Professional Documents
Culture Documents
لما اشتد ظلم ليل الجاهلية أذن ال بميلد فجر نور السلم فكان مولد النبي صلى ال عليه وسلم أول بزوغ له
وكان المولد بداية ونهاية فقد كان نهاية تاريخ الجاهلية وبداية تاريخ السلم .
•كان المولد أول مسمار في نعش الجاهلية وبدأ به العد التنازلي لنهاية التاريخ السود واقتراب الفجر
القادم ..كان المولد مقدمة بين يدي إعلن نهاية الشرك بكل صورة وبداية التوحيد بكل معانيه وكان
أيضا نهاية لجهل أبي جهل وحماقة أبي لهب وألوهية اللت والعزى وبداية لصدق الصديق
وعدل الفاروق وألوهية الملك الديان .
•ولد المصطفى صلى ال عليه وسلم ولم تكن له ظروفه العتيادية كما هو حال كثير من المواليد فقد
خرج إلى الدنيا وقد فقد ركنا وثيقا من أركان الحياة وبدأت الصعوبات أمامه منذ ولدته فخرج إلى الدنيا
يتيم الب يتحمل معاناة اليتم وبرز ذلك في رغبة المرضعات عنه ليتمه ولو علمن من هو لشتدت
رغبتهن في إرضاعه ،وعاش طفولته في البادية رضيعا يرتضع اللبن واللغة والعادات والخلق
العربية الصيلة ..
•إرتضعَ في بني سعد من حليمة فهنيئا لها مَن أرضعت ومع ملمح البركة وآثارها الظاهرة في حياة تلك
السرة المرضعة إل إن حقيقة الرضيع لزالت مجهولة ويوم دفن الجاهلية يقترب دون أن يشعر به أحد
ومع الرتواء بصافي لبن البادية وكريم أخلقها كان لبد أن يُصفى الفؤاد من درن الدنيا فجاءت حادثة
شق الصدر لتفزع المرضعة والرفاق ويُهيئ الرضيع لمر تنوء بحمله الجبال ..وقبل أن ينتهي سن
المرح واللعب والطفولة يُفجع المولود يتيما بوفاة الحضن الدافئ والقلب الكبير والصدر الحاني بوفاة أمه
فيزداد إلى يتم الب فقد الم لتستمر المعاناة ويستمر لعداد والتكوين لمر أراده ال " ول المر من
قبل ومن بعد " .
وما أن بدأت النفس تهدأ قليل إذا بالكافل بعد الب والم يلحق بهما ليزداد اللم بموت الجد الحنون ويتعمق الجرح
ليقوى الصلب على مقاومة المتاعب القادمة ويتعلم من اللم الصبرَ على مرارته لنه قادم على طريق مليء باللم
ومع دخول مرحلة الشباب يعمل وهو الكريم ابن الكريم في رعي الغنام لهل مكة بقراريط ولم تكن المسألة
مجرد رعي بل مدرسة إعداد وتربية استعداداً لرعي أمة بأكملها .وينتقل للعمل في التجارة ويُعرف في مجتمعة
بالمين لما قدّمه من نموذج من خلل تعامله مع الخرين.
ومع قوة الشباب وقوة الحاجة إلى الزواج ومع ما يحمل من خلل ترغب فيها النساء إذ بشريفة من شريفات مكة
تعرض نفسها عليه وتطلبه للزواج بها وهي تكبره بأكثر من نصف عمره وتمّ وكان زواجًا مباركًا ميموناً ظل
يحمل ذكرياته طوال حياته ولم ينس تلك المرأة وفضلها عليه وإن تزوج بعدها بمن هي أصغر منها سناً وأجمل
منها إل أن ذاك كان نوعاً أخر له معانية وذكرياته عنده .
ولما اقترب الموعد وحانت ساعة الصفر وبدأت تقترب لحظات بزوغ الفجر الصادق بدأ يخلو بنفسه ويعتزل
الناس وكان غار حراء هو محطة الوقود الخيرة والتي يأخذ منها وقوده الروحي الذي يتزود به في طريق طويل
قادم فبداء بالتفكّر والتدبر والخلوة و التحنث ويبقى الليالي ذوات العدد حتى جاءه الرسول ليقول له :إنك رسول .
جاءه -على غير موعد ول اتفاق -أمين السماء ليعلن اختيار أمين أهل الرض ليحمل رسالة بدين رب السموات
والرض إلى كافة أهل الرض .
جاءه فقال له ( :اقرأ .........اقرأ .....اقرأ) ليكن مفتاح الدنيا بهذه الكلمة و يقرأ ولم يتعلم لكن لن ال هو الكرم
فعلمه ما لم يعلم وانطلق خائفاً وجلً وإذا بتلك الكريمة بنت الكرام تُهدئ من روعة وتثبته وتقوي عزيمته فكانت
نعم العون وفي أحرج اللحظات .
وبدأت أخشاب نعش الجاهلية تصنع وقبرها يحفر من تلك اللحظة وبدأ صلى ال عليه وسلم يستوعب الدرس
ويُعد النفس ويتلقى المسئولية بكل رحابة صدر وعلو همة واستعداد تام للتضحية فكانت قواعد النطلق الولى( :
قم فانذر وربك فكبر وثيابك فطهر والرجز فاهجر ول تمنن تستكثر) وكل هذا وغير هذا و ما سيأتي كله لربك
((............ولربك فاصبر )) .
وتنطلق المسيرة بعزيمة وثقة وإيمان وتوكل ويقين وتمر سنوات ثلث والمر سر وينتج عنه ثلة هي خير أهل
الرض ولما جاء المر اللهي بقولة سبحانه ((....فأصدع بما تؤمر )) دخلت مرحلة جديدة في طريق الدعوة
وخرج المر من السرية إلى الجهر والعلن وعرف القاصي والداني بخبر الدين الجديد ووجهت صفعة قوية في
ض مضجعهم هذا المر فأعلنوا الحرب ومارسوا التعذيب والضطهاد وجه الجاهلية فجن جنون أسياد قريش وق ّ
ولم يترددوا في أي وسيلة إيذا ًء لصاحب الرسالة ولمن تبعة .
بدأت الضربات الموجعة وتكررت صور التعذيب المفجعة وبالمقابل بدأت معها روائع المواقف الصادقة ونماذج
الثبات المتيقن بوعد ال .
قُُتل من قتل وضُرب من ضرب وسجن من سجن وكلما حاولوا إيقاف السيل وقطع السبيل كلما ازداد المر قوة
وانتشارًا ول يزداد أصحابه إل تماسكاً وتمسكاً ويتعرض القائد العظيم إلى إيذاء خاص من التسفيه والتجهيل
والرمي بالجنون والسحر والكذب واليذاء المباشر وهو جبل في ثباته وصبره وإن كان في صراع مع الكبار وفي
وضع استضعاف إل أن ذلك لم يثنيه عن مواصلة الطريق والبذل المتواصل حتى يحقق الهدف المنشود ولم يزدد
أصحابه إل حباً له يُضيق الخناق وتتوالى الضربات وتضيق الرض بأهلها فيهاجر مجموعة مباركة من
الصحاب إلى بلد ملك ل يُظلم عنده أحد فراراً بدينهم ونجاة بأنفسهم من بطش عدوهم .
ويبقى صاحب الرسالة قائماً بدعوته مضحياً بكل معاني الراحة الدنيوية بل ل وقت للتفكير بالراحة فالمسؤولية
عظيمة والضطهاد الجاهلي عظيم وراحة أصحاب المبادئ العظيمة أن تنتشر مبادئهم وتقوم على الرض .
وكلما اقترب موعد النهاية وحانت ساعة احتضار الجاهلية كلما اشتدت ضراوتها وزادت حدتها على الدعوة
وأهلها فاجمعوا أمرهم على حصار سياسي واقتصادي واجتماعي شامل لكل من كان مع الدعوة أو مناصراً لها أو
حتى من أسرة صاحبها وإن لم يؤمن بها.
إرهاب وترويع واجتثاث مقصود لكن يأبى ال إل إن يتم نوره وينكسر الحصار ويزداد الوضع الجاهلي سوءاً
وتزداد العداد في الدعوة الجديدة قوة وثباتاً.
وتتوالى الحداث ويتعمق اليقين في قلوب الصحاب بقرب الفرج وفي خضم شدة الجاهلية يُبتلى صاحب الرسالة
بموت سندين وعونين خديجة الزوجة المثالية وأبى طالب العم المدافع فقد كانا العون المادي والمعنوي ،فخيم
الحزن وظهرت أنياب لم تكن لتظهر من قبل ،وزادت إيذاءات الجاهلية حتى قرروا واتفقوا على خطة إبليسيه
لكن قبلها قد بدأت بشارات وإشارات الفجر الصاد ق تلمح في الفق فقد جاء وفد الوس والخزرج وفد الخير
وكانت العقبة مكاناً لوضع أول لبنة لبناء المجتمع المنشود والدولة المرتقبة وتكرر المشهد وبصورة أكبر وأوثق
وأقوى في العام القابل وكانت العقبة هي الموعد والموسم الموسم وعندها تأكد المر بأن الليل المظلم قُرب رحيله
وأنه في آخر لحظاته وفتح الباب لمن يسبق بدينه إلى البلد الجديد بل البلد الول للدعوة فأنطلق القوم زفرات
ووحداناً وسرًا وجهاراً وتيقن الجميع إن الوعد آت تحقيقه من قبل يثرب وأن مرحلة النزع الخير للجاهلية قريبة
جداً إذا لم تشعر إل وقد فر القوم من بين يديها عندها أرادت تنفيذ خطتها البليسة بالقضاء على صاحب الرسالة
والقائد فمكرت ودبرت لكنها على غير بصيرة وبدون حق فمحق تدبيرها وأبطل مكرها.
