You are on page 1of 383

‫المجلد الثاني‬

‫من‬
‫تيسير الكريم الرحمن‬
‫في‬
‫تفسير كلم المنان‬

‫لجامعه الفقير إلى الّله‬


‫عبد الرحمن بن ناصر بن سعدي‬
‫غفر الله له ولوالديه ولجميع المسلمين‬
‫وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه أجمعين وسلم‬
‫تسليما ً كثيرا ً إلى يوم الدين‬
‫تفسير سورة العراف‬
‫مكية‬

‫ﭟ ﭠ ﭡ‬ ‫ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ ﭝ ﭞ‬ ‫ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ‬ ‫ﭽﭑ‬
‫ﭯ ﭰ‬ ‫ﭪ ﭫﭬ ﭭ ﭮ‬ ‫ﭥ ﭦ ﭧ ﭨ ﭩ‬ ‫ﭢ ﭣ ﭤ‬
‫ﮀ ﮁ‬ ‫ﭾ ﭿ‬ ‫ﭴ ﭵ ﭶ ﭷ ﭸ ﭹ ﭺ ﭻ ﭼ ﭽ‬ ‫ﭱ ﭲ ﭳ‬
‫ﮑ ﮒﮓ‬ ‫ﮇ ﮈ ﮉ ﮊ ﮋ ﮌ ﮍ ﮎ ﮏ ﮐ‬ ‫ﮄ ﮅ ﮆ‬ ‫ﮃ‬ ‫ﮂ‬
‫ﮖ ﮗ ﭼ‪.‬‬ ‫ﮔ ﮕ‬
‫}‪ 1‬ـ ‪ {2‬يقول تعالى لرسوله محمد صلى الله عليه وسلم‬
‫ل حوى‬ ‫ب جلي ٌ‬ ‫ل إليك{؛ أي‪ :‬كتا ٌ‬ ‫مبينا ً له عظمة القران‪}:‬كتا ٌ‬
‫ب أن ْزِ َ‬
‫ل ما يحتاج إليه العباد وجميع المطالب اللهّية والمقاصد‬ ‫ك ّ‬
‫ك منه‬‫ن في صدرِ َ‬ ‫ل‪ .‬فل يك ْ‬ ‫الشرعّية محكما ً مفص ً‬
‫ل من حكيم‬ ‫م أنه تنزي ٌ‬ ‫ه‪ ،‬بل لتعل ْ‬ ‫ك واشتبا ٌ‬ ‫ج{؛ أي‪ :‬ضيقٌ وش ّ‬ ‫حَر ٌ‬
‫} َ‬
‫)‪(1‬‬
‫ح له‬
‫حميد‪ ،‬ل يأتيه الباطل من بين يديه ول من خلفه ‪ ،‬فلينشرِ ْ‬
‫سك‪ ،‬وْلتصدع ْ بأوامره ونواهيه‪ ،‬ول تخش‬ ‫ن به نف ُ‬ ‫صدُرك‪ ،‬ولتطمئ ّ‬
‫كرهم فتقوم‬ ‫لئما ً ومعارضًا؛ }لتنذَر به{‪ :‬الخلق وت َِعظهم وتذ ّ‬
‫)‪(2‬‬
‫ن{؛ كما‬ ‫ن }ذكرى للمؤمني َ‬ ‫الحجة على المعاندين‪} ،‬و{ ليك ْ‬
‫كرون به‬ ‫ن{‪ :‬يتذ ّ‬ ‫ذكرى تنفعُ المؤمني َ‬ ‫ن ال ّ‬‫قال تعالى‪} :‬وذك ّْر فإ ّ‬
‫الصراط المستقيم‪ ،‬وأعماله الظاهرة والباطنة‪ ،‬وما يحول بين‬
‫العبد وبين سلوكه‪.‬‬
‫}‪ {3‬ثم خاطب الّله العباد‪ ،‬ولفتهم )‪ (3‬إلى الكتاب‪ ،‬فقال‪ :‬ﭽ‬
‫ل إليكم من رّبكم{؛ أي‪ :‬الكتاب الذي أريد إنزاله‬ ‫ات ِّبعوا ما أنزِ َ‬
‫م تربيَته لكم‪ ،‬فأنزل‬ ‫لجلكم‪ ،‬وهو }من رّبكم{‪ ،‬الذي يريد أن ي ُت ِ ّ‬
‫ت عليكم‬ ‫م ْ‬‫ت تربيُتكم وتـ ّ‬ ‫عليكم هذا الكتاب الذي إن اتبعتموه كمل ْ‬
‫هديتم لحسن العمال والخلق ومعاليها‪} ،‬ول تت ِّبعوا من‬ ‫ةو ُ‬
‫النعم ُ‬
‫دون ِهِ أولياَء{؛ أي‪ :‬تتوّلونهم‪ ،‬وتّتبعون أهواءهم‪ ،‬وتتركون لجلها‬
‫كرتم وعرفتم المصلحة؛ لما‬ ‫ن{‪ :‬فلو تذ ّ‬ ‫كرو َ‬‫ق‪} ،‬قليل ً ما ت َذ َ ّ‬ ‫الح ّ‬
‫آثرُتم الضاّر على النافع والعدوّ على الولي‪.‬‬

‫‪ - 1‬في )ب(‪» :‬ل يأتيه الباطل من بين يديه ول من خلفه‪ ،‬تنزيل من حكيم‬
‫حميد‪ ،‬وأنه أصدق الكلم«‪.‬‬
‫ن«‪.‬‬‫‪ - 2‬في )ب(‪» :‬وليكو َ‬

‫‪ -‬في )ب(‪» :‬وألفتهم«‪.‬‬ ‫‪3‬‬


‫}‪ {4‬ثم حذرهم عقوباته للمم الذين كذبوا ما جاءتهم به‬
‫كناها فجاءها‬‫رسلهم فل يشابهوهم‪ ،‬فقال‪} :‬وكم من قريةٍ أهل ْ‬
‫سنا{؛ أي‪ :‬عذاُبنا الشديد‪،‬‬
‫بأ ُ‬
‫ن{؛ أي‪ :‬في حين غفلتهم وعلى ِغّرتهم غافلون‪،‬‬ ‫ً‬
‫}بياتا أو هم قائلو َ‬
‫ك على قلوبهم‪ ،‬فحين جاءهم العذاب؛ لم يدفعوه‬ ‫لم يخطر الهل ُ‬
‫عن أنفسهم‪ ،‬ول أغنت عنهم آلهتهم التي كانوا يرجونهم‪ ،‬ول‬
‫أنكروا ما كانوا يفعلونه من الظلم والمعاصي‪.‬‬
‫سنا إل ّ أن قالوا إنا كّنا‬ ‫هم بأ ُ‬ ‫عواهم إذ جاَء ُ‬ ‫}‪} {5‬فما كان د َ ْ‬
‫ة‬
‫منا من قريةٍ كانت ظالم ً‬ ‫ص ْ‬ ‫ن{؛ كما قال تعالى‪} :‬وكم قَ َ‬ ‫ظالمي َ‬
‫هم منها‬ ‫سنا إذا ُ‬‫سوا بأ َ‬ ‫ن‪ .‬فلما أح ّ‬ ‫دها قـومـا ً آخري َ‬ ‫وأنشأنا بع َ‬
‫كم لعّلكم‬ ‫ُ‬
‫جعوا إلى ما أت ْرِفُْتم فيه ومساك ِن ِ ُ‬ ‫ن‪ .‬ل تر ُ‬ ‫ير ُ‬
‫كضوا وار ِ‬ ‫كضو َ‬
‫هم‬
‫ت تلك دعوا ُ‬ ‫ن‪ .‬فما زال ْ‬ ‫ن‪ .‬قالوا يا وَْيلنا إّنا كّنا ظالمي َ‬ ‫سألو َ‬ ‫تُ ْ‬
‫ن{‪.‬‬‫جعَْلناهم حصيدا ً خامدي َ‬ ‫حّتى َ‬
‫}‪ {6‬وقوله‪} :‬فَل َن َ‬
‫سل إليهم{؛ أي‪ :‬لنسألن‬ ‫ن الذين أر ِ‬ ‫سأل َ ّ‬‫َ ْ‬
‫المم الذين أرسل الّله إليهم المرسلين عما أجابوا ]به[ رسلهم‪،‬‬
‫ل ماذا أجبتم المرسلين‪ {...‬اليات‪}،‬ول َن َ‬
‫ن‬‫سأل َ ّ‬‫َ َ ْ‬ ‫َ‬ ‫ُ ُ‬ ‫م ُيناديهم فََيقو ُ‬ ‫}وَي َوْ َ‬
‫ن{‪ :‬عن تبليغهم لرسالت رّبهم وعما أجابتهم به أممهم‪.‬‬ ‫المرسلي َ‬
‫ن عليهم{؛ أي‪ :‬على الخلق كلهم ما عملوا‪،‬‬ ‫ص ّ‬ ‫}‪} {7‬فَل َن َ ُ‬
‫ق ّ‬
‫ن{‪ :‬في وقت من‬ ‫كنا غائبي َ‬ ‫}بعلم{‪ :‬منه تعالى لعمالهم‪} ،‬وما ُ‬
‫سوه{‪ ،‬وقال تعالى‪:‬‬ ‫الوقات؛ كما قال تعالى‪} :‬أحصاه الّله وَن َ ُ‬
‫قنا فوَقكم سبعَ طرائقَ وما ك ُّنا عن الخلق غافلين{‪.‬‬ ‫خل َ ْ‬‫}ولقد َ‬
‫ثم ذكر الجزاء على العمال‪ ،‬فقال‪:‬‬
‫ﭽ ﮘ ﮙ ﮚﮛ ﮜ ﮝ ﮞ ﮟ ﮠ ﮡ ﮢ ﮣ ﮤ ﮥ ﮦ ﮧ ﮨ ﮩ ﮪ‬
‫ﮬ ﮭ ﮮﮮ ﭼ‪.‬‬ ‫ﮫ‬
‫}‪ {8‬أي‪ :‬والوزن يوم القيامة يكون بالعدل والقسط الذي‬
‫ت‬‫ح ْ‬
‫ج َ‬ ‫قل َ ْ‬
‫ت موازيُنه{‪ :‬بأن َر َ‬ ‫ور فيه ول ظلم بوجه‪} .‬فمن ث َ ُ‬‫ج ْ‬‫ل َ‬
‫ن{؛ أي‪ :‬الناجون‬ ‫ة حسناته على سيئاته‪}،‬فأولئك هم المفلحو َ‬ ‫كف ُ‬
‫من المكروه‪ ،‬المدركون للمحبوب‪ ،‬الذين حصل لهم الربح‬
‫العظيم والسعادة الدائمة‪.‬‬

‫ت سيئاُته وصار‬ ‫ت موازيُنه{‪ :‬بأن رجح ْ‬


‫ف ْ‬‫}‪} {9‬ومن خ ّ‬
‫الحكم لها‪،‬‬
‫م وحصل‬
‫م المقي ُ‬‫}فأولئك الذين خسروا أنفسهم{‪ :‬إذ فاتهم النعي ُ‬
‫ب الليم‪،‬‬ ‫لهم العذا ُ‬
‫ب عليهم ذلك‪.‬‬ ‫}بما كانوا بآياِتنا ي َظ ِْلمو َ‬
‫ن{‪ :‬فلم ينقادوا لها كما يج ُ‬
‫ﭽﮯ ﮰ ﮱ ﯓ ﯔ ﯕ ﯖ ﯗﯘ ﯙ ﯚ ﯛ ﯜ ﭼ‪.‬‬
‫}‪ {10‬يقول تعالى ممتّنا على عباده بذكر المسكن‬
‫والمعيشة‪} :‬ولقد مك ّّناكم في الرض{؛ أي‪ :‬هيأناها لكم بحيث‬
‫جعَْلنا لكم‬ ‫كنون من البناء عليها وحرثها ووجوه النتفاع بها‪} ،‬و َ‬ ‫تتم ّ‬
‫ش{‪ :‬مما يخرج من الشجار والنبات ومعادن الرض‬ ‫فيها معاي َ‬
‫خر أسبابها‪،‬‬ ‫وأنواع الصنائع والتجارات؛ فإنه هو الذي هّيأها وس ّ‬
‫كرون{‪ :‬الّله الذي أنعم عليكم بأصناف النعم‪،‬‬ ‫}قليل ً ما تش ُ‬
‫ف عنكم النقم‪.‬‬ ‫صَر َ‬ ‫و َ‬
‫ﯨ ﯩ ﯪ ﯫ ﯬ ﯭ ﭑ ﭒ ﭓ‬ ‫ﯥﯧﯧ ﯦﯧ ﯧﯧ‬ ‫ﭽﯝ ﯞ ﯟ ﯠ ﯧ ﯡ ﯧ ﯢ ﯧ ﯣ ﯧ ﯤ‬
‫ﭔ ﭕ ﭖ ﭗﭘ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ ﭝ ﭞ ﭟ ﭠ ﭡ ﭢ ﭣ ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ ﭨ‬
‫ﭩ ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ ﭯ ﭰ ﭱ ﭲ ﭳ ﭴ ﭵ ﭶ ﭷ ﭸ ﭹ ﭺ‬
‫ﭻ ﭼﭼ ‪.‬‬
‫قناكم{‪:‬‬ ‫خل َ ْ‬
‫}‪ {11‬يقول تعالى مخاطبا ً لبني آدم‪} :‬ولقد َ‬
‫دتكم التي منها خرجُتم؛ أبيكم آدم عليه السلم‪،‬‬ ‫بخلق أصِلكم وما ّ‬
‫ه[‬ ‫}ثم صوّْرناكم{‪ :‬في أحسن صورة وأحسن تقويم‪ ،‬وعّلمه ]الل ُ‬
‫ة؛ أسماَء كل شيء‪ ،‬ثم أمر‬ ‫ل صورُته الباطن ُ‬ ‫م ُ‬
‫تعالى ما به تك ُ‬
‫ه‪،‬‬‫جدوا لدم إكراما ً واحتراما ً وإظهارا ً لفضل ِ ِ‬ ‫الملئكة الكرام أن يس ُ‬
‫سجدوا{ كـّلهم أجمعون }إل إبليس{‪ :‬أبى‬ ‫فامتثلوا أمر ربهم‪} ،‬فَ َ‬
‫أن يسجد َ له تكّبرا ً عليه وإعجابا ً بنفسه‪.‬‬
‫}‪ {12‬فوّبخه الّله على ذلك‪ ،‬وقال ما منعك أن تسجد لما‬
‫ه‪،‬‬
‫خلقت بيديّ أي شرفته وفضلته بهذه الفضيلة التي لم تكن لغيرِ ِ‬
‫س معارضا ً لرّبه‪} :‬أنا‬ ‫ت أمري وتهاونت بي‪} .‬قال{ إبلي ُ‬ ‫فعصي َ‬
‫خيٌر منه{‪ ،‬ثم برهن على هذه الدعوى الباطلة بقوله له‪:‬‬
‫ن{‪ :‬وموجب هذا أن المخلوق‬ ‫ه من طي ٍ‬ ‫قَتني من نارٍ وخلقت َ ُ‬ ‫}خل َ ْ‬
‫من نار أفضل من المخلوق من طين لعلوّ النار على الطين‬
‫وصعودها‪.‬‬
‫ل من عدة أوجه‪:‬‬ ‫وهذا القياس من أفسد القيسة؛ فإنه باط ٌ‬
‫منها ‪ :‬أنه في مقابلة أمر الّله له بالسجود‪ ،‬والقياس إذا‬
‫ن المقصود بالقياس أن يكون‬ ‫س باطل؛ ل ّ‬ ‫ص فإنه قيا ٌ‬ ‫عارض الن ّ‬
‫ص يقارب المور المنصوص عليها‬ ‫الحكم الذي لم يأت فيه ن ّ‬
‫ويكون تابعا ً لها‪ ،‬فأما قياس يعارضها ويلزم من اعتباره إلغاء‬
‫النصوص؛ فهذا القياس من أشنع القيسة‪.‬‬
‫ن قوَله‪} :‬أنا خيٌر منه{؛ بمجّردها كافية لنقص‬ ‫ومنها ‪ :‬أ ّ‬
‫إبليس الخبيث؛ فإّنه برهن على نقصه بإعجابه بنفسه وتكّبره‬
‫والقول على الّله بل علم‪ ،‬وأيّ نقص أعظم من هذا؟!‬
‫ب في تفضيل مادة النار على مادة الطين‬ ‫ومنها ‪ :‬أنه ك َذ َ َ‬
‫ة‪ ،‬ومنها‬ ‫ن والرزان ُ‬ ‫ن مادة الطين فيها الخشوع ُ والسكو ُ‬ ‫والتراب؛ فإ ّ‬
‫تظهر بركات الرض من الشجار وأنواع النبات على اختلف‬
‫أجناسه وأنواعه‪ ،‬وأما النار؛ ففيها الخفة والطيش والحراق‪.‬‬
‫ط من‬ ‫}‪ {13‬ولهذا؛ لما جرى من إبليس ما جرى؛ انح ّ‬
‫ط }منها{‬ ‫مرتبته العالية إلى أسفل السافلين‪ ،‬فقال الّله له‪ :‬اهب ْ‬
‫ن لك أن تتكب َّر فيها{‪ :‬لنها دار الطيبين‬ ‫أي‪ :‬من الجنة‪} ،‬فما يكو ُ‬
‫خْلق الّله وأشرهم‪،‬‬ ‫الطاهرين‪ ،‬فل َتليقُ بأخبث َ‬
‫ج إّنك من الصاغرين{؛ أي‪ :‬المهانين الذلين؛ جزاء على‬ ‫}فاخُر ْ‬
‫كبره وعجبه بالهانة والذل‪.‬‬
‫}‪ 14‬ـ ‪ {15‬فلما أعلن عدوّ الّله بعداوة الّله وعداوة آدم‬
‫ن من‬ ‫ظرة والمهال إلى يوم البعث؛ ليتمك ّ َ‬ ‫وذرّيته؛ سأل الّله الن ّ ِ‬
‫إغواِء ما يقد ُِر عليه من بني آدم‪ ،‬ولما كانت حكمة الّله مقتضي ً‬
‫ة‬
‫من يطيعه‬ ‫ن الصادق من الكاذب و َ‬ ‫لبتلء العباد واختبارهم ليتبيـ ّ َ‬
‫ومن يطيع )‪ (1‬عدّوه؛ أجابه لما سأل‪ ،‬فقال‪} :‬إّنك من‬
‫ن{‪.‬‬‫ظري َ‬‫من َ‬
‫ال ُ‬
‫ﭽ ﭽ ﭾ ﭿ ﮀ ﮁ ﮂ ﮃ ﮄ ﮅ ﮆ ﮇ ﮈ ﮉ ﮊ ﮋ ﮌ ﮍ ﮎ‬
‫ﮏﮐ ﮑ ﮒ ﮓ ﮔ ﮕ ﭼ‪.‬‬
‫س من رحمة الّله‪:‬‬ ‫َ‬ ‫ُ‬
‫س وأي ِ َ‬ ‫}‪ {16‬أي‪ :‬قال إبليس َلـ ّ‬
‫ما أب ْل ِ َ‬
‫ن لهم{؛ أي‪ :‬للخلق }صراطك المستقيم{؛‬ ‫}فبما أغ ْوَي َْتني لقعد ّ‬
‫صراط‪ ،‬ولسعى غاية جهدي على صد ّ الناس عنه‬ ‫ن ال ّ‬
‫أي‪ :‬للزم ّ‬
‫وعدم سلوكهم إياه‪.‬‬
‫فهم وعن‬ ‫ن أيديهم ومن خل ِ‬ ‫ن بي ِ‬
‫م ْ‬
‫م لت ِي َن ُّهم ِ‬
‫}‪} {17‬ث ّ‬
‫أيمان ِِهم وعن شمائ ِِلهم{؛ أي‪ :‬من جميع الجهات والجوانب‪ ،‬ومن‬
‫كل طريق يتمكن فيه من إدراك بعض مقصوده فيهم‪ ،‬ولما علم‬
‫ة على كثير منهم‪ ،‬وكان جازما ً‬ ‫ث أنهم ضعفاء قد تغلب الغفل ُ‬ ‫الخبي ُ‬
‫ن ـ وصدق ظّنه ـ فقال‪} :‬ول تجد ُ‬ ‫ببذل مجهوده على إغوائهم؛ ظ ّ‬
‫ن القيام بالشكر من سلوك الصراط‬ ‫ن{‪ :‬فإ ّ‬ ‫هم شاكري َ‬ ‫أكثَر ُ‬
‫دهم عنه وعدم قيامهم به؛ قال تعالى‪:‬‬ ‫المستقيم‪ ،‬وهو يريد ُ ص ّ‬
‫سعير{‪ ،‬وإنما ن َب َّهنا الّله‬
‫ب ال ّ‬
‫حْزَبه ليكونوا من أصحا ِ‬ ‫دعو ِ‬
‫}إّنما ي َ ْ‬
‫من يطيع عدّوه«‪.‬‬
‫‪ -‬في )ب(‪» :‬ومن يطيعه م ّ‬
‫‪1‬‬
‫حذ َْرنا‪ ،‬ونستعد ّ لعدّونا‪،‬‬
‫على ما قال‪ ،‬وعزم على فعله‪ ،‬لنأخذ َ منه ِ‬
‫منا بالط ُُرق التي يأتي منها ومداخله التي ينفذ‬ ‫ونحترَز منه بعل ْ ِ‬
‫منها؛ فله تعالى علينا بذلك أكمل نعمة‪.‬‬
‫ﭽ ﮖ ﮗ ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ ﮜ ﮝ ﮞ ﮟ ﮠ ﮡ ﮢ ﮣ ﭼ‪.‬‬
‫ج منها{‪:‬‬ ‫}‪ {18‬أي‪ :‬قال الله لبليس لما قال ما قال‪} :‬اخُر ْ‬
‫صغار واحتقار‪ ،‬ل خروج إكرام‪ ،‬بل }مذؤومًا{؛ أي‪:‬‬ ‫خروج َ‬
‫مذمومًا‪} ،‬مدحورا{‪ :‬مبعدا عن الله وعن رحمته وعن كل خير‪.‬‬
‫ّ‬ ‫ً‬ ‫ً‬
‫م‬
‫س ٌ‬‫ك منهم }أجمعين{‪ :‬وهذا قَ َ‬ ‫من ت َب ِعَ َ‬ ‫ن جهّنم{‪ :‬منك ومـ ّ‬
‫}لمل ّ‬
‫من الّله تعالى أن النار دار العصاة‪ ،‬ل بد أن يملها من إبليس‬
‫وأتباعه من الجن والنس‪.‬‬
‫م شّره وفتنته فقال‪:‬‬ ‫ثم ح ّ‬
‫ذر آد َ َ‬
‫ﭽﮤ ﮥ ﮦ ﮧ ﮨ ﮩ ﮪ ﮫ ﮬ ﮭ ﮮ ﮯ ﮰ ﮱ ﯓ ﯔ ﯕ ﯖ ﯗ ﯘ‬
‫ﯨ ﯩ ﯪ ﯫ ﯬ ﯭ ﯮ ﯯ ﯰ ﯱ‬ ‫ﯙ ﯚ ﯛ ﯜ ﯝ ﯞ ﯟ ﯠ ﯡ ﯢ ﯣ ﯤ ﯥ ﯦ ﯧ‬
‫ﯷ ﯷ ﯷ ﯷ ﯷ ﯷﯷ ﯷ ﯷ ﯷ ﯼ ﯽ ﯾ ﯿ ﯷ ﯷ ﯷ ﯷ ﯷﯷ ﯷ‬
‫ﭑ‬ ‫ﯷ ﯷ‬ ‫ﯷ ﯷ ﯷ‬ ‫ﯷ‬ ‫ﯷ ﰎ ﰒ ﯷ ﯷ ﯷ ﯷ ﯷ‬ ‫ﰈﰉ‬
‫ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ ﭝﭼ‪.‬‬
‫}‪ {19‬أي‪ :‬أمر الّله تعالى آدم وزوجته حواء التي أنعم الّله‬
‫بها عليه ليسكن إليها أن يأكل من الجنة حيث شاءا ويتمتعا فيها‬
‫بما أرادا؛ إل أنه عّين لهما شجرة ً ونهاهما عن أكلها‪ ،‬والّله أعلم‬
‫ما هي‪ ،‬وليس في تعيينها فائدة ٌ لنا‪ ،‬وحّرم عليهما أكلها؛ بدليل‬
‫قوله‪} :‬فتكونا من الظالمين{‪.‬‬
‫ن لمر الّله حتى تغلغل إليهما‬ ‫}‪ {20‬فلم يزال ممتثلي ِ‬
‫وه‬
‫عهما بها وم ّ‬ ‫ة خد َ َ‬ ‫عدّوهما إبليس بمكره‪ ،‬فوسوس لهما وسوس ً‬
‫كما رّبكما عن هذه الشجرة إل ّ أن تكونا‬ ‫عليهما وقال‪} :‬ما نه ُ‬
‫ن{‪ :‬كما‬ ‫ن الخالدي َ‬ ‫م َ‬‫مل َك َْين{؛ أي‪ :‬من جنس الملئكة‪} ،‬أو تكونا ِ‬ ‫َ‬
‫كل‬ ‫ْ‬
‫خلد ِ ومل ٍ‬ ‫َ‬ ‫ّ‬
‫قال في الية الخرى‪} :‬هـل أد ُلك على شجرةِ ال ُ‬
‫ي َْبلى{‪.‬‬
‫}‪ {21‬ومع قوله هذا أقسم لهما بالّله‪} :‬إني لكما لمن‬
‫ت‪.‬‬ ‫الناصحين{؛ أي‪ :‬من جملة الناصحين؛ حيث قلت لكما ما قل ُ‬
‫}‪ {22‬فاغتّرا بذلك‪ ،‬وغلبت الشهوة في تلك الحال على‬
‫لهما{؛أي‪ :‬أنزلهما عن رتبتهما العالية التي هي البعد ُ‬ ‫العقل‪} ،‬فد ّ‬
‫وث بأوضاِرها‪ ،‬فأقدما على أكلها‪،‬‬ ‫عن الذنوب والمعاصي إلى التل ّ‬
‫ت لهما سوآُتهما{؛ أي‪ :‬ظهرت عورة كل‬ ‫ما ذاقا الشجرة َ ب َد َ ْ‬ ‫}فل ّ‬
‫ة‪ ،‬فصار للعري الباطن من التقوى في‬ ‫منهما بعدما كانت مستور ً‬
‫هذه الحال أثٌر في اللباس الظاهر حتى انخلع‪ ،‬فظهرت عوراُتهما‪،‬‬
‫صفان على عوراتهما من‬ ‫جَعل يخ ِ‬ ‫جل و َ‬ ‫خ ِ‬‫ت عوراُتهما؛ َ‬ ‫ولما ظهر ْ‬
‫أوراق شجر الجنة ليستترا بذلك‪} ،‬وناداهما ربهما{‪ :‬وهما بتلك‬
‫كما عن تلكما الشجرةِ وأقل‬ ‫الحال ـ موّبخا ً ومعاتبا ً ـ‪} :‬ألم أْنـهَ ُ‬
‫ي‬‫م اقترفُتما المنه ّ‬ ‫ن{‪ :‬فَل ِ َ‬ ‫ن الشيطان لكما عدوّ مبي ٌ‬ ‫لكما إ ّ‬
‫وأطعتما عدّوكما؟!‬
‫ن الّله عليهما بالتوبة وَقبولها‪ ،‬فاعترفا‬ ‫م ّ‬ ‫}‪ {23‬فحينئذ ٍ َ‬
‫سنا وإن لم‬ ‫ف َ‬
‫منا أن ُ‬‫ظل ْ‬ ‫بالذنب‪ ،‬وسأل من الّله مغفرَته‪ ،‬فقال‪}:‬رّبنا َ‬
‫ن{؛ أي‪ :‬قد فعلنا الذنب‬ ‫ن من الخاسري َ‬ ‫منا ل ََنكون َ ّ‬‫حـ ْ‬
‫تغفْر لنا وتر َ‬
‫)‪(1‬‬
‫الذي نّبهتنا عنه وأضررنا بأنفسنا باقتراف الذنب‪ ،‬وقد فعلنا‬
‫منا‬
‫حـ ْ‬ ‫ب الخسار إن لم تغفْر لنا بمحو أثر الذنب وعقوبته وتر َ‬ ‫سب َ‬
‫قبول التوبة والمعافاة من أمثال هذه الخطايا‪ ،‬فغفر الّله لهما‬ ‫ب َ‬
‫دى‪ .‬هذا‬ ‫م رّبه فغوى‪ .‬ثم اجتباه رّبه فتاب عليه وهَ َ‬ ‫ذلك‪ ،‬وعصى آد ُ‬
‫ه‪ ،‬غير مقلع من عصيانه؛ فمن أشبه‬ ‫وإبليس مستمّر على طغيان ِ ِ‬
‫آدم بالعتراف وسؤال المغفرة والندم والقلع إذا صدرت منه‬
‫ب‬‫ه إبليس إذا صدر منه الذن ُ‬ ‫ذنوب؛ اجتباه ُ رّبه وهداه‪ ،‬ومن أشب َ‬ ‫الـ ّ‬
‫ل يزداد ُ من المعاصي؛ فإنه ل يزداد من الّله إل بعدا‪ً.‬‬ ‫ل يزا ُ‬
‫ﭽ ﭞ ﭟ ﭠ ﭡ ﭢﭣ ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ ﭨ ﭩ ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ‬
‫ﭮ ﭯ ﭰ ﭱ ﭲ ﭳ ﭴ ﭵ ﭶ ﭷ ﭸ ﭹ ﭺ ﭻ ﭼﭽ ﭾ ﭿ ﮀ ﮁﮂ‬
‫ﮃ ﮄ ﮅ ﮆ ﮇ ﮈ ﮉ ﭼ )‪.(2‬‬
‫}‪ 24‬ـ ‪ {25‬أي‪ :‬لما أهبط الّله آدم وزوجته وذريتهما إلى‬
‫ة‪،‬‬ ‫الرض؛ أخبرهما بحال إقامتهم فيها‪ ،‬وأنه جعل لهم فيها حيا ً‬
‫ة بالمتحان والبتلء‪ ،‬وأنهم ل يزالون فيها‪،‬‬ ‫ت مشحون ً‬ ‫يتلوها المو ُ‬
‫م الموت‬ ‫ل عليهم كتبه‪ ،‬حتى يأت ِي َهُ ُ‬ ‫ل إليهم رسَله‪ ،‬وي ُن ْزِ ُ‬ ‫س ُ‬‫ير ِ‬
‫ه‪ ،‬وأخرجهم منها إلى‬ ‫فيدَفنون فيها‪ ،‬ثم إذا استكملوا ب َعََثهم الل ّ ُ‬
‫الدارِ التي هي الدار حقيقة‪ ،‬التي هي دار المقامة‪.‬‬
‫سر لهم من اللباس الضروري‬ ‫ن عليهم بما ي ّ‬ ‫}‪ {26‬ثم امت ّ‬
‫واللباس الذي المقصود منه الجمال‪ ،‬وهكذا سائر الشياء‬
‫كالطعام والشراب والمراكب والمناكح‪ ،‬ونحوها قد يسر الّله‬
‫ً )‪(3‬‬
‫مل ذلك‪ ،‬وبّين لهم أن هذا ليس مقصودا‬ ‫للعباد ضرورّيها ومك ّ‬
‫ة لهم على عبادته وطاعته‪،‬‬ ‫بالذات‪ ،‬وإّنما أنزله الّله ليكون معون ً‬
‫ي؛ فإن‬ ‫س الّتقوى ذلك خيٌر{‪ :‬من اللباس الحس ّ‬ ‫ولهذا قال‪} :‬ولبا ُ‬
‫لباس التقوى يستمّر مع العبد ول يبلى ول يبيد‪ ،‬وهو جمال القلب‬
‫ضّرْينا أنفسنا«‪.‬‬
‫‪ -‬في )ب(‪» :‬نهيتنا عنه و َ‬ ‫‪1‬‬

‫‪ -‬زيادة ل توجد في النسختين‪.‬‬ ‫‪2‬‬

‫‪3‬‬
‫‪ -‬في )ب(‪» :‬وأن هذا ليس مقصودًا«‪.‬‬
‫ي؛ فغايُته أن يسُتر العورة الظاهرة‬ ‫والروح‪ ،‬وأما اللباس الظاهر ّ‬
‫في وقت من الوقات‪ ،‬أو يكون جمال ً للنسان‪ ،‬وليس وراء ذلك‬
‫منه نفع‪ .‬وأيضًا؛ فبتقدير عدم هذا اللباس تنكشف عورت ُ ُ‬
‫ه الظاهرةُ‬
‫فها مع الضرورة‪ ،‬وأما بتقدير عدم لباس‬ ‫التي ل يضّره كش ُ‬
‫التقوى؛ فإنها تنكشف عورته الباطنة‪ ،‬وينال الخزيَ والفضيحة‪.‬‬
‫ن{؛ أي‪ :‬ذلك المذكور‬ ‫وقوله‪} :‬ذلك من آيات الّله لعّلهم يذ ّ ّ‬
‫كرو َ‬
‫لكم من اللباس مما تذكرون به ما ينفُعكم‪ ،‬ويضّركم‪ ،‬وتستعينون‬
‫)‪ (1‬باللباس الظاهر على الباطن‪.‬‬
‫ﮗ‬ ‫ﮐ ﮑ ﮒ ﮓ ﮔ ﮕ ﮖ‬ ‫ﭽﮊ ﮋ ﮌ ﮍ ﮎ ﮏ‬
‫ﮡﮢ ﮣ ﮤ ﮥ ﮦ ﮧ ﮨ ﮩ ﮪ ﭼ‪.‬‬ ‫ﮘﮙ ﮚ ﮛ ﮜ ﮝ ﮞ ﮟ ﮠ‬
‫ذرا ً لبني آدم أن يفعل بهم الشيطان‬ ‫}‪ {27‬يقول تعالى مح ّ‬
‫ن{‪ :‬بأن يزّين‬ ‫م الشيطا ُ‬ ‫فت ِن َن ّك ُ ُ‬
‫كما فعل بأبيهم‪} :‬يا بني آدم ل ي َ ْ‬
‫غبكـم فيه فتنقادون له‪} ،‬كما‬ ‫ن ويدعوكم إليه وير ّ‬ ‫لكم العصيـا َ‬
‫ل العالي إلى أنزل‬ ‫ج أب َوَْيكم من الجنة{‪ :‬وأنزلهما من المح ّ‬ ‫أخر َ‬
‫منه؛ فأنتم يريد أن يفعل بكم كذلك ول يألو جهده عنكم حتى‬
‫حذ ََر منه في )‪ (2‬بالكم‪،‬‬ ‫يفت َِنكم إن استطاع؛ فعليكم أن تجعلوا ال َ‬
‫ة الحرب بيَنكم وبينه‪ ،‬وأن ل تغفلوا عن المواضع‬ ‫وأن ت َل َْبسوا لم َ‬
‫التي يدخل منها إليكم‪ .‬فإّنه يراقُِبكم على الدوام‪ ،‬و}يراكم هو‬
‫ه{‪ :‬من شياطين الجن}من حيث ل ت ََروَْنهم إنا جعلنا‬ ‫وَقبيل ُ ُ‬
‫ب‬
‫م اليمان هو الموج ُ‬ ‫ن{‪ :‬فعد ُ‬ ‫ن أولياَء للذين ل يؤمنو َ‬ ‫الشياطي َ‬
‫ن على‬ ‫س له سلطا ٌ‬ ‫لعقد الولية بين النسان والشيطان‪} .‬إّنه لي َ‬
‫ه على الذين ي َت َوَل ّوْن َ ُ‬
‫ه‬ ‫ن‪ .‬إّنما سلطان ُ ُ‬ ‫م ي َت َوَ ّ‬
‫كلو َ‬ ‫الذين آمنوا َوعلى رب ّهِ ْ‬
‫ن{‪.‬‬ ‫والذين هم ب ِهِ مشركو َ‬
‫ﭽ ﮫ ﮬ ﮭ ﮮ ﮯ ﮰ ﮱ ﯓ ﯔ ﯕﯖ ﯗ ﯘ ﯙ ﯚ ﯛ ﯜﯝ ﯞ‬
‫ﯷ ﯷ‬ ‫ﯯ ﯰ ﯱ ﯲﯷ ﯷ‬ ‫ﯟ ﯠ ﯡ ﯢ ﯣ ﯤ ﯥ ﯦ ﯧ ﯨﯩ ﯪ ﯫ ﯬ ﯭ ﯮ‬
‫ﯷ ﯷ ﯷ ﯷ ﯷ ﯼ ﯽ ﯾ ﯿ ﯷ ﯷ ﯷ ﯷ ﯷ ﯷ ﯷ ﯷ ﰈ ﰉ ﭼ‪.‬‬
‫}‪ {28‬يقول تعالى مبّينا ً لقبح حال المشركين الذين يفعلون‬
‫ة{‪ :‬وهي‬ ‫ه أمرهم بها‪} :‬وإذا فعلوا فاحش ً‬ ‫الذنوب وينسبون أن الل ّ َ‬
‫كل ما ُيستفحش وُيستقبح‪ ،‬ومن ذلك طوافهم بالبيت عراة‪،‬‬
‫مَرنا بها{‪:‬‬ ‫دقوا في هذا‪} ،‬والل ّ ُ‬
‫هأ َ‬ ‫ص َ‬
‫دنا عليها آباَءنا{‪ :‬و َ‬
‫ج ْ‬
‫}قالوا وَ َ‬
‫ن‬‫وكذبوا في هذا‪ ،‬ولهذا رد ّ الّله عليهم هذه النسبة‪ ،‬فقال‪} :‬قل إ ّ‬
‫الّله ل يأمُر بالفحشاء{؛ أي‪ :‬ل يليق بكماله وحكمته أن يأمر‬

‫‪ -‬في )ب(‪» :‬وتشبهون«‪.‬‬ ‫‪1‬‬

‫‪ -‬في )ب(‪» :‬من«‪.‬‬ ‫‪2‬‬


‫ده بتعاطي الفواحش‪ ،‬ل هذا الذي يفعله المشركـون ول غيره‪،‬‬ ‫عبا َ‬
‫ن على الّله ما ل ت َعَْلمو َ‬
‫ن{‪ :‬وأيّ افتراء أعظم من هذا ؟‬ ‫}أتقولو َ‬
‫سط{؛‬ ‫ق ْ‬ ‫مَر رّبـي بال ِ‬ ‫}‪ {29‬ثم ذكر ما يأمر به‪ ،‬فقال‪} :‬قل أ َ‬
‫أي‪ :‬بالعدل في العبادات والمعاملت‪ ،‬ل بالظلم والجور‪} ،‬وأقيموا‬
‫جهوا لّله‪ ،‬واجتهدوا في تكميل‬ ‫د{؛ أي‪ :‬تو ّ‬ ‫ل مسج ٍ‬ ‫هكم عند ك ّ‬ ‫وجو َ‬
‫قوها من كل‬ ‫العبادات‪ ،‬خصوصا ً الصلة‪ ،‬أقيموها ظاهرا ً وباطنًا‪ ،‬ون ّ‬
‫ن{؛ أي‪ :‬قاصدين بذلك‬ ‫قص ومفسد‪} .‬وادعوه مخلصين له الدي َ‬ ‫من َ ّ‬
‫ُ‬
‫ده ل شريك له‪ ،‬والدعاء يشمل دعاء المسألة ودعاء‬ ‫وجهه وح َ‬
‫)‪(1‬‬
‫دون ول تقصدون من الغراض في دعائكم‬ ‫العبادة؛ أي‪ :‬ل تري ُ‬
‫ن{‪:‬‬ ‫سوى عبودية الّله ورضاه‪} ،‬كما بدأكم{‪ :‬أول مرة }تعودو َ‬
‫للبعث؛ فالقادر على بدء خلقكم قادٌر على إعادته‪ ،‬بل العادةُ‬
‫أهون من البداَءة‪.‬‬
‫ه؛ أي‪ :‬وّفقهم للهداية‬ ‫دى{‪ :‬الل ّ ُ‬ ‫}‪} {30‬فريقًا{‪ :‬منكم‪} ،‬هَ َ‬
‫سر لهم أسبابها وصرف عنهم موانعها‪} ،‬وفريقا ً حقّ عليهم‬ ‫وي ّ‬
‫ضللة بما تسّببوا لنفسهم وعملوا‬ ‫ضللة{؛ أي‪ :‬وجبت عليهم ال ّ‬ ‫ال ّ‬
‫ه{؛‬ ‫ّ‬
‫ن أولياء من دون الل ِ‬ ‫بأسباب الغواية‪ .‬فإّنهم }اّتخذوا الشياطي َ‬
‫مِبينًا؛‬ ‫ومن يّتخذ الشيطان ولّيا من دون الّله؛ فقد خسر خسرانا ً ُ‬
‫فحين انسلخوا من ولية الرحمن واستحبوا ولية الشيطان؛ حصل‬
‫كلوا إلى أنفسهم فخسروا‬ ‫ب الوافر من الخذلن‪ ،‬ووُ ِ‬ ‫لهم النصي ُ‬
‫ن{‪ :‬لنهم انقلبت‬ ‫ن أّنهم مهتدو َ‬ ‫أشد الخسران‪} .‬وهم يحسبو َ‬
‫قا والحقّ باط ً‬
‫ل‪.‬‬ ‫ق‪ ،‬فظّنوا الباطل ح ّ‬ ‫عليهم الحقائ ُ‬
‫ل على أن الوامر والنواهي تابعة‬ ‫وفي هذه اليات دلي ٌ‬
‫ور أن يأمر بما‬ ‫ص ّ‬ ‫للحكمة والمصلحة؛ حيث ذكر تعالى أنه ل ي ُت َ َ‬
‫تستفحشه وتنكره العقول‪ ،‬وأنه ل يأمر إل بالعدل والخلص‪.‬‬
‫مّنه‪ ،‬وأن الضللة‬ ‫ل على أن الهداية بفضل الّله و َ‬ ‫وفيه دلي ٌ‬
‫)‪(2‬‬
‫ن‪ ،‬وتسّبب‬ ‫بخذلنه للعبد إذ تولى ـ بجهله وظلمه ـ الشيطا َ‬
‫ل فإنه ل عذر‬ ‫لنفسه بالضلل‪ ،‬وأن من حسب أنه مهتد ٍ وهو ضا ّ‬
‫كن من الهدى‪ ،‬وإنما أتاه حسبانه من ظلمه بترك‬ ‫له؛ لنه متم ّ‬
‫الطريق الموصل إلى الهدى‪.‬‬
‫ﭟ ﭠ‬ ‫ﭜﭝ ﭞ‬ ‫ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ‬ ‫ﭽﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ‬
‫ﭡ ﭢ ﭼ‪.‬‬

‫‪ -‬في )ب(‪» :‬ل تراؤوا ول تقصدوا«‪.‬‬ ‫‪1‬‬

‫‪ -‬في )ب(‪» :‬إذا توّلى«‪.‬‬ ‫‪2‬‬


‫}‪ {31‬يقول تعالى بعدما أنزل على بني آدم لباسا ً يواري‬
‫د{؛ أي‪:‬‬ ‫خذوا زينتكم عند كل مسج ٍ‬ ‫سوآتهم وريشًا‪} :‬يا بني آدم ُ‬
‫استروا عوراتكم عند الصلة كّلها فرضها ونفلها؛ فإن سترها زينة‬
‫ن المراد‬‫للبدن؛ كما أن كشفها يدع البدن قبيحا ً مشوهًا‪ ،‬ويحتمل أ ّ‬
‫بالزينة هنا ما فوق ذلك من اللباس النظيف الحسن‪ .‬ففي هذا‬
‫المر بستر العورة في الصلة وباستعمال التجمل فيها ونظافة‬
‫السترة من الدناس والنجاس‪ .‬ثم قال‪} :‬وكلوا واشربوا{؛ أي‪:‬‬
‫رفوا{‪ :‬في ذلك‪،‬‬ ‫مما رزقكم الّله من الطيبات‪} ،‬ول تس ِ‬
‫والسراف إما أن يكون بالزيادة على القدر الكافي والشره في‬
‫المأكولت التي تضر )‪ (1‬بالجسم‪ ،‬وإما أن يكون بزيادة الترّفه‬
‫وق في المآكل والمشارب واللباس‪ ،‬وإما بتجاوز الحلل إلى‬ ‫والتن ّ‬
‫ب المسرفين{‪ :‬فإن السرف يبغضه الّله‪،‬‬ ‫الحرام‪} .‬إّنه ل يح ّ‬
‫ل إلى أن‬ ‫دت به الحا ُ‬
‫ويضّر بدن النسان ومعيشته‪ ،‬حتى إنه ربما أ ّ‬
‫يعجز عما يجب عليه من النفقات‪ .‬ففي هذه الية الكريمة المر‬
‫بتناول الكل والشرب والنهي عن تركهما وعن السراف فيهما‪.‬‬
‫ﭽﭣ ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ ﭨ ﭩ ﭪ ﭫ ﭬ ﭭﭮ ﭯ ﭰ ﭱ ﭲ ﭳ ﭴ‬
‫ﭾ ﭿ ﮀ ﮁ ﮂ ﮃ ﮄ ﮅ ﮆ‬ ‫ﭵ ﭶ ﭷ ﭸﭹ ﭺ ﭻ ﭼ ﭽ‬
‫ﮕ ﮖ ﮗ‬ ‫ﮍ ﮎ ﮏ ﮐ ﮑ ﮒ ﮓ ﮔ‬ ‫ﮇ ﮈ ﮉ ﮊ ﮋ ﮌ‬
‫ﮜ ﮝﭼ‪.‬‬ ‫ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ‬
‫ل الّله‬‫}‪ {32‬يقول تعالى منكرا ً على من تعّنت وحّرم ما أح ّ‬
‫ة الّله التي أخرج لعباده{‪ :‬من‬‫م زين َ‬‫حّر َ‬
‫ن َ‬‫م ْ‬ ‫من الطيبات‪} :‬قل َ‬
‫أنواع اللباس على اختلف أصنافه والطيبات من الرزق من مأكل‬
‫ومشرب بجميع أنواعه؛ أي‪ :‬من هذا الذي يقدم على تحريم ما‬
‫أنعم الّله بها على العباد؟ ومن ذا الذي يضّيق عليهم ما وسعه‬
‫الّله؟ وهذا التوسيع من الّله لعباده بالطيبات جعله لهم ليستعينوا‬
‫حه إل لعباده المؤمنين‪ ،‬ولهذا قال‪} :‬قل‬ ‫به على عبادته فلم ي ُب ِ ْ‬
‫ة يوم القيامة{؛ أي‪ :‬ل‬
‫دنيا خالص ً‬
‫هي للذين آمنوا في الحياة ال ّ‬
‫تبعة عليهم فيها‪ .‬ومفهوم الية أن من لم يؤمن بالّله بل استعان‬
‫بها على معاصيه؛ فإنها غير خالصة له ول مباحة‪ ،‬بل يعاقب عليها‬
‫صل‬ ‫وعلى التنّعم بها‪ ،‬ويسأل عن النعيم يوم القيامة‪} .‬كذلك نف ّ‬
‫اليات{؛ أي‪ :‬نوضحها ونبّينها‪} ،‬لقوم يعلمون{‪ :‬لنهم الذين‬
‫صله الّله من اليات‪ ،‬ويعلمون أنها من عند الّله‪،‬‬ ‫ينتفعون بما ف ّ‬
‫فيعقلونها ويفهمونها‪.‬‬

‫‪ -‬في )ب(‪» :‬الذي يضّر«‪.‬‬ ‫‪1‬‬


‫ل شريعة‬ ‫}‪ {33‬ثم ذكر المحرمات التي حّرمها الّله في ك ّ‬
‫ل إّنما حّرم رّبـي الفواحش{؛ أي‪ :‬الذنوب‬ ‫من الشرائع‪ ،‬فقال‪} :‬ق ْ‬
‫الكبار التي ُتستفحش‪ ،‬وتستقبح لشناعتها وقبحها‪ ،‬وذلك كالّزنا‬
‫واللواط ونحوهما‪ .‬وقوله‪} :‬ما ظهر منها وما بطن{؛ أي‪:‬‬
‫الفواحش التي تتعّلق بحركات البدن والتي تتعّلق بحركات‬
‫جب والرياء والنفاق ونحو ذلك‪} ،‬والثم‬ ‫القلوب؛ كالكبر والعُ ْ‬
‫ق{؛ أي‪ :‬الذنوب التي تؤثم وتوجب العقوبة في‬ ‫والبغي بغير الح ّ‬
‫حقوق الّله‪ ،‬والبغي على الناس في دمائهـم وأموالهـم‬
‫وأعراضهم‪ .‬فدخـل في هذا الذنوب المتعلقة بحق الّله والمتعلقة‬
‫ل به سلطانًا{؛ أي‪:‬‬ ‫ركوا بالّله ما لم ينّز ْ‬
‫بحق العباد‪} ،‬وأن تش ِ‬
‫حجة‪ ،‬بل أنزل الحجة والبرهان على التوحيد‪ .‬والشرك هو أن‬
‫ك مع الّله في عبادته أحد ٌ من الخلق‪ ،‬وربما دخل في هذا‬ ‫شَر َ‬
‫يُ ْ‬
‫الشرك الصغر؛ كالرياء والحلف بغير الّله ونحو ذلك‪} ،‬وأن‬
‫ه‬
‫ن{‪ :‬في أسمائ ِهِ وصفات ِهِ وأفعال ِ ِ‬ ‫تقولوا على الّله ما ل تعلمو َ‬
‫ه؛ فكل هذه قد حرمها الّله ونهى العباد عن تعاطيها؛ لما‬ ‫ع ِ‬‫وشر ِ‬
‫فيها من المفاسد الخاصة والعامة‪ ،‬ولما فيها من الظلم والتجري‬
‫على الّله والستطالة على عباد الّله وتغيير دين الّله وشرعه‪.‬‬
‫ﭽ ﮞ ﮟ ﮠﮡ ﮢ ﮣ ﮤ ﮥ ﮦ ﮧﮨ ﮩ ﮪ ﮫ ﭼ‪.‬‬
‫}‪ {34‬أي‪ :‬وقد أخرج الّله بني آدم إلى الرض‪ ،‬وأسكنهم‬
‫دم أمة من المم على وقتها‬ ‫فيها‪ ،‬وجعل لهم أجل ً مس ّ‬
‫مى‪ ،‬ل تتق ّ‬
‫خر‪ ،‬ل المم المجتمعة ول أفرادها‪.‬‬ ‫مى ول تتأ ّ‬
‫المس ّ‬
‫ﯛ ﯜ ﯝ‬ ‫ﭽ ﮬ ﮭ ﮮ ﮯ ﮰ ﮱ ﯓ ﯔ ﯕﯖ ﯗ ﯘ ﯙ ﯚ‬
‫ﯬ ﯭ‬ ‫ﯫ‬ ‫ﯞ ﯟ ﯠ ﯡ ﯢ ﯣ ﯤ ﯥ ﯦ ﯧ ﯨﯩ ﯪ‬
‫ﭼ‪.‬‬
‫}‪ {35‬لما أخرج الّله بني آدم من الجنة؛ ابتلهم بإرسال‬
‫صون عليهم آيات الّله ويبّينون لهم‬ ‫الرسل وإنزال الكتب عليهم يق ّ‬
‫ب‬‫ل من استجاب لهم وخساَر من لم يستج ْ‬ ‫أحكامه‪ .‬ثم ذكر فض َ‬
‫ن اّتقى{‪ :‬ما حرم الّله من الشرك والكبائر‬ ‫لهم‪ ،‬فقال‪} :‬فم ِ‬
‫ف‬‫والصغائر‪} ،‬وأصلح{‪ :‬أعماله الظاهرة والباطنة‪} ،‬فل خو ٌ‬
‫ن{‪:‬‬‫عليهم{‪ :‬من الشّر الذي قد يخافه غيرهم‪} ،‬ول هم يحزنو َ‬
‫م‬
‫ن التا ّ‬
‫ن؛ حصل الم ُ‬ ‫ف والحز ُ‬
‫على ما مضى‪ .‬وإذا انتفى الخو ُ‬
‫والسعادة والفلح البدي‪.‬‬
‫}‪} {36‬والذين ك ّ‬
‫ذبوا بآياتنا واستكبروا عنها{؛ أي‪ :‬ل آمنت‬
‫ب النار هم‬
‫بها قلوبهم ول انقادت لها جوارحهم‪} ،‬أولئك أصحا ُ‬
‫فيها خالدون{‪ :‬كما استهانوا بآياته‪ ،‬ولزموا التكذيب بها؛ أهينوا‬
‫ب الدائم الملزم‪.‬‬
‫بالعذا ِ‬
‫ﯷﯷ ﯷ ﯷ ﯷ‬ ‫ﯶ‬ ‫ﯵ‬ ‫ﯲ ﯳ ﯴ‬ ‫ﯰ ﯱ‬ ‫ﭽ ﯮ ﯯ‬
‫ﰈ ﰉ ﯷ ﯷﯷ ﯷ‬ ‫ﯷ ﯷ ﯷ ﯷ ﯷ ﯷ ﯷ‬ ‫ﯼ ﯽﯾ ﯿ ﯷ‬
‫ﰎﰒﰒﰒﰒﰒﰒﰒﰒﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ‬ ‫ﯷ ﯷ‬ ‫ﯷ ﯷ ﯷ ﯷ ﯷ ﯷ ﯷ‬
‫ﭠ ﭡ ﭢ ﭣﭤ ﭥ ﭦ ﭧ ﭨ ﭩ ﭪ ﭫ ﭬ‬ ‫ﭛ ﭜ ﭝﭞ ﭟ‬
‫ﭻ ﭼ ﭽ ﭾ‬ ‫ﭸ ﭹ ﭺ‬ ‫ﭭ ﭮ ﭯ ﭰ ﭱ ﭲ ﭳ ﭴﭵ ﭶ ﭷ‬
‫)‪(1‬‬
‫ﮊ ﮋﭼ ‪.‬‬ ‫ﮂ ﮃ ﮄ ﮅ ﮆ ﮇ ﮈ ﮉ‬ ‫ﭿ ﮀ ﮁ‬
‫ن افترى على الله كذبًا{‪:‬‬ ‫م ِ‬‫}‪ {37‬أي‪ :‬ل أحد أظلم }مـ ّ‬
‫)‪(2‬‬
‫ول عليه ما لم يقل‪} ،‬أو‬ ‫بنسبة الشريك له والنقص له والتق ّ‬
‫ذب بآياته{‪ :‬الواضحة المبينة للحقّ المبين الهادية إلى الصراط‬ ‫ك ّ‬
‫المستقيم؛ فهؤلء وإن تمتعوا بالدنيا ونالهم نصيبهم مما كان‬
‫مكتوبا ً لهم في اللوح المحفوظ؛ فليس ذلك بمغن عنهم شيئا‪ً،‬‬
‫ٍ‬
‫ُ‬
‫سلنا‬‫ل‪} .‬حتى إذا جاءتهم ر ُ‬ ‫ذبون طوي ً‬ ‫يتمّتعون قليل ً ثم يع ّ‬
‫ونهم{؛ أي‪ :‬الملئكة الموكلون بقبض أرواحهم واستيفاء‬ ‫يتوفّ ْ‬
‫آجالهم‪} ،‬قالوا{‪ :‬لهم في تلك الحالة توبيخا ً وعتابًا‪} :‬أين ما كنتم‬
‫ن الّله{‪ :‬من الصنام والوثان؛ فقد جاء وقت‬ ‫دعون من دو ِ‬ ‫تَ ْ‬
‫ضّلوا عنا{؛‬‫ة لكم أو دفع مضرة‪} ،‬قالوا َ‬ ‫الحاجة إن كان فيها منفع ٌ‬
‫أي‪ :‬اضمحلوا وبطلوا‪ ،‬وليسوا مغنين عّنا من عذاب الّله من‬
‫سهم أنهم كانوا كافرين{‪ :‬مستحقين‬ ‫شيء‪} ،‬وشهدوا على أنف ِ‬
‫للعذاب المهين الدائم‪.‬‬
‫خلوا في أمم{؛ أي‪:‬‬ ‫}‪ 38‬ـ ‪ {39‬فقالت لهم الملئكة‪} :‬اد ُ‬
‫ن والنس{؛ أي‪:‬‬ ‫في جملة أمم }قد خلت من قبلكم من الج ّ‬
‫مضوا على ما مضيتم عليه من الكفر والستكبار‪ ،‬فاستحق‬
‫ة{‪ :‬من المم العاتية النار‪،‬‬ ‫الجميعُ الخزيَ والبواَر‪} .‬كّلما دخل ْ‬
‫ت أم ٌ‬
‫ضكم‬‫فُر بع ُ‬
‫م القيامةِ يك ُ‬ ‫ت أخَتها{؛ كما قال تعالى‪} :‬ويو َ‬ ‫}لعن ْ‬
‫داركوا فيها جميعًا{؛ أي‪:‬‬ ‫ن بعضكم بعضًا{‪} ،‬حّتى إذا ا ّ‬ ‫ض ويلع ُ‬
‫ببع ٍ‬
‫اجتمع في النار جميع أهلها من الولين والخرين والقادة‬
‫والرؤساء والمقّلدين التباع‪} ،‬قالت أخراهم{؛ أي‪ :‬متأخروهم‬
‫المتبعون للرؤساء‪} ،‬لولهم{‪ :‬أي‪ :‬لرؤسائهم شاكين إلى الله‬
‫إضللهم إياهم‪} :‬رّبنـا هـؤلء أضـّلونا فآتهم عذابا ً ضعفا ً من‬

‫‪ -‬اليات ما بين المعقوفتين زيادة ل توجد في »النسختين«‪.‬‬ ‫‪1‬‬

‫ول«‪.‬‬
‫‪ -‬في )ب(‪» :‬أو التق ّ‬
‫‪2‬‬
‫النار{؛ أي‪ :‬عذ ّْبهم عذابا ً مضاعفا ً لّنهم أضّلونا وزينوا لنا العمال‬
‫الخبيثة‪.‬‬
‫فقالت }أولهم لخراهم{؛ أي‪ :‬الرؤساء قالوا لتباعهم‪:‬‬
‫}فما كان لكم علينا من فضل{؛ أي‪ :‬قد اشتركنا جميعا ً في الغ ّ‬
‫ي‬
‫ل لكم علينا؟‬ ‫والضلل‪ ،‬وفي فعل أسباب العذاب؛ فأيّ فض ٍ‬
‫ف{‪ :‬ونصيب من العذاب‪،‬‬ ‫ل{ منكم }ضع ٌ‬ ‫}قال{ الّله‪} :‬لك ّ‬
‫ن{‪ :‬ولكنه من المعلوم أن‬ ‫سبو َ‬
‫}فذوقوا العذاب بما كنتم تك ِ‬
‫عذاب الرؤساء وأئمة الضلل أبلغُ وأشنعُ من عذاب التباع؛ كما‬
‫ن نعيم أئمة الهدى ورؤسائه أعظم من ثواب التباع؛ قال تعالى‪:‬‬ ‫أ ّ‬
‫ب‬‫دناهم عذابا ً فوق العذا ِ‬ ‫دوا عن سبيل الل ّهِ زِ ْ‬ ‫فروا وص ّ‬ ‫}الذين ك َ َ‬
‫سدون{‪ .‬فهذه اليات ونحوها دّلت على أن سائر‬ ‫ف ِ‬
‫بما كانوا ي ُ ْ‬
‫أنواع المكذبين بآيات الّله مخّلدون في العذاب مشتركون فيه‬
‫وفي أصله‪ ،‬وإن كانوا متفاوتين في مقداره بحسب أعمالهم‬
‫وعنادهم وظلمهم وافترائهم وأن مودتهم التي كانت بيَنهم في‬
‫ة‪.‬‬
‫دنيا تنقلب يوم القيامة عداوة ً وملعن ً‬ ‫ال ّ‬
‫ﮏ ﮐ ﮑ ﮒ ﮓ ﮔ ﮕ ﮖ ﮗ ﮘ‬ ‫ﭽﮌ ﮍ ﮎ‬
‫ﮙ ﮚ ﮛ ﮜ ﮝ ﮞ ﮟﮠ ﮡ ﮢ ﮣ ﮤ ﮥ ﮦ ﮧ ﮨ ﮩ ﮪ ﮫﮬ ﮭ ﮮ ﮯ‬
‫ﮰ ﭼ‪.‬‬
‫ن بها‬‫ذب بآياته فلم يؤم ْ‬ ‫}‪ {40‬يخبر تعالى عن عقاب من ك ّ‬
‫ذب‪،‬‬ ‫ت واستكبر عنها فلم ينقد ْ لحكامها بل ك ّ‬ ‫مع أنها آيات بينا ٌ‬
‫ب السماء لرواحهم‬ ‫ح أبوا ُ‬ ‫ل خير؛ فل تفت ّ ُ‬ ‫وتولى أنهم آيسون من ك ّ‬
‫ن لها؛‬ ‫ن‪ ،‬فل يؤذ َ ُ‬ ‫ج إلى الّله‪ ،‬فتستأذ ُ‬ ‫إذا ماتوا‪ ،‬وصعدت تريد العرو َ‬
‫ّ‬
‫كما لم تصعد ْ في الدنيا إلى اليمان بالله ومعرفته ومحبته‪ ،‬كذلك‬
‫ل تصعد بعد الموت؛ فإن الجزاء من جنس العمل‪.‬‬
‫ن أرواح المؤمنين المنقادين لمرِ الّله‬ ‫ومفهوم الية أ ّ‬
‫دقين بآياته تفّتح لها أبواب السماء حتى تعرج إلى الّله‪،‬‬ ‫المص ّ‬
‫ج بالقرب من‬ ‫ي‪ ،‬وتبته َ‬ ‫وتصل إلى حيث أراد الّله من العالم العلو ّ‬
‫ن الجّنة‬ ‫خلو َ‬ ‫ظوةِ برضوانه‪ .‬وقوله عن أهل النار‪} :‬ول يد ُ‬ ‫رّبها والح ُ‬
‫ط{؛ أي‪:‬‬ ‫خيا ِ‬ ‫م ال ِ‬ ‫س ّ‬‫ل{‪ :‬وهو البعير المعروف }في َ‬ ‫ج الجم ُ‬ ‫حتى يل َ‬
‫ل البعير الذي هو من أكبر الحيوانات جسما ً في خرق‬ ‫خ َ‬ ‫حتى يد ُ‬
‫البرة الذي هو من أضيق الشياء‪ .‬وهذا من باب تعليق الشيء‬
‫ط؛‬
‫م الخيا ِ‬ ‫س ّ‬ ‫ل دخول الجمل في َ‬ ‫بالمحال؛ أي‪ :‬فكما أنه محا ٌ‬
‫ل دخولهم الجنة؛ قال تعالى‪:‬‬ ‫ذبون بآيات الّله محا ٌ‬ ‫فكذلك المك ّ‬
‫ة ومأواه الناُر{؛‬ ‫ه عليه الجن َ‬ ‫ك بالّله فقد حّرم الل ّ ُ‬ ‫شرِ ْ‬‫}إّنه من ي ُ ْ‬
‫مهم‪،‬‬ ‫ن{؛ أي‪ :‬الذين ك َث َُر إجرا ُ‬ ‫جزي المجرمي َ‬ ‫وقال هنا‪} :‬وكذلك ن َ ْ‬
‫واشتد ّ طغياُنهم‪.‬‬
‫د{؛ أي‪ :‬فراش من تحتهم‪،‬‬ ‫مها ٌ‬
‫م ِ‬
‫}‪} {41‬لهم من جهن ّ َ‬
‫ش{؛ أي‪ :‬ظلل من العذاب تغشاهم‪} ،‬وكذلك‬ ‫}ومن فوقِِهم َ‬
‫غوا ٍ‬
‫جزي الظالمين{‪ :‬لنفسهم جزاًء وفاقًا‪ ،‬وما رّبك بظلم للعبيد‪.‬‬ ‫نَ ْ‬
‫ﯚ ﯛ ﯜ ﯝﯞ ﯟ ﯠ ﯡ ﯢ‬ ‫ﭽﮱ ﯓ ﯔ ﯕ ﯖ ﯗ ﯘ ﯙ‬
‫ﯶ ﯷ ﯸ‬ ‫ﯴ ﯵ‬ ‫ﯣ ﯧ ﯤ ﯥﯧﯧ ﯦﯧ ﯧﯧ ﯨ ﯩ ﯪ ﯫ ﯬﯭﯧﯧ ﯮ ﯯ ﯰ ﯱ ﯲ ﯳ‬
‫ﯷ ﯷ‬ ‫ﯷ ﯷﯷ ﯼ ﯽ ﯾ ﯿ ﯷﯷ ﯷ ﯷ ﯷ ﯷ ﯷ ﯷ ﰈﰉ‬
‫ﭼ‪.‬‬
‫}‪ {42‬لما ذكر تعالى عقاب العاصين الظالمين؛ ذ َك ََر ثواب‬
‫المطيعين‪ ،‬فقال‪} :‬والذين آمنوا{‪ :‬بقلوبهم‪} ،‬وعملوا‬
‫الصالحات{‪ :‬بجوارحهم؛ فجمعوا بين اليمان والعمل‪ ،‬بين‬
‫العمال الظاهرة والعمال الباطنة‪ ،‬بين فعل الواجبات وترك‬
‫ت{ لفظا ً عا ّ‬
‫ما‬ ‫ملوا الصالحا ِ‬ ‫المحرمات‪ ،‬ولما كان قوله‪} :‬وع َ ِ‬
‫يشمل جميع الصالحات الواجبة والمستحبة‪ ،‬وقد يكون بعضها غير‬
‫سَعها{؛ أي‪:‬‬ ‫ف نفسا ً إل ّ وُ ْ‬ ‫مقدور للعبد؛ قال تعالى‪} :‬ل ن ُك َل ّ ُ‬
‫بمقدار ما تسعه طاقتها ول يعسر على قدرتها؛ فعليها في هذه‬
‫الحال أن تتقي الّله بحسب استطاعتها‪ ،‬وإذا عجزت عن بعض‬
‫الواجبات التي يقدر عليها غيرها؛ سقطت عنها؛ كما قال تعالى‪:‬‬
‫ف الّله نفسا ً إل ّ ما‬ ‫سَعها{‪} ،‬ل ي ُك َل ّ ُ‬ ‫ه نفسا ً إل ّ وُ ْ‬ ‫ف الل ّ ُ‬‫}ل ي ُك َل ّ ُ‬
‫حَرج{‪} ،‬فاّتقوا الّله ما‬ ‫ن َ‬ ‫م ْ‬‫ن ِ‬ ‫دي ِ‬‫ل عليكم في ال ّ‬ ‫جعَ َ‬ ‫آتاها{‪} ،‬ما َ‬
‫استطعُتم{؛ فل واجب مع العجز‪ ،‬ول محّرم مع الضرورة‪.‬‬
‫ب‬‫}أولئك{؛ أي‪ :‬المتصفون باليمان والـعـمل الـصـالـح‪} ،‬أصحا ُ‬
‫الجنة هم فيها خالدون{؛ أي‪ :‬ل يحولون عنها ول يبغون بها بد ً‬
‫ل؛‬
‫ف‬
‫ذات وأصناف المشتهيات ما تق ُ‬ ‫لنهم ي ََرْون فيها من أنواع الل ّ ّ‬
‫عنده الغايات‪ ،‬ول يطلب أعلى منه‪.‬‬
‫ل{‪ :‬وهذا من كرمه‬ ‫صدورهم من ِغ ّ‬ ‫}‪} {43‬ونزعنا ما في ُ‬
‫ً‬
‫ل الذي كان موجودا في قلوبهم‬ ‫ن الغ ّ‬ ‫وإحسان ِهِ على أهل الجنة؛ أ ّ‬
‫والتنافس الذي بينهم أن الّله يقلعه ويزيله حتى يكونوا إخوانا ً‬
‫لء متصافين؛ قال تعالى‪} :‬ونزعنا ما في صدورهم‬ ‫متحاّبين وأخ ّ‬
‫ن{‪ ،‬ويخل ُقُ الّله لهم من الكرامة‬ ‫سُررٍ متقابلي َ‬ ‫ل إخوانا ً على ُ‬ ‫من غ ّ‬
‫ة والسرور‪ ،‬ويرى أنه ل فوق‬ ‫ل واحد منهم الغِب ْط َ َ‬ ‫ل لك ّ‬ ‫ص ُ‬
‫ما به يح ُ‬
‫م؛ فبهذا يأمنون من التحاسد والتباغض؛‬ ‫ما هو فيه من النعيم نعي ٌ‬
‫لنه قد فقدت أسبابه‪] .‬و[قوله‪} :‬تجري من تحتهم النهار{؛ أي‪:‬‬
‫جرونها تفجيرا ً حيث شاؤوا وأين أرادوا‪ ،‬إن شاؤوا في خلل‬ ‫يف ّ‬
‫القصور أو في تلك الغرف العاليات أو في رياض الجنات من‬
‫تحت تلك الحدائق الزاهرات‪ ،‬أنهار تجري في غير أخدود‪،‬‬
‫د‪} .‬و{ لهذا لما رأوا ما أنعم الّله‬ ‫ت ليس لها حد ّ محدو ٌ‬ ‫وخيرا ٌ‬
‫عليهم وأكرمهم به؛ }قالوا الحمد ُ لّله الذي هدانا لهذا{‪ :‬بأن م ّ‬
‫ن‬
‫ت للعمال الموصلةِ إلى‬ ‫علينا وأوحى إلى قلوبنا فآمنت به وانقاد ْ‬
‫صَلنا بها إلى‬
‫هذه الدار‪ ،‬وحفظ الّله علينا إيماننا وأعماَلنا حتى أو َ‬
‫ب الكريم الذي ابتدأنا بالنعم‪ ،‬وأسدى من‬ ‫هذه الدار‪ ،‬فنعم الر ّ‬
‫دون‪.‬‬ ‫ده العا ّ‬
‫النعم الظاهرة والباطنة ما ل يحصيه المحصون ول يع ّ‬
‫}وما كّنا لنهتديَ لول أن هدانا الّله{؛ أي‪ :‬ليس في نفوسنا قابلي ٌ‬
‫ة‬
‫س ُ‬
‫ل‬ ‫ن بهدايته واّتباع رسله‪} ،‬لقد جاءت ر ُ‬ ‫للهدى‪ ،‬لول أّنه تعالى م ّ‬
‫رّبنا بالحق{؛ أي‪ :‬حين كانوا يتمّتعون بالنعيم الذي أخبرت به‬
‫ن لهم قالوا‪ :‬لقد‬ ‫ن لهم بعد أن كان علم يقي ٍ‬ ‫الرسل وصار حقّ يقي ٍ‬
‫ق‬
‫ن جميع ما جاؤوا به ح ّ‬ ‫ققنا ورأينا ما وعدتنا به الرس ُ‬
‫ل وأ ّ‬ ‫تح ّ‬
‫ة لهم وإكراما ً وتحية‬ ‫ة فيه ول إشكال‪} .‬ونودوا{‪ :‬تهنئ ً‬ ‫مْري َ َ‬
‫اليقين ل ِ‬
‫م الجنة أورثتموها{؛ أي‪ :‬كنتم الوارثين لها‪،‬‬ ‫واحتراما ً }أن ت ِل ْك ُ ُ‬
‫وصارت إقطاعا ً لكم إذ كان إقطاع الكفار النار‪ ،‬أورثتموها }بما‬
‫وا من النار بعفو‬ ‫ج ْ‬‫ض السلف‪ :‬أهل الجنة ن َ َ‬ ‫ن{‪ :‬قال بع ُ‬ ‫كنتم تعملو َ‬
‫الّله‪ ،‬وأدخلوا الجنة برحمة الّله‪ ،‬واقتسموا المنازل‪ ،‬وورثوها‬
‫بالعمال الصالحة‪ ،‬وهي من رحمته‪ ،‬بل من أعلى أنواع رحمته‪.‬‬
‫ﭽﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ ﭝ ﭞ ﭟ ﭠ ﭡ‬
‫ﭢﭣ ﭤ ﭥﭦ ﭧ ﭨ ﭩ ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ ﭯ ﭰ ﭱ ﭲ ﭳ ﭴ ﭵ‬
‫ﭺ ﭼ‪.‬‬ ‫ﭶ ﭷ ﭸ ﭹ‬
‫ل من‬‫}‪ 44‬ـ ‪ {45‬يقول تعالى بعد ما ذكر استقرار ك ّ‬
‫)‪(1‬‬
‫ت به‬‫الفريقين في الدارين ووجدا ما أخبرت به الّرسل ونطق ْ‬
‫ب من الثواب والعقاب‪ :‬إن أهل الجنة نادوا أصحاب النار بأن‬ ‫الكت ُ‬
‫قا{‪ :‬حين وعدنا على اليمان‬ ‫دنا رّبنا ح ّ‬‫دنا ما وَع َ َ‬
‫ج ْ‬
‫قالوا‪} :‬أن قد وَ َ‬
‫والعمل الصالح الجنة‪ ،‬فأدخلناها وأرانا ما وصفه لنا‪} ،‬فهل وجدُتم‬
‫قا قالوا نعم{‪ :‬قد‬ ‫ما وعدكم ربكم{‪ :‬على الكفر والمعاصي }ح ّ‬
‫ك فيه صدق وعد الّله‪،‬‬ ‫قا‪ ،‬فتبين للخلق كّلهم بيانا ً ل ش ّ‬ ‫وجدناه ح ّ‬
‫ل‪ ،‬وذهبت عنهم الشكوك والشبه‪ ،‬وصار‬ ‫ومن أصدق من الّله قي ً‬
‫المر حقّ اليقين‪ ،‬وفرح المؤمنون بوعد الّله واغتبطوا‪ ،‬وأيس‬
‫الكفار من الخير‪ ،‬وأقروا على أنفسهم بأنهم مستحقون للعذاب‪.‬‬
‫ن بينهم{؛ أي‪ :‬بين أهل النار وأهل الجنة بأن قال‪:‬‬ ‫ذن مؤذ ٌ‬ ‫}فأ ّ‬
‫ة الّله{؛ أي‪ :‬بعده وإقصاؤه عن كل خير }على‬ ‫}أن لعن ُ‬
‫دفوا أنفسهم عنها‬ ‫ه‪ ،‬فص َ‬ ‫ب رحمت ِ ِ‬‫الظالمين{‪ :‬إذ فتح الّله لهم أبوا َ‬
‫دوا غيرهم فضّلوا‬ ‫دوا عن سبيل الّله بأنفسهم وص ّ‬ ‫ظلما ً وص ّ‬
‫ة ويعتدل سير‬ ‫وأضّلوا‪ .‬والّله تعالى يريد أن تكون مستقيم ً‬

‫‪ -‬في )ب(‪» :‬ووجدوا«‪.‬‬ ‫‪1‬‬


‫وجًا{‪ :‬منحرف ً‬
‫ة صادة ً عن‬ ‫ع َ‬
‫السالكين إليه‪ ،‬وهؤلء يريدونها } ِ‬
‫ن{‪ :‬وهذا الذي أوجب لهم‬ ‫سواء السبيل‪} .‬وهم بالخرة كافرو َ‬
‫ل على شهوات النفوس المحّرمة‬ ‫ف عن الصراط والقبا َ‬ ‫النحرا َ‬
‫م إيمانهم بالبعث‪ ،‬وعدم خوفهم من العقاب ورجائهم للثواب‪.‬‬ ‫عد ُ‬
‫ومفهوم هذا ]النداء[ أن رحمة الّله على المؤمنين‪ ،‬وبّره شام ٌ‬
‫ل‬
‫لهم‪ ،‬وإحسانه متواتٌر عليهم‪.‬‬
‫ﮃﮄ ﮅ ﮆ ﮇ ﮈ ﮉ ﮊﮋ ﮌ ﮍ‬ ‫ﭽ ﭻ ﭼﭽ ﭾ ﭿ ﮀ ﮁ ﮂ‬
‫ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ ﮜ ﮝ ﮞ ﮟ‬ ‫ﮎ ﮏ ﮐ ﮑ ﮒ ﮓ ﮔ ﮕ ﮖ ﮗ‬
‫ﮭ ﮮﮮ ﮯ ﮰ ﮱ ﯓ ﯔ ﯕ‬ ‫ﮠ ﮡ ﮢ ﮣ ﮤ ﮥ ﮦ ﮧ ﮨ ﮩ ﮪ ﮫ ﮬ‬
‫ﯖﯗ ﯘ ﯙ ﯚ ﯛ ﯜ ﯝ ﯞ ﯟ ﯠ ﭼ ‪.‬‬
‫ب ُيقال‬ ‫}‪ {46‬أي‪ :‬وبين أصحاب الجنة وأصحاب النار حجا ٌ‬
‫له‪ :‬العراف‪ ،‬ل من الجنة ول من النار‪ ،‬يشرف على الدارين‪،‬‬
‫ن‬
‫ل يعرفو َ‬ ‫ظر من عليه حال الفريقين‪ ،‬وعلى هذا الحجاب رجا ٌ‬ ‫وين ُ‬
‫كّل من أهل الجنة والنار بسيماهم؛ أي‪ :‬علماتهم التي بها ي ُعَْرفون‬
‫م‬‫مّيزون؛ فإذا نظروا إلى أهل الجنة؛ ناد َْوهم‪} :‬أن سل ٌ‬ ‫وي ُ َ‬
‫ّ‬
‫عليكم{؛ أي‪ :‬يحّيونهم ويسلمون عليهم‪ ،‬وهم إلى الن لم يدخلوا‬
‫الجنة‪ ،‬ولكنهم يطمعون في دخولها‪ ،‬ولم يجعل الّله الطمع في‬
‫قلوبهم إل لما ُيريد بهم من كرامته‪.‬‬
‫ب الّناِر{‪ :‬ورأوا‬‫ت أبصاُرهم ت ِْلقاَء أصحا ِ‬ ‫صرِفَ ْ‬
‫}‪} {47‬وإذا ُ‬
‫ْ‬ ‫منظرا ً شنيعا ً وهول ً فظيعا‪} ،‬قالوا رّبنا ل َتـ ْ‬
‫جعَلنا مع القوم‬ ‫ً‬
‫ل العراف يطمعون أن‬ ‫الظالمين{‪ :‬فأهل الجنة إذا رآهم أه ُ‬
‫يكونوا معهم في الجنة ويحّيونهم ويسّلمون عليهم‪ ،‬وعند انصراف‬
‫أبصارهم بغير اختيارهم لهل النار يستجيرون ]بالّله[ من حالهم‬
‫هذا على وجه العموم‪.‬‬
‫}‪ {48‬ثم ذكر الخصوص بعد العموم‪ ،‬فقال‪} :‬ونادى‬
‫هم{‪ :‬وهم من أهل النار‪،‬‬ ‫ب العراف رجال ً يعرفونهم بسيما ُ‬ ‫أصحا ُ‬
‫د‪ ،‬فقال لهم‬ ‫ف وأموا ٌ‬
‫ل وأول ٌ‬ ‫وقد كانوا في الدنيا لهم أبهة وشر ٌ‬
‫أصحاب العراف حين رأوهم منفردين في العذاب بل ناصرٍ ول‬
‫دنيا الذي تستدِفعون به‬ ‫كم جمُعكم{‪ :‬في ال ّ‬ ‫مغيث‪} :‬ما أغنى عن ُ‬
‫دنيا؛ فاليوم اضمحل ول‬ ‫المكاره‪ ،‬وتوسلون به إلى مطالبكم في ال ّ‬
‫أغنى عنكم شيئًا‪ ،‬وكذلك أيّ شيٍء نفعكم استكباركم على الح ّ‬
‫ق‬
‫من اتبعه؟!‬
‫وعلى ما جاء به وعلى َ‬
‫}‪ {49‬ثم أشاروا لهم إلى أناس من أهل الجنة كانوا في‬
‫الدنيا فقراء ضعفاء يستهزىء بهم أهل النار‪ ،‬فقالوا لهل النار‪:‬‬
‫}أهؤلء{‪ :‬الذين أدخلهم الّله الجنة‪} ،‬الذين أقسمُتم ل ينال ُُهم اللهّ‬
‫ة{‪ :‬احتقارا ً لهم وازدراًء وإعجابا ً بأنفسكم‪ ،‬قد حنثتم في‬ ‫برحم ٍ‬
‫أيمانكم‪ ،‬وبدا لكم من الّله ما لم يكن لكم في حساب‪} .‬ادخلوا‬
‫ن؛ أي‪ :‬قيل لهؤلء الضعفاء إكراما ً‬ ‫الجنة{‪ :‬بما كنتم تعملو َ‬
‫ف عليكم{‪:‬‬ ‫واحترامًا‪ :‬ادخلوا الجنة بأعمالكم الصالحة‪} ،‬ل خو ٌ‬
‫ن{‪ :‬على ما مضى‪ ،‬بل‬ ‫فيما ُيستقبل من المكاره‪} ،‬ول أنتم تحزنو َ‬
‫ن الذين‬
‫آمنون مطمئّنون فرحون بكل خير‪ .‬وهذا كقول ِهِ تعالى‪} :‬إ ّ‬
‫مّروا بهم‬
‫ن‪ .‬وإذا َ‬
‫أجرموا كانوا من الذين آمنوا يضحكو َ‬
‫فاِر‬ ‫ن الك ُ ّ‬
‫م َ‬
‫م الذين آمنوا ِ‬
‫مزون‪ {...‬إلى أن قال‪} :‬فاليو َ‬ ‫يتغا َ‬
‫ن{‪.‬‬ ‫ك ين ُ‬
‫ظرو َ‬ ‫يضحكون‪ .‬على الرائ ِ‬
‫سرون من هم أصحاب العراف‬ ‫واختلف أهل العلم والمف ّ‬
‫وما أعمالهم‪ ،‬والصحيح من ذلك أنهم قوم تساوت حسناتهم‬
‫ت سيئاتهم فدخلوا النار‪ ،‬ول رجحت حسناتهم‬ ‫وسيئاتهم؛ فل رجح ْ‬
‫فدخلوا الجنة‪ ،‬فصاروا في العراف ما شاء الّله‪ ،‬ثم إن الّله‬
‫خُلهم برحمته الجنة؛ فإن رحمته تسبق وتغلب غضبه‪،‬‬ ‫تعالى يد ِ‬
‫ل شيٍء‪.‬‬‫ورحمته وسعت ك ّ‬
‫ﭽ ﯡ ﯢ ﯣ ﯤ ﯥ ﯦ ﯧ ﯨ ﯩ ﯪﯧﯧ ﯫﯧﯧ ﯬﯧﯧ ﯭﯧﯧ ﯮﯧﯧﯯﯧﯧ ﯰﯧﯧ ﯱﯧﯧ ﯷ ﯷ ﯷ ﯷ ﯷ‬
‫ﯷ ﯷ ﯷ ﯷ ﯷ ﯼ ﯽ ﯾﯿ ﯷ ﯷ ﯷ ﯷ ﯷ ﯷ ﯷ ﯷ ﰈ ﰉ ﯷ ﯷ‬
‫ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ ﭝ ﭞ ﭟﭠ ﭡ ﭢ ﭣ ﭤ ﭥ‬
‫ﭦ ﭧ ﭨ ﭩ ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ ﭯ ﭰ ﭱ ﭲ ﭳ ﭴ ﭵ ﭶ ﭷ ﭸ‬
‫ﭺﭻ ﭼ ﭽ ﭾ ﭿ ﮀ ﮁ ﮂ ﮃ ﮄ ﭼ ‪.‬‬ ‫ﭹ‬
‫غ‬
‫}‪ 50‬ـ ‪ {52‬أي‪ :‬ينادي أصحاب النار أصحاب الجنة حين يبل ُ‬
‫سهم الجوع المفرط والظمأ‬ ‫ل مبلغ وحين يم ّ‬ ‫بك ّ‬‫منهم العذا ُ‬
‫ما‬
‫الموجع؛ يستغيثون بهم فيقولون‪} :‬أفيضوا علينا من الماِء أو م ّ‬
‫ن الله‬
‫رزقكم الله{‪ :‬من الطعام‪ ،‬فأجابهم أهل الجنة بقولهم‪} :‬إ ّ‬
‫مهما{؛ أي‪ :‬ماء الجنة وطعامها }على الكافرين{‪ :‬وذلك جزاء‬ ‫حّر َ‬
‫ُ‬
‫لهم على كفرهم بآيات الله واتخاذهم دينهم الذي أمروا أن‬
‫يستقيموا عليه وُوعدوا بالجزاء الجزيل عليه }لهوا ً ولعبًا{؛ أي‪:‬‬
‫لهت قلوبهم وأعرضت عنه ولعبوا واّتخذوه سخرّيا‪ ،‬أو أنهم جعلوا‬
‫بدل دينهم اللهو واللعب‪ ،‬واستعاضوا بذلك عن الدين القيم‪،‬‬
‫}وغّرْتهم الحياة الدنيا{‪ :‬بزينتها وزخرفها وكثرة دعاِتها‪ ،‬فاطمأنوا‬
‫إليها ورضوا بها وفرحوا وأعرضوا عن الخرة ونسوها‪} .‬فاليوم‬
‫ننساهم{؛ أي‪ :‬نتركهم في العذاب‪} ،‬كما نسوا لقاء يومهم هذا{‪:‬‬
‫دنيا‪ ،‬وليس أمامهم عرض ول جزاء‪} ،‬وما‬ ‫خلقوا إل لل ّ‬
‫فكأنهم لم ُيـ ْ‬
‫كانوا بآياتنا يجحدون{‪ :‬والحال أن جحودهم هذا ل عن قصور في‬
‫صْلناه{؛ أي‪ :‬بينا فيه‬‫بف ّ‬‫آيات الله وبّيناته‪ ،‬بل قد }جئناهم بكتا ٍ‬
‫جميع المطالب التي يحتاج إليها الخلق }على علم{؛ من الله‬
‫ح لهم وما ل يصل ُ ُ‬
‫ح‬ ‫بأحوال العباد في كل زمان ومكان‪ ،‬وما يصل ُ ُ‬
‫ليس تفصيله تفصيل غير عالم بالمور‪ ،‬فتجهله بعض الحوال‬
‫فيحكم حكما ً غير مناسب‪ ،‬بل تفصيل من أحاط علمه بكل شيء‬
‫ة لقوم يؤمنون{؛ أي‪:‬‬ ‫ل شيء‪} .‬هدىً ورحم ً‬‫هك ّ‬‫ت رحمت ُ ُ‬
‫ووسع ْ‬
‫تحصل للمؤمنين بهذا الكتاب الهداية من الضلل وبيان الحق‬
‫صل أيضا ً لهم به الرحمة‪ ،‬وهي الخير‬ ‫والباطل والغي والرشد‪ ،‬ويح ُ‬
‫والسعادة في الدنيا والخرة‪ ،‬فينتفي عنهم بذلك الضلل والشقاء‪.‬‬
‫}‪ {53‬وهؤلء الذين حقّ عليهم العذاب لم يؤمنوا بهذا‬
‫الكتاب العظيم ول انقادوا لوامره ونواهيه‪ ،‬فلم يبق فيهم حيلة إل ّ‬
‫ل بهم ما أخبر به القرآن‪ ،‬ولهذا قال‪} :‬هل‬ ‫استحقاُقهم أن يح ّ‬
‫ظرون إل تأويَله{؛ أي‪ :‬وقوع ما أخبر به؛ كما قال يوسف عليه‬ ‫ين ُ‬
‫م‬‫ل{‪} .‬يو َ‬ ‫من قَب ْ ُ‬ ‫ل رؤيايَ ِ‬ ‫السلم حين وقعت رؤياه‪} :‬هذا تأوي ُ‬
‫سفين على‬ ‫دمين متأ ّ‬ ‫ه يقول الذين نسوه من قبل{‪ :‬متن ّ‬ ‫يأتي تأويل ُ ُ‬
‫فعين في مغفرة ذنوبهم مقّرين بما أخبرت به‬ ‫ما مضى متش ّ‬
‫ل رّبنا بالحقّ فهل لنا من شفعاَء‬ ‫س ُ‬‫الرسل‪} :‬قد جاءت ُر ُ‬
‫ل{‪:‬‬ ‫ل غير الذي ك ُّنا نعم ُ‬ ‫د{‪ :‬إلى الدنيا؛ }فنعم َ‬ ‫فيشفعوا لنا أو ُنر ّ‬
‫ت عن الّرجوع إلى الدنيا؛ فما تنفُعهم شفاعة‬ ‫وقد فات الوق ُ‬
‫ب‬
‫الشافعين‪ .‬وسؤالهم الرجوع إلى الدنيا ليعملوا غيَر عملهم كذ ٌ‬
‫دوا‬‫ل بهم؛ قال تعالى‪} :‬ولو ُر ّ‬ ‫دهم به دفعُ ما ح ّ‬ ‫منهم‪ ،‬مقصو ُ‬
‫سهم{‪ :‬حين‬ ‫ن{‪} .‬قد خسروا أنف َ‬ ‫َلعادوا ِلما ُنهوا عنه وإّنهم لكاذبو َ‬
‫َ‬
‫سَلكوا بها سبيل الهلك‪ ،‬وليس ذلك كخسران‬ ‫حو َ‬ ‫وتوها الربا َ‬ ‫ف ّ‬
‫ه‪.‬‬‫ن لمصاب ِ ِ‬ ‫جْبرا َ‬ ‫نل ُ‬ ‫الموال والثاث أو الولد‪ ،‬إنما هذا خسرا ٌ‬
‫سهم‬ ‫مّنيهم أنف ُ‬ ‫دنيا مما ُتـ َ‬ ‫ن{‪ :‬في ال ّ‬ ‫ل عنهم ما كانوا يفترو َ‬ ‫}وض ّ‬
‫دهم به الشيطان‪ ،‬قدموا على ما لم يكن لهم في حساب‪،‬‬ ‫به‪ ،‬ويع ُ‬
‫وتبيّـن لهم باطلهم وضللهم‪ ،‬وصدق ما جاءتهم به الرسل‪.‬‬
‫ﭽﮅ ﮆ ﮇ ﮈ ﮉ ﮊ ﮋ ﮌ ﮍ ﮎ ﮏ ﮐ ﮑ ﮒ ﮓ ﮔ ﮕ‬
‫ﮖ ﮗ ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ ﮜﮝ ﮞ ﮟ ﮠ ﮡﮢ ﮣ ﮤ ﮥ ﮦ ﮧ ﭼ ‪.‬‬
‫ب المعبود وحده ل شريك‬ ‫}‪ {54‬يقول تعالى مبينا ً أنه الر ّ‬
‫ض{‪ :‬وما فيهما‬‫ت والر َ‬ ‫خل َقَ السموا ِ‬ ‫ه الذي َ‬‫ن رّبكم الل ُ‬
‫له‪} :‬إ ّ‬
‫على عظمهما وسعتهما وإحكامهما وإتقانهما وبديع خلقهما }في‬
‫ستة أيام{‪ :‬أولها يوم الحد‪ ،‬وآخرها يوم الجمعة‪ .‬فلما قضاهما‬
‫وأودع فيهما من أمره ما أودع؛ }استوى{‪ :‬تبارك وتعالى }على‬
‫العرش{‪ :‬العظيم الذي يسع السماوات والرض وما فيهما وما‬
‫بينهما؛ استوى استواًء يليق بجلله وعظمته وسلطانه‪ ،‬فاستوى‬
‫على العرش‪ ،‬واحتوى على الملك‪ ،‬ودبر الممالك‪ ،‬وأجرى عليهم‬
‫ل{‪:‬‬‫أحكامه الكونّية وأحكامه الدينّية‪ ،‬ولهذا قال‪} :‬ي ُْغشي اللي َ‬
‫المظلم }النهاَر{؛ المضيء‪ ،‬فيظلم ما على وجه الرض‪ ،‬ويس ُ‬
‫كن‬
‫الدميون‪ ،‬وتأوي المخلوقات إلى مساكنها‪ ،‬ويستريحون من‬
‫التعب والذهاب والياب الذي حصل لهم في النهار‪} .‬يطل ُُبه‬
‫حثيثًا{‪ :‬كّلما جاء الليل؛ ذهب النهار‪ ،‬وكّلما جاء النهار؛ ذهب‬
‫الليل‪ ...‬وهكذا أبدا ً على الدوام حتى يطوي الله هذا العالم‪،‬‬
‫وينتقل العباد إلى دار غير هذه الدار‪.‬‬
‫}والشمس والقمر والنجوم مسخرات بأمره{؛ أي‪:‬‬
‫ل على ما له من أوصاف الكمال‪ ،‬فخلقها‬ ‫بتسخيره وتدبيره الدا ّ‬
‫ل على كمال قدرته‪ ،‬وما فيها من الحكام والنتظام‬ ‫وعظمها دا ّ‬
‫ل على كمال حكمته‪ ،‬وما فيها من المنافع والمصالح‬ ‫والتقان دا ّ‬
‫ل على سعة رحمته‪ ،‬وذلك دال على سعة‬ ‫الضرورّية وما دونها دا ّ‬
‫خْلق‬
‫علمه‪ ،‬وأنه الله الحقّ الذي ل تنبغي العبادة إل له‪} .‬أل له الـ َ‬
‫والمر{؛ أي‪ :‬له الخلق الذي صدرت عنه جميع المخلوقات‬
‫علويـها وسفلّيها أعيانها وأوصافها وأفعالها والمر المتضمن‬
‫من أحكامه الكونّية القدرّية‪،‬والمر‬ ‫للشرائع والنبوات؛ فالخلق يتض ّ‬
‫من أحكامه الدينّية الشرعّية‪ ،‬وثم أحكام الجزاء‪ ،‬وذلك يكون‬ ‫يتض ّ‬
‫ُ‬ ‫ّ‬
‫في دار البقاء‪} .‬تبارك الله{؛ أي‪ :‬ع َظم وتعالى وكثر خيره‬
‫وإحسانه‪ ،‬فتبارك في نفسه لعظمة أوصافه وكمالها‪ ،‬وبارك في‬
‫غيره بإحلل الخير الجزيل والبر الكثير؛ فكل بركة في الكون‬
‫ب العالمين{‪.‬‬‫فمن آثار رحمته‪ ،‬ولهذا قال‪} :‬تبارك الّله ر ّ‬
‫ل ذوي اللباب على أنه‬ ‫ولما ذكر من عظمته وجلله ما يد ّ‬
‫وحده المعبود المقصود في الحوائج كّلها؛ أمر بما يترتب على‬
‫ذلك‪ ،‬فقال‪:‬‬
‫ﯙ ﯚ‬ ‫ﮮﮮ ﮯ ﮰ ﮱ ﯓ ﯔ ﯕ ﯖ ﯗ ﯘ‬ ‫ﭽ ﮨ ﮩ ﮪ ﮫﮬ ﮭ‬
‫ﯛﯜ ﯝ ﯞ ﯟ ﯠ ﯡ ﯢ ﯣ ﭼ ‪.‬‬
‫}‪ {55‬الدعاء يدخل فيه دعاء المسألة ودعاء العبادة‪ ،‬فأمر‬
‫بدعائه }تضرعًا{؛ أي‪ :‬إلحاحا ً في المسألة ودؤوبا ً في العبادة‪،‬‬
‫ة ُيخاف منه الرياء‪ ،‬بل خفية‬ ‫خفية{؛ أي‪ :‬ل جهرا ً وعلني ً‬‫}و ُ‬
‫ب المعتدين{؛ أي‪ :‬المتجاوزين‬ ‫وإخلصا ً لّله تعالى‪} .‬إنه ل يح ّ‬
‫للحد ّ في كل المور‪ ،‬ومن العتداء كون العبد يسأل الّله مسائل‬
‫ل تصلح له‪ ،‬أو يتنطع في السؤال‪ ،‬أو يبالغ في رفع صوته بالدعاء؛‬
‫ي عنه‪.‬‬
‫ل هذا داخل في العتداء المنه ّ‬ ‫فك ّ‬
‫}‪} {56‬ول تفسدوا في الرض{‪ :‬بعمل المعاصي }بعد‬
‫إصلحها{‪ :‬بالطاعات؛ فإن المعاصي تفسد الخلق والعمال‬
‫والرزاق؛ كما قال تعالى‪} :‬ظهر الفساد ُ في البّر والبحر بما‬
‫ح بها الخلق‬ ‫ن الطاعات تصل ُ ُ‬ ‫ت أيدي الناس{‪ :‬كما أ ّ‬ ‫كسب ْ‬
‫دنيا والخرة‪} .‬وادعوه خوفا ً‬ ‫والعمال والرزاق وأحوال ال ّ‬
‫وطمعًا{؛ أي‪ :‬خوفا ً من عقابه‪ ،‬وطمعا ً في ثوابه‪ ،‬طمعا ً في قبولها‬
‫ل على ربه‪ ،‬قد أعجبته نفسه‪،‬‬ ‫دها‪ ،‬ل دعاء عبد مد ّ‬ ‫وخوفا ً من ر ّ‬
‫ه‪.‬‬‫ونّزل نفسه فوق منزلته‪ ،‬أو دعاء من هو غافل ل ٍ‬
‫ص فيه لّله‬ ‫وحاصل ما ذكر الّله من آداب الدعاء‪ :‬الخل ُ‬
‫منه الخفية‪ ،‬وإخفاءه وإسراره‪ ،‬وأن يكون‬ ‫ن ذلك يتض ّ‬ ‫وحده؛ ل ّ‬
‫ل بالجابة‪ ،‬وهذا‬ ‫ب خائفا ً طامعا ً ل غافل ً ول آمنا ً ول غير مبا ٍ‬ ‫القل ُ‬
‫ل الجهد فيها‬ ‫من إحسان الدعاء؛ فإن الحسان في كل عبادة ب َذ ْ ُ‬
‫ن‬
‫ص فيها بوجه من الوجوه‪ .‬ولهذا قال‪} :‬إ ّ‬ ‫ة ل نق َ‬ ‫وأداؤها كامل ً‬
‫ب من المحسنين{‪ :‬في عبادة الّله‪ ،‬المحسنين إلى‬ ‫ة الّله قري ٌ‬ ‫رحم َ‬
‫عباد الّله‪ ،‬فكّلما كان العبد أكثر إحسانًا؛ كان أقرب إلى رحمة‬
‫ث على‬ ‫رّبه‪ ،‬وكان رّبه قريبا ً منه برحمته‪ .‬وفي هذا من الح ّ‬
‫الحسان ما ل يخفى‪.‬‬
‫ﯷ ﯷ ﯷ ﯷ‬ ‫ﭽ ﯤ ﯥ ﯦ ﯧ ﯨ ﯩ ﯪﯧﯧ ﯫﯧﯧﯬﯧﯧ ﯭﯧﯧ ﯮﯧﯧ ﯯﯧﯧ ﯰﯧﯧ ﯱﯧﯧ ﯷ ﯷ‬
‫ﯿ ﯷ ﯷ ﯷ ﯷ ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖﭗ‬ ‫ﯼﯽ ﯾ‬ ‫ﯷ ﯷ ﯷ ﯷ‬
‫ﭜ ﭝﭞ ﭟ ﭠ ﭡ ﭢ ﭣ ﭤ ﭼ ‪.‬‬ ‫ﭛ‬ ‫ﭘ ﭙ ﭚ‬
‫}‪ {57‬بين )‪ (1‬تعالى أثرا ً من آثار قدرته ونفحة من نفحات‬
‫رحمته‪ ،‬فقال‪} :‬وهو الذي يرسل الرياح بشرا ً بين يدي رحمته{؛‬
‫أي‪ :‬الرياح المبشرات بالغيث‪ ،‬التي تثيره بإذن الّله من الرض‪،‬‬
‫فيستبشر الخلق برحمة الّله‪ ،‬وترتاح لها قلوبهم قبل نزوله‪.‬‬
‫ل{‪ :‬قد أثاره بعضها‪ ،‬وألفه‬ ‫}حتى إذا أقّلت{‪ :‬الرياح }سحابا ً ثقا ً‬
‫ت{‪ :‬قد كادت‬ ‫قناه لبلد ٍ مي ّ ٍ‬ ‫س ْ‬
‫ح أخرى وألقحه ريح أخرى‪ُ } ،‬‬ ‫ري ٌ‬
‫ه وكاد أهله أن ييأسوا من رحمة الّله‪} .‬فأنزلنا به{؛‬ ‫تهلك حيوانات ُ ُ‬
‫خر‬
‫أي‪ :‬بذلك البلد الميت }الماء{‪ :‬الغزير من ذلك السحاب‪ ،‬وس ّ‬
‫ل‬‫الّله له ريحا ً تدره وريحا ً تفّرقه بإذن الّله‪ .‬فأنبتنا به من ك ّ‬
‫الثمرات‪ :‬فأصبحوا مستبشرين برحمة الّله‪ ،‬راتعين بخير الّله‪.‬‬
‫كرون{؛ أي‪ :‬كما أحيينا‬ ‫ج الموتى لعّلكم ت َذ َ ّ‬‫وقوله‪} :‬كذلك نخرِ ُ‬
‫الرض بعد موتها بالنبات كذلك نخرج الموتى من قبورهم بعدما‬
‫كانوا رفاتا ً متمّزقين‪ .‬وهذا استدلل واضح؛ فإنه ل فرق بين‬
‫ث استبعادا ً له مع أنه يرى ما هو نظيره من‬ ‫المرين؛ فمنك ُِر البع ِ‬
‫كر‬‫ث على التذ ّ‬ ‫باب العناد وإنكار المحسوسات‪ .‬وفي هذا الح ّ‬
‫كر في آلء الّله والنظر إليها بعين العتبار والستدلل ل‬ ‫والتف ّ‬
‫بعين الغفلة والهمال‪.‬‬

‫‪ -‬في )ب(‪» :‬يبين«‪.‬‬ ‫‪1‬‬


‫}‪ {58‬ثم ذكر تفاوت الراضي التي ينزل عليها المطر‪،‬‬
‫فقال‪} :‬والبلد ُ الطّيب{؛ أي‪ :‬طيب التربة والمادة‪ ،‬إذا نزل عليه‬
‫ه{‪ :‬الذي هو مستعد ّ له }بإذن رّبه{؛ أي‪:‬‬ ‫المطر؛ }يخرج نبات ُ ُ‬
‫ة بوجود الشياء‬ ‫بإرادة الّله ومشيئته‪ ،‬فليست السباب مستقل ً‬
‫ّ‬
‫ج إل ّ‬ ‫ث{‪ :‬من الراضي }ل يخُر ُ‬ ‫خب ُ َ‬‫حتى يأذن الّله بذلك‪} .‬والذي َ‬
‫سا ل نفع فيه ول بركة‪} .‬كذلك نصّرف‬ ‫كدًا{؛ أي‪ :‬إل نباتا ً خا ّ‬ ‫نَ ِ‬
‫وعها‪ ،‬ونبّينها‪ ،‬ونضرب فيها المثال‪،‬‬ ‫ن{؛ أي‪ :‬نن ّ‬ ‫اليات لقوم يشكرو َ‬
‫ونسوقها لقوم يشكرون الّله بالعتراف بنعمه والقرار بها‬
‫وصرفها في مرضاة الّله؛ فهم الذين ينتفعون بما فصل الّله في‬
‫كتابه من الحكام والمطالب اللهية؛ لّنهم يرونها من أكبر النعم‬
‫الواصلة إليهم من ربهم‪ ،‬فيتلقونها مفتقرين إليها فرحين بها‪،‬‬
‫ملونها‪ ،‬فيبين لهم من معانيها بحسب استعدادهم‪.‬‬ ‫فيتدّبرونها ويتأ ّ‬
‫ل للقلوب حين ينزل عليها الوحي الذي هو مادةُ‬ ‫وهذا مثا ٌ‬
‫الحياة كما أن الغيث مادة الحيا؛ فإن القلوب الطيبة حين يجيئها‬
‫ت بحسب طيب أصلها وحسن عنصرها‪،‬‬ ‫الوحي تقبله وتعلمه وتنب ُ ُ‬
‫وأما القلوب الخبيثة التي ل خير فيها؛ فإذا جاءها الوحي؛ لم يجد‬
‫ل‪ ،‬بل يجدها غافلة معرضة أو معارضة‪ ،‬فيكون كالمطر‬ ‫محل ّ قاب ً‬
‫الذي يمّر على السباخ والرمال والصخور فل يؤّثر فيها شيئًا‪ ،‬وهذا‬
‫قد َِرها‬
‫ة بِ َ‬
‫ت أودي ٌ‬ ‫كقوله تعالى‪} :‬أنزل من السماِء ماًء فسال ْ‬
‫ل زبدا ً رابيًا‪ {...‬اليات‪.‬‬ ‫ل السي ُ‬‫فاحتم َ‬
‫ﭽﭥ ﭦ ﭧ ﭨ ﭩ ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ ﭯ ﭰ ﭱ ﭲ ﭳ ﭴ‬
‫ﭵ ﭶ ﭷ ﭸ ﭹ ﭺ ﭻ ﭼ ﭽ ﭾ ﭿ ﮀ ﮁ ﮂ ﮃ ﮄ ﮅ ﮆ ﮇ ﮈ ﮉ‬
‫ﮊ ﮋ ﮌ ﮍ ﮎ ﮏ ﮐ ﮑ ﮒ ﮓ ﮔ ﮕ ﮖ ﮗ ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ ﮜ‬
‫ﮡ ﮢ ﮣ ﮤ ﮥ ﮦ ﮧ ﮨ ﮩ ﮪ ﮫ ﮬ ﮭ ﮮﮮ ﮯ ﮰ ﮱ‬ ‫ﮝ ﮞ ﮟ ﮠ‬
‫ﯓﯔ ﯕ ﯖ ﯗ ﯘ ﯙ ﭼ )‪. (1‬‬

‫ة؛ أّيد ذلك بذ ِك ْ ِ‬


‫ر‬ ‫ة صالح ً‬ ‫لما ذكر تعالى من أدلة توحيده جمل ً‬
‫ما جرى للنبياء الداعين إلى توحيده مع أممهم المنكرين لذلك‪،‬‬
‫وكيف أّيد الّله أهل التوحيد وأهلك من عاندهم ولم ين َ‬
‫قد ْ لهم‪،‬‬
‫ن واحد ومعتقد ٍ واحد‪.‬‬ ‫وكيف اّتفقت دعوة المرسلين على دي ٍ‬
‫}‪ {59‬فقال عن نوح أول المرسلين‪} :‬لقد أرسلنا نوحا ً إلى‬
‫دون الوثان‪،‬‬ ‫قومه{‪ :‬يدعوهم إلى عبادة الّله وحده حين كانوا يعب ُ‬
‫}فقال{‪ :‬لهم‪} :‬يا قوم اعُبدوا الّله{؛ أي‪ :‬وحدوه‪} ،‬ما لكم من‬
‫ه{‪ :‬لنه الخالق الرازق المدّبر لجميع المور‪ ،‬وما سواه‬ ‫إلهٍ غيُر ُ‬
‫وفهم إن لم يطيعوه‬ ‫مخلوقٌ مدّبر ليس له من المر شيء‪ .‬ثم خ ّ‬
‫‪ -‬في )ب(‪ :‬إلى آخر قصته‪.‬‬ ‫‪1‬‬
‫ب يوم عظيم{‪ :‬وهذا‬ ‫ب الّله‪ ،‬فقال‪} :‬إّنـي أخا ُ‬
‫ف عليكم عذا َ‬ ‫عذا َ‬
‫من نصحه عليه الصلة والسلم وشفقته عليهم؛ حيث خاف‬
‫ي؛ كإخوانه من المرسلين‪،‬‬ ‫عليهم العذاب البديّ والشقاء السرمد ّ‬
‫خْلق أعظم من شفقة آبائهم وأمهاتهم‪.‬‬ ‫فقون على الـ َ‬‫الذين يش ِ‬
‫د‪ ،‬فقال‬ ‫دوا عليه أقبح ر ّ‬ ‫}‪ {60‬فلما قال لهم هذه المقالة؛ ر ّ‬
‫ه{؛ أي‪ :‬الرؤساء الغنياء المتبوعون‪ ،‬الذين قد‬ ‫م ِ‬‫}المل من قو ِ‬
‫جرت العادة باستكبارهم على الحقّ وعدم انقيادهم للرسل‪} :‬إنا‬
‫ه أنهم لم ينقادوا‬ ‫م الل ّ ُ‬‫حه ُ ُ‬
‫فِهم قب ّ َ‬‫لنراك في ضلل مبين{‪ :‬فلم يك ِ‬
‫له‪ ،‬بل استكبروا عن النقياد له‪ ،‬وقدحوا فيه أعظم قدح‪ ،‬ونسبوه‬
‫إلى الضلل‪ ،‬ولم يكتفوا بمجّرد الضلل‪ ،‬حّتى جعلوه ضلل ً مبينا ً‬
‫د!! وهذا من أعظم أنواع المكابرة‪ ،‬التي ل تروج‬ ‫ل أح ٍ‬ ‫واضحا ً لك ّ‬
‫ل‪ ،‬وإّنما هذا الوصف منطبقٌ على قوم‬ ‫على أضعف الناس عق ً‬
‫وروها ونحتوها بأيديهم من‬ ‫نوح‪ ،‬الذين جاؤوا إلى أصنام قد ص ّ‬
‫ً‬
‫صُر ول تغني عنهم شيئا‪ ،‬فنّزلوها‬ ‫الجمادات التي ل تسمع ول تب ِ‬
‫منزلة فاطر السماوات‪ ،‬وصرفوا لها ما أمكنهم من أنواع‬
‫م‬
‫حك ِ َ‬ ‫جة الّله عليهم؛ َلـ ُ‬ ‫ح ّ‬ ‫ن لـهـم أذهـانـا ً تقوم بها ُ‬ ‫قُربات‪ ،‬فلول أ ّ‬ ‫ال ُ‬
‫عليهم بأن المجانين أهدى منهم‪ ،‬بل هم أهدى منهم وأعقل‪.‬‬
‫دا لطيفا ً وترّقق لهم لعلهم‬ ‫}‪ 61‬ـ ‪ {62‬فرد نوح عليهم َر ّ‬
‫ة{؛ أي‪ :‬لست ضال ّ في‬ ‫ينقادون له‪ ،‬فقال‪} :‬يا قوم ليس بي ضلل ٌ‬
‫د‪ ،‬بل‬ ‫مسألة من المسائل من جميع الوجوه‪ ،‬وإنما أنا هاد ٍ مهت ٍ‬
‫ه عليه الصلة والسلم من جنس هداية إخوان ِهِ أولي العزم‬ ‫هدايت ُ ُ‬
‫من المرسلين‪ ،‬أعلى أنواع الهدايات وأكملها وأتمها‪ ،‬وهي هداية‬
‫ب‬
‫ل من ر ّ‬ ‫مة الكاملة‪ ،‬ولهذا قال‪} :‬ولكّني رسو ٌ‬ ‫الرسالة التا ّ‬
‫ن{؛ أي‪ :‬ربي وربكم ورب جميع الخلق‪ ،‬الذي رّبى جميع‬ ‫العالمي َ‬
‫الخلق )‪ (1‬بأنواع التربية‪ ،‬الذي من أعظم تربيته أن أرسل إلى‬
‫عباده رسل ً تأمرهم بالعمال الصالحة والخلق الفاضلة والعقائد‬
‫ت رّبـي‬ ‫الحسنة‪ ،‬وتنهاهم عن أضدادها‪ ،‬ولهذا قال‪} :‬أبل ُّغكم رسال ِ‬
‫ح لكم{؛ أي‪ :‬وظيفتي تبليغكم ببيان توحيده وأوامره ونواهيه‬ ‫وأنص ُ‬
‫م من الل ّهِ مال‬ ‫على وجه النصيحة لكم والشفقة عليكم‪} ،‬وأعل ُ‬
‫ن{‪ :‬فالذي يتعيّـن أن تطيعوني وتنقادوا لمري إن كنتم‬ ‫تعلمو َ‬
‫ن‪.‬‬‫تعلمو َ‬
‫جب ُْتم أن جاءكم ذ ِك ٌْر من رّبكم على رجل‬ ‫}‪} {63‬أوَع َ ِ‬
‫منكم{؛ أي‪ :‬كيف تعجبون من حالة ل ينبغي العجب منها‪ ،‬وهو أن‬

‫‪ -‬في )ب(‪» :‬جميع العالمين«‪.‬‬ ‫‪1‬‬


‫)‪ (1‬جاءكم التذكير والموعظة والنصيحة على يد رجل منكم‪،‬‬
‫تعرفون حقيقَته وصدَقه وحاَله؛ فهذه الحال من عناية الّله بكم‬
‫قى بالقبول والشكر‪ .‬وقوله‪} :‬ل ُِينذ َِر ُ‬
‫كم‬ ‫وبّره وإحسانه الذي ي ُت َل َ ّ‬
‫ولتّتقوا ولعّلكم ُترحمون{؛ أي‪ :‬لينذركم العذاب الليم‪ ،‬وتفعلوا‬
‫السباب المنجية من استعمال تقوى الّله ظاهرا ً وباطنًا‪ ،‬وبذلك‬
‫ل عليهم‪ ،‬وتنزل رحمة الّله الواسعة‪.‬‬ ‫ص ُ‬
‫تح ُ‬
‫جْيناه والذين‬ ‫ذبوه فأن َ‬ ‫ح‪} ،‬فك ّ‬‫ج َ‬
‫}‪ {64‬فلم يفد فيهم ول ن َ َ‬
‫فْلك{؛ أي‪ :‬السفينة التي أمر الّله نوحا ً عليه السلم‬ ‫معه في ال ُ‬
‫ل صنف من الحيوانات‬ ‫ل من ك ّ‬ ‫م َ‬
‫بصنعها‪ ،‬وأوحى إليه أن يح ِ‬
‫جاهم الّله بها‪.‬‬ ‫ن آمن معه‪ ،‬فحملهم فيها‪ ،‬ون ّ‬ ‫م ْ‬
‫زوجين اثنين وأهله و َ‬
‫ن{‪ :‬عن الهدى‪،‬‬ ‫ذبوا بآياتنا إّنهم كانوا قوما ً ع َ ِ‬
‫مي َ‬ ‫}وأغرقنا الذين ك ّ‬
‫ت ما به‬‫ق‪ ،‬وأراهم الّله على يد نوح من اليات البينا ِ‬ ‫أبصروا الح ّ‬
‫ن أولو اللباب‪ ،‬فسخروا منه‪ ،‬واستهزؤوا به‪ ،‬وكفروا‪.‬‬ ‫م ُ‬
‫يؤ ِ‬
‫ﭽ ﯚ ﯛ ﯜ ﯝ ﯞﯟ ﯠ ﯡ ﯢ ﯣ ﯤ ﯥ ﯦ ﯧ ﯨﯩ ﯪﯧﯧ ﯫﯧﯧ ﯬﯧﯧ ﯭﯧﯧ ﯮﯧﯧ ﯯﯧﯧ ﯰﯧﯧ‬
‫ﯱﯧﯧ ﯷ ﯷ ﯷ ﯷ ﯷ ﯷ ﯷ ﯷ ﯷ ﯷ ﯼ ﯽ ﯾ ﯿ ﯷ ﯷ ﯷ ﯷ ﯷ ﯷ‬
‫ﯷ ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ ﭝ ﭞ ﭟ ﭠ ﭡ ﭢﭣ ﭤ‬
‫ﭥ ﭦ ﭧ ﭨ ﭩ ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ ﭯﭰ ﭱ ﭲ ﭳ ﭴ ﭵ ﭶ ﭷ ﭸ‬
‫ﮇ ﮈ ﮉ ﮊ ﮋ ﮌ ﮍ‬ ‫ﭹ ﭺ ﭻ ﭼ ﭽ ﭾ ﭿ ﮀﮁ ﮂ ﮃ ﮄ ﮅ ﮆ‬
‫ﮎ ﮏ ﮐ ﮑ ﮒ ﮓ ﮔ ﮕ ﮖ ﮗ ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ ﮜ ﮝ ﮞﮟ ﮠ ﮡ‬
‫)‪(2‬‬
‫ﮢ ﮣ ﮤ ﮥ ﮦ ﮧ ﮨ ﮩ ﮪ ﮫ ﮬ ﮭ ﮮﮮ ﮯﮰ ﮱ ﯓ ﯔ ﯕ ﭼ ‪.‬‬
‫}‪ {65‬أي‪} :‬و{‪ :‬أرسلنا }إلى عاٍد{‪ :‬ـ الولى‪ ،‬الذين كانوا‬
‫في أرض اليمن ـ }أخاهم{‪ :‬في النسب }هودًا{‪ :‬عليه السلم‪،‬‬
‫يدعوهم إلى التوحيد‪ ،‬وينهاهم عن الشرك‪ ،‬والطغيان في الرض‪،‬‬
‫ه ما لكم من إلهٍ غيره أفل تتقون{‪:‬‬ ‫فقال لهم‪} :‬يا قوم اعُبدوا الل ّ َ‬
‫ه إن أقمتم على ما أنتم عليه‪.‬‬ ‫خط َ ُ‬
‫ه وعذاب َ ُ‬ ‫س َ‬
‫َ‬
‫}‪ {66‬فلم يستجيبوا ول انقادوا‪ ،‬فقال }المل ُ الذين كفروا‬
‫دين لدعوته قادحين في رأيه‪} :‬إنا لنراك في‬ ‫ه{‪ :‬را ّ‬
‫م ِ‬
‫من قو ِ‬
‫سفاهةٍ وإنا لنظّنك من الكاذبين{؛ أي‪ :‬ما نراك إل ّ سفيها ً غير‬‫َ‬
‫رشيد‪ ،‬ويغلب على ظّننا أنك من جملة الكاذبين‪ .‬وقد انقلبت‬
‫ة واستحكم عماهم حيث رموا نبّيهم عليه السلم‬ ‫عليهم الحقيق ُ‬
‫قا‬
‫بما هم مّتصفون به‪ ،‬وهو أبعد ُ الناس عنه؛ فإنهم السفهاء ح ّ‬
‫من قابل أحقّ الحقّ بالرد ّ والنكار‪،‬‬
‫الكاذبون‪ ،‬وأيّ سفهٍ أعظم مـ ّ‬
‫‪ -‬في )ب(‪» :‬أنه«‪.‬‬ ‫‪1‬‬

‫‪ -‬في )ب(‪ :‬إلى آخر القصة‪.‬‬ ‫‪2‬‬


‫ه وقالبه لك ّ‬
‫ل‬ ‫وتكّبر عن النقياد للمرشدين والنصحاء‪ ،‬وانقاد قلب ُ ُ‬
‫د‪ ،‬ووضع العبادة في غير موضعها‪ ،‬فعَب َد َ من ل يغني‬ ‫شيطان مري ٍ‬
‫عنه شيئا ً من الشجار والحجار؟! وأيّ كذب أبلغ من كذب من‬
‫نسب هذه المور إلى الّله تعالى؟!‬
‫ة{‪ :‬بوجهٍ من الوجوه‪،‬‬ ‫}‪} {67‬قال يا قوم ليس بي سفاه ٌ‬
‫ب‬‫ل من ر ّ‬ ‫د‪} ،‬ولكّني رسو ٌ‬ ‫بل هو الرسول المرشد ُ الرشي ُ‬
‫العالمين{‪.‬‬
‫ح أمين{‪:‬‬ ‫ت رّبـي وأنا لكم ناص ٌ‬ ‫}‪} {68‬أبل ُّغكم رسال ِ‬
‫قوا ذلك بالقبول والنقياد وطاعة رب‬ ‫فالواجب عليكم أن تتل ّ‬
‫العباد‪.‬‬
‫كم‬‫جب ُْتم أن جاءكم ذ ِك ٌْر من رّبكم على رجل من ُ‬ ‫}‪} {69‬أوَع َ ِ‬
‫ب منه‪ ،‬وهو أن الّله‬ ‫ج ُ‬‫كم{؛ أي‪ :‬كيف تعجبون من أمر ل ي ُت َعَ ّ‬ ‫ل ُِينذ َِر ُ‬
‫كركم بما فيه‬ ‫أرسل إليكم رجل ً منكم‪ ،‬تعرفون أمره‪ ،‬يذ ّ‬
‫جبتم من ذلك‬ ‫مصالحكم‪ ،‬ويحّثكم على ما فيه النفع لكم‪ ،‬فـتـعـ ّ‬
‫جعََلكم خلفاء من بعد قوم نوح{؛‬ ‫كروا إذ ْ َ‬ ‫جب المنكرين‪} .‬واذ ْ ُ‬ ‫تع ّ‬
‫ن لكم في الرض‪ ،‬وجعلكم‬ ‫مك ّ َ‬‫كروه إذ َ‬ ‫أي‪ :‬واحمدوا رّبكم‪ ،‬واش ُ‬
‫ذبوا الرسل‪ ،‬فأهلكهم الّله‪ ،‬وأبقاكم‬ ‫تخُلفون المم الهالكة الذين ك ّ‬
‫لينظر كيف تعملون‪ ،‬واحذروا أن تقيموا على التكذيب كما أقاموا‪،‬‬
‫صكم‬ ‫فيصيبكم ما أصابهم‪} ،‬و{ اذكروا نعمة الّله عليكم التي خ ّ‬
‫ة{‪ :‬في القوة وكبر‬ ‫سط َ ً‬ ‫بها‪ ،‬وهي أن }زادكم في الخلق ب َ ْ‬
‫ه{؛ أي‪ :‬نعمه الواسعة‬ ‫كروا آلَء الل ّ ِ‬ ‫دة البطش‪} ،‬فاذ ُ‬ ‫الجسام وش ّ‬
‫قها‪،‬‬ ‫كم{‪ :‬إذا ذ َك َْرُتموها بشكرها وأداء ح ّ‬ ‫وأياديه المتكررة‪} ،‬لعل ّ ُ‬
‫ن{؛ أي‪ :‬تفوزون بالمطلوب‪ ،‬وتنجون من المرهوب‪.‬‬ ‫}تفلحو َ‬
‫كرهم وأمرهم بالتوحيد وذكر لهم وصف‬ ‫}‪ {70‬فوعظهم وذ ّ‬
‫ه كما أخذ من‬ ‫ذرهم أن يأخذهم الل ّ ُ‬ ‫نفسه وأنه ناصح أمين‪ ،‬وح ّ‬
‫كرهم نعم الّله عليهم وإدرار الرزاق إليهم‪ ،‬فلم ينقادوا‬ ‫قبلهم‪ ،‬وذ ّ‬
‫جبين من دعوته ومخبرين له أنهم من‬ ‫ول استجابوا‪ ،‬فقالوا متع ّ‬
‫ه وحد َه ُ ون َذ ََر ما كان يعبد ُ‬ ‫المحال أن يطيعوه‪} :‬أجئَتنا لنعبد َ الل ّ َ‬
‫ب الواجبات وأكم ُ‬
‫ل‬ ‫آباؤنا{‪ :‬قّبحهم الّله‪ ،‬جعلوا المر الذي هو أوج ُ‬
‫المور من المور التي ل يعارضون بها ما وجدوا عليه آباءهم‪،‬‬
‫دموا ما عليه الباء الضالون من الشرك وعبادة الصنام على‬ ‫فق ّ‬
‫ما دعت إليه الرسل من توحيد الّله وحده ل شريك له وكذبوا‬
‫ت من الصادقين{‪ :‬وهذا‬ ‫دنا إن كن َ‬ ‫نبيهم وقالوا‪} :‬ائتنا بما تعِ ُ‬
‫ح منهم على أنفسهم‪.‬‬ ‫الستفتا ُ‬
‫}‪ {71‬فقال لهم هود ٌ عليه السلم‪} :‬قد وَقَعَ عليكم من‬
‫ب{؛ أي‪ :‬ل بد ّ من وقوعه؛ فإنه قد انعقدت‬ ‫س وغض ٌ‬ ‫ج ٌ‬ ‫رّبكم ر ْ‬
‫مْيتموها‬ ‫ت الهلك‪} .‬أتجاِدلوَنني في أسماٍء س ّ‬ ‫أسبابه وحان وق ُ‬
‫أنتم وآباؤكم{؛ أي‪ :‬كيف تجادلون على أمور ل حقائق لها وعلى‬
‫مي ُْتموها آلهة وهي ل شيء من اللهية فيها ول مثقال‬ ‫أصنام س ّ‬
‫ة؛‬
‫ن{؛ فإنها لو كانت صحيح ً‬ ‫ذّرة و}ما أنزل الّله بها من سلطا ٍ‬
‫ل على بطلنها؛ فإنه ما‬ ‫لنزل الّله بها سلطاًنا‪ ،‬فعدم إنزاله له دلي ٌ‬
‫من مطلوب ومقصود ـ وخصوصا ً الموَر الكباَر ـ إل وقد بّين الّله‬
‫ل عليها ومن السلطان ما ل تخفى معه‪،‬‬ ‫فيها من الحجج ما يد ّ‬
‫دتكم به‪} .‬إّنـي‬ ‫}فانتظروا{‪ :‬ما يقعُ بكم من العقاب الذي وَع َ ْ‬
‫ن يخشى‬ ‫م ْ‬‫معكم من المنتظرين{‪ :‬وفرق بين النتظاَرْين؛ انتظارِ َ‬
‫ن يرجو من الّله النصر والثواب‪.‬‬ ‫م ْ‬‫وقوع العقاب و َ‬
‫جْيناه{؛ أي‪:‬‬ ‫}‪ {72‬ولهذا فتح الّله بين الفريقين فقال‪} :‬فأن َ‬
‫هودًا‪} ،‬والذين{ آمنوا معه }برحمةٍ منا{‪ :‬فإنه الذي هداهم‬
‫لليمان‪ ،‬وجعل إيمانهم سببا ً ينالون به رحمته‪ ،‬فأنجاهم برحمته‪،‬‬
‫ذبوا بآياتنا{؛ أي‪ :‬استأصلناهم بالعذاب‬ ‫}وقط َْعنا دابر الذين ك ّ‬
‫ط الّله عليهم }الريح‬ ‫سل ّ َ‬
‫الشديد الذي لم ي ُْبق منهم أحدًا‪ ،‬و َ‬
‫العقيم‪ .‬ما ت َذ َُر من شيٍء أتت عليه إل جعلته كالّرميم{‪} ،‬فأهِْلكوا‬
‫ذرين{‪،‬‬ ‫ة المن َ‬ ‫فأصبحوا ل ُيرى إل ّ مساك ُِنهم فان ْظ ُْر كيف كان عاقب ُ‬
‫مروا باليمان فلم‬ ‫حجج فلم ينقادوا لها‪ ،‬وأ ِ‬ ‫الذين أقيمت عليهم الـ ُ‬
‫ُ‬
‫يؤمنوا‪ ،‬فكان عاقِب َُتهم الهلك والخزي والفضيحة‪} ،‬وأت ِْبعوا في‬
‫فروا رّبهم أل ب ُْعدا ً لعادٍ‬ ‫ن عادا ً ك َ َ‬ ‫ة‪ .‬أل إ ّ‬‫م القيام ِ‬ ‫ة ويو َ‬ ‫دنيا لعن ً‬‫هذه ال ّ‬
‫ذبوا بآياتنا وما كانوا‬ ‫َ‬
‫قوم هود{‪ .‬وقال هنا‪} :‬وقَطْعنا دابَر الذين ك ّ‬
‫م التكذيب والعناد‪ ،‬ونعت ُُهم‬ ‫فه ُ‬
‫ص ُ‬ ‫ن{‪ :‬بوجهٍ من الوجوه‪ ،‬بل وَ ْ‬ ‫مؤمني َ‬
‫الك ِْبر والفساد‪.‬‬
‫ﭽ ﯖ ﯗ ﯘ ﯙﯚ ﯛ ﯜ ﯝ ﯞ ﯟ ﯠ ﯡ ﯢ ﯣﯤ ﯥ ﯦ ﯧ ﯨ ﯩﯪﯧﯧ ﯫﯧﯧ ﯬﯧﯧ ﯭﯧﯧ‬
‫ﯮﯧﯧ ﯯﯧﯧﯰﯧﯧ ﯱﯧﯧ ﯷ ﯷ ﯷ ﯷﯷ ﯷ ﯷ ﯷ ﯷ ﯷ ﯼ ﯽ ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ‬
‫ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ ﭝ ﭞ ﭟ ﭠ ﭡﭢ ﭣ ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ ﭨ‬
‫ﭩ ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ ﭯ ﭰ ﭱ ﭲ ﭳ ﭴ ﭵ ﭶ ﭷ ﭸ ﭹ ﭺ ﭻ‬
‫ﭼﭽ ﭾ ﭿ ﮀ ﮁ ﮂ ﮃ ﮄ ﮅ ﮆ ﮇ ﮈ ﮉ ﮊ ﮋ ﮌ ﮍ ﮎ ﮏ ﮐ‬
‫ﮛ ﮜ ﮝ ﮞ ﮟ ﮠ ﮡ‬ ‫ﮑ ﮒ ﮓ ﮔ ﮕ ﮖ ﮗ ﮘ ﮙ ﮚ‬
‫)‪(1‬‬
‫ﮢ ﮣ ﮤ ﮥ ﮦ ﮧ ﮨ ﮩ ﮪ ﮫ ﮬ ﮭ ﮮﮮ ﮯ ﮰ ﮱ ﯓ ﯔ ﭼ ‪.‬‬
‫}‪ {73‬أي‪} :‬و{ أرسلنا }إلى ثمود{‪ :‬القبيلة المعروفة‬
‫جر وما حوله من أرض الحجاز وجزيرة‬ ‫ح ْ‬ ‫الذين كانوا يس ُ‬
‫كنون الـ ِ‬
‫‪ -‬في )ب(‪ :‬إلى آخر قصتهم‪.‬‬ ‫‪1‬‬
‫العرب‪ ،‬أرسل الّله إليهم }أخاهم صالحًا{‪ :‬نبّيا يدعوهم إلى‬
‫اليمان والتوحيد وينهاهم عن الشرك والتنديد‪ ،‬فقال‪} :‬يا قوم‬
‫ه عليه الصلة والسلم من‬ ‫كم من إلهٍ غيره{‪ :‬دعوت ُ ُ‬ ‫اعبدوا الله مال َ ُ‬
‫جنس دعوة إخوانه من المرسلين‪ :‬المر بعبادةِ الّله وبيان أنه‬
‫ة من رّبكم{؛ أي‪ :‬خارق‬ ‫ليس للعباد إله غير الّله‪} .‬قد جاءْتكم بين ٌ‬
‫من خوارق العادات التي ل تكون إل آية سماوّية ل يقدر الناس‬
‫ة الّله لكم آية{؛ أي‪ :‬هذه ناق ٌ‬
‫ة‬ ‫سرها بقوله‪} :‬هذه ناق ُ‬ ‫عليها‪ ،‬ثم ف ّ‬
‫ة لضافتها إلى الّله تعالى إضافة تشريف‪ ،‬لكم فيها‬ ‫ة فاضل ٌ‬ ‫شريف ٌ‬
‫ب‬‫شْر ُ‬ ‫ب ولكم ِ‬ ‫شْر ٌ‬‫آية عظيمة‪ ،‬وقد ذكر وجه الية في قوله‪} :‬لها ِ‬
‫ة‪ ،‬وهي المعروفة ببئر الناقة‪،‬‬ ‫يوم معلوم{‪ ،‬وكان عندهم بئر كبير ٌ‬
‫يتناوبونها هم والناقة‪ ،‬للناقة يوم تشربها ويشربون اللبن من‬
‫ضرعها‪ ،‬ولهم يوم يردونها وتصدر الناقة عنهم‪ .‬وقال لهم نبّيهم‬
‫ل في أرض الّله{‪ :‬فل عليكم من‬ ‫ذروها تأك ْ‬ ‫صالح عليه السلم‪} :‬ف َ‬
‫سوها بسوٍء{؛ أي‪ :‬بعقر أو غيره‪،‬‬ ‫م ّ‬ ‫مؤونتها شيء‪} ،‬ول َتـ َ‬
‫ب أليم{‪.‬‬ ‫كم عذا ٌ‬ ‫}فيأخذ َ ُ‬
‫كم خلفاَء{‪ :‬في الرض تتمّتعون بها‬ ‫جعَل َ ُ‬
‫كروا إذ َ‬ ‫}‪} {74‬واذ ْ ُ‬
‫وتدركون مطالبكم‪} ،‬من بعد عاٍد{‪ :‬الذين أهلكهم الّله وجعََلكم‬
‫كن لكم فيها‬ ‫وأكم في الرض{؛ أي‪ :‬م ّ‬ ‫خلفاء من بعدهم‪} ،‬وب ّ‬
‫ن‬
‫وسّهل لكم السباب الموصلة إلى ما تريدون وتبتغون‪} ،‬تّتخذو َ‬
‫من سهولها قصورًا{؛ أي‪ :‬الراضي السهلة التي ليست بجبال‬
‫بيوتًا‪ ،‬ومن الجبال بيوتا ً ينحتونها )‪ (1‬كما هو مشاهد ٌ إلى الن‬
‫جر ونحوها‪ ،‬وهي‬ ‫ح ْ‬
‫أعمالهم التي في الجبال من المساكن وال ِ‬
‫ولكم‬ ‫باقية ما بقيت الجبال‪} .‬فاذكروا آلء الّله{؛ أي‪ :‬نعمه وما خ ّ‬
‫من الفضل والرزق والقوة‪} ،‬ول تعَثوا في الرض مفسدين{؛ أي‪:‬‬
‫خّربوا في الرض بالفساد والمعاصي؛ فإن المعاصي تدع‬ ‫ل تُ َ‬
‫ت مساك َِنهم‬ ‫هم منهم‪ ،‬وأبق ْ‬ ‫ت دياَر ُ‬ ‫ع‪ ،‬وقد أخل ْ‬ ‫الدياَر العامرة َ بلقِ َ‬
‫دهم‪.‬‬ ‫ة بع َ‬‫موحش ً‬
‫ه{؛ أي‪ :‬الرؤساء‬ ‫م ِ‬ ‫}‪} {75‬قال المل ُ الذين استكبروا من قو ِ‬
‫والشراف الذين تكبروا عن الحق‪} ،‬للذين استضعفوا{‪ :‬ولما‬
‫ن آمن منهم‬ ‫كان المستضَعفون ليسوا كّلهم مؤمنين؛ قالوا‪} :‬ل ِ َ‬
‫م ْ‬
‫ل من رّبه{؛ أي‪ :‬أهو صادقٌ أم كاذب؟‬ ‫ن صالحا ً مرس ٌ‬
‫أتعَلمون أ ّ‬
‫ن{ من توحيد‬ ‫ل به مؤمنو َ‬ ‫س َ‬
‫فقال المستضعفون‪ :‬إّنا بالذي }أر ِ‬
‫الّله والخبر عنه وأمره ونهيه‪.‬‬
‫‪ - 1‬في )ب(‪» :‬التي ليست بجبال تتخذون فيها القصور العالية والبنية‬
‫الحصينة‪ ،‬وتنحتون الجبال بيوتًا«‪ .‬سقط من ) أ (‪ ،‬واستدركه الشيخ بما‬
‫أثبت‪.‬‬
‫ن{‪:‬‬
‫}‪} {76‬قال الذين استكَبروا إّنا بالذي آمنُتم به كافرو َ‬
‫مل َهُ ُ‬
‫م الك ِب ُْر أن ل ينقادوا للحقّ الذي انقاد له الضعفاء‪.‬‬ ‫حـ َ‬
‫َ‬
‫عدهم إن مسوها بسوء أن‬ ‫}‪} {77‬فعقروا الناقة{‪ :‬التي تو ّ‬
‫ب أليم‪} .‬وع ََتوا عن أمر رّبهم{؛ أي‪ :‬قسوا عنه‬ ‫يصيَبهم عذا ٌ‬
‫ن عتا عنه أذاقه العذاب الشديد‪ ،‬ل‬ ‫م ْ‬‫واستكبروا عن أمره الذي َ‬
‫رهم‪} .‬وقالوا{‪ :‬مع‬ ‫ح ّ‬
‫ل بغي ِ‬ ‫ل الّله بهم من الّنكال ما لم ي ُ ِ‬ ‫جرم أح ّ‬
‫جزين له غير مبالين بما فعلوا‬ ‫هذه الفعال متجّرئين على الّله مع ِ‬
‫دنا{‪ - :‬إن كنت من‬ ‫ح ائِتنا بما تعِ ُ‬ ‫بل مفتخرين بها‪} :‬يا صال ُ‬
‫ة أّيام ذلك‬ ‫الصادقين ‪ -‬من العذاب‪ ،‬فقال‪} :‬تمّتعوا في داِركم ثلث َ‬
‫ب{‪.‬‬‫وعد ٌ غيُر مكذو ٍ‬
‫)‪(1‬‬
‫هم جاثمين{‪:‬‬ ‫ة فأصبحوا في دارِ ِ‬ ‫}‪} {78‬فأخذتهم الرجف ُ‬
‫على ركبهم قد أبادهم الّله وقطع دابرهم‪.‬‬
‫ل الّله‬
‫ح عليه السلم حين أح ّ‬ ‫}‪} {79‬فتوّلـى عنهم{‪ :‬صال ٌ‬
‫بهم العذاب‪} ،‬وقال{‪ :‬مخاطبا ً لهم توبيخا ً وعتابا ً بعدما أهلكهم‬
‫ت لكم{؛ أي‪ :‬جميع‬ ‫ة رّبـي ونصح ُ‬ ‫كم رسال َ‬ ‫الّله‪} :‬يا قوم لقد أبلغت ُ ُ‬
‫ما أرسلني الّله به إليكم قد أبلغُتكم به وحرصت على هدايتكم‬
‫ت في سلوككم الصراط المستقيم والدين القويم‪} ،‬ولكن‬ ‫واجتهد ُ‬
‫ن الناصحين{‪ :‬بل رددُتم قول الّنصحاء‪ ،‬وأطعتم ك ّ‬
‫ل‬ ‫ل تحّبو َ‬
‫شيطان رجيم‪.‬‬
‫ن‬
‫سرين يذكرون في هذه القصة أ ّ‬ ‫واعلم أن كثيرا ً من المف ّ‬
‫الناقة خرجت من صخرةٍ صماء ملساء اقترحوها على صالح‪،‬‬
‫خض الحامل‪ ،‬فخرجت الناقة وهم ينظرون‪ ،‬وأن‬ ‫خضت تم ّ‬ ‫وأنها تم ّ‬
‫لها فصيل ً حين عقروها رغى ثلث رغيات وانفلق له الجبل ودخل‬
‫فيه‪ ،‬وأن صالحا ً عليه السلم قال لهم‪ :‬آية نزول العذاب بكم أن‬
‫تصبحوا في اليوم الول من اليام الثلثة ووجوهكم مصفّرة‪،‬‬
‫دة‪ ،‬فكان كما قال‪.‬‬ ‫واليوم الثاني محمّرة‪ ،‬والثالث مسو ّ‬
‫وهذا )‪ (2‬من السرائيليات التي ل ينبغي نقلها في تفسير‬
‫ل على شيء منها بوجه من‬ ‫كتاب الّله‪ ،‬وليس في القرآن ما يد ّ‬
‫كرها الّله تعالى؛ لن فيها من‬ ‫ة ل َذ َ َ‬
‫الوجوه‪ ،‬بل لو كانت صحيح ً‬
‫العجائب والعبر واليات ما ل يهمله تعالى ويدع ذ ِك َْره ُ حتى يأتي‬
‫ذب بعض هذه‬ ‫ن ل يوَثق بنقله‪ ،‬بل القرآن يك ّ‬ ‫م ْ‬‫من طريق َ‬
‫ن صالحا قال لهم‪} :‬تمّتعوا في دارِ ُ‬
‫كم ثلثة‬ ‫ً‬ ‫المذكورات؛ فإ ّ‬
‫‪ -‬في )ب(‪» :‬ديارهم«‪.‬‬ ‫‪1‬‬

‫‪ -‬في )ب(‪» :‬وكل هذا«‪ .‬وقد طمس الشيخ )كل( في ) أ (‪.‬‬ ‫‪2‬‬
‫دا؛ فإنه ليس‬ ‫ذذوا بهذا الوقت القصير ج ّ‬ ‫]أيام[{؛ أي‪ :‬تنّعموا وتل ّ‬
‫ذة وتمّتع لمن وعدهم‬ ‫ذة سوى هذا‪ ،‬وأيّ ل ّ‬ ‫لكم من المتاع والل ّ ّ‬
‫دماته فوقعت يوما ً فيوما ً‬ ‫نبّيهم وقوع العذاب وذكر لهم وقوع مق ّ‬
‫ملهم؛ لن احمرار وجوههم واصفرارها‬ ‫مهم ويش ُ‬ ‫على وجهٍ يع ّ‬
‫واسودادها من العذاب؟! هل هذا إل مناقض للقرآن ومضاد ّ له؟!‬
‫ح شيء‬ ‫فالقرآن فيه الكفاية والهداية عن ما سواه‪ .‬نعم؛ لو ص ّ‬
‫عن رسول الّله صلى الله عليه وسلم مما ل يناقض كتاب الله؛‬
‫ّ‬
‫فعلى الرأس والعين‪ ،‬وهو مما أمر القرآن باتباعه‪} :‬وما آتاك ُ ُ‬
‫م‬
‫دم أنه ل يجوز‬ ‫ل ُفخذوه وما نهاكم عنه فانَتهوا{‪ .‬وقد تق ّ‬ ‫الرسو ُ‬
‫تفسير كتاب الّله بالخبار السرائيلّية‪ ،‬ولو على تجويز الرواية‬
‫ن معاني كتاب الّله يقينّية‪،‬‬ ‫م بكذ ِِبها؛ فإ ّ‬‫جَز ُ‬‫عنهم بالمور التي ل ُيـ ْ‬
‫ذب؛ فل يمكن اتفاقهما‪.‬‬ ‫دق ول تك ّ‬ ‫وتلك أمور ل تص ّ‬
‫ﭽ ﯕ ﯖ ﯗ ﯘ ﯙ ﯚ ﯛ ﯜ ﯝ ﯞ ﯟ ﯠ ﯡ ﯢ ﯣ ﯤ ﯥ ﯦ ﯧ ﯨ ﯩﯪﯧﯧ‬
‫ﯫﯧﯧ ﯬﯧﯧ ﯭﯧﯧ ﯮﯧﯧ ﯯﯧﯧ ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚﭛ ﭜ ﭝ ﭞ ﭟ ﭠ‬
‫ﭯ ﭰ ﭱ ﭼ‪.‬‬ ‫ﭡ ﭢ ﭣ ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ ﭨ ﭩ ﭪﭫ ﭬ ﭭ ﭮ‬
‫)‪(1‬‬

‫}‪ {80‬أي‪} :‬و{ اذكر عبدنا }لوطًا{‪ :‬عليه الصلة والسلم؛‬


‫ده‪ ،‬وينهاهم عن‬ ‫مُرهم بعبادة الّله وح َ‬ ‫إذ أرسلناه إلى قومه؛ يأ ُ‬
‫ن‬
‫قهم بها أحد ٌ من العالمين؛ فقال‪} :‬أتأتو َ‬ ‫الفاحشة التي ما سب َ‬
‫شناعة إلى أن‬ ‫ظم وال ّ‬‫ة{؛ أي‪ :‬الخصلة التي بلغت في العِ َ‬ ‫الفاحش َ‬
‫قكم بها من أحد ٍ من العالمين{‪:‬‬ ‫سب َ َ‬
‫ت أنواع َ الفحش‪} ،‬ما َ‬ ‫استغرق ْ‬
‫كروها‪،‬‬ ‫ة من أشنع الشياء‪ ،‬وكوُنهم ابتدعوها‪ ،‬وابت َ َ‬ ‫فكوُنها فاحش ً‬
‫ن أيضًا‪.‬‬
‫دهم من أشنع ما يكو ُ‬ ‫سّنوها لمن بع َ‬ ‫و َ‬
‫ن الرجال شهوة ً من دون‬ ‫}‪ {81‬ثم بّينها بقوله‪} :‬إّنكم َلتأتو َ‬
‫ن الّله لكم‪ ،‬وفيه ّ‬
‫ن‬ ‫ذرون النساء التي خلقه ّ‬ ‫النساء{؛ أي‪ :‬كيف ت َ َ‬
‫المستمت َعُ الموافق للشهوة والفطرة‪ ،‬وتقِبلون على أدبار الرجال‪،‬‬
‫ل تخرج منه‬ ‫ة ما يكون في الشناعة والخبث‪ ،‬مح ّ‬ ‫التي هي غاي ُ‬
‫رها فضل ً عن ملمستها‬ ‫سَتحى من ذك ِ‬ ‫النتان والخباث التي ي ُ ْ‬
‫ّ‬
‫ده الله‪،‬‬ ‫ن{؛ أي‪ :‬متجاِوزون لما ح ّ‬ ‫م مسرفو َ‬ ‫وقربها‪} .‬بل أنتم قو ٌ‬
‫متجّرئون على محارمه‪.‬‬

‫‪ -‬في )ب(‪ :‬إلى آخر القصة‪.‬‬ ‫‪1‬‬


‫هم من‬ ‫رجو ِ‬‫مهِ إل ّ أن قالوا أخ ِ‬‫ب قو ِ‬ ‫ن جوا َ‬ ‫}‪} {82‬وما كا َ‬
‫ن{؛ أي‪ :‬يتنّزهون عن فعل‬ ‫)‪(1‬‬
‫س يتطّهرو َ‬ ‫كم إّنهم أنا ٌ‬ ‫قريت ِ ُ‬
‫قموا منهم إل ّ أن يؤمنوا بالل ّهِ العزيز الحميد{‪.‬‬ ‫الفاحشة‪} ،‬وما ن َ َ‬
‫ن{؛ أي‪:‬‬ ‫ه كانت من الغابري َ‬ ‫ه إل ّ امرأت َ ُ‬ ‫}‪} {83‬فأنجيناه وأهل َ ُ‬
‫ب‬‫ن العذا َ‬ ‫ذبين؛ أمره الّله أن يسري بأهله لي ً‬
‫ل؛ فإ ّ‬ ‫الباقين المع ّ‬
‫مه‪ ،‬فسرى بهم إل ّ امرأته أصابها ما أصابهم‪.‬‬ ‫ح قو َ‬ ‫مصب ّ ٌ‬
‫}‪} {84‬وأمط َْرنا عليهم مطرًا{؛ أي‪ :‬حجارة حاّرة شديدةً‬
‫جيل‪ ،‬وجعل الّله عال َِيها سافَِلها‪} ،‬فانظْر كيف كان عاقب ُ‬
‫ة‬ ‫س ّ‬
‫من ِ‬
‫رمين{‪ :‬الهلك والخزي الدائم‪.‬‬ ‫المج ِ‬
‫ﭽ ﭲ ﭳ ﭴ ﭵ ﭶ ﭷ ﭸ ﭹ ﭺ ﭻ ﭼ ﭽ ﭾ ﭿﮀ ﮁ ﮂ ﮃ ﮄ‬
‫ﮅﮆ ﮇ ﮈ ﮉ ﮊ ﮋ ﮌ ﮍ ﮎ ﮏ ﮐ ﮑ ﮒ ﮓﮔ ﮕ ﮖ ﮗ ﮘ ﮙ‬
‫ﮚ ﮛ ﮜ ﮝ ﮞ ﮟ ﮠ ﮡ ﮢ ﮣ ﮤ ﮥ ﮦ ﮧ ﮨ ﮩﮪ ﮫ ﮬ ﮭ ﮮﮮ ﮯﮰ‬
‫ﯚ ﯛ ﯜ ﯝ ﯞ ﯟ ﯠ ﯡ ﯢ ﯣ ﯤ‬ ‫ﯕ ﯖ ﯗ ﯘ ﯙ‬ ‫ﮱ ﯓ ﯔ‬
‫ﯥ ﯦ ﯧﯨ ﯩ ﯪﯧﯧ ﯫﯧﯧ ﯬﯧﯧ ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ ﭝ ﭞ‬
‫ﭨ ﭩ ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ ﭯ ﭰ‬ ‫ﭟ ﭠ ﭡ ﭢﭣ ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ‬
‫ﮁ ﮂﮃ ﮄ‬ ‫ﭿ ﮀ‬ ‫ﭱ ﭲ ﭳ ﭴ ﭵ ﭶﭷ ﭸ ﭹ ﭺ ﭻ ﭼ ﭽ ﭾ‬
‫ﮇ ﮈﮉ ﮊ ﮋ ﮌ ﮍ ﮎ ﮏ ﮐ ﮑ ﮒ ﮓ ﮔ ﮕ ﮖ ﮗ ﮘ‬ ‫ﮅ ﮆ‬
‫ﮜ ﮝ ﮞ ﮟ ﮠ ﮡ ﮢ ﮣ ﮤ ﮥ ﮦ ﮧ ﮨ ﮩ ﮪ ﮫ ﮬ‬ ‫ﮚ ﮛ‬ ‫ﮙ‬
‫ﯗ ﯘ ﯙ ﯚ ﯛ ﯜ ﯝ ﯞ ﯟ ﯠ ﯡ‬ ‫ﮭ ﮮﮮ ﮯ ﮰ ﮱ ﯓﯔ ﯕ ﯖ‬
‫)‪(2‬‬
‫ﯬﯧﯧ ﭼ ‪.‬‬ ‫ﯢ ﯣ ﯤ ﯥﯦ ﯧ ﯨ ﯩ ﯪﯧﯧ ﯫﯧﯧ‬
‫}‪ {85‬أي‪} :‬و{ أرسلنا إلى القبيلة المعروفة بمدين‬
‫شعَْيبًا{‪ :‬يدعوهم إلى عبادة الله وحده‬ ‫}أخاهم{‪ :‬في النسب‪ُ } ،‬‬
‫ل شريك له‪ ،‬ويأمرهم بإيفاء المكيال والميزان‪ ،‬وأن ل يبخسوا‬
‫وا في الرض مفسدين بالكثار من‬ ‫الناس أشياءهم‪ ،‬وأن ل يعث َ ْ‬
‫عمل المعاصي‪ ،‬ولهذا قال‪} :‬ول تفسدوا في الرض بعد إصلحها‬
‫ن ترك المعاصي امتثال ً لمر‬ ‫ذلكم خير لكم إن كنتم مؤمنين{‪ :‬فإ ّ‬
‫الّله وتقّربا ً إليه خيٌر وأنفع للعبد من ارتكابها الموجب لسخط‬
‫الجبار وعذاب النار‪.‬‬
‫ط{؛ أي‪ :‬طريق من‬ ‫ل صرا ٍ‬‫}‪} {86‬ول تقُعدوا{‪ :‬للناس }بك ّ‬
‫ن{‪ :‬من‬ ‫عدو َ‬‫ذرون الناس منها‪ ،‬و}تو ِ‬ ‫الطرق التي يكث ُُر سلوكها؛ تح ّ‬
‫دون عن سبيل الّله{‪ :‬من أراد الهتداء به‪،‬‬ ‫ص ّ‬
‫سلكها‪} ،‬وت َ ُ‬
‫جة‪ ،‬وتميلونها‬ ‫ّ‬
‫وجا{؛ أي‪ :‬تبغون سبيل الله تكون معو ّ‬ ‫ً‬ ‫ع َ‬
‫}وتبغوَنها ِ‬
‫‪ -‬في )ب(‪» :‬فما«‪.‬‬ ‫‪1‬‬

