You are on page 1of 23

‫الشعر الفلسطيني و اللجئون‬

‫ــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫أحمد دحبور*‬

‫ما من مرة سمعت فيها بنشاط إنساني يتعلق باللجئين‪ ،‬إل وتبادر إلى ذهني سؤال‬
‫متسرع‪ :‬وهل يوجد في الدنيا لجئون سوانا؟‪ ..‬ثم أستدرك أن التشريد والتطهير العرقي‬
‫واللجوء الجمعي هي من أكثر الظواهر الناجمة عن العدوان والستعمار شيوعًا‪ .‬في‬
‫أفريقيا‪ ،‬في آسيا‪ .‬بل إن أوروبا عرفت ذلك النوع من التشريد‪ ،‬ولم تكن البوسنة‬
‫والهرسك إل مثا ً‬
‫ل‪ ،‬من غير أن يغيب عن الذاكرة العادلة تلك المآسي التي صنعها النازي‬
‫مشردا ً مليين اليهود والمسيحيين على حد سواء‪ .‬أما اليام الراهنة فتقص علينا بالدم‬
‫واللم أنباء الشعب العراقي‪ .‬وكان للفلسطينيين حصة‪ ،‬بطبيعة الحال‪ ،‬في هوجة التشريد‬
‫التي شهدها العراق‪.‬‬

‫وإذا كان ما تقدم صحيحًا‪ .‬وهو صحيح ما في ذلك شك‪ .‬فمن أين يأتينا الحساس بأن‬
‫اللجئين كلمة خاصة بالفلسطينيين؟ وقد أضغط على الذاكرة فتنفرج عن صور قاتمة‬
‫مليئة بالدموع والحسرة كان الهل يعرضونها على مسامعنا حتى نكاد نراها‪ .‬فكأنهم كانوا‬
‫على موعد مع معنى اللجوء منذ لحظة الهجرة الولى‪ .‬أيعود ذلك إلى إحساسهم منذ يوم‬
‫النكبة أن اليام السبعة التي وعدهم الحكام العرب بإعادتهم إلى بيوتهم خللها‪ ،‬ستمتد‬
‫سبعة بعد حتى تصل إلى عشرات السنين؟‬

‫وقد أزيد فأتذكر أول يوم سمعت فيه باسم الشاعر إبراهيم طوقان‪ ،‬متبوعا ً بأنه‬
‫فلسطيني من نابلس‪ .‬فاستغربت سائل ً عمتي المتزوجة في نابلس ـ وكانت تزورنا‬
‫باستمرار في مخيمنا‪ ،‬جنوب مدينة حمص السورية ـ كيف يكون إبراهيم طوقان شاعرا ً‬
‫وهو ليس لجئا ً مثلنا؟ فاللجئ في مخيلة الطفل الذي كنت هو الفلسطيني بالضرورة‪،‬‬
‫وطبيعي أن أكون قد طرحت سؤالي البريء على عمتي‪ ،‬قبل هزيمة ‪ .1967‬أي قبل‬
‫وقوع نابلس تحت الحتلل‪ .‬فكأن الحتلل واللجوء هما من العلمات المميزة ـ في وعيي‬
‫الطري البسيط يوم ذاك ـ للشعب الفلسطيني الذي إليه أنتمي‪ .‬وكان علي أن أتذكر‬
‫دائمًا‪ ،‬وبصورة يومية‪ ،‬صفوف تلميذ مدرستنا البتدائية وهم ينشدون فلسطين ويؤكدون‬
‫أننا عائدون‪ .‬فيما كان أساتذتنا يخطبون بغضب ووعيد‪ .‬أما في البيوت فكان آباؤنا‬
‫وأمهاتنا يبكون‪ .‬وعلى المستوى الشخصي كانت أمي تعيد لي رسم صورة الرض من‬
‫منظور العجوبة والفاجعة والفرح المأمول البعيد الذي أسمه حيفا‪ ..‬ول أذكر‪ ،‬عندما‬
‫بدأت أقرزم الشعر‪ ،‬وأنا على مقاعد البتدائية‪ ،‬أنني كتبت من الكلم الذي صادفه الوزن‬
‫شيئا ً قبل‪.‬‬

‫نحن من حيفا الشهيدة‬ ‫نحن أبناء المجيدة‬


‫ومع رنين هذه الكلمات الساذجة البريئة‪ ،‬تطور السؤال فيما بعد‪ :‬كيف كانت ظاهرة‬
‫اللجئين في الشعر العربي الفلسطيني؟ وحتى ل يكون هناك التباس ـ من أولها ـ أشدد‬
‫على أنني أقصد ظاهرة اللجئين وتداعياتها‪ ،‬وليست ظاهرة النكبة بالمطلق‪ ،‬غير غافل‬
‫عن أن مأساة اللجوء هي العلمة الكبرى في حقل هذا الحدث التاريخي السود‪.‬‬

‫توقع ومواكبة‪:‬‬
‫منذ وعد بلفور عام ‪ ،1917‬أصبح الهاجس الكبر لدى النخب السياسية والثقافية‬
‫الفلسطينية هو الخوف على الرض‪ .‬بل إن شاعرا ً مثل إبراهيم طوقان‪ ،‬كان يشير‬
‫صراحة‪ ،‬قبل وقوع الحرب العالمية الثانية‪ .‬بخمسة أعوام‪ ،‬إلى احتمال طرد الشعب‬
‫الفلسطيني من أرضه‪ .‬وكان طوقان يحذر من مظاهر الرفاهية المخادعة في فلسطين‪،‬‬
‫فهي ليست إل قشرة براقة تخفي وراءها الكارثة‪:‬‬

‫ليست فلسطين الرخية غير مهد للشقاء‬


‫عرضت لكم خلف الزجاج تميس في حال البهاء‬
‫فاليوم أمرح كاسيا ً وغدا ً سأنبذ في العراء‬

‫وفي قصيدة ثانية‪ ،‬يشير إلى أن خطر القتلع يهدد الفقراء والغنياء معًا‪:‬‬

‫لساكنه ول ضيق الخصاص‬ ‫فل رحب القصور غدا ً بباق‬


‫وتوفي إبراهيم طوقان عام ‪ ،1941‬قبل أن تتحقق نبوءته السوداء بسبع سنوات‪ .‬ومن‬
‫المفارقات أن يكون رحيله في الشهر الخامس الميلدي الذي شهد عام ‪ 1948‬وقوع‬
‫النكبة وولدة ظاهرة اللجئين الفلسطينيين‪ .‬وإذا كان الموت لم يمهل هذا الشاعر الكبير‬
‫ليواكب مأساة اللجئين التي سبق الخرين إلى التنبؤ بها‪ ،‬فإن صديق عمره أبا سلمى‪،‬‬
‫عبد الكريم الكرمي‪ ،‬قد عاش هذه المأساة‪ .‬فلجأ ـ وهو ابن طولكرم الذي كان في حيفا‬
‫ـ إلى دمشق‪ .‬ومن هناك أرسل قصائد الحنين والتفجع والمل إلى كل فلسطيني وعربي‪:‬‬

‫طال السرى وما أطل القمر‬ ‫إلى أمتي وأرضنا تنتظر؟‬


‫أين بقايا الهل؟ هل هم بشر؟‬ ‫أسأل عن أهلي ومن يسمعني‬
‫يبكي على أهلي الدجى والحجر‬ ‫الغرباء في ربوع أهلهم‬

‫ولسوف تستولي الفجيعة‪ ،‬من خلل ظاهرة اللجئين‪ ،‬على المشهد الشعري الفلسطيني‪،‬‬
‫ول سيما في تلك السنوات العجاف التي سبقت ظهور منظمة التحرير الفلسطينية‬
‫وفصائل المقاومة‪ .‬وكانت الشارة إلى اللجئين تبدأ بعناوين مجموعات بعض الشعراء‪.‬‬
‫فهذا أبو سلمى يصدر ديوان "المشرد"‪ ،‬أما يوسف الخطيب‪ ،‬فإن عنوان مجموعته‬
‫المميزة المبكرة‪ ،‬هو "عائدون"‪ .‬ولعل أول مجموعة فلسطينية تنطلق من مأساة‬
‫اللجئين‪ ،‬كانت للشاعر هارون هاشم رشيد‪ ،‬وهي "مع الغرباء"‪ ،‬وقد صدرت عام ‪.1954‬‬
‫وهناك مجموعات تشير عناوينها إلى الجرح الفلسطيني بصورة مطلقة‪ ،‬مثل "فلسطين‬
‫على الصليب" للشاعر معين بسيسو‪ ،‬و"حيفا في سواد العيون" للشاعر حسن البحيري‪،‬‬
‫و"كلمات فلسطينية" للشاعر الحيفاوي حسن النجمي‪ .‬أما الشاعرة فدوى طوقان‪ ،‬فهي‬
‫وإن لم تخصص عنوانا ً مباشرا ً في مجموعاتها الشعرية للجئين‪ ،‬إل أنها كتبت القصائد‬
‫المتميزة التي تناقلتها الجيال العربية من مقاعد الدراسة إلى أطروحات البحث‪ ،‬فهي‬
‫صاحبة القصيدة الشهيرة "مع لجئة في العيد" التي تقول فيها‪:‬‬

‫أختاه هذا العيد رف سناه في روح الوجود‬


‫وأشاع في قلب الحياة بشاشة الفجر السعيد‬
‫وأراك ما بين الخيام قبعت تمثال ً شقيا ً‬
‫متهالكًا‪ ،‬يطوي وراء هموده ألما ً عتيا‬
‫يرنو إلى اللشيء منسرحا ً مع الفق البعيد‬
‫وتنهي القصيدة بصرخة مباغتة‪ ،‬معتبرة هذا العيد‪ ،‬خارج فلسطين‪ ،‬ليس إل‬
‫"عيد الميتين"‪.‬‬

‫واللفت في الشعر المبكر الذي كتبه الفلسطينيون حول النكبة واللجئين‪ ،‬أن النداء يتجه‬
‫إلى الخت الفلسطينية‪ .‬وهي إعادة إنتاج لفكرة الثأر وإثارة الحمية من خلل الحرائر‬
‫اللواتي يحرضن الفرسان على حماية الرض والعرض‪ .‬وإذا كان هذا الخطاب يتميز‬
‫بالشجن والسى‪ ،‬فإنه فيه أمل ً بالعودة مشوبا ً بالحزن الرخيم‪ ،‬كما في أنشودة هارون‬
‫رشيد الفيروزية الشائقة‪:‬‬

