Professional Documents
Culture Documents
**2سورة الحجر
**3الية{ 1 :الر تلك آيات الكتاب وقرآن مبين}
@ تقدم معناه .و"الكتاب" قيل فيه :إنه اسم لجنس الكتب المتقدمة من التوراة والنجيل ،ثم قرنهما
بالكتاب المبين .وقيل :الكتاب هو القرآن ،جمع له بين السمين.
**3الية{ 2 :ربما يود الذين كفروا لو كانوا مسلمين}
@ "رب" ل تدخل على الفعل ،فإذا لحقتها "ما" هيأتها للدخول على الفعل تقول :ربما قام زيد،
وربميا يقوم زييد .ويجوز أن تكون "ميا" نكرة بمعنيى شييء ،و"يود" صيفة له؛ أي رب شييء يود
الكافير .وقرأ نافيع وعاصيم "ربميا" مخفيف الباء .الباقون مشددة ،وهميا لغتان .قال أبيو حاتيم :أهيل
الحجاز يخففون ربما؛ قال الشاعر:
بين بصرى وطعنة نجلء ربّما ضربة بسيف صقيل
وتمييم وقييس وربيعية يثقلونهيا .وحكيي فيهياَ :ر ّبمَا و َر َبمَا ،و ّر ّب َتمَا و ّر َب َتمَا ،بتخفييف الباء وتشديدهيا
أيضيا .وأصيلها أن تسيتعمل فيي القلييل وقيد تسيتعمل فيي الكثيير؛ أي يود الكفار فيي أوقات كثيرة لو
كانوا مسلمين؛ قاله الكوفيون .ومنه قول الشاعر:
قصاراك منها أنها عنك ل تجدي أل ربما أهدت لك العين نظرة
وقال بعضهيم :هيي للتقلييل فيي هذا الموضيع؛ لنهيم قالوا ذلك فيي بعيض المواضيع ل فيي كلهيا؛
لشغلهيم بالعذاب ،وال أعلم .قال" :ربميا يود" وهيي إنميا تكون لميا وقيع؛ لنيه لصيدق الوعيد كأنيه
عيان قيد كان .وخرج الطيبراني أبيو القاسيم مين حدييث جابر بين عبدال قال :قال رسيول ال صيلى
ال علييه وسيلم( :إن ناسيا مين أمتيي يدخلون النار بذنوبهيم فيكونون فيي النار ميا شاء ال أن يكونوا
ثم يعيرهم أهل الشرك فيقولون ما نرى ما كنتم تخالفونا فيه من تصديقكم وإيمانكم نفعكم فل يبقى
موحيد إل أخرجيه ال مين النار -ثيم قرأ رسيول ال صيلى ال علييه وسيلم " -ربميا يود الذيين كفروا
لو كانوا مسلمين") .قال الحسن" إذا رأى المشركون المسلمين وقد دخلوا الجنة ومأواهم في النار
تمنوا أنهم كانوا مسلمين .وقال الضحاك :هذا التمني إنما هو عند المعاينة في الدنيا حين تبين لهم
الهدي من الضللة .وقيل :في القيامة إذا رأوا كرامة المؤمنين وذل الكافرين.
**3الية{ 3 :ذرهم يأكلوا ويتمتعوا ويلههم المل فسوف يعلمون}
@قوله تعالى" :ذرهم يأكلوا ويتمتعوا" تهديد لهم" .ويلههم المل" أي يشغلهم عن الطاعة .يقال:
ألهاه عن كذا أي شغله .ولهي هو عن الشيء يلهى" .فسوف يعلمون" إذا رأوا القيامة وذاقوا وبال
ما صنعوا .وهذه الية منسوخة بالسيف.
@ في مسند البزار عن أنس قال قال رسول ال صلى ال عليه وسلم( :أربعة من الشقاء جمود
العيييين وقسييياوة القلب وطول الميييل والحرص على الدنييييا) .وطول الميييل داء عضال ومرض
مزمين ،ومتيى تمكين مين القلب فسيد مزاجيه واشتيد علجيه ،ولم يفارقيه داء ول نجيح فييه دواء ،بيل
أعيييا الطباء ويئس ميين برئه الحكماء والعلماء .وحقيقيية المييل :الحرص على الدنيييا والنكباب
عليهيا ،والحيب لهيا والعراض عين الخرة .وروي عين رسيول ال صيلى ال علييه وسيلم أنيه قال:
(نجا أول هذه المة باليقين والزهد ويهلك أخرها بالبخل والمل) .ويروى عن أبي الدرداء رضي
ال عنه أنه قام على درج مسجد دمشق فقال( :يا أهل دمشيق ،أل تسمعون من أخ لكم ناصح ،إن
ميين كان قبلكييم كانوا يجمعون كثيرا ويبنون مشيدا ويأملون بعيدا ،فأصييبح جمعهييم بورا وبنيانهييم
قبورا وأملهيم غرورا .هذه عاد قيد ملت البلد أهل ومال وخيل ورجال ،فمين يشتري منيي اليوم
تركتهم بدرهمين! وأنشد:
منه ويزعم أن يحظى بأقصاها يا ذا المؤمل أمال وإن بعدت
أصبحت في ثقة من نيل أدناها أنى تفوز بما ترجوه ويك وما
وقال الحسين( :ميا أطال عبيد الميل إل أسياء العميل) .وصيدق رضيي ال عنيه! فالميل يكسيل عين
العمييل ويورث التراخييي والتوانييي ،ويعقييب التشاغييل والتقاعييس ،ويخلد إلى الرض ويميييل إلى
الهوى .وهذا أمير قيد شوهيد بالعيان فل يحتاج إلى بيان ول يطلب صياحبه بيبرهان؛ كميا أن قصير
المل يبعث على العمل ،ويحيل على المبادرة ،ويحث على المسابقة.
**3الية{ 4 :وما أهلكنا من قرية إل ولها كتاب معلوم}
@ أي أجل مؤقت كتب لهم في اللوح المحفوظ.
**3الية{ 5 :ما تسبق من أمة أجلها وما يستأخرون}
@ "مين" صيلة؛ كقولك :ميا جاءنيي مين أحيد .أي ل تتجاوز أجلهيا فتزييد علييه ،ول تتقدم قبله.
ونظيره قوله تعالى" :فإذا جاء أجلهم ل يستأخرون ساعة ول يستقدمون" [العراف.]34 :
**3اليتان{ 7 - 6 :وقالوا يا أيها الذي نزل عليه الذكر إنك لمجنون ،لو ما تأتينا بالملئكة إن
كنت من الصادقين}
@ قاله كفار قرييش لمحميد صيلى ال علييه وسيلم على وجهية السيتهزاء ،ثيم طلبوا منيه إتيان
الملئكيية دللة على صييدقه .و"لومييا" تحضيييض على الفعييل كلول وهل .وقال الفراء :الميييم فييي
"لوما" بدل من اللم في لول .ومثله استولى على الشيء واستومى عليه ،ومثله خالمته وخاللته،
فهيو خلي وخلميي؛ أي صيديقي .وعلى هذا يجوز "لوميا" بمعنيى الخيبر ،تقول :لوميا زييد لضرب
عمرو .قال الكسائي :لول ولوما سواء في الخبر والستفهام.
قال ابن مقبل:
عوَري ببعض ما فيكما إذ عبتما َ لوما الحياء ولوما الدين عبتكما
يريد لول الحياء .وحكى النحاس لوما ولول وهل واحد .وأنشد أهل اللغة على ذلك:
بني ضوطرى لول الكمي المقنعا تعدون عقر النيب أفضل مجدكم
أي هل تعدون الكمي المقنعا.
**3الية{ 8 :ما ننزل الملئكة إل بالحق وما كانوا إذا منظرين}
@ قرأ حفص وحمزة والكسائي "ما ننزل الملئكة إل بالحق" واختاره أبو عبيد .وقرأ أبو بكر
والمفضييل "مييا ُت َنزّل الملئكيية" .الباقون "مييا َي َنزّل الملئكيية" وتقديره :مييا تتنزل بتاءييين حذفييت
إحداهميا تخفيفيا ،وقيد شدد التاء البزي ،واختاره أبيو حاتيم اعتبارا بقوله" :تنزل الملئكية والروح"
[القدر .]4 :ومعنيى "إل بالحيق" إل بالقرآن .وقييل بالرسيالة؛ عين مجاهيد .وقال الحسين :إل
بالعذاب إن لم يؤمنوا" .ومييا كانوا إذا منظرييين" أي لو تنزلت الملئكيية بإهلكهييم لمييا أمهلوا ول
قبلت لهييم توبيية .وقيييل :المعنييى لو تنزلت الملئكيية تشهييد لك فكفروا بعييد ذلك لم ينظروا .وأصييل
"إذا" إذ أن -ومعناه حينئذ -فضم إليها أن ،واستثقلوا الهمزة فحذفوها.
**3الية{ 9 :إنا نحن نزلنا الذكر وإنا له لحافظون}
@قوله تعالى" :الذكر" يعني القرآن" .وإنا له لحافظون" من أن يزاد فيه أو ينقص منه .قال قتادة
وثابت البناني :حفظه ال من أن تزيد فيه الشياطين باطل أو تنقص منه حقا؛ فتولى سبحانه حفظه
فلم يزل محفوظييا ،وقال فييي غيره" :بمييا اسييتحفظوا" [المائدة ،]44 :فوكييل حفظييه إليهييم فبدلوا
وغيروا .أنبأنيا الشييخ الفقييه المام أبيو القاسيم عبدال عين أبييه الشييخ الفقييه المام المحدث أبيي
الحسين علي بين خلف بين معزوز الكوميي التلمسياني قال :قرئ على الشيخية العالمية فخير النسياء
شهدة بنت أبي نصير أحمد بن الفرج الدينوري وذلك بمنزلها بدار السلم فيي آخر جمادى الخرة
من سنة أربع وستين وخمسمائة ،قيل لها :أخبركم الشيخ الجل العامل نقيب النقباء أبو الفوارس
طراد بين محميد الزينيي قراءة علييه وأنيت تسيمعين سينة تسيعين وأربعمائة ،أخبرنيا علي بين عبدال
بين إبراهييم حدثنيا أبيو علي عيسيى بين محميد بين أحميد بين عمير بين عبدالملك بين عبدالعزييز بين
جريج المعروف بالطوماري حدثنا الحسين بن فهم قال :سمعت يحيى بن أكثم يقول :كان للمأمون
-وهو أمير إذ ذاك -مجلس نظر ،فدخل في جملة الناس رجل يهودي حسن الثوب حسن الوجه
طيييب الرائحيية ،قال :فتكلم فأحسيين الكلم والعبارة ،قال :فلمييا تقوض المجلس دعاه المأمون فقال
له :إسيرائيلي؟ قال نعييم .قال له :أسييلم حتييى أفعيل بيك وأصيينع ،ووعده .فقال :دينيي وديين آبائي!
وانصيرف .قال :فلميا كان بعد سنة جاءنيا مسيلما ،قال :فتكلم على الفقه فأحسن الكلم؛ فلما تقوض
المجلس دعاه المأمون وقال :ألسيت صياحبنا بالميس؟ قال له :بلى .قال :فميا كان سيبب إسيلمك؟
قال :انصرفت من حضرتك فأحببت أن أمتحن هذه الديان ،وأنت تراني حسن الخط ،فعمدت إلى
التوراة فكتبيت ثلث نسيخ فزدت فيهيا ونقصيت ،وأدخلتهيا الكنيسية فاشترييت منيي ،وعمدت إلى
النجييل فكتيب نسيخ فزدت فيهيا ونقصيت ،وأدخلتهيا البيعية فاشترييت منيي ،وعمدت إلى القرآن
فعملت ثلث نسخ وزدت فيها ونقصت ،وأدخلتها الوراقين فتصفحوها ،فلما أن وجدوا فيها الزيادة
والنقصييان رموا بهييا فلم يشتروهييا؛ فعلمييت أن هذا كتاب محفوظ ،فكان هذا سييبب إسييلمي .قال
يحيى بن أكثم :فحججت تلك السنة فلقيت سفيان بن عيينة فذكرت له الخبر فقال لي :مصداق هذا
فييي كتاب ال عييز وجييل .قال قلت :فييي أي موضييع؟ قال :فييي قول ال تبارك وتعالى فييي التوراة
والنجييل" :بميا اسيتحفظوا مين كتاب ال" [المائدة ،]44 :فجعيل حفظيه إليهيم فضاع ،وقال عيز
وجل" :إنا نحن نزلنا الذكر وإنا له لحافظون" فحفظه ال عز وجل علينا فلم يضع .وقيل" :وإنا له
لحافظون" أي لمحمييد صييلى ال عليييه وسييلم ميين أن يتقول علينييا أو نتقول عليييه .أو "وإنييا له
لحافظون" من أن يكاد أو يقتل .نظيره "وال يعصمك من الناس" [المائدة .]67 :و"نحن" يجوز
أن يكون موضعيه رفعيا بالبتداء و"نزلنيا" الخيبر .والجملة خيبر "إن" .ويجوز أن يكون "نحين"
تأكيدا لسيم "إن" فيي موضيع نصيب ،ول تكون فاصيلة لن الذي بعدهيا لييس بمعرفية وإنميا هيو
جملة ،والجمل تكون نعوتا للنكرات فحكمها حكم النكرات.
**3الية{ 10 :ولقد أرسلنا من قبلك في شيع الولين}
@ المعنيى :ولقيد أرسيلنا مين قبلك رسيل ،فحذف .والشييع جميع شيعية وهيي المية ،أي فيي أممهيم؛
قاله ابين عباس وقتادة .الحسين :فيي فرقهيم .والشيعية :الفرقية والطائفية مين الناس المتآلفية المتفقية
الكلمة .فكأن الشيع الفرق؛ ومنه قوله تعالى" :أو يلبسكم شيعا" [النعام .]65 :وأصله مأخوذ من
الشياع وهو الحطب الصغار يوقد به الكبار -كما تقدم في "النعام" - .وقال الكلبي :إن الشيع هنا
القرى.
**3الية{ 11 :وما يأتيهم من رسول إل كانوا به يستهزئون}
@ تسلية للنبي صلى ال عليه وسلم؛ أي كما فعل بك هؤلء المشركون فكذلك فعل بمن قبلك من
الرسل.
**3اليتان{ 13 - 12 :كذلك نسيلكه فيي قلوب المجرميين ،ل يؤمنون بيه وقيد خلت سينة
الولين}
@قوله تعالى" :كذلك نسيلكه" أي الضلل والكفير والسيتهزاء والشرك" .فيي قلوب المجرميين"
من قومك؛ عن الحسن وقتادة وغيرهما .أي كما سلكناه في قلوب من تقدم من شيع الولين كذلك
نسيلكه فيي قلوب مشركيي قوميك حتيى ل يؤمنوا بيك ،كميا لم يؤمين مين قبلهيم برسيلهم .وروى ابين
جرييج عين مجاهيد قال :نسيلك التكذييب .والسيلك :إدخال الشييء فيي الشييء كإدخال الخييط فيي
المخييط .يقال :سيلكه يسيلكه سيلكا وسيلوكا ،وأسيلكه إسيلكا .وسيلك الطرييق سيلوكا وسيلكا وأسيلكه
دخله ،والشيء في غيره مثله ،والشيء كذلك والرمح ،والخيط في الجوهر؛ كله فعل وأفعل .وقال
عدي بن زيد:
وقد سلكوك في يوم عصيب
والسيلك (بالكسير) الخييط .وفيي اليية رد على القدريية والمعتزلة .وقييل :المعنيى نسيلك القرآن فيي
قلوبهيم فيكذبون بيه .وقال الحسين ومجاهيد وقتادة القول الذي علييه أكثير أهيل التفسيير ،وهيو ألزم
حجية على المعتزلة .وعين الحسين أيضيا :نسيلك الذكير إلزاميا للحجية؛ ذكره الغزنوي" .وقيد خلت
سينة الوليين" أي مضيت سينة ال بإهلك الكفار ،فميا أقرب هؤلء مين الهلك .وقييل" :خلت سينة
الولين" بمثل ما فعل هؤلء من التكذيب والكفر ،فهم يقتدون بأولئك.
**3اليتان{ 15 - 14 :ولو فتحنا عليهم بابا من السماء فظلوا فيه يعرجون ،لقالوا إنما سكرت
أبصارنا بل نحن قوم مسحورون}
@ يقال :ظيل يفعيل كذا ،أي يفعله بالنهار .والمصيدر الظلول .أي لو أجيبوا إلى ميا اقترحوا مين
اليات لصيروا على الكفير وتعللوا بالخيالت؛ كميا قالوا للقرآن المعجيز :إنيه سيحر" .يعرجون"
ميين عرج يعرج أي صييعد .والمعارج المصيياعد .أي لو صييعدوا إلى السييماء وشاهدوا الملكوت
والملئكية لصيروا على الكفير؛ عين الحسين وغيره .وقييل :الضميير فيي "عليهيم" للمشركيين .وفيي
"فظلوا" للملئكة ،تذهب وتجيء .أي لو كشف لهؤلء حتى يعاينوا أبوابا في السماء تصعد فيها
الملئكية وتنزل لقالوا :رأينيا بأبصيارنا ميا ل حقيقية له؛ عين ابين عباس وقتادة .ومعنيى "سيكرت"
سدت بالسحر؛ قاله ابن عباس والضحاك .وقال الحسن :سحرت .الكلبي :أغشيت أبصارنا؛ وعنه
أيضييا عميييت .قتادة :أخذت .وقال المؤرج :دييير بنييا ميين الدوران؛ أي صييارت أبصييارنا سييكرى.
جويبر :خدعت .وقال أبو عمرو بن العلء" :سكرت" غشيت وغطيت .ومنه قول الشاعر:
وجعلت عين الحرور تسكر وطلعت شمس عليها مغفر
وقال مجاهد" :سكرت" حبست .ومنه قول أوس بن حجر:
فليست بطلق ول ساكره فصرت على ليلة ساهره
قلت :وهذه أقوال متقاربيية يجمعهييا قولك :منعييت .قال ابيين عزيييز" :سييكرت أبصييارنا" سييدت
أبصارنا؛ هو من قولك ،سكرت النهر إذا سددته .ويقال :هو من سكر الشراب ،كأن العين يلحقها
مييا يلحييق الشارب إذا سييكر .وقرأ ابيين كثييير "سييكرت" بالتخفيييف ،والباقون بالتشديييد .قال ابيين
العرابييي :سييكرت ملئت .قال المهدوي :والتخفيييف والتشديييد فييي "سييكرت" ظاهران ،التشديييد
للتكثير والتخفيف يؤدي عن معناه .والمعروف أن "سكر" ل يتعدى .قال أبو علي :يجوز أن يكون
سمع متعديا في البصر .ومن قرأ "سكرت" فإنه شبه ما عرض لبصارهم بحال السكران ،كأنها
جرت مجرى السييكران لعدم تحصيييله .وقييد قيييل :إنييه بالتخفيييف [ميين] سييكر الشراب ،وبالتشديييد
أخذت ،ذكرهميييا الماوردي .وقال النحاس :والمعروف مييين قراءة مجاهيييد والحسييين "سيييكرت"
بالتخفيف .قال الحسن :أي سحرت وحكى أبو عبيد عن أبي عبيدة أنه يقال :سحرت أبصارهم إذا
غشيهييا سييمادير حتييى ل يبصييروا .وقال الفراء :ميين قرأ "سييكرت" أخذه ميين سييكور الريييح .قال
النحاس :وهذه القوال متقاربية .والصيل فيهيا ميا قال أبيو عمرو بين العلء رحميه ال تعالى ،قال:
هو من السكر في الشراب .وهذا قول حسن؛ أي غشيهم ما غطى أبصارهم كما غشي السكران ما
غطى عقله .وسكور الريح سكونها وفتورها؛ فهو يرجع إلى معنى التحيير.
**3الية{ 16 :ولقد جعلنا في السماء بروجا وزيناها للناظرين}
@ لما ذكر كفر الكافرين وعجز أصنامهم ذكر كمال قدرته ليستدل بها على وحدانيته .والبروج:
القصييور والمنازل .قال ابيين عباس :أي جعلنييا فييي السييماء بروج الشمييس والقميير؛ أي منازلهمييا.
وأسيييماء هذه البروج :الحميييل ،والثور ،والجوزاء ،والسيييرطان ،والسيييد ،والسييينبلة ،والميزان،
والعقرب ،والقوس ،والجدي ،والدلو ،والحوت .والعرب تعيد المعرفية لمواقيع النجوم وأبوابهيا مين
أجيل العلوم ،ويسيتدلون بهيا على الطرقات والوقات والخصيب والجدب .وقالوا :الفلك اثنيا عشير
برجا ،كل برج ميلن ونصف .وأصل البروج الظهور ومنه تبرج المرأة بإظهار زينتها .وقد تقدم
هذا المعنيى فيي النسياء .وقال الحسين وقتادة :البروج النجوم ،وسيميت بذلك لظهورهيا .وارتفاعهيا.
وقييل :الكواكيب العظام؛ قال أبيو صيالح :يعنيي السيبعة السييارة .وقال قوم" :بروجيا"؛ أي قصيورا
وبيوتا فيها الحرس ،خلقها ال في السماء .فال أعلم" .وزيناها" يعني السماء؛ كما قال في سورة
الملك" :ولقد زينا السماء الدنيا بمصابيح" [الملك" .]5 :للناظرين" للمعتبرين والمتفكرين.
**3الية{ 17 :وحفظناها من كل شيطان رجيم}
@ أي مرجوم .والرجيم الرميي بالحجارة .وقييل :الرجيم اللعين والطرد .وقيد تقدم .وقال الكسيائي:
كل رجيم في القرآن فهو بمعنى الشتم .وزعم الكلبي أن السماوات كلها لم تحفظ من الشياطين إلى
زمن عيسى ،فلما بعث ال تعالى عيسى حفظ منها ثلث سماوات إلى مبعث رسول ال صلى ال
عليه وسلم ،فحفظ جميعها بعد بعثه وحرست منهم بالشهب .وقاله ابن عباس رضي ال عنه .قال
ابين عباس( :وقيد كانيت الشياطيين ل يحجبون عين السيماء ،فكانوا يدخلونهيا ويلقون أخبارهيا على
الكهنية ،فيزيدون عليهيا تسيعا فيحدثون بهيا أهيل الرض؛ الكلمية حيق والتسيع باطيل؛ فإذا رأوا شيئا
ممييا قالوه صييدقوهم فيمييا جاؤوا بييه ،فلمييا ولد عيسييى بيين مريييم عليهمييا السييلم منعوا ميين ثلث
سيماوات ،فلميا ولد محميد صيلى ال علييه وسيلم منعوا مين السيماوات كلهيا ،فميا منهيم مين أحيد يرييد
استراق السمع إل رمي بشهاب؛ على ما يأتي.
**3الية{ 18 :إل من استرق السمع فأتبعه شهاب مبين}
@ أي لكن من استرق السمع ،أي الخطفة اليسيرة ،فهو استثناء منقطع .وقيل ،هو متصل ،أي إل
ممين اسيترق السيماع .أي حفظنيا السيماء مين الشياطيين أن تسيمع شيئا مين الوحيي وغيره؛ إل مين
استرق السمع فإنا لم نحفظها منه أن تسمع الخبر من أخبار السماء سوى الوحي ،فأما الوحي فل
تسمع منه شيئا؛ لقوله" :إنهم عن السمع لمعزولون" [الشعراء .]212 :وإذا استمع الشياطين إلى
شيء ليس بوحي فإنهم يقذفونه إلى الكهنة في أسرع من طرفة عين ،ثم تتبعهم الشهب فتقتلهم أو
تخبلهم؛ ذكره الحسن وابن عباس.
@قوله تعالى" :فأتبعه شهاب مبين" أتبعه :أدركه ولحقه .شهاب :كوكب مضيء .وكذلك شهاب
ثاقيب .وقوله" :بشهاب قبيس" [النميل ]7 :بشعلة نار فيي رأس عود؛ قاله ابين عزييز .وقال ذو
الرمة:
مسوم في سواد الليل منقضب كأنه كوكب في إثر عفرية
وسييمي الكوكييب شهابييا لبريقييه ،يشبييه النار .وقيييل :شهاب لشعلة ميين نار ،قبييس لهييل الرض،
فتحرقهم ول تعود إذا أحرقت كما إذا أحرقت النار لم تعد ،بخلف الكوكب فإنه إذا أحرق عاد إلى
مكانيه .قال ابين عباس :تصيعد الشياطيين أفواجيا تسيترق السيمع فينفرد المارد منهيا فيعلو ،فيرميى
بالشهاب فيصيب جبهته أو أنفه أو ما شاء ال فيلتهب ،فيأتي أصحابه وهو يلتهب فيقول :إنه كان
مين الم كذا وكذا ،فيذهيب أولئك إلى إخوانهيم مين الكهنية فيزيدون عليهيا تسيعا ،فيحدثون بهيا أهيل
الرض؛ الكلمة حق والتسع باطل .فإذا رأوا شيئا مما قالوا قد كان صدقوهم بكل ما جاؤوا به من
كذبهم .وسيأتي هذا المعنى مرفوعا في سورة "سبأ" إن شاء ال تعالى.
واختلف فيي الشهاب هيل يقتيل أم ل .فقال ابين عباس :الشهاب يجرح ويحرق ويخبيل ول يقتيل.
وقال الحسين وطائفية :يقتيل؛ فعلى هذا القول فيي قتلهيم بالشهيب قبيل إلقاء السيمع إلى الجين قولن:
أحدهميا :أنهيم يقتلون قبيل إلقائهيم ميا اسيترقوه مين السيمع إلى غيرهيم؛ فعلى هذا ل تصيل أخبار
السماء إلى غير النبياء ،ولذلك انقطعت الكهانة .والثاني :أنهم يقتلون بعد إلقائهم ما استرقوه من
السييمع إلى غيرهييم ميين الجيين؛ ولذلك مييا يعودون إلى اسييتراقه ،ولو لم يصييل لنقطييع السييتراق
وانقطع الحراق؛ ذكره الماوردي
قلت :والقول الول أصيح على ميا يأتيي بيانيه فيي "الصيافات" .واختلف هيل كان رميي بالشهيب
قبيل المبعيث؛ فقال الكثرون نعيم .وقييل ل ،وإنميا ذلك بعيد المبعيث .وسييأتي بيان هذه المسيألة فيي
سورة "الجن" إن شاء ال تعالى .وفي "الصافات" أيضا .قال الزجاج :والرمي بالشهب من آيات
النيبي صيلى ال علييه وسيلم مميا حدث بعيد مولده؛ لن الشعراء فيي القدييم لم يذكروه فيي أشعارهيم،
ولم يشبهوا الشييء السيريع بيه كميا شبهوا بالبرق وبالسييل .ول يبعيد أن يقال :انقضاض الكواكيب
كان فيي قدييم الزمان ولكنيه لم يكين رجوميا للشياطيين ،ثيم صيار رجوميا حيين ولد النيبي صيلى ال
عليه وسلم .وقال العلماء :نحن نرى انقضاض الكواكب ،فيجوز أن يكون ذلك كما نرى ثم يصير
نارا إذا أدرك الشيطان .ويجوز أن يقال :يرمون بشعلة ميين نار ميين الهوى فيخيييل إلينييا أنييه نجييم
سيرى .والشهاب فيي اللغية النار السياطعة .وذكير أبيو داود عين عامير الشعيبي قال :لميا بعيث النيبي
صيلى ال علييه وسيلم رجميت الشياطيين بنجوم لم تكين ترجيم بهيا قبيل ،فأتوا عبيد يالييل بين عمرو
الثقفي فقالوا :إن الناس قد فزعوا وقد أعتقوا رقيقهم وسيبوا أنعامهم لما رأوا في النجوم .فقال لهم
-وكان رجل أعمى : -ل تعجلوا ،وانظروا فإن كانت النجوم التي تعرف فهي عند فناء الناس،
وإن كانييت ل تعرف فهييي ميين حدث .فنظروا فإذا هييي نجوم ل تعرف ،فقالوا :هذا ميين حدث .فلم
يلبثوا حتى سمعوا بالنبي صلى ال عليه وسلم.
**3اليتان{ 20 - 19 :والرض مددناهيا وألقينيا فيهيا رواسيي وأنبتنيا فيهيا مين كيل شييء
موزون ،وجعلنا لكم فيها معايش ومن لستم له برازقين}
@قوله تعالى" :والرض مددناهيا" هذا مين نعميه أيضيا ،ومميا يدل على كمال قدرتيه .قال ابين
عباس :بسييطناها على وجييه الماء؛ كمييا قال" :والرض بعييد ذلك دحاهييا" [النازعات ]30 :أي
بسطها .وقال" :والرض فرشناها فنعم الماهدون" [الذاريات .]48 :وهو يرد على من زعم أنها
كالكرة .وقد تقدم" .وألقينا فيها رواسي" جبال ثابتة لئل تتحرك بأهلها" .وأنبتنا فيها من كل شيء
موزون" أي مقدر معلوم؛ قاله ابن عباس وسعيد بن جبير .وإنما قال "موزون" لن الوزن يعرف
به مقدار الشيء .قال الشاعر:
عندي لكل مخاصم ميزانه قد كنت قبل لقائكم ذا ِمرّة
وقال قتادة :موزون يعنيييي مقسيييوم .وقال مجاهيييد :موزون معدود؛ ويقال :هذا كلم موزون؛ أي
منظوم غيير منتثير .فعلى هذا أي أنبتنيا فيي الرض ميا يوزن مين الجواهير والحيوانات والمعادن.
وقييد قال ال عييز وجييل فييي الحيوان" :وأنبتهييا نباتييا حسيينا" [آل عمران .]37 :والمقصييود ميين
النبات النشاء واليجاد .وقييل" :أنبتنيا فيهيا" أي فيي الجبال "مين كيل شييء موزون" مين الذهيب
والفضيية والنحاس والرصيياص والقصييدير ،حتييى الزرنيييخ والكحييل ،كييل ذلك يوزن وزنييا .روي
معناه عن الحسن وابن زيد .وقيل :أنبتنا في الرض الثمار مما يكال ويوزن .وقيل :ما يوزن فيه
الثمان لنييه أجييل قدرا وأعييم نفعييا ممييا ل ثميين له" .وجعلنييا لكييم فيهييا معايييش" يعنييي المطاعييم
والمشارب التي يعيشون بها؛ واحدها معيشة (بسكون الياء) .ومنه قول جرير:
ومن لي بالمرقق والصناب تكلفني معيشة آل زيد
والصيل معيشية على مفعلة (بتحرييك الياء) .وقيد تقدم فيي العراف .وقييل :إنهيا الملبيس؛ قاله
الحسين .وقييل :إنهيا التصيرف فيي أسيباب الرزق مدة الحياة .قال الماوردي :وهيو الظاهير" .ومين
لستم له برازقين" يريد الدواب والنعام؛ قاله مجاهد .وعنده أيضا هم العبيد والولد الذين قال ال
فيهيم" :نحين نرزقهيم وإياكيم" [السيراء ]31 :ولفيظ "مين" يجوز أن يتناول العبييد والدواب إذا
اجتمعوا؛ لنه إذا اجتمع من يعقل وما ل يعقل ،غلب من يعقل .أي جعلنا لكم فيها معايش وعبيدا
وإماء ودواب وأولدا نرزقهيم ول ترزقونهيم .فيي "مين" على هذا التأوييل فيي موضيع نصيب؛ قال
معناه مجاهد وغيره .وقيل :أراد به الوحش .قال سعيد :قرأ علينا منصور "ومن لستم له برازقين"
قال :الوحيش .فيي "مين" على هذا تكون لميا ل يعقيل؛ مثيل "فمنهيم مين يمشيي على بطنيه" [النور:
]45اليية .وهيي فيي محيل خفيض عطفيا على الكاف والمييم فيي قوله" :لكيم" .وفييه قبيح عنيد
البصريين؛ فإنه ل يجوز عندهم عطف الظاهر على المضمر إل بإعادة حرف الجر؛ مثل مررت
به ويزيد .ول يجوز مررت به وزيد إل في الشعر .كما قال:
فاذهب فما بك واليام من عجب فاليوم قربت تهجونا وتشتمنا
وقد مضى هذا المعنى في "البقرة" وسورة "النساء".
**3الية{ 21 :وإن من شيء إل عندنا خزائنه وما ننزله إل بقدر معلوم}
@قوله تعالى" :وإن من شيء إل عندنا خزائنه" أي وإن من شيء من أرزاق الخلق ومنافعهم إل
عندنا خزائنه؛ يعني المطر المنزل من السماء ،لن به نبات كل شيء .قال الحسن :المطر خزائن
كيل شييء .وقييل :الخزائن المفاتييح ،أي فيي السيماء مفاتييح الرزاق؛ قاله الكلبيي .والمعنيى واحيد.
"وما ننزله إل بقدر معلوم" أي ولكن ل ننزله إل على حسب مشيئتنا وعلى حسب حاجة الخلق
إليه؛ كما قال" :ولو بسط ال الرزق لعباده لبغوا في الرض ولكن ينزل بقدر ما يشاء" [الشورى:
.]27وروي عن ابن مسعود والحكم بن عيينة وغيرهما أنه ليس عام أكثر مطرا من عام ،ولكن
ال يقسمه كيف شاء ،فيمطر قوم ويحرم آخرون ،وربما كان المطر .في البحار والقفار.
والخزائن جمع الخزانة ،وهو الموضع الذي يستر فيه النسان ماله والخزانة أيضا مصيدر خزن
يخزن .وميا كان فيي خزانية النسيان كان معدا له .فكذلك ميا يقدر علييه الرب فكأنيه معيد عنده؛ قاله
القشيري .وروى جعفير بين محميد عين أبييه عين جده أنيه قال :فيي العرش مثال كيل شييء خلقيه ال
فييي البر والبحيير .وهييو تأويييل قوله تعالى" :وإن ميين شيييء إل عندنييا خزائنييه" .والنزال بمعنييى
النشاء واليجاد؛ كقوله" :وأنزل لكيم مين النعام ثمانيية أزواج" وقوله" :وأنزلنيا الحدييد فييه بأس
شديد" [الحديد .]25 :وقيل :النزال بمعنى العطاء ،وسماه إنزال لن أحكام ال إنما تنزل من
السماء.
**3الية{ 22 :وأرسلنا الرياح لواقح فأنزلنا من السماء ماء فأسقيناكموه وما أنتم له بخازنين}
@قوله تعالى" :وأرسلنا الرياح" قراءة العامة "الرياح" بالجمع .وقرأ حمزة بالتوحيد؛ لن معنى
الرييح الجميع أيضيا وإن كان لفظهيا لفيظ الواحيد .كميا يقال :جاءت الرييح مين كيل جانيب .كميا يقال:
أرض سباسب وثوب أخلق .وكذلك تفعل العرب في كل شيء اتسع .وأما وجه قراءة العامة فلن
ال تعالى نعتها بي "لواقح" وهي جمع .ومعنى لواقح حوامل؛ لنها تحمل الماء والتراب والسحاب
والخير والنفع .قال الزهري :وجعل الريح لقحا لنها تحمل السحاب؛ أي تقله وتصرفه ثم تمريه
فتسييتدره ،أي تنزله؛ قال ال تعالى" :حتييى إذا أقلت سييحابا ثقال" [العراف ]57 :أي حملت.
وناقية لقيح ونوق لواقيح إذا حملت الجنية فيي بطونهيا .وقييل :لواقيح بمعنيى ملقحية وهيو الصيل،
ولكنهيا ل تلقيح إل وهيي فيي نفسيها لقيح ،كأن الرياح لقحيت بخيير .وقييل :ذوات لقيح ،وكيل ذلك
صيحيح؛ أي منهيا ميا يلقح الشجير؛ كقولهيم :عيشية راضيية؛ أي فيهيا رضيا ،ولييل نائم؛ أي فييه نوم.
ومنهيا ميا تأتيي بالسيحاب .يقال :لقحيت الناقية (بالكسير) لقحيا ولقاحيا (بالفتيح) فهيي لقيح .وألقحهيا
الفحل أي ألقى إليها الماء فحملته؛ فالرياح كالفحل للسحاب .قال الجوهري :ورياح لواقح ول يقال
ملقح ،وهو من النوادر .وحكى المهدوي عن أبي عبيدة :لواقح بمعنى ملقح ،ذهب إلى أنه جمع
ملقحة وملقح ،ثم حذفت زوائده .وقيل :هو جمع لقحة ولقح ،على معنى ذات اللقاح على النسب.
ويجوز أن يكون معنيى لقيح حامل .والعرب تقول للجنوب :لقيح وحاميل ،وللشمال حاميل وعقييم.
وقال عبييد بين عميير :يرسيل ال المبشرة فتقيم الرض قميا ،ثيم يرسيل المثيرة فتثيير السيحاب ،ثيم
يرسل المؤلفة فتؤلفه ،ثم يبعث اللواقح فتلقح الشجر .وقيل :الريح الملقح التي تحمل الندى فتمجه
في السحاب ،فإذا اجتمع فيه صار مطرا .وعن أبي هريرة قال :سمعت رسول ال صلى ال عليه
وسيلم يقول( :الرييح الجنوب مين الجنية وهيي الرييح اللواقيح التيي ذكرهيا ال فيي كتابيه وفيهيا منافيح
للناس) .وروي عنيه علييه السيلم أنيه قال( :ميا هبيت جنوب إل أنبيع ال بهيا عينيا غدقية) .وقال أبيو
بكير بين عياش :ل تقطير قطرة مين السيحاب إل بعيد أن تعميل الرياح الربيع فيهيا؛ فالصيبا تهيجيه،
والدبور تلقحه ،والجنوب تدره ،والشمال تفرقه.
@ روى ابن وهب وابن القاسم وأشهب وابن عبدالحكم عن مالك -واللفظ لشهب -قال مالك:
قال ال تعالى" :وأرسيلنا الرياح لواقيح" فلقاح القميح عندي أن يحبيب ويسينبل ،ول أدري ميا ييبيس
في أكمامه ،ولكن يحبب حتى يكون لو يبس حينئذ لم يكن فساد الخير فيه .ولقاح الشجر كلها أن
تثمير ثيم يسيقط منهيا ميا يسيقط ويثبيت ميا يثبيت ،ولييس ذلك بأن تورد .قال ابين العربيي :إنميا عول
مالك فييي هذا التفسييير على تشييبيه لقاح الشجيير بلقاح الحمييل ،وأن الولد إذا عقييد وخلق ونفييخ فيييه
الروح كان بمنزلة تحبب الثمر وتسنبله؛ لنه سمي باسم تشترك فيه كل حاملة وهو اللقاح ،وعليه
جاء الحديث (نهى النبي صلى ال عليه وسلم عن بيع الحب حتى يشتد) .قال ابن عبدالبر :البار
عند أهل العلم في النخل التلقيح ،وهو أن يؤخذ شيء من طلع [ذكور] النخل فيدخل بين ظهراني
طلع الناث .ومعنيى ذلك فيي سيائر الثمار طلوع الثمرة مين التيين وغيره حتيى تكون الثمرة مرئيية
منظورا إليها .والمعتبر عند مالك وأصحابه فيما يذكر من الثمار التذكير ،وفيما ل يذكر أن يثبت
مين نواره ميا يثبيت ويسيقط ميا يسيقط .وحيد ذلك فيي الزرع ظهوره مين الرض؛ قاله مالك .وقيد
روي عنيه أن إباره أن يحبيب .ولم يختلف العلماء أن الحائط إذا انشيق طلع إناثيه فأخير إباره وقيد
أبر غيره ممن حال مثل حاله ،أن حكمه حكم ما أبر؛ لنه قد جاء عليه وقت البار وثمرته ظاهرة
بعد تغيبها في الحب .فإن أبر بعض الحائط كان ما لم يؤبر تبعا له .كما أن الحائط إذا بدا صلحه
كان سائر الحائط تبعا لذلك الصلح في جواز بيعه.
@ روى الئمة كلهم عن ابن عمر قال :سمعت رسول ال صلى ال عليه وسلم يقول( :من ابتاع
نخل بعيد أن تؤبر فثمرتهيا للذي باعهيا إل أن يشترط المبتاع .ومين ابتاع عبدا فماله للذي باعيه إل
أن يشترطيه المبتاع) .قال علماؤنيا :إنميا لم يدخيل الثمير المؤبر ميع الصيول فيي البييع إل بالشرط؛
لنه عين موجودة يحاط بها أمن سقوطها غالبا .بخلف التي لم تؤبر؛ إذ ليس سقوطها مأمونا فلم
يتحقيق لهيا وجود ،فلم يجيز للبائع اشتراطهيا ول اسيتثناؤها؛ لنهيا كالجنيين .وهذا هيو المشهور مين
مذهب مالك .وقيل :يجوز استثناؤها؛ هو قول الشافعي.
لو اشتري النخيل وبقيي الثمير للبائع جاز لمشتري الصيل شراء الثمرة قبيل طيبهيا على مشهور
قول مالك ،ويرى لهييا حكييم التبعييية وإن أفردت بالعقييد .وعنييه فييي رواييية :ل يجوز .وبذلك قال
الشافعي وأبو حنيفة والثوري وأهل الظاهر وفقهاء الحديث .وهو الظهر من أحاديث النهي عن
بيع الثمرة قبل بدو صلحها.
@ ومميا يتعلق بهذا الباب النهيي عين بييع الملقيح؛ والملقيح الفحول مين البيل ،الواحيد ملقيح.
والملقيح أيضيا الناث التيي فيي بطونهيا أولدهيا ،الواحدة ملقحية (بفتيح القاف) .والملقييح ميا فيي
بطون النوق مين الجنية ،الواحدة ملقوحية؛ مين قولهيم :لقحيت؛ كالمحموم مين حيم ،والمجنون مين
جن .وفي هذا جاء النهي .وقد روي عن النبي صلى ال عليه وسلم :أنه (نهى عن المجر وهو بيع
ميا فيي بطون الناث .ونهيى عين المضاميين والملقييح) .قال أبيو عبييد :المضاميين ميا فيي البطون،
وهي الجنة .والملقيح ما في أصلب الفحول .وهو قول سعيد بن المسيب وغيره .وقيل بالعكس:
إن المضامين ما في ظهور الجمال ،والملقيح ما في بطون الناث .وهو قول ابن حبيب وغيره.
وأي المريين كان ،فعلماء المسيلمين مجمعون على أن ذلك ل يجوز .وذكير المزنيي عن ابين هشام
شاهدا بأن الملقيح ما في البطون لبعض العراب:
تنتج ما تلقح بعد أزمن منيتي ملقحا في البطن
وذكر الجوهري على ذلك شاهدا قول الراجز:
خيرا من التنان والمسائل إنا وجدنا طرد الهوامل
ملقوحة في بطن ناب حامل وعدة العام وعام قابل
@قوله تعالى" :وأنزلنيا من السماء" أي من السحاب .وكل ما علك فأظلك يسمى سماء .وقيل:
مين جهة السماء" .ماء" أي قطرا" .فأسقيناكموه" أي جعلنا ذلك المطير لسقياكم ولشرب مواشيكيم
وأرضكيم .وقييل :سيقى وأسيقى بمعنيى .وقييل بالفرق ،وقيد تقدم" .وميا أنتيم له بخازنيين" أي ليسيت
خزائنيه عندكيم؛ أي نحين الخازنون لهذا الماء ننزله إذا شئنيا ونمسيكه إذا شئنيا .ومثله "وأنزلنيا مين
السماء ماء طهورا" [الفرقان" ،]48 :وأنزلنا من السماء ماء بقدر فأسكناه في الرض وإنا على
ذهاب به لقادرون" [المؤمنون .]18 :وقال سفيان :لستم بمانعين المطر.
**3الية{ 23 :وإنا لنحن نحيي ونميت ونحن الوارثون}
@ أي الرض ومن عليها ،ول يبقى شيء سوانا .نظيره "إنا نحن نرث الرض ومن عليها وإلينا
يرجعون" [مرييم .]40 :فملك كيل شييء ل تعالى .ولكين ملك عباده أملكيا فإذا ماتوا انقطعيت
الدعاوى ،فكان ال وارثيا مين هذا الوجيه .وقييل :الحياء فيي هذه اليية إحياء النطفية فيي الرحام.
فأما البعث فقد ذكره بعد هذا في قوله" :وإن ربك هو يحشرهم" [الحجر.]25 :
**3الية{ 24 :ولقد علمنا المستقدمين منكم ولقد علمنا المستأخرين}
@قوله تعالى" :ولقييد علمنييا المسييتقدمين منكييم ولقييد علمنييا المسييتأخرين" فيييه ثمان تأويلت:
"المسيتقدمين" فيي الخلق إلى اليوم ،و"المسيتأخرين" الذيين لم يخلقوا بعيد؛ قاله قتادة وعكرمية
وغيرهميا .الثانيي " -المسيتقدمين" الموات ،و"المسيتأخرين" الحياء؛ قاله ابين عباس والضحاك.
الثالث" :المسيتقدمين" مين تقدم أمية محميد ،و"المسيتأخرين" أمية محميد صيلى ال علييه وسيلم؛ قاله
مجاهيد .الرابيع " -المسيتقدمين" فيي الطاعية والخيير ،و"المسيتأخرين" فيي المعصيية والشير؛ قاله
الحسين وقتادة أيضيا .الخاميس " -المسيتقدمين" فيي صيفوف الحرب ،و"المسيتأخرين" فيهيا؛ قاله
سيعيد بين المسييب .السيادس" :المسيتقدمين" مين قتيل فيي الجهاد ،و"المسيتأخرين" مين لم يقتيل ،قاله
القرظيي .السيابع" :المسيتقدمين" أول الخلق ،و"المسيتأخرين" آخير الخلق ،قال الشعيبي .الثامين:
"المستقدمين" في صفوف الصلة ،و"المستأخرين" فيها بسبب النساء .وكل هذا معلوم ال تعالى؛
فإنه عالم بكل موجود ومعدوم ،وعالم بمن خلق وما هو خالقه إلى يوم القيامة .إل أن القول الثامن
هيو سيبب نزول اليية؛ لميا رواه النسيائي والترمذي عين أبيي الجوزاء عين ابين عباس قال" :كانيت
امرأة تصيلي خلف رسيول ال صيلى ال علييه وسيلم حسيناء مين أحسين الناس ،فكان بعيض القوم
يتقدم حتى يكون في الصف الول لئل يراها ،ويتأخر بعضهم حتى يكون في الصف المؤخر ،فإذا
ركييع نظيير ميين تحييت إبطييه ،فأنزل ال عييز وجييل "ولقييد علمنييا المسييتقدمين منكييم ولقييد علمنييا
المستأخرين" .وروي عن أبي الجوزاء ولم يذكر ابن عباس .وهو أصح.
@ هذا يدل على فضيل أول الوقيت فيي الصيلة وعلى فضيل الصيف الول؛ قال النيبي صيلى ال
عليييه وسييلم( :لو يعلم الناس مييا فييي النداء والصييف الول ثييم لم يجدوا إل أن يسييتهموا عليييه
لسيتهموا) .فإذا جاء الرجيل عنيد الزوال فنزل فيي الصيف الول مجاور المام ،حاز ثلث مراتيب
فيي الفضيل :أول الوقيت ،والصيف الول ،ومجاورة المام .فإن جاء عنيد الزوال فنزل فيي الصيف
الخيير أو فيمييا نزل عيين الصييف الول ،فقييد حاز فضييل أول الوقييت وفاتييه فضييل الصييف الول
والمجاورة .فإن جاء وقيت الزوال ونزل فيي الصيف الول دون ميا يلي المام فقيد حاز فضيل أول
الوقيت وفضيل الصيف الول ،وفاتيه مجاورة المام .فإن جاء بعيد الزوال ونزل فيي الصيف الول
فقيد فاتيه فضيلة أول الوقيت ،وحاز فضيلة الصيف الول ومجاورة المام .وهكذا .ومجاورة المام
ل تكون لكيل أحيد ،وإنميا هيي كميا قال صيلى ال علييه وسيلم( :ليلنيي منكيم أولو الحلم والنهيى)
الحدييث .فيميا يلي المام ينبغيي أن يكون لمين كانيت هذه صيفته ،فإن نزلهيا غيره أخير وتقدم وهيو
إلى الموضع؛ لنه حقه بأمر صاحب الشرع ،كالمحراب هو موضع المام تقدم أو تأخر؛ قاله ابن
العربي.
قلت :وعليه يحمل قول عمر رضيي ال عنه :تأخير يا فلن ،تقدم يا فلن؛ ثم يتقدم فيكبر .وقد
روي عن كعب أن الرجل من هذه المة ليخر ساجدا فيغفر لمن خلفه .وكان كعب يتوخى الصف
المؤخيير ميين المسييجد رجاء ذلك ،ويذكيير أنييه وجده كذلك فييي التوراة .ذكره الترمذي الحكيييم فييي
نوادر الصول .وسيأتي في سورة "الصافات" زيادة بيان لهذا الباب إن شاء ال تعالى.
@ وكما تدل هذه الية على فضل الصف الول في الصلة ،فكذلك تدل على فضل الصف الول
فيي القتال؛ فإن القيام فيي نحير العدو ،وبييع العبيد نفسيه مين ال تعالى ل يوازييه عميل؛ فالتقدم إلييه
أفضيل ،ول خلف فييه ول خفاء بيه .ولم يكين أحيد يتقدم فيي الحرب بيين يدي رسيول ال صيلى ال
عليه وسلم ،لنه كان أشجع الناس .قال البراء :كنا وال إذا احمر البأس نتقي به ،وإن الشجاع منا
للذي يحاذي به ،يعني النبي صلى ال عليه وسلم.
**3الية{ 25 :وإن ربك هو يحشرهم إنه حكيم عليم}
@قوله تعالى" :وإن ربك هو يحشرهم" أي للحساب والجزاء" .إنه حكيم عليم" تقدم.
**3الية{ 26 :ولقد خلقنا النسان من صلصال من حمأ مسنون}
@قوله تعالى" :ولقيد خلقنيا النسيان" يعنيي آدم علييه السيلم" .مين صيلصال" أي مين طيين يابيس؛
عن ابن عباس وغيره .والصلصال :الطين الحر خلط بالرمل فصار يتصلصل إذا جف ،فإذا طبخ
بالنار فهو الفخار؛ عن أبي عبيدة .وهو قول أكثر المفسرين .وأنشد أهل اللغة:
كعدو المصلصل الجوال
وقال مجاهيد :هيو الطيين المنتين؛ واختاره الكسيائي .قال :وهيو مين قول العرب :صيل اللحيم وأصيل
إذا أنتن -مطبوخا كان أو نيئا -يصل صلول .قال الحطيئة:
ل يفسد اللحم لديه الصلول ذاك فتى يبذل ذا قدره
وطيين صيلل ومصيلل؛ أي يصيوت إذا نقرتيه كميا يصيوت الحدييد .فكان أول ترابيا ،أي متفرق
الجزاء ثيم بيل فصيار طينيا؛ ثيم ترك حتيى أنتين فصيار حميأ مسينونا؛ أي متغيرا ،ثيم يبيس فصيار
صيلصال؛ على قول الجمهور .وقيد مضيى فيي "البقرة" بيان هذا .والحميأ :الطيين السيود ،وكذلك
الحمأة بالتسيكين؛ تقول منيه :حمئت البئر حميأ (بالتسيكين) إذا نزعيت حمأتهيا .وحمئت البئر حميأ
(بالتحرييك) كثرت حمأتهيا .وأحماتهيا إحماء ألقييت الحمأة؛ عين ابين السيكيت .وقال أبيو عيبيدة:
الحمأة (بسيكون المييم) مثيل الكمأة .والجميع حميء ،مثيل تمرة وتمير .والحميأ المصيدر ،مثيل الهلع
والجزع ،ثييم سييمي بييه .والمسيينون المتغييير .قال ابيين عباس( :هييو التراب المبتييل المنتيين ،فجعييل
صيلصال كالفخار) .ومثله قول مجاهيد وقتادة ،قال :المنتين المتغيير؛ مين قولهيم :قيد أسين الماء إذا
تغيير؛ ومنيه "يتسينه" [البقرة ]259 :و"ماء غيير آسين" [محميد .]15 :ومنيه قول أبيي قييس بين
السلت:
كالمسك فت على ماء العناقيد سقت صداي رضابا غير ذي أسن
وقال الفراء :هو المتغير ،وأصله من قولهم :سننت الحجر على الحجير إذا حككته به .وما يخرج
من الحجرين يقال له السنانة والسنين؛ ومنه المسن .قال الشاعر:
تمشي في مرمر مسنون ثم خاصرتها إلى القبة الحمراء
أي محكول مملس .حكيي أن يزييد بين معاويية قال لبييه :أل ترى عبدالرحمين بين حسيان يشبيب
بابنتك .فقال معاوية :وما قال؟ فقال قال:
ميزت من جوهر مكنون هي زهراء مثل لؤلوة الغواص
فقال معاوية :صدق! فقال يزيد[ :إنه يقول]:
في سناء من المكارم دون وإذا ما نسبتها لم تجدها
فقال :صدق! فقال :أين قوله :ثم خاصرتها ...البيت .فقال معاوية :كذب .وقال أبو عبيدة :المسنون
المصييبوب ،وهييو ميين قول العرب :سييننت الماء وغيره على الوجييه إذا صييببته .والسيين الصييب.
وروى علي بن أبيي طلحية عن ابين عباس قال( :المسنون الرطيب)؛ وهذا بمعنيى المصبوب؛ لنه
ل يكون مصيبوبا إل وهيو رطيب .النحاس :وهذا قول حسين؛ لنيه يقال :سيننت الشييء أي صيببته.
قال أبو عمرو بن العلء :ومنه الثر المروي عن عمر أنه كان يسن الماء على وجهه ول يشنه.
والشين (بالشيين) تفرييق الماء ،وبالسيين المهملة صيبه مين غيير تفرييق .وقال سييبويه :المسينون
المصور .أخذ من سنة الوجه وهو صورته .وقال ذو الرمة:
ملساء ليس لها خال ول ندب تريك سنة وجه مفرقة
وقال الخفش :المسنون .المنصوب القائم؛ من قولهم :وجه مسنون إذا كان فيه طول .وقد قيل :إن
الصيلصال للتراب المدقيق؛ حكاه المهدوي .ومين قال :إن الصيلصال هيو المنتين فأصيله صيلل،
فأبدل مين إحدى اللميين" .مين حميأ" مفسير لجنيس الصيلصال؛ كقولك :أخذت هذا مين رجيل مين
العرب.
**3الية{ 27 :والجان خلقناه من قبل من نار السموم}
@قوله تعالى" :والجان خلقناه من قبل" أي من قبل خلق آدم .وقال الحسن :يعني إبليس ،خلقه ال
تعالى قبيل آدم علييه السيلم .وسيمي جانيا لتوارييه عين العيين .وفيي صيحيح مسيلم مين حدييث ثابيت
عن أنس أن رسول ال صلى ال عليه وسلم قال( :لما صور ال تعالى آدم عليه السلم في الجنة
تركه ما شاء ال أن يتركه فجعل إبليس يطيف به ينظر ما هو فلما رآه أجوف عرف أنه خلق خلقا
ل يمالك)" .مين نار السيموم" قال ابين مسيعود( :نار السيموم التيي خلق ال منهيا الجان جزء مين
سيبعين جزءا مين نار جهنيم) .وقال ابين عباس( :السيموم الرييح الحارة التيي تقتيل) .وعنيه (أنهيا نار
ل دخان لهيا) ،والصيواعق تكون منهيا ،وهيي نار تكون بيين السيماء والحجاب .فإذا أحدث ال أمرا
اخترقييت الحجاب فهوت الصيياعقة إلى مييا أمرت .فالهدة التييي تسييمعون خرق ذلك الحجاب .وقال
الحسين :نار السيموم نار دونهيا حجاب ،والذي تسيمعون مين انغطاط السيحاب صيوتها .وعين ابين
عباس أيضا قال( :كان إبليس من حي من أحياء الملئكة يقال لهم الجن خلقوا من نار السموم من
بين الملئكة -قال : -وخلقت الجن الذين ذكروا في القرآن من مارج من نار.
قلت :هذا فيه نظر؛ فإنه يحتاج إلى سند يقطع العذر؛ إذ مثله ل يقال من جهة الرأي .وقد خرج
مسيلم من حديث عروة عن عائشية قال رسول ال صيلى ال علييه وسيلم( :خلقت الملئكية من نور
وخلق الجان ميين مارج ميين نار وخلق آدم ممييا وصييف لكييم) .فقوله( :خلقييت الملئكيية ميين نور)
يقتضيييي العموم .وال أعلم .وقال الجوهري :مارج مييين نار نار ل دخان لهيييا خلق منهيييا الجان.
والسموم الريح الحارة تؤنث؛ يقال منه :سم يومنا فهو يوم مسموم ،والجمع سمائم .قال أبو عبيدة:
(السيموم بالنهار وقيد تكون باللييل ،والحرور باللييل وقيد تكون بالنهار) .القشيري :وسيميت الرييح
الحارة سموما لدخولها في مسام البدن.
**3اليتان{ 29 - 28 :وإذ قال ربك للملئكة إني خالق بشرا من صلصال من حمأ مسنون،
فإذا سويته ونفخت فيه من روحي فقعوا له ساجدين}
@قوله تعالى" :وإذ قال ربيك للملئكية" تقدم فيي "البقرة"" .إنيي خالق بشرا مين صيلصال" مين
طيين "فإذا سيويته" أي سيويت خلقيه وصيورته" .ونفخيت فييه مين روحيي" النفيخ إجراء الرييح فيي
الشيء .والروح جسم لطيف ،أجرى ال العادة بأن يخلق الحياة فيي البدن مع ذلك الجسم .وحقيقته
إضافية خلق إلى خالق؛ فالروح خلق مين خلقيه أضافيه إلى نفسيه تشريفيا وتكريميا؛ كقوله( :أرضيي
وسمائي وبيتي وناقة ال وشهر ال) .ومثله "وروح منه" وقد تقدم في "النساء" مبينا .وذكرنا في
كتاب (التذكرة) الحاديييث الواردة التييي تدل على أن الروح جسييم لطيييف ،وأن النفييس والروح
اسمان لمسمى واحد .وسيأتي ذلك إن شاء ال .ومن قال إن الروح هو الحياة قال أراد :فإذا ركبت
فييه الحياة" .فقعوا له سياجدين" أي خروا له سياجدين .وهيو سيجود تحيية وتكرييم ل سيجود عبادة.
ول أن يفضيل مين يرييد؛ ففضيل النيبياء على الملئكية .وقيد تقدم فيي "البقرة" هذا المعنيى .وقال
القفال :كانوا أفضييل ميين آدم ،وامتحنهييم بالسييجود له تعريضييا لهييم للثواب الجزيييل .وهييو مذهييب
المعتزلة .وقيل :أمروا بالسجود ل عند آدم ،وكان آدم قبلة لهم.
**3اليتان{ 31 - 30 :فسجد الملئكة كلهم أجمعون ،إل إبليس أبى أن يكون مع الساجدين}
@قوله تعالى "فسجد الملئكة كلهم أجمعون .إل إبليس" فيه مسألتان :الولى :ل شك أن إبليس
كان مأمورا بالسجود؛ لقول" :ما منعك أل تسجد إذ أمرتك" [العراف ]12 :وإنما منعه من ذلك
السيتكبار والسيتعظام؛ كميا تقدم فيي "البقرة" بيانيه .ثيم قييل :كان مين الملئكية؛ فهيو اسيتثناء مين
الجنيس .وقال قوم :لم يكين مين الملئكية؛ فهيو اسيتثناء منقطيع .وقيد مضيى فيي "البقرة" هذا كله
مستوفى .وقال ابن عباس :الجان أبو الجن وليسوا شياطين .والشياطين ولد إبليس؛ ل يموتون إل
مع إبليس .والجن يموتون ،ومنهم المؤمن ومنهم الكافر .فآدم أبو النس .والجان أبو الجن .وإبليس
أبو الشياطين؛ ذكره الماوردي .والذي تقدم في "البقرة" خلف هذا ،فتأمله هناك.
الثانية :الستثناء من الجنس غير الجنس صحيح عند الشافعي ،حتى لو قال :لفلن علي دينار إل
ثوبا ،أو عشرة أثواب إل قفيز حنطة ،وما جانس ذلك كان مقبول ،ول يسقط عنه من المبلغ قيمة
الثوب والحنطيية .ويسييتوي فييي ذلك المكيلت والموزونات والمقدرات .وقال مالك وأبييو حنيفيية
رضييي ال عنهمييا :اسييتثناء المكيييل ميين الموزون والموزون ميين المكيييل جائز ،حتييى لو اسييتثنى
الدراهييم ميين الحنطيية والحنطيية ميين الدراهييم قبييل .فأمييا إذا اسييتثنى المقومات ميين المكيلت أو
الموزونات ،والمكيلت من المقومات ،مثل أن يقول :علي عشرة دنانير إل ثوبا ،أو عشرة أثواب
إل دينارا ل يصح الستثناء ،ويلزم المقر جميع المبلغ .وقال محمد بن الحسن :الستثناء من غير
الجنس ل يصح ،ويلزم المقر جملة ما أقر به .والدليل لقول الشافعي أن لفظ الستثناء يستعمل في
الجنيس وغيير الجنيس؛ قال ال تعالى" :ل يسيمعون فيهييا لغوا ول تأثيميا .إل قيل سيلما سيلما"
[الواقعة ]26 - 25 :فاستثنى السلم من جملة اللغو .ومثله "فسجد الملئكة كلهم أجمعون .إل
إبليس" وإبليس من جملة الملئكة؛ قال ال تعالى" :إل إبليس كان من الجن ففسق عن أمر ربه"
[الكهف ]50 :وقال الشاعر:
إل اليعافير وإل العيس وبلدة ليس بها أنيس
فاستثنى اليعافير وهي ذكور الظباء ،والعيس وهي الجمال البيض من النيس؛ ومثله قول النابغة:
ول علم إل حسن ظن بصاحب] (دار الحديث) [حلفت يمينا غير ذي مثنوية
**3اليات{ 35 - 32 :قال يا إبلييس ميا لك أل تكون مع السياجدين ،قال لم أكن لسيجد لبشير
خلقتيه مين صيلصال مين حميأ مسينون ،قال فاخرج منهيا فإنيك رجييم ،وإن علييك اللعنية إلى يوم
الدين}
@قوله تعالى" :قال يا إبليس ما لك" أي ما المانع لك" .أل تكون مع الساجدين" أي في أل تكون.
"قال لم أكن لسجد لبشر خلقته من صلصال من حمأ مسنون" بين تكبره وحسده ،وأنه خير منه،
إذ هيو ميين نار والنار تأكييل الطييين؛ كمييا تقدم فييي "العراف" بيانييه" .قال فاخرج منهييا" أي ميين
السيماوات ،أو مين جنية عدن ،أو مين جملة الملئكية" .فإنيك رجييم" أي مرجوم بالشهيب .وقييل:
ملعون مشؤوم .وقد تقدم هذا كله مستوفى في البقرة والعراف" .وإن عليك اللعنة إلى يوم الدين"
أي لعنتي ،كما في سورة "ص".
**3اليات{ 38 - 36 :قال رب فأنظرني إلى يوم يبعثون ،قال فإنك من المنظرين ،إلى يوم
الوقت المعلوم}
@قوله تعالى" :قال رب فأنظرنيي إلى يوم يبعثون" هذا السؤال من إبلييس لم يكين عن ثقته منيه
بمنزلتيه عنيد ال تعالى ،وأنيه أهيل أن يجاب له دعاء؛ ولكين سيأل تأخيير عذابيه زيادة فيي بلئه؛
كفعيل الييس مين السيلمة .وأراد بسيؤاله النظار إلى يوم يبعثون :أجل يموت؛ لن يوم البعيث ل
موت فييه ول بعده .قال ال تعالى" :فإنيك مين المنظريين" يعنيي مين المؤجليين" .إلى يوم الوقيت
المعلوم" قال ابين عباس( :أراد بيه النفخية الولى) ،أي حيين تموت الخلئق .وقييل :الوقيت المعلوم
الذي استأثر ال بعلمه ،ويجهله إبليس .فيموت إبليس ثم يبعث؛ قال ال تعالى" :كل من عليها فان"
[الرحمن .]26 :وفي كلم ال تعالى له قولن :أحدهما :كلمه على لسان رسوله.
الثاني :كلمه تغليظا في الوعيد ل على وجه التكرمة والتقريب.
**3الية{ 39 :قال رب بما أغويتني لزينن لهم في الرض ولغوينهم أجمعين}
@قوله تعالى" :قال رب بميا أغويتنيي لزينين لهيم فيي الرض" تقدم معنيى الغواء والزينية فيي
العراف .وتزيينيه هنيا يكون بوجهيين :إميا بفعيل المعاصيي ،وإميا بشغلهيم بزينية الدنييا عين فعيل
الطاعية .ومعنيى" :ولغوينهيم أجمعيين" أي لضلنهيم عين طرييق الهدى .وروى ابين لهيعية عبدال
عين دراج أبيي السيمح عين أبيي الهيثيم عين أبيي سيعيد الخدري قال قال رسيول ال صيلى ال علييه
وسييلم( :إن إبليييس قال يييا رب وعزتييك وجللك ل أزال أغوي بنييي آدم مييا دامييت أرواحهييم فييي
أجسامهم فقال الرب وعزتي وجللي ل أزال أغفر لهم ما استغفروني).
**3الية{ 40 :إل عبادك منهم المخلصين}
@قرأ أهل المدينة وأهل الكوفة بفتح اللم؛ أي الذين استخلصتهم وأخلصتهم .وقرأ الباقون بكسر
اللم؛ أي الذين أخلصوا لك العبادة من فساد أو رياء .حكى أبو ثمامة أن الحواريين سألوا عيسى
عليه السلم عن المخلصين ل فقال( :الذي يعمل ول يحب أن يحمده الناس).
**3الية{ 41 :قال هذا صراط علي مستقيم}
@قال عمير بين الخطاب :معناه هذا صيراط يسيتقيم بصياحبه حتيى يهجيم بيه على الجنية .الحسين:
"علي" بمعنى إلي .مجاهد والكسائي :هذا على الوعيد والتهديد؛ كقولك لمن تهدده :طريقك علي
ومصييرك إلي .وكقوله" :إن ربيك لبالمرصياد" [الفجير .]14 :فكان معنيى الكلم :هذا طرييق
مرجعيه إلي فأجازي كل بعمله ،يعنيي طرييق العبوديية .وقييل :المعنيى علي أن أدل على الصيراط
المسيتقيم بالبيان والبرهان .وقييل :بالتوفييق والهدايية .وقرأ ابين سييربن وقتادة والحسين وقييس بين
عباد وأبيو رجاء وحمييد ويعقوب "هذا صيراط علي مسيتقيم" برفيع "علي" وتنوينيه؛ ومعناه رفييع
مستقيم ،أي رفيع في الدين والحق .وقيل :رفيع أن ينال ،مستقيم أن يمال.
**3الية{ 42 :إن عبادي ليس لك عليهم سلطان إل من اتبعك من الغاوين}
@قوله تعالى" :إن عبادي لييس لك عليهيم سيلطان" قال العلماء :يعنيي على قلوبهيم .وقال ابين
عيينة :أي في أن يلقيهم في ذنب يمنعهم عفوي ويضيقه عليهم .وهؤلء الذين هداهم ال واجتباهم
واختارهم واصطفاهم.
قلت :لعييل قائل يقول :قييد أخييبر ال عيين صييفة آدم وحواء عليهمييا السييلم بقوله" :فأزلهمييا
الشيطان" [البقرة ،]36 :وعين جملة مين أصيحاب نيبيه بقوله" :إنميا اسيتزلهم الشيطان ببعيض ميا
كسبوا" [آل عمران ]155 :فالجواب ما ذكر ،وهو أنه ليس له سلطان على قلوبهم ،ول موضع
إيمانهييم ،ول يلقيهييم فييي ذنييب يؤول إلى عدم القبول ،بييل تزيله التوبيية وتمحوه الوبيية .ولم يكيين
خروج آدم عقوبية لميا تناول؛ على ميا تقدم فيي "البقرة" بيانيه .وأميا أصيحاب النيبي صيلى ال علييه
وسيلم فقد مضيى القول عنهيم فيي آل عمران .ثيم إن قوله سيبحانه" :لييس لك عليهيم سيلطان" يحتميل
أن يكون خاصيا فيمين حفظيه ال ،ويحتميل أن يكون فيي أكثير الوقات والحوال ،وقيد يكون فيي
تسيلطه تفرييج كربية وإزالة غمية؛ كميا فعيل ببلل ،إذ أتاه يهدييه كميا يهدي الصيبي حتيى نام ،ونام
النبي صلى ال عليه وسلم وأصحابه فلم يستيقظوا حتى طلعت الشمس ،وفزعوا وقالوا :ما كفارة
ما صنعنا بتفريطنا في صلتنا؟ فقال لهم النبي صلى ال عليه وسلم( :ليس في النوم تفريط) ففرج
عنهيم" .إل مين اتبعيك مين الغاويين" أي الضاليين المشركيين .أي سيلطانه على هؤلء؛ دليله "إنميا
سلطانه على الذين يتولونه والذين هم به مشركون" [النحل.]100 :
وهذه اليية والتيي قبلهيا دلييل على جواز اسيتثناء القلييل مين الكثيير والكثيير مين القلييل؛ مثيل أن
يقول :عشرة إل درهميا .أو يقول :عشرة إل تسيعة .وقال أحميد بين حنبيل :ل يجوز أن يسيتثنى إل
قدر النصييف فمييا دونيه .وأميا اسيتثناء الكثيير ميين الجملة فل يصييح .ودليلنييا هذه الييية ،فإن فيهيا
اسييتثتاء "الغاوييين" ميين العباد والعباد مين الغاوييين ،وذلك يدل على أن اسييتثناء القييل ميين الجملة
واستثناء الكثر من الجملة جائز.
**3اليتان{ 44 - 43 :وإن جهنيم لموعدهيم أجمعيين ،لهيا سيبعة أبواب لكيل باب منهيم جزء
مقسوم}
@قوله تعالى" :وإن جهنيم لموعدهيم أجمعيين" يعنيي إبلييس ومين اتبعيه" .لهيا سيبعة أبواب" أي
أطباق ،طبيق فوق طبيق "لكيل باب منهيم" أي لكيل طبقية "منهيم جزء مقسيوم" أي حيظ معلوم .ذكير
ابن المبارك قال :أخبرنا إبراهيم أبو هارون الغنوي قال :سمعت حطان بن عبدال الرقاشي يقول
سمعت عليا رضي ال عنه يقول :هل تدرون كيف أبواب جهنم؟ قلنا :هي مثل أبوابنا .قال ل ،هي
هكذا بعضهيا فوق بعيض - ،زاد الثعلبيي :ووضيع إحدى يدييه على الخرى :وأن ال وضيع الجنان
على الرض ،والنيران بعضها فوق بعض ،فأسفلها جهنم ،وفوقها الحطمة ،وفوقها سقر ،وفوقها
الجحييم ،وفوقهيا لظيى ،وفوقهيا السيعير ،وفوقهيا الهاويية ،وكيل باب أشيد حرا مين الذي يلييه سيبعين
مرة.
قلت :كذا وقييع هذا التفسييير .والذي عليييه الكثيير ميين العلماء أن جهنييم أعلى الدركات ،وهييي
مختصية بالعصياة مين أمية محميد صيلى ال علييه وسيلم ،وهيي التيي تخلى مين أهلهيا فتصيفق الرياح
أبوابها .ثم لظى ،ثم الحطمة ،ثم سعير ،ثم سقر ،ثم الجحيم ،ثم الهاوية .قال الضحاك :في الدرك
العلى المحمديون ،وفييي الثانييي النصييارى ،وفييي الثالث اليهود ،وفييي الرابييع الصييابئون ،وفييي
الخامس المجوس ،وفي السادس مشركو العرب ،وفي السابع المنافقون وآل فرعون ومن كفر من
أهل المائدة .قال ال تعالى" :إن المنافقين في الدرك السفل من النار" [النساء - ]145 :وقد تقدم
في النساء ، -وقال" :أدخلوا آل فرعون أشد العذاب" [غافر .]46:وقسم معاذ بن جبل رضي ال
عنييه العلماء السييوء ميين هذه الميية تقسيييما على تلك البواب؛ ذكرناه فييي كتاب (التذكرة) وروى
الترمذي مين حدييث ابين عمير قال :قال رسيول ال صيلى ال علييه وسيلم( :لجهنيم سيبعة أبواب باب
منها لمن سل سيفه على أمتي) قال :حديث غريب.
وقال أبي بن كعب( :لجهنم سبعة أبواب باب منها للحرورية .وقال وهب بن منبه :بين كل بابين
مسيرة سبعين سنة ،كل باب أشد حرا من الذي فوقه بسبعين ضعفا ،وقد ذكرنا هذا كله في كتاب
التذكرة .وروى سلم الطويل عن أبي سفيان عن أنس بن مالك عن النبي صلى ال عليه وسلم في
قوله ال تعالى" :لها سبعة أبواب لكل باب منهم جزء مقسوم" جزء أشركوا بال ،وجزء شكوا في
ال ،وجزء غفلوا عن ال ،وجزء آثروا شهواتهم على ال ،وجزء شفوا غيظهم بغضب ال ،وجزء
صيييروا رغبتهييم بحظهييم ميين ال ،وجزء عتوا على ال .ذكره الحليمييي أبييو عبدال الحسييين بيين
الحسن في كتاب (منهاج الدين) له ،وقال :فإن كان ثابتا فالمشركون بال هم الثنوية .والشاكون هم
الذين ل يدرون أن لهم إلها أو ل إله لهم ،ويشكون في شريعته أنها من عنده أم ل .والغافلون عن
ال هييم الذييين يجحدونييه أصييل ول يثبتونييه ،وهييم الدهرييية .والمؤثرون شهواتهييم على ال هييم
المنهمكون فييي المعاصييي؛ لتكذيبهييم رسييل ال وأمره ونهيييه .والشافون غيظهييم بغضييب ال هييم
القاتلون أنييبياء ال وسييائر الداعييين إليييه ،المعذبون ميين ينصييح لهييم أو يذهييب غييير مذهبهييم.
والمصيرون رغبتهم بحظهم من ال هم المنكرون بالبعث والحساب؛ فهم يعبدون ما يرغبون فيه،
لهيم جمييع حظهيم مين ال تعالى .والعاتون على ال الذيين ل يبالون بأن يكون ميا هيم فييه حقيا أو
باطل ،فل يتفكرون ول يعتبرون ول يستدلون .وال أعلم بما أراد رسوله صلى ال عليه وسلم إن
ثبت الحديث .ويروى أن سلمان الفارسي رضي ال عنه لما سمع هذه الية "وإن جهنم لموعدهم
أجمعيين" فير ثلثية أيام مين الخوف ل يعقيل ،فجييء بيه إلى رسيول ال صيلى ال علييه وسيلم فسيأله
فقال :ييا رسيول ال ،أنزلت هذه اليية "وإن جهنيم لموعدهيم أجمعيين"؟ فوالذي بعثيك بالحيق لقيد
قطعيت قلبيي؛ فأنزل ال تعالى "إن المتقيين فيي جنات وعيون" [الحجير .]45 :وقال بلل :كان
النيبي صيلى ال عليه وسيلم يصيلي فيي مسيجد المدينية وحده ،فمرت بيه امرأة أعرابيية فصيلت خلفه
ولم يعلم بها ،فقرأ رسول ال صلى ال عليه وسلم هذه الية "لها سبعة أبواب لكل باب منهم جزء
مقسوم" فخرت العرابية مغشيا عليها ،وسمع النبي صلى ال عليه وسلم وجبتها فانصرف ودعا
بماء فصيب على وجههيا حتيى أفاقيت وجلسيت ،فقال النيبي صيلى ال علييه وسيلم( :ييا هذه مالك)؟
فقالت :أهذا شييء مين كتاب ال المنزل ،أو تقوله مين تلقاء نفسيك؟ فقال( :ييا أعرابييه ،بيل هيو مين
كتاب ال تعالى المنزل) فقالت :كييل عضييو ميين أعضائي يعذب على كييل باب منهييا؟ قال( :يييا
أعرابيية ،بيل لكيل باب منهيم جزء مقسيوم يعذب أهيل كيل منهيا على قدر أعمالهيم) فقالت :وال إنيي
امرأة مسكينة ،ما لي مال ،وما لي إل سبعة أعبد ،أشهدك يا رسول ال ،أن كل عبد منهم عن كل
باب من أبواب جهنم حر لوجه ال تعالى :فأتاه جبريل فقال" .يا رسول ال ،بشر العرابية أن ال
قد حرم عليها أبواب جهنم كلها وفتح لها أبواب الجنة كلها).
**3اليتان{ 46 - 45 :إن المتقين في جنات وعيون ،ادخلوها بسلم آمنين}
@قوله تعالى" :إن المتقيين فيي جنات وعيون" أي الذيين اتقوا الفواحيش والشرك .و"فيي جنات"
أي بسياتين" .وعيون" هيي النهار الربعية :ماء وخمير ولبين وعسيل .وأميا العيون المذكورة فيي
سورة "النسان" :الكافور والزنجبيل والسلسبيل ،وفي "المطففين" :التسنيم ،فيأتي ذكرها وأهلها
إن شاء ال .وضم العين من "عيون" على الصل ،والكسر مراعاة للياء ،وقرئ بهما " -ادخلوها
بسيلم آمنيين" قراءة العامية "ادخلوهيا" بوصيل اللف وضيم الخاء ،مين دخيل يدخيل ،على المير.
تقديره :قييل ادخلوهيا .وقرأ الحسين وأبيو العاليية وروييس عين يعقوب "ادخلوهيا" بضيم التنويين
ووصيل اللف وكسير الخاء على الفعيل المجهول ،مين أدخيل .أي أدخلهيم ال إياهيا .ومذهبهيم كسير
التنوين في مثل "برحمة ادخلوا الجنة" [العراف ]49 :وشبهه؛ إل أنهم ههنا ألقوا حركة الهمزة
على التنوين؛ إذ هي ألف قطع ،ولكن فيه انتقال من كسر إلى ضم ثم من ضم إلى كسر فيثقل على
اللسيان" .بسيلم" أي بسيلمة مين كيل داء وآفية .وقييل :بتحيية مين ال لهيم" .آمنيين" أي مين الموت
والعذاب والعزل والزوال.
**3اليتان{ 48 - 47 :ونزعنا ما في صدورهم من غل إخوانا على سرر متقابلين ،ل يمسهم
فيها نصب وما هم منها بمخرجين}
@ قال ابن عباس :أول ما يدخل أهل الجنة الجنة تعرض لهم عينان ،فيشربون من إحدى العينين
فيذهب ال ما في قلوبهم من غل ،ثم يدخلون العين الخرى فيغتسلون فيها فتشرق ألوانهم وتصفو
وجههيم ،وتجري عليهيم نضرة النعييم؛ ونحوه عين علي رضيي ال عنيه .وقال علي بين الحسيين:
نزلت فيي أبيي بكير وعمير وعلي والصيحابة ،يعنيي ميا كان بينهيم فيي الجاهليية مين الغيل .والقول
الول أظهر ،يدل عليه سياق الية .وقال علي رضي ال عنه( :أرجو أن أكون أنا وطلحة والزبير
من هؤلء) .والغل :الحقد والعداوة؛ يقال منه :غل يغل .ويقال من الغلول وهو السرقة من المغنم:
غل يغل :ويقال من الخيانة :أغل يغل .كما قال:
جزاء مغل بالمانة كاذب جزى ال عنا حمزة بنة نوفل
وقيد مضيى هذا فيي آل عمران" .إخوانيا على سيرر متقابليين" أي ل ينظير بعضهيم إلى قفيا بعيض
تواصيل وتحاببيا؛ عين مجاهيد وغيره .وقييل :السيرة تدور كيفميا شاؤوا ،فل يرى أحيد قفيا أحيد.
وقييل" :متقابليين" قيد أقبلت عليهيم الزواج وأقبلوا عليهين بالود .وسيرر جميع سيرير .مثيل جدييد
وجدد .وقييل :هيو مين السيرور؛ فكأنيه مكان رفييع ممهيد للسيرور .والول أظهير .قال ابين عباس:
(على سيرر مكللة بالياقوت والزبرجيد والدر) ،السيرير ميا بيين صينعاء إلى الجابيية وميا بيين عدن
إلى أيلة" .وإخوانييا" نصييب على الحال ميين "المتقييين" أو ميين المضميير فييي "ادخلوهييا" ،أو ميين
المضمير فيي "آمنيين" ،أو يكون حال مقدرة مين الهاء والمييم فيي "صيدورهم"" .ل يمسيهم فيهيا
نصيب" أي إعياء وتعيب" .وميا هيم منهيا بمخرجيين" دلييل على أن نعييم الجنية دائم ل يزول ،وأن
أهلها فيها باقون .أكلها دائم؛ "إن هذا لرزقنا ما له من نفاد" [ص.]54 :
**3اليتان{ 50 - 49 :نبئ عبادي أني أنا الغفور الرحيم ،وأن عذابي هو العذاب الليم}
@ هذه الية وزان قوله عليه السلم( :لو يعلم المؤمن ما عند ال من العقوبة ما طمع بجنته أحد
ولو يعلم الكافير ميا عنيد ال مين الرحمية ميا قنيط مين رحمتيه أحيد) أخرجيه مسيلم مين حدييث أبيي
هريرة .وقد تقدم في الفاتحة .وهكذا ينبغي للنسان أن يذكر نفسه وغيره فيخوف ويرجى ،ويكون
الخوف فيي الصحة أغلب عليه منه في المرض .وجاء في الحديث أن النبي صلى ال عليه وسلم
خرج على الصحابة وهم يضحكون فقال( :أتضحكون وبين أيديكم الجنة والنار) فشيق ذلك عليهيم
فنزلت الية .ذكره الماوردي والمهدوي .ولفظ الثعلبي عن ابن عمر قال :اطلع علينا النبي صلى
ال عليه وسلم من الباب الذي يدخل منه بنو شيبة ونحن نضحك فقال( :مالكم تضحكون ل أراكم
تضحكون) ثيم أدبر حتيى إذا كان عنيد الحجير رجيع القهقري فقال لنيا( :إنيي لميا خرجيت جاءنيي
جبريل فقال يا محمد لم تقنط عبادي من رحمتي "نبئ عبادي أني أنا الغفور الرحيم .وأن عذابي
هو العذاب الليم" .فالقنوط إياس ،والرجاء إهمال ،وخير المور أوساطها.
**3اليات{ 54 - 51 :ونبئهيم عين ضييف إبراهييم ،إذ دخلوا علييه فقالوا سيلما قال إنيا منكيم
وجلون ،قالوا ل توجل إنا نبشرك بغلم عليم ،قال أبشرتموني على أن مسني الكبر فبم تبشرون}
@قوله تعالى" :ونبئهم عن ضيف إبراهيم" ضيف إبراهيم :الملئكة الذين بشروه بالولد وبهلك
قوم لوط .وقيد تقدم ذكرهيم .وكان إبراهييم علييه السيلم يكنيى أبيا الضيفان ،وكان لقصيره أربعية
أبواب لكيل يفوتيه أحيد .وسيمي الضييف ضيفيا لضافتيه إلييك ونزوله علييك .وقيد مضيى مين حكيم
الضييف فيي "هود" ميا يكفيي والحميد ل" .إذ دخلوا علييه" جميع الخيبر لن الضييف اسيم يصيلح
للواحيد والجميع والتثنيية والمذكير والمؤنيث كالمصيدر .ضافيه وأضافيه أماله؛ ومنيه الحدييث (حيين
تضيف الشمس للغروب) ،وضيفوفة السهم ،والضافة والنحوية" .فقالوا سلما" أي سلموا سلما.
"قال إنا منكم وجلون" أي فزعون خائفون ،وإنما قال هذا بعد أن قرب العجل ورآهم ل يأكلون،
على ميا تقدم فيي هود .وقييل :أنكير السيلم ولم يكين فيي بلدهيم رسيم السيلم" .قالوا ل توجيل" أي
قالت الملئكية ل تخيف" .إنيا نبشرك بغلم علييم" أي حلييم؛ قاله مقاتيل .وقال الجمهور :عالم .وهيو
إسييحاق" .قال أبشرتمونييي على أن مسييني الكييبر" "أن" مصييدرية؛ أي علي مييس الكييبر إياي
وزوجتي ،وقد تقدم في هود وإبراهيم ،حيث يقول" :فبم تبشرون" استفهام تعجب .وقيل :استفهام
حقيقييي .وقرأ الحسيين "توجييل" بضييم التاء .والعمييش "بشرتمونييي" بغييير ألف ،ونافييع وشيبيية
"تبشرون" بكسير النون والتخفييف؛ مثيل" ،أتحاجونيي" وقيد تقدم تعليله .وقرأ ابين كثيير وابين
محيصييين "تبشرون" بكسييير النون مشددة ،تقديره تبشروننيييي ،فأدغيييم النون فيييي النون .الباقون
"تبشرون" بنصب النون بغير إضافة.
**3الية{ 55 :قالوا بشرناك بالحق فل تكن من القانطين}
@قوله تعالى" :قالوا بشرناك بالحيق" أي بميا ل خلف فييه ،وأن الولد لبيد منيه" .فل تكين مين
القانطيين" أي مين اليسيين مين الولد ،وكان قيد أييس مين الولد لفرط الكيبر .وقراءة العامية "مين
القانطين" باللف .وقرأ العمش ويحيى بن وثاب "من القنطين" بل ألف .وروي عن أبي عمرو.
وهو مقصور من "القانطين" .ويجوز أن يكون من لغة من قال :قنط يقنط؛ مثل حذر يحذر .وفتح
النون وكسيرها مين "يقنيط" لغتان قرئ بهميا .وحكيى فييه "يقنيط" بالضيم .ولم يأت فييه "قنيط يقنيط"
[و] من فتح النون في الماضي والمستقبل فإنه جمع بين اللغتين ،فأخذ في الماضي بلغة من قال:
قنَط يقنِط ،وفي المستقبل بلغة من قال :قنِظ يقنَط؛ ذكره المهدوي.
**3الية{ 56 :قال ومن يقنط من رحمة ربه إل الضالون}
@أي المكذبون الذاهبون عين طرييق الصيواب .يعنيي أنيه اسيتبعد الولد لكيبر سينه ل أنيه قنيط مين
رحمة ال تعالى.
**3اليات{ 60 - 57 :قال فما خطبكم أيها المرسلون ،قالوا إنا أرسلنا إلى قوم مجرمين ،إل
آل لوط إنا لمنجوهم أجمعين ،إل امرأته قدرنا إنها لمن الغابرين}
@ لميا علم أنهيم ملئكية -إذ أخيبروه بأمير خارق للعادة وهيو بشراهيم بالولد -قال :فميا خطبكيم؟
والخطيب المير الخطييير .أي فمييا أمركيم وشأنكييم وميا الذي جئتييم بيه" .قالوا إنيا أرسيلنا إلى قوم
مجرمين" أي مشركين ضالين .وفي الكلم إضمار؛ أي أرسلنا إلى قوم مجرمين لنهلكهم" .إل آل
لوط" أتباعيه وأهيل دينيه" .إنيا لمنجوهيم" وقرأ حمزة والكسيائي "لم ْنجُوهيم" بالتخفييف مين أنجيى.
الباقون :بالتشديييد ميين نجييى ،واختاره أبييو عبيييد وأبييو حاتييم .والتنجييية والنجاء التخليييص" .إل
امرأته" استثنى من آل لوط امرأته وكانت كافرة فالتحقت بالمجرمين في الهلك .وقد تقدمت قصة
قوم لوط فيي "العراف" وسيورة "هود" بميا فييه كفايية" .قدرنيا إنهيا لمين الغابريين" أي قضينيا
وكتبنا إنها لمن الباقين في العذاب .والغابر :الباقي .قال:
إنك ل تدري من الناتج ل تكسع الشول بأغبارها
الغبار بقاييا اللبين .وقرأ أبيو بكير والمفضيل "قَدَرنيا" بالتخفييف هنيا وفيي النميل ،وشدد الباقون.
الهروي :يقال قدّر وقدَر ،بمعنى.
@ ل خلف بيين أهيل اللسيان وغيرهيم أن السيتثناء مين النفيي إثبات ومين الثبات نفيي؛ فإذا قال
رجيل :له علي عشرة دراهيم إل أربعية إل درهميا؛ ثبيت القرار بسيبعة؛ لن الدرهيم مسيتثنى مين
الربعة ،وهو مثبت لنه مستثنى من منفي ،وكانت الربعة منفية لنها مستثناة من موجب وهو
العشرة ،فعاد الدرهيم إلى السيتة فصيارت سيبعة .وكذلك لو قال :علي خمسية دراهيم إل درهيم إل
ثلثيييه؛ كان عليييه أربعيية دراهييم وثلث .وكذلك إذا قال :لفلن علي عشرة إل تسييعة إل ثمانييية إل
سييبعة؛ كان السييتثناء الثانييي راجعييا إلى مييا قبله ،والثالث إلى الثانييي فيكون عليييه درهمان؛ لن
العشرة إثبات والثمانية إثبات فيكون مجموعها ثمانية عشر .والتسعة نفي والسبعة نفي فيكون ستة
عشر تسقط من ثمانية عشر ويبقى درهمان ،وهو القدر الواجب بالقرار ل غير .فقوله سبحانه:
"إنا أرسلنا إلى قوم مجرمين .إل آل لوط إنا لمنجوهم أجمعين .إل امرأته" فاستثنى آل لوط من
القوم المجرمييين ،ثييم قال" :إل امرأتييه" فاسييتثناها ميين آل لوط ،فرجعييت فييي التأويييل إلى القوم
المجرمين كما بينا .وهكذا الحكم في الطلق ،لو قال لزوجته :أنت طالق ثلثا إل اثنتين إل واحدة
طلقت اثنتين؛ لن الواحدة رجعت إلى الباقي من المستثنى منه وهي الثلث .وكذا كل ما جاء من
هذا فتفهمه.
**3اليات{ 65 - 61 :فلما جاء آل لوط المرسلون ،قال إنكم قوم منكرون ،قالوا بل جئناك بما
كانوا فييه يمترون ،وأتيناك بالحيق وإنيا لصيادقون ،فأسير بأهلك بقطيع مين اللييل واتبيع أدبارهيم ول
يلتفت منكم أحد وامضوا حيث تؤمرون}
@قوله تعالى" :فلما جاء آل لوط المرسلون ،قال إنكم قوم منكرون" أي ل أعرفكم .وقيل :كانوا
شبابيا ورأى جمال فخاف عليهيم مين فتنية قوميه؛ فهذا هيو النكار" .قالوا بيل جئناك بميا كانوا فييه
يمترون" أي يشكون أنيه نازل بهيم ،وهيو العذاب" .وأتيناك بالحيق" أي بالصيدق .وقييل :بالعذاب.
"وإنا لصادقون" أي في هلكهم" .فأسر بأهلك بقطع من الليل" تقدم في "هود"" .واتبع أدبارهم"
أي كين مين ورائهيم لئل يتخلف منهيم أحيد فيناله العذاب" .ول يلتفيت منكيم أحيد" نهوا عين اللتفات
ليجدوا في السير ويتباعدوا عن القرية قبل أن يفاجئهم الصبح .وقيل :المعنى ل يتخلف" .وامضوا
حييث تؤمرون" قال ابين عباس (يعنيي الشام) .مقاتيل .يعنيي صيفد ،قريية مين قرى لوط .وقيد تقدم.
وقيييل :إنييه مضييى إلى أرض الخليييل بمكان يقال له اليقييين ،وإنمييا سييمي اليقييين لن إبراهيييم لمييا
خرجت الرسل شيعهم ،فقال لجبريل :من أين يخسف بهم؟ قال( :من هاهنا) وحد له حدا ،وذهب
جبرييل ،فلميا جاء لوط .جلس عنيد إبراهييم وارتقبيا ذلك العذاب ،فلميا اهتزت الرض قال إبراهييم:
(أيقنت بال) فسمي اليقين.
**3اليات{ 71 - 66 :وقضينا إليه ذلك المر أن دابر هؤلء مقطوع مصبحين ،وجاء أهل
المدينيية يسييتبشرون ،قال إن هؤلء ضيفييي فل تفضحون ،واتقوا ال ول تخزون ،قالوا أولم ننهييك
عن العالمين ،قال هؤلء بناتي إن كنتم فاعلين}
@قوله تعالى" :وقضينا إليه" أي أوحينا إلى لوط" .ذلك المر أن دابر هؤلء مقطوع مصبحين"
نظيره "فقطيع دابر القوم الذيين ظلموا"[ .النعام" ]45 :مصيبحين" أي عنيد طلوع الصيبح .وقيد
تقدم" .وجاء أهل المدينة" أي أهل مدينة لوط "يستبشرون" مستبشرين بالضياف طمعا منهم في
ركوب الفاحشيية" .قال إن هؤلء ضيفييي" أي أضيافييي" .فل تفضحون" أي تخجلون" .واتقوا ال
ول تخزون" يجوز أن يكون مين الخزي وهيو الذل والهوان ،ويجوز أن يكون مين الخزايية وهيو
الحياء والخجيل .وقيد تقدم فيي هود" .قالوا أولم ننهيك عين العالميين" أي عين أن تضييف ،أحدا لنيا
نريد منهم الفاحشة .وكانوا يقصدون بفعلهم الغرباء؛ عن الحسن .وقد تقدم في العراف .وقيل :أو
لم ننهك عن أن تكلمنا في أحد من الناس إذا قصدناه بالفاحشة" .قال هؤلء بناتي إن كنتم فاعلين"
أي فتزوجوهن ول تركنوا إلى الحرام .وقد تقدم بيان هذا في هود.
**3الية{ 72 :لعمرك إنهم لفي سكرتهم يعمهون}
@ قال القاضيي أبيو بكير بين العربيي :قال المفسيرون بأجمعهيم أقسيم ال تعالى ههنيا بحياة محميد
صلى ال عليه وسلم تشريفا له ،أن قومه من قريش في سكرتهم يعمهون وفي حيرتهم يترددون.
قلت :وهكذا قال القاضيي عياض :أجميع أهيل التفسيير فيي هذا أنيه قسيم مين ال جيل جلله بمدة
حياة محميد صيلى ال علييه وسيلم .وأصيله ضيم العيين مين العمير ولكنهيا فتحيت لكثرة السيتعمال.
ومعناه وبقائك يييا محمييد .وقيييل وحياتييك .وهذا نهاييية التعظيييم وغاييية البر والتشريييف .قال أبييو
الجوزاء :ما أقسم ال بحياة أحد غير محمد صلى ال عليه وسلم؛ لنه أكرم البرية عنده .قال ابن
العربي" :ما الذي يمنع أن يقسم ال سبحانه وتعالى بحياة لوط ويبلغ به من التشريف ما شاء ،وكل
ما يعطيه ال تعالى للوط من فضل يؤتي ضعفيه من شرف لمحمد صلى ال عليه وسلم؛ لنه أكرم
على ال منه؛ أو ل ترى أنه سبحانه أعطى إبراهيم الخلة وموسى التكليم وأعطى ذلك لمحمد ،فإذا
أقسم بحياة لوط فحياة محمد أرفع .ول يخرج من كلم إلى كلم لم يجر له ذكر لغير ضرورة".
قلت :ميا قاله حسين؛ فإنييه كان يكون قسييمه سيبحانه بحياة محمييد صييلى ال علييه وسيلم كلمييا
معترضا في قصة لوط .قال القشيري أبو نصر عبدالرحيم بن عبدالكريم في تفسيره :ويحتمل أن
يقال :يرجيع ذلك إلى قوم لوط ،أي كانوا فيي سيكرتهم يعمهون .وقييل :لميا وعيظ لوط قوميه وقال
هؤلء بناتي قالت الملئكة :يا لوط" ،لعمرك إنهم لفي سكرتهم يعمهون" ول يدرون ما يحل بهم
صباحا .فإن قيل :فقد أقسم تعالى بالتين والزيتون وطور سينين؛ فما في هذا؟ قيل له :ما من شيء
أقسيم ال بيه إل وذلك دللة على فضله على ميا يدخيل فيي عداده ،فكذلك نبينيا صيلى ال علييه وسيلم
يجيب أن يكون أفضيل ممين هيو فيي عداده .والعمير والعمير (بضيم العيين وفتحهيا) لغتان ومعناهميا
واحيد؛ إل أنيه ل يسيتعمل فيي القسيم إل بالفتيح لكثرة السيتعمال .وتقول :عمرك ال ،أي أسيأل ال
تعميرك .و"لعمرك" رفع بالبتداء وخبره محذوف .المعنى لعمرك مما أقسم به.
@ كره كثير من العلماء أن يقول النسان لعمري؛ لن معناه وحياتي .قال إبراهيم النخعي :يكره
للرجييل أن يقول لعمري؛ لنييه حلف بحياة نفسييه ،وذلك ميين كلم ضعفيية الرجال .ونحييو هذا قال
مالك :إن المسييتضعفين ميين الرجال والمؤنثييين يقسييمون بحياتييك وعيشييك ،وليييس ميين كلم أهييل
الذكران ،وإن كان ال سيبحانه أقسيم بيه فيي هذه القصية ،فذلك بيان لشرف المنزلة والرفعية لمكانيه،
فل يحميل علييه سيواه ول يسيتعمل فيي غيره .وقال ابين حيبيب :ينبغيي أن يصيرف "لعمرك" فيي
الكلم لهذه الييية .وقال قتادة :هييو مين كلم العرب .قال ابيين العربييي :وبييه أقول ،لكين الشرع قييد
قطعه في الستعمال ورد القسم إليه.
قلت .القسم بي "لعمرك ولعمري" ونحوه في أشعار العرب وفصيح كلمها كثير.
قال النابغة:
لقد نطقت بطل على القارع لعمري وما عمري علي بهين
آخر:
لكالطول المرخى وثنياه باليد لعمرك إن الموت ما أخطأ الفتى
آخر:
عمرك ال كيف يلتقيان أيها المنكح الثريا سهيل
آخر:
لعمر ال أعجبني رضاها إذا رضيت علي بنو قشير
وقال بعييض أهييل المعانييي :ل يجوز هذا؛ لنييه ل يقال ل عميير ،وإنمييا هييو تعالى أزلي .ذكره
الزهراوي.
@ قد مضى الكلم فيما يحلف به وما ل يجوز الحلف به في "المائدة" ،وذكرنا هناك قول أحمد
بين حنبيل فيمين أقسيم بالنيبي صيلى ال علييه وسيلم لزمتيه الكفارة .قال ابين خوييز منداد :مين جوز
الحلف بغير ال تعالى مما يجوز تعظيمه بحق من الحقوق فليس يقول إنها يمين تتعلق بها كفارة؛
إل أنه من قصد الكذب كان ملوما؛ لنه في الباطن مستخف بما وجب عليه تعظيمه .قالوا :وقوله
تعالى "لعمرك" أي وحياتك .وإذا أقسم ال تعالى بحياة نبيه فإنما أراد بيان التصريح لنا أنه يجوز
لنيا أن نحلف بحياتيه .وعلى مذهيب مالك معنيى قوله" :لعمرك" و"التيين والزيتون" [التيين.]1 :
"والطور .وكتاب مسييطور" [الطور" ]2 - 1 :والنجييم إذا هوى" [النجييم" ]1 :والشمييس
وضحاها" [الضحى" ]1 .ل أقسم بهذا البلد .وأنت حل بهذا البلد .ووالد وما ولد" [البلد]3 - 1 :
كيييل هذا معناه :وخالق التيييين والزيتون ،وبرب الكتاب المسيييطور ،وبرب البلد الذي حللت بيييه،
وخالق عيشيك وحياتيك ،وحيق محميد؛ فلليميين والقسيم حاصيل بيه سيبحانه ل بالمخلوق .قال ابين
خويز منداد :ومن جوز اليمين بغير ال تعالى تأول قوله صلى ال عليه وسلم( :ل تحلفوا بآبائكم)
وقال :إنما نهى عن الحلف بالباء الكفار ،أل ترى أنه قال لما حلفوا بآبائهم( :للجبل عند ال أكرم
ميين آبائكييم الذييين ماتوا فييي الجاهلييية) .ومالك حمييل الحديييث على ظاهره .قال ابيين خويييز منداد:
واسيتدل أيضيا مين جوز ذلك بأن أيمان المسيلمين جرت منيذ عهيد النيبي صيلى ال علييه وسيلم إلى
يومنيا هذا أن يحلفوا بالنيبي صيلى ال علييه وسيلم ،حتيى أن أهيل المدينية إلى يومنيا هذا إذا حاكيم
أحدهيم صياحبه قال :احلف لي بحيق ميا حواه هذا القيبر ،وبحيق سياكن هذا القيبر ،يعنيي النيبي صيلى
ال عليه وسلم ،وكذلك بالحرم والمشاعر العظام ،والركن والمقام والمحراب وما يتلى فيه.
**3اليتان{ 74 - 73 :فأخذتهيم الصييحة مشرقيين ،فجعلنييا عاليهيا سيافلها وأمطرنيا عليهيم
حجارة من سجيل}
@قوله تعالى" :فأخذتهيم الصييحة مشرقيين" نصيب على الحال ،أي وقيت شروق الشميس .يقال:
أشرقت الشمس أي أضاءت ،وشرقت إذا طلعت .وقيل :هما لغتان بمعنى .وأشرق القوم أي دخلوا
فيي وقت شروق الشمس .مثل أصيبحوا وأمسوا ،وهو المراد في الية .وقيل :أراد شروق الفجير.
وقييل :أول العذاب كان عنيد الصيبح وامتيد إلى شروق الشميس ،فكان تمام الهلك عنيد ذلك .وال
أعلم .و"الصيحة" العذاب .وتقدم ذكر "سجيل" [هود.]82 :
**3الية{ 75 :إن في ذلك ليات للمتوسمين}
@قوله تعالى" :للمتوسيمين" روى الترمذي الحكييم فيي (نوادر الصيول) مين حدييث أبيي سيعيد
الخدري عين رسيول ال صيلى ال علييه وسيلم أنيه قال( :للمتفرسيين) وهيو قول مجاهيد .وروى أبيو
عيسيى الترمذي عين أبيي سيعيد الخدري قال قال رسيول ال صيلى ال علييه وسيلم( :اتقوا فراسية
المؤمين فإنيه ينظير بنور ال -ثيم قرأ " -إن فيي ذلك ليات للمتوسيمين") .قال :هذا حدييث غرييب.
وقال مقاتل وابن زيد :للمتوسمين للمتفكرين .الضحاك :للنظارين .قال الشاعر:
بعثوا إلى عريفهم يتوسموا أو كلما وردت عكاظ قبيلة
وقال قتادة :للمعتبرين .قال زهير:
أنيق لعين الناظر المتوسم وفيهن ملهى للصديق ومنظر
وقال أبو عبيدة :للمتبصرين ،والمعنى متقارب .وروى الترمذي الحكيم من حديث ثابت عن أنس
ابن مالك قال قال رسول ال صلى ال عليه وسلم( :إن ل عز وجل عبادا يعرفون الناس بالتوسم).
قال العلماء :التوسيم تفعيل مين الوسيم ،وهيي العلمية التيي يسيتدل بهيا على مطلوب غيرهيا .يقال:
توسيمت فييه الخيير إذا رأييت ميسيم ذلك فييه؛ ومنيه قول عبدال بين رواحية للنيبي صيلى ال علييه
وسلم:
وال يعلم أني ثابت البصر إني توسمت فيك الخير أعرفه
آخر:
عليه وقلت المرء من آل هاشم توسمته لما رأيت مهابة
واتسم الرجل إذا جعل لنفسة علمة يعرف بها .وتوسم الرجل طلب كل الوسمي .وأنشد:
على وجهة من ظاعن متوسم وأصبحن كالدوم النواعم غدوة
وقال ثعلب :الواسيم الناظير إلييك مين فرقيك إلى قدميك .وأصيل التوسيم التثبيت والتفكير؛ مأخوذ مين
الوسم وهو التأثير بحديدة في جلد البعير وغيره ،وذك يكون بجودة القريحة وحدة الخاطر وصفاء
الفكير .زاد غيره :وتفرييغ القلب مين حشيو الدنييا ،وتطهيره مين أدناس المعاصيي وكدورة الخلق
وفضول الدنييا .روى نهشيل عين ابين عباس "للمتوسيمين" قال :لهيل الصيلح والخيير .وزعميت
الصيوفية أنهيا كرامية .وقييل :بيل هيي اسيتدلل بالعلمات ،ومين العلمات ميا يبدو ظاهرا لكيل أحيد
وبأول نظرة ،ومنهيا ميا يخفيى فل يبدو لكيل أحيد ول يدرك ببادئ النظير .قال الحسين :المتوسيمون
هييم الذييين يتوسييمون المور فيعلمون أن الذي أهلك قوم لوط قادر على أن يهلك الكفار؛ فهذا ميين
الدلئل الظاهرة .ومثله قول ابين عباس( :،ميا سيألني أحيد عين شييء إل عرفيت أفقييه هيو أو غيير
فقيه) .وروي عن الشافعي ومحمد بن الحسن أنهما كانا بفناء الكعبة ورجل على باب المسجد فقال
أحدهما :أراه نجارا ،وقال الخر :بل حدادا ،فتبادر من حضر إلى الرجل فسأل فقال :كنت نجارا
وأنيا اليوم حداد .وروي عين جندب بين عبدال البجلي أنيه أتيى على رجيل يقرأ القرآن فوقيف فقال:
من سمع سمع ال به ،ومن راءى راءى ال به .فقلنا له :كأنك عرضت بهذا الرجل ،فقال :إن هذا
يقرأ علييك القرآن اليوم ويخرج غدا حرورييا؛ فكان رأس الحروريية ،واسيمه مرداس .وروي عين
الحسن البصري أنه دخل عليه عمرو بن عبيد فقال :هذا سيد فتيان البصرة إن لم يحدث ،فكان من
أمره مين القدر ميا كان ،حتيى هجره عامية إخوانيه .وقال ليوب :هذا سييد فتيان أهيل البصيرة ،ولم
يسييتثن .وروي عيين الشعييبي أنييه قال لداود الزدي وهييو يماريييه :إنييك ل تموت حتييى تكوى فييي
رأسيك ،وكان كذلك .وروي أن عمير بين الخطاب رضيي ال عنيه دخيل علييه قوم مين مذحيج فيهيم
الشتير ،فصيعد فييه النظير وصيوبه وقال :أيهيم هذا؟ قالوا :مالك بين الحارث .فقال :ميا له قاتله ال!
إنيي لرى للمسيلمين منيه .يوميا عصييبا؛ فكان منيه فيي الفتنية ميا كان .وروي عين عثمان بين عفان
رضي ال عنه :أن أنس بن مالك دخل عليه ،وكان قد مر بالسوق فنظر إلى امرأة ،فلما نظر إليه
قال عثمان( :يدخل أحدكم علي وفي عينيه أثر الزنى فقال له أنس :أوحيا بعد رسول ال صلى ال
عليه وسلم؟ فقال ل ولكن برهان وفراسة وصدق) .ومثله كثير عن الصحابة والتابعين رضي ال
عنهم أجمعين.
@ قال أبو بكر بن العربي" :إذا ثبت أن التوسم والتفرس من مدارك المعاني فإن ذلك ل يترتب
علييه حكيم ول يؤخيذ بيه موسيوم ول متفرس .وقيد كان قاضيي القضاة الشاميي المالكيي ببغداد أيام
كوني بالشام يحكم بالفراسة في الحكام ،جريا على طريق إياس بن معاوية أيام كان قاضيا ،وكان
شيخنا فخر السلم أبو بكر الشاشي صنف جزءا في الرد عليه ،كتبه لي بخطه وأعطانيه ،وذلك
صحيح؛ فإن مدارك الحكام معلومة شرعا مدركة قطعا وليست الفراسة منها
**3اليات{ 79 - 76 :وإنها لبسبيل مقيم ،إن في ذلك لية للمؤمنين ،وإن كان أصحاب اليكة
لظالمين ،فانتقمنا منهم وإنهما لبإمام مبين}
@قوله تعالى" :وإنهيا" يعنيي قرى قوم لوط" .لبسيبيل مقييم" أي على طرييق قوميك ييا محميد إلى
الشام" .إن في ذلك لية للمؤمنين" أي لعبرة للمصدقين" .وإن كان أصحاب اليكة لظالمين" يريد
قوم شعيب ،كانوا أصحاب غياض ورياض وشجر مثمر .واليكة :الغيضة ،وهي جماعة الشجر،
والجمع اليك .ويروى أن شجرهم كان دوما وهو المقل .قال النابغة:
بردا أسف لثاته بالثمد تجلو بقادمتي حمامة أيكة
وقييل :اليكية اسيم القريية .وقييل اسيم البلدة .وقال أبيو عيبيدة :اليكية وليكية مدينتهيم ،بمنزلة بكية مين
مكة .وتقدم خبر شعيب وقومه" .وإنهما لبإمام مبين" أي بطريق واضح في نفسه ،يعني مدينة قوم
لوط وبقعة أصحاب اليكة يعتبر بهما من يمر عليهما.
**3الية{ 80 :ولقد كذب أصحاب الحجر المرسلين}
@ الحجر ينطلق على معان :منها حجر الكعبة .ومنها الحرام؛ قال ال تعالى" :وحجرا محجورا"
[الفرقان ]53 :أي حراميا محرميا .والحجير العقيل؛ قال ال تعالى" :لذي حجير" [الفجير]5 :
والحجير حجير القمييص؛ والفتيح أفصيح .والحجير الفرس النثيى .والحجير ديار ثمود ،وهيو المراد
هنييا ،أي المدينيية؛ قال الزهري .قتادة :وهييي مييا بييين مكيية وتبوك ،وهييو الوادي الذي فيييه ثمود.
الطيبري :هيي أرض بيين الحجاز والشام ،وهيم قوم صيالح .وقال" :المرسيلين" وهيو صيالح وحده،
ولكين مين كذب نبييا فقيد كذب النيبياء كلهيم؛ لنهيم على ديين واحيد فيي الصيول فل يجوز التفرييق
بينهم .وقيل :كذبوا صالحا ومن تبعه ومن تقدمه من النبيين أيضا .وال أعلم
روى البخاري عين ابين عمير أن رسيول ال صيلى ال علييه وسيلم لميا نزل الحجير فيي غزوة تبوك
أمرهيم أل يشربوا مين بئرهيا ول يسيتقوا منهيا .فقالوا :قيد عجنيا واسيتقينا .فأمرهيم رسيول ال صيلى
ال علييه وسيلم أن يهريقوا الماء وأن يطرحوا ذلك العجيين .وفيي الصيحيح عين ابين عمير أن الناس
نزلوا مع رسول ال صلى ال عليه وسلم على الحجر أرض ثمود ،فاستقوا من آبارها وعجنوا به
العجيين ،فأمرهيم رسيول ال صيلى ال علييه وسيلم أن يهريقوا ميا اسيتقوا ويعلفوا البيل العجيين،
وأمرهم أن يستقوا من البئر التي تردها الناقة .وروي أيضا عن ابن عمر قال :مررنا مع رسول
ال صيلى ال علييه وسيلم على الحجير فقال لنيا رسيول ال صيلى ال علييه وسيلم( :ل تدخلوا مسياكن
الذين ظلموا أنفسهم إل أن تكونوا باكين حذرا أن يصيبكم مثل ما أصابهم) ثم زجر فأسرع.
قلت :ففيي هذه اليية التيي بيين الشارع حكمهيا وأوضيح أمرهيا ثمان مسيائل ،اسيتنبطها العلماء
واختلف فييي بعضهييا الفقهاء ،فأولهييا :كراهيية دخول تلك المواضييع ،وعليهييا حمييل بعييض العلماء
دخول مقابر الكفار؛ فإن دخيل النسيان شيئا مين تلك المواضيع والمقابر فعلى الصيفة التيي أرشيد
إليهيا النيبي صيلى ال علييه وسيلم مين العتبار والخوف والسيراع .وقيد قال رسيول ال صيلى ال
عليه وسلم( :ل تدخلوا أرض بابل فإنها ملعونة).
مسألة :أمر النبي بهرق ما استقوا من بئر ثمود وإلقاء ما عجن وخبز به لجل أنه ماء سخط،
فلم يجيز النتفاع به فرارا مين سخط ال .وقال (اعلفوه البيل) .قلت :وهكذا حكيم الماء النجيس وما
يعجين بيه .وثانيهيا :قال مالك :إن ميا ل يجوز اسيتعماله مين الطعام والشراب يجوز أن تعلفيه البيل
والبهائم؛ إذ ل تكليف عليها؛ وكذلك قال ،في العسل النجس :إنه يعلفه النحل .وثالثها :أمر رسول
ال صيلى ال علييه وسيلم بعلف ميا عجين بهذا الماء البيل ،ولم يأمير بطرحيه كميا أمير لحوم الحمير
النسية يوم خيبر؛ فدل على أن لحم الحمر أشد .في التحريم وأغلظ في التنجيس .وقد أمر رسول
ال صييلى ال عليييه وسييلم بكسييب الحجام أن يعلف الناضييح والرقيييق ،ولم يكيين ذلك لتحريييم ول
تنجيس .قال الشافعي :ولو كان حراما لم يأمره أن يطعمه رقيقه؛ لنه متعبد فيه كما تعبد في نفسه.
ورابعها :في أمره صلى ال عليه وسلم بعلف البل العجين دليل على جواز حمل الرجل النجاسة
إلى كلبه ليأكلوها؛ خلفا لمن منع ذلك من أصحابنا وقال :تطلق الكلب عليها ول يحملها إليهم.
وخامسيها :أمره صيلى ال علييه وسيلم أن يسيتقوا مين بئر الناقية دلييل على التيبرك بآثار النيبياء
والصيالحين ،وإن تقادميت أعصيارهم وخفييت آثارهيم؛ كميا أن فيي الول دليل على بغيض أهيل
الفسيياد وذم ديارهييم وآثارهييم .هذا ،وإن كان التحقيييق أن الجمادات غييير مؤاخذات ،لكيين المقرون
بالمحبوب محبوب ،والمقرون بالمكروه المبغوض مبغوض؛ كما كثير:
أحب لحبها سود الكلب أحب لحبها السودان حتى
وكما قال آخر:
أقبل ذا الجدار وذا الجدارا أمر على الديار ديار ليلى
ولكن حب من سكن الديارا وما تلك الديار شغفن قلبي
وسيادسها :منيع بعيض العلماء الصيلة بهذا الموضيع وقال :ل تجوز الصيلة فيهيا لنهيا دار سيخط
وبقعة غضب .قال ابن العربي :فصارت هذه البقعة مستثناة من قوله صلى ال عليه وسلم( :جعلت
لي الرض مسجدا وطهورا) فل يجوز التيمم بترابها ول الوضوء من مائها ول الصلة فيها .وقد
روى الترمذي عن ابن عمر أن رسول ال صلى ال عليه وسلم نهى أن يصلى في سبع مواطن:
فيي المزبلة والمجزرة والمقيبرة وقارعية الطرييق ،وفيي الحمام وفيي معاطين البيل وفوق ببيت ال.
وفي الباب عن أبي مرثد وجابر وأنس :حديث ابن عمر إسناده ليس بذاك القوي ،وقد تكلم في زيد
بين جيبيرة مين قبيل حفظيه .وقيد زاد علماؤنيا :الدار المغصيوبة والكنيسية والبيعية والبييت الذي فييه
تماثيل ،والرض المغصوبة أو موضعا تستقبل فيه نائما أو وجه رجل أو جدارا عليه نجاسة .قال
ابين العربيي :ومين هذه المواضيع ميا منيع لحيق الغيير ،ومنيه ميا منيع لحيق ال تعالى ،ومنيه ميا منيع
لجييل النجاسيية المحققيية أو لغلبتهييا؛ فمييا منييع لجييل النجاسيية إن فرش فيييه ثوب طاهيير كالحمام
والمقبرة فيها أو إليها فإن ذلك جائز فيي المدونة .وذكر أبو مصعب عنه الكراهة .وفرق علماؤنا
بيين المقيبرة القديمية والجديدة لجيل النجاسية ،وبيين مقيبرة المسيلمين والمشركيين؛ لنهيا دار عذاب
وبقعة سخط كالحجر .وقال مالك في المجموعة :ل يصلي في أعطان البل وإن فرش ثوبا؛ كأنه
رأى لها علتين :الستتار بها ونفارها فتفسد على المصلي صلته ،فإن كانت واحدة فل بأس؛ كما
كان النبي صلى ال عليه وسلم يفعل؛ في الحديث الصحيح .وقال مالك :ل يصلي على بساط فيه
تماثيل إل من ضرورة .وكره ابن القاسم الصلة إلى القبلة فيها تماثيل ،وفي الدار المغصوبة ،فإن
فعيل أجزأه وذكير بعضهيم عين مالك أن الصيلة فيي الدار المغصيوبة ل تجزئ .قال ابين العربيي:
وذلك عندي بخلف الرض .فإن الدار ل تدخل إل بإذن ،والرض وإن كانت ملكا فإن المسجدية
فيها قائمة ل يبطلها الملك.
قلت :الصيحيح -إن شاء ال -الذي يدل علييه النظيير والخيبر أن الصيلة بكيل موضيع طاهير
جائزة صحيحة .وما روي من قوله صلى ال عليه وسلم( :إن هذا واد به شيطان) وقد رواه معمر
عن الزهري فقال :واخرجوا عن الموضع الذي أصابتكم فيه الغفلة .وقول علي :نهاني رسول ال
صلى ال عليه وسلم أن أصلي بأرض بابل فإنها ملعونة .وقوله عليه السلم حين مر بالحجر من
ثمود( :ل تدخلوا على هؤلء المعذبيين إل أن تكونوا باكيين) ونهييه عين الصيلة فيي معاطين البيل
إلى ذلك مميا فيي هذا الباب ،فإنيه مردود إلى الصيول المجتميع عليهيا والدلئل الصيحيح مجيئهيا.
قال المام الحافيظ أبيو عمير :المختار عندنيا فيي هذا الباب أن ذلك الوادي وغيره مين بقاع الرض
جائز أن يصلى فيها كلها ما لم تكن فيها نجاسة متيقنة تمنع من ذلك ،ول معنى لعتلل من اعتل
بأن موضع النوم عن الصلة موضع شيطان ،وموضع ملعون ل يجب أن تقام فيه الصلة ،وكل
ميا روي فيي هذا الباب من النهيي عن الصيلة فيي المقيبرة وبأرض بابل وأعطان البل وغير ذلك
مميا فيي هذا المعنيى ،كل ذلك عندنا منسوخ ومدفوع لعموم قوله صلى ال عليه وسيلم( :جعلت لي
الرض كلهييا مسييجدا وطهورا) ،وقوله صييلى ال عليييه وسييلم مخييبرا :إن ذلك ميين فضائله وممييا
خصيى بيه ،وفضائله عنيد أهيل العلم ل يجوز عليهيا النسيخ ول التبدييل ول النقيص .قال صيلى ال
عليه وسلم( :أوتيت خمسا -وقد روي ستا ،وقد روي ثلثا وأربعا ،وهي تنتهي إلى أزيد من تسع،
قال فيهين ( -لم يؤتهن أحيد قبلي بعثيت إلى الحمير والسيود ونصيرت بالرعيب وجعلت أمتيي خير
المييم وأحلت لي الغنائم وجعلت لي الرض مسييجدا وطهورا وأوتيييت الشفاعيية وبعثييت بجوامييع
الكلم وبينيا أنيا نائم أتييت بمفاتييح الرض فوضعيت فيي يدي وأعطييت الكوثير .وختيم بيي النيبيون)
رواه جماعة من الصحابة .وبعضهم يذكر بعضها ،ويذكر بعضهم ما لم يذكر غيره ،وهي صحاح
كلهيا .وجائز على فضائله الزيادة وغيير جائز فيهيا النقصيان؛ أل ترى أنيه كان عبدا قبيل أن يكون
نبيا ثم كان نبيا قبل أن يكون رسول؛ وكذلك روي عنه .وقال( :ما أدري ما يفعل بي ول بكم) ثم
نزلت "ليغفر لك ال ما تقدم من ذنبك وما تأخر" [الفتح .]2 :وسمع رجل يقوله :يا خير البرية؛
فقال( :ذاك إبراهييم) وقال( :ل يقولن أحدكيم أنيا خيير مين يونيس بن متيى) وقال( :السييد يوسيف بين
يعقوب بين إسيحاق بين إبراهييم عليهيم السيلم) ثيم قال بعيد ذلك كله( :أنيا سييد ولد آدم ول فخير).
ففضائله صيلى ال علييه وسيلم لم تزل تزداد إلى أن قبضيه ال؛ فمين ههنيا قلنيا :إنيه ل يجوز عليهيا
النسيخ ول السيتثناء ول النقصيان ،وجائز فيهيا الزيادة .وبقوله صيلى ال علييه وسيلم( :جعلت لي
الرض مسجدا وطهورا) أجزنا الصلة في المقبرة والحمام وفي كل موضع من الرض إذا كان
طاهرا ميين النجاس .وقال صييلى ال عليييه وسييلم لبييي ذر( :حيثمييا أدركتييك الصييلة فصييل فإن
الرض كلها مسجد) ذكره البخاري ولم يخص موضعا من موضع.
وأميا مين احتيج بحدييث ابين وهيب قال :أخيبرني يحييى بين أيوب عين زييد بين جيبيرة عين داود بين
حصيين عين نافيع عين ابين عمير حدييث الترمذي الذي ذكرناه فهيو حدييث انفرد بيه زييد بين جيبيرة
وأنكروه علييه ،ول يعرف هذا الحدييث مسيندا إل بروايية يحييى بين أيوب عين زييد بين جيبيرة .وقيد
كتب الليث بن سعد إلى عبدال بن نافع مولى ابن عمر يسأله عن هذا الحديث ،وكتب إليه عبدال
بن نافع ل أعلم من حدث بهذا عن نافع إل قد قال عليه الباطل .ذكره الحلواني عن سعيد بن أبي
مرييم عين اللييث ،ولييس فييه تخصييص مقيبرة المشركيين مين غيرهيا .وقيد روي عين علي بين أبيي
طالب قال :نهاني حبيبي صلى ال عليه وسلم أن أصلي في المقبرة ،ونهاني أن أصلي في أرض
بابل فإنها ملعونة .وإسناده ضعيف مجتمع على ضعفه ،وأبو صالح الذي رواه عن علي هو سعيد
بيين عبدالرحميين الغفاري ،بصييري ليييس بمشهور ول يصييح له سييماع عيين علي ،وميين دونييه
مجهولون ل يعرفون .قال أبييو عميير :وفييي الباب عيين علي ميين قوله غييير مرفوع حديييث حسيين
السيناد ،رواه الفضيل بين دكيين قال :حدثنيا المغيرة بين أبيي الحير الكندي قال حدثنيي أبيو العنبيس
حجر بن عنبس قال :خرجنا مع علي إلى الحرورية ،فلما جاوزنا سوريا وقع بأرض بابل ،قلنا :يا
أميير المؤمنيين أمسييت ،الصيلة الصيلة؛ فأبيى أن يكلم أحدا .قالوا :ييا أميير المؤمنيين ،قيد أمسييت.
قال بلى ،ولكن ل أصلي في أرض خسف ال بها .والمغيرة بن أبي الحر كوفي ثقة؛ قاله يحيى بن
معيين وغيره .وحجير بين عنبيس مين كبار أصيحاب علي .وروى الترمذي عين أبيي سيعيد الخدري
قال قال رسول ال صلى ال عليه وسلم( :الرض كلها مسجد إل المقبرة والحمام) .قال الترمذي:
رواه سفيان الثوري عن عمرو بن يحيى عن أبيه عن النبي مرسل ،وكأنه أثبت وأصح .قال أبو
عمير :فسيقط الحتجاج بيه عنيد مين ل يرى المرسيل حجية ،ولو ثبيت كان الوجيه ميا ذكرنيا .ولسينا
نقول كما قال بعض المنتحلين لمذهب المدنين :إن المقبرة في هذا الحديث وغيره أريد بها مقبرة
المشركييين خاصيية؛ فإنييه قال :المقييبرة والحمام باللف واللم؛ فغييير جائز أن يرد ذلك إلى مقييبرة
دون مقيبرة أو حمام دون حمام بغيير توقييف علييه ،فهيو قول ل دلييل علييه مين كتاب ول سينة ول
خيبر صيحيح ،ول مدخيل له فيي القياس ول فيي المعقول ،ول دل علييه فحوى الخطاب ول خرج
عليه الخبر .ول يخلو تخصيص من خص مقبرة المشركين من أحد وجهين :إما أن يكون من أجل
اختلف الكفار إليهييا بأقدامهييم فل معنييى لخصييوص المقييبرة بالذكيير؛ لن كييل موضييع هييم فيييه
بأجسيامهم وأقدامهيم فهيو كذلك ،وقيد جيل رسيول ال صيلى ال عليه وسيلم أن يتكلم بميا ل معنيى له.
أو يكون مين أجيل أنهيا بقعية سيخط ،فلو كان كذلك ميا كان رسيول ال صيلى ال علييه وسيلم ليبنيي
مسيجده فيي مقيبرة المشركيين وينبشهيا ويسيويها ويبنيي عليهيا ،ولو جاز لقائل أن يخيص مين المقام
مقيبرة للصيلة فيهيا لكانيت مقيبرة المشركيين أولى بالخصيوص والسيتثناء مين أجيل هذا الحدييث.
وكل من كره الصلة في المقبرة لم يخص مقبرة من مقبرة؛ لن اللف واللم إشارة إلى الجنس ل
إلى معهود ،ولو كان بيين مقيبرة المسيلمين والمشركيين فرق لنيبيه صيلى ال علييه وسيلم ولم يهمله؛
لنييه بعييث مبينييا .ولو سيياغ لجاهييل أن يقول :مقييبرة كذا لجاز لخيير أن يقول :حمام كذا؛ لن فييي
الحدييييث المقيييبرة والحمام .وكذلك قوله :المزبلة والمجزرة؛ غيييير جائز أن يقال :مزبلة كذا ول
مجزرة كذا ول طريق كذا؛ لن التحكم في دين ال غير جائز.
وأجمع العلماء على أن التيمم على مقبرة المشركين إذا كان الموضع طيبا طاهرا نظيفا جائز.
وكذلك أجمعوا على أن ميين صييلى فييي كنيسيية أو بيعيية على موضييع طاهيير ،أن صييلته ماضييية
جائزة .وقيد تقدم هذا فيي سيورة "براءة" .ومعلوم أن الكنيسية أقرب إلى أن تكون بقعية سيخط مين
المقبرة؛ لنها بقعة يعصى ال ويكفر به فيها ،وليس كذلك المقبرة .وقد وردت السنة باتخاذ البيع
والكنائس مسيياجد .روى النسيائي عين طلق بين علي قال :خرجنيا وفدا إلى النيبي صيلى ال علييه
وسلم فبايعناه وصلينا معه ،وأخبرناه أن بأرضنا بيعة لنا ،وذكر الحديث .وفيه( :فإذا أتيتم أرضكم
فاكسروا بيعتكم واتخذوها مسجدا) .وذكر أبو داود عن عثمان بن أبي العاص أن النبي صلى ال
علييه وسيلم أمره أن يجعيل مسيجد الطائف حييث كانيت طواغيتهيم .وقيد تقدم فيي "براءة" .وحسيبك
بمسيجد النيبي صيلى ال عليه وسيلم الذي أسيس على التقوى مبنييا فيي مقيبرة المشركيين؛ وهو حجية
على كيل مين كره الصيلة فيهيا .وممين كره الصيلة فيي المقيبرة سيواء كانيت لمسيلمين أو مشركيين
الثوري أجزأه إذا صيلى فيي المقيبرة فيي موضيع لييس فييه نجاسية؛ للحادييث المعلومية فيي ذلك،
ولحدييث أبيي هريرة أن رسييول ال صيلى ال علييه وسيلم قال( :صييلوا فييي بيوتكييم ول تتخذوهيا
قبورا) ،ولحديث أبي مرثد الغنوي عن النبي صلى ال عليه وسلم أنه قال( :ل تصلوا إلى القبور
ول تجلسييوا عليهييا) .وهذان حديثان ثابتان ميين جهيية السييناد ،ول حجيية فيهمييا؛ لنهمييا محتملن
للتأويل ،ول يجب أن يمتنع من الصلة في كل موضع طاهر إل بدليل ل يحتمل تأويل .ولم يفرق
أحيد مين فقهاء المسيلمين بيين مقيبرة المسيلمين والمشركيين إل ميا حكيناه مين خطيل القول الذي ل
يشتغيل بمثله ،ول وجيه له فيي نظير ول فيي صيحيح أثير .وثامنهيا :الحائط يلقيى فييه النتين والعذرة
ليكرم فل يصلى فيه حتى يسقى ثلث مرات ،لما رواه الدارقطني عن مجاهد عن ابن عباس عن
النيبي صيلى ال علييه وسيلم فيي الحائط يلقيى فييه العذرة والنتين قال( :إذا سيقي ثلث مرات فصيل
فييه) .وخرجيه أيضيا مين حدييث نافيع عين ابين عمير أنيه سيئل عين هذه الحيطان التيي تلقيى فيهيا
العذرات وهذا الزبيل ،أيصيلى فيهيا؟ فقال :إذا سيقيت ثلث مرات فصيل فيهيا .رفيع ذلك إلى النيبي
صلى ال عليه وسلم اختلفا في السناد ،وال أعلم.
**3الية{ 81 :وآتيناهم آياتنا فكانوا عنها معرضين}
@قوله تعالى" :وآتيناهيم آياتنيا" أي بآياتنيا .كقوله" :آتنيا غداءنيا" [الكهيف ]62 :أي بغدائنيا.
والمراد الناقة ،وكان فيها آيات جمة :خروجها من الصخرة ،ودنو نتاجها عند خروجها ،وعظمها
حتيى لم تشبههيا ناقية ،وكثرة لبنهيا حتيى تكفيهيم جميعيا .ويحتميل أنيه كان لصيالح آيات أخير سيوى
الناقة ،كالبئر وغيره" .معرضين" أي لم يعتبروا.
**3اليات{ 85 - 82 :وكانوا ينحتون من الجبال بيوتا آمنين ،فأخذتهم الصيحة مصبحين ،فما
أغنى عنهم ما كانوا يكسبون}
@قوله تعالى" :وكانوا ينحتون مين الجبال بيوتيا" النحيت فيي كلم العرب :البري والنجير .نحتيه
ينحته (بالكسر) نحتا أي براه .والنحاتة البراية .والمنحت ما ينحت به .وفي التنزيل "أتعبدون ما
تنحتون" [الصافات ]95 :أي تنجرون وتصنعون .فكانوا يتخذون من الجبال بيوتا لنفسهم بشدة
قوتهيم" .آمنيين" أي مين أن تسيقط عليهيم أو تخرب .وقييل :آمنيين مين الموت .وقييل :مين العذاب.
"فأخذتهم الصيحة مصبحين" أي في وقت الصبح ،وهو نصب على الحال .وقد تقدم ذكر الصيحة
في هود والعراف" .فما أغنى عنهم ما كانوا يكسبون" من الموال والحصون في الجبال ،ول ما
أعطوه من القوة.
**3اليتان{ 86 - 85 :وما خلقنا السماوات والرض وما بينهما إل بالحق وإن الساعة لتية
فاصفح الصفح الجميل ،إن ربك هو الخلق العليم}
@قوله تعالى" :وميا خلقنيا السيماوات والرض وميا بينهميا إل بالحيق" أي للزوال والفناء .وقييل:
أي لجازي المحسين والمسييء؛ كميا قال" :ول ميا فيي السيماوات وميا فيي الرض ليجزى الذيين
أسياؤوا بميا عملوا ويجزى الذيين أحسنوا بالحسنى" [النجيم" .]31 :وإن الساعة لتية" أي لكائنة
فيجزى كيل بعمله" .فاصيفح الصيفح الجمييل" مثيل "واهجرهيم هجرا جميل" [المزميل ]10 :أي
تجاوز عنهييم يييا محمييد ،واعفيو عفوا حسيينا؛ ثيم نسيخ بالسييف .قال قتادة :نسييخه قوله" :فخذوهيم
واقتلوهيم حييث ثقفتموهيم" [النسياء .]91 :وأن النيبي صيلى ال علييه وسيلم فال لهيم( :لقيد جئتكيم
بالذبح وبعثت بالحصاد ولم أبعث بالزراعة)؛ قاله عكرمة ومجاهد .وقيل :ليس بمنسوخ ،وأنه أمر
بالصيفح فيي حيق نفسيه فيميا بينيه وبينهيم .والصيفح :العراض؛ عين الحسين وغيره" .إن ربيك هيو
الخلق" أي المقدر للخلق والخلق" .العليم" بأهل الوفاق والنفاق.
**3الية{ 87 :ولقد آتيناك سبعا من المثاني والقرآن العظيم}
@قوله تعالى" :ولقيد آتيناك سيبعا مين المثانيي" اختلف العلماء فيي السيبع المثانيي؛ فقييل :الفاتحية؛
قاله علي بين أبيي طالب وأبيو هريرة والربييع بين أنيس وأبيو العاليية والحسين وغيرهيم ،وروي عين
النيبي صيلى ال علييه وسيلم مين وجوه ثابتية ،مين حدييث أبيي بين كعيب وأبيي سيعيد بين المعلى .وقيد
تقدم فيي تفسيير الفاتحية .وخرج الترمذي مين حدييث أبيي هريرة قال قال رسيول ال صيلى ال علييه
وسلم( :الحمد ل أم القرآن وأم الكتاب والسبع المثاني) .قال :هذا حديث حسن صحيح .وهذا نص،
وقد تقدم في الفاتحة .وقال الشاعر:
أم الكتاب السبع من مثاني نشدتكم بمنزل القرآن
وقال ابييييين عباس( :هيييييي السيييييبع الطول :البقرة ،وآل عمران ،والنسييييياء ،والمائدة ،والنعام،
والعراف ،والنفال والتوبية معيا؛ إذ لييس بينهميا التسيمية) .روى النسيائي حدثنيا علي بين حجير
أخبرنا شرييك عن أبيي إسيحاق عن سيعيد بن جيبير عن ابن عباس فيي قوله عيز وجيل" :سبعا من
المثاني" قال :السبع الطول ،وسميت مثاني لن العبر والحكام والحدود ثنيت فيها .وأنكر قوم هذا
وقالوا :أنزلت هذه الييية بمكيية ،ولم ينزل ميين الطول شيييء إذ ذاك .وأجيييب بأن ال تعالى أنزل
القرآن إلى السيماء الدنييا ثيم أنزل منهيا نجوميا ،فميا أنزله إلى السيماء الدنييا فكأنميا أتاه محمدا صيلى
ال عليه وسلم وإن لم ينزل عليه بعد .وممن قال إنها السبع الطول :عبدال بن مسعود وعبدال بن
عمر وسعيد بن جبير ومجاهد .وقال جرير:
مضيعا للمفصل والمثاني جزى ال الفرزدق حين يمسي
وقيييل( :المثانييي القرآن كله؛ قال ال تعالى" :كتابييا متشابهييا مثانييي" [الزميير .)]23 :هذا قول
الضحاك وطاوس وأبيو مالك ،وقاله ابين عباس .وقييل له مثانيي لن النباء والقصيص ثنييت فييه.
وقالت صفية بنت عبدالمطلب ترثي رسول ال صلى ال عليه وسلم:
يخص بتنزيل القران المعظم فقد كان نورا ساطعا يهتدى به
أي القرآن .وقيل :المراد بالسبع المثاني أقسام القرآن من المر والنهي والتبشير والنذار وضرب
المثال وتعديد نعم وأنباء قرون؛ قال زياد بن أبي مريم .والصحيح الول لنه نص .وقد قدمنا في
الفاتحية أنيه لييس فيي تسيميتها بالمثانيي ميا يمنيع مين تسيمية غيرهيا بذلك؛ إل أنيه إذا ورد عين النيبي
صلى ال عليه وسلم وثبت عنه نص في شيء ل يحتمل التأويل كان الوقوف عنده.