‫‪ -‬في )ب(‪ :‬إلى آخر القصة‪.‬‬ ‫‪2‬‬


‫اّتباعا ً لهوائكم‪ ،‬وقد كان الواجب عليكم وعلى غيركم الحترام‬
‫والتعظيم للسبيل التي نصبها الّله لعباده‪ ،‬ليسلكوها إلى مرضاته‬
‫دون لنصرتها والدعوة‬ ‫ص ّ‬ ‫ة‪ ،‬وت َ َ‬ ‫م رحم ٍ‬ ‫ودار كرامته ورحمهم بها أعظ َ‬
‫دين الناس‬ ‫صا ّ‬ ‫ب عنها‪ ،‬ل أن تكونوا أنتم قطاع طريقها ال ّ‬ ‫إليها والذ ّ‬
‫دة لّله وجعل أقوم الطرق‬ ‫ن هذا كفٌر لنعمة الّله ومحا ّ‬ ‫عنها؛ فإ ّ‬
‫كروا{‪ :‬نعمة الّله‬ ‫ة‪ ،‬وتشّنعون على من سلكها‪} ،‬واذ ُ‬ ‫وأعدلها مائل ً‬
‫ماكم بما أنعم عليكم من‬ ‫كنُتم قليل ً فكث َّركم{؛ أي‪ :‬ن ّ‬ ‫عليكم }إذ ُ‬
‫الزوجات والنسل والصحة‪ ،‬وأنه ما ابتلكم بوباء أو أمراض من‬
‫حكم‪ ،‬ول‬ ‫المراض المقّللة لكم‪ ،‬ول سّلط عليكم عدّوا يجتا ُ‬
‫فّرقكم في الرض‪ ،‬بل أنعم عليكم باجتماعكم وإدرار الرزاق‬
‫ة المفسدين{‪ :‬فإنكم ل‬ ‫وكثرة النسل‪} .‬وانظروا كيف كان عاقب ُ‬
‫حشة‬ ‫تجدون في جموعهم إل ّ الشتات‪ ،‬ول في ربوعهم إل ّ الوَ ْ‬
‫ُ‬
‫ة‬
‫دنيا لعن ً‬ ‫كرا ً حسنًا‪ ،‬بل أت ِْبعوا في هذه ال ّ‬ ‫والنبتات‪ ،‬ولم يورثوا ذ ِ ْ‬
‫ويوم القيامة ]أشد[ خزيا ً وفضيحة‪.‬‬
‫ت به‬ ‫سل ْ ُ‬ ‫كم آمنوا بالذي أْر ِ‬ ‫ة من ُ‬ ‫}‪} {87‬وإن كان طائف ٌ‬
‫ة لم يؤمنوا{‪ :‬وهم الجمهور منهم‪} ،‬فاصِبروا حتى يحك ُ َ‬
‫م‬ ‫وطائف ٌ‬
‫ق‪ ،‬ويوقع العقوبة على‬ ‫ن{‪ :‬فينصر المح ّ‬ ‫ه بيننا وهو خيُر الحاكمي َ‬ ‫الل ّ ُ‬
‫المبطل‪.‬‬
‫ه{‪ :‬وهم‬ ‫م ِ‬‫}‪} {88‬قال المل ُ الذين است َك َْبروا من قو ِ‬
‫ف والكبراُء منهم‪ ،‬الذين اّتبعوا أهواءهم ولهوا بلذاتهم‪،‬‬ ‫الشرا ُ‬
‫دوه‪،‬‬ ‫فلما أتاهم الحقّ ورأوه غير موافق لهوائهم الرديئة؛ ر ّ‬
‫واستكبروا عنه‪ ،‬فقالوا لنبّيهم شعيب ومن معه من المؤمنين‬
‫ب والذين آمنوا معك من قريِتنا‬ ‫ك يا شعي ُ‬ ‫جن ّ َ‬‫المستضعفين‪} :‬لنخر َ‬
‫ق‪،‬‬‫سُبعية في مقابلة الح ّ‬ ‫وتهم ال ّ‬ ‫مّلتنا{‪ :‬استعملوا ق ّ‬ ‫ن في ِ‬ ‫أو لتعود ُ ّ‬
‫قا‪ ،‬وإنما راعوا واتبعوا أهواءهم‬ ‫ة ول ح ّ‬ ‫م ً‬‫ولم يراعوا دينا ً ول ذ ّ‬
‫ما‬‫وعقولهم السفيهة‪ ،‬التي دّلتهم على هذا القول الفاسد‪ ،‬فقالوا إ ّ‬
‫أن ترجع أنت ومن معك إلى ديننا أو لنخرجّنكم من قريتنا؛‬
‫ب عليه الصلة والسلم كان يدعوهم طامعا ً في إيمانهم‪،‬‬ ‫فشعي ٌ‬
‫عدوه إن لم يتابعهم بالجلء‬ ‫سَلم ]من شرهم[ حتى تو ّ‬ ‫والن لم ي َ ْ‬
‫ب‬
‫عن وطنه الذي هو ومن معه أحقّ به منهم‪ .‬فقال لهم شعي ٌ‬
‫ن{؛ أي‪:‬‬ ‫عليه الصلة والسلم متعجبا ً من قولهم‪} :‬أوَل َوْ كّنا كارهي َ‬
‫أنتابعكم على دينكم ومّلتكم الباطلة ولو ك ُّنا كارهين لها لعلمنا‬
‫عى إليها من له نوع ُ رغبة فيها‪ ،‬أما من يعلن‬ ‫ببطلنها؛ فإنما يد َ‬
‫بالنهي عنها والتشنيع على من اّتبعها؛ فكيف ُيدعى إليها‪.‬‬
‫دنا في مّلتكم بعد إذ‬ ‫}‪} {89‬قد ِ افت ََرْينا على الّله كذبا ً إن ع ُ ْ‬
‫جانا‬ ‫عدنا ]فيها[ بعد ما ن ّ‬ ‫جانا الّله منها{؛ أي‪ :‬اشهدوا علينا أننا إن ُ‬ ‫ن ّ‬
‫الّله منها وأنقذنا من شّرها أننا كاذبون مفترون على الّله الكذب؛‬
‫من جعل لّله شريكا ً وهو الواحد‬ ‫م أنه ل أعظم افتراء مـ ّ‬ ‫فإننا نعل ُ‬
‫الحد الفرد الصمد الذي لم يّتخذ صاحبة ول ولدا ً ول شريكا ً‬
‫(‬‫‪1‬‬‫)‬

‫ن لنا أن نعود َ فيها{؛ أي‪ :‬يمتنع على مثلنا أن‬ ‫في الملك‪} .‬وما يكو ُ‬
‫سهم عليه الصلة والسلم من‬ ‫ن هذا من المحال‪ ،‬فآي َ َ‬ ‫نعود َ فيها؛ فإ ّ‬
‫ة‪.‬‬
‫كونه يوافقهم من وجوهٍ متعدد ٍ‬
‫من جهة أنهم كارهون لها مبغضون لما هم عليه من‬
‫الشرك‪.‬‬
‫ومن جهة أنه جعل ما هم عليه كذبا ً وأشهدهم أنه إ ِ‬
‫ن ات ّب ََعهم‬
‫ومن معه فإّنهم كاذبون‪.‬‬
‫ومنها اعتراُفهم بمّنة الّله عليهم إذ أنقذهم الّله منها‪ ،‬ومنها‬
‫دهم فيها بعدما هداهم الّله من المحالت بالنظر إلى‬ ‫ن عو َ‬ ‫أ ّ‬
‫حالتهم الراهنة وما في قلوبهم من تعظيم الّله تعالى والعتراف‬
‫له بالعبودّية وأنه الله وحده الذي ل تنبغي العبادة إل ّ له وحده ل‬
‫ن آلهة المشركين أبطل الباطل وأمحل المحال‪،‬‬ ‫شريك له‪ ،‬وأ ّ‬
‫ن عليهم بعقول يعرفون بها الحقّ والباطل‬ ‫هم ّ‬‫ن الل ّ َ‬ ‫وحيث إ ّ‬
‫ّ‬
‫والهدى والضلل‪ ،‬وأما من حيث النظر إلى مشيئة الله وإرادته‬
‫ب‬
‫ت السبا ُ‬ ‫ج لحد ٍ عنها ولو تواتر ِ‬ ‫النافذة في خلقه التي ل خرو َ‬
‫وتوافقت القوى؛ فإّنهم ل يحكمون على أنفسهم أنهم سيفعلون‬
‫ن لنا أن نعود َ فيها إل‬ ‫شـيـئا ً أو يتركونه‪ ،‬ولهذا استثنى‪} :‬وما يكو ُ‬
‫ه رّبنا{؛ أي‪ :‬فل يمكننا ول غيرنا الخروج عن مشيئته‬ ‫أن يشاء الل ّ ُ‬
‫ل شيٍء علمًا{‪ :‬فيعلم ما‬ ‫سعَ رّبنا ك ّ‬ ‫التابعة لعلمه وحكمته‪ ،‬وقد }وَ ِ‬
‫يصُلح للعباد‪ ،‬وما يدب ُّرهم عليه‪.‬‬
‫}على الّله توك ّْلنا{؛ أي‪ :‬اعتمدنا أنه سيثّبتنا على الصراط‬
‫كل‬ ‫منا من جميع طرق الجحيم؛ فإن من تو ّ‬ ‫ص َ‬‫المستقيم‪ ،‬وأن يع ِ‬
‫ح بيَننا وبين‬ ‫سر له أمر دينه ودنياه‪} .‬رّبنا افت ْ‬ ‫على الّله كفاه وي ّ‬
‫ق{؛ أي‪ :‬انصر المظلوم وصاحب الحق على الظالم‬ ‫منا بالح ّ‬ ‫قو ِ‬
‫ه تعالى لعباده‬ ‫ح ُ‬ ‫المعاند للحق‪} ،‬وأنت خيُر الفاتحين{‪ :‬وفت ُ‬
‫ح العلم بتبيين الحقّ من الباطل والهدى من الضلل‬ ‫نوعان‪ :‬فت ُ‬
‫ف عنه‪ .‬والنوع‬ ‫من هو منحر ٌ‬ ‫م على الصراط مـ ّ‬ ‫ن هو المستقي ُ‬ ‫م ْ‬‫و َ‬
‫ه بالجزاء وإيقاع العقوبة على الظالمين‪ ،‬والنجاة‬ ‫ح ُ‬‫الثاني ‪ :‬فت ُ‬
‫ح بيَنهم وبين قومهم‬ ‫والكرام للصالحين‪ .‬فسألوا الّله أن يفت َ‬
‫عب َرِهِ ما يكون فاصل ً بين‬ ‫بالحقّ والعدل‪ ،‬وأن يرَيهم من آيات ِهِ و ِ‬
‫الفريقين‪.‬‬
‫‪ -‬في )ب(‪» :‬ولدا ً ول صاحبة«‪.‬‬ ‫‪1‬‬
‫ذرين عن‬ ‫}‪} {90‬وقال المل ُ الذين كفروا من قومه{‪ :‬مح ّ‬
‫ن{‪ :‬هذا ما‬‫اّتباع شعيب‪} :‬لئن اّتبعتم شعيبا ً إّنكم إذا ً لخاسرو َ‬
‫ولت لهم أنفسهم؛ أن الخسارة والشقاء في اتباع الرشد‬ ‫س ّ‬
‫ل الخسارة في لزوم ما هم‬ ‫والهدى‪ ،‬ولم يدروا أن الخسارة ك ّ‬
‫عليه من الضلل والضلل‪ ،‬وقد علموا ذلك حين وقع بهم الّنكال‪.‬‬
‫ة{؛ أي‪ :‬الزلزلة الشديدة‪،‬‬ ‫م الرجف ُ‬ ‫}‪} {91‬فأخذْتـهُ ُ‬
‫ن{؛ أي‪ :‬صرعى مّيتين هامدين‪.‬‬ ‫}فأصبحوا في دارهم جاثمي َ‬
‫ذبوا شعيبا ً كأن لم‬ ‫}‪ {92‬قال تعالى ناعيا ً حاَلهم‪} :‬الذين ك ّ‬
‫وا فيها{؛ أي‪ :‬كأنهم ما أقاموا في ديارهم‪ ،‬وكأنهم ما تمّتعوا‬ ‫ي َغْن َ ْ‬
‫في ع ََرصاتهم‪ ،‬ول تفّيئوا في ظللها‪ ،‬ول غنوا في مسارح أنهارها‪،‬‬
‫ول أكلوا من ثمار أشجارها‪ ،‬فأخذهم العذاب )‪ (1‬فنقلهم من مورد‬
‫ذات إلى مستقّر الحزن والشقاء والعقاب‬ ‫اللهو واللعب والل ّ ّ‬
‫ن{؛‬ ‫شعيبا ً كانوا هم الخاسري َ‬ ‫ذبوا ُ‬‫والدَركات‪ ،‬ولهذا قال‪} :‬الذين ك ّ‬
‫أي‪ :‬الخسار محصوٌر فيهم؛ لنهم خسروا أنفسهم وأهليهم يوم‬
‫ن‬‫ن قالوا لهم‪} :‬لئ ِ‬ ‫م ْ‬
‫القيامة‪ ،‬أل ذلك هو الخسران المبين‪ ،‬ل َ‬
‫ن{‪.‬‬ ‫اّتبعُتم شعيبا ً إّنكم إذا ً لخاسرو َ‬
‫}‪ {93‬فحين هلكوا توّلـى عنهم نبّيهم عليه الصلة والسلم‪،‬‬
‫}وقال{ معاتبا ً وموّبخا ً ومخاطبا ً لهم بعد موتهم‪} :‬يا قوم لقد‬
‫ت رّبـي{؛ أي‪ :‬أوصلتها إليكم وبّينتها حّتى بلغت‬ ‫أبلغُتكم رسال ِ‬
‫ت‬‫منكم أقصى ما يمكن أن تصل إليه وخالطت أفئدتكم‪} ،‬ونصح ُ‬
‫قبلوا ُنصحي ول انقدتم لرشادي‪ ،‬بل فسقُتم‬ ‫لكم{‪ :‬فلم ت َ‬
‫ن{؛ أي‪ :‬فكيف أحزن‬ ‫وطغيتم؛ }فكيف آسى على قوم كافري َ‬
‫ق‬
‫دوه ولم يقبلوه‪ ،‬ول َيلي ُ‬ ‫على قوم ل خيَر فيهم‪ ،‬أتاهم الخيُر فر ّ‬
‫ح‬
‫فَر ُ‬
‫ن عليهم‪ ،‬بل ي ُ ْ‬
‫حَز َ‬‫بهم إل الشّر؛ فهؤلء غير حقيقين أن ُيـ ْ‬
‫ي‬
‫م من الخزي والفضيحة! وأ ّ‬ ‫قهم؛ فعياذا ً بك الله ّ‬ ‫ح ِ‬
‫مـ ْ‬‫بإهلكهم و َ‬
‫شقاء وعقوبة أبلغ من أن يصلوا إلى حالة يتبرأ منهم أنصح الخلق‬
‫لهم؟!‬
‫ﯷ ﯷ ﯷ ﯷ ﯷ ﯷ ﯷ ﯷ ﯼ ﯽ‬ ‫ﭽ ﯭﯧﯧ ﯮﯧﯧ ﯯﯧﯧ ﯰﯧﯧ ﯱﯧﯧ ﯷ ﯷ‬
‫ﯾ ﯿ ﯷ ﯷ ﯷ ﯷ ﯷ ﯷ ﯷ ﯷ ﰈ ﰉ ﯷ ﯷ ﯷ ﯷ ﭼ‪.‬‬
‫ي{‪:‬‬ ‫}‪ {94‬يقول تعالى‪} :‬وما أرسلنا في قرية من نب ّ‬
‫يدعوهم إلى عبادة الّله‪ ،‬وينهاهم عن ما هم فيه من الشّر‪ ،‬فلم‬
‫ينقادوا له؛ إل ّ ابتلهم الّله }بالبأساِء والضّراِء{؛ أي‪ :‬بالفقر‬

‫جأهم العذاب«‪.‬‬
‫‪ -‬في )ب(‪» :‬حين فا َ‬ ‫‪1‬‬
‫سهم؛‬
‫ت نفو ُ‬
‫والمرض وأنواع البليا‪} ،‬لعلهم{‪ :‬إذا أصابتهم؛ خضع ْ‬
‫فتضرعوا إلى الّله‪ ،‬واستكانوا للحق‪.‬‬
‫فد ْ فيهم واستمّر استكباُرهم وازداد‬ ‫}‪} {95‬ثم{‪ :‬إذا لم ي ُ ِ‬
‫َ‬
‫ة{‪ :‬فأد َّر عليهم الرزاق‪،‬‬ ‫ن السيئةِ الحسن َ‬ ‫طغياُنهم‪} ،‬بد ّْلنا مكا َ‬
‫وا{؛ أي‪ :‬كثروا‬ ‫وعافى أبدانهم‪ ،‬ورفع عنهم البليا )‪} ،(1‬حتى ع َ َ‬
‫ف ْ‬
‫ت أرزاُقهم وانبسطوا في نعمة الّله وفضله ونسوا ما مّر‬ ‫وكثر ْ‬
‫سّراُء{؛‬
‫ضّراُء وال ّ‬‫س آباءنا ال ّ‬‫عليهم من البليا)‪} ،(1‬وقالوا قد م ّ‬
‫أي‪ :‬هذه عادة جارية لم تزل موجودة في الولين واللحقين؛ تارة‬
‫يكونون في سّراء‪ ،‬وتارة في ضّراء‪ ،‬وتارة في فرح‪ ،‬ومرة في‬
‫ترح؛ على حسب تقّلبات الزمان وتداول اليام‪ ،‬وحسبوا أنها‬
‫ليست للموعظة والتذكير ول للستدراج والنكير‪ ،‬حتى إذا اغتبطوا‬
‫ذناهم‬‫دنيا أسّر ما كانت إليهم‪ .‬أخ ْ‬ ‫وفرحوا بما أوتوا‪ ،‬وكانت ال ّ‬
‫ة وهم ل يشُعرون{؛ أي‪ :‬ل يخط ُُر لهم الهلك‬
‫(‬‫‪2‬‬‫)‬
‫بالعذاب }بغت ً‬
‫ّ‬
‫ل‪ ،‬وظّنوا أنهم قادرون على ما آتاهم الله‪ ،‬وأنهم غير‬ ‫على با ٍ‬
‫زائلين ول منتقلين عنه‪.‬‬
‫ﭟ ﭠ‬ ‫ﭽﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ ﭝ ﭞ‬
‫ﭡ ﭢ ﭣ ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ ﭨ ﭩ ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ ﭯ ﭰ ﭱ ﭲ ﭳ‬
‫ﭴ ﭵ ﭶ ﭷ ﭸ ﭹ ﭺﭻ ﭼ ﭽ ﭾ ﭿ ﮀ ﮁ ﮂ ﮃ ﭼ ‪.‬‬
‫ذبين للرسل ُيبتلون بالضراء‬ ‫ن المك ّ‬ ‫}‪ {96‬لما ذكر تعالى أ ّ‬
‫قرى‬ ‫ن أهل ال ُ‬ ‫ة وإنذارًا‪ ،‬وبالسراء استدراجا ومكرا؛ ذكر أ ّ‬
‫ً‬ ‫ً‬ ‫موعظ ً‬
‫ل‪ ،‬واستعملوا تقوى‬ ‫لو آمنوا بقلوبهم إيمانا ً صادقا ً صدقْته العما ُ‬
‫ح‬‫الّله تعالى ظاهرا ً وباطنا ً بترك جميع ما حّرم الّله ]تعالى[؛ لفت َ‬
‫سماء والرض‪ ،‬فأرسل السماء عليهم مدرارًا‪،‬‬ ‫ت ال ّ‬
‫عليهم بركا ِ‬
‫ش بهائمُهم في أخصب‬ ‫ت لهم من الرض ما به يعيشون وتعي ُ‬ ‫وأنب َ‬
‫ب‪ ،‬ولكنهم‬ ‫ب ول كد ّ ول نص ٍ‬ ‫عيش وأغزر رزق من غير عناء ول تع ٍ‬
‫سبون{‪ :‬بالعقوبات‬ ‫لم يؤمنوا ويّتقوا‪} ،‬فأخذناهم بما كانوا يك ِ‬
‫والبليا ونزع البركات وكثرة الفات‪ ،‬وهي بعض جزاء أعمالهم‪ ،‬و‬
‫ة‪،‬‬‫إل ّ ؛ فلو آخذهم بجميع ما كسبوا؛ ما ترك على ظهرها من داب ّ ٍ‬
‫قهم‬ ‫ت أيدي الناس ل ُِيذي َ‬ ‫}ظ َهََر الفساد ُ في البّر والبحر بما ك َ َ‬
‫سب َ ْ‬
‫جعون{‪.‬‬ ‫ض الذي عملوا لعّلهم ير ِ‬ ‫بع َ‬

‫‪ -‬في )ب(‪» :‬البلء«‪.‬‬ ‫‪1‬‬

‫‪ -‬في )ب(‪» :‬لم«‪.‬‬ ‫‪2‬‬


‫ل القرى{؛ أي‪ :‬المكذبة بقرينة السياق‪،‬‬ ‫ن أه ُ‬ ‫م َ‬ ‫}‪} {97‬أفأ ِ‬
‫سنا{؛ أي‪ :‬عذابنا الشديد‪َ} ،‬بياتا ً وهم نائمون{؛ أي‪:‬‬ ‫}أن يأت ِي َُهم بأ ُ‬
‫في غفلتهم وغرتهم وراحتهم‪.‬‬
‫ى وهم‬ ‫سنا ضح ً‬ ‫ل القرى أن يأت َِيهم بأ ُ‬‫ن أه ُ‬ ‫م َ‬‫}‪} {98‬أوَ أ ِ‬
‫مُنهم من ذلك وهم قد فعلوا أسبابه‬ ‫ن{‪ :‬أيّ شيٍء يؤ ّ‬ ‫يلعبو َ‬
‫ضه الهلك‪.‬‬ ‫وارتكبوا من الجرائم العظيمة ما يوجب بع ُ‬
‫جهم من حيث ل‬ ‫مك َْر الّله{‪ :‬حيث يستدرِ ُ‬ ‫}‪} {99‬أفأمنوا َ‬
‫ن مكَر الل ّهِ إل القو ُ‬
‫م‬ ‫ن كيده متين‪} .‬فل يأم ُ‬ ‫ن‪ ،‬وُيملي لهم إ ّ‬ ‫يعلمو َ‬
‫دق بالجزاء‬‫ن من عذاب الّله؛ فإنه لم يص ّ‬ ‫م َ‬‫ن من أ ِ‬ ‫الخاسرون{‪ :‬فإ ّ‬
‫على العمال ول آمن بالرسل حقيقة اليمان‪.‬‬
‫ن العبد ل‬ ‫وهذه الية الكريمة فيها من التخويف البليغ على أ ّ‬
‫ل خائفا ً‬ ‫ينبغي له أن يكون آمنا ً على ما معه من اليمان‪ ،‬بل ل يزا ُ‬
‫جل ً أن ُيبتلى ببلي ّةٍ تسلب ما معه من اليمان‪ ،‬وأن ل يزال داعيا ً‬‫وَ ِ‬
‫ت قلبي على دينك‪ ،‬وأن يعمل ويسعى‬ ‫بقوله‪ :‬يا مقلب القلوب! ثب ّ ْ‬
‫ل سبب يخّلصه من الشّر عند وقوع الفتن؛ فإ ّ‬
‫ن العبد ولو‬ ‫في ك ّ‬
‫ت؛ فليس على يقين من السلمة‪.‬‬ ‫بلغت به الحال ما بلغ ْ‬
‫ﭽ ﮄ ﮅ ﮆ ﮇ ﮈ ﮉ ﮊ ﮋ ﮌ ﮍ ﮎ ﮏ ﮐﮑ ﮒ ﮓ ﮔ ﮕ‬
‫ﮖ ﮗ ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ ﮜ ﮝ ﮞﮟ ﮠ ﮡ ﮢ ﮣ ﮤ ﮥ ﮦ ﮧ ﮨ ﮩ ﮪﮫ‬
‫ﮬ ﮭ ﮮﮮ ﮯ ﮰ ﮱ ﯓ ﯔ ﯕ ﯖ ﯗ ﯘﯙ ﯚ ﯛ ﯜ ﯝ ﯞ ﭼ ‪.‬‬
‫}‪ {100‬يقول تعالى منبها ً للمم الغابرين )‪ (1‬بعد هلك المم‬
‫الغابرين ‪} :‬أوََلـ ْ‬
‫)‪(2‬‬
‫رثون الرض من بعد ِ أهلها أن لو‬ ‫م َيـهْد ِ للذين ي ِ‬
‫ذنوبهم{؛ أي‪ :‬أَولم يتبيّـن ويّتضح للمم الذين‬ ‫نشاُء أصْبناهم ب ُ‬
‫َ‬
‫ورثوا الرض بعد إهلك من قبلهم بذنوبهم ثم عملوا كأعمال‬
‫ذنوبهم؛‬ ‫ن الّله لو شاء لصاَبهم ب ُ‬ ‫أولئك المهَلكين‪ ،‬أَولم يهتدوا أ ّ‬
‫ن هذه سنته في الولين والخرين‪ .‬وقوله‪} :‬ونطب َعُ على‬ ‫فإ ّ‬
‫كرهم‬ ‫ّ‬
‫ن{؛ أي‪ :‬إذا نّبههم الله فلم ينتبهوا‪ ،‬وذ ّ‬ ‫قلوبهم فهم ل يسمعو َ‬
‫ن الّله تعالى‬ ‫كروا‪ ،‬وهداهم باليات والعَِبر فلم يهَتدوا؛ فإ ّ‬ ‫فلم يتذ ّ‬
‫م‬
‫خت َ َ‬‫س حتى ُيـ ْ‬ ‫ن والد ّن َ ُ‬
‫يعاقُِبهم ويطبعُ على قلوبهم فيعلوها الّرا ُ‬
‫ل إليها خيٌر ول يسمعون ما ينفعهم‪،‬‬ ‫خلها حقّ ول يص ُ‬ ‫عليها فل يد ُ‬
‫ة عليهم‪.‬‬ ‫ج ُ‬
‫وإّنما يسمعون ما به تقوم الح ّ‬

‫‪ -‬في هامش نسخة ) أ ( بخط المؤلف‪ :‬الغابرين‪ :‬الباقين‪.‬‬ ‫‪1‬‬

‫‪ -‬في هامش نسخة ) أ ( بخط المؤلف‪ :‬الغابرين‪ :‬الماضين‪.‬‬ ‫‪2‬‬


‫ص عليك‬ ‫دم ذ ِك ُْرهم‪} ،‬ن َ ُ‬
‫ق ّ‬ ‫}‪} {101‬تلك القرى{‪ :‬الذين تق ّ‬
‫ل به عبرة للمعتبرين‪ ،‬وازدجاٌر للظالمين‪،‬‬ ‫ص ُ‬ ‫من أنبائها{‪ :‬ما يح ُ‬
‫ت{؛ أي‪] :‬ولقد[‬ ‫سُلهم بالبينا ِ‬‫وموعظة للمتقين‪} ،‬ولقد جاءْتهم ر ُ‬
‫سُلهم تدعوهم إلى ما فيه سعادتهم‪،‬‬ ‫جاءت هؤلء المكذبين ر ُ‬
‫وأّيدهم الّله بالمعجزات الظاهرة والبّينات المبّينات للحقّ بيانا ً‬
‫دهم هذا ول أغنى عنهم شيئًا؛ }فما كانوا‬ ‫ف ْ‬
‫ل‪ ،‬ولكنهم لم ي ُ ِ‬‫كام ً‬
‫ق‬
‫دهم الح ّ‬ ‫ل{؛ أي‪ :‬بسبب تكذيبهم ور ّ‬ ‫ذبوا من قب ُ‬ ‫منوا بما ك ّ‬‫ليؤ ِ‬
‫)‪(1‬‬
‫دهم الحق؛‬ ‫أول مرة ما كان يهديهم لليمان جزاءً لهم على ر ّ‬
‫ب أفْئ ِد ََتهم وأبصاَرهم كما لم يؤمنوا به أو َ‬
‫ل‬ ‫كما قال تعالى‪} :‬ونقل ّ ُ‬
‫ن{‪} ،‬كذلك يطبعُ الّله على‬ ‫مهو َ‬‫مّرةٍ ون َذ َُرهم في طغيان ِِهم يع َ‬
‫ة منه‪ ،‬وما ظلمهم الّله‪ ،‬ولكنهم ظلموا‬ ‫قلوب الكافرين{‪ :‬عقوب ً‬
‫أنفسهم‪.‬‬
‫د{؛ أي‪ :‬وما وجدنا‬ ‫رهم من عه ٍ‬ ‫دنا لكث ِ‬ ‫ج ْ‬‫}‪} {102‬وما وَ َ‬
‫ّ‬
‫لكثر المم الذين أرسل الله إليهم الرسل من عهد؛ أي‪ :‬من ثبات‬
‫والتزام لوصية الّله التي أوصى بها جميع العالمين‪ ،‬ول انقادوا‬
‫هم‬ ‫دنا أك ْث ََر ُ‬
‫ج ْ‬
‫لوامره التي ساقها إليهم على ألسنة رسله‪} .‬وإن وَ َ‬
‫ن{؛ أي‪ :‬خارجين عن طاعة الّله‪ ،‬مّتبعين لهوائهم بغير‬ ‫لفاسقي َ‬
‫هدىً من الّله؛ فالّله تعالى امتحن العباد بإرسال الرسل وإنزال‬
‫ل لمره إل القليل‬ ‫الكتب‪ ،‬وأمرهم باّتباع عهده وهداه‪ ،‬فلم يمتث ْ‬
‫ة السعادة‪ ،‬وأما أكثر‬ ‫ت لهم من الّله سابق ُ‬ ‫من الناس‪ ،‬الذين سبق ْ‬
‫الخلق؛ فأعرضوا عن الهدى‪ ،‬واستكبروا عما جاءت به الرسل‪،‬‬
‫ل‪.‬‬‫وعة ما أح ّ‬‫ل الّله بهم من عقوبات ِهِ المتن ّ‬‫فأح ّ‬
‫ﯮﯧﯧ ﯯﯧﯧ ﯰﯧﯧ ﯱﯧﯧ‬ ‫ﭽ ﯟ ﯠ ﯡ ﯢ ﯣ ﯤ ﯥ ﯦ ﯧ ﯨ ﯩﯪﯧﯧ ﯫﯧﯧ ﯬﯧﯧ ﯭﯧﯧ‬
‫ﯷ ﯷ ﯷ ﯷ ﯷ ﯷ ﯷ ﯷ ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙﭚ ﭛ ﭜ ﭝ‬
‫ﭨ ﭩ ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ‬ ‫ﭞ ﭟ ﭠ ﭡ ﭢ ﭣ ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ‬
‫ﭮ ﭯ ﭰ ﭱ ﭲ ﭳ ﭴ ﭵ ﭶ ﭷ ﭸ ﭹ ﭺ ﭻ ﭼ ﭽ ﭾ ﭿ ﮀ‬
‫ﮁ ﮂ ﮃ ﮄ ﮅ ﮆ ﮇ ﮈ ﮉ ﮊ ﮋ ﮌ ﮍﮎ ﮏ ﮐ ﮑ ﮒ ﮓ ﮔ ﮕ ﮖ‬
‫ﮗ ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ ﮜ ﮝ ﮞ ﮟ ﮠ ﮡ ﮢ ﮣ ﮤ ﮥ ﮦ ﮧ ﮨ ﮩ ﮪ ﮫ‬
‫ﮬ ﮭ ﮮﮮ ﮯ ﮰ ﮱ ﯓ ﯔ ﯕ ﯖ ﯗ ﯘ ﯙ ﯚ ﯛ ﯜ ﯝ ﯞﯟ ﯠ ﯡ ﯢ ﯣ ﯤ‬
‫ﯥ ﯦ ﯧ ﯨ ﯩ ﯪﯧﯧ ﯫﯧﯧ ﯬﯧﯧ ﯭﯧﯧ ﯮﯧﯧ ﯯﯧﯧ ﯰﯧﯧﯱﯧﯧ ﯷ ﯷ ﯷ ﯷ ﯷ ﯷ ﯷ ﯷ ﯷ ﯷ‬
‫ﯽ ﯾ ﯿ ﯷ ﯷ ﯷ ﯷ ﯷ ﯷ ﯷ ﯷ ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ‬ ‫ﯼ‬
‫ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ ﭝ ﭞ ﭟ ﭠ ﭡﭢ ﭣ ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ ﭨ ﭩ ﭪ ﭫﭬ‬
‫ﭻ ﭼ ﭽ ﭾ ﭿ‬ ‫ﭭ ﭮ ﭯ ﭰ ﭱ ﭲ ﭳ ﭴ ﭵ ﭶ ﭷ ﭸ ﭹ ﭺ‬
‫ﮍ ﮎ ﮏ ﮐ ﮑ ﮒ‬ ‫ﮃ ﮄ ﮅ ﮆ ﮇ ﮈﮉ ﮊ ﮋ ﮌ‬ ‫ﮀ ﮁ ﮂ‬

‫‪ -‬في )ب(‪» :‬ما كان الله ليهديهم«‪.‬‬ ‫‪1‬‬


‫ﮓ ﮔ ﮕ ﮖ ﮗ ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ ﮜ ﮝﮞ ﮟ ﮠ ﮡ ﮢ ﮣ ﮤ ﮥ ﮦ ﮧ‬
‫ﮨ ﮩ ﮪ ﮫ ﮬ ﮭﮮﮮ ﮯ ﮰ ﮱ ﯓ ﯔ ﯕ ﯖ ﯗﯘ ﯙ ﯚ ﯛ ﯜ ﯝ ﯞ ﯟ‬
‫ﯠ ﯡ ﯢ ﯣ ﯤ ﯥﯦ ﯧ ﯨ ﯩ ﯪﯧﯧ ﯫﯧﯧ ﯬﯧﯧ ﯭﯧﯧ ﯮﯧﯧ ﯯﯧﯧ ﯰﯧﯧ ﯱﯧﯧ ﯷ ﯷ ﯷ ﯷ ﯷ ﯷ ﯷ‬
‫ﯷ ﯷ ﯷ ﯼ ﯽ ﯾ ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ ﭝ ﭞﭟ‬
‫ﭠ ﭡ ﭢ ﭣ ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ ﭨ ﭩ ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ ﭯ ﭰ ﭱ ﭲ ﭳ‬
‫ﭴ ﭵ ﭶ ﭷ ﭸ ﭹ ﭺ ﭻ ﭼ ﭽ ﭾ ﭿ ﮀ ﮁ ﮂ ﮃ ﮄ ﮅ ﮆ ﮇ ﮈ‬
‫ﮉ ﮊ ﮋ ﮌ ﮍ ﮎ ﮏ ﮐﮑ ﮒ ﮓ ﮔ ﮕ ﮖ ﮗ ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ ﮜ‬
‫ﮰ ﮱ‬ ‫ﮝ ﮞ ﮟ ﮠ ﮡ ﮢ ﮣ ﮤ ﮥ ﮦ ﮧ ﮨ ﮩ ﮪ ﮫ ﮬ ﮭ ﮮﮮ ﮯ‬
‫ﯤ ﯥ ﯦ ﯧ ﯨ ﯩ‬ ‫ﯚ ﯛ ﯜ ﯝ ﯞ ﯟ ﯠﯡ ﯢ ﯣ‬ ‫ﯓ ﯔ ﯕ ﯖ ﯗ ﯘ ﯙ‬
‫ﯯﯧﯧ ﯰﯧﯧ ﯱﯧﯧ ﯷ ﯷ ﯷ ﯷ ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ‬ ‫ﯪﯧﯧﯫﯧﯧ ﯬﯧﯧ ﯭﯧﯧ ﯮﯧﯧ‬
‫ﭣ ﭤﭥ ﭦ ﭧ ﭨ ﭩ ﭪ‬ ‫ﭘ ﭙ ﭚ ﭛﭜ ﭝ ﭞ ﭟ ﭠ ﭡ ﭢ‬
‫ﭴ ﭵ ﭶ ﭷ ﭸ ﭹ ﭺ ﭻ‬ ‫ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ ﭯ ﭰ ﭱ ﭲ ﭳ‬
‫ﭼ ﭽ ﭾ ﭿ ﮀ ﮁ ﮂ ﮃ ﮄ ﮅ ﮆ ﮇﮈ ﮉ ﮊ ﮋ ﮌﮍ ﮎ ﮏ ﮐ ﮑ‬
‫ﮒ ﮓ ﮔ ﮕ ﮖ ﮗ ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ ﮜ ﮝ ﮞ ﮟ ﮠﮡ ﮢ ﮣ ﮤ ﮥ ﮦ‬
‫ﮧ ﮨ ﮩ ﮪ ﮫ ﮬ ﮭ ﮮﮮ ﮯ ﮰ ﮱ ﯓ ﯔ ﯕ ﯖ ﯗ ﯘ ﯙ ﯚﯛ ﯜ ﯝ‬
‫ﯞ ﯟ ﯠ ﯡ ﯢ ﯣ ﯤ ﯥ ﯦ ﯧﯨ ﯩ ﯪﯧﯧ ﯫﯧﯧ ﯬﯧﯧ ﯭﯧﯧ ﯮﯧﯧ ﯯﯧﯧ ﯰﯧﯧ ﯱﯧﯧﯷ ﯷ ﯷ ﯷ ﯷ‬
‫ﯷ ﯷ ﯷ ﯷ ﯷ ﯼ ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ ﭝ ﭞ‬
‫ﭟ ﭠ ﭡ ﭢ ﭣ ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ ﭨ ﭩ ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ ﭯ ﭰﭱ ﭲ‬
‫ﭳ ﭴ ﭵ ﭶ ﭷ ﭸ ﭹ ﭺ ﭻ ﭼ ﭽ ﭾ ﭿ ﮀ ﮁ ﮂ ﮃ ﮄ ﮅ ﮆ ﮇ‬
‫ﮗ ﮘ ﮙ ﮚ‬ ‫ﮈ ﮉ ﮊ ﮋ ﮌ ﮍ ﮎ ﮏ ﮐ ﮑ ﮒﮓ ﮔ ﮕ ﮖ‬
‫ﮩ ﮪ ﮫ ﮬ ﮭ ﮮﮮ‬ ‫ﮞ ﮟ ﮠ ﮡ ﮢﮣ ﮤ ﮥ ﮦ ﮧ ﮨ‬ ‫ﮛ ﮜ ﮝ‬
‫ﮯ ﮰ ﮱ ﯓ ﯔ ﯕ ﯖﯗ ﯘ ﯙ ﯚ ﯛ ﯜ ﯝ ﯞ ﯟ ﯠ ﯡ ﯢ ﯣ ﯤ ﯥ ﯦ ﯧ ﯨ‬
‫ﯩ ﯪﯧﯧ ﯫﯧﯧ ﯬﯧﯧ ﯭﯧﯧ ﯮﯧﯧ ﯯﯧﯧ ﯰﯧﯧ ﯱﯧﯧ ﯷ ﯷ ﯷ ﯷ ﯷ ﯷ ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ‬
‫ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜﭝ ﭞ ﭟ ﭠﭡ ﭢ ﭣ ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ ﭨﭩ ﭪ‬
‫ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ ﭯ ﭰ ﭱ ﭲ ﭳ ﭴ ﭵ ﭶ ﭷ ﭸ ﭹ ﭺ ﭻ ﭼ ﭽ ﭾ‬
‫ﭿ ﮀ ﮁ ﮂ ﮃﮄ ﮅ ﮆ ﮇ ﮈ ﮉ ﮊ ﮋ ﮌ ﮍ ﮎ ﮏ ﮐ ﮑ ﮒ ﮓ‬
‫ﮔﮕ ﮖ ﮗ ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ ﮜ ﮝ ﮞ ﮟ ﮠ ﮡ ﮢ ﮣ ﮤ ﮥ ﮦ ﮧ ﮨ ﮩ‬
‫ﮪ ﮫ ﮬ ﮭ ﮮﮮ ﮯﮰ ﮱ ﯓ ﯔ ﯕ ﯖ ﯗ ﯘ ﯙ ﯚ ﯛ ﯜ ﯝ ﯞ ﯟ ﯠﯡ ﯢ‬
‫ﯣ ﯤ ﯥ ﯦ ﯧ ﯨ ﯩ ﯪﯧﯧ ﯫﯧﯧ ﯬﯧﯧﯭﯧﯧ ﯮﯧﯧ ﯯﯧﯧ ﯰﯧﯧ ﯱﯧﯧ ﯷﯷ ﯷ ﯷ ﯷ ﯷ ﯷ ﯷ ﯷ‬
‫ﯷ ﯼ ﯽ ﯾﯿ ﯷ ﯷ ﯷ ﯷ ﯷﯷ ﯷ ﯷ ﰈ ﰉ ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ‬
‫ﭨﭩ ﭪ ﭫ‬ ‫ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜﭝ ﭞ ﭟ ﭠ ﭡ ﭢ ﭣﭤ ﭥ ﭦ ﭧ‬
‫ﭬ ﭭ ﭮ ﭯ ﭰ ﭱ ﭲ ﭳ ﭴ ﭵ ﭶ ﭷ ﭸ ﭹ ﭺ ﭻ ﭼ ﭽ ﭾ ﭿ‬
‫ﮑﮒ ﮓ‬ ‫ﮀ ﮁ ﮂ ﮃ ﮄ ﮅ ﮆ ﮇ ﮈ ﮉ ﮊ ﮋ ﮌ ﮍ ﮎ ﮏ ﮐ‬
‫ﮔ ﮕ ﮖ ﮗ ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ ﮜﮝ ﮞ ﮟ ﮠ ﮡ ﮢ ﮣ ﮤ ﮥ ﮦ ﮧ ﮨ ﮩ‬
‫ﯔ ﯕ ﯖﯗ ﯘ ﯙ ﯚ ﯛ ﯜ ﯝ ﯞ‬ ‫ﮪ ﮫ ﮬ ﮭ ﮮﮮﮯ ﮰ ﮱ ﯓ‬
‫ﯟ ﯠ ﯡ ﯢ ﯣ ﯤ ﯥ ﯦ ﯧ ﯨ ﯩ ﯪﯧﯧ ﯫﯧﯧ ﯬﯧﯧ ﯭﯧﯧ ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕﭖ ﭗ ﭘ ﭙ‬
‫ﭚ ﭛ ﭜ ﭝ ﭞ ﭟ ﭠﭡ ﭢ ﭣ ﭤ ﭥ ﭦﭧ ﭨ ﭩ ﭪ ﭫ ﭬﭭ ﭮ‬
‫ﭯ ﭰ ﭱ ﭲ ﭳ ﭴﭵ ﭶ ﭷ ﭸ ﭹ ﭺﭻ ﭼ ﭽ ﭾ ﭿ ﮀ ﮁ ﮂ ﮃ‬
‫ﮄ ﮅ ﮆ ﮇ ﮈ ﮉ ﮊ ﮋ ﮌ ﮍ ﮎ ﮏ ﮐ ﮑ ﮒ ﮓ ﮔﮕ ﮖ ﮗ ﮘ‬
‫ﮙ ﮚ ﮛ ﮜ ﮝ ﮞ ﮟ ﮠ ﮡ ﮢ ﮣ ﮤ ﮥ ﮦ ﮧ ﮨ ﮩ ﮪ ﮫ ﮬ ﮭ ﮮﮮ‬
‫ﮯ ﮰ ﮱ ﯓ ﯔ ﯕ ﯖ ﯗ ﯘ ﯙ ﯚ ﯛ ﯜ ﯝ ﯞ ﯟﯠ ﯡ ﯢﯣ ﯤ ﯥ ﯦ ﯧ‬
‫ﯨ ﯩ ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ ﭝ ﭞﭟ ﭠ ﭡ ﭢ ﭣ‬
‫ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ ﭨ ﭩ ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ ﭯ ﭰ ﭱ ﭲ ﭳ ﭴ ﭵ ﭶ ﭷ‬
‫ﮃ ﮄ ﮅ ﮆ ﮇ ﮈ ﮉ ﮊ ﮋ‬ ‫ﭸ ﭹ ﭺ ﭻ ﭼ ﭽ ﭾ ﭿ ﮀ ﮁ ﮂ‬
‫ﮌ ﮍ ﮎ ﮏ ﮐ ﮑﮒ ﮓ ﮔ ﮕ ﮖﮗ ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ ﮜ ﮝ ﮞ ﮟﮠ‬
‫ﮡ ﮢ ﮣ ﮤ ﮥﮦ ﮧ ﮨ ﮩ ﮪ ﮫ ﮬ ﮭ ﮮﮮ ﮯ ﮰ ﮱ ﯓ ﯔ ﯕ ﯖ ﯗ ﯘ‬
‫ﯙ ﯚ ﯛ ﯜ ﯝ ﯞ ﯟﯠ ﯡ ﯢ ﯣ ﯤ ﯥ ﯦ ﯧ ﯨ ﯩ ﯪﯧﯧ ﯫﯧﯧ ﯬﯧﯧ ﯭﯧﯧ ﯮﯧﯧ ﯯﯧﯧﯰﯧﯧ ﯱﯧﯧ ﯷ‬
‫ﯷ ﯷ ﯷﯷ ﯷ ﯷ ﯷ ﯷ ﯷ ﯼ ﯽ ﯾ ﯿ ﯷ ﯷ ﯷ ﯷ ﯷ ﭑ ﭒ‬
‫ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ ﭝ ﭞ ﭟ ﭠ ﭡ ﭢ ﭣ ﭤ ﭥ‬ ‫ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ‬
‫)‪(1‬‬
‫ﭼ‪.‬‬
‫}‪ {103‬أي‪ :‬ثم بعثنا من بعد أولئك الرسل موسى الكليم‬
‫المام العظيم والرسول الكريم إلى قوم عتاةٍ جبابرةٍ ـ وهم‬
‫فرعون وملؤه من أشرافهم وكبرائهم ـ فأراهم من آيات الله‬
‫العظيمة ما لم يشاهَد ْ له نظيٌر‪} .‬فظلموا بها{‪ :‬بأن لم ينقادوا‬
‫م‪ ،‬بل استكبروا عنها‪} ،‬فانظْر‬ ‫من لم ينقد ْ له فهو ظال ٌ‬ ‫قها الذي َ‬ ‫لح ّ‬
‫م الّله وأت ْب ََعهم الذ ّ‬
‫م‬ ‫ن{‪ :‬كيف أهل َك َهُ ُ‬ ‫ة المفسدي َ‬ ‫ف كان عاقب ُ‬ ‫كي َ‬
‫واللعنة في الدنيا‪ ،‬ويوم القيامة بئس الّرفْد ُ المرفود‪.‬‬
‫صله بقوله‪} :‬وقال موسى{‪ :‬حين‬ ‫}‪ {104‬وهذا مجمل ف ّ‬
‫ل من‬ ‫ن إّنـي رسو ٌ‬ ‫جاء إلى فرعون يدعوه إلى اليمان‪} :‬يا فرعو ُ‬
‫ب‬‫سل عظيم‪ ،‬وهو ر ّ‬ ‫مر ِ‬ ‫ل من ُ‬ ‫ب العاَلمين{؛ أي‪ :‬إني رسو ٌ‬ ‫ر ّ‬
‫ه‬
‫ق ِ‬‫ي‪ ،‬مرّبـي جميع خل ِ‬ ‫العاَلمين‪ ،‬الشامل للعالم العلويّ والسفلـ ّ‬
‫ى‪ ،‬بل‬ ‫كهم سد ً‬ ‫بأنواع التدابير اللهّية‪ ،‬التي من جملتها أنه ل يتُر ُ‬
‫شرين ومنذرين‪ ،‬وهو الذي ل يقدر أحد ٌ أن‬ ‫يرسل إليهم الرسل مب ّ‬
‫دعي أنه أرسله ولم يرسله‪.‬‬ ‫يتجّرأ عليه وي ّ‬
‫}‪ {105‬فإذا كان هذا شأنه‪ ،‬وأنا قد اختارني واصطفاني‬
‫ق؛‬ ‫ي أن ل أكذب عليه ول أقول عليه إل الح ّ‬ ‫لرسالته؛ فحقيقٌ عل ّ‬
‫ت غير ذلك؛ لعاجلني بالعقوبة‪ ،‬وأخذني أخذ عزيز‬ ‫فإني لو قل ُ‬
‫ب لن ينقادوا له ويَتبعوه‪ ،‬خصوصا ً وقد جاءهم‬ ‫مقتدر؛ فهذا موج ٌ‬
‫ق‪ ،‬فوجب‬ ‫حة ما جاء به من الح ّ‬ ‫ببّينة من الّله واضحةٍ على ص ّ‬
‫عليهم أن يعملوا بمقصود رسالته‪ ،‬ولها مقصودان عظيمان‪:‬‬
‫ضله‬‫ل بني إسرائيل الشعب الذي ف ّ‬ ‫عهم له‪ ،‬وإرسا ُ‬ ‫إيماُنهم به واّتبا ُ‬

‫‪ -‬في )ب(‪ :‬إلى آخر قصته‪.‬‬ ‫‪1‬‬


‫الّله على العالمين أولد النبياء وسلسلة يعقوب عليه السلم‬
‫الذي موسى عليه الصلة والسلم واحد ٌ منهم‪.‬‬
‫ت بآيةٍ فأت بها إن‬
‫ت جئ َ‬
‫}‪ {106‬فقال له فرعون‪} :‬إن كن َ‬
‫ت من الصادقين{‪.‬‬ ‫كن َ‬
‫}‪} {107‬فألقى{ موسى }عصاه{‪ :‬في الرض‪} ،‬فإذا هي‬
‫ن{؛ أي‪ :‬حية ظاهرة ٌ تسعى وهم يشاهدونها‪.‬‬‫ن مبي ٌ‬
‫ثعبا ٌ‬
‫}‪} {108‬ونزع يده{‪ :‬من جيبه‪} ،‬فإذا هي بيضاء‬
‫للناظرين{‪ :‬من غير سوٍء؛ فهاتان آيتان كبيرتان داّلتان على صحة‬
‫ب العالمين‪.‬‬ ‫ه‪ ،‬وأّنه رسو ُ‬
‫لر ّ‬ ‫ما جاء به موسى وصدقِ ِ‬
‫}‪ {109‬ولكن الذين ل يؤمنون لو جاءتهم ك ّ‬
‫ل آيةٍ ل يؤمنون‬
‫حتى يروا العذاب الليم؛ فلهذا }قال المل من قوم فرعون{ حين‬
‫بهرهم ما رأوا من اليات ولم يؤمنوا وطلبوا لها التأويلت‬
‫م{؛ أي‪ :‬ماهٌر في سحره‪.‬‬ ‫ن هذا لساحٌر علي ٌ‬ ‫الفاسدة‪} :‬إ ّ‬
‫وفوا ضعفاَء الحلم وسفهاء العقول بأنه‬ ‫}‪ {110‬ثم خ ّ‬
‫جكم من أرضكم{؛ أي‪ :‬يريد‬ ‫د{ موسى بفعل ِهِ هذا }أن يخرِ َ‬ ‫}يري ُ‬
‫)‪(1‬‬
‫ن{؟ أي‪ :‬إنهم تشاوروا‬ ‫أن يجليكم من أوطانكم‪} ،‬فماذا تأمرو َ‬
‫فيما بينهم ما يفعلون بموسى‪ ،‬وما يندفع به ضررهم بزعمهم‬
‫ل بما يبط ُِله ويدحضه‪ ،‬وإل؛ دخل‬ ‫ن ما جاء به إن لم يقاب َ ْ‬ ‫عنهم؛ فإ ّ‬
‫في عقول أكثر الناس‪.‬‬
‫}‪ 111‬ـ ‪ {112‬فحينئذ انعقد رأيهم إلى أن قالوا لفرعون‪:‬‬
‫ث في المدائن أناسا ً‬ ‫جهِ وأخاه{؛ أي‪ :‬احبسهما وأمهلهما‪ ،‬وابع ْ‬ ‫}أْر ِ‬
‫حارٍ عليم؛ أي‪ :‬يجيئون‬‫س ّ‬
‫شرون أهل المملكة ويأتون بكل َ‬ ‫يح ُ‬
‫بالسحرة المهرة؛ ليقابلوا ما جاء به موسى‪ ،‬فقالوا‪ :‬يا موسى‬
‫ى‪ .‬قال‬
‫سو ً‬‫ه نحن ول أنت مكانا ً ُ‬‫ف ُ‬ ‫ك موعدا ً ل ن ُ ْ‬
‫خل ِ ُ‬ ‫ل بيننا وبين َ َ‬
‫}اجع ْ‬
‫ى‪ .‬فتوّلـى فرعو ُ‬
‫ن‬ ‫شَر الناس ضح ً‬ ‫ح َ‬ ‫م الزينةِ وأن ُيـ ْ‬ ‫دكم يو ُ‬ ‫ع ْ‬ ‫مو ِ‬
‫ده ثم أتى{‪.‬‬ ‫معَ كي َ‬ ‫فج َ‬
‫ن{‪ :‬طالبين منه‬ ‫}‪ {113‬وقال هنا‪} :‬وجاء السحرة ُ فرعو َ‬
‫ن{‪.‬‬ ‫ن لنا لجرا ً إن ك ُّنا نح ُ‬
‫ن الغالبي َ‬ ‫الجزاء إن غلبوا‪ ،‬فقالوا‪} :‬إ ّ‬
‫ن‪} :‬نعم{‪ :‬لكم أجر‪} ،‬وإّنكم لمن‬ ‫ل فرعو ُ‬‫}‪ {114‬فقا َ‬
‫دهم الجر والتقريب وعلو المنزلة عنده؛‬ ‫المقّربين{‪ :‬فوع َ َ‬
‫ذلوا‪ ،‬وسعهم وطاقتهم في مغالبة موسى‪.‬‬ ‫ليجتهدوا ويب ُ‬

‫‪ -‬في )ب(‪» :‬ليجليكم«‪.‬‬ ‫‪1‬‬


‫}‪ {115‬فلما حضروا مع موسى بحضرة الخلق العظيم‪،‬‬
‫}قالوا{‪ :‬على وجه التأّلـي وعدم المبالة بما جاء به موسى‪} ،‬يا‬
‫ن{‪.‬‬‫ن الملقي َ‬‫ن نح ُ‬
‫ي{‪ :‬ما معك‪} ،‬وإما أن نكو َ‬ ‫ق َ‬ ‫موسى إما أن ت ُل ْ ِ‬
‫س ما‬‫ل موسى‪} :‬ألقوا{‪ :‬لجل أن يرى النا ُ‬ ‫}‪ {116‬فقا َ‬
‫وا{‪ :‬حباَلهم وعصّيهم إذا هي من‬ ‫ق ْ‬
‫معهم وما مع موسى‪} ،‬فلما أل َ‬
‫ت تسعى‪ ،‬فسحروا }أعين الناس واسترهبوهم‬ ‫سحرهم كأنها حيا ٌ‬
‫وجاؤوا بسحرٍ عظيم{‪ :‬لم يوجد ْ له نظيٌر من السحر‪.‬‬
‫ق عصاك{‪ :‬فألقاها‪،‬‬ ‫حْينا إلى موسى أن أل ِ‬ ‫}‪} {117‬وأو َ‬
‫ذبون به‬‫ن؛ أي‪ :‬يك ّ‬‫ة تسعى فتلقفت جميعَ ما يأِفكو َ‬ ‫}فإذا هي{‪ :‬حي ّ ٌ‬
‫وهون‪.‬‬
‫ويم ّ‬
‫ق{؛ أي‪ :‬تبين‪ ،‬وظهر‪ ،‬واستعلن في‬ ‫}‪} {118‬فوقع الح ّ‬
‫ل ما كانوا يعملون{‪.‬‬ ‫ذلك المجمع‪} ،‬وب َط َ َ‬
‫}‪} {119‬فغُِلبوا هنالك{؛ أي‪ :‬في ذلك المقام‪} ،‬وانقلبوا‬
‫ل باطُلهم وتلشى سحرهم ولم‬ ‫ن{؛ أي‪ :‬حقيرين قد اضمح ّ‬ ‫صاغري َ‬
‫صل لهم المقصود الذي ظنوا حصوله‪.‬‬ ‫يح ُ‬
‫}‪ 120‬ـ ‪ {122‬وأعظم من تبّيـن له الحقّ العظيم أهل‬
‫الصنف والسحر ]الذين[ يعرفون من أنواع السحر وجزئيات ِهِ ما ل‬
‫يعرفه غيُرهم‪ ،‬فعرفوا أن هذه آية عظيمة من آيات الّله‪ ،‬ل يدان‬
‫ب العالمين‪.‬‬ ‫ن‪ .‬قالوا آمنا بر ّ‬ ‫لحد بها‪ ،‬فألقي }السحرة ُ ساجدي َ‬
‫ث به موسى من اليات‬ ‫دقنا بما ب ُعِ َ‬‫ب موسى وهارون{؛ أي‪ :‬وص ّ‬ ‫ر ّ‬
‫البينات‪.‬‬
‫ددا ً لهم على اليمان‪:‬‬ ‫ن{ مته ّ‬ ‫}‪ {123‬فقال لهم }فرعو ُ‬
‫ن لكم{‪ :‬كان الخبيث حاكما ً مستبدا ً على‬ ‫}آمنُتم به قبل أن آذ َ‬
‫البدان والقوال‪ ،‬قد تقّرر عنده وعندهم أن قوله هو المطاع‬
‫وأمره نافذ ٌ فيهم ول خروج لحد ٍ عن قوله وحكمه‪ ،‬وبهذه الحالة‬
‫ط المم وتضعف عقولها ونفوذها وتعجز عن المدافعة عن‬ ‫تنح ّ‬
‫مه فأطاعوه{‪ ،‬وقال‬ ‫ف قو َ‬ ‫حقوقها‪ ،‬ولهذا قال الّله عنه‪} :‬فاستخ ّ‬
‫ب منكم‬ ‫ن لكم{؛ أي‪ :‬فهذا سوُء أد ٍ‬ ‫ل أن آذ َ‬ ‫هنا‪} :‬آمنُتم به قب َ‬
‫مكٌر مكرُتموه‬ ‫ن هذا َلـ َ‬ ‫وه على قومه وقال‪} :‬إ ّ‬ ‫ي‪ ،‬ثم م ّ‬ ‫وتجّرؤ علـ ّ‬
‫رجوا منها أهلها{؛ أي‪ :‬إن موسى كبيركم الذي‬ ‫خ ِ‬
‫في المدينة لت ُ ْ‬
‫عّلمكم السحر‪ ،‬فتواطأتم أنتم وهو على أن تنغِلبوا له فيظهَر‬
‫رجوا منها أهلها‪ ،‬وهذا‬ ‫خ ِ‬ ‫فتّتبعونه ثم يّتبعكم الناس أو جمهورهم‪ ،‬فت ُ ْ‬
‫كذب يعلم هو ومن سبر الحوال أن موسى عليه الصلة والسلم‬
‫معوا على نظر فرعون ورسله‪،‬‬ ‫جـ ِ‬
‫لم يجتمع بأحد ٍ منهم‪ ،‬وأنهم ُ‬
‫وأن ما جاء به موسى آية إلهّية‪ ،‬وأن السحرة قد بذلوا مجهودهم‬
‫في مغالبة موسى حتى عجزوا وتبّيـن لهم الحق فاتبعوه‪ .‬ثم‬
‫ل بكم من‬ ‫ح ّ‬‫ن{‪ :‬ما أ ِ‬
‫عدهم فرعون بقوله‪ :‬فلسوف }تعلمو َ‬ ‫تو ّ‬
‫العقوبة‪.‬‬
‫ف{‪ :‬زعم‬ ‫ن أيدَيكم وأرجَلكم من خل ٍ‬ ‫}‪} {124‬لق ّ‬
‫طع ّ‬
‫ث أّنهم مفسدون في الرض‪ ،‬وسيصنع بهم ما ُيصنع‬ ‫الخبي ُ‬
‫ف؛ أي‪ :‬اليد اليمنى‬ ‫بالمفسدين من تقطيع اليدي والرجل من خل ٍ‬
‫كم{‪ :‬في جذوع النخل؛ لتخَتزوا‬ ‫صل ّب َن ّ ُ‬
‫والرجل اليسرى‪} ،‬ثم ل َ‬
‫د‪ ،‬بل‬‫ن{؛ أي‪ :‬ل أفعل هذا الفعل بأحد ٍ دون أح ٍ‬ ‫بزعمه }أجمعي َ‬
‫كّلكم سيذوق هذا العذاب‪.‬‬
‫ددهم‪:‬‬ ‫}‪ {125‬فقال السحرة الذين آمنوا لفرعون حين ته ّ‬
‫ن{؛ أي‪ :‬فل نبالي بعقوبتك؛ فالله خيٌر وأبقى؛‬ ‫}إّنا إلى رّبنا منقلبو َ‬
‫ض‪.‬‬
‫ض ما أنت قا ٍ‬ ‫فاق ِ‬
‫م مّنا{؛ أي‪ :‬وما تعيب مّنا على إنكارك‬ ‫ق ُ‬
‫}‪} {126‬وما َتن ِ‬
‫ن آمّنا بآيات رّبنا لما‬
‫ب }إل ّ أ ْ‬
‫عدك لنا؛ فليس لنا ذن ٌ‬ ‫علينا وتو ّ‬
‫ن كان هذا ذنبا ً ُيعاب عليه ويستحقّ صاحبه‬ ‫جاءْتنا{ )‪ (1‬؛ فإ ْ‬
‫العقوبة؛ فهو ذنُبنا‪ .‬ثم دعوا الّله أن يثّبتهم ويصّبرهم‪ ،‬فقالوا‪:‬‬
‫ل عليه‬‫غ{؛ أي‪ :‬أفض }علْينا صبرًا{؛ أي‪ :‬عظيما ً كما يد ّ‬ ‫}رّبنا أفر ْ‬
‫ن هذه محنة عظيمة تؤدي إلى ذهاب النفس‪ ،‬فيحتاج‬ ‫التنكير؛ ل ّ‬
‫فيها من الصبر إلى شيء كثير؛ ليثبت الفؤاد ويطمئن المؤمن‬
‫ن{؛ أي‪:‬‬ ‫على إيمان ِهِ ويزول عنه النزعاج الكثير‪} .‬وتوّفنا مسلمي َ‬
‫منقادين لمرك مّتبعين لرسولك‪ .‬والظاهر أنه أوقع بهم ما‬
‫ن الّله تعالى ثّبتهم على اليمان‪.‬‬ ‫عدهم عليه‪ ،‬وأ ّ‬ ‫تو ّ‬
‫}‪ {127‬هذا وفرعون وملؤه وعامتهم المتبعون للمل قد‬
‫وا وقالوا لفرعون‬ ‫استكبروا عن آيات الّله وجحدوا بها ظلما ً وعل ّ‬
‫مهيجين له على اليقاع بموسى وزاعمين أن ما جاء باطل‬
‫سدوا في الرض{‪ :‬بالدعوة إلى‬ ‫مه ليف ِ‬ ‫وفساد‪} :‬أتذُر موسى وقو َ‬
‫الّله وإلى مكارم الخلق ومحاسن العمال التي هي الصلح في‬
‫ن الظالمين ل يبالون بما‬ ‫الرض وما هم عليه هو الفساد‪ ،‬ولك ّ‬
‫ك{؛ أي‪ :‬يدعك أنت وآلهتك‪ ،‬وينهى عنك‪،‬‬ ‫ك وآلهت َ َ‬
‫يقولون‪} ،‬وَي َذ ََر َ‬
‫ن مجيبا ً لهم بأنه سيدع بني‬ ‫ويصد الناس عن اتباعك‪ ،‬فقال فرعو ُ‬
‫مه‬‫ن وقو ُ‬ ‫ن فرعو ُ‬ ‫إسرائيل مع موسى بحالةٍ ل ينمون فيها ويأم ُ‬
‫ل أبناَءهم ونستحيي نساَءهم{؛ أي‪:‬‬ ‫قت ّ ُ‬‫سن ُ َ‬‫بزعمه من ضررهم‪َ } :‬‬
‫من كثرِتـِهم‪ ،‬وكّنا‬‫ن؛ فإذا فعْلنا ذلك؛ أمّنا ِ‬ ‫ن فل نقتله ّ‬ ‫نستبقيه ّ‬
‫خرين لهم على ما نشاء من العمال‪،‬‬ ‫مستخدمين لباقيهم ومس ّ‬
‫‪ -‬في )ب(‪» :‬آمنا بربنا«‪.‬‬ ‫‪1‬‬
‫ن{‪ :‬ل خروج لهم عن حكمنا ول قدرة‪ .‬وهذا‬ ‫}وإّنا فوَقهم قاهرو َ‬
‫جَبروت من فرعون والعتوّ والقسوة‪.‬‬ ‫نهاية الـ َ‬
‫}‪ {128‬فقال }موسى لقومه{‪ :‬موصيا ً لهم ـ في هذه‬
‫الحالة التي ل يقدرون معها على شيء ول مقاومة ـ بالمقاومة‬
‫اللهية والستعانة الربانّية‪} :‬استعينوا بالّله{؛ أي‪ :‬اعتمدوا عليه‬
‫في جلب ما ينفعكم ودفع ما يضّركم‪ ،‬وِثقوا بالّله أنه سيت ّ‬
‫م‬
‫أمركم‪} ،‬واصبروا{؛ أي‪ :‬الزموا الصبر على ما يح ّ‬
‫ل بكم‬
‫ن الرض لّله{‪ :‬ليست لفرعون ول لقومه‬ ‫منتظرين للفرج‪} .‬إ ّ‬
‫ه{؛ أي‪ :‬يداولها بين‬ ‫من يشاُء من عباد ِ ِ‬ ‫حتى يتح ّ‬
‫كموا فيها‪} ،‬يورُِثها َ‬
‫الناس على حسب مشيئته وحكمته‪ ،‬ولكن العاقبة للمّتقين؛ فإنهم‬
‫ن النصر لهم‪،‬‬ ‫حنوا مدة ابتلء من الّله وحكمة؛ فإ ّ‬ ‫وإن امت ُ ِ‬
‫ة{‪ :‬الحميدة لهم على قومهم‪ .‬وهذه وظيفة العبد؛ أّنه‬ ‫}والعاقب ُ‬
‫عند القدرة أن يفعل من السباب الدافعة عنه أذى الغير ما يقدر‬
‫عليه وعند العجز أن يصبر ويستعين الّله وينتظر الفرج‪.‬‬
‫جرين من طول ما مكثوا‬ ‫}‪} {129‬قالوا{‪ :‬لموسى متض ّ‬
‫في عذاب فرعون وأذّيته‪} :‬أوذينا من قبل أن تأت َِينا{‪ :‬فإنهم‬
‫يسوموننا سوء العذاب يذّبحون أبناءنا ويستحيون نساءنا‪} ،‬ومن‬
‫)‪(1‬‬
‫بعد ِ ما جئتنا{‪ :‬كذلك‪ ،‬فقال لهم موسى مرجيا ً لهم بالفرج‬
‫فكم‬‫ك عدّوكم ويستخل ِ َ‬ ‫والخلص من شّرهم‪} :‬عسى رّبكم أن ُيـهْل ِ َ‬
‫كنكم فيها ويجعل لكم التدبير فيها‪} ،‬فينظَر‬ ‫في الرض{؛ أي‪ :‬يم ّ‬
‫فرون؟ وهذا وعد ٌ أنجزه الّله‬ ‫كرون أم تك ُ‬ ‫ن{‪ :‬هل تش ُ‬ ‫كيف تعملو َ‬
‫ما جاء الوقت الذي أراده الّله‪.‬‬ ‫لـ ّ‬
‫ل فرعون‬ ‫}‪ {130‬قال الّله تعالى في بيان ما عامل به آ َ‬
‫في هذه المدة الخيرة ـ إنها على عادته وسنته في المم أن‬
‫ضّرعون{ اليات ـ‪} :‬ولقد‬ ‫ذهم }بالبأساء والضّراء لعلهم ي ّ‬ ‫خ َ‬‫يأ ُ‬
‫دهور والجدب‪} ،‬ونقص من‬ ‫أخذنا آل فرعون بالسنين{؛ أي‪ :‬بال ّ‬
‫ل بهم وأصابهم‬ ‫ن ما ح ّ‬ ‫كرون{؛ أي‪ :‬يّتعظون أ ّ‬ ‫الثمرات لعلهم يذ ّ ّ‬
‫جعون عن كفرهم‪ ،‬فلم ينجعْ فيهم‬ ‫معاتبة من الّله لهم لعّلهم ير ِ‬
‫ظلم والفساد‪.‬‬ ‫ول أفاد‪ ،‬بل استمّروا على ال ّ‬
‫ة{؛ أي‪ :‬الخصب وإدرار‬ ‫}‪} {131‬فإذا جاءتهم الحسن ُ‬
‫قون لها‪ ،‬فلم يشكروا‬ ‫الرزق‪} ،‬قالوا لنا هذه{؛ أي‪ :‬نحن مستح ّ‬
‫ة{؛ أي‪ :‬قحط وجدب‪} ،‬يط ّّيروا‬ ‫الّله عليها‪} ،‬وإن ت ِ‬
‫صْبهم سيئ ٌ‬
‫بموسى ومن معه{؛ أي‪ :‬يقولوا‪ :‬إنما جاءنا بسبب مجيء موسى‬
‫واتباع بني إسرائيل له‪ .‬قال الّله تعالى‪} :‬أل إّنما طائ ُِرهم عند‬
‫‪ -‬في )ب(‪» :‬مرجيا ً الفرج«‪.‬‬ ‫‪1‬‬
‫الّله{؛ أي‪ :‬بقضائه وقدرته‪ ،‬ليس كما قالوا‪ ،‬بل إن ذنوبهم‬
‫ن؛ أي‪ :‬فلذلك‬
‫وكفرهم هو السبب في ذلك‪ ،‬بل أكثرهم ل يعلمو َ‬
‫قالوا ما قالوا‪.‬‬
‫}‪} {132‬وقالوا{‪ :‬مبّينين لموسى أنهم ل يزالون ول‬
‫حَرنا بها فما نحن‬
‫س َ‬
‫يزولون عن باطلهم‪} :‬مهما تأِتنا به من آيةٍ ل ِت َ ْ‬
‫لك بمؤمنين{؛ أي‪ :‬قد تقّرر عندنا أنك ساحٌر؛ فمهما جئت بآية؛‬
‫دق‪ .‬وهذا غاية ما يكون من‬ ‫جزمنا أنها سحٌر؛ فل نؤمن لك ول نص ّ‬
‫العناد أن يبلغ بالكافرين إلى أن تستوي عندهم الحالت سواء‬
‫نزلت عليهم اليات أم لم تنزل‪.‬‬
‫}‪} {133‬فأرسلنا عليهم الطوفان{؛ أي‪ :‬الماء الكثير الذي‬
‫أغرق أشجارهم وزروعهم وأضّرهم )‪ (1‬ضررا ً كثيرًا‪} ،‬والجراد{‪:‬‬
‫دباء؛ أي‪:‬‬ ‫ل{‪ :‬قيل‪ :‬إنه ال ّ‬ ‫م َ‬
‫ق ّ‬
‫عهم ونباتهم‪} ،‬وال ُ‬ ‫فأكل ثماَرهم وزرو َ‬
‫صغار الجراد‪ ،‬والظاهر أنه القمل المعروف‪} ،‬والضفادع{‪:‬‬
‫ة‪} ،‬والدم{‪ :‬إما أن‬ ‫فملت أوعيتهم وأقلقتهم وآذتهم أذّية شديد ً‬
‫ن ماءهم الذي‬ ‫ن الرعاف‪ ،‬أو كما قال كثير من المفسرين‪ :‬إ ّ‬ ‫يكو َ‬
‫ً‬
‫يشربون انقلب دما‪ ،‬فكانوا ل يشربون إل ّ دما ول يطبخون ] إل ّ‬ ‫ً‬
‫ت{؛ أي‪ :‬أدّلة وبّينات على أّنهم كانوا كاذبين‬ ‫صل ٍ‬ ‫ت مف ّ‬ ‫بدم[‪} .‬آيا ٍ‬
‫ق‪} .‬فاستكبروا{‪:‬‬ ‫ظالمين‪ ،‬وعلى أن ما جاء به موسى حقّ وصد ٌ‬
‫لما رأوا اليات‪} ،‬وكانوا{‪ :‬في سابق أمرهم }قوما ً مجرمين{‪:‬‬
‫ي والضلل‪.‬‬ ‫فلذلك عاقبهم الّله تعالى بأن أبقاهم على الغ ّ‬
‫ن‬
‫جُز{؛ أي‪ :‬العذاب؛ يحتمل أ ّ‬ ‫}‪} {134‬ولما وقع عليهم الّر ْ‬
‫سرين‪ ،‬ويحتمل أن‬ ‫المراد به الطاعون كما قاله كثيٌر من المف ّ‬
‫مل والضفادع‬ ‫دم من اليات الطوفان والجراد والق ّ‬ ‫ُيراد به ما تق ّ‬
‫ب‪ ،‬وإنهم كّلما أصابهم واحد منها؛ }قالوا يا‬ ‫دم؛ فإنها رجٌز وعذا ٌ‬ ‫وال ّ‬
‫فعوا بموسى بما‬ ‫عهد َ عندك{؛ أي‪ :‬تش ّ‬ ‫موسى ادع ُ لنا ربك بما َ‬
‫جَز‬‫ت عّنا الّر ْ‬‫عهد َ الّله عنده من الوحي والشرع‪} .‬لئن كشف َ‬ ‫َ‬
‫ةل‬ ‫ن معك بني إسرائيل{‪ :‬وهم في ذلك كذب ٌ‬ ‫ن لك ولنرسل ّ‬ ‫لنؤمن ّ‬
‫ل بهم من العذاب‪ ،‬وظّنوا إذا رفع ل‬ ‫ل ما ح ّ‬ ‫قصد َ لهم إل زوا ُ‬
‫يصيبهم غيره‪.‬‬
‫ه{؛‬
‫جَز إلى أجل هم بالغو ُ‬‫فنا عنهم الّر ْ‬ ‫}‪} {135‬فلما ك َ‬
‫ش ْ‬
‫أي‪ :‬إلى مدة قدر الّله بقاءهم إليها‪ ،‬وليس كشفا ً مؤّبدًا‪ ،‬وإنما هو‬
‫كثون{‪ :‬العهد الذي عاهدوا عليه موسى‬ ‫موقت‪} ،‬إذا هم ين ُ‬
‫ووعدوه باليمان به وإرسال بني إسرائيل؛ فل آمنوا به ول أرسلوا‬

‫‪ -‬في )ب(‪» :‬وأضّر بهم«‪.‬‬ ‫‪1‬‬


‫معه بني إسرائيل‪ ،‬بل استمّروا على كفرهم يعمهون وعلى‬
‫تعذيب بني إسرائيل دائبين‪.‬‬
‫}‪} {136‬فانتقمنا منهم{؛ أي‪ :‬حين جاء الوقت الموّقت‬
‫ل‪ ،‬وأخبره أن‬ ‫لهلكهم؛ أمر الّله موسى أن يسري ببني إسرائيل لي ً‬
‫ن في المدائن‬ ‫ل فرعو ُ‬ ‫فرعون سيتبُعهم هو وجنوده‪} .‬فأرس َ‬
‫ن‬
‫ن الناس ل ِي َت َْبعوا بني إسرائيل‪ ،‬وقالوا لهم‪} :‬إ ّ‬ ‫حاشرين{ يجمعو َ‬
‫ن‪ .‬وإّنا لجميعٌ حاذرون‪.‬‬ ‫ة قليلون‪ .‬وإّنهم لنا لغائظو َ‬ ‫شْرذم ٌ‬ ‫هؤلء ل َ ِ‬
‫ت وعيون‪ .‬وكنوزٍ ومقام كريم‪ .‬كذلك وأوَرْثناها‬ ‫جناهم من جنا ٍ‬ ‫خَر ْ‬ ‫فأ ْ‬
‫ن قال‬‫ن‪ .‬فلما تراءى الجمعا ِ‬ ‫بني إسرائيل‪ .‬فأْتبعوهم مشرقي َ‬
‫ن‪ .‬قال كل ّ إن معي ربي سيهدين‪.‬‬ ‫مد َْركو َ‬ ‫ب مـوسـى إنـا َلـ ُ‬ ‫أصحا ُ‬
‫ب بعصاك البحَر فانفلق فكان ك ّ‬
‫ل‬ ‫ن اضرِ ْ‬ ‫حْينا إلى موسى أ ِ‬ ‫فأو َ‬
‫م الخرين‪ .‬وأنجينا موسى ومن‬ ‫ق كالطود ِ العظيم‪ .‬وأزلفنا ث َ ّ‬ ‫فر ٍ‬
‫معه أجمعين‪ .‬ثم أغرقنا الخرين{‪ .‬وقال هنا‪} :‬فأغَرْقناهم في‬
‫ذبوا بآياتنا وكانوا عنها غافلين{؛ أي‪ :‬بسبب تكذيبهم‬ ‫م بأّنهم ك ّ‬ ‫الي ّ‬
‫ما دّلت عليه من الح ّ‬
‫ق‪.‬‬ ‫بآيات الّله‪ ،‬وإعراضهم ع ّ‬
‫ن{‪ :‬في‬ ‫ضَعفو َ‬
‫ست َ ْ‬ ‫}‪} {137‬وأورثنا القوم الذين كانوا ي ُ ْ‬
‫الرض؛ أي‪ :‬بني إسرائيل الذين كانوا خدمة لل فرعون‬
‫يسومونهم سوء العذاب‪ ،‬أورثهم الّله }مشارقَ الرض ومغاربها{‪:‬‬
‫والمراد بالرض ها هنا أرض مصر التي كانوا فيها مستضعفين‬
‫كنهم فيها‪} ،‬التي باركنا فيها‬ ‫أذلين؛ أي‪ :‬مّلكهم الّله جميعها وم ّ‬
‫ة ربك الحسنى على بني إسرائيل بما صبروا{‪ :‬حين‬ ‫ت كلم ُ‬ ‫م ْ‬ ‫وتـ ّ‬
‫ض لّله يوِرثها‬ ‫ن الر َ‬ ‫قال لهم موسى‪} :‬استعينوا بالل ّهِ واصِبروا إ ّ‬
‫ع‬
‫مْرنا ما كان يصن ُ‬ ‫ة للمّتقين{‪} ،‬ود ّ‬ ‫من يشاُء من عباده والعاقب ُ‬
‫ه{‪ :‬من البنية الهائلة والمساكن المزخرفة‪} ،‬وما‬ ‫م ُ‬ ‫ن وقو ُ‬ ‫فرعو ُ‬
‫رشون{‪ :‬فتلك بيوتهم ]خاوية[ بما ظلموا إن في ذلك لية‬ ‫كانوا يع ِ‬
‫لقوم يعلمون‪.‬‬
‫}‪} {138‬وجاوزنا ببني إسرائيل البحر{‪ :‬بعدما أنجاهم الّله‬
‫من عدّوهم فرعون وقومه وأهلكهم الّله‪ ،‬وبنو إسرائيل ينظرون‪،‬‬
‫كفون على أصنام ٍ لهم{؛ أي‪:‬‬ ‫وا{؛ أي‪ :‬مّروا }على قوم يع ُ‬ ‫}فأت َ ْ‬
‫يقيمون عندها ويتبّركون بها ويعُبدونها‪ ،‬فقالوا من جهلهم‬
‫فِههم لنبّيهم موسى بعدما أراهم الّله من اليات ما أراهم‪} :‬يا‬ ‫س َ‬ ‫و َ‬
‫ة{؛ أي‪ :‬اشرع لنا أن نّتخذ‬ ‫ً‬
‫ل لنا إلـها كما لهم آله ٌ‬ ‫موسى اجع ْ‬
‫أصناما ً آلهة كما اّتخذها هؤلء‪ ،‬فقال لهم موسى‪} :‬إّنكم قو ٌ‬
‫م‬
‫ي‬
‫قه‪ ،‬وأراد أن يسوّ َ‬ ‫جِهل رّبه وخال َ‬ ‫ن{‪ :‬وأيّ جهل أعظم من َ‬ ‫تجهلو َ‬
‫ً‬ ‫ً‬
‫ك نفعا ول ضّرا ول موتا ول حياة ً ول نشورا؟!‬ ‫ً‬ ‫من ل يمل ِ ُ‬ ‫به غيره مـ ّ‬
‫مت َب ٌّر ما هم فيه‬ ‫ن هؤلء ُ‬ ‫}‪ {139‬ولهذا قال لهم موسى‪} :‬إ ّ‬
‫ل وهي باطلة‬ ‫ن{‪ :‬لن دعاءهم إياها باط ٌ‬ ‫ل ما كانوا يعملو َ‬ ‫وباط ٌ‬
‫ة‪.‬‬
‫ل وغايته باطل ٌ‬ ‫بنفسها؛ فالعمل باط ٌ‬
‫}‪} {140‬قال أغيَر الّله أبغيكم إلهًا{؛ أي‪ :‬أطلب لكم إلها ً‬
‫ضلكم‬ ‫غير الّله المألوه الكامل في ذاته وصفاته وأفعاله‪} .‬وهو ف ّ‬
‫ر‪،‬‬‫على العالمين{‪ :‬فيقتضي أن تقابلوا فضله وتفضيله بالشك ِ‬
‫ده )‪ (1‬بالعبادة والكفرِ بما ُيدعى من دونه‪.‬‬ ‫وذلك بإفراد الّله وح َ‬
‫ن الّله به عليهم فقال‪} :‬وإذ‬ ‫كرهم ما امت ّ‬ ‫}‪ {141‬ثم ذ ّ‬
‫ن{؛ أي‪ :‬من فرعون وآله‪} ،‬يسومونكم‬ ‫أنجيناكم من آل فرعو َ‬
‫جهون إليكم من العذاب أسوأه‪ ،‬وهو أنهم‬ ‫ب{؛ أي‪ :‬يو ّ‬ ‫سوَء العذا ِ‬
‫سَتحيون نساَءكم وفي ذِلكم{؛ أي‪:‬‬ ‫كانوا يذبحون }أبناءكم وي َ ْ‬
‫ة‬
‫ة جليل ٌ‬ ‫م{؛ أي‪ :‬نعم ٌ‬ ‫النجاة من عذابهم‪} ،‬بلٌء من رّبكم عظي ٌ‬
‫ة‪ ،‬أو وفي ذلك العذاب الصادر منهم لكم بلٌء من‬ ‫ة جزيل ٌ‬ ‫ومنح ٌ‬
‫رّبكم عليكم عظيم‪.‬‬
‫وا عن ذلك‪ ،‬ولما‬ ‫كرهم موسى ووعظهم؛ انت َهَ ْ‬ ‫}‪ {142‬فلما ذ ّ‬
‫م الّله نعمته عليهم بالنجاة من عدوهم وتمكينهم في الرض؛‬ ‫أت ّ‬
‫م نعمته عليهم بإنزال الكتاب الذي فيه‬ ‫أراد َ تبارك وتعالى أن ي ُت ِ ّ‬
‫الحكام الشرعّية والعقائد المرضّية‪ ،‬فواعد موسى ثلثين ليلة‪،‬‬
‫مها بعشر‪ ،‬فصارت أربعين ليلة؛ ليستعد ّ موسى ويتهّيأ لوعد‬ ‫وأت ّ‬
‫الّله ويكون لنزولها موقع كبير لديهم وتشوق إلى إنزالها‪ ،‬ولما‬
‫ذهب موسى إلى ميقات رّبه‪ ،‬قال لهارون موصيا ً له على بني‬
‫ومي{؛ أي‪:‬‬ ‫فني في قَ ْ‬ ‫خل ُ ْ‬‫إسرائيل من حرصه عليهم وشفقته‪} :‬ا ْ‬
‫ح{؛ أي‪:‬‬ ‫ن خليفتي فيهم‪ ،‬واعمل فيهم بما كنت أعمل‪} ،‬وأصل ِ ْ‬ ‫ك ْ‬
‫ل المفسدين{‪ :‬وهم الذين‬ ‫اّتبع طريق الصلح‪} ،‬ول تت ّب ِعْ سبي َ‬
‫يعملون بالمعاصي‪.‬‬
‫ما جاء موسى لميقاتنا{‪ :‬الذي وقّْتناه له‬ ‫}‪} {143‬ولـ ّ‬
‫مه رّبه{‪ :‬بما كّلمه من وحيه وأمره ونهيه؛‬ ‫لنزال الكتاب‪} ،‬وكل ّ َ‬
‫دة لرؤيته‪،‬‬ ‫سه لذلك حّبا لرّبه ومو ّ‬ ‫ت نف ُ‬‫وق إلى رؤية الّله‪ ،‬ون ََزع َ ْ‬ ‫تش ّ‬
‫ب أرني أنظْر إليك{‪ ،‬فقال الّله‪} :‬لن َتراني{؛ أي‪ :‬لن‬ ‫فـ}قال ر ّ‬
‫ن الّله تبارك وتعالى أنشأ الخلق في‬ ‫تقد َِر الن على رؤيتي؛ فإ ّ‬
‫هذه الدار على نشأة ل يقدرون بها ول يثبتون لرؤية الّله‪ ،‬وليس‬
‫ل على أّنهم ل يرونه في الجنة؛ فإنه قد دّلت النصوص‬ ‫في هذا دلي ٌ‬
‫القرآنّية والحاديث النبوّية على أن أهل الجنة يرون رّبهم تبارك‬
‫شُئهم نشأةً‬ ‫وتعالى ويتمّتعون بالنظر إلى وجهه الكريم‪ .‬وأنه ي ُن ْ ِ‬
‫‪ -‬في )ب(‪» :‬وذلك بإفراده وحده«‪.‬‬ ‫‪1‬‬
‫ة يقدرون معها على رؤية الّله تعالى‪ ،‬ولهذا رّتب الّله الرؤية‬ ‫كامل ً‬
‫في هذه الية على ثبوت الجبل‪ ،‬فقال مقنعا ً لموسى في عدم‬
‫ن استقّر مكاَنه{‪ :‬إذا‬ ‫ن انظْر إلى الجبل فإ ِ‬ ‫إجابت ِهِ للرؤية‪} :‬ولك ِ ِ‬
‫م‬‫ما تجلـى رّبه للجبل{‪ :‬الص ّ‬ ‫ّ‬ ‫ه له‪} ،‬فسوف تراني فل ّ‬ ‫تجّلـى الل ّ ُ‬
‫كا{؛ أي‪ :‬انهال مثل الرمل انزعاجا ً من رؤية الّله‬ ‫الغليظ‪} ،‬جعله د ّ‬
‫صِعقا ً فتبيّـن‬‫ت لها‪} ،‬وخّر موسى{‪ :‬حين رأى ما رأى‪َ ،‬‬ ‫وعدم ثبو ٍ‬
‫ّ‬
‫ل لرؤية الله؛ فموسى أولى أن ل‬ ‫له حينئذ ٍ أنه إذا لم يثبت الجب ُ‬
‫ت لذلك‪ ،‬واستغفر رّبه لما صدر منه من السؤال الذي لم‬ ‫يثب َ‬
‫ل سبحانك{؛ أي‪ :‬تنزيها ً لك وتعظيما ً عما ل‬ ‫يوافقْ موضعًا‪ ،‬و}قا َ‬
‫ت إليك{‪ :‬من جميع الذنوب وسوء الدب معك‪،‬‬ ‫يليق بجللك‪} ،‬تب ُ‬
‫دد عليه الصلة والسلم إيمانه بما‬ ‫}وأنا أول المؤمنين{؛ أي‪ :‬ج ّ‬
‫ه له مما كان يجهله قبل ذلك‪.‬‬ ‫مل الل ّ ُ‬ ‫ك ّ‬
‫}‪ {144‬فلما منعه الّله من رؤيته بعدما كان متشوقا ً إليها؛‬
‫أعطاه خيرا ً كثيرًا‪ ،‬فقال‪} :‬يا موسى إّنـي اصطفيُتك على‬
‫ضلتك وخصصتك بفضائل‬ ‫الناس{؛ أي‪ :‬اخترتك واجتبيتك وف ّ‬
‫ص بها‬ ‫عظيمة ومناقب جليلة‪} ،‬برسالتي{‪ :‬التي ل أجعلها ول أخ ّ‬
‫إل أفضل الخلق‪} ،‬وبكلمي{‪ :‬إّياك من غير واسطة‪ ،‬وهذه فضيلة‬
‫رف بها من بين إخوانه من‬ ‫ص بها موسى الكليم‪ ،‬وع ُ ِ‬ ‫اخت ُ ّ‬
‫خذ ْ ما آتيُتك{‪ :‬من النعم‪ ،‬وخذ ما آتيُتك من المر‬ ‫المرسلين‪} ،‬ف ُ‬
‫قبول والنقياد‪} ،‬وكن من‬ ‫قه بال َ‬ ‫والنهي بانشراح صدٍر‪ ،‬وتل ّ‬
‫ضلك‪.‬‬ ‫صك وف ّ‬ ‫الشاكرين{‪ :‬لّله على ما خ ّ‬
‫ل شيء{‪ :‬يحتاج إليه‬ ‫}‪} {145‬وكتبنا له في اللواح من ك ّ‬
‫هبهم من‬ ‫غب النفوس في أفعال الخير وتر ّ‬ ‫العباد }موعظة{‪ :‬تر ّ‬
‫ل شيء{‪ :‬من الحكام الشرعّية‬ ‫أفعال الشر‪} ،‬وتفصيل ً لك ّ‬
‫ة{؛ أي‪ :‬بجد ّ واجتهاد على‬ ‫ذها بقوّ ٍ‬‫والعقائد والخلق والداب‪} ،‬فخ ْ‬
‫مك يأخذوا بأحسنها{‪ :‬وهي الوامر الواجبة‬ ‫مْر قو َ‬‫إقامتها‪} ،‬وأ ُ‬
‫ل على أن أوامر الّله في‬ ‫والمستحّبة؛ فإنها أحسنها‪ .‬وفي هذا دلي ٌ‬
‫ن{‪ :‬بعدما‬ ‫كل شريعة كاملة عادلة حسنة‪} .‬سأريكم داَر الفاسقي َ‬
‫أهلكهم الّله وأبقى ديارهم عبرة ً بعدهم يعتبر بها المؤمنون‬
‫الموّفقون المتواضعون‪.‬‬
‫ف عن آياتي{؛‬ ‫}‪ {146‬وأما غيرهم؛ فقال عنهم‪} :‬سأصرِ ُ‬
‫أي‪ :‬عن العتبار في اليات الفقية والنفسّية والفهم ليات‬
‫ق{؛ أي‪ :‬يتكّبرون‬ ‫الكتاب‪} ،‬الذين يتكّبرون في الرض بغير الح ّ‬
‫على عباد الّله وعلى الحقّ وعلى من جاء به؛ فمن كان بهذه‬
‫ه من آيات الّله ما‬ ‫ق ْ‬ ‫خذ ََله‪ ،‬ولم ي َ ْ‬
‫ف َ‬ ‫ه الّله خيرا ً كثيرًا‪ ،‬و َ‬
‫م ُ‬
‫حَر َ‬
‫الصفة؛ َ‬
‫ح‪} ،‬وإن‬ ‫ينتفع به‪ ،‬بل رّبما انقلبت عليه الحقائقُ واستحسن القبي َ‬
‫دتهم لّله‬ ‫ل آيةٍ ل يؤمنوا بها{‪ :‬لعراضهم واعتراضهم ومحا ّ‬ ‫ي ََرْوا ك ّ‬
‫ل الّرشد{؛ أي‪ :‬الهدى والستقامة‪ ،‬وهو‬ ‫ورسوله‪} ،‬وإن ي ََرْوا سبي َ‬
‫الصراط الموصل إلى الّله وإلى دار كرامته‪} ،‬ل يّتخذوه‬
‫ي{؛‬ ‫ل الغَ ّ‬ ‫ل[{؛ أي‪ :‬ل يسلكوه ول يرغبوا فيه‪} ،‬وإن ي ََرْوا سبي َ‬ ‫]سبي ً‬
‫ل{‪.‬‬‫أي‪ :‬الغواية الموصل لصاحبه إلى دار الشقاء‪} ،‬يّتخذوه سبي ً‬
‫ذبوا بآياتنا‬ ‫والسبب في انحرافهم هذا النحراف‪} ،‬ذلك بأّنهم ك ّ‬
‫ما ُيراد بها‬ ‫دهم ليات الّله وغفلُتهم ع ّ‬ ‫وكانوا عنها غافلين{‪ :‬فر ّ‬
‫واحتقارهم لها هو الذي أوجب لهم من سلوك طريق الغي وترك‬
‫شد ِ ما أوجب‪.‬‬ ‫طريق الّر ْ‬
‫حة‬ ‫}‪} {147‬والذين كذبوا بآياتنا{‪ :‬العظيمة الداّلة على ص ّ‬
‫ت أعماُلهم{‪ :‬لّنها على‬ ‫حب ِط َ ْ‬
‫ما أرسلنا به رسلنا‪} ،‬ولقاء الخرة َ‬
‫غير أساس‪ ،‬وقد فقد شرطها‪ ،‬وهو اليمان بآيات الّله والتصديق‬
‫ن{‪ :‬في بطلن أعمالهم وحصول ضد ّ‬ ‫جَزوْ َ‬
‫بجزائه‪} .‬هل ُيـ ْ‬
‫ن ل يؤمن باليوم ِ‬ ‫م ْ‬‫ن{‪ :‬فإن أعمال َ‬ ‫مقصودهم }إل ّ ما كانوا يعملو َ‬
‫ة تنتهي إليه؛ فلذلك‬ ‫الخر ل يرجو فيها ثوابًا‪ ،‬وليس لها غاي ٌ‬
‫اضمحّلت وبطلت‪.‬‬
‫حل ِّيهم عجل ً‬ ‫من بعد ِهِ من ُ‬ ‫}‪} {148‬واّتخذ قوم موسى ِ‬
‫ة من أثر الرسول‬ ‫مرِيّ وألقى عليه قبض ً‬ ‫جسدًا{‪ :‬صاغه السا ِ‬
‫ت‪ ،‬فعبدوه واّتخذوه إلهًا‪ ،‬وقال‪ :‬هذا إلهكم‬ ‫خواٌر{ وصو ٌ‬ ‫فصار }له ُ‬
‫وإله موسى‪ ،‬فنسي موسى‪ ،‬وذهب يطلبه‪ ،‬وهذا من سفههم‬
‫ب الرض والسماوات بعجل‬ ‫وقلة بصيرتهم؛ كيف اشتبه عليهم ر ّ‬
‫من أنقص المخلوقات؟! ولهذا قال مبينا ً أنه ليس فيه من‬
‫جب أن يكون إلهًا‪} :‬ألم ي ََرْوا أّنه‬ ‫الصفات الذاتّية ول الفعلّية ما يو ِ‬
‫م؛ فهم أكمل حالة من‬ ‫ص عظي ٌ‬ ‫ل يكّلمهم{؛ أي‪ :‬وعدم الكلم نق ٌ‬
‫ل{؛ أي‪ :‬ل‬ ‫هذا الحيوان أو الجماد الذي ل يتكّلم‪} ،‬ول يهديهم سبي ً‬
‫ة؛ لن من المتقّرر‬ ‫ة دنيوي ّ ً‬ ‫صل لهم مصلح ً‬ ‫يدّلهم طريقا ً دينّيا ول يح ّ‬
‫ن اّتخاذ َ إلهٍ ل يتكلم ول ينفع ول يضّر من‬ ‫في العقول والفطر أ ّ‬
‫أبطل الباطل وأسمج السفه‪ ،‬ولهذا قال‪} :‬اّتخذوه وكانوا‬
‫ن{‪ :‬حيث وضعوا العبادة في غير موضعها‪ ،‬وأشركوا بالّله‬ ‫ظالمي َ‬
‫ن من أنكر كلم الّله؛‬ ‫ل على أ ّ‬ ‫ما لم ينّزل به سلطانًا‪ .‬وفيها دلي ٌ‬
‫فقد أنكر خصائص إلهّية الّله تعالى؛ لن الّله ذكر أن عدم الكلم‬
‫ل على عدم صلحّية الذي ل يتكّلم لللهّية‪.‬‬ ‫دلي ٌ‬
‫ما{‪ :‬رجع موسى إلى قومه‪ ،‬فوجدهم على‬ ‫}‪} {149‬ولـ ّ‬
‫ط في أيديهم{؛ أي‪:‬‬ ‫ق َ‬‫س ِ‬
‫هذه الحال‪ ،‬وأخبرهم بضللهم؛ ندموا‪ ،‬و } ُ‬
‫صلوا‬ ‫ّ‬
‫م والندم على فعلهم‪} ،‬ورأوا أّنهم قد ضلوا{‪ :‬فتن ّ‬ ‫من اله ّ‬
‫دلنا عليه‪،‬‬
‫منا رّبنا{‪ :‬في ّ‬ ‫إلى الّله وتضّرعوا‪} ،‬وقالوا لئن لم ير َ‬
‫حـ ْ‬
‫فْر لنا{‪ :‬ما صدر منا‬ ‫قنا لصالح العمال‪} ،‬ويغ ِ‬ ‫ويرزقنا عبادته‪ ،‬ويوفّ ُ‬
‫ن{‪ :‬الذين خسروا الدنيا‬ ‫ن من الخاسري َ‬ ‫من عبادة العجل؛ }ل ََنكون َ ّ‬
‫والخرة‪.‬‬
‫سفًا{؛ أي‪:‬‬ ‫مهِ غضبان أ ِ‬ ‫}‪} {150‬ولما رجع موسى إلى قو ِ‬
‫ممتلئا ً غضبا ً وغيظا ً عليهم لتمام غيرته عليه ]الصلة و[ السلم‬
‫خل َفُْتموني من بعدي{؛ أي‪:‬‬ ‫سما َ‬ ‫وكمال نصحه وشفقته‪} ،‬قال بئ َ‬
‫ة‬
‫بئس الحالة التي خلفتموني بها من بعد ذهابي عنكم؛ فإنها حال ٌ‬
‫جل ُْتم أمَر‬ ‫ي‪} .‬أع َ ِ‬‫تفضي إلى الهلك البدي والشقاء السرمد ّ‬
‫دكم بإنزال الكتاب فبادرُتم برأيكم الفاسد إلى‬ ‫كم{‪ :‬حيث وَع َ َ‬ ‫رب ّ ُ‬
‫ح{؛ أي‪ :‬رماها من الغضب‪،‬‬ ‫هذه الخصلة القبيحة‪} ،‬وألقى اللوا َ‬
‫ه‪} ،‬يجّره إليه{‪ :‬وقال له‪} :‬ما‬ ‫ن ولحيت ِ ِ‬ ‫}وأخذ برأس أخيه{‪ :‬هارو َ‬
‫ت أمري{‪ :‬لك بقولي‪:‬‬ ‫منعك إذ رأيَتهم ضّلوا‪ .‬أن ل تت ّب َِعني أفعصي َ‬
‫ح ول تت ّب ِعْ سبيل المفسدين{؟! فقال‪:‬‬ ‫صل ِ ْ‬
‫فني في قومي وأ ْ‬ ‫}اخل ُ ْ‬
‫ت‬‫ل فّرقْ َ‬ ‫ت أن تقو َ‬ ‫خذ ْ بلحيتي ول برأسي إني خشي ُ‬ ‫م ل تأ ُ‬ ‫نأ ّ‬ ‫}يا اب َ‬
‫م{‪:‬‬ ‫نأ ّ‬
‫)‪(1‬‬
‫ب قولي{ و }قال{ هنا ‪} :‬اب َ‬ ‫بين بني إسرائيل ولم ترقُ ْ‬
‫مه وأبيه‪.‬‬ ‫م وحدها‪ ،‬و إل ّ فهو شقيقه ل ّ‬ ‫هذا ترقيقٌ لخيه بذكر ال ّ‬
‫ت لهم‪ :‬يا قوم!‬ ‫ن القوم استضعفوني{؛ أي‪ :‬احتقروني حين قل ُ‬ ‫}إ ّ‬
‫ن رّبكم الرحمن؛ فات ِّبعوني وأطيعوا أمري‪،‬‬ ‫إنما فُت ِن ُْتم به‪ ،‬وإ ّ‬
‫ي‬
‫تب َ‬ ‫م ْ‬
‫ش ِ‬ ‫ن بي تقصيرًا‪} ،‬فل ت ُ ْ‬ ‫قُتلوَنني{؛ أي‪ :‬فل تظ ّ‬ ‫}وكادوا ي َ ْ‬
‫ن العداء حريصون‬ ‫سك إّيايَ بسوٍء فإ ّ‬ ‫رك لي وم ّ‬ ‫العداء{‪ :‬بنه ِ‬
‫طلعوا لي على َزّلة‪} ،‬ول تجعلني‬ ‫ي عثرة ً أو ي ّ‬ ‫على أن يجدوا علـ ّ‬
‫مُلني معاملتهم‪.‬‬ ‫مع القوم الظالمين{‪ :‬فتعا ِ‬
‫}‪ {151‬فندم موسى عليه السلم على ما استعجل من‬
‫ه مما ظّنه فيه من التقصير‪ ،‬و‬ ‫صنعِهِ بأخيه قبل أن يعلم براءت َ ُ‬
‫ك{؛ أي‪:‬‬ ‫خْلنا في رحمت ِ َ‬
‫فْر لي ولخي{‪ :‬هارون‪} ،‬وأد ِ‬ ‫ب اغ ِ‬
‫}قال ر ّ‬
‫ن‬
‫ط بنا من كل جانب؛ فإنها حص ٌ‬ ‫في وسطها‪ ،‬واجعل رحمتك تحي ُ‬
‫م‬
‫ل خير وسرور‪} .‬وأنت أرح ُ‬ ‫مك ّ‬ ‫ن من جميع الشرور وث َ ّ‬ ‫حصي ٌ‬
‫ل راحم‪ ،‬أرحم بنا من آبائنا‬ ‫الراحمين{؛ أي‪ :‬أرحم بنا من ك ّ‬
‫مهاتنا وأولدنا وأنفسنا‪.‬‬ ‫وأ ّ‬
‫}‪ {152‬قال الّله تعالى مبينا ً حال أهل العجل الذين عبدوه‪:‬‬
‫ب من رّبهم‬ ‫ن الذين اّتخذوا العجل{؛ أي‪ :‬إلهًا‪} ،‬سيناُلهم غض ٌ‬ ‫}إ ّ‬
‫دنيا{‪ :‬كما أغضبوا رّبهم واستهانوا بأمره‪.‬‬ ‫ة في الحياة ال ّ‬‫وذل ّ ٌ‬
‫ل مفترٍ على الّله كاذب على‬ ‫}وكذلك نجزي المفترين{‪ :‬فك ّ‬

‫‪ -‬في )ب(‪» :‬قال هنا‪ :‬قال«‪.‬‬ ‫‪1‬‬


‫ن له نصيبا ً من الغضب من الّله‬ ‫ل؛ فإ ّ‬ ‫ول عليه ما لم يق ْ‬ ‫شرعه متق ّ‬
‫ل في الحياة الدنيا‪.‬‬ ‫والذ ّ ّ‬
‫ب الّله حيث أمرهم أن يقُتلوا‬ ‫}‪ {153‬وقد نالهم غض ُ‬
‫ضهم بعضًا‪،‬‬ ‫أنفسهم‪ ،‬وأّنه ل يرضى الّله عنهم إل ّ بذلك‪ ،‬فقتل بع ُ‬
‫ة‪ ،‬ثم تاب الّله عليهم بعد ذلك‪،‬‬ ‫وانجلت المعركة على قتلى كثير ٍ‬
‫خلون فيه هم وغيرهم‪ ،‬فقال‪} :‬والذين‬ ‫ما يد ُ‬ ‫ولهذا ذكر حكما ً عا ّ‬
‫ت{‪ :‬من شرك وكبائر وصغائر‪} ،‬ثم تابوا من‬ ‫ملوا السيئا ِ‬ ‫ع ِ‬
‫بعدها{‪ :‬بأن ندموا على ما مضى وأقلعوا عنها وعزموا على أن ل‬
‫ب الّله اليمان به‪ ،‬ول يت ّ‬
‫م‬ ‫يعودوا‪} ،‬وآمنوا{‪ :‬بالّله وبما أوج َ‬
‫اليمان إل بأعمال القلوب وأعمال الجوارح المترّتبة على اليمان‪.‬‬
‫ن رّبك من بعدها{؛ أي‪ :‬بعد هذه الحالة ـ حالة التوبة من‬ ‫}إ ّ‬
‫السيئات والرجوع إلى الطاعات ـ }لغفوٌر{‪ :‬يغفر السيئات‬
‫م{‪ :‬بقبول التوبة‬ ‫ويمحوها‪ ،‬ولو كانت ُقراب الرض‪} .‬رحي ٌ‬
‫والتوفيق لفعال الخير وقبولها‪.‬‬
‫ب{؛ أي‪ :‬سكن‬ ‫ت عن موسى الغض ُ‬ ‫سك َ َ‬‫}‪} {154‬ولما َ‬
‫م الشياء‬ ‫ف ما هو فيه؛ اشتغل بأه ّ‬ ‫ه‪ ،‬وع ََر َ‬ ‫س ُ‬
‫غضبه وتراجعت نف ُ‬
‫َ‬
‫ح عظيمة المقدار‬ ‫ح{‪ :‬التي ألقاها‪ ،‬وهي ألوا ٌ‬ ‫خذ َ }اللوا َ‬ ‫عنده‪ ،‬فَأ َ‬
‫ة{؛‬ ‫منة }هدىً ورحم ٌ‬ ‫خِتها{؛ أي‪ :‬مشتملة ومتض ّ‬ ‫س َ‬‫ة }في ن ُ ْ‬ ‫جليل ٌ‬
‫ضللة‪ ،‬وبيان الحقّ من الباطل‪ ،‬وأعمال‬ ‫أي‪ :‬فيها الهدى من ال ّ‬
‫الخير وأعمال الشر‪ ،‬والهدى لحسن العمال والخلق والداب‪،‬‬
‫ورحمة وسعادة لمن عمل بها وعلم أحكامها ومعانيها‪ ،‬ولكن؛‬
‫ل ذلك‪ ،‬وينقاد له‪،‬‬ ‫ليس كل أحد ٍ يقبل هدى الّله ورحمته‪ ،‬وإنما يقب ُ‬
‫ن{؛ أي‪ :‬يخافون منه‬ ‫هبو َ‬‫هم لرّبهم ير َ‬ ‫قبول‪} ،‬الذين ُ‬ ‫قاه بال َ‬ ‫ويتل ّ‬
‫ف الّله ول المقام بين يديه؛ فإنه ل‬ ‫ن لم يخ ِ‬ ‫م ْ‬
‫ويخشونه‪ ،‬وأما َ‬
‫وا ونفورًا‪ ،‬وتقوم عليه حجة الّله فيها‪.‬‬ ‫يزداد بها إل عت ّ‬
‫دهم‪،‬‬ ‫ش ِ‬‫}‪} {155‬و{ لما تاب بنو إسرائيل‪ ،‬وتراجعوا إلى ُر ْ‬
‫ل{‪ :‬من خيارهم ليعتذروا‬ ‫}اختار موسى{ منهم }سبعين رج ً‬
‫ضرون فيه‪ ،‬فلما‬ ‫لقومهم عند رّبهم‪ ،‬ووعدهم الّله ميقاتا ً يح ُ‬
‫ة! فتجرؤوا على الّله‬ ‫حضروا؛ قالوا‪ :‬يا موسى! أِرنا الّله جهر ً‬
‫ة‪ ،‬فصعقوا‬ ‫جراءة كبيرة‪ ،‬وأساؤوا الدب معه‪ ،‬فأخذتهم الرجف ُ‬
‫وهلكوا‪ ،‬فلم يزل موسى عليه الصلة والسلم يتضّرع إلى الّله‬
‫ضروا‪،‬‬ ‫ل{‪ :‬أن يح ُ‬ ‫ت أهلكَتهم من قب ُ‬ ‫ب لو شئ َ‬ ‫ويتبّتل ويقول‪} :‬ر ّ‬
‫ويكونون في حالة يعتذرون فيها لقومهم فصاروا هم الظالمين‪.‬‬
‫كنا بما فعل السفهاُء مّنا{؛ أي‪ :‬ضعفاء العقول سفهاء‬ ‫}أُتـهْل ِ ُ‬
‫ن المتجّرئين على الّله ليس‬ ‫الحلم‪ ،‬فتضّرع إلى الّله‪ ،‬واعتذر بأ ّ‬
‫عهم عما قالوا وفعلوا‪ ،‬وبأنهم حصل لهم‬ ‫ة ترد ُ‬ ‫ل كامل ٌ‬ ‫لهم عقو ٌ‬
‫ن هي إل‬ ‫ة يخطر بها النسان ويخاف من ذهاب دينه‪ ،‬فقال‪} :‬إ ْ‬ ‫فتن ٌ‬
‫فْر لنا‬‫ل بها من تشاُء وتهدي من تشاُء أنت وَل ِّينا فاغ ْ ِ‬ ‫ض ّ‬ ‫ّ فتنُتك ت ُ ِ‬
‫منا وأنت خير الغافرين{؛ أي‪ :‬أنت خير من غفر‪ ،‬وأولى من‬ ‫حـ ْ‬‫واْر َ‬
‫ن موسى عليه الصلة‬ ‫ضل‪ ،‬فكأ ّ‬‫رحم‪ ،‬وأكرم من أعطى وتف ّ‬
‫ب بالقصد الول لنا كّلنا‪ ،‬هو التزام‬ ‫والسلم قال‪ :‬المقصود يا ر ّ‬
‫م على ما‬ ‫ضَره عقله ورشده وت ّ‬ ‫ح َ‬‫طاعتك واليمان بك‪ ،‬وأن من َ‬
‫ف عقلهُ‬ ‫ضعُ َ‬ ‫ً‬
‫وهبته من التوفيق؛ فإنه لم يزل مستقيما‪ ،‬وأما من َ‬
‫ه وصرفته الفتنة؛ فهو الذي فعل ما فعل لذينك‬ ‫فه رأي ُ ُ‬‫س ِ‬ ‫و َ‬
‫السببين‪ ،‬ومع هذا؛ فأنت أرحم الراحمين وخير الغافرين؛ فاغفر‬
‫لنا وارحمنا! فأجاب الّله سؤاله‪ ،‬وأحياهم من بعد موتهم‪ ،‬وغفر‬
‫لهم ذنوبهم‪.‬‬
‫ب لنا في هذه‬ ‫}‪ {156‬وقال موسى في تمام دعائه‪} :‬واكت ْ‬
‫ة{‪ :‬من علم نافع ورزق واسع وعمل صالح‪} ،‬وفي‬ ‫الدنيا حسن ً‬
‫ّ‬
‫الخرة{‪ :‬حسنة‪ ،‬وهي ما أعد الله لوليائه الصالحين من الثواب‪.‬‬
‫دنا إليك{؛ أي‪ :‬رجعنا مقّرين بتقصيرنا منيبين في جميع‬ ‫}إّنا هُ ْ‬
‫من‬‫ب به من أشاُء{‪ :‬مـ ّ‬ ‫أمورنا‪} ،‬قال{ الّله تعالى‪} :‬عذابي أصي ُ‬
‫ل شيء{‪ :‬من‬ ‫تك ّ‬ ‫كان شقّيا متعرضا ً لسبابه‪} ،‬ورحمتي وسع ْ‬
‫ي؛ البر والفاجر‪ ،‬المؤمن والكافر؛ فل‬ ‫العالم العلويّ والسفلـ ّ‬
‫مخلوق إل وقد وصلت إليه رحمة الّله وغمره فضله وإحسانه‪،‬‬
‫ولكن الرحمة الخاصة المقتضية لسعادة الدنيا والخرة ليست‬
‫لكل أحد‪ ،‬ولهذا قال عنها‪} :‬فسأكُتبها للذين يّتقون{‪ :‬المعاصي‬
‫صغارها وكبارها‪} ،‬ويؤتون الّزكاة{‪ :‬الواجبة مستحقيها‪} ،‬والذين‬
‫هم بآياتنا يؤمنون{‪.‬‬
‫}‪ {157‬ومن تمام اليمان بآيات الّله معرفة معناها والعمل‬
‫بمقتضاها‪ ،‬ومن ذلك اتباع النبي صلى الله عليه وسلم ظاهرا ً‬
‫وباطنا ً في أصول الدين وفروعه‪} :‬الذين يت ِّبعون الرسول النب ّ‬
‫ي‬
‫ي{‪ :‬احتراٌز عن سائر النبياء؛ فإن المقصود بهذا محمد بن‬ ‫الم ّ‬
‫عبد الّله بن عبد المطلب والسياق في أحوال بني إسرائيل‪ ،‬وأن‬
‫ط في دخولهم‬ ‫ي محمد صلى الله عليه وسلم شر ٌ‬ ‫اليمان بالنب ّ‬
‫في اليمان‪ ،‬وأن المؤمنين به المّتبعين هم أهل الرحمة المطلقة‬
‫التي كتبها الّله لهم‪ ،‬ووصفه بالمي لّنه من العرب المة المّية‬
‫التي ل تقرأ ول تكتب وليس عندها قبل القرآن كتاب‪} .‬الذي‬
‫دهم في التوراة والنجيل{‪ :‬باسمه وصفته التي‬ ‫ه مكتوبا ً عن َ‬ ‫جدون َ ُ‬
‫ي ِ‬
‫من أعظمها وأجّلها ما يدعو إليه وينهى عنه‪ ،‬وأنه }يأ ُ‬
‫مُرهم‬
‫ه وصلحه ونفعه‪} .‬وينهاهم‬ ‫ف حسن ُ ُ‬
‫بالمعروف{‪ :‬وهو كل ما ع ُرِ َ‬
‫ل ما عرف قبحه في العقول والفطر‪،‬‬ ‫عن المنكر{‪ :‬وهو ك ّ‬
‫فيأمرهم بالصلة والزكاة والصوم والحج وصلة الرحام وبر‬
‫الوالدين والحسان إلى الجار والمملوك وبذل النفع لسائر الخلق‬
‫والصدق والعفاف والبر والنصيحة وما أشبه ذلك‪ ،‬وينهى عن‬
‫الشرك بالّله وقتل النفوس بغير حق والّزنا وشرب ما يسكر‬
‫العقل والظلم لسائر الخلق والكذب والفجور ونحو ذلك؛ فأعظم‬
‫ل على أنه رسول الّله ما دعا إليه وأمر به ونهى عنه‬ ‫دليل يد ّ‬
‫ل الطيبات‪ :‬من المطاعم والمشارب‬ ‫ح ّ‬ ‫وأحّله وحّرمه؛ فإنه ي ُ ِ‬
‫م عليهم الخبائث{‪ :‬من المطاعم والمشارب‬ ‫والمناكح‪} .‬ويحّر ُ‬
‫هم والغلل التي‬ ‫صَر ُ‬
‫ضعُ عنهم إ ْ‬‫والمناكح والقوال والفعال‪} .‬وي َ َ‬
‫سر ل إصر‬ ‫ح مي ّ‬
‫م ٌ‬ ‫س ْ‬‫ل َ‬ ‫ن دينه سه ٌ‬ ‫فه ِ أ ّ‬
‫ص ِ‬
‫ن وَ ْ‬‫م ْ‬ ‫كانت عليهم{؛ أي‪ :‬و ِ‬
‫فيه ول أغلل ول مشقات ول تكاليف ثقال‪.‬‬
‫جلوه‪} ،‬ونصروه‬ ‫ظموه وب ّ‬ ‫}فالذين آمنوا به وعّزروه{؛ أي‪ :‬ع ّ‬
‫ل معه{‪ :‬وهو القرآن الذي ُيستضاء به في‬ ‫واّتبعوا النور الذي أنز َ‬
‫ك والجهالت‪ ،‬ويقتدى به إذا تعارضت المقالت‪.‬‬ ‫ش ّ‬
‫ظلمات ال ّ‬
‫دنيا والخرة‪ ،‬والناجون‬ ‫}أولئك هم المفلحون{‪ :‬الظافرون بخير ال ّ‬
‫ن‬
‫من لم يؤم ْ‬ ‫من شّرهما؛ لّنهم أتوا بأكبر أسباب الفلح‪ ،‬وأما َ‬
‫ي‪ ،‬ويعّزره‪ ،‬وينصره‪ ،‬ولم يّتبع النور الذي أنزل‬ ‫ي الم ّ‬
‫بهذا النب ّ‬
‫معه؛ فأولئك هم الخاسرون‪.‬‬
‫}‪ {158‬ولما دعا أهل التوراة من بني إسرائيل إلى اتباعه‪،‬‬
‫هم أن الحكم مقصوٌر عليهم‪ ،‬أتى بما يد ّ‬
‫ل‬ ‫هم متو ّ‬ ‫وكان ربما تو ّ‬
‫ل الّله إليكم‬
‫ل يا أّيها الناس إني رسو ُ‬ ‫على العموم‪ ،‬فقال‪} :‬ق ْ‬
‫جميعًا{؛ أي‪ :‬عربّيكم وعجمّيكم‪ ،‬أهل الكتاب منكم وغيرهم‪،‬‬
‫ك السموات والرض{‪ :‬يتصّرف فيهما بأحكامه‬ ‫}الذي له مل ُ‬
‫الكونّية والتدابير السلطانّية وبأحكامه الشرعّية الدينّية‪ ،‬التي من‬
‫جملتها أن أرسل إليكم رسول ً عظيما ً يدعوكم إلى الّله وإلى دار‬
‫ل ما يباعدكم منه ومن دار كرامته‪} .‬ل‬ ‫ذركم من ك ّ‬ ‫كرامته‪ ،‬ويح ّ‬
‫إله إل ّ هو{؛ أي‪ :‬ل معبود بحقّ إل الّله وحده ل شريك له‪ ،‬ول‬
‫ت{؛ أي‪ :‬من‬ ‫ف عبادته إل من طريق رسله‪} .‬يحيي ويمي ُ‬ ‫ت ُعَْر ُ‬
‫د‪ ،‬التي جعل‬‫جملة تدابيره الحياء والماتة‪ ،‬التي ل يشاركه فيها أح ٌ‬
‫الّله الموت جسرا ً ومعبرًا‪ُ ،‬يعب َُر منه إلى دار البقاء التي من آمن‬
‫دق الرسول محمدا ً صلى الله عليه وسلم قطعًا‪} .‬فآمنوا‬ ‫بها ص ّ‬
‫ي{‪ :‬إيمانا ً في القلب متضمنا ً لعمال‬ ‫ي الم ّ‬ ‫بالّله ورسول ِهِ النب ّ‬
‫ن بالّله وكلماته{؛ أي‪ :‬آمنوا بهذا‬‫م ُ‬‫القلوب والجوارح‪} ،‬الذي يؤ ِ‬
‫الرسول المستقيم في عقائده وأعماله‪} ،‬وات ِّبعوه لعلكم‬
‫حكم الدينّية والدنيوّية؛ فإنكم إذا لم تّتبعوه؛‬ ‫ن{‪ :‬في مصال ِ ِ‬ ‫تهتدو َ‬
‫ضللتم ضلل ً بعيدًا‪.‬‬
‫ة{؛ أي‪ :‬جماعة‪} ،‬يهدون‬ ‫م ٌ‬‫}‪} {159‬ومن قوم موسى أ ّ‬
‫ن{؛ أي‪ :‬يهدون ]به[ الناس في تعليمهم إياهم‬ ‫دلو َ‬ ‫بالحقّ وبه يع ِ‬
‫دلون به بينهم في الحكم بينهم قضاياهم؛ كما‬ ‫وفتواهم لهم‪ ،‬ويع ِ‬
‫رنا لما صبروا وكانوا بآياتنا‬ ‫ة يهدون بأم ِ‬ ‫جعَْلناهم أئم ً‬ ‫قال تعالى‪} :‬وَ َ‬
‫يوقنون{‪.‬‬
‫ن الّله‬‫ة لمة موسى عليه الصلة والسلم‪ ،‬وأ ّ‬ ‫وفي هذا فضيل ٌ‬
‫ن التيان بهذه الية‬ ‫هداة ً يهدون بأمره‪ .‬وكأ ّ‬ ‫تعالى جعل منهم ُ‬
‫دم‬
‫دم؛ فإنه تعالى ذكر فيما تق ّ‬ ‫الكريمة فيه نوع ُ احتراز مما تق ّ‬
‫ة من معايب بني إسرائيل المنافية للكمال المناقضة للهداية‪،‬‬ ‫جمل ً‬
‫م جميعهم‪ ،‬فذكر تعالى أن منهم‬ ‫هم أن هذا يع ّ‬ ‫هم متو ّ‬ ‫فربما تو ّ‬
‫طائفة مستقيمة هادية مهدية‪.‬‬
‫سمناهم }اثنتي عشرة‬ ‫طعناهم{؛ أي‪ :‬ق ّ‬ ‫}‪} {160‬وق ّ‬
‫ة‪ ،‬كل بني‬ ‫ة متوالف ً‬ ‫ة متعارف ً‬ ‫أسباطا ً أممًا{؛ أي‪ :‬اثنتي عشرة قبيل ً‬
‫رجل من أولد يعقوب قبيلة‪} ،‬وأوحينا إلى موسى إذ ِ استسقاه‬
‫ه{؛ أي‪ :‬طلبوا منه أن يدعو الّله تعالى أن يسقيهم ماء‬ ‫م ُ‬‫قو ُ‬
‫ّ‬
‫يشربون منه وتشرب منه مواشيهم‪ ،‬وذلك لّنهم ـ والله أعلم ـ‬
‫ل قليل الماء‪ ،‬فأوحى الّله لموسى إجابة ِلطلب َت ِِهم‪} :‬أ ِ‬
‫ن‬ ‫في مح ّ‬
‫ب بعصاك الحجَر{‪ُ :‬يحتمل أنه حجٌر معّيـن‪ ،‬وُيحتمل أنه اسم‬ ‫اضر ْ‬
‫ت{؛ أي‪ :‬انفجرت‬ ‫جس ْ‬ ‫جنس يشمل أي حجر كان‪ ،‬فضربه‪} ،‬فانب َ َ‬
‫ل‬‫من ذلك الحجر }اثنتا عشرة عينًا{‪ :‬جارية سارحة‪} ،‬قد علم ك ّ‬
‫أناس مشَرَبهم{؛ أي‪ :‬قد قسم على كل قبيلة من تلك القبائل‬
‫ل منهم عينًا‪ ،‬فعلموها‪ ،‬واطمأّنوا‬ ‫الثنتي عشرة‪ ،‬وجعل لك ّ‬
‫واستراحوا من التعب والمزاحمة‪ ،‬وهذا من تمام نعمة الّله‬
‫عليهم‪} ،‬وظل ّْلنا عليهم الغمام{‪ :‬فكان يسُترهم من حّر الشمس‪،‬‬
‫سلوى{‪ :‬وهو لحم طير‬ ‫ن{‪ :‬وهو الحلوى‪} ،‬وال ّ‬ ‫}وأنزلنا عليهم الم ّ‬
‫ذها‪ ،‬فجمع الّله لهم بين الظلل‬ ‫من أحسن أنواع الطيور وأل ّ‬
‫والشراب والطعام الطيب من الحلوى واللحوم على وجه الراحة‬
‫والطمأنينة‪ ،‬وقيل لهم‪} :‬كلوا من طّيبات ما َرَزْقناكم وما‬
‫كروا الّله ولم يقوموا بما أوجب الّله عليهم‪.‬‬ ‫ظلمونا{‪ :‬حين لم يش ُ‬
‫ل خير وعّرضوها‬ ‫وتوها ك ّ‬ ‫ن{‪ :‬حيث ف ّ‬ ‫سهم يظلمو َ‬ ‫}ولكن كانوا أنف َ‬
‫للشّر والنقمة‪ ،‬وهذا كان مدة لبثهم في التيه‪.‬‬
‫ة{؛ أي‪ :‬ادخلوها‬ ‫ل لهم اسكنوا هذه القري َ‬ ‫}‪} {161‬وإذ قي َ‬
‫لتكون وطنا ً لكم ومسكنًا‪ ،‬وهي إيلياء‪} ،‬وكلوا منها حيث شئُتم{؛‬
‫أي‪ :‬قرية كانت كثيرة الشجار غزيرة الثمار رغيدة العيش؛ فلذلك‬
‫أمرهم الّله أن يأكلوا منها حيث شاؤوا‪} ،‬وقولوا{‪ :‬حين تدخلون‬
‫خلوا‬ ‫ف عنا‪} ،‬واد ُ‬ ‫ط عّنا خطايانا واع ُ‬ ‫ة{؛ أي‪ :‬احط ُ ْ‬ ‫حط ّ ٌ‬
‫الباب‪ِ } :‬‬
‫جدًا{؛ أي خاضعين لربكم مستكينين لعّزته شاكرين‬ ‫الباب س ّ‬
‫لنعمته؛ فأمرهم بالخضوع وسؤال المغفرة‪ ،‬ووعدهم على ذلك‬
‫مغفرة ذنوبهم والثواب العاجل والجل‪ ،‬فقال‪} :‬نغفر لكم‬
‫ن{‪ :‬من خير الدنيا والخرة‪.‬‬ ‫كم سنزيد ُ المحسني َ‬ ‫خطيئات ِ ُ‬
‫دل الذين ظلموا‬ ‫ي‪ ،‬بل ب ّ‬ ‫}‪ {162‬فلم يمتثلوا هذا المر الله ّ‬
‫منهم؛ أي‪ :‬عصوا الّله واستهانوا بأمره }قول ً غير الذي قيل لهم{‪:‬‬
‫فقالوا بدل طلب المغفرة وقولهم حطة‪ :‬حّبة في شعيرة‪ ،‬وإذا‬
‫بدلوا القول مع يسره وسهولته؛ فتبديلهم للفعل من باب أولى‪،‬‬
‫ههم‪} ،‬فأرسلنا عليهم{‪ :‬حين‬ ‫َ‬
‫سَتا ِ‬ ‫ولهذا دخلوا يزحفون على أ ْ‬
‫وه }ِرجزا ً من السماء{؛ أي‪ :‬عذابا ً شديدا ً‬ ‫خالفوا أمر الّله وع َ َ‬
‫ص ْ‬
‫إما الطاعون وإما غيره من العقوبات السماوّية‪ ،‬وما ظلمهم الّله‬
‫ن{ )‪. (1‬‬ ‫بعقابه‪ ،‬وإّنما كان ذلك }بما كانوا يظلمو َ‬
‫سأل ُْهم{؛ أي‪ :‬اسأل بني إسرائيل }عن القرية‬ ‫}‪} {163‬وا ْ‬
‫ديهم‬ ‫التي كانت حاضرة َ البحر{؛ أي‪ :‬على ساحله في حال تع ّ‬
‫ت{‪ :‬وكان الّله تعالى قد‬ ‫ن في السب ِ‬ ‫وعقاب الّله إّياهم‪} ،‬إذ ي َْعدو َ‬
‫هم الّله‬ ‫ظموه ويحترموه ول يصيدوا فيه صيدًا‪ ،‬فابتل ُ‬ ‫أمرهم أن يع ّ‬
‫شّرعًا؛ أي‪ :‬كثيرة‬ ‫م سبتهم ُ‬ ‫وامتحنهم‪ ،‬فكانت الحيتان تأتيهم يو َ‬
‫ن{؛ أي‪ :‬إذا ذهب يوم‬ ‫سِبتو َ‬‫طافية على وجه البحر‪} .‬ويوم ل ي َ ْ‬
‫السبت }ل تأتيهم{؛ أي‪ :‬تذهب في البحر فل يرون منها شيئًا‪.‬‬
‫قهم هو الذي أوجب أن‬ ‫سقون{‪ :‬ففس ُ‬ ‫هم بما كانوا يف ُ‬ ‫}كذلك نبلو ُ‬
‫يبتل َِيهم الّله وأن تكون لهم هذه المحنة‪ ،‬و إل ّ ؛ فلو لم يف ُ‬
‫)‪(2‬‬
‫سقوا؛‬
‫لعافاهم الّله‪ ،‬ولما عّرضهم للبلء والشّر‪.‬‬
‫}‪ {164‬فتحيلوا على الصيد‪ ،‬فكانوا يحفرون لها حفرًا‪،‬‬
‫وينصبون لها الشباك؛ فإذا جاءت يوم السبت ووقعت في تلك‬
‫شباك؛ لم يأخذوها في ذلك اليوم؛ فإذا جاء يوم الحد؛‬ ‫الحفر وال ّ‬
‫دوا‬ ‫أخذوها‪ ،‬وكثر فيهم ذلك‪ ،‬وانقسموا ثلث فرق‪ :‬معظمهم اعت َ َ‬
‫ة أعلنت بنهيهم والنكار عليهم‪.‬‬ ‫وتجّرؤوا وأعلنوا بذلك‪ .‬وفرق ٌ‬
‫ن‬
‫ت بإنكار أولئك عليهم ونهيهم لهم وقالوا‪} :‬لم ت َِعظو َ‬ ‫ة اكتف ْ‬ ‫وفرق ٌ‬
‫ً‬
‫ذبهم عذابا شديدا{‪ :‬كأّنهم يقولون‪ :‬ل‬ ‫ً‬ ‫كهم أو مع ّ‬ ‫ه مهل ِ ُ‬ ‫قوما ً الل ُ‬
‫ّ‬

‫‪ - 1‬في )ب(‪}» :‬بما كانوا يفسقون{‪ :‬أي يخرجون عن طاعة الله إلى‬
‫معصيته من غير ضرورة ألجأتهم ول داٍع دعاهم سوى الخبث والشّر الذي‬
‫كان كامنا ً في نفوسهم«‪ .‬وقد أعرض الشيخ عن ذكر هذه العبارة في‬
‫سَر الية‪} :‬يفسقون{ وصواب الية }يظلمون{‪ .‬والله‬ ‫) أ (‪] .‬حيث ف ّ‬
‫أعلم[‪.‬‬

‫‪ -‬في )ب(‪» :‬أن يبليهم«‪.‬‬ ‫‪2‬‬


‫صِغ للنصيح بل‬ ‫من اقتحم محارم الّله ولم ي ُ ْ‬ ‫فائدة في وعظ َ‬
‫استمّر على اعتدائه وطغيانه؛ فإنه ل بد أن يعاقبهم الّله إما بهلك‬
‫أو عذاب شديد‪ .‬فقال الواعظون‪ :‬نعظهم وننهاهم }معذرة ً إلى‬
‫رّبكم{؛ أي‪ :‬لن ُعْذ ََر فيهم‪} ،‬ولعّلهم يّتقون{؛ أي‪ :‬يتركون ما هم‬
‫فيه من المعصية؛ فل نيأس من هدايتهم؛ فرّبما نجع فيهم الوعظ‬
‫وأثر فيهم اللوم‪ ،‬وهذا المقصود العظم من إنكار المنكر؛ ليكون‬
‫معذرة وإقامة حجةٍ على المأمور المنهي‪ ،‬ولعل الّله أن يهديه‬
‫فيعمل بمقتضى ذلك المر والنهي‪.‬‬
‫كروا به‬ ‫كروا به{؛ أي‪ :‬تركوا ما ذ ُ ّ‬ ‫}‪} {165‬فلما نسوا ما ذ ُ ّ‬
‫جْينا الذين ينهون عن‬ ‫واستمروا على غ َّيهم واعتدائهم‪} ،‬أن ْ َ‬
‫السوء{‪ :‬وهكذا سنة الّله في عباده أن العقوبة إذا نزلت نجا منها‬
‫المرون بالمعروف والناهون عن المنكر‪} ،‬وأخذنا الذين ظلموا{‪:‬‬
‫ب بئيس{؛ أي‪ :‬شديد }بما‬ ‫وهم الذين اعتد َْوا في السبت }بعذا ٍ‬
‫سقون{‪.‬‬‫كانوا يف ُ‬
‫وأما الفرقة الخرى التي قالت للناهين‪ :‬لم تِعظون قوما ً‬
‫الّله مهلكهم؛ فاختلف المفسرون في نجات ِِهم وهلكهم‪ ،‬والظاهُر‬
‫ص الهلك بالظالمين‪ ،‬وهو لم‬ ‫ن الّله خ ّ‬ ‫أنهم كانوا من الناجين؛ ل ّ‬
‫صة بالمعتدين في‬ ‫ل على أن العقوبة خا ّ‬ ‫يذكر أنهم ظالمون‪ ،‬فد ّ‬
‫ض كفاية إذا‬ ‫ن المر بالمعروف والنهي عن المنكر فر ُ‬ ‫السبت‪ ،‬ول ّ‬
‫قام به البعض سقط عن الخرين؛ فاكتفوا بإنكار أولئك‪ ،‬ولنهم‬
‫ذبهم‬ ‫كهم أو مع ّ‬ ‫ن قوما ً الّله مهل ِ ُ‬ ‫أنكروا عليهم بقولهم‪} :‬لم ت َِعظو َ‬
‫عذابا ً شديدًا{‪ :‬فأبد َْوا من غضبهم عليهم ما يقتضي أّنهم كارهون‬
‫ن الّله سيعاقبهم أشد ّ العقوبة‪.‬‬ ‫أشد ّ الكراهة لفعلهم‪ ،‬وأ ّ‬
‫وا عما ُنهوا عنه{؛ أي‪ :‬قسوا فلم يلينوا‬ ‫}‪} {166‬فلما ع َت َ ْ‬
‫ول اّتعظوا‪} ،‬قلنا لهم{ قول ً قدرّيا‪} :‬كونوا قردة ً خاسئين{‪:‬‬
‫فانقلبوا بإذن الّله قردة ً وأبعدهم الّله من رحمته‪.‬‬
‫ب الذلة والصغار على من بقي منهم‪،‬‬ ‫ضْر َ‬
‫}‪ {167‬ثم ذكر َ‬
‫ن عليهم‬ ‫ن رّبك{؛ أي‪ :‬أعلم إعلما ً صريحًا‪} ،‬ليبعث ّ‬
‫فقال‪} :‬وإذ تأذ ّ َ‬
‫مهم سوء العذاب{؛ أي‪ :‬يهيُنهم ويذّلهم‪،‬‬ ‫إلى يوم القيامة من يسو ُ‬
‫جل له العقوبة‬ ‫ن رّبك لسريع العقاب{‪ :‬لمن عصاه‪ ،‬حتى إنه يع ّ‬ ‫}إ ّ‬
‫في الدنيا‪} .‬وإّنه لغفوٌر رحيم{‪ :‬لمن تاب إليه وأناب؛ يغفر له‬
‫ذنوب‪ ،‬ويسُتر عليه العيوب‪ ،‬ويرحمه بأن يتقّبل منه الطاعات‬ ‫ال ّ‬
‫ويثيبه عليها بأنواع المثوبات‪ ،‬وقد فعل الّله بهم ما وعدهم به؛ فل‬
‫ة ول‬‫ل وإهانة‪ ،‬تحت حكم غيرهم‪ ،‬ل تقوم لهم راي ٌ‬ ‫يزالون في ذ ّ‬
‫م‪.‬‬ ‫ينصر لهم ع َل َ ٌ‬
‫طعناهم في الرض أممًا{؛ أي‪ :‬فّرقناهم‬ ‫}‪} {168‬وق ّ‬
‫ومّزقناهم في الرض بعدما كانوا مجتمعين‪} ،‬منهم الصالحون{‪:‬‬
‫القائمون بحقوق الّله وحقوق عباده‪} ،‬ومنهم دون ذلك{؛ أي‪:‬‬
‫دون الصلح‪ :‬إما مقتصدون‪ ،‬وإما الظالمون )‪ (1‬لنفسهم‪.‬‬
‫وناهم{‪ :‬على عادتنا وسّنتنا }بالحسنات والسيئات{؛ أي‪:‬‬ ‫}وب َل َ ْ‬
‫جعون{‪ :‬عما هم عليه مقيمون من‬ ‫سر‪} ،‬لعّلهم ير ِ‬ ‫سر والعُ ْ‬ ‫بالي ُ ْ‬
‫خلقوا له من الهدى‪ ،‬فلم يزالوا بين صالح‬ ‫الّردى‪ ،‬ويراجعون ما ُ‬
‫د‪.‬‬
‫وطالح ومقتص ٍ‬
‫ف{‪ :‬زاد شّرهم‬ ‫خل ْ ٌ‬
‫دهم َ‬‫}‪ {169‬حتى خلف }من بع ِ‬
‫ب{‪ :‬وصار المرجع فيه إليهم‪ ،‬وصاروا‬ ‫}ورثوا{‪ :‬بعدهم }الكتا َ‬
‫فُتوا ويحكموا بغير‬ ‫ل لهم الموال لي ْ‬ ‫يتصّرفون فيه بأهوائهم‪ ،‬وت ُب ْذ َ ُ‬
‫ض هذا الدنى‬ ‫خذون ع ََر َ‬ ‫ق‪ ،‬وفشت فيهم الرشوة‪} .‬يأ ُ‬ ‫الح ّ‬
‫فُر لنا{‪ :‬وهذا‬ ‫سي ُغْ َ‬
‫ن{‪ :‬مقّرين بأنه ذنب وأنهم ظلمة‪َ } :‬‬ ‫ويقولو َ‬
‫ً‬ ‫ً‬
‫ل من الحقيقة؛ فإنه ليس استغفارا وطلبا للمغفرة على‬ ‫قول خا ٍ‬
‫الحقيقة؛ فلو كان ذلك؛ لندموا على ما فعلوا‪ ،‬وعزموا على أن ل‬
‫ض آخر ورشوة ٌ أخرى؛ يأخذوه‪،‬‬ ‫يعودوا‪ ،‬ولكنهم إذا أتاهم عر ٌ‬
‫ل‪ ،‬واستبدلوا الذي هو أدنى بالذي هو‬ ‫فاشتروا بآيات الّله ثمنا ً قلي ً‬
‫خير! قال الّله تعالى في النكار عليهم وبيان جراءتهم‪} :‬ألم يؤ َ‬
‫خذ ْ‬
‫ق{‪ :‬فما باُلهم‬ ‫عليهم ميثاقُ الكتاب أن ل يقولوا على الّله إل الح ّ‬
‫يقولون عليه غير الحقّ اّتباعا ً لهوائهم وميل ً مع مطامعهم؟! }و{‬
‫ل‪ ،‬بل قد‬ ‫ل أنهم قد }د ََرسوا ما فيه{‪ :‬فليس عليهم فيه إشكا ٌ‬ ‫الحا ُ‬
‫م‬‫مدين‪ ،‬وكانوا في أمرهم مستبصرين‪ ،‬وهذا أعظ ُ‬ ‫أتوا أمرهم متع ّ‬
‫للذنب وأشد ّ لّلوم وأشنع للعقوبة‪ ،‬وهذا من نقص عقولهم‬
‫دنيا على الخرة‪ ،‬ولهذا قال‪:‬‬ ‫وسفاهة رأيهم بإيثار الحياة ال ّ‬
‫}والداُر الخرة خيٌر للذين يّتقون{‪ :‬ما حّرم الّله عليهم من‬
‫المآكل التي ُتصاب وتؤكل رشوة على الحكم بغير ما أنزل الّله‬
‫وغير ذلك من أنواع المحرمات‪} .‬أفل تعقلون{؛ أي‪ :‬أفل يكون‬
‫ل توازن بين ما ينبغي إيثاره وما ينبغي اليثار عليه‪ ،‬وما‬ ‫لكم عقو ٌ‬
‫هو أولى بالسعي إليه والتقديم له على غيره؟! فخاصّية العقل‬
‫وت‬ ‫النظر للعواقب‪ ،‬وأما من ن َظ ََر إلى عاجل طفيف منقطع يف ّ‬
‫نعيما ً عظيما ً باقيًا؛ فأّنى له العقل والرأي؟!‬
‫}‪ {170‬وإنما العقلُء حقيقة من وصفهم الّله بقوله‪:‬‬
‫سكون به علما ً وعم ً‬
‫ل‪،‬‬ ‫ن بالكتاب{؛ أي‪ :‬يتم ّ‬ ‫سكو َ‬ ‫}والذين يم ّ‬
‫فيعلمون ما فيه من الحكام والخبار التي علمها أشرف العلوم‪،‬‬

‫‪ -‬في )ب(‪» :‬ظالمون«‪.‬‬ ‫‪1‬‬


‫ويعملون بما فيها من الوامر التي هي قرة العيون وسرور‬
‫القلوب وأفراح الرواح وصلح الدنيا والخرة‪ .‬ومن أعظم ما‬
‫سك به من المأمورات إقامة الصلة ظاهرا ً وباطنًا‪،‬‬ ‫يجب التم ّ‬
‫ذكر لفضلها وشرفها وكونها ميزان اليمان‬ ‫ولهذا خصها بال ّ‬
‫)‪(1‬‬

‫ة لقامة غيرها من العبادات‪ .‬ولما كان عملهم كّله‬ ‫وإقامتها داعي ٌ‬


‫إصلحًا؛ قال تعالى‪} :‬إّنا ل ُنضيعَ أجر المصلحين{‪ :‬في أقوالهم‬
‫وأعمالهم ونّياتهم‪ ،‬مصلحين لنفسهم ولغيرهم‪.‬‬
‫ن الّله بعث رسله عليهم‬ ‫وهذه الية وما أشبهها دّلت على أ ّ‬
‫الصلة والسلم بالصلح ل بالفساد‪ ،‬وبالمنافع ل بالمضار‪ ،‬وأّنهم‬
‫من كان أصلح؛ كان أقرب إلى‬ ‫ب ُِعثوا بصلح الدارين؛ فك ّ‬
‫ل َ‬
‫اّتباعهم‪.‬‬
‫قنا الجبل فوَقهم{‪ :‬حين‬ ‫}‪ {171‬ثم قال تعالى‪} :‬وإذ ن َت َ ْ‬
‫امتنعوا من َقبول ما في التوراة‪ ،‬فألزمهم الله العمل‪ ،‬وََنتقَ فوق‬
‫رؤوسهم الجبل‪ ،‬فصار فوقهم‪} :‬كأنه ظ ُّلة وظّنوا أنه واقعٌ بهم{‪،‬‬
‫كروا‬‫ة{؛ أي‪ :‬بجد ّ واجتهاد‪} .‬واذ ُ‬ ‫وقيل لهم‪} :‬خذوا ما آتيناكم بقوّ ٍ‬
‫ما فيه{‪ :‬دراسة ومباحثة واتصافا ً بالعمل به‪} ،‬لعلكم تّتقون{‪ :‬إذا‬
‫ّ‬
‫فعلُتم ذلك‪.‬‬
‫ﭽ ﭦ ﭧ ﭨ ﭩ ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ ﭯ ﭰ ﭱ ﭲ ﭳ ﭴ ﭵ ﭶﭷ‬
‫ﮇ ﮈ ﮉ ﮊ ﮋ ﮌ‬ ‫ﭸﭹ ﭺ ﭻ ﭼ ﭽ ﭾ ﭿ ﮀ ﮁ ﮂ ﮃ ﮄ ﮅ ﮆ‬
‫ﮍ ﮎﮏ ﮐ ﮑ ﮒ ﮓ ﮔ ﮕ ﮖ ﮗ ﮘ ﮙ ﮚ ﭼ ‪.‬‬
‫م من‬ ‫خذ َ رّبك من بني آد َ‬ ‫}‪ 172‬ـ ‪ {173‬يقول تعالى‪} :‬وإذ ْ أ َ‬
‫ظهورهم ذ ُّرّيتهم{؛ أي‪ :‬أخرج من أصلبهم ذريتهم‪ ،‬وجعلهم‬
‫ن‪} .‬و{‪ :‬حين أخرجهم من‬ ‫يتناسلون ويتوالدون قرنا ً بعد قر ٍ‬
‫ت‬‫سِهم ألس ُ‬ ‫مهاتهم وأصلب آبائهم‪} ،‬أشهدهم على أنف ِ‬ ‫بطون أ ّ‬
‫برّبكم{؛ أي‪ :‬قّررهم بإثبات ربوبّيته بما أودعه في فطرهم من‬
‫القرار بأنه رّبهم وخالقهم ومليكهم‪ .‬قالوا‪ :‬بلى؛ قد أقررنا بذلك؛‬
‫ل أحدٍ‬ ‫ن الّله تعالى فطر عباده على الدين الحنيف القيم‪ ،‬فك ّ‬ ‫فإ ّ‬
‫دل بما يطرأ‬ ‫فهو مفطوٌر على ذلك‪ ،‬ولكن الفطرة قد ُتغّير وُتب ّ‬
‫دنا أن‬ ‫على العقول والعقائد الفاسدة )‪ ، (2‬ولهذا }قالوا بلى َ‬
‫شه ِ ْ‬
‫َتقولوا يوم القيامةِ إّنا كّنا عن هذا غافلين{؛ أي‪ :‬إنما امتحّناكم‬
‫ن الّله تعالى رّبكم؛ خشية أن‬ ‫حتى أقررتم بما تقّرر عندكم من أ ّ‬
‫جة‬‫كروا يوم القيامة فل تقّروا بشيء من ذلك‪ ،‬وتزعمون أن ح ّ‬ ‫تن ِ‬

‫ص الل ّ ُ‬
‫ه«‪.‬‬ ‫‪ -‬في )ب(‪» :‬ولهذا خ ّ‬
‫‪1‬‬

‫‪ -‬في )ب(‪» :‬بما يطرأ عليها من العقائد الفاسدة«‪.‬‬ ‫‪2‬‬


‫الّله ما قامت عليكم‪ ،‬ول عندكم بها علم‪ ،‬بل أنتم غافلون عنها‬
‫جتكم‪ ،‬وثبتت الحجة البالغة لّله‬ ‫لهون؛ فاليوم قد انقطعت ح ّ‬
‫جة أخرى‪ ،‬فتقولون‪} :‬إّنما أشر َ‬
‫ك‬ ‫عليكم‪ .‬أو تحتجون أيضا ً بح ّ‬
‫حذ َْوهم‪ ،‬وتبعناهم‬ ‫دهم{‪ :‬فحذونا َ‬ ‫ة من بع ِ‬ ‫ل وك ُّنا ذ ُّري ّ ً‬
‫آباؤنا من قَب ْ ُ‬
‫كنا بما فعل المبطلون{؟ فقد أودع الّله في‬ ‫في باطلهم‪} .‬أفتهل ِ ُ‬
‫ن الحقّ ما‬ ‫فطركم ما يدّلكم على أن ما مع آبائكم باط ٌ‬
‫ل‪ ،‬وأ ّ‬
‫جاءت به الرسل‪ ،‬وهذا يقاوم ما وجدتم عليه آباءكم ويعلو عليه‪.‬‬
‫نعم؛ قد يعرض للعبد من أقوال آبائه الضاّلين ومذاهبهم الفاسدة‬
‫ق‪ ،‬وما ذاك إل لعراضه عن حجج الّله وبّيناته‬ ‫ما يظّنه هو الح ّ‬
‫وآياته الفقّية والنفسّية؛ فإعراضه عن ذلك وإقباله على ما قاله‬
‫ضل بها الباطل على الحق‪.‬‬ ‫المبطلون‪ ،‬رّبما صّيره بحالة ُيف ّ‬
‫هذا هو الصواب في تفسير هذه اليات‪ ،‬وقد قيل‪ :‬إن هذا‬
‫يوم أخذ الّله الميثاق على ذرّية آدم حين استخرجهم من ظهره‬
‫ج عليهم بما أمرهم به‬ ‫وأشهدهم على أنفسهم فشهدوا بذلك فاحت ّ‬
‫في ذلك الوقت على ظلمهم في كفرهم وعنادهم في الدنيا‬
‫ل على هذا‪ ،‬ول له مناسبة‪،‬‬ ‫والخرة! ولكن ليس في الية ما يد ّ‬
‫ن هذا العهد‬ ‫ول تقتضيه حكمة الّله تعالى‪ ،‬والواقع شاهد ٌ بذلك؛ فإ ّ‬
‫ج الل ّ ُ‬
‫ه ذ ُّري ّ َ‬ ‫والميثاق الذي ذ َ َ‬
‫)‪(1‬‬
‫ة آدم من ظهره‬ ‫خَر َ‬
‫كروا أنه حين أ ْ‬
‫حين كانوا في عالم كالذ ّّر ل يذك ُُره أحد ٌ ول يخط ُُر ببال آدم ّ‬
‫ي؛‬
‫ن ول‬ ‫ج الّله عليهم بأمرٍ ليس عندهم به خبٌر ول له عي ٌ‬ ‫فكيف يحت ّ‬
‫أثـٌر؟!‬
‫}‪ {174‬ولهذا؛ لما كان هذا أمرا ً واضحا ً جلّيا؛ قال تعالى‪:‬‬
‫ضحها‪} ،‬ولعّلهم يرجعون{‪:‬‬ ‫صل اليات{؛ أي‪ :‬نبّينها ونو ّ‬ ‫}وكذلك نف ّ‬
‫رهم وإلى ما عاهدوا الّله عليه فيرتدعوا‬ ‫إلى ما أودع الّله في فِط َ ِ‬
‫عن القبائح‪.‬‬
‫ﭽ ﮛ ﮜ ﮝ ﮞ ﮟ ﮠ ﮡ ﮢ ﮣ ﮤ ﮥ ﮦ ﮧ ﮨ ﮩ ﮪ ﮫ ﮬ ﮭ ﮮﮮ‬
‫ﯥﯦ ﯧ‬ ‫ﮯ ﮰ ﮱ ﯓﯔ ﯕ ﯖ ﯗ ﯘ ﯙ ﯚ ﯛ ﯜ ﯝ ﯞﯟ ﯠ ﯡ ﯢ ﯣ ﯤ‬
‫ﯷ ﯷ ﯷ ﯷ ﯷ ﯷ ﯷﯷ‬ ‫ﯨ ﯩ ﯪﯧﯧ ﯫﯧﯧ ﯬﯧﯧ ﯭﯧﯧ ﯮﯧﯧ ﯯﯧﯧ ﯰﯧﯧ ﯱﯧﯧ ﯷ ﯷ‬
‫ﯼ ﯽ ﯾ ﯿ ﯷ ﯷ ﭼ‪.‬‬
‫ل‬ ‫}‪ {175‬يقول تعالى لنبيه صلى الله عليه وسلم‪} :‬وات ُ‬
‫عليهم نبأ الذي آت َْيناه آياِتنا{؛ أي‪ :‬علمناه ]علم[ كتاب الله فصار‬