‫ونغرق في دافئات المنى‬ ‫سنرجع يوما ً إلى حينا‬


‫غداة التقينا على منحنى‬ ‫سنرجع أخبرني العندليب‬

‫وهي لحظة مركبة محيرة‪ .‬فبقدر ما فيها من ثقة الرجوع‪ ،‬يئن فيها صوت المشرد‬
‫الجريح‪.‬‬

‫صورة اللجوء‪:‬‬
‫على أننا ملزمون‪ ،‬قبل متابعة أوديسة اللجوء الفلسطينية‪ ،‬أن نرصد البدايات‪ ،‬وكيف‬
‫صور الشعراء لحظة الخروج من الوطن‪ .‬وهي لحظة مرتبطة بالسرة‪ ،‬حيث يتنادى الب‬
‫والم والولد‪ ،‬وكل منهم خائف على الخرين‪ ،‬كما في هذا المشهد البسيط الذي سجله‬
‫عبد الرحيم عمر في قصيدة "الرحيل عن جيوس"‪.‬‬

‫عبد الرحيم‬
‫ب استغاثة فاطمة‬ ‫ل ّ‬
‫‪ ...‬ما هكذا كنا أردنا الخاتمة‬

‫أما توفيق صايغ‪ ،‬هذا الفلسطيني الوديبي المنكود‪ ،‬فإن لحظة الخروج من طبريا‪ ،‬ستظل‬
‫تلزمه طيلة حياته‪ .‬وهو ما عبر عنه من خلل قصيدته الطويلة "معلقة توفيق صايغ"‪.‬‬
‫وأخطر ما في هذه القصيدة‪ ،‬من ناحية اللجئين‪ ،‬أن المشهد عند الشاعر ل يأخذ طابعا ً‬
‫سياسيا ً أو وطنيا ً بالمعنى العام للكلمة‪ .‬بل هو يأتي تلقائيا ً من خلل كشف الحساب‬
‫العاطفي الطويل بين الشاعر وأمه‪ .‬فهو يذكر بسالتها وقلقها عليه وعلى أخوته‪،‬‬
‫فيذكرها‪ ،‬أو يناجيها فيما يتذكر معها‪:‬‬

‫من غرز الوتد الجديد ـ وغرس الشتلت وسقي الحبق ـ من حث من أضرم اليمان ـ غير‬
‫قلبك المنهك الصامد؟ ـ يوم تركنا الديار ـ ولم نحمل معنا ـ سوى الذكريات والمخاوف ـ‬
‫وقام بين الديار وبيننا ـ سيف مديد عنيد‪.‬‬

‫وإذا كان الوطن الذي يبتعد عن أنظار اللجئين‪ ،‬يحل عميقا ً في قلوبهم‪ ،‬مرسخا ً صورته‬
‫من خلل السر المشردة المذعورة‪ ،‬المتنادية ـ مع ذلك ـ إلى التماسك بفعل قوة الروح‬
‫عند الم‪ ،‬فإن البتعاد عن الوطن سيخلق واقعا ً جديدًا‪ .‬لقد ولت أيام اليسر والبحبوحة‪.‬‬
‫وها هي سلمى الخضراء الجيوسي التي كانت تردد مع أمها ذلك الغناء المزدهي بصفد‪:‬‬
‫صفد يا عالية في رأس تلة‪ ،‬تجد نفسها‪ ،‬وهي لجئة‪ ،‬جديدة العهد بالغربة‪ ،‬ل تستطيع أن‬
‫تمنح المتسول صدقة‪ ،‬لنها أصبحت في حاجة إلى تلك الدريهمات التي كانت تتصدق بها‬
‫عن سعة وبسعادة‪:‬‬

‫منذ ذاك اليوم لم أمنح قروشي سائل ً‬


‫فبنو عمي أمسوا لجئين‬
‫وإذا كانت إهانة اللجوء قد حرمت الشاعرة من ترف تقديم الصدقة‪ ،‬فإنها‬
‫قد حالت بين الشباب والمرح‪ .‬وقد تساءل عصام حماد عن معنى التشبيب‬
‫والرقص والضحك‪ ،‬وهو يجول بين الثاكلت والمنكوبين‪:‬‬

‫وأضحك في النكبة الغامرة؟‬ ‫أأرقص في مأتم الثاكلت‬


‫ويلتقط هارون هاشم رشيد سؤال الطفل البريء‪ ،‬المتوجه إلى أبيه اللجئ‪ ،‬مستغربا ً‬
‫أنهم يعيشون خلفا ً للخرين‪ ،‬غرباء مشردين‪ ،‬وذلك في إحدى الفيروزيات الشائقة‪:‬‬

‫لماذا نحن أغراب‬ ‫لماذا نحن يا أبتي؟‬


‫أصحاب وأحباب؟‬ ‫أليس لنا بهذا الكون‬

‫أما أبو سلمى فإنه كان يجيل عينيه في المنفى‪ ،‬فل يرى البلد‪ ،‬وإذا كان الصحاب‬
‫والحباب الذين سأل عنهم الطفل في قصيدة هارون موجودين‪ ،‬فإنهم يتساقطون حول‬
‫أبى سلمى كأوراق شجرة في خريف‪ .‬بعيدين عن التراب الذي هم منه ولكنهم ل يعودون‬
‫إليه حسب القول المقدس‪ :‬من التراب أتينا وإلى التراب نعود‪ ،‬وقد بكاهم أبو سلمى‬
‫حتى التحق بهم‪:‬‬

‫ذهب الهل والهوى والربيع‬ ‫كيف تبكي؟ وهل هناك دموع؟‬


‫وقبور غريبة وجموع‬ ‫كل يوم أحبه تتهاوى‬
‫تراب ول الربوع ربوع‬ ‫ل التراب الذي يضم شظاياهم‬

‫حتى القبور غريبة؟ ذلكم ما انتهى إليه جيل‪ ،‬بل أجيال من الفلسطينيين الذين ل يملكون‬
‫إل عناد النتظار أو نقمته حسب تعبير جبرا إبراهيم جبرا في قصيدته "بيت من حجر"‪:‬‬

‫وبين الليل والليل ل ـ نعرف إل النتظار ـ رباه جد علينا‪ ،‬ـ جد علينا‪ ،‬ـ‬
‫بنقمة النتظار‪..‬‬
‫والنتظار يتطلب معجزة البقاء على قيد الحياة‪ ،‬فكيف حقق الفلسطينيون‬
‫هذه المعجزة؟‬

‫التفجع والحنين‪:‬‬
‫يلتقي الشعراء الفلسطينيون‪ ،‬الذين وعوا فجيعة النكبة من حيث العمر‪ ،‬على حس‬
‫الفجيعة المشوب بالدهشة والستنكار‪ .‬يقول يوسف الخطيب‪:‬‬

‫وأنا الذي وطني ارتحال الشمس ملء الرض‪،‬‬


‫لكني بل وطن‬
‫منذا يصدقني؟‬

‫فيما يرفض حسن النجمي فكرة السؤال عن الوطن‪" :‬من أين؟‪ ...‬أتسخر من رجل؟‬
‫أبأطول رمح تطعنني؟"‪ .‬ولكنها الحقيقة‪ .‬واللجئون موزعون على المنافي‪ .‬ويلفت النظر‬
‫في هذه الظاهرة‪ ،‬على المستوى الشعري‪ ،‬أن اللجوء الفلسطيني أخذ بعدا ً رمزيا ً‬
‫بموازاة وطأته الواقعية‪ .‬وإذا كان أمثال أبى سلمى وحسن البحيري ومحمود الحوت قد‬
‫ذاقوا مرارة القتلع والتهجير مباشرة‪ ،‬بمغادرتهم حيفا ويافا‪ ،‬فإن آخرين مثل هارون‬
‫ل‪ ،‬هم من غزة ونابلس والخليل‪ ،‬وهي‬ ‫هاشم رشيد وفدوى طوقان ويوسف الخطيب مث ً‬
‫مدن بقيت في يد العرب طيلة الفترة بين نكبة ‪ 1948‬وهزيمة ‪ .1967‬ولكن هذا ل يعني‬
‫أن زلزال النكبة لم يعصف بهم‪ ،‬وأن مأساة اللجئين لم تزعزعهم‪ .‬على أن أشعارهم في‬
‫ذلك لم تقف عند رصد لحظة اللجوء وتصويرها‪ ،‬بل حولت الخيمة إلى رمز للهزيمة التي‬
‫يجب تجاوزها‪ .‬وحين يكون الجرح على هذه الدرجة من الفداحة‪ ،‬فإن اللم ـ قبل التعالي‬
‫على النكبة والبحث عن سبل التغلب على عواملها ـ سيأخذ مداه في الحنين إلى‬
‫فلسطين‪ ،‬ل كفردوس أندلسي مفقود‪ ،‬بل كوطن ل تزال صورته ماثلة في الروح‪.‬‬
‫وسيكثر في هذا الشعر مناجاة البلبل والعندليب والورد كرموز مجردة بدل وصف الحياء‬
‫والطرقات‪ .‬لنقرأ‪ ،‬على سبيل المثال‪ ،‬من شعر يوسف الخطيب في هذا المجال‪:‬‬
‫لو قشة مما يرف ببيدر البلد‬
‫خبأتها بين الجناح وخفقة الكبد‬
‫لو رملتان من المثلث أو ربا صفد‬
‫فهذا حنين تاريخي وليس مجسدًا‪ .‬لهذا نراه ينتشر على غير مكان من‬
‫الوطن‪:‬‬

‫المثلث‪ ،‬صفد‪ .‬بينما نرى شاعرا ً مثل حسن البحيري كان في مدينته حيفا‪ ،‬وهو يحفظ‬
‫صورة شاطئها وكرملها وشوارعها‪ ،‬ل يكف بعد النكبة عن وصف مغانيها‪ ،‬وهو يسميها‬
‫جوسق اللهام‪ .‬وهو يمحضها حنينه المباشر‪:‬‬

