You are on page 1of 8

‫الجسد أو الذات‬

‫يكثر إستخدام كلمة جسد فى الكتاب المقدس‪ ،‬ولكنھا تستخدم بمعاني كثيرة‪ ،‬وذلك‬
‫ربما ألن ترجمتنا العربية تترجم كلمتان يونانيتان مختلفتان إلي كلمة جسد العربية‪.‬‬
‫بل إن حتى ھاتان الكلمتان اليونانيتان لھما أصال إستخدامات أي معاني متعددة فى‬
‫كلمة ‪ ..‬ولن أخوض فى ھذا الموضوع اآلن حيث المجال له‪ ،‬ولكن دعونا نذكر‬
‫بعض اإلستخدامات ثم نركز علي أحدھا أال وھو الذات‪.‬‬

‫معان مختلفة لكلمة جسد فى الكتاب المقدس‬


‫تستخدم بمعنى جسد مادي بالطبع فيقول الرب يسوع المسيح " لذلك اقول لكم ال‬
‫تھتموا لحياتكم بما تاكلون وبما تشربون‪.‬وال الجسادكم بما تلبسون‪.‬أليست الحياة‬
‫افضل من الطعام والجسد افضل من اللباس" )مت‪ (٢٥ :٦‬وأيضا تستخدم بمعنى‬
‫صر الرب تلك االيام لم يخلص جسد‪.‬ولكن الجل‬‫إنسان فيقول الرب ايضا "ولو لم يق ّ‬
‫صر االيام" )مر‪ (٢٠ :١٣‬بمعنى أنه لن ينجوا إنسان‬ ‫المختارين الذين اختارھم ق ّ‬
‫واحد من الموت لو لم يقصر الرب أيام الضيقة العظيمة لما فيھا من كوارث طبيعية‬
‫وحروب ومجاعات وأوبئة‪ .‬أما اإلستعمال موضوع ھذه المقالة فھو كالتالي‪:‬‬
‫إن كلمة جسد تستعمل فى الكتاب المقدس بمعنى الذات "‪ "ego‬أو الطبيعة العتيقة‬
‫الموروثة من آدم بالميالد البشري الطبيعي‪.‬‬

‫الجسد الذي ھو الذات أو الطبيعة العتيقة‬


‫فيقول‪" :‬المولود من الجسد جسد ھو والمولود من الروح ھو روح" )يو‪(٦ :٣‬‬
‫وواضح أنه ھنا يتكلم عن ميالدين‪ ،‬أحدھما ميالد طبيعي بالجسد فيقول عنه أنه جسد‬
‫واآلخر ميالد روحي أي الميالد الجديد ويقول عن الطبيعة الجديدة أنھا روح‪ .‬ألن‬
‫الشخص الطبيعي المولود من أب وأم ليس جسد فقط ولكنه روح ونفس وجسد وكذا‬
‫الشخص المولود ميالد ثاني فھو روح ونفس وجسد وليس روح فقط‪.‬‬
‫لكن الكتاب ھنا يسمي الطبيعة العتيقة كلھا من نفس وروح وجسد مادي يسميھا‬
‫"جسد" ويسمي الطبيعة الجديدة كلھا بما فيھا "روح"‪ .‬وسبب ھذه التسمية أن ‪.‬‬
‫روح والمولودون من ‪ .‬لھم طبيعة روحية أي إتجاه روحي سام‪ .‬أما آدم ونسله فھم‬
‫روح ونفس وجسد ولكن التناسل والميالد يأتي عن طريق الجسد‪ .‬فالميالد الطبيعي‬
‫إذن يمكن أن يسمي "جسد" فوراثة طبيعة آدم بطريقة طبيعية جسدية يكون حسب‬