‫‪ - 1‬وقد ذكر المفسرون أحاديث وآثار على أخذ الميثاق من ذرية آدم وهم‬
‫في صلب أبيهم‪ .‬انظر »تفسير الطبري« )‪ (13/222‬تحقيق أحمد شاكر‪.‬‬
‫وابن كثير )‪ ،(3/500‬و»أحكام أهل الذمة« لبن القيم )‪ ،(2/525‬و»معارج‬
‫القبول« للحكمي )‪ .(1/40‬وانظر »الصحيحة« لللباني )‪.(1623‬‬
‫العالم الكبير والحبر النحرير فانسلخ منها فأتبعه الشيطان؛ أي‪:‬‬
‫ن العلم بذلك‬ ‫ي بالعلم بآيات الّله؛ فإ ّ‬ ‫انسلخ من الّتصاف الحقيق ّ‬
‫يصّير صاحبه متصفا ً بمكارم الخلق ومحاسن العمال ويرقى‬
‫إلى أعلى الدرجات وأرفع المقامات؛ فترك هذا كتاب الّله وراء‬
‫خل َ ُ‬
‫ع‬ ‫ظهره‪ ،‬ونبذ الخلق التي يأمر بها الكتاب‪ ،‬وخلعها كما ُيـ ْ‬
‫ن؛ أي‪ :‬تسّلط عليه حين‬ ‫ه الشيطا ُ‬ ‫اللباس‪ ،‬فلما انسلخ منها؛ أت ْب َعَ ُ‬
‫خرج من الحصن الحصين وصار إلى أسفل سافلين‪ ،‬فأّزه إلى‬
‫المعاصي أّزا‪} ،‬فكان من الغاوين{‪ :‬بعد أن كان من الراشدين‬
‫المرشدين‪.‬‬
‫خذ ََله ووَك ََله إلى نفسه؛ فلهذا‬ ‫ن الّله تعالى َ‬ ‫}‪ {176‬وهذا ل ّ‬
‫شْئنا لَرفَْعناه بها{‪ :‬بأن نوّفقه للعمل بها‪،‬‬ ‫قال تعالى‪} :‬ولو ِ‬
‫صن من أعدائه‪} ،‬ولكّنه{‪ :‬فعل‬ ‫فيرتفع في الدنيا والخرة‪ ،‬فيتح ّ‬
‫ض؛ أي‪ :‬إلى الشهوات‬ ‫ما يقتضي الخذلن؛ فأخلد َ إلى الر ِ‬
‫السفلّية والمقاصد الدنيوّية‪} ،‬واّتبع هواه{‪ :‬وترك طاعة موله‪.‬‬
‫مثله{‪ :‬في شدة حرصه على الدنيا وانقطاع قلبه إليها }كمثل‬ ‫}فَ َ‬
‫ث{؛ أي‪ :‬ل يزال لهثا ً‬ ‫ه يله ْ‬ ‫ث أو تتُرك ْ ُ‬ ‫ل عليه ي َل ْهَ ْ‬ ‫م ْ‬
‫ح ِ‬
‫الكلب إن َتـ ْ‬
‫ه‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫ً‬
‫في كل حال‪ ،‬وهذا ل يزال حريصا حرصا قاطعا قلبه ل يسد ّ فاقت َ ُ‬
‫ذبوا بآياتنا{‪ :‬بعد أن‬ ‫ل القوم الذين ك ّ‬ ‫مث َ ُ‬
‫دنيا‪} .‬ذلك َ‬ ‫شيٌء من ال ّ‬
‫دوها لهوانهم‬ ‫ذبوا بها ور ّ‬ ‫ساقها الّله إليهم‪ ،‬فلم ينقادوا لها‪ ،‬بل ك ّ‬
‫صص‬ ‫على الّله واّتباعهم لهوائهم بغير هدى من الّله‪} .‬فاق ُ‬
‫كرون{‪ :‬في ضرب المثال وفي العبر واليات؛‬ ‫صص لعّلهم يتف ّ‬ ‫ق َ‬ ‫ال َ‬
‫كروا؛ علموا‪ ،‬وإذا علموا؛ عملوا‪.‬‬ ‫فإذا تف ّ‬
‫سهم كانوا‬ ‫ذبوا بآياِتنا وأنف َ‬ ‫م الذين ك ّ‬ ‫مث َل ً القو ُ‬ ‫}‪} {177‬ساء َ‬
‫من كذب بآيات الّله‪ ،‬وظلم نفسه‬ ‫ل َ‬ ‫مث َ ُ‬‫ن{؛ أي‪ :‬ساء وقَُبح َ‬ ‫يظلمو َ‬
‫وء‪.‬‬ ‫س ْ‬ ‫ل ال ّ‬ ‫مث َ ُ‬‫مث ََلهم َ‬ ‫ن َ‬ ‫بأنواع المعاصي؛ فإ ّ‬
‫ص معّين‬ ‫ن المراد َ به شخ ٌ‬ ‫وهذا الذي آتاه الّله آياته ُيحتمل أ ّ‬
‫صته تنبيها ً للعباد‪ ،‬وُيحتمل‬ ‫هق ّ‬ ‫ه فقص الل ّ ُ‬ ‫قد كان منه ما ذكره الل ّ ُ‬
‫ل من آتاه الل ّ ُ‬
‫ه‬ ‫ل لك ّ‬‫ن المراد بذلك أنه اسم جنس‪ ،‬وأّنه شام ٌ‬ ‫أ ّ‬
‫آياته فانسلخ منها‪.‬‬
‫ن ذلك رفعة‬ ‫وفي هذه اليات الترغيب في العمل بالعلم‪ ،‬وأ ّ‬
‫من الّله لصاحبه وعصمة من الشيطان‪ ،‬والترهيب من عدم‬
‫ل إلى أسفل سافلين وتسليط للشيطان عليه‪.‬‬ ‫العمل به‪ ،‬وأنه نزو ٌ‬
‫ن اّتباع الهوى وإخلد َ العبد إلى الشهوات يكون سببا ً‬
‫وفيه أ ّ‬
‫للخذلن‪.‬‬
‫}‪ {178‬ثم قال تعالى مبينا ً أنه المنفرد بالهداية والضلل‪:‬‬
‫من يهد ِ الّله{‪ :‬بأن يوّفقه للخيرات ويعصمه من المكروهات‬ ‫} َ‬
‫ويعّلمه ما لم يكن يعلم‪} ،‬فهو المهتدي{‪ :‬ح ّ‬
‫قا؛ لنه آثر هدايته‬
‫ل{‪ :‬فيخذله ول يوّفقه للخير‪} ،‬فأولئك هم‬ ‫ضل ِ ْ‬
‫تعالى‪} ،‬ومن ي ُ ْ‬
‫الخاسرون{‪ :‬لنفسهم وأهليهم يوم القيامة‪ ،‬أل ذلك هو الخسران‬
‫المبين‪.‬‬
‫ﭽ ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗﭘ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ ﭝ ﭞ ﭟ ﭠ ﭡ ﭢ‬
‫ﭫ ﭬ ﭭﭮ ﭯ ﭰ ﭱ ﭲ ﭼ ‪.‬‬ ‫ﭣ ﭤ ﭥ ﭦ ﭧﭨ ﭩ ﭪ‬
‫}‪ {179‬يقول تعالى مبينا ً كثرة الغاوين الضاّلين المّتبعين‬
‫إبليس اللعين‪} :‬ولقد ذ ََرأنا{؛ أي‪ :‬أنشأنا‪ ،‬وبثثنا }لجهّنم كثيرا ً من‬
‫بل‬ ‫ن والنس{‪ :‬صارت البهائم أحسن حالة منهم‪} .‬لهم قلو ٌ‬ ‫الج ّ‬
‫م إل ّ مجّرد قيام‬ ‫ه ول عل ٌ‬ ‫يفقهون بها{؛ أي‪ :‬ل يص ُ‬
‫ل إليها فق ٌ‬
‫ن ل يبصرون بها{‪ :‬ما ينفُعهم‪ ،‬بل فقدوا‬ ‫الحجة‪} ،‬ولهم أعي ٌ‬
‫ن ل يسمعون بها{‪ :‬سماعا ً يصل‬ ‫منفعتها وفائدتها‪} ،‬ولهم آذا ٌ‬
‫معناه إلى قلوبهم‪} .‬أولئك{‪ :‬الذين بهذه الوصاف القبيحة‬
‫}كالنعام{؛ أي‪ :‬البهائم التي فقدت العقول‪ ،‬وهؤلء آثروا ما‬
‫ل{‪ :‬من‬ ‫سِلبوا خاصية العقل‪} .‬بل هم أض ّ‬ ‫يفنى على ما يبقى ف ُ‬
‫ن تدرك‬ ‫خِلقت له‪ ،‬ولها أذها ٌ‬ ‫ن النعام مستعملة فيما ُ‬ ‫البهائم؛ فإ ّ‬
‫بها مضّرتها من منفعتها؛ فلذلك كانت أحسن حال ً منهم‪ .‬و }أولئك‬
‫هم الغافلون{‪ :‬الذين غفلوا عن أنفع الشياء؛ غفلوا عن اليمان‬
‫ت لهم الفئدة والسماع والبصار‬ ‫ق ْ‬‫خل ِ َ‬
‫كره‪ُ ،‬‬ ‫بالّله وطاعته وذ ِ ْ‬
‫ن عونا ً لهم على القيام بأوامر الّله وحقوقه‪ ،‬فاستعانوا بها‬ ‫لتكو َ‬
‫من ذرأ الّله‬ ‫على ضد ّ هذا المقصود؛ فهؤلء حقيقون بأن يكونوا مـ ّ‬
‫من‬‫لجهّنم وخلقهم لها؛ فخلقهم للنار وبأعمال أهلها يعملون‪ ،‬وأما َ‬
‫ه باليمان بالّله‬ ‫استعمل هذه الجوارح في عبادة الّله وانصبغ قلب ُ ُ‬
‫ومحّبته ولم يغفل عن الّله؛ فهؤلء أهل الجنة وبأعمال أهل الجنة‬
‫يعملون‪.‬‬
‫ﮂ ﮃ ﭼ‪.‬‬ ‫ﭽ ﭳ ﭴ ﭵ ﭶ ﭷﭸ ﭹ ﭺ ﭻ ﭼ ﭽﭾ ﭿ ﮀ ﮁ‬
‫ن لعظيم جلله وسعة أوصافه بأن له‬ ‫}‪ {180‬هذا بيا ٌ‬
‫السماء الحسنى؛ أي‪ :‬له كل اسم حسن‪ ،‬وضابطه أنه كل اسم‬
‫دال على صفة كمال عظيمة‪ ،‬وبذلك كانت حسنى؛ فإنها لو دّلت‬
‫على غير صفة‪ ،‬بل كانت علما ً محضًا؛ لم تكن حسنى‪ ،‬وكذلك لو‬
‫دّلت على صفة ليست بصفة كمال‪ ،‬بل إما صفة نقص أو صفة‬
‫ل اسم من‬ ‫منقسمة إلى المدح والقدح؛ لم تكن حسنى؛ فك ّ‬
‫أسمائه دال على جميع الصفة التي اشت ُقّ منها‪ ،‬مستغرقٌ لجميع‬
‫ن له علما ً محيطا ً عا ّ‬
‫ما‬ ‫معناها‪ ،‬وذلك نحو‪} :‬العليم{ الدال على أ ّ‬
‫لجميع الشياء فل يخرج عن علمه مثقال ذرةٍ في الرض ول في‬
‫السماء‪ ،‬و}الرحيم{ )‪ (1‬الدال على أن له رحمة عظيمة واسعة‬
‫جُزها‬
‫مة ل ي ُعْ ِ‬
‫ل شيء‪ ،‬و}القدير{ الدال على أن له قدرة عا ّ‬ ‫لك ّ‬
‫شيء‪ ...‬ونحو ذلك‪ .‬ومن تمام كونها حسنى أّنه ل ُيدعى إل بها‪،‬‬
‫ل لدعاء العبادة ودعاء‬ ‫ولذلك قال‪} :‬فادعوه بها{‪ :‬وهذا شام ٌ‬
‫المسألة‪ ،‬فُيدعى في كل مطلوب بما يناسب ذلك المطلوب‪،‬‬
‫م! اغفر لي‪ ،‬وارحمني؛ إنك أنت الغفور‬ ‫ل‪ :‬الله ّ‬‫فيقول الداعي مث ً‬
‫ف بي يا‬ ‫واب! وارزقني يا رزاق! والط ْ‬ ‫ي يا ت ّ‬‫الرحيم‪ .‬وتب عل ّ‬
‫لطيف! ونحو ذلك‪.‬‬
‫جَزْون ما كانوا‬‫حدون في أسمائ ِهِ سي ُ ْ‬ ‫ذروا الذين ُيل ِ‬ ‫وقوله‪} :‬وَ َ‬
‫يعملون{؛ أي‪ :‬عقوبة وعذابا ً على إلحادهم في أسمائه‪ .‬وحقيقة‬
‫مى بها من ل‬ ‫ما بأن يس ّ‬
‫ت له‪ ،‬إ ّ‬ ‫جعِل َ ْ‬
‫ل بها عما ُ‬‫اللحاد‪ :‬المي ُ‬
‫قها؛ كتسمية المشركين بها للهتهم‪ ،‬وإما بنفي معانيها‬ ‫يستح ّ‬
‫ّ‬
‫وتحريفها وأن يجعل لها معنى ما أراده الله ول رسوله‪ ،‬وإما أن‬
‫يشّبه بها غيرها؛ فالواجب أن ُيحذر اللحاد فيها وُيحذر الملحدون‬
‫ن‬‫ي صلى الله عليه وسلم‪» :‬إ ّ‬ ‫فيها‪ .‬وقد ثبت في الصحيح عن النب ّ‬
‫ة وتسعين اسما ً من أحصاها دخل الجنة« ‪.‬‬
‫)‪(2‬‬
‫لّله تسع ً‬
‫ﭽ ﮄ ﮅ ﮆ ﮇ ﮈ ﮉ ﮊ ﮋ ﭼ‪.‬‬
‫}‪ {181‬أي‪ :‬ومن جملة من خلقنا أمة فاضلة كاملة في‬
‫ملة لغيرها يهدون أنفسهم وغيرهم بالحقّ فيعلمون‬ ‫نفسها مك ّ‬
‫الحقّ ويعملون به ويعّلمونه ويدعون إليه وإلى العمل به‪} .‬وبه‬
‫يعدلون{‪ :‬بين الناس في أحكامهم إذا حكموا في الموال والدماء‬
‫والحقوق والمقالت وغير ذلك‪ .‬وهؤلء أئمة الهدى ومصابيح‬
‫دجى‪ ،‬وهم الذين أنعم الّله عليهم باليمان والعمل الصالح‬ ‫ال ّ‬
‫ديقون الذين‬
‫والتواصي بالحقّ والتواصي بالصبر‪ ،‬وهم الص ّ‬
‫مرتبتهم تلي مرتبة الرسالة‪ ،‬وهم في أنفسهم مراتب متفاوتة؛‬
‫ص برحمته من‬ ‫كل بحسب حاله وعلوّ منزلته؛ فسبحان من يخت ّ‬
‫يشاء والّله ذو الفضل العظيم‪.‬‬
‫ﮎ ﮏ ﮐ ﮑ ﮒ ﮓ ﮔ ﮕ ﮖﮗ ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ‬ ‫ﭽﮌ ﮍ‬
‫ﮜ ﮝﮞ ﮟ ﮠ ﮡ ﮢﮣ ﮤ ﮥ ﮦ ﮧ ﮨ ﮩ ﮪ ﮫ ﮬ ﮭ ﮮﮮ ﮯ ﮰ ﮱ ﯓ ﯔ‬

‫‪ -‬في )ب(‪» :‬وكالرحيم«‪.‬‬ ‫‪1‬‬

‫‪ - 2‬أخرجه البخاري )‪ (2736‬ومسلم )‪ ،(2677‬عن أبي هريرة رضي الله‬


‫عنه‪.‬‬
‫ﯕ ﯖ ﯗ ﯘ ﯙ ﯚ ﯛ ﯜﯝ ﯞ ﯟ ﯠ ﯡ ﯢ ﯣ ﯤ ﯥ ﯦ ﯧ ﯨﯩ ﯪﯧﯧ ﯫﯧﯧ ﯬﯧﯧ ﯭﯧﯧ ﯮﯧﯧ‬
‫ﭼ‪.‬‬
‫ذبوا بآيات الّله الداّلة على صحة ما‬ ‫}‪ {182‬أي‪ :‬والذين ك ّ‬
‫دوها ولم‬ ‫جاء به محمد صلى الله عليه وسلم من الهدى فر ّ‬
‫جهم من حيث ل يعلمون{‪ :‬بأن يدر لهم‬ ‫يقبلوها‪} ،‬سنستدرِ ُ‬
‫الرزاق‪.‬‬
‫}‪} {183‬وأملي لهم{؛ أي‪ :‬أمهلهم حتى يظّنوا أنهم ل‬
‫خذون ول يعاَقبون‪ ،‬فيزدادون كفرا ً وطغيانا ً وشّرا إلى شّرهم‪،‬‬ ‫يؤ َ‬
‫وبذلك تزيد عقوبتهم ويتضاعف عذابهم‪ ،‬فيضّرون أنفسهم من‬
‫)‪(1‬‬
‫غ‪.‬‬‫ن{؛ أي‪ :‬قويّ بلي ٌ‬ ‫حيث ل يعلمون ‪ .‬ولهذا قال‪} :‬إن كيدي متي ٌ‬
‫د[ صلى الله‬ ‫كروا ما بصاحبهم{‪] :‬محم ٍ‬ ‫م يتف ّ‬‫}‪} {184‬أوَ َلـ ْ‬
‫ملوا أفكارهم وينظروا هل‬ ‫ة{؛ أي‪ :‬أولم ي ُعْ ِ‬ ‫جن ّ ٍ‬
‫عليه وسلم }من ِ‬
‫في صاحبهم الذي يعرفونه ول يخفى عليهم من حاله شيٌء؛ هل‬
‫ن؟! فلينظروا في أخلقه وهديه ودّله وصفاته‪ ،‬وينظروا‬ ‫هو مجنو ٌ‬
‫فيما دعا إليه؛ فل يجدون فيه من الصفات إل أكملها‪ ،‬ول من‬
‫مها‪ ،‬ول من العقل والرأي إل ما فاق به العالمين‪،‬‬ ‫الخلق إل أتـ ّ‬
‫ل شّر! أفبهذا يا أولي‬ ‫ل خير‪ ،‬ول ينهى إل عن ك ّ‬ ‫ول يدعو إل لك ّ‬
‫جّنة )‪ (2‬؟! أم هو المام العظيم والناصح المبين والماجد‬ ‫اللباب ِ‬
‫ن{؛‬ ‫الكريم والرءوف الرحيم؟! ولهذا قال‪} :‬إن هو إل نذيٌر مبي ٌ‬
‫صل لهم الثواب‪.‬‬ ‫أي‪ :‬يدعو الخلق إلى ما ُينجيهم من العذاب‪ ،‬ويح ّ‬
‫مَلكوت السموات والرض{‪:‬‬ ‫}‪} {185‬أولم ينظروا في َ‬
‫فإنهم إذا نظروا إليها؛ وجدوها أدلة دالة على توحيد رّبها وعلى ما‬
‫خل َ َ‬
‫ق‬ ‫َله من صفات الكمال‪} .‬و{‪ :‬كذلك لينظروا إلى جميع }ما َ‬
‫ل أعظم ِدللة على‬ ‫الّله من شيء{‪ :‬فإن جميع أجزاء العالم يد ّ‬
‫سعَةِ رحمته وإحسانه ونفوذ مشيئته‬ ‫علم الّله وقدرته وحكمته و َ‬
‫وغير ذلك من صفاته العظيمة الداّلة على تفّرده بالخلق والتدبير‬
‫حد‬‫الموجبة لن يكون هو المعبود َ المحمود َ المسّبح المو ّ‬
‫جُلهم{؛ أي‪:‬‬ ‫ن قد اقترب أ َ‬ ‫ن عسى أن يكو َ‬ ‫المحبوب‪ .‬وقوله‪} :‬وأ ْ‬
‫ب‬‫لـيـنظروا في خصوص حالهم‪ ،‬وينظروا لنفسهم قبل أن يقتر َ‬
‫كنون‬ ‫ن؛ فل يتم ّ‬ ‫ت وهم في غفلةٍ معرضو َ‬ ‫أجُلهم ويفجأهم المو ُ‬
‫ده يؤمنون{؛ أي‪ :‬إذا‬ ‫ث بع َ‬‫حينئذ ٍ من استدراك الفارط‪} .‬فبأيّ حدي ٍ‬

‫‪ -‬في )ب(‪» :‬ل يشعرون«‪.‬‬ ‫‪1‬‬

‫ة«‪.‬‬
‫‪ -‬في )ب(‪» :‬من جن ّ ٍ‬ ‫‪2‬‬
‫لم يؤمنوا بهذا الكتاب الجليل؛ فبأيّ حديث يؤمنون به؟! أبكتب‬
‫جال؟!‬ ‫الكذب والضلل؟! أم بحديث كل مفترٍ د ّ‬
‫ل ل حيلة فيه ول سبيل إلى هدايته‪،‬‬ ‫}‪ {186‬ولكن الضا ّ‬
‫ل الّله فل هاديَ له وَي َذ َُرهم في‬‫ضل ِ ِ‬‫من ي ُ ْ‬
‫ولهذا قال تعالى‪َ } :‬‬
‫)‪(1‬‬
‫ددون ل يخرجون منه‪،‬‬ ‫ن{؛ أي‪ :‬متحّيرون ‪ ،‬يتر ّ‬ ‫طغيان ِِهم يعمهو َ‬
‫ق‪.‬‬
‫ول يهتدون إلى ح ّ‬
‫ﭽ ﯯﯧﯧ ﯰﯧﯧ ﯱﯧﯧ ﯷ ﯷﯷ ﯷ ﯷ ﯷ ﯷ ﯷﯷ ﯷ ﯼ ﯽ ﯾ ﯿﯷ ﯷ‬
‫ﯷ ﰎﯷ ﯷ ﯷ ﰒ ﯷ ﯷ ﯷ ﯷ‬ ‫ﯷ ﯷ ﯷﯷ ﯷ ﯷ ﰈ ﰉﯷ ﯷ ﯷ‬
‫ﯷ ﯷ ﯷ ﯷ ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛﭜ ﭝ ﭞ‬
‫ﭭ ﭮ ﭯ ﭼ‪.‬‬ ‫ﭟ ﭠ ﭡ ﭢ ﭣ ﭤ ﭥ ﭦﭧ ﭨ ﭩ ﭪ ﭫ ﭬ‬
‫}‪ {187‬يقول تعالى لرسوله محمد صلى الله عليه وسلم‪:‬‬
‫}يسألوَنك{؛ أي‪ :‬المكذبون لك المتعّنتون }عن الساعة أيان‬
‫ل بالخلق؟‬ ‫ح ّ‬ ‫مْرساها{؛ أي‪ :‬متى وقتها التي تجيء به؟ ومتى ت ِ‬ ‫ُ‬
‫ص بعلمها‪} ،‬ل‬ ‫مها عند ربي{؛ أي‪ :‬إنه تعالى المخت ّ‬ ‫}قل إّنما عل ُ‬
‫در أن تقوم‬ ‫يجّليها لوقتها إل هو{؛ أي‪ :‬ل يظهرها لوقتها الذي قُ ّ‬
‫ت في السموات والرض{؛ أي‪ :‬خفي علمها على‬ ‫قل َ ْ‬‫فيه إل هو‪} .‬ث َ ُ‬
‫أهل السماوات والرض واشتد ّ أمُرها أيضا ً عليهم فهم من‬
‫ة{؛ أي‪ :‬فجأة من حيث ل‬ ‫الساعة مشفقون‪} .‬ل تـأتـيكم إل ّ بغت ً‬
‫)‪(2‬‬
‫دوا لها ولم يتهيؤوا لها ‪} .‬يسألونك كأّنك‬ ‫يشعرون لم يستع ّ‬
‫ي عنها{؛ أي‪ :‬هم حريصون على سؤالك عن الساعة كأنك‬ ‫ف ّ‬‫ح ِ‬ ‫َ‬
‫ف عن السؤال عنها‪ ،‬ولم يعلموا أنك لكمال علمك برّبك‬ ‫مستح ٍ‬
‫وما ينفعُ السؤال عنه غير مبال بالسؤال ]عنها‪ ،‬ول حريص على‬
‫م ل يقتدون بك؟ ويكفون عن الستحفاء عن هذا‬ ‫ذلك‪ ،‬فَل ِ َ‬
‫ي‬
‫ذر علمه؛ فإّنه ل يعلمها نب ّ‬ ‫السؤال[ الخالي من المصلحة المتع ّ‬
‫ك مقّرب‪ ،‬وهي من المور التي أخفاها عن الخلق‬ ‫مل َ ٌ‬ ‫ل ول َ‬ ‫مرس ٌ‬
‫ن أكثر‬‫مها عند الّله ولك ّ‬ ‫لكمال حكمته وسعة علمه‪} .‬قل إّنما عل ُ‬
‫الناس ل يعلمون{‪ :‬فلذلك حرصوا على ما ل ينبغي الحرص عليه‪،‬‬
‫وخصوصا ً مثل حال هؤلء الذين يتركون السؤال عن اله ّ‬
‫م‬
‫ب عليهم من العلم‪ ،‬ثم يذهبون إلى ما ل سبيل‬ ‫دعون ما يج ُ‬ ‫وي َ َ‬
‫هم مطالبون بعلمه‪.‬‬ ‫لحد ٍ أن يدركه ول ُ‬
‫ك لنفسي نفعا ً ول ضّرا{‪ :‬فإني فقير‬ ‫}‪} {188‬قل ل أمل ِ ُ‬
‫مدّبر‪ ،‬ل يأتيني خيٌر إل من الله‪ ،‬ول ي َد ْفَعُ عني الشّر إل هو‪ ،‬وليس‬

‫‪ -‬في )ب(‪» :‬متحيرين«‪.‬‬ ‫‪1‬‬

‫‪ -‬في )ب(‪» :‬ولم يتهيؤوا لقيامها«‪.‬‬ ‫‪2‬‬


‫ب‬
‫ت أعلم الغي َ‬ ‫لي من العلم إل ما علمني الّله تعالى‪} .‬ولو كن ُ‬
‫سني السوُء{؛ أي‪ :‬لفعلت السباب‬ ‫ت من الخير وما م ّ‬‫لستكثر ُ‬
‫ل ما‬‫ت من ك ّ‬‫التي أعلم أنها تنتج لي المصالح والمنافع‪ ،‬ولحذر ُ‬
‫ه؛ لعلمي بالشياء قبل كونها‪ ،‬وعلمي بما‬ ‫يفضي إلى سوٍء ومكرو ٍ‬
‫تفضي إليه‪ ،‬ولكني لعدم علمي قد ينالني ما ينالني من السوء‬
‫ل دليل‬‫دنيا ومنافعها؛ فهذا أد ّ‬
‫وقد يفوتني ما يفوتني من مصالح ال ّ‬
‫على أني ل علم لي بالغيب‪} .‬إن أنا إل نذيٌر{‪ :‬أنذر العقوبات‬
‫الدينّية والدنيوّية والخروّية‪ ،‬وأبّين العمال الـمفضية إلى ذلك‬
‫ذر منها‪ .‬وبشير بالثواب العاجل والجل‪ ،‬ببيان العمال‬ ‫وأح ّ‬
‫الموصلة إليه والترغيب فيها‪ ،‬ولكن ليس ك ّ‬
‫ل أحد ٍ يقبل هذه‬
‫البشارة والنذارة‪ ،‬وإنما ينتفع بذلك ويقبله المؤمنون‪.‬‬
‫وهذه اليات الكريمات مبّينة جهل من يقصد النبي صلى‬
‫الله عليه وسلم ويدعوه لحصول نفع أو دفع ضّر؛ فإّنه ليس بيده‬
‫ن لم ينفْعه الّله‪ ،‬ول يدفعُ الضّر ع ّ‬
‫من‬ ‫م ْ‬
‫شيء من المر‪ ،‬ول ينفع َ‬
‫لم يدفْعه الّله عنه‪ ،‬ول له من العلم إل ّ ما عّلمه الّله ]تعالى[‪،‬‬
‫ل ما أرسل به من البشارة والنذارة وعمل‬ ‫ن قَب ِ َ‬
‫م ْ‬
‫وإنما ينفع َ‬
‫)‪(1‬‬
‫بذلك؛ فهذا نفعه عليه السلم الذي فاق نفع الباء والمهات‬
‫ذرهم عن ك ّ‬
‫ل‬ ‫ل خير‪ ،‬وح ّ‬ ‫ث العباد على ك ّ‬ ‫لء والخوان‪ ،‬بما ح ّ‬ ‫والخ ّ‬
‫شّر‪ ،‬وبينه لهم غاية البيان واليضاح‪.‬‬
‫ﭽ ﭰ ﭱ ﭲ ﭳ ﭴ ﭵ ﭶ ﭷ ﭸ ﭹ ﭺ ﭻﭼ ﭽ ﭾ ﭿ ﮀ ﮁ ﮂ‬
‫ﮃﮄ ﮅ ﮆ ﮇ ﮈ ﮉ ﮊ ﮋ ﮌ ﮍ ﮎ ﮏ ﮐ ﮑ ﮒ ﮓ ﮔ ﮕ ﮖ ﮗ‬
‫ﮘﮙ ﮚ ﮛ ﮜ ﮝ ﮞ ﮟ ﮠ ﮡ ﮢ ﮣ ﮤ ﮥ ﮦ ﮧ ﮨ ﮩ ﮪ ﮫ ﮬ ﮭ ﮮﮮ‬
‫ﮯ ﮰ ﮱ ﯓ ﯔ ﯕﯖ ﯗ ﯘ ﯙ ﯚ ﯛ ﯜ ﯝ ﭼ ‪.‬‬
‫}‪ {189‬أي‪} :‬هو الذي خلقكم{‪ :‬أيها الرجال والنساء‬
‫المنتشرون في الرض على كثرتكم وتفّرقكم‪} ،‬من نفس‬
‫م أبو البشر صلى الله عليه وسلم‪} ،‬وجعل منها‬ ‫ة{‪ :‬وهو آد ُ‬
‫واحد ٍ‬
‫جها{؛ أي‪ :‬خلق من آدم زوجته حواء‪ .‬لجل أن يسكن إليها‪،‬‬ ‫زو َ‬
‫لنها إذا كانت منه؛ حصل بينهما من المناسبة والموافقة ما‬
‫ل منهما إلى صاحبه‬ ‫ن أحدهما إلى الخر‪ ،‬فانقاد ك ّ‬ ‫يقتضي سكو َ‬
‫شاها{؛ أي‪ :‬تجّللها مجامعا ً لها؛ ق ّ‬
‫در‬ ‫بزمام الشهوة‪} .‬فلما تغ ّ‬
‫ت‬
‫الباري أن يوجد من تلك الشهوة ـ وذلك الجماع ـ النسل‪ ،‬فحمل ْ‬
‫}حمل ً خفيفًا{‪ ،‬وذلك في ابتداء الحمل ل تحس به النثى ول‬
‫يثقلها‪} .‬فلما{ استمّرت ]به[ و}أثقلت{ به حين كبر في بطنها؛‬
‫فحينئذ ٍ صار في قلوبهما الشفقة على الولد وعلى خروجه حّيا‬

‫‪ - -‬في )ب(‪» :‬فهذا نفعه صّلى الله عليه وسّلم«‪.‬‬ ‫‪1‬‬


‫وا }الله رّبهما لئن آت َْيتَنا{‪ :‬ولدًا‪:‬‬ ‫صحيحا ً سالما ً ل آفة فيه‪ ،‬فد َع َ َ‬
‫ن من‬ ‫مها ل نقص فيه‪} ،‬لنكون ّ‬ ‫}صالحًا{؛ أي‪ :‬صالح الخلقة تا ّ‬
‫الشاكرين{‪.‬‬
‫مت‬ ‫}‪} {190‬فلما آتاهما صالحًا{‪ :‬على وَْفق ما ط َل ََبا وت ّ‬
‫عليهما النعمة فيه‪} ،‬جعل له شركاء فيما آتاهما{؛ أي‪ :‬جعل لّله‬
‫شركاء في ذلك الولد الذي انفرد الّله بإيجاده والنعمة به وأقّر به‬
‫ما أن يسمياه بعبد غير الّله؛ كعبد‬ ‫أعين والديه‪ ،‬فعّبداه لغير الّله‪ :‬إ ّ‬
‫الحارث وعبد العّزى وعبد الكعبة ونحو ذلك‪ ،‬أو يشركا في الّله‬
‫ن من النعم التي ل‬ ‫ن الّله عليهما بما م ّ‬ ‫في العبادة بعدما م ّ‬
‫ن‬
‫ل من النوع إلى الجنس؛ فإ ّ‬ ‫يحصيها أحد ٌ من العباد‪ ،‬وهذا انتقا ٌ‬
‫أول الكلم في آدم وحواء‪ ،‬ثم انتقل ]إلى[ الكلم في الجنس‪ ،‬ول‬
‫ذرية كثيرًا؛ فلذلك قّررهم الّله على‬ ‫ن هذا موجود في ال ّ‬ ‫كأ ّ‬ ‫ش ّ‬
‫بطلن الشرك‪ ،‬وأنهم في ذلك ظالمون أشد ّ الظلم‪ ،‬سواء كان‬
‫ن الخالق لهم من نفس‬ ‫الشرك في القوال أم في الفعال؛ فإ ّ‬
‫واحدة‪ ،‬الذي خلق منها زوجها‪ ،‬وجعل لهم من أنفسهم أزواجًا‪ ،‬ثم‬
‫ضهم إلى بعض‬ ‫ن بع ُ‬ ‫دة والرحمة ما يسك ُ ُ‬ ‫جعل بينهم من المو ّ‬
‫ّ‬
‫ويألفه ويلتذ ّ به‪ ،‬ثم هداهم إلى ما به تحصل الشهوة واللذة‬
‫ذرية في بطون المهات وقتا ً موّقتا ً‬ ‫والولد والنسل‪ ،‬ثم أوجد ال ّ‬
‫م‬‫جه سوّيا صحيحًا‪ ،‬فأت ّ‬ ‫وف إليه نفوسهم ويدعون الّله أن يخرِ َ‬ ‫تتش ّ‬
‫الّله عليهم النعمة‪ ،‬وأنالهم مطلوبهم‪ ،‬أفل يستحقّ أن يعبدوه ول‬
‫يشركوا به في عبادته أحدا ً ويخلصوا له الدين؟!‬
‫ن المر جاء على العكس‪ ،‬فأشركوا‬ ‫}‪ 191‬ـ ‪ {192‬ولك ّ‬
‫ن‪ .‬ول يستطيعون لهم{؛ أي‪:‬‬ ‫خَلقو َ‬
‫خل ُقُ شيئا ً وهم ُيـ ْ‬
‫بالّله }مال َيـ ْ‬
‫ن{‪ :‬فإذا كانت ل تخلق شيئا ً‬ ‫سهم ينصرو َ‬ ‫لعابديها }نصرا ً ول أنف َ‬
‫ول مثقال ذّرة‪ ،‬بل هي مخلوقة‪ ،‬ول تستطيع أن تدفع المكروه‬
‫ن هذا‬ ‫دها ول عن أنفسها؛ فكيف ت ُّتخذ مع الّله آلهة؟! إ ْ‬ ‫عن من يعب ُ ُ‬
‫إل أظلم الظلم وأسفه السفه‪.‬‬
‫}‪ {193‬وإن تدعوا أّيها المشركون‪ ،‬هذه الصنام التي‬
‫عبدتم من دون الّله }إلى الهدى ل يّتبعوكم سواٌء عليكم‬
‫ة منها؛‬‫ن حال ً‬
‫ن أحس َ‬
‫ن{‪ :‬فصار النسا ُ‬ ‫أدعوُتموهم أم أنتم صامتو َ‬
‫وره‬‫دى‪ ،‬وكل هذا إذا تص ّ‬‫صُر ول َتـْهدي ول ُتـهْ َ‬ ‫لّنها ل تسمع ول تب ِ‬
‫ن‬
‫م ْ‬ ‫ً‬ ‫ً‬
‫اللبيب العاقل تصورا مجردا؛ جزم ببطلن إلهيتها وسفاهة َ‬
‫عبدها‪.‬‬
‫ﯫﯧﯧ ﯬﯧﯧ ﯭﯧﯧ ﯮﯧﯧ ﯯﯧﯧ ﯰﯧﯧ ﯱﯧﯧﯷ ﯷ‬ ‫ﭽ ﯞ ﯟ ﯠ ﯡ ﯢ ﯣ ﯤ ﯥﯦ ﯧ ﯨ ﯩ ﯪﯧﯧ‬
‫ﯷ ﯷ ﯷ ﯷﯷ ﯷ ﯷ ﯷ ﯼ ﯽﯾ ﯿ ﯷ ﯷ ﯷ ﯷﯷ ﯷ ﯷ ﯷ ﰈ ﰉ‬
‫ﯷ ﯷ ﯷ ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ ﭼ ‪.‬‬
‫}‪ {194‬وهذا من نوع التحدي للمشركين العابدين للوثان؛‬
‫ن الّله عباد ٌ أمثالكم{؛ أي‪:‬‬‫دعون من دو ِ‬‫ن الذين ت َ ْ‬
‫يقول تعالى‪} :‬إ ّ‬
‫ل فرق بينكم وبينهم؛ فكّلكم عبيد ٌ لّله مملوكون؛ فإن كنتم كما‬
‫دعوهم‬ ‫تزعمون صادقين في أنها تستحقّ من العبادة شيئًا؛ }فا ْ‬
‫صلوا مطلوبكم‪ ،‬و إل ّ ؛‬ ‫فليستجيبوا لكم{‪ :‬فإن استجابوا لكم وح ّ‬
‫تبيّـن أنكم كاذبون في هذه الدعوى مفترون على الّله أعظم‬
‫الفرية‪.‬‬
‫}‪ {195‬وهذا ل يحتاج إلى تبيين فيه )‪ (1‬؛ فإّنكم إذا نظرُتم‬
‫ة على أنه ليس لديها من النفع شيء‪،‬‬ ‫إليها؛ وجدُتم صورتها دال ً‬
‫ن تبصر بها‪،‬‬ ‫ل تمشي بها‪ ،‬ول أيد ٍ تبطش بها‪ ،‬ول أعي ٌ‬ ‫فليس لها أرج ٌ‬
‫ة لجميع اللت والقوى الموجودة‬ ‫ول آذان تسمع بها؛ فهي عادم ٌ‬
‫في النسان؛ فإذا كانت ل تجيبكم إذا دعوتموها؛ فهي عباد ٌ‬
‫ي‬
‫أمثالكم‪ ،‬بل أنتم أكمل منها وأقوى على كثير من الشياء؛ فل ّ‬
‫ن{؛‬‫ظرو ِ‬ ‫ن فل ُتن ِ‬ ‫شيء عبدتموها؟! }قل ادعوا شركاءكم ثم كيدو ِ‬
‫أي‪ :‬اجتمعوا أنتم وشركاؤكم على إيقاع السوء والمكروه بي من‬
‫غير إمهال ول إنظار فإنكم غير بالغين لشيء من المكروه بي‪.‬‬
‫لني فيجلب لي المنافع‬ ‫ه الذي يتو ّ‬ ‫ي الل ّ ُ‬‫ن وَل ِي ّ َ‬
‫}‪ {196‬ل ّ‬
‫ب{‪ :‬الذي فيه الهدى‬ ‫ويدفع عني المضار‪} .‬الذي نّزل الكتا َ‬
‫والشفاء والنور‪ ،‬وهو من توّليه وتربيته لعباده الخاصة الدينّية‪.‬‬
‫}وهـو يـتـوّلـى الصالحين{‪ :‬الذين صلحت نّياتهم وأعمالهم‬
‫جهم من‬ ‫ي الذين آمنوا يخرِ ُ‬ ‫وأقوالهم؛ كما قال تعالى‪} :‬الل ّ ُ‬
‫ه ولـ ّ‬
‫ما توّلوا رّبهم‬ ‫ظلمات إلى النور{؛ فالمؤمنون الصالحون لـ ّ‬ ‫ال ّ‬
‫لهم‬ ‫من ل ينفع ول يضّر؛ تو ّ‬ ‫باليمان والتقوى ولم يتوّلوا غيره مـ ّ‬
‫الّله ولطف بهم وأعانهم على ما فيه الخير والمصلحة لهم في‬
‫ل مكروه؛ كما قال تعالى‪:‬‬ ‫دينهم ودنياهم ودفع عنهم بإيمانهم ك ّ‬
‫ن الّله يدافِعُ عن الذين آمنوا{‪.‬‬ ‫}إ ّ‬
‫ﭫ ﭬﭭ‬ ‫ﭽﭜ ﭝ ﭞ ﭟ ﭠ ﭡ ﭢ ﭣ ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ ﭨ ﭩ ﭪ‬
‫ﭮ ﭯ ﭰ ﭱ ﭲ ﭳ ﭴ ﭼ‪.‬‬
‫}‪ 197‬ـ ‪ {198‬وهذا أيضا ً في بيان عدم استحقاق هذه‬
‫الصنام التي يعُبدونها من دون الّله شيئا ً من العبادة؛ لنها ليس‬
‫ة ول اقتداٌر في نصر أنفسهم ول في نصر عابديها‪،‬‬ ‫لها استطاع ٌ‬
‫د‪،‬‬
‫وليس لها قوة العقل والستجابة؛ فلو دعوَتها إلى الهدى؛ لم تهت ِ‬
‫ن‬
‫وهي صوٌر ل حياة فيها‪ ،‬فتراهم ينظرون إليك وهم ل يبصرو َ‬
‫‪ -‬في )ب(‪» :‬إلى التبيين فيه«‪.‬‬ ‫‪1‬‬
‫وروها على صور الحيوانات من الدميين أو‬ ‫ة؛ لنهم ص ّ‬ ‫حقيق ً‬
‫غيرهم‪ ،‬وجعلوا لها أبصارا ً وأعضاًء؛ فإذا رأيتها؛ قلت‪ :‬هذه حّية؛‬
‫فإذا تأملتها؛ عرفت أنها جمادات ل حراك بها ول حياة؛ فبأيّ رأي‬
‫ة مع الّله؟! وليّ مصلحة أو نفع عكفوا‬ ‫اّتخذها المشركون آله ً‬
‫ف أن‬‫ف هذا؛ ع ُرِ َ‬ ‫عندها وتقّربوا لها بأنواع العبادات؟! فإذا ع ُرِ َ‬
‫المشركين وآلهتهم التي عبدوها ولو اجتمعوا وأرادوا أن يكيدوا‬
‫له فاطر السماوات والرض متوّلـي أحوال عباده‬ ‫من تو ّ‬
‫الصالحين؛ لم يقدروا على كيده بمثقال ذّرةٍ من الشّر؛ لكمال‬
‫وة من احتمى‬ ‫وة الّله واقتداره وق ّ‬ ‫عجزهم وعجزها وكمال ق ّ‬
‫ن إلي َ‬
‫ك‬ ‫ُ‬
‫هم ينظرو َ‬ ‫ن معنى قوله‪} :‬وَترا ُ‬ ‫كل عليه‪ ،‬وقيل‪ :‬إ ّ‬ ‫بجلله وتو ّ‬
‫ذبين‬‫ن الضمير يعود إلى المشركين المك ّ‬ ‫ن{‪ :‬إ ّ‬‫صرو َ‬‫وهم ل يب ِ‬
‫ظرون إليك يا‬ ‫لرسول الّله صلى الله عليه وسلم‪ ،‬فتحسبهم ين ُ‬
‫رسول الّله نظر اعتبارٍ يتبيّـن به الصادق من الكاذب‪ ،‬ولكنهم ل‬
‫سمون فيك من الجمال‬ ‫سمه المتو ّ‬ ‫يبصرون حقيقتك وما يتو ّ‬
‫والكمال والصدق‪.‬‬
‫ﭷ ﭸ ﭹ ﭺ ﭻ ﭼ ﭼ‪.‬‬ ‫ﭽﭵ ﭶ‬
‫ن الخلق مع الناس وما‬ ‫س ِ‬
‫ح ْ‬
‫}‪ {199‬هذه الية جامعة ِلـ ُ‬
‫م َ‬
‫ل به الناس‪ :‬أن يأخذ َ‬ ‫ينبغي في معاملتهم‪ :‬فالذي ينبغي أن يعا َ‬
‫ل عليهم من العمال‬ ‫سهُ َ‬ ‫سهم وما َ‬ ‫ت به أنف ُ‬‫و؛ أي‪ :‬ما سمح ْ‬ ‫العف َ‬
‫ل‬‫كر من ك ّ‬ ‫والخلق؛ فل يكّلفهم ما ل تسمح به طبائعهم‪ ،‬بل يش ُ‬
‫ن ذلك‪ ،‬ويتجاوُز‬ ‫أحد ٍ ما قابله به من قول وفعل جميل أو ما هو دو َ‬
‫ض طرفه عن نقصهم ول يتكّبر على الصغير‬ ‫رهم ويغ ّ‬ ‫عن تقصي ِ‬
‫لصغره ول ناقص العقل لنقصه ول الفقير لفقره‪ ،‬بل يعامل‬
‫الجميع بالّلطف والمقابلة بما تقتضيه الحال وتنشرح له صدورهم‪.‬‬
‫ف{؛ أي‪ :‬بكل قول حسن وفعل جميل وخلق كامل‬ ‫مْر بالعُْر ِ‬‫}وأ ُ‬
‫للقريب والبعيد؛ فاجعل ما يأتي إلى الناس منك إما تعليم علم أو‬
‫حث على خير من صلة رحم أو بّر والدين أو إصلح بين الناس أو‬
‫نصيحة نافعة أو رأي مصيب أو معاونة على بّر وتقوى أو زجر عن‬
‫قبيح أو إرشاد إلى تحصيل مصلحة دينّية أو دنيوّية‪ .‬ولما كان ل بد ّ‬
‫ل الجاهل بالعراض عنه‬ ‫من أذّية الجاهل؛ أمر الّله تعالى أن يقاب َ َ‬
‫وعدم مقابلته بجهله؛ فمن آذاك بقوله أو فعله؛ ل تؤذه‪ ،‬ومن‬
‫صْله‪ ،‬ومن ظلمك فاعدل فيه‪.‬‬ ‫مه‪ ،‬ومن قطعك فَ ِ‬ ‫ك ل تحرِ ْ‬ ‫م َ‬ ‫حَر َ‬
‫َ‬
‫ل به العبد ُ شياطين الجن؛ فقال‬ ‫وأما ما ينبغي أن يعام َ‬
‫تعالى‪:‬‬
‫ﭽ ﭽ ﭾ ﭿ ﮀ ﮁ ﮂ ﮃﮄ ﮅ ﮆ ﮇ ﮈ ﮉ ﮊ ﮋ ﮌ ﮍ ﮎ ﮏ‬
‫ﮐ ﮑ ﮒ ﮓ ﮔ ﮕ ﮖ ﮗ ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ ﮜ ﮝ ﭼ‪.‬‬
‫}‪ {200‬أي‪ :‬أيّ وقت وفي أيّ حال‪} ،‬ينزغّنك من الشيطان‬
‫ث على‬ ‫ط عن الخير أو ح ّ‬ ‫غ{؛ أي‪ :‬تحس منه بوسوسةٍ وتثبي ٍ‬ ‫نز ٌ‬
‫الشّر وإيعازٍ إليه‪} ،‬فاستعذ ْ بالّله{؛ أي‪ :‬التجىء واعتصم بالّله‬
‫م{‪ :‬بنّيتك وضعفك وقوة‬ ‫واحتم بحماه‪ .‬فإّنه سميعٌ لما تقول‪} ،‬علي ٌ‬
‫التجائك له فسيحميك من فتنته ويقيك من وسوسته؛ كما قال‬
‫ب الناس‪ {...‬إلى آخر السورة‪.‬‬ ‫تعالى‪} :‬قل أعوذ ُ بر ّ‬
‫}‪ {201‬ولما كان العبد ُ ل بد ّ أن يغفل وينال منه الشيطان‬
‫الذي ل يزال مرابطا ً ينتظر غّرته وغفلته؛ ذكر تعالى علمة‬
‫ف‬
‫سه طائ ٌ‬ ‫س بذنب وم ّ‬ ‫المّتقين من الغاوين‪ ،‬وأن المّتقي إذا أح ّ‬
‫كر من أي‬ ‫ب؛ تذ ّ‬‫من الشيطان فأذنب بفعل محّرم أو ترك واج ٍ‬
‫كر ما أوجب‬ ‫ي ومن أيّ مدخل دخل الشيطان عليه‪ ،‬وتذ ّ‬ ‫ُ‬
‫باب أِتـ َ‬
‫الّله عليه وما عليه من لوازم اليمان‪ ،‬فأبصر‪ ،‬واستغفر الّله‬
‫تعالى‪ ،‬واستدرك ما فرط منه بالتوبة النصوح والحسنات الكثيرة‪،‬‬
‫ل ما أدركه منه‪.‬‬ ‫فرد شيطانه خاسئا ً حسيرًا؛ قد أفسد عليه ك ّ‬
‫}‪ {202‬وأما إخوان الشياطين وأولياؤهم؛ فإنهم إذا وقعوا‬
‫ب‪ ،‬ول‬‫ي ذنبا ً بعد ذن ٍ‬
‫دونهم في الغ ّ‬
‫ذنوب ل يزالون يم ّ‬‫في ال ّ‬
‫يقصرون عن ذلك؛ فالشياطين ل تقصر عنهم بالغواء؛ لنها‬
‫طمعت فيهم حين رأتهم سلسي القياد لها وهم ل يقصرون عن‬
‫فعل الشّر‪.‬‬
‫ﭽ ﮞ ﮟ ﮠ ﮡ ﮢ ﮣ ﮤﮥ ﮦ ﮧ ﮨ ﮩ ﮪ ﮫ ﮬ ﮭﮮﮮ ﮯ ﮰ ﮱ‬
‫ﯓ ﯔ ﯕ ﯖ ﯗ ﯘ ﭼ‪.‬‬
‫ذبون لك في تعّنت وعناد‪،‬‬ ‫}‪ {203‬أي‪ :‬ل يزال هؤلء المك ّ‬
‫ولو جاءتهم اليات الداّلة على الهدى والرشاد؛ فإذا جئتهم بشيء‬
‫ة{‪:‬‬ ‫من اليات الداّلة على صدقك؛ لم ينقادوا‪} .‬وإذا لم تأتهم بآي ٍ‬
‫من آيات القتراح التي يعّينونها‪} ،‬قالوا لول اجتبيتها{؛ أي‪ :‬هل ّ‬
‫اخترت الية فصارت الية الفلنية أو المعجزة الفلنية‪ ،‬كأنك أنت‬
‫المنّزل لليات المدّبر لجميع المخلوقات‪ ،‬ولم يعلموا أنه ليس لك‬
‫ن المعنى[‪ :‬لول اخترعتها من نفسك‪} ،‬قل‬ ‫من المر شيء‪ ،‬أو ]أ ّ‬
‫مت ّب ِعٌ مدّبر‪ ،‬والّله‬
‫ي من ربي{‪ :‬فأنا عبد ٌ ُ‬‫إّنما أّتبع ما يوحى إلـ ّ‬
‫تعالى هو الذي ينزل اليات ويرسلها على حسب ما اقتضاه‬
‫ل على‬ ‫ه حكمته البالغة؛ فإن أردتم آية ل تضمح ّ‬ ‫حمده‪ ،‬وَ َ‬
‫طلب َت ْ ُ‬
‫تعاقب الوقات وحجة ل تبطل في جميع النات؛ فهذا‪ :‬القرآن‬
‫العظيم والذكر الحكيم‪.‬‬
‫}بصائُر من رّبكم{‪ :‬يستبصر به في جميع المطالب اللهّية‬
‫والمقاصد النسانّية‪ ،‬وهو الدليل والمدلول؛ فمن تف ّ‬
‫كر فيه‬
‫د‪ ،‬ل يأتيه الباطل من بين‬ ‫ل من حكيم حمي ٍ‬‫وتدّبره؛ علم أنه تنزي ٌ‬
‫ل من بلغه‪ ،‬ولكن‬ ‫جة على ك ّ‬‫يديه ول من خلفه‪ ،‬وبه قامت الح ّ‬
‫ى{ له من‬‫أكثر الناس ل يؤمنون‪ ،‬و إل ّ ؛ فمن آمن؛ فهو }هد ً‬
‫ة{ له من الشقاء؛ فالمؤمن مهتد ٍ بالقرآن‪ ،‬مّتبع‬ ‫الضلل }ورحم ٌ‬
‫ن به؛ فإنه ضا ّ‬
‫ل‬ ‫له‪ ،‬سعيد ٌ في دنياه وأخراه‪ ،‬وأما من لم يؤم ْ‬
‫ي في الدنيا والخرة‪.‬‬‫شق ّ‬
‫ﭽ ﯙ ﯚ ﯛ ﯜ ﯝ ﯞ ﯟ ﯠ ﯡ ﭼ‪.‬‬
‫ل من سمع كتاب الّله يتلى؛‬ ‫م في ك ّ‬ ‫}‪ {204‬هذا المر عا ّ‬
‫فإنه مأمور بالستماع له والنصات‪ ،‬والفرق بين الستماع‬
‫دث أو الشتغال بما‬ ‫والنصات أن النصات في الظاهر بترك التح ّ‬
‫مَعه‬
‫س ْ‬
‫ي َ‬ ‫يشغل عن استماعه‪ ،‬وأما الستماع له؛ فهو أن ي ُل ْ ِ‬
‫ق َ‬
‫ن من لزم على هذين المرين‬ ‫ضَر قلَبه ويتدّبر ما يستمع؛ فإ ّ‬‫ويح ِ‬
‫حين ُيتلى كتاب الّله؛ فإنه ينال خيرا ً كثيرا ً وعلما ً غزيرا ً وإيمانا ً‬
‫مستمّرا متجددا ً وهدىً متزايدا ً وبصيرة ً في دينه‪ ،‬ولهذا رّتب الّله‬
‫ن ُتلي عليه الكتاب‬ ‫م ْ‬
‫ل ذلك على أن َ‬ ‫حصول الرحمة عليهما‪ ،‬فد ّ‬
‫فلم يستمع له وينصت أنه محروم الحظ من الرحمة‪ ،‬قد فاته‬
‫خيٌر كثير‪.‬‬
‫ومن أوكد ِ ما يؤمر ]به[ مستمع القرآن أن يستمعَ له‬
‫ه؛ فإّنه مأموٌر بالنصات‬ ‫م ُ‬
‫ت في الصلة الجهرية إذا قرأ إما ُ‬ ‫وينص َ‬
‫ن اشتغاله بالنصات أولى من‬ ‫ن أكثر العلماء يقولون‪ :‬إ ّ‬ ‫حتى إ ّ‬
‫قراءته الفاتحة وغيرها‪.‬‬
‫ﯯﯧﯧ ﯰﯧﯧ ﯱﯧﯧ ﯷ ﯷ ﯷ ﯷ ﯷ‬ ‫ﭽ ﯢ ﯣ ﯤ ﯥ ﯦ ﯧ ﯨ ﯩ ﯪﯧﯧ ﯫﯧﯧ ﯬﯧﯧ ﯭﯧﯧ ﯮﯧﯧ‬
‫ﯾ ﯿ ﭼ‪.‬‬ ‫ﯷ ﯷ ﯷ ﯷ ﯷ ﯼ ﯽ‬
‫}‪ {205‬الذكر لّله تعالى يكون بالقلب ويكون باللسان‬
‫ويكون بهما وهو أكمل أنواع الذكر وأحواله‪ ،‬فأمر الّله عبده‬
‫ورسوله محمدا ً أصل ً وغيره تبعا ً بذكر رّبه في نفسه؛ أي‪ :‬مخلصا ً‬
‫خاليًا‪} ،‬تضّرعًا{؛ أي‪ :‬متضرعا ً بلسانك مكّررا ً لنواع الذكر‪،‬‬
‫ل القلب منه‬ ‫ة{‪ :‬في قلبك؛ بأن تكون خائفا ً من الّله‪ ،‬وَ ِ‬
‫ج َ‬ ‫خيف ً‬‫}و ِ‬
‫خوفا أن يكون عملك غير مقبول‪ ،‬وعلمة الخوف أن يسعى‬ ‫ً‬
‫ويجتهد في تكميل العمل وإصلحه والنصح به‪} .‬ودون الجهر من‬
‫القول{ ـ؛ أي‪ :‬كن متوسطًا‪ ،‬ل تجهْر بصلتك ول تخافِ ْ‬
‫ت بها وابتغ‬
‫بين ذلك سبيل ً ـ }بالغدو{‪ :‬أول النهار‪} ،‬والصال{‪ :‬آخره‪ ،‬وهذان‬
‫ة على غيرهما‪} .‬ول تكن‬ ‫ة وفضيل ٌ‬ ‫ه[ فيهما مزي ّ ٌ‬ ‫الوقتان ]لذكرِ الل ّ ِ‬
‫رموا‬
‫ح ِ‬
‫سهم؛ فإّنهم ُ‬ ‫ف َ‬‫سوا الّله فأنساهم أن ُ‬ ‫ن{‪ :‬الذين ن َ ُ‬ ‫من الغافلي َ‬
‫ل السعادة والفوز في ذكره‬ ‫من ك ّ‬ ‫خير الدنيا والخرة‪ ،‬وأعرضوا ع ّ‬
‫ل الشقاوة والخيبة في الشتغال به‪.‬‬ ‫من ك ّ‬ ‫وعبودّيته‪ ،‬وأقبلوا على َ‬
‫عَيها حقّ رعايتها‪،‬‬‫وهذه من الداب التي ينبغي للعبد أن يرا ِ‬
‫وهي الكثار من ذكر الّله آناء الليل والنهار‪ ،‬خصوصا ً طرفي‬
‫النهار‪ ،‬مخلصا ً خاشعا ً متضّرعا ً متذلل ً ساكنا ً متواطئا ً عليه قلبه‬
‫ذكر وإحضارٍ له بقلبه‬ ‫دعاء وال ّ‬‫ب وَوقارٍ وإقبال على ال ّ‬ ‫ولسانه بأد ٍ‬
‫ه‪.‬‬
‫لل ٍ‬ ‫ب غاف ٍ‬‫ب دعاًء من قل ٍ‬ ‫ن الّله ل يستجي ُ‬ ‫وعدم غفلة؛ فإ ّ‬
‫}‪ {206‬ثم ذكر تعالى أن له عبادا ً مستديمين لعبادته‪،‬‬
‫ملزمين لخدمته‪ ،‬وهم الملئكة‪ .‬فلتعلموا أن الّله ل يريد ُ أن يتكّثر‬
‫بعبادتكم من قّلة‪ ،‬ول ليتعّزز بها من ذ ِّلة‪ ،‬وإنما يريد ُ نفع أنفسكم‪،‬‬
‫ن الذين‬ ‫وأن تربحوا عليه أضعاف أضعاف ما عملتم‪ ،‬فقال‪} :‬إ ّ‬
‫عند رّبك{‪ :‬من الملئكة المقّربين وحملة العرش والكروبيين‪} ،‬ل‬
‫عنون لها وينقادون لوامر رّبهم‪،‬‬ ‫يستكِبرون عن عبادته{‪ :‬بل ي ُذ ْ ِ‬
‫}ويسّبحونه{‪ :‬الليل والنهار ل يفترون‪} .‬وله{ وحده ل شريك له‬
‫جدون{‪ :‬فليقت َد ِ العباد ُ بهؤلء الملئكة الكرام‪ ،‬وليداِوموا على‬ ‫}يس ُ‬
‫عبادة الملك الع ّ‬
‫لم‪.‬‬
‫فف ففففف فففف ففففففف‪.‬‬
‫فف ففف‬
‫فف ففففف فففففف ففففففف‪ .‬فففف فف ف‬
‫فف ف‬
‫فففف فففف ففففف فففف‬

‫***‬
‫تفسير سورة النفال‬
‫وهي مدنية‬

‫ﭽ ﭑ ﭒ ﭓﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘﭙ ﭚ ﭛ ﭜ ﭝ ﭞﭟ ﭠ ﭡ ﭢ ﭣ ﭤ‬
‫ﭥ ﭦ ﭧ ﭨ ﭩ ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ ﭯ ﭰ ﭱ ﭲ ﭳ ﭴ ﭵ ﭶ ﭷ‬
‫ﭸ ﭹ ﭺ ﭻ ﭼ ﭽ ﭾ ﭿ ﮀ ﮁ ﮂ ﮃﮄ ﮅ ﮆ ﮇ ﮈ ﮉ ﮊ ﮋ ﮌ ﭼ ‪.‬‬
‫ه لهذه المة من‬ ‫فُلها الل ّ ُ‬‫}‪ {1‬النفال‪ :‬هي الغنائم التي ي ُن َ ّ‬
‫أموال الكفار‪ .‬وكانت هذه اليات في هذه السورة قد نزلت في‬
‫صة بدٍر‪ ،‬أول غنيمة كبيرة غنمها المسلمون من المشركين‪،‬‬ ‫ق ّ‬
‫ل الّله صلى‬ ‫ع‪ ،‬فسألوا رسو َ‬ ‫فحصل بين بعض المسلمين فيها نزا ٌ‬
‫ل{‪ :‬كيف‬ ‫ك عن النفا ِ‬ ‫الله عليه وسلم عنها‪ ،‬فأنزل الّله‪} :‬يسألون َ َ‬
‫م؟ }قل{‪ :‬لهم النفال لّله ورسول ِ ِ‬
‫ه‬ ‫س ُ‬ ‫ق َ‬‫من ت ُ ْ‬ ‫م؟ وعلى َ‬ ‫س ُ‬‫ق َ‬‫تُ ْ‬
‫يضعاِنها حيث شاءا؛ فل اعتراض لكم على حكم الّله ورسوله‪ ،‬بل‬
‫عليكم إذا حكم الّله ورسوله أن ترضوا بحكمهما وتسّلموا المر‬
‫ل في قوله‪} :‬فاّتقوا الّله{‪ :‬بامتثال أوامره‬ ‫لهما‪ ،‬وذلك داخ ٌ‬
‫ت بيِنكم{؛ أي‪ :‬أصِلحوا ما بينكم‬ ‫واجتناب نواهيه‪} ،‬وأصِلحوا ذا َ‬
‫من التشاحن والتقاطع والتدابر بالتوادد والتحاب والتواصل؛‬
‫ل بسبب التقاطع من‬ ‫ص ُ‬ ‫ل ما يح ُ‬ ‫فبذلك تجتمع كلمُتكم ويزو ُ‬
‫جر والتنازع‪.‬‬ ‫صم والتشا ُ‬ ‫التخا ُ‬
‫خُلق لهم والعفو عن‬ ‫ن ال ُ‬ ‫ت البين تحسي ُ‬ ‫ل في إصلح ذا ِ‬ ‫خ ُ‬ ‫ويد ُ‬
‫المسيئين منهم؛ فإنه بذلك يزول كثير مما يكون في القلوب من‬
‫البغضاء والتدابر‪ ،‬والمر الجامع لذلك كله قوله‪} :‬وأطيعوا الله‬
‫ن اليمان يدعو إلى طاعة الّله‬ ‫ورسوَله إن كنتم مؤمنين{‪ :‬فإ ّ‬
‫ن‪ ،‬ومن‬ ‫ّ‬
‫ن من لم يطع الله ورسوله فليس بمؤم ٍ‬ ‫ورسوله؛ كما أ ّ‬
‫ه لله ورسوله؛ فذلك لنقص إيمانه‪.‬‬ ‫ّ‬ ‫نقصت طاعت ُ ُ‬
‫ن قسمين‪ :‬إيمانا ً كامل ً يترّتب عليه‬ ‫}‪ {2‬ولما كان اليما ُ‬
‫ن الكامل‪،‬‬ ‫م‪ ،‬وإيمانا ً دون ذلك؛ ذ َك ََر اليما َ‬ ‫المدح والثناء والفوُز التا ّ‬
‫فقال‪} :‬إنما المؤمنون{‪ :‬اللف واللم للستغراق لشرائع اليمان‪،‬‬
‫ت قلوُبهم{؛ أي‪ :‬خافت ورهبت فأوجبت‬ ‫جل َ ْ‬ ‫ه وَ ِ‬ ‫}الذين إذا ذ ُك َِر الل ّ ُ‬
‫ن خوف الّله‬ ‫ف عن المحارم؛ فإ ّ‬ ‫لهم خشية الّله تعالى النكفا َ‬
‫ت‬
‫جَز صاحَبه عن الذنوب‪} .‬وإذا ت ُل ِي َ ْ‬ ‫ح ُ‬‫تعالى أكبر علماته أن ي َ ْ‬
‫ه زادتهم إيمانًا{‪ :‬ووجه ذلك أّنهم يلقون له السمع‬ ‫عليهم آيات ُ ُ‬
‫ن التدّبر من‬ ‫ضرون قلوبهم لتدّبره؛ فعند ذلك يزيد إيمانهم؛ ل ّ‬ ‫ويح ِ‬
‫ى كانوا يجهلوَنه‬ ‫ن يبيّـن لهم معن ً‬ ‫أعمال القلوب‪ ،‬ولّنه ل بد ّ أ ْ‬
‫ة في الخير‬ ‫ث في قلوبهم رغب ً‬ ‫حد ِ َ‬ ‫كرون ما كانوا َنسوه أو ُيـ ْ‬ ‫ويتذ ّ‬
‫جل ً من العقوبات وازدجارا ً عن‬ ‫واشتياقا ً إلى كرامة رّبهم أو وَ َ‬
‫ل هذا مما يزداد به اليمان‪} .‬وعلى رّبهم{‪ :‬وحده ل‬ ‫المعاصي‪ ،‬وك ّ‬
‫مدون في قلوبهم على رّبهم في‬ ‫كلون{؛ أي‪ :‬يعت َ ِ‬ ‫شريك له }يتو ّ‬
‫ن الّله‬‫جلب مصالحهم ودفع مضاّرهم الدينّية والدنيوّية‪ ،‬ويثقون بأ ّ‬
‫كل هو الحامل للعمال كّلها؛ فل تو َ‬
‫جد ُ‬ ‫ل ذلك‪ ،‬والتو ّ‬ ‫تعالى سيفع ُ‬
‫ل إل به‪.‬‬ ‫ول تك ْ ُ‬
‫م ُ‬
‫}‪} {3‬الذين يقيمون الصلة{‪ :‬من فرائض ونوافل‪،‬‬
‫بأعمالها الظاهرة والباطنة؛ كحضور القلب فيها‪ ،‬الذي هو ُروح‬
‫ة؛‬
‫ت الواجب َ‬ ‫الصلة ول ُّبها‪} ،‬ومما رزْقناهم ينفقو َ‬
‫ن{‪ :‬النفقا ِ‬
‫فارات والنفقة على الزوجات والقارب وما ملكت‬ ‫كالزكوات والك ّ‬
‫أيمانهم‪ ،‬والمستحّبة؛ كالصدقة في جميع طرق الخير‪.‬‬
‫}‪} {4‬أولئك{‪ :‬الذين اّتصفوا بتلك الصفات‪} ،‬هم المؤمنون‬
‫قا{‪ :‬لنهم جمعوا بين السلم واليمان‪ ،‬بين العمال الباطنة‬ ‫ح ّ‬
‫والعمال الظاهرة‪ ،‬بين العلم والعمل‪ ،‬بين أداء حقوق الّله‬
‫وحقوق عباده‪.‬‬
‫ل لعمال الجوارح‬ ‫دم تعالى أعمال القلوب لّنها أص ٌ‬ ‫وق ّ‬
‫ص؛ فيزيد ُ‬ ‫ق ُ‬‫ل على أن اليمان يزيد ُ وين ُ‬ ‫ل منها‪ .‬وفيها دلي ٌ‬ ‫وأفض ُ‬
‫دها‪ .‬وأنه ينبغي للعبد أن يتعاهَد َ إيمانه‬ ‫ص بض ّ‬ ‫ق ُ‬‫بفعل الطاعة وين ُ‬
‫مل‬ ‫ّ‬
‫ل به ذلك تدّبر كتاب الله تعالى والتأ ّ‬ ‫ص ُ‬‫ن أولى ما يح ُ‬ ‫وي ُْنميه‪ .‬وأ ّ‬
‫ت عند‬ ‫قا‪ ،‬فقال‪} :‬لهم درجا ٌ‬ ‫لمعانيه‪ .‬ثم ذكر ثواب المؤمنين ح ّ‬
‫ذنوبهم‪،‬‬ ‫ة{‪ :‬ل ُ‬‫ة بحسب علوّ أعمالهم‪} .‬ومغفر ٌ‬ ‫رّبهم{؛ أي‪ :‬عالي ٌ‬
‫ّ‬
‫م{‪ :‬وهو ما أعد ّ الله لهم في دار كرامته مما ل عين‬ ‫}ورزقٌ كري ٌ‬
‫ن‬
‫ل هذا على أ ّ‬ ‫ر‪ .‬ود ّ‬ ‫ت ول خطر على قلب بش ٍ‬ ‫ت ول أذن سمع ْ‬ ‫رأ ْ‬
‫ل الجنة؛ فلن ينال‬ ‫خ َ‬ ‫ل إلى درجتهم في اليمان وإن د َ َ‬ ‫ص ْ‬‫من لم ي ِ‬ ‫َ‬
‫ة‪.‬‬
‫م ِ‬ ‫ّ‬
‫ما نالوا من كرامةِ الله التا ّ‬
‫ﭽﮍ ﮎ ﮏ ﮐ ﮑ ﮒ ﮓ ﮔ ﮕ ﮖ ﮗ ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ ﮜ ﮝ‬
‫ﮞ ﮟ ﮠ ﮡ ﮢ ﮣ ﮤ ﮥ ﮦ ﮧ ﮨ ﮩ ﮪ ﮫ ﮬ ﮭ ﮮﮮ ﮯ ﮰ ﮱ ﯓ‬
‫ﯥ ﯦ ﭼ‪.‬‬ ‫ﯔ ﯕ ﯖ ﯗ ﯘ ﯙ ﯚ ﯛ ﯜ ﯝ ﯞ ﯟ ﯠ ﯡ ﯢ ﯣ ﯤ‬
‫دم تعالى أمام هذه الغزوة الكبرى المباركة الصفات التي‬‫ق ّ‬
‫من قام بها؛ استقامت أحواُله‬
‫ن َ‬
‫على المؤمنين أن يقوموا بها؛ ل ّ‬
‫ت أعماُله‪ ،‬التي من أكبرها الجهاد في سبيله‪.‬‬ ‫صل َ َ‬
‫ح ْ‬ ‫و َ‬
‫ن إيمانهم هو اليمان الحقيقي وجزاءهم هو‬‫}‪ 5‬ـ ‪ {6‬فكما أ ّ‬
‫الحقّ الذي وعدهم الّله به؛ كذلك أخرج الّله رسوله صلى الله‬
‫عليه وسلم من بيته إلى لقاء المشركين في بدرٍ بالحقّ الذي‬
‫ن كان المؤمنون لم يخط ُْر‬ ‫دره وقضاه‪ ،‬وإ ْ‬ ‫يحّبه الّله تعالى وقد ق ّ‬
‫ل؛ فحين‬ ‫ببالهم في ذلك الخروج أّنه يكون بينهم وبين عدّوهم قتا ٌ‬
‫ع؛ جعل فريقٌ من المؤمنين يجادلون النبي‬ ‫ن ذلك واق ٌ‬ ‫تبيّـن لهم أ ّ‬
‫صلى الله عليه وسلم في ذلك ويكرهون لقاء عدّوهم كأّنما‬
‫ظرون! والحال أن هذا ل ينبغي منهم‪،‬‬ ‫ن إلى الموت وهم ين ُ‬ ‫ُيساقو َ‬
‫خصوصا ً بعدما تبّين لهم أن خروجهم بالحقّ ومما أمر الّله به‬
‫ن الجدال محّله‬ ‫ل؛ ل ّ‬‫ورضيه؛ فبهذه الحال ليس للجدال فيها مح ّ‬
‫ح وبان؛‬ ‫ض َ‬
‫وفائدته عند اشتباه الحقّ والتباس المر‪ ،‬فأما إذا وَ َ‬
‫فليس إل النقياد والذعان‪ .‬هذا؛ وكثير من المؤمنين لم يجرِ منهم‬
‫من هذه المجادلة شيٌء ول كرهوا لقاء عدّوهم‪ ،‬وكذلك الذين‬
‫عاتبهم الّله انقادوا للجهاد أشد ّ النقياد‪ ،‬وثّبتهم الّله‪ ،‬وقّيض لهم‬
‫ن به قلوبهم كما سيأتي ذكُر بعضها‪.‬‬ ‫من السباب ما تطمئ ّ‬
‫ل خروجهم يتعّرضون لعير خرجت مع أبي‬ ‫}‪ {7‬وكان أص ُ‬
‫سفيان بن حرب لقريش إلى الشام قافلة كبيرة‪ ،‬فلما سمعوا‬
‫ي صلى الله عليه وسلم الناس‪،‬‬ ‫برجوعها من الشام؛ ندب النب ّ‬
‫فخرج معه ثلثمائة وبضعة عشر رجل ً معهم سبعون بعيرا ً‬
‫ش‪،‬‬‫عهم‪ ،‬فسمع بخبرهم قري ٌ‬ ‫يعتقبون عليها ويحملون عليها متا َ‬
‫فخرجوا لمنع عيرهم في ع َد َد ٍ كثيرٍ وع ُد َد ٍ وافرة من السلح‬
‫والخيل والرجال‪ ،‬يبلغ عددهم قريبا ً من اللف‪ ،‬فوعد الّله‬
‫المؤمنين إحدى الطائفتين‪ :‬إما أن يظفروا بالعير‪ ،‬أو بالنفير‪،‬‬
‫فأحبوا العير لقّلة ذات يد المسلمين ولّنها غير ذات الشوكة‪.‬‬
‫ب لهم وأراد أمرا ً أعلى مما أحّبوا‪ ،‬أراد أن‬ ‫ولكن الّله تعالى أح ّ‬
‫دهم‪.‬‬ ‫يظفروا بالّنفير الذي خرج فيه كبراء المشركين وصنادي ُ‬
‫حقّ الحقّ بكلمات ِهِ فينصر أهله‪} ،‬ويقط َعَ دابَر‬ ‫فيريد الل ّ ُ‬
‫ه أن ي ُ ِ‬
‫ه‬
‫ل الباطل وُيري عباد َه ُ من نصرِ ِ‬ ‫الكافرين{؛ أي‪ :‬يستأصل أه َ‬
‫للحقّ أمرا ً لم يكن يخطر ببالهم‪.‬‬

‫ق{‪ :‬بما ي ُظ ْهُِر من الشواهد والبراهين على‬


‫حقّ الح ّ‬ ‫}‪} {8‬ل ِي ُ ِ‬
‫طل الباطل{‪ :‬بما يقيم من الدلة والشواهد‬ ‫صحته وصدقه‪} ،‬وي ُب ْ ِ‬
‫على بطلنه‪} ،‬ولو كره المجرمون{‪ :‬فل يبالي الّله بهم‪.‬‬
‫ﭡ‬‫ﭝ ﭞ ﭟ ﭠ‬ ‫ﭽﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ‬
‫ﭰ ﭱ ﭲ ﭳ ﭴ ﭵ‬ ‫ﭢ ﭣ ﭤﭥ ﭦ ﭧ ﭨ ﭩ ﭪ ﭫﭬ ﭭ ﭮ ﭯ‬
‫ﮄ ﮅ ﮆ ﮇ ﮈ ﮉ ﮊ‬ ‫ﭶ ﭷ ﭸ ﭹ ﭺ ﭻ ﭼ ﭽ ﭾ ﭿ ﮀ ﮁ ﮂ ﮃ‬
‫ﮙ ﮚ ﮛ ﮜ ﮝ‬ ‫ﮋ ﮌ ﮍ ﮎ ﮏ ﮐ ﮑ ﮒﮓ ﮔ ﮕ ﮖ ﮗ ﮘ‬
‫ﮯ ﮰ ﮱ ﯓ ﯔ ﯕ‬ ‫ﮞ ﮟ ﮠ ﮡ ﮢ ﮣ ﮤ ﮥ ﮦﮧ ﮨ ﮩ ﮪ ﮫ ﮬ ﮭ ﮮﮮ‬
‫ﯖ ﯗ ﯘ ﭼ‪.‬‬
‫ما قارب التقاؤكم‬ ‫}‪ {9‬أي‪ :‬اذكروا نعمة الّله عليكم ل ّ‬
‫بعدّوكم؛ استغثُتم برّبكم وطلبُتم منه أن يعينكم وينصركم‪،‬‬
‫دكم‬‫ن الّله أم ّ‬‫دة أمور؛ منها‪ :‬أ ّ‬ ‫}فاستجاب لكم{‪ :‬وأغاثكم بع ّ‬
‫ضهم بعضا‪ً.‬‬ ‫ف بع ُ‬ ‫ن{؛ أي‪ :‬ي َْرد ُ ُ‬‫ف من الملئكة مردفي َ‬‫}بأل ٍ‬
‫}‪} {10‬وما جعله الّله{؛ أي‪ :‬إنزال الملئكة }إل بشرى{؛‬
‫ن به قلوُبكم{‪ :‬و إل ّ ؛‬ ‫أي‪ :‬لتستبشر بذلك نفوسكم‪} ،‬ولتطمئ ّ‬
‫فالنصر بيد الّله‪ ،‬ليس بكثرة ع َد َد ٍ ول ع ُد ٍَد‪} .‬إن الّله عزيٌز{‪ :‬ل‬
‫ب‪ ،‬بل هو القهار الذي يخذل من بلغوا من الكثرة‬ ‫يغالُبه مغال ٌ‬
‫در المور بأسبابها‬ ‫م{‪ :‬حيث ق ّ‬ ‫وقوة العدد واللت ما بلغوا‪} ،‬حكي ٌ‬
‫ووضع الشياء مواضعها‪.‬‬
‫}‪ {11‬ومن نصرِهِ واستجابته لدعائكم أن أنزل عليكم‬
‫هب ما في قلوبكم من الخوف‬ ‫شيكم{؛ أي‪ :‬في ُذ ْ ِ‬ ‫نعاسا ً }ي ُغَ ّ‬
‫ة على النصر والطمأنينة‪.‬‬ ‫ة{‪ :‬لكم وعلم ً‬ ‫من َ ً‬
‫والوجل‪ ،‬ويكون }أ َ‬
‫ومن ذلك أنه أنزل عليكم من السماء مطرا ً ليطّهركم به من‬
‫خَبث‪ ،‬وليطّهركم به من وساوس الشيطان ورجزه‪،‬‬ ‫دث وال َ‬ ‫ح َ‬
‫ال َ‬
‫ل ثبات‬ ‫ن ثبات القلب أص ُ‬ ‫}ول ِي َْرب ِط على قلوبكم{؛ أي‪ :‬يثّبتها؛ فإ ّ‬ ‫َ‬
‫ة‪ ،‬فلما‬ ‫ة دهس ً‬ ‫ت به القدام{‪ :‬فإن الرض كانت سهل ً‬ ‫البدن‪} ،‬وي ُث َب ّ َ‬
‫)‪(1‬‬
‫نزل عليها المطر؛ تلّبدت‪ ،‬وثبتت به القدام‪.‬‬
‫ن الّله أوحى إلى الملئكة‪} :‬أّني معكم{‪:‬‬ ‫}‪ {12‬ومن ذلك أ ّ‬
‫بالعون والنصر والتأييد‪} ،‬فثّبتوا الذين آمنوا{؛ أي‪ :‬ألقوا في‬
‫غبوهم في الجهاد‬ ‫قلوبهم وألهموهم الجراءة على عدّوهم ور ّ‬
‫ب{‪ :‬الذي هو‬ ‫فروا الّرع ْ َ‬ ‫ب الذين ك َ َ‬ ‫وفضله‪} .‬سألقي في قلو ِ‬
‫ن الله إذا ثّبت المؤمنين وألقى الرعب‬ ‫ّ‬ ‫أعظم جند ٍ لكم عليهم؛ فإ ّ‬
‫م‬
‫حه ُ ُ‬ ‫في قلوب الكافرين؛ لم يقد ِرِ الكافرون على الّثبات لهم‪ ،‬و َ‬
‫من َ َ‬
‫الّله أكتافهم‪} ،‬فاضربوا فوقَ العناق{؛ أي‪ :‬على الرقاب‪،‬‬
‫ب‪ :‬إما‬ ‫ن{؛ أي‪ :‬مفصل‪ .‬وهذا خطا ٌ‬ ‫ل بنا ٍ‬ ‫ربوا منهم ك ّ‬ ‫}واض ِ‬
‫ه[ إليهم أن يثّبتوا الذين آمنوا فيكون في‬ ‫للملئكة الذين أوحى ]الل ّ ُ‬
‫جعهم الّله‬ ‫ل أّنهم باشروا القتال يوم بدر‪ ،‬أو للمؤمنين يش ّ‬ ‫ذلك دلي ٌ‬
‫ويعّلمهم كيف يقتلون المشركين وأنهم ل يرحمونهم‪.‬‬
‫ه ورسوَله؛ أي‪ :‬حاربوهما‬ ‫}‪ {13‬ذلك لّنهم شاّقوا الل ّ َ‬
‫ن الّله شديد‬ ‫ه ورسوله فإ ّ‬ ‫ق الل ّ َ‬ ‫من يشاقِ ِ‬ ‫وبارزوهما بالعداوة‪} ،‬و َ‬
‫ط أوليائه على أعدائه وتقتيلهم‪.‬‬ ‫العقاب{‪ :‬ومن عقابه تسلي ُ‬

‫‪ -‬في )ب(‪» :‬وثبتت بها«‪.‬‬ ‫‪1‬‬


‫ه{‪ :‬أّيها‬ ‫}‪} {14‬ذلكم{‪ :‬العذاب المذكور‪َ} ،‬فذوقو ُ‬
‫ب‬‫ن للكافرين عذا َ‬ ‫ل‪} .‬وأ ّ‬ ‫المشاققون لّله ورسول ِهِ عذابا ً مع ّ‬
‫ج ً‬
‫الناِر{‪.‬‬
‫ل على أن ما‬ ‫وفي هذه القصة من آيات الّله العظيمة ما يد ّ‬
‫جاء به محمد ٌ صلى الله عليه وسلم رسول الّله ح ّ‬
‫قا‪:‬‬
‫هموه‪.‬‬ ‫دهم وعدا ً فأنجَز ُ‬ ‫ن الّله وع َ َ‬
‫منها ‪ :‬أ ّ‬
‫ن‬
‫ة في فئتي ِ‬ ‫ن ل َك ُ ْ‬
‫م آي ٌ‬ ‫ومنها ‪ :‬ما قال الّله تعالى‪} :‬قد كا َ‬
‫مث ْل َي ِْهم َرأ َ‬
‫ي‬ ‫ل في سبيل الل ّهِ وأخرى كافرة ٌ ي ََروَْنهم ِ‬ ‫ة تقات ِ ُ‬
‫قتا فئ ٌ‬
‫الت َ َ‬
‫العين‪ {...‬الية‪.‬‬
‫كره من‬ ‫ومنها ‪:‬إجابة دعوة الّله للمؤمنين لما استغاثوه بما ذ َ َ‬
‫السباب‪.‬‬
‫ض‬
‫وفيها العتناُء العظيم بحال عباده المؤمنين وتقيي ُ‬
‫مهم‪ ،‬وزال عنهم‬ ‫ت أقدا ُ‬‫ت إيماُنهم‪ ،‬وثبت ْ‬‫السباب التي بها ث َب َ َ‬
‫المكروه والوساوس الشيطانية‪.‬‬
‫ل عليه طاعته‬ ‫ومنها ‪ :‬أن من لطف الّله بعبده أن ي ُ َ‬
‫سه ّ َ‬
‫ب داخلّية وخارجّية‪.‬‬ ‫سرها بأسبا ٍ‬
‫ويي ّ‬
‫ﭽ ﯙ ﯚ ﯛ ﯜ ﯝ ﯞ ﯟ ﯠ ﯡ ﯢ ﯣ ﯤ ﯥ ﯦ ﯧ ﯨ ﯩ ﯪﯧﯧ ﯫﯧﯧ ﯬﯧﯧ ﯭﯧﯧ ﯮﯧﯧ ﯯﯧﯧ‬
‫ﯰﯧﯧ ﯱﯧﯧ ﯷ ﯷ ﯷ ﯷ ﯷﯷ ﯷ ﯷ ﯷ ﭼ ‪.‬‬
‫}‪ {15‬يأمر تعالى عباد َه ُ المؤمنين بالشجاعة اليمانّية‬
‫جْلب السباب المقوّية للقلوب‬ ‫وة في أمره والسعي في َ‬ ‫والق ّ‬
‫والبدان‪ ،‬ونهاهم عن الفرار إذا التقى الزحفان‪ ،‬فقال‪} :‬يا أّيها‬
‫ف القتال‬ ‫فروا زحفًا{؛ أي‪ :‬في ص ّ‬ ‫م الذين ك َ َ‬‫الذين آمنوا إذا لقيت ُ ُ‬
‫وتزاحف الرجال واقتراب بعضهم من بعض‪} ،‬فل توّلوهم‬
‫ن في ذلك‬ ‫جلِدهم؛ فإ ّ‬‫الدباَر{‪ :‬بل اثُبتوا لقتال ِِهم واصِبروا على ِ‬
‫ُنصرة ً لدين الّله وقوّة ً لقلوب المؤمنين وإرهابا ً للكافرين‪.‬‬
‫من ي ُوَل ّهم يومئذ ٍ د ُب َُره ُ إل متحّرفا ً لقتال أو متحّيزا ً‬ ‫}‪} {16‬و َ‬
‫ِ‬
‫ب من الّله ومأواه{؛ أي‪ :‬مقره‬ ‫إلى فئةٍ فقد باء{؛ أي‪ :‬رجع }بغض ٍ‬
‫}جهّنم وبئس المصير{‪.‬‬
‫ل على أن الفرار من الزحف من غير عذرٍ من أكبر‬ ‫وهذا يد ّ‬
‫)‪(1‬‬
‫ص هنا‬‫الكبائر؛ كما وردت بذلك الحاديث الصحيحة ‪ ،‬وكما ن ّ‬
‫‪ - 1‬كما في »صحيح البخاري« )‪ ،(2766‬ومسلم )‪ (89‬من حديث أبي‬
‫هريرة رضي الله عنه قال رسول الّله صلى الله عليه وسلم‪» :‬اجتنبوا‬
‫السبع الموبقات‪ «...‬وذكر منها التولي يوم الزحف‪.‬‬
‫على وعيده بهذا الوعيد الشديد‪ .‬ومفهوم الية أن المتحّرف‬
‫ف من جهة إلى أخرى ليكون أمكن له‬ ‫للقتال ـ وهو الذي ينحر ُ‬
‫في القتال وأنكى لعدّوه ـ فإنه ل بأس بذلك؛ لنه لم يو ّ‬
‫ل د ُب َُرهُ‬
‫ل‬‫فاّرا‪ ،‬وإنما وّلـى د ُُبره ليستعلي على عدّوه أو يأتيه من مح ّ‬
‫عه بذلك أو غير ذلك من مقاصد‬ ‫يصيب فيه ِغّرته أو ليخد ِ َ‬
‫المحاربين‪ .‬وأن المتحّيز إلى فئةٍ تمنعه وتعينه على قتال الكفار؛‬
‫ن ذلك جائٌز؛ فإن كانت الفئة في العسكر؛ فالمر في هذا‬ ‫فإ ّ‬
‫ل المعركة؛ كانهزام‬ ‫واضح‪ ،‬وإن كانت الفئة في غير مح ّ‬
‫المسلمين بين يدي الكافرين والتجائهم إلى بلد من بلدان‬
‫المسلمين أو إلى عسكرٍ آخر من عسكر المسلمين؛ فقد ورد من‬
‫ن‬
‫ل هذا يقي ّد ُ بما إذا ظ ّ‬ ‫ن هذا جائٌز‪ ،‬ولع ّ‬
‫ل على أ ّ‬ ‫آثار الصحابة ما يد ّ‬
‫ن النهزام أحمد ُ عاقبة وأبقى عليهم‪ ،‬أما إذا ظّنوا‬ ‫المسلمون أ ّ‬
‫غلبتهم للكفار في ثباتهم لقتالهم؛ فيبعد في هذه الحال أن تكون‬
‫ي‬‫ور الفرار المنه ّ‬ ‫خص فيها؛ لنه على هذا ل يتص ّ‬ ‫من الحوال المر ّ‬
‫ة‪ ،‬وسيأتي في آخر السورة تقييدها بالعدد‪.‬‬ ‫عنه‪ .‬وهذه الية مطلق ٌ‬
‫ﭽ ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ ﭝ ﭞ ﭟ ﭠ ﭡ ﭢ‬
‫ﭯ ﭰ ﭱ ﭲ ﭳ ﭴ‬ ‫ﭣﭤ ﭥ ﭦ ﭧ ﭨ ﭩ ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ‬
‫ﮇ ﮈ ﮉ‬ ‫ﭵﭶ ﭷ ﭸ ﭹ ﭺ ﭻﭼ ﭽ ﭾ ﭿ ﮀ ﮁ ﮂ ﮃ ﮄ ﮅ ﮆ‬
‫ﮊ ﮋ ﭼ‪.‬‬
‫}‪ {17‬يقول تعالى لما انهزم المشركون يوم بدرٍ وقتلهم‬
‫ن الّله‬‫وتكم‪} ،‬ولك ّ‬ ‫ن‪} :‬فلم تقُتلوهم{‪ :‬بحوِلكم وق ّ‬ ‫المسلمو َ‬
‫ت إذ ْ‬
‫دم ذكره‪} ،‬وما رمي َ‬ ‫قتلهم{‪ :‬حيث أعانكم على ذلك بما تق ّ‬
‫ي صلى الله عليه وسلم‬ ‫ن النب ّ‬ ‫ن الّله رمى{‪ :‬وذلك أ ّ‬ ‫ت ولك ّ‬ ‫رمي َ‬
‫ت القتال دخل العريش‪ ،‬وجعل يدعو الّله‪ ،‬ويناشده في نصرته‬ ‫وق َ‬
‫ة من تراب‪ ،‬فرماها في وجوه‬ ‫فن َ ً‬ ‫)‪ ، (1‬ثم خرج منه‪ ،‬فأخذ َ‬
‫ح ْ‬
‫المشركين‪ ،‬فأوصلها الّله إلى وجوههم‪ ،‬فما بقي منهم واحد ٌ إل ّ‬
‫ه وفمه وعينيه منها )‪ (2‬؛ فحينئذ انكسر حدهم‬ ‫وقد أصاب وجهَ ُ‬
‫دهم وبان فيهم الفشل والضعف فانهزموا‪ .‬يقول تعالى‬ ‫وفتر َزن ُ‬
‫ه إلى أعينهم‪ ،‬وإّنما‬ ‫ب أوصلت َ ُ‬ ‫ت الترا َ‬ ‫وتك حين رمي َ‬ ‫ت بق ّ‬‫لنبّيه‪ :‬لس َ‬
‫ن منه بلًء‬
‫ي المؤمني َ‬ ‫وتنا واقتدارنا‪} .‬وَل ِي ُب ِْلـ َ‬ ‫أوصلناه إليهم بق ّ‬
‫حسنًا{؛ أي‪ :‬إن الّله تعالى قادٌر على انتصار المؤمنين من‬
‫ن‬‫ن الله أراد أن يمتح َ‬ ‫الكافرين من دون مباشرةِ قتال‪ ،‬ولك ّ‬
‫‪ - 1‬كما في »صحيح البخاري« )‪ ،(3953‬ومسلم )‪ (1763‬عن ابن عباس‪.‬‬
‫‪ - 2‬كما في »معجم الطبراني« )‪ (11/285‬عن ابن عباس قال الهيثمي )‬
‫‪» :(6/84‬رواه الطبراني ورجاله رجال الصحيح«‪ .‬وانظر »فقه السيرة«‬
‫للغزالي )‪ (239‬فقد صححه اللباني‪.‬‬
‫صَلهم بالجهاد إلى أعلى الدرجات وأرفع المقامات‬ ‫المؤمنين ويو ِ‬
‫م{‪ :‬يسمع‬ ‫ن الّله سميعٌ علي ٌ‬ ‫ويعطيهم أجرا ً حسنا ً وثوابا ً جزي ً‬
‫ل‪} .‬إ ّ‬
‫تعالى ما أسّر به العبد وما أعلن‪ ،‬ويعلم ما في قلبه من النيات‬
‫ة لعلمه وحكمته‬ ‫در على العباد أقدارا ً موافق ً‬ ‫دها‪ ،‬فيق ّ‬ ‫الصالحة وض ّ‬
‫ومصلحة عباده‪ ،‬ويجزي كل ّ بحسب نّيته وعمله‪.‬‬
‫ن الّله موه ُ‬
‫ن كيدِ‬ ‫}‪} {18‬ذلكم{‪ :‬النصر من الّله لكم‪} ،‬وأ ّ‬
‫ل مكر وكيد يكيدون به السلم وأهله‪،‬‬ ‫فك ّ‬ ‫ضعِ ُ‬ ‫م ْ‬
‫الكافرين{؛ أي‪ُ :‬‬
‫ل مكرهم محيقا ً بهم‪.‬‬ ‫وجاع ُ‬
‫)‪(1‬‬
‫}‪} {19‬إن تستفتحوا{‪ :‬أّيها المشركون؛ أي‪ :‬تطلبون‬
‫من الّله أن يوقع بأسه وعذابه على المعتدين الظالمين‪} ،‬فقد‬
‫ح{‪ :‬حين أوقع الّله بكم من عـقـاب ِهِ ما كان َنكال ً لكم‬ ‫جاءكم الفت ُ‬
‫وعبرة ً للمتقين‪} .‬وإن تنتهوا{‪ :‬عن الستفتاح }فهو خيٌر لكم{‪:‬‬
‫ة‪} .‬وإن تعودوا{‪ :‬إلى‬ ‫ج ْ‬
‫ل لكم النقم ُ‬ ‫لّنه رّبما أمهلكم ولم ت ُعَ ّ‬
‫د{‪ :‬في نصرهم عليكم‪،‬‬ ‫الستفتاح وقتال حزب الّله المؤمنين }ن َعُ ْ‬
‫ي عنكم فئُتكم{؛ أي‪ :‬أعوانكم وأنصاركم الذين تحاربون‬ ‫}ولن ت ُغْن ِ َ‬
‫ن الله مع المؤمنين{‪ :‬ومن‬ ‫ّ‬ ‫ً‬
‫وتقاتلون معتمدين عليهم شيئا‪} .‬وأ ّ‬
‫كان الّله معه؛ فهو المنصور‪ ،‬وإن كان ضعيفا ً قليل ً عدده‪.‬‬
‫وهذه المعّية التي أخبر الّله أنه يؤّيد بها المؤمنين تكون‬
‫بحسب ما قاموا به من أعمال اليمان؛ فإذا أديل العدوّ على‬
‫المؤمنين في بعض الوقات؛ فليس ذلك إل تفريطا ً من المؤمنين‬
‫وعـدم قيام ٍ بواجب اليمان ومقتضاه‪ ،‬و إل ّ ؛ فلو قاموا بما أمر‬
‫ة انهزاما ً مـسـتقّرا ول‬ ‫ه؛ لما انهزم لهم راي ٌ‬ ‫الّله به من ك ّ‬
‫ل وج ٍ‬
‫ل عليهم عدّوهم أبدًا‪.‬‬ ‫أِدي َ‬
‫ﭽﮌ ﮍ ﮎ ﮏ ﮐ ﮑ ﮒ ﮓ ﮔ ﮕ ﮖ ﮗ ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ‬
‫ﮜ ﮝ ﮞ ﮟ ﮠ ﭼ‪.‬‬
‫}‪ {20‬لما أخبر تعالى أنه مع المؤمنين؛ أمرهم أن يقوموا‬
‫بمقتضى اليمان الذي يدركون معي َّته‪ ،‬فقال‪} :‬يا أّيها الذين آمنوا‬
‫ب نهِيهما‪} .‬ول ت َوَل ّ ْ‬
‫وا‬ ‫ه ورسوَله{‪ :‬بامتثال أم ِ‬
‫رهما واجتنا ِ‬ ‫أطيعوا الل ّ َ‬
‫عنه{؛ أي‪ :‬عن هذا المر الذي هو طاعة الّله وطاعة رسوله‪،‬‬
‫ن{‪ :‬ما ُيتلى عليكم من كتاب الّله وأوامره‬ ‫}وأنتم تسمعو َ‬
‫ووصاياه ونصائحه؛ فتوّليكم في هذه الحال من أقبح الحوال‪.‬‬
‫مْعنا وهم ل يسمعون{؛‬ ‫}‪} {21‬ول تكونوا كالذين قالوا س ِ‬
‫أي‪ :‬ل تكتفوا بمجّرد ِ الدعوى الخالية التي ل حقيقة لها؛ فإنها حالة‬

‫‪ -‬في )ب(‪» :‬تطلبوا«‪.‬‬ ‫‪1‬‬


‫ن بالتمّني والتحّلـي‪ ،‬ولكّنه‬
‫ل يرضاها الّله ول رسوله‪ ،‬فليس اليما ُ‬
‫ما وَقََر في القلوب‪ ،‬وص ّ‬
‫دقته العمال‪.‬‬
‫ﮩ ﮪ ﮫ ﮬ ﮭ ﮮﮮ ﮯ ﮰ ﮱ ﯓﯔ ﯕ‬ ‫ﭽﮡ ﮢ ﮣ ﮤ ﮥ ﮦ ﮧ ﮨ‬
‫ﯖ ﯗ ﯘ ﯙ ﯚ ﭼ‪.‬‬
‫فذ ْ‬‫ن لم ت ُ ِ‬ ‫م ْ‬
‫ب عند الله{‪َ :‬‬ ‫ن شّر الدوا ّ‬ ‫}‪ {22‬يقول تعالى‪} :‬إ ّ‬
‫م{‪ :‬عن استماع الحق‪} ،‬البكم{‪:‬‬ ‫ص ّ‬
‫فيهم اليات والنذر‪ ،‬وهم }ال ّ‬
‫ن{‪ :‬ما ينفعهم ويؤثروَنه على ما‬ ‫عن النطق به‪} ،‬الذين ل يعقلو َ‬
‫ن الّله‬
‫يضّرهم؛ فهؤلء شّر عند الّله من شرار الدواب ؛ ل ّ‬
‫(‬‫‪1‬‬‫)‬

‫أعطاهم أسماعا ً وأبصارا ً وأفئدة ليستعملوها في طاعة الّله‪،‬‬


‫فاستعملوها في معاصيه‪ ،‬وعدموا بذلك الخير الكثير؛ فإّنهم كانوا‬
‫بصدد أن يكونوا من خيار البرّية‪ ،‬فأبوا هذا الطريق‪ ،‬واختاروا‬
‫لنفسهم أن يكونوا من شّر البرّية‪ .‬والسمعُ الذين نفاه الّله عنهم‬
‫جة؛ فقد قامت‬ ‫سمعُ المعنى المؤّثر في القلب‪ ،‬وأما سمعُ الح ّ‬
‫جة الّله تعالى عليهم بما سمعوه من آياته‪.‬‬ ‫ح ّ‬
‫}‪ {23‬وإنما لم ُيسمْعهم السماع َ النافع؛ لّنه لم يعلم فيهم‬
‫صُلحون به لسماع آياته‪} .‬ولو علم الّله فيهم خيرا ً‬‫خيرا ً ي َ ْ‬
‫مَعهم{‪ :‬على الفرض والتقدير‪} ،‬ل َت َوَّلوا{‪ :‬عن‬‫مَعهم ولو أس َ‬ ‫لس َ‬
‫ن{‪ :‬ل التفات لهم إلى الحقّ بوجه من‬ ‫الطاعة }وهم معرضو َ‬
‫ل على أن الّله تعالى ل يمنع اليمان والخير إل ّ‬ ‫الوجوه‪ .‬وهذا دلي ٌ‬
‫لمن ل خير فيه الذي ل يزكو لديه ول يثمُر عنده‪ ،‬وله الحمد تعالى‬
‫والحكمة في هذا‪.‬‬
‫ﯯﯧﯧ ﯰﯧﯧ‬ ‫ﭽ ﯛ ﯜ ﯝ ﯞ ﯟ ﯠ ﯡ ﯢ ﯣ ﯤﯥ ﯦ ﯧ ﯨ ﯩ ﯪﯧﯧ ﯫﯧﯧ ﯬﯧﯧ ﯭﯧﯧ ﯮﯧﯧ‬
‫ﯱﯧﯧ ﯷ ﯷ ﯷ ﯷ ﯷ ﯷ ﯷﯷ ﯷ ﯷ ﯼ ﯽ ﯾ ﯿ ﭼ ‪.‬‬
‫}‪ {24‬يأمر تعالى عباده المؤمنين بما يقتضيه اليمان منهم‪،‬‬
‫وهو الستجابة لّله وللرسول؛ أي‪ :‬النقياد لما أمرا به والمبادرة‬
‫إلى ذلك والدعوة إليه‪ ،‬والجتناب لما نهيا عنه والنكفاف عنه‬
‫م لكل‬‫ف ملز ٌ‬ ‫والنهي عنه‪ .‬وقوله‪} :‬إذا دعاكم لما ُيحييكم{‪ :‬وص ٌ‬
‫ن لفائدته وحكمته؛ فإن حياة القلب‬ ‫ما دعا الّله ورسوله إليه وبيا ٌ‬
‫والروح بعبودّية الّله تعالى ولزوم طاعته وطاعة رسوله على‬
‫ذر عن عدم الستجابة لّله وللرسول‪ ،‬فقال‪:‬‬ ‫الدوام‪ .‬ثم ح ّ‬
‫دوا أمر‬ ‫ن الّله َيحول بين المرء وقلب ِ ِ‬
‫ه{‪ :‬فإياكم أن تر ّ‬ ‫}واعلموا أ ّ‬
‫الّله أول ما يأتيكم‪ ،‬فُيحال بينكم وبينه إذا أردتموه بعد ذلك‪،‬‬
‫ل بين المرء وقلبه؛ يقّلب القلوب‬ ‫وتختلف قلوبكم؛ فإن الّله َيحو ُ‬

‫دواب«‪.‬‬
‫‪ -‬في )ب(‪» :‬من جميع ال ّ‬ ‫‪1‬‬
‫حيث شاء‪ ،‬ويصّرفها أّنى شاء‪ ،‬فليكثرِ العبد من قول‪ :‬يا مقّلب‬
‫ف قلبي‬
‫ت قلبي على دينك‪ .‬يا مصّرف القلوب! اصر ْ‬ ‫القلوب! ثب ّ ْ‬
‫)‪(1‬‬
‫ب‬
‫إلى طاعتك ‪} .‬وأّنه إليه ُتحشرون{؛ أي‪ُ :‬تجمعون ليوم ل ري َ‬
‫فيه‪ ،‬فيجازي المحسن بإحسانه والمسيء بعصيانه‪.‬‬
‫ة{‪:‬‬ ‫ن الذين ظلموا منكم خاص ً‬ ‫ة ل ُتصيب َ ّ‬‫}‪} {25‬واّتقوا فتن ً‬
‫ظلم وغيره‪ ،‬وذلك إذا ظهر الظلم فلم يغّير؛‬ ‫بل تصيب فاعل ال ّ‬
‫م الفاعل وغيره‪ .‬وتقوى هذه الفتنة بالنهي عن‬ ‫ن عقوبته تع ّ‬ ‫فإ ّ‬
‫كنوا من المعاصي‬ ‫م ّ‬
‫المنكر وقمع أهل الشّر والفساد وأن ل ي ُ َ‬
‫ن الّله شديد ُ العقاب{‪ :‬لمن‬ ‫ظلم مهما أمكن‪} .‬واعلموا أ ّ‬ ‫وال ّ‬
‫ب رضاه‪.‬‬ ‫تعّرض لمساخط ِهِ وجان َ‬
‫ﭽﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ ﭝ ﭞ ﭟ ﭠ ﭡ ﭢ‬
‫ﭣ ﭤ ﭼ‪.‬‬
‫}‪ {26‬يقول تعالى ممتّنا على عباده في نصرهم بعد الذ ّّلة‬
‫كروا إذ أنتم قلي ٌ‬
‫ل‬ ‫قّلة وإغنائهم بعد العيلة‪} :‬واذ ُ‬ ‫وتكثيرهم بعد ال ِ‬
‫ضَعفون في الرض{؛ أي‪ :‬مقهورون تحت حكم غيركم‪،‬‬ ‫مست َ ْ‬
‫س{؛ أي‪ :‬يأخذونكم‪} ،‬فآواكم وأّيدكم‬ ‫كم النا ُ‬ ‫ف ُ‬‫خط ّ َ‬‫}تخافون أن ي َت َ َ‬
‫ً‬ ‫ّ‬
‫بنصرِهِ وَرَزَقكم من الطّيبات{‪ :‬فجعل لكم بلدا تأوون إليه‪،‬‬
‫وانتصر من أعدائكم على أيديكم‪ ،‬وغنمتم من أموالهم ما كنتم به‬
‫م‬
‫من ّت ِهِ العظيمة وإحسانه التا ّ‬ ‫ن{‪ :‬الّله على ِ‬ ‫أغنياء‪} ،‬لعّلكم تشكرو َ‬
‫بأن تعبدوه‪ ،‬ول تشركوا به شيئًا‪.‬‬
‫ﭽﭥ ﭦ ﭧ ﭨ ﭩ ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ ﭯ ﭰ ﭱ ﭲ ﭳ ﭴ ﭵ‬
‫ﭶ ﭷ ﭸ ﭹ ﭺ ﭻ ﭼ‪.‬‬
‫دوا ما ائتمنهم الّله‬
‫}‪ {27‬يأمر تعالى عباده المؤمنين أن يؤ ّ‬
‫ن المانة قد عرضها الّله على‬ ‫عليه من أوامره ونواهيه؛ فإ ّ‬
‫ن منها‬
‫ق َ‬ ‫مْلنها وأش َ‬
‫ف ْ‬ ‫ح ِ‬
‫ن أن ي َ ْ‬ ‫السماوات والرض والجبال فأب َي ْ َ‬
‫ق‬
‫دى المانة؛ استح ّ‬ ‫ل؛ فمن أ ّ‬ ‫ن إّنه كان ظلوما ً جهو ً‬ ‫وحملها النسا ُ‬
‫دها‪ ،‬بل خانها؛ استحقّ العقاب‬ ‫من الّله الثواب الجزيل‪ ،‬ومن لم يؤ ّ‬
‫الوبيل‪ ،‬وصار خائنا ً لّله وللرسول ولمانته‪ ،‬منقصا ً لنفسه بكونه‬
‫اّتصفت نفسه بأخس الصفات وأقبح الشيات‪ ،‬وهو الخيانة‪ ،‬مفوتا ً‬
‫لها أكمل الصفات وأتمها‪ ،‬وهي المانة‪.‬‬

‫‪ - 1‬كما في »المسند« )‪ ،(3/112‬والترمذي )‪ ،(2140‬وابن ماجه )‪،(3834‬‬


‫وصححه اللباني في »السنة« لبن أبي عاصم )‪ (225‬ولفظ‪» :‬يا مصرف‬
‫القلوب اصرف قلبي على طاعتك« عند مسلم )‪ (6254‬باختلف يسير‪.‬‬
‫حنا ً بأمواله وأولده‪ ،‬فربما حمله‬ ‫مت َ َ‬
‫}‪ {28‬ولما كان العبد م ْ‬
‫ه )‪ (1‬ذلك على تقديم هوى نفسه على أداء أمانته؛ أخبر الّله‬ ‫محّبت ُ‬
‫ة يبتلي الّله بهما عباده‪ ،‬وأنها عارّية‬ ‫ن الموال والولد فتن ٌ‬ ‫تعالى أ ّ‬
‫ّ‬
‫ن الله عنده أجٌر‬ ‫عها‪} .‬وأ ّ‬
‫دى لمن أعطاها وترد ّ لمن است َوْد َ َ‬ ‫ستؤ ّ‬
‫ي؛ فآِثروا فضله العظيم على ل ّ‬
‫ذة‬ ‫ل ورأ ٌ‬ ‫م{‪ :‬فإن كان لكم عق ٌ‬ ‫عظي ٌ‬
‫ن بين الشياء‪ ،‬ويؤث ُِر أولها‬ ‫ة؛ فالعاقل يوازِ ُ‬ ‫صغيرةٍ فانيةٍ مضمحل ّ ٍ‬
‫قها بالتقديم‪.‬‬
‫باليثار وأح ّ‬
‫ﭽ ﭼ ﭽ ﭾ ﭿ ﮀ ﮁ ﮂ ﮃ ﮄ ﮅ ﮆ ﮇ ﮈ ﮉﮊ ﮋ ﮌ ﮍ ﮎ‬
‫ﮏ ﭼ‪.‬‬
‫ل العبد لتقوى ربه عنوان السعادة وعلمة‬ ‫}‪ {29‬امتثا ُ‬
‫الفلح‪ ،‬وقد رّتب الّله على التقوى من خير الدنيا والخرة شيئا ً‬
‫ل‬ ‫من اّتقى الّله؛ حصل له أربع ُ‬
‫ة أشياء‪ ،‬ك ّ‬ ‫ن َ‬‫كثيرًا‪ ،‬فذكر هنا أ ّ‬
‫فرقان‪ ،‬وهو العلم‬ ‫واحد ٍ منها خيٌر من الدنيا وما فيها‪ :‬الول ‪ :‬ال ُ‬
‫والهدى الذي يفّرق به صاحبه بين الهدى والضلل والحقّ والباطل‬
‫والحلل والحرام وأهل السعادة من أهل الشقاوة‪ .‬الثاني والثالث‬
‫ل في‬ ‫‪ :‬تكفير السيئات ومغفرة الذنوب‪ ،‬وكل واحد منهما داخ ٌ‬
‫ذنوب‬ ‫سر تكفير السيئات بال ّ‬ ‫الخر عند الطلق‪ ،‬وعند الجتماع يف ّ‬
‫الصغائر‪ ،‬ومغفرة الذنوب بتكفير الكبائر‪ .‬الرابع ‪ :‬الجر العظيم‬
‫ب الجزيل لمن اّتقاه وآثر رضاه على هوى نفسه‪} .‬والّله‬ ‫والثوا ُ‬
‫ذو الفضل العظيم{‪.‬‬
‫ﮙﮚ ﮛ ﮜ ﮝﮞ ﮟ ﮠ‬ ‫ﮗ ﮘ‬ ‫ﭽﮐ ﮑ ﮒ ﮓ ﮔ ﮕ ﮖ‬
‫ﮡ ﮢ ﭼ‪.‬‬
‫ن الّله بك )‪ (2‬عليك‪،‬‬ ‫م ّ‬
‫}‪ {30‬أي‪} :‬و{ اذكر أّيها الرسول ما َ‬
‫مك ُُر بك الذين كفروا{‪ :‬حين تشاور المشركون في دار‬ ‫}إذ ي َ ْ‬
‫ي صلى الله عليه وسلم‪ :‬إما أن ي ُث ِْبتوه‬ ‫الندوة فيما يصنعون بالنب ّ‬
‫عندهم بالحبس ويوِثقوه‪ ،‬وإما أن يقتلوه فيستريحوا بزعمهم من‬
‫ل أبدى من هذه‬ ‫جلوه من ديارهم؛ فك ّ‬ ‫رجوه وُيـ ْ‬ ‫شّره! وإما أن يخ ِ‬
‫الراء رأيا ً رآه‪ ،‬فاتفق رأُيهم على رأي رآه شريرهم أبو جهل لعنه‬
‫ل قبيلةٍ من قبائل قريش فتى‪ ،‬ويعطوه‬ ‫الّله‪ ،‬وهو أن يأخذوا من ك ّ‬
‫ه في‬ ‫م ُ‬
‫د؛ ليتفّرق د ُ‬
‫ة رجل واح ٍ‬ ‫سيفا ً صارمًا‪ ،‬ويقتله الجميع ِقتل َ‬
‫ه‪ ،‬فل يقدرون على مقاومة‬ ‫م بديت ِ ِ‬‫القبائل‪ ،‬فيرضى بنو هاشم ث َ ّ‬

‫‪ -‬في )ب(‪» :‬محبة«‪.‬‬ ‫‪1‬‬

‫‪ -‬كذا في النسختين‪ .‬والصواب‪» :‬به«‪.‬‬ ‫‪2‬‬


‫)‪(1‬‬
‫صدوا للنبي صلى الله عليه وسلم في الليل‬ ‫جميع قريش ‪ ،‬فتر ّ‬
‫ج‬‫خَر َ‬‫ليوقعوا به إذا قام من فراشه‪ ،‬فجاءه الوحي من السماء‪ ،‬و َ‬
‫عليهم‪ ،‬فَذ َّر على رؤوسهم التراب وخرج‪ ،‬وأعمى الّله أبصارهم‬
‫ت وقال‪ :‬خّيبكم الّله! قد خرج‬ ‫عنه‪ ،‬حتى إذا استبطؤوه؛ جاءهم آ ٍ‬
‫ل منهم التراب ]عن[‬ ‫ب! فنفض ك ّ‬ ‫محمد ٌ وذ َّر على رؤوسكم الترا َ‬
‫ن له في الهجرة إلى‬ ‫)‪ (2‬رأسه )‪ ، (3‬ومنع الّله رسوَله منهم‪ ،‬وأذ ِ َ‬
‫المدينة‪ ،‬فهاجر إليها‪ ،‬وأّيده الّله بأصحابه المهاجرين والنصار‪،‬‬
‫ولم يزل أمره يعلو حتى دخل مكة عنوة ً وقَهََر أهلها فأذعنوا له‬
‫مهِ بعد أن خرج مستخفيا ً منهم خائفا ً على‬ ‫وصاروا تحت حك ِ‬
‫ب‪ .‬وقوله‪:‬‬ ‫نفسه؛ فسبحان اللطيف بعبده الذي ل يغالبه مغال ٌ‬
‫ﭽ ﮣ ﮤ ﮥ ﮦ ﮧ ﮨ ﮩ ﮪ ﮫ ﮬ ﮭ ﮮﮮﮯ ﮰ ﮱ ﯓ ﯔ ﯕ ﯖ ﯗ‬
‫ﯜ ﯝ ﯞ ﯟ ﯠ ﯡ ﯢ ﯣ ﯤ ﯥ ﯦ ﯧ ﯨ ﯩ ﯪﯧﯧ ﯫﯧﯧ ﯬﯧﯧ ﯭﯧﯧ ﯮﯧﯧ‬ ‫ﯘ ﯙ ﯚ ﯛ‬
‫ﯷ ﯷ ﯷ ﯷ ﯷ ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ‬ ‫ﯯﯧﯧ ﯰﯧﯧﯱﯧﯧ ﯷ ﯷ‬
‫ﭚ ﭛ ﭜ ﭝﭞ ﭟ ﭠ ﭡ ﭢ ﭣ ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ ﭼ ‪.‬‬
‫ذبين للرسول صلى‬ ‫}‪ {31‬يقول تعالى في بيان عناد المك ّ‬
‫الله عليه وسلم‪} :‬وإذا ت ُْتلى عليهم آياُتنا{‪ :‬الداّلة على صدق ما‬
‫قْلنا مثل هذا إن هذا‬ ‫مْعنا لو نشاء ل َ ُ‬‫س ِ‬
‫جاء به الرسول‪} ،‬قالوا قد َ‬
‫إل أساطيُر الّولين{‪ :‬وهذا من عنادهم وظلمهم؛ و إل ّ ؛ فقد‬
‫داهم الّله أن يأتوا بسورة من مثله‪ ،‬ويدعوا من استطاعوا من‬ ‫تح ّ‬
‫دون الّله‪ ،‬فلم يقدروا على ذلك‪ ،‬وتبيّـن عجزهم؛ فهذا القول‬
‫ذبه الواقع‪ ،‬وقد علم أنه‬ ‫الصادر من هذا القائل مجّرد دعوى ك ّ‬
‫ي‪ ،‬ل يقرأ‪ ،‬ول يكتب‪ ،‬ول رحل ليدرس‬ ‫صلى الله عليه وسلم أم ّ‬
‫من أخبار الولين‪ ،‬فأتى بهذا الكتاب الجليل الذي ل يأتيه الباطل‬
‫د‪.‬‬
‫ل من حكيم حمي ٍ‬ ‫من بين يديه ول من خلفه تنزي ٌ‬
‫م إن كان هذا{‪ :‬الذي يدعو إليه‬ ‫}‪} {32‬وإذ ْ قالوا الله ّ‬
‫د‪} ،‬هو الحقّ من عندك فأمط ِْر علينا حجارة ً من السماء أو‬ ‫محم ٌ‬
‫ب أليم{‪ :‬قالوه على وجه الجزم منهم بباطلهم‪ ،‬والجهل‬ ‫ائِتنا بعذا ٍ‬
‫بما ينبغي من الخطاب؛ فلو أّنهم إذا قاموا على باطلهم من‬
‫ن‬
‫الشبه والتمويهات ما أوجب لهم أن يكونوا على بصيرةٍ ويقي ٍ‬
‫ن كان هذا هو‬ ‫دعى أن الحقّ معه‪ :‬إ ْ‬ ‫منه قالوا لمن ناظ ََرهم وا ّ‬
‫‪ -‬في )ب(‪» :‬سائر قريش«‪.‬‬ ‫‪1‬‬

‫‪ -‬كذا في )ب( وفي ) أ (‪» :‬على رأسه«‪.‬‬ ‫‪2‬‬

‫‪ - 3‬مرسل عن محمد بن كعب القرظي‪ ،‬انظر »السيرة النبوية« للدكتور‬


‫أكرم ضياء العمري )‪ ،(1/207‬و )الطبقات( لبن سعد )‪.(1/228‬‬
‫هدنا له؛ لكان أولى لهم وأستر لظلمهم؛ فمذ‬ ‫الحقّ من عندك؛ فا ِ‬
‫علم‬ ‫م إن كان هذا هو الحقّ من عندك‪ {...‬الية؛ ُ‬ ‫قالوا‪} :‬الله ّ‬
‫بمجّرد قولهم أنهم السفهاء الغبياء الجهلة الظالمون‪.‬‬
‫}‪ {33‬فلو عاجلهم الّله بالعقاب؛ لما أبقى منهم باقي ً‬
‫ة‪،‬‬
‫ب بسبب وجود الرسول بين‬ ‫ولكّنه تعالى د َفَعَ عنهم العذا َ‬
‫أظهرهم‪ ،‬فقال‪} :‬وما كان الّله ل ِي ُعَذ َّبهم وأنت فيهم{‪ :‬فوجوده‬
‫ة لهم من العذاب‪،‬‬ ‫من َ ٌ‬
‫صلى الله عليه وسلم ]بين أظهرهم[ أ َ‬
‫وكانوا مع قولهم هذه المقالة التي يظِهرونها على رؤوس الشهاد‬
‫ن الّله‬
‫قبحها‪ ،‬فكانوا يخافون من وقوعها فيهم‪ ،‬فيستغفرو َ‬ ‫يدرون ب ُ‬
‫ن{‪:‬‬‫تعالى؛ فلهذا قال ‪} :‬وما كان الّله لي ُعَذ َّبهم وهم يستغفرو َ‬
‫(‬‫‪1‬‬‫)‬

‫ت أسباُبه‪.‬‬‫فهذا مانعٌ يمنع من وقوع العذاب بهم بعدما انعقد ْ‬


‫}‪ {34‬ثم قال‪} :‬وما لهم أن ل يعذ َّبهم الّله{؛ أي‪ :‬أيّ شيء‬
‫ب ذلك؟ وهو صد ّ الناس‬ ‫ج ُ‬ ‫يمنُعهم من عذاب الّله وقد فعلوا ما يو ِ‬
‫دهم النبي صلى الله عليه وسلم‬ ‫عن المسجد الحرام‪ ،‬خصوصا ً ص ّ‬
‫وأصحابه الذين هم أولى به منهم‪ ،‬ولهذا قال‪} :‬وما كانوا{؛ أي‪:‬‬
‫ن الضمير يعود إلى الّله؛ أي‪:‬‬ ‫المشركون‪} ،‬أولياءه{‪ُ :‬يحتمل أ ّ‬
‫أولياء الّله‪ ،‬ويحتمل أن يعود إلى المسجد الحرام؛ أي‪ :‬وما كانوا‬
‫أولى به من غيرهم‪} .‬إن أولياؤ ُه ُ إل المّتقون{‪ :‬وهم الذين آمنوا‬
‫بالّله ورسوله وأفردوا الّله بالتوحيد والعبادة وأخلصوا له الدين‪.‬‬
‫دعوا لنفسهم أمرا ً غيُرهم‬ ‫ن{‪ :‬فلذلك ا ّ‬ ‫ن أكثرهم ل يعلمو َ‬ ‫}ولك ّ‬
‫أولى به‪.‬‬
‫ﭵ‬ ‫ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ ﭯﭰ ﭱ ﭲ ﭳ ﭴ‬ ‫ﭽﭨ ﭩ‬
‫ﭶ ﭼ‪.‬‬
‫م فيه‬ ‫}‪ {35‬يعني‪ :‬أن الّله تعالى إنما جعل بيته الحرام ليقا َ‬
‫ص له فيه العبادة؛ فالمؤمنون هم الذين قاموا بهذا‬ ‫خل َ َ‬
‫ديُنه وُتـ ْ‬
‫دون عنه؛ فما كان صلُتهم‬ ‫المر‪ ،‬وأما هؤلء المشركون الذين يص ّ‬
‫ة{؛ أي‪:‬‬‫مكاًء وتصدي ً‬
‫فيه‪ ،‬التي هي أكبر أنواع العبادات }إل ّ ُ‬
‫ل الجهلة الغبياء‪ ،‬الذين ليس في قلوبهم‬ ‫صفيرا ً وتصفيقًا؛ فع َ‬
‫م لرّبهم ول معرفة بحقوقه ول احترام لفضل البقاع‬ ‫تعظي ٌ‬
‫وأشرفها؛ فإذا كانت هذه صلتهم فيه؛ فكيف ببقّية العبادات؟!‬
‫فبأيّ شيء كانوا أولى بهذا البيت من المؤمنين‪ ،‬الذين هم في‬
‫صلتهم خاشعون‪ ،‬والذين هم عن اللغو معرضون؟!‪ ...‬إلى آخر ما‬
‫وصفهم الّله به من الصفات الحميدة والفعال السديدة ل جرم‬
‫كن لهم‬ ‫كنهم منه‪ ،‬وقال ]لهم[ بعدما م ّ‬ ‫أورثهم الّله بيته الحرام وم ّ‬
‫‪ -‬في )ب(‪» :‬فيستغفرون الله‪ ،‬قال تعالى«‪.‬‬ ‫‪1‬‬
‫قَربوا‬
‫س فل ي َ ْ‬
‫ج ٌ‬
‫فيه‪} :‬يا أّيها الذين آمنوا إّنما المشركون ن َ َ‬
‫ب بما‬
‫م بعد عامهم هذا{‪ ،‬وقال هنا‪} :‬فذوقوا العذا َ‬ ‫المسجد َ الحرا َ‬
‫كنُتم تكفرون{‪.‬‬
‫ﭺ ﭻ ﭼ ﭽ ﭾ ﭿﮀ ﮁ ﮂ ﮃ ﮄ ﮅ ﮆ ﮇ ﮈ‬ ‫ﭽﭷ ﭸ ﭹ‬
‫ﮌ ﮍ ﮎ ﮏ ﮐ ﮑ ﮒ ﮓ ﮔ ﮕ ﮖ ﮗ ﮘ ﮙ‬ ‫ﮋ‬ ‫ﮉ ﮊ‬
‫ﮚ ﮛ ﮜ ﮝﮞ ﮟ ﮠ ﮡ ﮢ ﭼ ‪.‬‬
‫}‪ {36‬يقول تعالى مبينا ً لعداوة المشركين وكيدهم‬
‫ومكرهم ومبارزتهم لّله ولرسوله وسعيهم في إطفاء نوره‬
‫رهم سيعود عليهم‪ ،‬ول َيحيقُ المكر‬ ‫ل مك ِ‬ ‫ن وبا َ‬
‫ه‪ ،‬وأ ّ‬
‫وإخماد كلمت ِ ِ‬
‫دوا‬
‫ص ّ‬ ‫َ‬
‫ن الذين كفروا ينفقون أموالهم ل ِي َ ُ‬ ‫سيئ إل ّ بأهله‪ ،‬فقال‪} :‬إ ّ‬ ‫ال ّ‬
‫ل‬‫ق‪ ،‬وينصروا الباطل‪ ،‬وي َب ْط ُ َ‬
‫عن سبيل الّله{؛ أي‪ :‬ليبطلوا الح ّ‬
‫ن عبادة الوثان‪.‬‬ ‫م دي ُ‬
‫توحيد ُ الرحمن‪ ،‬ويقو َ‬
‫ف عليهم‪،‬‬ ‫خ ّ‬
‫درون هذه النفقة‪ ،‬وت َ ِ‬ ‫}فسينفقونها{؛ أي‪ :‬فسيص ِ‬
‫سكهم بالباطل‪ ،‬وشدة بغضهم للحق‪ ،‬ولكنها ستكون }عليهم‬ ‫لتم ّ‬
‫ل‪} ،‬ثم ي ُغَْلبون{‪ :‬فتذهب أموالهم‬ ‫ة وخزيا ً وذ ّ‬
‫ة{؛ أي‪ :‬ندام ً‬ ‫حسر ً‬
‫ذبون في الخرة أشد ّ العذاب‪ ،‬ولهذا قال‪} :‬والذين‬ ‫ملوا‪ ،‬ويع ّ‬‫وما أ ّ‬
‫كفروا إلى جهّنم ُيحشرون{؛ أي‪ :‬يجمعون إليها ليذوقوا عذابها‪،‬‬
‫وذلك لّنها دار الخبث والخبثاء‪.‬‬
‫ث من الطيب‪ ،‬ويجع َ‬
‫ل‬ ‫}‪ {37‬والله تعالى يريد أن َيميز الخبي َ‬
‫صه‪ ،‬فيجعل الخبيث بعضه على‬ ‫حد َةٍ وفي دار تخ ّ‬‫ل واحدةٍ على ِ‬ ‫ك ّ‬
‫ه جميعا فيجعله‬ ‫بعض من العمال والموال والشخاص‪} ،‬فَي َْرك ُ َ‬
‫م ُ‬
‫في جهنم أولئك هم الخاسرون{‪ :‬الذين خسروا أنفسهم وأهليهم‬
‫يوم القيامة‪ ،‬أل ذلك هو الخسران المبين‪.‬‬
‫ﭽ ﮣ ﮤ ﮥ ﮦ ﮧ ﮨ ﮩ ﮪ ﮫ ﮬ ﮭ ﮮﮮ ﮯ ﮰ ﮱ ﯓ ﯔ ﯕ ﯖ‬
‫ﯗ ﯘ ﯙ ﯚ ﯛ ﯜ ﯝﯞ ﯟ ﯠ ﯡ ﯢ ﯣ ﯤ ﯥ ﯦ ﯧ ﯨ ﯩ ﯪﯧﯧ ﯫﯧﯧ ﯬﯧﯧﯭﯧﯧ ﯮﯧﯧ ﯯﯧﯧ ﯰﯧﯧ‬
‫ﯱﯧﯧ ﯷ ﭼ ‪.‬‬
‫ه كفُر العباد ول‬‫}‪ {38‬هذا من لطفه تعالى بعباده؛ ل يمنعُ ُ‬
‫عوهم إلى طريق الرشاد والهدى‬ ‫استمراُرهم في العناد من أن يد ُ‬
‫ي والّردى‪ ،‬فقال‪} :‬قل للذين‬ ‫كهم من أسباب الغ ّ‬ ‫وينهاهم عما ُيـهْل ِ ُ‬
‫كفروا إن َينَتهوا{‪ :‬عن كفرهم‪ ،‬وذلك بالسلم لّله وحده ل شريك‬
‫ف{‪ :‬منهم من الجرائم‪} .‬وإن يعودوا{‪:‬‬ ‫سل َ َ‬
‫فْر لهم ما قد َ‬ ‫له‪} ،‬ي ُغْ َ‬
‫ة الولين{‪ :‬بإهلك المم‬ ‫سن ّ ُ‬
‫ت ُ‬‫رهم وعنادهم‪} ،‬فقد مض ْ‬ ‫إلى كف ِ‬
‫ل بالمعاندين؛ فسوف يأتيهم أنباُء ما‬ ‫ذبة؛ فلينتظروا ما ح ّ‬ ‫المك ّ‬
‫ذبين‪.‬‬‫ه للمك ّ‬ ‫كانوا به يستهزئون‪ .‬فهذا خطاب ُ ُ‬
‫ما خطابه للمؤمنين عندما أمرهم بمعاملة‬ ‫}‪ {39‬وأ ّ‬
‫ك وصد ّ‬ ‫ة{؛ أي‪ :‬شر ٌ‬ ‫ن فتن ٌ‬ ‫الكافرين؛ فقال‪} :‬وقاتلوهم حتى ل تكو َ‬
‫ن كّله لّله{‪:‬‬ ‫دي ُ‬ ‫عن سبيل الّله‪ ،‬ويذعنوا لحكام السلم‪} .‬ويكو َ‬
‫ن ال ّ‬
‫فهذا المقصود من القتال والجهاد لعداء الدين‪ :‬أن ي ُد ْفَعَ شّرهم‬
‫خلقَ الخلق له‪ ،‬حتى‬ ‫ب عن دين الّله الذي َ‬ ‫عن الدين‪ ،‬وأن ي ُذ َ ّ‬
‫يكون هو العالي على سائر الديان‪} .‬فإن انتهوا{‪ :‬عن ما هم‬
‫ن الّله بما يعملون بصير{‪ :‬ل تخفى عليه‬ ‫عليه من الظلم‪} ،‬فإ ّ‬
‫ة‪.‬‬
‫منهم خافي ٌ‬
‫}‪} {40‬وإن توّلوا{‪ :‬عن الطاعة‪ ،‬وأوضعوا في الضاعة‪،‬‬
‫ن الّله مولكم نعم المولى{‪ :‬الذي يتوّلـى عباده‬ ‫}فاعلموا أ ّ‬
‫سر لهم منافعهم الدينّية‬ ‫)‪(1‬‬
‫ل إليهم مصالحهم ويي ّ‬ ‫ص ُ‬ ‫المؤمنين‪ ،‬ويو ِ‬
‫جار‬‫صُرهم فيدفع عنهم كيد َ الف ّ‬ ‫والدنيوّية‪} .‬ونعم النصيُر{‪ :‬الذي ين ُ‬
‫ف عليه‪،‬‬ ‫من كان الّله موله وناصره؛ فل خو ٌ‬ ‫وتكالب الشرار‪ ،‬و َ‬
‫ن كان الّله عليه؛ فل عّز له ول قائمة له‪.‬‬ ‫م ْ‬
‫و َ‬
‫ﭽﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ ﭝ ﭞ ﭟ ﭠ ﭡ ﭢ‬
‫ﭣ ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ ﭨ ﭩ ﭪ ﭫ ﭬ ﭭﭮ ﭯ ﭰ ﭱ ﭲ ﭳ ﭴ ﭵ ﭶ‬
‫ﭷ ﭸ ﭹ ﭺ ﭻ ﭼ ﭽ ﭾﭿ ﮀ ﮁ ﮂ ﮃ ﮄﮅ ﮆ ﮇ ﮈ ﮉ ﮊ ﮋ ﮌ‬
‫ﮍ ﮎ ﮏ ﮐ ﮑ ﮒ ﮓ ﮔ ﮕﮖ ﮗ ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ ﭼ ‪.‬‬
‫}‪ {41‬يقول تعالى‪} :‬واعلموا أّنما غنمُتم من شيٍء{؛ أي‪:‬‬
‫ن لّله‬‫أخذتم من مال الكفار قهرا ً بحقّ قليل ً كان أو كثيرًا‪} ،‬فأ ّ‬
‫سه{؛ أي‪ :‬وباقيه لكم أيها الغانمون؛ لنه أضاف الغنيمة‬ ‫م َ‬
‫خـ ُ‬
‫ُ‬
‫ل على أن الباقي لهم‪ُ ،‬يقسم على‬ ‫إليهم‪ ،‬وأخرج منها خمسها‪ ،‬فد ّ‬
‫ما قسمه رسول الّله صلى الله عليه وسلم‪ :‬للراجل سه ٌ‬
‫م‪،‬‬
‫وللفارس سهمان لفرسه وسهم له‪ ،‬وأما هذا الخمس؛ فيقسم‬
‫صَرف في مصالح المسلمين‬ ‫م لّله ولرسوله ي ُ ْ‬ ‫خمسة أسهم‪ :‬سه ٌ‬
‫ن الّله جعله له ولرسوله‪ ،‬واللهّ‬ ‫العامة من غير تعيين لمصلحة؛ ل ّ‬
‫م أنه لعباد الّله؛ فإذا لم يعّين الّله له‬ ‫ورسوله غنّيان عنه‪ ،‬فعُل ِ َ‬
‫صرَِفه للمصالح العامة‪ .‬والخمس الثاني ‪:‬‬ ‫م ْ‬ ‫ل على أن َ‬ ‫مصرفًا؛ د ّ‬
‫لذي القربى‪ ،‬وهم قرابة النبي صلى الله عليه وسلم من بني‬
‫ن العلة‬‫هاشم وبني المطلب‪ ،‬وأضافه الّله إلى القرابة دليل ً على أ ّ‬
‫فيه مجّرد القرابة‪ ،‬فيستوي فيه غنّيهم وفقيرهم ذكرهم وأنثاهم‪.‬‬
‫والخمس الثالث ‪ :‬لليتامى‪ ،‬وهم الذين فقدت آباؤهم وهم صغاٌر‪،‬‬
‫ة بهم‪ ،‬حيث كانوا عاجزين عن‬ ‫س الخمس رحم ً‬ ‫م َ‬ ‫جعل الّله لهم ُ‬
‫خـ ُ‬
‫قد َ من يقوم بمصالحهم‪ .‬والخمس الرابع‬ ‫القيام بمصالحهم‪ ،‬وقد فُ ِ‬
‫سُر«‪.‬‬
‫‪ -‬في )ب(‪» :‬وت ُي َ ّ‬ ‫‪1‬‬
‫‪ :‬للمساكين؛ أي‪ :‬المحتاجين الفقراء من صغار وكبار ذكور وإناث‪.‬‬
‫والخمس الخامس ‪ :‬لبن السبيل‪ ،‬و]هو[ )‪ (1‬الغريب المنقط َعُ به‬
‫ج‬
‫في غير بلده‪ ،‬وبعض المفسرين يقول‪ :‬إن خمس الغنيمة ل يخُر ُ‬
‫عن هذه الصناف‪ ،‬ول يلزم أن يكونوا فيه على السواء‪ ،‬بل ذلك‬
‫ت َب َعٌ للمصلحة‪ ،‬وهذا هو الولى‪.‬‬
‫مس على وجهه شرطا ً لليمان‪ ،‬فقال‪:‬‬ ‫وجعل الّله أداء الـ ُ‬
‫خ ُ‬
‫دنا يوم الفرقان{‪ :‬وهو‬ ‫كنتم آمنُتم بالّله وما أنزْلنا على عب ِ‬‫}إن ُ‬
‫يوم بدٍر‪ ،‬الذي فّرق الّله به بين الحقّ والباطل‪ ،‬وأظهر الح ّ‬
‫ق‬
‫ن{‪ :‬جمع المسلمين وجمع‬ ‫وأبطل الباطل‪} .‬يوم التقى الجمعا ِ‬
‫الكافرين؛ أي‪ :‬إن كان إيماُنكم بالّله وبالحقّ الذي أنزله الّله على‬
‫رسوله يوم الفرقان الذي حصل فيه من اليات والبراهين ما د ّ‬
‫ل‬
‫ل شيء قدير{‪ :‬ل‬ ‫ق‪} .‬والّله على ك ّ‬ ‫على أن ما جاء به هو الح ّ‬
‫يغالبه أحد ٌ إل غلبه‪.‬‬
‫دنيا{؛ أي‪ :‬بعُد َْوة الوادي القريبة‬ ‫}‪} {42‬إذ أنتم بالعُد ْوَةِ ال ّ‬
‫من المدينة‪ .‬وهم بعدوته؛ أي‪ :‬جانبه البعيدة من المدينة؛ فقد‬
‫د‪} .‬والركب{‪ :‬الذي خرجُتم لطلبه‪ ،‬وأراد الّله‬ ‫جمعكم واد ٍ واح ٌ‬
‫ل منكم{‪ :‬مما يلي ساحل البحر‪} .‬ولو تواعدُتم{‪:‬‬ ‫غيره }أسف َ‬
‫أنتم وإّياهم على هذا الوصف وبهذه الحال‪} ،‬لختلفُتم في‬
‫خر أو اختيار منزل أو غير ذلك‬ ‫دم أو تـأ ّ‬ ‫الميعاِد{؛ أي‪ :‬ل بد ّ من تق ّ‬
‫ن‪ :‬الل ّ َ‬ ‫مما يعرض لكم أو لهم يصد ُُفكم عن ميعادهم ‪ .‬ولك ّ‬
‫(‬‫‪2‬‬‫)‬
‫ه‬
‫ي الله أمرا كان مفعول{؛ أي‪:‬‬ ‫ض َ‬ ‫ق ِ‬
‫جمعكم على هذه الحال‪} ،‬ل ِي َ ْ‬
‫ك عن بّينة{؛‬ ‫ن هَل َ َ‬‫م ْ‬ ‫مقدرا ً في الزل ل بد ّ من وقوعه‪} .‬ل ِي َهْل ِ َ‬
‫ك َ‬
‫جة وبّينة للمعاند‪ ،‬فيختار الكفر على بصيرة وجزم‬ ‫أي‪ :‬ليكون ح ّ‬
‫ة{؛‬ ‫ي عن بّين ٍ‬‫ح ّ‬ ‫ن َ‬ ‫م ْ‬‫ببطلنه‪ ،‬فل يبقى له عذٌر عند الّله‪} .‬ويحيا َ‬
‫أي‪ :‬يزداد المؤمن بصيرة ً ويقينا ً بما أرى الّله الطائفتين من أدّلة‬
‫الحقّ وبراهينه ما هو تذكرة لولي اللباب‪} .‬وإن الّله لسمي ٌ‬
‫ع‬
‫م{‪ :‬سميعٌ لجميع الصوات باختلف الّلغات على تفّنن‬ ‫علي ٌ‬
‫م بالظواهر والضمائر والسرائر والغيب والشهادة‪.‬‬ ‫الحاجات‪ ،‬علي ٌ‬
‫ﭽ ﮜ ﮝ ﮞ ﮟ ﮠ ﮡﮢ ﮣ ﮤ ﮥ ﮦ ﮧ ﮨ ﮩ ﮪ ﮫ ﮬﮭ ﮮﮮ ﮯ‬
‫ﮰ ﮱ ﯓ ﯔ ﯕ ﯖ ﯗ ﯘ ﯙ ﯚ ﯛ ﯜ ﯝ ﯞ ﯟ ﯠ ﯡ ﯢﯣ ﯤ ﯥ ﯦ ﯧ ﯨ‬
‫ﭼ‪.‬‬

‫‪ -‬كذا في )ب(‪ ،‬وفي ) أ (‪» :‬هم«‪ .‬والصواب ما أثبت‪.‬‬ ‫‪1‬‬

‫‪ -‬في )ب(‪» :‬عن ميعادكم«‪.‬‬ ‫‪2‬‬


‫}‪ {43‬وكان الّله قد أرى رسوَله المشركين في الرؤيا‬
‫شر بذلك أصحابه‪ ،‬فاطمأّنت قلوُبهم وثبتت‬ ‫العدو قلي ً‬
‫ل‪ ،‬فب ّ‬
‫ت بذلك أصحابك‪،‬‬ ‫ه كثيرًا{‪ :‬فأخبر َ‬ ‫كهم الل ّ ُ‬
‫أفئدتهم‪} .‬ولو أرا َ‬
‫م على‬ ‫شل ُْتم ول ََتناَزع ُْتم في المر{‪ :‬فمنكم من يرى القدا َ‬ ‫ف ِ‬‫}ل َ َ‬
‫قتالهم ومنكم من ل يرى ذلك‪ ،‬والتنازع مما يوجب الفشل )‪، (1‬‬
‫ن الّله سّلم{؛ أي‪ :‬لطف بكم‪} .‬إّنه علي ٌ‬
‫)‪(2‬‬
‫صدور{؛‬ ‫م بذات ال ّ‬ ‫}ولك ّ‬
‫ّ‬
‫جَزع وصدق وكذب‪ ،‬فعلم الله من قلوبكم‬ ‫أي‪ :‬بما فيها من ثبات و َ‬
‫ما صار سببا ً للطفه وإحسان ِهِ بكم وصدق رؤيا رسوله‪ ،‬فأرى الّله‬
‫المؤمنين عدّوهم قليل ً في أعينهم‪ ،‬ويقّللكم يا معشر المؤمنين‬
‫ل‬‫مك ّ‬ ‫قد ِ َ‬ ‫ل من الطائفتين ترى الخرى قليلة؛ ل ِت ُ ْ‬ ‫في أعينهم؛ فك ّ‬
‫ل{‪ :‬من نصر‬ ‫ه أمرا ً كان مفعو ً‬ ‫ي الل ّ ُ‬ ‫منهما على الخرى‪} .‬ليقض َ‬
‫المؤمنين‪ ،‬وخذلن الكافرين‪ ،‬وقتل قادتهم ورؤساء الضلل منهم‪،‬‬
‫دهم إذا‬ ‫سر بعد ذلك انقيا ُ‬ ‫ولم ي َب ْقَ منهم أحد ٌ له اسم يذكر‪ ،‬فيتي ّ‬
‫ن الّله‬ ‫م ّ‬ ‫دعوا إلى السلم‪ ،‬فصار أيضا ً لطفا ً بالباقين‪ ،‬الذين َ‬ ‫ُ‬
‫جعُ المور{؛ أي‪ :‬جميع أمور‬ ‫عليهم بالسلم‪} .‬وإلى الّله ت ُْر َ‬
‫م في‬ ‫ث من الطيب‪ ،‬ويحك ُ‬ ‫جعُ إلى الّله‪َ ،‬فيميُز الخبي َ‬ ‫الخلئق ت َْر ِ‬
‫ور فيه ول ظلم‪.‬‬ ‫ج ْ‬ ‫الخلئق بحكمه العادل الذي ل َ‬
‫ﭽ ﯩ ﯪﯧﯧ ﯫﯧﯧ ﯬﯧﯧ ﯭﯧﯧ ﯮﯧﯧ ﯯﯧﯧ ﯰﯧﯧ ﯱﯧﯧ ﯷ ﯷ ﯷ ﯷ ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ‬
‫ﭖ ﭗ ﭘﭙ ﭚﭛ ﭜ ﭝ ﭞ ﭟ ﭠ ﭡ ﭢ ﭣ ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ ﭨ ﭩ‬
‫ﭪ ﭫ ﭬ ﭭﭮ ﭯ ﭰ ﭱ ﭲ ﭳ ﭴ ﭵ ﭶ ﭷ ﭸ ﭹ ﭺ ﭻ ﭼ ﭽ‬
‫ﭾ ﭿ ﮀ ﮁ ﮂﮃ ﮄ ﮅ ﮆ ﮇ ﮈ ﮉ ﮊ ﮋ ﮌ ﮍ ﮎ ﮏ ﮐ ﮑ ﮒ‬
‫ﮓ ﮔ ﮕﮖ ﮗ ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ ﮜ ﮝ ﮞ ﮟ ﮠ ﮡ ﮢ ﮣ ﮤﮥ ﮦ ﮧ‬
‫ﮨ ﮩ ﮪ ﮫ ﮬ ﮭ ﮮﮮ ﭼ ‪.‬‬
‫ة{؛ أي‪:‬‬ ‫}‪ {45‬يقول تعالى‪} :‬يا أّيها الذين آمنوا إذا َلقيُتم فئ ً‬
‫ملوا الصبر‬ ‫طائفة من الكفار تقاتلكم‪} ،‬فاثُبتوا{‪ :‬لقتالها‪ ،‬واستع ِ‬
‫وحبس النفس على هذه الطاعة الكبيرة‪ ،‬التي عاقبُتها العّز‬
‫والنصر‪ ،‬واستعينوا على ذلك بالكثار من ذكر الّله‪} .‬لعّلكم‬
‫تفلحون{؛ أي‪ :‬تدركون ما تطلبون من النتصار على أعدائكم؛‬
‫كر الّله من أكبر السباب للنصر‪.‬‬ ‫فالصبُر والثبات والكثار من ذ ِ ْ‬
‫}‪} {46‬وأطيعوا الّله ورسوله{‪ :‬في استعمال ما أمرا به‬
‫والمشي خلف ذلك في جميع الحوال‪} ،‬ول تنازعوا{‪ :‬تنازعا ً‬
‫ب‬
‫ب تشُتت القلوب وتفرقها‪} ،‬فتفشلوا{؛ أي‪ :‬تجُبنوا‪} ،‬وتذه َ‬ ‫ج ُ‬‫يو ِ‬

‫‪ -‬في )ب(‪» :‬ومنكم من ل يرى ذلك‪ ،‬فوقع من الختلف والتنازع«‪.‬‬ ‫‪1‬‬

‫‪ -‬في )ب(‪» :‬فلطف«‪.‬‬ ‫‪2‬‬


‫عدتم به‬‫ل عزائمكم وُتفّرقُ قوتكم وي ُْرفَعُ ما وُ ِ‬
‫حكم{؛ أي‪ :‬تنح ّ‬ ‫ري ُ‬
‫سكم على‬ ‫من النصر على طاعة الّله ورسوله‪} ،‬واصبروا{‪ :‬نفو َ‬
‫ن الّله مع الصابرين{‪ :‬بالعون والنصر والتأييد‪.‬‬ ‫طاعة الّله‪} .‬إ ّ‬
‫}‪ {47‬واخشعوا لربكم واخضعوا له‪} ،‬ول تكونوا كالذين‬
‫دون عن سبيل الّله{؛‬ ‫خَرجوا من ديارهم بطرا ً وِرئاَء الناس ويص ّ‬ ‫َ‬
‫أي‪ :‬هذا مقصدهم الذي خرجوا إليه‪ ،‬وهذا الذي أبرزهم من‬
‫شرِ والبطر في الرض‪ ،‬وليراهم الناس ويفخروا‬ ‫دياِرهم؛ لقصد ِ ال َ‬
‫دوا عن سبيل الّله من‬ ‫لديهم‪ ،‬والمقصود العظم أنهم خرجوا ليص ّ‬
‫ط{‪ :‬فلذلك أخبركم‬ ‫أراد سلوكه‪} .‬والّله بما يعملون محي ٌ‬
‫ذركم أن تشّبهوا بهم؛ فإنه سيعاقبهم على ذلك‬ ‫بمقاصدهم‪ ،‬وح ّ‬
‫ه الّله تعالى‪،‬‬
‫دكم في خروجكم وج َ‬ ‫ن قص ُ‬ ‫أشد ّ العقوبة‪ ،‬فليك ْ‬
‫ط الّله‬
‫خ ِ‬ ‫وإعلء دين الّله‪ ،‬والصد ّ عن الطرق الموصلة إلى َ‬
‫س َ‬
‫ب الناس إلى سبيل الّله القويم الموصل لجنات‬ ‫جذ ْ َ‬
‫ه‪ ،‬و َ‬
‫وعقاب ِ ِ‬
‫النعيم‪.‬‬
‫سنها في‬ ‫ن لهم الشيطان أعمالهم{‪ :‬ح ّ‬ ‫}‪} {48‬وإذ زي ّ َ‬
‫م من الناس{‪ :‬فإنكم‬ ‫م اليو َ‬‫ب لك ُ‬ ‫قلوبهم ]وخدعهم[‪} ،‬وقال ل غال َ‬
‫في ع َد َدٍ وع ُد َد ٍ وهيئةٍ ل يقاومكم فيها محمد ٌ ومن معه‪} .‬وإني جاٌر‬
‫ن إبليس قد‬ ‫من تخشون غائلته؛ ل ّ‬ ‫لكم{‪ :‬من أن يأتيكم أحد ٌ مـ ّ‬
‫شم المدلجي‪،‬‬ ‫جعْ ُ‬‫دى لقريش في صورة سراقة بن مالك بن ُ‬ ‫تب ّ‬
‫وكانوا يخافون من بني مدلج لعداوةٍ كانت بينهم‪ ،‬فقال لهم‬
‫حْردٍ‬
‫سهم وأتوا على َ‬ ‫الشيطان‪ :‬أنا جاٌر لكم! فاطمأنت نفو ُ‬
‫ت الفئتان{‪ :‬المسلمون والكافرون‪ ،‬فرأى‬ ‫ن‪ .‬فلما }تراء ِ‬ ‫قادري َ‬
‫ل عليه السلم ي ََزع الملئكة؛ خاف خوفا ً شديدًا‪،‬‬ ‫الشيطان جبري َ‬
‫}ونكص على عقبيه{؛ أي‪ :‬ولى مدبرًا‪} ،‬وقال{‪ :‬لمن خدعهم‬
‫وغرهم‪} :‬إني بريء منكم إني أرى ما ل ترون{؛ أي‪ :‬أرى‬
‫الملئكة الذين ل يدان لحد بقتالهم؛ }إني أخاف الله{؛ أي‪:‬‬
‫جَلني بالعقوبة في الدنيا‪} ،‬والله شديد العقاب{‪.‬‬ ‫أخاف أن يعا ِ‬
‫ل لهم‪ ،‬ووسوس‬ ‫ومن المحتمل أن يكون الشيطان ]قد[ سوّ َ‬
‫ب لهم اليوم من الناس وأّنه جار لهم‪،‬‬ ‫في صدورهم أّنه ل غال َ‬
‫دهم؛ نكص عنهم‪ ،‬وتبّرأ منهم؛ كما قال تعالى‪:‬‬ ‫فلما أوردهم موارِ َ‬
‫فَر قال إّنـي بريٌء‬ ‫ما ك َ َ‬
‫فْر فل ّ‬ ‫مَثل الشيطان إذ ْ قال للنسا ِ‬
‫ن اك ُ‬ ‫}ك َ َ‬
‫ن عاقِب َت َُهما أّنهما في الناِر‬ ‫ب العالمين فكا َ‬ ‫هر ّ‬ ‫ف الل ّ َ‬‫منك إني أخا ُ‬
‫خال ِد َْين فيها وذلك جزاء الظالمين{‪.‬‬
‫ض{؛‬‫}‪} {49‬إذ يقول المنافقون والذين في قلوبهم مر ٌ‬
‫ة من ضعفاء اليمان للمؤمنين حين أقدموا مع‬ ‫أي‪ :‬ش ّ‬
‫ك وشبه ٌ‬
‫قّلتهم على قتال المشركين مع كثرتهم‪} :‬غّر هؤلء ديُنهم{؛ أي‪:‬‬
‫ن الذي هم عليه هذه الموارد التي ل يدان لهم بها ول‬ ‫أوردهم الدي ُ‬
‫ة لهم بها‪ ،‬يقولونه احتقارا ً لهم واستخفافا ً لعقولهم‪ ،‬وهم‬ ‫استطاع َ‬
‫ب لصاحبه‬ ‫ن اليمان يوج ُ‬ ‫والّله الخفاُء عقول ً الضعفاُء أحلمًا؛ فإ ّ‬
‫م عليها الجيوش العظام؛‬ ‫القدام على المور الهائلةِ التي ل يقد ِ ُ‬
‫ل ول‬ ‫كل على الّله الذي يعلم أنه ما من حو ٍ‬ ‫ن المؤمن المتو ّ‬ ‫فإ ّ‬
‫ن الخلق لو اجتمعوا‬ ‫قوةٍ ول استطاعةٍ لحد ٍ إل بالّله تعالى‪ ،‬وأ ّ‬
‫ة؛ لم ينفعوه‪ ،‬ولو اجتمعوا على‬ ‫كّلهم على نفع شخص بمثقال ذّر ٍ‬
‫أن يضّروه؛ لم يضّروه؛ إل بشيٍء قد كتبه الّله عليه‪ ،‬وعلم أّنه‬
‫دره وقضاه؛‬ ‫ل ما ق ّ‬‫م في ك ّ‬ ‫م رحي ٌ‬ ‫ق‪ ،‬وأن الّله تعالى حكي ٌ‬ ‫على الح ّ‬
‫ً‬
‫ة‪ ،‬وكان واثقا برّبه‬ ‫فإّنه ل يبالي بما أقدم عليه من قوّةٍ وكثر ٍ‬
‫ل على‬ ‫مطمئن القلب ل فزعا ً ول جبانًا‪ ،‬ولهذا قال‪} :‬ومن يتوك ّ ْ‬
‫م{‪ :‬فيما قضاه‬ ‫ة‪} .‬حكي ٌ‬ ‫ب قوَته قو ٌ‬ ‫ن الّله عزيٌز{‪ :‬ل يغال ِ ُ‬‫الّله فإ ّ‬
‫وأجراه‪.‬‬
‫ﭽ ﮯ ﮰ ﮱ ﯓ ﯔ ﯕﯖ ﯗ ﯘ ﯙ ﯚ ﯛ ﯜ ﯝ ﯞ ﯟ ﯠ ﯡ ﯢ ﯣ‬
‫ﯷ ﯷ ﯷ ﯷ ﯷﯷ ﯷ ﯷ ﯷ‬ ‫ﯤ ﯥ ﯦ ﯧ ﯨ ﯩ ﯪﯧﯧ ﯫﯧﯧﯬﯧﯧ ﯭﯧﯧ ﯮﯧﯧ ﯯﯧﯧﯰﯧﯧ ﯱﯧﯧ‬
‫ﯷ ﯼ ﯽ ﭼ‪.‬‬
‫}‪ {50‬يقول تعالى‪} :‬ولو ترى{‪ :‬الذين كفروا بآيات الّله‬
‫ة الموكلون بقبض أرواحهم وقد اشتد بهم‬ ‫حين توّفاهم الملئك ُ‬
‫ههم وأدباَرهم{‪:‬‬ ‫ربون وجو َ‬‫القلق وعظم كربهم والملئكة }يض ِ‬
‫)‪(1‬‬
‫صية على‬ ‫سهم متمّنعة متع ّ‬‫يقولون لهم‪ :‬أخرجوا أنفسكم! ونفو ُ‬
‫الخروج؛ لعلمها ما أمامها من العذاب الليم‪ .‬ولهذا قال‪} :‬وذوقوا‬
‫ب الحريق{؛ أي‪ :‬العذاب الشديد المحرق‪.‬‬ ‫عذا َ‬
‫}‪ {51‬ذلك العذاب حصل لكم غير ظلم ول جور من ربكم‪،‬‬
‫دمت أيديكم من المعاصي التي أثرت لكم ما‬ ‫وإنما هو بما ق ّ‬
‫أثرت‪.‬‬
‫ن دأب‬ ‫}‪ {52‬وهذه سنة الّله في الولين والخرين؛ فإ ّ‬
‫ذبين؛ أي‪ :‬سنتهم وما أجرى الّله عليهم من الهلك‬ ‫هؤلء المك ّ‬
‫بذنوبهم‪} ،‬كدأب آل فرعون والذين من قبلهم{‪ :‬من المم‬
‫ذهم الّله{‪ :‬بالعقاب }بذنوبهم إ ّ‬
‫ن‬ ‫خ َ‬ ‫ت الّله فأ َ‬ ‫المكذبة‪} ،‬كفروا بآيا ِ‬
‫ة‬
‫جُزه أحد ٌ يريد أخذه‪} .‬ما من داب ّ ٍ‬ ‫الّله قويّ شديد العقاب{‪ :‬ل يع ِ‬
‫إل هو آخذ ٌ بناصيتها{‪.‬‬