وجاء الموعد الكبر وجاء الذن بظهور الفجر وجاء موعد إطلق الرصاصة الخيرة في صدر الجاهلية لتدخل
في غيبوبة حتى تلفظ أنفاسها الخيرة في يوم الفتح العظم .
جاء يوم الهجرة فولدت الدنيا من جديد وانتشرت نور الفجر على الكون ،فخرج المطارد عزيزا والمطلوب للقتل
منتصراً وانطلق مع صاحبه ال ثالثهما ليعلنا ميلد البشرية وعبوديتها لخالقها ورازقها ويوسع قبر الجاهلية
وعندها تحقق الوعد الحق (( وجعل ال كلمة الذين كفروا السفلى وكلمة ال هي العليا وال عزيز حكيم ))
(( وال غالب على أمره ولكن أكثر الناس ل يعلمون )) .
الحمد ل نحمده و نستعينه و نستغفره و نستهديه و نعوذ بال من شرور أنفسنا و سيئات أعمالنا من يهده ال فل
مضل له و من يضلل فل هادي له .نحمده هو أهل الحمد و الثناء فله الحمد في الولى و الخرة و له الحمد على كل
حال و في كل آن ،نصلي و نسلم على خاتم الرسل و النبياء نبينا محمد بن عبد ال و على آله و صحابته و من اتبع
هداه و اقتفى أثره إلى يوم الدين و عنا معه بعفوك و رحمتك يا أرحم الراحمين
"اللهم إني أعوذ بك من العجز و الكسل ،و الجُبْن و الهرم و البخل ،و أعوذ بك من عذاب القبر ،و من فتنة المحيا و
الممات".
أما بعد
فاهذه كلمات امزجها بدعوات إلي رب الباريات اذكر بها نفسي واخواني المسلمين وأخواتي المسلمات من مرض
مرض نخر في أجسادنا فااهاكها وفى قلوبنا فأوهنها وفي أبداننا فأهرمها .انه مرض السلبية في حياتنا وان شئت فقل
العجز والكسل.
تأملت هذا المرض من خلل واقعي نفسي وإخواني الشباب ول اعني أولئك المنفلتين والمتسكعين العطالين البطالين
الذين ل يشهدون الفجر في جماعه ول الضائعين المنغمسين في للجج بحر شهواته وانما اعني واقصد أولئك الشباب
المستقيمين المظهرين لسنة الرسول المتمسكين بالمنهج القويم الذي يحسب على أهل الستقامة فوجدت مرض ل
يسكت عليه وامرا ل يتغافل عنه ولعلى ل أكون اقل وابخس حضا من تلك أنمله التي شعرت بمسؤليتها فحذرت
قومها وبينت لهم فال درها من نمله ذكرها ال عز وجل في كتابه وخلد ذكرها الي يوم القيامة وهي حشرة صغيرة
تنهش في جسد هذه المة فل أمر بمعروف ولنهي عن منكر ول مشاركة في حلقات علم وتحفيظ القران ول حتى
في ابسط المور مع جيرانه في جلسة الحي إل من رحم ربي ولسان حال ذلك الشاب كما قيل ودع هريرة أن
الركب مرتحل.
فيا ال إن حمل مسئولية بسيطة تثاقلها ,وان كلف بشي يسير تذمر منها ,وان قيل له شارك بكذا وكذا تنصل منها بل
ل يصبر علي سماع كلمة في مسجد فهوا أول المنصرفين وأول السرعان وكأنة يقول لحاجة لي بهذه الموعظة
وهذه الكارثة بعينها ضن انه قاب قوسين أو أدنى من الجنة فجمع بين السلبية والعجز وبين العجب والخيلء .أول
يعلم أن ما هو فيه من سلبية وكسل وعجز وخور ينافي الرغبة في الدين ،وينافي الجهاد الحقيقي ،
وهل أخّر المسلمين عن المم ،إل تفرقهم وكسلهم وجبنهم وخورهم ويأسهم من القيام بشؤونهم حتى صاروا بذلك
ودينهم قد حذرهم عن هذه المور أشد التحذير .وأمرهم أن يكونوا في مقدمة الخلق في القوة ،والشجاعة ،والصبر
،والملزمة للسعي في كل أمر نافع ،والعزم ،والحزم ،والرجاء ،وحسن الثقة بال في تحقيق مطالبهم .
فإن مجرد السعي في ذلك بحسب المكان من أفضل العمال المقرّبة إلى ال .
يا عجباً لمؤمن يرى أهل الباطل يجهدون ويألمون في نصر باطلهم ،وهم ل غاية لهم شريفة يطلبونها ،وهو مخلدٌ
إلى الكسل عن نصر الحق الذي يترتب على نصره من الخيرات العاجلة والجلة ما ل يمكن التعبير عنه ،كل ذلك
خوفاً من المشقة وزهداً في إعانة إخوانه المسلمين في ماله أو بدنه وقوله وفعله ،بل زاهداً في مصالح نفسه الحقيقية
.قال ال تعالى (( :إِنْ َتكُونُوا تَأَْلمُونَ فَإِ ّنهُمْ يَأَْلمُونَ َكمَا تَأَْلمُونَ وَتَرْجُونَ مِنَ الِّ مَا ل يَرْجُونَ ))
سأحاول أن أتقصى هذه السباب ونتعرف على المرض ،وأثاره ثم نصف العلج! وال المستعان.
إن مرض السلبية وأعراضه الظاهرة هي العجز والسلبية تجاه المور التي تهم المسلمين ،والشعور بالذل والهوان
نتيجة المتهان الذي يلقونه ول يستطيعون رده ..ومضاعفاته هي الشعور باليأس والحباط ،وموت الشعور
إن تعظيم ال عز وجل من أجل العبادات القلبية ,وأهم أعمال القلوب التي يتعين ترقيقها وتزكية النفوس بها ،ل سيما
وأنه ظهر في زماننا ما يخالف تعظيم ال تعالى من الستخفاف والستهزاء بشعائر ال ،والتطاول على الثوابت,
والتسفيه والزدراء لدين ال ،مع ما أصاب المة من وهنٍ وخورٍ وهزيمةٍ نفسية ،قال تعالى :مّا َلكُ ْم لَ تَ ْرجُونَ لِّ
َوقَاراً [نوح.]13:
منزلة التعظيم تابعة للمعرفة ,فعلى قدر المعرفة يكون تعظيم الرب تعالى في القلب ،وأعرف الناس به أشدهم لهم
تعظيماً وإجللً ,وقد ذم ال تعالى من لم يعظمه حق عظمته ,ول عرفه حق معرفته ،ول وصفه حق صفته ،فقال :مّا
َلكُ ْم لَ تَ ْرجُونَ لِّ َوقَاراً [نوح ،]13:قال المفسرون" :ما لكم ل تعظمون ال حق عظمته".