‫الجسد وطبيعته طبيعة آدمية‪ .‬إذن ھناك ميالدان واحد جسدي حسب الجسد وواحد‬
‫روحي حسب الروح‪.‬‬
‫وأيضا فى )رو‪ (٥ :٧‬يقول "ألنه لما كنا فى الجسد كانت أھواء الخطايا التي‬
‫بالناموس تعمل فى أعضائنا لكي نثمر للموت" وھنا يتكلم الرسول عن المولودين‬
‫الميالد الجديد فيقول عنھم أنه سابقا كانوا فى الجسد‪ .‬وبالطبع اليقصد ھنا أنھم فى‬
‫لما كانوا الجسد المادي كانت اھواء الخطية تفعل ھذا وتلك وإال يكون يتكلم عن‬
‫أناس ماتوا ولم يصيروا فى الجسد بعد‪ .‬لكنه يقول لما كنا فى الطبيعة العتيقة‪.‬‬
‫ويستخدم كلمة جسد للداللة عن ھذه الطبيعة‪.‬‬
‫ويكمل فى نفس المنطق فى )رو‪ (٥ :٨‬قائال "فإن الذين ھم حسب الجسد فبما‬
‫للجسد يھتمون ولكن الذين حسب الروح فبما للروح" فھناك أناس لھم إيمان حقيقي‬
‫"مولودين ثانية ال من زرع يفنى بل مما ال يفنى بكلمة ‪ A‬الحية الباقية لألبد"‬
‫)‪١‬بط‪ (٢٤ :١‬وھؤالء ھم حسب الروح‪ .‬ألن ‪" .‬خلصنا بغسل الميالد الثاني‬
‫وتجديد الروح القدس" )تي‪ (٥ :٣‬وھناك فئة أخري ھي حسب الجسد أي حسب‬
‫الطبيعة البشرية العادية والوراثة من آدم ألن المؤمنين "ولدوا ليس من دم وال من‬
‫مشيئة جسد وال من مشيئة رجل بل من ‪) "A‬يو‪(١٣ :١‬‬
‫والذين ھم حسب الجسد أي حسب الطبيعة العتيقة يھتمون بما يھتم به أصحاب‬
‫الطبيعة العتيقة فى العالم‪ .‬أو البشر العاديين غير المؤمنين "الذين نحن ايضا جميعا‬
‫تصرفنا قبال بينھم فى شھوات جسدنا‪ ،‬عاملين مشئيات الجسد واألفكار‪ ،‬وكنا‬
‫بالطبيعة أبناء الغضب كالباقين أيضاً" )أف‪ (٣ :٢‬و "إھتمام الجسد ھو موت ولكن‬
‫إھتمام الروح ھو حياة وسالم" )رو‪ (٦ :٨‬وتعنى كملة إھتمام أي إنشغال وأھداف‬
‫الشخص‪ .‬فالشخص الطبيعي له إھتمامات وإنشغاالت وأھداف يعيش لھا وكلھا تعبر‬
‫عن حالة الموت األدبي والروحي الذي دخل للبشرية بسقوط آدم‪ .‬فنرى الناس‬
‫يھتمون باألكل والشرب والغرائز وجمع األموال والترفيه الفني والمناصب‬
‫والكرامات العالمية والرفاھية فى المعيشة‪ .‬دون أي إھتمام بإرضاء ‪ .‬وطاعته‪.‬‬
‫فالشخص الجسدي يعيش لنفسه‪ .‬ليمتع نفسه‪ ،‬ليرضي نفسه‪ ،‬ليسر نفسه‪ ،‬ليعظم‬
‫نفسه‪ ،‬ليفعل مشيئاته وأفكاره‪ ،‬ليحقق نفسه وذاته‪.‬‬
‫وحيث أنه اليھتم با‪ Q‬فذلك أيضا ألن إرضاء ‪ .‬ليس من طبيعته‪ .‬فحتى إن تص َّنع‬