‫‪ -‬في )ب(‪» :‬مستعصية«‪.‬‬ ‫‪1‬‬


‫ﭽ ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ ﭝ ﭞﭟ ﭠ ﭡ ﭢ‬
‫ﭮ ﭯ ﭰ ﭱ ﭲ ﭳ ﭴﭵ ﭶ‬ ‫ﭣ ﭤ ﭥ ﭦ ﭧﭨ ﭩ ﭪ ﭫﭬ ﭭ‬
‫ﭸ ﭹ ﭼ‪.‬‬ ‫ﭷ‬
‫)‪(1‬‬
‫}‪} {53‬ذلك{‪ :‬العذاب الذي أوقعه الّله بالمم المك ّ‬
‫ذبة‬
‫وأزال عنهم ما هم فيه من الّنعم والنعيم بسبب ذنوبهم وتغييرهم‬
‫ة أنعمها على قوم{‪:‬‬ ‫ن }الّله لم يكن مغّيرا ً نعم ً‬‫ما بأنفسهم‪ ،‬فإ ّ‬
‫دهم منها إن ازدادوا له‬ ‫دنيا‪ ،‬بل يبقيها ويزي ُ‬
‫دين وال ّ‬‫من نعم ال ّ‬
‫شكرًا‪} ،‬حتى يغّيروا ما بأنفسهم{‪ :‬من الطاعة إلى المعصية‪،‬‬
‫دلوا بها كفرًا‪ ،‬فيسل ُُبهم إّياها ويغّيرها عليهم‬‫فيكفروا نعمة الّله‪ ،‬ويب ّ‬
‫كما غيروا ما بأنفسهم‪ ،‬ولّله الحكمة في ذلك والعدل والحسان‬
‫ب قلوب‬ ‫جذ َ َ‬
‫ظلمهم‪ ،‬وحيث َ‬ ‫إلى عباده )‪ (2‬؛ حيث لم يعاقبهم إل ّ ب ُ‬
‫ن الّله‬‫أوليائه إليه بما يذيقُ العباد من الّنكال إذا خالفوا أمره‪} .‬وأ ّ‬
‫م{‪ :‬يسمع جميعَ ما نطق به الناطقون‪ ،‬سواٌء من أسّر‬ ‫سميعٌ علي ٌ‬
‫القول ومن جهر به‪ .‬ويعلم ما تنطوي عليه الضمائُر وتخفيه‬
‫ه‪ ،‬وجرت‬ ‫م ُ‬
‫السرائُر‪ ،‬فُيجري على عباده من القدار ما اقتضاه عل ُ‬
‫ه‪.‬‬
‫به مشيئت ُ ُ‬
‫}‪} {54‬كدأب آل فرعون{؛ أي‪ :‬فرعون وقومه‪} ،‬والذين‬
‫ذبوا بآيات رّبهم{‪ :‬حين جاءتهم‪} ،‬فأهْل َ ْ‬
‫كناهم‬ ‫من قبلهم ك ّ‬
‫ل{‪ :‬من‬ ‫ل فرعون وك ّ‬ ‫ذنوبهم{‪ :‬كل بحسب جرمه‪} ،‬وأغ َْرقنا آ َ‬ ‫ب ُ‬
‫ذبين }كانوا ظالمين{‪ :‬لنفسهم ساعين في‬ ‫المهَلكين المع ّ‬
‫جرم اقترفوه؛ فليحذِر‬ ‫ذهم بغير ُ‬ ‫م الّله ول أ َ‬
‫خ َ‬ ‫مهُ ُ‬
‫هلكها‪ ،‬لم يظل ْ‬
‫ل الّله بهم من عقابه‬ ‫ح ّ‬‫طبون أن يشابهوهم في الظلم‪ ،‬في ُ ِ‬ ‫المخا َ‬
‫ل بأولئك الفاسقين‪.‬‬ ‫ما أح ّ‬
‫ﮁ ﮂ ﮃ ﮄ ﮅ ﮆ ﮇ ﮈ ﮉ ﮊ ﮋ‬ ‫ﭽﭺ ﭻ ﭼ ﭽ ﭾ ﭿ ﮀ‬
‫ﮌ ﮍ ﮎ ﮏ ﮐ ﮑ ﮒ ﮓ ﮔ ﮕ ﮖ ﮗ ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ ﮜ ﭼ ‪.‬‬
‫)‪(3‬‬

‫ل الثلث ـ الكفر‬ ‫}‪ 55‬ـ ‪ {56‬هؤلء الذين جمعوا هذه الخصا َ‬


‫وعدم اليمان والخيانة ـ بحيث ل يثُبتون على عهد ٍ عاهدوه ول‬
‫ب عند الّله{‪ :‬فهم شّر من الحمير‬‫قول قالوه هم }شّر الدوا ّ‬
‫ن الخير معدوم منهم‪ ،‬والشّر متوّقع فيهم‪.‬‬ ‫والكلب وغيرها؛ ل ّ‬

‫‪ -‬في )ب(‪» :‬المكذبين«‪.‬‬ ‫‪1‬‬

‫‪ -‬في )ب(‪» :‬على عباده«‪.‬‬ ‫‪2‬‬

‫‪ -‬في النسختين‪» :‬يتقون«‪.‬‬ ‫‪3‬‬


‫قهم هو المتعّين؛ لئل ّ يسري‬ ‫ب هؤلء ومح ُ‬ ‫}‪ {57‬فإ ْ‬
‫ذها ُ‬
‫ب{؛ أي‪:‬‬ ‫فن ُّهم في الحر ِ‬ ‫ما ت َث ْ َ‬
‫ق َ‬ ‫داؤهم لغيرهم‪ ،‬ولهذا قال‪} :‬فإ ّ‬
‫ق‪.‬‬
‫تجدّنهم في حال المحاربة؛ بحيث ل يكون لهم عهد ٌ وميثا ٌ‬
‫كل بهم غيرهم‪ ،‬وأوقِعْ بهم من‬ ‫فهم{؛ أي‪ :‬ن ّ‬ ‫ن خل َ‬‫م ْ‬
‫شّرد ْ بهم َ‬‫}ف َ‬
‫العقوبة ما يصيرون عبرة ً لمن بعدهم‪} ،‬لعّلهم{؛ أي‪ :‬من‬
‫(‬‫‪1‬‬‫)‬

‫خلفهم ]يتقون[ )‪ (2‬صنيعهم؛ لئل ّ يصيبهم ما أصابهم‪ .‬وهذه من‬


‫ب‬‫فوائد العقوبات والحدود المرّتبة على المعاصي أنها سب ٌ‬
‫لزدجار من لم يعمل المعاصي بل وزجرا ً لمن عملها أن ل‬
‫ن الكافر ولو كان‬ ‫دها‪ .‬ودل تقييد ُ هذه العقوبة في الحرب أ ّ‬ ‫يعاوِ َ‬
‫ً‬
‫ي عهدا؛ ل يجوز خيانته‬ ‫ُ‬
‫كثير الخيانة سريع الغدر؛ أنه إذا أع ْط ِ َ‬
‫وعقوبته‪.‬‬
‫ﮬ ﭼ‪.‬‬ ‫ﮤ ﮥﮦ ﮧ ﮨ ﮩ ﮪ ﮫ‬ ‫ﮠ ﮡ ﮢ ﮣ‬ ‫ﭽﮝ ﮞ ﮟ‬
‫}‪ {58‬أي‪ :‬وإذا كان بينك وبين قوم عهد ٌ وميثاقٌ على ترك‬
‫ل‬‫ة؛ بأن ظهر من قرائن أحوالهم ما يد ّ‬ ‫ت منهم خيان ً‬ ‫القتال‪ ،‬فخف َ‬
‫على خيانتهم من غير تصريح منهم بالخيانة‪} .‬فانب ِذ ْ إليهم{‪:‬‬
‫دهم؛ أي‪ :‬ارمه عليهم‪ ،‬وأخبرهم أّنه ل عهد َ بينك وبينهم }على‬ ‫عه َ‬
‫ل لك أن‬ ‫مهم بذلك‪ ،‬ول يح ّ‬ ‫مك وعل ُ‬ ‫سواٍء{؛ أي‪ :‬حتى يستوي عل ُ‬
‫ب العهد ِ حتى تخبرهم‬ ‫ه موج ُ‬ ‫من َعَ ُ‬
‫تغدرهم أو تسعى في شيء مما َ‬
‫ضهم أشد ّ البغض؛ فـل‬ ‫ب الخائنين{‪ :‬بل ي ُب ْغِ ُ‬ ‫ح ّ‬‫ن الّله ل ي ُ ِ‬ ‫بذلك‪} .‬إ ّ‬
‫ن يبرئكم من الخيانة‪ .‬ودّلت الية على أنه إذا‬ ‫بـد ّ من أمرٍ بي ّ ٍ‬
‫)‪(3‬‬
‫وجدت الخيانة ]المحققة[ منهم؛ لم يحتج أن ينبذ إليهم‬
‫م ذلك‪ ،‬ولعدم الفائدة‪ ،‬ولقوله‪:‬‬ ‫ف منهم‪ ،‬بل ع ُل ِ َ‬ ‫دهم؛ لّنه لم يخ َ‬ ‫عه َ‬
‫}على سواٍء{‪ ،‬وهنا قد كان معلوما ً عند الجميع غدُركم‪ .‬ود ّ‬
‫ل‬
‫ن لم يوجد ْ منهم ما‬ ‫ة؛ بأ ْ‬‫ف منهم خيان ً‬ ‫مها أيضا ً أنه إذا لم يخ ْ‬ ‫مفهو ُ‬
‫ل على ذلك؛ أّنه ل يجوز نبذ العهد إليهم‪ ،‬بل يجب الوفاء ]به[‬ ‫يد ّ‬
‫م مدُته‪.‬‬ ‫إلى أن تت ّ‬
‫ﯖ ﯗ ﭼ‪.‬‬ ‫ﮱﯓ ﯔ ﯕ‬ ‫ﭽ ﮭ ﮮﮮ ﮯ ﮰ‬
‫}‪ {59‬أي‪ :‬ل يحسب الكافرون برّبهم المك ّ‬
‫ذبون بآياته أنهم‬
‫سبقوا الّله وفاتوه؛ فإنهم ل يعجزونه‪ ،‬والّله لهم بالمرصاد‪ ،‬وله‬
‫تعالى الحكمة البالغة في إمهالهم وعدم معاجلتهم بالعقوبة‪ ،‬التي‬

‫‪ -‬كذا في النسختين وفي ) أ ( زيادة »به« بخط مغاير فوق السطر‪.‬‬ ‫‪1‬‬

‫‪ -‬كذا في النسختين‪.‬‬ ‫‪2‬‬

‫‪ -‬كذا في )ب(‪ .‬وفي ) أ (‪» :‬المحقة«‪.‬‬ ‫‪3‬‬


‫من جملتها ابتلء عباده المؤمنين وامتحاُنهم وتزّودهم من طاعته‬
‫ومراضيه ما يصلون به إلى المنازل العالية واتصاُفهم بأخلق‬
‫وصفات لم يكونوا بغيره بالغيها؛ فلهذا قال لعباده المؤمنين‪:‬‬
‫ﭽ ﯘ ﯙ ﯚ ﯛ ﯜ ﯝ ﯞ ﯟ ﯠ ﯡ ﯢ ﯣ ﯤ ﯥ ﯦ ﯧ ﯨ ﯩ ﯪﯧﯧ ﯫﯧﯧ ﯬﯧﯧﯭﯧﯧ ﯮﯧﯧ‬
‫ﯯﯧﯧ ﯰﯧﯧ ﯱﯧﯧ ﯷ ﯷ ﯷ ﯷ ﯷ ﯷ ﯷ ﯷ ﯷ ﭼ ‪.‬‬
‫دوا{‪ :‬لعدائكم الكفار الساعين في‬ ‫}‪ {60‬أي‪} :‬وأع ّ‬
‫ة{؛ أي‪ :‬كل ما‬ ‫هلككم وإبطال دينكم‪} ،‬ما استطعُتم من قوّ ٍ‬
‫وة العقلّية والبدنّية وأنواع السلحة ونحو ذلك‬ ‫تقدرون عليه من الق ّ‬
‫مما يعين على قتالهم‪ ،‬فدخل في ذلك أنواع الصناعات التي‬
‫ف السلحة واللت من المدافع والرشاشات‬ ‫ُتعمل فيها أصنا ُ‬
‫والبنادق والطيارات الجوّية والمراكب البرّية والبحرّية‬
‫]والحصون[ والقلع والخنادق وآلت الدفاع والرأي والسياسة‬
‫دم المسلمون ويندفعُ عنهم به شّر أعدائهم وتعّلم‬ ‫التي بها يتق ّ‬
‫الرمي والشجاعة والتدبير‪ ،‬ولهذا قال النبي صلى الله عليه‬
‫وة الرمي« )‪ . (1‬ومن ذلك الستعداد بالمراكب‬ ‫ن الق ّ‬
‫وسلم‪» :‬أل إ ّ‬
‫من ِرباط الخيل‬ ‫المحتاج إليها عند القتال‪ ،‬ولهذا قال تعالى‪} :‬و ِ‬
‫ن به عدوّ الّله وعدّوكم{‪ :‬وهذه العلة موجودة ٌ فيها في ذلك‬ ‫هبو َ‬ ‫ُتر ِ‬
‫م يدور مع عّلته؛ فإذا كان‬ ‫الزمان‪ ،‬وهي إرهاب العداء‪ .‬والحك ُ‬
‫موجودا ً شيء )‪ (2‬أكثر إرهابا ً منها ـ كالسيارات البرّية والهوائّية‬
‫دة للقتال التي تكون النكاية فيها أشد؛ كانت مأمورا ً‬ ‫الـمع ّ‬
‫بالستعداد بها والسعي لتحصيلها‪ ،‬حتى إنها إذا لم توجد إل بتعّلم‬
‫م الواجب إل به فهو واجب‪.‬‬ ‫ن ما ل يت ّ‬
‫الصناعة؛ وجب ذلك؛ ل ّ‬
‫ن به عدوّ الل ّهِ وعدّوكم{‪ :‬ممن تعلمون أنهم‬ ‫هبو َ‬‫وقوله‪} :‬ت ُْر ِ‬
‫من سيقاتلونكم‬ ‫من دونهم ل تعلموَنهم{‪ :‬م ّ‬ ‫أعداؤكم‪} ،‬وآخرين ِ‬
‫مهم{‪ :‬فلذلك‬ ‫بعد هذا الوقت الذي يخاطبهم الّله به‪} ،‬الّله يعل ُ‬
‫ل‬‫أمرهم بالستعداد لهم‪ .‬ومن أعظم ما ُيعين على قتالهم بذ ُ‬
‫النفقات المالية في جهاد الكفار‪ ،‬ولهذا قال تعالى مرغبا ً في‬
‫ذلك‪} :‬وما تنفقوا من شيٍء في سبيل الّله{‪ :‬قليل ً كان أو كثيرًا‪،‬‬
‫ف إليكم{‪ :‬أجره يوم القيامة مضاعفا ً أضعافا ً كثيرة‪ ،‬حتى إن‬ ‫}يو ّ‬
‫النفقة في سبيل الّله تضاعف إلى سبعمائة ضعف إلى أضعاف‬
‫قصون من أجرها وثوابها‬ ‫كثيرة‪} ،‬وأنتم ل ُتظلمون{؛ أي‪ :‬ل ت ُن ْ َ‬
‫شيئًا‪.‬‬

‫‪ -‬أخرجه مسلم )‪ (1917‬عن عقبة بن عامر‪.‬‬ ‫‪1‬‬

‫‪ -‬في )ب(‪» :‬شيئًا«؟ وعدلت في ) أ (‪» :‬شيء« بخط مغاير‪.‬‬ ‫‪2‬‬


‫ﭽ ﯷ ﯼ ﯽ ﯾ ﯿ ﯷ ﯷ ﯷ ﯷﯷ ﯷ ﯷ ﯷ ﰈ ﰉ ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ‬
‫ﭕ ﭖ ﭗﭘ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ ﭝ ﭞ ﭟ ﭠ ﭡﭢ ﭣ ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ ﭨ ﭩ‬
‫ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ ﭯ ﭰﭱ ﭲ ﭳ ﭴ ﭵ ﭶ ﭷ ﭸ ﭹ ﭺ ﭻ ﭼ ﭽ‬
‫ﭾ ﭼ‪.‬‬
‫}‪ {61‬يقول تعالى }وإن جنحوا{؛ أي‪ :‬الكفار المحاربون؛‬
‫سْلم؛ أي‪ :‬الصلح وترك القتال‪} ،‬فاجن ْ‬
‫ح لها‬ ‫أي‪ :‬مالوا إلى ال ّ‬
‫ل على الّله{؛ أي‪ :‬أجبهم إلى ما طلبوا متوكل ً على رّبك؛‬ ‫وتوك ّ ْ‬
‫بك ّ‬
‫ل‬ ‫ة‪ :‬منها ‪ :‬أن طلب العافية مطلو ٌ‬ ‫ن في ذلك فوائد كثير ً‬ ‫فإ ّ‬
‫وقت؛ فإذا كانوا هم المبتدئين في ذلك؛ كان أولى لجابتهم‪.‬‬
‫قواكم واستعدادا ً منكم لقتالهم‬ ‫ومنها ‪ :‬أن في ذلك إجماما ً ل ِ ُ‬
‫في وقت آخر إن احتيج إلى ذلك )‪ . (1‬ومنها ‪ :‬أّنكم إذا أصلحُتم‬
‫ل من معرفة ما عليه الخر؛ فإن‬ ‫كن ك ّ‬‫وأمن بعضكم بعضا ً وتم ّ‬
‫ل وبصيرة إذا كان‬ ‫من له عق ٌ‬ ‫ل َ‬ ‫السلم يعلو ول ُيعلى عليه؛ فك ّ‬
‫ف؛ فل بد ّ أن يؤثره على غيره من الديان؛ لحسنه في‬ ‫معه إنصا ٌ‬
‫أوامره ونواهيه‪ ،‬وحسنه في معاملته للخلق والعدل فيهم‪ .‬وأنه ل‬
‫جور فيه ول ظلم بوجه؛ فحينئذ يكثر الراغبون فيه والمّتبعون له‪،‬‬
‫فصار هذا السلم عونا ً للمسلمين على الكافرين‪.‬‬
‫صلة واحدة‪ ،‬وهي أن‬ ‫خ ْ‬ ‫}‪ 62‬ـ ‪ {63‬ول ُيخاف من السلم إل َ‬
‫دع المسلمين وانتهاز الفرصة فيهم‪،‬‬ ‫خ ْ‬‫يكون الكفار قصدهم بذلك َ‬
‫ن ذلك يعود عليهم‬ ‫فأخبرهم الّله أّنه حسُبهم وكافيهم خداعهم‪ ،‬وأ ّ‬
‫ن حسَبك الّله{؛ أي‪:‬‬ ‫دعوك فإ ّ‬ ‫خ َ‬
‫ضرره‪ ،‬فقال‪} :‬وإن يريدوا أن َيـ ْ‬
‫ماتك؛ فقد سبق لك‬ ‫كافيك ما يؤذيك‪ ،‬وهو القائم بمصالحك ومه ّ‬
‫َ‬
‫ن به قلبك‪ ،‬فَلهُوَ }الذي أّيدك‬ ‫من كفايته لك ونصره ما يطمئ ّ‬
‫بنصره وبالمؤمنين{؛ أي‪ :‬أعانك بمعونة سماوّية‪ ،‬وهو النصر منه‬
‫الذي ل يقاومه شيء‪ ،‬ومعونة بالمؤمنين بأن قّيضهم لنصرك‪،‬‬
‫وتهم بسبب‬ ‫}وأّلف بين قلوبهم{‪ :‬فاجتمعوا‪ ،‬وائتلفوا‪ ،‬وازدادت ق ّ‬
‫وة الّله‪ ،‬فلو‬‫وة غير ق ّ‬ ‫د‪ ،‬ول بق ّ‬‫اجتماعهم‪ ،‬ولم يكن هذا بسعي أح ٍ‬
‫ب وفضة وغيرهما‬ ‫}أنفقت ما في الرض جميعًا{‪ :‬من ذه ٍ‬
‫ت بين‬ ‫لتأليفهم بعد تلك النفرة والفرقة الشديدة‪} ،‬ما أل ّ ْ‬
‫ف َ‬
‫قلوبهم{‪ :‬لنه ل يقدر على تقليب القلوب إل الّله تعالى‪} .‬ولك ّ‬
‫ن‬
‫م{‪ :‬ومن عّزته أن أّلف بين قلوبهم‬ ‫الّله أّلف بينهم إّنه عزيٌز حكي ٌ‬
‫كروا نعمة الّله عليكم إذ‬ ‫وجمعها بعد الفرقة؛ كما قال تعالى‪} :‬واذ ُ‬
‫كم فأصبحُتم بنعمت ِهِ إخوانا ً وكنُتم على‬ ‫كنُتم أعداًء فأل ّ َ‬
‫ف بين قلوب ِ ُ‬
‫فَرةٍ من النار فأنقذكم منها{‪.‬‬ ‫ح ْ‬
‫شفا ُ‬
‫‪ -‬في )ب(‪» :‬احتيج لذلك«‪.‬‬ ‫‪1‬‬
‫ي حسبك الّله{؛ أي‪:‬‬ ‫}‪ {64‬ثم قال تعالى‪} :‬يا أيها النب ّ‬
‫كافيك‪} ،‬ومن اّتبعك من المؤمنين{؛ أي‪ :‬وكافي أتباعك من‬
‫المؤمنين‪ .‬وهذا وعد ٌ من الّله لعباده المؤمنين المّتبعين لرسوله‬
‫بالكفاية والنصرة على العداء؛ فإذا أتوا بالسبب الذي هو اليمان‬
‫مهم من أمور الدين والدنيا‪ ،‬وإنما‬ ‫فَيهم ما أه ّ‬
‫والتباع؛ فل بد ّ أن يك ِ‬
‫تتخّلف الكفاية بتخّلف شرطها‪.‬‬
‫ﭽ ﭿ ﮀ ﮁ ﮂ ﮃ ﮄﮅ ﮆ ﮇ ﮈ ﮉ ﮊ ﮋ ﮌﮍ ﮎ ﮏ ﮐ ﮑ ﮒ‬
‫ﮗ ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ ﮜ ﮝ ﮞ ﮟ ﮠ ﮡ ﮢ ﮣﮤ ﮥ‬ ‫ﮓ ﮔ ﮕ ﮖ‬
‫ﮦ ﮧ ﮨ ﮩ ﮪ ﮫﮬ ﮭ ﮮﮮ ﮯ ﮰ ﮱ ﯓ ﯔ ﯕﯖ ﯗ ﯘ ﯙ ﯚ ﭼ ‪.‬‬
‫}‪ {65‬يقول تعالى لنبيه صلى الله عليه وسلم‪} :‬يا أّيها‬
‫ضهم إليه بكل‬ ‫حّثهم ونهّ ْ‬ ‫ي حّرض المؤمنين على القتال{؛ أي‪ُ :‬‬ ‫النب ّ‬
‫وي عزائمهم وينشط هممهم؛ من الترغيب في الجهاد‬ ‫ما يق ّ‬
‫ومقارعة العداء‪ ،‬والترهيب من ضد ّ ذلك‪ ،‬وذكر فضائل الشجاعة‬
‫والصبر‪ ،‬وما يترّتب على ذلك من خير الدنيا والخرة‪ ،‬وذكر مضاّر‬
‫الجبن‪ ،‬وأنه من الخلق الرذيلة المنقصة للدين والمروءة‪ ،‬وأن‬
‫ن فإّنهم‬ ‫الشجاعة بالمؤمنين أولى من غيرهم‪} ،‬إن تكونوا تأَلمو َ‬
‫ن من الّله ما ل يرجون{‪} .‬إن يكن‬ ‫ن وترجو َ‬ ‫ن كما تأَلمو َ‬ ‫يأَلمو َ‬
‫منكم{‪ :‬أيها المؤمنون‪} ،‬عشرون صابرون يغلبوا مائتين وإن يكن‬
‫ة يغلبوا ألفا ً من الذين كفروا{‪ :‬يكون الواحد بنسبة‬ ‫كم مائ ٌ‬ ‫من ُ‬
‫م ل يفقهون{؛ أي‪ :‬ل‬ ‫ن الكفار }قو ٌ‬
‫عشرة من الكفار‪ ،‬وذلك بأ ّ‬
‫علم عندهم بما أعد ّ الّله للمجاهدين في سبيله؛ فهم يقاتلون‬
‫لجل العلوّ في الرض والفساد فيها‪ ،‬وأنتم تفقهون المقصود من‬
‫ب عن كتاب الّله‬ ‫القتال أّنه لعلء كلمة الّله‪ ،‬وإظهار دينه‪ ،‬والذ ّ‬
‫وحصول الفوز الكبر عند الّله‪ ،‬وهذه كّلها دواٍع للشجاعة والصبر‬
‫والقدام على القتال‪.‬‬
‫م إن هذا الحكم خففه الّله على العباد‪ ،‬فقال‪:‬‬ ‫}‪ {66‬ث ُ ّ‬
‫فف الّله عنكم وعلم أن فيكم ضعفًا{‪ :‬فلذلك اقتضت‬ ‫}الن خ ّ‬
‫ة صابرة ٌ يغلبوا‬ ‫رحمته وحكمته التخفيف‪} .‬فإن يكن منكم مائ ٌ‬
‫ّ‬ ‫ّ‬
‫ف يغلبوا ألفين بإذن الله والله مع‬ ‫مائتين وإن يكن منكم أل ٌ‬
‫الصابرين{‪ :‬بعونه وتأييده‪.‬‬

‫وهذه اليات صورتها صورة الخبار عن المؤمنين بأنهم إذا‬


‫بلغوا هذا المقدار الـمعيّـن يغلبون ذلك المقدار الـمعيّـن‪ ،‬في‬
‫ن عليهم بما جعل فيهم من‬ ‫مقابلته من الكفار‪ ،‬وأن الّله يمت ّ‬
‫ن الّله أمر‬
‫ن معناها وحقيقتها المر‪ ،‬وأ ّ‬ ‫الشجاعة اليمانية‪ ،‬ولك ّ‬
‫المؤمنين في أول المر أن الواحد ل يجوز له أن يفّر من العشرة‬
‫فف ذلك‪،‬‬ ‫ن الّله خ ّ‬
‫والعشرة من المائة والمائة من اللف‪ ،‬ثم إ ّ‬
‫فصار ل يجوز فرار المسلمين من مثليهم من الكفار؛ فإن زادوا‬
‫على مثليهم؛ جاز لهم الفرار‪.‬‬
‫ولكن يرِد ُ على هذا أمران‪:‬‬
‫أحدهما ‪ :‬أنها بصورة الخبر‪ ،‬والصل في الخبر أن يكون‬
‫ن المقصود بذلك المتنان والخبار بالواقع‪.‬‬ ‫على بابه‪ ،‬وأ ّ‬
‫والثاني ‪ :‬تقييد ُ ذلك العدد أن يكونوا صابرين؛ بأن يكونوا‬
‫متدّربين على الصبر‪ ،‬ومفهوم هذا أّنهم إذا لم يكونوا صابرين؛‬
‫ب على ظّنهم‬ ‫فإنه يجوز لهم الفرار‪ ،‬ولو أقل من مثليهم‪ ،‬إذا غ َل َ َ‬
‫الضرر؛ كما تقتضيه الحكمة اللهية‪.‬‬
‫فف الّله عنكم‪ {...‬إلى‬ ‫ن قوله‪} :‬الن خ ّ‬ ‫ويجاب عن الول بأ ّ‬
‫م وأمر محّتم‪ ،‬ثم إن اللهّ‬ ‫)‪(1‬‬
‫ل على أن هذا المر لز ٌ‬ ‫آخرها‪ :‬دلي ٌ‬
‫ففه إلى ذلك العدد؛ فهذا ظاهٌر في أنه أمر‪ ،‬وإن كان في صيغة‬ ‫خ ّ‬
‫ة بديعة ل توجد فيه‬ ‫الخبر‪ ،‬وقد يقال‪ :‬إن في إتيانه بلفظ الخبر نكت ٌ‬
‫إذا كان بلفظ المر‪ ،‬وهي تقوية قلوب المؤمنين‪ ،‬والبشارة بأنهم‬
‫سيغلبون الكافرين‪.‬‬
‫ويجاب عن الثاني‪ :‬أن المقصود بتقييد ذلك بالصابرين أنه‬
‫ث على الصبر‪ ،‬وأنه ينبغي منكم أن تفعلوا السباب الموجبة‬ ‫ح ّ‬
‫لذلك؛ فإذا فعلوها؛ صارت السباب اليمانّية والسباب المادّية‬
‫شرة بحصول ما أخبر الّله به من النصر لهذا العدد القليل‪.‬‬
‫مب ّ‬
‫ﯝ ﯞ ﯟ ﯠ ﯡ ﯢ ﯣ ﯤ ﯥﯦ ﯧ ﯨ ﯩ ﯪﯧﯧ ﯫﯧﯧ ﯬﯧﯧﯭﯧﯧ ﯮﯧﯧ ﯯﯧﯧ ﯰﯧﯧ‬ ‫ﭽﯛ ﯜ‬
‫ﯷ ﯷ ﯷ ﯷ ﯷ ﯷ ﯷ ﯷ ﯼ ﯽ ﯾ ﯿ ﯷ ﯷﯷ ﯷ‬ ‫ﯱﯧﯧ ﯷ ﯷ‬
‫ﯷﯷ ﯷ ﯷ ﰈ ﰉ ﯷ ﭼ ‪.‬‬
‫}‪ {67‬هذه معاتبة من الّله لرسوله وللمؤمنين يوم بدر إذ‬
‫أسروا المشركين وأبقوهم لجل الفداء‪ ،‬وكان رأي أمير المؤمنين‬
‫عمر بن الخطاب في هذه الحال قتَلهم واستئصالهم‪ ،‬فقال‬
‫ن في الرض{؛‬ ‫ن له أسرى حّتى ي ُث ْ ِ‬
‫خ َ‬ ‫ي أن يكو َ‬ ‫تعالى‪} :‬ما كان لنب ّ‬
‫أي‪ :‬ما ينبغي ول يليق به إذا قاتل الكفار الذين يريدون أن يطفئوا‬
‫من‬ ‫ون لخماد دينه وأن ل يبقى على وجه الرض َ‬ ‫نور الّله‪ ،‬ويسعَ ْ‬
‫يعبد ُ الّله أن يتسّرع إلى أسرهم وإبقائهم لجل الفداء الذي‬
‫ل بالنسبة إلى المصلحة المقتضية‬ ‫ض قلي ٌ‬
‫ل منهم‪ ،‬وهو ع ََر ٌ‬ ‫ص ُ‬
‫يح ُ‬
‫ة؛ فالوفق أن ل‬ ‫لبادتهم وإبطال شّرهم؛ فما دام لهم شّر وصول ٌ‬
‫‪ -‬في )ب(‪» :‬أمر«‪.‬‬ ‫‪1‬‬
‫ل أمُرهم؛ فحينئذ ٍ ل‬ ‫ل شّرهم‪ ،‬واضمح ّ‬ ‫يؤسروا؛ فإذا ُأثخنوا‪ ،‬وب َط َ َ‬
‫بأس بأخذ السرى منهم وإبقائهم‪ .‬يقول تعالى‪} :‬تريدون{‪:‬‬
‫دنيا{؛ أي‪ :‬ل لمصلحة‬ ‫ض الحياة ال ّ‬ ‫بأخذكم الفداء وإبقائهم }ع ََر َ‬
‫تعود ُ إلى دينكم‪} .‬والّله يريد ُ الخرة{‪ :‬بإعزاز دينه ونصر أوليائه‬
‫ة فوق غيرهم‪ ،‬فيأمركم بما يوصل إلى ذلك‪.‬‬ ‫وجعل كلمتهم عالي ً‬
‫م{؛ أي‪ :‬كامل العزة‪ ،‬لو شاء أن ينتصر من‬ ‫}والّله عزيٌز حكي ٌ‬
‫م يبتلي بعضكم ببعض‪.‬‬ ‫ل‪ ،‬ولكنه حكي ٌ‬ ‫الكفار من دون قتال؛ لفع َ‬
‫ق{‪ :‬به القضاء والقدر؛ أّنه‬ ‫ب من الّله َ‬
‫سب َ َ‬ ‫}‪} {68‬لول كتا ٌ‬
‫ن الّله رفع عنكم أّيها المة العذاب‪،‬‬ ‫ل لكم الغنائم‪ ،‬وأ ّ‬ ‫قد أح ّ‬
‫م{‪ .‬وفي الحديث‪» :‬لو نزل‬ ‫ب عظي ٌ‬ ‫سكم فيما أخذتم عذا ٌ‬ ‫}لم ّ‬
‫)‪(1‬‬
‫ب يوم بدر؛ ما نجا منه إل عمر« ‪.‬‬ ‫عذا ٌ‬
‫}‪} {69‬فكلوا مما غنمُتم حلل ً طّيبًا{‪ :‬وهذا من لطفه‬
‫ل )‪ (2‬لمة قبلها‪،‬‬ ‫ل لها الغنائم ولم تح ّ‬ ‫تعالى بهذه المة أن أح ّ‬
‫}واّتقوا الله{‪ :‬في جميع أموركم‪ ،‬ولزموها شكرا ً لنعم الّله‬
‫ن الّله غفوٌر{‪ :‬يغفر لمن تاب إليه جميع الذنوب‪ ،‬ويغفر‬ ‫عليكم‪} .‬إ ّ‬
‫م{‪ :‬بكم حيث أباح‬ ‫ك به شيئا جميع المعاصي‪} ،‬رحي ٌ‬ ‫ً‬ ‫لمن لم يشر ْ‬
‫لكم الغنائم وجعلها حلل ً طيبًا‪.‬‬
‫ﭽﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ ﭝ ﭞ ﭟ ﭠ ﭡ ﭢ‬
‫ﭣ ﭤ ﭥﭦ ﭧ ﭨ ﭩ ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ ﭯ ﭰ ﭱ ﭲ ﭳ ﭴﭵ ﭶ ﭷ‬
‫ﭸ ﭹ ﭼ‪.‬‬
‫}‪ {70‬وهذه نزلت في أسارى يوم بدر )‪ ، (3‬وكان من‬
‫م رسول الّله صلى الله عليه وسلم‪ ،‬فلما‬ ‫جملتهم العباس ع ّ‬
‫قطوا عنه‬ ‫دعى أنه مسلم قبل ذلك‪ ،‬فلم يس ِ‬ ‫طلب منه الفداء؛ ا ّ‬
‫ه‪:‬‬
‫ن كان على مثل حال ِ ِ‬ ‫م ْ‬‫الفداء‪ ،‬فأنزل الّله تعالى جبرا ً لخاطره و َ‬
‫ه في‬ ‫من في أيديكم من السرى إن يعلم الل ّ ُ‬ ‫ل ِلـ َ‬‫يق ْ‬ ‫}يا أّيها النب ّ‬
‫ُ‬
‫خذ َ منكم{؛ أي‪ :‬من المال‪ ،‬بأن‬ ‫كم خيرا ً م ّ‬
‫ما أ ِ‬ ‫قلوبكم خيرا ً يؤت ِ ُ‬
‫فْر لكم{‪:‬‬ ‫سر لكم من فضله خيرا ً كثيرا ً )‪ (4‬مما أخذ منكم‪} ،‬وي َغْ ِ‬ ‫يي ّ‬
‫م{‪ :‬وقد أنجز الّله وعده‬ ‫ذنوبكم ويدخلكم الجنة‪} .‬والّله غفوٌر رحي ٌ‬
‫‪ - 1‬عزاه السيوطي في »الدر المنثور« )‪ (3/366‬لبن المنذر وأبي الشيخ‬
‫وابن مردويه‪ .‬وله شاهد بنحوه عند مسلم )‪.(1763‬‬

‫‪ -‬في )ب(‪» :‬ولم يحلها«‪.‬‬ ‫‪2‬‬

‫‪ -‬أخرجه مسلم )‪ (1763‬عن ابن عباس‪.‬‬ ‫‪3‬‬

‫‪ -‬في )ب(‪» :‬خيرا ً وأكثر«‪.‬‬ ‫‪4‬‬


‫للعباس وغيره‪ ،‬فحصل له بعد ذلك من المال شيٌء كثيٌر‪ ،‬حتى‬
‫إنه مّرة لما قدم على النبي صلى الله عليه وسلم مال كثير؛ أتاه‬
‫العباس‪ ،‬فأمره أن يأخذ منه بثوبه ما يطيق حمَله‪ ،‬فأخذ منه ما‬
‫كاد أن يعجَز عن حمله )‪. (1‬‬
‫ك{‪ :‬في السعي لحربك ومنابذتك‪،‬‬ ‫}‪} {71‬وإن يريدوا خيان َت َ َ‬
‫ذروا خيانتك؛ فإنه‬ ‫ن منهم{‪ :‬فليح َ‬ ‫مك َ َ‬ ‫}فقد خانوا الّله من قب ُ‬
‫ل فأ ْ‬
‫م{؛ أي‪:‬‬ ‫م حكي ٌ‬‫تعالى قادٌر عليهم‪ ،‬وهم تحت قبضته‪} .‬والّله علي ٌ‬
‫عليم بكل شيء‪ ،‬حكيم يضع الشياء مواضعها‪ ،‬ومن علمه‬
‫فل‬ ‫)‪(2‬‬
‫شَرع َ لكم هذه الحكام الجليلة الجميلة‪ ،‬وقد تك ّ‬ ‫وحكمته أن َ‬
‫ة‪.‬‬
‫ن السرى وشّرهم إن أرادوا خيان ً‬ ‫بكفايتكم شأ َ‬
‫ﭽ ﭺ ﭻ ﭼ ﭽ ﭾ ﭿ ﮀ ﮁ ﮂ ﮃ ﮄ ﮅ ﮆ ﮇ ﮈ ﮉ ﮊﮋ ﮌ ﮍ‬
‫ﮎ ﮏ ﮐ ﮑ ﮒ ﮓ ﮔ ﮕ ﮖ ﮗﮘ ﮙ ﮚ ﮛ ﮜ ﮝ ﮞ ﮟ ﮠ ﮡ‬
‫ﮢ ﮣ ﮤﮥ ﮦ ﮧ ﮨ ﮩ ﮪ ﭼ ‪.‬‬
‫}‪ {72‬هذا عقد ُ موالة ومحّبة عقدها الّله بين المهاجرين‬
‫الذين آمنوا وهاجروا في سبيل الّله وتركوا أوطانهم لّله لجل‬
‫ل الّله صلى‬ ‫الجهاد في سبيل الّله وبين النصار الذين آوَْوا رسو َ‬
‫الله عليه وسلم وأصحابه وأعانوهم في ديارهم وأموالهم‬
‫ضهم أولياُء بعض؛ لكمال إيمانهم وتمام‬ ‫وأنفسهم؛ فهؤلء بع ُ‬
‫اّتصال بعضهم ببعض‪} .‬والذين آمنوا ولم يهاجروا ما لكم من‬
‫وليتهم من شيء حتى يهاجروا{ فإّنهم قطعوا وليتكم بانفصالهم‬
‫ما لم يهاجروا؛ لم‬ ‫دة الحاجة إلى الرجال‪ ،‬فل ّ‬ ‫عنكم في وقت ش ّ‬
‫يكن لهم من ولية المؤمنين شيٌء‪ ،‬لكّنهم }إن استنصروكم في‬
‫الدين{؛ أي‪ :‬لجل قتال من قاتلهم؛ ]لجل دينهم[ }فعليك ُ ُ‬
‫م‬
‫النصُر{‪ :‬والقتال معهم‪ ،‬وأما من قاتلوهم لغير ذلك من المقاصد؛‬
‫فليس عليكم نصرهم‪ .‬وقوله تعالى‪} :‬إل ّ على قوم بينكم وبيَنهم‬
‫ق{؛ أي‪ :‬عهد ٌ بترك القتال؛ فإنهم إذا أراد المؤمنون‬ ‫ميثا ٌ‬
‫المتمّيزون الذين لم يهاجروا قتالهم؛ فل تعينوهم عليهم؛ لجل ما‬
‫م ما‬ ‫ن بصيٌر{‪ :‬يعل ُ‬ ‫بيَنكم وبيَنهم من الميثاق‪} .‬والّله بما تعملو َ‬
‫أنتم عليه من الحوال‪ ،‬فيشرع ُ لكم من الحكام ما َيليقُ بكم‪.‬‬
‫ﭽ ﮫ ﮬ ﮭ ﮮﮮ ﮯﮰ ﮱ ﯓ ﯔ ﯕ ﯖ ﯗ ﯘ ﯙ ﯚ ﭼ ‪.‬‬

‫‪ -‬أخرجه البخاري )‪ (421‬تعليقا ً بصيغة الجزم‪.‬‬ ‫‪1‬‬

‫ن«‪.‬‬
‫‪ -‬في )ب(‪» :‬وإ ْ‬ ‫‪2‬‬
‫}‪ {73‬لما عقد الولية بين المؤمنين؛ أخبر أن الكفار حيث‬
‫ضهم أولياء بعض )‪ (3‬؛ فل يواليهم إل ّ كافر‬
‫جمعهم الكفر فبع ُ‬
‫مثلهم‪ ،‬وقوله‪} :‬إل ّ تفعلوه{؛ أي‪ :‬موالة المؤمنين ومعاداة‬
‫الكافرين؛ بأن وال َْيتموهم كّلهم أو عاديتموهم كّلهم أو واليتم‬
‫ة في الرض وفساد ٌ كبيٌر{‪:‬‬ ‫الكافرين وعاديتم المؤمنين‪} ،‬تكن فتن ٌ‬
‫ق‬
‫ل بذلك من الشّر ما ل ينحصر من اختلط الح ّ‬ ‫ص ُ‬
‫فإنه يح ُ‬
‫بالباطل والمؤمن بالكافر وعدم كثير من العبادات الكبار كالجهاد‬
‫والهجرة وغير ذلك من مقاصد الشرع والدين التي تفوت إذا لم‬
‫ي ُّتخذ المؤمنون وحدهم أولياء بعضهم لبعض‪.‬‬
‫ﯮﯧﯧ ﯯﯧﯧ ﯰﯧﯧ‬ ‫ﭽ ﯛ ﯜ ﯝ ﯞ ﯟ ﯠ ﯡ ﯢ ﯣ ﯤ ﯥ ﯦ ﯧ ﯨﯩ ﯪﯧﯧ ﯫﯧﯧ ﯬﯧﯧ ﯭﯧﯧ‬
‫ﯷﯷ ﯷ ﯷ‬ ‫ﯾ ﯿ‬ ‫ﯱﯧﯧ ﯷ ﯷ ﯷ ﯷ ﯷ ﯷﯷ ﯷ ﯷ ﯷ ﯼ ﯽ‬
‫ﯷ ﯷ ﯷ ﯷ ﭼ‪.‬‬
‫اليات السابقات في ذكر عقد الموالة بين المؤمنين من‬
‫المهاجرين والنصار‪ .‬وهذه اليات في بيان مدحهم وثوابهم‪:‬‬
‫}‪ {74‬فقال‪} :‬والذين آمنوا وهاجروا وجاهدوا في سبيل‬
‫الّله والذين آوَْوا ونصروا أولئك هم المؤمنون{ )‪ :(2‬من المهاجرين‬
‫دقوا إيمانهم بما قاموا‬ ‫قا{؛ لنهم ص ّ‬ ‫والنصار؛ هم‪ :‬المؤمنون }ح ّ‬
‫به من الهجرة والنصرة والموالة بعضهم لبعض وجهادهم‬
‫لعدائهم من الكفار والمنافقين‪} .‬لهم مغفرة{‪ :‬من الّله ُتمحى‬
‫م{؛ أي‪:‬‬ ‫ل بها زل ُّتهم‪} .‬و{ لهم }رزقٌ كري ٌ‬‫بها سيئاتهم وتضمح ّ‬
‫ب الكريم في جنات النعيم‪ ،‬وربما حصل لهم من‬ ‫خير كثير من الر ّ‬
‫ن به قلوبهم‪.‬‬
‫قّر به أعينهم‪ ،‬وتطمئ ّ‬ ‫جل ما ت َ َ‬ ‫الثواب المع ّ‬
‫من‬ ‫من جاء بعد هؤلء المهاجرين والنصار مـ ّ‬ ‫}‪ {75‬وكذلك َ‬
‫اّتبعهم بإحسان فآمن وهاجر وجاهد في سبيل الله‪} .‬فأولئك‬
‫منكم{‪ :‬لهم ما لكم وعليهم ما عليكم؛ فهذه الموالة اليمانية‪،‬‬
‫ن‬
‫ن عظيم‪ ،‬حتى إ ّ‬ ‫وقد كانت في أول السلم لها وقع كبيٌر وشأ ٌ‬
‫وة‬ ‫ي صلى الله عليه وسلم آخى بين المهاجرين والنصار أخ ّ‬ ‫النب ّ‬
‫صة غير الخوة اليمانية العامة‪ ،‬وحتى كانوا يتوارثون بها‪،‬‬ ‫خا ّ‬
‫ضهم أولى ببعض في كتاب الله{‬ ‫فأنزل الّله‪} :‬وأولو الرحام بع ُ‬
‫فل يرثه إل أقاربه من العصبات وأصحاب الفروض فإن لم يكونوا؛‬
‫ل عليه عموم الية‬ ‫فأقرب قراباته من ذوي الرحام كما د ّ‬
‫الكريمة‪ ،‬وقوله‪} :‬في كتاب الّله{؛ أي‪ :‬في حكمه وشرعه‪} .‬إ ّ‬
‫ن‬

‫‪ -‬في )ب(‪» :‬لبعض«‪.‬‬ ‫‪3‬‬

‫‪-‬‬ ‫‪2‬‬
‫م{‪ :‬ومنه ما يعلمه من أحوالكم التي يجري‬
‫ل شيء علي ٌ‬ ‫الّله بـكـ ّ‬
‫من شرائعه الدينية عليكم ما يناسبها‪.‬‬
‫فف ففففف فففففف‪.‬‬
‫فف ففففف فففف ففففففف‪ .‬فف ف‬
‫***‬
‫تفسير سورة براءة ويقال سورة التوبة‬
‫وهي مدنية‬
‫ﭽﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ ﭝ ﭞ ﭟ ﭠ ﭡ ﭢ‬
‫ﭣ ﭤﭥ ﭦ ﭧ ﭨ ﭩ ﭪ ﭼ ‪.‬‬
‫}‪ 1‬ـ ‪ {2‬أي‪ :‬هذه }براءة ٌ من الّله{ ومن }رسوله{‪ :‬إلى‬
‫ن لهم أربعة أشهر يسيحون في‬ ‫جميع المشركين المعاهدين؛ أ ّ‬
‫الرض على اختيارهم آمنين من المؤمنين‪ ،‬وبعد الربعة الشهر؛‬
‫در أو‬
‫فل عهد لهم ول ميثاق‪ .‬وهذا لمن كان له عهد ٌ مطلقٌ غير مق ّ‬
‫در بزيادة على‬ ‫مقدٌر بأربعة أشهر فأقل‪ ،‬أما من كان له عهد مق ّ‬
‫ف منه‬
‫خ ْ‬‫مم له عهده إذا لم ُيـ َ‬‫أربعة أشهر؛ فإنه يتعيّـن أن يت ّ‬
‫خيانة‪ ،‬ولم يبدأ بنقض العهد‪.‬‬
‫هدين في مدة عهدهم أّنهم وإن كانوا آمنين؛‬ ‫ثم أنذر المعا َ‬
‫جزوا الّله ولن يفوتوه‪ ،‬وأنه من استمر منهم على‬ ‫فإنهم لن يع ِ‬
‫شركه؛ فإنه ل بد ّ أن يخزيه‪ ،‬فكان هذا مما يجلبهم إلى الدخول‬
‫في السلم إل من عاند‪ ،‬وأصّر‪ ،‬ولم يبال بوعيد الّله‪.‬‬
‫ﭽ ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ ﭯ ﭰ ﭱ ﭲ ﭳ ﭴ ﭵ ﭶ ﭷ ﭸﭹ ﭺﭻ ﭼ‬
‫ﮍ ﮎ ﮏ ﭼ‪.‬‬ ‫ﭽ ﭾ ﭿ ﮀﮁ ﮂ ﮃ ﮄ ﮅ ﮆ ﮇ ﮈﮉ ﮊ ﮋ ﮌ‬
‫}‪ {3‬هذا ما وعد الّله به المؤمنين من نصر دينه وإعلء‬
‫كلمته وخذلن أعدائهم من المشركين الذين أخرجوا الرسول‬
‫وهم مما لهم‬ ‫ن معه من مكة من بيت الّله الحرام وأجل َ ْ‬ ‫م ْ‬‫و َ‬
‫ه رسوَله والمؤمنين حتى‬ ‫التسّلط عليه من أرض الحجاز؛ نصر الل ّ ُ‬
‫ة على‬ ‫م والغَل َب َ ُ‬ ‫ل المشركين وصار للمؤمنين الحك ُ‬ ‫افتتح مكة وأذ ّ‬
‫ذن‬‫ذنه أن يؤ ّ‬ ‫ي صلى الله عليه وسلم )‪ (1‬مؤ ّ‬ ‫تلك الديار‪ ،‬فأمر النب ّ‬
‫يوم الحج الكبر‪ ،‬وهو يوم النحر‪ ،‬وقت اجتماع الناس مسلمهم‬
‫ن الّله بريٌء‬ ‫ذن بأ ّ‬ ‫وكافرهم من جميع جزيرة العرب‪ :‬أن يؤ ّ‬
‫ق؛ فأينما‬ ‫ورسوله من المشركين؛ فليس لهم عنده عهد ٌ وميثا ٌ‬
‫جدوا قُِتلوا‪ ،‬وقيل لهم‪ :‬ل تقربوا المسجد الحرام بعد عامكم‬ ‫وُ ِ‬
‫ج بالناس أبو بكر‬ ‫هذا! وكان ذلك سنة تسع من الهجرة‪ ،‬وح ّ‬
‫م رسول‬ ‫نع ّ‬ ‫ذن ببراءة يوم النحر اب ُ‬ ‫الصديق رضي الّله عنه‪ ،‬وأ ّ‬
‫الّله صلى الله عليه وسلم علي بن أبي طالب رضي الّله عنه‪.‬‬
‫هبهم من الستمرار‬ ‫غب تعالى المشركين بالتوبة ور ّ‬ ‫ثم ر ّ‬
‫على الشرك‪ ،‬فقال‪} :‬فإن ت ُب ُْتم فهو خيٌر لكم وإن تول ّْيتم فاعلموا‬

‫‪ -‬في )ب(‪» :‬فأمر الل ّ ُ‬


‫ه«‪.‬‬ ‫‪1‬‬
‫أّنكم غير معجزي الّله{؛ أي‪ :‬فائتيه‪ ،‬بل أنتم في قبضته‪ ،‬قادر أن‬
‫يسلط عليكم عباده المؤمنين‪} .‬وبشر الذين كفروا بعذاب أليم{؛‬
‫أي‪ :‬مؤلم مفظع في الدنيا بالقتل والسر والجلء وفي الخرة‬
‫بالنار وبئس القرار‪.‬‬
‫ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ ﮜ ﮝ ﮞ ﮟ ﮠ‬ ‫ﭽﮐ ﮑ ﮒ ﮓ ﮔ ﮕ ﮖ ﮗ‬
‫ﮡﮢ ﮣ ﮤ ﮥ ﮦ ﮧ ﭼ ‪..‬‬
‫مة المطلقة من جميع المشركين‪،‬‬ ‫}‪ {4‬أي‪ :‬هذه البراءة التا ّ‬
‫دتم من المشركين{‪ :‬واستمّروا على عهدهم‪ ،‬ولم‬ ‫}إل ّ الذين عاهَ ْ‬
‫قصوكم شيئًا‪ ،‬ول عاونوا عليكم‬ ‫ض؛ فل ن َ َ‬ ‫ب النق َ‬‫يجرِ منهم ما يوج ُ‬
‫ّ‬ ‫َ‬
‫أحدًا؛ فهؤلء أت ِ ّ‬
‫)‪(1‬‬
‫ن‬
‫موا إليهم عهدهم إلى مدتهم قلت أو كثرت؛ ل ّ‬
‫ب‬‫ن الّله يح ّ‬
‫السلم ل يأمر بالخيانة‪ ،‬وإنما يأمر بالوفاء‪} .‬إ ّ‬
‫المّتقين{‪ :‬الذين أد ّْوا ما أمروا به‪ ،‬واّتقوا الشرك والخيانة وغير‬
‫ذلك من المعاصي‪.‬‬
‫ﭽ ﮨ ﮩ ﮪ ﮫ ﮬ ﮭ ﮮﮮ ﮯ ﮰ ﮱ ﯓ ﯔ ﯕ ﯖﯗ ﯘ ﯙ ﯚ ﯛ‬
‫ﯜ ﯝ ﯞ ﯟﯠ ﯡ ﯢ ﯣ ﯤ ﯥ ﭼ ‪.‬‬
‫حُرم{؛ أي‪ :‬التي‬ ‫خ الشهُر ال ُ‬ ‫}‪ {5‬يقول تعالى‪} :‬فإذا انسل َ‬
‫سيير‬ ‫هدين‪ ،‬وهي أشهر الت ّ ْ‬ ‫حّرم فيها قتال المشركين المعا َ‬ ‫ُ‬
‫الربعة‪ ،‬وتمام المدة لمن له مدة أكثر منها؛ فقد برَِئت منهم‬
‫الذمة‪} .‬فاقُتلوا المشركين حيث وجدتموهم{‪ :‬في أيّ مكان‬
‫صروهم{؛ أي‪ :‬ضّيقوا عليهم؛‬ ‫وزمان‪} ،‬وخذوهم{‪ :‬أسرى‪} ،‬واح ُ‬
‫سعون في بلد الّله وأرضه التي جعلها الله معبدا ً‬ ‫دعوهم يتو ّ‬ ‫فل ت َ َ‬
‫ن‬ ‫قون منها شبرًا؛ ل ّ‬ ‫سكناها‪ ،‬ول يستح ّ‬ ‫لعباده؛ فهؤلء ليسوا أهل ً ل ُ‬
‫الرض أرض الّله‪ ،‬وهم أعداؤه المنابذون له ولرسله‪ ،‬المحاربون‬
‫الذين يريدون أن تخلو الرض من دينه‪ ،‬ويأبى الّله إل ّ أن ي ُت ِ ّ‬
‫)‪(2‬‬
‫م‬
‫ل تنّية‬ ‫د{؛ أي‪ :‬ك ّ‬ ‫ل مرص ٍ‬ ‫نوَره ولو كره الكافرون‪} .‬واقُعدوا لهم ك ّ‬
‫وموضع يمّرون عليه‪ ،‬ورابطوا في جهادهم‪ ،‬وابذلوا غاية‬
‫مجهودكم في ذلك‪ ،‬ول تزالوا على هذا المر حتى يتوبوا من‬
‫شركهم‪ .‬ولهذا قال‪} :‬فإن تابوا{‪ :‬من شركهم‪} ،‬وأقاموا‬
‫ة{‪ :‬لمستحقيها‪،‬‬ ‫دوها بحقوقها‪} ،‬وآتوا الزكا َ‬ ‫صلة{؛ أي‪ :‬أ ّ‬ ‫ال ّ‬
‫}َفخّلوا سبيَلهم{؛ أي‪ :‬اتركوهم‪ ،‬وليكونوا مثلكم لهم ما لكم‪،‬‬
‫م{‪ :‬يغفر الشرك فما دونه‬ ‫ن الّله غفوٌر رحي ٌ‬‫وعليهم ما عليكم‪} .‬إ ّ‬
‫للتائبين‪ ،‬ويرحمهم بتوفيقهم للتوبة ثم قبولها منهم‪.‬‬

‫موا لهم«‪.‬‬ ‫َ‬


‫‪ -‬في )ب(‪» :‬أت ِ ّ‬
‫‪1‬‬

‫‪ -‬في )ب(‪» :‬المحاربة«‪.‬‬ ‫‪2‬‬


‫وفي هذه الية دليل على أن من امتنع من أداء الصلة أو‬
‫الزكاة؛ فإنه يقاَتل حّتى يؤديها؛ كما استد ّ‬
‫ل بذلك أبو بكر الصديق‬
‫رضي الّله عنه‪.‬‬
‫ﭽ ﯦ ﯧ ﯨ ﯩ ﯪﯧﯧ ﯫﯧﯧ ﯬﯧﯧ ﯭﯧﯧ ﯮﯧﯧ ﯯﯧﯧ ﯰﯧﯧ ﯱﯧﯧ ﯷﯷ ﯷ ﯷ ﯷ ﯷ ﯷ ﯷ‬
‫ﭼ‪.‬‬
‫حُرم‬ ‫دم من قوله‪} :‬فإذا انسلخ الشهُر ال ُ‬ ‫}‪ {6‬لما كان ما تق ّ‬
‫صروهم واقُعدوا‬ ‫خذوهم واح ُ‬
‫فاقُتلوا المشركين حيث وجدتموهم و ُ‬
‫ل الشخاص‬ ‫ما في جميع الحوال وفي ك ّ‬ ‫ل مرصد{‪ :‬أمرا ً عا ّ‬ ‫لهم ك ّ‬
‫منهم؛ ذكر تعالى أن المصلحة إذا اقتضت تقريب بعضهم؛ جاز‪،‬‬
‫ك{؛ أي‪:‬‬ ‫ن أحد ٌ من المشركين استجاَر َ‬ ‫بل وجب ذلك‪ ،‬فقال‪} :‬وإ ْ‬
‫ضرر لجل أن يسمع كلم الّله‬ ‫طلب منك أن تجيره وتمنعه من ال ّ‬
‫جْره حّتى يسمعَ كلم الّله{‪ :‬ثم إ ْ‬
‫ن‬ ‫وينظر حالة السلم‪} ،‬فأ ِ‬
‫مَنه؛ أي‪ :‬المحل الذي يأمن فيه‪.‬‬ ‫أسلم؛ فذاك‪ ،‬و إل ّ ؛ فأبل ِْغه مأ َ‬
‫م ل يعلمون؛ فرّبما كان‬ ‫والسبب في ذلك أن الكفار قو ٌ‬
‫استمراُرهم على كفرهم لجهل منهم إذا زال اختاروا عليه‬
‫مُته أسوُته في الحكام أن‬ ‫السلم؛ فلذلك أمر الّله رسوله‪ .‬وأ ّ‬
‫ب أن يسمع كلم الّله‪.‬‬ ‫يجيروا من ط َل َ َ‬
‫ة لمذهب أهل السنة والجماعة‪،‬‬ ‫ة صريح ٌ‬ ‫وفي هذا حج ُ‬
‫القائلين بأن القرآن كلم الّله غير مخلوق؛ لّنه تعالى هو المتكّلم‬
‫به‪ ،‬وأضافه إلى نفسه إضافة الصفة إلى موصوفها‪ ،‬وبطلن‬
‫ق‪ ،‬وكم من‬ ‫ن القرآن مخلو ٌ‬ ‫مذهب المعتزلة ومن أخذ بقولهم أ ّ‬
‫الدّلة الداّلة على بطلن هذا القول‪ ،‬ليس هذا محل ذكرها!‬
‫ﭡ ﭢ‬ ‫ﭽ ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ ﭝ ﭞﭟ ﭠ‬
‫ﭣ ﭤﭥ ﭦ ﭧ ﭨ ﭩ ﭪ ﭼ ‪.‬‬
‫ن للحكمة الموجبة لن يتبّرأ الّله ورسوله من‬ ‫}‪ {7‬هذا بيا ٌ‬
‫المشركين‪ ،‬فقال‪} :‬كيف يكون للمشركين عهد ٌ عند الّله وعند‬
‫رسوله{‪ :‬هل قاموا بواجب اليمان؟ أم تركوا رسول الّله‬
‫ما‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫ما حاربوا الحقّ ونصروا الباطل؟! أ َ‬ ‫والمؤمنين من أذيتهم؟ أ َ‬
‫وا في الرض فسادًا؟! فيحقّ لهم أن يتبّرأ الّله منهم‪ ،‬وأن ل‬ ‫سعَ ْ‬
‫َ‬
‫يكون لهم عهد ٌ عنده ول عند رسوله‪} .‬إل ّ الذين عاهدتم{‪ :‬من‬
‫ن لهم في العهد ـ‬‫المشركين }عند المسجد الحرام{‪ :‬فإ ّ‬
‫وخصوصا ً في هذا المكان الفاضل ـ حرمة أوجب أن يراعوا فيها‪،‬‬
‫ب المّتقين{‪.‬‬
‫}فما استقاموا لكم فاستقيموا لهم إن الله يح ُ‬
‫ولهذا قال‪:‬‬
‫ﭽ ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ ﭯ ﭰ ﭱ ﭲ ﭳ ﭴﭵ ﭶ ﭷ ﭸ ﭹ ﭺ ﭻ‬
‫ﭼ ﭽ ﭾ ﭿ ﮀ ﮁ ﮂ ﮃ ﮄﮅ ﮆ ﮇ ﮈ ﮉ ﮊ ﮋ ﮌ ﮍ ﮎ ﮏ ﮐ‬
‫ﮑ ﮒﮓ ﮔ ﮕ ﮖ ﮗ ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ ﮜ ﮝ ﮞ ﮟ ﮠﮡ ﮢ ﮣ ﮤ ﮥ‬
‫ﮦ ﭼ‪.‬‬
‫}‪ {8‬أي‪} :‬كيف{‪ :‬يكون للمشركين عند الّله عهد ٌ وميثا ٌ‬
‫ق‪.‬‬
‫}و{‪ :‬الحال أّنهم }إن يظهروا عليكم{‪ :‬بالقدرة والسلطة ل‬
‫مة{؛ أي‪ :‬ل ذمة ول قرابة‪،‬‬ ‫يرحموكم‪ .‬و }ل يرقبوا فيكم إل ّ ول ذ ِ ّ‬
‫ول يخافون الّله فيكم‪ ،‬بل يسومونكم سوء العذاب؛ فهذه حالكم‬
‫معهم لو ظهروا‪ ،‬ول يغّرّنكم منهم ما يعاملونكم به وقت الخوف‬
‫منكم؛ فإنهم }ُيرضونكم بأفواه ِِهم وتأبى قلوُبهم{‪ :‬الميل والمحّبة‬
‫قا‪ ،‬المبغضون لكم صدقًا‪} .‬وأكثرهم‬ ‫لكم‪ ،‬بل هم العداء ح ّ‬
‫فاسقون{‪ :‬ل ديانة لهم ول مروءة‪.‬‬
‫ظ‬‫ل{؛ أي‪ :‬اختاروا الح ّ‬ ‫}‪} {9‬اشتروا بآيات الّله ثمنا ً قلي ً‬
‫العاجل الخسيس في الدنيا على اليمان بالّله ورسوله والنقياد‬
‫دوا غيرهم }عن سبيله إّنهم‬ ‫دوا{‪ :‬بأنفسهم وص ّ‬ ‫ليات الّله‪} ،‬فص ّ‬
‫ساء ما كانوا يعملون{‪.‬‬
‫ة{؛ أي‪ :‬لجل‬ ‫}‪} {10‬ل ي َْرُقبون في مؤمن إل ّ ول ذ ّ‬
‫م ً‬
‫)‪(1‬‬
‫عداوتهم لليمان وأهله؛ فالوصف الذي جعلهم يعادونكم لجله‬
‫ويبغضونكم هو اليمان‪.‬‬
‫من عاداه عدّوا‬ ‫صروه واّتخذوا َ‬ ‫وا عن دينكم وان ُ‬ ‫}‪ {11‬فَذ ُب ّ ْ‬
‫صره لكم ولّيا واجعلوا الحكم يدور معه وجودا ً وعدمًا‪ ،‬ل‬ ‫من ن َ َ‬‫و َ‬
‫ة )‪ (2‬تميلون بهما حيثما مال الهوى‬ ‫تجعلوا الولية والعداوة ط َب ْعِي ّ ً‬
‫)‪(3‬‬
‫ن[ }تابوا{‪ :‬عن‬ ‫مارة بالسوء‪ ،‬ولهذا ]إ ْ‬ ‫وتّتبعون فيها النفس ال ّ‬
‫صلة وآتوا الزكاة‬ ‫شركهم ورجعوا إلى اليمان‪} ،‬وأقاموا ال ّ‬
‫وا تلك العداوة إذ كانوا مشركين؛‬ ‫س ْ‬ ‫فإخوانكم في الدين{‪ :‬وتنا َ‬
‫ما‬
‫ة‪ .‬لـ ّ‬ ‫لتكونوا عباد الّله المخلصين‪ ،‬وبهذا يكون العبد عبدا ً حقيق ً‬
‫ضح أحكاما ً‬ ‫ضح منها ما و ّ‬ ‫بّين من أحكامه العظيمة ما بّين‪ ،‬وو ّ‬
‫صل اليات{؛ أي‪ :‬نوضحها‬ ‫ة؛ قال‪} :‬ونف ّ‬ ‫حكم ً‬ ‫كما ً و ِ‬ ‫كما ً و ُ‬
‫ح ْ‬ ‫وح َ‬
‫ونميزها }لقوم يعلمون{‪ :‬فإليهم سياق الكلم‪ ،‬وبهم ُتعرف‬
‫م‬
‫عرف دين السلم وشرائع الدين‪ .‬الله ّ‬ ‫اليات والحكام‪ ،‬وبهم ُ‬
‫اجعلنا من القوم الذين يعلمون ويعملون بما يعلمون برحمتك‬
‫وجودك وكرمك وإحسانك يا رب العالمين!‬

‫‪ -‬في )ب(‪» :‬جعلوهم«‪.‬‬ ‫‪1‬‬

‫‪ - 2‬في )ب(‪» :‬طبيعّية«‪.‬‬


‫‪ -‬في )ب(‪» :‬فيهما«‪.‬‬ ‫‪3‬‬
‫ﭽ ﮧ ﮨ ﮩ ﮪ ﮫ ﮬ ﮭ ﮮﮮ ﮯ ﮰ ﮱ ﯓﯔ ﯕ ﯖ ﯗ ﯘ ﯙ ﯚ ﯛ‬
‫ﯱﯧﯧ ﯷ‬ ‫ﯜ ﯝ ﯞ ﯟ ﯠ ﯡ ﯢ ﯣ ﯤ ﯥ ﯦ ﯧﯨ ﯩﯪﯧﯧ ﯫﯧﯧ ﯬﯧﯧ ﯭﯧﯧ ﯮﯧﯧ ﯯﯧﯧ ﯰﯧﯧ‬
‫ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ ﭝ ﭞ ﭟﭠ ﭡ ﭢ ﭣ ﭤ‬
‫ﭥﭦ ﭧ ﭨ ﭩ ﭪ ﭼ ‪.‬‬
‫ن المعاهدين من المشركين‬ ‫}‪{12‬يقول تعالى بعدما ذكر أ ّ‬
‫إن استقاموا على عهدهم فاستقيموا لهم على الوفاء‪} :‬وإن‬
‫كثوا أيماَنهم من بعد عِهدهم{؛ أي‪ :‬نقضوها وحّلوها؛ فقاتلوكم أو‬ ‫نَ َ‬
‫أعانوا على قتالكم أو نقصوكم‪} ،‬وطعنوا في دينكم{؛ أي‪ :‬عابوه‬
‫جهة إلى‬ ‫خل في هذا جميع أنواع الطعن المو ّ‬ ‫وسخروا منه‪ ،‬ويد ُ‬
‫مة الكفر{؛ أي‪ :‬القادة فيه‪،‬‬ ‫الدين أو إلى القرآن‪} ،‬فقاِتلوا أئ ّ‬
‫الرؤساء الطاعنين في دين الرحمن‪ ،‬الناصرين لدين الشيطان‪.‬‬
‫ل على‬ ‫ن غيرهم ت َب َعٌ لهم‪ ،‬وليد ّ‬‫صهم بالذكر لعظم جنايتهم ول ّ‬ ‫وخ ّ‬
‫دى للرد ّ عليه فإنه من أئمة الكفر‪.‬‬ ‫ن في الدين‪ ،‬وتص ّ‬ ‫من ط َعَ َ‬‫أن َ‬
‫ن لهم{؛ أي‪ :‬ل عهود ول مواثيق يلزمون على‬ ‫}إنهم ل أْيما َ‬
‫الوفاء بها‪ ،‬بل ل يزالون خائنين ناكثين للعهد ل يوثق منهم‪.‬‬
‫ن{‪ :‬عن الطعن في دينكم‪،‬‬ ‫}لعّلهم{‪ :‬في قتالكم إياهم }ينتهو َ‬
‫وربما دخلوا فيه‪.‬‬
‫ث على قتالهم وهّيج المؤمنين بذكر الوصاف‬ ‫}‪ {13‬ثم ح ّ‬
‫التي صدرت من هؤلء العداء‪ ،‬والتي هم موصوفون بها‪،‬‬
‫موا‬‫هـ ّ‬
‫كثوا أْيمانهم و َ‬‫المقتضية لقتالهم‪ ،‬فقال‪} :‬أل تقاتلون قوما ً ن َ َ‬
‫موا‬
‫بإخراج الرسول{‪ :‬الذي يجب احترامه وتوقيره وتعظيمه‪ ،‬وهـ ّ‬
‫)‪ (1‬أن يجلوه ويخرجوه من وطنه‪ ،‬وسعوا في ذلك ما أمكنهم‪،‬‬
‫}وهم بدؤوكم أول مرة{‪ :‬حيث نقضوا العهود‪ ،‬وأعانوا عليكم‬
‫وذلك حيث أعانت )‪ (2‬قريش وهم معاهدون بني بكرٍ حلفاءهم‬
‫على خزاعة حلفاء رسول الّله صلى الله عليه وسلم‪ ،‬وقاتلوا‬
‫شوَْنهم{‪ :‬في‬ ‫ط في السيرة‪} .‬أتخ َ‬ ‫معهم كما هو مذكوٌر مبسو ٌ‬
‫ّ )‪(3‬‬
‫وه إن كنتم مؤمنين{‪ :‬فالله‬ ‫ش ْ‬ ‫ترك قتالهم؟ }فالّله أحقّ أن َتـ ْ‬
‫خ َ‬
‫كد ذلك عليكم غاية التأكيد؛ فإن كنتم مؤمنين؛‬ ‫أمركم بقتالهم‪ ،‬وأ ّ‬
‫فامتثلوا لمر الّله‪ ،‬ول تخشوهم فتتركوا أمر الّله‪.‬‬
‫}‪ {14‬ثم أمر بقتالهم‪ ،‬وذكر ما يترتب على قتالهم من‬
‫ض للمؤمنين على قتالهم فقال‪:‬‬ ‫ث وإنها ٌ‬ ‫الفوائد وكل هذا ح ّ‬
‫هم{‪ :‬إذا نصركم‬
‫خزِ ِ‬ ‫}قاتلوهم يعذ ّْبهم الل ّ ُ‬
‫ه بأيديكم{‪ :‬بالقتل‪} ،‬وُيـ ْ‬
‫الّله عليهم‪ ،‬وهم العداء الذين يطلب خزيهم ويحرص عليه‪،‬‬
‫‪ - 1‬في )ب(‪» :‬وهم هّموا«‪.‬‬
‫‪ - 2‬في )ب(‪» :‬عاونت«‪.‬‬
‫‪ -‬في )ب(‪» :‬فإنه«‪.‬‬ ‫‪3‬‬
‫صْركم عليهم{‪ :‬هذا وعد ٌ من الّله وبشارة ٌ قد أنجزها‪،‬‬ ‫}وَين ُ‬
‫ف صدور قوم مؤمنين{‪.‬‬ ‫ش ِ‬‫}وي َ ْ‬
‫ن في قلوبهم من الحنق‬ ‫ظ قلوِبهم{‪ :‬فإ ّ‬ ‫ب غي َ‬‫}‪} {15‬وي ُذ ْه ِ ْ‬
‫والغيظ عليهم ما يكون قتالهم وقتُلهم شفاًء لما في قلوب‬
‫م؛ إذ ي ََرْون هؤلء العداء محاربين لّله‬ ‫م واله ّ‬ ‫المؤمنين من الغ ّ‬
‫ولرسوله‪ ،‬ساعين في إطفاء نور الّله‪ ،‬وزوال ً للغيظ الذي في‬
‫ل على محبة الّله للمؤمنين )‪ ، (2‬واعتنائه‬ ‫قلوبكم )‪ . (1‬وهذا يد ّ‬
‫بأحوالهم‪ ،‬حتى إنه جعل من جملة المقاصد الشرعّية شفاء ما‬
‫من‬ ‫ب الّله على َ‬‫في صدورهم وذهاب غيظهم‪ .‬ثم قال‪} :‬ويتو ُ‬
‫يشاء{‪ :‬من هؤلء المحاربين؛ بأن يوّفقهم للدخول في السلم‬
‫ويزّينه في قلوبهم ويكّره إليهم الكفر والفسوق والعصيان‪.‬‬
‫م{‪ :‬يضع الشياء مواضعها‪ ،‬ويعلم من يصل ُ ُ‬
‫ح‬ ‫م حكي ٌ‬ ‫}والّله علي ٌ‬
‫ح فيبقيه في غّيه وطغيانه‪.‬‬ ‫لليمان فيهديه‪ ،‬ومن ل يصل ُ ُ‬
‫ﭽﭫ ﭬ ﭭ ﭮ ﭯ ﭰ ﭱ ﭲ ﭳ ﭴ ﭵ ﭶ ﭷ ﭸ ﭹ ﭺ ﭻ‬
‫ﭼ ﭽ ﭾﭿ ﮀ ﮁ ﮂ ﮃ ﮄ ﭼ ‪.‬‬
‫}‪ {16‬يقول تعالى لعباده المؤمنين بعدما أمرهم بالجهاد‪:‬‬
‫ن‬
‫}أم حسبُتم أن ت ُت َْركوا{‪ :‬من دون ابتلء وامتحان وأمر بما َيبيـ ُ‬
‫ه الذين جاهدوا منكم{؛ أي‪:‬‬ ‫به الصادقُ والكاذب‪} ،‬ولما ي َعْل َم ِ الل ّ ُ‬
‫علما ً يظهر مما في القوة إلى الخارج؛ ليترّتب عليه الثواب‬
‫والعقاب‪ ،‬فيعلم الذين يجاهدون في سبيله لعلء كلمته‪} ،‬ولم‬
‫ة{؛ أي‪ :‬ولّيا‬ ‫يّتخذوا من دون الّله ول رسول ِهِ ول المؤمني َ‬
‫ن َوليج ً‬
‫من الكافرين‪ ،‬بل يّتخذون الّله ورسوله والمؤمنين أولياء‪ .‬فشرع‬
‫ل به هذا المقصود العظم‪ ،‬وهو أن يتمي َّز‬ ‫الّله الجهاد َ ليح ُ‬
‫ص َ‬
‫الصادقون الذين ل يتحّيزون إل ّ لدين الّله من الكاذبين الذين‬
‫يزعمون اليمان وهم يّتخذون الولئج والولياء من دون الّله ول‬
‫رسوله ول المؤمنين‪} .‬والّله خبيٌر بما تعملون{؛ أي‪ :‬يعلم ما‬
‫يصير منكم ويصدر‪ ،‬فيبتليكم بما يظهر به حقيقة ما أنتم عليه‪،‬‬
‫ويجازيكم على أعمالكم خيرها وشّرها‪.‬‬
‫ﭽ ﮅ ﮆ ﮇ ﮈ ﮉ ﮊ ﮋ ﮌ ﮍ ﮎ ﮏﮐ ﮑ ﮒ ﮓ ﮔ ﮕ ﮖ‬
‫ﮗ ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ ﮜ ﮝ ﮞ ﮟ ﮠ ﮡ ﮢ ﮣ ﮤ ﮥ ﮦ ﮧ ﮨ ﮩﮪ ﮫ ﮬ‬
‫ﮭ ﮮﮮ ﮯ ﮰ ﮱ ﭼ ‪.‬‬

‫‪ -‬في )ب(‪» :‬في قلوبهم«‪.‬‬ ‫‪1‬‬

‫‪ -‬في )ب(‪» :‬لعباده المؤمنين«‪.‬‬ ‫‪2‬‬


‫}‪ {17‬يقول تعالى‪} :‬ما كان{؛ أي‪ :‬ما ينبغي‪ ،‬ول يليق‬
‫مروا مساجد الّله{‪ :‬بالعبادة والصلة وغيرها‬ ‫}للمشركين أن ي َعْ ُ‬
‫ل أنهم شاهدون ومقّرون على أنفسهم‬ ‫من أنواع الطاعات‪ ،‬والحا ُ‬
‫عـْلـم ِ كثيرٍ منهم أنهم على‬ ‫بالكفر بشهادة حالهم وِفطرهم و ِ‬
‫الكفر والباطل؛ فإذا كانوا }شاهدين على أنفسهم بالكفر{ وعدم‬
‫عمون أنهم عماُر‬ ‫قبول العمال؛ فكيف يز ُ‬ ‫اليمان الذي هو شرط ل َ‬
‫ة؟! ولهذا‬ ‫مساجد الّله؛ والصل منهم مفقود ٌ والعمال منهم باطل ٌ‬
‫ت أعمالهم{؛ أي‪ :‬بطلت وضلت‪} .‬وفي النار‬ ‫حب ِط َ ْ‬‫قال‪} :‬أولئك َ‬
‫هم خالدون{‪.‬‬
‫مار مساجد الّله‪ ،‬فقال‪} :‬إّنما ي َعْ ُ‬
‫مُر‬ ‫}‪ {18‬ثم ذكر من هم ع ُ ّ‬
‫من آمن بالّله واليوم الخر وأقام الصلة{‪ :‬الواجبة‬ ‫مساجد َ الّله َ‬
‫ظاهر منها والباطن‪} ،‬وآتى الزكاة{‪ :‬لهلها‪،‬‬ ‫والمستحّبة بالقيام بال ّ‬
‫ف عن ما‬ ‫صَر خشيته على رّبه‪ ،‬فك ّ‬ ‫ش إل الّله{؛ أي‪ :‬قَ َ‬ ‫خ َ‬ ‫}ولم َيـ ْ‬
‫ّ‬
‫صر بحقوق الله الواجبة؛ فوصفهم باليمان‬ ‫حّرم الّله‪ ،‬ولم يق ّ‬
‫مها الصلة والزكاة‪،‬‬ ‫ُ‬
‫النافع‪ ،‬وبالقيام بالعمال الصالحة التي أ ّ‬
‫مار المساجد على‬ ‫ل خير؛ فهؤلء ع ُ ّ‬ ‫وبخشية الّله التي هي أصل ك ّ‬
‫الحقيقة وأهُلها الذين هم أهلها‪} .‬فعسى أولئك أن يكونوا من‬
‫من لم يؤمن بالّله‬ ‫ة‪ ،‬وأما َ‬‫المهتدين{‪ :‬و }عسى{ من الّله واجب ٌ‬
‫ة لّله؛ فهذا ليس من عمار مساجد‬ ‫ول باليوم الخر ول عنده خشي ٌ‬
‫دعاه‪.‬‬‫الّله ول من أهلها الذين هم أهُلها‪ ،‬وإن زعم ذلك وا ّ‬
‫ﯛ ﯜ ﯝ ﯞ ﯟ ﯠ ﯡ ﯢﯣ ﯤ ﯥ ﯦ ﯧﯨ ﯩ‬ ‫ﭽﯓ ﯔ ﯕ ﯖ ﯗ ﯘ ﯙ ﯚ‬
‫ﯪﯧﯧ ﯫﯧﯧ ﯬﯧﯧ ﯭﯧﯧ ﯮﯧﯧ ﯯﯧﯧ ﯰﯧﯧ ﯱﯧﯧ ﯷ ﯷ ﯷ ﯷ ﯷ ﯷ ﯷ ﯷ ﯷ ﯷﯼ ﯽ ﯾ‬
‫ﯿ ﯷ ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ ﭝ ﭞﭟ ﭠ ﭡ ﭢ‬
‫ﭣ ﭤ ﭥ ﭼ‪.‬‬
‫ض المسلمين‬ ‫ض المسلمين أو بع ُ‬ ‫}‪ {19‬لما اختلف بع ُ‬
‫عمارة المسجد الحرام بالبناء‬ ‫ض المشركين في تفضيل ِ‬ ‫وبع ُ‬
‫ج على اليمان بالّله والجهاد‬ ‫والصلة والعبادة فيه وسقاية الحا ّ‬
‫ت بينهما‪ ،‬فقال‪} :‬أجعلُتم‬ ‫في سبيله؛ أخبر الّله تعالى بالتفاو ِ‬
‫ج{؛ أي‪ :‬سقيهم الماء من زمزم؛ كما هو المعروف إذا‬ ‫ة الحا ّ‬
‫سقاي َ‬ ‫ِ‬
‫ن‬
‫م َ‬
‫عمارة َ المسجد ِ الحرام كمن آ َ‬ ‫أطلق هذا السم أنه المراد‪} ،‬و ِ‬
‫بالّله واليوم الخر وجاهَد َ في سبيل الّله ل يستوون عند الّله{‪:‬‬
‫ج وعمارة المسجد‬ ‫ل من سقاية الحا ّ‬ ‫فالجهاد ُ واليمان بالّله أفض ُ‬
‫ل الدين وبه ُتقبل العمال‬ ‫ن اليمان أص ُ‬ ‫ة؛ ل ّ‬
‫ت كثير ٍ‬‫الحرام بدرجا ٍ‬
‫ما الجهاد في سبيل الّله؛ فهو ذروة سنام‬ ‫وتزكو الخصال‪ ،‬وأ ّ‬
‫ق‬
‫صر الح ّ‬ ‫الدين‪] ،‬الذي[ به ُيحفظ الدين السلمي ويّتسع‪ ،‬وي ُن ْ َ‬
‫ج؛‬
‫عمارة المسجد الحرام وسقاية الحا ّ‬ ‫ما ِ‬‫ذل الباطل‪ ،‬وأ ّ‬ ‫خ َ‬
‫وُيـ ْ‬
‫ة؛ فهي متوّقفة على اليمان‪ ،‬وليس‬ ‫فهي‪ ،‬وإن كانت أعمال ً صالح ً‬
‫فيها من المصالح ما في اليمان والجهاد؛ فلذلك قال‪} :‬ل‬
‫ه ل َيـْهدي القوم الظالمين{؛ أي‪ :‬الذين‬ ‫ن عند الّله والل ّ ُ‬ ‫يستوو َ‬
‫صلحون لقبول شيء من الخير‪ ،‬بل ل‬ ‫ُ‬ ‫م‪ ،‬الذين ل ي َ ْ‬ ‫م الظل ُ‬ ‫فه ُ ُ‬‫ص ُ‬
‫وَ ْ‬
‫يليق بهم إل الشّر‪.‬‬
‫}‪ {20‬ثم صرح بالفضل فقال‪} :‬الذين آمنوا وهاجروا‬
‫وجاهدوا في سبيل الّله بأموالهم{‪ :‬بالنفقة في الجهاد وتجهيز‬
‫ة عند الّله‬‫م درج ً‬ ‫الغزاة‪} ،‬وأنفسهم{‪ :‬بالخروج بالنفس‪} ،‬أعظ ُ‬
‫وأولئك هم الفائزون{؛ أي‪ :‬ل يفوز بالمطلوب‪ ،‬ول ينجو من‬
‫ن اّتصف بصفاتهم‪ ،‬وتخّلق بأخلقهم‪.‬‬ ‫المرهوب إل ّ َ‬
‫م ْ‬
‫ة )‪ (1‬منه وكرما ً وبّرا بهم‬‫شُرهم رّبهم{‪ :‬رحم ً‬ ‫}‪} {21‬يب ّ‬
‫واعتناء ومحبة لهم‪} ،‬برحمة منه{‪ :‬أزال بها عنهم الشرور‪،‬‬
‫ن{‪ :‬منه تعالى عليهم‪ ،‬الذي‬ ‫ل خير‪} ،‬ورضوا ٍ‬ ‫وأوصل إليهم بها ك ّ‬
‫ل عليهم رضوانه؛ فل يسخط‬ ‫ح ّ‬ ‫هو أكبر نعيم الجنة وأجّله‪ ،‬في ُ ِ‬
‫ل ما اشتهته‬ ‫م{‪ :‬من ك ّ‬‫م مقي ٌ‬ ‫ت لهم فيها نعي ٌ‬ ‫عليهم أبدًا‪} ،‬وجنا ٍ‬
‫فه ومقداره إل الّله تعالى‪،‬‬ ‫م وص َ‬ ‫النفس وت َل َذ ّ العين مما ل ي َعْل َ ُ‬
‫ة‪ ،‬ما بين‬ ‫ن الله أعد ّ للمجاهدين في سبيله مائة درج ٍ‬ ‫الذي منه أ ّ‬
‫ة‬
‫ل درجتين كما بين السماء والرض‪ ،‬ولو اجتمع الخلقُ في درج ٍ‬ ‫ك ّ‬
‫سعَْتهم‪.‬‬ ‫واحدةٍ منها؛ ل َوَ ِ‬
‫}‪} {22‬خالدين فيها أبدًا{‪ :‬ل ينتقلون عنها ول يبغون عنها‬
‫م{‪ :‬ل ُتستغرب كثرُته على فضل‬ ‫ده أجٌر عظي ٌ‬ ‫ن الّله عن َ‬ ‫ل‪} .‬إ ّ‬ ‫حو َ ً‬‫ِ‬
‫جب من عظمه وحسنه على من يقول للشيء كن‬ ‫الّله‪ ،‬ول ي ُت َعَ ّ‬
‫فيكون‪.‬‬
‫ﭽ ﭦ ﭧ ﭨ ﭩ ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ ﭯ ﭰ ﭱ ﭲﭳ ﭴ ﭵ‬
‫ﭶ ﭷ ﭸ ﭹ ﭺ ﭻ ﭼ ﭽ ﭾ ﭿ ﮀ ﮁ ﮂ ﮃ ﮄ ﮅ ﮆ ﮇ ﮈ ﮉ‬
‫ﮊ ﮋ ﮌ ﮍ ﮎ ﮏ ﮐ ﮑ ﮒ ﮓ ﮔ ﮕ ﮖﮗ ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ ﮜ ﮝ‬
‫ﭼ‪.‬‬
‫}‪ {23‬يقول تعالى‪} :‬يا أّيها الذين آمنوا{‪ :‬اعملوا بمقتضى‬
‫قم به‪ .‬و }ل‬‫اليمان؛ بأن توالوا من قام به وتعادوا من لم ي َ ُ‬
‫تّتخذوا آباءكم وإخوانكم{‪ :‬الذين هم أقرب الناس إليكم‪ ،‬وغيرهم‬
‫من باب أولى وأحرى؛ فل تّتخذوهم }أولياء إن استحّبوا{؛ أي‪:‬‬
‫من‬‫اختاروا على وجه الّرضا والمحّبة‪} ،‬الكفر على اليمان و َ‬
‫يتوّلهم منكم فأولئك هم الظالمون{‪ :‬لّنهم تجّرؤوا على معاصي‬

‫‪ -‬في )ب(‪» :‬جودًا«‪.‬‬ ‫‪1‬‬


‫الّله‪ ،‬واّتخذوا أعداء الّله أولياء‪ ،‬وأص ُ‬
‫ل الولية المحّبة والّنصرة‪،‬‬
‫ن اّتخاذهم أولياء موجب لتقديم طاعتهم على طاعة الّله‬ ‫وذلك أ ّ‬
‫ومحبتهم على محبة الله ورسوله‪.‬‬
‫}‪ {24‬ولهذا ذكر السبب الموجب لذلك‪ ،‬وهو أن محّبة الّله‬
‫ل جميع‬ ‫ل شيء‪ ،‬وجع ُ‬ ‫ورسوله يتعيّـن تقديمُهما )‪ (1‬على محّبة ك ّ‬
‫ل إن كان آباؤكم{‪ :‬ومثلهم المهات‪،‬‬ ‫ة لهما‪ ،‬فقال‪} :‬ق ْ‬ ‫الشياء تابع ً‬
‫)‪(2‬‬
‫}وإخواُنكم{ ‪ :‬في النسب والعشرة‪} ،‬وأزواجكم‬
‫ل اقْت ََرفُْتموها{؛ أي‪:‬‬ ‫وعشيرتكم{؛ أي‪ :‬قراباتكم عمومًا‪} ،‬وأموا ٌ‬
‫ذكر لنها أرغب عند‬ ‫صها بال ّ‬ ‫اكتسبتموها وتعبتم في تحصيلها‪ ،‬خ ّ‬
‫ب‬‫من تأتيه الموال من غير تع ٍ‬ ‫أهلها‪ ،‬وصاحبها أشد ّ حرصا ً عليها مـ ّ‬
‫ون كسادها{؛ أي‪ :‬رخصها ونقصها‪ ،‬وهذا‬ ‫د‪} .‬وتجارة ٌ تخ َ‬
‫ش ْ‬ ‫ول ك ّ‬
‫ل لجميع أنواع التجارات والمكاسب من عروض التجارات‬ ‫شام ٌ‬
‫من الثمان والواني والسلحة والمتعة والحبوب والحروث‬
‫سنها وزخرفتها‬ ‫ح ِ‬‫ضوَْنها{‪ :‬من ُ‬ ‫ن تر َ‬ ‫والنعام وغير ذلك‪} .‬ومساك ُ‬
‫ب إليكم من الّله‬ ‫وموافقتها لهوائكم؛ فإن كانت هذه الشياء }أح ّ‬
‫ة‪} ،‬فترّبصوا{؛ أي‪:‬‬ ‫ة ظ َل َ َ‬
‫م ٌ‬ ‫ق ٌ‬ ‫ورسول ِهِ وجهاد ٍ في سبيله{‪ :‬فأنتم فَ َ‬
‫س َ‬
‫ي الّله بأمره{‪ :‬الذي‬ ‫ل بكم من العقاب‪} ،‬حّتى يأت َ‬ ‫ح ّ‬‫انتظروا ما ي َ ِ‬
‫مَرد ّ له‪} .‬والّله ل يهدي القوم الفاسقين{؛ أي‪ :‬الخارجين عن‬ ‫ل َ‬
‫دمين على محّبة الّله شيئا ً من المذكورات‪.‬‬ ‫طاعة الّله‪ ،‬المق ّ‬
‫وهذه الية الكريمة أعظم دليل على وجوب محّبة الّله‬
‫ل شيء‪ ،‬وعلى الوعيد‬ ‫ورسوله‪ ،‬وعلى تقديمهما على محّبة ك ّ‬
‫ن كان شيٌء من ]هذه[‬ ‫م ْ‬‫مقت الكيد على َ‬ ‫الشديد والـ َ‬
‫ب إليه من الّله ورسوله وجهاد ٍ في سبيله‪ ،‬وعلمة‬ ‫المذكورات أح ّ‬
‫دهما يحّبه الّله ورسوله وليس‬ ‫ذلك أّنه إذا عرض عليه أمران‪ :‬أح ُ‬
‫وت عليه‬ ‫ى‪ .‬والخُر تحّبه نفسه وتشتهيه ولكّنه يف ّ‬ ‫لنفسه فيه هو ً‬
‫محبوبا ً لّله ورسوله أو ينقصه؛ فإّنه إن قدم ما تهواه نفسه على‬
‫ك لما يجب عليه‪.‬‬ ‫م تار ٌ‬‫ل على أنه ظال ٌ‬ ‫ما يحّبه الّله؛ د ّ‬
‫ﭽ ﮞ ﮟ ﮠ ﮡ ﮢ ﮣﮤ ﮥ ﮦﮧ ﮨ ﮩ ﮪ ﮫ ﮬ ﮭ ﮮﮮ ﮯ ﮰ ﮱ‬
‫ﯓ ﯔ ﯕ ﯖ ﯗ ﯘ ﯙ ﯚ ﯛ ﯜ ﯝ ﯞ ﯟ ﯠ ﯡ ﯢ ﯣ ﯤ ﯥ ﯦ ﯧﯨ ﯩ ﯪﯧﯧ ﯫﯧﯧ ﯬﯧﯧ‬
‫ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙﭚ ﭛ ﭜ ﭝ ﭞ ﭼ ‪.‬‬
‫ن تعالى على عباده المؤمنين بنصره إياهم في مواطن‬ ‫يمت ّ‬
‫كثيرةٍ من مواطن اللقاء ومواضع الحروب والهيجاء‪ ،‬حتى في يوم‬
‫ة ورأوا من التخاذل والفرار‬
‫دت عليهم فيه الزم ُ‬
‫حنين الذي اشت ّ‬
‫ُ‬
‫‪ - 1‬كذا في )ب(‪ ،‬وفي ) أ (‪» :‬تقديمها«‪ .‬والصواب ما أثبت‪.‬‬
‫‪ -‬كذا في النسختين‪ ،‬دون ذكر }وأبناكم{‪.‬‬ ‫‪2‬‬
‫ي‬
‫سَعتها‪ ،‬وذلك أن النب ّ‬ ‫حبها و َ‬ ‫ض على ُر ْ‬ ‫ت عليهم به الر ُ‬ ‫ما ضاق ْ‬
‫ن اجتمعوا‬ ‫ن هوازِ َ‬ ‫صلى الله عليه وسلم لما فتح مكة؛ سمع أ ّ‬
‫ه‪ ،‬فسار إليهم صلى الله عليه وسلم في أصحابه الذين‬ ‫لحرب ِ ِ‬
‫ن أسلم من الطلقاء أهل مكة‪ ،‬فكانوا اثني عشر‬ ‫ّ‬ ‫م ْ‬ ‫فتحوا مكة وب َ‬
‫ُ‬
‫ب بعض المسلمين بكثرتهم‪،‬‬ ‫ألفًا‪ ،‬والمشركون أربعة آلف‪ ،‬فأع ْ ِ‬
‫ج َ‬
‫وا هم وهوازن؛‬ ‫ب اليوم من قّلة‪ ،‬فلما الت َ َ‬
‫ق ْ‬ ‫وقال بعضهم‪ :‬لن نغل َ‬
‫ة‪ ،‬فانهزموا ل يلوي أحد ٌ على‬ ‫ة واحد ً‬ ‫حملوا على المسلمين حمل ً‬
‫د‪ ،‬ولم يبقَ مع رسول الّله صلى الله عليه وسلم إل نحو مائة‬ ‫أح ٍ‬
‫رجل ثبتوا معه‪ ،‬وجعلوا يقاتلون المشركين‪ ،‬وجعل النبي صلى‬
‫يل‬ ‫ض بغلته نحو المشركين ويقول‪» :‬أنا النب ّ‬ ‫الله عليه وسلم ي َُرك ّ ُ‬
‫ب« ‪ .‬ولما رأى من المسلمين ما رأى؛‬ ‫)‪(1‬‬
‫ب أنا ابن عبد المط ّل ِ ْ‬ ‫ك َذ ِ ْ‬
‫أمر العباس بن عبد المطلب أن ينادي في النصار وبقّية‬
‫مرة! يا‬ ‫س ُ‬‫ب ال ّ‬ ‫المسلمين‪ ،‬وكان رفيعَ الصوت‪ ،‬فناداهم‪ :‬يا أصحا َ‬
‫د‪،‬‬
‫أهل سورةِ البقرة! فلما سمعوا صوَته؛ عطفوا عطفة رجل واح ٍ‬
‫ة‪،‬‬‫ة شنيع ً‬ ‫فاجتلدوا مع المشركين‪ ،‬فهزم الّله المشركين هزيم ً‬
‫وا على معسكرهم ونسائهم وأموالهم‪.‬‬ ‫واستول َ ْ‬
‫صَركم الّله في مواط َ‬
‫ن‬ ‫}‪ {25‬وذلك قوله تعالى‪} :‬لقد ن َ َ‬
‫م للمكان الذي كانت فيه الوقعة بين‬ ‫ن{‪ :‬وهو اس ٌ‬ ‫م حني ٍ‬ ‫كثيرةٍ ويو َ‬
‫ن عنكم شيئًا{؛ أي‪:‬‬ ‫مكة والطائف‪} ،‬إذ أعجبْتكم كثرُتكم فلم ت ُغْ ِ‬
‫دكم شيئا ً قليل ً ول كثيرًا‪} ،‬وضاقت عليكم الرض{‪ :‬ـ بما‬ ‫ف ْ‬ ‫لم ت ِ‬
‫ت{؛ أي‪ :‬على‬ ‫حب َ ْ‬‫م حين انهزمتم ـ }بما َر ُ‬ ‫م والغ ّ‬ ‫أصابكم من اله ّ‬
‫ن{؛ أي‪ :‬منهزمين‪.‬‬ ‫سَعتها‪} ،‬ثم وّلـْيتم مدبري َ‬ ‫حبها و َ‬ ‫ُر ْ‬
‫}‪} {26‬ثم أنزل الّله سكين ََته على رسوله وعلى‬
‫ت القلقل‬ ‫ة‪ :‬ما يجعله الّله في القلوب وق َ‬ ‫المؤمنين{‪ :‬والسكين ُ‬
‫ة‪ ،‬وهي‬ ‫كنها ويجعلها مطمئن ً‬ ‫ظعات مما يثّبتها ويس ّ‬ ‫ف ِ‬ ‫م ْ‬‫والزلزل والـ ُ‬
‫من نعم الّله العظيمة على العباد‪} ،‬وأنزل جنودا ً لم ت ََرْوها{‪ :‬وهم‬
‫ة للمسلمين يوم حنين يثّبتونهم‬ ‫ة‪ ،‬أنزلهم الّله معون ً‬ ‫الملئك ُ‬
‫ذب الذين كفروا{‪ :‬بالهزيمة والقتل‬ ‫شرونهم بالنصر‪} ،‬وع ّ‬ ‫ويب ّ‬
‫واستيلء المسلمين على نسائهم وأولدهم وأموالهم‪} .‬وذلك‬
‫دهم في الخرة‬ ‫ذبهم الّله في الدنيا‪ ،‬ثم ير ّ‬ ‫جزاء الكافرين{‪ :‬يع ّ‬
‫إلى عذاب غليظ‪.‬‬
‫ب الّله من بعد ذلك على من يشاُء{‪ :‬فتاب‬ ‫}‪} {27‬ثم يتو ُ‬
‫من كانت الوقعة عليهم‪ ،‬وأتوا إلى النبي صلى‬ ‫الّله على كثيرٍ مـ ّ‬
‫الله عليه وسلم مسلمين تائبين‪ ،‬فرد ّ عليهم نساءهم وأولدهم‪.‬‬
‫ة‪ ،‬يعفو‬ ‫م{؛ أي‪ :‬ذو مغفرةٍ واسعةٍ ورحمةٍ عام ٍ‬ ‫}والّله غفوٌر رحي ٌ‬
‫‪ - 1‬أخرجه مسلم )‪ 1775‬و ‪.(1776‬‬
‫عن الذنوب العظيمة للتائبين‪ ،‬ويرحمهم بتوفيقهم للتوبة والطاعة‬
‫والصفح عن جرائمهم وَقبول توباتهم‪ ،‬فل ييأس ّ‬
‫ن أحد ٌ من رحمته‬
‫ومغفرته‪ ،‬ولو فعل من الذنوب والجرام ما فعل‪.‬‬
‫ﭽ ﭟ ﭠ ﭡ ﭢ ﭣ ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ ﭨ ﭩ ﭪ ﭫﭬ ﭭ ﭮ ﭯ ﭰ‬
‫ﭶﭷ ﭸ ﭹ ﭺ ﭻ ﭼ ﭼ ‪.‬‬ ‫ﭱ ﭲ ﭳ ﭴ ﭵ‬
‫}‪ {28‬يقول تعالى‪} :‬يا أّيها الذين آمنوا إنما المشركون{‪:‬‬
‫س{؛ أي‪ :‬خبثاء في عقائدهم‬ ‫ج ٌ‬ ‫بالّله‪ ،‬الذين عبدوا معه غيره }ن َ َ‬
‫ة ل تنفع ول‬ ‫من كان يعبد مع الّله آله ً‬ ‫وأعمالهم‪ ،‬وأيّ نجاسة أبلغُ م ّ‬
‫تضّر ول تغني عنه شيئًا‪ ،‬وأعمالهم ما بين محاربةٍ لّله وصد ّ عن‬
‫سبيل الّله ونصرٍ للباطل ورد ّ للحق وعمل بالفساد في الرض ل‬
‫في الصلح؟! فعليكم أن تطّهروا أشرف البيوت وأطهرها عنهم؛‬
‫}فل يقَربوا المسجد الحرام بعد عامهم هذا{‪:‬وهو سنة تسع من‬
‫ي صلى الله‬ ‫ج بالناس أبو بكر الصديق‪ ،‬وبعث النب ّ‬ ‫الهجرة‪ ،‬حين ح ّ‬
‫ج الكبر ببراءة‪ ،‬فنادى‬ ‫ذن يوم الح ّ‬ ‫عليه وسلم ابن عمه علّيا أن يؤ ّ‬
‫ن ‪ .‬وليس‬ ‫)‪(1‬‬
‫عريا ٌ‬ ‫ك ول يطوف بالبيت ُ‬ ‫ج بعد العام مشر ٌ‬ ‫أن ل يح ّ‬
‫ة البدن؛ فإن الكافر كغيره طاهر البدن؛ بدليل أن‬ ‫المراد هنا نجاس َ‬
‫الّله تعالى أباح وطء الكتابّية ومباشرتها‪ ،‬ولم يأمر بغسل ما‬
‫فار‪ ،‬ولم‬ ‫أصاب منها )‪ ، (2‬والمسلمون ما زالوا يباشرون أبدان الك ّ‬
‫ذرهم من النجاسات‪ ،‬وإنما المراد‬ ‫ذروا منها تق ّ‬ ‫قل عنهم أنهم تق ّ‬ ‫ي ُن ْ َ‬
‫دم نجاستهم المعنوّية بالشرك؛ فكما أن التوحيد واليمان‬ ‫كما تق ّ‬
‫ة‪.‬‬
‫ة؛ فالشرك نجاس ٌ‬ ‫طهار ٌ‬
‫ة{؛ أي‪ :‬فقرا ً‬ ‫فُتم{‪ :‬أّيها المسلمون‪} ،‬ع َي ْل َ ً‬ ‫خ ْ‬‫وقوله‪} :‬وإن ِ‬
‫وحاجة من منع المشركين من ُقربان المسجد الحرام؛ بأن تنقطع‬
‫السباب التي بينكم وبينهم من المور الدنيوّية‪} ،‬فسوف ُيغنيكم‬
‫الّله من فضله{‪ :‬فليس الرزق مقصورا ً على باب واحد ومح ّ‬
‫ل‬
‫ب كثيرة؛ فإن فضل‬ ‫ح غيُره أبوا ٌ‬ ‫ب؛ إل ّ وفُت ِ َ‬‫واحد‪ ،‬بل ل ينغلق با ٌ‬
‫)‪(3‬‬
‫الّله واسع‪ ،‬وجوده عظيم‪ ،‬خصوصا ً لمن ترك شيئا ً لوجه‬
‫ن الّله‬ ‫ن الّله أكرم الكرمين‪ ،‬وقد أنجز الّله وعده؛ فإ ّ‬ ‫الكريم؛ فإ ّ‬
‫سط لهم من الرزاق ما كانوا من‬ ‫َ‬ ‫أغنى المسلمين من فضله‪ ،‬وب َ َ‬
‫أكبر الغنياء والملوك‪ .‬وقوله‪} :‬إن شاء{‪ :‬تعليقُ للغناء‬
‫ل‬‫بالمشيئة؛ لن الغنى في الدنيا ليس من لوازم اليمان‪ ،‬ول يد ّ‬
‫ن الّله يعطي الدنيا‬ ‫على محّبة الّله؛ فلهذا عّلقه الّله بالمشيئة؛ فإ ّ‬
‫ب‪.‬‬‫ب ومن ل يحب‪ ،‬ول يعطي اليمان والدين إل من يح ّ‬ ‫من يح ّ‬

‫‪ - 1‬سبق تخريجه‪.‬‬
‫‪ - 2‬في )ب(‪» :‬ولم يأمر يغتسل مما أصاب منها«‪.‬‬
‫‪ - 3‬في )ب(‪» :‬لوجهه«‪.‬‬
‫من َيليق به الغنى‬ ‫ع‪ ،‬يعلم َ‬ ‫م{؛ أي‪ :‬علمه واس ٌ‬ ‫م حكي ٌ‬‫ن الّله علي ٌ‬
‫}إ ّ‬
‫زلها منازلها‪.‬‬ ‫من ل َيليق‪ ،‬ويضع الشياء مواضعها‪ ،‬وين ِ‬ ‫و َ‬
‫قَربوا المسجد َ‬ ‫ل الية الكريمة ـ وهي قوله‪} :‬فل ي َ ْ‬ ‫وتد ّ‬
‫ن المشركين بعدما كانوا هم الملوك‬ ‫الحرام بعد عامهم هذا{ ـ أ ّ‬
‫والرؤساء بالبيت‪ ،‬ثم صار بعد الفتح الحكم لرسول الّله‬
‫والمؤمنين مع إقامتهم في البيت ومكة المكرمة‪ ،‬ثم نزلت هذه‬
‫جَلوا من‬
‫ي صلى الله عليه وسلم؛ أمر أن ُيـ ْ‬ ‫الية‪ ،‬ولما مات النب ّ‬
‫ل كافر عن‬ ‫الحجاز؛ فل يبقى فيها دينان‪ ،‬وكل هذا لجل ب ُعْد ِ ك ّ‬
‫المسجد الحرام‪ ،‬فيدخل في قوله‪} :‬فل يقربوا المسجد الحرام‬
‫بعد عامهم هذا{‪.‬‬
‫ﭽﭽ ﭾ ﭿ ﮀ ﮁ ﮂ ﮃ ﮄ ﮅ ﮆ ﮇ ﮈ ﮉ ﮊ ﮋ ﮌ ﮍ ﮎ ﮏ‬
‫ﮐ ﮑ ﮒ ﮓ ﮔ ﮕ ﮖ ﮗ ﮘ ﮙ ﮚ ﭼ‪.‬‬
‫}‪ {29‬هذه الية أمٌر بقتال الكفار من اليهود والنصارى من‬
‫دقونه‬‫}الذين ل يؤمنون بالّله ول باليوم الخر{‪ :‬إيمانا ً صحيحا ً يص ّ‬
‫بأفعالهم وأعمالهم‪} ،‬ول يحّرمون ما حّرم الّله{‪ :‬فل يّتبعون‬
‫ق{؛ أي‪ :‬ل‬ ‫شرعه في تحريم المحرمات‪} ،‬ول َيدينون دين الح ّ‬
‫ن غير‬ ‫يدينون بالدين الصحيح‪ ،‬وإن زعموا أنهم على دين؛ فإنه دي ُ‬
‫ما‬ ‫دل وهو الذي لم يشرعه الّله أص ً‬
‫ل‪ ،‬وإ ّ‬ ‫الحق؛ لنه ما بين دين مب ّ‬
‫خ قد شرعه الّله ثم غّيره بشريعة محمد صلى الله‬ ‫ن منسو ٌ‬ ‫دي ٌ‬
‫مَره ُ بقتال‬ ‫سك به بعد النسخ غير جائز‪ .‬فأ َ‬ ‫عليه وسلم‪ ،‬فيبقى التم ّ‬
‫ث على ذلك لّنهم يدعون إلى ما هم عليه‪ ،‬ويحصل‬ ‫هؤلء وح ّ‬
‫الضرر الكثير منهم للناس‪ ،‬بسبب أنهم أهل كتاب‪ .‬وغ َّيا ذلك‬
‫ة{؛ أي‪ :‬المال الذي يكون جزاًء لترك‬ ‫القتال‪} :‬حتى ُيعطوا الجزي َ‬
‫المسلمين قتالهم وإقامتهم آمنين على أنفسهم وأموالهم بين‬
‫ل على حسب حاله من‬ ‫ل عام ك ّ‬‫أظهر المسلمين‪ ،‬يؤخذ منهم ك ّ‬
‫غني وفقير ومتوسط؛ كما فعل ذلك أمير المؤمنين عمر بن‬
‫د{؛ أي‪ :‬حتى‬ ‫الخطاب وغيره من أمراء المؤمنين‪ .‬وقوله‪} :‬عن ي ٍ‬
‫يبذلوها )‪ (1‬في حال ذ ُّلهم‪ ،‬وعدم اقتدارهم‪ ،‬ويعطوها بأيديهم‪،‬‬
‫)‪(2‬‬

‫فل يرسلون بها خادمًا‪ ،‬ول غيره‪ ،‬بل ل ُتقبل إل ّ من أيديهم‪} .‬وهم‬
‫قّروهم‬ ‫ن{‪ :‬فإذا كانوا بهذه الحال‪ ،‬وسألوا المسلمين أن ي ُ ِ‬ ‫صاغرو َ‬
‫بالجزية وهم تحت أحكام المسلمين وقهرهم‪ ،‬وحال المن من‬
‫شّرهم وفتنتهم‪ ،‬واستسلموا للشروط التي أجراها عليهم‬
‫صغارهم؛‬ ‫المسلمون‪ ،‬مما ينفي عّزهم وتكب َّرهم وتوجب ذّلهم و َ‬
‫دها لهم‪ ،‬و إل ّ ؛ بأن لم يفوا ولم‬ ‫وجب على المام أو نائبه أن يعق َ‬
‫‪ -‬في )ب(‪» :‬يبذلونها«‪.‬‬ ‫‪1‬‬

‫‪ -‬في )ب(‪» :‬يعطونها«‪.‬‬ ‫‪2‬‬


‫جْز إقرارهم بالجزية‪،‬‬
‫يعطوا الجزية عن يد ٍ وهم صاغرون؛ لم َيـ ُ‬
‫سِلموا‪.‬‬‫بل يقاَتلون حتى ي ُ ْ‬
‫واستدل بهذه الية الجمهور الذين يقولون‪ :‬ل تؤخذ الجزية‬
‫ن الّله لم يذكر أخذ الجزية إل ّ منهم‪ ،‬وأ ّ‬
‫ما‬ ‫إل ّ من أهل الكتاب؛ ل ّ‬
‫حق بأهل الكتاب‬ ‫غيرهم؛ فلم يذكر إل قتالهم حتى يسلموا‪ .‬وأ ُل ْ ِ‬
‫ن‬
‫في أخذ الجزية وإقرارهم في ديار المسلمين المجوس؛ فإ ّ‬
‫جَر‪ ،‬ثم‬‫ي صلى الله عليه وسلم أخذ الجزية من مجوس هَ َ‬ ‫النب ّ‬
‫)‪(1‬‬
‫أخذها أمير المؤمنين عمر من الفرس المجوس ‪.‬‬
‫وقيل‪ :‬إن الجزية ُتؤخذ من سائر الكفار من أهل الكتاب‬
‫ن هذه الية نزلت بعد الفراغ من قتال العرب‬ ‫وغيرهم؛ ل ّ‬
‫المشركين والشروع في قتال أهل الكتاب ونحوهم‪ ،‬فيكون هذا‬
‫ل على هذا أن المجوس‬ ‫القيد إخبارا ً بالواقع ل مفهوما ً له‪ ،‬ويد ّ‬
‫أخذت منهم الجزية وليسوا أهل كتاب‪ ،‬ولّنه قد تواتر عن‬
‫دعون من يقاتلونهم‬ ‫ن بعدهم أنهم ي َ ْ‬ ‫م ْ‬
‫المسلمين من الصحابة و َ‬
‫ما السلم‪ ،‬أو أداء الجزية‪ ،‬أو السيف؛ من غير‬ ‫إلى إحدى ثلث‪ :‬إ ّ‬
‫ي وغيره‪.‬‬ ‫فرق بين كتابـ ّ‬
‫ﭽ ﮛ ﮜ ﮝ ﮞ ﮟ ﮠ ﮡ ﮢ ﮣ ﮤﮥ ﮦ ﮧ ﮨﮩ ﮪ ﮫ ﮬ ﮭ ﮮﮮ ﮯﮰ‬
‫ﮱ ﯓﯔ ﯕ ﯖ ﯗ ﯘ ﯙ ﯚ ﯛ ﯜ ﯝ ﯞ ﯟ ﯠ ﯡ ﯢ ﯣ ﯤ ﯥ ﯦ ﯧﯨ ﯩ ﯪﯧﯧ ﯫﯧﯧ‬
‫ﭜ ﭝ‬ ‫ﭚ ﭛ‬ ‫ﯬﯧﯧﯭﯧﯧ ﯮﯧﯧ ﯯﯧﯧ ﯰﯧﯧ ﯱﯧﯧ ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ‬
‫ﭞ ﭟ ﭠ ﭡ ﭢ ﭣ ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ ﭨ ﭩ ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ ﭯ ﭼ‪.‬‬
‫}‪ {30‬لما أمر تعالى بقتال أهل الكتاب ذكر من أقوالهم‬
‫الخبيثة ما يهيج المؤمنين الذين يغارون لربهم ولدينه على قتالهم‬
‫ت اليهود عزيٌر ابن‬ ‫والجتهاد وبذل الوسع فيه‪ ،‬فقال‪} :‬وقال ِ‬
‫ة‬
‫متهم؛ فقد قالها فرق ٌ‬ ‫الّله{‪ :‬وهذه المقالة وإن لم تكن مقالة لعا ّ‬
‫ن في اليهود من الخبث والشّر ما‬ ‫ل ذلك على أ ّ‬‫منهم‪ ،‬فيد ّ‬
‫أوصلهم إلى أن قالوا هذه المقالة التي تجرؤوا فيها على الّله‬
‫دعائهم في عزير‬ ‫قصوا عظمته وجلله‪ .‬وقد قيل‪ :‬إن سبب ا ّ‬ ‫وتن ّ‬
‫أنه ابن الّله‪ :‬أنه لما تسّلط )‪ (2‬الملوك على بني إسرائيل‬
‫عزيرا ً بعد ذلك‬ ‫جدوا ُ‬ ‫مل َ َ‬
‫ة التوراة؛ وَ َ‬ ‫حـ َ‬ ‫ومّزقوهم ك ّ‬
‫ل ممّزق وقتلوا َ‬
‫سخوها‪.‬‬ ‫ه‪ ،‬واستن َ‬ ‫حافظا ً لها أو أكثرها ‪ ،‬فأملها عليهم من حفظ ِ ِ‬
‫)‪(3‬‬

‫دعوا فيه هذه الدعوى الشنيعة‪ .‬وقالت النصارى‪ :‬عيسى ابن‬ ‫فا ّ‬
‫ن الّله{‪ ،‬قال الّله تعالى‪} :‬ذلك{‪ :‬القول الذي قالوه‪،‬‬ ‫مريم }اب ُ‬
‫ن كان ل‬ ‫جة ول برهانًا‪ ،‬و َ‬
‫م ْ‬ ‫}قوُلهم بأفواه ِِهم{‪ :‬لم يقيموا عليه ح ّ‬
‫‪ -‬أخرجه البخاري )‪.(3157‬‬ ‫‪1‬‬

‫‪ -‬في )ب(‪» :‬لما سلط«‪.‬‬ ‫‪2‬‬

‫‪ -‬في )ب(‪» :‬أو لكثرها«‪.‬‬ ‫‪3‬‬


‫ب عليه أي قول يقوله؛ فإنه ل دين ول‬ ‫ست َغَْر ُ‬
‫ُيبالي بما يقول ل ي ُ ْ‬
‫هئون{؛ أي‪:‬‬ ‫جُزه عما يريد من الكلم‪ ،‬ولهذا قال‪} :‬يضا ِ‬ ‫عقل يح ُ‬
‫ل{؛ أي‪:‬‬ ‫ل الذين كفروا من قب ُ‬‫يشابهون في قولهـم هذا }قو َ‬
‫قـول المشركيـن الذين يقولـون الملئكة بنات الّله‪ ،‬تشابهت‬
‫قلوبهم فتشابهت أقوالهم في البطلن‪} .‬قاتلهم الّله أّنى‬
‫ن{؛ أي‪ :‬كيف ُيصرفون عن الحقّ الصرف الواضح المبين‬ ‫ُيؤف َ‬
‫كو َ‬
‫إلى القول الباطل المبين؟!‬
‫}‪ {31‬وهذا وإن كان ُيستغرب على أمةٍ كبيرةٍ كثيرة أن‬
‫ط للعقل عليه؛‬ ‫كر وتسلي ٍ‬ ‫ل على بطلنه أدنى تف ّ‬ ‫تّتفق على قول يد ّ‬
‫فإن لذلك سببًا‪ ،‬وهو أنهم }اّتخذوا أحبارهم{‪ :‬وهم علماؤهم‪،‬‬
‫}ورهباَنهم{؛ أي‪ :‬العباد المتجردين للعبادة‪} ،‬أربابا ً من دون‬
‫حّلونه‪ ،‬ويحّرمون لهم ما أح ّ‬
‫ل‬ ‫حّلون لهم ما حّرم الّله في ُ ِ‬ ‫الّله{‪ :‬ي ُ ِ‬
‫شرعون لهم من الشرائع والقوال المنافية‬ ‫الّله فيحّرمونه‪ ،‬وي َ ْ‬
‫لدين الرسل‪ ،‬فيّتبعونهم عليها‪ ،‬وكانوا أيضا ً يغلون في مشايخهم‬
‫ظمونهم‪ ،‬ويّتخذون قبورهم أوثانا ً ُتعبد من دون الّله‪،‬‬ ‫عبادهم‪ ،‬ويع ّ‬ ‫و ُ‬
‫ح ابن مريم{‪:‬‬ ‫دعاء والستغاثة‪} .‬والمسي َ‬ ‫وُتقصد بالذبائح وال ّ‬
‫اّتخذوه إلها ً من دون الّله‪ ،‬والحال أّنهم خالفوا في ذلك أمر اللهّ‬
‫مروا إل ل ِي َعُْبدوا إلها ً واحدا ً ل إله إل ّ‬ ‫ُ‬
‫لهم على ألسنة رسله‪ ،‬فما }أ ِ‬
‫دعاء‪،‬‬ ‫صونه بالمحّبة وال ّ‬ ‫هو{‪ :‬فُيخلصون له العبادة والطاعة ويخ ّ‬
‫ل به سلطانا‪} .‬سبحانه{‪:‬‬ ‫ً‬ ‫فنبذوا أمر الّله‪ ،‬وأشركوا به ما لم ي ُن َّز ْ‬
‫دس وتعالت عظمُته عن‬ ‫ما ُيشركون{؛ أي‪ :‬تنّزه وتق ّ‬ ‫وتعالى }ع ّ‬
‫صفونه بما ل َيليق‬ ‫قصونه في ذلك وي ِ‬ ‫شركهم وافترائهم؛ فإّنهم ينت ِ‬
‫ب‬
‫س َ‬ ‫بجلله‪ ،‬والّله تعالى العالي في أوصافه وأفعاله عن كل ما ن ُ ِ‬
‫دس‪.‬‬ ‫إليه مما ُينافي كماله المق ّ‬
‫جة لهم على ما قالوه ول برهانا ً‬ ‫ح ّ‬‫}‪ {32‬فلما تبيّـن أنه ل ُ‬
‫صلوه‪ ،‬وإّنما هو مجّرد قول قالوه وافتراء افتروه؛ أخبر أّنهم‬ ‫لما أ ّ‬
‫}يريدون{ بهذا }أن ُيطفئوا نور الّله بأفواههم{‪ :‬ونوُر الّله ديُنه‬
‫ماه الّله نورا ً لّنه‬ ‫الذي أرسل به الرسل وأنزل به الكتب‪ ،‬وس ّ‬
‫ق‬
‫م بالح ّ‬ ‫ُيستنار به في ظلمات الجهل والديان الباطلة؛ فإّنه عل ٌ‬
‫ن‬‫م ْ‬ ‫ده؛ فهؤلء اليهود والنصارى و َ‬ ‫ق‪ ،‬وما عداه فإنه بض ّ‬ ‫ل بالح ّ‬ ‫وعم ٌ‬
‫فئوا نور الّله بمجَرد‬ ‫ضاهاهم ‪ 1‬من المشركين‪ ،‬يريدون أن يط ِ‬
‫م‬ ‫ل‪} .‬ويأبى الل ّ ُ‬
‫ه إل ّ أن ي ُت ِ ّ‬ ‫ل أص ً‬ ‫أقوالهم التي ليس عليها دلي ٌ‬
‫نوره{‪ :‬لنه النور الباهر‪ ،‬الذي ل يمكن لجميع الخلق لو اجتمعوا‬
‫على إطفائ ِهِ أن يطفئوه‪ ،‬والذي أنزله جميع نواصي العباد بيده‪،‬‬
‫من يريده بسوء‪ ،‬ولهذا قال‪} :‬ويأبى‬ ‫ل َ‬‫من ك ّ‬ ‫فل بحفظه ِ‬ ‫وقد تك ّ‬
‫سَعوا ما أمكنهم في‬ ‫م نوره ولو كره الكافرون{‪ :‬و َ‬ ‫الّله إل أن ي ُت ِ ّ‬
‫ن سعيهم ل يضّر الحقّ شيئًا‪.‬‬ ‫ده وإبطاله؛ فإ ّ‬ ‫ر ّ‬
‫فل بإتمامه‬ ‫}‪ {33‬ثم بّين تعالى هذا النور الذي قد تك ّ‬
‫ل رسوَله بالهدى{‪ :‬الذي هو العلم‬ ‫وحفظه‪ ،‬فقال‪} :‬هو الذي أرس َ‬
‫ق{ الذي هو العمل الصالح‪ ،‬فكان ما بعث الّله‬ ‫ن الح ّ‬‫النافع‪} ،‬ودي ِ‬
‫به محمدا ً صلى الله عليه وسلم مشتمل ً على بيان الحقّ من‬
‫الباطل في أسماء الّله وأوصافه وأفعاله‪ ،‬وفي أحكامه وأخباره‪،‬‬
‫ل مصلحةٍ نافعة للقلوب والرواح والبدان؛ من إخلص‬ ‫والمر بك ّ‬
‫الدين لّله وحده‪ ،‬ومحبة الّله وعبادته‪ ،‬والمر بمكارم الخلق‬
‫ومحاسن الشيم والعمال الصالحة والداب النافعة‪ ،‬والنهي عن‬
‫ل ما يضاد ّ ذلك ويناقضه من الخلق والعمال السّيئة المضّرة‬ ‫ك ّ‬
‫للقلوب والبدان والدنيا والخرة‪ ،‬فأرسله الّله بالهدى ودين الح ّ‬
‫ق؛‬
‫}ل ِي ُظ ْهَِره ُ على الدين كّله ولو كره المشركون{؛ أي‪ :‬ليعليه على‬
‫سائر الديان؛ بالحجة والبرهان‪ ،‬والسيف والسنان‪ ،‬وإن كره‬
‫ن المكر‬ ‫المشركون ذلك‪ ،‬وب ََغوا له الغوائل‪ ،‬ومكروا مكرهم؛ فإ ّ‬
‫السيىء ل يضّر إل صاحبه؛ فَوَع ْد ُ الل ّهِ ل بد ّ أن ين ِ‬
‫)‪(1‬‬
‫ه‬
‫من َ ُ‬‫ض ِ‬‫جَزه وما َ‬
‫ل بد ّ أن يقوم به‪.‬‬
‫ﭽ ﭰ ﭱ ﭲ ﭳ ﭴ ﭵ ﭶ ﭷ ﭸ ﭹ ﭺ ﭻ ﭼ ﭽ ﭾ ﭿ ﮀﮁ‬
‫ﮂ ﮃ ﮄ ﮅ ﮆ ﮇ ﮈ ﮉ ﮊ ﮋ ﮌ ﮍ ﮎ ﮏ ﮐ ﮑ ﮒ ﮓ ﮔ ﮕ ﮖ‬
‫ﮢ ﮣ ﭼ‪.‬‬ ‫ﮗ ﮘ ﮙﮚ ﮛ ﮜ ﮝ ﮞ ﮟ ﮠ ﮡ‬
‫}‪ {34‬هذا تحذيٌر من الّله تعالى لعباده المؤمنين عن كثي ٍ‬
‫ر‬
‫من الحبار والّرهبان؛ أي‪ :‬العلماء والعباد الذين يأكلون أموال‬
‫دون عن سبيل الّله؛ فإّنهم إذا‬ ‫الناس بالباطل؛ أي‪ :‬بغير حقّ ويص ّ‬
‫ل الناس لهم من‬ ‫كانت لهم رواتب من أموال الناس‪ ،‬أو ب َذ َ َ‬
‫هداهم وهدايتهم‪،‬‬ ‫أموالهم؛ فإنه لجل علمهم وعبادتهم ولجل ُ‬
‫دون الناس عن سبيل الله‪ ،‬فيكون أخذهم‬ ‫وهؤلء يأخذونها ويص ّ‬
‫ن الناس ما بذلوا لهم من‬ ‫ظلمًا؛ فإ ّ‬ ‫سحتا ً و ُ‬‫لها على هذا الوجه ُ‬
‫أموالهم إل ليد ُّلوهم على الطريق المستقيم‪ ،‬ومن أخذهم لموال‬
‫فتوهم‪ ،‬أو يحكموا لهم بغير ما‬ ‫الناس بغير حقّ أن ُيعطوهم لي ْ‬
‫حذ َْر منهم هاتان الحالتان‪:‬‬ ‫أنزل الّله؛ فهؤلء الحبار والّرهبان ل ِي ُ ْ‬
‫دهم الناس عن سبيل الّله‪.‬‬ ‫ق‪ ،‬وص ّ‬ ‫أخذهم لموال الناس بغير ح ّ‬
‫ضة{؛ أي‪ :‬يمسكونهما‪} ،‬ول‬ ‫ذهب والف ّ‬‫}والذين يكِنزون ال ّ‬
‫ُينفقونها في سبيل الّله{؛ أي‪ :‬طرق الخير الموصلة إلى الّله‪،‬‬
‫س َ‬
‫كها عن النفقة الواجبة‪ ،‬كأن يمنع‬ ‫وهذا هو الكنز المحّرم‪ :‬أن يم ِ‬
‫‪ -‬في )ب(‪» :‬ضاهوه«‪.‬‬ ‫‪1‬‬
‫منها الزكاة أو النفقات الواجبة للزوجات أو القارب أو النفقة في‬
‫ب أليم{‪.‬‬ ‫سبيل الّله إذا وجبت؛ }فب ّ‬
‫شْرهم بعذا ٍ‬
‫م ُيحمى عليها{؛ أي‪ :‬على‬ ‫سره بقوله‪} :‬يو َ‬ ‫}‪ {35‬ثم ف ّ‬
‫أموالهم }في نار جهّنم{‪ :‬فُيحمى كل دينار أو درهم على حدته‪،‬‬
‫ههم وجنوُبهم وظهوُرهم{‪ :‬في يوم القيامة‪ ،‬كلما‬ ‫}فُتكوى بها جبا ُ‬
‫ت‪ ،‬في يوم كان مقداره خمسين ألف سنة‪ ،‬ويقال‬ ‫بردت؛ أعيد ْ‬
‫سكم فذوقوا ما كنُتم‬ ‫لهم توبيخا ً ولومًا‪} :‬هذا ما كنزُتم لنف ِ‬
‫ذبتموها بهذا‬ ‫سكم‪ ،‬وع ّ‬ ‫ن{‪ :‬فما ظلمكم‪ ،‬ولكّنكم ظلمُتم أنف َ‬ ‫تكِنزو َ‬
‫الكنز‪.‬‬
‫وذكر الّله في هاتين اليتين انحراف النسان في ماله‪،‬‬
‫قه في الباطل الذي ل ُيجدي عليه‬ ‫ف َ‬
‫وذلك بأحد أمرين‪ :‬إما أن ين ِ‬
‫نفعًا‪ ،‬بل ل يناُله منه إل الضرر المحض‪ ،‬وذلك كإخراج الموال في‬
‫شهوات التي ل ُتعين على طاعة الّله‪ ،‬وإخراجها‬ ‫المعاصي وال ّ‬
‫جهِ في‬ ‫ك ماله عن إخرا ِ‬ ‫س َ‬ ‫للصد ّ عن سبيل الّله‪ .‬وإما أن يم ِ‬
‫ده‪.‬‬ ‫الواجبات‪ ،‬والنهي عن الشيء أمٌر بض ّ‬
‫ﭽ ﮤ ﮥ ﮦ ﮧ ﮨ ﮩ ﮪ ﮫ ﮬ ﮭ ﮮﮮ ﮯ ﮰ ﮱ ﯓ ﯔ ﯕ ﯖﯗ ﯘ‬
‫ﯤ ﯥ ﯦﯧ ﯨ ﯩ ﯪﯧﯧ ﯫﯧﯧ ﯬﯧﯧ ﯭﯧﯧ ﭼ ‪.‬‬ ‫ﯙ ﯚﯛ ﯜ ﯝ ﯞ ﯟﯠ ﯡ ﯢ ﯣ‬
‫ن عدة الشهور عند الّله{؛ أي‪ :‬في‬ ‫}‪ {36‬يقول تعالى‪} :‬إ ّ‬
‫قضاء الّله وقدره }اثنا عشر شهرًا{‪ :‬وهي هذه الشهور المعروفة‬
‫خل َقَ السموات‬ ‫ي‪} ،‬يوم َ‬ ‫}في كتاب الّله{؛ أي‪ :‬في حكمه القدر ّ‬
‫در أوقاتها‪ ،‬فقسمها على هذه‬ ‫والرض{‪ :‬وأجرى ليلها ونهارها‪ ،‬وق ّ‬
‫حُرم{‪ :‬وهي رجب الفرد‬ ‫ة ُ‬ ‫الشهور الثني عشر شهرًا‪} .‬منها أربع ٌ‬
‫حُرما ً لزيادة حرمتها‬‫ت ُ‬ ‫وذو القعدة وذو الحجة والمحرم‪ ،‬وسمي ْ‬
‫ن أنفسكم{‪ُ :‬يحتمل أن‬ ‫وتحريم القتال فيها‪} .‬فل تظِلموا فيه ّ‬
‫الضمير يعود إلى الثني عشر شهرًا‪ ،‬وأن الّله تعالى بّين أنه‬
‫شك ََر الّله تعالى على‬ ‫مَر بطاعته‪ ،‬وي ُ ْ‬ ‫جعلها مقادير للعباد‪ ،‬وأن ت ُعْ َ‬
‫حذروا من ظلم أنفسكم‬ ‫مّنته بها‪ ،‬وتقييضها لمصالح العباد‪ ،‬فل ْت َ ْ‬
‫ن هذا نهي‬ ‫ن الضمير يعود إلى الربعة الحرم‪ ،‬وأ ّ‬ ‫فيها‪ .‬وُيحتمل أ ّ‬
‫ل وقت؛‬ ‫ظلم فيها خصوصًا‪ ،‬مع النهي عن الظلم ك ّ‬ ‫لهم عن ال ّ‬
‫ظلم فيها أشد ّ منه في غيرها‪ ،‬ومن ذلك‬ ‫لزيادة تحريمها وكون ال ّ‬
‫النهي عن القتال فيها على قول من قال‪ :‬إن القتال في الشهر‬
‫ه؛ عمل ً بالنصوص العامة في تحريم‬ ‫)‪(1‬‬
‫الحرم لم ُينسخ تحريم ُ‬
‫القتال فيها‪ ،‬ومنهم من قال‪ :‬إن تحريم القتال فيها منسوخ أخذا ً‬
‫ة{؛‬ ‫ة كما يقاتلوَنكم كافّ ً‬ ‫ن كافّ ً‬ ‫بعموم نحو قوله‪} :‬وقاتلوا المشركي َ‬
‫‪ -‬في )ب(‪» :‬مكر السيئ«‪.‬‬ ‫‪1‬‬
‫ب العالمين‪ ،‬ول‬ ‫أي‪ :‬قاتلوا جميع أنواع المشركين والكافرين بر ّ‬
‫د‪ ،‬بل اجعلوهم كّلهم لكم أعداًء‬ ‫صوا أحدا ً منهم بالقتال دون أح ٍ‬
‫تخ ّ‬
‫كما كانوا هم معكم كذلك قد اّتخذوا أهل اليمان أعداًء لهم ل‬
‫ل من الواو‪،‬‬ ‫يألونهم من الشّر شيئًا‪ ،‬ويحتمل أن }كافّ ً‬
‫ة{ حا ٌ‬
‫فيكون معنى هذا‪ :‬وقاتلوا جميعكم المشركين‪ ،‬فيكون فيها‬
‫وجوب النفير على جميع المؤمنين‪ ،‬وقد ُنسخت على هذا‬
‫فروا كافة‪ {...‬الية‪.‬‬ ‫الحتمال بقوله‪} :‬وما كان المؤمنون ل َِين ِ‬
‫}واعلموا أن الّله مع المتقين{‪ :‬بعونه ونصره وتأييده‪ ،‬فلتحرصوا‬
‫على استعمال تقوى الّله في سّركم وعلنكم والقيام بطاعته‪،‬‬
‫خصوصا ً عند قتال الكفار؛ فإنه في هذه الحال رّبما ترك المؤمن‬
‫العمل بالتقوى في معاملة الكفار العداء المحاربين‪.‬‬
‫ﭛ ﭜ ﭝ ﭞ ﭟ ﭠ‬ ‫ﭽ ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ‬
‫ﭡ ﭢ ﭣ ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ ﭨ ﭩ ﭪ ﭫ ﭬﭭ ﭮ ﭯ ﭰ ﭱ ﭲ ﭳ ﭼ ‪.‬‬
‫ل الجاهلية يستعملونه في‬ ‫}‪ {37‬النسيء هو ما كان أه ُ‬
‫الشهر الحرم‪ ،‬وكان من جملة بدعهم الباطلة أنهم لما رأوا‬
‫احتياجهم للقتال في بعض أوقات الشهر الحرم؛ رأوا بآرائهم‬
‫دة الشهر الحرم التي حّرم الّله‬ ‫الفاسدة أن يحافظوا على ع ّ‬
‫دموه ويجعلوا‬ ‫خروا بعض الشهر الحرم أو يق ّ‬ ‫القتال فيها‪ ،‬وأن يؤ ّ‬
‫ل ما أرادوا؛ فإذا جعلوه مكانه؛ أحّلوا القتال‬ ‫مكانه من أشهر الح ّ‬
‫فيه‪ ،‬وجعلوا الشهر الحلل حرامًا؛ فهذا كما أخبر الّله عنهم أنه‬
‫زيادة ٌ في كفرهم وضللهم؛ لما فيه من المحاذير‪:‬‬
‫منها ‪ :‬أّنهم ابتدعوه من تلقاء أنفسهم‪ ،‬وجعلوه بمنزلة شرع‬
‫الّله ودينه‪ ،‬والّله ورسوله بريئان منه‪.‬‬
‫ومنها ‪ :‬أنهم قلبوا الدين‪ ،‬فجعلوا الحلل حراما ً والحرام‬
‫حل ً‬
‫ل‪.‬‬
‫وهوا على الّله بزعمهم وعلى عباده‪ ،‬ول ََبسوا‬ ‫ومنها‪ :‬أنهم م ّ‬
‫عليهم دينهم‪ ،‬واستعملوا الخداع والحيلة في دين الّله‪.‬‬
‫ومنها ‪ :‬أن العوائد المخالفة للشرع مع الستمرار عليها‬
‫ن أنها عوائد حسنة‪ ،‬فحصل‬ ‫يزول قبحها عن النفـوس‪ ،‬ورّبـمـا ظ ُ ّ‬
‫من الغلط والضلل ما حصل‪.‬‬
‫ما ويحّرمونه‬‫حّلونه عا ً‬
‫ل به الذين كفروا ي ُ ِ‬ ‫ض ّ‬
‫ولهذا قال‪} :‬ي ُ َ‬
‫م الله{؛ أي‪ :‬ليوافقوها في العدد‪،‬‬ ‫ما ِليواطئوا عد ّة َ ما حّر َ‬ ‫عا ً‬
‫ن لهم سوُء أعمالهم{؛ أي‪ :‬زينت لهم‬ ‫حّلوا ما حّرم الّله‪ُ .‬زي ّ َ‬
‫}في ُ ِ‬
‫الشياطين العمال السيئة‪ ،‬فرأوها حسنة بسبب العقيدة المزّينة‬
‫في قلوبهم‪} .‬والّله ل يهدي القوم الكافرين{؛ أي‪ :‬الذين انصبغ‬
‫الكفر والتكذيب في قلوبهم‪ ،‬فلو جاءتهم ك ّ‬
‫ل آية لم يؤمنوا‪.‬‬
‫ثم قال تعالى‪:‬‬
‫ﭽ ﭴ ﭵ ﭶ ﭷ ﭸ ﭹ ﭺ ﭻ ﭼ ﭽ ﭾ ﭿ ﮀ ﮁ ﮂﮃ ﮄ ﮅ ﮆ‬
‫ﮇ ﮈﮉ ﮊ ﮋ ﮌ ﮍ ﮎ ﮏ ﮐ ﮑ ﮒ ﮓ ﮔ ﮕ ﮖ ﮗ ﮘ ﮙ ﮚ‬
‫ﮛ ﮜ ﮝﮞ ﮟ ﮠ ﮡ ﮢ ﮣ ﮤ ﭼ ‪.‬‬
‫ن كثيرا ً من هذه السورة الكريمة نزلت في‬ ‫}‪ {38‬اعلم أ ّ‬
‫غزوة تبوك‪ ،‬إذ ندب النبي صلى الله عليه وسلم المسلمين إلى‬
‫سرة )‪، (1‬‬ ‫غزو الروم‪ ،‬وكان الوقت حاّرا والزاد قليل ً والمعيشة ع َ ِ‬
‫فحصل من بعض المسلمين من التثاقل ما أوجب أن يعات َِبهم الّله‬
‫ضهم‪ ،‬فقال تعالى‪} :‬يا أّيها الذين آمنوا{‪ :‬أل‬ ‫تعالى عليه ويستنهِ َ‬
‫تعملون بمقتضى اليمان ودواعي اليقين من المبادرة لمر الّله‬
‫(‬‫‪2‬‬‫)‬

‫والمسارعة إلى رضاه وجهاد أعدائه والنصرة لدينكم؛ فما }لكم‬


‫فروا في سبيل الّله اّثاقَل ُْتم إلى الرض{؛ أي‪:‬‬ ‫ل لكم ان ِ‬ ‫إذا قي َ‬
‫دعة والسكون فيها‪} .‬أَرضيتم‬ ‫تكاسلتم وملتم إلى الرض وال ّ‬
‫من رضي بالدنيا‬ ‫دنيا من الخرة{؛ أي‪ :‬ما حاُلكم إل ّ حال َ‬ ‫بالحياة ال ّ‬
‫وسعى لها ولم يبال بالخرة؛ فكأنه ما آمن بها‪} .‬فما متاع ُ الحياة‬
‫ل{‪:‬‬ ‫دمتموها على الخرة }إل ّ قلي ٌ‬ ‫الدنيا{‪ :‬التي مالت بكم وق ّ‬
‫أفليس قد جعل الّله لكم عقول ً تزنون بها المور؟ وأّيها أح ّ‬
‫ق‬
‫باليثار؟! أفليست الدنيا من أولها إلى آخرها ل نسبة لها في‬
‫دا من الدنيا حتى‬ ‫الخرة؟! فما مقدار عمر النسان القصير ج ّ‬
‫مه وإرادته‬ ‫ده وه ّ‬ ‫ه وك ّ‬ ‫يجعله الغاية التي ل غاية وراءها فيجع َ‬
‫ل سعي َ ُ‬
‫دنيا )‪ (3‬القصيرة المملوءة بالكدار المشحونة‬ ‫دى الحياة ال ّ‬ ‫ل يتع ّ‬
‫بالخطار؟! فبأيّ رأي رأيتم إيثارها على الدار الخرة‪ ،‬الجامعة‬
‫ل نعيم‪ ،‬التي فيها ما تشتهيه النفس وتلذ ّ العين وأنتم فيها‬ ‫لك ّ‬
‫دنيا على الخرة من وَقََر اليمان في‬ ‫خالدون؟! فوالّله ما آثر ال ّ‬
‫ن جزل رأيه‪ ،‬ول من ع ُد ّ من أولي اللباب‪.‬‬ ‫م ْ‬
‫قلبه‪ ،‬ول َ‬
‫فروا‬ ‫}‪ {39‬ثم توعدهم على عدم النفير‪ ،‬فقال‪} :‬إل ّ َتن ِ‬
‫دنيا والخرة؛ فإن عدم النفير في حال‬ ‫ذبكم عذابا ً أليمًا{‪ :‬في ال ّ‬ ‫يع ّ‬
‫ذنوب الموجبة لشد ّ العقاب؛ لما فيها من‬ ‫الستنفار من كبائر ال ّ‬
‫ن المتخّلف قد عصى الّله تعالى‪ ،‬وارتكب‬ ‫المضاّر الشديدة؛ فإ ّ‬
‫ب عن كتاب الّله‬ ‫لنهيه‪ ،‬ولم يساعد على نصر دين الله‪ ،‬ول ذ ّ‬
‫وشرعه‪ ،‬ول أعان إخوانه المسلمين على عدّوهم الذي يريد أن‬
‫‪ -‬في )ب(‪» :‬الحرام«‪.‬‬ ‫‪1‬‬

‫‪ -‬انظر »تفسير الطبري« )‪.(14/284‬‬ ‫‪2‬‬

‫داعي«‪.‬‬
‫‪ -‬في )ب(‪» :‬و َ‬ ‫‪3‬‬
‫يستأصلهم ويمحقَ دينهم‪ ،‬وربما اقتدى به غيره من ضعفاء‬
‫ت في أعضاد من قاموا بجهاد أعداء الّله؛‬ ‫اليمان‪ ،‬بل ربما ف ّ‬
‫عده الّله بالوعيد الشديد‪ ،‬فقال‪} :‬إل‬ ‫فحقيقٌ بمن هذا حاله أن يتو ّ‬
‫ل قوما غيركم{‪ :‬ثم ل يكونوا‬‫ً‬ ‫فروا يعذ ّْبكم عذابا ً أليما ً ويستبد ْ‬‫ّ َتن ِ‬
‫فل بنصر دينه وإعلء‬ ‫أمثالكم‪} ،‬ول تضّروه شيئًا{؛ فإنه تعالى متك ّ‬
‫كلمته؛ فسواٌء امتثلتم لمر الّله أو ألقيتموه وراءكم ظ ِهْرِّيا‪.‬‬
‫جُزه شيء أراده ول يغالبه‬ ‫}والّله على كل شيء قديٌر{‪ :‬ل يع ِ‬
‫د‪.‬‬
‫أح ٌ‬
‫ﭽ ﮥ ﮦ ﮧ ﮨ ﮩ ﮪ ﮫ ﮬ ﮭ ﮮﮮ ﮯ ﮰ ﮱ ﯓ ﯔ ﯕ ﯖ ﯗ ﯘ‬
‫ﯙ ﯚ ﯛ ﯜﯝ ﯞ ﯟ ﯠ ﯡ ﯢ ﯣ ﯤ ﯥ ﯦ ﯧ ﯨ ﯩ ﯪﯧﯧﯫﯧﯧ ﯬﯧﯧ ﯭﯧﯧ ﯮﯧﯧ ﯯﯧﯧﯰﯧﯧ ﯱﯧﯧ ﯷ ﯷ‬
‫ﯷ ﭼ‪.‬‬
‫}‪ {40‬أي‪ :‬إل تنصروا رسوله محمدا ً صلى الله عليه وسلم؛‬
‫ل ما يكون‬‫ي عنكم‪ ،‬ل تضّرونه شيئًا؛ فقد نصره في أق ّ‬ ‫فالّله غن ّ‬
‫َ‬
‫سَعوا‬
‫موا بقتله و َ‬‫وَأذ َل ّهِ }إذ أخرجه الذين كفروا{‪ :‬من مكة‪ ،‬لما هـ ّ‬
‫في ذلك وحرصوا أشد ّ الحرص فألجؤوه إلى أن يخرج‪} .‬ثاني‬
‫ن{؛ أي‪ :‬هو وأبو بكر الصديق رضي الّله عنه‪} .‬إذ هما في‬ ‫اثني ِ‬
‫)‪(1‬‬
‫الغار{؛ أي‪ :‬لما هربا من مكة؛ لجآ إلى غار ثور في أسفل‬
‫مكة‪ ،‬فمكثا فيه ليبرد عنهما الطلب؛ فهما في تلك الحالة الحرجة‬
‫ل جانب يطلبونهما‬ ‫قة حين انتشر العداء من ك ّ‬ ‫الشديدة المش ّ‬
‫طر على البال‪.‬‬ ‫ليقتلوهما‪ ،‬فأنزل الّله عليهما من نصره ما ل يخ ُ‬
‫ه{‪ :‬أبي بكر لما‬ ‫ل{‪ :‬النبي صلى الله عليه وسلم }لصاحب ِ ِ‬ ‫}إذ يقو ُ‬
‫ن الّله معنا{‪ :‬بعونه ونصره‬ ‫نإ ّ‬
‫قه‪} :‬ل تحز ْ‬
‫حزن واشتد ّ قل ُ‬
‫وتأييده‪} ،‬فأنزل الّله سكين ََته عليه{؛ أي‪ :‬الثبات والطمأنينة‬
‫كنه وقال‪ :‬ل‬ ‫والسكون المثّبتة للفؤاد‪ ،‬ولهذا لما قلق صاحبه؛ س ّ‬
‫ن الّله معنا‪} .‬وأّيده بجنود ٍ لم ت ََرْوها{‪ :‬وهي الملئكة‬ ‫نإ ّ‬‫تحز ْ‬
‫الكرام‪ ،‬الذين جعلهم الّله حرسا ً له‪.‬‬
‫ة الذين كفروا السفلى{؛ أي‪ :‬الساقطة‬ ‫}وجعل كلم َ‬
‫حْرد ٍ قادرين في‬ ‫ن الذين كفروا ]قد[ كانوا على َ‬‫المخذولة؛ فإ ّ‬
‫ظّنهم على قتل الرسول صلى الله عليه وسلم وأخذه حنقين‬
‫م لهم‬ ‫عليه‪ ،‬فعملوا غاية مجهودهم في ذلك‪ ،‬فخذلهم الّله ولم ي ُت ِ ّ‬
‫دهم‪ ،‬بل ول أدركوا شيئا ً منه‪ ،‬ونصر الّله رسوله بدفعه عنه‪،‬‬ ‫مقصو َ‬
‫ن النصر على‬ ‫وهذا هو النصر المذكور في هذا الموضع؛ فإ ّ‬
‫ه لهم‬ ‫م الل ّ ُ‬ ‫قسمين‪ :‬نصر المسلمين إذا طمعوا في عدّوهم بأن ي ُت ِ ّ‬
‫ما طلبوا وقصدوا ويستولوا على عدّوهم ويظهروا عليهم‪.‬‬
‫هّ‬
‫صُر الل ِ‬‫والثاني‪ :‬نصر المستضَعف الذي طمع فيه عدّوه القادر‪ ،‬فن ْ‬
‫‪ -‬في )ب(‪» :‬حياته الدنيا«‪.‬‬ ‫‪1‬‬
‫إياه أن يرد ّ عنه عدّوه‪ ،‬ويدافع عنه‪ ،‬ولعل هذا النصر أنفع‬
‫صُر الل ّهِ رسوَله إذ أخرجه الذين كفروا ثاني اثنين من‬ ‫النصرين‪ ،‬ون َ ْ‬
‫ة اللهِ هي العليا{؛ أي‪ :‬كلماته القدرّية‬ ‫هذا النوع‪ .‬وقوله‪} :‬وكلم ُ‬
‫وكلماته الدينّية هي العالية على كلمة غيره‪ ،‬التي من جملتها‬
‫صُر رسَلنا والذين‬
‫صُر المؤمنين{‪} ،‬إّنا لنن ُ‬‫قا علينا ن َ ْ‬ ‫قوله‪} :‬وكان ح ّ‬
‫دنا لهم‬
‫ن جن َ‬
‫د{‪} ،‬وإ ّ‬ ‫م الشها ُ‬‫دنيا ويوم يقو ُ‬ ‫آمنوا في الحياة ال ّ‬
‫ّ‬
‫الغالبون{؛ فدين الله هو الظاهر العالي على سائر الديان‬
‫بالحجج الواضحة واليات الباهرة والسلطان الناصر‪} .‬والّله‬
‫ب‪} ،‬حكيم{‪ :‬يضعُ الشياء‬ ‫ب ول يفوته هار ٌ‬ ‫عزيٌز{‪ :‬ل يغالبه مغال ٌ‬
‫ت آخر اقتضته الحكمة‬ ‫خُر نصَر حزبه إلى وق ٍ‬ ‫مواضعها‪ ،‬ويؤ ّ‬
‫اللهية‪.‬‬
‫وفي هذه الية الكريمة فضيلة أبي بكر الصديق بخصيصة‬
‫لم تكن لغيره من هذه المة‪ ،‬وهي الفوز بهذه المنقبة الجليلة‬
‫والصحبة الجميلة‪ ،‬وقد أجمع المسلمون على أّنه هو المراد بهذه‬
‫دوا من أنكر صحبة أبي بكر للنبي صلى‬ ‫الية الكريمة‪ ،‬ولهذا ع ّ‬
‫الله عليه وسلم كافرًا؛ لّنه منكر للقرآن الذي صّرح بها‪ .‬وفيها‬
‫ة السكينة‪ ،‬وأنها من تمام نعمة الّله على العبد في أوقات‬ ‫فضيل ُ‬
‫الشدائد والمخاوف التي تطيش لها الفئدة‪ ،‬وأنها تكون على‬
‫حسب معرفة العبد برّبه وثقته بوعد ِهِ الصادق وبحسب إيمانه‬
‫ص عباد الّله‬
‫ن الحزن قد يعرض لخوا ّ‬ ‫ه‪ .‬وفيها أ ّ‬ ‫وشجاعت ِ ِ‬
‫ن الولى إذا نزل بالعبد أن يسعى في ذهابه عنه؛‬ ‫الصديقين‪ ،‬مع أ ّ‬
‫ن للعزيمة‪.‬‬ ‫ف للقلب موه ِ ٌ‬ ‫فإنه مضعِ ٌ‬
‫ﭠ‬ ‫ﭽ ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙﭚ ﭛ ﭜ ﭝ ﭞ ﭟ‬
‫ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ ﭨ ﭩ ﭪ ﭫ ﭬﭭ ﭮ ﭯ ﭰ ﭱ ﭲ ﭳ‬ ‫ﭡ ﭢ ﭣ‬
‫ﭴ ﭵ ﭶ ﭷ ﭸ ﭹ ﭺ ﭼ‪.‬‬
‫}‪ {41‬يقول تعالى لعباده المؤمنين مهّيجا ً لهم على النفير‬
‫ل{‪ :‬في العسر واليسر‪،‬‬ ‫فروا خفافا ً وثقا ً‬ ‫في سبيله‪ ،‬فقال‪} :‬ان ِ‬
‫والمنشط والمكره‪ ،‬والحّر والبرد‪ ،‬وفي جميع الحوال‪} ،‬وجاهدوا‬
‫سكم في سبيل الّله{؛ أي‪ :‬ابذلوا جهدكم في ذلك‪،‬‬ ‫بأموالكم وأنف ِ‬
‫ل على أنه‬ ‫سَعكم في المال والنفس‪ .‬وفي هذا دلي ٌ‬ ‫واستفرغوا وُ ْ‬
‫د[ في المال حيث‬ ‫كما يجب الجهاد ُ في النفس يجب ]الجها ُ‬
‫اقتضت الحاجة ودعت لذلك‪ .‬ثم قال‪} :‬ذلكم خيٌر لكم إن كنتم‬
‫ن{؛ أي‪ :‬الجهاد في النفس والمال خيٌر لكم من التقاعد‬ ‫تعلمو َ‬
‫ن فيه رضا الّله تعالى والفوز بالدرجات العاليات عنده‬ ‫عن ذلك؛ ل ّ‬
‫دخول في جملة جنده وحزبه‪.‬‬ ‫ّ‬
‫والنصر لدين الله وال ّ‬
‫ة‬
‫ب أو منفع ٍ‬ ‫جهم لطلب عرض قري ٍ‬ ‫}‪} {42‬لو كان{‪ :‬خرو ُ‬
‫دنيوّية سهلة التناول‪ .‬أو كان السفُر }سفرا ً قاصدًا{؛ أي‪ :‬قريبا ً‬
‫ت عليهم‬ ‫سهل ً }لّتبعوك{‪ :‬لعدم المش ّ‬
‫قة الكثيرة‪} ،‬ولكن ب َعُد َ ْ‬
‫ة{؛ أي‪ :‬طالت عليهم المسافة‪ ،‬وصعب عليهم السفر؛‬ ‫ق ُ‬ ‫ال ّ‬
‫ش ّ‬
‫فلذلك تثاقلوا عنك‪ ،‬وليس هذا من أمارات العبودّية‪ ،‬بل العبد‬
‫ل حال‪ ،‬القائم بالعبادة السهلة‬ ‫ة المتعب ّد ُ لرّبه في ك ّ‬‫حقيق ً‬
‫ّ‬
‫ل حال‪} .‬وسيحلفون بالله لو‬ ‫ّ‬
‫والشاّقة؛ فهذا العبد لله على ك ّ‬
‫استطعنا لخرجنا معكم{؛ أي‪ :‬سيحلفون أن تخلفهم عن الخروج‬
‫سهم{‪:‬‬ ‫ن لهم عذرًا‪ ،‬وأنهم ل يستطيعون ذلك‪ُ} ،‬يـهِْلكون أنف َ‬ ‫أ ّ‬
‫ن{‪.‬‬ ‫ّ‬
‫بالقعود والكذب والخبار بغير الواقع‪} .‬والله يعلم إّنهم لكاذبو َ‬
‫وهذا العتاب إنما هو للمنافقين‪ ،‬الذين تخّلفوا عن النبي‬
‫صلى الله عليه وسلم في غزوة تبوك‪ ،‬وأبدوا من العذار الكاذبة‬
‫ما أبدوا‪ ،‬فعفا النبي صلى الله عليه وسلم عنهم بمجّرد‬
‫حنهم فيتبيّـن له الصادق من الكاذب‪،‬‬ ‫اعتذارهم‪ ،‬من غير أن يمت َ ِ‬
‫ولهذا عاتبه الّله على هذه المسارعة إلى عذرهم‪ ،‬فقال‪:‬‬
‫ﭽﭻ ﭼ ﭽ ﭾ ﭿ ﮀ ﮁ ﮂ ﮃ ﮄ ﮅ ﮆ ﮇ ﮈ ﮉ ﮊ ﮋ ﮌ ﮍ‬
‫ﮎ ﮏ ﮐ ﮑ ﮒ ﮓﮔ ﮕ ﮖ ﮗ ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ ﮜ ﮝ ﮞ ﮟ ﮠ‬
‫ﮡ ﮢ ﮣ ﮤ ﮥ ﮦ ﮧ ﭼ‪.‬‬
‫}‪ {43‬يقول تعالى لرسوله صلى الله عليه وسلم‪} :‬عفا‬
‫الّله عنك{؛ أي‪ :‬سامحك وغفر لك ما أجريت‪} .‬لم أذن َ‬
‫ت‬
‫م‬
‫دقوا وتعل َ‬ ‫لهم{‪:‬في التخّلف‪} ،‬حّتى يتبيّـن لك الذين َ‬
‫ص َ‬
‫حنهم ليتبّين لك الصادق من الكاذب‪ ،‬فتعذر‬ ‫الكاذبين{ )‪ :(1‬بأن تمت َ ِ‬
‫من ل يستحقّ ذلك‪.‬‬ ‫من يستحقّ العذر م ّ‬
‫}‪ {44‬ثم أخبر أن المؤمنين بالّله واليوم الخر ل يستأذنون‬
‫في ترك الجهاد بأموالهم وأنفسهم؛ لن ما معهم من الرغبة في‬
‫ث‬‫الخير واليمان يحملهم على الجهاد من غير أن يحّثهم عليه حا ّ‬
‫فضل ً عن كونهم يستأذنون في ترك ِهِ من غير عذٍر‪} .‬والّله علي ٌ‬
‫م‬
‫بالمّتقين{‪ :‬فيجازيهم على ما قاموا به من تقواه‪ ،‬ومن علمه‬
‫ن من علماتهم أنهم ل يستأذنون في ترك‬ ‫بالمّتقين أنه أخبر أ ّ‬
‫الجهاد‪.‬‬
‫}‪} {45‬إنما يستأذنك الذين ل يؤمنون بالّله واليوم الخر‬
‫ق؛‬
‫ن صاد ٌ‬ ‫م ول يقيـ ٌ‬‫ن تا ّ‬
‫ت قلوُبهم{؛ أي‪ :‬ليس لهم إيما ٌ‬ ‫وارتاب ْ‬
‫فلذلك قّلت رغبُتهم في الخير‪ ،‬وجبنوا عن القتال‪ ،‬واحتاجوا أن‬

