Professional Documents
Culture Documents
ــــــــــــــــــــــــــــ
أحمد دحبور*
ما من مرة سمعت فيها بنشاط إنساني يتعلق باللجئين ،إل وتبادر إلى ذهني سؤال
متسرع :وهل يوجد في الدنيا لجئون سوانا؟ ..ثم أستدرك أن التشريد والتطهير العرقي
واللجوء الجمعي هي من أكثر الظواهر الناجمة عن العدوان والستعمار شيوعًا .في
أفريقيا ،في آسيا .بل إن أوروبا عرفت ذلك النوع من التشريد ،ولم تكن البوسنة
والهرسك إل مثا ً
ل ،من غير أن يغيب عن الذاكرة العادلة تلك المآسي التي صنعها النازي
مشردا ً مليين اليهود والمسيحيين على حد سواء .أما اليام الراهنة فتقص علينا بالدم
واللم أنباء الشعب العراقي .وكان للفلسطينيين حصة ،بطبيعة الحال ،في هوجة التشريد
التي شهدها العراق.
وإذا كان ما تقدم صحيحًا .وهو صحيح ما في ذلك شك .فمن أين يأتينا الحساس بأن
اللجئين كلمة خاصة بالفلسطينيين؟ وقد أضغط على الذاكرة فتنفرج عن صور قاتمة
مليئة بالدموع والحسرة كان الهل يعرضونها على مسامعنا حتى نكاد نراها .فكأنهم كانوا
على موعد مع معنى اللجوء منذ لحظة الهجرة الولى .أيعود ذلك إلى إحساسهم منذ يوم
النكبة أن اليام السبعة التي وعدهم الحكام العرب بإعادتهم إلى بيوتهم خللها ،ستمتد
سبعة بعد حتى تصل إلى عشرات السنين؟
وقد أزيد فأتذكر أول يوم سمعت فيه باسم الشاعر إبراهيم طوقان ،متبوعا ً بأنه
فلسطيني من نابلس .فاستغربت سائل ً عمتي المتزوجة في نابلس ـ وكانت تزورنا
باستمرار في مخيمنا ،جنوب مدينة حمص السورية ـ كيف يكون إبراهيم طوقان شاعرا ً
وهو ليس لجئا ً مثلنا؟ فاللجئ في مخيلة الطفل الذي كنت هو الفلسطيني بالضرورة،
وطبيعي أن أكون قد طرحت سؤالي البريء على عمتي ،قبل هزيمة .1967أي قبل
وقوع نابلس تحت الحتلل .فكأن الحتلل واللجوء هما من العلمات المميزة ـ في وعيي
الطري البسيط يوم ذاك ـ للشعب الفلسطيني الذي إليه أنتمي .وكان علي أن أتذكر
دائمًا ،وبصورة يومية ،صفوف تلميذ مدرستنا البتدائية وهم ينشدون فلسطين ويؤكدون
أننا عائدون .فيما كان أساتذتنا يخطبون بغضب ووعيد .أما في البيوت فكان آباؤنا
وأمهاتنا يبكون .وعلى المستوى الشخصي كانت أمي تعيد لي رسم صورة الرض من
منظور العجوبة والفاجعة والفرح المأمول البعيد الذي أسمه حيفا ..ول أذكر ،عندما
بدأت أقرزم الشعر ،وأنا على مقاعد البتدائية ،أنني كتبت من الكلم الذي صادفه الوزن
شيئا ً قبل.
توقع ومواكبة:
منذ وعد بلفور عام ،1917أصبح الهاجس الكبر لدى النخب السياسية والثقافية
الفلسطينية هو الخوف على الرض .بل إن شاعرا ً مثل إبراهيم طوقان ،كان يشير
صراحة ،قبل وقوع الحرب العالمية الثانية .بخمسة أعوام ،إلى احتمال طرد الشعب
الفلسطيني من أرضه .وكان طوقان يحذر من مظاهر الرفاهية المخادعة في فلسطين،
فهي ليست إل قشرة براقة تخفي وراءها الكارثة:
وفي قصيدة ثانية ،يشير إلى أن خطر القتلع يهدد الفقراء والغنياء معًا:
ولسوف تستولي الفجيعة ،من خلل ظاهرة اللجئين ،على المشهد الشعري الفلسطيني،
ول سيما في تلك السنوات العجاف التي سبقت ظهور منظمة التحرير الفلسطينية
وفصائل المقاومة .وكانت الشارة إلى اللجئين تبدأ بعناوين مجموعات بعض الشعراء.
فهذا أبو سلمى يصدر ديوان "المشرد" ،أما يوسف الخطيب ،فإن عنوان مجموعته
المميزة المبكرة ،هو "عائدون" .ولعل أول مجموعة فلسطينية تنطلق من مأساة
اللجئين ،كانت للشاعر هارون هاشم رشيد ،وهي "مع الغرباء" ،وقد صدرت عام .1954
وهناك مجموعات تشير عناوينها إلى الجرح الفلسطيني بصورة مطلقة ،مثل "فلسطين
على الصليب" للشاعر معين بسيسو ،و"حيفا في سواد العيون" للشاعر حسن البحيري،
و"كلمات فلسطينية" للشاعر الحيفاوي حسن النجمي .أما الشاعرة فدوى طوقان ،فهي
وإن لم تخصص عنوانا ً مباشرا ً في مجموعاتها الشعرية للجئين ،إل أنها كتبت القصائد
المتميزة التي تناقلتها الجيال العربية من مقاعد الدراسة إلى أطروحات البحث ،فهي
صاحبة القصيدة الشهيرة "مع لجئة في العيد" التي تقول فيها:
واللفت في الشعر المبكر الذي كتبه الفلسطينيون حول النكبة واللجئين ،أن النداء يتجه
إلى الخت الفلسطينية .وهي إعادة إنتاج لفكرة الثأر وإثارة الحمية من خلل الحرائر
اللواتي يحرضن الفرسان على حماية الرض والعرض .وإذا كان هذا الخطاب يتميز
بالشجن والسى ،فإنه فيه أمل ً بالعودة مشوبا ً بالحزن الرخيم ،كما في أنشودة هارون
رشيد الفيروزية الشائقة:
وهي لحظة مركبة محيرة .فبقدر ما فيها من ثقة الرجوع ،يئن فيها صوت المشرد
الجريح.
صورة اللجوء:
على أننا ملزمون ،قبل متابعة أوديسة اللجوء الفلسطينية ،أن نرصد البدايات ،وكيف
صور الشعراء لحظة الخروج من الوطن .وهي لحظة مرتبطة بالسرة ،حيث يتنادى الب
والم والولد ،وكل منهم خائف على الخرين ،كما في هذا المشهد البسيط الذي سجله
عبد الرحيم عمر في قصيدة "الرحيل عن جيوس".