‫الشخص الجسدي أي الذي يعيش لذاته أنه يريد أن يرضي ‪ .‬فلن يقدر "فالذين ھم‬
‫فى الجسد اليستطيعون أن يرضوا ‪) "A‬رو‪(٨ :٨‬‬
‫ألن كل مايھتمون به يتعارض مع ‪ .‬ومع مايھتم به ‪ ،.‬فھم بإھتماماتھم يقول لھم‬
‫رب المجد "أنتم من أب ھو إبليس وشھوات أبيكم تريدوا أن تعملوا" )يو‪(٤٤ :٨‬‬
‫وإبليس عدو ‪ Q‬فلذلك‪" ،‬إھتمام الجسد ھو عداوة ‪ L‬إذ ليس ھو خاضعا لناموس‬
‫‪ A‬ألنه أيضا اليستطيع" )رو‪ (٧ :٨‬وھم أيضا اليستطيعون أن يھتموا إھتمامات‬
‫‪ .‬بل يھتمون بإھتمامات عدو ‪ .‬أي إھتمامات معادية ‪.Q‬‬
‫ويكلم بولس الرسول المؤمنين قائالً "وأما أنتم فلستم فى الجسد بل فى الروح إن‬
‫كان روح ‪ A‬ساكنا فيكم" )رو‪ (٩ :٨‬أي أن المؤمن الحقيقي الساكن فيه الروح‬
‫القدس اليقال عنه كلمة "فى الجسد" بل أصبح "في الروح" فھو أخذ عطية عظيمة‬
‫أال وھي سكنى الروح القدس فيه الذي أعطاه طبيعة جديدة ھي طبيعة المسيح نفسه‬
‫أي "اإلنسان الجديد المخلوق بحسب ‪ A‬فى البر وقداسة الحق" )أف‪ (٢٤ :٤‬مما‬
‫جعله خارج دائرة الناس الطبيعيين الذين فى الجسد‪ .‬ويعود فيؤكد للجميع أن ھناك‬
‫طريقان طريق سكنى الروح القدس الذي البد له من أن يدفع المؤمنين إلماته أعمال‬
‫الجسد وھذا ھو طريق الحياة وطريق الجسد والحياة حسب الجسد وھو طريق‬
‫الموت فيقول "النه إن عشتم حسب الجسد فستموتون ولكن إن كنتم بالروح‬
‫تميتون أعمال الجسد فستحيون" )رو‪(١٣ :٨‬‬

‫تأثير وجود الجسد فى المسيحي الحقيقي‬


‫ولكن ھناك سؤال ملح‪ ،‬إن كنت كمؤمن حقيقي أصبحت اآلن فى الروح‪ ،‬فلماذا‬
‫مازالت تسيطر علي عاداتى وشھواتي؟ ولماذا أجد نفسي فى كثير من األحيان‬
‫أعيش لذاتى وأصنع إرادتي وأفكاري؟‬
‫نعم إن ھذا يحدث بالفعل للمؤمنين‪ .‬فالطبيعة الجديدة التي ھي حسب الروح لم تالش‬
‫القديمة التي ھي حسب الجسد‪ .‬بل فاإلثنان يعيشان فيَّ جنبا إلي جنب‪ .‬بل ويتصارعا‬
‫معا "ألن الجسد يشتھي ضد الروح والروح يشتھي ضد الجسد وھذان يقاوم‬
‫أحدھما اآلخر" )غل‪ (١٧ :٥‬وربما لألسف يقع البعض فى أن تكون في أوقات ما‬
‫حياتھم سمتھا العامة جسدية أي يعيشون لذاتھم‪ .‬فيقول الرسول لمؤمني كورنثوس‬
‫"وأنا أيھا اإلخوة لم أستطع أن أكلمكم كروحيين بل كجسديين كأطفال فى المسيح"‬
‫)‪١‬كو‪ (١ :٢‬فرغم ميالدھم الثاني فھم مازالوا صغيري القامة الروحية "اطفال"‬