‫‪ -‬في )ب(‪» :‬غار حراء«‪ .‬والصواب ما في ) أ (‪.‬‬ ‫‪1‬‬


‫ددون{؛ أي‪ :‬ل‬
‫يستأذنوا في ترك القتال‪} .‬فهم في َري ِْبهم يتر ّ‬
‫ك والحيرة‪.‬‬‫يزالون في الش ّ‬
‫}ﭽ ﮨ ﮩ ﮪ ﮫ ﮬ ﮭ ﮮﮮ ﮯ ﮰ ﮱ ﯓ ﯔ ﯕ ﯖ ﯗ ﯘ ﯙ ﯚ ﯛ‬
‫ﯜ ﯝ ﯞ ﯟ ﯠ ﯡ ﯢ ﯣ ﯤ ﯥ ﯦ ﯧﯨ ﯩ ﯪﯧﯧ ﯫﯧﯧ ﯬﯧﯧ ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ‬
‫ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ ﭝ ﭞ ﭟ ﭠ ﭡ ﭼ‪.‬‬
‫}‪ {46‬يقول تعالى مبّينا ً أن المتخّلفين من المنافقين قد‬
‫)‪(1‬‬
‫ظهر منهم من القرائن ما يبيّـن أنهم ما قصدوا الخروج‬
‫ع‬
‫ن العذر هو المان ُ‬ ‫ة؛ فإ ّ‬ ‫ن أعذارهم التي اعتذروها باطل ٌ‬ ‫بالك ُّلية‪ ،‬وأ ّ‬
‫سَعه وسعى في أسباب الخروج ثم‬ ‫الذي يمنع إذا ب َذ َ َ‬
‫ل العبد ُ وُ ْ‬
‫ي؛ فهذا الذي ُيعذر‪} ،‬و{ أما هؤلء المنافقون‪،‬‬ ‫منعه مانعٌ شرع ّ‬
‫دوا وعملوا ما‬
‫ة{؛ أي‪ :‬لستع ّ‬ ‫دوا له ع ُد ّ ً‬‫ج لع ّ‬ ‫فلو }أرادوا الخرو َ‬
‫ة؛ علم أنهم ما‬ ‫دوا له ع ُد ّ ً‬‫يمكنهم من السباب‪ ،‬ولكن لما لم ي ُعِ ّ‬
‫أرادوا الخروج‪} ،‬ولكن ك َرِه َ الّله انبعاَثهم{‪ :‬معكم في الخروج‬
‫للغزو‪} ،‬فثّبطهم{‪ :‬قدرا ً وقضاًء وإن كان قد أمرهم وحّثهم على‬
‫الخروج وجعلهم مقتدرين عليه‪ ،‬ولكن بحكمت ِهِ ما أراد إعانتهم‪ ،‬بل‬
‫ن{‪ :‬من النساء‬ ‫عدي َ‬‫ل اقُعدوا مع القا ِ‬ ‫ذلهم وثّبطهم‪} ،‬وقي َ‬ ‫خ َ‬
‫َ‬
‫والمعذورين‪.‬‬
‫خَرجوا فيكم ما‬ ‫}‪ {47‬ثم ذكر الحكمة في ذلك‪ ،‬فقال‪} :‬لو َ‬
‫سَعوا‬ ‫خللكم{؛ أي‪ :‬ول َ‬ ‫ضعوا ِ‬ ‫ل{؛ أي‪ :‬نقصًا‪} ،‬ولوْ َ‬ ‫زادوكم إل ّ خبا ً‬
‫كم‬‫في الفتنة والشّر بينكم وفّرقوا جماعتكم المجتمعين‪} .‬يبغون َ ُ‬
‫ة{؛ أي‪ :‬هم حريصون على فتنتكم وإلقاء العداوة بينكم‪،‬‬ ‫الفتن َ‬
‫ماعون لهم{؛ أي‪:‬‬ ‫س ضعفاء العقول‪} ،‬س ّ‬ ‫}وفيكم{‪ :‬أنا ٌ‬
‫مستجيبون لدعوتهم‪ ،‬يغتّرون بهم؛ فإذا كانوا حريصين على‬
‫ن‬‫م ْ‬ ‫خذلنكم وإلقاء الشّر بينكم وتثبيطكم عن أعدائكم وفيكم َ‬
‫جهم‬ ‫حهم؛ فما ظّنك بالشّر الحاصل من خرو ِ‬ ‫ص ُ‬
‫ل منهم ويستن ِ‬ ‫قب َ ُ‬
‫يَ ْ‬
‫م الحكمة حيث‬ ‫ّ‬
‫مع المؤمنين والنقص الكثير منهم؟! فلله أت ّ‬
‫ة بهم‪،‬‬
‫ثّبطهم‪ ،‬ومنعهم من الخروج مع عباده المؤمنين رحم ً‬
‫م‬‫خَلهم ما ل ينفعهم بل يضّرهم‪} .‬والّله علي ٌ‬ ‫ولطفا ً من أن ُيدا ِ‬
‫ده كيف يحذرونهم‪ ،‬ويبّين لهم من‬ ‫بالظالمين{‪ :‬فُيعّلم عبا َ‬
‫المفاسد الناشئة من مخالطتهم‪.‬‬
‫}‪ {48‬ثم ذكر أنه قد سبق لهم سوابق في الشّر‪ ،‬فقال‪:‬‬
‫ل{؛ أي‪ :‬حين هاجرتم إلى المدينة‪ ،‬بذلوا‬ ‫وا الفتنة من قب ُ‬‫}لقد ابت َغَ ُ‬
‫الجهد‪} ،‬وقَّلبوا لك الموَر{؛ أي‪ :‬أداروا الفكار‪ ،‬وأعملوا الحيل‬
‫صروا في ذلك‪} .‬حتى‬ ‫ق ّ‬
‫ن ديِنكم‪ ،‬ولم ي ُ َ‬
‫ذل ِ‬‫خ ْ‬
‫في إبطال دعوِتكم و ِ‬

‫‪ -‬في )ب(‪» :‬حتى تعلم يتبّين«‪.‬‬ ‫‪1‬‬


‫دهم‪ ،‬واضمح ّ‬
‫ل‬ ‫جاء الحقّ وظهر أمُر الّله وهم كارهون{‪ :‬فب َط َ َ‬
‫ل كي ُ‬
‫ده المؤمنين منهم‪،‬‬‫ذر الّله عبا َ‬
‫ل هؤلء أن يح ّ‬‫باطُلهم؛ فحقيقٌ بمث ِ‬
‫ن بتخّلفهم عنهم‪.‬‬
‫وأن ل يبالي المؤمنو َ‬
‫ﭭﭮ ﭯ ﭰ ﭱ ﭲ ﭳ‬ ‫ﭽ ﭢ ﭣ ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ ﭨﭩ ﭪ ﭫ ﭬ‬
‫ﭼ‪.‬‬
‫}‪ {49‬أي‪ :‬ومن هؤلء المنافقين من يستأذن في التخّلف‬
‫ويعتذر بعذرٍ آخر عجيب‪ ،‬فيقول‪} :‬ائذن لي{‪ :‬في التخـّلف‪} ،‬ول‬
‫فت ِّني{‪ :‬في الخروج؛ فإني إذا خـرجت فـرأيت نسـاء بني‬ ‫تَ ْ‬
‫الصفـر ل أصبـر عنهن؛ كمـا قـال ذلك الجـد ّ بن قيس‪ ،‬ومقصوده‬
‫ن في‬ ‫قّبحه الله الرياء والنفاق؛ بأن مقصودي مقصود ٌ حسن؛ فإ ّ‬
‫فا عن‬ ‫ة وك ّ‬‫ة‪ ،‬وتعرضا ً للشّر‪ ،‬وفي عدم خروجي عافي ً‬ ‫خروجي فتن ً‬
‫الشّر‪ .‬قال الّله تعالى مبّينا ً كذب هذا القول‪} :‬أل في الفتن ِ‬
‫ة‬
‫ه؛ في‬ ‫قطوا{‪ :‬فإنه على تقدير صدق هذا القائل في قصد ِ ِ‬ ‫س َ‬‫َ‬
‫ققة‪ ،‬وهي معصية اللهّ‬ ‫ة عظمى مح ّ‬ ‫التخلف مفسدة ٌ كبرى وفتن ٌ‬ ‫ّ‬
‫ومعصية رسوله والتجّري على الثم الكبير والوزر العظيم‪ ،‬وأما‬
‫ن‬
‫همة‪ ،‬مع أ ّ‬ ‫ج؛ فمفسدة ٌ قليلة بالنسبة للتخّلف‪ ،‬وهي متو ّ‬ ‫الخرو ُ‬
‫عدهم الّله بقوله‪} :‬وإ ّ‬
‫ن‬ ‫هذا القائل قصده التخّلف ل غير‪ ،‬ولهذا تو ّ‬
‫ص ول‬ ‫فّر ول منا ٌ‬ ‫م َ‬
‫ة بالكافرين{‪ :‬ليس لهم عنها َ‬ ‫جهّنم لمحيط ٌ‬
‫ص‪.‬‬‫ك ول خل ٌ‬ ‫فكا ٌ‬
‫}ﭽ ﭴ ﭵ ﭶ ﭷﭸ ﭹ ﭺ ﭻ ﭼ ﭽ ﭾ ﭿ ﮀ ﮁ ﮂ ﮃ ﮄ ﮅ‬
‫ﮆ ﮇ ﮈ ﮉ ﮊ ﮋ ﮌ ﮍ ﮎ ﮏﮐ ﮑ ﮒ ﮓ ﮔ ﮕ ﭼ ‪.‬‬
‫قا‬ ‫}‪ {50‬يقول تعالى مبينا ً أن المنافقين هم العداء ح ّ‬
‫ة{‪ :‬كنصر وإدالة على‬ ‫ك حسن ٌ‬ ‫المبغضون للدين صرفًا‪} :‬إن ت ُ ِ‬
‫صب ْ َ‬
‫ة{‪:‬‬ ‫ك مصيب ٌ‬ ‫صب ْ َ‬
‫ؤهم{؛ أي‪ :‬تحزنهم وتغمهم‪} ،‬وإن ت ُ ِ‬ ‫س ْ‬
‫العدو }ت َ ُ‬
‫جحين بسلمتهم من الحضور‬ ‫كإدالة العدو عليك }يقولوا{‪ :‬متب ّ‬
‫ل{؛ أي‪ :‬قد حذرنا وعملنا بما ُينجينا‬ ‫ذنا أمرنا من قب ُ‬ ‫خ ْ‬‫معك‪} :‬قد أ َ‬
‫وا وهم فرحون{‪:‬‬ ‫من الوقوع في مثل هذه المصيبة‪} ،‬ويتول ّ ْ‬
‫بمصيبتك وبعدم مشاركتهم إياك فيها‪.‬‬
‫دا عليهم في ذلك‪} :‬قل لن ُيصَيبنا إل ّ‬ ‫}‪ {51‬قال تعالى را ّ‬
‫دره وأجراه في اللوح المحفوظ‪} .‬هو‬ ‫ب الّله لنا{؛ أي‪ :‬ق ّ‬‫ما ك َت َ َ‬
‫مولنا{؛ أي‪ :‬متولي أمورنا الدينّية والدنيوّية؛ فعلينا الّرضا‬
‫بأقداره‪ ،‬وليس في أيدينا من المر شيء‪} .‬وعلى الّله{‪ :‬وحده‬
‫كل المؤمنون{؛ أي‪ :‬يعتمدوا عليه في جلب مصالحهم‬ ‫}فليتو ّ‬
‫ودفع المضاّر عنهم ويثقوا به في تحصيل مطلوبهم؛ فل خاب من‬
‫كل عليه‪ ،‬وأما من تو ّ‬
‫كل على غيره؛ فإنه مخذول غير مدرك‬ ‫تو ّ‬
‫لما أمل‪.‬‬
‫ﮛ ﮜﮝ ﮞ ﮟ ﮠ ﮡ ﮢ ﮣ ﮤ ﮥ ﮦ‬ ‫ﮚ‬ ‫ﭽﮖ ﮗ ﮘ ﮙ‬
‫ﮨﮩ ﮪ ﮫ ﮬ ﮭ ﮮﮮ ﭼ ‪.‬‬ ‫ﮧ‬
‫ي‬
‫}‪ {52‬أي‪ :‬قل للمنافقين الذين يترّبصون بكم الدوائر‪ :‬أ ّ‬
‫شيء ترّبصون بنا؟ فإنكم ل ترّبصون بنا إل أمرا ً فيه غاية نفعنا‪،‬‬
‫فر بالعداء والنصر عليهم ونيل‬ ‫وهو إحدى الحسنيين‪ :‬إما الظ ّ َ‬
‫الثواب الخروي والدنيوي‪ ،‬وإما الشهادة التي هي من أعلى‬
‫خْلق وأرفع المنازل عند الله‪ .‬وأما ترّبصنا بكم يا معشر‬ ‫درجات الـ َ‬
‫ب من عنده{‬ ‫ّ‬
‫المنافقين؛ فنحن }نترّبص بكم أن يصيَبكم الله بعذا ٍ‬
‫ل سبب لنا فيه }أو بأيدينا{؛ بأن يسّلطنا عليكم فنقتلكم‪،‬‬
‫}فترّبصوا{‪ :‬بنا الخير‪} ،‬إنا معكم مترّبصون{‪ :‬بكم الشّر‪.‬‬
‫ﭽ ﮯ ﮰ ﮱ ﯓ ﯔ ﯕ ﯖ ﯗﯘ ﯙ ﯚ ﯛ ﯜ ﯝ ﯞ ﯟ ﯠ ﯡ ﯢ ﯣ ﯤ‬
‫ﯷ ﭼ‪.‬‬ ‫ﯥ ﯦ ﯧ ﯨ ﯩ ﯪﯧﯧ ﯫﯧﯧ ﯬﯧﯧ ﯭﯧﯧ ﯮﯧﯧ ﯯﯧﯧ ﯰﯧﯧ ﯱﯧﯧ ﯷ ﯷ‬
‫}‪ {53‬يقول تعالى مبّينا ً بطلن نفقات المنافقين وذاكرا ً‬
‫السبب في ذلك‪} ،‬قل{ لهم‪} :‬أنفقوا طوعًا{‪ :‬من أنفسكم‪} ،‬أو‬
‫قّبل منكم{‪ :‬شيء من‬ ‫كرهًا{‪ :‬على ذلك بغير اختياركم‪} .‬لن ي ُت َ َ‬
‫أعمالكم‪ ،‬لّنكم }كنتم قوما ً فاسقين{‪ :‬خارجين عن طاعة الّله‪.‬‬
‫من ََعهم‬ ‫}‪ {54‬ثم بّين صفة فسقهم وأعمالهم ]فقال[‪} :‬وما َ‬
‫ل منهم نفقاُتهم إل ّ أّنهم كفروا بالّله وبرسوله{‪ :‬والعمال‬ ‫قب َ َ‬
‫أن ت ُ ْ‬
‫ط قبولها اليمان؛ فهؤلء ل إيمان لهم ول عمل صالح‪،‬‬ ‫كّلها شر ُ‬
‫ن الصلة التي هي أفضل أعمال البدن إذا قاموا إليها قاموا‬ ‫حتى إ ّ‬
‫كسالى{؛ أي‪:‬‬ ‫كسالى؛ قال‪} :‬ول يأتـون الصـلة إل ّ وهم ُ‬
‫متثاقلون ل يكادون يفعلونها من ثقلها عليهم‪} .‬ول ُينفقون إل‬
‫ن{‪ :‬من غير انشراح صدر وثبات نفس؛ ففي هذا غاية‬ ‫وهم كارهو َ‬
‫م لمن فعل مثل فعلهم‪ ،‬وأنه ينبغي للعبد أن ل يأتي الصلة إل‬ ‫الذ ّ‬
‫ط البدن والقلب إليها‪ ،‬ول ينفق إل وهو منشرح الصدر‬ ‫وهو نشي ُ‬
‫ذخرها وثوابها من الّله وحده‪ ،‬ول يتشّبه‬ ‫ثابت القلب يرجو ُ‬
‫بالمنافقين‪.‬‬
‫ﭽ ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ ﭝ ﭞ ﭟ ﭠ ﭡ ﭢ‬
‫ﭣ ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ ﭨ ﭩ ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ ﭯ ﭰ ﭱ ﭲ ﭳ ﭴ ﭵ‬
‫ﭶ ﭷ ﭸ ﭹ ﭺ ﭼ‪.‬‬
‫ل هؤلء المنافقين ول‬ ‫}‪ {55‬يقول تعالى‪ :‬فل تعجْبك أموا ُ‬
‫دموها على‬‫دهم؛ فإنه ل غبطة فيها‪ ،‬وأول بركاتها عليهم أن ق ّ‬ ‫أول ُ‬
‫ّ‬ ‫ّ‬
‫مراضي رّبهم وعصوا الله لجلها‪} .‬إّنما يريد الله ليعذ َّبهم بها في‬
‫قة في‬ ‫دنيا{‪ :‬والمراد بالعذاب هنا ما ينالهم من المش ّ‬ ‫الحياة ال ّ‬
‫م القلب فيها وتعب البدن؛‬ ‫تحصيلها والسعي الشديد في ذلك وه ّ‬
‫قاتهم؛ لم يكن لها نسبة إليها؛ فهي‬ ‫فلو قابلت ل َ ّ‬
‫ذاتهم فيها بمش ّ‬
‫ما ألهتهم عن الّله وذكره؛ صارت وبال ً عليهم حتى في الدنيا‪،‬‬ ‫َلـ ّ‬
‫ن قلوبهم تتعّلق بها وإراداتهم ل‬ ‫ومن وبالها العظيم الخطر أ ّ‬
‫تتعداها‪ ،‬فتكون منتهى مطلوِبهم وغاية مرغوِبهم‪ ،‬ول يبقى في‬
‫ق‬
‫ب‪ ،‬فيوجب ذلك أن ينتقلوا من الدنيا‪} ،‬وَت َْزهَ َ‬ ‫قلوبهم للخرة نصي ٌ‬
‫سُهم وهم كافرون{؛ فأي عقوبة أعظم من هذه العقوبة‬ ‫أنف ُ‬
‫شقاء الدائم والحسرة الملزمة؟!‬ ‫الموجبة لل ّ‬
‫}‪} {56‬ويحلفون بالّله إّنهم لمنكم وما هم منكم ولكنهم{‪:‬‬
‫فَرقون{؛ أي‪ :‬يخافون‬ ‫م يَ ْ‬‫قصدهم في حلفهم هذا أنهم }قو ٌ‬
‫الدوائر‪ ،‬وليس في قلوبهم شجاعة تحملهم على أن يبّينوا‬
‫أحوالهم‪ ،‬فيخافون إن أظهروا حالهم منكم ويخافون أن تتبّرؤوا‬
‫طفهم العداء من كل جانب‪ ،‬وأما حال قويّ القلب‬ ‫منهم فـيـتخ ّ‬
‫ة كانت أو‬ ‫ثابت الجنان؛ فإنه يحمله ذلك على بيان حاله حسن ً‬
‫حل ْي َ ِ‬
‫ة‬ ‫حّلوا ب ِ‬ ‫خْلع ُ‬
‫ة الجبن‪ ،‬و ُ‬ ‫خل ِعَ عليهم ِ‬
‫ة‪ ،‬ولكن المنافقين ُ‬ ‫سيئ ً‬
‫الكذب‪.‬‬
‫دة جبنهم‪ ،‬فقال‪} :‬لو يجدون ملجأ{‪:‬‬ ‫}‪ {57‬ثم ذكر ش ّ‬
‫ت{‪ :‬يدخلونها‬‫يلجؤون إليه عندما تنزل بهم الشدائد‪} ،‬أو مغارا ٍ‬
‫صنون فيه‪،‬‬‫ل{؛ أي‪ :‬محل ّ يدخلونه فيتح ّ‬
‫فيستقّرون فيها‪} ،‬أو مدخ ً‬
‫جمحون{؛ أي‪ :‬يسرعون وُيـهَْرعون؛ فليس لهم‬ ‫}ل َوَّلوا إليه وهم َيـ ْ‬
‫مَلكة يقتدرون بها على الثبات‪.‬‬ ‫َ‬
‫ﭽﭻ ﭼ ﭽ ﭾ ﭿ ﮀ ﮁ ﮂ ﮃ ﮄ ﮅ ﮆ ﮇ ﮈ ﮉ ﮊ ﮋ ﮌ‬
‫ﮍ ﮎ ﮏ ﮐ ﮑ ﮒ ﮓ ﮔ ﮕ ﮖ ﮗ ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ ﮜ ﮝ ﮞ‬
‫ﮟ ﭼ‪.‬‬
‫من َيعيبك في قسمة‬ ‫}‪ {58‬أي‪ :‬ومن هؤلء المنافقين َ‬
‫دهم فيها وعيُبهم لقصدٍ‬ ‫صدقات وينتقد عليك فيها‪ ،‬وليس انتقا ُ‬ ‫ال ّ‬
‫ن‬
‫طوا منها‪} .‬فإ ْ‬‫دهم أن ي ُعْ َ‬ ‫صحيح ول لرأي رجيح‪ ،‬وإّنما مقصو ُ‬
‫ن{‪ :‬وهذه‬ ‫وا منها إذا هم يسخطو َ‬ ‫ضوا وإن لم ي ُعْط َ ْ‬
‫عطوا منها َر ُ‬ ‫أُ ْ‬
‫ة ل تنبغي للعبد أن يكون رضاه وغضبه تابعا ً لهوى نفسه‬ ‫حال ٌ‬
‫الدنيويّ وغرضه الفاسد‪ ،‬بل الذي ينبغي أن يكون ]هواه تبعًا[‬
‫لمرضاة رّبه؛ كما قال النبي صلى الله عليه وسلم‪» :‬ل يؤمن‬
‫دكم حّتى يكون هواه ُ ت ََبعا ً لما جئت به« )‪. (1‬‬ ‫أح ُ‬

‫‪ -‬في )ب(‪» :‬للجهاد«‪.‬‬ ‫‪1‬‬


‫}‪ {59‬وقال هنا‪} :‬ولو أّنهم َرضوا ما آتاهم الّله ورسوُله{؛‬
‫ر‪} ،‬وقالوا حسُبنا الّله{؛ أي‪ :‬كافينا‬ ‫أي‪ :‬أعطاهم من قليل وكثي ٍ‬
‫سمه لنا‪ ،‬وليؤملوا فضله وإحسانه إليهم بأن‬ ‫الّله فنرضى بما قَ َ‬
‫ه إّنا إلى الّله راغبون{؛‬ ‫يقولوا‪} :‬سيؤتينا الّله من فضل ِهِ ورسول ُ ُ‬
‫أي‪ :‬متضّرعون في جلب منافعنا ودفع مضاّرنا؛ ]لسلموا من‬
‫ة[‪.‬‬‫ل العالي ِ‬ ‫ن والحوا ِ‬ ‫النفاق‪ ،‬ولهدوا إلى اليما ِ‬
‫ثم بّين تعالى كيفّية قسمة الصدقات الواجبة فقال‪:‬‬
‫ﭽ ﮠ ﮡ ﮢ ﮣ ﮤ ﮥ ﮦ ﮧ ﮨ ﮩ ﮪ ﮫ ﮬ ﮭ ﮮﮮ ﮯ ﮰﮱ ﯓ ﯔ‬
‫ﯕﯖ ﯗ ﯘ ﯙ ﯚ ﭼ ‪.‬‬
‫}‪ {60‬يقول تعالى‪} :‬إّنما الصدقات{؛ أي‪ :‬الزكوات‬
‫ص بها أحد ٌ‬
‫صدقة المستحّبة لكل أحد ٍ ل يخ ّ‬ ‫الواجبة‪ ،‬بدليل أن ال ّ‬
‫ن‬‫م ْ‬
‫صدقات{‪ :‬لهؤلء المذكورين دون َ‬ ‫د؛ ]أي[‪} :‬إّنما ال ّ‬
‫دون أح ٍ‬
‫عداهم؛ لنه حصرها فيهم‪ ،‬وهم ثمانية أصناف‪:‬‬
‫الول والثاني‪ :‬الفقراء والمساكين‪ ،‬وهم في هذا الموضع‬
‫ن الّله بدأ‬‫ة من المسكين؛ ل ّ‬ ‫صنفان متفاوتان؛ فالفقير أشد ّ حاج ً‬
‫سَر الفقير بأنه الذي ل يجد‬ ‫ف ّ‬‫م؛ فَ ُ‬ ‫م فاله ّ‬‫بهم‪ ،‬ول ُيبدأ إل باله ّ‬
‫شيئا ً أو يجد بعض كفايته دون نصفها‪ ،‬والمسكين الذي يجد نصفها‬
‫طون‬ ‫فأكثر‪ ،‬ول يجد تمام كفايته؛ لَنه لو وجدها؛ لكان غنّيا‪ ،‬فيع َ‬
‫من الزكاة ما يزول به فقرهم ومسكنتهم‪.‬‬
‫ل من له عم ٌ‬
‫ل‬ ‫والثالث ‪ :‬العاملون على الزكاة‪ ،‬وهم ك ّ‬
‫)‪(1‬‬
‫ل‬
‫ب لها من أهلها أو راٍع أو حام ٍ‬ ‫ظ لها و جا ٍ‬ ‫وشغل فيها من حاف ٍ‬
‫ون لجل عمالتهم‪ ،‬وهي أجرة‬ ‫ب أو نحو ذلك‪ ،‬فيعط َ ْ‬ ‫لها أو كات ٍ‬
‫لعمالهم فيها‪.‬‬
‫والرابع ‪ :‬المؤّلفة قلوبهم‪ ،‬والمؤّلف قلُبه هو السيد المطاع‬
‫جى إسلمه أو ُيخشى شّره أو ُيرجى بعطّيته‬ ‫من ُير َ‬‫في قومه مـ ّ‬
‫من ل يعطيها‪ ،‬فُيعطى ما‬ ‫قوة إيمانه أو إسلم نظيرِهِ أو جبايتها مـ ّ‬
‫ل به التأليف والمصلحة‪.‬‬ ‫ص ُ‬‫يح ُ‬
‫الخامس ‪ :‬الرقاب‪ ،‬وهم المكاَتبون الذين قد اشتروا‬
‫ك رقاَبهم‪،‬‬ ‫ون في تحصيل ما يف ّ‬ ‫سهم من ساداتهم؛ فهم يسعَ ْ‬ ‫أنف َ‬
‫ك الرقبة المسلمة التي في‬ ‫فيعانون على ذلك من الزكاة‪ .‬وف ّ‬
‫ل في هذا‪ ،‬بل أولى‪ .‬ويدخل في هذا أّنه يجوز‬ ‫حبس الكفار داخ ٌ‬
‫ل؛ لدخوله في قوله‪} :‬وفي‬ ‫أن يعتق ]منها[ الرقاب استقل ً‬
‫الّرقاب{‪.‬‬
‫‪ - 1‬أخرجه ابن أبي عاصم في »السنة« )‪ 1/12‬و ‪ ،(13‬وضعفه اللباني‪.‬‬
‫وانظر »جامع العلوم والحكم« لبن رجب‪ ،‬الحديث الحادي والربعون‪.‬‬
‫السادس ‪ :‬الغارمون‪ ،‬وهم قسمان‪ :‬أحدهما‪ :‬الغارمون‬
‫لصلح ذات البين‪ ،‬وهو أن يكون بين طائفتين من الناس شّر‬
‫ة‪ ،‬فيتوسط الرجل للصلح بينهم بمال يبذ ُُله لحدهم أو لهم‬ ‫وفتن ٌ‬
‫ب من الزكاة؛ ليكون أنشط له وأقوى‬ ‫ل له نصي ٌ‬ ‫جع َ‬ ‫كّلهم‪ ،‬فُ ِ‬
‫م لنفسه ثم أعسر؛‬ ‫ه‪ ،‬في ُْعطى ولو كان غنّيا‪ .‬والثاني‪ :‬من غ َرِ َ‬ ‫م ِ‬‫لعز ِ‬
‫فإّنه ُيعطى ما ُيوفي به ديَنه‪.‬‬
‫وعة‬‫والسابع ‪ :‬الغازي في سبيل الّله‪ ،‬وهم الغزاة المتط ّ‬
‫ون من الزكاة ما ُيعينهم على غزوهم‬ ‫الذين ل ديوان لهم‪ ،‬في ُعْط َ ْ‬
‫من ثمن سلح أو داب ّةٍ أو نفقة له ولعياله؛ ليتوّفر على الجهاد‬
‫ن قلُبه‪ ،‬وقال كثير من الفقهاء‪ :‬إن تفّرغ القادر على‬ ‫ويطمئ ّ‬
‫ل في‬ ‫ن العلم داخ ٌ‬ ‫الكسب لطلب العلم؛ أعطي من الزكاة؛ ل ّ‬
‫الجهاد في سبيل الّله‪ .‬وقالوا أيضًا‪ :‬يجوز أن ُيعطى منها الفقير‬
‫ه‪ .‬وفيه نظر‪.‬‬ ‫ض ِ‬
‫ج فر ِ‬ ‫لح ّ‬
‫والثامن ‪ :‬ابن السبيل‪ ،‬وهو الغريب الـمـنقط َعُ به في غير‬
‫بلده‪ ،‬فُيعطى من الزكاة ما يوصله إلى بلده‪ .‬فهؤلء الصناف‬
‫ة من الّله{‪:‬‬ ‫الثمانية الذين ُتدفع إليهم الزكاة وحدهم‪} .‬فريض ً‬
‫م{‪.‬‬‫م حكي ٌ‬‫ة لعلمه وحكمه‪} ،‬والّله علي ٌ‬ ‫درها تابع ً‬‫فرضها وق ّ‬
‫واعلم أن هذه الصناف الثمانية ترجع إلى أمرين‪ :‬أحدهما‪:‬‬
‫ن ُيعطى لحاجته ونفعه؛ كالفقير والمسكين ونحوهما‪ .‬والثاني‪:‬‬ ‫م ْ‬
‫َ‬
‫من يعطى للحاجة إليه وانتفاع السلم به‪.‬‬
‫صة في أموال الغنياء لسد ّ الحاجات‬ ‫فأوجب الله هذه الح ّ‬
‫مة للسلم والمسلمين‪ ،‬فلو أعطى الغنياء زكاة‬ ‫صة والعا ّ‬‫الخا ّ‬
‫ي؛ لم يبقَ فقيٌر من المسلمين‪،‬‬ ‫أموالهم على الوجه الشرع ّ‬
‫ص ُ‬
‫ل به‬ ‫ل من الموال ما يسد ّ الثغور‪ ،‬ويجاهَد ُ به الكفاُر‪ ،‬وتح ُ‬ ‫ولحص َ‬
‫جميع المصالح الدينية‪.‬‬
‫ﭽ ﯛ ﯜ ﯝ ﯞ ﯟ ﯠ ﯡﯢ ﯣ ﯤ ﯥ ﯦ ﯧ ﯨ ﯩ ﯪﯧﯧ ﯫﯧﯧ ﯬﯧﯧ ﯭﯧﯧ ﯮﯧﯧﯯﯧﯧ ﯰﯧﯧ ﯱﯧﯧ‬
‫ﯷ ﯷ ﯷ ﯷ ﯷ ﯷ ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ ﭝ ﭞ‬
‫ﭟ ﭠ ﭡ ﭢ ﭣ ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ ﭨ ﭩ ﭪﭫ ﭬ ﭭ ﭮ ﭯ ﭼ ‪.‬‬
‫ن النبي{‪:‬‬ ‫ؤذو َ‬ ‫}‪ {61‬أي‪ :‬ومن هؤلء المنافقين‪} ،‬الذين ي ُ ْ‬
‫ن{؛ أي‪ :‬ل‬ ‫بالقوال الردّية والعَْيب له ولدينه‪} ،‬ويقولون هو أذ ُ ٌ‬
‫ي‪ ،‬ويقولون‪ :‬إذا بلغه عّنا بعض‬ ‫يبالون بما يقولون من الذّية للنب ّ‬
‫ن؛ أي‪ :‬يقبل ك ّ‬
‫ل ما ُيقال‬ ‫ذلك؛ جئنا نعتذر إليه‪ ،‬فيقب ُ‬
‫ل مّنا؛ لنه أذ ُ ٌ‬
‫ق وكاذب‪ ،‬وقصدهم ـ قّبحهم الّله ـ فيما بينهم‬ ‫مي ُّز بين صاد ٍ‬
‫له‪ ،‬ل ي ُ َ‬
‫مين به؛ لنه إذا لم يبل ُْغه؛ فهذا‬ ‫أنهم غير مكترثين بذلك ول مهت ّ‬
‫وا بمجّرد العتذار الباطل‪ ،‬فأساؤوا ك ّ‬
‫ل‬ ‫ف ْ‬
‫مطلوبهم‪ ،‬وإن بلغه؛ اكت َ‬
‫ة‪:‬‬
‫الساءة من أوجه كثير ٍ‬
‫أعظمها ‪ :‬أذّية نبّيهم الذي جاء لهدايتهم وإخراجهم من‬
‫شقاء والهلك إلى الهدى والسعادة‪.‬‬ ‫ال ّ‬
‫ومنها ‪ :‬عدم اهتمامهم أيضا ً بذلك‪ ،‬وهو قدر زائد ٌ على مجّرد‬
‫الذّية‪.‬‬
‫ي صلى الله عليه وسلم وعدم‬ ‫حهم في عقل النب ّ‬ ‫ومنها ‪ :‬قد ُ‬
‫ل الخلق عقل ً‬ ‫إدراكه وتفريقه بين الصادق والكاذب‪ ،‬وهو أكم ُ‬
‫ل أذ ُ ُ‬
‫ن‬ ‫ة‪ ،‬ولهذا قال تعالى‪} :‬قُ ْ‬ ‫مهم إدراكا ً وأثقُبهم رأيا ً وبصير ً‬ ‫وأتـ ّ‬
‫ضه‬‫من قال له خيرا ً وصدقًا‪ ،‬وأما إعرا ُ‬ ‫خيرٍ لكم{؛ أي‪ :‬يقب ُ‬
‫ل َ‬
‫وعدم تعنيفه لكثير من المنافقين المعتذرين بالعذار الكذب؛‬
‫خُلقه وعدم اهتمامه بشأنهم )‪ (1‬وامتثاله لمر الّله في‬ ‫سَعة ُ‬ ‫فل ِ َ‬
‫رضوا عنهم‬ ‫قوله‪} :‬سيحِلفون بالّله لكم إذا انقلبُتم إليهم ل ِت ُعْ ِ‬
‫س{‪ ،‬وأما حقيقة ما في قلبه ورأيه ؛‬ ‫ج ٌ‬ ‫عرضوا عُنهم إّنهم رِ ْ‬ ‫فأ ِ‬
‫دقين‪،‬‬ ‫ن للمؤمنين{‪ :‬الصادقين المص ّ‬ ‫ن بالّله ويؤ ِ‬
‫م ُ‬ ‫م ُ‬‫فقال عنه‪} :‬يؤ ِ‬
‫ض عن الذين‬ ‫ويعلم الصادق من الكاذب‪ ،‬وإن كان كثيرا ً ي ُعْرِ ُ‬
‫ة للذين آمنوا منكم{‪ :‬فإّنهم‬ ‫ف كذ َِبهم وعدم صدقِِهم‪} ،‬ورحم ٌ‬ ‫ي َعْرِ ُ‬
‫به يهتدون وبأخلقِهِ يقتدون‪ ،‬وأما غير المؤمنين؛ فإّنهم لم يقبلوا‬
‫دوها فخسروا دنياهم وآخرتهم‪} .‬والذين يؤذون‬ ‫هذه الرحمة‪ ،‬بل ر ّ‬
‫دنيا‬
‫ب أليم{‪ :‬في ال ّ‬ ‫ل الّله{‪ :‬بالقول والفعل }لهم عذا ٌ‬ ‫رسو َ‬
‫ل مؤذيه وشاتمه‪.‬‬ ‫والخرة‪ ،‬ومن العذاب الليم أنه يتحّتم قت ُ‬
‫}‪} {62‬يحلفون بالّله لكم ل ِي ُْرضوكم{‪ :‬فيتبرؤوا مما صدر‬
‫وا عليهم‪} .‬والّله‬ ‫ض ْ‬
‫منهم من الذّية وغيرها‪ ،‬فغايتهم أن تر َ‬
‫دم‬‫ن المؤمن ل يق ّ‬ ‫ورسوله أحقّ أن ي ُْرضوه إن كانوا مؤمنين{‪ :‬ل ّ‬
‫ل هذا على انتفاء إيمانهم؛‬ ‫شيئا ً على رضا رّبه ]ورضا رسوله[‪ ،‬فد ّ‬
‫دموا رضا غير الّله ورسوله‪.‬‬ ‫حيث ق ّ‬
‫ده‬ ‫عد من حا ّ‬ ‫دة لّله ومشاّقة له‪ ،‬وقد تو ّ‬ ‫}‪ {63‬وهذا محا ّ‬
‫ه ورسوَله{‪ :‬بأن يكون في‬
‫)‪(2‬‬
‫من يحادد ِ الل ّ َ‬ ‫بقوله‪} :‬ألم يعَلموا أّنه َ‬
‫شقّ مبعد ٍ عن الّله ورسوله؛ بأن تهاون بأوامر الّله وتجّرأ‬ ‫حد ّ و ِ‬
‫ن له ناَر جهّنم خالدا ً فيها{ و }ذلك الخز ُ‬
‫ي‬ ‫على محارمه‪} ،‬فأ ّ‬
‫العظيم{‪ :‬الذي ل خزيَ أشنعُ ول أفظعُ منه‪ ،‬حيث فاتهم النعيم‬
‫المقيم‪ ،‬وحصلوا على عذاب الجحيم؛ عياذا ً بالّله من حالهم )‪. (3‬‬

‫‪ -‬في )ب(‪» :‬أو«‪.‬‬ ‫‪1‬‬

‫‪ -‬في )ب(‪» :‬بشأنه«‪.‬‬ ‫‪2‬‬

‫ن«‪.‬‬‫‪ -‬في )ب(‪» :‬أ ْ‬ ‫‪3‬‬


‫ﭽ ﭰ ﭱ ﭲ ﭳ ﭴ ﭵ ﭶ ﭷ ﭸ ﭹﭺ ﭻ ﭼ ﭽ ﭾ ﭿ ﮀ ﮁ ﮂ‬
‫ﮐ ﮑ ﮒ ﮓ ﮔ ﮕ‬ ‫ﮃ ﮄ ﮅ ﮆ ﮇ ﮈ ﮉﮊ ﮋ ﮌ ﮍ ﮎ ﮏ‬
‫ﮖ ﮗﮘ ﮙ ﮚ ﮛ ﮜ ﮝ ﮞ ﮟ ﮠ ﮡ ﮢ ﮣ ﭼ ‪.‬‬
‫}‪ {64‬كانت هذه السورة الكريمة تسمى الفاضحة؛ لنها‬
‫بّينت أسرار المنافقين وهتكت أستارهم؛ فما زال الّله يقول‪:‬‬
‫ومنهم‪ ،‬ومنهم‪ ...‬ويذكر أوصافهم؛ إل ّ أنه لم يعيّـن أشخاصهم‬
‫لفائدتين‪:‬‬
‫ب الستر على عباده‪.‬‬ ‫إحداهما ‪ :‬أن الّله ِ‬
‫سّتيٌر يح ّ‬
‫من اّتصف بذلك الوصف من‬ ‫م على َ‬ ‫والثانية ‪ :‬أن الذ ّ ّ‬
‫جه إليهم الخطاب وغيرهم إلى يوم القيامة‪،‬‬ ‫المنافقين الذين تو َ‬
‫ب‪ ،‬حتى خافوا غاية الخوف؛ قال‬ ‫م وأنس َ‬ ‫فكان ذكر الوصف أع ّ‬
‫الّله تعالى‪} :‬لئن لم َينت َهِ المنافقون والذين في قلوبهم مر ٌ‬
‫ض‬
‫ك فيها إل ّ‬
‫ك بهم ثم ل يجاِورون َ َ‬ ‫ن في المدينةِ ل َن ُغْرِي َن ّ َ‬ ‫جفو َ‬‫والمر ِ‬
‫قتي ً‬
‫خذوا وَقُّتلوا ت َ ْ‬ ‫ُ‬ ‫قلي ً‬
‫ل{‪.‬‬ ‫قفوا أ ِ‬ ‫ن أينما ث ُ ِ‬‫ل‪ .‬ملعوني َ‬
‫حذ َُر المنافقون أن تنزل عليهم سورة ٌ تنّبئهم‬ ‫وقال هنا‪َ} :‬يـ ْ‬
‫بما في قلوبهم{؛ أي‪ :‬تخبرهم وتفضحهم وتبيّـن أسرارهم‪ ،‬حتى‬
‫زئوا{؛‬ ‫ة لعباده‪ ،‬ويكونوا عبرة للمعتبرين‪} .‬قل استه ِ‬ ‫تكون علني ً‬
‫ن‬
‫سخرية‪} .‬إ ّ‬ ‫أي‪ :‬استمّروا على ما أنتم عليه من الستهزاء وال ّ‬
‫ه‪ ،‬فأنزل هذه‬ ‫ن{‪ :‬وقد وفى تعالى بوعد ِ ِ‬ ‫ج ما تحذرو َ‬ ‫الّله مخر ٌ‬
‫السورة التي بّينتهم‪ ،‬وفضحتهم‪ ،‬وهتكت أستارهم‪.‬‬
‫}‪ 65‬ـ ‪} {66‬ولئن سألَتهم{‪ :‬عما قالوه من الطعن في‬
‫ة منهم في غزوة تبوك‪ :‬ما‬ ‫المسلمين وفي دينهم‪ ،‬يقو ُ‬
‫ل طائف ٌ‬
‫ل قُّرائنا هؤلء ـ يعنون‪ :‬النبي صلى الله عليه وسلم‬ ‫رأينا مث َ‬
‫وأصحابه ـ أرغب بطونا ً وأكذب ألسنا ً وأجبن عند اللقاء‪ ...‬ونحو‬
‫ذلك )‪ ، (1‬لما بلغهم أن النبي صلى الله عليه وسلم قد علم‬
‫ب{؛‬ ‫ض ونلع ُ‬ ‫بكلمهم؛ جاؤوا يعتذرون إليه ويقولون‪} :‬إّنما ك ُّنا نخو ُ‬
‫دنا الطعن والعيب‪ ،‬قال الّله‬ ‫أي‪ :‬نتكّلم بكلم ل قصد َ لنا به ول قَ َ‬
‫ص ْ‬
‫تعالى مبّينا ً عدم عذرهم وكذبهم في ذلك‪} :‬قل{ لهم‪} :‬أبالّله‬
‫وآيات ِهِ ورسوله كنتم تستهزئون‪ .‬ل تعتذروا قد كفرتم بعد‬
‫ج عن الدين؛‬ ‫ن الستهزاء بالّله ورسوله كفٌر مخر ٌ‬ ‫إيمانكم{؛ فإ ّ‬
‫ي على تعظيم الّله وتعظيم دينه ورسله‪،‬‬ ‫ن أصل الدين مبن ّ‬ ‫ل ّ‬
‫ض له أشد ّ‬ ‫ف لهذا الصل ومناق ٌ‬ ‫والستهزاء بشيء من ذلك منا ٍ‬
‫المناقضة‪ ،‬ولهذا؛ لما جاؤوا إلى الرسول يعتذرون بهذه المقالة‪،‬‬
‫والرسول ل يزيدهم على قوله‪} :‬أبالّله وآيات ِهِ ورسوله كنُتم‬

‫‪ -‬في )ب(‪» :‬أحوالهم«‪.‬‬ ‫‪1‬‬


‫ف‬‫ذروا قد كفرُتم بعد إيماِنكم{‪ .‬وقوله‪} :‬إن نع ُ‬ ‫زئون‪ .‬ل تعت َ ِ‬
‫تسته ِ‬
‫ب‬‫عن طائفةٍ منكم{‪ :‬لتوبتهم واستغفارهم وندمهم‪} ،‬نعذ ّ ْ‬
‫ة{‪ :‬منكم بسبب أنهم }كانوا مجرمين{‪ :‬مقيمين على‬ ‫طائف ً‬
‫رهم ونفاقهم‪.‬‬ ‫كف ِ‬
‫ل على أن من أسّر سريرة‪ ،‬خصوصا ً‬ ‫وفي هذه اليات دلي ٌ‬
‫ن‬
‫السريرة التي يمكر فيها بدينه ويستهزىء به وبآياته ورسوله؛ فإ ّ‬
‫الّله تعالى يظهرها ويفضح صاحبها ويعاقب ُ ُ‬
‫)‪(1‬‬
‫ن‬
‫ه أشد ّ العقوبة‪ .‬وأ ّ‬
‫من استهزأ بشيء من كتاب الّله أو سنة رسوله الثابتة عنه أو‬ ‫َ‬
‫قصه؛ فإّنه كافٌر‬ ‫قصه أو استهزأ بالرسول أو تن ّ‬ ‫خَر بذلك أو تن ّ‬ ‫س ِ‬‫َ‬
‫ب وإن كان عظيما‪ً.‬‬ ‫ل ذن ٍ‬ ‫ة من ك ّ‬
‫(‬‫‪2‬‬‫)‬
‫ن التوبة مقبول ٌ‬‫بالله العظيم‪ .‬وأ ّ‬ ‫ّ‬
‫ﯘ ﯙ‬ ‫ﭽ ﮤ ﮥ ﮦ ﮧ ﮨﮩ ﮪ ﮫ ﮬ ﮭ ﮮﮮ ﮯ ﮰﮱ ﯓ ﯔ ﯕﯖ ﯗ‬
‫ﯚ ﯛ ﯜ ﯝ ﯞ ﯟ ﯠ ﯡ ﯢ ﯣ ﯤﯥ ﯦ ﯧﯨ ﯩ ﯪﯧﯧﯫﯧﯧ ﯬﯧﯧ ﯭﯧﯧ ﯮﯧﯧ ﯯﯧﯧ ﭼ ‪.‬‬
‫ضهم من‬ ‫}‪ {67‬يقول تعالى‪} :‬المنافقون والمنافقات بع ُ‬
‫بعض{‪ :‬لنهم اشتركوا في النفاق‪ ،‬فاشتركوا في توّلـي بعضهم‬
‫بعضًا‪ ،‬وفي هذا قطعٌ للمؤمنين من وليتهم‪ .‬ثم ذكر وصف‬
‫ج منه صغيٌر منهم ول كبيٌر‪ ،‬فقال‪:‬‬ ‫المنافقين العام الذي ل يخُر ُ‬
‫ون عن‬ ‫}يأمرون بالمنكر{‪ :‬وهو الكفر والفسوق والعصيان‪} ،‬وينهَ ْ‬
‫المعروف{‪ :‬وهو اليمان والخلق الفاضلة والعمال الصالحة‬
‫قِبضون أيد َِيهم{‪ :‬عن الصدقة وطرق‬ ‫والداب الحسنة‪} ،‬وي َ ْ‬
‫كرونه إل قلي ً‬
‫ل‪،‬‬ ‫ّ‬
‫ل‪َ} .‬نسوا الله{‪ :‬فل يذ ُ‬ ‫فهم البخ ُ‬ ‫ص ُ‬
‫الحسان؛ فو ْ‬
‫خُلهم الجنة‪ ،‬بل‬ ‫سَيهم{‪ :‬من رحمته؛ فل يوّفقهم لخيرٍ ول يد ِ‬ ‫}فن َ ِ‬
‫يتُركهم في الدرك السفل من النار خالدين فيها مخّلدين‪} .‬إ ّ‬
‫ن‬
‫ن فسقهم‬ ‫المنافقين هم الفاسقون{‪ :‬حصر الفسقَ فيهم؛ ل ّ‬
‫أعظم من فسق غيرهم؛ بدليل أن عذابهم أشد ّ من عذاب‬
‫غيرهم‪ ،‬وأن المؤمنين قد ابُتلوا بهم إذ كانوا بين أظهرهم‪،‬‬
‫د‪.‬‬‫والحتراز منهم شدي ٌ‬
‫}‪} {68‬وعد الّله المنافقين والمنافقات والكفار نار جهنم‬
‫م{‪ :‬جمع‬ ‫ب مقي ٌ‬ ‫خالدين فيها هي حسبهم ولعنهم الّله ولهم عذا ٌ‬
‫المنافقين والكفار في نار جهّنم واللعنةِ والخلود ِ في ذلك‬
‫دنيا على الكفر والمعاداة لّله ورسوله والكفر‬ ‫لجتماعهم في ال ّ‬
‫بآياته‪.‬‬

‫‪ - 1‬أخرجه ابن جرير )‪ ،(14/334‬وله شاهد بسند حسن عند ابن أبي حاتم؛‬
‫كما في »الصحيح المسند لسباب النزول« ص)‪.(78‬‬
‫ن«‪.‬‬
‫‪ - 2‬في )ب(‪» :‬إ ّ‬
‫ﭽﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ ﭝ ﭞ ﭟ ﭠ ﭡ ﭢ‬
‫ﭣ ﭤ ﭥ ﭦ ﭧﭨ ﭩ ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ ﭮﭯ ﭰ ﭱ ﭲ ﭳ ﭴ ﭵ ﭶ‬
‫ﭷ ﭸ ﭹ ﭺ ﭻ ﭼ ﭽ ﭾ ﭿ ﮀ ﮁ ﮂﮃ ﮄ ﮅ ﮆﮇ ﮈ ﮉ ﮊ ﮋ ﮌ ﮍ‬
‫ﮎ ﮏ ﮐ ﭼ‪.‬‬
‫ذرا ً للمنافقين أن ُيصيَبهم ما‬ ‫}‪ 69‬ـ ‪ {70‬يقول تعالى مح ّ‬
‫ذبة؛ }قوم نوح وعاد ٍ وثمود َ وقوم‬ ‫ن قبَلهم من المم المك ّ‬ ‫م ْ‬‫ب َ‬ ‫أصا َ‬
‫ط؛‬
‫ت{؛ أي‪ :‬قرى قوم لو ٍ‬ ‫ن والمؤتفكا ِ‬ ‫مد ْي َ َ‬
‫م وأصحاب َ‬ ‫إبراهي َ‬
‫ي‬‫فكّلهم }أتتهم رسلهم بالبّينات{؛ أي‪ :‬بالحق الواضح الجلـ ّ‬
‫ص الّله‬‫ذبوا بها‪ ،‬فجرى عليهم ما ق ّ‬ ‫المبيّـن لحقائق الشياء‪ ،‬فك ّ‬
‫خلقكم{؛ أي‪:‬‬ ‫ة بأعمالهم‪} .‬استمتعُتم ب َ‬ ‫علينا؛ فأنُتم أعماُلكم شبيه ٌ‬
‫ذة والشهوة‪،‬‬ ‫بنصيبكم من الدنيا‪ ،‬فتناوَْلتموه على وجه الل ّ ّ‬
‫معرضين عن المراد منه‪ ،‬واستعنتم به على معاصي الّله‪ ،‬ولم‬
‫ولتم من النعم كما فعل الذين من‬ ‫خ ّ‬‫مُتكم وإرادتكم ما ُ‬ ‫تتعد ّ هـ ّ‬
‫قبلكم‪} .‬وخضُتم كالذي خاضوا{؛ أي‪ :‬وخضتم بالباطل والّزور‬
‫ق؛ فهذه أعماُلهم وعلومهم‪:‬‬ ‫حضوا به الح ّ‬ ‫وجادلتم بالباطل ل ِت ُد ْ ِ‬
‫قوا من العقوبة‬ ‫ض بالباطل؛ فاستح ّ‬ ‫خلق‪ ،‬وخو ٌ‬ ‫استمتاع ٌ بال َ‬
‫من فعلوا كفعلهم‪ ،‬وأما‬ ‫مـ ّ‬‫والهلك ما استحقّ من قبلهم ِ‬
‫دنيا؛ فإّنه‬ ‫ولوا من ال ّ‬ ‫خ ّ‬‫المؤمنون فهم وإن استمتعوا بنصيبهم وما ُ‬
‫على وجه الستعانة به على طاعة الّله‪ ،‬وأما علومهم؛ فهي علوم‬
‫الرسل‪ ،‬وهي‪ :‬الوصول إلى اليقين في جميع المطالب العالية‪،‬‬
‫والمجادلة بالحقّ لدحاض الباطل‪ .‬قوله‪} :‬فما كان الل ّ ُ‬
‫ه‬
‫مهم{‪ :‬إذا وقع بهم من عقوبته ما أوقع‪} ،‬ولكن كانوا‬ ‫ل ِي َظ ْل ِ َ‬
‫صوا رسلهم‪،‬‬ ‫مون{‪ :‬حيث تجرؤوا على معاصيه‪ ،‬وع َ َ‬ ‫سهم يظل ِ‬ ‫أنف َ‬
‫واتبعوا أمر كل جبار عنيد‪.‬‬
‫ﭽ ﮑ ﮒ ﮓ ﮔ ﮕﮖ ﮗ ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ ﮜ ﮝ ﮞ ﮟ ﮠ ﮡ‬
‫ﮢﮣ ﮤ ﮥ ﮦﮧ ﮨ ﮩ ﮪ ﮫ ﮬ ﮭ ﮮﮮ ﮯ ﮰ ﮱ ﯓ ﯔ ﯕ ﯖ ﯗ ﯘ ﯙ ﯚ‬
‫ﯛ ﯜ ﯝﯞ ﯟ ﯠ ﯡ ﯢﯣ ﯤ ﯥ ﯦ ﯧ ﯨ ﭼ ‪.‬‬
‫ن المنافقين بعضهم من بعض )‪ (1‬؛ ذكر أن‬ ‫}‪ {71‬لما ذكر أ ّ‬
‫المؤمنين بعضهم أولياء بعض‪ ،‬ووصفهم بضد ّ ما وصف به‬
‫ت{؛ أي‪ :‬ذكورهم‬ ‫المنافقين‪ ،‬فقال‪} :‬والمؤمنون والمؤمنا ُ‬
‫ض{‪ :‬في المحّبة والموالة والنتماء‬ ‫ضهم أولياُء بع ٍ‬ ‫وإناثهم‪} ،‬بع ُ‬
‫رف‬ ‫م جامعٌ لك ّ‬
‫ل ما ع ُ ِ‬ ‫والّنصرة‪} .‬يأمرون بالمعروف{‪ :‬وهو اس ٌ‬
‫حسنه من العقائد الحسنة والعمال الصالحة والخلق الفاضلة‪،‬‬
‫ون عن المنكر{‪ :‬وهو‬ ‫سهم‪} .‬وينهَ ْ‬‫ل في أمرهم أنف ُ‬ ‫خ ُ‬‫من يد ُ‬
‫وأول َ‬
‫ضه من العقائد الباطلة والعمال‬ ‫ل ما خالف المعروف‪ ،‬وناقَ َ‬ ‫ك ّ‬
‫‪ -‬في )ب(‪» :‬بعضهم أولياء بعض«‪.‬‬ ‫‪1‬‬
‫ن الّله ورسوله{؛ أي‪ :‬ل‬ ‫الخبيثة والخلق الرذيلة‪} ،‬ويطيعو َ‬
‫يزالون ملزمين لطاعة الّله ورسوله على الدوام‪} .‬أولئك‬
‫مُلهم بإحسانه‪.‬‬ ‫مُهم الّله{؛ أي‪ :‬يدخلهم في رحمته ويش َ‬ ‫سيرحـ ُ‬
‫م‬
‫م{؛ أي‪ :‬قويّ قاهٌر‪ ،‬ومع قوته؛ فهو حكي ٌ‬ ‫ن الّله عزيٌز حكي ٌ‬ ‫}إ ّ‬
‫يضع كل شيء موضَعه اللئق به الذي ُيحمد على ما خلقه وأمر‬
‫به‪.‬‬
‫}‪ {72‬ثم ذكر ما أعد الّله لهم من الثواب‪ ،‬فقال‪} :‬وعد‬
‫ة‬
‫ت تجري من تحتها النهار{‪ :‬جامع ٍ‬ ‫الّله المؤمنين والمؤمنات جنا ٍ‬
‫ل أذىً وت ََرح‪ ،‬تجري من تحت‬ ‫ل نعيم وفرح‪ ،‬خاليةٍ من ك ّ‬ ‫لك ّ‬
‫قصورها ودورها وأشجارها النهار الغزيرة المروية للبساتين‬
‫النيقة التي ل يعلم ما فيها من الخيرات والبركات إل الّله تعالى‪.‬‬
‫ن طيبة في جنات‬ ‫ل‪} .‬ومساك َ‬ ‫حوَ ً‬‫}خالدين فيها{‪ :‬ل يبغون عنها ِ‬
‫دت لعباد الّله المّتقين‪ ،‬قد طاب‬ ‫ع ّ‬
‫عدن{‪ :‬قد زخرفت وحسنت وأ ِ‬
‫مقيلها‪ ،‬وجمعت من آلت المساكن العالية‬ ‫مرآها وطاب منزُِلها و َ‬
‫ما ل يتمنى فوقه المتمّنون‪ ،‬حتى إن الّله تعالى قد أعد ّ لهم غرفا ً‬
‫في غاية الصفاء والحسن‪ُ ،‬يرى ظاه ُِرها من باطنها‪ ،‬وباط ُِنها من‬
‫سك ُ َ‬
‫ن إليها‬ ‫ظاهرها؛ فهذه المساكن النيقة التي حقيقٌ بأن ت َ ْ‬
‫النفوس وتنزِع َ إليها القلوب وتشتاقَ لها الرواح؛ لّنها }في جنات‬
‫ن‬‫ولون منها‪} .‬ورضوا ٌ‬ ‫ن{؛ أي‪ :‬إقامة‪ ،‬ل يظعنون عنها ول يتح ّ‬ ‫عد ٍ‬
‫حله على أهل الجنة }أكبر{‪ :‬مما هم فيه من النعيم؛‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬
‫من الله{‪ :‬ي ُ ِ‬
‫ب إل برؤية رّبهم ورضوانه عليهم‪ ،‬ولّنه الغاية‬ ‫ن نعيمهم لم ي َط ِ ْ‬ ‫فإ ّ‬
‫مها العابدون‪ ،‬والنهاية التي سعى نحوها المحّبون؛ فرضا‬ ‫التي أ ّ‬
‫ب الرض والسماوات أكبُر من نعيم الجنات‪} .‬ذلك هو الفوُز‬ ‫ر ّ‬
‫ل مطلوب‪ ،‬وانتفى عنهم ك ّ‬
‫ل‬ ‫حصلوا على ك ّ‬ ‫العظيم{‪ :‬حيث َ‬
‫ت وطابت منهم جميع المور‪ ،‬فنسأل الّله أن‬ ‫محذور‪ ،‬وحسن ْ‬
‫ه‪.‬‬
‫يجعلنا معهم بجود ِ ِ‬
‫ﭽ ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗﭘ ﭙ ﭚﭛ ﭜ ﭝ ﭞ ﭟ ﭠ ﭡ ﭢ ﭣ‬
‫ﭲ ﭳ ﭴ ﭵ ﭶ‬ ‫ﭪ ﭫ ﭬ ﭭﭮ ﭯ ﭰ ﭱ‬ ‫ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ ﭨ ﭩ‬
‫ﭷﭸ ﭹ ﭺ ﭻ ﭼ ﭽ ﭾ ﭿ ﮀ ﮁ ﮂ ﮃ ﮄ ﮅ ﮆ ﮇ ﮈ ﮉ ﮊ ﮋ ﮌ ﮍ‬
‫ﮎ ﮏ ﮐ ﮑ ﭼ‪.‬‬
‫}‪ {73‬يقول تعالى لنبّيه صلى الله عليه وسلم‪} :‬يا أّيها‬
‫ي جاهد الكفار والمنافقين{؛ أي‪ :‬بالغ في جهادهم‪ ،‬والغلظة‬ ‫النب ّ‬
‫عليهم حيث اقتضت الحال الغِْلظة عليهم‪ ،‬وهذا الجهاد يدخل فيه‬
‫الجهاد باليد والجهاد بالحجة واللسان؛ فمن بارز منهم بالمحاربة؛‬
‫هد باليد واللسان والسيف والسنان )‪ ، (1‬ومن كان مذعنا ً‬‫فيجا َ‬
‫‪ -‬في في )ب(‪» :‬والكفر«‪) .‬ب(‪» :‬والسيف والبيان«‪.‬‬ ‫‪1‬‬
‫د؛ فإنه يجاهَد ُ بالحجة والبرهان‪ ،‬ويبيّـن له‬ ‫مة أو عه ٍ‬ ‫للسلم بذ ّ‬
‫)‪(1‬‬
‫محاسن السلم ومساوىء الشرك والكفران ؛ فهذا ما لهم‬
‫مأواهم }جهنم{؛ أي‪ :‬مقّرهم‬ ‫في الدنيا‪} ،‬و{ أما في الخرة؛ فَ َ‬
‫الذي ل يخرجون منها‪} ،‬وبئس المصير{‪.‬‬
‫ر{؛ أي‪:‬‬ ‫ة الكف ِ‬‫ن بالّله ما قالوا ولقد قالوا كلم َ‬ ‫}‪} {74‬يحلفو َ‬
‫ل{‪،‬‬ ‫ن العّز منها الذ ّ‬ ‫ج ّ‬ ‫خرِ َ‬ ‫إذا قالوا قول ً كقول من قال منهم‪} :‬ل َي ُ ْ‬
‫والكلم الذي يتكّلم به الواحد بعد الواحد في الستهزاء بالدين‬
‫ي صلى الله عليه وسلم قد بلغه‬ ‫وبالرسول؛ فإذا بلغهم أن النب ّ‬
‫شيء من ذلك؛ جاؤوا إليه يحلفون بالّله ما قالوا‪ ،‬قال تعالى‬
‫ة الكفر وكفروا بعد إسلمهم{‪:‬‬ ‫ذبا ً لهم‪} :‬ولقد قالوا كلم َ‬ ‫مك ّ‬
‫فإسلمهم السابق‪ ،‬وإن كان ظاهره أنه أخرجهم من دائرة الكفر؛‬
‫موا بما لم‬ ‫خُلهم بالكفر‪} .‬وهـ ّ‬ ‫ض إسلمهم ويد ِ‬ ‫ق ُ‬ ‫مهم الخير ين ُ‬ ‫فكل ُ‬
‫موا بالفتك برسول الّله صلى الله عليه‬ ‫ينالوا{‪ :‬وذلك حين هـ ّ‬
‫دهم‬ ‫ص الله عليه نبأهم‪ ،‬فأمر من يص ّ‬ ‫ّ‬ ‫وسلم في غزوة تبوك‪ ،‬فق ّ‬
‫عن قصدهم‪} .‬و{ الحال أنهم }ما نقموا{ وعابوا من رسول الّله‬
‫ه ورسوُله من فضله{‪:‬‬ ‫ن أغناهم الل ّ ُ‬ ‫صلى الله عليه وسلم }إل ّ أ ْ‬
‫بعد أن كانوا فقراء معوزين‪ ،‬وهذا من أعجب الشياء‪ :‬أن‬
‫يستهينوا بمن كان سببا ً لخراجهم من الظلمات إلى النور‪ ،‬ومغنيا ً‬
‫ظموه ويؤمنوا به‬ ‫قه عليهم إل أن يع ّ‬ ‫لهم بعد الفقر! وهل ح ّ‬
‫داعي الديني وداعي المروءة النسانية[‪ .‬ثم‬ ‫جّلوه؟! ]فاجتمع ال ّ‬ ‫وي ُ ِ‬
‫ك خيرا ً لهم{؛ لن التوبة‬ ‫عرض عليهم التوبة‪ ،‬فقال‪} :‬فإن يتوبوا ي ُ‬
‫دنيا والخرة‪} ،‬وإن ي َت َوَّلوا{‪ :‬عن التوبة والنابة‬ ‫ل لسعادة ال ّ‬ ‫أص ٌ‬
‫دنيا والخرة{‪ :‬في الدنيا بما ينالهم‬ ‫}يعذ ّْبهم الّله عذابا ً أليما ً في ال ّ‬
‫من الهم والغم والحزن على نصرة الّله لدينه وإعزاز نبّيه وعدم‬
‫حصولهم على مطلوبهم‪ ،‬وفي الخرة في عذاب السعير‪} .‬وما‬
‫ل لهم‬ ‫ص ُ‬
‫ح ّ‬‫ي{‪ :‬يتوّلى أمورهم وُيـ َ‬ ‫لهم في الرض من ولـ ّ‬
‫ر{‪ :‬يدفع عنهم المكروه‪ ،‬وإذا انقطعوا من‬ ‫المطلوب‪} ،‬ول نصي ٍ‬
‫م أصناف الشّر والخسران والشقاء‬ ‫ولية الّله تعالى؛ فث ّ‬
‫والحرمان‪.‬‬
‫ﭽﮒ ﮓ ﮔ ﮕ ﮖ ﮗ ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ ﮜ ﮝ ﮞ ﮟ ﮠ ﮡ ﮢ ﮣ‬
‫ﮤ ﮥ ﮦ ﮧ ﮨ ﮩ ﮪ ﮫ ﮬ ﮭ ﮮﮮ ﮯ ﮰ ﮱ ﯓ ﯔ ﯕ ﯖ ﯗ ﯘ ﯙ‬
‫ﯚ ﯛ ﯜ ﯝ ﯞ ﯟ ﯠ ﯡ ﯢ ﯣ ﯤ ﯥ ﯦ ﭼ‪.‬‬

‫}‪ {75‬أي‪ :‬ومن هؤلء المنافقين من أعطى الله عهد َهُ‬


‫سعها‪،‬‬ ‫ه{‪ :‬من الدنيا فبسطها لنا وو ّ‬ ‫وميثاقَ ُ‬
‫ه‪} ،‬لئن آتانا من فضل ِ ِ‬

‫‪-‬‬ ‫‪1‬‬
‫ن من الصالحين{‪ :‬فنصل الرحم وُنقري الضيف‪،‬‬ ‫ن وَلنكون َ ّ‬
‫صد ّقَ ّ‬‫}ل َن َ ّ‬
‫ق‪ ،‬ونفعل الفعال الحسنة الصالحة‪.‬‬
‫ن على نوائب الح ّ‬ ‫ونعي ُ‬
‫ه{‪ :‬لم يفوا بما قالوا‪ ،‬بل‬ ‫هم من فضل ِ ِ‬ ‫}‪} {76‬فلما آتا ُ‬
‫وا{‪ :‬عن الطاعة والنقياد‪} ،‬وهم معرضون{؛‬ ‫خلوا{ و }وتول ّ ْ‬ ‫}ب َ ِ‬
‫أي‪ :‬غير ملتفتين إلى الخير‪.‬‬
‫}‪ {77‬فلما لم يفوا بما عاهدوا الّله عليه؛ عاقبهم و‬
‫ه بما أخلفوا‬ ‫قوْن َ ُ‬‫}أعقبهم نفاقا ً في قلوبهم{‪ :‬مستمر }إلى يوم ي َل ْ َ‬
‫ن من هذا‬ ‫ه ما وعدوه وبما كانوا يكذبون{‪ :‬فليحذر المؤم ُ‬ ‫الل ّ َ‬
‫ن‬
‫ي؛ ليفعل ّ‬ ‫الوصف الشنيع أن يعاهد رّبه إن حصل مقصود ُه ُ الفلنـ ّ‬
‫كذا وكذا‪ ،‬ثم ل يفي بذلك؛ فإّنه ربما عاقبه الّله بالنفاق كما‬
‫ي صلى الله عليه وسلم في الحديث‬ ‫عاقب هؤلء‪ ،‬وقد قال النب ّ‬
‫ب‪،‬‬‫ث ك َذ َ َ‬‫ث‪ :‬إذا حد ّ َ‬ ‫الثابت في »الصحيحين« )‪» : (1‬آية المنافق ثل ٌ‬
‫ف«؛ فهذا المنافق الذي وعد الّله‬ ‫خل َ َ‬‫وإذا عاهد غ َد ََر‪ ،‬وإذا وَع َد َ أ َ ْ‬
‫ن من‬ ‫دقن وليكون ّ‬ ‫وعاهده لئن أعطاه الّله من فضله؛ لي ّ‬
‫ص ّ‬
‫دث فكذب‪ ،‬وعاهد ]فغدر[ )‪ ، (2‬ووعد فأخلف‪.‬‬ ‫الصالحين‪ :‬ح ّ‬
‫عد من صدر منهم هذا الصنيع بقوله‪} :‬ألم‬ ‫}‪ {78‬ولهذا تو ّ‬
‫ّ‬
‫ن الله علم الغيوب{‪:‬‬ ‫ن الّله يعلم سّرهم ونجواهم وأ ّ‬
‫يعلموا أ ّ‬
‫وسيجازيهم على ما عملوا من العمال التي يعلمها الّله تعالى‪.‬‬
‫وهذه اليات نزلت في رجل من المنافقين يقال له ثعلبة‪،‬‬
‫جاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم‪ ،‬وسأله أن يدعوَ الّله له أن‬
‫ن ويصل الرحم‬ ‫يعط َِيه الله من فضله‪ ،‬وأنه إن أعطاه ليتصدق ّ‬
‫ق‪ ،‬فدعا النبي صلى الله عليه وسلم له‪،‬‬ ‫ويعين على نوائب الح ّ‬
‫فكان له غنم‪ ،‬فلم تزل تتنامى حتى خرج بها عن المدينة‪ ،‬فكان ل‬
‫يحضر إل ّ بعض الصلوات الخمس‪ ،‬ثم أبعد فكان ل يحضر إل صلة‬
‫الجمعة‪ ،‬ثم كثرت فأبعدها فكان ل يحضر جمعة ول جماعة‪،‬‬
‫ي صلى الله عليه وسلم‪ ،‬فأخبر بحاله‪ ،‬فبعث من يأخذ‬ ‫ففقده النب ّ‬
‫الصدقات من أهلها‪ ،‬فمروا على ثعلبة‪ ،‬فقال‪ :‬ما هذه إل جزية‪ ،‬ما‬
‫هذه إل أخت الجزية‪ .‬فلما لم يعطهم؛ جاؤوا فأخبروا بذلك النبي‬
‫صلى الله عليه وسلم‪ ،‬فقال‪» :‬يا ويح ثعلبة‪ ،‬يا ويح ثعلبة!« ثلثا ً‬
‫)‪ . (3‬فلما نزلت هذه الية فيه وفي أمثاله؛ ذهب بها بعض أهله‪،‬‬
‫ي صلى الله عليه وسلم‪،‬‬ ‫فبّلغه إّياها‪ ،‬فجاء بزكاته‪ ،‬فلم يقبْلها النب ّ‬
‫‪ - 1‬البخاري )‪ ،(2682‬ومسلم )‪ (59‬إل ّ أن لفظ‪» :‬إذا عاهد غدر« في‬
‫الرواية أربع من كن فيه كان منافقًا‪«..‬‬
‫‪ - 2‬في ) أ (‪» :‬وغدر«‪.‬‬
‫‪ - 3‬قصة ثعلبة بن حاطب‪ :‬أخرجها ابن جرير )‪ ،(14/270‬وقال اللباني‪:‬‬
‫»وهذا حديث منكر على شهرته«‪ ،‬وانظر‪» :‬الضعيفة« )‪.(1607‬‬
‫ثم جاء بها إلى أبي بكر بعد وفاة النبي صلى الله عليه وسلم‪،‬‬
‫فلم يقبلها‪ ،‬ثم جاء بها بعد أبي بكر إلى عمر‪ ،‬فلم يقبلها‪ ،‬فيقال‪:‬‬
‫إنه هلك في زمن عثمان‪.‬‬
‫ﯷ ﯷ ﯷﯷ ﯷ ﯷ ﯷ‬ ‫ﭽ ﯧ ﯨ ﯩ ﯪﯧﯧ ﯫﯧﯧ ﯬﯧﯧ ﯭﯧﯧ ﯮﯧﯧ ﯯﯧﯧ ﯰﯧﯧ ﯱﯧﯧ‬
‫ﯷ ﯷ ﯷ ﯼ ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ ﭝ ﭞ‬
‫ﭟﭠ ﭡ ﭢ ﭣ ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ ﭨ ﭩ ﭪ ﭫ ﭬ ﭼ ‪.‬‬
‫}‪ {79‬وهذا أيضا ً من مخازي المنافقين‪ ،‬فكانوا قّبحهم الّله‬
‫ل يدعون شيئا ً من أمور السلم والمسلمين يرون لهم مقا ً‬
‫ل؛ إل‬
‫ث الّله ورسوله على الصدقة؛‬ ‫قالوا وطعنوا بغيا ً وعدوانًا‪ ،‬فلما ح ّ‬
‫بادر المسلمون إلى ذلك‪ ،‬وبذلوا من أموالهم كل على حسب‬
‫ن‬
‫حاله‪ ،‬منهم المكثر ومنهم المقل‪ ،‬فيلمزون المكثر منهم بأ ّ‬
‫ن الّله غن ّ‬
‫ي‬ ‫ل الفقير‪ :‬إ ّ‬ ‫ده بنفقته الرياء والسمعة‪ ،‬وقالوا للمق ّ‬ ‫قص َ‬
‫مزون{؛ أي‪ :‬يعيبون‬ ‫ْ‬ ‫ّ‬
‫عن صدقة هذا‪ ،‬فأنزل الله تعالى‪} :‬الذين ي َل ِ‬
‫وعين من المؤمنين في الصدقات{‪ :‬فيقولون‪:‬‬ ‫مط ّ ّ‬ ‫ويطعنون }ال ُ‬
‫جدون إل‬ ‫دهم الفخر والرياء }و{ يلمزون }الذين ل ي َ ِ‬ ‫مراؤون قص ُ‬
‫ي عن‬ ‫ّ‬
‫رجون ما استطاعوا ويقولون‪ :‬الله غن ّ‬ ‫دهم{‪ :‬فيخ ِ‬ ‫جه ْ َ‬ ‫ُ‬
‫صدقاتهم‪} ،‬فيسخرون منهم{‪ ،‬فقابلهم الله على صنيعهم بأن‬
‫ب أليم{؛ فإّنهم جمعوا في كلمهم هذا‬ ‫خَر منهم‪} ،‬ولهم عذا ٌ‬ ‫س ِ‬ ‫َ‬
‫بين عدة محاذير‪:‬‬
‫منها ‪ :‬تتّبعهم لحوال المؤمنين وحرصهم على أن يجدوا‬
‫ن الذين يحّبون أن تشيع‬ ‫مقال ً يقولونه فيهم‪ ،‬والّله يقول‪} :‬إ ّ‬
‫م{‪.‬‬‫ب ألي ٌ‬ ‫الفاحشة في الذين آمنوا لهم عذا ٌ‬
‫ومنها ‪ :‬طعنهم بالمؤمنين لجل إيمانهم كفرا ً بالّله تعالى‬
‫وبغضا ً للدين‪.‬‬
‫م‪ ،‬بل هو من كبائر الذنوب في أمور‬ ‫ومنها ‪ :‬أن الّلمز محر ٌ‬
‫ح وأقبح‪.‬‬ ‫الدنيا‪ ،‬وأما الّلمز في أمر الطاعة؛ فأقب ُ‬
‫صلةٍ من خصال الخير؛‬ ‫خ ْ‬‫وع ب َ‬ ‫ن من أطاع الّله وتط ّ‬ ‫ومنها ‪ :‬أ ّ‬
‫ن الذي ينبغي إعانته وتنشيطه على عمله‪ ،‬وهؤلء قصدوا‬ ‫فإ ّ‬
‫تثبيطهم بما قالوا فيهم‪ ،‬وعابوهم عليه‪.‬‬
‫ن حكمهم على من أنفق مال ً كثيرا ً بأنه مراٍء غل ٌ‬
‫ط‬ ‫ومنها ‪ :‬أ ّ‬
‫م بالظن‪ ،‬وأيّ شّر أكبر من هذا؟!‬ ‫ش وحكم على الغيب ورج ٌ‬ ‫فاح ٌ‬
‫ي عن‬ ‫ومنها ‪ :‬أن قولهم لصاحب الصدقة القليلة‪ :‬الل ّ ُ‬
‫ه غن ّ‬
‫ي عن صدقة‬ ‫ن الله غن ٌ‬ ‫ل؛ فإ ّ‬ ‫م مقصوده باط ٌ‬ ‫صدقة هذا! كل ٌ‬
‫دق بالقليل والكثير‪ ،‬بل وغني عن أهل السماوات والرض‪،‬‬ ‫المتص ّ‬
‫ولكنه تعالى أمر العباد بما هم مفتقرون إليه؛ فالّله وإن كان غنّيا‬
‫ل مثقال ذّرةٍ خيرا ً يره{‪ ،‬وفي‬ ‫عنه؛ فهم فقراء إليه؛ }فمن يعم ْ‬
‫هذا القول من التثبيط عن الخير ما هو ظاهٌر بّين‪ ،‬ولهذا كان‬
‫م{‪.‬‬
‫ب ألي ٌ‬‫جزاؤهم أن يسخر )‪ (1‬الّله منهم‪} ،‬ولهم عذا ٌ‬
‫}‪} {80‬استغفْر لهم أو ل تستغفْر لهم إن تستغفْر لهم‬
‫ة{‪ :‬على وجه المبالغة‪ ،‬و إل ّ ؛ فل مفهوم لها‪} ،‬فلن‬ ‫سبعين مّر ً‬
‫يغفَر الّله لهم{؛ كما قال في الية الخرى‪} :‬سواٌء عليهم‬
‫فَر الّله لهم{‪ .‬ثم ذكر‬ ‫فْر لهم لن ي َغْ ِ‬
‫ت لهم أم لم تستغ ِ‬ ‫فْر َ‬
‫ست َغْ َ‬
‫أ ْ‬
‫السبب المانع لمغفرة الّله لهم‪ ،‬فقال‪} :‬ذلك بأّنهم كفروا بالّله‬
‫ورسوله{‪ :‬والكافر ل ينفعه الستغفار ول العمل ما دام كافرًا‪.‬‬
‫}والّله ل يهدي القوم الفاسقين{؛ أي‪ :‬الذين صار الفسقُ لهم‬
‫وصفًا؛ بحيث ل يختارون عليه سواه‪ ،‬ول يبغون به بد ً‬
‫ل‪ ،‬يأتيهم‬
‫ن ل يوّفقهم له بعد‬ ‫دونه فيعاقبهم الّله تعالى بأ ْ‬ ‫الحقّ الواضح فير ّ‬
‫ذلك‪.‬‬
‫ﭽﭭ ﭮ ﭯ ﭰ ﭱ ﭲ ﭳ ﭴ ﭵ ﭶ ﭷ ﭸ ﭹ ﭺ ﭻ ﭼ ﭽ‬
‫ﮏ ﮐ ﮑ‬ ‫ﮉ ﮊ ﮋ ﮌ ﮍ ﮎ‬ ‫ﭾ ﭿﮀ ﮁ ﮂ ﮃ ﮄ ﮅﮆ ﮇ ﮈ‬
‫ﮒ ﮓ ﮔ ﮕ ﮖ ﮗ ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ ﮜ ﮝ ﮞ ﮟ ﮠ ﮡ ﮢ ﮣ ﮤﮥ ﮦ‬
‫ﮧ ﮨ ﮩ ﮪ ﮫ ﮬ ﮭ ﮮﮮ ﭼ ‪.‬‬
‫جح المنافقين بتخّلفهم وعدم‬ ‫}‪ {81‬يقول تعالى مبينا ً تب ّ‬
‫ل على عدم اليمان واختيار الكفر على‬ ‫مبالتهم بذلك الدا ّ‬
‫ف رسول الّله{‪ :‬وهذا قدر‬ ‫دهم خل َ‬ ‫قعَ ِ‬‫م ْ‬‫ح المخّلفون ب َ‬‫اليمان‪} :‬فرِ َ‬
‫م‪ ،‬وزيادة ُ رضا بفعل‬ ‫ف محّر ٌ‬‫ن هذا تخل ّ ٌ‬ ‫زائد على مجّرد التخّلف؛ فإ ّ‬
‫ح به‪} .‬وكرهوا أن يجاهدوا بأموالهم وأنفسهم في‬ ‫المعصية وتبج ٍ‬
‫سبيل الّله{‪ :‬وهذا بخلف المؤمنين‪ ،‬الذين إذا تـخـّلـفـوا ولو‬
‫سفوا غاية السف‪ ،‬ويحّبون أن‬ ‫لعذٍر؛ حزنوا على تخّلفهم‪ ،‬وتأ ّ‬
‫يجاهدوا بأموالهم وأنفسهم في سبيل الّله؛ لما في قلوبهم من‬
‫اليمان‪ ،‬ويرجون من فضل الّله وإحسانه وبره وامتنانه‪.‬‬
‫ن‬
‫فروا في الحّر{؛ أي‪ :‬قالوا‪ :‬إ ّ‬ ‫}وقالوا{؛ أي‪ :‬المنافقون‪} :‬ل تن ِ‬
‫ة علينا بسبب الحّر فقدموا راحة قصيرة منقضية على‬ ‫ق ٌ‬
‫النفير مش ّ‬
‫الراحة البدية التامة‪ ،‬وحذروا من الحّر الذي يقي منه الظلل‬
‫وي ُذ ْه ُِبه البكر والصال على الحّر الشديد الذي ل ُيقاد َُر قدره‪ ،‬وهو‬
‫النار الحامية‪ ،‬ولهذا قال‪} :‬قل ناُر جهّنم أشد ّ حّرا لو كانوا‬
‫يفقهون{‪.‬‬

‫‪ -‬في )ب(‪» :‬سخر«‪.‬‬ ‫‪1‬‬


‫ما فّروا من‬‫ما آثروا ما يفنى على ما يبقى‪ ،‬ول َ ّ‬ ‫}‪ {82‬ل َ ّ‬
‫قة الشديدة الدائمة؛ قال‬ ‫قة الخفيفة المنقضية إلى المش ّ‬ ‫المش ّ‬
‫ضحكوا قليل ً ول ْي َْبكوا كثيرًا{؛ أي‪ :‬فليتمّتعوا في هذه‬ ‫تعالى‪} :‬فَل ْي َ ْ‬
‫ذاتها‪ ،‬وي َْلهوا بلعبها‪ ،‬فسيبكون كثيرا ً‬ ‫الدار المنقضية‪ ،‬ويفرحوا بل ّ‬
‫ن{‪ :‬من الكفر والنفاق‬ ‫سبو َ‬ ‫في عذاب أليم‪} .‬جزاًء بما كانوا يك ِ‬
‫وعدم النقياد لوامر رّبهم‪.‬‬
‫ك الّله إلى طائفةٍ منهم{‪ :‬وهم الذين‬ ‫جعَ َ‬‫}‪} {83‬فإن َر َ‬
‫تخّلفوا من غير عذرٍ ولم يحزنوا على تخّلفهم‪} .‬فاستأذنوك‬
‫للخروج{‪ :‬لغير هذه الغزوة إذا رأوا السهولة‪} ،‬فقل{ لهم‬
‫ة‪} :‬لن تخرجوا معي أبدا ً ولن تقاتلوا معي عدًوا{‪ :‬فسُيغني‬ ‫عقوب ً‬
‫ل مّرةٍ فاقُعدوا مع‬ ‫الّله عنكم‪} ،‬إّنكم رضيُتم بالقعود أو َ‬
‫ب أفئ ِد ََتهم وأبصاَرهم كما‬ ‫قل ّ ُ‬‫الخالفين{‪ :‬وهذا كما قال تعالى‪} :‬ون ُ َ‬
‫ن المتثاقل المتخّلف عن المأمور به‬ ‫ة{؛ فإ ّ‬ ‫ل مّر ٍ‬ ‫منوا به أو َ‬ ‫لم يؤ ِ‬
‫عند انتهازِ الفرصة لن يوّفق له بعد ذلك وُيحال بينه وبينه‪ ،‬وفيه‬ ‫)‪(1‬‬

‫ن هؤلء من‬ ‫أيضا ً تعزيٌر لهم؛ فإّنه إذا تقّرر عند المسلمين أ ّ‬
‫الممنوعين من الخروج إلى الجهاد لمعصيتهم؛ كان ذلك توبيخا ً‬
‫ل أحد ٌ كفعِلهم‪.‬‬ ‫لهم وعارا ً عليهم وَنكال ً أن يفع َ‬
‫ﯞ ﯟ ﯠ ﯡ ﯢ ﯣ‬ ‫ﭽ ﮯ ﮰ ﮱ ﯓ ﯔ ﯕ ﯖ ﯗ ﯘ ﯙ ﯚﯛ ﯜ ﯝ‬
‫ﭼ‪.‬‬
‫ل على أحد ٍ منهم مات{‪ :‬من‬ ‫}‪ {84‬يقول تعالى‪} :‬ول تص ّ‬
‫ن صلته‬ ‫ه{‪ :‬بعد الدفن لتدعو له؛ فإ ّ‬ ‫م على قبرِ ِ‬ ‫ق ْ‬
‫المنافقين‪} ،‬ول ت َ ُ‬
‫ة منه لهم‪ ،‬وهم ل تنفع فيهم‬ ‫ووقوفه على قبورهم شفاع ٌ‬
‫الشفاعة‪} ،‬إّنهم كفروا بالّله ورسول ِهِ وماتوا وهم فاسقون{‪:‬‬
‫ة الشافعين‪،‬‬ ‫ومن كان كافرا ً ومات على ذلك؛ فما تنفُعه شفاع ُ‬
‫علم منه‬ ‫ل من ُ‬‫ل لهم‪ ،‬وهكذا ك ّ‬ ‫وفي ذلك عبرة ٌ لغيرهم وزجٌر وَنكا ٌ‬
‫الكفر والّنفاق؛ فإّنه ل يصّلـى عليه‪.‬‬
‫ل على مشروعّية الصلة على المؤمنين‬ ‫وفي هذه الية دلي ٌ‬
‫ي صلى الله عليه‬ ‫دعاء لهم كما كان النب ّ‬ ‫والوقوف عند قبوِرهم لل ّ‬
‫ن تقييد النهي بالمنافقين يد ّ‬
‫ل‬ ‫وسلم يفعل ذلك في المؤمنين؛ فإ ّ‬
‫على أنه قد كان متقررا ً في المؤمنين ‪.‬‬
‫)‪(2‬‬

‫ﭽ ﯤ ﯥ ﯦ ﯧﯨ ﯩ ﯪﯧﯧ ﯫﯧﯧ ﯬﯧﯧ ﯭﯧﯧ ﯮﯧﯧ ﯯﯧﯧ ﯰﯧﯧ ﯱﯧﯧ ﯷ ﯷ ﯷ ﯷ ﭼ ‪.‬‬

‫‪ -‬في )ب(‪» :‬ل«‪.‬‬ ‫‪1‬‬

‫‪ - 2‬كما في »سنن أبي داود« )‪ ،(3221‬و»المستدرك« للحاكم )‪ .(1/370‬وانظر »أحكام الجنائز« للشيخ اللباني‬
‫)‪.(156‬‬
‫دنيا من الموال‬‫}‪ {85‬أي‪ :‬ل تغتّر بما أعطاهم الّله في ال ّ‬
‫والولد؛ فليس ذلك لكرامتهم عليه‪ ،‬وإّنما ذلك إهانة منه لهم‪.‬‬
‫ذبهم بها في الدنيا{‪ :‬فيتعبون في تحصيلها‪،‬‬ ‫}يريد الّله أن يع ّ‬
‫ويخافون من زوالها‪ ،‬ول يتهّنون بها‪ ،‬بل ل يزالون يعانون الشدائد‬
‫والمشاقّ فيها‪ ،‬وُتلهيهم عن الله والدار الخرة‪ ،‬حتى ينتقلوا من‬
‫سل ََبهم حّبها عن ك ّ‬
‫ل‬ ‫سهم وهم كافرون{‪ :‬قد َ‬ ‫الدنيا‪} ،‬وتزهقَ أنف ُ‬
‫ّ‬
‫شيء‪ ،‬فماتوا وقلوبهم بها متعلقة وأفئدتهم عليها متحّرقة‪.‬‬
‫ﭽﯷ ﯷ ﯷ ﯷ ﯷ ﯷ ﯼ ﯽ ﯾ ﯿ ﯷ ﯷ ﯷ ﯷ ﯷ ﯷ ﯷ ﯷ‬
‫ﰈ ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ ﭼ‪.‬‬
‫}‪ {86‬يقول تعالى في بيان استمرار المنافقين على‬
‫التثاقل عن الطاعات وأنها ل تؤّثر فيهم السور واليات‪} :‬وإذا‬
‫ة{‪ :‬يؤمرون فيها باليمان بالّله والجهاد في سبيل‬ ‫ت سور ٌ‬ ‫أنزِل َ ْ‬
‫ول منهم{؛ يعني‪ :‬أولي الغنى والموال‬ ‫ك أولو الط ّ ْ‬
‫الّله‪} ،‬استأذ َن َ َ‬
‫دهم الّله بأموال وبنين‪ ،‬أفل يشكرون‬ ‫الذين ل ع ُذ َْر لهم‪ ،‬وقد أم ّ‬
‫مدونه ويقومون بما أوجبه عليهم وسهل عليهم أمره؟!‬ ‫الّله وَيـ ْ‬
‫ح َ‬
‫كن‬‫ولكن أبوا إل التكاسل والستئذان في القعود‪} ،‬وقالوا ذ َْرنا ن َ ُ‬
‫مع القاعدين{‪.‬‬
‫}‪ {87‬قال تعالى‪َ} :‬رضوا بأن يكونوا مع الخوالف{؛ أي‪:‬‬
‫كيف رضوا لنفسهم أن يكونوا مع النساء المتخّلفات عن‬
‫ل دّلهم على ذلك أم }ط َب َعَ الّله‬ ‫ه أو عق ٌ‬‫الجهاد؟! هل معهم فق ٌ‬
‫ن فيها إرادة ٌ لفعل ما فيه‬ ‫على قلوبهم{؟! فل تعي الخير ول يكو ُ‬
‫الخير والفلح؛ فهم ل يفقهون مصالحهم؛ فلو فقهوا حقيقة الفقه؛‬
‫طهم عن منازل الرجال‪.‬‬ ‫سهم بهذه الحال التي تح ّ‬ ‫ف ِ‬‫وا لن ُ‬‫ض ْ‬ ‫لم ير َ‬
‫ﭽ ﭝ ﭞ ﭟ ﭠ ﭡ ﭢ ﭣ ﭤﭥ ﭦ ﭧ ﭨﭩ ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ‬
‫ﭻ ﭼ ﭼ‪.‬‬ ‫ﭯ ﭰ ﭱ ﭲ ﭳ ﭴ ﭵ ﭶ ﭷﭸ ﭹ ﭺ‬
‫}‪ {88‬يقول تعالى‪ :‬إذا تخّلف هؤلء المنافقون عن الجهاد؛‬
‫صهم بفضله‬ ‫قهِ اخت ّ‬
‫ص من خل ِ‬ ‫فالّله سي ُْغني عنهم‪ ،‬ولّله عباد ٌ وخوا ّ‬
‫يقومون بهذا المر‪ ،‬وهم }الرسول{‪ :‬محمد ٌ صلى الله عليه‬
‫وسلم‪} ،‬والذين آمنوا معه{ يجاهدون }بأموالهم وأنفسهم{‪ :‬غير‬
‫سلين‪ ،‬بل هم فرحون مستبشرون‪ ،‬فأولئك }لهم‬ ‫متثاقلين ول ك َ ِ‬
‫دنيا والخرة‪ .‬فأولئك }هم المفلحون{‪:‬‬ ‫ت{‪ :‬الكثيرة ُ في ال ّ‬ ‫الخيرا ُ‬
‫فروا بأعلى المطالب وأكمل الرغائب‪.‬‬ ‫َ‬
‫الذين ظ ِ‬
‫ت تجري من تحتها النهاُر خالدين‬ ‫}‪} {89‬أعد ّ الّله لهم جنا ٍ‬
‫ب بما رغبوا فيه‬ ‫م{‪ :‬فتّبا لمن لم يرغ ْ‬ ‫فيها ذلك الفوُز العظي ُ‬
‫منوا به‬‫سَر دينه ودنياه وأخراه‪ ،‬وهذا نظيُر قوله تعالى‪} :‬قل آ ِ‬ ‫خ ِ‬‫و َ‬
‫خّرون‬
‫م من قبل ِهِ إذا ُيتلى عليهم ي َ ِ‬ ‫ن الذين أوتوا العل َ‬
‫أو ل تؤمنوا إ ّ‬
‫فْر بها هؤلءِ فقد وكلنا بها قوما ً‬ ‫جدًا{‪ ،‬وقوله‪} :‬فإن ي َك ْ ُ‬‫س ّ‬
‫ن ُ‬‫للذقا ِ‬
‫ن{‪.‬‬
‫ليسوا بها بكافري َ‬
‫ﮆ ﮇﮈ ﮉ ﮊ ﮋ ﮌ ﮍ ﮎ‬ ‫ﭽﭽ ﭾ ﭿ ﮀ ﮁ ﮂ ﮃ ﮄ ﮅ‬
‫ﮏ ﮐ ﮑ ﮒ ﮓ ﮔ ﮕ ﮖ ﮗ ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ ﮜ ﮝ ﮞ ﮟ ﮠ‬
‫ﮡﮢ ﮣ ﮤ ﮥ ﮦ ﮧﮨ ﮩ ﮪ ﮫ ﮬ ﮭ ﮮﮮ ﮯ ﮰ ﮱ ﯓ ﯔ ﯕ ﯖ ﯗ ﯘ ﯙ‬
‫ﯚ ﯛ ﯜ ﯝ ﯞ ﯟ ﯠ ﯡ ﯢ ﯣ ﯤ ﯥ ﯦ ﯧ ﯨ ﯩ ﯪﯧﯧ ﯫﯧﯧ ﯬﯧﯧ ﯭﯧﯧﯮﯧﯧ ﯯﯧﯧ ﯰﯧﯧ ﯱﯧﯧ ﯷ‬
‫ﯷ ﯷ ﯷ ﯷ ﯷ ﯷ ﯷ ﯷ ﯷ ﭼ‪.‬‬
‫ن من العراب ل ِي ُؤ ْذ َ َ‬
‫ن‬ ‫ذرو َ‬ ‫}‪ {90‬يقول تعالى‪} :‬وجاء المع ّ‬
‫صروا منهم في الخروج لجل أن‬ ‫لهم{؛ أي‪ :‬جاء الذين تهاونوا وق ّ‬
‫ن لهم في ترك الجهاد؛ غيَر مبالين في العتذار لجفائهم وعدم‬ ‫يؤذ َ‬
‫حيائهم وإتيانهم بسبب ما معهم من اليمان الضعيف‪ ،‬وأما الذين‬
‫كذبوا الّله ورسوله منهم؛ فقعدوا وتركوا العتذار بالكل ّّية‪ .‬وُيحتمل‬
‫ذرون{؛ أي‪ :‬الذين لهم عذٌر أتوا إلى‬ ‫ن معنى قوله‪} :‬المع ّ‬ ‫أ ّ‬
‫من‬
‫الرسول صلى الله عليه وسلم ل ِي َعْذ َِرهم‪ ،‬ومن عادته أن ي َعْذ َِر َ‬
‫ذبوا الّله ورسوله{‪ :‬في دعواهم اليمان‬ ‫له عذٌر‪} ،‬وَقَعَد َ الذين ك َ َ‬
‫المقتضي للخروج وعدم عملهم بذلك‪ .‬ثم توعدهم بقوله‪:‬‬
‫دنيا والخرة‪.‬‬ ‫م{‪ :‬في ال ّ‬‫ب ألي ٌ‬ ‫}سُيصيب الذين كفروا منهم عذا ٌ‬
‫}‪ {91‬لما ذكر المعتذرين‪ ،‬وكانوا على قسمين‪ :‬قسم‬
‫معذور في الشرع‪ ،‬وقسم غير معذوٍر؛ ذ َك ََر ذلك بقوله‪} :‬ليس‬
‫وة لهم على‬ ‫ضعفاء{‪ :‬في أبدانهم وأبصارهم‪ ،‬الذين ل ق ّ‬ ‫على ال ّ‬
‫ل لجميع أنواع‬ ‫الخروج والقتال‪} ،‬ول على المرضى{‪ :‬وهذا شام ٌ‬
‫)‪(1‬‬
‫ه على الخروج والجهاد من ع ََرج‬ ‫المرض‪ ،‬التي ل يقدر صاحب ُ ُ‬
‫مى وذات الجنب والفالج وغير ذلك‪} .‬ول على الذين ل‬ ‫حـ ّ‬‫ىو ُ‬ ‫وعم ً‬
‫ة يتبّلغون بها في‬ ‫ن ما ُينفقون{؛ أي‪ :‬ل يجدون زادا ً ول راحل ً‬ ‫جدو َ‬ ‫يَ ِ‬
‫ج‪ ،‬بشرط أن ينصحوا للهّ‬ ‫حَر ٌ‬‫سفرهم؛ فهؤلء ليس عليهم َ‬
‫ورسوله؛ بأن يكونوا صادقي اليمان‪ ،‬وأن يكون من نّيتهم‬
‫درون عليه من‬ ‫وعزمهم أنهم لو قدروا لجاهدوا‪ ،‬وأن يفعلوا ما يق ِ‬
‫ث والترغيب والّتشجيع على الجهاد‪.‬‬ ‫الح ّ‬
‫ن‬
‫}ما على المحسنين من سبيل{؛ أي‪ :‬من سبيل يكو ُ‬
‫ة؛ فإنهم بإحسانهم فيما عليهم من حقوق الّله‬ ‫عليهم فيه ت َب ِعَ ٌ‬
‫جه اللوم عليهم‪ ،‬وإذا أحسن العبد ُ فيما‬ ‫وحقوق العباد أسقطوا تو ّ‬
‫يقد ُِر عليه؛ سقط عنه ما ل يقدُر عليه‪.‬‬

‫‪ -‬كذا في النسختين‪.‬‬ ‫‪1‬‬


‫من أحسن على‬ ‫ن َ‬‫ل بهذه الية على قاعدة‪ ،‬وهي أ ّ‬ ‫وُيستد ّ‬
‫غيره في نفسه أو في ماله ونحو ذلك‪ ،‬ثم ترّتب على إحسانه‬
‫ن‪ ،‬ول سبيل على‬ ‫ف‪ :‬أّنه غير ضامن؛ لنه محس ٌ‬ ‫ص أو تل ٌ‬‫نق ٌ‬
‫ل على أن غير المحسن‪ ،‬وهو المسيء؛‬ ‫المحسنين؛ كما أنه يد ّ‬
‫كالمفرط؛ أن عليه الضمان‪} .‬والّله غفوٌر رحيم{‪ :‬من مغفرته‬
‫ب القادرين‬ ‫ورحمته عفا عن العاجزين‪ ،‬وأثابهم بنّيتهم الجازمة ثوا َ‬
‫الفاعلين‪.‬‬
‫مَلهم{‪ :‬فلم يصادفوا‬ ‫ح ِ‬ ‫ك ل ِت َ ْ‬‫}‪} {92‬ول على الذين إذا ما أت َوْ َ‬
‫مُلكم عليه ت َوَل ّ ْ‬
‫وا‬ ‫جد ُ ما أح ِ‬ ‫ت{‪ :‬لهم معتذرًا‪} :‬ل أ ِ‬ ‫عندك شيئًا‪} .‬قل َ‬
‫حَزنا ً أن ل يجدوا ما ينفقون{‪ :‬فإنهم‬ ‫ض من الدمع َ‬ ‫وأعيُنهم تفي ُ‬
‫قة‬ ‫عاجزون باذلون لنفسهم‪ ،‬وقد صدر منهم من الحزن والمش ّ‬
‫ج‬
‫ج عليهم‪ ،‬وإذا سقط الحر ُ‬ ‫ما ذكره الّله عنهم؛ فهؤلء ل َ‬
‫حَر َ‬
‫من نوى الخير واقترن بنّيته‬ ‫ن َ‬‫عنهم؛ عاد المر إلى أصله‪ ،‬وهو أ ّ‬
‫ل منزلة‬ ‫ي فيما يقد ُِر عليه ثم لم يقد ِْر؛ فإّنه ينّز ُ‬ ‫سعْ ٌ‬ ‫الجازمة َ‬
‫م‪.‬‬‫الفاعل التا ّ‬
‫جه واللوم يتناول }الذين‬ ‫}‪} {93‬إّنما السبيل{‪ :‬يتو ّ‬
‫يستأِذنونك وهم أغنياٌء{‪ :‬قادرون على الخروج ل عذَر لهم؛ فهؤلء‬
‫ف{؛‬‫خوال ِ ِ‬ ‫}رضوا{ لنفسهم‪ ،‬ومن دينهم }أن يكونوا مع الـ َ‬
‫ن الّله‬ ‫كالنساء والطفال ونحوهم‪} .‬و{إّنما رضوا بهذه الحال ل ّ‬
‫سون‬ ‫خلها خيٌر‪ ،‬ول يح ّ‬ ‫م عليها؛ فل يد ُ‬ ‫ط َب َعَ }على قلوبهم{؛ أي‪َ :‬‬
‫خت َ َ‬
‫ة لهم على‬ ‫بمصالحهم الدينّية والدنيوّية‪} ،‬فهم ل يعلمون{‪ :‬عقوب ً‬
‫ما اقترفوا‪.‬‬
‫ﭽ ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ ﭝ ﭞ ﭟ ﭠ ﭡﭢ ﭣ‬
‫ﭰ ﭱ ﭲ ﭳ ﭴ‬ ‫ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ ﭨ ﭩ ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ ﭯ‬
‫ﭵ ﭶ ﭷ ﭸ ﭹﭺ ﭻ ﭼﭽ ﭾ ﭿﮀ ﮁ ﮂ ﮃ ﮄ ﮅ ﮆ ﮇ ﮈ ﮉ ﮊ‬
‫ﮗ ﭼ التوبة‪٩٦ - ٩٤ :‬‬ ‫ﮋﮌ ﮍ ﮎ ﮏ ﮐ ﮑ ﮒ ﮓ ﮔ ﮕ ﮖ‬
‫}‪ {94‬لما ذكر تخّلف المنافقين الغنياء‪ ،‬وأنه ل عذر لهم؛‬
‫أخبر أنهم سيعتذرون }إليكم إذا رجعُتم إليهم{‪ :‬من غزاتكم‪،‬‬
‫ن لكم{؛ أي‪ :‬لن نصد َّقكم في‬ ‫ل{ لهم‪} :‬ل تعِتذروا لن نؤم َ‬ ‫}قُ ْ‬
‫اعتذاركم الكاذب‪} ،‬قد نّبأنا الّله من أخباِركم{‪ :‬وهو الصادق في‬
‫ذرون بخلف ما أخبر الّله‬ ‫ة؛ لنهم يعت ِ‬ ‫قيله‪ ،‬فلم يبقَ للعتذار فائد ٌ‬
‫خب ََر الّله الذي هو‬ ‫ف َ‬
‫ل أن يكونوا صادقين فيما يخال ِ ُ‬ ‫عنهم‪ ،‬ومحا ٌ‬
‫مَلكم ورسوُله{‪ :‬في ال ّ‬
‫دنيا؛‬ ‫هع َ‬ ‫أعلى مراتب الصدق‪} .‬وسيرى الل ّ ُ‬
‫ن العمل هو ميزان الصدق من الكذب‪ ،‬وأما مجّرد القوال؛ فل‬ ‫ل ّ‬
‫ب‬‫دون إلى عالم الغي ِ‬ ‫دللة فيها على شيء من ذلك‪} ،‬ثم ت َُر ّ‬
‫ة‪} ،‬فينب ُّئكم بما كنُتم‬ ‫والشهادة{‪ :‬الذي ل يخفى عليه خافي ٌ‬
‫تعملون{‪ :‬من خيرٍ وشّر‪ ،‬ويجازيكم بعدله أو بفضله؛ من غير أن‬
‫ة‪.‬‬‫ل ذّر ٍ‬‫مكم مثقا َ‬ ‫يظل ِ َ‬
‫قب َ ُ‬
‫ل‬ ‫ت‪ :‬إما ي ُ ْ‬ ‫ث حال ٍ‬‫}‪ {95‬واعلم أن المسيء المذنب له ثل ُ‬
‫قوُله وعذُره ظاهرا ً وباطنا ً وُيعفى عنه بحيث يبقى كأنه لم يذن ْ‬
‫ب‪.‬‬
‫]فهذه الحالة هي المذكورة هنا في حق المنافقين أن عذرهم غير‬
‫مقبول‪ ،‬وأنه قد تقررت أحوالهم الخبيثة وأعمالهم السيئة[ )‪. (1‬‬
‫ي على ذنبهم‪ .‬وإما أن‬ ‫وإما أن ُيعاقبوا بالعقوبة والّتعزير الفعلـ ّ‬
‫ض عنهم‪ ،‬ول يقاَبلوا بما فعلوا بالعقوبة الفعلّية‪ .‬وهذه الحال‬ ‫ي ُعَْر َ‬
‫الثالثة هي التي أمر الّله بها في حقّ المنافقين‪ ،‬ولهذا قال‪:‬‬
‫رضوا‬ ‫رضوا عنهم فأع ِ‬ ‫}سيحلفون بالل ّهِ لكم إذا انقلبُتم إليهم لت ُعْ ِ‬
‫س{؛‬ ‫عنهم{؛ أي‪ :‬ل توّبخوهم ول تجِلدوهم أو تقُتلوهم‪} .‬إّنهم رج ٌ‬
‫أي‪ :‬إنهم قذٌر خبثاء‪ ،‬ليسوا بأهل لن ُيبالى بهم‪ ،‬وليس التوبيخ‬
‫والعقوبة مفيدا ً فيهم‪} .‬و{ تكفيهم عقوبة }جهّنم جزاًء بما كانوا‬
‫سبون{‪.‬‬ ‫يك ِ‬
‫وا عنهم{؛ أي‪ :‬ولهم‬ ‫ض ْ‬
‫}‪ {96‬وقوله‪} :‬يحلفون لكم لتر َ‬
‫أيضا ً هذا المقصد الخر منكم غير مجّرد العراض‪ ،‬بل يحّبون أن‬
‫ن الّله ل‬ ‫وا عنهم فإ ّ‬ ‫وا عنهم كأّنهم ما فعلوا شيئًا‪} .‬فإن تر َ‬
‫ض ْ‬ ‫ض ْ‬‫تر َ‬
‫ن{؛ أي‪ :‬فل ينبغي لكم أّيها المؤمنون‬ ‫يرضى عن القوم الفاسقي َ‬
‫ه عنه‪ ،‬بل عليكم أن توافقوا رّبكم‬ ‫ض الل ّ ُ‬ ‫وا عن من لم ير َ‬ ‫ض ْ‬
‫أن تر َ‬
‫ن الّله ل يرضى عن‬ ‫ل كيف قال‪} :‬فإ ّ‬ ‫م ْ‬
‫في رضاه وغضبه‪ .‬وتأ ّ‬
‫ل ذلك‬ ‫ن الّله ل يرضى عنهم؛ ليد ّ‬ ‫ل‪ :‬فإ ّ‬ ‫القوم الفاسقين{‪ ،‬ولم يق ْ‬
‫ن‬
‫على أن باب التوبة مفتوح‪ ،‬وأنهم مهما تابوا هم أو غيرهم؛ فإ ّ‬
‫ن الّله‬ ‫الّله يتوب عليهم ويرضى عنهم‪ ،‬وأما ما داموا فاسقين؛ فإ ّ‬
‫ل يرضى عليهم؛ لوجود المانع من رضاه‪ ،‬وهو خروجهم عن ما‬
‫ضُبه من الشرك‬ ‫رضيه الّله لهم من اليمان والطاعة إلى ما ي ُغْ ِ‬
‫والنفاق والمعاصي‪.‬‬
‫ن المنافقين المتخّلفين عن الجهاد‬ ‫وحاصل ما ذكره الّله أ ّ‬
‫من غير عذر إذا اعتذروا للمؤمنين وزعموا أن لهم أعذارا ً في‬
‫وا‬ ‫ض ْ‬
‫رضوا عنهم وت َْر َ‬ ‫ن المنافقين يريدون بذلك أن ت ُعْ ِ‬ ‫تخّلفهم؛ فإ ّ‬
‫ل العذر منهم والرضا عنهم؛ فل حّبا ول‬ ‫ما َقبو ُ‬‫وتقبلوا عذَرهم‪ :‬فأ ّ‬
‫رض المؤمنون عنهم‬ ‫ما العراض عنهم؛ فيع ِ‬ ‫ة لهم‪ .‬وأ ّ‬ ‫كرام ً‬
‫ضهم عن المور الردّية الرجس‪.‬‬ ‫إعرا َ‬
‫ت الكلم لّله تعالى في قوله‪} .‬قد نّبأنا‬ ‫وفي هذه اليات إثبا ُ‬
‫الّله من أخباركم{‪ ،‬وإثبات الفعال الختيارّية لّله الواقعة بمشيئته‬
‫‪ - 1‬كذا في النسختين ولعل من المناسب أن تكون ما بين المعقوفتين بعد‬
‫قوله‪» :‬ول يقابلوا بما فعلوا بالعقوبة الفعلية«‪ .‬والله أعلم‪.‬‬
‫كم ورسوُله{؛ أخبر‬
‫مل َ ُ‬
‫وقدرته في هذا وفي قوله‪} :‬وسيرى الّله ع َ َ‬
‫أنه سيراه بعد وقوعه‪ .‬وفيها إثبات الّرضا لّله عن المحسنين‬
‫والغضب والسخط على الفاسقين‪.‬‬
‫ﭽ ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ ﮜ ﮝ ﮞ ﮟ ﮠ ﮡ ﮢ ﮣ ﮤﮥ ﮦ ﮧ ﮨ ﮩ ﮪ‬
‫ﮫ ﮬ ﮭ ﮮﮮ ﮯ ﮰ ﮱ ﯓ ﯔﯕ ﯖ ﯗ ﯘﯙ ﯚ ﯛ ﯜ ﯝ ﯞ ﯟ ﯠ ﯡ ﯢ ﯣ ﯤ‬
‫ﯥ ﯦ ﯧ ﯨ ﯩ ﯪﯧﯧ ﯫﯧﯧ ﯬﯧﯧﯭﯧﯧ ﯮﯧﯧ ﯯﯧﯧ ﯰﯧﯧ ﯱﯧﯧﯷ ﯷ ﯷ ﯷ ﯷﯷ ﯷ ﯷ ﯷ ﯷ‬
‫ﯼ ﭼ‪.‬‬
‫ب{‪ :‬وهم سكان البادية‬ ‫}‪ {97‬يقول تعالى‪} :‬العرا ُ‬
‫والبراري‪} ،‬أشد ّ كفرا ً ونفاقًا{‪ :‬من الحاضرة الذين فيهم كفٌر‬
‫ب كثيرة؛ منها‪ :‬أنهم بعيدون عن معرفة‬ ‫ق‪ ،‬وذلك لسبا ٍ‬ ‫ونفا ٌ‬
‫الشرائع الدينّية والعمال والحكام؛ فهم أحرى }وأجدُر أن ل‬
‫ل الّله على رسوله{‪ :‬من أصول اليمان‬ ‫يعلموا حدود َ ما أنز َ‬
‫وأحكام الوامر والنواهي؛ بخلف الحاضرة؛ فإّنهم أقرب لن‬
‫ث لهم بسبب هذا‬ ‫ه‪ ،‬فيحد ُ ُ‬‫يعلموا حدود ما أنزل الّله على رسول ِ ِ‬
‫ورات حسنة وإرادات للخير الذي يعلمون ما ل يكون في‬ ‫العلم تص ّ‬
‫داعي ما ليس في‬ ‫البادية‪ .‬وفيهم من لطافة الطبع والنقياد لل ّ‬
‫البادية‪ .‬ويجالسون أهل اليمان‪ ،‬ويخالطونهم أكثر من أهل‬
‫البادية؛ فلذلك كانوا أحرى للخير من أهل البادية‪ ،‬وإن كان في‬
‫البادية والحاضرة كفاٌر ومنافقون؛ ففي البادية أشد ّ وأغلظ مما‬
‫في الحاضرة‪.‬‬
‫ح‬
‫ص على الموال وأش ّ‬ ‫ن العراب أحر ُ‬ ‫}‪ {98‬ومن ذلك أ ّ‬
‫ق{‪ :‬من الزكاة والنفقة في سبيل‬ ‫ف ُ‬‫فيها؛ فمنهم }من يّتخذ ُ ما ين ِ‬
‫الّله وغير ذلك‪} ،‬مغرمًا{؛ أي‪ :‬يراها خسارة ونقصا‪ ،‬ل يحتسب‬
‫ً‬
‫ديها إل كرهًا‪} ،‬ويترّبص‬ ‫فيها‪ ،‬ول يريد بها وجه الّله‪ ،‬ول يكاد ُ يؤ ّ‬
‫بكم الدوائَر{؛ أي‪ :‬من عداوتهم للمؤمنين وُبغضهم لهم أنهم‬
‫دهر وفجائع الزمان‪ ،‬وهذا‬ ‫دون وينتظرون فيهم دوائر ال ّ‬ ‫يو ّ‬
‫وء{‪ ،‬أما المؤمنون؛ فلهم‬ ‫س ْ‬
‫سينعكس عليهم‪ .‬فعليهم }دائرة ُ ال ّ‬
‫ة على أعدائهم‪ ،‬ولهم الُعقبى الحسنة‪} .‬والّله‬ ‫الدائرة ُ الحسن ُ‬
‫م{‪ :‬يعلم نيات العباد وما صدرت منه العمال من‬ ‫سميعٌ علي ٌ‬
‫إخلص وغيره‪.‬‬
‫ن‬
‫من يؤم ُ‬ ‫}‪ {99‬وليس العراب كّلهم مذمومين‪ ،‬بل منهم } َ‬
‫بالّله واليوم الخر{‪ :‬فيسلم بذلك من الكفر والنفاق‪ ،‬ويعمل‬
‫ت عند الّله{؛ أي‪ :‬يحتسب‬ ‫فقُ قُُربا ٍ‬ ‫خذ ُ ما ين ِ‬
‫بمقتضى اليمان‪} ،‬ويت ّ ِ‬
‫ب منه‪} ،‬و{ يجعَُلها وسيل ً‬
‫ة‬ ‫ه الّله تعالى والقر َ‬ ‫نفقته ويقصد بها وج َ‬
‫ت }الرسول{؛ أي‪ :‬دعائه لهم وتبريكه عليهم‪ .‬قال تعالى‬ ‫صَلوا ِ‬‫لِ َ‬
‫ة لهم{‪ :‬تقّربهم إلى‬‫مبّينا ً لنفع صلوات الرسول‪} :‬أل إّنها ُقرب ٌ‬
‫خُلهم الّله في‬ ‫ل فيها البركة‪} .‬سيد ِ‬ ‫ح ّ‬ ‫الّله‪ ،‬وُتنمي أموالهم‪ ،‬وت ُ ِ‬
‫م{‪ :‬فيغفر‬ ‫رحمته{‪ :‬في جملة عباده الصالحين‪ .‬إّنه }غفوٌر رحي ٌ‬
‫م عباده برحمت ِهِ التي وسعت‬ ‫ة لمن تاب إليه‪ ،‬وي َعُ ّ‬ ‫ت العظيم َ‬ ‫السيئا ِ‬
‫ص عباده المؤمنين برحمةٍ يوّفقهم فيها إلى‬ ‫ل شيء‪ ،‬ويخ ّ‬ ‫ك ّ‬
‫ل لهم فيها أنواع‬ ‫الخيرات‪ ،‬ويحميهم فيها من المخالفات‪ ،‬ويجزِ ُ‬
‫المثوبات‪.‬‬
‫ن العراب كأهل الحاضرة؛‬ ‫ل على أ ّ‬ ‫و في هذه الية دلي ٌ‬
‫مهم الّله على مجّرد‬ ‫منهم الممدوح ومنهم المذموم‪ ،‬فلم يذ ّ‬
‫مهم على ترك أوامر الّله‪ ،‬وأنهم في‬ ‫تعّربهم وباديتهم‪ ،‬إّنما ذ ّ‬
‫مظنة ذلك‪.‬‬
‫ف‬
‫خ ّ‬ ‫ن الكفر والنفاق يزيد وينقص ويغل ُ ُ‬
‫ظ‪ ،‬وي ِ‬ ‫ومنها ‪ :‬أ ّ‬
‫بحسب الحوال‪.‬‬
‫من‬‫ده أقرب إلى الشّر مـ ّ‬ ‫ن فاقِ َ‬
‫ومنها ‪ :‬فضيلة العلم‪ ،‬وأ ّ‬
‫ً‬ ‫ً‬
‫م العراب‪ ،‬وأخبر أنهم أشد ّ كفرا ونفاقا‪ ،‬وذكر‬ ‫ن الّله ذ ّ‬
‫يعرفه؛ ل ّ‬
‫السبب الموجب لذلك‪ ،‬وأّنهم أجدر أن ل يعلموا حدود ما أنزل‬
‫الّله على رسوله‪.‬‬
‫ومنها‪ :‬أن العلم النافع الذي هو أنفع العلوم معرفة حدود ما‬
‫أنزل الله على رسوله من أصول الدين وفروعه؛ كمعرفة حدود‬
‫اليمان والسلم والحسان والتقوى والفلح والطاعة والبّر‬
‫صلة والحسان والكفر والنفاق والفسوق والعصيان والزنا‬ ‫وال ّ‬
‫كن من فعلها إن‬ ‫م ّ‬
‫والخمر والربا ونحو ذلك؛ فإن في معرفتها ي ُت َ َ‬
‫كانت مأمورا ً بها أو )‪ (1‬تركها إن كانت محظورة‪ ،‬ومن المر بها أو‬
‫النهي عنها‪.‬‬
‫ومنها ‪ :‬أنه ينبغي للمؤمن أن يؤدي ما عليه من الحقوق‪،‬‬
‫منشرح الصدر‪ ،‬مطمئن النفس‪ ،‬ويحرص أن تكون مغنما ً ول‬
‫تكون مغرمًا‪.‬‬
‫ﭟ ﭠ ﭡ ﭢ‬ ‫ﭽﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ ﭝ ﭞ‬
‫ﭤ ﭥ ﭦﭧ ﭨ ﭩ ﭪ ﭫ ﭼ ‪.‬‬ ‫ﭣ‬
‫دروها إلى‬‫}‪ {100‬السابقون هم الذين سبقوا هذه المة وب َ َ‬
‫اليمان والهجرة والجهاد وإقامة دين الّله‪} ،‬من المهاجرين{‪:‬‬
‫ن فضل ً من الّله‬ ‫رجوا من ديارهم وأموالهم يبتغو َ‬ ‫}الذين أ ُ ْ‬
‫خ ِ‬
‫صرون الّله ورسوَله أولئك هم الصادقون{‪} .‬و{ من‬ ‫ورضوانا ً وين ُ‬
‫}النصار{‪} :‬الذين تبوؤا الدار واليمان من قبل ِِهم يحّبون من‬

‫‪ -‬في )ب(‪» :‬مأمورة أو«‪.‬‬ ‫‪1‬‬


‫ة مما أوتوا ويؤِثرون‬ ‫هاجر إليهم ول يجدون في صدوِرهم حاج ً‬
‫ة{‪} .‬والذين ات َّبعوهم‬ ‫ص ٌ‬‫خصا َ‬ ‫سهم ولو كان بهم َ‬ ‫على أنف ِ‬
‫ن{‪ :‬بالعتقادات والقوال والعمال؛ فهؤلء هم الذين‬ ‫بإحسا ٍ‬
‫ل الكرامات من‬ ‫م وحصل لهم نهاية المدح وأفض ُ‬ ‫سِلموا من الذ ّ ّ‬ ‫َ‬
‫ّ‬
‫الله‪} .‬رضي الله عنهم{‪ :‬ورضاه تعالى أكبُر من نعيم الجنة‪،‬‬ ‫ّ‬
‫ت تجري تحَتها النهار{‪ :‬الجارية التي‬ ‫}وَرضوا عنه وأعد ّ لهم جنا ٍ‬
‫ُتساق إلى سقي الجنان والحدائق الزاهية الزاهرة والرياض‬
‫حوَل ً ول يطلبون منها‬ ‫الناضرة‪} .‬خالدين فيها أبدًا{‪ :‬ل يبغون عنها ِ‬
‫ل؛ لّنهم مهما تمّنوه أدركوه‪ ،‬ومهما أرادوه وجدوه‪} .‬ذلك الفوز‬ ‫بد ً‬
‫ذة للرواح‬‫ب للنفوس ول ّ‬ ‫ل محبو ٍ‬ ‫العظيم{‪ :‬الذي حصل لهم فيه ك ّ‬
‫ل محذور‪.‬‬ ‫ونعيم للقلوب وشهوة للبدان‪ ،‬واندفع عنهم ك ّ‬
‫ﭽ ﭬ ﭭ ﭮ ﭯ ﭰﭱ ﭲ ﭳ ﭴﭵ ﭶ ﭷ ﭸ ﭹ ﭺﭻ ﭼ ﭽﭾ‬
‫ﮄ ﮅ ﮆ ﭼ‪.‬‬ ‫ﭿ ﮀ ﮁ ﮂ ﮃ‬
‫من حوَلكم من العراب‬ ‫}‪ {101‬يقول تعالى‪} :‬ومـ ّ‬
‫دوا على‬ ‫مَر ُ‬‫منافقون ومن أهل المدينة{‪ :‬أيضا ً منافقون‪َ } ،‬‬
‫الّنفاق{؛ أي‪ :‬تمّرنوا عليه ]واستمّروا[ وازدادوا فيه طغيانًا‪} ،‬ل‬
‫مهم{‪ :‬بأعيانهم فتعاقبهم أو تعاملهم بمقتضى نفاقهم؛ لما لّله‬ ‫تعل َ ُ‬
‫ن{‪:‬‬‫ذبهم مرتي ِ‬ ‫مهم سنع ّ‬ ‫في ذلك من الحكمة الباهرة‪} .‬نحن نعل ُ‬
‫ب‬
‫ب في الدنيا وعذا ٌ‬ ‫ن عذاَبهم عذا ٌ‬ ‫ُيحتمل أن التثنية على بابها‪ ،‬وأ ّ‬
‫)‪(1‬‬
‫م والكراهة لما‬ ‫م والغ ّ‬
‫دنيا ما ينالهم من اله ّ‬ ‫في الخرة؛ ففي ال ّ‬
‫ب النار‬
‫يصيب المؤمنين من الفتح والنصر‪ ،‬وفي الخرة عذا ُ‬
‫ظ عليهم العذاب‪،‬‬ ‫ن المراد سنغل ّ ُ‬ ‫وبئس القرار‪ ،‬وُيحتمل أ ّ‬
‫ونضاعفه عليهم‪ ،‬ونكّرره‪.‬‬
‫ﭽ ﮇ ﮈ ﮉ ﮊ ﮋ ﮌ ﮍ ﮎ ﮏ ﮐ ﮑ ﮒ ﮓﮔ ﮕ ﮖ ﮗ ﮘ‬
‫ﮥ ﮦ ﮧﮨ ﮩ ﮪ ﮫ ﮬ ﭼ ‪.‬‬ ‫ﮙ ﮚ ﮛ ﮜ ﮝ ﮞ ﮟ ﮠ ﮡ ﮢﮣ ﮤ‬
‫ن‬
‫م ْ‬
‫من بالمدينة و َ‬‫}‪ {102‬يقول تعالى‪} :‬وآخرون{‪ :‬م ّ‬
‫حولها‪ ،‬بل ومن سائر البلد السلمّية‪} ،‬اعترفوا بذنوبهم{؛ أي‪:‬‬
‫أقّروا بها وندموا عليها وسعوا في التوبة منها والتطّهر من‬
‫أدرانها‪} ،‬خلطوا عمل ً صالحا ً وآخر سّيئًا{‪ :‬ول يكون العمل صالحا ً‬
‫ج عن الكفر‬ ‫ل التوحيد واليمان المخرِ ُ‬ ‫إل إذا كان مع العبد أص ُ‬
‫ل عمل صالح؛ فهؤلء خلطوا العمال‬ ‫والشرك الذي هو شر ٌ‬
‫ط لك ّ‬
‫الصالحة بالعمال السيئة من التجّري على بعض المحّرمات‬
‫والتقصير في بعض الواجبات مع العتراف بذلك والرجاء بأن‬
‫ب عليهم{‪ :‬وتوبُته على‬ ‫يغفر الّله لهم؛ فهؤلء }عسى الل ّ ُ‬
‫ه أن يتو َ‬

‫‪ -‬في )ب(‪» :‬والحزن«‪.‬‬ ‫‪1‬‬


‫ل‪ :‬التوفيقُ للتوبة‪ .‬والثاني‪ :‬قبوُلها بعد وقوعها‬ ‫عبده نوعان‪ :‬الو ُ‬
‫ن الّله غفوٌر رحيم{؛ أي‪ :‬وصفه المغفرة والرحمة اللتان‬ ‫منهم‪} .‬إ ّ‬
‫ي إل‬
‫ل يخلو مخلوقٌ منهما‪ ،‬بل ل بقاء للعالم العلويّ والسفلـ ّ‬
‫س بظ ُْلمهم ما ترك على ظهرها من‬ ‫ه النا َ‬‫خـذ ُ الل ّ ُ‬‫بهما؛ فلوْ يـؤا ِ‬
‫ن‬
‫ض أن تزول ولئن زالتا إ ْ‬ ‫ت والر َ‬ ‫ن الّله يمسك السموا ِ‬ ‫ة‪} ،‬إ ّ‬ ‫داب ّ ٍ‬
‫كهما من أحد ٍ من بعد ِهِ إّنه كان حليما ً غفورًا{‪ ،‬ومن مغفرته‬ ‫مس َ‬ ‫أ َ‬
‫أن المسرفين على أنفسهم الذين قطعوا أعمارهم بالعمال‬
‫ل القليل؛ فإّنه‬ ‫السيئة إذا تابوا إليه وأنابوا‪ ،‬ولو ُقبيل موتهم بأق ّ‬
‫)‪(1‬‬
‫ة على أن‬ ‫يعفو عنهم ويتجاوُز عن سيئاتهم‪ .‬فهذه الية دال ٌ‬
‫ً‬
‫ة نصوحا؛ أنه تحت‬ ‫المخّلط المعترف النادم الذي لم يتب توب ً‬
‫الخوف والرجاء‪ ،‬وهو إلى السلمة أقرب‪ ،‬وأما المخّلط الذي لم‬
‫ف‪ ،‬ولم يندم على ما مضى منه‪ ،‬بل ل يزال مصّرا على‬ ‫يعتر ْ‬
‫ذنوب؛ فإنه يخاف عليه أشد ّ الخوف‪.‬‬ ‫ال ّ‬
‫ن قام مقامه آمرا ً له بما‬ ‫م ْ‬
‫}‪ {103‬قال تعالى لرسوله و َ‬
‫ة{‪ :‬وهي‬ ‫خذ ْ من أموالهم صدق ً‬ ‫مم إيمانهم‪ُ } :‬‬ ‫يطّهر المؤمنين ويت ّ‬
‫كيهم بها{؛ أي‪ :‬تطّهرهم من‬ ‫الزكاة المفروضة‪} ،‬تطهُّرهم وتز ّ‬
‫كيهم{؛ أي‪ :‬تنميهم‪ ،‬وتزيد في‬ ‫ذنوب والخلق الرذيلة‪} ،‬وتز ّ‬ ‫ال ّ‬
‫أخلقهم الحسنة وأعمالهم الصالحة‪ ،‬وتزيد في ثوابهم الدنيوي‬
‫ل عليهم{؛ أي‪ :‬ادع لهم؛ أي‪:‬‬ ‫ص ّ‬ ‫والخروي‪ ،‬وتنمي أموالهم‪} ،‬و َ‬
‫للمؤمنين عموما ً وخصوصا ً عندما يدفعون إليك زكاة أموالهم‪.‬‬
‫مأنينة لقلوبهم واستبشار لهم‪.‬‬ ‫ن لهم{؛ أي‪ :‬ط ُ َ‬ ‫سك َ ٌ‬‫ن صلَتك َ‬ ‫}إ ّ‬
‫م{‪ :‬بأحوال‬ ‫}والّله سميع{‪ :‬لدعائك سمعَ إجابة وَقبول‪} .‬علي ٌ‬
‫ل عامل بعمله وعلى قدر نيته‪ .‬فكان‬ ‫العباد ونّياتهم‪ ،‬فيجازي ك ّ‬
‫مُرهم بالصدقة‪،‬‬ ‫ل لمر الّله‪ ،‬ويأ ُ‬ ‫ي صلى الله عليه وسلم يمتث ِ ُ‬ ‫النب ّ‬
‫)‪(2‬‬
‫ماله لجبايتها؛ فإذا أتاه أحد ٌ بصدقته؛ دعا له وبّرك ‪.‬‬ ‫ثع ّ‬ ‫ويبع ُ‬
‫ة على وجوب الزكاة في جميع الموال‪،‬‬ ‫ففي هذه الية دلل ٌ‬
‫ل تنمى وُيكتسب بها؛‬ ‫وهذا إذا كانت للتجارة ظاهرة؛ فإّنها أموا ٌ‬
‫فمن العدل أن يواسي منها الفقراء بأداء ما أوجب الّله فيها من‬
‫الزكاة‪ .‬وما عدا أموال التجارة؛ فإن كان المال ينمى كالحبوب‬
‫والثمار والماشية المَتخذة للنماء والدّر والنسل؛ فإّنها تجب فيها‬
‫قْنية؛ لم تكن بمنزلة‬ ‫ب فيها؛ لّنها إذا كانت لل ُ‬ ‫الزكاة‪ ،‬و إل ّ ؛ لم تج ْ‬
‫ول وُيطلب منه‬ ‫م ّ‬‫الموال التي يّتخذها النسان في العادة مال ً ي ُت َ َ‬
‫قنية ونحوها‪.‬‬ ‫المقاصد المالية‪ ،‬وإّنما صرف عن المالية بال ُ‬

‫‪ -‬في )ب(‪» :‬دّلت«‪.‬‬ ‫‪1‬‬

‫‪ -‬سبق تخريجه‪.‬‬ ‫‪2‬‬


‫ج‬‫كى حتى يخرِ َ‬‫وفيها ‪ :‬أن العبد ل يمكنه أن يتطّهر‪ ،‬ويتز ّ‬
‫ن الزكاة والتطهير‬
‫فرها شيٌء سوى أدائها؛ ل ّ‬ ‫ه‪ ،‬وأّنه ل يك ّ‬
‫زكاة مال ِ ِ‬
‫متوّقف على إخراجها‪.‬‬
‫دى زكاته‬‫دعاء من المام أو نائبه لمن أ ّ‬ ‫وفيها ‪ :‬استحباب ال ّ‬
‫دق‬ ‫بالبركة‪ ،‬وأن ذلك ينبغي أن يكون جهرًا؛ بحيث يسمعه المتص ّ‬
‫ن إليه‪.‬‬ ‫فيسك ُ‬
‫ل السرور على المؤمن‬ ‫ويؤخذ من المعنى أنه ينبغي إدخا ُ‬
‫بالكلم اللّين والدعاء له ونحو ذلك مما يكون فيه طمأنينة‬
‫ة‪ ،‬وعمل عمل ً‬‫ه‪] .‬وأنه ينبغي تنشيط من أنفق نفق ً‬ ‫ن لقلب ِ ِ‬‫وسكو ٌ‬
‫دعاء له والثناء ونحو ذلك[‪.‬‬ ‫صالحا ً بال ّ‬
‫ﭽ ﮭ ﮮﮮ ﮯ ﮰ ﮱ ﯓ ﯔ ﯕ ﯖ ﯗ ﯘ ﯙ ﯚ ﯛ ﯜ ﯝ ﯞ ﭼ‬
‫‪.‬‬
‫م كرمه‪ ،‬وأنه‬ ‫ة رحمة الّله وعمو َ‬ ‫سعَ َ‬‫}‪ {104‬أي‪ :‬أما علموا َ‬
‫ح‬
‫ب كان‪ ،‬بل يفر ُ‬ ‫ه{‪ :‬التائبين من أيّ ذن ٍ‬ ‫ة عن عباد ِ ِ‬ ‫ل التوب َ‬ ‫}يقب ُ‬
‫ت{‪:‬‬ ‫خذ ُ الصدقا ِ‬‫در‪} ،‬ويأ ُ‬ ‫ح يق ّ‬
‫تعالى بتوبة عبده إذا تاب أعظم فر ٍ‬
‫ذها بيمينه‪ ،‬في َُرّبيها لحدهم كما ُيرّبـي‬ ‫خ ُ‬‫منهم؛ أي‪ :‬يقبلها ويأ ُ‬
‫ه‪ ،‬حتى تكون التمرة ُ الواحدة كالجبل العظيم؛ فكيف‬ ‫الرجل فَل ُوّ ُ‬
‫م{؛ أي‪:‬‬ ‫ب الرحي ُ‬ ‫ن الّله هو التوا ُ‬ ‫بما هو أكبر وأكثر من ذلك‪} .‬وأ ّ‬
‫ت‬
‫ن تاب إليه؛ تاب عليه‪ ،‬ولو تكرر ْ‬ ‫كثير التوبة على التائبين؛ فم ْ‬
‫ل الّله من التوبة على عباده حتى‬ ‫ة مرارًا‪ ،‬ول ي َ َ‬
‫م ّ‬ ‫منه المعصي ُ‬
‫شرود َ عن بابه وموالَتهم عدّوهم‪.‬‬ ‫مّلوا هم‪ ،‬ويأبوا إل الّنفاَر وال ّ‬ ‫يَ َ‬
‫ل شيٍء‪ ،‬وك َت ََبها للذين يّتقون‪،‬‬ ‫هك ّ‬ ‫}الرحيم{‪ :‬الذي وسعت رحمت ُ ُ‬
‫ويؤتون الزكاة‪ ،‬ويؤمنون بآياته‪ ،‬ويّتبعون رسوله‪.‬‬
‫ﯯﯧﯧ ﯰﯧﯧ ﭼ ‪.‬‬ ‫ﯬﯧﯧ ﯭﯧﯧ ﯮﯧﯧ‬
‫ﯩ ﯪﯧﯧ ﯫﯧﯧ‬ ‫ﭽ ﯟ ﯠ ﯡ ﯢ ﯣ ﯤ ﯥﯦ ﯧ ﯨ‬
‫ملوا{‪:‬‬ ‫ل{ لهؤلء المنافقين‪} :‬اع َ‬ ‫}‪ {105‬يقول تعالى‪} :‬وقُ ْ‬
‫ن‬‫سبوا أ ّ‬ ‫ما ترون من العمال‪ ،‬واستمّروا على باطلكم؛ فل تح َ‬
‫ن{؛ أي‪ :‬ل‬ ‫مَلكم ورسوُله والمؤمنو َ‬ ‫ه عَ َ‬ ‫ذلك سيخفى‪} ،‬فسيرى الل ّ ُ‬
‫دون إلى عالم الغيب‬ ‫بد ّ أن يتبيّـن عملكم ويّتضح‪} ،‬وستر ّ‬
‫والشهادة فينّبئكم بما كنُتم تعملون{‪ :‬من خيرٍ وشّر ففي هذا‬
‫من استمّر على باطله وطغيانه‬ ‫التهديد والوعيد الشديد على َ‬
‫ن المعنى‪ :‬إّنكم مهما عملُتم من خيرٍ أو‬ ‫وغّيه وعصيانه‪ .‬وُيحتمل أ ّ‬
‫سي ُط ْل ِعُ رسوَله وعباده المؤمنين‬‫طلعٌ عليكم‪ ،‬و َ‬ ‫ن الّله م ّ‬
‫شّر؛ فإ ّ‬
‫ة‪.‬‬‫على أعمالكم ولو كانت باطن ً‬
‫ﯷ ﯷ ﯷ ﯷ ﯷ ﯷﯷ ﯷ ﯼ ﯽ ﯾ ﭼ ‪.‬‬ ‫ﭽ ﯱﯧﯧ ﯷ ﯷ‬
‫ر‬
‫خرون }لم ِ‬ ‫}‪ {106‬أي‪} :‬وآخرون{‪ :‬من المخّلفين مؤ ّ‬
‫ب عليهم{‪ :‬ففي هذا التخويف الشديد‬ ‫ما يتو ُ‬ ‫الّله إ ّ‬
‫ما يعذ ُّبهم وإ ّ‬
‫م{‪ :‬بأحوال‬ ‫ه علي ٌ‬ ‫للمتخّلفين والحث لهم على التوبة والندم‪} .‬والل ّ ُ‬
‫م{‪ :‬يضع الشياء مواضعها‪ ،‬وينزُِلها منازَلها؛‬ ‫العباد ونياتهم‪} ،‬حكي ٌ‬
‫فإذا اقتضت حكمُته أن يغفر لهم ويتوب عليهم؛ غفر لهم وتاب‬
‫عليهم‪ .‬وإن اقتضت حكمُته أن يخذ َُلهم ول يوّفقهم للتوبة؛ فعل‬
‫ذلك‪.‬‬
‫ﭟﭠ ﭡ ﭢ‬ ‫ﭽﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ ﭝ ﭞ‬
‫ﭴ ﭵ ﭶ‬ ‫ﭣ ﭤ ﭥﭦ ﭧ ﭨ ﭩ ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ ﭯﭰ ﭱ ﭲ ﭳ‬
‫ﮊ ﮋ ﮌ‬ ‫ﭷ ﭸ ﭹ ﭺ ﭻﭼ ﭽ ﭾ ﭿ ﮀ ﮁﮂ ﮃ ﮄ ﮅ ﮆ ﮇ ﮈ ﮉ‬
‫ﮜﮝ ﮞ ﮟ‬ ‫ﮍ ﮎ ﮏ ﮐ ﮑ ﮒ ﮓ ﮔ ﮕ ﮖ ﮗ ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ‬
‫ﯔ ﯕ ﭼ‪.‬‬ ‫ﮠ ﮡ ﮢ ﮣ ﮤ ﮥ ﮦ ﮧ ﮨ ﮩ ﮪ ﮫ ﮬ ﮭ ﮮﮮ ﮯﮰ ﮱ ﯓ‬
‫س من المنافقين من أهل ُقباء اّتخذوا‬ ‫}‪ {107‬كان أنا ٌ‬
‫مسجدا ً إلى جنب مسجد قباء يريدون به المضاّرة والمشاّقة بين‬
‫دونه لمن يرجونه من المحاربين لّله ورسوله؛ يكون‬ ‫المؤمنين‪ ،‬وي ُعِ ّ‬
‫سّرهم‪،‬‬‫خْزَيهم‪ ،‬وأظهر ِ‬ ‫لهم حصنا ً عند الحتياج إليه‪ ،‬فبّين تعالى ِ‬
‫فقال‪} :‬والذين اّتخذوا مسجدا ً ضرارًا{؛ أي‪ :‬مضاّرة للمؤمنين‬
‫ولمسجدهم الذي يجتمعون فيه‪} ،‬وكفرًا{؛ أي‪ :‬مقصدهم فيه‬
‫الكفر إذا قصد غيرهم اليمان‪} ،‬وتفريقا ً بين المؤمنين{؛ أي‪:‬‬
‫ليتشعبوا ويتفّرقوا ويختلفوا‪} ،‬وإرصادًا{؛ أي‪ :‬إعدادا ً }لمن حارب‬
‫ل{؛ أي‪ :‬إعانة للمحاربين لّله ورسوله‪ ،‬الذين‬ ‫من قب ُ‬ ‫الّله ورسوله ِ‬
‫دت عداوتهم‪ ،‬وذلك كأبي عامر الراهب‪ ،‬الذي‬ ‫دم حرابهم واشت ّ‬ ‫تق ّ‬
‫ي صلى الله عليه وسلم‬ ‫كان من أهل المدينة‪ ،‬فلما قدم النب ّ‬
‫وهاجر إلى المدينة؛ كفر به‪ ،‬وكان متعّبدا ً في الجاهلية‪ ،‬فذهب‬
‫إلى المشركين يستعين بهم على حرب رسول الّله صلى الله‬
‫عليه وسلم‪ ،‬فلما لم يدرك مطلوبه عندهم؛ ذهب إلى قيصر‬
‫بزعمه أنه ينصره‪ ،‬فهلك اللعين في الطريق‪ ،‬وكان على وعدٍ‬
‫ضرار‪،‬‬‫دوا له مسجد ال ّ‬ ‫وممالئة هو والمنافقون‪ ،‬فكان مما أع ّ‬
‫فنزل الوحي بذلك‪ ،‬فبعث إليه النبي صلى الله عليه وسلم من‬
‫ة‪.‬‬
‫حرق‪ ،‬وصار بعد ذلك مزبل ً‬ ‫يهدمه ويحرقه )‪ ، (1‬فُهدم‪ ،‬و ُ‬
‫قال تعالى بعد ما بّين من مقاصدهم الفاسدة في ذلك‬
‫دنا{ في بنائنا إّياه }إل الحسنى{؛ أي‪:‬‬ ‫ن إن أر ْ‬ ‫ف ّ‬ ‫المسجد‪} :‬ول َي َ ْ‬
‫حل ِ ُ‬
‫الحسان إلى الضعيف والعاجز والضرير‪} .‬والّله يشهد ُ إّنهم‬
‫ن{‪ :‬فشهادة الّله عليهم أصدق من حلفهم‪.‬‬ ‫لكاذبو َ‬

‫‪ -‬انظر »تفسير الطبري« )‪ ،(14/107‬و »الدر المنثور« )‪.(3/494‬‬ ‫‪1‬‬


‫ل في ذلك المسجد‬ ‫}‪} {108‬ل تقم فيه أبدًا{؛ أي‪ :‬ل تص ّ‬
‫الذي ُبني ضرارا ً أبدًا؛ فالّله ُيغنيك عنه‪ ،‬ولست بمضطّر إليه‪.‬‬
‫سس على الّتقوى من أول يوم{‪ :‬ظهر فيه السلم‬ ‫}لمسجد ٌ أ ّ‬
‫ّ‬
‫سس على إخلص الدين لله وإقامة‬ ‫في ُقباء‪ ،‬وهو مسجد ُقباء أ ّ‬
‫ذكره وشعائر دينه‪ ،‬وكان قديما ً في هذا عريقا ً فيه؛ فهذا المسجد‬
‫م فيه{‪ :‬وتتعّبد وتذكر الّله تعالى؛ فهو‬ ‫الفاضل }أحقّ أن تقو َ‬
‫ل يحّبون‬ ‫ّ‬
‫فاضل وأهله فضلء‪ ،‬ولهذا مدحهم الله بقوله‪} :‬فيه رجا ٌ‬
‫ذنوب‪ ،‬ويتطّهروا من الوساخ والنجاسات‬ ‫أن يتطّهروا{‪ :‬من ال ّ‬
‫ب شيئًا؛ ل بد ّ أن يسعى له‬ ‫من أح ّ‬
‫ن َ‬‫والحداث‪ ،‬ومن المعلوم أ ّ‬
‫ب؛ فل بد ّ أنهم كانوا حريصين على التطّهر من‬ ‫ويجتهد فيما يح ّ‬
‫من سبق إسلمه‪،‬‬ ‫ذنوب والوساخ والحداث‪ ،‬ولهذا كانوا مـ ّ‬ ‫ال ّ‬
‫وكانوا مقيمين للصلة‪ ،‬محافظين على الجهاد مع رسول الّله‬
‫من كانوا يتحّرزون‬ ‫صلى الله عليه وسلم وإقامة شرائع الدين‪ ،‬ومـ ّ‬
‫من مخالفة الّله ورسوله‪.‬‬
‫ي صلى الله عليه وسلم بعدما نزلت هذه الية‬ ‫وسألهم النب ّ‬
‫)‪ (1‬في مدحهم عن طهارتهم؟ فأخبروه أّنهم ي ُت ِْبعون الحجارة‬
‫الماء‪ ،‬فحمدهم على صنيعهم‪.‬‬
‫ب المط ّّهرين{‪ :‬الطهارة المعنوية كالتنّزه من‬ ‫}والّله يح ّ‬
‫الشرك والخلق الرذيلة‪ ،‬والطهارة الحسّية كإزالة النجاس ورفع‬
‫الحداث‪.‬‬
‫ل بين المساجد بحسب مقاصد أهلها‬ ‫ض َ‬‫}‪ {109‬ثم فا َ‬
‫سس بنياَنه على تقوى من‬ ‫وموافقتها لرضاه‪ ،‬فقال‪} :‬أفمن أ ّ‬
‫ن{‪ :‬بأن كان‬ ‫الّله{؛ أي‪ :‬على نّية صالحة وإخلص‪} ،‬ورضوا ٍ‬
‫موافقا ً لمره‪ ،‬فجمع في عمله بين الخلص والمتابعة‪} .‬خيٌر أم‬
‫ف هاٍر{؛ أي‪:‬‬ ‫جُر ٍ‬
‫سس بنياَنه على شفا{؛ أي‪ :‬على طرف؛ } ُ‬ ‫نأ ّ‬‫م ْ‬
‫ه ل يهدي‬ ‫ّ‬
‫ل‪ ،‬قد تداعى للنهدام‪} ،‬فانهار به في نارِ جهّنم والل ُ‬ ‫با ٍ‬
‫القوم الظالمين{‪ :‬لما فيه مصالح دينهم ودنياهم‪.‬‬
‫ة في قلوب ِِهم{؛ أي‪:‬‬ ‫وا ِريب ً‬‫ل بنياُنهم الذي ب َن َ ْ‬‫}‪} {110‬ل يزا ُ‬
‫قط ّعَ قلوُبهم{‪ :‬بأن يندموا‬ ‫كا وريبا ً ماكثا ً في قلوبهم‪} ،‬إل ّ أن ت َ َ‬ ‫ش ّ‬
‫غاية الندم‪ ،‬ويتوبوا إلى رّبهم‪ ،‬ويخافوه غاية الخوف؛ فبذلك يعفو‬
‫الّله عنهم‪ ،‬و إل ّ ؛ فبنياُنهم ل يزيدهم إل ريبا ً إلى ريبهم‪ ،‬ونفاقا ً‬
‫م{‪ :‬بجميع الشياء؛ ظاهرها وباطنها‪،‬‬ ‫إلى نفاقهم‪} .‬والّله علي ٌ‬
‫م{‪ :‬ل يفعل ول‬ ‫خفّيها وجلّيها‪ ،‬وبما أسّره العباد وأعلنوه‪} ،‬حكي ٌ‬

‫‪ - 1‬أخرجه أحمد )‪ ،(3/422‬وابن ماجه )‪ ،(355‬والحاكم )‪ 1/155‬و‬


‫‪ ،(2/334‬وصححه ووافقه الذهبي‪.‬‬
‫يخل ُقُ ول يأمر ول ينهى إل ّ ما اقتضته الحكمة وأمر به؛ فلّله‬
‫الحمد‪.‬‬
‫وفي هذه اليات عدة فوائد‪:‬‬
‫ضرار لمسجد ٍ آخر‬ ‫ن اّتخاذ المسجد الذي يقصد به ال ّ‬ ‫منها ‪ :‬أ ّ‬
‫طلع على‬ ‫م مسجد الضرار الذي ا ّ‬ ‫بقربه أنه محّرم‪ ،‬وأنه يجب هد ُ‬
‫مقصود أصحابه‪.‬‬
‫ل‪ ،‬تغّيره النية‪ ،‬فينقلب‬‫ومنها ‪ :‬أن العمل‪ ،‬وإن كان فاض ً‬
‫ة أصحاب مسجد الضرار عمَلهم إلى ما‬ ‫منهّيا عنه؛ كما قَل َب َ ْ‬
‫ت ني ُ‬
‫ترى‪.‬‬
‫ل بها التفريق بين المؤمنين؛ فإنها‬ ‫ص ُ‬‫ن كل حالة يح ُ‬ ‫ومنها ‪ :‬أ ّ‬
‫ل‬‫ص ُ‬
‫ن كل حالة يح ُ‬ ‫كها وإزالتها؛ كما أ ّ‬‫من المعاصي التي يتعيّـن تر ُ‬
‫ث‬
‫بها جمع المؤمنين وائتلفهم يتعيّـن اّتباعها والمُر بها والح ّ‬
‫ن الّله عّلل اّتخاذهم لمسجد الضرار بهذا المقصد‬ ‫عليها؛ ل ّ‬
‫الموجب للنهي عنه كما يوجب ذلك الكفر والمحاربة لّله ورسوله‪.‬‬
‫ومنها ‪ :‬النهي عن الصلة في أماكن المعصية والبعد عنها‬
‫وعن قربها‪.‬‬
‫ومنها ‪ :‬أن المعصية تؤثر في البقاع كما أثرت معصية‬
‫المنافقين في مسجد الضرار وُنهي عن القيام فيه‪ ،‬وكذلك‬
‫الطاعة تؤثر في الماكن كما أثرت في مسجد ُقباء‪ ،‬حتى قال‬
‫م‬
‫سس على التقوى من أول يوم أحقّ أن تقو َ‬ ‫جد ٌ أ ّ‬
‫س ِ‬ ‫الّله فيه‪} :‬ل َ َ‬
‫م ْ‬
‫فيه{‪ :‬ولهذا كان لمسجد قباء من الفضل ما ليس لغيره‪ ،‬حتى‬
‫ت يصلي فيه )‪، (1‬‬
‫ل سب ٍ‬‫كان صلى الله عليه وسلم يزور ُقباء ك ّ‬
‫ث على الصلة فيه )‪. (2‬‬ ‫وح ّ‬
‫ومنها ‪ :‬أنه ُيستفاد ُ من هذه التعاليل المذكورة في الية أربعُ‬
‫ة‬
‫مة ‪ ،‬وهي‪ :‬كل عمل فيه مضاّرة لمسلم‪ ،‬أو فيه معصي ٌ‬ ‫قواعد َ مه ّ‬
‫لّله؛ فإن المعاصي من فروع الكفر‪ ،‬أو فيه تفريقٌ بين المؤمنين‪،‬‬
‫ة لمن عادى الّله ورسوله؛ فإنه محّرم ممنوع منه‪،‬‬ ‫أو فيه معاون ٌ‬
‫وعكسه بعكسه‪.‬‬
‫]ومنها‪ :‬أن العمال الحسّية الناشئة عن معصية الله‪ ،‬ل‬
‫تزال مبعدة لفاعلها عن الله‪ ،‬بمنزلة الصرار على المعصية حتى‬
‫ة؛ بحيث يتقطع قلُبه من الندم‬
‫م ً‬
‫ة تا ّ‬
‫ب منها توب ً‬‫يزيلها ويتو َ‬
‫والحسرات[‪.‬‬