عبد الرحيم
ب استغاثة فاطمة ل ّ
...ما هكذا كنا أردنا الخاتمة
أما توفيق صايغ ،هذا الفلسطيني الوديبي المنكود ،فإن لحظة الخروج من طبريا ،ستظل
تلزمه طيلة حياته .وهو ما عبر عنه من خلل قصيدته الطويلة "معلقة توفيق صايغ".
وأخطر ما في هذه القصيدة ،من ناحية اللجئين ،أن المشهد عند الشاعر ل يأخذ طابعا ً
سياسيا ً أو وطنيا ً بالمعنى العام للكلمة .بل هو يأتي تلقائيا ً من خلل كشف الحساب
العاطفي الطويل بين الشاعر وأمه .فهو يذكر بسالتها وقلقها عليه وعلى أخوته،
فيذكرها ،أو يناجيها فيما يتذكر معها:
من غرز الوتد الجديد ـ وغرس الشتلت وسقي الحبق ـ من حث من أضرم اليمان ـ غير
قلبك المنهك الصامد؟ ـ يوم تركنا الديار ـ ولم نحمل معنا ـ سوى الذكريات والمخاوف ـ
وقام بين الديار وبيننا ـ سيف مديد عنيد.
وإذا كان الوطن الذي يبتعد عن أنظار اللجئين ،يحل عميقا ً في قلوبهم ،مرسخا ً صورته
من خلل السر المشردة المذعورة ،المتنادية ـ مع ذلك ـ إلى التماسك بفعل قوة الروح
عند الم ،فإن البتعاد عن الوطن سيخلق واقعا ً جديدًا .لقد ولت أيام اليسر والبحبوحة.
وها هي سلمى الخضراء الجيوسي التي كانت تردد مع أمها ذلك الغناء المزدهي بصفد:
صفد يا عالية في رأس تلة ،تجد نفسها ،وهي لجئة ،جديدة العهد بالغربة ،ل تستطيع أن
تمنح المتسول صدقة ،لنها أصبحت في حاجة إلى تلك الدريهمات التي كانت تتصدق بها
عن سعة وبسعادة:
أما أبو سلمى فإنه كان يجيل عينيه في المنفى ،فل يرى البلد ،وإذا كان الصحاب
والحباب الذين سأل عنهم الطفل في قصيدة هارون موجودين ،فإنهم يتساقطون حول
أبى سلمى كأوراق شجرة في خريف .بعيدين عن التراب الذي هم منه ولكنهم ل يعودون
إليه حسب القول المقدس :من التراب أتينا وإلى التراب نعود ،وقد بكاهم أبو سلمى
حتى التحق بهم:
حتى القبور غريبة؟ ذلكم ما انتهى إليه جيل ،بل أجيال من الفلسطينيين الذين ل يملكون
إل عناد النتظار أو نقمته حسب تعبير جبرا إبراهيم جبرا في قصيدته "بيت من حجر":
وبين الليل والليل ل ـ نعرف إل النتظار ـ رباه جد علينا ،ـ جد علينا ،ـ
بنقمة النتظار..
والنتظار يتطلب معجزة البقاء على قيد الحياة ،فكيف حقق الفلسطينيون
هذه المعجزة؟
التفجع والحنين:
يلتقي الشعراء الفلسطينيون ،الذين وعوا فجيعة النكبة من حيث العمر ،على حس
الفجيعة المشوب بالدهشة والستنكار .يقول يوسف الخطيب:
فيما يرفض حسن النجمي فكرة السؤال عن الوطن" :من أين؟ ...أتسخر من رجل؟
أبأطول رمح تطعنني؟" .ولكنها الحقيقة .واللجئون موزعون على المنافي .ويلفت النظر
في هذه الظاهرة ،على المستوى الشعري ،أن اللجوء الفلسطيني أخذ بعدا ً رمزيا ً
بموازاة وطأته الواقعية .وإذا كان أمثال أبى سلمى وحسن البحيري ومحمود الحوت قد
ذاقوا مرارة القتلع والتهجير مباشرة ،بمغادرتهم حيفا ويافا ،فإن آخرين مثل هارون
ل ،هم من غزة ونابلس والخليل ،وهي هاشم رشيد وفدوى طوقان ويوسف الخطيب مث ً
مدن بقيت في يد العرب طيلة الفترة بين نكبة 1948وهزيمة .1967ولكن هذا ل يعني
أن زلزال النكبة لم يعصف بهم ،وأن مأساة اللجئين لم تزعزعهم .على أن أشعارهم في
ذلك لم تقف عند رصد لحظة اللجوء وتصويرها ،بل حولت الخيمة إلى رمز للهزيمة التي
يجب تجاوزها .وحين يكون الجرح على هذه الدرجة من الفداحة ،فإن اللم ـ قبل التعالي
على النكبة والبحث عن سبل التغلب على عواملها ـ سيأخذ مداه في الحنين إلى
فلسطين ،ل كفردوس أندلسي مفقود ،بل كوطن ل تزال صورته ماثلة في الروح.
وسيكثر في هذا الشعر مناجاة البلبل والعندليب والورد كرموز مجردة بدل وصف الحياء
والطرقات .لنقرأ ،على سبيل المثال ،من شعر يوسف الخطيب في هذا المجال:
لو قشة مما يرف ببيدر البلد
خبأتها بين الجناح وخفقة الكبد
لو رملتان من المثلث أو ربا صفد
فهذا حنين تاريخي وليس مجسدًا .لهذا نراه ينتشر على غير مكان من
الوطن:
المثلث ،صفد .بينما نرى شاعرا ً مثل حسن البحيري كان في مدينته حيفا ،وهو يحفظ
صورة شاطئها وكرملها وشوارعها ،ل يكف بعد النكبة عن وصف مغانيها ،وهو يسميها
جوسق اللهام .وهو يمحضها حنينه المباشر:
فالغدير والغاب والنبع والجداول والزنبق هي عناصر طبيعية معينة ،عرفها الشاعر
وافتقدها في مهجره القسري .إن هذا ل يعني أن الشعراء الذين لم يهاجروا مباشرة،
أيام النكبة ،كانوا أقل حماسة وحنينًا .ولكنها المقارنة بين المجسد والمجرد .بل إن
المجسد كالنبع والغدير وما إلى ذلك ،سيلتحق بالمجرد في الشعر ،من حيث هو مادة
للحنين والتفجع تجعل الشعر الفلسطيني الذي واكب هذه المأساة يأتي من روافد
مختلفة ـ حسب موقع كل شاعر جغرافيا ً ـ ويصب في نهر القضية التي تشمل الجميع.