‫ولكن فى المسيح أي صار لھم الروح القدس وأصبحوا ليسوا "في الجسد" ولكنھم‬
‫مازالوا جسديين ألن الجسد بسبب الحالة الروحية الضعيفة يسيطر علي حياتھم‪.‬‬
‫"ألنكم بعد جسديين‪ .‬فإنه إذ فيكم حسد وخصام وإنشقاق‪ ،‬ألستم جسديين وتسلكون‬
‫بحسب البشر")‪١‬كو‪ .(٣ :٢‬وجدير بالذكر أن الخطايا التي ذكرھا ھنا ليس فيھا أي‬
‫خطية لھا عالقة بالجسد المادي حيث أن كلمة جسديين ھنا ھي كما شرحنا قبال أي‬
‫عائشين مثل باقى البشر ألنفسكم ورغائبكم‪ .‬فالحسد والخصام واإلنشقاق كلھا خطايا‬
‫أدبية نفسية إجتماعية وليس لھا عالقة بالجسد المادي‪ .‬وكلھا خطايا أناس يتنافسون‬
‫مع بعضھم البعض‪ .‬فيحسدون بعضھم علي ما لدي بعضھم ويتخاصموا ويصيرون‬
‫خصوما لبعضھم البعض وينقسموا في فرق منشقة عن بعضھا البعض ولسان حال‬
‫كل منھم "نحن أفضل"‬
‫ھكذا السمة العامة للشخص الجسدي‪ ،‬يعيش ألجل نفسه ويتنافس مع غيره ليثبت أنه‬
‫أحسن وليتمتع بحياته أكثر من غيره‪.‬‬

‫تطبيق عملي‬
‫ولننتقل اآلن لتطبيق عملي‪ ،‬يرمز شاول الملك الشرير أول ملوك شعب إسرائيل‬
‫للجسد‪ ،‬ويرمز داود الملك الراعي الوديع للمسيح أو للطبيعة الجديدة فى المؤمن‪.‬‬
‫وھكذا نري أن حياة شاول مايميزھا ھي أنه عاشھا لنفسه‪ ،‬فيقول عنه الكتاب "اختار‬
‫شاول لنفسه" )‪١‬صم‪" (٢ :١٣‬وإذا رأي شاول رجال جبارا أو ذا بأس ضمه إلي‬
‫نفسه" )‪١‬صم‪" (٤٧ :١٤‬قد جاء شاول إلي الكرمل وھوذا قد نصب لنفسه نصباً"‬
‫)‪١‬صم‪ (١٢ :١٥‬أي صنع نصب تذكاري لنفسه يخلد أعماله وھي حادثة لم تحدث‬
‫من قبل فى وسط شعب ‪ ..‬فالمجد كله يعود دائما للرب إله إسرائيل‪ .‬ويقول شاول‬
‫لصموئيل النبي بعد أن فعل خطايا عديدة "أكرمنى أمام شيوخ شعبي وأمام‬
‫إسرائيل" )‪١‬صم‪ (٣٠ :١٥‬وھا ھو فى عمق خطيته ويطلب اإلكرام والتكريم بدال‬
‫من أن يضع نفسه فى التراب ويبلل كل ليلة فراشه بدموعه‪ ،‬والحظ أنه حتى لم يقل‬
‫"شيوخ شعب الرب" بل حتي "شيوخ الشعب" لم يعودوا سوي" شيوخ شعب شاول"‬
‫فى نظره‪.‬‬
‫وھو يريد أن يأخذ الكرامة االولي فلم يطق نسب الفضل لداود بعد اإلنتصار حينما‬
‫"غنت النساء الالعبات وقلن‪ :‬ضرب شاول ألوفه وداود ربواته" )‪١‬صم‪(٧ :١٨‬‬
‫ولم يتحمل أن يعطين داود فضل ضرب عشرات اآلالف بينما ھو أعطينه فقط‬
‫ضرب آالف فقال "أعطين داود ربوات وأما أنا فأعطينني األلوف" )‪١‬صم‪:١٨‬‬