‫‪ -‬أخرجه البخاري )‪ ،(1193‬ومسلم )‪ (1399‬عن ابن عمر‪.‬‬ ‫‪1‬‬

‫‪ -‬كما عند المام أحمد )‪ ،(3/487‬وابن ماجه )‪ ،(1412‬والترمذي )‪.(324‬‬ ‫‪2‬‬


‫سس على التقوى؛‬ ‫ومنها ‪ :‬أنه إذا كان مسجد ُ ُقباء مسجدا ً أ ّ‬
‫سسه بيده المباركة‪،‬‬ ‫ي صلى الله عليه وسلم الذي أ ّ‬ ‫فمسجد النب ّ‬
‫وعمل فيه‪ ،‬واختاره الّله له من باب أولى وأحرى‪.‬‬
‫ي على الخلص والمتابعة هو العمل‬ ‫ومنها ‪ :‬أن العمل المبن ّ‬
‫سس على الّتقوى الموصل لعامل ِهِ إلى جنات النعيم‪ ،‬والعمل‬ ‫المؤ ّ‬
‫ضلل هو العمل‬ ‫دع وال ّ‬
‫ي على سوء القصد وعلى الب ِ َ‬ ‫المبن ّ‬
‫ف هاٍر‪ ،‬فانهار به في نارِ جهّنم‪ .‬والّله ل‬ ‫جُر ٍ‬
‫سس على شفا ُ‬ ‫المؤ ّ‬
‫يهدي القوم الظالمين‪.‬‬
‫ﭽ ﯖ ﯗ ﯘ ﯙ ﯚ ﯛ ﯜ ﯝ ﯞ ﯟ ﯠﯡ ﯢ ﯣ ﯤ ﯥ ﯦ ﯧﯨ ﯩ ﯪﯧﯧ ﯫﯧﯧ ﯬﯧﯧ ﯭﯧﯧ‬
‫ﯮﯧﯧ ﯯﯧﯧﯰﯧﯧ ﯱﯧﯧ ﯷ ﯷ ﯷ ﯷﯷ ﯷ ﯷ ﯷ ﯷ ﯷﯼ ﯽ ﯾ ﯿ ﯷ ﯷ ﭼ ‪.‬‬
‫ة‬
‫قا بمبايع ٍ‬ ‫}‪ {111‬يخبر تعالى خبرا ً صدقا ً ويعد ُ وعدا ً ح ّ‬
‫ة‪ ،‬وهو أنه }اشترى{‪ :‬بنفسه الكريمة‬ ‫عظيمةٍ ومعاوضةٍ جسيم ٍ‬
‫مبيعة‪،‬‬ ‫}من المؤمنين أنفسهم وأموالهم{‪ :‬فهي الّثمن والسلعة ال َ‬
‫ن لهم الجنة{‪ :‬التي فيها ما تشتهيه النفس وت َل َذ ّ العين من‬ ‫}بأ ّ‬
‫ذات والفراح والمسّرات والحور الحسان والمنازل‬ ‫أنواع الل ّ ّ‬
‫سهم وأمواَلهم‬ ‫ذلوا لّله نفو َ‬ ‫النيقات‪ ،‬وصفة العقد والمبايعة بأن يب ُ‬
‫في جهاد أعدائه؛ لعلء كلمت ِهِ وإظهار دينه‪ .‬فيقاتلون }في سبيل‬
‫ن{‪ :‬فهذا العقد والمبايعة قد صدرت من الّله‬ ‫قَتلو َ‬
‫قُتلون وي ُ ْ‬‫الّله في َ ْ‬
‫قا في التوراة والنجيل‬ ‫كدة بأنواع التأكيدات‪} .‬وعدا ً عليه ح ّ‬ ‫مؤ ّ‬
‫ت العالم وأعلها‬ ‫ف الكتب التي طرقَ ِ‬ ‫والقرآن{‪ :‬التي هي أشر ُ‬
‫ل الرسل أولو العزم‪ ،‬وكّلها اّتفقت على‬ ‫وأكملها‪ ،‬وجاء بها أكم ُ‬
‫شروا{‪ :‬أّيها‬ ‫هذا الوعد الصادق‪} .‬ومن أوفى بعهد ِهِ من الّله فاست َب ْ ِ‬
‫م الذي باي َعُْتم به{؛‬ ‫المؤمنون‪ ،‬القائمون بما وعدكم الّله }ببيعِك ُ ُ‬
‫ضكم بعضًا‪.‬‬ ‫ث بع ُ‬ ‫ضكم بعضا ً ويح ّ‬ ‫شر بع ُ‬‫أي‪ :‬لتفرحوا بذلك وليب ّ‬
‫ل؛ لنه‬ ‫}وذلك هو الفوز العظيم{‪ :‬الذي ل فوز أكبُر منه ول أج ّ‬
‫من السعادة َ البدّية والنعيم المقيم‪ ،‬والّرضا من الّله الذي هو‬ ‫يتض ّ‬
‫أكبر من نعيم الجنات‪.‬‬
‫وإذا أردت أن تعرف مقدار الصفقة؛ فانظ ُْر إلى المشتري؛‬
‫ض‪ ،‬وهو أكبر العواض‬ ‫ل جلله‪ ،‬وإلى العِوَ ِ‬ ‫ن هو؟ وهو الّله ج ّ‬ ‫م ْ‬
‫َ‬
‫وأجّلها؛ جنات النعيم‪ ،‬وإلى الثمن المبذول فيها‪ ،‬وهو النفس‬
‫من جرى على يديه‬ ‫ب الشياء للنسان‪ ،‬وإلى َ‬ ‫والمال‪ ،‬الذي هو أح ّ‬
‫م؟ وهي كتب‬ ‫عقد ُ هذا التباُيع‪ ،‬وهو أشرف الرسل‪ ،‬وبأيّ كتاب ُرقِ َ‬
‫الّله الكبار المنزلة على أفضل الخلق‪.‬‬
‫ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ ﭝ ﭞﭟ ﭠ ﭡ ﭢ‬ ‫ﭽﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ‬
‫ﭼ‪.‬‬
‫}‪ {112‬كأنه قيل‪ :‬من هم المؤمنون الذين لهم البشارةُ‬
‫من الّله بدخول الجنات ون َْيل الكرامات؟ فقال‪ :‬هم‪} :‬التائبون{؛‬
‫أي‪ :‬الملزمون للتوبة في جميع الوقات عن جميع السيئات‪.‬‬
‫ن{؛ أي‪ :‬المّتصفون بالعبودّية لّله والستمرار على‬ ‫}العابدو َ‬
‫ت؛ فبذلك‬ ‫طاعته من أداء الواجبات والمستحّبات في كل وق ٍ‬
‫يكون العبد من العابدين‪} .‬الحامدون{‪ :‬لّله في السّراء والضّراء‬
‫واليسر والعسر‪ ،‬المعترفون بما لّله عليهم من النعم الظاهرة‬
‫والباطنة‪ ،‬المثنون على الّله بذكرها وبذكره في آناء الليل وآناء‬
‫سرت السياحة بالصيام‪ ،‬أو السياحة في‬ ‫النهار‪} .‬السائحون{‪ :‬ف ّ‬
‫ّ‬
‫سرت بسياحة القلب في معرفة الله ومحبته‬ ‫طلب العلم‪ ،‬وف ّ‬
‫ن المراد َ بالسياحة السفُر في‬ ‫والنابة إليه على الدوام‪ ،‬والصحيح أ ّ‬
‫ج والعمرة والجهاد وطلب العلم وصلة القارب‬ ‫قُربات؛ كالح ّ‬ ‫ال ُ‬
‫ونحو ذلك‪} .‬الراكعون الساجدون{؛ أي‪ :‬المكثرون من الصلة‪،‬‬
‫المشتملة على الركوع والسجود‪} .‬المرون بالمعروف{‪ :‬ويدخل‬
‫ت والمستحّبات‪} .‬والناهون عن المنكر{‪ :‬وهي‬ ‫فيه جميع الواجبا ِ‬
‫جميع ما نهى الّله ورسوله عنه‪} .‬والحافظون لحدود الله{‪:‬‬
‫ّ‬
‫ل في الوامر‬ ‫بتعّلمهم حدود َ ما أنزل الّله على رسوله‪ ،‬وما يد ُ‬
‫خ ُ‬
‫والنواهي والحكام‪ ،‬وما ل يدخل‪ ،‬الملزمون لها فعل ً وتركًا‪.‬‬
‫م جميع ما رّتب‬ ‫شرهم به؛ ليع ّ‬ ‫شر المؤمنين{‪ :‬لم يذك ُْر ما يب ّ‬ ‫}وب ّ‬
‫ة‬‫دنيا والدين والخرة؛ فالبشارة ُ متناول ٌ‬ ‫على اليمان من ثواب ال ّ‬
‫ل مؤمن‪ ،‬وأما مقداُرها وصفُتها؛ فإّنها بحسب حال المؤمنين‬ ‫لك ّ‬
‫وإيمانهم قوة ً وضعفا ً وعمل ً بمقتضاه‪.‬‬
‫ﭱ ﭲ‬ ‫ﭥ ﭦ ﭧ ﭨ ﭩ ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ ﭯ ﭰ‬ ‫ﭽﭣ ﭤ‬
‫ﮂ‬ ‫ﭾ ﭿ ﮀ ﮁ‬ ‫ﭺ ﭻ ﭼ ﭽ‬ ‫ﭳ ﭴ ﭵ ﭶ ﭷ ﭸ ﭹ‬
‫ﮍ ﮎ ﮏ ﭼ‪.‬‬ ‫ﮃ ﮄ ﮅ ﮆ ﮇ ﮈ ﮉﮊ ﮋ ﮌ‬
‫ي وللمؤمنين به‪،‬‬ ‫ن للنب ّ‬
‫س ُ‬‫ح ُ‬
‫}‪ {113‬يعني‪ :‬ما يليق ول َيـ ْ‬
‫فروا للمشركين{؛ أي‪ :‬لمن كفر به وعبد معه غيره‪،‬‬ ‫}أن يستغ ِ‬
‫ب‬‫}ولو كانوا أولي ُقربى من بعد ِ ما تبيّـن لهم أنهم أصحا ُ‬
‫ط غير مفيد؛ فل‬ ‫ن الستغفار لهم في هذه الحال غل ٌ‬ ‫الجحيم{‪ :‬فإ ّ‬
‫م أنهم‬ ‫ي والمؤمنين؛ لّنهم إذا ماتوا على الشرك أو ع ُل ِ َ‬ ‫يليقُ بالنب ّ‬
‫قت عليهم كلمة العذاب‪ ،‬ووجب عليهم‬ ‫يموتون عليه؛ فقد ح ّ‬
‫ة الشافعين ول استغفاُر‬ ‫الخلود ُ في النار‪ ،‬ولم تنفعْ فيهم شفاع ُ‬
‫ي والذين آمنوا معه عليهم أن‬ ‫المستغفرين‪ .‬وأيضًا؛ فإ ّ‬
‫ن النب ّ‬
‫ن واله الّله‪ ،‬وُيعادوا‬ ‫م ْ‬
‫يوافقوا رّبهم في رضاه وغضبه‪ ،‬ويوالوا َ‬
‫من عاداه الّله‪ ،‬والستغفار منهم لمن تبّين أنه من أصحاب النار‬
‫ض له‪.‬‬ ‫ف لذلك مناق ٌ‬ ‫منا ٍ‬
‫جد َ الستغفار من خليل الرحمن إبراهيم‬ ‫}‪ {114‬ولئن وُ ِ‬
‫دها إّياه{‪ :‬في قوله‪:‬‬ ‫عليه السلم لبيه؛ فإنه }عن موعدةٍ وَع َ َ‬
‫فّيا{‪ :‬وذلك قبل أن يعلم‬ ‫ح ِ‬
‫فر لك ربّـي إنه كان بي َ‬ ‫}سأستغ ِ‬
‫ّ‬
‫ة أبيه‪} ،‬فلما تبيّـن{‪ :‬لبراهيم أن أباه }عدوّ لله{‪ :‬سيموت‬ ‫عاقب َ‬
‫ة‬
‫على الكفر‪ ،‬ولم ينفع فيه الوعظ والتذكير؛ }تبّرأ منه{‪ :‬موافق ً‬
‫جاع ٌ إلى الّله في‬ ‫ه{؛ أي‪ :‬ر ّ‬ ‫ن إبراهيم لّوا ٌ‬ ‫لرّبه وتأدبا ً معه‪} .‬إ ّ‬
‫دعاء والستغفار والنابة إلى رّبه‪.‬‬ ‫ذكر وال ّ‬ ‫جميع المور‪ ،‬كثير ال ّ‬
‫م{؛ أي‪ :‬ذو رحمة بالخلق‪ ،‬وصفح عما يصد ُُر منهم إليه من‬ ‫}حلي ٌ‬
‫ه‪،‬‬
‫م ِ‬
‫جْر ِ‬‫ل الجاهلين‪ ،‬ول يقابل الجاني عليه ب ُ‬ ‫لت ‪ ،‬ل يستفّزه جه ُ‬ ‫الز ّ‬
‫م عليك‬ ‫ك{‪ ،‬وهو يقول له‪} :‬سل ٌ‬ ‫جمن ّ َ‬ ‫فأبوه قال له‪} :‬لْر ُ‬
‫ة إبراهيم في‬ ‫مل ّ َ‬
‫سأستغفُر لك ربّـي{؛ فعليكم أن تقتدوا وتّتبعوا ِ‬
‫ن لك{؛ كما نّبهكم الّله‬ ‫ل شيء إل قول إبراهيم لبيه‪} :‬لستغفر ّ‬ ‫ك ّ‬
‫عليها وعلى غيرها‪ .‬ولهذا قال‪:‬‬
‫ﭽ ﮐ ﮑ ﮒ ﮓ ﮔ ﮕ ﮖ ﮗ ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ ﮜﮝ ﮞ ﮟ ﮠ‬
‫ﮡ ﮢ ﮣ ﮤ ﮥ ﮦ ﮧ ﮨ ﮩﮪ ﮫ ﮬﮭ ﮮﮮ ﮯ ﮰ ﮱ ﯓ ﯔ ﯕ ﯖ ﯗ ﯘ‬
‫ﭼ‪.‬‬
‫ن على قوم بالهداية‬ ‫م ّ‬ ‫}‪ {115‬يعني‪ :‬أن الّله تعالى إذا َ‬
‫مم عليهم‬ ‫وأمرهم بسلوك الصراط المستقيم؛ فإنه تعالى يت ّ‬
‫إحسانه‪ ،‬ويبيّـن لهم جميع ما يحتاجون إليه وتدعو إليه ضرورُتهم؛‬
‫ل على كمال‬ ‫كهم ضاّلين جاهلين بأمور دينهم‪ .‬ففي هذا دلي ٌ‬ ‫فل يتر ُ‬
‫جه العباد ُ في أصول‬ ‫ة بجميع ما يحتا ُ‬ ‫رحمته‪ ،‬وأن شريعته وافي ٌ‬
‫ل‬ ‫ن المراد بذلك‪} :‬وما كان الّله ل ِي ُ ِ‬
‫ض ّ‬ ‫الدين وفروعه‪ .‬وُيحتمل أ ّ‬
‫ن{‪ :‬فإذا بّين لهم ما‬ ‫ن لهم ما يّتقو َ‬ ‫هداهم حّتى ي َُبيـ ّ َ‬‫قوما ً بعد إذ َ‬
‫دهم‬ ‫يّتقون‪ ،‬فلم ينقادوا له؛ عاقبهم بالضلل جزاًء لهم على ر ّ‬
‫ل شيٍء عليم{‪ :‬فلكمال‬ ‫ن الّله بك ّ‬ ‫ن‪ ،‬والول أولى‪} .‬إ ّ‬ ‫الحقّ المبي َ‬
‫ن‪ ،‬وبّين لكم ما به‬ ‫مهِ وعمومه عّلمكم ما لم تكونوا تعلمو َ‬ ‫عل ِ‬
‫تنتفعون‪.‬‬
‫ت والرض ُيحيي‬ ‫ن الّله له ملك السموا ِ‬ ‫}‪} {116‬إ ّ‬
‫ت{؛ أي‪ :‬هو المالك لذلك‪ ،‬المدّبر لعباده بالحياء والماتة‬ ‫وُيمي ُ‬
‫ي؛ فكيف‬ ‫ل بتدبيره القدر ّ‬ ‫خ ّ‬ ‫وأنواع التدابير اللهّية؛ فإذا كان ل ي ُ ِ‬
‫ملين أو‬ ‫ده سدى مه َ‬ ‫ي المتعّلق بإلهّيته ويترك عبا َ‬ ‫ل بتدبيره الدين ّ‬ ‫خ ّ‬ ‫يُ ِ‬
‫ه؟! فلهذا قال‪} :‬وما‬ ‫ّ‬
‫عهم ضالين جاهلين وهو أعظم توليه لعباد ِ ِ‬ ‫ّ‬ ‫يد ُ‬
‫لكم بجلب‬ ‫ي يتو ّ‬‫ر{؛ أي‪ :‬ولـ ّ‬ ‫ي ول نصي ٍ‬ ‫ن الّله من ول ّ‬ ‫كم من دو ِ‬ ‫لَ ُ‬
‫المنافع لكم أو نصيرٍ يدفع عنكم المضاّر‪.‬‬
‫ﭽ ﯙ ﯚ ﯛ ﯜ ﯝ ﯞ ﯟ ﯠ ﯡ ﯢ ﯣ ﯤ ﯥ ﯦ ﯧ ﯨ ﯩ ﯪﯧﯧ ﯫﯧﯧ ﯬﯧﯧ ﯭﯧﯧ ﯮﯧﯧ‬
‫ﯯﯧﯧﯰﯧﯧ ﯱﯧﯧ ﯷ ﯷ ﯷ ﯷ ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ ﭝ‬
‫ﭭ ﭮ ﭯ‬ ‫ﭧ ﭨ ﭩ ﭪﭫ ﭬ‬ ‫ﭦ‬ ‫ﭣ ﭤ ﭥ‬ ‫ﭞ ﭟ ﭠ ﭡ ﭢ‬
‫ﭰ ﭱ ﭼ‪.‬‬
‫}‪ {117‬يخبر تعالى أنه من لطفه وإحسانه }تاب على‬
‫ي{‪ :‬محمد صلى الله عليه وسلم‪} ،‬والمهاجرين والنصار{‪:‬‬ ‫النب ّ‬
‫لت ووّفر لهم الحسنات ورّقاهم إلى أعلى‬ ‫فغفر لهم الّز ّ‬
‫الدرجات‪ ،‬وذلك بسبب قيامهم بالعمال الصعبة الشاّقات‪ ،‬ولهذا‬
‫ة{؛ أي‪ :‬خرجوا معه لقتال‬ ‫سَر ِ‬‫قال‪} :‬الذين اّتبعوه في ساعةِ العُ ْ‬
‫العداء في غزوة تبوك )‪ ، (1‬وكانت في حّر شديد وضيق من الزاد‬
‫والركوب وكثرة عدوٍ مما يدعو إلى التخّلف‪ ،‬فاستعانوا الّله‬
‫ب فريق منهم{؛‬ ‫تعالى‪ ،‬وقاموا بذلك }من بعد ِ ما كاد َيزيغُ قلو ُ‬
‫ن الّله ثّبتهم‬ ‫دعة والسكون‪ ،‬ولك ّ‬ ‫أي‪ :‬تنقلب قلوبهم ويميلوا إلى ال ّ‬
‫واهم‪.‬‬ ‫وأّيدهم وق ّ‬
‫وزيغُ القلب هو انحراُفه عن الصراط المستقيم؛ فإن كان‬
‫ه؛ كان‬ ‫ن كان في شرائعِ ِ‬ ‫النحراف في أصل الدين؛ كان كفرًا‪ ،‬وإ ْ‬
‫صر عن فعلها‪ ،‬أو فَعََلها‬ ‫بحسب تلك الشريعة التي زاغ َ عنها‪ :‬إما ق ّ‬
‫م تاب عليهم{؛ أي‪ :‬قبل‬ ‫ي‪ .‬وقوله‪} :‬ث ّ‬ ‫على غير الوجه الشرع ّ‬
‫ن‬
‫م ّ‬‫ن َ‬ ‫م{‪ :‬ومن رأفته ورحمته أ ْ‬ ‫ف رحي ٌ‬ ‫توبتهم‪} .‬إّنه بهم رءو ٌ‬
‫عليهم بالتوبة وقبلها منهم‪ ،‬وثّبتهم عليها‪.‬‬
‫ه[ }على الثلثة الذين‬ ‫}‪} {118‬و{ كذلك لقد تاب ]الل ّ ُ‬
‫ب‬ ‫خّلفوا{‪ :‬عن الخروج مع المسلمين في تلك الغزوة‪ ،‬وهم كع ُ‬ ‫ُ‬
‫ة في الصحاح‬ ‫صُتهم مشهورة ٌ معروف ٌ‬ ‫بن مالك وصاحباه‪ ،‬وق ّ‬
‫والسنن ‪} .‬حتى إذا{‪ :‬حزنوا حزنا ً عظيمًا‪ ،‬و }ضاق ْ‬
‫)‪(2‬‬
‫ت عليهم‬
‫ت{؛ أي‪ :‬على سعتها ورحبها‪} ،‬وضاقت عليهم‬ ‫حب َ ْ‬
‫ض بما َر ُ‬‫الر ُ‬
‫ل شيٍء‪ ،‬فضاق عليهم‬ ‫ب إليهم من ك ّ‬ ‫سُهم{‪ :‬التي هي أح ّ‬ ‫أنف ُ‬
‫ب الذي لم تجرِ العادة بالضيق منه‪ ،‬وذلك‬ ‫الفضاء الواسع والمحبو ُ‬
‫قة ما ل يمكن‬ ‫دة والمش ّ‬ ‫َ‬
‫ل يكون إل من أمرٍ مزعج ب َلغَ من الش ّ‬
‫ل‬‫دموا رضا الّله ورضا رسوله على ك ّ‬ ‫التعبيُر عنه‪ ،‬وذلك لنهم ق ّ‬
‫قنوا وعرفوا‬ ‫جأ من الّله إل إليه{؛ أي‪ :‬تي ّ‬ ‫مل ْ َ‬ ‫شيٍء‪} .‬وظّنوا أن ل َ‬
‫ّ‬
‫جأ إليه إل ّ الله وحده ل شريك‬ ‫ْ‬
‫بحالهم أنه ل ي ُْنجي من الشدائد وي ُل َ‬
‫له‪ ،‬فانقطع تعّلقهم بالمخلوقين‪ ،‬وتعّلقوا بالّله رّبهم‪ ،‬وفّروا منه‬
‫م تاب عليهم{؛‬ ‫ة‪} .‬ث ّ‬‫دة نحو خمسين ليل ً‬ ‫إليه‪ ،‬فمكثوا بهذه الش ّ‬
‫أي‪ :‬أذن في توبتهم ووّفقهم لها‪} ،‬ل َِيتوبوا{؛ أي‪ :‬لتقعَ منهم فيتو َ‬
‫ب‬
‫ب{؛ أي‪ :‬كثير التوبة والعفو‬ ‫وا ُ‬‫ن الّله هو الت ّ‬ ‫الّله عليهم‪} .‬إ ّ‬

‫‪ -‬في )ب(‪» :‬وقعة تبوك«‪.‬‬ ‫‪1‬‬

‫‪ -‬أخرجها البخاري )‪ ،(4418‬ومسلم )‪.(2120‬‬ ‫‪2‬‬


‫ه الرحمة‬ ‫ف ُ‬‫ص ُ‬
‫م{‪ :‬وَ ْ‬
‫)‪(3‬‬
‫لت والّنقصان ‪} ،‬الرحي ُ‬ ‫والغفران عن الز ّ‬
‫ن‪ ،‬في‬ ‫ل وقت وحي ٍ‬ ‫ل على العباد في ك ّ‬ ‫العظيمة التي ل تزال ت َن ْزِ ُ‬
‫جميع اللحظات ما تقوم به أموُرهم الدينّية والدنيوّية‪.‬‬
‫ل على أن توبة الّله على العبد أج ّ‬
‫ل‬ ‫وفي هذه اليات دلي ٌ‬
‫ص عباده‪،‬‬ ‫ن الّله جعلها نهاية خوا ّ‬ ‫الغايات وأعلى النهايات؛ فإ ّ‬
‫ن عليهم بها حين عملوا العمال التي يحّبها ويرضاها‪.‬‬ ‫وامت ّ‬
‫ومنها ‪ :‬لطف الّله بهم‪ ،‬وتثبيتهم في إيمانهم عند الشدائد‬
‫والنوازل المزعجة‪.‬‬
‫ل ومزّية‬ ‫ن العبادة الشاّقة على النفس لها فض ٌ‬ ‫ومنها ‪ :‬أ ّ‬
‫ظمت المشقة؛ عظم الجر‪.‬‬ ‫ليست لغيرها‪ ،‬وكّلما ع ُ‬
‫ه‬
‫ف ِ‬‫مهِ وأس ِ‬ ‫ومنها ‪ :‬أن توبة الّله على عبده بحسب ند ِ‬
‫ن توبته‬ ‫ج إذا فعله؛ فإ ّ‬ ‫حَر ُ‬ ‫ن من ل يبالي بالذنب ول ُيـ ْ‬ ‫الشديد‪ ،‬وأ ّ‬
‫ة‪.‬‬
‫م أّنها مقبول ٌ‬ ‫ن َزع َ َ‬ ‫ة‪ ،‬وإ ْ‬ ‫مدخول ٌ‬
‫دة إذا تعّلق القلب بالّله‬ ‫ن علمة الخير وزوال الش ّ‬ ‫ومنها ‪ :‬أ ّ‬
‫ما وانقطع عن المخلوقين‪.‬‬ ‫تعالى تعّلقا ً تا ّ‬
‫مهم بوسم ليس‬ ‫س َ‬ ‫ن وَ َ‬ ‫ن من لطف الّله بالثلثة أ ْ‬ ‫ومنها ‪ :‬أ ّ‬
‫خّلفوهم أو‬ ‫خّلفوا{؛ إشارة ً إلى أن المؤمنين َ‬ ‫بعارٍ عليهم‪ ،‬فقال‪ُ } :‬‬
‫ده‪ ،‬وأنهم لم يكن‬ ‫ت في َقبول عذِرهم أو في ر ّ‬ ‫ن بُ ّ‬ ‫م ْ‬ ‫خّلفوا عن َ‬ ‫ُ‬
‫خلفوا‪.‬‬ ‫ّ‬ ‫ل‪َ :‬تـ َ‬‫ة عن الخير‪ ،‬ولهذا لم يق ْ‬ ‫تخلفهم رغب ً‬ ‫ّ‬
‫ن عليهم بالصدق‪ ،‬ولهذا أمر‬ ‫ومنها ‪ :‬أن الّله تعالى م ّ‬
‫بالقتداء بهم‪ ،‬فقال‪:‬‬
‫ﭽ ﭲ ﭳ ﭴ ﭵ ﭶ ﭷ ﭸ ﭹ ﭺ ﭼ‪.‬‬
‫}‪ {119‬أي‪} :‬يا أّيها الذين آمنوا{‪ :‬بالّله وبما أمر الّله‬
‫ن‪ ،‬وهو القيام بتقوى الّله‬ ‫باليمان به! قوموا بما يقتضيه اليما ُ‬
‫تعالى؛ باجتناب ما نهى الّله عنه والبعد عنه‪} ،‬وكونوا مع‬
‫ن{‪ :‬في أقوالهم وأفعالهم وأحوالهم‪ ،‬الذين أقوالهم‬ ‫صادقي َ‬‫ال ّ‬
‫ة من الكسل‬ ‫ق‪ ،‬وأعمالهم وأحوالهم ل تكون إل صدقًا‪ ،‬خلي ّ ً‬ ‫صد ٌ‬
‫والفتور‪ ،‬سالمة من المقاصد السيئة‪ ،‬مشتملة على الخلص‬
‫ن البّر يهدي إلى‬ ‫ن الصدق يهدي إلى البّر‪ ،‬وإ ّ‬ ‫والنّية الصالحة؛ فإ ّ‬
‫صد ُْقهم‪ {...‬الية‪.‬‬ ‫فعُ الصادقين ِ‬ ‫م ين َ‬
‫الجنة؛ قال تعالى‪} :‬هذا يو ُ‬
‫ﮋ ﮌﮍ‬ ‫ﭽﭻ ﭼ ﭽ ﭾ ﭿ ﮀ ﮁ ﮂ ﮃ ﮄ ﮅ ﮆ ﮇ ﮈ ﮉ ﮊ‬
‫ﮞ ﮟ‬ ‫ﮎ ﮏ ﮐ ﮑ ﮒ ﮓ ﮔ ﮕ ﮖ ﮗ ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ ﮜ ﮝ‬

‫‪ -‬في )ب(‪» :‬والعصيان«‪.‬‬ ‫‪3‬‬


‫ﮦ ﮧ ﮨ ﮩﮪ ﮫ ﮬ ﮭ ﮮﮮ ﮯ ﮰ ﮱ ﯓ ﯔ ﯕ ﯖ‬ ‫ﮠ ﮡ ﮢ ﮣ ﮤ ﮥ‬
‫ﯝ ﯞ ﯟ ﯠ ﯡ ﯢ ﯣ ﯤ ﯥ ﭼ‪.‬‬ ‫ﯗ ﯘ ﯙ ﯚ ﯛ ﯜ‬
‫ورة من‬ ‫}‪ {120‬يقول تعالى حاّثا لهل المدينة المن ّ‬
‫ن حوَلها من العراب الذين أسلموا‬ ‫م ْ‬
‫المهاجرين والنصار و َ‬
‫ن حوَلهم من العراب‬ ‫م ْ‬ ‫ن إسلمهم‪} :‬ما كان لهل المدينة و َ‬ ‫س َ‬‫ح ُ‬ ‫فَ َ‬
‫خّلفوا عن رسول الّله{؛ أي‪ :‬ما ينبغي لهم ذلك ول َيليق‬ ‫أن يت َ‬
‫سِهم{‪ :‬في بقائها وراحتها‪ ،‬وسكونه‬ ‫غبوا بأنف ِ‬ ‫بأحوالهم‪} .‬ول ير َ‬
‫ي أولى بالمؤمنين من‬ ‫}عن نفسه{‪ :‬الكريمة الزكّية‪ ،‬بل النب ّ‬
‫ي صلى الله عليه وسلم‬ ‫ل مسلم أن يفدي النب ّ‬ ‫أنفسهم؛ فعلى ك ّ‬
‫مه عليها؛ فعلمة تعظيم الرسول ومحّبته واليمان‬ ‫بنفسه ويقد ّ َ‬
‫م به أن ل يتخّلفوا عنه‪ .‬ثم ذكر الثواب الحامل على الخروج‪،‬‬ ‫التا ّ‬
‫فقال‪} :‬ذلك بأّنهم{؛ أي‪ :‬المجاهدين في سبيل الّله‪} ،‬ل يصيُبهم‬
‫ة في سبيل‬ ‫ٌ‬
‫ص ٌ‬
‫م َ‬
‫خ َ‬ ‫مـ ْ‬‫قة‪} ،‬ول َ‬ ‫ب ومش ّ‬ ‫ب{؛ أي‪ :‬تع ٌ‬ ‫ص ٌ‬ ‫ظمأ ول ن َ َ‬
‫ظ الكفاَر{‪ :‬من‬ ‫ن موطئا ً َيغي ُ‬ ‫ة‪} ،‬ول يطؤو َ‬ ‫الّله{؛ أي‪ :‬مجاع ٌ‬
‫ض لديارهم والستيلء على أوطانهم }ول ينالون من ع َد ُّو‬ ‫خو ْ ِ‬ ‫ال َ‬
‫ب لهم به‬ ‫فر بجيش أو سرّية أو الغنيمة لـمال‪} ،‬إل ّ ك ُت ِ َ‬ ‫ل{‪ :‬كالظ ّ َ‬ ‫ن َي ْ ً‬
‫ن الّله ل ُيـضي ُ‬
‫ع‬ ‫ة عن أعمالهم‪} .‬إ ّ‬ ‫ن هذه آثار ناشئ ٌ‬ ‫ح{‪ :‬ل ّ‬ ‫ل صال ٌ‬ ‫عم ٌ‬
‫أجَر المحسنين{‪ :‬الذين أحسنوا في مبادرتهم إلى أمر الّله‬
‫ل آثاٌر من‬ ‫قه وحقّ خلقه؛ فهذه العما ُ‬ ‫وقيامهم بما عليهم من ح ّ‬
‫آثار عملهم‪.‬‬
‫ة صغيرة ً ول كبيرة ً ول‬ ‫ن نفق ً‬
‫}‪ {121‬ثم قال‪} :‬ول ينفقو َ‬
‫جزَِيهم‬ ‫يقطعون واديًا{‪ :‬في ذهابهم إلى عدّوهم‪} ،‬إل ك ُت ِ َ‬
‫ب لهم ل ِي َ ْ‬
‫ن ما كانوا يعملون{‪ :‬ومن ذلك هذه العمال إذا أخلصوا‬ ‫الّله أحس َ‬
‫فيها لّله‪ ،‬ونصحوا فيها‪.‬‬
‫ففي هذه اليات أشد ّ ترغيب وتشويق للنفوس إلى الخروج‬
‫إلى الجهاد في سبيل الّله والحتساب لما يصيبهم فيه من‬
‫ت‪ ،‬وأن الثار المترّتبة على‬ ‫قات‪ ،‬وأن ذلك لهم رِفْعَ ُ‬
‫ة درجا ٍ‬ ‫المش ّ‬
‫عمل العبد له فيها أجٌر كبيٌر‪.‬‬
‫ﯱﯧﯧ ﯷ ﯷ ﯷ ﯷ ﯷ‬ ‫ﯩ ﯪﯧﯧ ﯫﯧﯧﯬﯧﯧ ﯭﯧﯧ ﯮﯧﯧ ﯯﯧﯧ ﯰﯧﯧ‬ ‫ﭽﯦ ﯧ ﯨ‬
‫ﯷ ﯷ ﯷ ﯷ ﯷ ﯼ ﯽ ﯾ ﭼ‪.‬‬
‫}‪ {122‬يقول تعالى منبها ً لعباده المؤمنين على ما ينبغي‬
‫ة{؛ أي‪ :‬جميعا ً لقتال‬ ‫لهم‪} :‬وما كان المؤمنون لينفروا كافّ ً‬
‫)‪(1‬‬
‫قة بذلك‪ ،‬ويفوت به كثيٌر من‬ ‫ل عليهم المش ّ‬ ‫ص ُ‬
‫عدوهم؛ فإنه يح ُ‬
‫ل فرقةٍ منهم{؛ أي‪ :‬من‬ ‫فَر من ك ّ‬‫المصالح الخرى‪} ،‬فلول ن َ َ‬

‫‪ -‬في )ب(‪» :‬وتفوت«‪.‬‬ ‫‪1‬‬


‫ص ُ‬
‫ل بها الكفاية‬ ‫ة{‪ :‬تح ُ‬
‫البلدان والقبائل والفخاذ }طائف ٌ‬
‫د؛ لكان أولى‪.‬‬
‫والمقصو ُ‬
‫ن في إقامة المقيمين منهم وعدم خروجهم‬ ‫ثم نّبه على أ ّ‬
‫قهوا{؛ أي‪ :‬القاعدون }في‬ ‫خَرجوا لفات َْتهم‪ ،‬فقال‪} :‬ليتف ّ‬ ‫ح لو َ‬ ‫مصال َ‬
‫مهم إذا رجعوا إليهم{؛ أي‪ :‬ليتعّلموا العلم‬ ‫ذروا قو َ‬‫دين ول ُِين ِ‬ ‫الـ ّ‬
‫ي‪ ،‬وي َعَْلموا معانيه‪ ،‬ويفقهوا أسراره‪ ،‬ول ِي ُعَّلموا غيرهم‪،‬‬ ‫الشرع ّ‬
‫ذروا قومهم إذا رجعوا إليهم‪.‬‬ ‫ول ِي ُن ْ ِ‬
‫ففي هذا فضيلة العلم‪ ،‬وخصوصا ً الفقه في الدين‪ ،‬وأنه أهم‬
‫المور‪ ،‬وأن من تعّلم علمًا؛ فعليه نشره وبّثه في العباد‬
‫ونصيحتهم فيه؛ فإن انتشار العلم عن العالم من بركته وأجره‬
‫الذي ينمي )‪ ، (1‬وأما اقتصار العالم على نفسه وعدم دعوت ِهِ إلى‬
‫سبيل الّله بالحكمة والموعظة الحسنة وترك تعليم الجّهال ما ل‬
‫يعلمون؛ فأيّ منفعة حصلت للمسلمين منه؟! وأي نتيجة نتجت‬
‫ه وثمرته‪ ،‬وهذا غاية‬ ‫م ُ‬ ‫من علمه؟! وغايُته أن يموت فيموت عل ُ‬
‫ه فهمًا‪.‬‬ ‫ح ُ‬ ‫الحرمان لمن آتاه الّله علمًا‪ ،‬و َ‬
‫من َ َ‬
‫ه لطيف لفائدة‬ ‫ل وإرشاد ٌ وتنبي ٌ‬ ‫وفي هذه الية أيضا ً دلي ٌ‬
‫ل مصلحةٍ من‬ ‫دوا لك ّ‬ ‫ة‪ ،‬وهي أن المسلمين ينبغي لهم أن ي ُعِ ّ‬ ‫م ٍ‬‫مه ّ‬
‫من يقوم بها‪ ،‬ويوّفر وقته عليها‪ ،‬ويجتهد فيها‪،‬‬ ‫مة َ‬
‫مصالحهم العا ّ‬
‫م منافعهم‪ ،‬ولتكون‬ ‫ول يلتفت إلى غيرها؛ لتقوم مصالحهم‪ ،‬وتت ّ‬
‫وجهة جميعهم ونهاية ما يقصدون قصدا ً واحدا‪ ،‬وهو قيام مصلحة‬
‫ً‬
‫ددت المشارب؛ فالعمال‬ ‫دينهم ودنياهم‪ ،‬ولو تفّرقت الطرق وتع ّ‬
‫مة النافعة في جميع‬ ‫د‪ ،‬وهذه من الحكمة العا ّ‬ ‫ة‪ ،‬والقصد واح ٌ‬ ‫متباين ٌ‬
‫المور‪.‬‬
‫ﭙ ﭚ ﭛﭜ ﭝ ﭞ ﭟ ﭠ ﭡ ﭢ‬ ‫ﭽﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ‬
‫ﭼ‪.‬‬
‫}‪ {123‬وهذا أيضا ً إرشاد ٌ آخر‪ :‬بعدما أرشدهم إلى التدبير‬
‫فيمن يباشر القتال؛ أرشدهم إلى أنهم يبدؤون بالقرب فالقرب‬
‫من الكفار والغلظة عليهم والشدة في القتال والشجاعة والثبات‪.‬‬
‫م أن‬
‫ن لديكم عل ٌ‬‫ن الّله مع المّتقين{؛ أي‪ :‬وليك ْ‬ ‫}واعلموا أ ّ‬
‫ل بحسب التقوى؛ فلزموا على تقوى الّله؛‬ ‫المعونة من الّله تنزِ ُ‬
‫صْركم على عدّوكم‪ .‬وهذا العموم في قوله‪} :‬قاتلوا‬ ‫ي ُعِن ْ ُ‬
‫كم وين ُ‬
‫ة في‬ ‫ص بما إذا كانت المصلح ُ‬ ‫الذين يلونكم من الكفار{‪ :‬مخصو ٌ‬
‫دا‪.‬‬
‫قتال غير الذين يلوننا‪ ،‬وأنواع المصالح كثيرة ج ّ‬

‫‪ -‬في )ب(‪» :‬الذي ينمى له«‪.‬‬ ‫‪1‬‬


‫ﭽ ﭣ ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ ﭨ ﭩ ﭪ ﭫ ﭬ ﭭﭮ ﭯ ﭰ ﭱ ﭲ ﭳ ﭴ‬
‫ﭵ ﭶ ﭷ ﭸ ﭹ ﭺ ﭻ ﭼ ﭽ ﭾ ﭿ ﮀ ﮁ ﮂ ﮃ ﮄ ﮅ ﮆ ﮇ ﮈ ﮉ‬
‫ﮊ ﮋ ﮌ ﮍ ﮎ ﮏ ﮐ ﮑ ﮒ ﮓ ﮔ ﭼ‪.‬‬
‫مبّينا ً حال المنافقين وحال المؤمنين‬ ‫}‪ {124‬يقول تعالى ُ‬
‫ت ما بين الفريقين‪ ،‬فقال‪} :‬وإذا ما‬ ‫عند نزول القرآن وتفاوُ َ‬
‫ة{‪ :‬فيها المر والنهي والخبر عن نفسه الكريمة وعن‬ ‫ت سور ٌ‬ ‫أنزِل َ ْ‬
‫ل أّيكم زادْته‬ ‫ث على الجهاد‪} .‬فمنهم من يقو ُ‬ ‫المور الغائبة والح ّ‬
‫ن بها من‬ ‫هذه إيمانًا{؛ أي‪ :‬حصل الستفهام لمن حصل له اليما ُ‬
‫الطائفتين‪ .‬قال تعالى مبّينا ً الحال الواقعة‪} :‬فأما الذين آمنوا‬
‫فزاد َْتهم إيمانًا{‪ :‬بالعلم بها وفهمها واعتقاِدها والعمل بها والرغب ِ‬
‫ة‬
‫ن{؛‬ ‫ف عن فعل الشّر‪} .‬وهم يستبشرو َ‬ ‫في فعل الخير والنكفا ِ‬
‫ن الّله عليهم من آياته والتوفيق‬ ‫ضهم بعضا ً بما م ّ‬ ‫شر بع ُ‬ ‫أي‪ :‬يب ّ‬
‫ل على انشراح صدورهم ليات الّله‪،‬‬ ‫لفهمها والعمل بها‪ ،‬وهذا دا ّ‬
‫وطمأنينة قلوبهم‪ ،‬وسرعة انقيادهم لما تحّثهم عليه‪.‬‬
‫ك ونفاق‪،‬‬ ‫ض{؛ أي‪ :‬ش ّ‬ ‫}‪} {125‬وأما الذين في قلوبهم مر ٌ‬
‫ش ّ‬
‫كا‬ ‫سهم{؛ أي‪ :‬مرضا ً إلى مرضهم‪ ،‬و َ‬ ‫ج ِ‬ ‫جسا ً إلى رِ ْ‬ ‫}فزادتهم رِ ْ‬
‫كهم؛ من حيث إنهم كفروا بها وعاندوها وأعرضوا عنها‪،‬‬ ‫إلى ش ّ‬
‫ضهم‪ ،‬وترامى بهم إلى الهلك والطبع على‬ ‫فازداد لذلك مر ُ‬
‫ة لهم لّنهم كفروا‬ ‫قلوبهم حتى }ماتوا وهم كافرون{‪ ،‬وهذا عقوب ٌ‬
‫قَبهم نفاقا ً في قلوبهم إلى يوم‬ ‫بآيات الّله‪ ،‬وعصوا رسوله‪ ،‬فأع َ‬
‫ي َل ْ َ‬
‫قوَْنه‪.‬‬
‫}‪ {126‬قال تعالى موّبخا ً على إقامتهم على ما هم عليه‬
‫ل عام مّرة ً أو‬ ‫من الكفر والنفاق‪} :‬أَول ي ََرْون أّنهم ُيفتنون في ك ّ‬
‫مّرتين{‪ :‬بما يصيُبهم من البليا والمراض‪ ،‬وبما ي ُب ْت ََلون من‬
‫ما هم‬ ‫الوامر اللهّية التي ُيراد بها اختبارهم‪} ،‬ثم ل يتوبون{‪ :‬ع ّ‬
‫كرون{‪ :‬ما ينفعهم فيفعلونه وما‬ ‫عليه من الشّر‪} ،‬ول هم ي َذ ّ ّ‬
‫يضرهم فيتركونه؛ فالّله تعالى يبتليهم كما هي سّنته في سائر‬
‫جعوا إليه‪ ،‬ثم ل‬ ‫المم بالسّراء والضّراء وبالوامر والنواهي لير ِ‬
‫كرون‪.‬‬ ‫يتوبون‪ ،‬ول هم ي َذ ّ ّ‬
‫قص‪ ،‬وأنه‬ ‫ن اليمان يزيد ُ وين ُ‬ ‫وفي هذه اليات دليل على أ ّ‬
‫ن‬
‫دده‪ ،‬وي ُْنميه‪ ،‬ليكو َ‬ ‫قد إيمانه‪ ،‬ويتعاهده‪ ،‬فيج ّ‬ ‫ينبغي للمؤمن أن يتف ّ‬
‫دائما ً في صعود‪.‬‬
‫وقوله‪:‬‬
‫ﮡ ﮢﮣ ﮤ ﮥ ﮦ ﮧ‬ ‫ﭽﮕ ﮖ ﮗ ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ ﮜ ﮝ ﮞ ﮟ ﮠ‬
‫ﮨ ﮩ ﮪ ﮫ ﭼ‪.‬‬
‫}‪ {127‬يعني‪ :‬أن المنافقين الذين يحذرون أن تنزل عليهم‬
‫ت سورة ٌ ليؤمنوا بها ويعملوا‬ ‫سورة ٌ تنّبئهم بما في قلوبهم‪ .‬إذا ن ََزل َ ْ‬
‫ض{‪ :‬جازمين على ترك العمل‬ ‫ضهم إلى بع ٍ‬ ‫بمضمونها‪} ،‬ن َظ ََر بع ُ‬
‫بها‪ ،‬ينتظرون الفرصة في الختفاء عن أعين المؤمنين‪ ،‬ويقولون‪:‬‬
‫من أحد ٍ ثم انصرفوا{‪ :‬متسّللين وانقلبوا معرضين‪،‬‬ ‫كم ِ‬ ‫}هل يرا ُ‬
‫فجازاهم الّله بعقوبةٍ من جنس عملهم؛ فكما انصرفوا عن‬
‫دها عن الحقّ وخذلها‪،‬‬ ‫ف الّله قلوَبهم{؛ أي‪ :‬ص ّ‬ ‫صَر َ‬‫العمل؛ } َ‬
‫م ل يفقهون{‪ :‬فقها ً ينفعهم؛ فإّنهم لو فقهوا؛ لكانوا إذا‬ ‫}بأّنهم قو ٌ‬
‫ن‬‫نزلت سورة ٌ آمنوا بها وانقادوا لمرها‪ .‬والمقصود ُ من هذا بيا ُ‬
‫دة نفورهم عن الجهاد ِ وغيره من شرائع اليمان؛ كما قال‬ ‫ش ّ‬
‫ل رأيت‬ ‫ة وذ ُك َِر فيها القتا ُ‬ ‫ت سورة ٌ محك َ َ‬
‫م ٌ‬ ‫تعالى عنهم‪} :‬فإذا أنزِل َ ْ‬
‫ي عليه من‬ ‫ض ينظرون إليك ن َظ ََر المغش ّ‬ ‫الذين في قلوبهم مر ٌ‬
‫ت{‪.‬‬
‫المو ِ‬
‫ﯙ ﯚ ﯛ ﯜ ﯝ ﯞ ﯟ‬ ‫ﭽ ﮬ ﮭ ﮮﮮ ﮯ ﮰ ﮱ ﯓ ﯔ ﯕ ﯖ ﯗ ﯘ‬
‫ﯤﯥ ﯦ ﯧﯨ ﯩ ﯪﯧﯧ ﯫﯧﯧ ﯬﯧﯧ ﯭﯧﯧ ﭼ ‪.‬‬ ‫ﯣ‬ ‫ﯢ‬ ‫ﯠ ﯡ‬
‫ن تعالى على عباده المؤمنين بما بعث فيهم‬ ‫}‪ {128‬يمت ّ‬
‫كنون من‬ ‫ي‪ ،‬الذي من أنفسهم‪ ،‬يعرفون حاله‪ ،‬ويتم ّ‬ ‫ي الم ّ‬‫النب ّ‬
‫الخذ عنه‪ ،‬ول يأنفون عن النقياد له‪ ،‬وهو صلى الله عليه وسلم‬
‫في غاية الّنصح لهم والسعي في مصالحهم‪} .‬عزيٌز عليه ما‬
‫ص‬
‫شقّ عليكم وي ُعْن ُِتكم‪} .‬حري ٌ‬ ‫شقّ عليه المر الذي ي َ ُ‬ ‫ع َن ِّتم{؛ أي‪ :‬ي َ ُ‬
‫ده في إيصاله إليكم‪،‬‬ ‫ب لكم الخير‪ ،‬ويسعى جه َ‬ ‫عليكم{‪ :‬فيح ّ‬
‫ويحرص على هدايتكم إلى اليمان‪ ،‬ويكره لكم الشّر‪ ،‬ويسعى‬
‫م{؛ أي‪ :‬شديد‬ ‫ف رحي ٌ‬
‫جهده في تنفيركم عنه‪} .‬بالمؤمنين رءو ٌ‬
‫قه‬‫الرأفة والرحمة بهم‪ ،‬أرحم بهم من والديهم‪ ،‬ولهذا كان ح ّ‬
‫مقدما ً على سائر حقوق الخلق‪ ،‬وواجب على المة اليمان به‬
‫وتعظيمه وتوقيره وتعزيره )‪. (1‬‬
‫ظهم وتوفيقهم‪ ،‬وإن‬ ‫}‪} {129‬فإن{ آمنوا؛ فذلك ح ّ‬
‫ض على سبيلك‪ ،‬ول تزل في‬ ‫وا{ عن اليمان والعمل؛ فام ِ‬ ‫}ت َوَل ّ ْ‬
‫ي في جميع ما أهمني‪.‬‬ ‫ي الّله{؛ أي‪ :‬الّله كافِ ّ‬‫دعوتك‪ ،‬وقل‪} :‬حسب َ‬
‫ت{؛ أي‪:‬‬ ‫}ل إله إل ّ هو{؛ أي‪ :‬ل معبود بحقّ سواه‪} .‬عليه توكل ُ‬
‫ب‬‫اعتمدت ووثقت به في جلب ما ينفع ودفع ما يضّر‪} .‬وهو ر ّ‬
‫ب‬‫العرش العظيم{‪ :‬الذي هو أعظم المخلوقات‪ ،‬وإذا كان ر ّ‬
‫العرش العظيم الذي وسع المخلوقات؛ كان رّبا لما دونه من باب‬
‫أولى وأحرى‪.‬‬

‫‪ -‬في )ب(‪» :‬وتعزيره وتوقيره«‪.‬‬ ‫‪1‬‬


‫فف‪.‬ف فففف‬
‫فف فففف‬
‫فف ففففف فففف فففففف فففف فف ف‬
‫ففففف فففففففففففففففففففففففف‪.‬ف‬
‫تفسير سورة يونس‬
‫وهي مكية‬

‫ﭽ ﭑﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ ﭝ ﭞ ﭟ ﭠ ﭡ ﭢ‬
‫ﭣ ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ ﭨ ﭩ ﭪ ﭫﭬ ﭭ ﭮ ﭯ ﭰ ﭱ ﭲ ﭳ ﭼ ‪.‬‬
‫ت الكتاب الحكيم{‪ :‬وهو هذا‬ ‫}‪ {1‬يقول تعالى‪} :‬الر تلك آيا ُ‬
‫ن‪ ،‬المشتمل على الحكمة والحكام‪ ،‬الدال ّ ُ‬
‫ة آياُته على‬ ‫القرآ ُ‬
‫الحقائق اليمانية والوامر والنواهي الشرعّية‪ ،‬الذي على جميع‬
‫قبول والنقياد‪.‬‬‫قيه بالّرضا وال َ‬
‫المة تل ّ‬
‫هم فهم ل يعلمون‪ ،‬فتعجبوا‬ ‫}‪ {2‬ومع هذا؛ فأعرض أكثر ُ‬
‫ب الّله‪ ،‬وخوّْفهم‬ ‫حْينا إلى رجل منهم أن أنذ ِرِ الناس{‪ :‬عذا َ‬ ‫}أن أوْ َ‬
‫شر الذين آمنوا{‪ :‬إيمانا ً صادقا ً‬ ‫كرهم بآيات الّله‪} ،‬وب ّ‬ ‫م الّله‪ ،‬وذ ّ‬ ‫ق َ‬
‫نِ َ‬
‫ب‬
‫ق عند رّبهم{؛ أي‪ :‬لهم جزاء موفر وثوا ٌ‬ ‫م صد ٍ‬ ‫ن لهم قَد َ َ‬ ‫}أ ّ‬
‫دموه وأسلفوه من العمال الصالحة‬ ‫مذخور عند رّبهم بما ق ّ‬
‫جبا ً حملهم‬ ‫جب الكافرون من هذا الرجل العظيم تع ّ‬ ‫الصادقة‪ ،‬فتع ّ‬
‫ن{؛‬ ‫مبي ٌ‬ ‫ن هذا َلساحٌر ُ‬ ‫على الكفر به! َفـ}قال الكافرون{ عنه‪} :‬إ ّ‬
‫فهِِهم‬ ‫س َ‬
‫من َ‬ ‫د‪ ،‬وهذا ِ‬ ‫خفى بزعمهم على أح ٍ‬ ‫أي‪ :‬بّين السحر‪ ،‬ل َيـ ْ‬
‫جب منه وُيستغرب‪،‬‬ ‫جبوا من أمر ليس مما ي ُت َعَ ّ‬ ‫وعنادهم؛ فإّنهم تع ّ‬
‫جب من جهالتهم وعدم معرفتهم بمصالحهم؛ كيف لم‬ ‫وإنما ي ُت َعَ ّ‬
‫ه الّله من أنفسهم؛ يعرفونه‬ ‫يؤمنوا بهذا الرسول الكريم الذي ب َعَث َ ُ‬
‫دوا دعوته‪ ،‬وحرصوا على إبطال دينه؟! والّله‬ ‫حقّ المعرفة‪ ،‬فر ّ‬
‫م نوره ولو كره الكافرون‪.‬‬ ‫مت ّ‬
‫ﭽ ﭴ ﭵ ﭶ ﭷ ﭸ ﭹ ﭺ ﭻ ﭼ ﭽ ﭾ ﭿ ﮀ ﮁﮂ ﮃ ﮄﮅ ﮆ‬
‫ﮇ ﮈ ﮉ ﮊ ﮋ ﮌﮍ ﮎ ﮏ ﮐ ﮑﮒ ﮓ ﮔ ﮕ ﮖ ﮗ ﮘﮙ ﮚ‬
‫ﮟ ﮠ ﮡ ﮢ ﮣ ﮤ ﮥ ﮦ ﮧ ﮨﮩ ﮪ ﮫ ﮬ ﮭ ﮮﮮ ﮯ ﮰ ﮱ‬ ‫ﮛ ﮜﮝ ﮞ‬
‫ﯕ ﯖ ﭼ‪.‬‬ ‫ﯓ ﯔ‬
‫ن رّبكم‬ ‫ه‪} :‬إ ّ‬ ‫}‪ {3‬يقول تعالى مبينا ً لربوبي ّت ِهِ وإلهي ّت ِهِ وعظمت ِ ِ‬
‫ت والرض في سّتة أيام{‪ :‬مع أنه قادٌر‬ ‫خل َقَ السمـوا ِ‬ ‫الّله الذي َ‬
‫على خلقها في لحظة واحدة‪ ،‬ولكن لما له في ذلك من الحكمة‬
‫اللهية‪ ،‬ولّنه رفيقٌ في أفعاله‪ ،‬ومن جملة حكمته فيها أّنه خلقها‬
‫فَرد َ بالعبادة‪} .‬ثم{‪:‬‬ ‫ف بأسمائه وصفاته‪ ،‬وي ُ ْ‬ ‫ق؛ لي ُعَْر َ‬ ‫بالحقّ وللح ّ‬
‫خْلق السماوات والرض }استوى على العرش{‪ :‬استواًء‬ ‫بعد َ‬
‫ي؛ من‬ ‫يليقُ بعظمت ِهِ }يدب ُّر المَر{‪ :‬في العالم العلويّ والسفلـ ّ‬
‫الماتة والحياء‪ ،‬وإنزال الرزاق‪ ،‬ومداولة اليام بين الناس‪،‬‬
‫ضّر عن المضرورين‪ ،‬وإجابة سؤال السائلين؛ فأنواع‬ ‫وكشف ال ّ‬
‫عنون لعّزه‬ ‫ة منه وصاعدة ٌ إليه‪ ،‬وجميع الخلق مذ ِ‬ ‫التدابير نازل ٌ‬
‫ه{‪ :‬فل‬ ‫خاضعون لعظمته وسلطانه‪} .‬ما من شفيع إل ّ من بعد إذن ِ ِ‬
‫م أحد ٌ منهم على الشفاعة‪ ،‬ولو كان أفضل الخلق‪ ،‬حتى يأذن‬ ‫قد ِ ُ‬
‫يُ ْ‬
‫ن إل لمن ارتضى‪ ،‬ول يرتضي إل أهل الخلص‬ ‫الّله‪ ،‬ول يأذ ُ‬
‫والتوحيد له‪} .‬ذلكم{‪ :‬الذي هذا شأُنه }الّله رّبكم{؛ أي‪ :‬هو الّله‬
‫ف اللهّية الجامعة لصفات الكمال‪ ،‬ووصف الربوبّية‬ ‫الذي له وص ُ‬
‫الجامع لصفات الفعال‪} .‬فاعُبدوه{؛ أي‪ :‬أفردوه بجميع ما‬
‫ن{‪ :‬الدّلة الداّلة‬ ‫كرو َ‬ ‫تقدرون عليه من أنواع العبودّية‪} .‬أفل ت َذ َ ّ‬
‫على أنه وحده المعبود ُ المحمود ُ ذو الجلل والكرام‪.‬‬
‫ه‬
‫م ُ‬
‫م‪ ،‬وحك َ‬ ‫ي‪ ،‬وهو التدبيُر العا ّ‬ ‫}‪ {4‬فلما ذكر حكمه القدر ّ‬
‫ي‪ ،‬وهو شرعه الذي مضمونه ومقصوده عبادته وحده ل‬ ‫الدين ّ‬
‫ي‪ ،‬وهو مجازاته على العمال بعد‬ ‫م الجزائ ّ‬ ‫شريك له؛ ذكر الحك َ‬
‫جُعكم جميعا{؛ أي‪ :‬سيجمعكم بعد موتكم‬ ‫ً‬ ‫الموت‪ ،‬فقال‪} :‬إليه مر ِ‬
‫ده{‪ :‬فالقادر على‬ ‫ت يوم معلوم‪} .‬إنه يبدأ الخلق ثم يعي ُ‬ ‫لميقا ِ‬
‫ابتداء الخلق قادٌر على إعادته‪ ،‬والذي يرى ابتداءه بالخلق ثم ينك ُِر‬
‫إعادته للخلق؛ فهو فاقد ُ العقل‪ ،‬منكٌر لحد المثلين؛ مع إثبات ما‬
‫ح على المعاد‪ .‬ثم ذكر الدليل‬ ‫ي واض ٌ‬ ‫ل عقلـ ّ‬ ‫هو أولى منه؛ فهذا دلي ٌ‬
‫ده صاد ِقٌ ل ب ُد ّ من‬ ‫قا{؛ أي‪ :‬وع ُ‬ ‫ي‪ ،‬فقال )‪} : (1‬وَع ْد َ الّله ح ّ‬ ‫النقلـ ّ‬
‫ّ‬
‫إتمامه‪} ،‬ليجزِيَ الذين آمنوا{‪ :‬بقلوبهم بما أمرهم الله باليمان‬
‫ت‬‫ت ومستحّبا ٍ‬ ‫حهم من واجبا ٍ‬ ‫ت{‪ :‬بجوارِ ِ‬ ‫به‪} ،‬وعملوا الصالحا ِ‬
‫ط{؛ أي‪ :‬بإيمانهم وأعمالهم جزاًء قد بّينه لعباده وأخبر أنه‬ ‫س ِ‬‫ق ْ‬ ‫}بال ِ‬
‫ن‪} .‬والذين كفروا{‪:‬‬ ‫ي لهم من قُّرةِ أعي ٍ‬ ‫ف َ‬ ‫خ ِ‬‫س ما أ ْ‬ ‫ل تعلم نف ٌ‬
‫ب من حميم{؛ أي‪ :‬ماء‬ ‫ذبوا رسل الّله }لهم شرا ٌ‬ ‫بآيات الّله‪ ،‬وك ّ‬
‫م{‪ :‬من سائر‬ ‫ب ألي ٌ‬ ‫حاّر يشوي الوجوه ويقطع المعاء‪} ،‬وعذا ٌ‬
‫فرون{؛ أي‪ :‬بسبب كفرهم‬ ‫أصناف العذاب‪} ،‬بما كانوا يك ُ‬
‫سهم يظِلمون‪.‬‬ ‫ف َ‬‫م الّله ولكن أن ْ ُ‬ ‫مه ُ ُ‬‫وظلمهم‪ ،‬وما ظ َل َ َ‬
‫ﭽ ﯗ ﯘ ﯙ ﯚ ﯛ ﯜ ﯝ ﯞ ﯟ ﯠ ﯡ ﯢ ﯣﯤ ﯥ ﯦ ﯧ ﯨ ﯩ ﯪﯧﯧﯫﯧﯧ ﯬﯧﯧ ﯭﯧﯧ‬
‫ﯮﯧﯧ ﯯﯧﯧ ﯰﯧﯧ ﯱﯧﯧ ﯷ ﯷ ﯷ ﯷ ﯷ ﯷ ﯷ ﯷ ﯷ ﯷ ﯼ ﯽ ﯾ ﯿ ﭼ ‪.‬‬
‫}‪ 5‬ـ ‪ {6‬لما قّرر ربوبّيته وإلهّيته؛ ذكر الدلة العقلّية الفقّية‬
‫الداّلة على ذلك وعلى كماله في أسمائه وصفاته؛ من الشمس‬
‫والقمر والسماوات والرض‪ :‬وجميع ما خلق فيهما من سائر‬
‫ت }لقوم يعلمون{ و }لقوم‬ ‫أصناف المخلوقات‪ ،‬وأخبر أنها آيا ٌ‬
‫دللة فيها وكيفّية استنباط‬‫ن العلم يهدي إلى معرفة ال ّ‬ ‫يّتقون{؛ فإ ّ‬
‫‪ - 1‬كذا في النسختين؛ جعل تفسير قوله‪» :‬وعد الله حقًا« بعد تفسير قوله‪:‬‬
‫»إنه يبدأ الخلق ثم يعيده«‪.‬‬
‫ث في القلب الرغبة في‬ ‫الدلئل )‪ (1‬على أقرب وجه‪ ،‬والتقوى ت ُ ْ‬
‫حد ِ ُ‬
‫شئ َْين عن الدّلة والبراهين وعن‬ ‫الخير والرهبة من الشّر‪ ،‬النا ِ‬
‫العلم واليقين‪.‬‬
‫ن مجّرد خلق هذه المخلوقات بهذه الـصـفة‬ ‫وحاصل ذلك أ ّ‬
‫ل على كمال قدرة الّله تعالى وعلمه وحياته وقّيوميته‪ ،‬وما فيها‬ ‫دا ّ‬
‫ل على كمال حكمة الّله‬ ‫سن دا ّ‬ ‫ح ْ‬ ‫من الحكام والتقان والبداع وال ُ‬
‫ه‪ ،‬وما فيها من أنواع المنافع والمصالح ـ‬ ‫خْلقه وسعة عل ِ‬
‫م ِ‬ ‫وحسن َ‬
‫جْعل الشمس ضياًء والقمر نورا ً يحصل بهما من النفع الضرور ّ‬
‫ي‬ ‫ك َ‬
‫ل ذلك على رحمة الّله تعالى واعتنائه‬ ‫ل ـ يد ّ‬ ‫ص ُ‬ ‫(‬‫‪2‬‬ ‫)‬
‫وغيره مما يح ُ‬
‫ل على‬ ‫سَعة بّره وإحسانه‪ ،‬وما فيها من التخصيصات دا ّ‬ ‫بعباد ِهِ و َ‬
‫ل على أنه وحده المعبود ُ‬ ‫مشيئة الّله وإرادته النافذة‪ ،‬وذلك دا ّ‬
‫ب المحمود ُ ذو الجلل والكرام والوصاف العظام‪ ،‬الذي ل‬ ‫المحبو ُ‬
‫دعاء إل له ل‬ ‫ص ال ّ‬
‫ف خال ُ‬‫صَر ُ‬ ‫ة إل إليه‪ ،‬ول ي ُ ْ‬ ‫ة والرهب ُ‬‫تنبغي الرغب ُ‬
‫ّ‬
‫قرات إلى الله في جميع‬ ‫لغيره من المخلوقات المربوبات المفت ِ‬
‫شؤونها‪.‬‬
‫ث والترغيب على التفكر في مخلوقات‬ ‫وفي هذه اليات الح ّ‬
‫)‪(3‬‬
‫ن بذلك تنفسح البصيرة‬ ‫الّله والنظر فيها بعين العتبار؛ فإ ّ‬
‫ن‬
‫ويزداد ُ اليمان والعقل وتقوى القريحة‪ ،‬وفي إهمال ذلك تهاو ٌ‬
‫بما أمر الّله به‪ ،‬وإغلقٌ لزيادة اليمان‪ ،‬وجمود ٌ للذهن والقريحة‪.‬‬
‫ﭽﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ ﭝ ﭞ ﭟ ﭠ ﭡ ﭢ‬
‫ﭣ ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ ﭼ‪.‬‬
‫}‪ {7‬يقول تعالى‪} :‬إن الذين ل يرجون لقاءنا{؛ أي‪ :‬ل‬
‫يطمعون بلقاء الّله‪ ،‬الذي هو أكبر ما طمع فيه الطامعون‪ ،‬وأعلى‬
‫ذبوا به‪} ،‬ورضوا‬ ‫ملون‪ ،‬بل أعرضوا عن ذلك‪ ،‬ورّبما ك ّ‬ ‫مله المؤ ّ‬‫ما أ ّ‬
‫دنيا{‪ :‬بدل ً عن الخرة‪} ،‬واطمأّنوا بها{؛ أي‪ :‬ركنوا إليها‪،‬‬ ‫بالحياة ال ّ‬
‫)‪(4‬‬
‫وجعلوها غاية أمرهم ونهاية قصدهم؛ فسعوا لها‪ ،‬وأكّبوا على‬
‫ت‬‫صلوها‪ ،‬ومن أيّ وجه لح ِ‬ ‫تح ّ‬
‫ق حصل ْ‬ ‫ذاتها وشهواتها؛ بأيّ طري ٍ‬ ‫لَ ّ‬
‫ابتدروها‪ ،‬قد صرفوا إراداتهم ونّياتهم وأفكارهم وأعمالهم إليها‪،‬‬
‫)‪(5‬‬
‫مّر يتزّود فيها‬
‫مـ َ‬‫َ‬ ‫خِلقوا للبقاء فيها‪ ،‬وكأّنها ليست بدارِ‬
‫فكأّنهم ُ‬
‫المسافرون إلى الدار الباقية التي إليها يرحل الولون والخرون‬

‫‪ - 1‬في )ب(‪» :‬الدليل«‪.‬‬


‫‪ - 2‬في )ب(‪» :‬ما«‪.‬‬

‫‪ -‬في )ب(‪» :‬تنفتح«‪.‬‬ ‫‪3‬‬

‫‪ -‬في )ب(‪» :‬مرامهم«‪.‬‬ ‫‪4‬‬

‫‪ -‬في )ب(‪» :‬دار«‪.‬‬ ‫‪5‬‬


‫مر الموّفقون‪} .‬والذين هم عن آياتنا‬ ‫ذاتها ش ّ‬‫وإلى نعيمها ول ّ‬
‫غافلون{‪ :‬فل ينتفعون باليات القرآنّية ول باليات الفقّية‬
‫م للعراض والغفلة عن‬ ‫ض عن الدليل مستلز ٌ‬ ‫والنفسّية‪ ،‬والعرا ُ‬
‫المدلول المقصوِد‪.‬‬
‫م النار{؛ أي‪:‬‬‫فهم‪} ،‬مأواهُ ُ‬ ‫}‪} {8‬أولئك{‪ :‬الذين هذا وص ُ‬
‫سبون{‪:‬‬ ‫مقّرهم ومسكُنهم التي ل يرحلون عنها؛ }بما كانوا يك ِ‬
‫من الكفر والشرك وأنواع المعاصي‪.‬‬
‫فلما ذكر عقابهم؛ ذكر ثواب المطيعين‪ ،‬فقال‪:‬‬
‫ﭽ ﭨ ﭩ ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ ﭯﭰ ﭱ ﭲ ﭳ ﭴ ﭵ ﭶ ﭷ ﭸ ﭹ‬
‫ﭺ ﭻ ﭼ ﭽ ﭾ ﭿﮀ ﮁ ﮂ ﮃ ﮄ ﮅ ﮆ ﮇ ﮈ ﭼ ‪.‬‬
‫}‪ {9‬يقول تعالى‪} :‬إن الذين آمنوا وعملوا الصالحات{؛‬
‫أي‪ :‬جمعوا بين اليمان والقيام بموجبه ومقتضاه من العمال‬
‫الصالحة‪ ،‬المشتملة على أعمال القلوب وأعمال الجوارح‪ ،‬على‬
‫وجه الخلص والمتابعة‪} .‬يهديهم رّبهم بإيمانهم{؛ أي‪ :‬بسبب ما‬
‫معهم من اليمان ُيثيبهم الّله أعظم الثواب‪ ،‬وهو الهداية‪ ،‬في ُعَّلمهم‬
‫ن عليهم بالعمال الناشئة عن الهداية‪ ،‬ويهديهم‬ ‫م ّ‬‫ما ينفعهم‪ ،‬وي َ ُ‬
‫للنظر في آياته‪ ،‬ويهديهم في هذه الدار إلى الصراط المستقيم‪،‬‬
‫وفي الصراط المستقيم‪ ،‬وفي دار الجزاء إلى الصراط الموصل‬
‫م النهاُر{‪ :‬الجارية‬ ‫إلى جنات النعيم‪ ،‬ولهذا قال‪} :‬تجري من تحت ِهِ ُ‬
‫على الدوام‪} .‬في جنات النعيم{‪ :‬أضافها الّله إلى النعيم‬
‫م؛ نعيم القلب بالفرح والسرور والبهجة‬ ‫لشتمالها على النعيم التا ّ‬
‫والحبور ورؤية الرحمن وسماع كلمه والغتباط برضاه وقربه‬
‫ولقاء الحّبة والخوان والتمّتع بالجتماع بهم وسماع الصوات‬
‫المطربات والنغمات المشجيات والمناظر المفرحات‪ ،‬ونعيم‬
‫البدن بأنواع المآكل والمشارب والمناكح ونحو ذلك مما ل تعلمه‬
‫فه الواصفون‪.‬‬ ‫ص َ‬
‫د‪ ،‬أو قدر أن ي ِ‬ ‫النفوس ول خطر ببال أح ٍ‬
‫م{؛ أي‪ :‬عبادتهم فيها لّله‬ ‫}‪} {10‬دعواهم فيها سبحانك الله ّ‬
‫ه له عن النقائص‪ ،‬وآخرها تحميد ٌ لّله؛‬ ‫ح لّله وتنزي ٌ‬ ‫أولها تسبي ٌ‬
‫ل‬‫فالتكاليف سقطت عنهم في دار الجزاء‪ ،‬وإنما بقي لهم أكم ُ‬
‫ذات‪ ،‬الذي هو ألذ ّ عليهم من المآكل الّلذيذة‪ ،‬أل وهو ذ ِك ُْر الّله‬ ‫الل ّ ّ‬
‫ح به الرواح‪ ،‬وهو لهم بمنزلة‬ ‫ن به القلوب وتفر ُ‬ ‫الذي تطمئ ّ‬
‫ة‪} .‬و{ أما تحي ُّتهم فيما بيَنهم عند‬ ‫ق ٍ‬‫النفس من دون كلفةٍ ومش ّ‬
‫م من اللغو والثم‪،‬‬ ‫م سال ٌ‬ ‫م؛ أي‪ :‬كل ٌ‬‫التلقي والّتزاور؛ فهو السل ُ‬
‫هم فيها‬ ‫م{‪ .‬وقد قيل في تفسير قوله‪} :‬دعوا ُ‬ ‫ف بأنه }سل ٌ‬ ‫موصو ٌ‬
‫م[‪ {...‬إلى آخر الية‪ :‬إن أهل الجنة إذا احتاجوا إلى‬ ‫سبحانك ]الله ّ‬
‫ُ‬
‫ضَر لهم‬ ‫م! فَأ ْ‬
‫ح ِ‬ ‫الطعام والشراب ونحوهما؛ قالوا‪ :‬سبحانك الله ّ‬
‫ب العالمين{‪.‬‬ ‫في الحال‪ ،‬فإذا فرغوا قالوا‪} :‬الحمد ُ لّله ر ّ‬
‫ﮗ ﮘ ﮙ‬ ‫ﮏ ﮐ ﮑ ﮒ ﮓﮔ ﮕ ﮖ‬ ‫ﭽﮉ ﮊ ﮋ ﮌ ﮍ ﮎ‬
‫ﮚ ﮛ ﮜ ﮝ ﭼ‪.‬‬
‫جل لهم‬ ‫}‪ {11‬وهذا من لطفه وإحسانه بعباده‪ :‬أّنه لو ع ّ‬
‫جل لهم‬ ‫وا بأسبابه وباد ََرهم بالعقوبة على ذلك كما يع ّ‬ ‫الشّر إذا أت َ ْ‬
‫ُ‬
‫ي إليهم أجلهم{؛ أي‪ :‬لمحقتهم‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫ض َ‬
‫ق ِ‬ ‫وا بأسبابه؛ }ل ُ‬‫الخير إذا أت َ ْ‬
‫العقوبة‪ ،‬ولكنه تعالى يمهُِلهم ول يهملهم ويعفو عن كثيرٍ من‬
‫حقوقه؛ فلو يؤاخذ الّله الناس بظلمهم؛ ما ترك على ظهرها من‬
‫داّبة‪ ،‬ويدخل في هذا أن العبد إذا غضب على أولده أو أهله أو‬
‫ت منه؛ لهلكوا ولضّره ذلك غاية‬ ‫ماله رّبما دعا عليهم دعوة ً لو قُب ِل َ ْ‬
‫م‪ .‬وقوله‪} :‬فَن َذ َُر الذين ل يرجون‬ ‫م حكي ٌ‬ ‫الضرر‪ ،‬ولكّنه تعالى حلي ٌ‬
‫دون لها ول‬‫لقاءنا{؛ أي‪ :‬ل يؤمنون بالخرة؛ فلذلك ل يستع ّ‬
‫يعملون ما ُينجيهم من عذاب الّله‪} ،‬في طغيان ِِهم{؛ أي‪ :‬باطلهم‬
‫الذي جاوزوا به الحقّ والحد ّ }يعمهون{‪ :‬يتّرددون حائرين‪ ،‬ل‬
‫)‪(1‬‬
‫يهتدون السبيل‪ ،‬ول يوّفقون لقوم دليل‪ ،‬وذلك عقوبة لهم‬
‫على ظلمهم وكفرهم بآيات الّله‪.‬‬
‫ﮪ ﮫ ﮬ ﮭ ﮮﮮ ﮯ‬ ‫ﭽﮞ ﮟ ﮠ ﮡ ﮢ ﮣ ﮤ ﮥ ﮦ ﮧ ﮨ ﮩ‬
‫ﯚ ﯛ ﭼ‪.‬‬ ‫ﯖ ﯗ ﯘ ﯙ‬ ‫ﮱ ﯓﯔ ﯕ‬ ‫ﮰ‬
‫}‪ {12‬وهذا إخباٌر عن طبيعة النسان من حيث هو‪ ،‬وأّنه إذا‬
‫سه ضّر من مرض أو مصيبة؛ اجتهد في الدعاء‪ ،‬وسأل الّله في‬ ‫م ّ‬
‫ح في الدعاء؛ ليكشف‬ ‫جميع أحواله؛ قائما ً وقاعدا ً ومضطجعًا‪ ،‬وأل ّ‬
‫ضّر‬‫عنا إلى ُ‬
‫مّر كأن لم ي َد ْ ُ‬
‫ضّره َ‬‫الله عنه ضّره‪} ،‬فلما كشفنا عنه ُ‬
‫سه{؛ أي‪ :‬استمر في غفلته معرضا ً عن رّبه كأنه ما جاءه ضّر‬ ‫م ّ‬
‫فكشفه الّله عنه؛ فأيّ ظلم أعظم من هذا الظلم؛ يطلب من الّله‬
‫قضاء غرضه؛ فإذا أناله إياه؛ لم ينظْر إلى حقّ رّبه؛ وكأنه ليس‬
‫ن من الشيطان زّين له ما كان مستهجنا ً‬ ‫ق؟! وهذا تزيي ٌ‬‫عليه لّله ح ّ‬
‫مستقبحا ً في العقول والفطر‪} ،‬كذلك ُزّين للمسرفين{؛ أي‪:‬‬
‫ن{‪.‬‬
‫المتجاوزين للحد ّ }ما كانوا يعملو َ‬
‫ﯬﯧﯧ ﯭﯧﯧ ﯮﯧﯧ ﯯﯧﯧ ﯰﯧﯧ‬ ‫ﯩﯪﯧﯧ ﯫﯧﯧ‬ ‫ﭽ ﯜ ﯝ ﯞ ﯟ ﯠ ﯡ ﯢﯣ ﯤ ﯥ ﯦ ﯧ ﯨ‬
‫ﯷ ﯷ ﭼ‪.‬‬ ‫ﯱﯧﯧ ﯷ ﯷ ﯷ ﯷ ﯷ ﯷ ﯷ‬
‫}‪ {13‬يخبر تعالى أنه أهلك المم الماضية بظلمهم وكفرهم‬
‫)‪(2‬‬
‫ق‪ ،‬فلم‬
‫ت على أيدي الرسل تبيّـن الح ّ‬ ‫بعدما جاءتهم البينا ُ‬
‫‪ -‬في )ب(‪» :‬منه«‪.‬‬ ‫‪1‬‬

‫‪ -‬في )ب(‪» :‬رسله«‪.‬‬ ‫‪2‬‬


‫ل بهم عقابه الذي ل ي َُرد ّ عن ك ّ‬
‫ل‬ ‫ينقادوا لها‪ ،‬ولم يؤمنوا‪ ،‬فأح ّ‬
‫مجرم متجّرىء على محارم الّله‪ ،‬وهذه سنته في جميع المم‪.‬‬
‫ف في الرض‬ ‫}‪} {14‬ثم جعلناكم{؛ أي‪ :‬المخاطبون }خلئ َ‬
‫هم لننظر كيف تعملون{؛ فإن أنتم اعتبرُتم‪ ،‬واّتعظتم بمن‬ ‫من بعد ِ ِ‬
‫دقتم رسله؛ نجوُتم في الدنيا‬‫قبلكم‪ ،‬واّتبعتم آيات الّله‪ ،‬وص ّ‬
‫ل‬‫ل بكم ما أح ّ‬‫والخرة‪ ،‬وإن فعلُتم كفعل الظالمين قبلكم؛ أح ّ‬
‫ن أنذَر فقد أعذَر‪.‬‬‫م ْ‬‫بهم‪ ،‬و َ‬
‫ﭽ ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ ﭝ ﭞ ﭟ ﭠ ﭡﭢ‬
‫ﭵ‬ ‫ﭣ ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ ﭨ ﭩ ﭪ ﭫﭬ ﭭ ﭮ ﭯ ﭰ ﭱ ﭲﭳ ﭴ‬
‫ﭶ ﭷ ﭸ ﭹ ﭺ ﭻ ﭼ ﭽ ﭾ ﭿ ﮀ ﮁ ﮂ ﮃ ﮄ ﮅ ﮆﮇ ﮈ ﮉ ﮊ‬
‫ﮋ ﮌ ﮍﮎ ﮏ ﮐ ﮑ ﮒ ﮓ ﮔ ﮕ ﮖ ﮗ ﮘ ﮙ ﮚ ﮛﮜ ﮝ‬
‫ﮞ ﮟ ﮠ ﮡ ﭼ‪.‬‬
‫ذبين لرسوله محمد صلى الله‬ ‫}‪ {15‬يذكر تعالى تعّنت المك ّ‬
‫ّ‬
‫عليه وسلم‪ ،‬وأنهم إذا ُتتلى عليهم آيات الله القرآنية المبّينة‬
‫ق؛ أعرضوا عنها‪ ،‬وطلبوا وجوه التعّنت‪ ،‬فقالوا جراءة منهم‬ ‫للح ّ‬
‫ن غير هذا أو بد ّْله{‪ :‬فقّبحهم الّله؛ ما أجرأهم‬ ‫وظلمًا‪} :‬ائت بقرآ ٍ‬
‫دا لياته! فإذا كان الرسول العظيم‬ ‫دهم ظلما ً ور ّ‬ ‫على الّله وأش ّ‬
‫ل ما يكون لي{؛ أي‪ :‬ما ينبغي ول‬ ‫يأمره الّله أن يقول لهم‪} :‬ق ْ‬
‫ض‪ ،‬ليس لي‬ ‫ل مح ٌ‬ ‫َيليقُ }أن أبد َّله من تلقاء نفسي{؛ فإني رسو ٌ‬
‫ي{؛ أي‪ :‬ليس لي غير‬ ‫ن أت ّب ِعُ إل ما يوحى إلـ ّ‬ ‫من المر شيء‪} .‬إ ْ‬
‫ب يوم‬ ‫ت ربي عذا َ‬ ‫ذلك؛ فإني عبد ٌ مأمور‪} ،‬إني أخاف إن عصي ُ‬
‫ل خير الخلق وأدُبه مع أوامر رّبه ووحيه؛ فكيف‬ ‫عظيم{‪ :‬فهذا قو ُ‬
‫ظلم‬‫ضلل وال ّ‬ ‫بهؤلء السفهاء الضاّلين الذين جمعوا بين الجهل وال ّ‬
‫ب يوم‬ ‫ب العالمين؛ أفل يخافون عذا َ‬ ‫والعناد والتعّنت والتعجيز لر ّ‬
‫ن قصدهم أن يتبيّـن لهم الحقّ باليات التي‬ ‫عظيم؟! فإن زعموا أ ّ‬
‫ن الله قد بّين من اليات ما يؤمن‬ ‫ّ‬ ‫ذبة في ذلك؛ فإ ّ‬ ‫طلبوا؛ فهم ك َ َ‬
‫على مثله البشر‪ ،‬وهو الذي يصّرفها كيف يشاء؛ تابعا ً لحكمته‬
‫الربانّية ورحمته بعباده‪.‬‬
‫}‪} {16‬قل لو شاء الّله ما تلوُته عليكم ول أدراكم به فقد‬
‫مرًا{ طويل ً }من قبله{؛ أي‪ :‬قبل تلوته وقبل‬ ‫ت فيكم ع ُ ُ‬ ‫لب ِث ْ ُ‬
‫طر على بالي ول وقع في ظني‪} .‬أفل‬ ‫خ َ‬ ‫درايتكم به وأنا ما َ‬
‫در مني ما‬ ‫ص َ‬‫ن{‪ :‬أّنـي حيث لم أتقوُّله في مدة عمري‪ ،‬ول َ‬ ‫تعقلو َ‬
‫وله بعد ذلك‪ ،‬وقد لبثت فيكم عمرا ً‬ ‫ل على ذلك؛ فكيف أتق ّ‬ ‫يد ّ‬
‫ي ل أقرأ‪ ،‬ول أكتب‪ ،‬ول‬ ‫ل‪ ،‬تعرفون حقيقة حالي‪ ،‬بأني أم ّ‬ ‫طوي ً‬
‫د‪ ،‬فأتيُتكم بكتاب عظيم أعجز الفصحاء‬ ‫أدرس‪ ،‬ول أتعّلم من أح ٍ‬
‫وأعيا العلماء؛ فهل يمكن مع هذا أن يكون من تلقاء نفسي؟! أم‬
‫ل قاطع أنه تنزيل من حكيم حميد؟! فلو أعملتم أفكاركم‬ ‫هذا دلي ٌ‬
‫وعقولكم‪ ،‬وتدّبرتم حالي وحال هذا الكتاب؛ لجزمتم جزما ً ل يقبل‬
‫ه‪ ،‬وأّنه الحقّ الذي ليس بعده إل الضلل‪ ،‬ولكن إذا‬ ‫الّرْيب بصدقِ ِ‬
‫ك أنكم ظالمون‪.‬‬ ‫)‪ (1‬أبيتم إل التكذيب والعناد؛ فأنتم ل ش ّ‬
‫ب‬ ‫ذبا ً أو ك َذ ّ َ‬
‫من افترى على الّله ك َ ِ‬ ‫م مـ ّ‬
‫ن أظل ُ‬‫}‪ {17‬و }م ْ‬
‫ح‪ ،‬ولم‬ ‫ت أظلم الناس‪ ،‬وفاتني الفل ُ‬ ‫ل؛ لكن ُ‬‫ت متقوّ ً‬ ‫ه{؛ فلو كن ُ‬ ‫بآيات ِ ِ‬
‫ف عليكم حالي‪ ،‬ولكني جئُتكم بآيات الّله‪ ،‬فكذ ّْبتم بها‪ ،‬فتعيّـن‬ ‫خ َ‬ ‫َتـ ْ‬
‫ل ولن تنالوا الفلح ما‬ ‫ظلم‪ ،‬ول بد ّ أن أمركم سيضمح ّ‬ ‫فيكم ال ّ‬
‫ن‬‫ن لقاءنا‪ {...‬الية‪ :‬أ ّ‬ ‫ن ل يرجو َ‬‫ل قوله‪} :‬قال الذي َ‬ ‫دمُتم كذلك‪ .‬ود ّ‬
‫م إيمانهم‬ ‫مَلهم على هذا التعّنت الذي صدر منهم هو عد ُ‬ ‫حـ َ‬‫الذي َ‬
‫من آمن بلقاء الّله؛ فل بد ّ أن ينقاد َ‬ ‫ن َ‬
‫م رجائه وأ ّ‬ ‫بلقاء الّله وعد ُ‬
‫ن به‪ ،‬لّنه حسن القصد‪.‬‬ ‫لهذا الكتاب ويؤم َ‬
‫ﭽ ﮢ ﮣ ﮤ ﮥ ﮦ ﮧ ﮨ ﮩ ﮪ ﮫ ﮬ ﮭ ﮮﮮ ﮯﮰ ﮱ ﯓ ﯔ ﯕ ﯖ ﯗ‬
‫ﯘ ﯙ ﯚ ﯛ ﯜﯝ ﯞ ﯟ ﯠ ﯡ ﯢ ﭼ ‪.‬‬
‫ذبون‬ ‫}‪ {18‬يقول تعالى‪} :‬ويعُبدون{؛ أي‪ :‬المشركون المك ّ‬
‫ن الّله ما ل يضّرهم‬‫لرسول الّله صلى الله عليه وسلم }من دو ِ‬
‫ول ينفُعهم{؛ أي‪ :‬ل تملك لهم مثقال ذرة من النفع ول تدفع عنهم‬
‫شيئا ً }ويقولون{‪ :‬قول ً خاليا ً من البرهان‪} :‬هؤلء شفعاؤنا عند‬
‫الّله{؛ أي‪ :‬يعبدونهم ليقّربوهم إلى الّله ويشفعوا لهم عنده‪ ،‬وهذا‬
‫م ابتكروه هم‪ ،‬ولهذا قال مبطل ً لهذا‬ ‫قول من تلقاء أنفسهم‪ ،‬وكل ٌ‬
‫القول‪} :‬قل أتنّبئون الّله بما ل يعلم في السمـوات ول في‬
‫الرض{؛ أي‪ :‬الّله تعالى هو العالم الذي أحاط علما ً بجميع ما في‬
‫ك ول إله معه؛‬ ‫السماوات والرض‪ ،‬وقد أخبركم بأّنه ليس له شري ٌ‬
‫عمون أنه يوجد له فيها شركاء‪،‬‬ ‫فأنتم يا معشر المشركين تز ُ‬
‫أفتخبرونه بأمر خفي عليه وعلمتموه؟! أأنتم أعلم أم الّله؟! فهل‬
‫من أن هؤلء الضلل‬ ‫ل من هذا القول المتض ّ‬ ‫ل أبط ُ‬‫يوجد قو ٌ‬
‫ل بمجّرد‬ ‫الجهال السفهاء أعلم من رب العالمين؟! فليكتف العاق ُ‬
‫ور هذا القول؛ فإنه يجزم بفساده وبطلنه‪} .‬سبحانه وتعالى‬ ‫تص ّ‬
‫دس وتنّزه أن يكون له شريك أو نظير‪،‬‬ ‫ن{؛ أي‪ :‬تق ّ‬ ‫عما يشركو َ‬
‫بل هو الّله الحد ُ الفرد ُ الصمد ُ الذي ل إله في السماوات والرض‬
‫ل‬‫ي سواه فإنه باط ٌ‬ ‫ل معبود ٍ في العالم العلويّ والسفلـ ّ‬ ‫إل هو‪ ،‬وك ّ‬
‫ن الّله هو الحقّ وأن ما يدعون من‬ ‫ة‪} ،‬ذلك بأ ّ‬ ‫عقل ً وشرعا ً وفطر ً‬
‫ن الّله هو العلـ ّ‬
‫ي الكبيُر{‪.‬‬ ‫دونه هو الباطل وأ ّ‬

‫‪ -‬في )ب(‪» :‬إذ«‪.‬‬ ‫‪1‬‬


‫ﯷ‬ ‫ﯥ ﯦ ﯧ ﯨ ﯩﯪﯧﯧ ﯫﯧﯧ ﯬﯧﯧ ﯭﯧﯧ ﯮﯧﯧ ﯯﯧﯧ ﯰﯧﯧ ﯱﯧﯧ ﯷ ﯷ ﯷ‬ ‫ﭽﯣ ﯤ‬
‫ﯷ ﯷ ﯷ ﯷ ﯷ ﯷ ﯷ ﯷ ﭼ‪.‬‬ ‫ﯷ ﯷ ﯷ ﯷ ﯷ ﯷ ﯼﯽ ﯾ ﯿ‬
‫ة{‪ :‬متفقين على‬ ‫ة واحد ً‬‫م ً‬
‫}‪ {19‬أي‪} :‬وما كان الناس إل أ ّ‬
‫شرين‬ ‫الدين الصحيح‪ ،‬ولكنهم اختلفوا‪} ،‬فبعث الّله الرسل مب ّ‬
‫ومنذرين وأنزل معهم الكتاب ليحكم بين الناس فيما اختلفوا‬
‫ت من رّبك{‪ :‬بإمهال العاصين وعدم‬ ‫ة سبق ْ‬ ‫فيه{‪} .‬ولول كلم ٌ‬
‫جي المؤمنين ونهلك‬ ‫ي بينهم{‪ :‬بأن نن ّ‬ ‫ض َ‬ ‫معاجلتهم بذنوبهم‪} ،‬ل َ ُ‬
‫ق ِ‬
‫ذبين‪ ،‬وصار هذا فارقا ً بينهم }فيما فيه يختلفون{‪،‬‬ ‫الكافرين المك ّ‬
‫ولكنه أراد امتحانهم وابتلء بعضهم ببعض؛ ليتبّين الصادق من‬
‫الكاذب‪.‬‬
‫}‪} {20‬ويقولون{؛ أي‪ :‬المكذبون المتعّنتون‪} :‬لول أنزِ َ‬
‫ل‬
‫ة من رّبه{؛ يعنون‪ :‬آيات القـتراح التي يعّينونها؛ كقولهم‪:‬‬ ‫عليه آي ٌ‬
‫ن معه نذيًرا‪ {...‬اليات‪ ،‬وكقولهم‪:‬‬ ‫ك فيكو َ‬ ‫مل ٌ‬‫َ‬ ‫}لول أنزل إليه َ‬
‫جَر لنا من الرض َينبوعًا‪ {...‬اليات‪.‬‬ ‫ف ُ‬
‫ن لك حتى ت َ ْ‬ ‫}وقالوا لن نؤم َ‬
‫ب لّله{؛ أي‪ :‬هو‬
‫ة‪} :‬إنما الغي ُ‬‫}فقل{‪ :‬لهم إذا طلبوا منك آي ً‬
‫المحيط علما ً بأحوال العباد‪ ،‬فيدّبرهم بما يقتضيه علمه فيهم‬
‫وحكمته البديعة‪ ،‬وليس لحد ٍ تدبيٌر في حكم ول دليل ول غاية ول‬
‫تعليل‪} .‬فانتظروا إني معكم من المنتظرين{؛ أي‪ :‬كل ينتظر‬
‫ل له فانظروا لمن تكون العاقبة‪.‬‬ ‫بصاحبه ما هو أه ٌ‬
‫ﭛ ﭜ ﭝﭞ ﭟ ﭠ ﭡ‬ ‫ﭽﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ‬
‫ﭢﭣ ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ ﭨ ﭩ ﭼ ‪.‬‬
‫ة من بعد ضّراء‬ ‫}‪ {21‬يقول تعالى‪} :‬وإذا أذ َْقنا الناس رحم ً‬
‫ستهم{‪ :‬كالصحة بعد المرض والغنى بعد الفقر والمن بعد‬ ‫م ّ‬
‫كروا الّله على‬ ‫الخوف؛ نسوا ما أصابهم من الضّراء‪ ،‬ولم يش ُ‬
‫الرخاء والرحمة‪ ،‬بل استمّروا في طغيانهم ومكرهم‪ ،‬ولهذا قال‪:‬‬
‫ون بالباطل ليبطلوا به الحق‪.‬‬ ‫}إذا لهم مكٌر في آياتنا{؛ أي‪ :‬يسعَ ْ‬
‫ن المكَر السيىء ل يحيق إل بأهله؛‬ ‫ه أسرع ُ مكرًا{‪ :‬فإ ّ‬
‫}قل الل ّ ُ‬
‫س عليهم‪ ،‬ولم يسلموا من الت َب َِعة‪ ،‬بل تكتب‬ ‫فمقصودهم منعك ٌ‬
‫الملئكة عليهم ما يعملون‪ ،‬ويحصيه الّله عليهم‪ ،‬ثم يجازيهم الّله‬
‫عليه أوفر الجزاء‪.‬‬
‫ﭶ ﭷ ﭸ ﭹ‬ ‫ﭵ‬ ‫ﭴ‬ ‫ﭽ ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ ﭯﭰ ﭱ ﭲ ﭳ‬
‫ﮉ ﮊ ﮋ ﮌ ﮍ ﮎ‬ ‫ﮃ ﮄ ﮅ ﮆ ﮇﮈ‬ ‫ﭺ ﭻ ﭼ ﭽ ﭾ ﭿ ﮀ ﮁ ﮂ‬
‫ﮞﮟ ﮠ ﮡ‬ ‫ﮜ ﮝ‬ ‫ﮏ ﮐ ﮑ ﮒ ﮓ ﮔ ﮕ ﮖ ﮗ ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ‬
‫ﯓﭼ‪.‬‬ ‫ﮱ‬ ‫ﮩﮪ ﮫ ﮬ ﮭ ﮮﮮ ﮯ ﮰ‬ ‫ﮢ ﮣ ﮤ ﮥﮦ ﮧ ﮨ‬
‫}‪ 22‬ـ ‪ {23‬لما ذكر تعالى القاعدة العامة في أحوال‬
‫الناس عند إصابة الرحمة لهم بعد الضّراء والُيسر بعد العسر؛‬
‫ة تؤّيد ذلك‪ ،‬وهي حالهم في البحر عند اشتداده والخوف‬ ‫ذ َك ََر حال ً‬
‫سر‬‫سي ُّركم في البّر والبحر{‪ :‬بما ي ّ‬ ‫من عواقبه‪ ،‬فقال‪} :‬هو الذي ي ُ َ‬
‫لكم من السباب المسّيرة لكم فيها وهداكم إليها‪} .‬حتى إذا كنُتم‬
‫ن بهم بريح طّيبة{‪:‬‬ ‫جَري ْ َ‬
‫فلك{؛ أي‪ :‬السفن البحرّية‪} ،‬و َ‬ ‫في ال ُ‬
‫قة‪} ،‬وفرحوا بها{‪:‬‬ ‫موافقة لما يهوونه من غير انزعاج ول مش ّ‬
‫ف{‪:‬‬ ‫ح عاص ٌ‬ ‫واطمأّنوا إليها؛ فبينما هم كذلك؛ إذ جاءتهم }ري ٌ‬
‫ل مكان وظّنوا أنهم أحي َ‬
‫ط‬ ‫ج من ك ّ‬ ‫هم المو ُ‬‫شديدة الهبوب‪} ،‬وجاء ُ‬
‫ّ‬
‫بهم{؛ أي‪ :‬عرفوا أنه الهلك‪ ،‬فانقطع حينئذ ٍ تعلقهم بالمخلوقين‪،‬‬
‫دة إل الّله وحده‪ ،‬فدعوه‬ ‫وعرفوا أنه ل ُينجيهم من هذه الش ّ‬
‫}مخلصين له الدين{‪ :‬ووعدوا من أنفسهم على وجه اللزام‪،‬‬
‫ن‪ .‬فلما أنجاهم‬ ‫ن من الشاكري َ‬ ‫جي َْتنا من هذه لنكون ّ‬ ‫ن أن َ‬ ‫فقالوا‪} :‬لئ ْ‬
‫ق{؛ أي‪:‬نسوا تلك الشدة وذلك‬ ‫ن في الرض بغير الح ّ‬ ‫إذا هم يبغو َ‬
‫من اعترفوا أنه ل‬ ‫الدعاء وما ألزموه أنفسهم‪ ،‬فأشركوا بالّله َ‬
‫ُينجيهم من الشدائد ول يدفع عنهم المضايق؛ فهل أخلصوا لّله‬
‫ن هذا البغي‬ ‫العبادة في الرخاء كما أخلصوه في الشدة؟! ولك ّ‬
‫يعود َوباُله عليهم‪ ،‬ولهذا قال‪}:‬يا أّيها الناس إّنما بغيكم على‬
‫ملون ببغيكم‬ ‫دنيا{؛ أي‪ :‬غاية ما تؤ ّ‬ ‫أنفسكم متاع َ الحياة ال ّ‬
‫دنيا‬‫حطام ال ّ‬ ‫وشرودكم عن الخلص لّله أن تنالوا شيئا ً من ُ‬
‫وجاهها النزر اليسير الذي سينقضي سريعا ً ويمضي جميعا ً ثم‬
‫جُعكم{‪ :‬في يوم القيامة‪،‬‬ ‫تنتقلون عنه بالرغم‪} .‬ثم إلينا مر ِ‬
‫ة التحذير لهم عن‬ ‫ن{‪ :‬وفي هذا غاي ُ‬ ‫}فننّبئكم بما كنُتم تعملو َ‬
‫الستمرار على عملهم‪.‬‬
‫ﭽ ﯔ ﯕ ﯖ ﯗ ﯘ ﯙ ﯚ ﯛ ﯜ ﯝ ﯞ ﯟ ﯠ ﯡ ﯢ ﯣ ﯤ ﯥ ﯦ ﯧ‬
‫ﯨ ﯩ ﯪﯧﯧ ﯫﯧﯧ ﯬﯧﯧ ﯭﯧﯧ ﯮﯧﯧ ﯯﯧﯧ ﯰﯧﯧ ﯱﯧﯧ ﯷ ﯷ ﯷ ﯷ ﯷ ﯷ ﯷ ﯷﯷ ﯷ‬
‫ﯼ ﯽ ﯾ ﯿ ﯷ ﭼ‪.‬‬
‫}‪ {24‬وهذا المثل من أحسن المثلة‪ ،‬وهو مطابقٌ لحالة‬
‫ذاتها وشهواتها وجاهها ونحو ذلك يزهو لصاحبه إن‬ ‫نل ّ‬ ‫الدنيا؛ فإ ّ‬
‫ل وزال عن صاحبه أو‬ ‫زها وقتا ً قصيرًا؛ فإذا استكمل وت ّ‬
‫م؛ اضمح ّ‬
‫فَر اليدين منها‪ ،‬ممتلىء القلب من‬ ‫ص ْ‬
‫زال صاحبه عنه‪ ،‬فأصبح ِ‬
‫مها وحزنها وحسرتها؛ فذلك }كماٍء أنزلناه من السماء فاختلط‬ ‫هـ ّ‬
‫ف وزوج بهيج‪} ،‬مما‬ ‫ت الرض{؛ أي‪ :‬نبت فيها من كل صن ٍ‬ ‫به نبا ُ‬
‫م{‪ :‬كأنواع‬‫ل الناس{‪ :‬كالحبوب والثمار‪}،‬و{ مما تأكل }النعا ُ‬ ‫يأك ُ‬
‫ض‬
‫ت الر ُ‬ ‫العشب والكل المختلف الصناف‪} .‬حتى إذا أخذ ِ‬
‫ت{؛ أي‪ :‬تزخرفت في منظرها واكتست في زينتها‬ ‫خُرَفها واّزي ّن َ ْ‬ ‫ُز ْ‬
‫صرين‪،‬‬‫ة للمتب ّ‬ ‫ة للمتفّرجين وآي ً‬ ‫ة للناظرين ونزه ً‬ ‫فصارت بهج ً‬
‫فصرت ترى لها منظرا ً عجيبا ً ما بين أخضر وأصفر وأبيض وغيره‪.‬‬
‫ن أهُلها أّنهم قادرون عليها{؛ أي‪ :‬حصل معهم طمعٌ بأن ذلك‬ ‫}وظ ّ‬
‫)‪(1‬‬
‫سيستمّر ويدوم لوقوف إرادتهم عنده وانتهاء مطالبهم فيه؛‬
‫مُر الل ّهِ }ليل ً أو نهارا ً فجعلناها‬ ‫َ‬
‫فبينما هم في تلك الحالة؛ أتاها أ ْ‬
‫ن بالمس{؛ أي‪ :‬كأنها ما كانت‪ ،‬فهذه حالة‬ ‫حصيدا ً كأن لم ت َغْ َ‬
‫ضحها‬‫صل اليات{؛ أي‪ :‬نبي ُّنها ونو ّ‬ ‫دنيا سواء بسواء‪} .‬كذلك نف ّ‬ ‫ال ّ‬
‫كرون{؛‬ ‫بتقريب المعاني إلى الذهان وضرب المثال‪} ،‬لقوم يتف ّ‬
‫ض؛ فهذا ل‬‫ن أفكارهم فيما ينفعهم‪ ،‬وأما الغافل المعر ُ‬ ‫ملو َ‬
‫أي‪ :‬ي ُعْ ِ‬
‫ن‪.‬‬
‫ك البيا ُ‬ ‫ل عنه الش ّ‬ ‫تنفعه اليات‪ ،‬ول يزي ُ‬
‫وق إلى الدار‬ ‫دنيا وحاصل نعيمها؛ ش ّ‬ ‫ولما ذكر الّله حال ال ّ‬
‫الباقية‪ ،‬فقال‪:‬‬
‫ﯷ ﯷ ﯷ ﭾ‪.‬‬ ‫ﯷ ﯷ ﰈ ﰉ‬ ‫ﭿﯷ ﯷ ﯷ ﯷ ﯷ‬
‫ث‬‫م تعالى عباده بالدعوة إلى دار السلم والح ّ‬ ‫}‪ {25‬ع ّ‬
‫ص بالهداية من شاء استخلصه‬ ‫على ذلك والترغيب‪ ،‬وخ ّ‬
‫ص برحمته من يشاُء‪،‬‬ ‫واصطفاءه؛ فهذا فضُله وإحساُنه‪ ،‬والّله يخت ّ‬
‫ة بعد البيان والرسل‪،‬‬
‫ج ٌ‬ ‫وذلك عدُله وحكمته‪ ،‬وليس لحد ٍ عليه ُ‬
‫ح ّ‬
‫وسمى الّله الجنة دار السلم لسلمتها من جميع الفات‬
‫والنقائص‪ ،‬وذلك لكمال نعيمها وتمامه وبقائه وحسنه من ك ّ‬
‫ل‬
‫وجه‪.‬‬
‫ﭜﭝ ﭞ ﭟ ﭠﭡ ﭢ ﭣ‬ ‫ﭿ ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ‬
‫ﭤ ﭥ ﭾ‪.‬‬
‫وقت إلى‬ ‫}‪ {26‬ولما دعا إلى دار السلم؛ كأن النفوس تش ّ‬
‫العمال الموجبة لها الموصلة إليها‪ ،‬فأخبر عنها بقوله‪} :‬للذين‬
‫ة{؛ أي‪ :‬للذين أحسنوا في عبادة الخالق‪،‬‬ ‫حسنى وزياد ٌ‬ ‫أحسنوا ال ُ‬
‫ن عبدوه على وجه المراقبة والنصيحة في عبودّيته‪ ،‬وقاموا بما‬ ‫بأ ْ‬
‫قدروا عليه منها‪ ،‬وأحسنوا إلى عباد الّله‪ ،‬بما يقدرون عليه من‬
‫ي والحسان‬ ‫ي‪ :‬من بذل الحسان المالـ ّ‬ ‫ي والفعلـ ّ‬
‫الحسان القولـ ّ‬
‫ي والمر بالمعروف والنهي عن المنكر وتعليم الجاهلين‬ ‫البدنـ ّ‬
‫ونصيحة المعرضين وغير ذلك من وجوه البّر والحسان؛ فهؤلء‬
‫الذين أحسنوا لهم الحسنى‪ ،‬وهي الجنة الكاملة في حسنها‪،‬‬
‫ة‪ ،‬وهي النظر إلى وجه الّله الكريم‪ ،‬وسماع كلمه ‪،‬والفوز‬ ‫وزياد ٌ‬
‫برضاه‪ ،‬والبهجة بقربه؛ فبهذا حصل لهم أعلى ما يتمّناه‬
‫المتمّنون‪ ،‬ويسأله السائلون‪.‬‬

‫‪ -‬في )ب(‪» :‬إراداتهم«‪.‬‬ ‫‪1‬‬


‫ههم‬
‫ثم ذكر اندفاع المحذور عنهم‪ ،‬فقال‪} :‬ول ي َْرهَقُ وجو َ‬
‫ن المكروه‬‫ة{؛ أي‪ :‬ل ينالهم مكروه ٌ بوجه من الوجوه؛ ل ّ‬ ‫قَت ٌَر ول ذ ِل ّ ٌ‬
‫در‪ .‬وأما هؤلء؛‬ ‫إذا وقع بالنسان؛ تبيّـن ذلك في وجهه وتغّير وتك ّ‬
‫ضَرة َ النعيم{‪،‬‬ ‫فكما قال الّله )‪ (1‬عنهم‪} :‬تعرِ ُ‬
‫ف في وجوههم ن َ ْ‬
‫أولئك أصحاب الجنة الملزمون لها هم فيها خالدون‪ ،‬ل يحولون‪،‬‬
‫ول يزولون‪ ،‬ول يتغّيرون‪.‬‬
‫ﭲ ﭳ ﭴﭵ ﭶ‬ ‫ﭿ ﭦ ﭧ ﭨ ﭩ ﭪ ﭫ ﭬ ﭭﭮ ﭯ ﭰ ﭱ‬
‫ﭷ ﭸ ﭹ ﭺ ﭻ ﭼﭽ ﭾ ﭿ ﮀﮁ ﮂ ﮃ ﮄ ﮅ ﭾ ‪.‬‬
‫}‪ {27‬لما ذكر أصحاب الجنة؛ ذكر أصحاب النار‪ ،‬فذكر أن‬
‫خطةَ‬ ‫س ِ‬‫م ْ‬ ‫بضاعتهم التي اكتسبوها في الدنيا هي العمال السّيئة ال ُ‬
‫لّله من أنواع الكفر والّتكذيب وأصناف المعاصي‪ ،‬فجزاؤهم سيئ ٌ‬
‫ة‬
‫مثلها؛ أي‪ :‬جزاء يسؤوهم بحسب ما عملوا من السيئات على‬
‫ة{‪ :‬في قلوبهم‬ ‫قهم{؛ أي‪ :‬تغشاهم }ذ ِل ّ ٌ‬ ‫اختلف أحوالهم‪} ،‬وترهَ ُ‬
‫مهم منه‬ ‫ص ُ‬‫ف من عذاب الّله ل يدفعه عنهم دافعٌ ول يع ِ‬ ‫وخو ٌ‬
‫م‪ ،‬وتسري تلك الذ ّّلة الباطنة إلى ظاهرهم‪ ،‬فتكون سوادا ً‬ ‫عاص ٌ‬
‫ت وجوههم قطعا ً من الليل مظلما ً‬ ‫في وجوههم ‪} .‬كأّنما أغ ْ ِ‬
‫شي َ ْ‬
‫)‪(2‬‬

‫ن{‪ :‬فكم بين الفريقين من‬ ‫ب النار هم فيها خالدو َ‬ ‫أولئك أصحا ُ‬
‫ة‪ .‬إلى‬ ‫ق! ويا ب ُعْد َ ما بينهما من التفاوت! }وجوه ٌ يومئذ ناضر ٌ‬ ‫فْر ِ‬ ‫ال َ‬
‫ة{‪،‬‬ ‫ل بها فاقر ٌ‬ ‫فعَ َ‬ ‫ن يُ ْ‬ ‫نأ ْ‬ ‫ة‪ .‬ت َظ ُ ّ‬ ‫ة‪ .‬ووجوه ٌ يومئذ ٍ باسر ٌ‬ ‫رّبها ناظ َِر ٌ‬
‫ة‪ .‬ووجوه ٌ يومئذ ٍ عليها‬ ‫ة مستبشر ٌ‬ ‫ة‪ .‬ضاحك ٌ‬ ‫}وجوه ٌ يومئذ ٍ مسفر ٌ‬
‫ة‪ .‬أولئك هم الكفرة الفجرة{‪.‬‬ ‫قها قََتر ٌ‬
‫ة‪ .‬ترهَ ُ‬ ‫غ َب ََر ٌ‬
‫ﭿ ﮆ ﮇ ﮈ ﮉ ﮊ ﮋ ﮌ ﮍ ﮎ ﮏﮐ ﮑ ﮒﮓ ﮔ ﮕ ﮖ ﮗ‬
‫ﮩ ﮪ‬ ‫ﮢ ﮣ ﮤ ﮥ ﮦ ﮧ ﮨ‬ ‫ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ ﮜ ﮝ ﮞ ﮟ ﮠ ﮡ‬
‫ﯘ ﯙ ﭾ‪.‬‬ ‫ﮫﮬ ﮭ ﮮﮮ ﮯ ﮰ ﮱﯓ ﯔ ﯕ ﯖ ﯗ‬
‫شُرهم جميعًا{؛ أي‪ :‬نجمع‬ ‫ح ُ‬ ‫}‪ {28‬يقول تعالى‪} :‬ويوم ن َ ْ‬
‫ضُر المشركين وما كانوا‬ ‫جميع الخلئق لميعاد يوم معلوم‪ ،‬ونح ِ‬
‫ل للذين أشركوا مكاَنكم أنتم‬ ‫يعبدون من دون الّله‪} ،‬ثم نقو ُ‬
‫ل بينكم‬ ‫ص ُ‬
‫ف ْ‬ ‫م وال َ‬ ‫موا مكانكم ليقعَ الّتحاك ُ‬ ‫وشركاؤكم{؛ أي‪ :‬ال َْز ُ‬
‫وبينهم‪} ،‬فََزي ّْلنا بيَنهم{؛ أي‪ :‬فّرقنا بينهم بالبعد البدني والقلبي‪،‬‬
‫دنيا‬ ‫ذلوا لهم في ال ّ‬ ‫فحصلت )‪ (3‬بيَنهم العداوة ُ الشديدة ُ بعد أن ب َ َ‬
‫خالص المحّبة وصفو الوداد‪ ،‬فانقلبت تلك المحّبة والولية بغضا ً‬
‫ن{‪:‬‬ ‫وعداوة‪ .‬وتبرأ شركاؤهم منهم وقالوا‪} :‬ما كنُتم إّيانا تعبدو َ‬
‫د‪.‬‬
‫ك أو ندي ٌ‬ ‫فإننا ننّزه الّله أن يكون له شري ٌ‬
‫‪ :-‬ب(‪» :‬فَُهم كما قال الله«‪.‬‬ ‫‪1‬‬

‫‪ -‬في )في )ب(‪» :‬الوجوه«‪.‬ب(‬ ‫‪2‬‬

‫‪ -‬في )ب(‪» :‬وحصلت«‪.‬‬ ‫‪3‬‬


‫}‪} {29‬فكفى بالّله شهيدا ً بيننا وبينكم إن ك ُّنا عن عبادتكم‬
‫َلغافلين{‪ :‬ما أمرناكم بها ول دعوناكم لذلك‪ ،‬وإنما عبدتم من‬
‫دعاكم إلى ذلك‪ ،‬وهو الشيطان؛ كما قال تعالى‪} :‬ألم أع ْهَد ْ إليكم‬
‫ن{‪ ،‬وقال‪:‬‬ ‫م أن ل تعُبدوا الشيطان إّنه لكم عدوّ مبي ٌ‬ ‫يا بني آد َ‬
‫ل للملئكة أهؤلِء إّياكم كانوا‬ ‫شُرهم جميعا ً ثم يقو ُ‬ ‫م يح ُ‬ ‫}ويو َ‬
‫ن‬
‫ج ّ‬‫ن ال ِ‬ ‫ن‪ .‬قالوا سبحان َ َ‬
‫ك أنت وَل ِّينا من دون ِِهم بل كانوا يعُبدو َ‬ ‫دو َ‬ ‫يعب ُ‬
‫ن{‪ :‬فالملئكة الكرام والنبياء والولياء‬ ‫هم بهم مؤمنو َ‬ ‫أكثُر ُ‬
‫صلون من دعائهم‬ ‫من عبدهم يوم القيامة‪ ،‬ويتن ّ‬ ‫ونحوهم يتبرؤون مـ ّ‬
‫إياهم إلى عبادتهم‪ ،‬وهم الصادقون الباّرون في ذلك‪.‬‬
‫سر المشركون حسرة ً ل يمكن وصفها‪،‬‬ ‫}‪ {30‬فحينئذ ٍ يتح ّ‬
‫دموا من العمال وما أسلفوا من رديء‬ ‫ويعلمون مقدار ما ق ّ‬
‫الخصال‪ ،‬ويتبيّـن لهم يومئذ ٍ أنهم كانوا كاذبين‪ ،‬وأنهم مفترون‬
‫طعت بهم‬ ‫على الّله‪ ،‬قد ضّلت عبادتهم واضمحّلت معبوداتهم وتق ّ‬
‫السباب والوسائل‪ ،‬ولهذا قال‪} :‬هنالك{؛ أي‪ :‬في ذلك اليوم‪،‬‬
‫قد أعمالها وكسبها وتتبعه‬
‫ت{‪ :‬أي‪ :‬تتف ّ‬ ‫ل نفس ما أسلف ْ‬ ‫}ت َْبلو ك ّ‬
‫بالجزاء وتجازى بحسبه إن خيرا ً فخيٌر وإن شّرا فشّر‪} ،‬وض ّ‬
‫ل‬
‫حة ما هم عليه من‬ ‫ن{‪ :‬من قولهم بص ّ‬ ‫عنهم ما كانوا يفترو َ‬
‫ن ما يعبدون من دون الّله تنفعهم‪ ،‬وتدفع عنهم‬ ‫الشرك‪ ،‬وأ ّ‬
‫العذاب‪.‬‬
‫ﭿ ﯚ ﯛ ﯜ ﯝ ﯞ ﯟ ﯠ ﯡ ﯢ ﯣ ﯤ ﯥ ﯦ ﯧ ﯨ ﯩ ﯪﯧﯧ ﯫﯧﯧ ﯬﯧﯧ ﯭﯧﯧ ﯮﯧﯧ‬
‫ﯯﯧﯧﯰﯧﯧ ﯱﯧﯧ ﯷﯷ ﯷ ﯷ ﯷ ﯷ ﯷ ﯷ ﯷ ﯷﯼ ﯽ ﯾ ﯿ ﯷ ﯷﯷ ﯷ ﯷ ﯷ‬
‫ﰉ ﯷ ﯷ ﯷ ﯷ ﰎ ﯷ ﯷ ﭾ‪.‬‬ ‫ﯷ ﯷ ﰈ‬
‫ل به‬‫}‪ {31‬أي‪ :‬قل لهؤلء الذين أشركوا بالّله ما لم ينّز ْ‬
‫جا عليهم بما أقّروا به من توحيد الّربوبية على ما‬ ‫سلطانا ً محت ّ‬
‫ل من يرُزقكم من السماء‬ ‫أنكروه من توحيد اللهية‪} :‬قُ ْ‬
‫والرض{‪ :‬بإنزال الرزاق من السماء وإخراج أنواعها من الرض‬
‫ك السمع والبصار{؛ أي‪ :‬من‬ ‫وتيسير أسبابها فيها‪} .‬أم من يمل ِ ُ‬
‫صهما بالذكر من باب التنبيه‬ ‫هو الذي خلقهما وهو مالكهما؟ وخ ّ‬
‫ج‬
‫خرِ ُ‬
‫على المفضول بالفاضل‪ ،‬ولكمال شرفهما ونفعهما‪} .‬ومن ُيـ ْ‬
‫ي من المّيت{؛ كإخراج أنواع الشجار والنبات من الحبوب‬ ‫الح ّ‬
‫والّنوى‪ ،‬وإخراج المؤمن من الكافر‪ ،‬والطائر من البيضة‪ ...‬ونحو‬
‫ي{‪ :‬عكس هذه المذكورات‪} .‬ومن‬ ‫ت من الح ّ‬ ‫ج المي ّ َ‬
‫ذلك‪} ،‬ويخرِ ُ‬
‫ل لجميع‬ ‫ي‪ ،‬وهذا شام ٌ‬ ‫يدّبر المَر{‪ :‬في العالم العلويّ والسفلـ ّ‬
‫ن‬
‫أنواع التدابير اللهّية؛ فإنك إذا سألتهم عن ذلك؛ }فسيقولو َ‬
‫ن الّله ل شريك له في شيء‬ ‫ه{‪ :‬لنهم يعترفون بجميع ذلك‪ ،‬وأ ّ‬ ‫الل ّ ُ‬
‫جة‪} :‬أفل تّتقون{‪ :‬الّله‬ ‫من المذكورات‪} ،‬فقل{ لهم إلزاما ً بالح ّ‬
‫دون من‬ ‫ده ل شريك له‪ ،‬وتخَلعون ما تعب ُ‬ ‫خِلصون له العبادة وح َ‬ ‫فت ُ ْ‬
‫دون ِهِ من النداد والوثان‪.‬‬
‫كم{‪ :‬الذي وصف نفسه بما وصفها به }الّله‬ ‫}‪} {32‬فذل ِ ُ‬
‫رّبكم{؛ أي‪ :‬المألوه المعبود المحمود المرّبـي جميع الخلق‬
‫ل{‪ :‬فإنه تعالى‬ ‫بالّنعم‪ ،‬وهو }الحقّ فماذا بعد الحقّ إل الضل ُ‬
‫المنفرد بالخلق والتدبير لجميع الشياء‪ ،‬الذي ما بالعباد من نعمة‬
‫إل منه‪ ،‬ول يأتي بالحسنات إل هو‪ ،‬ول يدفع السيئات إل هو‪ ،‬ذو‬
‫السماء الحسنى والصفات الكاملة العظيمة والجلل والكرام‪.‬‬
‫فه إلى عبادة الذي‬ ‫ن هذا وص ُ‬ ‫م ْ‬‫صَرفون{‪ :‬عن عبادة َ‬ ‫}فأّنى ت ُ ْ‬
‫ك لنفسه نفعا ً ول ضّرا ول‬ ‫ليس له من وجوده إل العدم ول يمل ِ ُ‬
‫موتا ً ول حياة ً ول ُنشورًا؛ فليس له من الملك مثقال ذرة‪ ،‬ول‬
‫شركة له بوجهٍ من الوجوه‪ ،‬ول يشفع عند الّله إل بإذنه‪.‬‬
‫دموا‬ ‫}‪ {33‬فتّبا لمن أشرك به‪ ،‬وويحا ً لمن كفر به؛ لقد ع َ ِ‬
‫دموا أديانهم‪ ،‬بل فقدوا دنياهم وأخراهم‪ ،‬ولهذا‬ ‫عقوَلهم بعد أن ع َ ِ‬
‫سقوا أّنهم‬ ‫ة رّبك على الذين فَ َ‬ ‫قت كلم ُ‬ ‫قال تعالى عنهم‪} :‬كذلك ح ّ‬
‫ّ‬
‫ل يؤمنون{‪ :‬بعد أن )‪ (1‬أراهم الله من اليات البّينات والبراهين‬
‫ى‬
‫ة للمّتقين وهد ً‬ ‫النّيرات ما فيه عبرة ٌ لولي اللباب وموعظ ٌ‬
‫للعالمين‪.‬‬
‫ﭿ ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙﭚ ﭛ ﭜ ﭝ ﭞ ﭟ ﭠﭡ ﭢ ﭣ‬
‫ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ ﭨ ﭩ ﭪ ﭫ ﭬﭭ ﭮ ﭯ ﭰ ﭱﭲ ﭳ ﭴ ﭵ ﭶ ﭷ ﭸ‬
‫ﭹ ﭺ ﭻ ﭼ ﭽ ﭾ ﭿ ﮀ ﮁ ﮂ ﮃ ﮄ ﮅ ﮆ ﮇ ﮈ ﮉ ﮊﮋ ﮌ ﮍ ﮎ‬
‫ﮏ ﮐ ﮑ ﮒﮓ ﮔ ﮕ ﮖ ﮗ ﮘ ﮙ ﭾ ‪.‬‬
‫}‪ {34‬يقول تعالى مبّينا ً عجز آلهة المشركين وعدم‬
‫ن شركاِئكم‬ ‫م ْ‬ ‫ة مع الّله‪} :‬قل هل ِ‬ ‫اّتصافها بما يوجب اّتخاذها آله ً‬
‫م بمعنى‬ ‫ق{؛ أي‪ :‬يبتديه‪} ،‬ثم ُيعيده{‪ :‬وهذا استفها ٌ‬ ‫دأ الخل َ‬
‫من ي َب ْ َ‬‫َ‬
‫ده‪ ،‬وهي‬ ‫النفي والتقرير؛ أي‪ :‬ما منهم أحد ٌ يبدأ الخلق ثم يعي ُ‬
‫خْلق ثم ُيعيده{‪ :‬من غير‬ ‫أضعف من ذلك وأعجُز‪} ،‬قل الّله يبدأ ال َ‬
‫ن له على ذلك‪} .‬فأّنى تؤَفكون{؛ أي‪ :‬تصرفون‬ ‫ك ول معاو ٍ‬ ‫مشار ٍ‬
‫نل‬ ‫م ْ‬
‫وُتحرفون عن عبادة المنفرد بالبتداء والعادة إلى عبادة َ‬
‫خَلقون‪.‬‬ ‫خل ُقُ شيئا ً وهم ُيـ ْ‬ ‫َيـ ْ‬
‫ق{‪ :‬ببيانه‬‫كم من َيـْهدي إلى الح ّ‬ ‫}‪} {35‬قل هل من شركائ ِ ُ‬
‫ه{‪ :‬وحده }َيـْهدي{‪ :‬إلى‬ ‫وإرشاده أو بإلهامه وتوفيقه‪} ،‬قل الل ّ ُ‬
‫الحقّ بالدّلة والبراهين وباللهام والتوفيق والعانة إلى سلوك‬
‫دي{؛ أي‪ :‬ل يهتدي }إل ّ أن ُيـْهدى{‪:‬‬ ‫ن ل ي َهِ ّ‬‫م ْ‬ ‫أقوم طريق‪} .‬أ ّ‬
‫دما«‪.‬‬
‫‪ -‬في )ب(‪» :‬ب َعْ َ‬ ‫‪1‬‬
‫لعدم علمه ولضلله‪ ،‬وهي شركاؤهم التي ل تهدي ول تهتدي إل‬
‫كمون{؛ أي‪ :‬أيّ شيء جعلكم‬ ‫أن ُتهدى‪} .‬فما لكم كيف تح ُ‬
‫حة عبادة أحد ٍ مع الّله بعد ظهور‬ ‫تحكمون هذا الحكم الباطل بص ّ‬
‫ده؟! فإذا تبيّـن‬ ‫ّ‬
‫الحجة والبرهان أنه ل يستحقّ العبادة إل الله وح َ‬
‫ف معنوّية ول‬ ‫أنه ليس في آلهتهم التي يعُبدون مع الّله أوصا ٌ‬
‫ف فعلّية تقتضي أن ُتعبد مع الّله‪ ،‬بل هي مّتصفة بالنقائص‬ ‫أوصا ٌ‬
‫ّ‬
‫ت مع الله آلهة؟!‬ ‫جِعل ْ‬
‫الموجبة لبطلن إلهّيتها؛ فليّ شيء ُ‬
‫ح‬
‫ن هذا من تزيين الشيطان للنسان أقب َ‬ ‫}‪ {36‬فالجواب‪ :‬إ ّ‬
‫قا وهو ل‬ ‫ل الضلل‪ ،‬حتى اعتقد ذلك‪ ،‬وألفه‪ ،‬وظّنه ح ّ‬ ‫البهتان وأض ّ‬
‫شيء‪ ،‬ولهذا قال‪} :‬وما يت ّب ِعُ الذين يدعون من دون الّله شركاء{؛‬
‫ك أصل ً‬ ‫أي‪ :‬ما يتبعون في الحقيقة شركاء لّله؛ فإنه ليس لّله شري ٌ‬
‫ق‬
‫ن ل يغني من الح ّ‬ ‫ن الظ ّ‬‫ن‪ ،‬و }إ ّ‬‫ل‪ ،‬وإّنما يت ِّبعون الظ ّ ّ‬ ‫عقل ً ول نق ً‬
‫موها آلهة وعبدوها مع الّله؛ }إن هي إل أسماٌء‬ ‫شيئًا{‪ :‬فس ّ‬
‫ن الّله‬
‫ن{‪} .‬إ ّ‬ ‫ل الّله بها من سلطا ٍ‬ ‫مْيتموها أنتم وآباؤكم ما أنز َ‬ ‫س ّ‬
‫م بما يفعلون{‪ :‬وسيجازيهم على ذلك بالعقوبة البليغة‪.‬‬ ‫علي ٌ‬
‫ﭿﮚ ﮛ ﮜ ﮝ ﮞ ﮟ ﮠ ﮡ ﮢ ﮣ ﮤ ﮥ ﮦ ﮧ ﮨ ﮩ ﮪ ﮫ ﮬ ﮭ‬
‫ﯢ ﯣ‬ ‫ﮮﮮ ﮯ ﮰ ﮱ ﯓ ﯔﯕ ﯖ ﯗ ﯘ ﯙ ﯚ ﯛ ﯜ ﯝ ﯞ ﯟ ﯠ ﯡ‬
‫ﯷ‬ ‫ﯷ‬ ‫ﯰﯧﯧ ﯱﯧﯧ ﯷﯷ ﯷ ﯷ‬ ‫ﯤ ﯥ ﯦ ﯧ ﯨ ﯩ ﯪﯧﯧ ﯫﯧﯧ ﯬﯧﯧﯭﯧﯧ ﯮﯧﯧ ﯯﯧﯧ‬
‫ﯷ ﯷ‬ ‫ﯷ ﯷ ﯷ ﯷ ﯼ ﯽ ﯾ ﯿ ﯷ ﯷ ﯷﯷ ﯷ ﯷ ﯷ ﯷ ﰈ ﰉ‬
‫ﯷ ﯷ ﰎﯷ ﯷ ﯷ ﰒ ﯷ ﯷ ﯷ ﯷ ﯷ ﯷ ﭾ ‪.‬‬
‫فَترى من‬ ‫}‪ {37‬يقول تعالى‪} :‬وما كان هذا القرآن أن ي ُ ْ‬
‫ور أن ُيفترى هذا القرآن على‬ ‫دون الّله{؛ أي‪ :‬غير ممكن ول متص ّ‬
‫ب العظيم‪ ،‬الذي ل يأتيه الباطل من بين‬ ‫الّله ]تعالى[؛ لنه الكتا ُ‬
‫د‪ ،‬وهو الكتاب الذي لو‬ ‫ل من حكيم ٍ حمي ٍ‬ ‫يديه ول من خلفه‪ ،‬تنزي ٌ‬
‫ن على أن يأتوا بمثله ل يأتون بمثله ولو كان‬ ‫س والج ّ‬ ‫اجتمعت الن ُ‬
‫ب العالمين؛‬ ‫ّ‬ ‫)‪(1‬‬
‫ضهم لبعض ظهيرا‪ ،‬وهو الكتاب الذي تكلم به ر ّ‬ ‫ً‬ ‫بع ُ‬
‫فكيف يقد ُِر أحد ٌ من الخلق أن يتكلم بمثله أو بما يقاربه والكلم‬
‫ه في‬‫تابع لعظمة المتكلم ووصفه؟!! فإن كان أحد ٌ يماثل الل ّ َ‬
‫ه؛ أمكن أن يأتي بمثل هذا القرآن‪ ،‬ولو‬ ‫عظمت ِهِ وأوصاف كمال ِ ِ‬
‫ب العالمين؛‬ ‫وله أحد ٌ على ر ّ‬ ‫تنّزلنا على الفرض والتقدير‪ ،‬فتق ّ‬
‫لعاجله بالعقوبة وبادره بالّنكال‪.‬‬
‫ة على‬ ‫ج ً‬‫ة للعالمين وح ّ‬ ‫ن الّله أنزل هذا الكتاب رحم ً‬ ‫ولك ّ‬
‫العباد أجمعين‪ ،‬أنزله }تصديقَ الذي بين يديه{‪ :‬من كتب الّله‬
‫شرت بنزوله‪،‬‬ ‫دقها بما شهدت به وب ّ‬ ‫قها وص ّ‬ ‫السماوية؛ بأن وافَ َ‬

‫‪ -‬في )ب(‪» :‬وهو كتاب الله«‪.‬‬ ‫‪1‬‬


‫ل الكتاب{‪ :‬للحلل والحرام والحكام‬ ‫فوقع كما أخبرت‪} ،‬وتفصي َ‬
‫ب‬
‫ب فيه من ر ّ‬ ‫الدينّية والقدرّية والخبارات الصادقة‪} .‬ل ري َ‬
‫ة فيه بوجهٍ من الوجوه‪ ،‬بل هو‬ ‫مْري َ َ‬ ‫ك ول ِ‬ ‫العالمين{؛ أي‪ :‬ل ش ّ‬
‫ب العالمين‪ ،‬الذي رّبى جميع الخلق‬ ‫ل من ر ّ‬ ‫الحقّ اليقين‪ ،‬تنزي ٌ‬
‫ل عليهم هذا الكتاب الذي‬ ‫بنعمه‪ ،‬ومن أعظم أنواع تربيته أن أنز َ‬
‫فيه مصالحهم الدينّية والدنيوّية‪ ،‬المشتمل على مكارم الخلق‬
‫ومحاسن العمال‪.‬‬
‫ذبون به عنادا ً وبغيًا‪:‬‬ ‫}‪} {38‬أم يقولون{؛ أي‪ :‬المك ّ‬
‫}افتراه{‪ :‬محمد ٌ على الّله واختلقه‪} ،‬قل{‪ :‬لهم ملزما ً لهم‬
‫دعوه‪ ،‬و إل ّ كان قولهم باط ً‬
‫ل‪:‬‬ ‫بشيٍء‪ ،‬إن قدروا عليه؛ أمكن ما ا ّ‬
‫ن استطعُتم من دون الّله إن كنُتم‬ ‫م ِ‬‫دعوا َ‬ ‫}فأتوا بسورةٍ مثل ِهِ وا ْ‬
‫ل‪ ،‬ولو‬ ‫ن{‪ :‬يعاونكم على التيان بسورةٍ مثله‪ ،‬وهذا محا ٌ‬ ‫صادقي َ‬
‫ن‬
‫ن لما با َ‬ ‫دعوا قدرتهم على ذلك‪ ،‬ولتوا بمثله‪ ،‬ولك ْ‬ ‫كان ممكنًا؛ ل ّ‬
‫ظ له من الحجة‪.‬‬ ‫ل‪ ،‬ل ح ّ‬ ‫عجُزهم؛ تبيّـن أن ما قالوه باط ٌ‬
‫}‪ {39‬والذي حملهم على التكذيب بالقرآن المشتمل على‬
‫الحقّ الذي ل حقّ فوقه أّنهم لم يحيطوا به علمًا؛ فلو أحاطوا به‬
‫ه؛ لذعنوا بالتصديق به‪ ،‬وكذلك إلى الن‬ ‫م ِ‬ ‫علما ً وفِهموه حقّ فه ِ‬
‫ل بهم‬ ‫ح ّ‬ ‫ب‪ ،‬وي ُ ِ‬
‫ل بهم العذا َ‬ ‫ه الذي وعدهم أن ي ُن ْزِ َ‬ ‫لم يأتهم تأويل ُ ُ‬
‫من قَب ِْلهم‪،‬‬ ‫ل‪ ،‬وهذا التكذيب الصادُر منهم من جنس تكذيب َ‬ ‫الّنكا َ‬
‫ذب الذين من قبلهم فانظ ُْر كيف كان عاقب ُ‬
‫ة‬ ‫ولهذا قال‪} :‬كذلك ك ّ‬
‫ق منهم أحدًا؛ فليحذر هؤلء أن‬ ‫ِ‬ ‫ن{‪ :‬وهو الهلك الذي لم يب‬ ‫الظالمي َ‬
‫ل )‪ (1‬بالمم المكذبين‬ ‫ل بهم ما أح ّ‬ ‫يستمّروا على تكذيبهم‪ ،‬فيح ّ‬
‫والقرون المهلكين‪.‬‬
‫ل على التثّبت في المور‪ ،‬وأنه ل ينبغي‬ ‫وفي هذا دلي ٌ‬
‫ط به علمًا‪.‬‬ ‫ده قبل أن يحي َ‬ ‫قبول شيء أو ر ّ‬ ‫للنسان أن يباد َِر ب َ‬
‫ن به{؛ أي‪ :‬بالقرآن وما جاء به‪،‬‬ ‫من يؤم ُ‬ ‫}‪} {40‬ومنهم َ‬
‫ن به ورّبك أعلم بالمفسدين{‪ :‬وهم الذين ل‬ ‫}ومنهم من ل يؤم ُ‬
‫ظلم والعناد والفساد‪ ،‬فسيجازيهم على‬ ‫يؤمنون به على وجه ال ّ‬
‫فسادهم بأشد ّ العذاب‪.‬‬
‫ك{‪ :‬فاستمّر على دعوتك‪ ،‬وليس عليك‬ ‫ذبو َ‬ ‫}‪} {41‬وإن ك َ ّ‬
‫ل‬‫ك عليهم من شيٍء‪ ،‬لك ّ‬ ‫من حسابهم من شيء‪ ،‬وما من حساب ِ َ‬
‫ل وأنا‬ ‫ملكم أنتم بريئون مما أعم ُ‬ ‫عمله‪} .‬فقل لي عملي ولكم ع ُ‬
‫ه‬
‫س ِ‬‫ل صالحا ً فلنف ِ‬ ‫م َ‬‫ن عَ ِ‬
‫م ْ‬ ‫بريٌ مما تعملون{؛ كما قال تعالى‪َ } :‬‬
‫ومن أساء فَعَل َْيها{‪.‬‬

‫ح ّ‬
‫ل«‪.‬‬ ‫‪ -‬في )ب(‪َ » :‬‬ ‫‪1‬‬
‫ﯷ ﯷ ﯷ ﭑ ﭒ ﭓ ﭔﭕ‬ ‫ﭿ ﯷ ﯷ ﯷ ﯷﯷ ﯷ ﯷ ﯷ ﯷ ﯷ‬
‫ﭛ ﭜ ﭝ ﭞ ﭟ ﭠ ﭡ ﭢ ﭣ ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ‬ ‫ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ‬
‫ﭨ ﭾ‪.‬‬
‫ذبين للرسول ولما جاء‬ ‫}‪ {42‬يخبر تعالى عن بعض المك ّ‬
‫ي صلى الله عليه‬ ‫من يستمعون{‪ :‬إلى النب ّ‬ ‫ن }منهم َ‬ ‫به‪} :‬و{ إ ّ‬
‫وسلم وقت قراءته للوحي‪ ،‬ل على وجه السترشاد‪ ،‬بل على وجه‬
‫التفّرج والتكذيب وتطّلب )‪ (1‬العثرات‪ ،‬وهذا استماع ٌ غير نافع ول‬
‫مجد ٍ على أهله خيرًا‪ ،‬ل جرم انسد ّ عليهم باب التوفيق وحرموا‬
‫م ولو كانوا ل‬ ‫ص ّ‬‫معُ ال ّ‬‫س ِ‬
‫من فائدة الستماع‪ ،‬ولهذا قال‪} :‬أفأنت ت ُ ْ‬
‫يعقلون{‪ :‬وهذا الستفهام )‪ (2‬بمعنى النفي المتقّرر؛ أي‪ :‬ل ُتسمع‬
‫ت به‪ ،‬وخصوصا ً إذا كان‬ ‫م الذين ل يستمعون القول ولو جهر َ‬ ‫الص ّ‬
‫م الذي ل يعقل‬ ‫عقُلهم معدومًا؛ فإذا كان من المحال إسماع الص ّ‬
‫ذبون كذلك ممتنعٌ إسماعك إّياهم إسماعا ً‬ ‫للكلم؛ فهؤلء المك ّ‬
‫)‪(3‬‬
‫م عليهم به‬ ‫ينتفعون به‪ ،‬وأما سماع الحجة؛ فقد سمعوا ما تقو ُ‬
‫م من طرق العلم قد انسد ّ‬ ‫جة الّله البالغة؛ فهذا طريقٌ عظي ٌ‬
‫ح ّ‬
‫عليهم‪ ،‬وهو طريق المسموعات المتعّلقة بالخبر‪.‬‬
‫}‪ {43‬ثم ذكر انسداد الطريق الثاني ‪ ،‬وهو طريق النظر‬
‫سب ََر‬
‫ده نظُره إليك‪ ،‬ول َ‬ ‫فقال‪} :‬ومنهم من ينظُر إليك{‪ :‬فل يفي ُ‬
‫أحوالك شيئا ً فكما أّنك ل تهدي العمي ولو كانوا ل يبصرون؛‬
‫فكذلك ل تهدي هؤلء؛ فإذا فسدت عقوُلهم وأسماعهم‬
‫وأبـصـارهـم التي هي الطرق الموصلة إلى العلم ومعرفة‬
‫الحقائق؛ فأين الطريق الموصل لهم إلى الحق؟!‬
‫ل قوله‪} :‬ومنهم من ينظ ُُر إليك‪ {...‬الية‪ :‬أن النظر إلى‬ ‫ود ّ‬
‫ي صلى الله عليه وسلم وهديه وأخلقه وأعماله وما‬ ‫حالة النب ّ‬
‫يدعو إليه من أعظم الدّلة على صدقه وص ّ‬
‫حة ما جاء به‪ ،‬وأّنه‬
‫يكفي البصير عن غيره من الدلة‪.‬‬
‫م الناس شيئًا{‪ :‬فل يزيد ُ في‬ ‫ن الّله ل يظل ِ ُ‬
‫}‪ {44‬وقوله‪} :‬إ ّ‬
‫ن الناس أنفسهم‬ ‫قص من حسناتهم‪} ،‬ولك ّ‬ ‫سّيئاتهم ول ي َن ْ ُ‬
‫ن{‪ :‬يجيئهم الحقّ قل يقبلونه‪ ،‬فيعاقُِبهم الّله بعد ذلك‬ ‫ي َظ ِْلمو َ‬
‫بالطبع على قلوبهم‪ ،‬والختم على أسماعهم وأبصارهم‪.‬‬
‫ﭯ ﭰ ﭱ ﭲ ﭳﭴ ﭵ ﭶ ﭷ ﭸ‬ ‫ﭬ ﭭ ﭮ‬ ‫ﭿﭩ ﭪ ﭫ‬
‫ﭽ ﭾ ﭾ‪.‬‬ ‫ﭹ ﭺ ﭻ ﭼ‬

‫‪ -‬في )ب(‪» :‬وتتطّلب«‪.‬‬ ‫‪1‬‬

‫‪ -‬في )ب(‪» :‬وهذا استفهام«‪.‬‬ ‫‪2‬‬

‫‪ -‬في )ب(‪» :‬إسماع«‪.‬‬ ‫‪3‬‬


‫}‪ {45‬يخبر تعالى عن سرعة انقضاء الدنيا‪ ،‬وأن الّله تعالى‬
‫ة‬
‫ب فيه كأّنهم ما لبثوا إل ساع ً‬ ‫إذا حشر الناس وجمعهم ليوم ل ري َ‬
‫س‪ ،‬وهم يتعارفون بينهم‬ ‫م ول بؤ ٌ‬ ‫من نهار‪ ،‬وكأّنه ما مّر عليهم نعي ٌ‬
‫كحالهم في الدنيا؛ ففي هذا اليوم يربح المّتقون‪ ،‬ويخسر }الذين‬
‫ذبوا بلقاء الّله وما كانوا مهتدين{ إلى الصراط المستقيم‬ ‫ك ّ‬
‫قوا دخول النار‪.‬‬ ‫م‪ ،‬واستح ّ‬‫والدين القويم حيث فاتهم النعي ُ‬
‫ﮆ ﮇ ﮈ ﮉ ﮊ ﮋ ﮌ ﮍ ﮎ ﭾ‪.‬‬ ‫ﭿﭿ ﮀ ﮁ ﮂ ﮃ ﮄ ﮅ‬
‫ذبين‪ ،‬ول‬ ‫}‪ {46‬أي‪ :‬ل تحزن أيها الرسول على هؤلء المك ّ‬
‫دهم من العذاب‪:‬‬ ‫ل لهم؛ فإنهم ل بد ّ أن يصيبهم الذي ن َعِ ُ‬ ‫تستعج ْ‬
‫سك‪ ،‬وإما في الخرة بعد‬ ‫قّر به نف ُ‬ ‫إما في الدنيا فتراه بعينك وت َ َ‬
‫جَعهم إلى الّله‪ ،‬وسينّبئهم بما كانوا يعملون أحصاهُ‬ ‫ن مر ِ‬ ‫الوفاء؛ فإ ّ‬
‫د؛ ففيه الوعيد الشديد‬ ‫ل شيٍء شهي ٌ‬ ‫ه‪ ،‬والّله على ك ّ‬ ‫ه[ ونسو ُ‬ ‫]الل ّ ُ‬
‫مه وعاندوه‪.‬‬ ‫ذبه قو ُ‬ ‫لهم والتسلية للرسول الذي ك ّ‬
‫ﭿ ﮏ ﮐ ﮑﮒ ﮓ ﮔ ﮕ ﮖ ﮗ ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ ﮜ ﮝ ﮞ ﮟ‬
‫ﮣ ﮤ ﮥ ﮦ ﮧ ﮨ ﮩ ﮪ ﮫ ﮬ ﮭ ﮮﮮ ﮯﮰ ﮱ ﯓ‬ ‫ﮠ ﮡ ﮢ‬
‫ﯔﯕ ﯖ ﯗ ﯘ ﯙ ﯚ ﯛﯜ ﯝ ﯞ ﯟ ﭾ ‪.‬‬
‫ة{‪ :‬من المم الماضية‬ ‫ل أم ٍ‬ ‫}‪ {47‬يقول تعالى‪} :‬ولك ّ‬
‫ل{‪ :‬يدعوهم إلى توحيد الّله ودينه‪ .‬فإذا جاءهم }رسوُلهم{‬ ‫}رسو ٌ‬
‫ذبه آخرون‪ ،‬فيقضي الّله بيَنهم بالقسط‬ ‫ضهم وك ّ‬‫دقه بع ُ‬ ‫باليات؛ ص ّ‬
‫ن{‪ :‬بأن يع ّ‬
‫ذبوا‬ ‫بنجاة المؤمنين وإهلك المكذبين‪} .‬وهم ل ي ُظ َْلمو َ‬
‫ذبوا بغير جرمهم‪.‬‬ ‫جة‪ ،‬أو يع ّ‬ ‫قبل إرسال الرسول وبيان الح ّ‬
‫ذبون لك من مشابهة المم‬ ‫}‪ 48‬ـ ‪ {49‬فليحذر المك ّ‬
‫ل بأولئك ول يستبطئوا العقوبة ويقولوا‪:‬‬ ‫ل بهم ما ح ّ‬‫المهَلكين فيح ّ‬
‫م منهم؛ حيث‬ ‫ن هذا ظل ٌ‬ ‫ن{‪ :‬فإ ّ‬ ‫}متى هذا الوعد ُ إن كنُتم صادقي َ‬
‫ي صلى الله عليه وسلم؛ فإنه ليس له من المر‬ ‫ط ََلبوه من النب ّ‬
‫شيٌء‪ ،‬وإنما عليه البلغ والبيان للناس‪ ،‬وأما حساُبهم وإنزال‬
‫ل )‪ (1‬عليهم إذا جاء الج ُ‬
‫ل‬ ‫العذاب عليهم؛ فمن الّله تعالى‪ُ ،‬ينّز ُ‬
‫دره فيه الموافقُ لحكمته اللهية؛‬ ‫جله فيه والوقت الذي ق ّ‬ ‫الذي أ ّ‬
‫فإذا جاء ذلك الوقت؛ ل يستأخرون ساعة ول يستقدمون‪ .‬فليحذِر‬
‫ذبون من الستعجال؛ فإنهم مستعجلون بعذاب الّله الذي إذا‬ ‫الـمك ّ‬
‫سه عن القوم المجرمين‪ .‬ولهذا قال‪:‬‬ ‫نزل ل ي َُرد ّ بأ ُ‬
‫ﭿ ﯠ ﯡ ﯢ ﯣ ﯤ ﯥ ﯦ ﯧ ﯨ ﯩ ﯪﯧﯧ ﯫﯧﯧ ﯬﯧﯧ ﯭﯧﯧ ﯮﯧﯧ ﯯﯧﯧ ﯰﯧﯧ ﯱﯧﯧ ﯷﯷ ﯷ ﯷ ﯷ‬
‫ﯷ ﯷ ﭾ‪.‬‬ ‫ﯷ ﯷ ﯷ ﯷ ﯼ ﯽ ﯾ ﯿ ﯷ ﯷ ﯷ ﯷ ﯷ ﯷ‬ ‫ﯷ‬

‫‪ -‬في )ب(‪ُ» :‬ينّزله«‪.‬‬ ‫‪1‬‬


‫كم عذاُبه بياتًا{‪:‬‬ ‫}‪ {50‬يقول تعالى‪} :‬قل أرأيُتم إن أتا ُ‬
‫وقت نومكم بالليل‪} ،‬أو نهارًا{‪ :‬في وقت غفلتكم‪} ،‬ماذا‬
‫ل منه المجرمون{؛ أي‪ :‬أيّ بشارة استعجلوا بها‪ ،‬وأيّ‬ ‫ج ُ‬
‫ست َعْ ِ‬
‫يَ ْ‬
‫عقاب ابتدروه؟‬
‫م إذا ما وقع آمنُتم به{‪ :‬فإنه ل ينفع اليمان حين‬ ‫}‪} {51‬أث ُ ّ‬
‫حلول عذاب الّله‪ ،‬ويقال لهم توبيخا ً وعتابا ً في تلك الحال التي‬
‫قة‪،‬‬ ‫دة والمش ّ‬ ‫زعموا أنهم يؤمنون‪} :‬آلن{‪ :‬تؤمنون في حال الش ّ‬
‫ن سنة الّله في عباده أنه يعتبهم‬ ‫ن{‪ :‬فإ ّ‬‫}وقد كنُتم به تستعجلو َ‬
‫ب؛ ل ينفع نفسا ً‬ ‫إذا استعتبوه قبل وقوع العذاب؛ فإذا وقع العذا ُ‬
‫ت‬‫ل آمن ُ‬ ‫إيماُنها؛ كما قال تعالى عن فرعون لما أدركه الغرق‪} :‬قا َ‬
‫ن{‪ ،‬وأّنه‬ ‫أّنه ل إله إل ّ الذي آمنت به بنو إسرائيل وأنا من المسلمي َ‬
‫ل وكنت من المفسدين{‪ ،‬وقال‬ ‫ت قب ُ‬
‫ُيقال له‪} :‬آلن وقد عصي َ‬
‫ة الّله التي قد‬ ‫سن ّ َ‬
‫ك ينفُعهم إيماُنهم لما رأوا بأسنا ُ‬ ‫تعالى‪} :‬فلم ي ُ‬
‫ن{‪:‬‬‫م إذا ما وقع آمنُتم به آل َ‬ ‫ه{‪ ،‬وقال هنا‪} :‬أث ُ ّ‬ ‫ت في عباد ِ ِ‬ ‫خل َ ْ‬
‫َ‬
‫)‪(1‬‬
‫دعون اليمان ‪} ،‬وقد كنُتم به تستعجلون{‪ :‬فهذا ما عملت‬ ‫ت ّ‬
‫أيديكم‪ ،‬وهذا ما استعجلُتم به‪.‬‬
‫}‪} {52‬ثم قيل للذين ظلموا{‪ :‬حين يوفون أعمالهم يوم‬
‫د{؛ أي‪ :‬العذاب الذي تخلدون فيه‪،‬‬ ‫خل ْ ِ‬
‫ب الـ ُ‬
‫القيامة‪} :‬ذوقوا عذا َ‬
‫سبون{‪ :‬من‬ ‫ن إل بما كنُتم تك ِ‬
‫جَزوْ َ‬
‫فت ُُر عنكم ساعة‪} .‬هل ُتـ ْ‬ ‫ول ي َ ْ‬
‫الكفر والتكذيب والمعاصي‪.‬‬
‫ﭿ ﰈ ﰉ ﯷ ﯷﯷ ﯷ ﰎ ﯷ ﯷ ﯷﰒ ﯷ ﯷ ﯷ ﯷ ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ‬
‫ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚﭛ ﭜ ﭝ ﭞ ﭟ ﭠﭡ ﭢ ﭣ ﭤﭥ ﭦ ﭧ ﭨ ﭩ ﭪ‬
‫ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ ﭯ ﭰﭱ ﭲ ﭳ ﭴ ﭵ ﭶ ﭷ ﭸ ﭹ ﭺ ﭻ ﭼ ﭽ‬
‫ﭾ ﭿ ﮀ ﮁ ﭾ‪.‬‬
‫}‪ {53‬يقول تعالى لنبّيه صلى الله عليه وسلم‪:‬‬
‫ذبون على وجه‬ ‫}ويستنبئونك أحقّ هو{؛ أي‪ :‬يستخبرك المك ّ‬
‫)‪(2‬‬
‫التعّنت والعناد ل على وجه التبيّـن والسترشاد ‪} .‬أحقّ هو{؛‬
‫أي‪ :‬أصحيح حشر العباد وبعثهم بعد موتهم ليوم المعاد وجزاء‬
‫العباد بأعمالهم إن خيرا ً فخيٌر وإن شّرا فشّر؟ }قل{‪ :‬لهم‬
‫حته مستدل ّ عليه بالدليل الواضح والبرهان‪} :‬إي‬ ‫مقسما ً على ص ّ‬
‫ة فيه ول شبهة تعتريه‪} ،‬وما أنُتم‬ ‫مْري َ َ‬
‫ق{‪ :‬ل ِ‬‫وَرّبـي إّنه لح ّ‬
‫جزين{‪ :‬لّله أن يبعثكم؛ فكما ابتدأ خلقكم ولم تكونوا شيئًا؛‬ ‫بمع ِ‬
‫كذلك يعيدكم مّرة أخرى ليجازَِيكم بأعمالكم‪.‬‬