تعظيم ال وإجلله ـ أيها الشباب ـ ل يتحقق إل بإثبات الصفات له كما يليق به سبحانه ،وروح العبادة هو الجلل
لقد كان نبينا يربي أمته على وجوب تعظيم ال ،ففي حديث ابن مسعود رضي ال عنه قال( :جاء حبر من الحبار
إلى رسول ال فقال :يا محمد ,إنا نجد أن ال يجعل السموات على إصبع ،والرضين على إصبع ،والشجر على
إصبع ،والماء والثرى على إصبع ،وسائر الخلق على إصبع ،فيقول :أنا الملك ،فضحك النبي حتى بدت نواجذه
سمَـاواتُ
جمِيعـاً قَ ْبضَـتُهُ َيوْمَ ا ْلقِيَـامَةِ وَال ّ
تصديقاً لقول الحبر ,ثم قرأ رسول ال َ {:ومَا قَدَرُواْ الَّ حَقّ َقدْ ِر ِه وَالْرْضُ َ
يقول(( :هكذا بيده ويحركها ،يقبلُ بها ويدبر يمجد الرب نفسه :أنا الجبار ،أنا المتكبر ،أنا الملك ,أنا العزيز ،أنا
فال تعالى هو الكريم العظيم ,الذي هو أكبر من كل شيء ،وأعظم من كل شيء ،أجل وأعلى ،هو وحده الخالق لهذا
العالم ،ل يقع شيء في الكون من حركة أو سكون ,أو رفعٍ أو خفض ,أو عز أو ذل ,أو عطاءٍ أو منع إل بإذنه
سبحانه ،يفعل ما يشاء ,ول يُمانع ول يُغالب ،ولما قال العرابي لرسول ال :فإنا نستشفع بك على ال ،ونستشفع
بال عليك ،قال رسول ال (( :ويحك! أتدري ما تقول؟!)) وسبّح رسول ال ,فما زال يسبح حتى عُرف ذلك في
وجوه أصحابه ,ثم قال(( :ويحك! أنه ل يستشفع بال على أحد من خلقه ,شأن ال أعظم من ذلك)) أخرجه أبو داود [
.]3
وعلى قدر المعرفة يكون تعظيم الرب تعالى في القلب ،وأعرف الناس به أشدهم ل تعظيماً وإجللً ،تأمل آيات ال
وإعجازه في الكون ،في كتاب مقروء ،وصفحات مشرقة منظورة ،ليمتلئ قلبك إجللً وعظمة ل سبحانه:
جعُونَ } [يس.]83:
{ فَسُ ْبحَـانَ الّذِى بِيَ ِدهِ مََلكُوتُ ُكلّ شيء وَإِلَيْهِ تُ ْر َ
تجد أمامك نافذة واسعة سعة الكون كله ،إعجاز باهر ,وآيات كريمة قد كتبت بحروفٍ كبيرة واضحة على صفحات
انظر إلى الشمس والقمر يدوران ،والليل والنهار يتقلبان ,بل انظر إلى تكوين نفسك وتركيب جسمك ،من ذا الذي
فكر في النبات والشجر ,والفاكهة والتمر ،وفي البحر والنهر ،إذا طاف عقلك في الكائنات ,ونظرك في الرض
والسموات رأيت على صفحاتها قدرة ال ,وامتلئ قلبك باليمان بال ،وانطلق لسانك بل إله إل ال ،وخضعت
إن من تفكر في ذلك خاف ال تعالى ل محالة؛ لن الفكر يوقعه على صفات جلل ال وكبريائه ،فهو سبحانه العزيز
الكريم المتعال الواحد القهار ،هو سبحانه القهار الذي قهر كل شيء وغلبه ،والذي ل يطاق انتقامه ،مذل الجبابرة,
قاسم ظهور الملوك والكاسرة ،هو سبحانه القوي الذي تتصاغر كل قوة أمام قوته ،ويتضاءل كل عظيم أمام ذكر
عظمته.
إن هذا الجيل الذي صده عن السبيل الستكبار ,وعله الغرور ,وأسكره الترف ,وجعل كتاب ربه وراءه ظِهرياً
بحاجة ماسة إلى أن يعرف ربه حقاً ،ويعظمه صدقاً ,بتدبر أسماء ال الحسنى ،التأمل في آياته ،التفكر في إعجازه،
فمن استيقن قلبه هذه المعاني ل يرهب غير ال ،ول يخاف سواه ،ول يرجو غيره ،ول يتحاكم إل له ،ول يذل إل
أما الذين يهجرون القرآن ,ويرتكبون المحرمات ,ويفرطون في الطاعات ,ما قدروا ال حق قدره ،من شهد قلبه
عظمة ال وكبرياءه علم شأن تحذيره جل وعل في قوله { :وَيُحَذّ ْركُمُ الُّ َنفْسَهُ } [آل عمران ،]28:قال المفسرون:
ولجل شهود صفات عظمته سبحانه وجلت قلوب المؤمنين لمجرد ذكره تعالى كما قال سبحانه { :إِ ّنمَا ا ْل ُمؤْمِنُونَ
[الحج.]35 ،34:
إن عدم معرفة ال عز وجل وهي التي تقود إلى عظمة من اكبر السباب التي تجعل الشاب عاجزا كسول خامل
ل يقدم شئ لنفسه ول لغيره والسؤال كيف نعرف ال ؟ سؤل كان يطرح علينا ونحن صغار وكنا نجيب ونقول
دليل مشاهد على الخالق -سبحانه -الذي خلقه وأحكمه وأبدعه .وهذه الدلة والبراهين واضحة الدللة لصحاب
س َموَاتِ
العقول واللباب التي تريد معرفة الحق ،ولذلك خاطبها المولى سبحانه وتعالى ،فقال{ :إِنّ فِي خَلْقِ ال ّ
ل وَال ّنهَا ِر لَيَاتٍ لُِولِي الَْلْبَابِ} (آل عمران.)190:وقال سبحانه وتعالى { سَنُرِيهِمْ ءَايَاتِنَا
لفِ اللّ ْي ِ
ض وَاخْتِ َ
وَالَْرْ ِ
ق َوفِي
لفَا ِ
حقّ…} (فصلت . )53:وقال تعالى { :سَنُرِيهِمْ ءَايَاتِنَا فِي ا ْ
سهِمْ حَتّى يَتَبَيّنَ َل ُهمْ أَنّهُ الْ َ
ق َوفِي أَ ْنفُ ِ
لفَا ِ
فِي ا ْ
أم كيف يجحده الجاحد وفي كل تسكينة شاهد تدل على أنـه واحـــــد فيا عجباً كيف يعصى الله ول في كل تحريكة
وفي كل شئ له آيــــــة
وسئل بعض العراب عن الدليل على وجود الرب تعالى فقال :يا سبحان ال ! إن البعر ليدل على البعير ،وإن أثر
القدام ليدل على المسير ،فسماء ذات أبراج ،وأرض ذات فجاج ،وبحار ذات أمواج ،أل يدل ذلك على وجود
(وتفكّروا في خلقِ ال)()17تفكروا يا أولى اللباب :لقد خلق ال في الكون آيات تدل على صفات الفعال ل سبحانه
وتعالى ،وجعلها آثاراً مشاهدة لتلك الصفات ،ومنحنا أبصاراً ترى تلك الثار وعقولً تستدل على تلك الصفات من
آثارها المشاهدة.
من الفات التي أصيب بها كثير من الشباب ليوم عدم اهتمامهم بطلب العلم والستزادة منه قناعة بما لديهم -والذي
يغلب أل يتعدى العلم ببعض أحكام العبادات وبعض المحرمات -ميراثا عن طريق التباع والتقليد ،والذي تشوبه
إن السلم يرفض بناء العقيدة على التقليد والتبعية مثل من قالوا" :حسبنا ما وجدنا عليه آباءنا" [المائدة،]104:
وإنما يطلب السلم بناء العقيدة على تثبّت ويقين ،وهذا ل يتأتى إل بطلب العلم .لذلك يحض السلم عليه ،فيقول
القرآن" :قل هل يستوى الذين يعلمون والذين ل يعلمون" [الزمر ..]9:ويقول" :يرفع ال الذين آمنوا منكم والذين
أوتوا العلم درجات" [المجادلة.]11:
وقال صلي ال عليه وسلم " :من يرد ال به خيرا يفقهه فى الدين" [متفق عليه] ..وقال" :ومن سلك طريقا يلتمس
الحلقات الدينية ليست قاصرة على التعلّم ،وإنما هي أيضا من وسائل ذكر ال ..وليس كالذكر يصل المؤمن بربه.
لذلك قال تعالى" :وذكر فإن الذكرى تنفع المؤمنين" [الذاريات ..]55:وقال" :وما يذكر إل أولو اللباب" [البقرة:
.]269فاءين طلب العلم على أصوله ؟ إن بعض الشباب يبداء ليتعلم مسائل الخلف حتى إذا ما جلس مجلسا خطاء
هذا وذم ذاك واظهر لناس انه صاحب علم وهو في الحقيقة صاحب هوى ,يحب الجدال والمراء ويتطاول على
العلماء.
وبعضهم يبداء ويتعلم ويحضر بعض الدروس حتى ذا ما حفظ بعض النصوص ضن انع عالم زمانه فلم يزدد علما
وبعضهم يبداء ويتعلم ليتثقف حتى إذا ما جلس مجلسا اظهر لناس انه المثقف المبجل الذي ل يشق له غبار
فإذا ما نظرت لهذا وذاك في الجانب الدعوى العملي فإذا هو صفرا على الشمال أثرة ضعيف علي من حوله فيه
سلبية متناهية ل يتعدى عمله منفعة نفسه ,يصلح ان يطلق عليه منظر الزمان العاجز الكسلن.
إن مفهوم "العبادة" يقتصر في ذهن كثير من الشباب على إقامة الشعائر التعبدية -الصلة والزكاة والصوم والحج.
وهو مفهوم قاصر حيث جعل العبادة التي خلق النسان ووهب الحياة من أجلها" -وما خلقت الجن والنس إل
وكان لهذا المفهوم القاصر أثره في عجز وسلبية كثير من الشباب ..فقد انغمس البعض فى شعائر العبادة وكرس
حياته لها وأهمل باقي فروع الحياة ..والبعض الخر -على النقيض -اعتبر أنه قد أدّى واجبه العبودية بهذه الشعائر،
إن حقيقة مفهوم العبادة هو القرار بالعبودية الكاملة ل وهذا القرار ل يتأتى فى الشعائر التعبدية وحدها ،وإنما يلزم
أن يكون في كل منحى من مناحي الحياة ..وقد فصل ال ورسوله لنا طريقة حياتنا تفصيل كامل في نظام شامل..