‫وعمق جرح الهوى في‬ ‫حيفا وأنت مزاج الروح في رمقي‬


‫موجعي الخفق‬
‫غللة من بقايا روعة الشفق‬ ‫وصفو وجه غدير الغاب متشحا ً‬
‫لنفح طيب غصون‬ ‫وقصة النبع تحكيها جداوله‬
‫الزنبق العبق‬

‫فالغدير والغاب والنبع والجداول والزنبق هي عناصر طبيعية معينة‪ ،‬عرفها الشاعر‬
‫وافتقدها في مهجره القسري‪ .‬إن هذا ل يعني أن الشعراء الذين لم يهاجروا مباشرة‪،‬‬
‫أيام النكبة‪ ،‬كانوا أقل حماسة وحنينًا‪ .‬ولكنها المقارنة بين المجسد والمجرد‪ .‬بل إن‬
‫المجسد كالنبع والغدير وما إلى ذلك‪ ،‬سيلتحق بالمجرد في الشعر‪ ،‬من حيث هو مادة‬
‫للحنين والتفجع تجعل الشعر الفلسطيني الذي واكب هذه المأساة يأتي من روافد‬
‫مختلفة ـ حسب موقع كل شاعر جغرافيا ً ـ ويصب في نهر القضية التي تشمل الجميع‪.‬‬
‫وسيكثر في هذا الشعر ترديد الخيام وتشخيص معاناة اللجئين ويقينهم أنهم عائدون‪ .‬كما‬
‫في قول هارون هاشم رشيد‪:‬‬

‫أخي مهما أدلهم الليل سوف نطالع الفجرا‬


‫فلسطين التي ذهبت سترجع مرة أخرى‬

‫ويذكر أن كثيرين من الشعراء العرب غير الفلسطينيين قد كتبوا في هذا‪ .‬ولعل قصيدة‬
‫الشاعر العراقي بدر شاكر السياب "قافلة الضياع" من أشهر المثلة على ذلك‪.‬‬

‫معاناة المنفى‪:‬‬
‫كان ول يزال جرح الهجرة من الوطن هو العمق والكثر إيلمًا‪ ،‬لدى الشاعر ـ وغير‬
‫الشاعر ـ الفلسطيني‪ .‬وإذا كان فيه مهانة وطنية وقومية‪ ،‬فإنه فيه‪ ،‬إلى ذلك‪ ،‬ألما ً واقعيا ً‬
‫ملموسا ً يتعلق بتبعات المنفى‪ .‬فاللجئ الفلسطيني ليس مجرد مواطن خسر أرضه ولو‬
‫إلى حين‪ ،‬بل إنه بخسارة الرض خسر أمانه الشخصي‪ ،‬حتى أنه أصبح عاجزا ً عن التنقل‬
‫بين البلد كباقي البشر‪ .‬وسيفاجئنا ـ ولماذا يفاجئنا؟ ـ توفيق صايغ المتهم بوقف شعره‬
‫على التداعيات النفسية والباطنية‪ ،‬أن مشكلته كفلسطيني قد نهضت في وجهه‪ ،‬في‬
‫وقت مبكر‪ ،‬بعيد النكبة بسنة أو اثنتين‪ ،‬من خلل جواز السفر المطلوب منه وهو ل‬
‫يملكه‪:‬‬

‫اقتراب ول دخول ـ وسعي ول وصول ـ ول تحمله فل دخول‬

‫وينزل فوج ويصعد فوج‪ .‬يتبدل الموظفون‪ ،‬ويعبر الجميع إل الفلسطيني الذي يتساءل‪:‬‬
‫"ماذا وشي بي؟ من وشي؟ ما تهمتي فأدفع تهمتي؟"‪.‬‬
‫وفي مناخ الهجرة المتبلد‪ ،‬يحق للشاعر الفلسطيني أن يتساءل عما إذا كانت هذه الحياة‬
‫حياة حقًا‪ .‬تقول دعد الكيالي‪ :‬أهذي حياة؟ نعيش الحياة ولسنا نعيش وتمضي الحياة‪.‬‬
‫وتأتي كلثوم عرابي على معنى قريب في قصيدة "لجئة"‪:‬‬

‫لرقد أرضا ً كساها التراب‬ ‫أسائل ربي‪ :‬ماذا جنيت‬


‫رخيص وأرقب هذا الذباب؟‬ ‫وأسكن في خيمة من قماش‬

‫على أن المخيم والذباب والفقر والبطالة‪ ،‬ليست إل مقدمات لما يلي من فواجع وإهانات‬
‫ومذابح‪ .‬فالفلسطيني ليس منسيا ً كما قد يتبادر إلى أذهان حتى المتشائمين‪ .‬إنه في‬
‫البال كمطلوب متهم بل تهمة‪ .‬حيث عليه أن يتهذب عشرين تهذيبا ً ـ على حد تعبير‬
‫الشاعر مريد البرغوثي ـ بعدد الحكام العرب‪:‬‬

‫فإن أغضب واحدهم‬


‫أحل دماءك القانون‬
‫وإن أرضيت واحدهم‬
‫أحل دماءك الباقون‬

‫وعلى هذا‪ ،‬يملك شاعر مثل علي الخليلي أن يسخر حتى الدمعة‪ ،‬من واقع كهذا‪ ،‬فيصف‬
‫الروح الفلسطينية المستباحة بالنفس المطمئنة أمام الباب المغلق‪" :‬وحدك وحدك‬
‫تشربين وحل أحذيتهم الممزقة ـ وتفقدين خيالك الواسع كله فجأة ـ فتتحولين إلى‬
‫قارضة"‪ .‬وليس هؤلء الذين يهينون النفس الفلسطينية‪ ،‬اللجئة غير المطمئنة‪ ،‬إل الهل‪،‬‬
‫حيث الهانات والخطر‪ .‬بل إن العرافة في قصيدة فدوى طوقان تحذرها من غدر الخوة‬
‫بل مواربة‪:‬‬

‫لكنما الرياح في هبوبها‬


‫تقول حاذري‪:‬‬
‫أخوتك السبعة‬

‫أما اللجئون في ديارهم‪ .‬أهلنا الذين بقوا في الوطن بعد النكبة‪ ،‬فشردهم الحتلل من‬
‫بيوتهم‪ ،‬وحرم عليهم مدنهم‪ ،‬فإن لمعاناتهم وقعا ً آخر‪ ،‬إنهم مهاجرون مقيمون في لحظة‬
‫واحدة قد تكون الغرب في التاريخ‪ .‬وها هو سالم جبران يمر بمدينة صفد‪ ،‬المدينة‬
‫الفلسطينية‪ ،‬كما أنه فلسطيني‪ ،‬ولكنه عنها غريب‪:‬‬

‫غريب أنا يا صفد‬


‫وأنت غريبة‬
‫تشير البيوت هل‬
‫ويأمرني ساكنوها ابتعد‬

‫وفي هذا الجو الكابوسي تنطلق صرخة محمود درويش التاريخية‪ :‬سجل أنا عربي‪،‬‬
‫ويناجي أم اليتام الفلسطينية أمام حبال الغسيل‪ :‬فلسطينية الميلد والموت‪ ،‬ويؤكد‬
‫توفيق زياد أنهم صامدون ـ كأننا عشرون مستحيل‪ ،‬فيما يهزج سميح القاسم‪ :‬مثلما‬
‫تنبض في الرض الخصوبة ـ هكذا تنبض في قلبي العروبة‪.‬‬
‫لقد استطاعت الثقافة الفلسطينية‪ ،‬والشعر في طليعتها‪ ،‬حراسة الروح الوطنية‬
‫الفلسطينية‪ ،‬فلم تتآكل بفعل الهجرة واللجوء‪ ،‬بل التقى الماء بالماء‪ ،‬الداخل بالخارج‬
‫وحق لمحمود درويش أن يقول بكل زهو وكبرياء‪:‬‬

‫ميلد عاصفة وعرس زلزل‬ ‫ما كنت أعرف أن تحت جلودنا‬

‫التحدي والستجابة‪:‬‬
‫كان لمخيم اللجوء‪ ،‬من وجهة العداء‪ ،‬مهمة محددة‪ .‬هي أن ينقرض الفلسطينيون‬
‫وينتهوا‪ .‬وتمكنت روح البداع العنيدة من أن تطلق رسائل الحياة‪ ،‬فيقول شاعر مثل‬
‫محمد القيسي من داخل المخيم‪:‬‬

‫ترى من يخبر الحباب أنا ما نسيناهم؟‬


‫أما عز الدين المناصرة‪ ،‬فيناشد التربة الفلسطينية أن تعين الجسد الفلسطيني على‬
‫المقاومة‪ :‬ويا عنب الخليل الحر كن سما ً على العداء‪ .‬ويطلق خالد أبو خالد صرخته من‬
‫"على الصليب" في الكويت‪ ،‬فتكلفه الصرخة أمانه وإقامته‪ ،‬ويطرده الحكام مع رفيقة‬
‫عمره وبناته في ليلة ما فيها ضوء القمر‪ ،‬ويعترف للوطن باللم ويعاهده على الستمرار‬
‫في العناد‪:‬‬

‫ويا وطني‬
‫أصارحك القول إنا تعبنا‬
‫ولكننا ما انعطبنا‬

‫ومن خلل هذه المعاناة‪ .‬ومن داخل ظلموت القهر‪ ،‬تنطلق صرخة شاعر الغضب‬
‫الفلسطيني يوسف الخطيب‪ ،‬فيزأر متوعدا ً مكابرًا‪:‬‬

‫شتات‪ ،‬وأن أغلي الحصى‬ ‫تحديت أن شعبي يباع‪ ،‬وأمتي‬


‫قوت أطفالي‬
‫وأورث في عمق السكينة‬ ‫لبتدرن الصبح قبل اشتعاله‬
‫زلزالي‬

‫والزلزال تعبير أثير لدى الشاعر الفلسطيني‪ .‬هو ليس زلزال ً لفظيا ً يتوعد أعداء أقوياء‬
‫متمكنين من احتلل أرضنا‪ ،‬بل هو مراجعة لمنطق المنطقة العربية في وضعها الراهن‪.‬‬
‫فاللجئ قنبلة موقوتة ـ ل كما يقول وزير خارجية العدو هذه اليام بخطاب ديماغوجي‪،‬‬
‫بل بما هو محاكمة لواقع ترفضه الحياة ـ في وجوه حكام مستسلمين‪ ،‬وصفهم الشاعر‬
‫كمال ناصر بالعلوج‪ ،‬قبل أن يشيع هذا التعبير مؤخرًا‪:‬‬