‫ن لليمان«‪.‬‬
‫دعو َ‬
‫‪ -‬في )ب(‪» :‬ت ُ ْ‬ ‫‪1‬‬

‫‪ -‬في )ب(‪» :‬والّرشاد«‪.‬‬ ‫‪2‬‬


‫ت{‪:‬‬‫ل نفس ظلم ْ‬ ‫ن لك ّ‬‫}‪} {54‬و{ إذا كانت القيامة‪ ،‬فلو }أ ّ‬
‫ضة‬ ‫بالكفر والمعاصي جميع }ما في الرض{‪ :‬من ذهب وف ّ‬
‫فَعها‬
‫ت به{‪ :‬ولما ن َ َ‬ ‫وغيرهما؛ لتفتدي به من عذاب الّله‪} ،‬لفتد ْ‬
‫ضّر والثواب والعقاب على العمال الصالحة‬ ‫ذلك‪ ،‬وإنما النفع وال ّ‬
‫ة لما رأوا‬‫والسيئة‪} ،‬وأسّروا{؛ أي‪ :‬الذين ظلموا‪} ،‬الندام َ‬
‫ي بينهم‬ ‫ض َ‬ ‫دموا ولت حين مناص‪} ،‬وقُ ِ‬ ‫ب{‪ :‬ندموا على ما ق ّ‬ ‫العذا َ‬
‫م الذي ل ظلم ول جور فيه بوجه من‬ ‫ط{؛ أي‪ :‬العدل التا ّ‬ ‫س ِ‬ ‫ق ْ‬
‫بال ِ‬
‫الوجوه‪.‬‬
‫}‪} {55‬أل إن لّله ما في السمـوات والرض{‪ :‬يحكم فيهم‬
‫ي‪ ،‬ولهذا‬ ‫ي‪ ،‬وسيحكم فيهم بحكمه الجزائ ّ‬ ‫در ّ‬‫ق َ‬
‫ي وال َ‬
‫بحكمه الدين ّ‬
‫ن وعد َ الّله حقّ ولكن أكثرهم ل يعلمون{‪ :‬فلذلك ل‬ ‫قال‪} :‬أل إ ّ‬
‫دون للقاء الّله‪ ،‬بل رّبما لم يؤمنوا به‪ ،‬وقد تواترت عليه‬ ‫يستع ّ‬
‫الدّلة القطعّية والبراهين النقلّية والعقلّية‪.‬‬
‫ت{؛ أي‪ :‬هو المتصّرف بالحياء‬ ‫}‪} {56‬هو ُيحيي وُيمي ُ‬
‫)‪(1‬‬
‫والماتة وسائر أنواع التدابير ل شريك له في ذلك‪} .‬وإليه‬
‫ُترجعون{‪ :‬يوم القيامة‪ ،‬فيجازيكم بأعمالكم خيرها وشّرها‪.‬‬
‫ﭿﮂ ﮃ ﮄ ﮅ ﮆ ﮇ ﮈ ﮉ ﮊ ﮋ ﮌ ﮍ ﮎ ﮏ ﮐ ﮑ ﮒ‬
‫ﮓ ﮔ ﮕ ﮖ ﮗ ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ ﭾ‪.‬‬
‫ق في القبال على هذا‬ ‫}‪ {57‬يقول تعالى مر ّ ً‬
‫غبا للخل ِ‬
‫كر أوصافه الحسنة الضرورّية للعباد فقال‪} :‬يا‬ ‫الكتاب الكريم بذ ْ‬
‫ة من رّبكم{؛ أي‪ :‬تعظكم وتنذركم‬ ‫أّيها الناس قد جاءتكم موعظ ٌ‬
‫ذركم‬ ‫عن العمال الموجبة لسخط الّله‪ ،‬المقتضية لعقابه‪ ،‬وتح ّ‬
‫عنها ببيان آثارها ومفاسدها‪} ،‬وشفاٌء لما في الصدور{‪ :‬وهو هذا‬
‫صادة عن‬ ‫القرآن‪ ،‬شفاٌء لما في الصدور من أمراض الشهوات ال ّ‬
‫ي؛‬
‫شبهات القادحة في العلم اليقين ّ‬ ‫النقياد للشرع‪ ،‬وأمراض ال ّ‬
‫ن ما فيه من المواعظ والترغيب والترهيب والوعد والوعيد مما‬ ‫فإ ّ‬
‫ت فيه الرغبة في الخير‬ ‫جد َ ْ‬‫يوجب للعبد الرغبة والرهبة‪ ،‬وإذا وُ ِ‬
‫والّرهبة عن الشّر ونمتا على تكّرر ما يرد إليها من معاني القرآن؛‬
‫أوجب ذلك تقديم مراد الّله على مراد النفس‪ ،‬وصار ما يرضي‬
‫ب إلى العبد من شهوة نفسه‪ ،‬وكذلك ما فيه من البراهين‬ ‫ه أح ّ‬ ‫الل ّ َ‬
‫والدّلة التي صّرفها الّله غاية التصريف وبّينها أحسن بيان مما‬
‫شبه القادحة في الحقّ ويصل به القلب إلى أعلى درجات‬ ‫يزيل ال ّ‬
‫ح القلب من مرضه‪ ،‬وَرفَ َ‬
‫ل بأثواب العافية؛ تبعْته‬ ‫اليقين‪ ،‬وإذا ص ّ‬
‫سد بفساده‪.‬‬ ‫ح كّلها؛ فإنها تصُلح بصلحه وتف ُ‬ ‫الجوار ُ‬

‫‪ -‬في )ب(‪» :‬التدبير«‪.‬‬ ‫‪1‬‬


‫ة للمؤمنين{‪ :‬فالهدى هو العلم بالحقّ والعمل‬ ‫}وهدىً ورحم ٌ‬
‫ة هي ما يحصل من الخير والحسان والثواب العاجل‬ ‫به‪ ،‬والرحم ُ‬
‫ة أكم ُ‬
‫ل‬ ‫ل الوسائل‪ ،‬والرحم ُ‬ ‫والجل لمن اهتدى به؛ فالهدى أج ّ‬
‫ة إل ّ في ح ّ‬
‫ق‬ ‫ن ل يهتدي به ول يكون رحم ً‬ ‫المقاصد والرغائب‪ ،‬ولك ْ‬
‫المؤمنين‪ ،‬وإذا حصل الهدى وحّلت الرحمة الناشئة عنه؛ حصلت‬
‫السعادةُ والفلح والربح والنجاح والفرح والسرور‪.‬‬
‫ل بفضل‬ ‫}‪ {58‬ولذلك أمر تعالى بالفرح بذلك‪ ،‬فقال‪} :‬ق ْ‬
‫ضل‬ ‫مّنة وفضل تف ّ‬ ‫ن‪ ،‬الذي هو أعظم نعمة و ِ‬ ‫الّله{‪ :‬الذي هو القرآ ُ‬
‫ه‪ :‬الدين واليمان وعبادة الّله ومحّبته‬ ‫الّله به على عباده‪ ،‬ورحمت ِ ِ‬
‫فَرحوا هو خيٌر مما يجمعون{‪ :‬من متاع‬ ‫ومعرفته‪} .‬فبذلك فَل ْي َ ْ‬
‫ذاتها؛ فنعمة الدين المّتصلة بسعادة الدارين ل نسبة بينها‬ ‫دنيا ول ّ‬ ‫ال ّ‬
‫ل زائل عن قريب‪ .‬وإّنما‬ ‫دنيا مما هو مضمح ّ‬ ‫وبين جميع ما في ال ّ‬
‫ن ذلك مما يوجب‬ ‫أمر الّله تعالى بالفرح بفضله ورحمته؛ ل ّ‬
‫دة الرغبة‬ ‫وتها وش ّ‬ ‫انبساط النفس ونشاطها وشكرها لّله تعالى وق ّ‬
‫د؛‬
‫ح محمو ٌ‬ ‫في العلم واليمان الداعي للزدياد منهما‪ ،‬وهذا فر ٌ‬
‫ن هذا‬ ‫ذاتها أو الفرح بالباطل؛ فإ ّ‬ ‫دنيا ول ّ‬ ‫بخلف الفرح بشهوات ال ّ‬
‫ّ‬
‫ن الله ل‬ ‫حإ ّ‬ ‫فَر ْ‬
‫م؛ كما قال تعالى عن قوم قارون له‪} :‬ل ت َ ْ‬ ‫مذمو ٌ‬
‫ب الفرحين{‪ ،‬وكما قال تعالى في الذين فرحوا بما عندهم من‬ ‫يح ّ‬
‫الباطل المناقض لما جاءت به الرسل‪} :‬فّلما جاءْتهم رسُلهم‬
‫دهم من العلم{‪.‬‬ ‫ت فرحوا بما عن َ‬ ‫بالبّينا ِ‬
‫ﭿ ﮜ ﮝ ﮞ ﮟ ﮠ ﮡ ﮢ ﮣ ﮤ ﮥ ﮦ ﮧ ﮨ ﮩ ﮪ ﮫﮬ ﮭ ﮮﮮ ﮯ ﮰ‬
‫ﮱ ﯓ ﯔ ﯕ ﯖ ﯗ ﯘ ﯙ ﯚ ﯛﯜ ﯝ ﯞ ﯟ ﯠ ﯡ ﯢ ﯣ ﯤ ﯥ ﯦ ﯧ ﭾ ‪.‬‬
‫}‪ {59‬يقول تعالى منكرا ً على المشركين الذين ابتدعوا‬
‫ل أرأيُتم ما أنزل الّله‬ ‫ل ما حّرمه )‪} : (1‬ق ْ‬ ‫ل الّله وتحلي َ‬ ‫تحريم ما أح ّ‬
‫ق{؛ يعني‪ :‬أنواع الحيوانات المحّللة التي جعلها الّله‬ ‫لكم من رز ٍ‬
‫ً‬
‫قهم‪ ،‬قل لهم موّبخا على هذا القول‬ ‫رزقا ً لهم ورحمة في ح ّ‬
‫ن‬‫ن{‪ :‬ومن المعلوم أ ّ‬ ‫ن لكم أم على الّله تفترو َ‬ ‫ه أذ ِ َ‬‫الفاسد‪} :‬آلل ّ ُ‬
‫م أنهم مفترون‪.‬‬ ‫ن لهم؛ فعُل ِ َ‬ ‫الّله لم يأذ ْ‬
‫ب يوم‬ ‫ن الذين يفترون على الّله الكذ َ‬ ‫}‪} {60‬وما ظ ّ‬
‫ل بهم من العقاب؛‬ ‫ح ّ‬ ‫القيامة{‪ :‬أن يفعل الّله بهم من الّنكال وي ُ ِ‬
‫م القيامة ترى الذين كذبوا على الّله وجوهُُهم‬ ‫قال تعالى‪} :‬ويو َ‬
‫ة{‪.‬‬ ‫مسود ّ ٌ‬
‫ن الّله لذو فضل على الناس{‪ :‬كثير وذو إحسان جزيل‪.‬‬ ‫}إ ّ‬
‫ن أكثر الناس ل يشكرون‪ ،‬إما أن ل يقوموا بشكرها‪ ،‬وإما أن‬ ‫ولك ّ‬
‫‪ -‬في )ب(‪» :‬ما حّرم«‪.‬‬ ‫‪1‬‬
‫ن‬
‫دوا ما م ّ‬
‫يستعينوا بها على معاصيه‪ ،‬وإما أن يحّرموا منها‪ ،‬وير ّ‬
‫ل منهم الشاكر الذي يعترف بالنعمة‪،‬‬ ‫الّله به على عباده‪ ،‬وقلي ٌ‬
‫ويثني بها على الّله‪ ،‬ويستعين بها على طاعته‪.‬‬
‫ن الصل في جميع الطعمة الح ّ‬
‫ل؛‬ ‫ويستدل بهذه الية على أ ّ‬
‫إل ّ ما وََرد َ الشرع بتحريمه؛ لن الّله أنكر على من حّرم الرزق‬
‫الذي أنزله لعباده‪.‬‬
‫ﭿ ﯨ ﯩ ﯪﯧﯧ ﯫﯧﯧ ﯬﯧﯧ ﯭﯧﯧ ﯮﯧﯧ ﯯﯧﯧ ﯰﯧﯧ ﯱﯧﯧ ﯷ ﯷ ﯷ ﯷ ﯷ ﯷ ﯷ ﯷ‬
‫ﯷ ﯷﯼ ﯽ ﯾ ﯿ ﯷ ﯷ ﯷ ﯷ ﯷ ﯷ ﯷ ﯷ ﰈ ﰉ ﯷ ﯷ ﯷ ﯷ ﰎ‬
‫ﰒ ﯷ ﭾ‪.‬‬ ‫ﯷ ﯷ ﯷ‬
‫طلعه على جميع‬ ‫}‪ {61‬يخبر تعالى عن عموم مشاهدته وا ّ‬
‫كناتهم‪ ،‬وفي ضمن هذا الدعوة‬ ‫س َ‬
‫أحوال العباد في حركاتهم و َ‬
‫ن{؛ أي‪ :‬حال‬ ‫ن في شأ ٍ‬ ‫لمراقبته على الدوام‪ ،‬فقال‪} :‬وما تكو ُ‬
‫ن{؛ أي‪ :‬وما‬ ‫من أحوالك الدينّية والدنيوّية‪} ،‬وما تتلو منه من قرآ ٍ‬
‫تتلو من القرآن الذي أوحاه الّله إليك‪} ،‬ول تعملون من عمل{‪:‬‬
‫ر‪} ،‬إل ّ كّنا عليكم شهودا ً إذ ُتفيضون فيه{؛ أي‪ :‬وقت‬ ‫صغيرٍ أو كبي ٍ‬
‫شروعكم فيه واستمراركم على العمل به‪ ،‬فراقبوا الّله في‬
‫دوها على وجه النصيحة والجتهاد فيها‪ ،‬وإّياكم وما‬ ‫أعمالكم‪ ،‬وأ ّ‬
‫م بظواهركم وبواطنكم‪.‬‬ ‫طلع عليكم عال ٌ‬ ‫َيكره الّله تعالى؛ فإنه م ّ‬
‫ب عن علمه وسمعه وبصره‬ ‫ب عن رّبك{؛ أي‪ :‬ما ُيغا ُ‬ ‫}وما يعُز ُ‬
‫ومشاهدته }من مثقال ذّرةٍ في الرض ول في السماء ول أصغَر‬
‫مه‬‫مبين{؛ أي‪ :‬قد أحاط به عل ُ‬ ‫ب ُ‬ ‫من ذلك ول أكبَر إل في كتا ٍ‬
‫مه‪ .‬وهاتان المرتبتان من مراتب القضاء والقدر كثيرا ً‬ ‫وجرى به قل ُ‬
‫ن الّله بينهما‪ ،‬وهما العلم المحيط بجميع الشياء وكتابته‬ ‫ما ُيقرِ ُ‬
‫ن الّله يعل ُ‬
‫م‬ ‫مأ ّ‬ ‫المحيطة بجميع الحوادث؛ كقوله تعالى‪} :‬ألم ت َعْل َ ْ‬
‫ن ذلك على الّله‬ ‫بإ ّ‬
‫ن ذلك في كتا ٍ‬ ‫ما في السماء والرض إ ّ‬
‫يسيٌر{‪.‬‬
‫ﭿﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ ﭝ ﭞ ﭟ ﭠ ﭡ ﭢ‬
‫ﭣ ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ ﭨ ﭩ ﭪ ﭫ ﭬﭭ ﭮ ﭯ ﭰ ﭱ ﭲ ﭾ ‪.‬‬
‫}‪ {62‬يخبر تعالى عن أوليائه وأحبائه ويذكر أعمالهم‬
‫ن أولياء الّله ل خو ٌ‬
‫ف عليهم{‪:‬‬ ‫وأوصافهم وثوابهم‪ ،‬فقال‪} :‬أل إ ّ‬
‫فيما يستقبلونه مما أمامهم من المخاوف والهوال‪} ،‬ول هم‬
‫ن{‪ :‬على ما أسلفوا؛ لنهم لم يسِلفوا إل ّ صالح العمال‪،‬‬ ‫يحزنو َ‬
‫ن‬
‫ف عليهم ول هم يحزنون؛ ثبت لهم الم ُ‬ ‫وإذا كانوا ل خو ٌ‬
‫والسعادة ُ والخير الكثير الذي ل يعلمه إل الّله تعالى‪.‬‬
‫فهم‪ ،‬فقال‪} :‬الذين آمنوا{‪ :‬بالّله‬ ‫}‪ {63‬ثم ذكر وص َ‬
‫دقوا‬ ‫وملئكته وكتبه ورسله واليوم الخر وبالقدر خيره وشّره‪ ،‬وص ّ‬
‫إيمانهم باستعمال التقوى بامتثال الوامر واجتناب النواهي؛ فك ّ‬
‫ل‬
‫من كان مؤمنا ً تقّيا؛ كان لّله تعالى ولّيا‪.‬‬
‫}‪ {64‬و }لهم الُبشرى في الحياة الدنيا وفي الخرة{‪ :‬أما‬
‫دة في قلوب‬ ‫دنيا؛ فهي الثناء الحسن والمو ّ‬ ‫البشارة في ال ّ‬
‫المؤمنين والرؤيا الصالحة وما يراه العبد من لطف الّله به‬
‫وتيسيره لحسن العمال والخلق وصرفه عن مساوىء الخلق‪،‬‬
‫وأما في الخرة؛ فأولها البشارة عند قبض أرواحهم؛ كما قال‬
‫ل عليهم‬ ‫ن الذين قالوا رّبنا الّله ثم استقاموا تتنّز ُ‬ ‫تعالى‪} :‬إ ّ‬
‫الملئكة أل تخافوا ول تحزنوا وأبشروا بالجّنة التي كنُتم‬
‫شر به من رضا الّله تعالى والنعيم‬ ‫عدون{‪ :‬وفي القبر ما ي ُب َ ّ‬ ‫تو َ‬
‫المقيم‪ ،‬وفي الخرة تمام البشرى بدخول جنات النعيم والنجاة‬
‫ت الّله{‪ :‬بل ما وعد الّله؛ فهو‬ ‫ل لكلما ِ‬ ‫من العذاب الليم‪} .‬ل تبدي َ‬
‫حقّ ل يمكن تغييره ول تبديله؛ لّنه الصادق في قيله‪ ،‬الذي ل‬
‫م{‪:‬‬ ‫يقدر أحد ٌ أن يخالفه فيما قدره وقضاه‪} .‬ذلك هو الفوُز العظي ُ‬
‫ظفر بكل مطلوب‬ ‫ل محذور‪ ،‬وال ّ‬ ‫لنه اشتمل على النجاة من ك ّ‬
‫صَر الفوز فيه؛ لنه ل فوز لغير أهل اليمان والتقوى‪.‬‬ ‫ح َ‬‫محبوب‪ ،‬و َ‬
‫ة لكل خير وثواب رّتبه الّله في‬ ‫ن الُبشرى شامل ٌ‬ ‫والحاصل أ ّ‬
‫الدنيا والخرة على اليمان والتقوى‪ ،‬ولهذا أطلق ذلك فلم يقّيده‪.‬‬
‫ﭸ ﭹ ﭺﭻ ﭼ ﭽ ﭾ ﭿ ﭾ ‪.‬‬ ‫ﭿ ﭳ ﭴ ﭵﭶ ﭷ‬
‫ذبين فيك من القوال التي‬ ‫}‪ {65‬أي‪ :‬ول يحُزْنك قول المك ّ‬
‫صلون بها إلى القدح فيك وفي دينك؛ فإن أقوالهم ل ت ُعِّزهم‬ ‫يتو ّ‬
‫ن العّزة لّله جميعًا{؛ يؤتيها من يشاء ويمنعها‬ ‫ول تضّرك شيئًا‪} .‬إ ّ‬
‫ممن يشاء‪ ،‬قال تعالى‪} :‬من كان يريد العزة فلله العزة جميعًا{‬
‫ب‬
‫طي ُ‬‫م ال ّ‬‫أي‪ :‬فليطلبها بطاعته؛ بدليل قوله بعده‪} :‬إليه يصعد ُ الك َل ِ ُ‬
‫والعمل الصالح يرفُعه{‪ :‬ومن المعلوم أنك على طاعة الّله‪ ،‬وأ ّ‬
‫ن‬
‫العّزة لك ولتباعك من الّله‪} .‬ولّله العّزة ُ ولرسوله وللمؤمنين{‪.‬‬
‫وقوله‪} :‬هو السميع العليم{؛ أي سمعه قد أحاط بجميع‬
‫الصوات؛ فل يخفى عليه شيء منها؛ وعلمه قد أحاط بجميع‬
‫ل ذرة في السماوات‬ ‫ب عنه مثقا ُ‬‫الظواهر والبواطن؛ فل ي َعُْز ُ‬
‫والرض ول أصغر من ذلك ول أكبر‪ ،‬وهو تعالى يسمعُ قولك‬
‫ف بعلم الّله وكفايته؛‬ ‫ل؛ فاكت ِ‬‫وقول أعدائك فيك‪ ،‬ويعلم ذلك تفصي ً‬
‫فمن يّتق الّله فهو حسبه‪.‬‬
‫ﭿ ﮀ ﮁ ﮂ ﮃ ﮄ ﮅ ﮆ ﮇ ﮈﮉ ﮊ ﮋ ﮌ ﮍ ﮎ ﮏ ﮐ ﮑ ﮒ‬
‫ﮓ ﮔ ﮕ ﮖ ﮗ ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ ﮜ ﮝ ﮞ ﮟ ﮠ ﮡ ﮢ ﮣ ﮤﮥ ﮦ ﮧ ﮨ‬
‫ﮩ ﮪ ﮫ ﮬ ﭾ‪.‬‬
‫}‪ {66‬يخبر تعالى أن له ما في السماوات والرض خلقا ً‬
‫دا[‪ ،‬يتصّرف فيهم بما يشاء )‪ (1‬من أحكامه؛ فالجميع‬ ‫وملكا ً ]وعبي ً‬
‫قون شيئا ً من العبادة‬ ‫خرون مدّبرون ل يستح ّ‬ ‫مماليك لّله مس ّ‬
‫وليسوا شركاء لّله بوجه من الوجوه‪ ،‬ولهذا قال‪} :‬وما يّتبع الذين‬
‫ن{‪ :‬الذي ل يغني‬ ‫يدعون من دون الّله شركاء إن يت ِّبعون إل ّ الظ ّ ّ‬
‫ص وإفك‬ ‫)‪(2‬‬
‫صون{‪ :‬في ذلك خر ٌ‬ ‫ن هم إل ّ يخر ُ‬‫من الحقّ شيئًا‪} ،‬وإ ْ‬
‫وبهتان؛ فإن كانوا صادقين في أنها شركاء لّله؛ فلي ُظ ِْهروا من‬
‫أوصافها ما تستحقّ به مثقال ذّرة من العبادة؛ فلن يستطيعوا؛‬
‫فهل منهم أحد ٌ يخلق شيئا ً أو يرزق أو يملك شيئا ً من المخلوقات‬
‫أو يدّبر الليل والنهار الذي جعله الّله قياما ً للناس؟!‬
‫}‪ {67‬و}هو الذي جعل لكم الليل لتسكنوا فيه{‪ :‬في النوم‬
‫والراحة بسبب الظلمة التي تغشى وجه الرض؛ فلو استمّر‬
‫الضياُء؛ لما قروا ولما سكنوا‪} .‬و{ جعل الّله }النهار مبصرا{؛‬
‫ً‬
‫أي‪ :‬مضيئا ً يبصر به الخلقُ فيتصّرفون في معايشهم ومصالح‬
‫ن في ذلك ليات لقوم يسمعون{‪ :‬عن الّله‬ ‫دينهم ودنياهم‪} .‬إ ّ‬
‫ن في ذلك‬ ‫سمعَ فَْهم وَقبول واسترشاد‪ ،‬ل سمع تعّنت وعناد؛ فإ ّ‬
‫ليات لقوم يسمعون يستدّلون بها على أنه وحده المعبود‪ ،‬وأّنه‬
‫الله الحق‪ ،‬وأن إلهية ما سواه باطلة‪ ،‬وأنه الرءوف الرحيم‬
‫العليم الحكيم‪.‬‬
‫ﭿ ﮭ ﮮﮮ ﮯ ﮰﮱ ﯓﯔ ﯕ ﯖﯗ ﯘ ﯙ ﯚ ﯛ ﯜ ﯝ ﯞﯟ ﯠ ﯡ ﯢ ﯣ‬
‫ﯤﯥ ﯦ ﯧ ﯨ ﯩ ﯪﯧﯧ ﯫﯧﯧ ﯬﯧﯧ ﯭﯧﯧ ﯮﯧﯧ ﯯﯧﯧ ﯰﯧﯧ ﯱﯧﯧ ﯷ ﯷ ﯷ ﯷ ﯷ ﯷ ﯷ ﯷ ﯷ‬
‫ﯷ ﯼ ﯽ ﯾ ﯿ ﯷ ﯷ ﯷ ﯷ ﯷ ﭾ‪.‬‬
‫ب‬‫}‪ {68‬يقول تعالى مخبرا ً عن بهت المشركين لر ّ‬
‫العالمين‪} :‬قالوا اّتخذ الله ولدًا{‪ :‬فنّزه نفسه عن ذلك بقوله‪:‬‬
‫}سبحانه{؛ أي‪ :‬تنزه عما يقول الظالمون في نسبة النقائص إليه‬
‫وا كبيرًا‪ .‬ثم برهن عن ذلك بعدة براهين‪:‬‬
‫عل ّ‬
‫ي{؛ أي‪ :‬الغَِنى منحصٌر فيه‪ ،‬وأنواع‬‫أحدها قوله‪} :‬هو الغن ّ‬
‫م بكل وجه‬ ‫الغنى مستغرقة فيه؛ فهو الغني الذي له الغنى التا ّ‬
‫واعتبار من جميع الوجوه؛ فإذا كان غنّيا من كل وجه؛ فليّ شيء‬

‫‪ -‬في )ب(‪» :‬بما شاء«‪.‬‬ ‫‪1‬‬

‫‪ -‬في )ب(‪» :‬في ذلك خرص كذب«‪.‬‬ ‫‪2‬‬


‫خذ‬
‫ف لغناه؛ فل يت ّ ِ‬
‫يّتخذ الولد؟! ألحاجة منه إلى الولد؟ فهذا منا ٍ‬
‫دا ولدا ً إل لنقص في غناه؟!‬
‫أح ً‬
‫البرهان الثاني قوله‪} :‬له ما في السمـوات وما في‬
‫ة‪ ،‬ل يخرج عنها موجود ٌ من أهل‬ ‫الرض{‪ :‬وهذه كلمة جامعة عام ٌ‬
‫السماوات والرض‪ ،‬الجميع مخلوقون عبيد ٌ مماليك‪ ،‬ومن المعلوم‬
‫ن الولد‬
‫د؛ فإ ّ‬
‫م ينافي أن يكون له ]منهم[ ول ٌ‬ ‫ف العا ّ‬
‫أن هذا الوص َ‬
‫من جنس والده‪ ،‬ل يكون مخلوقا ً ول مملوكًا؛ فملكّيته لما في‬
‫السماوات والرض عموما ً تنافي الولدة‪.‬‬
‫ن بهذا{؛ أي‪:‬‬
‫سلطا ٍ‬ ‫البرهان الثالث قوله‪} :‬إن عندكم من ُ‬
‫ن لّله ولدا؟! فلو كان لهم‬
‫ً‬ ‫جةٍ وبرهان يد ّ‬
‫ل على أ ّ‬ ‫هل عندكم من ح ّ‬
‫علم‬‫جزهم عن إقامة الدليل؛ ُ‬ ‫داهم وع ّ‬ ‫دلي ٌ‬
‫ل؛ لبد َْوه‪ ،‬فلما تح ّ‬
‫ل بل علم‪ ،‬ولهذا قال‪} :‬أتقولون‬ ‫ن ذلك قو ٌ‬ ‫بطلن ما قالوه‪ ،‬وأ ّ‬
‫ن هذا من أعظم المحّرمات‪.‬‬ ‫على الّله ما ل تعلمون{‪ :‬فإ ّ‬
‫بل‬ ‫ن الذين يفترون على الّله الكذ َ‬ ‫}‪ 69‬ـ ‪} {70‬قل إ ّ‬
‫صل لهم مقصودهم‪،‬‬ ‫يفلحون{؛ أي‪ :‬ل ينالون مطلوبهم ول يح ُ‬
‫ل‪ ،‬ثم ينتقلون إلى‬‫دنيا قلي ً‬
‫وإنما يتمّتعون في كفرهم وكذبهم في ال ّ‬
‫الّله ويرجعون إليه‪ ،‬فيذيقهم }العذاب الشديد بما كانوا يكفرون{‪،‬‬
‫وما ظلمهم الّله‪ ،‬ولكن أنفسهم يظلمون‪.‬‬
‫ﭝ ﭞ‬ ‫ﭜ‬ ‫ﭿﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ‬
‫ﭟ ﭠ ﭡ ﭢ ﭣ ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ ﭨ ﭩ ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ ﭯ ﭰ ﭱ‬
‫ﭲ ﭳ ﭴ ﭵ ﭶ ﭷ ﭸ ﭹﭺ ﭻ ﭼ ﭽ ﭾ ﭿﮀ ﮁ ﮂ ﮃ ﮄ ﮅ ﮆ‬
‫ﮗ‬ ‫ﮖ‬ ‫ﮒﮓ ﮔ ﮕ‬ ‫ﮇ ﮈ ﮉ ﮊ ﮋ ﮌ ﮍ ﮎ ﮏ ﮐ ﮑ‬
‫ﮘ ﮙ ﭾ‪.‬‬
‫ل على قومك }نبأ نوح{‪ :‬في‬ ‫}‪ {71‬يقول تعالى لنبيه‪ :‬وات ُ‬
‫ة فمكث فيهم ألف‬ ‫دعوته لقومه حين دعاهم إلى الّله مدة ً طويل ً‬
‫سنة إل خمسين عامًا‪ ،‬فلم يزدهم دعاؤه إياهم إل طغيانًا‪ ،‬فتمّللوا‬
‫ن‬‫منه وسئموا‪ ،‬وهو عليه الصلة والسلم غير متكاسل ول متوا ٍ‬
‫مقامي‬ ‫ن ك َب َُر عليكم َ‬
‫في دعوتهم‪ ،‬فقال لهم‪} :‬يا قوم إن كا َ‬
‫وتذكيري بآيات الّله{؛ أي‪ :‬إن كان مقامي عندكم وتذكيري إّياكم‬
‫ما ينفعهم )‪ (1‬بآيات الّله الدّلة الواضحة البّينة‪ ،‬قد شقّ عليكم‪،‬‬
‫ق‪} .‬فعلى‬ ‫دوا الح ّ‬
‫ظم لديكم‪ ،‬وأردتم أن تنالوني بسوء أو تر ّ‬ ‫وع َ ُ‬
‫ل شّر ُيراد بي‬‫ت على الّله في دفع ك ّ‬ ‫ت{؛ أي‪ :‬اعتمد ُ‬ ‫الّله توك ّل ْ ُ‬
‫وبما أدعو إليه؛ فهذا جندي وعدتي‪ .‬وأنتم؛ فأتوا بما قدرتم عليه‬
‫معوا أمركم{‪ :‬كلكم بحيث ل‬ ‫دد‪} ،‬فأج ِ‬‫دد والعَ َ‬
‫من أنواع العُ َ‬

‫‪ -‬كذا في النسختين‪ .‬ولعل الصواب‪» :‬ما ينفعكم«‪.‬‬ ‫‪1‬‬


‫دخروا )‪ (2‬من مجهودكم شيئًا‪} ،‬و{‬ ‫يـتـخـّلف منكم أحد ٌ ول ت ّ‬
‫أحضروا }شركاءكم{‪ :‬الذين كنتم تعبدونهم وتوالونهم من دون‬
‫ة{؛ أي‪ :‬مشتبها ً‬ ‫ن أمُركم عليكم غ ُ ّ‬
‫م ً‬ ‫ب العالمين‪} ،‬ثم ل يك ُ ْ‬ ‫الّله ر ّ‬
‫ي{؛ أي‪ :‬اقـضـوا‬ ‫ة‪} .‬ثم اقضوا إلـ ّ‬ ‫ن ذلك ظاهرا ً علني ً‬ ‫خفّيا‪ ،‬بل ليك ْ‬
‫ي بالعقوبة والسوء الذي في إمكانكم‪} ،‬ول تنظرون{؛ أي‪ :‬ل‬ ‫علـ ّ‬
‫ة من نهار‪.‬‬ ‫تمهلوني ساع ً‬
‫ة على صحة رسالته وصدق ما‬ ‫ة عظيم ٌ‬ ‫ن قاطعٌ وآي ٌ‬‫فهذا برها ٌ‬
‫جاء به؛ حيث كان وحده ل عشيرة تحميه ول جنود تؤويه‪ ،‬وقد‬
‫دى قومه بتسفيه آرائهم وفساد دينهم وع َْيب آلهتهم‪ ،‬وقد حملوا‬ ‫َبا َ‬
‫من بغضه وعداوته ما هو أعظم من الجبال الرواسي‪ ،‬وهم أهل‬
‫ل لهم‪ :‬اجتمعوا أنتم وشركاؤكم ومن‬ ‫القدرة والسطوة‪ ،‬وهو يقو ُ‬
‫ل ما تقدرون عليه من الكيد‪ ،‬فأوقعوا بي إن‬ ‫استطعتم‪ ،‬وأبدوا ك ّ‬
‫م أنه‬ ‫قدرُتم على ذلك‪ ،‬فلم يقدروا على شيٍء من ذلك‪ ،‬فعُل ِ َ‬
‫قا‪ ،‬وهم الكاذبون فيما يدعون‪.‬‬ ‫الصادق ح ّ‬
‫}‪ {72‬ولهذا قال‪} :‬فإن تول ّْيتم{‪ :‬عن ما دعوتكم إليه؛ فل‬
‫موجب لتوّليكم؛ لنه تبيّـن أنكم ل تولون عن باطل إلى ح ّ‬
‫ق‪،‬‬
‫وإنما توّلون عن حقّ قامت الدّلة على صحته إلى باطل قامت‬
‫ر{‪ :‬على‬ ‫الدّلة على فساده‪ ،‬ومع هذا؛ }فما سألتكم من أج ٍ‬
‫دعوتي وعلى إجابتكم‪ ،‬فتقولوا‪ :‬هذا جاءنا ليأخذ أموالنا فتمتنعون‬
‫لجل ذلك‪} .‬إن أجري إل ّ على الّله{؛ أي‪ :‬ل أريد ُ الثواب والجزاء‬
‫ده‪ .‬بل‬ ‫إل منه‪} ،‬و{ أيضًا؛ فإني ما أمرتكم بأمر وأخالفكم إلى ض ّ‬
‫ل فاعل لما‬ ‫ل داخل وأو ُ‬ ‫ت أن أكون من المسلمين{‪ :‬فأنا أو ُ‬ ‫مْر ُ‬‫}أ ِ‬
‫أمرتكم به‪.‬‬
‫ذبوه{‪ :‬بعدما دعاهم ليل ً ونهارا ً وسّرا وجهارا ً‬ ‫}‪} {73‬فك ّ‬
‫جْيناه ومن معه في الفلك{‪:‬‬ ‫دهم دعاؤه إل فرارًا‪} .‬فن ّ‬ ‫فلم يزِ ْ‬
‫الذي أمرناه أن يصنعه بأعيننا‪ ،‬وقلنا له‪ :‬إذا فار التّنور؛ فاحمل‬
‫ن‬
‫م ْ‬‫سب َقَ عليه القول‪ ،‬و َ‬ ‫من َ‬ ‫ل زوجين اثنين‪ ،‬وأهَلك؛ إل ّ َ‬ ‫فيها من ك ّ‬
‫جر الرض‬ ‫ر‪ ،‬وف ّ‬ ‫آمن‪ ،‬ففعل ذلك‪ ،‬فأمر الّله السماء بماٍء منهم ٍ‬
‫ت ألواح‬ ‫عيونا ً فالتقى الماء على أمرٍ قد قُد َِر‪ ،‬وحملناه ُ على ذا ِ‬
‫سر‪ ،‬تجري بأعيننا‪} .‬وجعلناهم خلئف{‪ :‬في الرض بعد إهلك‬ ‫ود ُ ُ‬
‫ذبين‪ ،‬ثم بارك الّله في ذّرّيته وجعل ذريته هم الباقين‪،‬‬ ‫المك ّ‬
‫ونشرهم في أقطار الرض‪} ،‬وأغرقنا الذين كذبوا بآياتنا{‪ :‬بعد‬
‫ذرين{‪:‬‬ ‫ة المن َ‬ ‫ذلك البيان وإقامة البرهان‪} .‬فانظْر كيف كان عاقب ُ‬
‫ن يأتي‬ ‫ل قر ٍ‬ ‫وهو الهلك المخزي واللعنة المتتابعة عليهم في ك ّ‬
‫ما؛ فليحذر‬ ‫بعدهم‪ ،‬ل تسمع فيهم إل لومًا‪ ،‬ول ترى إل قدحا ً وذ ّ‬
‫‪ -‬في )ب(‪» :‬ول تذخرون«‪.‬‬ ‫‪2‬‬
‫ل بهم ما ح ّ‬
‫ل بأولئك القوام المك ّ‬
‫ذبين من‬ ‫ذبون أن يـح ّ‬‫هؤلء المك ّ‬
‫الهلك والخزي والّنكال‪.‬‬
‫ﮨ ﮩ‬ ‫ﮦ ﮧ‬ ‫ﮥ‬ ‫ﮣ ﮤ‬ ‫ﮠ ﮡ ﮢ‬ ‫ﭿﮚ ﮛ ﮜ ﮝ ﮞ ﮟ‬
‫ﮪﮫ ﮬ ﮭ ﮮﮮ ﮯ ﮰ ﮱ ﭾ ‪.‬‬
‫}‪ {74‬أي‪ :‬ثم بعثنا من بعد نوح عليه السلم‪} ،‬رسل ً إلى‬
‫ذرونهم من أسباب‬ ‫ذبين يدعونهم إلى الهدى ويح ّ‬ ‫مهم{‪ :‬المك ّ‬‫قو ِ‬
‫الّردى‪} ،‬فجاؤوهم بالبّينات{؛ أي‪ :‬كل نبي أيد ّ دعوته باليات‬
‫الداّلة على صحة ما جاء به‪} .‬فما كانوا ليؤمنوا بما ك ّ‬
‫ذبوا به من‬
‫ل{؛ يعني‪ :‬أن الّله تعالى عاقبهم حيث جاءهم الرسول فبادروا‬ ‫قب ُ‬
‫بتكذيبه‪ ،‬طبع الّله على قلوبهم‪ ،‬وحال بينهم وبين اليمان بعد أن‬
‫كنين منه؛ كما قال تعالى‪} :‬ونقل ّ ُ‬
‫ب أفئ ِد ََتهم وأبصارهم‬ ‫كانوا متم ّ‬
‫ة{‪ .‬ولهذا قال هنا‪} :‬كذلك نطبعُ على‬ ‫كما لم يؤمنوا به أو َ‬
‫ل مّر ٍ‬
‫قلوب المعتدين{؛ أي‪ :‬نختم عليها فل يدخلها خيٌر‪ ،‬وما ظلمهم‬
‫دهم الحقّ لما جاءهم وتكذيبهم‬ ‫الّله‪ ،‬ولكّنهم ظلموا أنفسهم بر ّ‬
‫الول‪.‬‬
‫ﯚ ﯛ ﯜ ﯝ ﯞ ﯟ ﯠ ﯡ ﯢ ﯣ ﯤ ﯥ ﯦ ﯧ‬ ‫ﭿﯓ ﯔ ﯕ ﯖ ﯗ ﯘ ﯙ‬
‫ﯨ ﯩ ﯪﯧﯧ ﯫﯧﯧ ﯬﯧﯧ ﯭﯧﯧ ﯮﯧﯧ ﯯﯧﯧ ﯰﯧﯧ ﯱﯧﯧ ﯷﯷ ﯷ ﯷ ﯷ ﯷ ﯷ ﯷ ﯷ ﯷ ﯼ‬
‫ﯽ ﯾ ﯿ ﯷ ﯷ ﯷ ﯷ ﯷ ﯷ ﯷ ﯷ ﰈ ﰉ ﯷ ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ‬
‫ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ ﭝ ﭞ ﭟ ﭠ ﭡ ﭢ ﭣ ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ ﭨ ﭩ‬
‫ﭪﭫ ﭬ ﭭ ﭮﭯ ﭰ ﭱ ﭲ ﭳ ﭴ ﭵ ﭶ ﭷ ﭸ ﭹ ﭺ ﭻ ﭼ‬
‫ﮃ ﮄ ﮅ ﮆ ﮇ ﮈ ﮉ ﮊ ﮋ ﮌﮍ ﮎ ﮏ ﮐ ﮑ‬ ‫ﭽ ﭾ ﭿ ﮀ ﮁ ﮂ‬
‫ﮜ ﮝ ﮞ ﮟ ﮠ ﮡ‬ ‫ﮒ ﮓ ﮔ ﮕ ﮖ ﮗ ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ‬
‫ﮢ ﮣ ﮤ ﮥ ﮦ ﮧ ﮨ ﮩ ﮪ ﮫ ﮬ ﮭ ﮮﮮ ﮯ ﮰ ﮱ ﯓ ﯔ ﯕ ﯖ ﯗ ﯘ‬
‫ﯦ ﯧ ﯨ ﯩ ﯪﯧﯧ ﯫﯧﯧ ﯬﯧﯧ ﯭﯧﯧ ﯮﯧﯧ ﯯﯧﯧ ﯰﯧﯧ‬ ‫ﯙ ﯚ ﯛ ﯜ ﯝ ﯞ ﯟ ﯠ ﯡ ﯢ ﯣﯤ ﯥ‬
‫ﯱﯧﯧ ﯷ ﯷ ﯷ ﯷ ﯷ ﯷﯷ ﯷ ﯷ ﯷ ﯼ ﯽ ﯾ ﯿ ﯷ ﯷ ﯷ ﯷ ﯷ ﯷ‬
‫ﯷ ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ ﭝ ﭞ ﭟ ﭠ ﭡ ﭢ‬
‫ﭣ ﭤ ﭥ ﭦﭧ ﭨ ﭩ ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ ﭯ ﭰ ﭱ ﭲ ﭳ ﭴ ﭵ ﭶ‬
‫ﭷ ﭸ ﭹ ﭺ ﭻ ﭼ ﭽ ﭾ ﭿ ﮀ ﮁ ﮂ ﮃ ﮄ ﮅ ﮆ ﮇ ﮈ ﮉﮊ ﮋ ﮌ‬
‫ﮍ ﮎ ﮏ ﮐ ﮑ ﮒ ﮓ ﮔ ﮕ ﮖ ﮗ ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ ﮜ ﮝ ﮞ ﮟ‬
‫ﮠﮡ ﮢ ﭾ ‪.(1) .‬‬
‫}‪ {75‬أي‪ :‬ثم بعْثنا من بعد هؤلء الرسل الذين أرسلهم‬
‫ذبين المهَلكين }موسى{‪ :‬ابن عمران كليم‬ ‫الله إلى القوم المك ّ‬
‫الرحمن أحد أولي العزم من المرسلين وأحد الكبار المقتدى بهم‬
‫ظمة الواسعة‪} .‬و{ جعلنا معه أخاه‬ ‫المنّزل عليهم الشرائع المع ّ‬

‫‪ -‬في )ب(‪ :‬إلى آخر القصة‪.‬‬ ‫‪1‬‬


‫مل َئ ِ ِ‬
‫ه{؛ أي‪ :‬كبار دولته‬ ‫}هارون{ وزيرًا‪ .‬بعثناهما }إلى فرعون و َ‬
‫ن عامتهم ت َب َعٌ للرؤساء‪} ،‬بآياتنا{‪ :‬الدالة على صدق‬ ‫ورؤسائهم؛ ل ّ‬
‫ما جاء به من توحيد الّله والنهي عن عبادة ما سوى الّله تعالى‪.‬‬
‫وا بعدما استيقنوها‪} ،‬وكانوا قوما ً‬ ‫}فاستكبروا{‪ :‬عنها ظلما ً وعل ّ‬
‫رمين{؛ أي‪ :‬وصفهم الجرام والتكذيب‪.‬‬ ‫مج ِ‬
‫}‪} {76‬فلما جاءهم الحقّ من عندنا{‪ :‬الذي هو أكبر أنواع‬
‫مها‪ ،‬وهو من عند الّله‪ ،‬الذي خضعت لعظمته الرقاب‪،‬‬ ‫الحقّ وأعظ ُ‬
‫ق‬
‫ب العالمين المرّبـي جميع خلقه بالنعم‪ ،‬فلما جاءهم الح ّ‬ ‫وهو ر ّ‬
‫ن هذا‬‫دوه فلم يقبلوه‪ ،‬و }قالوا إ ّ‬ ‫من عند الّله على يد موسى؛ ر ّ‬
‫دهم إياه‪،‬‬‫ن{‪ :‬لم يكفهم قبحهم الّله إعراضهم ول ر ّ‬ ‫لسحٌر مبي ٌ‬
‫حتى جعلوه أبطل الباطل‪ ،‬وهو السحر الذي حقيقته التمويه‪ ،‬بل‬
‫جعلوه سحرا ً مبينا ً ظاهرًا‪ ،‬وهو الحقّ المبين‪.‬‬
‫}‪ {77‬ولهذا }قال{ لهم }موسى{ موبخا ً لهم عن ر ّ‬
‫دهم‬
‫ده إل أظلم الناس‪} :‬أتقولون للحقّ لما جاءكم{؛‬ ‫الحقّ الذي ل ير ّ‬
‫ن‪} .‬أسحٌر هذا{؛ أي‪ :‬فانظروا وصفه‬ ‫أي‪ :‬أتقولون‪ :‬إّنه سحٌر مبي ٌ‬
‫وما اشتمل عليه؛ فبمجّرد ذلك يجزم بأنه الحق‪} ،‬ول يفلح‬
‫الساحرون{‪ :‬ل في الدنيا ول في الخرة؛ فانظروا لمن تكون له‬
‫ح‪ ،‬وقد علموا بعد ذلك‬ ‫ح وعلى يديه النجا ُ‬ ‫العاقبة‪ ،‬ولمن له الفل ُ‬
‫ل أحد ٍ أن موسى عليه السلم هو الذي أفلح‪ ،‬وفاز بظ َ َ‬
‫فر‬ ‫وظهر لك ّ‬
‫دنيا والخرة‪.‬‬ ‫ال ّ‬
‫ده‪} :‬أجئتنا‬ ‫دين لقوله بما ل ير ّ‬ ‫}‪} {78‬قالوا{ لموسى را ّ‬
‫دنا عليه‬‫ج ْ‬
‫دنا عما وَ َ‬ ‫دنا عليه آباءنا{؛ أي‪ :‬أجئتنا لتص ّ‬ ‫ج ْ‬
‫ما وَ َ‬‫فَتنا ع ّ‬‫ل ِت َل ْ ِ‬
‫آباءنا من الشرك وعبادة غير الّله وتأمرنا بأن نعبد الّله وحده ل‬
‫ق‬
‫دون بها الح ّ‬ ‫جة ير ّ‬ ‫شريك له؛ فجعلوا قول آبائهم الضالين ح ّ‬
‫)‪(1‬‬
‫الذي جاءهم به موسى عليه السلم‪ .‬وقوله ‪} :‬وتكون لكما‬
‫الكبرياُء في الرض{؛ أي‪ :‬وجئتمونا لتكونوا أنتم الرؤساء‬
‫ج على جهالهم‬ ‫ه منهم وتروي ٌ‬ ‫رجونا من أراضينا؟ وهذا تموي ٌ‬ ‫ولتخ ِ‬
‫مهم على معاداة موسى وعدم اليمان به‪ ،‬وهذا ل‬ ‫ج لعوا ّ‬‫وتهيي ٌ‬
‫ن الحجج ل ُتدفَ ُ‬
‫ع‬ ‫ج به من عرف الحقائق ومّيز بين المور؛ فإ ّ‬ ‫يحت ّ‬
‫ق؛ فَُرد ّ قوله بأمثال هذه‬ ‫إل بالحجج والبراهين‪ ،‬وأما من جاء بالح ّ‬
‫ل على عجز موردها عن التيان بما يرد ّ القول‬ ‫المور؛ فإنها تد ّ‬
‫جة؛ لوردها‪ ،‬ولم يلجأ‬ ‫الذي جاء )‪ (2‬به خصمه؛ لنه لو كان له ح ّ‬
‫إلى قوله‪ :‬قصدك كذا أو مرادك كذا‪ ،‬سواء كان صادقا ً في قوله‬
‫ن موسى عليه الصلة‬ ‫وإخباره عن قصد خصمه أم كاذبًا‪ ،‬مع أ ّ‬
‫‪ -‬في )ب(‪» :‬وقولهم«‪.‬‬ ‫‪1‬‬

‫‪ -‬في )ب(‪» :‬جاءه«‪.‬‬ ‫‪2‬‬


‫ل من عرف حاله وما يدعو إليه؛ عرف أنه ليس له‬ ‫والسلم ك ّ‬
‫قصد ٌ في العلو في الرض‪ ،‬وإنما قصده كقصد إخوانه المرسلين‪،‬‬
‫هداية الخلق وإرشادهم لما فيه نفعهم‪ .‬ولكن حقيقة المر كما‬
‫نطقوا به بقولهم‪} :‬وما نحن لكما بمؤمنين{؛ أي‪ :‬تكّبرا ً وعنادا‪ ،‬ل‬
‫ً‬
‫لبطلن ما جاء به موسى وهارون‪ ،‬ول لشتباهٍ فيه‪ ،‬ول لغير ذلك‬
‫من المعاني سوى الظلم والعدوان وإرادة العلوّ الذي رموا به‬
‫موسى وهارون‪.‬‬
‫}‪} {79‬وقال فرعون{؛ معارضا ً للحقّ الذي جاء به موسى‬
‫ل ساحر عليم{؛ أي‪ :‬ماهر‬ ‫ومغالبا ً )‪ (1‬لملئ ِهِ وقومه‪} :‬ائتوني بك ّ‬
‫بالسحر متقن له‪ .‬فأرسل في مدائن مصر من أتاه بأنواع‬
‫سحرة على اختلف أجناسهم وطبقاتهم‪.‬‬ ‫ال ّ‬
‫}‪} {80‬فلما جاء السحرة{‪ :‬للمغالبة لموسى )‪} ، (2‬قال‬
‫لهم موسى ألقوا ما أنتم ملقون{؛ أي‪ :‬أيّ شيء أردتم‪ ،‬ل أعّين‬
‫ل بهم وبما جاؤوا به‪.‬‬ ‫م بغلبت ِهِ غير مبا ٍ‬ ‫لكم شيئًا‪ ،‬وذلك لّنه جاز ٌ‬
‫}‪} {81‬فلما ألقوا{‪ :‬حباَلهم وعصّيهم إذا هي كأنها حّيا ٌ‬
‫ت‬
‫تسعى‪ ،‬فقال }موسى ما جئتم به السحر{؛ أي‪ :‬هذا السحر‬
‫ّ‬
‫ن الله ل‬ ‫ن الّله سيبط ُِله إ ّ‬ ‫الحقيقي العظيم‪ ،‬ولكن مع عظمته }إ ّ‬
‫ح عمل المفسدين{؛ فإّنهم يريدون بذلك نصر الباطل على‬ ‫صل ِ ُ‬
‫يُ ْ‬
‫الحق‪ ،‬وأيّ فساد أعظم من هذا؟! وهكذا كل مفسد عمل عمل ً‬
‫ل‪ ،‬وإن‬‫طل ويضمح ّ‬ ‫ن عمَله سيب ُ‬ ‫ر؛ فإ ّ‬ ‫واحتال كيدا ً أو أتى بمك ٍ‬
‫حق‪،‬‬ ‫م ْ‬
‫حصل لعمله روجان في وقت ما؛ فإن مآله الضمحلل والـ َ‬
‫ه الّله تعالى‪ ،‬وهي‬ ‫دهم بأعمالهم وج ُ‬ ‫وأما المصلحون الذين قص ُ‬
‫ح أعمالهم ويرّقيها‬ ‫ّ‬
‫ن الله يصل ُ‬ ‫ة مأموٌر بها؛ فإ ّ‬ ‫أعمال ووسائل نافع ٌ‬
‫ميها على الدوام‪.‬‬ ‫وي ُن َ ّ‬
‫قفت جميع ما صنعوا‪،‬‬ ‫}‪ {82‬فألقى موسى عصاه‪ ،‬فتل ّ‬
‫ه الحقّ بكلماته‬ ‫ل باطلهم‪} .‬و{ أحقّ }الل ّ ُ‬ ‫حُرهم‪ ،‬واضمح ّ‬ ‫س ْ‬
‫فبطل ِ‬
‫ق‪،‬‬
‫ولو كره المجرمون{‪ :‬فألقي السحرة حين تبيّـن لهم الح ّ‬
‫عدهم فرعون بالصلب وتقطيع اليدي والرجل‪ ،‬فلم يبالوا‬ ‫فتو ّ‬
‫بذلك‪ ،‬وثبتوا على إيمانهم‪.‬‬

‫مَلؤه وأتباعهم؛ فلم يؤمن منهم أح ٌ‬


‫د‪،‬‬ ‫}‪ {83‬وأما فرعون و َ‬
‫بل استمّروا في طغيانهم يعمهون‪ ،‬ولهذا قال‪} :‬فما آمن لموسى‬
‫ة من قومه{؛ أي‪ :‬شباب من بني إسرائيل صبروا على‬ ‫إل ذ ُّري ّ ٌ‬
‫‪ -‬في )ب(‪» :‬ومغالطًا«‪.‬‬ ‫‪1‬‬

‫‪ -‬في )ب(‪» :‬مع موسى«‪.‬‬ ‫‪2‬‬


‫ف من فرعون‬ ‫الخوف لما ثبت في قلوبهم اليمان‪} ،‬على خو ٍ‬
‫ل في الرض{؛‬ ‫ن لعا ٍ‬
‫ن فرعو َ‬ ‫مل َِئهم أن يفت َِنهم{‪ :‬عن دينهم‪} .‬وإ ّ‬ ‫و َ‬
‫أي‪ :‬له القهر والغلبة فيها؛ فحقيقٌ بهم أن يخافوا من بطشته‪،‬‬
‫}و{ خصوصا ً }إنه كان من الـمـسرفين{؛ أي‪ :‬المتجاوزين للحد ّ‬
‫في البغي والعدوان‪ .‬والحكمة ـ والّله أعلم ـ بكونه ما آمن‬
‫ق‬
‫ل للح ّ‬ ‫ن الذ ّّرّية والشباب أقب ُ‬
‫ة من قومه‪ :‬أ ّ‬ ‫لموسى إل ذ ُّري ّ ٌ‬
‫من ترّبى على‬ ‫وأسرع له انقيادًا؛ بخلف الشيوخ ونحوهم مـ ّ‬
‫الكفر؛ فإنهم بسبب ما مكث في قلوبهم من العقائد الفاسدة‬
‫أبعد من الحقّ من غيرهم‪.‬‬
‫كرا ً لهم‬ ‫}‪} {84‬وقال موسى{‪ :‬موصيا ً لقومه بالصبر‪ ،‬ومذ ّ‬
‫ما يستعينون به على ذلك‪ ،‬فقال‪} :‬يا قوم إن كنُتم آمنُتم بالّله{‪:‬‬
‫ن{؛‬‫كلوا إن كنُتم مسلمي َ‬ ‫فقوموا بوظيفة اليمان‪ ،‬وعلى الّله }تو ّ‬
‫أي‪ :‬اعتمدوا عليه والجؤوا إليه واستنصروه‪.‬‬
‫}‪} {85‬فقالوا{‪ :‬ممتثلين لذلك‪} :‬على الّله توك ّْلنا رّبنا ل‬
‫ة للقوم الظالمين{؛ أي‪ :‬ل تسلطهم علينا فَي َ ْ‬
‫فت ُِنونا أو‬ ‫جعَْلنا فتن ً‬ ‫َتـ ْ‬
‫فت َُنون بذلك‪ ،‬ويقولون‪ :‬لو كانوا على حقّ لما غ ُِلبوا‪.‬‬ ‫ي َغْل ُِبونا‪ ،‬فَي ُ ْ‬
‫جنا برحمتك من القوم الكافرين{‪ :‬لنسلم من‬ ‫}‪} {86‬ون ّ‬
‫كن به من إقامة شرائعه‬ ‫شّرهم ولنقيم على ديننا على وجهٍ نتم ّ‬
‫(‬‫‪1‬‬ ‫)‬

‫وإظهاره من غير معارض ول منازع‪.‬‬


‫}‪} {87‬وأوحينا إلى موسى وأخيه{‪ :‬حين اشتد ّ المر على‬
‫قومهما من فرعون وقومه وحرصوا على فتنتهم عن دينهم‪} ،‬أن‬
‫وآ لقومكما بمصر بيوتًا{؛ أي‪ :‬مروهم أن يجعلوا لهم بيوتا ً‬ ‫تب ّ‬
‫ة{؛ أي‪:‬‬ ‫كنون به من الستخفاء فيها‪} ،‬واجعلوا بيوَتكم قبل ً‬ ‫يتم ّ‬
‫اجعلوها محل ّ تصلون فيها حيث عجزتم عن إقامة الصلة في‬
‫ة على جميع‬ ‫مة‪} .‬وأقيموا الصلة{‪ :‬فإنها معون ٌ‬ ‫الكنائس والبيع العا ّ‬
‫شر المؤمنين{‪ :‬بالنصر والتأييد وإظهار دينهم؛ فإن مع‬ ‫المور‪} ،‬وب ّ‬
‫العسر يسرًا‪ ،‬إن مع العسر يسرًا‪ .‬وحين اشتد ّ الكرب وضاق‬
‫المر؛ فّرجه الّله ووسعه‪.‬‬
‫}‪ {88‬فلما رأى موسى القسوة والعراض من فرعون‬
‫من هارون على دعائه‪ ،‬فقال‪} :‬رّبنا إنك‬ ‫وملئهم؛ دعا عليهم وأ ّ‬
‫ي والثياب‬ ‫ة{‪ :‬يتزينون بها من أنواع الحلـ ّ‬ ‫ن ومل َه ُ زين ً‬‫آتيت فرعو َ‬
‫ل{‪:‬‬‫والبيوت المزخرفة والمراكب الفاخرة والخدام‪} ،‬وأموا ً‬
‫ضّلوا عن سبيلك{؛ أي‪ :‬إن‬ ‫دنيا رّبنا ِلـُيـ ِ‬
‫ة }في الحياة ال ّ‬ ‫عظيم ً‬
‫ضّلون‬ ‫أموالهم لم يستعينوا بها إل ّ على الضلل في سبيلك في َ ِ‬

‫‪ -‬في )ب(‪» :‬ولنقيم ديننا«‪.‬‬ ‫‪1‬‬


‫س على أموالهم{؛ أي‪ :‬أتلفها عليهم إما‬ ‫ضّلون‪} .‬رّبنا اطم ْ‬ ‫وي ُ ِ‬
‫بالهلك وإما بجعلها حجارة ً غير منتفع بها‪} ،‬واشد ُد ْ على قلوبهم{؛‬
‫سها‪} ،‬فل يؤمنوا حّتى ي ََرُوا العذاب الليم{‪ :‬قال ذلك غضبا ً‬ ‫أي‪ :‬ق ّ‬
‫دوا‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬
‫عليهم حيث تجرؤوا على محارم الله وأفسدوا عباد الله وص ّ‬
‫ن الّله سيعاقبهم على ما فعلوا‬ ‫عن سبيله‪ ،‬ولكمال معرفته برّبه بأ ّ‬
‫بإغلق باب اليمان عليهم‪.‬‬
‫ل‬‫ت دعوُتكما{‪ :‬هذا دلي ٌ‬ ‫ُ‬
‫}‪} {89‬قال{ الله تعالى‪} :‬قد أجيب ْ‬
‫من‬ ‫من على دعائه‪ ،‬وإن الذي يؤ ّ‬ ‫على أن موسى يدعو وهارون يؤ ّ‬
‫يكون شريكا ً للداعي في ذلك الدعاء‪} .‬فاستقيما{‪ :‬على دينكما‪،‬‬
‫ن سبيل الذين ل يعلمون{؛ أي‪:‬‬ ‫واستمّرا على دعوتكما‪} ،‬ول تت ِّبعا ّ‬
‫لل‪ ،‬المنحرفين عن الصراط‬ ‫ن سبيل الجّهال الض ّ‬ ‫ل تتبعا ّ‬
‫المستقيم‪ ،‬المّتبعين لطرق الجحيم‪.‬‬
‫}‪ {90‬فأمر الّله موسى أن يسري ببني إسرائيل لي ً‬
‫ل‪،‬‬
‫ن في المدائن حاشرين‬ ‫سي َت ّب ُِعونه )‪ ، (1‬وأرسل فرعو ُ‬ ‫وأخبره أنهم َ‬
‫ة قليلون‪ .‬وإّنهم‬ ‫م ٌ‬
‫ن هؤلء ـ أي‪ :‬موسى وقومه ـ لشرذ ِ َ‬ ‫يقولون‪ :‬إ ّ‬
‫ده قاصيهم ودانيهم‪،‬‬ ‫ن‪ .‬فجمع جنو َ‬ ‫ن‪ .‬وإنا لجميعٌ حاذرو َ‬ ‫لنا لغائظو َ‬
‫فأتبعهم بجنوده بغيا ً وعدوًا؛ أي‪ :‬خروجهم باغين على موسى‬
‫ب؛‬‫وقومه ومعتدين في الرض‪ ،‬وإذا اشتد ّ البغي واستحكم الذن ُ‬
‫ن الّله‬ ‫ة‪} .‬وجاوزنا ببني إسرائيل البحر{‪ :‬وذلك أ ّ‬ ‫ظر العقوب َ‬ ‫فانت ِ‬
‫أوحى إلى موسى لما وصل البحر أن يضرَِبه بعصاه‪ ،‬فضربه‪،‬‬
‫فانفلق اثني عشر طريقًا‪ ،‬وسلكه بنو إسرائيل‪ ،‬وساق فرعون‬
‫)‪(2‬‬
‫مه خارجين‬ ‫وجنودهم خلفهم داخلين‪ ،‬فلما استكمل موسى وقو ُ‬
‫ده داخلين فيه؛ أمر الّله البحر‪ ،‬فالتطم‬ ‫ن وجنو ُ‬‫من البحر وفرعو ُ‬
‫ظرون‪ ،‬حتى إذا‬ ‫على فرعون وجنوده‪ ،‬فأغرَقهم وبنو إسرائيل ين ُ‬
‫ت أّنه ل إله إل ّ الذي‬ ‫ن الغرقُ وجزم بهلكه؛ }قال آمن ُ‬ ‫أدرك فرعو َ‬
‫ل{‪ :‬وهو الّله الله الحقّ الذي ل إله إل هو‪،‬‬ ‫ت به بنو إسرائي َ‬ ‫آمن ْ‬
‫ن{؛ أي‪ :‬المنقادين لدين الّله‪ ،‬ولما جاء به‬ ‫}وأنا من المسلمي َ‬
‫موسى‪.‬‬
‫ن هذا اليمان في هذه الحالة‬ ‫}‪ {91‬قال الّله تعالى مبّينا ً أ ّ‬
‫ن{‪ :‬تؤمن وتقّر برسول الّله‪} ،‬وقد عصي َ‬
‫ت‬ ‫غير نافع له‪} :‬آل َ‬
‫ل{؛ أي‪ :‬بارزت بالمعاصي والكفر والتكذيب‪} ،‬وكنت من‬ ‫قب ُ‬
‫ت عادة ُ الّله أن الكفار إذا‬ ‫ن{‪ :‬فل ينفُعك اليمان كما جر ْ‬ ‫المفسدي َ‬
‫ن‬
‫وصلوا إلى هذه الحالة الضطرارّية أّنه ل ينفعهم إيمانهم؛ ل ّ‬

‫‪ -‬في )ب(‪» :‬ي ُت ّب َُعون«‪.‬‬ ‫‪1‬‬

‫‪ -‬كذا في النسختين‪ .‬وفي ) أ ( غيرت إلى‪» :‬وجنوده خلفه« بخط مغاير‪.‬‬ ‫‪2‬‬
‫إيمانهم صار إيمانا ً مشاهدًا؛ كإيمان من ورد القيامة‪ ،‬والذي ينف ُ‬
‫ع‬
‫إنما هو اليمان بالغيب‪.‬‬
‫ة{‪ :‬قال‬ ‫ك لتكون لمن خلفك آي ً‬‫جيك ببدن ِ َ‬
‫}‪} {92‬فاليوم نن ّ‬
‫ن بني إسرائيل لما في قلوبهم من الرعب العظيم‬ ‫سرون‪ :‬إ ّ‬ ‫المف ّ‬
‫كوا في ذلك‪ ،‬فأمر‬ ‫دقوا بإغراقه‪ ،‬وش ّ‬ ‫من فرعون‪ ،‬كأّنهم لم يص ّ‬
‫ه على نجوة مرتفعةٍ ببدنه؛ ليكون لهم عبرة‬ ‫الّله البحر أن يل ِ‬
‫قي َ ُ‬
‫ن كثيرا ً من الناس عن آياتنا لغافلون{‪ :‬فلذلك تمّر‬ ‫وآية‪} .‬وإ ّ‬
‫عليهم وتتكّرر فل ينتفعون بها؛ لعدم إقبالهم عليها‪ ،‬وأما من له‬
‫ب حاضر؛ فإّنه يرى من آيات الّله ما هو أكبر دليل على‬ ‫عق ٌ‬
‫ل وقل ٌ‬
‫حة ما أخبرت به الرسل‪.‬‬ ‫ص ّ‬
‫ق{؛ أي‪ :‬أنزلهم‬ ‫صد ْ ٍ‬‫وأ ِ‬
‫مب َ ّ‬
‫وأنا بني إسرائيل ُ‬
‫}‪} {93‬ولقد ب ّ‬
‫الّله وأسكنهم في مساكن آل فرعون‪ ،‬وأورثهم أرضهم وديارهم‪،‬‬
‫ت{‪ :‬من المطاعم والمشارب وغيرهما‪،‬‬ ‫}ورزقناهم من الطّيبا ِ‬
‫م{‪ :‬الموجب‬ ‫}فما اختلفوا{‪ :‬في الحقّ }حّتى جاءهم العل ُ‬
‫ر‬
‫ض‪ ،‬وصار لكثي ٍ‬ ‫لجتماعهم وائتلفهم‪ ،‬ولكن بغى بعضهم على بع ٍ‬
‫ق‪ ،‬فحصل بينهم من الختلف‬ ‫منهم أهوية وأغراض تخالف الح ّ‬
‫ن رّبك يقضي بيَنهم يوم القيامة فيما كانوا فيه‬ ‫شيء كثيٌر‪} .‬إ ّ‬
‫م وقدرته‬ ‫يختلفون{‪ :‬بحكمه العدل الناشىء عن علمه التا ّ‬
‫الشاملة‪.‬‬
‫ن‬
‫وهذا هو الداء الذي يعرض لهل الدين الصحيح‪ ،‬وهو أ ّ‬
‫الشيطان إذا أعجزوه أن يطيعوه في ترك الدين بالكل ّّية‪ ،‬سعى‬
‫في التحريش بينهم وإلقاء العداوة والبغضاء‪ ،‬فحصل من‬
‫ض‬
‫ب ذلك‪ ،‬ثم حصل من تضليل بعضهم لبع ٍ‬ ‫الختلف ما هو موج ُ‬
‫وعداوة بعضهم لبعض ما هو قّرة عين اللعين‪ ،‬وإل؛ فإذا كان رّبهم‬
‫واحدا ً ورسولهم واحدا ً ودينهم واحدا ً ومصالحهم العامة مّتفقة؛‬
‫ح ّ‬
‫ل‬ ‫فليّ شيء يختلفون اختلفا ً يفّرق شملهم ويشّتت أمرهم وَيـ ُ‬
‫ت من مصالحهم الدينّية والدنيوّية ما‬‫رابطتهم ونظامهم فيفوّ ُ‬
‫م‬
‫وت ويموت من دينهم بسبب ذلك ما يموت؟! فنسألك الله ّ‬ ‫يف ّ‬
‫عهم‪ ،‬ويرد ّ‬
‫ب صد َ‬ ‫ً‬
‫لطفا بعبادك المؤمنين‪ ،‬يجمع شملهم‪ ،‬ويرأ ُ‬
‫صَيهم على دانيهم يا ذا الجلل والكرام!‬
‫قا ِ‬
‫ﭿ ﮓ ﮔ ﮕ ﮖ ﮗ ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ ﮜ ﮝ ﮞ ﮟ ﮠﮡ ﮢ ﮣ ﮤ ﮥ‬
‫ﯕ ﯖ ﯗ ﯘ ﯙ‬ ‫ﮯ ﮰ ﮱ ﯓ ﯔ‬ ‫ﮨ ﮩ ﮪ ﮫ ﮬ ﮭ ﮮﮮ‬ ‫ﮦ ﮧ‬
‫ﯫﯧﯧ ﯬﯧﯧ ﯭﯧﯧ ﯮﯧﯧ ﯯﯧﯧ ﯰﯧﯧ ﭾ ‪.‬‬ ‫ﯚﯛ ﯜ ﯝ ﯞ ﯟ ﯠ ﯡ ﯢ ﯣ ﯤ ﯥ ﯦ ﯧ ﯨ ﯩ ﯪﯧﯧ‬
‫}‪ {94‬يقول تعالى لنبّيه محمد ٍ صلى الله عليه وسلم‪} :‬فإن‬
‫ح أم غير صحيح‪،‬‬‫ك مما أنزلنا إليك{‪ :‬هل هو صحي ٌ‬‫ت في ش ّ‬
‫كن َ‬
‫}فاسأل الذين يقرؤون الكتاب من قبلك{؛ أي‪ :‬اسأل أهل الكتب‬
‫المنصفين والعلماء الراسخين؛ فإنهم سيقّرون لك بصدق ما‬
‫أخبرت به وموافقته لما معهم‪.‬‬
‫فإن قيل ‪ :‬إن كثيرا ً من أهل الكتاب من اليهود والنصارى‪،‬‬
‫ذبوا رسول الّله‪ ،‬وعاندوه‪،‬‬ ‫بل ربما كان أكثرهم ومعظمهم‪ ،‬ك ّ‬
‫دوا عليه دعوته‪ ،‬والّله تعالى أمر رسوله أن يستشهد َ بهم‪،‬‬ ‫ور ّ‬
‫ة لما جاء به وبرهانا ً على صدقه؛ فكيف يكو ُ‬
‫ن‬ ‫وجعل شهادَتهم حج ً‬
‫ب عن هذا من عدة أوجه‪:‬‬ ‫ذلك؟! فالجوا ُ‬
‫ب أو‬ ‫ن الشهادة إذا أضيفت إلى طائفةٍ أو أهل مذه ٍ‬ ‫منها ‪ :‬أ ّ‬
‫ن‬
‫م ْ‬ ‫بلد ٍ ونحوهم؛ فإّنها إنما تتناول العدول الصادقين منهم‪ ،‬وأما َ‬
‫عداهم؛ فلو كانوا أكثر من غيرهم؛ فل عبرة فيهم؛ لن الشهادة‬
‫مبنّية على العدالة والصدق‪ ،‬قد حصل ذلك بإيمان كثيرٍ من‬
‫أحبارهم الّربانّيين؛ كعبد الّله بن سلم وأصحا به وكثيرٍ مـ ّ‬
‫)‪(1‬‬
‫من‬
‫ي صلى الله عليه وسلم وخلفائه ومن بعدهم‪.‬‬ ‫أسلم في وقت النب ّ‬
‫ومنها ‪ :‬أن شهادة أهل الكتاب للرسول مبنّية على كتابهم‬
‫التوراة الذي ينتسبون إليه؛ فإذا كان موجودا ً في التوراة ما‬
‫حة؛ فلو اّتفقوا من أولهم‬ ‫يوافق القرآن ويصد ُّقه ويشهد ُ له بالص ّ‬
‫ح بما جاء به الرسول‪.‬‬ ‫وآخرهم على إنكار ذلك؛ لم يقد ْ‬
‫ن الّله تعالى أمر رسوله أن يستشهد بأهل الكتاب‬ ‫ومنها ‪ :‬أ ّ‬
‫حة ما جاءه وأظهر ذلك وأعلنه على رؤوس الشهاد‪ ،‬ومن‬ ‫على ص ّ‬
‫المعلوم أن كثيرا ً منهم من أحرص الناس على إبطال دعوة‬
‫الرسول محمد ٍ صلى الله عليه وسلم؛ فلو كان عندهم ما يرد ّ ما‬
‫ن شيٌء من ذلك؛‬ ‫ذكره الّله؛ لبد َْوه وأظهروه وبّينوه‪ ،‬فلما لم يك ْ‬
‫ل الدّلة على‬ ‫كان عدم رد ّ المعادي وإقرار المستجيب من أد ّ‬
‫حة هذا القرآن وصدقه‪.‬‬ ‫ص ّ‬
‫ومنها ‪ :‬أنه ليس أكثر أهل الكتاب رد ّ دعوة الرسول‪ ،‬بل‬
‫ث‬ ‫ن الرسو َ‬
‫ل ب ُعِ َ‬ ‫أكثُرهم استجاب لها وانقاد طوعا ً واختيارًا؛ فإ ّ‬
‫ث ديُنه مدةً‬ ‫وأ َك ْث َُر أهل الرض المتدّينين أهل الكتاب )‪ ، (2‬فلم يمك ْ‬
‫غير كثيرة حتى انقاد للسلم أكثر أهل الشام ومصر والعراق وما‬
‫جاورها من البلدان التي هي مقّر دين أهل الكتاب ولم يبقَ إل‬
‫ن تب َِعهم من‬ ‫م ْ‬
‫أهل الرياسات الذين آثروا رياساتهم على الحقّ و َ‬
‫م الجهلة ومن تدّين بدينهم اسما ً ل معنى؛ كالفرنج الذين‬ ‫العوا ّ‬
‫‪ - 1‬في )ب(‪» :‬كعبد الله بن سلم وكعب الحبار وغيرهما«‪ .‬ثم عدل عنها‬
‫الشيخ في ) أ ( إلى ما هو مثبت‪.‬‬
‫‪ - 2‬في )ب(‪» :‬أهل كتاب«‪.‬‬
‫حقيقة أمرهم أّنهم دهرّية منحّلون عن جميع أديان الرسل‪ ،‬وإّنما‬
‫ي ترويجا ً لملكهم وتمويها ً لباطلهم؛ كما‬ ‫انتسبوا للدين المسيح ّ‬
‫يعرف ذلك من عرف أحوالهم البّينة الظاهرة‪.‬‬
‫ك فيه بوجه من‬ ‫وقوله‪} :‬لقد جاءك الحق{؛ أي‪ :‬الذي ل ش ّ‬
‫ن{ )‪ :(1‬كقوله تعالى‪:‬‬ ‫ن من الممتري َ‬ ‫الوجوه‪} ،‬من رّبك فل تكون ّ‬
‫ج منه{‪.‬‬ ‫ك فل يكن في صدرك حر ٌ‬ ‫ل إلي َ‬‫ب ُأنزِ ْ‬
‫}كتا ٌ‬
‫ذبوا بآيات الّله فتكون من‬ ‫ن من الذين ك ّ‬ ‫}‪} {95‬ول تكون َ ّ‬
‫ك في هذا‬ ‫ن الّله نهى عن شيئين‪ :‬الش ّ‬ ‫الخاسرين{‪ :‬وحاصل هذا أ ّ‬
‫القرآن‪ ،‬والمتراء منه‪ .‬وأشد من ذلك التكذيب به‪ ،‬وهو آيات الّله‬
‫البينات‪ ،‬التي ل تقبل التكذيب بوجه‪ ،‬ورّتب على هذا الخسار‪ ،‬وهو‬
‫ل‪ ،‬وذلك بفوات الثواب في الدنيا والخرة‪ ،‬وحصول‬ ‫عدم الربح أص ً‬
‫ده‪ ،‬فيكون‬ ‫العقاب في الدنيا والخرة‪ ،‬والنهي عن الشيء أمٌر بض ّ‬
‫م بالقرآن وطمأنينة القلب إليه والقبال عليه‬ ‫أمرا ً بالتصديق التا ّ‬
‫ل؛ فـبـذلك يكون العبد ُ من الرابحين‪ ،‬الذين أدركوا أج ّ‬
‫ل‬ ‫علما ً وعـم ً‬
‫م المناقب‪ ،‬وانتفى عنهم الخساُر‪.‬‬ ‫المطالب وأفضل الرغائب وأت ّ‬
‫ﯷ‬ ‫ﯷ ﯼ ﯽ ﯾ ﯿ ﯷ ﯷ‬ ‫ﭿ ﯱﯧﯧ ﯷ ﯷ ﯷ ﯷ ﯷ ﯷ ﯷ ﯷ ﯷ‬
‫ﭾ‪.‬‬
‫ة‬
‫ت عليهم كلم ُ‬ ‫ق ْ‬
‫ن الذين ح ّ‬ ‫}‪ 96‬ـ ‪ {97‬يقول تعالى‪} :‬إ ّ‬
‫رّبك{؛ أي‪ :‬إنهم من الضالين الغاوين أهل النار‪ ،‬ل بد ّ أن يصيروا‬
‫ل آية؛ فل‬ ‫دره الّله وقضاه؛ فل يؤمنون ولو جاءتهم ك ّ‬ ‫إلى ما ق ّ‬
‫دهم اليات إل طغيانا ً وغّيا إلى غّيهم‪ ،‬وما ظلمهم الّله ولكن‬ ‫تزي ُ‬
‫دهم للحقّ لما جاءهم أول مرة‪ ،‬فعاقبهم الّله‬ ‫ظلموا أنفسهم بر ّ‬
‫بأن طبع على قلوبهم وأسماعهم وأبصارهم فل يؤمنوا حتى ي ََروا‬
‫ن ما‬ ‫عدوا به؛ فحينئذ ٍ يعلمون حقّ اليقين أ ّ‬ ‫العذاب الليم الذي وُ ِ‬
‫ن‬‫ق‪ ،‬ولك ْ‬ ‫ل هو الح ّ‬ ‫ن ما جاءتهم به الرس ُ‬ ‫هم عليه هو الضلل وأ ّ‬
‫ت ل ُيجدي عليهم إيمانهم شيئًا؛ فيومئذ ٍ ل ينفع الذين‬ ‫في وق ٍ‬
‫ن له‬‫م ْ‬ ‫ت؛ فإّنها تنفعُ َ‬‫ست َعَْتبون‪ .‬وأما اليا ُ‬
‫ظلموا معذ َِرُتهم ول هم ي ُ ْ‬
‫د‪.‬‬
‫ب أو ألقى السمع وهو شهي ٌ‬ ‫قل ٌ‬
‫ﭝ ﭞ ﭟ ﭠ‬ ‫ﭿﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ‬
‫ﭡ ﭢ ﭣ ﭤ ﭥ ﭦ ﭾ‪.‬‬
‫ة{‪ :‬من القرى‬ ‫}‪ {98‬يقول تعالى‪} :‬فلول كانت قري ٌ‬
‫ت العذاب‪} ،‬فنفعها إيماُنها{؛ أي‪ :‬لم‬ ‫ت{‪ :‬حين رأ ِ‬ ‫المكذبين‪} ،‬آمن ْ‬
‫يكن منهم أحد ٌ انتفع بإيمانه حين رأى العذاب؛ كما قال تعالى عن‬
‫ت أّنه ل إله إل الذي آمنت به‬‫دم قريبا ً لما قال‪} :‬آمن ُ‬‫فرعون ما تق ّ‬
‫‪ -‬في )ب(‪» :‬ولهذا قال‪} :‬فل تكونن من الممترين{«‪.‬‬ ‫‪1‬‬
‫ت‬
‫ل وأنا من المسلمين{‪ ،‬فقيل له‪} :‬آلن وقد عصي َ‬ ‫بنو إسرائي َ‬
‫سنا‬
‫ما جاءهم بأ ُ‬ ‫ت من المفسدين{‪ ،‬وكما قال تعالى‪} :‬فل ّ‬ ‫ل وكن َ‬ ‫قب ُ‬
‫فعُُهم‬ ‫فْرنا بما ك ُّنا به مشركين‪ .‬فلم يك ي َن ْ َ‬ ‫قالوا آمّنا بالّله وح َ‬
‫ده وك َ َ‬
‫ت في عباده{‪ ،‬وقال‬ ‫ة الّله التي قد خل ْ‬ ‫سن ّ َ‬ ‫إيماُنهم لما رأوا بأسنا ُ‬
‫ن‪ .‬لعّلـي‬ ‫ب ارجعو ِ‬ ‫ت قال ر ّ‬ ‫هم المو ُ‬ ‫تعالى‪} :‬حتى إذا جاء أحد َ ُ‬
‫ن‬
‫ة؛ فإ ّ‬ ‫ل{‪ ،‬والحكمة في هذا ظاهر ٌ‬ ‫ت‪ ،‬ك ّ‬ ‫ل صالحا ً فيما ترك ُ‬ ‫أعم ُ‬
‫اليمان الضطراريّ ليس بإيمان حقيقة‪ ،‬ولو صرف عنه العذاب‬
‫والمر الذي اضطره إلى اليمان؛ لرجع إلى الكفران‪ .‬وقوله‪} :‬إل ّ‬
‫ب‬ ‫فنا عنهم عذا َ‬ ‫ش ْ‬‫م يونس لما آمنوا بعدما رأوا العذاب ك َ َ‬ ‫قو َ‬
‫ون من‬ ‫دنيا ومتعناهم إلى حين{‪ :‬فهم مست َث ْن َ ْ‬ ‫خْزي في الحياة ال ّ‬ ‫ال ِ‬
‫شهادة لم‬ ‫العموم السابق‪ ،‬ول بد ّ لذلك من حكمة لعالم الغيب وال ّ‬
‫س لمن‬ ‫ن يون ُ َ‬ ‫منا؛ قال الّله تعالى‪} :‬وإ ّ‬ ‫كها أفها ُ‬ ‫ل إلينا ولم تدرِ ْ‬ ‫تص ْ‬
‫ن‪.‬‬‫ف أو يزيدو َ‬ ‫المرسلين‪ {...‬إلى قوله‪} :‬فأرسْلناه إلى مائةِ أل ٍ‬
‫ن غيرهم‬ ‫ل الحكمة في ذلك أ ّ‬ ‫ن{‪ .‬ولع ّ‬ ‫فآمنوا فمت ّْعناهم إلى حي ٍ‬
‫ن‬
‫دوا لعادوا لما ُنهوا عنه‪ ،‬وأما قوم يونس؛ فإ ّ‬ ‫من المهَلكين لو ُر ّ‬
‫ل‪ ،‬وثبتوا‬ ‫ن إيمانهم سيستمّر‪ ،‬بل قد استمّر فع ً‬ ‫م )‪ (1‬أ ّ‬
‫ه أعل َ‬ ‫الل ّ َ‬
‫عليه‪ .‬والّله أعلم‪.‬‬
‫ﭿ ﭧ ﭨ ﭩ ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ ﭯﭰ ﭱ ﭲ ﭳ ﭴ ﭵ ﭶ ﭷ ﭸ‬
‫ﮃ ﮄ ﮅ ﮆ ﮇ ﭾ‪.‬‬ ‫ﭹ ﭺ ﭻ ﭼ ﭽ ﭾ ﭿﮀ ﮁ ﮂ‬
‫}‪ {99‬يقول تعالى لنبّيه محمد صلى الله عليه وسلم‪} :‬ولو‬
‫من في الرض كلهم جميعًا{‪ :‬بأن يلهمهم اليمان‬ ‫شاء رّبك لمن َ‬
‫ت‬
‫ة لذلك‪ ،‬ولكّنه اقتض ْ‬ ‫ويوزع َ قلوبهم للتقوى؛ فقدرُته صالح ٌ‬
‫حكمته أن كان بعضهم مؤمنين وبعضهم كافرين‪} .‬أفأنت تكرِهُ‬
‫الناس حتى يكونوا مؤمنين{؛ أي‪ :‬ل تقد ُِر على ذلك‪ ،‬وليس في‬
‫إمكانك‪ ،‬ول قدرة غير الّله شيء من ذلك‪.‬‬
‫ن الّله{‪ :‬بإرادته‬ ‫ن إل ّ بإذ ِ‬‫}‪} {100‬وما كان لنفس أن تؤم َ‬
‫ق قابل ً لذلك‬ ‫ي؛ فمن كان من الـ َ ْ‬
‫خل ِ‬ ‫قد َرِيّ الشرع ّ‬
‫ومشيئته وإذنه ال َ‬
‫س{؛ أي‪ :‬الشّر‬ ‫ل الرج َ‬ ‫يزكو عنده اليمان؛ وّفقه وهداه‪} ،‬ويجع ُ‬
‫ن{‪ :‬عن الّله أوامَره ُ ونواهيه‪ ،‬ول‬ ‫والضلل }على الذين ل يعقِلو َ‬
‫ُيلقون بال ً لنصائحه ومواعظه‪.‬‬
‫ﭿ ﮈ ﮉ ﮊ ﮋ ﮌ ﮍﮎ ﮏ ﮐ ﮑ ﮒ ﮓ ﮔ ﮕ ﮖ ﮗ ﮘ ﮙ‬
‫ﮚ ﮛ ﮜ ﮝ ﮞ ﮟ ﮠﮡ ﮢ ﮣ ﮤ ﮥ ﮦ ﮧ ﮨ ﮩ ﮪ ﮫ ﮬ ﮭﮮﮮ ﮯ‬
‫ﮰ ﮱ ﯓ ﯔ ﯕ ﭾ‪.‬‬

‫‪ -‬في )ب(‪» :‬علم«‪.‬‬ ‫‪1‬‬


‫}‪ {101‬يدعو تعالى عباده إلى النظر لما في السماوات‬
‫مل لما فيها وما‬ ‫والرض‪ ،‬والمراد بذلك نظر الفكر والعتبار والتأ ّ‬
‫ت لقوم يؤمنون وعبرا ً‬ ‫تحتوي عليه والستبصار؛ فإن في ذلك ليا ٍ‬
‫ن الّله وحده المعبود المحمود ذو الجلل‬ ‫ل على أ ّ‬‫لقوم يوقنون‪ ،‬تد ّ‬
‫ذر‬‫ت والن ّ ُ‬
‫والكرام والسماء والصفات العظام‪} ،‬وما ُتغني اليا ُ‬
‫عن قوم ل يؤمنون{؛ فإنهم ل ينتفعون باليات؛ لعراضهم‬
‫وعنادهم‪.‬‬
‫وا من‬ ‫خل َ ْ‬
‫ل أيام الذين َ‬ ‫}‪ 102‬ـ ‪} {103‬فهل ينتظرون إل ّ مث َ‬
‫قبلهم{؛ أي‪ :‬فهل ينتظر هؤلء الذين ل يؤمنون بآيات الّله بعد َ‬
‫وا من قبلهم؛ أي‪ :‬من الهلك‬ ‫خل َ ْ‬‫ل أيام الذين َ‬ ‫وضوحها إل ّ مث َ‬
‫ة في الولين‬ ‫ة الّله جاري ٌ‬ ‫والعقاب؛ فإّنهم صنعوا كصنيعهم‪ ،‬وسن ُ‬
‫ظروا إني معكم من المنتظرين{‪ :‬فستعلمون‬ ‫ل فانت ِ‬ ‫والخرين‪} .‬قُ ْ‬
‫ة والنجاة ُ في الدنيا والخرة‪ .‬وليست‬ ‫من تكون له العاقبة الحسن ُ‬ ‫لـ َ‬
‫جي رسلنا والذين آمنوا{‪:‬‬ ‫إل ّ للرسل وأتباعهم‪ ،‬ولهذا قال‪} :‬ثم ن ُن َ ّ‬
‫قا علينا{‪ :‬أوجبناه‬ ‫من مكاره الدنيا والخرة وشدائدهما‪} .‬كذلك ح ّ‬
‫ن الّله يدافعُ عن الذين آمنوا؛‬ ‫ج المؤمنين{‪ :‬فإ ّ‬ ‫على أنفسنا‪} ،‬ن ُن ْ ِ‬
‫ل له النجاة من‬ ‫ص ُ‬
‫فإّنه بحسب ما مع العبد من اليمان؛ تح ُ‬
‫المكاره‪.‬‬
‫ﯛ ﯜ ﯝ ﯞ ﯟ ﯠ ﯡ ﯢ ﯣ ﯤ ﯥ ﯦ ﯧ ﯨ ﯩ‬ ‫ﭿﯖ ﯗ ﯘ ﯙ ﯚ‬
‫ﯪﯧﯧﯫﯧﯧ ﯬﯧﯧ ﯭﯧﯧ ﯮﯧﯧ ﯯﯧﯧ ﯰﯧﯧ ﯱﯧﯧ ﯷ ﯷ ﯷ ﯷ ﯷ ﯷ ﯷ ﯷ ﯷ ﯷ ﯼ ﯽ ﯾ‬
‫ﯿ ﯷ ﯷ ﯷ ﯷ ﯷ ﯷﯷ ﯷ ﰈ ﰉ ﯷ ﯷ ﯷ ﯷ ﭾ ‪.‬‬
‫}‪ {104‬يقول تعالى لنبّيه محمد ٍ صلى الله عليه وسلم سيد‬
‫المرسلين وإمام المتقين وخير الموقنين‪} :‬قل يا أّيها الناس إن‬
‫ك من ديني{؛ أي‪ :‬في ريب واشتباه؛ فإني لست في‬ ‫كنُتم في ش ّ‬
‫ك منه‪ ،‬بل لديّ العلم اليقيني أنه الحقّ وأن ما تدعون من دون‬ ‫ش ّ‬
‫ة‪،‬‬
‫ن الساطع ُ‬ ‫ة والبراهي ُ‬ ‫ل‪ ،‬ولي على ذلك الدل ّ ُ‬
‫ة الواضح ُ‬ ‫الّله باط ٌ‬
‫ن من دون الّله{‪ :‬من النداد‬ ‫ولهذا قال‪} :‬فل أعبد ُ الذين تعبدو َ‬
‫خل ُقُ ول ترزقُ ول تدّبر شيئا ً من‬ ‫والصنام وغيرهما؛ لنها ل َتـ ْ‬
‫خرة ليس فيها ما يقتضي عبادتها‪.‬‬ ‫ة مس ّ‬ ‫المور‪ ،‬وإنما هي مخلوق ٌ‬
‫ن أعبد ُ الّله الذي يتوّفاكم{؛ أي‪ :‬هو الّله الذي خلقكم‪ ،‬وهو‬ ‫}ولك ْ‬
‫الذي يميتكم ثم يبعثكم ليجازيكم بأعمالكم؛ فهو الذي يستحقّ أن‬
‫ت أن أكون من‬ ‫ُيعبد‪ ،‬ويصّلـى له‪] ،‬ويخضع[‪ ،‬ويسجد‪} ،‬وأ ِ‬
‫مْر ُ‬
‫المؤمنين{‪.‬‬
‫ك للدين حنيفًا{؛ أي‪ :‬أخلص أعمالك‬ ‫م وجه َ‬ ‫}‪} {105‬وأن أقِ ْ‬
‫الظاهرة والباطنة لّله‪ ،‬وأقم جميع شرائع الدين‪} ،‬حنيفًا{؛ أي‪:‬‬
‫ن من المشركين{‪:‬‬ ‫مقبل ً على الّله معرضا ً عما سواه‪} .‬ول تكون ّ‬
‫ن معهم‪.‬‬ ‫ل في حالهم ول تك ْ‬
‫}‪} {106‬ول تدع ُ من دون الّله ما ل ينفُعك ول يضّرك{‪:‬‬
‫ل مخلوق أنه ل ينفع ول يضّر‪ ،‬وإنما النافع الضاّر‬ ‫ف لك ّ‬‫وهذا وص ٌ‬
‫هو الّله تعالى‪} .‬فإن فعلت{؛ أي ‪ :‬دعوت من دون الّله ما ل‬
‫ينفعك ول يضرك‪} ،‬فإّنك إذًا{ لمن }الظالمين{؛ أي )‪ :(1‬الضارين‬
‫ن‬
‫أنفسهم بإهلكها‪ ،‬وهذا الظلم هو الشرك؛ كما قال تعالى‪} :‬إ ّ‬
‫م{‪ :‬فإذا كان خيُر الخلق لو دعا مع الّله غيره؛‬ ‫م عظي ٌ‬‫شرك لظل ٌ‬‫ال ّ‬
‫لكان من الظالمين المشركين؛ فكيف بغيره؟!‬
‫ﭞ ﭟ ﭠﭡ‬ ‫ﭙﭚ ﭛ ﭜ ﭝ‬ ‫ﭿﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ‬
‫ﭢ ﭣ ﭤ ﭥ ﭦ ﭧﭨ ﭩ ﭪ ﭫ ﭬ ﭾ ‪.‬‬

‫}‪ {107‬هذا من أعظم الدّلة على أن الّله وحده المستح ّ‬


‫ق‬
‫ضّر‬
‫سب ُ‬‫للعبادة؛ فإّنه النافع الضاّر المعطي المانع الذي إذا م ّ‬
‫كفقر ومرض ونحوها‪} :‬فل كاشف له إل ّ هو{‪ :‬لن الخلق لو‬
‫اجتمعوا على أن ينفعوا بشيء لم ينفعوا إل بما كتبه الله ولو‬
‫اجتمعوا على أن يضّروا أحدًا؛ لم يقدروا على شيء من ضرره إذا‬
‫ك بخيرٍ فل راد ّ لفضله{؛ أي‪:‬‬ ‫ه[‪ .‬ولهذا قال‪} :‬وإن ي ُرِد ْ َ‬‫لم يرده ]الل ّ ُ‬
‫ل يقدر أحد ٌ من الخلق أن يرد ّ فضله وإحسانه؛ كما قال تعالى‪:‬‬
‫سك فل‬ ‫م ِ‬ ‫س َ‬
‫ك لها وما ي ُ ْ‬ ‫م ِ‬
‫مـ ْ‬ ‫فَتح الّله للناس من رحمةٍ فل ُ‬ ‫}ما ي َ ْ‬
‫من عباده{؛ أي‪:‬‬ ‫من يشاء ِ‬ ‫ب به َ‬‫ل له من بعده{‪} .‬يصي ُ‬ ‫س َ‬ ‫مر ِ‬
‫يختص برحمته من شاء من خلقه والّله ذو الفضل العظيم‪} ،‬وهو‬
‫الغفور{‪ :‬لجميع الّزلت‪ ،‬الذي يوّفق عبده لسباب مغفرته‪ ،‬ثم إذا‬
‫م{‪ :‬الذي‬ ‫فعلها العبد؛ غفر الّله ذنوبه كبارها وصغارها‪} ،‬الرحي ُ‬
‫ده إلى جميع الموجودات؛‬ ‫ل شيء ووصل جو ُ‬ ‫وسعت رحمُته ك ّ‬
‫بحيث ل تستغني عن إحسانه طرفة عين‪.‬‬
‫فإذا عرف العبد بالدليل القاطع أن الّله هو المنفرد بالنعم‬
‫ن‬
‫وكشف النقم وإعطاء الحسنات وكشف السيئات والكربات‪ ،‬وأ ّ‬
‫أحدا ً من الخلق ليس بيده من هذا شيءٌ إل ما أجراه الّله على‬
‫ن الّله هو الحقّ وأن ما يدعون من دونه هو الباط ُ‬
‫ل‬ ‫يده؛ جزم بأ ّ‬
‫ولهذا لما بين الدليل الواضح؛ قال بعده‪:‬‬
‫ﭿ ﭭ ﭮ ﭯ ﭰ ﭱ ﭲ ﭳ ﭴﭵ ﭶ ﭷ ﭸ ﭹ ﭺﭻ ﭼ ﭽ ﭾ‬
‫ﭿ ﮀﮁ ﮂ ﮃ ﮄ ﮅ ﮆ ﮇ ﮈ ﮉ ﮊ ﮋ ﮌ ﮍ ﮎﮏ ﮐ ﮑ ﮒ ﮓ‬
‫ﭾ‪.‬‬

‫‪ -‬في )ب(‪» :‬بأن«‪.‬‬ ‫‪1‬‬


‫}‪ {108‬أي‪} :‬قل{‪ :‬يا أيها الرسول لما تبيّـن البرهان‪} :‬يا‬
‫أيها الناس قد جاءكم الحقّ من رّبكم{؛ أي‪ :‬الخبر الصادق المؤّيد‬
‫ل إليكم‬ ‫ك فيه بوجهٍ من الوجوه‪ ،‬وهو واص ٌ‬ ‫بالبراهين الذي ل ش ّ‬
‫من رّبكم‪ ،‬الذي من أعظم تربيته لكم أن أنزل إليكم هذا القرآن‪،‬‬
‫ل شيء‪ ،‬وفيه من أنواع الحكام والمطالب‬ ‫ن لك ّ‬‫الذي فيه تبيا ٌ‬
‫ن منه‬‫ضّية ما فيه أعظم تربيةٍ لكم وإحسا ٍ‬ ‫مْر ِ‬‫اللهية والخلق الـ َ‬
‫إليكم؛ فقد تبيّـن الرشد من الغي‪ ،‬ولم يبقَ لحد ٍ شبهة‪} .‬فمن‬
‫اهتدى{‪ :‬بهدى الّله؛ بأن علم الحقّ وتفّهمه وآثره على غيره‬
‫ة‬
‫ي عن عباده‪ ،‬وإّنما ثمرة أعمالهم راجع ٌ‬ ‫فلنفسه‪ .‬والّله تعالى غن ّ‬
‫ل{‪ :‬عن الهدى؛ بأن أعرض عن العلم بالحقّ أو‬ ‫إليهم‪} .‬ومن ض ّ‬
‫ل عليها{‪ :‬ول يضّر الله شيئا ً فل يضر إل‬ ‫ض ّ‬ ‫عن العمل به‪} ،‬فإنما ي َ ِ‬
‫ظ أعمالكم وأحاسبكم‬ ‫نفسه‪} .‬وما أنا عليكم بوكيل{‪ :‬فأحف ُ‬
‫ل؛ فانظروا‬ ‫ن‪ ،‬والّله عليكم وكي ٌ‬ ‫عليها‪ ،‬وإّنما أنا لكم نذيٌر مبي ٌ‬
‫لنفسكم ما دمتم في مدة المهال‪.‬‬
‫}‪} {109‬واتبع{‪ :‬أيها الرسول ما أوحي إليك علما ً وعمل ً‬
‫ن هذا أعلى أنواع‬ ‫وحال ً ودعوة ً إليه‪} ،‬واصبْر{‪ :‬على ذلك؛ فإ ّ‬
‫م على ذلك‬ ‫ة؛ فل تكسل ول تضجر‪ ،‬بل د ُ ْ‬ ‫ن عاقبته حميد ٌ‬ ‫الصبر‪ ،‬وإ ّ‬
‫ذبك‪} .‬وهو خير‬ ‫نك ّ‬ ‫ت‪} ،‬حتى يحكم الّله{‪ :‬بينك وبين َ‬
‫م ْ‬ ‫واثب ْ‬
‫سط الذي‬ ‫ق ْ‬ ‫م وال ِ‬‫ل على العدل التا ّ‬ ‫ن حكمه مشتم ٌ‬ ‫الحاكمين{‪ :‬فإ ّ‬
‫ُيحمد عليه‪ .‬وقد امتثل صلى الله عليه وسلم أمر رّبه‪ ،‬وثبت على‬
‫الصراط المستقيم‪ ،‬حتى أظهر الّله دينه على سائر الديان‪،‬‬
‫ونصره على أعدائه بالسيف والسنان‪ ،‬بعدما نصره الّله عليهم‬
‫جة والبرهان‪ ،‬فلله الحمد ُ والثناء الحسن كما ينبغي لجلله‬ ‫بالح ّ‬
‫وعظمته وكماله وسعة إحسانه‪.‬‬
‫فف فف فففففففف‪.‬‬
‫فف ففففف فففف فففف‪ .‬فففففف ف ف‬
‫***‬
‫تفسير سورة هود عليه السلم‬
‫وهي مكية‬

‫ﮗ ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ ﮜ ﮝ ﮞ ﮟ ﮠ ﮡ ﮢ ﮣﮤ‬ ‫ﭿ ﮔﮕ ﮖ‬
‫ﮥ ﮦ ﮧ ﮨ ﮩ ﮪ ﮫ ﮬ ﮭ ﮮﮮ ﮯ ﮰ ﮱ ﯓ ﯔ ﯕ ﯖ ﯗ ﯘ ﯙ‬
‫ﯮﯧﯧ ﯯﯧﯧ ﯰﯧﯧ ﭾ ‪.‬‬ ‫ﯚ ﯛ ﯜﯝ ﯞ ﯟ ﯠ ﯡ ﯢ ﯣ ﯤ ﯥ ﯦ ﯧ ﯨ ﯩﯪﯧﯧ ﯫﯧﯧ ﯬﯧﯧ ﯭﯧﯧ‬
‫ب{‪ :‬عظيم ونزل كريم‪،‬‬ ‫}‪ {1‬يقول تعالى‪ :‬هذا }كتا ٌ‬
‫ة‬
‫ة أخبارها‪ ،‬عادل ٌ‬ ‫ت آياته{؛ أي‪ :‬أتقنت وأحسنت‪ ،‬صادق ٌ‬ ‫ُ‬
‫م ْ‬
‫حك ِ َ‬
‫}أ ْ‬
‫ت{؛ أي‪:‬‬ ‫صل َ ْ‬‫ة معانيه‪} ،‬ثم فُ ّ‬ ‫ه بهي ٌ‬‫ة ألفاظ ُ‬ ‫أوامرها ونواهيها‪ ،‬فصيح ٌ‬
‫ن حكيم{‪ :‬يضع‬ ‫ميزت وبينت بيانا ً في أعلى أنواع البيان‪} ،‬من ل َد ُ ْ‬
‫الشياء مواضعها‪ ،‬وينزلها منازلها‪ ،‬ل يأمر ول ينهى إل بما تقتضيه‬
‫طلع على الظواهر والبواطن؛ فإذا كان‬ ‫ر{‪ :‬م ّ‬ ‫حكمته‪} ،‬خبي ٍ‬
‫ل بعد هذا‬ ‫إحكامه وتفصيُله من عند الّله الحكيم الخبير؛ فل تسأ ْ‬
‫عن عظمته وجللته واشتماله على كمال الحكمة وسعة الرحمة‪.‬‬
‫ه؛ أي‪ :‬لجل‬ ‫}‪ {2‬وإنما أنزل الّله كتابه لن ل تعبدوا إل ّ الل ّ َ‬
‫ك به أحد ٌ من خلقه‪} .‬إنني‬ ‫شرِ َ‬‫إخلص الدين كّله لّله‪ ،‬وأن ل ي ُ ْ‬
‫لكم{‪ :‬أّيها الناس‪} ،‬منه{؛ أي‪ :‬من الّله ربكم }نذيٌر{‪ :‬لمن تجّرأ‬
‫على المعاصي بعقاب الدنيا والخرة‪} ،‬وبشيٌر{‪ :‬للمطيعين لّله‬
‫دنيا والخرة‪.‬‬ ‫بثواب ال ّ‬
‫}‪} {3‬وأن استغفروا رّبكم{‪ :‬عن ما صدر منكم من‬
‫ذنوب‪} ،‬ثم توبوا إليه{‪ :‬فيما تستقبلون من أعماركم بالرجوع‬ ‫ال ّ‬
‫إليه بالنابة والرجوع عما يكرهه الّله إلى ما يحّبه ويرضاه‪ .‬ثم ذكر‬
‫ما يترّتب على الستغفار والتوبة‪ ،‬فقال‪} :‬يمت ّْعكم متاعا ً حسنًا{؛‬
‫أي‪ :‬يعطيكم من رزقه ما تتمّتعون به‪ ،‬وتنتفعون }إلى أجل‬
‫ل ذي فضل‬ ‫مى{؛ أي‪ :‬إلى وقت وفاتكم‪} .‬ويؤت{‪ :‬منكم }ك ّ‬ ‫مس ّ‬
‫فضَله{؛ أي‪ :‬يعطي أهل الحسان والبر من فضله وبّره ما هو‬
‫جزاٌء لحسانهم من حصول ما يحّبون ودفع ما يكرهون‪} .‬وإن‬
‫ت َوَّلوا{‪ :‬عن ما دعوتكم إليه‪ ،‬بل أعرضُتم عنه‪ ،‬ورّبما ك ّ‬
‫ذبتم به‪،‬‬
‫ر{‪ :‬وهو يوم القيامة‪ ،‬الذي‬ ‫ب يوم كبي ٍ‬
‫}فإني أخاف عليكم عذا َ‬
‫يجمع الّله فيه الّولين والخرين‪.‬‬
‫}‪ {4‬فيجازيهم بأعمالهم إن خيرًا؛ فخير‪ ،‬وإن شّرا؛ فشر‪.‬‬
‫ل شيء قديٌر{‪ :‬كالدليل على إحياء الّله‬ ‫وفي قوله‪} :‬وهو على ك ّ‬
‫)‪(1‬‬
‫ل شيء قديٌر ‪ ،‬ومن جملة الشياء إحياء‬ ‫الموتى؛ فإنه على ك ّ‬

‫‪ -‬في )ب(‪» :‬فإنه قدير على كل شيء«‪.‬‬ ‫‪1‬‬


‫الموتى‪ ،‬وقد أخبر بذلك‪ ،‬وهو أصدق القائلين؛ فيجب وقوع ذلك‬
‫عقل ً ونق ً‬
‫ل‪.‬‬
‫ﯼ ﯽ ﯾ ﯿ ﯷﯷ‬ ‫ﯷ ﯷ ﯷ‬ ‫ﯷ ﯷ ﯷ ﯷﯷ ﯷ‬ ‫ﭿ ﯱﯧﯧ ﯷ‬
‫ﯷ ﭾ‪.‬‬ ‫ﯷ ﯷ ﯷ‬ ‫ﯷ‬
‫}‪ {5‬يخبر تعالى عن جهل المشركين وشدة ضللهم أنهم‬
‫}ي َْثنون صدوَرهم{؛ أي‪ :‬يميلونها ليستخفوا من الله‪ ،‬فتقع‬
‫ة لعلم الله بأحوالهم وبصره لهيئاتهم‪ .‬قال تعالى‬ ‫صدورهم حاجب ً‬
‫ست َْغشون ثيابهم{؛ أي‪:‬‬ ‫ن‪} :‬أل حين ي َ ْ‬‫مبينا ً خطأهم في هذا الظ ّ‬
‫يتغطون بها‪ ،‬يعلمهم في تلك الحال التي هي من أخفى الشياء‪،‬‬
‫سّرون{‪ :‬من القوال والفعال‪} ،‬وما ي ُعِْلنون{‪:‬‬ ‫بل }يعلم ما ي ُ ِ‬
‫م بذات الصدور{؛‬ ‫منها‪ ،‬بل ما هو أبلغُ من ذلك‪ ،‬وهو‪} :‬إنه علي ٌ‬
‫أي‪ :‬بما فيها من الرادات والوساوس والفكار التي لم ينطقوا بها‬
‫سّرا ول جهرًا؛ فكيف تخفى عليه حالكم إذا ثنيتم صدوركم‬
‫لتستخفوا منه؟!‬
‫ن المعنى في هذا‪ :‬أن الّله يذكر إعراض المك ّ‬
‫ذبين‬ ‫وُيحتمل أ ّ‬
‫دة إعراضهم ي َْثنون‬ ‫للرسول‪ ،‬الغافلين عن دعوته‪ ،‬أّنهم من ش ّ‬
‫حد َوِْدبون حين يرون الرسول؛ لئل ّ يراهم‬ ‫صدورهم؛ أي‪َ :‬يـ ْ‬
‫ظهم بما ينفعهم؛ فهل فوق هذا العراض‬ ‫مَعهم دعوته ويع َ‬ ‫س ِ‬
‫وي ُ ْ‬
‫عدهم بعلمه تعالى بجميع أحوالهم وأنهم ل يخفون‬ ‫شيء؟! ثم تو ّ‬
‫عليه‪ ،‬وسيجازيهم بصنيعهم‪.‬‬
‫ﭠ ﭡ‬ ‫ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ ﭝﭞ ﭟ‬ ‫ﭿﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ‬
‫ﭢ ﭣ ﭾ‪.‬‬
‫)‪(1‬‬
‫ي‬
‫ب على وجه الرض من آدم ّ‬ ‫}‪ {6‬أي‪ :‬جميع ما د ّ‬
‫فل بأرزاقهم وأقواتهم‪،‬‬ ‫ي؛ فالّله تعالى قد تك ّ‬
‫ن ب َّريّ أو بحر ّ‬‫وحيوا ٍ‬
‫عها{؛ أي‪ :‬يعلم‬ ‫فرزُقهم على الّله‪} .‬ويعلم مستقّرها ومستوْد َ َ‬‫(‬ ‫‪2‬‬‫)‬

‫ب‪ ،‬وهو المكان الذي تقيم فيه وتستقّر فيه‬ ‫مستقّر هذه الدوا ّ‬
‫ن الذي تنتقل إليه في ذهابها‬ ‫عها المكا ُ‬ ‫وتأوي إليه‪ ،‬ومستود ُ‬
‫ل{‪ :‬من تفاصيل أحوالها }في‬ ‫ومجيئها وعوارض أحوالها‪} .‬كـ ّ‬
‫ن{؛ أي‪ :‬في اللوح المحفوظ‪ ،‬المحتوي على جميع‬ ‫ب مبي ٍ‬‫كتا ٍ‬
‫الحوادث الواقعة‪ ،‬والتي تقع في السماوات والرض‪ ،‬الجميع قد‬
‫أحاط بها علم الّله‪ ،‬وجرى بها قلمه‪ ،‬ونفذت فيها مشيئته ووسعها‬
‫ل بأرزاقها‪ ،‬وأحاط‬ ‫ف َ‬
‫ن القلوب إلى كفاية من تك ّ‬ ‫رزقه؛ فلتطمئ ّ‬
‫علما ً بذواتها وصفاتها‪.‬‬

‫‪ -‬في )ب(‪» :‬أو«‪.‬‬ ‫‪1‬‬

‫‪ -‬في )ب(‪» :‬فرزقها«‪.‬‬ ‫‪2‬‬


‫ﭿ ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ ﭨ ﭩ ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ ﭯ ﭰ ﭱ ﭲ ﭳﭴ ﭵ‬
‫ﭶ ﭷ ﭸ ﭹ ﭺ ﭻ ﭼ ﭽ ﭾ ﭿ ﮀ ﮁ ﮂ ﮃ ﮄ ﮅ ﮆ ﮇ ﮈ ﮉ‬
‫ﮚ ﮛ ﮜ‬ ‫ﮊ ﮋ ﮌ ﮍ ﮎﮏ ﮐ ﮑ ﮒ ﮓ ﮔ ﮕ ﮖ ﮗ ﮘ ﮙ‬
‫ﭾ‪.‬‬
‫ض في سّتة‬ ‫ت والر َ‬ ‫خل َقَ السمـوا ِ‬ ‫}‪ {7‬يخبر تعالى أنه } َ‬
‫أيام{‪ :‬أولها يوم الحد‪ ،‬وآخُرها يوم الجمعة‪} .‬و{ حين خلق‬
‫ه على الماء{‪ :‬فوق السماء‬ ‫ش ُ‬‫ض‪} ،‬كان عر ُ‬ ‫ت والر َ‬ ‫السماوا ِ‬
‫السابعة؛ فبعد أن خلقَ السماوات والرض؛ استوى على عرشه‪،‬‬
‫يدّبر المور ويصّرفها كيف شاء من الحكام القدرّية والحكام‬
‫حَنكم‬ ‫ل{؛ أي‪ :‬ليمت َ ِ‬ ‫ن عم ً‬ ‫وكم أّيكم أحس ُ‬ ‫الشرعّية‪ .‬ولهذا قال‪} :‬ل ِي َب ْل ُ َ‬
‫خل َقَ لكم ما في السماوات والرض بأمره ونهيه‪ ،‬فينظر أّيكم‬ ‫إذ َ‬
‫صه وأصوُبه‪.‬‬ ‫عياض رحمه الّله‪ :‬أخل ُ‬ ‫ل‪ .‬قال الفضيل بن ِ‬ ‫ن عم ً‬ ‫أحس ُ‬
‫ن العمل إذا كان‬ ‫قيل‪ :‬يا أبا علي! ما أخلصه وأصوبه؟ فقال‪ :‬إ ّ‬
‫ل‪ ،‬وإذا كان صوابا ً ولم يكن خالصا؛ً‬ ‫قب َ ْ‬‫خالصا ً ولم يكن صوابًا؛ لم ي ُ ْ‬
‫ل‪ ،‬حتى يكون خالصا ً صوابًا‪ .‬والخالص‪ :‬أن يكون لوجه الّله‪،‬‬ ‫قب َ ْ‬
‫لم ي ُ ْ‬
‫سنة‪ .‬وهذا كما قال‬ ‫والصواب‪ :‬أن يكون مت ِّبعا ً فيه الشرع وال ّ‬
‫ن{‪ ،‬وقال تعالى‪:‬‬ ‫ن والنس إل ليعبدو ِ‬ ‫ج ّ‬ ‫ت ال ِ‬ ‫تعالى‪} :‬وما خلق ُ‬
‫ل المر‬ ‫ت ومن الرض مثل َهُ ّ‬
‫ن ي َت َن َّز ُ‬ ‫ه الذي خلق سبع سمـوا ٍ‬ ‫}الل ّ ُ‬
‫ط بك ّ‬
‫ل‬ ‫ل شيٍء قديٌر وأن الّله قد أحا َ‬ ‫ن الّله على ك ّ‬ ‫ن ل ِت َْعلموا أ ّ‬ ‫بيَنه ّ‬
‫شيٍء علما{‪ :‬فالله تعالى خلق الخلق لعبادته ومعرفته بأسمائه‬ ‫ّ‬ ‫ً‬
‫مَر به؛ فهو من‬ ‫دى ما أ ِ‬ ‫وصفاته‪ ،‬وأمرهم بذلك؛ فمن انقاد وأ ّ‬
‫المفلحين‪ ،‬ومن أعرض عن ذلك؛ فأولئك هم الخاسرون‪ ،‬ول بد ّ‬
‫مَعهم في دار يجازيهم على ما أمرهم به ونهاهم‪ .‬ولهذا ذكر‬ ‫أن يج َ‬
‫ت إّنكم مبعوثون‬ ‫الّله تكذيب المشركين بالجزاء‪ ،‬فقال‪} :‬ولئن قل َ‬
‫ن{؛ أي‪:‬‬ ‫ن هذا إل ّ سحٌر مبي ٌ‬ ‫ن الذين كفروا إ ْ‬ ‫من بعد ِ الموت َليقول َ ّ‬
‫دقوك‪ ،‬بل‬ ‫ت لهؤلء وأخبرَتهم بالبعث بعد الموت؛ لم يص ّ‬ ‫ولئن قل َ‬
‫ن هذا‬ ‫ذبوك أشد ّ التكذيب ‪ ،‬وقدحوا فيما جئت به‪ ،‬وقالوا‪} :‬إ ْ‬ ‫)‪(1‬‬
‫ك ّ‬
‫مبين{‪ :‬أل وهو الحقّ المبين‪.‬‬ ‫إل سحٌر ُ‬
‫ة{؛ أي‪ :‬إلى‬ ‫مةٍ معدود ٍ‬
‫ب إلى أ ّ‬
‫خْرنا عنهم العذا َ‬‫نأ ّ‬
‫}‪} {8‬ولئ ْ‬
‫در فتباطؤوه‪ ،‬لقالوا من جهلهم وظلمهم‪} :‬ما‬ ‫وقت مق ّ‬
‫ن هذا تكذيُبهم به؛ فإنهم يستدّلون بعدم‬ ‫سه{؟! ومضمو ُ‬ ‫يحب ِ ُ‬
‫وقوعه بهم عاجل ً على كذب الرسول المخبر بوقوع العذاب؛ فما‬
‫ب ليس مصروفا ً‬ ‫أبعد هذا الستدلل‪} .‬أل يوم يأتيهم العذا ُ‬
‫كنون من النظر في أمرهم‪} ،‬وحاق بهم{؛ أي‪ :‬نزل‬ ‫عنهم{‪ :‬فيتم ّ‬

‫‪ -‬في )ب(‪» :‬أشد ّ الكذب«‪.‬‬ ‫‪1‬‬


‫ث تهاونوا به‪ ،‬حتى‬
‫زئون{‪ :‬من العذاب حي ُ‬ ‫}ما كانوا به يسته ِ‬
‫ن جاء به‪.‬‬‫م ْ‬
‫جَزموا بكذب َ‬‫َ‬
‫ﮦ ﮧ ﮨ ﮩ ﮪ ﮫ ﮬ ﮭ ﮮﮮ ﮯ‬ ‫ﭿﮝ ﮞ ﮟ ﮠ ﮡ ﮢ ﮣ ﮤ ﮥ‬
‫ﮰ ﮱ ﯓﯔ ﯕ ﯖ ﯗ ﯘ ﯙ ﯚ ﯛ ﯜ ﯝ ﯞ ﯟ ﯠ ﯡ ﯢ ﯣ ﭾ ‪.‬‬
‫م‪:‬‬ ‫ل ظال ٌ‬ ‫}‪ 9‬ـ ‪ {10‬يخبر تعالى عن طبيعة النسان أنه جاه ٌ‬
‫ة كالصحة والرزق والولد ونحو ذلك‪،‬‬ ‫ن الّله إذا أذاقه منه رحم ً‬ ‫بأ ّ‬
‫ثم نزعها منه؛ فإّنه يستسلم لليأس وينقاد ُ للقنوط؛ فل يرجو‬
‫دها أو مثلها أو خيرا ً منها‬ ‫ن الّله سير ّ‬‫ب الّله ول يخط ُُر بباله أ ّ‬ ‫ثوا َ‬
‫سْته‪ ،‬أنه يفرح وي َب ْط َُر‬ ‫ة من بعد ضّراء م ّ‬ ‫عليه‪ ،‬وأّنه إذا أذاقه رحم ً‬
‫ت عّني إّنه‬ ‫ب السيئا ُ‬ ‫ن أنه سيدوم له ذلك الخير ويقول‪} :‬ذ َهَ َ‬ ‫ويظ ّ‬
‫ح فخوٌر{؛ أي‪ :‬يفرح بما أوتي مما يوافق هوى نفسه‪ ،‬فخوٌر‬ ‫لفر ٌ‬
‫بنعم الّله على عباد الّله‪ ،‬وذلك يحمله على الشر والبطر‬
‫ي‬
‫والعجاب بالنفس والتكّبر على الخلق واحتقارهم وازدرائهم‪ ،‬وأ ّ‬
‫ب أشد ّ من هذا؟!‬ ‫عي ٍ‬
‫ن وّفقه الّله‬ ‫م ْ‬‫}‪ {11‬وهذه طبيعة النسان من حيث هو؛ إل َ‬
‫ده‪ ،‬وهم الذين صّبروا‬ ‫خُلق الذميم إلى ض ّ‬ ‫وأخرجه من هذا الـ ُ‬
‫أنفسهم عند الضراِء فلم ييأسوا‪ ،‬وعند السراء فلم يبطروا‪،‬‬
‫وعملوا الصالحات من واجبات ومستحّبات‪} .‬أولئك لهم مغفرة{؛‬
‫لذنوبهم يزول بها عنهم كل محذور‪} ،‬وأجر كبير{؛ وهو الفوز‬
‫ت النعيم التي فيها ما تشتهيه النفس‪ ،‬وتلذ ّ العين‪.‬‬ ‫بجنا ِ‬
‫ﯷ ﯷ ﯷ‬ ‫ﯪﯧﯧ ﯫﯧﯧ ﯬﯧﯧ ﯭﯧﯧ ﯮﯧﯧ ﯯﯧﯧ ﯰﯧﯧ ﯱﯧﯧ ﯷ‬ ‫ﭿﯤ ﯥ ﯦ ﯧ ﯨ ﯩ‬
‫ﯿ ﯷ ﯷ ﭑ ﭒ ﭓﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ‬ ‫ﯷﯷ ﯷ ﯷ ﯷﯷ ﯼ ﯽ ﯾ‬
‫ﭣ ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ ﭨ ﭩ ﭪ‬ ‫ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ ﭝ ﭞ ﭟ ﭠ ﭡ ﭢ‬
‫ﭰ ﭱﭲ ﭳ ﭴ ﭵ ﭶ ﭾ ‪.‬‬ ‫ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ ﭯ‬
‫}‪ {12‬يقول تعالى مسليا ً لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم‬
‫ق‬
‫ض ما يوحى إليك وضائ ٌ‬ ‫ك بع َ‬ ‫عن تكذيب المكذبين‪} :‬فلعّلك تار ٌ‬
‫ل عليه كنٌز{؛ أي‪ :‬ل ينبغي هذا‬ ‫به صدُرك أن يقولوا لول أنزِ َ‬
‫ض‬
‫دك عما أنت عليه‪ ،‬فتترك بع َ‬ ‫لمثلك؛ أن قولهم يؤّثر فيك ويص ّ‬
‫ل عليه‬ ‫ما يوحى إليك‪ ،‬ويضيق صدرك لتعّنتهم بقولهم‪} :‬لول ُأنزِ َ‬
‫ت وظلم‬ ‫ن هذا القول ناشىء من تعن ّ ٍ‬ ‫ك{‪ :‬فإ ّ‬‫مل َ ٌ‬‫كنٌز أو جاء معه َ‬
‫ض على أمرك‪ ،‬ول‬ ‫ّ‬
‫ل بمواقع الحجج والدلة؛ فام ِ‬ ‫ل وجه ٍ‬ ‫وعناد ٍ وضل ٍ‬
‫ه‪ ،‬ول‬ ‫ة التي ل تـصـد ُُر إل من سفي ٍ‬ ‫ل الركيك ُ‬ ‫دك هذه القوا ُ‬ ‫تص ّ‬
‫جة ل تستطيع حّلها؟! أم‬ ‫يضيق لذلك صدرك؛ فهل أوردوا عليك ح ّ‬
‫قدحوا ببعض ما جئت به قدحا ً يؤّثر فيه وينقص قدره فيضيق‬
‫ب بهدايتهم جبرًا؟! }إنما‬ ‫طال َ ٌ‬ ‫م َ‬
‫صدرك لذلك؟! أم عليك حساُبهم و ُ‬
‫ل{‪ :‬فهو الوكيل عليهم‪ ،‬يحف ُ‬
‫ظ‬ ‫ل شيٍء وكي ٌ‬ ‫أنت نذيٌر والّله على ك ّ‬
‫م الجزاء‪.‬‬
‫أعمالهم‪ ،‬ويجازيهم بها أت ّ‬
‫}‪} {13‬أم يقولون افتراه{؛ أي‪ :‬افترى محمد ٌ هذا القرآن‪،‬‬
‫ل{‪ :‬لهم‪} :‬فأتوا بعشر سورٍ مثله مفتريات‬ ‫فأجابهم بقوله‪} :‬ق ْ‬
‫ن است َط َعُْتم من دون الّله إن كنُتم صادقين{؛ أي‪ :‬إنه قد‬ ‫م ِ‬‫وادعوا َ‬
‫افتراه؛ فإّنه ل فرق بينكم وبينه في الفصاحة والبلغة‪ ،‬وأنُتم‬
‫قا الحريصون بغاية ما يمكنكم على إبطال دعوته فإن‬ ‫العداء ح ّ‬
‫كنتم صادقين فأتوا بعشر سورٍ مثله مفتريات!‬
‫}‪} {14‬فإن لم يستجيبوا لكم{‪ :‬على شيٍء من ذلكم‪،‬‬
‫ل بعلم الله{‪ :‬من عند الله )‪ (1‬؛ لقيام الدليل‬ ‫}فاعلموا أّنما أنزِ َ‬
‫والمقتضي وانتفاء المعاِرض‪} .‬وأن ل إله إل هو{؛ أي‪ :‬واعلموا‬
‫أنه ل إله إل هو؛ أي‪ :‬هو ]وحده[ المستحقّ لللوهّية والعبادة‪.‬‬
‫ن{؛ أي‪ :‬منقادون للوهيته‪ ،‬مستسلمون‬ ‫}فهل أنتم مسلمو َ‬
‫لعبوديته‪.‬‬
‫داعي إلى الّله أن‬ ‫وفي هذه اليات إرشاد ٌ إلى أنه ل ينبغي لل ّ‬
‫ح القادحين‪ ،‬خصوصا ً إذا كان‬ ‫ض المعترضين ول قد ُ‬ ‫ده اعترا ُ‬ ‫يص ّ‬
‫القدح ل مستند َ له ول يقدح فيما دعا إليه‪ ،‬وأنه ل يضيق صدُره‪،‬‬
‫ن بذلك‪ ،‬ماضيا ً على أمره‪ ،‬مقبل ً على شأنه‪ ،‬وأنه ل يجب‬ ‫بل يطمئ ّ‬
‫إجابة اقتراحات المقترحين للدّلة التي يختارونها‪ ،‬بل يكفي إقام ُ‬
‫ة‬
‫الدليل السالم عن المعارض على جميع المسائل والمطالب‪.‬‬
‫جٌز بنفسه‪ ،‬ل يقدر أحد ٌ من البشر‬ ‫وفيها ‪ :‬أن هذا القرآن مع ِ‬
‫ن‬
‫أن يأتي بمثله‪ ،‬ول بعشر سورٍ مثله‪ ،‬بل ول بسورة من مثله؛ ل ّ‬
‫داهم الّله بذلك‪ ،‬فلم يعارضوه؛ لعلمهم‬ ‫العداء البلغاء الفصحاء تح ّ‬
‫أّنهم ل قدرة فيهم على ذلك‪.‬‬
‫م‬
‫ن‪ ،‬عل ُ‬
‫ة الظ ّ‬
‫م ول يكفي غلب َ‬‫ب فيه العِل ْ ُ‬‫وفيها ‪ :‬أن مما ي ُط ْل َ ُ‬
‫م التوحيد؛ لقوله تعالى‪} :‬فاعلموا أّنما أنزل بعلم الّله‬ ‫القرآن وعل ُ‬
‫وأن ل إله إل هو{‪.‬‬
‫ﭹ ﭺ ﭻ ﭼ ﭽ ﭾ ﭿ ﮀ ﮁ ﮂ ﮃ ﮄ ﮅ ﮆ ﮇ‬ ‫ﭿﭷ ﭸ‬
‫ﮗ ﭾ‪.‬‬ ‫ﮓ ﮔ ﮕ ﮖ‬ ‫ﮍﮎ ﮏ ﮐ ﮑ ﮒ‬ ‫ﮈ ﮉ ﮊ ﮋ ﮌ‬
‫دنيا وزينَتها{؛‬
‫}‪ {15‬يقول تعالى‪} :‬من كان يريد الحياة ال ّ‬
‫دنيا وعلى زينتها من النساء‬ ‫أي‪ :‬ك ّ‬
‫ل إرادته مقصورة ٌ على الحياة ال ّ‬
‫ومة‬
‫والبنين والقناطير المقنطرة من الذهب والفضة والخيل المس ّ‬
‫ه في هذه‬ ‫ه وعمل َ ُ‬
‫والنعام والحرث‪ ،‬قد صرف رغبته وسعي َ ُ‬
‫‪ - 1‬في )ب(‪» :‬فاعلموا أنما أنزل بعلم الله« وقد شطب الشيخ من )ب(‬
‫قوله‪» :‬من عند الله«‪.‬‬
‫ل لدار القرار من إرادته شيئًا؛ فهذا ل يكون إل‬ ‫الشياء‪ ،‬ولم يجع ْ‬
‫كافرًا؛ لّنه لو كان مؤمنًا؛ لكان ما معه من اليمان يمنُعه أن‬
‫سر له من‬ ‫دنيا‪ ،‬بل نفس إيمانه وما تي ّ‬ ‫تكون جميع إرادت ِهِ للدار ال ّ‬
‫ي الذي‬‫ن‪ ،‬هذا الشق ّ‬ ‫العمال أثٌر من آثار إرادت ِهِ الداَر الخرة‪ ،‬ولك ْ‬
‫ف إليهم أعمالهم فيها{؛ أي‪ :‬نعطيهم‬ ‫خل ِقَ للدنيا وحدها‪} ،‬نو ّ‬ ‫كأنه ُ‬
‫دنيا‪} .‬وهم فيها ل‬ ‫م الكتاب من ثواب ال ّ‬ ‫م لهم في أ ّ‬ ‫س َ‬ ‫ما قُ ِ‬
‫ن هذا منتهى‬ ‫قصون شيئا ً مما قُد َّر لهم‪ ،‬ولك ْ‬ ‫خسون{؛ أي‪ :‬ل ي ُن ْ َ‬ ‫ي ُب ْ َ‬
‫نعيمهم‪.‬‬
‫}‪} {16‬أولئك الذين ليس لهم في الخرة إل ّ الناُر{‪:‬‬
‫خالدين فيها أبدًا‪ ،‬ل يفتر عنهم العذاب‪ ،‬وقد حرموا جزيل الثواب‪.‬‬
‫ط ما صنعوا فيها{؛ أي‪ :‬في الدنيا؛ أي‪ :‬بطل‪ ،‬واضمح ّ‬
‫ل ما‬ ‫حب ِ َ‬
‫}و َ‬
‫عملوه مما يكيدون به الحقّ وأهله‪ ،‬وما عملوه من أعمال الخير‬
‫التي ل أساس لها‪ ،‬ول وجود لشرطها وهو اليمان‪.‬‬
‫ﮤ ﮥ ﮦﮧ‬ ‫ﮚ ﮛ ﮜ ﮝ ﮞ ﮟ ﮠ ﮡ ﮢ ﮣ‬ ‫ﭿﮘ ﮙ‬
‫ﯝ ﯞ ﯟ‬ ‫ﮨ ﮩ ﮪﮫ ﮬ ﮭ ﮮﮮ ﮯ ﮰ ﮱ ﯓﯔ ﯕ ﯖ ﯗ ﯘ ﯙﯚ ﯛ ﯜ‬
‫ﯠ ﯡ ﯢ ﯣ ﯤ ﭾ‪.‬‬
‫}‪ {17‬يذكر تعالى حال رسوله محمد صلى الله عليه وسلم‬
‫ومن قام مقامه من ورثته القائمين بدينه‪ .‬وحججه الموقنين‬
‫بذلك‪ ،‬وأنهم ل يوصف بهم غيرهم‪ ،‬ول يكون أحد ٌ مثلهم‪ ،‬فقال‪:‬‬
‫}أفمن كان على بّينةٍ من رّبه{‪ :‬بالوحي الذي أنزل )‪ (1‬الّله فيه‬
‫قن تلك البّينة‪} ،‬ويتلوه{؛‬ ‫مة ودلئلها الظاهرة‪ ،‬فتي ّ‬ ‫المسائل المه ّ‬
‫ن آخُر‪} ،‬شاهد ٌ منه{‪ :‬وهو‬ ‫أي‪ :‬يتلو هذه البينة والبرهان برها ٌ‬
‫ة ما‬
‫شاهد ُ الفطرة المستقيمة والعقل الصحيح‪ ،‬حين شهد حقيق َ‬
‫ه فازداد بذلك إيمانا ً إلى‬ ‫سن َ ُ‬‫ح ْ‬‫م بعقله ُ‬ ‫ه وع َل ِ َ‬‫شَرع َ ُ‬ ‫أوحاه الّله و َ‬
‫ب موسى{‪ :‬التوراة التي‬ ‫ث؛ وهو }كتا ُ‬ ‫م شاهد ٌ ثال ٌ‬ ‫إيمان ِهِ }و{ ث َ ّ‬
‫ة{ لهم‪ ،‬يشهد لهذا القرآن‬ ‫جعلها الّله }إمامًا{ للناس }ورحم ً‬
‫ن كان بهذا‬ ‫ق؛ أي‪ :‬أفم ْ‬
‫بالصدق ويوافقه فيما جاء به من الح ّ‬
‫ت لديه أدُلة‬‫ت عليه شواهد ُ اليمان وقام ْ‬ ‫الوصف‪ ،‬قد توارد ْ‬
‫ّ‬
‫اليقين؛ كمن هو في الظلمات والجهالت ليس بخارج منها؟ ل‬
‫يستوون عند الّله ول عند عباد الّله‪} .‬أولئك{؛ أي‪ :‬الذين وّفقوا‬
‫لقيام الدّلة عندهم‪ ،‬يؤمنون بالقرآن حقيقة‪ ،‬فيثمر لهم إيمانهم‬
‫ل خيرٍ في الدنيا والخرة‪.‬‬ ‫ك ّ‬
‫فْر به{؛ أي‪ :‬القرآن‪} ،‬من الحزاب{؛ أي‪ :‬سائر‬ ‫}ومن يك ُ‬
‫طوائف أهل الرض المتحّزبة على رد ّ الحق‪} ،‬فالنار موعده{‪ :‬ل‬

‫‪ -‬في )ب(‪» :‬أنزله«‪.‬‬ ‫‪1‬‬


‫مريةٍ ]منه[{؛ أي‪ :‬في أدنى‬ ‫ك في ِ‬ ‫بد ّ من وروده إليها‪} ،‬فل ت ُ‬
‫ن أكثر الناس ل يؤمنون{‪ :‬إما جهل ً‬ ‫ك‪} .‬إّنه الحقّ من رّبك ولك ّ‬ ‫ش ّ‬
‫ل‪ ،‬وإما ظلما ً وعنادا ً وبغيًا‪ ،‬وإل ّ ؛ فمن كان قص ُ‬
‫ده‬ ‫منهم وضل ً‬
‫مه مستقيمًا؛ فل بد ّ أن يؤم َ‬
‫ن به؛ لّنه يرى ما يدعوه‬ ‫حسنا ً وفَهْ ُ‬
‫ل وجه‪.‬‬‫إلى اليمان من ك ّ‬
‫ﯱﯧﯧ ﯷ ﯷ ﯷ ﯷ ﯷ ﯷﯷ‬ ‫ﯰﯧﯧ‬ ‫ﭿ ﯥ ﯦ ﯧ ﯨ ﯩ ﯪﯧﯧ ﯫﯧﯧﯬﯧﯧ ﯭﯧﯧ ﯮﯧﯧ ﯯﯧﯧ‬
‫ﯷ ﭑ‬ ‫ﯷ ﯷ ﰈ ﰉ‬ ‫ﯷ‬ ‫ﯷ ﯷ ﯷ ﯼ ﯽ ﯾ ﯿ ﯷ ﯷ ﯷ ﯷ ﯷ‬
‫ﭞﭟ ﭠ ﭡ ﭢﭣ ﭤ ﭥ‬ ‫ﭝ‬ ‫ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ‬
‫ﭱ ﭲ ﭳ ﭴ ﭵ ﭶ ﭷ ﭸ‬ ‫ﭰ‬ ‫ﭦ ﭧ ﭨ ﭩ ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ ﭯ‬
‫ﭹ ﭺ ﭻ ﭼ ﭽ ﭾ‪.‬‬
‫من افترى على الّله‬ ‫م مـ ّ‬ ‫}‪ {18‬يخبر تعالى أنه ل أحد }أظل ُ‬
‫ل من كذب على الّله بنسبة الشريك له‪،‬‬ ‫كذبًا{‪ :‬ويدخل في هذا ك ّ‬
‫فه بما ل َيليق بجلله‪ ،‬أو الخبار عنه بما لم يق ْ‬
‫ل‪ ،‬أو ادعاء‬ ‫ص َ‬
‫أو وَ َ‬
‫وة‪ ،‬أو غير ذلك من الكذب على الّله؛ فهؤلء أعظم الناس‬ ‫النب ّ‬
‫ن على رّبهم{‪ :‬ليجازَِيهم بظلمهم؛ فعندما‬ ‫ظلمٌا‪} .‬أولئك ي ُعَْرضو َ‬
‫د{؛ أي‪ :‬الذين شهدوا‬ ‫ل الشها ُ‬ ‫كم عليهم بالعقاب الشديد؛ }يقو ُ‬ ‫يح ُ‬
‫ذبوا على رّبهم أل لعنة‬ ‫عليهم بافترائهم وكذبهم‪} :‬هؤلء الذين ك َ َ‬
‫ن ظلمهم صار وصفا ً‬ ‫الّله على الظالمين{؛ أي‪ :‬لعنة ل تنقطع؛ ل ّ‬
‫لهم ملزمًا‪ ،‬ل يقبل التخفيف‪.‬‬
‫دون عن سبيل‬ ‫}‪ {19‬ثم وصف ظلمهم فقال‪} :‬الذين يص ّ‬
‫دوا بأنفسهم عن سبيل الّله‪ ،‬وهي سبيل الرسل التي‬ ‫الّله{‪ :‬فص ّ‬
‫دوا غيَرهم عنها‪ ،‬فصاروا أئمة يدعون إلى‬‫دعوا الناس إليها‪ ،‬وص ّ‬
‫ً‬ ‫ّ‬
‫النار }ويبغوَنها{؛ أي‪ :‬سبيل الله }عوجا{؛ أي‪ :‬يجتهدون في‬
‫ميلها وتشيينها وتهجينها؛ لتصير عند الناس غير مستقيمة‪،‬‬
‫ق؛ قّبحهم الّله‪} .‬وهم بالخرة‬
‫سنون الباطل؛ ويقّبحون الح ّ‬ ‫فيح ّ‬
‫هم كافرون{‪.‬‬
‫زين في الرض{؛ أي‪ :‬ليسوا‬ ‫}‪} {20‬أولئك لم يكونوا معج ِ‬
‫من‬‫فائتين الّله؛ لنهم تحت قبضته وفي سلطانه‪} ،‬وما كان لهم ِ‬
‫صلون لهم ما‬ ‫ن الّله من أولياء{‪ :‬فيدفعون عنهم المكروه َ أو يح ّ‬ ‫دو ِ‬
‫ب{؛ أي‪:‬‬ ‫ف لهم العذا ُ‬ ‫طعت بهم السباب‪} .‬يضاع ُ‬ ‫ينفعهم‪ ،‬بل تق ّ‬
‫يغّلظ ويزداد؛ لّنهم ضلوا بأنفسهم وأضّلوا غيرهم‪} .‬ما كانوا‬
‫يستطيعون السمع{؛ أي‪ :‬من بغضهم للحقّ ونفورهم عنه‪ ،‬ما‬
‫ت الّله سماعا ً ينتفعون به؛ }فما‬ ‫كانوا يستطيعون أن يسمعوا آيا ِ‬
‫ت من‬‫ة‪ .‬فّر ْ‬
‫فَر ٌ‬
‫سَتن ِ‬‫م ْ‬
‫مٌر ُ‬
‫حـ ُ‬
‫ن‪ .‬كأّنهم ُ‬‫لهم عن الت ّذ ْك َِرةِ معرضي َ‬
‫صرون{؛ أي‪ :‬ينظرون نظر عبرة وتف ّ‬
‫كر‬ ‫ورة{‪} ،‬وما كانوا يب ِ‬ ‫س َ‬‫قَ ْ‬
‫م البكم الذين ل يعقلون‪.‬‬ ‫فيما ينفعهم‪ ،‬وإنما هم كالص ّ‬
‫وتوها أعظم‬‫}‪} {21‬أولئك الذين خسروا أنفسهم{‪ :‬حيث ف ّ‬
‫ل عنهم ما كانوا يفترون{؛‬ ‫قوا أشد ّ العذاب‪} ،‬وض ّ‬ ‫الثواب واستح ّ‬
‫ن عنهم‬
‫سنونه‪ ،‬ولم تغ ِ‬ ‫ل ديُنهم الذي يدعون إليه ويح ّ‬ ‫أي‪ :‬اضمح ّ‬
‫آلهُتهم التي يعبدون من دون الّله لـ ّ‬
‫ما جاء أمُر رّبك‪.‬‬
‫قا وصدقًا‪} ،‬أنهم في الخرة هم‬ ‫}‪} {22‬ل جرم{؛ أي‪ :‬ح ّ‬
‫ده؛ لشدة‬‫الخسرون{‪ :‬حصر الخسار فيهم‪ ،‬بل جعل لهم منه أش ّ‬
‫قة من العذاب‪،‬‬ ‫حسرتهم وحرمانهم وما يعانون من المش ّ‬
‫فنستجير بالّله من حالهم‪.‬‬
‫ولما ذكر حال الشقياء؛ ذكر أوصاف السعداء وما لهم عند‬
‫الّله من الثواب‪ ،‬فقال‪:‬‬
‫ﭿ ﭾ ﭿ ﮀ ﮁ ﮂ ﮃ ﮄ ﮅ ﮆ ﮇ ﮈﮉ ﮊ ﮋ ﮌ ﮍ ﮎ ﮏ ﮐ ﮑ‬
‫ﮒ ﮓ ﮔﮕ ﮖ ﮗ ﮘﮙ ﮚ ﮛ ﮜ ﭾ ‪.‬‬
‫ن الذين آمنوا{‪ :‬بقلوبهم؛ أي‪:‬‬ ‫}‪ {23‬يقول تعالى‪} :‬إ ّ‬
‫صدقوا واعترفوا لما أمر الّله باليمان به من أصول الدين‬
‫وقواعده‪} ،‬وعملوا الصالحات{‪ :‬المشتملة على أعمال القلوب‬
‫خَبتوا إلى رّبهم{؛ أي‪ :‬خضعوا له‬ ‫والجوارح وأقوال اللسان‪} ،‬وأ ْ‬
‫واستكانوا لعظمته وذلوا لسلطانه‪ ،‬وأنابوا إليه بمحبته وخوفه‬
‫ورجائه والتضّرع إليه‪} .‬أولئك{‪ :‬الذين جمعوا تلك الصفات‪،‬‬
‫ب الجنة هم فيها خالدون{‪ :‬لنهم لم يتركوا من الخير‬ ‫}أصحا ُ‬
‫مطلبا ً إل أدركوه‪ ،‬ول خيرا ً إل َ‬
‫سَبقوا إليه‪.‬‬
‫ل الفريقين{؛ أي‪ :‬فريق الشقياء وفريق‬ ‫مث َ ُ‬‫}‪َ } {24‬‬
‫م{‪ :‬هؤلء الشقياء‪} .‬والبصير‬ ‫السعداء‪} ،‬كالعمى والص ّ‬
‫ل{؟ ل يستوون مث ً‬
‫ل‪،‬‬ ‫مَثل السعداء‪} .‬هل يستويان مث ً‬ ‫والسميع{‪َ :‬‬
‫كرون{‪:‬‬ ‫فْرق ما ل يأتي عليه الوصف‪} .‬أفل ت َذ َ ّ‬ ‫بل بينهما من ال َ‬
‫العمال التي تنفعكم فتفعلونها‪ ،‬والعمال التي تضّركم فتتركونها‪.‬‬
‫ﭿ ﮝ ﮞ ﮟ ﮠ ﮡ ﮢ ﮣ ﮤ ﮥ ﮦ ﮧ ﮨ ﮩ ﮪ ﮫﮬ ﮭ ﮮﮮ ﮯ ﮰ‬
‫ﯙ ﯚ ﯛ ﯜ ﯝ ﯞ ﯟ ﯠ ﯡ ﯢ ﯣ ﯤ ﯥ ﯦ ﯧ ﯨ ﯩ‬ ‫ﮱ ﯓ ﯔ ﯕ ﯖ ﯗ ﯘ‬
‫ﯷ ﯷ ﯷ ﯷ ﯼ‬ ‫ﯪﯧﯧ ﯫﯧﯧ ﯬﯧﯧ ﯭﯧﯧ ﯮﯧﯧ ﯯﯧﯧ ﯰﯧﯧ ﯱﯧﯧ ﯷ ﯷ ﯷ ﯷ ﯷ ﯷ‬
‫ﯷ ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕﭖ ﭗ ﭘ ﭙ‬ ‫ﯽ ﯾ ﯿ ﯷ ﯷ ﯷ ﯷ ﯷ ﯷ‬
‫ﭚ ﭛﭜ ﭝ ﭞ ﭟ ﭠ ﭡ ﭢ ﭣ ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ ﭨ ﭩ ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ‬
‫ﭮ ﭯ ﭰ ﭱﭲ ﭳ ﭴ ﭵ ﭶ ﭷ ﭸ ﭹ ﭺ ﭻ ﭼ ﭽ ﭾ ﭿ ﮀ ﮁ‬
‫ﮕ ﮖ‬ ‫ﮂ ﮃ ﮄ ﮅ ﮆ ﮇ ﮈ ﮉ ﮊ ﮋﮌ ﮍ ﮎ ﮏ ﮐ ﮑﮒ ﮓ ﮔ‬
‫ﮗ ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ ﮜ ﮝ ﮞ ﮟ ﮠ ﮡ ﮢ ﮣ ﮤ ﮥ ﮦ ﮧ ﮨ ﮩ ﮪ‬
‫ﯜ ﯝ‬ ‫ﯔ ﯕ ﯖ ﯗ ﯘ ﯙ ﯚ ﯛ‬ ‫ﮫ ﮬ ﮭ ﮮﮮ ﮯ ﮰ ﮱ ﯓ‬
‫ﯞ ﯟﯠ ﯡ ﯢ ﯣ ﯤ ﯥ ﯦ ﯧ ﯨﯩ ﯪﯧﯧ ﯫﯧﯧ ﯬﯧﯧ ﯭﯧﯧ ﯮﯧﯧ ﯯﯧﯧ ﯰﯧﯧ ﯱﯧﯧ ﯷ ﯷ ﯷ ﯷ‬
‫ﯷ ﯷ ﯷ ﯷ‬ ‫ﯽ ﯾ ﯿ ﯷ ﯷ ﯷ ﯷ‬ ‫ﯷ ﯷ ﯷ ﯷ ﯷ ﯷ ﯼ‬
‫ﰉ ﯷ ﯷ ﯷ ﯷ ﰎﯷ ﯷ ﯷ ﰒ ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ‬ ‫ﰈ‬
‫ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ ﭨ ﭩ ﭪ ﭫ ﭬ‬ ‫ﭚﭛ ﭜ ﭝ ﭞ ﭟ ﭠ ﭡ ﭢ ﭣ‬
‫ﭭ ﭮ ﭯ ﭰ ﭱ ﭲ ﭳ ﭴ ﭵ ﭶ ﭷ ﭸ ﭹ ﭺ ﭻ ﭼ ﭽ ﭾ ﭿ‬
‫ﮒ ﮓ‬ ‫ﮀ ﮁ ﮂ ﮃ ﮄ ﮅﮆ ﮇ ﮈ ﮉ ﮊ ﮋ ﮌ ﮍ ﮎ ﮏ ﮐ ﮑ‬
‫ﮡ ﮢ ﮣ ﮤ ﮥ ﮦ‬ ‫ﮗ ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ ﮜ ﮝ ﮞ ﮟ ﮠ‬ ‫ﮔﮕ ﮖ‬
‫ﮧ ﮨ ﮩ ﮪ ﮫ ﮬ ﮭ ﮮﮮ ﮯ ﮰ ﮱ ﯓ ﯔ ﯕ ﯖﯗ ﯘ ﯙ ﯚ ﯛ ﯜ ﯝ‬
‫ﯞ ﯟ ﯠ ﯡﯢ ﯣ ﯤ ﯥ ﯦ ﯧ ﯨ ﯩ ﯪﯧﯧ ﯫﯧﯧ ﯬﯧﯧ ﯭﯧﯧ ﯮﯧﯧ ﯯﯧﯧ ﯰﯧﯧ ﯱﯧﯧ ﯷ ﯷ ﯷ ﯷ ﯷﯷ‬
‫ﯷ ﯷ ﯷ ﯷ ﯷ ﰈ ﰉ ﯷ‬ ‫ﯷ ﯷ ﯷ ﯷ ﯼ ﯽ ﯾ ﯿ ﯷ ﯷ ﯷ‬
‫ﭙ ﭚ ﭛﭜ ﭝ ﭞ ﭟ ﭠ ﭡ‬ ‫ﭔ ﭕ ﭖﭗ ﭘ‬ ‫ﯷ ﯷ ﭑ ﭒ ﭓ‬
‫ﭯ ﭰ ﭱ ﭲ ﭳ‬ ‫ﭣﭤ ﭥ ﭦ ﭧ ﭨ ﭩ ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ‬ ‫ﭢ‬
‫ﭴ ﭵ ﭶ ﭷﭸ ﭹ ﭺ ﭻ ﭼ ﭽ ﭾ ﭿ ﮀ ﮁ ﮂ ﮃ ﮄ ﮅ ﮆ ﮇ ﮈ‬
‫ﮉ ﮊ ﮋﮌ ﮍ ﮎ ﮏ ﮐ ﮑ ﮒ ﮓ ﮔ ﮕ ﮖ ﮗ ﮘ ﮙ ﮚﮛ ﮜ‬
‫ﮞ ﮟ ﮠ ﮡ ﮢ ﮣ ﮤﮥ ﮦﮧ ﮨ ﮩ ﮪ ﮫ ﭾ ‪.(1) .‬‬ ‫ﮝ‬
‫}‪ {25‬أي‪} :‬ولقد أرسْلنا نوحًا{‪ :‬أول المرسلين }إلى‬
‫قومه{‪ :‬يدعوهم إلى الله وينهاهم عن الشرك‪ ،‬فقال‪} :‬إني لكم‬
‫ت لكم ما أنذرتكم به بيانا ً زال به الشكال‪.‬‬ ‫ن{؛ أي‪ :‬بين ُ‬ ‫نذيٌر مبي ٌ‬
‫}‪} {26‬أن ل تعُبدوا إل ّ الّله{؛ أي‪ :‬أخلصوا العبادة لّله‬
‫ف عليكم‬ ‫ل ما ُيعبد من دون الّله‪} .‬إني أخا ُ‬ ‫وحده‪ ،‬واتركوا ك ّ‬
‫ن لم تقوموا بتوحيد الّله وتطيعوني‪.‬‬ ‫ب يوم أليم{‪ :‬إ ْ‬ ‫عذا َ‬
‫ه{؛ أي‪ :‬الشراف‬ ‫م ِ‬‫فروا من قو ِ‬ ‫}‪} {27‬فقال المل الذين ك َ َ‬
‫ت العادة‬ ‫جَر ِ‬ ‫دين لدعوة نوح عليه السلم كما َ‬ ‫والرؤساء را ّ‬
‫من رد ّ دعوة المرسلين }ما نراك إل بشرا ً‬ ‫لمثالهم أّنهم أول َ‬
‫مثَلنا{‪ :‬وهذا مانعٌ بزعمهم عن اّتباعه‪ ،‬مع أنه في نفس المر هو‬
‫قوا‬ ‫كن البشُر أن يتل ّ‬ ‫ن البشر يتم ّ‬ ‫ب الذي ل ينبغي غيره؛ ل ّ‬ ‫الصوا ُ‬
‫ر؛ بخلف الملئكة‪} .‬وما نراك اّتبعك إل‬ ‫ل أم ٍ‬‫عنه ويراجعوه في ك ّ‬
‫فلة ـ‬ ‫س َ‬
‫ل وال ّ‬‫الذين هم أراذ ُِلنا{؛ أي‪ :‬ما نرى اّتبعك مّنا إل الراذ ُ‬
‫ف وأهل العقول‪ ،‬الذين انقادوا‬ ‫بزعمهم ـ وهم في الحقيقة الشرا ُ‬
‫ق‪ ،‬ولم يكونوا كالراذل الذين ُيقال لهم‪ :‬المل‪ ،‬الذين اّتبعوا‬ ‫للح ّ‬
‫د‪ ،‬واّتخذوا آلهة من الحجر والشجر يتقّربون إليها‬ ‫مري ٍ‬
‫كل شيطان َ‬
‫ويسجدون لها؛ فهل ترى أرذل من هؤلء وأخس؟! وقولهم‪:‬‬
‫كر وروّية‪ ،‬بل بمجّرد‬ ‫}باد ِيَ الرأي{؛ أي‪ :‬إنما اّتبعوك من غير تف ّ‬
‫ما دعوتهم اّتبعوك؛ يعنون بذلك أنهم ليسوا على بصيرةٍ من‬
‫ة العقول‪،‬‬ ‫ن تدعو إليه بداه ُ‬ ‫ن الحقّ المبي َ‬ ‫أمرهم‪ ،‬ولم يعلموا أ ّ‬
‫ققونه‪ ،‬ل كالمور‬ ‫وبمجّرد ما يصل إلى أولي اللباب يعرفونه ويتح ّ‬
‫‪ -‬في )ب(‪ :‬إلى آخر القصة‪.‬‬ ‫‪1‬‬
‫مل وفكر طويل‪} .‬وما نرى لكم علينا‬ ‫الخفّية التي تحتاج إلى تأ ّ‬
‫من فضل{؛ أي‪ :‬لستم أفضل منا فننقاد ُ لكم‪} ،‬بل نظّنكم‬
‫كاذبين{‪ :‬وكذبوا في قولهم هذا؛ فإّنهم رأوا من اليات التي جعلها‬
‫م على صدقه‪.‬‬ ‫ب لهم الجزم التا ّ‬ ‫ج ُ‬ ‫الّله مؤّيدة لنوح ما يو ِ‬
‫ح مجاوبًا‪} :‬يا قوم أرأيُتم إن‬ ‫}‪ {28‬ولهذا }قال{ لهم نو ٌ‬
‫ت على بّينةٍ من رّبي{؛ أي‪ :‬على يقين وجزم؛ يعني‪ :‬وهو‬ ‫كن ُ‬
‫ل في‬ ‫ح ّ‬ ‫الرسول الكامل القدوة‪ ،‬الذي ينقاد له أولو اللباب‪ ،‬وتضم ِ‬
‫قا؛ فإذا‬ ‫جنب عقله عقول الفحول من الرجال‪ ،‬وهو الصادق ح ّ‬
‫قال‪ :‬إني على بّينة من رّبـي؛ فحسُبك بهذا القول شهادة ً له‬
‫ي وأرسلني‬ ‫ة من عنده{؛ أي‪ :‬أوحى إلـ ّ‬ ‫وتصديقًا‪} .‬وآتاني رحم ً‬
‫ت عليكم{؛ أي‪ :‬خفيت عليكم وبها‬ ‫مي َ ْ‬‫ي بالهداية‪} ،‬فعُ ّ‬ ‫ن علـ ّ‬‫وم ّ‬
‫ققناه‪ ،‬وشككتم‬ ‫رهكم على ما تح ّ‬ ‫مكموها{؛ أي‪ :‬أن ُك ْ ِ‬ ‫تثاقلتم‪} ،‬أن ُل ْزِ ُ‬
‫ت به‪ ،‬ليس‬ ‫ن حّتى حرصُتم على رد ّ ما جئ ُ‬ ‫أنتم فيه‪ .‬وأنتم كارهو َ‬
‫من يقيننا فيه‪ ،‬ول قولكم وافتراؤكم‬ ‫ذلك ضاّرنا‪ ،‬وليس بقادح ِ‬
‫دا لكم أنتم‬ ‫ما كّنا عليه‪ ،‬وإّنما غايته أن يكون صا ّ‬ ‫دا لنا ع ّ‬ ‫علينا صا ّ‬
‫وموجبا ً لعدم انقيادكم للحقّ الذي تزعمون أّنه باطل؛ فإذا وصلت‬
‫الحال إلى هذه الغاية؛ فل نقدر على إكراهكم على ما أمر الّله‬
‫مكموها وأنتم لها‬ ‫ول إلزامكم ما نفرُتم عنه‪ ،‬ولهذا قال‪} :‬أن ُل ْزِ ُ‬
‫كارهون{؟!‬
‫}‪} {29‬ويا قوم ل أسأُلكم عليه{؛ أي‪ :‬على دعوتي إياكم‬
‫ن أجرِيَ إل ّ على الّله{‪ :‬وكأنهم‬ ‫ل{‪ :‬فتستثقلون المغرم‪} ،‬إ ْ‬ ‫}ما ً‬
‫طلبوا منه طرد َ المؤمنين الضعفاء‪ ،‬فقال لهم‪} :‬وما أنا بطاردِ‬
‫قاهم‬ ‫الذين آمنوا{؛ أي‪ :‬ما ينبغي لي ول َيليق بي ذلك‪ ،‬بل أتل ّ‬
‫بالّرحب والكرام والعزاز والعظام‪} ،‬إّنهم ملقو رّبهم{‪:‬‬
‫فمثيبهم على إيمانهم وتقواهم بجنات النعيم‪} .‬ولكّني أراكم قوما ً‬
‫تجهلون{‪ :‬حيث تأمرونني بطرد أولياء الّله وإبعادهم عّني‪ ،‬وحيث‬
‫ق‬
‫رددُتم الحقّ لنهم أتباعه‪ ،‬وحيث استدللتم على بطلن الح ّ‬
‫بقولكم‪ :‬إني بشٌر مثلكم‪ ،‬وإّنه ليس لنا عليكم من فضل‪.‬‬
‫صرني من الّله إن ط ََرد ُْتهم{؛ أي‪:‬‬ ‫من ين ُ‬ ‫}‪} {30‬ويا قوم ِ َ‬
‫ن طردهم موجب للعذاب والّنكال الذي‬ ‫ه؛ فإ ّ‬ ‫من يمنعني من عذاب ِ ِ‬ ‫َ‬
‫ن{‪ :‬ما هو النفع لكم‬ ‫ّ‬
‫ل يمنعه من دون الله مانع‪} .‬أفل تذكرو َ‬ ‫ّ‬
‫والصلح وتدّبرون المور؟!‬
‫ب ول‬ ‫ن الّله ول أعلم الغي َ‬ ‫}‪} {31‬ول أقول لكم عندي خزائ ُ‬
‫شركم‬ ‫ل الّله إليكم؛ أب ّ‬ ‫ك{؛ أي‪ :‬غايتي أني رسو ُ‬ ‫مل َ ٌ‬ ‫ل إني َ‬ ‫أقو ُ‬
‫وأنذركم‪ ،‬وما عدا ذلك؛ فليس بيدي من المر شيء‪ ،‬فليست‬
‫من أشاء‪.‬‬ ‫م َ‬ ‫حُر ُ‬‫ن أشاء وأ ْ‬ ‫م ْ‬‫خزائن الّله عندي أدّبرها أنا وأعطي َ‬
‫ركم وبواطنكم‪} ،‬ول أقو ُ‬
‫ل‬ ‫ب{‪ :‬فأخبركم بسرائ ِ ِ‬ ‫م الغي َ‬
‫}ول أعل ُ‬
‫ة‬
‫ة فوق رتبتي‪ ،‬ول منزل ً‬ ‫دعي رتب ً‬ ‫مَلك{‪ :‬والمعنى أني ل أ ّ‬ ‫إني َ‬
‫سوى المنزلة التي أنزلني الّله بها‪ ،‬ول أحكم على الناس بظّني‪،‬‬
‫دري أعُينكم{؛ أي‪ :‬الضعفاء )‪ (1‬المؤمنين‬ ‫فل }أقول للذين ت َْز َ‬
‫الذين يحتقرهم المل الذين كفروا؛ }لن يؤتيهم الّله خيرا ً الل ّ ُ‬
‫ه‬
‫ن في إيمانهم؛ فلهم‬ ‫سهم{‪ :‬فإن كانوا صادقي َ‬ ‫أعلم بما في أنف ِ‬
‫ً‬ ‫ّ‬
‫الخير الكثير‪ ،‬وإن كانوا غير ذلك؛ فحسابهم على الله‪} .‬إني إذا{؛‬
‫ظالمين{‪ :‬وهذا تأييس‬ ‫دم‪} ،‬لـمن ال ّ‬ ‫ما تق ّ‬ ‫ت لكم شيئا ً م ّ‬ ‫أي‪ :‬إن قل ُ‬
‫مهِ أن ينبذ َ فقراء المؤمنين أو‬ ‫منه عليه الصلة والسلم لقو ِ‬
‫طرق المقنعة للمنصف‪.‬‬ ‫يمقتهم‪ ،‬وتقنيع لقومه بال ّ‬
‫ف عما كان عليه من دعوتهم ولم‬ ‫}‪ {32‬فلما رأوه ل ينك ّ‬
‫جدالنا‬ ‫ت ِ‬‫ح قد جاد َْلتنا فأكثر َ‬‫يدِركوا منه مطلوَبهم؛ }قالوا يا نو ُ‬
‫ت من الصادقين{‪ :‬فما‬ ‫ن كن َ‬‫ب[ }إ ْ‬ ‫دنا{ ]من العذا ِ‬ ‫فأِتنا بما ت َعِ ُ‬
‫ث قالوا هذه المقالة لنّبيهم الناصح؛ فهل ّ‬ ‫ّ‬
‫أجهلهم وأضلهم! حي ُ‬
‫ت علينا ودعوَتنا‬ ‫ح! قد نصحَتنا وأشفق َ‬ ‫قالوا إن كانوا صادقين‪ :‬يا نو ُ‬
‫إلى أمرٍ لم يتبيّـن لنا فنريد ُ منك أن تبّينه لنا لننقاد َ لك‪ ،‬وإل ّ فأنت‬
‫ي‬
‫ع َ‬ ‫مشكوٌر في نصحك؛ لكان هذا الجواب المنصف للذي قد د ُ ِ‬
‫إلى أمرٍ خفي عليه‪ ،‬ولكنهم في قولهم كاذبون‪ ،‬وعلى نبيهم‬
‫دوه‬ ‫دوا ما قاله بأدنى شبهةٍ فضل ً عن أن ير ّ‬ ‫متجّرئون‪ ،‬ولم ير ّ‬
‫جة‪ ،‬ولهذا عدلوا من جهلهم وظلمهم إلى الستعجال بالعذاب‬ ‫بح ّ‬
‫وتعجيز الّله‪.‬‬
‫ح عليه السلم بقوله‪} :‬إّنما يأتيكم‬ ‫}‪ {33‬ولهذا أجابهم نو ٌ‬
‫ت مشيئته وحكمُته أن ي ُن ْزَِله بكم؛‬
‫به الّله إن شاَء{؛ أي‪ :‬إن اقتض ْ‬
‫جزين{‪ :‬لّله‪ ،‬وأنا ليس بيدي من المر‬ ‫فعل ذلك‪} ،‬وما أنتم بمع ِ‬
‫شيٌء‪.‬‬
‫ح لكم إن كان‬ ‫ص َ‬ ‫ن أن َ‬‫تأ ْ‬ ‫ن أرد ُ‬ ‫}‪} {34‬ول ينفعكم ُنصحي إ ْ‬
‫ة؛ فإّنه إذا أراد أن‬ ‫الّله يريد ُ أن ي ُغْوَِيكم{؛ أي‪ :‬إن إرادة الّله غالب ٌ‬
‫م‬‫ت لكم أت ّ‬‫ت غاية مجهودي ونصح ُ‬ ‫ق؛ فلو حرص ُ‬ ‫م الح ّ‬
‫دك ُ‬
‫يغوَِيكم لر ّ‬
‫الّنصح ـ وهو قد فعل عليه السلم ـ؛ فـلـيس ذلك بنافع لكم شيئا‪ً.‬‬
‫د‪} ،‬وإليه‬
‫كم فيكم بما ُيري ُ‬ ‫ل بكم ما يشاء ويح ُ‬ ‫}هو رّبكم{‪ :‬يفع ُ‬
‫جعون{‪ :‬فيجازيكم بأعمالكم‪.‬‬ ‫ت ُْر َ‬
‫ل أن يعود‬‫ن افتراه{‪ :‬هذا الضمير محتم ٌ‬ ‫}‪} {35‬أم يقولو َ‬
‫ن‬
‫ن المعنى‪ :‬إ ّ‬ ‫إلى نوح كما كان السياق في قصت ِهِ مع قومه‪ ،‬وأ ّ‬
‫ب بالوحي الذي يزعم‬ ‫قومه يقولون‪ :‬افترى على الّله كذبًا‪ ،‬وك َذ َ َ‬