@قوله تعالى" :والقرآن العظييم" فييه إضمار تقديره :وهيو أن الفاتحية القرآن العظييم لشتمالهيا
على ما يتعلق بأصول السلم .وقد تقدم في الفاتحة .وقيل :الواو مقحمة ،التقدير :ولقد آتيناك سبعا
من المثاني القرآن العظيم .ومنه قول الشاعر:
وليث الكتيبة في المزدحم إلى الملك القرم وابن الهمام
وقد تقدم عند قوله" :حافظوا على الصلوات والصلة الوسطى" [البقرة]238 :
**3الية{ 88 :ل تمدن عينيك إلى ما متعنا به أزواجا منهم ول تحزن عليهم واخفض جناحك
للمؤمنين}
@قوله تعالى" :ل تمدن عينيك" المعنى :قد أغنيتك بالقرآن عما في أيدي الناس؛ فإنه ليس منا من
لم يتغين بالقرآن؛ أي لييس منيا مين رأى أنيه لييس يغنيي بميا عنده من القرآن حتيى يطميح بصيره إلى
زخارف الدنيييا وعنده معارف المولى .يقال :إنييه وافييى سييبع قوافييل ميين البصييرة وأذرعات ليهود
قريظية والنضيير فيي يوم واحيد ،فيهيا البر والطييب والجوهير وأمتعية البحير ،فقال المسيلمون :لو
كانيت هذه الموال لنيا لتقوينيا بهيا وأنفقناهيا فيي سيبيل ال ،فأنزل ال تعالى" :ولقيد آتيناك سيبعا مين
المثانيي" أي فهيي خيير لكيم مين القوافيل السيبع ،فل تمدن أعينكيم إليهيا .وإلى هذا صيار ابين عيينية،
وأورد قوله عليه السلم( :ليس منا من لم يتغن بالقرآن) أي من لم يستغن به .وقد تقدم هذا المعنى
فيي أول الكتاب" .أزواجيا منهيم" أي أمثال فيي النعيم ،أي الغنياء بعضهيم أمثال بعيض فيي الغنيى،
فهم أزواج.
@ هذه اليية تقتضيي الزجير عين التشوف إلى متاع الدنييا على الدوام ،وإقبال العبيد على عبادة
موله .ومثله "ول تمدن عينيك إلى ما متعنا به أزواجا منهم زهرة الحياة الدنيا لنفتنهم فيه" [طه:
]131اليية .ولييس كذلك؛ فإنيه روي عين النيبي صيلى ال علييه وسيلم أنيه قال( :حبيب إلي مين
دنياكييم النسيياء والطيييب وجعلت قرة عينييي فييي الصييلة) .وكان عليييه الصييلة والسييلم متشاغييل
بالنسياء ،جبلة الدميية وتشوف الخلقية النسيانية ،ويحافيظ على الطييب ،ول تقير له عيين إل فيي
الصييلة لدى مناجاة المولى .ويرى أن مناجاتييه أحرى ميين ذلك وأولى .ولم يكيين فييي دييين محمييد
الرهبانية والقبال على العمال الصالحة بالكلية كما كان في دين عيسى ،وإنما شرع ال سبحانه
حنيفيية سيمحة خالصية عن الحرج خفيفية على الدميي ،يأخيذ مين الدميية بشهواتهيا ويرجيع إلى ال
بقلب سيليم .ورأى الفراء والمخلصيون مين الفضلء النكفاف عين اللذات والخلوص لرب الرض
والسيماوات اليوم أولى؛ لميا غلب على الدنييا مين الحرام ،واضطير العبيد فيي المعاش إلى مخالطية
مين ل تجوز مخالطتيه ومصيانعة مين تحرم مصيانعته ،فكانيت القراءة أفضيل ،والفرار عين الدنييا
أصيوب للعبيد وأعدل؛ قال صيلى ال علييه وسيلم( :يأتيي على الناس زمان يكون خيير مال المسيلم
غنما يتبع بها شعف الجبال ومواقع القطر يفر بدينه من الفتن).
@قوله تعالى" :ول تحزن عليهم" أي ول تحزن على المشركين إن لم يؤمنوا .وقيل :المعنى ل
تحزن على ما متعوا به في الدنيا فلك في الخرة أفضل منه .وقيل :ل تحزن عليهم إن صاروا إلى
العذاب فهيم أهيل العذاب" .واخفيض جناحيك للمؤمنيين" أي ألن جانبيك لمين آمين بيك وتواضيع لهيم.
وأصيله أن الطائر إذا ضيم فرخيه إلى نفسيه بسيط جناحيه ثيم قبضيه على الفرخ ،فجعيل ذلك وصيفا
لتقريييب النسييان أتباعييه .ويقال :فلن خافييض الجناح ،أي وقور سيياكن .والجناحان ميين ابيين آدم
جانباه؛ ومنه "واضمم يدك إلى جناحك" [طه ]22 :وجناح الطائر يده .وقال الشاعر:
يمد على أخي سقم جناحا وحسبك فتية لزعيم قوم
أي تواضعا ولينا.
**3اليتان{ 90 - 89 :وقل إني أنا النذير المبين ،كما أنزلنا على المقتسمين}
@ فيي الكلم حذف؛ أي إني أنا النذيير المبين عذابا ،فحذف المفعول ،إذ كان النذار يدل عليه،
كميا قال فيي موضيع آخير" :أنذرتكيم صياعقة مثيل صياعقة عاد وثمود" [فصيلت .]13 :وقييل:
الكاف زائدة ،أي أنذرتكيم ميا أنزلنيا على المقتسيمين؛ كقوله" :لييس كمثله شييء" [الشورى]11 :
وقيل :أنذرتكم مثل ما أنزلنا بالمقتسمين .وقيل :المعنى كما أنزلنا على المقتسمين ،أي من العذاب
وكفيناك المسيتهزئين ،فاصيدع بميا تؤمير وأعرض عين المشركيين الذيين بغوا ،فإنيا كفيناك أولئك
الرؤساء الذين كنت تلقى منهم ما تلقى.
واختلف في "المقتسمين" على أقوال سبعة :الول :قال مقاتل والفراء :هم ستة عشر رجل بعثهم
الوليد بن المغيرة أيام الموسم فاقتسموا أعقاب مكة وأنقابها وفجاجها يقولون لمن سلكها :ل تغتروا
بهذا الخارج فينيا يدعيي النبوة؛ فإنيه مجنون ،وربميا قالوا سياحر ،وربميا قالوا شاعير ،وربميا قالوا
كاهن .وسموا المقتسمين لنهم اقتسموا هذه الطرق ،فأماتهم ال شر ميتة ،وكانوا نصبوا الوليد بن
المغيرة حكما على باب المسجد ،فإذا سألوه عن النبي صلى ال عليه وسلم قال :صدق أولئك.
الثاني :قال قتادة :هم قوم من كفار قريش اقتسموا كتاب ال فجعلوا بعضه شعرا ،وبعضه سحرا،
وبعضيه كهانية ،وبعضيه أسياطير الوليين .الثالث :قال ابين عباس( :هيم أهيل الكتاب آمنوا ببعضيه
وكفروا ببعضيه) .وكذلك قال عكرمية :هيم أهيل الكتاب ،وسيموا مقتسيمين لنهيم كانوا مسيتهزئين،
فيقول بعضهيم :هذه السيورة لي وهذه السيورة لك .وهيو القول الرابيع .الخاميس :قال قتادة :قسيموا
كتابهيم ففرقوه وبددوه وحرفوه .السيادس :قال زييد بين أسيلم :المراد قوم صيالح ،تقاسيموا على قتله
فسموا مقتسمين؛ كما قال تعالى" :تقاسموا بال لنبيتنه وأهله" [النمل.]49 :
السيابع :قال الخفيش :هيم قوم اقتسيموا أيمانيا تحالفوا عليهيا .وقييل :إنهيم العاص بين وائل وعتبية
وشيبة ابنا ربيعة وأبو جهل بن هشام وأبو البختري بن هشام والنضر بن الحارث وأمية بن خلف
ومنبه بن الحجاج؛ ذكره الماوردي.
**3الية{ 91 :الذين جعلوا القرآن عضين}
@ هذه صفة المقتسمين .وقيل :هو مبتدأ وخبره "لنسألنهم" .وواحد العضين عضة ،من عضيت
الشييء تعضيية أي فرقتيه؛ وكيل فرقية عضية .وقال بعضهيم :كانيت فيي الصيل عضوة فنقصيت
الواو ،ولذلك جمعت عضين؛ كما قالوا :عزين في جمع عزة ،والصل عزوة .وكذلك ثبة وثبين.
ويرجييع المعنييى إلى مييا ذكرناه فييي المقتسييمين .قال ابيين عباس( :آمنوا ببعييض وكفروا ببعييض).
وقييل :فرقوا أقاويلهيم فييه فجعلوه كذبيا وسيحرا وكهانية وشعرا .عضوتيه أي فرقتيه .قال الشاعير -
هو رؤبة : -
وليس دين ال بالمعضى
أي بالمفرق .ويقال :نقصيانه الهاء وأصيله عضهية؛ لن العضيه والعضيين فيي لغية قرييش السيحر.
وهم يقولون للساحر :عاضه وللساحرة عاضهة .قال الشاعر:
ت في عُقَد العاضه ال ُمعْضه أعوذ بربي من النافثا
وفيي الحدييث :لعين رسيول ال صيلى ال علييه وسيلم العاضهية والمسيتعضهة ،وفسير :السياحرة
والمسييتسحرة .والمعنييى :أكثروا البهييت على القرآن ونوعوا الكذب فيييه ،فقالوا :سييحر وأسيياطير
الوليين ،وأنيه مفترى ،إلى غيير ذلك .ونظيير عضية فيي النقصيان شفية ،والصيل شفهية .كميا قالوا:
سينة ،والصيل سينهة ،فنقصيوا الهاء الصيلية وأثبتيت هاء العلمية وهيي للتأنييث .وقييل :هيو مين
العضيه وهيي النميمية .والعضيهية البهتان ،وهيو أن يعضيه النسيان ويقول ،فييه ميا لييس فييه .يقال
عضهييه عضهييا رماه بالبهتان .وقييد أعضهييت أي جئت بالبهتان .قال الكسييائي :العضيية الكذب
والبهتان ،وجمعهيا عضون؛ مثيل عزة وعزون؛ قال تعالى" :الذيين جعلوا القرآن عضيين" .ويقال:
عضوه أي آمنوا بما أحبوا منه وكفروا بالباقي ،فأحب كفرهم إيمانهم .وكان الفراء يذهب إلى أنه
مأخوذ من العضاة ،وهي شجر الوادي ويخرج كالشوك.
**3اليتان{ 93 - 92 :فوربك لنسألنهم أجمعين ،عما كانوا يعملون}
@قوله تعالى" :فوربيك لنسيألنهم أجمعيين" أي لنسيألن هؤلء الذيين جرى ذكرهيم عميا عملوا فيي
الدنيييا .وفييي البخاري :وقال عدة ميين أهييل العلم فييي قوله" :فوربييك لنسييألنهم أجمعييين عمييا كانوا
يعملون" عن ل إله إل ال.
قلت :وهذا قييد روي مرفوعييا ،روى الترمذي الحكيييم قال :حدثنييا الجارود بيين معاذ قال حدثنييا
الفضل بن موسى عن شريك عن ليث عن بشير بن نهيك عن أنس بن مالك عن رسول ال صلى
ال عليه وسلم في قوله" :فوربك لنسألنهم أجمعين عما كانوا يعمون" قال( :عن قول ل إله إل ال)
قال أبيو عبدال :معناه عندنيا عين صيدق ل إله إل ال ووفائهيا؛ وذلك أن ال تعالى ذكير فيي تنزيله
العمييل فقال" :عمييا كانوا يعملون" ولم يقييل عمييا كانوا يقولون ،وإن كان قييد يجوز أن يكون القول
أيضيا عميل اللسيان ،فإنميا المعنيي بيه ميا يعرفيه أهيل اللغية أن القول قول والعميل عميل .وإنميا قال
رسيول ال صيلى ال علييه وسيلم( :عين ل إله إل ال) أي عين الوفاء بهيا والصيدق لمقالهيا .كميا قال
الحسيين البصييري :ليييس اليمان بالتحلي ول الدييين بالتمنييي ولكيين مييا وقيير فييي القلوب وصييدقته
العمال .ولهذا ما قال رسول ال صلى ال عليه وسلم( :من قال ل إله إل ال مخلصا دخل الجنة)
قييل :ييا رسيول ال ،وميا إخلصيها؟ قال( :أن تحجزه عين محارم ال) .رواه زييد بين أرقيم .وعنيه
أيضا قال قال رسول ال صلى ال عليه وسلم( :إن ال عهد إلي أل يأتيني أحد من أمتي بل إله إل
ال ل يخلط بهيا شيئا إل وجبيت له الجنة) قالوا :ييا رسيول ال ،وميا الذي يخلط بل إله إل ال؟ قال:
(حرصا على الدنيا وجمعا لها ومنعا لها ،يقولون قول النبياء ويعملون أعمال الجبابرة) .وروى
أنس بن مالك قال قال رسول ال صلى ال عليه وسلم( :ل إله إل ال تمنع العباد من سخط ال ما
لم يؤثروا صيفقة دنياهيم على دينهيم فإذا آثروا صيفقة دنياهيم على دينهيم ثيم قالوا ل إله إل ال ردت
عليهم وقال ال كذبتم) .أسانيدها في نوادر الصول.
قلت :والية بعمومها تدل على سؤال الجميع) ومحاسبتهم كافرهم ومؤمنهم ،إل من دخل الجنة
بغيير حسياب على ميا بيناه فيي كتاب (التذكرة) .فإن قييل :وهيل يسيأل الكافير ويحاسيب؟ قلنيا :فييه
خلف وذكرناه فيييي التذكرة .والذي يظهييير سيييؤال ،لليييية وقوله" :وقفوهيييم إنهيييم مسيييؤولون"
[الصيافات ]24 :وقوله" :إن إلينيا إيابهيم ثم إن علينا حسابهم" [الغاشية .]26 - 25 :فإن قييل:
فقيد قال تعالى" :ول يسيأل عين ذنوبهيم المجرمون" [القصيص ]78 :وقال" :فيومئذ ل يسيأل عين
ذنبه إنس ول جان" [الرحمن ،]39 :وقال" :ول يكلمهم ال" [البقرة ،]174 :وقال" :إنهم عن
ربهم يومئذ لمحجوبون" [المطففين .]15 :قلنا :القيامة مواطن ،فموطن يكون فيه سؤال وكلم،
وموطين ل يكون ذلك فييه .قال عكرمية :القيامية مواطين ،يسيأل فيي بعضهيا ول يسيأل فيي بعضهيا.
وقال ابيين عباس( :ل يسييألهم سييؤال اسييتخبار واسييتعلم هييل عملتييم كذا وكذا؛ لن ال عالم بكييل
شييء ،ولكين يسيألهم سيؤال تقرييع وتوبييخ فيقول لهيم :لم عصييتم القرآن وميا حجتكيم فييه؟ واعتميد
قطرب هذا القول .وقيييل" :لنسييألنهم أجمعييين" يعنييي المؤمنييين المكلفييين؛ بيانييه قوله تعالى" :ثييم
لتسئلن يومئذ عن النعيم" [التكاثر .]8 :والقول بالعموم أولى كما ذكر .وال أعلم.
**3اليتان{ 95 - 94 :فاصدع بما تؤمر وأعرض عن المشركين ،إنا كفيناك المستهزئين}
@قوله تعالى" :فاصيدع بميا تؤمير" أي بالذي تؤمير بيه ،أي بلغ رسيالة ال جمييع الخلق لتقوم
الحجيية عليهييم ،فقييد أمرك ال بذلك .والصييدع :الشييق .وتصييدع القوم أي تفرقوا؛ ومنييه "يومئذ
يصدعون" [الروم ]43 :أي يتفرقون .وصدعته فانصدع أي انشق .أصل الصدع الفرق والشق.
قال أبو ذؤيب يصف الحمار وأتنه:
يفيض على القداح ويصدع وكأنهن ربابة وكأنه يسر
أي يفرق ويشيق .فقوله" :اصيدع بميا تؤمير" قال الفراء :أراد فاصيدع بالمير ،أي أظهير دينيك ،فيي
"ما" مع الفعل على هذا بمنزلة المصدر .وقال ابن العرابي :معنى اصدع بما تؤمر ،أي اقصد.
وقييل" :فاصيدع بميا تؤمير" أي فرق جمعهيم وكلمتهيم بأن تدعوهيم إلى التوحييد فإنهيم يتفرقون بأن
يجيب البعض؛ فيرجع الصدع على هذا إلى صدع جماعة الكفار.
@قوله تعالى" :وأعرض عن المشركين" أي عن الهتمام باستهزائهم وعن المبالة بقولهم ،فقد
برأك ال عمييا يقولون .وقال ابيين عباس( :هييو منسييوخ بقوله "فاقتلوا المشركييين" [التوبيية.)]5 :
وقال عبدال بن عبيد :ما زال النبي صلى ال عليه وسلم مستخفيا حتى نزل قوله تعالى" :فاصدع
بميا تؤمير" فخرج هيو وأصيحابه .وقال مجاهيد :أراد الجهير بالقرآن فيي الصيلة" .وأعرض عين
المشركيين" ل تبال بهيم .قال ابين إسيحاق :لميا تمادوا فيي الشير وأكثروا برسيول ال صيلى ال علييه
وسيييلم السيييتهزاء أنزل ال تعالى "فاصيييدع بميييا تؤمييير وأعرض عييين المشركيييين .إنيييا كفيناك
المستهزئين .الذين يجعلون مع ال إلها آخر فسوف يعلمون" .والمعنى :اصدع بما تؤمر ول تخف
غير ال؛ فإن ال كافيك من أذاك كما كفاك المستهزئين ،وكانوا خمسة من رؤساء أهل مكة ،وهم
الوليييد بيين المغيرة وهييو رأسييهم ،والعاص بيين وائل ،والسييود بيين المطلب بيين أسييد أبييو زمعيية.
والسيود بين عبيد يغوث ،والحارث بين الطلطلة ،أهلكهيم ال جميعيا ،قييل يوم بدر فيي يوم واحيد؛
لستهزائهم برسول ال صلى ال عليه وسلم .وسبب هلكهم فيما ذكر ابن إسحاق :أن جبريل أتى
رسيول ال صيلى ال علييه وسيلم وهيم يطوفون بالبييت ،فقام وقام رسيول ال صيلى ال علييه وسيلم
فمير به السود بن المطلب فرمى في وجهه بورقة خضراء فعميي ووجعت عينه ،فجعل يضرب
حبَنيا.
برأسيه الجدار .ومير بيه السيود بين عبيد يغوث فأشار إلى بطنيه فاسيتسقى بطنيه فمات منيه َ
حبِن للمفعول عظم بطنه بالماء الصفر ،فهو أحبن ،والمرأة حبناء؛ حبَنا و ُ
(يقال :حبِن (بالكسر) َ
قاله في الصحاح) .ومر به الوليد بن المغيرة فأشار إلى أثر جرح بأسفل كعب رجله ،وكان أصابه
قبل ذلك بسنين ،وهو يجر سبله ،وذلك أنه مر برجل من خزاعة يريش نبل له فتعلق سهم من نبله
بإزاره فخدش فييي رجله ذلك الخدش ولييس بشييء ،فانتقيض بيه فقتله .ومير بيه العاص بين وائل
فأشار إلى أخميص رجله ،فمرج على حمار له يرييد الطائف ،فربيض بيه على شبرمية فدخلت فيي
أخميص رجله شوكية فقتلتيه .ومير بيه الحارث بين الطلطلة ،فأشار إلى رأسيه فامتخيط قيحيا فقتله.
وقيد ذكير فيي سيبب موتهيم اختلف قرييب مين هذا .وقييل :إنهيم المراد بقوله تعالى" :فخير عليهيم
السقف من فوقهم" [النحل ]26 :شبه ما أصابهم في موتهم بالسقف الواقع عليهم؛ على ما يأتي.
**3الية{ 96 :الذين يجعلون مع ال إلها آخر فسوف يعلمون}
@ هذه صفة المستهزئين .وقيل :هو ابتداء وخبره "فسوف يعلمون".
**3الية{ 97 :ولقد نعلم أنك يضيق صدرك بما يقولون}
@قوله تعالى" :ولقد نعلم أنك يضيق صدرك" أي قلبك؛ لن الصدر محل القلب" .بما يقولون"
أي بما تسمعه من تكذيبك ورد قولك ،وتنال .ويناله أصحابك من أعدائك.
**3الية{ 98 :فسبح بحمد ربك وكن من الساجدين}
@قوله تعالى" :فسبح بحمد ربك" أي فافزع إلى الصلة ،فهي غاية التسبيح ونهاية التقديس.
@قوله تعالى" :وكن مين الساجدين" ل خفاء أن غاية القرب فيي الصلة حال السجود ،كميا قال
علييه السيلم( :أقرب ميا يكون العبيد مين ربيه وهيو سياجد فأخلصيوا الدعاء) .ولذلك خيص السيجود
بالذكر
قال ابن العربي :ظن بعض الناس أن المراد بالمر هنا السجود نفسه ،فرأى هذا الموضع محل
سجود في القرآن ،وقد شاهدت المام بمحراب زكريا من البيت المقدس طهره ال ،يسجد في هذا
الموضع وسجدت معه فيها ،ولم يره جماهير العلماء.
قلت :قد ذكر أبو بكر النقاش أن ههنا سجدة عند أبي حذيفة ويمان بن رئاب ،ورأى أنها واجبة
**3الية{ 99 :واعبد ربك حتى يأتيك اليقين}
@ فييه مسيألة واحدة :وهيو أن اليقيين الموت .أمره بعبادتيه إذ قصير عباده فيي خدمتيه ،وأن ذلك
يجب عليه .فإن قيل :فما فائدة قوله" :حتى يأتيك اليقين" وكان قوله" :واعبد ربك" كافيا في المر
بالعبادة .قييل له :الفائدة فيي هذا أنيه لو قال" :واعبيد ربيك" مطلقيا ثيم عبده مرة واحدة كان مطيعيا؛
وإذا قال "حتيى يأتييك اليقيين" كان معناه ل تفارق هذا حتيى تموت .فإن قييل :كييف قال سيبحانه:
"واعبد ربك حتى يأتيك اليقين" ولم يقل أبدا؛ فالجواب أن اليقين أبلغ من قوله :أبدا؛ لحتمال لفظ
البيد للحظية الواحدة ولجمييع البيد .وقيد تقدم هذا المعنيى .والمراد اسيتمرار العبادة مدة حياتيه ،كميا
قال العبيد الصيالح :وأوصياني بالصيلة والزكاة ميا دميت حييا .ويتركيب على هذا أن الرجيل إذا قال
لمرأته :أنت طالق أبدا ،وقال :نويت يوما أو شهرا كانت عليه الرجعة .ولو قال :طلقتها حياتها لم
يراجعها .والدليل على أن اليقين الموت حديث أم العلء النصارية ،وكانت من المبايعات ،وفيه:
فقال رسيول ال صيلى ال علييه وسيلم( :أميا عثمان -أعنيي عثمان بين مظعون -فقيد جاءه اليقيين
وإنيي لرجيو له الخيير وال ميا أدري وأنيا رسيول ال ميا يفعيل بيه) وذكير الحدييث .انفرد بإخراجيه
البخاري رحميه ال وكان عمير بين عبدالعزييز يقول :ميا رأييت يقينيا أشبيه بالشيك مين يقيين الناس
بالموت ثم ل يستعدون له؛ يعني كأنهم فيه شاكون .وقد قيل :إن اليقين هنا الحق الذي ل ريب فيه
مين نصيرك على أعدائك؛ قال ابين شجرة؛ والول أصيح ،وهيو قول مجاهيد وقتادة والحسين .وال
اعلم .وقيد روى جيبير بين نفيير عين أبيي مسيلم الخولنيي أنيه سيمعه يقول إن النيبي صيلى ال علييه
وسلم قال( :ما أوحي إلي أن أجمع المال وأكون من التاجرين لكن أوحي إلي أن سبح بحمد ربك
وكن من الساجدين واعبد ربك حتى يأتيك اليقين).
**2سورة النحل
**3مقدمة السورة
@ سيورة النحيل وهيي مكيية كلهيا فيي قول الحسين وعكرمية وعطاء وجابر .وتسيمى سيورة النعيم
بسبب ما عدد ال فيها من نعمه على عباده .وقيل :هي مكية غير قوله تعالى" :وإن عاقبتم فعاقبوا
بمثيل ميا عوقبتيم بيه" [النحيل ]126 :اليية؛ نزلت بالمدينية فيي شأن التمثييل بحمزة وقتلى أحيد.
وغير قوله تعالى" :واصبر وما صبرك إل بال" [النحل .]127 :وغير قوله" :ثم إن ربك للذين
هاجروا" [النحيل ]110:اليية .وأميا قوله" :والذيين هاجروا فيي ال مين بعيد ميا ظلموا" [النحيل:
]41فمكي ،في شأن هجرة الحبشة .وقال ابن عباس :هي مكية إل ثلث آيات منها نزلت بالمدينة
بعيد قتيل حمزة ،وهيي قوله" :ول تشتروا بعهيد ال ثمنيا قليل" إلى قوله "بأحسين ميا كانوا يعملون"
[النحل.]95 :
**3الية{ 1 :أتى أمر ال فل تستعجلوه سبحانه وتعالى عما يشركون}
@قوله تعالى" :أتيى أمير ال فل تسيتعجلوه" قييل" :أتيى" بمعنيى يأتيي؛ فهيو كقولك :إن أكرمتنيي
أكرمتيك .وقيد تقدم أن أخبار ال تعالى فيي الماضيي والمسيتقبل سيواء؛ لنيه آت ل محالة ،كقوله:
"ونادى أصحاب الجنة أصحاب النار" [العراف .]44 :و"أمر ال" عقابه لمن أقام على الشرك
وتكذيب رسوله .قال الحسن وابن جريج والضحاك :إنه ما جاء به القرآن من فرائضه وأحكامه.
وفيه بعد؛ لنه لم ينقل أن أحدا من الصحابة استعجل فرائض ال من قبل أن تفرض عليهم ،وأما
مسيتعجلو العذاب والعقاب فذلك منقول عين كثيير مين كفار قرييش وغيرهيم ،حتيى قال النضير بين
الحارث" :اللهم إن كان هذا هو الحق من عندك" الية ،فاستعجل العذاب.
قلت :قيد يسيتدل الضحاك بقول عمير رضيي ال عنيه :وافقيت ربيي فيي ثلث :فيي مقام إبراهييم،
وفيي الحجاب ،وفيي أسيارى بدر؛ خرجيه مسيلم والبخاري .وقال الزجاج :هيو ميا وعدهيم بيه مين
المجازاة على كفرهم ،وهو كقوله" :حتى إذا جاء أمرنا وفار التنور" [هود .]40 :وقيل :هو يوم
القيامية أو ميا يدل على قربهيا مين أشراطهيا .قال ابين عباس :لميا نزلت "اقتربيت السياعة وانشيق
القمير" [القمير ]1 :قال الكفار :إن هذا يزعيم أن القيامية قيد قربيت ،فأمسيكوا عين بعيض ميا كنتيم
تعملون ،فأمسييكوا وانتظروا فلم يروا شيئا ،فقالوا :مييا نرى شيئا فنزلت "اقترب للناس حسييابهم"
[النيبياء ]1 :اليية .فأشفقوا وانتظروا قرب السياعة ،فامتدت اليام فقالوا :ميا نرى شيئا فنزلت
"أتى أمر ال" فوثب رسول ال صلى ال عليه وسلم والمسلمون وخافوا؛ فنزلت "فل تستعجلوه"
فاطمأنوا ،فقال النيبي صيلى ال علييه وسيلم( :بعثيت أنيا والسياعة كهاتيين) وأشار بأصيبعيه :السيبابة
والتيي تليهيا .يقول( :إن كادت لتسيبقني فسيبقتها) .وقال ابين عباس :كان بعيث النيبي صيلى ال علييه
وسيلم مين أشراط السياعة ،وأن جبرييل لميا أمير بأهيل السيماوات مبعوثيا إلى محميد صيلى ال علييه
وسلم قالوا ال أكبر ،قد قامت الساعة.
@قوله تعالى" :سبحانه وتعالى عما يشركون" أي تنزيها له عما يصفونه به من أنه ل يقدر على
قيام السييياعة ،وذلك أنهيييم يقولون :ل يقدر أحيييد على بعيييث الموات ،فوصيييفوه بالعجيييز الذي ل
يوصف به إل المخلوق ،وذلك شرك .وقيل" :عما يشركون" أي عن إشراكهم .وقيل" :ما" بمعنى
الذي أي ارتفع عن الذين أشركوا به.
**3الية{ 2 :ينزل الملئكة بالروح من أمره على من يشاء من عباده أن أنذروا أنه ل إله إل
أنا فاتقون}
@ قرأ المفضيل عين عاصيم " َت َنزّل الملئكةُ" والصيل تتنزل ،فالفعيل مسيند إلى الملئكية .وقرأ
الكسيائي عين أبيي بكير عين عاصيم باختلف عنيه والعميش " ُتنَزّل الملئكةُ" غيير مسيمى الفاعيل.
وقرأ الجعفيي عين أبيي بكير عين عاصيم " ُتنَزّل الملئكةَ" بالنون مسيمى الفاعيل ،الباقون " ُي َنزّل"
بالياء مسيمى الفاعيل ،والضميير فييه لسيم ال عيز وجيل .وروي عين قتادة "تنزل الملئكية" بالنون
والتخفيييف .وقرأ العمييش "تنزل" بفتييح التاء وكسيير الزاي ،ميين النزول" .الملئكيية" رفعييا مثييل
"تنزل الملئكية" [القدر" ]4 :بالروح" أي بالوحيي وهيو النبوة؛ قاله ابين عباس .نظيره "يلقيي
الروح مين أمره على مين يشاء مين عباده" [غافير .]15 :الربييع بين أنيس :بكلم ال وهيو القرآن.
وقيييل :هييو بيان الحييق الذي يجييب اتباعييه .وقيييل أرواح الخلق؛ قاله قتادة ،ل ينزل ملك إل ومعييه
روح .وكذا روي عين ابين عباس أن الروح خلق مين خلق ال عيز وجيل كصيور ابين آدم ،ل ينزل
من السماء ملك إل ومعه واحد منهم .وقيل بالرحمة؛ قاله الحسن وقتادة .وقيل بالهداية؛ لنها تحيا
بهيا القلوب كميا تحييا بالرواح البدان ،وهيو معنيى قول الزجاج .قال الزجاج :الروح ميا كان فييه
مييين أمييير ال حياة بالرشاد إلى أمره .وقال أبيييو عيييبيدة :الروح هنيييا جبرييييل .والباء فيييي قوله:
"بالروح" بمعنيى ميع ،كقولك :خرج بثيابه ،أي ميع ثيابيه" .من أمره" أي بأمره" .على من يشاء
مين عباده" أي على الذيين اختارهيم ال للنبوة .وهذا رد لقولهيم" :لول نزل هذا القرآن على رجيل
مين القريتيين عظييم" [الزخرف" .]31 :أن أنذروا أنيه ل إله إل أنيا فاتقون" تحذيير مين عبادة
الوثان ،ولذلك جاء النذار؛ لن أصييله التحذييير ممييا يخاف منييه .ودل على ذلك قوله" :فاتقون".
و"أن" فيي موضيع نصيب بنزع الخافيض ،أي بأن أنذروا أهيل الكفير بأنيه ل إله إل ال" ،فأن" فيي
محل نصب بسقوط الخافض أو بوقوع النذار عليه.
**3الية{ 3 :خلق السماوات والرض بالحق تعالى عما يشركون}
@قوله تعالى" :خلق السماوات والرض بالحق" أي للزوال والفناء .وقيل" :بالحق" أي للدللة
على قدرته ،وأن له أن يتعبد العباد بالطاعة وأن يحيى بعد الموت" .تعالى عما يشركون" أي من
هذه الصنام التي ل تقدر على خلق شيء.
**3الية{ 4 :خلق النسان من نطفة فإذا هو خصيم مبين}
@قوله تعالى" :خلق النسان من نطفة" لما ذكر الدليل على توحيده ذكر بعده النسان ومناكدته
وتعدي طوره .و"النسان" اسم للجنس .وروي أن المراد به أبي بن خلف الجمحي ،جاء إلى النبي
صلى ال عليه وسلم بعظم رميم فقال :أترى يحيي ال هذا بعد ما قد رم .وفي هذا أيضا نزل "أولم
ير النسان أنا خلقناه من نطفة فإذا هو خصيم مبين" [يس ]77 :أي خلق النسان من ماء يخرج
من بين الصلب والترائب ،فنقله أطوارا إلى أن ولد ونشأ بحيث يخاصم في المور .فمعنى الكلم
التعجيب مين النسيان "وضرب لنيا مثل ونسيي خلقيه" [ييس ]78 :وقوله" :فإذا هيو خصييم" أي
مخاصيم ،كالنسييب بمعنيى المناسيب .أي يخاصيم ال عيز وجيل فيي قدرتيه .و"ميبين" أي ظاهير
الخصيومة .وقييل :ييبين عين نفسيه الخصيومة بالباطيل .والميبين :هيو المفصيح عميا فيي ضميره
بمنطقه.
**3الية{ 5 :والنعام خلقها لكم فيها دفء ومنافع ومنها تأكلون}
@قوله تعالى" :والنعام خلقها لكم" لما ذكر النسان ذكر ما من به عليه .والنعام :البل والبقر
والغنم .وأكثر ما يقال :نعم وأنعام للبل ،ويقال للمجموع ول يقال للغنم مفردة .قال حسان:
إلى عذراء منزلها خلء عفت ذات الصابع فالجواء
تعفيها الروامس والسماء ديار من بني الحسحاس قفر
خلل مروجها نعم وشاء وكانت ل يزال بها أنيس
فالنعيم هنيا البيل خاصية .وقال الجوهري :والنعيم واحيد النعام وهيي المال الراعيية ،وأكثير ميا يقيع
هذا السيم على البيل .قال الفراء :هيو ذكير ل يؤنيث ،يقولون :هذا نعيم وارد ،ويجميع على نعمان
مثيل حميل وحملن .والنعام تذكير وتؤنيث؛ قال ال تعالى" :مميا فيي بطونيه" [النحيل .]66:وفيي
موضيع "مميا فيي بطونهيا" [المؤمنون .]21 :وانتصيب النعام عطفيا على النسيان ،أو بفعيل
مقتدر ،وهو أوجه.
@قوله تعالى" :دفيء" الدفيء :السيخانة ،وهيو ميا اسيتدفئ بيه مين أصيوافها وأوبارهيا وأشعارهيا،
ملبييس ولحييف وقطييف .وروي عيين ابيين عباس :دفؤهييا نسييلها؛ وال أعلم قال الجوهري فييي
الصيحاح :الدفيء نتاج البيل وألبانهيا وميا ينتفيع بيه منهيا؛ قال ال تعالى" :لكيم فيهيا دفيء" .وفيي
الحدييث (لنيا مين دفئهيم ميا سيلموا بالميثاق) .والدفيء أيضيا السيخونة ،تقول منيه :دفيئ الرجيل دفاءة
مثل كره كراهة .وكذلك دفئ دفأ مثل ظمئ ظمأ .والسم الدفء بالكسر وهو الشيء الذي يدفئك،
والجميع الدفاء .تقول :ميا علييه دفيء؛ لنيه اسيم .ول تقول :ميا علييك دفاءة؛ لنيه مصيدر .وتقول:
اقعيد فيي دفيء هذا الحائط أي ركنيه .ورجيل دفيئ على فعيل إذا لبيس ميا يدفئه .وكذلك رجيل دفآن
وامرأة دفأى .وقيد أدفأه الثوب وتدفيأ هيو بالثوب واسيتدفأ بيه ،وأدفيأ بيه وهيو افتعيل؛ أي ميا لبيس ميا
يدفئه .ودفؤت ليلتنييا ،ويوم دفيييء على فعيييل وليلة دفيئة ،وكذلك الثوب والبيييت .والمدفئة البييل
الكثيرة؛ لن بعضها يدفئ بعضا بأنفاسها ،وقد يشدد .والمدفأة البل الكثيرة الوبار والشحوم؛ عن
الصمعي .وأنشد الشماخ:
على أثباجهن من الصقيع وكيف يضيع صاحب مدفآت
@قوله تعالى" :ومنافع" قال ابن عباس :المنافع نسل كل دابة .مجاهد :الركوب والحمل واللبان
واللحوم والسيمن" .ومنهيا تأكلون" أفرد منفعية الكيل بالذكير لنهيا معظيم المنافيع .وقييل :المعنيى
ومن لحومها تأكلون عند الذبح.
@ دلت هذه اليية على لباس الصيوف ،وقيد لبسيه رسيول ال صيلى ال علييه وسيلم والنيبياء قبله
كموسى وغيره .وفي حديث المغيرة :فغسل وجهه وعليه جبة من صوف شامية ضيقة الكمين...
الحديييث ،خرجييه مسييلم وغيره .قال ابيين العربييي :وهييو شعار المتقييين ولباس الصييالحين وشارة
الصيحابة والتابعيين ،واختيار الزهاد والعارفيين ،وهيو يلبيس لينيا وخشنيا وجيدا ومقاربيا ورديئا،
وإليه نسب جماعة من الناس الصوفية؛ لنه لباسهم في الغالب ،فالياء للنسب والهاء للتأنيث .وقد
انشدني بعض أشياخهم بالبيت المقدس طهره ال:
فيه وظنوه مشتقا من الصوف تشاجر الناس في الصوفي واختلفوا
صافى فصوفي حتى سمي الصوفي ولست أنحل هذا السم غير فتى
**3الية{ 6 :ولكم فيها جمال حين تريحون وحين تسرحون}
@ الجمال ما يتجمل به ويتزين .والجمال :الحسن .وقد جمُل الرجل -بالضم -جمال فهو جميل،
والمرأة جميلة ،وجملء أيضا؛ عن الكسائي .وأنشد:
بذّت الخلق جميعا بالجمال فهي جملء كبدر طالع
وقول أبي ذؤيب:
جمالك أيها القلب القريح
يريييد :الزم تجملك وحياءك ول تجزع جزعييا قبيحييا .قال علماؤنييا :فالجمال يكون فييي الصييورة
وتركيييب الخلقيية ،ويكون فييي الخلق الباطنيية ،ويكون فييي الفعال .فأمييا جمال الخلقيية فهييو أميير
يدركيه البصير ويلقييه إلى القلب متلئميا ،فتتعلق بيه النفيس مين غيير معرفية بوجيه ذلك ول نسيبته
لحيد مين البشير .وأميا جمال الخلق فكونهيا على الصيفات المحمودة مين العلم والحكمية والعدل
والعفية ،وكظيم الغييظ وإرادة الخيير لكيل أحيد .وأميا جمال الفعال فهيو وجودهيا ملئمية لمصيالح
الخلق وقاضية لجلب المنافع فيهم وصرف الشر عنهم .وجمال النعام والدواب من جمال الخلقة،
وهيو مرئي بالبصيار موافيق للبصيائر .ومين جمالهيا كثرتهيا وقول الناس إذا رأوهيا هذه نعيم فلن؛
قاله السدي .ولنها إذا راحت توفر حسنها وعظم شأنها وتعلقت القلوب بها؛ لنها إذ ذاك أعظم ما
تكون أسيمنة وضروعيا؛ قاله قتادة .ولهذا المعنيى قدم الرواح على السيراح لتكاميل درهيا وسيرور
النفيس بهيا إذ ذاك .وال أعلم .وروى أشهيب عين مالك قال :يقول ال عيز وجيل "ولكيم فيهيا جمال
حييين تريحون وحييين تسييرحون" وذلك فييي المواشييي حييين تروح إلى المرعييى وتسييرح عليييه.
والرواح رجوعهيا بالعشيي مين المرعيى ،والسيراح بالغداة؛ تقول :سيرحت البيل أسيرحها سيرحا
وسروحا إذا غدوت بها إلى المرعى فخليتها ،وسرحت هي .المتعدي واللزم واحد.
**3الية{ 7 :وتحمل أثقالكم إلى بلد لم تكونوا بالغيه إل بشق النفس إن ربكم لرؤوف رحيم}
@قوله تعالى" :وتحميل أثقالكيم" الثقال أثقال الناس مين متاع وطعام وغيره ،وهيو ميا يثقيل
النسيييان حمله .وقييييل :المراد أبدانهيييم؛ يدل على ذلك قوله تعالى" :وأخرجيييت الرض أثقالهيييا"
[الزلزلة .]2 :والبلد مكة ،في قول عكرمة .وقيل :هو محمول على العموم في كل بلد مسلكه على
الظهير .وشيق النفيس :مشقتهيا وغايية جهدهيا .وقراءة العامية بكسير الشيين .قال الجوهري :والشيق
المشقية؛ ومنيه قوله تعالى" :لم تكونوا بالغييه إل بشيق النفيس" وهذا قيد يفتيح ،حكاه أبو عيبيدة .قال
المهدوي :وكسير الشيين وفتحهيا فيي "شيق" متقاربان ،وهميا بمعنيى المشقية ،وهيو مين الشيق فيي
العصيا ونحوهيا؛ لنيه ينال منهيا كالمشقية مين النسيان .وقال الثعلبيي :وقرأ أبيو جعفير "إل بشيق
النفيس" وهميا لغتان ،مثيل رق ورق وجيص وجيص ورطيل ورطيل .وينشيد قول الشاعير بكسير
الشين وفتحها:
أخي نصب من شقها ودؤوب وذي إبل يسعى ويحسبها له
ويجوز أن يكون بمعمى المصدر ،من شققت عليه شقا .والشق أيضا بالكسر النصف ،يقال :أخذت
شيق الشاة وشقية الشاة .وقيد يكون المراد مين اليية هذا المعنيى؛ أي لم تكونوا بالغييه إل بنقيص مين
القوة وذهاب شييق منهييا ،أي لم تكونوا تبلغوه إل بنصييف قوى أنفسييكم وذهاب النصييف الخيير.
والشق أيضا الناحية من الجبل .وفي حديث أم زرع :وجدني في أهل غنيمة بشق .قال أبو عبيد:
هيو اسيم موضيع .والشيق أيضيا :الشقييق ،يقال :هيو أخيي وشيق نفسيي .وشيق اسيم كاهين مين كهان
العرب .والشق أيضا :الجانب؛ ومنه قول امرئ القيس:
بشق وتحتي شقها لم يحول إذا ما بكى من خلفها انصرفت له
فهو مشترك.
@ منّ ال سبحانه بالنعام عموما ،وخص البل هنا بالذكر في حمل الثقال على سائر النعام؛
فإن الغنيم للسيرح والذبيح ،والبقير للحرث ،والبيل للحميل .وفيي صيحيح مسيلم عين أبيي هريرة قال
قال رسيول ال صيلى ال علييه وسيلم( :بينميا رجيل يسيوق بقرة له قيد حميل عليهيا التفتيت إلييه البقرة
فقالت إنييي لم أخلق لهذا ولكنييي إنمييا خلقييت للحرث فقال الناس سييبحان ال تعجبييا وفزعييا أبقرة
تتكلم)؟ فقال رسول ال صلى ال عليه وسلم( :وإني أومن به وأبو بكر وعمرو) .فدل هذا الحديث
على أن البقر ل يحمل عليها ول تركب ،وإنما هي للحرث وللكل والنسل والرسل.
@ في هذه الية دليل على جواز السفر بالدواب وحمل الثقال عليها .ولكن على قدر ما تحتمله
من غير إسراف فيي الحمل مع الرفق في السير .وقد أمر النبي صلى ال عليه وسلم بالرفيق بها
والراحة لها ومراعاة التفقد لعلفها وسقيها .وروى مسلم من حديث أبي هريرة قال قال رسول ال
صيلى ال علييه وسيلم( :إذا سيافرتم فيي الخصيب فأعطوا البيل حظهيا مين الرض وإذا سيافرتم فيي
السينة فبادروا بهيا نقيهيا) رواه مالك فيي الموطيأ عين أبيي عبييد عين خالد بين معدان .وروى معاويية
بن قرة قال :كان لبي الدرداء جمل يقال له دمون ،فكان يقول :يا دمون ،ل تخاصمني عند ربك.
فالدواب عجيم ل تقدر أن تحتال لنفسيها ميا تحتاج إلييه ،ول تقدر أن تفصيح بحوائجهيا ،فمين ارتفيق
بمرافقها ثم ضيعها من حوائجها فقد ضيع الشكر وتعرض للخصومة بين يدي ال تعالى .وروى
مطر بن محمد قال :حدثنا أبو داود قال حدثنا ابن خالد قال حدثنا المسيب بن آدم قال .رأيت عمر
بن الخطاب رضي ال عنه ضرب جمال وقال :تحمل على بعيرك ما ل يطيق.
**3الية{ 8 :والخيل والبغال والحمير لتركبوها وزينة ويخلق ما ل تعلمون}
@قوله تعالى" :والخييل" بالنصيب معطوف ،أي وخلق الخييل .وقرأ ابين أبيي عبلة "والخييل
والبغال والحمير" بالرفع فيها كلها .وسميت الخيل خيل لختيالها في المشية .وواحد الخيل خائل،
كضائن واحيد ضيين .وقييل ل واحيد له .ولميا أفرد سيبحانه الخييل والبغال والحميير بالذكير دل على
أنهيا لم تدخيل تحيت لفيظ النعام وقييل دخلت ولكين أفردهيا بالذكير لميا يتعلق بهيا مين الركوب؛ فإنيه
يكثر في الخيل والبغال والحمير.
@ قال العلماء :ملكنيا ال تعالى النعام والدواب وذللهيا لنيا ،وأباح لنيا تسيخيرها والنتفاع بهيا
رحمة منه تعالى لنا ،وما ملكه النسان وجاز له تسخيره من الحيوان فكراؤه له جائز بإجماع أهل
العلم ،ل اختلف بينهم في ذلك .وحكم كراء الرواحل والدواب مذكور في كتب الفقه.
@ ل خلف بين العلماء فيي اكتراء الدواب والرواحل عليها والسفر بها؛ لقوله تعالى" :وتحمل
أثقالكم" [النحل ]7 :الية .وأجازوا أن يكري الرجل الدابة والراحلة إلى مدينة بعينها وإن لم يسم
أيين ينزل منهيا ،وكيم مين منهيل ينزل فييه ،وكييف صيفة سييره ،وكيم ينزل فيي طريقية ،واجتزوا
بالمتعارف بيين الناس فيي ذلك .قال علماؤنيا :والكراء يجري مجرى البيوع فيميا يحيل منيه ويحرم.
قال ابن القاسم فيمن اكترى دابة إلى موضع كذا بثوب مروي ولم يصف رقعته وذرعه :لم يجز؛
لن مالكا لم يجيز هذا في البيع ،ول يجيز في ثمن الكراء إل ما يجوز في ثمن البيع.
قلت :ول يختلف فييي هذا إن شاء ال؛ لن ذلك إجارة .قال ابيين المنذر :وأجمييع كيل مين يحفيظ
عنه من أهل العلم على أن من اكترى دابة ليحمل عليها عشرة أقفزة قمح فحمل عليها ما اشترط
فتلفييت أن ل شيييء عليييه .وهكذا إن حمييل عليهييا عشرة أقفزة شعييير .واختلفوا فيميين اكترى دابيية
ليحمييل عليهييا عشرة أقفزة فحمييل عليهييا أحييد عشيير قفيزا ،فكان الشافعييي وأبييو ثور يقولن :هييو
ضامن لقيمة الدابة وعليه الكراء .وقال ابن أبي ليلى :عليه قيمتها ول أجر عليه .وفيه قول ثالث -
وهو أن عليه الكراء وعليه جزء من أجر وجزء من قيمة الدابة بقدر ما زاد من الحمل؛ وهذا قول
النعمان ويعقوب ومحمييد .وقال ابيين القاسييم صيياحب مالك :ل ضمان عليييه فييي قول مالك إذا كان
القفيز الزائد ل يفدح الدابة ،ويعلم أن مثله ل تعطب فيه الدابة ،ولرب الدابة أجر القفيز الزائد مع
الكراء الول؛ لن عطبهييا ليييس ميين أجييل الزيادة .وذلك بخلف مجاوزة المسييافة؛ لن مجاوزة
المسافة َتعَد كله فيضمن إذا هلكت في قليله وكثيره .والزيادة على الحمل المشترط اجتمع فيه إذ نٌ
وتعد ،فإذا كانت الزيادة ل تعطب في مثلها علم أن هلكها مما أذن له فيه.
@ واختلف أهيل العلم فيي الرجيل يكتري الدابية بأجير معلوم إلى موضيع مسيمى ،فيتعدى فيجتاز
ذلك المكان ثيم يرجيع إلى المكان المأذون له فيي المصيير إلييه .فقالت طائفية :إذا جاوز ذلك المكان
ضمين ولييس علييه فيي التعدي كراء؛ هكذا قال الثوري .وقال أبيو حنيفية :الجير له فيميا سيمى ،ول
أجير له فيميا لم يسيم؛ لنيه خالف فهيو ضامين ،وبيه قال يعقوب .وقال الشافعيي :علييه الكراء الذي
سيمى ،وكراء المثيل فيميا جاوز ذلك ،ولو عطبيت لزميه قيمتهيا .ونحوه قال الفقهاء السيبعة ،مشيخية
أهيل المدينية قالوا :إذا بلغ المسيافة ثيم زاد فعلييه كراء الزيادة إن سيلمت وإن هلكيت ضمين .وقال
أحميد وإسيحاق وأبيو ثور :علييه الكراء والضمان .قال ابين المنذر :وبيه نقول .وقال ابين القاسيم :إذا
بلغ المكتري الغايية التيي اكترى إليهيا ثيم زاد ميل ونحوه أو أميال أو زيادة كثيرة فعطبيت الدابية،
فلربهييا كراؤه الول والخيار فييي أخذه كراء الزائد بالغييا مييا بلغ ،أو قيميية الدابيية يوم التعدي .ابيين
المواز :وقيد روى أنيه ضامين ولو زاد خطوة .وقال ابين القاسيم عين مالك فيي زيادة المييل ونحوه:
وأميا ميا يعدل الناس إلييه فيي المرحلة فل يضمين .وقال ابين حيبيب عين ابين الماجشون وأصيبغ :إذا
كانت الزيادة يسيرة أو جاز المد الذي تكاراها إليه بيسير ،ثم رجع بها سالمة إلى موضع تكاراها
إليه فماتت ،أو ماتت في الطريق إلى الموضع الذي تكاراها إليه ،فليس له إل كراء الزيادة ،كرده
لميا تسيلف من الوديعية .ولو زاد كثيرا مميا فييه مقام اليام الكثيرة التيي يتغيير فيي مثلهيا سيوقها فهيو
ضامين ،كميا لو ماتيت فيي مجاوزة الميد أو المسيافة؛ لنيه إذا كانيت زيادة يسييرة مميا يعلم أن ذلك
مما لم يعن على قتلها فهلكها بعد ردها إلى الموضع المأذون له فيه كهلك ما تسلف من الوديعة
بعد رده ل محالة .وإن كانت الزيادة كثيرة فتلك الزيادة قد أعانت على قتلها.
@ قال ابين القاسيم وابين وهيب قال مالك قال ال تعالى" :والخييل والبغال والحميير لتركبوهيا
وزينية" فجعلهيا للركوب والزينية ولم يجعلهيا للكيل؛ ونحوه عين أشهيب .ولهذا قال أصيحابنا :ل
يجوز أكل لحوم الخيل والبغال والحمير؛ لن ال تعالى لما نص على الركوب والزينة دل على ما
عداه بخلفه .وقال في "النعام" "ومنها تأكلون" مع ما امتن ال منها من الدفء والمنافع ،فأباح
لنا أكلها بالذكاة المشروعة فيها .وبهذه الية احتج ابن عباس والحكم بن عيينة ،قال الحكم :لحوم
الخييل حرام فيي كتاب ال ،وقرأ هذه اليية والتيي قبلهيا وقال :هذه للكيل وهذه للركوب .وسيئل ابن
عباس عيين لحوم الخيييل فكرههيييا ،وتل هذه الييية وقال :هذه للركوب ،وقرأ الييية التيييي قبلهيييا
"والنعام خلقها لكم فيها دفء ومنافع" ثم قال :هذه للكل .وبه قال مالك وأبو حنيفة وأصحابهما
والوزاعيي ومجاهيد وأبيو عبييد وغيرهيم ،واحتجوا بميا أخرجيه أبيو داود والنسيائي والدارقطنيي
وغيرهم عن صالح بن يحيى بن المقدام بن معد يكرب عن أبيه عن جده عن خالد بن الوليد ،أن
رسيول ال صيلى ال علييه وسيلم نهيى يوم خييبر عين أكيل لحوم الخييل والبغال والحميير ،وكيل ذي
ناب من السباع أو مخلب من الطير .لفظ الدارقطني .وعند النسائي أيضا عن خالد بن الوليد أنه
سمع النبي صلى ال عليه وسلم يقول( :ل يحل أكل لحوم الخيل والبغال والحمير) .وقال الجمهور
مين الفقهاء والمحدثيين :هيي مباحية .وروي عين أبيي حنيفية .وشذت طائفية فقالت بالتحرييم؛ منهيم
الحكيم كميا ذكرنيا ،وروي عين أبيي حنيفية .حكيى الثلث روايات عنيه الرويانيي فيي بحير المذهيب
على مذهب الشافعي.
قلت :الصيحيح الذي يدل علييه النظير والخيبر جواز أكيل لحوم الخييل ،وأن اليية والحدييث ل
حجية فيهميا لزمية .أميا اليية فل دلييل فيهيا على تحرييم الخييل .إذ لو دلت علييه لدلت على تحرييم
لحوم الحمير ،والسورة مكية ،وأي حاجة كانت إلى تجدييد تحريم لحوم الحمير عام خيبر وقد ثبت
في الخبار تحليل الخيل على ما يأتي .وأيضا لما ذكر تعالى النعام ذكر الغلب من منافعها وأهم
ميا فيهيا ،وهيو حميل الثقال والكيل ،ولم يذكير الركوب ول الحرث بهيا ول غيير ذلك مصيرحا بيه،
وقييد تركييب ويحرث بهييا؛ قال ال تعالى" :الذي جعييل لكييم النعام لتركبوا منهييا ومنهييا تأكلون"
[غافر .]79:وقال في الخيل" :لتركبوها وزينة" فذكر أيضا أغلب منافعها والمقصود منها ،ولم
يذكير حميل الثقال عليهيا ،وقيد تحميل كميا هيو مشاهيد فلذلك لم يذكير الكيل .وقيد بينيه علييه السيلم
الذي جعل إليه بيان ما أنزل عليه ما يأتيي ،ول يلزم مين كونهيا خلقيت للركوب والزينية أل تؤكل،
فهذه البقرة قيد أنطقهيا خالقهيا الذي أنطيق كيل شييء فقالت :إنميا خلقيت للحرث .فيلزم مين علل أن
الخيل ل تؤكل لنها خلقت للركوب وأل تؤكل البقر لنها خلقت للحرث .وقد أجمع المسلمون على
جواز أكلهيا ،فكذلك الخييل بالسينة الثابتية فيهيا .روى مسيلم مين حدييث جابر قال :نهيى رسيول ال
صيلى ال علييه وسيلم يوم خييبر عين لحوم الحمير الهليية وأذن فيي لحوم الخييل .وقال النسيائي عين
جابر :أطعمنا رسول ال صلى ال عليه وسلم يوم خيبر لحوم الخيل ونهانا عن لحوم الحمر .وفي
روايية عين جابر قال :كنيا نأكيل لحوم الخييل على عهيد رسيول ال صيلى ال علييه وسيلم .فإن قييل:
الروايية عين جابر بأنهيم أكلوهيا فيي خييبر حكايية حال وقضيية فيي عيين ،فيحتميل أن يكونوا ذبحوا
لضرورة ،ول يحتيج بقضاييا الحوال .قلنيا :الروايية عين جابر وإخباره بأنهييم كانوا يأكلون لحوم
الخييل على عهيد رسيول ال صيلى ال علييه وسيلم يزييل ذلك الحتمال ،ولئن سيلمناه فمعنيا حدييث
أسيماء قالت :نحرنيا فرسيا على عهيد رسيول ال صيلى ال علييه وسيلم ونحين بالمدينية فأكلناه؛ رواه
مسلم .وكل تأويل من غير ترجيح في مقابلة النص فإنما هو دعوى ،ل يلتفت إليه ول يعرج عليه.
وقيد روى الدارقطنيي زيادة حسينة ترفيع كيل تأوييل فيي حدييث أسيماء ،قالت أسيماء :كان لنيا فرس
على عهيد رسيول ال صيلى ال علييه وسيلم أرادت أن تموت فذبحناهيا فأكلناهيا .فذبحهيا إنميا كان
لخوف الموت عليهيا ل لغيير ذلك مين الحوال .وبال التوفييق .فإن قييل :حيوان مين ذوات الحوافير
فل يؤكيل كالحمار؟ قلنيا :هذا قياس الشبيه وقيد اختلف أرباب الصيول فيي القول بيه ،ولئن سيلمناه
فهييو منتقييض بالخنزييير؛ فإنييه ذو ظلف وقييد باييين ذوات الظلف ،وعلى أن القياس إذا كان فييي
مقابلة النيص فهيو فاسيد الوضيع ل التفات إلييه .قال الطيبري :وفيي إجماعهيم على جواز ركوب ميا
ذكر للكل دليل على جواز أكل ما ذكر للركوب.
@ وأما البغال فإنهيا تلحق بالحميير ،إن قلنيا إن الخيل ل تؤكيل؛ فإنهيا تكون متولدة مين عينيين ل
يؤكلن .وإن قلنيا إن الخييل تؤكيل ،فإنهيا عيين متولدة مين مأكول وغيير مأكول فغلب التحرييم على
ميا يلزم فيي الصيول .وكذلك ذبيح المولود بيين كافريين أحدهميا مين أهيل الذكاة والخير لييس مين
أهلهيا ،ل تكون ذكاة ول تحيل بيه الذبيحية .وقيد علل تحرييم أكيل الحمار بأنيه أبدى جوهره الخيبيث
حيث نزا على ذكر وتلوط؛ فسمي رجسا.
@ في الية دليل على أن الخيل ل زكاة فيها؛ لن ال سبحانه من علينا بما أباحنا منها وكرمنا به
مين منافعهيا ،فغيير جائز أن يلزم فيهيا كلفية إل بدلييل .وقيد روى مالك عين عبدال بين دينار عين
سيليمان بين يسيار عين عراك بين مالك عين أبيي هريرة أن رسيول ال صيلى ال علييه وسيلم قال:
(لييس على المسيلم فيي عبده ول فرسيه صيدقة) .وروى أبيو داود عين أبيي هريرة عين رسيول ال
صلى ال عليه وسلم قال( :ليس في الخيل والرقيق زكاة إل زكاة الفطر في الرقيق) .وبه قال مالك
والشافعيي والوزاعي واللييث وأبو يوسيف ومحميد .وقال أبو حنيفية :إن كانيت إناثيا كلهيا أو ذكورا
وإناثيا ،ففيي كيل فرس دينار إذا كانيت سيائمة ،وإن شاء قومهيا فأخرج عين كيل مائتيي درهيم خمسية
دراهيم .واحتيج بأثير عين النيبي صيلى ال علييه وسيلم أنيه قال( :فيي الخييل السيائمة فيي كيل فرس
دينار) وبقوله صلى ال عليه وسلم( :الخيل ثلثة )...الحديث .وفيه( :ولم ينس حق ال في رقابها
ول ظهورهيا) .والجواب عين الول أنيه حدييث لم يروه إل غورك السيعدي عين جعفير عين محميد
عين أبييه عين جابر .قال الدارقطنيي :تفرد بيه غورك عين جعفير وهيو ضعييف جدا ،ومين دونيه
ضعفاء .وأما الحديث فالحيق المذكور فيه هو الخروج عليها إذا وقع النفيير وتعين بها لقتال العدو
إذا تعيين ذلك علييه ،ويحميل المنقطعيين عليهيا إذا احتاجوا لذلك ،وهذا واجيب علييه إذا تعيين ذلك،
كميا يتعيين علييه أن يطعمهيم عنيد الضرورة ،فهذه حقوق ال فيي رقابهيا .فإن قييل :هذا هيو الحيق
الذي في ظهورها وبقي الحق الذي في رقابها؛ قيل :قد روي (ل ينسى حق ال فيها) ول فرق بين
قوله( :حيق ال فيهيا) أو (فيي رقابهيا وظهورهيا) فإن المعنيى يرجيع إلى شييء واحيد؛ لن الحيق
يتعلق بجملتهيا .وقيد قال جماعية مين العلماء :إن الحيق هنيا حسين ملكهيا وتعهيد شبعهيا والحسيان
إليها وركوبها غير مشقوق عليها؛ كما جاء في الحديث (ل تتخذوا ظهورها كراسي) .وإنما خص
رقابهيييا بالذكييير لن الرقاب والعناق تَسييْتعّار كثيرا فيييي مواضيييع الحقوق اللزمييية والفروض
الواجبية؛ ومنيه قوله تعالى" :فتحريير رقبية مؤمنية" [النسياء ]92 :وكثير عندهيم اسيتعمال ذلك
واستعارته حتى جعلوه في الرباع والموال؛ أل ترى قول كثير:
غلقت لضحكته رقاب المال غمر الرداء إذا تبسم ضاحكا
وأيضا فإن الحيوان الذي تجب فيه الزكاة له نصاب من جنسه ،ولما خرجت الخيل عن ذلك علمنا
سيقوط الزكاة فيهيا .وأيضيا فإيجابيه الزكاة فيي إناثهيا منفردة دون الذكور تناقيض منيه .ولييس فيي
الحديث فصل بينهما .ونقيس الناث على الذكور في نفي الصدقة بأنه حيوان مقتنى لنسله ل لدره،
ول تجيب الزكاة فيي ذكوره فلم تجيب فيي إناثيه كالبغال والحميير .وقيد روي عنيه أنيه ل زكاة فيي
إناثها وإن انفردت كذكورها منفردة ،وهذا الذي عليه الجمهور .قال ابن عبدالبر :الخبر في صدقة
الخيييل عيين عميير صييحيح ميين حديييث الزهري وغيره .وقييد روي ميين حديييث مالك ،ورواه عنييه
جويريية عين الزهري أن السيائب بين يزييد قال :لقيد رأييت أبيي يقوم الخييل ثيم يدفيع صيدقتها إلى
عمر .وهذا حجة لبي حنيفة وشيخه حماد بن أبي سليمان ،ل أعلم أحدا من فقهاء المصار أوجب
الزكاة في الخيل غيرهما .تفرد به جويرية عن مالك وهو ثقة.
@قوله تعالى" :وزينية" منصيوب بإضمار فعيل ،المعنيى :وجعلهيا زينية .وقييل :هيو مفعول مين
أجله .والزينية :ميا يتزيين بيه ،وهذا الجمال والتزييين وإن كان مين متاع الدنييا فقيد أذن ال سيبحانه
لعباده فييه؛ قال النيبي صيلى ال علييه وسيلم( :البيل عيز لهلهيا والغنيم بركية والخييل فيي نواصييها
الخيير) .خرجيه البرقانيي وابين ماجية فيي السينن .وإنميا جميع النيبي صيلى ال علييه وسيلم العيز فيي
البيل؛ لن فيهيا اللباس والكيل واللبين والحميل والغزو وإن نقصيها الكير والفير وجعيل البركية فيي
الغنيم لميا فيهيا مين اللباس والطعام والشراب وكثرة الولد؛ فإنهيا تلد فيي العام ثلث مرات إلى ميا
يتبعهيا مين السيكينة ،وتحميل صياحبها علييه مين خفيض الجناح وليين الجانيب؛ بخلف الفداديين أهيل
الوبر .وقرن النيبي صيلى ال علييه وسيلم الخيير بنواصيي الخييل بقيية الدهير لميا فيهيا مين الغنيمية
المستفادة للكسب والمعاش ،وما يوصل إليه من قهر العداء وغلب الكفار وإعلء كلمة ال تعالى.
@قوله تعالى" :ويخلق ميا ل تعلمون" قال الجمهور :مين الخلق .وقييل :مين أنواع الحشرات
والهوام فيي أسيافل الرض والبر والبحير مميا لم يره البشير ولم يسيمعوا بيه .وقييل :ويخلق ميا ل
تعلمون" مميا أعيد ال فيي الجنية لهلهيا وفيي النار لهلهيا ،مميا لم تره عيين ولم تسيمع بيه أذن ول
خطير على قلب بشير .وقال قتادة والسيدي :هيو خلق السيوس فيي الثياب والدود فيي الفواكيه .ابين
عباس :عيين تحيت العرش؛ حكاه الماوردي .الثعلبيي :وقال ابين عباس عين يميين العرش نهير مين
النور مثل السماوات السبع والرضين السبع والبحار السبع سبعين مرة ،يدخله جبريل كل سحر
فيغتسل فيزداد نورا إلى نوره وجمال إلى جماله وعِظما إلى عظمه ،ثم ينتفض فيخرج ال من كل
ريشة سبعين ألف قطرة ،ويخرج من كل قطرة سبعة آلف ملك ،يدخل منهم كل يوم سبعون ألف
ملك إلى البييت المعمور ،وفيي الكعبية سيبعون ألفيا ل يعدون إلييه إلى يوم القيامية .وقول خاميس:
وهيو ميا روي عين النيبي صيلى ال علييه وسيلم أنهيا أرض بيضاء ،مسييرة الشميس ثلثيين يوميا
مشحونية خلقيا ل يعلمون أن ال تعالى يعصيى فيي الرض ،قالوا :ييا رسيول ال ،مين ولد آدم؟ قال:
(ل يعلمون أن ال خلق آدم) .قالوا :يا رسول ال ،فأين إبليس منهم؟ قال ( :ل يعلمون أن ال خلق
إبليس) -ثم تل "ويخلق ما ل تعلمون" ذكره الماوردي.
قلت :ومن هذا المعنى ما ذكر البيهقي عن الشعبي قال :إن ل عبادا من وراء الندلس كما بيننا
وبييين الندلس ،مييا يرون أن ال عصيياه مخلوق ،رضراضهييم الدر والياقوت وجبالهييم الذهييب
والفضة ،ل يحرثون ول يزرعون ول يعملون عمل ،لهم شجر على أبوابهم لها ثمر هي طعامهم
وشجيير لهييا أوراق عراض هييي لباسييهم؛ ذكره فييي بدء الخلق ميين "كتاب السييماء والصييفات".
وخرج من حديث موسى بن عقبة عن محمد بن المنكدر عن جابر بن عبدال النصاري أنه قال
قال رسول ال صلى ال عليه وسلم( :أذن لي أن أحدث عن ملك من ملئكة ال من حملة العرش
ما بين شحمة أذنه إلى عاتقه مسيرة سبعمائة عام).
**3الية{ 9 :وعلى ال قصد السبيل ومنها جائر ولو شاء لهداكم أجمعين}
@قوله تعالى" :وعلى ال قصيد السيبيل" أي على ال بيان قصيد السيبيل ،فحذف المضاف وهيو
البيان .والسيبيل :السيلم ،أي على ال بيانيه بالرسيل والحجيج والبراهيين .وقصيد السيبيل :اسيتعانة
الطرييق؛ يقال :طرييق قاصيد أي يؤدي إلى المطلوب" .ومنهيا جائر" أي ومين السيبيل جائر؛ أي
عادل عن الحق فل يهتدى به؛ ومنه قول امرئ القيس:
قصد السبيل ومنه ذو دخل ومن الطريقة جائر وهدى
وقال طرفة:
يجور بها الملح طورا ويهتدي عدولية أو من سفين ابن يامن
عدَوْلَي قريية بالبحريين .والعدولي :الملح؛ قاله فيي الصيحاح .وفيي العدوليية سيفينة منسيوبة إلى َ
التنزييل "وأن هذا صيراطي مسيتقيما فاتبعوه ول تتبعوا السيبل" [النعام .]153 :وقييل :المعنيى
ومنهيم جائر عين سيبيل الحيق ،أي عادل عنيه فل يهتدى إلييه .وفيهييم قولن :أحدهميا :أنهييم أهيل
الهواء المختلفية؛ قاله ابين عباس .الثانيي :ملل الكفير مين اليهوديية والمجوسيية والنصيرانية .وفيي
مصيحف عبدال "ومنكيم جائر" وكذا قرأ علي "ومنكيم" بالكاف .وقييل :المعنيى وعنهيا جائر؛ أي
عين السيبيل .فيي "مين" بمعنيى عين .وقال ابين عباس :أي مين أراد ال أن يهدييه سيهل له طرييق
اليمان ،ومين أراد أن يضله ثقيل علييه اليمان وفروعيه .وقييل :معنيى "قصيد السيبيل" مسييركم
ورجوعكم .والسبيل واحدة بمعنى الجمع ،ولذلك أنث الكناية فقال" :ومنها" والسبيل مؤنثة في لغة
أهل الحجاز.
@قوله تعالى" :ولو شاء لهداكم أجمعين" بين أن المشيئة ل تعالى ،وهو يصحح ما ذهب إليه ابن
عباس في تأويل الية ،ويرد على القدرية ومن وافقها كما تقدم.
**3الية{ 10 :هو الذي أنزل من السماء ماء لكم منه شراب ومنه شجر فيه تسيمون}
@ الشراب مييا يشرب ،والشجيير معروف .أي ينبييت ميين المطار أشجارا وعروشييا ونباتييا.
و"تسييمون" ترعون إبلكيم؛ يقال :سيامت السيائمة تسيوم سيوما أي رعيت ،فهيي سيائمة .والسيوام
والسيائم بمعنيى ،وهيو المال الراعيي .وجميع السيائم والسيائمة سيوائم .وأسيمتها أنيا أي أخرجتهيا إلى
الرعي ،فأنا مسيم وهي مسامة وسائمة .قال:
أولى لك ابن مسيمة الجمال
وأصل السوم البعاد في المرعى .وقال الزجاج :أخذ من السومة وهي العلمة؛ أي أنها تؤثر في
الرض علمات برعيها ،أو لنها تعلم للرسال في المرعى.
قلت :والخييييل المسيييومة تكون المرعيييية .وتكون المعلمييية .وقوله" :مسيييومين" [آل عمران:
]125قال الخفش تكون معلمين وتكون مرسلين؛ من قولك :سوم فيها الخيل أي أرسلها ،ومنه
السائمة ،وإنما جاء بالياء والنون لن الخيل سومت وعليها ركبانها.
**3الية{ 11 :ينبت لكم به الزرع والزيتون والنخيل والعناب ومن كل الثمرات إن في ذلك
لية لقوم يتفكرون}
@قوله تعالى" :ينبت لكم به الزرع والزيتون والنخيل والعناب ومن كل الثمرات" قرأ أبو بكر
عيين عاصييم "ننبييت" بالنون على التعظيييم .العاميية بالياء على معنييى ينبييت ال لكييم؛ يقال :ينبييت
الرض وأنبتت بمعنى ،ونبت البقل وأنبت بمعنى .وأنشد الفراء:
قطينا بها حتى إذا أنبت البقل رأيت ذوي الحاجات حول بيوتهم
أي نبت .وأنبته ال فهو منبوت ،على غير قياس .وأنبت الغلم نبتت عانته .ونبت الشجر غرسه؛
يقال :نبيت أجلك بيين عينييك .ونبيت الصيبي تنبيتيا ربيتيه .والمنبيت موضيع النبات؛ يقال :ميا أحسين
نابتة بني فلن؛ أي ما ينت عليه أموالهم وأولدهم .ونبتت لهم نابتة إذا نشأ لهم نشء صغار .وإن
بني فلن لنابتة شر .والنوابت من الحادث الغمار .والنبيت حي من اليمن .والينبوت شجر؛ كله
عن الجوهري" .والزيتون" جمع زيتونة .ويقال للشجرة نفسها :زيتونة ،وللثمرة زيتونة" .إن في
ذلك" أي النزال والنبات" .لية" أي دللة "لقوم يتفكرون".
**3الية{ 12 :وسخر لكم الليل والنهار والشمس والقمر والنجوم مسخرات بأمره إن في ذلك
ليات لقوم يعقلون}
@قوله تعالى" :وسيخر لكيم اللييل والنهار" أي للسيكون والعمال؛ كميا قال" :ومين رحمتيه جعيل
لكيم اللييل والنهار لتسيكنوا فييه ولتبتغوا مين فضله" [القصيص" .]73 :والشميس والقمير والنجوم
مسيييخرات بأمره" أي مذللت لمعرفييية الوقات ونضيييج الثمار والزرع والهتداء بالنجوم فيييي
الظلمات .وقرأ ابين عامير وأهيل الشام "والشميس والقمير والنجوم مسيخرات" بالرفيع على البتداء
والخيييبر .الباقون بالنصيييب عطفيييا على ميييا قبله .وقرأ حفيييص عييين عاصيييم برفيييع "والنجوم"،
"مسيخرات" خيبره .وقرئ "والشميس والقمير والنجوم" بالنصيب" .مسيخرات" بالرفيع ،وهيو خيبر
ابتداء محذوف أي فييي مسيخرات ،وهيي فيي قراءة مين نصيبها حال مؤكدة؛ كقوله" :وهيو الحيق
مصيدقا" [البقرة" .]91 :إن فيي ذلك ليات لقوم يعقلون" أي يعقلون عين ال ميا نبههيم علييه
ووفقهم له.
**3الية{ 13 :وما ذرأ لكم في الرض مختلفا ألوانه إن في ذلك لية لقوم يذكرون}
@قوله تعالى" :وميا ذرأ" أي وسيخر ميا ذرأ فيي الرض لكيم" .ذرأ" أي خلق؛ ذرأ ال الخلق
يذرؤهيم ذرءا خلقهيم ،فهيو ذارئ؛ ومنيه الذريية وهيي نسيل الثقليين ،إل أن العرب تركيت همزهيا،
والجمييع الذراري .يقال :أنمييى ال ذرأك وذروك ،أي ذريتييك .وأصييل الذرو والذرء التفريييق عيين
جمع .وفي الحديث :ذرء النار؛ أي أنهم خلقوا لها.
@ ميا ذرأه ال سيبحانه منيه مسيخر مذلل كالدواب والنعام والشجار وغيرهيا ،ومنيه غيير ذلك.
والدلييل علييه ميا رواه مالك فيي الموطيأ عين كعيب الحبار قال :لول كلمات أقولهين لجعلتنيي يهود
حمارا .فقييل له :وميا هين؟ فقال :أعوذ بوجيه ال العظييم الذي لييس شييء أعظيم منيه ،وبكلمات ال
التامات التي ل يجاوزهن بر ول فاجر ،وبأسماء ال الحسنى كلها ما علمت منها وما لم أعلم ،من
شر ما خلق وبرأ وذرأ .وفيه عن يحيى بن سعيد أنه قال :أسري برسول ال صلى ال عليه وسلم
فرأى عفريتا من الجن يطلبه بشعلة من نار ،الحديث .وفيه :وشر ما ذرأ في الرض .وقد ذكرناه
وما في معناه في غير هذا الموضع.
@قوله تعالى" :مختلفيا ألوانيه" "مختلفيا" نصيب على الحال .و"ألوانيه" هيئاتيه ومناظره ،يعنيي
الدواب والشجر وغيرها" .إن في ذلك" أي في اختلف ألوانها" .لية" أي لعبرة" .لقوم يذكرون"
أي يتعظون ويعلمون أن فيي تسيخير هذه المكونات لعلمات على وحدانيية ال تعالى ،وأنيه ل يقدر
على ذلك أحد غيره.
**3اليية{ 14 :وهيو الذي سيخر البحير لتأكلوا منيه لحميا طرييا وتسيتخرجوا منيه حليية تلبسيونها
وترى الفلك مواخر فيه ولتبتغوا من فضله ولعلكم تشكرون}
@قوله تعالى" :وهو الذي سخر البحر" تسخير البحر هو تمكين البشر من التصرف فيه وتذليله
بالركوب والرفاء وغيره ،وهذه نعمة من نعم ال علينا ،فلو شاء سلطه علينا وأغرقنا .وقد مضى
الكلم في البحر وفي صيده .وسماه هنا لحما واللحوم عند مالك ثلثة أجناس :فلحم ذوات الربع
جنييس ،ولحييم ذوات الريييش جنييس ،ولحييم ذوات الماء جنييس .فل يجوز بيييع الجنييس ميين جنسييه
متفاضل ،ويجوز بييع لحيم البقير والوحيش بلحيم الطيير والسيمك متفاضل ،وكذلك لحيم الطيير بلحيم
البقير والوحيش والسيمك يجوز متفاضل .وقال أبيو حنيفية :اللحيم كلهيا أصيناف مختلفية كأصيولها؛
فلحيم البقير صينف ،ولحيم الغنيم صينف ،ولحيم البيل صينف ،وكذلك الوحيش مختلف ،كذلك الطيير،
وكذلك السمك ،وهو جحد قولي الشافعي .والقول الخر أن الكل من النعم والصيد والطير والسمك
جنس واحد ل يجوز التفاضل فيه .والقول الول هو المشهور من مذهبه عند أصحابه .ودليلنا هو
أن ال تعالى فرق بين أسماء النعام في حياتها فقال" :ثمانية أزواج من الضأن اثنين ومن المعيز
اثنين" [النعام ]143 :ثم قال" :ومن البل اثنين ومن البقر اثنين" فلما أن أم بالجميع إلى اللحم
قال" :أحلت لكيم بهيمية النعام" [المائدة ]1 :فجمعهيا بلحيم واحيد لتقارب منافعهيا كتقارب لحيم
الضأن والمعز .وقال في موضع آخر" :ولحم طير مما يشتهون" [الواقعة ]21 :وهذا جمع طائر
الذي هيو الواحيد ،لقوله تعالى" :ول طائر يطيير بجناحييه" [النعام ]38 :فجميع لحيم الطيير كله
باسيم واحيد .وقال هنيا" :لحميا طرييا" فجميع أصيناف السيمك بذكير واحيد ،فكان صيغاره ككباره فيي
الجمع بينهما .وقد روي عن ابن عمر أنه سئل عن لحم المعز بلحم الكباش أشيء واحد؟ فقال ل؛
ول مخالف له فصيار كالجماع ،وال أعلم .ول حجية للمخالف فيي نهييه صيلى ال علييه وسيلم عين
بيييع الطعام إل مثل بمثييل؛ فإن الطعام فييي الطلق يتناول الحنطيية وغيرهييا ميين المأكولت ول
يتناول اللحييم؛ أل ترى أن القائل إذا قال :أكلت اليوم طعامييا لم يسييبق الفهييم منييه إلى أكييل اللحييم،
وأيضيا فإنيه معارض بقوله صيلى ال علييه وسيلم( :إذا اختلف الجنسيان فيبيعوا كييف شئتيم) وهذان
جنسيان ،وأيضيا فقيد اتفقنيا على جواز بييع اللحيم بلحيم الطيير متفاضل ل لعلة أنيه بييع طعام ل زكاة
له بيع بلحم ليس فيه الزكاة ،وكذلك بيع السمك بلحم الطير متفاضل.
وأميا الجراد فالمشهور عندنيا جواز بييع بعضيه ببعيض متفاضل .وذكير عين سيحنون أنيه يمنيع
من ذلك ،وإليه مال بعض المتأخرين ورآه مما يدخر.
@ اختلف العلماء فيمين حلف أل يأكيل لحميا؛ فقال ابين القاسيم :يحنيث بكيل نوع مين هذه النواع
الربعية .وقال أشهيب فيي المجموعية .ل يحنيث إل بكيل لحوم النعام دون الوحيش وغيره ،مراعاة
للعرف والعادة ،وتقديما لها على إطلق اللفظ اللغوي ،وهو أحسن.
@قوله تعالى" :وتستخرجوا منه حلية تلبسونها" يعني به اللؤلؤ والمرجان؛ لقوله تعالى" :يخرج
منهميا اللؤلؤ والمرجان" [الرحمين .]22 :وإخراج الحليية إنميا هيي فيميا عرف مين الملح فقيط.
وقال :إن في الزمرد بحريا .وقد خطئ الهذلي في قوله في وصف الدرّة:
على وجهها ماء الفرات يدوم فجاء بها من در ة لطمية
فجعلهيا مين الماء الحلو .فالحليية حيق وهيي نحلة ال تعالى لدم وولده .خلق آدم وتوج وكلل بإكلييل
الجنة ،وختم بالخاتم الذي ورثه عنه سليمان بن داود صلوات ال عليهم ،وكان يقال له خاتم العز
فيما روي.
@ امتن ال سبحانه على الرجال والنساء امتنانا عاما بما يخرج من البحر ،فل يحرم عليهم شيء
منه ،وإنما حرم ال تعالى على الرجال الذهب والحرير .روى الصحيح عن عمر بن الخطاب قال
قال رسيول ال صيلى ال علييه وسيلم( :ل تلبسيوا الحريير فإنيه مين لبسيه فيي الدنييا لم يلبسيه فيي
الخرة) .وسيييأتي فييي سييورة "الحييج" الكلم فيييه إن شاء ال .وروى البخاري عيين ابيين عميير أن
رسول ال صلى ال عليه وسلم اتخذ خاتما من ذهب ،وجعل فصه مما يلي باطن كفه ،ونقش فيه
محمد رسول ال؛ فاتخذ الناس مثله؛ فلما رآهم قد اتخذوها رمى به وقال( :ل ألبسه أبدا) ثم اتخذ
خاتميا من فضة فاتخذ الناس خواتيم الفضة .قال ابن عمر :فلبس الخاتم بعد النبي صلى ال عليه
وسيلم أبيو بكير ثيم عمير ثيم عثمان ،حتيى وقيع مين عثمان فيي بئر أرييس .قال أبيو داود :لم يختلف
الناس على عثمان حتى سقط الخاتم من يده .وأجمع العلماء على جواز التختم بالورق على الجملة
للرجال .قال الخطابييي .وكره للنسيياء التختييم بالفضيية؛ لنييه ميين زي الرجال ،فإن لم يجدن ذهبييا
فليصييفرنه بزعفران أو بشبهييه .وجمهور العلماء ميين السييلف والخلف على تحريييم اتخاذ الرجال
خاتيم الذهيب ،إل ميا روي عين أبيي بكير بين عبدالرحمين وخباب ،وهيو خلف شاذ ،وكيل منهميا لم
يبلغهما النهي والنسخ .وال أعلم .وأما ما رواه أنس بن مالك أنه رأى في يد رسول ال صلى ال
عليه وسلم خاتما من ورق يوما واحدا ،ثم إن الناس اصطنعوا الخواتم ،من ورق ولبسوها ،فطرح
رسييول ال صييلى ال عليييه وسييلم خاتمييه فطرح الناس خواتيمهييم -أخرجييه الصييحيحان واللفييظ
للبخاري -فهو عند العلماء وهم من ابن شهاب؛ لن الذي نبذ رسول ال صلى ال عليه وسلم إنما
هو خاتم الذهب .رواه عبدالعزيز بن صهيب وقتادة عن أنس ،وهو خلف ما روى ابن شهاب عن
أنس فوجب القضاء بالجملة على الواحد إذا خالفها ،مع ما يشهد للجماعة من حديث ابن عمر.
@ إذا ثبت جواز التختم للرجال بخاتم الفضة والتحلي به ،فقد كره ابن سيرين وغيره من العلماء
نقشيه وأن يكون فييه ذكير ال .وأجاز نقشيه جماعية مين العلماء .ثيم إذا نقيش علييه اسيم ال أو كلمية
حكمة أو كلمات من القرآن وجعله في شماله ،فهل يدخل به الخلء ويستنجي بشماله؟ خففه سعيد
بين المسييب ومالك .قييل لمالك :إن كان فيي الخاتيم ذكير ال ويلبسيه فيي الشمال أيسيتنجى بيه؟ قال:
أرجيو أن يكون خفيفيا .وروي عنيه الكراهية وهيو الولى .وعلى المنيع مين ذلك أكثير أصيحابه .وقيد
روى همام عين ابين جرييج عين الزهري عين أنيس قال :كان رسيول ال صيلى ال علييه وسيلم إذا
دخيل الخلء وضيع خاتميه .قال أبيو داود :هذا حدييث منكير ،وإنميا يعرف عين ابين جرييج عين زياد
ابين سيعد عين الزهري عين أنيس أن النيبي صيلى ال علييه وسيلم اتخيذ خاتميا مين ورق ثيم ألقاه .قال
أبو داود :لم يحدث بهذا إل همام.
@ روى البخاري عين أنيس بين مالك أن رسيول ال صيلى ال علييه وسيلم اتخيذ خاتميا مين فضية
ونقش فيه "محمد رسول ال" وقال( :إني اتخذت خاتما من ورق ونقشت فيه محمد رسول ال فل
ينقشين أحيد على نقشيه) .قال علماؤنيا :فهذا دلييل على جواز نقيش اسيم صياحب الخاتيم على خاتميه.
قال مالك :ومين شأن الخلفاء والقضاة نقيش أسيمائهم على خواتيمهيم ،ونهييه علييه السيلم :ل ينقشين
أحد على نقش خاتمه ،من أجل أن ذلك اسمه وصفته برسالة ال له إلى خلقه .وروى أهل الشام أنه
ل يجوز الخاتم لغير ذي سلطان .وروى في ذلك حديثا عن أبي ريحانة ،وهو حديث ل حجة فيه
لضعفيه .وقوله عليه السيلم( :ل ينقشين أحد على نقشه) يرده ويدل على جواز اتخاذ الخاتيم لجميع
الناس ،إذا لم ينقيش على نقيش خاتميه .وكان نقيش خاتيم الزهري "محميد يسيأل ال العافيية" .وكان
نقيش خاتيم مالك "حسيبي ال ونعيم الوكييل" .وذكير الترمذي الحكييم فيي "نوادر الصيول" أن نقيش
خاتيم موسيى علييه السيلم "لكيل أجيل كتاب" [الرعيد .]38 :وبلغ عمير بين عبدالعزييز أن ابنيه
اشترى خاتما بألف درهيم فكتيب إليه :إنيه بلغني أنك اشترييت خاتميا بألف درهيم ،فبعه وأطعيم منه
ألف جائع ،واشتر خاتما من حديد بدرهم ،واكتب عليه "رحم ال امرأ عرف قدر نفسه".
@ من حلف أل يلبس حليا فلبس لؤلؤا لم يحنث؛ وبه قال أبو حنيفة .قال ابن خويز منداد :لن هذا
وإن كان السيم اللغوي يتناوله فلم يقصيده باليميين ،واليمان تخيص بالعرف؛ أل ترى أنيه لو حلف
أل ينام على فراش فنام على الرض لم يحنيث ،وكذلك ل يسيتضيء بسيراج فجلس فيي الشميس ل
يحنيث ،وإن كان ال تعالى قيد سيمى الرض فراشيا والشميس سيراجا .وقال الشافعيي وأبيو يوسيف
ومحميد :مين حلف أل يلبيس حلييا ولبيس اللؤلؤ فإنيه يحنيث؛ لقوله تعالى" :وتسيتخرجوا منيه حليية
تلبسونها" والذي يخرج منه :اللؤلؤ والمرجان.
@قوله تعالى" :وترى الفلك مواخير فييه" الفلك :السيفن ،وإفراده وجمعيه بلفيظ واحيد ،ويذكير
ويؤنيث .وليسيت الحركات فيي المفرد تلك بأعيانهيا فيي الجميع ،بيل كأنيه بنيى الجميع بناء آخير؛ يدل
على ذلك توسيط التثنيية فيي قولهيم :فلكان .والفلك المفرد مذكير؛ قال تعالى" :فيي الفلك المشحون"
[يس ]41 :فجاء به مذكرا ،وقال" :والفلك التي تجري في البحر" فأنث .ويحتمل واحدا وجمعا؛
وقال" :حتى إذا كنتم في الفلك وجرين بهم بريح طيبة" [يونس ]22 :فجمع؛ فكأنه يذهب بها إذا
كانت واحدة إلى المركب فيذكر ،وإلى السفينة فيؤنث .وقيل :واحده فلك؛ مثل أسد وأسد ،وخشب
وخشيب ،وأصيله مين الدوران ،ومنيه :فلك السيماء التيي تدور علييه النجوم .وفلكيت الجاريية اسيتدار
ثديها؛ ومنه فلكة المغزل .وسميت السفينة فلكا لنها تدور بالماء أسهل دور .وقوله" :مواخر" قال
ابييين عباس :جواري ،مييين جرت تجري .سيييعيد بييين جيييبير :معترضييية .الحسييين :مواقييير .قتادة
والضحاك :أي تذهييب وتجيييء ،مقبلة ومدبرة بريييح واحدة .وقيييل" :مواخيير" ملججيية فييي داخييل
البحر؛ وأصل المخر شق الماء عن يمين وشمال .مخرت السفينة تمخر وتمخر مخرا ومخورا إذا
جرت تشيق الماء ميع صيوت؛ ومنيه قوله تعالى" :وترى الفلك مواخير فييه" يعنيي جواري .وقال
الجوهري :ومخر السابح إذا شق الماء بصدره ،ومخر الرض شقها للزراعة ،ومخرها بالماء إذا
حبس الماء فيها حتى تصير أريضة؛ أي خليقة بجودة نبات الزرع .وقال الطبري :المخر في اللغة
صيوت هبوب الرييح؛ ولم يقييد كونيه فيي ماء ،وقال :إن مين ذلك قول واصيل مولى أبيي عيينية :إذا
أراد أحدكيم البول فليتمخيير الرييح؛ أي لينظيير فييي صيوتها فيي الجسيام مين أيين تهيب ،فيتجنيب
اسيتقبالها لئل ترد علييه بوله" .ولتبتغوا مين فضله" أي ولتركبوه للتجارة وطلب الربيح" .ولعلكيم
تشكرون" تقدم
**3الية{ 15 :وألقى في الرض رواسي أن تميد بكم وأنهارا وسبل لعلكم تهتدون}
@قوله تعالى" :وألقى في الرض رواسي" أي جبال ثابتة .رسا يرسو إذا ثبت وأقام .قال:
ترسو إذا نفس الجبان تُطلّع فصبرت عارفة لذلك حرة
"أن تمييد بكيم" أي لئل تمييد؛ عنيد الكوفييين .وكراهيية أن تمييد؛ على قول البصيريين .والمييد:
الضطراب يمينا وشمال؛ ماد الشيء يميد ميدا إذا تحرك؛ ومادت الغصان تمايلت ،وماد الرجل
تبختيير .قال وهيب بيين منبيه :خلق ال الرض فجعلت تميييد وتمور ،فقالت الملئكية .إن هذه غييير
مقرة أحدا على ظهرهيا فأصيبحت وقيد أرسييت بالجبال ،ولم تدر الملئكية ميم خلقيت الجبال .وقال
علي بين أبيي طالب رضيي ال عنيه :لميا خلق ال الرض قمصيت ومالت وقالت :أي رب! أتجعيل
علي من يعمل بالمعاصي والخطايا ،ويلقي علي الجيف والنتن! فأرسى ال تعالى فيها من الجبال
ما ترون وما ل ترون .وروى الترمذي في آخر "كتاب التفسير" حدثنا محمد بن بشار حدثنا يزيد
بين هارون أخبرنيا العوام بين حوشيب عين سيليمان بين أبيي سيليمان عين أنيس بين مالك عين النيبي
صلى ال عليه وسلم قال( :لما خلق ال الرض جعلت تميد فخلق الجبال فعاد بها عليها فاستقرت
فعجبيت الملئكية مين شدة الجبال قالوا ييا رب هيل مين خلقيك شييء أشيد مين الجبال قال نعيم الحدييد
قالوا ييا رب فهل من خلقك شيء أشيد مين الحدييد قال نعم النار فقالوا ييا رب فهل من خلقك شيء
أشد من النار قال نعم الماء قالوا يا رب فهل من خلقك شيء أشد من الماء قال نعم الريح قالوا يا
رب فهل من خلقك شيء أشد من الريح قال نعم ابن آدم تصدق بصدقة بيمينه يخفيها من شماله).
قال أبو عيسى :هذا حديث غريب ل نعرفه مرفوعا إل من هذا الوجه.
قلت :وفي هذه الية أدل دليل على استعمال السباب ،وقد كان قادرا على سكونها دون الجبال.
وقيد تقدم هذا المعنيى" .وأنهارا" أي وجعيل فيهيا أنهارا ،أو ألقيى فيهيا أنهارا" .وسيبل" أي طرقيا
ومسالك" .لعلكم تهتدون" أي إلى حيث تقصدون من البلد فل تضلون ول تتحيرون.
**3الية{ 16 :وعلمات وبالنجم هم يهتدون}
@قوله تعالى" :وعلمات" قال ابين عباس :العلمات معالم الطرق بالنهار؛ أي جعيل للطرييق
علمات يقيع الهتداء بهيا" .وبالنجيم هيم يهتدون" يعنيي باللييل ،والنجيم يراد بيه النجوم .وقرأ ابين
وثاب "وبالنجم" .الحسن :بضم النون والجيم جميعا ومراده النجوم ،فقصره؛ كما قال الشاعر:
أن ترد الماء إذا غاب النجم إن الفقير بيننا قاض حكم
وكذلك القول لمين قرأ "النجيم" إل أنيه سيكن اسيتخفافا .ويجوز أن يكون النجيم جميع نجيم كسُيقُف
وسَقف .واختلف في النجوم؛ فقال الفراء :الجدي والفرقدان .وقيل :الثريا .قال الشاعر:
وغودر البقل ملوى ومحصود حتى إذا ما استقل النجم في غلس
أي منيه ملوي ومنيه محصيود ،وذلك عنيد طلوع الثرييا يكون .وقال الكلبيي :العلمات الجبال .وقال
مجاهيد :هيي النجوم؛ لن مين النجوم ميا يهتدى بهيا ،ومنهيا ميا يكون علمية ل يهتدى بهيا؛ وقاله
قتادة والنخعي .وقيل :تم الكلم عند قوله "وعلمات" ثم ابتدأ وقال" :وبالنجم هم يهتدون" .وعلى
الول :أي وجعل لكم علمات ونجوما تهتدون بها .ومن العلمات الرياح يهتدى بها .وفي المراد
بالهتداء قولن :أحدهميا :فيي السيفار ،وهذا قول الجمهور .الثانيي :فيي القبلة .وقال ابين عباس:
سيألت رسيول ال صيلى ال عليه وسيلم عن قوله تعالى" :وبالنجيم هيم يهتدون" قال( :هو الجدي يا
ابن عباس ،عليه قبلتكم وبه تهتدون في بركم وبحركم) ذكره الماوردي.
@ قال ابن العربي :أما جميع النجوم فل يهتدي بها إل العارف بمطالعها ومغاربها ،والفرق بين
الجنوبيي والشمالي منهيا ،وذلك قلييل فيي الخريين .وأميا الثرييا فل يهتدي بهيا إل مين يهتدي بجمييع
النجوم .وإنميا الهدي لكيل أحيد بالجدي والفرقديين؛ لنهيا مين النجوم المنحصيرة المطالع الظاهرة
السمت الثابتة في المكان ،فإنها تدور على القطب الثابت دورانا محصل ،فهي أبدا هدى الخلق في
البر إذا عمييت الطرق ،وفيي البحير عنيد مجرى السيفن ،وفيي القبلة إذا جهيل السيمت ،وذلك على
الجملة بأن تجعل القطب على ظهر منكبك اليسر فما استقبلت فهو سمت الجهة.
قلت :وسأل ابن عباس رسول ال صلى ال عليه وسلم عن النجم فقال( :هو الجدي عليه قبلتكم
وبه تهتدون فيي بركيم وبحركم) .وذلك أن آخر الجدي بنات نعش الصغرى والقطب الذي تستوي
عليه القبلة بينها.
@ قال علماؤنيا :وحكيم اسيتقبال القبلة على وجهيين :أحدهميا :أن يراهيا ويعاينهيا فيلزميه اسيتقبالها
وإصيابتها وقصيد جهتهيا بجمييع بدنيه .والخير :أن تكون الكعبية بحييث ل يراهيا فيلزميه التوجيه
نحوهيا وتلقاءهيا بالدلئل ،وهيي الشميس والقمير والنجوم والرياح وكيل ميا يمكين بيه معرفية جهتهيا،
ومين غابيت عنيه وصيلى مجتهدا إلى غيير ناحيتهيا وهيو ممين يمكنيه الجتهاد فل صيلة له؛ فإذا
صيلى مجتهدا مسيتدل ثيم انكشيف له بعيد الفراغ مين صيلته أنيه صيلى إلى غيير القبلة أعاد إن كان
في وقتها ،وليس ذلك بواجب عليه؛ لنه قد أدى فرضه على ما أمر به .وقد مضى هذا المعنى في
"البقرة" مستوفى والحمد ل.
**3الية{ 17 :أفمن يخلق كمن ل يخلق أفل تذكرون}
@قوله تعالى" :أفمن يخلق" هو ال تعالى" .كمن ل يخلق" يريد الصنام" .أفل تذكرون" أخبر
عين الوثان التيي ل تخلق ول تضير ول تنفيع ،كميا يخيبر عمين يعقيل على ميا تسيتعمله العرب فيي
ذلك؛ فإنهيم كانوا يعبدونهيا فذكرت بلفيظ "مين" كقوله" :ألهيم أرجيل" [العراف .]195 :وقييل:
لقتران الضميير فيي الذكير بالخالق .قال الفراء :هيو كقول العرب :اشتبيه علي الراكيب وجمله فل
أدري مين ذا ومين ذا؛ وإن كان أحدهميا غيير إنسيان .قال المهدوي :ويسيأل بيي "مين" عين البارئ
تعالى ول يسأل عنه بي "ما"؛ لن "ما" إنما يسأل بها عن الجناس ،وال تعالى ليس بذي جنس،
ولذلك أجاب موسى عليه السلم حين قال له" :فمن ربكما يا موسى" [طه ]49 :ولم يجب حين
قال له" :وميا رب العالميين" [الشعراء ]23 :إل بجواب "مين" وأضرب عين جواب "ميا" حيين
كان السؤال فاسدا .ومعنى الية :من كان قادرا على خلق الشياء المتقدمة الذكر كان بالعبادة أحق
ممن هو مخلوق ل يضر ول ينفع؛ "هذا خلق ال فأروني ماذا خلق الذين من دونه" [لقمان]11 :
"أروني ماذا خلقوا من الرض" [فاطر.]40 :
**3اليتان{ 19 - 18 :وإن تعدوا نعمية ال ل تحصيوها إن ال لغفور رحييم ،وال يعلم ميا
تسرون وما تعلنون}
@قوله تعالى" :أي إن تعدوا نعمة ال ل تحصوها" تقدم في إبراهيم" .إن ال لغفور رحيم ،وال
يعلم ما تسرون وما تعلنون" أي ما تبطنونه وما تظهرونه .وقد تقدم.
**3اليتان{ 21 - 20 :والذين يدعون من دون ال ل يخلقون شيئا وهم يخلقون ،أموات غير
أحياء وما يشعرون أيان يبعثون}
@قوله تعالى" :والذيين يدعون مين دون ال" قراءة العامية "تدعون" بالتاء لن ميا قبله خطاب.
روى أبو بكر عن عاصم وهبيرة عن حفص "يدعون" بالياء ،وهي قراءة يعقوب .فأما قوله" :ما
تسرون وما تعلنون" فكلهم بالتاء على الخطاب؛ إل ما روى هبيرة عن حفص عن عاصم أنه قرأ
بالياء" .ل يخلقون شيئا" أي ل يقدرون على خلق شييء "وهيم يخلقون"" .أموات غيير أحياء" أي
هيم أموات ،يعنيي الصينام ،ل أرواح فيهيا ول تسيمع ول تبصير ،أي هيي جمادات فكييف تعبدونهيا
وأنتيم أفضيل منهيا بالحياة" .وميا يشعرون" يعنيي الصينام" .أيان يبعثون" وقرأ السيلمي" ،إيان"
بكسير الهمزة ،وهميا لغتان ،موضعيه نصيب بيي "يبعثون" وهيي فيي معنيى السيتفهام .والمعنيى :ل
يدرون متى يبعثون .وعبر عنها كما عبر عن الدميين؛ لنهم زعموا أنها تعقل عنهم وتعلم وتشفع
لهيم عنيد ال تعالى ،فجرى خطابهيم على ذلك .وقيد قييل :إن ال يبعيث الصينام يوم القيامية ولهيا
أرواح فتتبرأ من عبادتهم ،وهي في الدنيا جماد ل تعلم متى تبعث .قال ابن عباس؛ تبعث الصنام
وتركب فيها الرواح ومعها شياطينها فيتبرؤون من عبدتها ،ثم يؤمر بالشياطين والمشركين إلى
النار .وقيل :إن الصنام تطرح في النار مع عبادتها يوم القيامة؛ دليله "إنكم وما تعبدون من دون
ال حصب جهنم" [النيبياء .]98 :وقييل :تم الكلم عنيد قوله" :ل يخلقون شيئا وهيم يخلقون" ثيم
ابتدأ فوصييف المشركييين بأنهييم أموات ،وهذا الموت موت كفيير" .ومييا يشعرون أيان يبعثون" أي
وميا يدري الكفار متيى يبعثون ،أي وقيت البعيث؛ لنهيم ل يؤمنون بالبعيث حتيى يسيتعدوا للقاء ال
وقيل :أي وما يدريهم متى الساعة ،ولعلها تكون قريبا.
**3اليتان{ 23 - 22 :إلهكييم إله واحييد فالذييين ل يؤمنون بالخرة قلوبهييم منكرة وهييم
مستكبرون ،ل جرم أن ال يعلم ما يسرون وما يعلنون إنه ل يحب المستكبرين}
@قوله تعالى" :إلهكم إله واحد" لما بين استحالة الشراك بال تعالى بين أن المعبود واحد ل رب
غيره ول معبود سواه" .فالذين ل يؤمنون بالخرة قلوبهم منكرة" أي ل تقبل الوعظ ول ينفع فيها
الذكير ،وهذا رد على القدريية" .وهيم مسيتكبرون" متكيبرون متعظمون عين قبول الحيق .وقيد تقدم.
"ل جرم أن ال يعلم ميا يسيرون وميا يعلنون" أي مين القول والعميل فيجازيهيم .قال الخلييل" :ل
جرم" كلمية تحقييق ول تكون إل جوابيا؛ يقال :فعلوا ذلك؛ فيقال :ل جرم سييندمون .أي حقيا أن لهيم
النار .وقد مضى القول فيه" .إنه ل يحب المستكبرين" أي ل يثيبهم ول يثني عليهم .وعن الحسن
بيين علي أنييه ميير بمسيياكين قييد قدموا كسييرا بينهييم وهييم يأكلون فقالوا :الغذاء يييا أبييا عبدال ،فنزل
وجلس معهم وقال" :إنه ل يحب المستكبرين" فلما فرغ قال :قد أجبتكم فأجيبوني؛ فقاموا معه إلى
منزله فأطعمهم وسقاهم وأعطاهم وانصرفوا .قال العلماء .وكل ذنب يمكن التستر منه وإخفاؤه إل
الكبر؛ فإنه فسق يلزمه العلن ،وهو أصل العصيان كله .وفي الحديث الصحيح (إن المستكبرين
يحشرون أمثال الذر يوم القيامة يطؤهم الناس بأقدامهم لتكبرهم) .أو كما قال صلى ال عليه وسلم:
(تصيغر لهيم أجسيامهم فيي المحشير حتيى يضرهيم صيغرها وتعظيم لهيم فيي النار حتيى يضرهيم
عظمها).
**3الية{ 24 :وإذا قيل لهم ماذا أنزل ربكم قالوا أساطير الولين}
@قوله تعالى" :وإذا قييل لكيم ماذا أنزل ربكيم" يعنيي وإذا قييل لمين تقدم ذكره ممين ل يؤمين
بالخرة وقلوبهييم منكرة بالبعييث "ماذا أنزل ربكييم" .قيييل :القائل النضيير بيين الحارث ،وأن الييية
نزلت فييه ،وكان خرج إلى الحيرة فاشترى أحادييث "كليلة ودمنية" فكان يقرأ على قرييش ويقول:
ما يقرأ محمد على أصحابه إل أساطير الولين؛ أي ليس هو من تنزيل ربنا .وقيل :إن المؤمنين
هييم القائلون لهييم اختبارا فأجابوا بقولهييم" :أسيياطير الولييين" فأقروا بإنكار شيييء هييو أسيياطير
الولين .والساطير :الباطيل والترهات .والقول في "ماذا أنزل ربكم" كالقول في "ماذا ينفقون"
[البقرة ]215 :وقوله" :أسياطير الوليين" .خيبر ابتداء محذوف ،التقديير :الذي أنزله أسياطير
الولين.
**3اليية{ 25 :ليحملوا أوزارهيم كاملة يوم القيامية ومين أوزار الذيين يضلونهيم بغيير علم أل
ساء ما يزرون}
@قوله تعالى" :ليحملوا أوزارهيم" قييل :هيي لم كيي ،وهيي متعلقية بميا قبلهيا .وقييل :لم العاقبية،
كقوله" :ليكون لهم عدوا وحزنا" [القصص .]8 :أي قولهم في القرآن والنبي أدّاهم إلى أن حملوا
أوزارهيم؛ أي ذنوبهيم .وقييل :هيي لم المير ،والمعنيى التهدد" .كاملة" لم يتركوا منهيا شيئا لنكبية
أصيابتهم فيي الدنييا بكفرهيم" .ومين أوزار الذيين يضلونهيم" قال مجاهيد :يحملون وزر مين أضلوه
ول ينقص من إثم المضل شيء .وفي الخبر (أيما داع دعا إلى ضللة فاتبع فإن عليه مثل أوزار
من اتبعه من غير أن ينقص من أوزارهم شيء وأيما داع دعا إلى هدى فاتبع فله مثل أجورهم من
غييير أن ينقييص ميين أجورهييم شيييء) خرجييه مسييلم بمعناه .و"ميين" للجنييس ل للتبعيييض؛ فدعاة
الضللة عليهييم مثييل أوزار ميين اتبعهييم .وقوله" :بغييير علم" أي يضلون الخلق جهل منهييم بمييا
يلزمهييم مين الثام؛ إذ لو علموا لميا أضلوا" .أل سياء ميا يزرون" أي بئس الوزر الذي يحملونييه.
ونظير هذه الية "وليحملن أثقالهم وأثقال مع أثقالهم" [العنكبوت ]13 :وقد تقدم.
**3الية{ 26 :قد مكر الذين من قبلهم فأتى ال بنيانهم من القواعد فخر عليهم السقف من فوقهم
وأتاهم العذاب من حيث ل يشعرون}
@قوله تعالى" :قيد مكير الذيين مين قبلهيم" أي سيبقهم بالكفير أقوام ميع الرسيل المتقدميين فكانيت
العاقبة الجميلة للرسل" .فأتى ال بنيانهم من القواعد فخر عليهم السقف من فوقهم" قال ابن عباس
وزييد بين أسيلم وغيرهميا :إنيه النمرود بين كنعان وقوميه ،أرادوا صيعود السيماء وقتال أهله؛ فبنوا
الصييرح ليصيعدوا منيه بعييد أن صينع بالنسيور ميا صيينع ،فخير .كميا تقدم بيانيه فيي آخير سيورة
"إبراهييم" .ومعنيى "فأتيى ال بنيانهيم" أي أتيى أمره البنيان ،إميا زلزلة أو ريحيا فخربتيه .قال ابن
عباس ووهب :كان طول الصرح في السماء خمسة آلف ذراع ،وعرضه ثلثة آلف .وقال كعب
ومقاتيل :كان طول فرسيخين ،فهبيت رييح فألقيت رأسيه فيي البحير وخير عليهيم الباقيي .ولميا سيقط
الصرح تبلبلت ألسن الناس من الفزع يومئذ ،فتكلموا بثلثة وسبعين لسانا ،فلذلك سمي بابل ،وما
كان لسيان قبيل ذلك إل السيريانية .وقرأ ابين هرميز وابين محيصين "السيقف" بضيم السيين والقاف
جميعا .وضم مجاهد السين وأسكن القاف تخفيفا؛ كما تقدم في "وبالنجم" في الوجهين .والشبه أن
يكون جميع سيقف .والقواعيد :أصيول البناء ،وإذا اختلت القواعيد سيقط البناء .وقوله" :مين فوقهيم"
قال ابن العرابيُ :وكِد ليعلمك أنهم كانوا حالين تحته .والعرب تقول :خر علينا سقف ووقع علينا
حائط إذا كان يملكيه وإن لم يكين وقيع علييه .فجاء بقوله" :مين فوقهيم" ليخرج هذا الشيك الذي فيي
كلم العرب فقال" :مين فوقهييم" أي عليهيم وقيع وكانوا تحتيه فهلكوا ومييا أفلتوا .وقيييل :إن المراد
بالسيقف السماء؛ أي إن العذاب أتاهيم من السماء التي هي فوقهيم؛ قال ابين عباس .وقييل :إن قوله:
"فأتى ال بنيانهم من القواعد" تمثيل ،والمعنى :أهلكهم فكانوا بمنزلة من سقط عليه بنيانه .وقيل:
المعنيى أحبيط ال أعمالهيم فكانوا بمنزلة مين سيقط بنيانيه .وقييل :المعنيى أبطيل مكرهيم وتدبيرهيم
فهلكوا كميا هلك مين نزل علييه السيقف مين فوقيه .وعلى هذا اختلف فيي الذيين خير عليهيم السيقف؛
فقال ابين عباس وابين زييد ميا تقدم .وقييل :إنيه بختنصير وأصيحابه؛ قال بعيض المفسيرين .وقييل:
المراد المقتسيمون الذيين ذكرهيم ال فيي سيورة الحجير؛ قال الكلبيي .وعلى هذا التأوييل يخرج وجيه
التمثيل ،وال أعلم" .وأتاهم العذاب من حيث ل يشعرون" أي من حيث ظنوا أنهم في أمان .وقال
ابن عباس :يعني البعوضة التي أهلك ال بها نمرودا.
**3اليية{ 27 :ثيم يوم القيامية يخزيهيم ويقول أيين شركائي الذيين كنتيم تشاقون فيهيم قال الذيين
أوتوا العلم إن الخزي اليوم والسوء على الكافرين}
@قوله تعالى" :ثيم يوم القيامية يخزيهيم" أي يفضحهيم بالعذاب ويذلهيم بيه ويهينهيم "ويقول أيين
شركائي" أي بزعمكم وفي دعواكم ،أي اللهة التي عبدتم دوني ،وهو سؤال توبيخ" .الذين كنتم
تشاقون فيهيم" أي تعادون أنيبيائي بسيببهم ،فليدفعوا عنكيم هذا العذاب .وقرأ ابين كثيير "شركاي"
بياء مفتوحة من غير همز ،والباقون بالهمز .وقرأ نافع "تشاقون" بكسر النون على الضافة ،أي
تعادوننييي فيهييم .وفتحهييا الباقون" .قال الذييين أوتوا العلم" قال ابيين عباس :أي الملئكيية .وقيييل
المؤمنون" .إن الخزي اليوم" أي الهوان والذل يوم القياميييييييية" .والسييييييييوء" أي العذاب" .على
الكافرين".
**3الية{ 28 :الذين تتوفاهم الملئكة ظالمي أنفسهم فألقوا السلم ما كنا نعمل من سوء بلى إن
ال عليم بما كنتم تعملون}
@قوله تعالى" :الذين تتوفاهم الملئكة ظالمي أنفسهم" هذا من صفة الكافرين .و"ظالمي أنفسهم"
نصيييب على الحال؛ أي وهيييم ظالمون أنفسيييهم إذ أوردوهيييا موارد الهلك" .فألقوا السيييلم" أي
السيتسلم .أي أقروا ل بالربوبيية وانقادوا عنيد الموت وقالوا" :ميا كنيا نعميل مين سيوء" أي مين
شرك .فقالت لهيم الملئكية" :بلى" قيد كنتيم تعملون السيواء" .إن ال علييم بميا كنتيم تعملون" وقال
عكرمية .نزلت هذه اليية بالمدينية فيي قوم أسيلموا بمكية ولم يهاجروا ،فأخرجتهيم قرييش إلى بدر
كرهيا فقتلوا بهيا؛ فقال" :الذيين تتوفاهيم الملئكية" بقبيض أرواحهيم" .ظالميي أنفسيهم" فيي مقامهيم
بمكية وتركهيم الهجرة" .فألقوا السيلم" يعنيي فيي خروجهيم معهيم .وفييه ثلثية أوجيه :أحدهيا :أنيه
الصلح؛ قال الخفش .الثاني :الستسلم؛ قال قطرب .الثالث :الخضوع؛ قاله مقاتل" .ما كنا نعمل
مين سيوء" يعنيي مين كفير" .بلى إن ال علييم بميا كنتيم تعملون" يعنيي أن أعمالهيم أعمال الكفار.
وقيل :إن بعض المسلمين لما رأوا قلة المؤمنين رجعوا إلى المشركين؛ فنزلت فيهم .وعلى القول
الول فل يخرج كافير ول منافيق مين الدنييا حتيى ينقاد ويسيتسلم ،ويخضيع ويذل ،ول تنفعهيم حينئذ
توبة ول إيمان؛ كما قال" :فلم يك ينفعهم إيمانهم لما رأوا بأسنا" [غافر.]85 :
**3الية{ 29 :فادخلوا أبواب جهنم خالدين فيها فلبئس مثوى المتكبرين}
@قوله تعالى" :فادخلوا أبواب جهنم" أي يقال لهم ذلك عند الموت .وقيل :هو بشارة لهم بعذاب
القيبر؛ إذ هيو باب مين أبواب جهنيم للكافريين .وقييل :ل تصيل أهيل الدركية الثانيية إليهيا مثل إل
بدخول الدركة الولى ثم الثانية ثم الثالثة هكذا .وقيل :لكل دركة باب مفرد ،فالبعض يدخلون من
باب والبعض يدخلون من باب آخر .فال أعلم" .خالدين فيها" أي ماكثين فيها" .فلبئس مثوى" أي
مقام "المتكيبرين" الذيين تكيبروا عين اليمان وعين عبادة ال تعالى ،وقيد بينهيم بقوله الحيق" :إنهيم
كانوا إذا قيل لهم ل إله إل ال يستكبرون" [الصافات.]35 :
**3اليتان{ 31 - 30 :وقيل للذين اتقوا ماذا أنزل ربكم قالوا خيرا للذين أحسنوا في هذه الدنيا
حسينة ولدار الخرة خيير ولنعيم دار المتقيين ،جنات عدن يدخلونهيا تجري مين تحتهيا النهار لهيم
فيها ما يشاؤون كذلك يجزي ال المتقين}
@قوله تعالى" :وقييل للذيين اتقوا ماذا أنزل ربكيم قالوا خيرا" أي قالوا :أنزل خيرا؛ وتم الكلم.
و"ماذا" على هذا اسيم واحيد .وكان يرد الرجيل مين العرب مكية فيي أيام الموسيم فيسيأل المشركيين
عين محميد علييه السيلم فيقولون :سياحر أو شاعير أو كاهين أو مجنون .ويسيأل المؤمنيين فيقولون:
أنزل ال عليييه الخييير والهدى ،والمراد القرآن .وقيييل :إن هذا يقال لهييل اليمان يوم القياميية .قال
الثعلبي :فإن قيل :لم ارتفع الجواب في قوله" :أساطير الولين" [النحل ]24 :وانتصب في قوله:
"خيرا" فالجواب أن المشركيين لم يؤمنوا بالتنزييل ،فكأنهيم قالوا :الذي يقوله محميد هيو أسياطير
الولين .والمؤمنين آمنوا بالنزول فقالوا :أنزل خيرا ،وهذا مفهوم معناه من العراب ،والحمد ل.
@قوله تعالى" :للذين أحسنوا في هذه الدنيا حسنة" قيل :هو من كلم ال عز وجل .وقيل :هو من
جملة كلم الذييين اتقوا .والحسيينة هنييا :الجنيية؛ أي ميين أطاع ال فله الجنيية غدا .وقيييل" :للذييين
أحسنوا" اليوم حسنة في الدنيا من النصر والفتح والغنيمة "ولدار الخرة خير" أي ما ينالون في
الخرة من ثواب الجنة خير وأعظم من دار الدنيا؛ لفنائها وبقاء الخرة" .ولنعم دار المتقين" فيه
وجهان :قال الحسن :المعنى ولنعم دار المتقين الدنيا؛ لنهم نالوا بالعمل فيها ثواب الخرة ودخول
الجنيية .وقيييل :المعنييى ولنعييم دار المتقييين الخرة؛ وهذا قول الجمهور .وعلى هذا تكون "جنات
عدن" بدل ميين الدار فلذلك ارتفييع" .جنات عدن" بدل ميين الدار فلذلك ارتفييع .وقيييل :ارتفييع على
تقدييير هييي جنات ،فهييي مبينيية لقوله" :دار المتقييين" .أو تكون مرفوعيية بالبتداء ،التقدييير :جنات
عدن نعم دار المتقين" .يدخلونها" في موضع الصفة ،أي مدخولة .وقيل" :جنات" رفع بالبتداء،
وخيبره "يدخلونهيا" وعلييه يخرج قول الحسين .وال أعلم" .تجري مين تحتهيا النهار" تقدم" .لهيم
فيها ما يشاؤون" أي مما تمنوه وأرادوه" .كذلك يجزي ال المتقين" أي مثل هذا الجزاء يجزي ال
المتقين.
**3الييية{ 32 :الذييين تتوفاهييم الملئكيية طيييبين يقولون سييلم عليكييم ادخلوا الجنيية بمييا كنتييم
تعملون}
@قوله تعالى" :الذيين تتوفاهيم الملئكية طييبين" قرأ العميش وحمزة "يتوفاهيم الملئكية" فيي
الموضعييين بالياء ،واختاره أبيو عبييد؛ لمييا روي عين ابين مسييعود أنيه قال :إن قريشييا زعموا أن
الملئكية إناث فذكروهيم أنتيم .الباقون بالتاء؛ لن المراد بيه الجماعية مين الملئكية .و"طييبين" فييه
سييتة أقوال :الول" :طيييبين" طاهرييين ميين الشرك .الثانييي :صييالحين .الثالث :زاكييية أفعالهييم
وأقوالهييم .الرابييع :طيييبين النفييس ثقيية بمييا يلقونييه ميين ثواب ال تعالى .الخامييس :طيبيية نفوسييهم
بالرجوع إلى ال .السيادس" :طييبين" أن تكون وفاتهيم طيبية سيهلة ل صيعوبة فيهيا ول ألم؛ بخلف
ميا تقبض بيه روح الكافير والمخلط .وال أعلم" .يقولون سلم عليكم" يحتميل وجهين :أحدهميا :أن
يكون السيلم إنذارا لهيم بالوفاة .الثانيي :أن يكون تبشيرا لهيم بالجنية؛ لن السيلم أمان .وذكير ابين
المبارك قال :حدثنيي حيوة قال أخيبرني أبيو صيخر عين محميد بين كعيب القرظيي قال :إذا اسيتنقعت
ي ال ال يقرأ عليك السلم .ثم نزع بهذه نفس العبد المؤمن جاءه ملك الموت فقال :السلم عليك ول ّ
الية "الذين تتوفاهيم الملئكة طيبين يقولون سلم عليكم" .وقال ابن مسعود :إذا جاء ملك الموت
يقبيض روح المؤمين قال :ربيك مقرئك السيلم .وقال مجاهيد :إن المؤمين ليبشير بصيلح ولده مين
بعده لتقر عينه .وقد أتينا على هذا في كتاب التذكرة وذكرنا هناك الخبار الواردة في هذا المعنى،
والحميد ل" .ادخلوا الجنية" يحتميل وجهيين :أحدهميا :أن يكون معناه أبشروا بدخول الجنية .الثانيي:
أن يقولوا ذلك لهم في الخرة "بما كنتم تعملون" يعني في الدنيا من الصالحات.
**3الية{ 33 :هل ينظرون إل أن تأتيهم الملئكة أو يأتي أمر ربك كذلك فعل الذين من قبلهم
وما ظلمهم ال ولكن كانوا أنفسهم يظلمون}
@قوله تعالى" :هل ينظرون إل أن تأتيهم الملئكة" هذا راجع إلى الكفار ،أي ما ينتظرون إل أن
تأتيهم الملئكة لقبض أرواحهم وهم ظالمون لنفسهم .وقرأ العمش وابن وثاب وحمزة والكسائي
وخلف "يأتيهم الملئكة" بالياء .والباقون بالتاء على ما تقدم" .أو يأتي أمر ربك" أي بالعذاب من
القتيل كيوم بدر ،أو الزلزلة والخسيف فيي الدنييا .وقييل :المراد يوم القيامية .والقوم لم ينتظروا هذه
الشياء لنهم ما آمنوا بها ،ولكن امتناعهم عن اليمان أوجب عليهم العذاب ،فأضيف ذلك إليهم،
أي عاقبتهيم العذاب" .كذلك فعيل الذيين مين قبلهيم" أي أصيروا على الكفير فأتاهيم أمير ال فهلكوا.
"وما ظلمهم ال" أي ما ظلمهم ال بتعذيبهم وإهلكهم ،ولكن ظلموا أنفسهم بالشرك.
**3الية{ 34 :فأصابهم سيئات ما عملوا وحاق بهم ما كانوا به يستهزئون}
@قوله تعالى" :فأصابهم سيئات ما عملوا" قيل :فيه تقديم وتأخير؛ التقدير :كذلك فعل الذين من
قبلهيم فأصيابهم سييئات ميا عملوا ،وميا ظلمهيم ال ولكين كانوا أنفسيهم يظلمون ،فأصيابهم عقوبات
كفرهم وجزاء الخبيث من أعمالهم" .وحاق بهم" أي أحاط بهم ودار" .ما كانوا به يستهزئون" أي
عقاب استهزائهم.
**3الية{ 35 :وقال الذين أشركوا لو شاء ال ما عبدنا من دونه من شيء نحن ول آباؤنا ول
حرمنا من دونه من شيء كذلك فعل الذين من قبلهم فهل على الرسل إل البلغ المبين}
@قوله تعالى" :وقال الذيين أشركوا لو شاء ال ميا عبدنيا مين دونيه مين شييء" أي شيئا ،و"مين"
صيلة .قال الزجاج :قالوه اسيتهزاء ،ولو قالوه عين اعتقاد لكانوا مؤمنيين .وقيد مضيى" .كذلك فعيل
الذين من قبلهم" أي مثل هذا التكذيب والستهزاء فعل من كان قبلهم بالرسل فأهلكوا" .فهل على
الرسل إل البلغ المبين" أي ليس عليهم إل التبليغ ،وأما الهداية فهي إلى ال تعالى.
**3الية{ 36 :ولقد بعثنا في كل أمة رسول أن اعبدوا ال واجتنبوا الطاغوت فمنهم من هدى
ال ومنهم من حقت عليه الضللة فسيروا في الرض فانظروا كيف كان عاقبة المكذبين}
@قوله تعالى" :ولقيد بعثنيا فيي كيل أمية رسيول أن اعبدوا ال" أي بأن اعبدوا ال ووحدوه.
"واجتنبوا الطاغوت" أي اتركوا كيل معبود دون ال كالشيطان والكاهين والصينم ،وكيل مين دعيا
إلى الضلل" .فمنهم من هدى ال" أي أرشده إلى دينه وعبادته" .ومنهم من حقت عليه الضللة"
أي بالقضاء السيابق علييه حتيى مات على كفره ،وهذا يرد على القدريية؛ لنهيم زعموا أن ال هدى
الناس كلهم ووفقهم للهدى ،وال تعالى يقول" :فمنهم من هدى ال ومنهم من حقت عليه الضللة"
وقييد تقدم" .فسيييروا فييي الرض" أي فسيييروا معتييبرين فييي الرض "فانظروا كيييف كان عاقبيية
المكذبين" أي كيف صار آخر أمرهم إلى الخراب والعذاب والهلك.
**3الية{ 37 :إن تحرص على هداهم فإن ال ل يهدي من يضل وما لهم من ناصرين}
@قوله تعالى" :إن تحرص على هداهم" أي إن تطلب يا محمد بجهدك هداهم" .فإن ال ل يهدي
من يضل وما لهم من ناصرين" أي ل يرشد من أضله ،أي من سبق له من ال الضللة لم يهده.
وهذه قراءة ابين مسيعود وأهيل الكوفية" .فيهدي" فعيل مسيتقبل وماضييه هدى .و"مين" فيي موضيع
نصب "بيهدي" ويجوز أن يكون هدى يهدي بمعنى اهتدى يهتدي ،رواه أبو عبيد عن الفراء قال:
كميا قرئ "أمين ل يهدي إل أن يهدى" [يونيس ]35 :بمعنيى يهتدي .قال أبيو عبييد .ول نعلم أحدا
روى هذا غيير الفراء ،ولييس بمتهيم فيميا يحكييه .النحاس :حكيي لي عين محميد بين يزييد كأن معنيى
"ل يهدي من يضل" من علم ذلك منه وسبق ذلك له عنده ،قال :ول يكون يهدي بمعنى يهتدي إل
أن يكون يهدي أو يهدي .وعلى قول الفراء "يهدي" بمعنى يهتدي ،فيكون "من" في موضع رفع،
والعائد إلى "ميين" الهاء المحذوفيية ميين الصييلة ،والعائد إلى اسييم "إن" الضمييير المسييتكن فييي
"يضل" .وقرأ الباقون "ل يهدى" بضم الياء وفتح الدال ،واختاره أبو عبيد وأبو حاتم ،على معنى
ميين أضله ال لم يهده هاد؛ دليله قوله" :ميين يضلل ال فل هادي له" [العراف ]186 :و"ميين"
فييي موضيع رفيع على أنيه اسيم ميا لم يسيم فاعله ،وهيي بمعنييى الذي ،والعائد عليهيا مين صيلتها
محذوف ،والعائد على اسم إن من "فإن ال" الضمير المستكن في "يضل".
**3الية{ 38 :وأقسموا بال جهد أيمانهم ل يبعث ال من يموت بلى وعدا عليه حقا ولكن أكثر
الناس ل يعلمون}
@قوله تعالى" :وأقسيموا بال جهيد أيمانهيم" هذا تعجييب مين صينعهم ،إذ أقسيموا بال وبالغوا فيي
تغليظ اليمين بأن ال ل يبعث من يموت .ووجه التعجيب أنهم يظهرون تعظيم ال فيقسمون به ثم
يعجزونه عن بعث الموات .وقال أبو العالية :كان لرجل من المسلمين على مشرك دين فتقاضاه،
وكان فيي بعيض كلميه :والذي أرجوه بعيد الموت إنيه لكذا ،فأقسيم المشرك بال :ل يبعيث ال مين
يموت؛ فنزلت الييية .وقال قتادة :ذكيير لنييا أن ابيين عباس قال له رجييل :يييا ابيين عباس ،إن ناسييا
يزعمون أن عليييا مبعوث بعييد الموت قبييل السيياعة ،ويتأولون هذه الييية .فقال ابيين عباس :كذب
أولئك! إنميا هذه اليية عامية للناس ،لو كان علي مبعوثيا قبيل القيامية ميا نكحنيا نسياءه ول قسيمنا
ميراثييه" .بلى" هذا رد عليهييم؛ أي بلى ليبعثنهييم" .وعدا عليييه حقييا" مصييدر مؤكييد؛ لن قوله
"يبعثهييم" يدل على الوعييد ،أي وعييد البعييث وعدا حقييا" .ولكيين أكثيير الناس ل يعلمون" أنهييم
مبعوثون .وفي البخاري عن أبي هريرة عن النبي صلى ال عليه وسلم (قال ال تعالى كذبني ابن
آدم ولم يكين له ذلك وشتمنيي ولم يكين له ذلك فأميا تكذيبيه إياي فقوله لن يعيدنيي كميا بدأنيي وأميا
شتمه إياي فقوله اتخذ ال ولدا وأنا الحد الصمد لم يلد ولم يولد ولم يكن له كفوا أحد) .وقد تقدم.
**3الية{ 39 :ليبين لهم الذي يختلفون فيه وليعلم الذين كفروا أنهم كانوا كاذبين}
@قوله تعالى" :ليبين لهم" أي ليظهر لهم" .الذي يختلفون فيه" أي من أمر البعث" .وليعلم الذين
كفروا" بالبعيث وأقسيموا علييه "أنهيم كانوا كاذبيين" وقييل :المعنيى ولقيد بعثنيا فيي كيل أمية رسيول
لييبين لهيم الذي يختلفون فييه ،والذي اختلف فييه المشركون والمسيلمون أمور :منهيا البعيث ،ومنهيا
عبادة الصنام ،ومنها إقرار قوم بأن محمدا حق ولكن منعهم من اتباعه التقليد؛ كأبي طالب.
**3الية{ 40 :إنما قولنا لشيء إذا أردناه أن نقول له كن فيكون}
@ أعلمهيم سيهولة الخلق علييه ،أي إذا أردنيا أن نبعيث مين يموت فل تعيب علينيا ول نصيب فيي
إحيائهيم ،ول فيي غيير ذلك مميا نحدثيه؛ لنيا إنميا نقول له كين فيكون .قراءة ابين عامير والكسيائي
"فيكون" نصيبا عطفيا على أن نقول .وقال الزجاج :يجوز أن يكون نصيبا على جواب "كين".
الباقون بالرفيع على معنيى فهيو يكون .وقال ابين النباري :أوقيع لفيظ الشييء على المعلوم عنيد ال
قبل الخلق لنه بمنزلة ما وجد وشوهد .وفي الية دليل على أن القرآن غير مخلوق؛ لنه لو كان
قوله" :كن" مخلوقا لحتاج إلى قول ثان ،والثاني إلى ثالث وتسلسل وكان محال .وفيها دليل على
أن ال سبحانه مريد لجميع الحوادث كلها خيرها وشرها نفعها وضرها؛ والدليل على ذلك أن من
يرى في سلطانه ما يكرهه ول يريده فلحد شيئين :إما لكونه جاهل ل يدري ،وإما لكونه مغلوبا
ل يطيييق ،ول يجوز ذلك فييي وصييفه سييبحانه ،وقييد قام الدليييل على أنييه خالق لكتسيياب العباد،
ويستحيل أن يكون فاعل لشيء وهو غير مريد له؛ لن أكثر أفعالنا يحصل على خلف مقصودنا
وإرادتنا ،فلو لم يكن الحق سبحانه مريدا لها لكانت تلك الفعال تحصل من غير قصد؛ وهذا قول
الطبيعيين ،وقد أجمع الموحدون على خلفه وفساده.
**3الية{ 41 :والذين هاجروا في ال من بعد ما ظلموا لنبوئنهم في الدنيا حسنة ولجر الخرة
أكبر لو كانوا يعلمون}
@قوله تعالى" :والذيين هاجروا فيي ال مين بعيد ميا ظلموا" قيد تقدم فيي "النسياء" معنيى الهجرة،
وهيي ترك الوطان والهيل والقرابية فيي ال أو فيي ديين ال ،وترك السييئات .وقييل" :فيي" بمعنيى
اللم ،أي ل" .ميين بعييد مييا ظلموا" أي عذبوا فييي ال .نزلت فييي صييهيب وبلل وخباب وعمار،
عذبهيم أهيل مكية حتيى قالوا لهيم ميا أرادوا ،فلميا خلوهيم هاجروا إلى المدينية؛ قاله الكلبيي .وقييل:
نزلت فيي أبيي جندل بين سيهيل .وقال قتادة :المراد أصيحاب محميد صيلى ال علييه وسيلم ،ظلمهيم
المشركون بمكيية وأخرجوهييم حتييى لحييق طائفيية منهييم بالحبشيية؛ ثييم بوأهييم ال تعالى دار الهجرة
وجعل لهم أنصارا من المؤمنين .والية تعم الجميع" .لنبوئنهم في الدنيا حسنة" في الحسينة ستة
أقوال :الول :نزول المدينة؛ قاله ابن عباس والحسن والشعبي وقتادة .الثاني :الرزق الحسن؛ قاله
مجاهيد .الثالث :النصير على عدوهيم؛ قاله الضحاك .الرابيع :إنيه لسيان صيدق؛ حكاه ابين جرييج.
الخامس :ما استولوا عليه من فتوح البلد وصار لهم فيها من الوليات .السادس :ما بقي لهم في
الدنيا من الثناء ،وما صار فيها لولدهم من الشرف .وكل ذلك اجتمع لهم بفضل ال ،والحمد ل.
"ولجير الخرة أكيبر" أي ولجير دار الخرة أكيبر ،أي أكيبر مين أن يعلميه أحيد قبيل أن يشاهده؛
"وإذا رأييت ثيم رأييت نعيميا وملكيا كيبيرا" [النسيان" ]20 :لو كانوا يعلمون" أي لو كان هؤلء
الظالمون يعلمون ذلك .وقيييل :هييو راجييع إلى المؤمنييين .أي لو رأوا ثواب الخرة وعاينوه لعلموا
أنه أكبر من حسنة الدنيا .وروي أن عمر بن الخطاب رضي ال عنه كان إذا دفع إلى المهاجرين
العطاء قال :هذا ما وعدكم ال في الدنيا وما أدخر لكم في الخرة أكثر؛ ثم تل عليهم هذه الية.
**3الية{ 42 :الذين صبروا وعلى ربهم يتوكلون}
@ قييل" :الذيين" بدل مين "الذيين" الول .وقييل :مين الضميير فيي "لنبوئنهيم" وقييل :هيم الذيين
صيبروا على دينهيم" .وعلى ربهيم يتوكلون" فيي كيل أمورهيم .وقال بعيض أهيل التحقييق :خيار
الخلق من إذا نابه أمر صبر ،وإذا عجز عن أمر توكل؛ قال ال تعالى" :الذين صبروا وعلى ربهم
يتوكلون".
**3اليتان{ 44 - 43 :وما أرسلنا من قبلك إل رجال نوحي إليهم فاسألوا أهل الذكر إن كنتم
ل تعلمون ،بالبينات والزبر وأنزلنا إليك الذكر لتبين للناس ما نزل إليهم ولعلهم يتفكرون}
@قوله تعالى" :وميا أرسيلنا مين قبلك إل رجال نوحيي إليهيم" قراءة العامية "يوحيى" بالياء وفتيح
الحاء .وقرأ حفص عن عاصيم "نوحي إليهم" بنون العظمة وكسر الحاء .نزلت فيي مشركيي مكة
حييث أنكروا نبوة محميد صيلى ال علييه وسيلم وقالوا :ال أعظيم مين أن يكون رسيوله بشرا ،فهل
بعيث إلينيا ملكيا؛ فرد ال تعالى عليهيم بقوله" :وميا أرسيلنا مين قبلك" إلى الميم الماضيية ييا محميد
"إل رجال" آدمييين" .فاسيألوا أهيل الذكير" قال سيفيان :يعنيي مؤمنيي أهيل الكتاب .وقييل :المعنيى
فاسيألوا أهيل الكتاب فإن لم يؤمنوا فهيم معترفون بأن الرسيل كانوا مين البشير .روي معناه عين ابين
عباس ومجاهد .وقال ابن عباس :أهل الذكر أهل القرآن .وقيل :أهل العلم ،والمعنى متقارب" .إن
كنتييم ل تعلمون" يخييبرونكم أن جميييع النييبياء كانوا بشرا" .بالبينات والزبر" قيييل" :بالبينات،
متعلق "بأرسيلنا" .وفيي الكلم تقدييم وتأخيير ،أي ميا أرسيلنا مين قبلك بالبينات والزبر إل رجال -
أي غيير رجال" ،فإل" بمعنيى غيير؛ كقوله :ل إله إل ال ،وهذا قول الكلبيي -نوحيي إليهيم .وقييل:
فيييي الكلم حذف دل علييييه "أرسيييلنا" أي أرسيييلناهم بالبينات والزبر .ول يتعلق "بالبينات" بيييي
"أرسيلنا" الول على هذا القول؛ لن ميا قبيل "إل" ل يعميل فيميا بعدهيا ،وإنميا يتعلق بأرسيلنا
المقدرة ،أي أرسيلناهم بالبينات .وقييل :مفعول "بتعلمون" والباء زائدة ،أو نصيب بإضمار أعنيي؛
كما قال العشى:
ول قائل إل هو المتعيبا وليس مجيرا إن أتى الحي خائف
أي أعنيي المتعييب .والبينات :الحجيج والبراهيين .والزبر :الكتيب .وقيد تقدم" .وأنزلنيا إلييك الذكير"
يعنييي القرآن" .لتييبين للناس مييا نزل إليهييم" فييي هذا الكتاب ميين الحكام والوعييد والوعيييد بقولك
وفعلك؛ فالرسول صلى ال عليه وسلم مبين عن ال عز وجل مراده مما أجمله في كتابه من أحكام
الصلة والزكاة ،وغير ذلك مما لم يفصله" .ولعلهم يتفكرون" فيتعظون.
**3اليات{ 47 - 45 :أفأمين الذيين مكروا السييئات أن يخسيف ال بهيم الرض أو يأتيهيم
العذاب من حيث ل يشعرون ،أو يأخذهم في تقلبهم فما هم بمعجزين ،أو يأخذهم على تخوف فإن
ربكم لرؤوف رحيم}
@قوله تعالى" :أفأمين الذيين مكروا السييئات" أي بالسييئات ،وهذا وعييد للمشركيين الذيين احتالوا
في إبطال السلم" .أن يخسف ال بهم الرض" قال ابن عباس :كما خسف بقارون ،يقال :خسف
المكان يخسيف خسيوفا ذهيب فيي الرض ،وخسيف ال بيه الرض خسيوفا أي غاب بيه فيهيا؛ ومنيه
قوله" :فخسييفنا بييه وبداره الرض" [القصييص .]81 :وخسييف هييو فييي الرض وخسييف بييه.