فإقرارنا بالعبودية ل تعالى ل يتم إل بخضوعنا واتباعنا لهذا النظام الشامل بكل تفاصيله ودقائقه ،والذي ل تمثل
لقد اصبح معيار النجاح عند بعض الشباب في الحياة هو الثروة المالية ،والمركز الوظيفي ،والمركز الجتماعي،
والشهرة! لقد أصبح تنافسنا في الحياة في هذه المجالت وليس في مجال العمل للفوز بثواب الجنة كما أرشدنا ال
تعالى في قوله" :وفى ذلك فليتنافس المتنافسون" [المطففين ..]26:غلبت على قلوبنا المعايير الدنيوية الجاهلية
ولقد حذرنا ال من الدنيا اشد التحذير 1ـ قوله تعالى (( :اعلموا أنما الحياة الدنيا لعب ولهو وزينة وتفاخر بينكم
وتكاثر في الموال والولد كمثل غيث أعجب الكفار نباته ثم يهيج فتراه مصفرا ثم يكون حطاما وفي الخرة عذاب
شديد ومغفرة من ال ورضوان وما الحياة الدنيا إل متاع الغرور )) [الحديد . ]20 :
أما أحاديث النبي صلى ال عليه وسلم التي رغبت في الزهد في الدنيا والتقلل منها والعزوف عنها فهي كثيرة منها :
1ـ قول النبي صلى ال عليه وسلم لبن عمر رضي ال عنهما (( :كن في الدنيا كأنك غريب أو عابر سبيل ))
2ـ وقال النبي صلى ال عليه وسلم (( :الدنيا سجن المؤمن وجنة الكافر )) [ رواه مسلم]0
3ـ وقال صلى ال عليه وسلم مبيناً حقارة الدنيا (( :ما الدنيا في الخرة إل مثل ما يجعل أحدكم أصبعه في اليم ،
4ـ وقال صلى ال عليه وسلم (( :مالي وللدنيا ،إنما مثلي ومثل الدنيا كمثل راكب قال ـ أي نام ـ في ظل شجرة ،في
يوم صائف ،ثم راح وتركها )) [ رواه الترمذي وأحمد وهو صحيح ] 0
5ـ وقال صلى ال عليه وسلم (( :لوكانت الدنيا تزن عند ال جناح بعوضة ،ما سقى كافراً منها شربة ماء ))
[ رواه الترمذي وصححه اللباني ] 0
6ـ وقال صلى ال عليه وسلم (( :ازهد في الدنيا يحبك ال ،وازهد فيما في أيدي الناس يحبك الناس )) [ رواه ابن
7ـ وقال صلى ال عليه وسلم ( :اقتربت الساعة ول يزداد الناس على الدنيا إل حرصًا ،ول يزدادون من ال إل
اليمان يتأرجح مستواه داخل النفس ..ومن ثم فهو فى حاجة دائمة إلى تغذيته بالمدد الذي يبقيه على مستوى عال.
ذكر ال هو حبل التصال الروحي مع ال ..هو الوسيلة التى يستمد منها المؤمن الحساس بالقرب منه تعالى
والشعور بحضرته ،فيفيض الطمئنان على قلبه .يقول القرآن" :الذين آمنوا وتطمئن قلوبهم بذكر ال أل بذكر ال
تطمئن القلوب" [الرعد .]8:ولهمية الذكر أكثر ال من التوصية به ،قال" :واذكروا ال كثيرا لعلكم تفلحون"
[النفال .]45:وقال" :يا أيها الذين آمنوا اذكروا ذكرا كثيرا" [الحزاب ..]41:وقال" :والذاكرين ال كثيرا
والذاكرات ،أعد ال لهم مغفرة وأجرا عظيما" [الحزاب ..]35 :وقال عن أعمال الشيطان" :ويصدكم عن ذكر ال"
لقد وضع لنا سبحانه وتعالى حدا أدنى للحظات الذكر التي تحفظ حبل التصال معه تعالى.ولنها الحد الدنى فقد
فرضها ال علينا ..وهذه هي الشعائر التعبدية -الصلة والزكاة والصوم والحج -التي أحد أهدافها هو ذكر ال ..فهى
دورات زمنية للذكر على مدى اليوم والسبوع والشهر والسنة والعمر كله.
والصلة هي أهم شعيرة في هذا الباب ..قال تعال" :وأقم الصلة لذكري" [طه ..]4:فهي تقام لذكر ال ..وقال" :يا
أيها الذين آمنوا إذا نودي للصلة من يوم الجمعة فاسعوا إلى ذكر ال" [الجمعة ..]9:فسماها "ذكر ال".ولننا –
أحيانا -نؤدي الصلة أداءً آليا خاليا من ذكر ال واستحضار وجوده ،لذا ينبهنا القرآن إلى أن ذكر ال أكبر من
الصلة ،لنه المطلوب العظم في الصلة ..يقول" :وأقم الصلة إن الصلة تنهى عن الفحشاء والمنكر ولذكر ال
القلوب .والتقوى هي الشعور القلبي بخشية ال والخشوع له نتيجة للحساس بحضور ال الدائم ورقابته
ورعايته.ولذا فإن الحد الدنى للمحافظة على إيماننا هو المحافظة على أداء فروض الشعائر التعبدية وأداؤها كما
يجب أن تكون .ولن فروض الشعائر التعبدية هي الحد الدنى لذكر ال ،فقد حثنا ال تعالى على التطوع للستزادة
من ذكره حتى نرتفع عن هذا الحد الدنى ونكون في مأمن من التدني عنه ..وجعل لنا في كل شعيرة مجال للتطوع!
ففي شعيرة الصلة جعل لنا السنن والنوافل ..وفى الزكاة فتح لنا مجال الصدقات بل حدود..وفى الصوم مجال
التطوع مفتوح على مدار السنة ..وفى شعيرة الحج جعل لنا العمرة!
ى بالنوافل
وفى حديث القدسي قال الرسول صلي ال عليه وسلم" :إن ال تعالى قال … :وما يزال عبدي يتقرب إل ّ
حتى أحبه ،فإذا أحببته كنت سمعه الذي يسمع به ،وبصره الذي يبصر به ،ويده التي يبطش بها ،ورجله التي يمشى
ولبد من اشغال للسان با التسبيح والتحميد والتهليل والتكبير والدعاء والرجاء ..ومن مطلوباته أن يكون انعكاسا لما
يشعر به القلب.
وكان أسوتنا الحسنة -صلي ال عليه وسلم -ذاكرا ل فى كل أحواله ..كان يقرن كل حركاته وكل أعماله بذكر ال
فمثل ،كان يذكر ال عند استيقاظه من منامه ..وعند ارتدائه ثوبه ..وإذا أرتدى ثوبا أو نعل جديدا ..وإذا خلع ثوبه..
وعند خروجه من البيت ..وعند دخوله البيت ..وإذا استيقظ من الليل وخرج من بيته إلي الخلء (مكان قضاء
الحاجة) ..وإذا أراد دخول الخلء ..وعند خروجه من الخلء ..وعندما يصب ماء الوضوء على يديه ..وعلى
وضوئه ..وعلى اغتساله ..وعلى تيممه ..وإذا توجه إلى المسجد ..وعند دخوله المسجد وخروجه منه ..وهو فى
المسجد ..وعند سماعه الذان والقامة ..وبعد الذان ..وعندما يقوم للصلة ..وعندما يقف فى الصف للصلة ..وعند
الصباح وعند المساء ..وصباح يوم الجمعة..وإذا طلعت الشمس ..وإذا ارتفعت الشمس ..وبعد زوال الشمس إلى
العصر ..وبعد العصر إلى غروب الشمس ..وإذا سمع أذان المغرب ..وإذا أراد النوم ..وإذا استيقظ فى الليل ..وإذا
قلق فى فراشه ولم ينم ..وإذا فزع فى منامه ..وإذا رأى فى منامه ما يحب أو يكره ..وإذا هاجت الريح ..وإذا رأى
نجما يهوى ..وإذا سمع الرعد ..وإذا نزل المطر ..وبعد نزول المطر ..وإذا خيف الضرر من المطر ..وإذا رأى
الهلل ..وعند تقديم الطعام له ..وعند الكل والشرب ..وإذا فرغ من الطعام ..وإذا خاف قوما ..وإذا خاف سلطانا..
وإذا نظر إلى عدوه ..وإذا غلبه أمر ...وإذا استصعب عليه أمر .وما هذه المثلة إل بعض من كثير قصدت به أن
جُعل القرآن ليُقرأ ..لذا سمى قرآنا .لذلك يحض ال تعالى على قراءته فيقول" :ورتل القرآن ترتيل" [المزمل..]4:
والقراءة ل تحقق هدفها إل مع التدبر" -كتاب أنزلناه إليك مبارك ليدبروا آياته وليتذكر أولو اللباب" [ص29:ولهذا
يخص القرآن بالذكر أوقاتا معينة هى أكثر ما يكون فيها النسان صافى النفس مستعدا للتلقى والتأثر ،فيقول:
"وقرآن الفجر ،إن قرآن الفجر كان مشهودا" [السراء ..]78 :ويقول" :واذكر اسم ربك بكرة وأصيل" [النسان:
]25أى أول النهار وآخره ..ويقول" :ومن الليل فتهجد به" [السراء ..]79 :ويقول عن قراءة الليل" :إن ناشئة
الليل هى أشد وطأً وأقوم قيل" [المزمل ]6:أى أن ساعات الليل أجمع للخاطر فى أداء القراءة وتفهمها.
