Professional Documents
Culture Documents
من
تيسير الكريم الرحمن
في
تفسير كلم المنان
ﭟ ﭠ ﭡ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ ﭝ ﭞ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭽﭑ
ﭯ ﭰ ﭪ ﭫﭬ ﭭ ﭮ ﭥ ﭦ ﭧ ﭨ ﭩ ﭢ ﭣ ﭤ
ﮀ ﮁ ﭾ ﭿ ﭴ ﭵ ﭶ ﭷ ﭸ ﭹ ﭺ ﭻ ﭼ ﭽ ﭱ ﭲ ﭳ
ﮑ ﮒﮓ ﮇ ﮈ ﮉ ﮊ ﮋ ﮌ ﮍ ﮎ ﮏ ﮐ ﮄ ﮅ ﮆ ﮃ ﮂ
ﮖ ﮗ ﭼ. ﮔ ﮕ
} 1ـ {2يقول تعالى لرسوله محمد صلى الله عليه وسلم
ل حوى ب جلي ٌ ل إليك{؛ أي :كتا ٌ مبينا ً له عظمة القران}:كتا ٌ
ب أن ْزِ َ
ل ما يحتاج إليه العباد وجميع المطالب اللهّية والمقاصد ك ّ
ك منهن في صدرِ َ ل .فل يك ْ الشرعّية محكما ً مفص ً
ل من حكيم م أنه تنزي ٌ ه ،بل لتعل ْ ك واشتبا ٌ ج{؛ أي :ضيقٌ وش ّ حَر ٌ
} َ
)(1
ح له
حميد ،ل يأتيه الباطل من بين يديه ول من خلفه ،فلينشرِ ْ
سك ،وْلتصدع ْ بأوامره ونواهيه ،ول تخش ن به نف ُ صدُرك ،ولتطمئ ّ
كرهم فتقوم لئما ً ومعارضًا؛ }لتنذَر به{ :الخلق وت َِعظهم وتذ ّ
)(2
ن{؛ كما ن }ذكرى للمؤمني َ الحجة على المعاندين} ،و{ ليك ْ
كرون به ن{ :يتذ ّ ذكرى تنفعُ المؤمني َ ن ال ّقال تعالى} :وذك ّْر فإ ّ
الصراط المستقيم ،وأعماله الظاهرة والباطنة ،وما يحول بين
العبد وبين سلوكه.
} {3ثم خاطب الّله العباد ،ولفتهم ) (3إلى الكتاب ،فقال :ﭽ
ل إليكم من رّبكم{؛ أي :الكتاب الذي أريد إنزاله ات ِّبعوا ما أنزِ َ
م تربيَته لكم ،فأنزل لجلكم ،وهو }من رّبكم{ ،الذي يريد أن ي ُت ِ ّ
ت عليكم م ْت تربيُتكم وتـ ّ عليكم هذا الكتاب الذي إن اتبعتموه كمل ْ
هديتم لحسن العمال والخلق ومعاليها} ،ول تت ِّبعوا من ةو ُ
النعم ُ
دون ِهِ أولياَء{؛ أي :تتوّلونهم ،وتّتبعون أهواءهم ،وتتركون لجلها
كرتم وعرفتم المصلحة؛ لما ن{ :فلو تذ ّ كرو َق} ،قليل ً ما ت َذ َ ّ الح ّ
آثرُتم الضاّر على النافع والعدوّ على الولي.
- 1في )ب(» :ل يأتيه الباطل من بين يديه ول من خلفه ،تنزيل من حكيم
حميد ،وأنه أصدق الكلم«.
ن«. - 2في )ب(» :وليكو َ
3
-في )ب(» :وأن هذا ليس مقصودًا«.
ي؛ فغايُته أن يسُتر العورة الظاهرة والروح ،وأما اللباس الظاهر ّ
في وقت من الوقات ،أو يكون جمال ً للنسان ،وليس وراء ذلك
منه نفع .وأيضًا؛ فبتقدير عدم هذا اللباس تنكشف عورت ُ ُ
ه الظاهرةُ
فها مع الضرورة ،وأما بتقدير عدم لباس التي ل يضّره كش ُ
التقوى؛ فإنها تنكشف عورته الباطنة ،وينال الخزيَ والفضيحة.
ن{؛ أي :ذلك المذكور وقوله} :ذلك من آيات الّله لعّلهم يذ ّ ّ
كرو َ
لكم من اللباس مما تذكرون به ما ينفُعكم ،ويضّركم ،وتستعينون
) (1باللباس الظاهر على الباطن.
ﮗ ﮐ ﮑ ﮒ ﮓ ﮔ ﮕ ﮖ ﭽﮊ ﮋ ﮌ ﮍ ﮎ ﮏ
ﮡﮢ ﮣ ﮤ ﮥ ﮦ ﮧ ﮨ ﮩ ﮪ ﭼ. ﮘﮙ ﮚ ﮛ ﮜ ﮝ ﮞ ﮟ ﮠ
ذرا ً لبني آدم أن يفعل بهم الشيطان } {27يقول تعالى مح ّ
ن{ :بأن يزّين م الشيطا ُ فت ِن َن ّك ُ ُ
كما فعل بأبيهم} :يا بني آدم ل ي َ ْ
غبكـم فيه فتنقادون له} ،كما ن ويدعوكم إليه وير ّ لكم العصيـا َ
ل العالي إلى أنزل ج أب َوَْيكم من الجنة{ :وأنزلهما من المح ّ أخر َ
منه؛ فأنتم يريد أن يفعل بكم كذلك ول يألو جهده عنكم حتى
حذ ََر منه في ) (2بالكم، يفت َِنكم إن استطاع؛ فعليكم أن تجعلوا ال َ
ة الحرب بيَنكم وبينه ،وأن ل تغفلوا عن المواضع وأن ت َل َْبسوا لم َ
التي يدخل منها إليكم .فإّنه يراقُِبكم على الدوام ،و}يراكم هو
ه{ :من شياطين الجن}من حيث ل ت ََروَْنهم إنا جعلنا وَقبيل ُ ُ
ب
م اليمان هو الموج ُ ن{ :فعد ُ ن أولياَء للذين ل يؤمنو َ الشياطي َ
ن على س له سلطا ٌ لعقد الولية بين النسان والشيطان} .إّنه لي َ
ه على الذين ي َت َوَل ّوْن َ ُ
ه ن .إّنما سلطان ُ ُ م ي َت َوَ ّ
كلو َ الذين آمنوا َوعلى رب ّهِ ْ
ن{. والذين هم ب ِهِ مشركو َ
ﭽ ﮫ ﮬ ﮭ ﮮ ﮯ ﮰ ﮱ ﯓ ﯔ ﯕﯖ ﯗ ﯘ ﯙ ﯚ ﯛ ﯜﯝ ﯞ
ﯷ ﯷ ﯯ ﯰ ﯱ ﯲﯷ ﯷ ﯟ ﯠ ﯡ ﯢ ﯣ ﯤ ﯥ ﯦ ﯧ ﯨﯩ ﯪ ﯫ ﯬ ﯭ ﯮ
ﯷ ﯷ ﯷ ﯷ ﯷ ﯼ ﯽ ﯾ ﯿ ﯷ ﯷ ﯷ ﯷ ﯷ ﯷ ﯷ ﯷ ﰈ ﰉ ﭼ.
} {28يقول تعالى مبّينا ً لقبح حال المشركين الذين يفعلون
ة{ :وهي ه أمرهم بها} :وإذا فعلوا فاحش ً الذنوب وينسبون أن الل ّ َ
كل ما ُيستفحش وُيستقبح ،ومن ذلك طوافهم بالبيت عراة،
مَرنا بها{: دقوا في هذا} ،والل ّ ُ
هأ َ ص َ
دنا عليها آباَءنا{ :و َ
ج ْ
}قالوا وَ َ
نوكذبوا في هذا ،ولهذا رد ّ الّله عليهم هذه النسبة ،فقال} :قل إ ّ
الّله ل يأمُر بالفحشاء{؛ أي :ل يليق بكماله وحكمته أن يأمر
ول«.
-في )ب(» :أو التق ّ
2
النار{؛ أي :عذ ّْبهم عذابا ً مضاعفا ً لّنهم أضّلونا وزينوا لنا العمال
الخبيثة.
فقالت }أولهم لخراهم{؛ أي :الرؤساء قالوا لتباعهم:
}فما كان لكم علينا من فضل{؛ أي :قد اشتركنا جميعا ً في الغ ّ
ي
ل لكم علينا؟ والضلل ،وفي فعل أسباب العذاب؛ فأيّ فض ٍ
ف{ :ونصيب من العذاب، ل{ منكم }ضع ٌ }قال{ الّله} :لك ّ
ن{ :ولكنه من المعلوم أن سبو َ
}فذوقوا العذاب بما كنتم تك ِ
عذاب الرؤساء وأئمة الضلل أبلغُ وأشنعُ من عذاب التباع؛ كما
ن نعيم أئمة الهدى ورؤسائه أعظم من ثواب التباع؛ قال تعالى: أ ّ
بدناهم عذابا ً فوق العذا ِ دوا عن سبيل الل ّهِ زِ ْ فروا وص ّ }الذين ك َ َ
سدون{ .فهذه اليات ونحوها دّلت على أن سائر ف ِ
بما كانوا ي ُ ْ
أنواع المكذبين بآيات الّله مخّلدون في العذاب مشتركون فيه
وفي أصله ،وإن كانوا متفاوتين في مقداره بحسب أعمالهم
وعنادهم وظلمهم وافترائهم وأن مودتهم التي كانت بيَنهم في
ة.
دنيا تنقلب يوم القيامة عداوة ً وملعن ً ال ّ
ﮏ ﮐ ﮑ ﮒ ﮓ ﮔ ﮕ ﮖ ﮗ ﮘ ﭽﮌ ﮍ ﮎ
ﮙ ﮚ ﮛ ﮜ ﮝ ﮞ ﮟﮠ ﮡ ﮢ ﮣ ﮤ ﮥ ﮦ ﮧ ﮨ ﮩ ﮪ ﮫﮬ ﮭ ﮮ ﮯ
ﮰ ﭼ.
ن بهاذب بآياته فلم يؤم ْ } {40يخبر تعالى عن عقاب من ك ّ
ذب، ت واستكبر عنها فلم ينقد ْ لحكامها بل ك ّ مع أنها آيات بينا ٌ
ب السماء لرواحهم ح أبوا ُ ل خير؛ فل تفت ّ ُ وتولى أنهم آيسون من ك ّ
ن لها؛ ن ،فل يؤذ َ ُ ج إلى الّله ،فتستأذ ُ إذا ماتوا ،وصعدت تريد العرو َ
ّ
كما لم تصعد ْ في الدنيا إلى اليمان بالله ومعرفته ومحبته ،كذلك
ل تصعد بعد الموت؛ فإن الجزاء من جنس العمل.
ن أرواح المؤمنين المنقادين لمرِ الّله ومفهوم الية أ ّ
دقين بآياته تفّتح لها أبواب السماء حتى تعرج إلى الّله، المص ّ
ج بالقرب من ي ،وتبته َ وتصل إلى حيث أراد الّله من العالم العلو ّ
ن الجّنة خلو َ ظوةِ برضوانه .وقوله عن أهل النار} :ول يد ُ رّبها والح ُ
ط{؛ أي: خيا ِ م ال ِ س ّل{ :وهو البعير المعروف }في َ ج الجم ُ حتى يل َ
ل البعير الذي هو من أكبر الحيوانات جسما ً في خرق خ َ حتى يد ُ
البرة الذي هو من أضيق الشياء .وهذا من باب تعليق الشيء
ط؛
م الخيا ِ س ّ ل دخول الجمل في َ بالمحال؛ أي :فكما أنه محا ٌ
ل دخولهم الجنة؛ قال تعالى: ذبون بآيات الّله محا ٌ فكذلك المك ّ
ة ومأواه الناُر{؛ ه عليه الجن َ ك بالّله فقد حّرم الل ّ ُ شرِ ْ}إّنه من ي ُ ْ
مهم، ن{؛ أي :الذين ك َث َُر إجرا ُ جزي المجرمي َ وقال هنا} :وكذلك ن َ ْ
واشتد ّ طغياُنهم.
د{؛ أي :فراش من تحتهم، مها ٌ
م ِ
}} {41لهم من جهن ّ َ
ش{؛ أي :ظلل من العذاب تغشاهم} ،وكذلك }ومن فوقِِهم َ
غوا ٍ
جزي الظالمين{ :لنفسهم جزاًء وفاقًا ،وما رّبك بظلم للعبيد. نَ ْ
ﯚ ﯛ ﯜ ﯝﯞ ﯟ ﯠ ﯡ ﯢ ﭽﮱ ﯓ ﯔ ﯕ ﯖ ﯗ ﯘ ﯙ
ﯶ ﯷ ﯸ ﯴ ﯵ ﯣ ﯧ ﯤ ﯥﯧﯧ ﯦﯧ ﯧﯧ ﯨ ﯩ ﯪ ﯫ ﯬﯭﯧﯧ ﯮ ﯯ ﯰ ﯱ ﯲ ﯳ
ﯷ ﯷ ﯷ ﯷﯷ ﯼ ﯽ ﯾ ﯿ ﯷﯷ ﯷ ﯷ ﯷ ﯷ ﯷ ﯷ ﰈﰉ
ﭼ.
} {42لما ذكر تعالى عقاب العاصين الظالمين؛ ذ َك ََر ثواب
المطيعين ،فقال} :والذين آمنوا{ :بقلوبهم} ،وعملوا
الصالحات{ :بجوارحهم؛ فجمعوا بين اليمان والعمل ،بين
العمال الظاهرة والعمال الباطنة ،بين فعل الواجبات وترك
ت{ لفظا ً عا ّ
ما ملوا الصالحا ِ المحرمات ،ولما كان قوله} :وع َ ِ
يشمل جميع الصالحات الواجبة والمستحبة ،وقد يكون بعضها غير
سَعها{؛ أي: ف نفسا ً إل ّ وُ ْ مقدور للعبد؛ قال تعالى} :ل ن ُك َل ّ ُ
بمقدار ما تسعه طاقتها ول يعسر على قدرتها؛ فعليها في هذه
الحال أن تتقي الّله بحسب استطاعتها ،وإذا عجزت عن بعض
الواجبات التي يقدر عليها غيرها؛ سقطت عنها؛ كما قال تعالى:
ف الّله نفسا ً إل ّ ما سَعها{} ،ل ي ُك َل ّ ُ ه نفسا ً إل ّ وُ ْ ف الل ّ ُ}ل ي ُك َل ّ ُ
حَرج{} ،فاّتقوا الّله ما ن َ م ْن ِ دي ِل عليكم في ال ّ جعَ َ آتاها{} ،ما َ
استطعُتم{؛ فل واجب مع العجز ،ول محّرم مع الضرورة.
ب}أولئك{؛ أي :المتصفون باليمان والـعـمل الـصـالـح} ،أصحا ُ
الجنة هم فيها خالدون{؛ أي :ل يحولون عنها ول يبغون بها بد ً
ل؛
ف
ذات وأصناف المشتهيات ما تق ُ لنهم ي ََرْون فيها من أنواع الل ّ ّ
عنده الغايات ،ول يطلب أعلى منه.
ل{ :وهذا من كرمه صدورهم من ِغ ّ }} {43ونزعنا ما في ُ
ً
ل الذي كان موجودا في قلوبهم ن الغ ّ وإحسان ِهِ على أهل الجنة؛ أ ّ
والتنافس الذي بينهم أن الّله يقلعه ويزيله حتى يكونوا إخوانا ً
لء متصافين؛ قال تعالى} :ونزعنا ما في صدورهم متحاّبين وأخ ّ
ن{ ،ويخل ُقُ الّله لهم من الكرامة سُررٍ متقابلي َ ل إخوانا ً على ُ من غ ّ
ة والسرور ،ويرى أنه ل فوق ل واحد منهم الغِب ْط َ َ ل لك ّ ص ُ
ما به يح ُ
م؛ فبهذا يأمنون من التحاسد والتباغض؛ ما هو فيه من النعيم نعي ٌ
لنه قد فقدت أسبابه] .و[قوله} :تجري من تحتهم النهار{؛ أي:
جرونها تفجيرا ً حيث شاؤوا وأين أرادوا ،إن شاؤوا في خلل يف ّ
القصور أو في تلك الغرف العاليات أو في رياض الجنات من
تحت تلك الحدائق الزاهرات ،أنهار تجري في غير أخدود،
د} .و{ لهذا لما رأوا ما أنعم الّله ت ليس لها حد ّ محدو ٌ وخيرا ٌ
عليهم وأكرمهم به؛ }قالوا الحمد ُ لّله الذي هدانا لهذا{ :بأن م ّ
ن
ت للعمال الموصلةِ إلى علينا وأوحى إلى قلوبنا فآمنت به وانقاد ْ
صَلنا بها إلى
هذه الدار ،وحفظ الّله علينا إيماننا وأعماَلنا حتى أو َ
ب الكريم الذي ابتدأنا بالنعم ،وأسدى من هذه الدار ،فنعم الر ّ
دون. ده العا ّ
النعم الظاهرة والباطنة ما ل يحصيه المحصون ول يع ّ
}وما كّنا لنهتديَ لول أن هدانا الّله{؛ أي :ليس في نفوسنا قابلي ٌ
ة
س ُ
ل ن بهدايته واّتباع رسله} ،لقد جاءت ر ُ للهدى ،لول أّنه تعالى م ّ
رّبنا بالحق{؛ أي :حين كانوا يتمّتعون بالنعيم الذي أخبرت به
ن لهم قالوا :لقد ن لهم بعد أن كان علم يقي ٍ الرسل وصار حقّ يقي ٍ
ق
ن جميع ما جاؤوا به ح ّ ققنا ورأينا ما وعدتنا به الرس ُ
ل وأ ّ تح ّ
ة لهم وإكراما ً وتحية ة فيه ول إشكال} .ونودوا{ :تهنئ ً مْري َ َ
اليقين ل ِ
م الجنة أورثتموها{؛ أي :كنتم الوارثين لها، واحتراما ً }أن ت ِل ْك ُ ُ
وصارت إقطاعا ً لكم إذ كان إقطاع الكفار النار ،أورثتموها }بما
وا من النار بعفو ج ْض السلف :أهل الجنة ن َ َ ن{ :قال بع ُ كنتم تعملو َ
الّله ،وأدخلوا الجنة برحمة الّله ،واقتسموا المنازل ،وورثوها
بالعمال الصالحة ،وهي من رحمته ،بل من أعلى أنواع رحمته.
ﭽﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ ﭝ ﭞ ﭟ ﭠ ﭡ
ﭢﭣ ﭤ ﭥﭦ ﭧ ﭨ ﭩ ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ ﭯ ﭰ ﭱ ﭲ ﭳ ﭴ ﭵ
ﭺ ﭼ. ﭶ ﭷ ﭸ ﭹ
ل من} 44ـ {45يقول تعالى بعد ما ذكر استقرار ك ّ
)(1
ت بهالفريقين في الدارين ووجدا ما أخبرت به الّرسل ونطق ْ
ب من الثواب والعقاب :إن أهل الجنة نادوا أصحاب النار بأن الكت ُ
قا{ :حين وعدنا على اليمان دنا رّبنا ح ّدنا ما وَع َ َ
ج ْ
قالوا} :أن قد وَ َ
والعمل الصالح الجنة ،فأدخلناها وأرانا ما وصفه لنا} ،فهل وجدُتم
قا قالوا نعم{ :قد ما وعدكم ربكم{ :على الكفر والمعاصي }ح ّ
ك فيه صدق وعد الّله، قا ،فتبين للخلق كّلهم بيانا ً ل ش ّ وجدناه ح ّ
ل ،وذهبت عنهم الشكوك والشبه ،وصار ومن أصدق من الّله قي ً
المر حقّ اليقين ،وفرح المؤمنون بوعد الّله واغتبطوا ،وأيس
الكفار من الخير ،وأقروا على أنفسهم بأنهم مستحقون للعذاب.
ن بينهم{؛ أي :بين أهل النار وأهل الجنة بأن قال: ذن مؤذ ٌ }فأ ّ
ة الّله{؛ أي :بعده وإقصاؤه عن كل خير }على }أن لعن ُ
دفوا أنفسهم عنها ه ،فص َ ب رحمت ِ ِالظالمين{ :إذ فتح الّله لهم أبوا َ
دوا غيرهم فضّلوا دوا عن سبيل الّله بأنفسهم وص ّ ظلما ً وص ّ
ة ويعتدل سير وأضّلوا .والّله تعالى يريد أن تكون مستقيم ً
-في )ب(» :وكل هذا« .وقد طمس الشيخ )كل( في ) أ (. 2
دا؛ فإنه ليس ذذوا بهذا الوقت القصير ج ّ ]أيام[{؛ أي :تنّعموا وتل ّ
ذة وتمّتع لمن وعدهم ذة سوى هذا ،وأيّ ل ّ لكم من المتاع والل ّ ّ
دماته فوقعت يوما ً فيوما ً نبّيهم وقوع العذاب وذكر لهم وقوع مق ّ
ملهم؛ لن احمرار وجوههم واصفرارها مهم ويش ُ على وجهٍ يع ّ
واسودادها من العذاب؟! هل هذا إل مناقض للقرآن ومضاد ّ له؟!
ح شيء فالقرآن فيه الكفاية والهداية عن ما سواه .نعم؛ لو ص ّ
عن رسول الّله صلى الله عليه وسلم مما ل يناقض كتاب الله؛
ّ
فعلى الرأس والعين ،وهو مما أمر القرآن باتباعه} :وما آتاك ُ ُ
م
دم أنه ل يجوز ل ُفخذوه وما نهاكم عنه فانَتهوا{ .وقد تق ّ الرسو ُ
تفسير كتاب الّله بالخبار السرائيلّية ،ولو على تجويز الرواية
ن معاني كتاب الّله يقينّية، م بكذ ِِبها؛ فإ ّجَز ُعنهم بالمور التي ل ُيـ ْ
ذب؛ فل يمكن اتفاقهما. دق ول تك ّ وتلك أمور ل تص ّ
ﭽ ﯕ ﯖ ﯗ ﯘ ﯙ ﯚ ﯛ ﯜ ﯝ ﯞ ﯟ ﯠ ﯡ ﯢ ﯣ ﯤ ﯥ ﯦ ﯧ ﯨ ﯩﯪﯧﯧ
ﯫﯧﯧ ﯬﯧﯧ ﯭﯧﯧ ﯮﯧﯧ ﯯﯧﯧ ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚﭛ ﭜ ﭝ ﭞ ﭟ ﭠ
ﭯ ﭰ ﭱ ﭼ. ﭡ ﭢ ﭣ ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ ﭨ ﭩ ﭪﭫ ﭬ ﭭ ﭮ
)(1
ن لنا أن نعود َ فيها{؛ أي :يمتنع على مثلنا أن في الملك} .وما يكو ُ
سهم عليه الصلة والسلم من ن هذا من المحال ،فآي َ َ نعود َ فيها؛ فإ ّ
ة.
كونه يوافقهم من وجوهٍ متعدد ٍ
من جهة أنهم كارهون لها مبغضون لما هم عليه من
الشرك.
ومن جهة أنه جعل ما هم عليه كذبا ً وأشهدهم أنه إ ِ
ن ات ّب ََعهم
ومن معه فإّنهم كاذبون.
ومنها اعتراُفهم بمّنة الّله عليهم إذ أنقذهم الّله منها ،ومنها
دهم فيها بعدما هداهم الّله من المحالت بالنظر إلى ن عو َ أ ّ
حالتهم الراهنة وما في قلوبهم من تعظيم الّله تعالى والعتراف
له بالعبودّية وأنه الله وحده الذي ل تنبغي العبادة إل ّ له وحده ل
ن آلهة المشركين أبطل الباطل وأمحل المحال، شريك له ،وأ ّ
ن عليهم بعقول يعرفون بها الحقّ والباطل هم ّن الل ّ َ وحيث إ ّ
ّ
والهدى والضلل ،وأما من حيث النظر إلى مشيئة الله وإرادته
ب
ت السبا ُ ج لحد ٍ عنها ولو تواتر ِ النافذة في خلقه التي ل خرو َ
وتوافقت القوى؛ فإّنهم ل يحكمون على أنفسهم أنهم سيفعلون
ن لنا أن نعود َ فيها إل شـيـئا ً أو يتركونه ،ولهذا استثنى} :وما يكو ُ
ه رّبنا{؛ أي :فل يمكننا ول غيرنا الخروج عن مشيئته أن يشاء الل ّ ُ
ل شيٍء علمًا{ :فيعلم ما سعَ رّبنا ك ّ التابعة لعلمه وحكمته ،وقد }وَ ِ
يصُلح للعباد ،وما يدب ُّرهم عليه.
}على الّله توك ّْلنا{؛ أي :اعتمدنا أنه سيثّبتنا على الصراط
كل منا من جميع طرق الجحيم؛ فإن من تو ّ ص َالمستقيم ،وأن يع ِ
ح بيَننا وبين سر له أمر دينه ودنياه} .رّبنا افت ْ على الّله كفاه وي ّ
ق{؛ أي :انصر المظلوم وصاحب الحق على الظالم منا بالح ّ قو ِ
ه تعالى لعباده ح ُ المعاند للحق} ،وأنت خيُر الفاتحين{ :وفت ُ
ح العلم بتبيين الحقّ من الباطل والهدى من الضلل نوعان :فت ُ
ف عنه .والنوع من هو منحر ٌ م على الصراط مـ ّ ن هو المستقي ُ م ْو َ
ه بالجزاء وإيقاع العقوبة على الظالمين ،والنجاة ح ُالثاني :فت ُ
ح بيَنهم وبين قومهم والكرام للصالحين .فسألوا الّله أن يفت َ
عب َرِهِ ما يكون فاصل ً بين بالحقّ والعدل ،وأن يرَيهم من آيات ِهِ و ِ
الفريقين.
-في )ب(» :ولدا ً ول صاحبة«. 1
ذرين عن }} {90وقال المل ُ الذين كفروا من قومه{ :مح ّ
ن{ :هذا مااّتباع شعيب} :لئن اّتبعتم شعيبا ً إّنكم إذا ً لخاسرو َ
ولت لهم أنفسهم؛ أن الخسارة والشقاء في اتباع الرشد س ّ
ل الخسارة في لزوم ما هم والهدى ،ولم يدروا أن الخسارة ك ّ
عليه من الضلل والضلل ،وقد علموا ذلك حين وقع بهم الّنكال.
ة{؛ أي :الزلزلة الشديدة، م الرجف ُ }} {91فأخذْتـهُ ُ
ن{؛ أي :صرعى مّيتين هامدين. }فأصبحوا في دارهم جاثمي َ
ذبوا شعيبا ً كأن لم } {92قال تعالى ناعيا ً حاَلهم} :الذين ك ّ
وا فيها{؛ أي :كأنهم ما أقاموا في ديارهم ،وكأنهم ما تمّتعوا ي َغْن َ ْ
في ع ََرصاتهم ،ول تفّيئوا في ظللها ،ول غنوا في مسارح أنهارها،
ول أكلوا من ثمار أشجارها ،فأخذهم العذاب ) (1فنقلهم من مورد
ذات إلى مستقّر الحزن والشقاء والعقاب اللهو واللعب والل ّ ّ
ن{؛ شعيبا ً كانوا هم الخاسري َ ذبوا ُوالدَركات ،ولهذا قال} :الذين ك ّ
أي :الخسار محصوٌر فيهم؛ لنهم خسروا أنفسهم وأهليهم يوم
نن قالوا لهم} :لئ ِ م ْ
القيامة ،أل ذلك هو الخسران المبين ،ل َ
ن{. اّتبعُتم شعيبا ً إّنكم إذا ً لخاسرو َ
} {93فحين هلكوا توّلـى عنهم نبّيهم عليه الصلة والسلم،
}وقال{ معاتبا ً وموّبخا ً ومخاطبا ً لهم بعد موتهم} :يا قوم لقد
ت رّبـي{؛ أي :أوصلتها إليكم وبّينتها حّتى بلغت أبلغُتكم رسال ِ
تمنكم أقصى ما يمكن أن تصل إليه وخالطت أفئدتكم} ،ونصح ُ
قبلوا ُنصحي ول انقدتم لرشادي ،بل فسقُتم لكم{ :فلم ت َ
ن{؛ أي :فكيف أحزن وطغيتم؛ }فكيف آسى على قوم كافري َ
ق
دوه ولم يقبلوه ،ول َيلي ُ على قوم ل خيَر فيهم ،أتاهم الخيُر فر ّ
ح
فَر ُ
ن عليهم ،بل ي ُ ْ
حَز َبهم إل الشّر؛ فهؤلء غير حقيقين أن ُيـ ْ
ي
م من الخزي والفضيحة! وأ ّ قهم؛ فعياذا ً بك الله ّ ح ِ
مـ ْبإهلكهم و َ
شقاء وعقوبة أبلغ من أن يصلوا إلى حالة يتبرأ منهم أنصح الخلق
لهم؟!
ﯷ ﯷ ﯷ ﯷ ﯷ ﯷ ﯷ ﯷ ﯼ ﯽ ﭽ ﯭﯧﯧ ﯮﯧﯧ ﯯﯧﯧ ﯰﯧﯧ ﯱﯧﯧ ﯷ ﯷ
ﯾ ﯿ ﯷ ﯷ ﯷ ﯷ ﯷ ﯷ ﯷ ﯷ ﰈ ﰉ ﯷ ﯷ ﯷ ﯷ ﭼ.
ي{: } {94يقول تعالى} :وما أرسلنا في قرية من نب ّ
يدعوهم إلى عبادة الّله ،وينهاهم عن ما هم فيه من الشّر ،فلم
ينقادوا له؛ إل ّ ابتلهم الّله }بالبأساِء والضّراِء{؛ أي :بالفقر
جأهم العذاب«.
-في )ب(» :حين فا َ 1
سهم؛
ت نفو ُ
والمرض وأنواع البليا} ،لعلهم{ :إذا أصابتهم؛ خضع ْ
فتضرعوا إلى الّله ،واستكانوا للحق.
فد ْ فيهم واستمّر استكباُرهم وازداد }} {95ثم{ :إذا لم ي ُ ِ
َ
ة{ :فأد َّر عليهم الرزاق، ن السيئةِ الحسن َ طغياُنهم} ،بد ّْلنا مكا َ
وا{؛ أي :كثروا وعافى أبدانهم ،ورفع عنهم البليا )} ،(1حتى ع َ َ
ف ْ
ت أرزاُقهم وانبسطوا في نعمة الّله وفضله ونسوا ما مّر وكثر ْ
سّراُء{؛
ضّراُء وال ّس آباءنا ال ّعليهم من البليا)} ،(1وقالوا قد م ّ
أي :هذه عادة جارية لم تزل موجودة في الولين واللحقين؛ تارة
يكونون في سّراء ،وتارة في ضّراء ،وتارة في فرح ،ومرة في
ترح؛ على حسب تقّلبات الزمان وتداول اليام ،وحسبوا أنها
ليست للموعظة والتذكير ول للستدراج والنكير ،حتى إذا اغتبطوا
ذناهمدنيا أسّر ما كانت إليهم .أخ ْ وفرحوا بما أوتوا ،وكانت ال ّ
ة وهم ل يشُعرون{؛ أي :ل يخط ُُر لهم الهلك
(2)
بالعذاب }بغت ً
ّ
ل ،وظّنوا أنهم قادرون على ما آتاهم الله ،وأنهم غير على با ٍ
زائلين ول منتقلين عنه.
ﭟ ﭠ ﭽﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ ﭝ ﭞ
ﭡ ﭢ ﭣ ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ ﭨ ﭩ ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ ﭯ ﭰ ﭱ ﭲ ﭳ
ﭴ ﭵ ﭶ ﭷ ﭸ ﭹ ﭺﭻ ﭼ ﭽ ﭾ ﭿ ﮀ ﮁ ﮂ ﮃ ﭼ .
ذبين للرسل ُيبتلون بالضراء ن المك ّ } {96لما ذكر تعالى أ ّ
قرى ن أهل ال ُ ة وإنذارًا ،وبالسراء استدراجا ومكرا؛ ذكر أ ّ
ً ً موعظ ً
ل ،واستعملوا تقوى لو آمنوا بقلوبهم إيمانا ً صادقا ً صدقْته العما ُ
حالّله تعالى ظاهرا ً وباطنا ً بترك جميع ما حّرم الّله ]تعالى[؛ لفت َ
سماء والرض ،فأرسل السماء عليهم مدرارًا، ت ال ّ
عليهم بركا ِ
ش بهائمُهم في أخصب ت لهم من الرض ما به يعيشون وتعي ُ وأنب َ
ب ،ولكنهم ب ول كد ّ ول نص ٍ عيش وأغزر رزق من غير عناء ول تع ٍ
سبون{ :بالعقوبات لم يؤمنوا ويّتقوا} ،فأخذناهم بما كانوا يك ِ
والبليا ونزع البركات وكثرة الفات ،وهي بعض جزاء أعمالهم ،و
ة،إل ّ ؛ فلو آخذهم بجميع ما كسبوا؛ ما ترك على ظهرها من داب ّ ٍ
قهم ت أيدي الناس ل ُِيذي َ }ظ َهََر الفساد ُ في البّر والبحر بما ك َ َ
سب َ ْ
جعون{. ض الذي عملوا لعّلهم ير ِ بع َ
- 1في )ب(}» :بما كانوا يفسقون{ :أي يخرجون عن طاعة الله إلى
معصيته من غير ضرورة ألجأتهم ول داٍع دعاهم سوى الخبث والشّر الذي
كان كامنا ً في نفوسهم« .وقد أعرض الشيخ عن ذكر هذه العبارة في
سَر الية} :يفسقون{ وصواب الية }يظلمون{ .والله ) أ (] .حيث ف ّ
أعلم[.
ص الل ّ ُ
ه«. -في )ب(» :ولهذا خ ّ
1
- 1وقد ذكر المفسرون أحاديث وآثار على أخذ الميثاق من ذرية آدم وهم
في صلب أبيهم .انظر »تفسير الطبري« ) (13/222تحقيق أحمد شاكر.
وابن كثير ) ،(3/500و»أحكام أهل الذمة« لبن القيم ) ،(2/525و»معارج
القبول« للحكمي ) .(1/40وانظر »الصحيحة« لللباني ).(1623
العالم الكبير والحبر النحرير فانسلخ منها فأتبعه الشيطان؛ أي:
ن العلم بذلك ي بالعلم بآيات الّله؛ فإ ّ انسلخ من الّتصاف الحقيق ّ
يصّير صاحبه متصفا ً بمكارم الخلق ومحاسن العمال ويرقى
إلى أعلى الدرجات وأرفع المقامات؛ فترك هذا كتاب الّله وراء
خل َ ُ
ع ظهره ،ونبذ الخلق التي يأمر بها الكتاب ،وخلعها كما ُيـ ْ
ن؛ أي :تسّلط عليه حين ه الشيطا ُ اللباس ،فلما انسلخ منها؛ أت ْب َعَ ُ
خرج من الحصن الحصين وصار إلى أسفل سافلين ،فأّزه إلى
المعاصي أّزا} ،فكان من الغاوين{ :بعد أن كان من الراشدين
المرشدين.
خذ ََله ووَك ََله إلى نفسه؛ فلهذا ن الّله تعالى َ } {176وهذا ل ّ
شْئنا لَرفَْعناه بها{ :بأن نوّفقه للعمل بها، قال تعالى} :ولو ِ
صن من أعدائه} ،ولكّنه{ :فعل فيرتفع في الدنيا والخرة ،فيتح ّ
ض؛ أي :إلى الشهوات ما يقتضي الخذلن؛ فأخلد َ إلى الر ِ
السفلّية والمقاصد الدنيوّية} ،واّتبع هواه{ :وترك طاعة موله.
مثله{ :في شدة حرصه على الدنيا وانقطاع قلبه إليها }كمثل }فَ َ
ث{؛ أي :ل يزال لهثا ً ه يله ْ ث أو تتُرك ْ ُ ل عليه ي َل ْهَ ْ م ْ
ح ِ
الكلب إن َتـ ْ
ه ً ً ً
في كل حال ،وهذا ل يزال حريصا حرصا قاطعا قلبه ل يسد ّ فاقت َ ُ
ذبوا بآياتنا{ :بعد أن ل القوم الذين ك ّ مث َ ُ
دنيا} .ذلك َ شيٌء من ال ّ
دوها لهوانهم ذبوا بها ور ّ ساقها الّله إليهم ،فلم ينقادوا لها ،بل ك ّ
صص على الّله واّتباعهم لهوائهم بغير هدى من الّله} .فاق ُ
كرون{ :في ضرب المثال وفي العبر واليات؛ صص لعّلهم يتف ّ ق َ ال َ
كروا؛ علموا ،وإذا علموا؛ عملوا. فإذا تف ّ
سهم كانوا ذبوا بآياِتنا وأنف َ م الذين ك ّ مث َل ً القو ُ }} {177ساء َ
من كذب بآيات الّله ،وظلم نفسه ل َ مث َ ُن{؛ أي :ساء وقَُبح َ يظلمو َ
وء. س ْ ل ال ّ مث َ ُمث ََلهم َ ن َ بأنواع المعاصي؛ فإ ّ
ص معّين ن المراد َ به شخ ٌ وهذا الذي آتاه الّله آياته ُيحتمل أ ّ
صته تنبيها ً للعباد ،وُيحتمل هق ّ ه فقص الل ّ ُ قد كان منه ما ذكره الل ّ ُ
ل من آتاه الل ّ ُ
ه ل لك ّن المراد بذلك أنه اسم جنس ،وأّنه شام ٌ أ ّ
آياته فانسلخ منها.
ن ذلك رفعة وفي هذه اليات الترغيب في العمل بالعلم ،وأ ّ
من الّله لصاحبه وعصمة من الشيطان ،والترهيب من عدم
ل إلى أسفل سافلين وتسليط للشيطان عليه. العمل به ،وأنه نزو ٌ
ن اّتباع الهوى وإخلد َ العبد إلى الشهوات يكون سببا ً
وفيه أ ّ
للخذلن.
} {178ثم قال تعالى مبينا ً أنه المنفرد بالهداية والضلل:
من يهد ِ الّله{ :بأن يوّفقه للخيرات ويعصمه من المكروهات } َ
ويعّلمه ما لم يكن يعلم} ،فهو المهتدي{ :ح ّ
قا؛ لنه آثر هدايته
ل{ :فيخذله ول يوّفقه للخير} ،فأولئك هم ضل ِ ْ
تعالى} ،ومن ي ُ ْ
الخاسرون{ :لنفسهم وأهليهم يوم القيامة ،أل ذلك هو الخسران
المبين.
