬
‫*‪*3‬اليتان‪{ 75 - 74 :‬ولول أن ثبتناك لقيد كدت تركين إليهيم شيئا قليل‪ ،‬إذا لذقناك ضعيف‬
‫الحياة وضعف الممات ثم ل تجد لك علينا نصيرا}‬
‫@قوله تعالى‪" :‬ولول أن ثبتناك" أي على الحق وعصمناك من موافقتهم‪" .‬لقد كدت تركن إليهم"‬
‫أي تمييل‪" .‬شيئا قليل" أي ركونيا قليل‪ .‬قال قتادة‪ :‬لميا نزلت هذه اليية قال علييه السيلم‪( :‬اللهيم ل‬
‫تكلني إلى نفسي طرفة عين)‪ .‬وقيل‪ :‬ظاهر الخطاب للنبي صلى ال عليه وسلم وباطنه إخبار عن‬
‫ثقيف‪ .‬والمعنى‪ :‬وإن كادوا ليركنونك‪ ،‬أي كادوا يخبرون عنك بأنك ملت إلى قولهم؛ فنسب فعلهم‬
‫إلييه مجازا واتسياعا؛ كميا تقول لرجيل‪ :‬كدت تقتيل نفسيك‪ ،‬أي كاد الناس يقتلونيك بسيبب ميا فعلت؛‬
‫ذكره المهدوي‪ .‬وقييل ميا كان منيه هيم بالركون إليهيم‪ ،‬بيل المعنيى‪ :‬ولول فضيل ال علييك لكان منيك‬
‫ميل إلى موافقتهم‪ ،‬ولكن تم فضل ال عليك فلم تفعل؛ ذكره القشيري‪ .‬وقال ابن عباس‪ :‬كان رسول‬
‫ال صلى ال عليه وسلم معصوما‪ ،‬ولكن هذا تعريف للمة لئل يركن أحد منهم إلى المشركين في‬
‫شيء من أحكام ال تعالى وشرائعه‪.‬‬
‫وقوله‪" :‬إذا لذقناك ضعف الحياة وضعف الممات" أي لو ركنت لذقناك مثلي عذاب الحياة في‬
‫الدنيييا ومثلي عذاب الممات فييي الخرة؛ قاله ابيين عباس ومجاهييد وغيرهمييا‪ .‬وهذا غاييية الوعيييد‪.‬‬
‫وكلما كانت الدرجة أعلى كان العذاب عند المخالفة أعظم‪ .‬قال ال تعالى‪" :‬يا نساء النبي من يأت‬
‫منكن بفاحشة مبينة يضاعف لها العذاب ضعفين" [الحزاب‪ ]30 :‬وضعف الشيء مثله مرتين‪،‬‬
‫وقيد يكون الضعيف النصييب؛ كقوله عيز وجيل‪" :‬لكيل ضعيف" [العراف‪ ]38 :‬أي نصييب‪ .‬وقيد‬
‫تقدم في العراف‪.‬‬
‫*‪*3‬اليية‪{ 76 :‬وإن كادوا ليسيتفزونك مين الرض ليخرجوك منهيا وإذا ل يلبثون خلفيك إل‬
‫قليل}‬
‫@ هذه اليية قييل إنهيا مدنيية؛ حسيبما تقدم فيي أول السيورة‪ .‬قال ابين عباس‪ :‬حسيدت اليهود مقام‬
‫النيبي صيلى ال عليه وسيلم بالمدينية فقالوا‪ :‬إن النيبياء إنميا بعثوا بالشام‪ ،‬فإن كنيت نبييا فالحيق بهيا؛‬
‫فإنيك إن خرجيت إليهيا صيدقناك وآمنيا بيك؛ فوقيع ذلك فيي قلبيه لميا يحيب مين إسيلمهم‪ ،‬فرحيل مين‬
‫المدينة على مرحلة فأنزل ال هذه الية‪ .‬وقال عبدالرحمن بن غنم‪ :‬غزا رسول ال صلى ال عليه‬
‫وسلم غزوة تبوك ل يريد إل الشام‪ ،‬فلميا نزل تبوك نزل "وإن كانوا ليسيتفزونك من الرض" بعد‬
‫ميا ختميت السيورة‪ ،‬وأمير بالرجوع‪ .‬وقييل‪ :‬إنهيا مكيية‪ .‬قال مجاهيد وقتادة‪ :‬نزلت فيي همّي أهيل مكية‬
‫بإخراجيه‪ ،‬ولو أخرجوه لميا أمهلوا ولكين ال أمره بالهجرة فخرج‪ ،‬وهذا أصيح؛ لن السيورة مكيية‪،‬‬
‫ولن ميا قبلهيا خيبر عين أهيل مكية‪ ،‬ولم يجير لليهود ذكير‪ .‬وقول‪" :‬مين الرض" يرييد أرض مكية‪.‬‬
‫كقوله‪" :‬فلن أبرح الرض" [يوسف‪ ]80 :‬أي أرض مصر؛ دليله "وكأين من قرية هي أشد قوة‬
‫من قريتك التي أخرجتك" [محمد‪ ]13 :‬يعني مكة‪ .‬معناه‪ :‬هم أهلها بإخراجه؛ فلهذا أضاف إليها‬
‫وقال "أخرجتك"‪ .‬وقيل‪ :‬هم الكفار كلهم أن يستخفوه من أرض العرب بتظاهرهم عليه فمنعه ال‪،‬‬
‫ولو أخرجوه مين أرض العرب لم يمهلوا‪ ،‬وهيو معنيى قوله‪" :‬وإذا ل يلبثون خلفيك" وقرأ عطاء‬
‫بين أبيي رباح "ل يلبثون" الباء مشددة‪" .‬خلفيك" نافيع وابين كثيير وأبيو بكير وأبيو عمرو‪ ،‬ومعناه‬
‫بعدك‪ .‬وقرأ ابيين عاميير وحفييص وحمزة والكسييائي "خلفييك" واختاره أبييو حاتييم‪ ،‬اعتبارا بقوله‪:‬‬
‫"فرح المخلفون بمقعدهم خلف رسول ال" [التوبة‪ ]81 :‬ومعناه أيضا بعدك؛ قال الشاعر‪:‬‬
‫بسط الشواطب بينهن حصيرا‬ ‫عفت الديار خلفهم فكأنما‬
‫بسيط البواسيط؛ فيي الماوردي‪ .‬يقال‪ :‬شطبيت المرأة الجرييد إذا شقتيه لتعميل منيه الحصير‪ .‬قال أبيو‬
‫عبيد ثم تلفيه الشاطبة إلى المنقية‪ .‬وقيل‪" :‬خلفك" بمعنى بعدك‪" .‬وخلفك" بمعنى مخالفتك؛ ذكره‬
‫ابين النباري‪" .‬إل قليل" فييه وجهان‪ :‬أحدهميا ‪ -‬أن المدة التي لبثوها بعده ميا بيين إخراجهيم له إلى‬
‫قتلهيم يوم بدر؛ وهذا قول مين ذكير أنهيم قرييش‪ .‬الثانيي ‪ -‬ميا بيين ذلك وقتيل بنيى قريظية وجلء بين‬
‫النضير؛ وهذا قول من ذكر أنهم اليهود‪.‬‬
‫*‪*3‬الية‪{ 77 :‬سنة من قد أرسلنا قبلك من رسلنا ول تجد لسنتنا تحويل}‬
‫@قوله تعالى‪" :‬سنة من قد أرسلنا قبلك من رسلنا" أي يعذبون كسنة من قد أرسلنا؛ فهو بإضمار‬
‫يعذبون؛ فلميا سيقط الخافيض عميل الفعيل؛ قاله الفراء‪ .‬وقييل‪ :‬انتصيب على معنيى سيننا سينة مين قيد‬
‫أرسيلنا‪ .‬وقييل‪ :‬هيو أرسيلنا؛ فل يوقيف على هذا التقديير على قوله‪" :‬إل قليل" ويوقيف على الول‬
‫والثاني‪" .‬قبلك من رسلنا" وقف حسن‪" .‬ول تجد لسنتنا تحويل" أي ل خلف في وعدها‪.‬‬
‫*‪*3‬اليية‪{ 78 :‬أقيم الصيلة لدلوك الشميس إلى غسيق اللييل وقرآن الفجير إن قرآن الفجير كان‬
‫مشهودا}‬
‫@قوله تعالى‪" :‬أقيم الصيلة لدلوك الشميس" لميا ذكير مكاييد المشركيين أمير نيبيه علييه السيلم‬
‫بالصيبر والمحافظية على الصيلة‪ ،‬وفيهيا طلب النصير على العداء‪ .‬ومثله "ولقيد نعلم أنيك يضييق‬
‫صدرك بما يقولون‪ ،‬فسبح بحمد ربك وكن من الساجدين"‪ .‬وتقدم القول في معنى إقامة الصلة في‬
‫أول سيورة "البقرة"‪ .‬وهذا اليية بإجماع مين المفسيرين إشارة إلى الصيلوات المفروضية‪ .‬واختلف‬
‫العلماء في الدلوك على قولين‪ :‬أحدهميا ‪ -‬أنه زوال الشمس عن كبيد السيماء؛ قاله عمر وابنيه وأبو‬
‫هريرة وابين عباس وطائفية سيواهم مين علماء التابعيين وغيرهيم‪ .‬الثانيي ‪ -‬أن الدلوك هيو المغرب؛‬
‫قاله علي وابين مسيعود وأبيي بين كعيب‪ ،‬وروى عين ابين عباس‪ .‬قال الماوردي‪ :‬مين جعيل الدلوك‬
‫اسما لغروبها فلن النسان يدلك عينيه براحته لتبينها حالة المغيب‪ ،‬ومن جعله اسما لزوالها فلنه‬
‫يدلك عينيه لشدة شعاعها‪ .‬وقال أبو عبيد‪ :‬دلوكها غروبها‪ .‬ودلكت براح يعني الشمس؛ أي غابت‬
‫وأنشد قطرب‪:‬‬
‫ذبب حتى دلكت براح‬ ‫هذا مقام قدمي رباح‬
‫براح بفتيح الباء على وزن حزام وقطام ورقاس اسيم مين أسيماء الشميس‪ .‬ورواه الفراء بكسير الباء‬
‫وهيو جميع راحية وهيي الكيف؛ أي غابيت وهيو ينظير إليهيا وقيد جعيل كفيه على حاجبيه‪ .‬ومنيه قوله‬
‫العجاج‪:‬‬
‫أدفعها بالراح كي تزحلفا‬ ‫والشمس قد كادت تكون دنفا‬
‫قال ابين العرابيي‪ :‬الزحلوفية مكان منحدر أملس‪ ،‬لنهيم يتزحلفون فييه‪ .‬قال‪ :‬والزحلفية كالدحرجية‬
‫والدفع؛ يقال‪ :‬زحلفته فتزحلف‪ .‬ويقال‪ :‬دلكت الشمس إذا غابت‪ .‬قال ذو الرمة‪:‬‬
‫نجوم ول بالفلت الدوالك‬ ‫مصابيح ليست باللواتي تقودها‬
‫قال ابين عطيية‪ :‬الدلوك هيو المييل ‪ -‬فيي اللغية ‪ -‬فأول الدلوك هيو الزوال وآخره هيو الغروب‪ .‬ومين‬
‫وقيت الزوال إلى الغروب يسيمى دلوكيا‪ ،‬لنهيا فيي حالة مييل‪ .‬فذكير ال تعالى الصيلوات التيي تكون‬
‫فييي حالة الدلوك وعنده؛ فيدخييل فييي ذلك الظهيير والعصيير والمغرب‪ ،‬ويصييح أن تكون المغرب‬
‫داخلة فيي غسق الليل‪ .‬وقد ذهب قوم إلى أن صلة الظهير يتمادى وقتها من الزوال إلى الغروب؛‬
‫لنيه سيبحانه علق وجوبهيا على الدلوك‪ ،‬وهذا دلوك كله؛ قاله الوزاعيي وأبيو حنيفية فيي تفصييل‪.‬‬
‫وأشار إليه مالك والشافعي في حالة الضرورة‪.‬‬
‫@قوله تعالى‪" :‬إلى غسيق اللييل" روى مالك عين ابين عباس قال‪ :‬دلوك الشميس ميلهيا‪ ،‬وغسيق‬
‫الليل اجتماع الليل وظلمته‪ .‬وقال أبو عبيدة‪ :‬الغسق سواد الليل‪ .‬قال ابن قيس الرقيات‪:‬‬
‫واشتكيت الهم والرقا‬ ‫إن هذا الليل قد غسقا‬
‫وقد قيل‪ :‬غسق الليل مغيب الشفق‪ .‬وقيل‪ :‬إقبال ظلمته‪ .‬قال زهير‪:‬‬
‫حتى إذا جنح الظلم والغسق‬ ‫ظلت تجود يدها وهي لهية‬
‫يقال‪ :‬غسق الليل غسوقا‪ .‬والغسق اسم بفتح السين‪ .‬وأصل الكلمة من السيلن؛ يقال‪ :‬غسقت العين‬
‫إذا سييالت‪ ،‬تغسييق‪ .‬وغسييق الجرح غسييقانا‪ ،‬أي سييال منييه ماء أصييفر‪ .‬وأغسييق المؤذن‪ ،‬أي أخيير‬
‫المغرب إلى غسيق اللييل‪ .‬وحكيى الفراء‪ :‬غسيق اللييل وأغسيق‪ ،‬وظلم أظلم‪ ،‬ودجيا وأدجيى‪ ،‬وغبيس‬
‫وأغبيس‪ ،‬وغبيش وأغبيش‪ .‬وكان الربييع بين خثييم يقول لمؤذنيه فيي يوم غييم‪ :‬أغسيق أغسيق‪ .‬يقول‪:‬‬
‫أخر المغرب حتى يغسق الليل‪ ،‬وهو إظلمه‪.‬‬
‫@ اختلف العلماء فيي آخير وقيت المغرب؛ فقييل‪ :‬وقتهيا وقيت واحيد ل وقيت لهيا إل حيين تحجيب‬
‫الشميس‪ ،‬وذلك بيين فيي إمامية جبرييل؛ فإنيه صيلها باليوميين لوقيت واحيد وذلك غروب الشميس‪،‬‬
‫وهو الظاهير من مذهب مالك عند أصحابه‪ .‬وهو أحد قولي الشافعي في المشهور عنه أيضيا وبه‬
‫قال الثوري‪ .‬وقال مالك فيي الموطيأ‪ :‬فإذا غاب الشفيق فقيد خرجيت مين وقيت المغرب ودخيل وقيت‬
‫العشاء‪ .‬وبهذا قال أبيو حنيفية وأصيحابه والحسين بين حيي وأحميد وإسيحاق وأبيو ثور وداود؛ لن‬
‫وقيت الغروب إلى الشفيق غسيق كله‪ .‬ولحدييث أبيي موسيى‪ ،‬وفييه‪ :‬أن النيبي صيلى ال علييه وسيلم‬
‫صيلى بالسيائل المغرب فيي اليوم الثانيي فأخير حتيى كان سيقوط الشفيق‪ .‬خرجيه مسيلم‪ .‬قالوا‪ :‬وهذا‬
‫أولى من أخبار إمامية جبرييل؛ لنه متأخير بالمدنيية وإمامية جبرييل بمكية‪ ،‬والمتأخير أولى من فعله‬
‫وأمره؛ لنه ناسيخ لما قبله‪ .‬وزعيم ابن العربيي أن هذا القول هو المشهور مين مذهب مالك‪ ،‬وقوله‬
‫في موطئه الذي أقرأه طول عمره وأمله في حياته‪.‬‬
‫والنكتية فيي هذا أن الحكام المتعلقية بالسيماء هيل تتعلق بأوائلهيا أو بآخرهيا أو يرتبيط الحكيم‬
‫بجميعهيا؟ والقوى فيي النظير أن يرتبيط الحكيم بأوائلهيا لئل يكون ذكرهيا لغوا فإذا ارتبيط بأوائلهيا‬
‫جرى بعد ذلك النظر في تعلقه بالكل إلى الخر‪.‬‬
‫قلت‪ :‬القول بالتوسعة أرجيح‪ .‬وقد خرج المام الحافيظ أبو محميد عبدالغنيي بن سيعيد من حدييث‬
‫الجلح بن عبدال الكندي عن أبي الزبير عن جابر قال‪ :‬خرج رسول ال صلى ال عليه وسلم من‬
‫مكية قريبيا مين غروب الشميس فلم يصيل المغرب حتيى أتيى سيرف‪ ،‬وذلك تسيعة أميال‪ .‬وأميا القول‬
‫بالنسيخ فليييس بالبيين وإن كان التارييخ معلوميا؛ فإن الجميع ممكين‪ .‬قال علماؤنييا‪ :‬تحميل أحاديييث‬
‫جبريل على الفضلية في وقت المغرب‪ ،‬ولذلك اتفقت المة فيها على تعجيلها والمبادرة إليها في‬
‫حيين غروب الشميس‪ .‬قال ابين خوييز منداد‪ :‬ول نعلم أحدا مين المسيلمين تأخير بإقامية المغرب فيي‬
‫مسيجد جماعية عين وقيت غروب الشميس‪ .‬وأحادييث التوسيعة تيبين وقيت الجواز‪ ،‬فيرتفيع التعارض‬
‫ويصيح الجميع‪ ،‬وهيو أولى مين الترجييح باتفاق الصيوليين؛ لن فييه إعمال كيل واحيد مين الدليليين‪،‬‬
‫والقول بالنسخ أو الترجيح فيه إسقاط أحدهما‪ .‬وال اعلم‪.‬‬
‫@قوله تعالى‪" :‬وقرآن الفجير" انتصيب "قرآن" مين وجهيين‪ :‬أحدهميا أن يكون معطوفيا على‬
‫الصلة؛ المعنى‪ :‬وأقم قرآن الفجر أي صلة الصبح؛ قاله الفراء‪ .‬وقال أهل البصرة‪ .‬انتصب على‬
‫الغراء؛ أي فعليييك بقرآن الفجيير؛ قال الزجاج‪ .‬وعييبر عنهييا بالقرآن خاصيية دون غيرهييا ميين‬
‫الصيلوات؛ لن القرآن هيو أعظمهيا‪ ،‬إذ قراءتهيا طويلة مجهور بهيا حسيبما هيو مشهور مسيطور؛‬
‫عن الزجاج أيضا‪.‬‬
‫قلت‪ :‬وقد استقر عمل المدينة على استحباب إطالة القراءة في الصبح قدرا ل يضر بمن خلفه ‪-‬‬
‫يقرأ فيهييا بطوال المفصييل‪ ،‬ويليهييا فييي ذلك الظهيير والجمعيية ‪ -‬وتخفيييف القراءة فييي المغرب‬
‫وتوسيطها فيي العصير والعشاء‪ .‬وقيد قييل فيي العصير‪ :‬إنهيا تخفيف كالمغرب‪ .‬وأميا ميا ورد فيي‬
‫صيحيح مسيلم وغيره مين الطالة فيميا اسيتقر فييه التقصيير‪ ،‬أو مين التقصيير فيميا اسيتقرت فييه‬
‫الطالة؛ كقراءتييه فييي الفجيير المعوذتييين ‪ -‬كمييا رواه النسييائي ‪ -‬وكقراءة العراف والمرسييلت‬
‫والطور فييي المغرب‪ ،‬فمتروك بالعمييل‪ .‬ولنكاره على معاذ التطويييل‪ ،‬حييين أم قومييه فييي العشاء‬
‫فافتتيح سيورة البقرة‪ .‬خرجيه الصيحيح‪ .‬وبأمره الئمية بالتخفييف فقال‪( :‬أيهيا الناس إن منكيم منفريين‬
‫فأيكيم أمّي الناس فليخفيف فإن فيهيم الصيغير والكيبير والمرييض والسيقيم والضعييف وذا الحاجية)‪.‬‬
‫وقال‪( :‬فإذا صلى أحدكم وحده فليطول ما شاء)‪ .‬كله مسطور في صحيح الحديث‪.‬‬
‫@قوله تعالى‪" :‬وقرآن الفجير" دلييل على أن ل صيلة إل بقراءة؛ لنيه سيمى الصيلة قرآنيا‪ .‬وقيد‬
‫اختلف العلماء فيي القراءة فيي الصيلة فذهيب جمهورهيم إلى وجوب قراءة أم القرآن للمام والفذّ‬
‫في كل ركعة‪ .‬وهو مشهور قول مالك‪ .‬وعنه أيضا أنها واجبة في جل الصلة‪ .‬وهو قول إسحاق‪.‬‬
‫وعنه أيضا تجب في ركعة واحدة؛ قاله المغيرة وسحنون‪ .‬وعنه أن القراءة ل تجب في شيء من‬
‫الصلة‪ .‬وهو أشذ الروايات عنه‪ .‬وحكي عن مالك أيضا أنها تجب في نصف الصلة‪ ،‬وإليه ذهب‬
‫الوزاعي‪ .‬وعن الوزاعي أيضا وأيوب أنها تجب على المام والفذ والمأموم على كل حال‪ .‬وهو‬
‫أحد قولي الشافعي‪ .‬وقد مضى في "الفاتحة" مستوفى‪.‬‬
‫@قوله تعالى‪" :‬كان مشهودا" روى الترمذي عن أبي هريرة عن النبي صلى ال عليه وسلم في‬
‫قوله‪" :‬وقرآن الفجير إن قرآن الفجير كان مشهودا" قال‪( :‬تشهده ملئكية اللييل وملئكية النهار) هذا‬
‫حدييث حسين صيحيح‪ .‬ورواه علي بين مسيهر عين العميش عين أبيي صيالح عين أبيي هريرة وأبيي‬
‫سيعيد عين النيبي صيلى ال علييه وسيلم‪ .‬وروى البخاري عين أبيي هريرة عين النيبي صيلى ال علييه‬
‫وسيلم قال‪( :‬فضيل صيلة الجمييع على صيلة الواحيد خميس وعشرون درجية وتجتميع ملئكية اللييل‬
‫وملئكيية النهار فييي صييلة الصييبح )‪ .‬يقول أبييو هريرة‪ :‬اقرؤوا إن شئتييم "وقرآن الفجيير إن قرآن‬
‫الفجير كان مشهودا"‪ .‬ولهذا المعنيى أيضيا قال مالك والشافعيي‪ :‬التغلييس بالصيبح أفضيل‪ .‬وقال أبيو‬
‫حنيفية‪ :‬الفضيل الجميع بيين التغلييس والسيفار‪ ،‬فإن فاتيه ذلك فالسيفار أولى مين التغلييس‪ .‬وهذا‬
‫مخالف لما كان عليه السلم يفعله من المداومة على التغليس‪ ،‬وأيضا فإن فيه تفويت شهود ملئكة‬
‫الليل‪ .‬وال اعلم‪.‬‬
‫@ استدل بعض العلماء بقوله صلى ال عليه وسلم‪( :‬تشهده ملئكة الليل وملئكة النهار) على أن‬
‫صلة الصبح ليست من صلة الليل ول من صلة النهار‪.‬‬
‫قلت‪ :‬وعلى هذا فل تكون صلة العصر أيضا ل من صلة الليل ول من صلة النهار؛ فإن في‬
‫الصحيح عن النبي صلى ال عليه وسلم الفصيح عليه السلم فيما رواه أبو هريرة‪( :‬يتعاقبون فيكم‬
‫ملئكية باللييل وملئكية بالنهار فيجتمعون فيي صيلة العصير وصيلة الفجير) الحدييث‪ .‬ومعلوم أن‬
‫صيلة العصير مين النهار فكذلك تكون صيلة الفجير مين اللييل ولييس كذلك‪ ،‬وإنميا هيي مين النهار‬
‫كالعصر بدليل الصيام واليمان‪ ،‬وهذا واضح‪.‬‬
‫*‪*3‬الية‪{ 79 :‬ومن الليل فتهجد به نافلة لك عسى أن يبعثك ربك مقاما محمودا}‬
‫@قوله تعالى‪" :‬ومين اللييل فتهجيد بيه" "مين" للتبعييض‪ .‬والفاء فيي قوله "فتهجيد" ناسيقة على‬
‫مضمير‪ ،‬أي قيم فتهجيد‪" .‬بيه" أي بالقرآن‪ .‬والتهجيد مين الهجود وهيو مين الضداد‪ .‬يقال‪ :‬هجيد نام‪،‬‬
‫وهجد سهر؛ على الضد‪ .‬قال الشاعر‪:‬‬
‫وليت خيالها بمنى يعود‬ ‫أل زارت وأهل منى هجود‬
‫آخر‪:‬‬
‫فباتت بعلت النوال تجود‬ ‫أل طرقتنا والرفاق هجود‬
‫يعني نياما‪ .‬وهجد وتهجد بمعنى‪ .‬وهجدته أي أنمته‪ ،‬وهجدته أي أيقظته‪ .‬والتهجد التيقظ بعد رقدة‪،‬‬
‫فصار اسما للصلة؛ لنه ينتبه لها‪ .‬فالتهجد القيام إلى الصلة من النوم‪ .‬قال معناه السود وعلقمة‬
‫وعبدالرحمين بين السيود وغيرهيم‪ .‬وروى إسيماعيل بين إسيحاق القاضيي مين حدييث الحجاج بين‬
‫عمر صاحب النبي صلى ال عليه وسلم أنه قال‪ :‬أيحسب أحدكم إذا قام من الليل كله أنه قد تهجد!‬
‫إنميا التهجيد الصيلة بعيد رقدة ثيم الصيلة بعيد رقدة ثيم الصيلة بعيد رقدة‪ .‬كذلك كانيت صيلة رسيول‬
‫ال صيلى ال علييه وسيلم‪ .‬وقييل‪ :‬الهجود النوم‪ .‬يقال‪ :‬تهجيد الرجيل إذا سيهر‪ ،‬وألقيى الهجود وهيو‬
‫النوم‪ .‬ويسيمى مين قام إلى الصيلة متهجدا؛ لن المتهجيد هيو الذي يلقيى الهجود الذي هيو النوم عين‬
‫نفسييه‪ .‬وهذا الفعييل جار مجرى تحوب وتحرج وتأثييم وتحنييث وتقذر وتنجييس؛ إذا ألقييى ذلك عيين‬
‫نفسيه‪ .‬ومثله قوله تعالى‪" :‬فظلتيم تفكهون" معناه تندمون؛ أي تطرحون الفكاهية عين أنفسيكم‪ ،‬وهيي‬
‫انبسياط النفوس وسيرورها‪ .‬يقال‪ :‬رجيل فكيه إذا كان كثيير السيرور والضحيك‪ .‬والمعنيى فيي اليية‪:‬‬
‫ووقتا من الليل اسهر به في صلة وقراءة‪.‬‬
‫@قوله تعالى‪" :‬نافلة لك" أي كرامة لك؛ قاله مقاتل‪ .‬واختلف العلماء في تخصيص النبي صلى‬
‫ال علييه وسييلم بالذكيير دون أمتيه؛ فقييل‪ :‬كانيت صيلة الليييل فريضية علييه لقوله‪" :‬نافلة لك" أي‬
‫فريضة زائدة على الفريضة الموظفة على المة‪.‬‬
‫قلت‪ :‬وفيي هذا التأوييل بعيد لوجهيين‪ :‬أحدهميا ‪ -‬تسيمية الفرض بالنفيل‪ ،‬وذلك مجاز ل حقيقية‪.‬‬
‫الثانيي ‪ -‬قوله صيلى ال علييه وسيلم‪( :‬خميس صيلوات فرضهين ال على العباد) وقوله تعالى‪( :‬هين‬
‫خميس وهين خمسيون ل يبدل القول لذي) وهذا نيص‪ ،‬فكييف يقال افترض علييه صيلة زائدة على‬
‫خميس‪ ،‬هذا ميا ل يصيح؛ وإن كان قيد روى عنيه علييه السيلم‪(:‬ثلث على فريضية ولمتيي تطوع‬
‫قيام اللييل والوتير والسواك)‪ .‬وقييل‪ :‬كانيت صيلة اللييل تطوعيا منه وكانيت فيي البتداء واجبية على‬
‫الكل‪ ،‬ثم نسخ الوجوب فصار قيام الليل تطوعا بعد فريضة؛ كما قالت عائشة‪ ،‬على ما يأتي مبينا‬
‫فييي سييورة [المزمييل] إن شاء ال تعالى‪ .‬وعلى هذا يكون الميير بالتنفييل على جهيية الندب ويكون‬
‫الخطاب للنبي صلى ال عليه وسلم؛ لنه مغفور له‪ .‬فهو إذا تطوع بما ليس بواجب عليه كان ذلك‬
‫زيادة فيي الدرجات‪ .‬وغيره مين المية تطوعهيم كفارات وتدارك لخلل يقيع فيي الفرض؛ قال معناه‬
‫مجاهد وغيره‪ .‬وقيل‪ :‬عطية؛ لن العبد ل ينال من السعادة عطاء أفضل من التوفيق في العبادة‪.‬‬
‫@قوله تعالى‪" :‬عسى أن يبعثك ربك مقاما محمودا" اختلف في المقام المحمود على أربعة أقوال‪:‬‬
‫[الول] وهو أصيحها ‪ -‬الشفاعة للناس يوم القيامية؛ قاله حذيفية بين اليمان‪ .‬وفيي صيحيح البخاري‬
‫عن ابن عمر قال‪ :‬إن الناس يصيرون يوم القيامة جثا كل أمة تتبع نبيها تقول‪ :‬يا فلن اشفع‪ ،‬حتى‬
‫تنتهيي الشفاعية إلى النيبي صيلى ال علييه وسيلم‪ ،‬فذلك يوم يبعثيه ال المقام المحمود‪ .‬وفيي صيحيح‬
‫مسلم عن أنس قال حدثنا محمد صلى ال عليه وسلم قال‪( :‬إذا كان يوم القيامة ماج الناس بعضهم‬
‫إلى بعيض فيأتون آدم فيقولون له اشفيع لذريتيك فيقول لسيت لهيا ولكين عليكيم بإبراهييم علييه السيلم‬
‫فإنه خليل ال فيأتون إبراهيم فيقول لست لها ولكن عليكم بموسى فإنه كليم ال فيؤتى موسى فيقول‬
‫لست لها ولكن عليكم بعيسى عليه السلم فإنه روح ال وكلمته فيؤتى عيسى فيقول لست لها ولكن‬
‫عليكم بمحمد صلى ال عليه وسلم فأوتي فأقول أنا لها‪ )...‬وذكر الحديث‪ .‬وروى الترمذي عن أبي‬
‫هريرة قال قال رسيول ال صيلى ال علييه فيي قوله‪" :‬عسيى أن يبعثيك ربيك مقاميا محمودا" سيئل‬
‫عنها قال‪( :‬هي الشفاعة) قال‪ :‬هذا حديث حسن صحيح‪.‬‬
‫@ إذا ثبيت أن المقام المحمود هيو أمير الشفاعية الذي يتدافعيه النيبياء عليهيم السيلم‪ ،‬حتيى ينتهيي‬
‫المير إلى نبينيا محميد صيلى ال علييه وسيلم فيشفيع هذه الشفاعية لهيل الموقيف ليعجيل حسيابهم‬
‫ويراحوا من هول موقفهم‪ ،‬وهي الخاصة به صلى ال عليه وسلم؛ ولجل ذلك قال‪( :‬أنا سيد ولد‬
‫آدم ول فخير)‪ .‬قال النقاش‪ :‬لرسيول ال صيلى ال علييه وسيلم ثلث شفاعات‪ :‬العامية‪ ،‬وشفاعية فيي‬
‫السيبق إلى الجنية‪ ،‬وشفاعية فيي أهيل الكبائر‪ .‬ابين عطيية‪ :‬والمشهور أنهميا شفاعتان فقيط‪ :‬العامية‪،‬‬
‫وشفاعة في إخراج المذنبين من النار‪ .‬وهذه الشفاعة الثانية ل يتدافعها النبياء بل يشفعون ويشفع‬
‫العلماء‪ .‬وقال القاضيي أبيو الفضيل عياض‪ :‬شفاعات نبينيا صيلى ال علييه وسيلم يوم القيامية خميس‬
‫شفاعات‪ :‬العاميية‪ .‬والثانييية فييي إدخال قوم الجنيية دون حسيياب‪ .‬الثالثيية فييي قوم ميين موحدي أمتييه‬
‫اسيتوجبوا النار بذنوبهيم فيشفيع فيهيا نبينيا صيلى ال علييه وسيلم‪ ،‬ومين شاء ال أن يشفيع ويدخلون‬
‫الجنيية‪ .‬وهذه الشفاعيية هييي التييي أنكرتهييا المبتدعيية‪ :‬الخوارج والمعتزلة‪ ،‬فمنعتهييا على أصييولهم‬
‫الفاسييدة‪ ،‬وهييي السييتحقاق العقلي المبنييى على التحسييين والتقبيييح‪ .‬الرابعيية فيميين دخييل النار ميين‬
‫المذنيبين فيخرجون بشفاعية نبينيا صيلى ال علييه وسيلم وغيره مين النيبياء والملئكية وإخوانهيم‬
‫المؤمنيين‪ .‬الخامسية فيي زيادة الدرجات فيي الجنية لهلهيا وترفيعهيا‪ ،‬وهذه ل تنكرهيا المعتزلة ول‬
‫تنكر شفاعة الحشر الول‪.‬‬
‫@ قال القاضي عياض‪ :‬وعرف بالنقل المستفيض سؤال السلف الصالح لشفاعة النبي صلى ال‬
‫علييه وسيلم ورغبتهيم فيهيا‪ ،‬وعلى هذا ل يلتفيت لقول مين قال‪ :‬إنيه يكره أن تسيأل ال أن يرزقيك‬
‫شفاعية النيبي صيلى ال علييه وسيلم؛ لنهيا ل تكون إل للمذنيبين‪ ،‬فإنهيا قيد تكون كميا قدمنيا لتخفييف‬
‫الحساب وزيادة الدرجات‪ .‬ثم كل عاقل معترف بالتقصير محتاج إلى العفو غير معتد بعمله مشفق‬
‫أن يكون ميين الهالكييين‪ ،‬ويلزم هذا القائل أل يدعييو بالمغفرة والرحميية؛ لنهييا لصييحاب الذنوب‬
‫أيضيا‪ ،‬وهذا كله خلف ميا عرف مين دعاء السيلف والخلف‪ .‬روى البخاري عين جابر بين عبدال‬
‫أن رسيول ال صيلى ال علييه وسيلم قال‪( :‬مين قال حيين يسيمع النداء اللهيم رب هذه الدعوة التامية‬
‫والصلة القائمة آت محمدا الوسيلة والفضيلة وابعثه مقاما محمودا الذي وعدته‪ ،‬حلت له شفاعتي‬
‫يوم القيامة)‪.‬‬
‫@ القول الثاني‪ :‬أن المقام المحمود إعطاؤه لواء الحمد يوم القيامة‪.‬‬
‫قلت‪ :‬وهذا القول ل تنافير بينيه وبيين الول؛ فإنيه يكون بيده لواء الحميد ويشفيع روى الترمذي‬
‫عين أبيي سيعيد الخدري قال قال رسيول ال صيلى ال علييه وسيلم‪( :‬أنيا سييد ولد آدم يوم القيامية ول‬
‫فخر وبيدي لواء الحمد ول فخر وما من نبي آدم فمن سواه إل تحت لوائي‪ "...‬الحديث‪.‬‬
‫@ القول الثالث‪ :‬ميا حكاه الطيبري عين فرقية‪ ،‬منهيا مجاهيد‪ ،‬أنهيا قالت‪ :‬المقام المحمود هيو أن‬
‫يجلس ال تعالى محميد صيلى ال علييه وسيلم معيه على كرسييه؛ وروت فيي ذلك حديثيا‪ .‬وعضيد‬
‫الطيبري جواز ذلك بشطيط مين القول‪ ،‬وهيو ل يخرج إل على تلطيف فيي المعنيى‪ ،‬وفييه بعيد‪ .‬ول‬
‫ينكير ميع ذلك أن يروى‪ ،‬والعلم يتأوله‪ .‬وذكير النقاش عين أبيي داود السيجستاني أنيه قال‪ :‬مين أنكير‬
‫هذا الحديث فهو عندنا متهم‪ ،‬ما زال أهل العلم يتحدثون بهذا‪ ،‬من أنكر جوازه على تأويله‪ .‬قال أبو‬
‫عمر‪ :‬ومجاهد‪ ،‬وإن كان أحد الئمة‪ ،‬يتأول القرآن فإن له قولين مهجورين عند أهل العلم‪ :‬أحدهما‬
‫هذا والثانيي فيي تأوييل قوله تعالى‪" :‬وجوه يومئذ ناضرة‪ .‬إلى ربهيا ناظرة" [القيامية‪ ]22 :‬تنتظير‬
‫الثواب؛ ليس من النظر‪.‬‬
‫قلت‪ .‬ذكير هذا فيي باب ابين شهاب فيي حدييث التنزييل‪ .‬وروي عين مجاهيد أيضيا فيي هذه اليية‬
‫قال‪ :‬يجلسيه على العرش‪ .‬وهذا تأوييل غيير مسيتحيل؛ لن ال تعالى كان قبيل خلقيه الشياء كلهيا‬
‫والعرش قائميا بذاتيه‪ ،‬ثيم خلق الشياء مين غيير حاجية إليهيا‪ ،‬بيل إظهارا لقدرتيه وحكمتيه‪ ،‬وليعرف‬
‫وجوده وتوحيده وكمال قدرتيه وعلميه بكيل أفعاله المحكمية‪ ،‬وخلق لنفسيه عرشيا اسيتوى علييه كميا‬
‫شاء مين غيير أن صيار له مماسيا‪ ،‬أو كان العرش له مكانيا‪ .‬قييل‪ :‬هيو الن على الصيفة التيي كان‬
‫عليها من قبل أن يخلق المكان والزمان؛ فعلى هذا القول سواء في الجواز أقعد محمد على العرش‬
‫أو على الرض؛ لن اسييييتواء ال تعالى على العرش ليييييس بمعنييييى النتقال والزوال وتحويييييل‬
‫الحوال مين القيام والقعود والحال التيي تشغيل العرش‪ ،‬بيل هيو مسيتو على عرشيه كميا أخيبر عين‬
‫نفسيه بل كييف‪ .‬ولييس إقعاده محمدا على العرش موجبيا له صيفة الربوبيية أو مخرجيا له عين صيفة‬
‫العبوديية‪ ،‬بيل هيو رفيع لمحله وتشرييف له على خلقيه‪ .‬وأميا قوله فيي الخبار‪( :‬معيه) فهيو بمنزلة‬
‫قوله‪" :‬إن الذيين عنيد ربيك"‪ ،‬و"رب ابين لي عندك بيتيا فيي الجنية" [التحرييم‪" .]11 :‬وإن ال لميع‬
‫المحسينين" [العنكبوت‪ ]69 :‬ونحيو ذلك‪ .‬كيل ذلك عائد إلى الرتبية والمنزلة والحظوة والدرجية‬
‫الرفيعة‪ ،‬ل إلى المكان‪.‬‬
‫@ الرابيع‪ :‬إخراجيه من النار بشفاعته من يخرج؛ قاله جابر بن عبدال‪ .‬ذكره مسلم‪ .‬وقد ذكرناه‬
‫في كتاب التذكرة وال الموفق‪.‬‬
‫@ اختلف العلماء في كون القيام بالليل سببا للمقام المحمود على قولين‪ :‬أحدهما‪ :‬أن البارئ تعالى‬
‫يجعيل ميا شاء مين فعله سيببا لفضله مين غيير معرفيه بوجيه الحكمية فييه‪ ،‬أو بمعرفية وجيه الحكمية‪.‬‬
‫الثانيي‪ :‬أن قيام اللييل فييه الخلوة ميع البارئ والمناجاة دون الناس‪ ،‬فأعطيى الخلوة بيه ومناجاتيه فيي‬
‫قياميه وهيو المقام المحمود‪ .‬ويتفاضيل فييه الخلق بحسيب درجاتهيم‪ ،‬فأجلهيم فييه درجية محميد صيلى‬
‫ال علييه وسيلم؛ فإنيه يعطيي ميا ل يعطيي أحيد ويشفيع ميا ل يشفيع أحيد‪ .‬و"عسيى" مين ال عيز وجيل‬
‫واجبة‪ .‬و"مقاما" نصب على الظرف‪ .‬أي في مقام أو إلى مقام‪ .‬وذكر الطبري عن أبي هريرة أن‬
‫رسيول ال صيلى ال علييه وسيلم قال‪( :‬المقام المحمود هيو المقام الذي أشفيع فييه لمتيي)‪ .‬فالمقام‬
‫الموضع الذي يقوم فيه النسان للمور الجليلة كالمقامات ببن يدي الملوك‪.‬‬
‫*‪*3‬اليية‪{ 80 :‬وقيل رب أدخلنيي مدخيل صيدق وأخرجنيي مخرج صيدق واجعيل لي مين لدنيك‬
‫سلطانا نصيرا}‬
‫@ قييل‪ :‬المعنيى أمتني إماتة صيدق‪ ،‬وابعثنيي يوم القيامية مبعث صيدق؛ ليتصيل بقوله‪" :‬عسيى أن‬
‫يبعثيك ربك مقاما محمودا"‪ .‬كأنيه لما وعده ذلك أمره أن يدعو لينجيز له الوعيد‪ .‬وقييل‪ :‬أدخلنيي فيي‬
‫المأمور وأخرجني من المنهي‪ .‬وقيل‪ :‬علمه ما يدعو به في صلته وغيرها من إخراجه من بين‬
‫المشركييين وإدخاله موضييع الميين؛ فأخرجييه ميين مكيية وصيييره إلى المدينيية‪ .‬وهذا المعنييى رواه‬
‫الترمذي عين ابين عباس قال‪ :‬كان النيبي صيلى ال علييه وسيلم بمكية ثيم أمير بالهجرة فنزلت "وقيل‬
‫رب أدخلني مدخل صدق وأخرجني مخرج صيدق واجعل لي من لدنيك سلطانا نصييرا" قال‪ :‬هذا‬
‫حديث حسن صحيح‪ .‬وقال الضحاك‪ :‬هو خروجه من مكة ودخوله مكة يوم الفتح آمنا‪ .‬أبو سهل‪:‬‬
‫حين رجع من تبوك وقد قال المنافقون‪" :‬ليخرجن العز منها الذل" [المنافقون‪ ]8 :‬يعني إدخال‬
‫عيز وإخراج نصير إلى مكية‪ .‬وقييل‪ :‬المعنيى أدخلنيي فيي المير الذي أكرمتنيي بيه مين النبوة مدخيل‬
‫صدق وأخرجني منه مخرج صدق إذا أمتني؛ قال معناه مجاهد‪ .‬والمدخل والمخرج (بضم الميم)‬
‫بمعنى الدخال والخراج؛ كقوله‪" :‬أنزلني منزل مباركا" [المؤمنون‪ ]29 :‬أي إنزال ل أرى فيه‬
‫ما أكره‪ .‬وهي قراءة العامة‪ .‬وقرأ الحسن وأبو العالية ونصر بن عاصم "مدخل" و"مخرج"‪ .‬بفتح‬
‫الميمييين بمعنييى الدخول والخروج؛ فالول رباعييي وهذا ثلثييي‪ .‬وقال ابيين عباس‪ :‬أدخلنييي القييبر‬
‫مدخييل صييدق عنيد الموت وأخرجنييي مخرج صييدق عنييد البعيث‪ .‬وقييل‪ :‬أدخلنييي حيثميا أدخلتنييي‬
‫بالصيدق وأخرجنيي بالصيدق؛ أي ل تجعلنيي ممين يدخيل بوجيه ويخرج بوجيه؛ فإن ذا الوجهيين ل‬
‫يكون وجيهييا عندك‪ .‬وقيييل‪ :‬الييية عاميية فييي كييل مييا يتناول ميين المور ويحاول ميين السييفار‬
‫والعمال‪ ،‬وينتظير مين تصيرف المقاديير فيي الموت والحياة‪ .‬فهيي دعاء‪ ،‬ومعناه‪ :‬رب اصيلح لي‬
‫وردي فييي كييل المور وصييدري‪ .‬وقوله‪" :‬واجعييل لي ميين لدنييك سييلطانا نصيييرا" قال الشعييبي‬
‫وعكرمية‪ :‬أي حجية ثابتية‪ .‬وذهيب الحسين إلى أنيه العيز والنصير وإظهار دينيه على الديين كله‪ .‬قال‪:‬‬
‫فوعده ال لينزعن ملك فارس والروم وغيرها فيجعله له‪.‬‬
‫*‪*3‬الية‪{ 81 :‬وقل جاء الحق وزهق الباطل إن الباطل كان زهوقا}‬
‫@ روى البخاري والترمذي عن ابن مسعود قال‪ :‬دخل النبي صلى ال عليه وسلم مكة عام الفتح‬
‫وحول الكعبة ثلثمائة وستون نصبا‪ ،‬فجعل النبي صلى ال عليه وسلم يطعنها بمخصرة في يده ‪-‬‬
‫وربميا قال بعود ‪ -‬ويقول‪( :‬جاء الحيق وزهيق الباطيل إن الباطيل كان زهوقيا‪ .‬جاء الحيق وميا يبدئ‬
‫الباطيل وميا يعييد) لفيظ الترمذي‪ .‬وقال‪ :‬هذا حدييث حسين صيحيح‪ .‬وكذا فيي حدييث مسيلم (نصيبا)‪.‬‬
‫وفييي رواييية (صيينما)‪ .‬قال علماؤنييا‪ :‬إنمييا كانييت بهذا العدد لنهييم كانوا يعظمون فييي يوم صيينما‬
‫ويخصون أعظمها بيومين‪ .‬وقوله‪( :‬فجعل يطعنها بعود في يده) يقال إنها كانت مثبتة بالرصاص‬
‫وأنيه كلميا طعين منهيا صينما فيي وجهيه خير لقفاه‪ ،‬أو فيي قفاه خير لوجهيه‪ .‬وكان يقول‪( :‬جاء الحيق‬
‫وزهيق الباطيل إن الباطيل كان زهوقيا) حكاه أبيو عمير والقاضيي عياض‪ .‬وقال القشيري‪ :‬فميا بقيي‬
‫منها صنم إل خر لوجهه‪ ،‬ثم أمر بها فكسرت‪.‬‬
‫@ في هذه الية دليل على كسر نصب المشركين وجميع الوثان إذا غلب عليهم‪ ،‬ويخل بالمعنى‬
‫كسر آلة الباطل كله‪ ،‬وما ل يصلح إل لمعصية ال كالطنابير والعيدان والمزامير التي ل معنى لها‬
‫إل اللهيو بهيا عين ذكير ال تعالى‪ .‬قال ابين المنذر‪ :‬وفيي معنيى الصينام الصيور المتخذة مين المدر‬
‫والخشب وشبهها‪ ،‬وكل ما يتخذه الناس مما ل منفعة فيه إل اللهو المنهي عنه‪ .‬ول يجوز بيع شيء‬
‫منيه إل الصينام التيي تكون مين الذهيب والفضية والحدييد والرصياص‪ ،‬إذا غيرت عميا هيي علييه‬
‫وصيارت نقرا أو قطعيا فيجوز بيعهيا والشراء بهيا‪ .‬قال المهلب‪ :‬وميا كسير مين آلت الباطيل وكان‬
‫فيي حبسيها بعيد كسيرها منفعية فصياحبها أولى بهيا مكسيورة؛ إل أن يرى المام حرقهيا بالنار على‬
‫معنى التشديد والعقوبة في المال‪ .‬وقد تقدم حرق ابن عمر رضي ال عنه‪ .‬وقد هم النبي صلى ال‬
‫عليه وسلم بتحريق دور من تخلف عن صلة الجماعة‪ .‬وهذا أصل في العقوبة في المال مع قوله‬
‫علييه السيلم فيي الناقية التيي لعنتهيا صياحبتها‪( :‬دعوهيا فإنهيا ملعونية) فأزال ملكهيا عنهيا تأديبيا‬
‫لصاحبتها‪ ،‬وعقوبة لها فيما دعت عليه بما دعت به‪ .‬وقد أراق عمر بن الخطاب رضي ال عنه‬
‫لبنا شيب بماء على صاحبه‪.‬‬
‫@ ما ذكرنا من تفسير الية ينظر إلى قوله صلى ال عليه وسلم‪( :‬وال لينزلن عيسى بن مريم‬
‫حكمييا عادل فليكسييرن الصييليب وليقتلن الخنزييير وليضعيين الجزييية ولتتركيين القلص فل يسييعى‬
‫عليها‪ )...‬الحديث‪ .‬خرجه الصحيحان‪ .‬ومن هذا الباب هتك النبي صلى ال عليه وسلم الستر الذي‬
‫فييه الصيور‪ ،‬وذلك أيضيا دلييل على إفسياد الصيور وآلت الملهيي كميا ذكرنيا‪ .‬وهذا كله يحظير‬
‫المنيع مين اتخاذهيا ويوجيب التغييير على صياحبها‪ .‬إن أصيحاب هذه الصيور يعذبون يوم القيامية‬
‫ويقال لهييم‪ :‬أحيوا مييا خلقتييم؛ وحسييبك! وسيييأتي هذا المعنييى فييي "النمييل" إن شاء ال تعالى‪ .‬قوله‬
‫تعالى‪" :‬وقيل جاء الحيق" أي السيلم‪ .‬وقييل‪ :‬القرآن؛ قال مجاهيد‪ .‬وقييل‪ :‬الجهاد‪" .‬وزهيق الباطيل"‬
‫قييل الشرك‪ .‬وقييل الشيطان؛ قاله مجاهيد‪ .‬والصيواب تعمييم اللفيظ بالغايية الممكنية‪ ،‬فيكون التفسيير‬
‫جاء الشرع بجمييع ميا انطوى فييه‪" .‬وزهيق الباطيل"‪ :‬بطيل الباطيل‪ .‬ومين هذا زهوق النفيس وهيو‬
‫بطلنها‪ .‬يقال زهقت نفسه تزهق زهوقا‪ ،‬وأزهقتها‪" .‬إن الباطل كان زهوقا" أي ل بقاء له والحق‬
‫الذي يثبت‪.‬‬
‫*‪*3‬الية‪{ 82 :‬وننزل من القرآن ما هو شفاء ورحمة للمؤمنين ول يزيد الظالمين إل خسارا}‬
‫@قوله تعالى‪" :‬وننزل" قرأ الجمهور بالنون‪ .‬وقرأ مجاهييد "وينزل" بالياء خفيفيية‪ ،‬ورواهييا‬
‫المروزي عين حفيص‪ .‬و"مين" لبتداء الغايية‪ ،‬ويصيح أن تكون لبيان الجنيس؛ كأنيه قال‪ :‬وننزل ميا‬