‫كل علج عنها بها مشغول‬ ‫وفلسطين والجراح دوام‬

‫وليس بعد ذلك إل الثورة‪ .‬فقد عنف الفلسطيني نفسه بما فيه الكفاية‪ .‬وحاكم واقعه‬
‫المضني‪ ،‬وأعلن بلسان يوسف الخطيب‪:‬‬

‫حتى تعود إلى ذويها الدار‬ ‫أنا حاقد‪ ،‬أنا مجرم أنا سيء‬

‫وسيبدو اللجئ الفلسطيني كما لو كان ثائرا ً عبثيًا‪ .‬بل إنه أشبه بدون كيشوث لول وهلة‬
‫وهو يحاكم الواقع الظالم ويتحدى الطغاة حافيا ً ل يملك غير إيمانه وعناده‪ ،‬لكن قوة‬
‫الحياة ترسله إلى العنوان الصحيح‪ ،‬فيتساءل معين بسيسو وهو يعي الجواب ويؤمن به‪:‬‬
‫فإلى أين إلى أين‬
‫يا طالب رأس القيصر يا حافي القدمين‬

‫وحافي القدمين هذا‪ ،‬هو الذي سيعيد كتابة المعادلة‪ .‬وإذا كان اللجئ توفيق صايغ لم‬
‫يستطع الدخول‪ ،‬قبل نصف قرن لنه ل يحمل جواز سفر‪ ،‬فإن اللجئ في أرضه‪ ،‬الذي‬
‫صرخ ذات يوم‪ :‬سجل أنا عربي‪ ،‬هو الذي سيقول ل بصوت محمود درويش وحده‪ ،‬بل‬
‫بصوت اللجئين جميعا ً من خلل محمود درويش‪:‬‬

‫كل قلوب الناس جنسيتي‬


‫فليسقطوا عني جواز السفر‬

‫وهكذا تمكن الشاعر الفلسطيني من أن يجعل الفلسطينية هوية نضالية‪ ،‬وأصبح الحضور‬
‫الفلسطيني في العالم رمزا ً لنضال المعذبين في الرض‪ ،‬من القرن العشرين إلى اللفية‬
‫الثالثة‪ .‬إنها مسيرة شديدة التركيب والتعقيد‪ ،‬جمعت صوت الفرد إلى صوت الجماعة‪.‬‬
‫المرأة إلى الرجل‪ .‬قصيدة البيت إلى قصيدة التفعيلة إلى قصيدة النثر‪ .‬وتماهي الذاتي‬
‫مع الموضوعي في نشيد متواصل‪ ،‬هو بامتياز صوت العربي الفلسطيني وإسهامه الفني‬
‫الكبير‪.‬‬

‫ماذا عن الخصوصية؟‬
‫والخطر الكبر الذي يهدد الشاعر‪ ،‬أي شاعر‪ ،‬عندما يجد نفسه حبيس لحظة جمعية‪ ،‬هي‬
‫لحظة احتباس الذات أو اندغامها في صوت الجماعة‪ .‬ويزيد المر تعقيدا ً أن المتلقي‬
‫يتعامل مع الشاعر وكأنه حادي الركب‪ ،‬وليس شاعرا ً له خصوصيته التي ل حظ للشعر‬
‫بعيدا ً عنها‪ .‬وقد لحظنا أن فكرة اللجوء بحد ذاتها تغري الجميع بالنشيد أو النشيج‪ .‬وعلى‬
‫هذا فل يمكن أن يكون الموضوع أساسا ً لحكم القيمة‪ .‬إننا ل نملك إل النحناء بالتحية‬
‫للمعاناة النسانية‪ .‬ولكن الفن شأن آخر‪ .‬وبهذا العتبار يحتاج الناقد الممحص إلى‬
‫معيارين‪ :‬الول تاريخي اجتماعي وهو ما يمكن أن يوضع فيه الجميع حسب الموضوع‬
‫السياسي القتصادي‪ .‬والثاني أدبي فني يخضع لمقاييس نقدية فكرية‪ ،‬وهو ما يعنينا إذا‬
‫كنا مشغولين بالدب حقًا‪ .‬وفي هذا المجال يمكن البحث عن نواظم مشتركة شغلت‬
‫الشعراء الفلسطينيين الذين كتبوا في ضوء فجيعة اللجئين‪ .‬ففكرة القتلع‪ ،‬وتصوير‬
‫لحظة اللجوء‪ ،‬ومعاناة الغربة‪ ،‬ومرارة المعاناة‪ ،‬وعناد المنكوب استعدادا ً للثورة‪ ،‬ثم‬
‫الثورة وأسئلتها‪ ..‬هذه كلها وغيرها أسئلة تشكل مادة للشاعر الفلسطيني ـ وغير‬
‫الفلسطيني أحيانا ً ـ لكنها غير كافية لتجعل المتعامل معها شاعرًا‪ .‬فهناك أشكال التعبير‬
‫التي تمنح كل شاعر خصوصيته‪ .‬وقد اهتدى الشاعر اللجئ إلى القصيدة الدرامية في‬
‫فترة ما‪ ،‬حيث جعل من هذه المسيرة الليمة مادة لتطور الشخصية في القصيدة‪ .‬كما‬
‫اهتدى إلى أشكال مختلفة مغايرة تميزت فيها كهرباء الغضب وشحنة التوتر‪ .‬وهذا ل‬
‫يعني أن القصيدة الدرامية المشحونة بالغضب والتوتر مقصورة على الشاعر‬
‫الفلسطيني‪ ،‬فالفن أكثر تعقيدا ً من أن يحيطه تصور محدد‪ .‬وتبقى على مهمة النقد ومكر‬
‫التاريخ أن يقول كلمة الفصل في هذه التجربة الفريدة المتميزة التي قدمت أسماء نوعية‬
‫يستحق كل منها وقفة خاصة‪.‬‬
‫هارون هاشم رشيد‬

‫ولد عام ‪.1927‬‬

‫صدر له ‪ :‬مع الغرباء‪ ،‬عودة الغرباء‪ ،‬غزة في خط النار‪ ،‬أرض الثورات‪ ،‬حتى يعود شعبنا‪ ،‬ثورة الحجر‪.‬‬

‫يعيش في غزة‬

‫سنرجع يوما‬

‫سنرجع يوما إلى حينا‬


‫ونغرق في دافئات المنى‬
‫سنرجع مهما يمر الزمان‬
‫وتنأى المسافات ما بيننا‬
‫فيا قلب مهل‬
‫ول ترتمي على درب عودتنا‬
‫يعز علينا غدا‬
‫أن تعود رفوف الطيور ونحن هنا‬
‫هنالك عند التلل تلل‬
‫تنام وتصحو على عهدنا‬
‫وناس هم الحب أيامهم‬
‫هدوء انتظار شجي الغنا‬

‫ربوع مدى العين صفصافها‬


‫على كل ماء وها فانحنى‬
‫تعب الزهيرات في ظله‬
‫عبير الهدوء وصفو الهنا‬
‫سنرجع خبرني العندليب‬
‫غداة التقينا على منحنى‬
‫بأن البلبل لما تزل‬
‫هناك تعيش بأشعارنا‬
‫ومازال بين تلل الحنين‬
‫وناس الحنين مكان لنا‬
‫فيا قلب كم شردتنا الريح‬
‫سنرجع يوما إلى حينا‪....‬‬

‫سنرجع يوما ً‬

‫ونغرق في دافئات المنى‬ ‫سنرجع يوما ً الى حينا‬


‫سنرجع مهما يمر الزما‬
‫وتنأى المسافات ما بيننا‬
‫ن‬
‫فيا قلب مهل و ل ترتم‬
‫على درب عودتنا موهنا‬
‫ي‬
‫رفوف الطيور و نحن هنا‬ ‫يعز علينا غدا ً أن تعود‬
‫تنام و تصحو على عهدنا‬ ‫تلل هناك عند التلل‬
‫و ناس هم الحب أيامه‬
‫هدوء انتظار شجي الغنا‬
‫م‬
‫ربوع مدى العين صفصاف‬
‫فانحنى على كل ماء وهي‬
‫ها‬
‫عبير الهدوء و صفو الهنا‬ ‫ظلها تعب الظهيرات في‬
‫سنرجع خبرني العندلي‬
‫غداة التقينا على منحنى‬
‫ب‬
‫هناك تعيش بأشعارنا‬ ‫بأن البلبل لما تزل‬
‫لنا وناس الحنين مكان‬ ‫الحنين وما زال بين تلل‬
‫فيا قلب كم شردتنا ريا‬
‫سنرجع هيا بنا‬ ‫تعال‬
‫ح‬

‫هارون رشيد‪ :‬قصيدة النثر انقطاع عن التراث وخلع للجذور والهوية‬

‫الشاعر الفلسطيني »هارون هاشم رشيد« من مواليد حارة الزيتون في غزة هاشم عام ‪ ،1927‬اسم ذو حضور‬
‫خاص‪ ،‬اقترن بفلسطين وعذاباتها‪ ،‬فوقف شعره تارة على رؤوس اصابعه حزنًا على فلسطين وقضية شعبه وتارة‬
‫اخرى ممتشقًا قلبًا ل يتوقف غضبًا‪ ،‬وظل طوال نصف قرن وفيًا لختياره مخلصًا في تعبيره بالهم الفلسطيني من‬
‫خلل تجربته كانسان ابعد عن وطنه ظلما‪ ،‬وعاش مآسي واحداثًا تقلبت على فلسطين خلل عمره المديد‪.‬‬