ﭽ ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗﭘ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ ﭝ ﭞ ﭟ ﭠ ﭡ ﭢ
ﭫ ﭬ ﭭﭮ ﭯ ﭰ ﭱ ﭲ ﭼ . ﭣ ﭤ ﭥ ﭦ ﭧﭨ ﭩ ﭪ
} {179يقول تعالى مبينا ً كثرة الغاوين الضاّلين المّتبعين
إبليس اللعين} :ولقد ذ ََرأنا{؛ أي :أنشأنا ،وبثثنا }لجهّنم كثيرا ً من
بل ن والنس{ :صارت البهائم أحسن حالة منهم} .لهم قلو ٌ الج ّ
م إل ّ مجّرد قيام ه ول عل ٌ يفقهون بها{؛ أي :ل يص ُ
ل إليها فق ٌ
ن ل يبصرون بها{ :ما ينفُعهم ،بل فقدوا الحجة} ،ولهم أعي ٌ
ن ل يسمعون بها{ :سماعا ً يصل منفعتها وفائدتها} ،ولهم آذا ٌ
معناه إلى قلوبهم} .أولئك{ :الذين بهذه الوصاف القبيحة
}كالنعام{؛ أي :البهائم التي فقدت العقول ،وهؤلء آثروا ما
ل{ :من سِلبوا خاصية العقل} .بل هم أض ّ يفنى على ما يبقى ف ُ
ن تدرك خِلقت له ،ولها أذها ٌ ن النعام مستعملة فيما ُ البهائم؛ فإ ّ
بها مضّرتها من منفعتها؛ فلذلك كانت أحسن حال ً منهم .و }أولئك
هم الغافلون{ :الذين غفلوا عن أنفع الشياء؛ غفلوا عن اليمان
ت لهم الفئدة والسماع والبصار ق ْخل ِ َ
كرهُ ، بالّله وطاعته وذ ِ ْ
ن عونا ً لهم على القيام بأوامر الّله وحقوقه ،فاستعانوا بها لتكو َ
من ذرأ الّله على ضد ّ هذا المقصود؛ فهؤلء حقيقون بأن يكونوا مـ ّ
منلجهّنم وخلقهم لها؛ فخلقهم للنار وبأعمال أهلها يعملون ،وأما َ
ه باليمان بالّله استعمل هذه الجوارح في عبادة الّله وانصبغ قلب ُ ُ
ومحّبته ولم يغفل عن الّله؛ فهؤلء أهل الجنة وبأعمال أهل الجنة
يعملون.
ﮂ ﮃ ﭼ. ﭽ ﭳ ﭴ ﭵ ﭶ ﭷﭸ ﭹ ﭺ ﭻ ﭼ ﭽﭾ ﭿ ﮀ ﮁ
ن لعظيم جلله وسعة أوصافه بأن له } {180هذا بيا ٌ
السماء الحسنى؛ أي :له كل اسم حسن ،وضابطه أنه كل اسم
دال على صفة كمال عظيمة ،وبذلك كانت حسنى؛ فإنها لو دّلت
على غير صفة ،بل كانت علما ً محضًا؛ لم تكن حسنى ،وكذلك لو
دّلت على صفة ليست بصفة كمال ،بل إما صفة نقص أو صفة
ل اسم من منقسمة إلى المدح والقدح؛ لم تكن حسنى؛ فك ّ
أسمائه دال على جميع الصفة التي اشت ُقّ منها ،مستغرقٌ لجميع
ن له علما ً محيطا ً عا ّ
ما معناها ،وذلك نحو} :العليم{ الدال على أ ّ
لجميع الشياء فل يخرج عن علمه مثقال ذرةٍ في الرض ول في
السماء ،و}الرحيم{ ) (1الدال على أن له رحمة عظيمة واسعة
جُزها
مة ل ي ُعْ ِ
ل شيء ،و}القدير{ الدال على أن له قدرة عا ّ لك ّ
شيء ...ونحو ذلك .ومن تمام كونها حسنى أّنه ل ُيدعى إل بها،
ل لدعاء العبادة ودعاء ولذلك قال} :فادعوه بها{ :وهذا شام ٌ
المسألة ،فُيدعى في كل مطلوب بما يناسب ذلك المطلوب،
م! اغفر لي ،وارحمني؛ إنك أنت الغفور ل :الله ّفيقول الداعي مث ً
ف بي يا واب! وارزقني يا رزاق! والط ْ ي يا ت ّالرحيم .وتب عل ّ
لطيف! ونحو ذلك.
جَزْون ما كانواحدون في أسمائ ِهِ سي ُ ْ ذروا الذين ُيل ِ وقوله} :وَ َ
يعملون{؛ أي :عقوبة وعذابا ً على إلحادهم في أسمائه .وحقيقة
مى بها من ل ما بأن يس ّ
ت له ،إ ّ جعِل َ ْ
ل بها عما ُاللحاد :المي ُ
قها؛ كتسمية المشركين بها للهتهم ،وإما بنفي معانيها يستح ّ
ّ
وتحريفها وأن يجعل لها معنى ما أراده الله ول رسوله ،وإما أن
يشّبه بها غيرها؛ فالواجب أن ُيحذر اللحاد فيها وُيحذر الملحدون
ني صلى الله عليه وسلم» :إ ّ فيها .وقد ثبت في الصحيح عن النب ّ
ة وتسعين اسما ً من أحصاها دخل الجنة« .
)(2
لّله تسع ً
ﭽ ﮄ ﮅ ﮆ ﮇ ﮈ ﮉ ﮊ ﮋ ﭼ.
} {181أي :ومن جملة من خلقنا أمة فاضلة كاملة في
ملة لغيرها يهدون أنفسهم وغيرهم بالحقّ فيعلمون نفسها مك ّ
الحقّ ويعملون به ويعّلمونه ويدعون إليه وإلى العمل به} .وبه
يعدلون{ :بين الناس في أحكامهم إذا حكموا في الموال والدماء
والحقوق والمقالت وغير ذلك .وهؤلء أئمة الهدى ومصابيح
دجى ،وهم الذين أنعم الّله عليهم باليمان والعمل الصالح ال ّ
ديقون الذين
والتواصي بالحقّ والتواصي بالصبر ،وهم الص ّ
مرتبتهم تلي مرتبة الرسالة ،وهم في أنفسهم مراتب متفاوتة؛
ص برحمته من كل بحسب حاله وعلوّ منزلته؛ فسبحان من يخت ّ
يشاء والّله ذو الفضل العظيم.
ﮎ ﮏ ﮐ ﮑ ﮒ ﮓ ﮔ ﮕ ﮖﮗ ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ ﭽﮌ ﮍ
ﮜ ﮝﮞ ﮟ ﮠ ﮡ ﮢﮣ ﮤ ﮥ ﮦ ﮧ ﮨ ﮩ ﮪ ﮫ ﮬ ﮭ ﮮﮮ ﮯ ﮰ ﮱ ﯓ ﯔ
ة«.
-في )ب(» :من جن ّ ٍ 2
لم يؤمنوا بهذا الكتاب الجليل؛ فبأيّ حديث يؤمنون به؟! أبكتب
جال؟! الكذب والضلل؟! أم بحديث كل مفترٍ د ّ
ل ل حيلة فيه ول سبيل إلى هدايته، } {186ولكن الضا ّ
ل الّله فل هاديَ له وَي َذ َُرهم فيضل ِ ِمن ي ُ ْ
ولهذا قال تعالىَ } :
)(1
ددون ل يخرجون منه، ن{؛ أي :متحّيرون ،يتر ّ طغيان ِِهم يعمهو َ
ق.
ول يهتدون إلى ح ّ
ﭽ ﯯﯧﯧ ﯰﯧﯧ ﯱﯧﯧ ﯷ ﯷﯷ ﯷ ﯷ ﯷ ﯷ ﯷﯷ ﯷ ﯼ ﯽ ﯾ ﯿﯷ ﯷ
ﯷ ﰎﯷ ﯷ ﯷ ﰒ ﯷ ﯷ ﯷ ﯷ ﯷ ﯷ ﯷﯷ ﯷ ﯷ ﰈ ﰉﯷ ﯷ ﯷ
ﯷ ﯷ ﯷ ﯷ ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛﭜ ﭝ ﭞ
ﭭ ﭮ ﭯ ﭼ. ﭟ ﭠ ﭡ ﭢ ﭣ ﭤ ﭥ ﭦﭧ ﭨ ﭩ ﭪ ﭫ ﭬ
} {187يقول تعالى لرسوله محمد صلى الله عليه وسلم:
}يسألوَنك{؛ أي :المكذبون لك المتعّنتون }عن الساعة أيان
ل بالخلق؟ ح ّ مْرساها{؛ أي :متى وقتها التي تجيء به؟ ومتى ت ِ ُ
ص بعلمها} ،ل مها عند ربي{؛ أي :إنه تعالى المخت ّ }قل إّنما عل ُ
در أن تقوم يجّليها لوقتها إل هو{؛ أي :ل يظهرها لوقتها الذي قُ ّ
ت في السموات والرض{؛ أي :خفي علمها على قل َ ْفيه إل هو} .ث َ ُ
أهل السماوات والرض واشتد ّ أمُرها أيضا ً عليهم فهم من
ة{؛ أي :فجأة من حيث ل الساعة مشفقون} .ل تـأتـيكم إل ّ بغت ً
)(2
دوا لها ولم يتهيؤوا لها } .يسألونك كأّنك يشعرون لم يستع ّ
ي عنها{؛ أي :هم حريصون على سؤالك عن الساعة كأنك ف ّح ِ َ
ف عن السؤال عنها ،ولم يعلموا أنك لكمال علمك برّبك مستح ٍ
وما ينفعُ السؤال عنه غير مبال بالسؤال ]عنها ،ول حريص على
م ل يقتدون بك؟ ويكفون عن الستحفاء عن هذا ذلك ،فَل ِ َ
ي
ذر علمه؛ فإّنه ل يعلمها نب ّ السؤال[ الخالي من المصلحة المتع ّ
ك مقّرب ،وهي من المور التي أخفاها عن الخلق مل َ ٌ ل ول َ مرس ٌ
ن أكثرمها عند الّله ولك ّ لكمال حكمته وسعة علمه} .قل إّنما عل ُ
الناس ل يعلمون{ :فلذلك حرصوا على ما ل ينبغي الحرص عليه،
وخصوصا ً مثل حال هؤلء الذين يتركون السؤال عن اله ّ
م
ب عليهم من العلم ،ثم يذهبون إلى ما ل سبيل دعون ما يج ُ وي َ َ
هم مطالبون بعلمه. لحد ٍ أن يدركه ول ُ
ك لنفسي نفعا ً ول ضّرا{ :فإني فقير }} {188قل ل أمل ِ ُ
مدّبر ،ل يأتيني خيٌر إل من الله ،ول ي َد ْفَعُ عني الشّر إل هو ،وليس
***
تفسير سورة النفال
وهي مدنية
ﭽ ﭑ ﭒ ﭓﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘﭙ ﭚ ﭛ ﭜ ﭝ ﭞﭟ ﭠ ﭡ ﭢ ﭣ ﭤ
ﭥ ﭦ ﭧ ﭨ ﭩ ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ ﭯ ﭰ ﭱ ﭲ ﭳ ﭴ ﭵ ﭶ ﭷ
ﭸ ﭹ ﭺ ﭻ ﭼ ﭽ ﭾ ﭿ ﮀ ﮁ ﮂ ﮃﮄ ﮅ ﮆ ﮇ ﮈ ﮉ ﮊ ﮋ ﮌ ﭼ .
ه لهذه المة من فُلها الل ّ ُ} {1النفال :هي الغنائم التي ي ُن َ ّ
أموال الكفار .وكانت هذه اليات في هذه السورة قد نزلت في
صة بدٍر ،أول غنيمة كبيرة غنمها المسلمون من المشركين، ق ّ
ل الّله صلى ع ،فسألوا رسو َ فحصل بين بعض المسلمين فيها نزا ٌ
ل{ :كيف ك عن النفا ِ الله عليه وسلم عنها ،فأنزل الّله} :يسألون َ َ
م؟ }قل{ :لهم النفال لّله ورسول ِ ِ
ه س ُ ق َمن ت ُ ْ م؟ وعلى َ س ُق َتُ ْ
يضعاِنها حيث شاءا؛ فل اعتراض لكم على حكم الّله ورسوله ،بل
عليكم إذا حكم الّله ورسوله أن ترضوا بحكمهما وتسّلموا المر
ل في قوله} :فاّتقوا الّله{ :بامتثال أوامره لهما ،وذلك داخ ٌ
ت بيِنكم{؛ أي :أصِلحوا ما بينكم واجتناب نواهيه} ،وأصِلحوا ذا َ
من التشاحن والتقاطع والتدابر بالتوادد والتحاب والتواصل؛
ل بسبب التقاطع من ص ُ ل ما يح ُ فبذلك تجتمع كلمُتكم ويزو ُ
جر والتنازع. صم والتشا ُ التخا ُ
خُلق لهم والعفو عن ن ال ُ ت البين تحسي ُ ل في إصلح ذا ِ خ ُ ويد ُ
المسيئين منهم؛ فإنه بذلك يزول كثير مما يكون في القلوب من
البغضاء والتدابر ،والمر الجامع لذلك كله قوله} :وأطيعوا الله
ن اليمان يدعو إلى طاعة الّله ورسوَله إن كنتم مؤمنين{ :فإ ّ
ن ،ومن ّ
ن من لم يطع الله ورسوله فليس بمؤم ٍ ورسوله؛ كما أ ّ
ه لله ورسوله؛ فذلك لنقص إيمانه. ّ نقصت طاعت ُ ُ
ن قسمين :إيمانا ً كامل ً يترّتب عليه } {2ولما كان اليما ُ
ن الكامل، م ،وإيمانا ً دون ذلك؛ ذ َك ََر اليما َ المدح والثناء والفوُز التا ّ
فقال} :إنما المؤمنون{ :اللف واللم للستغراق لشرائع اليمان،
ت قلوُبهم{؛ أي :خافت ورهبت فأوجبت جل َ ْ ه وَ ِ }الذين إذا ذ ُك َِر الل ّ ُ
ن خوف الّله ف عن المحارم؛ فإ ّ لهم خشية الّله تعالى النكفا َ
ت
جَز صاحَبه عن الذنوب} .وإذا ت ُل ِي َ ْ ح ُتعالى أكبر علماته أن ي َ ْ
ه زادتهم إيمانًا{ :ووجه ذلك أّنهم يلقون له السمع عليهم آيات ُ ُ
ن التدّبر من ضرون قلوبهم لتدّبره؛ فعند ذلك يزيد إيمانهم؛ ل ّ ويح ِ
ى كانوا يجهلوَنه ن يبيّـن لهم معن ً أعمال القلوب ،ولّنه ل بد ّ أ ْ
ة في الخير ث في قلوبهم رغب ً حد ِ َ كرون ما كانوا َنسوه أو ُيـ ْ ويتذ ّ
جل ً من العقوبات وازدجارا ً عن واشتياقا ً إلى كرامة رّبهم أو وَ َ
ل هذا مما يزداد به اليمان} .وعلى رّبهم{ :وحده ل المعاصي ،وك ّ
مدون في قلوبهم على رّبهم في كلون{؛ أي :يعت َ ِ شريك له }يتو ّ
ن الّلهجلب مصالحهم ودفع مضاّرهم الدينّية والدنيوّية ،ويثقون بأ ّ
كل هو الحامل للعمال كّلها؛ فل تو َ
جد ُ ل ذلك ،والتو ّ تعالى سيفع ُ
ل إل به. ول تك ْ ُ
م ُ
}} {3الذين يقيمون الصلة{ :من فرائض ونوافل،
بأعمالها الظاهرة والباطنة؛ كحضور القلب فيها ،الذي هو ُروح
ة؛
ت الواجب َ الصلة ول ُّبها} ،ومما رزْقناهم ينفقو َ
ن{ :النفقا ِ
فارات والنفقة على الزوجات والقارب وما ملكت كالزكوات والك ّ
أيمانهم ،والمستحّبة؛ كالصدقة في جميع طرق الخير.
}} {4أولئك{ :الذين اّتصفوا بتلك الصفات} ،هم المؤمنون
قا{ :لنهم جمعوا بين السلم واليمان ،بين العمال الباطنة ح ّ
والعمال الظاهرة ،بين العلم والعمل ،بين أداء حقوق الّله
وحقوق عباده.
ل لعمال الجوارح دم تعالى أعمال القلوب لّنها أص ٌ وق ّ
ص؛ فيزيد ُ ق ُل على أن اليمان يزيد ُ وين ُ ل منها .وفيها دلي ٌ وأفض ُ
دها .وأنه ينبغي للعبد أن يتعاهَد َ إيمانه ص بض ّ ق ُبفعل الطاعة وين ُ
مل ّ
ل به ذلك تدّبر كتاب الله تعالى والتأ ّ ص ُن أولى ما يح ُ وي ُْنميه .وأ ّ
ت عند قا ،فقال} :لهم درجا ٌ لمعانيه .ثم ذكر ثواب المؤمنين ح ّ
ذنوبهم، ة{ :ل ُة بحسب علوّ أعمالهم} .ومغفر ٌ رّبهم{؛ أي :عالي ٌ
ّ
م{ :وهو ما أعد ّ الله لهم في دار كرامته مما ل عين }ورزقٌ كري ٌ
ن
ل هذا على أ ّ ر .ود ّ ت ول خطر على قلب بش ٍ ت ول أذن سمع ْ رأ ْ
ل الجنة؛ فلن ينال خ َ ل إلى درجتهم في اليمان وإن د َ َ ص ْمن لم ي ِ َ
ة.
م ِ ّ
ما نالوا من كرامةِ الله التا ّ
ﭽﮍ ﮎ ﮏ ﮐ ﮑ ﮒ ﮓ ﮔ ﮕ ﮖ ﮗ ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ ﮜ ﮝ
ﮞ ﮟ ﮠ ﮡ ﮢ ﮣ ﮤ ﮥ ﮦ ﮧ ﮨ ﮩ ﮪ ﮫ ﮬ ﮭ ﮮﮮ ﮯ ﮰ ﮱ ﯓ
ﯥ ﯦ ﭼ. ﯔ ﯕ ﯖ ﯗ ﯘ ﯙ ﯚ ﯛ ﯜ ﯝ ﯞ ﯟ ﯠ ﯡ ﯢ ﯣ ﯤ
دم تعالى أمام هذه الغزوة الكبرى المباركة الصفات التيق ّ
من قام بها؛ استقامت أحواُله
ن َ
على المؤمنين أن يقوموا بها؛ ل ّ
ت أعماُله ،التي من أكبرها الجهاد في سبيله. صل َ َ
ح ْ و َ
ن إيمانهم هو اليمان الحقيقي وجزاءهم هو} 5ـ {6فكما أ ّ
الحقّ الذي وعدهم الّله به؛ كذلك أخرج الّله رسوله صلى الله
عليه وسلم من بيته إلى لقاء المشركين في بدرٍ بالحقّ الذي
ن كان المؤمنون لم يخط ُْر دره وقضاه ،وإ ْ يحّبه الّله تعالى وقد ق ّ
ل؛ فحين ببالهم في ذلك الخروج أّنه يكون بينهم وبين عدّوهم قتا ٌ
ع؛ جعل فريقٌ من المؤمنين يجادلون النبي ن ذلك واق ٌ تبيّـن لهم أ ّ
صلى الله عليه وسلم في ذلك ويكرهون لقاء عدّوهم كأّنما
ظرون! والحال أن هذا ل ينبغي منهم، ن إلى الموت وهم ين ُ ُيساقو َ
خصوصا ً بعدما تبّين لهم أن خروجهم بالحقّ ومما أمر الّله به
ن الجدال محّله ل؛ ل ّورضيه؛ فبهذه الحال ليس للجدال فيها مح ّ
ح وبان؛ ض َ
وفائدته عند اشتباه الحقّ والتباس المر ،فأما إذا وَ َ
فليس إل النقياد والذعان .هذا؛ وكثير من المؤمنين لم يجرِ منهم
من هذه المجادلة شيٌء ول كرهوا لقاء عدّوهم ،وكذلك الذين
عاتبهم الّله انقادوا للجهاد أشد ّ النقياد ،وثّبتهم الّله ،وقّيض لهم
ن به قلوبهم كما سيأتي ذكُر بعضها. من السباب ما تطمئ ّ
ل خروجهم يتعّرضون لعير خرجت مع أبي } {7وكان أص ُ
سفيان بن حرب لقريش إلى الشام قافلة كبيرة ،فلما سمعوا
ي صلى الله عليه وسلم الناس، برجوعها من الشام؛ ندب النب ّ
فخرج معه ثلثمائة وبضعة عشر رجل ً معهم سبعون بعيرا ً
ش،عهم ،فسمع بخبرهم قري ٌ يعتقبون عليها ويحملون عليها متا َ
فخرجوا لمنع عيرهم في ع َد َد ٍ كثيرٍ وع ُد َد ٍ وافرة من السلح
والخيل والرجال ،يبلغ عددهم قريبا ً من اللف ،فوعد الّله
المؤمنين إحدى الطائفتين :إما أن يظفروا بالعير ،أو بالنفير،
فأحبوا العير لقّلة ذات يد المسلمين ولّنها غير ذات الشوكة.
ب لهم وأراد أمرا ً أعلى مما أحّبوا ،أراد أن ولكن الّله تعالى أح ّ
دهم. يظفروا بالّنفير الذي خرج فيه كبراء المشركين وصنادي ُ
حقّ الحقّ بكلمات ِهِ فينصر أهله} ،ويقط َعَ دابَر فيريد الل ّ ُ
ه أن ي ُ ِ
ه
ل الباطل وُيري عباد َه ُ من نصرِ ِ الكافرين{؛ أي :يستأصل أه َ
للحقّ أمرا ً لم يكن يخطر ببالهم.
دواب«.
-في )ب(» :من جميع ال ّ 1
حيث شاء ،ويصّرفها أّنى شاء ،فليكثرِ العبد من قول :يا مقّلب
ف قلبي
ت قلبي على دينك .يا مصّرف القلوب! اصر ْ القلوب! ثب ّ ْ
)(1
ب
إلى طاعتك } .وأّنه إليه ُتحشرون{؛ أيُ :تجمعون ليوم ل ري َ
فيه ،فيجازي المحسن بإحسانه والمسيء بعصيانه.
ة{: ن الذين ظلموا منكم خاص ً ة ل ُتصيب َ ّ}} {25واّتقوا فتن ً
ظلم وغيره ،وذلك إذا ظهر الظلم فلم يغّير؛ بل تصيب فاعل ال ّ
م الفاعل وغيره .وتقوى هذه الفتنة بالنهي عن ن عقوبته تع ّ فإ ّ
كنوا من المعاصي م ّ
المنكر وقمع أهل الشّر والفساد وأن ل ي ُ َ
ن الّله شديد ُ العقاب{ :لمن ظلم مهما أمكن} .واعلموا أ ّ وال ّ
ب رضاه. تعّرض لمساخط ِهِ وجان َ
ﭽﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ ﭝ ﭞ ﭟ ﭠ ﭡ ﭢ
ﭣ ﭤ ﭼ.
} {26يقول تعالى ممتّنا على عباده في نصرهم بعد الذ ّّلة
كروا إذ أنتم قلي ٌ
ل قّلة وإغنائهم بعد العيلة} :واذ ُ وتكثيرهم بعد ال ِ
ضَعفون في الرض{؛ أي :مقهورون تحت حكم غيركم، مست َ ْ
س{؛ أي :يأخذونكم} ،فآواكم وأّيدكم كم النا ُ ف ُخط ّ َ}تخافون أن ي َت َ َ
ً ّ
بنصرِهِ وَرَزَقكم من الطّيبات{ :فجعل لكم بلدا تأوون إليه،
وانتصر من أعدائكم على أيديكم ،وغنمتم من أموالهم ما كنتم به
م
من ّت ِهِ العظيمة وإحسانه التا ّ ن{ :الّله على ِ أغنياء} ،لعّلكم تشكرو َ
بأن تعبدوه ،ول تشركوا به شيئًا.
ﭽﭥ ﭦ ﭧ ﭨ ﭩ ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ ﭯ ﭰ ﭱ ﭲ ﭳ ﭴ ﭵ
ﭶ ﭷ ﭸ ﭹ ﭺ ﭻ ﭼ.
دوا ما ائتمنهم الّله
} {27يأمر تعالى عباده المؤمنين أن يؤ ّ
ن المانة قد عرضها الّله على عليه من أوامره ونواهيه؛ فإ ّ
ن منها
ق َ مْلنها وأش َ
ف ْ ح ِ
ن أن ي َ ْ السماوات والرض والجبال فأب َي ْ َ
ق
دى المانة؛ استح ّ ل؛ فمن أ ّ ن إّنه كان ظلوما ً جهو ً وحملها النسا ُ
دها ،بل خانها؛ استحقّ العقاب من الّله الثواب الجزيل ،ومن لم يؤ ّ
الوبيل ،وصار خائنا ً لّله وللرسول ولمانته ،منقصا ً لنفسه بكونه
اّتصفت نفسه بأخس الصفات وأقبح الشيات ،وهو الخيانة ،مفوتا ً
لها أكمل الصفات وأتمها ،وهي المانة.
-كذا في النسختين وفي ) أ ( زيادة »به« بخط مغاير فوق السطر. 1
ن«.
-في )ب(» :وإ ْ 2
} {73لما عقد الولية بين المؤمنين؛ أخبر أن الكفار حيث
ضهم أولياء بعض ) (3؛ فل يواليهم إل ّ كافر
جمعهم الكفر فبع ُ
مثلهم ،وقوله} :إل ّ تفعلوه{؛ أي :موالة المؤمنين ومعاداة
الكافرين؛ بأن وال َْيتموهم كّلهم أو عاديتموهم كّلهم أو واليتم
ة في الرض وفساد ٌ كبيٌر{: الكافرين وعاديتم المؤمنين} ،تكن فتن ٌ
ق
ل بذلك من الشّر ما ل ينحصر من اختلط الح ّ ص ُ
فإنه يح ُ
بالباطل والمؤمن بالكافر وعدم كثير من العبادات الكبار كالجهاد
والهجرة وغير ذلك من مقاصد الشرع والدين التي تفوت إذا لم
ي ُّتخذ المؤمنون وحدهم أولياء بعضهم لبعض.
ﯮﯧﯧ ﯯﯧﯧ ﯰﯧﯧ ﭽ ﯛ ﯜ ﯝ ﯞ ﯟ ﯠ ﯡ ﯢ ﯣ ﯤ ﯥ ﯦ ﯧ ﯨﯩ ﯪﯧﯧ ﯫﯧﯧ ﯬﯧﯧ ﯭﯧﯧ
ﯷﯷ ﯷ ﯷ ﯾ ﯿ ﯱﯧﯧ ﯷ ﯷ ﯷ ﯷ ﯷ ﯷﯷ ﯷ ﯷ ﯷ ﯼ ﯽ
ﯷ ﯷ ﯷ ﯷ ﭼ.
اليات السابقات في ذكر عقد الموالة بين المؤمنين من
المهاجرين والنصار .وهذه اليات في بيان مدحهم وثوابهم:
} {74فقال} :والذين آمنوا وهاجروا وجاهدوا في سبيل
الّله والذين آوَْوا ونصروا أولئك هم المؤمنون{ ) :(2من المهاجرين
دقوا إيمانهم بما قاموا قا{؛ لنهم ص ّ والنصار؛ هم :المؤمنون }ح ّ
به من الهجرة والنصرة والموالة بعضهم لبعض وجهادهم
لعدائهم من الكفار والمنافقين} .لهم مغفرة{ :من الّله ُتمحى
م{؛ أي: ل بها زل ُّتهم} .و{ لهم }رزقٌ كري ٌبها سيئاتهم وتضمح ّ
ب الكريم في جنات النعيم ،وربما حصل لهم من خير كثير من الر ّ
ن به قلوبهم.
قّر به أعينهم ،وتطمئ ّ جل ما ت َ َ الثواب المع ّ
من من جاء بعد هؤلء المهاجرين والنصار مـ ّ } {75وكذلك َ
اّتبعهم بإحسان فآمن وهاجر وجاهد في سبيل الله} .فأولئك
منكم{ :لهم ما لكم وعليهم ما عليكم؛ فهذه الموالة اليمانية،
ن
ن عظيم ،حتى إ ّ وقد كانت في أول السلم لها وقع كبيٌر وشأ ٌ
وة ي صلى الله عليه وسلم آخى بين المهاجرين والنصار أخ ّ النب ّ
صة غير الخوة اليمانية العامة ،وحتى كانوا يتوارثون بها، خا ّ
ضهم أولى ببعض في كتاب الله{ فأنزل الّله} :وأولو الرحام بع ُ
فل يرثه إل أقاربه من العصبات وأصحاب الفروض فإن لم يكونوا؛
ل عليه عموم الية فأقرب قراباته من ذوي الرحام كما د ّ
الكريمة ،وقوله} :في كتاب الّله{؛ أي :في حكمه وشرعه} .إ ّ
ن
- 2
م{ :ومنه ما يعلمه من أحوالكم التي يجري
ل شيء علي ٌ الّله بـكـ ّ
من شرائعه الدينية عليكم ما يناسبها.
فف ففففف فففففف.
فف ففففف فففف ففففففف .فف ف
***
تفسير سورة براءة ويقال سورة التوبة
وهي مدنية
ﭽﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ ﭝ ﭞ ﭟ ﭠ ﭡ ﭢ
ﭣ ﭤﭥ ﭦ ﭧ ﭨ ﭩ ﭪ ﭼ .
} 1ـ {2أي :هذه }براءة ٌ من الّله{ ومن }رسوله{ :إلى
ن لهم أربعة أشهر يسيحون في جميع المشركين المعاهدين؛ أ ّ
الرض على اختيارهم آمنين من المؤمنين ،وبعد الربعة الشهر؛
در أو
فل عهد لهم ول ميثاق .وهذا لمن كان له عهد ٌ مطلقٌ غير مق ّ
در بزيادة على مقدٌر بأربعة أشهر فأقل ،أما من كان له عهد مق ّ
ف منه
خ ْمم له عهده إذا لم ُيـ َأربعة أشهر؛ فإنه يتعيّـن أن يت ّ
خيانة ،ولم يبدأ بنقض العهد.
هدين في مدة عهدهم أّنهم وإن كانوا آمنين؛ ثم أنذر المعا َ
جزوا الّله ولن يفوتوه ،وأنه من استمر منهم على فإنهم لن يع ِ
شركه؛ فإنه ل بد ّ أن يخزيه ،فكان هذا مما يجلبهم إلى الدخول
في السلم إل من عاند ،وأصّر ،ولم يبال بوعيد الّله.
ﭽ ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ ﭯ ﭰ ﭱ ﭲ ﭳ ﭴ ﭵ ﭶ ﭷ ﭸﭹ ﭺﭻ ﭼ
ﮍ ﮎ ﮏ ﭼ. ﭽ ﭾ ﭿ ﮀﮁ ﮂ ﮃ ﮄ ﮅ ﮆ ﮇ ﮈﮉ ﮊ ﮋ ﮌ
} {3هذا ما وعد الّله به المؤمنين من نصر دينه وإعلء
كلمته وخذلن أعدائهم من المشركين الذين أخرجوا الرسول
وهم مما لهم ن معه من مكة من بيت الّله الحرام وأجل َ ْ م ْو َ
ه رسوَله والمؤمنين حتى التسّلط عليه من أرض الحجاز؛ نصر الل ّ ُ
ة على م والغَل َب َ ُ ل المشركين وصار للمؤمنين الحك ُ افتتح مكة وأذ ّ
ذنذنه أن يؤ ّ ي صلى الله عليه وسلم ) (1مؤ ّ تلك الديار ،فأمر النب ّ
يوم الحج الكبر ،وهو يوم النحر ،وقت اجتماع الناس مسلمهم
ن الّله بريٌء ذن بأ ّ وكافرهم من جميع جزيرة العرب :أن يؤ ّ
ق؛ فأينما ورسوله من المشركين؛ فليس لهم عنده عهد ٌ وميثا ٌ
جدوا قُِتلوا ،وقيل لهم :ل تقربوا المسجد الحرام بعد عامكم وُ ِ
ج بالناس أبو بكر هذا! وكان ذلك سنة تسع من الهجرة ،وح ّ
م رسول نع ّ ذن ببراءة يوم النحر اب ُ الصديق رضي الّله عنه ،وأ ّ
الّله صلى الله عليه وسلم علي بن أبي طالب رضي الّله عنه.
هبهم من الستمرار غب تعالى المشركين بالتوبة ور ّ ثم ر ّ
على الشرك ،فقال} :فإن ت ُب ُْتم فهو خيٌر لكم وإن تول ّْيتم فاعلموا
- 1سبق تخريجه.
- 2في )ب(» :ولم يأمر يغتسل مما أصاب منها«.
- 3في )ب(» :لوجهه«.
من َيليق به الغنى ع ،يعلم َ م{؛ أي :علمه واس ٌ م حكي ٌن الّله علي ٌ
}إ ّ
زلها منازلها. من ل َيليق ،ويضع الشياء مواضعها ،وين ِ و َ
قَربوا المسجد َ ل الية الكريمة ـ وهي قوله} :فل ي َ ْ وتد ّ
ن المشركين بعدما كانوا هم الملوك الحرام بعد عامهم هذا{ ـ أ ّ
والرؤساء بالبيت ،ثم صار بعد الفتح الحكم لرسول الّله
والمؤمنين مع إقامتهم في البيت ومكة المكرمة ،ثم نزلت هذه
جَلوا من
ي صلى الله عليه وسلم؛ أمر أن ُيـ ْ الية ،ولما مات النب ّ
ل كافر عن الحجاز؛ فل يبقى فيها دينان ،وكل هذا لجل ب ُعْد ِ ك ّ
المسجد الحرام ،فيدخل في قوله} :فل يقربوا المسجد الحرام
بعد عامهم هذا{.
ﭽﭽ ﭾ ﭿ ﮀ ﮁ ﮂ ﮃ ﮄ ﮅ ﮆ ﮇ ﮈ ﮉ ﮊ ﮋ ﮌ ﮍ ﮎ ﮏ
ﮐ ﮑ ﮒ ﮓ ﮔ ﮕ ﮖ ﮗ ﮘ ﮙ ﮚ ﭼ.
} {29هذه الية أمٌر بقتال الكفار من اليهود والنصارى من
دقونه}الذين ل يؤمنون بالّله ول باليوم الخر{ :إيمانا ً صحيحا ً يص ّ
بأفعالهم وأعمالهم} ،ول يحّرمون ما حّرم الّله{ :فل يّتبعون
ق{؛ أي :ل شرعه في تحريم المحرمات} ،ول َيدينون دين الح ّ
ن غير يدينون بالدين الصحيح ،وإن زعموا أنهم على دين؛ فإنه دي ُ
ما دل وهو الذي لم يشرعه الّله أص ً
ل ،وإ ّ الحق؛ لنه ما بين دين مب ّ
خ قد شرعه الّله ثم غّيره بشريعة محمد صلى الله ن منسو ٌ دي ٌ
مَره ُ بقتال سك به بعد النسخ غير جائز .فأ َ عليه وسلم ،فيبقى التم ّ
ث على ذلك لّنهم يدعون إلى ما هم عليه ،ويحصل هؤلء وح ّ
الضرر الكثير منهم للناس ،بسبب أنهم أهل كتاب .وغ َّيا ذلك
ة{؛ أي :المال الذي يكون جزاًء لترك القتال} :حتى ُيعطوا الجزي َ
المسلمين قتالهم وإقامتهم آمنين على أنفسهم وأموالهم بين
ل على حسب حاله من ل عام ك ّأظهر المسلمين ،يؤخذ منهم ك ّ
غني وفقير ومتوسط؛ كما فعل ذلك أمير المؤمنين عمر بن
د{؛ أي :حتى الخطاب وغيره من أمراء المؤمنين .وقوله} :عن ي ٍ
يبذلوها ) (1في حال ذ ُّلهم ،وعدم اقتدارهم ،ويعطوها بأيديهم،
)(2
فل يرسلون بها خادمًا ،ول غيره ،بل ل ُتقبل إل ّ من أيديهم} .وهم
قّروهم ن{ :فإذا كانوا بهذه الحال ،وسألوا المسلمين أن ي ُ ِ صاغرو َ
بالجزية وهم تحت أحكام المسلمين وقهرهم ،وحال المن من
شّرهم وفتنتهم ،واستسلموا للشروط التي أجراها عليهم
صغارهم؛ المسلمون ،مما ينفي عّزهم وتكب َّرهم وتوجب ذّلهم و َ
دها لهم ،و إل ّ ؛ بأن لم يفوا ولم وجب على المام أو نائبه أن يعق َ
-في )ب(» :يبذلونها«. 1
دعوا فيه هذه الدعوى الشنيعة .وقالت النصارى :عيسى ابن فا ّ
ن الّله{ ،قال الّله تعالى} :ذلك{ :القول الذي قالوه، مريم }اب ُ
ن كان ل جة ول برهانًا ،و َ
م ْ }قوُلهم بأفواه ِِهم{ :لم يقيموا عليه ح ّ
-أخرجه البخاري ).(3157 1
داعي«.
-في )ب(» :و َ 3
يستأصلهم ويمحقَ دينهم ،وربما اقتدى به غيره من ضعفاء
ت في أعضاد من قاموا بجهاد أعداء الّله؛ اليمان ،بل ربما ف ّ
عده الّله بالوعيد الشديد ،فقال} :إل فحقيقٌ بمن هذا حاله أن يتو ّ
ل قوما غيركم{ :ثم ل يكونواً فروا يعذ ّْبكم عذابا ً أليما ً ويستبد ّْ َتن ِ
فل بنصر دينه وإعلء أمثالكم} ،ول تضّروه شيئًا{؛ فإنه تعالى متك ّ
كلمته؛ فسواٌء امتثلتم لمر الّله أو ألقيتموه وراءكم ظ ِهْرِّيا.
جُزه شيء أراده ول يغالبه }والّله على كل شيء قديٌر{ :ل يع ِ
د.
أح ٌ
ﭽ ﮥ ﮦ ﮧ ﮨ ﮩ ﮪ ﮫ ﮬ ﮭ ﮮﮮ ﮯ ﮰ ﮱ ﯓ ﯔ ﯕ ﯖ ﯗ ﯘ
ﯙ ﯚ ﯛ ﯜﯝ ﯞ ﯟ ﯠ ﯡ ﯢ ﯣ ﯤ ﯥ ﯦ ﯧ ﯨ ﯩ ﯪﯧﯧﯫﯧﯧ ﯬﯧﯧ ﯭﯧﯧ ﯮﯧﯧ ﯯﯧﯧﯰﯧﯧ ﯱﯧﯧ ﯷ ﯷ
ﯷ ﭼ.