‫فيه شفاء من القرآن‪ .‬وفي الخبر (من لم يستشف بالقرآن فل شفاه ال)‪ .‬وأنكر بعض المتأولين أن‬
‫تكون "مين" للتبعييض؛ لنيه يحفيظ مين أن يلزميه أن بعضيه ل شفاء فييه‪ .‬ابين عطيية‪ :‬ولييس يلزميه‬
‫هذا‪ ،‬بل يصح أن تكون للتبعيض بحسب أن إنزاله إنما هو مبعض‪ ،‬فكأنه قال‪ :‬وننزل من القرآن‬
‫شيئا شفاء؛ ما فيه كله شفاء‪ .‬وقيل‪ :‬شفاء في الفرائض والحكام لما فيه من البيان‪.‬‬
‫@ اختلف العلماء في كونه شفاء على قولين‪ :‬أحدهما‪ :‬أنه شفاء للقلوب بزوال الجهل عنها وإزالة‬
‫الريييب‪ ،‬ولكشييف غطاء القلب ميين مرض الجهييل لفهييم المعجزات والمور الدالة على ال تعالى‪.‬‬
‫الثانيي‪ :‬شفاء مين المراض الظاهرة بالرقيي والتعوذ ونحوه‪ .‬وقيد روى الئمية ‪ -‬واللفيظ للدارقطنيي‬
‫‪ -‬عن أبي سعيد الخدري قال‪ :‬بعثنا رسول ال صلى ال عليه وسلم في سرية ثلثين راكبا قال‪:‬‬
‫فنزلنيا على قوم مين العرب فسيألناهم أن يضيفونيا فأبوا؛ قال‪ :‬فلدغ سييد الحيي‪ ،‬فأتونيا فقالوا‪ :‬فيكيم‬
‫أحد يرقي من العقرب؟ في رواية ابن قتة‪ :‬إن الملك يموت‪ .‬قال‪ :‬قلت أنا نعم‪ ،‬ولكن ل أفعل حتى‬
‫تعطونيا‪ .‬فقالوا‪ :‬فإنيا نعطيكيم ثلثيين شاة‪ .‬قال‪ :‬فقرأت علييه "الحميد ل رب العالميين" سيبع مرات‬
‫فيبرأ‪ .‬فيي روايية سيليمان بين قتية عين أبيي سيعيد‪ :‬فأفاق وبرأ‪ .‬فبعيث إلينيا بالنزل وبعيث إلينيا بالشاء‪،‬‬
‫فأكلنيا الطعام أنيا وأصيحابي وأبوا أن يأكلوا مين الغنيم‪ ،‬حتيى أتينيا رسيول ال صيلى ال علييه وسيلم‬
‫فأخبرته الخبر فقال‪( :‬وما يدريك أنها رقية) قلت‪ :‬يا رسول ال‪ ،‬شيء ألقي في روعي‪ .‬قال‪( :‬كلوا‬
‫وأطعمونا من الغنم) خرجه في كتاب السنن‪.‬‬
‫وخرج في (كتاب المديح) من حديث السري بن يحيى قال‪ :‬حدثني المعتمر بن سليمان عن ليث‬
‫بن أبي سليم عن الحسن عن أبي أمامة عن رسول ال صلى ال عليه وسلم أنه قال‪( :‬ينفع بإذن ال‬
‫تعالى من البرص والجنون والجذام والبطن والسل والحمى والنفس أن تكتب بزعفران أو بمشق ‪-‬‬
‫يعني المغرة ‪ -‬أعوذ بكلمات ال التامة وأسمائه كلها عامة من شر السامة والغامة ومن شر العين‬
‫اللمة ومن شر حاسد إذا حسد ومن أبي فروة وما ولد)‪ .‬كذا قال‪ ،‬ولم يقل من شر أبي قترة‪ .‬العين‬
‫اللمية‪ :‬التيي تصييب بسيوء‪ .‬تقول‪ :‬أعيذه مين كيل هامية لمية‪ .‬وأميا قوله‪ :‬أعيذه مين حادثات اللمية‬
‫فيقول‪ :‬هو الدهر‪ .‬ويقال الشدة‪ .‬والسامة‪ :‬الخاصة‪ .‬يقال‪ :‬كيف السامة والعامة‪ .‬والسامة السم‪ .‬ومن‬
‫أبي فروة وما ولد‪ .‬وقال‪ :‬ثلثة وثلثون من الملئكة أتوا ربهم عز وجل فقالوا‪ :‬وصب بأرضنا‪.‬‬
‫فقال‪ :‬خذوا تربية مين أرضكيم فامسيحوا نواصييكم‪ .‬أو قال‪ :‬نوصييكم رقيية محميد صيلى ال علييه‬
‫وسيلم ل أفلح مين كتمهيا أبدا أو أخيذ عليهيا صيفدا‪ .‬ثيم تكتيب فاتحية الكتاب وأربيع آيات مين أول‬
‫"البقرة"‪ ،‬واليية التيي فيهيا تصيريف الرياح وآيية الكرسيي واليتيين اللتيين بعدهيا‪ ،‬وخواتييم سيورة‬
‫"البقرة" من موضع "ل ما في السماوات وما في الرض" [البقرة‪ ]284 :‬إلى آخرها‪ ،‬وعشرا‬
‫مين أول "آل عمران" وعشرا مين آخرهيا‪ ،‬وأول آيية مين "النسياء"‪ ،‬وأول آيية مين "المائدة"‪ ،‬وأول‬
‫آية من "النعام"‪ ،‬وأول آية من "العراف"‪ ،‬والية التي في "العراف" "إن ربكم ال الذي خلق‬
‫السماوات والرض" [العراف‪ ]54 :‬حتى تختم الية؛ والية التي في "يونس" من موضع "قال‬
‫موسيى ميا جئتيم بيه السيحر إن ال سييبطله إن ال ل يصيلح عميل المفسيدين" [يونيس‪ .]81 :‬واليية‬
‫التي في "طه] "وألق ما في يمينك تلقف ما صنعوا إنما صنعوا كيد ساحر ول يفلح الساحر حيث‬
‫أتى" [طه‪ ،]69 :‬وعشرا من أول [الصافات]‪ ،‬و"قل هو ال أحد" [الخلص‪ ،]1 :‬والمعوذتين‪.‬‬
‫تكتب في إناء نظيف ثم تغسل ثلث مرات بماء نظيف ثم يحثو منه الوجع ثلث حثوات ثم يتوضأ‬
‫منيه كوضوئه للصيلة ويتوضيأ قبيل وضوئه للصيلة حتيى يكون على طهير قبيل أن يتوضيأ بيه ثيم‬
‫يصيب على رأسيه وصيدره وظهره ول يسيتنجي بيه ثيم يصيلي ركعتيين ثيم يسيتشفي ال عيز وجيل؛‬
‫يفعل ذلك ثلثة أيام‪ ،‬قدر ما يكتب في كل يوم كتابا‪ .‬في رواية‪ :‬ومن شر أبي قترة وما ولد‪ .‬وقال‪:‬‬
‫(فامسيحوا نواصييكم) ولم يشيك‪ .‬وروى البخاري عين عائشية أن النيبي صيلى ال علييه وسيلم كان‬
‫ينفيث على نفسيه فيي المرض الذي مات فييه بالمعوذات فلميا ثقيل كنيت أنفيث علييه بهين وأمسيح بييد‬
‫نفسيه لبركتهيا‪ .‬فسيألت الزهري كييف كان ينفيث؟ قال‪ :‬كان ينفيث على يدييه ثيم يمسيح بهميا وجهيه‪.‬‬
‫وروى مالك عين ابين شهاب عين عروه عين عائشية أن رسيول ال صيلى ال علييه وسيلم كان إذا‬
‫اشتكيى قرأ على نفسيه المعوذتيين وتفيل أو نفيث‪ .‬قال أبيو بكير بين النباري‪ :‬قال اللغويون تفسيير‬
‫"نفث" نفخ نفحا ليس معه ريق‪ .‬ومعنى "تفل" نفخ نفخا معه ريق‪ .‬قال الشاعر‪:‬‬
‫وإن يفقد فحق له الفقود‬ ‫فإن يبرأ فلم أنفث عليه‬
‫وقال ذو الرمة‪:‬‬
‫متى يحس منه مائح القوم يتفل‬ ‫ومن جوف ماء عرمض الحول فوقه‬
‫أراد ينفخ بريق‪ .‬وسيأتي ما للعلماء في النفث في سورة الفلق إن شاء ال تعالى‪.‬‬
‫@ روى ابين مسيعود أن رسيول ال صيلى ال علييه وسيلم كان يكره الرقيي إل بالمعوذات‪ .‬قال‬
‫الطييبري‪ :‬وهذا حديييث ل يجوز الحتجاج بمثله فييي الدييين؛ إذ فييي نقلتييه ميين ل يعرف‪ .‬ولو كان‬
‫صيحيحا لكان إميا غلطيا وإميا منسيوخا؛ لقوله علييه السيلم فيي الفاتحية (ميا أدراك أنهيا رقيية)‪ .‬وإذا‬
‫جاز الرقيي بالمعوذتيين وهميا سيورتان مين القرآن كانيت الرقيية بسيائر القرآن مثلهميا فيي الجواز إذ‬
‫كله قرآن‪ .‬وروي عنيه علييه السيلم أنيه قال‪( :‬شفاء أمتيه فيي ثلث آيية مين كتاب ال أو لعقية مين‬
‫عسل أو شرطة من محجم)‪ .‬وقال رجاء الغنوي‪ :‬ومن لم يستشف بالقرآن فل شفاء له‪.‬‬
‫@ واختلف العلماء في النشرة‪ ،‬وهي أن يكتب شيئا من أسماء ال أو من القرآن ثم يغسله بالماء‬
‫ثم يمسح به المريض أو يسقيه‪ ،‬فأجازها سعيد بن المسيب‪ .‬قيل له‪ :‬الرجل يؤخذ عن امرأته أيُحل‬
‫عنيه ويُنشير؟ قال‪ :‬ل بأس بيه‪ ،‬وميا ينفيع لم ينيه عنيه‪ .‬ولم يير مجاهيد أن تكتيب آيات مين القران ثيم‬
‫تغسيل ثيم يسيقاه صياحب الفزع‪ .‬وكانيت عائشية تقرأ بالمعوذتيين فيي إناء ثيم تأمير أن يصيب على‬
‫المرييض‪ .‬وقال المازري أبيو عبدال‪ :‬النشرة أمير معروف عنيد أهيل التعزييم؛ وسيميت بذلك لنهيا‬
‫تنشر عن صاحبها أي تحل‪ .‬ومنعها الحسن وإبراهيم النخعي‪ ،‬قال النخعي‪ :‬أخاف أن يصيبه بلء؛‬
‫وكأنه ذهب إلى أنه ما يجيء به القرآن فهو إلى أن يعقب بلء أقرب منه إلى أن يفيد شفاء‪ .‬وقال‬
‫الحسين‪ :‬سيألت أنسيا فقال‪ :‬ذكروا عين النيبي صيلى ال علييه وسيلم أنهيا مين الشيطان‪ .‬وقيد روى أبيو‬
‫داود مين حديث جابر بين عبدال قال‪ :‬سيئل رسول ال صيلى ال علييه وسيلم عن النشرة فقال‪( :‬من‬
‫عمييل الشيطان)‪ .‬قال ابيين عبدالبر‪ .‬وهذه آثار لينيية ولهييا وجوه محتملة‪ ،‬وقييد قيييل‪ :‬إن هذا محمول‬
‫على ميا إذا كانيت خارجية عميا فيي كتاب ال وسينة رسيوله علييه السيلم‪ ،‬وعيى المداواة المعروفية‪.‬‬
‫والنشرة مين جنيس الطيب فهيي غسيالة شييء له فضيل‪ ،‬فهيي كوضوء رسيول ال صيلى ال علييه‬
‫وسلم‪ .‬وقال صلى ال عليه وسلم‪( :‬ل بأس بالرقى ما لم يكن فيه شرك ومن استطاع منكم أن ينفع‬
‫أخاه فليفعل)‪.‬‬
‫قلت‪ :‬قد ذكرنا النص في النشرة مرفوعا وأن ذلك ل يكون إل من كتاب ال فليعتمد عليه‪.‬‬
‫@ قال مالك‪ :‬ل بأس بتعليق الكتب التي فيها أسماء ال عز وجل على أعناق المرضى على وجه‬
‫التيبرك بهيا إذا لم يرد معلقهيا بتعليقهيا مدافعية العيين‪ .‬وهذا معناه قبيل أن ينزل بيه شييء مين العيين‪.‬‬
‫وعلى هذا القول جماعية أهيل العلم‪ ،‬ل يجوز عندهيم أن يعلق على الصيحيح مين البهائم أو بنيي آدم‬
‫شييء مين العلئق خوف نزول العيين‪ ،‬وكيل ميا يعلق بعيد نزول البلء مين أسيماء ال عيز وجيل‬
‫وكتابه رجاء الفرج والبرء من ال تعالى‪ ،‬فهو كالرقى المباح الذي وردت السنة بإباحته من العين‬
‫وغيرها‪ .‬وقد روى عبدال بن عمرو قال قال وسول ال صلى ال عليه وسلم‪( :‬إذا فزع أحدكم في‬
‫نوميه فليقيل أعوذ بكلمات ال التامية مين غضبيه وسيوء عقابيه ومين شير الشياطيين وأن يحضرون)‪.‬‬
‫وكان عبدال يعلمها ولده من أدرك منهم‪ ،‬ومن لم يدرك كتبها وعلقها عليه‪ .‬فإن قيل‪ :‬فقد روي أن‬
‫رسيول ال صيلى ال علييه وسيلم قال‪( :‬مين علق شيئا وكيل إلييه)‪ .‬ورأى ابين مسيعود على أم ولده‬
‫تميمية مربوطية فجبذهيا جبذا شديدا فقطعهيا وقال‪ :‬إن آل ابين مسيعود لغنياء عين الشرك‪ ،‬ثيم قال‪:‬‬
‫إن التمائم والرقى والتولة من الشرك‪ .‬قيل‪ :‬ما التولة؟ قال‪ :‬ما تحببت به لزوجها‪ .‬وروي عن عقبة‬
‫بن عامر الجهني قال‪ :‬سمعت رسول ال صلى ال عليه وسلم يقول‪( :‬من علق تميمة فل أتم ال له‬
‫وميين علق ودعيية فل ودع ال له قلبييا)‪ .‬قال الخليييل بيين أحمييد‪ :‬التميميية قلدة فيهييا عوذ‪ ،‬والودعيية‬
‫خرز‪ .‬وقال أبيو عمير‪ :‬التميمية فيي كلم العرب القلدة‪ ،‬ومعناه عنيد أهيل العلم ميا علق فيي العناق‬
‫ميين القلئد خشييية العييين أو غيرهييا أن تنزل أو ل تنزل قبييل أن تنزل‪ .‬فل أتييم ال عليييه صييحته‬
‫وعافيتيه‪ ،‬ومين تعلق ودعية ‪ -‬وهيي مثلهيا فيي المعنيى ‪ -‬فل ودع ال له؛ أي فل بارك ال له ميا هيو‬
‫فييه مين العافيية‪ .‬وال اعلم‪ .‬وهذا كله تحذيير مميا كان أهيل الجاهليية يصينعونه مين تعلييق التمائم‬
‫والقلئد‪ ،‬ويظنون أنهييا تقيهييم وتصييرف عنهييم البلء‪ ،‬وذلك ل يصييرفه إل ال عييز وجييل‪ ،‬وهييو‬
‫المعافيي والمبتلي‪ ،‬ل شرييك له‪ .‬فنهاهيم رسيول ال صيلى ال علييه وسيلم عميا كانوا يصينعون مين‬
‫ذلك فيي جاهليتهيم‪ .‬وعين عائشية قالت‪ :‬ميا تعلق بعيد نزول البلء فلييس مين التمائم‪ .‬وقيد كره بعيض‬
‫أهييل العلم تعليييق التميميية على كييل حال قبييل نزول البلء وبعده‪ .‬والقول الول أصييح فييي الثيير‬
‫والنظير إن شاء ال تعالى‪ .‬وميا روي عين ابين مسيعود يجوز أن يرييد بميا كره تعليقيه غيير القرآن‬
‫أشياء مأخوذة عيين العراقيييين والكهان؛ إذ السييتشفاء بالقرآن معلقييا وغييير معلق ل يكون شركييا‪،‬‬
‫وقوله علييه السيلم‪( :‬مين علق شيئا وكيل إلييه) فمين علق القرآن ينبغيي أن يتوله ال ول يكله إلى‬
‫غيره؛ لنه تعالى هو المرغوب إليه والمتوكل عليه في الستشفاء بالقرآن‪ .‬وسئل ابن المسيب عن‬
‫التعوييذ أيعلق؟ قال‪ :‬إذا كان فيي قصيبة أو رقعية يحرز فل بأس بيه‪ .‬وهذا على أن المكتوب قرآن‪.‬‬
‫وعين الضحاك أنيه لم يكين يرى بأسيا أن يعلق الرجيل الشييء مين كتاب ال إذا وضعيه عنيد الجماع‬
‫وعند الغائط‪ .‬ورخص أبو جعفر محمد بن علي في التعويذ يعلق على الصبيان‪ .‬وكان ابن سيرين‬
‫ل يرى بأسا بالشيء من القرآن يعلقه النسان‪.‬‬
‫@قوله تعالى‪" :‬ورحمة للمؤمنين" تفريج الكروب وتطهير العيوب وتكفير الذنوب مع ما تفضل‬
‫بيه تعالى مين الثواب فيي تلوتيه؛ كميا روى الترمذي عين عبدال بين مسيعود قال قال رسيول ال‬
‫صلى ال عليه وسلم‪( :‬من قرأ حرفا من كتاب ال فله به حسنة والحسنة بعشر أمثالها ل أقول آلم‬
‫حرف بيل ألف حرف ولم حرف ومييم حرف)‪ .‬قال هذا حدييث حسين صيحيح غرييب‪ .‬وقيد تقدم‪.‬‬
‫"ول يزييد الظالميين إل خسيارا" لتكذيبهيم‪ .‬قال قتادة‪ :‬ميا جالس أحيد القرآن إل قام عنيه بزيادة أو‬
‫نقصيان‪ ،‬ثيم قرأ "وننزل مين القرآن ميا هيو شفاء ورحمية للمؤمنيين" اليية‪ .‬ونظيير هذه اليية قوله‪:‬‬
‫"قيل هيو للذيين آمنوا هدى وشفاء والذيين ل يؤمنون فيي آذانهيم وقير وهيو علييه عميى" [فصيلت‪:‬‬
‫‪.]44‬‬
‫*‪*3‬الية‪{ 83 :‬وإذا أنعمنا على النسان أعرض ونأى بجانبه وإذا مسه الشر كان يؤوسا}‬
‫@قوله تعالى‪" :‬وإذا أنعمنيا على النسيان أعرض ونأى بجانبيه" أي هؤلء الذيين يزيدهيم القرآن‬
‫خسيارا صيفتهم العراض عين تدبر آيات ال والكفران لنعميه‪ .‬وقييل‪ :‬نزلت فيي الولييد بين المغيرة‪.‬‬
‫ومعنيى "نأى بجانبيه" أي تكيبر وتباعيد‪ .‬وناء مقلوب منيه؛ والمعنيى‪ :‬بعيد عين القيام بحقوق ال عيز‬
‫وجيل؛ يقال‪ :‬نأى الشييء أي بعيد‪ .‬ونأيتيه ونأييت عنيه بمعنيى‪ ،‬أي بعدت‪ .‬وأنأيتيه فانتأى؛ أي أبعدتيه‬
‫فبعد‪ .‬وتناؤوا تباعدوا‪ .‬والمنتأى‪ :‬الموضع البعيد‪ .‬قال النابغة‪:‬‬
‫وإن خلت أن المنتأى عنك واسع‬ ‫فإنك كالليل الذي هو مدركي‬
‫وقرأ ابن عامر في رواية ابن ذكوان "ناء" مثل باع‪ ،‬الهمزة مؤخرة‪ ،‬وهو على طريقة القلب من‬
‫نأى؛ كمييا يقال‪ :‬راء ورأى‪ .‬وقيييل‪ :‬هييو ميين النوء وهييو النهوض والقيام‪ .‬وقييد يقال أيضييا للوقوع‬
‫والجلوس نوء؛ وهيو مين الضداد‪ .‬وقرئ "ونئى" بفتيح النون وكسير الهمزة‪ .‬والعامية "نأي" فيي‬
‫وزن رأى‪" .‬وإذا مسه الشر كان يؤوسا" أي إذا ناله شدة من فقر أو سقم أو بؤس يئس وقنط؛ لنه‬
‫ل يثق بفضل ال تعالى‪.‬‬
‫*‪*3‬الية‪{ 84 :‬قل كل يعمل على شاكلته فربكم أعلم بمن هو أهدى سبيل}‬
‫@قوله تعالى‪" :‬قيل كيل يعميل على شاكلتيه" قال ابين عباس‪ :‬ناحيتيه‪ .‬وقال الضحاك‪ .‬مجاهيد‪:‬‬
‫طبيعته‪ .‬وعنه‪ :‬حدته‪ .‬ابن زيد‪ :‬على دينه‪ .‬الحسن وقتادة‪ :‬نيته‪ .‬مقاتل‪ :‬جبلته‪ .‬الفراء‪ :‬على طريقته‬
‫ومذهبه الذي جبل عليه‪ .‬وقيل‪ .‬قل كل يعمل على ما هو أشكل عنده وأولى بالصواب في اعتقاده‪.‬‬
‫وقيل‪ :‬هو مأخوذ من الشكل؛ يقال‪ :‬لست على شكلي ول شاكلتي‪ .‬قال الشاعر‪:‬‬
‫ما يفعل المرء فهو أهله‬ ‫كل امرئ يشبهه فعله‬
‫فالشكل هو المثل والنظير والضرب‪ .‬كقوله تعالى‪" :‬وآخر من شكله أزواج" [ص‪ .]58 :‬الشكل‬
‫(بكسير الشيين)‪ :‬الهيئة‪ .‬يقال‪ :‬جاريية حسينة الشكيل‪ .‬وهذه القوال كلهيا متقاربية‪ .‬والمعنيى‪ :‬أن كيل‬
‫أحيد يعميل على ميا يشاكيل أصيله وأخلقيه التيي ألفهيا‪ ،‬وهذا ذم للكافير ومدح للمؤمين‪ .‬واليية والتيي‬
‫قبلها نزلتا في الوليد بن المغيرة؛ ذكره المهدوي‪" .‬فربكم أعلم بمن هو أهدى سبيل" أي بالمؤمن‬
‫والكافر وما سيحصل من كل واحد منهم‪ .‬وقيل‪" :‬أهدى سبيل" أي أسرع قبول‪ .‬وقيل‪ :‬أحسن دينا‪.‬‬
‫وحكييي أن الصييحابة رضوان ال عليهييم تذاكروا القرآن فقال أبيو بكيير الصييديق رضييي ال عنيه‪:‬‬
‫قرأت القرآن مين أوله إلى آخره فلم أر فييه آيية أرجيى وأحسين مين قوله تعالى‪" :‬بسيم ال الرحمين‬
‫الرحييم‪ .‬حيم‪ .‬تنزييل الكتاب مين ال العزييز العلييم‪ ..‬غافير الذنيب وقابيل التوب شدييد العقاب ذي‬
‫الطول" [غافر‪ ]1 :‬قدم غفران الذنوب على قبول التوبة‪ ،‬وفي هذا إشارة للمؤمنين‪ .‬وقال عثمان‬
‫بن عفان رضي ال عنه‪ :‬قرأت جميع القرآن من أوله إلى آخره فلم أر آية أحسن وأرجى من قوله‬
‫تعالى‪" :‬نبيئ عبادي أنيي أنيا الغفور الرحييم" [الحجير‪ .]49 :‬وقال علي بين أبيي طالب رضيي ال‬
‫عنيه‪ :‬قرأت القرآن مين أوله إلى آخره فلم أر آيية أحسين وأرجيى مين قوله تعالى‪" :‬قيل ييا عبادي‬
‫الذييين أسييرفوا على أنفسييهم ل تقنطوا ميين رحميية ال إن ال يغفيير الذنوب جميعييا إنييه هييو الغفور‬
‫الرحيم" [الزمر‪.]53 :‬‬
‫قلت‪ :‬وقرأت القرآن مين أوله إلى آخره فلم أر آيية أحسين وأرجيى مين قوله تعالى‪" :‬الذيين آمنوا‬
‫ولم يلبسوا إيمانهم بظلم أولئك لهم المن وهم مهتدون" [النعام‪.]82 :‬‬
‫*‪*3‬الية‪{ 85 :‬ويسألونك عن الروح قل الروح من أمر ربي وما أوتيتم من العلم إل قليل}‬
‫@ روى البخاري ومسيلم والترمذي عين عبدال قال‪ :‬بينيا أنيا ميع النيبي صيلى ال علييه وسيلم فيي‬
‫حرث وهو متكئ على عسيب إذ مر اليهود فقال بعضهم لبعض‪ :‬سلوه عن الروح‪ .‬فقال‪ :‬ما رابكم‬
‫إلييه؟ وقال بعضهيم‪ :‬ل يسيتقبلكم بشييء تكرهونيه‪ .‬فقالوا‪ :‬سيلوه‪ .‬فسيألوه عين الروح فأمسيك النيبي‬
‫صيلى ال علييه وسيلم فلم يرد عليهيم شيئا؛ فعلميت أنيه يوحيى إلييه‪ ،‬فقميت مقاميي‪ ،‬فلميا نزل الوحيي‬
‫قال‪" :‬ويسيألونك عن الروح قيل الروح مين أمير ربيي وميا أوتيتيم مين العلم إل قليل" لفيظ البخاري‪.‬‬
‫وفيي مسيلم‪ :‬فأسيكت النيبي صيلى ال علييه وسيلم‪ .‬وفييه‪ :‬وميا أوتوا‪ .‬وقيد اختلف الناس فيي الروح‬
‫المسؤول عنه‪ ،‬أي الروح هو؟ فقيل‪ :‬هو جبريل؛ قاله قتادة‪ .‬قال‪ :‬وكان ابن عباس يكتمه‪ .‬وقيل هو‬
‫عيسى‪ .‬وقيل القرآن‪ ،‬على ما يأتي بيانه في آخر الشورى‪ .‬وقال علي بن أبي طالب‪ :‬هو ملك من‬
‫الملئكية له سيبعون ألف وجيه‪ ،‬فيي كيل وجيه سيبعون ألف لسيان‪ ،‬فيي كيل لسيان سيبعون ألف لغية‪،‬‬
‫يسيبح ال تعالى بكيل تلك اللغات‪ ،‬يخلق ال تعالى مين كيل تسيبيحة ملكيا يطيير ميع الملئكية إلى يوم‬
‫القيامة‪ .‬ذكره الطبري‪ .‬قال ابن عطية‪ :‬وما أظن القول يصح عن علي رضي ال عنه‪.‬‬
‫قلت‪ :‬أسند البيهقي أخبرنا أبو زكريا عن أبي إسحاق أخبرنا أبو الحسن الطرائفي حدثنا عثمان‬
‫بن سعيد حدثنا عبدال بن صالح عن معاوية بن صالح عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس في‬
‫قوله‪" :‬ويسألونك عن الروح" يقول‪ :‬الروح ملك‪ .‬وبإسناده عن معاوية بن صالح حدثني أبو هران‬
‫[بكسيير الهاء] يزييد بين سيمرة عمين حدثيه عين علي بين أبيي طالب أنيه قال فييي قوله تعالى‪:‬‬
‫"ويسألونك عن الروح" فال‪ :‬هو ملك من الملئكة له سبعون ألف وجه‪ ...‬الحديث بلفظه ومعناه‪.‬‬
‫وروى عطاء عين ابين عباس قال‪ :‬الروح ملك له أحيد عشير ألف جناح وألف وجيه‪ ،‬يسيبح ال إلى‬
‫يوم القيامييية؛ ذكره النحاس‪ .‬وعنييه‪ :‬جنيييد مييين جنود ال لهيييم أييييد وأرجيييل يأكلون الطعام؛ ذكره‬
‫الغزنوي‪ .‬وقال الخطابيي‪ :‬وقال بعضهيم‪ ،‬هيو ملك مين الملئكية بصيفة وضعوهيا مين عظيم الخلقية‪.‬‬
‫وذهيب أكثير أهيل التأوييل إلى أنهيم سيألوه عين الروح الذي يكون بيه حياة الجسيد‪ .‬وقال أهيل النظير‬
‫منهيم‪ :‬إنميا سيألوه عين كيفيية الروح ومسيلكه فيي بدن النسيان‪ ،‬وكييف امتزاجيه بالجسيم واتصيال‬
‫الحياة بييه‪ ،‬وهذا شيييء ل يعلمييه إل ال عييز وجييل‪ .‬وقال أبييو صييالح‪ :‬الروح خلق كخلق بنييي آدم‬
‫وليسوا ببني آدم‪ ،‬لهم أيد وأرجل‪ .‬والصحيح البهام لقوله‪" :‬قل الروح من أمر ربي" أي هو أمر‬
‫عظيم وشأن كبير من أمر ال تعالى‪ ،‬مبهما له وتاركا تفصيله؛ ليعرف النسان على القطع عجزه‬
‫عين علم حقيقية نفسيه ميع العلم بوجودهيا‪ .‬وإذا كان النسيان فيي معرفية نفسيه هكذا كان بعجزه عين‬
‫إدراك حقيقية الحيق أولى‪ .‬وحكمية ذلك تعجييز العقيل عين إدراك معرفية مخلوق مجاور له‪ ،‬دللة‬
‫على أنه عن إدراك خالقه أعجز‪.‬‬
‫@قوله تعالى‪" :‬وما أوتيتم من العلم إل قليل" اختلف فيمن خوطب بذلك؛ فقالت فرقة‪ :‬السائلون‬
‫فقط‪ .‬وقال قوم‪ :‬المراد اليهود بجملتهم‪ .‬وعلى هذا هي قراءة ابن مسعود "وما أوتوا" ورواها عن‬
‫النيبي صيلى ال علييه وسيلم‪ .‬وقالت فرقية‪ :‬المراد العالم كله‪ .‬وهيو الصيحيح‪ ،‬وعلييه قراءة الجمهور‬
‫"وميا أوتيتيم"‪ .‬وقيد قالت اليهود للنيبي صيلى ال علييه وسيلم‪ :‬كييف لم نؤت مين العلم إل قليل وقيد‬
‫أوتينا التوراة وهي الحكمة‪ ،‬ومن يؤت الحكمة فقد أوتي خيرا كثيرا؟ فعارضهم رسول ال صلى‬
‫ال عليه وسلم بعلم ال فغلبوا‪ .‬وقد نص رسول ال صلى ال عليه وسلم بقوله في بعض الحاديث‪:‬‬
‫(كل) يعنيي أن المراد "بميا أوتيتيم" جمييع العالم‪ .‬وذلك أن يهود قالت له‪ :‬نحين عنييت أم قوميك‪.‬‬
‫فقال‪( :‬كل)‪ .‬وفي هذا المعنى نزلت "ولو أن ما في الرض من شجرة أقلم" [لقمان‪ .]27 :‬حكى‬
‫ذلك الطيبري رحميه ال وقيد قييل‪ :‬إن السيائلين عين الروح هيم قرييش‪ ،‬قالت لهيم اليهود‪ :‬سيلوه عين‬
‫أصحاب الكهف وعن ذي القرنين وعن الروح فإن أخبركم عن اثنين وأمسك عن واحدة فهو نبي؛‬
‫فأخبرهم خبر أصحاب الكهيف وخبر ذي القرنين على ميا يأتيي‪ .‬وقال فيي الروح‪" :‬قيل الروح من‬
‫أميير ربييي" أي ميين الميير الذي ل يعلمييه إل ال‪ .‬ذكره المهدوي وغيره ميين المفسييرين عيين ابيين‬
‫عباس‪.‬‬
‫*‪*3‬اليتان‪{ 87 - 86 :‬ولئن شئنا لنذهبن بالذي أوحينا إليك ثم ل تجد لك به علينا وكيل‪ ،‬إل‬
‫رحمة من ربك إن فضله كان عليك كبيرا}‬
‫@قوله تعالى‪" :‬ولئن شئنا لنذهبن بالذي أوحينا إليك" يعني القرآن‪ .‬أي كما قدرنا على إنزاله نقدر‬
‫على إذهابه حتى ينساه الخلق‪ .‬ويتصل هذا بقوله‪" :‬وما أوتيتم من العلم إل قليل" أي ولو شئت أن‬
‫أذهب بذلك القليل لقدرت عليه‪" .‬ثم ل تجد لك به علينا وكيل" أي ناصرا يرده عليك‪" .‬إل رحمة‬
‫مين ربيك" يعنيي لكين ل نشاء ذلك رحمية مين ربيك؛ فهيو اسيتثناء لييس مين الول‪ .‬وقييل‪ :‬إل أن‬
‫يرحميك ربيك فل يذهيب بيه‪" .‬إن فضله كان علييك كيبيرا" إذ جعلك سييد ولد آدم‪ .‬وأعطاك المقام‬
‫المحمود وهذا الكتاب العزيز‪ .‬وقال عبدال بن مسعود‪ :‬أول ما تفقدون من دينكم المانة‪ ،‬وآخر ما‬
‫تفقدون الصيلة‪ ،‬وأن هذا القرآن كأنيه قيد نزع منكيم‪ ،‬تصيبحون يوميا وميا معكيم منيه شييء‪ .‬فقال‬
‫رجيل‪ :‬كييف يكون ذلك ييا أبيا عبدالرحمين وقيد ثبتناه فيي قلوبنيا وأثبتناه فيي مصياحفنا‪ ،‬نعلميه أبناءنيا‬
‫ويعلمه أبناؤنا أبناءهم إلى يوم القيامة! قال‪ :‬يسري به في ليلة فيذهب بما في المصاحف وما في‬
‫القلوب‪ ،‬فتصييبح الناس كالبهائم‪ .‬ثييم قرأ عبدال "ولئن شئنييا لنذهبيين بالذي أوحينييا إليييك" الييية‪.‬‬
‫أخرجه أبو بكر بن أبي شيبة بمعناه قال‪ :‬أخبرنا أبو الحوص عن عبدالعزيز ابن رفيع عن شداد‬
‫بن معقل قال‪ :‬قال عبدال ‪ -‬يعني ابن مسعود ‪ : -‬إن هذا القرآن الذي بين أظهركم يوشك أن ينزع‬
‫منكم‪ .‬قال‪ :‬قلت كيف ينزع منا وقد أثبته ال في قلوبنا وثبتناه في مصاحفنا! قال‪ :‬يسرى عليه في‬
‫ليلة واحدة فينزع ميا فيي القلوب ويذهيب ميا فيي المصياحف ويصيبح الناس منيه فقراء‪ .‬ثيم قرأ "لئن‬
‫شئنيا لنذهبين بالذي أوحينيا إلييك" وهذا إسيناد صيحيح‪ .‬وعين ابين عمير‪ :‬ل تقوم السياعة حتيى يرجيع‬
‫القرآن من حيث نزل‪ ،‬له دوي كدوي النحل‪ ،‬فيقول ال ما بالك‪ .‬فيقول‪ :‬يا رب منك خرجت وإليك‬
‫أعود‪ ،‬أتلى فل يعمل بي‪ ،‬أتلى ول يعمل بي‪..‬‬
‫قلت‪ :‬قد جاء معنى هذا مرفوعا من حديث عبدال بن عمرو بن العاص وحذيفة‪ .‬قال حذيفة قال‬
‫رسول ال صلى ال عليه وسلم‪( :‬يدرس السلم كما يدرس وشي الثوب حتيى ل يدري ما صيام‬
‫ول صيلة ول نسيك ول صيدقة فيسيرى على كتاب ال تعالى فيي ليلة فل يبقيى منيه فيي الرض آيية‬
‫وتبقيى طوائف مين الناس الشييخ الكيبير والعجوز يقولون أدركنيا آباءنيا على هذه الكلمية ل إله إل‬
‫ال‪ .‬وهم ل يدرون ما صلة ول صيام ول نسك ول صدقة)‪ .‬قال له صلة‪ :‬ما تغني عنهم ل إله إل‬
‫ال! وهم ل يدرون ما صلة ول صيام ول نسك ول صدقة؛ فأعرض عنه حذيفة؛ ثم رددها ثلثا‪،‬‬
‫كل ذلك يعرض عنه حذيفة‪ .‬ثم أقبل عليه حذيفة فقال‪ :‬يا صلة! تنجيهم من النار‪ ،‬ثلثا‪ .‬خرجه ابن‬
‫ماجة في السنن‪ .‬وقال عبدال بن عمر‪ :‬خرج النبي صلى ال عليه وسلم وهو معصوب الرأس من‬
‫وجيع فضحيك‪ ،‬فصيعد المنيبر فحميد ال وأثنيى علييه ثيم قال‪( :‬أيهيا الناس ميا هذه الكتيب التيي تكتبون‬
‫أكتاب غيير كتاب ال يوشيك أن يغضيب ال لكتابيه فل يدع ورقيا ول قلبيا إل أخيذ منيه) قالوا‪ :‬ييا‬
‫رسول ال‪ ،‬فكيف بالمؤمنين والمؤمنات يومئذ؟ قال‪( :‬من أراد ال به خيرا أبقى في قلبه ل إله إل‬
‫ال) ذكره الثعلبي والغزنوي وغيرهما في التفسير‪.‬‬
‫*‪*3‬الية‪{ 88 :‬قل لئن اجتمعت النس والجن على أن يأتوا بمثل هذا القرآن ل يأتون بمثله ولو‬
‫كان بعضهم لبعض ظهيرا}‬
‫@ أي عونا ونصيرا؛ مثل ما يتعاون الشعراء على بيت شعر فيقيمونه‪ .‬نزلت حين قال الكفار‪ :‬لو‬
‫نشاء لقلنا مثل هذا؛ فأكذبهم ال تعالى‪ .‬وقد مضى القول في إعجاز القرآن في أول الكتاب والحمد‬
‫ل‪ .‬و"ل يأتون" جواب القسم في "لئن" وقد يجزم على إرادة الشرط‪ .‬قال الشاعر‪:‬‬
‫أقم في نهار القيظ للشمس باديا‬ ‫لئن كان ما حدثته اليوم صادقا‬
‫*‪*3‬الية‪{ 89 :‬ولقد صرفنا للناس في هذا القرآن من كل مثل فأبى أكثر الناس إل كفورا}‬
‫@قوله تعالى‪" :‬ولقيد صيرفنا للناس فيي هذا القرآن مين كيل مثيل" أي وجهنيا القول فييه بكيل مثيل‬
‫يجييب بييه العتبار؛ ميين اليات والعييبر والترغيييب والترهيييب‪ ،‬والواميير والنواهييي وأقاصيييص‬
‫الولين‪ ،‬والجنة والنار والقيامة‪" .‬فأبى أكثر الناس إل كفورا" يريد أهل مكة‪ ،‬بين لهم الحق وفتح‬
‫لهيم وأمهلهيم حتيى تيبين لهيم أنيه الحيق‪ ،‬فأبوا إل الكفير وقيت تيبين الحيق‪ .‬قال المهدوي‪ :‬ول حجية‬
‫للقدري فيي قولهيم‪ :‬ل يقال أبيى إل لمين أبيى فعيل ميا هيو قادر علييه؛ لن الكافير وإن كان غيير قادر‬
‫على اليمان بحكم ال عليه بالعراض عنه وطبعه على قلبه‪ ،‬فقد كان قادرا وقت الفسحة والمهلة‬
‫على طلب الحق وتمييزه من الباطل‪.‬‬
‫*‪*3‬اليات‪{ 93 - 90 :‬وقالوا لن نؤمن لك حتى تفجر لنا من الرض ينبوعا‪ ،‬أو تكون لك جنة‬
‫مين نخييل وعنيب فتفجير النهار خللهيا تفجيرا‪ ،‬أو تسيقط السيماء كميا زعميت علينيا كسيفا أو تأتيي‬
‫بال والملئكية قيبيل‪ ،‬أو يكون لك بييت مين زخرف أو ترقيى فيي السيماء ولن نؤمين لرقييك حتيى‬
‫تنزل علينا كتابا نقرؤه قل سبحان ربي هل كنت إل بشرا رسول}‬
‫@قوله تعالى‪" :‬وقالوا لن نؤمين لك حتيى تفجير لنيا مين الرض ينبوعيا" اليية نزلت فيي رؤسياء‬
‫قريش مثل عتبة وشيبة ابني ربيعة‪ ،‬وأبي سفيان والنضر بن الحارث‪ ،‬وأبي جهل وعبدال بن أبي‬
‫أميية‪ ،‬وأميية بين خلف وأبيي البختري‪ ،‬والولييد بين المغيرة وغيرهيم‪ .‬وذلك أنهيم لميا عجزوا عين‬
‫معارضية القرآن ولم يرضوا بيه معجزة‪ ،‬اجتمعوا ‪ -‬فيميا ذكير ابين إسيحاق وغيره ‪ -‬بعيد غروب‬
‫الشميس عنيد ظهير الكعبية‪ ،‬ثيم قال بعضهيم لبعيض‪ :‬ابعثوا إلى محميد صيلى ال علييه وسيلم فكلموه‬
‫وخاصموه حتى تعذروا فيه‪ ،‬فبعثوا إليه أن أشراف قومك قد اجتمعوا إليك ليكلموك فأتهم‪ ،‬فجاءهم‬
‫رسيول ال صيلى ال علييه وسيلم وهيو يظين أن قيد بدا لهيم فيميا كلمهيم فييه بدو‪ ،‬وكان رسيول ال‬
‫صلى ال عليه وسلم حريصا يحب رشدهم ويعز عليه عنتهم‪ ،‬حتى جلس إليهم فقالوا له‪ :‬يا محمد!‬
‫إنيا فيد بعثنيا إلييك لنكلميك‪ ،‬وإنيا وال ميا نعلم رجل مين العرب أدخيل على قوميه ميا أدخلت على‬
‫قوميك؛ لقيد شتميت الباء وعبيت الديين وشتميت اللهية وسيفهت الحلم وفرقيت الجماعية‪ ،‬فميا بقيي‬
‫أمر قبيح إل قيد جئته فيما بيننيا وبينك‪ ،‬أو كما قالوا له‪ .‬فإن كنت إنما جئت بهذا الحديث تطلب به‬
‫مال جمعنيا لك مين أموالنيا حتيى تكون أكثرنيا مال‪ ،‬وإن كنيت إنميا تطلب بيه الشرف فينيا فنحين‬
‫نسيودك علينيا‪ ،‬وإن كنيت ترييد بيه ملكيا ملكناك علينيا‪ ،‬وإن كان هذا الذي يأتييك رئييا تراه قيد غلب‬
‫عليك ‪ -‬وكانوا يسمون التابع من الجن رئيا ‪ -‬فربما كان ذلك بذلنا أموالنا في طلب الطب لك حتى‬
‫نبرئك منه أو نعذر فيك‪ .‬فقال لهم رسول ال صلى ال عليه وسلم‪( :‬ما بي ما تقولون ما جئت بما‬
‫جئتكيم بيه أطلب أموالكيم ول الشرف فيكيم ول الملك عليكيم ولكين ال بعثنيي إليكيم رسيول وأنزل‬
‫علي كتابا وأمرني أن أكون لكم بشيرا ونذيرا فبلغتكم رسالت ربي ونصحت لكم فإن تقبلوا مني‬
‫ميا جئتكيم بيه فهيو حظكيم فيي الدنييا والخرة وإن تردوه علي أصيبر لمير ال حتيى يحكيم ال بينيي‬
‫وبينكييم) أو كمييا قال صييلى ال عليييه وسييلم‪ .‬قالوا‪ :‬يييا محمييد‪ ،‬فإن كنييت غييير قابييل منييا شيئا ممييا‬
‫عرضناه عليك‪ ،‬فإنك قد علمت أنه ليس من الناس أحد أضيق بلدا ول أقل ماء ول أشد عيشا منا‪،‬‬
‫فسيل لنيا ربيك الذي بعثيك بميا بعثيك بيه‪ ،‬فليسيير عنيا هذه الجبال التيي قيد ضيقيت علينيا‪ ،‬وليبسيط لنيا‬
‫بلدنا وليخرق لنا فيها أنهارا كأنهار الشام‪ ،‬وليبعث لنا من مضى من آبائنا؛ وليكن فيمن يبعث لنا‬
‫قصييي بيين كلب؛ فإنييه كان شيييخ صييدق فنسييألهم عمييا تقول‪ ،‬أحييق هييو أم باطييل‪ ،‬فإن صييدقوك‬
‫وصنعت ما سألناك صدقناك‪ ،‬وعرفنا به منزلتك من ال تعالى‪ ،‬وأنه بعثك رسول كما تقول‪ .‬فقال‬
‫لهيم صيلوات ال علييه وسيلمه‪( :‬ميا بهذا بعثيت إليكيم إنميا جئتكيم مين ال تعالى بميا بعثنيي بيه وقيد‬
‫بلغتكم ما أرسلت به إليكم فإن تقبلوه فهو حظكم في الدنيا والخرة وإن تردوه علي أصبر لمر ال‬
‫حتى يحكم ال بيني وبينكم)‪ .‬قالوا‪ :‬فإذا لم تفعل هذا لنا فخذ لنفسك! سل ربك أن يبعث معك ملكا‬
‫يصيدقك بميا تقول ويراجعنيا عنيك‪ ،‬وأسيأله فليجعيل لك جنانيا وقصيورا وكنوزا مين ذهيب وفضية‬
‫يغنيك بها عما نراك تبتغي؛ فإنك تقوم بالسواق وتلتمس المعاش كما نلتمس‪ ،‬حتى نعرف فضلك‬
‫ومنزلتيك مين ربيك إن كنيت رسيول كميا تزعيم‪ .‬فقال لهيم رسيول ال‪( :‬ميا أنيا بفاعيل وميا أنيا بالذي‬
‫يسأل ربه هذا وما بعثت بهذا إليكم ولكن ال بعثني بشيرا ونذيرا ‪ -‬أو كما قال ‪ -‬فإن تقبلوا مني ما‬
‫جئتكيم بيه فهيو حظكيم فيي الدنييا والخرة وإن تردوه علي أصيبر لمير ال حتيى يحكيم ال بينيي‬
‫وبينكم) قالوا‪ :‬فأسقط السماء علينا كسفا كما زعمت أن ربك إن شاء فعل؛ فإنا لن نؤمن لك إل أن‬
‫تفعل‪ .‬قال فقال رسول ال صلى ال عليه وسلم‪( :‬ذلك إلى ال عز وجل إن شاء أن يفعله بكم فعل)‬
‫قالوا‪ :‬ييا محميد‪ ،‬فميا علم ربيك أنيا سينجلس معيك ونسيألك عميا سيألنا عنيه ونطلب منيك ميا نطلب‪،‬‬
‫فيتقدم إليك فيعلمك بما تراجعنا به‪ ،‬ويخبرك ما هو صانع في ذلك بنا إذ لم نقبل منك ما جئتنا به‪.‬‬
‫إنه قد بلغنا إنما يعلمك هذا رجل من اليمامة يقال له الرحمن‪ ،‬وإنا وال ل نؤمن بالرحمن أبدا‪ ،‬فقد‬
‫أعذرنا إليك يا محمد‪ ،‬وإنا وال ل نتركك وما بلغت منا حتى نهلكك أو تهلكنا‪ .‬وقال قائلهم‪ :‬نحن‬
‫نعبد الملئكة وهي بنات ال‪ .‬وقال قائلهم‪ :‬لن نؤمن لك حتى تأتي بال والملئكة قبيل‪.‬‬
‫فلميا قالوا ذلك لرسيول ال صيلى ال علييه وسيلم‪ ،‬قام عنهيم وقام معيه عبدال بين أبيي أميية بين‬
‫المغيرة بين عبدال بين عمير بين مخزوم‪ ،‬وهيو ابين عمتيه‪ ،‬هيو لعاتكية بنيت عبدالمطلب‪ ،‬فقال له‪ :‬ييا‬
‫محمييد عرض عليييك قومييك مييا عرضوا فلم تقبله منهييم‪ ،‬ثييم سييألوك لنفسييهم أمورا ليعرفوا بهييا‬
‫منزلتيك مين ال كميا تقول‪ ،‬ويصيدقوك ويتبعوك فلم تفعيل ثيم سيألوك أن تأخيذ لنفسيك ميا يعرفون بيه‬
‫فضلك عليهم ومنزلتك من ال فلم تفعل ثم سألوك أن تعجل لهم بعض ما تخوفهم به من العذاب فلم‬
‫تفعل ‪ -‬أو كما قال له ‪ -‬فوال ل أؤمن بك أبدا حتى تتخذ إلى السماء سلما‪ ،‬ثم ترقى فيه وأنا أنظر‬
‫حتيى تأتيهيا‪ ،‬ثيم تأتيي معيك بصيك معيه أربعية مين الملئكية يشهدون لك أنيك كميا تقول‪ .‬واييم ال لو‬
‫فعلت ذلك ميا ظننيت أنيي أصيدقك ثيم انصيرف عين رسيول ال صيلى ال علييه وسيلم‪ ،‬وانصيرف‬
‫رسيول ال صيلى ال علييه وسيلم إلى أهله حزينيا أسيفا لميا فاتيه مميا كان يطميع بيه مين قوميه حيين‬
‫دعوه‪ ،‬ولميا رأى مين مباعدتهيم إياه‪ ،‬كله لفيظ ابين إسيحاق‪ .‬وذكير الواحدي عين عكرمية عين ابين‬
‫عباس‪ :‬فأنزل ال تعالى "وقالوا لن نؤمين لك حتيى تفجير لنيا مين الرض ينبوعيا"‪" .‬ينبوعيا" يعنيي‬
‫العيون؛ عن مجاهد‪ .‬وهي يفعول‪ ،‬من نبع ينبع‪ .‬وقرأ عاصم وحمزة والكسائي "تفجر لنا" مخففة؛‬
‫واختاره أبييو حاتييم لن الينبوع واحييد‪ .‬ولم يختلفوا فييي تفجيير النهار أنييه مشدد‪ .‬قال أبييو عبيييد‪:‬‬
‫والولى مثلهيا‪ .‬قال أبيو حاتيم‪ .‬ليسيت مثلهيا‪ ،‬لن الولى بعدهيا ينبوع وهيو واحيد‪ ،‬والثانيية بعدهيا‬
‫النهار وهيي جميع‪ ،‬والتشدييد يدل على التكثييير‪ .‬أجييب بأن "ينبوعيا" وإن كان واحدا فالمراد بيه‬
‫الجمييع‪ ،‬كمييا قال مجاهييد‪ .‬الينبوع عييين الماء‪ ،‬والجمييع الينابيييع‪ .‬وقرأ قتادة "أو يكون لك جنيية"‪.‬‬