‫‪ (٨‬ووضع خطط عديدة بعد ھذا للتخلص من داود‪ ،‬رغم أن داود ھو الذي "وضع‬
‫نفسه بيده وقتل الفلسطيني" )‪١‬صم‪ (٥ :١٩‬فقد خاطر بنفسه وقتل الجبار جليات‬
‫فى بطولة فريدة‪ ،‬لكن شاول يريد أن ياخذ كل الكرامة لنفسه واليطيق أن يظھر‬
‫بجانبه أحد تماما مثل الجسد او الذات الذي اليريد أبدا أن يبدوا معه فى المشھد أحد‪.‬‬
‫وعلينا أن نھرب من الكرامة البشرية التي بحسب البشر وأن نعطي كل المجد ‪Q‬‬
‫وأن نعترف بفضل إخوتنا فى الخدمة وأن نرفض كل مجد وكرامة يعود علينا‪.‬‬
‫وھواليطيق داود وعاش طوال حياته مطاردا له‪ ،‬يدبر مؤامرة تلو األخري للتخلص‬
‫منه‪ .‬ألن الجسد اليحب الروح بل يكرھا ويكره الحياة الروحية‪ .‬وإن كان يستطيع‬
‫التصنع وأن يحاول الظھور بمظھر التقوي وشكلھا الخارجي مثل الذين قال عنھم‬
‫الرسول "لھم صورة التقوي لكنھم ينكرون قوتھا" )‪٢‬تي‪ (٥ :٣‬فھم بينھم وبين‬
‫أنفسھم اليمارسون التقوي بل يظھرونھا خارجا فقط‪ .‬فشاول رمز للجسد فى المؤمن‬
‫الذي يجيد التلون ويحاول أن يتوافق مع الحياة الروحية ويستغلھا لكي ماينسب لنفسه‬
‫العديد من اإلنجازات والكرامات‪.‬‬
‫فالجو الروحي السليم يصيب الذات أو الجسد باإلختناق‪ ،‬وھو يحاول أن يتملص من‬
‫الروحيات‪ .‬وأن يفعل مايريده بعد أن يكسبه إسما ً وشكالً روحيا حتى يتخلص من‬
‫الجو الروحي الذي حسب الحق‪.‬‬
‫فنجده فى الحرب يقول إذ يجمع الرجال للحرب "من اليخرج وراء شاول ووراء‬
‫صموئيل" )‪١‬صم‪ (٧ :١١‬فيجعل من نفسه القائد ويتمسح فى صموئيل إذ يذكر أسم‬
‫صموئيل ألن صموئيل محبوب لدي الشعب‪ .‬بالمقارنة مع موسي الذي قال "من‬
‫للرب فإلي" )خر‪ (٢٦ :٣٢‬أي من ھو للرب وقلبه مكرس للرب وغيور للرب‬
‫فيجتمع إلي موسي حيث يجتمع كل غيور للرب‪ .‬فاليجمع الناس حوله ولكن حول‬
‫الرب‪.‬‬
‫ھكذا أي خادم روحي وليس جسدي عليه أن اليجمع الناس من حوله أبدا‪ .‬واليجعلھم‬
‫يتعلقون به أبدا‪ .‬فبداخلنا شعور خفى يجد لذة عندما يعجب الناس به ويجتمعوا حوله‬
‫ويمدحونه‪ .‬وعلينا دائما أن نحكم علي ھذا الشعور فالنترك أخواتنا يتعلقون بنا بل‬
‫نجعلھم يتعلقون بالرب وحده‪.‬‬
‫وھو يسمي الخطية بأسماء اخري عديدة غير كلمة خطية‪ ،‬أسماء لھا صبغة روحية‪.‬‬