وسيكثر في هذا الشعر ترديد الخيام وتشخيص معاناة اللجئين ويقينهم أنهم عائدون .كما
في قول هارون هاشم رشيد:
ويذكر أن كثيرين من الشعراء العرب غير الفلسطينيين قد كتبوا في هذا .ولعل قصيدة
الشاعر العراقي بدر شاكر السياب "قافلة الضياع" من أشهر المثلة على ذلك.
معاناة المنفى:
كان ول يزال جرح الهجرة من الوطن هو العمق والكثر إيلمًا ،لدى الشاعر ـ وغير
الشاعر ـ الفلسطيني .وإذا كان فيه مهانة وطنية وقومية ،فإنه فيه ،إلى ذلك ،ألما ً واقعيا ً
ملموسا ً يتعلق بتبعات المنفى .فاللجئ الفلسطيني ليس مجرد مواطن خسر أرضه ولو
إلى حين ،بل إنه بخسارة الرض خسر أمانه الشخصي ،حتى أنه أصبح عاجزا ً عن التنقل
بين البلد كباقي البشر .وسيفاجئنا ـ ولماذا يفاجئنا؟ ـ توفيق صايغ المتهم بوقف شعره
على التداعيات النفسية والباطنية ،أن مشكلته كفلسطيني قد نهضت في وجهه ،في
وقت مبكر ،بعيد النكبة بسنة أو اثنتين ،من خلل جواز السفر المطلوب منه وهو ل
يملكه:
وينزل فوج ويصعد فوج .يتبدل الموظفون ،ويعبر الجميع إل الفلسطيني الذي يتساءل:
"ماذا وشي بي؟ من وشي؟ ما تهمتي فأدفع تهمتي؟".
وفي مناخ الهجرة المتبلد ،يحق للشاعر الفلسطيني أن يتساءل عما إذا كانت هذه الحياة
حياة حقًا .تقول دعد الكيالي :أهذي حياة؟ نعيش الحياة ولسنا نعيش وتمضي الحياة.
وتأتي كلثوم عرابي على معنى قريب في قصيدة "لجئة":
على أن المخيم والذباب والفقر والبطالة ،ليست إل مقدمات لما يلي من فواجع وإهانات
ومذابح .فالفلسطيني ليس منسيا ً كما قد يتبادر إلى أذهان حتى المتشائمين .إنه في
البال كمطلوب متهم بل تهمة .حيث عليه أن يتهذب عشرين تهذيبا ً ـ على حد تعبير
الشاعر مريد البرغوثي ـ بعدد الحكام العرب:
وعلى هذا ،يملك شاعر مثل علي الخليلي أن يسخر حتى الدمعة ،من واقع كهذا ،فيصف
الروح الفلسطينية المستباحة بالنفس المطمئنة أمام الباب المغلق" :وحدك وحدك
تشربين وحل أحذيتهم الممزقة ـ وتفقدين خيالك الواسع كله فجأة ـ فتتحولين إلى
قارضة" .وليس هؤلء الذين يهينون النفس الفلسطينية ،اللجئة غير المطمئنة ،إل الهل،
حيث الهانات والخطر .بل إن العرافة في قصيدة فدوى طوقان تحذرها من غدر الخوة
بل مواربة:
أما اللجئون في ديارهم .أهلنا الذين بقوا في الوطن بعد النكبة ،فشردهم الحتلل من
بيوتهم ،وحرم عليهم مدنهم ،فإن لمعاناتهم وقعا ً آخر ،إنهم مهاجرون مقيمون في لحظة
واحدة قد تكون الغرب في التاريخ .وها هو سالم جبران يمر بمدينة صفد ،المدينة
الفلسطينية ،كما أنه فلسطيني ،ولكنه عنها غريب:
وفي هذا الجو الكابوسي تنطلق صرخة محمود درويش التاريخية :سجل أنا عربي،
ويناجي أم اليتام الفلسطينية أمام حبال الغسيل :فلسطينية الميلد والموت ،ويؤكد
توفيق زياد أنهم صامدون ـ كأننا عشرون مستحيل ،فيما يهزج سميح القاسم :مثلما
تنبض في الرض الخصوبة ـ هكذا تنبض في قلبي العروبة.
لقد استطاعت الثقافة الفلسطينية ،والشعر في طليعتها ،حراسة الروح الوطنية
الفلسطينية ،فلم تتآكل بفعل الهجرة واللجوء ،بل التقى الماء بالماء ،الداخل بالخارج
وحق لمحمود درويش أن يقول بكل زهو وكبرياء:
التحدي والستجابة:
كان لمخيم اللجوء ،من وجهة العداء ،مهمة محددة .هي أن ينقرض الفلسطينيون
وينتهوا .وتمكنت روح البداع العنيدة من أن تطلق رسائل الحياة ،فيقول شاعر مثل
محمد القيسي من داخل المخيم:
ويا وطني
أصارحك القول إنا تعبنا
ولكننا ما انعطبنا
ومن خلل هذه المعاناة .ومن داخل ظلموت القهر ،تنطلق صرخة شاعر الغضب
الفلسطيني يوسف الخطيب ،فيزأر متوعدا ً مكابرًا:
والزلزال تعبير أثير لدى الشاعر الفلسطيني .هو ليس زلزال ً لفظيا ً يتوعد أعداء أقوياء
متمكنين من احتلل أرضنا ،بل هو مراجعة لمنطق المنطقة العربية في وضعها الراهن.