‫"خللها" أي وسطها‪" .‬أو تسقط السماء" قراءة العامة‪ .‬وقرأ مجاهد "أو يسقط السماء" على إسناد‬
‫الفعل إلى السماء‪" .‬كسفا" قطعا‪ ،‬عن ابن عباس وغيره‪ .‬والكسف (بفتح السين) جمع كسفة‪ ،‬وهي‬
‫قراءة نافيع وابين عامير وعاصيم‪ .‬الباقون "كسيفا" بإسيكان السيين‪ .‬قال الخفيش‪ :‬مين قرأ كسيْفا مين‬
‫السيماء جعله واحدا‪ ،‬ومين قرأ كسيَفا جعله جمعيا‪ .‬قال المهدوي‪ :‬ومين أسيكن السيين جاز أن يكون‬
‫جميع كسيفة وجاز أن يكون مصيدرا‪ ،‬مين كسيفت الشييء إذا غطيتيه‪ .‬فكأنهيم قالوا‪ :‬أسيقطها طبقيا‬
‫علينيا‪ .‬وقال الجوهري‪ .‬الكسيفة القطعية مين الشييء؛ يقال‪ :‬أعطنيي كسيفة مين ثوبيك‪ ،‬والجميع كسيف‬
‫وكسف‪ .‬ويقال‪ :‬الكسفة واحد‪.‬‬
‫@قوله تعالى‪" :‬أو تأتيي بال والملئكة قيبيل" أي معاينية؛ عن قتادة وابين جريج‪ .‬وقال الضحاك‬
‫وابن عباس‪ :‬كفيل‪ .‬قال مقاتل‪ :‬شهيدا‪ .‬مجاهيد‪ :‬هو جميع القبيلة؛ أي بأصناف الملئكية قيبيلة قبيلة‪.‬‬
‫وقييل‪ :‬ضمناء يضمنون لنيا إتيانيك بيه‪" .‬أو يكون لك بييت مين زخرف" أي مين ذهيب؛ عين ابين‬
‫عباس وغيره‪ .‬وأصله الزينة‪ .‬والمزخرف المزين‪ .‬وزخارف الماء طرائقه‪ .‬وقال مجاهد‪ :‬كنت ل‬
‫أدري ما الزخرف حتى رأيته في قراءة ابن مسعود "بيت من ذهب" أي نحن ل ننقاد لك مع هذا‬
‫الفقير الذي نرى‪" .‬أو ترقيى فيي السيماء" أي تصيعد؛ يقال‪ :‬رقييت فيي السيلم أرقيى رقييا ورقييا إذا‬
‫صعدت‪ .‬وارتقيت مثله‪" .‬ولن نؤمن لرقيك" أي من أجل رقيك‪ ،‬وهو مصدر؛ نحو مضى يمضي‬
‫مضيا‪ ،‬وهوى يهوي هويا‪ ،‬كذلك رقي يرقي رقيا‪" .‬حتى تنزل علينا كتابا نقرؤه" أي كتابا من ال‬
‫تعالى إلى كييل رجييل منييا؛ كمييا قال تعالى‪" :‬بييل يريييد كييل امرئ منهييم أن يؤتييى صييحفا منشرة"‬
‫[المدثر‪" .]52 :‬قل سبحان ربي" وقرأ أهل مكة والشام "قال سبحان ربي" يعني النبي صلى ال‬
‫علييه وسيلم؛ أي قال ذلك تنزيهيا ل عيز وجيل عين أن يعجيز عين شييء وعين أن يعترض علييه فيي‬
‫فعل‪ .‬وقيل‪ :‬هذا كله تعجب عن فرط كفرهم واقتراحاتهم‪ .‬الباقون "قل" على المر؛ أي قل لهم يا‬
‫محمد "هل كنت" أي ما أنا "إل بشرا رسول" اتبع ما يوحى إلي من ربي‪ ،‬ويفعل ال ما يشاء من‬
‫هذه الشياء التيي ليسيت فيي قدرة البشير‪ ،‬فهيل سيمعتم أحدا مين البشير أتيى بهذه اليات وقال بعيض‬
‫الملحديين‪ :‬لييس هذا جوابيا مقنعيا‪ ،‬وغلطوا؛ لنيه أجابهيم فقال‪ :‬إنميا أنيا بشير ل أقدر على شييء مميا‬
‫سيألتموني‪ ،‬ولييس لي أن أتخيير على ربيي‪ ،‬ولم تكين الرسيل قبلي يأتون أممهيم بكيل ميا يريدونيه‬
‫ويبغونه‪ ،‬وسيبيلي سبيلهم‪ ،‬وكانوا يقتصرون على ما آتاهم ال من آياتيه الدالة على صحة نبوتهيم‪،‬‬
‫فإذا أقاموا عليهم الحجة لم يجب لقومهم أن يقترحوا غيرها‪ ،‬ولو وجب على ال أن يأتيهم بكل ما‬
‫يقترحونيه مين اليات لوجيب علييه أن يأتيهيم بمين يختارونيه مين الرسيل‪ ،‬ولوجيب لكيل إنسيان أن‬
‫يقول‪ :‬ل أومن حتى أوتى بآية خلف ما طلب غيري‪ .‬وهذا يؤول إلى أن يكون التدبير إلى الناس‪.‬‬
‫وإنما التدبير إلى ال تعالى‪.‬‬
‫*‪*3‬الية‪{ 94 :‬وما منع الناس أن يؤمنوا إذ جاءهم الهدى إل أن قالوا أبعث ال بشرا رسول}‬
‫@قوله تعالى‪" :‬وميا منيع الناس أن يؤمنوا إذ جاءهيم الهدى" يعنيي الرسيل والكتيب مين عنيد ال‬
‫بالدعاء إلييه‪" .‬إل أن قالوا" قالوا جهل منهيم‪" .‬أبعيث ال بشرا رسيول" أي ال أجيل مين أن يكون‬
‫رسيوله مين البشير‪ .‬فيبين ال تعالى فرط عنادهيم لنهيم قالوا‪ :‬أنيت مثلنيا فل يلزمنيا النقياد‪ ،‬وغفلوا‬
‫عين المعجزة‪" .‬فأن" الولى فيي محيل نصيب بإسيقاط حرف الخفيض‪ .‬و"أن" الثانيية فيي محيل رفيع‬
‫"بمنع" أي وما منع الناس من أن يؤمنوا إذ جاءهم الهدى إل قولهم أبعث ال بشرا رسول‪.‬‬
‫*‪*3‬اليية‪{ 95 :‬قيل لو كان فيي الرض ملئكية يمشون مطمئنيين لنزلنيا عليهيم مين السيماء ملكيا‬
‫رسول}‬
‫@ أعلم ال تعالى أن الملك إنما يرسل إلى الملئكة؛ لنه لو أرسل ملكا إلى الدميين لم يقدروا أن‬
‫يروه على الهيئة التيي خلق عليهيا‪ ،‬وإنميا أقدر النيبياء على ذلك وخلق فيهيم ميا يقدرون بيه‪ ،‬ليكون‬
‫ذلك آيية لهيم ومعجزة‪ .‬وقيد تقدم فيي "النعام" نظيير هذه اليية؛ وهيو قوله‪" :‬وقالوا لول أنزل علبيه‬
‫ولو أنزلنا ملكا لقضي المر ثم ل ينظرون‪ .‬ولو جعلناه ملكا لجعلناه رجل" [النعام‪ ]9 :‬وقد تقدم‬
‫الكلم فيه‪.‬‬
‫*‪*3‬الية‪{ 96 :‬قل كفى بال شهيدا بيني وبينكم إنه كان بعباده خبيرا بصيرا}‬
‫@ يروى أن كفار قريش قالوا حين سمعوا قوله "هل كنت إل بشرا رسول"‪ :‬فمن يشهد لك أنك‬
‫رسول ال‪ .‬فنزل "قل كفى بال شهيدا بيني وبينكم إنه كان بعباده خبيرا بصيرا"‪.‬‬
‫*‪*3‬الية‪{ 97 :‬ومن يهد ال فهو المهتد ومن يضلل فلن تجد لهم أولياء من دونه ونحشرهم يوم‬
‫القيامة على وجوههم عميا وبكما وصما مأواهم جهنم كلما خبت زدناهم سعيرا}‬
‫@قوله تعالى‪" :‬ومن يهد ال فهو المهتدي" أي لو هداهم ال لهتدوا‪" .‬ومن يضلل فلن تجد لهم‬
‫أولياء مين دونيه" أي ل يهديهيم أحيد‪" .‬ونحشرهيم يوم القيامية على وجوههيم" فييه وجهان‪ :‬أحدهميا‪:‬‬
‫أن ذلك عبارة عين السيراع بهيم إلى جهنيم؛ مين قول العرب‪ :‬قدم القوم على وجوههيم إذا أسيرعوا‪.‬‬
‫الثاني‪ :‬أنهم يسحبون يوم القيامة على وجوههم إلى جهنم كما يفعل في الدنيا بمن يبالغ في هوانه‬
‫وتعذيبييه‪ .‬وهذا هييو الصييحيح؛ لحديييث أنييس أن رجل قال‪ :‬يييا رسييول ال‪ ،‬الذييين يحشرون على‬
‫وجوههم‪ ،‬أيحشر الكافر على وجهه؟ قال رسول ال صلى ال عليه وسلم (أليس الذي أمشاه على‬
‫الرجلييين قادرا على أن يمشيييه على وجهييه يوم القياميية)‪ :‬قال قتادة حييين بلغييه‪ :‬بلى وعزة ربنييا‪.‬‬
‫أخرجيه البخاري ومسيلم‪ .‬وحسيبك‪" .‬عمييا وبكميا وصيما" قال ابين عباس والحسين‪ :‬أي عميي عميا‬
‫يسيرهم‪ ،‬بكيم عين التكلم بحجية‪ ،‬صيم عميا ينفعهيم؛ وعلى هذا القول حواسيهم باقيية على ميا كانيت‬
‫علييه‪ .‬وقييل‪ :‬إنهيم يحشرون على الصيفة التيي وصيفهم ال بهيا؛ ليكون ذلك زيادة فيي عذابهيم‪ ،‬ثيم‬
‫يخلق ذلك لهيم فيي النار‪ ،‬فأبصيروا؛ لقوله تعالي‪" :‬ورأى المجرمون النار فظنوا أنهيم مواقعوهيا"‬
‫‪ ،]13‬وسيمعوا؛ لقوله‬ ‫[الكهيف‪ ،]53 :‬وتكلموا‪ ،‬لقوله تعالى‪" :‬دعوا هنالك ثبورا" [الفرقان‪:‬‬
‫تعالى‪" :‬سمعوا لها تغيظا وزفيرا" [الفرقان‪ .]12 :‬وقال مقاتل بن سليمان‪ :‬إذا قيل لهم "اخسؤوا‬
‫فيها ول تكلمون" [المؤمنون‪ ]108 :‬صاروا عميا ل يبصرون صما ل يسمعون بكما ل يفقهون‪.‬‬
‫وقيييل‪ :‬عموا حييين دخلوا النار لشدة سييوادها‪ ،‬وانقطييع كلمهييم حييين قيييل لهييم‪ :‬اخسييؤوا فيهييا ول‬
‫تكلمون‪ .‬وذهب الزفير والشهيق بسمعهم فلم يسمعوا شيئا‪" .‬مأواهم جهنم" أي مستقرهم ومقامهم‪.‬‬
‫"كلميا خبيت" أي سيكنت؛ عين الضحاك وغيره‪ .‬مجاهيد طفئت‪ .‬يقال‪ :‬خبيت النار تخبيو خبوا أي‬
‫طفئت‪ ،‬وأخبيتها أنا‪" .‬زدناهم سعيرا" أي نار تتلهب‪ .‬وسكون التهابها من غير نقصان في آلمهم‬
‫ول تخفييف عنهيم مين عذابهيم‪ .‬وقييل‪ :‬إذا أرادت أن تخبيو‪ .‬كقوله‪" :‬وإذا قرأت القرآن" [السيراء‪:‬‬
‫‪.]45‬‬
‫*‪*3‬اليتان‪{ 99 - 98 :‬ذلك جزاؤهيم بأنهيم كفروا بآياتنيا وقالوا أئذا كنيا عظاميا ورفاتيا أئنيا‬
‫لمبعوثون خلقييا جديدا‪ ،‬أولم يروا أن ال الذي خلق السييماوات والرض قادر على أن يخلق مثلهييم‬
‫وجعل لهم أجل ل ريب فيه فأبى الظالمون إل كفورا}‬
‫@قوله تعالى‪" :‬ذلك جزاؤهم بأنهم كفروا بآياتنا" أي ذلك العذاب جزاء كفرهم‪" .‬وقالوا أئذا كنا‬
‫عظاميا ورفاتيا" أي ترابيا‪" .‬أئنيا لمبعوثون خلقيا جديدا" فأنكروا البعيث فأجابهيم ال تعالى فقال‪" :‬أو‬
‫لم يروا أن ال الذي خلق السيماوات والرض قادر على أن يخلق مثلهيم وجعيل لهيم أجل ل رييب‬
‫فييه" قييل‪ :‬فيي الكلم تقدييم وتأخيير‪ ،‬أي أو لم يروا أن ال الذي خلق السيماوات والرض‪ ،‬وجعيل‬
‫لهم أجل ل ريب فيه قادر على أن يخلق مثلهم‪ .‬والجل‪ :‬مدة قيامهم في الدنيا ثم موتهم‪ ،‬وذلك ما‬
‫ل شيك فييه إذ هيو مشاهيد‪ .‬وقييل‪ :‬هيو جواب قولهيم‪" :‬أو تسيقط السيماء كميا زعميت علينيا كسيفا"‬
‫[السيراء‪ .]92 :‬وقييل‪ :‬وهيو يوم القيامية‪" .‬فأبيى الظالمون إل كفورا" أي أبيى المشركون إل‬
‫جحودا بذلك الجل وبآيات ال‪ .‬وقيل‪ :‬ذلك الجل هو وقت البعث‪ ،‬ول ينبغي أن يشك فيه‪.‬‬
‫*‪*3‬اليية‪{ 100 :‬قيل لو أنتيم تملكون خزائن رحمية ربيي إذا لمسيكتم خشيية النفاق وكان‬
‫النسان قتورا}‬
‫@قوله تعالى‪" :‬قل لو أنتم تملكون خزائن رحمة ربي" أي خزائن الرزاق‪ .‬وقيل‪ :‬خزائن النعم‪،‬‬
‫وهذا أعيم‪" .‬إذا لمسيكتم خشيية النفاق" مين البخيل‪ ،‬وهيو جواب قولهيم‪" :‬لن نؤمين لك حتيى تفجير‬
‫لنيا مين الرض ينبوعيا" [السيراء‪ ]90 :‬حتيى نتوسيع فيي المعيشية‪ .‬أي لو توسيعتم لبخلتيم أيضيا‪.‬‬
‫وقيل‪ :‬المعنى لو ملك أحد المخلوقين خزائن ال لما جاد بها كجود ال تعالى؛ لمرين‪ :‬أحدهما‪ :‬أنه‬
‫ل بيد أن يمسيك منهيا لنفقتيه وميا يعود بمنفعتيه‪ .‬الثانيي‪ :‬أنيه يخاف الفقير ويخشيى العدم‪ .‬وال تعالى‬
‫يتعالى فيي جوده عين هاتيين الحالتيين‪ .‬والنفاق فيي هذه اليية بمعنيى الفقير؛ قاله ابين عباس وقتادة‪.‬‬
‫وحكى أهل اللغة أنفق وأصرم وأعدم وأقتر إذا قل ماله‪" .‬وكان النسان قتورا" أي بخيل مضيقا‪.‬‬
‫يقال‪ :‬قتير على عياله يقتير ويقتير قترا وقتورا إذا ضييق عليهيم فيي النفقية‪ ،‬وكذلك التقتيير والقتار‪،‬‬
‫ثلث لغات‪ .‬واختلف فيي هذه اليية على قوليين‪ :‬أحدهميا‪ :‬أنهيا نزلت فيي المشركيين خاصية؛ قاله‬
‫الحسن‪ .‬والثاني‪ :‬أنها عامة‪ ،‬وهو قول الجمهور؛ وذكره الماوردي‪.‬‬
‫*‪*3‬اليية‪{ 101 :‬ولقيد آتينيا موسيى تسيع آيات بينات فاسيأل بنيي إسيرائيل إذ جاءهيم فقال له‬
‫فرعون إني لظنك يا موسى مسحورا}‬
‫@قوله تعالى‪" :‬ولقد آتينا موسى تسع آيات بينات" اختلف في هذه اليات؛ فقيل‪ :‬هي بمعنى آيات‬
‫الكتاب؛ كميا روى الترمذي والنسيائي عين صيفوان بين عسيال المرادي أن يهودييين قال أحدهميا‬
‫لصياحبه‪ :‬اذهيب بنيا إلى هذا النيبي نسيأله؛ فقال‪ :‬ل تقيل له نيبي فإنيه إن سيمعنا كان له أربعية أعيين؛‬
‫فأتييا النيبي صيلى ال علييه وسيلم فسيأله عين قول ال تعالى‪" :‬ولقيد آتينيا موسيى تسيع آيات بينات"‬
‫فقال رسيول ال صيلى ال علييه وسيلم‪( :‬ل تشركوا بال شيئا ول تزنوا ول تقتلوا النفيس التيي حرم‬
‫ال إل بالحيق ول تسيرقوا ول تسيحروا ول تمشوا بيبريء إلى سيلطان فيقتله ول تأكلوا الربيا ول‬
‫تقذفوا محصينة ول تفروا مين الزحيف ‪ -‬شيك شعبية ‪ -‬وعليكيم ييا معشير اليهود خاصية أل تعدوا فيي‬
‫السيبت) فقبل يدييه ورجلييه وقال‪ :‬نشهيد أنيك نيبي‪ .‬قال‪( :‬فميا يمنعكميا أن تسيلما) قال‪ :‬إن داود دعيا‬
‫ال أل يزال في ذريته نبي وإنا نخاف إن أسلمنا أن تقتلنا اليهود‪ .‬قال أبو عيسى‪ :‬هذا حديث حسن‬
‫صييحيح‪ .‬وقييد مضييى فييي "البقرة"‪ .‬وقيييل‪ :‬اليات بمعنييى المعجزات والدللت‪ .‬قال ابيين عباس‬
‫والضحاك‪ :‬اليات التسع العصا واليد واللسان والبحر والطوفان والجراد والقمل والضفادع والدم؛‬
‫آيات مفصيلت‪ .‬وقال الحسين والشعيبي‪ :‬الخميس المذكورة فيي "العراف"؛ يعنيان الطوفان وميا‬
‫عطف عليه‪ ،‬واليد والعصا والسنين والنقص من الثمرات‪ .‬وروي نحوه عن الحسن؛ إل أنه يجعل‬
‫السنين والنقص من الثمرات واحدة‪ ،‬وجعل التاسعة تلقف العصا ما يأفكون‪ .‬وعن مالك كذلك؛ إل‬
‫أنيه جعيل مكان السينين والنقيص مين الثمرات؛ البحير والجبيل‪ .‬وقال محميد بين كعيب‪ :‬هيي الخميس‬
‫التيي فيي "العراف" والبحير والعصيا والحجير والطميس على أموالهيم‪ .‬وقيد تقدم شرح هذه اليات‬
‫مسيتوفى والحميد ل‪" .‬فاسيأل بنيي إسيرائيل إذ جاءهيم" أي سيلهم ييا محميد إذ جاءهيم موسيى بهذه‬
‫اليات‪ ،‬حسيبما تقدم بيانيه فيي "يونيس"‪ .‬وهذا سيؤال اسيتفهام ليعرف اليهود صيحة ميا يقول محميد‬
‫صلى ال عليه وسلم‪" .‬فقال له فرعون إني لظنك يا موسى مسحورا" أي ساحرا بغرائب أفعالك؛‬
‫قاله الفراء وأبيو عيبيدة‪ .‬فوضيع المفعول موضيع الفاعيل؛ كميا تقول‪ :‬هذا مشؤوم وميمون‪ ،‬أي شائم‬
‫ويامن‪ .‬وقيل مخدوعا‪ .‬وقيل مغلوبا؛ قاله مقاتل‪ .‬وقيل غير هذا؛ وقد تقدم‪ .‬وعن ابن عباس وأبي‬
‫نهييك أنهميا قرآ "فسيأل بنيي إسيرائيل" على الخيبر؛ أي سيأل موسيى فرعون أن يخلي بنيي إسيرائيل‬
‫ويطلق سبيلهم ويرسلهم معه‪.‬‬
‫*‪*3‬اليية‪{ 102 :‬قال لقيد علميت ميا أنزل هؤلء إل رب السيماوات والرض بصيائر وإنيي‬
‫لظنك يا فرعون مثبورا}‬
‫@قوله تعالى‪" :‬قال لقد علمت ما أنزل هؤلء" يعني اليات التسع‪ .‬و"أنزل" بمعنى أوجد‪" .‬إل‬
‫رب السيماوات والرض بصيائر" أي دللت يسيتدل بهيا على قدرتيه ووحدانيتيه‪ .‬وقراءة العامية‬
‫"علمت" بفتح التاء‪ ،‬خطابا لفرعون‪ .‬وقرأ الكسائي بضم التاء‪ ،‬وهي قراءة علي رضي ال عنه؛‬
‫وقال‪ :‬وال ما علم عدو ال ولكن موسى هو الذي يعلم‪ ،‬فبلغت ابن عباس فقال‪ :‬إنها "لقد علم تَ"‪،‬‬
‫واحتيج بقوله تعالى‪" :‬وجحدوا بهيا واسيتيقنتها أنفسيهم ظلميا وعلوا" [النميل‪ .]14 :‬ونسيب فرعون‬
‫إلى العناد‪ .‬وقال أبيو عبييد‪ :‬والمأخوذ بيه عندنيا فتيح التاء‪ ،‬وهيو الصيح للمعنيى الذي احتيج بيه ابين‬
‫عباس؛ ولن موسى ل يحتيج بقوله‪ :‬علميت أنا‪ ،‬وهو الرسول الداعيي‪ ،‬ولو كان مع هذا كله تصيح‬
‫به القراءة عن علي لكانت حجة‪ ،‬ولكن ل تثبت عنه‪ ،‬إنما هي عن كلثوم المرادي وهو مجهول ل‬
‫يعرف‪ ،‬ول نعلم أحدا قرأ بهييا غييير الكسييائي‪ .‬وقيييل‪ :‬إنمييا أضاف موسييى إلى فرعون العلم بهذه‬
‫المعجزات؛ لن فرعون قيد علم مقدار ميا يتهييأ للسيحرة فعله‪ ،‬وأن مثيل ميا فعيل موسيى ل يتهييأ‬
‫لسياحر‪ ،‬وأنيه ل يقدر على فعله إل مين يفعله‪ ،‬الجسيام ويملك السيماوات والرض‪ .‬وقال مجاهيد‪:‬‬
‫دخيل موسيى على فرعون فيي يوم شات وعلييه قطيفية له‪ ،‬فألقيى موسيى عصياه فإذا هيي ثعبان‪،‬‬
‫فرأى فرعون جانييبي البيييت بييين فُقميهييا‪ ،‬ففزع وأحدث فييي قطيفتييه‪" .‬وإنييي لظنييك يييا فرعون‬
‫مثبورا" الظن هنا بمعنى التحقيق‪ .‬والثبور‪ :‬الهلل والخسران أيضا‪ .‬قال الكميت‪:‬‬
‫من رأي مثبور وثابر‬ ‫ورأت قضاعة في اليا‬
‫أي مخسور وخاسر‪ ،‬يعني في انتسابها إلى اليمن‪ .‬وقيل‪ :‬ملعونا‪ .‬رواه المنهال عن سعيد بن جبير‬
‫عن ابن عباس‪ .‬وقال أبان بن تغلب‪ .‬وأنشد‪:‬‬
‫إن السفاه وإن البغي مثبور‬ ‫يا قومنا ل تروموا حربنا سقها‬
‫أي ملعون‪ .‬وقال ميمون بين مهران عين ابين عباس‪" :‬مثبورا" ناقيص العقيل‪ .‬ونظير المأمون رجل‬
‫فقال له‪ :‬ييا مثبور؛ فسيأل عنيه قال‪ .‬قال الرشييد قال المنصيور لرجيل‪ :‬مثبور؛ فسيألته فقال‪ :‬حدثنيي‬
‫ميمون بيين مهران‪ ...‬فذكره‪ .‬وقال قتادة هالكييا‪ .‬وعنييه أيضييا والحسيين ومجاهييد‪ .‬مهلكييا‪ .‬والثبور‪:‬‬
‫الهلك؛ يقال‪ :‬ثبر ال العدو ثبورا أهلكه‪ .‬وقيل‪ :‬ممنوعا من الخير حكيى أهل اللغة‪ :‬ما ثبرك عن‬
‫كذا أي ما منعك منه‪ .‬وثبره ال ثبرا‪ .‬قال ابن الزبعرى‪:‬‬
‫يي ومن مال ميله مثبور‬ ‫إذ أجاري الشيطان في سنن الغي‬
‫الضحاك‪" :‬مثبورا" مسيحورا‪ .‬رد علييه مثيل ميا قال له باختلف اللفيظ‪ .‬وقال ابين زييد‪" :‬مثبورا"‬
‫مخبول ل عقل له‪.‬‬
‫*‪*3‬اليتان‪{ 104 - 103 :‬فأراد أن يستفزهم من الرض فأغرقناه ومن معه جميعا‪ ،‬وقلنا من‬
‫بعده لبني إسرائيل اسكنوا الرض فإذا جاء وعد الخرة جئنا بكم لفيفا}‬
‫@قوله تعالى‪" :‬فأراد أن يستفزهم من الرض" أي أراد فرعون أن يخرج موسى وبني إسرائيل‬
‫من أرض مصر بالقتل أو البعاد؛ فأهلكه ال عز وجل‪" .‬وقلنا من بعده لبني إسرائيل" أي من بعد‬
‫إغراقه "اسكنوا الرض" أي أرض الشام ومصر‪" .‬فإذا جاء وعد الخرة" أي القيامة‪" .‬جئنا بكم‬
‫لفيفا" أي من قبوركم مختلطين من كيل موضع‪ ،‬قيد اختلط المؤمن بالكافير ل يتعارفون ول ينحاز‬
‫أحيد منكيم إلى قيبيلته وحييه‪ .‬وقال ابين عباس وقتادة‪ :‬جئنيا بكيم جميعيا مين جهات شتيى‪ .‬والمعنيى‬
‫واحد‪ .‬قال الجوهري‪ :‬واللفيف ما اجتمع من الناس من قبائل شتى؛ يقال‪ :‬جاء القوم بلفهم ولفيفهم‪،‬‬
‫أي وأخلطهم‪ .‬وقوله تعالى "جئنا بكم لفيفا" أي مجتمعين مختلطين‪ .‬وطعام لفيف إذا كان مخلوطا‬
‫مين جنسيين فصياعدا‪ .‬وفلن لفييف فلن أي صيديقه‪ .‬قال الصيمعي‪ :‬اللفييف جميع ولييس له واحيد‪،‬‬
‫وهو مثل الجميع‪ .‬والمعنى‪ :‬أنهم يخرجون وقت الحشر من القبور كالجراد المنتشر‪ ،‬مختلطين ل‬
‫يتعارفون‪ .‬وقال الكلبي‪" :‬فإذا جاء وعد الخرة" يعني مجيء عيسى عليه السلم من السماء‪.‬‬
‫*‪*3‬الية‪{ 105 :‬وبالحق أنزلناه وبالحق نزل وما أرسلناك إل مبشرا ونذيرا}‬
‫@قوله تعالى‪" :‬وبالحق أنزلناه وبالحق نزل" هذا متصل بما سبق من ذكر المعجزات والقرآن‪.‬‬
‫والكنايية ترجيع إلى القرآن‪ .‬ووجيه التكريير فيي قوله "وبالحيق نزل" يجوز أن يكون معنيى الول‪:‬‬
‫أوجبنيا إنزاله بالحيق‪ .‬ومعنيى الثانيي‪ :‬ونزل وفييه الحيق؛ كقوله خرج بثيابيه‪ ،‬أي وعلييه ثيابيه‪ .‬وقييل‬
‫الباء فيي "وبالحيق" الول بمعنيى ميع‪ ،‬أي ميع الحيق؛ كقولك ركيب الميير بسييفه أي ميع سييفه‪.‬‬
‫"وبالحق نزل" أي بمحمد صلى ال عليه وسلم‪ ،‬أي نزل عليه‪ ،‬كما تقول نزلت بزيد‪ .‬وقيل‪ :‬يجوز‬
‫أن يكون المعنى وبالحق قدرنا أن ينزل‪ ،‬وكذلك نزل‪.‬‬
‫*‪*3‬الية‪{ 106 :‬وقرآنا فرقناه لتقرأه على الناس على مكث ونزلناه تنزيل}‬
‫@قوله تعالى‪" :‬وقرآنا فرقناه" مذهب سيبويه أن "قرآنا" منصوب بفعل مضمر يفسره الظاهر‪.‬‬
‫وقرأ جمهور الناس "فرقناه" بتخفييييف الراء‪ ،‬ومعناه بيناه وأوضحناه‪ ،‬وفرقنيييا فييييه بيييين الحيييق‬
‫والباطيل؛ قاله الحسين‪ .‬وقال ابين عباس‪ :‬فصيلناه‪ .‬وقرأ ابين عباس وعلي وابين مسيعود وأبيي بين‬
‫كعب وقتادة وأبو رجاء والشعبي "فرقناه" بالتشديد‪ ،‬أي أنزلناه شيئا بعد شيء ل جملة واحدة؛ إل‬
‫أن في قراءة ابن مسعود وأبي "فرقناه عليك"‪.‬‬
‫واختلف فيي كيم نزل القرآن مين المدة؛ فقييل‪ :‬فيي خميس وعشريين سينة‪ .‬ابين عباس‪ :‬فيي ثلث‬
‫وعشريين‪ .‬أنيس‪ :‬فيي عشريين‪ .‬وهذا بحسيب الخلف فيي سين رسيول ال صيلى ال علييه وسيلم‪ ،‬ول‬
‫خلف أنييه نزل إلى السييماء الدنيييا جملة واحدة‪ .‬وقييد مضييى هذا فييي "البقرة"‪" .‬على مكييث" أي‬
‫تطاول فيي المدة شيئا بعيد شييء‪ .‬ويتناسيق هذا القرآن على قراءة ابين مسيعود‪ ،‬أي أنزلناه آيية آيية‬
‫وسورة سورة‪ .‬وأما على القول الول فيكون "على مكث" أي على ترسل في التلوة وترتيل؛ قاله‬
‫مجاهيد وابين عباس وابين جرييج‪ .‬فيعطيي القارئ القراءة حقهيا مين ترتيلهيا وتحسيينها وتطييبهيا‬
‫بالصوت الحسن ما أمكن من غير تلحين ول تطريب مؤد إلى تغيير لفظ القرآن بزيادة أو نقصان‬
‫فإن ذلك حرام على مييا تقدم أول الكتاب‪ .‬وأجمييع القراء على ضييم الميييم ميين "مكييث" إل ابيين‬
‫محيصين فإنيه قرأ "مكيث" بفتيح المييم‪ .‬ويقال‪ :‬مكيث ومكيت ومكيث؛ ثلث لغات‪ .‬قال مالك‪" :‬على‬
‫مكيث" على تثبيت وترسيل‪" .‬ونزلناه تنزيل" مبالغية وتأكييد بالمصيدر للمعنيى المتقدم‪ ،‬أي أنزلناه‬
‫نجما بعد نجم؛ ولو أخذوا بجميع الفرائض في وقت واحد لنفروا‪.‬‬
‫*‪*3‬الية‪{ 107 :‬قل آمنوا به أو ل تؤمنوا إن الذين أوتوا العلم من قبله إذا يتلى عليهم يخرون‬
‫للذقان سجدا}‬
‫@قوله تعالى‪" :‬قل آمنوا به أو ل تؤمنوا" يعني القرآن‪ .‬وهذا من ال عز وجل على وجه التبكيت‬
‫لهييم والتهديييد ل على وجييه التخيييير‪" .‬إن الذييين أوتوا العلم ميين قبله" أي ميين قبييل نزول القرآن‬
‫وخروج النبي صلى ال عليه وسلم‪ ،‬وهم مؤمنو أهل الكتاب؛ في قول ابن جريج وغيره‪ .‬قال ابن‬
‫جرييج‪ :‬معنيى "إذا يتلى عليهيم" كتابهيم‪ .‬وقييل القرآن‪" .‬يخرون للذقان سيجدا" وقييل‪ :‬هيم قوم مين‬
‫ولد إسماعيل تمسكوا بدينهم إلى أن بعث ال تعالى النبي عليه السلم‪ ،‬منهم زيد بن عمرو بن نفيل‬
‫وورقة بن نوفيل‪ .‬وعلى هذا ليس يريد أوتوا الكتاب بيل يرييد أوتوا علم الدين‪ .‬وقال الحسين‪ :‬الذين‬
‫أوتوا العلم أمية محميد صيلى ال علييه وسيلم‪ .‬وقال مجاهيد‪ :‬إنهيم ناس مين اليهود؛ وهيو أظهير لقوله‬
‫"من قبله"‪" .‬إذا يتلى عليهم" يعني القرآن في قول مجاهد‪ .‬كانوا إذا سمعوا ما أنزل ال تعالى من‬
‫القرآن سيجدوا وقالوا‪" :‬سيبحان ربنيا إن كان وعيد ربنيا لمفعول"‪ .‬وقييل‪ :‬كانوا إذا تلوا كتابهيم وميا‬
‫أنزل عليه من القرآن خشعوا وسجدوا وسبحوا‪ ،‬وقالوا‪ :‬هذا هو المذكور في التوراة‪ ،‬وهذه صفته‪،‬‬
‫ووعيد ال بيه واقيع ل محالة‪ ،‬وجنحوا إلى السيلم؛ فنزلت اليية فيهيم‪ .‬وقالت فرقية‪ :‬المراد بالذيين‬
‫أوتوا العلم ميين قبله محمييد صييلى ال عليييه وسييلم‪ ،‬والضمييير فييي "قبله" عائد على القرآن حسييب‬
‫الضميير فيي قوله "قيل آمنوا بيه"‪ .‬وقييل‪ :‬الضميران لمحميد صيلى ال علييه وسيلم‪ ،‬واسيتأنف ذكير‬
‫القرآن في قوله‪" :‬إذا يتلى عليهم"‪.‬‬
‫*‪ *3‬الية‪{ 108 :‬ويقولون سبحان ربنا إن كان وعد ربنا لمفعول}‬
‫@ دلييل على جواز التسيبيح فيي السيجود‪ .‬وفيي صيحيح مسيلم وغيره عين عائشية رضيي ال عنهيا‬
‫قالت‪ :‬كان رسيول ال صيلى ال علييه وسيلم يكثير أن يقول فيي سيجوده وركوعيه (سيبحانك اللهيم‬
‫وبحمدك اللهم اغفر لي)‪.‬‬
‫*‪ *3‬الية‪{ 109 :‬ويخرون للذقان يبكون ويزيدهم خشوعا}‬
‫@قوله تعالى‪" :‬ويخرون للذقان يبكون" هذه مبالغة في صفتهم ومدح لهم‪ .‬وحق لكل من توسم‬
‫بالعلم وحصيل منيه شيئا أن يجري إلى هذه المرتبية‪ ،‬فيخشيع عنيد اسيتماع القرآن ويتواضيع ويذل‪.‬‬
‫وفي مسند الدارمي أبي محمد عن التيمي قال‪ :‬من أوتي من العلم ما لم يبكه لخليق أل يكون أوتي‬
‫علما؛ لن ال تعالى نعت العلماء‪ ،‬ثم تل هذه الية‪ .‬ذكره الطبري أيضا‪ .‬والذقان جمع ذقن‪ ،‬وهو‬
‫مجتمييع اللحيييين‪ .‬وقال الحسيين‪ :‬الذقان عبارة عيين اللحييى؛ أي يضعونهييا على الرض فييي حال‬
‫السيجود‪ ،‬وهيو غايية التواضيع‪ .‬واللم بمعنيى على؛ تقول سيقط لفييه أي على فييه‪ .‬وقال ابين عباس‪:‬‬
‫"ويخرون للذقان سجدا" أي للوجوه‪ ،‬وإنما خص الذقان بالذكر لن الذقن أقرب شيء من وجه‬
‫النسان‪ .‬قال ابن خويز منداد‪ :‬ول يجوز السجود على الذقن؛ لن الذقن ها هنا عبارة عن الوجه‪،‬‬
‫وقيد يعيبر بالشييء عميا جاوره وببعضيه عين جميعيه؛ فيقال‪ :‬خير لوجهيه سياجدا وإن كان لم يسيجد‬
‫على خده ول عينه‪ .‬أل ترى إلى قوله‪:‬‬
‫فخر صريعا لليدين وللفم‬
‫فإنما أراد‪ :‬خر صريعا على وجهه ويديه‪.‬‬
‫@قوله تعالى‪" :‬يبكون" فييه دلييل على جواز البكاء فيي الصيلة مين خوف ال تعالي‪ ،‬أو على‬
‫معصييته فيي ديين ال‪ ،‬وأن ذلك ل يقطعهيا ول يضرهيا‪ .‬ذكير ابين المبارك عين حماد بين سيلمة عين‬
‫ثابت البناني عن مطرف بن عبدال بن الشخير عن أبيه قال‪ :‬أتيت النبي صلى ال عليه وسلم وهو‬
‫يصيلي ولجوفيه أزييز كأزييز المرجيل مين البكاء‪ .‬وفيي كتاب أبيي داود‪ :‬وفيي صيدره أزييز كأزييز‬
‫الرحى من البكاء‪.‬‬
‫@ واختلف الفقهاء فيي النيين؛ فقال مالك‪ :‬النيين ل يقطيع الصيلة للمرييض‪ ،‬وأكرهيه للصيحيح؛‬
‫وبيه قال الثوري‪ .‬وروى ابين الحكيم عين مالك‪ :‬التنحنيح والنيين والنفيخ ل يقطيع الصيلة‪ .‬وقال ابين‬
‫القاسيم‪ :‬يقطيع‪ .‬وقال الشافعيي‪ :‬إن كان له حروف تسيمع وتفهيم يقطيع الصيلة‪ .‬وقال أبيو حنيفية‪ :‬إن‬
‫كان مين خوف ال لم يقطيع‪ ،‬وإن كان مين وجيع قطيع‪ .‬وروي عين أبيي يوسيف أن صيلته فيي ذلك‬
‫كله تامة؛ لنه ل يخلو مريض ول ضعيف من أنين‪" .‬ويزيدهم خشوعا" تقدم‪.‬‬
‫*‪*3‬اليية‪{ 110 :‬قيل ادعوا ال أو ادعوا الرحمين أييا ميا تدعوا فله السيماء الحسينى ول تجهير‬
‫بصلتك ول تخافت بها وابتغ بين ذلك سبيل}‬
‫@قوله تعالى‪" :‬قيل ادعوا ال أو ادعوا الرحمين أييا ميا تدعوا فله السيماء الحسينى" سيبب نزول‬
‫هذه الية أن المشركين سمعوا رسول ال صلى ال عليه وسلم يدعوا (يا ال يا رحمن) فقالوا‪ :‬كان‬
‫محميد يأمرنيا بدعاء إله واحيد وهيو يدعيو إلهيين؛ قاله ابين عباس‪ .‬وقال مكحول‪ :‬تهجيد رسيول ال‬
‫صلى ال عليه وسلم ليلة فقال في دعائه‪( :‬يا رحمن يا رحيم) فسمعه رجل من المشركين‪ ،‬وكان‬
‫باليمامة رجل يسمى الرحمن‪ ،‬فقال ذلك السامع‪ :‬ما بال محمد يدعو رحمان اليمامة‪ .‬فنزلت الية‬
‫مبينية أنهميا اسيمان لمسيمى واحيد؛ فإن دعوتموه بال فهيو ذاك‪ ،‬وإن دعوتموه بالرحمين فهيو ذاك‪.‬‬
‫وقيل‪ :‬كانوا يكتبون في صدر الكتب‪ :‬باسمك اللهم؛ فنزلت "إنه من سليمان وإنه بسم ال الرحمن‬
‫الرحييم" [النميل‪ ]30 :‬فكتيب رسيول ال صيلى ال علييه وسيلم "بسيم ال الرحمين الرحييم" فقال‬
‫المشركون‪ :‬هذا الرحيم نعرفه فما الرحمن؛ فنزلت الية‪ .‬وقيل‪ :‬إن اليهود قالت‪ :‬ما لنا ل نسمع في‬
‫القرآن اسيما هيو فيي التوراة كثيير؛ يعنون الرحمين؛ فنزلت اليية‪ .‬وقرأ طلحية بين مصيرف "أييا ميا‬
‫تدعيو فله السيماء الحسينى" أي التيي تقتضيي أفضيل الوصياف وأشرف المعانيي‪ .‬وحسين السيماء‬
‫إنما يتوجه بتحسين الشرع؛ لطلقها والنص عليها‪ .‬وانضاف إلى ذلك أنها تقتضي معاني حسانا‬
‫شريفة‪ ،‬وهي بتوقيف ل يصح وضع اسم ل ينظر إل بتوقيف من القرآن أو الحديث أو الجماع‪.‬‬
‫حسبما بيناه في (الكتاب السنى في شرح أسماء ال الحسنى)‪.‬‬
‫@قوله تعالى‪" :‬ول تجهر بصلتك ول تخافت بها وابتغ بين ذلك سبيل" اختلفوا في سبب نزولها‬
‫على خمسية أقوال‪ :‬الول‪ :‬ميا روى ابين عباس فيي قوله تعالى‪" :‬ول تجهير بصيلتك ول تخافيت‬
‫بهيا" قال‪ :‬نزلت ورسيول ال صيلى ال علييه وسيلم متوار بمكية‪ ،‬وكان إذا صيلى بأصيحابه رفيع‬
‫صييوته بالقرآن‪ ،‬فإذا سييمع ذلك المشركون سييبوا القرآن وميين أنزله وميين جاء بييه؛ فقال ال تعالى‬
‫"ول تجهر بصلتك" فيسمع المشركون قراءتك‪" .‬ول تخافت بها" عن أصحابك‪ .‬أسمعهم القرآن‬
‫ول تجهير ذلك الجهير‪" .‬وابتيغ بيين ذلك سيبيل" قال‪ :‬يقول بيين الجهير والمخافتية؛ أخرجيه البخاري‬
‫ومسيلم والترمذي وغيرهيم‪ .‬واللفيظ لمسيلم‪ .‬والمخافتية‪ :‬خفيض الصيوت والسيكون؛ يقال للمييت إذا‬
‫برد‪ :‬خفت‪ .‬قال الشاعر‪:‬‬
‫ومقلة إنسانها باهت‬ ‫لم يبق إل نفس خافت‬
‫يا ويح من يرثى له الشامت‬ ‫رثى لها الشامت مما بها‬
‫الثانيي‪ :‬ميا رواه مسيلم أيضيا عين عائشية فيي قوله عيز وجيل‪" :‬ول تجهير بصيلتك ول تخافيت بهيا"‬
‫قالت‪ :‬أنزل هذا فيي الدعاء‪ .‬الثالث‪ :‬قال ابن سييرين‪ :‬كان العراب يجهرون بتشهدهيم فنزلت اليية‬
‫في ذلك‪.‬‬
‫قلت‪ :‬وعلى هذا فتكون الية متضمنة لخفاء التشهد‪ ،‬وقد قال ابن مسعود‪ :‬من السنة أن تخفي‬
‫التشهيد؛ ذكره ابين المنذر‪ .‬الرابيع‪ :‬ميا روي عين ابين سييرين أيضيا أن أبيا بكير رضيي ال عنيه كان‬
‫يِ سُر قراءته‪ ،‬وكان عمر يجهر بها‪ ،‬فقيل لهما في ذلك؛ فقال أبو بكر‪ :‬إنما أناجي ربي‪ ،‬وهو يعلم‬
‫حاجتيي‪ .‬إليه‪ .‬وقال عمر‪ :‬أنا أطرد الشيطان وأوقيظ الوسنان؛ فلما نزلت هذه الية قيل لبي بكر‪:‬‬
‫ارفيع قليل‪ ،‬وقييل لعمير اخفيض أنيت قليل؛ ذكره الطيبري وغيره‪[ .‬الخاميس] ميا روي عين ابين‬
‫عباس أيضيا أن معناهيا ول تجهير بصيلة النهار‪ ،‬ول تخافيت بصيلة اللييل؛ ذكره يحييى بين سيلم‬
‫والزهراوي‪ .‬فتضمنييت أحكام الجهيير والسييرار بالقراءة فييي النوافييل والفرائض‪ ،‬فأمييا النوافييل‬
‫فالمصيلي مخيير فيي الجهير والسير فيي الليل والنهار‪ ،‬وكذلك روي عن النيبي صيلى ال عليه وسلم‬
‫أنييه كان يفعييل المرييين جميعييا‪ .‬وأمييا الفرائض فحكمهييا فييي القراءة معلوم ليل ونهارا‪[ .‬وقول‬
‫سيادس] قال الحسين‪ :‬يقول ال ل ترائي بصيلتك تحسينها فيي العلنيية ول تسييئها فيي السير‪ .‬وقال‬
‫ابن عباس‪ :‬ل تصل مرائيا للناس ول تدعها مخافة الناس‪.‬‬
‫@ عبر تعالى بالصلة هنا عن القراءة كما عبر بالقراءة عن الصلة في قوله‪" :‬وقرآن الفجر إن‬
‫قرآن الفجير كان مشهودا" [السييراء‪ ]78 :‬لن كييل واحييد منهمييا مرتبييط بالخيير؛ لن الصييلة‬
‫تشتمل على قراءة وركوع وسجود فهي من جملة أجزائها؛ فعبر بالجزء عن الجملة وبالجملة عن‬
‫الجزء على عادة العرب في المجاز وهو كثير؛ ومنه الحديث الصحيح‪( :‬قسمت الصلة بيني وبين‬
‫عبدي) أي قراءة الفاتحة على ما تقدم‪.‬‬
‫*‪*3‬الية‪{ 111 :‬وقل الحمد ل الذي لم يتخذ ولدا ولم يكن له شريك في الملك ولم يكن له ولي‬
‫من الذل وكبره تكبيرا}‬
‫@قوله تعالى‪" :‬وقل الحمد ل الذي لم يتخذ ولدا" هذه الية رادة على اليهود والنصارى والعرب‬
‫فيي قولهيم أفذاذا‪ :‬عزييز وعيسيى والملئكية ذريية ال سيبحانه؛ تعالى ال عين أقوالهيم‪" .‬ولم يكين له‬
‫شريك في الملك" لنه واحد ل شريك له في ملكه ول في عبادته‪" .‬ولم يكن له ولي من الذل" قال‬
‫مجاهيد‪ :‬المعنيى لم يحالف أحدا ول ابتغيى نصير أحيد؛ أي لم يكين له ناصير يجيره مين الذل فيكون‬
‫مدافعيا‪ .‬وقال الكلبيي‪ :‬لم يكين له ولي مين اليهود والنصيارى؛ لنهيم أذل الناس‪ ،‬ردا لقولهيم‪ :‬نحين‬
‫أبناء ال وأحباؤه‪ .‬وقال الحسين بين الفضيل‪" :‬ولم يكين له ولي مين الذل" يعنيي لم يذل فيحتاج إلى‬
‫ولي ول ناصر لعزته وكبريائه‪" .‬وكبره تكبيرا" أي عظمه عظمة تامة‪ .‬ويقال‪ :‬أبلغ لفظة للعرب‬
‫في معنى التعظيم والجلل‪ :‬ال أكبر؛ أي صفة بأنه أكبر من كل شيء‪ .‬قال الشاعر‪:‬‬
‫محاولة وأكثرهم جنودا‬ ‫رأيت ال أكبر كل شيء‬
‫وكان النيبي صيلى ال علييه وسيلم إذا دخيل فيي الصيلة قال‪( :‬ال أكيبر) وقيد تقدم أول الكتاب‪ .‬وقال‬
‫ل العب ِد "ال أكيبر" خيير مين الدنييا وميا فيهيا‪ .‬وهذا اليية هيي خاتمية التوراة‪.‬‬
‫عمير بين الخطاب‪ .‬قو ُ‬
‫روى مطرف عن عبدال بن كعيب قال‪ :‬افتتحت التوراة بفاتحية سورة النعام وختمت بخاتمة هذه‬
‫السيورة‪ .‬وفيي الخيبر أنهيا آيية العيز؛ رواه معاذ بين جبيل عين النيبي صيلى ال علييه وسيلم‪ .‬وروى‬
‫عمرو بين شعييب عين أبييه عين جده قال كان النيبي صيلى ال علييه وسيلم إذا أفصيح الغلم مين بنيي‬
‫عبدالمطلب علميه "وقيل الحميد ل الذي" اليية‪ .‬وقال عبدالحمييد‪ .‬بين واصيل‪ :‬سيمعت عين النيبي‬
‫صيلى ال علييه وسيلم أنيه قال‪( :‬مين قرأ وقيل الحميد ل اليية كتيب ال له مين الجير مثيل الرض‬
‫والجبييل لن ال تعالى يقول فيميين زعييم أن له ولدا تكاد السييماوات يتفطرن منييه وتنشييق الرض‬
‫وتخير الجبال هدا)‪ .‬وجاء فيي الخيبر أن النيبي صيلى ال علييه وسيلم أمير رجيل شكيا إلييه الديين بأن‬
‫يقرأ "قل ادعوا ال أو ادعوا الرحمن" [السراء‪ - ]110 :‬إلى آخر السورة ثم يقول‪ :‬توكلت على‬
‫الحي الذي ل يموت؛ ثلث مرات‪.‬‬
‫تمت سورة السراء‪ ،‬والحمد ل وحده‪ ،‬والصلة والسلم على من ل نبي بعده‪.‬‬
‫*‪*2‬سورة الكهف‬
‫*‪*3‬مقدمة السورة‬
‫@ سيورة الكهيف وهيي مكيية فيي قول جمييع المفسيرين‪ .‬روي عين فرقية أن أول السيورة نزل‬
‫بالمدينة إلى قوله "جرزا" [الكهف‪ ،]8 :‬والول أصح‪ .‬وروي في فضلها من حديث أنس أنه قال‪:‬‬
‫من قرأ بها أعطي نورا بين السماء والرض ووقي بها فتنة القبر‪ .‬وقال إسحاق بن عبدال بن أبي‬
‫فروة‪ :‬إن رسيول ال صيلى ال علييه وسيلم قال‪( :‬أل أدلكيم على سيورة شيعهيا سيبعون ألف ملك مل‬
‫عظمها ما بين السماء والرض لتاليها مثل ذلك)‪ .‬قالوا‪ :‬بلى يا رسول ال؟ قال‪( :‬سورة أصحاب‬
‫الكهف من قرأها يوم الجمعة غفر له الجمعة الخرى وزيادة ثلثة أيام وأعطي نورا يبلغ السماء‬
‫ووقيي فتنية الدجال) ذكره الثعلبيي‪ ،‬والمهدوي أيضيا بمعناه‪ .‬وفيي مسيند الدارميي عين أبيي سيعيد‬
‫الخدري قال‪ :‬مين قرأ سيورة الكهيف ليلة الجمعية أضاء له مين النور فيميا بينيه وبيين البييت العتييق‪.‬‬