والسييتفهام بمعنييى النكار؛ أي يجييب أل يأمنوا عقوبيية تلحقهييم كمييا لحقييت المكذبييين" .أو يأتيهييم
العذاب من حيث ل يشعرون" كما فعل بقوم لوط وغيرهم .يريد يوم بدر؛ فإنهم أهلكوا ذلك اليوم،
ولم يكين شييء منيه فيي حسيابهم" .أو يأخذهيم فيي تقلبهيم" أي فيي أسيفارهم وتصيرفهم؛ قاله قتادة.
وقييل" :فيي تقلبهيم" على فراشهيم أينميا كانوا .وقال الضحاك :باللييل والنهار" .فميا هيم بمعجزيين"
أي مسيابقين ال ول فائتيييه" .أو يأخذهييم على تخوف" قال ابين عباس ومجاهيد وغيرهييم أي على
تنقيص مين أموالهيم ومواشيهيم وزروعهيم .وكذا قال ابين العرابيي :أي على تنقيص مين الموال
والنفس والثمرات حتى أهلكهم كلهم .وقال الضحاك :هو من الخوف؛ المعنى :يأخذ طائفة ويدع
طائفة ،فتخاف الباقية أن ينزل بها ما نزل بصاحبتها .وقال الحسن" :على تخوف" أن يأخذ القرية
فتخافيه القريية الخرى ،وهذا هيو معنيى القول الذي قبله بعينيه ،وهميا راجعان إلى المعنيى الول،
وأن التخوف التنقييص؛ تخوفييه تنقصييه ،وتخوفييه الدهيير وتخونييه -بالفاء والنون -بمعنييى؛ يقال:
تخونني فلن حقي إذا تنقصك .قال ذو الرمة:
مرا سحاب ومرا بارح ترب ل ،بل هو الشوق من دار تخونها
وقال لبيد:
تخونها نزولي وارتحالي
أي تنقيص لحمهيا وشحمهيا .وقال الهيثيم بين عدي :التخوف "بالفاء" التنقيص ،لغية لزد شنوءة.
وأنشد:
سلسل في الحلوق لها صليل تخوف غدرهم مالي وأهدى
وقال سعيد بن المسيب :بينما عمر بن الخطاب رضي ال عنه على المنبر قال :يا أيها الناس ،ما
تقولون فيي قول ال عيز وجيل" :أو يأخذهيم على تخوف" فسيكت الناس ،فقال شييخ مين بنيي هذييل:
هيي لغتنيا ييا أميير المؤمنيين ،التخوف التنقيص .فخرج رجيل فقال :ييا فلن ،ميا فعيل دينيك؟ قال:
تخوفتيه ،أي تنقصيته؛ فرجيع فأخيبر عمير فقال عمير :أتعرف العرب ذلك فيي أشعارهيم؟ قال نعيم؛
قال شاعرنا أبو كبير الهذلي يصف ناقة تنقص السير سنامها بعد تمكه واكتنازه:
كما تخوف عود النبعة السفن تخوف الرحل منها تامكا قردا
فقال عمير :ييا أيهيا الناس ،عليكيم بديوانكيم شعير الجاهليية فإن فييه تفسيير كتابكيم ومعانيي كلمكيم.
تميك السينام يتميك تمكيا ،أي طال وارتفيع ،فهيو تاميك .والسيفن والمسيفن ميا يُنجير بيه الخشيب .وقال
اللييث بين سيعد" :على تخوف" على عجيل .وقال :على تقرييع بميا قدموه مين ذنوبهيم ،وهذا مروي
عن ابن عباس أيضا .وقال قتادة" :على تخوف" أن يعاقب أو يتجاوز" .فإن ربكم لرؤوف رحيم"
أي ل يعاجل بل يمهل.
**3الية{ 48 :أولم يروا إلى ما خلق ال من شيء يتفيأ ظلله عن اليمين والشمائل سجدا ل
وهم داخرون}
@ قرأ حمزة والكسائي وخلف ويحيى والعمش "تروا" بالتاء ،على أن الخطاب لجميع الناس.
الباقون بالياء خبرا عن الذين يمكرون السيئات؛ وهو الختيار" .من شيء" يعني من جسم قائم له
ظيل مين شجرة أو جبيل؛ قاله ابين عباس .وإن كانيت الشياء كلهيا سيميعة مطيعية ل تعالى" .يتفييأ
ظلله" قرأ أبيو عمرو ويعقوب وغيرهميا بالتاء لتأنييث الظلل .الباقون بالياء ،واختاره أبيو عبييد.
أي يميل من جانب إلى جانب ،ويكون أول النهار على حال ويتقلص ثم يعود في آخر النهار على
حالة أخرى؛ فدورانها وميلنها من موضع إلى موضع سجودها؛ ومنه قيل للظل بالعشيي :فيء؛
لنيه فاء مين المغرب إلى المشرق ،أي رجيع .والفييء الرجوع؛ ومنيه "حتيى تفييء إلى أمير ال"
[الحجرات .]9 :روي معنى هذا القول عن الضحاك وقتادة وغيرهما ،وقال الزجاج :يعني سجود
الجسيم ،وسيجوده انقياده وميا يرى فييه مين أثير الصينعة ،وهذا عام فيي كيل جسيم .ومعنيى "وهيم
داخرون" أي خاضعون صياغرون .والدخور :الصيغار والذل .يقال :دخير الرجيل -بالفتيح -فهيو
داخر ،وأدخره ال .وقال ذو الرمة:
ومنجحر في غير أرضك في جحر فلم يبق إل داخر في مخيس
كذا نسبه الماوردي لذي الرمة ،ونسبه الجوهري للفرزدق وقال :المخيس اسم سجن كان بالعراق؛
أي موضع التذلل ،وقال.
بنيت بعد نافع مخيسا أما تراني كيسا مكيسا
ووحد اليمين في قوله" :عن اليمين" وجمع الشمال؛ لن معنى اليمين وإن كان واحدا الجمع .ولو
قال :عن اليمان والشمائل ،واليمين والشمائل ،أو اليمين والشمال ،أو اليمان والشمال لجاز؛ لن
المعنيى للكثرة .وأيضيا فمين شأن العرب إذا اجتمعيت علمتان فيي شييء واحيد أن تجميع إحداهميا
وتفرد الخرى؛ كقوله تعالى" :ختييييم ال على قلوبهييييم وعلى سييييمعهم" [البقرة ]7 :وكقوله:
"ويخرجهيم مين الظلمات إلى النور" [المائدة ]16 :ولو قال على أسيماعهم وإلى النوار لجاز.
ويجوز أن يكون رد اليميين على لفيظ "ميا" والشمال على معناهيا .ومثيل هذا فيي الكلم كثيير .فال
الشاعر:
قد عض أعناقهم جلد الجواميس الواردون وتيم في ذرا سبأ
ولم يقل جلود .وقييل :وحد اليميين لن الشمس إذا طلعت وأنيت متَوجّه إلى القبلة انبسيط الظيل عن
اليمين ثم في حال يميل إلى جهة الشمال ثم حالت ،فسماها شمائل.
**3اليتان{ 50 - 49 :ول يسجد ما في السماوات وما في الرض من دابة والملئكة وهم ل
يستكبرون ،يخافون ربهم من فوقهم ويفعلون ما يؤمرون}
@قوله تعالى" :ول يسيجد ما في السماوات وما فيي الرض من دابة" أي من كل ما يدب على
الرض" .والملئكة" يعني الملئكة الذين في الرض ،وإنما أفردهم بالذكر لختصاصهم بشرف
المنزلة ،فميزهيم مين صيفة الدبييب بالذكير وإن دخلوا فيهيا؛ كقوله" :فيهميا فاكهية ونخيل ورمان"
[الرحمن .]68 :وقيل :لخروجهم من جملة ما يدب لما جعل ال لهم من الجنحة ،فلم يدخلوا في
الجملة فلذلك ذكروا .وقييل :أراد "ول يسيجد مين فيي السيماوات" مين الملئكية والشميس والقمير
والنجوم والرياح والسييحاب" ،ومييا فييي الرض ميين دابيية" وتسييجد ملئكيية الرض" .وهييم ل
يسييتكبرون" عيين عبادة ربهييم .وهذا رد على قريييش حيييث زعموا أن الملئكيية بنات ال .ومعنييى
"يخافون ربهيم مين فوقهيم" أي عقاب ربهيم وعذابيه ،لن العذاب المهلك إنميا ينزل مين السيماء.
وقييل :المعنيى يخافون قدرة ربهيم التيي هيي فوق قدرتهيم؛ ففي الكلم حذف .وقييل :معنيى "يخافون
ربهيم مين فوقهيم" يعنيي الملئكية ،يخافون ربهيم وهيي مين فوق ميا فيي الرض مين دابية وميع ذلك
يخافون؛ فلن يخاف مين دونهيم أولى؛ دلييل هذا القول قوله تعالى" :ويفعلون ميا يؤمرون" يعنيي
الملئكة.
**3الية{ 51 :وقال ال ل تتخذوا إلهين اثنين إنما هو إله واحد فإياي فارهبون}
@قوله تعالى" :وقال ال ل تتخذوا إلهيين اثنين" قيل :المعنى ل تتخذوا اثنيين إلهين .وقييل :جاء
قوله "اثنين" توكيدا .ولما كان الله الحق ل يتعدد وأن كل من يتعدد فليس بإله ،اقتصر على ذكر
الثنيين؛ لنيه قصيد نفيي التعدييد" .إنميا هيو إله واحيد" يعنيي ذاتيه المقدسية .وقيد قام الدلييل العقلي
والشرعي على وحدانيته والحمد ل" .فإياي فارهبوني" أي خافون .وقد تقدم.
**3الية{ 52 :وله ما في السماوات والرض وله الدين واصبا أفغير ال تتقون}
@قوله تعالى" :وله ميا فيي السيماوات والرض وله الديين واصيبا" الديين :الطاعية والخلص.
و"واصييبا" معناه دائمييا؛ قال الفراء ،حكاه الجوهري .وصييب الشيييء يصييب وصييوبا ،أي دام.
ووصيب الرجيل على المير إذا واظيب علييه .والمعنيى :طاعية ال واجبية أبدا .وممين قال واصيبا
دائميا :الحسين ومجاهيد وقتادة والضحاك .ومنيه قوله تعالى" :ولهيم عذاب واصيب" [الصيافات]9:
أي دائم .وقال الدولي:
بدم يكون الدهر أجمع واصبا ل أبتغي الحمد القليل بقاؤه
أنشد الغزنوي والثعلبي وغيرهما:
يوما بذم الدهر أجمع واصبا ما أبتغي الحمد القليل بقاؤه
وقيل :الوصب التعب والعياء؛ أي تجب طاعة ال وإن تعب العبد فيها .ومنه قول الشاعر:
ول يعض على شرسوفه الصفر ل يمسك الساق من أين ول وصب
وقال ابيين عباس" :واصييبا" واجبييا .الفراء والكلبييي :خالصييا" .أفغييير ال تتقون" أي ل ينبغييي أن
تتقوا غير ال" .فغير" نصب بي "تتقون".
**3اليات{ 55 - 53 :وميا بكيم مين نعمية فمين ال ثيم إذا مسيكم الضير فإلييه تجأرون ،ثيم إذا
كشف الضر عنكم إذا فريق منكم بربهم يشركون ،ليكفروا بما آتيناهم فتمتعوا فسوف تعلمون}
@قوله تعالى" :وميا بكيم مين نعمية فمين ال" قال الفراء" .ميا" بمعنيى الجزاء .والباء فيي "بكيم"
متعلقة بفعل مضمر ،تقديره :وما يكن بكم" .من نعمة" أي صحة جسم وسعة رزق وولد فمن ال.
وقييل :المعنيى وميا بكيم مين نعمية فمين ال هيي" .ثيم إذا مسيكم الضير" أي السيقم والبلء والقحيط.
"فإليه تجأرون" أي تضجون بالدعاء .يقال :جأر يجار جؤارا .والجؤار مثل الخوار؛ يقال :جأر
الثور يجأر ،أي صيياح .وقرأ بعضهييم "عجل جسييدا له جؤار"؛ حكاه الخفييش .وجأر الرجييل إلى
ال ،أي تضرع بالدعاء .وقال العشى يصف بقرة:
وكان النكير أن تضيف وتجأرا فطافت ثلثا بين يوم وليلة
"ثم إذا كشف الضر عنكم" أي البلء والسقم" .إذا فريق منكم بربهم يشركون" بعد إزالة البلء
وبعيد الجؤار .فمعنيى الكلم التعجييب مين الشراك بعيد النجاة مين الهلك ،وهذا المعنيى مكرر فيي
القرآن ،وقال الزجاج :هذا خاص بمن كفر" .ليكفروا بميا آتيناهيم" أي ليجحدوا نعمية ال التيي أنعيم
بهيا عليهيم مين كشيف الضير والبلء .أي أشركوا ليجحدوا ،فاللم لم كيي .وقييل لم العاقبية .وقييل:
"ليكفروا بما آتيناهم" أي ليجعلوا النعمة سببا للكفر ،وكل هذا فعل خبيث؛ كما قال:
والكفر مخبثة لنفس المنعم
"فتمتعوا" أمر تهديد .وقرأ عبدال "قل تمتعوا"" .فسوف تعلمون" أي عاقبة أمركم.
**3الية{ 56 :ويجعلون لما ل يعلمون نصيبا مما رزقناهم تال لتسألن عما كنتم تفترون}
@قوله تعالى" :ويجعلون لما ل يعلمون نصيبا مما رزقناهم" ذكر نوعا آخر من جهالتهم ،وأنهم
يجعلون لميا ل يعلمون أنيه يضير وينفيع -وهيي الصينام -شيئا مين أموالهيم يتقربون بيه إلييه؛ قال
مجاهييد وقتادة وغيرهمييا .فييي "يعلمون" على هذا للمشركييين .وقيييل هييي للوثان ،وجرى بالواو
والنون مجرى ميين يعقييل ،فهييو رد على "مييا" ومفعول يعلم محذوف ،والتقدييير :ويجعييل هؤلء
الكفار للصينام التيي ل تعلم شيئا نصييبا .وقيد مضيى فيي "النعام "136:تفسيير هذا المعنيى ،ثيم
رجييع ميين الخييبر إلى الخطاب فقال" :تال لتسييئلن" وهذا سييؤال توبيييخ" .عمييا كنتييم تفترون" أي
تختلقونه من الكذب على ال أنه أمركم بهذا.
**3الية{ 57 :ويجعلون ل البنات سبحانه ولهم ما يشتهون}
@قوله تعالى" :ويجعلون ل البنات" نزلت فيي خزاعية وكنانية؛ فإنهيم زعموا أن الملئكية بنات
ال ،فكانوا يقولون الحقوا البنات بالبنات" .سيبحانه" نزه نفسيه وعظمهيا عميا نسيبوه إلييه مين اتخاذ
الولد" .ولهيم ميا يشتهون" أي يجعلون لنفسيهم البنيين ويأنفون مين البنات .وموضيع "ميا" رفيع
بالبتداء ،والخيبر "لهيم" وتيم الكلم عنيد قوله" :سيبحانه" .وأجاز الفراء كونهيا نصيبا ،على تقديير:
ويجعلون لهم ما يشتهون .وأنكره الزجاج وقال :العرب تستعمل في مثل هذا ويجعلون لنفسهم.
**3الية{ 58 :وإذا بشر أحدهم بالنثى ظل وجهه مسودا وهو كظيم}
@قوله تعالى" :وإذا بشر أحدهم بالنثى" أي أخبر أحدهم بولدة بنت" .ظل وجهه مسودا"
أي متغيرا ،ولييس يرييد السيواد الذي هيو ضيد البياض ،وإنميا هيو كنايية عين غميه بالبنيت .والعرب
تقول لكل من لقي مكروها :قد اسود وجهه غما وحزنا؛ قال الزجاج .وحكى الماوردي أن المراد
سيواد اللون قال :وهيو قول الجمهور" .وهيو كظييم" أي ممتلئ مين الغيم .وقال ابين عباس :حزيين.
وقال الخفيش :هيو الذي يكظيم غيظيه فل يظهره .وقييل :إنيه المغموم الذي يطبيق فاه فل يتكلم مين
الغم؛ مأخوذ من الكظامة وهو شد فم القربة؛ قاله علي بن عيسى .وقد تقدم.
**3الية{ 59 :يتوارى من القوم من سوء ما بشر به أيمسكه على هون أم يدسه في التراب أل
ساء ما يحكمون}
@قوله تعالى" :يتوارى من القوم" أي يختفي ويتغيب" .من سوء ما بشر به" أي من سوء الحزن
والعار والحياء الذي يلحقيه بسيبب البنيت" .أيمسيكه" ذكير الكنايية لنيه مردود على "ميا"" .على
هون" أي هوان .وكذا قرأ عيسييى الثقفييي "على هوان" والهون الهوان بلغيية قريييش؛ قاله اليزيدي
وحكاه أبو عبيد عن الكسائي .وقال الفراء :هو القليل بلغة تميم .وقال الكسائي :هو البلء والمشقة.
وقالت الخنساء:
س يوم الكريهة أبقى لها نهين النفوس وهون النفو
وقرأ العمييش "أيمسييكه على سييوء" ذكره النحاس ،قال :وقرأ الجحدري "أم يدسييها فييي التراب"
يرده على قوله" :بالنثيييى" ويلزميييه أن يقرأ "أيمسيييكها" .وقييييل :يرجيييع الهوان إلى البنيييت؛ أي
أيمسييكها وهييي مهانيية عنده .وقيييل :يرجييع إلى المولود له؛ أيمسييكه على رغييم أنفييه أم يدسييه فييي
التراب ،وهيو ميا كانوا يفعلونيه مين دفين البنيت حيية .قال قتادة :كان مضير وخزاعية يدفنون البنات
أحياء؛ وأشدهم في هذا تميم .زعموا خوف القهر عليهم وطمع غير الكفاء فيهن .وكان صعصعة
ابين ناجيية عيم الفرزدق إذا أحيس بشييء مين ذلك وجيه إلى والد البنيت إبل يسيتحييها بذلك .فقال
الفرزدق يفتخر:
وأحيا الوئيد فلم يوأد وعمي الذي منع الوائدات
وقييل :دسيها إخفاؤهيا عين الناس حتيى ل تعرف ،كالمدسيوس فيي التراب لخفائه عين البصيار؛
وهذا محتمل.
@ مسيألة :ثبيت فيي صيحيح مسيلم عين عائشية رضيي ال عنهيا قالت :جاءتنيي امرأة ومعهيا ابنتان
لها ،فسألتني فلم تجد عندي غير تمرة واحدة ،فأعطيتها إياها فأخذتها فقسمتها بين ابنتيها ولم تأكل
منها شيئا ،ثم قامت فخرجت وابنتاها ،فدخل علي النبي صلى ال عليه وسلم فحدثته حديثها ،فقال
النبي صلى ال عليه وسلم( :من ابتلي من البنات بشيء فأحسن إليهن كن له سترا من النار) .ففي
هذا الحديث ما يدل على أن البنات بلية ،ثم أخبر أن في الصبر عليهن والحسان إليهن ما يقي من
النار .وعين عائشية رضيى ال عنهيا أنهيا قالت :جاءتنيي مسيكينة تحميل ابنتيين لهيا ،فأطعمتهيا ثلث
تمرات فأعطيت كيل واحدة منهميا تمرة ،ورفعيت إلى فيهيا تمرة لتأكلهيا فاسيتطعمتها ابنتاهيا فشقيت
التمرة التي كانت تريد أن تأكلها بينهميا؛ فأعجبنيي شأنهيا ،فذكرت الذي صينعت لرسول ال صلى
ال عليه وسلم فقال( :إن ال عز وجل قد أوجب لها بها الجنة أو أعتقها بها من النار) .وعن أنس
بن مالك قال قال رسول ال صلى ال عليه وسلم( :من عال جاريتين حتى تبلغا جاء يوم القيامة أنا
وهو) وضم أصابعه ،خرجهما أيضا مسلم رحمه ال وخرج أبو نعيم الحافظ من حديث العمش
عين أبيي وائل عين عبدال قال قال رسيول ال صيلى ال علييه وسيلم( :مين كانيت له بنيت فأدبهيا
فأحسين أدبهيا وعلمهيا فأحسين تعليمهيا وأسيبغ عليهيا مين نعيم ال التيي أسيبغ علييه كانيت له سيترا أو
حجابا من النار) .وخطب إلى عقيل بن علفة ابنته الجرباء فقال:
ألف وعبدان وخور عشر إني وإن سيق إلي المهر
أحب أصهاري إلي القبر
وقال عبدال بن طاهر:
ثلثة أصهار إذا حمد الصهر لكل أبي بنت يراعي شؤونها
وقبر يواريها وخيرهم القبر فبعل يراعيها وخدر يكنها
"أل ساء ما يحكمون" أي في إضافة البنات إلى خالقهم وإضافة البنين إليهم .نظيره "ألكم الذكر
وله النثى .تلك إذا قسمة ضيزى" [النجم ]21 :أي جائرة ،وسيأتي.
**3الية{ 60 :للذين ل يؤمنون بالخرة مثل السوء ول المثل العلى وهو العزيز الحكيم}
@قوله تعالى" :للذين ل يؤمنون بالخرة" أي لهؤلء الواصفين ل البنات "مثل السوء" أي صفة
السوء من الجهل والكفر .وقيل :هو وصفهم ال تعالى بالصاحبة والولد .وقيل :أي العذاب والنار.
"ول المثيل العلى" أي الوصيف العلى مين الخلص والتوحييد؛ قاله قتادة .وقييل :أي الصيفة
العليا بأنه خالق رازق قادر ومجاز .وقال ابن عباس" :مثل السوء" النار ،و"المثل العلى "شهادة
أن ل إله إل ال .وقييل :لييس كمثله شييء .وقييل" :ول المثيل العلى" كقوله" :ال نور السيماوات
والرض مثيل نوره" [النور .]35 :فإن قييل :كييف أضاف المثيل هنيا إلى نفسيه وقيد قال" :فل
تضربوا ل المثال" [النحل ]74 :فالجواب أن قوله" :فل تضربوا ل المثال" أي المثال التي
توجييب الشباه والنقائص؛ أي ل تضربوا ل مثل يقتضييي نقصييا وتشبيهييا بالخلق .والمثييل العلى
وصيفه بميا ل شيبيه له ول نظيير ،جيل وتعالى عميا يقول الظالمون والجاحدون علوا كيبيرا" .وهيو
العزيز الحكيم" تقدم.
**3اليية{ 61 :ولو يؤاخيذ ال الناس بظلمهيم ميا ترك عليهيا مين دابية ولكين يؤخرهيم إلى أجيل
مسمى فإذا جاء أجلهم ل يستأخرون ساعة ول يستقدمون}
@قوله تعالى" :ولو يؤاخذ ال الناس بظلمهم" أي بكفرهم وافترائهم ،وعاجلهم" .ما ترك عليها"
أي على الرض ،فهو كناية عن غير مذكور ،لكن دل عليه قوله" :من دابة" فإن الدابة ل تدب إل
على الرض .والمعنييى المراد ميين دابيية كافرة ،فهييو خاص .وقيييل :المعنييى أنييه لو أهلك الباء
بكفرهيم لم تكين البناء .وقييل :المراد باليية العموم؛ أي لو أخيذ ال الخلق بميا كسيبوا ميا ترك على
ظهر هذه الرض من دابة من نبي ول غيره؛ وهذا قول الحسن .وقال ابن مسعود وقرأ هذه الية:
لو أخييذ ال الخلئق بذنوب المذنييبين لصيياب العذاب جميييع الخلق حتييى الجعلن فييي حجرهييا،
ولمسيك المطار مين السيماء والنبات مين الرض فمات الدواب ،ولكين ال يأخيذ بالعفيو والفضيل؛
كما قال" :ويعفو عن كثير" [الشورى" .]30 :فإذا جاء أجلهم" أي أجل موتهم ومنتهى أعمارهم.
أو الوقييت المعلوم عنييد ال عييز وجييل .وقرأ ابين سيييرين "جاء آجالهييم" بالجمييع وقيييل" :فإذا جاء
أجلهيم" أي فإذا جاء يوم القيامية .وال أعلم" .ل يسيتأخرون سياعة ول يسيتقدمون" وقيد تقدم .فإن
قييل :فكييف يعيم بالهلك ميع أن فيهيم مؤمنيا لييس بظالم؟ قييل :يجعيل هلك الظالم انتقاميا وجزاء،
وهلك المؤمن معوضا بثواب الخرة .وفي صحيح مسلم عن عبدال بن عمر قال :سمعت رسول
ال صلى ال عليه وسلم يقول( :إذا أراد ال بقوم عذابا أصاب العذاب من كان فيهم ثم بعثوا على
نياتهيم) .وعين أم سيلمة وسيئلت عين الجييش الذي يخسيف بيه وكان ذلك فيي أيام ابين الزبيير ،فقالت
قال رسيول ال صيلى ال علييه وسيلم( :يعوذ بالبييت عائذ فيبعيث إلييه بعيث فإذا كانوا بيبيداء مين
الرض خسيف بهيم) فقلت :ييا رسيول ال ،فكييف بمين كان كارهيا؟ قال( :يخسيف بيه معهيم ولكنيه
يبعييث يوم القياميية على نيتييه) .وقييد أتينييا على هذا المعنييى مجودا فييي "كتاب التذكرة" وتقدم فييي
"المائدة" وآخير "النعام" ميا فييه كفايية ،والحميد ل .وقييل "فإذا جاء أجلهيم" أي فإذا جاء يوم
القيامة .وال أعلم.
**3الية{ 62 :ويجعلون ل ما يكرهون وتصف ألسنتهم الكذب أن لهم الحسنى ل جرم أن لهم
النار وأنهم مفرطون}
@قوله تعالى" :ويجعلون ل ميا يكرهون" أي مين البنات" .وتصيف ألسينتهم الكذب" أي وتقول
ألسينتهم الكذب" .الكذب" مفعول "تصيف" و"أن" فيي محيل نصيب بدل مين الكذب؛ لنيه بيان له.
وقيل" :الحسنى" الجزاء الحسن؛ قال الزجاج .وقرأ ابن عباس وأبو العالية ومجاهد وابن محيصن
"الكذب" برفيع الكاف والذال والباء نعتيا لللسينة؛ وكذا "ول تقولوا لميا تصيف ألسينتكم الكذب"
[النحيل .]116 :والكذب جميع كذوب؛ مثيل رسيول ورسيل وصيبور وصيبر وشكور وشكير" .أن
لهم الحسنى" قال مجاهد :هو قولهم أن لهم البنين ول البنات" .ل جرم أن لهم النار" قال الخليل:
"ل جرم" كلمة تحقيق ول تكون إل جوابا؛ يقال :فعلوا ذلك؛ فيقال :ل جرم سيندمون .أي حقا أن
لهيم النار" .وأنهيم مفرطون" متركون منسييون فيي النار؛ قاله ابين العرابيي وأبيو عيبيدة والكسيائي
والفراء ،وهيو قول سيعيد بين جيبير ومجاهيد .وقال ابين عباس وصيعيد بين جيبير أيضيا :مبعدون.
قتادة والحسيين :معجلون إلى النار مقدمون إليهييا .والفارط :الذي يتقدم إلى الماء؛ ومنييه قول النييبي
صلى ال عليه وسلم( :أنا فرطكم على الحوض) أي متقدمكم .وقال القطامي:
كما تعجل فراط لوراد فاستعجلونا وكانوا من صحابتنا
والفراط :المتقدمون فيي طلب الماء .والوراد :المتأخرون .وقرأ نافيع فيي روايية ورش "مفرطون"
بكسير الراء وتخفيفهيا ،وهيي قراءة عبدال بين مسيعود وابين عباس ،ومعناه مسيرفون فيي الذنوب
والمعصية ،أي أفرطوا فيها .يقال :أفرط فلن على فلن إذا أربى عليه ،وقال له أكثر مما قال من
الشير .وقرأ أبيو جعفير القارئ "مفرطون" بكسير الراء وتشديدهيا ،أي مضيعون أمير ال؛ فهيو مين
التفريط في الواجب.
**3اليية{ 63 :تال لقيد أرسيلنا إلى أميم مين قبلك فزيين لهيم الشيطان أعمالهيم فهيو وليهيم اليوم
ولهم عذاب أليم}
@قوله تعالى" :تال لقد أرسلنا إلى أمم من قبلك فزين لهم الشيطان أعمالهم" أي أعمالهم الخبيثة.
هذا تسيلية للنيبي صيلى ال علييه وسيلم بأن مين تقدميه مين النيبياء قيد كفير بهيم قومهيم" .فهيو وليهيم
اليوم" أي ناصرهم في الدنيا على زعمهم .وقيل" :فهو وليهم" أي قرينهم في النار" .اليوم" يعني
يوم القيامة ،وأطلق عليه اسم اليوم لشهرته .وقيل يقال لهم يوم القيامة :هذا وليكلم فاستنصروا به
لينجيكم من العذاب ،على جهة التوبيخ لهم" .ولهم عذاب أليم" في الخرة.
**3اليية{ 64 :وميا أنزلنيا علييك الكتاب إل لتيبين لهيم الذي اختلفوا فييه وهدى ورحمية لقوم
يؤمنون}
@قوله تعالى" :وميا أنزلنيا علييك الكتاب" أي القرآن "إل لتيبين لهيم الذي اختلفوا فييه" مين الديين
والحكام فتقوم الحجيية عليهييم ببيانييك .وعطفييك "هدى ورحميية" على موضييع قوله" :لتييبين" لن
محله نصيييب .ومجاز الكلم :وميييا أنزلنيييا علييييك الكتاب إل تبيانيييا للناس" .وهدى ورحمييية لقوم
يؤمنون" أي رشدا ورحمة للمؤمنين.
**3اليية{ 65 :وال أنزل مين السيماء ماء فأحييا بيه الرض بعيد موتهيا إن فيي ذلك ليية لقوم
يسمعون}
@قوله تعالى" :وال أنزل من السماء" أي السحاب" .ماء فأحيا به الرض بعد موتها" عاد الكلم
إلى تعداد النعييم وبيان كمال القدرة" .إن فييي ذلك لييية" أي دللة على البعييث على وحدانيتييه؛ إذ
علموا أن معبودهيم ل يسيتطيع شيئا ،فتكون هذه الدللة" .لقوم يسيمعون" عين ال تعالى بالقلوب ل
بالذان؛ "فإنها ل تعمى البصار ولكن تعمى القلوب التي في الصدور" [الحج.]46 :
**3الية{ 66 :وإن لكم في النعام لعبرة نسقيكم مما في بطونه من بين فرث ودم لبنا خالصا
سائغا للشاربين}
@قوله تعالى" :وإن لكم في النعام لعبرة" قد تقدم القول في النعام ،وهي هنا الصناف الربعة:
البييل والبقيير والضأن والمعييز" .لعييبرة" أي دللة على قدرة ال ووحدانيتييه وعظمتييه .والعييبرة
أصلها تمثيل الشيء بالشيء لتعرف حقيقته من طريق المشاكلة ،ومنه "فاعتبروا" [الحشر.]2 :
وقال أبيو بكير الوراق :العيبرة فيي النعام تسيخيرها لربابهيا وطاعتهيا لهيم ،وتمردك على ربيك
وخلفك له في كل شيء .ومن أعظم العبر بريء يحمل مذنبا.
@قوله تعالى" :نسقيكم" قراءة أهل المدينة وابن عامر وعاصم في رواية أبي بكر بفتح النون من
سيقى يسيقي .وقرأ الباقون وحفيص عين عاصيم بضيم النون مين أسيقى يسيقي ،وهيي قراءة الكوفييين
وأهل مكة .قيل :هما لغتان .وقال لبيد:
نميرا والقبائل من هلل سقى قومي بني مجد وأسقى
وقييل :يقال لميا كان مين يدك إلى فييه سيقيته ،فإذا جعلت له شرابيا أو عرضتيه لن يشرب بفييه أو
يزرعه قلت أسقيته؛ قال ابن عزيز ،وقد تقدم .وقرأت فرقة "تسقيكم" بالتاء ،وهي ضعيفة ،يعني
النعام .وقرئ بالياء ،أي يسقيكم ال عز وجل .والقراء على القراءتين المتقدمتين؛ ففتح النون لغة
قريش وضمها لغة حمير.
@قوله تعالى" :مما في بطونه" اختلف الناس في الضمير من قوله" :مما في بطونه" على ماذا
يعود .فقييل :هيو عائد إلى ميا قبله وهيو جميع المؤنيث .قال سييبويه :العرب تخيبر عين النعام بخيبر
الواحيد .قال ابين العربيي :وميا أراه عول علييه إل مين هذه اليية ،وهذا ل يشبيه منصيبه ول يلييق
بإدراكه .وقيل :لما كان لفظ الجمع وهو اسم الجنس يذكر ويؤنث فيقال :هو النعام وهي النعام،
جاز عود الضميير بالتذكيير؛ وقال الزجاج ،وقال الكسيائي :معناه مميا فيي بطون ميا ذكرناه ،فهيو
عائد على المذكور؛ وقيد قال ال تعالى" :إنهيا تذكرة ،فمين شاء ذكره" [عبيس ]12 - 11 :وقال
الشاعر:
مثل الفراخ نتفت حواصله
ومثله كثيير .وقال الكسيائي" :مميا فيي بطونيه" أي مميا فيي بطون بعضيه؛ إذ الذكور ل ألبان لهيا،
وهييو الذي عول عليييه أبييو عييبيدة .وقال الفراء :النعام والنعييم واحييد ،والنعييم يذكيير ،ولهذا تقول
العرب :هذا نعم وارد ،فرجع الضمير إلى لفظ النعم الذي هو بمعنى النعام .قال ابن العربي :إنما
رجع التذكير إلى معنى الجمع ،والتأنيث إلى معنى الجماعة ،فذكره هنا باعتبار لفظ الجمع ،وأنثه
في سورة المؤمنين باعتبار لفظ الجماعة فقال" :نسقيكم مما في بطونها" [المؤمنون ]21 :وبهذا
التأوييل ينتظيم المعنيى انتظاميا حسينا .والتأنييث باعتبار لفيظ الجماعية والتذكيير باعتبار لفيظ الجميع
أكثر من رمل يبرين وتيهاء فلسطين.
@ استنبط بعض العلماء الجلة وهو القاضي إسماعيل من عود هذا الضمير ،أن لبن الفحل يفيد
التحرييم ،وقال :إنميا جييء بيه مذكرا لنيه راجيع إلى ذكير النعيم؛ لن اللبين للذكير محسيوب ،ولذلك
قضى النبي صلى ال عليه وسلم بأن لبن الفحل يحرم حين أنكرته عائشة في حديث أفلح أخي أبي
القعيس (فللمرأة السقي وللرجل اللقاح) فجرى الشتراك فيه بينهما .وقد مضى.
@قوله تعالى" :من بين فرث ودم لبنا خالصا" نبه سبحانه على عظيم قدرته بخروج اللبن خالصا
بييين الفرث والدم .والفرث :الزبييل الذي ينزل إلى الكرش ،فإذا خرج لم يسييم فرثييا .يقال :أفرثييت
الكرش إذا أخرجيت ميا فيهيا .والمعنيى :أن الطعام يكون فييه ميا فيي الكرش ويكون منيه الدم ،ثيم
يخلص اللبين مين الدم؛ فأعلم ال سيبحانه أن هذا اللبين يخرج مين بيين ذلك وبيين الدم فيي العروق.
وقال ابن عباس :إن الدابة تأكل العلف فإذا استقر في كرشها طبخته فكان أسفله فرثا وأوسطه لبنا
وأعله دميا ،والكبيد مسيلط على هذه الصيناف فتقسيم الدم وتميزه وتجرييه فيي العروق ،وتجري
اللبين فيي الضرع ويبقيى الفرث كميا هيو فيي الكرش؛ "حكمية بالغية فميا تغين النذر" [القمير.]5:
"خالصيا" يرييد مين حمرة الدم وقذارة الفرث وقيد جمعهميا وعاء واحيد .وقال ابين بحير :خالصيا
بياضه .قال النابغة:
بخالصة الردان خضر المناكب
أي بيض الكمام .وهذه قدرة ل تنبغي إل للقائم على كل شيء بالمصلحة.
@ قال النقاش :فيي هذا دلييل على أن المنيي لييس بنجيس .وقاله أيضيا غيره واحتيج بأن قال :كميا
يخرج اللبيين ميين بييين الفرث والدم سييائغا خالصييا كذلك يجوز أن يخرج المنييي على مخرج البول
طاهرا .قال ابين العربيي :إن هذا لجهيل عظييم وأخيذ شنييع .اللبين جاء الخيبر عنيه مجييء النعمية
والمنية الصيادرة عين القدرة ليكون عيبرة ،فاقتضيى ذلك كله وصيف الخلوص واللذة؛ ولييس المنيي
من هذه الحالة حتى يكون ملحقا به أو مقيسا عليه.
قلت :قييد يعارض هذا بأن يقال :وأي منيية أعظييم وأرفييع ميين خروج المنييي الذي يكون عنييه
النسيان المكرم؛ وقيد قال تعالى" :يخرج مين بيين الصيلب والترائب" [الطارق ،]7 :وقال" :وال
جعيل لكيم مين أنفسيكم أزواجيا وجعيل لكيم مين أزواجكيم بنيين وحفدة" [النحيل ]72 :وهذا غايية فيي
المتنان .فإن قييل :إنيه يتنجيس بخروجيه فيي مجرى البول ،قلنيا :هيو ميا أردناه ،فالنجاسية عارضية
وأصيله طاهير؛ وقيد قييل :إن مخرجيه غيير مخرج البول وخاصية المرأة؛ فإن مدخيل الذكير منهيا
ومخرج الولد غيير مخرج البول على ميا قال العلماء .فإن قييل :أصيله دم فهيو نجيس ،قلنيا ينتقيض
بالمسييك ،فإن أصييله دم وهييو طاهيير .ومميين قال بطهارتييه الشافعييي وأحمييد وإسييحاق وأبييو ثور
وغيرهيم؛ لحدييث عائشية رضيي ال عنهيا قالت :كنيت أفركيه مين ثوب رسيول ال صيلى ال علييه
وسلم يابسا بظفري .قال الشافعي :فإن لم يفرك فل بأس به .وكان سعد بن أبي وقاص يفرك المني
من ثوبه .وقال ابن عباس :هو كالنخامة أمطه عنك بإذخرة وامسحه بخرقة .فإن قيل :فقد ثبت عن
عائشة أنها قالت :كنت أغسل المني من ثوب رسول ال صلى ال عليه وسلم ثم يخرج إلى الصلة
في ذلك الثوب وأنا أنظر إلى أثر الغسل فيه .قلنا :يحتمل أن تكون غسلته استقذارا كالشياء التي
تزال ميين الثوب كالنجاسيية ،ويكون هذا جمعييا بييين الحاديييث .وال أعلم .وقال مالك وأصييحابه
والوزاعي :هو نجس .قال مالك :غسل الحتلم من الثوب أمر واجب مجتمع عليه عندنا ،وهو
قول الكوفيين .ويروى عن عمر بن الخطاب وابن مسعود وجابر بن سمرة أنهم غسلوه من ثيابهم.
واختلف فيه عن ابن عمر وعائشة .وعلى هذين القولين في نجاسة المني وطهارته التابعون.
@ في هذه الية دليل على جواز النتفاع باللبان من الشرب وغيره ،فأما لبن الميتة فل يجوز
النتفاع بيه؛ لنيه مانيع طاهير حصيل فيي وعاء نجيس ،وذلك أن ضرع الميتية نجيس واللبين طاهير
فإذا حلب صار مأخوذا من وعاء نجس .فأما لبن المرأة الميتة فاختلف أصحابنا فيه ،فمن قال :إن
النسيان طاهير حييا وميتيا فهيو طاهير .ومين قال :ينجيس بالموت فهيو نجيس .وعلى القوليين جميعيا
تثبت الحرمة؛ لن الصبي قد يغتذي به كما يغتذي من الحية ،وذلك أن رسول ال صلى ال عليه
وسلم قال( :الرضاع ما أنبت اللحم وأنشز العظم) .ولم يخص.
@قوله تعالى" :سائغا للشاربين" أي لذيذا هينا ل يغص به من شربه .يقال :ساغ الشراب يسوغ
سيوغا أي سيهل مدخله فيي الحلق ،وأسياغه شاربيه ،وسيغته أنيا أسييغه وأسيوغه ،يتعدى ،والجود
أسييغته إسيياغة .يقال :أسييغ لي غصييتي أي أمهلنييي ول تعجلنييي؛ وقال تعالى" :يتجرعييه ول يكاد
يسييغه" [إبراهييم .]17 :والسيواغ -بكسير السيين -ميا أسيغت بيه غصيتك .يقال :الماء سيواغ
الغصص؛ ومنه قول الكميت:
فكانت سواغا أن جئزت بغصة
وروي أن اللبن لم يَشرَق به أحد قط ،وروي ذلك عن النبي صلى ال عليه وسلم.
@ في هذه الية دليل على استعمال الحلوة والطعمة اللذيذة وتناولها ،ول يقال :إن ذلك يناقض
الزهد أو يباعده ،لكن إذا كان من وجهه ومن غير سرف ول إكثار .وفي الصحيح عن أنس قال:
لقيد سيقيت رسيول ال صيلى ال علييه وسيلم بقدحيي هذا الشراب كله :العسيل والنيبيذ واللبين والماء.
وقد كره القراء أكل الفالوذج واللبن من الطعام ،وأباحه عامة العلماء .وروي عن الحسن أنه كان
على مائدة ومعه مالك بن دينار ،فأتى بفالوذج فامتنع عن أكله ،فقال له الحسن :كل فإن عليك في
الماء البارد أكثر من هذا.
@ روى أبو داود وغيره عن ابن عباس قال :أتي رسول ال صلى ال عليه وسلم بلبن فشرب،
فقال رسول ال صلى ال عليه وسلم( :إذا أكل أحدكم طعاما فليقل اللهم بارك لنا فيه وأطعمنا خيرا
منه .وإذا سقي لبنا فليقل اللهم بارك لنا فيه وزدنا منه فإنه ليس شيء يجزي عن الطعام والشراب
إل اللبيين) .قال علماؤنييا :فكيييف ل يكون ذلك وهيو أول مييا يغتذي بييه النسييان وتنمييي بيه الجثييث
والبدان ،فهيو قوت خلي عين المفاسيد بيه قوام الجسيام ،وقيد جعله ال تعالى علمية لجبرييل على
هداية هذه المة التي هي خير المم أمة؛ فقال في الصحيح( :فجاءني جبريل بإناء من خمر وإناء
مين لبين فاخترت اللبين فقال لي جبرييل اخترت الفطرة أميا إنيك لو اخترت الخمير غوت أمتيك) .ثيم
إن في الدعاء بالزيادة منه علمة الخصب وظهور الخيرات والبركات؛ فهو مبارك كله.
**3الية{ 67 :ومن ثمرات النخيل والعناب تتخذون منه سكرا ورزقا حسنا إن في ذلك لية
لقوم يعقلون}
@قوله تعالى" :ومين ثمرات النخييل" قال الطيبري :التقديير ومين ثمرات النخييل والعناب ميا
تتخذون؛ فحذف "ما" ودل على حذفه قوله" :منه" .وقيل :المحذوف شيء ،والمر قريب .وقيل:
معنى "منه" أي من المذكور ،فل يكون في الكلم حذف وهو أولى .ويجوز أن يكون قوله" :ومن
ثمرات" عطفييا على "النعام"؛ أي ولكييم ميين ثمرات النخيييل والعناب عييبرة .ويجوز أن يكون
معطوفيا على "مميا" أي ونسيقيكم أيضيا مشروبات مين ثمرات" .سيكرا" السيكر ميا يسيكر؛ هذا هيو
المشهور فييي اللغيية .قال ابيين عباس :نزلت هذه الييية قبييل تحريييم الخميير .وأراد بالسييكر الخميير،
وبالرزق الحسين جمييع ميا يؤكيل ويشرب حلل مين هاتيين الشجرتيين .وقال بهذا القول ابين جيبير
والنخعيي والشعيبي وأبيو ثور .وقيد قييل :إن السيكر الخيل بلغية الحبشية ،والرزق الحسين الطعام.
وقيل :السكر العصير الحلو الحلل ،وسمي سكرا لنه قد يصير مسكرا إذا بقي ،فإذا بلغ السكار
حرم .قال ابين العربيي :أسَيدُ هذه القوال قول ابين عباس ،ويخرج ذلك على أحيد معنييين ،إميا أن
يكون ذلك قبيل تحرييم الخمير ،وإميا أن يكون المعنييى :أنعيم ال عليكييم بثمرات النخييل والعناب
تتخذون منيه مييا حرم ال عليكييم اعتداء منكييم ،وميا أحييل لكيم اتفاقييا أو قصييدا إلى منفعية أنفسيكم.
والصحيح أن ذلك كان قبل تحرييم الخمير فتكون منسوخة؛ فإن هذه الية مكية باتفاق مين العلماء،
وتحريم الخمر مدني.
قلت :فعلى أن السيكر الخمير أو العصيير الحلو ل نسيخ ،وتكون اليية محكمية وهيو حسين .قال
ابن عباس :الحبشة يسمون الخل السكر ،إل أن الجمهور على أن السكر الخمر ،منهم ابن مسعود
وابن عمر وأبو رزين والحسن ومجاهد وابن أبي ليلى والكلبي وغيرهم ممن تقدم ذكرهيم ،كلهم
قالوا :السيكر ميا حرميه ال مين ثمرتيهميا .وكذا قال أهيل اللغية :السيكر اسيم للخمير وميا يسيكر،
وأنشدوا:
إذا جرى فيهم المزاء والسكر بئس الصحاة وبئس الشرب شربهم
والرزق الحسيين :مييا أحله ال ميين ثمرتيهمييا .وقيييل :إن قوله "تتخذون منييه سييكرا" خييبر معناه
السيتفهام بمعنيى النكار ،أي أتتخذون منيه سيكرا وتدعون رزقيا حسينا الخيل والزبييب والتمير؛
كقوله" :فهيم الخالدون" [النيبياء ]34 :أي أفهيم الخالدون .وال أعلم .وقال أبيو عيبيدة :السيكر
الطعم؛ يقال :هذا سكر لك أي طعم .وأنشد:
جعلت عيب الكرمين سكرا
أي جعلت ذمهيم طعميا .وهذا اختيار الطيبري أن السيكر ميا يطعيم مين الطعام وحيل شربيه مين ثمار
النخيييل والعناب ،وهييو الرزق الحسيين ،فاللفييظ مختلف والمعنييى واحييد؛ مثييل "إنمييا أشكييو بثييي
وحزني إلى ال" [يوسف ]86 :وهذا حسن ول نسخ ،إل أن الزجاج قال :قول أبي عبيدة هذا ل
يعرف ،وأهيل التفسيير على خلفيه ،ول حجية له فيي البييت الذي أنشده؛ لن معناه عنيد غيره أنيه
يصيف أنهيا تتخمير بعيوب الناس .وقال الحنفيون :المراد بقوله" :سيكرا" ميا ل يسيكر مين النبذة؛
والدلييل علييه أن ال سيبحانه وتعالى امتين على عباده بميا خلق لهيم مين ذلك ،ول يقيع المتنان إل
بمحلل ل بمحرم ،فيكون ذلك دليل على جواز شرب مييا دون المسييكر ميين النييبيذ ،فإذا انتهييى إلى
السكر لم يجز ،وعضدوا هذا من السنة بما روي عن النبي صلى ال عليه وسلم أنه قال( :حرم ال
الخمير بعينهيا والسيكر مين غيرهيا) .وبميا رواه عبدالملك بين نافيع عين ابين عمير قال :رأييت رجل
جاء إلى رسيول ال صيلى ال علييه وسيلم وهيو عنيد الركين ،ودفيع إلييه القدح فرفعيه إلى فييه فوجده
شديدا فرده إلى صيياحبه ،فقال له حينئذ رجييل ميين القوم :يييا رسييول ال ،أحرام هييو؟ فقال( :علي
بالرجيل) فأتيى بيه فأخيذ منيه القدح ،ثيم دعيا بماء فصيبه فييه ثيم رفعيه إلى فييه فقطيب ،ثيم دعيا بماء
أيضا فصبه فيه ثم قال( :إذا اغتلمت عليكم هذه الوعية فاكسروا متونها بالماء) .وروي أنه عليه
السلم كان ينبذ له فيشربه ذلك اليوم ،فإذا كان من اليوم الثاني أو الثالث سقاه الخادم إذا تغير ،ولو
كان حراميا ميا سيقاه إياه .قال الطحاوي :وقيد روى أبيو عون الثقفيي عين عبدال بين شداد عين ابين
عباس قال :حرميت الخمير بعينهيا القلييل منهيا والكثيير والسيكر مين كيل شراب ،خرجيه الدارقطنيي
أيضيا .ففيي هذا الحدييث وميا كان مثله ،أن غيير الخمير لم تحرم عينيه كميا حرميت الخمير بعينهيا.
قالوا :والخمير شراب العنيب ل خلف فيهيا ،ومين حجتهيم أيضيا ميا رواه شرييك بين عبدال ،حدثنيا
أبيو إسيحاق الهمدانيي عين عمرو بين ميمون قال قال عمير بين الخطاب :إنيا نأكيل لحوم هذه البيل
ولييس يقطعيه فيي بطوننيا إل النيبيذ .قال شرييك :ورأييت الثوري يشرب النيبيذ فيي بييت حيبر أهيل
زمانييه مالك بيين مغول .والجواب أن قولهييم :إن ال سييبحانه وتعالى امتيين على عباده ول يكون
امتنانيه إل بميا أحيل فصيحيح؛ بييد أنيه يحتميل أن يكون ذلك قبيل تحرييم الخمير كميا بيناه فيكون
منسيوخا كميا قدمناه .قال ابين العربيي :إن قييل كييف ينسيخ هذا وهيو خيبر والخيبر ل يدخله النسيخ،
قلنا :هذا كلم من لم يتحقق الشريعة ،وقد بينا أن الخبر إذا كان عن الوجود الحقيقي أو عن إعطاء
ثواب فضل مين ال فهيو الذي ل يدخله النسيخ ،فأميا إذا تضمين الخيبر حكميا شرعييا فالحكام تتبدل
وتنسيخ ،جاءت بخيبر أو أمير ،ول يرجيع النسيخ إلى نفيس اللفيظ وإنميا يرجيع إلى ميا تضمنيه ،فإذا
فهمتم هذا خرجتم عن الصنف الغبي الذي أخبر ال عن الكفار فيه بقوله" :وإذا بدلنا آية مكان آية
وال أعلم بمييا ينزل قالوا إنمييا أنييت مفتيير بييل أكثرهييم ل يعلمون" [النحييل .]101 :المعنييى أنهييم
جهلوا أن الرب يأميير بمييا يشاء ويكلف مييا يشاء ،ويرفييع ميين ذلك بعدل مييا يشاء ويثبييت مييا يشاء
وعنده أم الكتاب.
قلت :هذا تشنيييع شنيييع حتييى يلحييق فيييه العلماء الخيار فييي قصييور الفهييم بالكفار ،والمسييألة
أصييولية ،وهييي أن الخبار عيين الحكام الشرعييية هييل يجوز نسييخها أم ل؟ اختلف فييي ذلك،
والصحيح جوازه لهذه الية وما كان مثلها ،ولن الخبر عن مشروعية حكم ما يتضمن طلب ذلك
المشروع ،وذلك الطلب هو الحكم الشرعي الذي يستدل على نسخه .وال أعلم .وأما ما ذكروا من
الحادييث فالول والثانيي ضعيفان؛ لنيه علييه السيلم قيد روي عنيه بالنقيل الثابيت أنيه قال( :كيل
شراب أسيكر فهيو حرام) وقال( :كيل مسيكر خمير وكيل مسيكر حرام) وقال( :ميا أسيكر كثيره فقليله
حرام) .قال النسائي :وهؤلء أهل الثبت والعدالة مشهورون بصحة النقل ،وعبدالملك ل يقوم مقام
واحيد منهيم ولو عاضده مين أشكاله جماعية ،وبال التوفييق .وأميا الثالث وإن كان صيحيحا فإنيه ميا
كان يسقيه للخادم على أنه مسكر ،وإنما كان يسقيه لنه متغير الرائحة .وكان صلى ال عليه وسلم
يكره أن توجيد منيه الرائحية ،فلذلك لم يشربيه ،ولذلك تحييل علييه أزواجيه فيي عسيل زبييب بأن قييل
له :إنا نجد منك ريح مغافير ،يعني ريحا منكرة ،فلم يشربه بعد .وسيأتي في التحريم .وأما حديث
ابين عباس فقيد روي عنيه خلف ذلك مين روايية عطاء وطاوس ومجاهيد أنيه قال :ميا أسيكر كثيره
فقليله حرام ،ورواه عنه قيس بن دينار .وكذلك فتياه في المسكر؛ قاله الدارقطني .والحديث الول
رواه عنه عبدال بن شداد وقد خالفه الجماعة ،فسقط القول به مع ما ثبت عن النبي صلى ال عليه
وسلم .وأما ما روي عن عمر من قوله :ليس يقطعه في بطوننا إل النبيذ ،فإنه يريد غير المسكر
بدليل ما ذكرنا .وقد روى النسائي عن عتبة بن فرقد قال :كان النبيذ الذي شربه عمر بن الخطاب
قيد خلل .قال النسيائي :ومميا يدل على صيحة هذا حدييث السيائب ،قال الحارث بين مسيكين قراءة
علييه وأنيا أسيمع عن ابين القاسيم :حدثنيي مالك عن ابين شهاب عين السيائب بين يزييد ،أنيه أخيبره أن
عمير بين الخطاب خرج عليهيم فقال :إنيي وجدت مين فلن رييح شراب ،فزعيم أنيه شراب الطلء،
وأنيا سيائل عميا شرب ،فإن كان مسيكرا جلدتيه ،فجلده عمير بين الخطاب رضيي ال عنيه الحيد تاميا.
وقد قال في خطبته على منبر رسول ال صلى ال عليه وسلم :أما بعد ،أيها الناس فإنه نزل تحريم
الخمر وهي من خمسة :من العنب والعسل والتمر والحنطة والشعير .والخمر ما خامر العقل .وقد
تقدم في "المائدة".
فإن قييل :فقيد أحيل شربيه إبراهييم النخعيي وأبيو جعفير الطحاوي وكان إمام أهيل زمانيه ،وكان
سيفيان الثوري يشربيه .قلنيا :ذكير النسيائي فيي كتابيه أن أول مين أحيل المسيكر مين النبذة إبراهييم
النخعيي ،وهذه زلة مين عالم وقيد حذرنيا مين زلة العالم ،ول حجية فيي قول أحيد ميع السينة .وذكير
النسيائي أيضيا عين ابين المبارك قال :ميا وجدت الرخصية فيي المسيكر عين أحيد صيحيحا إل عين
إبراهيييم .قال أبييو أسييامة :مييا رأيييت رجل أطلب للعلم ميين عبدال بيين المبارك الشامات ومصيير
واليمين والحجاز .وأميا الطحاوي وسيفيان لو صيح ذلك عنهميا لم يحتيج بهميا على مين خالفهميا مين
الئمية فيي تحرييم المسيكر ميع ميا ثبيت مين السينة؛ على أن الطحاوي قيد ذكير فيي كتابيه الكيبير فيي
الختلف خلف ذلك .قال أبييو عميير بيين عبدالبر فييي كتاب التمهيييد له :قال أبييو جعفيير الطحاوي
اتفقت المة على أن عصير العنب إذا اشتد وغلى وقذف بالزبد فهو خمر ومستحله كافر .واختلفوا
في نقيع التمر إذا غلى وأسكر .قال :فهذا يدلك على أن حديث يحيى بن أبي كثير عن أبي هريرة
عن النبي صلى ال عليه وسلم أنه قال( :الخمر من هاتين الشجرتين النخلة والعنب) غير معمول
به عندهم؛ لنهم لو قبلوا الحديث لكفروا مستحل نقيع التمر ،فثبت أنه لم يدخل في الخمر المحرمة
غيير عصيير العنيب الذي قيد اشتيد وبلغ أن يسيكر .قال :ثيم ل يخلو مين أن يكون التحرييم معلقيا بهيا
فقط غير مقيس عليها غيرها أو يجب القياس عليها ،فوجدناهم جميعا قد قاسوا عليها نقيع التمر إذا
غلى وأسيكر كثيره وكذلك نقييع الزبييب .قال :فوجيب قياسيا على ذلك أن يحرم كيل ميا أسيكر مين
الشربة .قال :وقد روي عن النبي صلى ال عليه وسلم أنه قال( :كل مسكر حرام) واستغنى عن
مسينده لقبول الجمييع له ،وإنميا الخلف بينهيم فيي تأويله ،فقال بعضهيم :أراد بيه جنيس ميا يسيكر.
وقال بعضهم :أراد به ما يقع السكر عنده كما ل يسمى قاتل إل مع وجود القتل.
قلت :فهذا يدل على أنييه محرم عنييد الطحاوي لقوله ،فوجييب قياسييا على ذلك أن يحرم كييل مييا
أسكر من الشربة .وقد روى الدارقطني في سننه عن عائشة رضي ال عنها أنها قالت :إن ال لم
يحرم الخمير لسيمها وإنميا حرمهيا لعاقبتهيا ،فكيل شراب يكون عاقبتيه كعاقبية الخمير فهيو حرام
كتحرييم الخمير .قال ابين المنذر :وجاء أهيل الكوفية بأخبار معلولة ،وإذا اختلف الناس فيي الشييء
وجيب رد ذلك إلى كتاب ال وسينة رسيوله علييه السيلم ،وميا روي عين بعيض التابعيين أنيه شرب
الشراب الذي يسكر كثيره فللقوم ذنوب يستغفرون ال منها ،وليس يخلو ذلك من أحد معنيين :إما
مخطيئ أخطيأ فيي التأوييل على حدييث سيمعه ،أو رجيل أتيى ذنبيا لعله أن يكثير مين السيتغفار ل
تعالى ،والنيبي صيلى ال علييه وسيلم حجية ال على الوليين والخريين مين هذه المية .وقيد قييل فيي
تأوييل اليية :إنهيا إنميا ذكرت للعتبار ،أي مين قدر على خلق هذه الشياء قادر على البعيث ،وهذا
العتبار ل يختلف بأن كانت الخمر حلل أو حراما ،فاتخاذ السكر ل يدل على التحريم ،وهو كما
قال تعالى" :قل فيهما إثم كبير ومنافع للناس" [البقرة .]219 :وال أعلم.
**3الية{ 68 :وأوحى ربك إلى النحل أن اتخذي من الجبال بيوتا ومن الشجر ومما يعرشون}
@قوله تعالى" :وأوحى ربك إلى النحل" قد مضى القول في الوحي وأنه قد يكون بمعنى اللهام،
وهو ما يخلقه ال تعالى فيي القلب ابتداء من غيير سبب ظاهير ،وهو مين قوله تعالى" :ونفس وما
سواها .فألهمها فجورها وتقواها" [الشمس .]8 - 7 :ومن ذلك البهائم وما يخلق ال سبحانه فيها
مين درك منافعهيا واجتناب مضارهيا وتدبيير معاشهيا .وقيد أخيبر عيز وجيل بذلك عين الموت فقال:
"تحدث أخبارها .بأن ربك أوحى لها" [الزلزلة .]5 - 4 :قال إبراهيم الحربي .ل عز وجل في
الموات قدرة لم يدر ميا هيي ،لم يأتهيا رسيول مين عنيد ال ولكين ال تعالى عرفهيا ذلك؛ أي ألهمهيا.
ول خلف بيين المتأوليين أن الوحيي هنيا بمعنيى اللهام .وقرأ يحييى بين وثاب "إلى النحيل" بفتيح
الحاء .وسيييمي نحل لن ال عييز وجييل نحله العسيييل الذي يخرج منييه؛ قاله الزجاج .الجوهري:
والنحيل والنحلة ال ّدبّر يقيع على الذكير والنثيى ،حتيى يقال :يعسيوب .والنحيل يؤنيث فيي لغية أهيل
الحجاز ،وكل جمع ليس بينه وبين واحده إل الهاء .وروي من حديث أبي هريرة عن النبي صلى
ال علييه وسيلم أنيه قال( :الذبان كلهيا فيي النار يجعلهيا عذابيا لهيل النار إل النحيل) ذكره الترمذي
الحكييم فيي نوادر الصيول .وروي عين ابين عباس قال :نهيى رسيول ال صيلى ال علييه وسيلم عين
قتييل النملة والنحلة والهدهييد والصييرد ،خرجييه أبيو داود أيضييا ،وسييأتي فييي "النمييل" إن شاء ال
تعالى" .أن اتخذي من الجبال بيوتا ومن الشجر" هذا إذا لم يكن لها مالك .وجعل ال بيوت النحل
فيي هذه الثلثية النواع ،إميا فيي الجبال وكواهيا ،وإميا فيي متجوف الشجار ،وإميا فيميا يعرش ابين
آدم من الجباح والخليا والحيطان وغيرهيا .وعرش معناه هنا هيأ ،وأكثر ما يستعمل فيما يكون
من إتقان الغصان والخشب وترتيب ظللها؛ ومنه العريش الذي صنع لرسول ال صلى ال عليه
وسلم يوم بدر ،ومن هذا لفظة العرش .يقال :عرش يعرش ويعرش [بكسر الراء وضمها] ،وقرئ
بهما .قرأ ابن عامر بالضم وسائرهم بالكسر ،واختلف في ذلك عن عاصم.
قال ابين العربيي :ومين عجييب ميا خلق ال فيي النحيل أن ألهمهيا لتخاذ بيوتهيا مسيدسة ،فبذلك
اتصيلت حتيى صيارت كالقطعية الواحدة ،وذلك أن الشكال مين المثلث إلى المعشير إذا جميع كيل
واحيد منهيا إلى أمثاله لم يتصيل وجاءت بينهميا فرج ،إل الشكيل المسيدس؛ فإنيه إذا جميع إلى أمثاله
اتصل كأنه كالقطعة الواحدة.
**3اليية{ 69 :ثيم كلي مين كيل الثمرات فاسيلكي سيبل ربيك ذلل يخرج مين بطونهيا شراب
مختلف ألوانه فيه شفاء للناس إن في ذلك لية لقوم يتفكرون}
@قوله تعالى" :ثم كلي من كل الثمرات" وذلك أنها إنما تأكل النوار من الشجار" .فاسلكي سبل
ربيك" أي طرق ربيك .والسيبل :الطرق ،وأضافهيا إلييه لنيه خالقهيا .أي ادخلي طرق ربيك لطلب
الرزق فيي الجبال وخلل الشجير" .ذلل" جميع ذلول وهيو المنقاد؛ أي مطيعية مسيخرة .فيي "ذلل"
حال مين النحيل .أي تنقاد وتذهيب حييث شاء صياحبها؛ لنهيا تتبيع أصيحابها حييث ذهبوا؛ قاله ابين
زيد .وقيل :المراد بقوله "ذلل" السبل .يقول :مذلل طرقها سهلة للسلوك عليها؛ واختاره الطبري،
و"ذلل" حال من السبل .واليعسوب سيد النحل ،إذا وقف وقفت وإذا سار سارت.
@قوله تعالى" :يخرج مين بطونهيا شراب" رجيع الخطاب إلى الخيبر على جهية تعدييد النعمية
والتنييبيه على العييبرة فقال" :يخرج ميين بطونهييا شراب" يعنييي العسييل .وجمهور الناس على أن
العسيل يخرج مين أفواه النحيل؛ وورد عين علي بين أبيي طالب رضيي ال عنيه أنيه قال فيي تحقيره
للدنيا :أشرف لباس ابن آدم فيها لعاب دودة ،وأشرف شرابه رجيع نحلة .فظاهر هذا أنه من غير
الفيم .وبالجملة فإنيه يخرج ول يدرى مين فيهيا أو أسيفلها ،ولكين ل يتيم صيلحه إل بحميي أنفاسيها.
وقيد صينع أرسيطاطاليس بيتيا مين زجاج لينظير إلى كيفيية ميا تصينع ،فأبيت أن تعميل حتيى لطخيت
باطن الزجاج بالطين؛ ذكره الغزنوي .وقال" :من بطونها" لن استحالة الطعمة ل تكون إل في
البطن.
@قوله تعالى" :مختلف ألوانيه" يرييد أنواعيه مين الحمير والبييض والصيفر والجاميد والسيائل،
والم واحدة والولد مختلفون دليل على أن القدرة نوعته بحسب تنويع الغذاء ،كما يختلف طعمه
بحسب اختلف المراعي؛ ومن هذا المعنى قول زينب للنبي صلى ال عليه وسلم( :جرست نحله
العرفط) حين شبهت رائحته برائحة المغافير.
@قوله تعالى" :فييه شفاء للناس" الضميير للعسيل؛ قال الجمهور .أي فيي العسيل شفاء للناس.
وروي عين ابين عباس والحسين ومجاهيد والضحاك والفراء وابين كيسيان :الضميير للقرآن؛ أي فيي
القرآن شفاء .النحاس :وهذا قول حسن؛ أو فيما قصصنا عليكم من اليات والبراهين شفاء للناس.
وقييل :العسيل فييه شفاء ،وهذا القول بيين أيضيا؛ لن أكثير الشربية والمعجونات التيي يتعالج بهيا
أصلها من العسل .قال القاضي أبو بكر بن العربي :من قال إنه القرآن بعيد ما أراه يصح عنهم،
ولو صيح نقل لم يصيح عقل؛ فإن مسياق الكلم كله للعسيل ،لييس للقرآن فييه ذكير .قال ابين عطيية:
وذهيب قوم مين أهيل الجهالة إلى أن هذه اليية يراد بهيا أهيل البييت وبنيو هاشيم ،وأنهيم النحيل ،وأن
الشراب القرآن والحكمية ،وقيد ذكير هذا بعضهيم فيي مجلس المنصيور أبيي جعفير العباسيي ،فقال له
رجييل مميين حضيير :جعييل ال طعامييك وشرابييك ممييا يخرج ميين بطون بنييي هاشييم ،فأضحييك
الحاضرين وبهت الخر وظهرت سخافة قوله.
@ اختلف العلماء في قوله تعالى" :فيه شفاء للناس" هل هو على عمومه أم ل؛ فقالت طائفة :هو
على العموم في كل حال ولكل أحد ،فروي عن ابن عمر أنه كان ل يشكو قرحة ول شيئا إل جعل
علييه عسيل ،حتيى الدميل إذا خرج علييه طلى علييه عسيل .وحكيى النقاش عين أبيي وجرة أنيه كان
يكتحيل بالعسيل ويسيتمشي بالعسيل ويتداوى بالعسيل .وروي أن عوف بين مالك الشجعيي مرض
فقييل له :أل نعالجيك؟ فقال :ائتونيي بالماء ،فإن ال تعالى يقول" :ونزلنيا مين السيماء ماء مباركيا"
[ق ]9 :ثيم قال :ائتونيي بعسيل ،فإن ال تعالى يقول" :فييه شفاء للناس" وائتونيي بزييت ،فإن ال
تعالى يقول" :مين شجرة مباركية" [النور ]35 :فجاؤوه بذلك كله فخلطيه جميعيا ثيم شربيه فيبرئ.
ومنهيم من قال :إنيه على العموم إذا خلط بالخيل ويطبيخ فيأتيي شرابيا ينتفيع بيه فيي كيل حالة مين كيل
داء .وقالت طائفة :إن ذلك على الخصوص ول يقتضي العموم في كل علة وفي كل إنسان ،بل إنه
خبر عن أنه يشفي كما يشفي غيره من الدوية في بعض وعلى حال دون حال؛ ففائدة الية إخبار
منيه فيي أنيه دواء لميا كثير الشفاء بيه وصيار خليطيا ومعينيا للدوية فيي الشربية والمعاجيين؛ ولييس
هذا بأول لفييظ خصييص فالقرآن مملوء منييه ولغيية العرب يأتييي فيهييا العام كثيرا بمعنييى الخاص
والخاص بمعنيى العام .ومميا يدل على أنيه لييس على العموم أن "شفاء" نكرة فيي سيياق الثبات،
ول عموم فيها باتفاق أهل اللسان ومحققي أهل العلم ومختلقي أهل الصول .لكن قد حملته طائفة
ميين أهييل الصييدق والعزم على العموم .فكانوا يسييتشفون بالعسييل ميين كييل الوجاع والمراض،
وكانوا يشفون من عللهم ببركة القرآن وبصحة التصديق واليقان .ابن العربي :ومن ضعفت نيته
وغلبته على الدين عادته أخذه مفهوما على قول الطباء ،والكل من حكم الفعال لما يشاء.
@ إن قال قائل :قيد رأينيا من ينفعيه العسيل ومين يضره ،فكييف يكون شفاء للناس؟ قييل له :الماء
حياة كل شيء وقد رأينا من يقتله الماء إذا أخذه على ما يضاده من علة في البدن ،وقد رأينا شفاء
العسل في أكثر هذه الشربة؛ قال معناه الزجاج .وقد اتفق الطباء عن بكرة أبيهم على مدح عموم
منفعة السكنجبين في كل مرض ،وأصله العسل وكذلك سائر المعجونات ،على أن النبي صلى ال
عليه وسلم قد حسم داء الشكال وأزاح وجه الحتمال حين أمر الذي يشتكي بطنه بشرب العسل،
فلميا أخيبره أخوه بأنيه لم يزده إل اسيتطلقا أمره بعود الشراب له فيبرئ؛ وقال( :صيدق ال وكذب
بطن أخيك).
اعترض بعييض زنادقيية الطباء على هذا الحديييث فقال :قييد أجمعييت الطباء على أن العسييل
يُس يهِل فكيييف يوصييف لميين بييه السييهال؛ فالجواب أن ذلك القول حييق فييي نفسييه لميين حصييل له
التصيديق بنيبيه علييه السيلم ،فيسيتعمله على الوجيه الذي عينيه وفيي المحيل الذي أمره بعقيد نيية
وحسن طوية ،فإنه يرى منفعته ويدرك بركته ،كما قد اتفق لصاحب هذا العسل وغيره كما تقدم.
وأميا ميا حكييي مين الجماع فدليييل على جهله بالنقيل حيييث لم يقيييد وأطلق .قال المام أبيو عبدال
المازري :ينبغي أن يعلم أن السهال يعرض من ضروب كثيرة ،منها السهال الحادث عن التخم
والهيضات؛ والطباء مجمعون فيييي مثيييل هذا على أن علجيييه بأن يترك للطبيعييية وفعلهيييا ،وإن
احتاجت إلى معين على السهال أعينت ما دامت القوة باقية ،فأما حبسها فضرر ،فإذا وضح هذا
قلنيا :فيمكين أن يكون ذلك الرجيل أصيابه السيهال عين امتلء وهيضية فأمره النيبي صيلى ال علييه
وسيلم بشرب العسيل فزاده إلى أن فنييت المادة فوقيف السيهال فوافقيه شرب العسيل .فإذا خرج هذا
عين صيناعة الطيب أذِن ذلك بجهيل المعترض بتلك الصيناعة .قال :ولسينا نسيتظهر على قول نبينيا
بأن يصيدقه الطباء بل لو كذبوه لكذبناهيم ولكفرناهم وصدقناه صلى ال عليه وسلم؛ فإن أوجدونا
بالمشاهدة صيحة ميا قالوه فنفتقير حينئذ إلى تأوييل كلم رسيول ال صيلى ال علييه وسيلم وتخريجيه
على ما يصح إذ قامت الدللة على أنه ل يكذب.
@في قوله تعالى" :فيه شفاء للناس" دليل على جواز التعالج بشرب الدواء وغير ذلك خلفا لمن
كره ذلك مين جلة العلماء ،وهيو يرد على الصيوفية الذيين يزعمون أن الوليية ل تتيم إل إذا رضيي
بجمييع ميا نزل بيه مين البلء ،ول يجوز له مداواة .ول معنيى لمين أنكير ذلك ،روى الصيحيح عين
جابر عن رسول ال صلى ال عليه وسلم أنه قال( :لكل داء دواء فإذا أصيب دواء الداء برأ بإذن
ال) .وروى أبيو داود والترمذي عين أسيامة بين شرييك قال قالت العراب :أل نتداوى ييا رسيول
ال؟ قال( :نعييم .يييا عباد ال تداووا فإن ال لم يضييع داء إل وضييع له شفاء أو دواء إل داء واحييد)
قالوا :ييا رسيول ال وميا هيو؟ قال( :الهرم) لفيظ الترمذي ،وقال :حدييث حسين صيحيح .وروي عين
أبي خزامة عن أبيه قال :سألت رسول ال صلى ال عليه وسلم فقلت :يا رسول ال ،أرأيت رقى
نسيترقيها ودواء نتداوى بيه وتقاة نتقيهيا ،هيل ترد مين قدر ال شيئا؟ قال( :هيي مين قدر ال) قال:
حدييث حسين ،ول يعرف لبيي خزامية غيير هذا الحدييث .وقال صيلى ال علييه وسيلم( :إن كان فيي
شييء مين أدويتكيم خيير ففيي شرطية محجيم أو شربية مين عسيل أو لذعية بنار وميا أحيب أن أكتوي)
أخرجه الصحيح .والحاديث في هذا الباب أكثر من أن تحصى .وعلى إباحة التداوي والسترقاء
جمهور العلماء .روي أن ابن عمر اكتوى من اللقوة ورقيي من العقرب .وعن ابن سيرين أن ابن
عميير كان يسييقي ولده الترياق .وقال مالك :ل بأس بذلك .وقييد احتييج ميين كره ذلك بمييا رواه أبييو
هريرة قال :قال رسيول ال صيلى ال علييه وسيلم( :دخلت أمية بقضهيا وقضيضهيا الجنية كانوا ل
يسيرقون ول يكتوون ول يتطيرون وعلى ربهيم يتوكلون) .قالوا :فالواجيب على المؤمين أن يترك
ذلك اعتصياما بال وتوكل علييه وثقية بيه وانقطاعيا إلييه؛ فإن ال تعالى قيد علم أيام المرض وأيام
الصييحة فلو حرص الخلق على تقليييل ذلك أو زيادتييه مييا قدروا؛ قال ال تعالى" :مييا أصيياب ميين
مصييبة فيي الرض ول فيي أنفسيكم إل فيي كتاب مين قبيل أن نبرأهيا" [الحدييد .]22 :وممين ذهيب
إلى هذا جماعية مين أهيل الفضيل والثير ،وهيو قول ابين مسيعود وأبيي الدرداء رضوان ال عليهيم.
دخل عثمان بن عفان على ابن مسعود في مرضه الذي قبض فيه فقال له عثمان :ما تشتكي؟ قال
ذنوبي .قال :فما تشتهي؟ قال رحمة ربي .قال :أل أدعو لك طبيبا؟ قال :الطبيب أمرضني ...وذكر
الحديث .وسيأتي بكماله في فضل الواقعة إن شاء ال تعالى .وذكر وكيع قال :حدثنا أبو هلل عن
معاوية بن قرة قال :مرض أبو الدرداء فعادوه وقالوا :أل ندعو لك طبيبا؟ قال :الطبيب أضجعني.
وإلى هذا ذهب الربيع بن خيثم .وكره سعيد بن جبير الرقى .وكان الحسن يكره شرب الدوية كلها
إل اللبين والعسيل .وأجاب الولون عين الحدييث بأنيه ل حجية فييه ،لنيه يحتميل أن يكون قصيد إلى
نوع من الكي مكروه بدليل كي النبي صلى ال عليه وسلم أبيا يوم الحزاب على أكحله لما رمي.
وقال( :الشفاء فيي ثلثية) كميا تقدم .ويحتميل أن يكون قصيد إلى الرقيى بميا لييس فيي كتاب ال ،وقيد
قال سبحانه وتعالى" :وننزل من القرآن ما هو شفاء" [السيراء ]82 :على ما يأتي بيانه .ورقى
أصحابه وأمرهم بالرقية؛ على ما يأتي بيانه.
@ ذهب مالك وجماعة أصحابه إلى أن ل زكاة في العسل وإن كان مطعوما مقتاتا .واختلف فيه
قول الشافعييي ،والذي قطييع بييه فييي قوله الجديييد :أنييه ل زكاة فيييه .وقال أبييو حنيفيية بوجوب زكاة
العسيل فيي قليله وكثيره؛ لن النصياب عنده فييه لييس بشرط .وقال محميد بين الحسين :ل شييء فييه
حتيى يبيل ثمانيية أفراق ،والفرق سيتة وثلثون رطل من أرطال العراق .وقال أبيو يوسيف :فيي كيل
عشرة أزقاق زق؛ متمسيكا بميا رواه الترمذي عين ابين عمير قال قال رسيول ال صيلى ال علييه
وسلم( :في العسل في كل عشرة أزقاق زق) قال أبو عيسى :في إسناده مقال ،ول يصح عن النبي
صيلى ال علييه وسيلم فيي هذا الباب كيبير شييء ،والعميل على هذا عنيد أكثير أهيل العلم ،وبيه يقول
أحمد وإسحاق ،وقال بعض أهل العلم :ليس في العسل شيء.
@قوله تعالى" :إن فيي ذلك ليية لقوم يتفكرون" أي يعتيبرون؛ ومين العيبرة فيي النحيل بإنصياف
النظيير وإلطاف الفكيير فييي عجيييب أمرهييا .فيشهييد اليقييين بأن ملهمهييا الصيينعة اللطيفية مييع البنييية
الضعيفة ،وحذقها باحتيالها في تفاوت أحوالها هو ال سبحانه وتعالى؛ كما قال" :وأوحى ربك إلى
النحيل" [النحيل ]68 :اليية .ثيم أنهيا تأكيل الحاميض والمير والحلو والمالح والحشائش الضارة،
فيجعله ال تعالى عسل حلوا وشفاء ،وفي هذا دليل على قدرته.
**3الية{ 70 :وال خلقكم ثم يتوفاكم ومنكم من يرد إلى أرذل العمر لكي ل يعلم بعد علم شيئا
إن ال عليم قدير}
@قوله تعالى" :وال خلقكم ثم يتوفاكم" بين معناه" .ومنكم من يرد إلى أرذل العمر" يعني أردأه
وأوضعه .وقيل :الذي ينقص قوته وعقله ويصيره إلى الخرف ونحوه .وقال ابن عباس :يعني إلى
أسيفل العمير ،يصيير كالصيبي الذي ل عقيل له؛ والمعنيى متقارب .وفيي صيحيح البخاري عين أنيس
بين مالك قال كان رسيول ال صيلى ال علييه وسيلم يتعوذ يقول( :اللهيم إنيي أعوذ بيك مين الكسيل
وأعوذ بك من الجبن وأعوذ بك من الهرم وأعوذ بك من البخل) .وفي حديث سعد بن أبي وقاص
(وأعوذ بك أن أرد إلى أرذل العمر) الحديث .خرجه البخاري" .لكي ل يعلم بعد علم شيئا إن ال
عليم قدير" أي يرجع إلى حالة الطفولية فل يعلم ما كان يعلم قبل من المور لفرط الكبر .وقد قيل:
هذا ل يكون للمؤمين ،لن المؤمين ل ينزع عنيه علميه .وقييل :المعنيى لكيل يعميل بعيد علم شيئا؛
فعيبر عين العميل بالعلم لفتقاره إلييه؛ لن تأثيير الكيبر فيي عمله أبلغ مين تأثيره فيي علميه .والمعنيى
المقصود الحتجاج على منكري البعث ،أي الذي رده إلى هذه الحال قادر على أن يميته ثم يحييه.
**3الية{ 71 :وال فضل بعضكم على بعض في الرزق فما الذين فضلوا برادي رزقهم على
ما ملكت أيمانهم فهم فيه سواء أفبنعمة ال يجحدون}
@قوله تعالى" :وال فضل بعضكم على بعض في الرزق" أي جعل منكم غنيا وحرا وعبدا" .فما
الذيين فضلوا" أي فيي الرزق" .برادي رزقهيم على ميا ملكيت أيمانهيم" أي ل يرد المولى على ميا
ملكيت يمينيه مميا رزق شيئا حتيى يسيتوي المملوك والمالك فيي المال .وهذا مثيل ضربيه ال لعبدة
الصيينام ،أي إذا لم يكيين عييبيدكم معكييم سييواء فكيييف تجعلون عييبيدي معييي سييواء؛ فلمييا لم يكيين
يشركهييم عييبيدهم فييي أموالهييم لم يجييز لهييم أن يشاركوا ال تعالى فييي عبادة غيره ميين الوثان
والنصاب وغيرهما مما عبد؛ كالملئكة والنبياء وهم عبيده وخلقه .حكى معناه الطبري ،وقاله
ابين عباس ومجاهيد وقتادة وغيرهيم .وعين ابين عباس أيضيا أنهيا نزلت فيي نصيارى نجران حيين
قالوا عيسيى ابين ال فقال ال لهيم "فميا الذيين فضلوا برادي رزقهيم على ميا ملكيت أيمانهيم" أي ل
يرد المولى على ما ملكت يمينه مما رزق حتى يكون المولى والعبد في المال شرعا سواء ،فكيف
ترضون لي ميا ل ترضون لنفسيكم فتجعلون لي ولدا مين عيبيدي .ونظيرهيا "ضرب لكيم مثل مين
أنفسيكم هيل لكيم مين ميا ملكيت أيمانكيم مين شركاء فيي ميا رزقناكيم فأنتيم فييه سيواء" [الروم]28 :
على ما يأتي .ودل هذا على أن العبد ل يملك ،على ما يأتي أنفا.
**3الية{ 72 :وال جعل لكم من أنفسكم أزواجا وجعل لكم من أزواجكم بنين وحفدة ورزقكم
من الطيبات أفبالباطل يؤمنون وبنعمة ال هم يكفرون}
@قوله تعالى" :وال جعل لكم من أنفسكم أزواجا" جعل بمعنى خلق "من أنفسكم أزواجا" يعني
آدم خلق منه حواء .وقيل :المعنى جعل لكم من أنفسكم ،أي من جنسكم ونوعكم وعلى خلقتكم؛ كما
قال" :لقد جاءكم رسول من أنفسكم" [التوبة ]128 :أي من الدميين .وفي هذا رد على العرب
التي كانت تعتقد أنها كانت تزوج الجن وتباضعها ،حتى روي أن عمرو بن هند تزوج منهم غول
وكان يخبؤهيا عين البرق لئل تراه فتنفير ،فلميا كان فيي بعيض الليالي لميع البرق وعاينتيه السيعلة
فقالت :عمرو ونفرت ،فلم يرهيا أبدا .وهذا مين أكاذيبهيا ،وإن كان جائزا فيي حكيم ال وحكمتيه فهيو
رد على الفلسفة الذين ينكرون وجود الجن ويحيلون طعامهم" .أزواجا" زوج الرجل هي ثانيته،
فإنيه فرد فإذا انضافيت إلييه كانيا زوجيين ،وإنميا جعلت الضافية إلييه دونهيا لنيه أصيلها فيي الوجود
كما تقدم.
@قوله تعالى" :وجعل لكم من أزواجكم بنين" ظاهر في تعديد النعمة في البناء ،ووجود البناء
يكون منهميا معيا؛ ولكنيه لميا كان خلق المولود فيهيا وانفصياله عنهيا أضييف إليهيا ،ولذلك تبعهيا فيي
الرق والحريية وصيار مثلهيا فيي الماليية .قال ابين العربيي :سيمعت إمام الحنابلة بمدينية السيلم أبيا
الوفاء علي بين عقييل يقول :إنميا تبيع الولد الم فيي الماليية وصيار بحكمهيا فيي الرق والحريية؛ لنيه
انفصيل عين الب نطفية ل قيمية له ول ماليية فييه ول منفعية ،وإنميا اكتسيب ميا اكتسيب بهيا ومنهيا
فلجيل ذلك تبعهيا .كميا لو أكيل رجيل تمرا فيي أرض رجيل وسيقطت منيه نواة فيي الرض مين ييد
الكيل فصيارت نخلة فإنهيا ملك صياحب الرض دون الكيل بإجماع مين المية لنهيا انفصيلت عين
الكل ول قيمة لها.
@قوله تعالى" :وحفدة" روى ابين القاسيم عين مالك قال وسيألته عين قوله تعالى" :بنيين وحفدة"
قال :الحفدة الخدم والعوان فييي رأيييي .وروي عيين ابيين عباس فييي قوله تعالى" :وحفدة" قال هييم
العوان ،من أعانك فقد حفدك .قيل له :فهل تعرف العرب ذلك؟ قال نعم وتقول أو ما سمعت قول
الشاعر:
بأكفهن أزمة الجمال حفد الولئد حولهن وأسلمت
أي أسرعن الخدمة .والولئد :الخدم ،الواحدة وليدة؛ قال العشى:
إذا الحداة على أكسائها حفدوا كلفت مجهولها نوقا يمانية
أي أسيرعوا .وقال ابن عرفية :الحفدة عنيد العرب العوان ،فكيل مين عميل عمل أطاع فييه وسيارع
فهيو حافيد ،قال :ومنيه قولهيم إلييك نسيعى ونحفيد ،والحفدان السيرعة .قال أبيو عبييد :الحفيد العميل
والخدميية .وقال الخليييل بيين أحمييد :الحفدة عنييد العرب الخدم ،وقاله مجاهييد .وقال الزهري :قيييل
الحفدة أولد الولد .وروي عن ابن عباس .وقيل الختان؛ قاله ابن مسعود وعلقمة وأبو الضحاك
وسعيد بن جبير وإبراهيم؛ ومنه قول الشاعر:
لها حفد ما يعد كثير فلو أن نفسي طاوعتني لصبحت
عيوف لصهار اللئام قذور ولكنها نفس علي أبية
وروى زر عيين عبدال قال :الحفدة الصييهار؛ وقاله إبراهيييم ،والمعنييى متقارب .قال الصييمعي:
الختين مين كان مين قبيل المرأة ،مثيل أبيهيا وأخيهيا وميا أشبههميا؛ والصيهار منهيا جميعيا .يقال:
أصيهر فلن إلى بنيي فلن وصياهر .وقول عبدال هيم الختان ،يحتميل المعنييين جميعيا .يحتميل أن
يكون أراد أبا المرأة وما أشبهه من أقربائها ،ويحتمل أن يكون أراد وجعل لكم من أزواجكم بنين
وبنات تزوجونهيين ،فيكون لكييم بسييببهن أختان .وقال عكرميية :الحفدة ميين نفييع الرجال ميين ولده؛
وأصله من حفد يحفد -بفتح العين في الماضي وكسرها في المستقبل -إذا أسرع في سيره؛ كما
قال كثير:
حفد الولئد بينهن ...البيت
ويقال :حفدت وأحفدت ،لغتان إذا خدميت .ويقال :حافيد وحفيد؛ مثيل خادم وخدم ،وحافيد وحفدة مثيل
كافير وكفرة .قال المهدوي :ومين جعيل الحفدة الخدم جعله منقطعيا مميا قبله ينوي بيه التقدييم؛ كأنيه
قال :جعل لكم حفدة وجعل لكم من أزواجكم بنين.
قلت :ما قال الزهري من أن الحفدة أولد الولد هو ظاهر القرآن بل نصه؛ أل ترى أنه قال:
"وجعيل لكيم مين أزواجكيم بنيين وحفدة" فجعيل الحفدة والبنيين منهين .وقال ابين العربيي :الظهير
عندي فيي قوله "بنيين وحفدة" أن البنيين أولد الرجيل لصيلبه والحفدة أولد ولده ،ولييس فييي قوة
اللفظ أكثير من هذا ،ويكون تقدير الية على هذا :وجعل لكم من أزواجكيم بنين ومن البنين حفدة.
وقال معناه الحسن.
@ إذا فرعنيا على قول مجاهيد وابين عباس ومالك وعلماء اللغية فيي قولهيم إن الحفدة الخدم
والعوان ،فقييد خرجييت خدميية الولد والزوجيية ميين القرآن بأبدع بيان؛ قاله ابيين العربييي .روي
البخاري وغيره عين سيهل بين سيعد أن أبيا أسييد السياعدي دعيا النيبي صيلى ال علييه وسيلم لعرسيه
فكانت امرأته خادمهم ...الحديث ،وفي الصحيح عن عائشة قالت :أنا فتلت قلئد بدن النبي صلى
ال عليييه وسييلم بيدي .الحديييث .ولهذا قال علماؤنييا :عليهييا أن تفرش الفراش وتطبييخ القدر وتقييم
الدار ،بحسيب حالهيا وعادة مثلهيا؛ قال ال تعالى" :وجعيل منهيا زوجهيا ليسيكن إليهيا" [العراف:
]189فكأنه جمع لنا فيها السكن والستمتاع وضربا من الخدمة بحسب جري العادة.
@ ويخدم الرجل زوجته فيما خف من الخدمة ويعينها ،لما روته عائشة أن النبي صلى ال عليه
وسلم كان يكون في مهنة أهله فإذا سمع الذان خرج .وهذا قول مالك :ويعينها .وفي أخلق النبي
صلى ال عليه وسلم أنه كان يخصف النعل ويقم البيت ويخيط الثوب .وقالت عائشة وقد قيل لها:
ميا كان يعميل رسيول ال صيلى ال علييه وسيلم فيي بيتيه؟ قالت :كان بشرا مين البشير يفلي ثوبيه
ويحلب شاته ويخدم نفسه.
@ وينفيق على خادمية واحدة ،وقييل على أكثير؛ على قدر الثروة والمنزلة .وهذا أمير دائر على
العرف الذي هو أصل من أصول الشريعة ،فإن نساء العراب وسكان البوادي يخدمن أزواجهن
في استعذاب الماء وسياسة الدواب ،ونساء الحواضر يخدم المقل منهم زوجته فيما خف ويعينها،
وأما أهل الثروة فيخدمون أزواجهن ويترفهن معهم إذا كان لهم منصب ذلك؛ فإن كان أمرا مشكل
شرطت عليه الزوجة ذلك ،فتشهد أنه قد عرف أنها ممن ل تخدم نفسها فالتزم إخدامها ،فينفذ ذلك
وتنقطع الدعوى فيه.
@قوله تعالى" :ورزقكيم مين الطيبات" أي مين الثمار والحبوب والحيوان" .أفبالباطيل" يعنيي
الصينام؛ قال ابين عباس" .يؤمنون" قراءة الجمهور بالياء .وقرأ أبيو عبدالرحمين بالتاء" .وبنعمية
ال" أي بالسلم" .هم يكفرون".
**3اليتان{ 74 - 73 :ويعبدون مين دون ال ميا ل يملك لهيم رزقيا مين السيماوات والرض
شيئا ول يستطيعون ،فل تضربوا ل المثال إن ال يعلم وأنتم ل تعلمون}
@قوله تعالى" :ويعبدون ميين دون ال مييا ل يملك لهييم رزقييا ميين السييماوات" يعنييي المطيير.
"والرض"
يعنيي النبات" .شيئا" قال الخفيش :هيو بدل مين الرزق .وقال الفراء :هيو منصيوب بإيقاع الرزق
علييه؛ أي يعبدون ميا ل يملك أن يرزقهيم شيئا" .ول يسيتطيعون" أي ل يقدرون على شييء ،يعنيي
الصنام" .فل تضربوا ل المثال" أي ل تشبهوا به هذه الجمادات؛ لنه واحد قادر ل مثل له .وقد
تقدم.
**3الية{ 75 :ضرب ال مثل عبدا مملوكا ل يقدر على شيء ومن رزقناه منا رزقا حسنا فهو
ينفق منه سرا وجهرا هل يستوون الحمد ل بل أكثرهم ل يعلمون}
@قوله تعالى" :ضرب ال مثل" نبه تعالى على ضللة المشركين ،وهو منتظم بما قبله من ذكر
نعم ال عليهم وعدم مثل ذلك من آلهتهم" .ضرب ال مثل" أي بين شبها؛ ثم ذكر ذلك فقال" :عبدا
مملوكيا" أي كميا ل يسيتوي عندكيم عبيد مملوك ل يقدر مين أمره على شييء ورجيل حير قيد رزق
رزقيا حسينا فكذلك أنيا وهذه الصينام .فالذي هيو مثال فيي هذه اليية هيو عبيد بهذه الصيفة مملوك ل
يقدر على شيء من المال ول من أمير نفسه ،وإنما هو مسخر بإرادة سيده .ول يلزم من اليية أن
العبيد كلهم بهذه الصفة؛ فإن النكرة في الثبات ل تقتضي الشمول عند أهل اللسان كما تقدم ،وإنما
تفيد واحدا ،فإذا كانت بعد أمر أو نهي أو مضافة إلى مصدر كانت للعموم الشيوعي؛ كقوله :أعتق
رجل ول تهيين رجل ،والمصييدر كإعتاق رقبيية ،فأي رجييل أعتييق فقييد خرج عيين عهدة الخطاب،
ويصح منه الستثناء .وقال قتادة :هذا المثل للمؤمن والكافر؛ فذهب قتادة إلى أن العبد المملوك هو
الكافر؛ لنه ل ينتفع في الخرة بشيء من عبادته ،وإلى أن معنى "ومن رزقناه منا رزقا حسنا"
المؤمين .والول علييه الجمهور مين أهيل التأوييل .قال الصيم :المراد بالعبيد المملوك الذي ربميا
يكون أشد من موله أسرا وأنضر وجها ،وهو لسيده ذليل ل يقدر إل على ما أذن له فيه؛ فقال ال
تعالى ضربيا للمثال .أي فإذا كان هذا شأنكيم وشأن عيبيدكم فكييف جعلتيم أحجارا مواتيا شركاء ل
تعالى في خلقه وعبادته ،وهي ل تعقل ول تسمع.
@ فهم المسلمون من هذه الية ومما قبلها نقصان رتبة العبد عن الحر في الملك ،وأنه ل يملك
شيئا وإن ملك .قال أهيل العراق :الرق ينافيي الملك ،فل يملك شيئا البتية بحال ،وهيو قول الشافعيي
في الجديد ،وبه قال الحسن وابن سيرين .ومنهم من قال :يملك إل أنه ناقص الملك ،لن لسيده أن
ينتزعه منه أي وقت شاء ،وهو قول مالك ومن اتبعه ،وبه قال الشافعي في القديم .وهو قول أهل
الظاهير؛ ولهذا قال أصيحابنا :ل تجيب علييه عبادات الموال مين زكاة وكفارات ،ول مين عبادات
البدان ما يقطعه عن خدمة سيده كالحج والجهاد وغير ذلك .وفائدة هذه المسألة أن سيده لو ملكه
جارية جاز له أن يطأها بملك اليمين ،ولو ملكه أربعين من الغنم فحال عليها الحول لم تجب على
السييد زكاتهيا لنهيا ملك غيره ،ول على العبيد لن ملكيه غيير مسيتقر .والعراقيي يقول :ل يجوز له
أن يطيأ الجاريية ،والزكاة فيي النصياب واجبية على السييد كميا كانيت .ودلئل هذه المسيألة للفريقيين
في كتب الخلف .وأدل دليل لنا قوله تعالى" :ال الذي خلقكم ثم رزقكم" [الروم ]40 :فسوى بين
العبيد والحير فيي الرزق والخلق .وقال علييه السيلم( :مين أعتيق عبدا وله مال )...فأضاف المال
إلييه .وكان ابين عمير يرى عبده يتسيرى فيي ماله فل يعييب علييه ذلك .وروي عين ابين عباس أن
عبدا له طلق امرأتييه طلقتييين فأمره أن يرتجعهييا بملك اليمييين؛ فهذا دليييل على أنييه يملك مييا بيده
ويفعل فيه ما يفعل المالك في ملكه ما لم ينتزعه سيده .وال أعلم.
@ وقد استدل بعض العلماء بهذه الية على أن طلق العبد بيد سيده ،وعلى أن بيع المة طلقها؛
معول على قوله تعالى" :ل يقدر على شييء" .قال :فظاهره يفييد أنيه ل يقدر على شييء أصيل ،ل
على الملك ول على غيره فهيو على عموميه ،إل أن يدل دلييل على خلفيه .وفيميا ذكرناه عين ابين
عمر وابن عباس ما يدل على التخصيص .وال تعالى أعلم.
@ قال أبيو منصيور فيي عقيدتيه :الرزق ميا وقيع الغتذاء بيه .وهذه اليية ترد هذا التخصييص؛
وكذلك قوله تعالى" :ومما رزقناهم ينفقون" [البقرة .]3 :و"أنفقوا مما رزقناكم" [البقرة]254 :
وغيير ذلك مين قول النيبي صيلى ال علييه وسيلم( :جعيل رزقيي تحيت ظيل رمحيي) وقوله( :أرزاق
أمتي في سنابك خيلها وأسنة رماحها) .فالغنيمة كلها رزق ،وكل ما صح به النتفاع فهو رزق،
وهو مراتب :أعلها ما يغذي .وقد حصر رسول ال صلى ال عليه وسلم وجوه النتفاع في قوله:
(يقول ابين آدم مالي مالي وهيل لك مين مالك إل ميا أكلت فأفنييت أو لبسيت فأبلييت أو تصيدقت
فأمضييت) .وفيي معنيى اللباس يدخيل الركوب وغيير ذلك .وفيي ألسينة المحدثيين :السيماع رزق،
يعنون سماع الحديث ،وهو صحيح.
@قوله تعالى" :ومن رزقناه منا رزقا حسنا" هو المؤمن ،يطيع ال في نفسه وماله .والكافر ما لم
ينفق في الطاعة صار كالعبد الذي ل يملك شيئا" .هل يستوون" أي ل يستوون ،ولم يقل يستويان
لمكان "مين" لنيه اسيم مبهيم يصيلح للواحيد والثنيين والجميع والمذكير والمؤنيث .وقييل" :إن عبدا
مملوكا"" ،ومن رزقناه" أريد بهما الشيوع في الجنس" .الحمد ل" أي هو مستحق للحمد دون ما
يعبدون مين دونيه؛ إذ ل نعمية للصينام عليهيم مين ييد ول معروف فتحميد علييه ،إنميا الحميد الكاميل
ل؛ لنييه المنعييم الخالق" .بييل أكثرهييم" أي أكثيير المشركييين" .ل يعلمون" أن الحمييد لي ،وجميييع
النعمة مني .وذكر الكثر وهو يريد الجميع ،فهو خاص أريد به التعميم .وقيل :أي بل أكثر الخلق
ل يعلمون ،وذلك أن أكثرهم المشركون.
**3اليية{ 76 :وضرب ال مثل رجليين أحدهميا أبكيم ل يقدر على شييء وهو كيل على موله
أينما يوجهه ل يأت بخير هل يستوي هو ومن يأمر بالعدل وهو على صراط مستقيم}
@قوله تعالى" :وضرب ال مثل رجليين أحدهميا أبكيم" هذا مثيل آخير ضربيه ال تعالى لنفسيه
وللوثين ،فالبكيم الذي ل يقدر على شييء هيو الوثين ،والذي يأمير بالعدل هيو ال تعالى؛ قاله قتادة
وغيره .وقال ابيين عباس :البكييم عبييد كان لعثمان رضييي ال عنييه ،وكان يعرض عليييه السييلم
فيأبى ،ويأمر بالعدل عثمان .وعنه أيضا أنه مثل لبي بكر الصديق ومولى له كافر .وقيل :البكم
أبيو جهيل ،والذي يأمير بالعدل عمار بين ياسير العنسيي ،وعنيس "بالنون" حيي مين مذحيج ،وكان
حليفا لبني مخزوم رهط أبي جهل ،وكان أبو جهل يعذبه على السلم ويعذب أمه سمية ،وكانت
مولة لبي جهل ،وقال لها ذات يوم :إنما آمنت بمحمد لنك تحبينه لجماله ،ثم طعنها بالرمح في
قبلهيا فماتيت ،فهيي أول شهييد مات فيي السيلم ،رحمهيا ال .مين كتاب النقاش وغيره .وسييأتي هذا
فييي آيية الكراه مبينيا إن شاء ال تعالى .وقال عطاء :البكيم أبيي بين خلف ،كان ل ينطييق بخييير.
"وهو كل على موله" أي قومه لنه كان يؤذيهم ويؤذي عثمان بن مظعون .وقال مقاتل :نزلت
فيي هشام بين عمرو بين الحارث ،كان كافرا قلييل الخيير يعادي النيبي صيلى ال علييه وسيلم .وقييل:
إن البكيم الكافير ،والذي يأمير بالعدل المؤمين جملة بجملة؛ روى عين ابين عباس وهيو حسين لنيه
يعم .والبكم الذي ل نطق له .وقيل الذي ل يعقل .وقيل الذي ل يسمع ول يبصر .وفي التفسير إن
البكم ها هنا الوثن .بين أنه ل قدرة له ول أمر ،وأن غيره ينقله وينحته فهو كل عليه .وال المر
بالعدل ،الغالب على كييل شيييء" .وهييو كييل على موله" أي ثقييل على وليييه وقرابتييه ،ووبال على
صاحبه وابن عمه .وقد يسمى اليتيم كل لثقله على من يكفله؛ ومنه قول الشاعر:
إذا كان عظم الكل غير شديد أكول لمال الكل قبل شبابه
والكل أيضا الذي ل ولد له ول والد .والكل العيال ،والجمع الكلول ،يقال منه :كل السكين يكل كل
أي غلظييت شفرتييه فلم يقطييع" .أينمييا يوجييه ل يأت بخييير" قرأ الجمهور "يوجهييه" وهييو خييط
المصحف؛ أي أينما يرسله صاحبه ل يأت بخير ،لنه ل يعرف ول يفهم ما يقال له ول يفهم عنه.
وقرأ يحييى بين وثاب "أينميا يوجيه" على الفعيل المجهول .وروي عين ابين مسيعود أيضيا "توجيه"
على الخطاب" .هيل يسيتوي هيو ومين يأمير بالعدل وهيو على صيراط مسيتقيم" أي هيل يسيتوي هذا
البكم ومن يأمر بالعدل وهو على الصراط المستقيم.
**3الية{ 77 :ول غيب السماوات والرض وما أمر الساعة إل كلمح البصر أو هو أقرب إن
ال على كل شيء قدير}
@قوله تعالى" :ول غيب السماوات والرض" تقدم معناه .وهذا متصل بقوله "إن ال يعلم وأنتم
ل تعلمون" [النحل ]74 :أي شرع التحليل والتحريم إنما يحسن ممن يحيط بالعواقب والمصالح
وأنتم أيها المشركون ل تحيطون بها فلم تتحكمون" .وما أمر الساعة إل كلمح البصر" وتجازون
فيها بأعمالكم .والساعة هي الوقت الذي تقوم فيه القيامة؛ سميت ساعة لنها تفجأ الناس في ساعة
فيموت الخلق بصييحة .واللمح النظير بسيرعة؛ يقال لمحيه لمحا ولمحانيا .ووجه التأويل أن الساعة
لما كانت آتية ول بد جعلت من القرب كلمح البصر .وقال الزجاج :لم يرد أن الساعة تأتي في لمح
البصر ،وإنما وصف سرعة القدرة على التيان بها؛ أي يقول للشيء كن فيكون .وقيل :إنما مثل
بلمح البصر لنه يلمح السماء مع ما هي عليه من البعد من الرض .وقيل :هو تمثيل للقرب؛ كما
يقول القائل :ما السنة إل لحظة ،وشبهه .وقيل :المعنى هو عند ال كذلك ل عند المخلوقين؛ دليله
قوله" :إنهيم يرونيه بعيدا .ونراه قريبيا"[ .المعارج" .]7 - 6 :أو هيو أقرب" لييس "أو" للشيك بيل
للتمثيل بأيهما أراد الممثل .وقيل :دخلت لشك المخاطب .وقيل" :أو" بمنزلة بل" .إن ال على كل
شيء قدير" تقدم.
**3اليية{ 78 :وال أخرجكيم مين بطون أمهاتكيم ل تعلمون شيئا وجعيل لكيم السيمع والبصيار
والفئدة لعلكم تشكرون}
@قوله تعالى" :وال أخرجكم من بطون أمهاتكم ل تعلمون شيئا" ذكر أن من نعمه أن أخرجكم
مين بطون أمهاتكيم أطفال ل علم لكيم بشييء .وفييه ثلثية أقاوييل :أحدهيا :ل تعلمون شيئا مميا أخيذ
عليكييم ميين الميثاق فييي أصييلب آبائكييم .الثانييي :ل تعلمون شيئا ممييا قضييى عليكييم ميين السييعادة
والشقاء .الثالث :ل تعلمون شيئا ميين منافعكييم؛ وتييم الكلم ،ثييم ابتدأ فقال" :وجعييل لكييم السييمع
والبصيار والفئدة" أي التيي تعلمون بهيا وتدركون؛ لن ال جعيل ذلك لعباده قبيل إخراجهيم مين
البطون وإنمييا أعطاهييم ذلك بعدمييا أخرجهييم؛ أي وجعيل لكييم السييمع لتسييمعوا بيه الميير والنهييي،
والبصيار لتبصيروا بهيا آثار صينعه ،والفئدة لتصيلوا بهيا إلى معرفتيه .والفئدة :جميع الفؤاد نحيو
غراب وأغربية .وقيد قييل فيي ضمين قوله "وجعيل لكيم السيمع" إثبات النطيق لن مين لم يسيمع لم
يتكلم ،وإذا وجدت حاسة السمع وجد النطق .وقرأ العمش وابن وثاب وحمزة "إمهاتكم" هنا وفي
النور والزمر والنجم ،بكسر الهمزة والميم .وأما الكسائي فكسر الهمزة وفتح الميم؛ وإنما كان هذا
للتباع .الباقون بضم الهمزة وفتح الميم على الصل .وأصل المهات :أمات ،فزيدت الهاء تأكيدا
كمييا زادوا هاء فييي أهرقييت الماء وأصييله أرقييت .وقييد تقدم هذا المعنييى فييي "الفاتحيية"" .لعلكييم
تشكرون" فيييه تأويلن :أحدهمييا :تشكرون نعمييه .الثانييي :يعنييي تبصييرون آثار صيينعته؛ لن
إبصارها يؤدي إلى الشرك.
**3اليية{ 79 :ألم يروا إلى الطيير مسيخرات فيي جيو السيماء ميا يمسيكهن إل ال إن فيي ذلك
ليات لقوم يؤمنون}
@قوله تعالى" :ألم يروا إلى الطيير مسيخرات فيي جيو السيماء ميا يمسيكهن إل ال" قرأ يحييى بين
وثاب والعمييش وابيين عاميير وحمزة ويعقوب "تروا" بالتاء على الخطاب ،واختاره أبييو عبيييد.
الباقون بالياء على الخيبر" .مسيخرات" مذللت لمير ال تعالى؛ قاله الكلبيي .وقييل" :مسيخرات"
مذللت لمنافعكيم" .فيي جيو السيماء" الجيو ميا بيين السيماء والرض؛ وأضاف الجيو إلى السيماء
لرتفاعييه عيين الرض .وفييي قوله "مسييخرات" دليييل على مسييخر سييخرها ومدبر مكنهييا ميين
التصرف" .ما يمسكهن إل ال" في حال القبض والبسط والصطفاف .بين لهم كيف يعتبرون بها
على وحدانيته" .إن في ذلك ليات" أي علمات وعبرا ودللت" .لقوم يؤمنون" بال وبما جاءت
به رسلهم.
**3الية{ 80 :وال جعل لكم من بيوتكم سكنا وجعل لكم من جلود النعام بيوتا تستخفونها يوم
ظعنكم ويوم إقامتكم ومن أصوافها وأوبارها وأشعارها أثاثا ومتاعا إلى حين}
@قوله تعالى" :جعل لكم" معناه صير .وكل ما علك فأظلك فهو سقف وسماء ،وكل ما أقلك فهو
أرض ،وكل ما سترك من جهاتك الربع فهو جدار؛ فإذا انتظمت واتصلت فهو بيت .وهذه الية
فيهييا تعديييد نعييم ال تعالى على الناس فييي البيوت ،فذكيير أول بيوت المدن وهييي التييي للقاميية
الطويلة .وقوله" :سكنا" أي تسكنون فيها وتهدأ جوارحكم من الحركة ،وقد تتحرك فيه وتسكن في
غيره؛ إل أن القول خرج على الغالب .وعيد هذا فيي جملة النعيم فإنيه لو شاء خلق العبيد مضطربيا
أبدا كالفلك لكان ذلك كمييا خلق وأراد ،لو خلقييه سيياكنا كالرض لكان كمييا خلق وأراد ،ولكنييه
أوجده خلقيا يتصيرف للوجهيين ،ويختلف حاله بيين الحالتيين ،وردده كييف وأيين .والسيكن مصيدر
يوصف به الواحد والجمع.
@قوله تعالى" :وجعل لكم من جلود النعام بيوتا تستخفونها" ذكر تعالى بيوت القلة والرحلة فقال
"وجعيل لكيم مين جلود النعام بيوتيا تسيتخفونها" أي مين النطاع والدم" .بيوتيا" يعنيي الخيام
والقباب يخف عليكم حملها فيي السيفار" .يوم ظعنكيم" الظعن :سيير البادية فيي النتجاع والتحول
من موضع إلى موضع؛ ومنه قول عنترة:
وجرى ببينهم الغراب البقع ظعن الذين فراقهم أتوقع
والظعن الهودج أيضا؛ قال:
وإذ جادت بوشك البين غربان أل هل هاجك الظعان إذ بانوا
وقرئ بإسيكان العيين وفتحهيا كالشعير والشعير .وقييل :يحتميل أن يعيم بيوت الدم وبيوت الشعير
وبيوت الصييوف؛ لن هذه ميين الجلود لكونهييا ثابتيية فيهييا؛ نحييا إلى ذلك ابيين سييلم .وهييو احتمال
حسين ،ويكون قوله "ومين أصيوافها" ابتداء كلم ،كأنيه قال جعيل أثاثيا؛ يرييد الملبيس والوطاء،
وغير ذلك؛ قال الشاعر:
بذي الزي الجميل من الثاث أهاجتك الظعائن يوم بانوا
ويحتمييل أن يريييد بقوله "ميين جلود النعام" بيوت الدم فقييط كمييا قدمناه أول .ويكون قوله "وميين
أصيوافها" عطفيا على قوله "مين جلود النعام" أي جعيل بيوتيا أيضيا .قال ابين العربيي :وهذا أمير
انتشر في تلك الديار ،وعزبت عنه بلدنا ،فل تضرب الخبية عندنا إل من الكتان والصوف ،وقد
كان للنبي صلى ال عليه وسلم قبة من أدم ،وناهيك من أدم الطائف غلء في القيمة ،واعتلء في
الصنعة ،وحسنا في البشرة ،ولم يعد ذلك صلى ال عليه وسلم ترفا ول رآه سرفا؛ لنه مما امتن
ال سيبحانه مين نعمتيه وأذن فييه مين متاعيه ،وظهرت وجوه منفعتيه فيي الكتنان والسيتظلل الذي
ل يقدر على الخروج عنيه جنيس النسيان .ومين غرييب ميا جرى أنيي زرت بعيض المتزهديين مين
الغافلين مع بعض المحدثين ،فدخلنا عليه في خباء كتان فعرض عليه صاحبي المحدث أن يحمله
إلى منزله ضيفا ،وقال :إن هذا موضع يكثر فيه الحر والبيت أرفق بك وأطيب لنفسي فيك؛ فقال:
هذا الخباء لنيا كثيير ،وكان فيي صينعنا مين الحقيير؛ فقلت :لييس كميا زعميت فقيد كان لرسيول ال
صيلى ال علييه وسيلم وهيو رئييس الزهاد قبية مين أدم طائفيي يسيافر معهيا ويسيتظل بهيا؛ فبهيت،
ورأيته على منزلة من العي فتركته مع صاحبي وخرجت عنه.
@قوله تعالى" :ومن أصوافها وأوبارها وأشعارها" أذن ال سبحانه بالنتفاع بصوف الغنم ووبر
البل وشعر المعز ،كما أذن في العظم ،وهو ذبحها وأكل لحومها ،ولم يذكر القطن والكتان لنه
لم يكين فيي بلد العرب المخاطيبين بيه ،وإنميا عدد عليهيم ميا أنعيم بيه عليهيم ،وخوطبوا فيميا عرفوا
بما فهموا .وما قام مقام هذه وناب منابها فيدخل في الستعمال والنعمة مدخلها؛ وهذا كقوله تعالى:
"وينزل مين السيماء مين جبال فيهيا مين برد" [النور]43 :؛ فخاطبهيم بالبرد لنهيم كانوا يعرفون
نزوله كثيرا عندهييم ،وسييكت عيين ذكيير الثلج؛ لنييه لم يكيين فييي بلدهييم ،وهييو مثله فييي الصييفة
والمنفعة ،وقد ذكرهما النبي صلى ال عليه وسلم معا في التطهير فقال( :اللهم اغسلني بماء وثلج
وبرد) .قال ابين عباس :الثلج شييء أبييض ينزل مين السيماء وميا رأيتيه قيط .وقييل :إن ترك ذكير
القطن والكتان إنما كان إعراضا عن الترف؛ إذ ملبس عباد ال الصالحين إنما هو الصوف .وهذا
فيه نظر؛ فإنه سبحانه يقول" :يا بني آدم قد أنزلنا عليكم لباسا يواري سوآتكم" [العراف]26 :
وقال هنا" :وجعل لكم سرابيل" فأشار إلى القطن والكتان في لفظة "سرابيل" وال أعلم .و"أثاثا"
قال الخليل :متاعا منضما بعضه إلى بعض؛ من أث إذا كثر .قال:
أثيث كقنو النخلة المتعثكل وفرع يزين المتن أسود فاحم
ابن عباس" :أثاثا" ثيابا.
وتضمنيييت هذه اليييية جواز النتفاع بالصيييواف والوبار والشعار على كيييل حال ،ولذلك قال
أصيحابنا :صيوف الميتية وشعرهيا طاهير يجوز النتفاع بيه على كيل حال ،ويغسيل مخافية أن يكون
علق به وسخ؛ وكذلك روت أم سلمة عن النبي صلى ال عليه وسلم أنه قال( :ل بأس بجلد الميتة
إذا دبيغ وصيوفها وشعرهيا إذا غسيل) لنيه مميا ل يحله الموت ،سيواء كان شعير ميا يؤكيل لحميه أو
ل ،كشعير ابين آدم والخنزيير ،فإنيه طاهير كله؛ وبيه قال أبيو حنيفية ،ولكنيه زاد علينيا فقال :القرن
والسن والعظم مثل الشعر؛ قال :لن هذه الشياء كلها ل روح فيها ل تنجس بموت الحيوان .وقال
الحسن البصري والليث بن سعد والوزاعي :إن الشعور كلها نجسة ولكنها تطهر بالغسل .وعن
الشافعي ثلث روايات :الولى :طاهرة ل تنجس بالموت .الثانية :تنجس .الثالثة :الفرق بين شعر
ابين آدم وغيره ،فشعير ابين آدم طاهير وميا عداه نجيس .ودليلنيا عموم قوله تعالى" :ومين أصيوافها"
اليية .فمن علينا بأن جعل لنا النتفاع بهيا ،ولم يخصيى شعير الميتة من المذكاة ،فهيو عموم إل أن
يمنيع منيه دلييل .وأيضيا فإن الصيل كونهيا طاهرة قبيل الموت بإجماع ،فمين زعيم أنيه انتقيل إلى
نجاسية فعلييه الدلييل .فإن قييل قوله" :حرميت عليكيم الميتية" [المائدة ]3 :وذلك عبارة عين الجملة.
قلنيا :نخصيه بميا ذكرنيا؛ فإنيه منصيوص علييه فيي ذكير الصيوف ،ولييس فيي آيتكيم ذكره صيريحا،
فكان دليلنا أولى .وال أعلم .وقد عول الشيخ المام أبو إسحاق إمام الشافعية ببغداد على أن الشعر
جزء متصيل بالحيوان خِلقية ،فهيو ينميي بنمائه ويتنجيس بموتيه كسيائر الجزاء .وأجييب بأن الماء
ليييس بدليييل على الحياة؛ لن النبات ينمييي وليييس بحييي .وإذا عولوا على النماء المتصييل لمييا على
الحيوان عولنيا نحين على البانية التيي تدل على عدم الحسياس الذي يدل على عدم الحياة .وأميا ميا
ذكره الحنفيون فيي العظيم والسين والقرن أنيه مثيل الشعير ،فالمشهور عندنيا أن ذلك نجيس كاللحيم.
وقال ابيين وهييب مثييل قول أبييي حنيفيية .ولنييا قول ثالث :هييل تلحييق أطراف القرون والظلف
بأصيولها أو بالشعير ،قولن .وكذلك الشعري مين الرييش حكميه حكيم الشعير ،والعظميي منيه حكميه
حكميه .ودليلنيا قوله صيلى ال علييه وسيلم( :ل تنتفعوا مين الميتية بشييء) وهذا عام فيهيا وفيي كيل
جزء منها ،إل ما قام دليله؛ ومن الدليل القاطع على ذلك قوله تعالى" :قال من يحيي العظام وهي
رمييم" [ييس ،]78 :وقال تعالى" :وانظير إلى العظام كييف ننشزهيا" [البقرة ،]259 :وقال:
"فكسيونا العظام لحميا" [المؤمنون ،]14 :وقال" :أئذا كنيا عظاميا نخرة" [النازعات]11 :
فالصل هي العظام ،والروح والحياة فيها كما في اللحم والجلد .وفي حديث عبدال بن عكيم( :ل
تنتفعوا من الميتة بإهاب ول عصب) .فإن قيل :قد ثبت في الصحيح أن النبي صلى ال عليه وسلم
قال في شاة ميمونة( :أل انتفعتم بجلدها)؟ فقالوا :يا رسول ال ،إنها ميتة .فقال( :إنما حرم أكلها)
والعظم ل يؤكل .قلنا :العظم يؤكل ،وخاصة عظم الجمل الرضيع والجدي والطير ،وعظم الكبير
يشوى ويؤكل .وما ذكرناه قبل يدل على وجود الحياة فيه ،وما كان طاهرا بالحياة ويستباح بالذكاة
ينجس بالموت .وال أعلم.
@قوله تعالى" :من جلود النعام" عام في جلد الحي والميت ،فيجوز النتفاع بجلود الميتة وإن لم
تدبيغ؛ وبيه قال ابين شهاب الزهري واللييث بين سيعد .قال الطحاوي :لم نجيد عين أحيد مين الفقهاء
جواز بيييع جلد الميتيية قبييل الدباغ إل عيين الليييث .قال أبييو عميير :يعنييي ميين الفقهاء أئميية الفتوى
بالمصيار بعد التابعين ،وأما ابن شهاب فذلك عنه صيحيح ،وهو قول أباه جمهور أهيل العلم .وقيد
روي عنهما خلف هذا القول ،والول أشهر.
قلت :قيد ذكير الدارقطنيي فيي سيننه حدييث يحييى بين أيوب عين يونيس وعقييل عين الزهري،
وحدييث بقيية عين الزبيدي ،وحدييث محميد بين كثيير العبدي وأبيي سيلمة المنقري عين سيليمان بين
كثير عن الزهري ،وقال في آخرها :هذه أسانيد صحاح.
@ اختلف العلماء في جلد الميتة إذا دبغ هل يطهر أم ل؛ فذكر ابن عبدالحكم عن مالك ما يشبه
مذهيب ابين شهاب فيي ذلك .وذكره ابين خوييز منداد فيي كتابيه عين ابين عبدالحكيم أيضيا .قال ابين
خوييز منداد :وهيو قول الزهري واللييث .قال :والظاهير مين مذهيب مالك ميا ذكره ابين عبدالحكيم،
وهيو أن الدباغ ل يطهير جلد الميتية ،ولكين يبييح النتفاع بيه فيي الشياء اليابسية ،ول يصيلى علييه
ول يؤكل فيه .وفي المدونة لبن القاسم :من اغتصب جلد ميتة غير مدبوغ فأتلفه كان عليه قيمته.
وحكى أن ذلك قول مالك .وذكر أبو الفرج أن مالكا قال :من اغتصب لرجل جلد ميتة غير مدبوغ
فل شيء عليه .قال إسماعيل :إل أن يكون لمجوسي .وروى ابن وهب ،وابن عبدالحكم عن مالك
جواز بيعيه ،وهذا فيي جلد كيل ميتية إل الخنزيير وحده؛ لن الزكاة ل تعميل فييه ،فالدباغ أولى .قال
أبيو عمير :وكيل جلد ذكيي فجائز اسيتعماله للوضوء وغيره .وكان مالك يكره الوضوء فيي إناء جلد
الميتية بعيد الدباغ على اختلف مين قوله ،ومرة قال :إنيه لم يكرهيه إل فيي خاصية نفسيه ،وتكره
الصيلة علييه وبيعيه ،وتابعيه على ذلك جماعية مين أصيحابه .وأميا أكثير المدنييين فعلى إباحية ذلك
وإجازتيه؛ لقول رسيول ال صيلى ال علييه وسيلم( :أيميا إهاب دبيغ فقيد طهير) .وعلى هذا أكثير أهيل
الحجاز والعراق من أهل الفقه والحديث ،وهو اختيار ابن وهب.
@ ذهب المام أحمد بن حنبل رضي ال عنه إلى أنه ل يجوز النتفاع بجلود الميتة في شيء وإن
دبغت؛ لنهيا كلحم الميتة .والخبار بالنتفاع بعد الدباغ ترد قوله .واحتج بحديث عبدال بن عكيم
-رواه أبو داود -قال :قرئ علينا كتاب رسول ال صلى ال عليه وسلم بأرض جهينة وأنا غلم
شاب( :أل تستمتعوا من الميتة بإهاب ول عصب) .وفي رواية :قبل موته بشهر .رواه القاسم بن
مخيمرة عن عبدال بن عكيم ،قال :حدثنا مشيخة لنا أن النبي صلى ال عليه وسلم كتب إليهم ..قال
داود بن علي :سألت يحيى بن معين عن هذا الحديث ،فضعفه وقال :ليس بشيء ،إنما يقول حدثني
الشياخ ،قال أبيو عمير :ولو كان ثابتيا لحتميل أن يكون مخالفيا للحادييث المرويية عين ابين عباس
وعائشية وسيلمة بين المحبيق وغيرهيم ،لنيه جائز أن يكون معنيى حدييث ابين عكييم (أل تنتفعوا مين
الميتية بإهاب) قبيل الدباغ؛ وإذا احتميل أل يكون مخالف ا فلييس لنيا أن نجعله مخالفيا ،وعلينيا أن
نستعمل الخبرين ما أمكن ،وحديث عبدال بن عكيم وإن كان قبل موت النبي صلى ال عليه وسلم
بشهر كما جاء في الخبر فيمكن أن تكون قصة ميمونة وسماع ابن عباس منه (أيما إهاب دبغ فقد
طهر) قبل موته بجمعة أو دون جمعة ،وال أعلم.
@ المشهور عندنيا أن جلد الخنزيير ل يدخيل فيي الحدييث ول يتناوله العموم ،وكذلك الكلب عنيد
الشافعيي .وعنيد الوزاعيي وأبيي ثور :ل يطهير بالدباغ إل جلد ميا يؤكيل لحميه .وروى معين بين
عيسى عن مالك أنه سئل عن جلد الخنزير إذا دبغ فكرهه .قال ابن وضاح :وسمعت سحنونا يقول
ل بأس بيه؛ وكذلك قال محميد بين عبدالحكيم وداود بين علي وأصيحابه؛ لقوله علييه السيلم( :أيميا
مسك دبغ فقد طهر) .قال أبو عمر :يحتمل أن يكون أراد بهذا القول عموم الجلود المعهود النتفاع
بهيا ،فأميا الخنزيير فلم يدخيل فيي المعنيى لنيه غيير معهود النتفاع بجلده ،إذ ل تعميل فييه الذكاة.
ودليل آخر وهو ما قاله النضر بن شميل :إن الهاب جلد البقر والغنم والبل ،وما عداه فإنما يقال
له :جلد ل إهاب.
قلت :وجلد الكلب وميا ل يؤكيل لحميه أيضيا غيير معهود النتفاع بيه فل يطهير؛ وقيد قال صيلى
ال علييه وسيلم( :أكيل كيل ذي ناب مين السيباع حرام) فليسيت الذكاة فيهيا ذكاة ،كميا أنهيا ليسيت فيي
الخنزيير ذكاة .وروى النسيائي عين المقدام بين معيد يكرب قال( :نهيى رسيول ال صيلى ال علييه
وسلم عن الحرير والذهب ومياثر النمور )
@ اختلف الفقهاء في الدباغ التي تطهر به جلود الميتة ما هو؟ فقال أصحاب مالك وهو المشهور
مين مذهبيه :كيل شييء دبيغ الجلد مين ملح أو قرظ أو شيب أو غيير ذلك فقيد جاز النتفاع بيه .وكذلك
قال أبو حنيفة وأصحابه ،وهو قول داود .وللشافعي في هذه المسألة قولن :أحدهما :هذا ،والخر
أنيه ل يطهير إل الشيب والقرظ؛ لنيه الدباغ المعهود على عهيد النيبي صيلى ال علييه وسيلم ،وعلييه
خرج الخطابي -وال أعلم -ما رواه النسائي عن ميمونة زوج النبي صلى ال عليه وسلم أنه مر
برسول ال صلى ال عليه وسلم رجال من قريش يجرون شاة لهم مثل الحصان؛ فقال لهم رسول
ال صلى ال عليه وسلم( :لو أخذتم إهابها) قالوا .إنها ميتة ،فقال رسول ال صلى ال عليه وسلم:
(يطهرها الماء والقرظ).
@قوله تعالى" :أثاثيا" الثاث متاع البييت ،واحدهيا أثاثية؛ هذا قول أبيي زييد النصياري .وقال
الموي :الثاث متاع البيت ،وجمعه آثة وأثث .وقال غيرهما :الثاث جميع أنواع المال ول واحد
له مين لفظيه .وقال الخلييل :أصيله مين الكثرة واجتماع بعيض المتاع إلى بعيض حتيى يكثير؛ ومنيه
شعر أثيث أي كثير .وأث شعر فلن يأث أثا إذا كثر والتف؛ قال امرؤ القيس:
أثيث كقنو النخلة المتعثكل وفرع يزين المتن أسود فاحم
وقيل :الثاث ما يلبس ويفترش .وقد تأثثت إذا اتخذت أثاثا .وعن ابن عباس رضي ال عنه "أثاثا"
مال .وقد تقدم القول في الحين؛ وهو هنا وقت غير معين بحسب كل إنسان ،إما بموته وإما بفقد
تلك الشياء التي هي أثاث .ومن هذه اللفظة قول الشاعر:
بذي الزي الجميل من الثاث أهاجتك الظعائن يوم بانوا
**3الية{ 81 :وال جعل لكم مما خلق ظلل وجعل لكم من الجبال أكنانا وجعل لكم سرابيل
تقيكم الحر وسرابيل تقيكم بأسكم كذلك يتم نعمته عليكم لعلكم تسلمون}
@قوله تعالى" :وال جعيل لكيم مميا خلق ظلل" الظلل :كل ميا يسيتظل به من البيوت والشجير.
وقوله "مميا خلق" يعيم جمييع الشخاص المظلة" .أكنانيا" الكنان :جميح كين ،وهيو الحافيظ مين
المطيير والريييح وغييير ذلك؛ وهييي هنييا الغيران فييي الجبال ،جعلهييا ال عدة للخلق يأوون إليهييا
ويتحصنون به أو يعتزلون عن الخلق فيها .وفي الصحيح أنه عليه السلم كان في أول أمره يتعبد
بغار حراء ويمكيث فييه الليالي ..الحدييث ،وفيي صيحيح البخاري قال :خرج رسيول ال صيلى ال
علييه وسيلم مين مكية مهاجرا هاربيا مين قوميه فارا بدينيه ميع صياحبه أبيي بكير حتيى لحقيا بغار فيي
جبيل ثور ،فمكنيا فييه ثلث ليال ييبيت عندهميا فييه عبدال بين أبيي بكير وهيو غلم شاب ثقيف لقين
فيدلج مين عندهميا بسيحر فيصيبح ميع قرييش بمكية كبائت فل يسيمع أمرا يكادان بيه إل وعاه حتيى
يأتيهميا بخيبر ذلك حيين يختلط الظلم ،ويرعيى عليهميا عامير بين فهيرة مولى أبيي بكير منحية مين
غنم فيريحها عليهما حتى تذهب ساعة من العشاء فيبيتان في رسل ،وهو لبن منحتهما ورضيفهما
حتيى ينعيق بهميا عامير بين فهيرة بغلس ،يفعيل ذلك فيي كيل ليلة مين تلك الليالي الثلث ...وذكير
الحديث .انفراد بإخراجه البخاري.
@قوله تعالى" :وجعيل لكم سيرابيل تقيكيم الحير" يعنيي القمص ،واحدهيا سيربال" .وسرابيل تقيكيم
بأسكم" يعني الدروع التي تقي الناس في الحرب؛ ومنه قول كعب بن زهير:
من نسج داود في الهيجا سرابيل شم العرانين أبطال لبوسهم
@ إن قال قائل :كييف قال "وجعيل لكيم مين الجبال أكنانيا" ولم يذكير السيهل ،فالجواب أن القوم
كانوا أصحاب جبال ولم يكونوا أصحاب سهل ،وأيضا :فذكر أحدهما يدال على الخر؛ ومنه قول
الشاعر:
أريد الخير أيهما يليني وما أدري إذا يممت أرضا
أم الشر الذي هو يبتغيني أألخير الذي أنا أبتغيه
@ قال العلماء :فيي قوله تعالى" :وسيرابيل تقيكيم بأسيكم" دلييل على اتخاذ العباد عدة الجهاد
ليسيتعينوا بهيا على قتال العداء ،وقيد لبسيها النيبي صيلى ال علييه وسيلم تقاة الجراحية وإن كان
يطلب الشهادة ،ولييس للعبيد أن يطلبهيا بأن يسيتسلم للحتوف وللطعين بالسينان وللضرب بالسييوف،
ولكنيه يلبيس لمية حرب لتكون له قوة على قتال عدوه ،ويقاتيل لتكون كلمية ال هيي العلييا ،ويفعيل
ال بعد ما يشاء.
@قوله تعالى" :كذلك يتيم نعمتيه عليكيم لعلكيم تسيلمون" قرأ ابين محيصين وحمييد "تتيم" بتاءيين،
"نعمته" رفعا على أنها الفاعل .الباقون "يتم" بضم الياء على أن ال هو يتمها .و"تسلمون" قراءة
ابن عباس وعكرمة "تسلمون" بفتح التاء واللم ،أي تسلمون من الجراح ،وإسناده ضعيف؛ رواه
عباد بيين العوام عيين حنظلة عيين شهيير عيين ابيين عباس .الباقون بضييم التاء ،ومعناه تسييتسلمون
وتنقادون إلى معرفية ال وطاعتيه شكرا على نعميه .قال أبيو عبييد :والختيار قراءة العامية؛ لن ميا
أنعم ال به علينا من السلم أفضل مما أنعم به من السلمة من الجراح.
**3الية{ 82 :فإن تولوا فإنما عليك البلغ المبين}
@قوله تعالى" :فإن تولوا" أي أعرضوا عين النظير والسيتدلل واليمان" .فإنميا علييك البلغ"
أي ليس عليك إل التبليغ ،وأما الهداية فإلينا.
**3الية{ 83 :يعرفون نعمة ال ثم ينكرونها وأكثرهم الكافرون}
@قوله تعالى" :يعرفون نعمية ال" قال السيدي :يعنيي محمدا صيلى ال علييه وسيلم ،أي يعرفون
نبوته "ثم ينكرونها" ويكذبونه .وقال مجاهد :يريد ما عدد ال عليهم في هذه السورة من النعم؛ أي
يعرفون أنهيا مين عنيد ال وينكرونهيا بقولهيم إنهيم ورثوا ذلك عين آبائهيم .وبمثله قال قتادة .وقال
عون بيين عبدال :هييو قول الرجييل لول فلن لكان كذا ،ولول فلن مييا أصييبت كذا ،وهييم يعرفون
النفيع والضير مين عنيد ال .وقال الكلبيي :هيو أن رسيول ال صيلى ال علييه وسيلم لميا عرفهيم بهذه
النعيم كلهيا عرفوهيا وقالوا :نعم ،هي كلهيا نعيم من ال ،ولكنهيا بشفاعة آلهتنيا .وقيل :يعرفون نعمية
ال بتقلبهم فيها ،وينكرونها بترك الشكر عليها .ويحتمل سادسا :يعرفونها في الشدة وينكرونها في
الرخاء .ويحتميل سيابعا :يعرفونهيا بأقوالهيم وينكرونهيا بأفعالهيم .ويحتميل ثامنيا :يعرفونهيا بقلوبهيم
ويجحدونهييا بألسيينتهم؛ نظيرهييا "وجحدوا بهييا واسييتيقنتها أنفسييهم" [النمييل" ]14 :وأكثرهييم
الكافرون" يعني جميعهم؛ حسبما تقدم.
**3الية{ 84 :ويوم نبعث من كل أمة شهيدا ثم ل يؤذن للذين كفروا ول هم يستعتبون}
@قوله تعالى" :ويوم نبعيث مين كيل أمية شهيدا" نظيره" :فكييف إذا جئنيا مين كيل أمية بشهييد"
[النساء ]41 :وقد تقدم" .ثم ل يؤذن للذين كفروا" أي فيي العتذار والكلم؛ كقوله" :ول يؤذن
لهيم فيعتذرون" [المرسيلت .]36 :وذلك حيين تطبيق عليهيم جهنيم ،كميا تقدم فيي أول "الحجير"
ويأتي.
@قوله تعالى" :ول هم يستعتبون" يعني يسترضون ،أي ل يكلفون أن يرضوا ربهم؛ لن الخرة
ليسييت بدار تكليييف ،ول يتركون إلى رجوع الدنيييا فيتوبون .وأصييل الكلميية ميين العتييب وهييي
الموجدة؛ يقال :عتب عليه يعتب إذا وجد عليه ،فإذا فاوضه ما عتب عليه فيه قيل عاتبه ،فإذا رجع
إلى مسيرتك فقيد أعتيب ،والسيم العتيبى وهيو رجوع المعتوب علييه إلى ميا يرضيي العاتيب؛ قال
الهروي .وقال النابغة:
وإن كنت ذا عتبى فمثلك ُي ْعتِب فإن كنت مظلوما فعبدا ظلمته
**3الية{ 85 :وإذا رأى الذين ظلموا العذاب فل يخفف عنهم ول هم ينظرون}
@قوله تعالى" :وإذا رأى الذيين ظلموا" أي أشركوا" .العذاب" أي عذاب جهنيم بالدخول فيهيا.
"فل يخفف عنهم ول هم ينظرون" أي ل يمهلون؛ إذ ل توبة لهم ثم.
**3اليتان{ 87 - 86 :وإذا رأى الذين أشركوا شركاءهم قالوا ربنا هؤلء شركاؤنا الذين كنا
ندعوا مين دونيك فألقوا إليهيم القول إنكيم لكاذبون ،وألقوا إلى ال يومئذ السيلم وضيل عنهيم ميا كانوا
يفترون}
@قوله تعالى" :وإذا رأى الذين أشركوا شركاءهم" أي أصنامهم وأوثانهم التي عبدوها وذلك أن
ال يبعث معبوديهم فيتبعونهم حتى يوردوهم النار .وفي صحيح مسلم( :من كان يعبد شيئا فليتبعه
فيتبع من كان يعبد الشمس الشمس ويتبع من كان يعبد القمر القمر ويتبع من كان يعبد الطواغيت
الطواغييت )...الحدييث ،خرجيه مين حدييث أنيس ،والترمذي مين حدييث أبيي هريرة ،وفييه( :فيمثيل
لصياحب الصيليب صيليبه ولصياحب التصياوير تصياويره ولصياحب النار ناره فيتبعون ميا كانوا
يعبدون )...وذكيير الحديييث" .قالوا ربنييا هؤلء شركاؤنييا الذييين كنييا ندعييو ميين دونييك" أي الذييين
جعلناهييم لك شركاء" .فألقوا إليهييم القول إنكييم لكاذبون" أي ألقييت إليهييم اللهيية القول ،أي نطقييت
بتكذيب من عبدها بأنها لم تكن آلهة ،ول أمرتهم بعبادتها ،فيُنطق ال الصنام حتى تظهر عند ذلك
فضيحيية الكفار .وقيييل :المراد بذلك الملئكيية الذييين عبدوهييم" .وألقوا إلى ال يومئذ السييلم" يعنييي
المشركيين ،أي اسيتسلموا لعذابيه وخضعوا لعزه .وقييل :اسيتسلم العابيد والمعبود وانقادوا لحكميه
فيهيم" .وضيل عنهيم ميا كانوا يفترون" أي زال عنهيم ميا زيين لهيم الشيطان وميا كانوا يؤملون مين
شفاعة آلهتهم.