ول يجب أن تقف صعوبة تلوة القرآن لدى البعض حاجزا يصدهم عن المداومة على التلوة حتى ل يضيع عليهم
الجر ..قال صلي ال عليه وسلم" :الذي يقرأ القرآن وهو ماهر به مع السفرة الكرام البررة ،والذي يقرأ القرآن
ونحن نسير فى هذا الطريق السابق ذكره -طريق ترسيخ العقيدة فى قلوبنا والرتفاع بمستوى إيماننا -فإن علينا أن
إن الدعوة واجب على كل مسلم -فقد قال تعالى لرسوله -صلي ال عليه وسلم" :أدع إلى ربك" [القصص87:وقال
أيضا" :قل هذه سبيلى أدعو إلى ال على بصيرة أنا ومن اتبعنى" [يوسف ..]108:فهكذا كل متبع لمحمد -صلي ال
عليه وسلم -مكلف أن يدعو بدعوته ،وأن يتبع سبيله ومنهجه فى الدعوة.
ومن ثم فإن دعوتنا -كما أمر القرآن وفعل الرسول -تكون للقرب فالقرب ..فتكون فى البيت أول ..ثم فى الحلقة
ولن البيت هو الخلية في المجتمع المسلم لذا نال اهتماما خاصا في القرآن حيث يقول" :يا أيها الذين آمنوا قوا
ولعل كثيرا منا ينفذون هذا المر بطريقة خاطئة -وهى طريقة العنف والمر الفظ -فيكون رد الفعل العكسى هو
الرفض والعناد .وقد نبهنا ال تعالى إلى نتيجة الفظاظة فى المعاملة فى قوله لرسوله" :ولو كنت فظا غليظ القلب
لنفضوا من حولك" [آل عمران .]159:لقد كان سبيل الرسول -صلي ال عليه وسلم -فى الدعوة هو اللين والحلم
وكان يدعو بالحكمة والموعظة الحسنة كأمر ربه" :وادع إلى سبيل ربك بالحكمة والموعظة الحسنة" [النحل:
.]125وهذا الجانب من الحكمة من الهمية بمكان لنا فى دعوتنا ،لنه يغلب علينا تجاهله أحيانا! إن بعضنا يجهل
ظروف ونفسيات وقدرات من يدعوهم -خاصة النساء والولد -فيعرض لهم الدين فى صورة تبدو لهم وكأنه ل
يعدو مجموعة من القيود والغلل!! وبعضنا يدعو بترديد كلم قديم محفوظ ل علقة له بالحاضر ،فيبدو للسامعين
علينا أل يغيب عن بالنا أن الدعوة تهدف إلى تغيير ما فى نفوس الناس ..وهذا يقتضى الوصول إلى ما بداخلهم
وكان صلي ال عليه وسلم قدوة لما يدعو إليه ..وكذلك كان المسلمون الوائل ..وكان هذا هو أهم سلح ،بل
هذه هى سبيل الرسول -صلي ال عليه وسلم -التى نتأسى بها فنجعلها سبيلنا!
وقد رغب الرسول -صلي ال عليه وسلم -فى الدعوة فقال -ضمن حديث له": -من دعا إلى هدى كان له من الجر
مثل أجور من تبعه ل ينقص ذلك من أجورهم شيئا" [مسلم] ..وقال أيضا -ضمن حديث آخر" : -فوال لن يهدى
ومن باب الدعوة إلى الهدى التناصح فى الخير -وهو واجب بين المسلمين ..-وفى هذا قال الرسول -صلي ال عليه
وسلم" : -الدين النصيحة" فلما سئل لمن؟ قال" :ل ولكتابه ولرسوله ولئمة المسلمين وعامتهم" [مسلم] ..وقال
الصحابى جرير ابن عبد ال -رضي ال عنه : -بايعت رسول ال -صلي ال عليه وسلم -على إقامة الصلة وإيتاء
فعلينا أن ندعو وأن ننصح! وإذا قام كل منا بواجبه فى هذا المضمار فسنرى عدد رواد المساجد وحلقات الدرس
واقصد من المعايشة معرفة واقع الناس والختلط معهم تعليمهم وامرهم بالمعروف ونهيهم عن المنكر والحرص
على هدايتهم ومحبة الخير لهم وعدم أشعارهم بأنهم لشيء واشعارهم كذلك بمحبتهم ومحبت الخير لهم ولنا في
رسول ال أسوة حسنة .ولبد كذلك من المعايشة التي تعنى العيش مجتمعين على اللفة والمودة .ومعايشة المؤمنين
وتجنب الفاسقين واجب أمر به ال تعالى ..قال" :فأعرض عن من تولى عن ذكرنا ولم يرد إل الحياة الدنيا" [النجم:
.]29
وكما ورد في حديث نبوي ،فإن أول ما دخل النقص على بنى إسرائيل أنهم كانوا يتعايشون مع الفاسقين منهم ول
يقاطعونهم.
إن معايشة الفاسق قد تُعدى فسقا ..بينما أن معايشة المؤمن ل تثمر إل خيرا .وقد شبه الرسول-صلي ال عليه وسلم-
هذا الموقف فقال" :إنما مثل الجليس الصالح وجليس السوء كحامل المسك ونافخ الكير -فحامل المسك إما أن يُحذيك
(يعطيك) وإما أن تبتاع منه وإما أن تجد منه ريحا طيبا ..ونافخ الكير إما أن يحرق ثيابك وإما أن تجد منه ريحا
منتنة" [متفق عليه] .ولكن لبد من معرفة العوامل التي تساعد على تقارب المسلمين هو التعامل طبقا لتعاليم
السلم ..فقد نسيها المسلمون!! نسوا أن تعاليم السلم في التعامل بينهم تدعوهم إلى المحبة والتواد والعفو وكظم
الغيظ والتعاون والتآزر ،وغفلوا عن تحذير ال" :إن الشيطان ينزغ بينهم" (السراء ،)53:وأطلقوا لنفسهم العنان
علينا أل ننسى أننا بشر ،كل منا له نواقصه وعيوبه ،فل نتوقع المثالية فى تعاملنا مع بعضنا! ..علينا نعامل المخطئ
على أنه أخ ،فل نهجره وإنما نقف بجانبه لنساعده على تصحيح خطئه! ..علينا أن ندفع الساءة بالحسان كما قال
لنا القرآن" :ادفع بالتى هى أحسن السيئة فإذا الذى بينك وبينه عداوة كأنه ولى حميم" [فصلت ..]34:علينا أن نصفح
كتوجيه القرآن" :فاصفح الصفح الجميل" [الحجر ..]85:وأيضا" :وليعفوا وليصفحوا .أل تحبون أن يغفر ال
لكم؟!" [النور ..!]22:علينا أن نكظم الغيظ ونعفو لنكون من المحسنين الذين قال فيهم القرآن" :والكاظمين الغيظ
.علينا أن نتجمل بالصبر على الساءة كما قال لنا القرآن" :ولمن صبر وغفر إن ذلك من عزم المور" [الشورى:
!]4
ولنتأمل معا هذه الرواية التى رواها أبو هريرة -رضي ال عنه -قال :إن رجل شتم أبا بكر-رضي ال عنه -والنبى-
صلي ال عليه وسلم -جالس ..فجعل النبى -صلي ال عليه وسلم -يعجب ويبتسم ..فلما أكثر رد عليه بعض قوله..
فغضب النبى -صلي ال عليه وسلم -وقام ..فلحقه أبو بكر -رضي ال عنه -فقال :يا رسول ال ،إنه كان يشتمني
وأنت جالس ،فلما رددت بعض عليه قوله غضبت وقمت! قال" :إنه كان معك ملك يرد عنك ،فلما رددت عليه
لعله من النادر أن نرى أحدنا يتصرف كتوجيهات القرآن والرسول! إننا في أغلب الحوال تأخذنا العزة ،ونعتبر أن
عدم الرد عجز وضعف وذلة!! لقد قال لنا القرآن في وصف المؤمنين الذين يحبهم ال" :أذلة علي المؤمنين أعزة
على الكافرين" [المائدة .]54:فهذا هو توجيه القرآن -أن نذل لبعضنا البعض بالصبر على النواقص والعيوب،
وبالصفح والمغفرة ،وبالسماحة والتواضع ،وبالود والتراحم! علينا أن نقتدي بالمسلمين الوائل الذين قال فيهم
القرآن" :محمد رسول ال والذين معه أشداء على الكفار رحماء بينهم" [الفتح ..]29:وقد قال لنا رسول ال -صلي
ال عليه وسلم" : -من ل يَرحم ل يُرحم" [متفق عليه] ..وقال" :من ل يرحم الناس ل يرحمه ال" [متفق عليه].