‫وفي صحيح مسلم عن أبي الدرداء أن نبي ال صلى ال عليه وسلم قال‪( :‬من حفظ عشر آيات من‬
‫أول سورة الكهف عصم من الدجال)‪ .‬وفي رواية (من آخر الكهف)‪ .‬وفي مسلم أيضا من حديث‬
‫النواس بن سمعان (فمن أدركه ‪ -‬يعني الدجال ‪ -‬فليقرأ عليه فواتح سورة الكهف)‪ .‬وذكره الثعلبي‪.‬‬
‫قال‪ :‬سمرة بن جندب قال النبي صلى ال عليه وسلم‪( :‬من قرأ عشر آيات من سورة الكهف حفظا‬
‫لم تضره فتنة الدجال)‪ .‬ومن قرأ السورة كلها دخل الجنة‪.‬‬
‫*‪*3‬اليات‪{ 3 - 1 :‬الحمد ل الذي أنزل على عبده الكتاب ولم يجعل له عوجا‪ ،‬قيما لينذر بأسا‬
‫شديدا من لدنه ويبشر المؤمنين الذين يعملون الصالحات أن لهم أجرا حسنا‪ ،‬ماكثين فيه أبدا}‬
‫@ ذكير ابين إسيحاق أن قريشيا بعثوا النضير بين الحارث وعقبية بين أبيي معييط إلى أحبار يهود‬
‫وقالوا لهما‪ :‬سلهم عن محمد وصفا لهم صفته وأخبراهم بقوله؛ فإنهم أهل الكتاب الول‪ ،‬وعندهم‬
‫علم ليس عندنا من علم أنبياء؛ فخرجا حتى قدما المدينة‪ ،‬فسأل أحبار يهود عن رسول ال صلى‬
‫ال عليه وسلم‪ ،‬ووصفا لهم أمره‪ ،‬وأخبراهم ببعض قوله‪ ،‬وقال لهم‪ :‬إنكم أهل التوراة وقد جئناكم‬
‫لتخبرونا عن صاحبنا هذا‪ .‬فقالت لهما أحبار يهود‪ :‬سلوه عن ثلث نأمركم بهن‪ ،‬فإن أخبركم بهن‬
‫فهيو نيبي مرسيل‪ ،‬وإن لم يفعيل فالرجيل متقول‪ ،‬فروا فييه رأيكيم؛ سيلوه عين فتيية ذهبوا فيي الدهير‬
‫الول‪ ،‬ميا كان أمرهيم؛ فإنيه قيد كان لهيم حدييث عجيب‪ .‬سيلوه عين رجيل طواف قيد بلغ مشارق‬
‫الرض ومغاربهيا‪ ،‬ميا كان نبؤه‪ .‬وسيلوه عين الروح‪ ،‬ميا هيي؛ فإذا أخيبركم بذلك فاتبعوه فإنيه نيبي‪،‬‬
‫وإن لم يفعيل فهيو رجيل متقول فاصينعوا فيي أمره ميا بدا لكيم‪ .‬فأقبيل النضير بين الحارث وعقبية بين‬
‫أبيي معييط قدميا مكية على قرييش فقال‪ :‬ييا معشير قرييش‪ ،‬قيد جئناكيم بفصيل ميا بينكيم وبيين محميد ‪-‬‬
‫صلى ال عليه وسلم ‪ -‬قد أمرنا أحبار يهود أن نسأله عن أشياء أمرونا بها‪ ،‬فإن أخبركم عنها فهو‬
‫نبي‪ ،‬وإن لم يفعل فالرجل متقول‪ ،‬فروا فيه رأيكم‪ .‬فجاؤوا رسول ال صلى ال عليه وسلم فقالوا‪:‬‬
‫يا محمد‪ ،‬أخبرنا عن فتية ذهبوا في الدهر الول‪ ،‬قد كانت لهم قصة عجب‪ ،‬وعن رجل كان طوافا‬
‫قيد بلغ مشارق الرض ومغاربهيا‪ ،‬وأخبرنيا عين الروح ميا هيي؟ قال فقال لهيم رسيول ال صيلى ال‬
‫عليه وسلم‪( :‬أخبركم بما سألتم عنه غدا) ولم يسيتثن‪ .‬فانصرفوا عنه‪ ،‬فمكث رسول ال صلى ال‬
‫عليه وسلم فيما يزعمون خمس عشرة ليلة‪ ،‬ل يحدث ال إليه في ذلك وحيا ول يأتيه جبريل‪ ،‬حتى‬
‫أرجيف أهيل مكية وقالوا‪ :‬وعدنيا محميد غدا‪ ،‬واليوم خميس عشرة ليلة‪ ،‬وقيد أصيبحنا منهيا ل يخبرنيا‬
‫بشيء مما سألناه عنه؛ وحتى أحزن رسول ال صلى ال عليه وسلم مكث الوحي عنه‪ ،‬وشق عليه‬
‫ما يتكلم به أهل مكة‪ ،‬ثم جاءه جبريل عليه السلم من عند ال عز وجل بسورة أصحاب الكهف‬
‫فيها معاتبته إياه على حزنه عليهم‪ ،‬وخبر ما سألوه عنه من أمر الفتية‪ ،‬والرجل الطواف والروح‪.‬‬
‫قال ابين إسيحاق‪ :‬فذكير لي أن رسيول ال صيلى ال علييه وسيلم قال لجبرييل‪( :‬لقيد احتبسيت عنيي ييا‬
‫جبريل حتى سؤت ظنا" فقال له جبريل‪" :‬وما نتنزل إل بأمر ربك له ما بين أيدينا وما خلفنا وما‬
‫بين ذلك وما كان ربك نسيا" [مريم‪.]64 :‬‬
‫فافتتح السورة تبارك وتعالى بحمده‪ ،‬وذكر نبوة رسوله صلى ال عليه وسلم لما أنكروا عليه من‬
‫ذلك فقال‪" :‬الحمد ال الذي أنزل على عبده الكتاب" يعني محمدا‪ ،‬إنك رسول مني‪ ،‬أي تحقيق لما‬
‫سألوا عنه من نبوتك‪" .‬ولم يجعل له عوجا قيما" أي معتدل ل اختلف فيه‪" .‬لينذر بأسا شديدا من‬
‫لدنيه" أي عاجل عقوبته فيي الدنييا‪ ،‬وعذابيا أليميا فيي الخرة‪ ،‬أي من عند ربك الذي بعثيك رسول‪.‬‬
‫"ويبشر المؤمنين الذين يعملون الصالحات‪ ،‬أن لهم أجرا حسنا ماكثين فيه أبدا" أي دار الخلد ل‬
‫يموتون فيها‪ ،‬الذين صدقوك بما جئت به مما كذبك به غيرهم‪ ،‬وعملوا بما أمرتهم به من العمال‪.‬‬
‫"وينذر الذين قالوا اتخذ ال ولدا" [الكهف‪ ]4 :‬بعني قريشا في قولهم‪ :‬إنا نعبد الملئكة وهي بنات‬
‫ال‪" .‬ميا لهيم بيه مين علم ول لبائهيم" [الكهيف‪ ]5 :‬الذيين أعظموا فراقهيم وعييب دينهيم‪" .‬كيبرت‬
‫كلمية تخرج مين أفواههيم" [الكهيف‪ ]5 :‬أي لقولهيم إن الملئكية بنات ال‪" .‬إن يقولون إل كذبيا‪.‬‬
‫فلعلك باخيع نفسيك على آثارهيم إن لم يؤمنوا بهذا الحدييث أسيفا" [الكهيف‪ ]6 :‬لحزنيه عليهيم حيين‬
‫فاته ما كان يرجوه منهم‪ ،‬أي ل تفعل‪ .‬فال ابن هشام‪" :‬باخع نفسك" مهلك نفسك؛ فيما حدثني أبو‬
‫عبيدة‪ .‬قال ذو الرمة‪:‬‬
‫بشيء نحته عن يديه المقادر‬ ‫أل أي هذا الباخع الوجد نفسه‬
‫وجمعهيا باخعون وبخعيه‪ .‬وهذا البييت فيي قصييدة له‪ .‬وقول العرب‪ :‬قيد بخعيت له نصيحي ونفسيي‪،‬‬
‫أي جهدت له‪" .‬إنا جعلنا ما على الرض زينة لها لنبلوهم أيهم أحسن عمل" [الكهف‪ ]7 :‬قال ابن‬
‫إسيحاق‪ :‬أي أيهيم اتبيع لمري وأعميل بطاعتيي‪" :‬وإنيا لجاعلون ميا عليهيا صيعيدا جرزا" [الكهيف‪:‬‬
‫‪ ]8‬أي الرض‪ ،‬وإن ميا عليهيا لفان وزائل‪ ،‬وإن المرجيع إلي فأجزي كل بعمله؛ فل تأس ول‬
‫يحزنيك ميا ترى وتسيمع فيهيا‪ .‬قال ابين هشام‪ :‬الصيعيد وجيه الرض‪ ،‬وجمعيه صيعد‪ .‬قال ذو الرمية‬
‫يصف ظبيا صغيرا‪:‬‬
‫دبابة في عظام الرأس خرطوم‬ ‫كأنه بالضحى ترمي الصعيد به‬
‫وهذا البييت فيي قصييدة له‪ .‬والصيعيد أيضيا‪ :‬الطرييق‪ ،‬وقيد جاء فيي الحدييث‪( :‬إياكيم والقعود على‬
‫الصيعدات) يرييد الطرق‪ .‬والجرز‪ :‬الرض التيي ل تنبيت شيئا‪ ،‬وجمعهيا أجراز‪ .‬ويقال‪ :‬سينة جرز‬
‫وسينون أجراز؛ وهيي التيي ل يكون فيهيا مطير‪ .‬وتكون فيهيا جدوبية ويبيس وشدة‪ .‬قال ذو الرمية‬
‫يصف إبل‪:‬‬
‫فما بقيت إل الضلوع الجراشع‬ ‫طوى النحز والجراز ما في بطونها‬
‫قال ابيين إسييحاق‪ :‬ثييم اسييتقبل قصيية الخييبر فيمييا سييألوه عنييه ميين شأن الفتييية فقال‪" :‬أم حسييبت أن‬
‫أصيحاب الكهيف والرقييم كانوا مين آياتنيا عجبيا" [الكهيف‪ ]9 :‬أي قيد كان مين آياتيي فييه وضعيت‬
‫على العباد مين حجتيي ميا هيو أعجيب مين ذلك‪ .‬قال ابين هشام‪ :‬والرقييم الكتاب الذي رقيم بخيبرهم‪،‬‬
‫وجمعه رقم‪ .‬قال العجاج‪:‬‬
‫ومستقر المصحف المرقم‬
‫وهذا البيت فيي أرجوزة له‪ .‬قال ابن إسحاق‪ :‬ثم قال "إذ أوى الفتية إلى الكهف فقالوا ربنا آتنا من‬
‫لدنك رحمة وهيئ لنا من أمرنا رشدا‪ .‬فضربنا على آذانهم في الكهف سنين عددا‪ .‬ثم بعثناهم لنعلم‬
‫أي الحزبيين أحصيى لميا لبثوا أمدا" [الكهيف‪ .]12 :‬ثيم قال‪" :‬نحين نقيص علييك نبأهيم بالحيق"‬
‫[الكهيف‪ ]13 :‬أي بصيدق الخيبر "إنهيم فتيية آمنوا بربهيم وزدناهيم هدى‪ .‬وربطنيا على قلوبهيم إذ‬
‫قاموا فقالوا ربنيا رب السيماوات والرض لن ندعيو مين دونيه إلهيا لقيد قلنيا إذا شططيا" [الكهيف‪:‬‬
‫‪ ]14‬أي لم يشركوا بيي كميا أشركتيم بيي ميا لييس لكيم بيه علم‪ .‬قال ابين هشام‪ :‬والشطيط الغلو‬
‫ومجاوزة الحق‪ .‬قال أعشى بن قيس بن ثعلبة‪:‬‬
‫كالطعن يذهب فيه الزيت والفتل‬ ‫أتنتهون ول ينهى ذوي شطط‬
‫وهذا البييت فيي قصييدة له‪ .‬قال ابين إسيحاق‪" :‬هؤلء قومنيا اتخذوا مين دونيه آلهية لول يأتون عليهيم‬
‫بسلطان بين" [الكهف‪ .]15 :‬قال ابن إسحاق‪ :‬أي بحجة بالغة‪" .‬فمن أظلم ممن افترى على ال‬
‫كذبا‪ .‬وإذ اعتزلتموهم وما يعبدون إل ال فأووا إلى الكهف ينشر لكم ربكم من رحمته ويهيئ لكم‬
‫مين أمركيم مرفقيا‪ .‬وترى الشميس إذا طلعيت تزاور عين كهفهيم ذات اليميين وإذا غربيت تقرضهيم‬
‫ذات الحال وهم في فجوة منه" [الكهف‪ .]17 :‬قال ابن هشام‪ :‬تزاور تميل؛ وهو من الزور‪ .‬وقال‬
‫أبو الزحف الكليبي يصف بلدا‪:‬‬
‫ينضي المطايا خمسه العشنزر‬ ‫جدب المندي عن هوانا أزور‬
‫وهذان البيتان فيي أرجوزة له‪ .‬و"تقرضهيم ذات الشمال" تجاوزهيم وتتركهيم عين شمالهيا‪ .‬قال ذو‬
‫الرمة‪:‬‬
‫شمال وعن أيمانهن الفوارس‬ ‫إلى ظعن يقرضن أقواز مشرف‬
‫وهذا البيت في قصيدة له‪ .‬والفجوة‪ :‬السعة‪ ،‬وجمعها الفجاء‪ .‬قال الشاعر‪:‬‬
‫حتى أبيحوا وحلوا فجوة الدار‬ ‫ألبست قومك مخزاة ومنقصة‬
‫"ذلك مين آيات ال" أي فيي الحجية على مين عرف ذلك مين أمورهيم مين أهيل الكتاب ممين أمير‬
‫هؤلء بمسألتك عنهم في صدق نبوتك بتحقيق الخبر عنهم‪" .‬من يهد ال فهو المهتدي ومن يضلل‬
‫فلن تجد له وليا مرشدا‪ .‬وتحسبهم أيقاظا وهم رقود ونقلبهم ذات اليمين وذات الشمال وكلبهم باسط‬
‫ذراعيه بالوصيد" [الكهف‪ ] :‬قال ابن هشام‪ :‬الوصيد الباب‪ .‬قال العبسي واسمه عبد بن وهب‪:‬‬
‫علي ومعروفي بها غير منكر‬ ‫بأرض فلة ل يسد وصيلها‬
‫وهذا البييت فيي أبيات له‪ .‬والوصييد أيضيا الفناء‪ ،‬وجمعيه وصيائد ووصيد وصيدان‪" .‬لو اطلعيت‬
‫عليهيم لولييت منهيم فرارا ‪ -‬إلى قوله ‪ -‬الذيين غلبوا على أمرهيم" [الكهيف‪ ] :‬أهيل السيلطان والملك‬
‫منهم‪" .‬لنتخذن عليهم مسجدا‪ .‬سيقولون" [الكهف‪ ]21:‬يعني أحبار اليهود الذين أمروهم بالمسألة‬
‫عنهيم‪" .‬ثلثية رابعهيم كلبهيم ويقولون خمسية سيادسهم كلبهيم رجميا بالغييب ويقولون سيبعة وثامنهيم‬
‫كلبهيم قيل ربيي اعلم بعدتهيم ميا يعلمهيم إل قلييل فل تمار فيهيم" [أي ل تكابرهيم‪" .‬إل مراء ظاهرا‬
‫ول تستفت فيهم منهم أحدا" [الكهف‪ ]22:‬فإنهم ل علم لهم بهم‪" .‬ول تقولن لشيء إني فاعل ذلك‬
‫غدا‪ .‬إل أن يشاء ال واذكيير ربييك إذا نسيييت وقييل عسييى أن يهدينييي ربييي لقرب ميين هذا رشدا"‬
‫[الكهف‪ ]24:‬أي ل تقولن لشيء سألوك عنه كما قلت في هذا إني مخبركم غدا‪ ،‬واستثن مشيئة‬
‫ال‪ ،‬واذكر ربك إذا نسيت وقل عسى أن يهديني ربي لخبر ما سألتموني عنه رشدا‪ ،‬فإنك ل تدري‬
‫ميا أنيا صيانع فيي ذلك‪" .‬ولبثوا فيي كهفهيم ثلثمائة سينين وازدادوا تسيعا" [الكهيف‪ ] :‬أي سييقولون‬
‫ذلك‪" .‬قل ال اعلم بما لبثوا له غيب السماوات والرض أبصر به واسمع ما لهم من دونه من ولي‬
‫ول يشرك في حكمه أحدا" [الكهف‪ ]26:‬أي لم يخف عليه شيء ما سألوك عنه‪.‬‬
‫قلت‪ :‬هذا ميا وقيع فيي السييرة مين خيبر أصيحاب الكهيف ذكرناه على نسيقه‪ .‬ويأتيي خيبر ذي‬
‫القرنين‪ ،‬ثم نعود إلى أول السورة فنقول‪:‬‬
‫قيد تقدم معنى الحمد ل‪ .‬وزعم الخفش والكسائي والفراء وأبو عبيد وجمهور المتأولين أن في‬
‫أول هذه السييورة تقديمييا وتأخيرا‪ ،‬وأن المعنييى‪ :‬الحمييد ل الزي أنزل على عبده الكتاب قيمييا ولم‬
‫يجعييل له عوجييا‪ .‬و"قيمييا" نصييب على الحال‪ .‬وقال قتادة‪ :‬الكلم على سييياقه ميين غييير تقديييم ول‬
‫تأخيير‪ ،‬ومعناه‪ :‬ولم يجعيل له عوجيا ولكين جعلناه قيميا‪ .‬وقول الضحاك فييه حسين‪ ،‬وأن المعنيى‪:‬‬
‫مسيتقيم‪ ،‬أي مسيتقيم الحكمية ل خطيأ فييه ول فسياد ول تناقيض‪ .‬وقييل‪" :‬قيميا" على الكتيب السيابقة‬
‫يصدقها‪ .‬وقيل‪" :‬قيما" بالحجج أبدا‪" .‬عوجا" مفعول به؛ والعوج (بكسر العين) في الدين والرأي‬
‫والمير والطرييق‪ .‬وبفتحهيا فيي الجسيام كالخشيب والجدار؛ وقيد تقدم‪ .‬ولييس فيي القرآن عوج‪ ،‬أي‬
‫عييب‪ ،‬أي لييس متناقضيا مختلقيا؛ كميا قال تعالى‪" :‬ولو كان مين عنيد غيير ال لوجدوا فييه اختلفيا‬
‫كثيرا" [النساء‪ ]82:‬وقيل‪ :‬أي لم يجعله مخلوقا؛ كما روي عن ابن عباس في قوله تعالى "قرآنا‬
‫عربيييا غييير ذي عوج" [الزميير‪ ]28:‬قال‪ :‬غييير مخلوق‪ .‬وقال مقاتييل‪" :‬عوجييا" اختلفييا‪ .‬قال‬
‫ول خير فيمن كان في الود أعوجا‬ ‫الشاعر‪ :‬أدوم بودي للصديق تكرما‬
‫"لينذر بأسا شديدا" أي لينذر محمد أو القرآن‪ .‬وفيه إضمار‪ ،‬أي لينذر الكافرين عقاب ال‪ .‬وهذا‬
‫العذاب الشديد قد يكون في الدنيا وقد يكون في الخرة‪" .‬من لدنه" أي من عنده وقرأ أبو بكر عن‬
‫عاصيم "مين لدنيه" بإسيكان الدال وإشمامهيا الضيم وكسير النون‪ ،‬والهاء موصيولة بياء‪ .‬والباقون‬
‫"لدنيه" بضيم الدال وإسيكان النون وضيم الهاء‪ .‬قال الجوهري‪ :‬وفيي "لدن" ثلث لغات‪ :‬لدن‪،‬‬
‫ولدي‪ ،‬ولد‪ .‬وقال‪:‬‬
‫من لد لحييه إلى منحوره‬
‫المنحور لغة المنحر‪.‬‬
‫@قوله تعالى‪" :‬ويبشر المؤمنين الذين يعملون الصالحات أن لهم" أي بأن لهم "أجرا حسنا" وهي‬
‫الجنة‪" .‬ماكثين" دائمين‪" .‬فيه أبدا" ل إلى غاية‪ .‬وإن حملت التبشير على البيان لم يحتج إلى الباء‬
‫في "بأن"‪ .‬والجر الحسن‪ :‬الثواب العظيم الذي يؤدي إلى الجنة‪.‬‬
‫*‪*3‬اليتان‪{ 5 - 4 :‬وينذر الذين قالوا اتخذ ال ولدا‪ ،‬ما لهم به من علم ول لبائهم كبرت كلمة‬
‫تخرج من أفواههم إن يقولون إل كذبا}‬
‫@وهم اليهود‪ ،‬قالوا عزير ابن ال‪ ،‬والنصارى قالوا المسيح ابن ال‪ ،‬وقريش قالت الملئكة بنات‬
‫ال‪ .‬فالنذار في أول السورة عام‪ ،‬وهذا خاص فيمن قال ل ولد‪" .‬ما لهم به من علم" "من" صلة‪،‬‬
‫أي ما لهم بذلك القول علم؛ لنهم مقلدة قالوه بغير دليل‪" .‬ول لبائهم" أي أسلفهم‪" .‬كبرت كلمة"‬
‫"كلمية" نصيب على البيان؛ أي كيبرت تلك الكلمية كلمية‪ .‬وقرأ الحسين ومجاهيد ويحييى بين يعمير‬
‫وابن أبي إسحاق "كلمة" بالرفع؛ أي عظمت كلمة؛ يعني قولهم اتخذ ال ولدا‪ .‬وعلى هذه القراءة‬
‫فل حاجة إلى إضمار‪ .‬يقال‪ :‬كبر الشيء إذا عظم‪ .‬وكبر الرجل إذا أسن‪" .‬تخرج من أفواههم" في‬
‫موضع الصفة‪" .‬إن يقولون إل كذبا" أي ما يقولون إل كذبا‪.‬‬
‫*‪*3‬الية‪{ 6 :‬فلعلك باخع نفسك على آثارهم إن لم يؤمنوا بهذا الحديث أسفا}‬
‫@قوله تعالى‪" :‬فلعلك باخيع نفسيك على آثارهيم" "باخيع" أي مهلك وقاتيل؛ وقيد تقدم‪" .‬آثارهيم"‬
‫جمع أثر‪ ،‬ويقال إثر‪ .‬والمعنى‪ :‬على أثر توليهم وإعراضهم عنك‪" .‬إن لم يؤمنوا بهذا الحديث" أي‬
‫القرآن‪" .‬أسفا" أي حزنا وغضبا على كفرهم؛ وانتصب على التفسير‪.‬‬
‫*‪*3‬الية‪{ 7 :‬إنا جعلنا ما على الرض زينة لها لنبلوهم أيهم أحسن عمل}‬
‫@قوله تعالى‪" :‬إنيا جعلنيا ميا على الرض زينية" "ميا" و"زينية" مفعولن‪ .‬والزينية كيل ميا على‬
‫وجييه الرض؛ فهييو عموم لنييه دال على بارئه‪ .‬وقال ابيين جييبير عيين ابيين عباس‪ :‬أراد بالزينيية‬
‫الرجال؛ قال مجاهيد‪ .‬وروى عكرمية عين ابين عباس أن الزينية الخلفاء والمراء‪ .‬وروى ابين أبيي‬
‫نجيح عن مجاهد عن ابن عباس في قوله تعالى‪" :‬إنا جعلنا ما على الرض زينة لها" قال‪ :‬العلماء‬
‫زينية الرض‪ .‬وقالت فرقية‪ :‬أراد النعيم والملبيس والثمار والخضرة والمياه‪ ،‬ونحيو هذا مميا فييه‬
‫زينية؛ ولم يدخيل فييه الجبال الصيم وكيل ميا ل زينية فييه كالحيات والعقارب‪ .‬والقول بالعموم أولى‪،‬‬
‫وأن كل ما على الرض فيه زينة من جهة خلقه وصنعه وإحكامه‪ .‬والية بسط في التسلية؛ أي ل‬
‫تهتيم ييا محميد للدنييا وأهلهيا فإنيا إنميا جعلنيا ذلك امتحانيا واختبارا لهلهيا؛ فمنهيم مين يتدبر ويؤمين‪،‬‬
‫ومنهم من يكفر‪ ،‬ثم يوم القيامة بين أيديهم؛ فل يعظمن عليك كفرهم فإنا نجازيهم‪.‬‬
‫@ معنيى هذه اليية ينظير إلى قول النيبي صيلى ال علييه وسيلم‪( :‬إن الدنييا خضرة حلوة وال‬
‫مسيتخلفكم فيهيا فينظير كييف تعملون)‪ .‬وقوله صيلى ال علييه وسيلم‪( :‬إن أخوف ميا أخاف عليكيم ميا‬
‫يخرج ال لكييم ميين زهرة الدنيييا) قال‪ :‬ومييا زهرة الدنيييا؟ قال‪( :‬بركات الرض) خرجهمييا مسييلم‬
‫وغيره مين حدييث أبيي سيعيد الخدري‪ .‬والمعنيى‪ :‬أن الدنييا مسيتطابة فيي ذوقهيا معجبية فيي منظرهيا‬
‫كالثمر المستحلى المعجب المرأى؛ فابتلى ال بها عباده لينظر أيهم أحسن عمل‪ .‬أي من أزهد فيها‬
‫وأترك لهييا؛ ول سييبيل للعباد إلى معصييية مييا زينيية ال إل [أن] يعينييه على ذلك‪ .‬ولهذا كان عميير‬
‫يقول فيميا ذكير البخاري‪ :‬اللهيم إنيا ل نسيتطيع إل أن نفرح بميا زينتيه لنيا‪ ،‬اللهيم إنيي أسيألك أن أنفقيه‬
‫فيي حقيه‪ .‬فدعيا ال أن يعينيه على إنفاقيه فيي حقيه‪ .‬وهذا معنيى قوله علييه السيلم‪( :‬فمين أخذه بطييب‬
‫نفيس بورك له فييه ومين أخذه بإشراف نفيس كان كالذي يأكيل ول يشبيع)‪ .‬وهكذا هيو المكثير مين‬
‫الدنييا ل يقنيع بميا يحصيل له منهيا بيل همتيه جمعهيا؛ وذلك لعدم الفهيم عين ال تعالى ورسيوله؛ فإن‬
‫الفتنية معهيا حاصيلة وعدم السيلمة غالبية‪ ،‬وقيد أفلح مين أسيلم ورزق كفافيا وقنعيه ال بميا آتاه‪ .‬وقال‬
‫ابن عطية‪ :‬كان أبي رضيى ال عنه يقول في قوله "أحسن عمل"‪ :‬أحسن العمل أخذ بحيق وإنفاق‬
‫في حق مع اليمان وأداء الفرائض واجتناب المحارم والكثار من المندوب إليه‪.‬‬
‫قلت‪ :‬هذا قول حسن‪ ،‬وجيز في ألفاظه بليغ في معناه‪ ،‬وقد جمعه النبي صلى ال عليه وسلم في‬
‫لفيظ واحيد وهيو قوله لسيفيان بين عبدال الثقفيي لميا قال‪ :‬ييا رسيول ال‪ ،‬قيل لي فيي السيلم قول ل‬
‫أسأل عنه أحدا بعدك ‪ -‬في رواية‪ :‬غيرك‪ .‬قال‪( :‬قل آمنت بال ثم استقم) خرجه مسلم‪ .‬وقال سفيان‬
‫الثوري‪" :‬أحسن عمل" أزهدهم فيها‪ .‬وكذلك قال أبو عصام العسقلني‪" :‬أحسن عمل" أترك لها‪.‬‬
‫وقيد اختلفيت عبارات العلماء فيي الزهيد؛ فقال قوم‪ :‬قصير الميل ولييس بأكيل الخشين ولبيس العباء؛‬
‫قاله سييفيان الثوري‪ .‬قال علماؤنييا‪ :‬وصييدق رضييي ال عنييه لن ميين قصيير أمله لم يتأنييق فييي‬
‫المطعومات ول يتفنين فيي الملبوسيات‪ ،‬وأخيذ مين الدنييا ميا تيسير‪ ،‬واجتزأ منهيا بميا يبلغ‪ .‬وقال قوم‪:‬‬
‫بغيض المحمدة وحيب الثناء‪ .‬وهيو قول الوزاعيي ومين ذهيب إلييه‪ .‬وقال قوم‪ :‬ترك الدنييا كلهيا هيو‬
‫الزهيد؛ أحيب تركهيا أم كره‪ .‬وهيو قول فضييل‪ .‬وعين بشير بين الحارث قال‪ :‬حيب الدنييا حيب لقاء‬
‫الناس‪ ،‬والزهد في الدنيا الزهد في لقاء الناس‪ .‬وعن الفضيل أيضا‪ :‬علمة الزهد في الدنيا الزهد‬
‫فييي الناس‪ .‬وقال قوم‪ :‬ل يكون الزاهييد زاهدا حتييى يكون ترك الدنيييا أحييب إليييه ميين أخذهييا؛ قال‬
‫إبراهيم بن أدهم‪ .‬وقال قوم‪ :‬الزهد أن تزهد في الدنيا بقلبك؛ قاله ابن المبارك‪ .‬وقالت فرقة‪ :‬الزهد‬
‫حب الموت‪ .‬والقول الول يعم هذه القوال بالمعنى فهو أولى‪.‬‬
‫*‪*3‬الية‪{ 8 :‬وإنا لجاعلون ما عليها صعيدا جرزا}‬
‫@ تقدم بيانه‪ .‬وقال أبو سهل‪ :‬ترابا ل نبات به؛ كأنه قطع نباته‪ .‬والجرز‪ :‬القطع؛ ومنه سنة جرز‪.‬‬
‫قال الراجز‪:‬‬
‫قد جرفتهن النون الجراز‬
‫والرض الجرز التيي ل نبات فيهيا ول شييء مين عمارة وغيرهيا؛ كأنيه قطيع وأزييل‪ .‬يعنيي يوم‬
‫القياميية؛ فإن الرض تكون مسييتوية ل مسييتتر فيهييا‪ .‬النحاس‪ :‬والجرز فييي اللغيية الرض التييي ل‬
‫نبات بهيا‪ .‬قال الكسيائي‪ :‬يقال جرزت الرض تجرز‪ ،‬وجرزهيا القوم يجرزونهيا إذا أكلوا كيل ميا‬
‫جاء فيا من النبات والزرع فهي مجروزة وجرز‪.‬‬
‫*‪*3‬الية‪{ 9 :‬أم حسبت أن أصحاب الكهف والرقيم كانوا من آياتنا عجبا}‬
‫@ مذهب سيبويه أن "أم" إذا جاءت دون أن يتقدمها ألف استفهام أنها بمعنى بل وألف الستفهام‪،‬‬
‫وهيي المنقطعية‪ .‬وقييل‪" :‬أم" عطيف على معنيى السيتفهام فيي لعلك‪ ،‬أو بمعنيى ألف السيتفهام على‬
‫النكار‪ .‬قال الطبري‪ :‬وهو تقرير للنبي صلى ال عليه وسلم على حسابه أن أصحاب الكهف كانوا‬
‫عجبيا‪ ،‬بمعنيى إنكار ذلك عليه؛ أي ل يعظم ذلك بحسيب ميا عظمه عليك السائلون من الكفرة‪ ،‬فإن‬
‫سييائر آيات ال أعظييم ميين قصييتهم وأشيييع؛ هذا قول ابيين عباس ومجاهييد وقتادة وابيين إسييحاق‪.‬‬
‫والخطاب للنبي صلى ال عليه وسلم؛ وذلك أن المشركين سألوه عن فتية فقدوا‪ ،‬وعن ذي القرنين‬
‫وعين الروح‪ ،‬وأبطيأ الوحيي على ميا تقدم‪ .‬فلميا نزل قال ال تعالى لنيبيه علييه السيلم‪ :‬أحسيبت ييا‬
‫محمد أن أصحاب الكهف والرقيم كانوا من آياتنا عجبا؛ أي ليسوا بعجب من آياتنا‪ ،‬بل في آياتنا ما‬
‫هو أعجب من خبرهم‪ .‬الكلبي‪ :‬خلق السماوات والرض أعجب من خبرهم‪ .‬الضحاك‪ :‬ما أطلعتك‬
‫عله مين الغييب أعجيب‪ .‬الجنييد‪ :‬شأنيك فيي السيراء أعجيب‪ .‬الماوردي‪ :‬معنيى الكلم النفيي؛ أي ميا‬
‫حسيبت لول إخبارنيا‪ .‬أبيو سيهل‪ :‬اسيتفهام تقريير؛ أي أحسيبت ذلك فإنهيم عجيب‪ .‬والكهيف‪ :‬النقيب‬
‫المتسع في الجبل؛ وما لم يتسع فهو غار‪ .‬وحكى النقاش عن أنس بن مالك أنه قال‪ :‬الكهف الجبل؛‬
‫وهذا غير شهير في اللغة‪.‬‬
‫واختلف الناس فييي الرقيييم؛ فقال ابيين عباس‪ :‬كييل شيييء فييي القرآن أعلمييه إل أربعيية‪ :‬غسييلين‬
‫وحنان والواه والرقيييم‪ .‬وسييئل مرة عيين الرقيييم فقال‪ :‬زعييم كعييب أنهييا قرييية خرجوا منهييا‪ .‬وقال‬
‫مجاهيد‪ :‬الرقييم واد‪ .‬وقال السيدي‪ :‬الرقييم الصيخرة التيي كانيت على الكهيف‪ .‬وقال ابين زييد‪ :‬الرقييم‬
‫كتاب غم ال علينا أمره‪ ،‬ولم يشرح لنا قصته‪ .‬وقالت فرقة‪ :‬الرقيم كتاب في لوح من نحاس‪ .‬وقال‬
‫ابين عباس‪ :‬فيي لوح مين رصياص كتيب فييه القوم الكفار الذي فير الفتيية منهيم قصيتهم وجعلوهيا‬
‫تاريخا لهم‪ ،‬ذكروا وقت فقدهم‪ ،‬وكم كانوا‪ ،‬وبين من كانوا‪ .‬وكذا قال القراء‪ ،‬قال‪ :‬الرقيم لوح من‬
‫رصيياص كتييب فيييه أسييماؤهم وأنسييابهم ودينهييم ومميين هربوا‪ .‬فال ابيين عطييية‪ :‬ويظهيير ميين هذه‬
‫الروايات أنهم كانوا قوما مؤرخين للحوادث‪ ،‬وذلك من نبل المملكة‪ ،‬وهو أمر مفيد‪ .‬وهذه القوال‬
‫مأخوذة من الرقم؛ ومنه كتاب مرقوم‪ .‬ومنه الرقم لتخطيطه‪ .‬ومنه رقمة الوادي؛ أي مكان جري‬
‫الماء وانعطافيه‪ .‬وميا روي عين ابين عباس لييس بمتناقيض؛ لن القول الول إنميا سيمعه مين كعيب‪.‬‬
‫والقول الثانيي يجوز أن يكون عرف الرقييم بعده‪ .‬وروى عنيه سيعيد بين جيبير قال‪ :‬ذكير ابين عباس‬
‫أصييحاب الكهييف فقال‪ :‬إن الفتييية فقدوا فطلبهييم أهلوهييم فلم يجدوهييم فرفييع ذلك إلى الملك فقال‪:‬‬
‫ليكونن لهم نبأ‪ ،‬وأحضر لوحا من رصاص فكتب فيه أسماءهم وجعله في خزانته؛ فذلك اللوح هو‬
‫الرقييم‪ .‬وقييل‪ :‬إن مؤمنيين كانيا فيي بييت الملك فكتبيا شأن الفتيية وأسيماءهم وأنسيابهم فيي لوح مين‬
‫رصياص ثيم جعله فيي تابوت مين نحاس وجعله فيي البنيان؛ فال اعلم‪ .‬وعين ابين عباس أيضيا‪:‬‬
‫الرقييم كتاب مرقوم كان عندهيم فييه الشرع الذي تمسيكوا بيه مين ديين عيسيى علييه السيلم‪ .‬وقال‬
‫النقاش عين قتادة‪ :‬الرقييم دراهمهيم‪ .‬وقال أنيس بين مالك والشعيبي‪ :‬الرقيييم كلبهيم‪ .‬وقال عكرمية‪:‬‬
‫الرقيييم الدواة‪ .‬وقيييل‪ :‬الرقيييم اللوح ميين الذهييب تحييت الجدار الذي أقامييه الخضيير‪ .‬وقيييل‪ :‬الرقيييم‬
‫أصحاب الغار الذي انطبق عليهم؛ فذكر كل واحد منهم أصلح عمله‪.‬‬
‫قلت‪ :‬وفي هذا خير معروف أخرجه الصحيحان‪ ،‬وإليه نحا البخاري‪ .‬وقال قوم‪ :‬أخبر ال عن‬
‫أصحاب الكهف‪ ،‬ولم يخبر عن أصحاب الرقيم بشيء‪ .‬وقال الضحاك‪ :‬الرقيم بلدة بالروم فيها غار‬
‫فيه أحد وعشرون نفسا كأنهم نيام على هيئة أصحاب الكهف‪ ،‬فعلى هذا هم فتية آخرون جرى لهم‬
‫ما جرى لصحاب الكهف‪ .‬وال اعلم‪ .‬وقيل‪ :‬الرقيم واد دون فلسطين فيه الكهف؛ مأخوذ من رقمة‬
‫الوادي وهييي موضييع الماء؛ يقال‪ :‬عليييك بالرقميية ودع الضفيية؛ ذكره الغزنوي‪ .‬قال ابيين عطييية‪:‬‬
‫وبالشام على ميا سيمعت بيه مين ناس كثيير كهيف فييه موتيى‪ ،‬يزعيم مجاوروه أنهيم أصيحاب الكهيف‬
‫وعليهيم مسيجد وبناء يسيمى الرقييم ومعهيم كلب رمية‪ .‬وبالندلس فيي جهية غرناطية بقرب قريية‬
‫تسيمى لوشية كهيف فييه موتيى ومعهيم كلب رمية‪ ،‬وأكثرهيم قيد تجرد لحميه وبعضهيم متماسيك‪ ،‬وقيد‬
‫مضيت القرون السيالفة ولم نجيد مين علم شأنهيم أثارة‪ .‬ويزعيم ناس أنهيم أصيحاب الكهيف‪ ،‬دخلت‬
‫إليهيم ورأيهيم سينة أربيع وخمسيمائة وهيم بهذه الحالة‪ ،‬وعليهيم مسيجد‪ ،‬وقرييب منهيم بناء روميي‬
‫يسيمى الرقييم‪ ،‬كأنيه قصير مخلق قد بقي بعض جدرانه‪ ،‬وهو فيي فلة من الرض خربة‪ ،‬وبأعلى‬
‫غرناطية مميا يلي القبلة آثار مدينية قديمية روميية يقال لهيا مدينية دقيوس‪ ،‬وجدنيا فيي آثارهيا غرائب‬
‫من قبور ونحوها‪.‬‬
‫قلت‪ :‬ميا ذكير مين رؤيتيه لهيم بالندلس فإنميا هيم غيرهيم‪ ،‬لن ال تعالى يقول فيي حيق أصيحاب‬
‫الكهف‪" :‬لو اطلعت عليهم لوليت منهم فرارا ولملئت منهم رعبا" [الكهف‪ .]18 :‬وقال ابن عباس‬
‫لمعاويية لميا أراد رؤيتهيم‪ :‬قيد منيع ال مين هيو خيير منيك عين ذلك؛ وسييأتي فيي آخير القصية‪ .‬وقال‬
‫مجاهيد في قول "كانوا من آياتنيا عجبيا" قال‪ :‬هم عجيب‪ .‬كذا روى ابين جريج عنه؛ يذهب إلى أنه‬
‫بإنكار على النبي صلى ال عليه وسلم أن يكون عنده أنهم عجب‪ .‬وروى ابن نجيح عنه قال‪ :‬يقول‬
‫ليس بأعجب آياتنا‪.‬‬
‫*‪*3‬اليية‪{ 10 :‬إذ أوى الفتيية إلى الكهيف فقالوا ربنيا آتنيا مين لدنيك رحمية وهييئ لنيا مين أمرنيا‬
‫رشدا}‬
‫@قوله تعالى‪" :‬إذ أوى الفتيية إلى الكهيف" روي أنهم قوم مين أبناء أشراف مدينية دقيوس الملك‬
‫الكافير‪ ،‬ويقال فييه دقينوس‪ .‬وروي أنهيم كانوا مطوقيين مسيورين بالذهيب ذوي ذوائب‪ ،‬وهيم مين‬
‫الروم واتبعوا دييين عيسييى‪ .‬وقيييل‪ :‬كانوا قبييل عيسييى‪ ،‬وال اعلم‪ .‬وقال ابيين عباس‪ :‬إن ملكييا ميين‬
‫الملوك يقال له دقيانوس ظهير على مدينية مين مدائن الروم يقال لهيا أفسيوس‪ .‬وقييل هيي طرسيوس‬
‫وكان بعد زمن عيسى عليه السلم فأمر بعبادة الصنام فدعا أهلها إلى عبادة الصنام‪ ،‬وكان بها‬
‫سييبعة أحداث يعبدون سييرا‪ ،‬فرفييع خييبرهم إلى الملك وخافوه فهربوا ليل‪ ،‬ومروا براع معييه كلب‬
‫فتبعهيم فآووا إلى الكهيف فتبعهيم الملك إلى فيم الغار‪ ،‬فوجيد أثير دخولهيم ولم يجيد أثير خروجهيم‪،‬‬
‫فدخلوا فأعميى ال أبصيارهم فلم يروا شيئا؛ فقال الملك‪ :‬سيدوا عليهيم باب الغار حتيى يموتوا فييه‬
‫جوعييا وعطشييا‪ .‬وروى مجاهييد عيين ابيين عباس أيضييا أن هؤلء الفتييية كانوا فييي دييين ملك يعبييد‬
‫الصيينام ويذبيح لهيا ويكفير بال‪ ،‬وقيد تابعيه على ذلك أهيل المدينية‪ ،‬فوقيع للفتيية علم مين بعيض‬
‫الحواريين ‪ -‬حسبما ذكر النقاش أو من مؤمني المم قبلهم ‪ -‬فآمنوا بال ورأوا ببصائرهم قبيح فعل‬
‫الناس‪ ،‬فأخذوا نفوسيهم بالتزام الديين وعبادة ال؛ فرفيع أمرهيم إلى الملك وقييل لي‪ :‬إنهيم قيد فارقوا‬
‫دينيك واسيتخفوا آلهتيك وكفروا بهيا‪ ،‬فاسيتحضرهم الملك إلى مجلسيه وأمرهيم باتباع دينيه والذبيح‬
‫للهته‪ ،‬وتوعدهم على فراق ذلك بالقتل؛ فقالوا له فيما روي‪" :‬ربنا رب السماوات والرض ‪ -‬إلى‬
‫قوله ‪ -‬وإذا اعتزلتموهيم" [الكهيف‪ ]16 :‬وروي أنهيم قالوا نحيو هذا الكلم ولييس بيه‪ ،‬فقال لهيم‬
‫الملك‪ :‬إنكيم شبان أغمار ل عقول لكيم‪ ،‬وأنيا ل أعجيل بكيم بيل اسيتأني فاذهبوا إلى منازلكيم ودبروا‬
‫رأيكييم وارجعوا إلى أمري‪ ،‬وضرب لهييم فييي ذلك أجل‪ ،‬ثييم إنييه خلل الجييل فتشاور الفتييية فييي‬
‫الهروب بأديانهيم‪ ،‬فقال لهيم أحدهيم‪ :‬إنيي أعرف كهفيا فيي جبيل كذا‪ ،‬وكان أبيي يدخيل فييه غنميه‬
‫فلنذهييب فلنختييف فيييه حتييى يفتييح ال لنييا؛ فخرجوا فيمييا روي يلعبون بالصييولجان والكرة‪ ،‬وهييم‬
‫يدحرجونها إلى نحو طريقهم لئل يشعر الناس بهم‪ .‬وروي أنهم كانوا مثقفين فحضر عيد خرجوا‬
‫إلييه فركبوا فيي جملة الناس‪ ،‬ثيم أخذوا باللعيب بالصيولجان حتيى خلصيوا بذلك‪ .‬وروى وهيب بين‬
‫منبييه أن أول أمرهييم إنمييا كان حواري لعيسييى بيين مريييم جاء إلى مدينيية أصييحاب الكهييف يريييد‬
‫دخولهيا‪ ،‬فأجير نفسيه مين صياحب الحمام وكان يعميل فييه‪ ،‬فرأى صياحب الحمام فيي أعماله بركية‪.‬‬
‫عظيمية‪ ،‬فألقيى إلييه بكيل أمره‪ ،‬وعرف ذلك الرجيل فتيان مين المدينية فعرفهيم ال تعالى فآمنوا بيه‬
‫واتبعوه على دينيه‪ ،‬واشتهرت خلطتهيم به؛ فأتيى يوميا إلى ذلك الحمام ولد الملك بامرأة أراد الخلوة‬
‫بها‪ ،‬فنهاه ذلك الحواري فانتهى‪ ،‬ثم جاء مرة أخرى فنهاه فشتمه‪ ،‬وأمضى عزمه في دخول الحمام‬
‫مع البغي‪ ،‬فدخل فماتا فيه جميعا؛ فاتهم ذلك الحواري وأصحابه بقتلهما؛ ففروا جميعا حتى دخلوا‬
‫الكهف‪ .‬وقيل في خروجهم غير هذا‪.‬‬
‫وأما الكلب فروي أنه كان كلب صيد لهم‪ ،‬وروي أنهم وجدوا في طريقهم راعيا له كلب فاتبعهم‬
‫الراعيي على رأيهيم وذهيب الكلب معهيم؛ قال ابين عباس‪ .‬واسيم الكلب حمران وقييل قطميير‪ .‬وأميا‬
‫أسيماء أهيل الكهيف فأعجميية‪ ،‬والسيند فيي معرفتهيا واه‪ .‬والذي ذكره الطيبري هيي هذه‪ :‬مكسيلمينا‬
‫وهيو أكيبرهم والمتكلم عنهيم‪ ،‬ومحسييميلنينا ويمليخيا‪ ،‬وهيو الذي مضيى بالورق إلى المدينية عنيد‬
‫بعثهم من رقدتهم‪ ،‬ومرطوس وكشوطوش ودينموس ويطونس وبيرونس‪ .‬قال مقاتل‪ :‬وكان الكلب‬
‫لمكسلمينا‪ ،‬وكان أسنهم وصاحب غنم‪.‬‬
‫@ هذه اليية صيريحة فيي الفرار بالديين وهجرة الهيل والبنيين والقرابات والصيدقاء والوطان‬
‫والموال خوف الفتنية وميا يلقاه النسيان مين المحنية‪ .‬وقيد خرج النيبي صيلى ال علييه وسيلم فارا‬
‫بدينه‪ ،‬وكذلك أصحابه‪ ،‬وجلس في الغار حسبما تقدم في سورة "النحل"‪ .‬وقد نص ال تعالى على‬
‫ذلك فييي "براءة" وقييد تقدم‪ .‬وهجروا أوطانهييم وتركوا أرضهييم وديارهييم وأهاليهييم وأولدهييم‬
‫وقراباتهييم وإخوانهييم‪ ،‬رجاء السييلمة بالدييين والنجاة ميين فتنيية الكافرييين‪ .‬فسييكنى الجبال ودخول‬
‫الغيران‪ ،‬والعزلة عن الخلق والنفراد بالخالق‪ ،‬وجواز الفرار من الظالم هي سنة النبياء صلوات‬
‫ال عليهم والولياء‪ .‬وقد فضل رسول ال صلى ال عليه وسلم العزلة‪ ،‬وفضلها جماعة العلماء ل‬
‫سيما عند ظهور الفتن وفساد الناس‪ ،‬وقد نص ال تعالى عليها في كتابه فقال‪" :‬فأووا إلى الكهف"‪.‬‬
‫وقال العلماء العتزال عين الناس يكون مرة فيي الجبال والشعاب‪ ،‬ومرة فيي السيواحل والرباط‪،‬‬
‫ومرة فيي البيوت؛ وقيد جاء فيي الخيبر‪( :‬إذا كانيت الفتنية فأخيف مكانيك وكيف لسيانك)‪ .‬ولم يخيص‬
‫موضعيا مين موضيع‪ .‬وقيد جعلت طائفية مين العلماء العزلة اعتزال الشير وأهله بقلبيك وعملك‪ ،‬إن‬
‫كنيت بيين أظهرهيم‪ .‬وقال ابين المبارك فيي تفسيير العزلة‪ :‬أن تكون ميع القوم فإذا خاضوا فيي ذكير‬
‫ال فخض معهم‪ ،‬وإن خاضوا في غير ذلك فاسكت‪ .‬وروى البغوي عن ابن عمر عن النبي صلى‬
‫ال علييه وسيلم قال‪( :‬المؤمين الذي يخالط الناس ويصيبر على أذاهيم أفضيل مين المؤمين الذي ل‬
‫يخالطهييم ول يصييبر على أذاهييم)‪ .‬وروي عيين النييبي صييلى ال عليييه وسييلم قال‪( :‬نعييم صييوامع‬
‫المؤمنيين بيوتهيم) مين مراسيل الحسين وغيره‪ .‬وقال عقبية بين عامير لرسيول ال صيلى ال علييه‬
‫وسييلم‪ :‬مييا النجاة يييا رسييول ال؟ فقال‪( :‬يييا عقبيية أمسييك عليييك لسييانك وليسييعك بيتييك وابييك على‬
‫خطيئتيك)‪ .‬وقال صيلى ال علييه وسيلم‪( :‬يأتيي على الناس زمان خيير مال الرجيل المسيلم الغنيم يتبيع‬
‫بهيا شعيف الجبال ومواقيع القطير يفير بدينيه مين الفتين)‪ .‬خرجيه البخاري‪ .‬وذكير علي بين سيعد عين‬
‫الحسين بين واقيد قال قال رسيول ال صيلى ال علييه وسيلم‪( :‬إذا كانيت سينة ثمانيين ومائة فقيد حلت‬
‫لمتيي العزبية والعزلة والترهيب فيي رؤوس الجبال)‪ .‬وذكير أيضيا علي بين سيعد عين عبدال بين‬
‫المبارك عين مبارك بن فضالة عين الحسين يرفعيه إلى رسيول ال صيلى ال علييه وسيلم قال‪( :‬يأتيي‬
‫على الناس زمان ل يسيلم لذي دين دينه إل من فير بدينيه من شاهيق إلى شاهيق أو حجر إلى حجير‬
‫فإذا كان ذلك لم تنييل المعيشيية إل بمعصييية ال فإذا كان ذلك حلت العزبيية)‪ .‬قالوا‪ :‬يييا رسييول ال‪،‬‬
‫كيف تحل العزبة وأنت تأمرنا بالتزويج؟ قال‪( :‬إذا كان ذلك كان فساد الرجل على يدي أبويه فإن‬
‫لم يكين له أبوان كان هلكيه على يدي زوجتيه فإن لم تكين له زوجية كان هلكيه على يدي ولده فإن‬
‫لم يكيين له ولد كان هلكييه على يدي القرابات والجيران)‪ .‬قالوا وكيييف ذلك يييا رسييول ال؟ قال‪:‬‬
‫(يعيرونه بضيق المعيشة ويكلفونه ما ل يطيق فعند ذلك يورد نفسه الموارد التي يهلك فيها)‪.‬‬
‫قلت‪ :‬أحوال الناس فيييييي هذا الباب تختلف‪ ،‬فرب رجيييييل تكون له قوة على سيييييكنى الكهوف‬
