Professional Documents
Culture Documents
"
وخلل السنوات العشر الخيرة؛ زاد من
لم يعد مشروع توريث
حدة الزمة ملمح بدت واضحة فى سياسات
الحكم إلى نجل الرئيس
النظام؛ وذلك بتصعيد مكشوف لنجل الرئيس
المصري مجرد اختيار
مبارك إلى سدة الحكم في عملية "توريث"
شخصي وعائلي
قيصرية؛ استدعت تغييًرا في نصوص
للرئيس مبارك والسيدة
الدستور لتمنع تماًما أية فرصة أمام أي
زوجته فقط ،لكنه صار
شخص للترشح والمنافسة الجادة والحقيقية
اختيار تحالف اجتماعي
لنجل الرئيس ،كما تطلب المر إلغاًء لنص
واقتصادي وسياسي
وُروح المادة ) (88من الدستور التي كانت
لجماعات المال
تنص على الشراف القضائي الكامل
والعمال المرتبطة
والشامل على العملية النتخابية.
بالنظام والحكم.
وقد ترتب على هذه الجراءات التوريثية "
ردود أفعال متعددة من جانب أطراف
عديدة؛ بعضها معَلن وصاخب وبعضها الخر ل يزال حتى هذه اللحظة صامًتا ومكتوًما خاصة لدى دوائر مؤثرة في
أجهزة الدولة.
وقد تزايدت المخاوف لدى كافة الطراف المعارضة ،وحتى داخل دوائر الحكم والدارة الحكومية في الفترة الخيرة
بعد أن تعرضت صحة الرئيس حسني مبارك لتدهور متكرر استدعى نقله إلى عدة دول أوروبية -آخرها ألمانيا-
لجراء عمليات جراحية حساسة في ظل سيناريوهات واحتمالت عديدة ،يضع كل منها مصر في دوائر الخطر
والنزلق إلى المجهول.
وتناقش هذه الورقة السيناريوهات والحتمالت القائمة في مصر خلل الشهور الخمس عشرة القادمة؛ أي حتى
إجراء ما يسّمى بالنتخابات الرئاسية في نوفمبر/تشرين الثاني من عام )2011م(.
وقد جرى اختيار أسلوب السيناريوهات في تحليل المستقبل السياسي الغامض في مصر لن السيناريوهات بطبيعتها
أسلوب ُينَتَهج في ظل:
.1نقص كبير في بعض المعلومات.
.2تعدد الطراف المشاركة في الظاهرة ،وتنوع أوزانها النسبية بما يؤدي إلى تعدد الحتمالت.
.3عدم اليقين في نوايا بعض الطراف أو الخصوم.
.4مراعاة عنصر المفاجأة الذي يغلب أحيانا في حالة الدولة غير المؤسسية.
ويجدر بالذكر أن هذه الورقة كانت أساس نقاش مجموعة منتقاة من الخبراء والمحللين هم أعضاء في "جماعة العمل
الوطني" ،وهي جماعة تكونت في مارس/آذار 2010م ،وأعلنت عن وجودها في مؤتمر حاشد بنقابة الصحفيين
المصريين آنذاك.
العناصر الحاكمة في طبيعة الصراع على مستقبل الحكم في مصر :توجد خمسة عناصر أساسية حاكمة فى طبيعة
الصراع حول مستقبل الحكم في مصر ،وهي:
.1مشروع التوريث )طبيعة التحالف الجتماعي الحاكم -طبيعة الرغبات الشخصية للرئيس مبارك وأسرته(.
.2قدرات قوى وحركات المعارضة المصرية ،وتحديًدا قوى:
○محمد البرادعى وأنصاره.
○قوى المجتمع المدني.
○أحزاب المعارضة الرسمية.
○جماعات وحركات اجتماعية متعددة.
○الخوان المسلمون.
.3طموحات ورغبات بعض قيادات المؤسسة العسكرية.
.4قدرات أجهزة المن الداخلية.
.5رغبات واتجاهات الوليات المتحدة ،وقوة تأثيرها على مفاصل الدولة المصرية )الجيش رجال المال
والعمال المخابرات ..إلخ(.