‫هارون هاشم رشيد من شعراء الخمسينيات الذين اطلق عليهم »شعراء النكبة« أو »شعراء المخيم« ويمتاز شعره‬
‫بروح التمرد والثورة ويعد شاعرنا‪ ،‬شاعر القرار ‪ 194‬كما وصفه الشاعر عزالدين المناصرة‪ ،‬فهو من اكثر‬
‫الشعراء الفلسطينيين استعماًل لمفردات العودة‪ ،‬العائد‪ ،‬العائدون‪ ..‬وشاءت القدار لهذا الشاعر ان يتعايش‬
‫ويصاحب اللجئين منذ اللحظات الولى لهذه المأساة النكبة‪ ،‬فتفجر شعر هارون من هذه التجربة‪ ،‬وولد ديوانه‬
‫الول »مع الغرباء« عام ‪ 1954‬رصد فيه معاناة فقدان الوطن‪،‬‬

‫وتأثيرات النكبة وما خلفته‪ ،‬حتى ذهب بعض النقاد ومن كتبوا عنه الى اعتباره من مدينة يافا او من بئر السبع‬
‫وهما مدينتان تم احتللهما وتشريد اهلهما عام ‪ 1948‬فقصائده تبدو وثيقة نفسية وانسانية ترصد ألم اللجوء وحياة‬
‫المشردين‪ ،‬وحتى اليوم مازال يستلهم قصائده من الوان الحياة الفلسطينية‪ ،‬فقد اشبع دواوينه الولى بموضوع‬
‫اللجئين والنكبة‪ .‬ظل قريبًا من الناس بعيدًا عن النخبوية والمعارك الطاحنة بين القديم والجديد‪ ،‬بل ظل همه التعبير‬
‫صريحًا عما يؤثر فيه‪ ،‬قريبًا من هموم شعبه وامته‪.‬‬

‫اصدر هارون هاشم رشيد عشرين ديوانا شعريًا بين عامي ‪ 1954‬ـ ‪ 2002‬اضافة الى عدد من المسرحيات الشعرية‬
‫التي اخرجت على المسرح وطافت عددًا من البلد العربية‪ ،‬وشكلت احد روافد المسرح الملتزم‪ ،‬وجددت تقاليد‬
‫المسرح الشعري والذي لم يعنى به إل فئة قليلة من الشعراء‪.‬‬

‫هارون هاشم رشيد ابن الحقبة الناصرية ـ الذي يعتبر نفسه احد جنود هذه المرحلة الوفياء حتى اللحظة ـ ومندوب‬
‫فلسطين الدائم لدى جامعة الدول العربية‪ ،‬والعضو الدائم في اللجنة العلمية العربية‪ ،‬كرم بعدد كبير من الوسمة‬
‫ونال الجوائز‪ ،‬إل ان اهم تكريم ناله المكانة العميقة التي احتلها في وجدان وقلوب الناس ممن اتصلوا بشعره او‬
‫استمعوا اليه‪ ،‬فهو ليس من طلب المجد ول ينظر الى تكريم او احتفال‪ ،‬بل يقول كلمته ويمضي‪ ،‬امل ان تصل الى‬
‫قلوب الناس وتفعل في وجدانهم‪ ..‬بيان الثقافة التقاه في هذا الحوار‪:‬‬

‫ـ بداية هل لك ان تحدثنا عن طفولتك ونشأتك والظروف التي احاطت بهما؟‬

‫ـ الحياة والسيرة الذاتية لكل انسان فلسطيني متشابهة‪ ،‬وعندما اتحدث عن نفسي كأنني اتحدث عن اي فلسطيني‪،‬‬
‫انا لست في تفاصيل الحياة الفلسطينية استثناء وشاءت لي القدار ان اعيش المأساة من أولها كما فعلت شريحة‬
‫واسعة من كبار السن من الفلسطينيين‪ ،‬فمنذ الثلثينيات والحداث تتوالى‪ ،‬والفلسطيني ايا كان عمره ومكانه‬
‫ومكانته‪ ،‬اندمج معها‪ ،‬حتى اصبحت جزءًا من كيانه وتفاعلته الحياتية اليومية‪،‬‬

‫لقد اثرت هذه الحداث على الصغار قبل الكبار حتى تمكنت من ان تنتزع منهم طفولتهم تمامًا كما الجيال التي تلت‬
‫وعاصرت النكبة وغيرها وانتزعت منهم كل ما يحلم الب ان يوفره لطفاله من براءة ولعب بل وطفولة‪.‬‬

‫واذكر في عام ‪ 36‬في احد ايام رمضان انني كنت مع مجموعة من الطفال بالقرب من مسجد »الشمعة« نلعب في‬
‫ساحة اسمها »باب الدارون« في حارة الزيتون بغزة‪ ،‬وقبيل اذان المغرب بقليل حيث اعتدنا على ذلك لقضاء الوقت‬
‫حتى يحين موعد اذان المغرب لنذهب الى الفطار‪ ..‬ولكن وقبل موعد الذان مرت دورية بريطانية صغيرة بجانبنا‪،‬‬
‫وفجأة ظهر خمسة ثوار‪ ،‬واطلقوا النار على الدورية وحدث اشتباك بينهم وبين افراد الدورية البريطانية اسفرت‬
‫عن استشهاد اثنين من الثوار وجرح آخرين فيما تمكن الخامس من الفرار‪.‬‬

‫وبعد وقت قصير امتلت الساحة بالمصفحات والمجنزرات وتعزيزات كبيرة من الجنود البريطانيين‪ ،‬فطوقوا‬
‫المنطقة‪ ،‬وجمعوا الرجال في مسجد الشمعة‪ ،‬وكان والدي واخي الكبر يتناولن طعام الفطار عند شقيقتي خارج‬
‫الحارة‪ ،‬فنمت وبقية اهلي وحدنا في تلك الليلة‪.‬‬

‫اذكر تلك الليلة جيدًا لقد اصبحت عتمتها وظلمها وطغيانها جزءًا مني واذكر كيف عانيت خلل هذه الليلة من‬
‫الخوف والضطراب‪ ..‬وفي الصباح طلب منا الجنود البريطانيون مغادرة المنزل حيث قاموا بنسف عدد من البيوت‬
‫المحيطة بالمنطقة‪ ،‬ومنذ تلك اللحظة ادركت ان هناك مخاطر تتهددني واسرتي وشعبي‪ ،‬ومنها ومن فجر تلك الليلة‬
‫بدأ اللتزام‪ ،‬وشعرت انني خرجت فعليًا من دائرة الطفولة‪.‬‬

‫ـ لقد عايشت النكبة‪ ،‬ويطلقون عليك شاعر النكبة أو »شاعر القرار ‪ «194‬لكثرة حديثك عن اللجئين ومأساتهم‪..‬‬
‫كيف اثر هذا الحدث عليك؟ ـ ل استطيع ان انسى تلك اللحظات الصعبة والمأساوية‪ ،‬التي يهجر فيها شعب بأكمله من‬
‫دياره الى الشتات‪ ،‬لقد عشت مأساة اللجئين‪ ..‬لم ل‪ ..‬كنت في غزة وكنت احد المتطوعين للمساعدة في نقل وايواء‬
‫اللجئين وكان اللجئون يصلون في مراكب تسمى الجرو‪.‬‬

‫واذكر كيف ان هذه المراكب لم تكن تستطيع الوصول الى الشاطيء فكان الصيادون يذهبون الى هذه المراكب في‬
‫زوارقهم ويحضرون السر المهجرة الضائعة الى الشاطيء الذي يفتقر الى الميناء‪ ،‬نساء واطفال وعجزة وشباب‬
‫وفتيات مشهد جحيمي‪ ..‬كنت اشعر كم نحن وحيدون‪.‬‬

‫كنا نحمل هذه السر على اكتافنا الى الشاطيء ومن ثم نرسلها الى اماكن اليواء في المدارس والجوامع‪ ،‬وبعد ذلك‬
‫شاءت القدار ان اعمل مع لجنة لشئون اللجئين بطلب من ابن خالتي الذي كان عضوا فيها‪ ،‬ومنذ تلك اللحظة بدأت‬
‫عمليا وبصورة يومية اعيش مع اللجئين كل لحظات مأساتهم‪.‬‬

‫المعظم يشاهد صور خيام اللجئين‪ ..‬انا رأيتها وعشتها تشربت مأساتها لقد مكثوا فترة من الزمن في الخيام حتى‬
‫جاءت وكالة الغوث وتم نقل اللجئين الى معسكرات النصيرات والبريج والمغازي وهي في الصل معسكرات‬
‫للجيش ل تصلح للسكن‪ ..‬وزاد تفهمي للهم الكبير الذي يسكن اللجئين‪.‬‬

‫ـ كان لك علقات حميمة بعدد كبير من الدباء والقادة والعلميين كيف اثرت هذه العلقات على الشاعر هاشم‬
‫هارون رشيد بخاصة في بدايات المشوار وانت توصف بأنك من جيل الخمسينيات في الشعر الفلسطيني؟ ـ لم اكن‬
‫اتخيل في يوم ما انني سأصدر ديوانا شعريًا‪ ،‬فقبل صدور الديوان كانت لدي مجموعة من القصائد‪ ،‬وكنت على‬
‫علقة حميمية مع المرحوم صلح خلف »ابو اياد« الذي كان يدرس حينها في القاهرة وكنت معجبًا باستاذه الدكتور‬
‫عبدالمنعم خفاجه ـ وهو من كبار الدباء والكتاب ـ وخلل احدى اجازات ابو اياد الذي يسكن في مكان قريب من‬
‫بيتي في غرفة‪ ،‬قرأ بعض قصائدي وقال لي انه سيحملها الى القاهرة لنشرها‪ .‬فقلت له هذا ملف بالقصائد خذه معك‬
‫شريطة عدم نشرها إل اذا اطلع عليه الدكتور عبدالمنعم خفاجه واجاز نشره‪.‬‬

‫وقبل ذلك كان اخذ مني قصيدة »الجولة الثانية« ونشرها في مجلة »المرابطة« واهداها الى رئيس رهط الجوالة‬
‫حينذاك الخ ياسر عرفات »ابو عمار« وعندما منحت وسامًا عام ‪ 1990‬القاها ابو عمار بصوته امام الجماهير‪.‬‬

‫نعود للحديث عن الديوان ففي القاهرة اطلع الدكتور عبدالمنعم ـ الذي كان عضوا في »رابطة الدب الحديث« على‬
‫القصائد واعجب بها وقال الدكتور عبدالمنعم لبي اياد ان هذا الشاعر كبير‪.‬‬