ومن صفات التراحم ستر عيوب وأخطاء الخرين .قال -صلي ال عليه وسلم" : -ل يستر عبدٌ عبدًا إل ستره ال
يوم القيامة" [مسلم] ..جاء رجل يوما إلى عمر ابن الخطاب -رضي ال عنه -ظانّا أنه يحمل إليه بشرى ،فيقول :يا
أمير المؤمنين ،رأيت فلنا وفلنة يتعانقان وراء النخيل ..فيمسك عمر بتلبيبه (ثيابه) ويعلوه بمخفقته (عصا
صغيرة كان يحملها دائما) ويقول له بعد أن يوسعه ضربا" :هل سترت عليه ورجوت له التوبة؟! فإن رسول ال-
صلي ال عليه وسلم -قال" :من ستر مسلما ستره ال فى الدنيا والخرة" [مسلم].
فهل نتواد ونتراحم ونكون كالمثل الذي ضربه الرسول -صلي ال عليه وسلم -في حديثه" :مثل المؤمنين في توادهم
وتراحمهم وتعاطفهم مثل الجسد إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالسهر والحمى" [متفق عليه].
يرغب ال تعالى في اللتئام مع الجماعة المؤمنة التي تريد وجهه فيقول" :واصبر نفسك مع الذين يدعون ربهم
بالغداة والعشى يريدون وجهه .ول تعد عيناك عنهم تريد زينة الحياة الدنيا" [الكهف .]28:وليس أفضل من حلق
الذكر مكانا يلتئم فيه شمل المؤمنين لتتآلف قلوبهم ويربط بينهم الحب في ال ..وليس أوثق من رباط الحب في ال
رباطا بين الناس ،فهو رباط يحبه ال .قال صلي ال عليه وسلم" :قال ال تبارك وتعالى :وجبت محبتي للمتحابين
المتحابون في ال المتجالسون فى ال يحبهم ال ،وجزاؤهم يوم القيامة يخبرنا عنه الرسول -صلي ال عليه وسلم-
فيقول" :إن ال يقول يوم القيامة :أين المتحابون بجللى؟ اليوم أظلهم في ظلي يوم ل ظل إل ظلي" [مسلم].
ويصف لنا الرسول -صلي ال عليه وسلم -الثواب في مجرد التواجد في حلق الذكر فيقول" :إن ل ملئكة سيارة
ُفضُل يتبعون مجالس الذكر ،فإذا وجدوا مجلسا فيه ذكر قعدوا معهم وحف بعضهم بعضا بأجنحتهم حتى يملؤوا ما
بينهم وبين السماء الدنيا ،فإذا تفرقوا عرجوا وصعدوا إلى السماء ..فيسألهم ال عز وجل -وهو أعلم : -من أين
جئتم؟ فيقولون :جئنا من عند عباد لك فى الرض يسبحونك ويكبرونك ويهللونك ويحمدونك ويسألونك! قال :وماذا
يسألونى؟ قالوا :يسألونك جنتك! قال :وهل رأوا جنتى؟ قالوا :ل أي رب! قال :فكيف لو رأوا جنتى؟ قالوا:
ويستجيرونك! قال :ومم يستجيرونى؟ قالوا :من نارك يا رب! قال :وهل رأوا نارى؟ قالوا :ل! قال :فكيف لو رأوا
نارى؟ قالوا :ويستغفرونك! فيقول :فقد غفرت لهم ،وأعطيتهم ما سألوا ،وأجرتهم مما استجاروا .فيقولون :رب فيهم
فلن عبد خطّاء إنما مر فجلس معهم! فيقول :وله غفرت ،هم القوم ل يشقى بهم جليسهم" [متفق عليه والنص
لمسلم].
فل بد من التعاون وبعضنا يكمل بعض فمن الشباب من يكون بارزا في جانب وآخر في جانب آخر فإذا تعاونا
تكامل وسد كل واحد واحد منهم نقص الخر فخرج العمل منظما منسقا مثمرا آثاره كبيرة ومنفعته عظيمة .إن
العمل الفردي اللرتجالي عادة ما يكون هشا ضعيفا ل يحقق مصلحة عظيمة وال يقول ( ولوا أرادوا الخروج
لعدوا عدة ولكن كره ال انبعاثهم فثبطهم وقيل اقعدوا مه القاعدين)
فيا ايها الشاب المستقيم الذي اعنيه في هذه الرسالة حاول أن تجعل من نفسك مسلما مثاليا ،لتكون قدوة يحتذي بك.
ولعل هذه هي أصعب خطوة على الطريق ،لن جهاد النسان لنفسه ومغالبتها على اللتزام بأحكام الدين والصبر
والطريق لتحقيق ذلك يكون بوسيلتين -1 :ترسيخ العقيدة فى القلب -2السعى المستمر للرتفاع بمستوى اليمان.
لبد من الحرص على تجنب السباب التي ذكرناها مع أمور مهمة وهي كما يلي:
القلوب ل تطمئن إل بال ،وغنى العبد بطاعة ربه والقبال عليه ،ودين الحق هو تحقيق العبودية ل ،وكثيراً ما
يخالط النفوس من الشهوات الخفية ما يفسد تحقيق عبوديتها ل ،وإخلص العمال ل أصل الدين ،وبذلك أمر ال
رسوله بالخلص في قوله :فَاعْبُدِ الَّ مُخْلِصاً لّهُ الدّين [الزمر.]2 :
.]11
وبذلك أُمرت جميع المم قال جل وعلَ :ومَا ُأمِرُواْ ِإلّ لِ َيعْبُدُواْ الَّ ُمخِْلصِينَ لَهُ الدّين حُ َنفَاء وَ ُيقِيمُواْ الصّلَوا َة وَ ُيؤْتُواْ
وأحق الناس بشفاعة النبي يوم القيامة من كان أخلصَهم ل ,قال أبو هريرة رضي ال عنه :من أسعد الناس بشفاعتك
يا رسول ال؟ قال(( :من قال ل إله إل ال خالصاً من قلبه)) رواه البخاري.
به رفعة الدرجات وطرْق أبواب الخيرات يقول المصطفى (( :إنك لن تُخلف فتعمل عملً تبتغي به وجه ال إل
وإذا قوي الخلص ل علت منزلة العبد عند ربه ،يقول بكر المزني" :ما سبقنا أبو بكر الصديق بكثير صل ٍة ول
[النبياء.]87:
المخلص لربه مجاب الدعوة ,يقول النبي (( :انطلق ثلثة نفر ممن كان قبلكم حتى آواهم المبيت إلى غار فدخلوه,
فانحدرت صخرة من الجبل فسدت عليهم الغار ،فقالوا :إنه ل ينجيكم من هذه الصخرة إل أن تدعوا ال بصالح
أعمالكم ... ،فقال كل واحد منهم متوسلً إلى ال بصالح عمله وإخلصه :اللهم إن كنت فعلت ذلك ابتغاء وجهك
ففرّج عنا ما نحن فيه من هذه الصخرة ،فانفرجت فخرجوا يمشون)) متفق عليه.
بتجريد الخلص تزول أحقاد القلوب وضغائن الصدور ،يقول النبي (( :ثلثٌ ل يغل عليهن قلب مسلم :إخلص
في الخلص طمأنينة القلب وشعورٌ بالسعادة وراحة من ذل الخلق ،يقول الفضيل بن عياض رحمه ال" :من عرف
وكل عمل لم يقصد به وجه ال طاقة مهدرة وسراب يضمحل ،وصاحبه ل للدنيا جمع ول للخرة ارتفع ،يقول النبي
(( :إن ال ل يقبل من العمل إل ما كان له خالصاً ,وابتُغي به وجهه)) رواه النسائي.
وإخلص العمل ل وخلوص النية له وصوابه أصل في قبول الطاعات ،يقول ابن مسعود رضي ال عنه( :ل ينفع
والخلص أن تكون نيتك ل ل تريد غير ال ،ل سُمعة ول رياء ول رفعة عند أحد ول تزلفاً ول تترقب من الناس
مدحًا ول تخشى منهم قدحا ،وال سبحانه غني حميد ل يرضى أن يشرك العبد معه غيره ،فإن أبى العبد إل ذلك رد
ال عليه عمله ،قال عليه الصلة والسلم في الحديث القدسي ،قال ال عز وجل(( :أنا أغنى الشركاء عن الشرك,
من عمل عملً أشرك معي فيه غيري تركته وشركه)) رواه مسلم.
يا شباب السلم لعمل الصالح وإن كان كثيراً مع فساد النية يورد صاحبه المهالك ،فقد أخبر ال عز وجل عن
المنافقين أنهم يُصلّون وينفقون ويقاتلون ،وأخبر النبي عنهم أنهم يتلون كتاب ال في قوله(( :ومثل المنافق الذي يقرأ
بهم النار يوم القيامة قارئ القرآن والمجاهد والمتصدق بماله ,الذين لم تكن أعمالهم خالصة ل ،وإنما فعلوا ذلك
والعمل وإن كان يسيراً يتضاعف بحسن النية والصدق والخلص ،ويكون سبباً في دخول الجنات ,يقول النبي :
((مر رجل بغصن شجرة على ظهر طريق ،فقال :وال لُنحين هذا عن المسلمين ,ل يؤذيهم فأدخل الجنة)) رواه
مسلم.