أول :مشروع التوريث
ثانًيا :السيناريوهات المحتملة أمام الرئيس مبارك والنظام الحاكم
مشروع التوريث
لم يعد مشروع توريث الحكم إلى نجل الرئيس المصري مجرد اختيار شخصي وعائلي للرئيس مبارك والسيدة
زوجته فقط ،لكنه صار اختيار تحالف اجتماعي واقتصادي وسياسي لجماعات المال والعمال المرتبطة بالنظام
والحكم )تعدادهم ألفا رجل تقريًبا( ،وهؤلء يمتلكون حوالي %24من الدخل القومي أي حوالي 200مليار جنيه
سنوًيا ،كما أن ارتباطاتهم بالغرب وإسرائيل قوية .بيد أن ظهور محمد البرادعى قد أعاق المقبولية الجبرية لدى
المواطنين ودوائر متعددة لهذا الختيار.
السيناريوهات المحتملة أمام الرئيس مبارك والنظام
إذا كان مشروع التوريث كذلك ،فما السيناريوهات المحتملة أمام الرئيس مبارك ونظامه؟
في رأينا هناك أربعة سيناريوهات ل خامس لها:
السيناريو الول :التمديد
أن يقوم الرئيس مبارك بالتمديد لنفسه )يعلن ترشحه للنتخابات الرئاسية العام القادم(؛ لكن هذا المسار تكتنفه عدة
مخاطر:
.1
.2أن حالته المرضية قد تتدهور فيضع النظام في نفس الورطة.
.3أن حالته الذهنية ل تجعله قادًرا على السيطرة على المور؛ فتنشأ مراكز قوى متصارعة داخل النظام
)ديوان الرئيس المخابرات قيادة الجيش الداخلية الحزب الوطني ..إلخ (.
.4ربما يؤدي ضعفه إلى بروز تمردات أو طموحات خارج نطاق السيطرة لدى المؤسسة العسكرية أو لدى
أي طرف داخل مؤسسات القوة.
.5وربما يؤدي ضعفه كذلك إلى تفكك داخل حزب النظام )الحزب الوطني الحاكم( ،وزيادة حدة الصراعات
شلله وجماعاته؛ لن بقاء التماسك الشكلي الحالي لهذه المؤسسة الحزبية مرهون بعدة
بين أشخاصه و ِ
أشخاص منهم )الرئيس مبارك نفسه صفوت الشريف رئيس مجلس الشورى وأمين عام الحزب الحاكم
زكريا عزمي رئيس ديوان رئيس الجمهورية( أكثر من أي شخص آخر بمن فيهم جمال مبارك.
وبرغم المخاطر المصاحبة لهذا المسار فربما يكون هو القرب إلى طبيعة شخصية الرئيس مبارك المتمسك بالحكم
حتى آخر نفس كما قال وأّكد قبل ذلك ،وكذلك لضمان ولء المؤسسة العسكرية.
السيناريو الثاني :التوريث
يقوم هذا السيناريو على فرضية إسراع الرئيس مبارك ونظامه الحاكم في توريث الحكم إلى نجله جمال خلل
الشهور القادمة ،وذلك عبر:
•ترفيعه لمنصب رئيس الوزراء )تؤول السلطة مؤقتا لرئيس الوزراء في حال وفاة الرئيس لحين إجراء
انتخابات بحسب التعديلت الخيرة للدستور(.
•أو توليته منصب المين العام للحزب الحاكم )مع ترضية صفوت الشريف بمنصب رفيع آخر(.
•إجراء انتخابات رئاسية يدخل فيها جمال مبارك كمرشح عن الحزب الوطني والفوز بها؛ لنها ل تتوفر
على ضمانات النزاهة خاصة بعد استبعاد الشراف القضائي الكامل عليها.
لكن هذا السيناريو تكتنفه أيضا عدة مخاطر أبرزها ما أحدثه ظهور البرادعى من شرخ عميق في صيرورة هذا
المشروع )لدى رجل الشارع لدى قطاعات واسعة من النخبة لدى بعض قيادات المؤسسة العسكرية والمنية -
والهم لدى الوليات المتحدة والغرب الوروبي( .ومن المفيد القول هنا :إن نظام الرئيس مبارك سوف يعتمد في
تمرير مشروع توريث نجله على هذه العناصر حصريا:
•رضا القوات المسلحة.