‫والغيران في الجبال‪ ،‬وهي أرفع الحوال لنها الحالة التي اختارها ال لنبيه صلى ال عليه وسلم‬
‫فيي بدايية أمره‪ ،‬ونيص عليهيا فيي كتابيه مخيبرا عين الفتيية‪ ،‬فقال‪" :‬وإذ اعتزلتموهيم وميا يعبدون إل‬
‫ال فأووا إلى الكهيف" [الكهيف‪ .]16 :‬ورب رجيل تكون العزلة له فيي بيتيه أخيف علييه وأسيهل؛‬
‫وقيد اعتزل رجال مين أهيل بدر فلزموا بيوتهيم بعيد قتيل عثمان فلم يخرجوا إل إلى قبورهيم‪ .‬ورب‬
‫رجيل متوسيط بينهميا فيكون له مين القوة ميا يصيبر بهيا على مخالطية الناس وأذاهيم‪ ،‬فهيو معهيم فيي‬
‫الظاهير ومخالف لهيم فيي الباطين‪ .‬وذكير ابين المبارك حدثنيا وهييب بين الورد قال‪ :‬جاء رجيل إلى‬
‫وهب بن منبه فقال‪ :‬إن الناس وقعوا فيما وقعوا وقد حدثت نفسي أل أخالطهم‪ .‬فقال‪ :‬ل تفعل إنه ل‬
‫بيد لك مين الناس‪ ،‬ول بيد لهيم منيك‪ ،‬ولك إليهيم حوائج‪ ،‬ولهيم إلييك حوائج‪ ،‬ولكين كين فيهيم أصيم‬
‫سميعا‪ ،‬أعمى بصيرا‪ ،‬سكوتا نطوقا‪ .‬وقد قيل‪ :‬إن كل موضع يبعد عن الناس فهو داخل في معنى‬
‫الجبال والشعاب؛ مثييل العتكاف فييي المسيياجد‪ ،‬ولزوم السييواحل للرباط والذكيير‪ ،‬ولزوم البيوت‬
‫فرارا عين شرور الناس‪ .‬وإنميا جاءت الحادييث بذكير الشعاب والجبال واتباع الغنيم ‪ -‬وال اعلم ‪-‬‬
‫لن ذلك هيو الغلب فيي المواضيع التيي يعتزل فيهيا؛ فكيل موضيع يبعيد عين الناس فهيو داخيل فيي‬
‫معناه‪ ،‬كما ذكرنا‪ ،‬وال الموفق وبه العصمة‪ .‬وروى عقبة بن عامر قال‪ :‬سمعت رسول ال صلى‬
‫ال علييه وسيلم يقول‪( :‬يعجيب ربيك مين راعيي غنيم فيي رأس شظيية الجبيل يؤذن بالصيلة ويصيلي‬
‫فيقول ال عيز وجيل انظروا إلى عبدي يؤذن ويقييم الصيلة يخاف منيي قيد غفرت لعبدي وأدخلتيه‬
‫الجنة)‪ .‬خرجه النسائي‪.‬‬
‫@قوله تعالى‪" :‬فقالوا ربنيا آتنيا مين لدنيك رحمية" لميا فروا ممين يطلبهيم اشتغلوا بالدعاء ولجؤوا‬
‫إلى ال تعالى فقالوا‪" :‬ربنيا آتنيا مين لدنيك رحمية" أي مغفرة ورزقيا‪" .‬وهييئ لنيا مين أمرنيا رشدا"‬
‫توفيقيا للرشاد‪ .‬وقال ابين عباس‪ :‬مخرجيا مين الغار فيي سيلمة‪ .‬وقييل صيوابا‪ .‬ومين هذا المعنيى أنيه‬
‫عليه السلم كان إذا حزبه أمر فزع إلى الصلة‪.‬‬
‫*‪*3‬الية‪{ 11 :‬فضربنا على آذانهم في الكهف سنين عددا}‬
‫@ عبارة عن إلقاء ال تعالى النوم عليهم‪ .‬وهذه من فصيحات القرآن التي أقرت العرب بالقصور‬
‫عين التيان بمثله‪ .‬قال الزجاج‪ :‬أي منعناهيم عين أن يسيمعوا؛ لن النائم إذا سيمع انتبيه‪ .‬وقال ابين‬
‫عباس‪ :‬ضربنييا على آذانهييم بالنوم؛ أي سييددنا آذانهييم عيين نفوذ الصييوات إليهييا‪ .‬وقيييل‪ :‬المعنييى‬
‫"فضربنيا على آذانهيم" أي فاسيتجبنا دعاءهيم‪ ،‬وصيرفنا عنهيم شير قومهيم‪ ،‬وأنمناهيم‪ .‬والمعنيى كله‬
‫متقارب‪ .‬وقال قطرب‪ :‬هذا كقول العرب ضرب المير على يد الرعية إذا منعهم الفساد‪ ،‬وضرب‬
‫السيييد على يييد عبده المأذون له فييي التجارة إذا منعييه ميين التصييرف‪ .‬قال السييود بيين يعفيير وكان‬
‫ضريرا‪:‬‬
‫ضربت علي الرض بالسداد‬ ‫ومن الحوادث ل أبالك أنني‬
‫وأما تخصيص الذان بالذكر فلنها الجارحة التي منها عظم فساد النوم‪ ،‬وقلما ينقطع نوم نائم إل‬
‫من جهة أذنه‪ ،‬ول يستحكم نوم إل من تعطل السمع‪ .‬ومن ذكر الذن في النوم قوله صلى ال عليه‬
‫وسيلم‪( :‬ذاك رجيل بال الشيطان فيي أذنيه) خرجيه الصيحيح‪ .‬أشار علييه السيلم إلى رجيل طوييل‬
‫النوم‪ ،‬ل يقوم الليل‪ .‬و"عددا" نعت للسنين؛ أي معدودة‪ ،‬والقصد به العبارة عن التكثير؛ لن القليل‬
‫ل يحتاج إلى عدد لنيه قيد عرف‪ .‬والعيد المصيدر‪ ،‬والعدد اسيم المعدود كالنفيض والخبيط‪ .‬وقال أبيو‬
‫عيبيدة‪" :‬عددا" نصيب على المصيدر‪ .‬ثيم قال قوم‪ :‬بيين ال تعالى عدد تلك السينين مين بعيد فقال‪:‬‬
‫"ولبثوا في كهفهم ثلثمائة سنين وازدادوا تسعا" [الكهف‪.]25 :‬‬
‫*‪*3‬الية‪{ 12 :‬ثم بعثناهم لنعلم أي الحزبين أحصى لما لبثوا أمدا}‬
‫@قوله تعالى‪" :‬ثيم بعثناهيم" أي من بعيد نومهم‪ .‬ويقال لمين أحيي أو أقيم من نومه مبعوث؛ لنيه‬
‫كان ممنوعيا مين النبعاث والتصيرف‪" .‬لنعلم أي الحزبيين أحصيى لميا لبثوا أمدا" "لنعلم" عبارة‬
‫عيييين خروج ذلك الشيييييء إلى الوجود ومشاهدتييييه؛ وهذا على نحييييو كلم العرب‪ ،‬أي نعلم ذلك‬
‫موجودا‪ ،‬إل فقيييد كان ال تعالى علم أي الحزبيييين أحصيييى الميييد‪ .‬وقرأ الزهري "ليعلم" بالياء‪.‬‬
‫والحزبان الفريقان‪ ،‬والظاهير مين اليية أن الحزب الواحيد هيم الفتيية إذ ظنوا لبثهيم قليل‪ .‬والحزب‬
‫الثاني أهل المدينة الذين بعث الفتية على عهدهم‪ ،‬حين كان عندهم التاريخ لمر الفتية‪ .‬وهذا قول‬
‫الجمهور مين المفسيرين‪ .‬وقالت فرقية‪ :‬هميا حزبان مين الكافريين‪ ،‬اختلفيا فيي مدة أصيحاب الكهيف‪.‬‬
‫وقيل‪ :‬هما حزبان من المؤمنين‪ .‬وقيل غير ذلك مما ل يرتبط بألفاظ الية‪ .‬و"أحصى" فعل ماض‪.‬‬
‫و"أمدا" نصيب على المفعول بيه؛ قاله أبيو علي‪ .‬وقال الفراء‪ :‬نصيب على التميييز‪ .‬وقال الزجاج‪:‬‬
‫نصب على الظرف‪ ،‬أي أي الحزبين أحصى للبثهم في المد‪ ،‬والمد الغاية‪ .‬وقال مجاهد‪" :‬أمدا"‬
‫نصيب معناه عددا‪ ،‬وهذا تفسيير بالمعنيى على جهية التقرييب‪ .‬وقال الطيبري‪" :‬أمدا" منصيوب بيي‬
‫"لبثوا"‪ .‬ابن عطية‪ :‬وهذا غير متجه‪ ،‬وأما من قال إنه نصب على التفسير فيلحقه من الختلل أن‬
‫أفعيل ل يكون مين فعيل رباعيي إل فيي الشاذ‪ ،‬و"أحصيى" فعيل رباعيي‪ .‬وقيد يحتيج له بأن يقال‪ :‬إن‬
‫أفعيل فيي الرباعيي قيد كثير؛ كقولك‪ :‬ميا أعطاه للمال وآتاه للخيير‪ .‬وقال فيي صيفة حوضيه صيلى ال‬
‫عليه وسلم‪( :‬ماؤه أبيض من اللبن)‪ .‬وقال عمر بن الخطاب‪ :‬فهو لما سواها أضيع‪.‬‬
‫*‪*3‬الية‪{ 13 :‬نحن نقص عليك نبأهم بالحق إنهم فتية آمنوا بربهم وزدناهم هدى}‬
‫@قوله تعالى‪" :‬نحين نقيص علييك نبأهيم بالحيق" لميا اقتضيى قوله تعالى "لنعلم أي الحزبيين‬
‫أحصيى" اختلفيا وقيع فيي أميد الفتيية‪ ،‬عقيب بالخيبر عين أنيه عيز وجيل يعلم مين أمرهيم بالحيق الذي‬
‫وقع‪" .‬إنهم فتية" أي شباب وأحداث حكم لهم بالفتوة حين آمنوا بل واسطة؛ كذلك قال أهل اللسان‪:‬‬
‫رأس الفتوة اليمان‪ .‬وقال الجنيييييد‪ :‬الفتوة بذل الندى وكييييف الذى وترك الشكوى‪ .‬وقيييييل‪ :‬الفتوة‬
‫اجتناب المحارم واسييتعجال المكارم‪ .‬وقيييل غييير هذا‪ .‬وهذا القول حسيين جدا؛ لنييه يعييم بالمعنييى‬
‫جميع ما قيل في الفتوة‪" .‬وزدناهم هدى" أي يسرناهم للعمل الصالح؛ من النقطاع إلى ال تعالى‪،‬‬
‫ومباعدة الناس‪ ،‬والزهييد فييي الدنيييا‪ .‬وهذه زيادة على اليمان‪ .‬وقال السييدي‪ :‬زادهييم هدى بكلب‬
‫الراعييي حييين طردوه ورجموه مخافيية أن ينبييح عليهييم وينبييه بهييم؛ فرفييع الكلب يديييه إلى السييماء‬
‫كالداعي فأنطقه ال‪ ،‬فقال‪ :‬يا قوم لم تطردونني‪ ،‬لم ترجمونني لم تضربونني فوال لقد عرفت ال‬
‫قبل أن تعرفوه بأربعين سنة؛ فزادهم ال بذلك هدى‪.‬‬
‫*‪*3‬الية‪{ 14 :‬وربطنا على قلوبهم إذ قاموا فقالوا ربنا رب السماوات والرض لن ندعوا من‬
‫دونه إلها لقد قلنا إذا شططا}‬
‫@قوله تعالى‪" :‬وربطنا على قلوبهم" عبارة عن شدة عزم وقوة صبر‪ ،‬أعطاها ال لهم حتى قالوا‬
‫بيين يدي الكفار‪" :‬ربنيا رب السيماوات والرض لن ندعيو مين دونيه إلهيا لقيد قلنيا إذا شططيا"‪ .‬ولميا‬
‫كان الفزع وخور النفيس يشبيه بالتناسيب النحلل حسين فيي شدة النفيس وقوة التصيميم أن يشبيه‬
‫الربيط؛ ومنيه يقال‪ :‬فلن رابيط الجأش‪ ،‬إذا كان ل تفرق نفسيه عنيد الفزع والحرب وغيرهيا‪ .‬ومنيه‬
‫الربيط على قلب أم موسيى‪ .‬وقوله تعالى‪" :‬وليربيط على قلوبكيم ويثبيت بيه القدام" [النفال‪]11 :‬‬
‫وقد تقدم‪.‬‬
‫@قوله تعالى‪" :‬إذ قاموا فقالوا" يحتمل ثلثة معان‪ :‬أحدها‪ :‬أن يكون هذا وصف مقامهم بين يدي‬
‫الملك الكافير ‪ -‬كميا تقدم‪ ،‬وهيو مقام يحتاج إلى الربيط على القلب حييث خالفوا دينيه‪ ،‬ورفضوا فيي‬
‫ذات ال هيبتيه‪ .‬والمعنيى الثانيي فيميا قييل‪ :‬إنهيم أولد عظماء تلك المدينية‪ ،‬فخرجوا واجتمعوا وراء‬
‫تلك المدينية مين غيير ميعاد؛ فقال أسينهم‪ :‬إنيي أجيد فيي نفسيي أن ربيي رب السيماوات والرض؛‬
‫فقالوا ونحين كذلك نجيد فيي أنفسينا‪ .‬فقاموا جميعيا فقالوا‪" :‬ربنيا رب السيماوات والرض لن ندعيو‬
‫مين دونيه إلهيا لقيد قلنيا إذا شططيا"‪ .‬أي لئن دعونيا إلهيا غيره فقيد قلنيا إذا جورا ومحال‪ .‬والمعنيى‬
‫الثالث‪ :‬أن يعيبر بالقيام‪ ،‬عين انبعاثهيم بالعزم إلى الهروب إلى ال تعالى ومنابذة الناس؛ كميا تقول‪:‬‬
‫قام فلن إلى أمير كذا إذا عزم علييه بغايية الجيد‪ .‬قال ابين عطيية‪ :‬تعلقيت الصيوفية فيي القيام والقول‬
‫بقول "إذ قاموا فقالوا ربنا رب السماوات والرض"‪.‬‬
‫قلت‪ :‬وهذا تعلق غييير صييحيح هؤلء قاموا فذكروا ال على هدايتييه‪ ،‬وشكروا لمييا أولهييم ميين‬
‫نعميه ونعمتيه‪ ،‬ثيم هاموا على وجوههيم منقطعيين إلى ربهيم خائفيين مين قومهيم؛ وهذه سينة ال فيي‬
‫الرسيييل والنيييبياء والفضلء الولياء‪ .‬أيييين هذا مييين ضرب الرض بالقدام والرقيييص بالكمام‬
‫وخاصة في هذه الزمان عند سماع الصوات الحسان من المرد والنسوان؛ هيهات بينهما وال ما‬
‫بين الرض والسماء‪ .‬ثم هذا حرام عند جماعة العلماء‪ ،‬على ما يأتي بيانه في سورة لقمان إن شاء‬
‫ال تعالى‪ .‬وقد تقدم في "سبحان" عند قوله‪" :‬ول تمش في الرض مرحا" [السراء‪ ]37 :‬ما فيه‬
‫كفايية‪ .‬وقال المام أبيو بكير الطرسيوسي وسيئل عين مذهيب الصيوفية فقال‪ :‬وأميا الرقيص والتواجيد‬
‫فأول مين أحدثيه أصيحاب السيامري؛ لميا اتخيذ لهيم عجل جسيدا له خوار قاموا يرقصيون حوالييه‬
‫ويتواجدون؛ فهو دين الكفار وعباد العجل‪ ،‬على ما يأتي‪.‬‬
‫*‪*3‬الية‪{ 15 :‬هؤلء قومنا اتخذوا من دونه آلهة لول يأتون عليهم بسلطان بين فمن أظلم ممن‬
‫افترى على ال كذبا}‬
‫@قوله تعالى‪" :‬هؤلء قومنا اتخذوا من دونه آلهة" أي قال بعضهم لبعض‪ :‬هؤلء قومنا أي أهل‬
‫عصيرنا وبلدنيا‪ ،‬عبدوا الصينام تقليدا مين غيير حجية‪" .‬لول" أي هل‪" .‬يأتون عليهيم بسيلطان بيين‬
‫فمين أظلم ممين افترى على ال كذبيا" أي بحجية على عبادتهيم الصينم‪ .‬وقييل‪" :‬عليهيم" راجيع إلى‬
‫اللهة؛ أي هل أقاموا بينة على الصنام في كونها آلهة؛ فقولهم "لول" تحضيض بمعنى التعجيز؛‬
‫وإذا لم يمكنهم ذلك لم يجب أن يلتفت إلى دعواهم‪.‬‬
‫*‪*3‬الية‪{ 16 :‬وإذ اعتزلتموهم وما يعبدون إل ال فأووا إلى الكهف ينشر لكم ربكم من رحمته‬
‫ويهيئ لكم من أمركم مرفقا}‬
‫@قوله تعالى‪" :‬وإذ اعتزلتموهيم" قييل‪ :‬هيو مين قول ال لهيم‪ .‬أي وإذ اعتزلتموهيم فاؤوا إلى‬
‫الكهييف‪ .‬وقيييل‪ :‬هييو ميين قول رئيسييهم يمليخييا؛ فيمييا ذكيير ابيين عطييية‪ .‬وقال الغزنوي‪ :‬رئيسييهم‬
‫مكسلمينا‪ ،‬قال لهم ذلك؛ أي إذ اعتزلتموهم واعتزلتم ما يعبدون‪ .‬ثم استثنى وقال "إل ال" أي إنكم‬
‫لم تتركوا عبادتيه؛ فهيو اسيتثناء منقطيع‪ .‬قال ابين عطيية‪ :‬وهذا على تقديير إن الذيين فير أهيل الكهيف‬
‫منهيم ل يعرفون ال‪ ،‬ول علم لهيم بيه؛ وإنميا يعتقدون الصينام فيي ألوهيتهيم فقيط‪ .‬وإن فرضنيا أنهيم‬
‫يعرفون ال كميا كانيت العرب تفعيل لكنهيم يشركون أصينامهم معيه فيي العبادة فالسيتثناء متصيل؛‬
‫لن العتزال وقيع فيي كيل ميا يعبيد الكفار إل فيي جهية ال‪ .‬وفيي مصيحف عبدال بين مسيعود "وميا‬
‫يعبدون من دون ال"‪ .‬قال قتادة هذا تفسيرها‪.‬‬
‫قلت‪ :‬ويدل على هذا مييا ذكره أبييو نعيييم الحافييظ عيين عطاء الخراسيياني فييي قوله تعالى "وإذ‬
‫اعتزلتموهيم وميا يعبدون إل ال" قال‪ :‬كان فتيية مين قوم يعبدون ال ويعبدون معيه آلهية فاعتزلت‬
‫الفتية عبادة تلك اللهة ولم تعتزل عبادة ال‪.‬‬
‫ابين عطيية‪ :‬فعلى ميا قال قتادة تكون "إل" بمنزلة غيير‪ ،‬و"ميا" مين قوله "وميا يعبدون إل ال"‬
‫قي موضع نصب‪ ،‬عطفا على الضمير في قول "اعتزلتموهم"‪ .‬ومضمن هذه الية أن بعضهم قال‬
‫لبعض‪ :‬إذا فارقنا الكفار وانفردنا بال تعالى فلنجعل الكهف مأوى ونتكل على ال؛ فإنه سيبسط لنا‬
‫رحمته‪ ،‬وينشرها علينا‪ ،‬ويهيئ لنا من أمرنا مرفقا‪ .‬وهذا كله دعاء بحسب الدنيا‪ ،‬وعلى ثقة كانوا‬
‫من ال في أمر آخرتهم‪ .‬وقال أبو جعفر محمد بن علي بن الحسين رضي ال عنه‪ :‬كان أصحاب‬
‫الكهف صياقلة‪ ،‬واسم الكهف حيوم‪" .‬مرفقا" قرئ بكسر الميم وفتحها‪ ،‬وهو ما يرتفق به وكذلك‬
‫مرفق النسان ومرفقه؛ ومنهم من يجعل "المرفق" بفتح الميم الموضع كالمسجد وهما لغتان‪.‬‬
‫*‪*3‬اليية‪{ 17 :‬وترى الشميس إذا طلعيت تزاور عين كهفهيم ذات اليميين وإذا غربيت تقرضهيم‬
‫ذات الشمال وهيم فيي فجوة منيه ذلك مين آيات ال مين يهيد ال فهيو المهتيد ومين يضلل فلن تجيد له‬
‫وليا مرشدا}‬
‫@قوله تعالى‪" :‬وترى الشمس إذا طلعت تتزاور عن كهفهم ذات اليمين" أي ترى أيها المخاطب‬
‫الشمس عند طلوعها تميل عن كهفهم‪ .‬والمعنى‪ :‬إنك لو رأيتهم لرأيتهم كذا؛ ل أن المخاطب رآهم‬
‫على التحقييق‪ .‬و"تزاور" تتنحيى وتمييل؛ مين الزورار‪ .‬والزور المييل‪ .‬والزور فيي العيين المائل‬
‫النظر إلى ناحية‪ ،‬ويستعمل في غير العين؛ كما قال ابن أبي ربيعة‪:‬‬
‫وجنبي خيفة القوم أزور‬
‫ومن اللفظة قول عنترة‪:‬‬
‫فازور من وقع القنا بلبانه‬
‫وفيي حدييث غزوة مؤتية أن رسيول ال صيلى ال علييه وسيلم رأى فيي سيرير عبدال بين رواحية‬
‫ازورارا عن سرير جعفر وزيد بن حارثة‪ .‬وقرأ أهل الحرمين وأبو عمرو "تزاور" بإدغام التاء‬
‫فيي الزاي‪ ،‬والصيل "تتزاور"‪ .‬وقرأ عاصيم وحمزة والكسيائي "تزاور" مخففية الزاي‪ .‬وقرأ ابين‬
‫عامير "تزور" مثيل تحمير‪ .‬وحكيى الفراء "تزوار" مثيل تحمار؛ كلهيا بمعنيى واحيد‪" .‬وإذا غربيت‬
‫تقرضهيم" قرأ الجمهور بالتاء على معنيى تتركهيم؛ قاله مجاهيد‪ .‬وقال قتادة‪ :‬تدعهيم‪ .‬النحاس‪ :‬وهذا‬
‫معروف فيي اللغية‪ ،‬حكيى البصيريون أنيه يقال‪ :‬قرضيه يقرضيه إذا تركيه؛ والمعنيى‪ :‬أنهيم كانوا ل‬
‫تصيبهم شمس البتة كرامة لهم؛ وهو قول ابن عباس‪ .‬يعني أن الشمس إذا طلعت مالت عن كهفهم‬
‫ذات اليميين‪ ،‬أي يميين الكهيف‪ ،‬وإذا غربيت تمير بهيم ذات الشمال‪ ،‬أي شمال الكهيف‪ ،‬فل تصييبهم‬
‫فيي ابتداء النهار ول فيي آخير النهار‪ .‬وكان كهفهيم مسيتقبل بنات نعيش فيي أرض الروم‪ ،‬فكانيت‬
‫الشمس تميل عنهم طالعة وغاربة وجارية ل تبلغهم لتؤذيهم بحرها‪ ،‬وتغير ألوانهم وتبلي ثيابهم‪.‬‬
‫وقيد قييل‪ :‬إنيه كان لكهفهيم حاجيب مين جهية الجنوب‪ ،‬وحاجيب مين جهية الدبور وهيم فيي زاويتيه‪.‬‬
‫وذهيب الزجاج إلى أن فعيل الشميس كان آيية مين ال‪ ،‬دون أن يكون باب الكهيف إلى جهية توجيب‬
‫ذلك‪ .‬وقرأت فرقية "بقرضهيم" بالياء مين القرض وهيو القطيع‪ ،‬أي يقطعهيم الكهيف بظله مين ضوء‬
‫الشمييس‪ .‬وقيييل‪" :‬وإذا غربييت تقرضهييم" أي يصيييبهم يسييير منهييا‪ ،‬مأخوذ ميين قارضيية الذهييب‬
‫والفضية‪ ،‬أي تعطيهيم الشميس اليسيير مين شعاعهيا‪ .‬وقالوا‪ :‬كان فيي مسيها لهيم بالعشيي إصيلح‬
‫لجسادهم‪ .‬وعلى الجملة فالية في ذلك أن ال تعالى آواهم إلى كهف هذه صفته ل إلى كهف آخر‬
‫يتأذون فييه بانبسياط الشميس علبهيم فيي معظيم النهار‪ .‬وعلى هذا فيمكين أن يكون صيرف الشميس‬
‫عنهييم بإظلل غمام أو سييبب آخيير‪ .‬والمقصييود بيان حفظهييم عيين تطرق البلء وتغييير البدان‬
‫واللوان إليهييم‪ ،‬والتأذي بحيير أو برد‪" .‬وهييم فييي فجوة منييه" أي ميين الكهييف والفجوة المتسييع‪،‬‬
‫وجمعها فجوات وفجاء؛ مثل ركوة وركاء وركوات وقال الشاعر‪:‬‬
‫رجال وخيل غير ميل ول عزل‬ ‫ونحن ملنا كل واد وفجوة‬
‫أي كانوا بحييث يصييبهم نسييم الهواء‪" .‬ذلك مين آيات ال" لطيف بهيم‪" .‬مين يهيد ال فهيو المهتدي"‬
‫أي لو هداهم ال لهتدوا‪" .‬ومن يضلل فلن تجد له وليا مرشدا" أي ل يهديهم أحد‪.‬‬
‫*‪*3‬اليية‪{ 18 :‬وتحسيبهم أيقاظيا وهيم رقود ونقلبهيم ذات اليميين وذات الشمال وكلبهيم باسيط‬
‫ذراعيه بالوصيد لو اطلعت عليهم لوليت منهم فرارا ولملئت منهم رعبا}‬
‫@قوله تعالى‪" :‬وتحسيبهم أيقاظيا" وقال أهيل التفسيير‪ :‬كانيت أعينهيم مفتوحية وهيم نائمون؛ فكذلك‬
‫كان الرائي يحسبهم أيقاظا‪ .‬وقيل‪ :‬تحسبهم أيقاظا لكثرة تقلبهم كالمستيقظ في مضجعه‪ .‬و"أيقاظا"‬
‫جميع يقيظ ويقظان‪ ،‬وهيو المنتبيه‪" .‬وهيم رقود" كقولهيم‪ :‬وهيم قوم ركوع وسيجود وقعود فوصيف‬
‫الجمع بالمصدر‪" .‬ونقلبهم ذات اليمين وذات الشمال" قال ابن عباس‪ :‬لئل تأكل الرض لحومهم‪.‬‬
‫قال أبيو هريرة‪ :‬كان لهيم فيي كيل عام تقليبتان‪ .‬وقييل‪ :‬فيي كيل سينة مرة‪ .‬وقال مجاهيد‪ :‬فيي كيل سيبع‬
‫سيينين مرة‪ .‬وقالت فرقيية‪ :‬إنمييا قلبوا فييي التسييع الواخيير‪ ،‬وأمييا فييي الثلثمائة فل‪ .‬وظاهيير كلم‬
‫المفسرين أن التقليب كان من فعل ال‪ ،‬ويجوز أن يكون من ملك بأمر ال‪ ،‬فيضاف إلى ال تعالى‪.‬‬
‫@قوله تعالى‪" :‬وكلبهم" قال عمرو بن دينار‪ :‬إن مما أخذ على العقرب أل تضر أحدا [قال] في‬
‫ليله أو في نهاره‪ :‬صلى ال على نوح‪ .‬وإن مما أخذ على الكلب أل يضر من حمل عليه [إذا قال]‪:‬‬
‫وكلبهم باسط ذراعيه بالوصيد‪.‬‬
‫أكثر المفسرين على أنه كلب حقيقة‪ ،‬وكان لصيد أحدهم أو لزرعه أو غنمه؛ على ما قال مقاتل‪.‬‬
‫واختلف فيي لونيه اختلفيا كثيرا‪ ،‬ذكره الثعلبيي‪ .‬تحصييله‪ :‬أي لون ذكرت أصيبت؛ حتيى قييل لون‬
‫الحجيير وقيييل لون السييماء‪ .‬واختلف أيضييا فييي اسييمه؛ فعيين علي‪ :‬ريان‪ .‬ابيين عباس‪ :‬قطمييير‪.‬‬
‫الوزاعي‪ :‬مشير‪ .‬عبدال بن سلم‪ :‬بسيط‪ .‬كعب‪ :‬صهيا‪ .‬وهب‪ :‬نقيا‪ .‬وقيل قطمير؛ ذكره الثعلبي‪.‬‬
‫وكان اقتناء الكلب جائزا في وقتهم‪ ،‬كما هو عندنا اليوم جائز في شرعنا‪ .‬وقال ابن عباس‪ :‬هربوا‬
‫ليل‪ ،‬وكانوا سييبعة فمروا براع معييه كلب فاتبعهييم على دينهييم‪ .‬وقال كعييب‪ :‬مروا بكلب فنبييح لهييم‬
‫فطردوه فعاد فطردوه مرارا‪ ،‬فقام الكلب على رجلييه ورفيع يدييه إلى السيماء كهيئة الداعيي‪ ،‬فنطيق‬
‫فقال‪ :‬ل تخافوا مني أنا أحب أحباء ال تعالى فناموا حتى أحرسكم‪.‬‬
‫@ ورد في الصحيح عن ابن عمر عن النبي صلى ال عليه وسلم قال‪( :‬من اقتنى كلبا إل كلب‬
‫صيد أو ماشية نقص من أجره كل يوم قيراطان)‪ .‬وروى الصحيح أيضا عن أبي هريرة قال‪ :‬قال‬
‫رسيول ال صيلى ال علييه وسيلم‪( :‬مين اتخيذ كلبيا إل كلب ماشيية أو صييد أو زرع انقيص مين أجره‬
‫كيل يوم قيراط)‪ .‬قال الزهري‪ :‬وذكير لبين عمير قول أبيي هريرة فقال‪ :‬يرحيم ال أبيا هريرة كان‬
‫صاحب زرع‪ .‬فقد دلت السنة الثابتة على اقتناء الكلب للصيد والزرع والماشية‪ .‬وجعل النقص في‬
‫أجر من اقتناها على غير ذلك من المنفعة؛ إما لترويع الكلب المسلمين وتشويشه عليهم بنباحه‪ ،‬أو‬
‫لمنيع دخول الملئكية البييت‪ ،‬أو لنجاسيته‪ ،‬على ميا يراه الشافعيي‪ ،‬أو لقتحام النهيي عين اتخاذ ميا ل‬
‫منفعية فييه؛ وال اعلم‪ .‬وقال فيي إحدى الروايتيين (قيراطان) وفيي الخرى (قيراط)‪ .‬وذلك يحتميل‬
‫أن يكون في نوعين من الكلب أحدهما أشد أذى من الخر‪ ،‬كالسود الذي أمر عليه السلم بقتله‪،‬‬
‫ولم يدخله في الستثناء حين نهى عن قتلها كما هو منصوص في حديث جابر؛ أخرجه الصحيح‪.‬‬
‫وقال‪( :‬عليكيييم بالسيييود البهييييم ذي النقطتيييين فإنيييه شيطان)‪ .‬ويحتميييل أن يكون ذلك لختلف‬
‫المواضييع‪ ،‬فيكون ممسييكه بالمدينيية مثل أو بمكيية ينقييص قيراطان وبغيرهييا قيراط‪ .‬وأمييا المباح‬
‫اتخاذه فل ينقص؛ كالفرس والهرة‪ .‬وال اعلم‪.‬‬
‫@ وكلب الماشيية المباح اتخاذه عنيد مالك هيو الذي يسيرح معهيا‪ ،‬ل الذي يحفظهيا فيي الدار مين‬
‫السيراق‪ .‬وكلب الزرع هيو الذي يحفظهيا مين الوحوش باللييل أو بالنهار ل مين السيراق‪ .‬وقيد أجاز‬
‫غير مالك اتخاذها لسراق الماشية والزرع‪ .‬وقد تقدم في "المائدة" من أحكام الكلب ما فيه كفاية‪،‬‬
‫والحمد ل‪.‬‬
‫الرابعية‪ :‬قال ابين عطيية‪ :‬وحدثنيي أبيي رضيي ال عنيه قال سيمعت أبيا الفضيل الجوهري فيي جاميع‬
‫مصيير يقول على منييبر وعظييه سيينة تسييع وسييتين وأربعمائة‪ :‬إن ميين أحييب أهييل الخييير نال ميين‬
‫بركتهم؛ كلب أحب أهل فضل وصحبهم في ذكره ال في محكم تنزيله‪.‬‬
‫قلت‪ :‬إذ كان بعيض الكلب قيد نال هذه الدرجية العلييا بصيحبته ومخالطتيه الصيلحاء والولياء‬
‫حتيى أخيبر ال تعالى بذلك فيي كتابيه جيل وعل فميا ظنيك بالمؤمنيين الموحديين المخالطيين المحيبين‬
‫للولياء والصيالحين بيل فيي هذا تسيلية وأنيس للمؤمنيين المقصيرين عين درجات الكمال‪ ،‬المحيبين‬
‫للنبي صلى ال عليه وسلم وآله خير آل‪ .‬روى الصحيح عن أنس بن مالك قال‪ :‬بينا أنا ورسول ال‬
‫صيلى ال علييه وسيلم خارجان من المسيجد فلقينا رجل عند سيدة المسيجد فقال‪ :‬يا رسول ال‪ ،‬متيى‬
‫السياعة؟ قال رسيول ال صيلى ال علييه وسيلم‪( :‬ميا أعددت لهيا) قال‪ :‬ول صيدقة‪ ،‬ولكنيي أحيب ال‬
‫ورسوله‪ .‬قال‪( :‬فأنت مع من أحببت)‪ .‬في رواية قال أنس بن مالك‪ :‬فما فرحنا بعد السلم فرحا‬
‫أشد من قول النبي صلى ال عليه وسلم‪( :‬فأنت مع من أحببت)‪ .‬قال أنس‪ :‬فأنا أحب ال ورسوله‬
‫وأبا بكر وعمر‪ ،‬فأرجو أن أكون معهم وإن لم أعمل بأعمالهم‪.‬‬
‫قلت‪ :‬وهذا الذي تمسيك به أنيس يشميل من المسيلمين كيل ذي نفيس‪ ،‬فكذلك تعلقت أطماعنيا بذلك‬
‫وإن كنيا مقصيرين‪ ،‬ورجونيا رحمية الرحمين وإن كنيا غيير مسيتأهلين؛ كلب أحيب قوميا فذكره ال‬
‫معهم فكيف بنا وعندنا عقد اليمان وكلمة السلم‪ ،‬وحب النبي صلى ال عليه وسلم‪" ،‬ولقد كرمنا‬
‫بنييي آدم وحملناهييم فييي البر والبحيير ورزقناهييم ميين الطيبات وفضلناهييم على كثييير مميين خلقنييا‬
‫تفضيل" [السراء‪.]7 :‬‬
‫وقالت فرقية‪ :‬لم يكين كلبيا حقيقية‪ ،‬وإنميا كان أحدهيم‪ ،‬وكان قيد قعيد عنيد باب الغار طليعية لهيم كميا‬
‫سيمي النجيم التابيع للجوزاء كلبيا؛ لنيه منهيا كالكلب مين النسيان؛ ويقال له‪ :‬كلب الجبار‪ .‬قال ابين‬
‫عطيية‪ :‬فسيمي باسيم الحيوان اللزم لذلك الموضيع أميا إن هذا القول يضعفيه ذكير بسيط الذراعيين‬
‫فإنها فيي العرف من صفة الكلب حقيقة؛ ومنه قول النبي صلى ال عليه وسلم‪( :‬ول يبسط أحدكم‬
‫ذراعييه انبسياط الكلب)‪ .‬وقيد حكيى أبيو عمير المطرز فيي كتاب اليواقييت أنيه قرئ "وكالبهيم باسيط‬
‫ذراعيه بالوصيد"‪ .‬فيحتمل أن يريد بالكالب هذا الرجل على ما روي؛ إذ بسط الذراعين واللصوق‬
‫بالرض مع رفع الوجه للتطلع هي هيئة الريبة المستخفي بنفسه‪ .‬ويحتمل أن يريد بالكالب الكلب‪.‬‬
‫وقرأ جعفر بن محمد الصادق "كالبهم" يعني صاحب الكلب‪.‬‬
‫@قوله تعالى‪" :‬باسيط ذراعييه" أعميل اسيم الفاعيل وهيو بمعنيى المضيي؛ لنهيا حكايية حال ولم‬
‫يفصيد الخبار عين فعيل الكلب‪ .‬والذرع مين طرف المرفيق إلى طرف الصيبع الوسيطى‪ .‬ثيم قييل‪:‬‬
‫بسيييط ذراعييييه لطول المدة‪ .‬وقييييل‪ :‬نام الكلب‪ ،‬وكان ذلك مييين اليات‪ .‬وقييييل‪ :‬نام مفتوح العيييين‪.‬‬
‫"بالوصيد" الوصيد‪ :‬القناء؛ قاله ابن عباس ومجاهد وابن جبير‪ ،‬أي فناء الكهف‪ ،‬والجمع وصائد‬
‫ووصد‪ .‬وقيل الباب‪ .‬وقال ابن عباس أيضا‪ .‬وأنشد‪:‬‬
‫علي ومعروفي بها غير منكر‬ ‫بأرض فضاء ل يسد وصيدها‬
‫وقيد تقدم‪ .‬وقال عطاء‪ :‬عتبية الباب‪ ،‬والباب الموصيد هيو المغلق‪ .‬وقيد أوصيدت الباب وآصيدته أي‬
‫أغلقته‪ .‬والوصيد‪ :‬النبات المتقارب الصول‪ ،‬فهو مشترك‪ ،‬وال اعلم‪.‬‬
‫@قوله تعالى‪" :‬لو اطلعت عليهم" قرأ الجمهور بكسر الواو‪ .‬والعمش ويحيى بن وثاب بضمها‪.‬‬
‫"لولييت منهيم فرارا" أي لو أشرفيت عليهيم لهربيت منهيم‪" .‬ولملئت منهيم رعبيا" أي لميا حفهيم ال‬
‫تعالى مين الرعيب واكتنفهيم مين الهيبية‪ .‬وقييل‪ :‬لوحشية مكانهيم؛ وكأنهيم آواهيم ال إلى هذا المكان‬
‫الوحيش فيي الظاهير لينقير الناس عنهيم‪ .‬وقييل‪ :‬كان الناس محجوبيين عنهيم بالرعيب‪ ،‬ل يجسير أحيد‬
‫منهيم على الدنيو إليهيم‪ .‬وقييل‪ :‬الفرار منهيم لطول شعورهيم وأظفارهيم؛ وذكره المهدوي والنحاس‬
‫والزجاج والقشيري‪ .‬وهذا بعييد؛ لنهيم لميا اسيتيقظوا قال بعضهيم لبعيض‪ :‬لبثنيا يوميا أو بعيض يوم‪.‬‬
‫ودل هذا على أن شعورهم وأظفارهم كانت بحالها؛ إل أن يقال‪ :‬إنما قالوا ذلك قبل أن ينظروا إلى‬
‫أظفارهيم وشعورهيم‪ .‬قال ابين عطيية‪ :‬والصيحيح فيي أمرهيم أن ال عيز وجيل حفيظ لهيم الحالة التيي‬
‫ناموا عليها لتكون لهم ولغيرهم فيهم آية‪ ،‬فلم يبل لهم ثوب ولم تغير صفة‪ ،‬ولم ينكر الناهض إلى‬
‫المدينة إل معالم الرض والبناء‪ ،‬ولو كانت في نفسه حالة ينكرها لكانت عليه أهم‪ .‬وقرأ نافع وابن‬
‫كثير وابن عباس وأهل مكة والمدينة "لملئت منهم" بتشديد اللم على تضعيف المبالغة؛ أي ملئت‬
‫ثيم ملئت‪ .‬وقرأ الباقون "لملئت" بالتخفييف‪ ،‬والتخفييف أشهير فيي اللغية‪ .‬وقيد جاء التثقييل فيي قول‬
‫المخبّل السعدي‪:‬‬
‫فملّىء من كعب بن عوف سلسله‬ ‫وإذ فتك النعمان بالناس محرما‬
‫وقرأ الجمهور "رعبا" بإسكان العين‪ .‬وقرأ بضمها أبو جعفر‪ .‬قال أبو حاتم‪ :‬هما لغتان‪ .‬و"فرارا"‬
‫نصب على الحال و"رعبا" مفعول ثان أو تمييز‪.‬‬
‫*‪*3‬الية‪{ 19 :‬وكذلك بعثناهم ليتساءلوا بينهم قال قائل منهم كم لبثتم قالوا لبثنا يوما أو بعض‬
‫يوم قالوا ربكيم أعلم بميا لبثتيم فابعثوا أحدكيم بورقكيم هذه إلى المدينية فلينظير أيهيا أزكيى طعاميا‬
‫فليأتكم برزق منه وليتلطف ول يشعرن بكم أحدا}‬
‫@قوله تعالى‪" :‬وكذلك بعثناهيم ليتسياءلوا بينهيم" البعيث‪ :‬التحرييك عين سيكون‪ .‬والمعنيى‪ :‬كميا‬
‫ضربنيا على آذانهيم وزدناهيم هدى وقلبناهيم بعثناهيم أيضيا؛ أي أيقظناهيم مين نومهيم على ميا كانوا‬
‫عليهم من هيئتهم في ثيابهم وأحوالهم‪ .‬قال الشاعر‪:‬‬
‫فقاموا جميعا بين عاث ونشوان‬ ‫وفتيان صدق قد بعثت بسحرة‬
‫أي أيقظيت واللم فيي قوله "ليتسياءلوا" لم الصييرورة وهيي لم العاقبية؛ كقوله "ليكون لهيم عدوا‬
‫وحزنا" [القصص‪ ]8 :‬فبعثهم لم سكن لجل تساؤلهم‪" .‬قالوا لبثنا يوما أو بعض يوم قالوا ربكم‬
‫أعلم بمييا لبثتييم" وذلك أنهييم دخلوه غدوة وبعثهييم ال فييي آخيير النهار؛ فقال رئيسييهم يمليخييا أو‬
‫مكسلمينا‪ :‬ال اعلم بالمدة‪.‬‬
‫@قوله تعالى‪" :‬فابعثوا أحدكيم بورقكيم هذه إلى المدينية" قال ابين عباس‪ :‬كانيت ورقهيم كأخفاف‬
‫الربيع؛ ذكره النحاس‪ .‬وقرأ ابين كثيير ونافيع وابين عامير والكسيائي وحفيص عين عاصيم "بورقكيم"‬
‫بكسر الراء‪ .‬وقرأ أبو عمرو وحمزة وأبو بكر عن عاصم "بورقكم" بسكون الراء‪ ،‬حذفوا الكسرة‬
‫لثقلهييا‪ ،‬وهمييا لغتان‪ .‬وقرأ الزجاج "بورقكييم" بكسيير الواو وسييكون الراء‪ .‬ويروى أنهييم انتبهوا‬
‫جياعا‪ ،‬وأن المبعوث هو يمليخا‪ ،‬كان أصغرهم؛ فيما ذكر الغزنوي‪ .‬والمدينة‪ :‬أفسوس ويقال هي‬
‫طرسييوس‪ ،‬وكان اسييمها فييي الجاهلييية أفسييوس؛ فلمييا جاء السييلم سييموها طرسييوس‪ .‬وقال ابيين‬
‫عباس‪ :‬كان معهم دراهم عليها صورة الملك الذي كان في زمانهم‪.‬‬
‫@قوله تعالى‪" :‬فلينظير أيهيا أزكيى طعاميا" قال ابين عباس‪ :‬أحيل ذبيحية؛ لن أهيل بلدهيم كانوا‬
‫يذبحون على اسيم الصينم‪ ،‬وكان فيهيم قوم يخفون إيمانهيم‪ .‬ابين عباس‪ :‬كان عامتهيم مجوسيا‪ .‬وقييل‬
‫"أزكى طعاما" أي أكثر بركة‪ .‬قيل‪ :‬إنهم أمروه أن يشتري ما يظن أنه طعام اثنين أو ثلثة لئل‬
‫يطلع عليهم‪ ،‬ثم إذا طبخ كفى جماعة؛ ولهذا قيل ذلك الطعام الرز‪ .‬وقيل‪ :‬كان زبيبا‪ .‬وقيل تمرا؛‬
‫فال اعلم‪ .‬وقيل‪" :‬أزكى" أطيب‪ .‬وقيل أرخص‪.‬‬
‫@قوله تعالى‪" :‬فليأتكم برزق منه" أي بقوت‪" .‬وليتلطف" أي في دخول المدينة وشراء الطعام‪.‬‬
‫"ول يشعرن بكم أحدا" أي ل يخبرن‪ .‬وقيل‪ :‬إن ظهر عليه فل يوقعن إخوانه فيما وقع فيه‪.‬‬
‫@ فيي هذه البعثية بالورق دلييل على الوكالة وصيحتها‪ .‬وقيد وكيل علي بين أبيي طالب أخاه عقيل‬
‫عنيد عثمان رضيي ال عنيه؛ ول خلف فيهيا فيي الجملة‪ .‬والوكالة معروفيه فيي الجاهليية والسيلم؛‬
‫أل ترى إلى عبدالرحمين بين عوف كييف وكيل أميية بين خلف بأهله وحاشيتيه بمكية؛ أي يحفظهيم‪،‬‬
‫وأمية مشرك‪ ،‬والتزم عبدالرحمن لمية من حفظ حاشيته بالمدينة مثل ذلك مجازاة لصنعه‪ .‬روى‬
‫البخاري عين عبدالرحمين بين عوف قال‪ :‬كاتبيت أميية بين خلف كتابيا بأن يحفظنيي فيي صياغيتي‬
‫بمكية وأحفظيه فيي صياغيته بالمدينية؛ فلميا ذكرت الرحمين؛ قال‪ :‬ل أعرف الرحمين كاتبنيي باسيمك‬
‫الذي كان في الجاهلية‪ ،‬فكاتبته عبد عمرو‪ ...‬وذكر الحديث‪ .‬قال الصمعي‪ :‬صاغية الرجل الذين‬
‫يميلون إليه ويأتونه؛ وهو مأخوذ من صغا يصغو ويصغى إذا مال‪ ،‬وكل مائل إلى الشيء أو معه‬
‫فقد صغا إليه وأصغى؛ من كتاب الفعال‪.‬‬
‫@ الوكالة عقيد نيابية‪ ،‬أذن ال سيبحانه فييه للحاجية إليه وقيام المصيلحة فيي ذلك‪ ،‬إذ لييس كيل أحيد‬
‫يقدر على تناول أموره إل بمعونة من غيره أو يترفه فيستنيب من يريحه‪.‬‬
‫وقيد اسيتدل علماؤنيا على صيحتها بآيات مين الكتاب‪ ،‬منهيا هذه اليية‪ ،‬وقوله تعالى‪" :‬والعامليين‬
‫عليهيا" [التوبية‪ ]60 :‬وقوله "اذهبوا بقميصيي فيي آخير النعام‪ .‬روى جيبر بين عبدال قال أردت‬
‫الخروج إلى خيبر فأتييت رسول ال صيلى ال علييه وسيلم فقلت له‪ :‬إني أردت الخروج إلى خييبر؛‬
‫فقال‪( :‬إذا أتييت وكيلي فخيذ منيه خمسية عشير وسيقا فإن ابتغيى منيك آيية فضيع يدك على ترقوتيه)‬
‫خرجه أبو داود‪ .‬والحاديث كثيرة في هذه المعنى‪ ،‬وفي إجماع المة على جوازها كفاية‪.‬‬
‫@ الوكالة جائزة في كل حق تجوز النيابة فيه‪ ،‬فلو وكل الغاصب لم يجز‪ ،‬وكان هو الوكيل؛ لن‬
‫كل محرم فعله ل تجوز النيابة فيه‪.‬‬
‫@ فيي هذه اليية نكتية بديعية‪ ،‬وهيي أن الوكالة إنميا كانيت ميع التقيية خوف أن يشعير بعيم أحيد لميا‬
‫كانوا علييه مين الخوف على أنفسيهم‪ .‬وجواز توكييل ذوي العذر متفيق علييه؛ فأميا مين ل عذر له‬
‫فالجمهور على جوازها‪ .‬وقال أبو حنيفة وسحنون‪ :‬ل تجوز‪ .‬قال ابن العربي‪ :‬وكأن سحنون تلقفه‬
‫من أسد بن الفرات فحكم به أيام قضائه‪ ،‬ولعله كان يفعل ذلك بأهل الظلم والجبروت؛ إنصافا منهم‬
‫وإذلل لهم‪ ،‬وهو الحق؛ فإن الوكالة معونة ول تكون لهل الباطل‪.‬‬
‫قلت‪ :‬هذا حسن؛ فأما أهل الدين والفضل فلهم أن يوكلوا وإن كانوا حاضرين أصحاء‪ .‬والدليل‬
‫على صيحة جواز الوكالة للشاهيد الصيحيح ميا خرجيه الصيحيحان وغيرهميا عين أبيي هريرة قال‪:‬‬
‫كان لرجيل على النيبي صيلى ال علييه وسيلم سين مين البيل فجاء يتقاضاه فقال‪( :‬أعطوه) فطلبوا له‬
‫سنة فلم يجدوا إل سنا فوقها؛ فقال‪( :‬أعطوه) فقال‪ :‬أوفيتني أوفى ال لك‪ .‬قال النبي صلى ال عليه‬
‫وسيلم‪( :‬إن خيركيم أحسينكم قضاء)‪ .‬لفيظ البخاري‪ .‬فدل هذا الحدييث ميع صيحته على جواز توكييل‬
‫الحاضير الصيحيح البدن؛ فإن النيبي صيلى ال علييه وسيلم أمير أصيحابه أن يعطوا عنيه السين التيي‬
‫كانيت علييه؛ وذلك توكييد منيه لهيم على ذلك‪ ،‬ولم يكين النيبي صيلى ال علييه وسيلم مريضيا ول‬
‫مسيافرا‪ .‬وهذا يرد قول أبيي حنيفية وسيحنون فيي قولهميا‪ :‬أنيه ل يجوز توكييل الحاضير الصيحيح‬
‫البدن إل برضا خصمه؛ وهذا الحديث خلف قولهما‪.‬‬
‫@ قال ابين خوييز منداد‪ :‬تضمنيت هذه اليية جواز الشركية لن الورق كان لجميعهيم وتضمنيت‬
‫جواز الوكالة لنهيم بعثوا مين وكلوه بالشراء‪ .‬وتضمنيت جواز أكيل الرفقاء وخلطهيم طعامهيم معيا‪،‬‬
‫وإن كان بعضهييم أكثيير أكل ميين الخيير؛ ومثله قوله تعالى‪" :‬وإن تخالطوهييم فإخوانكييم" [البقرة‪:‬‬
‫‪ ]220‬حسيبما تقدم بيانيه فيي "البقرة"‪ .‬ولهذا قال أصيحابنا فيي المسيكين يتصيدق علييه فيخلطيه‬