**3الييية{ 88 :الذييين كفروا وصييدوا عيين سييبيل ال زدناهييم عذابييا فوق العذاب بمييا كانوا
يفسدون}
@قوله تعالى" :الذين كفروا وصدوا عن سبيل ال زدناهم عذابا فوق العذاب" قال ابن مسعود:
عقارب أنيابهيا كالنخيل الطوال ،وحيات مثيل أعناق البيل ،وأفاعيي كأنهيا البخاتيي تضربهيم ،فتلك
الزيادة وقييل :المعنيى يخرجون مين النار إلى الزمهريير فيبادرون مين شدة برده إلى النار .وقييل:
المعنى زدنا القادة عذابا فوق السفلة ،فأحد العذابين على كفرهم والعذاب الخر على صدهم" .بما
كانوا يفسدون" في الدنيا من الكفر والمعصية.
**3اليية{ 89 :ويوم نبعيث فيي كيل أمية شهيدا عليهيم مين أنفسيهم وجئنيا بيك شهيدا على هؤلء
ونزلنا عليك الكتاب تبيانا لكل شيء وهدى ورحمة وبشرى للمسلمين}
@قوله تعالى" :ويوم نبعث في كل أمة شهيدا عليهم من أنفسهم" وهم النبياء شهداء على أممهم
يوم القيامية بأنهيم قيد بلغوا الرسيالة ودعوهيم إلى اليمان ،فيي كيل زمان شهييد وإن لم يكين نبييا؛
وفيهم قولن :أحدهما :أنهم أئمة الهدى الذين هم خلفاء النبياء .الثاني :أنهم العلماء الذين حفظ ال
بهم شرائع أنبيائه.
قلت :فعلى هذا لم تكن فترة إل وفيها من يوحد ال؛ كقس بن ساعدة ،وزيد بن عمرو بن نفيل
الذي قال فييه النيبي صيلى ال علييه وسيلم( :يبعيث أمية وحده) ،وسيَطيح ،وورقية بين نوفيل الذي قال
فيه النبي صلى ال عليه وسلم( :رأيته ينغمس في أنهار الجنة) .فهؤلء ومن كان مثلهم حجة على
أهييل زمانهييم وشهيييد عليهييم .وال أعلم .وقوله " :وجئنييا بييك شهيدا على هؤلء" تقدم فييي "البقرة
و"النساء".
@قوله تعالى" :ونزلنيا علييك الكتاب تبيانيا لكيل شييء" نظيره" :ميا فرطنيا فيي الكتاب مين شييء"
[النعام ]38 :وقد تقدم .وقال مجاهد :تبيانا للحلل والحرام.
**3اليية{ 90 :إن ال يأمير بالعدل والحسيان وإيتاء ذي القربيى وينهيى عين الفحشاء والمنكير
والبغي يعظكم لعلكم تذكرون}
@قوله تعالى" :إن ال يأمر بالعدل والحسان" روي عن عثمان بن مظعون أنه قال :لما نزلت
هذه الية قرأتها على علي بن أبي طالب رضي ال عنه فتعجب فقال :يا آل غالب ،اتبعوه تفلحوا،
فوال إن ال أرسله ليأمركيم بمكارم الخلق .وفي حديث -إن أبا طالب لما قيل له :إن ابن أخيك
زعيم أن ال أنزل علييه "إن ال يأمير بالعدل والحسيان" اليية ،قال :اتبعوا ابين أخيي ،فوال إنيه ل
يأمير إل بمحاسين الخلق .وقال عكرمية :قرأ النيبي صيلى ال علييه وسيلم على الولييد بين المغيرة
"إن ال يأمر بالعدل والحسان" إلى آخرها ،فقال :يا ابن أخي أعد ،فأعاد عليه فقال :وال إن له
لحلوة ،وإن عليه لطلوة ،وإن أصله لمورق ،وأعله لمثمر ،وما هو بقول بشر ،وذكر الغزنوي
أن عثمان بين مظعون هيو القارئ .قال عثمان :ميا أسيلمت ابتداء إل حياء مين رسيول ال صيلى ال
عليه وسلم حتى نزلت هذه الية وأنا عنده فاستقر اليمان في قلبي ،فقرأتها على الوليد بن المغيرة
فقال :يا ابن أخي أعد فأعدت فقال :وال إن له لحلوة ...وذكر تمام الخبر .وقال ابن مسعود :هذه
أجميع آيية فيي القرآن لخيير يمتثيل ،ولشير يجتنيب .وحكيى النقاش قال :يقال زكاة العدل الحسيان،
وزكاة القدرة العفو ،وزكاة الغنى المعروف ،وزكاة الجاه كتب الرجل إلى إخوانه.
@ اختلف العلماء فيي تأوييل العدل والحسيان؛ فقال ابين عباس :العدل ل إله إل ال ،والحسيان
أداء الفرائض .وقيييل :العدل الفرض ،والحسييان النافلة .وقال سييفيان بيين عيينيية :العدل هييا هنييا
اسيتواء السيريرة ،والحسيان أن تكون السيريرة أفضيل مين العلنيية .علي بين أبيي طالب :العدل
النصاف ،والحسان التفضل .قال ابن عطية :العدل هو كل مفروض ،من عقائد وشرائع في أداء
المانات ،وترك الظلم والنصيياف ،وإعطاء الحييق .والحسييان هييو فعييل كييل مندوب إليييه؛ فميين
الشياء ميا هيو كله مندوب إلييه ،ومنهيا ميا هيو فرض ،إل أن حيد الجزاء منيه داخيل فيي العدل،
والتكميييل الزائد على الجزاء داخييل فييي الحسييان .وأمييا قول ابيين عباس ففيييه نظيير؛ لن أداء
الفرائض هي السلم حسبما فسره رسول ال صلى ال عليه وسلم في حديث سؤال جبريل ،وذلك
هيو العدل ،وإنميا الحسيان التكميلت والمندوب إلييه حسيبما يقتضييه تفسيير النيبي صيلى ال علييه
وسلم في حديث سؤال جبريل بقوله( :أن تعبد ال كأنك تراه فإن لم تكن تراه فإنه يراك) .فإن صح
هذا عن ابن عباس فإنميا أراد الفرائض مكملة .وقال ابين العربيي :العدل بيين العبيد وبين ربيه إيثار
حقه تعالى على حظ نفسه ،وتقديم رضاه على هواه ،والجتناب للزواجر والمتثال للوامر .وأما
العدل بينييه وبييين نفسييه فمنعهييا ممييا فيييه هلكهييا؛ قال ال تعالى" :ونهييى النفييس عيين الهوى"
[النازعات ]40 :وعزوب الطماع عن التباع ،ولزوم القناعة في كل حال ومعنى .وأما العدل
بينه وبين الخلق فبذل النصيحة ،وترك الخيانة فيما قل وكثر ،والنصاف من نفسك لهم بكل وجه،
ول يكون منك إساءة إلى أحد بقول ول فعل ل في سر ول في علن ،والصبر على ما يصيبك منهم
من البلوى ،وأقل ذلك النصاف وترك الذى.
قلت :هذا التفصييل فيي العدل حسين وعدل ،وأميا الحسيان فقيد قال علماؤنيا :الحسيان مصيدر
أحسين يحسين إحسيانا .ويقال على معنييين :أحدهميا متعيد بنفسيه؛ كقولك :أحسينت كذا ،أي حسينته
وكلمتيه ،وهيو منقول بالهمزة مين حسين الشييء .وثانيهميا متعيد بحرف جير؛ كقولك :أحسينت إلى
فلن ،أي أوصلت إليه ما ينتفع به.
قلت :وهيو فيي هذه اليية مراد بالمعنييين معيا؛ فإنيه تعالى يحيب مين خلقيه إحسيان بعضهيم إلى
بعيض ،حتيى أن الطائر فيي سيجنك والسينور فيي دارك ل ينبغيي أن تقصير تعهده بإحسيانك؛ وهيو
تعالى غني عن إحسانهم ،ومنه الحسان والنعم والفضل والمنن .وهو في حديث جبريل بالمعنى
الول ل بالثاني؛ فإن المعنى الول راجع إلى إتقان العبادة ومراعاتها بأدائها المصححة والمكملة،
ومراقبة الحق فيها واستحضار عظمته وجلله حالة الشروع وحالة الستمرار .وهو المراد بقوله
(أن تعبد ال كأنك تراه فإن لم تكن تراه فإنه يراك) .وأرباب القلوب في هذه المراقبة على حالين:
أحدهما غالب عليه مشاهدة الحق فكأنه يراه .ولعل النبي صلى ال عليه وسلم أشار إلى هذه الحالة
بقوله( :وجعلت قرة عينييي فييي الصييلة) .وثانيهمييا :ل تنتهييي إلى هذا ،لكين يغلب عليييه أن الحييق
سييبحانه مطلع عليييه ومشاهييد له ،وإليييه الشارة بقوله تعالى" :الذي يراك حييين تقوم .وتقلبييك فييي
السياجدين" [الشعراء ]219 - 218 :وقوله" :إل كنيا عليكيم شهودا إذ تفيضون فييه" [يونيس:
.]61
@قوله تعالى" :وإيتاء ذي القربيى" أي القرابية؛ يقول :يعطيهيم المال كميا قال "وآت ذا القربيى
حقيه" [السيراء ]26 :يعنيي صيلته .وهذا مين باب عطيف المندوب على الواجيب ،وبيه اسيتدل
الشافعيي فيي إيجاب إيتاء المكاتيب ،على ميا يأتيي بيانيه .وإنميا خيص ذا القربيى لن حقوقهيم أوكيد
وصلتهم أوجب؛ لتأكيد حق الرحم التي اشتق ال اسمها من اسمه ،وجعل صلتها من صلته ،فقال
في الصحيح( :أما ترضين أن أصل من وصلك وأقطع من قطعك) .ول سيما إذا كانوا فقراء.
@قوله تعالى" :وينهى عن الفحشاء والمنكر والبغي" الفحشاء :الفحش ،وهو كل قبيح من قول أو
فعيل .ابين عباس :هيو الزنيى .والمنكير :ميا أنكره الشرع بالنهيي عنيه ،وهيو يعيم جمييع المعاصيي
والرذائل والدناءات على اختلف أنواعهييا .وقيييل هيو الشرك .والبغييي :هييو الكييبر والظلم والحقييد
والتعدي؛ وحقيقته تجاوز الحد ،وهو داخل تحت المنكر ،لكنه تعالى خصه بالذكر اهتماما به لشدة
ضرره .وفي الحديث عن النبي صلى ال عليه وسلم (ل ذنب أسرع عقوبة من بغ يٍ) .وقال عليه
السيلم( :الباغيي مصيروع) .وقيد وعيد ال مين بُغيي علييه بالنصير .وفيي بعيض الكتيب المنزلة :لو
بغى جبل على جبل لجعل الباغي منهما دكا..
@ ترجم المام أبو عبدال بن إسماعيل البخاري في صحيحه فقال( :باب قول ال تعالى" :إن ال
يأميير بالعدل والحسييان وإيتاء ذي القربييى وينهييى عيين الفحشاء والمنكيير والبغييي يعظكييم لعلكييم
تذكرون" وقوله" :إنميا بغيكيم على أنفسيكم" [يونيس" ،]23 :ثيم بغيي علييه لينصيرنه ال" ،وترك
إثارة الشير على مسيلم أو كافير) ثيم ذكير حدييث عائشية فيي سيحر لبييد بين العصيم النيبي صيلى ال
علييه وسيلم .قال ابين بطال :فتأول رضيي ال عنيه مين هذه اليات ترك إثارة الشير على مسيلم أو
كافر؛ كما دل عليه حديث عائشة حيث قال عليه السلم( :أما ال فقد شفاني وأما أنا فأكره أن أثير
على الناس شرا) .ووجيييه ذلك -وال أعلم -أنيييه تأول فيييي قول ال تعالى" :إن ال يأمييير بالعدل
والحسيان" الندب بالحسيان إلى المسييء وترك معاقبتيه على إسياءته .فإن قييل :كييف يصيح هذا
التأويييل فييي آيات البغييي .قيييل :وجييه ذلك -وال أعلم -أنييه لمييا أعلم ال عباده بأن ضرر البغييي
ينصيرف على الباغيي بقوله" :إنميا بغيكيم على أنفسيكم" وضمين تعالى نصيرة مين بغيي علييه ،كان
الولى بمين بغيي علييه شكير ال على ميا ضمين مين نصيره ومقابلة ذلك بالعفيو عمين بغيى علييه؛
وكذلك فعل النبي صلى ال عليه وسلم باليهودي الذي سحره ،وقد كان له النتقام منه بقوله" :وإن
عاقبتيم فعاقبوا بمثيل ميا عوقبتيم بيه" [النحيل .]126 :ولكين آثير الصيفح أخذا بقوله" :ولمين صيبر
وغفر إن ذلك لمن عزم المور" [الشورى.]43 :
@ تضمنيت هذه اليية المير بالمعروف والنهيي عن المنكير .روي أن جماعية رفعيت عاملهيا إلى
أبي جعفر المنصور العباسي ،فحاجها العامل وغلبها؛ بأنهم لم يثبتوا عليه كبير ظلم ول جوره في
شييء؛ فقام فتيى مين القوم فقال :ييا أميير المؤمنيين ،إن ال يأمير بالعدل والحسيان ،وإنيه عدل ولم
يحسن .قال :فعجب أبو جعفر من إصابته وعزل العامل.
**3اليية{ 91 :وأوفوا بعهيد ال إذا عاهدتيم ول تنقضوا اليمان بعيد توكيدهيا وقيد جعلتيم ال
عليكم كفيل إن ال يعلم ما تفعلون}
@قوله تعالى" :وأوفوا بعهيد ال" لفيظ عام لجمييع ميا يعقيد باللسيان ويلتزميه النسيان بالعدل
والحسيان لن المعنيى فيهيا :افعلوا كذا ،وانتهوا عين كذا؛ فعطيف على ذلك التقديير .وقيد قييل :إنهيا
نزلت فيي بيعية النيبي صيلى ال علييه وسيلم على السيلم .وقييل :نزلت فيي التزام الحلف الذي كان
في الجاهلية وجاء السلم بالوفاء؛ قاله قتادة ومجاهد وابن زيد .والعموم يتناول كل ذلك كما بيناه.
روى الصحيح عن جبير بن مطعم قال قال رسول ال صلى ال عليه وسلم( :ل حلف في السلم
وأيما حلف كان في الجاهلية لم يزده السلم إل شدة) يعني في نصرة الحق والقيام به والمواساة.
وهذا كنحو حلف الفضول الذي ذكره ابن إسحاق قال :اجتمعت قبائل من قريش في دار عبدال بن
جدعان لشرفييه ونسييبه ،فتعاقدوا وتعاهدوا على أل يجدوا بمكيية مظلومييا ميين أهلهييا أو غيرهييم إل
قاموا معيه حتيى ترد علييه مظلمتيه؛ فسيمت قرييش ذلك الحلف حلف الفضول ،أي حلف الفضائل.
والفضول هنيا جميع فضيل للكثرة كفلس وفلوس .روى ابين إسيحاق عين ابين شهاب قال قال رسيول
ال صلى ال عليه وسلم( :لقد شهدت في دار عبدال بن جدعان حلفا ما أحب أن لي به حمر النعم
لو أدعى به في السلم لجبت) .وقال ابن إسحاق :تحامل الوليد بن عتبة على حسين بن علي في
مال له ،لسيلطان الولييد فإنيه كان أميرا على المدينية؛ فقال له حسيين بين علي :احلف بال لتنصيفني
من حقي أو لخذن سيفي ثم لقومن في مسجد رسول ال صلى ال عليه وسلم ثم لدعون بحلف
الفضول .قال عبدال بين الزبيير :وأنيا أحلف وال لئن دعانيا لخذن سييفي ثيم لقومين معيه حتيى
ينتصيف من حقيه أو نموت جميعيا .وبلغيت المسيور بين مخرمية فقال مثيل ذلك .وبلغيت عبدالرحمين
بين عثمان بين عيبيدال التيميي فقال مثيل ذلك .فلميا بلغ ذلك الولييد أنصيفه .قال العلماء :فهذا الحلف
الذي كان فيي الجاهليية هيو الذي شده السيلم وخصيه النيبي علييه الصيلة والسيلم مين عموم قوله:
(ل حلف فيي السيلم) .والحكمية فيي ذلك أن الشرع جاء بالنتصيار مين الظالم وأخيذ الحيق منيه
وإيصاله إلى المظلوم ،وأوجب ذلك بأصل الشريعة إيجابا عاما على من قدر من المكلفين ،وجعل
لهم السبيل على الظالمين فقال تعالى" :إنما السبيل على الذين يظلمون الناس ويبغون في الرض
بغير الحق أولئك لهم عذاب أليم"[الشورى .]42 :وفي الصحيح( :انصر أخاك ظالما أو مظلوما)
قالوا :ييا رسيول ال ،هذا ننصيره مظلوميا فكييف ننصيره ظالميا؟ قال( :تأخيذ على يدييه :فيي روايية:
تمنعه من الظلم فإن ذلك نصره) .وقد تقدم قوله عليه السلم( :إن الناس إذا رأوا الظالم ولم يأخذوا
على يديه أوشك أن يعمهم ال بعقاب من عنده).
@قوله تعالى" :ول تنقضوا اليمان بعيد توكيدهيا" يقول بعيد تشديدهيا وتغليظهيا؛ يقال :توكييد
وتأكيد ،ووكد وأكد ،وهما لغتان.
@قوله تعالى" :وقد جعلتم ال عليكم كفيل" يعني شهيدا .ويقال حافظا ،ويقال ضامنا .وإنما قال
"بعيد توكيدها" فرقا بين اليمين المؤكدة بالعزم وبين لغو اليمين وقال ابن وهب وابن القاسيم عن
مالك التوكيد هو حلف النسان في الشيء الواحد مرارا ،يردد فيه اليمان ثلثا أو أكثر من ذلك؛
كقوله :وال ل أنقصيه مين كذا ،وال ل أنقصيه مين كذا ،وال ل أنقصيه مين كذا .قال :فكفارة ذلك
واحدة مثيل كفارة اليميين .وقال يحييى بين سيعيد :هيي العهود ،والعهيد يميين ،ولكين الفرق بينهميا أن
العهد ل يكفر .قال النبي صلى ال عليه وسلم( :ينصب لكل غادر لواء يوم القيامة عند استه بقدر
غدرتيه يقال هذه غدرة فلن) .وأميا اليميين بال فقيد شرع ال سيبحانه فيهيا الكفارة بخصيلة واحدة،
وحيل ميا انعقدت علييه اليميين .وقال ابين عمير :التوكييد هيو أن يحلف مرتيين ،فإن حلف واحدة فل
كفارة فيه .وقد تقدم.
**3الية{ 92 :ول تكونوا كالتي نقضت غزلها من بعد قوة أنكاثا تتخذون أيمانكم دخل بينكيم
أن تكون أمة هي أربى من أمة إنما يبلوكم ال به وليبينن لكم يوم القيامة ما كنتم فيه تختلفون}
@قوله تعالى" :ول تكونوا كالتي نقضت غزلها من بعد قوة أنكاثا" النقض والنكث واحد ،والسم
النكيث والنقيض ،والجميع النكاث .فشبهيت هذه اليية الذي يحلف ويعاهيد وييبرم عهده ثيم ينقضيه
بالمرأة تغزل غزلها وتفتله محكما ثم تحله .ويروى أن امرأة حمقاء كانت بمكة تسمى ريطة بنت
عمرو بين كعيب بين سيعد بين تييم بين مرة كانيت تفعيل ذلك ،فبهيا وقيع التشيبيه؛ قال الفراء ،وحكاه
عبدال بين كثيير والسيدي ولم يسيميا المرأة ،وقال مجاهيد وقتادة :وذلك ضرب مثيل ،ل على امرأة
معينية .و"أنكاثا" نصيب على الحال .والدخل :الدغيل والخديعة والغش .قال أبو عبيدة :كيل أمر لم
يكين صيحيحا فهيو دخيل" .أن تكون أمية هيي أربيى مين أمية" قال المفسيرون :نزلت هذه اليية فيي
العرب الذيين كانيت القيبيلة منهيم إذ حالفيت أخرى ،ثيم جاءت إحداهميا قيبيلة كثيرة قويية فداخلتهيا
غدرت الولى ونقضيييت عهدهيييا ورجعيييت إلى هذه الكيييبرى -قاله مجاهيييد -فقال ال تعالى :ل
تنقضوا العهود من أجل أن طائفة أكثر من طائفة أخرى أو أكثر أموال فتنقضون أيمانكم إذا رأيتم
الكثرة والسيعة فيي الدنييا لعدائكيم المشركيين .والمقصيود النهيي عين العود إلى الكفير بسيبب كثرة
الكفار وكثرة أموالهم .وقال الفراء :المعنى ل تغدروا بقوم لقلتهم وكثرتكم أو لقلتكم وكثرتهم ،وقد
عززتموهم باليمان" .أربى" أي أكثر؛ من ربا الشيء يربو إذا كثر .والضمير في (به) يحتمل أن
يعود على الوفاء الذي أمييير ال بيييه .ويحتميييل أن يعود على الرباء؛ أي أن ال تعالى ابتلى عباده
بالتحاسد وطلب بعضهم الظهور على بعض ،واختبرهم بذلك من يجاهد نفسه فيخالفها ممن يتبعها
ويعميل بمقتضيى هواهيا؛ وهيو معنيى قوله" :إنميا يبلوكيم ال بيه ولييبينن لكيم يوم القيامية ميا كنتيم فييه
تختلفون" من البعث وغيره.
**3الية{ 93 :ولو شاء ال لجعلكم أمة واحدة ولكن يضل من يشاء ويهدي من يشاء ولتسألن
عما كنتم تعملون}
@قوله تعالى" :ولو شاء ال لجعلكيم أمية واحدة" أي على ملة واحدة" .ولكين يضيل مين يشاء"
بخذلنه إياهم؛ عدل منه فيهم" .ويهدي من يشاء" بتوفيقه إياهم؛ فضل منه عليهم ،ول يسأل عما
يفعيل بيل تسيألون أنتيم .واليية ترد على أهيل القدر كميا تقدم .واللم فيي "ولييبينن ،ولتسيئلن" ميع
النون المشددة يدلن على قسم مضمر ،أي وال ليبينن لكم ولتسئلن.
**3الية{ 94 :ول تتخذوا أيمانكم دخل بينكم فتزل قدم بعد ثبوتها وتذوقوا السوء بما صددتم
عن سبيل ال ولكم عذاب عظيم}
@قوله تعالى" :ول تتخذوا أيمانكيم دخل بينكيم" كرر ذلك تأكيدا" .فتزل قدم بعيد ثبوتها" مبالغية
في النهي عنه لعظم موقعه في الدين وتردده في معاشرات الناس؛ أي ل تعقدوا اليمان بالنطواء
على الخديعيية والفسيياد فتزل قدم بعييد ثبوتهييا ،أي عيين اليمان بعييد المعرفيية بال .وهذه اسييتعارة
للمسيتقيم الحال يقيع فيي شير عظييم ويسيقط فييه؛ لن القدم إذا زلت نقلت النسيان مين حال خيير إلى
حال شر؛ ومن هذا المعنى قول كثير:
فلما توافينا ثبت وزلت
والعرب تقول لكل مبتلى بعد عافية أو ساقط في ورطة :زلت قدمه؛ كقول الشاعر:
وتقتل إن زلت بك القدمان سيمنع منك السبق إن كنت سابقا
ويقال لمن أخطأ في شيء :زل فيه .ثم توعد تعالى بعدُ بعذاب في الدنيا وعذاب عظيم في الخرة.
وهذا الوعييد إنميا هيو فيمين نقيض عهيد رسيول ال صيلى ال علييه وسيلم؛ فإن مين عاهده ثيم نقيض
عهده خرج من اليمان ،ولهذا قال" :وتذوقوا السوء بما صددتم عن سبيل ال" أي بصدكم .وذوق
السوء في الدنيا هو ما يحل بهم من المكروه.
**3اليتان{ 96 - 95 :ول تشتروا بعهيد ال ثمنيا قليل إنميا عنيد ال هيو خيير لكيم إن كنتيم
تعلمون ،ما عندكم ينفد وما عند ال باق ولنجزين الذين صبروا أجرهم بأحسن ما كانوا يعملون}
@قوله تعالى" :ول تشتروا بعهد ال ثمنا قليل" نهى عن الرُشا وأخذ الموال على نقض العهد؛
أي ل تنقضوا عهودكم لعرض قليل من الدنيا .وإنما كان قليل وإن كثر لنه مما يزول ،فهو على
التحقييق قلييل ،وهيو المراد بقوله" :ميا عندكيم ينفيد وميا عنيد ال باق" فيبين الفرق بيين حال الدنييا
وحال الخرة بأن هذه تنفد وتحول ،وما عند ال من مواهب فضله ونعيم جنته ثابت ل يزول لمن
وفي بالعهد وثبت على العقد .ولقد أحسن من قال:
يوما وتبقى في غد آثامه المال ينفد حله وحرامه
حتى يطيب شرابه وطعامه ليس التقي بمتق للهه
آخر:
أليس مصير ذاك إلى انتقال هب الدنيا تساق إليك عفوا
أظلك ثم آذن بالزوال وما دنيال إل مثل فيء
@قوله تعالى" :ولنجزيين الذيين صيبروا" أي على السيلم والطاعات وعين المعاصيي" .أجرهيم
بأحسيين مييا كانوا يعملون" أي ميين الطاعات ،وجعلهييا أحسيين لن مييا عداهييا ميين الحسيين مباح،
والجزاء إنميا يكون على الطاعات مين حييث الوعيد مين ال .وقرأ عاصيم وابين كثيير "ولنجزيين"
بالنون على التعظييم .الباقون بالياء .وقييل :إن هذه اليية "ول تشتروا "...نزلت فيي امرئ القييس
بين عابيس الكندي وخصيمه ابين أسيوع ،اختصيما فيي أرض فأراد امرؤ القييس أن يحلف فلميا سيمع
هذه الية نكل وأقر له بحقه؛ وال أعلم.
**3اليية{ 97 :مين عميل صيالحا مين ذكير أو أنثيى وهيو مؤمين فلنحيينيه حياة طيبية ولنجزينهيم
أجرهم بأحسن ما كانوا يعملون}
@قوله تعالى" :من عمل صالحا من ذكر أو أنثى وهو مؤمن فلنحيينه حياة طيبة" شرط وجوابه.
وفييي الحياة الطيبيية خمسيية أقوال :الول :أنييه الرزق الحلل؛ قاله ابيين عباس وسييعيد بيين جييبير
وعطاء والضحاك .الثانيي :القناعية؛ قاله الحسين البصيري وزييد بين وهيب ووهيب بين منبيه ،ورواه
الحكيم عين عكرمية عين ابين عباس ،وهيو قول علي بين أبيي طالب رضيي ال عنيه .الثالث :توفيقيه
إلى الطاعات فإنها تؤديه إلى رضوان ال؛ قال معناه الضحاك .وقال أيضا :من عمل صالحا وهو
مؤمن في فاقة وميسرة فحياته طيبة ،ومن أعرض عن ذكر ال ولم يؤمن بربه ول عمل صالحا
فمعيشتيه ضنيك ل خيير فيهيا .وقال مجاهيد وقتادة وابين زييد :هيي الجنية ،وقاله الحسين ،وقال :ل
تطييب الحياة لحيد إل فيي الجنية .وقييل هيي السيعادة ،روي عين ابين عباس أيضيا .وقال أبيو بكير
الوراق :هيي حلوة الطاعية .وقال سيهل بين عبدال التسيتري :هيي أن ينزع عين العبيد تدبيره ويرد
تدبيره إلى الحييق .وقال جعفيير الصييادق :هييي المعرفيية بال ،وصييدق المقام بييين يدي ال .وقيييل:
السيتغناء عين الخلق والفتقار إلى الحيق .وقييل :الرضيا بالقضاء" .ولنجزينهيم أجرهيم" أي فيي
الخرة .وقال (فلنحيينيه) ثيم قال (ولنجزينهيم) لن (مين) يصيلح للواحيد والجميع ،فأعاد مرة على
اللفيظ ومرة على المعنيى ،وقيد تقدم .وقال أبيو صيالح :جلس ناس مين أهيل التوراة وناس مين أهيل
النجيل وناس من أهل الوثان ،فقال هؤلء :نحن أفضل ،وقال هؤلء :نحن أفضل؛ فنزلت.
**3الية{ 98 :فإذا قرأت القرآن فاستعذ بال من الشيطان الرجيم}
@ هذه الية متصلة بقوله" :ونزلنا عليك الكتاب تبيانا لكل شيء" [النحل ]89 :فإذا أخذت في
قراءتيه فاسيتعذ بال مين أن يعرض لك الشيطان فيصيدك عين تدبره والعميل بميا فييه؛ ولييس يرييد
اسيتعذ بعيد القراءة؛ بيل هيو كقولك :إذا أكلت فقيل بسيم ال؛ أي إذا أردت أن تأكيل .وقيد روى جيبير
بن مطعم عن أبيه قال :سمعت رسول ال صلى ال عليه وسلم حين افتتح الصلة قال (اللهم إني
أعوذ بك من الشيطان من همزه ونفخه ونفثه) .وروى أبو سعيد الخدري أن النبي صلى ال عليه
وسيلم كان يتعوذ فيي صيلته قبيل القراءة .قال الكييا الطيبري :ونقيل عين بعيض السيلف التعوذ بعيد
القراءة مطلقا ،احتجاجا بقوله تعالى" :فإذا قرأت القرآن فاستعذ بال من الشيطان الرجيم" ول شك
أن ظاهر ذلك يقتضيي أن تكون الستعاذة بعد القراءة؛ كقوله تعالى" :فإذا قضيتيم الصلة فاذكروا
ال قياميا وقعودا" [النسياء .]103 :إل أن غيره محتميل ،مثيل قوله تعالى" :وإذا قلتيم فاعدلوا"
[النعام" ]152 :وإذا سيألتموهن متاعيا فاسيألوهن مين وراء حجاب" [الحزاب ]53 :ولييس
المراد بيه أن يسيألها مين وراء حجاب بعيد سيؤال متقدم .ومثله قول القائل :إذا قلت فاصيدق ،وإذا
أحرميت فاغتسيل؛ يعنيي قبيل الحرام .والمعنيى فيي جمييع ذلك :إذا أردت ذلك؛ فكذلك السيتعاذة.
وقد تقدم هذا المعنى.
**3الية{ 100 - 99 :إنه ليس له سلطان على الذين آمنوا وعلى ربهم يتوكلون ،إنما سلطانه
على الذين يتولونه والذين هم به مشركون}
@قوله تعالى" :إنه ليس له سلطان على الذين آمنوا" أي بالغواء والكفر ،أي ليس لك قدرة على
أن تحملهييم على ذنييب ل يغفيير؛ قاله سييفيان .وقال مجاهييد :ل حجيية له على مييا يدعوهييم إليييه مين
المعاصي .وقيل :إنه ليس عليهم سلطان بحال؛ لن ال تعالى صرف سلطانه عليهم حين قال عدو
ال إبلييس لعنيه ال "ولغوينهيم أجمعيين .إل عبادك منهيم المخلصيين" [الحجير ]40 - 39 :قال
ال تعالى" :إن عبادي ليس لك عليهم سلطان إل من اتبعك من الغاوين" [الحجر.]42 :
قلت :قد بينا أن هذا عام يدخله التخصيص ،وقد أغوى آدم وحواء عليهما السلم بسلطانه ،وقد
شوش على الفضلء أوقاتهييم بقوله :ميين خلق ربييك؟ حسييبما تقدم فييي "العراف"" .إنميا سيلطانه
على الذييين يتولونييه" أي يطيعونييه .يقال :توليتييه أي أطعتييه ،وتوليييت عنييه ،أي أعرضييت عنييه.
"والذين هم به مشركون" أي بال؛ قاله مجاهد والضحاك .وقيل :يرجع "به" إلى الشيطان؛ قاله
الربيع بن أنس والقتيبي .والمعنى :والذين هم من أجله مشركون .يقال :كفرت بهذه الكلمة ،أي من
أهلها .وصار فلن بك عالما ،أي من أجلك .أي والذي تولى الشيطان مشركون بال.
**3اليتان{ 102 - 101 :وإذا بدلنا آية مكان آية وال أعلم بما ينزل قالوا إنما أنت مفتر بل
أكثرهييم ل يعلمون ،قييل نزله روح القدس ميين ربييك بالحييق ليثبييت الذييين آمنوا وهدى وبشرى
للمسلمين}
@قوله تعالى" :وإذا بدلنيا آيية مكان آيية وال أعلم بميا ينزل" قييل :المعنيى بدلنيا شريعية متقدمية
بشريعية مسيتأنفة؛ قاله ابين بحير .مجاهيد :أي رفعنيا آيية وجعلنيا موضعهيا غيرهيا .وقال الجمهور:
نسخنا آية بآية أشد منها عليهم .والنسخ والتبديل رفع الشيء مع وضع عيره مكانه" .قالوا" يريد
كفار قرييش" .إنميا أنيت مفتير" أي كاذب مختلق ،وذلك لميا رأوا مين تبدييل الحكيم .فقال ال" :بيل
أكثرهييم ل يعلمون" ل يعلمون أن ال شرع الحكام وتبديييل البعييض بالبعييض .وقوله" :قييل نزله
روح القدس" يعنيي جبرييل ،نزل بالقرآن كله ناسيخه ومنسيوخه .وروي بإسيناد صيحيح عين عامير
الشعبي قال :وكل إسرافيل بمحمد صلى ال عليه وسلم ثلث سنين ،فكان يأتيه بالكلمة والكلمة ،ثم
نزل عليه جبريل بالقرآن .وفي صحيح مسلم أيضا أنه نزل عليه بسورة "الحمد" ملك لم ينزل إلى
الرض قط .كما تقدم في الفاتحة بيانه" .من ربك بالحق" أي من كلم ربك" .ليثبت الذين آمنوا"
أي بما فيه من الحجج واليات" .وهدى" أي وهو هدى "وبشرى للمسلمين".
**3اليية{ 103 :ولقد نعلم أنهيم يقولون إنما يعلمه بشير لسان الذي يلحدون إليه أعجميي وهذا
لسان عربي مبين}
@قوله تعالى" :ولقد نعلم أنهم يقولون إنما يعلمه بشر" اختلف في اسم هذا الذي قالوا إنما يعلمه؛
فقييل :هيو غلم الفاكيه بين المغيرة واسيمه جيبر ،كان نصيرانيا فأسيلم؛ وكانوا إذا سيمعوا مين النيبي
صلى ال عليه وسلم ما مضى وما هو آت مع أنه أمي لم يقرأ قالوا :إنما يعلمه جبر وهو أعجمي؛
فقال ال تعالى" :لسيان الذي يلحدون إلييه أعجميي وهذا لسيان عربيي ميبين" أي كييف يعلميه جيبر
وهيو أعجميي هذا الكلم الذي ل يسيتطيع النيس والجين أن يعارضوا منيه سيورة واحدة فميا فوقهيا.
وذكيير النقاش أن مولى جييبر كان يضربييه ويقول له :أنييت تعلم محمدا ،فيقول :ل وال ،بييل هييو
يعلمني ويهديني .وقال ابن إسحاق :كان النبي صلى ال عليه وسلم -فيما بلغني -كثيرا ما يجلس
عنييد المروة إلى غلم نصييراني يقال له جييبر ،عبييد بنييي الحضرمييي ،وكان يقرأ الكتييب ،فقال
المشركون :وال ميا يعلم محمدا ميا يأتيي بيه إل جيبر النصيراني .وقال عكرمية :اسيمه يعييش عبيد
لبني الحضرمي ،كان رسول ال صلى ال عليه وسلم يلقنه القرآن؛ ذكره المارودي .وذكر الثعلبي
عن عكرمة وقتادة أنه غلم لبني المغيرة اسمه يعيش ،وكان يقرأ الكتب العجمية ،فقالت قريش:
إنما يعلمه بشر ،فنزلت .المهدوي عن عكرمة :هو غلم لبني عامر بن لؤي ،واسمه يعيش .وقال
عبدال بين مسيلم الحضرميي :كان لنيا غلمان نصيرانيان مين أهيل عيين التمير ،اسيم أحدهميا يسيار
واسيم الخير جيبر .كذا ذكير الماوردي والقشيري والثعلبيي؛ إل أن الثعلبيي قال :يقال لحدهميا نبيت
ويكنيى أبيا فكيهية ،والخير جيبر ،وكانيا صييقلين يعملن السييوف؛ وكانيا يقرأن كتابيا لهيم .الثعلبيي:
يقرأن التوراة والنجييل .الماوردي والمهدوي :التوراة .فكان رسيول ال صيلى ال عليه وسيلم يمير
بهما ويسمع قراءتهما ،وكان المشركون يقولون :يتعلم منهما ،فأنزل ال هذه الية وأكذبهم .وقيل:
عنوا سييلمان الفارسييي رضييي ال عنييه؛ قاله الضحاك .وقيييل :نصييرانيا بمكيية اسييمه بلعام ،وكان
غلميا يقرأ التوراة؛ قاله ابين عباس .وقال القتيبي :كان بمكية رجيل نصيراني يقال له أبيو ميسيرة
يتكلم بالرومية ،فربما قعد إليه رسول ال صلى ال عليه وسلم ،فقال الكفار :إنما يتعلم محمد منه،
فنزلت .وفيي روايية أنيه عداس غلم عتبية بين ربيعية .وقييل :عابيس غلم حويطيب بين عبدالعزى
ويسار أبو فكيهة مولى ابن الحضرمي ،وكانا قد أسلما .وال أعلم
قلت :والكل محتمل؛ فإن النبي صلى ال عليه وسلم ربما جلس إليهم في أوقات مختلفة ليعلمهم
ممييا علمييه ال ،وكان ذلك بمكيية .وقال النحاس :وهذه القوال ليسييت بمتناقضيية؛ لنييه يجوز أن
يكونوا أومأوا إلى هؤلء جميعا ،وزعموا أنهم يعلمونه.
قلت :وأما ما ذكره الضحاك من أنه سلمان ففيه بعد؛ لن سلمان إنما أتى النبي صلى ال عليه
وسلم بالمدينة ،وهذه الية مكية.
@قوله تعالى" :لسيان الذي يلحدون إليه أعجمي" اللحاد :الميل؛ يقال :لحد وألحد ،أي مال عن
القصيد .وقرأ حمزة "يلحدون" بفتيح الياء والحاء؛ أي لسيان الذي يميلون إلييه ويشيرون أعجميي.
والعجميية :الخفاء وضييد البيان .ورجييل أعجييم وامرأة عجماء ،أي ل يفصييح؛ ومنييه عجييم الذنييب
لسييتتاره .والعجماء :البهيميية؛ لنهييا ل توضييح عيين نفسييها .وأعجمييت الكتاب أي أزلت عجمتييه.
والعرب تسيمي كيل مين ل يعرف لغتهيم ول يتكلم بكلمهيم أعجمييا .وقال الفراء :العجيم الذي فيي
لسيانه عجمية وإن كان مين العرب ،والعجميي أو العجميي الذي أصيله مين العجيم .وقال أبيو علي:
العجمييي الذي ل يفصييح ،سييواء كان ميين العرب أو ميين العجييم ،وكذلك العجييم والعجمييي
المنسيوب إلى العجيم وإن كان فصييحا .وأراد باللسيان القرآن؛ لن العرب تقول للقصييدة والبييت:
لسان؛ قال الشاعر:
وخنت وما حسبتك أن تخونا لسان الشر تهديها إلينا
يعني باللسان القصيدة" .وهذا لسان عربي مبين" أي أفصح ما يكون من العربية.
**3الية{ 104 :إن الذين ل يؤمنون بآيات ال ل يهديهم ال ولهم عذاب أليم}
@قوله تعالى" :إن الذيين ل يؤمنون بآيات ال" أي هؤلء المشركون الذيين ل يؤمنون بالقرآن.
"ل يهديهم ال ولهم عذاب أليم".
**3الية{ 105 :إنما يفتري الكذب الذين ل يؤمنون بآيات ال وأولئك هم الكاذبون}
@قوله تعالى" :إنما يفتري الكذب الذين ل يؤمنون بآيات ال" هذا جواب وصفهم النبي صلى ال
علييه وسيلم بالفتراء" .وأولئك هيم الكاذبون" هذا مبالغية فيي وصيفهم بالكذب؛ أي كيل كذب قلييل
بالنسيبة إلى كذبهيم .ويقال :كذب فلن ول يقال إنيه كاذب؛ لن الفعيل قيد يكون لزميا وقيد ل يكون
لزميا .فأميا النعيت فيكون لزميا ولهذا يقال :عصيى آدم ربيه فغوى ،ول يقال :إنيه عاص غاو .فإذا
قيل :كذب فلن فهو كاذب ،كان مبالغة في الوصف بالكذب؛ قاله القشيري.
**3الية{ 106 :من كفر بال من بعد إيمانه إل من أكره وقلبه مطمئن باليمان ولكن من شرح
بالكفر صدرا فعليهم غضب من ال ولهم عذاب عظيم}
@قوله تعالى" :مين كفير بال" هذا متصيل بقوله تعالى" :ول تنقضوا اليمان بعيد توكيدهيا"
[النحل ]91 :فكان مبالغة في الوصف بالكذب؛ لن معناه ل ترتدوا عن بيعة الرسول صلى ال
علييه وسيلم .أي مين كفير مين بعيد إيمانيه وارتيد فعلييه غضيب ال .قال الكلبيي :نزلت فيي عبدال بين
أبي سرح ومقيس بن ضبابة وعبدال بن خطل ،وقيس بن الوليد بن المغيرة ،كفروا بعد إيمانهم.
وقال الزجاج" :مين كفير بال مين بعيد إيمانيه" بدل ممين يفتري الكذب؛ أي إنميا يفتري الكذب مين
كفر بال من بعد إيمانه؛ لنه رأى الكلم إلى آخر الستثناء غير تام فعلقه بما قبله .وقال الخفش:
"من" ابتداء وخبره محذوف ،اكتفي منه بخبر"من" الثانية؛ كقولك :من يأتنا من يحسن نكرمه.
@قوله تعالى" :إل مين أكره" هذه اليية نزلت فيي عمار بين ياسير ،فيي قول أهيل التفسيير؛ لنيه
قارب بعض ما ندبوه إليه .قال ابن عباس :أخذه المشركون وأخذوا أباه وأمه سمية وصهيبا وبلل
وخبابا وسالما فعذبوهم ،وربطت سمية بين بعيرين ووجئ قبلها بحربة ،وقيل لها إنك أسلمت من
أجيل الرجال؛ فقتلت وقتيل زوجهيا ياسير ،وهميا أول قتيليين فيي السيلم .وأميا عمار فأعطاهيم ميا
أرادوا بلسانه مكرها ،فشكا ذلك إلى رسول ال صلى ال عليه وسلم ،فقال له رسول ال صلى ال
علييه وسيلم( :كييف تجيد قلبيك)؟ قال :مطمئن باليمان .فقال رسيول ال صيلى ال علييه وسيلم( :فإن
عادوا فعيد) .وروى منصيور بين المعتمير عين مجاهيد قال :أول شهيدة فيي السيلم أم عمار ،قتلهيا
أبيو جهيل ،وأول شهييد من الرجال مهجيع مولى عمير .وروى منصيور أيضيا عين مجاهيد قال :أول
مين أظهير السيلم سيبعة :رسيول ال صيلى ال علييه وسيلم وأبيو بكير ،وبلل ،وخباب ،وصيهيب،
وعمار ،وسيمية أم عمار .فأميا رسيول ال صيلى ال علييه وسيلم فمنعيه أبيو طالب ،وأميا أبيو بكير
فمنعيه قوميه ،وأخذوا الخريين فألبسيوهم أدرع الحدييد ،ثيم صيهروهم فيي الشميس حتيى بلغ منهيم
الجهد كل مبلغ من حر الحديد والشمس ،فلما كان من العشي أتاهم أبو جهل ومعه حربة ،فجعل
يسبهم ويوبخهم ،وأتى سمية فجعل يسبها ويرفث ،ثم طعن فرجها حتى خرجت الحربة من فمها
فقتلهيا؛ رضيي ال عنهيا .قال :وقال الخرون ميا سيئلوا إل بلل فإنيه هانيت علييه نفسيه فيي ال،
فجعلوا يعذبونه ويقولون له :ارجع عن دينك ،وهو يقول أحد أحد؛ حتى ملوه ،ثم كتفوه وجعلوا في
عنقه حبل من ليف ،ودفعوه إلى صبيانهم يلعبون به بين أخشبي مكة حتى ملوه وتركوه ،قال فقال
عمار :كلنيا تكلم بالذي قالوا -لول أن ال تداركنيا -غيير بلل فإنيه هانيت علييه نفسيه فيي ال ،فهان
على قوميه حتيى ملوه وتركوه .والصيحيح أن أبيا بكير اشترى بلل فأعتقيه .وروى ابين أبيي نجييح
عين مجاهيد أن ناسيا مين أهيل مكية آمنوا ،فكتيب إليهيم بعيض أصيحاب محميد صيلى ال علييه وسيلم
بالمدينية :أن هاجروا إلينيا ،فإنيا ل نراكيم منيا حتيى تهاجروا إلينيا ،فخرجوا يريدون المدينية حتيى
أدركتهيم قرييش بالطرييق ،ففتنوهيم فكفروا مكرهيين ،ففيهيم نزلت هذه اليية .ذكير الروايتيين عين
مجاهييد إسييماعيل بيين إسييحاق .وروى الترمذي عيين عائشيية قالت قال رسييول ال صييلى ال عليييه
وسلم( :ما خير عمار بين أمرين إل اختار أرشدهما) هذا حديث حسن غريب .وروي عن أنس بن
مالك قال قال رسول ال صلى ال عليه وسلم( :إن الجنة تشتاق إلى ثلثة علي وعمار وسلمان بن
ربيعة) .قال الترمذي :هذا حديث غريب ل نعرفه إل من حديث الحسن بن صالح.
@ لما سمح ال عز وجل بالكفر به وهو أصل الشريعة عند الكراه ولم يؤاخذ به ،حمل العلماء
علييه فروع الشريعية كلهيا ،فإذا وقيع الكراه عليهيا لم يؤاخيذ بيه ولم يترتيب علييه حكيم؛ وبيه جاء
الثير المشهور عين النيبي صيلى ال علييه وسيلم( :رفيع عين أمتيي الخطيأ والنسييان وميا اسيتكرهوا
علييه) الحدييث .والخيبر وإن لم يصيح سينده فإن معناه صيحيح باتفاق مين العلماء؛ قاله القاضيي أبيو
بكر بن العربي .وذكر أبو محمد عبدالحق أن إسناده صحيح قال :وقد ذكره أبو بكر الصيلي في
الفوائد وابن المنذر في كتاب القناع.
@ أجمع أهل العلم على أن من أكره على الكفر حتى خشي على نفسه القتل ،أنه ل إثم عليه إن
كفيير وقلبييه مطمئن باليمان ،ول تييبين منييه زوجتييه ول يحكييم عليييه بحكييم الكفيير؛ هذا قول مالك
والكوفييين والشافعيي؛ غيير محميد بين الحسين فإنيه قال :إذا أظهير الشرك كان مرتدا فيي الظاهير،
وفيما بينه وبين ال تعالى على السلم ،وتبين منه امرأته ول يصلى عليه إن مات ،ول يرث أباه
إن مات مسلما .وهذا قول يرده الكتاب والسنة ،قال ال تعالى" :إل من أكره" الية .وقال" :إل أن
تتقوا منهم تقاة" [آل عمران ]28 :وقال" :إن الذين توفاهم الملئكة ظالمي أنفسهم قالوا فيم كنتم
قالوا كنيا مسيتضعفين فيي الرض" [النسياء ]97 :اليية .وقال" :إل المسيتضعفين مين الرجال
والنساء والولدان" [النساء ]98 :الية .فعذر ال المستضعفين الذين يمتنعون من ترك ما أمر ال
به ،والمكره ل يكون إل مستضعفا غير ممتنع من فعل ما أمر به؛ قاله البخاري.
@ ذهبيت طائفية مين العلماء إلى أن الرخصية إنميا جاءت فيي القول ،وأميا فيي الفعيل فل رخصية
فييه ،مثيل أن يكرهوا على السيجود لغيير ال أو الصيلة لغيير القبلة ،أو قتيل مسيلم أو ضربيه أو أكيل
ماله ،أو الزنى وشرب الخمر وأكل الربا؛ يروى هذا عن الحسن البصري ،رضي ال عنه .وهو
قول الوزاعيي وسيحنون مين علمائنيا .وقال محميد بين الحسين :إذا قييل للسيير :اسيجد لهذا الصينم
وإل قتلتك .فقال :إن كان الصنم مقابل القبلة فليسجد ويكون نيته ل تعالى ،وإن كان لغير القبلة فل
يسييجد وإن قتلوه .والصييحيح أنييه يسييجد وإن كان لغييير القبلة ،ومييا أحراه بالسييجود حينئذ؛ ففييي
الصيحيح عين ابين عمير قال :كان رسيول ال صيلى ال علييه وسيلم يصيلي وهيو مقبيل مين مكية إلى
المدينة على راحلته حيث كان وجهه ،قال :وفيه نزلت "فأينما تولوا فثم وجه ال" [البقرة]115 :
في رواية :ويوتر عليها ،غير أنه ل يصلي عليها المكتوبة .فإذا كان هذا مباحا في السفر في حالة
المن لتعب النزول عن الدابة للتنفل فكيف بهذا .واحتج من قصر الرخصة على القول بقول ابن
مسيعود :ميا من كلم يدرأ عنيي سيوطين من ذي سلطان إل كنت متكلما به .فقصير الرخصية على
القول ولم يذكر الفعل ،وهذا ل حجة فيه؛ لنه يحتمل أن يجعل للكلم مثال وهو يريد أن الفعل في
حكميه .وقالت طائفية :الكراه فيي الفعيل والقول سيواء إذا أسير اليمان .روي ذلك عين عمير بين
الخطاب ومكحول ،وهيو قول مالك وطائفية مين أهيل العراق .روى ابين القاسيم عين مالك أن مين
أكره على شرب الخمر وترك الصلة أو الفطار في رمضان ،أن الثم عنه مرفوع.
@ أجميع العلماء على أن مين أكره على قتيل غيره أنيه ل يجوز له القدام على قتله ول انتهاك
حرمته بجلد أو غيره ،ويصبر على البلء الذي نزل به ،ول يحل له أن يفدي نفسه بغيره ،ويسأل
ال العافية في الدنيا والخرة.
واختلف فيي الزنيى ،فقال مطرف وأصيبغ وابين عبدالحكيم وابين الماجشون :ل يفعيل أحيد ذلك،
وإن قتيل لم يفعله ،فإن فعله فهيو آثيم ويلزميه الحيد؛ وبيه قال أبيو ثور والحسين .قال ابين العربيي:
الصيحيح أنيه يجوز القدام على الزنيى ول حيد علييه ،خلفيا لمين ألزميه ذلك؛ لنيه رأى أنهيا شهوة
خلقيية ل يتصيور الكراه عليهيا ،وغفيل عين السيبب فيي باعيث الشهوة وهيو اللجاء إلى ذلك ،وهيو
الذي أسيقط حكميه ،وإنميا يجيب الحيد على شهوة بعيث عليهيا سيبب اختياري ،فقاس الشييء على
ضده ،فلم يحيل بصيواب مين عنده .وقال ابين خوييز منداد فيي أحكاميه :اختلف أصيحابنا متيى أكره
الرجيل على الزنيى؛ فقال بعضهيم :علييه الحيد؛ لنيه إنميا يفعيل ذلك باختياره .وقال بعضهيم :ل حيد
علييه .قال ابين خوييز منداد :وهيو الصيحيح .وقال أبيو حنيفية :إن أكرهيه غيير السيلطان حيد ،وإن
أكرهيه السيلطان فالقياس أن يحيد ،ولكين اسيتحسن أل يحيد .وخالفيه صياحباه فقال :ل حيد علييه فيي
الوجهين ،ولم يراعوا النتشار ،وقالوا :متى علم أنه يتخلص من القتل بفعل الزنى جاز أن ينتشر.
قال ابن المنذر :ل حد عليه ،ول فرق بين السلطان في ذلك وغير السلطان.
@ اختلف العلماء في طلق المكره وعتاقه؛ فقال الشافعي وأصحابه :ل يلزمه شيء .وذكر ابن
وهيب عين عمير وعلي وابين عباس أنهيم كانوا ل يرون طلقيه شيئا .وذكره ابين المنذر عين ابين
الزبير وابن عمر وابن عباس وعطاء وطاوس والحسن وشريح والقاسم وسالم ومالك والوزاعي
وأحميد وإسيحاق وأبيي ثور .وأجازت طائفية طلقيه؛ روي ذلك عين الشعيبي والنخعيي وأبيي قلبية
والزهري وقتادة ،وهو قول الكوفيين .قال أبو حنيفة :طلق المكره يلزم؛ لنه لم يعدم فيه أكثر من
الرضيا ،ولييس وجوده بشرط فيي الطلق كالهازل .وهذا قياس باطيل؛ فإن الهازل قاصيد إلى إيقاع
الطلق راض به ،والمكره غير راض ول نية له في الطلق ،وقد قال عليه السلم( :إنما العمال
بالنيات ) .وفيي البخاري :وقال ابين عباس فيمين يكرهيه اللصيوص فيطلق :لييس بشييء؛ وبيه قال
ابين عمير وابين الزبيير والشعيبي والحسين .وقال الشعيبي :إن أكرهيه اللصيوص فلييس بطلق ،وإن
أكرهه السلطان فهو طلق .وفسره ابن عيينة فقال :إن اللص يقدم على قتله والسلطان ل يقتله.
@ وأما بيع المكره والمضغوط فله حالتان .الولى :أن يبيع ماله في حق وجب عليه؛ فذلك ماض
سائغ ل رجوع فيه عند الفقهاء؛ لنه يلزمه أداء الحق إلى ربه من غير المبيع ،فلما لم يفعل ذلك
كان بيعيه اختيارا منيه فلزميه .وأميا بييع المكره ظلميا أو قهرا فذلك بييع ل يجوز علييه .وهيو أولى
بمتاعيه يأخذه بل ثمين ،ويتبيع المشتري بالثمين ذلك الظالم؛ فإن فات المتاع رجيع بثمنيه أو بقيمتيه
بالكثيير ميين ذلك على الظالم إذا كان المشتري غييير عالم بظلمييه .قال مطرف :وميين كان ميين
المشتريين يعلم حال المكره فإنيه ضامين لميا ابتاع مين رقيقيه وعروضيه كالغاصيب ،وكلميا أحدث
المبتاع في ذلك من عتق أو تدبير أو تحبيس فل يلزم المكره ،وله أخذ متاعه .قال سحنون :أجمع
أصيييحابنا وأهيييل العراق على أن بييييع المكره على الظلم والجور ل يجوز .وقال البهري :إنيييه
إجماع.
@ وأما نكاح المكره؛ فقال سحنون :أجمع أصحابنا على إبطال نكاح المكره والمكرهة ،وقالوا:
ل يجوز المقام عليييه ،لنييه لم ينعقييد .قال محمييد بيين سييحنون :وأجاز أهييل العراق نكاح المكره،
وقالوا :لو أكره على أن ينكح امرأة بعشرة آلف درهم ،وصداق مثلها ألف درهم ،أن النكاح جائز
وتلزمييه اللف ويبطييل الفضييل .قال محمييد :فكمييا أبطلوا الزائد على اللف فكذلك يلزمهييم إبطال
النكاح بالكراه .وقولهم خلف السنة الثابتة في حديث خنساء بنت خذام النصارية ،ولمره صلى
ال عليه وسلم بالستئمار في أبضاعهن ،وقد تقدم ،فل معنى لقولهم.
فان وطئها المكره على النكاح غير مكره على الوطء والرضا بالنكاح لزمه النكاح عندنا على
المسيمى مين الصيداق ودرئ عنيه الحيد .وإن قال :وطئتهيا على غيير رضيا منيي بالنكاح فعلييه الحيد
والصيداق المسيمى؛ لنيه مدع لبطال الصيداق المسيمى ،وتحيد المرأة إن أقدميت وهيي عالمية أنيه
مكره على النكاح .وأمييا المكرهيية على النكاح وعلى الوطييء فل حييد عليهييا ولهييا الصييداق ،ويحييد
الواطئ؛ فأعلمه .قاله سحنون.
@ إذا استكرهت المرأة على الزنى فل حد عليها؛ لقوله "إل من أكره" وقوله عليه السلم( :إن
ال تجاوز عين أمتيي الخطيأ والنسييان وميا اسيتكرهوا علييه) .ولقول ال تعالى" :فإن ال مين بعيد
إكراههين غفور رحييم" [النور ]33 :يرييد الفتيات .وبهذا المعنيى حكيم عمير فيي الوليدة التيي
اسيتكرهها العبيد فلم يحدهيا .والعلماء متفقون على أنيه ل حيد على امرأة مسيتكرهة .وقال مالك :إذا
وجدت المرأة حامل وليس لها زوج فقالت استكرهت فل يقبل ذلك منها وعليها الحد ،إل أن تكون
لهيا بينية أو جاءت تدميي على أنهيا أوتييت ،أو ميا أشبيه ذلك .واحتيج بحدييث عمير بين الخطاب أنيه
قال :الرجيم فيي كتاب ال حيق على مين زنيى مين الرجال والنسياء إذا أحصين إذا قاميت البينية ،أو
كان الحبل أو العتراف .قال ابن المنذر :وبالقول الول أقول.
@ واختلفوا في وجوب الصداق للمستكرهة؛ فقال عطاء والزهري :لها صداق مثلها؛ وهو قول
مالك والشافعيي وأحميد وإسيحاق وأبيي ثور .وقال الثوري :إذا أقييم الحيد على الذي زنيى بهيا بطيل
الصداق .وروي ذلك عن الشعبي ،وبه قال أصحاب مالك وأصحاب الرأي .قال ابن المنذر :القول
الول صحيح.
@ إذا أكره النسان على إسلم أهله لما لم يحل أسلمها ،ولم يقتل نفسه دونها ول احتمل أذية في
تخليصها .والصل في ذلك ما خرجه البخاري عن أبي هريرة قال قال رسول ال صلى ال عليه
وسيلم( :هاجير إبراهييم علييه السيلم بسيارة ودخيل بهيا قريية فيهيا ملك مين الملوك أو جبار مين
الجبابرة فأرسل إليه أن أرسل بها إلي فأرسل بها فقام إليها فقامت تتوضأ وتصلي فقالت اللهم إن
كنيت آمنيت بيك وبرسيولك فل تسيلط علي هذا الكافير فغيط حتيى ركيض برجله) .ودل هذا الحدييث
أيضا على أن سارة لما لم يكن عليها ملمة ،فكذلك ل يكون على المستكرهة ملمة ،ول حد فيما
هو أكبر من الخلوة .وال أعلم.
@ وأمييا يمييين المكره فغييير لزميية عنييد مالك والشافعييي وأبييي ثور وأكثيير العلماء .قال ابيين
الماجشون :وسواء حلف فيميا هو طاعية ل أو فيميا هو معصيية إذ أكره على اليميين؛ وقاله أصيبغ.
وقال مطرف :إن أكره على اليمين فيما هو ل معصية أو ليس في فعله طاعة ول معصية فاليمين
فييه سياقطة ،وإن أكره على اليميين فيميا هيو طاعية مثيل أن يأخيذ الوالي رجل فاسيقا فيكرهيه أن
يحلف بالطلق ل يشرب خمرا ،أول يفسيق ول يغيش فيي عمله ،أو الولد يحلف ولده تأديبيا له فإن
اليميين تلزم؛ وإن كان المكره قيد أخطيأ فيميا يكلف مين ذلك .وقال بيه ابين حيبيب .وقال أبيو حنيفية
ومن اتبعه من الكوفيين :إنه إن حلف أل يفعل ففعل حنث ،قالوا :لن المكره له أن يوري في يمينه
كلها ،فلما لم يور ول ذهبت نيته إلى خلف ما أكره عليه فقد قصد إلى اليمين .احتج الولون بأن
قالوا :إذا أكره عليها فنيته مخالفة لقوله؛ لنه كاره لما حلف عليه.
@ قال ابن العربي :ومن غريب المر أن علماءنا اختلفوا في الكراه على الحنث هل يقع به أم
ل؛ وهذه مسييألة عراقييية سييرت لنييا منهييم ،ل كانييت هذه المسييألة ول كانوا! وأي فرق يييا معشيير
أصيحابنا بيين الكراه على اليميين فيي أنهيا ل تلزم وبيين الحنيث فيي أنيه ل يقيع! فاتقوا ال وراجعوا
بصائركم ،ول تغتروا بهذه الروية فإنها وصمة في الدراية.
إذا أكره الرجييل على أن يحلف وإل أخييذ له مال كأصييحاب المكييس وظلميية السييعاة وأهييل
العتداء؛ فقال مالك :ل تقييية له فييي ذلك ،وإنمييا يدرأ المرء بيمينييه عيين بدنييه ل ماله .وقال ابيين
الماجشون :ل يحنث وإن درأ عن ماله ولم يخف على بدنه .وقال ابن القاسم بقول مطرف ،ورواه
عن مالك ،وقاله ابن عبدالحكم وأصبغ.
قلت :قول ابيين الماجشون صييحيح؛ لن المدافعيية عيين المال كالمدافعيية عيين النفييس؛ وهييو قول
الحسين وقتادة وسييأتي .وقال رسيول ال صيلى ال علييه وسيلم( :إن دماءكيم وأموالكيم وأعراضكيم
عليكيم حرام) وقال( :كيل المسيلم على المسيلم حرام دميه وماله وعرضيه) .وروى أبيو هريرة قال:
جاء رجل إلى رسول ال صلى ال عليه وسلم فقال :يا رسول ال ،أرأيت إن جاء رجل يريد أخذ
مالي؟ قال( :فل تعطييه مالك) .قال :أرأيييت إن قاتلنييي؟ قال( :قاتله) قال :أرأيييت إن قتلنييي؟ قال:
(فأنت شهيد) قال :أرأيت إن قتلته؟ قال( :هو في النار) خرجه مسلم .وقد مضى الكلم فيه .وقال
مطرف وابين الماجشون :وإن بدر الحالف بيمينيه للوالي الظالم قبيل أن يسيألها ليذب بهيا عميا خاف
عليه من ماله وبدنه فحلف له فإنها تلزمه .وقاله ابن عبدالحكم وأصبغ .وقال أيضا ابن الماجشون
فيمين أخذه ظالم فحلف له بالطلق البتية مين غيير أن يحلفيه وتركيه وهيو كاذب ،وإنميا حلف خوفيا
مين ضربيه وقتله وأخيذ ماله :فإن كان إنميا تيبرع باليميين غلبية خوف ورجاء النجاة مين ظلميه فقيد
دخل في الكراه ول شيء عليه ،وإن لم يحلف على رجاء النجاة فهو حانث.
@ قال المحققون من العلماء :إذا تلفظ المكره بالكفر فل يجوز له أن يجريه على لسانه إل مجرى
المعارييييض؛ فإن فيييي المعارييييض لمندوحييية عييين الكذب .ومتيييى لم يكييين كذلك كان كافرا؛ لن
المعاريييض ل سييلطان للكراه عليهييا .مثاله -أن يقال له :اكفيير بال فيقول باللهييي؛ فيزيييد الياء.
وكذلك إذا قييل له :أكفير بالنيبي فيقول هيو كافير بالنيبي ،مشددا وهيو المكان المرتفيع مين الرض.
ويطلق على ما يعمل من الخوص شبه المائدة فيقصد أحدهما بقلبه ويبرأ من الكفر ويبرأ من إثمه.
فإن قيل له :أكفر بالنبيء (مهموزا) فيقول هو كافر بالنبيء يريد بالمخبر ،أي مخبر كان كطليحة
ومسلمة الكذاب .أو يريد به النبيء الذي قال فيه الشاعر:
مكان النبيء من الكاثب فأصبح رتما دقاق الحصى
@ أجميع العلماء على أن مين أكره على الكفير فاختار القتيل أنيه أعظيم أجرا عنيد ال ممين اختار
الرخصية .واختلفوا فيمين أكره على غيير القتيل مين فعيل ميا ل يحيل له؛ فقال أصيحاب مالك :الخيذ
بالشدة فيي ذلك واختيار القتيل والضرب أفضيل عنيد ال مين الخيذ بالرخصية ،ذكره ابين حيبيب
وسحنون .وذكر ابن سحنون عن أهل العراق أنه إذا تهدد بقتل أو قطع أو ضرب يخاف منه التلف
فله أن يفعل ما أكره عليه من شرب خمر أو أكل خنزير؛ فان لم يفعل حتى قتل خفنا أن يكون آثما
لنيه كالمضطير .وروى خباب بين الرت قال :شكونيا إلى رسيول ال صيلى ال علييه وسيلم وهيو
متوسيد بردة له فيي ظيل الكعبية فقلت :أل تسيتنصر لنيا أل تدعيو لنيا؟ فقال( :قيد كان مين قبلكيم يؤخيذ
الرجييل فيحفيير له فييي الرض فيجعييل فيهييا فيجاء بالمنشار فيوضييع على رأسييه فيجعييل نصييفين
ويمشيط بأمشاط الحدييد ميا دون لحميه وعظمه فميا يصيده ذلك عن دينه وال ليتمن هذا المير حتيى
يسير الراكب من صنعاء إلى حضرموت ل يخاف إل ال والذئب على غنمه ولكنكم تستعجلون).
فوصفه صلى ال عليه وسلم هذا عن المم السالفة على جهة المدح لهم والصبر على المكروه في
ذات ال ،وأنهم لم يكفروا فيي الظاهير وتبطنوا اليمان ليدفعوا العذاب عن أنفسهم .وهذه حجية من
آثر الضرب والقتل والهوان على الرخصة والمقام بدار الجنان .وسيأتي لهذا مزيد بيان في سورة
[الخدود] [البروج] إن شاء ال تعالى .وذكير أبيو بكير محميد بين محميد بين الفرج البغدادي قال:
حدثنا شريح بن يونس عن إسماعيل بن إبراهيم عن يونس بن عبيد عن الحسن أن عيونا لمسيلمة
أخذوا رجليين مين أصيحاب النيبي صيلى ال علييه وسيلم فذهبوا بهميا إلى مسييلمة ،فقال لحدهميا:
أتشهييد أن محمدا رسييول ال؟ قال نعييم .قال :.أتشهييد أنييي رسييول ال؟ قال نعييم .فخلى عنييه .وقال
للخر :أتشهد أن محمدا رسول ال؟ قال نعم .قال :وتشهد أني رسول ال؟ قال :أنا أصم ل أسمع؛
فقدميه وضرب عنقيه .فجاء هذا إلى النيبي صيلى ال علييه وسيلم فقال :هلكيت ،قال( :وميا أهلكيك)؟
فذكيير الحديييث ،قال :أمييا صيياحبك فأخييذ بالثقيية وأمييا أنييت فأخذت بالرخصيية على مييا أنييت عليييه
الساعة)قال :أشهد أنك رسول ال .قال (أنت على ما أنت عليه) .الرخصة فيمن حلفه سلطان ظالم
على نفسيييه أو على أن يدله على رجيييل أو مال رجيييل؛ فقال الحسييين :إذا خاف علييييه وعلى ماله
فليحلف ول يكفير يمينيه؛ وهيو قول قتادة إذا حلف على نفسيه أو مال نفسيه .وقيد تقدم ميا للعلماء فيي
هذا.
وذكير موسيى بين معاويية أن أبيا سيعيد بين أشرس صياحب مالك اسيتحلفه السيلطان بتونيس على
رجل أراد السلطان قتله أنه ما آواه ،ول يعلم له موضعا؛ قال :فحلف له ابن أشرس؛ وابن أشرس
يومئذ قد علم موضعه وآواه ،فحلفه بالطلق ثلثا ،فحلف له ابن أشرس ،ثم قال لمرأته :اعتزلي
فاعتزلته؛ ثم ركب ابن أشرس حتى قدم على البهلول بن راشيد القيروان ،فأخيبره بالخبر؛ فقال له
البهلول :قال مالك إنييك حانييث .فقال ابيين أشرس :وأنييا سييمعت مالكييا يقول ذلك ،وإنمييا أردت
الرخصية أو كلم هذا معناه؛ فقال له البهلول ابين راشيد :قال الحسين البصيري إنيه ل حنيث علييك.
قال :فرجع ابن أشرس إلى زوجته وأخذ بقول الحسن .وذكر عبدالملك بن حبيب قال :حدثني معبد
عن المسيب بن شريك عن أبي شيبة قال :سألت أنس بن مالك عن الرجل يؤخذ بالرجل ،هل ترى
أن يحلف ليقييه بيمينيه؟ فقال نعيم؛ ولن أحلف سيبعين يمينيا وأحنيث أحيب إلي أن أدل على مسيلم.
وقال إدرييس بين يحييى كان الولييد بين عبدالملك يأمير جواسييس يتجسيسون الخلق يأتونيه بالخبار،
قال :فجلس رجل منهم في حلقة رجاء بن حيوة فسمع بعضهم يقع في الوليد ،فرفع ذلك إليه فقال:
يا رجاء! اذكر بالسوء في مجلسك ولم تغير! فقال :ما كان ذلك يا أمير المؤمنين؛ فقال له الوليد:
قييل آل الذي ل إله إل هيو ،قال :آل الذي ل إله إل هيو ،فأميير الولييد بالجاسييوس فضربيه سييبعين
سيوطا ،فكان يلقيى رجاء فيقول :ييا رجاء ،بيك يسيتقى المطير ،وسيبعون سيوطا فيي ظهري! فيقول
رجاء :سبعون سوطا في ظهرك خير لك من أن يقتل رجل مسلم.
@ واختلف العلماء فيي حيد الكراه؛ فروي عين عمير بين الخطاب رضيي ال عنيه أنيه قال :لييس
الرجل آمن على نفسه إذا أخفته أو أوثقته أو ضربته .وقال ابن مسعود :ما كلم يدرأ عني سوطين
إل كنيت متكلميا بيه .وقال الحسين :التقيية جائزة للمؤمين إلى يوم القيامية ،إل أن ال تبارك وتعالى
ليس يجعل في القتل تقية .وقال النخعي :القيد إكراه ،والسجن إكراه .وهذا قول مالك ،إل أنه قال:
والوعييد المخوف إكراه وإن لم يقيع إذا تحقيق ظلم ذلك المعتدي وإنفاذه لميا يتوعيد بيه ،ولييس عنيد
مالك وأصحابه في الضرب والسجن توقيت ،إنما هو ما كان يؤلم من الضرب ،وما كان من سجن
يدخييل منييه الضيييق على المكره .وإكراه السيلطان وغيره عنيد مالك إكراه .وتناقييض الكوفيون فلم
يجعلوا السيجن والقييد إكراه ميا يدل على أن الكراه يكون مين غيير تلف نفيس .وذهيب مالك إلى أن
ميين أكره على يمييين بوعيييد أو سييجن أو ضرب أنيه يحلف ،ول حنييث عليييه؛ وهيو قول الشافعييي
وأحمد وأبي ثور وأكثر العلماء.
@ ومن هذا الباب ما ثبت إن من المعاريض لمندوحة عن الكذب .وروى العمش عن إبراهيم
النخعي أنه قال :ل بأس إذا بلغ الرجل عنك شيء أن تقول :وال ،إن ال يعلم ما قلت فيك من ذلك
ميين شيييء .قال عبدالملك بيين حييبيب :معناه أن ال يعلم أن الذي قلت ،وهييو فييي ظاهره انتفاء ميين
القول ،ول حنث علن من قال ذلك في يمينه ول كذب عليه في كلمه .وقال النخعي :كان لهم كلم
مين ألغاز اليمان يدرؤون بيه عين أنفسيهم ،ل يرون ذلك مين الكذب ول يخشون فييه الحنيث .قال
عبدالملك :وكانوا يسيمون ذلك المعارييض مين الكلم ،إذا كان ذلك فيي غيير مكير ول خديعية فيي
حق .وقال العمش :كان إبراهيم النخعي إذا أتاه أحد يكره الخروج إليه جلس في مسجد بيته وقال
لجاريته :قولي له هو وال في المسجد .وروى مغيرة عن إبراهيم أنه كان يجيز للرجل من البعث
إذا عرضوا على أميرهيم أن يقول :وال ميا أهتدي إل ميا سيدد لي غيري ،ول أركيب إل ميا حملنيي
غيري؛ ونحييو هذا ميين الكلم .قال عبدالملك :يعنييي بقوله (غيري) ال تعالى ،هييو مسييدده وهييو
يحمله؛ فلم يكونوا يرون على الرجل في هذا حنثا في يمينه ،ول كذبا في كلمه ،وكانوا يكرهون
أن يقال هذا فيي خديعية وظلم وجحدان حيق فمين اجترأ وفعيل أثيم فيي خديعتيه ولم تجيب علييه كفارة
في يمينه.
@قوله تعالى" :ولكن من شرح بالكفر صدرا" أي وسعه لقبول الكفر ،ول يقدر أحد على ذلك إل
ال؛ فهيو يرد على القدريية .و(صيدرا) نصيب على المفعول" .فعليهيم غضيب مين ال ولهيم عذاب
عظيم" وهو عذاب جهنم.
**3اليات{ 109 - 107 :ذلك بأنهم استحبوا الحياة الدنيا على الخرة وأن ال ل يهدي القوم
الكافرين ،أولئك الذين طبع ال على قلوبهم وسمعهم وأبصارهم وأولئك هم الغافلون ،ل جرم أنهم
في الخرة هم الخاسرون}
@قوله تعالى" :ذلك" أي ذلك الغضب" .بأنهم استحبوا الحياة الدنيا" أي اختاروها على الخرة.
"وأن ال" "أن" في موضع خفض عطفا على "بأنهم" فقال" :أولئك الذين طبع ال على قلوبهم"
أي عيين فهييم المواعييظ" .وسييمعهم" عيين كلم ال تعالى" .وأبصييارهم" عيين النظيير فييي اليات.
"وأولئك هم الغافلون" عما يراد بهم" .ل جرم أنهم في الخرة هم الخاسرون" تقدم.
**3اليية{ 110 :ثيم إن ربيك للذيين هاجروا مين بعيد ميا فتنوا ثيم جاهدوا وصيبروا إن ربيك مين
بعدها لغفور رحيم}
@قوله تعالى" :ثيم إن ربيك للذيين هاجروا مين بعيد ميا فتنوا ثيم جاهدوا وصيبروا" هذا كله فيي
عمار .والمعنى وصبروا على الجهاد؛ ذكره النحاس .وقال قتادة :نزلت فيي قوم خرجوا مهاجرين
إلى المدينة بعد أن فتنهم المشركون وعذبوهم ،وقد تقدم ذكرهم فيي هذه السورة .وقيل :نزلت فيي
ابين أبيي سيرح ،وكان قيد ارتيد ولحيق بالمشركيين فأمير النيبي صيلى ال علييه وسيلم بقتله يوم فتيح
مكية ،فاسيتجار بعثمان فأجاره النيبي صيلى ال علييه وسيلم؛ ذكره النسيائي عين عكرمية عين ابين
عباس قال :فيي سيورة النحيل "مين كفير بال مين بعيد إيمانيه إل مين أكره -إلى قوله -ولهيم عذاب
عظييم" فنسيخ ،واسيتثنى مين ذلك فقال" :ثيم إن ربيك للذيين هاجروا مين بعيد ميا فتنوا ثيم جاهدوا
وصيبروا إن ربيك مين بعدهيا لغفور رحييم" وهيو عبدال بين سيعد بين أبيي سيرح الذي كان على
مصير ،كان يكتيب لرسيول ال صيلى ال علييه وسيلم فأزله الشيطان فلحيق بالكفار فأمير بيه أن يقتيل
يوم الفتيح؛ فاسيتجار له عثمان بين عفان فأجاره رسيول ال صيلى ال علييه وسيلم" .إن ربيك مين
بعدها لغفور رحيم" أي إن ال غفور رحيم في ذلك .أو ذكرهم:
**3اليية{ 111 :يوم تأتيي كيل نفيس تجادل عين نفسيها وتوفيى كيل نفيس ميا عملت وهيم ل
يظلمون}
@قوله تعالى" :يوم تأتيي كيل نفيس تجادل عين نفسيها" أي تخاصيم وتحاج عين نفسيها؛ جاء فيي
الخيبر أن كيل أحيد يقول يوم القيامية :نفسيي نفسيي! مين شدة هول يوم القيمية سيوى محميد صيلى ال
علييه وسيلم فإنيه يسيأل فيي أمتيه .وفيي حدييث عمير أنيه قال لكعيب الحبار :ييا كعيب ،خوّفنيا هيّجنيا
حدّثنيا نبّهنيا .فقال له كعيب :ييا أميير المؤمنيين ،والذي نفسيي بيده لو وافييت يوم القيامية بمثيل عميل
سيبعين نبييا لتيت علييك تارات ل يهميك إل نفسيك ،وإن لجهنيم زفرة ل يبقيى ملك مقرب ول نيبي
منتخب إل وقع جاثيا على ركبتيه ،حتى إن إبراهيم الخليل ليدلي بالخلة فيقول :يا رب ،أنا خليلك
إبراهييم ،ل أسيألك اليوم إل نفسيي! قال :ييا كعيب ،أيين تجيد ذلك فيي كتاب ال؟ قال :قوله تعالى:
"يوم تأتي كل نفس تجادل عن نفسها وتوفى كل نفس ما عملت وهم ل يظلمون" .وقال ابن عباس
فيي هذه اليية :ميا تزال الخصيومة بالناس يوم القيامية حتيى تخاصيم الروح الجسيد؛ فتقول الروح:
رب ،الروح منك أنت خلقته ،لم تكن لي يد أبطش بها ،ول رجل أمشي بها ،ول عين أبصر بها،
ول أذن أسييمع بهييا ول عقييل أعقييل بييه ،حتييى جئت فدخلت فييي هذا الجسييد ،فضعييف عليييه أنواع
العذاب ونجني؛ فيقول الجسد :رب ،أنت خلقتني بيدك فكنت كالخشبة ،ليس لي يد أبطش بها ،ول
قدم أسيعى بيه ،ول بصير أبصير بيه ،ول سيمع أسيمع بيه ،فجاء هذا كشعاع النور ،فبيه نطيق لسياني،
وبه أبصرت عيني ،وبه مشت رجلي ،وبه سمعت أذني ،فضعف عليه أنواع العذاب ونجني منه.
قال :فيضرب ال لهما مثل أعمى ومقعدا دخل بستانا فيه ثمار ،فالعمى ل يبصر الثمرة والمقعد
ل ينالها ،فنادى المقعد العمى ايتني فاحملني آكل وأطعمك ،فدنا منه فحمله ،فأصابوا من الثمرة؛
فعلى من يكون العذاب؟ قال :عليكما جميعا العذاب؛ ذكره الثعلبي.
**3اليية{ 112 :وضرب ال مثل قريية كانيت آمنية مطمئنية يأتيهيا رزقهيا رغدا مين كيل مكان
فكفرت بأنعم ال فأذاقها ال لباس الجوع والخوف بما كانوا يصنعون}
@قوله تعالى" :وضرب ال مثل قرية" هذا متصل بذكر المشركين .وكان رسول ال صلى ال
علييه وسيلم دعيا على مشركيي قرييش وقال( :اللهيم اشدد وطأتيك على مضير واجعلهيا عليهيم سينين
كسيني يوسيف) .فابتلوا بالقحيط حتيى أكلوا العظام ،ووجيه إليهيم رسيول ال صيلى ال علييه وسيلم
طعامييا ففرق فيهييم" .كانييت آمنيية" ل يهاج أهلهييا" .يأتيهييا رزقهييا رغدا ميين كييل مكان" ميين البر
والبحر؛ نظيره "يجبى إليه ثمرات كل شيء" [القصص ]57 :الية" .فكفرت بأنعم ال" النعم:
جميع النعمية؛ كالشيد جميع الشدة .وقييل :جميع نعميى؛ مثيل بؤسيى وأبؤس .وهذا الكفران تكذييب
بمحمد صلى ال عليه وسلم" .فأذاقها ال" أي أذاق أهلها" .لباس الجوع والخوف" سماه لباسا لنه
يظهر عليهم من الهزال وشحوبة اللون وسوء الحال ما هو كاللباس" .بما كانوا يصنعون" أي من
الكفر والمعاصي .وقرأه حفص بن غياث ونصر بن عاصم وابن أبي إسحاق والحسن وأبو عمرو
فيما روى عنه عبدالوارث وعبيد وعباس "والخوف" نصبا بإيقاع أذاقها عليه ،عطفا على "لباس
الجوع" وأذاقهيا الخوف .وهيو بعيث النيبي صيلى ال علييه وسيلم سيراياه التيي كانيت تطييف بهيم.
وأصيل الذوق بالفيم ثيم يسيتعار فيوضيع موضيع البتلء .وضرب مكية مثل لغيرهيا مين البلد؛ أي
أنها مع جوار بيت ال وعمارة مسجده لما كفر أهلها أصابهم القحط فكيف بغيرها من القرى .وقد
قييل :إنهيا المدينية ،آمنيت برسيول ال صيلى ال علييه وسيلم ،ثيم كفرت بأنعيم ال لقتيل عثمان بين
عفان ،وميا حدث بهيا بعيد رسيول ال صيلى ال علييه وسيلم مين الفتين .وهذا قول عائشية وحفصية
زوجي النبي صلى ال عليه وسلم .وقيل :إنه مثل مضروب بأي قرية كانت على هذه الصفة من
سائر القرى.
**3الية{ 113 :ولقد جاءهم رسول منهم فكذبوه فأخذهم العذاب وهم ظالمون}
@قوله تعالى" :ولقيد جاءهيم رسيول منهيم فكذبوه" هذا يدل على أنهيا مكية .وهيو قول ابين عباس
ومجاهد وقتادة" .فأخذهم العذاب" وهو الجوع الذي وقع بمكة .وقيل :الشدائد والجوع منها.
**3الية{ 114 :فكلوا مما رزقكم ال حلل طيبا واشكروا نعمة ال إن كنتم إياه تعبدون}
@قوله تعالى" :فكلوا مميا رزقكيم ال" أي كلوا ييا معشير المسيلمين مين الغنائم .وقييل :الخطاب
للمشركيين؛ لن النيبي صيلى ال علييه وسيلم بعيث إليهيم بطعام رقية عليهيم ،وذلك أنهيم لميا ابتلوا
بالجوع سييبع سيينين ،وقطييع العرب عنهييم الميرة بأميير النييبي صييلى ال عليييه وسييلم أكلوا العظام
المحرقيية والجيفيية والكلب الميتيية والجلود والعلهييز ،وهييو الوبر يعالج بالدم .ثييم إن رؤسيياء مكيية
كلموا رسييول ال صييلى ال عليييه وسييلم حييين جهدوا وقالوا :هذا عذاب الرجال فمييا بال النسيياء
والصيبيان .وقال له أبيو سيفيان :ييا محميد ،إنيك جئت تأمير بصيلة الرحيم والعفيو ،وإن قوميك قيد
هلكوا؛ فادع ال لهيم .فدعيا لهيم رسيول ال صيلى ال علييه وسيلم ،وأذن للناس بحميل الطعام إليهيم
وهم بعد مشركون.
**3الية{ 115 :إنما حرم عليكم الميتة والدم ولحم الخنزير وما أهل لغير ال به فمن اضطر
غير باغ ول عاد فإن ال غفور رحيم}
@ تقدم في "البقرة" القول فيها مستوفى.
**3اليتان{ 117 - 116 :ول تقولوا لما تصف ألسنتكم الكذب هذا حلل وهذا حرام لتفتروا
على ال الكذب إن الذين يفترون على ال الكذب ل يفلحون ،متاع قليل ولهم عذاب أليم}
@قوله تعالى" :لميا تصيف" ميا هنيا مصيدرية ،أي لوصيف .وقييل :اللم لم سيبب وأجيل ،أي ل
تقول لجل وصيفكم "الكذب" بنزع الخافض ،،أي لميا تصيف ألسنتكم مين الكذب .وقرئ "الكذب"
بضيم الكاف والذال والباء ،نعتيا لللسينة .وقرأ الحسين هنيا خاصية "الكذب" بفتيح الكاف وخفيض
الذال والباء ،نعتيا "لميا"؛ التقديير :ول تقولوا لوصيف ألسينتكم الكذب .وقييل على البدل مين ميا؛ أي
ول تقولوا للكذب الذي تصيفه ألسينتكم هذا حلل وهذا حرام لتفتروا على ال الكذب .اليية خطاب
للكفار الذييين حرموا البحائر والسييوائب وأحلوا مييا فييي بطون النعام وإن كان ميتيية .فقوله تعالى:
"هذا حلل" إشارة إلى ميتية بطون النعام ،وكيل ميا أحلوه" .وهذا حرام" إشارة إلى البحائر
والسيوائب وكيل ميا حرموه" .إن الذيين يفترون على ال الكذب ل يفلحون ،متاع قلييل" أي ميا هيم
فيه من نعيم الدنيا يزول عن قريب .وقال الزجاج :أي متاعهم متاع قليل .وقيل :لهم متاع قليل ثم
يردون إلى عذاب أليم.
@ أسيند الدارميي أبيو محميد فيي مسينده أخبرنيا هارون عين حفيص عين العميش قال :ميا سيمعت
إبراهيييم قييط يقول حلل ول حرام ،ولكيين كان يقول :كانوا يكرهون وكانوا يسييتحبون .وقال ابيين
وهييب قال مالك :لم يكيين ميين فتيييا الناس أن يقولوا هذا حلل وهذا حرام ،ولكيين يقولوا إياكييم كذا
وكذا ،ولم أكن لصنع هذا .ومعنى هذا :أن التحليل والتحريم إنما هو ل عز وجل ،وليس لحد أن
يقول أو يصيرح بهذا فيي عيين مين العيان ،إل أن يكون البارئ تعالى يخيبر بذلك عنيه .وميا يؤدي
إلييه الجتهاد فيي أنيه حرام يقول :إنيي أكره كذا .وكذلك كان مالك يفعيل اقتداء بمين تقدم مين أهيل
الفتوى .فإن قييل :فقيد قال فيمين قال لزوجتيه أنيت علي حرام إنهيا حرام ويكون ثلثيا .فالجواب أن
مالكيا لميا سيمع علي بين أبيي طالب يقول إنهيا حرام اقتدى بيه .وقيد يقوى الدلييل على التحرييم عنيد
المجتهيد فل بأس عنيد ذلك أن يقول ذلك ،كميا يقول إن الربيا حرام فيي غيير العيان السيتة ،وكثيرا
ميا يطلق مالك رحميه ال؛ فذلك حرام ل يصيلح فيي الموال الربويية وفيميا خالف المصيالح وخرج
عن طريق المقاصد لقوة الدلة في ذلك.
**3الية{ 118 :وعلى الذين هادوا حرمنا ما قصصنا عليك من قبل وما ظلمناهم ولكن كانوا
أنفسهم يظلمون}
@قوله تعالى" :وعلى الذيين هادوا" بيين أن النعام والحرث حلل لهذه المية ،فأميا اليهود
فحرمييت عليهييم منهيا أشياء" .حرمنيا ميا قصييصنا علييك مين قبيل" أي فييي سيورة النعام" .وميا
ظلمناهم" أي بتحريم ما حرمنا عليهم ،ولكن ظلموا أنفسهم فحرمنا عليهم تلك الشياء عقوبة لهم؛
كما تقدم في "النساء".
**3الية{ 119 :ثم إن ربك للذين عملوا السوء بجهالة ثم تابوا من بعد ذلك وأصلحوا إن ربك
من بعدها لغفور رحيم}
@قوله تعالى" :ثيم إن ربيك للذيين عملوا السيوء" أي الشرك؛ قاله ابين عباس .وقيد تقدم فيي
"النساء".
**3الية{ 120 :إن إبراهيم كان أمة قانتا ل حنيفا ولم يك من المشركين}
@قوله تعالى" :إن إبراهييم كان أمية قانتيا ل حنيفيا" دعيا علييه السيلم مشركيي العرب إلى ملة
إبراهيييم؛ إذ كان أباهييم وبانييي البيييت الذي بييه عزهييم؛ والميية :الرجييل الجامييع للخييير ،وقييد تقدم
محامله .وقال ابين وهيب وابين القاسيم عين مالك قال :بلغنيي أن عبدال بين مسيعود قال :يرحيم ال
معاذا! كان أمة قانتا .فقيل له :يا أبا عبدالرحمن ،إنما ذكر ال عز وجل بهذا إبراهيم عليه السلم.
فقال ابين مسيعود :إن المية الذي يعلم الناس الخيير ،وإن القانيت هيو المطييع .وقيد تقدم القنوت فيي
"البقرة" و"حنيفا" في "النعام".
**3اليتان{ 122 - 121 :شاكرا لنعميه اجتباه وهداه إلى صيراط مسيتقيم ،وآتيناه فيي الدنييا
حسنة وإنه في الخرة لمن الصالحين}
@قوله تعالى" :شاكرا" أي كان شاكرا" .لنعميه" النعيم جميع نعمية ،وقيد تقدم" .اجتباه" أي
اختاره " .وهداه إلى صييراط مسييتقيم ،وآتيناه فييي الدنيييا حسيينة" قيييل :الولد الطيييب .وقيييل الثناء
الحسن .وقيل :النبوة .وقيل :الصلة مقرونة بالصلة على محمد عليه السلم في التشهد .وقيل :إنه
ليس أهل دين إل وهم يتولونه .وقيل :بقاء ضيافته وزيارة قبره .وكل ذلك أعطاه ال وزاده صلى
ال عليه وسلم" .وإنه فيي الخرة لمن الصالحين" "من" بمعنى مع ،أي مع الصالحين؛ لنه كان
في الدنيا أيضا مع الصالحين .وقد تقدم.
**3الية{ 123 :ثم أوحينا إليك أن اتبع ملة إبراهيم حنيفا وما كان من المشركين}
@ قال ابين عمير :أمير باتباعيه فيي مناسيك الحيج كميا علم إبراهييم جبرييل عليهميا السيلم .وقال
الطبري :أمر باتباعه في التبرؤ من الوثان والتزين بالسلم .وقيل :أمر باتباعه في جميع ملته
إل ميا أمير بتركيه؛ قاله بعيض أصيحاب الشافعيي على ميا حكاه الماوردي .والصيحيح التباع فيي
عقائد الشرع دون الفروع؛ لقوله تعالى" :لكل جعلنا منكم شرعة ومنهاجا" [المائدة.]48 :
مسألة :في هذه الية دليل على جواز اتباع الفضل للمفضول -لما تقدم في الصول -والعمل
به ،ول درك على الفاضل في ذلك؛ لن النبي صلى ال عليه وسلم أفضل النبياء عليهم السلم،
وقد أمر بالقتداء بهم فقال" :فبهداهم اقتده" [النعام .]90 :وقال هنا" :ثم أوحينا إليك أن اتبع ملة
إبراهيم".
**3الية{ 124 :إنما جعل السبت على الذين اختلفوا فيه وإن ربك ليحكم بينهم يوم القيامة فيما
كانوا فيه يختلفون}
@قوله تعالى" :إنميا جعيل السيبت على الذيين اختلفوا فييه" أي لم يكين فيي شرع إبراهييم ول فيي
دينييه ،بييل كان سييمحا ل تغليييظ فيييه ،وكان السييبت تغليظييا على اليهود فييي رفييض العمال وترك
التبسييط فيي المعاش بسيبب اختلفهيم فييه ،ثيم جاء عيسيى علييه السيلم بيوم الجمعية فقال :تفرغوا
للعبادة فيي كيل سيبعة أيام يوميا واحدا .فقالوا :ل نرييد أن يكون عيدهيم بعيد عيدنيا ،فاختاروا الحيد.
وقيد اختلف العلماء فيي كيفيية ميا وقيع لهيم مين الختلف؛ فقالت طائفية :إن موسيى علييه السيلم
أمرهم بيوم الجمعة وعينه لهم ،وأخبرهم بفضيلته على غيره ،فناظروه أن السبت أفضل؛ فقال ال
له( :دعهيم وميا اختاروا لنفسيهم) .وقييل :إن ال تعالى لم يعينيه لهيم ،وإنميا أمرهيم بتعظييم يوم فيي
الجمعية فاختلف اجتهادهيم فيي تعيينيه ،فعينيت اليهود السيبت؛ لن ال تعالى فرغ فييه مين الخلق.
وعينيت النصيارى يوم الحيد؛ لن ال تعالى بدأ فييه بالخلق .فألزم كيل منهيم ميا أداه إلييه اجتهاده.
وعيين ال لهذه المية يوم الجمعية مين غيير أن يكلهيم إلى اجتهادهيم فضل منيه ونعمية ،فكانيت خيير
المم أمة .روى الصحيح عن أبي هريرة قال قال رسول ال صلى ال عليه وسلم( :نحن الخرون
الولون يوم القيامة ونحن أول من يدخل الجنة بييد أنهيم أوتوا الكتاب من قبلنا وأوتيناه من بعدهيم
فاختلفوا فيه فهدانا ال لما اختلفوا فيه من الحق فهذا يومهم الذي اختلفوا فيه فهدانا ال له -قال يوم
الجمعية -فاليوم لنيا وغدا لليهود وبعيد غيد للنصيارى) فقوله( :فهذا يومهيم الذي اختلفوا فييه) يقوي
قول مين قال :إنيه لم يعيين لهيم؛ فإنيه لو عيين لهيم وعاندوا لميا قييل (اختلفوا) .وإنميا كان ينبغيي أن
يقال فخالفوا فييه وعاندوا .ومميا يقوييه أيضيا قوله علييه السيلم( :أضيل ال عين الجمعية مين كان
قبلنا) .وهذا نص في المعنى .وقد جاء في بعض طرقه (فهذا يومهم الذي فرض ال عليهم اختلفوا
فييه) .وهيو حجية للقول الول .وقيد روي( :إن ال كتيب الجمعية على مين كان قبلنيا فاختلفوا فييه
وهدانا ال له فالناس لنا فيه تبع).
@قوله تعالى" :على الذين اختلفوا فيه" يريد في يوم الجمعة كما بيناه؛ اختلفوا على نبيهم موسى
وعيسى .ووجه التصال بما قبله أن النبي صلى ال عليه وسلم أمر باتباع الحق ،وحذر ال المة
من الختلف عليه فيشدد عليهم كما شدد على اليهود.
**3الية{ 125 :ادع إلى سبيل ربك بالحكمة والموعظة الحسنة وجادلهم بالتي هي أحسن إن
ربك هو أعلم بمن ضل عن سبيله وهو أعلم بالمهتدين}
@ هذه اليية نزلت بمكية فيي وقيت المير بمهادنية قرييش ،وأمره أن يدعيو إلى ديين ال وشرعيه
بتلطيف وليين دون مخاشنية وتعنييف ،وهكذا ينبغيي أن يوعيظ المسيلمون إلى يوم القيامية 0فهيي
محكمية فيي جهية العصياة مين الموحديين ،ومنسيوخة بالقتال فيي حيق الكافريين .وقيد قييل :إن مين
أمكنت معه هذه الحوال من الكفار ورجي إيمانه بها دون قتال فهي فيه محكمة .وال أعلم.
**3الية{ 126 :وإن عاقبتم فعاقبوا بمثل ما عوقبتم به ولئن صبرتم لهو خير للصابرين}
@ أطبيق جمهور أهيل التفسيير أن هذه اليية مدنيية ،نزلت فيي شأن التمثييل بحمزة فيي يوم أحيد،
ووقع ذلك فيي صحيح البخاري وفي كتاب السير .وذهب النحاس إلى أنها مكية ،والمعنيى متصل
بميا قبلهيا مين المكيي اتصيال حسينا؛ لنهيا تتدرج الرتيب من الذي يُدعيى ويُوعيظ ،إلى الذي يجادل،
إلى الذي يجازى على فعله .ولكين ميا روى الجمهور أثبيت .روى الدارقطنيي عين ابين عباس قال:
لما انصرف المشركون عن قتلى أحد انصرف رسول ال صلى ال عليه وسلم فرأى منظرا ساءه
رأى حمزة قد شُق بطنه ،واصطلم أنفه ،وجدعت أذناه ،فقال( :لول أن يحزن النساء أو تكون سنة
بعدي لتركتيه حتيى يبعثيه ال مين بطون السيباع والطيير لمثلن مكانيه بسيبعين رجل) ثيم دعيا بيبردة
وغطيى بهيا وجهيه ،فخرجيت رجله فغطيى رسيول ال صيلى ال علييه وسيلم وجهيه وجعيل على
رجليه من الذخر ،ثم قدمه فكبر عليه عشرا ،ثم جعل يجاء بالرجل فيوضع وحمزة مكانه ،حتى
صيلى علييه سيبعين صيلة ،وكان القتلى سيبعين ،فلميا دفنوا وفرغ منهيم نزلت هذه اليية" :ادع إلى
سيبيل ربيك بالحكمية والموعظية الحسينة -إلى قوله -وأصيبر وميا صيبرك إل بال" فصيبر .رسيول
ال صيلى ال علييه وسيلم ولم يمثيل بأحيد .خرجيه إسيماعيل بين إسيحاق مين حدييث أبيي هريرة،
وحدييث ابين عباس أكميل .وحكيى الطيبري عين فرقية أنهيا قالت :إنميا نزلت هذه اليية فيمين أصييب
بظلمة أل ينال من ظالمه إذا تمكن إل مثل ظلمته ل يتعداه إلى غيره .وحكاه الماوردي عن ابن
سيرين ومجاهد.
@ واختلف أهل العلم فيمن ظلمه رجل في أخذ مال ثم ائتمن الظالم المظلوم على مال ،هل يجوز
له خيانتيه فيي القدر الذي ظلميه؛ فقالت فرقية :له ذلك؛ منهيم ابين سييرين وإبراهييم النخعيي وسيفيان
ومجاهيد؛ واحتجيت بهذه اليية وعموم لفظهيا .وقال مالك وفرقية معيه :ل يجوز له ذلك؛ واحتجوا
بقول رسييول ال صييلى ال عليييه وسييلم( :أد المانيية إلى ميين ائتمنييك ول تخيين ميين خانييك) .رواه
الدارقطنيي .ووقيع فيي مسيند ابين إسيحاق أن هذا الحدييث إنميا ورد فيي رجيل زنيى بامرأة آخير ،ثيم
تمكين الخير مين زوجية الثانيي بأن تركهيا عنده وسيافر؛ فاسيتشار ذلك الرجيل رسيول ال صيلى ال
علييه وسيلم فيي المير فقال له( :أد المانية إلى مين ائتمنيك ول تخين مين خانيك) .وعلى هذا يتقوى
قول مالك فييي أميير المال؛ لن الخيانيية لحقيية فييي ذلك ،وهييي رذيلة ل انفكاك عنهييا ،فينبغييي أن
يتجنبها لنفسه؛ فإن تمكن من النتصاف من مال لم يأتمنه عليه فيشبه أن ذلك جائز وكأن ال حكم
له؛ كما لو تمكن الخذ بالحكم من الحاكم .وقد قيل :إن هذه الية منسوخة ،نسختها "واصبر وما
صبرك إل بال".
@ في هذه الية دليل على جواز التماثل في القصاص؛ فمن قتل بحديدة قتل بها .ومن قتل بحجر
قتل به ،ول يتعدى قدر الواجب ،وقد تقدم.
@ سمى ال تعالى الذايات في هذه الية عقوبة ،والعقوبة حقيقة إنما هي الثانية ،وإنما فعل ذلك
ليسييتوي اللفظان وتتناسييب ديباجيية القول ،وهذا بعكييس قوله" :ومكروا ومكيير ال" [آل عمران:
]54وقوله" :ال يستهزئ بهم" [البقرة ]15 :فإن الثاني هنا هو المجاز والول هو الحقيقة؛ قاله
ابن عطية.
**3اليتان{ 128 - 127 :واصيبر وميا صيبرك إل بال ول تحزن عليهيم ول تيك فيي ضييق
مما يمكرون ،إن ال مع الذين اتقوا والذين هم محسنون}
@ قال ابين زييد :هيي منسيوخة بالقتال .وجمهور الناس على أنهيا محكمية .أي اصيبر بالعفيو عين
المعاقبة بمثل ما عاقبوا في المثلة" .ول تحزن عليهم" أي على قتلى أحد فإنهم صاروا إلى رحمة
ال" .ول تكن في ضيق" ضيق جمع ضيقة؛ قال الشاعر:
كشف الضيقة عنا وفسح
وقراءة الجمهور بفتيح الضاد .وقرأ ابين كثيير بكسير الضاد ،وروييت عين نافيع ،وهيو غلظ ممين
رواه .قال بعييض اللغويييين :الكسيير والفتييح فييي الضاد لغتان فييي المصييدر .قال الخفييش :الضيييق
والضييق مصيدر ضاق يضييق .والمعنيى :ل يضييق صيدرك مين كفرهيم .وقال الفراء :الضييق ميا
ضاف عنيه صيدرك ،والضييق ميا يكون فيي الذي يتسيع ويضييق؛ مثيل الدار والثواب .وقال ابين
السيكيت :هميا سيواء؛ يقال :فيي صيدره ضييق وضييق .القتيبي :ضييق مخفيف ضييق؛ أي ل تكن فيي
أمر ضيق فخفف؛ مثل هين وهين .وقال ابن عرفة :يقال ضاق الرجل إذا بخل ،وأضاق إذا افتقر.
وقوله" :إن ال مييع الذييين اتقوا والذييين هييم محسيينون" أي الفواحييش والكبائر بالنصيير والمعونيية
والفضييل والبر والتأييييد .وتقدم معنييى الحسييان .وقيييل لهَرم بيين حِبان عنييد موتييه :أوصيينا؛ فقال:
أوصيكم بآيات ال وآخر سورة النحل "ادع إلى سبيل ربك" إلى آخرها.
**2سورة السراء
**3مقدمة السورة
@ هذه السيورة مكيية ،إل ثلث آيات :قوله عيز وجيل (وإن كادوا ليسيتفزونك) [السيراء]76 :
حييين جاء رسييول ال صييلى ال عليييه وسييلم وفييد ثقيييف ،وحييين قالت اليهود :ليسييت هذه بأرض
النيبياء .وقوله عيز وجيل( :وقيل رب أدخلنيي مدخيل صيدق وأخرجنيي مخرج صيدق) [السيراء:
]80وقوله تعالى (إن ربيك أحاط بالناس) [السيراء ]60 :اليية .وقال مقاتيل :وقوله عيز وجيل
(إن الذين أوتوا العلم من قبله) [السراء ]107 :الية .وقال ابن مسعود رضي ال عنه في بني
إسرائيل والكهف ومريم :إنهن من العتاق الول ،وهن من تلدي؛ يريد من قديم كسبه.
**3اليية{ 1 :سيبحان الذي أسيرى بعبده ليل مين المسيجد الحرام إلى المسيجد القصيى الذي
باركنا حوله لنريه من آياتنا إنه هو السميع البصير}
@قوله تعالى" :سيبحان" (سيبحان) اسيم موضوع موضيع المصيدر ،وهيو غيير متمكين؛ لنيه ل
يجرى بوجوه العراب ،ول تدخيل علييه اللف واللم ،ولم يجير منيه فعيل ،ولم ينصيرف لن فيي
آخره زائدتيين ،تقول :سيبحت تسيبيحا وسيبحانا ،مثيل كفرت اليميين تكفيرا وكفرانيا .ومعناه التنزييه
والبراءة ل عز وجل من كل نقص .فهو ذكر عظيم ل تعالى ل يصلح لغيره؛ فأما قول ا لشاعر:
سبحان من علقمة الفاخر أقول لما جاءني فخره
فإنميا ذكره على طريييق النادر .وقيد روى طلحية بين عيبيدال الفياض أحيد العشرة أنيه قال للنيبي
صيلى ال علييه وسيلم :ميا معنيى سيبحان ال؟ فقال( :تنزييه ال مين كيل سيوء) .والعاميل فييه على
مذهييب سيييبويه الفعييل الذي ميين معناه ل ميين لفظييه ،إذ لم يجيير ميين لفظييه فعييل ،وذلك مثييل قعييد
القرفصيياء ،واشتمييل الصييماء؛ فالتقدييير عنده :أنزه ال تنزيهييا؛ فوقييع (سييبحان ال) مكان قولك
تنزيها.
@قوله تعالى" :أسرى بعبده" "أسرى" فيه لغتان :سرى وأسرى؛ كسقى وأسقى ،كما تقدم .قال:
تزجي الشمال عليه جامد البرد أسرت عليه من الجوزاء سارية
وقال آخر:
أسرت إلي ولم تكن تسري حي النضيرة ربة الخدر
فجميع بيين اللغتيين فيي البيتيين .والسيراء :سيير اللييل؛ يقال :سيريت مسيرى وسيرى ،وأسيريت
إسراء؛ قال الشاعر:
ولم يلتني من سراها ليت وليلة ذات ندى سريت
وقيل :أسرى سار من أول الليل ،وسرى سار من آخره؛ والول أعرف.
@قوله تعالى" :بعبده" قال العلماء :لو كان للنبي صلى ال عليه وسلم اسم أشرف منه لسماه به
في تلك الحالة العلية .وفي معناه أنشدوا:
يعرفه السامع والرائي يا قوم قلبي عند زهراء
فإنه أشرف أسمائي ل تدعني إل بيا عبدها
وقيد تقدم .قال القشيري :لميا رفعيه ال تعالى إلى حضرتيه السينية ،وأرقاه فوق الكواكيب العلويية،
ألزمه اسم العبودية تواضعا للمة.
@ ثبت السراء في جميع مصنفات الحديث ،وروي عن الصحابة في كل أقطار السلم فهو من
المتواتر بهذا الوجه .وذكر النقاش :ممن رواه عشرين صحابيا .روى الصحيح عن أنس بن مالك
أن رسول ال صلى ال عليه وسلم قال( :أتيت بالبراق وهو دابة أبيض طويل فوق الحمار ودون
البغيل يضيع حافره عنيد منتهيى طرفيه -قال -فركبتيه حتييى أتييت بييت المقدس -قال -فربطتيه
بالحلقية التيي تربيط بهيا النيبياء -قال -ثيم دخلت المسيجد فصيليت فييه ركعتيين ثيم خرجيت فجاءنيي
جبريل عليه السلم بإناء من خمر وإناء من لبن فاخترت اللبن فقال جبريل اخترت الفطرة -قال -
ثييم عرج بنييا إلى السييماء )...وذكيير الحديييث .وممييا ليييس فييي الصييحيحين مييا خرجييه الجري
والسيمرقندي ،قال الجري عين أبيي سيعيد الخدري فيي قوله تعالى "سيبحان الذي أسيرى بعبده ليل
من المسجد الحرام إلى المسجد القصى الذي باركنا حوله" قال أبو سعيد :حدثنا رسول ال صلى
ال علييه وسيلم عين ليلة أسيري بيه ،قال النيبي صيلى ال علييه وسيلم( :أتييت بدابية هيي أشبيه الدواب
بالبغل له أذنان يضطربان وهو البراق الذي كانت النبياء تركبه قبل فركبته فانطلق تقع يداه عند
منتهى بصره فسمعت نداء عن يميني يا محمد على رسلك حتى أسألك فمضيت ولم أعرج عليه ثم
سيمعت نداء عين يسياري ييا محميد على رسيلك فمضييت ولم أعرج علييه ثيم اسيتقبلتني امرأة عليهيا
مين كيل زينية الدنييا رافعية يديهيا تقول على رسيلك حتيى أسيألك فمضييت ولم أعرج ثيم أتييت بييت
المقدس القصى فنزلت عن الدابة فأوثقته في الحلقة التي كانت النبياء توثق بها ثم دخلت المسجد
وصيليت فييه فقال لي جبرييل علييه السيلم ميا سيمعت ييا محميد فقلت نداء عين يمينيي ييا محميد على
رسلك حتى أسألك فمضيت ولم أعرج فقال ذلك داعي اليهود ولو وقفت لتهودت أمتك -قال -ثم
سييمعت نداء عيين يسيياري على رسييلك حتييى أسييألك فمضيييت ولم أعرج عليييه فقال ذلك داعييي
النصيارى أميا إنيك لو وقفيت لتنصيرت أمتيك -قال -ثيم اسيتقبلتني امرأة عليهيا مين كيل زينية الدنييا
رافعية يديهيا تقول على رسيلك فمضييت ولم أعرج عليهيا فقال تلك الدنييا لو وقفيت لخترت الدنييا
على الخرة -قال -ثيم أتييت بإناءيين أحدهما فيه لبين والخير فيه خمير فقييل لي خذ فاشرب أيهما
شئت فأخذت اللبين فشربتيه فقال لي جبرييل أصيبت الفطرة ولو أنيك أخذت الخمير غوت أمتيك ثيم
جاء بالمعراج الذي تعرج فييه أرواح بنيي آدم فإذا هيو أحسين ميا رأييت أو لم تروا إلى المييت كييف
يحيد بصيره إلييه فعرج بنيا حتيى أتينيا باب السيماء الدنييا فاسيتفتح جبرييل فقييل مين هذا قال جبرييل
قالوا ومن معك قال محمد قالوا وقد أرسل إليه؟ قال نعم ففتحوا لي وسلموا علي وإذا ملك يحرس
السيماء يقال له إسيماعيل معه سيبعون ألف ملك ميع كيل ملك مائة ألف -قال -وميا يعلم جنود ربيك
إل هو )...وذكر الحديث إلى أن قال( :ثم مضينيا إلى السماء الخامسية وإذا أنيا بهارون بن عمران
المحب في قومه وحوله تبع كثير من أمته فوصفه النبي صلى ال عليه وسلم وقال طويل اللحية
تكاد لحيته تضرب في سرته ثم مضينا إلى السماء السادسة فإذا أنا بموسى فسلم علي ورحب بي
-فوصفه النبي صلى ال عليه وسلم فقال -رجل كثير الشعر ولو كان عليه قميصان خرج شعره
منهما )...الحديث.
وروى البزار أن رسول ال صلى ال عليه وسلم أتي بفرس فحمل عليه ،كل خطوة منه أقصى
بصره ...وذكر الحديث .وقد جاء في صفة البراق من حديث ابن عباس قال قال رسول ال صلى
ال علييه وسيلم( :بينيا أنيا نائم فيي الحجير إذ أتانيي آت فحركنيي برجله فاتبعيت الشخيص فإذا هيو
جبرييل علييه السيلم قائم على باب المسيجد معيه دابية دون البغيل وفوق الحمار وجههيا وجيه إنسيان
وخفهيا خيف حافير وذنبهيا ذنيب ثور وعرفهيا عرف الفرس فلميا أدناهيا منيي جبرييل علييه السيلم
نفرت ونفشت عرفها فمسحها جبريل عليه السلم وقال يا برقة ل تنفري من محمد فوال ما ركبك
ملك مقرب ول نيبي مرسيل أفضيل مين محميد صيلى ال علييه وسيلم ول أكرم على ال منيه قالت قيد
علمت أنه كذلك وأنه صاحب الشفاعة وإني أحب أن أكون في شفاعته فقلت أنت في شفاعتي إن
شاء ال تعالى )...الحديث .وذكر أبو سعيد عبدالملك بن محمد النيسابوري عن أبي سعيد الخدري
قال :لما مر النبي صلى ال عليه وسلم بإدريس عليه السلم في السماء الرابعة قال :مرحبا بالخ
الصيالح والنيبي الصيالح الذي وعدنيا أن نراه فلم نره إل الليلة قال فإذا فيهيا مرييم بنيت عمران لهيا
سيبعون قصيرا مين لؤلؤ ولم موسيى بين عمران سيبعون قصيرا مين مرجانية حمراء مكللة باللؤلؤ
أبوابها وأسرتها من عرق واحد فلما عرج المعراج إلى السماء الخامسة وتسبيح أهلها سبحان من
جميع بيين الثلج والنار مين قالهيا مرة واحدة كان له مثيل ثوابهيم اسيتفتح الباب جبرييل علييه السيلم
ففتح له فإذا هو بكهل لم ير قط كهل أجمل منه عظيم العينين تضرب لحيته قريبا من سرته قد كان
أن تكون شمطيه وحوله قوم جلوس يقيص عليهيم فقلت ييا جبرييل مين هذا قال هارون المحيب فيي
قومه )..وذكر الحديث.
فهذه نبذة مختصرة من أحاديث السراء خارجة عن الصحيحين ،ذكرها أبو الربيع سليمان ابن
سييبع بكمالهييا فييي كتاب (شفاء الصييدور) له .ول خلف بييين أهييل العلم وجماعيية أهييل السييير أن
الصيلة إنميا فرضيت على النيبي صيلى ال علييه وسيلم بمكية فيي حيين السيراء حيين عرج بيه إلى
السماء .واختلفوا في تاريخ السراء وهيئة الصلة ،وهل كان إسراء بروحه أو جسده؛ فهذه ثلث
مسييائل تتعلق بالييية ،وهييي ممييا ينبغييي الوقوف عليهييا والبحييث عنهييا ،وهييي أهييم ميين سييرد تلك
الحاديث ،وأنا أذكر ما وقفت عليه فيها من أقاويل العلماء واختلف الفقهاء بعون ال تعالى.
فأميا المسيألة الولى :وهيي هيل كان إسيراء بروحيه أو جسيده؛ اختلف فيي ذلك السيلف والخلف،
فذهبيت طائفية إلى أنيه إسيراء بالروح ،ولم يفارق شخصيه مضجعيه ،وأنهيا كانيت رؤييا رأى فيهيا
الحقائق ،ورؤييا النيبياء حيق .ذهيب إلى هذا معاويية وعائشية ،وحكيي عين الحسين وابين إسيحاق.
وقالت طائفية :كان السيراء بالجسيد يقظية إلى بييت المقدس ،وإلى السيماء بالروح؛ واحتجوا بقوله
تعالى" :سيبحان الذي أسيرى بعبده ليل مين المسيجد الحرام إلى المسيجد القصيى" فجعيل المسيجد
القصى غاية السراء .قالوا :ولو كان السراء بجسده إلى زائد على المسجد القصى لذكره ،فإنه
كان يكون أبلغ في المدح .وذهب معظم السلف والمسلمين إلى أنه كان إسراء بالجسد وفي اليقظة،
وأنيه ركيب البراق بمكية ،ووصيل إلى بييت المقدس وصيلى فييه ثيم أسيري بجسيده .وعلى هذا تدل
الخبار التيي أشرنيا إليهيا واليية .ولييس فيي السيراء بجسيده وحال يقظتيه اسيتحالة ،ول يعدل عين
الظاهير والحقيقية إلى التأوييل إل عنيد السيتحالة ،ولو كان مناميا لقال بروح عبده ولم يقيل بعبده.
وقوله "ميا زاغ البصير وميا طغيى" [النجيم ]17 :يدل على ذلك .ولو كان مناما لما كانت فيه آية
ول معجزة ،ولميا قالت له أم هانيئ :ل تحدث الناس فيكذبوك ،والفضيل أبيو بكير بالتصيديق ،ولميا
أمكن قريشا التشنيع والتكذيب ،وقد كذبه قريش فيما أخبر به حتى ارتد أقوام كانوا آمنوا ،فلو كان
بالرؤييا لم يسيتنكر ،وقيد قال له المشركون :إن كنيت صيادقا فخبرنيا عين عيرنيا ابين لقيتهيا؟ قال:
(بمكان كذا وكذا مررت عليها ففزع فلن) فقيل له :ما رأيت يا فلن ،قال :ما رأيت شيئا! غير أن
البل قد نفرت .قالوا :فأخبرنا متى تأتينا العير؟ قال( :تأتيكم يوم كذا وكذا) .قالوا :أية ساعة؟ قال:
(ميا أدري ،طلوع الشميس مين هيا هنيا أسيرع أم طلوع العيير مين هيا هنيا) .فقال رجيل :ذلك اليوم؟
هذه الشمس قد طلعت .وقال رجل :هذه عيركم قد طلعت ،واستخبروا النبي صلى ال عليه وسلم
عن صفة بيت المقدس فوصفه لهم ولم يكن رآه قبل ذلك .روى الصحيح عن أبي هريرة قال قال
رسول ال صلى ال عليه وسلم( :لقد رأيتني في الحجر وقريش تسألني عن مسراي فسألتني عن
أشياء من بيت المقدس لم أثبتها فكربت كربا ما كربت مثله قط -قال -فرفعه ال لي أنظر إليه فما
سألوني عن شيء إل أنبأتهم به )...الحديث .وقد اعترض قول عائشة ومعاوية (إنما أسري بنفس
رسيول ال صيلى ال علييه وسيلم (بأنهيا كانيت صيغيرة لم تشاهيد ،ول حدثيت عين النيبي صيلى ال
علييه وسيلم .وأميا معاويية فكان كافرا فيي ذلك الوقيت غيير مسيتشهد للحال ،ولم يحدث عين النيبي
صلى ال عليه وسلم .ومن أراد الزيادة على ما ذكرنا فليقف على (كتاب الشفاء) للقاضي عياض
يجد من ذلك الشفاء .وقد احتج لعائشة بقوله تعالى" :وما جعلنا الرؤيا التي أريناك إل فتنة للناس"
[السراء ]60 :فسماها رؤيا .وهذا يرده قوله تعالى" :سيبحان الذي أسرى بعبده ليل" ول يقال
فيي النوم أسيرى .وأيضيا فقيد يقال لرؤيية العيين :رؤييا ،على ميا يأتيي بيانيه فيي هذه السيورة .وفيي
نصيوص الخبار الثابتية دللة واضحية على أن السيراء كان بالبدن ،وإذا ورد الخيبر بشييء هيو
مجوز فيي العقيل فيي قدرة ال تعالى فل طرييق إلى النكار ،ل سييما فيي زمين خرق العوائد ،وقيد
كان للنبي صلى ال عليه وسلم معارج؛ فل يبعد أن يكون البعض بالرؤيا ،وعليه يحمل قوله عليه
السيلم فيي الصيحيح( :بينيا أنيا عنيد البييت بيين النائم واليقظان )...الحدييث .ويحتميل أن يرد مين
السراء إلى نوم .وال أعلم.
@ فيي تارييخ السيراء ،وقيد اختلف العلماء فيي ذلك أيضيا ،واختلف فيي ذلك على ابين شهاب؛
فروى عنه موسى بن عقبة أنه أسري به إلى بيت المقدس قبل خروجه إلى المدينة بسينة .وروى
عنيه يونيس عين عروة عين عائشية قالت :توفييت خديجية قبيل أن تفرض الصيلة .قال ابين شهاب:
وذلك بعد مبعث النبي صلى ال عليه وسلم بسبعة أعوام .وروي عن الوقاصي قال :أسري به بعد
مبعثيه بخميس سينين .قال ابين شهاب :وفرض الصييام بالمدينية قبيل بدر ،وفرضيت الزكاة والحيج
بالمدينية ،وحرميت الخمير بعيد أحيد .وقال ابين إسيحاق :أسيري بيه مين المسيجد الحرام إلى المسيجد
القصيى وهيو بييت المقدس ،وقيد فشيا السيلم بمكية فيي القبائل .وروى عنيه يونيس بين بكيير قال:
صلت خديجة مع النبي صلى ال عليه وسلم .وسيأتي .قال أبو عمر :وهذا يدلك على أن السراء
كان قبل الهجرة بأعوام؛ لن خديجة قد توفيت قبل الهجرة بخمس سنين وقيل بثلث وقيل بأربع.
وقول ابيين إسييحاق مخالف لقول ابيين شهاب ،على أن ابيين شهاب قييد اختلف عنييه كمييا تقدم .وقال
الحربي :أسري به ليلة سبع وعشرين من شهر ربيع الخر قبل الهجرة بسنة .وقال أبو بكر محمد
بن علي ابن القاسم الذهبي في تاريخه :أسري به من مكة إلى بيت المقدس ،وعرج به إلى السماء
بعد مبعثه بثمانية عشر شهرا .قال أبو عمر :ل أعلم أحدا من أهل السير قال ما حكاه الذهبي ،ولم
يسند قول إلى أحد ممن يضاف إليه هذا العلم منهم ،ول رفعه إلى من يحتج به عليهم.
@ وأميا فرض الصيلة وهيئتهيا حيين فرضيت ،فل خلف بيين أهيل العلم وجماعية أهيل السيير أن
الصيلة إنميا فرضيت بمكية ليلة السيراء حيين عرج بيه إلى السيماء ،وذلك منصيوص فيي الصيحيح
وغيره .وإنميا اختلفوا فيي هيئتهيا حيين فرضيت؛ فروي عين عائشية رضيي ال عنهيا أنهيا فرضيت
ركعتيين ركعتيين ،ثيم زييد فيي صيلة الحضير فأكملت أربعيا ،وأقرت صيلة السيفر على ركعتيين.
وبذلك قال الشعبي وميمون بن مهران ومحمد بن إسحاق .قال الشعبي :إل المغرب .قال يونس بن
بكيير :وقال ابين إسيحاق ثيم إن جبرييل علييه السيلم أتيى النيبي صيلى ال علييه وسيلم حيين فرضيت
عليه الصلة يعني في السراء فهمز له بعقبه في ناحية الوادي فانفجرت عين ماء فتوضأ جبريل
ومحمد ينظر عليهما السلم فوضأ وجهه واستنشق وتمضمض ومسح برأسه وأذنيه ورجليه إلى
الكعيبين ونضيح فرجيه ،ثيم قام يصيلي ركعتيين بأربيع سيجدات ،فرجيع رسيول ال صيلى ال علييه
وسلم وقد أقر ال عينه وطابت نفسه وجاءه ما يحب من أمر ال تعالى ،فأخذ بيد خديجة ثم أتى بها
العين فتوضأ كما توضأ جبريل ثم ركع ركعتين وأربع سجدات هو وخديجة ،ثم كان هو وخديجة
يصليان سواء .وروي عن ابن عباس أنها فرضت في الحضر أربعا وفي السفر ركعتين .وكذلك
قال نافع بن جبير والحسن بن أبي الحسن البصري ،وهو قول ابن جريج ،وروي عن النبي صلى
ال علييه وسيلم ميا يوافيق ذلك .ولم يختلفوا فيي أن جبرييل علييه السيلم هبيط صيبيحة ليلة السيراء
عنيد الزوال ،فعلم النيبي صيلى ال علييه وسيلم الصيلة ومواقيتهيا .وروى يونيس بين بكيير عين سيالم
مولى أبيي المهاجير قال سيمعت ميمون بين مهران يقول :كان أول الصيلة مثنيى ،ثيم صيلى رسيول
ال صيلى ال علييه وسيلم أربعيا فصيارت سينه ،وأقرت الصيلة للمسيافر وهيي تمام .قال أبيو عمير:
وهذا إسييناد ل يحتييج بمثله ،وقوله (فصييارت سيينة) قول منكيير ،وكذلك اسييتثناء الشعييبي المغرب
وحدها ولم يذكر الصبح قول ل معنى له .وقد أجمع المسلمون أن فرض الصلة في الحضر أربع
إل المغرب والصبح ول يعرفون غير ذلك عمل ونقل مستفيضا ،ول يضرهم الختلف فيما كان
أصل فرضها.
@ قد مضى الكلم في الذان في "المائدة" والحمد ل .ومضى في "آل عمران" أن أول مسجد
وضيع فيي الرض المسيجد الحرام ،ثيم المسيجد القصيى .وأن بينهميا أربعيين عاميا مين حدييث أبيي
ذر ،وبناء سيليمان علييه السيلم المسيجد القصيى ودعاؤه له مين حدييث عبدال بين عمرو ووجيه
الجميع فيي ذلك؛ فتأمله هناك فل معنيى للعادة .ونذكير هنيا قوله صيلى ال علييه وسيلم( :ل تشيد
الرحال إل إلى ثلثيية مسيياجد إلى المسييجد الحرام وإلى مسييجدي هذا وإلى مسييجد إيلياء أو بيييت
المقدس) .خرجيه مالك مين حدييث أبيي هريرة .وفييه ميا يدل على فضيل هذه المسياجد الثلثية على
سييائر المسيياجد؛ لهذا قال العلماء :ميين نذر صييلة فييي مسييجد ل يصييل إلييه إل برحلة وراحلة فل
يفعيل ،ويصيلي فيي مسيجده ،إل فيي الثلثية المسياجد المذكورة فإنيه من نذر صيلة فيهيا خرج إليهيا.
وقيد قال مالك وجماعية من أهيل العلم فيمين نذر رباطيا فيي ثغير يسيده :فإنيه يلزميه الوفاء حييث كان
الرباط لنيه طاعية ال عيز وجيل .وقيد زاد أبيو البختري فيي هذا الحدييث مسيجد الجنيد ،ول يصيح
وهو موضوع ،وقد تقدم في مقدمة الكتاب.
@قوله تعالى" :إلى المسيجد القصيى" سيمي القصيى لبعيد ميا بينيه وبيين المسيجد الحرام ،وكان
أبعيد مسيجد عين أهيل مكية فيي الرض يعظيم بالزيارة ،ثيم قال" :الذي باركنيا حوله" قييل :بالثمار
وبمجاري النهار .وقيل :بمن دفن حوله من النبياء والصالحين؛ وبهذا جعله مقدسا .وروى معاذ
بين جبيل عين النيبي صيلى ال علييه وسيلم أنيه قال( :يقول ال تعالى ييا شام أنيت صيفوتي مين بلدي
وأنا سائق إليك صفوتي من عبادي)" .لنريه من آياتنا" هذا من باب تلوين الخطاب.
واليات التييي أراه ال ميين العجائب التييي أخييبر بهييا الناس ،وإسييراؤه ميين مكيية إلى المسييجد
القصيى فيي ليلة وهيو مسييرة شهير ،وعروجيه إلى السيماء ووصيفه النيبياء واحدا واحدا ،حسيبما
ثبت في صحيح مسلم وغيره" .إنه هو السميع البصير" تقدم.
**3الية{ 2 :وآتينا موسى الكتاب وجعلناه هدى لبني إسرائيل أل تتخذوا من دوني وكيل}
@ أي كرمنيا محمدا صيلى ال علييه وسيلم بالمعراج ،وأكرمنيا موسيى بالكتاب وهيو التوراة.
"وجعلناه" أي ذلك الكتاب .وقيل موسى .وقيل معنى الكلم :سبحان الذي أسرى بعبده ليل وأتى
موسيى الكتاب؛ فخرج مين الغيبية إلى الخبار عين نفسيه جيل وعيز .وقييل :إن معنيى سيبحان الذي
أسييرى بعبده ليل ،معناه أسييرينا ،يدل علييه ميا بعده مين قوله" :لنرييه مين آياتنيا" [السييراء]1 :
فحميل "وآتينيا موسيى الكتاب" على المعنيى" .أل تتخذوا" قرأ أبيو عمرو (يتخذوا) بالياء .الباقون
بالتاء .فيكون مين باب تلويين الخطاب" .وكيل" أي شريكيا؛ عين مجاهيد .وقييل :كفيل بأمورهيم؛
حكاه الفراء .وقيييل :ربييا يتوكلون عليييه فييي أمورهييم؛ قاله الكلبييي .وقال الفراء :كافيييا؛ والتقدييير:
عهدنيا إلييه فيي الكتاب أل تتخذوا مين دونيي وكيل .وقييل :التقديير لئل تتخذوا .والوكييل :مين يوكيل
إليه المر.
**3الية{ 3 :ذرية من حملنا مع نوح إنه كان عبدا شكورا}
@ أي يا ذرية من حملنا ،على النداء؛ قال مجاهد ورواه عنه ابن أبي نجيح .والمراد بالذرية كل
ميين احتييج عليييه بالقرآن ،وهييم جميييع ميين على الرض؛ ذكره المهدوي .وقال الماوردي :يعنييي
موسيى وقوميه مين بنيي إسيرائيل ،والمعنيى ييا ذريية مين حملنيا ميع نوح ل تشركوا .وذكير نوحيا
ليذكرهم نعمة النجاء من الغرق على آبائهم .وروى سفيان عن حميد عن مجاهد أنه قرأ (ذرية)
بفتح الذال وتشديد الراء والياء .وروى هذه القراءة عامر بن الواجد عن زيد بن ثابت .وروي عن
زييد بين ثابيت أيضيا "ذريية" بكسير الذال وشيد الراء .ثيم بيين أن نوحيا كان عبدا شكورا يشكير ال
على نعمه ول يرى الخير إل من عنده .قال قتادة :كان إذا لبس ثوبا قال :بسم ال ،فإذا نزعه قال:
الحميد ل .كذا روى عنيه معمير .وروى معمير عين منصيور عين إبراهييم قال :شكره إذا أكيل قال:
بسم ال ،فإذا فرغ من الكل قال :الحمد ل .قال سلمان الفارسي :لنه كان يحمد ال على طعامه.
وقال عمران بن سليم :إنما سمى نوحا عبدا شكورا لنه كان إذا أكل قال :الحمد ل الذي أطعمني
ولو شاء لجاعنييي ،وإذا شرب قال :الحمييد ل الذي سييقاني ولو شاء لظمأنييي ،وإذا اكتسييى قال:
الحميييد ل الذي كسييياني ولو شاء لعرانيييي ،وإذا احتذى قال :الحميييد ل الذي حذانيييي ولو شاء
لحفانيي ،وإذا قضيى حاجتيه قال :الحميد ل الذي أخرج عنيي الذى ولو شاء لحبسيه فيي .ومقصيود
اليية :إنكيم مين ذريية نوح وقيد كان عبدا شكورا فأنتيم أحيق بالقتداء بيه دون آبائكيم الجهال .وقييل:
المعنييى أن موسييى كان عبدا شكورا إذ جعله ال ميين ذرييية نوح .وقيييل :يجوز أن يكون "ذرييية"
مفعول ثانيييا "لتتخذوا" ويكون قوله" :وكيل" يراد بييه الجمييع فيسييوغ ذلك فييي القراءتييين جميعييا
أعني الياء والتاء في "تتخذوا" .ويجوز أيضا في القراءتين جميعا أن يكون "ذرية" بدل من قوله
"وكيل" لنه بمعنى الجمع؛ فكأنه قال ل تتخذوا ذرية من حملنا مع نوح .ويجوز نصبها بإضمار
أعنيي وأمدح ،والعرب قيد تنصيب على المدح والذم .ويجوز رفعهيا على البدل مين المضمير فيي
"تتخذوا" فيي قراءة مين قرأ بالياء؛ ول يحسين ذلك لمين قرأ بالتاء لن المخاطيب ل يبدل منيه
الغائب .ويجوز جرهيا على البدل من بني إسرائيل في الوجهين .فأما "أن" من قوله "أل تتخذوا"
فهييي على قراءة ميين قرأ بالياء فييي موضييع نصييب بحذف الجار ،التقدييير :هديناهييم لئل يتخذوا.
ويصيلح على قراءة التاء أن تكون زائدة والقول مضمير كميا تقدم .ويصيلح أن تكون مفسيرة بمعنيى
أي ،ل موضع لها من العراب ،وتكون "ل" للنهي فيكون خروجا من الخبر إلى النهي.
**3اليية{ 4 :وقضينيا إلى بنيي إسيرائيل فيي الكتاب لتفسيدن فيي الرض مرتيين ولتعلن علوا
كبيرا}
@قوله تعالى" :وقضينيا إلى بنيي إسيرائيل فيي الكتاب" قرأ سيعيد بين جيبير وأبيو العاليية "فيي
الكتب" على لفظ الجمع .وقد يرد لفظ الواحد ويكون معناه الجمع؛ فتكون القراءتان بمعنى واحد.
ومعنييى "قضينييا" أعلمنييا وأخبرنييا؛ قاله ابيين عباس :وقال قتادة :حكمنييا؛ وأصييل القضاء الحكام
للشيء والفراغ منه ،وقيل :قضينا أوحينا؛ ولذلك قال" :إلى بني إسرائيل" .وعلى قول قتادة يكون
"إلى" بمعنيى على؛ أي قضينيا عليهيم وحكمنيا .وقاله ابين عباس أيضيا .والمعنيى بالكتاب اللوح
المحفوظ" .لتفسيدن" وقرأ ابين عباس "لتفسيدن" .عيسيى الثقفيي "لتفسيدن" .والمعنيى فيي القراءتيين
قرييب؛ لنهيم إذا أفسيدوا فسيدوا ،والمراد بالفسياد مخالفية أحكام التوراة" .فيي الرض" يرييد أرض
الشام وبيت المقدس وما والها" .مرتين ولتعلن" اللم فيي "لتفسدن ولتعلن" لم قسم مضمر كما
تقدم" .علوا كبيرا" أراد التكبر والبغي والطغيان والستطالة والغلبة والعدوان.
**3الية{ 5 :فإذا جاء وعد أولهما بعثنا عليكم عبادا لنا أولي بأس شديد فجاسوا خلل الديار
وكان وعدا مفعول}
@قوله تعالى" :فإذا جاء وعد أولهما" أي أولى المرتين من فسادهم" .بعثنا عليكم عبادا لنا أولي
بأس شدييد" هيم أهيل بابيل ،وكان عليهيم بختنصير فيي المرة الولى حيين كذبوا إرمياء وجرحوه
وحبسيوه؛ قاله ابين عباس وغيره .وقال قتادة :أرسيل عليهيم جالوت فقتلهيم ،فهيو وقوميه أولو بأس
شديد .وقال مجاهد :جاءهم جند من فارس يتجسسون أخبارهم ومعهم بختنصر فوعى حديثهم من
بين أصحابه ،ثم رجعوا إلى فارس ولم يكن قتال ،وهذا في المرة الولى ،فكان منهم جوس خلل
الديار ل قتل؛ ذكره القشيري أبو نصر .وذكر المهدوي عن مجاهد أنه جاءهم بختنصر فهزمه بنو
إسرائيل ،ثم جاءهم ثانية فقتلهم ودمرهم تدميرا .ورواه ابن أبي نجيح عن مجاهد؛ ذكره النحاس.
وقال محمد بن إسحاق في خبر فيه طول :إن المهزوم سنحاريب ملك بابل ،جاء ومعه ستمائة ألف
رايية تحيت كيل رايية مائة ألف فارس فنزل حول بييت المقدس فهزميه ال تعالى وأمات جميعهيم إل
سينحاريب وخمسية نفير مين كتابيه ،وبعيث ملك بنيي إسيرائيل واسيمه صيديقة فيي طلب سينحاريب
فأخذ مع الخمسة ،أحدهم بختنصر ،فطرح في رقابهم الجوامع وطاف بهم سبعين يوما حول بيت
المقدس وإيلياء ويرزقهم كل يوم خبزتين من شعير لكل رجل منهم ،ثم أطلقهم فرجعوا إلى بابل،
ثيم مات سينحاريب بعيد سيبع سينين ،واسيتخلف بختنصيير وعظميت الحداث فييي بنيي إسيرائيل،
واستحلوا المحارم وقتلوا نبيهم شعيا؛ فجاءهم بختنصر ودخل هو وجنوده بيت المقدس وقتل بني
إسيرائيل حتيى أفناهيم .وقال ابين عباس وابين مسيعود :أول الفسياد قتيل زكرييا .وقال ابين إسيحاق:
فسيادهم فيي المرة الولى قتيل شعييا نيبي ال فيي الشجرة؛ وذلك أنيه لميا مات صيديقة ملكهيم مرج
أمرهيم وتنافسيوا على الملك وقتيل بعضهيم بعضيا وهيم ل يسيمعون مين نيبيهم؛ فقال ال تعالى له قيم
فييي قومييك أوح على لسييانك ،فلمييا فرغ ممييا أوحييى ال إليييه عدوا عليييه ليقتلوه فهرب فانفلقييت له
شجرة فدخييل فيهييا ،وأدركييه الشيطان فأخييذ هدبيية ميين ثوبييه فأراهييم إياهييا ،فوضعوا المنشار فييي
وسطها فنشروها حتى قطعوها وقطعوه في وسطها .وذكر ابن إسحاق أن بعض العلماء أخبره أن
زكرييا مات موتيا ولم يقتيل وإنميا المقتول شعييا .وقال سيعيد بين جيبير فيي قوله تعالى" :ثيم بعثنيا
عليكم عبادا لنا أولي بأس شديد فجاسوا خلل الديار" هو سنحاريب من أهل نينوى بالموصل ملك
بابيل .وهذا خلف ميا قال ابين إسيحاق ،فال أعلم .وقييل :إنهيم العمالقية وكانوا كفارا ،قاله الحسين.
ومعنيى جاسيوا :عاثوا وقتلوا؛ وكذلك جاسيوا وهاسيوا وداسيوا ،قاله ابين عزييز ،وهيو قول القتيبي.