فاللجئ قنبلة موقوتة ـ ل كما يقول وزير خارجية العدو هذه اليام بخطاب ديماغوجي،
بل بما هو محاكمة لواقع ترفضه الحياة ـ في وجوه حكام مستسلمين ،وصفهم الشاعر
كمال ناصر بالعلوج ،قبل أن يشيع هذا التعبير مؤخرًا:
وليس بعد ذلك إل الثورة .فقد عنف الفلسطيني نفسه بما فيه الكفاية .وحاكم واقعه
المضني ،وأعلن بلسان يوسف الخطيب:
حتى تعود إلى ذويها الدار أنا حاقد ،أنا مجرم أنا سيء
وسيبدو اللجئ الفلسطيني كما لو كان ثائرا ً عبثيًا .بل إنه أشبه بدون كيشوث لول وهلة
وهو يحاكم الواقع الظالم ويتحدى الطغاة حافيا ً ل يملك غير إيمانه وعناده ،لكن قوة
الحياة ترسله إلى العنوان الصحيح ،فيتساءل معين بسيسو وهو يعي الجواب ويؤمن به:
فإلى أين إلى أين
يا طالب رأس القيصر يا حافي القدمين
وحافي القدمين هذا ،هو الذي سيعيد كتابة المعادلة .وإذا كان اللجئ توفيق صايغ لم
يستطع الدخول ،قبل نصف قرن لنه ل يحمل جواز سفر ،فإن اللجئ في أرضه ،الذي
صرخ ذات يوم :سجل أنا عربي ،هو الذي سيقول ل بصوت محمود درويش وحده ،بل
بصوت اللجئين جميعا ً من خلل محمود درويش:
وهكذا تمكن الشاعر الفلسطيني من أن يجعل الفلسطينية هوية نضالية ،وأصبح الحضور
الفلسطيني في العالم رمزا ً لنضال المعذبين في الرض ،من القرن العشرين إلى اللفية
الثالثة .إنها مسيرة شديدة التركيب والتعقيد ،جمعت صوت الفرد إلى صوت الجماعة.
المرأة إلى الرجل .قصيدة البيت إلى قصيدة التفعيلة إلى قصيدة النثر .وتماهي الذاتي
مع الموضوعي في نشيد متواصل ،هو بامتياز صوت العربي الفلسطيني وإسهامه الفني
الكبير.
ماذا عن الخصوصية؟
والخطر الكبر الذي يهدد الشاعر ،أي شاعر ،عندما يجد نفسه حبيس لحظة جمعية ،هي
لحظة احتباس الذات أو اندغامها في صوت الجماعة .ويزيد المر تعقيدا ً أن المتلقي
يتعامل مع الشاعر وكأنه حادي الركب ،وليس شاعرا ً له خصوصيته التي ل حظ للشعر
بعيدا ً عنها .وقد لحظنا أن فكرة اللجوء بحد ذاتها تغري الجميع بالنشيد أو النشيج .وعلى
هذا فل يمكن أن يكون الموضوع أساسا ً لحكم القيمة .إننا ل نملك إل النحناء بالتحية
للمعاناة النسانية .ولكن الفن شأن آخر .وبهذا العتبار يحتاج الناقد الممحص إلى
معيارين :الول تاريخي اجتماعي وهو ما يمكن أن يوضع فيه الجميع حسب الموضوع
السياسي القتصادي .والثاني أدبي فني يخضع لمقاييس نقدية فكرية ،وهو ما يعنينا إذا
كنا مشغولين بالدب حقًا .وفي هذا المجال يمكن البحث عن نواظم مشتركة شغلت
الشعراء الفلسطينيين الذين كتبوا في ضوء فجيعة اللجئين .ففكرة القتلع ،وتصوير
لحظة اللجوء ،ومعاناة الغربة ،ومرارة المعاناة ،وعناد المنكوب استعدادا ً للثورة ،ثم
الثورة وأسئلتها ..هذه كلها وغيرها أسئلة تشكل مادة للشاعر الفلسطيني ـ وغير
الفلسطيني أحيانا ً ـ لكنها غير كافية لتجعل المتعامل معها شاعرًا .فهناك أشكال التعبير
التي تمنح كل شاعر خصوصيته .وقد اهتدى الشاعر اللجئ إلى القصيدة الدرامية في
فترة ما ،حيث جعل من هذه المسيرة الليمة مادة لتطور الشخصية في القصيدة .كما
اهتدى إلى أشكال مختلفة مغايرة تميزت فيها كهرباء الغضب وشحنة التوتر .وهذا ل
يعني أن القصيدة الدرامية المشحونة بالغضب والتوتر مقصورة على الشاعر
الفلسطيني ،فالفن أكثر تعقيدا ً من أن يحيطه تصور محدد .وتبقى على مهمة النقد ومكر
التاريخ أن يقول كلمة الفصل في هذه التجربة الفريدة المتميزة التي قدمت أسماء نوعية
يستحق كل منها وقفة خاصة.
هارون هاشم رشيد
صدر له :مع الغرباء ،عودة الغرباء ،غزة في خط النار ،أرض الثورات ،حتى يعود شعبنا ،ثورة الحجر.
يعيش في غزة
سنرجع يوما
سنرجع يوما ً
الشاعر الفلسطيني »هارون هاشم رشيد« من مواليد حارة الزيتون في غزة هاشم عام ،1927اسم ذو حضور
خاص ،اقترن بفلسطين وعذاباتها ،فوقف شعره تارة على رؤوس اصابعه حزنًا على فلسطين وقضية شعبه وتارة
اخرى ممتشقًا قلبًا ل يتوقف غضبًا ،وظل طوال نصف قرن وفيًا لختياره مخلصًا في تعبيره بالهم الفلسطيني من
خلل تجربته كانسان ابعد عن وطنه ظلما ،وعاش مآسي واحداثًا تقلبت على فلسطين خلل عمره المديد.
هارون هاشم رشيد من شعراء الخمسينيات الذين اطلق عليهم »شعراء النكبة« أو »شعراء المخيم« ويمتاز شعره
بروح التمرد والثورة ويعد شاعرنا ،شاعر القرار 194كما وصفه الشاعر عزالدين المناصرة ،فهو من اكثر
الشعراء الفلسطينيين استعماًل لمفردات العودة ،العائد ،العائدون ..وشاءت القدار لهذا الشاعر ان يتعايش
ويصاحب اللجئين منذ اللحظات الولى لهذه المأساة النكبة ،فتفجر شعر هارون من هذه التجربة ،وولد ديوانه
الول »مع الغرباء« عام 1954رصد فيه معاناة فقدان الوطن،
وتأثيرات النكبة وما خلفته ،حتى ذهب بعض النقاد ومن كتبوا عنه الى اعتباره من مدينة يافا او من بئر السبع
وهما مدينتان تم احتللهما وتشريد اهلهما عام 1948فقصائده تبدو وثيقة نفسية وانسانية ترصد ألم اللجوء وحياة
المشردين ،وحتى اليوم مازال يستلهم قصائده من الوان الحياة الفلسطينية ،فقد اشبع دواوينه الولى بموضوع
اللجئين والنكبة .ظل قريبًا من الناس بعيدًا عن النخبوية والمعارك الطاحنة بين القديم والجديد ،بل ظل همه التعبير
صريحًا عما يؤثر فيه ،قريبًا من هموم شعبه وامته.
اصدر هارون هاشم رشيد عشرين ديوانا شعريًا بين عامي 1954ـ 2002اضافة الى عدد من المسرحيات الشعرية
التي اخرجت على المسرح وطافت عددًا من البلد العربية ،وشكلت احد روافد المسرح الملتزم ،وجددت تقاليد
المسرح الشعري والذي لم يعنى به إل فئة قليلة من الشعراء.