((وامرأة بغي رأت كلباً يطيف بركيّة كاد يقتله العطش ،فسقته بموقها ما ًء فغفر ال لها)) متفق عليه.
يقول عبد ال بن المبارك" :رُب عملٍ صغيرٍ تعظمه النية ،ورب عملٍ كبيرٍ تصغره النية" ،قال ابن كثير رحمه ال
ولذا فكثر من الصالحات مع إخلص النيات ،فكن سبّاقا لكل عمل صالح ،ول تحقرن أي عملٍ تُخلص نيتك فيه ،فل
تعلم أي عملٍ يكون سبباً لدخولك الجنات ،ول تستخفن بأي معصية فقد تكون سبباً في دخولك النار ،كما قال عليه
الصلة والسلم(( :دخلت امرأة النار في هرةٍ حبستها ،ل هي أطعمتها ول هي تركتها تأكل من خشاش الرض))
متفق عليه.
وال جل وعل متصف بالحمد والكرم ،وإذا أحسن العبد القصد ولم تتهيأ له أسباب العمل فإنه يؤجر على تلك النية
وإن لم يعمل ,كرماً من ال وفضلً ،يقول عليه الصلة والسلم(( :من سأل ال الشهادة بصدق بلّغه ال منازل
الشهداء ,وإن مات على فراشه)) رواه مسلم ،ويقول النبي عن الرجل الذي ل مال عنده وينوي الصدقة :لو أن لي
بل إن الهمّ بعمل صالح يؤجر عليه العبد وإن تخلف العمل ،قال عليه الصلة والسلم(( :من هم بحسنة فلم يعملها
صدّق العمل النية فذاك ،وإن حيل بين العمل والنية فلك ما نويت ،ومن سرّه أن يكمُل له عمله فليحسن النية ,فإن ال
أيها المسلمون :إذا قوي الخلص وعظُمت النية وأُخفي العمل الصالح مما يُشرع فيه الخفاء قرُب العبد من ربه
وأظله تحت ظل عرشه ،يقول المصطفى (( :سبعة يظلهم ال في ظله يوم ل ظل إل ظله ـ وذكر منها ـ :رجل
تصدق بصدقة فأخفاها حتى ل تعلم شماله ما تنفق يمينه)) رواه مسلم.
خفُوهَا وَتُؤْتُوهَا
وكلما أُخفي العمل كان أقرب إلى الخلص ،قال جل وعل :إِن تُبْدُواْ الصّ َدقَاتِ فَ ِن ِعمّا ِهىَ وَإِن ُت ْ
يقول بشر بن الحارث" :ل تعمل لتُذكر ،أكتم الحسنة كما تكتم السيئة".
و ُفضّلت نافلة صلة الليل على نافلة النهار واستغفار السحر على غيره لن ذلك أبلغ في السرار ،وأقرب إلى
الخلص.
وعلى العبد الصبر عن نقل الطاعة من ديوان السر إلى ديوان العلنية ,وإذا أخلصت في العمل ثم أثنى عليك الخلق
وأنت غير متطلع إلى مدحهم فليس هذا من الرياء ،إنما الرياء أن تزين عملك من أجلهم .سُئل النبي عن الرجل يعمل
العمل من الخير يحمده الناس عليه ،فقال(( :تلك عاجل بشرى المؤمن)) رواه مسلم.
ومن كان يعمل صالحاً ثم اطلع الخلق على عمله فأحجم عن الستمرار في تلك الطاعة ظناً منه أن فعله بحضرتهم
ض على فعلك ,يقول الفضيل ابن عياض" :ترك العمل من أجل الناس رياء،
رياء فذلك من حبائل الشيطان ،فام ِ
وبعض الناس يظن أن الخلص مقصور على الصلة والصدقة والحج دون غيرها من الوامر ،ومن رحمة ال
ورأفته بعباده أن الخلص يُستصحب في جميع العبادات والمعاملت ،ليُثاب العبد على جميع حركاته وسكناته,
فزيارة الجار وصلة الرحم وبر الوالدين هي مع الخلص عبادة ،وفي جانب المعاملت من الصدق في البيع
والشراء وحسن عشرة الزوجة والحتساب في إحسان تربية البناء كل ذلك مع الخلص يُجازى عليه بالحسان،
يقول النبي (( :ولست تنفق نفقة تبتغي بها وجه ال إل أُجرت عليها ،حتى اللقمة تضعها في فيّ امرأتك)) متفق
عليه ،قال :شيخ السلم" :مَن عَ َبدَ ال وأحسن إلى الناس فهذا قائم بحقوق ال وحق عباد ال في إخلص الدين له،
ومن طلب من العباد العِوض ثناءً أو دعاءً أو غير ذلك لم يكن مُحسناً إليهم ل".
وأكثر من مطالعة أخبار أهل الصدق والخلص ،واقرأ سير الصالحين السلف ،واحتقر كل عمل صالح تقدمه،
وكن خائفًا من عدم قبوله أو حبوطه ،فليس الشأن التيان بالطاعات فحسب ,إنما الشأن في حفظها مما يبطلها.
ومن حفظ العمل عدم العجب وعدم الفخر به ,فازهد في المدح والثناء فليس أحد ينفع مدحه ويضر ذمه إل ال,
والموفق من ل يتأثر بثناء الناس وإذا سمع ثناءً لم يزده ذلك إل تواضعًا وخشية من ال ،وأيقِن أن مدح الناس لك
فتنة ،فادع ربك أن ينجيك من تلك الفتنة ،واستشعر عظمة ال وضعف المخلوقين وعجزهم وفقرهم ،واستصحب
دومًا أن الناس ل يملكون جنة ول نارًا ،وأنزل الناس منزلة أصحاب القبور في عدم جلب النفع لك ودفع الضر
عنك ،والنفوس تصلح بتذكر مصيرها ،ومن أيقن أنه يوسّد في اللحد فريدًا أدرك أنه لن ينفعه سوى إخلصه مع
ربه ,وكان من دعاء السلف" :اللهم إنا نسألك العمل الصالح وحفظه".
أيها المسلمون :ثوب الرياء يشف ما تحته ,يُفسد الطاعة ويُحبط الثواب ،وهو من أقبح صفات أهل النفاق يُرَاءونَ
س َولَ يَ ْذكُرُونَ الَّ ِإلّ قَلِيلً [النساء ,]142:وهو من أشد البواب خفاءًَ ,وصَفَه ابن عباس رضي ال عنهما
النّا َ
بقوله( :أخفى من دبيب النمل على صفاة سوداء في ظلمة الليل) .قال الطيبي رحمه ال" :وهو من أضر غوائل
النفس وبواطن مكائدها ,يُبتلى به المشمرون عن ساق الجد لسلوك طريق الخرة".
والنبي خافه على أمته وحذرهم منه قال عليه الصلة والسلم(( :أل أخبركم بما هو أخوف عليكم عندي من المسيح
الدجال)) قالوا :بلى يا رسول ال ،قال(( :الشرك الخفي ،يقوم الرجل يصلي فيزين صلته لما يرى من نظر الرجل
قال في تيسير العزيز الحميد" :الرياء أخوف على الصالحين من فتنة الدجال".
المرائي مضطرب القلب مزعزع الفكر ،ل يُخلِص في عبوديته ومعاملته ,يعمل لحظ نفسه تارة ولطلب الدنيا تارة
ولطلب الرفعة والمنزلة عند الخلق تارة ،المرائي يفضحه ال ويهتك ستره ويُظهر خباياه ،ضاعت آماله وخاب
سعيه ,وعومل بنقيض قصده ,يقول النبي (( :من يسمّع يسمع ال به ،ومن يرائي يرائي ال به)) رواه مسلم.
وإن أخفى المرائي كوامن نفسه وخفايا صدره أظهرها ال ،يقول النبي (( :المتشبع بما لم يعط كلبس ثوبي زور))
متفق عليه.
فاخشى على أعمالك من الخسران ،فالميزان يوم الحشر بمثاقيل الذر ،المن والذى يبطل البذل ،والرياء يحبط
العمل ،وإرادة الدنيا وثناء الخلق مُ َتوَعّد فاعله بدخول النار.