} {40أي :إل تنصروا رسوله محمدا ً صلى الله عليه وسلم؛
ل ما يكوني عنكم ،ل تضّرونه شيئًا؛ فقد نصره في أق ّ فالّله غن ّ
َ
سَعوا
موا بقتله و َوَأذ َل ّهِ }إذ أخرجه الذين كفروا{ :من مكة ،لما هـ ّ
في ذلك وحرصوا أشد ّ الحرص فألجؤوه إلى أن يخرج} .ثاني
ن{؛ أي :هو وأبو بكر الصديق رضي الّله عنه} .إذ هما في اثني ِ
)(1
الغار{؛ أي :لما هربا من مكة؛ لجآ إلى غار ثور في أسفل
مكة ،فمكثا فيه ليبرد عنهما الطلب؛ فهما في تلك الحالة الحرجة
ل جانب يطلبونهما قة حين انتشر العداء من ك ّ الشديدة المش ّ
طر على البال. ليقتلوهما ،فأنزل الّله عليهما من نصره ما ل يخ ُ
ه{ :أبي بكر لما ل{ :النبي صلى الله عليه وسلم }لصاحب ِ ِ }إذ يقو ُ
ن الّله معنا{ :بعونه ونصره نإ ّ
قه} :ل تحز ْ
حزن واشتد ّ قل ُ
وتأييده} ،فأنزل الّله سكين ََته عليه{؛ أي :الثبات والطمأنينة
كنه وقال :ل والسكون المثّبتة للفؤاد ،ولهذا لما قلق صاحبه؛ س ّ
ن الّله معنا} .وأّيده بجنود ٍ لم ت ََرْوها{ :وهي الملئكة نإ ّتحز ْ
الكرام ،الذين جعلهم الّله حرسا ً له.
ة الذين كفروا السفلى{؛ أي :الساقطة }وجعل كلم َ
حْرد ٍ قادرين في ن الذين كفروا ]قد[ كانوا على َالمخذولة؛ فإ ّ
ظّنهم على قتل الرسول صلى الله عليه وسلم وأخذه حنقين
م لهم عليه ،فعملوا غاية مجهودهم في ذلك ،فخذلهم الّله ولم ي ُت ِ ّ
دهم ،بل ول أدركوا شيئا ً منه ،ونصر الّله رسوله بدفعه عنه، مقصو َ
ن النصر على وهذا هو النصر المذكور في هذا الموضع؛ فإ ّ
ه لهم م الل ّ ُ قسمين :نصر المسلمين إذا طمعوا في عدّوهم بأن ي ُت ِ ّ
ما طلبوا وقصدوا ويستولوا على عدّوهم ويظهروا عليهم.
هّ
صُر الل ِوالثاني :نصر المستضَعف الذي طمع فيه عدّوه القادر ،فن ْ
-في )ب(» :حياته الدنيا«. 1
إياه أن يرد ّ عنه عدّوه ،ويدافع عنه ،ولعل هذا النصر أنفع
صُر الل ّهِ رسوَله إذ أخرجه الذين كفروا ثاني اثنين من النصرين ،ون َ ْ
ة اللهِ هي العليا{؛ أي :كلماته القدرّية هذا النوع .وقوله} :وكلم ُ
وكلماته الدينّية هي العالية على كلمة غيره ،التي من جملتها
صُر رسَلنا والذين
صُر المؤمنين{} ،إّنا لنن ُقا علينا ن َ ْ قوله} :وكان ح ّ
دنا لهم
ن جن َ
د{} ،وإ ّ م الشها ُدنيا ويوم يقو ُ آمنوا في الحياة ال ّ
ّ
الغالبون{؛ فدين الله هو الظاهر العالي على سائر الديان
بالحجج الواضحة واليات الباهرة والسلطان الناصر} .والّله
ب} ،حكيم{ :يضعُ الشياء ب ول يفوته هار ٌ عزيٌز{ :ل يغالبه مغال ٌ
ت آخر اقتضته الحكمة خُر نصَر حزبه إلى وق ٍ مواضعها ،ويؤ ّ
اللهية.
وفي هذه الية الكريمة فضيلة أبي بكر الصديق بخصيصة
لم تكن لغيره من هذه المة ،وهي الفوز بهذه المنقبة الجليلة
والصحبة الجميلة ،وقد أجمع المسلمون على أّنه هو المراد بهذه
دوا من أنكر صحبة أبي بكر للنبي صلى الية الكريمة ،ولهذا ع ّ
الله عليه وسلم كافرًا؛ لّنه منكر للقرآن الذي صّرح بها .وفيها
ة السكينة ،وأنها من تمام نعمة الّله على العبد في أوقات فضيل ُ
الشدائد والمخاوف التي تطيش لها الفئدة ،وأنها تكون على
حسب معرفة العبد برّبه وثقته بوعد ِهِ الصادق وبحسب إيمانه
ص عباد الّله
ن الحزن قد يعرض لخوا ّ ه .وفيها أ ّ وشجاعت ِ ِ
ن الولى إذا نزل بالعبد أن يسعى في ذهابه عنه؛ الصديقين ،مع أ ّ
ن للعزيمة. ف للقلب موه ِ ٌ فإنه مضعِ ٌ
ﭠ ﭽ ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙﭚ ﭛ ﭜ ﭝ ﭞ ﭟ
ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ ﭨ ﭩ ﭪ ﭫ ﭬﭭ ﭮ ﭯ ﭰ ﭱ ﭲ ﭳ ﭡ ﭢ ﭣ
ﭴ ﭵ ﭶ ﭷ ﭸ ﭹ ﭺ ﭼ.
} {41يقول تعالى لعباده المؤمنين مهّيجا ً لهم على النفير
ل{ :في العسر واليسر، فروا خفافا ً وثقا ً في سبيله ،فقال} :ان ِ
والمنشط والمكره ،والحّر والبرد ،وفي جميع الحوال} ،وجاهدوا
سكم في سبيل الّله{؛ أي :ابذلوا جهدكم في ذلك، بأموالكم وأنف ِ
ل على أنه سَعكم في المال والنفس .وفي هذا دلي ٌ واستفرغوا وُ ْ
د[ في المال حيث كما يجب الجهاد ُ في النفس يجب ]الجها ُ
اقتضت الحاجة ودعت لذلك .ثم قال} :ذلكم خيٌر لكم إن كنتم
ن{؛ أي :الجهاد في النفس والمال خيٌر لكم من التقاعد تعلمو َ
ن فيه رضا الّله تعالى والفوز بالدرجات العاليات عنده عن ذلك؛ ل ّ
دخول في جملة جنده وحزبه. ّ
والنصر لدين الله وال ّ
ة
ب أو منفع ٍ جهم لطلب عرض قري ٍ }} {42لو كان{ :خرو ُ
دنيوّية سهلة التناول .أو كان السفُر }سفرا ً قاصدًا{؛ أي :قريبا ً
ت عليهم سهل ً }لّتبعوك{ :لعدم المش ّ
قة الكثيرة} ،ولكن ب َعُد َ ْ
ة{؛ أي :طالت عليهم المسافة ،وصعب عليهم السفر؛ ق ُ ال ّ
ش ّ
فلذلك تثاقلوا عنك ،وليس هذا من أمارات العبودّية ،بل العبد
ل حال ،القائم بالعبادة السهلة ة المتعب ّد ُ لرّبه في ك ّحقيق ً
ّ
ل حال} .وسيحلفون بالله لو ّ
والشاّقة؛ فهذا العبد لله على ك ّ
استطعنا لخرجنا معكم{؛ أي :سيحلفون أن تخلفهم عن الخروج
سهم{: ن لهم عذرًا ،وأنهم ل يستطيعون ذلكُ} ،يـهِْلكون أنف َ أ ّ
ن{. ّ
بالقعود والكذب والخبار بغير الواقع} .والله يعلم إّنهم لكاذبو َ
وهذا العتاب إنما هو للمنافقين ،الذين تخّلفوا عن النبي
صلى الله عليه وسلم في غزوة تبوك ،وأبدوا من العذار الكاذبة
ما أبدوا ،فعفا النبي صلى الله عليه وسلم عنهم بمجّرد
حنهم فيتبيّـن له الصادق من الكاذب، اعتذارهم ،من غير أن يمت َ ِ
ولهذا عاتبه الّله على هذه المسارعة إلى عذرهم ،فقال:
ﭽﭻ ﭼ ﭽ ﭾ ﭿ ﮀ ﮁ ﮂ ﮃ ﮄ ﮅ ﮆ ﮇ ﮈ ﮉ ﮊ ﮋ ﮌ ﮍ
ﮎ ﮏ ﮐ ﮑ ﮒ ﮓﮔ ﮕ ﮖ ﮗ ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ ﮜ ﮝ ﮞ ﮟ ﮠ
ﮡ ﮢ ﮣ ﮤ ﮥ ﮦ ﮧ ﭼ.
} {43يقول تعالى لرسوله صلى الله عليه وسلم} :عفا
الّله عنك{؛ أي :سامحك وغفر لك ما أجريت} .لم أذن َ
ت
م
دقوا وتعل َ لهم{:في التخّلف} ،حّتى يتبيّـن لك الذين َ
ص َ
حنهم ليتبّين لك الصادق من الكاذب ،فتعذر الكاذبين{ ) :(1بأن تمت َ ِ
من ل يستحقّ ذلك. من يستحقّ العذر م ّ
} {44ثم أخبر أن المؤمنين بالّله واليوم الخر ل يستأذنون
في ترك الجهاد بأموالهم وأنفسهم؛ لن ما معهم من الرغبة في
ثالخير واليمان يحملهم على الجهاد من غير أن يحّثهم عليه حا ّ
فضل ً عن كونهم يستأذنون في ترك ِهِ من غير عذٍر} .والّله علي ٌ
م
بالمّتقين{ :فيجازيهم على ما قاموا به من تقواه ،ومن علمه
ن من علماتهم أنهم ل يستأذنون في ترك بالمّتقين أنه أخبر أ ّ
الجهاد.
}} {45إنما يستأذنك الذين ل يؤمنون بالّله واليوم الخر
ق؛
ن صاد ٌ م ول يقيـ ٌن تا ّ
ت قلوُبهم{؛ أي :ليس لهم إيما ٌ وارتاب ْ
فلذلك قّلت رغبُتهم في الخير ،وجبنوا عن القتال ،واحتاجوا أن
- 1أخرجه ابن جرير ) ،(14/334وله شاهد بسند حسن عند ابن أبي حاتم؛
كما في »الصحيح المسند لسباب النزول« ص).(78
ن«.
- 2في )ب(» :إ ّ
ﭽﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ ﭝ ﭞ ﭟ ﭠ ﭡ ﭢ
ﭣ ﭤ ﭥ ﭦ ﭧﭨ ﭩ ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ ﭮﭯ ﭰ ﭱ ﭲ ﭳ ﭴ ﭵ ﭶ
ﭷ ﭸ ﭹ ﭺ ﭻ ﭼ ﭽ ﭾ ﭿ ﮀ ﮁ ﮂﮃ ﮄ ﮅ ﮆﮇ ﮈ ﮉ ﮊ ﮋ ﮌ ﮍ
ﮎ ﮏ ﮐ ﭼ.
ذرا ً للمنافقين أن ُيصيَبهم ما } 69ـ {70يقول تعالى مح ّ
ذبة؛ }قوم نوح وعاد ٍ وثمود َ وقوم ن قبَلهم من المم المك ّ م ْب َ أصا َ
ط؛
ت{؛ أي :قرى قوم لو ٍ ن والمؤتفكا ِ مد ْي َ َ
م وأصحاب َ إبراهي َ
يفكّلهم }أتتهم رسلهم بالبّينات{؛ أي :بالحق الواضح الجلـ ّ
ص الّلهذبوا بها ،فجرى عليهم ما ق ّ المبيّـن لحقائق الشياء ،فك ّ
خلقكم{؛ أي: ة بأعمالهم} .استمتعُتم ب َ علينا؛ فأنُتم أعماُلكم شبيه ٌ
ذة والشهوة، بنصيبكم من الدنيا ،فتناوَْلتموه على وجه الل ّ ّ
معرضين عن المراد منه ،واستعنتم به على معاصي الّله ،ولم
ولتم من النعم كما فعل الذين من خ ّمُتكم وإرادتكم ما ُ تتعد ّ هـ ّ
قبلكم} .وخضُتم كالذي خاضوا{؛ أي :وخضتم بالباطل والّزور
ق؛ فهذه أعماُلهم وعلومهم: حضوا به الح ّ وجادلتم بالباطل ل ِت ُد ْ ِ
قوا من العقوبة ض بالباطل؛ فاستح ّ خلق ،وخو ٌ استمتاع ٌ بال َ
من فعلوا كفعلهم ،وأما مـ ّوالهلك ما استحقّ من قبلهم ِ
دنيا؛ فإّنه ولوا من ال ّ خ ّالمؤمنون فهم وإن استمتعوا بنصيبهم وما ُ
على وجه الستعانة به على طاعة الّله ،وأما علومهم؛ فهي علوم
الرسل ،وهي :الوصول إلى اليقين في جميع المطالب العالية،
والمجادلة بالحقّ لدحاض الباطل .قوله} :فما كان الل ّ ُ
ه
مهم{ :إذا وقع بهم من عقوبته ما أوقع} ،ولكن كانوا ل ِي َظ ْل ِ َ
صوا رسلهم، مون{ :حيث تجرؤوا على معاصيه ،وع َ َ سهم يظل ِ أنف َ
واتبعوا أمر كل جبار عنيد.
ﭽ ﮑ ﮒ ﮓ ﮔ ﮕﮖ ﮗ ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ ﮜ ﮝ ﮞ ﮟ ﮠ ﮡ
ﮢﮣ ﮤ ﮥ ﮦﮧ ﮨ ﮩ ﮪ ﮫ ﮬ ﮭ ﮮﮮ ﮯ ﮰ ﮱ ﯓ ﯔ ﯕ ﯖ ﯗ ﯘ ﯙ ﯚ
ﯛ ﯜ ﯝﯞ ﯟ ﯠ ﯡ ﯢﯣ ﯤ ﯥ ﯦ ﯧ ﯨ ﭼ .
ن المنافقين بعضهم من بعض ) (1؛ ذكر أن } {71لما ذكر أ ّ
المؤمنين بعضهم أولياء بعض ،ووصفهم بضد ّ ما وصف به
ت{؛ أي :ذكورهم المنافقين ،فقال} :والمؤمنون والمؤمنا ُ
ض{ :في المحّبة والموالة والنتماء ضهم أولياُء بع ٍ وإناثهم} ،بع ُ
رف م جامعٌ لك ّ
ل ما ع ُ ِ والّنصرة} .يأمرون بالمعروف{ :وهو اس ٌ
حسنه من العقائد الحسنة والعمال الصالحة والخلق الفاضلة،
ون عن المنكر{ :وهو سهم} .وينهَ ْل في أمرهم أنف ُ خ ُمن يد ُ
وأول َ
ضه من العقائد الباطلة والعمال ل ما خالف المعروف ،وناقَ َ ك ّ
-في )ب(» :بعضهم أولياء بعض«. 1
ن الّله ورسوله{؛ أي :ل الخبيثة والخلق الرذيلة} ،ويطيعو َ
يزالون ملزمين لطاعة الّله ورسوله على الدوام} .أولئك
مُلهم بإحسانه. مُهم الّله{؛ أي :يدخلهم في رحمته ويش َ سيرحـ ُ
م
م{؛ أي :قويّ قاهٌر ،ومع قوته؛ فهو حكي ٌ ن الّله عزيٌز حكي ٌ }إ ّ
يضع كل شيء موضَعه اللئق به الذي ُيحمد على ما خلقه وأمر
به.
} {72ثم ذكر ما أعد الّله لهم من الثواب ،فقال} :وعد
ة
ت تجري من تحتها النهار{ :جامع ٍ الّله المؤمنين والمؤمنات جنا ٍ
ل أذىً وت ََرح ،تجري من تحت ل نعيم وفرح ،خاليةٍ من ك ّ لك ّ
قصورها ودورها وأشجارها النهار الغزيرة المروية للبساتين
النيقة التي ل يعلم ما فيها من الخيرات والبركات إل الّله تعالى.
ن طيبة في جنات ل} .ومساك َ حوَ ً}خالدين فيها{ :ل يبغون عنها ِ
دت لعباد الّله المّتقين ،قد طاب ع ّ
عدن{ :قد زخرفت وحسنت وأ ِ
مقيلها ،وجمعت من آلت المساكن العالية مرآها وطاب منزُِلها و َ
ما ل يتمنى فوقه المتمّنون ،حتى إن الّله تعالى قد أعد ّ لهم غرفا ً
في غاية الصفاء والحسنُ ،يرى ظاه ُِرها من باطنها ،وباط ُِنها من
سك ُ َ
ن إليها ظاهرها؛ فهذه المساكن النيقة التي حقيقٌ بأن ت َ ْ
النفوس وتنزِع َ إليها القلوب وتشتاقَ لها الرواح؛ لّنها }في جنات
نولون منها} .ورضوا ٌ ن{؛ أي :إقامة ،ل يظعنون عنها ول يتح ّ عد ٍ
حله على أهل الجنة }أكبر{ :مما هم فيه من النعيم؛ ّ ّ
من الله{ :ي ُ ِ
ب إل برؤية رّبهم ورضوانه عليهم ،ولّنه الغاية ن نعيمهم لم ي َط ِ ْ فإ ّ
مها العابدون ،والنهاية التي سعى نحوها المحّبون؛ فرضا التي أ ّ
ب الرض والسماوات أكبُر من نعيم الجنات} .ذلك هو الفوُز ر ّ
ل مطلوب ،وانتفى عنهم ك ّ
ل حصلوا على ك ّ العظيم{ :حيث َ
ت وطابت منهم جميع المور ،فنسأل الّله أن محذور ،وحسن ْ
ه.
يجعلنا معهم بجود ِ ِ
ﭽ ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗﭘ ﭙ ﭚﭛ ﭜ ﭝ ﭞ ﭟ ﭠ ﭡ ﭢ ﭣ
ﭲ ﭳ ﭴ ﭵ ﭶ ﭪ ﭫ ﭬ ﭭﭮ ﭯ ﭰ ﭱ ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ ﭨ ﭩ
ﭷﭸ ﭹ ﭺ ﭻ ﭼ ﭽ ﭾ ﭿ ﮀ ﮁ ﮂ ﮃ ﮄ ﮅ ﮆ ﮇ ﮈ ﮉ ﮊ ﮋ ﮌ ﮍ
ﮎ ﮏ ﮐ ﮑ ﭼ.
} {73يقول تعالى لنبّيه صلى الله عليه وسلم} :يا أّيها
ي جاهد الكفار والمنافقين{؛ أي :بالغ في جهادهم ،والغلظة النب ّ
عليهم حيث اقتضت الحال الغِْلظة عليهم ،وهذا الجهاد يدخل فيه
الجهاد باليد والجهاد بالحجة واللسان؛ فمن بارز منهم بالمحاربة؛
هد باليد واللسان والسيف والسنان ) ، (1ومن كان مذعنا ًفيجا َ
-في في )ب(» :والكفر«) .ب(» :والسيف والبيان«. 1
د؛ فإنه يجاهَد ُ بالحجة والبرهان ،ويبيّـن له مة أو عه ٍ للسلم بذ ّ
)(1
محاسن السلم ومساوىء الشرك والكفران ؛ فهذا ما لهم
مأواهم }جهنم{؛ أي :مقّرهم في الدنيا} ،و{ أما في الخرة؛ فَ َ
الذي ل يخرجون منها} ،وبئس المصير{.
ر{؛ أي: ة الكف ِن بالّله ما قالوا ولقد قالوا كلم َ }} {74يحلفو َ
ل{، ن العّز منها الذ ّ ج ّ خرِ َ إذا قالوا قول ً كقول من قال منهم} :ل َي ُ ْ
والكلم الذي يتكّلم به الواحد بعد الواحد في الستهزاء بالدين
ي صلى الله عليه وسلم قد بلغه وبالرسول؛ فإذا بلغهم أن النب ّ
شيء من ذلك؛ جاؤوا إليه يحلفون بالّله ما قالوا ،قال تعالى
ة الكفر وكفروا بعد إسلمهم{: ذبا ً لهم} :ولقد قالوا كلم َ مك ّ
فإسلمهم السابق ،وإن كان ظاهره أنه أخرجهم من دائرة الكفر؛
موا بما لم خُلهم بالكفر} .وهـ ّ ض إسلمهم ويد ِ ق ُ مهم الخير ين ُ فكل ُ
موا بالفتك برسول الّله صلى الله عليه ينالوا{ :وذلك حين هـ ّ
دهم ص الله عليه نبأهم ،فأمر من يص ّ ّ وسلم في غزوة تبوك ،فق ّ
عن قصدهم} .و{ الحال أنهم }ما نقموا{ وعابوا من رسول الّله
ه ورسوُله من فضله{: ن أغناهم الل ّ ُ صلى الله عليه وسلم }إل ّ أ ْ
بعد أن كانوا فقراء معوزين ،وهذا من أعجب الشياء :أن
يستهينوا بمن كان سببا ً لخراجهم من الظلمات إلى النور ،ومغنيا ً
ظموه ويؤمنوا به قه عليهم إل أن يع ّ لهم بعد الفقر! وهل ح ّ
داعي الديني وداعي المروءة النسانية[ .ثم جّلوه؟! ]فاجتمع ال ّ وي ُ ِ
ك خيرا ً لهم{؛ لن التوبة عرض عليهم التوبة ،فقال} :فإن يتوبوا ي ُ
دنيا والخرة} ،وإن ي َت َوَّلوا{ :عن التوبة والنابة ل لسعادة ال ّ أص ٌ
دنيا والخرة{ :في الدنيا بما ينالهم }يعذ ّْبهم الّله عذابا ً أليما ً في ال ّ
من الهم والغم والحزن على نصرة الّله لدينه وإعزاز نبّيه وعدم
حصولهم على مطلوبهم ،وفي الخرة في عذاب السعير} .وما
ل لهم ص ُ
ح ّي{ :يتوّلى أمورهم وُيـ َ لهم في الرض من ولـ ّ
ر{ :يدفع عنهم المكروه ،وإذا انقطعوا من المطلوب} ،ول نصي ٍ
م أصناف الشّر والخسران والشقاء ولية الّله تعالى؛ فث ّ
والحرمان.
ﭽﮒ ﮓ ﮔ ﮕ ﮖ ﮗ ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ ﮜ ﮝ ﮞ ﮟ ﮠ ﮡ ﮢ ﮣ
ﮤ ﮥ ﮦ ﮧ ﮨ ﮩ ﮪ ﮫ ﮬ ﮭ ﮮﮮ ﮯ ﮰ ﮱ ﯓ ﯔ ﯕ ﯖ ﯗ ﯘ ﯙ
ﯚ ﯛ ﯜ ﯝ ﯞ ﯟ ﯠ ﯡ ﯢ ﯣ ﯤ ﯥ ﯦ ﭼ.
- 1
ن من الصالحين{ :فنصل الرحم وُنقري الضيف، ن وَلنكون َ ّ
صد ّقَ ّ}ل َن َ ّ
ق ،ونفعل الفعال الحسنة الصالحة.
ن على نوائب الح ّ ونعي ُ
ه{ :لم يفوا بما قالوا ،بل هم من فضل ِ ِ }} {76فلما آتا ُ
وا{ :عن الطاعة والنقياد} ،وهم معرضون{؛ خلوا{ و }وتول ّ ْ }ب َ ِ
أي :غير ملتفتين إلى الخير.
} {77فلما لم يفوا بما عاهدوا الّله عليه؛ عاقبهم و
ه بما أخلفوا قوْن َ ُ}أعقبهم نفاقا ً في قلوبهم{ :مستمر }إلى يوم ي َل ْ َ
ن من هذا ه ما وعدوه وبما كانوا يكذبون{ :فليحذر المؤم ُ الل ّ َ
ن
ي؛ ليفعل ّ الوصف الشنيع أن يعاهد رّبه إن حصل مقصود ُه ُ الفلنـ ّ
كذا وكذا ،ثم ل يفي بذلك؛ فإّنه ربما عاقبه الّله بالنفاق كما
ي صلى الله عليه وسلم في الحديث عاقب هؤلء ،وقد قال النب ّ
ب،ث ك َذ َ َث :إذا حد ّ َ الثابت في »الصحيحين« )» : (1آية المنافق ثل ٌ
ف«؛ فهذا المنافق الذي وعد الّله خل َ َوإذا عاهد غ َد ََر ،وإذا وَع َد َ أ َ ْ
ن من دقن وليكون ّ وعاهده لئن أعطاه الّله من فضله؛ لي ّ
ص ّ
دث فكذب ،وعاهد ]فغدر[ ) ، (2ووعد فأخلف. الصالحين :ح ّ
عد من صدر منهم هذا الصنيع بقوله} :ألم } {78ولهذا تو ّ
ّ
ن الله علم الغيوب{: ن الّله يعلم سّرهم ونجواهم وأ ّ
يعلموا أ ّ
وسيجازيهم على ما عملوا من العمال التي يعلمها الّله تعالى.
وهذه اليات نزلت في رجل من المنافقين يقال له ثعلبة،
جاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم ،وسأله أن يدعوَ الّله له أن
ن ويصل الرحم يعط َِيه الله من فضله ،وأنه إن أعطاه ليتصدق ّ
ق ،فدعا النبي صلى الله عليه وسلم له، ويعين على نوائب الح ّ
فكان له غنم ،فلم تزل تتنامى حتى خرج بها عن المدينة ،فكان ل
يحضر إل ّ بعض الصلوات الخمس ،ثم أبعد فكان ل يحضر إل صلة
الجمعة ،ثم كثرت فأبعدها فكان ل يحضر جمعة ول جماعة،
ي صلى الله عليه وسلم ،فأخبر بحاله ،فبعث من يأخذ ففقده النب ّ
الصدقات من أهلها ،فمروا على ثعلبة ،فقال :ما هذه إل جزية ،ما
هذه إل أخت الجزية .فلما لم يعطهم؛ جاؤوا فأخبروا بذلك النبي
صلى الله عليه وسلم ،فقال» :يا ويح ثعلبة ،يا ويح ثعلبة!« ثلثا ً
) . (3فلما نزلت هذه الية فيه وفي أمثاله؛ ذهب بها بعض أهله،
ي صلى الله عليه وسلم، فبّلغه إّياها ،فجاء بزكاته ،فلم يقبْلها النب ّ
- 1البخاري ) ،(2682ومسلم ) (59إل ّ أن لفظ» :إذا عاهد غدر« في
الرواية أربع من كن فيه كان منافقًا«..
- 2في ) أ (» :وغدر«.
- 3قصة ثعلبة بن حاطب :أخرجها ابن جرير ) ،(14/270وقال اللباني:
»وهذا حديث منكر على شهرته« ،وانظر» :الضعيفة« ).(1607
ثم جاء بها إلى أبي بكر بعد وفاة النبي صلى الله عليه وسلم،
فلم يقبلها ،ثم جاء بها بعد أبي بكر إلى عمر ،فلم يقبلها ،فيقال:
إنه هلك في زمن عثمان.
ﯷ ﯷ ﯷﯷ ﯷ ﯷ ﯷ ﭽ ﯧ ﯨ ﯩ ﯪﯧﯧ ﯫﯧﯧ ﯬﯧﯧ ﯭﯧﯧ ﯮﯧﯧ ﯯﯧﯧ ﯰﯧﯧ ﯱﯧﯧ
ﯷ ﯷ ﯷ ﯼ ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ ﭝ ﭞ
ﭟﭠ ﭡ ﭢ ﭣ ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ ﭨ ﭩ ﭪ ﭫ ﭬ ﭼ .
} {79وهذا أيضا ً من مخازي المنافقين ،فكانوا قّبحهم الّله
ل يدعون شيئا ً من أمور السلم والمسلمين يرون لهم مقا ً
ل؛ إل
ث الّله ورسوله على الصدقة؛ قالوا وطعنوا بغيا ً وعدوانًا ،فلما ح ّ
بادر المسلمون إلى ذلك ،وبذلوا من أموالهم كل على حسب
ن
حاله ،منهم المكثر ومنهم المقل ،فيلمزون المكثر منهم بأ ّ
ن الّله غن ّ
ي ل الفقير :إ ّ ده بنفقته الرياء والسمعة ،وقالوا للمق ّ قص َ
مزون{؛ أي :يعيبون ْ ّ
عن صدقة هذا ،فأنزل الله تعالى} :الذين ي َل ِ
وعين من المؤمنين في الصدقات{ :فيقولون: مط ّ ّ ويطعنون }ال ُ
جدون إل دهم الفخر والرياء }و{ يلمزون }الذين ل ي َ ِ مراؤون قص ُ
ي عن ّ
رجون ما استطاعوا ويقولون :الله غن ّ دهم{ :فيخ ِ جه ْ َ ُ
صدقاتهم} ،فيسخرون منهم{ ،فقابلهم الله على صنيعهم بأن
ب أليم{؛ فإّنهم جمعوا في كلمهم هذا خَر منهم} ،ولهم عذا ٌ س ِ َ
بين عدة محاذير:
منها :تتّبعهم لحوال المؤمنين وحرصهم على أن يجدوا
ن الذين يحّبون أن تشيع مقال ً يقولونه فيهم ،والّله يقول} :إ ّ
م{.ب ألي ٌ الفاحشة في الذين آمنوا لهم عذا ٌ
ومنها :طعنهم بالمؤمنين لجل إيمانهم كفرا ً بالّله تعالى
وبغضا ً للدين.
م ،بل هو من كبائر الذنوب في أمور ومنها :أن الّلمز محر ٌ
ح وأقبح. الدنيا ،وأما الّلمز في أمر الطاعة؛ فأقب ُ
صلةٍ من خصال الخير؛ خ ْوع ب َ ن من أطاع الّله وتط ّ ومنها :أ ّ
ن الذي ينبغي إعانته وتنشيطه على عمله ،وهؤلء قصدوا فإ ّ
تثبيطهم بما قالوا فيهم ،وعابوهم عليه.
ن حكمهم على من أنفق مال ً كثيرا ً بأنه مراٍء غل ٌ
ط ومنها :أ ّ
م بالظن ،وأيّ شّر أكبر من هذا؟! ش وحكم على الغيب ورج ٌ فاح ٌ
ي عن ومنها :أن قولهم لصاحب الصدقة القليلة :الل ّ ُ
ه غن ّ
ي عن صدقة ن الله غن ٌ ل؛ فإ ّ م مقصوده باط ٌ صدقة هذا! كل ٌ
دق بالقليل والكثير ،بل وغني عن أهل السماوات والرض، المتص ّ
ولكنه تعالى أمر العباد بما هم مفتقرون إليه؛ فالّله وإن كان غنّيا
ل مثقال ذّرةٍ خيرا ً يره{ ،وفي عنه؛ فهم فقراء إليه؛ }فمن يعم ْ
هذا القول من التثبيط عن الخير ما هو ظاهٌر بّين ،ولهذا كان
م{.
ب ألي ٌجزاؤهم أن يسخر ) (1الّله منهم} ،ولهم عذا ٌ
}} {80استغفْر لهم أو ل تستغفْر لهم إن تستغفْر لهم
ة{ :على وجه المبالغة ،و إل ّ ؛ فل مفهوم لها} ،فلن سبعين مّر ً
يغفَر الّله لهم{؛ كما قال في الية الخرى} :سواٌء عليهم
فَر الّله لهم{ .ثم ذكر فْر لهم لن ي َغْ ِ
ت لهم أم لم تستغ ِ فْر َ
ست َغْ َ
أ ْ
السبب المانع لمغفرة الّله لهم ،فقال} :ذلك بأّنهم كفروا بالّله
ورسوله{ :والكافر ل ينفعه الستغفار ول العمل ما دام كافرًا.
}والّله ل يهدي القوم الفاسقين{؛ أي :الذين صار الفسقُ لهم
وصفًا؛ بحيث ل يختارون عليه سواه ،ول يبغون به بد ً
ل ،يأتيهم
ن ل يوّفقهم له بعد دونه فيعاقبهم الّله تعالى بأ ْ الحقّ الواضح فير ّ
ذلك.
ﭽﭭ ﭮ ﭯ ﭰ ﭱ ﭲ ﭳ ﭴ ﭵ ﭶ ﭷ ﭸ ﭹ ﭺ ﭻ ﭼ ﭽ
ﮏ ﮐ ﮑ ﮉ ﮊ ﮋ ﮌ ﮍ ﮎ ﭾ ﭿﮀ ﮁ ﮂ ﮃ ﮄ ﮅﮆ ﮇ ﮈ
ﮒ ﮓ ﮔ ﮕ ﮖ ﮗ ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ ﮜ ﮝ ﮞ ﮟ ﮠ ﮡ ﮢ ﮣ ﮤﮥ ﮦ
ﮧ ﮨ ﮩ ﮪ ﮫ ﮬ ﮭ ﮮﮮ ﭼ .
جح المنافقين بتخّلفهم وعدم } {81يقول تعالى مبينا ً تب ّ
ل على عدم اليمان واختيار الكفر على مبالتهم بذلك الدا ّ
ف رسول الّله{ :وهذا قدر دهم خل َ قعَ ِم ْح المخّلفون ب َاليمان} :فرِ َ
م ،وزيادة ُ رضا بفعل ف محّر ٌن هذا تخل ّ ٌ زائد على مجّرد التخّلف؛ فإ ّ
ح به} .وكرهوا أن يجاهدوا بأموالهم وأنفسهم في المعصية وتبج ٍ
سبيل الّله{ :وهذا بخلف المؤمنين ،الذين إذا تـخـّلـفـوا ولو
سفوا غاية السف ،ويحّبون أن لعذٍر؛ حزنوا على تخّلفهم ،وتأ ّ
يجاهدوا بأموالهم وأنفسهم في سبيل الّله؛ لما في قلوبهم من
اليمان ،ويرجون من فضل الّله وإحسانه وبره وامتنانه.
ن
فروا في الحّر{؛ أي :قالوا :إ ّ }وقالوا{؛ أي :المنافقون} :ل تن ِ
ة علينا بسبب الحّر فقدموا راحة قصيرة منقضية على ق ٌ
النفير مش ّ
الراحة البدية التامة ،وحذروا من الحّر الذي يقي منه الظلل
وي ُذ ْه ُِبه البكر والصال على الحّر الشديد الذي ل ُيقاد َُر قدره ،وهو
النار الحامية ،ولهذا قال} :قل ناُر جهّنم أشد ّ حّرا لو كانوا
يفقهون{.
ن هؤلء من أيضا ً تعزيٌر لهم؛ فإّنه إذا تقّرر عند المسلمين أ ّ
الممنوعين من الخروج إلى الجهاد لمعصيتهم؛ كان ذلك توبيخا ً
ل أحد ٌ كفعِلهم. لهم وعارا ً عليهم وَنكال ً أن يفع َ
ﯞ ﯟ ﯠ ﯡ ﯢ ﯣ ﭽ ﮯ ﮰ ﮱ ﯓ ﯔ ﯕ ﯖ ﯗ ﯘ ﯙ ﯚﯛ ﯜ ﯝ
ﭼ.
ل على أحد ٍ منهم مات{ :من } {84يقول تعالى} :ول تص ّ
ن صلته ه{ :بعد الدفن لتدعو له؛ فإ ّ م على قبرِ ِ ق ْ
المنافقين} ،ول ت َ ُ
ة منه لهم ،وهم ل تنفع فيهم ووقوفه على قبورهم شفاع ٌ
الشفاعة} ،إّنهم كفروا بالّله ورسول ِهِ وماتوا وهم فاسقون{:
ة الشافعين، ومن كان كافرا ً ومات على ذلك؛ فما تنفُعه شفاع ُ
علم منه ل من ُل لهم ،وهكذا ك ّ وفي ذلك عبرة ٌ لغيرهم وزجٌر وَنكا ٌ
الكفر والّنفاق؛ فإّنه ل يصّلـى عليه.
ل على مشروعّية الصلة على المؤمنين وفي هذه الية دلي ٌ
ي صلى الله عليه دعاء لهم كما كان النب ّ والوقوف عند قبوِرهم لل ّ
ن تقييد النهي بالمنافقين يد ّ
ل وسلم يفعل ذلك في المؤمنين؛ فإ ّ
على أنه قد كان متقررا ً في المؤمنين .
)(2
- 2كما في »سنن أبي داود« ) ،(3221و»المستدرك« للحاكم ) .(1/370وانظر »أحكام الجنائز« للشيخ اللباني
).(156
دنيا من الموال} {85أي :ل تغتّر بما أعطاهم الّله في ال ّ
والولد؛ فليس ذلك لكرامتهم عليه ،وإّنما ذلك إهانة منه لهم.
ذبهم بها في الدنيا{ :فيتعبون في تحصيلها، }يريد الّله أن يع ّ
ويخافون من زوالها ،ول يتهّنون بها ،بل ل يزالون يعانون الشدائد
والمشاقّ فيها ،وُتلهيهم عن الله والدار الخرة ،حتى ينتقلوا من
سل ََبهم حّبها عن ك ّ
ل سهم وهم كافرون{ :قد َ الدنيا} ،وتزهقَ أنف ُ
ّ
شيء ،فماتوا وقلوبهم بها متعلقة وأفئدتهم عليها متحّرقة.
ﭽﯷ ﯷ ﯷ ﯷ ﯷ ﯷ ﯼ ﯽ ﯾ ﯿ ﯷ ﯷ ﯷ ﯷ ﯷ ﯷ ﯷ ﯷ
ﰈ ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ ﭼ.
} {86يقول تعالى في بيان استمرار المنافقين على
التثاقل عن الطاعات وأنها ل تؤّثر فيهم السور واليات} :وإذا
ة{ :يؤمرون فيها باليمان بالّله والجهاد في سبيل ت سور ٌ أنزِل َ ْ
ول منهم{؛ يعني :أولي الغنى والموال ك أولو الط ّ ْ
الّله} ،استأذ َن َ َ
دهم الّله بأموال وبنين ،أفل يشكرون الذين ل ع ُذ َْر لهم ،وقد أم ّ
مدونه ويقومون بما أوجبه عليهم وسهل عليهم أمره؟! الّله وَيـ ْ
ح َ
كنولكن أبوا إل التكاسل والستئذان في القعود} ،وقالوا ذ َْرنا ن َ ُ
مع القاعدين{.