هارون هاشم رشيد ابن الحقبة الناصرية ـ الذي يعتبر نفسه احد جنود هذه المرحلة الوفياء حتى اللحظة ـ ومندوب
فلسطين الدائم لدى جامعة الدول العربية ،والعضو الدائم في اللجنة العلمية العربية ،كرم بعدد كبير من الوسمة
ونال الجوائز ،إل ان اهم تكريم ناله المكانة العميقة التي احتلها في وجدان وقلوب الناس ممن اتصلوا بشعره او
استمعوا اليه ،فهو ليس من طلب المجد ول ينظر الى تكريم او احتفال ،بل يقول كلمته ويمضي ،امل ان تصل الى
قلوب الناس وتفعل في وجدانهم ..بيان الثقافة التقاه في هذا الحوار:
ـ الحياة والسيرة الذاتية لكل انسان فلسطيني متشابهة ،وعندما اتحدث عن نفسي كأنني اتحدث عن اي فلسطيني،
انا لست في تفاصيل الحياة الفلسطينية استثناء وشاءت لي القدار ان اعيش المأساة من أولها كما فعلت شريحة
واسعة من كبار السن من الفلسطينيين ،فمنذ الثلثينيات والحداث تتوالى ،والفلسطيني ايا كان عمره ومكانه
ومكانته ،اندمج معها ،حتى اصبحت جزءًا من كيانه وتفاعلته الحياتية اليومية،
لقد اثرت هذه الحداث على الصغار قبل الكبار حتى تمكنت من ان تنتزع منهم طفولتهم تمامًا كما الجيال التي تلت
وعاصرت النكبة وغيرها وانتزعت منهم كل ما يحلم الب ان يوفره لطفاله من براءة ولعب بل وطفولة.
واذكر في عام 36في احد ايام رمضان انني كنت مع مجموعة من الطفال بالقرب من مسجد »الشمعة« نلعب في
ساحة اسمها »باب الدارون« في حارة الزيتون بغزة ،وقبيل اذان المغرب بقليل حيث اعتدنا على ذلك لقضاء الوقت
حتى يحين موعد اذان المغرب لنذهب الى الفطار ..ولكن وقبل موعد الذان مرت دورية بريطانية صغيرة بجانبنا،
وفجأة ظهر خمسة ثوار ،واطلقوا النار على الدورية وحدث اشتباك بينهم وبين افراد الدورية البريطانية اسفرت
عن استشهاد اثنين من الثوار وجرح آخرين فيما تمكن الخامس من الفرار.
وبعد وقت قصير امتلت الساحة بالمصفحات والمجنزرات وتعزيزات كبيرة من الجنود البريطانيين ،فطوقوا
المنطقة ،وجمعوا الرجال في مسجد الشمعة ،وكان والدي واخي الكبر يتناولن طعام الفطار عند شقيقتي خارج
الحارة ،فنمت وبقية اهلي وحدنا في تلك الليلة.
اذكر تلك الليلة جيدًا لقد اصبحت عتمتها وظلمها وطغيانها جزءًا مني واذكر كيف عانيت خلل هذه الليلة من
الخوف والضطراب ..وفي الصباح طلب منا الجنود البريطانيون مغادرة المنزل حيث قاموا بنسف عدد من البيوت
المحيطة بالمنطقة ،ومنذ تلك اللحظة ادركت ان هناك مخاطر تتهددني واسرتي وشعبي ،ومنها ومن فجر تلك الليلة
بدأ اللتزام ،وشعرت انني خرجت فعليًا من دائرة الطفولة.
ـ لقد عايشت النكبة ،ويطلقون عليك شاعر النكبة أو »شاعر القرار «194لكثرة حديثك عن اللجئين ومأساتهم..
كيف اثر هذا الحدث عليك؟ ـ ل استطيع ان انسى تلك اللحظات الصعبة والمأساوية ،التي يهجر فيها شعب بأكمله من
دياره الى الشتات ،لقد عشت مأساة اللجئين ..لم ل ..كنت في غزة وكنت احد المتطوعين للمساعدة في نقل وايواء
اللجئين وكان اللجئون يصلون في مراكب تسمى الجرو.
واذكر كيف ان هذه المراكب لم تكن تستطيع الوصول الى الشاطيء فكان الصيادون يذهبون الى هذه المراكب في
زوارقهم ويحضرون السر المهجرة الضائعة الى الشاطيء الذي يفتقر الى الميناء ،نساء واطفال وعجزة وشباب
وفتيات مشهد جحيمي ..كنت اشعر كم نحن وحيدون.
كنا نحمل هذه السر على اكتافنا الى الشاطيء ومن ثم نرسلها الى اماكن اليواء في المدارس والجوامع ،وبعد ذلك
شاءت القدار ان اعمل مع لجنة لشئون اللجئين بطلب من ابن خالتي الذي كان عضوا فيها ،ومنذ تلك اللحظة بدأت
عمليا وبصورة يومية اعيش مع اللجئين كل لحظات مأساتهم.
المعظم يشاهد صور خيام اللجئين ..انا رأيتها وعشتها تشربت مأساتها لقد مكثوا فترة من الزمن في الخيام حتى
جاءت وكالة الغوث وتم نقل اللجئين الى معسكرات النصيرات والبريج والمغازي وهي في الصل معسكرات
للجيش ل تصلح للسكن ..وزاد تفهمي للهم الكبير الذي يسكن اللجئين.
ـ كان لك علقات حميمة بعدد كبير من الدباء والقادة والعلميين كيف اثرت هذه العلقات على الشاعر هاشم
هارون رشيد بخاصة في بدايات المشوار وانت توصف بأنك من جيل الخمسينيات في الشعر الفلسطيني؟ ـ لم اكن
اتخيل في يوم ما انني سأصدر ديوانا شعريًا ،فقبل صدور الديوان كانت لدي مجموعة من القصائد ،وكنت على
علقة حميمية مع المرحوم صلح خلف »ابو اياد« الذي كان يدرس حينها في القاهرة وكنت معجبًا باستاذه الدكتور
عبدالمنعم خفاجه ـ وهو من كبار الدباء والكتاب ـ وخلل احدى اجازات ابو اياد الذي يسكن في مكان قريب من
بيتي في غرفة ،قرأ بعض قصائدي وقال لي انه سيحملها الى القاهرة لنشرها .فقلت له هذا ملف بالقصائد خذه معك
شريطة عدم نشرها إل اذا اطلع عليه الدكتور عبدالمنعم خفاجه واجاز نشره.