‫بطعام لغني ثم يأكل معه‪ :‬إن ذلك جائز‪ .‬وقد قالوا في المضارب يخلط طعامه بطعام غيره ثم يأكل‬
‫معه‪ :‬إن ذلك جائز‪ .‬وقد كان رسول ال صلى ال عليه وسلم وكل من اشترى له أضحية‪ .‬قال ابن‬
‫العربيي‪ :‬لييس فيي اليية دلييل على ذلك؛ لنيه يحتميل أن يكون كيل واحيد منهيم قيد أعطاه منفردا فل‬
‫يكون فييه اشتراك‪ .‬ول معول فييي هذه المسييألة إل على حديثييين‪ :‬أحدهميا‪ :‬أن ابيين عميير ميير بقوم‬
‫يأكلون تمرا فقال‪ :‬نهيى رسيول ال صيلى ال علييه وسيلم عين القتران إل أن يسيتأذن الرجيل أخاه‪.‬‬
‫الثاني‪ :‬حديث أبي عبيدة في جيش الخبط‪ .‬وهذا دون الول في الظهور؛ لنه يحتمل أن يكون أبو‬
‫عبيدة يعطيهم كفافا من ذلك القوت ول يجمعهم عليه‪.‬‬
‫قلت‪ :‬وممييا يدل على خلف هذا ميين الكتاب قوله تعالى‪" :‬وإن تخالطوهييم فإخوانكيين" [البقرة‪:‬‬
‫‪ ]220‬وقوله "ليس عليكم جناح أن تأكلوا جميعا أو أشتاتا" [النور‪ ]61 :‬على ما يأتي إن شاء‬
‫ال تعالى‪.‬‬
‫*‪*3‬الية‪{ 20 :‬إنهم إن يظهروا عليكم يرجموكم أو يعيدوكم في ملتهم ولن تفلحوا إذا أبدا}‬
‫@ قال الزجاج‪ :‬معناه بالحجارة‪ ،‬وهو أخبث القتل‪ .‬وقيل‪ :‬يرموكم بالسب والشتم؛ والول أصح‪،‬‬
‫لنه كان عازما على قتلهم كما تقدم في قصصهم‪ .‬والرجم فيما سلف هي كانت على ما ذكر قبله‬
‫[عقوبة] مخالفة دين الناس إذ هي أشفى لجملة أهل ذلك الدين من حيث إنهم يشتركون فيها‪.‬‬
‫*‪*3‬اليية‪{ 21 :‬وكذلك أعثرنيا عليهيم ليعلموا أن وعيد ال حيق وأن السياعة ل رييب فيهيا إذ‬
‫يتنازعون بينهم أمرهم فقالوا ابنوا عليهم بنيانا ربهم أعلم بهم قال الذين غلبوا على أمرهم لنتخذن‬
‫عليهم مسجدا}‬
‫@قوله تعالى‪" :‬وكذلك أعثرنييا عليهييم" أي أطلعنييا عليهييم وأظهرناهييم‪ .‬و"أعثيير" تعدييية عثيير‬
‫بالهمزة‪ ،‬وأصيل العثار فيي القدم‪" .‬ليعلموا أن وعيد ال حيق وأن السياعة ل رييب فيهيا إذ يتنازعون‬
‫بينهيم أمرهيم" "يتنازعون" يعنيي المية المسيلمة الذيين بعيث أهيل الكهيف على عهدهيم‪ .‬وذلك أن‬
‫دقيانوس مات ومضييت قرون وملك أهييل تلك الدار رجييل صييالح‪ ،‬فاختلف أهييل بلده فييي الحشيير‬
‫وبعيث الجسياد مين القبور‪ ،‬فشيك فيي ذلك بعيض الناس واسيتبعدوه وقالوا‪ :‬إنميا تحشير الرواح‬
‫والجسيد تأكله الرض‪ .‬وقال بعضهيم‪ :‬تبعيث الروح والجسيد جميعيا؛ فكيبر ذلك على الملك وبقيي‬
‫حيران ل يدري كيف يتبين أمره لهم‪ ،‬حتى لبس المسوح وقعد على الرماد وتضرع إلى ال تعالى‬
‫فيي حجية وبيان‪ ،‬فأعثير ال على أهيل الكهيف؛ فيقال‪ :‬إنهيم لميا بعثوا أحدهيم بورقهيم إلى المدينية‬
‫ليأتيهم برزق منها استنكر شخصه واستنكرت دراهمه لبعد العهد‪ ،‬فحمل إلى الملك وكان صالحا‬
‫قد آمن من معه‪ ،‬فلما نظر إليه قال‪ :‬لعل هذا من الفتية الذين خرجوا على عهد دقيانوس الملك‪ ،‬فقد‬
‫كنت أدعو ال أن يرينيهم‪ ،‬وسأل الفتى فأخبره؛ فسر الملك بذلك وقال‪ :‬لعل ال قد بعث لكن آية‪،‬‬
‫فلنسير إلى الكهيف معيه‪ ،‬فركيب ميع أهيل المدينية إليهيم‪ ،‬فلميا دنوا إلى الكهيف قال تمليحيا‪ :‬أنيا أدخيل‬
‫عليهييم لئل يرعبوا فدخييل عليهييم فأعلمهييم الميير وأن الميية أميية إسييلم‪ ،‬فروي أنهييم سييروا بذلك‬
‫وخرجوا إلى الملك وعظموه وعظمهم ثم رجعوا إلى كهفهم‪ .‬وأكثر الروايات على انهم ماتوا حين‬
‫حدثهيم تمليخيا ميتية الحيق‪ ،‬على ميا يأتيي‪ .‬ورجيع مين كان شيك فيي بعيث الجسياد إلى اليقيين‪ .‬فهذا‬
‫معنيى "أعثرنا عليهيم"‪" .‬ليعلموا أن وعد ال حق" أي ليعلم الملك ورعيته أن القيامة حق والبعث‬
‫حيق "إذ يتنازعون بينهيم أمرهيم"‪ .‬وإنميا اسيتدلوا بذلك الواحيد على خيبرهم وهابوا الدخول عليهيم‬
‫فقال الملك‪ :‬ابنوا عليهيم بنيانيا؛ فقال الذيين‪ .‬هيم على ديين الفتيية‪ :‬اتخذوا عليهيم مسيجدا‪ .‬وروي أن‬
‫طائفية كافرة قالت‪ :‬نبنيي بيعية أو مضيفيا‪ ،‬فمانعهيم المسيلمون وقالوا لنتخذن عليهيم مسيجدا‪ .‬وروي‬
‫أن بعض القوم ذهب إلى طمس الكهف عليهم وتركهم فيه مغيبين‪ .‬وروي عن عبدال بن عمر أن‬
‫ال تعالى أعميى على الناس حينئذ أثرهيم وحجبهيم عنهيم‪ ،‬فذلك دعيا إلى بناء البنيان ليكون معلميا‬
‫لهم‪ .‬وقيل‪ :‬إن الملك أراد أن يدفنهم في صندوق من ذهب فأتاه آت منهم في المنام فقال‪ :‬أردت أن‬
‫تجعلنا في صندوق من ذهب فل تفعل؛ فإنا من التراب خلقنا وإليه نعود‪ ،‬فدعنا‪.‬‬
‫وتنشأ هنا مسائل ممنوعة وجائزة؛ فاتخاذ المساجد على القبور والصلة فيها والبناء عليها‪ ،‬إلى‬
‫غير ذلك مما تضمنته السنة من النهي عنه ممنوع ل يجوز؛ لما روى أبو داود والترمذي عن ابن‬
‫عباس قال‪ :‬لعيين رسييول ال صييلى ال عليييه وسييلم زوارات القبور والمتخذييين عليهييا المسيياجد‬
‫والسرج‪ .‬قال الترمذي‪ :‬وفي الباب عن أبي هريرة وعائشة حديث ابن عباس حديث حسن‪ .‬وروى‬
‫الصيحيحان عين عائشية أن أم حبيبية وأم سيلمة ذكرتيا كنيسية رأينهيا بالحبشية فيهيا تصياوير لرسيول‬
‫ال صيلى ال علييه وسيلم‪ ،‬فقال رسيول ال صيلى ال علييه وسيلم‪( :‬إن أولئك إذا كان فيهيم الرجيل‬
‫الصيالح فمات بنوا على قيبره مسيجدا وصيوروا فييه تلك الصيور أولئك شرار الخلق عنيد ال تعالى‬
‫يوم القيامية)‪ .‬لفيظ مسيلم‪ .‬قال علماؤنيا‪ :‬وهذا يحرم على المسيلمين أن يتخذوا قبور النيبياء والعلماء‬
‫مساجد‪ .‬وروى الئمة عن أبي مرثد الغنوي قال سمعت رسول ال صلى ال عليه وسلم يقول‪( :‬ل‬
‫تصيلوا إلى القبور ول تجلسيوا عليهيا) لفيظ مسيلم‪ .‬أي ل تتخذوهيا قبلة فتصيلوا عليهيا أو إليهيا كميا‬
‫فعل اليهود والنصارى‪ ،‬فيؤدي إلى عبادة من فيها كما كان السبب في عبادة الصنام‪ .‬فحذر النبي‬
‫صلى ال عليه وسلم عن مثل ذلك‪ ،‬وسد الذرائع المؤدية إلى ذلك فقال‪( :‬اشتد غضب ال على قوم‬
‫اتخذوا قبور أنيبيائهم وصيالحيهم مسياجد)‪ .‬وروى الصيحيحان عين عائشية وعبدال بين عباس قال‪:‬‬
‫لما نزل برسول ال صلى ال عليه وسلم طفق يطرح خميصة له على وجهه فإذا اغتم بها كشفها‬
‫عين وجهيه فقال وهيو كذلك‪( :‬لعنية ال على اليهود والنصيارى اتخذوا قبور أنيبيائهم مسياجد) يحذر‬
‫ميا صينعوا‪ .‬وروى مسيلم عين جابر قال‪ :‬نهيي رسيول ال صيلى ال علييه وسيلم أن يجصيص القيبر‬
‫وأن يقعيد علييه وأن يبنيى علييه‪ .‬وخرجيه أبيو داود والترمذي أيضيا عين جابر قال‪ :‬نهيى رسيول ال‬
‫صيلى ال علييه وسيلم صيلى أن تجصيص القبور وأن يكتيب عليهيا وأن يبنيى عليهيا وأن توطيأ‪ .‬قال‬
‫الترمذي‪ :‬هذا حدييث حسين صيحيح‪ .‬وروى الصيحيح عين أبيي الهياج السيدي قال قال لي علي بين‬
‫أبييي طالب‪ :‬أل أبعثييك على مييا بعثنييي عليييه رسييول ال صييلى ال عليييه وسييلم‪ :‬أل تدع تمثال إل‬
‫طمسييته ول قييبرا مشرفييا إل سييويته ‪ -‬فييي رواييية ‪ -‬ول صييورة إل طمسييتها‪ .‬وأخرجييه أبييو داود‬
‫والترمذي‪.‬‬
‫قال علماؤنيا‪ :‬ظاهره منيع تسينيم القبور ورفعهيا وأن تكون لطئة‪ .‬وقيد قال بيه بعيض أهيل العلم‪.‬‬
‫وذهييب الجمهور إلى أن هذا الرتفاع المأمور بإزالتييه هييو مييا زاد على التسيينيم‪ ،‬ويبقييى للقييبر مييا‬
‫يعرف بيه ويحترم‪ ،‬وذلك صيفة قيبر نبينيا محميد صيلى ال علييه وسيلم وقيبر صياحبيه رضيي ال‬
‫عنهمييا ‪ -‬على مييا ذكيير مالك فييي الموطييأ ‪ -‬وقييبر أبينييا آدم صييلى ال عليييه وسييلم‪ ،‬على مييا رواه‬
‫الدارقطني من حديث ابن عباس‪ .‬وأما ثعلبة البناء الكثير على نحو ما كانت الجاهلية تفعله تفخيما‬
‫وتعظيميا فذلك يهدم ويزال؛ فإن فييه اسيتعمال زينية الدنييا فيي أول منازل الخرة‪ ،‬وتشبهيا بمين كان‬
‫يعظم القبور ويعبدهيا‪ .‬وباعتبار هذه المعانيي وظاهير النهيي أن ينبغيي أن يقال‪ :‬هو حرام‪ .‬والتسينيم‬
‫فيي القيبر‪ :‬ارتفاعيه قدر شيبر؛ مأخوذ مين سينام البعيير‪ .‬ويرش علييه بالماء لئل ينتثير بالرييح‪ .‬وقال‬
‫الشافعيي ل بأس أن يطيين القيبر‪ .‬وقال أبيو حنيفية‪ :‬ل يجصيص القيبر ول يطيين ول يرفيع علييه بناء‬
‫فيسيقط‪ .‬ول بأس بوضيع الحجار لتكون علمية؛ لميا رواه أبيو بكير الثرم قال‪ :‬حدثنيا مسيدد حدثنيا‬
‫نوح بن دراج عن أبان بن تغلب عن جعفر بن محمد قال‪ :‬كانت فاطمة بنت رسول ال صلى ال‬
‫عليه وسلم تزور قبر حمزة بن عبدالمطلب كل جمعة وعلمته بصخرة؛ ذكره أبو عمر‪.‬‬
‫وأما الجائزة‪ :‬فالدفن في التابوت؛ وهو جائز ل سيما في الرض الرخوة‪ .‬روي أن دانيال صلوات‬
‫ال عليه كان في تابوت من حجر‪ ،‬وأن يوسف عليه السلم أوصى بأن يتخذ له تابوت من زجاج‬
‫ويلقيى فيي ركيية مخافية أن يعبيد‪ ،‬وبقيي كذلك إلى زمان موسيى صيلوات ال عليهيم أجمعيين؛ فدلتيه‬
‫علييه عجوز فرفعيه ووضعيه فيي حظيرة إسيحاق علييه السيلم‪ .‬وفيي الصيحيح عين سيعد ابين أبيي‬
‫وقاص أنيه قال فيي مرضيه الذي هلك فييه‪ :‬اتخذوا لي لحدا وانصيبوا علي اللبين نصيبا؛ كميا صينع‬
‫برسول ال صلى ال عليه وسلم‪ .‬اللحد‪ :‬هو أن يشق في الرض ثم يحفر قبر آخر في جانب الشق‬
‫من جانب القبلة إن كانت الرض صلبة يدخل فيه الميت ويسد عليه باللبن‪ .‬وهو أفضل عندنا من‬
‫الشيق؛ لنيه الذي اختاره ال تعالى لرسيوله صيلى ال علييه وسيلم‪ .‬وبيه قال أبيو حنيفية قال‪ :‬السينة‬
‫اللحييد‪ .‬وقال الشافعييي‪ :‬الشييق‪ .‬ويكره الجيير فييي اللحييد‪ .‬وقال الشافعييي‪ :‬ل بأس بيه لنييه نوع ميين‬
‫الحجير‪ .‬وكرهيه أبو حنيفة وأصحابه؛ لن الجير لحكام البناء‪ ،‬والقيبر وميا فيه للبلى‪ ،‬فل يلييق بيه‬
‫الحكام‪ .‬وعلى هذا يسيوي بيين الحجير والجير‪ .‬وقييل‪ :‬إن الجير أثير النار فيكره تفاؤل؛ فعلى هذا‬
‫يفرق بين الحجر والجر‪ .‬قالوا‪ :‬ويستحب اللبن والقصب لما روي أنه وضع على قبر النبي صلى‬
‫ال عليه وسلم حزمة من قصب‪ .‬وحكي عن الشيخ المام أبو بكر محمد بن الفضل الحنفي رحمه‬
‫ال أنيه جوز اتخاذ التابوت فيي بلدهيم لرخاوة الرض‪ .‬وقال‪ :‬لو اتخيذ تابوت مين حدييد فل بأس‬
‫بيه‪ ،‬لكين ينبغيي أن يفرش فييه التراب وتطيين الطبقية العلييا مميا يلي المييت‪ ،‬ويجعيل اللبين الخفييف‬
‫على يمين الميت ويساره ليصير بمنزلة اللحد‪.‬‬
‫قلت‪ :‬ومن هذا المعنى جعل القطيفة في قبر النبي صلى ال عليه وسلم؛ فإن المدينة سبخة‪ ،‬قال‬
‫شقران‪ :‬أنيا وال طرحيت القطيفية تحيت رسيول ال صيلى ال علييه وسيلم فيي القيبر‪ .‬قال أبيو عيسيى‬
‫الترمذي‪ :‬حديث شقران حديث حسن غريب‪.‬‬
‫*‪*3‬اليية‪{ 22 :‬سييقولون ثلثية رابعهيم كلبهيم ويقولون خمسية سيادسهم كلبهيم رجميا بالغييب‬
‫ويقولون سييبعة وثامنهييم كلبهييم قييل ربييي أعلم بعدتهييم مييا يعلمهييم إل قليييل فل تمار فيهييم إل مراء‬
‫ظاهرا ول تستفت فيهم منهم أحدا}‬
‫@قوله تعالى‪" :‬سييقولون ثلثية رابعهيم كلبهيم" الضميير فيي "سييقولون" يراد بيه أهيل التوراة‬
‫ومعاصيري محميد صيلى ال علييه وسيلم‪ .‬وذلك أنهيم اختلفوا فيي عدد أهيل الكهيف هذا الختلف‬
‫المنصيوص‪ .‬وقييل‪ :‬المراد بيه النصيارى؛ فإن قوميا منهيم حضروا النيبي صيلى ال علييه وسيلم مين‬
‫نجران فجرى ذكر أصحاب الكهف فقالت اليعقوبية‪ :‬كانوا ثلثة رابعهم كلبهم‪ .‬وقالت النسطورية‪:‬‬
‫كانوا خمسة سادسهم كلبهم‪ .‬وقال المسلمون‪ :‬كانوا سبعة ثامنهم كلبهم‪ .‬وقيل‪ :‬هو إخبار عن اليهود‬
‫الذيين أمروا المشركيين بمسيألة النيبي صيلى ال علييه وسيلم عين أصيحاب الكهيف‪ .‬والواو فيي قول‬
‫"وثامنهيم كلبهيم" طرييق النحيو بيين أنهيا واو عطيف دخلت فيي آخير إخبار عين عددهيم؛ لتفصيل‬
‫أمرهيم‪ ،‬وتدل على أن هذا غايية ميا قييل‪ ،‬ولو سيقطت لصيح الكلم‪ .‬وقالت فرقية منهيا ابين خالوييه‪:‬‬
‫هي واو الثمانية‪ .‬وحكى الثعلبي عن أبي بكر بن عياش أن قريشا كانت تقول في عددها ستة سبعة‬
‫وثمانية؛ فتدخل الواو في الثمانية‪ .‬وحكى نحوه القفال‪ ،‬فقال‪ :‬إن قوما قالوا العدد ينتهي عند العرب‬
‫إلى سبعة‪ ،‬فإذا احتيج إلى الزيادة عليها استؤنف خبر آخر بإدخال الواو‪ ،‬كقوله "التائبون العابدون‬
‫‪ -‬ثم قال ‪ -‬والناهون عن المنكر والحافظون" [التوبة‪ .]112 :‬يدل عليه أنه لما ذكر أبواب جهنم‬
‫"حتيى إذا جاؤوه فتحيت أبوابهيا" [الزمير‪ ]71 :‬بل واو‪ ،‬ولميا ذكير الجنية قال‪" :‬وفتحيت أبوابهيا"‬
‫[الزمر‪ ]73 :‬بالواو‪ .‬وقال "خير منكن مسلمات" [التحريم‪ ]5 :‬ثم قال "وأبكارا" [التحريم‪]5 :‬‬
‫فالسيبعة نهايية العدد عندهيم كالعشرة الن عندنيا‪ .‬قال القشيري أبيو نصير‪ :‬ومثيل هذا الكلم تحكيم‪،‬‬
‫وميين أييين السييبعة نهاييية عندهييم ثييم هييو منقوض بقوله تعالى‪" :‬هييو ال الذي ل إله إل هييو الملك‬
‫القدوس السيلم المؤمين المهيمين العزييز الجبار المتكيبر" [الحشير‪ ]23 :‬ولم يذكير السيم الثامين‬
‫بالواو‪ .‬وقال قوم ممين صيار إلى أن عددهيم سيبعة‪ :‬إنميا ذكير الواو فيي قوله "سيبعة وثامنهيم" لينبيه‬
‫على أن هذا العدد هو الحق‪ ،‬وأنه مباين للعداد الخر التي قال فيها أهل الكتاب؛ ولهذا قال تعالى‬
‫فيي الجملتيين المتقدمتيين "رجميا بالغييب" ولم يذكره فيي الجملة الثالثية ولم يقدح فيهيا بشييء؛ فكأنيه‬
‫قال لنبيه هم سبعة وثامنهم كلبهم‪ .‬والرجم‪ :‬القول بالظن؛ يقال لكل ما يخرص‪ :‬رجم فيه ومرجوم‬
‫ومرجم؛ كما قال‪:‬‬
‫وما هو عنها بالحديث المرجم‬ ‫وما الحرب إل ما علمتم وذقتم‬
‫قلت‪ :‬قيد ذكير الماوردي والغزنوي‪ :‬وقال ابين جرييج ومحميد بين إسيحاق كانوا ثمانيية‪ ،‬وجعل‬
‫قوله تعالى "وثامنهيم كلبهيم" أي صياحب كلبهيم‪ .‬وهذا مميا يقوي طرييق النحوييين فيي الواو‪ ،‬وأنهيا‬
‫كميا قالوا‪ .‬وقال القشري‪ :‬لم يذكير الواو فيي قوله‪ :‬رابعهيم سيادسهم‪ ،‬ولو كان بالعكيس لكان جائزا‪،‬‬
‫فطلب الحكمية والعلة فيي مثيل هذه الواو تكلف بعييد‪ ،‬وهيو كقوله فيي موضيع آخير "وميا أهلكنيا مين‬
‫قرية إل ولها كتاب معلوم" [الحجر‪ .]4 :‬وفي موضع آخر‪" :‬إل لها منذرون‪ .‬ذكرى" [الشعراء‪:‬‬
‫‪.]208‬‬
‫@قوله تعالى‪" :‬قل ربي أعلم بعدتهم" أمر ال تعالى نبيه عليه السلم في هذه الية أن يرد علم‬
‫عدتهيم إلييه عيز وجيل‪ .‬ثيم أخيبر أن عالم ذلك مين البشير قلييل‪ .‬والمراد بيه قوم مين أهيل الكتاب؛ فيي‬
‫قول عطاء‪ .‬وكان ابن عباس يقول‪ :‬أنا من ذلك القليل‪ ،‬كانوا سبعة وثامنهيم كلبهيم‪ ،‬ثم ذكير السبعة‬
‫بأسيمائهم‪ ،‬والكلب اسيمه قطميير كلب أنمير‪ ،‬فوق القلطيي ودون الكردي‪ .‬وقال محميد بين سيعيد بين‬
‫المسيب‪ :‬هو كلب صيني‪ .‬والصحيح أنه زبيري‪ .‬وقال‪ :‬ما بقي بنيسابور محدث إل كتب عني هذا‬
‫الحديث إل من لم يقدر له‪ .‬قال‪ :‬وكتبه أبو عمرو الحيري عني‪.‬‬
‫@قوله تعالى‪" :‬فل تمار فيهم إل مراء ظاهرا" أي ل تجادل في أصحاب الكهف إل بما أوحيناه‬
‫إلييك؛ وهيو رد علم عدتهيم إلى ال تعالى‪ .‬وقييل‪ :‬معنيى المراء الظاهير أن تقول‪ :‬لييس كميا تقولون‪،‬‬
‫ونحييو هذا‪ ،‬ول تحتييج على أميير مقدر فييي ذلك‪ .‬وفييي هذا دليييل على أن ال تعالى لم يييبين لحييد‬
‫عددهم فلهذا قال "إل مراء ظاهرا" أي ذاهبا؛ كما قال‪:‬‬
‫وتلك شكاة ظاهر عنك عارها‬
‫ولم يبح له في هذه الية أن يماري؛ ولكن قوله "إل مراء" استعارة من حيث يماريه أهل الكتاب‪.‬‬
‫سيميت مراجعتيه لهيم مراء ثيم قييد بأنيه ظاهير؛ ففارق المراء الحقيقيي المذموم‪ .‬والضميير فيي قوله‬
‫"قيهيم" عائد على أهيل الكهيف‪ .‬وقوله‪" :‬فل تمار فيهيم" يعنيي فيي عدتهيم؛ وجذفيت العدة لدللة‬
‫ظاهر القول عليها‪" .‬ول تستفت فيهم منهم أحدا" روي أنه عليه السلم سأل نصارى نجران عنهم‬
‫فنهيي عين السيؤال‪ .‬والضميير فيي قوله "منهيم" عائد على أهيل الكتاب المعارضيين‪ .‬وفيي هذا دلييل‬
‫على منع المسلمين من مراجعة أهل الكتاب في شيء من العلم‪.‬‬
‫*‪*3‬اليتان‪{ 24 - 23 :‬ول تقولن لشيء إني فاعل ذلك غدا‪ ،‬إل أن يشاء ال واذكر ربك إذا‬
‫نسيت وقل عسى أن يهدين ربي لقرب من هذا رشدا}‬
‫@ قال العلماء عاتب ال تعالى نبيه عليه السلم على قوله للكفار حين سألوه عن الروح والفتية‬
‫وذي القرنين‪ :‬غدا أخبركم بجواب أسئلتكم؛ ولم يستثن في ذلك‪ .‬فاحتبس الوحي عنه خمسة عشر‬
‫يوما حتى شق ذلك عليه وأرجف الكفار به‪ ،‬فنزلت عليه هذه السورة مفرجة‪ .‬وأمر في هذه الية‬
‫أل يقول في أمر من المور إني أفعل غدا كذا وكذا‪ ،‬إل أن يعلق ذلك بمشيئة ال عز وجل حتى ل‬
‫يكون محققيا لحكيم الخيبر؛ فإنيه إذا قال‪ :‬لفعلن ذلك ولم يفعيل كان كاذبيا‪ ،‬وإذا قال لفعلن ذلك إن‬
‫شاء ال خرج عين أن بكون محققيا للمخيبر عنيه‪ .‬واللم فيي قوله "لشييء" بمنزلة فيي‪ ،‬أو كأنيه قال‬
‫لجل شيء‪.‬‬
‫@قوله تعالى‪" :‬إل أن يشاء ال" قال ابين عطيية‪ :‬وتكلم الناس فيي هذه اليية فيي السيتثناء فيي‬
‫اليمين‪ ،‬والية ليست في اليمان وإنما هي في سنة الستثناء في غير اليمين‪ .‬وقوله‪" :‬إل أن يشاء‬
‫ال" في الكلم حذف يقتضيه الظاهر ويحسنه اليجاز؛ تقديره‪ :‬إل أن تقول إل أن يشاء ال؛ أو إل‬
‫أن تقول إن شاء ال‪ .‬فالمعنى‪ :‬إل أن يذكر مشيئة ال؛ فليس "إل أن يشاء ال" من القول الذي نهي‬
‫عنه‪.‬‬
‫قلت‪ :‬ميا اختاره ابين عطيية وارتضاه هيو قول الكسييائي والفراء والخفيش‪ .‬وقال البصييريون‪:‬‬
‫المعنى إل بمشيئة ال‪ .‬فإذا قال النسان أنا أفعل هذا إن شاء ال فمعناه بمشيئة ال‪ .‬قال ابن عطية‪:‬‬
‫وقالت فرقيية "إل أن يشاء ال" اسييتثناء مين قوله "ول تقولن"‪ .‬قال‪ :‬وهذا قول حكاه الطييبري ورد‬
‫علييه‪ ،‬وهيو مين الفسياد بحييث كان الواجيب أل يحكيى‪ .‬وقيد تقدم القول فيي السيتثناء فيي اليميين‬
‫وحكمه في "المائدة"‪.‬‬
‫@قوله تعالى‪" :‬واذكير ربيك إذا نسييت" وفييه مسيألة واحدة‪ ،‬وهيي المير بالذكير بعيد النسييان ‪-‬‬
‫واختلف في الذكر المأمور به؛ فقيل‪ :‬هو قوله "وقل عسى أن يهديني ربي لقرب من هذا رشدا"‬
‫قال محمد الكوفيي المفسر‪ :‬إنها بألفاظها مما أمر أن يقولها كل من لم يستثن‪ ،‬وإنها كفارة لنسيان‬
‫الستثناء‪ .‬وقال الجمهور‪ :‬هو دعاء مأمور به دون هذا التخصيص‪ .‬وقيل‪ :‬هو قوله "إن شاء ال"‬
‫[الصافات‪ ]102 :‬الذي كان نسيه عند يمينه‪ .‬حكي عن ابن عباس أنه إن نسي الستثناء ثم ذكر‬
‫ولو بعيد سينة لم يحنيث إن كان حالفيا‪ .‬وهيو قول مجاهيد‪ .‬وحكيى إسيماعيل بين إسيحاق ذلك عين أبيي‬
‫العاليية فيي قوله تعالى‪" :‬واذكير ربيك إذا نسييت" قال‪ :‬يسيتثني إذا ذكره‪ .‬الحسين‪ :‬ميا دام فيي مجلس‬
‫الذكر‪ .‬ابن عباس‪ :‬سنتين؛ ذكره الغزنوي قال‪ :‬فيحمل على تدارك التبرك بالستثناء للتخلص عن‬
‫الثيم‪ .‬فأميا السيتثناء المفييد حكميا فل يصيح إل متصيل‪ .‬السيدي‪ :‬أي كيل صيلة نسييها إذا ذكرهيا‪.‬‬
‫وقيل‪ :‬استثن باسمه لئل تنسى‪ .‬وقيل‪ :‬اذكره متى ما نسيته‪ .‬وقيل‪ :‬إذا نسيت شيئا فاذكره يذكركه‪.‬‬
‫وقييل‪ :‬اذكره إذا نسييت غيره أو نسييت نفسيك؛ فذلك حقيقية الذكير‪ .‬وهذه اليية مخاطبية للنيبي صيلى‬
‫ال عليه وسلم‪ ،‬وهي استفتاح كلم على الصح‪ ،‬ولست من الستثناء في المين بشيء‪ ،‬وهي بعد‬
‫تعم جميع أمته؛ لنه حكم يتردد في الناس لكثرة وقوعه‪ .‬وال الموفق‪.‬‬
‫*‪*3‬الية‪{ 25 :‬ولبثوا في كهفهم ثلث مائة سنين وازدادوا تسعا}‬
‫@ هذا خبر من ال تعالى عن مدة لبثهم‪ .‬وفي قراءة ابن مسعود "وقالوا لبثوا"‪ .‬قال الطبري‪ :‬إن‬
‫بنيي إسيرائيل اختلفوا فيميا مضيى لهيم مين المدة بعيد العثار عليهيم إلى مدة النيبي صيلى ال علييه‬
‫وسيلم‪ ،‬فقال بعضهيم‪ :‬إنهيم لبثوا ثلثمائة سينة وتسيع سينين‪ ،‬فأخيبر ال تعالى نيبيه أن هذه المدة فيي‬
‫كونهم نياما‪ ،‬وأن ما بعد ذلك مجهول للبشر‪ .‬فأمر ال تعالى أن يرد علم ذلك إليه‪ .‬قال ابن عطية‪:‬‬
‫فقوله على هذا "لبثوا" الول يريييد فييي نوم الكهييف‪ ،‬و"لبثوا" الثانييي يريييد بعييد العثار إلى مدة‬
‫محمد صلى ال عليه وسلم‪ ،‬أو إلى وقت عدمهم بالبلء‪ .‬مجاهد‪ :‬إلى وقت نزول القرآن‪ .‬الضحاك‪:‬‬
‫إلى أن ماتوا‪ .‬وقال بعضهييم‪ :‬إنييه لمييا قال "وازدادوا تسييعا" لم يدر الناس أهييي سيياعات أم أيام أم‬
‫جمييع أم شهور أم أعوام‪ .‬واختلف بنييو إسييرائيل بحسييب ذلك‪ ،‬فأميير ال تعالى برد العلم إليييه فييي‬
‫التسيع‪ ،‬فهيي على هذا مبهمية‪ .‬وظاهير كلم العرب المفهوم منيه أنهيا أعوام‪ ،‬والظاهير مين أمرهيم‬
‫أنهم قاموا ودخلوا الكهف بعد عيسى بيسير وقد بقيت من الحواريين بقية‪ .‬وقيل غير هذا على ما‬
‫يأتي‪ .‬قال القشيري‪ :‬ل يفهم من التسع تسع ليال وتسع ساعات لسبق ذكر السنين؛ كما تقول‪ :‬عندي‬
‫مائة درهم وخمسة؛ والمفهوم منه خمسة دراهم‪ .‬وقال أبو علي "وازدادوا تسعا" أي ازدادوا لبث‬
‫تسع؛ فحذف‪ .‬وقال الضحاك‪ :‬لما نزلت "ولبثوا في كهفهم ثلثمائة" قالوا سنين أم شهور أم جمع أم‬
‫أيام؛ فأنزل ال عز وجل "سنين"‪ .‬وحكى النقاش ما معناه أنهم لبثوا ثلثمائة سنة شمسية بحساب‬
‫اليام؛ فلما كان الخبار هنا للنبي العربي ذكرت التسع؛ إذ المفهوم عنده من السنين القمرية‪ ،‬وهذه‬
‫الزيادة هييي مييا بييين الحسييابين‪ .‬ونحوه ذكيير الغزنوي‪ .‬أي باختلف سييني الشمييس والقميير؛ لنييه‬
‫يتفاوت في كل ثلث وثلثين وثلث سنة سنة فيكون في ثلثمائة تسع سنين‪ .‬وقرأ الجمهور "ثلثمائة‬
‫سيينين" بتنوييين مائة ونصييب سيينين‪ ،‬على التقديييم والتأخييير؛ أي سيينين ثلثمائة فقدم الصييفة على‬
‫الموصوف‪ ،‬فتكون "سنين" على هذا بدل أو عطف بيان‪ .‬وقيل‪ :‬على التفسير والتمييز‪ .‬و"سنين"‬
‫في موضع سنة‪ .‬وقرأ حمزة والكسائي بإضافة مائة إلى سنين‪ ،‬وترك التنوين؛ كأنهم جعلوا سنين‬
‫بمنزلة سينة إذ المعنيى بهميا واحيد‪ .‬قال أبيو علي‪ :‬هذه العداد التيي تضاف فيي المشهور إلى الحاد‬
‫نحييو ثلثمائة رجييل وثوب قييد تضاف إلى الجموع‪ .‬وفييي مصييحف عبدال "ثلثمائة سيينة"‪ .‬وقرأ‬
‫الضحاك "ثلثمائة سييينون" بالواو‪ .‬وقرأ أبيييو عمرو بخلف "تسيييعا" بفتيييح التاء وقرأ الجمهور‬
‫بكسرها‪ .‬وقال الفراء والكسائي وأبو عبيدة‪ :‬التقدير ولبثوا في كهفهم سنين ثلثمائة‪.‬‬
‫*‪*3‬الية‪{ 26 :‬قل ال أعلم بما لبثوا له غيب السماوات والرض أبصر به وأسمع ما لهم من‬
‫دونه من ولي ول يشرك في حكمه أحدا}‬
‫@قوله تعالى‪" :‬قل ال أعلم بما لبثوا" قيل بعد موتهم إلى نزول القرآن فيهم‪ ،‬على قول مجاهد‪ .‬أو‬
‫إلى أن ماتوا؛ على قول الضحاك‪ .‬أو إلى وقيت تغيرهيم بالبلى؛ على ميا تقدم‪ .‬وقييل‪ :‬بميا لبثوا فيي‬
‫الكهيف‪ ،‬وهيي المدة التيي ذكرهيا ال تعالى عين اليهود وإن ذكروا زيادة ونقصيانا‪ .‬أي ل يعلم علم‬
‫ذلك إل ال أو مين علميه ذلك "له غييب السيماوات والرض"‪" .‬أبصير بيه وأسيمع" أي ميا أبصيره‬
‫وأسمعه‪ .‬قال قتادة‪ :‬ل أحد أبصر من ال ول اسمع‪ .‬وهذه عبارات عن الدراك‪ .‬ويحتمل أن يكون‬
‫المعنييى "أبصيير بييه" أي بوحيييه وإرشاده هداك وحججييك والحييق ميين المور‪ ،‬واسييمع بييه العالم؛‬
‫فيكونان أمرين ل على وجه التعجب‪ .‬وقيل‪ .‬المعنى أبصرهم وأسمعهم ما قال ال فيهم‪.‬‬
‫@قوله تعالى‪" :‬ما لهم من دونه من ولي" أي لم يكن لصحاب الكهف ولي يتولى حفظهم دون‬
‫ال‪ .‬ويحتميل أن يعود الضميير فيي "لهيم" على معاصيري محميد صيلى ال علييه وسيلم مين الكفار‪.‬‬
‫والمعنى‪ :‬ما لهؤلء المختلفين في مدة لبثهم ولي دون ال يتولى تدبير أمرهم؛ فكيف يكونون اعلم‬
‫منه‪ ،‬أو كيف يتعلمون من غير إعلمه إياهم‪.‬‬
‫@قوله تعالى‪" :‬ول يشرك فيي حكمه أحدا" قرئ بالياء ورفيع الكاف‪ ،‬على معنيى الخيبر عن ال‬
‫تعالى‪ .‬وقرأ ابييين عامييير والحسييين وأبيييو رجاء وقتادة والجحدري "ول تشرك" بالتاء مييين فوق‬
‫وإسيكان الكاف على جهية النيبي صيلى ال علييه وسيلم‪ ،‬ويكون قوله "ول يشرك" عطفيا على قوله‪:‬‬
‫"أبصر به واسمع"‪ .‬وقرأ مجاهد "يشرك" بالياء من تحت والجزم‪ .‬قال يعقوب‪ :‬ل أعرف وجهه‪.‬‬
‫مسألة‪ :‬اختلف في أصحاب الكهف هل ماتوا وفنوا‪ ،‬أو هم نيام وأجسادهم محفوظة؛ فروي عن‬
‫ابن عباس أنه مر بالشام في بعض غزواته مع ناس على موضع الكهف وجبله‪ ،‬فمشى الناس معه‬
‫إلييه فوجدوا عظاميا فقالوا‪ :‬هذه عظام أهيل الكهيف‪ .‬فقال لهيم ابين عباس‪ :‬أولئك قوم فنوا وعدموا‬
‫منيذ مدة طويلة؛ فسيمعه راهيب فقال‪ :‬ميا كنيت أحسيب أن أحدا مين العرب يعرف هذا؛ فقييل له‪ :‬هذا‬
‫ابن عم نبينا صلى ال عليه وسلم‪ .‬وروت فرقة أن النبي صلى ال عليه وسلم قال‪( :‬ليحجن عيسى‬
‫بن مريم ومعه أصحاب الكهف فإنهم لم يحجوا بعد)‪ .‬ذكره ابن عطية‪.‬‬
‫قلت‪ :‬ومكتوب فيي التوراة والنجييل أن عيسيى بين مرييم عبدال ورسيوله‪ ،‬وأنيه يمير بالروحاء‬
‫حاجا أو معتمرا أو يجمع ال له ذلك فيجعل ال حواريه أصحاب الكهف والرقيم‪ ،‬فيمرون حجاجا‬
‫فإنهم لم يحجوا ولم يموتوا‪ .‬وقد ذكرنا هذا الخبر بكماله في كتاب "التذكرة"‪ .‬فعلى هذا هم نيام ولم‬
‫يموتوا إلى يوم القيامة‪ ،‬بل يموتون قبيل الساعة‪.‬‬
‫*‪*3‬الية‪{ 27 :‬واتل ما أوحي إليك من كتاب ربك ل مبدل لكلماته ولن تجد من دونه ملتحدا}‬
‫@قوله تعالى‪" :‬واتيل ميا أوحيي إلييك مين كتاب ربيك ل مبدل لكلماتيه" قييل‪ :‬هيو مين تمام قصية‬
‫أصيحاب الكهيف؛ أي اتبيع القرآن فل مبدل لكلمات ال ول خلف فيميا أخيبر بيه مين قصية أصيحاب‬
‫الكهف‪ .‬وقال الطبري‪ :‬ل مغير لما أوعد بكلماته أهل معاصيه والمخالفين لكتابه‪" .‬ولن تجد" أنت‬
‫"مين دونيه" إن لم تتبيع القرآن وخالفتيه‪" .‬ملتحدا" أي ملجيأ وقييل موئل وأصيله المييل ومين لجأت‬
‫إليه فقد ملت إليه‪ .‬قال القشيري أبو نصر عبدالرحيم‪ :‬وهذا آخر قصة أصحاب الكهف‪ .‬ولما غزا‬
‫معاويية غزوة المضييق نحيو الروم وكان معيه ابين عباس فانتهيى إلى الكهيف الذي فييه أصيحاب‬
‫الكهيف؛ فقال معاويية‪ :‬لو كشيف لنيا عين هؤلء فننظير إليهيم؛ فقال ابين عباس‪ :‬قيد منيع ال مين هيو‬
‫خيير منيك عين ذلك‪ ،‬فقال‪" :‬لو اطلعيت عليهيم لولييت منهيم فرارا" [الكهيف‪ ]18 :‬فقال‪ :‬ل انتهيي‬
‫حتيى اعلم علمهيم‪ ،‬وبعيث قوميا لذلك‪ ،‬فلميا دخلوا الكهيف بعيث ال عليهيم ريحيا فأخرجتهيم؛ ذكره‬
‫الثعلبي أيضا‪ .‬وذكر أن النبي صلى ال عليه وسلم سأل ال أن يريه إياهم‪ ،‬فقال إنك لن تراهم في‬
‫دار الدنيا ولكن أبعث إليهم أربعة من خيار أصحابك ليبلغوهم رسالتك ويدعوهم إلى اليمان؛ فقال‬
‫النيبي صيلى ال علييه وسيلم لجبرييل علييه السيلم‪ :‬كييف أبعثهيم؟ فقال‪ :‬ابسيط كسياءك واجلس على‬
‫طرف مين أطرافيه أبيا بكير وعلى الطرف الخير عمير وعلى الثالث عثمان وعلى الرابيع علي بين‬
‫أبييي طالب‪ ،‬ثييم ادع الريييح الرخاء المسييخرة لسييليمان فإن ال تعالى يأمرهييا أن تطيعييك؛ ففعييل‬
‫فحملتهيم الرييح إلى باب الكهيف‪ ،‬فقلعوا منيه حجرا‪ ،‬فحميل الكلب عليهيم فلميا رآهيم حرك رأسيه‬
‫وبصييبص بذنبييه وأومييأ إليهييم برأسييه أن ادخلوا فدخلوا الكهييف فقالوا‪ :‬السييلم عليكييم ورحميية ال‬
‫وبركاتيه؛ فرد ال على الفتيية أرواحهيم فقاموا بأجمعهيم وقالوا‪ :‬عليكيم السيلم ورحمية ال وبركاتيه؛‬
‫فقالوا لهم‪ :‬معشر الفتية‪ ،‬إن النبي محمد بن عبدال صلى ال عليه وسلم يقرأ عليكم السلم؛ فقالوا‪:‬‬
‫وعلى محميد رسيول ال السيلم ميا داميت السيماوات والرض‪ ،‬وعليكيم بميا أبلغتيم‪ ،‬وقبلوا دينيه‬
‫وأسيلموا‪ ،‬ثيم قالوا‪ :‬أقرئوا محمدا رسيول ال منيا السيلم‪ ،‬وأخذوا مضاجعهيم وصياروا إلى رقدتهيم‬
‫إلى آخير الزمان عنيد خروج المهدي‪ .‬فيقال‪ :‬إن المهدي يسيلم عليهيم فيحييهيم ال ثيم يرجعون إلى‬
‫رقدتهيم فل يقومون حتيى تقوم السياعة‪ ،‬فأخيبر جبرييل رسيول ال صيلى ال علييه وسيلم بميا كان‬
‫منهم‪ ،‬ثم ردتهم الريح فقال النبي صلى ال عليه وسلم‪( :‬كيف وجدتموهم)؟‪ .‬فأخبروه الخبر؟ فقال‬
‫النيبي صيلى ال علييه وسيلم‪( :‬اللهيم ل تفرق بينيي وبيين أصيحابي وأصيهاري واغفير لمين أجنيبي‬
‫وأحيب أهيل بيتيي وخاصيتي وأصيحابي)‪ .‬وقييل‪ :‬إن أصيحاب الكهيف دخلوا الكهيف قبيل المسييح؛‬
‫فأخبر ال تعالى المسيح بخبرهم ثم بعثوا في الفترة بين عيسى ومحمد صلى ال عليه وسلم‪ .‬وقيل‪:‬‬
‫كانوا قبل موسى عليه السلم وأن موسى ذكرهم في التوراة؛ ولهذا سألت اليهود رسول ال صلى‬
‫ال عليه وسلم‪ .‬وقيل‪ :‬دخلوا الكهف بعد المسيح؛ فال اعلم أي ذلك كان‪.‬‬
‫*‪*3‬اليية‪{ 28 :‬واصيبر نفسيك ميع الذيين يدعون ربهيم بالغداة والعشيي يريدون وجهيه ول تعيد‬
‫عيناك عنهيم ترييد زينية الحياة الدنييا ول تطيع مين أغفلنيا قلبيه عين ذكرنيا واتبيع هواه وكان أمره‬
‫فرطا}‬
‫@قوله تعالى‪" :‬واصبر نفسك مع الذين يدعون ربهم بالغداة والعشي" هذا مثل قوله‪" :‬ول تطرد‬
‫الذيين يدعون ربهيم بالغداة والعشيي" [النعام‪ ]52 :‬فيي سيورة "النعام" وقيد مضيى الكلم فييه‪.‬‬
‫وقال سلمان الفارسي رضي ال عنه‪ :‬جاءت المؤلفة قلوبهم إلى رسول ال صلى ال عليه وسلم‪:‬‬
‫عيينة بن حصن والقرع بن حابس فقالوا‪ :‬يا رسول ال؛ إنك لو جلست في صدر المجلس ونحيت‬
‫عنييا هؤلء وأرواح جبابهييم ‪ -‬يعنون سييلمان وأبييا ذر وفقراء المسييلمين‪ ،‬وكانييت عليهييم جباب‬
‫الصيوف لم يكين عليهيم غيرهيا ‪ -‬جلسينا إلييك وحادثناك وأخذنيا عنيك‪ ،‬فأنزل ال تعالى "واتيل ميا‬
‫أوحيي إلييك مين كتاب ربيك ل مبدل لكلماتيه ولن تجيد مين دونيه ملتحدا‪ .‬واصيبر نفسيك ميع الذيين‬
‫يدعون ربهييم بالغداة والعشييي يريدون وجهييه ‪ -‬حتييى بلغ ‪ -‬إنييا اعتدنييا للظالمييين نارا أحاط بهييم‬
‫سيرادقها"‪ .‬يتهددهيم بالنار‪ .‬فقام النيبي صيلى ال علييه وسيلم يلتمسيهم حتيى إذا أصيابهم فيي مؤخير‬
‫المسيجد يذكرون ال قال‪( :‬الحميد ل الذي لم يمتنيي حتيى أمرنيي أن أصيبر نفسيي ميع رجال مين‬
‫أمتي‪ ،‬معكم المحيا ومعكم الممات)‪" .‬يريدون وجهه" أي طاعته‪ .‬وقرأ نصر بن عاصم ومالك بن‬
‫دينار وأبيو عبدالرحمين "ول تطرد الذيين يدعون ربهيم بالغدوة والعشيي" وحجتهيم أنهيا فيي السيواد‬
‫بالواو‪ .‬وقال أبيو جعفير النحاس‪ :‬وهذا ل يلزم لكتبهيم الحياة والصيلة بالواو‪ ،‬ول تكاد العرب تقول‬
‫الغدوة لنهيا معروفية‪ .‬وروي عين الحسين أي ل تتجاوز عيناك إلى غيرهيم مين أبناء الدنييا طلبيا‬
‫لزينتها؛ حكاه اليزيدي‪ .‬وقيل‪ :‬ل تحتقرهم عيناك؛ كما يقال فلن تنبو عنه العين؛ أي مستحقرا‪.‬‬
‫@قوله تعالى‪" :‬تريد زينة الحياة الدنيا" أي تتزين بمجالسة هؤلء الرؤساء الذين اقترحوا إبعاد‬
‫الفقراء من مجلسك؛ ولم يرد النبي صلى ال عليه وسلم أن يفعل ذلك‪ ،‬ولكن ال نهاه عن أن يفعله‪،‬‬
‫ولييس هذا بأكثير مين قوله "لئن أشركيت ليحبطين عملك" [الزمير‪ .]65 :‬وإن كان ال أعاذه مين‬
‫الشرك‪ .‬و"تريد" فعل مضارع في موضع الحال؛ أي ل تعد عيناك مريدا؛ كقول امرئ القيس‪:‬‬
‫نحاول ملكا أو نموت فنعذرا‬ ‫فقلت له ل تبك عينك إنما‬
‫وزعيم بعضهيم أن حيق الكلم‪ :‬ل تعيد عينييك عنهيم؛ لن "تعيد" متعيد بنفسيه‪ .‬قييل له‪ :‬والذي وردت‬
‫بيه التلوة مين رفيع العينيين يؤول إلى معنيى النصيب فيهيا‪ ،‬إذا كان ل تعيد عيناك عنهيم بمنزلة ل‬
‫تنصرف عيناك عنهم‪ ،‬ومعنى ل تنصرف عيناك عنهم ل تصرف عينيك عنهم؛ فالفعل مسند إلى‬
‫العينييين وهييو فييي الحقيقيية موجييه إلى النييبي صييلى ال عليييه وسييلم؛ كمييا قال تعالى‪" :‬فل تعجبييك‬
‫أموالهيم" فأسيند العجاب إلى الموال‪ ،‬والمعنيى‪ :‬ل تعجبيك ييا محميد أموالهيم‪ .‬ويزيدك وضوحيا‬
‫قول الزجاج‪ :‬إن المعنى ل تصرف بصرك عنهم إلى غيرهم من ذوي الهيئات والزينة‪.‬‬
‫@قوله تعالى‪" :‬ول تطع من أغفلنا قلبه عن ذكرنا" روى جويبر عن الضحاك عن ابن عباس في‬
‫قوله تعالى‪" :‬ول تطع من أغفلنا قلبه عن ذكرنا" قال‪ :‬نزلت في أمية بن خلف الجمحي‪ ،‬وذلك أنه‬
‫دعيا النيبي صيلى ال علييه وسيلم إلى أمير كرهيه مين تجرد الفقراء عنيه وتقرييب صيناديد أهيل مكية؛‬
‫فأنزل ال تعالى‪" :‬ول تطيع مين أغفلنيا قلبيه عين ذكرنيا" يعنيي مين ختمنيا على قلبيه عين التوحييد‪.‬‬