} {87قال تعالىَ} :رضوا بأن يكونوا مع الخوالف{؛ أي:
كيف رضوا لنفسهم أن يكونوا مع النساء المتخّلفات عن
ل دّلهم على ذلك أم }ط َب َعَ الّله ه أو عق ٌالجهاد؟! هل معهم فق ٌ
ن فيها إرادة ٌ لفعل ما فيه على قلوبهم{؟! فل تعي الخير ول يكو ُ
الخير والفلح؛ فهم ل يفقهون مصالحهم؛ فلو فقهوا حقيقة الفقه؛
طهم عن منازل الرجال. سهم بهذه الحال التي تح ّ ف ِوا لن ُض ْ لم ير َ
ﭽ ﭝ ﭞ ﭟ ﭠ ﭡ ﭢ ﭣ ﭤﭥ ﭦ ﭧ ﭨﭩ ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ
ﭻ ﭼ ﭼ. ﭯ ﭰ ﭱ ﭲ ﭳ ﭴ ﭵ ﭶ ﭷﭸ ﭹ ﭺ
} {88يقول تعالى :إذا تخّلف هؤلء المنافقون عن الجهاد؛
صهم بفضله قهِ اخت ّ
ص من خل ِ فالّله سي ُْغني عنهم ،ولّله عباد ٌ وخوا ّ
يقومون بهذا المر ،وهم }الرسول{ :محمد ٌ صلى الله عليه
وسلم} ،والذين آمنوا معه{ يجاهدون }بأموالهم وأنفسهم{ :غير
سلين ،بل هم فرحون مستبشرون ،فأولئك }لهم متثاقلين ول ك َ ِ
دنيا والخرة .فأولئك }هم المفلحون{: ت{ :الكثيرة ُ في ال ّ الخيرا ُ
فروا بأعلى المطالب وأكمل الرغائب. َ
الذين ظ ِ
ت تجري من تحتها النهاُر خالدين }} {89أعد ّ الّله لهم جنا ٍ
ب بما رغبوا فيه م{ :فتّبا لمن لم يرغ ْ فيها ذلك الفوُز العظي ُ
منوا بهسَر دينه ودنياه وأخراه ،وهذا نظيُر قوله تعالى} :قل آ ِ خ ِو َ
خّرون
م من قبل ِهِ إذا ُيتلى عليهم ي َ ِ ن الذين أوتوا العل َ
أو ل تؤمنوا إ ّ
فْر بها هؤلءِ فقد وكلنا بها قوما ً جدًا{ ،وقوله} :فإن ي َك ْ ُس ّ
ن ُللذقا ِ
ن{.
ليسوا بها بكافري َ
ﮆ ﮇﮈ ﮉ ﮊ ﮋ ﮌ ﮍ ﮎ ﭽﭽ ﭾ ﭿ ﮀ ﮁ ﮂ ﮃ ﮄ ﮅ
ﮏ ﮐ ﮑ ﮒ ﮓ ﮔ ﮕ ﮖ ﮗ ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ ﮜ ﮝ ﮞ ﮟ ﮠ
ﮡﮢ ﮣ ﮤ ﮥ ﮦ ﮧﮨ ﮩ ﮪ ﮫ ﮬ ﮭ ﮮﮮ ﮯ ﮰ ﮱ ﯓ ﯔ ﯕ ﯖ ﯗ ﯘ ﯙ
ﯚ ﯛ ﯜ ﯝ ﯞ ﯟ ﯠ ﯡ ﯢ ﯣ ﯤ ﯥ ﯦ ﯧ ﯨ ﯩ ﯪﯧﯧ ﯫﯧﯧ ﯬﯧﯧ ﯭﯧﯧﯮﯧﯧ ﯯﯧﯧ ﯰﯧﯧ ﯱﯧﯧ ﯷ
ﯷ ﯷ ﯷ ﯷ ﯷ ﯷ ﯷ ﯷ ﯷ ﭼ.
ن من العراب ل ِي ُؤ ْذ َ َ
ن ذرو َ } {90يقول تعالى} :وجاء المع ّ
صروا منهم في الخروج لجل أن لهم{؛ أي :جاء الذين تهاونوا وق ّ
ن لهم في ترك الجهاد؛ غيَر مبالين في العتذار لجفائهم وعدم يؤذ َ
حيائهم وإتيانهم بسبب ما معهم من اليمان الضعيف ،وأما الذين
كذبوا الّله ورسوله منهم؛ فقعدوا وتركوا العتذار بالكل ّّية .وُيحتمل
ذرون{؛ أي :الذين لهم عذٌر أتوا إلى ن معنى قوله} :المع ّ أ ّ
من
الرسول صلى الله عليه وسلم ل ِي َعْذ َِرهم ،ومن عادته أن ي َعْذ َِر َ
ذبوا الّله ورسوله{ :في دعواهم اليمان له عذٌر} ،وَقَعَد َ الذين ك َ َ
المقتضي للخروج وعدم عملهم بذلك .ثم توعدهم بقوله:
دنيا والخرة. م{ :في ال ّب ألي ٌ }سُيصيب الذين كفروا منهم عذا ٌ
} {91لما ذكر المعتذرين ،وكانوا على قسمين :قسم
معذور في الشرع ،وقسم غير معذوٍر؛ ذ َك ََر ذلك بقوله} :ليس
وة لهم على ضعفاء{ :في أبدانهم وأبصارهم ،الذين ل ق ّ على ال ّ
ل لجميع أنواع الخروج والقتال} ،ول على المرضى{ :وهذا شام ٌ
)(1
ه على الخروج والجهاد من ع ََرج المرض ،التي ل يقدر صاحب ُ ُ
مى وذات الجنب والفالج وغير ذلك} .ول على الذين ل حـ ّىو ُ وعم ً
ة يتبّلغون بها في ن ما ُينفقون{؛ أي :ل يجدون زادا ً ول راحل ً جدو َ يَ ِ
ج ،بشرط أن ينصحوا للهّ حَر ٌسفرهم؛ فهؤلء ليس عليهم َ
ورسوله؛ بأن يكونوا صادقي اليمان ،وأن يكون من نّيتهم
درون عليه من وعزمهم أنهم لو قدروا لجاهدوا ،وأن يفعلوا ما يق ِ
ث والترغيب والّتشجيع على الجهاد. الح ّ
ن
}ما على المحسنين من سبيل{؛ أي :من سبيل يكو ُ
ة؛ فإنهم بإحسانهم فيما عليهم من حقوق الّله عليهم فيه ت َب ِعَ ٌ
جه اللوم عليهم ،وإذا أحسن العبد ُ فيما وحقوق العباد أسقطوا تو ّ
يقد ُِر عليه؛ سقط عنه ما ل يقدُر عليه.
ﭽ ﭑﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ ﭝ ﭞ ﭟ ﭠ ﭡ ﭢ
ﭣ ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ ﭨ ﭩ ﭪ ﭫﭬ ﭭ ﭮ ﭯ ﭰ ﭱ ﭲ ﭳ ﭼ .
ت الكتاب الحكيم{ :وهو هذا } {1يقول تعالى} :الر تلك آيا ُ
ن ،المشتمل على الحكمة والحكام ،الدال ّ ُ
ة آياُته على القرآ ُ
الحقائق اليمانية والوامر والنواهي الشرعّية ،الذي على جميع
قبول والنقياد.قيه بالّرضا وال َ
المة تل ّ
هم فهم ل يعلمون ،فتعجبوا } {2ومع هذا؛ فأعرض أكثر ُ
ب الّله ،وخوّْفهم حْينا إلى رجل منهم أن أنذ ِرِ الناس{ :عذا َ }أن أوْ َ
شر الذين آمنوا{ :إيمانا ً صادقا ً كرهم بآيات الّله} ،وب ّ م الّله ،وذ ّ ق َ
نِ َ
ب
ق عند رّبهم{؛ أي :لهم جزاء موفر وثوا ٌ م صد ٍ ن لهم قَد َ َ }أ ّ
دموه وأسلفوه من العمال الصالحة مذخور عند رّبهم بما ق ّ
جبا ً حملهم جب الكافرون من هذا الرجل العظيم تع ّ الصادقة ،فتع ّ
ن{؛ مبي ٌ ن هذا َلساحٌر ُ على الكفر به! َفـ}قال الكافرون{ عنه} :إ ّ
فهِِهم س َ
من َ د ،وهذا ِ خفى بزعمهم على أح ٍ أي :بّين السحر ،ل َيـ ْ
جب منه وُيستغرب، جبوا من أمر ليس مما ي ُت َعَ ّ وعنادهم؛ فإّنهم تع ّ
جب من جهالتهم وعدم معرفتهم بمصالحهم؛ كيف لم وإنما ي ُت َعَ ّ
ه الّله من أنفسهم؛ يعرفونه يؤمنوا بهذا الرسول الكريم الذي ب َعَث َ ُ
دوا دعوته ،وحرصوا على إبطال دينه؟! والّله حقّ المعرفة ،فر ّ
م نوره ولو كره الكافرون. مت ّ
ﭽ ﭴ ﭵ ﭶ ﭷ ﭸ ﭹ ﭺ ﭻ ﭼ ﭽ ﭾ ﭿ ﮀ ﮁﮂ ﮃ ﮄﮅ ﮆ
ﮇ ﮈ ﮉ ﮊ ﮋ ﮌﮍ ﮎ ﮏ ﮐ ﮑﮒ ﮓ ﮔ ﮕ ﮖ ﮗ ﮘﮙ ﮚ
ﮟ ﮠ ﮡ ﮢ ﮣ ﮤ ﮥ ﮦ ﮧ ﮨﮩ ﮪ ﮫ ﮬ ﮭ ﮮﮮ ﮯ ﮰ ﮱ ﮛ ﮜﮝ ﮞ
ﯕ ﯖ ﭼ. ﯓ ﯔ
ن رّبكم ه} :إ ّ } {3يقول تعالى مبينا ً لربوبي ّت ِهِ وإلهي ّت ِهِ وعظمت ِ ِ
ت والرض في سّتة أيام{ :مع أنه قادٌر خل َقَ السمـوا ِ الّله الذي َ
على خلقها في لحظة واحدة ،ولكن لما له في ذلك من الحكمة
اللهية ،ولّنه رفيقٌ في أفعاله ،ومن جملة حكمته فيها أّنه خلقها
فَرد َ بالعبادة} .ثم{: ف بأسمائه وصفاته ،وي ُ ْ ق؛ لي ُعَْر َ بالحقّ وللح ّ
خْلق السماوات والرض }استوى على العرش{ :استواًء بعد َ
ي؛ من يليقُ بعظمت ِهِ }يدب ُّر المَر{ :في العالم العلويّ والسفلـ ّ
الماتة والحياء ،وإنزال الرزاق ،ومداولة اليام بين الناس،
ضّر عن المضرورين ،وإجابة سؤال السائلين؛ فأنواع وكشف ال ّ
عنون لعّزه ة منه وصاعدة ٌ إليه ،وجميع الخلق مذ ِ التدابير نازل ٌ
ه{ :فل خاضعون لعظمته وسلطانه} .ما من شفيع إل ّ من بعد إذن ِ ِ
م أحد ٌ منهم على الشفاعة ،ولو كان أفضل الخلق ،حتى يأذن قد ِ ُ
يُ ْ
ن إل لمن ارتضى ،ول يرتضي إل أهل الخلص الّله ،ول يأذ ُ
والتوحيد له} .ذلكم{ :الذي هذا شأُنه }الّله رّبكم{؛ أي :هو الّله
ف اللهّية الجامعة لصفات الكمال ،ووصف الربوبّية الذي له وص ُ
الجامع لصفات الفعال} .فاعُبدوه{؛ أي :أفردوه بجميع ما
ن{ :الدّلة الداّلة كرو َ تقدرون عليه من أنواع العبودّية} .أفل ت َذ َ ّ
على أنه وحده المعبود ُ المحمود ُ ذو الجلل والكرام.
ه
م ُ
م ،وحك َ ي ،وهو التدبيُر العا ّ } {4فلما ذكر حكمه القدر ّ
ي ،وهو شرعه الذي مضمونه ومقصوده عبادته وحده ل الدين ّ
ي ،وهو مجازاته على العمال بعد م الجزائ ّ شريك له؛ ذكر الحك َ
جُعكم جميعا{؛ أي :سيجمعكم بعد موتكم ً الموت ،فقال} :إليه مر ِ
ده{ :فالقادر على ت يوم معلوم} .إنه يبدأ الخلق ثم يعي ُ لميقا ِ
ابتداء الخلق قادٌر على إعادته ،والذي يرى ابتداءه بالخلق ثم ينك ُِر
إعادته للخلق؛ فهو فاقد ُ العقل ،منكٌر لحد المثلين؛ مع إثبات ما
ح على المعاد .ثم ذكر الدليل ي واض ٌ ل عقلـ ّ هو أولى منه؛ فهذا دلي ٌ
ده صاد ِقٌ ل ب ُد ّ من قا{؛ أي :وع ُ ي ،فقال )} : (1وَع ْد َ الّله ح ّ النقلـ ّ
ّ
إتمامه} ،ليجزِيَ الذين آمنوا{ :بقلوبهم بما أمرهم الله باليمان
تت ومستحّبا ٍ حهم من واجبا ٍ ت{ :بجوارِ ِ به} ،وعملوا الصالحا ِ
ط{؛ أي :بإيمانهم وأعمالهم جزاًء قد بّينه لعباده وأخبر أنه س ِق ْ }بال ِ
ن} .والذين كفروا{: ي لهم من قُّرةِ أعي ٍ ف َ خ ِس ما أ ْ ل تعلم نف ٌ
ب من حميم{؛ أي :ماء ذبوا رسل الّله }لهم شرا ٌ بآيات الّله ،وك ّ
م{ :من سائر ب ألي ٌ حاّر يشوي الوجوه ويقطع المعاء} ،وعذا ٌ
فرون{؛ أي :بسبب كفرهم أصناف العذاب} ،بما كانوا يك ُ
سهم يظِلمون. ف َم الّله ولكن أن ْ ُ مه ُ ُوظلمهم ،وما ظ َل َ َ
ﭽ ﯗ ﯘ ﯙ ﯚ ﯛ ﯜ ﯝ ﯞ ﯟ ﯠ ﯡ ﯢ ﯣﯤ ﯥ ﯦ ﯧ ﯨ ﯩ ﯪﯧﯧﯫﯧﯧ ﯬﯧﯧ ﯭﯧﯧ
ﯮﯧﯧ ﯯﯧﯧ ﯰﯧﯧ ﯱﯧﯧ ﯷ ﯷ ﯷ ﯷ ﯷ ﯷ ﯷ ﯷ ﯷ ﯷ ﯼ ﯽ ﯾ ﯿ ﭼ .
} 5ـ {6لما قّرر ربوبّيته وإلهّيته؛ ذكر الدلة العقلّية الفقّية
الداّلة على ذلك وعلى كماله في أسمائه وصفاته؛ من الشمس
والقمر والسماوات والرض :وجميع ما خلق فيهما من سائر
ت }لقوم يعلمون{ و }لقوم أصناف المخلوقات ،وأخبر أنها آيا ٌ
دللة فيها وكيفّية استنباطن العلم يهدي إلى معرفة ال ّ يّتقون{؛ فإ ّ
- 1كذا في النسختين؛ جعل تفسير قوله» :وعد الله حقًا« بعد تفسير قوله:
»إنه يبدأ الخلق ثم يعيده«.
ث في القلب الرغبة في الدلئل ) (1على أقرب وجه ،والتقوى ت ُ ْ
حد ِ ُ
شئ َْين عن الدّلة والبراهين وعن الخير والرهبة من الشّر ،النا ِ
العلم واليقين.
ن مجّرد خلق هذه المخلوقات بهذه الـصـفة وحاصل ذلك أ ّ
ل على كمال قدرة الّله تعالى وعلمه وحياته وقّيوميته ،وما فيها دا ّ
ل على كمال حكمة الّله سن دا ّ ح ْ من الحكام والتقان والبداع وال ُ
ه ،وما فيها من أنواع المنافع والمصالح ـ خْلقه وسعة عل ِ
م ِ وحسن َ
جْعل الشمس ضياًء والقمر نورا ً يحصل بهما من النفع الضرور ّ
ي ك َ
ل ذلك على رحمة الّله تعالى واعتنائه ل ـ يد ّ ص ُ (2 )
وغيره مما يح ُ
ل على سَعة بّره وإحسانه ،وما فيها من التخصيصات دا ّ بعباد ِهِ و َ
ل على أنه وحده المعبود ُ مشيئة الّله وإرادته النافذة ،وذلك دا ّ
ب المحمود ُ ذو الجلل والكرام والوصاف العظام ،الذي ل المحبو ُ
دعاء إل له ل ص ال ّ
ف خال ُصَر ُ ة إل إليه ،ول ي ُ ْ ة والرهب ُتنبغي الرغب ُ
ّ
قرات إلى الله في جميع لغيره من المخلوقات المربوبات المفت ِ
شؤونها.
ث والترغيب على التفكر في مخلوقات وفي هذه اليات الح ّ
)(3
ن بذلك تنفسح البصيرة الّله والنظر فيها بعين العتبار؛ فإ ّ
ن
ويزداد ُ اليمان والعقل وتقوى القريحة ،وفي إهمال ذلك تهاو ٌ
بما أمر الّله به ،وإغلقٌ لزيادة اليمان ،وجمود ٌ للذهن والقريحة.
ﭽﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ ﭝ ﭞ ﭟ ﭠ ﭡ ﭢ
ﭣ ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ ﭼ.
} {7يقول تعالى} :إن الذين ل يرجون لقاءنا{؛ أي :ل
يطمعون بلقاء الّله ،الذي هو أكبر ما طمع فيه الطامعون ،وأعلى
ذبوا به} ،ورضوا ملون ،بل أعرضوا عن ذلك ،ورّبما ك ّ مله المؤ ّما أ ّ
دنيا{ :بدل ً عن الخرة} ،واطمأّنوا بها{؛ أي :ركنوا إليها، بالحياة ال ّ
)(4
وجعلوها غاية أمرهم ونهاية قصدهم؛ فسعوا لها ،وأكّبوا على
تصلوها ،ومن أيّ وجه لح ِ تح ّ
ق حصل ْ ذاتها وشهواتها؛ بأيّ طري ٍ لَ ّ
ابتدروها ،قد صرفوا إراداتهم ونّياتهم وأفكارهم وأعمالهم إليها،
)(5
مّر يتزّود فيها
مـ ََ خِلقوا للبقاء فيها ،وكأّنها ليست بدارِ
فكأّنهم ُ
المسافرون إلى الدار الباقية التي إليها يرحل الولون والخرون
ن{ :فكم بين الفريقين من ب النار هم فيها خالدو َ أولئك أصحا ُ
ة .إلى ق! ويا ب ُعْد َ ما بينهما من التفاوت! }وجوه ٌ يومئذ ناضر ٌ فْر ِ ال َ
ة{، ل بها فاقر ٌ فعَ َ ن يُ ْ نأ ْ ة .ت َظ ُ ّ ة .ووجوه ٌ يومئذ ٍ باسر ٌ رّبها ناظ َِر ٌ
ة .ووجوه ٌ يومئذ ٍ عليها ة مستبشر ٌ ة .ضاحك ٌ }وجوه ٌ يومئذ ٍ مسفر ٌ
ة .أولئك هم الكفرة الفجرة{. قها قََتر ٌ
ة .ترهَ ُ غ َب ََر ٌ
ﭿ ﮆ ﮇ ﮈ ﮉ ﮊ ﮋ ﮌ ﮍ ﮎ ﮏﮐ ﮑ ﮒﮓ ﮔ ﮕ ﮖ ﮗ
ﮩ ﮪ ﮢ ﮣ ﮤ ﮥ ﮦ ﮧ ﮨ ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ ﮜ ﮝ ﮞ ﮟ ﮠ ﮡ
ﯘ ﯙ ﭾ. ﮫﮬ ﮭ ﮮﮮ ﮯ ﮰ ﮱﯓ ﯔ ﯕ ﯖ ﯗ
شُرهم جميعًا{؛ أي :نجمع ح ُ } {28يقول تعالى} :ويوم ن َ ْ
ضُر المشركين وما كانوا جميع الخلئق لميعاد يوم معلوم ،ونح ِ
ل للذين أشركوا مكاَنكم أنتم يعبدون من دون الّله} ،ثم نقو ُ
ل بينكم ص ُ
ف ْ م وال َ موا مكانكم ليقعَ الّتحاك ُ وشركاؤكم{؛ أي :ال َْز ُ
وبينهم} ،فََزي ّْلنا بيَنهم{؛ أي :فّرقنا بينهم بالبعد البدني والقلبي،
دنيا ذلوا لهم في ال ّ فحصلت ) (3بيَنهم العداوة ُ الشديدة ُ بعد أن ب َ َ
خالص المحّبة وصفو الوداد ،فانقلبت تلك المحّبة والولية بغضا ً
ن{: وعداوة .وتبرأ شركاؤهم منهم وقالوا} :ما كنُتم إّيانا تعبدو َ
د.
ك أو ندي ٌ فإننا ننّزه الّله أن يكون له شري ٌ
:-ب(» :فَُهم كما قال الله«. 1
ح ّ
ل«. -في )ب(َ » : 1
ﯷ ﯷ ﯷ ﭑ ﭒ ﭓ ﭔﭕ ﭿ ﯷ ﯷ ﯷ ﯷﯷ ﯷ ﯷ ﯷ ﯷ ﯷ
ﭛ ﭜ ﭝ ﭞ ﭟ ﭠ ﭡ ﭢ ﭣ ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ
ﭨ ﭾ.
ذبين للرسول ولما جاء } {42يخبر تعالى عن بعض المك ّ
ي صلى الله عليه من يستمعون{ :إلى النب ّ ن }منهم َ به} :و{ إ ّ
وسلم وقت قراءته للوحي ،ل على وجه السترشاد ،بل على وجه
التفّرج والتكذيب وتطّلب ) (1العثرات ،وهذا استماع ٌ غير نافع ول
مجد ٍ على أهله خيرًا ،ل جرم انسد ّ عليهم باب التوفيق وحرموا
م ولو كانوا ل ص ّمعُ ال ّس ِ
من فائدة الستماع ،ولهذا قال} :أفأنت ت ُ ْ
يعقلون{ :وهذا الستفهام ) (2بمعنى النفي المتقّرر؛ أي :ل ُتسمع
ت به ،وخصوصا ً إذا كان م الذين ل يستمعون القول ولو جهر َ الص ّ
م الذي ل يعقل عقُلهم معدومًا؛ فإذا كان من المحال إسماع الص ّ
ذبون كذلك ممتنعٌ إسماعك إّياهم إسماعا ً للكلم؛ فهؤلء المك ّ
)(3
م عليهم به ينتفعون به ،وأما سماع الحجة؛ فقد سمعوا ما تقو ُ
م من طرق العلم قد انسد ّ جة الّله البالغة؛ فهذا طريقٌ عظي ٌ
ح ّ
عليهم ،وهو طريق المسموعات المتعّلقة بالخبر.
} {43ثم ذكر انسداد الطريق الثاني ،وهو طريق النظر
سب ََر
ده نظُره إليك ،ول َ فقال} :ومنهم من ينظُر إليك{ :فل يفي ُ
أحوالك شيئا ً فكما أّنك ل تهدي العمي ولو كانوا ل يبصرون؛
فكذلك ل تهدي هؤلء؛ فإذا فسدت عقوُلهم وأسماعهم
وأبـصـارهـم التي هي الطرق الموصلة إلى العلم ومعرفة
الحقائق؛ فأين الطريق الموصل لهم إلى الحق؟!
ل قوله} :ومنهم من ينظ ُُر إليك {...الية :أن النظر إلى ود ّ
ي صلى الله عليه وسلم وهديه وأخلقه وأعماله وما حالة النب ّ
يدعو إليه من أعظم الدّلة على صدقه وص ّ
حة ما جاء به ،وأّنه
يكفي البصير عن غيره من الدلة.
م الناس شيئًا{ :فل يزيد ُ في ن الّله ل يظل ِ ُ
} {44وقوله} :إ ّ
ن الناس أنفسهم قص من حسناتهم} ،ولك ّ سّيئاتهم ول ي َن ْ ُ
ن{ :يجيئهم الحقّ قل يقبلونه ،فيعاقُِبهم الّله بعد ذلك ي َظ ِْلمو َ
بالطبع على قلوبهم ،والختم على أسماعهم وأبصارهم.
ﭯ ﭰ ﭱ ﭲ ﭳﭴ ﭵ ﭶ ﭷ ﭸ ﭬ ﭭ ﭮ ﭿﭩ ﭪ ﭫ
ﭽ ﭾ ﭾ. ﭹ ﭺ ﭻ ﭼ
ن لليمان«.
دعو َ
-في )ب(» :ت ُ ْ 1
-كذا في النسختين .وفي ) أ ( غيرت إلى» :وجنوده خلفه« بخط مغاير. 2
إيمانهم صار إيمانا ً مشاهدًا؛ كإيمان من ورد القيامة ،والذي ينف ُ
ع
إنما هو اليمان بالغيب.
ة{ :قال ك لتكون لمن خلفك آي ًجيك ببدن ِ َ
}} {92فاليوم نن ّ
ن بني إسرائيل لما في قلوبهم من الرعب العظيم سرون :إ ّ المف ّ
كوا في ذلك ،فأمر دقوا بإغراقه ،وش ّ من فرعون ،كأّنهم لم يص ّ
ه على نجوة مرتفعةٍ ببدنه؛ ليكون لهم عبرة الّله البحر أن يل ِ
قي َ ُ
ن كثيرا ً من الناس عن آياتنا لغافلون{ :فلذلك تمّر وآية} .وإ ّ
عليهم وتتكّرر فل ينتفعون بها؛ لعدم إقبالهم عليها ،وأما من له
ب حاضر؛ فإّنه يرى من آيات الّله ما هو أكبر دليل على عق ٌ
ل وقل ٌ
حة ما أخبرت به الرسل. ص ّ
ق{؛ أي :أنزلهم صد ْ ٍوأ ِ
مب َ ّ
وأنا بني إسرائيل ُ
}} {93ولقد ب ّ
الّله وأسكنهم في مساكن آل فرعون ،وأورثهم أرضهم وديارهم،
ت{ :من المطاعم والمشارب وغيرهما، }ورزقناهم من الطّيبا ِ
م{ :الموجب }فما اختلفوا{ :في الحقّ }حّتى جاءهم العل ُ
ر
ض ،وصار لكثي ٍ لجتماعهم وائتلفهم ،ولكن بغى بعضهم على بع ٍ
ق ،فحصل بينهم من الختلف منهم أهوية وأغراض تخالف الح ّ
ن رّبك يقضي بيَنهم يوم القيامة فيما كانوا فيه شيء كثيٌر} .إ ّ
م وقدرته يختلفون{ :بحكمه العدل الناشىء عن علمه التا ّ
الشاملة.
ن
وهذا هو الداء الذي يعرض لهل الدين الصحيح ،وهو أ ّ
الشيطان إذا أعجزوه أن يطيعوه في ترك الدين بالكل ّّية ،سعى
في التحريش بينهم وإلقاء العداوة والبغضاء ،فحصل من
ض
ب ذلك ،ثم حصل من تضليل بعضهم لبع ٍ الختلف ما هو موج ُ
وعداوة بعضهم لبعض ما هو قّرة عين اللعين ،وإل؛ فإذا كان رّبهم
واحدا ً ورسولهم واحدا ً ودينهم واحدا ً ومصالحهم العامة مّتفقة؛
ح ّ
ل فليّ شيء يختلفون اختلفا ً يفّرق شملهم ويشّتت أمرهم وَيـ ُ
ت من مصالحهم الدينّية والدنيوّية مارابطتهم ونظامهم فيفوّ ُ
م
وت ويموت من دينهم بسبب ذلك ما يموت؟! فنسألك الله ّ يف ّ
عهم ،ويرد ّ
ب صد َ ً
لطفا بعبادك المؤمنين ،يجمع شملهم ،ويرأ ُ
صَيهم على دانيهم يا ذا الجلل والكرام!
قا ِ
ﭿ ﮓ ﮔ ﮕ ﮖ ﮗ ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ ﮜ ﮝ ﮞ ﮟ ﮠﮡ ﮢ ﮣ ﮤ ﮥ
ﯕ ﯖ ﯗ ﯘ ﯙ ﮯ ﮰ ﮱ ﯓ ﯔ ﮨ ﮩ ﮪ ﮫ ﮬ ﮭ ﮮﮮ ﮦ ﮧ
ﯫﯧﯧ ﯬﯧﯧ ﯭﯧﯧ ﯮﯧﯧ ﯯﯧﯧ ﯰﯧﯧ ﭾ . ﯚﯛ ﯜ ﯝ ﯞ ﯟ ﯠ ﯡ ﯢ ﯣ ﯤ ﯥ ﯦ ﯧ ﯨ ﯩ ﯪﯧﯧ
} {94يقول تعالى لنبّيه محمد ٍ صلى الله عليه وسلم} :فإن
ح أم غير صحيح،ك مما أنزلنا إليك{ :هل هو صحي ٌت في ش ّ
كن َ
}فاسأل الذين يقرؤون الكتاب من قبلك{؛ أي :اسأل أهل الكتب
المنصفين والعلماء الراسخين؛ فإنهم سيقّرون لك بصدق ما
أخبرت به وموافقته لما معهم.
فإن قيل :إن كثيرا ً من أهل الكتاب من اليهود والنصارى،
ذبوا رسول الّله ،وعاندوه، بل ربما كان أكثرهم ومعظمهم ،ك ّ
دوا عليه دعوته ،والّله تعالى أمر رسوله أن يستشهد َ بهم، ور ّ
ة لما جاء به وبرهانا ً على صدقه؛ فكيف يكو ُ
ن وجعل شهادَتهم حج ً
ب عن هذا من عدة أوجه: ذلك؟! فالجوا ُ
ب أو ن الشهادة إذا أضيفت إلى طائفةٍ أو أهل مذه ٍ منها :أ ّ
ن
م ْ بلد ٍ ونحوهم؛ فإّنها إنما تتناول العدول الصادقين منهم ،وأما َ
عداهم؛ فلو كانوا أكثر من غيرهم؛ فل عبرة فيهم؛ لن الشهادة
مبنّية على العدالة والصدق ،قد حصل ذلك بإيمان كثيرٍ من
أحبارهم الّربانّيين؛ كعبد الّله بن سلم وأصحا به وكثيرٍ مـ ّ
)(1
من
ي صلى الله عليه وسلم وخلفائه ومن بعدهم. أسلم في وقت النب ّ
ومنها :أن شهادة أهل الكتاب للرسول مبنّية على كتابهم
التوراة الذي ينتسبون إليه؛ فإذا كان موجودا ً في التوراة ما
حة؛ فلو اّتفقوا من أولهم يوافق القرآن ويصد ُّقه ويشهد ُ له بالص ّ
ح بما جاء به الرسول. وآخرهم على إنكار ذلك؛ لم يقد ْ
ن الّله تعالى أمر رسوله أن يستشهد بأهل الكتاب ومنها :أ ّ
حة ما جاءه وأظهر ذلك وأعلنه على رؤوس الشهاد ،ومن على ص ّ
المعلوم أن كثيرا ً منهم من أحرص الناس على إبطال دعوة
الرسول محمد ٍ صلى الله عليه وسلم؛ فلو كان عندهم ما يرد ّ ما
ن شيٌء من ذلك؛ ذكره الّله؛ لبد َْوه وأظهروه وبّينوه ،فلما لم يك ْ
ل الدّلة على كان عدم رد ّ المعادي وإقرار المستجيب من أد ّ
حة هذا القرآن وصدقه. ص ّ
ومنها :أنه ليس أكثر أهل الكتاب رد ّ دعوة الرسول ،بل
ث ن الرسو َ
ل ب ُعِ َ أكثُرهم استجاب لها وانقاد طوعا ً واختيارًا؛ فإ ّ
ث ديُنه مدةً وأ َك ْث َُر أهل الرض المتدّينين أهل الكتاب ) ، (2فلم يمك ْ
غير كثيرة حتى انقاد للسلم أكثر أهل الشام ومصر والعراق وما
جاورها من البلدان التي هي مقّر دين أهل الكتاب ولم يبقَ إل
ن تب َِعهم من م ْ
أهل الرياسات الذين آثروا رياساتهم على الحقّ و َ
م الجهلة ومن تدّين بدينهم اسما ً ل معنى؛ كالفرنج الذين العوا ّ
- 1في )ب(» :كعبد الله بن سلم وكعب الحبار وغيرهما« .ثم عدل عنها
الشيخ في ) أ ( إلى ما هو مثبت.
- 2في )ب(» :أهل كتاب«.
حقيقة أمرهم أّنهم دهرّية منحّلون عن جميع أديان الرسل ،وإّنما
ي ترويجا ً لملكهم وتمويها ً لباطلهم؛ كما انتسبوا للدين المسيح ّ
يعرف ذلك من عرف أحوالهم البّينة الظاهرة.
ك فيه بوجه من وقوله} :لقد جاءك الحق{؛ أي :الذي ل ش ّ
ن{ ) :(1كقوله تعالى: ن من الممتري َ الوجوه} ،من رّبك فل تكون ّ
ج منه{. ك فل يكن في صدرك حر ٌ ل إلي َب ُأنزِ ْ
}كتا ٌ
ذبوا بآيات الّله فتكون من ن من الذين ك ّ }} {95ول تكون َ ّ
ك في هذا ن الّله نهى عن شيئين :الش ّ الخاسرين{ :وحاصل هذا أ ّ
القرآن ،والمتراء منه .وأشد من ذلك التكذيب به ،وهو آيات الّله
البينات ،التي ل تقبل التكذيب بوجه ،ورّتب على هذا الخسار ،وهو
ل ،وذلك بفوات الثواب في الدنيا والخرة ،وحصول عدم الربح أص ً
ده ،فيكون العقاب في الدنيا والخرة ،والنهي عن الشيء أمٌر بض ّ
م بالقرآن وطمأنينة القلب إليه والقبال عليه أمرا ً بالتصديق التا ّ
ل؛ فـبـذلك يكون العبد ُ من الرابحين ،الذين أدركوا أج ّ
ل علما ً وعـم ً
م المناقب ،وانتفى عنهم الخساُر. المطالب وأفضل الرغائب وأت ّ
ﯷ ﯷ ﯼ ﯽ ﯾ ﯿ ﯷ ﯷ ﭿ ﯱﯧﯧ ﯷ ﯷ ﯷ ﯷ ﯷ ﯷ ﯷ ﯷ ﯷ
ﭾ.
ة
ت عليهم كلم ُ ق ْ
ن الذين ح ّ } 96ـ {97يقول تعالى} :إ ّ
رّبك{؛ أي :إنهم من الضالين الغاوين أهل النار ،ل بد ّ أن يصيروا
ل آية؛ فل دره الّله وقضاه؛ فل يؤمنون ولو جاءتهم ك ّ إلى ما ق ّ
دهم اليات إل طغيانا ً وغّيا إلى غّيهم ،وما ظلمهم الّله ولكن تزي ُ
دهم للحقّ لما جاءهم أول مرة ،فعاقبهم الّله ظلموا أنفسهم بر ّ
بأن طبع على قلوبهم وأسماعهم وأبصارهم فل يؤمنوا حتى ي ََروا
ن ما عدوا به؛ فحينئذ ٍ يعلمون حقّ اليقين أ ّ العذاب الليم الذي وُ ِ
نق ،ولك ْ ل هو الح ّ ن ما جاءتهم به الرس ُ هم عليه هو الضلل وأ ّ
ت ل ُيجدي عليهم إيمانهم شيئًا؛ فيومئذ ٍ ل ينفع الذين في وق ٍ
ن لهم ْ ت؛ فإّنها تنفعُ َست َعَْتبون .وأما اليا ُ
ظلموا معذ َِرُتهم ول هم ي ُ ْ
د.
ب أو ألقى السمع وهو شهي ٌ قل ٌ
ﭝ ﭞ ﭟ ﭠ ﭿﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ
ﭡ ﭢ ﭣ ﭤ ﭥ ﭦ ﭾ.
ة{ :من القرى } {98يقول تعالى} :فلول كانت قري ٌ
ت العذاب} ،فنفعها إيماُنها{؛ أي :لم ت{ :حين رأ ِ المكذبين} ،آمن ْ
يكن منهم أحد ٌ انتفع بإيمانه حين رأى العذاب؛ كما قال تعالى عن
ت أّنه ل إله إل الذي آمنت بهدم قريبا ً لما قال} :آمن ُفرعون ما تق ّ
-في )ب(» :ولهذا قال} :فل تكونن من الممترين{«. 1
ت
ل وأنا من المسلمين{ ،فقيل له} :آلن وقد عصي َ بنو إسرائي َ
سنا
ما جاءهم بأ ُ ت من المفسدين{ ،وكما قال تعالى} :فل ّ ل وكن َ قب ُ
فعُُهم فْرنا بما ك ُّنا به مشركين .فلم يك ي َن ْ َ قالوا آمّنا بالّله وح َ
ده وك َ َ
ت في عباده{ ،وقال ة الّله التي قد خل ْ سن ّ َ إيماُنهم لما رأوا بأسنا ُ
ن .لعّلـي ب ارجعو ِ ت قال ر ّ هم المو ُ تعالى} :حتى إذا جاء أحد َ ُ
ن
ة؛ فإ ّ ل{ ،والحكمة في هذا ظاهر ٌ ت ،ك ّ ل صالحا ً فيما ترك ُ أعم ُ
اليمان الضطراريّ ليس بإيمان حقيقة ،ولو صرف عنه العذاب
والمر الذي اضطره إلى اليمان؛ لرجع إلى الكفران .وقوله} :إل ّ
ب فنا عنهم عذا َ ش ْم يونس لما آمنوا بعدما رأوا العذاب ك َ َ قو َ
ون من دنيا ومتعناهم إلى حين{ :فهم مست َث ْن َ ْ خْزي في الحياة ال ّ ال ِ
شهادة لم العموم السابق ،ول بد ّ لذلك من حكمة لعالم الغيب وال ّ
س لمن ن يون ُ َ منا؛ قال الّله تعالى} :وإ ّ كها أفها ُ ل إلينا ولم تدرِ ْ تص ْ
ن.ف أو يزيدو َ المرسلين {...إلى قوله} :فأرسْلناه إلى مائةِ أل ٍ
ن غيرهم ل الحكمة في ذلك أ ّ ن{ .ولع ّ فآمنوا فمت ّْعناهم إلى حي ٍ
ن
دوا لعادوا لما ُنهوا عنه ،وأما قوم يونس؛ فإ ّ من المهَلكين لو ُر ّ
ل ،وثبتوا ن إيمانهم سيستمّر ،بل قد استمّر فع ً م ) (1أ ّ
ه أعل َ الل ّ َ
عليه .والّله أعلم.
ﭿ ﭧ ﭨ ﭩ ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ ﭯﭰ ﭱ ﭲ ﭳ ﭴ ﭵ ﭶ ﭷ ﭸ
ﮃ ﮄ ﮅ ﮆ ﮇ ﭾ. ﭹ ﭺ ﭻ ﭼ ﭽ ﭾ ﭿﮀ ﮁ ﮂ
} {99يقول تعالى لنبّيه محمد صلى الله عليه وسلم} :ولو
من في الرض كلهم جميعًا{ :بأن يلهمهم اليمان شاء رّبك لمن َ
ت
ة لذلك ،ولكّنه اقتض ْ ويوزع َ قلوبهم للتقوى؛ فقدرُته صالح ٌ
حكمته أن كان بعضهم مؤمنين وبعضهم كافرين} .أفأنت تكرِهُ
الناس حتى يكونوا مؤمنين{؛ أي :ل تقد ُِر على ذلك ،وليس في
إمكانك ،ول قدرة غير الّله شيء من ذلك.