وقبل ذلك كان اخذ مني قصيدة »الجولة الثانية« ونشرها في مجلة »المرابطة« واهداها الى رئيس رهط الجوالة
حينذاك الخ ياسر عرفات »ابو عمار« وعندما منحت وسامًا عام 1990القاها ابو عمار بصوته امام الجماهير.
نعود للحديث عن الديوان ففي القاهرة اطلع الدكتور عبدالمنعم ـ الذي كان عضوا في »رابطة الدب الحديث« على
القصائد واعجب بها وقال الدكتور عبدالمنعم لبي اياد ان هذا الشاعر كبير.
وقرر الدكتور عبدالمنعم طباعة ديوان »مع الغرباء« حيث صدر عن رابطة الدب الحديث وكتبوا عليه شاعر
فلسطين القومية ،وقدم الدكتور عبدالمنعم خفاجة لهذا الديوان وكتب العديد من الدباء المعروفين حول هذا الديوان
في مقدمتهم مصطفى السحرتي وعبدال زكريا وغيرهم.
وتناولته صحف ومجلت وجرائد وكتبت عنه دراسات واسعة في غير مكان من الوطن العربي وتم اختيار عدد من
القصائد التي غناها محمد فوزي وفيروز وكارم محمود وفايزة كامل وغيرهم.
وأول شخص كان لي علقة معه في بداية النكبة كان محمد عبداللطيف عبدال الذي اصدر رواية »لقيطة« فقرأت
الرواية واعجبت فيها فكتبت تعليقا عليها وارسلتها له ،فرد رسالة مطولة فتحت افقا بيني وبينه حتى التقيته عام
1958في مهرجان شعري على هامش مؤتمر لتحاد الكتاب العرب الذي كان منعقدًا في الكويت.
وفي الكويت كان لي حضور لدرجة ان محمد مهدي الجواهري اراد رؤيتي وعندما قابلته قال لي :احترامًا لك سألقي
قصيدة عن يافا.
وقد تعرفت على عدد كبير من الشعراء وتوطدت علقاتي معهم ،وفي القاهرة دخلت المجتمعات الدبية مبكرًا،
فكانت لي علقات مع صلح عبدالصبور ومعظم شعراء وأدباء هذا الجيل.
ـ أنت شاعر تكتب الشعر العمودي وشعر التفعيلة فما هي معايير القصيدة الناجحة لديك؟ ـ الشعر هو شعر عندما
يخرج كشعر فالقصيدة الناجحة هي التي تعبر عن صدق الشعور ،فالصدق شرط اساسي للشعر ،وبقدر ارتقاء
القصيدة الى مستوى الشعور باللحظة وتكثيفها وجدانيًا بقدر ما تكون ناجحة.
والقصيدة الناجحة يتوفر فيها ايضا موسيقى الشعر ،واذا خلت القصيدة من الموسيقى تعتبر نوعًا آخر من الكتابة.
ـ في هذا الطار ما رأيك بقصيدة النثر التي يذهب البعض الى ان فيها نوعًا آخر من الموسيقى؟ ـ هذه القصيدة
المزعومة هدفها النقطاع عن التراث وخلع عباءة النتماء وقطع الجذور وهذا مرفوض عند من يريد التمسك
بهويته واصالته ،واذا عدت الى بدايات هذه الحركة وما كشف حول الجهات الممولة لها ،فنضع عند ذلك علمات
استفهام كبيرة ،فكسر واضعاف اللغة والنحو وشطب الوزن موجة مرفوضة ول أؤمن بها بل اضع علمات استفهام
كبيرة على مشروع قصيدة النثر منذ بداياته.
ـ في قصائدك تستخدم الشعر العمودي وشعر التفعيلة ،ويبدو قبولك الخير كامتداد للشعر العربي ،مطوعًا اياه
للتعبير عن مرادك؟ ـ نعم ،انا ل اعد شعر التفعيلة خروجا ،بل امتداد للشعر العربي ولموسيقاه الصلية ،فلم تخرج
التفعيلة على شعر التراث ،وانما هي جزء منه ،وحركت هذه التفعيلة اليقاع واعطته مدى اوسع لذلك فهي تطور
مقبول ما دام جوهر اليقاع موجودًا داخلها.
وانا استخدمت التفعيلة مبكرًا منذ ديواني الول »مع الغرباء« وفي عدد من القصائد والمسرح الشعري ،وصدر لي
ديوان كامل عام 1970كتب مقدمته المرحوم ابو إياد فالتفعيلة اداة من الدوات التي يستعملها الشاعر.
وقبل فترة بسيطة كنت مدعوًا للمشاركة في احدى المهرجانات الشعرية في تونس ،وكنت قد حضرت مجموعة من
القصائد للقيها في المهرجان ،وبعد نزولي من الطائرة ،ركبت سيارة لتوجه الى الفندق فتابعت من خلل المذياع
ما يحدث في جنين واصبح كل الورق والقصائد التي انتقيتها للقائها في المهرجان ليست ذات قيمة بالنسبة لي،
فكتبت قصيدة جديدة القيتها وحدها في المهرجان ،فدخلت على الحضور ولم احييهم ولم اشكرهم ولم اقل لهم السلم
عليكم ،بل قلت:
هذا شاهد على ان شعر التفعيلة لقى استحسان الناس ،وعبر عنهم ،وانا وجدت ان شعر التفعيلة يطوع المشهد
والصورة اكثر ويلئم الشعر المسرحي.
ـ لو اتهمك البعض انك شاعر كلسيكي والقصيدة لم تتطور عندك فكيف ترد؟ ـ أؤمن بأن الشاعر الذي يستطيع ان
يعبر تعبيرًا صادقًا عن لحظته بالداة التي يستطيعها ،وبامكاني ان الغز واخفي مما يسمى بالتجديد ..وعندي ان
الحداثة فيما اكتبه تتحد بوصول ما اريده الى الخرين ،وما دام يروقهم فهو شعر حديث.
والمر الخر اننا كشعراء فلسطين نركن جانبًا اليغال في الرمزية وغيرها ،فنحن لدينا قضية نكتب فيها والشاعر
يعبر عن حالته ،هل من الممكن ان يأتي شاعر فلسطيني ويجلس في برج ويتكلم عن السريالية واللغاز والصور
دون ان يعبر عما يجري من مجازر وقتل وارهاب بحق ابناء شعبنا الفلسطيني؟ في النهاية البداع حالة انسانية
مندمجة مع بيئة الشاعر وفصلها عن هذه البيئة يجعلها كائنًا مسخًا ل طائل منه.