وقرأ ابييين عباس( :حاسيييوا) بالحاء المهملة .قال أبيييو زييييد :الحوس والجوس والعوس والهوس:
لطواف باللييل .وقال الجوهري :الجوس مصيدر قولك جاسيوا خلل الديار ،أي تخللوهيا فطلبوا ميا
فيهييا كمييا يجوس الرجييل الخبار أي يطلبهييا؛ وكذلك الجتياس .والجوسييان (بالتحريييك) الطوفان
بالليل؛ وهو قول أبي عبيدة .وقال الطبري :طافوا بين الديار يطلبونهم ويقتلونهم ذاهبين وجائين؛
فجمييع بييين قول أهييل اللغيية .قال ابيين عباس :مشوا وترددوا بييين الدور والمسيياكن .وقال الفراء:
قتلوكم بين بيوتكم؛ وأنشد لحسان:
فجاس به العداء عرض العساكر ومنا الذي لقى بسيف محمد
وقال قطرب :نزلوا؛ قال:
وأبنا بسادتهم موثقينا فجسنا ديارهم عنوة
"وكان وعدا مفعول" أي قضاء كائنا ل خلف فيه.
**3الية{ 6 :ثم رددنا لكم الكرة عليهم وأمددناكم بأموال وبنين وجعلناكم أكثر نفيرا}
@قوله تعالى" :ثيم رددنيا لكيم الكرة عليهيم" أي الدولة والرجعية؛ وذلك لميا تبتيم وأطعتيم .ثيم قييل:
ذلك بقتل داود جالوت أو بقتل غيره ،على الخلف في من قتلهم" .وأمددناكم بأموال وبنين" حتى
عاد أمركم كما كان" .وجعلناكم أكثر نفيرا" أي أكثر عددا ورجال من عدوكم .والنفير من نفر مع
الرجيل مين عشيرتيه؛ يقال :نفيير ونافير مثيل قديير وقادر ويجوز أن يكون النفيير جميع نفير كالكلييب
والمعيز والعبيد؛ قال الشاعر:
وحمير أكرم بقوم نفيرا فاكرم بقحطان من والد
والمعنيى :أنهيم صياروا بعيد هذه الوقعية الولى أكثير انضماميا وأصيلح أحوال؛ جزاء مين ال تعالى
لهم على عودهم إلى الطاعة.
**3الية{ 7 :إن أحسنتم أحسنتم لنفسكم وإن أسأتم فلها فإذا جاء وعد الخرة ليسوؤوا وجوهكم
وليدخلوا المسجد كما دخلوه أول مرة وليتبروا ما علوا تتبيرا}
@قوله تعالى" :إن أحسنتم أحسينتم لنفسكم" أي نفع إحسانكم عائد عليكم" .وإن أسأتم فلها" أي
فعليها؛ نحو سلم لك ،أي سلم عليك .قال:
فخر صريعا لليدين وللفم
أي على اليدييين وعلى الفييم .وقال الطييبري :اللم بمعنييى إلى ،يعنييي وإن أسييأتم فإليهييا ،أي فإليهييا
ترجيع السياءة؛ لقوله تعالى" :بأن ربيك أوحيى لهيا" [الزلزلة ]5 :أي إليهيا .وقييل :فلهيا الجزاء
والعقاب .وقال الحسيين بين الفضيل :فلهيا رب يغفير السياءة .ثيم يحتميل أن يكون هذا خطابيا لبنيي
إسيرائيل فيي أول المير؛ أي أسيأتم فحيل بكيم القتيل والسيبي والتخرييب ثيم أحسينتم فعاد إليكيم الملك
والعلو وانتظام الحال .ويحتمل أنه خوطب بهذا بنو إسرائيل في زمن محمد صلى ال عليه وسلم؛
أي عرفتم استحقاق أسلفكم للعقوبة على العصيان فارتقبوا مثله .أو يكون خطابا لمشركي قريش
على هذا الوجيه" .فإذا جاء وعيد الخرة" مين إفسيادكم؛ وذلك أنهيم قتلوا فيي المرة الثانيية يحييى بين
زكريا عليهما السلم ،قتله ملك من بني إسرائيل يقال له لخت؛ قاله القتبي .وقال الطبري :اسمه
هردوس ،ذكره فييي التاريييخ؛ حمله على قتله امرأة اسييمها أزبيييل .وقال السييدي :كان ملك بنييي
إسرائيل يكرم يحيى بن زكريا ويستشيره في المر ،فاستشاره الملك أن يتزوج بنت امرأة له فنهاه
عنها وقال :إنها ل تحل لك؛ فحقدت أمها على يحيى عليه السلم ،ثم ألبست ابنتها ثيابا حمرا رقاقا
وطيبتهيا وأرسيلتها إلى الملك وهيو على شرابيه ،وأمرتهيا أن تتعرض له ،وإن أرادهيا أبيت حتيى
يعطيهيا ميا تسيأله؛ فإذا أجاب سيألت أن يؤتيى برأس يحييى بين زكرييا فيي طسيت مين ذهيب؛ ففعلت
ذلك حتى أتى برأس يحيى بن زكريا والرأس تتكلم حتى وضع بين يديه وهو يقول :ل تحل لك؛ ل
تحل لك؛ فلما أصبح إذا دمه يغلي ،فألقى عليه التراب فغلى فوقه ،فلم يزل يلقى عليه التراب حتى
بلغ سيور المدينية وهيو فيي ذلك يغلي؛ ذكره الثعلبيي وغيره .وذكير ابين عسياكر الحافيظ فيي تاريخيه
عين الحسيين بين علي قال :كان ملك مين هذه الملوك مات وترك امرأتيه وابنتيه فورث ملكيه أخوه،
فأراد أن يتزوج امرأة أخييه ،فاسيتشار يحييى بين زكرييا فيي ذلك ،وكانيت الملوك فيي ذلك الزمان
يعملون بأمير النيبياء ،فقال له :ل تتزوجهيا فإنهيا بغيي؛ فعرفيت ذلك المرأة أنيه قيد ذكرهيا وصيرفه
عنهيا ،فقالت :مين أيين هذا! حتيى بلغهيا أنيه مين قبيل يحييى ،فقالت :ليقتلن يحييى أو ليخرجين مين
ملكيه ،فعمدت إلى ابنتهيا وصينعتها ،ثيم قالت :اذهيبي إلى عميك عنيد المل فإنيه إذا رآك سييدعوك
ويجلسيك فيي حجره ،ويقول سيليني ميا شئت ،فإنيك لن تسيأليني شيئا إل أعطيتيك ،فإذا قال لك ذلك
فقولي :ل أسأل إل رأس يحيى .قال :وكانت الملوك إذا تكلم أحدهم بشيء على رؤوس المل ثم لم
يميض له نزع مين ملكيه؛ ففعلت ذلك .قال :فجعيل يأتييه الموت مين قتله يحييى ،وجعيل يأتييه الموت
مين خروجيه مين ملكيه ،فاختار ملكيه فقتله .قال :فسياخت بأمهيا الرض .قال ابين جدعان :فحدثيت
بهذا الحديث ابن المسيب فقال أفما أخبرك كيف كان قتل زكريا؟ قلت ل؛ إن زكريا حيث قتل ابنه
انطلق هاربيا منهيم واتبعوه حتيى أتيى على شجرة ذات سياق فدعتيه إليهيا فانطوت علييه وبقييت مين
ثوبيه هدبية تكفتهيا الرياح ،فانطلقوا إلى الشجرة فلم يجدوا أثره بعدهيا ،ونظروا بتلك الهدبية فدعوا
بالمنشار فقطعوا الشجرة فقطعوه معها.
قلت :وقيع فيي التارييخ الكيبير للطيبري فحدثنيي أبيو السيائب قال حدثنيا أبيو معاويية عين العميش
عين المنهال عين سيعيد بين جيبير عين ابين عباس قال( :بعيث عيسيى بين مرييم يحييى بين زكرييا فيي
اثنيي عشير مين الحوارييين يعلمون الناس ،قال :كان فيميا نهوهيم عنيه نكاح ابنية الخ ،قال :وكان
لملكهم ابنة أخ تعجبه) ...وذكر الخبر بمعناه .وعن ابن عباس قال( :بعث يحيى بن زكريا في اثني
عشير مين الحوارييين يعلمون الناس ،وكان فيميا يعلمونهيم ينهونهيم عين نكاح بنيت الخيت ،وكان
لملكهيم بنيت أخيت تعجبيه ،وكان يرييد أن يتزوجهيا ،وكان لهيا كيل يوم حاجية يقضيهيا ،فلميا بلغ ذلك
أمهييا أنهييم نهوا عيين نكاح بنييت الخييت قالت لهييا :إذا دخلت على الملك فقال ألك حاجيية فقولي:
حاجتي أن تذبح يحيى بن زكريا؛ فقال :سليني سوى هذا! قالت :ما أسألك إل هذا .فلما أبت عليه
دعا بطست ودعا به فذبحه ،فندرت قطرة من دمه على وجه الرض فلم تزل تغلي حتى بعث ال
عليهم بختنصر فألقى في نفسه أن يقتل على ذلك الدم منهم حتى يسكن ذلك الدم ،فقتل عليه منهم
سيبعين ألفيا ،فيي روايية خمسية وسيبعين ألفيا .قال سيعيد بين المسييب :هيي ديية كيل نيبي .وعين ابين
عباس قال( :أوحيى ال إلى محميد صيلى ال علييه وسيلم إنيي قتلت بيحييى بين زكرييا سيبعين ألفيا،
وإني قاتل بابن ابنتك سبعين ألفا وسبعين ألفا) .وعن سمير بن عطية قال :قتل على الصخرة التي
في بيت المقدس سبعون نبيا منهم يحيى بن زكريا .وعن زيد بن واقد قال :رأيت رأس يحيى عليه
السيلم حييث أرادوا بناء مسيجد دمشيق أخرج مين تحيت ركين مين أركان القبية التيي تلي المحراب
مما يلي الشرق ،فكانت البشرة والشعر على حاله لم يتغير .وعن قرة بن خالد قال :ما بكت السماء
على أحيد إل على يحييى بين زكرييا والحسيين بين علي؛ وحمرتهيا بكاؤهيا .وعين سيفيان بين عيينية
قال :أوحش ما يكون ابن آدم في ثلثة مواطن :يوم ولد فيخرج إلى دار هم ،وليلة يبيت مع الموتى
فيجاور جيرانيا لم يير مثلهيم ،ويوم يبعيث فيشهيد مشهدا لم يير مثله؛ قال ال تعالى ليحييى فيي هذه
الثلثة مواطن" :وسلم عليه يوم ولد ويوم يموت ويوم يبعث حيا" [مريم .]15 :كله من التاريخ
المذكور.
واختلف فيمن كان المبعوث عليهم في المرة الخرة؛ فقيل :بختنصر .وقاله القشيري أبو نصر،
لم يذكير غيره .قال السيهيلي :وهذا ل يصيح؛ لن قتيل يحييى كان بعيد رفيع عيسيى ،وبختنصير كان
قبل عيسى ابن مريم عليهما السلم بزمان طويل ،.وقبل السكندر؛ وبين السكندر وعيسى نحو
من ثلثمائة سنة ،ولكنه أريد بالمرة الخرى حين قتلوا شعيا ،فقد كان بختنصير إذ ذاك حيا ،فهو
الذي قتلهيم وخرب بييت المقدس واتبعهيم إلى مصير .وأخرجهيم منهيا .وقال الثعلبيي :ومين روى أن
بختنصير هيو الذي غزا بنيي إسيرائيل عنيد قتلهيم يحييى بين زكرييا فغلط عنيد أهيل السيير والخبار؛
لنهيم مجمعون على أن بختنصير إنميا غزا بنيي إسيرائيل عنيد قتلهيم شعييا وفيي عهيد إرمياء .قالوا:
وميين عهييد إرمياء وتخريييب بختنصيير بيييت المقدس إلى مولد يحيييى بيين زكريييا عليهمييا السييلم
أربعمائة سينة وإحدى وسيتون سينة ،وذلك أنهيم يعدون مين عهيد تخرييب بييت المقدس إلى عمارتيه
فيي عهيد كوسيك سيبعين سينة ،ثيم مين بعيد عمارتيه إلى ظهور السيكندر على بيت المقدس ثمانيية
وثمانين سنة ،ثم من بعد مملكة السكندر إلى مولد يحيى ثلثمائة وثلثا وستين سنة.
قلت :ذكير جميعيه الطيبري فيي التارييخ رحميه ال .قال الثعلبيي :والصيحيح مين ذلك ميا ذكره
محمد بن إسحاق قال :لما رفع ال عيسى من بين أظهرهم وقتلوا يحيى -وبعض الناس يقول :لما
قتلوا زكرييا -بعيث ال إليهيم ملكيا مين ملوك بابيل يقال له :خردوس ،فسيار إليهيم بأهيل بابيل وظهير
عليهم بالشأم ،ثم قال لرئيس جنوده :كنت حلفت بإلهي لئن أظهرني ال على بيت المقدس لقتلنهم
حتيى تسييل دماؤهيم فيي وسيط عسيكري ،وأمير أن يقتلهيم حتيى يبلغ ذلك منهيم ،فدخيل الرئييس بييت
المقدس فوجد فيها دماء تغلي ،فسألهم فقالوا :دم قربان قربناه فلم يتقبل منا منذ ثمانين سنة .قال ما
صيدقتموني ،فذبيح على ذلك الدم سيبعمائة وسيبعين رجل مين رؤسيائهم فلم يهدأ ،فأتيى بسيبعمائة
غلم مين غلمانهيم فذبحوا على الدم فلم يهدأ ،فأمير بسيبعة آلف مين سيبيهم وأزواجهيم فذبحهيم على
الدم فلم يبرد ،فقال :يا بني إسرائيل ،أصدقوني قبل أل أترك منكم نافخ نار من أنثى ول من ذكر
إل قتلته .فلما رأوا الجهد قالوا :إن هذا دم نبي منا كان ينهانا عن أمور كثيرة من سخط ال فقتلناه،
فهذا دميه ،كان اسيمه يحييى بين زكرييا ،ميا عصيى ال قيط طرفية عيين ول هيم بمعصيية .فقال :الن
صدقتموني ،وخر ساجدا ثم قال :لمثل هذا ينتقم منكم ،وأمر بغلق البواب وقال :أخرجوا من كان
ها هنا من جيش خردوس ،وخل في بني إسرائيل وقال :يا نبي ال يا يحيى بن زكريا قد علم ربي
وربيك ميا قيد أصياب قوميك مين أجلك ،فاهدأ بإذن ال قبيل أل أبقيي منهيم أحدا .فهدأ دم يحييى بين
زكريييا بإذن ال عييز وجييل ،ورفييع عنهييم القتييل وقال :رب إنييي آمنييت بمييا آميين بييه بنيو إسييرائيل
وصيدقت بيه؛ فأوحيى ال تعالى إلى رأس مين رؤوس النيبياء :إن هذا الرئييس مؤمين صيدوق .ثيم
قال :إن عدو ال خردوس أمرني أن أقتل منكم حتى تسيل دماؤكم وسط عسكره ،وإني ل أعصيه،
فأمرهيم فحفروا خندقيا وأمير بأموالهيم مين البيل والخييل والبغال والحميير والبقير والغنيم فذبحوهيا
حتييى سييال الدم إلى العسييكر ،وأميير بالقتلى الذييين كانوا قتلوا قبييل ذلك فطرحوا على مييا قتييل مين
مواشيهم ،ثم انصرف عنهم إلى بابل ،وقد كاد أن يفني بني إسرائيل.
قلت :قيد ورد فيي هذا الباب حدييث مرفوع فييه طول مين حدييث حذيفية ،وقيد كتبناه فيي كتاب
التذكرة مقطعيا فيي أبواب فيي أخبار المهدي ،نذكير منهيا هنيا ميا ييبين معنيى اليية ويفسيرها حتيى ل
يحتاج معيه إلى بيان ،قال حذيفية :قلت ييا رسيول ال ،لقيد كان بييت المقدس عنيد ال عظيميا جسييم
الخطر عظيم القدر .فقال رسول ال صلى ال عليه وسلم( :هو من أجل البيوت ابتناه ال لسليمان
بين داود عليهميا السيلم مين ذهيب وفضية ودر وياقوت وزمرد) :وذلك أن سيليمان بين داود لميا بناه
سيخر ال له الجين فأتوه بالذهيب والفضية مين المعادن ،وأتوه بالجواهير والياقوت والزمرد ،وسيخر
ال تعالى له الجن حتى بنوه من هذه الصناف .قال حذيفة :فقلت يا رسول ال ،وكيف أخذت هذه
الشياء مين بييت المقدس .فقال رسيول ال صيلى ال علييه وسيلم :إن بنيي إسيرائيل لميا عصيوا ال
وقتلوا النيبياء سيلط ال عليهيم بختنصير وهيو مين المجوس وكان ملكيه سيبعمائة سينة ،وهيو قوله:
"فإذا جاء وعيد أولهميا بعثنيا عليكيم عبادا لنيا أولي بأس شدييد فجاسيوا خلل الديار وكان وعدا
مفعول" فدخلوا بيييت المقدس وقتلوا الرجال وسييبوا النسيياء والطفال وأخذوا الموال وجميييع مييا
كان فييي بيييت المقدس ميين هذه الصييناف فاحتملوهييا على سييبعين ألفييا ومائة ألف عجلة حتييى
أودعوها أرض بابل ،فأقاموا يستخدمون بني إسرائيل ويستملكونهم بالخزي والعقاب والنكال مائة
عام ،ثييم إن ال عييز وجييل رحمهييم فأوحييى إلى ملك ميين ملوك فارس أن يسييير إلى المجوس فييي
أرض بابيل ،وأن يسيتنقذ مين فيي أيديهيم من بنيي إسيرائيل؛ فسار إليهيم ذلك الملك حتيى دخيل أرض
بابيل فاسيتنقذ مين بقيي مين بنيي إسيرائيل مين أيدي المجوس واسيتنقذ ذلك الحلي الذي كان فيي بييت
المقدس ورده ال إلييه كميا كان أول مرة وقال لهيم :ييا بنيي إسيرائيل إن عدتيم إلى المعاصيي عدنيا
عليكيم بالسيبي والقتيل ،وهيو قوله" :عسيى ربكيم أن يرحمكيم وإن عدتيم عدنيا" [السيراء ]8 :فلميا
رجعيت بنيو إسيرائيل إلى بييت المقدس عادوا إلى المعاصيي فسيلط ال عليهيم ملك الروم قيصير،
وهيييو قوله" :فإذا جاء وعيييد الخرة ليسيييوؤوا وجوهكيييم وليدخلوا المسيييجد كميييا دخلوه أول مرة
وليتبروا ما علوا تتبير" فغزاهم في البر والبحر فسباهم وقتلهم وأخذ أموالهم ونساءهم ،وأخذ حلي
جميع بيت المقدس واحتمله على سبعين ألفا ومائة ألف عجلة حتى أودعه في كنيسة الذهب ،فهو
فيها الن حتى يأخذه المهدي فيرده إلى بيت المقدس ،وهو ألف سفينة وسبعمائة سفينة يرسى بها
على يافا حتى تنقل إلى بيت المقدس وبها يجمع ال الولين والخرين ...وذكر الحديث.
@قوله تعالى" :فإذا جاء وعد الخرة" أي من المرتين؛ وجواب "إذا" محذوف ،تقديره بعثناهم؛
دل علييه "بعثنيا" الول" .ليسيوؤوا وجوهكيم" أي بالسيبي والقتيل فيظهير أثير الحزن فيي وجوهكيم؛
في"ليسوؤوا" متعلق بمحذوف؛ أي بعثنا عبادا ليفعلوا بكم ما يسوء وجوهكم .قيل :المراد بالوجوه
السيادة؛ أي ليذلوهيم .وقرأ الكسيائي "لنسيوء" بنون وفتيح الهمزة ،فعيل مخيبر عين نفسيه معظيم،
اعتبارا بقوله "وقضينييا -وبعثنييا -ورددنييا" .ونحوه عيين علي .وتصييديقها قراءة أُبَي (لنسييوءن)
بالنون وحرف التوكييد .وقرأ أبيو بكير والعميش وابين وثاب وحمزة وابين عامير (ليسيوء) بالياء
على التوحييد وفتيح الهمزة؛ ولهيا وجهان :أحدهميا :ليسيوء ال وجوهكيم .والثانيي :ليسيوء الوعيد
وجوهكم .وقرأ الباقون "ليسوؤوا" بالياء وضم الهمزة على الجمع؛ أي ليسوء العباد الذين هم أولو
بأس شديد وجوهكم " .وليدخلوا المسجد كما دخلوه أول مرة وليتبروا" أي ليدمروا ويهلكوا .وقال
قطرب :يهدموا؛ قال الشاعر:
يتبر ما يبني وآخر رافع فما الناس إل عاملن فعامل
"ما علوا" أي غلبوا عليه من بلدكم "تتبيرا".
**3الية{ 8 :عسى ربكم أن يرحمكم وإن عدتم عدنا وجعلنا جهنم للكافرين حصيرا}
@قوله تعالى" :عسى ربكم أن يرحمكم" وهذا مما أخبروا به في كتابهم .و"عسى" وعد من ال
أن يكشيف عنهيم .و"عسيى" مين ال واجبية" .أن يرحمكيم" بعيد انتقاميه منكيم ،وكذلك كان؛ فكثير
عددهيم وجعيل منهيم الملوك" .وإن عدتيم عدنيا" قال قتادة :فعادوا فبعيث ال عليهيم محمدا صيلى ال
عليه وسلم؛ فهم يعطون الجزية بالصغار؛ وروي عن ابن عباس .وهذا خلف ما تقدم في الحديث
وغيره 0وقال القشيري :وقد حل العقاب ببني إسرائيل مرتين على أيدي الكفار ،ومرة على أيدي
المسيلمين .وهذا حيين عادوا فعاد ال عليهيم .وعلى هذا يصيح قول قتادة" .وجعلنيا جهنيم للكافريين
حصيييرا" أي محبسييا وسييجنا ،ميين الحصيير وهييو الحبييس .قال الجوهري :يقال حصييره يحصييره
حصرا ضيق عليه وأحاط به .والحصير :الضيق البخيل .والحصير :البارية .والحصير :الجنب،
قال الصيمعي :هيو ميا بيين العرق الذي يظهير فيي جنيب البعيير والفرس معترضيا فميا فوقيه إلى
منقطع الجنب .والحصير :الملك؛ لنه محجوب .قال لبيد:
جن لدى باب الحصير قيام وقماقم غلب الرقاب كأنهم
ويروى:
ومقامة غلب الرقاب...
على أن يكون (غلب) به ل من (مقامة) كأنه قال :ورب غلب الرقاب .وروي عن أبي عبيدة:
.. .لدى طرف الحصير قيام
أي عنييد طرف البسيياط للنعمان بيين المنذر .والحصييير :المحبييس؛ قال ال تعالى" :وجعلنييا جهنييم
للكافريين حصييرا" .قال القشيري :ويقال للذي يفرش حصيير؛ لحصير بعضيه على بعيض بالنسيج.
وقال الحسيين :أي فراشييا ومهادا؛ ذهييب إلى الحصييير الذي يفرش ،لن العرب تسييمي البسيياط
الصغير حصيرا .قال الثعلبي :وهو وجه حسن.
**3اليتان{ 10 - 9 :إن هذا القرآن يهدي للتيي هيي أقوم ويبشير المؤمنيين الذيين يعملون
الصالحات أن لهم أجرا كبيرا ،وأن الذين ل يؤمنون بالخرة أعتدنا لهم عذابا أليما}
@قوله تعالى" :إن هذا القرآن يهدي للتيي هيي أقوم" لميا ذكير المعراج ذكير ميا قضيى إلى بنيي
إسيرائيل ،وكان ذلك دللة على نبوة محميد صيلى ال علييه وسيلم ،ثيم بيين أن الكتاب الذي أنزله ال
عليه سبب اهتداء .ومعنى "للتي هي أقوم" أي الطريقة التي هي أسد وأعدل وأصوب؛ في "التي"
نعيييت لموصيييوف محذوف ،أي الطريقييية إلى نيييص أقوم .وقال الزجاج :للحال التيييي هيييي أقوم
الحالت ،وهي توحيد ال واليمان برسله .وقاله الكلبي والفراء.
@قوله تعالى" :ويبشر المؤمنين الذين يعملون الصالحات" تقدم" .أن لهم" في موضع نصب بي
"بشر" وقال الكسائي وجماعة من البصريين" :أن" في موضع خفض بإضمار الباء .أي بأن لهم.
"أجرا كيبيرا" أي الجنية" .وأن الذيين ل يؤمنون بالخرة" أي ويبشرهيم بأن لعدائهيم العقاب.
والقرآن معظميه وعيد ووعييد .وقرأ حمزة والكسيائي "و َي ْبشُر" مخففيا بفتيح الياء وضيم الشيين ،وقيد
ذكر.
**3الية{ 11 :ويدع النسان بالشر دعاءه بالخير وكان النسان عجول}
@قوله تعالى" :ويدع النسان بالشر" قال ابن عباس وغيره :هو دعاء الرجل على نفسه وولده
عند الضجر بما ل يحب أن يستجاب له :اللهم أهلكه ،ونحوه" .دعاءه بالخير" أي كدعائه ربه أن
يهيب له العافيية؛ فلو اسيتجاب ال دعاءه على نفسيه بالشير هلك لكين بفضله ل يسيتجيب له فيي ذلك.
نظيره" :ولو يعجيل ال للناس الشير اسيتعجالهم بالخيير" [يونيس ]11 :وقيد تقدم .وقييل :نزلت فيي
النضر بن الحارث ،كان يدعو ويقول" :اللهم إن كان هذا هو الحق من عندك فأمطر علينا حجارة
من السماء أو ائتنا بعذاب أليم" [النفال .]32 :وقيل :هو أن يدعو في طلب المحظور كما يدعو
في طلب المباح ،قال الشاعر وهو ابن جامع:
وارفع من مئزري المسبل أطوف بالبيت فيمن يطوف
واتلو من المحكم المنزل وأسجد بالليل حتى الصباح
يسخر لي ربة المحمل عسى فارج الهم عن يوسف
قال الجوهري :يقال ميا على فلن محميل مثال مجلس أي معتميد .والمحميل أيضيا :واحيد محاميل
الحاج .والمحمل مثال المرجل :علقة السيف .وحذفت الواو من "ويدع النسان" في اللفظ والحظ
ولم تحذف فيي المعنيى لن موضعهيا رفيع فحذفيت لسيتقبالها اللم السياكنة؛ كقوله تعالى" :سيندع
الزبانييية" [العلق" ]18 :ويمييح ال الباطييل" [الشورى" ]24 :وسييوف يؤت ال المؤمنييين"
[النسياء" ]146 :يناد المناد" [ق" ]41 :فميا تغين النذر" [القمير" .]5 :وكان النسيان عجول"
أي طبعه العجلة ،فيعجل بسؤال الشر كما يعجل بسؤال الخير .وقيل :أشار به إلى آدم عليه السلم
حين نهض قبل أن يركب فيه الروح على الكمال .قال سلمان :أول ما خلق ال تعالى من آدم رأسه
فجعيل ينظير وهيو يخلق جسيده ،فلميا كان عنيد العصير بقييت رجله لم ينفيخ فيهميا الروح فقال :ييا
رب عجل قبل الليل؛ فذلك قوله" :وكان النسان عجول" .وقال ابن عباس :لما انتهت النفخة إلى
سييرته نظيير إلى جسييده فذهييب لينهييض فلم يقدر؛ فذلك قوله" :وكان النسييان عجول" .وقال ابيين
مسيعود :لميا دخيل الروح فيي عينييه نظير إلى ثمار الجنية؛ فذلك حيين يقول" :خلق النسيان مين
عجيل" ذكره البيهقيي .وفيي صيحيح مسيلم عين أنيس بين مالك أن رسيول ال صيلى ال علييه وسيلم
قال( :لما صور ال تعالى آدم في الجنة تركه ما شاء ال أن يتركه فجعل إبليس يطيف به ينظر ما
هيو فلميا رآه أجوف عرف أنيه خلق خلقيا ل يتمالك) وقيد تقدم .وقييل :سيلم علييه السيلم أسييرا إلى
سودة فبات يئن فسألته فقال :أنيني لشدة القد والسر؛ فأرخت من كتافه فلما نامت هرب؛ فأخبرت
النيبي صيلى ال علييه وسيلم فقال( :قطيع ال يدييك) فلميا أصيبحت كانيت تتوقيع الفية؛ فقال علييه
السلم( :إني سألت ال تعالى أن يجعل دعائي على من ل يستحق من أهلي لني بشر أغضب كما
يغضيب البشير) ونزلت اليية؛ ذكره القشيري أبيو نصير رحميه ال .وفيي صيحيح مسيلم عين أبيي
هريرة قال سيمعت رسيول ال صيلى ال علييه وسيلم يقول( :اللهيم إنميا محميد بشير يغضيب كميا
يغضب البشر وإني قد اتخذت عندك عهدا لن تخلفينه فأيما مؤمن آذيته أو سببته أو جلدته فاجعلها
له كفارة وقربية تقربيه بهيا إلييك يوم القيامية) .وفيي الباب عين عائشية وجابر .وقييل :معنيى "وكان
النسان عجول" أي يؤثر العاجل وإن قل ،على الجل وإن جل.
**3اليية{ 12 :وجعلنيا اللييل والنهار آيتيين فمحونيا آيية اللييل وجعلنيا آيية النهار مبصيرة لتبتغوا
فضل من ربكم ولتعلموا عدد السنين والحساب وكل شيء فصلناه تفصيل}
@قوله تعالى" :وجعلنيا اللييل والنهار آيتيين" أي علمتيين على وحدانيتنيا ووجودنيا وكمال علمنيا
وقدرتنا .والية فيهما :إقبال كل واحد منهما من حيث ل يعلم ،وإدباره إلى حيث ل يعلم .ونقصان
أحدهمييا بزيادة الخيير وبالعكييس آييية أيضييا .وكذلك ضوء النهار وظلميية الليييل .وقييد مضييى هذا.
"فمحونا آية الليل" ولم يقل :فمحونا الليل ،فلما أضاف الية إلى الليل والنهار دل على أن اليتين
المذكورتيين لهميا ل هميا .و"محونيا" معناه طمسينا .وفيي الخيبر أن ال تعالى أمير جبرييل علييه
السيلم فأمير جناحيه على وجيه القمير فطميس عنيه الضوء وكان كالشميس فيي النور ،والسيواد الذي
يرى في القمر من أثر المحو .قال ابن عباس :جعل ال الشمس سبعين جزءا والقمر سبعين جزءا،
فمحا من نور القمر تسعة وستين جزءا فجعله مع نور الشمس ،فالشمس على مائة وتسع وثلثين
جزءا والقمر على جزء واحد .وعنه أيضيا :خلق ال شمسيين من نور عرشيه ،وجعيل ما سيبق فيي
علميه أن يكون شمسيا مثيل الدنييا على قدرهيا ميا بيين مشارقهيا إلى مغاربهيا ،وجعيل القمير دون
الشمييس؛ فأرسييل جبريييل عليييه السييلم فأميير جناحييه على وجهييه ثلث مرات وهييو يومئذ شمييس
فطميس ضوءه وبقيي نوره؛ فالسيواد الذي ترونيه فيي القمير أثير المحيو ،ولو تركيه شمسيا لم يعرف
الليل من النهار ذكر عنه الول الثعلبي والثاني المهدوي؛ وسيأتي مرفوعا .وقال علي رضي ال
عنه وقتادة :يريد بالمحو اللطخة السوداء التي في القمر ،ليكون ضوء القمر أقل من ضوء الشمس
فيتميز به الليل من النهار" .وجعلنا آية النهار مبصرة" أي جعلنا شمسه مضيئة للبصار .قال أبو
عمرو بيين العلء :أي يبصيير بهييا .قال الكسييائي :وهييو ميين قول العرب أبصيير النهار إذا أضاء،
وصيار بحالة يبصير بهيا .وقييل :هو كقولهيم خيبيث مخبث إذا كان أصيحابه خبثاء .ورجيل مضعيف
إذا كانت دوابه ضعافا؛ فكذلك النهار مبصرا إذا كان أهله بصراء" .لتبتغوا فضل من ربكم" يريد
التصيرف فيي المعاش .ولم يذكير السيكون في الليل اكتفاء بميا ذكير فيي النهار .وقيد قال فيي موضيع
آخر" :هو الذي جعل لكم الليل لتسكنوا فيه والنهار مبصرا" [يونس" .]67 :ولتعلموا عدد السنين
والحساب" أي لو لم يفعل ذلك لما عرف الليل من النهار ،ول كان يعرف الحساب والعدد" .وكل
شييء فصلناه تفصييل" أي من أحكام التكلييف؛ وهو كقوله" :تبيانيا لكيل شييء" [النحل" ]89 :ما
فرطنا في الكتاب من شيء" [النعام .]38 :وعن ابن عباس أن النبي صلى ال عليه وسلم قال:
(لما أبرم ال خلقه فلم يبق من خلقه غير آدم خلق شمسا من نور عرشه وقمرا فكانا جميعا شمسين
فأما ما كان في سابق علم ال أن يدعها شمسا فخلقها مثل الدنيا ما بين مشارقها ومغاربها وأما ما
كان فيي علم ال أن يخلقهيا قمرا فخلقهيا دون الشميس فيي العظيم ولكين إنميا يرى صيغرهما من شدة
ارتفاع السيماء وبعدهيا مين الرض فلو ترك ال الشميس والقمير كميا خلقهميا لم يعرف اللييل مين
النهار ول كان الجير يدري إلى متى يعمل ول الصائم إلى متى يصوم ول المرأة كيف تعتد ول
تدرى أوقات الصييلوات والحييج ول تحييل الديون ول حييين يبذرون ويزرعون ول متييى يسييكنون
للراحية لبدانهيم وكأن ال نظير إلى عباده وهيو أرحيم بهيم مين أنفسيهم فأرسيل جبرييل فأمير جناحيه
على وجيه القمير ثلث مرات وهيو يومئذ شميس فطميس عنيه الضوء وبقيي فييه النور فذلك قوله
"وجعلنا الليل والنهار آيتين" الية.
**3اليتان{ 14 - 13 :وكيل إنسيان ألزمناه طائره فيي عنقه ونخرج له يوم القيامية كتابيا يلقاه
منشورا ،اقرأ كتابك كفى بنفسك اليوم عليك حسيبا}
@قوله تعالى" :وكل إنسان ألزمناه طائره في عنقه" قال الزجاج :ذكر العنيق عبارة عن اللزوم
كلزوم القلدة للعنيق .وقال ابن عباس" :طائره" عمله وما قدر عليه من خير وشر ،وهو ملزمه
أينميا كان .وقال مقاتيل والكلبيي :خيره وشره معيه ل يفارقيه حتيى يحاسيب بيه .وقال مجاهيد :عمله
ورزقيه ،وعنيه :ميا مين مولود يولد إل وفيي عنقيه ورقية فيهيا مكتوب شقيي أو سيعيد .وقال الحسين:
"ألزمناه طائره" أي شقاوته وسعادته وما كتب له من خير وشر وما طار له من التقدير ،أي صار
له عنيد القسيمة فيي الزل .وقييل :أراد به التكلييف ،أي قدرناه إلزام الشرع ،وهو بحييث لو أراد أن
يفعل ما أمر به وينزجر عما زجر به أمكنه ذلك" .ونخرج له يوم القيامة كتابا يلقاه منشورا" يعني
كتاب طائره الذي فيي عنقيه .وقرأ الحسين وأبيو رجاء ومجاهيد" :طيره" بغيير ألف؛ ومنيه ميا روي
فيي الخيبر (اللهيم ل خيير إل خيرك ول طيير إل طيرك ول رب غيرك) .وقرأ ابين عباس والحسين
ومجاهد وابن محيصن وأبو جعفر ويعقوب "ويخرج" بفتح الياء وضم الراء ،على معنى ويخرج
له الطائر كتابا؛ في "كتابا" منصوب على الحال .ويحتمل أن يكون المعنى :ويخرج الطائر فيصير
كتابا .وقرأ يحيى بن وثاب "ويخرج" بضم الياء وكسر الراء؛ وروي عن مجاهد؛ أي يخرج ال.
وقرأ شيبية ومحميد بين السيميقع ،وروي أيضيا عين أبيي جعفير" :ويخرج" بضيم الياء وفتيح الراء
على الفعيل المجهول ،ومعناه :ويخرج له الطائر كتابيا .الباقون "ونخرج" بنون مضمومية وكسير
الراء؛ أي ونحن نخرج .احتج أبو عمرو في هذه القراءة بقوله "ألزمناه" .وقرأ أبو جعفر والحسن
وابن عامر "يلقاه" بضم الياء وفتح اللم وتشديد القاف ،بمعنى يؤتاه .الباقون بفتح الياء خفيفة ،أي
يراه منشورا .وقال "منشورا" تعجيل للبشرى بالحسنة والتوبيخ بالسيئة .وقال أبو السوار العدوي
وقرأ هذه الية "وكل إنسان ألزمناه طائره في عنقه" قال :هما نشرتان وطية؛ أما ما حييت يا ابن
آدم فصحيفتك المنشورة فأمل فيها ما شئت؛ فإذا مت طويت حتى إذا بعثت نشرت" .اقرأ كتابك"
قال الحسيين :يقرأ النسييان كتابييه أميييا كان أو غييير أمييي" .كفييى بنفسييك اليوم عليييك حسيييبا" أي
محاسيبا .وقال بعيض الصيلحاء :هذا كتاب ،لسيانك قلميه ،وريقيك مداده ،وأعضاؤك قرطاسيه ،أنيت
كنت المملي على حفظتك ،ما زيد فيه ول نقص منه ،ومتى أنكرت منه شيئا يكون فيه الشاهد منك
عليك.
**3الية{ 15 :من اهتدى فإنما يهتدي لنفسه ومن ضل فإنما يضل عليها ول تزر وازرة وزر
أخرى وما كنا معذبين حتى نبعث رسول}
@قوله تعالى" :مين اهتدى فإنميا يهتدي لنفسيه ومين ضيل فإنميا يضيل عليهيا" أي إنميا كيل أحيد
يحاسيب عين نفسيه ل عين غيره؛ فمين اهتدى فثواب اهتدائه له ،ومين ضيل فعقاب كفره علييه" .ول
تزر وازرة وزر أخرى" تقدم في النعام .وقال ابن عباس :نزلت في الوليد بن المغيرة ،قال لهل
مكة :اتبعون واكفروا بمحمد وعلي أوزاركم ،فنزلت هذه الية؛ أي إن الوليد ل يحمل آثامكم وإنما
إثيم كيل واحيد عليه .يقال :وزر يزر وزرا ،ووزرة ،أي أثم .والوزر :الثقيل المثقل والجمع أوزار؛
ومنه "يحملون أوزارهم على ظهورهم" [النعام ]31 :أي أثقال ذنوبهم .وقد وزر إذا حمل فهو
وازر؛ ومنه وزير السلطان الذي يحمل ثقل دولته .والهاء في قوله كناية عن النفس ،أي ل تؤخذ
نفيس آثمية بإثيم أخرى ،حتيى أن الوالدة تلقيي ولدهيا يوم القيامية فتقول :ييا بنيي ألم يكين حجري لك
وطاء ،ألم يكيين ثديييي لك سييقاء ،ألم يكيين بطنييي لك وعاء ،فيقول :بلى يييا أميه فتقول :يييا بنييي فإن
ذنوبي أثقلتني فاحمل عني منها ذنبا واحدا فيقول :إليك عني يا أمه فإني بذنبي عنك اليوم مشغول.
مسيألة :نزعيت عائشية رضيي ال عنهيا بهذه اليية فيي الرد على ابين عمير حييث قال :إن المييت
ليعذب ببكاء أهله .قال علماؤنيا :وإنميا حملهيا على ذلك أنهيا لم تسيمعه ،وأنيه معارض لليية .ول
وجيه لنكارهيا ،فإن الرواة لهذا المعنيى كثيير ،كعمير وابنيه والمغيرة بين شعبية وقيلة بنيت مخرمية،
وهم جازمون بالرواية؛ فل وجه لتخطئتهم .ول معارضة بين الية والحديث؛ فإن الحديث محمله
على ما إذا كان النوح من وصية الميت وسنته ،كما كانت الجاهلية تفعله ،حتى قال طرفة:
وشقي علي الجيب يا بنت معبد إذا مت فانعيني بما أنا أهله
وقال:
ومن يبك حول كامل فقد اعتذر إلى الحول ثم اسم السلم عليكما
وإلى هذا نحا البخاري .وقد ذهب جماعة من أهل العلم منهم داود إلى اعتقاد ظاهر الحديث ،وأنه
إنميا يعذب بنوحهيم؛ لنيه أهميل نهيهيم عنيه قبيل موتيه وتأديبهيم بذلك ،فيعذب بتفريطيه فيي ذلك؛
وبترك ميا أمره ال بيه مين قوله" :قوا أنفسيكم وأهليكيم نارا" [التحرييم ]6 :ل بذنيب غيره ،وال
أعلم.
@قوله تعالى" :وما كنا معذبين حتى نبعث رسول" أي لم نترك الخلق سدى ،بل أرسلنا الرسل.
وفي هذا دليل على أن الحكام ل تثبت إل بالشرع ،خلفا للمعتزلة القائلين بأن العقل يقبح ويحسن
ويبيح ويحظر .وقد تقدم في البقرة القول فيه .والجمهور على أن هذا في حكم الدنيا؛ أي أن ال ل
يهلك أمية بعذاب إل بعيد الرسيالة إليهيم والنذار .وقالت فرقية :هذا عام فيي الدنييا والخرة ،لقوله
تعالى" :كلما ألقي فيها فوج سألهم خزنتها ألم يأتكم نذير قالوا بلى قد جاءنا" [الملك .]8 :قال ابن
عطيية :والذي يعطييه النظير أن بعثيه آدم علييه السيلم بالتوحييد وبيث المعتقدات فيي بنييه ميع نصيب
الدلة الدالة على الصيانع ميع سيلمة الفطير توجيب على كيل أحيد مين العالم اليمان واتباع شريعية
ال ،ثيم تجدد ذلك فيي زمين نوح علييه السيلم بعيد غرق الكفار .وهذه اليية أيضيا يعطيي احتمال
ألفاظهيا نحيو هذا فيي الذيين لم تصيلهم رسيالة ،وهم أهل الفترات الذيين قيد قدر وجودهيم بعض أهيل
العلم .وأميا ميا روي مين أن ال تعالى يبعيث إليهيم يوم القيامية وإلى المجانيين والطفال فحدييث لم
يصح ،ول يقتضي ما تعطيه الشريعة من أن الخرة ليست دار تكليف .قال المهدوي :وروي عن
أبي هريرة أن ال عز وجل يبعث يوم القيامة رسول إلى أهل الفطرة والبكم والخرس والصم؛
فيطيعيه منهيم مين كان يرييد أن يطيعيه فيي الدنييا ،وتل اليية؛ رواه معمير عين ابين طاوس عين أبييه
عن أبي هريرة ،ذكره النحاس.
قلت :هذا موقوف ،وسييأتي مرفوعيا فيي آخير سيورة [طيه] إن شاء ال تعالى؛ ول يصيح .وقيد
اسيتدل قوم فيي أن أهيل الجزائر إذا سيمعوا بالسيلم وآمنوا فل تكلييف عليهيم فيميا مضيى؛ وهذا
صحيح ،ومن لم تبلغه الدعوة فهو غير مستحق للعذاب من جهة العقل ،وال أعلم.
**3الية{ 16 :وإذا أردنا أن نهلك قرية أمرنا مترفيها ففسقوا فيها فحق عليها القول فدمرناها
تدميرا}
@ أخبر ال تعالى في الية التي قبل أنه لم يهلك القرى قبل ابتعاث الرسل ،ل لنه يقبح منه ذلك
إن فعيل ،ولكنه وعيد منيه ،ول خلف فيي وعده .فإذا أراد إهلك قريية ميع تحقييق وعده على ميا قاله
تعالى أمر مترفيها بالفسق والظلم فيها فحق عليها القول بالتدمير .يعلمك أن من هلك هلك بإرادته،
فهو الذي يسبب السباب ويسوقها إلى غاياتها ليحق القول السابق من ال تعالى.
"أمرنيا" قرأ أبيو عثمان النهدي وأبيو رجاء وأبييو العاليية ،والربيييع ومجاهييد والحسين "أمرنيا"
بالتشديييد ،وهييي قراءة علي رضييي ال عنييه؛ أي سييلطنا شرارهييا فعصييوا فيهييا ،فإذا فعلوا ذلك
أهلكناهييم .وقال أبييو عثمان النهدي "أمرنييا" بتشديييد الميييم ،جعلناهييم أمراء مسييلطين؛ وقاله ابيين
عزيز .وتأمر عليهم تسلط عليهم .وقرأ الحسن أيضيا وقتادة وأبو حيوة الشامي ويعقوب وخارجة
عيين نافييع وحماد بيين سييلمة عيين ابيين كثييير وعلى وابيين عباس باختلف عنهمييا "آمرنييا" بالمييد
والتخفييف ،أي أكثرنيا جبابرتهيا وأمراءهيا؛ قاله الكسيائي .وقال أبيو عيبيدة :آمرتيه بالميد وأمرتيه،
لغتان بمعنييى كثرتييه؛ ومنييه الحديييث (خييير المال مهرة مأمورة أو سييكة مأبورة) أي كثيرة النتاج
والنسل .وكذلك قال ابن عزيز :آمرنا وأمرنا بمعنى واحد؛ أي أكثرنا .وعن الحسن أيضا ويحيى
بين يعمير "أمرنيا" بالقصير وكسير المييم على فعلنيا ،وروييت عين ابين عباس .قال قتادة والحسين:
المعنى أكثرنا؛ وحكى نحوه أبو زيد وأبو عبيد ،وأنكره الكسائي وقال :ل يقال من الكثرة إل آمرنا
بالميد؛ قال وأصيلها "أأمرنيا" فخفيف ،حكاه المهدوي .وفيي الصيحاح :وقال أبيو الحسين أمير ماله
بالكسر أي كثر .وأمر القوم أي كثروا؛ قال الشاعر:
أمرون ل يرثون سهم القعدد
وآمير ال ماله :بالميد :الثعلبيي :ويقال للشييء الكثيير أمير ،والفعيل منيه :أمير القوم يأمرون أمرا إذا
كثروا .قال ابن مسعود :كنا نقول في الجاهلية للحي إذا كثروا :أمر أمر بني فلن؛ قال لبيد:
قل وإن أكثرت من العدد كل بني حرة مصيرهم
يوما يصيروا للهلك والنكد إن يغبطوا يهبطوا وإن أمروا
قلت :وفيي حدييث هرقيل الحدييث الصيحيح( :لقيد أمِر أ ْم ُر ابين أبيي كبشية ،إنيه ليخافيه ملك بنيي
الصييفر) أي كثيير .وكله غييير متعييد ولذلك أنكره الكسييائي ،وال اعلم .قال المهدوي :وميين قرأ
"أمير" فهيي لغية ،ووجيه تعديية "أمير" أنيه شبهيه بعمير مين حييث كانيت الكثرة أقرب شييء إلى
العمارة ،فعدي كميا عدي عمير .الباقون "أمرنيا" مين المير؛ أي أمرناهيم بالطاعية إعذارا وإنذارا
وتخويفا ووعيدا" .ففسقوا فيها" أي فخرجوا عن الطاعة عاصين لنا" .فحق عليها القول" فوجب،
عليها الوعيد؛ عن ابن عباس .وقيل" :أمرنا" جعلناهم أمراء؛ لن العرب تقول :أمير غير مأمور،
أي غير مؤمر .وقيل :معناه بعثنا مستكبريها .قال هارون :وهي قراءة ُأبَي "بعثنا أكابر مجرميها
ففسيقوا" ذكره الماوردي .وحكيى النحاس :وقال هارون فيي قراءة أبيي "وإذا أردنيا أن نهلك قريية
بعثنا فيها أكابر مجرميها فمكروا فيها فحق عليها القول" .ويجوز أن يكون "أمرنا" بمعنى أكثرنا؛
ومنه (خير المال مهرة مأمورة) على ما تقدم .وقال قوم :مأمورة اتباع لمأبورة؛ كالغدايا والعشايا.
وكقوله( :ارجعين مأزورات غيير مأجورات) .وعلى هذا ل يقال :أمرهيم ال ،بمعنيى كثرهيم ،بيل
يقال :آمره وأمره .واختار أبيو عبييد وأبيو حاتيم قراءة العامية .قال أبيو عبييد :وإنميا اخترنيا "أمرنيا"
لن المعاني الثلثة تجتمع فيها من المر والمارة والكثرة .والمترف :المنعم؛ وخصوا بالمر لن
غيرهم تبع لهم.
@قوله تعالى" :فدمرناها" أي استأصلناها بالهلك" .تدميرا" وذكر المصدر للمبالغة في العذاب
الواقيع بهيم .وفيي الصيحيح مين حدييث بنيت جحيش زوج النيبي صيلى ال علييه وسيلم قالت :خرج
رسول ال صلى ال عليه وسلم يوما فزعا محمرا وجهه يقول( :ل إله إل ال ويل للعرب من شر
قيد اقترب فتيح اليوم مين ردم يأجوج ومأجوج مثيل هذه) وحلق بإصيبعه البهام والتيي تليهيا .قالت:
فقلت ييا رسيول ال ،أنهلك وفينيا الصيالحون؟ قال( :نعيم إذا كثير الخبيث) .وقيد تقدم الكلم فيي هذا
الباب ،وأن المعاصي إذا ظهرت ولم تغير كانت سببا لهلك الجميع؛ وال اعلم.
**3الية{ 17 :وكم أهلكنا من القرون من بعد نوح وكفى بربك بذنوب عباده خبيرا بصيرا}
@قوله تعالى" :وكم أهلكنا من القرون من بعد نوح" أي كم من قوم كفروا حل بهم البوار .يخوف
كفار مكية ،وقيد تقدم" .وكفيى بربيك بذنوب عباده خيبيرا بصييرا" "خيبيرا" عليميا بهيم" .بصييرا"
يبصر أعمالهم؛ وقد تقدم.
**3اليتان{ 19 - 18 :من كان يريد العاجلة عجلنا له فيها ما نشاء لمن نريد ثم جعلنا له جهنم
يصيلها مذموميا مدحورا ،ومين أراد الخرة وسيعى لهيا سيعيها وهيو مؤمين فأولئك كان سيعيهم
مشكورا}
@قوله تعالى" :مين كان يرييد العاجلة" يعنيي الدنييا ،والمراد الدار العاجلة؛ فعيبر بالنعيت عين
المنعوت" .عجلنييا له فيهييا مييا نشاء لميين نريييد" أي لم نعطييه منهييا إل مييا نشاء ثييم نؤاخذه بعمله،
وعاقبتييه دخول النار" .مذمومييا مدحورا" أي مطردا مبعدا ميين رحميية ال .وهذه صييفة المنافقييين
الفاسيقين ،والمرائيين المداجيين ،يلبسيون السيلم والطاعية لينالوا عاجيل الدنييا مين الغنائم وغيرهيا،
فل يقبل ذلك العمل منهم في الخرة ول يعطون في الدنيا إل ما قسم لهم .وقد تقدم في "هود" أن
هذه اليية تقييد اليات المطلقية؛ فتأمله" .ومين أراد الخرة" أي الدار الخرة" .وسيعى لهيا سيعيها"
أي عمل لها عملها من الطاعات" .وهو مؤمن" لن الطاعات ل تقبل إل من مؤمن" .فأولئك كان
سيعيهم مشكورا" أي مقبول غيير مردود .وقييل :مضاعفيا؛ أي تضاعيف لهيم الحسينات إلى عشير،
وإلى سيبعين وإلى سيبعمائة ضعيف ،وإلى أضعاف كثيرة؛ كميا روي عين أبيي هريرة وقيد قييل له:
أسييمعت رسييول ال صييلى ال عليييه وسييلم يقول( :إن ال ليجزي على الحسيينة الواحدة ألف ألف
حسنة )؟ فقال سمعته يقول( :إن ال ليجزي على الحسنة الواحدة ألفي ألف حسنة).
**3اليات{ 22 - 20 :كل نمد هؤلء وهؤلء من عطاء ربك وما كان عطاء ربك محظورا،
انظر كيف فضلنا بعضهم على بعض وللخرة أكبر درجات وأكبر تفضيل ،ل تجعل مع ال إلها
آخر فتقعد مذموما مخذول}
@قوله تعالى" :كل نميد هؤلء وهؤلء مين عطاء ربيك" اعلم أنيه يرزق المؤمنيين والكافريين.
"وميا كان عطاء ربيك محظورا" أي محبوسيا ممنوعيا؛ مين حظير يحظير حظرا وحظارا .ثيم قال
تعالى" :انظير كييف فضلنيا بعضهيم على بعيض" فيي الرزق والعميل؛ فمين مقيل ومكثير" .وللخرة
أكيبر درجات وأكيبر تفضيل" أي للمؤمنيين؛ فالكافير وإن وسيع علييه فيي الدنييا مرة ،وقتير على
المؤميين مرة فالخرة ل تقسييم إل مرة واحدة بأعمالهييم؛ فميين فاتييه شيييء منهييا لم يسييتدركه فيهييا.
وقوله" :ل تجعييل مييع ال إلهييا آخيير" الخطاب للنييبي صييلى ال عليييه وسييلم والمراد أمتييه .وقيييل:
الخطاب للنسان" .فتقعد" أي تبقى" .مذموما مخذول" ل ناصر لك ول وليا.
**3اليتان{ 24 - 23 :وقضى ربك أل تعبدوا إل إياه وبالوالدين إحسانا إما يبلغن عندك الكبر
أحدهميا أو كلهميا فل تقيل لهميا أف ول تنهرهميا وقيل لهميا قول كريميا ،واخفيض لهميا جناح الذل
من الرحمة وقل رب ارحمهما كما ربياني صغيرا}
@قوله تعالى" :وقضى" أي أمر وألزم وأوجب .قال ابن عباس والحسن وقتادة :وليس هذا قضاء
حكيم بيل هيو قضاء أمير .وفيي مصيحف ابين مسيعود "ووصيى" وهيي قراءة أصيحابه وقراءة ابين
عباس أيضا وعلي وغيرهما ،وكذلك عند أبي بن كعب .قال ابن عباس :إنما هو "ووصى ربك"
فالتصيقت إحدى الواويين فقرئت "وقضيى ربيك" إذ لو كان على القضاء ميا عصيى ال أحيد .وقال
الضحاك :تصيحفت على قوم "وصيى بقضيي" حيين اختلطيت الواو بالصياد وقيت كتيب المصيحف.
وذكير أبيو حاتيم عين ابين عباس مثيل قول الضحاك .وقال عين ميمون بين مهران أنيه قال :إن على
قول ابن عباس لنورا؛ قال ال تعالى" :شرع لكم من الدين ما وصى به نوحا والذي أوحينا إليك"
[الشورى ]13 :ثم أبى أبو حاتم أن يكون ابن عباس قال ذلك .وقال :لو قلنا هذا لطعن الزنادقة
فيي مصيحفنا ،ثيم قال علماؤنيا المتكلمون وغيرهيم :القضاء يسيتعمل فيي اللغية على وجوه :فالقضاء
بمعنيى المير؛ كقوله تعالى" :وقضيى ربيك أل تعبدوا إل إياه" معناه أمير .والقضاء بمعنيى الخلق؛
كقوله" :فقضاهن سبع سماوات في يومين" [فصلت ]12 :يعني خلقهن .والقضاء بمعنى الحكم؛
كقوله تعالى" :فاقيض ميا أنيت قاض" يعنيي احكيم ميا أنيت تحكيم .والقضاء بمعنيى الفراغ؛ كقوله:
"قضيى المير الذي فييه تسيتفتيان" [يوسيف ]41 :أي فرغ منيه؛ ومنيه قوله تعالى "فإذا قضيتيم
مناسككم" [البقرة .]200 :وقوله تعالى" :فإذا قضييت الصيلة" .والقضاء بمعنيى الرادة؛ كقوله
تعالى" :إذا قضييى أمرا فإنمييا يقول له كيين فيكون" [آل عمران .]47 :والقضاء بمعنييى العهييد؛
كقوله تعالى" :وما كنت بجانب الغربي إذ قضينا إلى موسى المر" [القصص.]44 :
فإذا كان القضاء يحتميل هذه المعانيي فل يجوز إطلق القول بأن المعاصيي بقضاء ال؛ لنيه إن
أريد به المر فل خلف أنه ل يجوز ذلك ،لن ال تعالى لم يأمر بها ،فإنه ل يأمر بالفحشاء .وقال
زكرييا بين سيلم :جاء رجيل إلى الحسين فقال إنيه طلق امرأتيه ثلثيا .فقال :إنيك قيد عصييت ربيك
وبانت منك .فقال الرجل :قضى ال ذلك علي فقال الحسن وكان فصيحا :ما قضى ال ذلك أي ما
أمر ال به ،وقرأ هذه الية" :وقضى ربك أل تعبدوا إل إياه".
@ أمر ال سبحانه بعبادته وتوحيده ،وجعل بر الوالدين مقرونا بذلك ،كما قرن شكرهما بشكره
فقال" :وقضييى ربييك أل تعبدوا إل إياه وبالوالدييين إحسييانا" .وقال" :أن اشكيير لي ولوالديييك إلي
المصير" [لقمان .]14 :وفي صحيح البخاري عن عبدال قال :سألت النبي صلى ال عليه وسلم
أي العميل أحيب إلى ال عيز وجيل؟ قال( :الصيلة على وقتهيا) قال :ثيم أي؟ قال( :ثيم بر الوالديين)
قال ثم أي؟ قال( :الجهاد في سبيل ال) فأخبر صلى ال عليه وسلم أن بر الوالدين أفضل العمال
بعد الصلة التي هي أعظم دعائم السلم .ورتب ذلك بي (ثم) التي تعطي الترتيب والمهلة.
@ من البر بهما والحسان إليهما أل يتعرض لسبهما ول يعقهما؛ فإن ذلك من الكبائر بل خلف،
وبذلك وردت السنة الثابتة؛ ففي صحيح مسلم عن عبدال بن عمرو أن رسول ال صلى ال عليه
وسلم قال( :إن من الكبائر شتم الرجل والديه) قالوا :يا رسول ال ،وهل يشتم الرجل والديه؟ قال
(نعم .يسب الرجل أبا الرجل فيسب أباه ويسب أمه فيسب أمه).
@ عقوق الوالدييين مخالفتهمييا فييي أغراضهمييا الجائزة لهمييا؛ كمييا أن برهمييا موافقتهمييا على
أغراضهما .وعلى هذا إذا أمرا أو أحدهما ولدهما بأمر وجبت طاعتهما فيه ،إذا لم يكن ذلك المر
معصيية ،وإن كان ذلك المأمور بيه مين قبييل المباح فيي أصيله ،وكذلك إذا كان مين قبييل المندوب.
وقد ذهب بعض الناس إلى أن أمرهما بالمباح يصيره في حق الولد مندوبا إليه وأمرهما بالمندوب
يزيده تأكيدا في ندبيته.
@ روى الترمذي عن عمر قال :كانت تحتي امرأة أحبها ،وكان أبي يكرهها فأمرني أن أطلقها
فأبييت ،فذكرت ذلك للنيبي صيلى ال علييه وسيلم فقال( :ييا عبدال بين عمير طلق امرأتيك) .قال هذا
حديث حسن صحيح.
@ روى الصحيح عن أبي هريرة قال :جاء رجل إلى النبي صلى ال عليه وسلم فقال :من أحق
الناس بحسن صحابتي؟ قال( :أمك) قال :ثم من؟ قال( :ثم أمك) قال :ثم من؟ قال( :ثم أمك) قال:
ثيم مين؟ قال( :ثيم أبوك) .فهذا الحدييث يدل على أن محبية الم والشفقية عليهيا ينبغيي أن تكون ثلثية
أمثال محبة الب؛ لذكر النبي صلى ال عليه وسلم الم ثلث مرات وذكر الب في الرابعة فقط.
وإذا توصييل هذا المعنييى شهييد له العيان .وذلك أن صييعوبة الحمييل وصييعوبة الوضييع وصييعوبة
الرضاع والتربيية تنفرد بهيا الم دون الب؛ فهذه ثلث منازل يخلو منهيا الب .وروي عين مالك
أن رجل قال له :إن أبيي فيي بلد السيودان ،وقيد كتيب إلي أن أقدم علييه ،وأميي تمنعنيي مين ذلك؛
فقال :أطيع أباك ،ول تعيص أميك .فدل قول مالك هذا أن برهميا متسياو عنده .وقيد سيئل اللييث عين
هذه المسألة فأمره بطاعة الم؛ وزعم أن لها ثلثي البر .وحديث أبي هريرة يدل على أن لها ثلثة
أرباع البر؛ وهو الحجة على من خالف .وقد زعم المحاسبي في (كتاب الرعاية) له أنه ل خلف
بييين العلماء أن للم ثلثيية أرباع البر وللب الربييع؛ على مقتضييى حديييث أبييي هريرة رضييي ال
عنه .وال اعلم.
ل يختيص بر الوالديين بأن يكونيا مسيلمين ،بيل إن كانيا كافريين يبرهميا ويحسين إليهميا إذا كان لهميا
عهيد؛ قال ال تعالى" :ل ينهاكيم ال عين الذيين لم يقاتلوكيم فيي الديين ولم يخرجوكيم مين دياركيم أن
تيبروهم" [الممتحنية .]8 :وفيي صيحيح البخاري عين أسيماء قالت :قدميت أميي وهيي مشركية فيي
عهد قريش ومدتهم إذ عاهدوا النبي صلى ال عليه وسلم مع أبيها ،فاستفتيت النبي صلى ال عليه
وسلم فقلت :إن أمي قدمت وهي راغبة أفأصلها؟ قال( :نعم صلي أمك) .وروي أيضا عن أسماء
قالت :أتتنيي أميي راغبية فيي عهيد النيبي صيلى ال علييه وسيلم فسيأل النيبي صيلى ال علييه وسيلم
أأصلها؟ قال( :نعم) .قال ابن عينية :فأنزل ال عز وجل فيها" :ل ينهاكم ال عن الذين لم يقاتلوكم
في الدين" [الممتحنة ]8 :الول معلق والثاني مسند.
@ من الحسان إليهميا والبر بهما إذا لم يتعين الجهاد أل يجاهيد إل بإذنهميا .روى الصيحيح عن
عبدال بين عمرو قال :جاء رجيل إلى النيبي صيلى ال علييه وسيلم يسيتأذنه فيي الجهاد فقال( :أحيي
والداك)؟ قال نعم .قال( :ففيهما فجاهد) .لفظ مسلم .في غير الصحيح قال :نعم؛ وتركتهما يبكيان.
قال( :اذهيب فأضحكهميا كميا أبكيتهميا) .وفيي خيبر آخير أنيه قال( :نوميك ميع أبوييك على فراشهميا
يضاحكانيك ويلعبانيك أفضيل لك مين الجهاد معيي) .ذكره ابين خوييز منداد .ولفيظ البخاري فيي
كتاب بر الوالديين :أخبرنيا أبيو نعييم أخبرنيا سيفيان عين عطاء بين السيائب عين أبييه عين عبدال بين
عمرو قال :جاء رجييل إلى النييبي صييلى ال عليييه وسييلم يبايعييه على الهجرة ،وترك أبويييه يبكيان
فقال( :ارجع إليهما فأضحكهما كما أبكيتهما) .قال ابن المنذر :في هذا الحديث النهي عن الخروج
بغير إذن البوين ما لم يقع النفير؛ فإذا وقع وجب الخروج على الجميع .وذلك بين في حديث أبي
قتادة أن رسول ال صلى ال عليه وسلم بعث جيش المراء...؛ فذكر قصة زيد بن حارثة وجعفر
بن أبي طالب وابن رواحة وأن منادي وسول ال صلى ال عليه وسلم نادى بعد ذلك :أن الصلة
جامعيية؛ فاجتمييع الناس فحمييد ال وأثنييى عليييه ثييم قال( :أيهييا الناس ،اخرجوا فأمدوا إخوانكييم ول
يتخلفين أحيد) فخرج الناس مشاة وركبانيا فيي حير شدييد .فدل قوله( :اخرجوا فأمدوا إخوانكيم) أن
العذر فييي التخلف عيين الجهاد إنمييا هييو مييا لم يقييع النفييير؛ مييع قوله عليييه السييلم( :فإذا اسييتنفرتم
فانفروا).
قلت :وفيي هذه الحادييث دلييل على أن المفروض أو المندوبات متيى اجتمعيت قدم الهيم منهيا.
وقد استوفى هذا المعنى المحاسبي في كتاب الرعاية.
@ واختلفوا فيي الوالديين المشركيين هل يخرج بإذنهما إذا كان الجهاد من فروض الكفاية؛ فكان
الثوري يقول :ل يغزو إل بإذنهميييا .وقال الشافعيييي :له أن يغزو بغيييير إذنهميييا .قال ابييين المنذر:
والجداد آباء ،والجدات أمهات فل يغزو المرء إل بإذنهيم ،ول أعلم دللة توجيب ذلك لغيرهيم مين
الخوة وسيائر القرابات .وكان طاوس يرى السيعي على الخوات أفضيل مين الجهاد فيي سيبيل ال
عز وجل.
@ من تمام برهما صلة أهل ودهما؛ ففي الصحيح عن ابن عمر قال :سمعت رسول ال صلى ال
عليه وسلم يقول( :إن من أبر صلة الرجل أهل ود أبيه بعد أن يولي) .وروى أبو أسيد وكان بدريا
قال :كنت مع النبي صلى ال عليه وسلم جالسا فجاءه رجل من النصار فقال :يا رسول ال ،هل
بقيي مين بر والدي مين بعيد موتهميا شييء أبرهميا بيه؟ قال( :نعيم .الصيلة عليهميا والسيتغفار لهميا
وإنفاذ عهدهما بعدهما وإكرام صديقهما وصلة الرحم التي ل رحم لك إل من قبلهما فهذا الذي بقي
علييك) .وكان صيلى ال علييه وسيلم يهدي لصيدائق خديجية برا بهيا ووفاء لهيا وهيي زوجتيه ،فميا
ظنك بالوالدين.
@قوله تعالى" :إميا يبلغين عندك الكيبر أحدهميا أو كلهميا" خيص حالة الكيبر لنهيا الحالة التيي
يحتاجان فيهييا إلى بره لتغييير الحال عليهمييا بالضعييف والكييبر؛ فألزم فييي هذه الحالة ميين مراعاة
أحوالهميا أكثير مميا ألزميه مين قبيل ،لنهميا فيي هذه الحالة قيد صيارا كل علييه ،فيحتاجان أن يلي
منهميا فيي الكيبر ميا كان يحتاج فيي صيغره أن يلييا منيه؛ فلذلك خيص هذه الحالة بالذكير .وأيضيا
فطول المكيث للمرء يوجيب السيتثقال للمرء عادة ويحصيل الملل ويكثير الضجير فيظهير غضبيه
على أبويه وتنتفخ لهما أوداجه ،ويستطيل عليهما بدالة البنوة وقلة الديانة ،وأقل المكروه ما يظهره
بتنفسه المتردد من الضجر .وقد أمر أن يقابلهما بالقول الموصوف بالكرامة ،وهو السالم عن كل
عيب فقال" :فل تقل لهما أف ول تنهرهما وقل لهما قول كريما" .روى مسلم عن أبي هريرة قال
قال رسول ال صلى ال عليه وسلم( :رغم أنفه رغم أنفه رغم أنفه) قيل :من يا رسول ال؟ قال:
(مين أدرك والدييه عنيد الكيبر أحدهميا أو كليهميا ثيم لم يدخيل الجنية) .وقال البخاري فيي كتاب
الوالدين :حدثنا مسدد حدثنا بشر بن المفضل حدثنا عبدالرحمن بن إسحاق عن أبي سعيد المقبري
عن أبي هريرة عن النبي صلى ال عليه وسلم قال( :رغم أنف رجل ذكرت عنده فلم يصل علي.
رغيم أنيف رجيل أدرك أبوييه عنيد الكيبر أو أحدهميا فلم يدخله الجنية .ورغيم أنيف رجيل دخيل علييه
رمضان ثيم انسيلخ قبيل أن يغفير له) .حدثنيا ابين أبيي أوييس حدثنيا أخيي عين سيليمان بين بلل عين
محمد بن هلل عن سعد بن إسحاق بن كعب بن عجرة السالمي عن أبيه رضي ال عنه قال :إن
كعيب بين عجرة رضيي ال عنيه قال قال النيبي صيلى ال علييه وسيلم( :أحضروا المنيبر) فلميا خرج
رقي إلى المنبر ،فرقي في أول درجة منه قال آمين ثم رقي في الثانية فقال آمين ثم لما رقى في
الثالثية قال آميين ،فلميا فرغ ونزل مين المنيبر قلنيا :ييا رسيول ال ،لقيد سيمعنا منيك اليوم شيئا ميا كنيا
نسيمعه منيك؟ قال( :وسيمعتموه)؟ قلنيا نعيم .قال( :إن جبرييل علييه السيلم اعترض فال :بعيد مين
أدرك رمضان فلم يغفير له فقلت آميين فلميا رقييت فيي الثانيية قال بعيد مين ذكرت عنده فلم يصيل
علييك فقلت آميين فلميا رقييت فيي الثالثية قال بعيد مين أدرك عنده أبواه الكيبر أو أحدهميا فلم يدخله
الجنة قلت آمين) .حدثنا أبو نعيم حدثنا سلمة بن وردان سمعت أنسا رضي ال عنه يقول :ارتقى
رسول ال صلى ال عليه وسلم على المنبر درجة فقال آمين ثم ارتقى درجة فقال آمين ثم ارتقى
الدرجة الثالثة فقال آمين ،ثم استوى وجلس فقال أصحابه :يا رسول ال ،علم أمنت؟ قال( :أتاني
جبرييل علييه السيلم فقال رغيم أنيف مين ذكرت عنده فلم يصيل علييك فقلت آميين ورغيم أنيف مين
أدرك أبوييه أو أحدهميا فلم يدخيل الجنية فقلت آميين) الحديييث .فالسييعيد الذي يبادر اغتنام فرصيية
برهما لئل تفوته بموتهما فيندم على ذلك .والشقي من عقهما ،ل سيما من بلغه المر ببرهما.
@قوله تعالى" :فل تقيل لهميا أف" أي ل تقيل لهميا ميا يكون فييه أدنيى تيبرم .وعين أبيي رجاء
العطاردي قال :الف الكلم القذع الردييء الخفيي .وقال مجاهيد :معناه إذا رأييت منهميا فيي حال
الشيييخ الغائط والبول الذي رأياه منييك فييي الصييغر فل تقذرهمييا وتقول أف .والييية أعييم ميين هذا.
والف والتيف وسيخ الظفار .ويقال لكيل ميا يضجير ويسيتثقل :أف له .قال الزهري :والتيف أيضيا
الشيييء الحقييير .وقرئ "أف" منون مخفوض؛ كمييا تخفييض الصييوات وتنون ،تقول :صييه ومييه.
وفيييه عشيير لغات :أف ،وإف ،وأف ،وأفييا وأف ،وأفييه ،وإف لك (بكسيير الهمزة) ،وأف (بضييم
الهمزة وتسكين الفاء) ،وأفا (مخففة الفاء) .وفي الحديث( :فألقى طرف ثوبه على أنفه ثم قال أف
أف) .قال أبو بكر :معناه استقذار لما شم .وقال بعضهم :معنى أف الحتقار والستقلل؛ أخذ من
الف وهيو القلييل .وقال القتيبي :أصيله نفخيك الشييء يسيقط علييك مين رماد وتراب وغيير ذلك،
وللمكان ترييد إماطية شييء لتقعيد فييه؛ فقيلت هذه الكلمية لكيل مسيتثقل .وقال أبيو عمرو بين العلء:
الف وسيخ بيين الظفار ،والتيف قلمتهيا .وقال الزجاج :معنيى أف النتين .وقال الصيمعي :الف
وسخ الذن ،والتف وسخ الظفار؛ فكثر استعماله حتى ذكر في كل ما يتأذى به .وروي من حديث
علي بيين أبييي طالب رضييي ال عنييه قال قال رسييول ال صييلى ال عليييه وسييلم( :لو علم ال ميين
العقوق شيئا أردا من "أف" لذكره فليعمل البار ما شاء أن يعمل فلن يدخل النار .وليعمل العاق ما
شاء أن يعميل فلن يدخيل الجنية) .قال علماؤنيا :وإنميا صيارت قولة "أف" للبويين أردأ شييء لنيه
رفضهميا رفيض كفير النعمية ،وجحيد التربيية ورد الوصيية التيي أوصياه فيي التنزييل .و"أف" كلمية
مقولة لكييل شيييء مرفوض؛ ولذلك قال إبراهيييم لقومييه" :أف لكييم ولمييا تعبدون ميين دون ال"
[النبياء ]67 :أي رفض لكم ولهذه الصنام معكم.
@قوله تعالى" :ول تنهرهما" النهر :الزجر والغلظة" .وقل لهما قول كريما" أي لينا لطيفا ،مثل:
ييا أبتاه وييا أماه ،مين غيير أن يسيميهما ويكنيهميا؛ قال عطاء .وقال ابين البداح التجييبي :قلت لسيعيد
بين المسييب كيل ميا فيي القرآن مين بر الوالديين قيد عرفتيه إل قوله" :وقيل لهميا قول كريميا" ميا هذا
القول الكريم؟ قال ابن المسيب :قول العبد المذنب السيد الفظ الغليظ.
@قوله تعالى" :واخفيض لهميا جناح الذل مين الرحمية" هذه اسيتعارة فيي الشفقية والرحمية بهميا
والتذلل لهما تذلل الرعية للمير والعبيد للسادة؛ كما أشار إليه سعيد بن المسيب .وضرب خفض
الجناح ونصيبه مثل لجناح الطائر حيين ينتصيب بجناحيه لولده .والذل :هيو الليين .وقراءة الجمهور
بضيم الذال ،مين ذل يذل ذل وذلة ومذلة فهيو ذال وذلييل .وقرأ سيعيد بين جيبير وابين عباس وعروة
بين الزبيير "الذل" بكسير الذال ،وروييت عين عاصيم؛ مين قولهيم :دابية ذلول بينية الذل .والذل فيي
الدواب المنقاد السيهل دون الصيعب .فينبغيي بحكيم هذه اليية أن يجعيل النسيان نفسيه ميع أبوييه فيي
خير ذلة ،في أقواله وسكناته ونظره ،ول يحد إليهما بصره فإن تلك هي نظرة الغاضب.
الخطاب فيي هذه اليية للنيبي صيلى ال علييه وسيلم والمراد بيه أمتيه؛ إذ لم يكين له علييه السيلم فيي
ذلك الوقيت أبوان .ولم يذكير الذل فيي قوله تعالى" :واخفيض جناحيك لمين اتبعيك مين المؤمنيين"
[الشعراء ]215 :وذكره هنا بحسب عظم الحق وتأكيده .و"من" في قوله" :من الرحمة" لبيان
الجنيس ،أي إن هذا الخفيض يكون مين الرحمية المسيتكنة فيي النفيس ،ل بأن يكون ذلك اسيتعمال.
ويصح أن يكون لنتهاء الغاية،
@قوله تعالى" :وقيل رب ارحمهميا" أمير تعالى عباده بالترحيم على آبائهيم والدعاء لهيم ،وأن
ترحهمييا كمييا رحماك وترفييق بهمييا كمييا رفقييا بييك؛ إذ ولياك صييغيرا جاهل محتاجييا فآثراك على
أنفسيهما ،وأسيهرا ليلهميا ،وجاعيا وأشبعاك ،وتعرييا وكسيواك ،فل تجزيهميا إل أن يبلغيا مين الكيبر
الحيد الذي كنيت فييه مين الصيغر ،فتلي منهميا ميا ولييا منيك ،ويكون لهميا حينئذ فضيل التقدم .قال
صلى ال عليه وسلم( :ل يجزي ولد والدا إل أن يجده مملوكا فيشتريه فيعتقه) .وسيأتي في سورة
[مريم] الكلم على هذا الحديث .والية "وقل رب أرحمهما" نزلت في سعد بن أبي وقاص ،فإنه
أسلم ،فألقت أمه نفسها في الرمضاء متجردة ،فذكر ذلك لسعد فقال :لتمت ،فنزلت الية
@قوله تعالى" :كما ربياني" خص التربية بالذكر ليتذكر العبد شفقة البوين وتبعهما في التربية،
فيزيده ذلك إشفاقييا لهمييا وحنانييا عليهمييا ،وهذا كله فييي البوييين المؤمنييين .وقييد نهييى القرآن عيين
الستغفار للمشركين الموات ولو كانوا أولي قربى ،كما تقدم .وذكر عن ابن عباس وقتادة أن هذا
كله منسييوخ بقوله" :مييا كان للنييبي والذييين آمنوا أن يسييتغفروا للمشركييين -إلى قوله -أصييحاب
الجحييم" [التوبية ]113 :فإذا كان والدا المسيلم ذمييين اسيتعمل معهميا ميا أمره ال بيه هاهنيا؛ إل
الترحيم لهميا بعيد موتهميا على الكفير؛ لن هذا وحده نسيخ باليية المذكورة .وقييل :لييس هذا موضيع
نسخ ،فهو دعاء بالرحمة الدنيوية للبوين المشركين ما داما حيين ،كما تقدم .أو يكون عموم هذه
الية خص بتلك ،ل رحمة الخرة ،ل سيما وقد قيل إن قوله" :وقل رب أرحمهما" نزلت في سعد
بين أبيي وقاص ،فإنيه أسيلم ،فألقيت أميه نفسيها فيي الرمضاء متجردة ،فذكير ذلك لسيعد فعال :لتميت،
فنزلت الييية .وقيييل :الييية خاصيية فييي الدعاء للبوييين المسييلمين .والصييواب أن ذلك عموم كمييا
ذكرنا ،وقال ابن عباس قال النبي صلى ال عليه وسلم( :من أمسى مرضيا لوالديه وأصبح أمسى
وأصييبح وله بابان مفتوحان ميين الجنيية وإن واحدا فواحدا .وميين أمسييى وأصييبح مسييخطا لوالديييه
أمسييى وأصييبح وله بابان مفتوحان إلى النار وإن واحدا فواحدا) فقال رجييل :يييا رسييول ال ،وإن
ظلماه؟ قال( :وإن ظلماه وإن ظلماه وإن ظلماه) .وقد روينا بالسناد المتصل عن جابر بن عبدال
رضيي ال تعالى عنيه قال :جاء رجيل إلى النيبي صيلى ال علييه وسيلم فقال :ييا رسيول ال ،إن أبيي
أخيذ مالي .فقال النيبي صيلى ال علييه وسيلم للرجيل( :فأتنيي بأبييك) فنزل جبرييل علييه السيلم على
النبي صلى ال عليه وسلم فقال( :إن ال عز وجل يقرئك السلم ويقول لك إذا جاءك الشيخ فاسأله
عن شيء قاله في نفسه ما سمعته أذناه) فلما جاء الشيخ قال له النبي صلى ال عليه وسلم( :ما بال
ابنيك يشكوك أترييد أن تأخيذ ماله)؟ فقال :سيله ييا رسيول ال ،هيل أنفقيه إل على إحدى عماتيه أو
خالتيه أو على نفسيي! فقال له رسيول ال صيلى ال علييه وسيلم( :إييه ،دعنيا مين هذا أخيبرني عين
شيء قلته في نفسك ما سمعته أذناك)؟ فقال الشيخ :وال يا رسول ال ،ما زال ال عز وجل يزيدنا
بك يقينا ،لقد قلت في نفسي شيئا ما سمعته أذناي .قال( :قل وأنا أسمع) قال قلت:
تعل بما أجني عليك وتنهل غذوتك مولودا ومنتك يافعا
لسقمك إل ساهرا أتململ إذا ليلة ضافتك بالسقم لم أبت
طرقت به دوني فعيني تهمل كأني أنا المطروق دونك بالذي
لتعلم أن الموت وقت مؤجل تخاف الردى نفسي عليك وإنها
إليها مدى ما كنت فيك أؤمل فلما بلغت السن والغاية التي
كأنك أنت المنعم المتفضل جعلت جزائي غلظة وفظاظة
فعلت كما الجار المصاقب يفعل فليتك إذ لم ترع حق أبوتي
علي بمال دون مالك تبخل فأوليتني حق الجوار ولم تكن
قال :فحينئذ أخذ النبي صلى ال عليه وسلم بتلبيب ابنه وقال( :أنت ومالك لبيك) .قال الطبراني:
اللخمي ل يروى -يعني هذا الحديث -عن ابن المنكدر بهذا التمام والشعر إل بهذا السناد؛ وتفرد
به عبيدال بن خلصة .وال اعلم.
**3الية{ 25 :ربكم أعلم بما في نفوسكم إن تكونوا صالحين فإنه كان للوابين غفورا}
@قوله تعالى" :ربكيم أعلم بميا فيي نفوسيكم" أي مين اعتقاد الرحمية بهميا والحنيو عليهميا ،أو مين
غيير ذلك مين العقوق ،أو مين جعيل ظاهير برهميا رياء .وقال ابين جيبير :يرييد البادرة التيي تبدر،
كالفلتيية والزلة ،تكون ميين الرجييل إلى أبويييه أو أحدهمييا ،ل يريييد بذلك بأسييا؛ قال ال تعالى" :إن
تكونوا صييالحين" أي صييادقين فييي نييية البر بالوالدييين فإن ال يغفيير البادرة .وقوله" :فإنييه كان
للوابييين غفورا" وعييد بالغفران مييع شرط الصييلح والوبيية بعييد الوبيية إلى طاعيية ال سييبحانه
وتعالى .قال سعيد بن المسيب :هو العبد يتوب ثم يذنب ثم يتوب ثم يذنب .وقال ابن عباس رضي
ال عنييه :الواب :الحفيييظ الذي إذا ذكيير خطاياه اسييتغفر منهييا .وقال عبيييد بيين عمييير :هييم الذييين
يذكرون ذنوبهم في الخلء ثم يستغفرون ال عز وجل .وهذه القوال متقاربة .وقال عون العقيلي:
الوابون هم الذين يصلون صلة الضحى .وفي الصحيح( :صلة الوابين حين ترمض الفصال).
وحقيقة اللفظ من آب يؤوب إذا رجع.
**3اليتان{ 27 - 26 :وآت ذا القربيى حقيه والمسيكين وابين السيبيل ول تبذر تبذيرا ،إن
المبذرين كانوا إخوان الشياطين وكان الشيطان لربه كفورا}
@قوله تعالى" :وآت ذا القربى حقه" أي كما راعيت حق الوالدين فصل الرحم ،ثم تصدق على
المسيكين وابين السيبيل .وقال علي بين الحسيين فيي قوله تعالى" :وآت ذا القربيى حقيه" :هيم قرابية
النيبي صيلى ال علييه وسيلم ،أمير صيلى ال علييه وسيلم بإعطائهيم حقوقهيم مين بييت المال ،أي مين
سهم ذوي القربى من الغزو والغنيمة ،ويكون خطابا للولة أو من قام مقامهم .والحق في هذه الية
ما يتعين من صلة الرحم ،وسد الخلة ،والمواساة عند الحاجة بالمال ،والمعونة بكل وجه.
@قوله تعالى" :ول تبذر" أي ل تسرف في النفاق في غير حق .قال الشافعي رضي ال عنه:
والتبذيير إنفاق المال فيي غيير حقيه ،ول تبذيير فيي عميل الخيير .وهذا قول الجمهور .وقال أشهيب
عن مالك :التبذير هو أخذ المال من حقه ووضعه في غير حقه ،وهو السراف ،وهو حرام لقوله
تعالى" :إن المبذريين كانوا إخوان الشياطيين" وقوله" :إخوان" يعنيي أنهيم فيي حكمهيم؛ إذ المبذر
ساع في إفساد كالشياطين ،أو أنهم يفعلون ما تسول لهم أنفسهم ،أو أنهم يقرنون بهم غدا في النار؛
ثلثية أقوال .والخوان هنيا جميع أخ مين غيير النسيب؛ ومنيه قوله تعالى" :إنميا المؤمنون إخوة"
[الحجرات .]10 :وقوله تعالى" :وكان الشيطان لربه كفورا" أي احذروا متابعته والتشبه به في
الفسيياد .والشيطان اسييم الجنييس .وقرأ الضحاك "إخوان الشيطان" على النفراد ،وكذلك ثبييت فييي
مصحف أنس بن مالك رضي ال عنه.
@ من أنفق مال في الشهوات زائدا على قدر الحاجات وعرضه بذلك للنفاد فهو مبذر .ومن أنفق
ربح مال في شهواته وحفظ الصل أو الرقبة فليس بمبذر .ومن أنفق درهما في حرام فهو مبذر،
ويحجر عليه في نفقته الدرهم في الحرام ،ول يحجر عليه إن بذله في الشهوات إل إذا خيف عليه
النفاد.
**3الية{ 28 :وإما تعرضن عنهم ابتغاء رحمة من ربك ترجوها فقل لهم قول ميسورا}
@ وهيو أنيه سيبحانه وتعالى خيص نيبيه صيلى ال علييه وسيلم بقوله" :وإميا تعرضين عنهيم ابتغاء
رحمية مين ربيك ترجوهيا" .وهيو تأدييب عجييب وقول لطييف بدييع ،أي ل تعرض عنهيم إعراض
مسييتهين عيين ظهيير الغنييى والقدرة فتحرمهييم .وإنمييا يجوز أن تعرض عنهييم عنييد عجييز يعرض
وعائق يعوق ،وأنت عند ذلك ترجو من ال سبحانه وتعالى فتح باب الخير لتتوصل به إلى مواساة
السائل؛ فإن قعد بك الحال فقل لهم قول ميسورا.
@ فيي سيبب نزولهيا؛ فال ابين زييد :نزلت اليية فيي قوم كانوا يسيألون رسيول ال صيلى ال علييه
وسيلم فيأبيى أن يعطيهيم؛ لنيه كان يعلم منهيم نفقية المال فيي فسياد ،فكان يعرض عنهيم رغبية فيي
الجير فيي منعهيم لئل يعينهيم على فسيادهم .وقال عطاء الخراسياني فيي قوله تعالى "وإميا تعرضين
عنهيم ابتغاء رحمية مين ربيك ترجوهيا" قال :لييس هذا فيي ذكير الوالديين ،جاء ناس مين مزينية إلى
النبي صلى ال عليه وسلم يستحملونه؛ فقال( :ل أجد ما أحملكم عليه) فتولوا وأعينهم تفيض من
الدميع حزنيا؛ فأنزل ال تعالى" :وإميا تعرضين عنهيم ابتغاء رحمية مين ربيك ترجوهيا" .والرحمية
الفييء .والضميير فيي "عنهيم" عائد على مين تقدم ذكرهيم مين الباء والقرابية والمسياكين وأبناء
السبيل.
@قوله تعالى" :فقيل لهيم قول ميسيورا" أمره بالدعاء لهيم ،أي يسير فقرهيم عليهيم بدعائك لهيم.
وقيل :ادع لهم دعاء يتضمن الفتح لهم والصلح .وقيل :المعنى "وإما تعرضن" أي إن أعرضت
ييا محميد عين إعطائهيم لضييق ييد فقيل لهيم قول ميسيورا؛ أي أحسين القول وأبسيط العذر ،وادع لهيم
بسعة الرزق ،وقل إذا وجدت فعلت وأكرمت؛ فإن ذلك يعمل في مسرة نفسه عمل المواساة .وكان
علييه الصيلة والسيلم إذا سيئل ولييس عنده ميا يعطيي سيكت انتظارا لرزق يأتيي مين ال سيبحانه
وتعالى كراهية الرد ،فنزلت هذه اليية ،فكان صيلى ال علييه وسيلم إذا سيئل ولييس عنده ميا يعطيي
قال( :يرزقنييا ال وإياكييم ميين فضله) .فالرحميية على هذا التأويييل الرزق المنتظيير .وهذا قول ابيين
عباس ومجاهيد وعكرمية .و"قول ميسيورا" أي لينيا لطيفيا طيبيا ،مفعول بمعنيى الفاعيل ،مين لفيظ
اليسر كالميمون ،أي وعدا جميل ،على ما بيناه .ولقد أحسن من قال:
للسائلين فإني لين العود إل تكن َو ِرقٌ يوما أجود بها
إما نوالي وإما حسن مردودي ل يعدم السائلون الخير من خلقي
تقول :يسرت لك كذا إذا أعددته.
**3الية{ 29 :ول تجعل يدك مغلولة إلى عنقك ول تبسطها كل البسط فتقعد ملوما محسورا}
@قوله تعالى" :ول تجعل يدك مغلولة إلى عنقك" هذا مجاز عبر به عن البخيل الذي ل يقدر من
قلبه على إخراج شيء من ماله؛ فضرب له مثل الغل الذي يمنع من التصرف باليد .وفي صحيح
البخاري ومسيلم عن أبيي هريرة رضيي ال عنه قال :ضرب رسول ال صيلى ال عليه وسلم مثيل
البخيل والمتصدق كمثل رجلين عليهما جبتان من حديه قد اضطرت أيديهما إلى ثديهما وتراقيهما
فجعيل المتصيدق كلميا تصيدق بصيدقة انبسيطت عنيه حتيى تغشيى أنامله وتعفيو أثره وجعيل البخييل
كلما هم بصدقة قلصت وأخذت كل حلقة بمكانها .قال أبو هريرة رضي ال عنه :فأنا رأيت رسول
ال صلى ال عليه وسلم يقول بأصبعيه هكذا في جيبه فلو رأيته يوسعها ول تتوسع.
@قوله تعالى" :ول تبسيطها كيل البسيط" ضرب بسيط الييد مثل لذهاب المال ،فإن قبيض الكيف
يحبس ما فيها ،وبسطها يذهب ما فيها .وهذا كله خطاب للنبي صلى ال عليه وسلم والمراد أمته،
وكثيرا ميا جاء فيي القرآن؛ فإن النيبي صيلى ال علييه وسيلم لميا كان سييدهم وواسيطتهم إلى ربهيم
عبر به عنهم على عادة العرب في ذلك .وأيضا فإنه عليه الصلة والسلم لم يكن يدخر شيئا لغد،
وكان يجوع حتى يشد الحجر على بطنه من الجوع .وكان كثير من الصحابة ينفقون في سبيل ال
جميييع أموالهييم ،فلم يعنفهييم النييبي صييلى ال عليييه وسييلم ولم ينكيير عليهييم لصييحة يقينهييم وشدة
بصائرهم .وإنما نهى ال سبحانه وتعالى عن الفراط في النفاق ،وإخراج ما حوته يده من المال
مين خييف علييه الحسيرة على ميا خرج مين يده ،فأميا مين وثيق بموعود ال عيز وجيل وجزييل ثوابيه
فيميا أنفقيه فغيير مراد باليية ،وال اعلم .وقييل :إن هذا الخطاب للنيبي صيلى ال علييه وسيلم فيي
خاصية نفسيه ،علميه فييه كيفيية النفاق ،وأمره بالقتصياد .قال جابر وابين مسيعود :جاء غلم إلى
النبي صلى ال عليه وسلم فقال :إن أمي تسألك كذا وكذا .فقال( :ما عندنا اليوم شيء) .قال :فتقول
لك اكسني قميصك؛ فخلع قميصه فدفعه إليه وجلس في البيت عريانا .وفي رواية جابر :فأذن بلل
للصيلة وانتظير رسيول ال صيلى ال علييه وسيلم يخرج ،واشتغلت القلوب ،فدخيل بعضهيم فإذا هيو
عار؛ فنزلت هذه الية .وكل هذا في إنفاق الخير .وأما إنفاق الفساد فقليله وكثيره حرام ،كما تقدم.
@ نهت هذه الية عن استفراغ الوجد فيما يطرأ أول من سؤال المؤمنين؛ لئل يبقى من يأتي بعد
ذلك ل شيء له ،أو لئل يضيع المنفق عياله .ونحوه من كلم الحكمة :ما رأيت قط سرفا إل ومعه
حق مضيع .وهذه من آيات فقه الحال فل يبين حكمها إل باعتبار شخص شخص من الناس.
@قوله تعالى" :فتقعيد ملوميا محسيورا" قال ابين عرفية :يقول ل تسيرف ول تتلف مالك فتبقيى
محسيورا منقطعيا عين النفقية والتصيرف؛ كميا يكون البعيير الحسيير ،وهيو الذي ذهبيت قوتيه فل
انبعاث به؛ ومنه قوله تعالى" :ينقلب إليك البصر خاسئا وهو حسير" [الملك ]4 :أي كليل منقطع.
وقال قتادة :أي نادميا على ميا سيلف منيك؛ فجعله مين الحسيرة ،وفييه بعيد؛ لن الفاعيل مين الحسيرة
حسر وحسران ول يقال محسور .والملوم :الذي يلم على إتلف ماله ،أو يلومه من ل يعطيه.
**3اليتان{ 31 - 30 :إن ربك يبسط الرزق لمن يشاء ويقدر إنه كان بعباده خبيرا بصيرا،
ول تقتلوا أولدكم خشية إملق نحن نرزقهم وإياكم إن قتلهم كان خطأ كبيرا}
@ قيد مضيى الكلم فيي هذه اليية فيي النعام ،والحميد ل .والملق :الفقير وعدم الملك .أملق
الرجل أي لم يبق له إل الملقات؛ وهي الحجارة العظام الملس .قال الهذلي يصف صائدا:
إذا سامت على الملقات ساما أتيح لها أقيدر ذو حَشيف
الواحدة ملقة .والقيدر تصغير القدر ،وهو الرجل القصير .والحشيف من الثياب :الخلق .وسامت
مرت .وقال شمر :أملق لزم ومتعد ،أملق إذا افتقر ،وأملق الدهر ما بيده .قال أوس:
وأملق ما عندي خطوب َت َنبّل
@قوله تعالى" :خطئا" قراءة الجمهور بكسير الخاء وسيكون الطاء وبالهمزة والقصير .وقرأ ابن
عامر "خطأ" بفتح الخاء والطاء والهمزة مقصورة ،وهي قراءة أبي جعفر يزيد .وهاتان قراءتان
مأخوذتان مين "خطيئ" إذا أتيى الذنيب على عميد .قال ابين عرفية :يقال خطيئ فيي ذنبيه خطيأ إذا أثيم
فييه ،وأخطيأ إذا سيلك سيبيل خطيأ عامدا أو غيير عاميد .قال :ويقال خطيئ فيي معنيى أخطيأ .وقال
الزهري :يقال خطيئ يخطيأ خطئا إذا تعميد الخطيأ؛ مثيل أثيم يأثيم إثميا .وأخطيأ إذا لم يتعميد إخطاء
وخطأ .قال الشاعر:
علي وإن ما أهلكت مال دعيني إنما خطئي وصوبي
والخطأ السم يقوم مقام الخطاء ،وهو ضد الصواب .وفيه لغتان :القصر وهو الجيد ،والمد وهو
قلييل ،وروي عين ابين عباس رضيي ال تعالى عنهميا "خطيأ" بفتيح الخاء وسيكون الطاء وهمزة.
وقرأ ابين كثيير بكسير الخاء وفتيح الطاء وميد الهمزة .قال النحاس :ول أعرف لهذه القراءة وجهيا،
ولذلك جعلها أبو حاتم غلطا .قال أبو علي :هي مصدر من خاطأ يخاطئ ،وإن كنا ل نجد خاطأ،
ولكن وجدنا تخاطأ ،وهو مطاوع خاطأ ،فدلنا عليه؛ ومنه قول الشاعر:
وأخر يومي فلم أعجل تخاطأت النبل أحشاءه
وقول الخر في وصف مهاة:
وخرطومه في منقع الماء راسب تخاطأه القناص حتى وجدته
الجوهري :تخاطأه أي أخطأه؛ وقال أوفى بن مطر المازني:
بأن خليلك لم يقتل أل أبلغا خلتي جابرا
وأخر يومي فلم يعجل تخاطأت النبل أحشاءه
وقرأ الحسين "خطاء" بفتيح الخاء والطاء والميد فيي الهمزة .قال أبيو حاتيم :ل يعرف هذا فيي اللغية
وهيي غلط غيير جائز .وقال أبيو الفتيح :الخطيأ مين أخطأت بمنزلة العطاء مين أعطييت ،هيو اسيم
بمعنى المصدر ،وعن الحسن أيضا "خطى" بفتح الخاء والطاء منونة من غير همز.
**3الية{ 32 :ول تقربوا الزنى إنه كان فاحشة وساء سبيل}
@ قال العلماء :قوله تعالى "ول تقربوا الزنى" أبلغ من أن يقول :ول تزنوا؛ فإن معناه ل تدنوا
من الزنى .والزنى يمد ويقصر ،لغتان .قال الشاعر:
كان الزناء فريضة الرجم كانت فريضة ما تقول كما
و "سيبيل" نصيب على التميييز؛ التقديير :وسياء سيبيله سيبيل .أي لنيه يؤدي إلى النار .والزنيى مين
الكبائر ،ول خلف فيه وفي قبحه ل سيما بحليلة الجار .وينشأ عنه استخدام ولد الغير واتخاذه ابنا
وغيير ذلك مين الميراث وفسياد النسياب باختلط المياه .وفيي الصيحيح أن النيبي صيلى ال علييه
وسيلم أتيى بامرأة مُجيح على باب فسيطاط فقال( :لعله يرييد أن يُلم بهيا) فقالوا :نعيم .فقال رسيول ال
صلى ال عليه وسلم( :لقد هممت أن ألعنه لعنا يدخل معه قبره كيف يورثه وهو ل يحل له كيف
يستخدمه وهو ل يحل له).
**3اليية{ 33 :ول تقتلوا النفيس التيي حرم ال إل بالحيق ومين قتيل مظلوميا فقيد جعلنيا لولييه
سلطانا فل يسرف في القتل إنه كان منصورا}
@قوله تعالى" :ول تقتلوا النفس التي حرم ال إل بالحق ومن قتل مظلوما" أي بغير سبب يوجب
القتيل" .فقد جعلنا لولييه" أي لمسيتحق دمه .قال ابن خويز منداد :الولي يجيب أن يكون ذكرا؛ لنه
أفرده بالولية بلفظ التذكير .وذكر إسماعيل بن إسحاق في قوله تعالى" :فقد جعلنا لوليه" ما يدل
على خروج المرأة عين مطلق لفيظ الولي ،فل جرم ،لييس للنسياء حيق فيي القصياص لذلك ول أثير
لعفوهيا ،ولييس لهييا السييتيفاء .وقال المخالف :إن المراد هييا هنييا بالولي الوارث؛ وقييد قال تعالى:
"والمؤمنون والمؤمنات بعضهم أولياء بعض" [التوبة ،]71 :وقال" :والذين آمنوا ولم يهاجروا
ميا لكيم من وليتهيم مين شيء"[ ،النفال ،]72 :وقال" :وأولوا الرحام بعضهم أولى ببعض فيي
كتاب ال" [النفال ]75 :فاقتضى ذلك إثبات القود لسائر الورثة؛ وأما ما ذكروه من أن الولي في
ظاهره على التذكيير وهيو واحيد ،كأن ميا كان بمعنيى الجنيس يسيتوي المذكير والمؤنيث فييه ،وتتمتيه
فيي كتيب الخلف" .سيلطانا" أي تسيليطا إن شاء قتيل وإن شاء عفيا ،وإن شاء أخيذ الديية؛ قاله ابين
عباس رضيي ال تعالى عنهميا والضحاك وأشهيب والشافعيي .وقال ابين وهيب قال مالك :السيلطان
أمر ال .ابن عباس :السلطان الحجة .وقيل :السلطان طلبه حتى يدفع إليه .قال ابن العربي :وهذه
القوال متقاربية ،وأوضحهيا قول مالك :إنيه أمير ال .ثيم إن أمير ال عيز وجيل لم يقيع نصيا فاختلف
العلماء فيه؛ فقال ابن القاسم عن مالك وأبي حنيفة :القتل خاصة .وقال أشهب :الخيرة؛ كما ذكرنا
آنفا ،وبه قال الشافعي .وقد مضى في سورة "البقرة" هذا المعنى.
@قوله تعالى" :فل يسرف في القتل" فيه ثلثة أقوال :ل يقتل غير قاتله؛ قاله الحسن والضحاك
ومجاهيد وسيعيد بين جيبير .الثانيي :ل يقتيل بدل ولييه اثنيين كميا كانيت العرب تفعله .الثالث :ل يمثيل
بالقاتل؛ قاله طلق بن حبيب ،وكله مراد لنه إسراف منهي عنه .وقد مضى في "البقرة" القول في
هذا مسييتوفى .وقرأ الجمهور "يسييرف" بالياء ،يريييد الولي ،وقرأ ابيين عاميير وحمزة والكسييائي
"تسيرف" بالتاء مين فوق ،وهيي قراءة حذيفية .وروى العلء بين عبدالكرييم عين مجاهيد قال :هيو
للقاتيل الول ،والمعنى عندنا فل تسيرف أيهيا القاتل .وقال الطبري :هو على معنيى الخطاب للنيبي
صيلى ال علييه وسيلم والئمية مين بعده .أي ل تقتلوا غيير القاتيل .وفيي حرف أبيي "فل تسيرفوا فيي
القتل".
@قوله تعالى" :إنه كان منصورا" أي معانا ،يعني الولي .فإن قيل :وكم من ولي مخذول ل يصل
إلى حقه .قلنا :المعونة تكون بظهور الحجة تارة وباستيفائها أخرى ،وبمجموعهما ثالثة ،فأيها كان
فهيو نصير مين ال سيبحانه وتعالى .وروى ابين كثيير عين مجاهيد قال :إن المقتول كان منصيورا.
النحاس :ومعنى قوله إن ال نصره بوليه .وروي أنه في قراءة ُأبَي "فل تسرفوا في القتل إن ولي
المقتول كان منصورا" .قال النحاس :البين بالياء ويكون للولي؛ لنه إنما يقال :ل يسرف إن كان
له أن يقتيييل ،فهذا للولي .وقيييد يجوز بالتاء ويكون للولي أيضيييا ،إل أنيييه يحتاج فييييه إلى تحوييييل
المخاطبة .قال الضحاك :هذا أول ما نزل من القرآن في شأن القتل ،وهي مكية.
**3الية{ 34 :ول تقربوا مال اليتيم إل بالتي هي أحسن حتى يبلغ أشده وأوفوا بالعهد إن العهد
كان مسؤول}
@قوله تعالى" :ول تقربوا مال اليتيم إل بالتي هي أحسن حتى يبلغ أشده" قد مضى الكلم فيه في
النعام.
@قوله تعالى" :وأوفوا بالعهد" قد مضى الكلم فيه في غير موضع .قال الزجاج :كل ما أمر ال
به ونهى عنه فهو من العهد" .إن العهد كان مسؤول" عنه ،فحذف؛ كقوله" :ويفعلون ما يؤمرن"
[التحرييم ]6 :بيه وقييل :إن العهيد يسيأل تبكيتيا لناقضيه فيقال :نقضيت ،كميا تسيأل الموؤودة تبكيتيا
لوائدها.
**3الية{ 35 :وأوفوا الكيل إذا كلتم وزنوا بالقسطاس المستقيم ذلك خير وأحسن تأويل}
@قوله تعالى" :وأوفوا الكييل إذا كلتيم" تقدم الكلم فييه أيضيا فيي النعام .وتقتضيي هذه اليية أن
الكييل على البائع ،وقيد مضيى فيي سيورة "يوسيف" فل معنيى للعادة .والقسيطاس (بضيم القاف
وكسيرها) :الميزان بلغية الروم؛ قاله ابن عزييز .وقال الزجاج :القسيطاس :الميزان صيغيرا كان أو
كيبيرا .وقال مجاهيد :القسيطاس العدل ،وكان يقول :هيي لغية روميية ،وكأن الناس قييل لهيم :زنوا
بمعدلة فيي وزنكيم .وقرأ ابين كثيير وأبيو عمرو ونافيع وابين عامير وعاصيم فيي روايية أبيي بكير
"القسطاس" بضم القاف .وحمزة والكسائي وحفص عن عاصم (بكسر القاف) وهما لغتان.
@قوله تعالى" :ذلك خير" أي وفاء الكيل وإقامة الوزن خير عند ربك وأبرك" .وأحسن تأويل"
أي عاقبة .قال الحسن :ذكر لنا أن رسول ال صلى ال عليه وسلم قال( :ل يقدر رجل على حرام
ثم يدعه ليس لديه إل مخافة ال تعالى إل أبدله ال في عاجل الدنيا قبل الخرة ما هو خير له من
ذلك).
**3اليية{ 36 :ول تقيف ميا لييس لك بيه علم إن السيمع والبصير والفؤاد كيل أولئك كان عنيه
مسؤول}
@قوله تعالى" :ول تقف" أي ل تتبع ما ل تعلم ول يعنيك .قال قتادة :ل تقل رأيت وأنت لم تر،
وسمعت وأنت لم تسمع ،وعلمت وأنت لم تعلم؛ وقاله ابن عباس رضي ال عنهما .قال مجاهد :ل
تذم أحدا بميا لييس لك بيه علم؛ وقاله ابين عباس رضيي ال عنهميا أيضيا .وقال محميد ابين الحنفيية:
هييي شهادة الزور .وقال القتييبي :المعنييى ل تتبييع الحدس والظنون؛ وكلهييا متقاربيية .وأصييل القفييو
البهت والقذف بالباطل؛ ومنه قوله عليه الصلة والسلم( :نحن بنو النضر ابن كنانة ل نقفو أمنا
ول ننتفي من أبينا) أي ل نسب أمنا .وقال الكميت:
ول أقفو الحواصن إن قفينا فل أرمي البريء بغير ذنب
يقال :قفوته أقفوه ،وقفته أقوفه ،وقفيته إذا اتبعت أثره .ومنه القافة لتتبعهيم الثار وقافية كل شيء
آخره ،ومنه قافية الشعر؛ لنها تقفو البيت .ومنه اسم النبي صلى ال عليه وسلم المقفي؛ لنه جاء
آخيير النييبياء .ومنييه القائف ،وهييو الذي يتبييع أثيير الشبييه .يقال :قاف القائف يقوف إذا فعييل ذلك.
وتقول :فقوت للثر ،بتقديم الفاء على القاف .ابن عطية :ويشبه أن يكون هذا من تلعب العرب في
بعض اللفاظ؛ كما قالوا :رعملي في لعمري .وحكى الطبري عن فرقة أنها قالت :قفا وقاف ،مثل
عتا وعات .وذهب منذر بن سعيد إلى أن قفا وقاف مثل جبذ وجذب .وبالجملة فهذه الية تنهى عن
قول الزور والقذف ،ومييا أشبييه ذلك ميين القوال الكاذبيية والرديئة .وقرأ بعييض الناس فيمييا حكييى
الكسيائي "تقيف" بضيم القاف وسيكون الفاء .وقرأ الجراح "والفاد" بفتيح الفاء ،وهيي لغية لبعيض
الناس ،وأنكرها أبو حاتم وغيره.
@ قال ابن خويز منداد :تضمنت هذه الية الحكم بالقافة؛ لنه لما قال" :ول تقف ما ليس لك به
علم" دل على جواز ميا لنيا بيه علم ،فكيل ميا علميه النسيان أو غلب على ظنيه جاز أن يحكيم بيه،
وبهذا احتججنا على إثبات القرعة والخرص؛ لنه ضرب من غلبة الظن ،وقد يسمى علما اتساعا.
فالقائف يلحق الولد بأبيه من طريق الشبه بينهما كما يلحق الفقيه الفرع بالصل من طريق الشبه.
وفيي الصيحيح عين عائشية :أن رسيول ال صيلى ال علييه وسيلم دخيل علي مسيرورا تيبرق أسيارير
وجهيه فقال( :ألم تري أن مُجززا نظير إلى زييد بن حارثية وأسيامة بين زييد عليهميا قطيفية قيد غطييا
رؤوسيهما وبدت أقدامهميا فقال إن بعيض هذه القدام لمين بعيض) .وفيي حدييث يونيس بين يزييد:
(وكان مجززا قائفا).
@ قال المام أبو عبدال المازري :كانت الجاهلية تقدح في نسب أسامة لكونه أسود شديد السواد،
وكان زييد أبوه أبييض مين القطين ،هكذا ذكره أبيو داود عين أحميد بين صيالح .قال القاضيي عياض:
وقال غيير أحميد كان زييد أزهير اللون ،وكان أسيامة شدييد الدمية؛ وزييد بين حارثية عربيي صيريح
من كلب ،أصابه سباء ،حسبما يأتي في سورة "الحزاب" إن شاء ال تعالى.
@ استدل جمهور العلماء على الرجوع إلى القافة عند التنازع في الولد ،بسرور النبي صلى ال
علييه وسيلم بقول هذا القائف؛ وميا كان علييه السيلم بالذي يسير بالباطيل ول يعجبيه .ولم يأخيذ بذلك
أبيو حنيفية وإسيحاق والثوري وأصيحابهم متمسيكين بإلغاء النيبي صيلى ال علييه وسيلم الشبيه فيي
حديث اللعان؛ على ما يأتي في سورة [النور] إن شاء ال تعالى.
@ واختلف الخذون بأقوال القافية ،هيل يؤخيذ بذلك فيي أولد الحرائر والماء أو يختيص بأولد
الماء ،على قوليين؛ فالول :قول الشافعيي ومالك رضيي ال عنهميا فيي روايية ابين وهيب عنيه،
ومشهور مذهبه قصره على ولد المة .والصحيح ما رواه ابن وهب عنه وقال الشافعي رضي ال
عنه؛ لن الحديث الذي هو الصيل فيي الباب إنما وقع فيي الحرائر ،فإن أسيامة وأباه حران فكييف
يلغيى السيبب الذي خرج علييه دلييل الحكيم وهيو الباعيث علييه ،هذا مميا ل يجوز عنيد الصيوليين.
وكذلك اختلف هؤلء ،هل يكتفي بقول واحد من القافة أو ل بد من اثنين لنها شهادة؛ وبالول قال
ابن القاسم وهو ظاهر الخبر بل نصه .وبالثاني قال مالك والشافعي رضي ال عنهما.
@قوله تعالى" :إن السمع والبصر والفؤاد كل أولئك كان عنه مسؤول" أي يسأل كل واحد منهم
عميا اكتسيب ،فالفؤاد يسيأل عميا افتكير فييه واعتقده ،والسيمع والبصير عميا رأس مين ذلك وسيمع.
وقيل :المعنى أن ال سبحانه وتعالى يسأل النسان عما حواه سمعه وبصره وفؤاده؛ ونظيره قوله
صيلى ال علييه وسيلم( :كلكيم راع وكلكيم مسيؤول عين رعيتيه) فالنسيان راع على جوارحيه؛ فكأنيه
قال كيل هذه كان النسيان عنيه مسيؤول ،فهيو على حذف مضاف .والمعنيى الول أبلغ فيي الحجية؛
فإنيه يقيع تكذيبيه مين جوارحيه ،وتلك غايية الخزي؛ كميا قال" :اليوم نختيم على أفواههيم وتكلمنيا
أيديهيم وتشهيد أرجلهيم بميا كانوا يكسيبون" [ييس ،]60:وقوله "شهيد عليهيم سيمعهم وأبصيارهم
وجلودهم بما كانوا يعملون" [فصلت .]20:وعبر عن السمع والبصر والفؤاد بأولئك لنها حواس
لهيا إدراك ،وجعلهيا فيي هذه اليية مسيؤولة ،فهيي حالة مين يعقيل ،فلذلك عيبر عنهيا بأولئك .وقال
سييبويه رحميه ال فيي قوله تعالى" :رأيتهيم لي سياجدين" [يوسيف :]4 :إنميا قال" :رأيتهيم" فيي
نجوم ،لنيه لميا وصيفها بالسيجود وهيو مين فعيل مين يعقيل عيبر عنهيا بكنايية مين يعقيل؛ وقيد تقدم.
وحكى الزجاج أن العرب تعبر عما يعقل وعما ل يعقل بأولئك ،وأنشد هو والطبري:
والعيش بعد أولئك اليام ذم المنازل بعد منزلة اللوى
وهذا أمر يوقف عنده .وأما البيت فالرواية فيه "القوام" وال اعلم.
**3اليتان{ 38 - 37 :ول تميش فيي الرض مرحيا إنيك لن تخرق الرض ولن تبلغ الجبال
طول ،كل ذلك كان سيئه عند ربك مكروها}
@قوله تعالى" :ول تمش في الرض مرحا" هذا نهي عن الخيلء وأمر بالتواضع .والمرح :شدة
الفرح .وقييل :التكيبر فيي المشيي .وقييل :تجاوز النسيان قدره .وقال قتادة :هيو الخيلء فيي المشيي.
وقيل :هو البطر والشر .وقيل :هو النشاط وهذه القوال متقاربة ولكنها منقسمة قسمين :أحدهما
مذموم والخيير محمود؛ فالتكييبر والبطيير والخيلء وتجاوز النسييان قدره مذموم والفرح والنشاط
محمود .وقيد وصيف ال تعالى نفسيه بأحدهميا؛ ففيي الحدييث الصيحيح (ل أفرج بتوبية العبيد مين
رجيل )...الحدييث .والكسيل مذموم شرعيا والنشاط ضده .وقيد يكون التكيبر وميا فيي معناه محمودا،
وذلك على أعداء ال والظلمة .أسند أبو حاتم بن حبان عن ابن جابر بن عتيك عن أبيه عن رسول
ال صلى ال عليه وسلم أنه قال( :من الغيرة ما يبغض ال عز وجل ومنها ما يحب ال عز وجل
ومن الخيلء ما يحب ال عز وجل ومنها ما يبغض ال فأما الغيرة التي يحب ال الغيرة في الدين
والغيرة التيي يبغيض ال الغيرة فيي غيير دينيه والخيلء التيي يحيب ال اختيال الرجيل بنفسيه عنيد
القتال وعند الصدقة والختيال الذي يبغض ال الخيلء في الباطل) وأخرجه أبو داود في مصنفه
وغيره .وأنشدوا:
فكم تحتها قوم همو منك أرفع ول تمش فوق الرض إل تواضعا
فكم مات من قوم همو منك أمنع وإن كنت في عز وحرز ومَنعة
@ إقبال النسان على الصيد ونحوه ترفعا دون حاجة إلى ذلك داخل في هذه الية ،وفيه تعذيب
الحيوان وإجراؤه لغير معنى .وأما الرجل يستريح في اليوم النادر والساعة من يومه ،ويجم فيها
نفسيه فيي التطرح والراحية ليسيتعين بذلك على شغيل مين البر ،كقراءة علم أو صيلة ،فلييس بداخيل
في هذه الية.
@قوله تعالى" :مرحيا" قراءة الجمهور بفتيح الراء .وقراءة فرقية فيميا حكيى يعقوب بكسير الراء
على بناء اسيم الفاعيل .والول أبلغ ،فإن قولك :جاء زييد ركضيا أبلغ مين قولك :جاء زييد راكضيا؛
فكذلك قولك مرحا .والمرح المصدر أبلغ من أن يقال مرحا.
@قوله تعالى" :إنيك لن تخرق الرض" يعنيي لن تتولج باطنهيا فتعلم ميا فيهيا "ولن تبلغ الجبال
طول" أي لن تسييياوي الجبال بطولك ول تطاولك ،ويقال :خرق الثوب أي شقيييه ،وخرق الرض
قطعهييا .والخرق :الواسييع ميين الرض .أي لن تخرق الرض بكييبرك ومشيييك عليهييا" .ولن تبلغ
الجبال طول" بعظمتيك ،أي بقدرتيك ل تبلغ هذا المبلغ ،بيل أنيت عبيد ذلييل ،محاط بيك مين تحتيك
ومين فوقيك ،والمحاط محصيور ضعييف ،فل يلييق بيك التكيبر .والمراد بخرق الرض هنيا نقبهيا ل
قطعها بالمسافة؛ وال اعلم .وقال الزهري :معناه لن تقطعها .النحاس :وهذا أبين؛ لنه مأخوذ من
الخرق وهييي الصييحراء الواسييعة .ويقال :فلن أخرق ميين فلن ،أي أكثيير سييفرا وعزة ومنعيية.
ويروي أن سيبأ دوخ الرض بأجناده شرقيا وغربيا وسيهل وجبل ،وقتيل سيادة وسيبى -وبيه سيمي
سبأ -ودان له الخلق ،فلما رأى ذلك انفرد عن أصحابه ثلثة أيام ثم خرج إليهم فقال :إني لما نلت
ما لم ينل أحد رأيت البتداء بشكر هذه النعم ،فلم أر أوقع في ذلك من السجود للشمس إذا أشرقت،
فسييجدوا لهييا ،وكان ذلك أول عبادة الشمييس؛ فهذه عاقبيية الخيلء والتكييبر والمرح؛ نعوذ بال ميين
ذلك.
@قوله تعالى" :كل ذلك كان سيئه عند ربك مكروها" "ذلك "إشارة إلى جملة ما تقدم ذكره مما
أمير بيه ونهيى عنيه" .ذلك" يصيلح للواحيد والجميع والمؤنيث والمذكير .وقرأ عاصيم وابين عامير
وحمزة والكسائي ومسروق "سيئة" على إضافة سيئ إلى الضمير ،ولذلك قال" :مكروها" نصب
على خيبر كان .والسييء :هيو المكروه ،وهيو الذي ل يرضاه ال عيز وجيل ول يأمير بيه .وقيد ذكير
ال سبحانه وتعالى في هذه الي من قوله" :وقضى ربك -إلى قوله -كان سيئة" [السراء]23 :
مأمورات بها ومنهيات عنها ،فل يخبر عن الجميع بأنه سيئة فيدخل المأمور به في المنهي عنه.
واختار هذه القراءة أبيييو عبييييد .ولن فيييي قراءة أُبَييي "كيييل ذلك كان سييييئاته" فهذه ل تكون إل
للضافية .وقرأ ابين كثيير ونافيع وأبيو عمرو "سييئة" بالتنويين؛ أي كيل ميا نهيى ال ورسيوله عنيه
سييئة .وعلى هذا انقطيع الكلم عنيد قوله" :وأحسين تأويل" [النسياء ]59 :ثيم قال" :ول تقيف ميا
ليس لك به علم" [السراء" ،]36 :ول تمش" ،ثم قال" :كل ذلك كان سيئة" بالتنوين .وقيل :إن
قوله "ول تقتلوا أولدكيم" [النعام ]151 :إلى هذه اليية كان سييئة ل حسينة فييه ،فجعلوا "كل"
محيطيا بالمنهيي عنيه دون غيره .وقوله" :مكروهيا" لييس نعتيا لسييئة ،بيل هيو بدل منيه؛ والتقديير:
كان سييئة وكان مكروهيا .وقيد قييل :إن "مكروهيا" خيبر ثان لكان حميل على لفظيه كيل ،و"سييئة"
محمول على المعنى في جميع هذه الشياء المذكورة قبل .وقال بعضهم :وهو نعت لسيئة؛ لنه لما
كان تأنيثها غير حقيقي جاز أن توصف بمذكر .وضعف أبو علي الفارسي هذا وقال :إن المؤنث
إذا ذكير فإنميا ينبغيي أن يكون ميا بعده مذكرا ،وإنميا التسياهل أن يتقدم الفعيل المسيند إلى المؤنيث
وهو في صيغة ما يسند إلى المذكر؛ أل ترى قول الشاعر:
ول أرض أبقل إبقالها فل مزنة ودقت ودقها
مسييتقبح عندهييم .ولو قال قائل :أبقييل أرض لم يكيين قبيحييا .قال أبييو علي :ولكيين يجوز فييي قوله
"مكروهيا" أن يكون بدل مين "سييئة" .ويجوز أن يكون حال مين الضميير الذي فيي "عنيد ربيك"
ويكون "عند ربك" في موضع الصفة لسيئة.
@ اسيتدل العلماء بهذه اليية على ذم الرقيص وتعاطييه .قال المام أبيو الوفاء بين عقييل :قيد نيص
القرآن على النهيي عين الرقيص فقال" :ول تمشيي فيي الرض مرحيا" وذم المختال .والرقيص أشيد
المرح والبطير .أو لسينا الذيين قسينا النيبيذ على الخمير لتفاقهميا فيي الطراب والسيكر ،فميا بالنيا ل
نقيس القضيب وتلحين الشعير معه على الطنبور والمزمار والطبل لجتماعهما .فميا أقبح من ذي
لحيية ،وكييف إذا كان شيبية ،يرقيص ويصيفق على إيقاع اللحان والقضبان ،وخصيوصا إن كانيت
أصيوات لنسيوان ومردان ،وهيل يحسين لمين بيين يدييه الموت والسيؤال والحشير والصيراط ،ثيم هيو
إلى إحدى الداريين ،يشميس بالرقيص شميس البهائم ،ويصيفق تصيفيق النسيوان ،ولقيد رأييت مشاييخ
في عمري ما بان لهم سن من التبسم فضل عن الضحك مع إدمان مخالطتي لهم وقال أبو الفرج
ابين الجوزي رحميه ال :ولقيد حدثنيي بعيض المشاييخ عين المام الغزالي رضيي ال عنيه أنيه قال:
الرقييص حماقيية بييين الكتفييين ل تزول إل باللعييب .وسيييأتي لهذا الباب مزيييد بيان فييي "الكهييف"
وغيرها إن شاء ال تعالى.
**3الية{ 39 :ذلك مما أوحى إليك ربك من الحكمة ول تجعل مع ال إلها آخر فتلقى في جهنم
ملوما مدحورا}
@ الشارة بي "ذلك" إلى هذه الداب والقصص والحكام التي تضمنتها هذه اليات المتقدمة التي
نزل بهيا جبرييل علييه السيلم .أي هذه مين الفعال المحكمية التيي تقتضيهيا حكمية ال عيز وجيل فيي
عباده ،وخلقهيا لهيم مين محاسين الخلق والحكمية وقوانيين المعانيي المحكمية والفعال الفاضلة .ثيم
عطيف قوله "ول تجعيل" على ميا تقدم مين النواهيي .والخطاب للنيبي صيلى ال علييه وسيلم المراد
كل من سمع الية من البشر .والمدحور :المهان المبعد المقصى .وقد تقدم في هذه السورة .ويقال
في الدعاء :اللهم ادحر عنا الشيطان؛ أي أبعده.
**3الية{ 40 :أفأصفاكم ربكم بالبنين واتخذ من الملئكة إناثا إنكم لتقولون قول عظيما}
@قوله تعالى" :أفأصفاكم ربكم بالبنين واتخذ من الملئكة إناثا" هذا يرد على من قال من العرب:
الملئكية بنات ال ،وكان لهيم بنات أيضيا ميع النيبيين ،ولكنيه أراد :أفأخلص لكيم البنيين دونيه وجعيل
البنات مشتركة بينكم وبينه" .إنكم لتقولون قول عظيما" أي في الثم عند ال عز وجل.
**3الية{ 41 :ولقد صرفنا في هذا القرآن ليذكروا وما يزيدهم إل نفورا}
@قوله تعالى" :ولقيد صيرفنا" أي بينيا .وقييل كررنيا .والتصيريف :صيرف الشييء مين جهية إلى
جهية .والمراد بهذا التصيريف البيان والتكريير .وقييل :المغايرة؛ أي غايرنيا بيين المواعيظ ليذكروا
ويعتييبروا ويتعظوا .وقراءة العاميية "صييرفنا" بالتشديييد على التكثييير حيييث وقييع .وقرأ الحسيين
بالتخفييف .قال الثعلبيي :سيمعت أبيا القاسيم الحسيين يقول بحضرة المام الشييخ أبيي الطييب :لقوله
تعالى" :صيرفنا" معنيان؛ أحدهميا لم يجعله نوعيا واحدا بيل وعدا ووعيدا ومحكميا ومتشابهيا ونهييا
وأمرا وناسيخا ومنسيوخا وأخبارا وأمثال؛ مثيل تصيريف الرياح مين صيبا ودبور وجنوب وشمال،
وصيريف الفعال مين الماضييي والمسيتقبل والمير والنهيي والفعيل والفاعيل والمفعول ونحوهيا.
والثانيي أنيه لم ينزل مرة واحدة بيل نجوميا؛ نحيو قوله "وقرآنيا فرقناه" [السيراء ]106 :ومعناه:
أكثرنا صرف جبريل عليه السلم إليك .وقوله "في هذا القرآن" قيل "في" زائدة ،والتقدير :ولقد
صرفنا هذا القرآن؛ مثل "وأصلح لي في ذريتي" [الحقاف ]15 :أي أصلح ذريتي .وقوله "في
هذا القرآن" يعني المثال والعبر والحكم والمواعظ والحكام والعلم.
@قوله تعالى" :ليذكروا
قراءة يحيييى والعمييش وحمزة والكسييائي "ليذكروا" مخففييا ،وكذلك فييي الفرقان "ولقييد صييرفناه
بينهم ليذكروا" [الفرقان .]50:الباقون بالتشديد .واختاره أبو عبيد؛ لن معناه ليتذكروا وليتعظوا.
قال المهدوي :ميين شدد "ليذكروا" أراد التدبر .وكذلك ميين قرأ "ليذكروا" .ونظييير الول "ولقييد
وصلنا لهم القول لعلهم يتذكرون" [القصص ]51 :والثاني" :واذكروا ما فيه" [البقرة]63 :
@قوله تعالى" :وما يزيدهم
أي التصريف والتذكير.
@قوله تعالى" :إل نفورا
أي تباعدا عين الحيق وغفلة عين النظير والعتبار؛ وذلك لنهيم اعتقدوا فيي القرآن أنيه حيلة وسيحر
وكهانة وشعر.
**3اليتان{ 43 - 42 :قيل لو كان معيه آلهية كميا يقولون إذا لبتغوا إلى ذي العرش سيبيل،
سبحانه وتعالى عما يقولون علوا كبيرا}
@قوله تعالى" :قيل لو كان معيه آلهية" هذا متصيل بقوله تعالى" :ول تجعيل ميع ال إلهيا آخره"
[السراء ]22وهو رد على عُباد الصنام" .كما يقولون" قرأ ابن كثير وحفص "يقولون" بالياء.
الباقون "تقولون" بالتاء على الخطاب" .إذا لبتغوا" يعنييي اللهيية" .إلى ذي العرش سييبيل" قال
ابين العباس رضيي ال تعالى عنهميا :لطلبوا ميع ال منازعية وقتال كميا تفعيل ملوك الدنييا بعضهيم
ببعيض .وقال سيعيد بين جيبير رضيي ال تعالى عنيه :المعنيى إذاً لطلبوا طريقيا إلى الوصيول إلييه
ليزيلوا ملكيه ،لنهيم شركاؤه .وقال قتادة :المعنيى إذا لبتغيت اللهية القربية إلى ذي العرش سيبيل،
والتمسيت الزلفية عنده لنهيم دونيه ،والقوم اعتقدوا أن الصينام تقربهيم إلى ال زلفيى ،فإذا اعتقدوا
في الصنام أنها محتاجة إلى ال سبحانه وتعالى فقد بطل أنها آلهة" .سبحانه وتعالى عما يقولون
علوا كبيرا" نزه سبحانه نفسه وقدسه ومجده عما ل يليق به .والتسبيح :التنزيه .وقد تقدم.
**3اليية{ 44 :تسيبح له السيماوات السيبع والرض ومين فيهين وإن مين شييء إل يسيبح بحمده
ولكن ل تفقهون تسبيحهم إنه كان حليما غفورا}
@قوله تعالى" :تسيبح له السيماوات السيبع والرض ومين فيهين" أعاد على السيماوات والرض
ضميير مين يعقيل ،لميا أسيند إليهيا فعيل العاقيل وهيو التسيبيح .وقوله" :ومين فيهين" يرييد الملئكية
والنس والجن ،ثم ع ّم بعيد ذلك الشياء كلها في قوله" :وإن من شيء إل يسيبح بحمده" .واختلف
فيي هذا العموم ،هيل هيو مخصيص أم ل؛ فقالت فرقية :لييس مخصيوصا والمراد بيه تسيبيح الدللة،
وكل محدث يشهد على نفسه بأن ال عز وجل خالق قادر .وقالت طائفة :هذا التسبيح حقيقة ،وكل
شييء على العموم يسيبح تسيبيحا ل يسيمعه البشير ول يفقهيه ،ولو كان ميا قاله الولون مين أنيه أثير
الصيينعة والدللة لكان أمرا مفهومييا ،والييية تنطييق بأن هذا التسييبيح ل يفقييه .وأجيبوا بأن المراد
بقوله" :ل تفقهون" الكفار الذيين يعرضون عين العتبار فل يفقهون حكمية ال سيبحانه وتعالى فيي
الشياء .وقالت فرقية :قوله "مين شييء" عموم ،ومعناه الخصيوص فيي كيل حيي ونام ،ولييس ذلك
فيي الجمادات .ومين هذا قول عكرمية :الشجرة تسيبح والسيطوان ل يسيبح .وقال يزييد الرقاشيي
للحسين وهميا فيي طعام وقيد قدم الخوان :أيسيبح هذا الخوان ييا أبيا سيعيد؟ فقال :قيد كان يسيبح مرة؛
يريد أن الشجرة في زمن ثمرها واعتدالها كانت تسبح ،وأما الن فقد صار خوانا مدهونا.
قلت :ويسيتدل لهذا القول مين السينة بميا ثبيت عين ابين عباس رضيي ال تعالى عنهميا أن النيبي
صيلى ال علييه وسيلم مير على قيبرين فقال( :إنهميا ليعذبان وميا يعذبان فيي كيبير أميا أحدهميا فكان
يمشيي بالنميمية وأميا الخير فكان ل يسيتبرئ مين البول) قال :فدعيا بعسييب رطيب فشقيه اثنيين ،ثيم
غرس على هذا واحدا وعلى هذا واحدا ثييم قال( :لعله يخفييف عنهمييا مييا لم ييبسييا) .فقوله عليييه
الصيلة والسيلم( .ميا لم ييبسيا) إشارة إلى أنهميا ميا داميا رطيبين يسيبحان ،فإذا يبسيا صيارا جمادا.
وال اعلم .وفيي مسيند أبيي داود الطيالسيي :فتوضيع على أحدهميا نصيفا وعلى الخير نصيفا وقال:
(لعله أن يهون عليهميا العذاب ميا دام فيهميا مين بلوتهميا شييء) .قال علماؤنيا :ويسيتفاد مين هذا
غرس ،الشجار وقراءة القرآن على القبور ،وإذا خفيييف عنهيييم بالشجار فكييييف بقراءة الرجيييل
المؤمين القرآن .وقيد بينيا هذا المعنيى فيي كتاب التذكرة بيانيا شافييا ،وأنيه يصيل إلى المييت ثواب ميا
يهدى إليه .والحمد ل على ذلك .وعلى التأويل الثاني ل يحتاج إلى ذلك؛ فإن كل شيء من الجماد
وغيره يسبح.
قلت :ويسيتدل لهذا التأوييل وهذا القول مين الكتاب بقوله سيبحانه وتعالى" :واذكير عبدنيا داود ذا
اليد إنه أواب .إنا سخرنا الجبال معه يسبحن بالعشي والشراق" [ص ،]17 :وقوله" :وإن منها
لما يهبط من خشية ال" [البقرة - ]74 :على قول مجاهد ، -وقوله" :وتخر الجبال هدا .أن دعوا
للرحمن ولدا" [مريم .]90:وذكر ابن المبارك في (دقائقه) أخبرنا مسعر عن عبدال بن واصل
عين عوف بين عبدال قال قال عبدال بين مسيعود رضيي ال عنيه :إن الجبيل يقول للجبيل :ييا فلن،
هل مر بك اليوم ذاكر ل عز وجل؟ فإن قال نعم سر به .ثم قرأ عبدال "وقالوا اتخذ الرحمن ولدا"
الية .قال :أفتراهن يسمعن الزور ول يسمعن الخير .وفيه عن أنس بن مالك رضي ال عنه قال:
ميا مين صيباح ول رواح إل تنادي بقاع الرض بعضهيا بعضيا .ييا جاراه؛ هيل مير بيك اليوم عبيد
فصييلى ل أو ذكيير ال عليييك؟ فميين قائلة ل ،وميين قائلة نعييم ،فإذا قالت نعييم رأت لهييا بذلك فضل
عليها .وقال رسول ال صلى ال عليه وسلم( :ل يسمع صوت المؤذن جن ول إنس ول شجر ول
حجير ول مدر ول شيء إل شهد له يوم القيامة) .رواه ابن ماجه في سننه ،ومالك فيي موطئه من
حديث أبي سعيد الخدري رضي ال عنه .وخرج البخاري عن عبدال رضي ال عنه قال :لقد كنا
نسيمع تسيبيح الطعام وهيو يؤكيل .فيي غيير هذه الروايية عين ابين مسيعود رضيي ال تعالى عنيه :كنيا
نأكل مع وسول ال صلى ال عليه وسلم الطعام ونحن نسمع تسبيحه .وفي صحيح مسلم عن جابر
بن سمرة رضي ال عنه قال قال رسول ال صلى ال عليه وسلم( :إني لعرف حجرا بمكة كان
يسيلم علي قبيل أن أبعيث إنيي لعرفيه الن) .قييل :إنيه الحجير السيود ،وال اعلم .والخبار فيي هذا
المعنيى كثيرة؛ وقيد أتينيا على جملة منهيا فيي اللميع اللؤلئيية فيي شرح العشرينيات النبويية للفاداري
رحميه ال ،وخيبر الجذع أيضيا مشهور فيي هذا الباب خرجيه البخاري فيي موضيع مين كتابيه .وإذا
ثبت ذلك في جماد واحد جاز في جميع الجمادات ،ول استحالة في شيء من ذلك؛ فكل شيء يسبح
للعموم .وكذا قال النخعيي وغيره :هيو عام فيميا فييه روح وفيميا ل روح فيه حتيى صيرير الباب.
واحتجوا بالخبار التي ذكرنا .وقيل :تسبيح الجمادات أنها تدعو الناظر إليها إلى أن يقول :سبحان
ال! لعدم الدراك منها .وقال الشاعر:
وتستقر حشا الرائي بترعاد تُلقى بتسبيحة من حيث ما انصرفت
أي يقول مين رآهيا :سيبحان خالقهيا .فالصيحيح أن الكيل يسيبح للخبار الدالة على ذلك لو كان ذلك
التسبيح تسبيح دللة فأي تخصيص لداود ،وإنما ذلك تسبيح المقال بخلق الحياة والنطاق بالتسبيح
كميا ذكرنا .وقد نصت السنة على ميا دل عليه ظاهير القرآن من تسيبيح كيل شييء فالقول به أولى.
وال اعلم .وقرأ الحسيين وأبييو عمرو ويعقوب وحفييص وحمزة والكسييائي وخلف "تفقهون" بالتاء
لتأنيث الفاعل .الباقون بالياء ،واختاره أبو عبيد ،قال :للحائل بين الفعل والتأنيث" .إنه كان حليما"
عن ذنوب عباده في الدنيا" .غفورا" للمؤمنين في الخرة.
**3الية{ 45 :وإذا قرأت القرآن جعلنا بينك وبين الذين ل يؤمنون بالخرة حجابا مستورا}
@ عن أسماء بنت أبي بكر رضي ال تعالى عنهما قالت :لما نزلت سورة "تبت يدا أبي لهب"
أقبلت العوراء أم جميل بنت حرب ولها ولولة وفي يدها فِهر وهي تقول:
ودينه قلينا وأمره أبينا مذمما عصينا
والنيبي صيلى ال علييه وسيلم قاعيد فيي المسيجد ومعيه أبيو بكير رضيي ال عنيه؛ فلميا رآهيا أبيو بكير
قال :ييا رسيول ال ،لقيد أقبلت وأنيا أخاف أن تراك! قال رسيول ال صيلى ال علييه وسيلم( :إنهيا لن
تراني) وقرأ قرآنا فاعتصم به كما قال .وقرأ "وإذا قرأت القرآن جعلنا بينك وبين الذين ل يؤمنون
بالخرة حجابيا مسيتورا" .فوقفيت على أبيي بكير رضيي ال عنيه ولم تير رسيول ال صيلى ال علييه
وسيلم فقالت :ييا أبيا بكير ،أخيبرت أن صياحبك هجانيي! فقال :ل ورب هذا البييت ميا هجاك .قال:
فولت وهي تقول :قد علمت قريش أني ابنة سيدها .وقال سعيد بن جبير رضي ال عنه :لما نزلت
"تبت يدا أبي لهب وتب" [المسد ]1 :جاءت امرأة أبي لهب إلى النبي صلى ال عليه وسلم ومعه
أبيو بكير رضيي ال عنيه ،فقال أبيو بكير :لو تنحييت عنهيا لئل تسيمعك ميا يؤذييك ،فإنهيا امرأة بذيية.
فقال النيبي صيلى ال علييه وسيلم( :إنيه سييحال بينيي وبينهيا) فلم تره .فقالت لبيي بكير :ييا أبيا بكير،
هجانيا صياحبك! فقال :وال ميا ينطيق بالشعير ول يقوله .فقالت :وإنيك لمصيدقه؛ فاندفعيت راجعية.