ن الّله{ :بإرادته ن إل ّ بإذ ِ}} {100وما كان لنفس أن تؤم َ
ق قابل ً لذلك ي؛ فمن كان من الـ َ ْ
خل ِ قد َرِيّ الشرع ّ
ومشيئته وإذنه ال َ
س{؛ أي :الشّر ل الرج َ يزكو عنده اليمان؛ وّفقه وهداه} ،ويجع ُ
ن{ :عن الّله أوامَره ُ ونواهيه ،ول والضلل }على الذين ل يعقِلو َ
ُيلقون بال ً لنصائحه ومواعظه.
ﭿ ﮈ ﮉ ﮊ ﮋ ﮌ ﮍﮎ ﮏ ﮐ ﮑ ﮒ ﮓ ﮔ ﮕ ﮖ ﮗ ﮘ ﮙ
ﮚ ﮛ ﮜ ﮝ ﮞ ﮟ ﮠﮡ ﮢ ﮣ ﮤ ﮥ ﮦ ﮧ ﮨ ﮩ ﮪ ﮫ ﮬ ﮭﮮﮮ ﮯ
ﮰ ﮱ ﯓ ﯔ ﯕ ﭾ.
ﮗ ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ ﮜ ﮝ ﮞ ﮟ ﮠ ﮡ ﮢ ﮣﮤ ﭿ ﮔﮕ ﮖ
ﮥ ﮦ ﮧ ﮨ ﮩ ﮪ ﮫ ﮬ ﮭ ﮮﮮ ﮯ ﮰ ﮱ ﯓ ﯔ ﯕ ﯖ ﯗ ﯘ ﯙ
ﯮﯧﯧ ﯯﯧﯧ ﯰﯧﯧ ﭾ . ﯚ ﯛ ﯜﯝ ﯞ ﯟ ﯠ ﯡ ﯢ ﯣ ﯤ ﯥ ﯦ ﯧ ﯨ ﯩﯪﯧﯧ ﯫﯧﯧ ﯬﯧﯧ ﯭﯧﯧ
ب{ :عظيم ونزل كريم، } {1يقول تعالى :هذا }كتا ٌ
ة
ة أخبارها ،عادل ٌ ت آياته{؛ أي :أتقنت وأحسنت ،صادق ٌ ُ
م ْ
حك ِ َ
}أ ْ
ت{؛ أي: صل َ ْة معانيه} ،ثم فُ ّ ه بهي ٌة ألفاظ ُ أوامرها ونواهيها ،فصيح ٌ
ن حكيم{ :يضع ميزت وبينت بيانا ً في أعلى أنواع البيان} ،من ل َد ُ ْ
الشياء مواضعها ،وينزلها منازلها ،ل يأمر ول ينهى إل بما تقتضيه
طلع على الظواهر والبواطن؛ فإذا كان ر{ :م ّ حكمته} ،خبي ٍ
ل بعد هذا إحكامه وتفصيُله من عند الّله الحكيم الخبير؛ فل تسأ ْ
عن عظمته وجللته واشتماله على كمال الحكمة وسعة الرحمة.
ه؛ أي :لجل } {2وإنما أنزل الّله كتابه لن ل تعبدوا إل ّ الل ّ َ
ك به أحد ٌ من خلقه} .إنني شرِ َإخلص الدين كّله لّله ،وأن ل ي ُ ْ
لكم{ :أّيها الناس} ،منه{؛ أي :من الّله ربكم }نذيٌر{ :لمن تجّرأ
على المعاصي بعقاب الدنيا والخرة} ،وبشيٌر{ :للمطيعين لّله
دنيا والخرة. بثواب ال ّ
}} {3وأن استغفروا رّبكم{ :عن ما صدر منكم من
ذنوب} ،ثم توبوا إليه{ :فيما تستقبلون من أعماركم بالرجوع ال ّ
إليه بالنابة والرجوع عما يكرهه الّله إلى ما يحّبه ويرضاه .ثم ذكر
ما يترّتب على الستغفار والتوبة ،فقال} :يمت ّْعكم متاعا ً حسنًا{؛
أي :يعطيكم من رزقه ما تتمّتعون به ،وتنتفعون }إلى أجل
ل ذي فضل مى{؛ أي :إلى وقت وفاتكم} .ويؤت{ :منكم }ك ّ مس ّ
فضَله{؛ أي :يعطي أهل الحسان والبر من فضله وبّره ما هو
جزاٌء لحسانهم من حصول ما يحّبون ودفع ما يكرهون} .وإن
ت َوَّلوا{ :عن ما دعوتكم إليه ،بل أعرضُتم عنه ،ورّبما ك ّ
ذبتم به،
ر{ :وهو يوم القيامة ،الذي ب يوم كبي ٍ
}فإني أخاف عليكم عذا َ
يجمع الّله فيه الّولين والخرين.
} {4فيجازيهم بأعمالهم إن خيرًا؛ فخير ،وإن شّرا؛ فشر.
ل شيء قديٌر{ :كالدليل على إحياء الّله وفي قوله} :وهو على ك ّ
)(1
ل شيء قديٌر ،ومن جملة الشياء إحياء الموتى؛ فإنه على ك ّ
ب ،وهو المكان الذي تقيم فيه وتستقّر فيه مستقّر هذه الدوا ّ
ن الذي تنتقل إليه في ذهابها عها المكا ُ وتأوي إليه ،ومستود ُ
ل{ :من تفاصيل أحوالها }في ومجيئها وعوارض أحوالها} .كـ ّ
ن{؛ أي :في اللوح المحفوظ ،المحتوي على جميع ب مبي ٍكتا ٍ
الحوادث الواقعة ،والتي تقع في السماوات والرض ،الجميع قد
أحاط بها علم الّله ،وجرى بها قلمه ،ونفذت فيها مشيئته ووسعها
ل بأرزاقها ،وأحاط ف َ
ن القلوب إلى كفاية من تك ّ رزقه؛ فلتطمئ ّ
علما ً بذواتها وصفاتها.
-في)ب(":فسوف". 3
معُ لهم صوتًا ،ول ترى منهم
س َ
ن{ :ل ت َ ْ
فأصبحوا في دياِرهم جاثمي َ
ة.
حرك ً
وا فيها{؛ أي :كأنهم ما أقاموا في }} {95كأن لم ي َغْن َ ْ
ديارهم ول تّنعموا فيها حين أتاهم العذاب} .أل بعدا ً لمدين{ :إذ ْ
د{؛ أي :قد اشتركت هاتان ت ثمو ُ
ه وأخزاها} ،كما ب َعِد َ ْ أهلكها الل ّ ُ
سحق والُبعد والهلك. القبيلتان في ال ّ
ب عليه السلم كان يسمى خطيب النبياء؛ لحسن وشعي ٌ
مراجعته لقومه .وفي قصته من الفوائد والعبر شيء كثير:
طبون بأصل السلم؛ منها :أن الكفار كما يعاَقبون ويخا َ
ن شعيبا ً دعا قومه إلى التوحيد وإلى
فكذلك بشرائعه وفروعه؛ ل ّ
إيفاء المكيال والميزان ،وجعل الوعيد مرتبا ً على مجموع ذلك.
ص المكاييل والموازين من كبائر ال ّ
ذنوب ومنها :أن نق َ
ن ذلك من وتخشى العقوبة العاجلة على من تعاطى ذلك ،وأ ّ
سرقة أموال الناس ،وإذا كان سرقتهم في المكاييل والموازين
ة للوعيد؛ فسرِقَُتهم على وجه القهر والغلبة من باب أولى
موجب ً
وأحرى.
س أموال خ َ ن الجزاء من جنس العمل؛ فمن ب َ َ ومنها :أ ّ
ب بنقيض ذلك ،وكان سببا ً لزوال الناس يريد زيادة ماله؛ عوقِ َ
ر{؛ أي :فل الخير الذي عنده من الرزق؛ لقوله} :إني أراكم بخي ٍ
تتسّببوا إلى زواله بفعلكم.
قن َعَ بالحلل قن َعَ بما آتاه الّله وي َ ْ
ومنها :أن على العبد أن ي َ ْ
ن
عن الحرام وبالمكاسب المباحة عن المكاسب المحرمة ،وأ ّ
ة الّله خيٌر لكم{؛ ففي ذلك من البركة ذلك خيٌر له؛ لقوله} :بقي ّ ُ
وزيادة الرزق ما ليس في التكالب على السباب المحّرمة من
حق وضد ّ البركة. م ْ
الـ َ
ومنها :أن ذلك من لوازم اليمان وآثاره؛ فإّنه رتب العمل
ل على أّنه إذا لم يوجد العمل؛ فاليمان به على وجود اليمان ،فد ّ
م.
ص أو معدو ٌ ناق ٌ
دمين، ن الصلة لم تزل مشروعة للنبياء المتق ّ ومنها :أ ّ
وأّنها من أفضل العمال ،حتى إنه متقّرر عند الكفار فضلها
وتقديمها على سائر العمال ،وأنها تنهى عن الفحشاء والمنكر،
د،
ل أحوال العب ِم ُ
ن لليمان وشرائعه؛ فبإقامتها تك ُ وهي ميزا ٌ
وبعدم إقامتها تخت ّ
ل أحواله الدينّية.
ن كان الّله قد ه الّله النسان ،وإ ْ ن المال الذي يرزقُ ُ ومنها :أ ّ
ة عنده ،عليه وله إياه؛ فليس له أن يصنع فيه ما يشاء؛ فإنه أمان ٌ خ ّ
أن يقيم حقّ الّله فيه بأداء ما فيه من الحقوق والمتناع من
المكاسب التي حّرمها الّله ورسوله ،ل كما يزعمه الكفار ومن
ن أموالهم لهم أن يصنعوا فيها ما يشاؤون ويختارون، أشبههم؛ أ ّ
م الّله أو خالفه. سواٌء وافقَ حك َ
ن أول مل َةِ دعوة الداعي وتمامها :أن يكو َ ومنها :أن من ت َك ْ ِ
مبادرٍ لما يأمر غيره به وأول منتهٍ عما ينهى غيره عنه؛ كما قال
فكم إلى ما أنهاكم عنه{، ن أخال ِ َب عليه السلم} :وما أريد ُ أ ْ شعي ٌ
ن ]ك َب َُرن ما ل تفعلو َ ولقوله تعالى} :يا أّيها الذين آمنوا لم تقولو َ
مقًتا عند الل ّهِ أن تقولوا ما ل تفعلون[{.
ومنها :أن وظيفة الرسل وسّنتهم ومّلتهم إرادة ُ الصلح
بحسب القدرة والمكان ،فيأتون بتحصيل المصالح وتكميلها أو
قد َُر عليه منها ،وبدفع المفاسد ِ وتقليلها ،ويراعون بتحصيل ما ي ُ ْ
المصالح العامة على المصالح الخاصة.
صُلح بها أحوال العباد ،وتستقيم وحقيقة المصلحة هي التي ت َ ْ
بها أمورهم الدينّية والدنيوّية.
من قام بما يقد ُِر عليه من الصلح؛ لم يكن ن َ ومنها :أ ّ
ذموما ً في عدم فعله ما ل يقد ُِر عليه؛ فعلى العبد ِ أن م ْ ملوما ً ول َ َ
ُيقيم من الصلح في نفسه وفي غيره ما يقد ُِر عليه.
ن العبد ينبغي له أن ل يّتكل على نفسه طرفة ومنها :أ ّ
عين ،بل ل يزال مستعينا ً برّبه ،متوك ّل ً عليه ،سائل ً له التوفيق،
سديه ول م ْ وإذا حصل له شيٌء من التوفيق؛ فلينسبه ِلـموليهِ و ُ
ت وإليه جب بنفسه؛ لقوله} :وما توفيقي إل ّ بالّله عليه توكل ُ ي ُعْ َ
ب{. ُ
أني ُ
ومنها :الترهيب بأخذات المم ،وما جرى عليهم ،وأنه ينبغي
ص التي فيها إيقاع ُ العقوبات بالمجرمين في سياق قص ُن ت ُذ ْك ََر ال َ
أ ْ
الوعظ والزجر؛ كما أنه ينبغي ذ ِك ُْر ما أكرم الّله به أهل التقوى
ث على التقوى. عند الترغيب والح ّ
ومنها :أن التائب من الذنب كما ُيسمح له عن ذنبه وُيعفى
نده ،ول عبرة بقول من يقول :إ ّ ن الّله تعالى يحّبه ويو ّ عنه؛ فإ ّ
فَر له ويعود َ عليه العفو ،وأما ع َوْد ُب إذا تاب؛ فحسُبه أن ي ُغْ َ التائ َ
م
فروا رّبكم ث ّن الّله قال} :واستغ ِ د؛ فإ ّ ب؛ فإنه ل يعو ُالود ّ والح ّ
د{. م ودو ٌ ن ربي رحي ٌتوبوا إليه إ ّ
ب كثيرةٍ قد ن الّله يدفع عن المؤمنين بأسبا ٍ ومنها :أ ّ
يعلمون بعضها وقد ل يعلمون شيئا ً منها ،وربما د َفَعَ عنهم بسبب
مهِ
م قو ِ ب رج َ قبيلتهم وأهل وطنهم الكفار؛ كما دفع الّله عن شعي ٍ
ه.
بسبب رهط ِ ِ
ل بها الدفع عن السلم ص ُن هذه الروابط التي يح ُ وأ ّ
ن
والمسلمين ل بأس بالسعي فيها ،بل رّبما تعيّـن ذلك؛ ل ّ
ب على حسب القدرة والمكان؛ فعلى هذا لو الصلح مطلو ٌ
ساعد المسلمون الذين تحت ولية الكفار ،وعملوا على جعل
ب من حقوقهم ة يتم ّ
كن فيها الفراد ُ والشعو ُ الولية جمهوري ّ ً
الدينّية والدنيوّية؛ لكان أولى من استسلمهم لدولةٍ تقضي على
مل َ ً
ة حقوقهم الدينّية والدنيوّية ،وتحرص على إبادتها وجعلهم ع َ َ
ن أمكن أن تكون الدولة للمسلمين وهم وخدما ً لهم .نعم ؛ إ ْ
الحكام؛ فهو المتعيّـن ،ولكن لعدم إمكان هذه المرتبة؛ فالمرتبة
ة للدين والدنيا مقدمة .والّله أعلم.التي فيها دفعٌ ووقاي ٌ
ﭿ ﯰﯧﯧ ﯱﯧﯧ ﯷ ﯷ ﯷ ﯷ ﯷ ﯷ ﯷ ﯷ ﯷ ﯷ ﯼﯽ ﯾ ﯿ ﯷ ﯷ
ﯷ ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ ﭝ ﭞ ﭟ ﭠ ﭡ ﭢ ﭣ ﭤ
ﭥ ﭦ ﭧ ﭨ ﭩ ﭪ ﭫ ﭬﭭ ﭮ ﭯ ﭰ ﭱ ﭲ ﭳ ﭴ ﭵ ﭶﭷ ﭸ
)(1
ﭹ ﭺ ﭻ ﭼ ﭽ ﭾ ﭿ ﮀ ﮁ ﮂ ﮃ ﮄ ﮅ ﮆﮇ ﮈ ﮉ ﮊ ﮋ ﮌ ﭾ.
} {96يقول تعالى} :ولقد أرسلنا موسى{ :ابن عمران
}بآياتنا{ :الداّلة على صدق ما جاء به؛ كالعصا واليد ونحوهما من
اليات التي أجراها الّله على يدي موسى عليه السلم،
ت ظهور الشمس. ن{؛ أي :حجة ظاهرة بّينة ظهر ْ
مبي ٍ
ن ُ}وسلطا ٍ
ه{؛ أي :أشراف قومه؛ لّنهم ن وملئ ِ ِ}} {97إلى فرعو َ
المتبوعون ،وغـيـرهـم ت ََبع لهم ،فلم ينقادوا لما مع موسى من
طها في سورة العراف، اليات التي أراهم إّياها كما تقدم بس ُ
د{ :بل هو ضا ّ
ل ن برشي ٍ ولكنهم }اّتبعوا أمَر فرعون وما أمُر فرعو َ
ض.
غاوٍ ل يأمر إل بما هو ضرٌر مح ٌ
م
قد ُ ُ
مه؛ أرداهم وأهلكهم؛ }ي َ ْ ما اّتبعه قو ُ } {98ل جرم لـ ّ
د{.دهم الناَر وبئس الوِْرد ُ المورو ُ مه يوم القيامة فأور َ قو َ
ة ويوم }} {99وأ ُت ِْبعوا في هذه{؛ أي :في الدنيا }لعن ً
س أجمعون في الدنيا ة{؛ أي :يلعنهم الّله وملئكته والنا ُ القيام ِ
د{؛ أي :بئس ما اجتمع لهم، والخرة} .بئس الّرفْد ُ المرفو ُ
دنيا والخرة. ف عليهم من عذاب الّله ولعنة ال ّ وتراد َ َ
-أخرجه مسلم ) (233من حديث أبي هريرة رضي الله عنه. 1
ﯱﯧﯧ ﯷ ﯷ ﯷﯷ ﯥ ﯦ ﯧ ﯨ ﯩ ﯪﯧﯧ ﯫﯧﯧ ﯬﯧﯧ ﯭﯧﯧ ﯮﯧﯧ ﯯﯧﯧ ﯰﯧﯧ }ﭿ ﯣ ﯤ
ﯷ ﯷ ﯷ ﯷ ﯷ ﯷ ﯼ ﯽ ﯾ ﭾ.
نذبة للرسل ،وأ ّ ما ذكر تعالى إهلك المم المك ّ } {116لـ ّ
أكثرهم منحرفون عن أهل الكتب اللهية ،وذلك كّله يقضي على
ذهاب والضمحلل؛ ذكر أّنه لول أنه جعل في القرون الديان بال ّ
الماضية بقايا من أهل الخير ،يدعون إلى الهدى وينهون عن
الفساد والّردى ،فحصل من نفعهم ،وأبقيت به الديان ،ولكّنهم
دا ) ، (1وغاية المر أّنهم نجوا باّتباعهم المرسلين، قليلون ج ّ
جة الّله أجراها على وقيامهم بما قاموا به من دينهم ،وبكون ح ّ
ي عن بّينة }و{ لكن ح ّ ك عن بّينة ويحيا من َ أيديهم؛ ليهلك من هَل َ َ
رفوا فيه{؛ أي :اّتبعوا ما هم فيه من ُ
}اّتبع الذين ظلموا ما أت ْ ِ
ل} .وكانوا مجرمين{؛ أي: النعيم والترف ،ولم يبغوا به بد ً
ب
رفوا فيه ،فلذلك حقّ عليهم العقا ُ ظالمين باّتباعهم ما أت ِ
ب.واستأصلهم العذا ُ
ث لهذه المة أن يكون فيهم بقايا؛ مصلحون لما وفي هذا ح ّ
ل إلى الهدى، ّ
أفسد الناس ،قائمون بدين الله ،يدعون من ض ّ
صرونهم من العمى ،وهذه الحالة ويصبرون منهم على الذى ،ويب ّ
أعلى حالة يرغب فيها الراغبون ،وصاحبها يكون إماما ً في الدين؛
ب العالمين.إذا جعل عمله خالصا ً لر ّ
ﭿﯿ ﯷ ﯷ ﯷ ﯷ ﯷ ﯷ ﯷ ﯷ ﭾ.
ظلم منه لهم} {117أي :وما كان الّله ليهلك القرى ب ُ
ل أّنهم }مصلحون{؛ أي :مقيمون على الصلح مستمرون والحا ُ
جةعليه؛ فما كان الّله ليهلكهم إل إذا ظلموا ،وقامت عليهم ح ّ
الّله.
ك القرى بظلمهم ن المعنى :وما كان رّبك ل ِي ُهْل ِ َ وُيحتمل أ ّ
ن الله يعفو عنهم ،ويمحو ّ السابق إذا رجعوا وأصلحوا عملهم؛ فإ ّ
دم من ظلمهم. ما تق ّ
ﭿ ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗﭘ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ ﭝ ﭞ ﭟ ﭠﭡ ﭢ
ﭧ ﭨ ﭩ ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ ﭾ. ﭣﭤ ﭥ ﭦ
***
المجلد الرابع من تيسير الكريم الرحمن في
تفسير كلم الرب المنان
لجامعه الفقير إلى ربه عبدالرحمن بن ناصر بن
عبدالله السعدي غفر الله له ولوالديه ولجميع
المسلمين آمين
تفسير سورة يوسف بن يعقوب عليهما الصلة
والسلم
وهي مكية
ﯖ ﭿ ﮢﮣ ﮤ ﮥ ﮦ ﮧ ﮨ ﮩ ﮪ ﮫ ﮬ ﮭ ﮮﮮ ﮯ ﮰ ﮱ ﯓ ﯔ ﯕ
ﯗ ﯘ ﯙ ﯚ ﯛ ﯜ ﯝ ﯞ ﯟ ﯠ ﯡ ﭾ.
ت الكتاب
} {1يخبر تعالى أن آيات القرآن هي }آيا ُ
مبين{؛ أي :البيّـن الواضحة ألفاظه ومعانيه.
الـ ُ
ي ،أشرف } {2ومن بيانه وإيضاحه أّنه أنزله باللسان العربـ ّ
ل ما يحتاجه الناس من الحقائق اللسنة وأبينها ،المبين لك ّ
قلون{؛ أي :لتعقلوا ل هذا اليضاح والتبيين }لعّلكم تع ِ النافعة ،وك ّ
قْلتم ذلك
حدوده وأصوله وفروعه وأوامره ونواهيه؛ فإذا ع َ َ
بإيقانكم ،واّتصفت قلوُبكم بمعرفتها؛ أثمر ذلك عمل الجوارح
والنقياد إليه ،و }لعّلكم تعقلون{؛ أي :تزداد عقولكم بتكّرر
المعاني الشريفة العالية على أذهانكم ،فتنتقلون من حال إلى
أحوال أعلى منها وأكمل.
ص عليك أحسن القصص{؛ وذلك لصدقها }} {3نحن نق ّ
حْينا إليك هذا القرآن{؛وسلسة عبارتها وَرْونق معانيها} ،بما أو َ
ضلناك به
حْيناه إليك وف ّأي :بما اشتمل عليه هذا القرآن الذي أو َ
ض مّنة من الّله وإحسان} .وإن كن َ
ت على سائر النبياء ،وذاك مح ُ
من قبل ِهِ لمن الغافلين{؛ أي :ما كنت تدري ما الكتاب ول اليمان
منمن نشاُء ِجعَْلناه نورا ً نهدي به َ
ن َقبل أن يوحي الّله إليك ،ولك ْ
عبادنا.
ولما مدح ما اشتمل عليه هذا القرآن من القصص وأنها
أحسن القصص على الطلق؛ فل يوجد من القصص في شيء
من الكتب مثل هذا القرآن؛ ذكر قصة يوسف وأبيه وإخوته،
القصة العجيبة الحسنة فقال:
ﯬﯧﯧ ﯭﯧﯧ ﯮﯧﯧ ﯯﯧﯧ ﯰﯧﯧ ﯱﯧﯧ ﭑ ﭒ ﭓ ﯥ ﯦ ﯧ ﯨ ﯩ ﯪﯧﯧ ﯫﯧﯧ ﭿﯢ ﯣ ﯤ
ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ ﭘ ﭙ ﭚﭛ ﭜ ﭝ ﭞ ﭟ ﭠ ﭡ ﭢ ﭣ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ
ﭶﭷ ﭸ ﭰ ﭱ ﭲ ﭳ ﭴ ﭵ ﭬ ﭭ ﭮ ﭯ ﭨ ﭩ ﭪ ﭫ
ﭾ. ﭹ ﭺ ﭻ ﭼ
ص على رسوله أحسن القصص واعلم أن الّله ذكر أنه يق ّ
في هذا الكتاب ،ثم ذكر هذه القصة ،وبسطها وذكر ما جرى فيها،
مَلها أو
ن أراد أن يك ّ م ْ ة؛ ف َ
مة كاملة حسن ٌ فعلم بذلك أنها قصة تا ّ
ف لها سند ٌ ول سنها بما ُيذكر في السرائيليات التي ل ي ُعَْر ُ يح ّ
ل لشيء ك على الّله ،ومك ّ
م ٌ ب؛ فهو مستدرِ ٌ ل ،وأغلُبها ك َذ ِ ٌناق ٌ
يزعم أنه ناقص ،وحسُبك بأمر ينتهي إلى هذا الحد ّ قبحًا؛ فإ ّ
ن
ت في كثير من التفاسير من مل ِئ َ ْ
تضاعيف هذه السورة قد ُ
صه الّله تعالى بشيء الكاذيب والمور الشنيعة المناقضة لما ق ّ
صه ،ويدع ما سوى ذلك ر؛ فعلى العبد أن يفهم عن الّله ما ق ّ كثي ٍ
مما ليس عن النبي صلى الله عليه وسلم ينقل.
ف لبيه{ :يعقوب بن س ُ } {4فقوله تعالى} :إذ قال يو ُ
ت إنّـي إسحاق بن إبراهيم الخليل عليهم الصلة والسلم} ،يا أب ِ
س والقمَر رأيُتهم لي ساجدين{: ت أحد عشر كوكبا ً والشم َ رأي ُ
ف عليه السلم من دمة لما وصل إليه يوس ُ فكانت هذه الرؤيا مق ّ
دنيا والخرة ،وهكذا إذا أراد الّله أمرا ً من المور الرتفاع في ال ّ
ة له وتسهيل ً لمره ،واستعدادا ً دمة توطئ ً دم بين يديه مق ّ العظام؛ ق ّ
َ ً ً
لما ي َرِد ُ على العبد من المشاق ،ولطفا بعبده وإحسانا إليه فأوّلها
ب إخوُته ،وأّنه مه والقمَر أبوه والكواك َ سأ ّ يعقوب بأن الشم َ
جدون ستنتقل به الحوال إلى أن يصير إلى حال يخضعون له ويس ُ
دمه من له إكراما ً وإعظامًا ،وأن ذلك ل يكون إل بأسباب تتق ّ
اجتباء الّله له واصطفائه له وإتمام نعمت ِهِ عليه بالعلم والعمل
والتمكين في الرض ،وأن هذه النعمة ستشمل آل يعقوب الذين
سجدوا له ،وصاروا ت ََبعا ً له فيها.
جتبيك رّبك{؛ أي :يصطفيك } {6ولهذا قال} :وكذلك َيـ ْ
ن به عليك من الوصاف الجليلة والمناقب ويختارك بما م ّ
ك من تأويل الحاديث{؛ أي :من تعبير الرؤيا الجميلة} ،ويعل ّ ُ
م َ
وبيان ما تؤول إليه الحاديث الصادقة كالكتب السماوية ونحوها،
ن ُيؤتيك في الدنيا مته عليك{ :في الدنيا والخرة؛ بأ ْ م نع َ}ويت ّ
مها على أبويك من قب ُ
ل ة} ،كما أتـ ّ ة وفي الخرة حسن ً حسن ً
إبراهيم وإسحاق{ :حيث أنعم الّله عليهما بنعم عظيمةٍ واسع ٍ
ة
ط بالشياء علمه محي ٌ م{؛ أيِ : م حكي ٌ ن رّبك علي ٌ دينّية ودنيوّية} .إ ّ
وبما احتوت عليه ضمائر العباد من البّر وغيره ،فيعطي كل ّ ما
م يضع الشياء مواضعها ،وينزلها تقتضيه حكمته وحمده؛ فإّنه حكي ٌ
منازلها.
)(1
يلم تعبيُرها ليوسف؛ قال له أبوه} :يا بن ّ } {5ولما ت ّ
ص رؤياك على إخوتك فيكيدوا لك كيدًا{؛ أي :حسدا ً من عند ص ْق ُ
تَ ْ
ن
ن الشيطا َ أنفسهم؛ بأن تكون أنت الرئيس الشريف عليهم} .إ ّ
ن{ :ل يفتر عنه ليل ً ول نهارا ً ول سّرا ول جهارا؛ً للنسان عدوّ مبيـ ٌ
فالبعد ُ عن السباب التي يتسّلط بها على العبد أولى .فامتثل
مها عنهم.ف أمر أبيه ،ولم يخب ِْر إخوته بذلك ،بل ك َت َ َ يوس ُ
ﮌ ﮍ ﮀ ﮁ ﮂ ﮃ ﮄ ﮅ ﮆ ﮇ ﮈ ﮉ ﮊ ﮋ ﭿﭽ ﭾ ﭿ
ﮎ ﮏ ﮐ ﮑ ﮒ ﮓ ﮔ ﮕ ﮖ ﮗ ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ ﮜ ﮝ ﮞ ﮟ ﮠ
ﮡ ﮢ ﮣ ﮤ ﭾ.
ت{؛ أي: ف وإخوت ِهِ آيا ٌس َ } {7يقول تعالى} :لقد ْ كان في يو ُ
عبر وأدّلة على كثير من المطالب الحسنة} ،للسائلين{؛ أي:
ن السائلين ل من سأل عنها بلسان الحال أو بلسان المقال؛ فإ ّ لك ّ
رضون؛ فل ينتفعون هم الذين ينتفعون باليات والعبر ،وأما المع ِ
باليات ول بالقصص ) (2والبّينات.
ن؛ ف وأخوه{ :بنيامي ُ س ُ }} {8إذ قالوا{ :فيما بينهمَ} :ليو ُ
ة{؛ ب إلى أبينا منا ونحن عصب ٌ ة} ،أح ّأي :شقيقه ،وإل ّ فكّلهم إخو ٌ
ن أبانا أي :جماعة ،فكيف يفضلهما ]علينا[ بالمحبة والشفقة} .إ ّ
ضلهما علينا من غير لفي ضلل مبين{؛ أي :لفي خطأ ٍ بّين حيث ف ّ
موجب نراه ،ول أمر نشاهده.
ف أو اطرحوه أرضًا{؛ أي :غّيبوه عن أبيه }} {9اقُتلوا يوس َ
كن من رؤيته فيها؛ فإنكم إذا فعلُتم أحد في أرض بعيدة ل يتم ّ
قب ِ ُ
ل ه أبيكم{؛ أي :يتفّرغ لكم ،وي ُ ْ ل لكم وج ُ خ ُ
هذين المرين؛ }َيـ ْ
عليكم بالشفقة والمحّبة؛ فإّنه قد اشتغل قلبه بيوسف شغل ً ل
يتفّرغ لكم} .وتكونوا من بعده{؛ أي :من بعد هذا الصنيع قوما ً
صالحين؛ أي :تتوبون إلى الّله وتستغفرونه من بعد ذنبكم،
دموا العزم على التوبة قبل صدور الذنب منهم؛ تسهيل ً لفعله، فق ّ
ة لشناعته ،وتنشيطا ً من بعضهم لبعض. وإزال ً
.
ل{ :من إخوة يوسف الذين أرادوا قتله } {10أي} :قال قائ ٌ
م إثما ً وأشن ُ
ع، ن قتله أعظ ُف{ :فإ ّ س َأو تبعيده} :ل تقُتلوا يو ُ
صلوا
ل بتبعيده عن أبيه من غير قتل ،ولكن تو ّ ص ُ
والمقصود يح ُ
عدوه على أنه ل ب{ :وتتو ّ
ج ّ إلى تبعيده بأن تلقوه }في َ
غياب َةِ الـ ُ
يخبر بشأنكم ،بل على أّنه عبد ٌ مملوك آبقٌ ]منكم[ لجل أن
ن«.
-في )ب(» :إليه ّ 2
ن
ل يوسف الظاهر ،وأعجبه ّ ن جما ُ } {32فلما تقّرر عنده ّ
ن من العذر لمرأة العزيز شيٌء كثيٌر؛ أرادت أن ة ،وظهر منه ّ غاي ً
مة ،فقالت معلنة لذلك ومبّينة ن جماله الباطن بالعفة التا ّ ت ُرَِيـهُ ّ
ّ
لحّبه الشديد غير مبالية ولن اللوم انقطع عنها من النسوة:
م{؛ أي :امتنع ،وهي مقيمة }ولقد راودُته عن نفسه فاستعص َ
ة وشوقا ً وقلقا ً
على مراودته ،لم تزدها مرور الوقات إل ّ محب ّ ً
ل ما آمُرهُ ن} :ولئن لم يفع ْ لوصاله وتوقًا ،ولهذا قالت له بحضرته ّ
جَئه بهذا الوعيد إلى حصول ن{ :لتل ِ صاغري َ
ن وليكوًنا من ال ّ
ليسجن ّ
مقصودها منه.
-في )ب(» :ذلك القرار الذي أقررت ليعلم أّني لم أخنه بالغيب«. 4
والمانة والحفظ ما لم يكونوا يعرفونه؛ فلذلك طلب من الملك
أن يجعَله على خزائن الرض ،فجعله الملك على خزائن الرض
وو ّ
له إّياها.
} 56ـ {57قال تعالى} :وكذلك{؛ أي :بهذه السباب
ث
وأ منها حي ُ ف في الرض يتب ّمك ّّنا ليوس َدمات المذكورةَ } ، والمق ّ
ب
يشاء{ :في عيش رغد ٍ ونعمة واسعةٍ وجاه عريض} ،نصي ُ
من نشاُء{؛ أي :هذا من رحمة الّله بيوسف التي أصابه برحمتنا َ
درها له ،وليست مقصورة ً على نعمة الدنيا .فإن الله ل بها وق ّ
ن ،ويوسف عليه السلم من سادات يضيعُ أجر المحسني َ
ة ،ولهذا قال: ة وفي الخرة حسن ٌ دنيا حسن ٌ
المحسنين؛ فله في ال ّ
دنيا ـ }للذين آمنوا وكانوا }ولجُر الخرة خيٌر{ ـ من أجر ال ّ
كن{؛ أي :لمن جمع بين التقوى واليمان؛ فبالّتقوى ت ُت َْر ُ يّتقو َ
مالمور المحرمة من كبائر الذنوب وصغائرها ،وباليمان التا ّ
ه أعمال ل تصديق القلب بما أمر الّله بالتصديق به وتتبعُ ُ ص ُيح ُ
القلوب وأعمال الجوارح من الواجبات والمستحّبات.
ﮜ ﮝ ﮞ ﮟ ﮠ ﮡ ﮢ ﮣ ﮤ ﮥ ﮦ ﮧ ﮨ ﮩ ﮪ ﮫ ﭿﮚ ﮛ
ﯞ ﯟ ﯠ ﯡ ﮬﮭ ﮮﮮ ﮯ ﮰ ﮱ ﯓ ﯔ ﯕ ﯖ ﯗ ﯘ ﯙ ﯚ ﯛ ﯜ ﯝ
ﯢ ﯣ ﯤ ﯥ ﯦ ﯧ ﯨ ﯩ ﯪﯧﯧ ﯫﯧﯧ ﯬﯧﯧ ﯭﯧﯧ ﯮﯧﯧ ﯯﯧﯧ ﯰﯧﯧ ﯱﯧﯧ ﯷ ﯷ ﯷ ﯷ ﯷ ﯷ
ﯷ ﯷ ﯷ ﯷ ﯼ ﯽ ﯾ ﯿ ﯷ ﯷ ﯷ ﯷ ﯷ ﯷ ﯷ ﯷ ﰈ ﰉ ﭑ ﭒ
ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛﭜ ﭝ ﭞ ﭟﭠ ﭡ ﭢ ﭣ ﭤ ﭥ ﭦ
ﭧ ﭨ ﭩ ﭪ ﭫﭬ ﭭ ﭮ ﭯ ﭰﭱ ﭲ ﭳ ﭴ ﭵﭶ ﭷ ﭸ ﭹ ﭺ ﭻ
ﮏ ﭽﭾ ﭿ ﮀ ﮁ ﮂ ﮃ ﮄ ﮅ ﮆ ﮇ ﮈ ﮉ ﮊ ﮋ ﮌ ﮍ ﮎ ﭼ
ﮐ ﮑﮒ ﮓ ﮔ ﮕ ﮖ ﮗ ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ ﮜ ﮝ ﮞ ﮟ ﮠ ﮡ ﮢ ﮣ ﮤ
ﮥ ﮦ ﮧﮨ ﮩ ﮪ ﮫ ﮬ ﮭ ﮮﮮ ﮯﮰ ﮱ ﯓ ﯔ ﯕﯖ ﯗ ﯘﯙ ﯚ ﯛ ﯜ
ﯝ ﯞ ﯟ ﯠ ﯡ ﯢ ﯣ ﯤ ﯥ ﯦ ﯧ ﯨ ﯩ ﯪﯧﯧ ﯫﯧﯧ ﯬﯧﯧ ﯭﯧﯧ ﯮﯧﯧ ﯯﯧﯧ ﯰﯧﯧ ﯱﯧﯧﯷ ﯷ ﯷ ﯷ
ﯷ ﯷ ﯷ ﯷ ﯷ ﯷ ﯼ ﯽ ﭾ.
أي :لما توّلـى يوسف عليه السلم خزائن الرض؛ دّبرها
ر ،فزرع في أرض مصَر جميعها في السنين المخصبة ن تدبي ٍأحس َ
ت الكباَر ،وجبا من الطعمة شيئا ً ة ،واّتخذ لها المحل ّ ِزروعا ً هائل ً
ة،
ن المجدب ُ ت السنو َ كثيرًا ،وحفظه وضبطه ضبطا ً تا ّ
ما ،فلما دخل ِ
وسرى الجدب حتى وصل إلى فلسطين التي يقيم فيها يعقوب
ب بنيه لجل الميرة إلى مصر. وبنوه ،فأرسل يعقو ُ
ف فدخلوا عليه فعرفهم وهم له } {58فجاء }إخوة ُ يوس َ
منكرون{؛ أي :لم يعرفوه.
}} {59ولما جّهزهم بجَهازهم{؛ أي :كال لهم كما كان
ل واحد ٍ أكثر رهم ،وكان من تدبيرِهِ الحسن أّنه ل َيكيل لك ّ ل لغي ِ َيكي ُ
ن لهم أخا ً مل بعير ،وكان قد سألهم عن حالهم ،فأخبروه أ ّ حـ ْ من ِ
خ لكم من أبيكم{: عند أبيه ،وهو بنيامين ،فقال لهم} :ائـتـوني بـأ ٍ
ل وأنا ن أّنـي أوفي الكي َ غبهم في التيان به ،فقال} :أل ت ََروْ َ ثم ر ّ
زلين{ :في الضيافة والكرام. خيُر المن ِ
هبهم بعدم التيان به ،فقال} :فإن لم تأتوني به مر ّ } {60ث ّ
ن{ :وذلك لعلمه باضطرارهم إلى قَربو ِ كم عندي ول ت َ ْ لل ُ فل ك َي ْ َ
ن ذلك يحملهم على التيان به. التيان إليه ،وأ ّ
ل هذا على أن يعقوب } {61فقالوا} :سنراوِد ُ عنه أباه{ :د ّ
عليه السلم كان موَلعا ً به ل يصب ُِر عنه ،وكان يتسّلـى به بعد
يوسف؛ فلذلك احتاج إلى مراودةٍ في بعثه معهم} ،وإّنا
ن{ :لما أمرتنا به. لفاعلو َ
ه:
ه{ الذين في خدمت ِ ِ ف }لفتيان ِ ِ }} {62وقال{ يوس ُ
}اجَعلوا بضاع ََتهم{؛ أي :الثمن الذي اشتروا به منه الميرة} ،في
رفونها{؛ أي :بضاعتهم إذا رأوها بعد ذلك في رحالهم لعّلهم يع ِ
جعون{ :لجل التحّرج من أخذها على ما قيل. رحالهم؛ }لعّلهم ير ِ
غبهم في إحسانه إليهم بالكيل لهم كيل ً والظاهر أّنه أراد أن ير ّ
سون بها ول وافيا ً ثم إعادة بضاعتهم إليهم على وجه ل يح ّ
ن الحسان يوجب للنسان تمام الوفاء يشعرون لما يأتي؛ فإ ّ
للمحسن.