ـ أصدرت عشرين ديوانا شعريًا منذ عام 1954ولحظت من خلل تواريخ صدورها ان الفترة الممتدة بين عامي
58و 66لم يصدر لك فيها اي ديوان شعري فما سر ذلك؟ ـ عام 56جاء عبدالناصر ومعه خطة لقامة دولة
فلسطينية ،حث تشكل ايمان عميق عند عبدالناصر بايجاد الكيان الفلسطيني وفي هذه المرحلة شغلت عن الشعر في
هذا المر ،مع انني كنت اكتب احيانا لكن دون ان انشر ما اكتبه.
ـ بمناسبة الحديث عن عبدالناصر ،انت ابن الحقبة الناصرية ،عايشتها بل كنت موظفًا في صوت العرب ،ماذا تقول
عن هذه المرحلة؟ ـ منذ اللحظة الولى التي سمعت فيها عن قيام الثورة في مصر اعتبرت نفسي احد جنودها،
واصبح املي كبيرًا بأن هذا الرجل سيحدث نقلة تاريخية في تاريخ المة العربية ،وشاءت القدار ان اكون في اتون
هذه الحداث ،وبحكم عملي اطلعت بشكل مباشر وغير مباشر على خبايا ما يريده عبدالناصر بالحس الذهني او من
خلل رجالت النظام.
عمل عبدالناصر منذ عام 56على تأمين سلح للجيش ،فلجأ الى الكتلة الشرقية للحصول على السلح وكان له ما
اراد بحصوله على اول صفقة من السلح التشيكي ،وكانت هذه الصفقة من السباب الرئيسية لحرب ،56إل ان
العدوان الثلثي لم يكسر شوكة عبدالناصر الذي تمكن من تفجير الموقف الشعبي ضد العدوان والحتلل.
كيف عاد الحاكم العام الى غزة؟ التفاقية ان قطاع غزة يصبح تحت السيطرة الدولية »تدويل القطاع« لكن الشعب
الفلسطيني رفض هذه التفاقية ،وخرج بمظاهرات كبرى كانت تنادي وتهتف بعدم التدويل ووصلت الى اوجها
عندما صعد شاب اسمه محمد مشرف الى سطوح السرايا وقام بانزال العلم الدولي ورفع مكانه العلم المصري،
وعندما نزل الشاب تم اطلق النار عليه وقتله.
وبعد عام 56اعطى عبدالناصر فرصة للفلسطينيين برئاسة الدارات التي كان يرأسها المصريون وفتح المجال
امامهم للذهاب الى الكلية الحربية ،اضافة الى الدراسة في الجامعات المصرية ،اراد تأهيل الفلسطينيين علميًا
وعسكريًا ..وانشأ التحاد القومي فانتخبت لجان التحاد في محاولة مبكرة ليجاد الكيان الفلسطيني وافرز من هذه
اللجان انتخاب اعضاء المجلس التشريعي ليصبح هناك سلطة تنفيذية وتشريعية.
ـ ما دمنا في هذا الطار ،كيف تنظر الى النكبة الثانية التي حلت بالشعب الفلسطيني؟ ـ 1967لها قصة طويلة
وعريضة وليس لها مساس بنا كفلسطينيين فنحن قاتلنا حتى اللحظة الخيرة وكنت حينها موجودًا في القطاع،
عضو في منظمة التحرير الفلسطينية وسقطت الدنيا ونحن نقاتل ،واذكر ان الخوة الذين كلفوا بعمليات الداخل
رفضوا التسليم بالهزيمة واستمروا بالقتال ،لكن حصل ما حصل.
ـ تأريخ 67يشكل بداية اهتمامك بالمسرح ،فاضافة الى انك شاعر فانت كتبت المسرحية والرواية ،هل لك ان تطلعنا
على هاتين التجربتين؟ ـ بدأ اهتمامي بالمسرح عام ،67حيث التفت الى اهمية المسرح في ايصال الرسالة وكتبت
اول مسرحية لي عام ،1972وصدرت هذه المسرحية عن الكتاب الذهبي ومثلت بعد ذلك على المسرح حيث
اخرجها كمال ياسين ومثلها كرم مطاوع وسهير المرشدي وعرضت في التلفزيون بعد ذلك.
وبعد ذلك كتبت مسرحية »سقوط بارليف« وهي منظومة على شعر التفعيلة وتحدثت فيها عن مفاهيم مختلفة عن
كل المسرحيات التي قدمت وتم اختيار هذه المسرحية من بين عدد كبير من المسرحيات التي تم تبنيها من مصر في
ذكرى العبور ،وحصلت على المرتبة الولى من بين ست مسرحيات اختيرت لهذه الغاية ،ونفذتها فرقة المسرح
القومي المصري عام 74واستمر عرضها فترة طويلة من الوقت وطافت بلدًا عربية متعددة وكتبت بعدها »جسر
العودة« و»عصافير الشوك« و»القصر«.
اما على صعيد الرواية فقد كتبت الرواية في اوائل الخمسينيات وكانت روايتي الولى هي »دوامة العاصير«
ودارت احداثها حول سقوط حيفا ،وفي اواخر الخمسينيات كتبت رواية »مولد عائد« وهي رواية تتم احداثها كلها
في لحظات ميلد امرأة لجئة في معسكر المغازي وكان زوجها في عملية فدائية ومع كل طلقة من طلقات الميلد،
كان هناك حديث عن خلفية المرأة وتهجيرها من يافا وكان المفروض تمثيل هذه الرواية سينمائيا وقبضت ثمنها
لكن حدثت تغييرات ولم يتم عمل الرواية وضاعت النسخة الصلية مني كما ضاعت من المخرج المصري توفيق
صالح الذي كان مقررا ان يقوم باخراجها .وكتبت رواية اخرى بعد ذلك وهي »سنوات العذاب«.
ـ اضافة الى انك شاعر واديب فانت سياسي واعلمي ومنذ عقود تتوالى المآسي والحداث على شعبنا الفلسطيني
بشكل خاص وامتنا السلمية والعربية بشكل عام ،ولكن ما يلمس حاليا انحسار فعلي لدور المثقف العربي في
الشارع ول نلمس تأثيرا لهم على الشارع العربي ماذا تقول في ذلك؟ ـ شيء مريب ان يقابل ما يجري في فلسطين
بالصمت من العالم العربي انظمة وشعوبا وعندما كانت البلدان العربية ترزح تحت الحتلل الفرنسي والبريطاني
وغيرهما وكان يسقط شهيد في المغرب او الجزائر او مصر كنا في فلسطين نسمع صوت الذان في غير موعده
وتدق اجراس الكنائس تضامنا وتعبيرا عن حالة الغضب والتضامن وكنت تجد اللوف في الشوارع يطالبون بانهاء
الحتلل عن اي بلد عربي.