‫"واتبيع هواه" يعنيي الشرك‪" .‬وكان أمره فرطيا" قييل هيو مين التفرييط الذي هيو التقصيير وتقدييم‬
‫العجيز بترك اليمان‪ .‬وقيل‪ :‬من الفراط ومجاوزة الحد‪ ،‬وكان القوم قالوا‪ :‬نحن أشراف مضير إن‬
‫أسلمنا أسلم الناس؛ وكان هذا من التكبر والفراط ف في القول‪ .‬وقيل‪" :‬فرطا" أي قدما في الشر؛‬
‫من قولهم‪ :‬فرط منه أمر أي سبق‪ .‬وقيل‪ :‬معنى "أغفلنا قلبه" وجدناه غافل؛ كما تقول‪ :‬لقيت فلنا‬
‫فأحمدته؛ أي وجدته محمودا‪ .‬وقال عمرو بن معد يكرب لبني الحارث بن كعب‪ :‬وال لقد سألناكم‬
‫فما أبخلناكم‪ ،‬وقاتلناكم فما أجبناكم‪ ،‬وهاجيناكم فما أفحمناكم؛ أي ما وجدناكم بخلء ول جبناء ول‬
‫مفحميين‪ .‬وقييل‪ :‬نزلت "ول تطيع مين أغفلنيا قلبيه عين ذكرنيا" فيي عيينية بين حصين الفزاري؛ ذكره‬
‫عبدالرزاق‪ ،‬وحكاه النحاس عن سفيان الثوري‪ .‬وال اعلم‪.‬‬
‫*‪*3‬الية‪{ 29 :‬وقل الحق من ربكم فمن شاء فليؤمن ومن شاء فليكفر إنا أعتدنا للظالمين نارا‬
‫أحاط بهم سرادقها وإن يستغيثوا يغاثوا بماء كالمهل يشوي الوجوه بئس الشراب وساءت مرتفقا}‬
‫@قوله تعالى‪" :‬وقل الحق من ربكم فمن شاء فليؤمن ومن شاء فليكفر" "الحق" رفع على خبر‬
‫البتداء المضمير؛ أي قيل هيو الحيق‪ .‬وقييل‪ :‬هيو رفيع على البتداء‪ ،‬وخيبره فيي قوله "مين ربكيم"‪.‬‬
‫ومعنى الية‪ :‬قل يا محمد لهؤلء الذين أغفلنا قلوبهم عن ذكرنا‪ :‬أيها الناس من ربكم الحق فإليه‬
‫التوفييق والخذلن‪ ،‬وبيده الهدى والضلل‪ ،‬يهدي مين يشاء فيؤمين‪ ،‬ويضيل مين يشاء فيكفير؛ لييس‬
‫إلي مين ذلك شييء‪ ،‬فال يؤتيي الحيق مين يشاء وإن كان ضعيفيا‪ ،‬ويحرميه مين يشاء وإن كان قوييا‬
‫غنييا‪ ،‬ولسيت بطارد المؤمنيين لهواكيم؛ فإن شئتيم فآمنوا‪ ،‬وإن شئتيم فاكفروا‪ .‬ولييس هذا بترخييص‬
‫وتخييير بيين اليمان والكفير‪ ،‬وإنميا هيو وعييد وتهدييد‪ .‬أي إن كفرتيم فقيد أعيد لكيم النار‪ ،‬وإن آمنتيم‬
‫فلكم الجنة‪.‬‬
‫@قوله تعالى‪" :‬إنيا أعتدنيا" أي أعددنيا‪" .‬للظالميين" أي للكافريين الجاحديين‪" .‬نارا أحاط بهيم‬
‫سيرادقها" قال الجوهري‪ :‬السيرادق واحيد السيرادقات التيي تميد فوق صيحن الدار‪ .‬وكيل بييت مين‬
‫كرسف فهو سرادق‪ .‬قال رؤبة‪:‬‬
‫سرادق المجد عليك ممدود‬ ‫يا حكم بن المنذر بن الجارود‬
‫يقال‪ :‬بيييت مسييردق‪ .‬وقال سييلمة بيين جندل يذكيير أبرويييز وقتله النعمان بيين المنذر تحييت أرجييل‬
‫الفيلة‪:‬‬
‫صدور الفيول بعد بيت مسردق‬ ‫هو المدخل النعمان بيتا سماؤه‬
‫وقال ابيين العرابييي‪" :‬سييرادقها" سييورها‪ .‬وعيين ابيين عباس‪ :‬حائط ميين نار‪ .‬الكلبييي‪ :‬وقال ابيين‬
‫العرابيي‪" :‬سيرادقها" سيورها‪ .‬وعين ابين عباس‪ :‬حائط مين نار‪ .‬الكلبيي‪ :‬عنيق تخرج مين النار‬
‫فتحييط بالكفار كالحظيرة‪ .‬القتيبي‪ :‬السيرادق الحجرة التيي تكون حول الفسيطاط‪ .‬وقال ابين عزييز‪.‬‬
‫وقييل‪ :‬هيو دخان يحييط بالكفار يوم القيامية‪ ،‬وهيو الذي ذكره ال تعالى فيي سيورة "والمرسيلت"‪.‬‬
‫حييث يقول‪" :‬انطلقوا إلى ظيل ذي ثلث شعيب" [المرسيلت‪ ]30 :‬وقوله‪" :‬وظيل مين يحموم"‬
‫[الواقعة‪ ]43 :‬قاله قتادة‪ .‬وقيل‪ :‬إنه البحر المحيط بالدنيا‪ .‬وروي يعلي بن أمية قال قال رسول ال‬
‫صلى ال عليه وسلم‪( :‬البحر هو جهنم ‪ -‬ثم تل ‪ -‬نارا أحاط بهم سرادقها ‪ -‬ثم قال ‪ -‬وال ل أدخلها‬
‫أبدا ميا دميت حييا ول يصييبني منهيا قطرة) ذكره الماوردي‪ .‬وخرج ابين المبارك مين حدييث أبيي‬
‫سييعيد الخدري عيين النييبي صييلى ال عليييه وسييلم قال‪( :‬لسييرادق النار أربييع جدر كثييف كييل جدار‬
‫مسيرة أربعين سنة)‪ .‬وخرجه أبو عيسى الترمذي‪ ،‬وقال فيه‪ :‬حديث حسن صحيح غريب‪.‬‬
‫قلت‪ :‬وهذا يدل على أن السرادق ما يعلو الكفار من دخان أو نار‪ ،‬وجدره ما وصف‪.‬‬
‫@قوله تعالى‪" :‬وإن يستغيثوا يغاثوا بماء كالمهل يشوي الوجوه" قال ابن عباس‪ :‬المهل ماء غليظ‬
‫مثيل دردي الزييت‪ .‬مجاهيد‪ :‬القييح والدم‪ .‬الضحاك‪ :‬ماء أسيود‪ ،‬وإن جهنيم لسيوداء‪ ،‬وماؤهيا أسيود‬
‫وشجرهيا أسيود وأهلهيا سيود‪ .‬وقال أبيو عيبيدة‪ :‬هيو كيل ميا أذييب مين جواهير الرض مين حدييد‬
‫ورصياص ونحاس وقصيدير‪ ،‬فتموج بالغليان‪ ،‬فذلك المهيل‪ .‬ونحوه عين ابين مسيعود قال سيعيد بين‬
‫جبير‪ :‬هو الذي قد انتهى حره‪ .‬وقال‪ :‬المهل ضرب من القطران؛ يقال‪ :‬مهلت البعير فهو ممهول‪.‬‬
‫وقييل‪ :‬هيو السيم‪ .‬والمعنيى فيي هذه القوال متقارب‪ .‬وفيي الترمذي عين النيبي صيلى ال علييه وسيلم‬
‫فيي قوله "كالمهيل" قال‪( :‬كعكير الزييت فإذا قربيه إلى وجهيه سيقطت فروة وجهيه) قال أبيو عيسيى‪:‬‬
‫هذا حديث إنما نعرفه من حديث رشدين بن سعد ورشدين قد تكلم فيه من قبل حفظه‪ .‬وخرج عن‬
‫أبي أمامة عن النبي صلى ال عليه وسلم في قوله‪" :‬ويسقى من ماء صديد يتجرعه" قال‪( :‬يقرب‬
‫إلى فييه فكرهيه فإذا أدنيي منيه شوى وجهيه ووقعيت فروة رأسيه إذا شربيه قطيع أمعاءه حتيى يخرج‬
‫مين دبره‪ .‬يقول ال تعالى "وسيقوا ماء حميميا فقطيع أمعاءهيم" [محميد‪ ]15 :‬يقول "وإن يسيتغيثوا‬
‫يغاثوا بماء كالمهل يشوي الوجوه بئس الشراب وساءت مرتفقا" قال‪ :‬حديث غريب‪.‬‬
‫قلت‪ :‬وهذا يدل على صحة تلك القوال‪ ،‬وأنها مرادة‪ ،‬وال اعلم‪ .‬وكذلك نص عليها أهل اللغة‪.‬‬
‫فيي الصيحاح "المهيل" النحاس المذاب‪ .‬ابين العرابيي‪ :‬المهيل المذاب مين الرصياص‪ .‬وقال أبيو‬
‫عمرو‪ .‬المهل دردي الزيت‪ .‬والمهل أيضا القيح والصديد‪ .‬وفي حديث أبي بكر‪ :‬ادفنوني في ثوبي‬
‫هذين فإنهما للمهل والتراب‪ .‬و"مرتفقا" قال مجاهد‪ :‬معناه مجتمعا‪ ،‬كأنه ذهب إلى معنى المرافقة‪.‬‬
‫ابين عباس‪ :‬منزل‪ .‬عطاء‪ :‬مقرا‪ .‬وقييل مهادا‪ .‬وقال القتيبي‪ :‬مجلسيا‪ ،‬والمعنيى متقارب؛ وأصيله مين‬
‫المتكأ‪ ،‬يقال منه‪ :‬ارتفقت أي اتكأت على المرفق‪ .‬قال الشاعر‪:‬‬
‫يسوق بالقوم غزالت الضحى‬ ‫قالت له وارتفقت أل فتى‬
‫ويقال‪ :‬ارتفق الرجل إذا نام على مرفقه ل يأتيه نوم‪ .‬قال أبو ذؤيب الهذلي‪:‬‬
‫كأن عيني فيها الصاب مدبوح‬ ‫نام الخلي وبت الليل مرتفقا‬
‫الصاب‪ :‬عصارة شجر مر‪.‬‬
‫*‪*3‬اليتان‪{ 31 - 30 :‬إن الذين آمنوا وعملوا الصالحات إنا ل نضيع أجر من أحسن عمل‪،‬‬
‫أولئك لهيم جنات عدن تجري مين تحتهيم النهار يحلون فيهيا مين أسياور مين ذهيب ويلبسيون ثيابيا‬
‫خضرا من سندس وإستبرق متكئين فيها على الرائك نعم الثواب وحسنت مرتفقا}‬
‫@ لما ذكر ما أعد للكافرين من الهوان ذكر أيضا ما للمؤمنين من الثواب‪ .‬وفي الكلم إضمار؛‬
‫أي ل نضييع أجير مين أحسين منهيم عمل‪ ،‬فأميا مين أحسين عمل مين غيير المؤمنيين فعمله محبيط‪.‬‬
‫و"عمل" نصييب على التمييييز‪ ،‬وإن شئت بإيقاع "أحسيين" عليييه‪ .‬وقيييل‪" :‬إنييا ل نضيييع أجيير ميين‬
‫أحسين عمل" كلم معترض‪ ،‬والخيبر قوله "أولئك لهيم جنات عدن"‪ .‬و"جنات عدن" سيرة الجنية‪،‬‬
‫أي وسيطها وسيائر الجنات محدقية بهيا وذكرت بلفيظ الجميع لسيعتها؛ لن كيل بقعية منهيا تصيلح أن‬
‫تكون جنة وقييل‪ :‬العدن القامية‪ ،‬يقال‪ :‬عدن بالمكان إذا أقام به وعدنت البلد توطنته وعدنيت البل‬
‫بمكان كذا لزمتيه فلم تيبرح منيه؛ ومنيه "جنات عدن" أي جنات إقامية ومنيه سيمي المعدن (بكسير‬
‫الدال)؛ لن الناس يقيمون فييه بالصييف والشتاء ومركيز كيل شييء معدنيه والعادن‪ :‬الناقية المقيمية‬
‫في المرعى‪ .‬وعدن بلد؛ قاله الجوهري‪" .‬تجري من تحتهم النهار" تقدم‪" .‬يحلون فيها من أساور‬
‫مين ذهيب" وهيو جميع سيوار‪ .‬قال سيعيد بين جيبير‪ :‬على كيل واحيد منهيم ثلثية أسيورة‪ :‬واحيد مين‬
‫ذهب‪ ،‬وواحد من ورق‪ ،‬وواحد من لؤلؤ‪.‬‬
‫قلت‪ :‬هذا منصوص في القرآن‪ ،‬قال هنا "من ذهب" وقال في الحج وفاطر "من ذهب ولؤلؤا"‬
‫[الحج‪ ]23 :‬وفي النسان "من فضة" [النسان‪ .]21 :‬وقال أبو هريرة‪ :‬سمعت خليلي صلى ال‬
‫عليييه وسييلم يقول‪( :‬تبلغ الحلييية ميين المؤميين حيييث يبلغ الوضوء) خرجييه مسييلم‪ .‬وحكييى الفراء‪:‬‬
‫"يحلون" بفتح الياء وسكون الحاء وفتح اللم خفيفة؛ يقال‪ :‬حليت المرأة تحلى فهي حالية إذا لبست‬
‫الحلي‪ .‬وحلي الشييء بعينيي يحلى؛ ذكره النحاس‪ .‬والسيوار سيوار المرأة‪ ،‬والجميع أسيورة‪ ،‬وجميع‬
‫الجميع أسياورة‪ .‬وقرئ "فلول ألقيي علييه أسياورة مين ذهيب" [الزخرف‪ :‬وقيد يكون الجميع أسياور‪.‬‬
‫وقال ال تعالى "يحلون فيهيا مين أسياور مين ذهيب" قاله الجوهري‪ .‬وقال ابين عزييز‪ :‬أسياور جميع‬
‫أسورة‪ ،‬وأسورة جمع سوار وسوار‪ ،‬وهو الذي يلبس في الذراع من ذهب‪ ،‬فإن كان من فضة فهو‬
‫قلب وجمعه قلبة؛ فإن كان من قرن أو عاج فهي مسكة وجمعه مسك‪ .‬قال النحاس‪ :‬وحكى قطرب‬
‫في واحد الساور إسوار‪ ،‬وقطرب صاحب شذوذ‪ ،‬قد تركه يعقوب وغيره فلم يذكره‪.‬‬
‫قلت‪ :‬قيد جاء فيي الصيحاح وقال أبيو عمرو بين العلء‪ :‬وأحدهيا إسيوار‪ .‬وقال المفسيرون‪ :‬لميا‬
‫كانت الملوك تلبس في الدنيا الساور‪ .‬والتيجان جعل ال تعالى ذلك لهل الجنة‪.‬‬
‫@قوله تعالى‪" :‬ويلبسيون ثيابيا خضرا مين سيندس وإسيتبرق" السيندس‪ :‬الرفييق النحييف‪ ،‬واحده‬
‫سندسة؛ قال الكسائي‪ .‬والستبرق‪ :‬ما ثخن منه ‪ -‬عن عكرمة ‪ -‬وهو الحرير‪ .‬قال الشاعر‪:‬‬
‫وإستبرق الديباج طورا لباسها‬ ‫تراهن يلبسن المشاعر مرة‬
‫فالسييتبرق الديباج‪ .‬ابين بحيير‪ :‬المنسييوج بالذهيب‪ .‬القتييبي‪ :‬فارسييي معرب‪ .‬الجوهري‪ :‬وتصييغيره‬
‫أبيرق‪ .‬وقيل‪ :‬هو استفعل من البريق‪ .‬والصحيح أنه وفاق بين اللغتين؛ إذ ليس في القرآن ما ليس‬
‫مين لغية العرب‪ ،‬على ميا تقدم‪ ،‬وال اعلم‪ ".‬وخيص الخضير بالذكير لنيه الموافييق للبصيير؛ لن‬
‫البياض يبدد النظيير ويؤلم‪ ،‬والسييواد يذم‪ ،‬والخضرة بييين البياض والسييواد‪ ،‬وذلك يجمييع الشعاع‪.‬‬
‫وال اعلم‪ .‬روى النسائي عن عبدال بن عمرو بن العاص فال‪ :‬بينما نحن عند رسول ال صلى ال‬
‫علييه وسيلم إذ جاءه رجيل فقال‪ :‬ييا رسيول ال‪ ،‬أخبرنيا عين ثياب الجنية‪ ،‬أخلق يخلق أم نسيج ينسيج؟‬
‫فضحيك بعيض القوم‪ .‬فقال لهيم‪( :‬ميم تضحكون مين جاهيل يسيأل عالميا) فجلس يسييرا أو قليل فقال‬
‫رسول ال صلى ال عليه وسلم‪( :‬أين السائل عن ثياب الجنة)؟ فقال‪ :‬ها هو ذا يا رسول ال؛ قال‬
‫(ل بيل تشقيق عنهيا ثمير الحنية) قالهيا ثلثيا‪ .‬وقال أبيو هريرة‪ :‬دار المؤمين درة مجوفية فيي وسيطها‬
‫شجرة تنبييت الحلل ويأخييذ بأصييبعه أو قال بأصييبعيه سييبعين حلة منظميية بالدر والمرجان‪ .‬ذكره‬
‫يحيى بن سلم في تفسيره وابن المبارك في رقائقه‪ .‬وقد ذكرنا إسناده في كتاب التذكرة‪ .‬وذكر في‬
‫الحديييث أنييه يكون على كييل واحييد منهييم الحلة لهييا وجهان لكييل وجييه لون‪ ،‬يتكلمان بييه بصييوت‬
‫يسيتحسنه سيامعه‪ ،‬يقول أحيد الوجهيين للخير‪ :‬أنيا أكرم على ولي ال منيك‪ ،‬أنيا ألي جسيده وأنيت ل‬
‫تلي‪ .‬ويقول الخر‪ :‬أنا أكرم على ولي ال منك‪ ،‬أنا أبصر وجهه وأنت ل تبصر‪.‬‬
‫@قوله تعالى‪" :‬متكئيين فيهيا على الرائك" "الرائك" جميع أريكية‪ ،‬وهيي السيرر فيي الحجال‪.‬‬
‫وقيييل الفرش فييي الحجال؛ قاله الزجاج‪ .‬ابيين عباس‪ :‬هييي السييرة ميين ذهييب‪ ،‬وهييي مكللة بالدر‬
‫والياقوت عليها الحجال‪ ،‬الريكة ما بين صنعاء إلى أيلة وما بين عدن إلى الجابية‪ .‬وأصل متكئين‬
‫موتكئيين‪ ،‬وكذلك اتكيأ أصيله أو تكيأ‪ ،‬وأصيل التكأة وكأة؛ ومنيه التوكيأ للتحاميل على الشييء‪ ،‬فقلبيت‬
‫الواو تاء وأدغمت‪ .‬ورجل وكأة كثير التكاء‪" .‬نعم الثواب وحسنت مرتفقا" يعني الجنات‪ ،‬عكس‬
‫"وسياءت مرتفقيا"‪ .‬وقيد تقدم‪ .‬ولو كان "نعميت" لجاز لنيه اسييم للجنيية‪ .‬وعلى هذا "وحسيينت‬
‫مرتفقيا"‪ .‬وروى البراء بين عازب أن أعرابييا قام إلى رسيول ال صيلى ال علييه وسيلم فيي حجية‬
‫الوداع‪ ،‬والنيبي صيلى ال علييه وسيلم واقيف بعرفات على ناقتيه العضباء فقال‪ :‬إنيي رجيل مسيلم‬
‫فأخبرني عن هذه الية "إن الذين آمنوا وعملوا الصالحات" الية؛ فقال رسول ال صلى ال عليه‬
‫وسيلم‪( :‬ميا أنيت منهيم ببعييد ول هيم ببعييد منيك هيم هؤلء الربعية أبيو بكير وعمير وعثمان وعلي‬
‫فأعلم قوميك أن هذه اليية نزلت فيهيم) ذكره الماوردي‪ ،‬وأسينده النحاس فيي كتاب معانيي القرآن‪،‬‬
‫قال‪ :‬حدثنيا أبيو عبدال أحميد بين علي بين سيهل قال حدثنيا محميد بين حمييد قال حدثنيا يحييى بين‬
‫الضريس عن زهير بن معاوية عن أبي إسحاق عن البراء بن عازب قال‪ :‬قام أعرابي‪...‬؛ فذكره‪.‬‬
‫وأسنده السهيلي في كتاب العلم‪ .‬وقد روينا جميع ذلك بالجازة‪ ،‬والحمد ل‪.‬‬
‫*‪*3‬اليات‪{ 34 - 32 :‬واضرب لهم مثل رجلين جعلنا لحدهما جنتين من أعناب وحففناهما‬
‫بنخل وجعلنا بينهما زرعا‪ ،‬كلتا الجنتين آتت أكلها ولم تظلم منه شيئا وفجرنا خللهما نهرا‪ ،‬وكان‬
‫له ثمر فقال لصاحبه وهو يحاوره أنا أكثر منك مال وأعز نفرا}‬
‫@قوله تعالى‪" :‬واضرب لهيم مثل رجليين" هذا مثيل لمين يتعزز بالدنييا ويسيتنكف عين مجالسية‬
‫المؤمنيين‪ ،‬وهيو متصيل بقوله "واصيبر نفسيك" [الكهيف‪ .]28 :‬واختلف فيي اسيم هذيين الرجليين‬
‫وتعيينهما؛ فقال الكلبي‪ :‬نزلت في أخوين من أهل مكة مخزوميين‪ ،‬أحدهما مؤمن وهو أبو سلمة‬
‫عبدال بين عبدالسيد بين هلل بين عبدال بين عمير بين مخزوم‪ ،‬زوج أم سيلمة قبيل النيبي صيلى ال‬
‫عليييه وسييلم‪ .‬والخيير كافيير وهييو السييود بيين عبدالسييد‪ ،‬وهمييا الخوان المذكوران فييي سييورة‬
‫"الصافات" في قوله "قال قائل منهم إني كان لي قرين" [الصافات‪ ،]51 :‬ورث كل واحد منهما‬
‫أربعية آلف دينار‪ ،‬فأنفيق أحدهميا مال فيي سيبيل ال وطلب مين أخييه شيئا فقال ميا قال‪...‬؛ ذكره‬
‫الثعلبيي والقشيري‪ .‬وقييل‪ :‬نزلت فيي النيبي صلى ال عليه وسلم وأهل مكية‪ .‬وقيل‪ :‬هو مثيل لجمييع‬
‫مين آمين بال وجمييع مين كفير‪ .‬وقييل‪ :‬هيو مثيل لعيينية بين حصين وأصيحابه ميع سيلمان وصيهيب‬
‫وأصحابه؛ شبههيم ال برجلين مين بني إسيرائيل أخوين أحدهميا مؤمن واسمه يهوذا؛ فيي قول ابين‬
‫عباس‪ .‬وقال مقاتيل‪ :‬اسيمه تمليخيا‪ .‬والخير كافير واسيمه قرطوش‪ .‬وهميا اللذان وصيفهما ال تعالى‬
‫فيي سيورة الصيافات‪ .‬وكذا ذكير محميد بين الحسين المقرئ قال‪ :‬اسيم الخيير منهميا تمليخيا‪ ،‬والخير‬
‫قرطوش‪ ،‬وأنهما كانا شريكين ثم اقتسما المال فصار لكل واحد منهما ثلثة آلف دينار‪ ،‬فاشترى‬
‫المؤمن منهما عبيدا بألف وأعتقهم‪ ،‬وباللف الثانية ثيابا فكسا العراة‪ ،‬وباللف الثالثة طعاما فأطعم‬
‫الجوع‪ ،‬وبنى أيضا مساجد‪ ،‬وفعل خيرا‪ .‬وأما الخر فنكح بماله نساء ذوات يسار‪ ،‬واشترى دواب‬
‫وبقرا فاسيتنتجها فنميت له نماء مفرطيا‪ ،‬وأتجير بباقيهيا فربيح حتيى فاق أهيل زمانيه غنيى؛ وأدركيت‬
‫الول الحاجية‪ ،‬فأراد أن يسيتخدم نفسيه فيي جنية يخدمهيا فقال‪ :‬لو ذهبيت لشريكيي وصياحبي فسيألته‬
‫أن يستخدمني في بعض جناته رجوت أن يكون ذلك أصلح بي‪ ،‬فجاءه فلم يكد يصل إليه من غلظ‬
‫الحجاب‪ ،‬فلميا دخيل علييه وعرفيه وسيأله حاجتيه قال له‪ :‬ألم أكين قاسيمتك المال نصيفين فميا صينعت‬
‫بمالك؟‪ .‬قال‪ :‬اشتريت به من ال تعالى ما هو خير منه وأبقى‪ .‬فقال‪ .‬أإنك لمن المصدقين‪ ،‬ما أظن‬
‫السياعة قائمية وميا أراك إل سيفيها‪ ،‬وميا جزاؤك عندي على سيفاهتك إل الحرمان‪ ،‬أو ميا ترى ميا‬
‫صينعت أنيا بمالي حتيى آل إلى ميا تراه مين الثروة وحسين الحال‪ ،‬وذلك أنيي كسيبت وسيفهت أنيت‪،‬‬
‫اخرج عني‪ .‬ثم كان من قصة هذا الغني ما ذكره ال تعالى في القرآن من الحاطة بثمره وذهابها‬
‫أصل بما أرسل عليها من السماء من الحسبان‪ .‬وقد ذكر الثعلبي هذه القصة بلفظ آخر‪ ،‬والمعنى‬
‫متقارب‪.‬‬
‫قال عطاء‪ :‬كانا شريكين لهما ثمانية آلف دينار‪ .‬وقيل‪ :‬ورثاه من أبيهما وكانا أخوين فاقتسماها‪،‬‬
‫فاشترى أحدهما أرضا بألف دينار‪ ،‬فقال صاحبه‪ :‬اللهم إن فلنا قد اشترى أرضا بألف دينار وإني‬
‫اشترييت منيك أرضيا فيي الجنية بألف دينار فتصيدق بهيا‪ ،‬ثيم إن صياحبه بنيى دارا بألف دينار فقال‪:‬‬
‫اللهيم إن فلنيا بنيى دارا بألف دينار وإنيي اشتري منيك دارا فيي الجنية بألف دينار‪ ،‬فتصيدق بهيا‪ ،‬ثيم‬
‫تزوج امرأة فأنفق عليها ألف دينار‪ ،‬فقال‪ :‬اللهم إن فلنا تزوج امرأة بألف دينار وإني أخطب إليك‬
‫ميين نسيياء الجنيية بألف دينار‪ ،‬فتصييدق بألف دينار‪ .‬ثييم اشترى خدمييا ومتاعييا بألف دينار‪ ،‬وإنييي‬
‫أشتري منيك خدميا ومتاعيا مين الجنية بألف دينار‪ ،‬فتصيدق بألف دينار‪ .‬ثيم أصيابته حاجية شديدة‬
‫فقال‪ :‬لعييل صيياحبي ينالنييي معروفييه فأتاه فقال‪ :‬مييا فعييل مالك؟ فأخييبره قصييته فقال‪ :‬وإنييك لميين‬
‫المصييدقين بهذا الحديييث وال ل أعطيييك شيئا ثييم قال له‪ :‬أنييت تعبييد إله السييماء‪ ،‬وأنييا ل أعبييد إل‬
‫صينما؛ فقال صياحبه‪ :‬وال لعظنيه‪ ،‬فوعظيه وذكره وخوفيه‪ .‬فقال‪ :‬سير بنيا نصيطد السيمك‪ ،‬فمين‬
‫صياد أكثير فهيو على حيق؛ فقال له‪ :‬ييا أخيي إن الدنييا أحقير عنيد ال مين أن يجعلهيا ثوابيا لمحسين أو‬
‫عقابيا لكافير‪ .‬قال‪ :‬فأكرهيه على الخروج معيه‪ ،‬فابتلهميا ال‪ ،‬فجعيل الكافير يرميي شبكتيه ويسيمي‬
‫باسيم صينمه‪ ،‬فتطلع متدفقيه سيمكا‪ .‬وجعيل المؤمين يرميي شبكتيه ويسيمي باسيم ال فل يطلع له فيهيا‬
‫شيء؛ فقال له‪ :‬كيف ترى أنا أكثر منك في الدنيا نصيبا ومنزلة ونفرا‪ ،‬كذلك أكون أفضل منك في‬
‫الخرة إن كان ميا تقول بزعميك حقيا‪ .‬قال‪ :‬فضيج الملك الموكيل بهميا‪ ،‬فأمير ال تعالى جبرييل أن‬
‫يأخذه فيذهيب بيه إلى الجنان فيرييه منازل المؤمين فيهيا‪ ،‬فلميا رأى ميا أعيد ال له قال‪ :‬وعزتيك ل‬
‫يضره ما ناله من الدنيا بعد ما يكون مصيره إلى هذا؛ وأراه منازل الكافر في جهنم فقال‪ :‬وعزتك‬
‫ل ينفعيه ميا أصيابه مين الدنييا بعيد أن يكون مصييره إلى هذا‪ .‬ثيم إن ال تعالى توفيى المؤمين وأهلك‬
‫الكافير بعذاب مين عنده‪ ،‬فلميا اسيتقر المؤمين فيي الجنية ورأى ميا أعيد ال له أقبيل هيو وأصيحابه‬
‫يتسياءلون‪ ،‬فقال‪" :‬إنيي كان لي قريين‪ .‬يقول أإنيك لمين المصيدقين" [الصيافات‪ ]51 :‬اليية؛ فنادى‬
‫مناد‪ :‬يا أهل الجنة هل أنتم مطلعون فاطلع إلى جهنم فرآه في سواء الجحيم؛ فنزلت "واضرب لهم‬
‫مثل"‪.‬‬
‫بييين ال تعالى حال الخوييين فييي الدنيييا فييي هذه السييورة‪ ،‬وبييين حالهمييا فييي الخرة فييي سييورة‬
‫"الصافات" في قول "إني كان لي قرين‪ .‬يقول أإنك لمن المصدقين ‪ -‬إلى قوله ‪ -‬لمثل هذا فليعمل‬
‫العاملون" [الصافات‪ .]51 :‬قال ابن عطية‪ :‬وذكر إبراهيم بن القاسم الكاتب في كتابه في عجائب‬
‫البلد أن بحيرة تنييس كانيت هاتيين الجنتيين‪ ،‬وكانتيا لخويين فباع أحدهميا نصييبه مين الخير فأنفيق‬
‫فيي طاعية ال حتيى عيره الخير‪ ،‬وجرت بينهميا المحاورة فغرقهيا ال تعالى فيي ليلة‪ ،‬وإياهيا عنيي‬
‫بهذه الية‪ .‬وقد قيل‪ :‬إن هذا مثل ضربه ال تعالى لهذه المة‪ ،‬وليس بخبر عن حال متقدمة‪ ،‬لتزهد‬
‫فييي الدنيييا وترغييب فييي الخرة‪ ،‬وجعله زجرا وإنذارا؛ ذكره الماوردي‪ .‬وسييياق الييية يدل على‬
‫خلف هذا‪ ،‬وال اعلم‪.‬‬
‫@قوله تعالى‪" :‬وحففناهميا بنخيل" أي أطفناهميا مين جوانبهميا بنخيل‪ .‬والحفاف الجانيب‪ ،‬وجمعيه‬
‫أحفة؛ ويقال‪ :‬حف القوم بفلن يحفون حفا‪ ،‬أي طافوا به؛ ومنه "حافين من حول العرش" [الزمر‪:‬‬
‫‪" .]75‬وجعلنا بينهما زرعا" أي جعلنا حول العناب النخل‪ ،‬ووسط العناب الزرع‪.‬‬
‫@قوله تعالى‪" :‬كلتيا الجنتيين" أي كيل واحدة مين الجنتيين‪ ،‬واختلف فيي لفيظ "كلتيا وكل" هيل هيو‬
‫مفرد أو مثنيى؛ فقال أهيل البصيرة‪ :‬هيو مفرد؛ لن كل وكلتيا فيي توكييد الثنيين نظيير "كيل" فيي‬
‫المجموع‪ ،‬وهو اسم مفرد غير مثنى؛ فإذا ولي اسما ظاهرا كان في الرفع والنصب والخفض على‬
‫حالة واحدة‪ ،‬تقول‪ :‬رأييت كل الرجليين وجاءنيي كل الرجليين ومررت بكل الرجليين؛ فإذا اتصيل‬
‫بمضمير قلبيت اللف ياء فيي موضيع الجير والنصيب‪ ،‬تقول‪ :‬رأييت كليهميا ومررت بكليهميا‪ ،‬كميا‬
‫تقول عليهمييا‪ .‬وقال الفراء‪ :‬هييو مثنييى‪ ،‬وهييو مأخوذ ميين كييل فخففييت اللم وزيدت اللف للتثنييية‪.‬‬
‫وكذلك كلتا للمؤنث‪ ،‬ول يكونان إل مضافين ول يتكلم بواحد‪ ،‬ولو تكلم به لقيل‪ :‬كل وكلت وكلن‬
‫وكلتان‪ .‬واحتج بقول الشاعر‪:‬‬
‫كلتاهما مقرونة بزائده‬ ‫في كلت رجليها سلمى واحده‬
‫أراد فيي إحدى رجليهيا فأفرد‪ .‬وهذا القول ضعييف عنيد أهيل البصيرة؛ لنيه لو كان مثنيى لوجيب أن‬
‫تكون ألفيه فيي النصيب والجير ياء ميع السيم الظاهير‪ ،‬ولن معنيى "كل" مخالف لمعنيى "كيل" لن‬
‫"كل" للحاطة و"كل" يدل على شيء مخصوص‪ ،‬وأما هذا الشاعر فإما حذف اللف للضرورة‬
‫وقدر أنهيا زائدة‪ ،‬وميا يكون ضرورة ل يجوز أن يجعيل حجية‪ ،‬فثبيت أنيه اسيم مفرد كمعيى‪ ،‬إل أنيه‬
‫وضع ليدل على التثنية‪ ،‬كما أن قولهم "نحن" اسم مفرد يدل على اثنين فما فوقهما‪ ،‬يدل على ذلك‬
‫قول جرير‪:‬‬
‫وإن لم نأتها إل لماما‬ ‫كل يومي أمامة يوم صد‬
‫فأخييبر عيين "كل" بيوم مفرد‪ ،‬كمييا أفرد الخييبر بقوله "آتييت" ولو كان مثنييى لقال آتتييا‪ ،‬ويومييا‪.‬‬
‫واختلف أيضيا فيي ألف "كلتيا"؛ فقال سييبويه‪ :‬ألف "وكلتيا" للتأنييث والتاء بدل مين لم الفعيل وهيي‬
‫واو والصل كلوا‪ ،‬وإنما أبدلت تاء لن في التاء علم التأنيث‪ ،‬واللف "في كلتا" قد تصير ياء مع‬
‫المضميير فتخرج عيين علم التأنيييث‪ ،‬فصييار فييي إبدال الواو تاء تأكيييد للتأنيييث‪ .‬وقال أبييو عميير‬
‫الجرمييي‪ :‬التاء ملحقيية واللف لم الفعييل‪ ،‬وتقديرهييا عنده‪ :‬فعتييل‪ ،‬ولو كان الميير على مييا زعييم‬
‫الجرمي‪ :‬التاء ملحقة واللف لم الفعل‪ ،‬وتقديرها عنده‪ :‬فعتل‪ ،‬ولو كان المر على ما زعم لقالوا‬
‫في النسبة إليها كلتوي‪ ،‬فلما قالوا كلوي وأسقطوا التاء دل على أنهم أجروها مجرى التاء في أخت‬
‫إذا نسييبت إليهييا قلت أخوي؛ ذكره الجوهري‪ .‬قال أبييو جعفيير النحاس‪ :‬وأجاز النحويون فييي غييير‬
‫القرآن الحميل على المعنيى‪ ،‬وأن تقول‪ :‬كلتيا الجنتيين آتتيا أكلهميا؛ لن المعنيى المختار كلتاهميا آتتيا‪.‬‬
‫وأجاز الفراء‪ :‬كلتيا الجنتيين آتيى أكله‪ ،‬قال‪ :‬لن المعنيى كيل الجنتيين‪ .‬قال‪ :‬وفيي قراءة عبدال "كيل‬
‫الجنتيين أتيى أكله"‪ .‬والمعنيى على هذا عنيد الفراء‪ :‬كيل شييء مين الجنتيين آتيي أكله‪ .‬والكيل (بضيم‬
‫الهمزة) ثمر النخل والشجر‪ .‬وكل ما يؤكل فهو أكل؛ ومنه قوله تعالى‪" :‬أكلها دائم" [الرعد‪]35 :‬‬
‫وقد تقدم‪" .‬آتت أكلها" تاما ولذلك لم يقل آتتا‪" .‬ولم تظلم منه شيئا" أي لم تنقص‪.‬‬
‫@قوله تعالى‪" :‬وفجرنا خللهما نهرا" أي أجرينا وشققنا وسط الجنتين بنهر‪" .‬وكان له ثمر" قرأ‬
‫أبو جعفر وشيبة وعاصم ويعقوب وابن أبي إسحاق "ثمر" بفتح الثاء والميم‪ ،‬وكذلك قوله "وأحيط‬
‫بثمره" [الكهيف‪ ]42 :‬جميع ثمرة‪ .‬قال الجوهري‪ :‬الثمرة واحدة الثمير والثمرات‪ ،‬وجميع الثمير‬
‫ثمار؛ مثل جبل وجبال‪ .‬قال الفراء‪ :‬وجمع الثمار ثمر؛ مثل كتاب وكتب‪ ،‬وجمع الثمر أثمار؛ مثل‬
‫أعناق وعنق‪ .‬والثمر أيضا المال المثمر؛ يخفف ويثقل‪ .‬وقرأ أبو عمرو "وكان له ثمر" بضم الثاء‬
‫وإسيكان المييم‪ ،‬وفسيره بأنواع المال‪ .‬والباقون بضمهيا فيي الحرفيين‪ .‬قال ابين عباس‪ :‬ذهيب وفضية‬
‫وأموال‪ .‬وقد مضى في "النعام" نحو هذا مبينا‪ .‬ذكر النحاس‪ :‬حدثنا أحمد بن شعيب قال أخبرني‬
‫عمران بن بكار قال حدثنا إبراهيم بن العلء الزبيدي قال حدثنا شعيب بن إسحاق قال هارون قال‬
‫حدثنيي أبان عين ثعلب عين العميش أن الحجاج قال‪ :‬لو سيمعت أحدا يقرأ "وكان له ثمير" لقطعيت‬
‫لسيانه؛ فقلت للعميش‪ :‬أتأخيذ بذلك؟ فقال‪ :‬ل؟ ول نعمية عيين‪ .‬فكان يقرأ "ثمير" ويأخذه مين جميع‬
‫الثميير‪ .‬قال النحاس‪ :‬فالتقديير على هذا القول أنيه جميع ثمرة على ثمار‪ ،‬ثيم جميع ثمار على ثمير؛‬
‫وهو حسن في العربية إل أن القول الول أشبه وال اعلم؛ لن قوله "كلتا الجنتين آتت أكلها" يدل‬
‫على أن له ثمرا‪.‬‬
‫@قوله تعالى‪" :‬فقال لصيياحبه وهييو يحاوره" أي يراجعييه فييي الكلم ويجاوبييه‪ .‬والمحاورة‬
‫المجاوبة‪ ،‬والتحاور التجاوب‪ .‬ويقال‪ :‬كلمته فما أحار إلي جوابا‪ ،‬وما رجع إلي حويرا ول حويرة‬
‫ول محورة ول حوارا؛ أي ميا رد جوابيا‪" .‬أنيا أكثير منيك مال وأعيز نفرا" النفير‪ :‬الرهيط وهيو ميا‬
‫دون العشرة‪ .‬وأراد ههنا التباع والخدم والولد‪ ،‬حسبما تقدم بيانه‪.‬‬
‫*‪*3‬اليتان‪{ 36 - 35 :‬ودخل جنته وهو ظالم لنفسه قال ما أظين أن تبييد هذه أبدا‪ ،‬وميا أظن‬
‫الساعة قائمة ولئن رددت إلى ربي لجدن خيرا منها منقلبا}‬
‫@قوله تعالى‪" :‬ودخل جنته" قيل‪ :‬أخذ بيد أخيه المؤمن يطيف به فيها ويريه إياها‪" .‬وهو ظالم‬
‫لنفسيه" أي بكفره‪ ،‬وهيو جملة فيي موضيع الحال‪ .‬ومين أدخيل نفسيه النار بكفره فهيو ظالم لنفسيه‪.‬‬
‫"قال ميا أظين أن تبييد هذه أبدا" أنكير فناء الدار‪" .‬وميا أظين السياعة قائمية" أي ل أحسيب البعيث‬
‫كائنيا‪" .‬ولئن رددت إلى ربيي" أي وإن كان بعيث فكميا أعطانيي هذه النعيم فيي الدنييا فسييعطيني‬
‫أفضل منه لكرامتي عليه؛ وهو معنى قوله "لجدن خيرا منها منقلبا" وإنما قال ذلك لما دعاه أخوه‬
‫إلى اليمان بالحشير والنشير‪ .‬وفيي مصياحف مكية والمدينية والشام "منهميا"‪ .‬وفيي مصياحف أهيل‬
‫البصرة والكوفة "منها" على التوحيد‪ ،‬والتثنية أولى؛ لن الضمير أقرب إلى الجنتين‪.‬‬
‫*‪*3‬اليتان‪{ 38 - 37 :‬قال له صاحبه وهو يحاوره أكفرت بالذي خلقك من تراب ثم من نطفة‬
‫ثم سواك رجل‪ ،‬لكنا هو ال ربي ول أشرك بربي أحدا}‬
‫@قوله تعالى‪" :‬قال له صاحبه وهو يحاوره" يهوذا أو تمليخا؛ على الخلف في اسمه‪" .‬أكفرت‬
‫بالذي خلقيك مين تراب ثيم مين نطفية ثيم سيواك رجل" وعظيه وبيين له أن ميا اعترف بيه مين هذه‬
‫الشياء التيي ل ينكرهيا أحيد أبدع مين العادة‪ .‬و"سيواك رجل" أي جعلك معتدل القامية والخلق‪،‬‬
‫صحيح العضاء ذكرا‪" .‬لكنا هو ال ربي" كذا قرأه أبو عبدالرحمن السلمي وأبو العالية‪ .‬وروي‬
‫عين الكسيائي "لكين هيو ال" بمعنيى لكين المير هيو ال ربيي‪ ،‬فأضمير اسيمها فيهيا‪ .‬وقرأ الباقون‬
‫"لكنا" بإثبات اللف‪ .‬قال الكسائي‪ :‬فيه تقديم وتأخير‪ ،‬تقديره‪ :‬لكن ال هو ربي أنا‪ ،‬فحذفت الهمزة‬
‫من "أنا" طلبا للخفة لكثرة الستعمال وأدغمت إحدى النونين في الخرى وحذفت ألف "أنا" في‬
‫الوصيل وأثبتيت فيي الوقيف‪ .‬وقال النحاس‪ :‬مذهيب الكسيائي والفراء والمازنيي أن الصيل لكين أنيا‬
‫فألقييت حركية الهمزة على نون لكين وحذفيت الهمزة وأدغميت النون فيي النون فالوقيف عليهيا لكنيا‬
‫وهيي ألف أنيا لبيان الحركية‪ .‬وقال أبيو عيبيدة‪ :‬الصيل لكين أنيا‪ ،‬فحذفيت اللف فالتقيت نونان فجاء‬
‫بالتشديد لذلك‪ ،‬وأنشدنا الكسائي‪:‬‬
‫على هنوات كاذب من يقولها‬ ‫لهنك من عبسية لوسيمة‬
‫أراد‪ :‬ل إنييك‪ ،‬فأسييقط إحدى اللمييين ميين "ل" وحذف اللف ميين إنييك‪ .‬وقال آخيير فجاء بييه على‬
‫الصل‪:‬‬
‫وتقلينني لكن إياك ل أقلي‬ ‫وترمينني بالطرف أي أنت مذنب‬
‫أي لكن أنا‪ .‬وقال أبو حاتم‪ :‬ورووا عن عاصم "لكنا هو ال ربي" وزعم أن هذا لحن‪ ،‬يعني إثبات‬
‫اللف فيي الدراج‪ .‬قال الزجاج‪ :‬إثبات اللف فيي "لكنيا هيو ال ربيي" فيي الدراج جييد؛ لنيه قيد‬
‫حذفيت اللف مين أنيا فجاؤوا بهيا عوضيا‪ .‬قال‪ :‬وفيي قراءة أبيي "لكين أنيا هيو ال ربيي"‪ .‬وقرأ ابين‬
‫عامر والمسيلي عن نافع ورويس عن يعقوب "لكنا" في حال الوقف والوصل معا بإثبات اللف‪.‬‬
‫وقال الشاعر‪:‬‬
‫حميدا قد تذريت السناما‬ ‫أنا سيف العشيرة فاعرفوني‬
‫وقال العشى‪:‬‬
‫بعد المشيب كفى ذاك عارا‬ ‫فكيف أنا وانتحال القوافي‬
‫ول خلف في إثباتها في الوقف‪" .‬هو ال ربي" "هو" ضمير القصة والشأن والمر؛ كقوله "فإذا‬
‫هيي شاخصية أبصيار الذيين كفروا" [النيبياء‪ ]97 :‬وقوله‪" :‬قيل هيو ال أحيد" [الخلص‪.]1 :‬‬
‫"ول أشرك بربيي أحدا" دل مفهوميه على أن الخ الخير كان مشركيا بال تعالى يعبيد غيره‪.‬‬
‫ويحتمل أنه أراد ل أرى الغني والفقر إل منه‪ ،‬واعلم أنه لو أراد أن يسلب صاحب الدنيا دنياه قدر‬
‫علييه؛ وهيو الذي آتانيي الفقير‪ .‬ويحتميل أنيه أراد جحودك البعيث مصييره إلى أن ال تعالى ل يقدر‬
‫عليه‪ ،‬وهو تعجيز الرب سبحانه وتعالى‪ ،‬ومن عجزه سبحانه وتعالى شبهه بخلقه؛ فهو إشراك‪.‬‬
‫*‪*3‬اليات‪{ 41 - 39 :‬ولول إذ دخلت جنتك قلت ميا شاء ال ل قوة إل بال إن ترن أنا أقيل‬
‫منيك مال وولدا‪ ،‬فعسيى ربيي أن يؤتيين خيرا مين جنتيك ويرسيل عليهيا حسيبانا مين السيماء فتصيبح‬
‫صعيدا زلقا‪ ،‬أو يصبح ماؤها غورا فلن تستطيع له طلبا}‬
‫@قوله تعالى‪" :‬ولول إذ دخلت جنتيك قلت ميا شاء ال" أي بالقلب‪ ،‬وهيو توبييخ ووصيية مين‬
‫المؤمين للكافير ورد علييه‪ ،‬إذ قال "ميا أظين أن تبييد هذه أبدا" [الكهيف‪ ]35 :‬و"ميا" فيي موضيع‬
‫رفيع‪ ،‬تقديره‪ :‬هذه الجنية هيي ميا شاء ال‪ .‬وقال الزجاج والفراء‪ :‬المير ميا شاء ال‪ ،‬أو هيو ميا شاء‬
‫ال؛ أي المر مشيئة ال تعالى‪ .‬وقيل‪ :‬الجواب مضمر‪ ،‬أي ما شاء ال كان‪ ،‬وما ل يشاء ل يكون‪.‬‬
‫"ل قوة إل بال" أي ميا اجتميع لك مين المال فهيو بقدرة ال تعالى وقوتيه ل بقدرتيك وقوتيك‪ ،‬ولو‬
‫شاء لنزع البركة منه فلم يجتمع‪.‬‬
‫@ قال أشهب قال مالك‪ :‬ينبغي لكل من دخل منزله أن يقول هذا‪ .‬وقال ابن وهب وقال لي حفص‬
‫بين ميسيرة‪ :‬رأييت على باب وهيب بين منبيه مكتوبيا "ميا شاء ال ل قوة إل بال"‪ .‬وروي عين النيبي‬
‫صيلى ال علييه وسيلم أنيه قال لبيي هريرة‪( :‬أل أدلك على كلمية مين كنوز الجنية ‪ -‬أو قال كنيز مين‬
‫كنوز الجنة) قلت‪ :‬بلى يا رسول ال‪ ،‬قال (ل حول ول قوة إل بال إذا قالها العبد قال ال عز وجل‬
‫أسلم عبدي واستسلم) أخرجه مسلم في صحيحه من حديث أبي موسى‪ .‬وفيه‪ :‬فقال (يا أبا موسى‬
‫أو يا عبدال بن قيس أل أدلك على كلمة من كنز الجنة ‪ -‬في رواية على كنيز من كنوز الجنة ‪) -‬‬
‫قلت‪ :‬ما هي يا رسول ال‪ ،‬قال‪( :‬ل حول ول قوة إل بال)‪ .‬وعنه قال قال لي رسول ال صلى ال‬
‫علييه وسيلم‪( :‬أل أدلك على كلمية مين كنوز الجنية أو قال كنيز مين كنوز الجنية) قلت‪ :‬بلى؛ فقال (ل‬
‫حول ول قوة إل بال العلي العظييم)‪ .‬وروي أنيه مين دخيل منزل أو خرج منيه فقال‪ :‬باسيم ال ميا‬
‫شاء ال ل قوة إل بال تنافرت عنيه الشياطيين مين بيين يدييه وأنزل ال تعالى علييه البركات‪ .‬وقالت‬
‫عائشية‪ :‬إذا خرج الرجيل مين منزله فقال باسيم ال قال الملك هدييت‪ ،‬وإذا قال ميا شاء ال قال الملك‬
‫كفييت‪ ،‬وإذا قال ل قوة إل بال قال الملك وقييت‪ .‬خرجه الترمذي من حديث أنس بين مالك قال قال‬
‫رسيول ال صيلى ال علييه وسيلم‪( :‬مين قال ‪ -‬يعنيي إذا خرج مين بيتيه ‪ -‬باسيم ال توكلت على ال ل‬
‫حول ول قوة إل بال يقال كفيت ووقيت وتنحى عنه الشيطان) هذا حديث غريب ل نعرفه إل من‬
‫هذا الوجه‪ .‬خرجه أبو داود أيضا وزاد فيه ‪ -‬فقال له‪( :‬هديت وكفيت ووقيت)‪ .‬وأخرجه ابن ماجة‬
‫مين حدييث أبيي هريرة أن النيبي صيلى ال علييه وسيلم قال‪( :‬إذا خرج الرجيل مين باب بيتيه أو باب‬
‫داره كان معيه ملكان موكلن به فإذا قال باسيم ال قال هديت وإذا قال ل حول ول قوة إل بال قال‬
‫وقييت وإذا قال توكلت على ال قال كفييت قال فيلقاه قريناه فيقولن ماذا تريدان مين رجيل قيد هدي‬
‫ووقيي وكفيي)‪ .‬وقال الحاكيم أبيو عبدال فيي علوم الحدييث‪ :‬سيئل محميد بين إسيحاق بين خزيمية عين‬
‫قول النييبي صييلى ال عليييه وسييلم‪( :‬تحاجييت الجنيية والنار فقالت هذه ‪ -‬يعنييي الجنيية ‪ -‬يدخلنييي‬
‫الضعفاء) مين الضعييف؟ قال‪ :‬الذي ييبرئ نفسيه مين الحول والقوة يعنيي فيي اليوم عشريين مرة أو‬