ل{؛ من ِعَ منا الكي ُ ما رجعوا إلى أبيهم قالوا يا أبانا ُ }} {63فل ّ
ل{؛ أي: ل معنا أخانا ن َك ْت َ ْ س ْ ل معنا أخانا} ،فأر ِ أي :إن لم ترس ْ
ليكون ذلك سببا ً لكيلنا .ثم التزموا له بحفظه فقالوا} :وإّنا له
ن{ :من أن يعرض له ما يكره. لحافظو َ
ب عليه السلم} :هل آمُنكم عليه }} {64قال{ لهم يعقو ُ
دم منكم التزام ل{؛ أي :قد تق ّ منُتكم على أخيه من قب ُ إل ّ كما أ ِ
أكثر من هذا في حفظ يوسف ،ومع هذا؛ فلم َتفوا بما عقدتم من
التأكيد؛ فل أثق بالتزامكم وحفظكم ،وإنما أثقُ بالّله تعالى.
م الراحمين{؛ أي :يعلم حالي وأرجو }فالّله خيٌر حافظا ً وهو أرح ُ
ي ،وكأّنه في هذا الكلم قد لن ده علـ ّ أن يرحمني ،فيحفظه وير ّ
لرساله معهم.
ت جدوا بضاعتهم ُرد ّ ْ عهم وَ َ } {65ثم إنهم }لما فََتحوا متا َ
ل على أّنه قد كان معلوما ً عندهم أن يوسف قد إليهم{ :هذا دلي ٌ
دها عليهم بالقصد ،وأّنه أراد أن يمّلكهم إياها ،فقالوا لبيهم ر ّ
ترغيبا ً في إرسال أخيهم معهم} :يا أبانا ما ن َْبغي{؛ أي :أيّ شيء
ث وّفـى لنا الكيل ،ورد ّ علينا نطلب بعد هذا الكرام الجميل حي ُ
من للخلص ومكارم بضاعتنا على ]هذا[ الوجه الحسن المتض ّ
ت إلينا وَنميُر أهلنا{؛ أي :إذا ذهبنا الخلق؟! }هذه بضاعُتنا ُرد ّ ْ
مْرنا أهلنا ،وأتينا لهم بما هم بأخينا؛ صار سببا ً لك َي ْل ِهِ لنا ،فَ ِ
ر{: ل بعي ٍظ أخانا ونزداد ُ ك َي ْ َ مضطّرون إليه من القوت} ،ونحف ُ
مل بعير} .ذلك كي ٌ
ل حـ ْ ل واحد ٍ ِ بإرساله معنا؛ فإنه يكيل لك ّ
يسيٌر{؛ أي :سهل ل ينالك ضرٌر؛ لن المدة ل تطول ،والمصلحة
قد تبّينت.
سَله معكم حتى تؤتوني } {66فقال لهم يعقوب} :لن أر ِ
موِْثقا ً من الّله{؛ أي :عهدا ً ثقيل ً وتحلفون بالّله }لتأت ُّنني به إل ّ أن َ
ل لكم به ول تقدرون ّ
ُيحاط بكم{؛ أي :إل أن يأتيكم أمٌر ل قَب ِ َ َ
موِْثقهم{ :على ما قال وأراد؛ }قال :الّله على وه َ ما آت َ ْ
دفعه} ،فل ّ
)(1
ل{؛ أي :تكفينا شهادُته علينا وحفظه وكفالته . ل وكي ٌما نقو ُ
صاهم إذا هم قدموا مصر أن } {67ثم لما أرسله معهم؛ و ّ
خلوا من أبواب متفّرقة{ :وذلك أنه ب واحد واد ُ دخلوا }من با ٍ ل يَ ْ
)(2
خاف عليهم العين؛ لكثرتهم وبهاء منظرهم؛ لكونهم أبناء رجل
ما أغني عنكم من الّله{ :شيئًا؛ واحد ،وهذا سبب} ،و{ إل فـ} َ
م إل لّله{؛ أي :القضاء قضاؤه در ل بد ّ أن يكون} .إن الحك ُ فالمق ّ
ت{؛ والمر أمره؛ فما قضاه ،وحكم به ل بد ّ أن يقع} .عليه توكل ُ
صيتكم به من السبب} .وعليه أي :اعتمدت على الّله ل على ما و ّ
صل كل مطلوب ،ويندفع كل يح ُ ن بالتو ّ كلون{ :فإ ّ كل المتو ّ فليتو ّ
كل مرهوب.
خلوا من حيث أمرهم أبوهم ما }} {68ولما{ ذهبوا و}د َ َ
ة في كان{ :ذلك الفعل }ي ُْغني عنهم من الّله من شيٍء إل ّ حاج ً
نفس يعقوب قضاها{ :وهو موجب الشفقة والمحبة للولد،
فحصل له في ذلك نوع ُ طمأنينةٍ وقضاٍء لما في خاطره ،وليس
هذا قصورا ً في علمه؛ فإنه من الرسل الكرام والعلماء الربانيين،
ولهذا قال عنه} :وإّنه لذو علم{؛ أي :لصاحب علم عظيم} ،لما
وته أدركه ،بل بفضل الّله عل ّ ْ
مناه{؛ أي :لتعليمنا إّياه ،ل بحوله وق ّ
ن أكثر الناس ل يعلمون{ :عواقب المور ودقائق وتعليمه} .ولك ّ
الشياء ،وكذلك أهل العلم منهم يخفى عليهم من العلم وأحكامه
ولوازمه شيء كثيٌر.
م«.
-في )ب(» :ظهر منه وبَرز اله ّ 2
ي اذهبوا} {87أي :قال يعقوب عليه السلم لبنيه} :يا ب َن ِ ّ
سسوا من يوسف وأخيه{؛ أي :احرصوا واجتهدوا على فتح ّ
بج ُ
ن الرجاء يو ِ التفتيش عنهما} ،ول تيأسوا من َرْوح الّله{ :فإ ّ
ب له التثاقل ج ُللعبد السعي والجتهاد فيما رجاه ،والياس يو ِ
والتباطؤ ،وأولى ما رجا العباد ُ فضل الّله وإحسانه ورحمته
م الكافرون{ :فإّنهم س من َرْوح الّله إل ّ القو ُ
وروحه} .إّنه ل ييأ ُ
رهم يستبعدون رحمَته ،ورحمُته بعيدة ٌ منهم؛ فل تتشّبهوا لكف ِ
ل هذا على أّنه بحسب إيمان العبد يكون رجاؤه بالكافرين .ود ّ
لرحمةِ الّله وَرْوحه.
} {88فذهبوا .فلما دخلوا على يوسف} ،قالوا{:
ة
ضّر وجئنا ببضاع ٍ سنا وأهَلنا ال ّ
متضّرعين إليه} :يا أّيها العزيز م ّ
ن
ل وتصد ّقْ علينا{؛ أي :قد اضطررنا نح ُ ف لنا الكي َ
مْزجاةٍ فأوْ ِ
ُ
ّ
ة{؛ أي :مدفوعة مرغوب عنها لقلتها مْزجا ٍ ْ ُ
وأهلنا }وجئنا ببضاعةٍ ُ
ف لنا الكيل{؛ أي :مع عدم وفاء وعدم وقوعها الموقع؛ }فأو ِ
جزي ن الّله َيـ ْ
العوض ،وتصد ّقْ علينا بالزيادة عن الواجب} .إ ّ
دقين{ :بثواب الدنيا والخرة. المتص ّ
ف رقّ ً
ة ده؛ رقّ لهم يوس ُ } {89فلما انتهى المر وبلغ أش ّ
ة ،وعّرفهم بنفسه ،وعاتبهم فقال} :هل علمْتم ما فعلُتم شديد ً
ف؛ فظاهٌر فعُلهم فيه ،وأما أخوه؛ فلعّله بيوسف وأخيه{ :أما يوس ُ
ل{ ،أو خ له من قب ُ سَرقَ أ ٌسرِقْ فقد َ ـ والّله أعلم ـ قولهم} :إن ي َ ْ
أن السبب الذي فّرق بينه وبين أبيه هم السبب فيه والصل
ن{ :وهذا نوع اعتذارٍ لهم بجهلهم أو الموجب له} .إذ أنُتم جاهلو َ
توبيخ لهم إذ ْ فعلوا فعل الجاهلين ،مع أّنه ل ينبغي ول َيليق منهم.
ف ،فقالوا} :أإّنك } {90فعرفوا أن الذي خاطبهم هو يوس ُ
ن الّله علينا{:
ف وهذا أخي قد م ّ ف قال أنا يوس ُ لنت يوس ُ
دنيا ،وذلك بسبب الصبر باليمان والتقوى والتمكين في ال ّ
صب ِْر{؛ أي :يّتقي فعل ما حّرم الّله والتقوىَ ،فـ}إّنه من يت ّ ِ
ق وي َ ْ
ن الّله لويصبر على اللم والمصائب وعلى الوامر بامتثالها} .فإ ّ
ن هذا من الحسان ،والّله ل ُيضيعُ أجَر ُيضيع أجر المحسنين{ :فإ ّ
ن عم ً
ل. من أحس َ
ضلك علينا }} {91قالوا تالّله لقد آثرك الّله علينا{؛ أي :ف ّ
بمكارم الخلق ومحاسن الشيم ،وأسأنا إليك غاية الساءة،
صنا على إيصال الذى إليك والتبعيد لك عن أبيك ،فآثرك الّله وحر ْ
كنك مما تريد ]وإن ك ُّنا لخاطئين ،وهذا غاية العتراف تعالى وم ّ
منهم بالجرم الحاصل منهم على يوسف[.
} {92فقال لهم يوسف عليه السلم كرما ً وجودًا} :ل
ه
فُر الل ُ
ب عليكم ول ألومكمَ} ،يغ ِ م{؛ أي :ل أثّر ُ ب عليكم اليو َ ت َْثري َ
ما من غير تعيير ن{؛ فسمح لهم سماحا ً تا ّ مي َ
ح ِ
م الّرا ِح ُ
كم وهُوَ أر َ لَ ُ
ة ،وهذا ذنب السابق ،ودعا لهم بالمغفرةِ والرحم ِ لهم على ذكر ال ّ
ص الخلق وخيار نهاية الحسان الذي ل يتأّتى إل من خوا ّ
فْين.المصط َ َ
ﯣ ﯤ ﯥ ﯦ ﯧ ﯨ ﯩ ﯪﯧﯧ ﯫﯧﯧ ﯬﯧﯧ ﯭﯧﯧ ﯮﯧﯧ ﯯﯧﯧ ﯰﯧﯧ ﯱﯧﯧ ﯷﯷ ﯡ ﯢ ﭿﯝ ﯞ ﯟ ﯠ
ﯷ ﯼ ﯽ ﯾ ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﯷ ﯷ ﯷ ﯷ ﯷ ﯷ ﯷ
ﭠ ﭡ ﭢ ﭣ ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ ﭨ ﭩ ﭪ ﭫ ﭬ ﭟ ﭙﭚ ﭛ ﭜ ﭝ ﭞ
ﭹ ﭺ ﭾ. ﭷ ﭸ ﭲ ﭳ ﭴﭵ ﭶ ﭱ ﭮ ﭯ ﭰ ﭭ
هبوا } {93أي :قال يوسف عليه السلم لخوته} :اذ َ
ل داٍء نك ّ ت َبصيرًا{ :ل ّ بقميصي هذا فألقوه على وجه أبي يأ ِ
ص لما كان فيه أثُر ريح يوسف الذي ده؛ فهذا القمي ُ يداوى بض ّ
ب أبيه من الحزن والشوق ما الّله به عليم؛ أراد أن أوْد َع َ قل َ
سه ويرجعَ إليه بصُره، جعَ إليه روحه وتتراجع إليه نف ُ مه فتر ِ ش ّيَ ُ
ف
طلع يوس ُ طلع عليها العباد ،وقد ا ّ م وأسراٌر ل ي ّ حك َ ٌ ولّله في ذلك ِ
كم أجمعين{؛ أي :أولدكم من ذلك على هذا المر} .وأتوني بأهل ِ ُ
ل عنكم ن َك َد ُ م اللقاء ويزو َ ل تما ُ وعشيرتكم وتوابعكم كّلهم؛ ليحص َ
ق.
ك الرز ِ ضن ْ ُ
المعيشة و َ
ة إلى }} {94ولما فصلت العير{ :عن أرض مصر مقبل ً
جد ُ ريح ب ريح القميص ،فقال} :إّنـي ل ِ م يعقو ُ أرض فلسطين؛ ش ّ
ن هذا عمون أ ّ ن{؛ أي :تسخرون مّني ،وتز ُ فّندو ِ
ف لول أن ت ُ َ يوس َ
جب من الكلم صدر مّني من غير شعور؛ لّنه رأى منهم من التع ّ
حاله ما أوجب له هذا القول.
} {95فوقع ما ظّنه بهم ،فقالوا} :تالل ّهِ إّنك لفي ضللك
ي ) ، (1ل تدري ما تقول. ج ّ القديم{؛ أي :ل تزال تائها ً في بحرٍ ُلـ ّ
ما أن جاء البشيُر{ :بقرب الجتماع بيوسف }} {96فل ّ
وإخوته وأبيهم} ،ألقاه{؛ أي :القميص }على وجهِهِ فارتد ّ بصيرًا{؛
ضت عيناه من أي :رجع على حاله الولى بصيرا ً بعد أن ابي ّ
نضَره ُ من أولده وأهله الذين كانوا يفّندو َ ح َ
الحزن ،فقال لمن َ
متبجحا ً بنعمة الّله عليه} :ألم جبون منه منتصرا ً عليهم ُ رأيه ،ويتع ّ
جيا ً
ت متر ّ ّ
كم إّنـي أعلم من الله ما ل تعلمون{ :حيث كن ُ لل ُ
أقُ ْ
م والحزن. م والغ ّ للقاء يوسف مترّقبا ً لزوال اله ّ
ن«.
-في )ب(» :وإ ّ 1
ضل ً في العلم والفضائل الموجبة لذلك ،ولذلك قال له مجتبى مف ّ
مك من تأويل الحاديث{.ك رّبك ويعل ّ ُ
جَتبي َ
أبوه} :وكذلك َيـ ْ
ومن المناسبة في رؤيا الفتيين :أّنه أّول رؤيا الذي رأى أّنه
ن الذي يعصر خمرا ً في العادة يكون خادما ً لغيره، صُر خمرًا؛ أ ّ يع ِ
صد ُ لغيره؛ فلذلك أّوله بما يؤول إليه؛ أّنه يسقي رّبه، ق َوالعصُر ي ُ ْ
م ُ
ل من لخروجه من السجن .وأّول الذي رأى أنه يح ِ وذلك متض ّ
ن جلدة رأسه ولحمه وما في سهِ خبزا ً تأك ُ ُ
ل الطير منه بأ ّ فوق رأ ِ
لخ أنه هو الذي يحمل وأنه سيبرُز للطيور بمح ّ
)(1
ذلك من الم ّ
كن من الكل من رأسه ،فرأى من حاله أّنه سُيقتل وُيصلب تتم ّ
بعد موته في ُب َْرُز للطيور فتأكل من رأسه ،وذلك ل يكون إل
بالصلب بعد القتل.
سنبلت بالسنين المخصبة وأّول رؤيا الملك للبقرات وال ّ
ن الملك به ترتبط أحوال والسنين المجدبة ،ووجه المناسبة أ ّ
الرعية ومصالحها ،وبصلحه تصلح وبفساده تفسد ،وكذلك
السنون بها صلح أحوال الّرعية واستقامة أمر المعاش أو عدمه،
سَتقى عليها الماء وإذاث الرض عليها وي ُ ْ حَر ُ
وأما البقر؛ فإّنها ُتـ ْ
أخصبت السنة؛ سمنت ،وإذا أجدبت؛ صارت عجافًا ،وكذلك
ل وتيبس، السنابل في الخصب تكثر وتخضّر ،وفي الجدب تق ّ
وهي أفضل غلل الرض.
ومنها :ما فيها من الدّلة على صحة نبوة محمد صلى الله
ص على قومه هذه القصة الطويلة ،وهو لم عليه وسلم؛ حيث ق ّ
ه بين أظهرهم صباحا ً يقرأ كتب الولين ،ول دارس أحدا ً يراه قو ُ
م ُ
ط ول يقرأ ،وهي موافقة لما في الكتب ي ل يخ ّ ومساًء ،وهو أم ّ
السابقة ،وما كان لديهم إذ ْ أجمعوا أمرهم وهم يمكرون.
ن ما ُتخشى ومنها :أنه ينبغي البعد عن أسباب الشّر وكتما ُ
ص رؤيا َ
ك ص ْ مضّرته؛ لقول ) (2يعقوب ليوسف]} :يا بني[ ل ت َ ْ
ق ُ
ك فيكيدوا لك ك َْيدًا{.على إخوت ِ َ
ومنها :أنه يجوز ذكر النسان بما يكره على وجه النصيحة
لغيره؛ لقوله} :فيكيدوا لك كيدًا{.
ة على من يتعّلق به من ن نعمة الّله على العبد نعم ٌ ومنها :أ ّ
أهل بيته وأقاربه وأصحابه ،وأّنه ربما شملتهم وحصل لهم ما
ب في تفسيره لرؤيا يوسف: حصل له بسببه؛ كما قال يعقو ُ
م نعمته}وكذلك يجتبيك رّبك ويعّلمك من تأويل الحاديث وي ُت ِ ّ
-في )ب(» :يحمله«. 1
ﭿ ﭑﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ ﭝ ﭞ ﭟ ﭠ ﭡ ﭢ ﭾ .
ن هذا القرآن هو آيات الكتاب الداّلة على } {1يخبر تعالى أ ّ
ل ُ
ل ما يحتاج إليه العباد من أصول الدين وفروعه ،وأن الذي أنز َ ك ّ
ن أخباره صدق وأوامره مبين؛ ل ّ
إلى الرسول من رّبه هو الحقّ الـ ُ
ل مؤّيدة بالدّلة والبراهين القاطعة؛ فمن أقبل عليه ونواهيه عد ٌ
وعلى علمه؛ كان من أهل العلم بالحقّ الذي يوجب لهم علمهم
ن أكثر الناس ]ل يؤمنون[{ :بهذا العمل بما أحب الّله} .ولك ّ
ما جهل ً وإعراضا ً عنه وعدم اهتمام به ،وإما عنادا ً القرآن :إ ّ
وظلمًا؛ فلذلك أكثر الناس غير منتفعين به؛ لعدم السبب الموجب
للنتفاع.
ﭨ ﭩ ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ ﭮﭯ ﭰ ﭱ ﭲ ﭳ ﭴ ﭿﭣ ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ
ﭶ ﭷﭸ ﭹ ﭺ ﭻ ﭼ ﭽ ﭾ ﭿ ﮀ ﮁ ﮂ ﮃ ﮄ ﮅ ﮆ ﮇ ﮈ ﮉﮊ ﭵ
ﮍ ﮎ ﮏ ﮐ ﮑﮒ ﮓ ﮔ ﮕﮖ ﮗ ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ ﮜ ﮝ ﮌ ﮋ
ﮟ ﮠ ﮡ ﮢ ﮣ ﮤ ﮥ ﮦ ﮧ ﮨ ﮩ ﮪ ﮫ ﮬ ﮭ ﮮﮮ ﮯ ﮰ ﮱ ﯓﯔ ﮞ
ﯖ ﯗ ﯘ ﯙ ﯚ ﯛ ﭾ. ﯕ
} {2يخبر تعالى عن انفراده بالخلق والتدبير والعظمة
ل على أنه وحده المعبود الذي ل تنبغي العبادة إل ّ والسلطان الدا ّ
ت{ :على عظمها واّتساعها له ،فقال} :الّله الذي رفعَ السمـو ِ
مد ٌ من
مد ٍ ت ََرْونها{؛ أي :ليس لها ع َ َبقدرته العظيمة} ،بغير ع َ َ
د؛ لرأيُتموها} ،ثم{ :بعدما خلق م ٌ تحتها؛ فإّنه لو كان لها ع َ َ
ت والرض} ،استوى على العرش{ :العظيم ،الذي هو السماوا ِ
خر أعلى المخلوقات ،استواًء َيليق بجلله ويناسب كماله} .وس ّ
الشمس والقمر{ :لمصالح العباد ومصالح مواشيهم وثمارهم.
جري{ :بتدبير العزيز العليم ل{ :من الشمس والقمرَ} ،يـ ْ }ك ّ
مى{ :بسير منتظم ل يفُتران ول ي َِنيان حتى يجيء }إلى أجل مس ّ
ي الله هذا العالم ونقلهم إلى الدارّ مى ،وهو ط ّ الجل المس ّ
الخرة التي هي دار القرار؛ فعند ذلك يطوي الّله السماوا ِ
ت
)(1
ور الشمس والقمر و]ُيجمع[ دلها ،فتك ّ دلها وي ُغَّير الرض ويب ّويب ّ
ن في النار؛ ليرى من عبدهما أّنهما غير أهل للعبادة، بينهما فيلقيا ِ
سر بذلك أشد ّ الحسرة ،وليعلم الذين كفروا أّنهم كانوا فيتح ّ
- 1رواية :أن طوبى شجرة في الجنة مسيرة مائة عام عند المام أحمد )
،(3/71وأبي يعلى ) ،(1374وابن حبان ) ،(7413وقد جاء الحديث عند
البخاري ) ،(4881ومسلم ) (2826وغيرهما دون ذكر اسم الشجرة
)طوبى( ،وانظر »الصحيحة« ) .(1985والله أعلم.
- 2كذا في النسختين وتمام الية} :وإليه متاب{.
ض{ :جنانا ً وأنهارًا ،و}ك ُّلم طعت به الر ُ الجبال{ :عن أماكنها ،و}قُ ّ
به الموتى{ :لكان هذا القرآن} .بل لّله المُر جميعًا{ :فيأتي
باليات التي تقتضيها حكمته؛ فما بال المكذبين يقترحون من
اليات ما يقترحون؟! فهل لهم ولغيرهم من المر شيء؟! }أفلم
س جميعًا{ :فليعلموا س الذين آمنوا أن لو يشاُء الّله لهدى النا َ ييأ ِ
نم ْأّنه قادٌر على هدايتهم جميعًا ،ولكنه ل يشاء ذلك ،بل يهدي َ
ل الذين كفروا{ :على كفرهم ل ل من يشاء} .ول يزا ُ ض ّ
يشاء وي ُ ِ
يعتبرون ول يّتعظون ،والّله تعالى يوالي عليهم القوارع َ التي
ل قريبا ً منها وهم مصّرون على ح ّ
تصيُبهم في ديارهم أو َتـ ُ
دهم به لنزول العذاب ّ
كفرهم} .حتى يأتي وعد ُ الله{ :الذي وَع َ َ
ف الميعاد{ :وهذا ن الّله ل يخل ِ ُالمّتصل الذي ل يمكن رفُعه} .إ ّ
ف من نزول ما وعدهم الّله به على كفرهم تهديد ٌ لهم وتخوي ٌ
وعنادهم وظلمهم.
ﯙ ﯚﯛ ﯜ ﯝ ﯞ ﯟ ﯖ ﯗ ﯘ ﯔ ﯕ ﭿﮰ ﮱ ﯓ
ﭾ.
} {32يقول تعالى لرسوله مثّبتا ً له ومسليًا} :ولقد
ي.
ذب وأوذ ِ َ ل رسول ك ُ ّ ت أوّ َ ك{ :فلس َ زىء برسل من قبل ِ َ است ُهْ ِ
ت للذين كفروا{ :برسلهم؛ أي :أمهلتهم مدة حتى ظّنوا }فأملي ُ
ذبين} ،ثم أخذُتهم{ :بأنواع العذاب} .فكيف كان أّنهم غيُر مع ّ
ب{ :كان عقابا ً شديدا ً وعذابا ً أليمًا؛ فل يغتّر هؤلء الذين عقا ِ
ذبوك واستهزؤوا بك بإمهالنا؛ فلهم أسوة ٌ فيمن قبلهم من ك ّ
ل بأولئك. ل بهم كما فُعِ َ فعَ َ
ذروا أن ي ُ ْ المم ،فليح َ
ﯥ ﯦ ﯧﯨ ﯩ ﯪﯧﯧ ﯫﯧﯧ ﯬﯧﯧ ﯭﯧﯧﯮﯧﯧ ﯯﯧﯧ ﯰﯧﯧ ﯱﯧﯧ ﯷ ﯷ ﯷ ﯷ ﭿﯠ ﯡ ﯢ ﯣ ﯤ
ﯿ ﯷ ﯷ ﯷﯷ ﯷ ﯷ ﯷ ﯷ ﰈ ﰉ ﯷ ﯷ ﯷ ﯷﯷ ﯷ ﯼ ﯽ ﯾ
ﯷ ﯷ ﯷ ﯷ ﰎ ﯷ ﯷﯷ ﰒ ﯷ ﯷﯷ ﯷ ﯷ ﯷ ﯷ ﯷ ﯷ ﯷ ﭾ .
ل نفس بما م على ك ّ } {33يقول تعالى} :أفمن هو قائ ٌ
ت{ :بالجزاء العاجل والجل ،بالعدل والقسط ،وهو الّله كسب ْ
تبارك وتعالى؛ كمن ليس كذلك .ولهذا قال} :وجعلوا لل ّ ِ
ه
ه الحد ُ الفرد ُ الصمد ُ الذي ل شريك له ول ند ّ ول شركاَء{ :وهو الل ّ ُ
م حاَلهم. نظير} .قل{ :لهم إن كانوا صادقين} :سموهم{ :ل ِت َعْل َ َ
}أم تنّبئوَنه بما ل يعلم في الرض{ :فإّنه إذا كان عالم الغيب
م بذلك بطلن دعوى والشهادة ،وهو ل يعلم له شريكًا؛ ع ُل ِ َ
ن له شريكا ً وهو ل م الّله أ ّ الشريك له ،وأّنكم بمنزلة الذي ي ُعْل ِ ُ
يعلمه ،وهذا أبطل ما يكون! ولهذا قال} :أم بـظـاهرٍ من
القول{؛ أي :غاية ما يمكن من دعوى الشريك له تعالى أنه
بظاهر أقوالكم ،وأما في الحقيقة؛ فل إله إل الّله ،وليس أحد ٌ من
ن للذين كفروا الخلق يستحقّ شيئا ً من العبادة .ولكن }ُزي ّ َ
مكُرهم{ :الذي مكروه ،وهو كفرهم وشركهم وتكذيبهم ليات
دوا عن السبيل{؛ أي :عن الطريق المستقيمة الّله} .وص ّ
ضِلل الّله فما له من
الموصلة إلى الّله وإلى دار كرامته} .ومن ي ُ ْ
هاٍد{ :لنه ليس لحد ٍ من المر شيٌء.
ق{:
ب الخرة أش ّ ب في الحياة الدنيا ولعذا ُ }} {34لهم عذا ٌ
دته ودوامه} .وما لهم من الّله من وا ٍ
ق{: دنيا؛ لش ّ من عذاب ال ّ
جهه إليهم ل مانع منه.ه إذا و ّ
ه[؛ فعذاب ُ ُب ]الل ّ ِ
يقيهم من عذا ِ
ﭿ ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛﭜ ﭝ ﭞ ﭟﭠ ﭡ ﭢ ﭣ
ﭤﭥ ﭦ ﭧ ﭨ ﭩ ﭾ .
عد َ المّتقون{ :الذين ل الجنة التي وُ ِمث َ ُ
} {35يقول تعالىَ } :
صروا فيما أمرهم به؛ أي :صفتها تركوا ما نهاهم الّله عنه ،ولم يق ّ
وحقيقتها} ،تجري من تحتها النهار{ :أنهار العسل وأنهار الخمر
وأنهار اللبن وأنهار الماء التي تجري في غير أخدوٍد ،فتسقي تلك
البساتين والشجار ،فتحمل جميع أنواع الثمار} .أك ُُلها دائ ٌ
م
عقبى الذين اّتقوا{؛ أي :عاقبتهم م أيضًا} .تلك ُ
وظّلها{ :دائ ٌ
عقبى الكافرين النار{ :فكم بين ومآلهم التي إليها يصيرون} .و ُ
الفريقين من الفرق المبين؟
ﭺ ﭶﭷ ﭸ ﭹ ﭿ ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ ﭯ ﭰﭱ ﭲ ﭳ ﭴ ﭵ
ﭻ ﭼ ﭽ ﭾ ﭿ ﮀﮁ ﮂ ﮃ ﮄ ﮅ ﮆ ﭾ .
ب{؛ أي :منّنا } {36يقول تعالى} :والذين آت َْيناهم الكتا َ
عليهم به وبمعرفته} ،يفرحون بما أنزل إليك{ :فيؤمنون به
دقونه ويفرحون بموافقة الكتب بعضها لبعض وتصديق بعضها ويص ّ
من
ن أهل الكتابين} .ومن الحزاب َ م ْ
ن آمن ِ بعضًا ،وهذه حال َ
م ْ
ينك ُِر بعضه{؛ أي :ومن طوائف الكفار المتحربين على الحقّ من
ينكر بعض هذا القرآن ول يصدقه؛ فمن اهتدى فلنفسه ،ومن
ل عليها ،إنما أنت يا محمد منذٌر تدعو إلى الّله. ل؛ فإنما يض ّ ض ّ
ت أن أعبد َ الّله ول أشرك به{؛ أي :بإخلص الدين مْر ُ
}قل إّنما أ ِ
ب{؛ أي :مرجعي الذي أرجع به لّله وحده} .إليه أدعو وإليه مآ ِ
ت به من الدعوة إلى دينه والقيام بما إليه ،فيجازيني بما قم ُ
أمرت به.
ﮓ ﮔ ﮕ ﮖ ﮗ ﮘ ﭿ ﮇ ﮈ ﮉ ﮊﮋ ﮌ ﮍ ﮎ ﮏ ﮐ ﮑ ﮒ
ﮙ ﮚ ﮛ ﭾ.
كما ً عربّيا{؛
ح ْ
} {37أي :ولقد أنزلنا هذا القرآن والكتاب } ُ
أي :محكما ً متقنا ً بأوضح اللسنة وأفصح اللغات؛ لئل ّ يقع فيه ش ّ
ك
ده
ده ول ُيداهن فيه ول يّتبع ما يضا ّ ه ،وليوجب أن ي ُّتبع وح َ واشتبا ٌ
عد رسوله ـ مع أنه ويناقضه من أهواء الذين ل يعلمون ،ولهذا تو ّ
مُته أسوَته في الحكام، ن عليه بعصمته ،ولتكون أ ّ م ـ ليمت ّمعصو ٌ
ت أهواءهم بعدما جاءك من العلم{ :البيّـن، فقال} :ولئن اّتبع َ
ي{: الذي ينهاك عن اّتباع أهوائهم} .ما لك من الّله من ولـ ّ
ق{ :يقيك من المر لك فيحصل لك المر المحبوب} .ول وا ٍ يتو ّ
المكروه.
ﮨ ﮩ ﮪ ﮫ ﮬ ﮭ ﮮﮮﮯ ﮰ ﭿ ﮜ ﮝ ﮞ ﮟ ﮠ ﮡ ﮢ ﮣ ﮤﮥ ﮦ ﮧ
ﮱ ﯓ ﯔ ﯕ ﯖ ﯗ ﯘ ﯙﯚ ﯛ ﯜ ﯝ ﯞ ﭾ
ﭽ ﭢﭣ ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ ﭨ ﭩ ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ ﭯ ﭰ ﭱ ﭲ ﭳ
ﭴ ﭵ ﭶ ﭷ ﭸ ﭹ ﭺ ﭻ ﭼﭽ ﭾ ﭿ ﮀ ﮁ ﮂ ﮃ ﮄ ﮅ ﮆ ﮇ ﮈ ﮉ
ﮊ ﮋ ﮌ ﮍ ﮎ ﮏﮐ ﮑ ﮒ ﮓ ﮔ ﮕ ﭼ .
} 1ـ {2يخبر تعالى أنه أنزل كتابه على رسوله محمد
صلى الله عليه وسلم؛ لنفع الخلق؛ ليخرج الناس من ظلمات
الجهل والكفر والخلق السّيئة وأنواع المعاصي إلى نور العلم
واليمان والخلق الحسنة .وقوله} :بإذن رّبهم{؛ أي :ل يحصل
ث منهم المراد المحبوب لّله إل بإرادةٍ من الّله ومعونة؛ ففيه ح ّ
سر النور الذي يهديهم إليه هذا للعباد على الستعانة بربهم .ثم ف ّ
الكتاب ،فقال} :إلى صراط العزيز الحميد{؛ أي :الموصل إليه
وإلى دار كرامته ،المشتمل على العلم بالحقّ والعمل به .وفي
نذكر العزيز الحميد بعد ذكر الصراط الموصل إليه إشارة إلى أ ّ
سَلكه؛ فهو عزيٌز بعّز الّله ،قويّ ولو لم يكن له أنصار إل ّ الّله، ن َم ْ َ
ط اللهّ ن صرا َ ل ذلك على أ ّمحمود ٌ في أموره ،حسن العاقبة ،وليد ّ
من أكبر الدّلة على ما لّله من صفات الكمال ونعوت الجلل،
ن الذي نصبه لعباده عزيُز السلطان حميد ٌ في أقواله وأفعاله وأ ّ
وأحكامه ،وأنه مألوه ٌ معبود ٌ بالعبادات التي هي منازل الصراط
المستقيم ،وأنه كما أن له ملك السماوات والرض خلقا ً ورزقا ً
وتدبيرًا؛ فله الحكم على عباده بأحكامه الدينّية؛ لّنهم ملكه ،ول
من لم عد َ
ى .فلما بّين الدليل والبرهان؛ تو ّكهم سد ً َيليق به أن يتُر َ
درد{ :ل يق ّب شدي ٍ
ل للكافرين من عذا ٍ قد ْ لذلك ،فقال} :ووي ٌ ي َن ْ َ
ف أمره.
ص ُدره ،ول يو َ قَ ْ
دنيا على } {3ثم وصفهم بأنهم الذين استحبوا }الحياة ال ّ
الخرة{ :فرضوا بها واطمأنوا وغفلوا عن الدار الخرة.
صبها لعباده وبّينها دون{ الناس }عن سبيل الّله{ :التي ن َ َ }ويص ّ
في كتبه وعلى ألسنة رسله؛ فهؤلء قد ناَبذوا مولهم بالمعاداة
والمحاربة} .وي َْبغونها{؛ أي :سبيل الّله }عوجًا{؛ أي :يحرصون
على تهجينها وتقبيحها للتنفير عنها ،ولكن يأبى الّله إل أن ي ُت ِ ّ
م
كر وصفهم }في ضلل نوره ولو كره الكافرون} .أولئك{:الذين ذ ُ ِ
ي
ه وحاربوهما؛ فأ ّ ه ورسول َ ُ بعيد{ :لنهم ضّلوا وأضّلوا وشاّقوا الل ّ َ
ضلل أبعد ُ من هذا؟! وأما أهل اليمان؛ فبعكس هؤلء؛ يؤمنون
بالّله وآياته ،ويستحّبون الخرة على الدنيا ،ويدعون إلى سبيل
الّله ،ويح ّ
سنونها مهما أمكنهم ،ويبينون استقامتها.
ﭽ ﮖ ﮗ ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ ﮜ ﮝ ﮞﮟ ﮠ ﮡ ﮢ ﮣ ﮤ ﮥ ﮦﮧ ﮨ ﮩ
ﮪ ﮫ ﭼ. .
} {4وهذا من لطفه بعباده أّنه ما أرسل رسول ً إل بلسان
كنون من تعّلم ما أتى به، قومه؛ ليبيّـن لهم ما يحتاجون إليه ،ويتم ّ
)(1
بخلف ما لو أتى على غير لسانهم؛ فإنهم يحتاجون إلى تعّلم
تلك اللغة التي يتكّلم بها ،ثم يفهمون عنه .فإذا بّين ]لهم[
جة الّله؛ }فيض ّ
ل الرسول ما أمروا به وُنهوا عنه وقامت عليهم ح ّ
من لم ينقد ْ للهدى} ،وَيـْهدي من يشاء{: من يشاء{ :مـ ّ الّله َ
صه برحمته} .وهو العزيز الحكيم{ :الذي من عزته أنه من اخت ّ مـ ّ
انفرد بالهداية والضلل وتقليب القلوب إلى ما شاء ،ومن حكمته
أنه ل يضع هدايته ول إضلله إل بالمحل اللئق به.
ويستدل بهذه الية الكريمة على أن علوم العربية الموصلة
ة لّله؛ لّنه ل
ة محبوب ٌ
إلى تبيّـن كلمه وكلم رسوله أموٌر مطلوب ٌ
م معرفة ما أنزل على رسوله إل بها ،إل إذا كان الناس في يت ّ
)(2
حالة ل يحتاجون إليها ،وذلك إذا تمّرنوا على العربية ،ونشأ
ة لهم؛ فحينئذ ٍ قد اكتفوا المؤنة،
عليها صغيرهم ،وصار طبيع ً
قىوا عن الّله وعن رسوله ابتداًء ،كما تل ّ وصلحوا على أن ) (3ي َت َل َ ّ
ق ْ
عنهم الصحابة رضي الّله عنهم.
ﭽ ﮬ ﮭ ﮮﮮ ﮯ ﮰ ﮱ ﯓ ﯔ ﯕ ﯖ ﯗ ﯘ ﯙ ﯚﯛ ﯜ ﯝ ﯞ ﯟ
ﯠ ﯡ ﯢ ﯣ ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ ﭝ ﭞ ﭟ ﭠ ﭡ ﭢ
ﭣ ﭤﭥ ﭦ ﭧ ﭨ ﭩ ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ ﭯ ﭰ ﭱ ﭲﭳ ﭴ ﭵ ﭶ
ﭷ ﭸ ﭹ ﭺ ﭻ ﭼ ﭽ ﭾ ﭿ ﮀ ﮁ ﮂ ﮃ ﮄ ﮅ ﮆ ﮇ ﭼ.