اما في الوقت الراهن فان المئات بل اللف يذبحون في الشوارع في فلسطين والعراق وغيرهما من البلد السلمية
والعربية وعلى شاشات التلفزة دون ان يحرك ساكنا لدى الشعوب السلمية والعربية.
ـ انت مندوب فلسطين الدائم في جامعة الدول العربية ونلحظ في الوقت الراهن ان الوليات المتحدة الميركية تشن
حملة اعلمية وسياسية مكثفة على الدول العربية وهناك احاديث عن اعادة تقسيم المنطقة العربية ،كيف تقيم
السياسة الميركية ازاء العرب في هذه المرحلة؟ ـ السياسة الميركية التي تنفذها الوليات المتحدة الميركية ليست
جديدة بل هي قديمة متجددة والمطلوب من العرب والمسلمين اعادة النظر باوضاعهم وسياساتهم ومواقفهم واذا
ضربت العراق فسنطبق مباشرة المثل القائل »اكلت يوم اكل الثور البيض« فالمر لن يقتصر على العراق بل
سيتعداه الى كل القطار العربية الواحدة تلو الخرى ووجدت الوليات المتحدة فرصتها في احداث 11سبتمبر العام
الماضي لتنفيذ مخططاتها وانا واثق ان هناك خارطة جديدة ترسم لهذه المنطقة العربية »سايكس بيكو« جديد .هناك
امر ما سيحدث ،فما جرى في اميركا ل يحتاج كل هذا القتل والدمار ،اميركا لم تقم لجنة تحقيق في الموضوع بل
بدأت بضرب افغانستان ما يؤكد ان هناك مخطط واستراتيجية تجاه المنطقة العربية والسلمية وجدت اميركا في
11سبتمبر مبررا ووسيلة للبدء بتنفيذها.
ـ جامعة الدول العربية رأس الدبلوماسية العربية ،والكثير يتهمها بالفشل والتقصير في معالجة المسائل العربية اين
المشكلة؟
ـ الجامعة العربية ليست كيانا واحدا وليس العيب فيها ول في ميثاقها ول قراراتها فهناك لجان ودراسات على اعلى
المستويات وتم اتخاذ عشرات القرارات في كافة المسائل لكن الشكالية في ان كل دولة عربية تأخذ ناصية بعيدة لها
عن اللتزام بهذه القرارات والغلب ل ينفذون منها شيئا فليس هناك قرار واحد اجمع عليه العرب ونفذوه ،فالعيب
ليس في الجامعة بل في النظمة التي ل تلتزم بما يتم اتخاذه من قرارات وهي جزء من صناعة هذه القرارات ومع
ذلك ورغم ان العديد ينتقد ويهجو الجامعة العربية ال انها المكان الوحيد الذي مازال يلتقي فيه افراد السرة الواحدة
ويجمع شملنا.
ـ المنطقة العربية تواجه مشاكل خطيرة وكبيرة تحتاج الى مشروع تنمية سياسية واقتصادية شامل لذلك يجب ان
تكون الحلول مستندة الى حاجات الناس ول يجب ان نلوم اميركا لوحدها فالعرب منذ سنوات بعيدة وهم يقبلون
بالمنطق والسياسة الميركية لن النظام الرسمي العربي مشرذم ويتصرف الحكام وفق المصالح القطرية الضيقة
دون الخذ بالعتبار مصالح الشعوب العربية ،فبعد غياب الموقف العربي الواحد اصبحنا اسرى السياسة الميركية
وغير مؤثرين وفاعلين في الساحة الدولية وهذا العجز والهوان اعطى اسرائيل فرصة كاملة لتحقيق ما تريد من
احتلل للراضي الفلسطينية والغاء للتفاقيات والقتل والتدمير دون حساب للعرب.
اعتقد ان هناك ازمة كبيرة في النظام الرسمي العربي فل يصبح القرار الرسمي العربي جديا ـ وان عارض
بالتصريحات والقوال ـ ال اذا ارتبط بالموقف الشعبي ،فعلى النظمة العربية التواصل والترابط مع شعوبها
لمواجهة الخطار المقبلة وتجسير العلقة لبناء حالة واحدة بدل من العداء وتربص كل طرف بالخر.
ب
ة للغض ِ
جَباِليا...يا ساح ً
أواه ُ يا َ
مل َْته ِ
ب ض ال ُ
سِغها...بالَعار ِ
ن نَ ْ
م ْ
ت ِ
جَر ْ
َتف ّ
ب
ص ِ
من ْت َ ِ
فلها ال ُ ت عال َ َ
منا ...ب ِط ِ ْ َفأذ ْ َ
هل ْ
ب صط َ ِ
خ ِ م ْ
صدى ال ُ
منا...على ال ّ
ت أّيا َ
وأيقظ ْ
)(2
سك َُر
معَ ْ
ض ال ُ
جباليا...وينهَ ُ
جبالياَ ..
َ
حجُر
شبرٍ َ ة...وك ّ
ل ِ جمر ٌ
ت َ َفك ّ
ل بي ٍ
جُر
ةَ ،تنف ِ
مشبوب ٌ
ةَ ...
ل ثور ٌ وك ّ
ل طف ٍ
جئنا ُ
كمو ،فانتظروا َتقو ُ
ل يا أعداَءنا ِ ...
)(3
ف فيها العَل َ ُ
م ة...ي َرِ ّ أَقري ٌ
ة أم دول ٌ
م
قل ُ عندها...ما ل َ ْ
م َيخط ال َ هنا َ
ك ِ هنا ُ ..
ُ
م
ض ع َرِ ُ
عري ٌ
ج َ
مو ْ ٌ
ةَ ...
ف امرأ ٍ
ف أل ُ
فأل ُ
زموا جئنا ُ
كمو ،فان ْهَ ِ َيقو ُ
ل يا أعداَءناِ ...
)(4
ن
م ُ
حها..،والّز َ جباِليا وليُلها...و ُ
صب ُ َ
ن
مْرت َهَ ُ
ف ُتوّقف في باِبها...توقّ ٌ
ن ح م
ِ َ ُ ال ر
هنا َ ُ
تمو مثَلهاُ ...
هنا ،فهاُتوا ِ
ُ
ن
وط ُ مثَلها...يصر ُ
خ فينا ال َ هنا فهاتوا ِ
ولد عام ،1905ورحل عام 1941
الشهيد
**********
**********
**********
***********
يا عزة السلم في قدسنا للي
**********
*********
***