‫فعندما قام بعمل الخطية وتعدي امر الرب وقدم ذبيحة المحرقة وھو ليس كاھنا من‬
‫نسل ھارون‪ ،‬أخذ يفسر أن مافعله ھو أمر روحي من شخص روحي‪ .‬فيقول‬
‫لصموئيل‪" :‬ألني رأيت الشعب قد تفرق عني‪ ،‬وأنت لم تأت في أيام الميعاد‪،‬‬
‫والفلسطينيون متجمعون فى مخماس فقلت اآلن ينزل الفلسطينيون إل َّي إلي‬
‫الجلجال‪ ،‬ولم أتضرع إلي وجه الرب‪ ،‬فتجلدت وأصعدت المحرقة" )‪١‬صم‪:١٣‬‬
‫‪ (١٢-١١‬ويريد بذلك أن يوھم صموئيل أنه ألجل أنه يحب الصالة أصعد المحرقة‬
‫وتخطي الوصية‪.‬‬
‫وعلينا أن النتملص من خطايانا بل نعترف بھا مقرين‪ .‬وأن نسميھا بأسمائھا وإنه‬
‫من أفظع الخطايا أن نضفي صفة الروحانية علي الخطية‪ .‬فبدال من اإلعتراف‬
‫بالخطية نعتبرھا صفة روحية حميدة‪ .‬ھذا ھو فعل الجسد‪ ،‬وطريقته‪ .‬فالغضب يصير‬
‫إسمه غيره مقدسة‪ .‬والنميمة تصير بحث فى أخبار أوالد ‪ .‬لإلطمئنان عليھم‪ .‬وعدم‬
‫اإللتزام الروحي ندعي أنه "عدم فريسية" أو "حياة بالنعمة"‪.‬والتسلط علي شعب ‪.‬‬
‫ندعي أنه غيرة علي إسم ‪ ..‬وحياة الترفه والراحة ندعي أنھا شيئ روحيا سليم بل‬
‫يساعد اإلنسان علي الحياة الروحية أن يأخذ فترة راحة ونقاھة من التعب‪ .‬وھكذا‬
‫ينجح الجسد فى أن يلبس كل مايريد أن يفعله ويحققه ثوبا روحيا حميدا لكي نقوم به‬
‫دون أن نقع فى الشعور بالذنب‪.‬‬
‫وھو يميل للتطرف فى مقاييسه لكي يثبت للجميع أنه متفوق عليھم وإن كان اليطبق‬
‫ھذه المقاييس أبدا علي نفسه بل يطبقھا بكل كفاءة علي اآلخرين‪ .‬فعندما أخذ يوناثان‬
‫إبنه علي عاتقه ان يبدأ الحرب رغم الضعف الشديد لشعب إسرائيل‪ ،‬وجد شاول أن‬
‫النصر سوف يأتي من طريق آخر غير طريق شاول‪ .‬فحلف قائال‪" :‬ملعون الرجل‬
‫الذي يأكل خبزا إلي المساء حتى أنتقم من أعدائي" )‪١‬صم‪ (٢٤ :١٤‬وھو يتطرف‬
‫تطرفا شديدا فى أمر لن يتعبه ھو في شيء حتى يقال أن الملك حلف الشعب فحدث‬
‫النصر‪ .‬لكي ينسب النصر له ولحلفانه جعل شعب يقاتل طوال النھار وطوال الليل‬
‫لكنه اليذوق طعاما فى وقت ھو فى أشد اإلحتياج للطاقة لكي يكمل الحرب للنھاية‬
‫"وضنك رجال إسرائيل فى ذلك اليوم" )‪١‬صم‪ (٢٤ :١٤‬أي إنھار الشعب جسديا‬
‫من قلة الطعام وقلة الطاقة الالزمة للحركة والحرب‪ .‬ولكن ھذا اليفرق مع شاول‬
‫حيث أنه أھم شيء لديه ھو أن ينسب النصر لنفسه‪ .‬ويعلق يوناثان قائ ً‬
‫ال "قد كدر‬