•تأييد أجهزة المن الداخلي.
•مساندة الحزب الحاكم.
•قبول الوليات المتحدة والغرب وإسرائيل بالوريث.
غير أن العنصرين الحاكمين في تقديري هنا ،هما:
.1القوات المسلحة.
.2أجهزة المن الداخلي.
سا لمشروع التوريث بعد ظهور
صا هما أقل حما ً
وفي تقديري كذلك فإن الغرب عموًما والوليات المتحدة خصو ً
البرادعي.
السيناريو الثالث :نقل السلطة فى إطار جماعي شبه عسكري
ويقوم هذا السيناريو على فرضية نقل الرئيس مبارك السلطة سلمًيا إلى ما يمكن أن ُيطلق عليه إطار جماعي شبه
عسكري ،وذلك عن طريق:
•تعيين نائب للرئيس من داخل المؤسسة العسكرية.
•أو تكوين إطار )هيئة جماعية( من مجلس المن القومي )وزير الدفاع مدير المخابرات وزير الداخلية
رئيس الوزراء وزير الخارجية أمين الحزب الحاكم(.
لكن احتمالت هذا السيناريو ضئيلة للغاية لعدة اعتبارات:
.1
.2الول :طبيعة التركيبة النفسية والذهنية للرئيس مبارك التي تميل إلى النفراد بالحكم والقرار من ناحية،
وترغب في توريث الحكم لبنه من ناحية أخرى.
.3الثاني :أن هذا الطار الجماعي هو بطبيعته خالق لتنازع وصراعات بين أطرافه ورموزه والمؤسسات
التي تقف خلفهم.
.4الثالث :أنها صيغة ربما تكون غير مقبولة لدى الوليات المتحدة والغرب عموًما ،ومعروف عن مبارك أنه
يأخذ مواقف هذه القوى بعين العتبار بصورة كبيرة فى معظم تصرفاته وقراراته.
إذن فالرجح -في تقديري -هو أحد السيناريوهين الولين :التمديد لنفسه بكل ما يكتنف ذلك من مخاطر ومحاذير ،أو
توريث الحكم لنجله بكل ما في ذلك من منزلقات ومخاطر.
وبالتالي فإن مفتاح الموقف كله في أيدى ثلثة عناصر من وجهة نظر النظام ورئيسه:
.1المؤسسة العسكرية )قياداتها العليا(.
.2المؤسسة المنية )الداخلية(.
.3ثم القبول الغربى والميركي بأحد السيناريوهين ودعمهما له.
بالنسبة للعنصرين الولين )الجيش الداخلية(
ل؛ لنها محكومة بقرار الجيش وهيئة أركانه،
إذا كان معلوما أن الداخلية ل تستطيع أن تتخذ موقًفا منفرًدا أو مستق ً
فحينئذ لن يبقى سوى موقف المؤسسة العسكرية ،وهنا لدينا عدة وقائع ومؤشرات:
.1المؤشر الول :ليس لدينا حركة أو موقف سياسي منظم داخل القوات المسلحة وهيئاتها من موضوع
التوريث لنجل الرئيس ،فهي ملتزمة فقط على -ما يبدو -بالقائد القدم لها وهو الرئيس مبارك نفسه.
ضا حالة همهمة وعسعسة بين بعض كبار ضباط القوات المسلحة تجاه الوضع.2المؤشر الثاني :أن لدينا أي ً
القلق وفكرة التوريث دون أن يتجّرأ أحد على التحرك ،أو القدام على إعلن موقف ،أو حتى البوح
لخرين بموقف.
.4المؤشر الرابع :أن القوات المسلحة المصرية وكبار قادتها ل يعتنقون أيديولوجية معينة يدافعون عنها،
ويعادون ويصالحون انطلقا منها أيا كانت هذه اليديولوجية سواء أكانت إسلمية أم علمانية )باستثناء
كراهيتهم للشيوعية( ،وبالتالي فهي مؤسسة مهنية تخضع للهراركية التقليدية )التراتبية الدارية والوظيفية(.