} {5يخبر تعالى أنه أرسل موسى بآياته العظيمة الداّلة
حته ،وأمره بما أمر الّله به رسوله على صدق ما جاء به وص ّ
محمدا ً صلى الله عليه وسلم ،بل وبما أمر به جميع الرسل
ظلمات إلى النور{؛ أي :ظلمات ج قومك من ال ّ خرِ ْ
قومهم} :أن أ ْ
الجهل والكفر وفروعه إلى نور العلم واليمان وتوابعه} .وذك ّْرهم
بأيام الّله{؛ أي :بنعمه عليهم وإحسانه إليهم ،وبأّيامه في المم
ن
ذبين ووقائعه بالكافرين؛ ليشكروا نعمه وليحذروا عقابه} .إ ّ المك ّ
ت لك ّ
ل صّباٍر ّ
في ذلك{؛ أي :في أيام الله على العباد} ،ليا ٍ
غيره.
ﭽ ﭭ ﭮ ﭯ ﭰ ﭱ ﭲ ﭳ ﭴ ﭵ ﭶ ﭷﭸ ﭹ ﭺ ﭻﭼ ﭽ ﭾ
ﭿ ﮀ ﮁ ﭼ.
} {27يخبر تعالى أّنه يثّبت عباده المؤمنين؛ أي :الذين
م ،الذي يستلزم أعمال ي التا ّ
قاموا بما عليهم من اليمان القلب ّ
مرها ،فيثبتهم الّله :في الحياة الدنيا عند ورود الجوارح ويث ّ
الشبهات بالهداية إلى اليقين ،وعند عروض الشهوات بالرادة
الجازمة على تقديم ما يحّبه الّله على هوى النفس ومرادها ،وفي
ي والخاتمة
الخرة عند الموت بالثبات على الدين السلم ّ
الحسنة ،وفي القبر عند سؤال الملكين للجواب الصحيح إذا قيل
للميت :من رّبك؟ وما ديُنك؟ ومن نبّيك )(2؟ هداهم للجواب
م ديني ،ومحمد ٌ ه رّبي ،والسل ُ ل المؤمن :الل ّ ُ
الصحيح بأن يقو َ
ل الّله الظالمين{ :عن الصواب في الدنيا والخرة، ض ّنبّيي} .وي ِ
ّ
وما ظلمهم الله ولكّنهم ظلموا أنفسهم.
ﭽ ﭑﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ ﭝ ﭞ ﭟ ﭠ ﭡ ﭢ
ﭱ ﭲ ﭳ ﭴ ﭵ ﭣ ﭤ ﭥﭦ ﭧ ﭨ ﭩ ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ ﭯ ﭰ
ﭶ ﭷ ﭸ ﭹ ﭺ ﭼ.
تظما ً لكتابه مادحا ً له} :تلك آيا ُ
} {1يقول تعالى مع ّ
ب{؛ أي :اليات الداّلة على أحسن المعاني وأفضل الـكـتا ِ
ن{ :للحقائق بأحسن لفظ وأوضحه وأدّله مبي ٍ
ن ُالمطالب} ،وقرآ ٍ
على المقصود.
} {2وهذا مما يوجب على الخلق النقياد إليه والتسليم
قبول والفرح والسرور ،فأما من قابل هذه قيه بال َ
لحكمه وتل ّ
ذبين الضاّلين، دها والكفر بها؛ فإّنه من المك ّ النعمة العظيمة بر ّ
ون أنهم مسلمون؛ أي :منقادون ت يتمن ّ ْالذين سيأتي عليهم وق ٌ
لحكامه ،وذلك حين ينكشف الغطاء وتظهُر أوائل الخرة
دمات الموت؛ فإنهم في أحوال الخرة كّلها يتمّنون أنهم ومق ّ
دنيا
ت المكان ،ولكّنهم في هذه ال ّ مسلمون ،وقد فات وق ُ
مغتّرون.
}َ {3فـ}ذ َْرهم يأكلوا ويتمّتعوا{ :بلذاتهم} ،ويلههم المل{؛
ملون البقاء في الدنيا فيلهيهم عن الخرة} ،فسوف أي :يؤ ّ
ن أعمالهم ذهبت خسرانا ً ل ،وأ ّ ن ما هم عليه باط ٌ ن{ :أ ّ يعلمو َ
ن هذه سنته في المم. عليهم ،ول يغتّروا بإمهال الّله تعالى؛ فإ ّ
ة للعذاب} ،إل ّ ة{ :كانت مستحق ً كنا من قري ٍ }} {4وما أهل ْ
در لهلكها. ب معلوم{ :مق ّ ولها كتا ٌ
خرون{ :وإل ّ ؛ جَلها وما يستأ ِمة ٍ أ َ }} {5ما تسب ِقُ من أ ّ
خر.
فالذنوب ل بد ّ من وقوع أثرها وإن تأ ّ
ﮊ ﮋ ﭽﭻ ﭼ ﭽ ﭾ ﭿ ﮀ ﮁ ﮂ ﮃ ﮄ ﮅ ﮆ ﮇ ﮈ ﮉ
ﮔ ﮕ ﮖ ﮗ ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ ﮜ ﮌ ﮍ ﮎ ﮏ ﮐ ﮑ ﮒ ﮓ
ﮝ ﮞ ﭼ.
مد صلى الله عليه وسلم } {6أي :وقال المكذبون لمح ّ
ذكر{ :على زعمك، ل عليه ال ّة} :يا أيها الذي ن ُّز َ
استهزاًء وسخري ً
ن أنا سنّتبعك ونترك ما وجدنا عليه آباءنا }إّنك لمجنون{ :إذ تظ ّ
لمجّرد قولك.
حة ما ة{ :يشهدون لك بص ّ } 7ـ } {8لو ما تأتينا بالملئك ِ
ة؛ت من الصادقين{ :فلما لم تأت بالملئك ِ جئت به} ،إن كن َ
ظلم؛ ظلم والجهل :أما ال ّ ت بصادق .وهذا من أعظم ال ّ فلس َ
ن هذا تجرؤ على الله وتعّنت بتعيين اليات التي لم ّ فظاهر؛ فإ ّ
ل المقصود ُ والبرهان بدونها من اليات الكثيرة ص َ ح َ يختْرها ،و َ
ل؛ فإّنهم جهلوا مصلحتهم حة ما جاء به .وأما الجه ُ الداّلة على ص ّ
من مضّرتهم؛ فليس في إنزال الملئكة خيٌر لهم ،بل ل ينزل الّله
ن لم يّتبعه وينقد له. الملئكة إل ّ بالحقّ الذي ل إمهال على َ
م ْ
}وما كانوا إذًا{؛ أي :حين تنزل الملئكة إن لم يؤمنوا ولن
ن ،فصار طلبهم لنزال الملئكة مَهلي َم ْ
ظرين{؛ أي :ب ُ من ْ َ يؤمنواُ } ،
تعجيل ً لنفسهم بالهلك والدمار؛ فإن اليمان ليس في
أيديهم،وإنما هو بيد الّله} ،ولو أّننا نّزلنا إليهم الملئكة وكّلمهم
ل شيء قُب ُل ً ما كانوا ِليؤمنوا إل ّ أن يشاء شْرنا عليهم ك ّ ح َ الموتى و َ
ن{. ن أكثَرهم يجهلو َ الّله ،ولك ّ
ن كانوا صادقين هذا القرآن } {9ويكفيهم من اليات إ ْ
ن نّزْلنا الذ ّك َْر{؛ أي :القرآن الذي العظيم ،ولهذا قال هنا} :إّنا نح ُ
ل شيء من المسائل والدلئل الواضحة ،وفيه يتذ ّ
كر فيه ذكرى لك ّ
ن{؛ أي :في حال إنزاله وبعد كر} .وإّنا له لحافظو َ ن أراد التذ ّ م ْ
َ
ّ
إنزاله؛ ففي حال إنزاله حافظون له من استراق كل شيطان
ه في رجيم ،وبعد إنزاله أودعه الّله في قلب رسول ِهِ واست َوْد َع َ ُ
ظه من التغيير فيها والزيادة والنقص ظ الّله ألفا َمته وحف َ قلوب أ ّ
ف معنى من معانيه إل ّ ومعانيه من التبديل؛ فل يحّرف محّر ٌ
وقّيض الّله له من يبيّـن الحقّ المبين ،وهذا من أعظم آيات اللهّ
ظ أهله من ن الّله يحف ُ ونعمه على عباده المؤمنين ،ومن حفظه أ ّ
حهم. أعدائهم ،ول يسّلط عليهم عدّوا يجتا ُ
ﭽ ﮟ ﮠ ﮡ ﮢ ﮣ ﮤ ﮥ ﮦ ﮧ ﮨ ﮩ ﮪ ﮫ ﮬ ﮭ ﮮﮮ ﮯ ﮰ ﮱ
ﯓ ﯔ ﯕ ﯖ ﯗ ﯘ ﯙﯚ ﯛ ﯜ ﯝ ﯞ ﯟ ﭼ .
ل هذا } {10يقول تعالى لنبّيه إذ كذبه المشركون :لم يز ْ
سْلنا }قبلك في شيع دأب المم الخالية والقرون الماضية ،فقد أْر َ
الولين{؛ أي :فرقهم وجماعتهم رس ً
ل.
ق
}} {11وما يأتيهم من رسول{ :يدعوهم إلى الح ّ
والهدى} ،إل ّ كانوا به يستهزئون{.
كه{؛ أي :ندخل التكذيب }في سل ُ ُ
} 12ـ } {13كذلك ن َ ْ
قلوب المجرمين{؛ أي :الذين وصفهم الظلم والب َْهت ،عاقبناهم
لما تشابهت قلوُبهم بالكفر والتكذيب تشابهت معاملتهم لنبيائهم
ورسلهم بالستهزاء والسخرية وعدم اليمان ،ولهذا قال} :ل
ة الولين{؛ أي :عادة الّله فيهم بإهلك
ت سن ّ ُ خل َ ْ
يؤمنون ب ِهِ وقد َ
ن بآيات الّله.ن لم يؤم ْ م ْ
َ
ﯬﯧﯧ ﯭﯧﯧﭽ ﯗ ﯘ ﯙﯚ ﯛ ﯜ ﯝ ﯞ ﯟ ﯠ ﯡ ﯢ ﯣ ﯤ ﯥ ﯦ ﯧ ﯨ ﯩ ﯪﯧﯧ ﯫﯧﯧ
ﯮﯧﯧ ﯯﯧﯧ ﯰﯧﯧ ﯱﯧﯧ ﯷ ﭼ .
ل آية عظيمة؛ لم يؤمنوا } 14ـ {15أي :ولو جاءتهم ك ّ
حنا عليهم بابا ً من السماء{ :فصاروا يعرجون وكابروهاَ ،فـ}َلو فَت َ ْ
فيه ويشاهدونه عيانا ً بأنفسهم؛ لقالوا من ظلمهم وعنادهم
ت أبصاُرنا{؛ أي :أصابها سكر سك َّر ْ
كرين لهذه الية} :إّنما ُ من ِ
م مسحورون{؛ أي: ن قو ٌ
وغشاوة حتى رأينا ما لم ن ََر} .بل نح ُ
ليس هذا بحقيقة ،بل هذا سحٌر .وقوم وصلت بهم الحال إلى هذا
النكار؛ فإّنهم ل مطمع فيهم ول رجاء.
ثم ذكر اليات الدالت على ما جاءت به الرسل من الحق
فقال:
ﭜ ﭝ ﭞ ﭟ ﭠ ﭡ ﭽﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ
ﭰ ﭱ ﭲ ﭳ ﭢ ﭣ ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ ﭨ ﭩ ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ ﭯ
ﭴ ﭵ ﭶ ﭷ ﭸ ﭹ ﭺ ﭻ ﭼ.
} {16يقول تعالى مبينا ً كمال اقتداره ورحمته بخلقه:
جعَْلنا في السماء بروجًا{؛ أي :نجوما ً كالبراج والعلم }ولقد َ
ُ
العظام ُيهتدى بها في ظلمات البّر والبحر} ،وزي ّّناها للناظرين{:
فإّنه لول النجوم؛ لما كان للسماء هذا المنظر البهي والهيئة
مل فيها والنظر في العجيبة ،وهذا مما يدعو الناظرين إلى التأ ّ
معانيها والستدلل بها على باريها.
ل شيطان رجيم{ :إذا استرق فظناها من ك ّ ح ِ
}} {17و َ
م ٌ
ل ب الثواقب ،فبقيت السماء ظاهرها مج ّ السمع؛ اّتبعته الشه ُ
س ممنوع ٌ من الفات. بالنجوم النيرات ،وباطنها محرو ٌ
}} {18إل من استرق السمع{؛ أي ] :إل ّ [ في بعض
ض الشياطين السمع بخفية واختلس. الوقات قد يسترق بع ُ
ن{؛ أي :بّين منير يقتله أو يخبله؛ فربما أدركه ب مبي ٌ ه شها ٌ
}فأت ْب َعَ ُ
صَلها الشيطان إلى ولّيه فينقطع خبر السماء الشهاب قبل أن يو ِ
كه الشهاب، عن الرض ،ورّبما ألقاها إلى ولّيه قبل أن يدرِ َ
ل بتلك الكلمة التي ب معها مائة كذبة ،ويستد ّ مها ،ويكذ ُ فيض ّ
سمعت من السماء. ُ
}} {19والرض مددناها{؛ أي :وسعناها سعة يتم ّ
كن
الدميون والحيوانات كّلها من المتداد بأرجائها والتناول من
ي{؛ أي :جبال ً قْينا فيها رواس َن في نواحيها} .وأل َ أرزاقها والسكو ِ
عظاما ً تحفظ الرض بإذن الله أن تميد َ وتثّبتها أن تزول} .وأنب َْتنا
ّ
وم يضطّر إليه العباد ن{؛ أي :نافع متق ّ ل شيٍء موزو ٍفيها من ك ّ
والبلد ما بين نخيل وأعناب وأصناف الشجار وأنواع النبات
والمعادن.
}} {20وجعلنا لكم فيها معايش{ :من الحرث ومن
ن لستم له م ْ
حَرف} ،و َمكاسب وال ِ الماشية ومن أنواع الـ َ
برازقين{؛ أي :أنعمنا عليكم بعبيد ٍ وإماٍء وأنعام ٍ لنفعكم
ولكم الّله إّياها ،وتك ّ
فل ومصالحكم ،وليس عليكم رزُقها ،بل خ ّ
بأرزاقها.
ﮆ ﮇ ﭼ ﮅ ﮀ ﮁ ﮂ ﮃ ﮄ ﭽﭼ ﭽ ﭾ ﭿ
} {21أي :جميع الرزاق وأصناف القدار ل يمل ِ ُ
كها أحد ٌ إل ّ
من يشاء بحسب من يشاء ويمنع َ الّله؛ فخزائ ُِنها بيده ،يعطي َ
ل شيء در من ك ّ حكمته ورحمته الواسعة} .وما ننّزُله{؛ أي :المق ّ
دره الّله،
من مطر وغيره} ،إل ّ بقدرٍ معلوم{ :فل يزيد ُ على ما ق ّ
ول ينقص منه.
ﭽﮈ ﮉ ﮊ ﮋ ﮌ ﮍ ﮎ ﮏ ﮐ ﮑ ﮒ ﮓ ﮔ ﭼ
ح السحاب كما ق ُخرنا الرياح رياح الرحمة ت ُل ْ ِ } {22أي :وس ّ
ح الذكر النثى ،فينشأ عن ذلك الماء بإذن الّله ،فيسقيه الّله ي ُل ْ ِ
ق ُ
دخرا ً لحاجاتهم ضهم ،وُيبقي في الرض م ّ العباد َ ومواشَيهم وأر َ
وضروراتهم ما هو مقتضى قدرته ورحمته} .وما أنتم له
دخاره ،ولكن الّله يخزُِنه ن{؛ أي :ل قدرة لكم على خزن ِهِ وا ّ بخاِزني َ
ة بكم وإحسانا ً إليكم. سل ُ ُ
كه ينابيع في الرض رحم ً لكم وي َ ْ
ﭽﮕ ﮖ ﮗ ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ ﮜ ﮝ ﮞ ﮟ ﮠ ﮡ ﮢ ﮣ ﮤ ﮥ ﮦ
ﮧﮨ ﮩ ﮪ ﮫ ﮬ ﭼ .
} 23ـ {25أي :هو وحده ل شريك له الذي يحيي الخلق
من العدم بعد أن لم يكونوا شيئا ً مذكورًا ،ويميتهم لجالهم التي
ن
م ْضو َ ث الر َن ن َرِ ُ
قدرها} ،ونحن الوارثون{؛ كقوله} :إنا نح ُ
جعون{ :وليس ذلك بعزيز ول ممتنع على الّله؛ فإنه عليها وإلينا ي ُْر َ
خرين منهم ،ويعلم ما دمين من الخلق والمستأ ِ تعالى يعلم المستق ِ
هلص الرض منهم وما تفّرقُ من أجزائهم ،وهو الذي قدرت ُ ُ ق ُ ت َن ْ ُ
شُرهم إليه} .إّنه جٌز ،فيعيد عباده خلقا ً جديدًا ،ويح ُ جُزها مع ِيع ِ
م{ :يضع الشياء مواضعها ،وينزُِلها منازَِلها ،ويجازي ك ّ
ل عامل حكي ٌ
بعمله :إن خيرًا؛ فخير ،وإن شّرا؛ فشر.
ﭽ ﮭ ﮮﮮ ﮯ ﮰ ﮱ ﯓ ﯔ ﯕ ﯖ ﯗ ﯘ ﯙ ﯚ ﯛ ﯜ ﯝ ﯞ ﯟ ﯠ
ﯡ ﯢ ﯣ ﯤ ﯥ ﯦ ﯧ ﯨ ﯩ ﯪﯧﯧ ﯫﯧﯧ ﯬﯧﯧ ﯭﯧﯧ ﯮﯧﯧ ﯯﯧﯧ ﯰﯧﯧ ﯱﯧﯧ ﯷ ﯷ ﯷ ﯷ ﯷ ﯷ ﯷ
ﯽ ﯾ ﯿ ﯷ ﯷ ﯷ ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﯷ ﯷ ﯷ ﯼ
ﭟ ﭠ ﭡ ﭢ ﭣ ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ ﭨ ﭩ ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ ﭛ ﭜ ﭝ ﭞ
ﭮ ﭯ ﭰ ﭱ ﭲ ﭳ ﭴ ﭵ ﭶ ﭷ ﭸ ﭹ ﭺ ﭻ ﭼ ﭽ ﭾ ﭿ ﮀ
ﮁ ﮂ ﮃ ﮄ ﮅ ﮆ ﮇ ﮈ ﮉ ﮊ ﮋ ﮌ ﮍ ﮎ ﮏ ﮐ ﮑ ﮒ ﮓ ﮔ
ﮕ ﮖ ﮗ ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ ﮜ ﮝ ﮞ ﮟ ﮠ ﮡ ﮢ ﮣ ﮤ ﮥ ﮦ ﮧ ﮨ ﮩ ﮪ
ﮫ ﮬ ﮭ ﮮﮮ ﮯ ﮰ ﮱ ﯓ ﯔ ﭼ .
يذكر تعالى نعمته وإحسانه على أبينا آدم عليه السلم ،وما
جرى من عدّوه إبليس ،وفي ضمن ذلك التحذير لنا من شّره
وفتنته ،فقال تعالى:
}} {26ولقد خلقنا النسان{؛ أي :آدم عليه السلم }من
مَر خـ ّ
ن{؛ أي :من طين قد يبس بعدما ُ مإ ٍ مسنو ٍ حـ َصْلصال من َ َ
ت كصوت الفخار .والحمأ المسنون: ة وصو ٌ َ
صل ٌصل َْ حتى صار له َ
ن المتغّير لونه وريحه من طول مكثه. الطي ُ
قناه من خل َ ْ
ن؛ أي :إبليسَ } ، ن{ :وهو أبو الج ّ }} {27والجا ّ
سموم{؛ أي :من النار الشديدة ق آدم} ،من نار ال ّ قبل{ْ َ :
خل ِ
الحرارة.
خل ْقَ آدم؛ قال للملئكة} :إّنـي } 28ـ {29فلما أراد الّله َ
ن .فإذا سوّي ُْته{ :جسدا ً سنو ٍ صْلصال من حمإ ٍ َ
م ْ خالقٌ بشرا ً من َ
ن{.
قُعوا له ساجدي َ ت فيه من روحي فَ َ ما} ،ونفخ ُ تا ّ
ة كّلهم } 30ـ {31فامتثلوا أمَر رّبهم} ،فسجد الملئك ُ
د،ل على أنه لم يتخّلف منهم أح ٌ د؛ ليد ّ
أجمعون{ :تأكيد ٌ بعد تأكي ٍ
م ما لم يعلموا} .إل ّ وذلك تعظيما ً لمر الّله وإكراما ً لدم حيث ع َل ِ َ
ن مع الساجدين{ :وهذه أول عداوته لدم س أبى أن يكو َ إبلي َ
وذّرّيته.
س ما لك أل تكون مع } 32ـ } {33قال{ :الّله} :يا إبلي ُ
ن لسجد َ لبشرٍ خلقَته من صلصال من حمإ ٍ الساجدين .قال لم أك ْ
ن{ :فاستكبر على أمر الّله ،وأبدى العداوة لدم وذّرّيته، مسنو ٍ
ب بعنصره ،وقال :أنا خيٌر من آدم. ج َ وأع ِ
} 34ـ } {35قال{ الّله معاقبا ً له على كفره واستكباره:
م{؛ أي :مطرود ومبعد ٌ من كل خير، ج منها فإّنك رجي ٌ خُر ْ }فا ْ
م والعيب والبعد عن رحمة الّله ة{؛ أي :الذ ّ ن عليك اللعن َ }وإ ّ
ل على أّنه سيستمّر على }إلى يوم الدين{ .ففيها وما أشبهها دلي ٌ
كفره وبعده من الخير.
ب فأن ْظ ِْرني{؛ أي :أمهِْلني }إلى يوم } 36ـ } {38قال ر ّ
ت المعلوم{:ن .إلى يوم الوق ِظري َ من ْ َ
ن .قال فإّنك من الـ ُ ي ُب َْعثو َ
ن وابتلءٌ
قه ،وإنما ذلك امتحا ٌ
ة في ح ّ ة الّله لدعائ ِهِ كرام ًوليس إجاب ُ
من الّله له وللعباد؛ ليتبيّـن الصادق الذي يطيع موله دون عدوه
ذرنا منه غاية التحذير ،وشرح لنا ما ممن ليس كذلك ،ولذلك ح ّ
يريده مّنا.
ن لهم في الرض{؛ أي: ب بما أغويتني لزي ّن َ ّ }} {39قال ر ّ
أزّين لهم الدنيا ،وأدعوهم إلى إيثارها على الخرى ،حتى يكونوا
دهم كّلهم ة} ،ولغوِي َّنهم أجمعين{؛ أي :أص ّ ل معصي ٍ منقادين لك ّ
دك منهم المخَلصين{؛ أي :الذين عن الصراط المستقيم} ،إل ّ عبا َ
أخلصتهم ،واجتبيتهم لخلصهم وإيمانهم وتوكلهم.
م{؛ أي :معتد ٌ
ل ي مستقي ٌ ط علـ ّ } {40قال الّله} :هذا صرا ٌ
ي وإلى دار كرامتي. موص ٌ
ل إلـ ّ
ن{ :تميلهم به ن عبادي ليس لك عليهم سلطا ٌ }} {41إ ّ
ضللت بسبب عبودّيتهم لرّبهم وانقيادهم إلى ما تشاء من أنواع ال ّ
لوامره ،أعانهم الّله وعصمهم من الشيطان.
}} {42إل ّ من اّتبعك{ :فرضي بوليتك وطاعتك بدل ً من
ن{ :والغاوي ضد ّ الراشد؛ فهو الذي طاعة الرحمن} ،من الغاوي َ
ل الذي تركه من غير علم منه به. عرف الحقّ وتركه ،والضا ّ
دهم أجمعين{؛ أي :إبليس ع ُ
موْ ِ ن جهّنم َلـ َ }} {43وإ ّ
وجنوده.
ب{ :كل باب أسفل من الخر} .لك ّ
ل ة أبوا ٍ }} {44لها سبع ُ
م{ :بحسب باب منهم{؛ أي :من أتباع إبليس }جزٌء مقسو ٌ
س
ن وجنود ُ إبلي َكبوا فيها هم والغاوو َ أعمالهم؛ قال تعالى} :فَك ُب ْ ِ
ن{.
أجمعو َ
ولما ذكر تعالى ما أعد ّ لعدائ ِهِ أتباع إبليس من الّنكال
والعذاب الشديد؛ ذكر ما أعد ّ لوليائه من الفضل العظيم والنعيم
المقيم ،فقال:
ﭽ ﯕ ﯖ ﯗ ﯘ ﯙ ﯚ ﯛ ﯜ ﯝ ﯞ ﯟ ﯠ ﯡ ﯢ ﯣ ﯤ ﯥ ﯦ ﯧ ﯨ ﯩ ﯪﯧﯧ
ﯫﯧﯧ ﯬﯧﯧ ﯭﯧﯧ ﯮﯧﯧ ﯯﯧﯧ ﯰﯧﯧ ﯱﯧﯧ ﯷ ﯷ ﯷ ﯷ ﯷ ﯷ ﯷ ﯷ ﯷ ﯷ ﯼ ﯽ ﯾ ﯿ
ﯷ ﭼ.
ن المّتقين{ :الذين اّتقوا طاعة
} {45يقول تعالى} :إ ّ
الشيطان وما يدعوهم إليه من جميع الذنوب والعصيان} ،في
ع
ت وعيون{ :قد احتوت على جميع الشجار ،وأينعت فيها جمي ُ جّنا ٍ
الثمار اللذيذة في جميع الوقات.
ن{:خلوها بسلم آمني َ } {46ويقال لهم حال دخولها} :اد ُ
صب والّلغوب وانقطاع شيء من النعيم من الموت والنوم والن ّ َ
م وسائر الذي هم فيه أو نقصانه ومن المرض والحزن واله ّ
المكدرات.
ل{ :فتبقى قلوُبهم }} {47ونزعنا ما في صدورهم من ِغ ّ
ل وحسد ٍ متصافية متحاّبة} ،إخوانا ً على ُ لغ ّ ة من ك ّ
)(1
سُرر سالم ً
ل ذلك على تزاورهم واجتماعهم وحسن أدبهم فيما متقابلين{ :د ّ
ل منهم مقابل ً للخر ل مستدبرا ً له ،متكئين على بينهم في كون ك ّ
سرر المزّينة بالفرش واللؤلؤ وأنواع الجواهر. تلك ال ّ
ن ،وذلك ب{ :ل ظاهٌر ول باط ٌ سهم فيها نص ٌ م ّ }} {48ل ي َ َ
ة ل تقبل شيئا ً من الفات} .وما ن الّله ُينشئهم نشأة ً وحياة ً كامل ً ل ّ
خَرجين{ :على سائر الوقات. م ْ
هم منها ب ُ
} {49ولما ذكر ما يوجب الرغبة والرهبة من مفعولت الّله
من الجنة والنار؛ ذكر ما يوجب ذلك من أوصافه تعالى ،فقال:
}نّبىء عبادي{؛ أي :أخبرهم خبرا ً جازما ً مؤيدا ً بالدّلة} ،أني أنا
الغفوُر الرحيم{ :فإّنهم إذا عرفوا كمال رحمته ومغفرته؛ سعوا
ذنوب وتابوا بالسباب ) (2الموصلة لهم إلى رحمته ،وأقلعوا عن ال ّ
ه.
منها؛ لينالوا مغفرت َ ُ
} {50ومع هذا؛ فل ينبغي أن يتمادى بهم الرجاُء إلى حال
م{؛ أي :ل ب اللي ُ ن عذابي هو العذا ُ المن والدلل؛ فنبئهم }أ ّ
دره ول ي ُب َْلغ ب الّله الذي ل يقاد َُر قَ ْ عذاب في الحقيقة إل ّ عذا ُ
ب عذاَبه ك ُْنهه ،نعوذ به من عذابه؛ فإنهم إذا عرفوا أن ) (3ل يعذ ّ َ
ل سبب يوجب د؛ حذروا وأبـعـدوا عـن كـ ّ ه أح ٌ أحد ٌ ول يوث ِقُ َوثاقَ ُ
لهم العقاب.
فالعبد ينبغي أن يكون قلبه دائما ً بين الخوف والرجاء
والرغبة والرهبة؛ فإذا نظر إلى رحمة رّبه ومغفرته وجوده
***
ﭽ ﮈ ﮉ ﮊ ﮋ ﮌﮍ ﮎ ﮏ ﮐ ﮑ ﮒ ﮓ ﮔ ﮕ ﮖ ﮗ ﮘ ﮙ
ﮣ ﮤ ﮥ ﭼ. ﮚ ﮛ ﮜ ﮝ ﮞ ﮟ ﮠ ﮡ ﮢ
} {1يقول تعالى مقّربا ً لما وعد به محققا ً لوقوعه} :أتى
ب.ت فإّنه قري ٌ ت ،وما هو آ ٍ أمُر الّله فل تستعجلوه{ :فإنه آ ٍ
}سبحانه وتعالى عما يشركون{ :من نسبة الشريك والولد
والصاحبة والكفؤ وغير ذلك مما نسبه إليه المشركون مما ل يليق
بجلله أو ينافي كماله.
ه به أعداؤه؛ ذ َك ََر الوحيف ُ
ص َ
سه عما وَ َ } {2ولما نّزه نف َ
الذي ينّزله على أنبيائه مما يجب اتباعه في ذكر ما ُينسب لّله من
ل الملئكة بالّروح من أمره{؛ أي: صفات الكمال ،فقال} :ينّز ُ
منه{ :مـ ّ من يشاُء من عباد ِ ِ بالوحي الذي به حياة الرواح} ،على َ
مل رسالته .وزبدة دعوة الرسل كّلهم
(1)
يعلمه صالحا ً لتح ّ
ن أنذروا أّنه ل إله إل ّ أنا{ ) (2؛ أي :على ومدارها على قوله} :أ ْ
حده في صفات العظمة ،التي هي صفات معرفة الّله تعالى ،وتو ّ
اللوهّية ،وعبادته وحده ل شريك له؛ فهي التي أنزل بها كتبه،
ن
م ْ
ث ،وتجاهد َ وأرسل رسله ،وجعل الشرائع كلها تدعو إليها ،وتح ّ
دها.حاربها ،وقام بض ّ
ثم ذكر الدلة والبراهين على ذلك ،فقال:
ﭽ ﮦ ﮧ ﮨ ﮩﮪ ﮫ ﮬ ﮭ ﮮﮮ ﮯ ﮰ ﮱ ﯓ ﯔ ﯕ ﯖ ﯗ ﯘ ﯙ
ﯚﯛ ﯜ ﯝ ﯞ ﯟ ﯠ ﯡ ﯢ ﯣ ﯤ ﯥ ﯦ ﯧ ﯨ ﯩ ﯪﯧﯧ ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ
ﭚﭛ ﭜ ﭝ ﭞ ﭟ ﭠ ﭡ ﭢ ﭣ ﭤ ﭥﭦ ﭧ ﭨ ﭩ ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ
ﭯ ﭰ ﭱﭲ ﭳ ﭴ ﭵ ﭶ ﭷ ﭼ .
هذه السورة تسمى سورة النعم؛ فإن الّله ذكر في أولها
ملتها.
مماتها ومك ّ
أصول النعم وقواعدها ،وفي آخرها مت ّ
ق{؛ ليستد ّ
ل } {3فأخبر أنه }خلق السمـوات والرض بالح ّ
بهما العباد ُ على عظمة خالقهما وما له من نعوت الكمال،
ويعلموا أنه خلقهما مسكنا ً لعباده الذين يعبدونه بما يأمرهم به
من الشرائع التي أنزلها على ألسنة رسله ،ولهذا نّزه نفسه عن
شرك المشركين به ،فقال} :تعالى عما يشركون{ ،أي :تنّزه
-في )ب(» :المرسلين«. 1
- 1في النسختين ل يوجد تفسير للية )(64؛ ولعل المؤلف ـ رحمه الله ـ
سها عنها.
ﭡ ﭢ ﭝ ﭞ ﭟ ﭠ ﭽ ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚﭛ ﭜ
. ﭼ
} {65عن الّله مواعظه وتذكيره ،فيستدّلون بذلك على أّنه
وحده المعبود ،الذي ل تنبغي العبادة إل ّ له وحده؛ لّنه المنعم
بإنزال المطر وإنبات جميع أصناف النبات ،وعلى أنه على ك ّ
ل
ن الذي أحيا الرض بعد موتها قادٌر على إحياء شيٍء قديٌر ،وأ ّ
الموات ،وأن الذي نشر هذا الحسان لذو رحمةٍ واسعةٍ وجودٍ
م.
عظي ٍ
ﭽ ﭣ ﭤ ﭥ ﭦ ﭧﭨ ﭩ ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ ﭯ ﭰ ﭱ ﭲ ﭳ ﭴ
ﮅ ﮆ ﭼ. ﮁ ﮂ ﮃ ﮄ ﭵ ﭶ ﭷ ﭸ ﭹ ﭺ ﭻ ﭼ ﭽ ﭾﭿ ﮀ
خرها الّله كم في النعام{ :التي س ّ نل ُ} {66أي} :إ ّ
ة{ :تستدّلون بها على كمال قدرة الّله وسعة لمنافعكم} ،لعبر ً
دم، فْرث وال ّ إحسانه؛ حيث أسقاكم من بطونها المشتملة على ال َ
ذته فأخرج من بين ذلك لبنا ً خالصا ً من الكدر سائغا ً للشاربين لل ّ
ولنه ُيسقي ويغذي؛ فهل هذه إل ّ قدرة إلهّية ل أمور طبيعّية؟!
فأي شيء في الطبيعة يقلب العلف الذي تأك ُُله البهيمة والشراب
الذي تشربه من الماء العذب والملح لبنا ً خالصا ً سائغا ً
للشاربين؟!
} {67وجعل تعالى لعباده من ثمرات النخيل والعناب
منافع للعباد ومصالح من أنواع الرزق الحسن الذي يأك ُُله العباد
خذ ُ من عصيرها دخرا ً وطعاما ً وشرابا ً ي ُت ّ َطرّيا ونضيجا ً وحاضرا ً وم ّ
س َ
خ م إن الّله ن َ َكر الذي كان حلل ً قبل ذلك ،ث ّ س َ
ونبيذها ومن ال ّ
ل المسكرات وأعاض عنها بالطّيبات من النبذة وأنواع الشربة ح ّ
ِ
كر هنا س َ
ن المراد بال ّ اللذيذة المباحة ،ولهذا قال من قال :إ ّ
ن في الطعام والشراب اللذيذ ،وهو أولى من القول الول} .إ ّ
ن{ :عن الّله كمال اقتداره؛ حيث أخرجها ذلك لية لقوم يعقلو َ
ة،ة طيب ً من أشجارٍ شبيهةٍ بالحطب ،فصارت ثمرة ً لذيذة ً وفاكه ً
)(1
سرها لهم ،وأّنه م بها عباده ،وي ّ وعلى شمول رحمته؛ حيث ع ّ
ث إنه المنفرد ُ بذلك.حده؛ حي ُ الله المعبود و َ
ﭽﮇ ﮈ ﮉ ﮊ ﮋ ﮌ ﮍ ﮎ ﮏ ﮐ ﮑ ﮒ ﮓ ﮔ ﮕ ﮖ
ﮗ ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ ﮜ ﮝﮞ ﮟ ﮠ ﮡ ﮢ ﮣ ﮤ ﮥ ﮦ ﮧﮨ ﮩ ﮪ ﮫ ﮬ ﮭ
ﮮﮮ ﮯ ﭼ .
} 68ـ {69في خلق هذه الّنحلة الصغيرة ،التي هداها الّله
سر لها المراعي ،ثم الرجوع إلى بيوتهاهذه الهداية العجيبة ،وي َ ّ
مم«.
-في )ب(» :عَ ّ 1
التي أصلحتها بتعليم الّله لها وهدايته لها ،ثم يخرج من بطونها هذا
العسل اللذيذ مختلف اللوان بحسب اختلف أرضها ومراعيها؛
ل على كمال عناية فيه شفاء للناس من أمراض عديدة؛ فهذا دلي ٌ
ب غيره، الّله تعالى وتمام لطفه بعباده ،وأّنه الذي ل ينبغي أن ُيـ َ
ح ّ
دعى سواه. وي ُ ْ
ﯡﯢ ﯣ ﯤ ﯥ ﯜ ﯝ ﯞ ﯟ ﯠ ﯚ ﯛ ﭽ ﮰ ﮱ ﯓ ﯔﯕ ﯖ ﯗ ﯘ ﯙ
ﯦ ﯧ ﭼ.
خل َقَ العباد ونقلهم في الخليقة } {70يخبر تعالى أنه الذي َ
طورا ً بعد طور ،ثم بعد أن يستكملوا آجالهم يتوّفاهم ،ومنهم من
سه ،الذي يبلغ به مر{؛ أي :أخ ّ مُره ُ حتى ي َُرد ّ }إلى أرذل العُ ُ ي ُعَ ّ
ضْعف القوى الظاهرة والباطنة ،حتى العقل الذي النسان إلى َ
ه ،حتى إّنه ينسى ما كان يعلمه، ف ُ
ضعْ ُ هو جوهر النسان يزيد َ
ي ل يعلم بعد َ علم ه كعقل الطفل ،ولهذا قال} :ل ِك َ ْ ويصير عقل ُ ُ
م قديٌر{؛ أي :قد أحاط علمه وقدرته بجميع ن الّله علي ٌشيئا ً إ ّ
ي من أطوار الخلقة خلقا ً بعد ل به الدم ّ ق ُ
الشياء ،ومن ذلك ما ي ُن َ ّ
ف ثم جعل من ضعْ ٍ كم من َ ق ُ َ
خل َ ّ
ق؛ كما قال تعالى} :الله الذي َ خل ٍ
خل ُقُ ما يشاء ف قُوّة ً ثم جعل من بعد قُوّةٍ ضعفا ً وشيب ً
ة َيـ ْ ضعْ ٍ
بعد ِ َ
وهو العليم القديُر{.
ﭽ ﯨ ﯩ ﯪﯧﯧ ﯫﯧﯧ ﯬﯧﯧ ﯭﯧﯧ ﯮﯧﯧﯯﯧﯧ ﯰﯧﯧ ﯱﯧﯧ ﯷ ﯷ ﯷ ﯷ ﯷ ﯷ ﯷ ﯷ ﯷ
ﯷﯼ ﯽ ﯾ ﯿ ﯷ ﭼ.