‫أبي األرض ‪ ....‬لو أكل اليوم الشعب من غنيمة أعدائھم التي وجدوا‪ ،‬أما كانت‬
‫اآلن الضربة أعظم علي الفلسطينيين" )‪١‬صم‪ (٣٠-٢٩ :١٤‬ويعلق صموئيل قائ ً‬
‫ال‬
‫"وأعيا الشعب جداً" )‪١‬صم‪(٣١ :١٤‬‬
‫وعلينا أن النترك الجسد يتطرف فى مطالبه الروحية من الغير راغبا فى اإلتصاف‬
‫بالروحانية العالية‪ .‬وعلينا أال نقع فى الفريسية البغيضة التي يلجأ إليھا الجسد الذي‬
‫فينا راغبا فى الظھور والتميز‪.‬‬
‫والجسد أيضا يستخدم المنطق البشري والعقلي فى الحكم علي أمور ‪ ..‬فلما أمر‬
‫صموئيل شاول بكالم الرب أن يذھب ويحرم عماليق‪ ،‬ذھب شاول وإنتصر إنتصارا‬
‫عظيما‪ .‬لكنه حسن فى عينيه الغنيمة التى أمر ‪ .‬بتحريمھا‪" .‬وعفا شاول والشعب‬
‫عن أجاج )ملك عماليق( وعن خيار الغنم والبقر والحمالن والخراف وعن كل‬
‫الجيد ولم يرضوا أن يحرموھا‪ .‬وكل األمالك المحتقرة والمھزولة حرموھا"‬
‫)‪١‬صم‪ (٩ :١٥‬ففي نظر الجسد إنھا خسارة أن يحرقوا أغنام وبقر وحمالن وخراف‬
‫جيدة‪ .‬لماذا يقومون بحرقھا؟ الروحي يقول ببساطة "ألنه امر الرب" أما الجسدي‬
‫فيقول "لست أفھم‪ ،‬ال أري األمور ھكذا‪ ،‬ماالمشكلة فى أن أفعل ھذا أو تلك؟"‬
‫ويستعمل العقل والمنطق لكي يثبت مايقول‪ .‬مثله ھنا مثل يھوذا الذي لما رأي مريم‬
‫تسكب الطيب الكثير الثمن علي قدمي ربنا يسوع المسيح‪ .‬فھذه حسب المنطق‬
‫خسارة فيقول "لماذا لم يبع ھذا الطيب بثالثمائة دينار ويعطي للفقراء؟" )يو‪:١٢‬‬
‫‪ (٥‬وكالمه من الناحية العملية البحتة سليم منطقيا‪ ،‬لكنه كان يقول ھذا ألن الصندوق‬
‫معه‪ .‬فأمام الناس الرجل يھوذا يقال عنه "أنظروا كم يھتم بالفقراء" ولكن أمام ‪.‬‬
‫"كان سارقا" )يو‪ (٦ :١٢‬وھكذا المؤمن الجسدي‪ ،‬ينادي بشعارات روحية براقة‬
‫ولكنه فى الواقع يبحث عن نفسه‪.‬‬
‫أما الروحي فيري فى مافعلته مريم حبا للسيد تعبير جميل عن الحب ويري أنه‬
‫الرب يسوع المسيح يستحق أكثر من ھذا وھذا عين ماشعرت به وفعلته مريم‪.‬‬
‫وعلينا أن نعظم كالم الرب وكتابه وأال نستخدم المنطق البشري الجسدي والحكمة‬
‫الجسدية الطبيعية فى الحكم علي األمور‪ .‬بل نراھا كلھا من منظور كلمة ‪..‬‬

‫الحكم علي الجسد‬


‫ونري فى مطاردة شاول لداول كل األيام رغم كل مايتصف به داود من صفات‬
‫وأخالق سامية‪ ،‬نري أن الجسد اليطيق الروح‪ .‬وأيضا ً نرى في إسماعيل الذي جاء‬