فقال أبو بكير رضيي ال عنه :يا رسول ال ،أما رأتك؟ قال( :ل ما زال ملك ببنيي وبينها يسترني
حتى ذهبت) .وقال كعب رضي ال عنه في هذه الية :كان النبي صلى ال عليه وسلم يستتر من
المشركيين بثلث آيات :اليية التيي فيي الكهيف "إنيا جعلنيا على قلوبهيم أكنية أن يفقهوه وفيي آذانهيم
وقرا"[ ،الكهف ،]57 :والية في النحل "أولئك الذين طبع ال على قلوبهم وسمعهم وأبصارهم"
[النحل ،]108 :والية التي في الجاثية "أفرأيت من اتخذ إلهه هواه وأضله ال على علم وختم
على سيمعه وقلبيه وجعيل على بصيره غشاوة" [الجاثيية ]23 :اليية .فكان النيبي صيلى ال علييه
وسلم إذا قرأهن يستتر من المشركين .قال كعب رضي ال تعالى عنه :فحدثت بهن رجل من أهل
الشام ،فأتيى أرض الروم فأقام بهيا زمانيا ،ثيم خرج هاربيا فخرجوا فيي طلبيه فقرأ بهين فصياروا
يكونون معه على طريقه ول يبصرونه .قال الثعلبي :وهذا الذي يروونه عن كعب حدثت به رجل
مين أهيل الري فأسير بالديلم ،فمكيث زمانيا ثيم خرج هاربيا فخرجوا فيي طلبيه فقرأ بهين حتيى جعلت
ثيابهن لتلمس ثيابه فما يبصرونه.
قلت :ويزاد إلى هذه الييية أول سييورة يييس إلى قوله "فهييم ل يبصييرون" .فإن فييي السيييرة فييي
هجرة النيبي صيلى ال علييه وسيلم ومقام علي رضيي ال عنيه فيي فراشيه قال :وخرج رسيول ال
صيلى ال علييه وسيلم فأخيذ حفنية مين تراب فيي يده ،وأخيذ ال عيز وجيل على أبصيارهم عنيه فل
يرونييه ،فجعييل ينثيير ذلك التراب على رؤوسييهم وهييو يتلو هذه اليات ميين يييس" :يييس .والقرآن
الحكييم .إنيك لمين المرسيلين .على صيراط مسيتقيم .تنزييل العزييز الرحييم -إلى قوله -وجعلنيا مين
بيين أيديهيم سيدا ومين خلفهيم سيدا فأغشيناهيم فهيم ل يبصيرون" [ييس .]6 :حتيى فرغ رسيول ال
صيلى ال علييه وسيلم مين هذه اليات ،ولم يبيق منهيم رجيل إل وقيد وضيع على رأسيه ترابيا ،ثيم
انصرف إلى حيث أراد أن يذهب.
قلت :ولقد اتفق لي ببلدنا الندلس بحصن منثور من أعمال قرطبة مثل هذا .وذلك أني هربت
أمام العدو وانحزت إلى ناحييية عنييه ،فلم ألبييث أن خرج فييي طلبييي فارسييان وأنييا فييي فضاء ميين
الرض قاعيد لييس يسيترني عنهميا شييء ،وأنيا أقرأ أول سيورة ييس وغيير ذلك مين القرآن؛ فعيبرا
علي ثيم رجعيا مين حييث جاءا وأحدهميا يقول للخير :هذا ديبله؛ يعنون شيطانيا .وأعميى ال عيز
وجييل أبصييارهم فلم يرونييي ،والحمييد ل حمدا كثيرا على ذلك .وقيييل :الحجاب المسييتور طبييع ال
على قلوبهييم حتييى ل يفقهوه ول يدركوا مييا فيييه ميين الحكميية؛ قاله قتادة .وقال الحسيين :أي أنهييم
لعراضهم عن قراءتيك وتغافلهيم عنيك كمن بينيك وبينيه حجاب فيي عدم رؤيتيه لك حتيى كأن على
قلوبهيم أغطيية .وقييل :نزلت فيي قوم كانوا يؤذون رسيول ال صيلى ال علييه وسيلم إذا قرأ القرآن،
وهيم أبيو جهيل وأبيو سيفيان والنضير بين الحارث وأم جمييل امرأة أبيي لهيب وحويطيب؛ فحجيب ال
سيبحانه وتعالى رسيوله صيلى ال علييه وسيلم عين أبصيارهم عنيد قراءة القرآن ،وكانوا يمرون بيه
ول يرونه؛ قاله الزجاج وغيره .وهو معنى القول الول بعينه ،وهو الظهر في الية ،وال اعلم.
وقوله" :مسيتورا" فييه قولن :أحدهميا -أن الحجاب مسيتور عنكيم ل ترونيه .والثانيي :أن الحجاب
ساتر عنكم ما وراءه؛ ويكون مستورا به بمعنى ساتر.
**3الية{ 46 :وجعلنا على قلوبهم أكنة أن يفقهوه وفي آذانهم وقرا وإذا ذكرت ربك في القرآن
وحده ولوا على أدبارهم نفورا}
@قوله تعالى" :وجعلنا على قلوبهم أكنة" "أكنة" جمع كنان ،وهو ما ستر الشيء .وقد تقدم في
"النعام"" .أن يفقهوه" أي لئل يفقهوه ،أو كراهيية أن يفقهوه ،أي أن يفهموا ميا فييه مين الوامير
والنواهيي والحكيم والمعانيي .وهذا رد على القدريية" .وفيي آذانهيم وقرا" أي صيمما وثقل .وفيي
الكلم إضمار ،أي أن يسيمعوه" .وإذا ذكرت ربيك فيي القرآن وحده" أي قلت :ل إله إل ال وأنيت
تتلو القرآن .وقال أبيو الجوزاء أوس بين عبدال :لييس شييء أطرد للشياطيين مين القلب مين قول ل
إله إل ال ،ثييم تل "وإذا ذكرت ربييك فييي القرآن وحده ولوا على أدبارهييم نفورا" .وقال علي بيين
الحسيين :هيو قوله بسيم ال الرحمين الرحييم .وقيد تقدم هذا فيي البسيملة" .ولوا على أدبارهيم نفورا"
قييل :يعنيي بذلك المشركيين .وقييل الشياطيين .و"نفورا" جميع نافير؛ مثيل شهود جميع شاهيد ،وقعود
جميع قاعيد ،فهيو منصيوب على الحال .ويجوز أن يكون مصيدوا على غيير الصيدر؛ إذ كان قوله
"ولوا" بمعنى نقروا ،فيكون معناه نفورا نفورا.
**3الية{ 47 :نحن أعلم بما يستمعون به إذ يستمعون إليك وإذ هم نجوى إذ يقول الظالمون إن
تتبعون إل رجل مسحورا}
@قوله تعالى" :نحن أعلم بما يستمعون به إذ يستمعون إليك" قيل :الباء زائدة في قوله "به" أي
يستمعونه .وكانوا يستمعون من النبي صلى ال عليه وسلم القرآن ثم ينفرون فيقولون :هو ساحر
ومسييحور؛ كمييا أخييبر ال تعالى بييه عنهييم؛ قاله قتادة وغيره" .وإذ هييم نجوى" أي متناجون فييي
أمرك .قال قتادة :وكانت نجواهم قولهم إنه مجنون وإنه ساحر وإنه يأتي بأساطير الولين ،وغير
ذلك .وقيل :نزلت حين دعا عتبة أشراف قريش إلى طعام صنعه لهم ،فدخل عليهم النبي صلى ال
عليه وسلم وقرأ عليهم القرآن ودعاهم إلى ال؛ فتناجوا؛ يقولون ساحر ومجنون .وقيل :أمر النبي
صلى ال عليه وسلم عليا أن يتخذ طعاما ويدعو إليه أشراف قريش من المشركين؛ ففعل ذلك علي
ودخييل عليهييم رسييول ال صييلى ال عليييه وسييلم وقرأ عليهييم القرآن ودعاهييم إلى التوحيييد ،وقال:
(قولوا ل إله إل ال لتطيعكم العرب وتدين لكم العجم) فأبوا ،وكانوا يستمعون من النبي صلى ال
عليه وسلم ويقولون بينهم متناجين :هو ساحر وهو مسحور؛ فنزلت الية .وقال الزجاج :النجوى
اسم للمصدر؛ أي وإذ هم ذو نجوى ،أي سرار" .إذ يقول الظالمون" أبو جهل والوليد بن المغيرة
وأمثالهميا" .إن تتبعون إل رجل مسيحورا" أي مطبوبيا قيد خبله السيحر فاختلط علييه أمره ،يقولون
ذلك لينفروا عنييه الناس .وقال مجاهييد" :مسييحورا" أي مخدوعييا؛ مثييل قوله" :فأنييي تسييحرون"
[المؤمنون ]89 :أي من أين تخدعون .وقال أبو عبيدة" :مسحورا" معناه أن له سحرا ،أي رئة،
فهييو ل يسييتغني عيين الطعام والشراب؛ فهييو مثلكييم وليييس بملك .وتقول العرب للجبان :قييد انتفييخ
سحره .ولكل من أكل من آدمي وغيره أو شرب مسحور ومسحر .قال لبيد:
عصافير من هذا النام المسحر فإن تسألينا فيم نحن فإننا
وقال امرؤ القيس:
ونسحر بالطعام وبالشراب أرانا موضعين لمر غيب
أي نغذي ونعلل .وفيي الحدييث عين عائشية رضيي ال عنهيا أنهيا قالت :مين هذه التيي تسياميني مين
أزواج النبي صلى ال عليه وسلم؛ وقد توفي رسول ال صلى ال عليه وسلم بين سحري ونحري.
**3الية{ 48 :انظر كيف ضربوا لك المثال فضلوا فل يستطيعون سبيل}
@قوله تعالى" :انظر كيف ضربوا لك المثال" عجّبه من صنعهم كيف يقولون تارة ساحر وتارة
مجنون وتارة شاعير" .فضلوا فل يسيتطيعون سيبيل" أي حيلة فيي صيد الناس عنيك .وقييل :ضلوا
عين الحيق فل يجدون سيبيل ،أي إلى الهدى .وقييل :مخرجيا؛ لتناقيض كلمهيم فيي قولهيم :مجنون،
ساحر ،شاعر.
**3الية{ 49 :وقالوا أئذا كنا عظاما ورفاتا أئنا لمبعوثون خلقا جديدا}
@قوله تعالى" :وقالوا أئذا كنا عظاما ورفاتا" أي قالوا وهم يتناجون لما سمعوا القرآن وسمعوا
أميير البعييث :لو لم يكيين مسييحورا مخدوعييا لمييا قال هذا .قال ابيين عباس :الرفات الغبار .مجاهييد:
التراب .والرفات مييا تكسيير وبلي ميين كييل شيييء؛ كالفتات والحطام والرضاض؛ عيين أبييي عييبيدة
والكسائي والفراء والخفش .تقول منه :رفت الشيء رفتا ،أي حطم؛ فهو مرفوت" .أئنا لمبعوثون
خلقيا جديدا" "أئنيا" اسيتفهام والمراد بيه الجحيد والنكار .و" خلقيا" نصيب لنيه مصيدر؛ أي بعثيا
جديدا .وكان هذا غاية النكار منهم.
**3اليتان{ 51 - 50 :قل كونوا حجارة أو حديدا ،أو خلقا مما يكبر في صدوركم فسيقولون
مين يعيدنيا قيل الذي فطركيم أول مرة فسيينغضون إلييك رؤوسيهم ويقولون متيى هيو قيل عسيى أن
يكون قريبا}
@ أي قل لهم يا محمد كونوا على جهة التعجيز حجارة أو حديدا في الشدة والقوة .قال الطبري:
أي إن عجبتم من إنشاء ال لكم عظاما ولحما فكونوا أنتم حجارة أو حديدا إن قدرتم .وقال علي بن
عيسى :معناه أنكم لو كنتم حجارة أو حديدا لم تفوتوا ال عز وجل إذا أرادكم؛ إل أنه خرج مخرج
المر ،لنه أبلغ في اللزام .وقيل :معناه لو كنتم حجارة أو حديدا لعادكم كما بدأكم ،ولماتكم ثم
أحياكييم .وقال مجاهييد :المعنييى كونوا مييا شئتييم فسييتعادون .النحاس :وهذا قول حسيين؛ لنهييم ل
يسييتطيعون أن يكونوا حجارة ،وإنمييا المعنييى أنهييم قييد أقروا بخالقهييم وأنكروا البعييث فقيييل لهييم
اسيتشعروا أن تكونوا ميا شئتيم ،فلو كنتيم حجارة أو حديدا لبعثتيم كميا خلقتيم أول مرة" .أو خلقيا مميا
يكيبر فيي صيدوركم" قال مجاهيد :يعنيي السيماوات والرض والجبال لعظمهيا فيي النفوس .وهيو
معنييى قول قتادة .يقول :كونوا مييا شئتييم ،فإن ال يميتكييم ثييم يبعثكييم .وقال ابيين عباس وابيين عميير
وعبدال بين عمرو بين العاص وابين جيبير ومجاهيد أيضيا وعكرمية وأبيو صيالح والضحاك :يعنيي
الموت؛ لنه ليس شيء أكبر في نفس ابن آدم منه؛ قال أمية بن أبي الصلت:
وللموت خلق في النفوس فظيع
يقول :إنكيم لو خلقتيم مين حجارة أو حدييد أو كنتيم الموت لميتنكيم ولبعثنكيم؛ لن القدرة التيي بهيا
أنشأتكم بها نعيدكم .وهو معنى قوله" :فسيقولون من يعيدنا" .وفي الحديث أنه (يؤتى بالموت يوم
القيامية فيي صيورة كبيش أملح فيذبيح بيين الجنية والنار) .وقييل :أراد بيه البعيث؛ لنيه كان أكيبر فيي
صييدورهم؛ قاله الكلبييي" .فطركييم" خلقكييم وأنشأكييم" .فسييينغضون إليييك رؤوسييهم" أي يحركون
رؤوسهم استهزاء؛ يقال :نغض رأسه ينغض وينغض نغضا ونغوضا؛ أي تحرك .وأنغض رأسه
أي حركه ،كالمتعجب من الشيء؛ ومنه قوله تعالى" :فسينغضون إليك رؤوسهم" .قال الراجز:
أنغض نحوي رأسه وأقنعا
ويقال أيضا :نغض فلن رأسه أي حركه؛ يتعدى ول يتعدى ،حكاه الخفش .ويقال :نغضت سنه؛
أي حركت وانقلعت .قال الراجز:
ونغضت من هرم أسنانها
وقال آخر:
لما رأتني انغضت لي الرأسا
وقال آخر:
بمسد فوق المحال النغض ل ماء في المقراة إن لم تنهض
المحال والمحالة :البكرة العظيمية التيي يسيتقي بهيا البيل" .ويقولون متيى هيو" أي البعيث والعادة
وهذا الوقت" .قل عسى أن يكون قريبا" أي هو قريب؛ لن عسى واحب؛ نظيره "وما يدريك لعل
السياعة تكون قريبا" [الحزاب ]63 :و"لعل السياعة قريب" [الشورى .]17 :وكيل ،ميا هو آت
فهو قريب.
**3الية{ 52 :يوم يدعوكم فتستجيبون بحمده وتظنون إن لبثتم إل قليل}
@قوله تعالى" :يوم يدعوكيم" الدعاء :النداء إلى المحشير بكلم تسيمعه الخلئق ،يدعوهيم ال
تعالى فييه بالخروج .وقييل :بالصييحة التيي يسيمعونها؛ فتكون داعيية لهيم إلى الجتماع فيي أرض
القياميية .قال صييلى ال عليييه وسييلم( :إنكييم تدعون يوم القياميية بأسييمائكم وأسييماء آبائكييم فأحسيينوا
أسماءكم)" .فتستجيبون بحمده" أي باستحقاقه الحمد على الحياء .وقال أبو سهل :أي والحمد ل؛
كما قال:
لبست ،ول من غدرة أتقنع فإني بحمد ال ل ثوب فاجر
وقيييل :حامدييين ل تعالى بألسيينتكم .قال سييعيد بيين جييبير :تخرج الكفار ميين قبورهييم وهييم يقولون
سيييبحانك وبحمدك؛ ولكييين ل ينفعهيييم اعتراف ذلك اليوم .وقال ابييين عباس" :بحمده" بأمره؛ أي
تقرون بأنيه خالقكيم .وقال قتادة :بمعرفتيه وطاعتيه .وقييل :المعنيى بقدرتيه .وقييل :بدعائه إياكيم .قال
علماؤنا :وهو الصحيح؛ فإن النفخ في الصور إنما هو سبب لخروج أهل القبور؛ بالحقيقة إنما هو
خروج الخلق بدعوة الحيييق ،قال ال تعالى" :يوم يدعوكيييم فتسيييتجيبون بحمده" فيقومون يقولون
سيبحانك اللهيم وبحمدك .قال :فيوم القيامية يوم يبدأ بالحميد ويختيم بيه؛ قال ال تعالى" :يوم يدعوكيم
فتسيتجيبون بحمده" وقال فيي آخير "وقضيى بينهيم بالحيق وقييل الحميد ل رب العالميين" [الزمير:
" .]75وتظنون إن لبثتم إل قليل" يعني بين النفختين؛ وذلك أن العذاب يكف عن المعذبين بين
النفختييين ،وذلك أربعون عامييا فينامون؛ فذلك قوله تعالى" :ميين بعثنييا ميين مرقدنييا" [يييس]52 :
فيكون خاصيا للكفار .وقال مجاهيد :للكافريين هجعية قبيل يوم القيامية يجدون فيهيا طعيم النوم ،فإذا
صييح بأهيل القبور قاموا مذعوريين .وقال قتادة :المعنيى أن الدنييا تحاقرت فيي أعينهيم وقلت حيين
رأوا يوم القيامة .الحسن" :وتظنون إن لبثتم إل قليل" في الدنيا لطول لبثكم في الخرة.
**3اليية{ 53 :وقيل لعبادي يقولوا التيي هيي أحسين إن الشيطان ينزغ بينهيم إن الشيطان كان
للنسان عدوا مبينا}
@قوله تعالى" :وقيل لعبادي يقولوا التيي هيي أحسين" تقدم إعرابيه .واليية نزلت فيي عمير بين
الخطاب .وذلك أن رجل ميين العرب شتمييه ،وسييبه عميير وهييم بقتله ،فكادت تثييير فتنيية فأنزل ال
تعالى فيه" :وقل لعبادي يقولوا التي هي أحسن" ذكره الثعلبي والماوردي وابن عطية والواحدي.
وقييل :نزلت لميا قال المسيلمون :ايذن لنيا ييا رسيول ال فيي قتالهيم فقيد طال إيذاؤهيم إيانيا ،فقال( :لم
أوميير بعييد بالقتال) فأنزل ال تعالى" :وقييل لعبادي يقولوا التييي هييي أحسيين"؛ قاله الكلبييي .وقيييل:
المعنيى قيل لعبادي الذيين اعترفوا بأنيي خالقهيم وهيم يعبدون الصينام ،يقولوا التيي هيي أحسين مين
كلمية التوحييد والقرار بالنبوة .وقييل :المعنى وقل لعبادي المؤمنيين إذا جادلوا الكفار فيي التوحييد،
أن يقولوا الكلمة التي هي أحسن .كما قال" :ول تسبوا الذين يدعون من دون ال فيسبوا ال عدوا
بغير علم" [النعام .]108 :وقال الحسن :هو أن يقول للكافر إذا تشطط :هداك ال! يرحمك ال!
وهذا قبل أن أمروا بالجهاد .وقيل :المعنى قل لهم يأمروا بما أمر ال به وينهوا عما نهى ال عنه؛
وعلى هذا تكون الية عامة في المؤمن والكافر ،أي قل للجميع .وال أعلم .وقالت طائفة :أمر ال
تعالى فييي هذه الييية المؤمنييين فيمييا بينهييم خاصيية ،بحسيين الدب وإلنيية القول ،وخفييض الجناح
وإطراح نزغات الشيطان؛ وقد قال صلى ال عليه وسلم( :وكونوا عباد ال إخوانا) .وهذا أحسن،
وتكون الية محكمة.
@قوله تعالى" :إن الشيطان ينزغ بينهم" أي بالفساد وإلقاء العداوة والغواء .وقد تقدم في آخر
"العراف" [ويوسف] .يقال :نزغ بيننا أي أفسد؛ قاله اليزيدي .وقال غيره :النزغ الغراء" .إن
الشيطان كان للنسيان عدوا مبينيا" أي شدييد العداوة .وقيد تقدم فيي "البقرة" .وفيي الخيبر (أن قوميا
جلسوا يذكرون ال ،عز وجل فجاء الشيطان ليقطع مجلسهم فمنعته الملئكة فجاء إلى قوم جلسوا
قريبا منهم ل يذكرون ال فحرش بينهم فتخاصموا وتواثبوا فقال هؤلء الذاكرون قوموا بنا نصلح
بين إخواننا فقاموا وقطعوا مجلسهم وفرح بذلك الشيطان) .فهذا من بعض عداوته.
**3الية{ 54 :ربكم أعلم بكم إن يشأ يرحمكم أو إن يشأ يعذبكم وما أرسلناك عليهم وكيل}
@قوله تعالى" :ربكيم أعلم بكيم إن يشيأ يرحمكيم أو إن يشيأ يعذبكيم" هذا خطاب للمشركيين،
والمعنييى :إن يشييأ يوفقكييم للسييلم فيرحمكييم ،أو يميتكييم على الشرك فيعذبكييم؛ قاله ابيين جريييج.
و"اعلم" بمعنيى علييم؛ نحيو قولهيم :ال أكيبر ،بمعنيى كيبير .وقييل :الخطاب للمؤمنيين؛ أي إن يشيأ
يرحمكم بأن يحفظكم من كفار مكة ،أو إن يشأ يعذبكم بتسليطهم عليكم؛ قاله الكلبي" .وما أرسلناك
عليهم وكيل" أي وما وكلناك في منعهم من الكفر ول جعلنا إليك إيمانهم .وقيل :ما جعلناك كفيل
لهم تؤخذ بهم؛ قاله الكلبي .وقال الشاعر:
برد المور الماضيات وكيل ذكرت أبا أروى فبت كأنني
أي كفيل.
**3الية{ 55 :وربك أعلم بمن في السماوات والرض ولقد فضلنيا بعض النبيين على بعض
وآتينا داود زبورا}
@قوله تعالى" :وربيك أعلم بمين فيي السيماوات والرض" أعاد بعيد أن قال" :ربكيم اعلم بكيم"
ليبين أنه خالقهم وأنه جعلهم مختلقين في أخلقهم وصورهم وأحوالهم ومالهم "أل يعلم من خلق"
[الملك .]14 :وكذا النبيون فضل بعضهم على بعض عن علم منه بحالهم .وقد مضى القول في
هذا فييي (البقرة)" .وآتينييا داود زبورا" الزبور :كتاب ليييس فيييه حلل ول حرام ،ول فرائض ول
حدود؛ وإنمييا هييو دعاء وتحميييد وتمجيييد .أي كمييا آتينييا داود الزبور فل تنكروا أن يؤتييى محمييد
القرآن .وهو في محاجة اليهود.
**3الية{ 56 :قل ادعوا الذين زعمتم من دونه فل يملكون كشف الضر عنكم ول تحويل}
@قوله تعالى" :قل ادعوا الذين زعمتم من دونه" لما ابتليت قريش بالقحط وشكوا إلى رسول ال
صيلى ال علييه وسيلم أنزل ال هذه اليية؛ أي ادعوا الذيين تعبدون مين دون ال وزعمتيم أنهيم آلهية.
وقال الحسن :يعني الملئكة وعيسى وعزيرا .ابن مسعود :يعني الجن" .فل يملكون كشف الضر
عنكيم" أي القحيط سيبع سينين ،على قول مقاتيل" .ول تحويل" مين الفقير إلى الغنيى ومين السيقم إلى
الصحة.
**3اليية{ 57 :أولئك الذيين يدعون يبتغون إلى ربهيم الوسييلة أيهيم أقرب ويرجون رحمتيه
ويخافون عذابه إن عذاب ربك كان محذورا}
@قوله تعالى" :أولئك الذيين يدعون" "أولئك" مبتدأ "الذيين" صيفة "أولئك" وضميير الصيلة
محذوف؛ أي يدعونهم .يعني أولئك المدعوون .و"يبتغون" خبر ،أو يكون حال ،و"الذين يدعون"
خيبر؛ أي يدعون إلييه عبادا إلى عبادتيه .وقرأ ابين مسيعود "تدعون" بالتاء على الخطاب .الباقون
بالياء على الخيبر .ول خلف فيي "يبتغون" أنيه بالياء .وفيي صيحيح مسيلم مين كتاب التفسيير عين
عبدال بين مسيعود فيي قوله عيز وجيل" :أولئك الذيين يدعون يبتغون إلى ربهيم الوسييلة" قال :نفير
من الجن أسلموا وكانوا يعبدون ،فبقي الذين كانوا يعبدون على عبادتهم وقد أسلم النفر من الجن.
في رواية قال :نزلت في نفر من العرب كانوا يعبدون نفرا من الجن فأسلم الجنيون والنس الذين
كانوا يعبدونهيم ل يشعرون؛ فنزلت "أولئك الذيين يدعون يبتغون إلى ربهيم الوسييلة" .وعنيه أيضيا
أنهيم الملئكية كانيت تعبدهيم قبائل مين العرب؛ ذكره الماوردي .وقال ابين عباس ومجاهيد :عزيير
وعيسيى .و"يبتغون" يطلبون مين ال الزلفية والقربية ،ويتضرعون إلى ال تعالى فيي طلب الجنية،
وهي الوسيلة .أعلمهم ال تعالى أن المعبودين يبتغون القربة إلى ربهم .والهاء والميم في "ربهم"
تعود على العابدين أو على المعبودين أو عليهم جميعا .وأما "يدعون" فعلى العابدين" .ويبتغون"
على المعبوديين" .أيهيم أقرب" ابتداء وخيبر .ويجوز أن يكون "أيهيم أقرب" بدل مين الضميير فيي
"يبتغون" ،والمعنيى يبتغيي أيهيم أقرب الوسييلة إلى ال" .ويرجون رحمتيه ويخافون عذابيه إن
عذاب ربيك كان محذورا" أي مخوفيا ل أمان لحيد منيه؛ فينبغيي أن يحذر منيه ويخاف .وقال سيهل
بن عبدال :الرجاء والخوف زمانان على النسان ،فإذا استويا استقامت أحواله ،وإن رجح أحدهما
بطل الخر.
**3الية{ 58 :وإن من قرية إل نحن مهلكوها قبل يوم القيامة أو معذبوها عذابا شديدا كان ذلك
في الكتاب مسطورا}
@قوله تعالى" :وإن من قرية إل نحن مهلكوها" أي مخربوها" .قبل يوم القيامة أو معذبوها عذابا
شديدا" قال مقاتييل :أمييا الصييالحة فبالموت ،وأمييا الطالحيية فبالعذاب .وقال ابيين مسييعود :إذا ظهيير
الزنيى والربيا فيي قريية أذن ال فيي هلكهيم .فقييل :المعنيى وإن مين قريية ظالمية؛ يقوي ذلك قوله:
"وما كنا مهلكيي القرى إل وأهلهيا ظالمون" [القصص .]59 :أي فليتيق المشركون ،فإنه ميا من
قريية كافرة إل سييحل بهيا العذاب" .كان ذلك فيي الكتاب" أي فيي اللوح" .مسيطورا" أي مكتوبيا.
والسطر :الخط والكتابة وهو في الصل مصدر .والسطر(بالتحريك) ،مثله .قال جرير:
ما تكمل التيم في ديوانهم سطرا من شاء بايعته مالي وخُلعته
الخلعيية (بضييم الخاء) :خيار المال .والسييطر جمييع أسييطار؛ مثييل سييبب وأسييباب ،ثييم يجمييع على
أساطير .وجمع السطر أسطر وسطور؛ مثل أفلس وفلوس .والكتاب هنا يراد به اللوح المحفوظ.
**3الية{ 59 :وما منعنا أن نرسل باليات إل أن كذب بها الولون وآتينا ثمود الناقة مبصرة
فظلموا بها وما نرسل باليات إل تخويفا}
@قوله تعالى" :وما منعنا أن نرسل باليات إل أن كذب بها الولون" في الكلم حذف ،والتقدير:
وما منعنا أن نرسل باليات التي اقترحوها إل أن يكذبوا بها فيهلكوا كما فعل بمن كان قبلهم .قال
معناه قتادة وابن جريج وغيرهما .فأخر ال تعالى العذاب عن كفار قريش لعلمه أن فيهم من يؤمن
وفيهيم مين يولد مؤمنيا .وقيد تقدم فيي "النعام" وغيرهيا أنهيم طلبوا أن يحول ال لهيم الصيفا ذهبيا
وتتنحيى الجبال عنهيم؛ فنزل جبرييل وقال( :إن شئت كان ميا سيأل قوميك ولكنهيم إن لم يؤمنوا لم
يمهلوا وإن شئت اسيتأنيت بهيم) .فقال( :ل بيل اسيتأن بهيم) .و"أن" الولى فيي محيل نصيب بوقوع
المنيع عليهيم ،و"أن" الثانيية فيي محيل رفيع .والباء فيي "باليات" زائدة .ومجاز الكلم :وميا منعنيا
إرسال اليات إل تكذيب الولين ،وال تعالى ل يكون ممنوعا عن شيء؛ فالمعنى المبالغة في أنه
ل يفعل ،فكأنه قد منع عنه .ثم بين ما فعل بمن سأل اليات فلم يؤمن بها فقال" :وآتينا ثمود الناقة
مبصيييرة" أي آيييية دالة مضيئة نيرة على صيييدق صيييالح ،وعلى قدرة ال تعالى .وقيييد تقدم ذلك.
"فظلموا بهيا" أي ظلموا بتكذيبهيا .وقييل :جحدوا بهيا وكفروا أنهيا مين عنيد ال فاسيتأصلهم ال
بالعذاب" .وميا نرسيل باليات إل تخويفيا" فييه خمسية أقوال :الول :العيبر والمعجزات التيي جعلهيا
ال على أيدي الرسييل ميين دلئل النذار تخويفييا للمكذبييين .الثانييي :أنهييا آيات النتقام تخويفييا ميين
المعاصيي .الثالث :أنهيا تقلب الحوال مين صيغر إلى شباب ثيم إلى تكهيل ثيم إلى مشييب ،لتعتيبر
بتقلب أحوالك فتخاف عاقبيية أمرك؛ وهذا قول أحمييد بيين حنبييل رضييي ال عنييه .الرابييع :القرآن.
الخامس :الموت الذريع؛ قاله الحسن.
**3الية{ 60 :وإذ قلنا لك إن ربك أحاط بالناس وما جعلنا الرؤيا التي أريناك إل فتنة للناس
والشجرة الملعونة في القرآن ونخوفهم فما يزيدهم إل طغيانا كبيرا}
@قوله تعالى" :وإذ قلنا لك إن ربك أحاط بالناس" قال ابن عباس :الناس هنا أهل مكة ،وإحاطته
بهيم إهلكيه إياهيم؛ أي أن ال سييهلكهم .وذكره بلفيظ الماضيي لتحقيق كونيه .وعنيي بهذا الهلك
الموعود ميا جرى يوم بدر ويوم الفتيح .وقييل :معنيى "أحاط بالناس" أي أحاطيت قدرتيه بهيم ،فهيم
في قبضته ل يقدرون على الخروج من مشيئته؛ قاله مجاهد وابن أبي نجيح .وقال الكلبي :المعنى
أحاط علمييه بالناس .وقيييل :المراد عصييمته ميين الناس أن يقتلوه حتييى يبلغ رسييالة ربييه؛ أي ومييا
أرسيلناك عليهيم حفيظيا ،بيل علييك التبلييغ ،فبلغ بجدك فإنيا نعصيمك منهيم ونحفظيك ،فل تهبهيم،
واميض لميا آمرك بيه مين تبلييغ الرسيالة ،فقدرتنيا محيطية بالكيل؛ قال معناه الحسين وعروة وقتادة
وغيرهم.
@قوله تعالى" :وميا جعلنيا الرؤييا التيي أريناك إل فتنية للناس" لميا بيين أن إنزال آيات القرآن
تتضمين التخوييف ضيم إلييه ذكير آيية السيراء ،وهيي المذكورة فيي صيدر السيورة .وفيي البخاري
والترمذي عن ابن عباس في قوله تعالى" :وما جعلنا الرؤيا التي أريناك إل فتنة للناس" قال :هي
رؤيييا عييين أريهييا النييبي صييلى ال عليييه وسييلم ليلة أسييري بييه إلى بيييت المقدس .قال" :والشجرة
الملعونية فيي القرآن" هيي شجرة الزقوم .قال أبيو عيسيى الترمذي :هذا حدييث صيحيح .وبقول ابين
عباس قالت عائشية ومعاويية والحسين ومجاهيد وقتادة وسيعيد بين جيبير والضحاك وابين أبيي نجييح
وابين زييد .وكانيت الفتنية ارتداد قوم كانوا أسيلموا حيين أخيبرهم النيبي صيلى ال علييه وسيلم أنيه
أسري به .وقيل :كانت رؤيا نوم .وهذه الية تقضي بفساده ،وذلك أن رؤيا المنام ل فتنة فيها ،وما
كان أحيد لينكرهيا .وعين ابين عباس قال :الرؤييا التيي فيي هذه اليية هيي رؤييا رسيول ال صيلى ال
علييه وسيلم أنيه يدخيل مكية فيي سينة الحديبيية ،فرد فافتتين المسيلمون لذلك ،فنزلت اليية ،فلميا كان
العام المقبل دخلها ،وأنزل ال تعالى "لقد صدق ال رسوله الرؤيا بالحق" [الفتح .]27 :وفي هذا
التأوييل ضعيف؛ لن السيورة مكيية وتلك الرؤييا كانيت بالمدينية .وقال فيي روايية ثالثية :إنيه علييه
السيلم رأى فيي المنام بنيي مروان ينزون على منيبره نزو القردة ،فسياءه ذلك فقييل :إنميا هيي الدنييا
أعطوهيا ،فسيري عنيه ،وميا كان له بمكية منيبر ولكنيه يجوز أن يرى بمكية رؤييا المنيبر بالمدينية.
وهذا التأوييل الثالث قاله أيضيا سيهل بين سيعد رضيي ال عنيه .قال سيهل إنميا هذه الرؤييا هيي أن
رسيول ال صيلى ال علييه وسيلم كان يرى بنيي أميية ينزون على منيبره نزو القردة ،فاغتيم لذلك،
وميا اسيتجمع ضاحكيا مين يومئذ حتيى مات صيلى ال علييه وسيلم .فنزلت اليية مخيبرة أن ذلك مين
تملكهم وصعودهم يجعلها ال فتنة للناس وامتحانا .وقرأ الحسن بن على في خطبته في شأن بيعته
لمعاويية" :وإن أدري لعله فتنية لكيم ومتاع إلى حيين" [النيبياء .]111 :قال ابين عطيية :وفيي هذا
التأويل نظر ،ول يدخل في هذه الرؤيا عثمان ول عمر بن عبدالعزيز ول معاوية.
@قوله تعالى" :والشجرة الملعونة في القرآن" فيه تقديم وتأخير؛ أي ما جعلنا الرؤيا التي أريناك
والشجرة الملعونة في القرآن إل فتنة للناس .وفتنتها أنهم لما خوفوا بها قال أبو جهل استهزاء :هذا
محميد يتوعدكيم بنار تحرق الحجارة ،ثيم يزعيم أنهيا تنبيت الشجير والنار تأكيل الشجير ،وميا نعرف
الزقوم إل التمير والزبيد ،ثيم أمير أبيو جهيل جاريية فأحضرت تمرا وزبدا وقال لصيحابه :تزقموا.
وقد قيل :إن القائل ما نعلم الزقوم إل التمر والزبد ابن الزبعرى حيث قال :كثر ال من الزقوم في
داركم ،فإنه التمير بالزبد بلغة اليمن .وجائز أن يقول كلهميا ذلك .فافتتن أيضا لهذه المقالة بعض
الضعفاء ،فأخييبر ال تعالى نييبيه عليييه السييلم أنييه إنمييا جعييل السييراء وذكيير شجرة الزقوم فتنيية
واختبارا ليكفير مين سيبق علييه الكفير ويصيدق مين سيبق له اليمان .كميا روي أن أبيا بكير الصيديق
رضي ال عنه قيل له صبيحة السراء :إن صاحبك يزعم أنه جاء البارحة من بيت المقدس فقال:
إن كان قال ذلك فلقيد صيدق .فقييل له :أتصيدقه قبيل أن تسيمع منيه؟ فقال :أيين عقولكيم؟ أنيا أصيدقه
بخبر السماء ،فكيف ل أصدقه بخبر بيت المقدس ،والسماء أبعد منها بكثير.
قلت :ذكر هذا الخبر ابن إسحاق ،ونصه :قال كان من الحديث فيما بلغني عن مسراه صلى ال
عليه وسلم عن عبدال بن مسعود وأبي سعيد الخدري وعائشة ومعاوية بن أبي سفيان والحسن بن
أبيي الحسين وابين شهاب الزهري وقتادة وغيرهيم مين أهيل العلم وأم هانيئ بنيت أبيي طالب ،ميا
اجتميع فيي هذا الحدييث ،كيل يحدث عنيه بعيض ميا ذكير مين أمره حيين أسيري بيه صيلى ال علييه
وسيلم ،وكان فيي مسيراه وميا ذكير عنيه بلء وتمحييص وأمير مين أمير ال عيز وجيل فيي قدرتيه
وسلطانه فيه عبرة لولي اللباب ،وهدى ورحمة وثبات لمن آمن وصدق وكان من أمر ال تعالى
على يقين؛ فأسرى به صلى ال عليه وسلم كيف شاء وكما شاء ليريه من آياته ما أراد ،حتى عاين
ما عاين من أمره وسلطانه العظيم ،وقدرته التي يصنع بها ما يريد .وكان عبدال بن مسعود فيما
بلغني عنه يقول :أتى رسول ال صلى ال عليه وسلم بالبراق -وهي الدابة التي كانت تحمل عليها
النبياء قبله تضع حافرها في منتهى طرفها -فحمل عليها ،ثم خرج به صاحبه يُرى اليات فيما
بيين السيماء والرض ،حتيى انتهيى إلى بييت المقدس ،فوجيد فييه إبراهييم وموسيى وعيسيى فيي نفير
من النبياء قد جمعوا له فصلى بهم ثم أتي بثلثة آنية :إناء فيه لبن وإناء فيه خمر؛ وإناء فيه ماء.
قال :فقال رسيول ال صيلى ال علييه وسيلم( :فسيمعت قائل يقول حيين عُرضَت عليّي إن أخيذ الماء
فغرق وغرقيت أمتيه وإن أخيذ الخمير فغوي وغوت أمتيه وإن أخيذ اللبين فهُدي وهُدييت أمتيه قال
فأخذت إناء اللبن فشربت فقال له جبريل هُديت وهُديت أمتك يا محمد) .قال ابن إسحاق :وحدثت
عن الحسن أنه قال قال رسيول ال صلى ال عليه وسلم( :بينميا أنا نائم فيي الحجر جاءني جبرييل
علييه السيلم فهمزنيي بقدميه فجلسيت فلم أر شيئا ثيم عدت لمضجعيي فجاءنيي الثانيية فهمزنيي بقدميه
فجلسيت فلم أر شيئا فعدت لمضجعيي فجاءنيي الثالثية فهمزنيي بقدميه فجلسيت فأخيذ بعضدي فقميت
معيه فخرج إلى باب المسيجد فإذا دابية أبييض بيين البغيل والحمار فيي فخدييه جناحان يحفيز بهميا
رجلييه يضيع حافره فيي منتهيى طرفيه فحملنيي علييه ثيم خرج معيي ل يفوتنيي ول أفوتيه) .قال ابين
إسحاق :وحدثت عن قتادة أنه قال :حدثت أن رسول ال صلى ال عليه وسلم قال( :لما دنوت منه
لركبه شمس فوضع جبريل يده على معرفته ثم قال أل تستحي يا براق مما تصنع فوال ما ركبك
عبد ل قبل محمد أكرم عليه منه قال فاستحيا حتى أرفض عرقا ثم قر حتى ركبته).
قال الحسن في حديثه :فمضى رسول ال صلى ال عليه وسلم ومضى معه جبريل حتى انتهى
إلى بيت المقدس ،فوجد فيه إبراهيم وموسى وعيسى في نفر من النبياء ،فأمهم رسول ال صلى
ال عليه وسلم فصلى بهم ثم أتى بإناءين :في أحدهما خمر وفي الخر لبن ،قال :فأخذ رسول ال
صيلى ال علييه وسيلم إناء اللبين فشرب منيه وترك إناء الخمير .قال :فقال له جبرييل :هدييت الفطرة
وهدييت أمتيك وحرميت عليكيم الخمير .ثيم انصيرف رسيول ال صيلى ال علييه وسيلم إلى مكية ،فلميا
أصييبح غدا على قريييش فأخييبرهم الخييبر؛ فقال أكثيير الناس :هذا وال الميير البييين وال إن العييير
لتطرد شهرا ميين مكيية إلى الشام ،مدبرة شهرا ومقبلة شهرا ،فيذهييب ذلك محمييد فييي ليلة واحدة
ويرجيع إلى مكية قال :فارتيد كثيير ممين كان أسيلم ،وذهيب الناس إلى أبيي بكير فقالوا :هيل لك ييا أبيا
بكير فيي صياحبك يزعيم أنيه قيد جاء هذه الليلة بييت المقدس ،وصيلى فييه ورجيع إلى مكية .قال فقال
أبيو بكير الصيديق رضيي ال عنيه :إنكيم تكذبون علييه .فقالوا :بلى ،هيا هيو ذا فيي المسيجد يحدث بيه
الناس .فقال أبو بكر :وال لئن كان قاله لقد صدق فما يعجبكم من ذلك فوال إنه ليخبرني إن الخبر
ليأتييه مين السيماء إلى الرض فيي سياعة مين لييل أو نهار فأصيدقه ،فهذا أبعيد مميا تعجبون منيه .ثيم
أقبيل حتيى انتهيى إلى رسيول ال صيلى ال علييه وسيلم فقال :ييا نيبي ال ،أحدثيت هؤلء أنيك جئت
بييت المقدس هذه الليلة؟ قال (نعيم) قال :ييا نيبي ال ،فصيفه لي فإنيي قيد جئتيه؟ فقال الحسين :فقال
رسول ال صلى ال عليه وسلم( :رفع لي حتى نظرت إليه) فجعل رسول ال صلى ال عليه وسلم
يصفه لبي بكر ويقول أبو بكر رضي ال عنه :صدقت ،أشهد أنك رسول ال .كلما وصف له منه
شيئا قال :صدقت ،أشهيد أنك رسول ال .قال :حتيى إذا انتهيى قال رسول ال صلى ال عليه وسلم
لبي بكر رضي ال عنه( :وأنت يا أبا بكر الصديق) فيومئذ سماه الصديق .قال الحسن :وأنزل ال
تعالى فيميين ارتييد عيين السييلم لذلك" :ومييا جعلنييا الرؤيييا التييي أريناك إل فتنيية للناس والشجرة
الملعونة قي القرآن ونخوفهم فما يزيدهم إل طغيانا كبيرا" .فهذا حديث الحسن عن مسرى رسول
ال صلى ال عليه وسلم وما دخل فيه من حديث قتادة .وذكر باقي السراء عمن تقدم في السيرة.
وقال ابين عباس :هذه الشجرة بنيو أميية ،وأن النيبي صيلى ال علييه وسيلم نفيى الحكيم .وهذا قول
ضعييف محدث والسيورة مكيية ،فيبعيد هذا التأوييل؛ إل أن تكون هذه اليية مدنيية ،ولم يثبيت ذلك.
وقييد قالت عائشيية لمروان :لعيين ال أباك وأنييت فييي صييلبه فأنييت بعييض ميين لعنيية ال .ثييم قال:
"والشجرة الملعونة في القرآن" ولم يجر في القرآن لعن هذه الشجرة ،ولكن ال لعن الكفار وهم
آكلوها .والمعنى :والشجرة الملعونة في القرآن آكلوها .ويمكن أن يكون هذا على قول العرب لكل
طعام مكروه ضار :ملعون .وقال ابين عباس :الشجرة الملعونية هيي هذه الشجرة التيي تلتوي على
الشجر فتقتله ،يعني الكشوث" .ونخوفهم" أي بالزقوم" .فما يزيدهم" التخويف إل الكفر.
**3اليتان{ 62 - 61 :وإذ قلنا للملئكة اسجدوا لدم فسجدوا إل إبليس قال أأسجد لمن خلقت
طينا ،قال أرأيتك هذا الذي كرمت علي لئن أخرتن إلى يوم القيامة لحتنكن ذريته إل قليل}
@قوله تعالى" :وإذ قلنيا للملئكية اسيجدوا لدم" تقدم ذكير كون الشيطان عدو النسيان ،فانجير
الكلم إلى ذكر آدم .والمعنى :اذكر بتمادي هؤلء المشركين وعتوهم على ربهم قصة إبليس حين
عصيى ربيه وأبيى السيجود ،وقال ميا قال ،وهيو ميا أخيبر ال تعالى فيي قوله تعالى" :فسيجدوا إل
إبليس قال أأسجد لمن خلقت طينا" أي من طين .وهذا استفهام إنكار .وقد تقدم القول في خلق آدم
فييي "البقرة" و"النعام" مسييتوفى" .قال أرأيتييك" أي قال إبليييس .والكاف توكيييد للمخاطبيية" .هذا
الذي كرمييت علي" أي فضلتييه علي .ورأى جوهيير النار خيرا ميين جوهيير الطييين ولم يعلم أن
الجواهيير متماثلة .وقييد تقدم هذا فييي "العراف" .و"هذا" نصييب بييي "أرأيييت"" .الذي" نعتييه.
والكرام :اسيم جاميع لكيل ميا يحميد .وفيي الكلم حذف تقديره :أخيبرني عين هذا الذي فضلتيه علي،
لم فضلتيه وقيد خلقتنيي مين نار وخلقتيه مين طيين؟ فحذف لعلم السيامع .وقييل :ل حاجية إلى تقديير
الحذف؛ أي أترى هذا الذي كرمتييه علي لفعلن بييه كذا وكذا .ومعنييى "لحتنكيين" فييي قول ابيين
عباس :لسيتولين عليهيم .وقاله الفراء .مجاهيد :لحتوينهيم .ابين زييد :لضلنهيم .والمعنيى متقارب؛
أي لسيتأصلن ذريتيه بالغواء والضلل ،ولجتاحنهيم .وروي عين العرب :إحتنيك الجراد الزرع
إذا ذهيب بيه كله .وقييل :معناه لسيوقنهم حييث شئت وأقودنهيم حييث أردت .ومين قولهيم :حنكيت
الفرس أحنكه وأحنكه حنكا إذا جعلت في فيه الرسن .وكذلك إحتنكه .والقول الول قريب من هذا؛
لنه إنما يأتي على الزرع بالحنك .وقال الشاعر:
جهدا إلى جهد بنا وأضعفت أشكو إليك سنة قد أجحفت
واحتنكت أموالنا واجتلفت
"إل قليل" يعنيي المعصيومين ،وهيم الذيين ذكرهيم ال فيي قوله" :إن عبادي لييس لك عليهيم
سلطان" [السراء ]65 :وإنما قال إبليس ذلك ظنا؛ .كما قال ال تعالى" :ولقد صدق عليهم إبليس
ظنه" [سبأ ]20 :أو علم من طبع البشر تركب الشهوة فيهم؛ أو بنى على قول الملئكة" :أتجعل
فيهيا مين يفسيد فيهيا" [البقرة .]30 :وقال الحسين :ظين ذلك لنيه وسيوس إلى آدم علييه السيلم فلم
يجد له عزما.
**3الية{ 63 :قال اذهب فمن تبعك منهم فإن جهنم جزاؤكم جزاء موفورا}
@قوله تعالى" :قال اذهب" هذا أمر إهانة؛ أي اجهد جهدك فقد أنظرناك "فمن تبعك منهم" أي
أطاعيك مين ذريية آدم" .فإن جهنيم جزاؤكيم جزاء موفورا" أي وافرا؛ عين مجاهيد وغيره .وهيو
نصيب على المصيدر ،يقال :وفرتيه أفره وفرا ،ووفير المال بنفسيه يفير وفورا فهيو وافير؛ فهيو لزم
ومتعد.
**3الية{ 64 :واستفزز من استطعت منهم بصوتك وأجلب عليهم بخيلك ورجلك وشاركهم في
الموال والولد وعدهم وما يعدهم الشيطان إل غرورا}
@قوله تعالى" :واسيتفزز" أي اسيتزل واسيتخف .وأصيله القطيع ،ومنيه تفزز الثوب إذا انقطيع.
والمعنييى اسييتزله بقطعييك إياه عيين الحييق .واسييتفزه الخوف أي اسييتخفه .وقعييد مسييتفزا أي غييير
مطمئن" .واسيتفزز" أمير تعجييز ،أي أنيت ل تقدر على إضلل أحيد ،ولييس لك على أحيد سيلطان
فافعل ما شئت" .بصوتك" وصوته كل داع يدعو إلى معصية ال تعالى؛ عن ابن عباس .مجاهد:
الغناء والمزامييير واللهييو .الضحاك :صييوت المزمار .وكان آدم عليييه السييلم أسييكن أولد هابيييل
أعلى الجبيل ،وولد قابييل أسيفله ،وفيهيم بنات حسيان ،فزمير اللعيين فلم يتمالكوا أن انحدروا فزنوا
ذكره الغزنوي .وقيل" :بصوتك" بوسوستك.
@قوله تعالى" :وأجلب عليهيم بخيلك ورجلك" أصيل الجلب السيوق بجلبية مين السيائق؛ يقال:
أجلب إجلبا .والجلب والجلبة :الصوات؛ تقول منه :جلبوا بالتشديد .وجلب الشيء يجلبه ويجلبه
جلبا وجلبا .وجلبت الشيء إلى نفسي واجتلبته بمعنى .وأجلب على العدو إجلبا؛ أي جمع عليهم.
فالمعنى أجمع عليهم كل ما تقدر عليه من مكايدك وقال أكثر المفسرين :يريد كل راكب وماش في
معصية ال تعالى .وقال ابن عباس ومجاهد وقتادة :إن له خيل ورجل من الجن والنس .فما كان
مين راكيب وماش يقاتيل فيي معصيية ال فهيو مين خييل إبلييس ورجالتيه .وروى سيعيد بين جيبير
ومجاهيد عين ابين عباس قال :كيل خييل سيارت فيي معصيية ال ،وكيل رجيل مشيى فيي معصيية ال،
وكييل مال أصيييب ميين حرام ،وكييل ولد بغييية فهييو للشيطان .والرجييل جمييع راجييل؛ مثييل صييحب
وصاحب .وقرأ حفص "ورجلك" بكسر الجيم وهما لغتان؛ يقال :رجل ورجل بمعنى راجل .وقرأ
عكرمة وقتادة "ورجالك" على الجمع.
@قوله تعالى" :وشاركهيم فيي الموال والولد" أي اجعيل لنفسيك شركية فيي ذلك .فشركتيه فيي
الموال إنفاقها في معصية ال؛ قاله الحسن .وقيل :هي التي أصابوها من غير حلها؛ قاله مجاهد.
ابين عباس :ميا كانوا يحرمونيه مين البحيرة والسيائبة والوصييلة والحام .وقاله قتادة .الضحاك :ميا
كانوا يذبحونيه للهتهيم .والولد قييل :هيم أولد الزنيى ،قاله مجاهيد والضحاك وعبدال بين عباس.
وعنه أيضا هو ما قتلوا من أولدهم وأتوا فيهم من الجرائم .وعنه أيضا :هو تسميتهم عبد الحارث
وعبد العزى وعبد اللت وعبد الشمس ونحوه .وقيل :هو صبغة أولدهم في الكفر حتى هودوهم
ونصييروهم ،كصيينع النصييارى بأولدهييم بالغميس فيي الماء الذي لهيم؛ قال قتادة .وقول خاميس -
روى عن مجاهيد قال :إذا جاميع الرجيل ولم يسيم انطوى الجان على إحليله فجاميع معيه ،فذلك قوله
تعالى" :لم يطمثهين إنيس قبلهيم ول جان" وسييأتي .وروى مين حدييث عائشية قالت قال رسيول ال
صيلى ال علييه وسيلم( :إن فيكيم مغرّبيين) قلت :ييا رسيول ال ،وميا المغربون؟ قال(:الذيين يشترك
فيهم الجن) .رواه الترمذي الحكيم في نوادر الصول .قال الهروي :سموا مغربين لنه دخل فيهم
عرق غريييب .قال الترمذي الحكيييم :فللجيين مسيياماة بابيين آدم فييي المور والختلط؛ فمنهييم ميين
يتزوج فيهم ،وكانت بلقيس ملكة سبأ أحد أبويها من الجن .وسيأتي بيانه إن شاء ال تعالى.
@قوله تعالى" :وعدهم" أي منّهم الماني الكاذبة ،وأنه ل قيامة ول حساب ،وأنه إن كان حساب
وجنية ونار فأنتيم أولى بالجنية مين غيركيم يقوييه قوله تعالى" :يعديهيم ويمنيهيم وميا بعدهيم الشيطان
إل غرورا" أي باطل .وقبييل "وعدهييم" أي عدهييم النصيير على ميين أرادهييم بسييوء .وهذا الميير
للشيطان تهدد ووعيد له .وقيل :استخفاف به وبمن اتبعه.
@ فيي اليية ميا يدل على تحرييم المزاميير والغناء واللهيو؛ لقوله" :واسيتفزز مين اسيتطعت منهيم
بصيوتك وأجلب عليهيم" على قول مجاهيد .وميا كان مين صيوت الشيطان أو فعله وميا يسيتحسنه
فواجيب التنزه عنيه .وروى نافيع عين ابين عمير أنيه سيمع صيوت زمارة فوضيع أصيبعيه فيي أذنييه،
وعدل راحلته عن الطريق وهو يقول :يا نافع! أتسمع؟ فأقول نعم؛ فمضى حتى قلت له ل ،فوضع
يدييه وأعاد راحلتيه إلى الطرييق وقال :رأييت رسيول ال صيلى ال علييه وسيلم سيمع صيوت زمارة
راع فصيينع مثييل هذا .قال علماؤنييا :إذا كان هذا فعلهييم فييي حييق صييوت ل يخرج عيين العتدال،
فكيييف بغناء أهييل هذا الزمان وزمرهييم .وسيييأتي لهذا مزيييد بيان فييي سييورة [لقمان] إن شاء ال
تعالى.
**3الية{ 65 :إن عبادي ليس لك عليهم سلطان وكفى بربك وكيل}
@قوله تعالى" :إن عبادي ليس لك عليهم سلطان" قال ابن عباس :هم المؤمنون .وقد تقدم الكلم
فيه" .وكفى بربك وكيل" أي عاصما من القبول من إبليس ،وحافظا من كيده وسوء مكره.
**3الية{ 66 :ربكم الذي يزجي لكم الفلك في البحر لتبتغوا من فضله إنه كان بكم رحيما}
@قوله تعالى" :ربكم الذي يزجي لكم الفلك في البحر" الزجاء :السوق؛ ومنه قوله تعالى" :ألم
تر أن ال يزجي سحابا" .وقال الشاعر:
سائل بنى أسد ما هذه الصوت يا أيها الراكب المزجي مطيته
وإزجاء الفلك :سيوقه بالرييح اللينية .والفلك هنيا جميع ،وقيد تقدم .والبحير الماء الكثيير عذبيا كان أو
ملحييا ،وقييد غلب هذا السييم على الملح .وهذه الييية توقيييف على آلء ال وفضله عنييد عباده؛ أي
ربكيم الذي أنعيم عليكيم بكذا وكذا فل تشركوا بيه شيئا" .لتبتغوا مين فضله" أي فيي التجارات .وقيد
تقدم" .إنه كان بكم رحيما".
**3اليية{ 67 :وإذا مسيكم الضير فيي البحير ضيل مين تدعون إل إياه فلميا نجاكيم إلى البر
أعرضتم وكان النسان كفورا}
@قوله تعالى" :وإذا مسيكم الضير فيي البحير" "الضير" لفيظ يعيم خوف الغرق والمسياك عين
الجري .وأهوال حالتيه اضطرابيه وتموجيه" .ضيل مين تدعون إل إياه" "ضيل" معناه تلف وفقيد؛
وهي عبارة تحقيير لمن يدعي إلها من دون ال .المعنيى فيي هذه الية :أن الكفار إنميا يعتقدون فيي
أصينامهم أنهيا شافعية ،وأن لهيا فضل .وكيل واحيد منهيم بالفطرة يعلم علميا ل يقدر على مدافعتيه أن
الصينام ل فعيل لهيا فيي الشدائد العظام ،فوقفهيم ال مين ذلك على حالة البحير حييث تنقطيع الحييل.
"فلميا نجاكيم إلى البر أعرضتيم" أي عين الخلص" .وكان النسيان كفورا" النسيان هنيا الكافير.
وقيل :وطبع النسان كفورا للنعم إل من عصمه ال؛ فالنسان لفظ الجنس.
**3اليية{ 68 :أفأمنتيم أن يخسيف بكيم جانيب البر أو يرسيل عليكيم حاصيبا ثيم ل تجدوا لكيم
وكيل}
@قوله تعالى" :أفأمنتم أن يخسف بكم جانب البر" بين أنه قادر على هلكهم في البر وإن سلموا
من البحر .والخسف :أن تنهار الرض بالشيء؛ يقال :بئر خسيف إذا انهدم أصلها .وعين خاسف
أي غارت حدقتهيا فيي الرأس .وعيين مين الماء خاسيفو أي غاز ماؤهيا .وخسيفت الشميس أي غابيت
عين الرض .وقال أبيو عمرو :والخسييف البئر التيي تحفير فيي الحجارة فل ينقطيع ماؤهيا كثرة.
والجميع خسيف .وجانيب البر :ناحيية الرض؛ وسيماه جانبيا لنيه يصيير بعيد الخسيف جانبيا .وأيضيا
فإن البحر جانب والبر جانب .وقيل :إنهم كانوا على ساحل البحر ،وساحله جانب البر ،وكانوا فيه
آمنيين مين أهوال البحير ،فحذرهيم ميا أمنوه مين البر كميا حذرهيم ميا خافوه مين البحير" .أو يرسيل
عليكيم حاصيبا" يعنيي ريحيا شديدة ،وهيي التيي ترميي بالحصيباء ،وهيي الحصيى الصيغار؛ قاله أبيو
عيبيدة والقتيبي .وقال قتادة :يعنيي حجارة مين السيماء تحصيبهم ،كميا فعيل بقوم لوط .ويقال للسيحابة
التيي ترميي بالبرد :صياحب ،وللرييح التيي تحميل التراب والحصيباء حاصيب وحصيبة أيضيا .قال
لبيد:
أذيالها كل عصوف حصبه جرت عليها أن خوت من أهلها
وقال الفرزدق:
بحاصب كنديف القطن منثور مستقبلين شمال الشام يضربنا
"ثم ل تجدوا لكم وكيل" أي حافظا ونصيرا يمنعكم من بأس ال.
**3الية{ 69 :أم أمنتم أن يعيدكم فيه تارة أخرى فيرسل عليكم قاصفا من الريح فيغرقكم بما
كفرتم ثم ل تجدوا لكم علينا به تبيعا}
@قوله تعالى" :أم أمنتيم أن يعيدكيم فييه تارة أخرى" يعنيي فيي البحير" .فيرسيل عليكيم قاصيفا مين
الرييح" القاصيف :الرييح الشديدة التيي تكسير بشدة؛ مين قصيف الشييء يقصيفه؛ أي كسيره بشدة.
والقصييف :الكسيير؛ يقال :قصييفت الريييح السييفينة .وريييح قاصييف :شديدة .ورعييد قاصييف :شديييد
الصييوت .يقال :قصييف الرعييد وغيره قصيييفا .والقصيييف :هشيييم الشجيير .والتقصييف التكسيير.
والقصف أيضا :اللهو واللعب؛ يقال :إنها مولدة" .فيغرقكم بما كفرتم" أي بكفركم .وقرأ ابن كثير
وأبو عمرو "نخسف بكم" "أو نرسل عليكم" "أن نعيدكم" "فنرسل عليكم" "فنغرقكم" بالنون في
الخمسية على التعظييم ،لقوله" :علينيا" الباقون بالياء؛ لقوله فيي اليية قبيل" :إياه" .وقرأ أبيو جعفير
وشيبية وروييس ومجاهيد "فتغرقكيم" بالتاء نعتيا للرييح .وعين الحسين وقتادة "فيغرقكيم" بالياء ميع
التشدييد فيي الراء .وقرأ أبيو جعفير "الرياح" هنيا وفيي كيل القرآن .وقييل :إن القاصيف المهلكية فيي
البر ،والعاصف المغرقة في البحر؛ حكاه الماوردي" .ثم ل تجدوا لكم علينا به تبيعا" قال مجاهد:
ثائرا .النحاس :وهيو من الثأر .وكذلك يقال لكيل مين طلب بثأر أو غيره :تيبيع وتابيع؛ ومنيه "فاتباع
بالمعروف" [البقرة ]178 :أي مطالبة.
**3الية{ 70 :ولقد كرمنا بني آدم وحملناهم في البر والبحر ورزقناهم من الطيبات وفضلناهم
على كثير ممن خلقنا تفضيل}
@قوله تعالى" :ولقد كرمنا بني آدم" الية .لما ذكر من الترهيب ما ذكر بين النعمة عليهم أيضا.
"كرمنا" تضعيف كرم؛ أي جعلنا لهم كرما أي شرفا وفضل .وهذا هو كرم نفي النقصان ل كرم
المال .وهذه الكرامية يدخيل فيهيا خلقهيم على هذه الهيئة فيي امتداد القامية وحسين الصيورة ،وحملهيم
فيي البر والبحير مميا ل يصيح لحيوان سيوى بنيي آدم أن يكون يتحميل بإرادتيه وقصيده وتدبيره.
وتخصييصهم بميا خصيهم بيه مين المطاعيم والمشارب والملبيس ،وهذا ل يتسيع فييه حيوان اتسياع
بنييي آدم؛ لنهييم يكسييبون المال خاصيية دون الحيوان ،ويلبسييون الثياب ويأكلون المركبات ميين
الطعمة .وغاية كل حيوان يأكل لحما نيئا أو طعاما غير مركب .وحكى الطبري عن جماعة أن
التفضييل هو أن يأكل بيده وسائر الحيوان بالفيم .وروي عن ابن عباس؛ ذكره المهدوي والنحاس؛
وهو قول الكلبي ومقاتل؛ ذكره الماوردي .وقال الضحاك :كرمهم بالنطق والتمييز .عطاء :كرمهم
بتعدييل القامية وامتدادهيا .يمان :بحسين الصيورة .محميد بين كعيب :بأن جعيل محمدا صيلى ال علييه
وسلم منهم .وقيل أكرم الرجال باللحى والنساء بالذوائب .وقال محمد بن جرير الطبري :بتسليطهم
على سييائر الخلق ،وتسييخير سييائر الخلق لهييم .وقيييل :بالكلم والخييط .وقيييل :بالفهييم والتمييييز.
والصيحيح الذي يعول علييه أن التفضييل إنميا كان بالعقيل الذي هيو عمدة التكلييف ،وبيه يعرف ال
ويفهم كلمه ،ويوصل إلى نعيمه وتصديق رسله؛ إل أنه لما لم ينهض بكل المراد من العبد بعثت
الرسيل وأنزلت الكتيب .فمثال الشرع الشميس ،ومثال العقيل العيين؛ فإذا فتحيت وكانيت سيليمة رأت
الشمس وأدركت تفاصيل الشياء .وما تقدم من القوال بعضه أقوى من بعض .وقد جعل ال في
بعيض الحيوان خصيال يفضيل بهيا ابين آدم أيضيا؛ كجري الفرس وسيمعه وإبصياره ،وقوة الفييل
وشجاعة السد وكرم الديك .وإنما التكريم والتفضيل بالعقل كما بيناه .وال اعلم.
@ قالت فرقة :هذه الية تقتضي تفضيل الملئكة على النس والجن من حيث إنهم المستثنون في
قوله تعالى" :ول الملئكية المقربون" [النسياء .]171 :وهذا غيير لزم مين اليية ،بيل التفضييل
فيهيا بيين النيس والجين؛ فإن هذه اليية إنميا عدد ال فيهيا على بنيي آدم ميا خصيهم بيه مين سيائر
الحيوان ،والجيين هييو الكثييير المفضول ،والملئكيية هييم الخارجون عيين الكثييير المفضول ،ولم
تتعرض اليية لذكرهيم ،بيل يحتميل أن الملئكية أفضيل ،ويحتميل العكيس ،ويحتميل التسياوي ،وعلى
الجملة فالكلم ل ينتهي في هذه المسألة إلى القطع .وقد تحاشى قوم من الكلم في هذا كما تحاشوا
ميين الكلم فييي تفضيييل بعييض النييبياء على بعييض؛ إذ فييي الخييبر (ل تخايروا بييين النييبياء ول
تفضلونيي على يونيس بين متيى) .وهذا لييس بشييء؛ لوجود النيص فيي القرآن فيي التفضييل بيين
النبياء .وقد بيناه في "البقرة" ومضى فيها الكلم في تفضيل الملئكة والمؤمن.
@قوله تعالى" :ورزقناهم من الطيبات" يعني لذيذ المطاعم المشارب .قال مقاتل :السمن والعسل
والزبييد والتميير والحلوى ،وجعييل رزق غيرهييم مييا ل يخفييى عليكييم ميين التبيين والعظام وغيرهييا.
"وفضلناهيم على كثيير ممين خلقنيا تفضيل" أي على البهائم والدواب والوحيش والطيير بالغلبية
والستيلء ،والثواب والجزاء والحفظ والتمييز وإصابة الفراسة.
@ هذه الية ترد ما روي عن عائشة رضي ال عنها ،قالت قال رسول ال صلى ال عليه وسلم:
(احرموا أنفسكم طيب الطعام فإنما قوى الشيطان أن يجري فيي العروق منها) .وبه يستدل كثير
من الصوفية في ترك أكل الطيبات ،ول أصل له؛ لن القرآن يرده ،والسنة الثابتة بخلفه ،على ما
تقرر فيي غيير موضيع .وقيد حكيى أبيو حاميد الطوسيي قال :كان سيهل يقتات مين ورق النبيق مدة.
وأكيل دقاق ورق التيين ثلث سينين .وذكير إبراهييم بين البنيا قال :صيحبت ذا النون مين إخمييم إلى
السيكندرية ،فلميا كان وقيت إفطاره أخرجيت قرصيا وملحيا كان معيي ،وقلت :هلم .فقال لي :ملحيك
مدقوق؟ قلت نعم .قال :لست تفلح! فنظرت إلى مزوده وإذا فيه قليل سويق شعير يسف منه .وقال
أبو يزيد :ما أكلت شيئا مما يأكله بنو آدم أربعين سنة .قال علماؤنا :وهذا مما ل يجوز حمل النفس
عليه؛ لن ال تعالى أكرم الدمي بالحنطة وجعل قشورها لبهائمهم ،فل يصح مزاحمة الدواب في
أكل التبن ،وأما سويق الشعير فإنه يورث القولنج ،وإذا اقتصر النسان على خبز الشعير والملح
الجرييش فإنيه ينحرف مزاجيه؛ لن خبيز الشعيير بارد مجفيف ،والملح يابيس قابيض يضير الدماغ
والبصير .وإذا مالت النفيس إلى ميا يصيلحها فمنعيت فقيد قووميت حكمية البارئ سيبحانه بردهيا ،ثيم
يؤثر ذلك في البدن ،فكان هذا الفعل مخالفا للشرع والعقل .ومعلوم أن البدن مطية الدمي ،ومتى
لم يرفق بالمطية لم تبلغ .وروي عن إبراهيم بن أدهم أنه اشترى زبدا وعسل وخبز حُوارى ،فقيل
له :هذا كله؟ فقال :إذا وجدنيا أكلنيا أكيل الرجال ،وإذا عدمنيا صيبرنا صيبر الرجال .وكان الثوري
يأكيل اللحيم والعنيب والفالوذج ثيم يقوم إلى الصيلة .ومثيل هذا عين السيلف كثيير .وقيد تقدم منيه ميا
يكفي في المائدة والعراف وغيرهما .والول غلو في الدين إن صح عنهم "ورهبانية ابتدعوها ما
كتبناها عليهم" [الحديد.]27:
**3الية{ 71 :يوم ندعوا كل أناس بإمامهم فمن أوتي كتابه بيمينه فأولئك يقرؤون كتابهم ول
يظلمون فتيل}
@قوله تعالى" :يوم ندعو كل أناس بإمامهم" روى الترمذي عن أبي هريرة عن النبي صلى ال
عليه وسلم في قوله تعالى" :يوم ندعو كل أناس بإمامهم" قال( :يدعي أحدهم فيعطي كتابه بيمينه،
ويمد له في جسمه ستون ذراعا ،ويبيض وجهه ويجعل على رأسه تاج من لؤلؤ يتلل فينطلق إلى
أصحابه فيرونه من بعيد فيقولون اللهم ائتنا بهذا وبارك لنا في هذا حتى يأتيهم فيقول أبشروا لكل
منكيم مثيل هذا -قال -وأميا الكافير فيسيود وجهيه ويميد له فيي جسيمه سيتون ذرعيا على صيورة آدم
ويلبس تاجا فيراه أصحابه فيقولون نعوذ بال من شر هذا! اللهم ل تأتنا بهذا .قال :فيأتيهم فيقولون
اللهيم أخره .فيقول أبعدكيم ال فإن لكيل رجيل منكيم مثيل هذا) .قال أبيو عيسيى :هذا حدييث حسين
غرييب .ونظيير هذا قوله" :وترى كيل أمية جاثيية كيل أمية تدعيي إلى كتابهيم اليوم تجزون ميا كنتيم
تعملون" .والكتاب يسيمى إماميا؛ لنيه يرجيع إلييه فيي تعرف أعمالهيم .وقال ابين عباس والحسين
وقتادة والضحاك" :بإمامهيم" أي بكتابهيم ،أي بكتاب كيل إنسيان منهيم الذي فييه عمله؛ دليله "فمين
أوتيي كتابيه بيمينيه" .وقال ابين زييد :بالكتاب المنزل عليهيم .أي يدعيي كيل إنسيان بكتابيه الذي كان
يتلوه؛ فيدعيي أهيل التوراة بالتوراة ،وأهيل القرآن بالقرآن؛ فيقال :يأهييل القرآن ،ماذا عملتيم ،هييل
امتثلتيم أوامره هيل اجتنبتيم نواهييه! وهكذا .وقال مجاهيد" :بإمامهيم" بنيبيهم ،والمام مين يؤتيم بيه.
فيقال :هاتوا متبعي إبراهيم عليه السلم ،هاتوا متبعي موسى عليه السلم ،هاتوا متبعي الشيطان،
هاتوا متبعييي الصيينام .فيقوم أهييل الحييق فيأخذون كتابهييم بأيمانهييم ،ويقوم أهييل الباطييل فيأخذون
كتابهم بشمالهم .وقاله قتادة .وقال على رضى ال عنه :بإمام عصرهم .وروى عن النبي صلى ال
علييه وسيلم فيي قوله" :يوم ندعيو كيل أناس بإمامهيم" فقال( :كيل يدعيي بإمام زمانهيم وكتاب ربهيم
وسنة نبيهم فيقول هاتوا متبعي إبراهيم هاتوا متبعي موسى هاتوا متبعي عيسى هاتوا متبعي محمد
-عليهيم أفضيل الصيلوات والسيلم -فيقوم أهيل الحيق فيأخذون كتابهيم بأيمانهيم ،ويقول :هاتوا
متبعي الشيطان هاتوا متبعي رؤساء الضللة إمام هدى وإمام ضللة) .وقال الحسن وأبو العالية:
"بإمامهيم" أي بأعمالهيم .وقاله ابين عباس .فيقال :أيين الراضون بالمقدور ،أيين الصيابون عين
المحذور .وقيييل :بمذاهبهييم؛ فيدعون بميين كانوا يأتمون بييه فييي الدنيييا :يييا حنفييي ،يييا شافعييي ،يييا
معتزلي ،ييا قدري ،ونحوه؛ فيتبعونيه فيي خيير أو شير أو على حيق أو باطيل ،وهذا معنيى قوله أبيي
عيبيدة .وقيد تقدم .وقال أبيو هريرة :يدعيي أهيل الصيداقة مين باب الصيداقة ،وأهيل الجهاد مين باب
الجهاد ،...الحدييث بطوله .أبيو سيهل :يقال أيين فلن المصيلي والصيوام ،وعكسيه الدفاف والنمام.
وقال محمد بن كعب" :بإمامهم" بأمهاتهم .وإمام جمع آم .قالت الحكماء :وفي ذلك ثلثة أوجه من
الحكمية؛ أحدهيا -لجيل عيسيى .والثانيي -إظهار لشرف الحسين والحسيين .والثالث -لئل يفتضيح
أولد الزنى.
قلت :وفي هذا القول نظر؛ فإن في الحديث الصحيح عن ابن عمر قال قال رسول ال صلى ال
علييه وسيلم( :إذا جميع ال الوليين والخريين يوم القيام يرفيع لكيل غادر لواء فيقال هذه غدرة فلن
بين فلن) خرجيه مسيلم والبخاري .فقوله" :هذه غدرة فلن ابين فلن" دلييل على أن الناس يدعون
فيي الخرة بأسيمائهم وأسيماء آبائهيم ،وهذا يرد على مين قال :إنميا يدعون بأسيماء أمهاتهيم لن فيي
ذلك سترا على آبائهم .وال أعلم.
@قوله تعالى" :فمن أوتي كتابه بيمينه" هذا يقوي قول من قال" :بإمامهم" بكتابهم ويقويه أيضا
قوله" :وكيل شييء أحصييناه فيي إمام ميبين" [ييس" .]12:فأولئك يقرؤون كتابهيم ول يظلمون
فتيل" الفتيل الذي في شق النواة .وقد مضى في "النساء".
**3الية{ 72 :ومن كان في هذه أعمى فهو في الخرة أعمى وأضل سبيل}
@قوله تعالى" :ومين كان فيي هذه أعميى" أي فيي الدنييا عين العتبار وإبصيار الحيق" .فهيو فيي
الخرة" أي في أمر الخرة "أعمى" وقال عكرمة :جاء نفر من أهل اليمن إلى ابن عباس فسألوه
عن هذه الية فقال :اقرؤوا ما قبلها "ربكم الذي يزجي لكم الفلك في البحر -إلى -تفضيل" .قال
ابين عباس :مين كان فيي هذه النعيم واليات التيي رأى أعميى فهيو عين الخرة التيي لم يعايين أعميى
وأضيل سيبيل .وقييل :المعنيى مين عميى عين النعيم التيي أنعيم ال بهيا علييه فيي الدنييا فهيو عين نعيم
الخرة أعمى .وقيل :المعنى من كان في الدنيا التي أمهل فيها وفسح له ووعد بقبول التوبة أعمى
فهيو فيي الخرة أعميى وأضيل سيبيل .وقييل :ومين كان فيي الدنييا أعميى عين حجيج ال بعثيه ال يوم
القيامية أعميى؛ كميا قال" :ونحشره يوم القيامية أعميى" اليات .وقال" :ونحشرهيم يوم القيامية على
وجوههيم عمييا وبكميا وصيما مأواهيم جهنيم" .وقييل :المعنيى فيي قوله "فهيو فيي الخرة أعميى" فيي
جميييع القوال :أشييد عمييى؛ لنييه ميين عمييى القلب ،ول يقال مثله فييي عمييى العييين .قال الخليييل
وسيبويه :لنه خلقة بمنزلة اليد والرجل ،فلم يقل ما أعماه كما ل يقال ما أيداه .الخفش :لم يقل فيه
ذلك لنيه على أكثير مين ثلثية أحرف ،وأصيله أعميى .وقيد أجاز بعيض النحوييين ميا أعماه وميا
أعشاه؛ لن فعله عمى وعشى .وقال الفراء :حدثني بالشام شيخ بصرى أنه سمع العرب تقول :ما
أسود شعره .قال الشاعر:
وفي المخازى لكم أشباح أشياخ ما في المعالي لكم ظل ول ثمر
لؤما وأبيضهم سربال طباخ أما الملوك فأنت اليوم ألمهم
وأمال أبيو بكير وحمزة والكسيائي وخلف الحرفيين "أعميى" و"أعميى" وفتيح الباقون .وأمال أبيو
عمرو الول وفتح الثاني" .وأضل سبيل" يعني أنه ل يجد طريقا إلى الهداية.
**3اليية{ 73 :وإن كادوا ليفتنونيك عين الذي أوحينيا إلييك لتفتري علينيا غيره وإذا لتخذوك
خليل}
@قوله تعالى" :وإن كادوا ليفتنونيك" قال سيعيد بن جيبير :كان النيبي صيلى ال علييه وسيلم يسيتلم
الحجر السود في طوافه ،فمنعته قريش وقالوا :ل ندعك تستلم حتى تُلِم بآلهتنا .فحدث نفسه وقال:
(ميا علي أن أُلِم بهيا بعيد أن يدعونيي أسيتلم الحجير وال يعلم أنيي لهيا كاره) فأبيى ال تعالى ذلك
وأنزل عليه هذه الية؛ قال مجاهد وقتادة .وقال ابن عباس في رواية عطاء :نزلت في وفد ثقيف،
أتوا النيبي صيلى ال علييه وسيلم فسيألوه شططيا وقالوا :متعنيا بآلهتنيا سينة حتيى نأخيذ ميا يهدى لهيا،
فإذا أخذناه كسيرناها وأسيلمنا ،وحرم وادينيا كميا حرميت مكية ،حتيى تعرف العرب فضلنيا عليهيم؛
فهم رسول ال صلى ال عليه وسلم أن يعطيهم ذلك فنزلت هذه الية .وقيل :هو قول أكابر قريش
للنبي صلى ال عليه وسلم :اطرد عنا هؤلء السقاط والموالي حتى نجلس معك ونسمع منك؛ فهم
بذلك حتى نهي عنه .وقال قتادة ذكر لنا أن قريشا خلوا برسول ال صلى ال عليه وسلم ذات ليلة
إلى الصبح يكلمونيه ويفخمونه ،ويسيودونه ويقاربونه؛ فقالوا :إنيك تأتيي بشيء ل يأتيي به أحيد من
الناس ،وأنيت سييدنا ييا سيدنا؛ وميا زالوا به حتيى كاد يقاربهيم فيي بعيض ميا يريدون ،ثيم عصيمه ال
من ذلك ،وأنزل ال تعالى هذه الية .ومعنى "ليفتنونك" أي يزيلونك .يقال :فتنت الرجل عن رأيه
إذا أزلته عما كان عليه؛ قاله الهروي .وقييل يصيرفونك ،والمعنيى واحد" .عن الذي أوحينا إليك"
أي حكم القرآن؛ لن في إعطائهم ما سألوه مخالفة لحكم القرآن" .لتفتري علينا غيره" أي لتختلق
علينيا غيير ميا أوحينيا إلييك ،وهيو قول ثقييف :وحرم وادينيا كميا حرميت مكية ،شجرهيا وطيرهيا
ووحشهييا ،فإن سييألتك العرب لم خصييصتهم فقييل ال أمرنييي بذلك حتييى يكون عذرا لك" .وإذا
لتخذوك خليل" أي لو فعلت مييا أرادوا لتخذوك خليل ،أي والوك وصييافوك؛ مأخوذ ميين النخلة
(بالضيم) وهيي الصيداقة لممايلتيه لهيم .وقييل" :لتخذوك خليل" أي فقيرا .مأخوذ مين الخلة (بفتيح
الخاء) وهي الفقر لحاجته إليهم.
**3اليتان{ 75 - 74 :ولول أن ثبتناك لقيد كدت تركين إليهيم شيئا قليل ،إذا لذقناك ضعيف
الحياة وضعف الممات ثم ل تجد لك علينا نصيرا}
@قوله تعالى" :ولول أن ثبتناك" أي على الحق وعصمناك من موافقتهم" .لقد كدت تركن إليهم"
أي تمييل" .شيئا قليل" أي ركونيا قليل .قال قتادة :لميا نزلت هذه اليية قال علييه السيلم( :اللهيم ل
تكلني إلى نفسي طرفة عين) .وقيل :ظاهر الخطاب للنبي صلى ال عليه وسلم وباطنه إخبار عن
ثقيف .والمعنى :وإن كادوا ليركنونك ،أي كادوا يخبرون عنك بأنك ملت إلى قولهم؛ فنسب فعلهم
إلييه مجازا واتسياعا؛ كميا تقول لرجيل :كدت تقتيل نفسيك ،أي كاد الناس يقتلونيك بسيبب ميا فعلت؛
ذكره المهدوي .وقييل ميا كان منيه هيم بالركون إليهيم ،بيل المعنيى :ولول فضيل ال علييك لكان منيك
ميل إلى موافقتهم ،ولكن تم فضل ال عليك فلم تفعل؛ ذكره القشيري .وقال ابن عباس :كان رسول
ال صلى ال عليه وسلم معصوما ،ولكن هذا تعريف للمة لئل يركن أحد منهم إلى المشركين في
شيء من أحكام ال تعالى وشرائعه.
وقوله" :إذا لذقناك ضعف الحياة وضعف الممات" أي لو ركنت لذقناك مثلي عذاب الحياة في
الدنيييا ومثلي عذاب الممات فييي الخرة؛ قاله ابيين عباس ومجاهييد وغيرهمييا .وهذا غاييية الوعيييد.
وكلما كانت الدرجة أعلى كان العذاب عند المخالفة أعظم .قال ال تعالى" :يا نساء النبي من يأت
منكن بفاحشة مبينة يضاعف لها العذاب ضعفين" [الحزاب ]30 :وضعف الشيء مثله مرتين،
وقيد يكون الضعيف النصييب؛ كقوله عيز وجيل" :لكيل ضعيف" [العراف ]38 :أي نصييب .وقيد
تقدم في العراف.
**3اليية{ 76 :وإن كادوا ليسيتفزونك مين الرض ليخرجوك منهيا وإذا ل يلبثون خلفيك إل
قليل}
@ هذه اليية قييل إنهيا مدنيية؛ حسيبما تقدم فيي أول السيورة .قال ابين عباس :حسيدت اليهود مقام
النيبي صيلى ال عليه وسيلم بالمدينية فقالوا :إن النيبياء إنميا بعثوا بالشام ،فإن كنيت نبييا فالحيق بهيا؛
فإنيك إن خرجيت إليهيا صيدقناك وآمنيا بيك؛ فوقيع ذلك فيي قلبيه لميا يحيب مين إسيلمهم ،فرحيل مين
المدينة على مرحلة فأنزل ال هذه الية .وقال عبدالرحمن بن غنم :غزا رسول ال صلى ال عليه
وسلم غزوة تبوك ل يريد إل الشام ،فلميا نزل تبوك نزل "وإن كانوا ليسيتفزونك من الرض" بعد
ميا ختميت السيورة ،وأمير بالرجوع .وقييل :إنهيا مكيية .قال مجاهيد وقتادة :نزلت فيي همّي أهيل مكية
بإخراجيه ،ولو أخرجوه لميا أمهلوا ولكين ال أمره بالهجرة فخرج ،وهذا أصيح؛ لن السيورة مكيية،
ولن ميا قبلهيا خيبر عين أهيل مكية ،ولم يجير لليهود ذكير .وقول" :مين الرض" يرييد أرض مكية.
كقوله" :فلن أبرح الرض" [يوسف ]80 :أي أرض مصر؛ دليله "وكأين من قرية هي أشد قوة
من قريتك التي أخرجتك" [محمد ]13 :يعني مكة .معناه :هم أهلها بإخراجه؛ فلهذا أضاف إليها
وقال "أخرجتك" .وقيل :هم الكفار كلهم أن يستخفوه من أرض العرب بتظاهرهم عليه فمنعه ال،
ولو أخرجوه مين أرض العرب لم يمهلوا ،وهيو معنيى قوله" :وإذا ل يلبثون خلفيك" وقرأ عطاء
بين أبيي رباح "ل يلبثون" الباء مشددة" .خلفيك" نافيع وابين كثيير وأبيو بكير وأبيو عمرو ،ومعناه
بعدك .وقرأ ابيين عاميير وحفييص وحمزة والكسييائي "خلفييك" واختاره أبييو حاتييم ،اعتبارا بقوله:
"فرح المخلفون بمقعدهم خلف رسول ال" [التوبة ]81 :ومعناه أيضا بعدك؛ قال الشاعر:
بسط الشواطب بينهن حصيرا عفت الديار خلفهم فكأنما
بسيط البواسيط؛ فيي الماوردي .يقال :شطبيت المرأة الجرييد إذا شقتيه لتعميل منيه الحصير .قال أبيو
عبيد ثم تلفيه الشاطبة إلى المنقية .وقيل" :خلفك" بمعنى بعدك" .وخلفك" بمعنى مخالفتك؛ ذكره
ابين النباري" .إل قليل" فييه وجهان :أحدهميا -أن المدة التي لبثوها بعده ميا بيين إخراجهيم له إلى
قتلهيم يوم بدر؛ وهذا قول مين ذكير أنهيم قرييش .الثانيي -ميا بيين ذلك وقتيل بنيى قريظية وجلء بين
النضير؛ وهذا قول من ذكر أنهم اليهود.
**3الية{ 77 :سنة من قد أرسلنا قبلك من رسلنا ول تجد لسنتنا تحويل}
@قوله تعالى" :سنة من قد أرسلنا قبلك من رسلنا" أي يعذبون كسنة من قد أرسلنا؛ فهو بإضمار
يعذبون؛ فلميا سيقط الخافيض عميل الفعيل؛ قاله الفراء .وقييل :انتصيب على معنيى سيننا سينة مين قيد
أرسيلنا .وقييل :هيو أرسيلنا؛ فل يوقيف على هذا التقديير على قوله" :إل قليل" ويوقيف على الول
والثاني" .قبلك من رسلنا" وقف حسن" .ول تجد لسنتنا تحويل" أي ل خلف في وعدها.
**3اليية{ 78 :أقيم الصيلة لدلوك الشميس إلى غسيق اللييل وقرآن الفجير إن قرآن الفجير كان
مشهودا}
@قوله تعالى" :أقيم الصيلة لدلوك الشميس" لميا ذكير مكاييد المشركيين أمير نيبيه علييه السيلم
بالصيبر والمحافظية على الصيلة ،وفيهيا طلب النصير على العداء .ومثله "ولقيد نعلم أنيك يضييق
صدرك بما يقولون ،فسبح بحمد ربك وكن من الساجدين" .وتقدم القول في معنى إقامة الصلة في
أول سيورة "البقرة" .وهذا اليية بإجماع مين المفسيرين إشارة إلى الصيلوات المفروضية .واختلف
العلماء في الدلوك على قولين :أحدهميا -أنه زوال الشمس عن كبيد السيماء؛ قاله عمر وابنيه وأبو
هريرة وابين عباس وطائفية سيواهم مين علماء التابعيين وغيرهيم .الثانيي -أن الدلوك هيو المغرب؛
قاله علي وابين مسيعود وأبيي بين كعيب ،وروى عين ابين عباس .قال الماوردي :مين جعيل الدلوك
اسما لغروبها فلن النسان يدلك عينيه براحته لتبينها حالة المغيب ،ومن جعله اسما لزوالها فلنه
يدلك عينيه لشدة شعاعها .وقال أبو عبيد :دلوكها غروبها .ودلكت براح يعني الشمس؛ أي غابت
وأنشد قطرب:
ذبب حتى دلكت براح هذا مقام قدمي رباح
براح بفتيح الباء على وزن حزام وقطام ورقاس اسيم مين أسيماء الشميس .ورواه الفراء بكسير الباء
وهيو جميع راحية وهيي الكيف؛ أي غابيت وهيو ينظير إليهيا وقيد جعيل كفيه على حاجبيه .ومنيه قوله
العجاج:
أدفعها بالراح كي تزحلفا والشمس قد كادت تكون دنفا
قال ابين العرابيي :الزحلوفية مكان منحدر أملس ،لنهيم يتزحلفون فييه .قال :والزحلفية كالدحرجية
والدفع؛ يقال :زحلفته فتزحلف .ويقال :دلكت الشمس إذا غابت .قال ذو الرمة:
نجوم ول بالفلت الدوالك مصابيح ليست باللواتي تقودها
قال ابين عطيية :الدلوك هيو المييل -فيي اللغية -فأول الدلوك هيو الزوال وآخره هيو الغروب .ومين
وقيت الزوال إلى الغروب يسيمى دلوكيا ،لنهيا فيي حالة مييل .فذكير ال تعالى الصيلوات التيي تكون
فييي حالة الدلوك وعنده؛ فيدخييل فييي ذلك الظهيير والعصيير والمغرب ،ويصييح أن تكون المغرب
داخلة فيي غسق الليل .وقد ذهب قوم إلى أن صلة الظهير يتمادى وقتها من الزوال إلى الغروب؛
لنيه سيبحانه علق وجوبهيا على الدلوك ،وهذا دلوك كله؛ قاله الوزاعيي وأبيو حنيفية فيي تفصييل.
وأشار إليه مالك والشافعي في حالة الضرورة.
@قوله تعالى" :إلى غسيق اللييل" روى مالك عين ابين عباس قال :دلوك الشميس ميلهيا ،وغسيق
الليل اجتماع الليل وظلمته .وقال أبو عبيدة :الغسق سواد الليل .قال ابن قيس الرقيات:
واشتكيت الهم والرقا إن هذا الليل قد غسقا
وقد قيل :غسق الليل مغيب الشفق .وقيل :إقبال ظلمته .قال زهير:
حتى إذا جنح الظلم والغسق ظلت تجود يدها وهي لهية
يقال :غسق الليل غسوقا .والغسق اسم بفتح السين .وأصل الكلمة من السيلن؛ يقال :غسقت العين
إذا سييالت ،تغسييق .وغسييق الجرح غسييقانا ،أي سييال منييه ماء أصييفر .وأغسييق المؤذن ،أي أخيير
المغرب إلى غسيق اللييل .وحكيى الفراء :غسيق اللييل وأغسيق ،وظلم أظلم ،ودجيا وأدجيى ،وغبيس
وأغبيس ،وغبيش وأغبيش .وكان الربييع بين خثييم يقول لمؤذنيه فيي يوم غييم :أغسيق أغسيق .يقول:
أخر المغرب حتى يغسق الليل ،وهو إظلمه.
@ اختلف العلماء فيي آخير وقيت المغرب؛ فقييل :وقتهيا وقيت واحيد ل وقيت لهيا إل حيين تحجيب
الشميس ،وذلك بيين فيي إمامية جبرييل؛ فإنيه صيلها باليوميين لوقيت واحيد وذلك غروب الشميس،
وهو الظاهير من مذهب مالك عند أصحابه .وهو أحد قولي الشافعي في المشهور عنه أيضيا وبه
قال الثوري .وقال مالك فيي الموطيأ :فإذا غاب الشفيق فقيد خرجيت مين وقيت المغرب ودخيل وقيت
العشاء .وبهذا قال أبيو حنيفية وأصيحابه والحسين بين حيي وأحميد وإسيحاق وأبيو ثور وداود؛ لن
وقيت الغروب إلى الشفيق غسيق كله .ولحدييث أبيي موسيى ،وفييه :أن النيبي صيلى ال علييه وسيلم
صيلى بالسيائل المغرب فيي اليوم الثانيي فأخير حتيى كان سيقوط الشفيق .خرجيه مسيلم .قالوا :وهذا
أولى من أخبار إمامية جبرييل؛ لنه متأخير بالمدنيية وإمامية جبرييل بمكية ،والمتأخير أولى من فعله
وأمره؛ لنه ناسيخ لما قبله .وزعيم ابن العربيي أن هذا القول هو المشهور مين مذهب مالك ،وقوله
في موطئه الذي أقرأه طول عمره وأمله في حياته.
والنكتية فيي هذا أن الحكام المتعلقية بالسيماء هيل تتعلق بأوائلهيا أو بآخرهيا أو يرتبيط الحكيم
بجميعهيا؟ والقوى فيي النظير أن يرتبيط الحكيم بأوائلهيا لئل يكون ذكرهيا لغوا فإذا ارتبيط بأوائلهيا
جرى بعد ذلك النظر في تعلقه بالكل إلى الخر.
قلت :القول بالتوسعة أرجيح .وقد خرج المام الحافيظ أبو محميد عبدالغنيي بن سيعيد من حدييث
الجلح بن عبدال الكندي عن أبي الزبير عن جابر قال :خرج رسول ال صلى ال عليه وسلم من
مكية قريبيا مين غروب الشميس فلم يصيل المغرب حتيى أتيى سيرف ،وذلك تسيعة أميال .وأميا القول
بالنسيخ فليييس بالبيين وإن كان التارييخ معلوميا؛ فإن الجميع ممكين .قال علماؤنييا :تحميل أحاديييث
جبريل على الفضلية في وقت المغرب ،ولذلك اتفقت المة فيها على تعجيلها والمبادرة إليها في
حيين غروب الشميس .قال ابين خوييز منداد :ول نعلم أحدا مين المسيلمين تأخير بإقامية المغرب فيي
مسيجد جماعية عين وقيت غروب الشميس .وأحادييث التوسيعة تيبين وقيت الجواز ،فيرتفيع التعارض
ويصيح الجميع ،وهيو أولى مين الترجييح باتفاق الصيوليين؛ لن فييه إعمال كيل واحيد مين الدليليين،
والقول بالنسخ أو الترجيح فيه إسقاط أحدهما .وال اعلم.
@قوله تعالى" :وقرآن الفجير" انتصيب "قرآن" مين وجهيين :أحدهميا أن يكون معطوفيا على
الصلة؛ المعنى :وأقم قرآن الفجر أي صلة الصبح؛ قاله الفراء .وقال أهل البصرة .انتصب على
الغراء؛ أي فعليييك بقرآن الفجيير؛ قال الزجاج .وعييبر عنهييا بالقرآن خاصيية دون غيرهييا ميين
الصيلوات؛ لن القرآن هيو أعظمهيا ،إذ قراءتهيا طويلة مجهور بهيا حسيبما هيو مشهور مسيطور؛
عن الزجاج أيضا.
قلت :وقد استقر عمل المدينة على استحباب إطالة القراءة في الصبح قدرا ل يضر بمن خلفه -
يقرأ فيهييا بطوال المفصييل ،ويليهييا فييي ذلك الظهيير والجمعيية -وتخفيييف القراءة فييي المغرب
وتوسيطها فيي العصير والعشاء .وقيد قييل فيي العصير :إنهيا تخفيف كالمغرب .وأميا ميا ورد فيي
صيحيح مسيلم وغيره مين الطالة فيميا اسيتقر فييه التقصيير ،أو مين التقصيير فيميا اسيتقرت فييه
الطالة؛ كقراءتييه فييي الفجيير المعوذتييين -كمييا رواه النسييائي -وكقراءة العراف والمرسييلت
والطور فييي المغرب ،فمتروك بالعمييل .ولنكاره على معاذ التطويييل ،حييين أم قومييه فييي العشاء
فافتتيح سيورة البقرة .خرجيه الصيحيح .وبأمره الئمية بالتخفييف فقال( :أيهيا الناس إن منكيم منفريين
فأيكيم أمّي الناس فليخفيف فإن فيهيم الصيغير والكيبير والمرييض والسيقيم والضعييف وذا الحاجية).
وقال( :فإذا صلى أحدكم وحده فليطول ما شاء) .كله مسطور في صحيح الحديث.
@قوله تعالى" :وقرآن الفجير" دلييل على أن ل صيلة إل بقراءة؛ لنيه سيمى الصيلة قرآنيا .وقيد
اختلف العلماء فيي القراءة فيي الصيلة فذهيب جمهورهيم إلى وجوب قراءة أم القرآن للمام والفذّ
في كل ركعة .وهو مشهور قول مالك .وعنه أيضا أنها واجبة في جل الصلة .وهو قول إسحاق.
وعنه أيضا تجب في ركعة واحدة؛ قاله المغيرة وسحنون .وعنه أن القراءة ل تجب في شيء من
الصلة .وهو أشذ الروايات عنه .وحكي عن مالك أيضا أنها تجب في نصف الصلة ،وإليه ذهب
الوزاعي .وعن الوزاعي أيضا وأيوب أنها تجب على المام والفذ والمأموم على كل حال .وهو
أحد قولي الشافعي .وقد مضى في "الفاتحة" مستوفى.
@قوله تعالى" :كان مشهودا" روى الترمذي عن أبي هريرة عن النبي صلى ال عليه وسلم في
قوله" :وقرآن الفجير إن قرآن الفجير كان مشهودا" قال( :تشهده ملئكية اللييل وملئكية النهار) هذا
حدييث حسين صيحيح .ورواه علي بين مسيهر عين العميش عين أبيي صيالح عين أبيي هريرة وأبيي
سيعيد عين النيبي صيلى ال علييه وسيلم .وروى البخاري عين أبيي هريرة عين النيبي صيلى ال علييه
وسيلم قال( :فضيل صيلة الجمييع على صيلة الواحيد خميس وعشرون درجية وتجتميع ملئكية اللييل
وملئكيية النهار فييي صييلة الصييبح ) .يقول أبييو هريرة :اقرؤوا إن شئتييم "وقرآن الفجيير إن قرآن
الفجير كان مشهودا" .ولهذا المعنيى أيضيا قال مالك والشافعيي :التغلييس بالصيبح أفضيل .وقال أبيو
حنيفية :الفضيل الجميع بيين التغلييس والسيفار ،فإن فاتيه ذلك فالسيفار أولى مين التغلييس .وهذا
مخالف لما كان عليه السلم يفعله من المداومة على التغليس ،وأيضا فإن فيه تفويت شهود ملئكة
الليل .وال اعلم.
@ استدل بعض العلماء بقوله صلى ال عليه وسلم( :تشهده ملئكة الليل وملئكة النهار) على أن
صلة الصبح ليست من صلة الليل ول من صلة النهار.
قلت :وعلى هذا فل تكون صلة العصر أيضا ل من صلة الليل ول من صلة النهار؛ فإن في
الصحيح عن النبي صلى ال عليه وسلم الفصيح عليه السلم فيما رواه أبو هريرة( :يتعاقبون فيكم
ملئكية باللييل وملئكية بالنهار فيجتمعون فيي صيلة العصير وصيلة الفجير) الحدييث .ومعلوم أن
صيلة العصير مين النهار فكذلك تكون صيلة الفجير مين اللييل ولييس كذلك ،وإنميا هيي مين النهار
كالعصر بدليل الصيام واليمان ،وهذا واضح.
**3الية{ 79 :ومن الليل فتهجد به نافلة لك عسى أن يبعثك ربك مقاما محمودا}
@قوله تعالى" :ومين اللييل فتهجيد بيه" "مين" للتبعييض .والفاء فيي قوله "فتهجيد" ناسيقة على
مضمير ،أي قيم فتهجيد" .بيه" أي بالقرآن .والتهجيد مين الهجود وهيو مين الضداد .يقال :هجيد نام،
وهجد سهر؛ على الضد .قال الشاعر:
وليت خيالها بمنى يعود أل زارت وأهل منى هجود
آخر:
فباتت بعلت النوال تجود أل طرقتنا والرفاق هجود
يعني نياما .وهجد وتهجد بمعنى .وهجدته أي أنمته ،وهجدته أي أيقظته .والتهجد التيقظ بعد رقدة،
فصار اسما للصلة؛ لنه ينتبه لها .فالتهجد القيام إلى الصلة من النوم .قال معناه السود وعلقمة
وعبدالرحمين بين السيود وغيرهيم .وروى إسيماعيل بين إسيحاق القاضيي مين حدييث الحجاج بين
عمر صاحب النبي صلى ال عليه وسلم أنه قال :أيحسب أحدكم إذا قام من الليل كله أنه قد تهجد!
إنميا التهجيد الصيلة بعيد رقدة ثيم الصيلة بعيد رقدة ثيم الصيلة بعيد رقدة .كذلك كانيت صيلة رسيول
ال صيلى ال علييه وسيلم .وقييل :الهجود النوم .يقال :تهجيد الرجيل إذا سيهر ،وألقيى الهجود وهيو
النوم .ويسيمى مين قام إلى الصيلة متهجدا؛ لن المتهجيد هيو الذي يلقيى الهجود الذي هيو النوم عين
نفسييه .وهذا الفعييل جار مجرى تحوب وتحرج وتأثييم وتحنييث وتقذر وتنجييس؛ إذا ألقييى ذلك عيين
نفسيه .ومثله قوله تعالى" :فظلتيم تفكهون" معناه تندمون؛ أي تطرحون الفكاهية عين أنفسيكم ،وهيي
انبسياط النفوس وسيرورها .يقال :رجيل فكيه إذا كان كثيير السيرور والضحيك .والمعنيى فيي اليية:
ووقتا من الليل اسهر به في صلة وقراءة.
@قوله تعالى" :نافلة لك" أي كرامة لك؛ قاله مقاتل .واختلف العلماء في تخصيص النبي صلى
ال علييه وسييلم بالذكيير دون أمتيه؛ فقييل :كانيت صيلة الليييل فريضية علييه لقوله" :نافلة لك" أي
فريضة زائدة على الفريضة الموظفة على المة.
قلت :وفيي هذا التأوييل بعيد لوجهيين :أحدهميا -تسيمية الفرض بالنفيل ،وذلك مجاز ل حقيقية.
الثانيي -قوله صيلى ال علييه وسيلم( :خميس صيلوات فرضهين ال على العباد) وقوله تعالى( :هين
خميس وهين خمسيون ل يبدل القول لذي) وهذا نيص ،فكييف يقال افترض علييه صيلة زائدة على
خميس ،هذا ميا ل يصيح؛ وإن كان قيد روى عنيه علييه السيلم(:ثلث على فريضية ولمتيي تطوع
قيام اللييل والوتير والسواك) .وقييل :كانيت صيلة اللييل تطوعيا منه وكانيت فيي البتداء واجبية على
الكل ،ثم نسخ الوجوب فصار قيام الليل تطوعا بعد فريضة؛ كما قالت عائشة ،على ما يأتي مبينا
فييي سييورة [المزمييل] إن شاء ال تعالى .وعلى هذا يكون الميير بالتنفييل على جهيية الندب ويكون
الخطاب للنبي صلى ال عليه وسلم؛ لنه مغفور له .فهو إذا تطوع بما ليس بواجب عليه كان ذلك
زيادة فيي الدرجات .وغيره مين المية تطوعهيم كفارات وتدارك لخلل يقيع فيي الفرض؛ قال معناه
مجاهد وغيره .وقيل :عطية؛ لن العبد ل ينال من السعادة عطاء أفضل من التوفيق في العبادة.
@قوله تعالى" :عسى أن يبعثك ربك مقاما محمودا" اختلف في المقام المحمود على أربعة أقوال:
[الول] وهو أصيحها -الشفاعة للناس يوم القيامية؛ قاله حذيفية بين اليمان .وفيي صيحيح البخاري
عن ابن عمر قال :إن الناس يصيرون يوم القيامة جثا كل أمة تتبع نبيها تقول :يا فلن اشفع ،حتى
تنتهيي الشفاعية إلى النيبي صيلى ال علييه وسيلم ،فذلك يوم يبعثيه ال المقام المحمود .وفيي صيحيح
مسلم عن أنس قال حدثنا محمد صلى ال عليه وسلم قال( :إذا كان يوم القيامة ماج الناس بعضهم
إلى بعيض فيأتون آدم فيقولون له اشفيع لذريتيك فيقول لسيت لهيا ولكين عليكيم بإبراهييم علييه السيلم
فإنه خليل ال فيأتون إبراهيم فيقول لست لها ولكن عليكم بموسى فإنه كليم ال فيؤتى موسى فيقول
لست لها ولكن عليكم بعيسى عليه السلم فإنه روح ال وكلمته فيؤتى عيسى فيقول لست لها ولكن
عليكم بمحمد صلى ال عليه وسلم فأوتي فأقول أنا لها )...وذكر الحديث .وروى الترمذي عن أبي
هريرة قال قال رسيول ال صيلى ال علييه فيي قوله" :عسيى أن يبعثيك ربيك مقاميا محمودا" سيئل
عنها قال( :هي الشفاعة) قال :هذا حديث حسن صحيح.
@ إذا ثبيت أن المقام المحمود هيو أمير الشفاعية الذي يتدافعيه النيبياء عليهيم السيلم ،حتيى ينتهيي
المير إلى نبينيا محميد صيلى ال علييه وسيلم فيشفيع هذه الشفاعية لهيل الموقيف ليعجيل حسيابهم
ويراحوا من هول موقفهم ،وهي الخاصة به صلى ال عليه وسلم؛ ولجل ذلك قال( :أنا سيد ولد
آدم ول فخير) .قال النقاش :لرسيول ال صيلى ال علييه وسيلم ثلث شفاعات :العامية ،وشفاعية فيي
السيبق إلى الجنية ،وشفاعية فيي أهيل الكبائر .ابين عطيية :والمشهور أنهميا شفاعتان فقيط :العامية،
وشفاعة في إخراج المذنبين من النار .وهذه الشفاعة الثانية ل يتدافعها النبياء بل يشفعون ويشفع
العلماء .وقال القاضيي أبيو الفضيل عياض :شفاعات نبينيا صيلى ال علييه وسيلم يوم القيامية خميس
شفاعات :العاميية .والثانييية فييي إدخال قوم الجنيية دون حسيياب .الثالثيية فييي قوم ميين موحدي أمتييه
اسيتوجبوا النار بذنوبهيم فيشفيع فيهيا نبينيا صيلى ال علييه وسيلم ،ومين شاء ال أن يشفيع ويدخلون
الجنيية .وهذه الشفاعيية هييي التييي أنكرتهييا المبتدعيية :الخوارج والمعتزلة ،فمنعتهييا على أصييولهم
الفاسييدة ،وهييي السييتحقاق العقلي المبنييى على التحسييين والتقبيييح .الرابعيية فيميين دخييل النار ميين
المذنيبين فيخرجون بشفاعية نبينيا صيلى ال علييه وسيلم وغيره مين النيبياء والملئكية وإخوانهيم
المؤمنيين .الخامسية فيي زيادة الدرجات فيي الجنية لهلهيا وترفيعهيا ،وهذه ل تنكرهيا المعتزلة ول
تنكر شفاعة الحشر الول.
@ قال القاضي عياض :وعرف بالنقل المستفيض سؤال السلف الصالح لشفاعة النبي صلى ال
علييه وسيلم ورغبتهيم فيهيا ،وعلى هذا ل يلتفيت لقول مين قال :إنيه يكره أن تسيأل ال أن يرزقيك
شفاعية النيبي صيلى ال علييه وسيلم؛ لنهيا ل تكون إل للمذنيبين ،فإنهيا قيد تكون كميا قدمنيا لتخفييف
الحساب وزيادة الدرجات .ثم كل عاقل معترف بالتقصير محتاج إلى العفو غير معتد بعمله مشفق
أن يكون ميين الهالكييين ،ويلزم هذا القائل أل يدعييو بالمغفرة والرحميية؛ لنهييا لصييحاب الذنوب
أيضيا ،وهذا كله خلف ميا عرف مين دعاء السيلف والخلف .روى البخاري عين جابر بين عبدال
أن رسيول ال صيلى ال علييه وسيلم قال( :مين قال حيين يسيمع النداء اللهيم رب هذه الدعوة التامية
والصلة القائمة آت محمدا الوسيلة والفضيلة وابعثه مقاما محمودا الذي وعدته ،حلت له شفاعتي
يوم القيامة).
@ القول الثاني :أن المقام المحمود إعطاؤه لواء الحمد يوم القيامة.
قلت :وهذا القول ل تنافير بينيه وبيين الول؛ فإنيه يكون بيده لواء الحميد ويشفيع روى الترمذي
عين أبيي سيعيد الخدري قال قال رسيول ال صيلى ال علييه وسيلم( :أنيا سييد ولد آدم يوم القيامية ول
فخر وبيدي لواء الحمد ول فخر وما من نبي آدم فمن سواه إل تحت لوائي "...الحديث.
@ القول الثالث :ميا حكاه الطيبري عين فرقية ،منهيا مجاهيد ،أنهيا قالت :المقام المحمود هيو أن
يجلس ال تعالى محميد صيلى ال علييه وسيلم معيه على كرسييه؛ وروت فيي ذلك حديثيا .وعضيد
الطيبري جواز ذلك بشطيط مين القول ،وهيو ل يخرج إل على تلطيف فيي المعنيى ،وفييه بعيد .ول
ينكير ميع ذلك أن يروى ،والعلم يتأوله .وذكير النقاش عين أبيي داود السيجستاني أنيه قال :مين أنكير
هذا الحديث فهو عندنا متهم ،ما زال أهل العلم يتحدثون بهذا ،من أنكر جوازه على تأويله .قال أبو
عمر :ومجاهد ،وإن كان أحد الئمة ،يتأول القرآن فإن له قولين مهجورين عند أهل العلم :أحدهما
هذا والثانيي فيي تأوييل قوله تعالى" :وجوه يومئذ ناضرة .إلى ربهيا ناظرة" [القيامية ]22 :تنتظير
الثواب؛ ليس من النظر.
قلت .ذكير هذا فيي باب ابين شهاب فيي حدييث التنزييل .وروي عين مجاهيد أيضيا فيي هذه اليية
قال :يجلسيه على العرش .وهذا تأوييل غيير مسيتحيل؛ لن ال تعالى كان قبيل خلقيه الشياء كلهيا
والعرش قائميا بذاتيه ،ثيم خلق الشياء مين غيير حاجية إليهيا ،بيل إظهارا لقدرتيه وحكمتيه ،وليعرف
وجوده وتوحيده وكمال قدرتيه وعلميه بكيل أفعاله المحكمية ،وخلق لنفسيه عرشيا اسيتوى علييه كميا
شاء مين غيير أن صيار له مماسيا ،أو كان العرش له مكانيا .قييل :هيو الن على الصيفة التيي كان
عليها من قبل أن يخلق المكان والزمان؛ فعلى هذا القول سواء في الجواز أقعد محمد على العرش
أو على الرض؛ لن اسييييتواء ال تعالى على العرش ليييييس بمعنييييى النتقال والزوال وتحويييييل
الحوال مين القيام والقعود والحال التيي تشغيل العرش ،بيل هيو مسيتو على عرشيه كميا أخيبر عين
نفسيه بل كييف .ولييس إقعاده محمدا على العرش موجبيا له صيفة الربوبيية أو مخرجيا له عين صيفة
العبوديية ،بيل هيو رفيع لمحله وتشرييف له على خلقيه .وأميا قوله فيي الخبار( :معيه) فهيو بمنزلة
قوله" :إن الذيين عنيد ربيك" ،و"رب ابين لي عندك بيتيا فيي الجنية" [التحرييم" .]11 :وإن ال لميع
المحسينين" [العنكبوت ]69 :ونحيو ذلك .كيل ذلك عائد إلى الرتبية والمنزلة والحظوة والدرجية
الرفيعة ،ل إلى المكان.
@ الرابيع :إخراجيه من النار بشفاعته من يخرج؛ قاله جابر بن عبدال .ذكره مسلم .وقد ذكرناه
في كتاب التذكرة وال الموفق.
@ اختلف العلماء في كون القيام بالليل سببا للمقام المحمود على قولين :أحدهما :أن البارئ تعالى
يجعيل ميا شاء مين فعله سيببا لفضله مين غيير معرفيه بوجيه الحكمية فييه ،أو بمعرفية وجيه الحكمية.
الثانيي :أن قيام اللييل فييه الخلوة ميع البارئ والمناجاة دون الناس ،فأعطيى الخلوة بيه ومناجاتيه فيي
قياميه وهيو المقام المحمود .ويتفاضيل فييه الخلق بحسيب درجاتهيم ،فأجلهيم فييه درجية محميد صيلى
ال علييه وسيلم؛ فإنيه يعطيي ميا ل يعطيي أحيد ويشفيع ميا ل يشفيع أحيد .و"عسيى" مين ال عيز وجيل
واجبة .و"مقاما" نصب على الظرف .أي في مقام أو إلى مقام .وذكر الطبري عن أبي هريرة أن
رسيول ال صيلى ال علييه وسيلم قال( :المقام المحمود هيو المقام الذي أشفيع فييه لمتيي) .فالمقام
الموضع الذي يقوم فيه النسان للمور الجليلة كالمقامات ببن يدي الملوك.
**3اليية{ 80 :وقيل رب أدخلنيي مدخيل صيدق وأخرجنيي مخرج صيدق واجعيل لي مين لدنيك
سلطانا نصيرا}
@ قييل :المعنيى أمتني إماتة صيدق ،وابعثنيي يوم القيامية مبعث صيدق؛ ليتصيل بقوله" :عسيى أن
يبعثيك ربك مقاما محمودا" .كأنيه لما وعده ذلك أمره أن يدعو لينجيز له الوعيد .وقييل :أدخلنيي فيي
المأمور وأخرجني من المنهي .وقيل :علمه ما يدعو به في صلته وغيرها من إخراجه من بين
المشركييين وإدخاله موضييع الميين؛ فأخرجييه ميين مكيية وصيييره إلى المدينيية .وهذا المعنييى رواه
الترمذي عين ابين عباس قال :كان النيبي صيلى ال علييه وسيلم بمكية ثيم أمير بالهجرة فنزلت "وقيل
رب أدخلني مدخل صدق وأخرجني مخرج صيدق واجعل لي من لدنيك سلطانا نصييرا" قال :هذا
حديث حسن صحيح .وقال الضحاك :هو خروجه من مكة ودخوله مكة يوم الفتح آمنا .أبو سهل:
حين رجع من تبوك وقد قال المنافقون" :ليخرجن العز منها الذل" [المنافقون ]8 :يعني إدخال
عيز وإخراج نصير إلى مكية .وقييل :المعنيى أدخلنيي فيي المير الذي أكرمتنيي بيه مين النبوة مدخيل
صدق وأخرجني منه مخرج صدق إذا أمتني؛ قال معناه مجاهد .والمدخل والمخرج (بضم الميم)
بمعنى الدخال والخراج؛ كقوله" :أنزلني منزل مباركا" [المؤمنون ]29 :أي إنزال ل أرى فيه
ما أكره .وهي قراءة العامة .وقرأ الحسن وأبو العالية ونصر بن عاصم "مدخل" و"مخرج" .بفتح
الميمييين بمعنييى الدخول والخروج؛ فالول رباعييي وهذا ثلثييي .وقال ابيين عباس :أدخلنييي القييبر
مدخييل صييدق عنيد الموت وأخرجنييي مخرج صييدق عنييد البعيث .وقييل :أدخلنييي حيثميا أدخلتنييي
بالصيدق وأخرجنيي بالصيدق؛ أي ل تجعلنيي ممين يدخيل بوجيه ويخرج بوجيه؛ فإن ذا الوجهيين ل
يكون وجيهييا عندك .وقيييل :الييية عاميية فييي كييل مييا يتناول ميين المور ويحاول ميين السييفار
والعمال ،وينتظير مين تصيرف المقاديير فيي الموت والحياة .فهيي دعاء ،ومعناه :رب اصيلح لي
وردي فييي كييل المور وصييدري .وقوله" :واجعييل لي ميين لدنييك سييلطانا نصيييرا" قال الشعييبي
وعكرمية :أي حجية ثابتية .وذهيب الحسين إلى أنيه العيز والنصير وإظهار دينيه على الديين كله .قال:
فوعده ال لينزعن ملك فارس والروم وغيرها فيجعله له.
**3الية{ 81 :وقل جاء الحق وزهق الباطل إن الباطل كان زهوقا}
@ روى البخاري والترمذي عن ابن مسعود قال :دخل النبي صلى ال عليه وسلم مكة عام الفتح
وحول الكعبة ثلثمائة وستون نصبا ،فجعل النبي صلى ال عليه وسلم يطعنها بمخصرة في يده -
وربميا قال بعود -ويقول( :جاء الحيق وزهيق الباطيل إن الباطيل كان زهوقيا .جاء الحيق وميا يبدئ
الباطيل وميا يعييد) لفيظ الترمذي .وقال :هذا حدييث حسين صيحيح .وكذا فيي حدييث مسيلم (نصيبا).
وفييي رواييية (صيينما) .قال علماؤنييا :إنمييا كانييت بهذا العدد لنهييم كانوا يعظمون فييي يوم صيينما
ويخصون أعظمها بيومين .وقوله( :فجعل يطعنها بعود في يده) يقال إنها كانت مثبتة بالرصاص
وأنيه كلميا طعين منهيا صينما فيي وجهيه خير لقفاه ،أو فيي قفاه خير لوجهيه .وكان يقول( :جاء الحيق
وزهيق الباطيل إن الباطيل كان زهوقيا) حكاه أبيو عمير والقاضيي عياض .وقال القشيري :فميا بقيي
منها صنم إل خر لوجهه ،ثم أمر بها فكسرت.
@ في هذه الية دليل على كسر نصب المشركين وجميع الوثان إذا غلب عليهم ،ويخل بالمعنى
كسر آلة الباطل كله ،وما ل يصلح إل لمعصية ال كالطنابير والعيدان والمزامير التي ل معنى لها
إل اللهيو بهيا عين ذكير ال تعالى .قال ابين المنذر :وفيي معنيى الصينام الصيور المتخذة مين المدر
والخشب وشبهها ،وكل ما يتخذه الناس مما ل منفعة فيه إل اللهو المنهي عنه .ول يجوز بيع شيء
منيه إل الصينام التيي تكون مين الذهيب والفضية والحدييد والرصياص ،إذا غيرت عميا هيي علييه
وصيارت نقرا أو قطعيا فيجوز بيعهيا والشراء بهيا .قال المهلب :وميا كسير مين آلت الباطيل وكان
فيي حبسيها بعيد كسيرها منفعية فصياحبها أولى بهيا مكسيورة؛ إل أن يرى المام حرقهيا بالنار على
معنى التشديد والعقوبة في المال .وقد تقدم حرق ابن عمر رضي ال عنه .وقد هم النبي صلى ال
عليه وسلم بتحريق دور من تخلف عن صلة الجماعة .وهذا أصل في العقوبة في المال مع قوله
علييه السيلم فيي الناقية التيي لعنتهيا صياحبتها( :دعوهيا فإنهيا ملعونية) فأزال ملكهيا عنهيا تأديبيا
لصاحبتها ،وعقوبة لها فيما دعت عليه بما دعت به .وقد أراق عمر بن الخطاب رضي ال عنه
لبنا شيب بماء على صاحبه.
@ ما ذكرنا من تفسير الية ينظر إلى قوله صلى ال عليه وسلم( :وال لينزلن عيسى بن مريم
حكمييا عادل فليكسييرن الصييليب وليقتلن الخنزييير وليضعيين الجزييية ولتتركيين القلص فل يسييعى
عليها )...الحديث .خرجه الصحيحان .ومن هذا الباب هتك النبي صلى ال عليه وسلم الستر الذي
فييه الصيور ،وذلك أيضيا دلييل على إفسياد الصيور وآلت الملهيي كميا ذكرنيا .وهذا كله يحظير
المنيع مين اتخاذهيا ويوجيب التغييير على صياحبها .إن أصيحاب هذه الصيور يعذبون يوم القيامية
ويقال لهييم :أحيوا مييا خلقتييم؛ وحسييبك! وسيييأتي هذا المعنييى فييي "النمييل" إن شاء ال تعالى .قوله
تعالى" :وقيل جاء الحيق" أي السيلم .وقييل :القرآن؛ قال مجاهيد .وقييل :الجهاد" .وزهيق الباطيل"
قييل الشرك .وقييل الشيطان؛ قاله مجاهيد .والصيواب تعمييم اللفيظ بالغايية الممكنية ،فيكون التفسيير
جاء الشرع بجمييع ميا انطوى فييه" .وزهيق الباطيل" :بطيل الباطيل .ومين هذا زهوق النفيس وهيو
بطلنها .يقال زهقت نفسه تزهق زهوقا ،وأزهقتها" .إن الباطل كان زهوقا" أي ل بقاء له والحق
الذي يثبت.
**3الية{ 82 :وننزل من القرآن ما هو شفاء ورحمة للمؤمنين ول يزيد الظالمين إل خسارا}
@قوله تعالى" :وننزل" قرأ الجمهور بالنون .وقرأ مجاهييد "وينزل" بالياء خفيفيية ،ورواهييا
المروزي عين حفيص .و"مين" لبتداء الغايية ،ويصيح أن تكون لبيان الجنيس؛ كأنيه قال :وننزل ميا
فيه شفاء من القرآن .وفي الخبر (من لم يستشف بالقرآن فل شفاه ال) .وأنكر بعض المتأولين أن
تكون "مين" للتبعييض؛ لنيه يحفيظ مين أن يلزميه أن بعضيه ل شفاء فييه .ابين عطيية :ولييس يلزميه
هذا ،بل يصح أن تكون للتبعيض بحسب أن إنزاله إنما هو مبعض ،فكأنه قال :وننزل من القرآن
شيئا شفاء؛ ما فيه كله شفاء .وقيل :شفاء في الفرائض والحكام لما فيه من البيان.
@ اختلف العلماء في كونه شفاء على قولين :أحدهما :أنه شفاء للقلوب بزوال الجهل عنها وإزالة
الريييب ،ولكشييف غطاء القلب ميين مرض الجهييل لفهييم المعجزات والمور الدالة على ال تعالى.
الثانيي :شفاء مين المراض الظاهرة بالرقيي والتعوذ ونحوه .وقيد روى الئمية -واللفيظ للدارقطنيي
-عن أبي سعيد الخدري قال :بعثنا رسول ال صلى ال عليه وسلم في سرية ثلثين راكبا قال:
فنزلنيا على قوم مين العرب فسيألناهم أن يضيفونيا فأبوا؛ قال :فلدغ سييد الحيي ،فأتونيا فقالوا :فيكيم
أحد يرقي من العقرب؟ في رواية ابن قتة :إن الملك يموت .قال :قلت أنا نعم ،ولكن ل أفعل حتى
تعطونيا .فقالوا :فإنيا نعطيكيم ثلثيين شاة .قال :فقرأت علييه "الحميد ل رب العالميين" سيبع مرات
فيبرأ .فيي روايية سيليمان بين قتية عين أبيي سيعيد :فأفاق وبرأ .فبعيث إلينيا بالنزل وبعيث إلينيا بالشاء،
فأكلنيا الطعام أنيا وأصيحابي وأبوا أن يأكلوا مين الغنيم ،حتيى أتينيا رسيول ال صيلى ال علييه وسيلم
فأخبرته الخبر فقال( :وما يدريك أنها رقية) قلت :يا رسول ال ،شيء ألقي في روعي .قال( :كلوا
وأطعمونا من الغنم) خرجه في كتاب السنن.
وخرج في (كتاب المديح) من حديث السري بن يحيى قال :حدثني المعتمر بن سليمان عن ليث
بن أبي سليم عن الحسن عن أبي أمامة عن رسول ال صلى ال عليه وسلم أنه قال( :ينفع بإذن ال
تعالى من البرص والجنون والجذام والبطن والسل والحمى والنفس أن تكتب بزعفران أو بمشق -
يعني المغرة -أعوذ بكلمات ال التامة وأسمائه كلها عامة من شر السامة والغامة ومن شر العين
اللمة ومن شر حاسد إذا حسد ومن أبي فروة وما ولد) .كذا قال ،ولم يقل من شر أبي قترة .العين
اللمية :التيي تصييب بسيوء .تقول :أعيذه مين كيل هامية لمية .وأميا قوله :أعيذه مين حادثات اللمية
فيقول :هو الدهر .ويقال الشدة .والسامة :الخاصة .يقال :كيف السامة والعامة .والسامة السم .ومن
أبي فروة وما ولد .وقال :ثلثة وثلثون من الملئكة أتوا ربهم عز وجل فقالوا :وصب بأرضنا.
فقال :خذوا تربية مين أرضكيم فامسيحوا نواصييكم .أو قال :نوصييكم رقيية محميد صيلى ال علييه
وسيلم ل أفلح مين كتمهيا أبدا أو أخيذ عليهيا صيفدا .ثيم تكتيب فاتحية الكتاب وأربيع آيات مين أول
"البقرة" ،واليية التيي فيهيا تصيريف الرياح وآيية الكرسيي واليتيين اللتيين بعدهيا ،وخواتييم سيورة
"البقرة" من موضع "ل ما في السماوات وما في الرض" [البقرة ]284 :إلى آخرها ،وعشرا
مين أول "آل عمران" وعشرا مين آخرهيا ،وأول آيية مين "النسياء" ،وأول آيية مين "المائدة" ،وأول
آية من "النعام" ،وأول آية من "العراف" ،والية التي في "العراف" "إن ربكم ال الذي خلق
السماوات والرض" [العراف ]54 :حتى تختم الية؛ والية التي في "يونس" من موضع "قال
موسيى ميا جئتيم بيه السيحر إن ال سييبطله إن ال ل يصيلح عميل المفسيدين" [يونيس .]81 :واليية
التي في "طه] "وألق ما في يمينك تلقف ما صنعوا إنما صنعوا كيد ساحر ول يفلح الساحر حيث
أتى" [طه ،]69 :وعشرا من أول [الصافات] ،و"قل هو ال أحد" [الخلص ،]1 :والمعوذتين.
تكتب في إناء نظيف ثم تغسل ثلث مرات بماء نظيف ثم يحثو منه الوجع ثلث حثوات ثم يتوضأ
منيه كوضوئه للصيلة ويتوضيأ قبيل وضوئه للصيلة حتيى يكون على طهير قبيل أن يتوضيأ بيه ثيم
يصيب على رأسيه وصيدره وظهره ول يسيتنجي بيه ثيم يصيلي ركعتيين ثيم يسيتشفي ال عيز وجيل؛
يفعل ذلك ثلثة أيام ،قدر ما يكتب في كل يوم كتابا .في رواية :ومن شر أبي قترة وما ولد .وقال:
(فامسيحوا نواصييكم) ولم يشيك .وروى البخاري عين عائشية أن النيبي صيلى ال علييه وسيلم كان
ينفيث على نفسيه فيي المرض الذي مات فييه بالمعوذات فلميا ثقيل كنيت أنفيث علييه بهين وأمسيح بييد
نفسيه لبركتهيا .فسيألت الزهري كييف كان ينفيث؟ قال :كان ينفيث على يدييه ثيم يمسيح بهميا وجهيه.
وروى مالك عين ابين شهاب عين عروه عين عائشية أن رسيول ال صيلى ال علييه وسيلم كان إذا
اشتكيى قرأ على نفسيه المعوذتيين وتفيل أو نفيث .قال أبيو بكير بين النباري :قال اللغويون تفسيير
"نفث" نفخ نفحا ليس معه ريق .ومعنى "تفل" نفخ نفخا معه ريق .قال الشاعر:
وإن يفقد فحق له الفقود فإن يبرأ فلم أنفث عليه
وقال ذو الرمة:
متى يحس منه مائح القوم يتفل ومن جوف ماء عرمض الحول فوقه
أراد ينفخ بريق .وسيأتي ما للعلماء في النفث في سورة الفلق إن شاء ال تعالى.
@ روى ابين مسيعود أن رسيول ال صيلى ال علييه وسيلم كان يكره الرقيي إل بالمعوذات .قال
الطييبري :وهذا حديييث ل يجوز الحتجاج بمثله فييي الدييين؛ إذ فييي نقلتييه ميين ل يعرف .ولو كان
صيحيحا لكان إميا غلطيا وإميا منسيوخا؛ لقوله علييه السيلم فيي الفاتحية (ميا أدراك أنهيا رقيية) .وإذا
جاز الرقيي بالمعوذتيين وهميا سيورتان مين القرآن كانيت الرقيية بسيائر القرآن مثلهميا فيي الجواز إذ
كله قرآن .وروي عنيه علييه السيلم أنيه قال( :شفاء أمتيه فيي ثلث آيية مين كتاب ال أو لعقية مين
عسل أو شرطة من محجم) .وقال رجاء الغنوي :ومن لم يستشف بالقرآن فل شفاء له.
@ واختلف العلماء في النشرة ،وهي أن يكتب شيئا من أسماء ال أو من القرآن ثم يغسله بالماء
ثم يمسح به المريض أو يسقيه ،فأجازها سعيد بن المسيب .قيل له :الرجل يؤخذ عن امرأته أيُحل
عنيه ويُنشير؟ قال :ل بأس بيه ،وميا ينفيع لم ينيه عنيه .ولم يير مجاهيد أن تكتيب آيات مين القران ثيم
تغسيل ثيم يسيقاه صياحب الفزع .وكانيت عائشية تقرأ بالمعوذتيين فيي إناء ثيم تأمير أن يصيب على
المرييض .وقال المازري أبيو عبدال :النشرة أمير معروف عنيد أهيل التعزييم؛ وسيميت بذلك لنهيا
تنشر عن صاحبها أي تحل .ومنعها الحسن وإبراهيم النخعي ،قال النخعي :أخاف أن يصيبه بلء؛
وكأنه ذهب إلى أنه ما يجيء به القرآن فهو إلى أن يعقب بلء أقرب منه إلى أن يفيد شفاء .وقال
الحسين :سيألت أنسيا فقال :ذكروا عين النيبي صيلى ال علييه وسيلم أنهيا مين الشيطان .وقيد روى أبيو
داود مين حديث جابر بين عبدال قال :سيئل رسول ال صيلى ال علييه وسيلم عن النشرة فقال( :من
عمييل الشيطان) .قال ابيين عبدالبر .وهذه آثار لينيية ولهييا وجوه محتملة ،وقييد قيييل :إن هذا محمول
على ميا إذا كانيت خارجية عميا فيي كتاب ال وسينة رسيوله علييه السيلم ،وعيى المداواة المعروفية.
والنشرة مين جنيس الطيب فهيي غسيالة شييء له فضيل ،فهيي كوضوء رسيول ال صيلى ال علييه
وسلم .وقال صلى ال عليه وسلم( :ل بأس بالرقى ما لم يكن فيه شرك ومن استطاع منكم أن ينفع
أخاه فليفعل).
قلت :قد ذكرنا النص في النشرة مرفوعا وأن ذلك ل يكون إل من كتاب ال فليعتمد عليه.
@ قال مالك :ل بأس بتعليق الكتب التي فيها أسماء ال عز وجل على أعناق المرضى على وجه
التيبرك بهيا إذا لم يرد معلقهيا بتعليقهيا مدافعية العيين .وهذا معناه قبيل أن ينزل بيه شييء مين العيين.
وعلى هذا القول جماعية أهيل العلم ،ل يجوز عندهيم أن يعلق على الصيحيح مين البهائم أو بنيي آدم
شييء مين العلئق خوف نزول العيين ،وكيل ميا يعلق بعيد نزول البلء مين أسيماء ال عيز وجيل
وكتابه رجاء الفرج والبرء من ال تعالى ،فهو كالرقى المباح الذي وردت السنة بإباحته من العين
وغيرها .وقد روى عبدال بن عمرو قال قال وسول ال صلى ال عليه وسلم( :إذا فزع أحدكم في
نوميه فليقيل أعوذ بكلمات ال التامية مين غضبيه وسيوء عقابيه ومين شير الشياطيين وأن يحضرون).
وكان عبدال يعلمها ولده من أدرك منهم ،ومن لم يدرك كتبها وعلقها عليه .فإن قيل :فقد روي أن
رسيول ال صيلى ال علييه وسيلم قال( :مين علق شيئا وكيل إلييه) .ورأى ابين مسيعود على أم ولده
تميمية مربوطية فجبذهيا جبذا شديدا فقطعهيا وقال :إن آل ابين مسيعود لغنياء عين الشرك ،ثيم قال:
إن التمائم والرقى والتولة من الشرك .قيل :ما التولة؟ قال :ما تحببت به لزوجها .وروي عن عقبة
بن عامر الجهني قال :سمعت رسول ال صلى ال عليه وسلم يقول( :من علق تميمة فل أتم ال له
وميين علق ودعيية فل ودع ال له قلبييا) .قال الخليييل بيين أحمييد :التميميية قلدة فيهييا عوذ ،والودعيية
خرز .وقال أبيو عمير :التميمية فيي كلم العرب القلدة ،ومعناه عنيد أهيل العلم ميا علق فيي العناق
ميين القلئد خشييية العييين أو غيرهييا أن تنزل أو ل تنزل قبييل أن تنزل .فل أتييم ال عليييه صييحته
وعافيتيه ،ومين تعلق ودعية -وهيي مثلهيا فيي المعنيى -فل ودع ال له؛ أي فل بارك ال له ميا هيو
فييه مين العافيية .وال اعلم .وهذا كله تحذيير مميا كان أهيل الجاهليية يصينعونه مين تعلييق التمائم
والقلئد ،ويظنون أنهييا تقيهييم وتصييرف عنهييم البلء ،وذلك ل يصييرفه إل ال عييز وجييل ،وهييو
المعافيي والمبتلي ،ل شرييك له .فنهاهيم رسيول ال صيلى ال علييه وسيلم عميا كانوا يصينعون مين
ذلك فيي جاهليتهيم .وعين عائشية قالت :ميا تعلق بعيد نزول البلء فلييس مين التمائم .وقيد كره بعيض
أهييل العلم تعليييق التميميية على كييل حال قبييل نزول البلء وبعده .والقول الول أصييح فييي الثيير
والنظير إن شاء ال تعالى .وميا روي عين ابين مسيعود يجوز أن يرييد بميا كره تعليقيه غيير القرآن
أشياء مأخوذة عيين العراقيييين والكهان؛ إذ السييتشفاء بالقرآن معلقييا وغييير معلق ل يكون شركييا،
وقوله علييه السيلم( :مين علق شيئا وكيل إلييه) فمين علق القرآن ينبغيي أن يتوله ال ول يكله إلى
غيره؛ لنه تعالى هو المرغوب إليه والمتوكل عليه في الستشفاء بالقرآن .وسئل ابن المسيب عن
التعوييذ أيعلق؟ قال :إذا كان فيي قصيبة أو رقعية يحرز فل بأس بيه .وهذا على أن المكتوب قرآن.
وعين الضحاك أنيه لم يكين يرى بأسيا أن يعلق الرجيل الشييء مين كتاب ال إذا وضعيه عنيد الجماع
وعند الغائط .ورخص أبو جعفر محمد بن علي في التعويذ يعلق على الصبيان .وكان ابن سيرين
ل يرى بأسا بالشيء من القرآن يعلقه النسان.
@قوله تعالى" :ورحمة للمؤمنين" تفريج الكروب وتطهير العيوب وتكفير الذنوب مع ما تفضل
بيه تعالى مين الثواب فيي تلوتيه؛ كميا روى الترمذي عين عبدال بين مسيعود قال قال رسيول ال
صلى ال عليه وسلم( :من قرأ حرفا من كتاب ال فله به حسنة والحسنة بعشر أمثالها ل أقول آلم
حرف بيل ألف حرف ولم حرف ومييم حرف) .قال هذا حدييث حسين صيحيح غرييب .وقيد تقدم.
"ول يزييد الظالميين إل خسيارا" لتكذيبهيم .قال قتادة :ميا جالس أحيد القرآن إل قام عنيه بزيادة أو
نقصيان ،ثيم قرأ "وننزل مين القرآن ميا هيو شفاء ورحمية للمؤمنيين" اليية .ونظيير هذه اليية قوله:
"قيل هيو للذيين آمنوا هدى وشفاء والذيين ل يؤمنون فيي آذانهيم وقير وهيو علييه عميى" [فصيلت:
.]44
**3الية{ 83 :وإذا أنعمنا على النسان أعرض ونأى بجانبه وإذا مسه الشر كان يؤوسا}
@قوله تعالى" :وإذا أنعمنيا على النسيان أعرض ونأى بجانبيه" أي هؤلء الذيين يزيدهيم القرآن
خسيارا صيفتهم العراض عين تدبر آيات ال والكفران لنعميه .وقييل :نزلت فيي الولييد بين المغيرة.
ومعنيى "نأى بجانبيه" أي تكيبر وتباعيد .وناء مقلوب منيه؛ والمعنيى :بعيد عين القيام بحقوق ال عيز
وجيل؛ يقال :نأى الشييء أي بعيد .ونأيتيه ونأييت عنيه بمعنيى ،أي بعدت .وأنأيتيه فانتأى؛ أي أبعدتيه
فبعد .وتناؤوا تباعدوا .والمنتأى :الموضع البعيد .قال النابغة:
وإن خلت أن المنتأى عنك واسع فإنك كالليل الذي هو مدركي
وقرأ ابن عامر في رواية ابن ذكوان "ناء" مثل باع ،الهمزة مؤخرة ،وهو على طريقة القلب من
نأى؛ كمييا يقال :راء ورأى .وقيييل :هييو ميين النوء وهييو النهوض والقيام .وقييد يقال أيضييا للوقوع
والجلوس نوء؛ وهيو مين الضداد .وقرئ "ونئى" بفتيح النون وكسير الهمزة .والعامية "نأي" فيي
وزن رأى" .وإذا مسه الشر كان يؤوسا" أي إذا ناله شدة من فقر أو سقم أو بؤس يئس وقنط؛ لنه
ل يثق بفضل ال تعالى.