وعليه فإن الحالة الوحيدة التي يمكن تصور ظهور موقف سياسي للمؤسسة العسكرية خارج العملية المرسومة
لتوريث الحكم أو التمديد للرئيس مبارك نفسه هي حدوث حالة إضرابات واسعة في شوارع المدن المصرية تخرج
عن نطاق سيطرة قوات المن الداخلية.
وهنا سوف تتبنى القيادة العليا للجيش )هيئة الركان( موقًفا مغايًرا مستندة فيه إلى:
.1مشروعية الحفاظ على السلم الهلي.
ظا على علقاتها بالوليات المتحدة ،وتجنًبا لحصار
.2إظهار نفسها بأنها ل تقوم بانقلب عسكري حفا ً
أوروبي وأميركي ضدها )نموذجا النيجر وموريتانيا ماثلن في الذهان(.
وهناك مؤشرات ووقائع عديدة تعزز من احتمالت هذا السيناريو ،منها:
.1إجراء الجيش لكثر من مناورة جزئية على انتشار مكثف لسرايا الشرطة العسكرية المدعومة بالمدرعات
الخفيفة فى المدن المصرية.
.2تواجد عناصر من المخابرات الحربية في معظم مظاهرات واجتماعات قوى المعارضة منذ ديسمبر/كانون
الول عام 2004م حتى الن.
.3إعداد خطط طوارئ وخرائط عمليات بالمدن المصرية في حال تطلب الموقف التدخل العسكري المباشر.
السيناريو الرابع والخير :حالة الوفاة المفاجئة للرئيس
ويقوم هذا السيناريو على فرضية وفاة الرئيس المصري حسني مبارك ) 82عاما( فجأة ،وهنا سوف نجد أنفسنا إزاء
مؤسستين داخل النظام والحكم:
•
•المؤسسة العسكرية والمنية بكل
القوات المسلحة
روافدهما.
المصرية وكبار قادتها
•مؤسسة "الحزب الوطني"، يعتنقون أيديولوجية
وجماعات رجال المال والعمال معينة يدافعون عنها،
المتربعة على عرشه ،والمسيطرة على ويعادون ويصالحون
مفاصله. انطلقا منها أيا كانت
والسؤال الذي يطرح نفسه هنا هو :هل يمكن هذه اليديولوجية سواء
إجراء توافق بين طموحات كل من جمال أكانت إسلمية أم
مبارك وقيادات المؤسسة العسكرية .ولكي .
تكون الجابة دقيقة على هذا السؤال ينبغي
معرفة أن ذلك سيتوقف على عنصرين
مهمين سيلعبان دورا في تحديد اتجاه ومسارات المور:
•الول :تأثير المعارضة المصرية في الشارع ودرجة فاعليتها في تلك اللحظة المفصلية )لحظة وفاة
الرئيس(.
•الثاني :الوليات المتحدة )ومعها الغرب الوروبي( وحسابات المصالح الخاصة بها ول سيما فيما يتعلق
باستمرارية الدور المصري الداعم لهذا المصالح في المنطقة.
وتقديـري أنه
إذا تحركت قوى المعارضة المصرية بفاعلية في الشارع وعلى امتداد معظم محافظات مصر ضد توريث الحكم
لجمال مبارك وضد "الحزب الوطني"؛ فإن المؤسسة العسكرية غالًبا ستقطع الطريق على هذا المشروع برمته.
أما إذا ظلت المعارضة مجرد كيان شاحب ل تأثير له فإن تناغًما في المصالح بين الطرفين –وبتأثير من الوليات
المتحدة -سيؤدي إلى انتقال السلطة بصورة ما إلى "مرشح الحزب الوطني" المقبول من قادة المؤسسة العسكرية )أّيا
كان اسم هذا المرشح(.
من هنا يأتي الدور التاريخي والمصيري المنوط بالقوى الوطنية المصرية أن تلعبه في الفترة القادمة لفشال كل هذه
السيناريوهات وإقرار السيناريو "الطبيعي" القائم على توفير كافة الضمانات اللزمة لجراء انتخابات رئاسية شفافة
تعبر عن الخيار الحقيقي للشعب ،حتى تتجنب البلد النزلق إلى مخاطر ل يعلمها إل ال.
_______________
خبير فى الشؤون القتصادية والستراتيجية