‫وقرر الدكتور عبدالمنعم طباعة ديوان »مع الغرباء« حيث صدر عن رابطة الدب الحديث وكتبوا عليه شاعر‬
‫فلسطين القومية‪ ،‬وقدم الدكتور عبدالمنعم خفاجة لهذا الديوان وكتب العديد من الدباء المعروفين حول هذا الديوان‬
‫في مقدمتهم مصطفى السحرتي وعبدال زكريا وغيرهم‪.‬‬

‫وتناولته صحف ومجلت وجرائد وكتبت عنه دراسات واسعة في غير مكان من الوطن العربي وتم اختيار عدد من‬
‫القصائد التي غناها محمد فوزي وفيروز وكارم محمود وفايزة كامل وغيرهم‪.‬‬

‫وأول شخص كان لي علقة معه في بداية النكبة كان محمد عبداللطيف عبدال الذي اصدر رواية »لقيطة« فقرأت‬
‫الرواية واعجبت فيها فكتبت تعليقا عليها وارسلتها له‪ ،‬فرد رسالة مطولة فتحت افقا بيني وبينه حتى التقيته عام‬
‫‪ 1958‬في مهرجان شعري على هامش مؤتمر لتحاد الكتاب العرب الذي كان منعقدًا في الكويت‪.‬‬

‫وفي الكويت كان لي حضور لدرجة ان محمد مهدي الجواهري اراد رؤيتي وعندما قابلته قال لي‪ :‬احترامًا لك سألقي‬
‫قصيدة عن يافا‪.‬‬

‫وقد تعرفت على عدد كبير من الشعراء وتوطدت علقاتي معهم‪ ،‬وفي القاهرة دخلت المجتمعات الدبية مبكرًا‪،‬‬
‫فكانت لي علقات مع صلح عبدالصبور ومعظم شعراء وأدباء هذا الجيل‪.‬‬
‫ـ أنت شاعر تكتب الشعر العمودي وشعر التفعيلة فما هي معايير القصيدة الناجحة لديك؟ ـ الشعر هو شعر عندما‬
‫يخرج كشعر فالقصيدة الناجحة هي التي تعبر عن صدق الشعور‪ ،‬فالصدق شرط اساسي للشعر‪ ،‬وبقدر ارتقاء‬
‫القصيدة الى مستوى الشعور باللحظة وتكثيفها وجدانيًا بقدر ما تكون ناجحة‪.‬‬

‫والقصيدة الناجحة يتوفر فيها ايضا موسيقى الشعر‪ ،‬واذا خلت القصيدة من الموسيقى تعتبر نوعًا آخر من الكتابة‪.‬‬

‫ـ في هذا الطار ما رأيك بقصيدة النثر التي يذهب البعض الى ان فيها نوعًا آخر من الموسيقى؟ ـ هذه القصيدة‬
‫المزعومة هدفها النقطاع عن التراث وخلع عباءة النتماء وقطع الجذور وهذا مرفوض عند من يريد التمسك‬
‫بهويته واصالته‪ ،‬واذا عدت الى بدايات هذه الحركة وما كشف حول الجهات الممولة لها‪ ،‬فنضع عند ذلك علمات‬
‫استفهام كبيرة‪ ،‬فكسر واضعاف اللغة والنحو وشطب الوزن موجة مرفوضة ول أؤمن بها بل اضع علمات استفهام‬
‫كبيرة على مشروع قصيدة النثر منذ بداياته‪.‬‬

‫ـ في قصائدك تستخدم الشعر العمودي وشعر التفعيلة‪ ،‬ويبدو قبولك الخير كامتداد للشعر العربي‪ ،‬مطوعًا اياه‬
‫للتعبير عن مرادك؟ ـ نعم‪ ،‬انا ل اعد شعر التفعيلة خروجا‪ ،‬بل امتداد للشعر العربي ولموسيقاه الصلية‪ ،‬فلم تخرج‬
‫التفعيلة على شعر التراث‪ ،‬وانما هي جزء منه‪ ،‬وحركت هذه التفعيلة اليقاع واعطته مدى اوسع لذلك فهي تطور‬
‫مقبول ما دام جوهر اليقاع موجودًا داخلها‪.‬‬

‫وانا استخدمت التفعيلة مبكرًا منذ ديواني الول »مع الغرباء« وفي عدد من القصائد والمسرح الشعري‪ ،‬وصدر لي‬
‫ديوان كامل عام ‪ 1970‬كتب مقدمته المرحوم ابو إياد فالتفعيلة اداة من الدوات التي يستعملها الشاعر‪.‬‬

‫وقبل فترة بسيطة كنت مدعوًا للمشاركة في احدى المهرجانات الشعرية في تونس‪ ،‬وكنت قد حضرت مجموعة من‬
‫القصائد للقيها في المهرجان‪ ،‬وبعد نزولي من الطائرة‪ ،‬ركبت سيارة لتوجه الى الفندق فتابعت من خلل المذياع‬
‫ما يحدث في جنين واصبح كل الورق والقصائد التي انتقيتها للقائها في المهرجان ليست ذات قيمة بالنسبة لي‪،‬‬
‫فكتبت قصيدة جديدة القيتها وحدها في المهرجان‪ ،‬فدخلت على الحضور ولم احييهم ولم اشكرهم ولم اقل لهم السلم‬
‫عليكم‪ ،‬بل قلت‪:‬‬

‫حزينا اجيء لكم‬

‫فاعذروني اذا سبقتني اليكم عيوني‬

‫بدمع سخي سخي سخين‬

‫على من فقدتهم في جنين‬

‫اعز الرجال اعز النساء اعز البنين‬

‫هذا شاهد على ان شعر التفعيلة لقى استحسان الناس‪ ،‬وعبر عنهم‪ ،‬وانا وجدت ان شعر التفعيلة يطوع المشهد‬
‫والصورة اكثر ويلئم الشعر المسرحي‪.‬‬

‫ـ لو اتهمك البعض انك شاعر كلسيكي والقصيدة لم تتطور عندك فكيف ترد؟ ـ أؤمن بأن الشاعر الذي يستطيع ان‬
‫يعبر تعبيرًا صادقًا عن لحظته بالداة التي يستطيعها‪ ،‬وبامكاني ان الغز واخفي مما يسمى بالتجديد‪ ..‬وعندي ان‬
‫الحداثة فيما اكتبه تتحد بوصول ما اريده الى الخرين‪ ،‬وما دام يروقهم فهو شعر حديث‪.‬‬

‫والمر الخر اننا كشعراء فلسطين نركن جانبًا اليغال في الرمزية وغيرها‪ ،‬فنحن لدينا قضية نكتب فيها والشاعر‬
‫يعبر عن حالته‪ ،‬هل من الممكن ان يأتي شاعر فلسطيني ويجلس في برج ويتكلم عن السريالية واللغاز والصور‬
‫دون ان يعبر عما يجري من مجازر وقتل وارهاب بحق ابناء شعبنا الفلسطيني؟ في النهاية البداع حالة انسانية‬
‫مندمجة مع بيئة الشاعر وفصلها عن هذه البيئة يجعلها كائنًا مسخًا ل طائل منه‪.‬‬

‫ـ أصدرت عشرين ديوانا شعريًا منذ عام ‪ 1954‬ولحظت من خلل تواريخ صدورها ان الفترة الممتدة بين عامي‬
‫‪ 58‬و ‪ 66‬لم يصدر لك فيها اي ديوان شعري فما سر ذلك؟ ـ عام ‪ 56‬جاء عبدالناصر ومعه خطة لقامة دولة‬
‫فلسطينية‪ ،‬حث تشكل ايمان عميق عند عبدالناصر بايجاد الكيان الفلسطيني وفي هذه المرحلة شغلت عن الشعر في‬
‫هذا المر‪ ،‬مع انني كنت اكتب احيانا لكن دون ان انشر ما اكتبه‪.‬‬

‫ـ بمناسبة الحديث عن عبدالناصر‪ ،‬انت ابن الحقبة الناصرية‪ ،‬عايشتها بل كنت موظفًا في صوت العرب‪ ،‬ماذا تقول‬
‫عن هذه المرحلة؟ ـ منذ اللحظة الولى التي سمعت فيها عن قيام الثورة في مصر اعتبرت نفسي احد جنودها‪،‬‬
‫واصبح املي كبيرًا بأن هذا الرجل سيحدث نقلة تاريخية في تاريخ المة العربية‪ ،‬وشاءت القدار ان اكون في اتون‬
‫هذه الحداث‪ ،‬وبحكم عملي اطلعت بشكل مباشر وغير مباشر على خبايا ما يريده عبدالناصر بالحس الذهني او من‬
‫خلل رجالت النظام‪.‬‬

‫عمل عبدالناصر منذ عام ‪ 56‬على تأمين سلح للجيش‪ ،‬فلجأ الى الكتلة الشرقية للحصول على السلح وكان له ما‬
‫اراد بحصوله على اول صفقة من السلح التشيكي‪ ،‬وكانت هذه الصفقة من السباب الرئيسية لحرب ‪ ،56‬إل ان‬
‫العدوان الثلثي لم يكسر شوكة عبدالناصر الذي تمكن من تفجير الموقف الشعبي ضد العدوان والحتلل‪.‬‬

‫كيف عاد الحاكم العام الى غزة؟ التفاقية ان قطاع غزة يصبح تحت السيطرة الدولية »تدويل القطاع« لكن الشعب‬
‫الفلسطيني رفض هذه التفاقية‪ ،‬وخرج بمظاهرات كبرى كانت تنادي وتهتف بعدم التدويل ووصلت الى اوجها‬
‫عندما صعد شاب اسمه محمد مشرف الى سطوح السرايا وقام بانزال العلم الدولي ورفع مكانه العلم المصري‪،‬‬
‫وعندما نزل الشاب تم اطلق النار عليه وقتله‪.‬‬