**3الية{ 84 :قل كل يعمل على شاكلته فربكم أعلم بمن هو أهدى سبيل}
@قوله تعالى" :قيل كيل يعميل على شاكلتيه" قال ابين عباس :ناحيتيه .وقال الضحاك .مجاهيد:
طبيعته .وعنه :حدته .ابن زيد :على دينه .الحسن وقتادة :نيته .مقاتل :جبلته .الفراء :على طريقته
ومذهبه الذي جبل عليه .وقيل .قل كل يعمل على ما هو أشكل عنده وأولى بالصواب في اعتقاده.
وقيل :هو مأخوذ من الشكل؛ يقال :لست على شكلي ول شاكلتي .قال الشاعر:
ما يفعل المرء فهو أهله كل امرئ يشبهه فعله
فالشكل هو المثل والنظير والضرب .كقوله تعالى" :وآخر من شكله أزواج" [ص .]58 :الشكل
(بكسير الشيين) :الهيئة .يقال :جاريية حسينة الشكيل .وهذه القوال كلهيا متقاربية .والمعنيى :أن كيل
أحيد يعميل على ميا يشاكيل أصيله وأخلقيه التيي ألفهيا ،وهذا ذم للكافير ومدح للمؤمين .واليية والتيي
قبلها نزلتا في الوليد بن المغيرة؛ ذكره المهدوي" .فربكم أعلم بمن هو أهدى سبيل" أي بالمؤمن
والكافر وما سيحصل من كل واحد منهم .وقيل" :أهدى سبيل" أي أسرع قبول .وقيل :أحسن دينا.
وحكييي أن الصييحابة رضوان ال عليهييم تذاكروا القرآن فقال أبيو بكيير الصييديق رضييي ال عنيه:
قرأت القرآن مين أوله إلى آخره فلم أر فييه آيية أرجيى وأحسين مين قوله تعالى" :بسيم ال الرحمين
الرحييم .حيم .تنزييل الكتاب مين ال العزييز العلييم ..غافير الذنيب وقابيل التوب شدييد العقاب ذي
الطول" [غافر ]1 :قدم غفران الذنوب على قبول التوبة ،وفي هذا إشارة للمؤمنين .وقال عثمان
بن عفان رضي ال عنه :قرأت جميع القرآن من أوله إلى آخره فلم أر آية أحسن وأرجى من قوله
تعالى" :نبيئ عبادي أنيي أنيا الغفور الرحييم" [الحجير .]49 :وقال علي بين أبيي طالب رضيي ال
عنيه :قرأت القرآن مين أوله إلى آخره فلم أر آيية أحسين وأرجيى مين قوله تعالى" :قيل ييا عبادي
الذييين أسييرفوا على أنفسييهم ل تقنطوا ميين رحميية ال إن ال يغفيير الذنوب جميعييا إنييه هييو الغفور
الرحيم" [الزمر.]53 :
قلت :وقرأت القرآن مين أوله إلى آخره فلم أر آيية أحسين وأرجيى مين قوله تعالى" :الذيين آمنوا
ولم يلبسوا إيمانهم بظلم أولئك لهم المن وهم مهتدون" [النعام.]82 :
**3الية{ 85 :ويسألونك عن الروح قل الروح من أمر ربي وما أوتيتم من العلم إل قليل}
@ روى البخاري ومسيلم والترمذي عين عبدال قال :بينيا أنيا ميع النيبي صيلى ال علييه وسيلم فيي
حرث وهو متكئ على عسيب إذ مر اليهود فقال بعضهم لبعض :سلوه عن الروح .فقال :ما رابكم
إلييه؟ وقال بعضهيم :ل يسيتقبلكم بشييء تكرهونيه .فقالوا :سيلوه .فسيألوه عين الروح فأمسيك النيبي
صيلى ال علييه وسيلم فلم يرد عليهيم شيئا؛ فعلميت أنيه يوحيى إلييه ،فقميت مقاميي ،فلميا نزل الوحيي
قال" :ويسيألونك عن الروح قيل الروح مين أمير ربيي وميا أوتيتيم مين العلم إل قليل" لفيظ البخاري.
وفيي مسيلم :فأسيكت النيبي صيلى ال علييه وسيلم .وفييه :وميا أوتوا .وقيد اختلف الناس فيي الروح
المسؤول عنه ،أي الروح هو؟ فقيل :هو جبريل؛ قاله قتادة .قال :وكان ابن عباس يكتمه .وقيل هو
عيسى .وقيل القرآن ،على ما يأتي بيانه في آخر الشورى .وقال علي بن أبي طالب :هو ملك من
الملئكية له سيبعون ألف وجيه ،فيي كيل وجيه سيبعون ألف لسيان ،فيي كيل لسيان سيبعون ألف لغية،
يسيبح ال تعالى بكيل تلك اللغات ،يخلق ال تعالى مين كيل تسيبيحة ملكيا يطيير ميع الملئكية إلى يوم
القيامة .ذكره الطبري .قال ابن عطية :وما أظن القول يصح عن علي رضي ال عنه.
قلت :أسند البيهقي أخبرنا أبو زكريا عن أبي إسحاق أخبرنا أبو الحسن الطرائفي حدثنا عثمان
بن سعيد حدثنا عبدال بن صالح عن معاوية بن صالح عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس في
قوله" :ويسألونك عن الروح" يقول :الروح ملك .وبإسناده عن معاوية بن صالح حدثني أبو هران
[بكسيير الهاء] يزييد بين سيمرة عمين حدثيه عين علي بين أبيي طالب أنيه قال فييي قوله تعالى:
"ويسألونك عن الروح" فال :هو ملك من الملئكة له سبعون ألف وجه ...الحديث بلفظه ومعناه.
وروى عطاء عين ابين عباس قال :الروح ملك له أحيد عشير ألف جناح وألف وجيه ،يسيبح ال إلى
يوم القيامييية؛ ذكره النحاس .وعنييه :جنيييد مييين جنود ال لهيييم أييييد وأرجيييل يأكلون الطعام؛ ذكره
الغزنوي .وقال الخطابيي :وقال بعضهيم ،هيو ملك مين الملئكية بصيفة وضعوهيا مين عظيم الخلقية.
وذهيب أكثير أهيل التأوييل إلى أنهيم سيألوه عين الروح الذي يكون بيه حياة الجسيد .وقال أهيل النظير
منهيم :إنميا سيألوه عين كيفيية الروح ومسيلكه فيي بدن النسيان ،وكييف امتزاجيه بالجسيم واتصيال
الحياة بييه ،وهذا شيييء ل يعلمييه إل ال عييز وجييل .وقال أبييو صييالح :الروح خلق كخلق بنييي آدم
وليسوا ببني آدم ،لهم أيد وأرجل .والصحيح البهام لقوله" :قل الروح من أمر ربي" أي هو أمر
عظيم وشأن كبير من أمر ال تعالى ،مبهما له وتاركا تفصيله؛ ليعرف النسان على القطع عجزه
عين علم حقيقية نفسيه ميع العلم بوجودهيا .وإذا كان النسيان فيي معرفية نفسيه هكذا كان بعجزه عين
إدراك حقيقية الحيق أولى .وحكمية ذلك تعجييز العقيل عين إدراك معرفية مخلوق مجاور له ،دللة
على أنه عن إدراك خالقه أعجز.
@قوله تعالى" :وما أوتيتم من العلم إل قليل" اختلف فيمن خوطب بذلك؛ فقالت فرقة :السائلون
فقط .وقال قوم :المراد اليهود بجملتهم .وعلى هذا هي قراءة ابن مسعود "وما أوتوا" ورواها عن
النيبي صيلى ال علييه وسيلم .وقالت فرقية :المراد العالم كله .وهيو الصيحيح ،وعلييه قراءة الجمهور
"وميا أوتيتيم" .وقيد قالت اليهود للنيبي صيلى ال علييه وسيلم :كييف لم نؤت مين العلم إل قليل وقيد
أوتينا التوراة وهي الحكمة ،ومن يؤت الحكمة فقد أوتي خيرا كثيرا؟ فعارضهم رسول ال صلى
ال عليه وسلم بعلم ال فغلبوا .وقد نص رسول ال صلى ال عليه وسلم بقوله في بعض الحاديث:
(كل) يعنيي أن المراد "بميا أوتيتيم" جمييع العالم .وذلك أن يهود قالت له :نحين عنييت أم قوميك.
فقال( :كل) .وفي هذا المعنى نزلت "ولو أن ما في الرض من شجرة أقلم" [لقمان .]27 :حكى
ذلك الطيبري رحميه ال وقيد قييل :إن السيائلين عين الروح هيم قرييش ،قالت لهيم اليهود :سيلوه عين
أصحاب الكهف وعن ذي القرنين وعن الروح فإن أخبركم عن اثنين وأمسك عن واحدة فهو نبي؛
فأخبرهم خبر أصحاب الكهيف وخبر ذي القرنين على ميا يأتيي .وقال فيي الروح" :قيل الروح من
أميير ربييي" أي ميين الميير الذي ل يعلمييه إل ال .ذكره المهدوي وغيره ميين المفسييرين عيين ابيين
عباس.
**3اليتان{ 87 - 86 :ولئن شئنا لنذهبن بالذي أوحينا إليك ثم ل تجد لك به علينا وكيل ،إل
رحمة من ربك إن فضله كان عليك كبيرا}
@قوله تعالى" :ولئن شئنا لنذهبن بالذي أوحينا إليك" يعني القرآن .أي كما قدرنا على إنزاله نقدر
على إذهابه حتى ينساه الخلق .ويتصل هذا بقوله" :وما أوتيتم من العلم إل قليل" أي ولو شئت أن
أذهب بذلك القليل لقدرت عليه" .ثم ل تجد لك به علينا وكيل" أي ناصرا يرده عليك" .إل رحمة
مين ربيك" يعنيي لكين ل نشاء ذلك رحمية مين ربيك؛ فهيو اسيتثناء لييس مين الول .وقييل :إل أن
يرحميك ربيك فل يذهيب بيه" .إن فضله كان علييك كيبيرا" إذ جعلك سييد ولد آدم .وأعطاك المقام
المحمود وهذا الكتاب العزيز .وقال عبدال بن مسعود :أول ما تفقدون من دينكم المانة ،وآخر ما
تفقدون الصيلة ،وأن هذا القرآن كأنيه قيد نزع منكيم ،تصيبحون يوميا وميا معكيم منيه شييء .فقال
رجيل :كييف يكون ذلك ييا أبيا عبدالرحمين وقيد ثبتناه فيي قلوبنيا وأثبتناه فيي مصياحفنا ،نعلميه أبناءنيا
ويعلمه أبناؤنا أبناءهم إلى يوم القيامة! قال :يسري به في ليلة فيذهب بما في المصاحف وما في
القلوب ،فتصييبح الناس كالبهائم .ثييم قرأ عبدال "ولئن شئنييا لنذهبيين بالذي أوحينييا إليييك" الييية.
أخرجه أبو بكر بن أبي شيبة بمعناه قال :أخبرنا أبو الحوص عن عبدالعزيز ابن رفيع عن شداد
بن معقل قال :قال عبدال -يعني ابن مسعود : -إن هذا القرآن الذي بين أظهركم يوشك أن ينزع
منكم .قال :قلت كيف ينزع منا وقد أثبته ال في قلوبنا وثبتناه في مصاحفنا! قال :يسرى عليه في
ليلة واحدة فينزع ميا فيي القلوب ويذهيب ميا فيي المصياحف ويصيبح الناس منيه فقراء .ثيم قرأ "لئن
شئنيا لنذهبين بالذي أوحينيا إلييك" وهذا إسيناد صيحيح .وعين ابين عمير :ل تقوم السياعة حتيى يرجيع
القرآن من حيث نزل ،له دوي كدوي النحل ،فيقول ال ما بالك .فيقول :يا رب منك خرجت وإليك
أعود ،أتلى فل يعمل بي ،أتلى ول يعمل بي..
قلت :قد جاء معنى هذا مرفوعا من حديث عبدال بن عمرو بن العاص وحذيفة .قال حذيفة قال
رسول ال صلى ال عليه وسلم( :يدرس السلم كما يدرس وشي الثوب حتيى ل يدري ما صيام
ول صيلة ول نسيك ول صيدقة فيسيرى على كتاب ال تعالى فيي ليلة فل يبقيى منيه فيي الرض آيية
وتبقيى طوائف مين الناس الشييخ الكيبير والعجوز يقولون أدركنيا آباءنيا على هذه الكلمية ل إله إل
ال .وهم ل يدرون ما صلة ول صيام ول نسك ول صدقة) .قال له صلة :ما تغني عنهم ل إله إل
ال! وهم ل يدرون ما صلة ول صيام ول نسك ول صدقة؛ فأعرض عنه حذيفة؛ ثم رددها ثلثا،
كل ذلك يعرض عنه حذيفة .ثم أقبل عليه حذيفة فقال :يا صلة! تنجيهم من النار ،ثلثا .خرجه ابن
ماجة في السنن .وقال عبدال بن عمر :خرج النبي صلى ال عليه وسلم وهو معصوب الرأس من
وجيع فضحيك ،فصيعد المنيبر فحميد ال وأثنيى علييه ثيم قال( :أيهيا الناس ميا هذه الكتيب التيي تكتبون
أكتاب غيير كتاب ال يوشيك أن يغضيب ال لكتابيه فل يدع ورقيا ول قلبيا إل أخيذ منيه) قالوا :ييا
رسول ال ،فكيف بالمؤمنين والمؤمنات يومئذ؟ قال( :من أراد ال به خيرا أبقى في قلبه ل إله إل
ال) ذكره الثعلبي والغزنوي وغيرهما في التفسير.
**3الية{ 88 :قل لئن اجتمعت النس والجن على أن يأتوا بمثل هذا القرآن ل يأتون بمثله ولو
كان بعضهم لبعض ظهيرا}
@ أي عونا ونصيرا؛ مثل ما يتعاون الشعراء على بيت شعر فيقيمونه .نزلت حين قال الكفار :لو
نشاء لقلنا مثل هذا؛ فأكذبهم ال تعالى .وقد مضى القول في إعجاز القرآن في أول الكتاب والحمد
ل .و"ل يأتون" جواب القسم في "لئن" وقد يجزم على إرادة الشرط .قال الشاعر:
أقم في نهار القيظ للشمس باديا لئن كان ما حدثته اليوم صادقا
**3الية{ 89 :ولقد صرفنا للناس في هذا القرآن من كل مثل فأبى أكثر الناس إل كفورا}
@قوله تعالى" :ولقيد صيرفنا للناس فيي هذا القرآن مين كيل مثيل" أي وجهنيا القول فييه بكيل مثيل
يجييب بييه العتبار؛ ميين اليات والعييبر والترغيييب والترهيييب ،والواميير والنواهييي وأقاصيييص
الولين ،والجنة والنار والقيامة" .فأبى أكثر الناس إل كفورا" يريد أهل مكة ،بين لهم الحق وفتح
لهيم وأمهلهيم حتيى تيبين لهيم أنيه الحيق ،فأبوا إل الكفير وقيت تيبين الحيق .قال المهدوي :ول حجية
للقدري فيي قولهيم :ل يقال أبيى إل لمين أبيى فعيل ميا هيو قادر علييه؛ لن الكافير وإن كان غيير قادر
على اليمان بحكم ال عليه بالعراض عنه وطبعه على قلبه ،فقد كان قادرا وقت الفسحة والمهلة
على طلب الحق وتمييزه من الباطل.
**3اليات{ 93 - 90 :وقالوا لن نؤمن لك حتى تفجر لنا من الرض ينبوعا ،أو تكون لك جنة
مين نخييل وعنيب فتفجير النهار خللهيا تفجيرا ،أو تسيقط السيماء كميا زعميت علينيا كسيفا أو تأتيي
بال والملئكية قيبيل ،أو يكون لك بييت مين زخرف أو ترقيى فيي السيماء ولن نؤمين لرقييك حتيى
تنزل علينا كتابا نقرؤه قل سبحان ربي هل كنت إل بشرا رسول}
@قوله تعالى" :وقالوا لن نؤمين لك حتيى تفجير لنيا مين الرض ينبوعيا" اليية نزلت فيي رؤسياء
قريش مثل عتبة وشيبة ابني ربيعة ،وأبي سفيان والنضر بن الحارث ،وأبي جهل وعبدال بن أبي
أميية ،وأميية بين خلف وأبيي البختري ،والولييد بين المغيرة وغيرهيم .وذلك أنهيم لميا عجزوا عين
معارضية القرآن ولم يرضوا بيه معجزة ،اجتمعوا -فيميا ذكير ابين إسيحاق وغيره -بعيد غروب
الشميس عنيد ظهير الكعبية ،ثيم قال بعضهيم لبعيض :ابعثوا إلى محميد صيلى ال علييه وسيلم فكلموه
وخاصموه حتى تعذروا فيه ،فبعثوا إليه أن أشراف قومك قد اجتمعوا إليك ليكلموك فأتهم ،فجاءهم
رسيول ال صيلى ال علييه وسيلم وهيو يظين أن قيد بدا لهيم فيميا كلمهيم فييه بدو ،وكان رسيول ال
صلى ال عليه وسلم حريصا يحب رشدهم ويعز عليه عنتهم ،حتى جلس إليهم فقالوا له :يا محمد!
إنيا فيد بعثنيا إلييك لنكلميك ،وإنيا وال ميا نعلم رجل مين العرب أدخيل على قوميه ميا أدخلت على
قوميك؛ لقيد شتميت الباء وعبيت الديين وشتميت اللهية وسيفهت الحلم وفرقيت الجماعية ،فميا بقيي
أمر قبيح إل قيد جئته فيما بيننيا وبينك ،أو كما قالوا له .فإن كنت إنما جئت بهذا الحديث تطلب به
مال جمعنيا لك مين أموالنيا حتيى تكون أكثرنيا مال ،وإن كنيت إنميا تطلب بيه الشرف فينيا فنحين
نسيودك علينيا ،وإن كنيت ترييد بيه ملكيا ملكناك علينيا ،وإن كان هذا الذي يأتييك رئييا تراه قيد غلب
عليك -وكانوا يسمون التابع من الجن رئيا -فربما كان ذلك بذلنا أموالنا في طلب الطب لك حتى
نبرئك منه أو نعذر فيك .فقال لهم رسول ال صلى ال عليه وسلم( :ما بي ما تقولون ما جئت بما
جئتكيم بيه أطلب أموالكيم ول الشرف فيكيم ول الملك عليكيم ولكين ال بعثنيي إليكيم رسيول وأنزل
علي كتابا وأمرني أن أكون لكم بشيرا ونذيرا فبلغتكم رسالت ربي ونصحت لكم فإن تقبلوا مني
ميا جئتكيم بيه فهيو حظكيم فيي الدنييا والخرة وإن تردوه علي أصيبر لمير ال حتيى يحكيم ال بينيي
وبينكييم) أو كمييا قال صييلى ال عليييه وسييلم .قالوا :يييا محمييد ،فإن كنييت غييير قابييل منييا شيئا ممييا
عرضناه عليك ،فإنك قد علمت أنه ليس من الناس أحد أضيق بلدا ول أقل ماء ول أشد عيشا منا،
فسيل لنيا ربيك الذي بعثيك بميا بعثيك بيه ،فليسيير عنيا هذه الجبال التيي قيد ضيقيت علينيا ،وليبسيط لنيا
بلدنا وليخرق لنا فيها أنهارا كأنهار الشام ،وليبعث لنا من مضى من آبائنا؛ وليكن فيمن يبعث لنا
قصييي بيين كلب؛ فإنييه كان شيييخ صييدق فنسييألهم عمييا تقول ،أحييق هييو أم باطييل ،فإن صييدقوك
وصنعت ما سألناك صدقناك ،وعرفنا به منزلتك من ال تعالى ،وأنه بعثك رسول كما تقول .فقال
لهيم صيلوات ال علييه وسيلمه( :ميا بهذا بعثيت إليكيم إنميا جئتكيم مين ال تعالى بميا بعثنيي بيه وقيد
بلغتكم ما أرسلت به إليكم فإن تقبلوه فهو حظكم في الدنيا والخرة وإن تردوه علي أصبر لمر ال
حتى يحكم ال بيني وبينكم) .قالوا :فإذا لم تفعل هذا لنا فخذ لنفسك! سل ربك أن يبعث معك ملكا
يصيدقك بميا تقول ويراجعنيا عنيك ،وأسيأله فليجعيل لك جنانيا وقصيورا وكنوزا مين ذهيب وفضية
يغنيك بها عما نراك تبتغي؛ فإنك تقوم بالسواق وتلتمس المعاش كما نلتمس ،حتى نعرف فضلك
ومنزلتيك مين ربيك إن كنيت رسيول كميا تزعيم .فقال لهيم رسيول ال( :ميا أنيا بفاعيل وميا أنيا بالذي
يسأل ربه هذا وما بعثت بهذا إليكم ولكن ال بعثني بشيرا ونذيرا -أو كما قال -فإن تقبلوا مني ما
جئتكيم بيه فهيو حظكيم فيي الدنييا والخرة وإن تردوه علي أصيبر لمير ال حتيى يحكيم ال بينيي
وبينكم) قالوا :فأسقط السماء علينا كسفا كما زعمت أن ربك إن شاء فعل؛ فإنا لن نؤمن لك إل أن
تفعل .قال فقال رسول ال صلى ال عليه وسلم( :ذلك إلى ال عز وجل إن شاء أن يفعله بكم فعل)
قالوا :ييا محميد ،فميا علم ربيك أنيا سينجلس معيك ونسيألك عميا سيألنا عنيه ونطلب منيك ميا نطلب،
فيتقدم إليك فيعلمك بما تراجعنا به ،ويخبرك ما هو صانع في ذلك بنا إذ لم نقبل منك ما جئتنا به.
إنه قد بلغنا إنما يعلمك هذا رجل من اليمامة يقال له الرحمن ،وإنا وال ل نؤمن بالرحمن أبدا ،فقد
أعذرنا إليك يا محمد ،وإنا وال ل نتركك وما بلغت منا حتى نهلكك أو تهلكنا .وقال قائلهم :نحن
نعبد الملئكة وهي بنات ال .وقال قائلهم :لن نؤمن لك حتى تأتي بال والملئكة قبيل.
فلميا قالوا ذلك لرسيول ال صيلى ال علييه وسيلم ،قام عنهيم وقام معيه عبدال بين أبيي أميية بين
المغيرة بين عبدال بين عمير بين مخزوم ،وهيو ابين عمتيه ،هيو لعاتكية بنيت عبدالمطلب ،فقال له :ييا
محمييد عرض عليييك قومييك مييا عرضوا فلم تقبله منهييم ،ثييم سييألوك لنفسييهم أمورا ليعرفوا بهييا
منزلتيك مين ال كميا تقول ،ويصيدقوك ويتبعوك فلم تفعيل ثيم سيألوك أن تأخيذ لنفسيك ميا يعرفون بيه
فضلك عليهم ومنزلتك من ال فلم تفعل ثم سألوك أن تعجل لهم بعض ما تخوفهم به من العذاب فلم
تفعل -أو كما قال له -فوال ل أؤمن بك أبدا حتى تتخذ إلى السماء سلما ،ثم ترقى فيه وأنا أنظر
حتيى تأتيهيا ،ثيم تأتيي معيك بصيك معيه أربعية مين الملئكية يشهدون لك أنيك كميا تقول .واييم ال لو
فعلت ذلك ميا ظننيت أنيي أصيدقك ثيم انصيرف عين رسيول ال صيلى ال علييه وسيلم ،وانصيرف
رسيول ال صيلى ال علييه وسيلم إلى أهله حزينيا أسيفا لميا فاتيه مميا كان يطميع بيه مين قوميه حيين
دعوه ،ولميا رأى مين مباعدتهيم إياه ،كله لفيظ ابين إسيحاق .وذكير الواحدي عين عكرمية عين ابين
عباس :فأنزل ال تعالى "وقالوا لن نؤمين لك حتيى تفجير لنيا مين الرض ينبوعيا"" .ينبوعيا" يعنيي
العيون؛ عن مجاهد .وهي يفعول ،من نبع ينبع .وقرأ عاصم وحمزة والكسائي "تفجر لنا" مخففة؛
واختاره أبييو حاتييم لن الينبوع واحييد .ولم يختلفوا فييي تفجيير النهار أنييه مشدد .قال أبييو عبيييد:
والولى مثلهيا .قال أبيو حاتيم .ليسيت مثلهيا ،لن الولى بعدهيا ينبوع وهيو واحيد ،والثانيية بعدهيا
النهار وهيي جميع ،والتشدييد يدل على التكثييير .أجييب بأن "ينبوعيا" وإن كان واحدا فالمراد بيه
الجمييع ،كمييا قال مجاهييد .الينبوع عييين الماء ،والجمييع الينابيييع .وقرأ قتادة "أو يكون لك جنيية".
"خللها" أي وسطها" .أو تسقط السماء" قراءة العامة .وقرأ مجاهد "أو يسقط السماء" على إسناد
الفعل إلى السماء" .كسفا" قطعا ،عن ابن عباس وغيره .والكسف (بفتح السين) جمع كسفة ،وهي
قراءة نافيع وابين عامير وعاصيم .الباقون "كسيفا" بإسيكان السيين .قال الخفيش :مين قرأ كسيْفا مين
السيماء جعله واحدا ،ومين قرأ كسيَفا جعله جمعيا .قال المهدوي :ومين أسيكن السيين جاز أن يكون
جميع كسيفة وجاز أن يكون مصيدرا ،مين كسيفت الشييء إذا غطيتيه .فكأنهيم قالوا :أسيقطها طبقيا
علينيا .وقال الجوهري .الكسيفة القطعية مين الشييء؛ يقال :أعطنيي كسيفة مين ثوبيك ،والجميع كسيف
وكسف .ويقال :الكسفة واحد.
@قوله تعالى" :أو تأتيي بال والملئكة قيبيل" أي معاينية؛ عن قتادة وابين جريج .وقال الضحاك
وابن عباس :كفيل .قال مقاتل :شهيدا .مجاهيد :هو جميع القبيلة؛ أي بأصناف الملئكية قيبيلة قبيلة.
وقييل :ضمناء يضمنون لنيا إتيانيك بيه" .أو يكون لك بييت مين زخرف" أي مين ذهيب؛ عين ابين
عباس وغيره .وأصله الزينة .والمزخرف المزين .وزخارف الماء طرائقه .وقال مجاهد :كنت ل
أدري ما الزخرف حتى رأيته في قراءة ابن مسعود "بيت من ذهب" أي نحن ل ننقاد لك مع هذا
الفقير الذي نرى" .أو ترقيى فيي السيماء" أي تصيعد؛ يقال :رقييت فيي السيلم أرقيى رقييا ورقييا إذا
صعدت .وارتقيت مثله" .ولن نؤمن لرقيك" أي من أجل رقيك ،وهو مصدر؛ نحو مضى يمضي
مضيا ،وهوى يهوي هويا ،كذلك رقي يرقي رقيا" .حتى تنزل علينا كتابا نقرؤه" أي كتابا من ال
تعالى إلى كييل رجييل منييا؛ كمييا قال تعالى" :بييل يريييد كييل امرئ منهييم أن يؤتييى صييحفا منشرة"
[المدثر" .]52 :قل سبحان ربي" وقرأ أهل مكة والشام "قال سبحان ربي" يعني النبي صلى ال
علييه وسيلم؛ أي قال ذلك تنزيهيا ل عيز وجيل عين أن يعجيز عين شييء وعين أن يعترض علييه فيي
فعل .وقيل :هذا كله تعجب عن فرط كفرهم واقتراحاتهم .الباقون "قل" على المر؛ أي قل لهم يا
محمد "هل كنت" أي ما أنا "إل بشرا رسول" اتبع ما يوحى إلي من ربي ،ويفعل ال ما يشاء من
هذه الشياء التيي ليسيت فيي قدرة البشير ،فهيل سيمعتم أحدا مين البشير أتيى بهذه اليات وقال بعيض
الملحديين :لييس هذا جوابيا مقنعيا ،وغلطوا؛ لنيه أجابهيم فقال :إنميا أنيا بشير ل أقدر على شييء مميا
سيألتموني ،ولييس لي أن أتخيير على ربيي ،ولم تكين الرسيل قبلي يأتون أممهيم بكيل ميا يريدونيه
ويبغونه ،وسيبيلي سبيلهم ،وكانوا يقتصرون على ما آتاهم ال من آياتيه الدالة على صحة نبوتهيم،
فإذا أقاموا عليهم الحجة لم يجب لقومهم أن يقترحوا غيرها ،ولو وجب على ال أن يأتيهم بكل ما
يقترحونيه مين اليات لوجيب علييه أن يأتيهيم بمين يختارونيه مين الرسيل ،ولوجيب لكيل إنسيان أن
يقول :ل أومن حتى أوتى بآية خلف ما طلب غيري .وهذا يؤول إلى أن يكون التدبير إلى الناس.
وإنما التدبير إلى ال تعالى.
**3الية{ 94 :وما منع الناس أن يؤمنوا إذ جاءهم الهدى إل أن قالوا أبعث ال بشرا رسول}
@قوله تعالى" :وميا منيع الناس أن يؤمنوا إذ جاءهيم الهدى" يعنيي الرسيل والكتيب مين عنيد ال
بالدعاء إلييه" .إل أن قالوا" قالوا جهل منهيم" .أبعيث ال بشرا رسيول" أي ال أجيل مين أن يكون
رسيوله مين البشير .فيبين ال تعالى فرط عنادهيم لنهيم قالوا :أنيت مثلنيا فل يلزمنيا النقياد ،وغفلوا
عين المعجزة" .فأن" الولى فيي محيل نصيب بإسيقاط حرف الخفيض .و"أن" الثانيية فيي محيل رفيع
"بمنع" أي وما منع الناس من أن يؤمنوا إذ جاءهم الهدى إل قولهم أبعث ال بشرا رسول.
**3اليية{ 95 :قيل لو كان فيي الرض ملئكية يمشون مطمئنيين لنزلنيا عليهيم مين السيماء ملكيا
رسول}
@ أعلم ال تعالى أن الملك إنما يرسل إلى الملئكة؛ لنه لو أرسل ملكا إلى الدميين لم يقدروا أن
يروه على الهيئة التيي خلق عليهيا ،وإنميا أقدر النيبياء على ذلك وخلق فيهيم ميا يقدرون بيه ،ليكون
ذلك آيية لهيم ومعجزة .وقيد تقدم فيي "النعام" نظيير هذه اليية؛ وهيو قوله" :وقالوا لول أنزل علبيه
ولو أنزلنا ملكا لقضي المر ثم ل ينظرون .ولو جعلناه ملكا لجعلناه رجل" [النعام ]9 :وقد تقدم
الكلم فيه.
**3الية{ 96 :قل كفى بال شهيدا بيني وبينكم إنه كان بعباده خبيرا بصيرا}
@ يروى أن كفار قريش قالوا حين سمعوا قوله "هل كنت إل بشرا رسول" :فمن يشهد لك أنك
رسول ال .فنزل "قل كفى بال شهيدا بيني وبينكم إنه كان بعباده خبيرا بصيرا".
**3الية{ 97 :ومن يهد ال فهو المهتد ومن يضلل فلن تجد لهم أولياء من دونه ونحشرهم يوم
القيامة على وجوههم عميا وبكما وصما مأواهم جهنم كلما خبت زدناهم سعيرا}
@قوله تعالى" :ومن يهد ال فهو المهتدي" أي لو هداهم ال لهتدوا" .ومن يضلل فلن تجد لهم
أولياء مين دونيه" أي ل يهديهيم أحيد" .ونحشرهيم يوم القيامية على وجوههيم" فييه وجهان :أحدهميا:
أن ذلك عبارة عين السيراع بهيم إلى جهنيم؛ مين قول العرب :قدم القوم على وجوههيم إذا أسيرعوا.
الثاني :أنهم يسحبون يوم القيامة على وجوههم إلى جهنم كما يفعل في الدنيا بمن يبالغ في هوانه
وتعذيبييه .وهذا هييو الصييحيح؛ لحديييث أنييس أن رجل قال :يييا رسييول ال ،الذييين يحشرون على
وجوههم ،أيحشر الكافر على وجهه؟ قال رسول ال صلى ال عليه وسلم (أليس الذي أمشاه على
الرجلييين قادرا على أن يمشيييه على وجهييه يوم القياميية) :قال قتادة حييين بلغييه :بلى وعزة ربنييا.
أخرجيه البخاري ومسيلم .وحسيبك" .عمييا وبكميا وصيما" قال ابين عباس والحسين :أي عميي عميا
يسيرهم ،بكيم عين التكلم بحجية ،صيم عميا ينفعهيم؛ وعلى هذا القول حواسيهم باقيية على ميا كانيت
علييه .وقييل :إنهيم يحشرون على الصيفة التيي وصيفهم ال بهيا؛ ليكون ذلك زيادة فيي عذابهيم ،ثيم
يخلق ذلك لهيم فيي النار ،فأبصيروا؛ لقوله تعالي" :ورأى المجرمون النار فظنوا أنهيم مواقعوهيا"
،]13وسيمعوا؛ لقوله [الكهيف ،]53 :وتكلموا ،لقوله تعالى" :دعوا هنالك ثبورا" [الفرقان:
تعالى" :سمعوا لها تغيظا وزفيرا" [الفرقان .]12 :وقال مقاتل بن سليمان :إذا قيل لهم "اخسؤوا
فيها ول تكلمون" [المؤمنون ]108 :صاروا عميا ل يبصرون صما ل يسمعون بكما ل يفقهون.
وقيييل :عموا حييين دخلوا النار لشدة سييوادها ،وانقطييع كلمهييم حييين قيييل لهييم :اخسييؤوا فيهييا ول
تكلمون .وذهب الزفير والشهيق بسمعهم فلم يسمعوا شيئا" .مأواهم جهنم" أي مستقرهم ومقامهم.
"كلميا خبيت" أي سيكنت؛ عين الضحاك وغيره .مجاهيد طفئت .يقال :خبيت النار تخبيو خبوا أي
طفئت ،وأخبيتها أنا" .زدناهم سعيرا" أي نار تتلهب .وسكون التهابها من غير نقصان في آلمهم
ول تخفييف عنهيم مين عذابهيم .وقييل :إذا أرادت أن تخبيو .كقوله" :وإذا قرأت القرآن" [السيراء:
.]45
**3اليتان{ 99 - 98 :ذلك جزاؤهيم بأنهيم كفروا بآياتنيا وقالوا أئذا كنيا عظاميا ورفاتيا أئنيا
لمبعوثون خلقييا جديدا ،أولم يروا أن ال الذي خلق السييماوات والرض قادر على أن يخلق مثلهييم
وجعل لهم أجل ل ريب فيه فأبى الظالمون إل كفورا}
@قوله تعالى" :ذلك جزاؤهم بأنهم كفروا بآياتنا" أي ذلك العذاب جزاء كفرهم" .وقالوا أئذا كنا
عظاميا ورفاتيا" أي ترابيا" .أئنيا لمبعوثون خلقيا جديدا" فأنكروا البعيث فأجابهيم ال تعالى فقال" :أو
لم يروا أن ال الذي خلق السيماوات والرض قادر على أن يخلق مثلهيم وجعيل لهيم أجل ل رييب
فييه" قييل :فيي الكلم تقدييم وتأخيير ،أي أو لم يروا أن ال الذي خلق السيماوات والرض ،وجعيل
لهم أجل ل ريب فيه قادر على أن يخلق مثلهم .والجل :مدة قيامهم في الدنيا ثم موتهم ،وذلك ما
ل شيك فييه إذ هيو مشاهيد .وقييل :هيو جواب قولهيم" :أو تسيقط السيماء كميا زعميت علينيا كسيفا"
[السيراء .]92 :وقييل :وهيو يوم القيامية" .فأبيى الظالمون إل كفورا" أي أبيى المشركون إل
جحودا بذلك الجل وبآيات ال .وقيل :ذلك الجل هو وقت البعث ،ول ينبغي أن يشك فيه.
**3اليية{ 100 :قيل لو أنتيم تملكون خزائن رحمية ربيي إذا لمسيكتم خشيية النفاق وكان
النسان قتورا}
@قوله تعالى" :قل لو أنتم تملكون خزائن رحمة ربي" أي خزائن الرزاق .وقيل :خزائن النعم،
وهذا أعيم" .إذا لمسيكتم خشيية النفاق" مين البخيل ،وهيو جواب قولهيم" :لن نؤمين لك حتيى تفجير
لنيا مين الرض ينبوعيا" [السيراء ]90 :حتيى نتوسيع فيي المعيشية .أي لو توسيعتم لبخلتيم أيضيا.
وقيل :المعنى لو ملك أحد المخلوقين خزائن ال لما جاد بها كجود ال تعالى؛ لمرين :أحدهما :أنه
ل بيد أن يمسيك منهيا لنفقتيه وميا يعود بمنفعتيه .الثانيي :أنيه يخاف الفقير ويخشيى العدم .وال تعالى
يتعالى فيي جوده عين هاتيين الحالتيين .والنفاق فيي هذه اليية بمعنيى الفقير؛ قاله ابين عباس وقتادة.
وحكى أهل اللغة أنفق وأصرم وأعدم وأقتر إذا قل ماله" .وكان النسان قتورا" أي بخيل مضيقا.
يقال :قتير على عياله يقتير ويقتير قترا وقتورا إذا ضييق عليهيم فيي النفقية ،وكذلك التقتيير والقتار،
ثلث لغات .واختلف فيي هذه اليية على قوليين :أحدهميا :أنهيا نزلت فيي المشركيين خاصية؛ قاله
الحسن .والثاني :أنها عامة ،وهو قول الجمهور؛ وذكره الماوردي.
**3اليية{ 101 :ولقيد آتينيا موسيى تسيع آيات بينات فاسيأل بنيي إسيرائيل إذ جاءهيم فقال له
فرعون إني لظنك يا موسى مسحورا}
@قوله تعالى" :ولقد آتينا موسى تسع آيات بينات" اختلف في هذه اليات؛ فقيل :هي بمعنى آيات
الكتاب؛ كميا روى الترمذي والنسيائي عين صيفوان بين عسيال المرادي أن يهودييين قال أحدهميا
لصياحبه :اذهيب بنيا إلى هذا النيبي نسيأله؛ فقال :ل تقيل له نيبي فإنيه إن سيمعنا كان له أربعية أعيين؛
فأتييا النيبي صيلى ال علييه وسيلم فسيأله عين قول ال تعالى" :ولقيد آتينيا موسيى تسيع آيات بينات"
فقال رسيول ال صيلى ال علييه وسيلم( :ل تشركوا بال شيئا ول تزنوا ول تقتلوا النفيس التيي حرم
ال إل بالحيق ول تسيرقوا ول تسيحروا ول تمشوا بيبريء إلى سيلطان فيقتله ول تأكلوا الربيا ول
تقذفوا محصينة ول تفروا مين الزحيف -شيك شعبية -وعليكيم ييا معشير اليهود خاصية أل تعدوا فيي
السيبت) فقبل يدييه ورجلييه وقال :نشهيد أنيك نيبي .قال( :فميا يمنعكميا أن تسيلما) قال :إن داود دعيا
ال أل يزال في ذريته نبي وإنا نخاف إن أسلمنا أن تقتلنا اليهود .قال أبو عيسى :هذا حديث حسن
صييحيح .وقييد مضييى فييي "البقرة" .وقيييل :اليات بمعنييى المعجزات والدللت .قال ابيين عباس
والضحاك :اليات التسع العصا واليد واللسان والبحر والطوفان والجراد والقمل والضفادع والدم؛
آيات مفصيلت .وقال الحسين والشعيبي :الخميس المذكورة فيي "العراف"؛ يعنيان الطوفان وميا
عطف عليه ،واليد والعصا والسنين والنقص من الثمرات .وروي نحوه عن الحسن؛ إل أنه يجعل
السنين والنقص من الثمرات واحدة ،وجعل التاسعة تلقف العصا ما يأفكون .وعن مالك كذلك؛ إل
أنيه جعيل مكان السينين والنقيص مين الثمرات؛ البحير والجبيل .وقال محميد بين كعيب :هيي الخميس
التيي فيي "العراف" والبحير والعصيا والحجير والطميس على أموالهيم .وقيد تقدم شرح هذه اليات
مسيتوفى والحميد ل" .فاسيأل بنيي إسيرائيل إذ جاءهيم" أي سيلهم ييا محميد إذ جاءهيم موسيى بهذه
اليات ،حسيبما تقدم بيانيه فيي "يونيس" .وهذا سيؤال اسيتفهام ليعرف اليهود صيحة ميا يقول محميد
صلى ال عليه وسلم" .فقال له فرعون إني لظنك يا موسى مسحورا" أي ساحرا بغرائب أفعالك؛
قاله الفراء وأبيو عيبيدة .فوضيع المفعول موضيع الفاعيل؛ كميا تقول :هذا مشؤوم وميمون ،أي شائم
ويامن .وقيل مخدوعا .وقيل مغلوبا؛ قاله مقاتل .وقيل غير هذا؛ وقد تقدم .وعن ابن عباس وأبي
نهييك أنهميا قرآ "فسيأل بنيي إسيرائيل" على الخيبر؛ أي سيأل موسيى فرعون أن يخلي بنيي إسيرائيل
ويطلق سبيلهم ويرسلهم معه.
**3اليية{ 102 :قال لقيد علميت ميا أنزل هؤلء إل رب السيماوات والرض بصيائر وإنيي
لظنك يا فرعون مثبورا}
@قوله تعالى" :قال لقد علمت ما أنزل هؤلء" يعني اليات التسع .و"أنزل" بمعنى أوجد" .إل
رب السيماوات والرض بصيائر" أي دللت يسيتدل بهيا على قدرتيه ووحدانيتيه .وقراءة العامية
"علمت" بفتح التاء ،خطابا لفرعون .وقرأ الكسائي بضم التاء ،وهي قراءة علي رضي ال عنه؛
وقال :وال ما علم عدو ال ولكن موسى هو الذي يعلم ،فبلغت ابن عباس فقال :إنها "لقد علم تَ"،
واحتيج بقوله تعالى" :وجحدوا بهيا واسيتيقنتها أنفسيهم ظلميا وعلوا" [النميل .]14 :ونسيب فرعون
إلى العناد .وقال أبيو عبييد :والمأخوذ بيه عندنيا فتيح التاء ،وهيو الصيح للمعنيى الذي احتيج بيه ابين
عباس؛ ولن موسى ل يحتيج بقوله :علميت أنا ،وهو الرسول الداعيي ،ولو كان مع هذا كله تصيح
به القراءة عن علي لكانت حجة ،ولكن ل تثبت عنه ،إنما هي عن كلثوم المرادي وهو مجهول ل
يعرف ،ول نعلم أحدا قرأ بهييا غييير الكسييائي .وقيييل :إنمييا أضاف موسييى إلى فرعون العلم بهذه
المعجزات؛ لن فرعون قيد علم مقدار ميا يتهييأ للسيحرة فعله ،وأن مثيل ميا فعيل موسيى ل يتهييأ
لسياحر ،وأنيه ل يقدر على فعله إل مين يفعله ،الجسيام ويملك السيماوات والرض .وقال مجاهيد:
دخيل موسيى على فرعون فيي يوم شات وعلييه قطيفية له ،فألقيى موسيى عصياه فإذا هيي ثعبان،
فرأى فرعون جانييبي البيييت بييين فُقميهييا ،ففزع وأحدث فييي قطيفتييه" .وإنييي لظنييك يييا فرعون
مثبورا" الظن هنا بمعنى التحقيق .والثبور :الهلل والخسران أيضا .قال الكميت:
من رأي مثبور وثابر ورأت قضاعة في اليا
أي مخسور وخاسر ،يعني في انتسابها إلى اليمن .وقيل :ملعونا .رواه المنهال عن سعيد بن جبير
عن ابن عباس .وقال أبان بن تغلب .وأنشد:
إن السفاه وإن البغي مثبور يا قومنا ل تروموا حربنا سقها
أي ملعون .وقال ميمون بين مهران عين ابين عباس" :مثبورا" ناقيص العقيل .ونظير المأمون رجل
فقال له :ييا مثبور؛ فسيأل عنيه قال .قال الرشييد قال المنصيور لرجيل :مثبور؛ فسيألته فقال :حدثنيي
ميمون بيين مهران ...فذكره .وقال قتادة هالكييا .وعنييه أيضييا والحسيين ومجاهييد .مهلكييا .والثبور:
الهلك؛ يقال :ثبر ال العدو ثبورا أهلكه .وقيل :ممنوعا من الخير حكيى أهل اللغة :ما ثبرك عن
كذا أي ما منعك منه .وثبره ال ثبرا .قال ابن الزبعرى:
يي ومن مال ميله مثبور إذ أجاري الشيطان في سنن الغي
الضحاك" :مثبورا" مسيحورا .رد علييه مثيل ميا قال له باختلف اللفيظ .وقال ابين زييد" :مثبورا"
مخبول ل عقل له.
**3اليتان{ 104 - 103 :فأراد أن يستفزهم من الرض فأغرقناه ومن معه جميعا ،وقلنا من
بعده لبني إسرائيل اسكنوا الرض فإذا جاء وعد الخرة جئنا بكم لفيفا}
@قوله تعالى" :فأراد أن يستفزهم من الرض" أي أراد فرعون أن يخرج موسى وبني إسرائيل
من أرض مصر بالقتل أو البعاد؛ فأهلكه ال عز وجل" .وقلنا من بعده لبني إسرائيل" أي من بعد
إغراقه "اسكنوا الرض" أي أرض الشام ومصر" .فإذا جاء وعد الخرة" أي القيامة" .جئنا بكم
لفيفا" أي من قبوركم مختلطين من كيل موضع ،قيد اختلط المؤمن بالكافير ل يتعارفون ول ينحاز
أحيد منكيم إلى قيبيلته وحييه .وقال ابين عباس وقتادة :جئنيا بكيم جميعيا مين جهات شتيى .والمعنيى
واحد .قال الجوهري :واللفيف ما اجتمع من الناس من قبائل شتى؛ يقال :جاء القوم بلفهم ولفيفهم،
أي وأخلطهم .وقوله تعالى "جئنا بكم لفيفا" أي مجتمعين مختلطين .وطعام لفيف إذا كان مخلوطا
مين جنسيين فصياعدا .وفلن لفييف فلن أي صيديقه .قال الصيمعي :اللفييف جميع ولييس له واحيد،
وهو مثل الجميع .والمعنى :أنهم يخرجون وقت الحشر من القبور كالجراد المنتشر ،مختلطين ل
يتعارفون .وقال الكلبي" :فإذا جاء وعد الخرة" يعني مجيء عيسى عليه السلم من السماء.
**3الية{ 105 :وبالحق أنزلناه وبالحق نزل وما أرسلناك إل مبشرا ونذيرا}
@قوله تعالى" :وبالحق أنزلناه وبالحق نزل" هذا متصل بما سبق من ذكر المعجزات والقرآن.
والكنايية ترجيع إلى القرآن .ووجيه التكريير فيي قوله "وبالحيق نزل" يجوز أن يكون معنيى الول:
أوجبنيا إنزاله بالحيق .ومعنيى الثانيي :ونزل وفييه الحيق؛ كقوله خرج بثيابيه ،أي وعلييه ثيابيه .وقييل
الباء فيي "وبالحيق" الول بمعنيى ميع ،أي ميع الحيق؛ كقولك ركيب الميير بسييفه أي ميع سييفه.
"وبالحق نزل" أي بمحمد صلى ال عليه وسلم ،أي نزل عليه ،كما تقول نزلت بزيد .وقيل :يجوز
أن يكون المعنى وبالحق قدرنا أن ينزل ،وكذلك نزل.
**3الية{ 106 :وقرآنا فرقناه لتقرأه على الناس على مكث ونزلناه تنزيل}
@قوله تعالى" :وقرآنا فرقناه" مذهب سيبويه أن "قرآنا" منصوب بفعل مضمر يفسره الظاهر.
وقرأ جمهور الناس "فرقناه" بتخفييييف الراء ،ومعناه بيناه وأوضحناه ،وفرقنيييا فييييه بيييين الحيييق
والباطيل؛ قاله الحسين .وقال ابين عباس :فصيلناه .وقرأ ابين عباس وعلي وابين مسيعود وأبيي بين
كعب وقتادة وأبو رجاء والشعبي "فرقناه" بالتشديد ،أي أنزلناه شيئا بعد شيء ل جملة واحدة؛ إل
أن في قراءة ابن مسعود وأبي "فرقناه عليك".
واختلف فيي كيم نزل القرآن مين المدة؛ فقييل :فيي خميس وعشريين سينة .ابين عباس :فيي ثلث
وعشريين .أنيس :فيي عشريين .وهذا بحسيب الخلف فيي سين رسيول ال صيلى ال علييه وسيلم ،ول
خلف أنييه نزل إلى السييماء الدنيييا جملة واحدة .وقييد مضييى هذا فييي "البقرة"" .على مكييث" أي
تطاول فيي المدة شيئا بعيد شييء .ويتناسيق هذا القرآن على قراءة ابين مسيعود ،أي أنزلناه آيية آيية
وسورة سورة .وأما على القول الول فيكون "على مكث" أي على ترسل في التلوة وترتيل؛ قاله
مجاهيد وابين عباس وابين جرييج .فيعطيي القارئ القراءة حقهيا مين ترتيلهيا وتحسيينها وتطييبهيا
بالصوت الحسن ما أمكن من غير تلحين ول تطريب مؤد إلى تغيير لفظ القرآن بزيادة أو نقصان
فإن ذلك حرام على مييا تقدم أول الكتاب .وأجمييع القراء على ضييم الميييم ميين "مكييث" إل ابيين
محيصين فإنيه قرأ "مكيث" بفتيح المييم .ويقال :مكيث ومكيت ومكيث؛ ثلث لغات .قال مالك" :على
مكيث" على تثبيت وترسيل" .ونزلناه تنزيل" مبالغية وتأكييد بالمصيدر للمعنيى المتقدم ،أي أنزلناه
نجما بعد نجم؛ ولو أخذوا بجميع الفرائض في وقت واحد لنفروا.
**3الية{ 107 :قل آمنوا به أو ل تؤمنوا إن الذين أوتوا العلم من قبله إذا يتلى عليهم يخرون
للذقان سجدا}
@قوله تعالى" :قل آمنوا به أو ل تؤمنوا" يعني القرآن .وهذا من ال عز وجل على وجه التبكيت
لهييم والتهديييد ل على وجييه التخيييير" .إن الذييين أوتوا العلم ميين قبله" أي ميين قبييل نزول القرآن
وخروج النبي صلى ال عليه وسلم ،وهم مؤمنو أهل الكتاب؛ في قول ابن جريج وغيره .قال ابن
جرييج :معنيى "إذا يتلى عليهيم" كتابهيم .وقييل القرآن" .يخرون للذقان سيجدا" وقييل :هيم قوم مين
ولد إسماعيل تمسكوا بدينهم إلى أن بعث ال تعالى النبي عليه السلم ،منهم زيد بن عمرو بن نفيل
وورقة بن نوفيل .وعلى هذا ليس يريد أوتوا الكتاب بيل يرييد أوتوا علم الدين .وقال الحسين :الذين
أوتوا العلم أمية محميد صيلى ال علييه وسيلم .وقال مجاهيد :إنهيم ناس مين اليهود؛ وهيو أظهير لقوله
"من قبله"" .إذا يتلى عليهم" يعني القرآن في قول مجاهد .كانوا إذا سمعوا ما أنزل ال تعالى من
القرآن سيجدوا وقالوا" :سيبحان ربنيا إن كان وعيد ربنيا لمفعول" .وقييل :كانوا إذا تلوا كتابهيم وميا
أنزل عليه من القرآن خشعوا وسجدوا وسبحوا ،وقالوا :هذا هو المذكور في التوراة ،وهذه صفته،
ووعيد ال بيه واقيع ل محالة ،وجنحوا إلى السيلم؛ فنزلت اليية فيهيم .وقالت فرقية :المراد بالذيين
أوتوا العلم ميين قبله محمييد صييلى ال عليييه وسييلم ،والضمييير فييي "قبله" عائد على القرآن حسييب
الضميير فيي قوله "قيل آمنوا بيه" .وقييل :الضميران لمحميد صيلى ال علييه وسيلم ،واسيتأنف ذكير
القرآن في قوله" :إذا يتلى عليهم".
* *3الية{ 108 :ويقولون سبحان ربنا إن كان وعد ربنا لمفعول}
@ دلييل على جواز التسيبيح فيي السيجود .وفيي صيحيح مسيلم وغيره عين عائشية رضيي ال عنهيا
قالت :كان رسيول ال صيلى ال علييه وسيلم يكثير أن يقول فيي سيجوده وركوعيه (سيبحانك اللهيم
وبحمدك اللهم اغفر لي).
* *3الية{ 109 :ويخرون للذقان يبكون ويزيدهم خشوعا}
@قوله تعالى" :ويخرون للذقان يبكون" هذه مبالغة في صفتهم ومدح لهم .وحق لكل من توسم
بالعلم وحصيل منيه شيئا أن يجري إلى هذه المرتبية ،فيخشيع عنيد اسيتماع القرآن ويتواضيع ويذل.
وفي مسند الدارمي أبي محمد عن التيمي قال :من أوتي من العلم ما لم يبكه لخليق أل يكون أوتي
علما؛ لن ال تعالى نعت العلماء ،ثم تل هذه الية .ذكره الطبري أيضا .والذقان جمع ذقن ،وهو
مجتمييع اللحيييين .وقال الحسيين :الذقان عبارة عيين اللحييى؛ أي يضعونهييا على الرض فييي حال
السيجود ،وهيو غايية التواضيع .واللم بمعنيى على؛ تقول سيقط لفييه أي على فييه .وقال ابين عباس:
"ويخرون للذقان سجدا" أي للوجوه ،وإنما خص الذقان بالذكر لن الذقن أقرب شيء من وجه
النسان .قال ابن خويز منداد :ول يجوز السجود على الذقن؛ لن الذقن ها هنا عبارة عن الوجه،
وقيد يعيبر بالشييء عميا جاوره وببعضيه عين جميعيه؛ فيقال :خير لوجهيه سياجدا وإن كان لم يسيجد
على خده ول عينه .أل ترى إلى قوله:
فخر صريعا لليدين وللفم
فإنما أراد :خر صريعا على وجهه ويديه.
@قوله تعالى" :يبكون" فييه دلييل على جواز البكاء فيي الصيلة مين خوف ال تعالي ،أو على
معصييته فيي ديين ال ،وأن ذلك ل يقطعهيا ول يضرهيا .ذكير ابين المبارك عين حماد بين سيلمة عين
ثابت البناني عن مطرف بن عبدال بن الشخير عن أبيه قال :أتيت النبي صلى ال عليه وسلم وهو
يصيلي ولجوفيه أزييز كأزييز المرجيل مين البكاء .وفيي كتاب أبيي داود :وفيي صيدره أزييز كأزييز
الرحى من البكاء.
@ واختلف الفقهاء فيي النيين؛ فقال مالك :النيين ل يقطيع الصيلة للمرييض ،وأكرهيه للصيحيح؛
وبيه قال الثوري .وروى ابين الحكيم عين مالك :التنحنيح والنيين والنفيخ ل يقطيع الصيلة .وقال ابين
القاسيم :يقطيع .وقال الشافعيي :إن كان له حروف تسيمع وتفهيم يقطيع الصيلة .وقال أبيو حنيفية :إن
كان مين خوف ال لم يقطيع ،وإن كان مين وجيع قطيع .وروي عين أبيي يوسيف أن صيلته فيي ذلك
كله تامة؛ لنه ل يخلو مريض ول ضعيف من أنين" .ويزيدهم خشوعا" تقدم.
**3اليية{ 110 :قيل ادعوا ال أو ادعوا الرحمين أييا ميا تدعوا فله السيماء الحسينى ول تجهير
بصلتك ول تخافت بها وابتغ بين ذلك سبيل}
@قوله تعالى" :قيل ادعوا ال أو ادعوا الرحمين أييا ميا تدعوا فله السيماء الحسينى" سيبب نزول
هذه الية أن المشركين سمعوا رسول ال صلى ال عليه وسلم يدعوا (يا ال يا رحمن) فقالوا :كان
محميد يأمرنيا بدعاء إله واحيد وهيو يدعيو إلهيين؛ قاله ابين عباس .وقال مكحول :تهجيد رسيول ال
صلى ال عليه وسلم ليلة فقال في دعائه( :يا رحمن يا رحيم) فسمعه رجل من المشركين ،وكان
باليمامة رجل يسمى الرحمن ،فقال ذلك السامع :ما بال محمد يدعو رحمان اليمامة .فنزلت الية
مبينية أنهميا اسيمان لمسيمى واحيد؛ فإن دعوتموه بال فهيو ذاك ،وإن دعوتموه بالرحمين فهيو ذاك.
وقيل :كانوا يكتبون في صدر الكتب :باسمك اللهم؛ فنزلت "إنه من سليمان وإنه بسم ال الرحمن
الرحييم" [النميل ]30 :فكتيب رسيول ال صيلى ال علييه وسيلم "بسيم ال الرحمين الرحييم" فقال
المشركون :هذا الرحيم نعرفه فما الرحمن؛ فنزلت الية .وقيل :إن اليهود قالت :ما لنا ل نسمع في
القرآن اسيما هيو فيي التوراة كثيير؛ يعنون الرحمين؛ فنزلت اليية .وقرأ طلحية بين مصيرف "أييا ميا
تدعيو فله السيماء الحسينى" أي التيي تقتضيي أفضيل الوصياف وأشرف المعانيي .وحسين السيماء
إنما يتوجه بتحسين الشرع؛ لطلقها والنص عليها .وانضاف إلى ذلك أنها تقتضي معاني حسانا
شريفة ،وهي بتوقيف ل يصح وضع اسم ل ينظر إل بتوقيف من القرآن أو الحديث أو الجماع.
حسبما بيناه في (الكتاب السنى في شرح أسماء ال الحسنى).
@قوله تعالى" :ول تجهر بصلتك ول تخافت بها وابتغ بين ذلك سبيل" اختلفوا في سبب نزولها
على خمسية أقوال :الول :ميا روى ابين عباس فيي قوله تعالى" :ول تجهير بصيلتك ول تخافيت
بهيا" قال :نزلت ورسيول ال صيلى ال علييه وسيلم متوار بمكية ،وكان إذا صيلى بأصيحابه رفيع
صييوته بالقرآن ،فإذا سييمع ذلك المشركون سييبوا القرآن وميين أنزله وميين جاء بييه؛ فقال ال تعالى
"ول تجهر بصلتك" فيسمع المشركون قراءتك" .ول تخافت بها" عن أصحابك .أسمعهم القرآن
ول تجهير ذلك الجهير" .وابتيغ بيين ذلك سيبيل" قال :يقول بيين الجهير والمخافتية؛ أخرجيه البخاري
ومسيلم والترمذي وغيرهيم .واللفيظ لمسيلم .والمخافتية :خفيض الصيوت والسيكون؛ يقال للمييت إذا
برد :خفت .قال الشاعر:
ومقلة إنسانها باهت لم يبق إل نفس خافت
يا ويح من يرثى له الشامت رثى لها الشامت مما بها
الثانيي :ميا رواه مسيلم أيضيا عين عائشية فيي قوله عيز وجيل" :ول تجهير بصيلتك ول تخافيت بهيا"
قالت :أنزل هذا فيي الدعاء .الثالث :قال ابن سييرين :كان العراب يجهرون بتشهدهيم فنزلت اليية
في ذلك.
قلت :وعلى هذا فتكون الية متضمنة لخفاء التشهد ،وقد قال ابن مسعود :من السنة أن تخفي
التشهيد؛ ذكره ابين المنذر .الرابيع :ميا روي عين ابين سييرين أيضيا أن أبيا بكير رضيي ال عنيه كان
يِ سُر قراءته ،وكان عمر يجهر بها ،فقيل لهما في ذلك؛ فقال أبو بكر :إنما أناجي ربي ،وهو يعلم
حاجتيي .إليه .وقال عمر :أنا أطرد الشيطان وأوقيظ الوسنان؛ فلما نزلت هذه الية قيل لبي بكر:
ارفيع قليل ،وقييل لعمير اخفيض أنيت قليل؛ ذكره الطيبري وغيره[ .الخاميس] ميا روي عين ابين
عباس أيضيا أن معناهيا ول تجهير بصيلة النهار ،ول تخافيت بصيلة اللييل؛ ذكره يحييى بين سيلم
والزهراوي .فتضمنييت أحكام الجهيير والسييرار بالقراءة فييي النوافييل والفرائض ،فأمييا النوافييل
فالمصيلي مخيير فيي الجهير والسير فيي الليل والنهار ،وكذلك روي عن النيبي صيلى ال عليه وسلم
أنييه كان يفعييل المرييين جميعييا .وأمييا الفرائض فحكمهييا فييي القراءة معلوم ليل ونهارا[ .وقول
سيادس] قال الحسين :يقول ال ل ترائي بصيلتك تحسينها فيي العلنيية ول تسييئها فيي السير .وقال
ابن عباس :ل تصل مرائيا للناس ول تدعها مخافة الناس.
@ عبر تعالى بالصلة هنا عن القراءة كما عبر بالقراءة عن الصلة في قوله" :وقرآن الفجر إن
قرآن الفجير كان مشهودا" [السييراء ]78 :لن كييل واحييد منهمييا مرتبييط بالخيير؛ لن الصييلة
تشتمل على قراءة وركوع وسجود فهي من جملة أجزائها؛ فعبر بالجزء عن الجملة وبالجملة عن
الجزء على عادة العرب في المجاز وهو كثير؛ ومنه الحديث الصحيح( :قسمت الصلة بيني وبين
عبدي) أي قراءة الفاتحة على ما تقدم.
**3الية{ 111 :وقل الحمد ل الذي لم يتخذ ولدا ولم يكن له شريك في الملك ولم يكن له ولي
من الذل وكبره تكبيرا}
@قوله تعالى" :وقل الحمد ل الذي لم يتخذ ولدا" هذه الية رادة على اليهود والنصارى والعرب
فيي قولهيم أفذاذا :عزييز وعيسيى والملئكية ذريية ال سيبحانه؛ تعالى ال عين أقوالهيم" .ولم يكين له
شريك في الملك" لنه واحد ل شريك له في ملكه ول في عبادته" .ولم يكن له ولي من الذل" قال
مجاهيد :المعنيى لم يحالف أحدا ول ابتغيى نصير أحيد؛ أي لم يكين له ناصير يجيره مين الذل فيكون
مدافعيا .وقال الكلبيي :لم يكين له ولي مين اليهود والنصيارى؛ لنهيم أذل الناس ،ردا لقولهيم :نحين
أبناء ال وأحباؤه .وقال الحسين بين الفضيل" :ولم يكين له ولي مين الذل" يعنيي لم يذل فيحتاج إلى
ولي ول ناصر لعزته وكبريائه" .وكبره تكبيرا" أي عظمه عظمة تامة .ويقال :أبلغ لفظة للعرب
في معنى التعظيم والجلل :ال أكبر؛ أي صفة بأنه أكبر من كل شيء .قال الشاعر:
محاولة وأكثرهم جنودا رأيت ال أكبر كل شيء
وكان النيبي صيلى ال علييه وسيلم إذا دخيل فيي الصيلة قال( :ال أكيبر) وقيد تقدم أول الكتاب .وقال
ل العب ِد "ال أكيبر" خيير مين الدنييا وميا فيهيا .وهذا اليية هيي خاتمية التوراة.
عمير بين الخطاب .قو ُ
روى مطرف عن عبدال بن كعيب قال :افتتحت التوراة بفاتحية سورة النعام وختمت بخاتمة هذه
السيورة .وفيي الخيبر أنهيا آيية العيز؛ رواه معاذ بين جبيل عين النيبي صيلى ال علييه وسيلم .وروى
عمرو بين شعييب عين أبييه عين جده قال كان النيبي صيلى ال علييه وسيلم إذا أفصيح الغلم مين بنيي
عبدالمطلب علميه "وقيل الحميد ل الذي" اليية .وقال عبدالحمييد .بين واصيل :سيمعت عين النيبي
صيلى ال علييه وسيلم أنيه قال( :مين قرأ وقيل الحميد ل اليية كتيب ال له مين الجير مثيل الرض
والجبييل لن ال تعالى يقول فيميين زعييم أن له ولدا تكاد السييماوات يتفطرن منييه وتنشييق الرض
وتخير الجبال هدا) .وجاء فيي الخيبر أن النيبي صيلى ال علييه وسيلم أمير رجيل شكيا إلييه الديين بأن
يقرأ "قل ادعوا ال أو ادعوا الرحمن" [السراء - ]110 :إلى آخر السورة ثم يقول :توكلت على
الحي الذي ل يموت؛ ثلث مرات.
تمت سورة السراء ،والحمد ل وحده ،والصلة والسلم على من ل نبي بعده.
**2سورة الكهف
**3مقدمة السورة
@ سيورة الكهيف وهيي مكيية فيي قول جمييع المفسيرين .روي عين فرقية أن أول السيورة نزل
بالمدينة إلى قوله "جرزا" [الكهف ،]8 :والول أصح .وروي في فضلها من حديث أنس أنه قال:
من قرأ بها أعطي نورا بين السماء والرض ووقي بها فتنة القبر .وقال إسحاق بن عبدال بن أبي
فروة :إن رسيول ال صيلى ال علييه وسيلم قال( :أل أدلكيم على سيورة شيعهيا سيبعون ألف ملك مل
عظمها ما بين السماء والرض لتاليها مثل ذلك) .قالوا :بلى يا رسول ال؟ قال( :سورة أصحاب
الكهف من قرأها يوم الجمعة غفر له الجمعة الخرى وزيادة ثلثة أيام وأعطي نورا يبلغ السماء
ووقيي فتنية الدجال) ذكره الثعلبيي ،والمهدوي أيضيا بمعناه .وفيي مسيند الدارميي عين أبيي سيعيد
الخدري قال :مين قرأ سيورة الكهيف ليلة الجمعية أضاء له مين النور فيميا بينيه وبيين البييت العتييق.
وفي صحيح مسلم عن أبي الدرداء أن نبي ال صلى ال عليه وسلم قال( :من حفظ عشر آيات من
أول سورة الكهف عصم من الدجال) .وفي رواية (من آخر الكهف) .وفي مسلم أيضا من حديث
النواس بن سمعان (فمن أدركه -يعني الدجال -فليقرأ عليه فواتح سورة الكهف) .وذكره الثعلبي.
قال :سمرة بن جندب قال النبي صلى ال عليه وسلم( :من قرأ عشر آيات من سورة الكهف حفظا
لم تضره فتنة الدجال) .ومن قرأ السورة كلها دخل الجنة.
**3اليات{ 3 - 1 :الحمد ل الذي أنزل على عبده الكتاب ولم يجعل له عوجا ،قيما لينذر بأسا
شديدا من لدنه ويبشر المؤمنين الذين يعملون الصالحات أن لهم أجرا حسنا ،ماكثين فيه أبدا}
@ ذكير ابين إسيحاق أن قريشيا بعثوا النضير بين الحارث وعقبية بين أبيي معييط إلى أحبار يهود
وقالوا لهما :سلهم عن محمد وصفا لهم صفته وأخبراهم بقوله؛ فإنهم أهل الكتاب الول ،وعندهم
علم ليس عندنا من علم أنبياء؛ فخرجا حتى قدما المدينة ،فسأل أحبار يهود عن رسول ال صلى
ال عليه وسلم ،ووصفا لهم أمره ،وأخبراهم ببعض قوله ،وقال لهم :إنكم أهل التوراة وقد جئناكم
لتخبرونا عن صاحبنا هذا .فقالت لهما أحبار يهود :سلوه عن ثلث نأمركم بهن ،فإن أخبركم بهن
فهيو نيبي مرسيل ،وإن لم يفعيل فالرجيل متقول ،فروا فييه رأيكيم؛ سيلوه عين فتيية ذهبوا فيي الدهير
الول ،ميا كان أمرهيم؛ فإنيه قيد كان لهيم حدييث عجيب .سيلوه عين رجيل طواف قيد بلغ مشارق
الرض ومغاربهيا ،ميا كان نبؤه .وسيلوه عين الروح ،ميا هيي؛ فإذا أخيبركم بذلك فاتبعوه فإنيه نيبي،
وإن لم يفعيل فهيو رجيل متقول فاصينعوا فيي أمره ميا بدا لكيم .فأقبيل النضير بين الحارث وعقبية بين
أبيي معييط قدميا مكية على قرييش فقال :ييا معشير قرييش ،قيد جئناكيم بفصيل ميا بينكيم وبيين محميد -
صلى ال عليه وسلم -قد أمرنا أحبار يهود أن نسأله عن أشياء أمرونا بها ،فإن أخبركم عنها فهو
نبي ،وإن لم يفعل فالرجل متقول ،فروا فيه رأيكم .فجاؤوا رسول ال صلى ال عليه وسلم فقالوا:
يا محمد ،أخبرنا عن فتية ذهبوا في الدهر الول ،قد كانت لهم قصة عجب ،وعن رجل كان طوافا
قيد بلغ مشارق الرض ومغاربهيا ،وأخبرنيا عين الروح ميا هيي؟ قال فقال لهيم رسيول ال صيلى ال
عليه وسلم( :أخبركم بما سألتم عنه غدا) ولم يسيتثن .فانصرفوا عنه ،فمكث رسول ال صلى ال
عليه وسلم فيما يزعمون خمس عشرة ليلة ،ل يحدث ال إليه في ذلك وحيا ول يأتيه جبريل ،حتى
أرجيف أهيل مكية وقالوا :وعدنيا محميد غدا ،واليوم خميس عشرة ليلة ،وقيد أصيبحنا منهيا ل يخبرنيا
بشيء مما سألناه عنه؛ وحتى أحزن رسول ال صلى ال عليه وسلم مكث الوحي عنه ،وشق عليه
ما يتكلم به أهل مكة ،ثم جاءه جبريل عليه السلم من عند ال عز وجل بسورة أصحاب الكهف
فيها معاتبته إياه على حزنه عليهم ،وخبر ما سألوه عنه من أمر الفتية ،والرجل الطواف والروح.
قال ابين إسيحاق :فذكير لي أن رسيول ال صيلى ال علييه وسيلم قال لجبرييل( :لقيد احتبسيت عنيي ييا
جبريل حتى سؤت ظنا" فقال له جبريل" :وما نتنزل إل بأمر ربك له ما بين أيدينا وما خلفنا وما
بين ذلك وما كان ربك نسيا" [مريم.]64 :
فافتتح السورة تبارك وتعالى بحمده ،وذكر نبوة رسوله صلى ال عليه وسلم لما أنكروا عليه من
ذلك فقال" :الحمد ال الذي أنزل على عبده الكتاب" يعني محمدا ،إنك رسول مني ،أي تحقيق لما
سألوا عنه من نبوتك" .ولم يجعل له عوجا قيما" أي معتدل ل اختلف فيه" .لينذر بأسا شديدا من
لدنيه" أي عاجل عقوبته فيي الدنييا ،وعذابيا أليميا فيي الخرة ،أي من عند ربك الذي بعثيك رسول.
"ويبشر المؤمنين الذين يعملون الصالحات ،أن لهم أجرا حسنا ماكثين فيه أبدا" أي دار الخلد ل
يموتون فيها ،الذين صدقوك بما جئت به مما كذبك به غيرهم ،وعملوا بما أمرتهم به من العمال.
"وينذر الذين قالوا اتخذ ال ولدا" [الكهف ]4 :بعني قريشا في قولهم :إنا نعبد الملئكة وهي بنات
ال" .ميا لهيم بيه مين علم ول لبائهيم" [الكهيف ]5 :الذيين أعظموا فراقهيم وعييب دينهيم" .كيبرت
كلمية تخرج مين أفواههيم" [الكهيف ]5 :أي لقولهيم إن الملئكية بنات ال" .إن يقولون إل كذبيا.
فلعلك باخيع نفسيك على آثارهيم إن لم يؤمنوا بهذا الحدييث أسيفا" [الكهيف ]6 :لحزنيه عليهيم حيين
فاته ما كان يرجوه منهم ،أي ل تفعل .فال ابن هشام" :باخع نفسك" مهلك نفسك؛ فيما حدثني أبو
عبيدة .قال ذو الرمة:
بشيء نحته عن يديه المقادر أل أي هذا الباخع الوجد نفسه
وجمعهيا باخعون وبخعيه .وهذا البييت فيي قصييدة له .وقول العرب :قيد بخعيت له نصيحي ونفسيي،
أي جهدت له" .إنا جعلنا ما على الرض زينة لها لنبلوهم أيهم أحسن عمل" [الكهف ]7 :قال ابن
إسيحاق :أي أيهيم اتبيع لمري وأعميل بطاعتيي" :وإنيا لجاعلون ميا عليهيا صيعيدا جرزا" [الكهيف:
]8أي الرض ،وإن ميا عليهيا لفان وزائل ،وإن المرجيع إلي فأجزي كل بعمله؛ فل تأس ول
يحزنيك ميا ترى وتسيمع فيهيا .قال ابين هشام :الصيعيد وجيه الرض ،وجمعيه صيعد .قال ذو الرمية
يصف ظبيا صغيرا:
دبابة في عظام الرأس خرطوم كأنه بالضحى ترمي الصعيد به
وهذا البييت فيي قصييدة له .والصيعيد أيضيا :الطرييق ،وقيد جاء فيي الحدييث( :إياكيم والقعود على
الصيعدات) يرييد الطرق .والجرز :الرض التيي ل تنبيت شيئا ،وجمعهيا أجراز .ويقال :سينة جرز
وسينون أجراز؛ وهيي التيي ل يكون فيهيا مطير .وتكون فيهيا جدوبية ويبيس وشدة .قال ذو الرمية
يصف إبل:
فما بقيت إل الضلوع الجراشع طوى النحز والجراز ما في بطونها
قال ابيين إسييحاق :ثييم اسييتقبل قصيية الخييبر فيمييا سييألوه عنييه ميين شأن الفتييية فقال" :أم حسييبت أن
أصيحاب الكهيف والرقييم كانوا مين آياتنيا عجبيا" [الكهيف ]9 :أي قيد كان مين آياتيي فييه وضعيت
على العباد مين حجتيي ميا هيو أعجيب مين ذلك .قال ابين هشام :والرقييم الكتاب الذي رقيم بخيبرهم،
وجمعه رقم .قال العجاج:
ومستقر المصحف المرقم
وهذا البيت فيي أرجوزة له .قال ابن إسحاق :ثم قال "إذ أوى الفتية إلى الكهف فقالوا ربنا آتنا من
لدنك رحمة وهيئ لنا من أمرنا رشدا .فضربنا على آذانهم في الكهف سنين عددا .ثم بعثناهم لنعلم
أي الحزبيين أحصيى لميا لبثوا أمدا" [الكهيف .]12 :ثيم قال" :نحين نقيص علييك نبأهيم بالحيق"
[الكهيف ]13 :أي بصيدق الخيبر "إنهيم فتيية آمنوا بربهيم وزدناهيم هدى .وربطنيا على قلوبهيم إذ
قاموا فقالوا ربنيا رب السيماوات والرض لن ندعيو مين دونيه إلهيا لقيد قلنيا إذا شططيا" [الكهيف:
]14أي لم يشركوا بيي كميا أشركتيم بيي ميا لييس لكيم بيه علم .قال ابين هشام :والشطيط الغلو
ومجاوزة الحق .قال أعشى بن قيس بن ثعلبة:
كالطعن يذهب فيه الزيت والفتل أتنتهون ول ينهى ذوي شطط
وهذا البييت فيي قصييدة له .قال ابين إسيحاق" :هؤلء قومنيا اتخذوا مين دونيه آلهية لول يأتون عليهيم
بسلطان بين" [الكهف .]15 :قال ابن إسحاق :أي بحجة بالغة" .فمن أظلم ممن افترى على ال
كذبا .وإذ اعتزلتموهم وما يعبدون إل ال فأووا إلى الكهف ينشر لكم ربكم من رحمته ويهيئ لكم
مين أمركيم مرفقيا .وترى الشميس إذا طلعيت تزاور عين كهفهيم ذات اليميين وإذا غربيت تقرضهيم
ذات الحال وهم في فجوة منه" [الكهف .]17 :قال ابن هشام :تزاور تميل؛ وهو من الزور .وقال
أبو الزحف الكليبي يصف بلدا:
ينضي المطايا خمسه العشنزر جدب المندي عن هوانا أزور
وهذان البيتان فيي أرجوزة له .و"تقرضهيم ذات الشمال" تجاوزهيم وتتركهيم عين شمالهيا .قال ذو
الرمة:
شمال وعن أيمانهن الفوارس إلى ظعن يقرضن أقواز مشرف
وهذا البيت في قصيدة له .والفجوة :السعة ،وجمعها الفجاء .قال الشاعر:
حتى أبيحوا وحلوا فجوة الدار ألبست قومك مخزاة ومنقصة
"ذلك مين آيات ال" أي فيي الحجية على مين عرف ذلك مين أمورهيم مين أهيل الكتاب ممين أمير
هؤلء بمسألتك عنهم في صدق نبوتك بتحقيق الخبر عنهم" .من يهد ال فهو المهتدي ومن يضلل
فلن تجد له وليا مرشدا .وتحسبهم أيقاظا وهم رقود ونقلبهم ذات اليمين وذات الشمال وكلبهم باسط
ذراعيه بالوصيد" [الكهف ] :قال ابن هشام :الوصيد الباب .قال العبسي واسمه عبد بن وهب:
علي ومعروفي بها غير منكر بأرض فلة ل يسد وصيلها
وهذا البييت فيي أبيات له .والوصييد أيضيا الفناء ،وجمعيه وصيائد ووصيد وصيدان" .لو اطلعيت
عليهيم لولييت منهيم فرارا -إلى قوله -الذيين غلبوا على أمرهيم" [الكهيف ] :أهيل السيلطان والملك
منهم" .لنتخذن عليهم مسجدا .سيقولون" [الكهف ]21:يعني أحبار اليهود الذين أمروهم بالمسألة
عنهيم" .ثلثية رابعهيم كلبهيم ويقولون خمسية سيادسهم كلبهيم رجميا بالغييب ويقولون سيبعة وثامنهيم
كلبهيم قيل ربيي اعلم بعدتهيم ميا يعلمهيم إل قلييل فل تمار فيهيم" [أي ل تكابرهيم" .إل مراء ظاهرا
ول تستفت فيهم منهم أحدا" [الكهف ]22:فإنهم ل علم لهم بهم" .ول تقولن لشيء إني فاعل ذلك
غدا .إل أن يشاء ال واذكيير ربييك إذا نسيييت وقييل عسييى أن يهدينييي ربييي لقرب ميين هذا رشدا"
[الكهف ]24:أي ل تقولن لشيء سألوك عنه كما قلت في هذا إني مخبركم غدا ،واستثن مشيئة
ال ،واذكر ربك إذا نسيت وقل عسى أن يهديني ربي لخبر ما سألتموني عنه رشدا ،فإنك ل تدري
ميا أنيا صيانع فيي ذلك" .ولبثوا فيي كهفهيم ثلثمائة سينين وازدادوا تسيعا" [الكهيف ] :أي سييقولون
ذلك" .قل ال اعلم بما لبثوا له غيب السماوات والرض أبصر به واسمع ما لهم من دونه من ولي
ول يشرك في حكمه أحدا" [الكهف ]26:أي لم يخف عليه شيء ما سألوك عنه.
قلت :هذا ميا وقيع فيي السييرة مين خيبر أصيحاب الكهيف ذكرناه على نسيقه .ويأتيي خيبر ذي
القرنين ،ثم نعود إلى أول السورة فنقول:
قيد تقدم معنى الحمد ل .وزعم الخفش والكسائي والفراء وأبو عبيد وجمهور المتأولين أن في
أول هذه السييورة تقديمييا وتأخيرا ،وأن المعنييى :الحمييد ل الزي أنزل على عبده الكتاب قيمييا ولم
يجعييل له عوجييا .و"قيمييا" نصييب على الحال .وقال قتادة :الكلم على سييياقه ميين غييير تقديييم ول
تأخيير ،ومعناه :ولم يجعيل له عوجيا ولكين جعلناه قيميا .وقول الضحاك فييه حسين ،وأن المعنيى:
مسيتقيم ،أي مسيتقيم الحكمية ل خطيأ فييه ول فسياد ول تناقيض .وقييل" :قيميا" على الكتيب السيابقة
يصدقها .وقيل" :قيما" بالحجج أبدا" .عوجا" مفعول به؛ والعوج (بكسر العين) في الدين والرأي
والمير والطرييق .وبفتحهيا فيي الجسيام كالخشيب والجدار؛ وقيد تقدم .ولييس فيي القرآن عوج ،أي
عييب ،أي لييس متناقضيا مختلقيا؛ كميا قال تعالى" :ولو كان مين عنيد غيير ال لوجدوا فييه اختلفيا
كثيرا" [النساء ]82:وقيل :أي لم يجعله مخلوقا؛ كما روي عن ابن عباس في قوله تعالى "قرآنا
عربيييا غييير ذي عوج" [الزميير ]28:قال :غييير مخلوق .وقال مقاتييل" :عوجييا" اختلفييا .قال
ول خير فيمن كان في الود أعوجا الشاعر :أدوم بودي للصديق تكرما
"لينذر بأسا شديدا" أي لينذر محمد أو القرآن .وفيه إضمار ،أي لينذر الكافرين عقاب ال .وهذا
العذاب الشديد قد يكون في الدنيا وقد يكون في الخرة" .من لدنه" أي من عنده وقرأ أبو بكر عن
عاصيم "مين لدنيه" بإسيكان الدال وإشمامهيا الضيم وكسير النون ،والهاء موصيولة بياء .والباقون
"لدنيه" بضيم الدال وإسيكان النون وضيم الهاء .قال الجوهري :وفيي "لدن" ثلث لغات :لدن،
ولدي ،ولد .وقال:
من لد لحييه إلى منحوره
المنحور لغة المنحر.
@قوله تعالى" :ويبشر المؤمنين الذين يعملون الصالحات أن لهم" أي بأن لهم "أجرا حسنا" وهي
الجنة" .ماكثين" دائمين" .فيه أبدا" ل إلى غاية .وإن حملت التبشير على البيان لم يحتج إلى الباء
في "بأن" .والجر الحسن :الثواب العظيم الذي يؤدي إلى الجنة.
**3اليتان{ 5 - 4 :وينذر الذين قالوا اتخذ ال ولدا ،ما لهم به من علم ول لبائهم كبرت كلمة
تخرج من أفواههم إن يقولون إل كذبا}
@وهم اليهود ،قالوا عزير ابن ال ،والنصارى قالوا المسيح ابن ال ،وقريش قالت الملئكة بنات
ال .فالنذار في أول السورة عام ،وهذا خاص فيمن قال ل ولد" .ما لهم به من علم" "من" صلة،
أي ما لهم بذلك القول علم؛ لنهم مقلدة قالوه بغير دليل" .ول لبائهم" أي أسلفهم" .كبرت كلمة"
"كلمية" نصيب على البيان؛ أي كيبرت تلك الكلمية كلمية .وقرأ الحسين ومجاهيد ويحييى بين يعمير
وابن أبي إسحاق "كلمة" بالرفع؛ أي عظمت كلمة؛ يعني قولهم اتخذ ال ولدا .وعلى هذه القراءة
فل حاجة إلى إضمار .يقال :كبر الشيء إذا عظم .وكبر الرجل إذا أسن" .تخرج من أفواههم" في
موضع الصفة" .إن يقولون إل كذبا" أي ما يقولون إل كذبا.
**3الية{ 6 :فلعلك باخع نفسك على آثارهم إن لم يؤمنوا بهذا الحديث أسفا}
@قوله تعالى" :فلعلك باخيع نفسيك على آثارهيم" "باخيع" أي مهلك وقاتيل؛ وقيد تقدم" .آثارهيم"
جمع أثر ،ويقال إثر .والمعنى :على أثر توليهم وإعراضهم عنك" .إن لم يؤمنوا بهذا الحديث" أي
القرآن" .أسفا" أي حزنا وغضبا على كفرهم؛ وانتصب على التفسير.
**3الية{ 7 :إنا جعلنا ما على الرض زينة لها لنبلوهم أيهم أحسن عمل}
@قوله تعالى" :إنيا جعلنيا ميا على الرض زينية" "ميا" و"زينية" مفعولن .والزينية كيل ميا على
وجييه الرض؛ فهييو عموم لنييه دال على بارئه .وقال ابيين جييبير عيين ابيين عباس :أراد بالزينيية
الرجال؛ قال مجاهيد .وروى عكرمية عين ابين عباس أن الزينية الخلفاء والمراء .وروى ابين أبيي
نجيح عن مجاهد عن ابن عباس في قوله تعالى" :إنا جعلنا ما على الرض زينة لها" قال :العلماء
زينية الرض .وقالت فرقية :أراد النعيم والملبيس والثمار والخضرة والمياه ،ونحيو هذا مميا فييه
زينية؛ ولم يدخيل فييه الجبال الصيم وكيل ميا ل زينية فييه كالحيات والعقارب .والقول بالعموم أولى،
وأن كل ما على الرض فيه زينة من جهة خلقه وصنعه وإحكامه .والية بسط في التسلية؛ أي ل
تهتيم ييا محميد للدنييا وأهلهيا فإنيا إنميا جعلنيا ذلك امتحانيا واختبارا لهلهيا؛ فمنهيم مين يتدبر ويؤمين،
ومنهم من يكفر ،ثم يوم القيامة بين أيديهم؛ فل يعظمن عليك كفرهم فإنا نجازيهم.
@ معنيى هذه اليية ينظير إلى قول النيبي صيلى ال علييه وسيلم( :إن الدنييا خضرة حلوة وال
مسيتخلفكم فيهيا فينظير كييف تعملون) .وقوله صيلى ال علييه وسيلم( :إن أخوف ميا أخاف عليكيم ميا
يخرج ال لكييم ميين زهرة الدنيييا) قال :ومييا زهرة الدنيييا؟ قال( :بركات الرض) خرجهمييا مسييلم
وغيره مين حدييث أبيي سيعيد الخدري .والمعنيى :أن الدنييا مسيتطابة فيي ذوقهيا معجبية فيي منظرهيا
كالثمر المستحلى المعجب المرأى؛ فابتلى ال بها عباده لينظر أيهم أحسن عمل .أي من أزهد فيها
وأترك لهييا؛ ول سييبيل للعباد إلى معصييية مييا زينيية ال إل [أن] يعينييه على ذلك .ولهذا كان عميير
يقول فيميا ذكير البخاري :اللهيم إنيا ل نسيتطيع إل أن نفرح بميا زينتيه لنيا ،اللهيم إنيي أسيألك أن أنفقيه
فيي حقيه .فدعيا ال أن يعينيه على إنفاقيه فيي حقيه .وهذا معنيى قوله علييه السيلم( :فمين أخذه بطييب
نفيس بورك له فييه ومين أخذه بإشراف نفيس كان كالذي يأكيل ول يشبيع) .وهكذا هيو المكثير مين
الدنييا ل يقنيع بميا يحصيل له منهيا بيل همتيه جمعهيا؛ وذلك لعدم الفهيم عين ال تعالى ورسيوله؛ فإن
الفتنية معهيا حاصيلة وعدم السيلمة غالبية ،وقيد أفلح مين أسيلم ورزق كفافيا وقنعيه ال بميا آتاه .وقال
ابن عطية :كان أبي رضيى ال عنه يقول في قوله "أحسن عمل" :أحسن العمل أخذ بحيق وإنفاق
في حق مع اليمان وأداء الفرائض واجتناب المحارم والكثار من المندوب إليه.
قلت :هذا قول حسن ،وجيز في ألفاظه بليغ في معناه ،وقد جمعه النبي صلى ال عليه وسلم في
لفيظ واحيد وهيو قوله لسيفيان بين عبدال الثقفيي لميا قال :ييا رسيول ال ،قيل لي فيي السيلم قول ل
أسأل عنه أحدا بعدك -في رواية :غيرك .قال( :قل آمنت بال ثم استقم) خرجه مسلم .وقال سفيان
الثوري" :أحسن عمل" أزهدهم فيها .وكذلك قال أبو عصام العسقلني" :أحسن عمل" أترك لها.
وقيد اختلفيت عبارات العلماء فيي الزهيد؛ فقال قوم :قصير الميل ولييس بأكيل الخشين ولبيس العباء؛
قاله سييفيان الثوري .قال علماؤنييا :وصييدق رضييي ال عنييه لن ميين قصيير أمله لم يتأنييق فييي
المطعومات ول يتفنين فيي الملبوسيات ،وأخيذ مين الدنييا ميا تيسير ،واجتزأ منهيا بميا يبلغ .وقال قوم:
بغيض المحمدة وحيب الثناء .وهيو قول الوزاعيي ومين ذهيب إلييه .وقال قوم :ترك الدنييا كلهيا هيو
الزهيد؛ أحيب تركهيا أم كره .وهيو قول فضييل .وعين بشير بين الحارث قال :حيب الدنييا حيب لقاء
الناس ،والزهد في الدنيا الزهد في لقاء الناس .وعن الفضيل أيضا :علمة الزهد في الدنيا الزهد
فييي الناس .وقال قوم :ل يكون الزاهييد زاهدا حتييى يكون ترك الدنيييا أحييب إليييه ميين أخذهييا؛ قال
إبراهيم بن أدهم .وقال قوم :الزهد أن تزهد في الدنيا بقلبك؛ قاله ابن المبارك .وقالت فرقة :الزهد
حب الموت .والقول الول يعم هذه القوال بالمعنى فهو أولى.
**3الية{ 8 :وإنا لجاعلون ما عليها صعيدا جرزا}
@ تقدم بيانه .وقال أبو سهل :ترابا ل نبات به؛ كأنه قطع نباته .والجرز :القطع؛ ومنه سنة جرز.
قال الراجز:
قد جرفتهن النون الجراز
والرض الجرز التيي ل نبات فيهيا ول شييء مين عمارة وغيرهيا؛ كأنيه قطيع وأزييل .يعنيي يوم
القياميية؛ فإن الرض تكون مسييتوية ل مسييتتر فيهييا .النحاس :والجرز فييي اللغيية الرض التييي ل
نبات بهيا .قال الكسيائي :يقال جرزت الرض تجرز ،وجرزهيا القوم يجرزونهيا إذا أكلوا كيل ميا
جاء فيا من النبات والزرع فهي مجروزة وجرز.
**3الية{ 9 :أم حسبت أن أصحاب الكهف والرقيم كانوا من آياتنا عجبا}
@ مذهب سيبويه أن "أم" إذا جاءت دون أن يتقدمها ألف استفهام أنها بمعنى بل وألف الستفهام،
وهيي المنقطعية .وقييل" :أم" عطيف على معنيى السيتفهام فيي لعلك ،أو بمعنيى ألف السيتفهام على
النكار .قال الطبري :وهو تقرير للنبي صلى ال عليه وسلم على حسابه أن أصحاب الكهف كانوا
عجبيا ،بمعنيى إنكار ذلك عليه؛ أي ل يعظم ذلك بحسيب ميا عظمه عليك السائلون من الكفرة ،فإن
سييائر آيات ال أعظييم ميين قصييتهم وأشيييع؛ هذا قول ابيين عباس ومجاهييد وقتادة وابيين إسييحاق.
والخطاب للنبي صلى ال عليه وسلم؛ وذلك أن المشركين سألوه عن فتية فقدوا ،وعن ذي القرنين
وعين الروح ،وأبطيأ الوحيي على ميا تقدم .فلميا نزل قال ال تعالى لنيبيه علييه السيلم :أحسيبت ييا
محمد أن أصحاب الكهف والرقيم كانوا من آياتنا عجبا؛ أي ليسوا بعجب من آياتنا ،بل في آياتنا ما
هو أعجب من خبرهم .الكلبي :خلق السماوات والرض أعجب من خبرهم .الضحاك :ما أطلعتك
عله مين الغييب أعجيب .الجنييد :شأنيك فيي السيراء أعجيب .الماوردي :معنيى الكلم النفيي؛ أي ميا
حسيبت لول إخبارنيا .أبيو سيهل :اسيتفهام تقريير؛ أي أحسيبت ذلك فإنهيم عجيب .والكهيف :النقيب
المتسع في الجبل؛ وما لم يتسع فهو غار .وحكى النقاش عن أنس بن مالك أنه قال :الكهف الجبل؛
وهذا غير شهير في اللغة.
واختلف الناس فييي الرقيييم؛ فقال ابيين عباس :كييل شيييء فييي القرآن أعلمييه إل أربعيية :غسييلين
وحنان والواه والرقيييم .وسييئل مرة عيين الرقيييم فقال :زعييم كعييب أنهييا قرييية خرجوا منهييا .وقال
مجاهيد :الرقييم واد .وقال السيدي :الرقييم الصيخرة التيي كانيت على الكهيف .وقال ابين زييد :الرقييم
كتاب غم ال علينا أمره ،ولم يشرح لنا قصته .وقالت فرقة :الرقيم كتاب في لوح من نحاس .وقال
ابين عباس :فيي لوح مين رصياص كتيب فييه القوم الكفار الذي فير الفتيية منهيم قصيتهم وجعلوهيا
تاريخا لهم ،ذكروا وقت فقدهم ،وكم كانوا ،وبين من كانوا .وكذا قال القراء ،قال :الرقيم لوح من
رصيياص كتييب فيييه أسييماؤهم وأنسييابهم ودينهييم ومميين هربوا .فال ابيين عطييية :ويظهيير ميين هذه
الروايات أنهم كانوا قوما مؤرخين للحوادث ،وذلك من نبل المملكة ،وهو أمر مفيد .وهذه القوال
مأخوذة من الرقم؛ ومنه كتاب مرقوم .ومنه الرقم لتخطيطه .ومنه رقمة الوادي؛ أي مكان جري
الماء وانعطافيه .وميا روي عين ابين عباس لييس بمتناقيض؛ لن القول الول إنميا سيمعه مين كعيب.
والقول الثانيي يجوز أن يكون عرف الرقييم بعده .وروى عنيه سيعيد بين جيبير قال :ذكير ابين عباس
أصييحاب الكهييف فقال :إن الفتييية فقدوا فطلبهييم أهلوهييم فلم يجدوهييم فرفييع ذلك إلى الملك فقال:
ليكونن لهم نبأ ،وأحضر لوحا من رصاص فكتب فيه أسماءهم وجعله في خزانته؛ فذلك اللوح هو
الرقييم .وقييل :إن مؤمنيين كانيا فيي بييت الملك فكتبيا شأن الفتيية وأسيماءهم وأنسيابهم فيي لوح مين
رصياص ثيم جعله فيي تابوت مين نحاس وجعله فيي البنيان؛ فال اعلم .وعين ابين عباس أيضيا:
الرقييم كتاب مرقوم كان عندهيم فييه الشرع الذي تمسيكوا بيه مين ديين عيسيى علييه السيلم .وقال
النقاش عين قتادة :الرقييم دراهمهيم .وقال أنيس بين مالك والشعيبي :الرقيييم كلبهيم .وقال عكرمية:
الرقيييم الدواة .وقيييل :الرقيييم اللوح ميين الذهييب تحييت الجدار الذي أقامييه الخضيير .وقيييل :الرقيييم
أصحاب الغار الذي انطبق عليهم؛ فذكر كل واحد منهم أصلح عمله.
قلت :وفي هذا خير معروف أخرجه الصحيحان ،وإليه نحا البخاري .وقال قوم :أخبر ال عن
أصحاب الكهف ،ولم يخبر عن أصحاب الرقيم بشيء .وقال الضحاك :الرقيم بلدة بالروم فيها غار
فيه أحد وعشرون نفسا كأنهم نيام على هيئة أصحاب الكهف ،فعلى هذا هم فتية آخرون جرى لهم
ما جرى لصحاب الكهف .وال اعلم .وقيل :الرقيم واد دون فلسطين فيه الكهف؛ مأخوذ من رقمة
الوادي وهييي موضييع الماء؛ يقال :عليييك بالرقميية ودع الضفيية؛ ذكره الغزنوي .قال ابيين عطييية:
وبالشام على ميا سيمعت بيه مين ناس كثيير كهيف فييه موتيى ،يزعيم مجاوروه أنهيم أصيحاب الكهيف
وعليهيم مسيجد وبناء يسيمى الرقييم ومعهيم كلب رمية .وبالندلس فيي جهية غرناطية بقرب قريية
تسيمى لوشية كهيف فييه موتيى ومعهيم كلب رمية ،وأكثرهيم قيد تجرد لحميه وبعضهيم متماسيك ،وقيد
مضيت القرون السيالفة ولم نجيد مين علم شأنهيم أثارة .ويزعيم ناس أنهيم أصيحاب الكهيف ،دخلت
إليهيم ورأيهيم سينة أربيع وخمسيمائة وهيم بهذه الحالة ،وعليهيم مسيجد ،وقرييب منهيم بناء روميي
يسيمى الرقييم ،كأنيه قصير مخلق قد بقي بعض جدرانه ،وهو فيي فلة من الرض خربة ،وبأعلى
غرناطية مميا يلي القبلة آثار مدينية قديمية روميية يقال لهيا مدينية دقيوس ،وجدنيا فيي آثارهيا غرائب
من قبور ونحوها.
قلت :ميا ذكير مين رؤيتيه لهيم بالندلس فإنميا هيم غيرهيم ،لن ال تعالى يقول فيي حيق أصيحاب
الكهف" :لو اطلعت عليهم لوليت منهم فرارا ولملئت منهم رعبا" [الكهف .]18 :وقال ابن عباس
لمعاويية لميا أراد رؤيتهيم :قيد منيع ال مين هيو خيير منيك عين ذلك؛ وسييأتي فيي آخير القصية .وقال
مجاهيد في قول "كانوا من آياتنيا عجبيا" قال :هم عجيب .كذا روى ابين جريج عنه؛ يذهب إلى أنه
بإنكار على النبي صلى ال عليه وسلم أن يكون عنده أنهم عجب .وروى ابن نجيح عنه قال :يقول
ليس بأعجب آياتنا.
**3اليية{ 10 :إذ أوى الفتيية إلى الكهيف فقالوا ربنيا آتنيا مين لدنيك رحمية وهييئ لنيا مين أمرنيا
رشدا}
@قوله تعالى" :إذ أوى الفتيية إلى الكهيف" روي أنهم قوم مين أبناء أشراف مدينية دقيوس الملك
الكافير ،ويقال فييه دقينوس .وروي أنهيم كانوا مطوقيين مسيورين بالذهيب ذوي ذوائب ،وهيم مين
الروم واتبعوا دييين عيسييى .وقيييل :كانوا قبييل عيسييى ،وال اعلم .وقال ابيين عباس :إن ملكييا ميين
الملوك يقال له دقيانوس ظهير على مدينية مين مدائن الروم يقال لهيا أفسيوس .وقييل هيي طرسيوس
وكان بعد زمن عيسى عليه السلم فأمر بعبادة الصنام فدعا أهلها إلى عبادة الصنام ،وكان بها
سييبعة أحداث يعبدون سييرا ،فرفييع خييبرهم إلى الملك وخافوه فهربوا ليل ،ومروا براع معييه كلب
فتبعهيم فآووا إلى الكهيف فتبعهيم الملك إلى فيم الغار ،فوجيد أثير دخولهيم ولم يجيد أثير خروجهيم،
فدخلوا فأعميى ال أبصيارهم فلم يروا شيئا؛ فقال الملك :سيدوا عليهيم باب الغار حتيى يموتوا فييه
جوعييا وعطشييا .وروى مجاهييد عيين ابيين عباس أيضييا أن هؤلء الفتييية كانوا فييي دييين ملك يعبييد
الصيينام ويذبيح لهيا ويكفير بال ،وقيد تابعيه على ذلك أهيل المدينية ،فوقيع للفتيية علم مين بعيض
الحواريين -حسبما ذكر النقاش أو من مؤمني المم قبلهم -فآمنوا بال ورأوا ببصائرهم قبيح فعل
الناس ،فأخذوا نفوسيهم بالتزام الديين وعبادة ال؛ فرفيع أمرهيم إلى الملك وقييل لي :إنهيم قيد فارقوا
دينيك واسيتخفوا آلهتيك وكفروا بهيا ،فاسيتحضرهم الملك إلى مجلسيه وأمرهيم باتباع دينيه والذبيح
للهته ،وتوعدهم على فراق ذلك بالقتل؛ فقالوا له فيما روي" :ربنا رب السماوات والرض -إلى
قوله -وإذا اعتزلتموهيم" [الكهيف ]16 :وروي أنهيم قالوا نحيو هذا الكلم ولييس بيه ،فقال لهيم
الملك :إنكيم شبان أغمار ل عقول لكيم ،وأنيا ل أعجيل بكيم بيل اسيتأني فاذهبوا إلى منازلكيم ودبروا
رأيكييم وارجعوا إلى أمري ،وضرب لهييم فييي ذلك أجل ،ثييم إنييه خلل الجييل فتشاور الفتييية فييي
الهروب بأديانهيم ،فقال لهيم أحدهيم :إنيي أعرف كهفيا فيي جبيل كذا ،وكان أبيي يدخيل فييه غنميه
فلنذهييب فلنختييف فيييه حتييى يفتييح ال لنييا؛ فخرجوا فيمييا روي يلعبون بالصييولجان والكرة ،وهييم
يدحرجونها إلى نحو طريقهم لئل يشعر الناس بهم .وروي أنهم كانوا مثقفين فحضر عيد خرجوا
إلييه فركبوا فيي جملة الناس ،ثيم أخذوا باللعيب بالصيولجان حتيى خلصيوا بذلك .وروى وهيب بين
منبييه أن أول أمرهييم إنمييا كان حواري لعيسييى بيين مريييم جاء إلى مدينيية أصييحاب الكهييف يريييد
دخولهيا ،فأجير نفسيه مين صياحب الحمام وكان يعميل فييه ،فرأى صياحب الحمام فيي أعماله بركية.
عظيمية ،فألقيى إلييه بكيل أمره ،وعرف ذلك الرجيل فتيان مين المدينية فعرفهيم ال تعالى فآمنوا بيه
واتبعوه على دينيه ،واشتهرت خلطتهيم به؛ فأتيى يوميا إلى ذلك الحمام ولد الملك بامرأة أراد الخلوة
بها ،فنهاه ذلك الحواري فانتهى ،ثم جاء مرة أخرى فنهاه فشتمه ،وأمضى عزمه في دخول الحمام
مع البغي ،فدخل فماتا فيه جميعا؛ فاتهم ذلك الحواري وأصحابه بقتلهما؛ ففروا جميعا حتى دخلوا
الكهف .وقيل في خروجهم غير هذا.
وأما الكلب فروي أنه كان كلب صيد لهم ،وروي أنهم وجدوا في طريقهم راعيا له كلب فاتبعهم
الراعيي على رأيهيم وذهيب الكلب معهيم؛ قال ابين عباس .واسيم الكلب حمران وقييل قطميير .وأميا
أسيماء أهيل الكهيف فأعجميية ،والسيند فيي معرفتهيا واه .والذي ذكره الطيبري هيي هذه :مكسيلمينا
وهيو أكيبرهم والمتكلم عنهيم ،ومحسييميلنينا ويمليخيا ،وهيو الذي مضيى بالورق إلى المدينية عنيد
بعثهم من رقدتهم ،ومرطوس وكشوطوش ودينموس ويطونس وبيرونس .قال مقاتل :وكان الكلب
لمكسلمينا ،وكان أسنهم وصاحب غنم.
@ هذه اليية صيريحة فيي الفرار بالديين وهجرة الهيل والبنيين والقرابات والصيدقاء والوطان
والموال خوف الفتنية وميا يلقاه النسيان مين المحنية .وقيد خرج النيبي صيلى ال علييه وسيلم فارا
بدينه ،وكذلك أصحابه ،وجلس في الغار حسبما تقدم في سورة "النحل" .وقد نص ال تعالى على
ذلك فييي "براءة" وقييد تقدم .وهجروا أوطانهييم وتركوا أرضهييم وديارهييم وأهاليهييم وأولدهييم
وقراباتهييم وإخوانهييم ،رجاء السييلمة بالدييين والنجاة ميين فتنيية الكافرييين .فسييكنى الجبال ودخول
الغيران ،والعزلة عن الخلق والنفراد بالخالق ،وجواز الفرار من الظالم هي سنة النبياء صلوات
ال عليهم والولياء .وقد فضل رسول ال صلى ال عليه وسلم العزلة ،وفضلها جماعة العلماء ل
سيما عند ظهور الفتن وفساد الناس ،وقد نص ال تعالى عليها في كتابه فقال" :فأووا إلى الكهف".
وقال العلماء العتزال عين الناس يكون مرة فيي الجبال والشعاب ،ومرة فيي السيواحل والرباط،
ومرة فيي البيوت؛ وقيد جاء فيي الخيبر( :إذا كانيت الفتنية فأخيف مكانيك وكيف لسيانك) .ولم يخيص
موضعيا مين موضيع .وقيد جعلت طائفية مين العلماء العزلة اعتزال الشير وأهله بقلبيك وعملك ،إن
كنيت بيين أظهرهيم .وقال ابين المبارك فيي تفسيير العزلة :أن تكون ميع القوم فإذا خاضوا فيي ذكير
ال فخض معهم ،وإن خاضوا في غير ذلك فاسكت .وروى البغوي عن ابن عمر عن النبي صلى
ال علييه وسيلم قال( :المؤمين الذي يخالط الناس ويصيبر على أذاهيم أفضيل مين المؤمين الذي ل
يخالطهييم ول يصييبر على أذاهييم) .وروي عيين النييبي صييلى ال عليييه وسييلم قال( :نعييم صييوامع
المؤمنيين بيوتهيم) مين مراسيل الحسين وغيره .وقال عقبية بين عامير لرسيول ال صيلى ال علييه
وسييلم :مييا النجاة يييا رسييول ال؟ فقال( :يييا عقبيية أمسييك عليييك لسييانك وليسييعك بيتييك وابييك على
خطيئتيك) .وقال صيلى ال علييه وسيلم( :يأتيي على الناس زمان خيير مال الرجيل المسيلم الغنيم يتبيع
بهيا شعيف الجبال ومواقيع القطير يفير بدينيه مين الفتين) .خرجيه البخاري .وذكير علي بين سيعد عين
الحسين بين واقيد قال قال رسيول ال صيلى ال علييه وسيلم( :إذا كانيت سينة ثمانيين ومائة فقيد حلت
لمتيي العزبية والعزلة والترهيب فيي رؤوس الجبال) .وذكير أيضيا علي بين سيعد عين عبدال بين
المبارك عين مبارك بن فضالة عين الحسين يرفعيه إلى رسيول ال صيلى ال علييه وسيلم قال( :يأتيي
على الناس زمان ل يسيلم لذي دين دينه إل من فير بدينيه من شاهيق إلى شاهيق أو حجر إلى حجير
فإذا كان ذلك لم تنييل المعيشيية إل بمعصييية ال فإذا كان ذلك حلت العزبيية) .قالوا :يييا رسييول ال،
كيف تحل العزبة وأنت تأمرنا بالتزويج؟ قال( :إذا كان ذلك كان فساد الرجل على يدي أبويه فإن
لم يكين له أبوان كان هلكيه على يدي زوجتيه فإن لم تكين له زوجية كان هلكيه على يدي ولده فإن
لم يكيين له ولد كان هلكييه على يدي القرابات والجيران) .قالوا وكيييف ذلك يييا رسييول ال؟ قال:
(يعيرونه بضيق المعيشة ويكلفونه ما ل يطيق فعند ذلك يورد نفسه الموارد التي يهلك فيها).
قلت :أحوال الناس فيييييي هذا الباب تختلف ،فرب رجيييييل تكون له قوة على سيييييكنى الكهوف
والغيران في الجبال ،وهي أرفع الحوال لنها الحالة التي اختارها ال لنبيه صلى ال عليه وسلم
فيي بدايية أمره ،ونيص عليهيا فيي كتابيه مخيبرا عين الفتيية ،فقال" :وإذ اعتزلتموهيم وميا يعبدون إل
ال فأووا إلى الكهيف" [الكهيف .]16 :ورب رجيل تكون العزلة له فيي بيتيه أخيف علييه وأسيهل؛
وقيد اعتزل رجال مين أهيل بدر فلزموا بيوتهيم بعيد قتيل عثمان فلم يخرجوا إل إلى قبورهيم .ورب
رجيل متوسيط بينهميا فيكون له مين القوة ميا يصيبر بهيا على مخالطية الناس وأذاهيم ،فهيو معهيم فيي
الظاهير ومخالف لهيم فيي الباطين .وذكير ابين المبارك حدثنيا وهييب بين الورد قال :جاء رجيل إلى
وهب بن منبه فقال :إن الناس وقعوا فيما وقعوا وقد حدثت نفسي أل أخالطهم .فقال :ل تفعل إنه ل
بيد لك مين الناس ،ول بيد لهيم منيك ،ولك إليهيم حوائج ،ولهيم إلييك حوائج ،ولكين كين فيهيم أصيم
سميعا ،أعمى بصيرا ،سكوتا نطوقا .وقد قيل :إن كل موضع يبعد عن الناس فهو داخل في معنى
الجبال والشعاب؛ مثييل العتكاف فييي المسيياجد ،ولزوم السييواحل للرباط والذكيير ،ولزوم البيوت
فرارا عين شرور الناس .وإنميا جاءت الحادييث بذكير الشعاب والجبال واتباع الغنيم -وال اعلم -
لن ذلك هيو الغلب فيي المواضيع التيي يعتزل فيهيا؛ فكيل موضيع يبعيد عين الناس فهيو داخيل فيي
معناه ،كما ذكرنا ،وال الموفق وبه العصمة .وروى عقبة بن عامر قال :سمعت رسول ال صلى
ال علييه وسيلم يقول( :يعجيب ربيك مين راعيي غنيم فيي رأس شظيية الجبيل يؤذن بالصيلة ويصيلي
فيقول ال عيز وجيل انظروا إلى عبدي يؤذن ويقييم الصيلة يخاف منيي قيد غفرت لعبدي وأدخلتيه
الجنة) .خرجه النسائي.
@قوله تعالى" :فقالوا ربنيا آتنيا مين لدنيك رحمية" لميا فروا ممين يطلبهيم اشتغلوا بالدعاء ولجؤوا
إلى ال تعالى فقالوا" :ربنيا آتنيا مين لدنيك رحمية" أي مغفرة ورزقيا" .وهييئ لنيا مين أمرنيا رشدا"
توفيقيا للرشاد .وقال ابين عباس :مخرجيا مين الغار فيي سيلمة .وقييل صيوابا .ومين هذا المعنيى أنيه
عليه السلم كان إذا حزبه أمر فزع إلى الصلة.
**3الية{ 11 :فضربنا على آذانهم في الكهف سنين عددا}
@ عبارة عن إلقاء ال تعالى النوم عليهم .وهذه من فصيحات القرآن التي أقرت العرب بالقصور
عين التيان بمثله .قال الزجاج :أي منعناهيم عين أن يسيمعوا؛ لن النائم إذا سيمع انتبيه .وقال ابين
عباس :ضربنييا على آذانهييم بالنوم؛ أي سييددنا آذانهييم عيين نفوذ الصييوات إليهييا .وقيييل :المعنييى
"فضربنيا على آذانهيم" أي فاسيتجبنا دعاءهيم ،وصيرفنا عنهيم شير قومهيم ،وأنمناهيم .والمعنيى كله
متقارب .وقال قطرب :هذا كقول العرب ضرب المير على يد الرعية إذا منعهم الفساد ،وضرب
السيييد على يييد عبده المأذون له فييي التجارة إذا منعييه ميين التصييرف .قال السييود بيين يعفيير وكان
ضريرا:
ضربت علي الرض بالسداد ومن الحوادث ل أبالك أنني
وأما تخصيص الذان بالذكر فلنها الجارحة التي منها عظم فساد النوم ،وقلما ينقطع نوم نائم إل
من جهة أذنه ،ول يستحكم نوم إل من تعطل السمع .ومن ذكر الذن في النوم قوله صلى ال عليه
وسيلم( :ذاك رجيل بال الشيطان فيي أذنيه) خرجيه الصيحيح .أشار علييه السيلم إلى رجيل طوييل
النوم ،ل يقوم الليل .و"عددا" نعت للسنين؛ أي معدودة ،والقصد به العبارة عن التكثير؛ لن القليل
ل يحتاج إلى عدد لنيه قيد عرف .والعيد المصيدر ،والعدد اسيم المعدود كالنفيض والخبيط .وقال أبيو
عيبيدة" :عددا" نصيب على المصيدر .ثيم قال قوم :بيين ال تعالى عدد تلك السينين مين بعيد فقال:
"ولبثوا في كهفهم ثلثمائة سنين وازدادوا تسعا" [الكهف.]25 :
**3الية{ 12 :ثم بعثناهم لنعلم أي الحزبين أحصى لما لبثوا أمدا}
@قوله تعالى" :ثيم بعثناهيم" أي من بعيد نومهم .ويقال لمين أحيي أو أقيم من نومه مبعوث؛ لنيه
كان ممنوعيا مين النبعاث والتصيرف" .لنعلم أي الحزبيين أحصيى لميا لبثوا أمدا" "لنعلم" عبارة
عيييين خروج ذلك الشيييييء إلى الوجود ومشاهدتييييه؛ وهذا على نحييييو كلم العرب ،أي نعلم ذلك
موجودا ،إل فقيييد كان ال تعالى علم أي الحزبيييين أحصيييى الميييد .وقرأ الزهري "ليعلم" بالياء.
والحزبان الفريقان ،والظاهير مين اليية أن الحزب الواحيد هيم الفتيية إذ ظنوا لبثهيم قليل .والحزب
الثاني أهل المدينة الذين بعث الفتية على عهدهم ،حين كان عندهم التاريخ لمر الفتية .وهذا قول
الجمهور مين المفسيرين .وقالت فرقية :هميا حزبان مين الكافريين ،اختلفيا فيي مدة أصيحاب الكهيف.
وقيل :هما حزبان من المؤمنين .وقيل غير ذلك مما ل يرتبط بألفاظ الية .و"أحصى" فعل ماض.
و"أمدا" نصيب على المفعول بيه؛ قاله أبيو علي .وقال الفراء :نصيب على التميييز .وقال الزجاج:
نصب على الظرف ،أي أي الحزبين أحصى للبثهم في المد ،والمد الغاية .وقال مجاهد" :أمدا"
نصيب معناه عددا ،وهذا تفسيير بالمعنيى على جهية التقرييب .وقال الطيبري" :أمدا" منصيوب بيي
"لبثوا" .ابن عطية :وهذا غير متجه ،وأما من قال إنه نصب على التفسير فيلحقه من الختلل أن
أفعيل ل يكون مين فعيل رباعيي إل فيي الشاذ ،و"أحصيى" فعيل رباعيي .وقيد يحتيج له بأن يقال :إن
أفعيل فيي الرباعيي قيد كثير؛ كقولك :ميا أعطاه للمال وآتاه للخيير .وقال فيي صيفة حوضيه صيلى ال
عليه وسلم( :ماؤه أبيض من اللبن) .وقال عمر بن الخطاب :فهو لما سواها أضيع.
**3الية{ 13 :نحن نقص عليك نبأهم بالحق إنهم فتية آمنوا بربهم وزدناهم هدى}
@قوله تعالى" :نحين نقيص علييك نبأهيم بالحيق" لميا اقتضيى قوله تعالى "لنعلم أي الحزبيين
أحصيى" اختلفيا وقيع فيي أميد الفتيية ،عقيب بالخيبر عين أنيه عيز وجيل يعلم مين أمرهيم بالحيق الذي
وقع" .إنهم فتية" أي شباب وأحداث حكم لهم بالفتوة حين آمنوا بل واسطة؛ كذلك قال أهل اللسان:
رأس الفتوة اليمان .وقال الجنيييييد :الفتوة بذل الندى وكييييف الذى وترك الشكوى .وقيييييل :الفتوة
اجتناب المحارم واسييتعجال المكارم .وقيييل غييير هذا .وهذا القول حسيين جدا؛ لنييه يعييم بالمعنييى
جميع ما قيل في الفتوة" .وزدناهم هدى" أي يسرناهم للعمل الصالح؛ من النقطاع إلى ال تعالى،
ومباعدة الناس ،والزهييد فييي الدنيييا .وهذه زيادة على اليمان .وقال السييدي :زادهييم هدى بكلب
الراعييي حييين طردوه ورجموه مخافيية أن ينبييح عليهييم وينبييه بهييم؛ فرفييع الكلب يديييه إلى السييماء
كالداعي فأنطقه ال ،فقال :يا قوم لم تطردونني ،لم ترجمونني لم تضربونني فوال لقد عرفت ال
قبل أن تعرفوه بأربعين سنة؛ فزادهم ال بذلك هدى.
**3الية{ 14 :وربطنا على قلوبهم إذ قاموا فقالوا ربنا رب السماوات والرض لن ندعوا من
دونه إلها لقد قلنا إذا شططا}
@قوله تعالى" :وربطنا على قلوبهم" عبارة عن شدة عزم وقوة صبر ،أعطاها ال لهم حتى قالوا
بيين يدي الكفار" :ربنيا رب السيماوات والرض لن ندعيو مين دونيه إلهيا لقيد قلنيا إذا شططيا" .ولميا
كان الفزع وخور النفيس يشبيه بالتناسيب النحلل حسين فيي شدة النفيس وقوة التصيميم أن يشبيه
الربيط؛ ومنيه يقال :فلن رابيط الجأش ،إذا كان ل تفرق نفسيه عنيد الفزع والحرب وغيرهيا .ومنيه
الربيط على قلب أم موسيى .وقوله تعالى" :وليربيط على قلوبكيم ويثبيت بيه القدام" [النفال]11 :
وقد تقدم.
@قوله تعالى" :إذ قاموا فقالوا" يحتمل ثلثة معان :أحدها :أن يكون هذا وصف مقامهم بين يدي
الملك الكافير -كميا تقدم ،وهيو مقام يحتاج إلى الربيط على القلب حييث خالفوا دينيه ،ورفضوا فيي
ذات ال هيبتيه .والمعنيى الثانيي فيميا قييل :إنهيم أولد عظماء تلك المدينية ،فخرجوا واجتمعوا وراء
تلك المدينية مين غيير ميعاد؛ فقال أسينهم :إنيي أجيد فيي نفسيي أن ربيي رب السيماوات والرض؛
فقالوا ونحين كذلك نجيد فيي أنفسينا .فقاموا جميعيا فقالوا" :ربنيا رب السيماوات والرض لن ندعيو
مين دونيه إلهيا لقيد قلنيا إذا شططيا" .أي لئن دعونيا إلهيا غيره فقيد قلنيا إذا جورا ومحال .والمعنيى
الثالث :أن يعيبر بالقيام ،عين انبعاثهيم بالعزم إلى الهروب إلى ال تعالى ومنابذة الناس؛ كميا تقول:
قام فلن إلى أمير كذا إذا عزم علييه بغايية الجيد .قال ابين عطيية :تعلقيت الصيوفية فيي القيام والقول
بقول "إذ قاموا فقالوا ربنا رب السماوات والرض".
قلت :وهذا تعلق غييير صييحيح هؤلء قاموا فذكروا ال على هدايتييه ،وشكروا لمييا أولهييم ميين
نعميه ونعمتيه ،ثيم هاموا على وجوههيم منقطعيين إلى ربهيم خائفيين مين قومهيم؛ وهذه سينة ال فيي
الرسيييل والنيييبياء والفضلء الولياء .أيييين هذا مييين ضرب الرض بالقدام والرقيييص بالكمام
وخاصة في هذه الزمان عند سماع الصوات الحسان من المرد والنسوان؛ هيهات بينهما وال ما
بين الرض والسماء .ثم هذا حرام عند جماعة العلماء ،على ما يأتي بيانه في سورة لقمان إن شاء
ال تعالى .وقد تقدم في "سبحان" عند قوله" :ول تمش في الرض مرحا" [السراء ]37 :ما فيه
كفايية .وقال المام أبيو بكير الطرسيوسي وسيئل عين مذهيب الصيوفية فقال :وأميا الرقيص والتواجيد
فأول مين أحدثيه أصيحاب السيامري؛ لميا اتخيذ لهيم عجل جسيدا له خوار قاموا يرقصيون حوالييه
ويتواجدون؛ فهو دين الكفار وعباد العجل ،على ما يأتي.
**3الية{ 15 :هؤلء قومنا اتخذوا من دونه آلهة لول يأتون عليهم بسلطان بين فمن أظلم ممن
افترى على ال كذبا}
@قوله تعالى" :هؤلء قومنا اتخذوا من دونه آلهة" أي قال بعضهم لبعض :هؤلء قومنا أي أهل
عصيرنا وبلدنيا ،عبدوا الصينام تقليدا مين غيير حجية" .لول" أي هل" .يأتون عليهيم بسيلطان بيين
فمين أظلم ممين افترى على ال كذبيا" أي بحجية على عبادتهيم الصينم .وقييل" :عليهيم" راجيع إلى
اللهة؛ أي هل أقاموا بينة على الصنام في كونها آلهة؛ فقولهم "لول" تحضيض بمعنى التعجيز؛
وإذا لم يمكنهم ذلك لم يجب أن يلتفت إلى دعواهم.
**3الية{ 16 :وإذ اعتزلتموهم وما يعبدون إل ال فأووا إلى الكهف ينشر لكم ربكم من رحمته
ويهيئ لكم من أمركم مرفقا}
@قوله تعالى" :وإذ اعتزلتموهيم" قييل :هيو مين قول ال لهيم .أي وإذ اعتزلتموهيم فاؤوا إلى
الكهييف .وقيييل :هييو ميين قول رئيسييهم يمليخييا؛ فيمييا ذكيير ابيين عطييية .وقال الغزنوي :رئيسييهم
مكسلمينا ،قال لهم ذلك؛ أي إذ اعتزلتموهم واعتزلتم ما يعبدون .ثم استثنى وقال "إل ال" أي إنكم
لم تتركوا عبادتيه؛ فهيو اسيتثناء منقطيع .قال ابين عطيية :وهذا على تقديير إن الذيين فير أهيل الكهيف
منهيم ل يعرفون ال ،ول علم لهيم بيه؛ وإنميا يعتقدون الصينام فيي ألوهيتهيم فقيط .وإن فرضنيا أنهيم
يعرفون ال كميا كانيت العرب تفعيل لكنهيم يشركون أصينامهم معيه فيي العبادة فالسيتثناء متصيل؛
لن العتزال وقيع فيي كيل ميا يعبيد الكفار إل فيي جهية ال .وفيي مصيحف عبدال بين مسيعود "وميا
يعبدون من دون ال" .قال قتادة هذا تفسيرها.
قلت :ويدل على هذا مييا ذكره أبييو نعيييم الحافييظ عيين عطاء الخراسيياني فييي قوله تعالى "وإذ
اعتزلتموهيم وميا يعبدون إل ال" قال :كان فتيية مين قوم يعبدون ال ويعبدون معيه آلهية فاعتزلت
الفتية عبادة تلك اللهة ولم تعتزل عبادة ال.
ابين عطيية :فعلى ميا قال قتادة تكون "إل" بمنزلة غيير ،و"ميا" مين قوله "وميا يعبدون إل ال"
قي موضع نصب ،عطفا على الضمير في قول "اعتزلتموهم" .ومضمن هذه الية أن بعضهم قال
لبعض :إذا فارقنا الكفار وانفردنا بال تعالى فلنجعل الكهف مأوى ونتكل على ال؛ فإنه سيبسط لنا
رحمته ،وينشرها علينا ،ويهيئ لنا من أمرنا مرفقا .وهذا كله دعاء بحسب الدنيا ،وعلى ثقة كانوا
من ال في أمر آخرتهم .وقال أبو جعفر محمد بن علي بن الحسين رضي ال عنه :كان أصحاب
الكهف صياقلة ،واسم الكهف حيوم" .مرفقا" قرئ بكسر الميم وفتحها ،وهو ما يرتفق به وكذلك
مرفق النسان ومرفقه؛ ومنهم من يجعل "المرفق" بفتح الميم الموضع كالمسجد وهما لغتان.
**3اليية{ 17 :وترى الشميس إذا طلعيت تزاور عين كهفهيم ذات اليميين وإذا غربيت تقرضهيم
ذات الشمال وهيم فيي فجوة منيه ذلك مين آيات ال مين يهيد ال فهيو المهتيد ومين يضلل فلن تجيد له
وليا مرشدا}
@قوله تعالى" :وترى الشمس إذا طلعت تتزاور عن كهفهم ذات اليمين" أي ترى أيها المخاطب
الشمس عند طلوعها تميل عن كهفهم .والمعنى :إنك لو رأيتهم لرأيتهم كذا؛ ل أن المخاطب رآهم
على التحقييق .و"تزاور" تتنحيى وتمييل؛ مين الزورار .والزور المييل .والزور فيي العيين المائل
النظر إلى ناحية ،ويستعمل في غير العين؛ كما قال ابن أبي ربيعة:
وجنبي خيفة القوم أزور
ومن اللفظة قول عنترة:
فازور من وقع القنا بلبانه
وفيي حدييث غزوة مؤتية أن رسيول ال صيلى ال علييه وسيلم رأى فيي سيرير عبدال بين رواحية
ازورارا عن سرير جعفر وزيد بن حارثة .وقرأ أهل الحرمين وأبو عمرو "تزاور" بإدغام التاء
فيي الزاي ،والصيل "تتزاور" .وقرأ عاصيم وحمزة والكسيائي "تزاور" مخففية الزاي .وقرأ ابين
عامير "تزور" مثيل تحمير .وحكيى الفراء "تزوار" مثيل تحمار؛ كلهيا بمعنيى واحيد" .وإذا غربيت
تقرضهيم" قرأ الجمهور بالتاء على معنيى تتركهيم؛ قاله مجاهيد .وقال قتادة :تدعهيم .النحاس :وهذا
معروف فيي اللغية ،حكيى البصيريون أنيه يقال :قرضيه يقرضيه إذا تركيه؛ والمعنيى :أنهيم كانوا ل
تصيبهم شمس البتة كرامة لهم؛ وهو قول ابن عباس .يعني أن الشمس إذا طلعت مالت عن كهفهم
ذات اليميين ،أي يميين الكهيف ،وإذا غربيت تمير بهيم ذات الشمال ،أي شمال الكهيف ،فل تصييبهم
فيي ابتداء النهار ول فيي آخير النهار .وكان كهفهيم مسيتقبل بنات نعيش فيي أرض الروم ،فكانيت
الشمس تميل عنهم طالعة وغاربة وجارية ل تبلغهم لتؤذيهم بحرها ،وتغير ألوانهم وتبلي ثيابهم.
وقيد قييل :إنيه كان لكهفهيم حاجيب مين جهية الجنوب ،وحاجيب مين جهية الدبور وهيم فيي زاويتيه.
وذهيب الزجاج إلى أن فعيل الشميس كان آيية مين ال ،دون أن يكون باب الكهيف إلى جهية توجيب
ذلك .وقرأت فرقية "بقرضهيم" بالياء مين القرض وهيو القطيع ،أي يقطعهيم الكهيف بظله مين ضوء
الشمييس .وقيييل" :وإذا غربييت تقرضهييم" أي يصيييبهم يسييير منهييا ،مأخوذ ميين قارضيية الذهييب
والفضية ،أي تعطيهيم الشميس اليسيير مين شعاعهيا .وقالوا :كان فيي مسيها لهيم بالعشيي إصيلح
لجسادهم .وعلى الجملة فالية في ذلك أن ال تعالى آواهم إلى كهف هذه صفته ل إلى كهف آخر
يتأذون فييه بانبسياط الشميس علبهيم فيي معظيم النهار .وعلى هذا فيمكين أن يكون صيرف الشميس
عنهييم بإظلل غمام أو سييبب آخيير .والمقصييود بيان حفظهييم عيين تطرق البلء وتغييير البدان
واللوان إليهييم ،والتأذي بحيير أو برد" .وهييم فييي فجوة منييه" أي ميين الكهييف والفجوة المتسييع،
وجمعها فجوات وفجاء؛ مثل ركوة وركاء وركوات وقال الشاعر:
رجال وخيل غير ميل ول عزل ونحن ملنا كل واد وفجوة
أي كانوا بحييث يصييبهم نسييم الهواء" .ذلك مين آيات ال" لطيف بهيم" .مين يهيد ال فهيو المهتدي"
أي لو هداهم ال لهتدوا" .ومن يضلل فلن تجد له وليا مرشدا" أي ل يهديهم أحد.
**3اليية{ 18 :وتحسيبهم أيقاظيا وهيم رقود ونقلبهيم ذات اليميين وذات الشمال وكلبهيم باسيط
ذراعيه بالوصيد لو اطلعت عليهم لوليت منهم فرارا ولملئت منهم رعبا}
@قوله تعالى" :وتحسيبهم أيقاظيا" وقال أهيل التفسيير :كانيت أعينهيم مفتوحية وهيم نائمون؛ فكذلك
كان الرائي يحسبهم أيقاظا .وقيل :تحسبهم أيقاظا لكثرة تقلبهم كالمستيقظ في مضجعه .و"أيقاظا"
جميع يقيظ ويقظان ،وهيو المنتبيه" .وهيم رقود" كقولهيم :وهيم قوم ركوع وسيجود وقعود فوصيف
الجمع بالمصدر" .ونقلبهم ذات اليمين وذات الشمال" قال ابن عباس :لئل تأكل الرض لحومهم.
قال أبيو هريرة :كان لهيم فيي كيل عام تقليبتان .وقييل :فيي كيل سينة مرة .وقال مجاهيد :فيي كيل سيبع
سيينين مرة .وقالت فرقيية :إنمييا قلبوا فييي التسييع الواخيير ،وأمييا فييي الثلثمائة فل .وظاهيير كلم
المفسرين أن التقليب كان من فعل ال ،ويجوز أن يكون من ملك بأمر ال ،فيضاف إلى ال تعالى.
@قوله تعالى" :وكلبهم" قال عمرو بن دينار :إن مما أخذ على العقرب أل تضر أحدا [قال] في
ليله أو في نهاره :صلى ال على نوح .وإن مما أخذ على الكلب أل يضر من حمل عليه [إذا قال]:
وكلبهم باسط ذراعيه بالوصيد.
أكثر المفسرين على أنه كلب حقيقة ،وكان لصيد أحدهم أو لزرعه أو غنمه؛ على ما قال مقاتل.
واختلف فيي لونيه اختلفيا كثيرا ،ذكره الثعلبيي .تحصييله :أي لون ذكرت أصيبت؛ حتيى قييل لون
الحجيير وقيييل لون السييماء .واختلف أيضييا فييي اسييمه؛ فعيين علي :ريان .ابيين عباس :قطمييير.
الوزاعي :مشير .عبدال بن سلم :بسيط .كعب :صهيا .وهب :نقيا .وقيل قطمير؛ ذكره الثعلبي.
وكان اقتناء الكلب جائزا في وقتهم ،كما هو عندنا اليوم جائز في شرعنا .وقال ابن عباس :هربوا
ليل ،وكانوا سييبعة فمروا براع معييه كلب فاتبعهييم على دينهييم .وقال كعييب :مروا بكلب فنبييح لهييم
فطردوه فعاد فطردوه مرارا ،فقام الكلب على رجلييه ورفيع يدييه إلى السيماء كهيئة الداعيي ،فنطيق
فقال :ل تخافوا مني أنا أحب أحباء ال تعالى فناموا حتى أحرسكم.
@ ورد في الصحيح عن ابن عمر عن النبي صلى ال عليه وسلم قال( :من اقتنى كلبا إل كلب
صيد أو ماشية نقص من أجره كل يوم قيراطان) .وروى الصحيح أيضا عن أبي هريرة قال :قال
رسيول ال صيلى ال علييه وسيلم( :مين اتخيذ كلبيا إل كلب ماشيية أو صييد أو زرع انقيص مين أجره
كيل يوم قيراط) .قال الزهري :وذكير لبين عمير قول أبيي هريرة فقال :يرحيم ال أبيا هريرة كان
صاحب زرع .فقد دلت السنة الثابتة على اقتناء الكلب للصيد والزرع والماشية .وجعل النقص في
أجر من اقتناها على غير ذلك من المنفعة؛ إما لترويع الكلب المسلمين وتشويشه عليهم بنباحه ،أو
لمنيع دخول الملئكية البييت ،أو لنجاسيته ،على ميا يراه الشافعيي ،أو لقتحام النهيي عين اتخاذ ميا ل
منفعية فييه؛ وال اعلم .وقال فيي إحدى الروايتيين (قيراطان) وفيي الخرى (قيراط) .وذلك يحتميل
أن يكون في نوعين من الكلب أحدهما أشد أذى من الخر ،كالسود الذي أمر عليه السلم بقتله،
ولم يدخله في الستثناء حين نهى عن قتلها كما هو منصوص في حديث جابر؛ أخرجه الصحيح.
وقال( :عليكيييم بالسيييود البهييييم ذي النقطتيييين فإنيييه شيطان) .ويحتميييل أن يكون ذلك لختلف
المواضييع ،فيكون ممسييكه بالمدينيية مثل أو بمكيية ينقييص قيراطان وبغيرهييا قيراط .وأمييا المباح
اتخاذه فل ينقص؛ كالفرس والهرة .وال اعلم.
@ وكلب الماشيية المباح اتخاذه عنيد مالك هيو الذي يسيرح معهيا ،ل الذي يحفظهيا فيي الدار مين
السيراق .وكلب الزرع هيو الذي يحفظهيا مين الوحوش باللييل أو بالنهار ل مين السيراق .وقيد أجاز
غير مالك اتخاذها لسراق الماشية والزرع .وقد تقدم في "المائدة" من أحكام الكلب ما فيه كفاية،
والحمد ل.
الرابعية :قال ابين عطيية :وحدثنيي أبيي رضيي ال عنيه قال سيمعت أبيا الفضيل الجوهري فيي جاميع
مصيير يقول على منييبر وعظييه سيينة تسييع وسييتين وأربعمائة :إن ميين أحييب أهييل الخييير نال ميين
بركتهم؛ كلب أحب أهل فضل وصحبهم في ذكره ال في محكم تنزيله.
قلت :إذ كان بعيض الكلب قيد نال هذه الدرجية العلييا بصيحبته ومخالطتيه الصيلحاء والولياء
حتيى أخيبر ال تعالى بذلك فيي كتابيه جيل وعل فميا ظنيك بالمؤمنيين الموحديين المخالطيين المحيبين
للولياء والصيالحين بيل فيي هذا تسيلية وأنيس للمؤمنيين المقصيرين عين درجات الكمال ،المحيبين
للنبي صلى ال عليه وسلم وآله خير آل .روى الصحيح عن أنس بن مالك قال :بينا أنا ورسول ال
صيلى ال علييه وسيلم خارجان من المسيجد فلقينا رجل عند سيدة المسيجد فقال :يا رسول ال ،متيى
السياعة؟ قال رسيول ال صيلى ال علييه وسيلم( :ميا أعددت لهيا) قال :ول صيدقة ،ولكنيي أحيب ال
ورسوله .قال( :فأنت مع من أحببت) .في رواية قال أنس بن مالك :فما فرحنا بعد السلم فرحا
أشد من قول النبي صلى ال عليه وسلم( :فأنت مع من أحببت) .قال أنس :فأنا أحب ال ورسوله
وأبا بكر وعمر ،فأرجو أن أكون معهم وإن لم أعمل بأعمالهم.
قلت :وهذا الذي تمسيك به أنيس يشميل من المسيلمين كيل ذي نفيس ،فكذلك تعلقت أطماعنيا بذلك
وإن كنيا مقصيرين ،ورجونيا رحمية الرحمين وإن كنيا غيير مسيتأهلين؛ كلب أحيب قوميا فذكره ال
معهم فكيف بنا وعندنا عقد اليمان وكلمة السلم ،وحب النبي صلى ال عليه وسلم" ،ولقد كرمنا
بنييي آدم وحملناهييم فييي البر والبحيير ورزقناهييم ميين الطيبات وفضلناهييم على كثييير مميين خلقنييا
تفضيل" [السراء.]7 :
وقالت فرقية :لم يكين كلبيا حقيقية ،وإنميا كان أحدهيم ،وكان قيد قعيد عنيد باب الغار طليعية لهيم كميا
سيمي النجيم التابيع للجوزاء كلبيا؛ لنيه منهيا كالكلب مين النسيان؛ ويقال له :كلب الجبار .قال ابين
عطيية :فسيمي باسيم الحيوان اللزم لذلك الموضيع أميا إن هذا القول يضعفيه ذكير بسيط الذراعيين
فإنها فيي العرف من صفة الكلب حقيقة؛ ومنه قول النبي صلى ال عليه وسلم( :ول يبسط أحدكم
ذراعييه انبسياط الكلب) .وقيد حكيى أبيو عمير المطرز فيي كتاب اليواقييت أنيه قرئ "وكالبهيم باسيط
ذراعيه بالوصيد" .فيحتمل أن يريد بالكالب هذا الرجل على ما روي؛ إذ بسط الذراعين واللصوق
بالرض مع رفع الوجه للتطلع هي هيئة الريبة المستخفي بنفسه .ويحتمل أن يريد بالكالب الكلب.