} {71وهذا من أدلة توحيده وقبح الشرك به؛ يقول تعالى:
كما أنكم مشتركون بأّنكم مخلوقون مرزوقون؛ إل ّ أّنه تعالى
ضكم على بعض في الرزق{ :فجعل منكم أحرارا ً لهم ل بع َ ض َ }ف ّ
ن شيئا ً من الدنيا؛ فكما أن ة ،ومنكم أرّقاء لهم ل يملكو َ ل وثرو ٌ ما ٌ
دي رزقِِهمضلهم الّله عليهم بالرزق ليسوا }برا ّ سادتهم الذين ف ّ
ت أيماُنهم فهم فيه سواٌء{ :ويرون هذا من المور مل َك َ ْعلى ما َ
ن أشركُتم بها مع الّله؛ فإّنها عبيد ٌ ليس لها م ْالممتنعة؛ فكذلك َ
ة؛ فكيف تجعلونها شركاء لّله تعالى؟! هل من الملك مثقال ذ َّر ٍ
ظلم والجحود لنعم الّله ،ولهذا قال} :أفبنعمةِ ن أعظم ال ّ م ْهذا إل ّ ِ
ن أولها؛ لما م ْن{؛ فلو أقّروا بالنعمة ونسبوها إلى َ دو َ ح ُج َالّله َيـ ْ
أشركوا به أحدًا.
ﭽ ﯷ ﯷ ﯷ ﯷ ﯷ ﯷ ﯷ ﰈ ﰉ ﯷ ﯷ ﯷ ﯷ ﰎ ﯷﯷ ﯷ ﰒ ﯷ
ﯷ ﯷ ﯷ ﯷ ﭼ.
} {72يخبر تعالى عن مّنته العظيمة على عباده؛ حيث
جعل لهم أزواجا ً ليسكُنوا إليها ،وجعل لهم من أزواجهم أولدا ً ت َ َ
قّر
ن بهم من جهم وينتفعو َ ن حوائ ِ َ دمونهم ويقضو َ بهم أعيُنهم ويخ ِ
ة ،ورَزَقهم من الطيبات من المآكل والمشارب والّنعم وجوهٍ كثير ٍ
ن
ل يؤمنو َحصوها} .أفبالباط ِ الظاهرة التي ل يقد ُِر العباد ُ أن ُيـ ْ
فرون{؛ أي :أيؤمنون بالباطل الذي لم يكن وبنعمةِ الّله هم يك ُ
ده الّله ،وليس له من وجوده سوى العدم؟ شيئا ً مذكورًا ،ثم أو َ
ج َ
م لك ّخل ُقُ ول ت َْرُزقُ ول تدب ُّر من المور شيئًا ،وهذا عا ّ
)(1
ل ما فل َتـ ْ
ة؛ فكيف يّتخذها المشركون من ّ
ع ُب ِد َ من دون الله؛ فإّنها باطل ٌ
حدونها ،ويستعينون بها دون الّله} .وبنعمة الّله هم يكفرون{ :يج َ
ظلم وأفجر على معاصي الّله والكفر به ،هل هذا إل ّ من أظلم ال ّ
فه؟! س َ الفجور وأسفه ال ّ
ﭽﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ ﭝ ﭞ ﭟ ﭠ ﭡ ﭢ
ﭣ ﭤﭥ ﭦ ﭧ ﭨ ﭩ ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ ﭯ ﭰ ﭱ ﭲ ﭳ ﭴ ﭵ
ﭶ ﭷ ﭸ ﭹ ﭺ ﭻ ﭼ ﭽ ﭾ ﭿ ﮀﮁ ﮂ ﮃﮄ ﮅ ﮆﮇ ﮈ ﮉ ﮊ ﮋ ﮌ
ﮍ ﮎ ﮏ ﮐ ﮑ ﮒ ﮓ ﮔ ﮕ ﮖ ﮗ ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ ﮜ ﮝ ﮞ
ﮟﮠ ﮡ ﮢ ﮣ ﮤ ﮥ ﮦﮧ ﮨ ﮩ ﮪ ﮫ ﮬ ﭼ .
} 73ـ {74يخبر تعالى عن جهل المشركين وظلمهم ،أّنهم
يعبدون من دونه آلهة اّتخذوها شركاَء لّله ،والحال أّنهم ل يملكون
زلون مطرا ً ول رزقًا ،ول لهم رزقا ً من السماوات والرض؛ فل ي ُن ْ ِ
ي ُن ِْبتون من نبات الرض شيئًا ،ول يمِلكون مثقال ذّرةٍ في
ن غير المالك ت والرض ،ول يستطيعون لو أرادوا؛ فإ ّ السماوا ِ
وة واقتداٌر على ما ينفع من يّتصل به، للشيء رّبما كان له ق ّ
وهؤلء ل يملكون ول يقدرون؛ فهذه صفة آلهتهم؛ كيف جعلوها
مع الّله وشّبهوها بمالك الرض والسماوات الذي له الملك كّله
ل{: ربوا لّله المثا َ والحمد كّله والقوة كّلها ،ولهذا قال} :فل تض ِ
مل م وأنت ُن الّله يعل ُ منة للتسوية بينه وبين خلقه} .إ ّ المتض ّ
ضَرُبهل عليه بل علم ،وأن نسمعَ ما َ ن{ :فعلينا أن ل نقو َ تعلمو َ
ب تعالى َ َ
ن له ولمن ي ُعْب َد ُ من مث َلي ْ ِ ضَر َالعليم من المثال؛ فلهذا َ
ه:
دون ِ ِ
سه ول ك؛ أي :رقيق ل يملك نف َ } {75أحدهما :عبد ٌ مملو ٌ
ي قد رزقه الّله منه دنيا شيئًا ،والثاني :حّر غن ّ ك من المال وال ّ يمل ُ
ب للحسان؛ م مح ّ رزقا ً حسنا ً من جميع أصناف المال ،وهو كري ٌ
ن؛ فقُ منه سّرا وجهرًا؛ هل يستوي هذا وذاك؟! ل يستويا ِ فهو ين ِ
ؤهما؛ فإذا كانا ل يستويان؛ مع أّنهما مخلوقان ،غير محال استوا ُ
ك ول قدرة ٌ ول فكيف يستوي المخلوقُ العبد ُ الذي ليس له مل ٌ
ب الخالق المالك ة ،بل هو فقير من جميع الوجوه ،بالر ّ استطاع ٌ
-في )ب(» :المر«. 1
ل شيٍء؟! ولهذا حمد نفسه لجميع الممالك ،القادر على ك ّ
ل :إذا كان ص بالحمد ِ بأنواعه ،فقال} :الحمد ُ لّله{ :فكأّنه قي َ واخت ّ
وى المشركون آلهتهم بالّله؟! قال} :بل المُر كذلك؛ فلم س ّ
ن{ :فلو علموا حقيقة العلم؛ لم يتجّرؤوا على أكثُرهم ل يعلمو َ
الشرك العظيم.
م{ :ل دهما أبك ُ ل }رجلين أح ُ مث َ ُ
} {76والمثل الثاني َ :
ق ،و}ل يقد ُِر على شيٍء{ :ل قليل ول كثير} ،وهو يسمعُ ول ينط ِ ُ
مل على موله{؛ أي :يخدمه موله ول يستطيع هو أن يخد ِ َ كَ ّ
مُر
ن كان }يأ ُ م ْسَتوي هذا و َ ل وجه ،فهل ي َ ْ ص من ك ّ نفسه؛ فهو ناق ٌ
ل وأفعاله ه عد ٌط مستقيم{ :فأقوال ُ ُ بالعدل وهو على صرا ٍ
ن ع ُب ِد َ من دون م ْة؛ فكما أنهما ل يستويان؛ فل يستوي َ مستقيم ٌ
م الّله بها؛ لم الّله وهو ل يقد ُِر على شيء من مصالحه؛ فلول قيا ُ
ق ،ول ل إل ّ الح ّ دا لمن ل يقو ُ يستطعْ شيئا ً منها ،ل يكون كفوا ً ول ن ّ
مد ُ عليه. ل إل ّ ما ُيـ ْ
ح َ يفع ُ
ﭽ ﮭ ﮮﮮ ﮯ ﮰﮱ ﯓ ﯔ ﯕ ﯖ ﯗ ﯘ ﯙ ﯚ ﯛﯜ ﯝ ﯞ ﯟ
ﯠ ﯡ ﯢ ﯣ ﭼ.
ب السماوات والرض؛ فل } {77أي :هو تعالى المنفرد بغي ِ
م الساعة؛ ن والسراَر إل ّ هو ،ومن ذلك عل ُ يعلم الخفايا والبواط َ
ن }إل ّه؛ فإذا جاءت وتجّلت؛ لم تك ْ فل يدري أحد ٌ متى تأتي إل الل ّ ُ
م الناس من قبوِرهم ب{ :من ذلك ،فيقو ُ كلمح البصرِ أو هو أقر ُ
ن يريد المهال.م ْ
ص لـ َ
ت الفر ُإلى يوم بعث ِِهم وُنشوِرهم ،وتفو ُ
ل شيٍء قديٌر{ :فل ُيستغرب على قدرته ن الّله على ك ّ
}إ ّ
الشاملة إحياؤه للموتى.
ﭽ ﯤ ﯥ ﯦ ﯧ ﯨ ﯩ ﯪﯧﯧ ﯫﯧﯧ ﯬﯧﯧ ﯭﯧﯧ ﯮﯧﯧ ﯯﯧﯧ ﯰﯧﯧﯱﯧﯧ ﯷ ﯷ ﯷ ﭼ .
} {78أي :هو المنفرد بهذه الّنعم؛ حيث }أخرجكم من
درون على شيٍء .ثم إّنه ن شيئًا{ :ول تق ِ مهاِتكم ل تعلمو َبطون أ ّ
ص هذه العضاء الثلثة ة{ :خ ّ ل لكم السمعَ والبصاَر والفئد َ جعَ َ} َ
م إل ّ
ل للعبد عل ٌ ص َ
ل علم؛ فل وَ َ ح لك ّ
لشرِفها وفضِلها ولّنها مفتا ٌ
ن أحد ِ هذه البواب الثلثة ،وإل ّ ؛ فسائر العضاء والقوى م ِْ
ميها فيهم شيئا ً الظاهرة والباطنة هو الذي أعطاهم إّياها وجعل ي ُن َ ّ
ل أحد ٍ إلى الحالة اللئقة به ،وذلك لجل أن فشيئا ً إلى أن يصل ك ّ
يشكروا الّله باستعمال ما أعطاهم من هذه الجوارح في طاعة
ة عليه ،وقابل النعمة ج ًتح ّ الّله؛ فمن استعملها في غير ذلك؛ كان ْ
بأقبح المعاملة.
ﯽ ﯾ ﯿ ﯷﯷ ﯷ ﯷ ﯷ ﯷ ﯷ ﯷ ﯷ ﯷ ﯼ ﭽﯷ ﯷ ﯷ ﯷ
ﯷ ﰈ ﭼ.
كرون فيما } {79أي :لنهم المنتفعون بآيات الّله ،المتف ّ
ة .ووجه ن نظرهم نظُر لهوٍ وغفل ٍ ة عليه ،وأما غيرهم؛ فإ ّ ت آي ٌ جعِل َ ْ
ُ
خر لها ح للطيران ،ثم س ّ صل ُ ُ قها بخلقةٍ ت َ ْ خل َ َن الّله تعالى َ الية فيها أ ّ
وة الحركة ما قدرت به هذا الهواء اللطيف ،ثم أودع َ فيها من ق ّ
مهِ الواسع وعنايت ِهِ الربانّية ل على حكمت ِهِ وعل ِ على ذلك ،وذلك دلي ٌ
ب العالمين. ه؛ تبارك ر ّ بجميع مخلوقات ِهِ وكمال اقتدارِ ِ
ﭽ ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ ﭝ ﭞ ﭟ ﭠ ﭡﭢ
ﭣ ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ ﭨ ﭩ ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ ﭯ ﭰ ﭱ ﭲ ﭳ ﭴ ﭵ
ﮁ ﮂ ﮃ ﮄ ﮅ ﮆ ﮇ ﮈ ﮉ ﮊ ﭶ ﭷ ﭸ ﭹ ﭺ ﭻ ﭼ ﭽ ﭾﭿ ﮀ
ﮋ ﮌ ﮍ ﮎ ﮏ ﮐ ﮑ ﮒ ﮓ ﮔ ﮕ ﭼ.
ده نعمه ،ويستدعي منهم شكرها كر تعالى عبا َ } {80يذ ّ
كنًا{ :في س َ
كم َ والعتراف بها ،فقال} :والّله جعل لكم من بيوت ِ ُ
دور والقصور ونحوها ،ت ُك ِّنكم من الحّر والبرد ،وتسُتركم أنتم ال ّ
وأولدكم وأمتعتكم ،وتّتخذون فيها البيوت والغرف ،والبيوت التي
مكم حَر ِظ لموالكم و ُ هي لنواع منافعكم ومصالحكم ،وفيها حف ٌ
كم من جلود ِ النعام{: لل ُ وغيرِ ذلك من الفوائد المشاهدة} .وجع َ
ر، ف وشعرٍ ووب ٍ ت عليه من صو ٍ ه ،أو مما ن َب َ َ س ِ إما من الجلد ِ نف ِ
}بيوتا ً ت َ ْ
)(1
فونها{؛ أي :خفيفة الحمل تكون لكم في السفر، خ ّست َ ِ
صد َ لكم في استيطانها ،فتقيكم من الحّر والمنازل التي ل قَ ْ
ر ،وتقي متاعكم من المطر} .و{ جعل لكم }من والبرد والمط ِ
ً
أصواِفها{؛ أي :النعام} ،وأوباِرها وأشعاِرها أثاثا{ :وهذا شام ٌ
ل
جّلة فُرش واللبسة وال ِ ل ما ي ُّتخذ منها من النية والوعية وال ُ لك ّ
دنيا
ن{؛ أي :تتمّتعون بذلك في هذه ال ّ ً
وغير ذلك} .ومتاعا إلى حي ٍ
خر الّله العباد لصنعته وعمله. وتنتفعون بها؛ فهذا مما س ّ
ق{؛ أي :من مخلوقاته التي خل َ َ
ل لكم مما َ جعَ َ
ه َ }} {81والل ّ ُ
ل{ :وذلك كأظ ِّلة الشجار والجبال ة لكم فيها} ،ظل ً ل صنع َ
كم من الجبال أكنانًا{؛ أي :مغارات ها} .وجعل ل ُ والكام ونحوِ ِ
ل{؛ ل لكم سرابي َ جعَ َ ت ُك ِّنكم من الحّر والبرد والمطار والعداء} .و َ
د؛ لّنه قد م الحّر{ :ولم يذك ُرِ الّله البر َ أي :ألبسة وثيابًا} ،تقيك ُ ُ
ملتها ن هذه السورة أولها في أصول النعم وآخرها في مك ّ دم أ ّ تق ّ
مماتها ،ووقاية البرد من أصول الّنعم؛ فإّنه من الضرورة وقد ومت ّ
كم ع{ .و }تقي ُ فٌء ومناف ُ كم فيها د ِ ْ ذكره في أولها في قوله} :ل ُ
فوا«.
-في )ب(» :وإن لم ت َ ُ 1
ﭽ ﯷ ﯷ ﯷ ﯷ ﯷﯷ ﯷ ﰈ ﰉ ﯷ ﯷ ﯷ ﯷ ﰎ ﯷ ﯷ ﯷ ﰒ
ﯷ ﯷ ﯷ ﯷ ﯷ ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗﭘ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ ﭝ ﭞ ﭟ
ﭠ ﭡ ﭢ ﭣ ﭤ ﭼ.
مَرحًا{؛ أي :كبرا ً ش في الرض َ } {37يقول تعالى} :ول تم ِ
وتيها ً وبطرا ً متكّبرا ً على الحقّ ومتعاظما ً على الخلق} .إّنك{:
ل{ :في خرِقَ الرض ولن تبل ُغَ الجبال طو ً في فعلك ذلك }لن َتـ ْ
تكّبرك بل تكون حقيرا ً عند الّله ،ومحتقرا ً عند الخلق ،مبغوضًا،
ممقوتًا ،قد اكتسبت شّر الخلق ،واكتسيت بأرذلها ،من غير
إدراك لبعض ما تروم.
دم }} {38كل ذلك{ :المذكور الذي نهى الّله عنه فيما تق ّ
ل مع الّله إلها ً آخر{ ،والنهي عن عقوق جعَ ْمن قوله} :ل َتـ ْ
ه عند رّبك مكروهًا{؛ سي ّئ ُ ُ
طف على ذلك} ،كان َ الوالدين ،وما ع ُ ِ
ّ
أي :كل ذلك يسوء العاملين ويضّرهم والله تعالى يكرهه ويأباه.
ضحناه من هذه الحكام }} {39ذلك{ الذي بي ّّناه وو ّ
ن الحكمة المر الجليلة} ،مما أوحى إليك رّبك من الحكمة{ :فإ ّ
بمحاسن العمال ومكارم الخلق والنهي عن أراذل الخلق
وأسوأ العمال .وهذه العمال المذكورة في هذه اليات من
ب العالمين لسّيد المرسلين في الحكمة العالية التي أوحاها ر ّ
أشرف الكتب ليأمر بها أفضل المم؛ فهي من الحكمة التي من
أوتيها؛ فقد أوتي خيرا ً كثيرًا .ثم ختمها بالنهي عن عبادة غير الّله
ل مع الّله إلها ً آخر فَُتلقى في جعَ ْ كما افتتحها بذلك ،فقال} :ول َتـ ْ
رك بالّله فقد حّرم الّله جهّنم{؛ أي :خالدا ً مخّلدًا؛ فإّنه من ي ُ ْ
ش ِ
دحورًا{؛ أي :قد لحقتك اللئمة ملوما ً َ
م ْ عليه الجنة ومأواه النارَ } .
م من الّله وملئكته والناس أجمعين. واللعنة والذ ّ
ﭮ ﭯ ﭰ ﭱ ﭼ. ﭽ ﭥ ﭦ ﭧ ﭨ ﭩ ﭪ ﭫﭬ ﭭ
ن الّله اّتخذ من مأ ّ } {40وهذا إنكاٌر شديد ٌ على من َزع َ َ
خلقه بنات ،فقال} :أفأصفاكم رّبكم بالبنين{؛ أي :اختار لكم
صفوة والقسم الكامل} ،واّتخذ{ :لنفسه }من الملئكة إناثًا{: ال ّ
ً
ظيما{:ن َقول ً ع َ ِ ُ
قولو َ َ
كم لت َ ُ حيث زعموا أن الملئكة بنات الله} .إن ّ ُ
من فيه أعظم الجرأة على الله ،حيث نسبُتم له الولد المتض ّ
لحاجته ،واستغناء بعض المخلوقات عنه ،وحكموا له بأردأ
القسمين ،وهن الناث ،وهو الذي خلقكم واصطفاكم بالذكور،
وا كبيرًا. فتعالى الّله عما يقول الظالمون عل ّ
ﭽﭲ ﭳ ﭴ ﭵ ﭶ ﭷ ﭸ ﭹ ﭺ ﭻ ﭼ ﭽ ﭾ ﭿ ﮀ ﮁ ﮂ
ﮑ ﮒ ﮓ ﮔ ﮕ ﮃ ﮄ ﮅ ﮆ ﮇ ﮈ ﮉ ﮊ ﮋ ﮌ ﮍ ﮎ ﮏ ﮐ
ﮧﮮ ﮨ ﮩﮮ ﭼ . ﮖ ﮗ ﮘﮙ ﮚ ﮛ ﮜ ﮝ ﮞ ﮟ ﮠﮮ ﮡ ﮢ ﮣ ﮤ ﮥ ﮦ
} {41يخبر تعالى أنه صّرف لعباده في هذا القرآن؛ أي:
ضحها وأكثر من الدّلة والبراهين على ما دعا إليه، وع الحكام وو ّ ن ّ
سُلكوه وما يضّرهم كروا ما ينفعهم في َ ْ كر لجل أن يتذ ّ ووعظ وذ ّ
فيدعوه ،ولكن أبى أكثر الناس }إل ّ نفورًا{ عن آيات الّله؛
صبوالبغضهم للحقّ ومحّبتهم ما كانوا عليه من الباطل ،حتى تع ّ
وا لها با ً
ل. ق ْلباطلهم ،ولم ُيعيروا آيات الّله لهم سمعًا ،ول أل َ
} {42ومن أعظم ما صّرف فيه اليات والدّلة الّتوحيد
ده وأقام عليه من الذي هو أصل الصول ،فأمر به ونهى عن ض ّ
ن من أصغى إلى الحجج العقلّية والنقلّية شيئا ً كثيرًا؛ بحيث إ ّ
كا ول ريبًا ،ومن الدّلة على ذلك هذا بعضها ل ت َد َع ُ في قلبه ش ّ
ي الذي ذكره هنا ،فقال} :قل{ :للمشركين الذين الدليل العقل ّ
ة كما يقولون{؛ أي: يجعلون مع الّله إلها ً آخر} :لو كان معه آله ٌ
على موجب زعمهم وافترائهم؛ }إذا ً لب ْت ََغوا إلى ذي العرش
سبيل ً{؛ أي :لّتخذوا سبيل ً إلى الّله بعبادته والنابة إليه والتقّرب
دةوابتغاء الوسيلة؛ فكيف يجعل العبد الفقير الذي يرى ش ّ
افتقاره لعبودّية رّبه إلها ً مع الّله؟! هل هذا إل ّ من أظلم الظلم
فه؛ فعلى هذا المعنى تكون هذه الية كقوله تعالى: س َ
وأسفه ال ّ
}أولئك الذين يدعون يبتغون إلى ربهم الوسيلة أيهم أقرب{:
شُرهم وما يعُبدون من دون الّله فيقول ح ُ وكقوله تعالى} :ويوم َيـ ْ
هم ضّلوا السبيل قالوا سبحانك ما أأنُتم أضللُتم عبادي هؤلء أم ُ
ك من أولياَء{. كان ينبغي لنا أن نّتخذ من دون ِ َ
ة كما ل لو كان معه آله ٌ ن المعنى في قوله} :قُ ْ وُيحتمل أ ّ
ل{؛ أي :لطلبوا السبيل وا إلى ذي العرش سبي ً يقولون إذا ً لب ْت َغَ ْ
ن عل م ْوا في مغالبة الّله تعالى ،فإما أن يعلوا عليه فيكون َ سعَ ْو َ
ن آلهتهم التي ب الله ،فأما وقد علموا أنهم يقّرون أ ّ وقَهََر هو الر ّ
ة ليس لها من المر شيء؛ يدعون ) (1من دون الّله مقهورة ٌ مغلوب ٌ
فلم اّتخذوها وهي بهذه الحال؟! فيكون هذا كقوله تعالى} :ما
ل إلهٍ بما بك ّ ه من ولد ٍ وما كان معه من إلهٍ إذا ً ل َذ َهَ َ خذ َ الل ّ ُ
اّتـ َ
خل َقَ ولعل بعضهم على بعض{. َ
دس وتنّزه وعلت أوصافه، }} {43سبحانه وتعالى{؛ أي :تق ّ
وا كبيرًا{: }عما يقولون{ :من الشرك به واّتخاذ النداد معه} ،عل ّ
حة ما جاء به ن ساطعٌ على ص ّ ل قاطعٌ وبرها ٌ } {88وهذا دلي ٌ
ن أن يأتوا بمثله، دى الّله النس والج ّ الرسول وصدقه؛ حيث تح ّ
دروا وأخبر أنهم ل يأتون بمثله ،ولو تعاونوا كّلهم على ذلك؛ لم يق ِ
ذبين به ن دواعي أعدائه المك ّ ه؛ فإ ّ عليه ،ووقع كما أخبر الل ّ ُ
ل اللسان م أه ُ متوّفرة على رد ّ ما جاء به بأيّ وجهٍ كان ،وهُ ْ
كن من ذلك؛ لفعلوه، هل وتم ّ دهم أدنى تأ ّ والفصاحة؛ فلو كان عن َ
جزوا عن ً ً
م بذلك أنهم أذعنوا غاية الذعان طوعا وكرها ،وع َ َ فعُل ِ َ
ص من جميع ب ،الناق ُ ه ،وكيف يقد ُِر المخلوق من ترا ٍ معارضت ِ ِ
م
ة ول كل ٌ م ول قدرة ٌ ول إرادة ٌ ول مشيئ ٌ الوجوه ،الذي ليس له عل ٌ
ب الرض والسماوات، مر ّ ض كل َ ل إل ّ من رّبه؛ أن يعارِ َ ول كما ٌ
ل المطلقُ والحمد ُ طلع على سائر الخفّيات ،الذي له الكما ُ الم ّ
ة
ده من بعده سبع ُ ن البحر يم ّ م ،الذي لو أ ّ المطلقُ والمجد ُ العظي ُ
ت القلم ولم فد َ المداد وفني ِ َ
م؛ لن َ ِ أبحر مدادا ً والشجاَر كّلها أقل ٌ
ت الّله؛ فكما أّنه ليس أحد ٌ من المخلوقين مماثل ً لّله فد ْ كلما ُ ت َن ْ َ
د؛ فليس ه من أوصافه التي ل يـمـاث ُِله فيها أح ٌ م ُ
في أوصافه؛ فكل ُ
كمثل ِهِ شيٌء في ذات ِهِ وأسمائ ِهِ وصفات ِهِ وأفعال ِهِ تبارك وتعالى؛ فتّبا
ن محمدا ً
ق ،وزعم أ ّ
م الخالق بكلم المخلو ِلمن اشتبه عليه كل ُ
صلى الله عليه وسلم افتراه على الّله ،واختلقه من نفسه.
ﭽﭰ ﭱ ﭲ ﭳ ﭴ ﭵ ﭶ ﭷ ﭸ ﭹ ﭺ ﭻ ﭼ ﭽ ﭾ ﭿ ﮀ
ﮁ ﮂ ﮃ ﮄ ﮅ ﮆ ﮇ ﮈ ﮉ ﮊ ﮋ ﮌ ﮍ ﮎ ﮏ ﮐ ﮑ ﮒ ﮓ ﮔ ﮕ
ﮝ ﮞ ﮟ ﮠﮮ ﮡ ﮢ ﮣ ﮤ ﮥ ﮦ ﮧﮮ ﮨ ﮚ ﮛ ﮜ ﮖ ﮗ ﮘ ﮙ
ﯕﯖ ﯗ ﯘ ﯙ ﯚ ﯛ ﯜ ﯝ ﮩﮮ ﮪ ﮫ ﮬ ﮭ ﮮﮮ ﮯ ﮰ ﮱ ﯓ ﯔ
ﯷ ﯷ ﯞ ﯟﮮ ﯠ ﯡ ﯢ ﯣ ﯤ ﯥﯦ ﯧ ﯨ ﯩ ﯷ ﯷ ﯷ ﯷ ﯷ ﯷ ﯷ ﯷ ﯷ
ﯷ ﯷ ﯷ ﯷ ﯷ ﯷ ﯷ ﯼ ﯽ ﯾ ﯿ ﯷ ﯷ ﯷ ﯷ ﯷﯷ ﯷ ﯷ ﰈ ﰉ
ﯷ ﯷ ﭼ.
هو } 89ـ {93يقول تعالى} :ولقد صّرْفنا للناس في هذا
وعنا فيه المواعظ والمثال ،وثن ّْينا فيه ل مثل{؛ أي :ن ّ القرآن من ك ّ
كروا ويّتقوا ،فلم المعاني التي يضطّر إليها العباد ُ لجل أن يتذ ّ
ة السعادة، ل منهم ،الذين سبقت لهم من الّله سابق ُ كر إل القلي ُ يتذ ّ
كفورا ً لهذه وا إل ُ وأعانهم الّله بتوفيقه ،وأما أكثر الناس؛ فأب َ ْ
تالنعمة التي هي أكبُر من جميع النعم ،وجعلوا يتعّنتون عليه آيا ٍ
رعونها من ِتلقاء أنفسهم الظالمة الجاهلة ،فيقولون غيَر آيات ِهِ يخت ِ
لرسول الّله صلى الله عليه وسلم الذي أتى بهذا القرآن
جَر لنا من ف ُ
ن لك حّتى ت َ ْ المشتمل على كل برهان وآية} :لن نؤم َ
ة من نخيل ن لك جن ّ ٌ ة} ،أو تكو َ الرض َينبوعًا{؛ أي :أنهارا ً جاري ً
ذهاب ب{ :فتستغني بها عن المشي في السواق وال ّ وعن ٍ
سفًا{؛ أي: ت علينا ك ِ َ م َ ط السماء كما َزع َ ْ ق َ س ِ والمجيء} ،أو ت ُ ْ
ل{؛ أي؛ جميعا ً أو ي بالّله والملئكةِ َقبي ً قطعا ً من العذاب} ،أو تأت َ
ت من ن لك بي ٌ ة يشهدون لك بما جئت به} ،أو يكو َ ة ومعاين ً مقابل ً
ف{؛ أي :مزخرف بالذهب وغيره} ،أو ت َْرقى في السماء{: زخر ٍ
ل علينا كتابا ً ك حتى تنّز َ ن ل ُِرقِي ّ َ
ُرقِّيا حسّيا} .و{ مع هذا فلن }نؤم َ
ت هذه تعّنتات وتعجيزات وكلم أسفه الناس نقَرؤه{ .ولما كان ْ
ب مع الّله ،وأن الرسول منة لرد ّ الحقّ وسوء أد ٍ وأظلمهم ،المتض ّ
صلى الله عليه وسلم الذي يأتي باليات؛ أمره الّله أن ينّزهَ ُ
ه،
ما تقولون علوا ً كبيرًا ،وسبحانه أن ن رّبـي{ :ع ّ فقال} :قل سبحا َ
ة لهوائهم الفاسدة وآرائهم الضاّلة}.هل ه تابع ً ه وآيات ُ ُ م ُ
ن أحكا ُ تكو َ
ل{ :ليس بيده شيء من المر. ت إل ّ بشرا ً رسو ً كن ُ
} {94وهذا السبب الذي منع أكثر الناس من اليمان؛ حيث
ل إليهم من جنسهم بشرًا ،وهذا من س ُ
كانت الرسل التي ت ُْر َ
رحمته بهم أن أرسل إليهم بشرا ً منهم؛ فإّنهم ل يطيقون التلقي
من الملئكة.
ن مطمئّنين{: ة يمشو َ ن في الرض ملئك ٌ } {95فلو }كا َ
ي عنهم؛ }ل َن َّزْلنا عليهم من ي َث ُْبتون على رؤية الملئكة والتلق ّ
ل{ :ليمك َِنهم التلقي عنه. مَلكا ً رسو ً
السماِء َ
}} {96قل كفى بالّله شهيدا ً بيني وبينكم إّنه كان بعباد ِ ِ
ه
ده به من المعجزات، خبيرا ً بصيرًا{ :فمن شهادت ِهِ لرسول ِهِ ما أي ّ َ
ن عاداه وناوأه؛ فلو م ْ وما أنزل عليه من اليات ،ونصره على َ
خذ َ منه باليمين ،ثم لقطع منه الوتي َ
ن؛ ول عليه بعض القاويل؛ ل َ تق ّ
ة.
فإّنه خبيٌر بصيٌر ،ل تخفى عليه من أحوال العباد ِ خافي ٌ
ﭽ ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ ﭝ ﭞﭟ ﭠ ﭡ ﭢ ﭣ
ﭵ ﭶ ﭷ ﭤ ﭥ ﭦ ﭧﭨ ﭩ ﭪﭫ ﭬ ﭭ ﭮ ﭯ ﭰ ﭱ ﭲ ﭳ ﭴ
ﭹ ﭺ ﭻ ﭼ ﭽ ﭾ ﭿ ﮀ ﮁ ﮂ ﮃ ﮄ ﮅ ﮆ ﮇ ﮈ ﮉ ﮊ ﮋ ﭸ
ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ ﮜ ﮌ ﮍ ﮎ ﮏ ﮐ ﮑ ﮒ ﮓ ﮔ ﮕ ﮖ ﮗ
ﮝ ﮞ ﮟ ﮠﮮ ﮡ ﮢ ﮣ ﮤ ﮥ ﮦ ﮧﮮ ﮨ ﭼ .
ه
} {97يخبر تعالى أّنه المنفرد بالهداية والضلل؛ فمن يهد ِ ِ
سره لليسرى ويجّنبه العسرى؛ فهو المهتدي على الحقيقة، فيي ّ
كله إلى نفسه :فل هادي له من دون الّله، ضل ِْله فيخذله وي َ ِ ومن ي ُ ْ
ّ
شُرهم الله على ّ
ي ينصره من عذاب الله حين يح ُ وليس له ولـ ّ
عميا ً وُبكمًا ،ل يبصرون ،ول ينطقون} .مأواهم{؛ وجوه ِِهم ،خزيا ً ُ
ب. م وعذا ٍ م وغ ّ له ّ م{ :التي جمعت ك ّ أي :مقّرهم ودارهم }جهن ّ ُ
ً
دناهم سعيرا{؛ أي: ت{؛ أي :تهّيأت للنطفاء} ،زِ ْ خب َ ْ}كّلما َ
ب ،ول ُيقضى عليهم فيموتوا ،ول فت ُّر عنهم العذا ُ سعّْرناها بهم ،ل ي ُ َ َ
يخفف عنهم من عذابها.
مهم الّله تعالى ،بل جازاهم بما كفروا بآياته } {98ولم يظل ِ ْ
ت به الكتب، ث الذي أخبرت به الّرسل ،ونطق ْ وأنكروا البع َ
ما وُرفاتا ً جزوا رّبهم؛ فأنكروا تمام قدرته} ،وقالوا أإذا كّنا عظا ً وع ّ
ن خلقا ً جديدًا{؛ أي :ل يكون هذا؛ لّنه في غاية البعد مْبعوثو َ أإّنا َلـ َ
عند عقولهم الفاسدة.
ت والرض{: ن الّله الذي خلق السمـوا ِ م ي ََرْوا أ ّ }} {99أوََلـ ْ
خل ُقَ مثَلهم{ :بلى وهي أكبر من خلق الناس} ،قادٌر على أن َيـ ْ
ه{: ب ِفي ِ ل لذلك }أجل ً ل َري ْ َ جعَ َإّنه على ذلك قدير} .و{ لكنه قد َ
ك وإل فلو شاء لجاءهم به بغتة ومع إقامته الحجج والدلة ول ش ّ
كفورًا{ :ظ ُْلما ً منهم وافتراًء. ن إل ّ ُ
ظالمو َ على البعث؛ }فأبى ال ّ
ن رحمةِ رّبـي{ :التي ل ن خزائ َ }} {100قل لو أنتم تمِلكو َ
فد َكتم خشية النفاق{؛ أي :خشية أن ي َن ْ َ س ْ م َ فد ُ ول تبيد} ،إذا ً ل ْ ت َن ْ َ
ن الّله ،ولك ّ
ن فد َ خزائ ُ
فقون منه ،مع أّنه من المحال أن ت َن ْ َ
ما تن ِ
ح والبخل.
النسان مطبوع ٌ على الش ّ
ﭽ ﮩﮮ ﮪ ﮫ ﮬ ﮭ ﮮﮮﮯ ﮰ ﮱ ﯓ ﯔ ﯕ ﯖ ﯗ ﯘ ﯙ ﯚ ﯛ ﯜ
ﯝ ﯞ ﯟﮮ ﯠ ﯡ ﯢ ﯣ ﯤ ﯥﯦ ﯧ ﯨ ﯩ ﯷ ﯷ ﯷ ﯷ ﯷ ﯷ ﯷ ﯷ ﯷ ﯷ ﯷ
ﯷ ﯷ ﯷ ﯷ ﯷ ﯷ ﯷ ﯼ ﯽ ﯾ ﯿ ﯷ ﯷ ﯷ ﯷ ﯷ ﯷ ﯷ ﭼ
ل رسول ت أّيها الرسول المؤّيد باليات أو َ } {101أي :لس َ
ك موسى بن عمران الكليم إلى ذبه الناس؛ فلقد أرسْلنا قبل َ
َ ك ّ
ل واحدة منها تكفي ت{ :ك ّ ت بّينا ٍ مهِ َوآتيناه }تسعَ آيا ٍ فرعون وقو ِ
مل ق ّ طوفان والجراد ِ وال ُ لمن قصد ُه ُ اّتباع الحقّ كالحّية والعصا وال ّ
ت في شيء من ن شكك َ دم والرجز وفلق البحر؛ فإ ْ والضفادع وال ّ
ن{ :مع هذه ل إذ ْ جاَءهم فقال له فرعو ُ ل بني إسرائي َ ذلك؛ }فاسأ ْ
اليات} :إني لظّنك يا موسى مسحورًا{.
ن،ت{ :يا فرعو ُ ل{ له موسى} :لقد علم َ }َ {102فـ}َقا َ
ض بصائَر{: ت والر ِ ب السمـوا ِ ل هؤلء{ :اليات} .إل ّ ر ّ }ما أنز َ
ك هذا بالحقيقة ،وإّنما قلت ذلك ترويجا ً منه لعباده؛ فليس قول ُ َ
مْثبورًا{؛ ن َ على قومك واستخفافا ً لهم} .وإّنـي لظّنك يا فرعو ُ
م واللعنة. ى في العذاب ،لك الويل والذ ّ أي :ممقوتًاْ ُ ،
ملق ً
فّزهم من ست َ ِ
} 103ـ } {104فأراد{ :فرعون }أن ي َ ْ
جهم منها} ،فأغ َْرْقناه ومن معه جل َِيهم ويخرِ َ ض{؛ أيُ :يـ ْ الر ِ
ضهم وديارهم ،ولهذا قال} :وقُْلنا جميعًا{ :وأورثنا بني إسرائيل أر َ
ض فإذا جاء وع ْد ُ الخرة جئنا كنوا الر َ ل اس ُ من بعد ِهِ لبني إسرائي َ
ل عامل بعمله. بكم لفيفًا{؛ أي :جميعًا؛ ل ُِيجاِزي ) (1ك ّ
ﭽ ﭑ ﭒ ﭓ ﭔﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ ﭼ
} {105أي :وبالحقّ أنزلنا هذا القرآن الكريم لمر العبادِ
ونهيهم وثوابهم وعقابهم} ،وبالحقّ نزل{؛ أي :بالصدق والعدل
شرًا{ :من سْلناك إل ّ مب ّل شيطان رجيم} .وما أْر َ والحفظ من ك ّ
أطاع الّله بالثواب العاجل والجل} ،وَنذيرًا{ :لمن عصى الّله
شر به وينذر. ن ما يب ّ
بالعقاب العاجل والجل ،ويلزم من ذلك بيا ُ
ﭽ ﭜ ﭝ ﭞ ﭟ ﭠ ﭡ ﭢ ﭣ ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ ﭨ ﭩ ﭪ ﭫﭬ
ﭭ ﭮ ﭯ ﭰ ﭱ ﭲ ﭳ ﭴ ﭵ ﭶ ﭷ ﭸ ﭹ ﭺ ﭻ ﭼ ﭽ ﭾ
ﭿ ﮀ ﮁ ﮂ ﮃ ﮄ ﮅ ﮆ ﮇ ﮈ ﮉ ﭼ
} {106أي :وأنزلنا هذا القرآن مفّرفا ً فاِرقا ً بين الهدى
ضلل والحقّ والباطل؛ }لتقرأه على الناس على مكث{؛ أي: وال ّ