‫وبعد عام ‪ 56‬اعطى عبدالناصر فرصة للفلسطينيين برئاسة الدارات التي كان يرأسها المصريون وفتح المجال‬
‫امامهم للذهاب الى الكلية الحربية‪ ،‬اضافة الى الدراسة في الجامعات المصرية‪ ،‬اراد تأهيل الفلسطينيين علميًا‬
‫وعسكريًا‪ ..‬وانشأ التحاد القومي فانتخبت لجان التحاد في محاولة مبكرة ليجاد الكيان الفلسطيني وافرز من هذه‬
‫اللجان انتخاب اعضاء المجلس التشريعي ليصبح هناك سلطة تنفيذية وتشريعية‪.‬‬

‫ـ ما دمنا في هذا الطار‪ ،‬كيف تنظر الى النكبة الثانية التي حلت بالشعب الفلسطيني؟ ـ ‪ 1967‬لها قصة طويلة‬
‫وعريضة وليس لها مساس بنا كفلسطينيين فنحن قاتلنا حتى اللحظة الخيرة وكنت حينها موجودًا في القطاع‪،‬‬
‫عضو في منظمة التحرير الفلسطينية وسقطت الدنيا ونحن نقاتل‪ ،‬واذكر ان الخوة الذين كلفوا بعمليات الداخل‬
‫رفضوا التسليم بالهزيمة واستمروا بالقتال‪ ،‬لكن حصل ما حصل‪.‬‬

‫ـ تأريخ ‪ 67‬يشكل بداية اهتمامك بالمسرح‪ ،‬فاضافة الى انك شاعر فانت كتبت المسرحية والرواية‪ ،‬هل لك ان تطلعنا‬
‫على هاتين التجربتين؟ ـ بدأ اهتمامي بالمسرح عام ‪ ،67‬حيث التفت الى اهمية المسرح في ايصال الرسالة وكتبت‬
‫اول مسرحية لي عام ‪ ،1972‬وصدرت هذه المسرحية عن الكتاب الذهبي ومثلت بعد ذلك على المسرح حيث‬
‫اخرجها كمال ياسين ومثلها كرم مطاوع وسهير المرشدي وعرضت في التلفزيون بعد ذلك‪.‬‬

‫وبعد ذلك كتبت مسرحية »سقوط بارليف« وهي منظومة على شعر التفعيلة وتحدثت فيها عن مفاهيم مختلفة عن‬
‫كل المسرحيات التي قدمت وتم اختيار هذه المسرحية من بين عدد كبير من المسرحيات التي تم تبنيها من مصر في‬
‫ذكرى العبور‪ ،‬وحصلت على المرتبة الولى من بين ست مسرحيات اختيرت لهذه الغاية‪ ،‬ونفذتها فرقة المسرح‬
‫القومي المصري عام ‪ 74‬واستمر عرضها فترة طويلة من الوقت وطافت بلدًا عربية متعددة وكتبت بعدها »جسر‬
‫العودة« و»عصافير الشوك« و»القصر«‪.‬‬

‫اما على صعيد الرواية فقد كتبت الرواية في اوائل الخمسينيات وكانت روايتي الولى هي »دوامة العاصير«‬
‫ودارت احداثها حول سقوط حيفا‪ ،‬وفي اواخر الخمسينيات كتبت رواية »مولد عائد« وهي رواية تتم احداثها كلها‬
‫في لحظات ميلد امرأة لجئة في معسكر المغازي وكان زوجها في عملية فدائية ومع كل طلقة من طلقات الميلد‪،‬‬
‫كان هناك حديث عن خلفية المرأة وتهجيرها من يافا وكان المفروض تمثيل هذه الرواية سينمائيا وقبضت ثمنها‬
‫لكن حدثت تغييرات ولم يتم عمل الرواية وضاعت النسخة الصلية مني كما ضاعت من المخرج المصري توفيق‬
‫صالح الذي كان مقررا ان يقوم باخراجها‪ .‬وكتبت رواية اخرى بعد ذلك وهي »سنوات العذاب«‪.‬‬

‫ـ اضافة الى انك شاعر واديب فانت سياسي واعلمي ومنذ عقود تتوالى المآسي والحداث على شعبنا الفلسطيني‬
‫بشكل خاص وامتنا السلمية والعربية بشكل عام‪ ،‬ولكن ما يلمس حاليا انحسار فعلي لدور المثقف العربي في‬
‫الشارع ول نلمس تأثيرا لهم على الشارع العربي ماذا تقول في ذلك؟ ـ شيء مريب ان يقابل ما يجري في فلسطين‬
‫بالصمت من العالم العربي انظمة وشعوبا وعندما كانت البلدان العربية ترزح تحت الحتلل الفرنسي والبريطاني‬
‫وغيرهما وكان يسقط شهيد في المغرب او الجزائر او مصر كنا في فلسطين نسمع صوت الذان في غير موعده‬
‫وتدق اجراس الكنائس تضامنا وتعبيرا عن حالة الغضب والتضامن وكنت تجد اللوف في الشوارع يطالبون بانهاء‬
‫الحتلل عن اي بلد عربي‪.‬‬

‫اما في الوقت الراهن فان المئات بل اللف يذبحون في الشوارع في فلسطين والعراق وغيرهما من البلد السلمية‬
‫والعربية وعلى شاشات التلفزة دون ان يحرك ساكنا لدى الشعوب السلمية والعربية‪.‬‬

‫ـ انت مندوب فلسطين الدائم في جامعة الدول العربية ونلحظ في الوقت الراهن ان الوليات المتحدة الميركية تشن‬
‫حملة اعلمية وسياسية مكثفة على الدول العربية وهناك احاديث عن اعادة تقسيم المنطقة العربية‪ ،‬كيف تقيم‬
‫السياسة الميركية ازاء العرب في هذه المرحلة؟ ـ السياسة الميركية التي تنفذها الوليات المتحدة الميركية ليست‬
‫جديدة بل هي قديمة متجددة والمطلوب من العرب والمسلمين اعادة النظر باوضاعهم وسياساتهم ومواقفهم واذا‬
‫ضربت العراق فسنطبق مباشرة المثل القائل »اكلت يوم اكل الثور البيض« فالمر لن يقتصر على العراق بل‬
‫سيتعداه الى كل القطار العربية الواحدة تلو الخرى ووجدت الوليات المتحدة فرصتها في احداث ‪ 11‬سبتمبر العام‬
‫الماضي لتنفيذ مخططاتها وانا واثق ان هناك خارطة جديدة ترسم لهذه المنطقة العربية »سايكس بيكو« جديد‪ .‬هناك‬
‫امر ما سيحدث‪ ،‬فما جرى في اميركا ل يحتاج كل هذا القتل والدمار‪ ،‬اميركا لم تقم لجنة تحقيق في الموضوع بل‬
‫بدأت بضرب افغانستان ما يؤكد ان هناك مخطط واستراتيجية تجاه المنطقة العربية والسلمية وجدت اميركا في‬
‫‪ 11‬سبتمبر مبررا ووسيلة للبدء بتنفيذها‪.‬‬

‫ـ جامعة الدول العربية رأس الدبلوماسية العربية‪ ،‬والكثير يتهمها بالفشل والتقصير في معالجة المسائل العربية اين‬
‫المشكلة؟‬

‫ـ الجامعة العربية ليست كيانا واحدا وليس العيب فيها ول في ميثاقها ول قراراتها فهناك لجان ودراسات على اعلى‬
‫المستويات وتم اتخاذ عشرات القرارات في كافة المسائل لكن الشكالية في ان كل دولة عربية تأخذ ناصية بعيدة لها‬
‫عن اللتزام بهذه القرارات والغلب ل ينفذون منها شيئا فليس هناك قرار واحد اجمع عليه العرب ونفذوه‪ ،‬فالعيب‬
‫ليس في الجامعة بل في النظمة التي ل تلتزم بما يتم اتخاذه من قرارات وهي جزء من صناعة هذه القرارات ومع‬
‫ذلك ورغم ان العديد ينتقد ويهجو الجامعة العربية ال انها المكان الوحيد الذي مازال يلتقي فيه افراد السرة الواحدة‬
‫ويجمع شملنا‪.‬‬

‫ـ بتقديرك ما المطلوب عربيا للخروج من هذه الحالة؟‬

‫ـ المنطقة العربية تواجه مشاكل خطيرة وكبيرة تحتاج الى مشروع تنمية سياسية واقتصادية شامل لذلك يجب ان‬
‫تكون الحلول مستندة الى حاجات الناس ول يجب ان نلوم اميركا لوحدها فالعرب منذ سنوات بعيدة وهم يقبلون‬
‫بالمنطق والسياسة الميركية لن النظام الرسمي العربي مشرذم ويتصرف الحكام وفق المصالح القطرية الضيقة‬
‫دون الخذ بالعتبار مصالح الشعوب العربية‪ ،‬فبعد غياب الموقف العربي الواحد اصبحنا اسرى السياسة الميركية‬
‫وغير مؤثرين وفاعلين في الساحة الدولية وهذا العجز والهوان اعطى اسرائيل فرصة كاملة لتحقيق ما تريد من‬
‫احتلل للراضي الفلسطينية والغاء للتفاقيات والقتل والتدمير دون حساب للعرب‪.‬‬
‫اعتقد ان هناك ازمة كبيرة في النظام الرسمي العربي فل يصبح القرار الرسمي العربي جديا ـ وان عارض‬
‫بالتصريحات والقوال ـ ال اذا ارتبط بالموقف الشعبي‪ ،‬فعلى النظمة العربية التواصل والترابط مع شعوبها‬
‫لمواجهة الخطار المقبلة وتجسير العلقة لبناء حالة واحدة بدل من العداء وتربص كل طرف بالخر‪.‬‬

‫حوار‪ :‬مفلح عياش‬


‫معسكر جباليا‪ ....‬معسكر الثورة‬
‫ُ‬
‫للشاعرالفلسطيني ‪ :‬هارون هاشم رشيد‬
‫)‪(1‬‬

‫ب‬
‫ة للغض ِ‬
‫جَباِليا‪...‬يا ساح ً‬
‫أواه ُ يا َ‬

‫مل َْته ِ‬
‫ب‬ ‫ض ال ُ‬
‫سِغها‪...‬بالَعار ِ‬
‫ن نَ ْ‬
‫م ْ‬
‫ت ِ‬
‫جَر ْ‬
‫َتف ّ‬