حدَا [الكهف.]110:
عمَلً صَالِحًا َولَ ُيشْ ِركْ ِبعِبَا َدةِ رَبّه أَ َ
فَلْ َي ْع َملْ َ
إذا أرت العانة من ال تعالي في دعوتك وعملك للسلم والمسلمين فعليك بالدعاء وللتجاء إلى ال فهو المعين
وهو المسدد وهو المدبر وال يقول في كتابة { وقال ربكم ادعوني أستجب لكم } [ غافر ، ] 60 :وقال تعالى :
{ وإذا سألك عبادي عني فإني قريب أجيب دعوة الداع إذا دعان فليستجيبوا لي وليؤمنوا بي لعلهم يرشدون }
[ البقرة ، ] 186 :وقال صلى ال عليه وسلم « :الدعاء هو العبادة » ،ثم قرأ { :وقال ربكم ادعوني أستجب
وقال « :إنّ ربكم تبارك وتعالى حيي كريم يستحي من عبده إذا رفع يداه إليه أن يردهما صفرا خائبين »
وقال « :ما من مسلم يدعو ال بدعوة ليس فيها إثم ول قطيعة رحم إل أعطاه ال بها إحدى ثلث :إما أن تعجل له
دعوته ،وإما أن يدخرها له في الخرة ،وإما أن يصرف عنه من السوء مثلها ،قالوا :إذا نكثر الدعاء ،قال صلى
واخيرا إليك آخي الحبيب هذه الرشادات التي ارتأيت ان تكون برنامجا لك ومما يساعد علي البتعد عن السلبة في
حياتك.
خذ قدرًا كافيًا من النوم بدون إسراف ،وحبذا لو نمت مبكرًا على وضوء.
احرص على تنويع برنامجك ،على أن يكون فيه أشياء محببة ،وتتوقع أن تحقق فيها نسبة عالية من النجاح ،وحاول
أن تبدأ بها.
انطلق لتنفيذ برنامجك ،مبتدئًا بدعاء الخروج ،ودعاء الركوب إن ركبت في ذهابك وإيابك.
احرص على إنجاز عملك أولً بأول بحيث تتمكن من إنهاء برنامجك مع نهاية يومك.
وأخيرا ،هذا هو اجتهادي! جزى ال خيرا من صوّب فيه أو أضاف إليه .وال أسأل أن يلهمنا الصواب ويسدد خطانا
على طريقه ،وأن يؤلف بين قلوبنا ويجمعنا بنعمته إخوانا
الشخصية هي المفهوم الشامل للذات النسانية ظاهراً وباطنا بكافة ميوله وتصوراته
وأفكاره واعتقاداته وقناعاته وصفاته الحركية والذوقية والنفسية .وتتعدد صفات
الشخصية في كتب علم النفس و الدراسات النفسية في كافة مجالت الحياة وكذلك
تشمل الجوانب الطبيعة النسانية .ولكن بما ان موضوعنا تتعلق بالشخصيتين
اليجابية والسلبية نذكر هنا الصفات الشخصية المتعلقة في هذين المجالين فقط.
هي الشخصية المنفتحة على الحياة ومع الناس حسب نوع العلقة.
هي الشخصية المتوازنة بين الحقوق والواجبات (أي ما لها وما عليها).
التكيف مع الواقع.
يتاثر بالمواقف حسب درجة اليجابية والسلبية (أي ان يقيس اليجابية بالمصلحة
العامة ليضخم السلبية اكثر من الواقع).
يعمل على تطوير الموجود ويبحث عن المفقود ويعالج العقبات.
التصرف الحكيم.
المراجعة للتصحيح.
الستعانة بال.
تكره النتقام يذم الحقد وينتقد الحسود وليجلس في مجالس الغيبة والنميمة.
هذه هي الشخصية اليجابية المقبولة عند الرحمن والمحبوبة عند النسان ،سليمة في
نفسيتها تواقة للخير ،وتتامل في سبب وجودها ،تتقدم بايجابيتها ،وتتفاعل بكل ما
عندها من عطاء .اذًا هي الشخصية الصالحة والمُصلحة ،وهي الشخصية الخيّرة
بمعنى الكلمة.
باطنها مملوءة بالنتقام و العدوان ،و في أكثر الحيان ل تستطيع أن ينفذ ما يريد ،إذاً
ينعكس ذلك في كلماته وآرائه.
هذه الشخصية ضعيفة الفعالية في كافة مجالت الحياة ،و ل يرى للنجاح معنى ،أو
ليس عندها مشروعاً اسمه النجاح بل يحاول إفشال مشاريع النجاح.
ل يؤمن بمسيرة ألف ميل تبدأ بخطوة ،بل ليس عندها همة الخطوة الولى ،و لهذا ل
تتقدم و ل تحرك ساكناَ و إن فعل في مرة يتوقف مئات المرات.
دائماً تقوم بدور المعوق و المشاغب بكل ما هو تحت تصرفها أو ضمن صلحياتها.
يحتمل أن يتسائل أحد القراء هل الشخصية تنقسم الى شخصية سلبية وأخرى إيجابية
و يحسم المر وينتهي بالخصال الموجودة في كليهما؟
و من صفاتها:
في ذاتها متكونة من نقيضين ،العدو والصديق ينفعل بهما حسب الضرورة (أي معيار
العداء و الولء هي مصلحتها).
التعامل النفساني هو الغالب عليها ولترى للساليب الخرى من معانٍ حميدة.
مفرطة في مقاييسها في ذم الخرين و تزكيتهم ،أيضاً وفق معاييرها و رضاها.
أليست هذه الشخصية هي شخصية المنافق؟
بلى وال هذه الشخصية ممزوجة بالنفاق ومطعّمة بخبثهم و تتمنى أن يجلس في
مجالسهم .نعوذ بال منها و من صفاتها
كيف تحمين نفسك من المؤثرات السلبية والتفكير الهدام؟
الشخص الذي يعبر بكلمات من فمه عن أفكار سلبية أو هدامة لبد ّ أن يعاني
من نتائج تلك الكلمات بشكل ارتدادي ،وحتى إطلق الدوافع الفكرية الهدامة
وحدها دون مساعدة الكلمات يولد ارتدادا ً متعدداً .فأولً ،وربما هذا أهم ما
يجب أن نتذكره ،أن الشخص الذي يطلق أفكارا ً ذات طبيعة هدامة يجب أن
يؤدي تواجد أي مشاعر هدامة في العقل إلى تطوير شخصية سلبية ينفر
منها الخرون وتبعد الخرين عنها وتحولهم إلى أعداء ومعادين .والمصدر
الثالث للضرر الناتج للشخص الذي يطلق أفكارا ً سلبية أو يرعاها كامن في
حقيقة مهمة هي أن تلك الفكار السلبية ليست مضرة بالخرين فقط بل هي
إفترض أن عملك في الحياة هو تحقيق النجاح ،ولكي تكون ناجحا ً علي أن
بإمكانك أن تسيطر على عقلك وتواجهه وأنت تملك القدرة على تغذيته بأي
دوافع فكرية تختارها ،وهذا يملي عليك مسؤولية استعمال عقلك بشكل بنّاء.
فأنت سيد مصيرك على الرض وذلك يعطيك القوة بالسيطرة على أفكارك
وبإمكانك أن تؤثر وتوجه ،وفي النهاية تسيطر على بيئتك بحيث تصنع حياتك
كما يحلو لك ،أو بإمكانك أن تهمل ممارسة هذه الميزة المر الذي يعرضك
لتبدل الظروف والحوال التي تصبح مسيطرة عليك بدل ً من أ تكون مسيطراً
عليها.
كما أن هنالك آفة سيئة يعاني منها الناس ،وهي تمثل تربة غنية تنمو فيها
بذور الفشل بكثرة وهي خبيثة وماكرة إلى حد أنه قد ل يتم اكتشاف وجودها
ول يمكن تصنيفها بشكل من أشكال الخوف لنها أكثر عمقا ً وتجذراً ،وكي
فغالبا ً ما يحمي الرجال الذين يجمعون ثروات كبيرة أنفسهم من هذه الفة
الشريرة ،لكن الفقراء ل يفعلون ذلك ويجب على أولئك الذين ينجحون في
مدركا ً لوجوده خلل النوم أو اليقظة .وبالضافة إلى ذلك فإن السلح الذي
تستعمله تلك الفة غير ملموس لنه مكون كليا ً من حالة ذهنية .وهذا الشر
خطير أيضا ً لنه يضرب في أشكال متعددة تماثل تعدد التجارب البشرية ،وهو
يدخل في بعض الحيان إلى عقل النسان من خلل كلمات للقارب قد تكون
منطلقة بنية حسنة أو بمعنى معقول ،وفي أحيان أخرى ينطلق من داخل
النسان ذاته ،من خلل سلوكه الفكري ،وهو مميت كالسم رغم أنه قد ل
أو نتيجة نشاطات أشخاص سلبيين حولك يجب عليك أن تدرك أنك تملك
قوة الرادة وأن تستعمل تلك القوة بشكل دائم حتى تبني لنفسك جدارا ً من
واعرف أنك بالفطرة عرضة لكل المخاوف وبالتالي يجب عليك أن تُكوِّن
واعرف أن المؤثرات السلبية تعمل فيك من خلل عقلك الباطني لهذا يكون
من الصعب اكتشاف وجودها ،وحافظ على إغلق ذهنك أمام كل الشخاص
بالبرد واللم أو أي أمراض وهمية أخرى ،ول تتوقع دائما ً حصول مشاكل لنها
الذين يعترفون بوجوده عندهم يهملون أو حتى يرفضون تصحيحه حتى يصبح