‫خمسيين مرة‪ .‬وقال أنيس بين مالك قال النيبي صيلى ال علييه وسيلم‪( :‬مين رأى شيئا فأعجبيه فقال ميا‬
‫شاء ال ل قوة إل بال لم يضره عين)‪ .‬وقد قال قوم‪ :‬ما من أحد قال ما شاء ال كان فأصابه شيء‬
‫إل رضي به‪ .‬وروي أن من قال أربعا أمن من أربع‪ :‬من قال هذه أمن من العين‪ ،‬ومن قال حسبنا‬
‫ال ونعم الوكيل أمن من كيد الشيطان‪ ،‬ومن قال وأفوض أمري إلى ال أمن مكر الناس‪ ،‬ومن قال‬
‫ل إله إل أنت سبحانك إني كنت من الظالمين أمن من الغم‪.‬‬
‫@قوله تعالى‪" :‬إن ترن أنا أقل منك مال وولدا" "إن" شرط "ترن" مجزوم به‪ ،‬والجواب "فعسى‬
‫ربي" و"أنا" فاصلة ل موضع لها من العراب‪ .‬ويجوز أن تكون في موضع نصب توكيدا للنون‬
‫والياء‪ .‬وقرأ عيسيى بين عمير "إن ترن أنيا أقيل منيك" بالرفيع؛ يجعيل "أنيا" مبتدأ و"أقيل" خيبره‪،‬‬
‫والجملة فيي موضيع المفعول الثانيي‪ ،‬والمفعول الول النون والياء؛ إل أن الياء حذفيت لن الكسيرة‬
‫تدل عليها‪ ،‬وإثباتها جيد بالغ وهو الصل لنها السم على الحقيقة‪ .‬و"فعسى" بمعنى لعل أي فلعل‬
‫ربيي‪" .‬أن يؤتينيي خيرا مين جنتيك" أي فيي الخرة‪ .‬وقييل فيي الدنييا‪" .‬ويرسيل عليهيا" أي على‬
‫جنتيك‪" .‬حسيبانا مين السيماء فتصيبح صيعيدا زلقيا" أي مراميي مين السيماء‪ ،‬وأحدهيا حسيبانة؛ قاله‬
‫الخفييش والقتييبي وأبييو عييبيدة‪ .‬وقال ابيين العرابييي‪ :‬والحسييبانة السييحابة‪ ،‬والحسييبانة الوسييادة‪،‬‬
‫والحسبانة الصاعقة‪ .‬وقال الجوهري‪ :‬والحسبان (بالضم)‪ :‬العذاب‪ .‬وقال أبو زياد الكلبي‪ :‬أصاب‬
‫الرض حسيبان أي جراد‪ .‬والحسيبان أيضيا الحسياب‪ ،‬قال ال تعالى‪" :‬الشميس والقمير بحسيبان"‬
‫[الرحمين‪ .]5 :‬وقيد فسر الحسيبان هنا بهذا‪ .‬قال الزجاج‪ :‬الحسيبان مين الحساب؛ أي يرسل عليهيا‬
‫عذاب الحسياب‪ ،‬وهيو حسياب ميا اكتسيبت يداك؛ فهيو مين باب حذف المضاف‪ .‬والحسيبان أيضيا‪:‬‬
‫سيهام قصيار يرميى بهيا فيي طلق واحيد‪ ،‬وكان مين رميي الكاسيرة‪ .‬والمراميي مين السيماء عذاب‪.‬‬
‫"فتصيبح صيعيدا زلقيا" يعنيي أرضيا بيضاء ل ينبيت فيهيا نبات ول يثبيت عليهيا قدم‪ ،‬وهيي أضير‬
‫أرض بعييد أن كانييت جنيية أنفييع أرض؛ و"زلقييا" تأكيييد لوصييف الصييعيد؛ أي وتزل عنهييا القدام‬
‫لملسيتها‪ .‬يقال‪ :‬مكان زلق (بالتحرييك) أي دحيض‪ ،‬وهيو فيي الصيل مصيدر قولك‪ :‬زلقيت رجله‬
‫تزلق زلقا‪ ،‬وأزلقها غيره‪ .‬والزلق أيضا عجز الدابة‪ .‬قال رؤبة‪:‬‬
‫كأنها حقباء بلقاء الزلق‬
‫والمزلقية والمزلقية‪ :‬الموضيع الذي ل يثبيت علييه قدم‪ .‬وكذلك الزلقية‪ .‬والزلق الحلق‪ ،‬زلق رأسيه‬
‫يزلقيه زلقيا حلقيه؛ قال الجوهري‪ .‬والزلق المحلوق‪ ،‬كالنقيض والنقيض‪ .‬ولييس المراد أنهيا تصيير‬
‫مزلقية‪ ،‬بيل المراد أنهيا ل يبقيى فيهيا نبات كالرأس إذا حلق ل يبقيى علييه شعير؛ قاله القشيري‪" .‬أو‬
‫يصيبح ماؤهيا غورا" أي غائرا ذاهبيا‪ ،‬فتكون أعدم أرض للماء بعيد أن كانيت أوجيد أرض للماء‪.‬‬
‫والغور مصيدر وضيع موضيع السيم؛ كميا يقال‪ :‬رجيل صيوم وفطير وعدل ورضيا وفضيل وزور‬
‫ونساء نوح؛ ويستوي فيه المذكر والمؤنث والتثنية والجمع‪ .‬قال عمرو بن كلثوم‪:‬‬
‫مقلدة أعنتها صفونا‬ ‫تظل جياده نوحا عليه‬
‫آخر‪:‬‬
‫ضباع وجاوبي نوحا قياما‬ ‫هريقي من دموعهما سجاما‬
‫أي نائحات‪ .‬وقيييل‪ :‬أو يصييبح ماؤهييا ذا غور؛ فحذف المضاف؛ مثييل "واسييأل القرييية" [يوسييف‪:‬‬
‫‪ ]82‬ذكره النحاس‪ .‬وقال الكسائي‪ :‬ماء غور‪ .‬وقد غار الماء يغور غورا وغوورا‪ ،‬أي سفل في‬
‫الرض‪ ،‬ويجوز الهمزة لنضمام الواو‪ .‬وغارت عينيييه تغور غورا وغوورا؛ دخلت فيييي الرأس‪.‬‬
‫وغارت تغار لغة فيه‪ .‬وقال‪:‬‬
‫أغارت عينه أم لم تغارا‬
‫وغارت الشمس تغور غيارا‪ ،‬أي غربت‪ .‬قال أبو ذؤيب‪:‬‬
‫وإل طلوع الشمس ثم غيارها‬ ‫هل الدهر إل ليلة ونهارها‬
‫"فلن تستطيع له طلبا" أي لن تستطيع رد الماء الغائر‪ ،‬ول تقدر عليه بحيلة‪ .‬وقيل‪ :‬فلن تستطيع‬
‫طلب غيره بدل منه‪ .‬وإلى هذا الحديث انتهت مناظرة أخيه وإنذاره‪.‬‬
‫*‪*3‬اليية‪{ 42 :‬وأحييط بثمره فأصيبح يقلب كفييه على ميا أنفيق فيهيا وهيي خاويية على عروشهيا‬
‫ويقول يا ليتني لم أشرك بربي أحدا}‬
‫@قوله تعالى‪" :‬وأحييط بثمره" اسيم ميا لم يسيم فاعله مضمير‪ ،‬وهيو المصيدر‪ .‬ويجوز أن يكون‬
‫المخفوض في موضع رفع‪ .‬ومعنى "أحيط بثمره" أي أهلك ماله كله‪ .‬وهذا أول ما حقق ال تعالى‬
‫به إنذار أخيه‪" .‬فأصيبح يقلب كفيه على ما أنفق فيها" أي فأصبح الكافير يضرب إحدى يديه على‬
‫الخرى ندما؛ لن هذا يصدر من النادم‪ .‬وقيل‪ :‬يقلب ملكه فل يرى فيه عوض ما أنفق؛ وهذا لن‬
‫الملك قيد يعيبر عنيه بالييد‪ ،‬مين قولهيم‪ :‬فيي يده مال‪ ،‬أي فيي ملكيه مال‪ .‬ودل قوله "فأصيبح" على أن‬
‫هذا الهلك جرى بالليل؛ كقوله "فطاف عليها طائف من ربك وهم نائمون‪ .‬فأصبحت كالصريم"‬
‫[القلم‪ ]19 :‬ويقال‪ :‬أنفقت في هذه الدار كذا وأنفقت عليها‪" .‬وهي خاوية على عروشها" أي خالية‬
‫قيد سيقط بعضهيا على بعيض؛ مأخوذ مين خوت النجوم تخوى خييا أمحلت‪ ،‬وذلك إذا سيقطت ولم‬
‫تمطيير فييي نوئهييا‪ .‬وأخوت مثله‪ .‬وخوت الدار خواء أقوت‪ ،‬وكذلك إذا سييقطت؛ ومنييه قوله تعالى‪:‬‬
‫"فتلك بيوتهم خاوية بما ظلموا" [النمل‪ ]52 :‬ويقال ساقطة؛ كما يقال فهي خاوية على عروشها‬
‫أي سياقطة على سيقوفها؛ فجميع علييه بيين هلك الثمير والصيل‪ ،‬وهذا مين أعظيم الجوانيح‪ ،‬مقابلة‬
‫على بغيية‪" .‬ويقول ييا ليتنيي لم أشرك بربيي أحدا" أي ييا ليتنيي عرفيت نعيم ال علي‪ ،‬وعرفيت أنهيا‬
‫كانت بقدرة ال ولم أكفر به‪ .‬وهذا ندم منه حين ل ينفعه الندم‪.‬‬
‫*‪*3‬الية‪{ 43 :‬ولم تكن له فئة ينصرونه من دون ال وما كان منتصرا}‬
‫@قوله تعالى‪" :‬ولم تكيين له فئة ينصييرونه ميين دون ال" "فئة" اسييم "تكيين" و"له" الخييبر‪.‬‬
‫"ينصيرونه" فيي موضيع الصيفة‪ ،‬أي فئة ناصيرة‪ .‬ويجوز أن يكون "ينصيرونه" الخيبر‪ .‬والوجيه‬
‫الول عنيد سييبويه أولى لنيه قيد تقدم "له"‪ .‬وأبيو العباس يخالفيه‪ ،‬ويحتيج بقول ال عيز وجيل "ولم‬
‫يكين له كفوا أحيد" [الخلص‪ .]4 :‬وقيد أجاز سييبويه الخير‪ .‬و"ينصيرونه" على معنيى فئة؛ لن‬
‫معناها أقوام‪ ،‬ولو كان على اللفظ لقال ولم تكن له فئة تنصره؛ أي فرقة وجماعة يلتجئ إليهم‪.‬‬
‫@قوله تعالى‪" :‬وميا كان منتصيرا" أي ممتنعيا؛ قاله قتادة‪ .‬وقييل‪ :‬مسيتردا بدل ميا ذهيب منيه‪ .‬وقيد‬
‫تقدم اشتقاق الفئة فيي "آل عمران"‪ .‬والهاء عوض مين الياء التيي نقصيت مين وسيطه‪ ،‬أصيله فييء‬
‫مثل فيع؛ لنه من فاء‪ ،‬ويجمع على فئون وفئات‪ ،‬مثل شيات ولدات ومئات‪ .‬أي لم تكن له عشيرة‬
‫يمنعونه من عذاب ال‪ ،‬وضل عنه من افتخر بهم من الخدم والولد‪.‬‬
‫*‪*3‬الية‪{ 44 :‬هنالك الولية ل الحق هو خير ثوابا وخير عقبا}‬
‫@قوله تعالى‪" :‬هنالك الولية ل الحق" اختلف في العامل في قوله "هنالك" وهو ظرف؛ فقيل‪:‬‬
‫العاميل فييه "ولم تكين له فئة" ول كان هنالك؛ أي ميا نصير ول انتصير هنالك‪ ،‬أي لميا أصيابه مين‬
‫العذاب‪ .‬وقيل‪ :‬تم الكلم عند قوله "منتصرا"‪ .‬والعامل في قوله "هنالك"‪" :‬الولية"‪ .‬وتقديره على‬
‫التقديم والتأخير‪ :‬الولية ل الحق هنالك‪ ،‬أي في القيامة‪ .‬وقرأ أبو عمرو والكسائي "الحق" بالرفع‬
‫نعتا للولية‪ .‬وقرأ أهل المدينة وحمزة "الحق" بالخفض نعتا ل عز وجل‪ ،‬والتقدير‪ :‬ل ذي الحق‪.‬‬
‫قال الزجاج‪ :‬ويجوز "الحييق" بالنصييب على المصييدر والتوكيييد؛ كمييا تقول‪ :‬هذا لك حقييا‪ .‬وقرأ‬
‫العميش وحمزة والكسيائي "الوليية" بكسير الواو‪ ،‬الباقون بفتحهيا‪ ،‬وهميا بمعنيى واحيد كالرضاعة‬
‫والرضاعيية‪ .‬وقيييل‪ :‬الولييية بالفتييح ميين الموالة؛ كقوله "ال ولي الذييين آمنوا" [البقرة‪.]257 :‬‬
‫"ذلك بأن ال مولى الذين آمنوا" [محمد‪ .]11 :‬وبالكسر يعني السلطان والقدرة والمارة؛ كقوله‬
‫"والمر يومئذ ل" [النفطار‪ ]19 :‬أي له الملك والحكم يومئذ‪ ،‬أي ل يرد أمره إلى أحد؛ والملك‬
‫فييي كييل وقييت ل ولكيين تزول الدعاوي والتوهمات يوم القياميية‪ .‬وقال أبييو عبيييد‪ :‬إنهييا بفتييح الواو‬
‫للخالق‪ ،‬وبكسيرها للمخلوق‪" .‬هيو خيير ثوابيا" أي ال خيير ثوابيا فيي الدنييا والخرة لمين آمين بيه‪،‬‬
‫وليس ثم غير يرجى منه‪ ،‬ولكنه أراد في ظن الجهال؛ أي هو خير من يرجى‪" .‬وخير عقبا" قرأ‬
‫عاصم والعمش وحمزة ويحيى "عقبا" ساكنة القاف‪ ،‬الباقون بضمها‪ ،‬وهما بمعنى واحد؛ أي هو‬
‫خير عافية لمن رجاه وآمن به‪ .‬يقال‪ :‬هذا عاقبة أمر فلن وعقباه وعقبه‪ ،‬أي آخره‪.‬‬
‫*‪*3‬الية‪{ 45 :‬واضرب لهم مثل الحياة الدنيا كماء أنزلناه من السماء فاختلط به نبات الرض‬
‫فأصبح هشيما تذروه الرياح وكان ال على كل شيء مقتدرا}‬
‫@قوله تعالى‪" :‬واضرب لهيم مثيل الحياة الدنييا" أي صيف لهؤلء المتكيبرين الذيين سيألوك طرد‬
‫فقواء المؤمنييين مثييل الحياة الدنيييا‪ ،‬أي شبههييا‪" .‬كماء أنزلناه ميين السييماء فاختلط بييه" أي بالماء‪.‬‬
‫"نبات الرض" حتيى اسيتوى‪ .‬وقييل‪ :‬إن النبات اختلط بعضيه ببعيض حيين نزل علييه الماء؛ لن‬
‫النبات إنميا يختلط ويكثير بالمطير‪ .‬وقيد تقدم هذا المعنيى فيي "يونيس" مبينيا‪ .‬وقالت الحكماء‪ :‬إنميا‬
‫شبه تعالى الدنيا بالماء لن الماء ل يستقر في موضع‪ ،‬كذلك الدنيا ل تبقى على واحد‪ ،‬ولن الماء‬
‫ل يستقيم على حالة واحدة كذلك الدنيا‪ ،‬ولن الماء ل يبقى ويذهب كذلك الدنيا تفنى‪ ،‬ولن الماء ل‬
‫يقدر أحيد أن يدخله ول يبتيل كذلك الدنييا ل يسيلم أحيد دخلهيا مين فتنتهيا وآفتهيا‪ ،‬ولن الماء إذا كان‬
‫بقدر كان نافعيييا منبتيييا‪ ،‬وإذا جاوز المقدار كان ضارا مهلكيييا‪ ،‬وكذلك الدنييييا الكفاف منهيييا ينفيييع‬
‫وفضولها يضر‪ .‬وفي حديث النبي صلى ال عليه وسلم قال له رجل‪ :‬يا رسول ال‪ ،‬إني أريد أن‬
‫أكون مين الفائزيين؛ قال‪( :‬ذر الدنييا وخيذ منهيا كالماء الراكيد فإن القلييل منهيا يكفيي والكثيير منهيا‬
‫يطغي)‪ .‬وفي صحيح مسلم عن النبي صلى ال عليه وسلم‪( :‬قد أفلح من أسلم ورزق كفافا وقنعه‬
‫ال بميا أتاه)‪" .‬فأصيبح" أي النبات "هشيميا" أي متكسييرا مين اليبييس متفتتييا‪ ،‬يعنييي بانقطاع الماء‬
‫عنييه‪ ،‬فحذف ذلك إيجازا لدللة الكلم عليييه‪ .‬والهشييم‪ :‬كسيير الشيييء اليابييس‪ .‬والهشيييم ميين النبات‬
‫اليابيس المتكسير‪ ،‬والشجرة الباليية يأخذهيا الحاطيب كييف يشاء‪ .‬ومنيه قولهيم‪ :‬ميا فلن إل هشيمية‬
‫كرم؛ إذا كان سيمحا‪ .‬ورجيل هشييم‪ :‬ضعييف البدن‪ .‬وتهشيم علييه فلن إذا تعطيف‪ .‬واهتشيم ميا فيي‬
‫ضرع الناقية إذا احتلبيه‪ .‬ويقال‪ :‬هشيم الثرييد؛ ومنيه سيمي هاشيم بين عبيد مناف واسيمه عمرو‪ ،‬وفييه‬
‫يقول عبدال بن الزبعرى‪:‬‬
‫ورجال مكة مسنتون عجاف‬ ‫عمرو العل هشم الثريد لقومه‬
‫وكان سيبب ذلك أن قريشيا أصيابتهم سينون ذهبين بالموال فخرج هاشيم إلى الشام فأمير بخبيز كثيير‬
‫فخبيز له‪ ،‬فحمله فيي الغرائر على البيل حتيى وافيى مكية‪ ،‬وهشيم ذلك الخبيز‪ ،‬يعنيي كسيره وثرده‪،‬‬
‫ونحير تلك البيل‪ ،‬ثيم أمير الطهاة فطبخوا‪ ،‬ثيم كفيأ القدور على الجفان فأشبيع أهيل مكية؛ فكان ذلك‬
‫أول الحباء بعييد السيينة التييي أصييابتهم؛ فسييمي بذلك هاشمييا‪" .‬تذروه الرياح" أي تفرقييه؛ قاله أبييو‬
‫عبيدة‪ .‬ابن قتيبة‪ :‬تنسفه‪ .‬ابن كيسان‪ :‬تذهب به وتجيء‪ .‬ابن عباس‪ :‬تديره؛ والمعنى متقارب‪ .‬وقرأ‬
‫طلحية بين مصيرف "تذرييه الرييح"‪ .‬قال الكسيائي‪ :‬وفيي قراءة عبدال "تذرييه"‪ .‬يقال‪ :‬ذرتيه الرييح‬
‫تذروه ذروا و[تذرييه] ذرييا وأذرييه تذرييه إذراء إذا طارت بيه‪ .‬وحكيى الفراء‪ :‬أذرييت الرجيل عين‬
‫فرسه أي قلبته‪ .‬وأنشد سيبويه والفراء‪:‬‬
‫فيذرك من أخرى القطاة فتزلق‬ ‫فقلت له صوب ول تجهدنه‬
‫قوله تعالى‪" :‬وكان ال على كل شيء مقتدرا" من النشاء والفناء والحياء‪ ،‬سبحانه‪.‬‬
‫*‪*3‬الية‪{ 46 :‬المال والبنون زينة الحياة الدنيا والباقيات الصالحات خير عند ربك ثوابا وخير‬
‫أمل}‬
‫@قوله تعالى‪" :‬المال والبنون زينية الحياة الدنييا" ويجوز "زينتيا" وهيو خيبر البتداء فيي التثنيية‬
‫والفراد‪ .‬وإنميا كان المال والبنون زينية الحياة الدنييا لن فيي المال جمال ونفعيا‪ ،‬وفيي البنيين قوة‬
‫ودفعا‪ ،‬فصارا زينة الحياة الدنيا‪ ،‬لكن معه قرينة الصفة للمال والبنين؛ لن المعنى‪ :‬المال والبنون‬
‫زينة هذه الحياة المحتقرة فل تتبعوها نفوسكم‪ .‬وهو رد على عيينة بين حصن وأمثاله لما افتخروا‬
‫بالغنى والشرف‪ ،‬فأخبر تعالى أن ما كان من زينة الحياة الدنيا فهو غرور يمر ول يبقى‪ ،‬كالهشيم‬
‫حين ذرته الريح؛ إنما يبقى ما كان من زاد القبر وعدد الخرة‪ .‬وكان يقال‪ :‬ل تعقد قلبك مع المال‬
‫لنيه فييء ذاهيب‪ ،‬ول ميع النسياء لنهيا اليوم معيك وغدا ميع غيرك‪ ،‬ول ميع السيلطان لنيه اليوم لك‬
‫وغدا لغيرك‪ .‬ويكفيي قيي هذا قول ال تعالى‪" :‬إنميا أموالكيم وأولدكيم فتنية" [التغابين‪ .]15 :‬وقال‬
‫تعالى‪" :‬إن من أزواجكم وأولدكم عدوا لكم فاحذروهم" [التغابن‪.]14 :‬‬
‫@قوله تعالى‪" :‬والباقيات الصيالحات" أي ميا يأتيي بيه سيلمان وصيهيب وفقراء المسيلمين مين‬
‫الطاعات "خيير عنيد ربيك ثوابيا" أي أفضيل "وخيير أمل" أي أفضيل أمل مين ذي المال والبنيين‬
‫دون عمل صالح‪ ،‬وليس في زينة الدنيا خير‪ ،‬ولكنه خرج مخرج قوله "أصحاب الجنة يومئذ خير‬
‫مستقرا" [الفرقان‪ .]24 :‬وقيل‪ :‬خير في التحقيق مما يظنه الجهال أنه خير في ظنهم‪.‬‬
‫@ واختلف العلماء فيي "الباقيات الصيالحات"؛ فقال ابين عباس وابين جيبير وأبيو ميسيرة وعمرو‬
‫ابن شرحبيل‪ :‬هي الصلوات الخمس‪ .‬وعن ابن عباس أيضا‪ :‬أنها كل عمل صالح من قول أو فعل‬
‫يبقيى للخرة‪ .‬وقاله ابين زييد ورجحيه الطيبري‪ .‬وهيو الصيحيح إن شاء ال؛ لن كيل ميا بقيي ثوابيه‬
‫جاز أن يقال له هذا‪ .‬وقال علي رضييييي ال عنييييه‪ :‬الحرث حرثان فحرث الدنيييييا المال والبنون؛‬
‫وحرث الخرة الباقيات الصيالحات‪ ،‬وقيد يجمعهين ال تعالى لقوام‪ .‬وقال الجمهور‪ :‬هيي الكلمات‬
‫المأثور فضلهييا‪ :‬سييبحان ال والحمييد ل ول إله إل ال وال أكييبر ول حول ول قوة إل بال العلي‬
‫العظييم‪ .‬خرجيه مالك فيي موطئه عين عمارة بين صيياد عين سيعيد بين المسييب أنيه سيمعه يقول فيي‬
‫الباقيات الصيالحات‪ :‬إنهيا قول العبيد‪ :‬ال أكيبر وسيبحان ال والحميد ل ول إله إل ال ول حول ول‬
‫قوة إل بال‪ .‬أسيينده النسييائي عيين أبييي سييعيد الخدري أن رسييول ال صييلى ال عليييه وسييلم قال‪:‬‬
‫(استكثروا من الباقيات الصيالحات) قيل‪ :‬وما هي يا رسول ال؟ قال‪( :‬التكبير والتهليل والتسبيح‬
‫والحمييد ل ول حول ول قوة إل بال)‪ .‬صييححه أبييو محمييد عبدالحييق رحمييه ال‪ .‬وروى قتادة أن‬
‫رسيول ال صيلى ال علييه وسيلم أخيذ غصينا فخرطيه حتيى سيقط ورقيه وقال‪( :‬إن المسيلم إذا قال‬
‫سييبحان ال والحمييد ل ول إله إل ال وال أكييبر تحاتييت خطاياه كمييا تحات هذا خذهيين إليييك أبييا‬
‫الدرداء قبل أن يحال بينك وبينهن فإنهن من كنوز الجنة وصفايا الكلم وهن الباقيات الصالحات)‪.‬‬
‫ذكره الثعلبي‪ ،‬وخرجه ابن ماجة بمعناه من حديث أبي الدرداء قال قال رسول ال صلى ال عليه‬
‫وسيلم‪( :‬علييك بسيبحان ال والحميد ل ول إله إل ال وال أكيبر فإنهين يعنيي يحططين الخطاييا كميا‬
‫تحيط الشجرة ورقهيا)‪ .‬وأخرجيه الترمذي مين حدييث العميش عين أنيس بين مالك أن رسيول ال‬
‫صيلى ال علييه وسيلم مير بشجرة يابسية الورقية فضربهيا بعصياه فتناثير الورق فقال‪( :‬إن الحميد ل‬
‫وسيبحان ال ول إله إل ال وال أكيبر لتسياقط مين ذنوب العبيد كميا تسياقط ورق هذه الشجرة)‪ .‬قال‪:‬‬
‫هذا حديث غريب ول نعرف للعمش سماعا من أنس‪ ،‬إل أنه قد رآه ونظر إليه‪ .‬وخرج الترمذي‬
‫أيضيا عين ابين مسيعود قال قال رسيول ال صيلى ال علييه وسيلم‪( :‬لقييت إبراهييم علييه السيلم ليلة‬
‫أسري بي فقال يا محمد أقرئ أمتك مني السلم واخبرهم أن الجنة طيبة التربة عذبة الماء وأنها‬
‫قيعان وأن غراسييها سييبحان ال والحمييد ل ول إله إل ال وال أكييبر) قال‪ :‬حديييث حسيين غريييب‪،‬‬
‫خرجيه الماوردي بمعناه‪ .‬وفييه ‪ -‬فقلت‪ :‬ميا غراس الجنية؟ قال‪( :‬ل حول ول قوة إل بال)‪ .‬وخرج‬
‫ابين ماجة عن أبي هريرة أن رسيول ال صلى ال عليه وسلم مر به وهو يغرس غرسيا فقال‪( :‬ييا‬
‫أبييا هريرة مييا الذي تغرس) قلت غراسييا‪ .‬قال‪( :‬أل أدلك على غراس خييير ميين هذا سييبحان ال‬
‫والحميد ل ول إله إل ال وال أكيبر يغرس لك بكيل واحدة شجرة فيي الجنية)‪ .‬وقيد قييل‪ :‬إن الباقيات‬
‫الصيالحات هيي النيات والهمات؛ لن بهيا تقبيل العمال وترفيع؛ قال الحسين‪ .‬وقال عبييد بن عميير‪:‬‬
‫هيين البنات؛ يدل عليييه أوائل‪ ،‬الييية؛ قال ال تعالى‪" :‬المال والبنون زينيية الحياة الدنيييا" ثييم قال‬
‫"والباقيات الصيالحات" يعنيي البنات الصيالحات هين عنيد ال لبائهين خيير ثوابيا‪ ،‬وخيير أمل فيي‬
‫الخرة لميين أحسيين إليهيين‪ .‬يدل عليييه مييا روتييه عائشيية رضييي ال عنهييا قالت‪ :‬دخلت علي امرأة‬
‫مسكينة‪ ..‬الحديث‪ ،‬وقد ذكرناه في سورة النحل في قوله "يتوارى من القوم" [النحل‪ ]59 :‬الية‪.‬‬
‫وروي عن النبي صلى ال عليه وسلم أنه قال‪( :‬لقد رأيت رجل من أمتي أمر به إلى النار فتعلق‬
‫به بناته وجعلن يصرخن ويقلن رب إنه كان يحسن إلينا في الدنيا فرحمه ال بهن)‪ .‬وقال قتادة في‬
‫قوله تعالى‪" :‬فأردنيا أن يبدلهميا ربهميا خيرا منيه زكاة وأقرب رحميا" [الكهيف‪ ]81 :‬قال‪ :‬أبدلهميا‬
‫منه ابنة فتزوجها نبي فولدت له اثني عشر غلما كلهم أنبياء‪.‬‬
‫*‪*3‬الية‪{ 47 :‬ويوم نسير الجبال وترى الرض بارزة وحشرناهم فلم نغادر منهم أحدا}‬
‫@قوله تعالى‪" :‬ويوم نسير الجبال وترى الرض بارزة" قال بعض النحويين‪ :‬التقدير والباقيات‬
‫الصيالحات خيير عنيد ربيك يوم نسيير الجبال‪ .‬قال النحاس‪ :‬وهذا غلط مين أجيل الواو وقييل‪ :‬المعنيى‬
‫واذكيير يوم نسييير الجبال‪ ،‬أي نزيلهييا ميين أماكنهييا ميين على وجييه الرض‪ ،‬ونسيييرها كمييا نسييير‬
‫السيحاب؛ كميا قال فيي آيية أخرى "وهيي تمير مير السيحاب" [النميل‪ .]88 :‬ثيم تكسير فتعود إلى‬
‫الرض؛ كما قال‪" :‬وبست الجبال بسا‪ .‬فكانت هباء منبثيا" [الواقعة‪ .]6 :‬وقرأ ابن كثيير والحسن‬
‫وأبييو عمرو وابيين عاميير "ويوم تسييير" بتاء مضموميية وفتييح الياء‪ .‬و"الجبال" رفعييا على الفعييل‬
‫المجهول‪ .‬وقرأ ابين محيصين ومجاهيد "ويوم تسيير الجبال" بفتيح التاء مخففيا مين سيار‪" .‬الجبال"‬
‫رفعيا‪ .‬دلييل قراءة أبيي عمرو "وإذا الجبال سييرت"‪ .‬ودلييل قراءة ابين محيصين "وتسيير الجبال‬
‫سيييرا"‪ .‬واختار أبييو عبيييد القراءة الولى "نسييير" بالنون لقوله "وحشرناهييم"‪ .‬ومعنييى "بارزة"‬
‫ظاهرة‪ ،‬وليس عليها ما يسترها من جبل ول شجر ول بنيان؛ أي قد اجتثت ثمارها وقلعت جبالها‪،‬‬
‫وهدم بنيانهييا؛ فهييي بارزة ظاهرة‪ .‬وعلى هذا القول أهييل التفسيير‪ .‬وقييل‪" :‬وترى الرض بارزة"‬
‫أي برز مييا فيهييا ميين الكنوز والموات؛ كمييا قال "وألقييت مييا فيهييا وتخلت" [النشقاق‪ ]4 :‬وقال‬
‫"وأخرجت الرض أثقالها" [الزلزلة‪ ]2 :‬وهذا قول عطاء‪" .‬وحشرناهم" أي إلى الموقف‪" .‬فلم‬
‫نغادر منهم أحدا" أي لم نترك؛ يقال‪ :‬غادرت كذا أي تركته‪ .‬قال عنترة‪:‬‬
‫والقوم بين مجرح ومجدل‬ ‫غادرته متعفرا أوصاله‬
‫أي تركتيه‪ .‬والمغادرة الترك؛ ومنيه الغدر؛ لنيه ترك الوفاء‪ .‬وإنميا سيمى الغديرا لن الماء ذهيب‬
‫وتركه‪ .‬ومنه غدائر المرأة لنها تجعلها خلفها‪ .‬يقول‪ :‬حشرنا برهم وفاجرهم وجنهم وإنسهم‪.‬‬
‫*‪*3‬اليية‪{ 48 :‬وعرضوا على ربيك صيفا لقيد جئتمونيا كميا خلقناكيم أول مرة بيل زعمتيم ألن‬
‫نجعل لكم موعدا}‬
‫@قوله تعالى‪" :‬وعرضوا على ربك صفا" "صفا" نصب على الحال‪ .‬قال مقاتل‪ :‬يعرضون صفا‬
‫بعد صف كالصفوف فيي الصلة‪ ،‬كل أمة وزمرة صفا؛ ل أنهم صف واحد‪ .‬وقيل جميعا؛ كقوله‬
‫"ثم ائتوا صفا" [طه‪ ]64 :‬أي جميعا‪ .‬وقيل قياما‪ .‬وخرج الحافظ أبو القاسم عبدالرحمن بن منده‬
‫فيي كتاب التوحييد عين معاذ بين جبيل أن النيبي صيلى ال علييه وسيلم قال‪( :‬إن ال تبارك وتعالى‬
‫ينادي يوم القيامية بصيوت رفييع غيير فظييع ييا عبادي أنيا ال ل إله إل أنيا أرحيم الراحميين وأحكيم‬
‫الحاكمييين وأسييرع الحاسييبين يييا عبادي ل خوف عليكييم اليوم ول أنتييم تحزنون أحضروا حجتكييم‬
‫ويسيروا جوابيا فإنكيم مسيؤولون محاسيبون‪ .‬ييا ملئكتيي أقيموا عبادي صيفوفا على أطراف أناميل‬
‫أقدامهم للحساب)‪.‬‬
‫قلت‪ :‬هذا الحديث غاية في البيان في تفسير الية‪ ،‬ولم يذكره كثير من المفسرين‪ ،‬وقد كتبناه في‬
‫كتاب التذكرة‪ ،‬ومنه نقلناه والحمد ل‪.‬‬
‫@قوله تعالى‪" :‬لقد جئتمونا كما خلقناكم أول مرة" أي يقال لهم‪ :‬لقد جئتمونا حفاة عراة‪ ،‬ل مال‬
‫معكييم ول ولدا وقيييل فرادى؛ دليله قوله "ولقييد جئتمونييا فرادى كمييا خلقناكييم أول مرة" [النعام‪:‬‬
‫‪ .]94‬وقد تقدم‪ .‬وقال الزجاج‪ :‬أي بعثناكم كما خلقناكم‪" .‬بل زعمتم" هذا خطاب لمنكري البعث‬
‫أي زعمتم فيي الدنيا أن لن تبعثوا وأن لن نجعل لكم موعدا للبعث‪ .‬وفي صحيح مسلم عن عائشة‬
‫رضيي ال عنهيا قالت‪ :‬سيمعت رسيول ال صيلى ال علييه وسيلم يقول‪( :‬يحشير الناس يوم القيامية‬
‫حفاة عراة غرل) قلت‪ :‬ييا رسيول ال الرجال والنسياء ينظير بعضهيم إلى بعيض؟ قال‪( :‬ييا عائشية‪،‬‬
‫المير أشيد مين أن ينظير بعضهيم إلى بعيض)‪" .‬غرل" أي غيير مختونيين‪ .‬وقيد تقدم فيي "النعام"‬
‫بيانه‪.‬‬
‫*‪*3‬اليية‪{ 49 :‬ووضيع الكتاب فترى المجرميين مشفقيين مميا فييه ويقولون ييا ويلتنيا ميا لهذا‬
‫الكتاب ل يغادر صغيرة ول كبيرة إل أحصاها ووجدوا ما عملوا حاضرا ول يظلم ربك أحدا}‬
‫@قوله تعالى‪" :‬ووضع الكتاب" "الكتاب" اسم جنس‪ ،‬وفيه وجهان‪ :‬أحدهما‪ :‬أنها كتب العمال‬
‫فيي أيدي العباد؛ قاله مقاتيل‪ .‬الثانيي‪ :‬أنيه وضيع الحسياب؛ قاله الكلبيي‪ ،‬فعيبر عين الحسياب بالكتاب‬
‫لنهم يحاسبون على أعمالهم المكتوبة‪ .‬والقول الول أظهر؛ ذكره ابن المبارك قال‪ :‬أخبرنا الحكم‬
‫أو أبيو الحكيم ‪ -‬شيك نعييم ‪ -‬عين إسيماعيل بين عبدالرحمين عين رجيل مين بنيي أسيد قال قال عمير‬
‫لكعب‪ :‬ويحك يا كعب حدثنا من حديث الخرة؛ قال‪ :‬نعم يا أمير المؤمنين إذا كان يوم القيامة رفع‬
‫اللوح المحفوظ فلم يبيق أحيد مين الخلئق إل وهيو ينظير إلى عمله ‪ -‬قال ‪ -‬ثيم يؤتيى بالصيحف التيي‬
‫فيها أعمال العباد فتنثر حول العرش‪ ،‬وذلك قوله تعالى‪" :‬ووضع الكتاب فترى المجرمين مشفقين‬
‫مميا فييه ويقولون ييا ويلتنيا ميا لهذا الكتاب ل يغادر صيغيرة ول كيبيرة إل أحصياها ‪ -‬قال السيدي‪:‬‬
‫الصيغيرة ميا دون الشرك؛ والكيبيرة الشرك‪ ،‬إل أحصياها ‪ -‬قال كعيب؛ ثيم يدعيى المؤمين فيعطيى‬
‫كتابه بيمينه فينظر فيه فإذا حسناته باديات للناس وهو يقرأ سيئاته لكيل يقول كانت لي حسنات فلم‬
‫تذكير فأحيب ال أن يرييه عمله كله حتيى إذا اسيتنقص ميا فيي الكتاب وجيد فيي آخير ذلك كله أنيه‬
‫مغفور وأنك من أهل الجنة؛ فعند ذلك يقبل إلى أصحابه ثم يقول "هاؤم اقرؤوا كتابيه‪ .‬إني ظننت‬
‫أني ملق حسابيه" [الحاقة‪ ]19 :‬ثم يدعي بالكافر فيعطى كتابه بشماله ثم يلف فيجعل من وراء‬
‫ظهره ويلوي عنقيه؛ فذلك قوله "وأميا مين أوتيي كتابيه وراء ظهره" [النشقاق‪ ]10 :‬فينظير فيي‬
‫كتابيه فإذا سيئاته باديات للناس وينظير فيي حسيناته لكيل يقول أفأثاب على السيئات‪ .‬وكان الفضييل‬
‫بين عياض إذا قرأ هذه اليية يقول‪ :‬ييا ويلتاه ضجوا إلى ال تعالى مين الصيغائر قبيل الكبائر‪ .‬قال‬
‫ابين عباس‪ :‬الصيغيرة التبسيم‪ ،‬والكيبيرة الضحيك؛ يعنيي ما كان مين ذلك فيي معصية ال عز وجل؛‬
‫ذكره الثعلبي‪ .‬وحكى الماوردي عن ابن عباس أن الصغيرة الضحك‪.‬‬
‫قلت فيحتميل أن يكون صيغيرة إذا لم يكين فيي معصيية‪ ،‬فإن الضحيك مين المعصيية رضيا بهيا‬
‫والرضيا بالمعصيية معصيية‪ ،‬وعلى هذا تكون كيبيرة‪ ،‬فيكون وجيه الجميع هذا وال اعلم‪ .‬أو يحميل‬
‫الضحيك فيميا ذكير الماوردي على التبسيم‪ ،‬وقيد قال تعالى‪" :‬فتبسيم ضاحكيا مين قولهيا" [النميل‪:‬‬
‫‪ .]19‬وقال سيعيد بين جبير‪ :‬إن الصغائر اللمم كالمسييس والقبيل‪ ،‬والكيبيرة المواقعة والزنيى‪ .‬وقيد‬
‫مضيى فيي "النسياء" بيان هذا‪ .‬قال قتادة‪ :‬اشتكيى القوم الحصياء وميا اشتكيى أحيد ظلميا‪ ،‬فإياكيم‬
‫ومحقرات الذنوب فإنهيا تجتميع على صياحبها حتيى تهلكيه‪ .‬وقيد مضيى‪ .‬ومعنيى "أحصياها" عدهيا‬
‫وأحاط بهيييا؛ وأضييييف الحصييياء إلى الكتاب توسيييعا‪" .‬ووجدوا ميييا عملوا حاضرا" أي وجدوا‬
‫إحصيياء مييا عملوا حاضرا وقيييل‪ :‬وجدوا جزاء مييا عملوا حاضرا‪" .‬ول يظلم ربييك أحدا" أي ل‬
‫يأخذ أحدا بجرم أحد‪ ،‬ول يأخذوه بما لم يعمله؛ قال الضحاك‪ .‬وقيل‪ :‬ل ينقص طائعا من ثوابه ول‬
‫يزيد عاصيا في عقابه‪.‬‬
‫*‪*3‬الية‪{ 50 :‬وإذ قلنا للملئكة اسجدوا لدم فسجدوا إل إبليس كان من الجن ففسق عن أمر‬
‫ربه أفتتخذونه وذريته أولياء من دوني وهم لكم عدو بئس للظالمين بدل}‬
‫@قوله تعالى‪" :‬وإذ قلنيا للملئكية اسيجدوا لدم فسيجدوا إل إبلييس كان مين الجين ففسيق عين أمير‬
‫ربه" تقدم‪ .‬قال أبو جعفر النحاس‪ :‬وفي هذه الية سؤال‪ ،‬يقال‪ :‬ما معنى "ففسق عن أمر ربه" ففي‬
‫هذا قولن‪ :‬أحدهما‪ :‬وهو مذهب الخليل وسيبويه أن المعنى أتاه الفسق لما أمر فعصى‪ ،‬فكان سبب‬
‫الفسيق أمير ربيه؛ كميا تقول‪ :‬أطعمتيه عين جوع‪ .‬والقول الخير‪ :‬وهيو مذهيب محميد بين قطرب أن‬
‫المعنى‪ :‬ففسق عن رد أمر ربه "أفتتخذونه وذريته أولياء من دوني وهم لكم عدو" وقف عز وجل‬
‫الكفرة على جهية التوبييخ بقوله أفتتخذونيه ييا بنيي آدم وذريتيه أولياء وهيم لكيم عدو؛ أي أعداء‪ ،‬فهيو‬
‫اسيم جنيس‪" .‬بئس للظالميين بدل" أي بئس عبادة الشيطان بدل عين عبادة ال‪ .‬أو بئس إبلييس بدل‬
‫عن ال‪ .‬واختلف هيل لبليس ذريية من صلبه؛ فقال الشعبي‪ :‬سيألني رجل فقال هل إبلييس زوجة؟‬
‫فقلت‪ :‬إن ذلك عرس لم أشهده‪ ،‬ثييم ذكرت قوله "أفتتخذونييه وذريتييه أولياء" فعلمييت أنييه ل يكون‬
‫ذريية إل مين زوجية فقلت نعيم‪ .‬وقال مجاهيد‪ :‬إن إبلييس أدخيل فرجيه فيي فرج نفسيه فباض خميس‬
‫بيضات؛ فهذا أصل ذريته‪ .‬وقيل‪ :‬إن ال تعالى خلق له في فخذه اليمنى ذكرا وفي اليسرى فرجا؛‬
‫فهييو ينكييح هذا بهذا‪ ،‬فيخرج له كييل يوم عشيير بيضات‪ ،‬يخرج ميين كييل بيضيية سييبعون شيطانييا‬
‫وشيطانة‪ ،‬فهو يخرج وهو يطير‪ ،‬وأعظمهم عند أبيهم منزلة أعظمهم في بني آدم فتنة‪ ،‬وقال قوم‪:‬‬
‫لييس له أولد ول ذريية‪ ،‬وذريتيه أعوانيه مين الشياطيين‪ .‬قال القشيري أبيو نصير‪ :‬والجملة أن ال‬
‫تعالى أخبر أن لبليس اتباعا وذرية‪ ،‬وأنهم يوسوسون إلى بني آدم وهم أعداؤهم‪ ،‬ول يثبت عندنا‬
‫كيفية في كيفية التوالد منهم وحدوث الذرية عن إبليس‪ ،‬فيتوقف المر فيه على نقل صحيح‪.‬‬
‫قلت‪ :‬الذي ثبيت فيي هذا الباب مين الصيحيح ميا ذكره الحميدي فيي الجميع بيين الصيحيحين عين‬
‫المام أبيي بكير البرقانيي أنيه خرج فيي كتابيه مسيندا عين أبيي محميد عبدالغنيي بين سيعيد الحافيظ مين‬
‫رواية عاصم عن أبي عثمان عن سلمان قال قال رسول ال صلى ال عليه وسلم‪( :‬ل تكن أول من‬
‫يدخييل السييوق ول آخيير ميين يخرج منهييا فبهييا باض الشيطان وفرخ)‪ .‬وهذا يدل على أن للشيطان‬
‫ذرية من صلبه‪ ،‬وال اعلم‪ .‬قال ابن عطية‪ :‬وقول "وذريته" ظاهر اللفظ يقتضي الموسوسين من‬
‫الشياطين‪ ،‬الذين يأتون بالمنكر ويحملون على الباطل‪ .‬وذكر الطبري وغيره أن مجاهدا قال‪ :‬ذرية‬
‫إبلييس الشياطيين‪ ،‬وكان يعدهيم‪ :‬زلنبور صياحب السيواق‪ ،‬يضيع رايتيه فيي كيل سيوق بيين السيماء‬
‫والرض‪ ،‬يجعيل تلك الرايية على حانوت أول مين يفتيح وآخير مين يغلق‪ .‬وثيبر صياحب المصيائب‪،‬‬
‫يأميير بضرب الوجوه وشييق الجيوب‪ ،‬والدعاء بالويييل والحرب‪ .‬والعور صيياحب أبواب الزنييى‪.‬‬
‫ومسيوط صياحب الخبار‪ ،‬يأتيي بهيا فيلقيهيا فيي أفواه الناس فل يجدون لهيا أصيل‪ .‬وداسيم الذي إذا‬
‫دخل الرجل بيته فلم يسلم ولم يذكر اسم ال بصره من المتاع ما لم يرفع وما لم يحسن موضعه‪،‬‬
‫وإذا أكل ولم يذكر اسم ال أكل معه‪ .‬قال العمش‪ :‬وإني ربما دخلت البيت فلم أذكر ال ولم أسلم‪،‬‬
‫فرأيييت مطهرة فقلت‪ :‬ارفعوا هذه وخاصييمتهم‪ ،‬ثييم أذكيير فأقول‪ :‬داسييم داسييم أعوذ بال منييه زاد‬
‫الثعلبي وغيره عن مجاهد‪ :‬والبيض‪ ،‬وهو الذي يوسوس للنبياء‪ .‬وصخر وهو الذي اختلس خاتم‬
‫سليمان عليه السلم‪ .‬والولهان وهو صاحب الطهارة يوسوس فيها‪ .‬والقيس وهو صاحب الصلة‬
‫يوسيوس فيهيا‪ .‬ومرة وهيو صياحب المزاميير وبيه يكنيى‪ .‬والهفاف يكون بالصيحارى يضيل الناس‬
‫ويتيههيم‪ .‬ومنهيم الغيلن‪ .‬وحكيى أبيو مطييع مكحول بين الفضيل النسيفي فيي كتاب اللؤلئيات عين‬
‫مجاهييد أن الهفاف هييو صيياحب الشراب‪ ،‬ولقوس صيياحب التحريييش‪ ،‬والعور صيياحب أبواب‬
‫السيلطان‪ .‬قال وقال الدارانيي‪ :‬إن لبلييس شيطانيا يقال له المتقاضيي‪ ،‬يتقاضيى ابين آدم فيخيبر بعميل‬
‫كان عمله في السر منذ عشرين سنة‪ ،‬فيحدث به في العلنية‪ .‬قال ابن عطية‪ :‬وهذا وما جانسه مما‬
‫لم يأت بيه سيند صيحيح‪ ،‬وقيد طول النقاش فيي هذا المعنيى وجلب حكايات تبعيد عين الصيحة‪ ،‬ولم‬
‫يمر بي في هذا صحيح إل ما في كتاب مسلم من أن للصلة شيطانا يسمى خنزب‪ .‬وذكر الترمذي‬
‫أن للوضوء شيطانا يسمى الولهان‪.‬‬
‫قلت‪ :‬أما ما ذكر من التعيين في السم فصحيح؛ وأما أن له اتباعا وأعوانا وجنودا فمقطوع به‪،‬‬
‫وقد ذكرنا الحديث الصحيح في أن له أولدا من صلبه‪ ،‬كما قال مجاهد وغيره‪ .‬وفي صحيح مسلم‬
‫عين عبدال بين مسيعود‪ :‬إن الشيطان ليتمثيل فيي صيورة الرجيل فيأتيي القوم فيحدثهيم بالحدييث مين‬
‫الكذب فيتفرقون فيقول الرجيل منهيم سيمعت رجل أعرف وجهيه ول أدري ميا اسيمه يحدث‪ .‬وفيي‬
‫مسند البزار عن سلمان الفارسي قال قال النبي صلى ال عليه وسلم‪( :‬ل تكونن إن استطعت أول‬
‫مين يدخيل السيوق ول آخير مين يخرج منهيا فإنهيا معركية الشيطان وبهيا ينصيب رايتيه)‪ .‬وفيي مسيند‬
‫أحميد بين حنبيل قال‪ :‬أنبأنيا عبدال بين المبارك قال حدثنيا سيفيان عين عطاء بين السيائب عين أبيي‬
‫عبدالرحمين السيلمي عين أبيي موسيى الشعري قال‪ :‬إذا أصيبح إبلييس بيث جنوده فيقول مين أضيل‬
‫مسييلما ألبسييته التاج قال فيقول له القائل لم أزل بفلن حتييى طلق زوجتييه‪ ،‬قال‪ :‬يوشييك أن يتزوج‪.‬‬
‫ويقول آخير‪ :‬لم أزل بفلن حتيى عيق؛ قال‪ :‬يوشيك أن ييبر‪ .‬فال ويقول القائل‪ :‬لم أزل بفلن حتيى‬
‫شرب؛ قال‪ :‬أنيت قال ويقول‪ :‬لم أزل بفلن حتيى زنيى؛ قال‪ :‬أنيت قال ويقول‪ :‬لم أزل بفلن حتيى‬
‫فتيل؛ قال‪ :‬أنيت أنيت وفيي صيحيح مسيلم عين جابر قال قال رسيول ال صيلى ال علييه وسيلم‪( :‬إن‬
‫إبليس يضع عرشه على الماء ثم يبعث سراياه فأدناهم منه منزلة أعظمهم فتنة يجيء أحدهم فيقول‬
‫فعلت كذا وكذا فيقول ما صنعت شيئا قال ثيم يجيء أحدهيم فيقول ميا تركته حتيى فرقيت بينيه وبين‬
‫أهله قال فيدنيييه أو قال فيلتزمييه ويقول نعييم أنييت)‪ .‬وقييد تقدم وسييمعت شيخنييا المام أبييا محمييد‬
‫عبدالمعطيي بثغير السيكندرية يقول‪ :‬إن شيطانيا يقال له البيضاوي يتمثيل للفقراء المواصيلين فيي‬
‫الصييام فإذا اسيتحكم منهيم الجوع وأضير بأدمغتهيم يكشيف لهيم عين ضياء ونور حتيى يمل عليهيم‬
‫البيوت فيظنون أنهم قد وصلوا وأن ذلك من ال وليس كما ظنوا‪.‬‬

You might also like