‫ب‬
‫ص ِ‬
‫من ْت َ ِ‬
‫فلها ال ُ‬ ‫ت عال َ َ‬
‫منا ‪ ...‬ب ِط ِ ْ‬ ‫َفأذ ْ َ‬
‫هل ْ‬

‫ب‬ ‫صط َ ِ‬
‫خ ِ‬ ‫م ْ‬
‫صدى ال ُ‬
‫منا‪...‬على ال ّ‬
‫ت أّيا َ‬
‫وأيقظ ْ‬

‫)‪(2‬‬

‫سك َُر‬
‫معَ ْ‬
‫ض ال ُ‬
‫جباليا‪...‬وينهَ ُ‬
‫جباليا‪َ ..‬‬
‫َ‬

‫حجُر‬
‫شبرٍ َ‬ ‫ة‪...‬وك ّ‬
‫ل ِ‬ ‫جمر ٌ‬
‫ت َ‬ ‫َفك ّ‬
‫ل بي ٍ‬

‫جُر‬
‫ة‪َ ،‬تنف ِ‬
‫مشبوب ٌ‬
‫ة‪َ ...‬‬
‫ل ثور ٌ‬ ‫وك ّ‬
‫ل طف ٍ‬

‫جئنا ُ‬
‫كمو ‪ ،‬فانتظروا‬ ‫َتقو ُ‬
‫ل يا أعداَءنا ‪ِ ...‬‬

‫)‪(3‬‬

‫ف فيها العَل َ ُ‬
‫م‬ ‫ة‪...‬ي َرِ ّ‬ ‫أَقري ٌ‬
‫ة أم دول ٌ‬

‫م‬
‫قل ُ‬ ‫عندها‪...‬ما ل َ ْ‬
‫م َيخط ال َ‬ ‫هنا َ‬
‫ك ِ‬ ‫هنا ‪ُ ..‬‬
‫ُ‬

‫م‬
‫ض ع َرِ ُ‬
‫عري ٌ‬
‫ج َ‬
‫مو ْ ٌ‬
‫ة‪َ ...‬‬
‫ف امرأ ٍ‬
‫ف أل ُ‬
‫فأل ُ‬

‫زموا‬ ‫جئنا ُ‬
‫كمو‪ ،‬فان ْهَ ِ‬ ‫َيقو ُ‬
‫ل يا أعداَءنا‪ِ ...‬‬

‫)‪(4‬‬

‫ن‬
‫م ُ‬
‫حها‪..،‬والّز َ‬ ‫جباِليا وليُلها‪...‬و ُ‬
‫صب ُ‬ ‫َ‬

‫ن‬
‫مْرت َهَ ُ‬
‫ف ُ‬‫توّقف في باِبها‪...‬توقّ ٌ‬
‫ن‬ ‫ح‬ ‫م‬
‫ِ َ ُ‬ ‫ال‬ ‫ر‬
‫هنا َ ُ‬
‫تمو‬ ‫مثَلها‪ُ ...‬‬
‫هنا‪ ،‬فهاُتوا ِ‬
‫ُ‬

‫ن‬
‫وط ُ‬ ‫مثَلها‪...‬يصر ُ‬
‫خ فينا ال َ‬ ‫هنا فهاتوا ِ‬
‫ولد عام ‪ ،1905‬ورحل عام ‪1941‬‬

‫صدر له‪ :‬ديوان يضم قصائده باسم "ديوان إبراهيم طوقان"‪.‬‬

‫الشهيد‬

‫وطغــــى الهـــول فـــاقتحم‬ ‫عبس الخـــــطب فابتســــم‬


‫ثــــابت القلــــب والقـــدم‬ ‫رابـــط الجـــأش والنهـــى‬
‫يثنــــه طــــاريء اللـــم‬ ‫لـــم يبـــال الذى ولـــم‬
‫وجــــمت دونهـــا الهمـــم‬ ‫نفســــه طـــوع همـــة‬
‫بالعــــــاصير والحـــــمم‬ ‫تلتقــــي فـــي مزاجهـــا‬
‫إلــــى الراســــخ الشـــم‬ ‫تجـــمع الهـــائج الخـــضم‬
‫ومــــن جــــوهر الكـــرم‬ ‫وهــي مــن عنصــر الفــداء‬
‫لفحهــــا حــــرر المـــم‬ ‫ومــــن الحـــق جـــذوة‬
‫يطــــرق الخــــلد مـــنزل‬ ‫ســـار فــي منهــج العــلي‬
‫نالـــــــه أم مجــــــدل‬ ‫ل يبــــــالي‪ ,‬مكبـــــل‬

‫فهـــو رهـــن بمـــا عــزم‬


‫وهــــو بالســـجن مـــرتهن‬ ‫ربمــــا غالـــه الـــردى‬
‫مــــن حـــبيب ول ســـكن‬ ‫لــــن يشــــيع بدمعـــة‬
‫ســــليبا مــــن الكــــفن‬ ‫ربمـــــا أدرج الـــــتراب‬
‫غيبتـــــــه أم القنــــــن‬ ‫لســـت تـــدري بطاحهــا‬
‫واســـمه فـــي فــم الــزمن‬ ‫ل تقـــل أيـــن جســـمه‬
‫لح فـــي غيهـــب المحـــن‬ ‫إنــــه كـــوكب الهـــدى‬
‫فمــــا تعــــرف الوســـن‬ ‫أرســل النــور فــي العيـون‪,‬‬
‫فمــــا تعــــرف الضغـــن‬ ‫ورمــي النــار فــي القلـوب‪,‬‬
‫يــــرد المــــوت مقبـــل‬ ‫أي وجــــــه تهلـــــل‬
‫لحنــــه ينشــــد المــــل‬ ‫صعـــد الـــروح مرســل‬

‫إن للـــــــه والــــــوطن‬


‫عنك يا أقصى‬
‫عنك يا أقصى وأرض المسرى وال ما نتخلى‬

‫احنا انتفضنا لجل الصخرة ما تبقى محتلة‬

‫لما نوينا ع تحريرك يا أقصى ومشينا‬

‫الدروب الصعبة ذللناها واحنا ما ذلينا‬

‫عاهدنا ال ما نتراجع يا أقصى وعّدينا‬

‫ع بحر الهايج احنا ركبنا وموجه فينا ع ّ‬


‫ل‬

‫**********‬

‫مش اول مرة ينزف دمي يا أقصى لعيونك‬

‫وجراحي نبعة دوم بتسقي يا وطني زيتونك‬

‫مش منا أبدا اللي يساوم واللي يوم يخونك‬

‫وال ما نسلم ول نستسلم هذا قسمنا وال‬

‫**********‬

‫يا صخرة المعراج هلي النصر ّلواح‬

‫بحر الشعب لو ماج ما توقفوا الجراح‬

‫**********‬

‫القصى أقصانا والقدس أنا منها‬

‫والثورة شعلنة والشعب أعلنها‬

‫والعين سهرانا تحرس كماينها‬

‫صبح النصر جانا ليل الشقى رواح‬

‫***********‬
‫يا عزة السلم في قدسنا للي‬

‫يا ثورة القسام تشهد على افعالي‬

‫يا طفل أبو وسام من جرحك الغالي‬

‫طلعت راياك المجد طارت بدون جناح‬

‫**********‬

‫فلسطين ترابك كافور‬

‫فلسطين ترابك كافور *** من اجلك دمي منثور‬

‫جعنا الرادي عادينا‬


‫ما نهاب الموت يلقينا *** ر ّ‬

‫مكسور ذراع اي وال *** بصاعين الصاع‬

‫من غضب الثورة بنعود *** ما نترك هاذي الحدود‬

‫والنصر ان ذاع *** علوا الشراع‬

‫*********‬

‫فلسطين ترابك كافور *** من اجلك دمي منثور‬

‫لو هدوا حجارة البيوت *** يتحدى هالشعب الموت‬

‫أرضه ما باع ايه وال *** لوعة شجاع‬

‫شمس الحرية ما تغيب *** عنك يا مسرى الحبيب‬

‫والحق ما ضاع ايه وال *** تحميه سباع‬


‫هنا باقـــون‬
‫كأننا عشرون مستحيل‬
‫في الّلد ‪ ،‬والرملة ‪ ،‬والجليل‬
‫هنا ‪ ..‬على صدوركم ‪ ،‬باقون كالجدار‬
‫وفي حلوقكم‬
‫كقطعة الزجاج ‪ ،‬كالصّبار‬
‫وفي عيونكم‬
‫زوبعة من نار‪..‬‬
‫هنا ‪ ..‬على صدوركم ‪ ،‬باقون كالجدار‬
‫نجوع ‪ ..‬نعرى ‪ ..‬نتحدى ‪..‬‬
‫ننشد الشعار‬
‫ونمل الشوارع الغضاب بالمظاهرات‬
‫ونمل السجون كبرياء‬
‫ونصنع الطفال ‪ ..‬جيل ً ثائرا ً ‪ ..‬وراء جيل‬
‫كأنّنا عشرون مستحيل‬
‫في الّلد ‪ ،‬والرملة ‪ ،‬والجليل ‪..‬‬

‫***‬

‫إنا هنا باقون‬


‫فلتشربوا البحرا ‪..‬‬
‫نحرس ظل التّين والزيتون‬
‫ونزرع الفكار ‪ ،‬كالخمير في العجين‬
‫برودة الجليل في أعصابنا‬
‫وفي قلوبنا جهّنم حمرا‬
‫اذا عطشنا نعصر الصخرا‬
‫ونأكل التراب ان جعنا ‪ ..‬ول نرحل !!‬
‫وبالدم الزكي ل نبخل ‪ ..‬ل نبخل ‪ ..‬ل نبخل ‪..‬‬
‫ض ‪ ..‬وحاضر ‪ ..‬ومستقبل‬ ‫هنا ‪ ..‬لنا ما ٍ‬
‫*****‬

‫هنـــــا باقون بكلماتنا بعباراتنا‬


‫بقصائدنا هنـــــا باقون ‪...‬‬

‫اخوتي واخواتي اعضاء التحدي الكرام‬


‫ســأقوم باضافة الغاني الوطنيه الفلسطينه‬
‫وأتمنى من الجميع المشاركه ‪...‬‬

You might also like