‫حسب الجسد وإسحق الذي جاء بالموعد‪ ،‬فكما يقول الرسول "فإنه مكتوب كان‬
‫إلبراھيم إبنان‪ ،‬واحد من الجارية واآلخر من الحرة ولكن الذي من الجارية ولد‬
‫حسب الجسد‪ ،‬وأما الذي من الحرة فبالموعد ‪ ....‬الذي ولد حسب الجسد يضطھد‬
‫الذي حسب الروح" )غل‪ (٢٩-٢٢ :٤‬وھنا ھو كان يھزأ بإبن الموعد الذي يرمز‬
‫للطبيعة الجديدة وكان يقاومه‪ .‬وھناك رجل آخر فى الكتاب المقدس يشير للجسد‬
‫ولكنه يشير له في صورته المستبيحة الواضحة المكشوفة المستھينة با‪ Q‬وببركاته‬
‫عالنية أال وھو عيسو‪ .‬ولكن عيسو كان زانيا ومستبيحا ورفض البكورية وباعھا‬
‫بطبق عدس‪ .‬فھو ال تھمه أمور ‪..‬‬
‫فتيار الجسد العامل فينا يريد أن يسيطر علي حياتنا ويتسغلھا لنفسه‪ .‬فشاول طارد‬
‫داود‪ ،‬وإسماعيل ضايق إسحق‪ ،‬وعيسو إحتقر أمور ‪ ،.‬ويھوذا كره المسيح‬
‫وباعه‪ .‬فنحن لدينا في داخلنا "أنا" أو ذات أو شخص آخر ينتمي لنا لكنه لألسف‬
‫خائن وعميل إلبليس وال يحب ‪ .‬ويحتقر أموره‪ .‬ينبغي لنا أن نفيق له‪ .‬وأن نحكم‬
‫عليه‪ .‬و"نحن مديونون ليس للجسد لنعيش حسب الجسد" )رو‪.(١٢ :٨‬‬
‫ويوجد حادثة فى سفر يشوع تصور لنا عمل الجسد‪ ،‬فبعد اإلنتصار العظيم علي‬
‫أريحا‪ ،‬شعر الشعب بأنفسھم وبأنھم أصبحوا من الفاتحين الغزاة وأنھم منتصرون‬
‫وغالبون‪ .‬فلما رأوا عاي صغيرة وبلدة مستضعفه‪ ،‬قرروا أن يرسلوا نفر قليل منھم‬
‫لإلستيالء عليھا ولسان حالھم "ليست عاي التى نخاف منھا أو نعمل لھا حساب نحن‬
‫الشعب العظيم الذي إرتعدت األرض أمامه" وواضح دور الجسد الذي إستغل‬
‫اإلنتصار العظيم لحسابه وشعر بالفخر والعلياء‪ .‬وبالطبع تركھم الرب وإنكسروا‬
‫امام عاي‪.‬‬
‫فمن السھل علي المؤمن اإلعتراف بالخطية‪ ،‬فلما أتي النبي إلي داود متھما إياه‬
‫بخطية الزنا مع إمراءة أوريا الحثي علي الفور قال داود "قد أخطأت إلي الرب"‬
‫)‪٢‬صم‪ (١٣ :١٢‬ولكن اإلعتراف بالجسدانية وإكتشافھا صعب جدا الن الجسد يتلون‬
‫ويتصنع الروحانية‪.‬‬
‫فينبغي لنا أن نفحص انفسنا فى ضوء الرب ونجلس أمامه وأمام كلمته‪ ،‬وكلما‬
‫يكشف لنا مابداخلنا من فساد ومن إتجاھات جسدة بغيضة نحكم عليھا ونرفضھا‬
‫ونعترف بھا‪ .‬ونميت بالروح أعمال الجسد كل حين‪.‬‬

‫وللرب كل المجد‪.‬‬

You might also like