وقرأ جعفر بن محمد الصادق "كالبهم" يعني صاحب الكلب.
@قوله تعالى" :باسيط ذراعييه" أعميل اسيم الفاعيل وهيو بمعنيى المضيي؛ لنهيا حكايية حال ولم
يفصيد الخبار عين فعيل الكلب .والذرع مين طرف المرفيق إلى طرف الصيبع الوسيطى .ثيم قييل:
بسيييط ذراعييييه لطول المدة .وقييييل :نام الكلب ،وكان ذلك مييين اليات .وقييييل :نام مفتوح العيييين.
"بالوصيد" الوصيد :القناء؛ قاله ابن عباس ومجاهد وابن جبير ،أي فناء الكهف ،والجمع وصائد
ووصد .وقيل الباب .وقال ابن عباس أيضا .وأنشد:
علي ومعروفي بها غير منكر بأرض فضاء ل يسد وصيدها
وقيد تقدم .وقال عطاء :عتبية الباب ،والباب الموصيد هيو المغلق .وقيد أوصيدت الباب وآصيدته أي
أغلقته .والوصيد :النبات المتقارب الصول ،فهو مشترك ،وال اعلم.
@قوله تعالى" :لو اطلعت عليهم" قرأ الجمهور بكسر الواو .والعمش ويحيى بن وثاب بضمها.
"لولييت منهيم فرارا" أي لو أشرفيت عليهيم لهربيت منهيم" .ولملئت منهيم رعبيا" أي لميا حفهيم ال
تعالى مين الرعيب واكتنفهيم مين الهيبية .وقييل :لوحشية مكانهيم؛ وكأنهيم آواهيم ال إلى هذا المكان
الوحيش فيي الظاهير لينقير الناس عنهيم .وقييل :كان الناس محجوبيين عنهيم بالرعيب ،ل يجسير أحيد
منهيم على الدنيو إليهيم .وقييل :الفرار منهيم لطول شعورهيم وأظفارهيم؛ وذكره المهدوي والنحاس
والزجاج والقشيري .وهذا بعييد؛ لنهيم لميا اسيتيقظوا قال بعضهيم لبعيض :لبثنيا يوميا أو بعيض يوم.
ودل هذا على أن شعورهم وأظفارهم كانت بحالها؛ إل أن يقال :إنما قالوا ذلك قبل أن ينظروا إلى
أظفارهيم وشعورهيم .قال ابين عطيية :والصيحيح فيي أمرهيم أن ال عيز وجيل حفيظ لهيم الحالة التيي
ناموا عليها لتكون لهم ولغيرهم فيهم آية ،فلم يبل لهم ثوب ولم تغير صفة ،ولم ينكر الناهض إلى
المدينة إل معالم الرض والبناء ،ولو كانت في نفسه حالة ينكرها لكانت عليه أهم .وقرأ نافع وابن
كثير وابن عباس وأهل مكة والمدينة "لملئت منهم" بتشديد اللم على تضعيف المبالغة؛ أي ملئت
ثيم ملئت .وقرأ الباقون "لملئت" بالتخفييف ،والتخفييف أشهير فيي اللغية .وقيد جاء التثقييل فيي قول
المخبّل السعدي:
فملّىء من كعب بن عوف سلسله وإذ فتك النعمان بالناس محرما
وقرأ الجمهور "رعبا" بإسكان العين .وقرأ بضمها أبو جعفر .قال أبو حاتم :هما لغتان .و"فرارا"
نصب على الحال و"رعبا" مفعول ثان أو تمييز.
**3الية{ 19 :وكذلك بعثناهم ليتساءلوا بينهم قال قائل منهم كم لبثتم قالوا لبثنا يوما أو بعض
يوم قالوا ربكيم أعلم بميا لبثتيم فابعثوا أحدكيم بورقكيم هذه إلى المدينية فلينظير أيهيا أزكيى طعاميا
فليأتكم برزق منه وليتلطف ول يشعرن بكم أحدا}
@قوله تعالى" :وكذلك بعثناهيم ليتسياءلوا بينهيم" البعيث :التحرييك عين سيكون .والمعنيى :كميا
ضربنيا على آذانهيم وزدناهيم هدى وقلبناهيم بعثناهيم أيضيا؛ أي أيقظناهيم مين نومهيم على ميا كانوا
عليهم من هيئتهم في ثيابهم وأحوالهم .قال الشاعر:
فقاموا جميعا بين عاث ونشوان وفتيان صدق قد بعثت بسحرة
أي أيقظيت واللم فيي قوله "ليتسياءلوا" لم الصييرورة وهيي لم العاقبية؛ كقوله "ليكون لهيم عدوا
وحزنا" [القصص ]8 :فبعثهم لم سكن لجل تساؤلهم" .قالوا لبثنا يوما أو بعض يوم قالوا ربكم
أعلم بمييا لبثتييم" وذلك أنهييم دخلوه غدوة وبعثهييم ال فييي آخيير النهار؛ فقال رئيسييهم يمليخييا أو
مكسلمينا :ال اعلم بالمدة.
@قوله تعالى" :فابعثوا أحدكيم بورقكيم هذه إلى المدينية" قال ابين عباس :كانيت ورقهيم كأخفاف
الربيع؛ ذكره النحاس .وقرأ ابين كثيير ونافيع وابين عامير والكسيائي وحفيص عين عاصيم "بورقكيم"
بكسر الراء .وقرأ أبو عمرو وحمزة وأبو بكر عن عاصم "بورقكم" بسكون الراء ،حذفوا الكسرة
لثقلهييا ،وهمييا لغتان .وقرأ الزجاج "بورقكييم" بكسيير الواو وسييكون الراء .ويروى أنهييم انتبهوا
جياعا ،وأن المبعوث هو يمليخا ،كان أصغرهم؛ فيما ذكر الغزنوي .والمدينة :أفسوس ويقال هي
طرسييوس ،وكان اسييمها فييي الجاهلييية أفسييوس؛ فلمييا جاء السييلم سييموها طرسييوس .وقال ابيين
عباس :كان معهم دراهم عليها صورة الملك الذي كان في زمانهم.
@قوله تعالى" :فلينظير أيهيا أزكيى طعاميا" قال ابين عباس :أحيل ذبيحية؛ لن أهيل بلدهيم كانوا
يذبحون على اسيم الصينم ،وكان فيهيم قوم يخفون إيمانهيم .ابين عباس :كان عامتهيم مجوسيا .وقييل
"أزكى طعاما" أي أكثر بركة .قيل :إنهم أمروه أن يشتري ما يظن أنه طعام اثنين أو ثلثة لئل
يطلع عليهم ،ثم إذا طبخ كفى جماعة؛ ولهذا قيل ذلك الطعام الرز .وقيل :كان زبيبا .وقيل تمرا؛
فال اعلم .وقيل" :أزكى" أطيب .وقيل أرخص.
@قوله تعالى" :فليأتكم برزق منه" أي بقوت" .وليتلطف" أي في دخول المدينة وشراء الطعام.
"ول يشعرن بكم أحدا" أي ل يخبرن .وقيل :إن ظهر عليه فل يوقعن إخوانه فيما وقع فيه.
@ فيي هذه البعثية بالورق دلييل على الوكالة وصيحتها .وقيد وكيل علي بين أبيي طالب أخاه عقيل
عنيد عثمان رضيي ال عنيه؛ ول خلف فيهيا فيي الجملة .والوكالة معروفيه فيي الجاهليية والسيلم؛
أل ترى إلى عبدالرحمين بين عوف كييف وكيل أميية بين خلف بأهله وحاشيتيه بمكية؛ أي يحفظهيم،
وأمية مشرك ،والتزم عبدالرحمن لمية من حفظ حاشيته بالمدينة مثل ذلك مجازاة لصنعه .روى
البخاري عين عبدالرحمين بين عوف قال :كاتبيت أميية بين خلف كتابيا بأن يحفظنيي فيي صياغيتي
بمكية وأحفظيه فيي صياغيته بالمدينية؛ فلميا ذكرت الرحمين؛ قال :ل أعرف الرحمين كاتبنيي باسيمك
الذي كان في الجاهلية ،فكاتبته عبد عمرو ...وذكر الحديث .قال الصمعي :صاغية الرجل الذين
يميلون إليه ويأتونه؛ وهو مأخوذ من صغا يصغو ويصغى إذا مال ،وكل مائل إلى الشيء أو معه
فقد صغا إليه وأصغى؛ من كتاب الفعال.
@ الوكالة عقيد نيابية ،أذن ال سيبحانه فييه للحاجية إليه وقيام المصيلحة فيي ذلك ،إذ لييس كيل أحيد
يقدر على تناول أموره إل بمعونة من غيره أو يترفه فيستنيب من يريحه.
وقيد اسيتدل علماؤنيا على صيحتها بآيات مين الكتاب ،منهيا هذه اليية ،وقوله تعالى" :والعامليين
عليهيا" [التوبية ]60 :وقوله "اذهبوا بقميصيي فيي آخير النعام .روى جيبر بين عبدال قال أردت
الخروج إلى خيبر فأتييت رسول ال صيلى ال علييه وسيلم فقلت له :إني أردت الخروج إلى خييبر؛
فقال( :إذا أتييت وكيلي فخيذ منيه خمسية عشير وسيقا فإن ابتغيى منيك آيية فضيع يدك على ترقوتيه)
خرجه أبو داود .والحاديث كثيرة في هذه المعنى ،وفي إجماع المة على جوازها كفاية.
@ الوكالة جائزة في كل حق تجوز النيابة فيه ،فلو وكل الغاصب لم يجز ،وكان هو الوكيل؛ لن
كل محرم فعله ل تجوز النيابة فيه.
@ فيي هذه اليية نكتية بديعية ،وهيي أن الوكالة إنميا كانيت ميع التقيية خوف أن يشعير بعيم أحيد لميا
كانوا علييه مين الخوف على أنفسيهم .وجواز توكييل ذوي العذر متفيق علييه؛ فأميا مين ل عذر له
فالجمهور على جوازها .وقال أبو حنيفة وسحنون :ل تجوز .قال ابن العربي :وكأن سحنون تلقفه
من أسد بن الفرات فحكم به أيام قضائه ،ولعله كان يفعل ذلك بأهل الظلم والجبروت؛ إنصافا منهم
وإذلل لهم ،وهو الحق؛ فإن الوكالة معونة ول تكون لهل الباطل.
قلت :هذا حسن؛ فأما أهل الدين والفضل فلهم أن يوكلوا وإن كانوا حاضرين أصحاء .والدليل
على صيحة جواز الوكالة للشاهيد الصيحيح ميا خرجيه الصيحيحان وغيرهميا عين أبيي هريرة قال:
كان لرجيل على النيبي صيلى ال علييه وسيلم سين مين البيل فجاء يتقاضاه فقال( :أعطوه) فطلبوا له
سنة فلم يجدوا إل سنا فوقها؛ فقال( :أعطوه) فقال :أوفيتني أوفى ال لك .قال النبي صلى ال عليه
وسيلم( :إن خيركيم أحسينكم قضاء) .لفيظ البخاري .فدل هذا الحدييث ميع صيحته على جواز توكييل
الحاضير الصيحيح البدن؛ فإن النيبي صيلى ال علييه وسيلم أمير أصيحابه أن يعطوا عنيه السين التيي
كانيت علييه؛ وذلك توكييد منيه لهيم على ذلك ،ولم يكين النيبي صيلى ال علييه وسيلم مريضيا ول
مسيافرا .وهذا يرد قول أبيي حنيفية وسيحنون فيي قولهميا :أنيه ل يجوز توكييل الحاضير الصيحيح
البدن إل برضا خصمه؛ وهذا الحديث خلف قولهما.
@ قال ابين خوييز منداد :تضمنيت هذه اليية جواز الشركية لن الورق كان لجميعهيم وتضمنيت
جواز الوكالة لنهيم بعثوا مين وكلوه بالشراء .وتضمنيت جواز أكيل الرفقاء وخلطهيم طعامهيم معيا،
وإن كان بعضهييم أكثيير أكل ميين الخيير؛ ومثله قوله تعالى" :وإن تخالطوهييم فإخوانكييم" [البقرة:
]220حسيبما تقدم بيانيه فيي "البقرة" .ولهذا قال أصيحابنا فيي المسيكين يتصيدق علييه فيخلطيه
بطعام لغني ثم يأكل معه :إن ذلك جائز .وقد قالوا في المضارب يخلط طعامه بطعام غيره ثم يأكل
معه :إن ذلك جائز .وقد كان رسول ال صلى ال عليه وسلم وكل من اشترى له أضحية .قال ابن
العربيي :لييس فيي اليية دلييل على ذلك؛ لنيه يحتميل أن يكون كيل واحيد منهيم قيد أعطاه منفردا فل
يكون فييه اشتراك .ول معول فييي هذه المسييألة إل على حديثييين :أحدهميا :أن ابيين عميير ميير بقوم
يأكلون تمرا فقال :نهيى رسيول ال صيلى ال علييه وسيلم عين القتران إل أن يسيتأذن الرجيل أخاه.
الثاني :حديث أبي عبيدة في جيش الخبط .وهذا دون الول في الظهور؛ لنه يحتمل أن يكون أبو
عبيدة يعطيهم كفافا من ذلك القوت ول يجمعهم عليه.
قلت :وممييا يدل على خلف هذا ميين الكتاب قوله تعالى" :وإن تخالطوهييم فإخوانكيين" [البقرة:
]220وقوله "ليس عليكم جناح أن تأكلوا جميعا أو أشتاتا" [النور ]61 :على ما يأتي إن شاء
ال تعالى.
**3الية{ 20 :إنهم إن يظهروا عليكم يرجموكم أو يعيدوكم في ملتهم ولن تفلحوا إذا أبدا}
@ قال الزجاج :معناه بالحجارة ،وهو أخبث القتل .وقيل :يرموكم بالسب والشتم؛ والول أصح،
لنه كان عازما على قتلهم كما تقدم في قصصهم .والرجم فيما سلف هي كانت على ما ذكر قبله
[عقوبة] مخالفة دين الناس إذ هي أشفى لجملة أهل ذلك الدين من حيث إنهم يشتركون فيها.
**3اليية{ 21 :وكذلك أعثرنيا عليهيم ليعلموا أن وعيد ال حيق وأن السياعة ل رييب فيهيا إذ
يتنازعون بينهم أمرهم فقالوا ابنوا عليهم بنيانا ربهم أعلم بهم قال الذين غلبوا على أمرهم لنتخذن
عليهم مسجدا}
@قوله تعالى" :وكذلك أعثرنييا عليهييم" أي أطلعنييا عليهييم وأظهرناهييم .و"أعثيير" تعدييية عثيير
بالهمزة ،وأصيل العثار فيي القدم" .ليعلموا أن وعيد ال حيق وأن السياعة ل رييب فيهيا إذ يتنازعون
بينهيم أمرهيم" "يتنازعون" يعنيي المية المسيلمة الذيين بعيث أهيل الكهيف على عهدهيم .وذلك أن
دقيانوس مات ومضييت قرون وملك أهييل تلك الدار رجييل صييالح ،فاختلف أهييل بلده فييي الحشيير
وبعيث الجسياد مين القبور ،فشيك فيي ذلك بعيض الناس واسيتبعدوه وقالوا :إنميا تحشير الرواح
والجسيد تأكله الرض .وقال بعضهيم :تبعيث الروح والجسيد جميعيا؛ فكيبر ذلك على الملك وبقيي
حيران ل يدري كيف يتبين أمره لهم ،حتى لبس المسوح وقعد على الرماد وتضرع إلى ال تعالى
فيي حجية وبيان ،فأعثير ال على أهيل الكهيف؛ فيقال :إنهيم لميا بعثوا أحدهيم بورقهيم إلى المدينية
ليأتيهم برزق منها استنكر شخصه واستنكرت دراهمه لبعد العهد ،فحمل إلى الملك وكان صالحا
قد آمن من معه ،فلما نظر إليه قال :لعل هذا من الفتية الذين خرجوا على عهد دقيانوس الملك ،فقد
كنت أدعو ال أن يرينيهم ،وسأل الفتى فأخبره؛ فسر الملك بذلك وقال :لعل ال قد بعث لكن آية،
فلنسير إلى الكهيف معيه ،فركيب ميع أهيل المدينية إليهيم ،فلميا دنوا إلى الكهيف قال تمليحيا :أنيا أدخيل
عليهييم لئل يرعبوا فدخييل عليهييم فأعلمهييم الميير وأن الميية أميية إسييلم ،فروي أنهييم سييروا بذلك
وخرجوا إلى الملك وعظموه وعظمهم ثم رجعوا إلى كهفهم .وأكثر الروايات على انهم ماتوا حين
حدثهيم تمليخيا ميتية الحيق ،على ميا يأتيي .ورجيع مين كان شيك فيي بعيث الجسياد إلى اليقيين .فهذا
معنيى "أعثرنا عليهيم"" .ليعلموا أن وعد ال حق" أي ليعلم الملك ورعيته أن القيامة حق والبعث
حيق "إذ يتنازعون بينهيم أمرهيم" .وإنميا اسيتدلوا بذلك الواحيد على خيبرهم وهابوا الدخول عليهيم
فقال الملك :ابنوا عليهيم بنيانيا؛ فقال الذيين .هيم على ديين الفتيية :اتخذوا عليهيم مسيجدا .وروي أن
طائفية كافرة قالت :نبنيي بيعية أو مضيفيا ،فمانعهيم المسيلمون وقالوا لنتخذن عليهيم مسيجدا .وروي
أن بعض القوم ذهب إلى طمس الكهف عليهم وتركهم فيه مغيبين .وروي عن عبدال بن عمر أن
ال تعالى أعميى على الناس حينئذ أثرهيم وحجبهيم عنهيم ،فذلك دعيا إلى بناء البنيان ليكون معلميا
لهم .وقيل :إن الملك أراد أن يدفنهم في صندوق من ذهب فأتاه آت منهم في المنام فقال :أردت أن
تجعلنا في صندوق من ذهب فل تفعل؛ فإنا من التراب خلقنا وإليه نعود ،فدعنا.
وتنشأ هنا مسائل ممنوعة وجائزة؛ فاتخاذ المساجد على القبور والصلة فيها والبناء عليها ،إلى
غير ذلك مما تضمنته السنة من النهي عنه ممنوع ل يجوز؛ لما روى أبو داود والترمذي عن ابن
عباس قال :لعيين رسييول ال صييلى ال عليييه وسييلم زوارات القبور والمتخذييين عليهييا المسيياجد
والسرج .قال الترمذي :وفي الباب عن أبي هريرة وعائشة حديث ابن عباس حديث حسن .وروى
الصيحيحان عين عائشية أن أم حبيبية وأم سيلمة ذكرتيا كنيسية رأينهيا بالحبشية فيهيا تصياوير لرسيول
ال صيلى ال علييه وسيلم ،فقال رسيول ال صيلى ال علييه وسيلم( :إن أولئك إذا كان فيهيم الرجيل
الصيالح فمات بنوا على قيبره مسيجدا وصيوروا فييه تلك الصيور أولئك شرار الخلق عنيد ال تعالى
يوم القيامية) .لفيظ مسيلم .قال علماؤنيا :وهذا يحرم على المسيلمين أن يتخذوا قبور النيبياء والعلماء
مساجد .وروى الئمة عن أبي مرثد الغنوي قال سمعت رسول ال صلى ال عليه وسلم يقول( :ل
تصيلوا إلى القبور ول تجلسيوا عليهيا) لفيظ مسيلم .أي ل تتخذوهيا قبلة فتصيلوا عليهيا أو إليهيا كميا
فعل اليهود والنصارى ،فيؤدي إلى عبادة من فيها كما كان السبب في عبادة الصنام .فحذر النبي
صلى ال عليه وسلم عن مثل ذلك ،وسد الذرائع المؤدية إلى ذلك فقال( :اشتد غضب ال على قوم
اتخذوا قبور أنيبيائهم وصيالحيهم مسياجد) .وروى الصيحيحان عين عائشية وعبدال بين عباس قال:
لما نزل برسول ال صلى ال عليه وسلم طفق يطرح خميصة له على وجهه فإذا اغتم بها كشفها
عين وجهيه فقال وهيو كذلك( :لعنية ال على اليهود والنصيارى اتخذوا قبور أنيبيائهم مسياجد) يحذر
ميا صينعوا .وروى مسيلم عين جابر قال :نهيي رسيول ال صيلى ال علييه وسيلم أن يجصيص القيبر
وأن يقعيد علييه وأن يبنيى علييه .وخرجيه أبيو داود والترمذي أيضيا عين جابر قال :نهيى رسيول ال
صيلى ال علييه وسيلم صيلى أن تجصيص القبور وأن يكتيب عليهيا وأن يبنيى عليهيا وأن توطيأ .قال
الترمذي :هذا حدييث حسين صيحيح .وروى الصيحيح عين أبيي الهياج السيدي قال قال لي علي بين
أبييي طالب :أل أبعثييك على مييا بعثنييي عليييه رسييول ال صييلى ال عليييه وسييلم :أل تدع تمثال إل
طمسييته ول قييبرا مشرفييا إل سييويته -فييي رواييية -ول صييورة إل طمسييتها .وأخرجييه أبييو داود
والترمذي.
قال علماؤنيا :ظاهره منيع تسينيم القبور ورفعهيا وأن تكون لطئة .وقيد قال بيه بعيض أهيل العلم.
وذهييب الجمهور إلى أن هذا الرتفاع المأمور بإزالتييه هييو مييا زاد على التسيينيم ،ويبقييى للقييبر مييا
يعرف بيه ويحترم ،وذلك صيفة قيبر نبينيا محميد صيلى ال علييه وسيلم وقيبر صياحبيه رضيي ال
عنهمييا -على مييا ذكيير مالك فييي الموطييأ -وقييبر أبينييا آدم صييلى ال عليييه وسييلم ،على مييا رواه
الدارقطني من حديث ابن عباس .وأما ثعلبة البناء الكثير على نحو ما كانت الجاهلية تفعله تفخيما
وتعظيميا فذلك يهدم ويزال؛ فإن فييه اسيتعمال زينية الدنييا فيي أول منازل الخرة ،وتشبهيا بمين كان
يعظم القبور ويعبدهيا .وباعتبار هذه المعانيي وظاهير النهيي أن ينبغيي أن يقال :هو حرام .والتسينيم
فيي القيبر :ارتفاعيه قدر شيبر؛ مأخوذ مين سينام البعيير .ويرش علييه بالماء لئل ينتثير بالرييح .وقال
الشافعيي ل بأس أن يطيين القيبر .وقال أبيو حنيفية :ل يجصيص القيبر ول يطيين ول يرفيع علييه بناء
فيسيقط .ول بأس بوضيع الحجار لتكون علمية؛ لميا رواه أبيو بكير الثرم قال :حدثنيا مسيدد حدثنيا
نوح بن دراج عن أبان بن تغلب عن جعفر بن محمد قال :كانت فاطمة بنت رسول ال صلى ال
عليه وسلم تزور قبر حمزة بن عبدالمطلب كل جمعة وعلمته بصخرة؛ ذكره أبو عمر.
وأما الجائزة :فالدفن في التابوت؛ وهو جائز ل سيما في الرض الرخوة .روي أن دانيال صلوات
ال عليه كان في تابوت من حجر ،وأن يوسف عليه السلم أوصى بأن يتخذ له تابوت من زجاج
ويلقيى فيي ركيية مخافية أن يعبيد ،وبقيي كذلك إلى زمان موسيى صيلوات ال عليهيم أجمعيين؛ فدلتيه
علييه عجوز فرفعيه ووضعيه فيي حظيرة إسيحاق علييه السيلم .وفيي الصيحيح عين سيعد ابين أبيي
وقاص أنيه قال فيي مرضيه الذي هلك فييه :اتخذوا لي لحدا وانصيبوا علي اللبين نصيبا؛ كميا صينع
برسول ال صلى ال عليه وسلم .اللحد :هو أن يشق في الرض ثم يحفر قبر آخر في جانب الشق
من جانب القبلة إن كانت الرض صلبة يدخل فيه الميت ويسد عليه باللبن .وهو أفضل عندنا من
الشيق؛ لنيه الذي اختاره ال تعالى لرسيوله صيلى ال علييه وسيلم .وبيه قال أبيو حنيفية قال :السينة
اللحييد .وقال الشافعييي :الشييق .ويكره الجيير فييي اللحييد .وقال الشافعييي :ل بأس بيه لنييه نوع ميين
الحجير .وكرهيه أبو حنيفة وأصحابه؛ لن الجير لحكام البناء ،والقيبر وميا فيه للبلى ،فل يلييق بيه
الحكام .وعلى هذا يسيوي بيين الحجير والجير .وقييل :إن الجير أثير النار فيكره تفاؤل؛ فعلى هذا
يفرق بين الحجر والجر .قالوا :ويستحب اللبن والقصب لما روي أنه وضع على قبر النبي صلى
ال عليه وسلم حزمة من قصب .وحكي عن الشيخ المام أبو بكر محمد بن الفضل الحنفي رحمه
ال أنيه جوز اتخاذ التابوت فيي بلدهيم لرخاوة الرض .وقال :لو اتخيذ تابوت مين حدييد فل بأس
بيه ،لكين ينبغيي أن يفرش فييه التراب وتطيين الطبقية العلييا مميا يلي المييت ،ويجعيل اللبين الخفييف
على يمين الميت ويساره ليصير بمنزلة اللحد.
قلت :ومن هذا المعنى جعل القطيفة في قبر النبي صلى ال عليه وسلم؛ فإن المدينة سبخة ،قال
شقران :أنيا وال طرحيت القطيفية تحيت رسيول ال صيلى ال علييه وسيلم فيي القيبر .قال أبيو عيسيى
الترمذي :حديث شقران حديث حسن غريب.
**3اليية{ 22 :سييقولون ثلثية رابعهيم كلبهيم ويقولون خمسية سيادسهم كلبهيم رجميا بالغييب
ويقولون سييبعة وثامنهييم كلبهييم قييل ربييي أعلم بعدتهييم مييا يعلمهييم إل قليييل فل تمار فيهييم إل مراء
ظاهرا ول تستفت فيهم منهم أحدا}
@قوله تعالى" :سييقولون ثلثية رابعهيم كلبهيم" الضميير فيي "سييقولون" يراد بيه أهيل التوراة
ومعاصيري محميد صيلى ال علييه وسيلم .وذلك أنهيم اختلفوا فيي عدد أهيل الكهيف هذا الختلف
المنصيوص .وقييل :المراد بيه النصيارى؛ فإن قوميا منهيم حضروا النيبي صيلى ال علييه وسيلم مين
نجران فجرى ذكر أصحاب الكهف فقالت اليعقوبية :كانوا ثلثة رابعهم كلبهم .وقالت النسطورية:
كانوا خمسة سادسهم كلبهم .وقال المسلمون :كانوا سبعة ثامنهم كلبهم .وقيل :هو إخبار عن اليهود
الذيين أمروا المشركيين بمسيألة النيبي صيلى ال علييه وسيلم عين أصيحاب الكهيف .والواو فيي قول
"وثامنهيم كلبهيم" طرييق النحيو بيين أنهيا واو عطيف دخلت فيي آخير إخبار عين عددهيم؛ لتفصيل
أمرهيم ،وتدل على أن هذا غايية ميا قييل ،ولو سيقطت لصيح الكلم .وقالت فرقية منهيا ابين خالوييه:
هي واو الثمانية .وحكى الثعلبي عن أبي بكر بن عياش أن قريشا كانت تقول في عددها ستة سبعة
وثمانية؛ فتدخل الواو في الثمانية .وحكى نحوه القفال ،فقال :إن قوما قالوا العدد ينتهي عند العرب
إلى سبعة ،فإذا احتيج إلى الزيادة عليها استؤنف خبر آخر بإدخال الواو ،كقوله "التائبون العابدون
-ثم قال -والناهون عن المنكر والحافظون" [التوبة .]112 :يدل عليه أنه لما ذكر أبواب جهنم
"حتيى إذا جاؤوه فتحيت أبوابهيا" [الزمير ]71 :بل واو ،ولميا ذكير الجنية قال" :وفتحيت أبوابهيا"
[الزمر ]73 :بالواو .وقال "خير منكن مسلمات" [التحريم ]5 :ثم قال "وأبكارا" [التحريم]5 :
فالسيبعة نهايية العدد عندهيم كالعشرة الن عندنيا .قال القشيري أبيو نصير :ومثيل هذا الكلم تحكيم،
وميين أييين السييبعة نهاييية عندهييم ثييم هييو منقوض بقوله تعالى" :هييو ال الذي ل إله إل هييو الملك
القدوس السيلم المؤمين المهيمين العزييز الجبار المتكيبر" [الحشير ]23 :ولم يذكير السيم الثامين
بالواو .وقال قوم ممين صيار إلى أن عددهيم سيبعة :إنميا ذكير الواو فيي قوله "سيبعة وثامنهيم" لينبيه
على أن هذا العدد هو الحق ،وأنه مباين للعداد الخر التي قال فيها أهل الكتاب؛ ولهذا قال تعالى
فيي الجملتيين المتقدمتيين "رجميا بالغييب" ولم يذكره فيي الجملة الثالثية ولم يقدح فيهيا بشييء؛ فكأنيه
قال لنبيه هم سبعة وثامنهم كلبهم .والرجم :القول بالظن؛ يقال لكل ما يخرص :رجم فيه ومرجوم
ومرجم؛ كما قال:
وما هو عنها بالحديث المرجم وما الحرب إل ما علمتم وذقتم
قلت :قيد ذكير الماوردي والغزنوي :وقال ابين جرييج ومحميد بين إسيحاق كانوا ثمانيية ،وجعل
قوله تعالى "وثامنهيم كلبهيم" أي صياحب كلبهيم .وهذا مميا يقوي طرييق النحوييين فيي الواو ،وأنهيا
كميا قالوا .وقال القشري :لم يذكير الواو فيي قوله :رابعهيم سيادسهم ،ولو كان بالعكيس لكان جائزا،
فطلب الحكمية والعلة فيي مثيل هذه الواو تكلف بعييد ،وهيو كقوله فيي موضيع آخير "وميا أهلكنيا مين
قرية إل ولها كتاب معلوم" [الحجر .]4 :وفي موضع آخر" :إل لها منذرون .ذكرى" [الشعراء:
.]208
@قوله تعالى" :قل ربي أعلم بعدتهم" أمر ال تعالى نبيه عليه السلم في هذه الية أن يرد علم
عدتهيم إلييه عيز وجيل .ثيم أخيبر أن عالم ذلك مين البشير قلييل .والمراد بيه قوم مين أهيل الكتاب؛ فيي
قول عطاء .وكان ابن عباس يقول :أنا من ذلك القليل ،كانوا سبعة وثامنهيم كلبهيم ،ثم ذكير السبعة
بأسيمائهم ،والكلب اسيمه قطميير كلب أنمير ،فوق القلطيي ودون الكردي .وقال محميد بين سيعيد بين
المسيب :هو كلب صيني .والصحيح أنه زبيري .وقال :ما بقي بنيسابور محدث إل كتب عني هذا
الحديث إل من لم يقدر له .قال :وكتبه أبو عمرو الحيري عني.
@قوله تعالى" :فل تمار فيهم إل مراء ظاهرا" أي ل تجادل في أصحاب الكهف إل بما أوحيناه
إلييك؛ وهيو رد علم عدتهيم إلى ال تعالى .وقييل :معنيى المراء الظاهير أن تقول :لييس كميا تقولون،
ونحييو هذا ،ول تحتييج على أميير مقدر فييي ذلك .وفييي هذا دليييل على أن ال تعالى لم يييبين لحييد
عددهم فلهذا قال "إل مراء ظاهرا" أي ذاهبا؛ كما قال:
وتلك شكاة ظاهر عنك عارها
ولم يبح له في هذه الية أن يماري؛ ولكن قوله "إل مراء" استعارة من حيث يماريه أهل الكتاب.
سيميت مراجعتيه لهيم مراء ثيم قييد بأنيه ظاهير؛ ففارق المراء الحقيقيي المذموم .والضميير فيي قوله
"قيهيم" عائد على أهيل الكهيف .وقوله" :فل تمار فيهيم" يعنيي فيي عدتهيم؛ وجذفيت العدة لدللة
ظاهر القول عليها" .ول تستفت فيهم منهم أحدا" روي أنه عليه السلم سأل نصارى نجران عنهم
فنهيي عين السيؤال .والضميير فيي قوله "منهيم" عائد على أهيل الكتاب المعارضيين .وفيي هذا دلييل
على منع المسلمين من مراجعة أهل الكتاب في شيء من العلم.
**3اليتان{ 24 - 23 :ول تقولن لشيء إني فاعل ذلك غدا ،إل أن يشاء ال واذكر ربك إذا
نسيت وقل عسى أن يهدين ربي لقرب من هذا رشدا}
@ قال العلماء عاتب ال تعالى نبيه عليه السلم على قوله للكفار حين سألوه عن الروح والفتية
وذي القرنين :غدا أخبركم بجواب أسئلتكم؛ ولم يستثن في ذلك .فاحتبس الوحي عنه خمسة عشر
يوما حتى شق ذلك عليه وأرجف الكفار به ،فنزلت عليه هذه السورة مفرجة .وأمر في هذه الية
أل يقول في أمر من المور إني أفعل غدا كذا وكذا ،إل أن يعلق ذلك بمشيئة ال عز وجل حتى ل
يكون محققيا لحكيم الخيبر؛ فإنيه إذا قال :لفعلن ذلك ولم يفعيل كان كاذبيا ،وإذا قال لفعلن ذلك إن
شاء ال خرج عين أن بكون محققيا للمخيبر عنيه .واللم فيي قوله "لشييء" بمنزلة فيي ،أو كأنيه قال
لجل شيء.
@قوله تعالى" :إل أن يشاء ال" قال ابين عطيية :وتكلم الناس فيي هذه اليية فيي السيتثناء فيي
اليمين ،والية ليست في اليمان وإنما هي في سنة الستثناء في غير اليمين .وقوله" :إل أن يشاء
ال" في الكلم حذف يقتضيه الظاهر ويحسنه اليجاز؛ تقديره :إل أن تقول إل أن يشاء ال؛ أو إل
أن تقول إن شاء ال .فالمعنى :إل أن يذكر مشيئة ال؛ فليس "إل أن يشاء ال" من القول الذي نهي
عنه.
قلت :ميا اختاره ابين عطيية وارتضاه هيو قول الكسييائي والفراء والخفيش .وقال البصييريون:
المعنى إل بمشيئة ال .فإذا قال النسان أنا أفعل هذا إن شاء ال فمعناه بمشيئة ال .قال ابن عطية:
وقالت فرقيية "إل أن يشاء ال" اسييتثناء مين قوله "ول تقولن" .قال :وهذا قول حكاه الطييبري ورد
علييه ،وهيو مين الفسياد بحييث كان الواجيب أل يحكيى .وقيد تقدم القول فيي السيتثناء فيي اليميين
وحكمه في "المائدة".
@قوله تعالى" :واذكير ربيك إذا نسييت" وفييه مسيألة واحدة ،وهيي المير بالذكير بعيد النسييان -
واختلف في الذكر المأمور به؛ فقيل :هو قوله "وقل عسى أن يهديني ربي لقرب من هذا رشدا"
قال محمد الكوفيي المفسر :إنها بألفاظها مما أمر أن يقولها كل من لم يستثن ،وإنها كفارة لنسيان
الستثناء .وقال الجمهور :هو دعاء مأمور به دون هذا التخصيص .وقيل :هو قوله "إن شاء ال"
[الصافات ]102 :الذي كان نسيه عند يمينه .حكي عن ابن عباس أنه إن نسي الستثناء ثم ذكر
ولو بعيد سينة لم يحنيث إن كان حالفيا .وهيو قول مجاهيد .وحكيى إسيماعيل بين إسيحاق ذلك عين أبيي
العاليية فيي قوله تعالى" :واذكير ربيك إذا نسييت" قال :يسيتثني إذا ذكره .الحسين :ميا دام فيي مجلس
الذكر .ابن عباس :سنتين؛ ذكره الغزنوي قال :فيحمل على تدارك التبرك بالستثناء للتخلص عن
الثيم .فأميا السيتثناء المفييد حكميا فل يصيح إل متصيل .السيدي :أي كيل صيلة نسييها إذا ذكرهيا.
وقيل :استثن باسمه لئل تنسى .وقيل :اذكره متى ما نسيته .وقيل :إذا نسيت شيئا فاذكره يذكركه.
وقييل :اذكره إذا نسييت غيره أو نسييت نفسيك؛ فذلك حقيقية الذكير .وهذه اليية مخاطبية للنيبي صيلى
ال عليه وسلم ،وهي استفتاح كلم على الصح ،ولست من الستثناء في المين بشيء ،وهي بعد
تعم جميع أمته؛ لنه حكم يتردد في الناس لكثرة وقوعه .وال الموفق.
**3الية{ 25 :ولبثوا في كهفهم ثلث مائة سنين وازدادوا تسعا}
@ هذا خبر من ال تعالى عن مدة لبثهم .وفي قراءة ابن مسعود "وقالوا لبثوا" .قال الطبري :إن
بنيي إسيرائيل اختلفوا فيميا مضيى لهيم مين المدة بعيد العثار عليهيم إلى مدة النيبي صيلى ال علييه
وسيلم ،فقال بعضهيم :إنهيم لبثوا ثلثمائة سينة وتسيع سينين ،فأخيبر ال تعالى نيبيه أن هذه المدة فيي
كونهم نياما ،وأن ما بعد ذلك مجهول للبشر .فأمر ال تعالى أن يرد علم ذلك إليه .قال ابن عطية:
فقوله على هذا "لبثوا" الول يريييد فييي نوم الكهييف ،و"لبثوا" الثانييي يريييد بعييد العثار إلى مدة
محمد صلى ال عليه وسلم ،أو إلى وقت عدمهم بالبلء .مجاهد :إلى وقت نزول القرآن .الضحاك:
إلى أن ماتوا .وقال بعضهييم :إنييه لمييا قال "وازدادوا تسييعا" لم يدر الناس أهييي سيياعات أم أيام أم
جمييع أم شهور أم أعوام .واختلف بنييو إسييرائيل بحسييب ذلك ،فأميير ال تعالى برد العلم إليييه فييي
التسيع ،فهيي على هذا مبهمية .وظاهير كلم العرب المفهوم منيه أنهيا أعوام ،والظاهير مين أمرهيم
أنهم قاموا ودخلوا الكهف بعد عيسى بيسير وقد بقيت من الحواريين بقية .وقيل غير هذا على ما
يأتي .قال القشيري :ل يفهم من التسع تسع ليال وتسع ساعات لسبق ذكر السنين؛ كما تقول :عندي
مائة درهم وخمسة؛ والمفهوم منه خمسة دراهم .وقال أبو علي "وازدادوا تسعا" أي ازدادوا لبث
تسع؛ فحذف .وقال الضحاك :لما نزلت "ولبثوا في كهفهم ثلثمائة" قالوا سنين أم شهور أم جمع أم
أيام؛ فأنزل ال عز وجل "سنين" .وحكى النقاش ما معناه أنهم لبثوا ثلثمائة سنة شمسية بحساب
اليام؛ فلما كان الخبار هنا للنبي العربي ذكرت التسع؛ إذ المفهوم عنده من السنين القمرية ،وهذه
الزيادة هييي مييا بييين الحسييابين .ونحوه ذكيير الغزنوي .أي باختلف سييني الشمييس والقميير؛ لنييه
يتفاوت في كل ثلث وثلثين وثلث سنة سنة فيكون في ثلثمائة تسع سنين .وقرأ الجمهور "ثلثمائة
سيينين" بتنوييين مائة ونصييب سيينين ،على التقديييم والتأخييير؛ أي سيينين ثلثمائة فقدم الصييفة على
الموصوف ،فتكون "سنين" على هذا بدل أو عطف بيان .وقيل :على التفسير والتمييز .و"سنين"
في موضع سنة .وقرأ حمزة والكسائي بإضافة مائة إلى سنين ،وترك التنوين؛ كأنهم جعلوا سنين
بمنزلة سينة إذ المعنيى بهميا واحيد .قال أبيو علي :هذه العداد التيي تضاف فيي المشهور إلى الحاد
نحييو ثلثمائة رجييل وثوب قييد تضاف إلى الجموع .وفييي مصييحف عبدال "ثلثمائة سيينة" .وقرأ
الضحاك "ثلثمائة سييينون" بالواو .وقرأ أبيييو عمرو بخلف "تسيييعا" بفتيييح التاء وقرأ الجمهور
بكسرها .وقال الفراء والكسائي وأبو عبيدة :التقدير ولبثوا في كهفهم سنين ثلثمائة.
**3الية{ 26 :قل ال أعلم بما لبثوا له غيب السماوات والرض أبصر به وأسمع ما لهم من
دونه من ولي ول يشرك في حكمه أحدا}
@قوله تعالى" :قل ال أعلم بما لبثوا" قيل بعد موتهم إلى نزول القرآن فيهم ،على قول مجاهد .أو
إلى أن ماتوا؛ على قول الضحاك .أو إلى وقيت تغيرهيم بالبلى؛ على ميا تقدم .وقييل :بميا لبثوا فيي
الكهيف ،وهيي المدة التيي ذكرهيا ال تعالى عين اليهود وإن ذكروا زيادة ونقصيانا .أي ل يعلم علم
ذلك إل ال أو مين علميه ذلك "له غييب السيماوات والرض"" .أبصير بيه وأسيمع" أي ميا أبصيره
وأسمعه .قال قتادة :ل أحد أبصر من ال ول اسمع .وهذه عبارات عن الدراك .ويحتمل أن يكون
المعنييى "أبصيير بييه" أي بوحيييه وإرشاده هداك وحججييك والحييق ميين المور ،واسييمع بييه العالم؛
فيكونان أمرين ل على وجه التعجب .وقيل .المعنى أبصرهم وأسمعهم ما قال ال فيهم.
@قوله تعالى" :ما لهم من دونه من ولي" أي لم يكن لصحاب الكهف ولي يتولى حفظهم دون
ال .ويحتميل أن يعود الضميير فيي "لهيم" على معاصيري محميد صيلى ال علييه وسيلم مين الكفار.
والمعنى :ما لهؤلء المختلفين في مدة لبثهم ولي دون ال يتولى تدبير أمرهم؛ فكيف يكونون اعلم
منه ،أو كيف يتعلمون من غير إعلمه إياهم.
@قوله تعالى" :ول يشرك فيي حكمه أحدا" قرئ بالياء ورفيع الكاف ،على معنيى الخيبر عن ال
تعالى .وقرأ ابييين عامييير والحسييين وأبيييو رجاء وقتادة والجحدري "ول تشرك" بالتاء مييين فوق
وإسيكان الكاف على جهية النيبي صيلى ال علييه وسيلم ،ويكون قوله "ول يشرك" عطفيا على قوله:
"أبصر به واسمع" .وقرأ مجاهد "يشرك" بالياء من تحت والجزم .قال يعقوب :ل أعرف وجهه.
مسألة :اختلف في أصحاب الكهف هل ماتوا وفنوا ،أو هم نيام وأجسادهم محفوظة؛ فروي عن
ابن عباس أنه مر بالشام في بعض غزواته مع ناس على موضع الكهف وجبله ،فمشى الناس معه
إلييه فوجدوا عظاميا فقالوا :هذه عظام أهيل الكهيف .فقال لهيم ابين عباس :أولئك قوم فنوا وعدموا
منيذ مدة طويلة؛ فسيمعه راهيب فقال :ميا كنيت أحسيب أن أحدا مين العرب يعرف هذا؛ فقييل له :هذا
ابن عم نبينا صلى ال عليه وسلم .وروت فرقة أن النبي صلى ال عليه وسلم قال( :ليحجن عيسى
بن مريم ومعه أصحاب الكهف فإنهم لم يحجوا بعد) .ذكره ابن عطية.
قلت :ومكتوب فيي التوراة والنجييل أن عيسيى بين مرييم عبدال ورسيوله ،وأنيه يمير بالروحاء
حاجا أو معتمرا أو يجمع ال له ذلك فيجعل ال حواريه أصحاب الكهف والرقيم ،فيمرون حجاجا
فإنهم لم يحجوا ولم يموتوا .وقد ذكرنا هذا الخبر بكماله في كتاب "التذكرة" .فعلى هذا هم نيام ولم
يموتوا إلى يوم القيامة ،بل يموتون قبيل الساعة.
**3الية{ 27 :واتل ما أوحي إليك من كتاب ربك ل مبدل لكلماته ولن تجد من دونه ملتحدا}
@قوله تعالى" :واتيل ميا أوحيي إلييك مين كتاب ربيك ل مبدل لكلماتيه" قييل :هيو مين تمام قصية
أصيحاب الكهيف؛ أي اتبيع القرآن فل مبدل لكلمات ال ول خلف فيميا أخيبر بيه مين قصية أصيحاب
الكهف .وقال الطبري :ل مغير لما أوعد بكلماته أهل معاصيه والمخالفين لكتابه" .ولن تجد" أنت
"مين دونيه" إن لم تتبيع القرآن وخالفتيه" .ملتحدا" أي ملجيأ وقييل موئل وأصيله المييل ومين لجأت
إليه فقد ملت إليه .قال القشيري أبو نصر عبدالرحيم :وهذا آخر قصة أصحاب الكهف .ولما غزا
معاويية غزوة المضييق نحيو الروم وكان معيه ابين عباس فانتهيى إلى الكهيف الذي فييه أصيحاب
الكهيف؛ فقال معاويية :لو كشيف لنيا عين هؤلء فننظير إليهيم؛ فقال ابين عباس :قيد منيع ال مين هيو
خيير منيك عين ذلك ،فقال" :لو اطلعيت عليهيم لولييت منهيم فرارا" [الكهيف ]18 :فقال :ل انتهيي
حتيى اعلم علمهيم ،وبعيث قوميا لذلك ،فلميا دخلوا الكهيف بعيث ال عليهيم ريحيا فأخرجتهيم؛ ذكره
الثعلبي أيضا .وذكر أن النبي صلى ال عليه وسلم سأل ال أن يريه إياهم ،فقال إنك لن تراهم في
دار الدنيا ولكن أبعث إليهم أربعة من خيار أصحابك ليبلغوهم رسالتك ويدعوهم إلى اليمان؛ فقال
النيبي صيلى ال علييه وسيلم لجبرييل علييه السيلم :كييف أبعثهيم؟ فقال :ابسيط كسياءك واجلس على
طرف مين أطرافيه أبيا بكير وعلى الطرف الخير عمير وعلى الثالث عثمان وعلى الرابيع علي بين
أبييي طالب ،ثييم ادع الريييح الرخاء المسييخرة لسييليمان فإن ال تعالى يأمرهييا أن تطيعييك؛ ففعييل
فحملتهيم الرييح إلى باب الكهيف ،فقلعوا منيه حجرا ،فحميل الكلب عليهيم فلميا رآهيم حرك رأسيه
وبصييبص بذنبييه وأومييأ إليهييم برأسييه أن ادخلوا فدخلوا الكهييف فقالوا :السييلم عليكييم ورحميية ال
وبركاتيه؛ فرد ال على الفتيية أرواحهيم فقاموا بأجمعهيم وقالوا :عليكيم السيلم ورحمية ال وبركاتيه؛
فقالوا لهم :معشر الفتية ،إن النبي محمد بن عبدال صلى ال عليه وسلم يقرأ عليكم السلم؛ فقالوا:
وعلى محميد رسيول ال السيلم ميا داميت السيماوات والرض ،وعليكيم بميا أبلغتيم ،وقبلوا دينيه
وأسيلموا ،ثيم قالوا :أقرئوا محمدا رسيول ال منيا السيلم ،وأخذوا مضاجعهيم وصياروا إلى رقدتهيم
إلى آخير الزمان عنيد خروج المهدي .فيقال :إن المهدي يسيلم عليهيم فيحييهيم ال ثيم يرجعون إلى
رقدتهيم فل يقومون حتيى تقوم السياعة ،فأخيبر جبرييل رسيول ال صيلى ال علييه وسيلم بميا كان
منهم ،ثم ردتهم الريح فقال النبي صلى ال عليه وسلم( :كيف وجدتموهم)؟ .فأخبروه الخبر؟ فقال
النيبي صيلى ال علييه وسيلم( :اللهيم ل تفرق بينيي وبيين أصيحابي وأصيهاري واغفير لمين أجنيبي
وأحيب أهيل بيتيي وخاصيتي وأصيحابي) .وقييل :إن أصيحاب الكهيف دخلوا الكهيف قبيل المسييح؛
فأخبر ال تعالى المسيح بخبرهم ثم بعثوا في الفترة بين عيسى ومحمد صلى ال عليه وسلم .وقيل:
كانوا قبل موسى عليه السلم وأن موسى ذكرهم في التوراة؛ ولهذا سألت اليهود رسول ال صلى
ال عليه وسلم .وقيل :دخلوا الكهف بعد المسيح؛ فال اعلم أي ذلك كان.
**3اليية{ 28 :واصيبر نفسيك ميع الذيين يدعون ربهيم بالغداة والعشيي يريدون وجهيه ول تعيد
عيناك عنهيم ترييد زينية الحياة الدنييا ول تطيع مين أغفلنيا قلبيه عين ذكرنيا واتبيع هواه وكان أمره
فرطا}
@قوله تعالى" :واصبر نفسك مع الذين يدعون ربهم بالغداة والعشي" هذا مثل قوله" :ول تطرد
الذيين يدعون ربهيم بالغداة والعشيي" [النعام ]52 :فيي سيورة "النعام" وقيد مضيى الكلم فييه.
وقال سلمان الفارسي رضي ال عنه :جاءت المؤلفة قلوبهم إلى رسول ال صلى ال عليه وسلم:
عيينة بن حصن والقرع بن حابس فقالوا :يا رسول ال؛ إنك لو جلست في صدر المجلس ونحيت
عنييا هؤلء وأرواح جبابهييم -يعنون سييلمان وأبييا ذر وفقراء المسييلمين ،وكانييت عليهييم جباب
الصيوف لم يكين عليهيم غيرهيا -جلسينا إلييك وحادثناك وأخذنيا عنيك ،فأنزل ال تعالى "واتيل ميا
أوحيي إلييك مين كتاب ربيك ل مبدل لكلماتيه ولن تجيد مين دونيه ملتحدا .واصيبر نفسيك ميع الذيين
يدعون ربهييم بالغداة والعشييي يريدون وجهييه -حتييى بلغ -إنييا اعتدنييا للظالمييين نارا أحاط بهييم
سيرادقها" .يتهددهيم بالنار .فقام النيبي صيلى ال علييه وسيلم يلتمسيهم حتيى إذا أصيابهم فيي مؤخير
المسيجد يذكرون ال قال( :الحميد ل الذي لم يمتنيي حتيى أمرنيي أن أصيبر نفسيي ميع رجال مين
أمتي ،معكم المحيا ومعكم الممات)" .يريدون وجهه" أي طاعته .وقرأ نصر بن عاصم ومالك بن
دينار وأبيو عبدالرحمين "ول تطرد الذيين يدعون ربهيم بالغدوة والعشيي" وحجتهيم أنهيا فيي السيواد
بالواو .وقال أبيو جعفير النحاس :وهذا ل يلزم لكتبهيم الحياة والصيلة بالواو ،ول تكاد العرب تقول
الغدوة لنهيا معروفية .وروي عين الحسين أي ل تتجاوز عيناك إلى غيرهيم مين أبناء الدنييا طلبيا
لزينتها؛ حكاه اليزيدي .وقيل :ل تحتقرهم عيناك؛ كما يقال فلن تنبو عنه العين؛ أي مستحقرا.
@قوله تعالى" :تريد زينة الحياة الدنيا" أي تتزين بمجالسة هؤلء الرؤساء الذين اقترحوا إبعاد
الفقراء من مجلسك؛ ولم يرد النبي صلى ال عليه وسلم أن يفعل ذلك ،ولكن ال نهاه عن أن يفعله،
ولييس هذا بأكثير مين قوله "لئن أشركيت ليحبطين عملك" [الزمير .]65 :وإن كان ال أعاذه مين
الشرك .و"تريد" فعل مضارع في موضع الحال؛ أي ل تعد عيناك مريدا؛ كقول امرئ القيس:
نحاول ملكا أو نموت فنعذرا فقلت له ل تبك عينك إنما
وزعيم بعضهيم أن حيق الكلم :ل تعيد عينييك عنهيم؛ لن "تعيد" متعيد بنفسيه .قييل له :والذي وردت
بيه التلوة مين رفيع العينيين يؤول إلى معنيى النصيب فيهيا ،إذا كان ل تعيد عيناك عنهيم بمنزلة ل
تنصرف عيناك عنهم ،ومعنى ل تنصرف عيناك عنهم ل تصرف عينيك عنهم؛ فالفعل مسند إلى
العينييين وهييو فييي الحقيقيية موجييه إلى النييبي صييلى ال عليييه وسييلم؛ كمييا قال تعالى" :فل تعجبييك
أموالهيم" فأسيند العجاب إلى الموال ،والمعنيى :ل تعجبيك ييا محميد أموالهيم .ويزيدك وضوحيا
قول الزجاج :إن المعنى ل تصرف بصرك عنهم إلى غيرهم من ذوي الهيئات والزينة.
@قوله تعالى" :ول تطع من أغفلنا قلبه عن ذكرنا" روى جويبر عن الضحاك عن ابن عباس في
قوله تعالى" :ول تطع من أغفلنا قلبه عن ذكرنا" قال :نزلت في أمية بن خلف الجمحي ،وذلك أنه
دعيا النيبي صيلى ال علييه وسيلم إلى أمير كرهيه مين تجرد الفقراء عنيه وتقرييب صيناديد أهيل مكية؛
فأنزل ال تعالى" :ول تطيع مين أغفلنيا قلبيه عين ذكرنيا" يعنيي مين ختمنيا على قلبيه عين التوحييد.
"واتبيع هواه" يعنيي الشرك" .وكان أمره فرطيا" قييل هيو مين التفرييط الذي هيو التقصيير وتقدييم
العجيز بترك اليمان .وقيل :من الفراط ومجاوزة الحد ،وكان القوم قالوا :نحن أشراف مضير إن
أسلمنا أسلم الناس؛ وكان هذا من التكبر والفراط ف في القول .وقيل" :فرطا" أي قدما في الشر؛
من قولهم :فرط منه أمر أي سبق .وقيل :معنى "أغفلنا قلبه" وجدناه غافل؛ كما تقول :لقيت فلنا
فأحمدته؛ أي وجدته محمودا .وقال عمرو بن معد يكرب لبني الحارث بن كعب :وال لقد سألناكم
فما أبخلناكم ،وقاتلناكم فما أجبناكم ،وهاجيناكم فما أفحمناكم؛ أي ما وجدناكم بخلء ول جبناء ول
مفحميين .وقييل :نزلت "ول تطيع مين أغفلنيا قلبيه عين ذكرنيا" فيي عيينية بين حصين الفزاري؛ ذكره
عبدالرزاق ،وحكاه النحاس عن سفيان الثوري .وال اعلم.
**3الية{ 29 :وقل الحق من ربكم فمن شاء فليؤمن ومن شاء فليكفر إنا أعتدنا للظالمين نارا
أحاط بهم سرادقها وإن يستغيثوا يغاثوا بماء كالمهل يشوي الوجوه بئس الشراب وساءت مرتفقا}
@قوله تعالى" :وقل الحق من ربكم فمن شاء فليؤمن ومن شاء فليكفر" "الحق" رفع على خبر
البتداء المضمير؛ أي قيل هيو الحيق .وقييل :هيو رفيع على البتداء ،وخيبره فيي قوله "مين ربكيم".
ومعنى الية :قل يا محمد لهؤلء الذين أغفلنا قلوبهم عن ذكرنا :أيها الناس من ربكم الحق فإليه
التوفييق والخذلن ،وبيده الهدى والضلل ،يهدي مين يشاء فيؤمين ،ويضيل مين يشاء فيكفير؛ لييس
إلي مين ذلك شييء ،فال يؤتيي الحيق مين يشاء وإن كان ضعيفيا ،ويحرميه مين يشاء وإن كان قوييا
غنييا ،ولسيت بطارد المؤمنيين لهواكيم؛ فإن شئتيم فآمنوا ،وإن شئتيم فاكفروا .ولييس هذا بترخييص
وتخييير بيين اليمان والكفير ،وإنميا هيو وعييد وتهدييد .أي إن كفرتيم فقيد أعيد لكيم النار ،وإن آمنتيم
فلكم الجنة.
@قوله تعالى" :إنيا أعتدنيا" أي أعددنيا" .للظالميين" أي للكافريين الجاحديين" .نارا أحاط بهيم
سيرادقها" قال الجوهري :السيرادق واحيد السيرادقات التيي تميد فوق صيحن الدار .وكيل بييت مين
كرسف فهو سرادق .قال رؤبة:
سرادق المجد عليك ممدود يا حكم بن المنذر بن الجارود
يقال :بيييت مسييردق .وقال سييلمة بيين جندل يذكيير أبرويييز وقتله النعمان بيين المنذر تحييت أرجييل
الفيلة:
صدور الفيول بعد بيت مسردق هو المدخل النعمان بيتا سماؤه
وقال ابيين العرابييي" :سييرادقها" سييورها .وعيين ابيين عباس :حائط ميين نار .الكلبييي :وقال ابيين
العرابيي" :سيرادقها" سيورها .وعين ابين عباس :حائط مين نار .الكلبيي :عنيق تخرج مين النار
فتحييط بالكفار كالحظيرة .القتيبي :السيرادق الحجرة التيي تكون حول الفسيطاط .وقال ابين عزييز.
وقييل :هيو دخان يحييط بالكفار يوم القيامية ،وهيو الذي ذكره ال تعالى فيي سيورة "والمرسيلت".
حييث يقول" :انطلقوا إلى ظيل ذي ثلث شعيب" [المرسيلت ]30 :وقوله" :وظيل مين يحموم"
[الواقعة ]43 :قاله قتادة .وقيل :إنه البحر المحيط بالدنيا .وروي يعلي بن أمية قال قال رسول ال
صلى ال عليه وسلم( :البحر هو جهنم -ثم تل -نارا أحاط بهم سرادقها -ثم قال -وال ل أدخلها
أبدا ميا دميت حييا ول يصييبني منهيا قطرة) ذكره الماوردي .وخرج ابين المبارك مين حدييث أبيي
سييعيد الخدري عيين النييبي صييلى ال عليييه وسييلم قال( :لسييرادق النار أربييع جدر كثييف كييل جدار
مسيرة أربعين سنة) .وخرجه أبو عيسى الترمذي ،وقال فيه :حديث حسن صحيح غريب.
قلت :وهذا يدل على أن السرادق ما يعلو الكفار من دخان أو نار ،وجدره ما وصف.
@قوله تعالى" :وإن يستغيثوا يغاثوا بماء كالمهل يشوي الوجوه" قال ابن عباس :المهل ماء غليظ
مثيل دردي الزييت .مجاهيد :القييح والدم .الضحاك :ماء أسيود ،وإن جهنيم لسيوداء ،وماؤهيا أسيود
وشجرهيا أسيود وأهلهيا سيود .وقال أبيو عيبيدة :هيو كيل ميا أذييب مين جواهير الرض مين حدييد
ورصياص ونحاس وقصيدير ،فتموج بالغليان ،فذلك المهيل .ونحوه عين ابين مسيعود قال سيعيد بين
جبير :هو الذي قد انتهى حره .وقال :المهل ضرب من القطران؛ يقال :مهلت البعير فهو ممهول.
وقييل :هيو السيم .والمعنيى فيي هذه القوال متقارب .وفيي الترمذي عين النيبي صيلى ال علييه وسيلم
فيي قوله "كالمهيل" قال( :كعكير الزييت فإذا قربيه إلى وجهيه سيقطت فروة وجهيه) قال أبيو عيسيى:
هذا حديث إنما نعرفه من حديث رشدين بن سعد ورشدين قد تكلم فيه من قبل حفظه .وخرج عن
أبي أمامة عن النبي صلى ال عليه وسلم في قوله" :ويسقى من ماء صديد يتجرعه" قال( :يقرب
إلى فييه فكرهيه فإذا أدنيي منيه شوى وجهيه ووقعيت فروة رأسيه إذا شربيه قطيع أمعاءه حتيى يخرج
مين دبره .يقول ال تعالى "وسيقوا ماء حميميا فقطيع أمعاءهيم" [محميد ]15 :يقول "وإن يسيتغيثوا
يغاثوا بماء كالمهل يشوي الوجوه بئس الشراب وساءت مرتفقا" قال :حديث غريب.
قلت :وهذا يدل على صحة تلك القوال ،وأنها مرادة ،وال اعلم .وكذلك نص عليها أهل اللغة.
فيي الصيحاح "المهيل" النحاس المذاب .ابين العرابيي :المهيل المذاب مين الرصياص .وقال أبيو
عمرو .المهل دردي الزيت .والمهل أيضا القيح والصديد .وفي حديث أبي بكر :ادفنوني في ثوبي
هذين فإنهما للمهل والتراب .و"مرتفقا" قال مجاهد :معناه مجتمعا ،كأنه ذهب إلى معنى المرافقة.
ابين عباس :منزل .عطاء :مقرا .وقييل مهادا .وقال القتيبي :مجلسيا ،والمعنيى متقارب؛ وأصيله مين
المتكأ ،يقال منه :ارتفقت أي اتكأت على المرفق .قال الشاعر:
يسوق بالقوم غزالت الضحى قالت له وارتفقت أل فتى
ويقال :ارتفق الرجل إذا نام على مرفقه ل يأتيه نوم .قال أبو ذؤيب الهذلي:
كأن عيني فيها الصاب مدبوح نام الخلي وبت الليل مرتفقا
الصاب :عصارة شجر مر.
**3اليتان{ 31 - 30 :إن الذين آمنوا وعملوا الصالحات إنا ل نضيع أجر من أحسن عمل،
أولئك لهيم جنات عدن تجري مين تحتهيم النهار يحلون فيهيا مين أسياور مين ذهيب ويلبسيون ثيابيا
خضرا من سندس وإستبرق متكئين فيها على الرائك نعم الثواب وحسنت مرتفقا}
@ لما ذكر ما أعد للكافرين من الهوان ذكر أيضا ما للمؤمنين من الثواب .وفي الكلم إضمار؛
أي ل نضييع أجير مين أحسين منهيم عمل ،فأميا مين أحسين عمل مين غيير المؤمنيين فعمله محبيط.
و"عمل" نصييب على التمييييز ،وإن شئت بإيقاع "أحسيين" عليييه .وقيييل" :إنييا ل نضيييع أجيير ميين
أحسين عمل" كلم معترض ،والخيبر قوله "أولئك لهيم جنات عدن" .و"جنات عدن" سيرة الجنية،
أي وسيطها وسيائر الجنات محدقية بهيا وذكرت بلفيظ الجميع لسيعتها؛ لن كيل بقعية منهيا تصيلح أن
تكون جنة وقييل :العدن القامية ،يقال :عدن بالمكان إذا أقام به وعدنت البلد توطنته وعدنيت البل
بمكان كذا لزمتيه فلم تيبرح منيه؛ ومنيه "جنات عدن" أي جنات إقامية ومنيه سيمي المعدن (بكسير
الدال)؛ لن الناس يقيمون فييه بالصييف والشتاء ومركيز كيل شييء معدنيه والعادن :الناقية المقيمية
في المرعى .وعدن بلد؛ قاله الجوهري" .تجري من تحتهم النهار" تقدم" .يحلون فيها من أساور
مين ذهيب" وهيو جميع سيوار .قال سيعيد بين جيبير :على كيل واحيد منهيم ثلثية أسيورة :واحيد مين
ذهب ،وواحد من ورق ،وواحد من لؤلؤ.
قلت :هذا منصوص في القرآن ،قال هنا "من ذهب" وقال في الحج وفاطر "من ذهب ولؤلؤا"
[الحج ]23 :وفي النسان "من فضة" [النسان .]21 :وقال أبو هريرة :سمعت خليلي صلى ال
عليييه وسييلم يقول( :تبلغ الحلييية ميين المؤميين حيييث يبلغ الوضوء) خرجييه مسييلم .وحكييى الفراء:
"يحلون" بفتح الياء وسكون الحاء وفتح اللم خفيفة؛ يقال :حليت المرأة تحلى فهي حالية إذا لبست
الحلي .وحلي الشييء بعينيي يحلى؛ ذكره النحاس .والسيوار سيوار المرأة ،والجميع أسيورة ،وجميع
الجميع أسياورة .وقرئ "فلول ألقيي علييه أسياورة مين ذهيب" [الزخرف :وقيد يكون الجميع أسياور.
وقال ال تعالى "يحلون فيهيا مين أسياور مين ذهيب" قاله الجوهري .وقال ابين عزييز :أسياور جميع
أسورة ،وأسورة جمع سوار وسوار ،وهو الذي يلبس في الذراع من ذهب ،فإن كان من فضة فهو
قلب وجمعه قلبة؛ فإن كان من قرن أو عاج فهي مسكة وجمعه مسك .قال النحاس :وحكى قطرب
في واحد الساور إسوار ،وقطرب صاحب شذوذ ،قد تركه يعقوب وغيره فلم يذكره.
قلت :قيد جاء فيي الصيحاح وقال أبيو عمرو بين العلء :وأحدهيا إسيوار .وقال المفسيرون :لميا
كانت الملوك تلبس في الدنيا الساور .والتيجان جعل ال تعالى ذلك لهل الجنة.
@قوله تعالى" :ويلبسيون ثيابيا خضرا مين سيندس وإسيتبرق" السيندس :الرفييق النحييف ،واحده
سندسة؛ قال الكسائي .والستبرق :ما ثخن منه -عن عكرمة -وهو الحرير .قال الشاعر:
وإستبرق الديباج طورا لباسها تراهن يلبسن المشاعر مرة
فالسييتبرق الديباج .ابين بحيير :المنسييوج بالذهيب .القتييبي :فارسييي معرب .الجوهري :وتصييغيره
أبيرق .وقيل :هو استفعل من البريق .والصحيح أنه وفاق بين اللغتين؛ إذ ليس في القرآن ما ليس
مين لغية العرب ،على ميا تقدم ،وال اعلم ".وخيص الخضير بالذكير لنيه الموافييق للبصيير؛ لن
البياض يبدد النظيير ويؤلم ،والسييواد يذم ،والخضرة بييين البياض والسييواد ،وذلك يجمييع الشعاع.
وال اعلم .روى النسائي عن عبدال بن عمرو بن العاص فال :بينما نحن عند رسول ال صلى ال
علييه وسيلم إذ جاءه رجيل فقال :ييا رسيول ال ،أخبرنيا عين ثياب الجنية ،أخلق يخلق أم نسيج ينسيج؟
فضحيك بعيض القوم .فقال لهيم( :ميم تضحكون مين جاهيل يسيأل عالميا) فجلس يسييرا أو قليل فقال
رسول ال صلى ال عليه وسلم( :أين السائل عن ثياب الجنة)؟ فقال :ها هو ذا يا رسول ال؛ قال
(ل بيل تشقيق عنهيا ثمير الحنية) قالهيا ثلثيا .وقال أبيو هريرة :دار المؤمين درة مجوفية فيي وسيطها
شجرة تنبييت الحلل ويأخييذ بأصييبعه أو قال بأصييبعيه سييبعين حلة منظميية بالدر والمرجان .ذكره
يحيى بن سلم في تفسيره وابن المبارك في رقائقه .وقد ذكرنا إسناده في كتاب التذكرة .وذكر في
الحديييث أنييه يكون على كييل واحييد منهييم الحلة لهييا وجهان لكييل وجييه لون ،يتكلمان بييه بصييوت
يسيتحسنه سيامعه ،يقول أحيد الوجهيين للخير :أنيا أكرم على ولي ال منيك ،أنيا ألي جسيده وأنيت ل
تلي .ويقول الخر :أنا أكرم على ولي ال منك ،أنا أبصر وجهه وأنت ل تبصر.
@قوله تعالى" :متكئيين فيهيا على الرائك" "الرائك" جميع أريكية ،وهيي السيرر فيي الحجال.
وقيييل الفرش فييي الحجال؛ قاله الزجاج .ابيين عباس :هييي السييرة ميين ذهييب ،وهييي مكللة بالدر
والياقوت عليها الحجال ،الريكة ما بين صنعاء إلى أيلة وما بين عدن إلى الجابية .وأصل متكئين
موتكئيين ،وكذلك اتكيأ أصيله أو تكيأ ،وأصيل التكأة وكأة؛ ومنيه التوكيأ للتحاميل على الشييء ،فقلبيت
الواو تاء وأدغمت .ورجل وكأة كثير التكاء" .نعم الثواب وحسنت مرتفقا" يعني الجنات ،عكس
"وسياءت مرتفقيا" .وقيد تقدم .ولو كان "نعميت" لجاز لنيه اسييم للجنيية .وعلى هذا "وحسيينت
مرتفقيا" .وروى البراء بين عازب أن أعرابييا قام إلى رسيول ال صيلى ال علييه وسيلم فيي حجية
الوداع ،والنيبي صيلى ال علييه وسيلم واقيف بعرفات على ناقتيه العضباء فقال :إنيي رجيل مسيلم
فأخبرني عن هذه الية "إن الذين آمنوا وعملوا الصالحات" الية؛ فقال رسول ال صلى ال عليه
وسيلم( :ميا أنيت منهيم ببعييد ول هيم ببعييد منيك هيم هؤلء الربعية أبيو بكير وعمير وعثمان وعلي
فأعلم قوميك أن هذه اليية نزلت فيهيم) ذكره الماوردي ،وأسينده النحاس فيي كتاب معانيي القرآن،
قال :حدثنيا أبيو عبدال أحميد بين علي بين سيهل قال حدثنيا محميد بين حمييد قال حدثنيا يحييى بين
الضريس عن زهير بن معاوية عن أبي إسحاق عن البراء بن عازب قال :قام أعرابي...؛ فذكره.
وأسنده السهيلي في كتاب العلم .وقد روينا جميع ذلك بالجازة ،والحمد ل.
**3اليات{ 34 - 32 :واضرب لهم مثل رجلين جعلنا لحدهما جنتين من أعناب وحففناهما
بنخل وجعلنا بينهما زرعا ،كلتا الجنتين آتت أكلها ولم تظلم منه شيئا وفجرنا خللهما نهرا ،وكان
له ثمر فقال لصاحبه وهو يحاوره أنا أكثر منك مال وأعز نفرا}
@قوله تعالى" :واضرب لهيم مثل رجليين" هذا مثيل لمين يتعزز بالدنييا ويسيتنكف عين مجالسية
المؤمنيين ،وهيو متصيل بقوله "واصيبر نفسيك" [الكهيف .]28 :واختلف فيي اسيم هذيين الرجليين
وتعيينهما؛ فقال الكلبي :نزلت في أخوين من أهل مكة مخزوميين ،أحدهما مؤمن وهو أبو سلمة
عبدال بين عبدالسيد بين هلل بين عبدال بين عمير بين مخزوم ،زوج أم سيلمة قبيل النيبي صيلى ال
عليييه وسييلم .والخيير كافيير وهييو السييود بيين عبدالسييد ،وهمييا الخوان المذكوران فييي سييورة
"الصافات" في قوله "قال قائل منهم إني كان لي قرين" [الصافات ،]51 :ورث كل واحد منهما
أربعية آلف دينار ،فأنفيق أحدهميا مال فيي سيبيل ال وطلب مين أخييه شيئا فقال ميا قال...؛ ذكره
الثعلبيي والقشيري .وقييل :نزلت فيي النيبي صلى ال عليه وسلم وأهل مكية .وقيل :هو مثيل لجمييع
مين آمين بال وجمييع مين كفير .وقييل :هيو مثيل لعيينية بين حصين وأصيحابه ميع سيلمان وصيهيب
وأصحابه؛ شبههيم ال برجلين مين بني إسيرائيل أخوين أحدهميا مؤمن واسمه يهوذا؛ فيي قول ابين
عباس .وقال مقاتيل :اسيمه تمليخيا .والخير كافير واسيمه قرطوش .وهميا اللذان وصيفهما ال تعالى
فيي سيورة الصيافات .وكذا ذكير محميد بين الحسين المقرئ قال :اسيم الخيير منهميا تمليخيا ،والخير
قرطوش ،وأنهما كانا شريكين ثم اقتسما المال فصار لكل واحد منهما ثلثة آلف دينار ،فاشترى
المؤمن منهما عبيدا بألف وأعتقهم ،وباللف الثانية ثيابا فكسا العراة ،وباللف الثالثة طعاما فأطعم
الجوع ،وبنى أيضا مساجد ،وفعل خيرا .وأما الخر فنكح بماله نساء ذوات يسار ،واشترى دواب
وبقرا فاسيتنتجها فنميت له نماء مفرطيا ،وأتجير بباقيهيا فربيح حتيى فاق أهيل زمانيه غنيى؛ وأدركيت
الول الحاجية ،فأراد أن يسيتخدم نفسيه فيي جنية يخدمهيا فقال :لو ذهبيت لشريكيي وصياحبي فسيألته
أن يستخدمني في بعض جناته رجوت أن يكون ذلك أصلح بي ،فجاءه فلم يكد يصل إليه من غلظ
الحجاب ،فلميا دخيل علييه وعرفيه وسيأله حاجتيه قال له :ألم أكين قاسيمتك المال نصيفين فميا صينعت
بمالك؟ .قال :اشتريت به من ال تعالى ما هو خير منه وأبقى .فقال .أإنك لمن المصدقين ،ما أظن
السياعة قائمية وميا أراك إل سيفيها ،وميا جزاؤك عندي على سيفاهتك إل الحرمان ،أو ميا ترى ميا
صينعت أنيا بمالي حتيى آل إلى ميا تراه مين الثروة وحسين الحال ،وذلك أنيي كسيبت وسيفهت أنيت،
اخرج عني .ثم كان من قصة هذا الغني ما ذكره ال تعالى في القرآن من الحاطة بثمره وذهابها
أصل بما أرسل عليها من السماء من الحسبان .وقد ذكر الثعلبي هذه القصة بلفظ آخر ،والمعنى
متقارب.
قال عطاء :كانا شريكين لهما ثمانية آلف دينار .وقيل :ورثاه من أبيهما وكانا أخوين فاقتسماها،
فاشترى أحدهما أرضا بألف دينار ،فقال صاحبه :اللهم إن فلنا قد اشترى أرضا بألف دينار وإني
اشترييت منيك أرضيا فيي الجنية بألف دينار فتصيدق بهيا ،ثيم إن صياحبه بنيى دارا بألف دينار فقال:
اللهيم إن فلنيا بنيى دارا بألف دينار وإنيي اشتري منيك دارا فيي الجنية بألف دينار ،فتصيدق بهيا ،ثيم
تزوج امرأة فأنفق عليها ألف دينار ،فقال :اللهم إن فلنا تزوج امرأة بألف دينار وإني أخطب إليك
ميين نسيياء الجنيية بألف دينار ،فتصييدق بألف دينار .ثييم اشترى خدمييا ومتاعييا بألف دينار ،وإنييي
أشتري منيك خدميا ومتاعيا مين الجنية بألف دينار ،فتصيدق بألف دينار .ثيم أصيابته حاجية شديدة
فقال :لعييل صيياحبي ينالنييي معروفييه فأتاه فقال :مييا فعييل مالك؟ فأخييبره قصييته فقال :وإنييك لميين
المصييدقين بهذا الحديييث وال ل أعطيييك شيئا ثييم قال له :أنييت تعبييد إله السييماء ،وأنييا ل أعبييد إل
صينما؛ فقال صياحبه :وال لعظنيه ،فوعظيه وذكره وخوفيه .فقال :سير بنيا نصيطد السيمك ،فمين
صياد أكثير فهيو على حيق؛ فقال له :ييا أخيي إن الدنييا أحقير عنيد ال مين أن يجعلهيا ثوابيا لمحسين أو
عقابيا لكافير .قال :فأكرهيه على الخروج معيه ،فابتلهميا ال ،فجعيل الكافير يرميي شبكتيه ويسيمي
باسيم صينمه ،فتطلع متدفقيه سيمكا .وجعيل المؤمين يرميي شبكتيه ويسيمي باسيم ال فل يطلع له فيهيا
شيء؛ فقال له :كيف ترى أنا أكثر منك في الدنيا نصيبا ومنزلة ونفرا ،كذلك أكون أفضل منك في
الخرة إن كان ميا تقول بزعميك حقيا .قال :فضيج الملك الموكيل بهميا ،فأمير ال تعالى جبرييل أن
يأخذه فيذهيب بيه إلى الجنان فيرييه منازل المؤمين فيهيا ،فلميا رأى ميا أعيد ال له قال :وعزتيك ل
يضره ما ناله من الدنيا بعد ما يكون مصيره إلى هذا؛ وأراه منازل الكافر في جهنم فقال :وعزتك
ل ينفعيه ميا أصيابه مين الدنييا بعيد أن يكون مصييره إلى هذا .ثيم إن ال تعالى توفيى المؤمين وأهلك
الكافير بعذاب مين عنده ،فلميا اسيتقر المؤمين فيي الجنية ورأى ميا أعيد ال له أقبيل هيو وأصيحابه
يتسياءلون ،فقال" :إنيي كان لي قريين .يقول أإنيك لمين المصيدقين" [الصيافات ]51 :اليية؛ فنادى
مناد :يا أهل الجنة هل أنتم مطلعون فاطلع إلى جهنم فرآه في سواء الجحيم؛ فنزلت "واضرب لهم
مثل".
بييين ال تعالى حال الخوييين فييي الدنيييا فييي هذه السييورة ،وبييين حالهمييا فييي الخرة فييي سييورة
"الصافات" في قول "إني كان لي قرين .يقول أإنك لمن المصدقين -إلى قوله -لمثل هذا فليعمل
العاملون" [الصافات .]51 :قال ابن عطية :وذكر إبراهيم بن القاسم الكاتب في كتابه في عجائب
البلد أن بحيرة تنييس كانيت هاتيين الجنتيين ،وكانتيا لخويين فباع أحدهميا نصييبه مين الخير فأنفيق
فيي طاعية ال حتيى عيره الخير ،وجرت بينهميا المحاورة فغرقهيا ال تعالى فيي ليلة ،وإياهيا عنيي
بهذه الية .وقد قيل :إن هذا مثل ضربه ال تعالى لهذه المة ،وليس بخبر عن حال متقدمة ،لتزهد
فييي الدنيييا وترغييب فييي الخرة ،وجعله زجرا وإنذارا؛ ذكره الماوردي .وسييياق الييية يدل على
خلف هذا ،وال اعلم.
@قوله تعالى" :وحففناهميا بنخيل" أي أطفناهميا مين جوانبهميا بنخيل .والحفاف الجانيب ،وجمعيه
أحفة؛ ويقال :حف القوم بفلن يحفون حفا ،أي طافوا به؛ ومنه "حافين من حول العرش" [الزمر:
" .]75وجعلنا بينهما زرعا" أي جعلنا حول العناب النخل ،ووسط العناب الزرع.
@قوله تعالى" :كلتيا الجنتيين" أي كيل واحدة مين الجنتيين ،واختلف فيي لفيظ "كلتيا وكل" هيل هيو
مفرد أو مثنيى؛ فقال أهيل البصيرة :هيو مفرد؛ لن كل وكلتيا فيي توكييد الثنيين نظيير "كيل" فيي
المجموع ،وهو اسم مفرد غير مثنى؛ فإذا ولي اسما ظاهرا كان في الرفع والنصب والخفض على
حالة واحدة ،تقول :رأييت كل الرجليين وجاءنيي كل الرجليين ومررت بكل الرجليين؛ فإذا اتصيل
بمضمير قلبيت اللف ياء فيي موضيع الجير والنصيب ،تقول :رأييت كليهميا ومررت بكليهميا ،كميا
تقول عليهمييا .وقال الفراء :هييو مثنييى ،وهييو مأخوذ ميين كييل فخففييت اللم وزيدت اللف للتثنييية.
وكذلك كلتا للمؤنث ،ول يكونان إل مضافين ول يتكلم بواحد ،ولو تكلم به لقيل :كل وكلت وكلن
وكلتان .واحتج بقول الشاعر:
كلتاهما مقرونة بزائده في كلت رجليها سلمى واحده
أراد فيي إحدى رجليهيا فأفرد .وهذا القول ضعييف عنيد أهيل البصيرة؛ لنيه لو كان مثنيى لوجيب أن
تكون ألفيه فيي النصيب والجير ياء ميع السيم الظاهير ،ولن معنيى "كل" مخالف لمعنيى "كيل" لن
"كل" للحاطة و"كل" يدل على شيء مخصوص ،وأما هذا الشاعر فإما حذف اللف للضرورة
وقدر أنهيا زائدة ،وميا يكون ضرورة ل يجوز أن يجعيل حجية ،فثبيت أنيه اسيم مفرد كمعيى ،إل أنيه
وضع ليدل على التثنية ،كما أن قولهم "نحن" اسم مفرد يدل على اثنين فما فوقهما ،يدل على ذلك
قول جرير:
وإن لم نأتها إل لماما كل يومي أمامة يوم صد
فأخييبر عيين "كل" بيوم مفرد ،كمييا أفرد الخييبر بقوله "آتييت" ولو كان مثنييى لقال آتتييا ،ويومييا.
واختلف أيضيا فيي ألف "كلتيا"؛ فقال سييبويه :ألف "وكلتيا" للتأنييث والتاء بدل مين لم الفعيل وهيي
واو والصل كلوا ،وإنما أبدلت تاء لن في التاء علم التأنيث ،واللف "في كلتا" قد تصير ياء مع
المضميير فتخرج عيين علم التأنيييث ،فصييار فييي إبدال الواو تاء تأكيييد للتأنيييث .وقال أبييو عميير
الجرمييي :التاء ملحقيية واللف لم الفعييل ،وتقديرهييا عنده :فعتييل ،ولو كان الميير على مييا زعييم
الجرمي :التاء ملحقة واللف لم الفعل ،وتقديرها عنده :فعتل ،ولو كان المر على ما زعم لقالوا
في النسبة إليها كلتوي ،فلما قالوا كلوي وأسقطوا التاء دل على أنهم أجروها مجرى التاء في أخت
إذا نسييبت إليهييا قلت أخوي؛ ذكره الجوهري .قال أبييو جعفيير النحاس :وأجاز النحويون فييي غييير
القرآن الحميل على المعنيى ،وأن تقول :كلتيا الجنتيين آتتيا أكلهميا؛ لن المعنيى المختار كلتاهميا آتتيا.
وأجاز الفراء :كلتيا الجنتيين آتيى أكله ،قال :لن المعنيى كيل الجنتيين .قال :وفيي قراءة عبدال "كيل
الجنتيين أتيى أكله" .والمعنيى على هذا عنيد الفراء :كيل شييء مين الجنتيين آتيي أكله .والكيل (بضيم
الهمزة) ثمر النخل والشجر .وكل ما يؤكل فهو أكل؛ ومنه قوله تعالى" :أكلها دائم" [الرعد]35 :
وقد تقدم" .آتت أكلها" تاما ولذلك لم يقل آتتا" .ولم تظلم منه شيئا" أي لم تنقص.
@قوله تعالى" :وفجرنا خللهما نهرا" أي أجرينا وشققنا وسط الجنتين بنهر" .وكان له ثمر" قرأ
أبو جعفر وشيبة وعاصم ويعقوب وابن أبي إسحاق "ثمر" بفتح الثاء والميم ،وكذلك قوله "وأحيط
بثمره" [الكهيف ]42 :جميع ثمرة .قال الجوهري :الثمرة واحدة الثمير والثمرات ،وجميع الثمير
ثمار؛ مثل جبل وجبال .قال الفراء :وجمع الثمار ثمر؛ مثل كتاب وكتب ،وجمع الثمر أثمار؛ مثل
أعناق وعنق .والثمر أيضا المال المثمر؛ يخفف ويثقل .وقرأ أبو عمرو "وكان له ثمر" بضم الثاء
وإسيكان المييم ،وفسيره بأنواع المال .والباقون بضمهيا فيي الحرفيين .قال ابين عباس :ذهيب وفضية
وأموال .وقد مضى في "النعام" نحو هذا مبينا .ذكر النحاس :حدثنا أحمد بن شعيب قال أخبرني
عمران بن بكار قال حدثنا إبراهيم بن العلء الزبيدي قال حدثنا شعيب بن إسحاق قال هارون قال
حدثنيي أبان عين ثعلب عين العميش أن الحجاج قال :لو سيمعت أحدا يقرأ "وكان له ثمير" لقطعيت
لسيانه؛ فقلت للعميش :أتأخيذ بذلك؟ فقال :ل؟ ول نعمية عيين .فكان يقرأ "ثمير" ويأخذه مين جميع
الثميير .قال النحاس :فالتقديير على هذا القول أنيه جميع ثمرة على ثمار ،ثيم جميع ثمار على ثمير؛
وهو حسن في العربية إل أن القول الول أشبه وال اعلم؛ لن قوله "كلتا الجنتين آتت أكلها" يدل
على أن له ثمرا.
@قوله تعالى" :فقال لصيياحبه وهييو يحاوره" أي يراجعييه فييي الكلم ويجاوبييه .والمحاورة
المجاوبة ،والتحاور التجاوب .ويقال :كلمته فما أحار إلي جوابا ،وما رجع إلي حويرا ول حويرة
ول محورة ول حوارا؛ أي ميا رد جوابيا" .أنيا أكثير منيك مال وأعيز نفرا" النفير :الرهيط وهيو ميا
دون العشرة .وأراد ههنا التباع والخدم والولد ،حسبما تقدم بيانه.
**3اليتان{ 36 - 35 :ودخل جنته وهو ظالم لنفسه قال ما أظين أن تبييد هذه أبدا ،وميا أظن
الساعة قائمة ولئن رددت إلى ربي لجدن خيرا منها منقلبا}
@قوله تعالى" :ودخل جنته" قيل :أخذ بيد أخيه المؤمن يطيف به فيها ويريه إياها" .وهو ظالم
لنفسيه" أي بكفره ،وهيو جملة فيي موضيع الحال .ومين أدخيل نفسيه النار بكفره فهيو ظالم لنفسيه.
"قال ميا أظين أن تبييد هذه أبدا" أنكير فناء الدار" .وميا أظين السياعة قائمية" أي ل أحسيب البعيث
كائنيا" .ولئن رددت إلى ربيي" أي وإن كان بعيث فكميا أعطانيي هذه النعيم فيي الدنييا فسييعطيني
أفضل منه لكرامتي عليه؛ وهو معنى قوله "لجدن خيرا منها منقلبا" وإنما قال ذلك لما دعاه أخوه
إلى اليمان بالحشير والنشير .وفيي مصياحف مكية والمدينية والشام "منهميا" .وفيي مصياحف أهيل
البصرة والكوفة "منها" على التوحيد ،والتثنية أولى؛ لن الضمير أقرب إلى الجنتين.
**3اليتان{ 38 - 37 :قال له صاحبه وهو يحاوره أكفرت بالذي خلقك من تراب ثم من نطفة
ثم سواك رجل ،لكنا هو ال ربي ول أشرك بربي أحدا}
@قوله تعالى" :قال له صاحبه وهو يحاوره" يهوذا أو تمليخا؛ على الخلف في اسمه" .أكفرت
بالذي خلقيك مين تراب ثيم مين نطفية ثيم سيواك رجل" وعظيه وبيين له أن ميا اعترف بيه مين هذه
الشياء التيي ل ينكرهيا أحيد أبدع مين العادة .و"سيواك رجل" أي جعلك معتدل القامية والخلق،
صحيح العضاء ذكرا" .لكنا هو ال ربي" كذا قرأه أبو عبدالرحمن السلمي وأبو العالية .وروي
عين الكسيائي "لكين هيو ال" بمعنيى لكين المير هيو ال ربيي ،فأضمير اسيمها فيهيا .وقرأ الباقون
"لكنا" بإثبات اللف .قال الكسائي :فيه تقديم وتأخير ،تقديره :لكن ال هو ربي أنا ،فحذفت الهمزة
من "أنا" طلبا للخفة لكثرة الستعمال وأدغمت إحدى النونين في الخرى وحذفت ألف "أنا" في
الوصيل وأثبتيت فيي الوقيف .وقال النحاس :مذهيب الكسيائي والفراء والمازنيي أن الصيل لكين أنيا
فألقييت حركية الهمزة على نون لكين وحذفيت الهمزة وأدغميت النون فيي النون فالوقيف عليهيا لكنيا
وهيي ألف أنيا لبيان الحركية .وقال أبيو عيبيدة :الصيل لكين أنيا ،فحذفيت اللف فالتقيت نونان فجاء
بالتشديد لذلك ،وأنشدنا الكسائي:
على هنوات كاذب من يقولها لهنك من عبسية لوسيمة
أراد :ل إنييك ،فأسييقط إحدى اللمييين ميين "ل" وحذف اللف ميين إنييك .وقال آخيير فجاء بييه على
الصل:
وتقلينني لكن إياك ل أقلي وترمينني بالطرف أي أنت مذنب
أي لكن أنا .وقال أبو حاتم :ورووا عن عاصم "لكنا هو ال ربي" وزعم أن هذا لحن ،يعني إثبات
اللف فيي الدراج .قال الزجاج :إثبات اللف فيي "لكنيا هيو ال ربيي" فيي الدراج جييد؛ لنيه قيد
حذفيت اللف مين أنيا فجاؤوا بهيا عوضيا .قال :وفيي قراءة أبيي "لكين أنيا هيو ال ربيي" .وقرأ ابين
عامر والمسيلي عن نافع ورويس عن يعقوب "لكنا" في حال الوقف والوصل معا بإثبات اللف.
وقال الشاعر:
حميدا قد تذريت السناما أنا سيف العشيرة فاعرفوني
وقال العشى:
بعد المشيب كفى ذاك عارا فكيف أنا وانتحال القوافي
ول خلف في إثباتها في الوقف" .هو ال ربي" "هو" ضمير القصة والشأن والمر؛ كقوله "فإذا
هيي شاخصية أبصيار الذيين كفروا" [النيبياء ]97 :وقوله" :قيل هيو ال أحيد" [الخلص.]1 :
"ول أشرك بربيي أحدا" دل مفهوميه على أن الخ الخير كان مشركيا بال تعالى يعبيد غيره.
ويحتمل أنه أراد ل أرى الغني والفقر إل منه ،واعلم أنه لو أراد أن يسلب صاحب الدنيا دنياه قدر
علييه؛ وهيو الذي آتانيي الفقير .ويحتميل أنيه أراد جحودك البعيث مصييره إلى أن ال تعالى ل يقدر
عليه ،وهو تعجيز الرب سبحانه وتعالى ،ومن عجزه سبحانه وتعالى شبهه بخلقه؛ فهو إشراك.
**3اليات{ 41 - 39 :ولول إذ دخلت جنتك قلت ميا شاء ال ل قوة إل بال إن ترن أنا أقيل
منيك مال وولدا ،فعسيى ربيي أن يؤتيين خيرا مين جنتيك ويرسيل عليهيا حسيبانا مين السيماء فتصيبح
صعيدا زلقا ،أو يصبح ماؤها غورا فلن تستطيع له طلبا}
@قوله تعالى" :ولول إذ دخلت جنتيك قلت ميا شاء ال" أي بالقلب ،وهيو توبييخ ووصيية مين
المؤمين للكافير ورد علييه ،إذ قال "ميا أظين أن تبييد هذه أبدا" [الكهيف ]35 :و"ميا" فيي موضيع
رفيع ،تقديره :هذه الجنية هيي ميا شاء ال .وقال الزجاج والفراء :المير ميا شاء ال ،أو هيو ميا شاء
ال؛ أي المر مشيئة ال تعالى .وقيل :الجواب مضمر ،أي ما شاء ال كان ،وما ل يشاء ل يكون.
"ل قوة إل بال" أي ميا اجتميع لك مين المال فهيو بقدرة ال تعالى وقوتيه ل بقدرتيك وقوتيك ،ولو
شاء لنزع البركة منه فلم يجتمع.
@ قال أشهب قال مالك :ينبغي لكل من دخل منزله أن يقول هذا .وقال ابن وهب وقال لي حفص
بين ميسيرة :رأييت على باب وهيب بين منبيه مكتوبيا "ميا شاء ال ل قوة إل بال" .وروي عين النيبي
صيلى ال علييه وسيلم أنيه قال لبيي هريرة( :أل أدلك على كلمية مين كنوز الجنية -أو قال كنيز مين
كنوز الجنة) قلت :بلى يا رسول ال ،قال (ل حول ول قوة إل بال إذا قالها العبد قال ال عز وجل
أسلم عبدي واستسلم) أخرجه مسلم في صحيحه من حديث أبي موسى .وفيه :فقال (يا أبا موسى
أو يا عبدال بن قيس أل أدلك على كلمة من كنز الجنة -في رواية على كنيز من كنوز الجنة ) -
قلت :ما هي يا رسول ال ،قال( :ل حول ول قوة إل بال) .وعنه قال قال لي رسول ال صلى ال
علييه وسيلم( :أل أدلك على كلمية مين كنوز الجنية أو قال كنيز مين كنوز الجنية) قلت :بلى؛ فقال (ل
حول ول قوة إل بال العلي العظييم) .وروي أنيه مين دخيل منزل أو خرج منيه فقال :باسيم ال ميا
شاء ال ل قوة إل بال تنافرت عنيه الشياطيين مين بيين يدييه وأنزل ال تعالى علييه البركات .وقالت
عائشية :إذا خرج الرجيل مين منزله فقال باسيم ال قال الملك هدييت ،وإذا قال ميا شاء ال قال الملك
كفييت ،وإذا قال ل قوة إل بال قال الملك وقييت .خرجه الترمذي من حديث أنس بين مالك قال قال
رسيول ال صيلى ال علييه وسيلم( :مين قال -يعنيي إذا خرج مين بيتيه -باسيم ال توكلت على ال ل
حول ول قوة إل بال يقال كفيت ووقيت وتنحى عنه الشيطان) هذا حديث غريب ل نعرفه إل من
هذا الوجه .خرجه أبو داود أيضا وزاد فيه -فقال له( :هديت وكفيت ووقيت) .وأخرجه ابن ماجة
مين حدييث أبيي هريرة أن النيبي صيلى ال علييه وسيلم قال( :إذا خرج الرجيل مين باب بيتيه أو باب
داره كان معيه ملكان موكلن به فإذا قال باسيم ال قال هديت وإذا قال ل حول ول قوة إل بال قال
وقييت وإذا قال توكلت على ال قال كفييت قال فيلقاه قريناه فيقولن ماذا تريدان مين رجيل قيد هدي
ووقيي وكفيي) .وقال الحاكيم أبيو عبدال فيي علوم الحدييث :سيئل محميد بين إسيحاق بين خزيمية عين
قول النييبي صييلى ال عليييه وسييلم( :تحاجييت الجنيية والنار فقالت هذه -يعنييي الجنيية -يدخلنييي
الضعفاء) مين الضعييف؟ قال :الذي ييبرئ نفسيه مين الحول والقوة يعنيي فيي اليوم عشريين مرة أو
خمسيين مرة .وقال أنيس بين مالك قال النيبي صيلى ال علييه وسيلم( :مين رأى شيئا فأعجبيه فقال ميا
شاء ال ل قوة إل بال لم يضره عين) .وقد قال قوم :ما من أحد قال ما شاء ال كان فأصابه شيء
إل رضي به .وروي أن من قال أربعا أمن من أربع :من قال هذه أمن من العين ،ومن قال حسبنا
ال ونعم الوكيل أمن من كيد الشيطان ،ومن قال وأفوض أمري إلى ال أمن مكر الناس ،ومن قال
ل إله إل أنت سبحانك إني كنت من الظالمين أمن من الغم.
@قوله تعالى" :إن ترن أنا أقل منك مال وولدا" "إن" شرط "ترن" مجزوم به ،والجواب "فعسى
ربي" و"أنا" فاصلة ل موضع لها من العراب .ويجوز أن تكون في موضع نصب توكيدا للنون
والياء .وقرأ عيسيى بين عمير "إن ترن أنيا أقيل منيك" بالرفيع؛ يجعيل "أنيا" مبتدأ و"أقيل" خيبره،
والجملة فيي موضيع المفعول الثانيي ،والمفعول الول النون والياء؛ إل أن الياء حذفيت لن الكسيرة
تدل عليها ،وإثباتها جيد بالغ وهو الصل لنها السم على الحقيقة .و"فعسى" بمعنى لعل أي فلعل
ربيي" .أن يؤتينيي خيرا مين جنتيك" أي فيي الخرة .وقييل فيي الدنييا" .ويرسيل عليهيا" أي على
جنتيك" .حسيبانا مين السيماء فتصيبح صيعيدا زلقيا" أي مراميي مين السيماء ،وأحدهيا حسيبانة؛ قاله
الخفييش والقتييبي وأبييو عييبيدة .وقال ابيين العرابييي :والحسييبانة السييحابة ،والحسييبانة الوسييادة،
والحسبانة الصاعقة .وقال الجوهري :والحسبان (بالضم) :العذاب .وقال أبو زياد الكلبي :أصاب
الرض حسيبان أي جراد .والحسيبان أيضيا الحسياب ،قال ال تعالى" :الشميس والقمير بحسيبان"
[الرحمين .]5 :وقيد فسر الحسيبان هنا بهذا .قال الزجاج :الحسيبان مين الحساب؛ أي يرسل عليهيا
عذاب الحسياب ،وهيو حسياب ميا اكتسيبت يداك؛ فهيو مين باب حذف المضاف .والحسيبان أيضيا:
سيهام قصيار يرميى بهيا فيي طلق واحيد ،وكان مين رميي الكاسيرة .والمراميي مين السيماء عذاب.
"فتصيبح صيعيدا زلقيا" يعنيي أرضيا بيضاء ل ينبيت فيهيا نبات ول يثبيت عليهيا قدم ،وهيي أضير
أرض بعييد أن كانييت جنيية أنفييع أرض؛ و"زلقييا" تأكيييد لوصييف الصييعيد؛ أي وتزل عنهييا القدام
لملسيتها .يقال :مكان زلق (بالتحرييك) أي دحيض ،وهيو فيي الصيل مصيدر قولك :زلقيت رجله
تزلق زلقا ،وأزلقها غيره .والزلق أيضا عجز الدابة .قال رؤبة:
كأنها حقباء بلقاء الزلق
والمزلقية والمزلقية :الموضيع الذي ل يثبيت علييه قدم .وكذلك الزلقية .والزلق الحلق ،زلق رأسيه
يزلقيه زلقيا حلقيه؛ قال الجوهري .والزلق المحلوق ،كالنقيض والنقيض .ولييس المراد أنهيا تصيير
مزلقية ،بيل المراد أنهيا ل يبقيى فيهيا نبات كالرأس إذا حلق ل يبقيى علييه شعير؛ قاله القشيري" .أو
يصيبح ماؤهيا غورا" أي غائرا ذاهبيا ،فتكون أعدم أرض للماء بعيد أن كانيت أوجيد أرض للماء.
والغور مصيدر وضيع موضيع السيم؛ كميا يقال :رجيل صيوم وفطير وعدل ورضيا وفضيل وزور
ونساء نوح؛ ويستوي فيه المذكر والمؤنث والتثنية والجمع .قال عمرو بن كلثوم:
مقلدة أعنتها صفونا تظل جياده نوحا عليه
آخر:
ضباع وجاوبي نوحا قياما هريقي من دموعهما سجاما
أي نائحات .وقيييل :أو يصييبح ماؤهييا ذا غور؛ فحذف المضاف؛ مثييل "واسييأل القرييية" [يوسييف:
]82ذكره النحاس .وقال الكسائي :ماء غور .وقد غار الماء يغور غورا وغوورا ،أي سفل في
الرض ،ويجوز الهمزة لنضمام الواو .وغارت عينيييه تغور غورا وغوورا؛ دخلت فيييي الرأس.
وغارت تغار لغة فيه .وقال:
أغارت عينه أم لم تغارا
وغارت الشمس تغور غيارا ،أي غربت .قال أبو ذؤيب:
وإل طلوع الشمس ثم غيارها هل الدهر إل ليلة ونهارها
"فلن تستطيع له طلبا" أي لن تستطيع رد الماء الغائر ،ول تقدر عليه بحيلة .وقيل :فلن تستطيع
طلب غيره بدل منه .وإلى هذا الحديث انتهت مناظرة أخيه وإنذاره.
**3اليية{ 42 :وأحييط بثمره فأصيبح يقلب كفييه على ميا أنفيق فيهيا وهيي خاويية على عروشهيا
ويقول يا ليتني لم أشرك بربي أحدا}
@قوله تعالى" :وأحييط بثمره" اسيم ميا لم يسيم فاعله مضمير ،وهيو المصيدر .ويجوز أن يكون
المخفوض في موضع رفع .ومعنى "أحيط بثمره" أي أهلك ماله كله .وهذا أول ما حقق ال تعالى
به إنذار أخيه" .فأصيبح يقلب كفيه على ما أنفق فيها" أي فأصبح الكافير يضرب إحدى يديه على
الخرى ندما؛ لن هذا يصدر من النادم .وقيل :يقلب ملكه فل يرى فيه عوض ما أنفق؛ وهذا لن
الملك قيد يعيبر عنيه بالييد ،مين قولهيم :فيي يده مال ،أي فيي ملكيه مال .ودل قوله "فأصيبح" على أن
هذا الهلك جرى بالليل؛ كقوله "فطاف عليها طائف من ربك وهم نائمون .فأصبحت كالصريم"
[القلم ]19 :ويقال :أنفقت في هذه الدار كذا وأنفقت عليها" .وهي خاوية على عروشها" أي خالية
قيد سيقط بعضهيا على بعيض؛ مأخوذ مين خوت النجوم تخوى خييا أمحلت ،وذلك إذا سيقطت ولم
تمطيير فييي نوئهييا .وأخوت مثله .وخوت الدار خواء أقوت ،وكذلك إذا سييقطت؛ ومنييه قوله تعالى:
"فتلك بيوتهم خاوية بما ظلموا" [النمل ]52 :ويقال ساقطة؛ كما يقال فهي خاوية على عروشها
أي سياقطة على سيقوفها؛ فجميع علييه بيين هلك الثمير والصيل ،وهذا مين أعظيم الجوانيح ،مقابلة
على بغيية" .ويقول ييا ليتنيي لم أشرك بربيي أحدا" أي ييا ليتنيي عرفيت نعيم ال علي ،وعرفيت أنهيا
كانت بقدرة ال ولم أكفر به .وهذا ندم منه حين ل ينفعه الندم.
**3الية{ 43 :ولم تكن له فئة ينصرونه من دون ال وما كان منتصرا}
@قوله تعالى" :ولم تكيين له فئة ينصييرونه ميين دون ال" "فئة" اسييم "تكيين" و"له" الخييبر.
"ينصيرونه" فيي موضيع الصيفة ،أي فئة ناصيرة .ويجوز أن يكون "ينصيرونه" الخيبر .والوجيه
الول عنيد سييبويه أولى لنيه قيد تقدم "له" .وأبيو العباس يخالفيه ،ويحتيج بقول ال عيز وجيل "ولم
يكين له كفوا أحيد" [الخلص .]4 :وقيد أجاز سييبويه الخير .و"ينصيرونه" على معنيى فئة؛ لن
معناها أقوام ،ولو كان على اللفظ لقال ولم تكن له فئة تنصره؛ أي فرقة وجماعة يلتجئ إليهم.
@قوله تعالى" :وميا كان منتصيرا" أي ممتنعيا؛ قاله قتادة .وقييل :مسيتردا بدل ميا ذهيب منيه .وقيد
تقدم اشتقاق الفئة فيي "آل عمران" .والهاء عوض مين الياء التيي نقصيت مين وسيطه ،أصيله فييء
مثل فيع؛ لنه من فاء ،ويجمع على فئون وفئات ،مثل شيات ولدات ومئات .أي لم تكن له عشيرة
يمنعونه من عذاب ال ،وضل عنه من افتخر بهم من الخدم والولد.
**3الية{ 44 :هنالك الولية ل الحق هو خير ثوابا وخير عقبا}
@قوله تعالى" :هنالك الولية ل الحق" اختلف في العامل في قوله "هنالك" وهو ظرف؛ فقيل:
العاميل فييه "ولم تكين له فئة" ول كان هنالك؛ أي ميا نصير ول انتصير هنالك ،أي لميا أصيابه مين
العذاب .وقيل :تم الكلم عند قوله "منتصرا" .والعامل في قوله "هنالك"" :الولية" .وتقديره على
التقديم والتأخير :الولية ل الحق هنالك ،أي في القيامة .وقرأ أبو عمرو والكسائي "الحق" بالرفع
نعتا للولية .وقرأ أهل المدينة وحمزة "الحق" بالخفض نعتا ل عز وجل ،والتقدير :ل ذي الحق.
قال الزجاج :ويجوز "الحييق" بالنصييب على المصييدر والتوكيييد؛ كمييا تقول :هذا لك حقييا .وقرأ
العميش وحمزة والكسيائي "الوليية" بكسير الواو ،الباقون بفتحهيا ،وهميا بمعنيى واحيد كالرضاعة
والرضاعيية .وقيييل :الولييية بالفتييح ميين الموالة؛ كقوله "ال ولي الذييين آمنوا" [البقرة.]257 :
"ذلك بأن ال مولى الذين آمنوا" [محمد .]11 :وبالكسر يعني السلطان والقدرة والمارة؛ كقوله
"والمر يومئذ ل" [النفطار ]19 :أي له الملك والحكم يومئذ ،أي ل يرد أمره إلى أحد؛ والملك
فييي كييل وقييت ل ولكيين تزول الدعاوي والتوهمات يوم القياميية .وقال أبييو عبيييد :إنهييا بفتييح الواو
للخالق ،وبكسيرها للمخلوق" .هيو خيير ثوابيا" أي ال خيير ثوابيا فيي الدنييا والخرة لمين آمين بيه،
وليس ثم غير يرجى منه ،ولكنه أراد في ظن الجهال؛ أي هو خير من يرجى" .وخير عقبا" قرأ
عاصم والعمش وحمزة ويحيى "عقبا" ساكنة القاف ،الباقون بضمها ،وهما بمعنى واحد؛ أي هو
خير عافية لمن رجاه وآمن به .يقال :هذا عاقبة أمر فلن وعقباه وعقبه ،أي آخره.
**3الية{ 45 :واضرب لهم مثل الحياة الدنيا كماء أنزلناه من السماء فاختلط به نبات الرض
فأصبح هشيما تذروه الرياح وكان ال على كل شيء مقتدرا}
@قوله تعالى" :واضرب لهيم مثيل الحياة الدنييا" أي صيف لهؤلء المتكيبرين الذيين سيألوك طرد
فقواء المؤمنييين مثييل الحياة الدنيييا ،أي شبههييا" .كماء أنزلناه ميين السييماء فاختلط بييه" أي بالماء.
"نبات الرض" حتيى اسيتوى .وقييل :إن النبات اختلط بعضيه ببعيض حيين نزل علييه الماء؛ لن
النبات إنميا يختلط ويكثير بالمطير .وقيد تقدم هذا المعنيى فيي "يونيس" مبينيا .وقالت الحكماء :إنميا
شبه تعالى الدنيا بالماء لن الماء ل يستقر في موضع ،كذلك الدنيا ل تبقى على واحد ،ولن الماء
ل يستقيم على حالة واحدة كذلك الدنيا ،ولن الماء ل يبقى ويذهب كذلك الدنيا تفنى ،ولن الماء ل
يقدر أحيد أن يدخله ول يبتيل كذلك الدنييا ل يسيلم أحيد دخلهيا مين فتنتهيا وآفتهيا ،ولن الماء إذا كان
بقدر كان نافعيييا منبتيييا ،وإذا جاوز المقدار كان ضارا مهلكيييا ،وكذلك الدنييييا الكفاف منهيييا ينفيييع
وفضولها يضر .وفي حديث النبي صلى ال عليه وسلم قال له رجل :يا رسول ال ،إني أريد أن
أكون مين الفائزيين؛ قال( :ذر الدنييا وخيذ منهيا كالماء الراكيد فإن القلييل منهيا يكفيي والكثيير منهيا
يطغي) .وفي صحيح مسلم عن النبي صلى ال عليه وسلم( :قد أفلح من أسلم ورزق كفافا وقنعه
ال بميا أتاه)" .فأصيبح" أي النبات "هشيميا" أي متكسييرا مين اليبييس متفتتييا ،يعنييي بانقطاع الماء
عنييه ،فحذف ذلك إيجازا لدللة الكلم عليييه .والهشييم :كسيير الشيييء اليابييس .والهشيييم ميين النبات
اليابيس المتكسير ،والشجرة الباليية يأخذهيا الحاطيب كييف يشاء .ومنيه قولهيم :ميا فلن إل هشيمية
كرم؛ إذا كان سيمحا .ورجيل هشييم :ضعييف البدن .وتهشيم علييه فلن إذا تعطيف .واهتشيم ميا فيي
ضرع الناقية إذا احتلبيه .ويقال :هشيم الثرييد؛ ومنيه سيمي هاشيم بين عبيد مناف واسيمه عمرو ،وفييه
يقول عبدال بن الزبعرى:
ورجال مكة مسنتون عجاف عمرو العل هشم الثريد لقومه
وكان سيبب ذلك أن قريشيا أصيابتهم سينون ذهبين بالموال فخرج هاشيم إلى الشام فأمير بخبيز كثيير
فخبيز له ،فحمله فيي الغرائر على البيل حتيى وافيى مكية ،وهشيم ذلك الخبيز ،يعنيي كسيره وثرده،
ونحير تلك البيل ،ثيم أمير الطهاة فطبخوا ،ثيم كفيأ القدور على الجفان فأشبيع أهيل مكية؛ فكان ذلك
أول الحباء بعييد السيينة التييي أصييابتهم؛ فسييمي بذلك هاشمييا" .تذروه الرياح" أي تفرقييه؛ قاله أبييو
عبيدة .ابن قتيبة :تنسفه .ابن كيسان :تذهب به وتجيء .ابن عباس :تديره؛ والمعنى متقارب .وقرأ
طلحية بين مصيرف "تذرييه الرييح" .قال الكسيائي :وفيي قراءة عبدال "تذرييه" .يقال :ذرتيه الرييح
تذروه ذروا و[تذرييه] ذرييا وأذرييه تذرييه إذراء إذا طارت بيه .وحكيى الفراء :أذرييت الرجيل عين
فرسه أي قلبته .وأنشد سيبويه والفراء:
فيذرك من أخرى القطاة فتزلق فقلت له صوب ول تجهدنه
قوله تعالى" :وكان ال على كل شيء مقتدرا" من النشاء والفناء والحياء ،سبحانه.
**3الية{ 46 :المال والبنون زينة الحياة الدنيا والباقيات الصالحات خير عند ربك ثوابا وخير
أمل}
@قوله تعالى" :المال والبنون زينية الحياة الدنييا" ويجوز "زينتيا" وهيو خيبر البتداء فيي التثنيية
والفراد .وإنميا كان المال والبنون زينية الحياة الدنييا لن فيي المال جمال ونفعيا ،وفيي البنيين قوة
ودفعا ،فصارا زينة الحياة الدنيا ،لكن معه قرينة الصفة للمال والبنين؛ لن المعنى :المال والبنون
زينة هذه الحياة المحتقرة فل تتبعوها نفوسكم .وهو رد على عيينة بين حصن وأمثاله لما افتخروا
بالغنى والشرف ،فأخبر تعالى أن ما كان من زينة الحياة الدنيا فهو غرور يمر ول يبقى ،كالهشيم
حين ذرته الريح؛ إنما يبقى ما كان من زاد القبر وعدد الخرة .وكان يقال :ل تعقد قلبك مع المال
لنيه فييء ذاهيب ،ول ميع النسياء لنهيا اليوم معيك وغدا ميع غيرك ،ول ميع السيلطان لنيه اليوم لك
وغدا لغيرك .ويكفيي قيي هذا قول ال تعالى" :إنميا أموالكيم وأولدكيم فتنية" [التغابين .]15 :وقال
تعالى" :إن من أزواجكم وأولدكم عدوا لكم فاحذروهم" [التغابن.]14 :
@قوله تعالى" :والباقيات الصيالحات" أي ميا يأتيي بيه سيلمان وصيهيب وفقراء المسيلمين مين
الطاعات "خيير عنيد ربيك ثوابيا" أي أفضيل "وخيير أمل" أي أفضيل أمل مين ذي المال والبنيين
دون عمل صالح ،وليس في زينة الدنيا خير ،ولكنه خرج مخرج قوله "أصحاب الجنة يومئذ خير
مستقرا" [الفرقان .]24 :وقيل :خير في التحقيق مما يظنه الجهال أنه خير في ظنهم.
@ واختلف العلماء فيي "الباقيات الصيالحات"؛ فقال ابين عباس وابين جيبير وأبيو ميسيرة وعمرو
ابن شرحبيل :هي الصلوات الخمس .وعن ابن عباس أيضا :أنها كل عمل صالح من قول أو فعل
يبقيى للخرة .وقاله ابين زييد ورجحيه الطيبري .وهيو الصيحيح إن شاء ال؛ لن كيل ميا بقيي ثوابيه
جاز أن يقال له هذا .وقال علي رضييييي ال عنييييه :الحرث حرثان فحرث الدنيييييا المال والبنون؛
وحرث الخرة الباقيات الصيالحات ،وقيد يجمعهين ال تعالى لقوام .وقال الجمهور :هيي الكلمات
المأثور فضلهييا :سييبحان ال والحمييد ل ول إله إل ال وال أكييبر ول حول ول قوة إل بال العلي
العظييم .خرجيه مالك فيي موطئه عين عمارة بين صيياد عين سيعيد بين المسييب أنيه سيمعه يقول فيي
الباقيات الصيالحات :إنهيا قول العبيد :ال أكيبر وسيبحان ال والحميد ل ول إله إل ال ول حول ول
قوة إل بال .أسيينده النسييائي عيين أبييي سييعيد الخدري أن رسييول ال صييلى ال عليييه وسييلم قال:
(استكثروا من الباقيات الصيالحات) قيل :وما هي يا رسول ال؟ قال( :التكبير والتهليل والتسبيح
والحمييد ل ول حول ول قوة إل بال) .صييححه أبييو محمييد عبدالحييق رحمييه ال .وروى قتادة أن
رسيول ال صيلى ال علييه وسيلم أخيذ غصينا فخرطيه حتيى سيقط ورقيه وقال( :إن المسيلم إذا قال
سييبحان ال والحمييد ل ول إله إل ال وال أكييبر تحاتييت خطاياه كمييا تحات هذا خذهيين إليييك أبييا
الدرداء قبل أن يحال بينك وبينهن فإنهن من كنوز الجنة وصفايا الكلم وهن الباقيات الصالحات).
ذكره الثعلبي ،وخرجه ابن ماجة بمعناه من حديث أبي الدرداء قال قال رسول ال صلى ال عليه
وسيلم( :علييك بسيبحان ال والحميد ل ول إله إل ال وال أكيبر فإنهين يعنيي يحططين الخطاييا كميا
تحيط الشجرة ورقهيا) .وأخرجيه الترمذي مين حدييث العميش عين أنيس بين مالك أن رسيول ال
صيلى ال علييه وسيلم مير بشجرة يابسية الورقية فضربهيا بعصياه فتناثير الورق فقال( :إن الحميد ل
وسيبحان ال ول إله إل ال وال أكيبر لتسياقط مين ذنوب العبيد كميا تسياقط ورق هذه الشجرة) .قال:
هذا حديث غريب ول نعرف للعمش سماعا من أنس ،إل أنه قد رآه ونظر إليه .وخرج الترمذي
أيضيا عين ابين مسيعود قال قال رسيول ال صيلى ال علييه وسيلم( :لقييت إبراهييم علييه السيلم ليلة
أسري بي فقال يا محمد أقرئ أمتك مني السلم واخبرهم أن الجنة طيبة التربة عذبة الماء وأنها
قيعان وأن غراسييها سييبحان ال والحمييد ل ول إله إل ال وال أكييبر) قال :حديييث حسيين غريييب،
خرجيه الماوردي بمعناه .وفييه -فقلت :ميا غراس الجنية؟ قال( :ل حول ول قوة إل بال) .وخرج
ابين ماجة عن أبي هريرة أن رسيول ال صلى ال عليه وسلم مر به وهو يغرس غرسيا فقال( :ييا
أبييا هريرة مييا الذي تغرس) قلت غراسييا .قال( :أل أدلك على غراس خييير ميين هذا سييبحان ال
والحميد ل ول إله إل ال وال أكيبر يغرس لك بكيل واحدة شجرة فيي الجنية) .وقيد قييل :إن الباقيات
الصيالحات هيي النيات والهمات؛ لن بهيا تقبيل العمال وترفيع؛ قال الحسين .وقال عبييد بن عميير:
هيين البنات؛ يدل عليييه أوائل ،الييية؛ قال ال تعالى" :المال والبنون زينيية الحياة الدنيييا" ثييم قال
"والباقيات الصيالحات" يعنيي البنات الصيالحات هين عنيد ال لبائهين خيير ثوابيا ،وخيير أمل فيي
الخرة لميين أحسيين إليهيين .يدل عليييه مييا روتييه عائشيية رضييي ال عنهييا قالت :دخلت علي امرأة
مسكينة ..الحديث ،وقد ذكرناه في سورة النحل في قوله "يتوارى من القوم" [النحل ]59 :الية.
وروي عن النبي صلى ال عليه وسلم أنه قال( :لقد رأيت رجل من أمتي أمر به إلى النار فتعلق
به بناته وجعلن يصرخن ويقلن رب إنه كان يحسن إلينا في الدنيا فرحمه ال بهن) .وقال قتادة في
قوله تعالى" :فأردنيا أن يبدلهميا ربهميا خيرا منيه زكاة وأقرب رحميا" [الكهيف ]81 :قال :أبدلهميا
منه ابنة فتزوجها نبي فولدت له اثني عشر غلما كلهم أنبياء.
**3الية{ 47 :ويوم نسير الجبال وترى الرض بارزة وحشرناهم فلم نغادر منهم أحدا}
@قوله تعالى" :ويوم نسير الجبال وترى الرض بارزة" قال بعض النحويين :التقدير والباقيات
الصيالحات خيير عنيد ربيك يوم نسيير الجبال .قال النحاس :وهذا غلط مين أجيل الواو وقييل :المعنيى
واذكيير يوم نسييير الجبال ،أي نزيلهييا ميين أماكنهييا ميين على وجييه الرض ،ونسيييرها كمييا نسييير
السيحاب؛ كميا قال فيي آيية أخرى "وهيي تمير مير السيحاب" [النميل .]88 :ثيم تكسير فتعود إلى
الرض؛ كما قال" :وبست الجبال بسا .فكانت هباء منبثيا" [الواقعة .]6 :وقرأ ابن كثيير والحسن
وأبييو عمرو وابيين عاميير "ويوم تسييير" بتاء مضموميية وفتييح الياء .و"الجبال" رفعييا على الفعييل
المجهول .وقرأ ابين محيصين ومجاهيد "ويوم تسيير الجبال" بفتيح التاء مخففيا مين سيار" .الجبال"
رفعيا .دلييل قراءة أبيي عمرو "وإذا الجبال سييرت" .ودلييل قراءة ابين محيصين "وتسيير الجبال
سيييرا" .واختار أبييو عبيييد القراءة الولى "نسييير" بالنون لقوله "وحشرناهييم" .ومعنييى "بارزة"
ظاهرة ،وليس عليها ما يسترها من جبل ول شجر ول بنيان؛ أي قد اجتثت ثمارها وقلعت جبالها،
وهدم بنيانهييا؛ فهييي بارزة ظاهرة .وعلى هذا القول أهييل التفسيير .وقييل" :وترى الرض بارزة"
أي برز مييا فيهييا ميين الكنوز والموات؛ كمييا قال "وألقييت مييا فيهييا وتخلت" [النشقاق ]4 :وقال
"وأخرجت الرض أثقالها" [الزلزلة ]2 :وهذا قول عطاء" .وحشرناهم" أي إلى الموقف" .فلم
نغادر منهم أحدا" أي لم نترك؛ يقال :غادرت كذا أي تركته .قال عنترة:
والقوم بين مجرح ومجدل غادرته متعفرا أوصاله
أي تركتيه .والمغادرة الترك؛ ومنيه الغدر؛ لنيه ترك الوفاء .وإنميا سيمى الغديرا لن الماء ذهيب
وتركه .ومنه غدائر المرأة لنها تجعلها خلفها .يقول :حشرنا برهم وفاجرهم وجنهم وإنسهم.
**3اليية{ 48 :وعرضوا على ربيك صيفا لقيد جئتمونيا كميا خلقناكيم أول مرة بيل زعمتيم ألن
نجعل لكم موعدا}
@قوله تعالى" :وعرضوا على ربك صفا" "صفا" نصب على الحال .قال مقاتل :يعرضون صفا
بعد صف كالصفوف فيي الصلة ،كل أمة وزمرة صفا؛ ل أنهم صف واحد .وقيل جميعا؛ كقوله
"ثم ائتوا صفا" [طه ]64 :أي جميعا .وقيل قياما .وخرج الحافظ أبو القاسم عبدالرحمن بن منده
فيي كتاب التوحييد عين معاذ بين جبيل أن النيبي صيلى ال علييه وسيلم قال( :إن ال تبارك وتعالى
ينادي يوم القيامية بصيوت رفييع غيير فظييع ييا عبادي أنيا ال ل إله إل أنيا أرحيم الراحميين وأحكيم
الحاكمييين وأسييرع الحاسييبين يييا عبادي ل خوف عليكييم اليوم ول أنتييم تحزنون أحضروا حجتكييم
ويسيروا جوابيا فإنكيم مسيؤولون محاسيبون .ييا ملئكتيي أقيموا عبادي صيفوفا على أطراف أناميل
أقدامهم للحساب).
قلت :هذا الحديث غاية في البيان في تفسير الية ،ولم يذكره كثير من المفسرين ،وقد كتبناه في
كتاب التذكرة ،ومنه نقلناه والحمد ل.
@قوله تعالى" :لقد جئتمونا كما خلقناكم أول مرة" أي يقال لهم :لقد جئتمونا حفاة عراة ،ل مال
معكييم ول ولدا وقيييل فرادى؛ دليله قوله "ولقييد جئتمونييا فرادى كمييا خلقناكييم أول مرة" [النعام:
.]94وقد تقدم .وقال الزجاج :أي بعثناكم كما خلقناكم" .بل زعمتم" هذا خطاب لمنكري البعث
أي زعمتم فيي الدنيا أن لن تبعثوا وأن لن نجعل لكم موعدا للبعث .وفي صحيح مسلم عن عائشة
رضيي ال عنهيا قالت :سيمعت رسيول ال صيلى ال علييه وسيلم يقول( :يحشير الناس يوم القيامية
حفاة عراة غرل) قلت :ييا رسيول ال الرجال والنسياء ينظير بعضهيم إلى بعيض؟ قال( :ييا عائشية،
المير أشيد مين أن ينظير بعضهيم إلى بعيض)" .غرل" أي غيير مختونيين .وقيد تقدم فيي "النعام"
بيانه.
**3اليية{ 49 :ووضيع الكتاب فترى المجرميين مشفقيين مميا فييه ويقولون ييا ويلتنيا ميا لهذا
الكتاب ل يغادر صغيرة ول كبيرة إل أحصاها ووجدوا ما عملوا حاضرا ول يظلم ربك أحدا}
@قوله تعالى" :ووضع الكتاب" "الكتاب" اسم جنس ،وفيه وجهان :أحدهما :أنها كتب العمال
فيي أيدي العباد؛ قاله مقاتيل .الثانيي :أنيه وضيع الحسياب؛ قاله الكلبيي ،فعيبر عين الحسياب بالكتاب
لنهم يحاسبون على أعمالهم المكتوبة .والقول الول أظهر؛ ذكره ابن المبارك قال :أخبرنا الحكم
أو أبيو الحكيم -شيك نعييم -عين إسيماعيل بين عبدالرحمين عين رجيل مين بنيي أسيد قال قال عمير
لكعب :ويحك يا كعب حدثنا من حديث الخرة؛ قال :نعم يا أمير المؤمنين إذا كان يوم القيامة رفع
اللوح المحفوظ فلم يبيق أحيد مين الخلئق إل وهيو ينظير إلى عمله -قال -ثيم يؤتيى بالصيحف التيي
فيها أعمال العباد فتنثر حول العرش ،وذلك قوله تعالى" :ووضع الكتاب فترى المجرمين مشفقين
مميا فييه ويقولون ييا ويلتنيا ميا لهذا الكتاب ل يغادر صيغيرة ول كيبيرة إل أحصياها -قال السيدي:
الصيغيرة ميا دون الشرك؛ والكيبيرة الشرك ،إل أحصياها -قال كعيب؛ ثيم يدعيى المؤمين فيعطيى
كتابه بيمينه فينظر فيه فإذا حسناته باديات للناس وهو يقرأ سيئاته لكيل يقول كانت لي حسنات فلم
تذكير فأحيب ال أن يرييه عمله كله حتيى إذا اسيتنقص ميا فيي الكتاب وجيد فيي آخير ذلك كله أنيه
مغفور وأنك من أهل الجنة؛ فعند ذلك يقبل إلى أصحابه ثم يقول "هاؤم اقرؤوا كتابيه .إني ظننت
أني ملق حسابيه" [الحاقة ]19 :ثم يدعي بالكافر فيعطى كتابه بشماله ثم يلف فيجعل من وراء
ظهره ويلوي عنقيه؛ فذلك قوله "وأميا مين أوتيي كتابيه وراء ظهره" [النشقاق ]10 :فينظير فيي
كتابيه فإذا سيئاته باديات للناس وينظير فيي حسيناته لكيل يقول أفأثاب على السيئات .وكان الفضييل
بين عياض إذا قرأ هذه اليية يقول :ييا ويلتاه ضجوا إلى ال تعالى مين الصيغائر قبيل الكبائر .قال
ابين عباس :الصيغيرة التبسيم ،والكيبيرة الضحيك؛ يعنيي ما كان مين ذلك فيي معصية ال عز وجل؛
ذكره الثعلبي .وحكى الماوردي عن ابن عباس أن الصغيرة الضحك.
قلت فيحتميل أن يكون صيغيرة إذا لم يكين فيي معصيية ،فإن الضحيك مين المعصيية رضيا بهيا
والرضيا بالمعصيية معصيية ،وعلى هذا تكون كيبيرة ،فيكون وجيه الجميع هذا وال اعلم .أو يحميل
الضحيك فيميا ذكير الماوردي على التبسيم ،وقيد قال تعالى" :فتبسيم ضاحكيا مين قولهيا" [النميل:
.]19وقال سيعيد بين جبير :إن الصغائر اللمم كالمسييس والقبيل ،والكيبيرة المواقعة والزنيى .وقيد
مضيى فيي "النسياء" بيان هذا .قال قتادة :اشتكيى القوم الحصياء وميا اشتكيى أحيد ظلميا ،فإياكيم
ومحقرات الذنوب فإنهيا تجتميع على صياحبها حتيى تهلكيه .وقيد مضيى .ومعنيى "أحصياها" عدهيا
وأحاط بهيييا؛ وأضييييف الحصييياء إلى الكتاب توسيييعا" .ووجدوا ميييا عملوا حاضرا" أي وجدوا
إحصيياء مييا عملوا حاضرا وقيييل :وجدوا جزاء مييا عملوا حاضرا" .ول يظلم ربييك أحدا" أي ل
يأخذ أحدا بجرم أحد ،ول يأخذوه بما لم يعمله؛ قال الضحاك .وقيل :ل ينقص طائعا من ثوابه ول
يزيد عاصيا في عقابه.
**3الية{ 50 :وإذ قلنا للملئكة اسجدوا لدم فسجدوا إل إبليس كان من الجن ففسق عن أمر
ربه أفتتخذونه وذريته أولياء من دوني وهم لكم عدو بئس للظالمين بدل}
@قوله تعالى" :وإذ قلنيا للملئكية اسيجدوا لدم فسيجدوا إل إبلييس كان مين الجين ففسيق عين أمير
ربه" تقدم .قال أبو جعفر النحاس :وفي هذه الية سؤال ،يقال :ما معنى "ففسق عن أمر ربه" ففي
هذا قولن :أحدهما :وهو مذهب الخليل وسيبويه أن المعنى أتاه الفسق لما أمر فعصى ،فكان سبب
الفسيق أمير ربيه؛ كميا تقول :أطعمتيه عين جوع .والقول الخير :وهيو مذهيب محميد بين قطرب أن
المعنى :ففسق عن رد أمر ربه "أفتتخذونه وذريته أولياء من دوني وهم لكم عدو" وقف عز وجل
الكفرة على جهية التوبييخ بقوله أفتتخذونيه ييا بنيي آدم وذريتيه أولياء وهيم لكيم عدو؛ أي أعداء ،فهيو
اسيم جنيس" .بئس للظالميين بدل" أي بئس عبادة الشيطان بدل عين عبادة ال .أو بئس إبلييس بدل
عن ال .واختلف هيل لبليس ذريية من صلبه؛ فقال الشعبي :سيألني رجل فقال هل إبلييس زوجة؟
فقلت :إن ذلك عرس لم أشهده ،ثييم ذكرت قوله "أفتتخذونييه وذريتييه أولياء" فعلمييت أنييه ل يكون
ذريية إل مين زوجية فقلت نعيم .وقال مجاهيد :إن إبلييس أدخيل فرجيه فيي فرج نفسيه فباض خميس
بيضات؛ فهذا أصل ذريته .وقيل :إن ال تعالى خلق له في فخذه اليمنى ذكرا وفي اليسرى فرجا؛
فهييو ينكييح هذا بهذا ،فيخرج له كييل يوم عشيير بيضات ،يخرج ميين كييل بيضيية سييبعون شيطانييا
وشيطانة ،فهو يخرج وهو يطير ،وأعظمهم عند أبيهم منزلة أعظمهم في بني آدم فتنة ،وقال قوم:
لييس له أولد ول ذريية ،وذريتيه أعوانيه مين الشياطيين .قال القشيري أبيو نصير :والجملة أن ال
تعالى أخبر أن لبليس اتباعا وذرية ،وأنهم يوسوسون إلى بني آدم وهم أعداؤهم ،ول يثبت عندنا
كيفية في كيفية التوالد منهم وحدوث الذرية عن إبليس ،فيتوقف المر فيه على نقل صحيح.
قلت :الذي ثبيت فيي هذا الباب مين الصيحيح ميا ذكره الحميدي فيي الجميع بيين الصيحيحين عين
المام أبيي بكير البرقانيي أنيه خرج فيي كتابيه مسيندا عين أبيي محميد عبدالغنيي بين سيعيد الحافيظ مين
رواية عاصم عن أبي عثمان عن سلمان قال قال رسول ال صلى ال عليه وسلم( :ل تكن أول من
يدخييل السييوق ول آخيير ميين يخرج منهييا فبهييا باض الشيطان وفرخ) .وهذا يدل على أن للشيطان
ذرية من صلبه ،وال اعلم .قال ابن عطية :وقول "وذريته" ظاهر اللفظ يقتضي الموسوسين من
الشياطين ،الذين يأتون بالمنكر ويحملون على الباطل .وذكر الطبري وغيره أن مجاهدا قال :ذرية
إبلييس الشياطيين ،وكان يعدهيم :زلنبور صياحب السيواق ،يضيع رايتيه فيي كيل سيوق بيين السيماء
والرض ،يجعيل تلك الرايية على حانوت أول مين يفتيح وآخير مين يغلق .وثيبر صياحب المصيائب،
يأميير بضرب الوجوه وشييق الجيوب ،والدعاء بالويييل والحرب .والعور صيياحب أبواب الزنييى.
ومسيوط صياحب الخبار ،يأتيي بهيا فيلقيهيا فيي أفواه الناس فل يجدون لهيا أصيل .وداسيم الذي إذا
دخل الرجل بيته فلم يسلم ولم يذكر اسم ال بصره من المتاع ما لم يرفع وما لم يحسن موضعه،
وإذا أكل ولم يذكر اسم ال أكل معه .قال العمش :وإني ربما دخلت البيت فلم أذكر ال ولم أسلم،
فرأيييت مطهرة فقلت :ارفعوا هذه وخاصييمتهم ،ثييم أذكيير فأقول :داسييم داسييم أعوذ بال منييه زاد
الثعلبي وغيره عن مجاهد :والبيض ،وهو الذي يوسوس للنبياء .وصخر وهو الذي اختلس خاتم
سليمان عليه السلم .والولهان وهو صاحب الطهارة يوسوس فيها .والقيس وهو صاحب الصلة
يوسيوس فيهيا .ومرة وهيو صياحب المزاميير وبيه يكنيى .والهفاف يكون بالصيحارى يضيل الناس
ويتيههيم .ومنهيم الغيلن .وحكيى أبيو مطييع مكحول بين الفضيل النسيفي فيي كتاب اللؤلئيات عين
مجاهييد أن الهفاف هييو صيياحب الشراب ،ولقوس صيياحب التحريييش ،والعور صيياحب أبواب
السيلطان .قال وقال الدارانيي :إن لبلييس شيطانيا يقال له المتقاضيي ،يتقاضيى ابين آدم فيخيبر بعميل
كان عمله في السر منذ عشرين سنة ،فيحدث به في العلنية .قال ابن عطية :وهذا وما جانسه مما
لم يأت بيه سيند صيحيح ،وقيد طول النقاش فيي هذا المعنيى وجلب حكايات تبعيد عين الصيحة ،ولم
يمر بي في هذا صحيح إل ما في كتاب مسلم من أن للصلة شيطانا يسمى خنزب .وذكر الترمذي
أن للوضوء شيطانا يسمى الولهان.
قلت :أما ما ذكر من التعيين في السم فصحيح؛ وأما أن له اتباعا وأعوانا وجنودا فمقطوع به،
وقد ذكرنا الحديث الصحيح في أن له أولدا من صلبه ،كما قال مجاهد وغيره .وفي صحيح مسلم
عين عبدال بين مسيعود :إن الشيطان ليتمثيل فيي صيورة الرجيل فيأتيي القوم فيحدثهيم بالحدييث مين
الكذب فيتفرقون فيقول الرجيل منهيم سيمعت رجل أعرف وجهيه ول أدري ميا اسيمه يحدث .وفيي
مسند البزار عن سلمان الفارسي قال قال النبي صلى ال عليه وسلم( :ل تكونن إن استطعت أول
مين يدخيل السيوق ول آخير مين يخرج منهيا فإنهيا معركية الشيطان وبهيا ينصيب رايتيه) .وفيي مسيند
أحميد بين حنبيل قال :أنبأنيا عبدال بين المبارك قال حدثنيا سيفيان عين عطاء بين السيائب عين أبيي
عبدالرحمين السيلمي عين أبيي موسيى الشعري قال :إذا أصيبح إبلييس بيث جنوده فيقول مين أضيل
مسييلما ألبسييته التاج قال فيقول له القائل لم أزل بفلن حتييى طلق زوجتييه ،قال :يوشييك أن يتزوج.
ويقول آخير :لم أزل بفلن حتيى عيق؛ قال :يوشيك أن ييبر .فال ويقول القائل :لم أزل بفلن حتيى
شرب؛ قال :أنيت قال ويقول :لم أزل بفلن حتيى زنيى؛ قال :أنيت قال ويقول :لم أزل بفلن حتيى
فتيل؛ قال :أنيت أنيت وفيي صيحيح مسيلم عين جابر قال قال رسيول ال صيلى ال علييه وسيلم( :إن
إبليس يضع عرشه على الماء ثم يبعث سراياه فأدناهم منه منزلة أعظمهم فتنة يجيء أحدهم فيقول
فعلت كذا وكذا فيقول ما صنعت شيئا قال ثيم يجيء أحدهيم فيقول ميا تركته حتيى فرقيت بينيه وبين
أهله قال فيدنيييه أو قال فيلتزمييه ويقول نعييم أنييت) .وقييد تقدم وسييمعت شيخنييا المام أبييا محمييد
عبدالمعطيي بثغير السيكندرية يقول :إن شيطانيا يقال له البيضاوي يتمثيل للفقراء المواصيلين فيي
الصييام فإذا اسيتحكم منهيم الجوع وأضير بأدمغتهيم يكشيف لهيم عين ضياء ونور حتيى يمل عليهيم
البيوت فيظنون أنهم قد وصلوا وأن ذلك من ال وليس كما ظنوا.