‫‪ -‬في )ب(‪» :‬لضعفاء«‪.‬‬ ‫‪1‬‬


‫ي‬
‫ن افتريُته فعلـ ّ‬ ‫لإ ِ‬ ‫ن الّله أمره أن يقول‪} :‬ق ْ‬ ‫أّنه من الّله‪ ،‬وأ ّ‬
‫ل عليه وزره‪} ،‬ول ت َزُِر‬ ‫رمون{؛ أي‪ :‬ك ّ‬ ‫ج ِ‬ ‫إجرامي وأنا بريء مما ُتـ ْ‬
‫ي محمد ٍ صلى‬ ‫وازرة ٌ وِْزَر أخرى{‪ .‬وُيحتمل أن يكون عائدا ً إلى النب ّ‬
‫ة في أثناء قصة نوح‬ ‫الله عليه وسلم‪ ،‬وتكون هذه الية معترض ً‬
‫وقومه؛ لّنها من المور التي ل يعلمها إل النبياء‪ ،‬فلما شرع الّله‬
‫صها على رسوله‪ ،‬وكانت من جملة اليات الداّلة على‬ ‫في ق ّ‬
‫م‪ ،‬فقال‪} :‬أم‬ ‫صدقه ورسالته؛ ذكر تكذيب قومه له‪ ،‬مع البيان التا ّ‬
‫ن افتراه{؛ أي‪ :‬هذا القرآن اختلقه محمد ٌ من تلقاء نفسه؛‬ ‫يقولو َ‬
‫أي‪ :‬فهذا من أعجب القوال وأبطلها؛ فإّنهم يعلمون أّنه لم يقرأ‬
‫ل عنهم لدراسة على أهل الكتب‪ ،‬فجاء بهذا‬ ‫ب ولم يرح ْ‬ ‫ولم يكت ْ‬
‫داهم أن يأتوا بسورةٍ من مثله؛ فإذا زعموا مع‬ ‫الكتاب الذي تح ّ‬
‫م أّنهم معاندون‪ ،‬ولم يبقَ فائدة ٌ في حجاجهم‪،‬‬ ‫هذا أّنه افتراه؛ ع ُل ِ َ‬
‫ن‬
‫لإ ِ‬ ‫ض عنهم‪ ،‬ولهذا قال‪} :‬ق ْ‬ ‫بل اللئق في هذه الحال العرا ُ‬
‫ي إجرامي{؛ أي‪ :‬ذنبي وكذبي‪} .‬وأنا بريٌء مما‬ ‫ه فعل ّ‬ ‫افتريت ُ ُ‬
‫جون في تكذيبي؟‬ ‫رمون{؛ أي‪ :‬فلم تستل ِ ّ‬ ‫تج ِ‬
‫ك إل ّ‬ ‫م َ‬‫من قو ِ‬ ‫ن ِ‬ ‫م َ‬ ‫}‪ {36‬وقوله‪} :‬وأوحي إلى نوح أّنه لن يؤ ِ‬
‫س بما كانوا يفعلون{؛ أي‪:‬‬ ‫ن{؛ أي‪ :‬قد قسوا }فل تبتئ ِ ْ‬ ‫ن قد آم َ‬ ‫م ْ‬
‫َ‬
‫قَتهم وأحقّ عليهم‬ ‫م َ‬
‫ن الله قد َ‬‫ّ‬ ‫ل بهم وبأفعالهم؛ فإ ّ‬ ‫ن ول تبا ِ‬ ‫فل تحز ْ‬
‫د‪.‬‬
‫عذابه الذي ل ير ّ‬
‫ى‬
‫حينا{؛ أي‪ :‬بحفظنا ومرأ ً‬ ‫ك بأعُيننا ووَ ْ‬ ‫فل ْ َ‬‫}‪} {37‬واصنع ال ُ‬
‫مّنا وعلى مرضاتنا‪} ،‬ول تخاط ِْبني في الذين ظلموا{؛ أي‪ :‬ل‬
‫مغَْرقون{؛ أي‪ :‬قد حقّ عليهم‬ ‫جْعني في إهلكهم‪} ،‬إّنهم ُ‬ ‫ترا ِ‬
‫فذ َ فيهم القدُر‪.‬‬ ‫ل‪ ،‬ون َ َ‬ ‫القو ُ‬
‫ل يصنع الفلك‪} ،‬وكلما مّر عليه‬ ‫جعَ َ‬‫ل أمر رّبه‪ ،‬و َ‬ ‫}‪ {38‬فامتث َ‬
‫خروا‬ ‫س َ‬ ‫خروا منه قال إن ت َ ْ‬ ‫س ِ‬‫ه{‪ :‬ورأوا ما يصنع‪َ } ،‬‬ ‫م ِ‬ ‫مل من قو ِ‬
‫ن{‪.‬‬ ‫خرو َ‬ ‫خُر منكم كما تس َ‬ ‫مّنا{‪ :‬الن‪} ،‬فإّنا نس َ‬
‫ل عليه‬ ‫ح ّ‬ ‫خزيه وي َ ِ‬ ‫ب ُيـ ْ‬ ‫من يأتيه عذا ٌ‬ ‫ن َ‬‫ف تعلمو َ‬ ‫}‪} {39‬فسو َ‬
‫ل بهم‬ ‫ن أم أنتم؟ وقد علموا ذلك حين ح ّ‬ ‫م{‪ :‬نح ُ‬ ‫ب مقي ٌ‬ ‫عذا ٌ‬
‫العقاب‪.‬‬
‫ت نزول العذاب‬ ‫}‪} {40‬حّتى إذا جاء أمُرنا{؛ أي‪ :‬قدُرنا بوق ِ‬
‫جر‬ ‫بهم‪} ،‬وفار التّنور{؛ أي‪ :‬أنزل الّله السماء بالماء المنهمر‪ ،‬وف ّ‬
‫ل النار في العادة‬‫الرض كّلها عيونًا‪ ،‬حتى التنانير التي هي مح ّ‬
‫جرت‪ ،‬فالتقى الماُء على أمرٍ قد قُد َِر‪،‬‬ ‫وأبعد ما يكون عن الماء تف ّ‬
‫ل زوجين اثنين{؛ أي‪ :‬من ك ّ‬
‫ل‬ ‫من ك ّ‬ ‫}قُْلنا{ لنوح‪} :‬احم ْ‬
‫ل فيها ِ‬
‫دة سائر‬‫صنف من أصناف المخلوقات ذكر وأنثى؛ لتبقى ما ّ‬
‫ن السفينة‬ ‫الجناس‪ ،‬وأما بقّية الصناف الزائدة عن الزوجين؛ فل ّ‬
‫من كان‬ ‫ل{‪ :‬م ّ‬‫سب َقَ عليه القو ُ‬ ‫من َ‬ ‫ك إل ّ َ‬ ‫ل ُتطيق حملها‪} ،‬وأهْل َ َ‬
‫ن‬
‫م َ‬‫ن آمن و{ ـ الحال أنه ـ }ما آ َ‬ ‫م ْ‬ ‫كافرًا؛ كابنه الذي غرق‪} .‬و َ‬
‫ل{‪.‬‬‫معه إل قلي ٌ‬
‫كبوا‬ ‫مَلهم‪} :‬اْر َ‬ ‫ح لمن أمره الّله أن يح ِ‬ ‫}‪} {41‬وقال{ نو ٌ‬
‫مْرساها{؛ أي‪ :‬تجري على اسم الّله‬ ‫جريها و ُ‬ ‫مـ ْ‬ ‫فيها بسم الّله َ‬
‫ن رّبي‬ ‫وترسي )‪] (1‬على اسم الله وتجري[ بتسخيره وأمره‪} .‬إ ّ‬
‫جانا من القوم الظالمين‪.‬‬ ‫حمنا‪ ،‬ون ّ‬ ‫فَر لنا‪ ،‬وَر ِ‬ ‫م{‪ :‬حيث غ َ َ‬ ‫لغفوٌر رحي ٌ‬
‫}‪ {42‬ثم وصف جرياَنها كأّنا نشاهدها‪ ،‬فقال‪} :‬وهي تجري‬
‫ب معه }في موج كالجبال{‪ :‬والّله‬ ‫ن َرك ِ َ‬ ‫م ْ‬ ‫بهم{؛ أي‪ :‬بنوح و َ‬
‫ب معه‪،‬‬ ‫ح ابَنه{‪ :‬لما ركب ليرك َ‬ ‫ظ أهلها‪} ،‬ونادى نو ٌ‬ ‫ظها‪ ،‬وحاف ُ‬ ‫حافِ ُ‬
‫زل{‪ :‬عنهم حين ركبوا؛ أي‪ :‬مبتعدًا‪ ،‬وأراد‬ ‫معْ ِ‬ ‫}وكان{ ابُنه }في َ‬
‫كن مع‬ ‫ي اركب معنا ول ت َ ُ‬ ‫ب‪ ،‬فقال له‪} :‬يا بن ّ‬ ‫منه أن يقرب ليرك َ‬
‫الكافرين{‪ :‬فيصُيبك ما يصيبهم‪.‬‬
‫ب ]معه[‬ ‫ن َرك ِ َ‬ ‫ذبا ً لبيهِ أّنه ل ينجو إل ّ َ‬
‫م ْ‬ ‫}‪ {43‬فقال ابُنه مك ّ‬
‫مني من الماء{؛ أي‪ :‬سأرتقي‬ ‫ص ُ‬
‫السفينة‪} :‬سآوي إلى جبل ي َعْ ِ‬
‫م اليوم من أمرِ الله‬ ‫ص َ‬
‫ح‪} :‬ل عا ِ‬ ‫جبل ً أمتنع به من الماء‪ .‬فقال نو ٌ‬
‫ل ول غيُره‪ ،‬ولو تسّبب بغاية ما‬ ‫م أحدا ً جب ٌ‬ ‫م{‪ :‬فل يعص ُ‬ ‫ح َ‬‫من َر ِ‬ ‫إل ّ َ‬
‫جهِ الّله‪} ،‬وحال بيَنهما‬ ‫ما نجا إن لم ي ُن ْ ِ‬ ‫يمك ُِنه من السباب؛ َلـ َ‬
‫ن }من المغَرقين{‪.‬‬ ‫ن{ الب ُ‬ ‫ج فكا َ‬ ‫المو ُ‬
‫جى نوحا ً ومن معه؛ و}قيل يا‬ ‫ما أغَرَقهم الّله ون ّ‬ ‫}‪ {44‬فلـ ّ‬
‫ض ابَلعي ماَءك{‪ :‬الذي خرج منك‪ ،‬والذي نزل إليك‪ ،‬ابلعي‬ ‫أر ُ‬
‫الماء الذي على وجهك‪} ،‬ويا سماُء أقِلعي{‪ :‬فامت َث ََلتا لمر الّله‪،‬‬
‫ت السماء فنضب الماء من الرض‪،‬‬ ‫ض ماءها‪ ،‬وأقلع ِ‬ ‫ت الر ُ‬ ‫فابتلع ِ‬
‫وت{‬ ‫ست َ َ‬ ‫ذبين ونجاة المؤمنين‪} ،‬وا ْ‬ ‫ي المُر{‪ :‬بهلك المك ّ‬ ‫ض َ‬ ‫}وقُ ِ‬
‫ي{؛ أي‪ :‬أرست على ذلك الجبل المعروف‬ ‫ة }على الجود ّ‬ ‫السفين ُ‬
‫ُ‬
‫ل ُبعدا ً للقوم الظالمين{؛ أي‪ :‬أت ِْبعوا‬ ‫في أرض الموصل‪} ،‬وقي َ‬
‫حقا ً ل يزال معهم‪.‬‬ ‫س ْ‬ ‫ة وُبعدا ً و ُ‬ ‫بهلكهم لعن ً‬
‫ن‬
‫ن ابني من أهلي وإ ّ‬ ‫بإ ّ‬ ‫لر ّ‬ ‫ح رّبه فقا َ‬ ‫}‪} {45‬ونادى نو ٌ‬
‫ل زوجين‬ ‫ل فيها من ك ّ‬ ‫ت لي‪ :‬فاحم ْ‬ ‫ق{؛ ]أي[‪ :‬وقد قل َ‬ ‫ك الح ّ‬ ‫وعد َ َ‬
‫ف ما وَع َد َْتني به‪ .‬لعّله عليه الصلة‬ ‫خل ِ َ‬ ‫ك‪ ،‬ولـن ُتـ ْ‬ ‫اثنين وأهل َ َ‬
‫ن‬
‫نأ ّ‬ ‫ن الّله وعده بنجاة أهل ِهِ ـ ظ ّ‬ ‫ة وأ ّ‬ ‫والسلم ـ حملْته الشفق ُ‬
‫من لم يؤمن؛ فلذلك دعا رّبه بذلك‬ ‫من آمن و َ‬ ‫الوعد لعمومهم؛ َ‬
‫وض المر لحكمة الّله البالغة‪.‬‬ ‫دعاء‪ ،‬ومع هذا؛ فف ّ‬ ‫ال ّ‬

‫‪ -‬كذا في النسختين‪.‬‬ ‫‪1‬‬


‫ه له‪} :‬إّنه ليس من أهلك{‪ :‬الذين وعدُتك‬ ‫}‪ {46‬فقال الل ّ ُ‬
‫)‪(1‬‬
‫ت‬
‫دعاء الذي دعي َ‬ ‫ل غيُر صالح{؛ أي‪ :‬هذا ال ّ‬ ‫بإنجائهم‪} ،‬إّنه عم ٌ‬
‫ن ما ليس لك‬ ‫ن بالّله ول رسوله‪} ،‬فل ت َ ْ ْ‬
‫سأل ِ‬ ‫به لنجاة كافر ل يؤم ُ‬
‫ً‬
‫م{؛ أي‪ :‬ما ل تعلم عاقبته ومآله‪ ،‬وهل يكون خيرا أو غير‬ ‫به عل ٌ‬
‫ظك وعظا ً‬ ‫ن من الجاهلين{؛ أي‪ :‬إني أع ُ‬ ‫ظك أن تكو َ‬ ‫خير‪} .‬إني أع ُ‬
‫تكون به من الكاملين‪ ،‬وتنجو به من صفات الجاهلين‪.‬‬
‫ة شديدة ً على ما‬ ‫ح عليه السلم ندام ً‬ ‫م نو ٌ‬ ‫}‪ {47‬فحينئذ ٍ ند َ‬
‫ك ما ليس لي به‬ ‫ب إّنـي أعوذ ُ بك أن أسأل َ َ‬ ‫صد ََر منه‪ ،‬و }قال ر ّ‬ ‫َ‬
‫ن{‪ :‬فبالمغفرة‬ ‫مني أكن من الخاسري َ‬ ‫حـ ْ‬ ‫فْر لي وتر َ‬ ‫ّ‬
‫م وإل ت َغْ ِ‬ ‫عل ٌ‬
‫ل هذا على‬ ‫والرحمة ينجو العبد ُ من أن يكون من الخاسرين‪ .‬ود ّ‬
‫ن سؤاله لرّبه في نجاة‬ ‫م بأ ّ‬ ‫ده عل ٌ‬‫ن عن َ‬ ‫ن نوحا ً عليه السلم لم يك ْ‬ ‫أ ّ‬
‫ل في قوله‪} :‬ول تخاط ِْبني في الذين ظ ََلموا إّنهم‬ ‫م داخ ٌ‬ ‫ابنه محّر ٌ‬
‫ن دخوله في قوله‪:‬‬ ‫ده المران‪ ،‬وظ ّ‬ ‫ن{‪ ،‬بل تعارض عن َ‬ ‫مغرقو َ‬
‫ي عن الدعاء‬ ‫ل في المنه ّ‬ ‫ك{‪ ،‬وبعد هذا تبّين له أّنه داخ ٌ‬
‫)‪(2‬‬ ‫}وأهل َ َ‬
‫لهم والمراجعة فيهم‪.‬‬
‫ت عليك وعلى‬ ‫ط بسلم مّنا وبركا ٍ‬ ‫ح اهب ْ‬ ‫}‪} {48‬قيل يا نو ُ‬
‫ك{‪ :‬من الدميين وغيرهم من الزواج التي حملها‬ ‫من مع َ‬ ‫أمم مـ ّ‬
‫معه‪ ،‬فبارك الّله في الجميع‪ ،‬حتى ملؤوا أقطار الرض ونواحيها‬
‫م{؛ أي‪:‬‬ ‫ب ألي ٌ‬ ‫سهم مّنا عذا ٌ‬ ‫دنيا‪} ،‬ثم يم ّ‬ ‫م سنمّتعهم{‪ :‬في ال ّ‬ ‫}وأم ٌ‬
‫ن ك َفََر بعد ذلك؛ أحل َْلنا به‬ ‫م ْ‬
‫ن َ‬ ‫هذا النجاء ليس بمانع لنا من أ ّ‬
‫ل؛ فسيؤخذون بعد ذلك‪.‬‬ ‫مّتعوا قلي ً‬ ‫ن ُ‬ ‫العقاب‪ ،‬وإ ْ‬
‫}‪ {49‬قال الّله لنبّيه محمد صلى الله عليه وسلم بعدما‬
‫ن عليه‬ ‫م ّ‬ ‫ن َ‬ ‫م ْ‬‫ص عليه هذه القصة المبسوطة التي ل يعلمها إل ّ َ‬ ‫ق ّ‬
‫مها أنت‬ ‫ت تعل ُ‬ ‫ك ما كن َ‬ ‫ب نوحيها إلي َ‬ ‫برسالته‪} :‬تلك من أنباء الغي ِ‬
‫ل هذا{‪ :‬فيقولوا‪ :‬إّنه كان يعلمها؛ فاحمد ِ الّله‬ ‫من قَب ْ ِ‬ ‫مك ِ‬ ‫ول قو ُ‬
‫صراط‬ ‫دين القويم وال ّ‬ ‫واشك ُْره واصبْر على ما أنت عليه من ال ّ‬
‫ة للمّتقين{‪ :‬الذين يّتقون‬ ‫ن العاقب َ‬ ‫دعوة إلى الّله‪} .‬إ ّ‬ ‫المستقيم وال ّ‬
‫ك كما‬ ‫م َ‬ ‫ة على قو ِ‬ ‫الشرك وسائر المعاصي‪ ،‬فستكون لك العاقب ُ‬
‫ه‪.‬‬‫م ِ‬
‫كانت لنوح على قو ِ‬
‫ﯚﯛ ﯜ ﯝ ﯞ‬ ‫ﭿ ﮬ ﮭ ﮮﮮ ﮯﮰ ﮱ ﯓ ﯔ ﯕ ﯖ ﯗ ﯘ ﯙ‬
‫ﯪﯧﯧ ﯫﯧﯧ ﯬﯧﯧﯭﯧﯧ ﯮﯧﯧ ﯯﯧﯧ ﯰﯧﯧ ﯱﯧﯧ ﯷ ﯷ ﯷ ﯷ ﯷ‬ ‫ﯟ ﯠ ﯡ ﯢ ﯣ ﯤ ﯥﯦ ﯧ ﯨ ﯩ‬
‫ﰈ ﰉ‬ ‫ﯷ ﯷ ﯷ ﯷ ﯷ ﯼ ﯽ ﯾ ﯿ ﯷ ﯷ ﯷ ﯷ ﯷ ﯷ ﯷ ﯷ‬
‫ﯷ ﯷ ﯷ ﰎ ﯷ ﯷ ﯷ ﰒ ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗﭘ ﭙ ﭚ‬ ‫ﯷ‬
‫ﭛ ﭜ ﭝ ﭞ ﭟ ﭠ ﭡ ﭢ ﭣ ﭤﭥ ﭦ ﭧ ﭨ ﭩ ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ‬
‫دلت في ) أ ( إلى‪» :‬دعوت« بخط مغاير‪.‬‬
‫‪ -‬كذا في النسختين‪ .‬وعُ ّ‬ ‫‪1‬‬

‫‪ -‬في )ب(‪» :‬ذلك«‪.‬‬ ‫‪2‬‬


‫ﭵ ﭶ ﭷ ﭸ ﭹﭺ ﭻ ﭼ ﭽ ﭾ ﭿ ﮀ ﮁ ﮂ‬ ‫ﭴ‬ ‫ﭯ ﭰ ﭱﭲ ﭳ‬
‫ﮖ‬ ‫ﮊ ﮋ ﮌ ﮍ ﮎ ﮏ ﮐﮑ ﮒ ﮓ ﮔ ﮕ‬ ‫ﮈﮉ‬ ‫ﮃ ﮄ ﮅ ﮆ ﮇ‬
‫ﮢ ﮣ ﮤ ﮥ ﮦ ﮧ ﮨ ﮩﮪ ﮫ ﮬ‬ ‫ﮜ ﮝ ﮞ ﮟ ﮠ ﮡ‬ ‫ﮛ‬ ‫ﮗ ﮘ ﮙ ﮚ‬
‫ﯔ ﯕ ﯖ ﯗ ﯘ ﯙ ﯚ ﯛ ﯜ ﯝﯞ ﯟ ﯠ ﯡ ﯢ‬ ‫ﯓ‬ ‫ﮭ ﮮﮮ ﮯ ﮰ ﮱ‬
‫ﭾ ‪.(1) .‬‬ ‫ﯪﯧﯧ‬ ‫ﯣﯤ ﯥ ﯦ ﯧ ﯨ ﯩ‬
‫}‪ {50‬أي‪} :‬و{ أرسلنا }إلى عاٍد{‪ :‬وهم القبيلة المعروفة‬
‫في الحقاف من أرض اليمن‪} ،‬أخاهم{‪ :‬في النسب‪} ،‬هودًا{‪:‬‬
‫كنوا من الخذ عنه والعلم بصدقه‪ ،‬فقال لهم‪} :‬اعُبدوا الّله ما‬ ‫ليتم ّ‬
‫ن أنُتم إل ّ مفَترون{؛ أي‪ :‬أمرهم بعبادة الّله‬
‫لكم من إلهٍ غيُره إ ْ‬
‫ما هم عليه من عبادة غير الّله‪ ،‬وأخبرهم أّنهم قد‬ ‫وحده‪ ،‬ونهاهم ع ّ‬
‫افت ََروا على الّله الكذب في عبادتهم لغيره وتجويزهم لذلك‪،‬‬
‫ح لهم وجوب عبادة الّله وفساد عبادة ما سواه‪.‬‬ ‫ض َ‬‫ووَ ّ‬
‫}‪ {51‬ثم ذكر عدم المانع لهم من النقياد‪ ،‬فقال‪} :‬يا قوم ِ‬
‫ل أسأُلكم عليه أجرًا{؛ أي‪ :‬غرامة من أموالكم على ما دعوتكم‬
‫إليه فتقولوا‪ :‬هذا يريد ُ أن يأخذ َ أموالنا‪ ،‬وإنما أدعوكم وأعّلمكم‬
‫جرِيَ إل ّ على الذي فطرني أفل تعقلون{‪ :‬ما أدعوكم‬ ‫مجانًا‪} .‬إن أ ْ‬
‫ده‪.‬‬
‫ف المانع عن ر ّ‬‫ب لقبوله‪ ،‬منت ٍ‬ ‫إليه وأّنه موج ٌ‬
‫}‪} {52‬ويا قوم استغفروا ربكم{‪ :‬عما مضى منكم‪} ،‬ثم‬
‫توبوا إليه{‪ :‬فيما تستقبلونه بالتوبة الّنصوح والنابة إلى الّله‬
‫درارًا{‪:‬‬ ‫م ْ‬‫كم ِ‬ ‫سل السماَء علي ُ‬ ‫تعالى؛ فإّنكم إذا فعلتم ذلك؛ }ي ُْر ِ‬
‫دكم‬ ‫ب بها الرض ويكثر خيرها‪} ،‬وَيز ْ‬ ‫ص ُ‬
‫خ ُ‬‫بكثرة المطار التي َتـ ْ‬
‫وتكم{‪ :‬فإّنهم كانوا من أقوى الناس‪ ،‬ولهذا قالوا‪} :‬من‬ ‫قوة ً إلى ق ّ‬
‫وتهم‪،‬‬ ‫ة{‪ ،‬فوعدهم أّنهم إن آمنوا زادهم قوّة ً إلى ق ّ‬ ‫مّنا قوّ ً‬
‫أشد ّ ِ‬
‫}ول تتوّلوا{‪ :‬عنه؛ أي‪ :‬عن ربكم }مجرمين{؛ أي‪ :‬مستكبرين‬
‫عن عبادته‪ ،‬متجّرئين على محارمه‪.‬‬
‫ة{‪ :‬إن كان‬ ‫دين لقوله‪} :‬يا هود ُ ما جئَتنا ببّين ٍ‬ ‫}‪ {53‬فقالوا را ّ‬
‫ق‪ ،‬بل‬
‫دهم بالبينة البينة التي يقترحونها؛ فهذه غير لزمة للح ّ‬ ‫قص ُ‬
‫ل على صحة ما جاء به‪ ،‬وإن كان‬ ‫ي بآية تد ّ‬ ‫اللزم أن يأتي النب ّ‬
‫دهم أنه لم يأتهم ببّينة تشهد ُ لما قاله بالصحة؛ فقد كذبوا في‬ ‫قص ُ‬
‫ي لقومه إل ّ وبعث الّله على يديه من اليات‬ ‫ذلك؛ فإّنه ما جاء نب ّ‬
‫ما يؤمن على مثله البشر‪ ،‬ولو لم يكن له آية إل ّ دعوُته إياهم‬
‫ل عمل صالح‬ ‫لخلص الدين لّله وحده ل شريك له‪ ،‬والمر بك ّ‬
‫خُلق ذميم من الشرك بالّله‬ ‫ل ُ‬‫خُلق جميل‪ ،‬والنهي عن ك ّ‬ ‫و ُ‬
‫ل عليه هود ٌ‬ ‫ظلم وأنواع المنكرات‪ ،‬مع ما هو مشتم ٌ‬ ‫والفواحش وال ّ‬

‫‪ -‬في )ب(‪ :‬إلى آخر القصة‪.‬‬ ‫‪1‬‬


‫عليه السلم من الصفات التي ل تكون إل ّ لخيار الخلق وأصدقهم‪،‬‬
‫لكفى بها آيات وأدلة على صدقه‪ ،‬بل أهل العقول وأولو اللباب‬
‫ن هذه الية أكبر من مجّرد الخوارق التي يراها بعض‬
‫يرون أ ّ‬
‫الناس هي المعجزات فقط‪.‬‬
‫د‪ ،‬ليس‬ ‫ص واح ٌ‬ ‫ومن آياته وبّيناته الدالة على صدقه أّنه شخ ٌ‬
‫جُزهم‬ ‫خ في قومه ويناديهم ويع ِ‬ ‫له أنصار ول أعوان‪ ،‬وهو يصر ُ‬
‫ُ‬
‫شهِد ُ الل ّ َ‬
‫ه‬ ‫ت على الّله رّبـي وربكم‪} ،‬إّنـي أ ْ‬ ‫ويقول لهم‪ :‬إّني توكل ُ‬
‫ن‪ .‬من دون ِهِ فكيدوني جميعا ً ثم ل‬ ‫ركو َ‬ ‫شَهدوا أّنـي بريٌء مما تش ِ‬ ‫وا ْ‬
‫سطوة والغََلبة‪ ،‬ويريدون‬ ‫ن{‪ :‬وهم العداُء الذين لهم ال ّ‬ ‫ظرو ِ‬ ‫ُتن ِ‬
‫إطفاء ما معه من النور بأيّ طريق كان‪ ،‬وهو غير مكترث منهم‬
‫ول مبال بهم‪ ،‬وهم عاجزون ل يقدرون أن ينالوه بشيٍء من‬
‫ن‬
‫ن في ذلك ليات لقوم يعقلون‪ .‬وقولهم‪} :‬وما نح ُ‬ ‫سوء‪ ،‬إ ّ‬ ‫ال ّ‬
‫ك‬‫ك{؛ أي‪ :‬ل نترك عبادة َ آلهتنا لمجّرد قول ِ َ‬ ‫بتاِركي آلهتنا عن قول ِ َ‬
‫ن{‪ :‬وهذا‬ ‫ن لك بمؤمني َ‬ ‫ة بزعمهم‪} .‬وما نح ُ‬ ‫ت عليه بّين ً‬ ‫الذي ما أقم َ‬
‫تأييس منهم لنبّيهم هود ٍ عليه السلم في إيمانهم‪ ،‬وأنهم ل يزالون‬
‫في كفرهم يعمهون‪.‬‬
‫ض آلهتنا بسوٍء{؛‬ ‫ك بع ُ‬ ‫ل{‪ :‬فيك }إل ّ اعترا َ‬ ‫}‪} {54‬إن نقو ُ‬
‫ل؛ فسبحان‬ ‫ق ُ‬‫ت َتـْهذي بما ل ي ُعْ َ‬ ‫أي‪ :‬أصابتك بخبال وجنون‪ ،‬فصر َ‬
‫من طبع على قلوب الظالمين! كيف جعلوا أصدقَ الخلق الذي‬
‫جاء بأحقّ الحقّ بهذه المرتبة التي يستحي العاقل من حكايتها‬
‫ن الّله حكاها عنهم؟!‬ ‫عنهم‪ ،‬لول أ ّ‬
‫}‪ {55‬ولهذا بّين هود ٌ عليه الصلة والسلم أنه واثقٌ غاية‬
‫شهِد ُ‬ ‫ى‪ ،‬فقال‪} :‬إّني أ ُ ْ‬ ‫الوثوق أّنه ل يصيُبه منهم ول من آلهتهم أذ ً‬
‫شَهدوا أّنـي بريٌء مما تشركون‪ .‬من دون ِهِ فكيدوني‬ ‫الله وا ْ‬
‫كنون بها‬ ‫ل طريق تتم ّ‬ ‫ضرر كّلكم بك ّ‬ ‫جميعًا{؛ أي‪ :‬اطلبوا لـي ال ّ‬
‫ن{؛ أي‪ :‬ل تمهلوني‪.‬‬ ‫ظرو ِ‬
‫مّني‪} ،‬ثم ل ُتن ِ‬
‫ت على الّله{؛ أي‪ :‬اعتمدت في أمري كّله‬ ‫}‪} {56‬إني توكل ُ‬
‫على الّله‪} ،‬رّبـي ورّبكم{؛ أي‪ :‬هو خالق الجميع ومدّبرنا وإّياكم‪،‬‬
‫وهو الذي رّبانا‪} .‬ما من داب ّةٍ إل ّ هو آخذ ٌ بناصيتها{‪ :‬فل تتحّرك ول‬
‫ه؛ فلو اجتمعُتم جميعا ً على اليقاع بي‪ ،‬والّله لم‬ ‫كن إل بإذن ِ ِ‬ ‫تس ُ‬
‫)‪(1‬‬
‫دروا على ذلك؛ فإن سّلطكم فلحكمةٍ‬ ‫ي؛ لم تق ِ‬ ‫طكم علـ ّ‬ ‫يسل ّ ْ‬
‫ط‬‫س ٍ‬ ‫ط مستقيم{؛ أي‪ :‬على عدل وقِ ْ‬ ‫ن رّبـي على صرا ٍ‬ ‫دها‪} .‬إ ّ‬ ‫أرا َ‬
‫عهِ وأمره وفي جزائه‬ ‫وحكمةٍ وحمد ٍ في قضائه وقَد َرِهِ و]في[ شر ِ‬

‫‪ -‬في )ب(‪» :‬لحكمة«‪.‬‬ ‫‪1‬‬


‫ج أفعاُله عن الصراط المستقيم التي‬ ‫وثوابه وعقابه‪ ،‬ل تخر ُ‬
‫مد‪ ،‬وُيثنى عليه بها‪.‬‬ ‫ح َ‬‫ُيـ ْ‬
‫كم ما‬ ‫}‪} {57‬فإن توّلوا{‪ :‬عما دعوُتكم إليه‪} ،‬فقد أبلغت ُ‬
‫ُ‬
‫ف‬ ‫ة من شأنكم‪} ،‬ويستخل ِ ُ‬ ‫ي ت َب ِعَ ٌ‬‫ت به إليكم{‪ :‬فلم يبقَ علـ ّ‬ ‫سل ْ ُ‬ ‫أْر ِ‬
‫ركون به شيئًا‪} ،‬ول‬ ‫رّبـي قوما ً غيركم{‪ :‬يقومون بعبادته ول يش ِ‬
‫ن ضرركم إنما يعود ُ إليكم ؛ فالّله ل تضّره‬
‫(‬‫‪1‬‬ ‫)‬
‫تضّرونه شيئًا{‪ :‬فإ ّ‬
‫ن عمل صالحًا؛‬ ‫م ْ‬
‫)‪(2‬‬
‫ة الطائعين ‪َ ،‬‬ ‫معصية العاصين ول تنفعه طاع ُ‬
‫ظ{‪.‬‬ ‫ل شيء حفي ٌ‬ ‫ن رّبـي على ك ّ‬ ‫من أساء؛ فعليها‪} .‬إ ّ‬ ‫فلنفسه‪ ،‬و َ‬
‫}‪} {58‬ولما جاء أمُرنا{؛ أي‪ :‬عذاُبنا بإرسال الريح العقيم‬
‫جينا هودا ً‬ ‫ه كالّرميم؛ }ن ّ‬ ‫جعَل َت ْ ُ‬‫التي ما ت َذ َُر من شيء أتت عليه إل ّ َ‬
‫ظ{؛ أي‪:‬‬ ‫جْيناهم من عذاب غلي ٍ‬ ‫والذين آمنوا معه برحمةٍ مّنا ون َ ّ‬
‫عظيم شديد أحّله الّله بعاد ٍ فأصبحوا ل ُيرى إل ّ مساكُنهم‪.‬‬
‫د{‪ :‬الذين أوقع الّله بهم ما أوقعَ بظ ُْلم‬ ‫}‪} {59‬وتلك عا ٌ‬
‫حدوا بآيات رّبهم{‪ :‬ولهذا قالوا لهود‪ :‬ما جئَتنا‬ ‫ج َ‬ ‫منهم لنهم } َ‬
‫قنون لدعوته‪ ،‬وإنما عاندوا وجحدوا‪،‬‬ ‫ة! فتبيّـن بهذا أنهم متي ّ‬ ‫ببّين ٍ‬
‫ل؛ فقد عصى جميع‬ ‫ن من عصى رسو ً‬ ‫سَله{؛ ل ّ‬ ‫صوا ُر ُ‬ ‫}وع َ َ‬
‫ل جباٍر{؛ أي‪:‬‬ ‫ن دعوتهم واحدة‪} ،‬واّتبعوا أمر ك ّ‬ ‫المرسلين؛ ل ّ‬
‫د{؛ أي‪ :‬معاند ليات الّله‪،‬‬ ‫متسّلط على عباد الّله بالجبروت‪} ،‬عني ٍ‬
‫ش لهم يريد‬ ‫ل غا ّ‬ ‫ل ناصح ومشفق عليهم‪ ،‬واّتبعوا ك ّ‬ ‫وا ك ّ‬ ‫ص ْ‬‫فع َ‬
‫ّ‬
‫م أهلكهم الله‪.‬‬ ‫جَر َ‬ ‫كهم‪ ،‬ل َ‬ ‫إهل َ‬
‫ت وجيل إل‬ ‫ة{‪ :‬فكل وق ٍ‬ ‫دنيا لعن ً‬ ‫}‪} {60‬وأتبعوا في هذه ال ّ‬
‫قهم‪.‬‬ ‫م يلح ُ‬ ‫كرون به وذ ّ‬ ‫ولنبائهم القبيحة وأخبارهم الشنيعة ذ ِك ٌْر يذ َ‬
‫ن عادا ً كفروا رّبهم{؛ أي‪:‬‬ ‫ة‪} ،‬أل إ ّ‬ ‫}ويوم القيامة{‪ :‬لهم أيضا ً لعن ٌ‬
‫قهم وَرَزَقهم ورّباهم‪} .‬أل بعدا ً لعاد ٍ قوم هود{؛ أي‪:‬‬ ‫خل َ َ‬‫ن َ‬ ‫م ْ‬
‫جحدوا َ‬
‫ل شّر‪.‬‬ ‫ل خير‪ ،‬وقّربهم من ك ّ‬ ‫أبعدهم الّله عن ك ّ‬
‫ﭿ ﯫﯧﯧ ﯬﯧﯧ ﯭﯧﯧ ﯮﯧﯧ ﯯﯧﯧﯰﯧﯧ ﯱﯧﯧ ﯷ ﯷ ﯷ ﯷ ﯷ ﯷ ﯷ ﯷﯷ ﯷ ﯼ ﯽ‬
‫ﯷ ﯷ‬ ‫ﯿ ﯷ ﯷ ﯷ ﯷ ﯷﯷ ﯷ ﯷ ﰈ ﰉ ﯷ ﯷ ﯷ ﯷ ﰎ‬ ‫ﯾ‬
‫ﯷ ﯷ ﭑ ﭒ ﭓ‬ ‫ﯷ ﰒﯷ ﯷ ﯷ ﯷ ﯷ ﯷ ﯷ ﯷ ﯷ ﯷ ﯷ ﯷ ﯷ‬
‫ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ ﭝ ﭞ ﭟ ﭠ ﭡ ﭢﭣ ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ ﭨ‬
‫ﭩ ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ ﭯ ﭰ ﭱ ﭲ ﭳ ﭴ ﭵ ﭶ ﭷ ﭸ ﭹ ﭺ ﭻ‬
‫ﭼ ﭽ ﭾ ﭿ ﮀ ﮁﮂ ﮃ ﮄ ﮅ ﮆ ﮇ ﮈ ﮉ ﮊ ﮋ ﮌ ﮍ ﮎ ﮏ ﮐ ﮑ‬
‫ﮒ ﮓ ﮔﮕ ﮖ ﮗ ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ ﮜ ﮝ ﮞ ﮟ ﮠ ﮡ ﮢ ﮣ ﮤ ﮥ‬
‫ﮦ ﮧ ﮨﮩ ﮪ ﮫ ﮬ ﮭ ﮮﮮﮯ ﮰ ﮱ ﯓ ﯔ ﭾ ‪.‬‬

‫‪ -‬في )ب(‪» :‬عليكم«‪.‬‬ ‫‪1‬‬

‫‪ -‬في )ب(‪» :‬المطيعين«‪.‬‬ ‫‪2‬‬


‫د{‪ :‬وهم عاد ٌ الثانية‪،‬‬ ‫}‪ {61‬أي‪} :‬و{ أرسلنا }إلى ثمو َ‬
‫قرى‪} ،‬أخاهم{‪ :‬في‬ ‫جر ووادي ال ُ‬ ‫ح ْ‬ ‫المعروفون‪ ،‬الذين يسكنون ال ِ‬
‫النسب‪} ،‬صالحًا{‪ :‬عبد الّله ورسوله صلى الله عليه وسلم‪،‬‬
‫ل يا قوم ِ اعُبدوا الّله{؛ أي‪:‬‬ ‫يدعوهم إلى عبادة الّله وحده‪َ .‬فـ}َقا َ‬
‫كم من إلهٍ غيُره{‪ :‬ل من أهل‬ ‫حدوه وأخلصوا له الدين‪} ،‬ما ل ُ‬ ‫و ّ‬
‫السماء ول من أهل الرض‪} ،‬هو أنشأكم من الرض{؛ أي‪:‬‬
‫مَركم فيها{؛ أي‪ :‬استخلفكم فيها‬ ‫خلقكم فيها‪ ،‬فقال‪} :‬واستع َ‬
‫كنكم في الرض؛ ت َْبنون‬ ‫وأنعم عليكم بالّنعم الظاهرة والباطنة‪ ،‬وم ّ‬
‫وتغرسون وتزرعون وتحرثون ما شئتم وتنتفعون بمنافعها‬
‫وتستغلون مصالحها؛ فكما أّنه ل شريك له في جميع ذلك؛ فل‬
‫صد ََر منكم من الكفر‬ ‫تشركوا به في عبادته‪} .‬فاستغفروه{‪ :‬مما َ‬
‫جعوا‬ ‫م توبوا إليه{؛ أي‪ :‬ار ِ‬ ‫شْرك والمعاصي وأقلعوا عنها‪} ،‬ث ّ‬ ‫وال ّ‬
‫ب‬
‫ب{؛ أي‪ :‬قري ٌ‬ ‫ب مجي ٌ‬ ‫ن رّبـي قري ٌ‬ ‫إليه بالتوبة النصوح والنابة‪} .‬إ ّ‬
‫)‪(1‬‬
‫من دعاه دعاء مسألة أو دعاء عبادة يجيبه بإعطائ ِهِ سؤاله‬ ‫مـ ّ‬
‫ل الثواب‪.‬‬ ‫وَقبول عبادت ِهِ وإثابته عليها أج ّ‬
‫م‪:‬‬ ‫ب العا ّ‬ ‫ص‪ :‬فالقر ُ‬ ‫م وخا ّ‬ ‫ه تعالى نوعان ‪ :‬عا ّ‬ ‫ن قُْرب َ ُ‬‫واعلم أ ّ‬
‫قرُبه بعلمه من جميع الخلق‪ ،‬وهو المذكور في قوله تعالى‪:‬‬
‫د{‪.‬‬ ‫ب إليه من حبل الوري ِ‬ ‫ن أقر ُ‬ ‫}ونح ُ‬
‫ص ‪ :‬قرُبه من عابديه وسائليه ومحّبيه‪ ،‬وهو‬ ‫ب الخا ّ‬ ‫والقر ُ‬
‫ب{‪ ،‬وفي هذه الية‪،‬‬ ‫جد ْ واقْت َرِ ْ‬ ‫المذكوُر في قوله تعالى‪} :‬فاس ُ‬
‫ب دعوةَ‬ ‫ب أجي ُ‬ ‫وفي قوله‪} :‬وإذا سألك عبادي عّني فإّنـي قري ٌ‬
‫ب يقتضي إلطافه تعالى وإجابته‬ ‫داعي{‪ ،‬وهذا النوع قر ٌ‬ ‫ال ّ‬
‫لدعواتهم وتحقيقه لمراداتهم‪ ،‬ولهذا يقرن باسمه القريب اسمه‬
‫المجيب‪.‬‬
‫غبهم في‬ ‫ح عليه السلم ور ّ‬ ‫}‪ {62‬فلما أمرهم نبّيهم صال ٌ‬
‫دوا عليه دعوته‪ ،‬وقابلوه أشنع المقابلة‪.‬‬ ‫الخلص لّله وحده؛ ر ّ‬
‫ل هذا{؛ أي‪ :‬قد كّنا‬ ‫وا قب َ‬ ‫ج ّ‬‫ت فينا مر ُ‬ ‫ح قد كن َ‬ ‫و}قالوا يا صال ُ‬
‫مل فيك العقل والنفع‪ ،‬وهذا شهادة ٌ منهم لنبّيهم‬ ‫نرجوك ونؤ ّ‬
‫صالح‪ :‬أّنه ما زال معروفا بمكارم الخلق ومحاسن الشيم‪ ،‬وأّنه‬ ‫ً‬
‫ق‬
‫ما جاءهم بهذا المر الذي ل يوافِ ُ‬ ‫من خيار قومه‪ ،‬ولكّنه لـ ّ‬
‫ت‬
‫أهواءهم الفاسدة؛ قالوا هذه المقالة التي مضموُنها أّنك قد كن َ‬
‫ت بحالةٍ ل ُيرجى منك خيٌر‪،‬‬ ‫ت ظّننا فيك‪ ،‬وصر َ‬ ‫ل‪ ،‬والن أخلف َ‬ ‫كام ً‬
‫وذنبه ما قالوه عنه‪] ،‬وهو قولهم[‪} :‬أت َْنهانا أن نعب ُد َ ما يعب ُد ُ‬
‫ن هذا من أعظم القدح في صالح؛ كيف قَد َ َ‬
‫ح‬ ‫آباؤنا{‪ :‬وبزعمهم أ ّ‬
‫في عقولهم وعقول آبائهم الضالين؟! وكيف ينهاهم عن عبادة‬ ‫ّ‬
‫‪ -‬في )ب(‪» :‬سؤله«‪.‬‬ ‫‪1‬‬
‫ن ل ينفع ول يضّر ول يغني شيئا ً من الحجار والشجار ونحوها‪،‬‬ ‫م ْ‬‫َ‬
‫ه عليهم ت َْترى‬
‫م ُ‬
‫ل ن ِعَ ُ‬ ‫ّ‬
‫دين لله رّبهم الذي لم تز ْ‬ ‫وأمرهم بإخلص ال ّ‬
‫ل‪ ،‬الذي ما بهم من نعمةٍ إل منه‪ ،‬ول‬ ‫ه عليهم دائما ً ينزِ ُ‬
‫وإحسان ُ ُ‬
‫ك مما تدعونا إليه‬ ‫يدفع عنهم السيئات إل هو؟! }وإّننا لفي ش ّ‬
‫كا مؤّثرا ً في‬‫كين فيما دعوَتنا إليه ش ّ‬ ‫ب{؛ أي‪ :‬ما زلنا شا ّ‬ ‫ري ٍ‬
‫م ِ‬ ‫ُ‬
‫قلوبنا الريب‪.‬‬
‫حة ما دعاهم إليه؛‬ ‫}‪ {63‬وبزعمهم أّنهم لو علموا ص ّ‬
‫ة في ذلك‪ ،‬ولهذا بّين كذ َِبهم في قوله‪} :‬قال يا‬ ‫لّتبعوه‪ ،‬وهم ك َذ َب َ ٌ‬
‫ت على بّينةٍ من رّبـي{؛ أي‪ :‬برهان ويقين مّني‪،‬‬ ‫قوم ِ أرأيُتم إن كن ُ‬
‫ي برسالته ووحيه؛ أي‪:‬‬ ‫ن علـ ّ‬ ‫م ّ‬
‫ة{؛ أي‪َ :‬‬ ‫}وآتاني منه رحم ً‬
‫صُرني من‬ ‫أفأتابعكم على ما أنتم عليه وما تدعونني إليه‪} .‬فمن ين ُ‬
‫ر{؛ أي‪ :‬غير خسار وَتباب‬ ‫ه فما تزيدوَنني غير تخسي ٍ‬ ‫الّله إن عصيت ُ ُ‬
‫وضرر‪.‬‬
‫ب من‬ ‫شْر ٌ‬‫ة{‪ :‬لها ِ‬ ‫ة الّله لكم آي ً‬ ‫}‪} {64‬ويا قوم هذه ناق ُ‬
‫ب يوم معلوم‪،‬‬ ‫شْر ُ‬ ‫ضْرعها‪ ،‬ولهم ِ‬ ‫ن َ‬ ‫م ْ‬ ‫البئر يومًا‪ ،‬ثم يشربون كّلهم ِ‬
‫ل في أرض الّله{؛ أي‪ :‬ليس عليكم من مؤنتها‬ ‫ذروها تأك ُ ْ‬ ‫}فَ َ‬
‫ب‬‫ذكم عذا ٌ‬ ‫خ َ‬
‫ر؛ }فيأ ُ‬ ‫سوها بسوٍء{؛ أي‪ :‬بعق ٍ‬ ‫وعلفها شيٌء‪} ،‬ول تم ّ‬
‫ب{‪.‬‬‫قري ٌ‬
‫كم‬ ‫ح‪} :‬تمّتعوا في دارِ ُ‬ ‫}‪} {65‬فعقروها فقال{‪ :‬لهم صال ٌ‬
‫ب{‪ :‬بل ل بد ّ من وقوعه‪.‬‬ ‫ثلثة أّيام ذلك وعد ٌ غير مكذو ٍ‬
‫جْينا صالحا ً‬ ‫ما جاء أمُرنا{‪ :‬بوقوع العذاب‪} ،‬ن ّ‬ ‫}‪} {66‬فل ّ‬
‫ذ{؛ أي‪ :‬نجيناهم من‬ ‫مئ ِ ٍ‬
‫خْزي يو ِ‬ ‫ن ِ‬ ‫م ْ‬ ‫والذين آمنوا معه برحمةٍ مّنا و ِ‬
‫ن رّبك هو القويّ العزيز{‪ :‬ومن‬ ‫العذاب والخزي والفضيحة‪} .‬إ ّ‬
‫ل وأتباعهم‪.‬‬ ‫جى الرس َ‬ ‫ة ون ّ‬‫م الطاغي َ‬ ‫وته وعّزته أن أهلك الم َ‬ ‫ق ّ‬

‫}‪ {67‬وأخذت }الذين ظلموا الصيحة{‪ :‬فقطعت قلوبهم؛‬


‫}فأصبحوا في ديارهم جاثمين{؛ أي‪ :‬خامدين ل حراك لهم‪.‬‬
‫وا فيها{؛ أي‪ :‬كأنهم لما جاءهم العذاب‬ ‫}‪} {68‬كأن لم ي َغْن َ ْ‬
‫ً‬ ‫)‪(1‬‬
‫ما تمّتعوا في ديارهم ول أنسوا فيها ول تنّعموا بها يوما من‬
‫ي‪ ،‬الذي ل‬ ‫ب السرمد ّ‬ ‫م‪ ،‬وتناولهم العذا ُ‬ ‫دهر‪ ،‬قد فارقهم النعي ُ‬
‫ال ّ‬
‫فروا رّبهم{؛ أي‪:‬‬ ‫ن ثمود َ ك َ َ‬‫ينقطع‪ ،‬الذي كأنه لم يزل‪} .‬أل إ ّ‬
‫د{‪ :‬فما‬ ‫ً‬
‫ة‪} .‬أل ُبعدا ِلثمو َ‬ ‫ة المبصر ُ‬‫جحدوه بعد أن جاءتهم الي ُ‬
‫دنيا وخزيها‪.‬‬‫أشقاهم وأذّلهم! نستجير بالّله من عذاب ال ّ‬

‫‪ -‬في )ب(‪» :‬بها«‪.‬‬ ‫‪1‬‬


‫ﭿ ﮥ ﮦ ﮧ ﮨﮩ ﮪ ﮫ ﮬ ﮭ ﮮﮮﮯ ﮰ ﮱ ﯓ ﯔ ﯕ ﯖ ﯗ ﯘ ﯙ‬
‫ﯚ ﯛﯜ ﯝ ﯞﯟ ﯠ ﯡ ﯢ ﯣ ﯤ ﯥ ﯦ ﯧ ﯨ ﯩ ﯪﯧﯧ ﯫﯧﯧ ﯬﯧﯧ ﯭﯧﯧ ﯮﯧﯧ ﯯﯧﯧ ﯰﯧﯧﯱﯧﯧ ﯷ ﯷ‬
‫ﯷ ﯷ ﯷ ﯷ ﯷ ﯷ ﯼ ﯽ ﯾ ﯿ ﯷ ﯷ ﯷ ﯷ ﯷ ﭑ‬ ‫ﯷ ﯷ‬
‫ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘﭙ ﭚ ﭛ ﭜ ﭝ ﭞ ﭟ ﭠ ﭡ ﭢ ﭣﭤ ﭥ ﭦ‬
‫ﭧ ﭨ ﭩ ﭪﭫ ﭬ ﭭ ﭮ ﭯ ﭰ ﭱ ﭲ ﭳ ﭴ ﭵ ﭶ ﭷ ﭸ ﭹ ﭺ‬
‫ﮈ ﮉ ﮊ ﮋﮌ ﮍ ﮎ ﮏ‬ ‫ﭻ ﭼ ﭽ ﭾ ﭿ ﮀ ﮁ ﮂ ﮃ ﮄ ﮅﮆ ﮇ‬
‫ﮐ ﮑ ﮒ ﮓ ﮔ ﮕ ﮖ ﮗ ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ ﮜ ﮝ ﮞ ﮟ ﮠ ﮡ ﮢ ﮣ‬
‫ﮨ ﮩﮪ ﮫ ﮬ ﮭ ﮮﮮ ﮯ ﮰ ﮱﯓ ﯔ ﯕ ﯖ ﯗ ﯘ‬ ‫ﮤ ﮥ ﮦ ﮧ‬
‫ﯙﯚ ﯛ ﯜ ﯝ ﯞ ﯟ ﯠ ﯡ ﯢ ﯣ ﯤ ﯥ ﯦ ﯧ ﯨ ﯩ ﯪﯧﯧ ﯫﯧﯧ ﯬﯧﯧ ﯭﯧﯧ ﯮﯧﯧ ﯯﯧﯧ ﯰﯧﯧ ﯱﯧﯧ‬
‫ﯷ ﯷ ﯷ ﯷ ﯷ ﯷ ﯷ ﯷ ﯷ ﯷ ﯼ ﯽ ﯾ ﯿ ﯷ ﯷﯷ ﯷ ﯷ ﯷ‬
‫ﯷ ﯷ ﰈ ﰉ ﯷ ﯷ ﯷ ﯷﰎ ﯷ ﯷ ﯷ ﰒﯷ ﯷ ﯷ ﯷﯷ ﯷ ﯷ ﯷ ﯷ‬
‫ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ ﭝ ﭞ ﭟ ﭠﭡ ﭢ ﭣ ﭤ ﭥ‬
‫ﭦ ﭧ ﭾ‪.‬‬
‫سُلنا{‪ :‬من الملئكة الكرام‬ ‫ت ُر ُ‬ ‫}‪ {69‬أي‪} :‬ولقد جاء ْ‬
‫م{ الخليل }بالبشرى{؛ أي‪ :‬بالبشارة بالولد حين‬ ‫رسوَلنا }إبراهي َ‬
‫ن يمّروا على إبراهيم‬ ‫مَرهم أ ْ‬ ‫أرسلهم الّله لهلك قوم لوط وأ َ‬
‫م{؛‬ ‫شروه بإسحاق‪ ،‬فلما دخلوا عليه‪} ،‬قالوا سلما ً قال سل ٌ‬ ‫فيب ّ‬
‫أي‪ :‬سّلموا عليه ورد ّ عليهم السلم‪ .‬ففي هذا مشروعية السلم‪،‬‬
‫ن السلم قبل‬ ‫وأّنه لم يْزل من مّلة إبراهيم عليه السلم‪ ،‬وأ ّ‬
‫ن سلمهم‬ ‫الكلم‪ ،‬وأّنه ينبغي أن يكون الرد ّ أبلغَ من البتداء؛ ل ّ‬
‫ده بالجملة السمية الداّلة‬ ‫دد‪ ،‬ور ّ‬ ‫بالجملة الفعلّية الداّلة على التج ّ‬
‫م في‬ ‫على الّثبوت والستمرار‪ ،‬وبينهما فرقٌ كبيٌر؛ كما هو معلو ٌ‬
‫م لما دخلوا عليه‪} ،‬أن جاء بعجل‬ ‫ث{‪ :‬إبراهي ُ‬ ‫علم العربية‪} .‬فما ل َب ِ َ‬
‫حنيذ{؛ أي‪ :‬بادر لبيته فاستحضر لضيافه عجل ً مشوّيا على‬
‫ن‪.‬‬‫ف سمينًا‪ ،‬فقّربه إليهم فقال‪ :‬أل تأكلو َ‬ ‫ض ِ‬ ‫الّر ْ‬
‫ل إليه{؛ أي‪ :‬إلى تلك‬ ‫ما رأى أيدَيهم ل تص ُ‬ ‫}‪} {70‬فل ّ‬
‫ن أنهم أتوه بشّر‬ ‫ة{‪ :‬وظ ّ‬ ‫خيف ً‬‫هم وأوجس منهم ِ‬ ‫الضيافة‪} ،‬ن َك َِر ُ‬
‫سْلنا‬‫ف إّنا أْر ِ‬ ‫ف أمَرهم‪ ،‬فقالوا‪} :‬ل تخ ْ‬ ‫ل أن يعرِ َ‬ ‫كروه‪ ،‬وذلك قب َ‬ ‫م ْ‬
‫و َ‬
‫ل الّله‪ ،‬أرسلنا الّله إلى إهلك قوم‬ ‫ط{؛ أي‪ :‬إّنا رس ُ‬ ‫إلى قوم لو ٍ‬
‫ط‪.‬‬ ‫لو ٍ‬
‫م أضياَفه‪،‬‬ ‫ة{‪ :‬تخد ُ ُ‬ ‫}‪ {71‬وامرأة إبراهيم }قائم ٌ‬
‫جبا‪ً،‬‬‫ت بحالهم وما أرسلوا به تع ّ‬ ‫ت{‪ :‬حين سمع ْ‬ ‫حك َ ْ‬‫ض ِ‬ ‫}ف َ‬
‫ب{‪.‬‬ ‫شْرناها بإسحاقَ ومن وراِء إسحاق يعقو َ‬ ‫}فب ّ‬
‫ت يا وَْيلتا أأل ِد ُ وأنا عجوٌز‬ ‫جبت من ذلك و }قال ْ‬ ‫}‪ {72‬فتع ّ‬
‫ن هذا‬ ‫وهذا بعلي شيخًا{‪ :‬فهذان مانعان من وجود الولد‪} .‬إ ّ‬
‫ب{‪.‬‬ ‫لشيٌء عجي ٌ‬
‫ن أمره ل عجب‬ ‫جبين من أمرِ الّله{‪ :‬فإ ّ‬ ‫}‪} {73‬قالوا أت َعْ َ‬
‫مة في كل شيٍء؛ فل ُيستغرب على قدرته‬ ‫فيه؛ لنفوذ مشيئته التا ّ‬
‫شيء‪ ،‬وخصوصا ً فيما يدّبره ويمضيه لهل هذا البيت المبارك‪.‬‬
‫ه{ عليكم أهل البيت؛ أي‪ :‬ل تزال رحمته‬ ‫ة الّله وبركات ُ ُ‬ ‫}رحم ُ‬
‫وإحسانه وبركاته‪ ،‬وهي الزيادة من خيره وإحسانه وحلول الخير‬
‫د{؛ أي‪ :‬حميد‬ ‫ل البيت إّنه حميد ٌ مجي ٌ‬ ‫اللهي على العبد‪} .‬عليكم أه َ‬
‫ن أفعاله‬ ‫ن صفاته صفات كمال‪ ،‬حميد ُ الفعال؛ ل ّ‬ ‫الصفات؛ ل ّ‬
‫د{‪ :‬والمجد هو‬ ‫ط‪} .‬مجي ٌ‬ ‫س ٌ‬ ‫ل وقِ ْ‬ ‫ة وعد ٌ‬ ‫ن وجود ٌ وبّر وحكم ٌ‬ ‫إحسا ٌ‬
‫ة‬
‫ل صف ِ‬ ‫سعَُتها؛ فله صفات الكمال‪ ،‬وله من ك ّ‬ ‫عظمة الصفات و َ‬
‫مها‪.‬‬ ‫مها وأع ّ‬ ‫ل أكمُلها وأتـ ّ‬ ‫كما ٍ‬
‫ع{‪ :‬الذي أصابه من‬ ‫ب عن إبراهيم الّروْ ُ‬ ‫}‪} {74‬فلما ذ َهَ َ‬
‫ت حينئذ ٍ إلى‬ ‫خيفة أضيافه‪} ،‬وجاءْته الُبشرى{‪ :‬بالولد؛ التف َ‬
‫ن فيها لوطًا‪.‬‬ ‫ط‪ ،‬وقال لهم‪} :‬إ ّ‬ ‫مجادلة الرسل في إهلك قوم لو ٍ‬
‫ه{‪.‬‬ ‫َ‬
‫جي َّنه وأهْله إل ّ امرأت َ ُ‬ ‫من فيها ل َن ُن َ ِ‬ ‫مب َ‬ ‫ن أعل ُ‬ ‫قالوا نح ُ‬
‫ن[ وسعة‬ ‫م{؛ أي‪ :‬ذو ُ ُ‬
‫خلق ]حس ٍ‬ ‫ن إبراهيم لحلي ٌ‬ ‫}‪} {75‬إ ّ‬
‫ه{؛ أي‪ :‬متضّرع إلى‬ ‫صدر وعدم غضب عند جهل الجاهلين‪} ،‬أّوا ٌ‬
‫جاع إلى الّله بمعرفته‬ ‫ب{؛ أي‪ :‬ر ّ‬ ‫الّله في جميع الوقات‪} ،‬مني ٌ‬
‫سواه؛ فلذلك كان يجاد ِ ُ‬
‫ل‬ ‫من ِ‬ ‫ومحّبته والقبال عليه والعراض ع ّ‬
‫حّتم الّله بهلكهم‪.‬‬ ‫ن َ‬ ‫م ْ‬ ‫عن َ‬
‫ض عن هذا{‪ :‬الجدال‪.‬‬ ‫م أع ْرِ ْ‬ ‫}‪ {76‬فقيل له‪} :‬يا إبراهي ُ‬
‫ب غيُر‬ ‫}إّنه قد جاَء أمُر رّبك{‪ :‬بهلكهم‪} ،‬وإّنهم آتيهم عذا ٌ‬
‫مردوٍد{‪ :‬فل فائدة في جدالك‪.‬‬
‫سُلنا{؛ أي‪ :‬الملئكة الذين صدروا من‬ ‫}‪} {77‬ولما جاءت ر ُ‬
‫إبراهيم‪ ،‬لما أتوا }لوطا ً سيء بهم{؛ أي‪ :‬شقّ عليه مجيئهم‪،‬‬
‫ج؛ لّنه‬ ‫ب{؛ أي‪ :‬شديد ٌ حر ٌ‬ ‫م عصي ٌ‬ ‫}وضاق بهم ذ َْرعا ً وقال هذا يو ٌ‬
‫مه[ ل يتركوَنهم؛ لّنهم في صور شباب جرد ٍ مرد ٍ في‬ ‫ن ]قو َ‬ ‫علم أ ّ‬
‫غاية الكمال والجمال‪.‬‬
‫ن‬‫ه ُيـهَْرعو َ‬ ‫م ُ‬‫}‪ {78‬ولهذا وَقَعَ ما خطر بباله‪ ،‬فجاءه }قو ُ‬
‫إليه{؛ أي‪ :‬يسرعون ويبادرون يريدون أضيافه بالفاحشة التي‬
‫ت{؛‬ ‫سيئا ِ‬‫ل كانوا يعملون ال ّ‬ ‫من قَب ْ ُ‬ ‫كانوا يعملونها‪ ،‬ولهذا قال‪} :‬و ِ‬
‫أي‪ :‬الفاحشة التي ما سبقهم عليها أحد ٌ من العالمين‪} .‬قال يا‬
‫ض‬
‫ن أطهُر لكم{‪ :‬من أضيافي ـ وهذا كما ع ََر َ‬ ‫قوم هؤلِء بناتي هُ ّ‬
‫شقّ الولد‬ ‫ن صلى الله عليه وسلم على المرأتين أن ي َ ُ‬ ‫سليما ُ‬
‫ن ول‬ ‫ن بناته ممتنعٌ مناله ّ‬ ‫المختصم فيه لستخراج الحقّ ـ ولعلمه أ ّ‬
‫ن‪ ،‬والمقصود العظم دفعُ هذه الفاحشة الكبرى‪.‬‬ ‫حقّ لهم فيه ّ‬
‫ن في ضيفي{؛ أي‪ :‬إما أن ُتراعوا تقوى‬ ‫خزو ِ‬‫}فاّتقوا الّله ول ُتـ ْ‬
‫ضْيفي ول تخزوِني عندهم‪} .‬أليس‬ ‫الّله‪ ،‬وإما أن تراعوني في َ‬
‫ل على مروجهم‬ ‫جُركم‪ .‬وهذا دلي ٌ‬
‫د{‪ :‬فينهاكم ويز ُ‬ ‫ل رشي ٌ‬‫منكم رج ٌ‬
‫وانحللهم من الخير والمروءة‪.‬‬
‫ق‬
‫ك من ح ّ‬ ‫}‪ {79‬فـ}َقاُلوا{ له‪} :‬لقد علم َ‬
‫ت ما لنا في بنات ِ َ‬
‫ة في‬‫د{؛ أي‪ :‬ل نريد إل ّ الرجال‪ ،‬ول لنا رغب ٌ‬ ‫م ما نري ُ‬‫وإّنك لتعل ُ‬
‫النساء‪.‬‬
‫ن‬
‫ط عليه الصلة والسلم و }قال لو أ ّ‬ ‫}‪ {80‬فاشتد ّ قلقُ لو ٍ‬
‫ة؛ لمنعتكم‪.‬‬ ‫د{؛ كقبيلة مانع ٍ‬ ‫ن شدي ٍ‬ ‫لي بكم قوّة ً أو آوي إلى رك ٍ‬
‫وهذا بحسب السباب المحسوسة‪ ،‬وإل ّ ؛ فإّنه يأوي إلى أقوى‬
‫د‪.‬‬‫الركان‪ ،‬وهو الّله الذي ل يقوم لقوته أح ٌ‬
‫ب؛ }قالوا{‬ ‫ما ب َل َغَ المُر منتهاه واشتد ّ الكر ُ‬ ‫}‪ {81‬ولهذا لـ ّ‬
‫ن قلُبه‪} ،‬لن‬ ‫ل رّبك{؛ أي‪ :‬أخبروه بحالهم ليطمئ ّ‬ ‫له‪} :‬إّنا رس ُ‬
‫ه‪ ،‬فطمس أعيَنهم‪،‬‬ ‫ح ِ‬‫ك{‪ :‬بسوٍء‪ .‬ثم قال جبريل بجنا ِ‬ ‫صلوا إلي َ‬
‫يَ ِ‬
‫ة لوطا ً أن‬ ‫عدون لوطا ً بمجيء الصبح‪ ،‬وأمر الملئك ُ‬ ‫فانطلقوا يتو ّ‬
‫طع من الليل{؛ أي‪ :‬بجانب منه قبل الفجر‬ ‫ق ْ‬ ‫سرِيَ بأهله }ب ِ ِ‬ ‫يَ ْ‬
‫د{؛‬ ‫كم أح ٌ‬ ‫ت من ُ‬ ‫كنوا من البعد ِ عن قريتهم‪} ،‬ول يلتف ْ‬ ‫بكثير؛ ليتم ّ‬
‫فتوا إلى ما‬ ‫مكم النجاَء‪ ،‬ول تلت ِ‬ ‫أي‪ :‬بادروا بالخروج‪ ،‬وليكن هـ ّ‬
‫ك إّنه مصيُبها{‪ :‬من العذاب }ما أصابهم{؛‬ ‫وراءكم‪} ،‬إل ّ امرأت َ َ‬
‫ط إذا نزل‬ ‫ك قومها في الثم‪ ،‬فتدّلهم على أضياف لو ٍ‬ ‫لّنها تشارِ ُ‬
‫ل ذلك‪،‬‬ ‫ن لوطا ً استعج َ‬ ‫ح{‪ :‬فكأ ّ‬ ‫صب ُ‬‫دهم ال ّ‬ ‫ع َ‬‫ن مو ِ‬ ‫ف‪} .‬إ ّ‬ ‫به أضيا ٌ‬
‫ب{‪.‬‬ ‫ح بقري ٍ‬ ‫فقيل له‪} :‬أليس الصب ُ‬
‫ل العذاب وإحلله فيهم‬ ‫}‪} {82‬فلما جاء أمُرنا{‪ :‬بنزو ِ‬
‫مط َْرنا‬
‫جعَْلنا{‪ :‬ديارهم }عال َِيها سافَِلها{؛ أي‪ :‬قلبناها عليهم‪} ،‬وأ ْ‬
‫} َ‬
‫ل{؛ أي‪ :‬من حجارة النار الشديدة الحرارة‪،‬‬ ‫جي ٍ‬ ‫س ّ‬
‫عليها حجارة ً من ِ‬
‫}منضوٍد{؛ أي‪ :‬متتابعة تتبع من شذ ّ عن القرية‪.‬‬
‫ة عند رّبك{؛ أي‪ :‬معلمة عليها علمة العذاب‬ ‫وم ً‬
‫}‪} {83‬مس ّ‬
‫ن{‪ :‬الذين يشابهون لفعل قوم‬ ‫والغضب‪} ،‬وما هي من الظالمي َ‬
‫ط‪} ،‬ببعيد{‪ :‬فليحذرِ العباد ُ أن يفعلوا كفعلهم؛ لئل ّ يصيَبهم ما‬
‫لو ٍ‬
‫أصابهم‪.‬‬
‫ﭵ ﭶﭷ ﭸ ﭹ‬ ‫ﭿ ﭨ ﭩ ﭪ ﭫ ﭬﭭ ﭮ ﭯ ﭰ ﭱ ﭲ ﭳ ﭴ‬
‫ﮊ ﮋﮌ ﮍ ﮎ ﮏ‬ ‫ﭻﭼ ﭽ ﭾ ﭿ ﮀ ﮁ ﮂ ﮃ ﮄ ﮅ ﮆ ﮇ ﮈ ﮉ‬ ‫ﭺ‬
‫ﮟ ﮠ ﮡ ﮢ ﮣ ﮤ‬ ‫ﮑ ﮒ ﮓ ﮔ ﮕ ﮖ ﮗ ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ ﮜ ﮝﮞ‬ ‫ﮐ‬
‫ﯗ ﯘ ﯙ ﯚ ﯛ‬ ‫ﮦ ﮧ ﮨ ﮩ ﮪ ﮫ ﮬ ﮭ ﮮﮮ ﮯ ﮰ ﮱ ﯓ ﯔﯕ ﯖ‬ ‫ﮥ‬
‫ﯰﯧﯧﯱﯧﯧ ﯷ ﯷ ﯷ ﯷ‬ ‫ﯝ ﯞ ﯟ ﯠ ﯡ ﯢ ﯣ ﯤ ﯥ ﯦ ﯧﯨ ﯩ ﯪﯧﯧ ﯫﯧﯧ ﯬﯧﯧ ﯭﯧﯧ ﯮﯧﯧ ﯯﯧﯧ‬ ‫ﯜ‬
‫ﯷ ﯷﯷ ﯷ ﯷ ﯷ ﯼﯽ ﯾ ﯿ ﯷ ﯷ ﯷ ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ‬
‫ﭧ ﭨ ﭩ ﭪ ﭫ ﭬ‬ ‫ﭚ ﭛ ﭜ ﭝ ﭞ ﭟ ﭠ ﭡﭢ ﭣ ﭤ ﭥ ﭦ‬
‫ﭹ ﭺ ﭻ ﭼ ﭽ ﭾﭿ‬ ‫ﭭﭮ ﭯ ﭰ ﭱ ﭲ ﭳ ﭴ ﭵ ﭶ ﭷ ﭸ‬
‫ﮀ ﮁ ﮂﮃ ﮄ ﮅ ﮆ ﮇ ﮈ ﮉ ﮊ ﮋ ﮌ ﮍ ﮎ ﮏ ﮐ ﮑ ﮒﮓ ﮔ ﮕ‬
‫ﮖ ﮗ ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ ﮜ ﮝ ﮞ ﮟﮠ ﮡ ﮢ ﮣ ﮤ ﮥ ﮦ ﮧ ﮨ ﮩﮪ ﮫ‬
‫ﮬ ﮭ ﮮﮮ ﮯ ﮰ ﮱ ﯓ ﯔ ﯕ ﯖ ﯗ ﯘ ﯙ ﯚ ﯛ ﯜ ﯝ ﯞ ﯟ ﯠ ﯡ ﯢ ﯣ‬
‫ﯭﯧﯧ ﯮﯧﯧ ﯯﯧﯧ ﭾ ‪.‬‬ ‫ﯥ ﯦ ﯧﯨ ﯩ ﯪﯧﯧ ﯫﯧﯧ ﯬﯧﯧ‬ ‫ﯤ‬
‫ن{‪ :‬القبيلة المعروفة‪،‬‬ ‫}‪ {84‬أي‪} :‬و{ أرسلنا }إلى مدي َ‬
‫ن‪ ،‬في أدنى فلسطين‪} ،‬أخاهم{‪ :‬في النسب‪،‬‬ ‫مد ْي َ َ‬ ‫الذين يسكنون َ‬
‫كنون من الخذ عنه‪ ،‬فقال لهم‪:‬‬ ‫)‪(1‬‬ ‫شعيبًا{‪ :‬لّنهم يعرفونه ويتم ّ‬ ‫} ُ‬
‫}يا قوم ِ اعُبدوا الّله ما لكم من إلهٍ غيُره{؛ أي‪ :‬أخلصوا له‬
‫خسون‬ ‫ركون ]به[‪ ،‬وكانوا مع شركهم ي َب ْ َ‬ ‫العبادة؛ فإّنهم كانوا يش ِ‬
‫قصوا‬ ‫المكيال والميزان‪ ،‬ولهذا نهاهم عن ذلك‪ ،‬فقال‪} :‬ول َتن ُ‬
‫ن{‪ :‬بل أوفوا الكيل والميزان بالقسط‪} .‬إني‬ ‫كيال والميزا َ‬ ‫م ْ‬ ‫ال ِ‬
‫حة وكثرة أموال وبنين؛‬ ‫ر{؛ أي‪ :‬بنعمة كثيرةٍ وص ّ‬ ‫كم بخي ٍ‬ ‫أرا ُ‬
‫كروا الّله على ما أعطاكم‪ ،‬ول تكفروا بنعمة )‪ (2‬الّله فيزيلها‬ ‫فاش ُ‬
‫ط{؛ أي‪ :‬عذابا ً يحيط‬ ‫ب يوم محي ٍ‬ ‫ف عليكم عذا َ‬ ‫عنكم‪} .‬وإّنـي أخا ُ‬
‫ة‪.‬‬‫بكم ول ُيبقي منكم باقي ً‬
‫ط{؛ أي‪:‬‬ ‫س ِ‬ ‫ق ْ‬ ‫ل والميزان بال ِ‬ ‫}‪} {85‬ويا قوم أوفوا المكيا َ‬
‫خسوا الناس أشياءهم{؛‬ ‫ون أن تعطوه‪} ،‬ول َتب َ‬ ‫ض ْ‬
‫بالعدل الذي تر َ‬
‫أي‪ :‬ل تنقصوا من أشياء الناس‪ ،‬فتسرقوها بأخذها بنقص المكيال‬
‫ن الستمرار على‬ ‫ن{‪ :‬فإ ّ‬ ‫سدي َ‬ ‫وا في الرض مف ِ‬ ‫والميزان‪} ،‬ول ت َعْث َ ْ‬
‫ث‬
‫ك الحر َ‬ ‫دنيا ويهل ِ ُ‬ ‫دين وال ّ‬ ‫سد ُ الديان والعقائد وال ّ‬ ‫المعاصي يف ِ‬
‫والنسل‪.‬‬
‫ة الّله خيٌر لكم{؛ أي‪ :‬يكفيكم ما أبقى الّله لكم‬ ‫}‪} {86‬بقي ُ‬
‫ة وهو‬ ‫غني ٌ‬ ‫معوا في أمرٍ لكم عنه ُ‬ ‫من الخير وما هو لكم؛ فل تط َ‬
‫ن{‪ :‬فاعملوا بمقتضى اليمان‪.‬‬ ‫دا‪} ،‬إن كنُتم مؤمني َ‬ ‫ضاّر لكم ج ّ‬
‫ظ لعمالكم ووكيل‬ ‫ظ{؛ أي‪ :‬لست بحاف ٍ‬ ‫}وما أنا عليكم بحفي ٍ‬
‫ت‬‫ما أنا فأبلغكم ما أرسل ُ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬
‫عليها‪ ،‬وإّنما الذي يحفظها الله تعالى‪ ،‬وأ ّ‬
‫به‪.‬‬
‫ك ما يعبد ُ‬ ‫مُرك أن ن َت ُْر َ‬ ‫ك تأ ُ‬ ‫ب أصلت ُ َ‬ ‫شعي ُ‬ ‫}‪} {87‬قالوا يا ُ‬
‫كم بنبّيهم والستبعاد‬ ‫آباؤنا{؛ أي‪ :‬قالوا ذلك على وجه الته ّ‬
‫لجابتهم له‪ ،‬ومعنى كلمهم‪ :‬أّنه ل موجب لنهيك لنا إل ّ أنك تصلي‬
‫ك ما يعبد ُ آباؤنا‬ ‫ب لنا أن نتر َ‬ ‫ج ُ‬‫ت كذلك؛ أفيو ِ‬ ‫ن كن َ‬ ‫لّله وتتعّبد له؛ أفإ ْ‬
‫‪.-‬في )ب(‪» :‬وليتمكنوا«‪.‬‬ ‫‪1‬‬

‫‪ -‬ف في )ب(‪» :‬نعمة«‬ ‫‪2‬‬


‫ل إل ّ أنه موافقٌ لك؟! فكيف نّتبعك ونترك‬ ‫ل ليس عليه دلي ٌ‬ ‫لقو ٍ‬
‫ب قوُلك لنا‬ ‫ج ُ‬
‫آباءنا القدمين أولي العقول واللباب؟! وكذلك ل يو ِ‬
‫ت لنا من وفاء الكيل والميزان وأداء‬ ‫ل في أموالنا ما قل َ‬ ‫أن نفع َ‬
‫ل نفعل فيها ما شئنا؛ لّنها أمواُلنا‪،‬‬ ‫الحقوق الواجبة فيها‪ ،‬بل ل نزا ُ‬
‫ت‬‫كمهم‪} :‬إّنك لن َ‬ ‫فليس لك فيها تصّرف‪ ،‬ولهذا قالوا في ته ّ‬
‫خل ُ ٌ‬
‫ق‬ ‫وقاُر لك ُ‬ ‫د{؛ أي‪ :‬أئنك أنت الذي الحلم وال َ‬ ‫م الرشي ُ‬
‫الحلي ُ‬
‫د‪ ،‬ول‬ ‫د‪ ،‬ول تأمُر إل ّ برش ٍ‬ ‫ة؛ فل يصد ُُر عنك إل رش ٌ‬ ‫شد ُ لك سجي ّ ٌ‬ ‫والّر ْ‬
‫ف‬‫دهم أّنه موصو ٌ‬ ‫ي؟! أي‪ :‬ليس المر كذلك‪ ،‬وقص ُ‬ ‫تنهى إل ّ عن غ ّ‬
‫سفه والغواية؛ أي‪ :‬أن المعنى‪ :‬كيف‬ ‫بعكس هذين الوصفين‪ :‬بال ّ‬
‫ن أنت الحليم الرشيد‪ ،‬وآباؤنا هم السفهاء الغاوين؟! وهذا‬ ‫تكو ُ‬
‫ن المر بعكسه ليس كما‬ ‫القول الذي أخرجوه بصيغة الته ّ‬
‫كم وأ ّ‬
‫ما كان‬ ‫مُره أن ينهاهم ع ّ‬ ‫ن صلته تأ ُ‬ ‫ظّنوه‪ ،‬بل المر كما قالوه‪ :‬إ ّ‬
‫يعبد ُ آباؤهم الضاّلون وأن يفعلوا في أموالهم ما يشاؤون؛ فإ ّ‬
‫ن‬
‫الصلة تنهى عن الفحشاء والمنكر‪ ،‬وأيّ فحشاء ومنكرٍ أكبر من‬
‫عبادة غير الّله‪ ،‬ومن منع حقوق عباد الّله‪ ،‬أو سرقتها بالمكاييل‬
‫والموازين‪ ،‬وهو عليه الصلة والسلم الحليم الرشيد؟!‬
‫ت على‬ ‫ب‪} :‬يا قوم أرأيُتم إن كن ُ‬ ‫}‪} {88‬قال{ لهم شعي ٌ‬
‫حة ما جئت به‪،‬‬ ‫بّينةٍ من رّبـي{؛ أي‪ :‬يقين وطمأنينة في ص ّ‬
‫}وَرَزَقني منه رزقا ً حسنًا{؛ أي‪ :‬أعطاني الّله من أصناف المال‬
‫فكم إلى ما أنهاكم عنه{‪:‬‬ ‫ما أعطاني‪} ،‬و{ أنا ل }أريد ُ أن أخال ِ َ‬
‫خس في المكيال والميزان وأفعله‬ ‫ن أنهاكم عن الب َ ْ‬ ‫ت أريد ُ أ ْ‬ ‫فلس ُ‬
‫ي الّتهمة في ذلك‪ ،‬بل ما أنهاكم عن أمر إل‬ ‫أنا حتى تتطرق إلـ ّ‬
‫ت{؛ أي‪:‬‬ ‫ه‪} .‬إن أريد ُ إل ّ الصلح ما استطع ُ‬ ‫وأنا أول مبتدرٍ لترك ِ ِ‬
‫ح أحوالكم وتستقيم منافعكم‪،‬‬ ‫صل ُ َ‬
‫ليس لي من المقاصد إل ّ أن ت َ ْ‬
‫صة لي وحدي شيٌء بحسب‬ ‫وليس لي من المقاصد الخا ّ‬
‫استطاعتي‪ .‬ولما كان هذا فيه نوع ُ تزكيةٍ للنفس؛ د َفَعَ هذا بقوله‪:‬‬
‫}وما توفيقي إل ّ بالّله{؛ أي‪ :‬وما يحصل لي من التوفيق لفعل‬
‫الخير و )‪ (1‬النفكاك عن الشّر إل ّ بالّله تعالى‪ ،‬ل بحولي ول‬
‫ت في‬ ‫ت في أموري ووثق ُ‬ ‫ت{؛ أي‪ :‬اعتمد ُ‬ ‫وتي‪} .‬عليه توكل ُ‬ ‫بق ّ‬
‫ب{‪ :‬في أداء ما أمرني به من أنواع العبادات‪،‬‬ ‫كفايته‪} .‬وإليه أني ُ‬
‫وفي هذا التقّرب إليه بسائر أفعال الخيرات‪ ،‬وبهذين المرين‬
‫ة برّبه والنابة إليه؛ كما قال‬ ‫م أحوال العبد‪ ،‬وهما الستعان ُ‬ ‫تستقي ُ‬
‫ل عليه{‪ .‬وقال‪} :‬إّياك نعبد ُ وإّياك‬ ‫ده وتوك ّ ْ‬ ‫تعالى‪} :‬فاعب ُ ْ‬
‫ن{‪.‬‬
‫نستعي ُ‬

‫‪ -‬في )ب(‪» :‬أو«‪.‬‬ ‫‪1‬‬


‫شقاقي{؛ أي‪ :‬ل تحملّنكم‬ ‫}‪} {89‬ويا قوم ل يجرمّنكم ِ‬
‫ل ما‬‫كم{‪ :‬من العقوبات‪} ،‬مث ُ‬ ‫مخالفتي ومشاّقتي‪} ،‬أن يصيب َ ُ‬
‫ط منكم‬ ‫م لو ٍ‬
‫ح وما قو ُ‬
‫م صال ٍ‬‫م هود ٍ أو قو َ‬
‫ح أو قو َ‬
‫م نو ٍ‬
‫أصاب قو َ‬
‫ببعيد{‪ :‬ل في الدار ول في الزمان‪.‬‬
‫ذنوب‪،‬‬ ‫فروا رّبكم{‪ :‬عما اقـتـرفـتـم من ال ّ‬ ‫}‪} {90‬واستغ ِ‬
‫م توبوا إليه{‪ :‬فيما يستقبل من أعماركم بالتوبة الّنصوح‬ ‫}ث ّ‬
‫د{‪ :‬لمن‬ ‫م ودو ٌ‬ ‫ن رّبـي رحي ٌ‬ ‫والنابة إليه بطاعته وترك مخالفته‪} .‬إ ّ‬
‫تاب وأناب؛ يرحمه فيغفر له ويتقّبل توبته ويحّبه‪.‬‬
‫ب عباده المؤمنين‬ ‫ومعنى الودود من أسمائه تعالى‪ :‬أّنه يح ّ‬
‫ل بمعنى فاعل ومعنى )‪ (1‬مفعول‪.‬‬ ‫ويحّبونه؛ فهو فعو ٌ‬
‫ل{؛ أي‪:‬‬ ‫ه كثيرا ً مما تقو ُ‬ ‫ق ُ‬
‫ف َ‬‫ب ما ن َ ْ‬ ‫}‪} {91‬قالوا يا شعي ُ‬
‫ه كثيرا ً مما‬ ‫حهِ ومواعظ ِهِ لهم‪ ،‬فقالوا‪ :‬ما نفق ُ‬ ‫جروا من نصائ ِ‬ ‫تض ّ‬
‫ل ونفرتهم عنه‪} .‬وإّنا لنراك فينا‬ ‫ضهم لما يقو ُ‬ ‫ل‪ ،‬وذلك لب ُغْ ِ‬ ‫تقو ُ‬
‫ضعيفا{؛ أي‪ :‬في نفسك‪ ،‬لست من الكبار والرؤساء‪ ،‬بل من‬ ‫ً‬
‫ك{؛ أي‪ :‬جماعتك وقبيلتك‪،‬‬ ‫المستضعفين‪} .‬ولول رهط ُ َ‬
‫مناك وما أنت علينا بعزيز{؛ أي‪ :‬ليس لك قَد ٌْر في صدورنا‬ ‫جـ ْ‬‫}ل ََر َ‬
‫م في أنفسنا‪ ،‬وإنما احترمنا قبيلتك بتركنا إياك‪.‬‬ ‫ول احترا ٌ‬
‫هطي أعّز‬ ‫}‪} {92‬قال{ )‪ (2‬لهم مترّققا ً لهم‪} :‬يا قوم ِ أَر ْ‬
‫هطي ول تراعونني‬ ‫عليكم من الّله{؛ أي‪ :‬كيف تراعونني لجل َر ْ‬
‫هطي أعّز عليكم من الّله‪} .‬واّتخذُتموه وراءكم‬ ‫لّله‪ ،‬فصار َر ْ‬
‫ظ ِهْرِّيا{؛ أي‪ :‬نبذُتم أمر الّله وراء ظهوركم‪ ،‬ولم ُتبالوا به‪ ،‬ول‬
‫ط{‪ :‬ل يخفى عليه من‬ ‫ن رّبـي بما تعملون محي ٌ‬ ‫فُتم منه‪} .‬إ ّ‬ ‫خ ْ‬
‫ِ‬
‫ل ذّرة في الرض ول في السماء‪ ،‬فسُيجازيكم على‬ ‫أعمالكم مثقا ُ‬
‫م الجزاء‪.‬‬ ‫ما عملتم أت ّ‬
‫وه وعجز عنهم؛ قال‪} :‬يا قوم اعملوا‬ ‫}‪} {93‬و{ لما أعي َ ْ‬
‫كم{؛ أي‪ :‬على حالتكم ودينكم‪} .‬إّنـي عامل سوف‬ ‫على مكانت ِ ُ‬
‫م‪ ،‬أنا‬‫ب مقي ٌ‬ ‫ل عليه عذا ٌ‬ ‫ب ُيخزيه{ ‪ :‬ويح ّ‬
‫)‪(3‬‬
‫ن من يأتيه عذا ٌ‬ ‫تعلمو َ‬
‫قبوا{‪ :‬ما‬ ‫ب‪} ،‬وارت ِ‬ ‫أم أنتم‪ ،‬وقد علموا ذلك حين وقع عليهم العذا ُ‬
‫ل بكم‪.‬‬ ‫ح ّ‬ ‫ب{ ما ي َ ِ‬ ‫ل بي‪} .‬إّنـي معكم رقي ٌ‬ ‫يح ّ‬
‫شعيبا ً‬ ‫جْينا ُ‬ ‫}‪} {94‬ولما جاء أمُرنا{‪ :‬بإهلك قوم شعيب‪} ،‬ن ّ‬
‫ة‬
‫ت الذين ظلموا الصيح ُ‬ ‫والذين آمنوا معه برحمةٍ مّنا وأخذ ِ‬

‫‪ -‬في )ب(‪» :‬وبمعنى«‪.‬‬ ‫‪1‬‬

‫‪ -‬في )ب(‪» :‬فقال«‪.‬‬ ‫‪2‬‬

‫‪ -‬في)ب(‪":‬فسوف"‪.‬‬ ‫‪3‬‬
‫معُ لهم صوتًا‪ ،‬ول ترى منهم‬
‫س َ‬
‫ن{‪ :‬ل ت َ ْ‬
‫فأصبحوا في دياِرهم جاثمي َ‬
‫ة‪.‬‬
‫حرك ً‬
‫وا فيها{؛ أي‪ :‬كأنهم ما أقاموا في‬ ‫}‪} {95‬كأن لم ي َغْن َ ْ‬
‫ديارهم ول تّنعموا فيها حين أتاهم العذاب‪} .‬أل بعدا ً لمدين{‪ :‬إذ ْ‬
‫د{؛ أي‪ :‬قد اشتركت هاتان‬ ‫ت ثمو ُ‬
‫ه وأخزاها‪} ،‬كما ب َعِد َ ْ‬ ‫أهلكها الل ّ ُ‬
‫سحق والُبعد والهلك‪.‬‬ ‫القبيلتان في ال ّ‬
‫ب عليه السلم كان يسمى خطيب النبياء؛ لحسن‬ ‫وشعي ٌ‬
‫مراجعته لقومه‪ .‬وفي قصته من الفوائد والعبر شيء كثير‪:‬‬
‫طبون بأصل السلم؛‬ ‫منها ‪ :‬أن الكفار كما يعاَقبون ويخا َ‬
‫ن شعيبا ً دعا قومه إلى التوحيد وإلى‬
‫فكذلك بشرائعه وفروعه؛ ل ّ‬
‫إيفاء المكيال والميزان‪ ،‬وجعل الوعيد مرتبا ً على مجموع ذلك‪.‬‬
‫ص المكاييل والموازين من كبائر ال ّ‬
‫ذنوب‬ ‫ومنها ‪ :‬أن نق َ‬
‫ن ذلك من‬ ‫وتخشى العقوبة العاجلة على من تعاطى ذلك‪ ،‬وأ ّ‬
‫سرقة أموال الناس‪ ،‬وإذا كان سرقتهم في المكاييل والموازين‬
‫ة للوعيد؛ فسرِقَُتهم على وجه القهر والغلبة من باب أولى‬
‫موجب ً‬
‫وأحرى‪.‬‬
‫س أموال‬ ‫خ َ‬ ‫ن الجزاء من جنس العمل؛ فمن ب َ َ‬ ‫ومنها ‪ :‬أ ّ‬
‫ب بنقيض ذلك‪ ،‬وكان سببا ً لزوال‬ ‫الناس يريد زيادة ماله؛ عوقِ َ‬
‫ر{؛ أي‪ :‬فل‬ ‫الخير الذي عنده من الرزق؛ لقوله‪} :‬إني أراكم بخي ٍ‬
‫تتسّببوا إلى زواله بفعلكم‪.‬‬
‫قن َعَ بالحلل‬ ‫قن َعَ بما آتاه الّله وي َ ْ‬
‫ومنها ‪ :‬أن على العبد أن ي َ ْ‬
‫ن‬
‫عن الحرام وبالمكاسب المباحة عن المكاسب المحرمة‪ ،‬وأ ّ‬
‫ة الّله خيٌر لكم{؛ ففي ذلك من البركة‬ ‫ذلك خيٌر له؛ لقوله‪} :‬بقي ّ ُ‬
‫وزيادة الرزق ما ليس في التكالب على السباب المحّرمة من‬
‫حق وضد ّ البركة‪.‬‬ ‫م ْ‬
‫الـ َ‬
‫ومنها ‪ :‬أن ذلك من لوازم اليمان وآثاره؛ فإّنه رتب العمل‬
‫ل على أّنه إذا لم يوجد العمل؛ فاليمان‬ ‫به على وجود اليمان‪ ،‬فد ّ‬
‫م‪.‬‬
‫ص أو معدو ٌ‬ ‫ناق ٌ‬
‫دمين‪،‬‬ ‫ن الصلة لم تزل مشروعة للنبياء المتق ّ‬ ‫ومنها ‪ :‬أ ّ‬
‫وأّنها من أفضل العمال‪ ،‬حتى إنه متقّرر عند الكفار فضلها‬
‫وتقديمها على سائر العمال‪ ،‬وأنها تنهى عن الفحشاء والمنكر‪،‬‬
‫د‪،‬‬
‫ل أحوال العب ِ‬‫م ُ‬
‫ن لليمان وشرائعه؛ فبإقامتها تك ُ‬ ‫وهي ميزا ٌ‬
‫وبعدم إقامتها تخت ّ‬
‫ل أحواله الدينّية‪.‬‬
‫ن كان الّله قد‬ ‫ه الّله النسان‪ ،‬وإ ْ‬ ‫ن المال الذي يرزقُ ُ‬ ‫ومنها ‪ :‬أ ّ‬
‫ة عنده‪ ،‬عليه‬ ‫وله إياه؛ فليس له أن يصنع فيه ما يشاء؛ فإنه أمان ٌ‬ ‫خ ّ‬
‫أن يقيم حقّ الّله فيه بأداء ما فيه من الحقوق والمتناع من‬
‫المكاسب التي حّرمها الّله ورسوله‪ ،‬ل كما يزعمه الكفار ومن‬
‫ن أموالهم لهم أن يصنعوا فيها ما يشاؤون ويختارون‪،‬‬ ‫أشبههم؛ أ ّ‬
‫م الّله أو خالفه‪.‬‬ ‫سواٌء وافقَ حك َ‬
‫ن أول‬ ‫مل َةِ دعوة الداعي وتمامها‪ :‬أن يكو َ‬ ‫ومنها ‪ :‬أن من ت َك ْ ِ‬
‫مبادرٍ لما يأمر غيره به وأول منتهٍ عما ينهى غيره عنه؛ كما قال‬
‫فكم إلى ما أنهاكم عنه{‪،‬‬ ‫ن أخال ِ َ‬‫ب عليه السلم‪} :‬وما أريد ُ أ ْ‬ ‫شعي ٌ‬
‫ن ]ك َب َُر‬‫ن ما ل تفعلو َ‬ ‫ولقوله تعالى‪} :‬يا أّيها الذين آمنوا لم تقولو َ‬
‫مقًتا عند الل ّهِ أن تقولوا ما ل تفعلون[{‪.‬‬
‫ومنها ‪ :‬أن وظيفة الرسل وسّنتهم ومّلتهم إرادة ُ الصلح‬
‫بحسب القدرة والمكان‪ ،‬فيأتون بتحصيل المصالح وتكميلها أو‬
‫قد َُر عليه منها‪ ،‬وبدفع المفاسد ِ وتقليلها‪ ،‬ويراعون‬ ‫بتحصيل ما ي ُ ْ‬
‫المصالح العامة على المصالح الخاصة‪.‬‬
‫صُلح بها أحوال العباد‪ ،‬وتستقيم‬ ‫وحقيقة المصلحة هي التي ت َ ْ‬
‫بها أمورهم الدينّية والدنيوّية‪.‬‬
‫من قام بما يقد ُِر عليه من الصلح؛ لم يكن‬ ‫ن َ‬ ‫ومنها ‪ :‬أ ّ‬
‫ذموما ً في عدم فعله ما ل يقد ُِر عليه؛ فعلى العبد ِ أن‬ ‫م ْ‬ ‫ملوما ً ول َ‬ ‫َ‬
‫ُيقيم من الصلح في نفسه وفي غيره ما يقد ُِر عليه‪.‬‬
‫ن العبد ينبغي له أن ل يّتكل على نفسه طرفة‬ ‫ومنها ‪ :‬أ ّ‬
‫عين‪ ،‬بل ل يزال مستعينا ً برّبه‪ ،‬متوك ّل ً عليه‪ ،‬سائل ً له التوفيق‪،‬‬
‫سديه ول‬ ‫م ْ‬ ‫وإذا حصل له شيٌء من التوفيق؛ فلينسبه ِلـموليهِ و ُ‬
‫ت وإليه‬ ‫جب بنفسه؛ لقوله‪} :‬وما توفيقي إل ّ بالّله عليه توكل ُ‬ ‫ي ُعْ َ‬
‫ب{‪.‬‬ ‫ُ‬
‫أني ُ‬
‫ومنها ‪ :‬الترهيب بأخذات المم‪ ،‬وما جرى عليهم‪ ،‬وأنه ينبغي‬
‫ص التي فيها إيقاع ُ العقوبات بالمجرمين في سياق‬ ‫قص ُ‬‫ن ت ُذ ْك ََر ال َ‬
‫أ ْ‬
‫الوعظ والزجر؛ كما أنه ينبغي ذ ِك ُْر ما أكرم الّله به أهل التقوى‬
‫ث على التقوى‪.‬‬ ‫عند الترغيب والح ّ‬
‫ومنها ‪ :‬أن التائب من الذنب كما ُيسمح له عن ذنبه وُيعفى‬
‫ن‬‫ده‪ ،‬ول عبرة بقول من يقول‪ :‬إ ّ‬ ‫ن الّله تعالى يحّبه ويو ّ‬ ‫عنه؛ فإ ّ‬
‫فَر له ويعود َ عليه العفو‪ ،‬وأما ع َوْد ُ‬‫ب إذا تاب؛ فحسُبه أن ي ُغْ َ‬ ‫التائ َ‬
‫م‬
‫فروا رّبكم ث ّ‬‫ن الّله قال‪} :‬واستغ ِ‬ ‫د؛ فإ ّ‬ ‫ب؛ فإنه ل يعو ُ‬‫الود ّ والح ّ‬
‫د{‪.‬‬ ‫م ودو ٌ‬ ‫ن ربي رحي ٌ‬‫توبوا إليه إ ّ‬
‫ب كثيرةٍ قد‬ ‫ن الّله يدفع عن المؤمنين بأسبا ٍ‬ ‫ومنها ‪ :‬أ ّ‬
‫يعلمون بعضها وقد ل يعلمون شيئا ً منها‪ ،‬وربما د َفَعَ عنهم بسبب‬
‫مهِ‬
‫م قو ِ‬ ‫ب رج َ‬ ‫قبيلتهم وأهل وطنهم الكفار؛ كما دفع الّله عن شعي ٍ‬
‫ه‪.‬‬
‫بسبب رهط ِ ِ‬
‫ل بها الدفع عن السلم‬ ‫ص ُ‬‫ن هذه الروابط التي يح ُ‬ ‫وأ ّ‬
‫ن‬
‫والمسلمين ل بأس بالسعي فيها‪ ،‬بل رّبما تعيّـن ذلك؛ ل ّ‬
‫ب على حسب القدرة والمكان؛ فعلى هذا لو‬ ‫الصلح مطلو ٌ‬
‫ساعد المسلمون الذين تحت ولية الكفار‪ ،‬وعملوا على جعل‬
‫ب من حقوقهم‬ ‫ة يتم ّ‬
‫كن فيها الفراد ُ والشعو ُ‬ ‫الولية جمهوري ّ ً‬
‫الدينّية والدنيوّية؛ لكان أولى من استسلمهم لدولةٍ تقضي على‬
‫مل َ ً‬
‫ة‬ ‫حقوقهم الدينّية والدنيوّية‪ ،‬وتحرص على إبادتها وجعلهم ع َ َ‬
‫ن أمكن أن تكون الدولة للمسلمين وهم‬ ‫وخدما ً لهم‪ .‬نعم ؛ إ ْ‬
‫الحكام؛ فهو المتعيّـن‪ ،‬ولكن لعدم إمكان هذه المرتبة؛ فالمرتبة‬
‫ة للدين والدنيا مقدمة‪ .‬والّله أعلم‪.‬‬‫التي فيها دفعٌ ووقاي ٌ‬
‫ﭿ ﯰﯧﯧ ﯱﯧﯧ ﯷ ﯷ ﯷ ﯷ ﯷ ﯷ ﯷ ﯷ ﯷ ﯷ ﯼﯽ ﯾ ﯿ ﯷ ﯷ‬
‫ﯷ ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ ﭝ ﭞ ﭟ ﭠ ﭡ ﭢ ﭣ ﭤ‬
‫ﭥ ﭦ ﭧ ﭨ ﭩ ﭪ ﭫ ﭬﭭ ﭮ ﭯ ﭰ ﭱ ﭲ ﭳ ﭴ ﭵ ﭶﭷ ﭸ‬
‫)‪(1‬‬
‫ﭹ ﭺ ﭻ ﭼ ﭽ ﭾ ﭿ ﮀ ﮁ ﮂ ﮃ ﮄ ﮅ ﮆﮇ ﮈ ﮉ ﮊ ﮋ ﮌ ﭾ‪.‬‬
‫}‪ {96‬يقول تعالى‪} :‬ولقد أرسلنا موسى{‪ :‬ابن عمران‬
‫}بآياتنا{‪ :‬الداّلة على صدق ما جاء به؛ كالعصا واليد ونحوهما من‬
‫اليات التي أجراها الّله على يدي موسى عليه السلم‪،‬‬
‫ت ظهور الشمس‪.‬‬ ‫ن{؛ أي‪ :‬حجة ظاهرة بّينة ظهر ْ‬
‫مبي ٍ‬
‫ن ُ‬‫}وسلطا ٍ‬
‫ه{؛ أي‪ :‬أشراف قومه؛ لّنهم‬ ‫ن وملئ ِ ِ‬‫}‪} {97‬إلى فرعو َ‬
‫المتبوعون‪ ،‬وغـيـرهـم ت ََبع لهم‪ ،‬فلم ينقادوا لما مع موسى من‬
‫طها في سورة العراف‪،‬‬ ‫اليات التي أراهم إّياها كما تقدم بس ُ‬
‫د{‪ :‬بل هو ضا ّ‬
‫ل‬ ‫ن برشي ٍ‬ ‫ولكنهم }اّتبعوا أمَر فرعون وما أمُر فرعو َ‬
‫ض‪.‬‬
‫غاوٍ ل يأمر إل بما هو ضرٌر مح ٌ‬
‫م‬
‫قد ُ ُ‬
‫مه؛ أرداهم وأهلكهم؛ }ي َ ْ‬ ‫ما اّتبعه قو ُ‬ ‫}‪ {98‬ل جرم لـ ّ‬
‫د{‪.‬‬‫دهم الناَر وبئس الوِْرد ُ المورو ُ‬ ‫مه يوم القيامة فأور َ‬ ‫قو َ‬
‫ة ويوم‬ ‫}‪} {99‬وأ ُت ِْبعوا في هذه{؛ أي‪ :‬في الدنيا }لعن ً‬
‫س أجمعون في الدنيا‬ ‫ة{؛ أي‪ :‬يلعنهم الّله وملئكته والنا ُ‬ ‫القيام ِ‬
‫د{؛ أي‪ :‬بئس ما اجتمع لهم‪،‬‬ ‫والخرة‪} .‬بئس الّرفْد ُ المرفو ُ‬
‫دنيا والخرة‪.‬‬ ‫ف عليهم من عذاب الّله ولعنة ال ّ‬ ‫وتراد َ َ‬

‫‪ -‬في )ب(‪ :‬إلى آخر القصة‪.‬‬ ‫‪1‬‬


‫}‪ {100‬ولما ذكر قصص هؤلء المم مع رسلهم؛ قال الّله‬
‫صه عليك{‪ :‬لتنذر به‬ ‫قرى نق ّ‬
‫تعالى لرسوله‪} :‬ذلك من أنباِء ال ُ‬
‫ة وذكرى للمؤمنين‪} .‬منها‬ ‫ن آية على رسالتك وموعظ ً‬ ‫ويكو َ‬
‫ل عليهم‪} .‬و{ منها‬ ‫ف بل بقي من آثار ديارهم ما يد ّ‬ ‫م{‪ :‬لم يتل ْ‬ ‫قائ ٌ‬
‫دمت مساكنهم‪ ،‬واضمحّلت منازلهم فلم يبقَ لها‬ ‫د{‪ :‬قد ته ّ‬ ‫}حصي ٌ‬
‫أثٌر‪.‬‬
‫مناهم{‪ :‬بأخذهم بأنواع العقوبات‪} ،‬ولكن‬ ‫}‪} {101‬وما ظ َل َ ْ‬
‫ت عنهم‬‫سهم{‪ :‬بالشرك والكفر والعناد‪} .‬فما أغن ْ‬ ‫ظ ََلموا أنف َ‬
‫ما جاء أمُر رّبك{‪:‬‬ ‫دعون من دون الّله من شيٍء لـ ّ‬ ‫آلهُتهم التي ي َ ْ‬
‫ل من التجأ إلى غير الّله؛ لم ينفْعه ذلك عند نزول‬ ‫وهكذا ك ّ‬
‫ب{؛ أي‪ :‬خسار ودمار بالضد ّ مما‬ ‫الشدائد‪} .‬وما زادوهم غير ت َْتبي ٍ‬
‫خطر ببالهم‪.‬‬
‫ﮘ ﮙ ﮚ ﭾ‪.‬‬ ‫ﮑ ﮒ ﮓ ﮔﮕ ﮖ ﮗ‬ ‫ﭿﮍ ﮎ ﮏ ﮐ‬
‫مهم بالعذاب‪ ،‬ويبيدهم‪ ،‬ول ينفعهم ما‬
‫ص ُ‬
‫}‪ {102‬أي‪ :‬يق ِ‬
‫دعون من دون الّله من شيٍء‪.‬‬‫كانوا ي َ ْ‬
‫ﮦ ﮧ ﮨ ﮩ ﮪ ﮫ ﮬ ﮭ ﮮﮮ‬ ‫ﭿ ﮛ ﮜ ﮝ ﮞ ﮟ ﮠ ﮡ ﮢﮣ ﮤ ﮥ‬
‫ﯝ ﯞ ﯟ ﯠ ﯡ ﯢ ﯣ ﯤ ﯥ ﯦ ﯧ‬ ‫ﮯ ﮰ ﮱ ﯓ ﯔ ﯕ ﯖ ﯗ ﯘ ﯙ ﯚﯛ ﯜ‬
‫ﯷ ﯷ ﯷ ﯷ ﯷ ﯷ ﯷ ﯼ‬ ‫ﯨ ﯩ ﯪﯧﯧ ﯫﯧﯧ ﯬﯧﯧ ﯭﯧﯧ ﯮﯧﯧ ﯯﯧﯧ ﯰﯧﯧ ﯱﯧﯧ ﯷ ﯷﯷ‬
‫ﰉ ﯷﯷ ﯷ ﯷ ﰎ ﯷ ﭾ ‪.‬‬ ‫ﯽ ﯾ ﯿ ﯷ ﯷ ﯷ ﯷ ﯷ ﯷ ﯷ ﯷ ﰈ‬
‫}‪} {103‬إن في ذلك{‪ :‬المذكور من أخذه للظالمين بأنواع‬
‫ب الخرة{؛ أي‪ :‬لعبرة ً ودليل ً‬ ‫ن خاف عذا َ‬ ‫م ْ‬
‫العقوبات‪} ،‬لية لـ َ‬
‫ظلم والجرام لهم العقوبة الدنيوّية والعقوبة‬ ‫ن أهل ال ّ‬ ‫على أ ّ‬
‫م‬
‫ف الخرة‪ ،‬فقال‪} :‬ذلك يو ٌ‬ ‫الخروّية‪ .‬ثم انتقل من هذا إلى وص ِ‬
‫معوا لجل ذلك اليوم للمجازاة‬ ‫جـ ِ‬
‫مجموع له الناس{؛ أي‪ُ :‬‬
‫وليظهر لهم من عظمة الّله وسلطانه وعدله العظيم ما به‬
‫د{؛ أي‪ :‬يشهده الّله‬ ‫م مشهو ٌ‬ ‫رفونه حقّ المعرفة‪} .‬وذلك يو ٌ‬ ‫يع ِ‬
‫وملئكُته وجميعُ المخلوقين‪.‬‬
‫خُره{؛ أي‪ :‬إتيان يوم القيامة‪} ،‬إل ّ لجل‬ ‫}‪} {104‬وما نؤ ّ‬
‫دنيا‪ ،‬وما قدر الّله فيها من الخلق؛‬ ‫مْعدوٍد{‪ :‬إذا انقضى أجل ال ّ‬ ‫َ‬
‫فحينئذ ٍ ينقلهم إلى الدار الخرى‪ ،‬وُيجري عليهم أحكامه الجزائّية‪،‬‬
‫دنيا أحكامه الشرعّية‪.‬‬ ‫كما أجرى عليهم في ال ّ‬
‫م ويجتمعُ الخلق‪} ،‬ل ت َك َل ّ ُ‬
‫م‬ ‫ت{‪ :‬ذلك اليو ُ‬ ‫م يأ ِ‬ ‫}‪} {105‬يو َ‬
‫ه{‪ :‬حتى النبياء والملئكة الكرام ل يشفعون إل‬ ‫س إل بإذن ِ ِ‬
‫نف ٌ‬
‫د{‪ :‬فالشقياء هم‬ ‫ي وسعي ٌ‬ ‫ه‪} .‬فمنهم{؛ أي‪ :‬الخلق }شق ّ‬ ‫بإذن ِ ِ‬
‫صوا أمره‪ ،‬والسعداء هم‬ ‫الذين كفروا بالّله‪ ،‬وك ّ‬
‫ذبوا رسله وع َ َ‬
‫المؤمنون المّتقون‪.‬‬
‫قوا{؛ أي‪ :‬حصلت‬ ‫}‪ {106‬وأما جزاؤهم‪} :‬فأما الذين َ‬
‫ش ُ‬
‫لهم الشقاوة والخزي والفضيحة }ففي النار{‪ :‬منغمسون في‬
‫دة ما هم فيه‬
‫عذابها مشتد ّ عليهم عقابها‪} .‬لهم فيها{‪ :‬من ش ّ‬
‫حها‪.‬‬‫ق{‪ :‬وهو أشنع الصوات وأقب ُ‬
‫}زفيٌر وشهي ٌ‬
‫}‪} {107‬خالدين فيها{؛ أي‪ :‬في النار التي هذا عذاُبها‪} ،‬ما‬
‫ض إل ّ ما شاء رّبك{؛ أي‪ :‬خالدين فيها أبدا ً‬ ‫ت والر ُ‬ ‫ت السمـوا ُ‬ ‫دام ِ‬
‫دة التي شاء الّله أن ل يكونوا فيها‪ ،‬وذلك قبل دخولها؛ كما‬ ‫إل ّ الم ّ‬
‫قاله جمهور المفسرين؛ فالستثناء على هذا راجعٌ إلى ما قبل‬
‫دخولها؛ فهم خالدون فيها جميع الزمان سوى الزمن الذي قبل‬
‫ل لما يريد{‪ :‬فكل ما أراد فعله‬ ‫ن رّبك فّعا ٌ‬
‫الدخول فيها‪} .‬إ ّ‬
‫مراده‪.‬‬ ‫ده أحد ٌ عن ُ‬ ‫َ‬
‫واقتضته حكمُته؛ فَعَله تبارك وتعالى‪ ،‬ل ير ّ‬
‫سِعدوا{؛ أي‪ :‬حصلت لهم السعادة‬ ‫}‪} {108‬وأما الذين ُ‬
‫ت‬
‫والفلح والفوز‪} ،‬ففي الجّنة خالدين فيها ما دامت السمـوا ُ‬
‫كد ذلك بقوله‪} :‬عطاًء غير‬ ‫مأ ّ‬‫والرض إل ّ ما شاء رّبك{‪ :‬ث ّ‬
‫مجذوٍد{؛ أي‪ :‬ما أعطاهم الّله من النعيم المقيم والّلذة العالية؛‬
‫م مستمّر غير منقطع بوقت من الوقات‪ .‬نسأل الّله‬ ‫فإّنه دائ ٌ‬
‫الكريم من فضله‪.‬‬
‫ﭞ ﭟ ﭠﭡ ﭢ‬ ‫ﭝ‬ ‫ﭿ ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗﭘ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ‬
‫ﭣ ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ ﭾ‪.‬‬
‫}‪ {109‬يقول الله تعالى لرسوله محمد ٍ صلى الله عليه‬
‫ما يعبد ُ هؤلء{‪ :‬المشركون؛ أي‪ :‬ل‬ ‫مْري َةٍ م ّ‬
‫ك في ِ‬ ‫وسلم‪} :‬فل ت ُ‬
‫ي‬
‫ل شرع ّ‬ ‫ل؛ فليس لهم دلي ٌ‬ ‫ن ما هم عليه باط ٌ‬ ‫ك في حالهم‪ ،‬وأ ّ‬ ‫تش ّ‬
‫ي‪ ،‬وإنما دليُلهم وشبهتهم أنهم يعُبدون كما يعب ُد ُ آباؤهم‬ ‫ول عقلـ ّ‬
‫ل‪ ،‬ومن المعلوم أن هذا ليس بشبهةٍ فضل ً عن أن يكون‬ ‫من قـبـ ُ‬
‫ج لها ل يحتج بها‪ ،‬خصوصا ً‬ ‫ن أقوال ما عدا النبياء يحت ّ‬ ‫ل؛ ل ّ‬ ‫دلي ً‬
‫أمثال هؤلء الضالين‪ ،‬الذين كثر خطؤهم وفساد أقوالهم في‬
‫ن أقوالهم وإن اّتفقوا عليها؛ فإّنها خطأ وضلل‬ ‫أصول الدين؛ فإ ّ‬
‫موّفوهم نصيَبهم غير منقوص{؛ أي‪ :‬ل بد ّ أن ينالهم‬ ‫}وإّنا َلـ ُ‬
‫دنيا مما كتب لهم‪ ،‬وإن ك َُثر ذلك النصيب أو راق‬ ‫نصيُبهم من ال ّ‬
‫دنيا‬ ‫ّ‬
‫ن الله يعطي ال ّ‬ ‫ل على صلح حالهم؛ فإ ّ‬ ‫في عينك؛ فإّنه ل يد ّ‬
‫ب‪ ،‬ول يعطي اليمان والدين الصحيح إل ّ من‬ ‫ب ومن ل يح ّ‬ ‫من يح ّ‬
‫ل أّنه ل ُيغتّر باتفاق الضالين على قول الضالين من‬ ‫ب‪ .‬والحاص ُ‬ ‫ح ّ‬
‫يُ ِ‬
‫ّ‬
‫ولهم الله‪ ،‬وآتاهم من الدنيا‪.‬‬ ‫آبائهم القدمين‪ ،‬ول على ما خ ّ‬
‫ﭱ ﭲ ﭳ ﭴ ﭵﭶ ﭷ‬ ‫ﭿ ﭨ ﭩ ﭪ ﭫ ﭬ ﭭﭮ ﭯ ﭰ‬
‫ﭿ ﮀ ﮁ ﮂﮃ ﮄ ﮅ ﮆ ﮇ ﮈ ﮉ ﮊ ﮋ ﮌ‬ ‫ﭸ ﭹ ﭺ ﭻ ﭼ ﭽ ﭾ‬
‫ﮚ ﮛ ﮜ ﮝ ﮞ‬ ‫ﮓ ﮔ ﮕ ﮖ ﮗ ﮘ ﮙ‬ ‫ﮍ ﮎ ﮏ ﮐﮑ ﮒ‬
‫ﮟ ﮠ ﮡ ﮢ ﮣ ﮤ ﮥ ﮦ ﮧ ﮨ ﭾ‪.‬‬
‫}‪ {110‬يخبر تعالى أنه آتى موسى الكتاب الذي هو‬
‫التوراة‪ ،‬الموجب للتفاق على أوامره ونواهيه والجتماع‪ ،‬ولكن‬
‫ن المنتسبين إليه اختلفوا فيه اختلفا ً أضّر بعقائدهم‬ ‫مع هذا؛ فإ ّ‬
‫ت من رّبك{‪ :‬بتأخيرهم‬ ‫ة سبق ْ‬ ‫وبجامعتهم الدينّية‪} .‬ولول كلم ٌ‬
‫ي بيَنهم{‪ :‬بإحلل العقوبة‬ ‫ض َ‬‫ق ِ‬ ‫وعدم معاجلتهم بالعذاب‪} ،‬ل َ ُ‬
‫خر القضاء بيَنهم إلى‬ ‫ظالم‪ ،‬ولكّنه تعالى اقتضت حكمته أن أ ّ‬ ‫بال ّ‬
‫ب‪ .‬وإذا كانت هذه حاُلهم مع‬ ‫ك مري ٍ‬ ‫يوم القيامة‪ ،‬وَبقوا في ش ّ‬
‫ب من‬ ‫كتابهم؛ فمع القرآن الذي أوحاه الّله إليك غير مستغر ٍ‬
‫ك منه مريب‪.‬‬ ‫طائفة اليهود أن ل يؤمنوا به‪ ،‬وأن يكونوا في ش ّ‬
‫ما ل َي ُوَفّي َن ُّهم رّبك أعماَلهم{؛ أي‪ :‬ل بد ّ‬ ‫}‪} {111‬وإن ك ُل ّ َلـ ّ‬
‫أن يقضي الّله بينهم )‪ (1‬يوم القيامة بحكمه العدل‪ ،‬فيجازي كل ّ بما‬
‫خفى‬ ‫قه‪} .‬إنه بما يعملون{‪ :‬من خير وشّر‪} ،‬خبيٌر{‪ :‬فل َيـ ْ‬ ‫يستح ّ‬
‫قها وجليِلها‪.‬‬ ‫عليه شيء من أعمالهم؛ دقي ِ‬
‫ت اختلَفهم‬ ‫}‪ {112‬ثم لما أخبر بعدم استقامتهم التي أوجب ِ‬
‫ن معه من‬ ‫وافتراَقهم؛ أمر نبّيه محمدا ً صلى الله عليه وسلم و َ‬
‫م ْ‬
‫مروا‪ ،‬فيسلكوا ما شرعه الّله من‬ ‫المؤمنين أن يستقيموا كما أ ِ‬
‫قدوا ما أخبر الّله به من العقائد الصحيحة‪ ،‬ول‬ ‫الشرائع‪ ،‬ويعت ِ‬
‫ن‬
‫وا بأ ْ‬‫ة‪ ،‬ويدوموا على ذلك‪ ،‬ول ي َط ْغَ ْ‬ ‫ة ول يسر ً‬ ‫َيزيغوا عن ذلك يمن ً‬
‫ده الّله لهم من الستقامة‪ ،‬وقوله‪} :‬إّنه بما تعملون‬ ‫يتجاوزوا ما ح ّ‬
‫بصيٌر{؛ أي‪ :‬ل يخفى عليه من أعمالكم شيء‪ ،‬وسيجازيكم عليها‪.‬‬
‫دها‪.‬‬‫ب من ض ّ‬ ‫ب لسلوك الستقامة وترهي ٌ‬ ‫ففيه ترغي ٌ‬
‫دى الستقامة‪،‬‬ ‫ذرهم عن الميل إلى من تع ّ‬ ‫}‪ {113‬ولهذا ح ّ‬
‫كنوا{؛ ]أي‪ :‬ل تميلوا[ }إلى الذين ظلموا{‪ :‬فإّنكم‬ ‫فقال‪} :‬ول ت َْر َ‬
‫إذا ملتم إليهم وافقتموهم على ظلمهم أو رضيتم ما هم عليه من‬
‫كم الناُر{‪ :‬إن فعلُتم ذلك‪} .‬وما لكم من دون الّله‬ ‫س ُ‬‫م ّ‬ ‫ال ّ‬
‫ظلم؛ }فَت َ َ‬
‫صلون لكم شيئا ً من‬ ‫من أولياء{‪ :‬يمنعونكم من عذاب الّله‪ ،‬ول يح ّ‬
‫ثواب الّله‪} .‬ثم ل ُتنصرون{؛ أي‪ :‬ل يدفع عنكم العذا ُ‬
‫ب إذا‬
‫سكم‪.‬‬ ‫م ّ‬

‫‪ -‬في )ب(‪» :‬ل بد أن الله يقضي بينهم«‪.‬‬ ‫‪1‬‬


‫ل ظالم‪ ،‬والمراد ُ‬ ‫ففي هذه الية التحذير من الركون إلى ك ّ‬
‫بالّركون‪ :‬الميل والنضمام إليه بظلمه وموافقته على ذلك‬
‫والرضا بما هو عليه من الظلم‪ ،‬وإذا كان هذا الوعيد في الركون‬
‫إلى الظلمة؛ فكيف حال الظلمة بأنفسهم؟! نسأل الّله العافية‬
‫من الظلم‪.‬‬
‫ﯚ ﯛ‬ ‫ﮯﮰ ﮱ ﯓ ﯔ ﯕﯖ ﯗ ﯘ ﯙ‬ ‫ﮭ ﮮﮮ‬ ‫ﭿﮩ ﮪ ﮫ ﮬ‬
‫ﯜ ﯝ ﯞ ﯟ ﯠ ﯡ ﯢ ﭾ‪.‬‬
‫}‪ {114‬يأمر تعالى بإقامة الصلة كاملة }ط ََرفي النهار{؛‬
‫أي‪ :‬أوله وآخره‪ ،‬ويدخل في هذا صلة الفجر وصلتا الظهر‬
‫والعصر‪} ،‬وُزَلفا ً من الليل{‪ :‬ويدخل في ذلك صلة المغرب‬
‫ف العبد وتقّربه‬ ‫والعشاء‪ ،‬ويتناول ذلك قيام الليل؛ فإّنها مما ت ُْزل ِ ُ‬
‫ت{؛ أي‪ :‬فهذه‬ ‫ن السّيئا ِ‬ ‫ن الحسنات ي ُذ ْه ِب ْ َ‬ ‫إلى الّله تعالى‪} .‬إ ّ‬
‫وعات من أكبر‬ ‫الصلوات الخمس وما ألحق بها من التط ّ‬
‫ب الثواب؛‬ ‫ج ُ‬‫الحسنات‪ ،‬وهي مع أنها حسنات تقّرب إلى الّله وتو ِ‬
‫ب السّيئات وتمحوها‪ ،‬والمراد ُ بذلك الصغائر؛ كما قّيدتها‬ ‫فإّنها ت ُذ ْه ِ ُ‬
‫ي صلى الله عليه وسلم؛ مثل قوله‪:‬‬ ‫الحاديث الصحيحة عن النب ّ‬
‫»الصلوات الخمس‪ ،‬والجمعة إلى الجمعة‪ ،‬ورمضان إلى رمضان؛‬
‫ت الكبائر« )‪ ، (1‬بل كما قّيدتها الية‬ ‫ن ما اجت ُن ِب َ ِ‬
‫ت لما بينه ّ‬ ‫مكفرا ٌ‬
‫جت َِنبوا كبائ َِر‬ ‫ل‪} :‬إن َتـ ْ‬ ‫التي في سورة النساء‪ ،‬وهي قوله عّز وج ّ‬
‫دخل ً كريمًا{‪.‬‬ ‫م ْ‬‫خْلكم ُ‬ ‫فر عنكم سيئاِتكم وند ِ‬ ‫ن عنه نك ّ‬ ‫ما ت ُن ْهَوْ َ‬
‫دم؛ من لزوم الستقامة على‬ ‫ل ما تق ّ‬ ‫}ذلك{‪ :‬لعل الشارة لك ّ‬
‫ديه‪ ،‬وعدم الّركون إلى‬ ‫الصراط المستقيم‪ ،‬وعدم مجاوزته وتع ّ‬
‫ن الحسنات ي ُذ ْه ِب ْ َ‬
‫ن‬ ‫الذين ظلموا‪ ،‬والمر بإقامة الصلة‪ ،‬وبيان أ ّ‬
‫ن{‪ :‬يفهمون بها ما أمرهم الّله‬ ‫السيئات؛ الجميع }ذكرى للذاكري َ‬
‫مَرة للخيرات‬ ‫به ونهاهم‪ ،‬ويمتثلون لتلك الوامر الحسنة المث ِ‬
‫شرور والسيئات‪.‬‬ ‫دافعة لل ّ‬ ‫ال ّ‬
‫}‪ {115‬ولكن تلك المور تحتاج إلى مجاهدة النفس‬
‫والصبر عليها‪ ،‬ولهذا قال‪} :‬واصب ِْر{؛ أي‪ :‬احبس نفسك على‬
‫طاعة الّله وعن معصيته وإلزامها لذلك واستمّر ول تضجر‪} .‬فإ ّ‬
‫ن‬
‫ن{‪ :‬بل يتقّبل الّله عنهم أحسن الذي‬ ‫الّله ل ُيضيعُ أ ْ‬
‫جَر المحسني َ‬
‫جَرهم بأحسن ما كانوا يعملون‪.‬‬ ‫جزيهم أ ْ‬ ‫عملوا وَيـ ْ‬
‫م للزوم الصبر بتشويق النفس‬ ‫ب عظي ٌ‬ ‫وفي هذا ترغي ٌ‬
‫الضعيفة إلى ثواب الّله كّلما وَن َ ْ‬
‫ت وَفَت ََر ْ‬
‫ت‪.‬‬

‫‪ -‬أخرجه مسلم )‪ (233‬من حديث أبي هريرة رضي الله عنه‪.‬‬ ‫‪1‬‬
‫ﯱﯧﯧ ﯷ ﯷ ﯷﯷ‬ ‫ﯥ ﯦ ﯧ ﯨ ﯩ ﯪﯧﯧ ﯫﯧﯧ ﯬﯧﯧ ﯭﯧﯧ ﯮﯧﯧ ﯯﯧﯧ ﯰﯧﯧ‬ ‫}ﭿ ﯣ ﯤ‬
‫ﯷ ﯷ ﯷ ﯷ ﯷ ﯷ ﯼ ﯽ ﯾ ﭾ‪.‬‬
‫ن‬‫ذبة للرسل‪ ،‬وأ ّ‬ ‫ما ذكر تعالى إهلك المم المك ّ‬ ‫}‪ {116‬لـ ّ‬
‫أكثرهم منحرفون عن أهل الكتب اللهية‪ ،‬وذلك كّله يقضي على‬
‫ذهاب والضمحلل؛ ذكر أّنه لول أنه جعل في القرون‬ ‫الديان بال ّ‬
‫الماضية بقايا من أهل الخير‪ ،‬يدعون إلى الهدى وينهون عن‬
‫الفساد والّردى‪ ،‬فحصل من نفعهم‪ ،‬وأبقيت به الديان‪ ،‬ولكّنهم‬
‫دا )‪ ، (1‬وغاية المر أّنهم نجوا باّتباعهم المرسلين‪،‬‬ ‫قليلون ج ّ‬
‫جة الّله أجراها على‬ ‫وقيامهم بما قاموا به من دينهم‪ ،‬وبكون ح ّ‬
‫ي عن بّينة }و{ لكن‬ ‫ح ّ‬ ‫ك عن بّينة ويحيا من َ‬ ‫أيديهم؛ ليهلك من هَل َ َ‬
‫رفوا فيه{؛ أي‪ :‬اّتبعوا ما هم فيه من‬ ‫ُ‬
‫}اّتبع الذين ظلموا ما أت ْ ِ‬
‫ل‪} .‬وكانوا مجرمين{؛ أي‪:‬‬ ‫النعيم والترف‪ ،‬ولم يبغوا به بد ً‬
‫ب‬
‫رفوا فيه‪ ،‬فلذلك حقّ عليهم العقا ُ‬ ‫ظالمين باّتباعهم ما أت ِ‬
‫ب‪.‬‬‫واستأصلهم العذا ُ‬
‫ث لهذه المة أن يكون فيهم بقايا؛ مصلحون لما‬ ‫وفي هذا ح ّ‬
‫ل إلى الهدى‪،‬‬ ‫ّ‬
‫أفسد الناس‪ ،‬قائمون بدين الله‪ ،‬يدعون من ض ّ‬
‫صرونهم من العمى‪ ،‬وهذه الحالة‬ ‫ويصبرون منهم على الذى‪ ،‬ويب ّ‬
‫أعلى حالة يرغب فيها الراغبون‪ ،‬وصاحبها يكون إماما ً في الدين؛‬
‫ب العالمين‪.‬‬‫إذا جعل عمله خالصا ً لر ّ‬
‫ﭿﯿ ﯷ ﯷ ﯷ ﯷ ﯷ ﯷ ﯷ ﯷ ﭾ‪.‬‬
‫ظلم منه لهم‬‫}‪ {117‬أي‪ :‬وما كان الّله ليهلك القرى ب ُ‬
‫ل أّنهم }مصلحون{؛ أي‪ :‬مقيمون على الصلح مستمرون‬ ‫والحا ُ‬
‫جة‬‫عليه؛ فما كان الّله ليهلكهم إل إذا ظلموا‪ ،‬وقامت عليهم ح ّ‬
‫الّله‪.‬‬
‫ك القرى بظلمهم‬ ‫ن المعنى‪ :‬وما كان رّبك ل ِي ُهْل ِ َ‬ ‫وُيحتمل أ ّ‬
‫ن الله يعفو عنهم‪ ،‬ويمحو‬ ‫ّ‬ ‫السابق إذا رجعوا وأصلحوا عملهم؛ فإ ّ‬
‫دم من ظلمهم‪.‬‬ ‫ما تق ّ‬
‫ﭿ ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗﭘ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ ﭝ ﭞ ﭟ ﭠﭡ ﭢ‬
‫ﭧ ﭨ ﭩ ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ ﭾ‪.‬‬ ‫ﭣﭤ ﭥ ﭦ‬

‫‪ - 1‬جاء في هامش )ب(‪» :‬والمعروف في تفسيرها غير هذا المعنى الذي‬


‫ن هذا بمعنى النفي أي‪ :‬أنه لم يكن في القرون السالفة‬ ‫ذكر هنا؛ وهو أ ّ‬
‫من أنجينا منهم؛ أي‪ :‬لكن بقي قليل بهذه‬ ‫ً‬ ‫ّ‬
‫أولو بقية‪ ...‬إلخ‪ .‬إل قليل م ّ‬
‫ن ما ذكرنا في الصل‪«...‬‬‫الصفة‪ ،‬وهو قريب من المعنى الذي ذكرنا‪ ،‬لك ْ‬
‫وما بعد كلمة الصل غير واضح‪ .‬ولعل القرب‪» :‬لكن ما ذكرنا في الصل‬
‫أنسب«‪ .‬والله أعلم‪.‬‬
‫مة واحدة‬ ‫}‪ {118‬يخبر تعالى أنه لو شاء لجعل الناس أ ّ‬
‫ن مشيئته غير قاصرة‪ ،‬ول يمتنعُ عليه‬ ‫على الدين السلمي؛ فإ ّ‬
‫شيٌء‪ ،،‬ولكّنه اقتضت حكمته أن ل يزالون مختلفين‪ ،‬مخالفين‬
‫ل يرى‬ ‫للصراط المستقيم‪ ،‬مّتبعين السبل الموصلة إلى النار‪ ،‬ك ّ‬
‫ضلل في قول غيره‪.‬‬ ‫الحقّ فيما قاله وال ّ‬
‫ق‬
‫م رّبك{‪ :‬فهداهم إلى العلم بالح ّ‬ ‫ح َ‬‫من َر ِ‬ ‫}‪} {119‬إل ّ َ‬
‫ة السعادة‬ ‫والعمل به والتفاق عليه؛ فهؤلء سبقت لهم سابق ُ‬
‫ي‪ ،‬وأما من عداهم؛ فهم‬ ‫ة الرّبانية والتوفيق الله ّ‬ ‫وتداركْتهم العناي ُ‬
‫قهم{؛ أي‪:‬‬ ‫خل َ َ‬
‫وكولون إلى أنفسهم‪ .‬وقوله‪} :‬ولذلك َ‬ ‫م ْ‬‫مخذولون َ‬
‫اقتضت حكمته أّنه خلقهم ليكون منهم السعداء والشقياء‬
‫والمتفقون والمختلفون والفريق الذي هدى الّله والفريق الذي‬
‫حقت عليهم الضللة؛ ليتبيّـن للعباد عدُله وحكمُته‪ ،‬ولي ُظ ِْهر ما‬
‫كمن في الطباع البشرية من الخير والشّر‪ ،‬وليقوم سوقُ الجهاد‬
‫م ول تستقيم إل بالمتحان والبتلء‪} ،‬و{ لّنه‬ ‫والعبادات التي ل تت ّ‬
‫ن{‪ :‬فل‬ ‫جّنة والناس أجمعي َ‬ ‫ن جهّنم من ال ِ‬ ‫ة رّبك لمل ّ‬ ‫ت كلم ُ‬ ‫م ْ‬
‫}تـ ّ‬
‫سر للنار أهل ً يعملون بأعمالها الموصلة إليها‪.‬‬ ‫بد ّ أن يي ّ‬
‫ﭿ ﭯ ﭰ ﭱ ﭲ ﭳ ﭴ ﭵ ﭶ ﭷ ﭸﭹ ﭺ ﭻ ﭼ ﭽ ﭾ ﭿ ﮀ‬
‫ﮁ ﮂ ﮃ ﮄ ﮅ ﮆ ﮇ ﮈ ﮉ ﮊ ﮋ ﮌ ﮍ ﮎ ﮏ ﮐ ﮑ ﮒ ﮓ ﮔ ﮕ‬
‫ﮘ ﮙ ﮚﮛ ﮜ ﮝ ﮞ ﮟ ﮠ ﮡ ﭾ ‪.‬‬ ‫ﮖ ﮗ‬
‫}‪ {120‬لما ذكر في هذه السورة من أخبار النبياء ما ذ َك ََر؛‬
‫ص عليك من أنباء‬ ‫ق ّ‬ ‫كر ذلك‪ ،‬فقال‪} :‬وكّل ن َ ُ‬
‫ذ َك ََر الحكمة في ذ ِ ْ‬
‫ت به فؤادك{؛ أي‪ :‬قلبك؛ ليطمئن‪ ،‬ويثبت‪ ،‬ويصبر‬ ‫الّرسل ما نثب ّ ُ‬
‫ن النفوس تأَنس بالقتداء‬ ‫كما صبر أولو العزم من الرسل؛ فإ ّ‬
‫كر‬ ‫شط على العمال‪ ،‬وتريد المنافسة لغيرها‪ ،‬ويتأّيد الحقّ بذ ِ ْ‬ ‫وتن َ‬
‫شواهده وكثرة من قام به‪} .‬وجاءك في هذه{‪ :‬السورة‬
‫ك فيه بوجهٍ من الوجوه؛ فالعلم بذلك من‬ ‫ن فل ش ّ‬ ‫ق{‪ :‬اليقي ُ‬ ‫}الح ّ‬
‫ة المور‬ ‫العلم بالحقّ الذي هو أكبر فضائل النفوس‪} .‬وموعظ ٌ‬
‫ن{؛ أي‪ :‬يّتعظون به فيرتدعون عن المور‬ ‫وِذكرى للمؤمني َ‬
‫ّ‬
‫كرون المحبوبة لله فيفعلونها‪.‬‬ ‫المكروهة ويتذ ّ‬
‫}‪ {121‬وأما من ليس من أهل اليمان؛ فل تنفُعهم‬
‫ن ل يؤمنون{‪:‬‬ ‫ل للذي َ‬ ‫ظ وأنواع التذكير‪ ،‬ولهذا قال‪} :‬وق ْ‬ ‫المواع ُ‬
‫كم{؛ أي‪ :‬حالتكم‬ ‫ملوا على مكانت ِ ُ‬ ‫بعدما قامت عليهم اليات‪} :‬اع ْ َ‬
‫ن{‪ :‬على ما كّنا عليه‪.‬‬ ‫التي أنتم عليها‪} ،‬إّنا عاملو َ‬
‫ل بنا‪} ،‬إنا منتظرون{‪ :‬ما يح ّ‬
‫ل‬ ‫ح ّ‬
‫}‪} {122‬وانتظروا{‪ :‬ما ي ِ‬
‫بكم‪.‬‬
‫صَره‬ ‫صل الّله بين الفريقين‪ ،‬وأرى عبا َ‬
‫ده ن َ ْ‬ ‫}‪ {123‬وقد ف َ‬
‫ب‬‫مَعه لعداء الّله المكذبين‪} .‬ولّله غي ُ‬ ‫لعباِده المؤمنين‪ ،‬وقَ ْ‬
‫ت والرض{؛ أي‪ :‬ما غاب فيهما من الخفايا والمور‬ ‫السمـوا ِ‬
‫ّ‬
‫جعُ المُر كله{‪ :‬من العمال والعمال‪ ،‬فيميز‬ ‫الغيبّية‪} ،‬وإليه ي ُْر َ‬
‫ل عليه{؛ أي‪ :‬قم بعبادته‪ ،‬وهي‬ ‫ده وتوك ّ ْ‬‫ث من الطّيب‪} ،‬فاعب ُ ْ‬ ‫الخبي ُ‬
‫ل على الّله{‪ :‬في‬ ‫جميع ما أمر الّله به مما تقدر عليه‪} .‬وتوك ّ ْ‬
‫ذلك‪.‬‬
‫}وما رّبك بغافل عما تعملون{‪ :‬من الخير والشّر‪ ،‬بل قد‬
‫مه بذلك‪ ،‬وجرى به قلمه‪ ،‬وسيجري عليه حكمه وجزاؤه‪.‬‬ ‫أحاط عل ُ‬
‫تم تفسير سورة هود‪.‬‬
‫والحمد لله رب العالمين‪ .‬وصلى الّله على محمد‬
‫وسلم‪ .‬وكان الفراغ من نسخه في يوم السبت في ‪21‬‬
‫من شهر ربيع الخر سنة ‪.1347‬‬

‫***‬
‫المجلد الرابع من تيسير الكريم الرحمن في‬
‫تفسير كلم الرب المنان‬
‫لجامعه الفقير إلى ربه عبدالرحمن بن ناصر بن‬
‫عبدالله السعدي غفر الله له ولوالديه ولجميع‬
‫المسلمين آمين‬
‫تفسير سورة يوسف بن يعقوب عليهما الصلة‬
‫والسلم‬
‫وهي مكية‬

‫ﯖ‬ ‫ﭿ ﮢﮣ ﮤ ﮥ ﮦ ﮧ ﮨ ﮩ ﮪ ﮫ ﮬ ﮭ ﮮﮮ ﮯ ﮰ ﮱ ﯓ ﯔ ﯕ‬
‫ﯗ ﯘ ﯙ ﯚ ﯛ ﯜ ﯝ ﯞ ﯟ ﯠ ﯡ ﭾ‪.‬‬
‫ت الكتاب‬
‫}‪ {1‬يخبر تعالى أن آيات القرآن هي }آيا ُ‬
‫مبين{؛ أي‪ :‬البيّـن الواضحة ألفاظه ومعانيه‪.‬‬
‫الـ ُ‬
‫ي‪ ،‬أشرف‬ ‫}‪ {2‬ومن بيانه وإيضاحه أّنه أنزله باللسان العربـ ّ‬
‫ل ما يحتاجه الناس من الحقائق‬ ‫اللسنة وأبينها‪ ،‬المبين لك ّ‬
‫قلون{؛ أي‪ :‬لتعقلوا‬ ‫ل هذا اليضاح والتبيين }لعّلكم تع ِ‬ ‫النافعة‪ ،‬وك ّ‬
‫قْلتم ذلك‬
‫حدوده وأصوله وفروعه وأوامره ونواهيه؛ فإذا ع َ َ‬
‫بإيقانكم‪ ،‬واّتصفت قلوُبكم بمعرفتها؛ أثمر ذلك عمل الجوارح‬
‫والنقياد إليه‪ ،‬و }لعّلكم تعقلون{؛ أي‪ :‬تزداد عقولكم بتكّرر‬
‫المعاني الشريفة العالية على أذهانكم‪ ،‬فتنتقلون من حال إلى‬
‫أحوال أعلى منها وأكمل‪.‬‬
‫ص عليك أحسن القصص{؛ وذلك لصدقها‬ ‫}‪} {3‬نحن نق ّ‬
‫حْينا إليك هذا القرآن{؛‬‫وسلسة عبارتها وَرْونق معانيها‪} ،‬بما أو َ‬
‫ضلناك به‬
‫حْيناه إليك وف ّ‬‫أي‪ :‬بما اشتمل عليه هذا القرآن الذي أو َ‬
‫ض مّنة من الّله وإحسان‪} .‬وإن كن َ‬
‫ت‬ ‫على سائر النبياء‪ ،‬وذاك مح ُ‬
‫من قبل ِهِ لمن الغافلين{؛ أي‪ :‬ما كنت تدري ما الكتاب ول اليمان‬
‫من‬‫من نشاُء ِ‬‫جعَْلناه نورا ً نهدي به َ‬
‫ن َ‬‫قبل أن يوحي الّله إليك‪ ،‬ولك ْ‬
‫عبادنا‪.‬‬
‫ولما مدح ما اشتمل عليه هذا القرآن من القصص وأنها‬
‫أحسن القصص على الطلق؛ فل يوجد من القصص في شيء‬
‫من الكتب مثل هذا القرآن؛ ذكر قصة يوسف وأبيه وإخوته‪،‬‬
‫القصة العجيبة الحسنة فقال‪:‬‬
‫ﯬﯧﯧ ﯭﯧﯧ ﯮﯧﯧ ﯯﯧﯧ ﯰﯧﯧ ﯱﯧﯧ ﭑ ﭒ ﭓ‬ ‫ﯥ ﯦ ﯧ ﯨ ﯩ ﯪﯧﯧ ﯫﯧﯧ‬ ‫ﭿﯢ ﯣ ﯤ‬
‫ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ‬ ‫ﭘ ﭙ ﭚﭛ ﭜ ﭝ ﭞ ﭟ ﭠ ﭡ ﭢ ﭣ‬ ‫ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ‬
‫ﭶﭷ ﭸ‬ ‫ﭰ ﭱ ﭲ ﭳ ﭴ ﭵ‬ ‫ﭬ ﭭ ﭮ ﭯ‬ ‫ﭨ ﭩ ﭪ ﭫ‬
‫ﭾ‪.‬‬ ‫ﭹ ﭺ ﭻ ﭼ‬
‫ص على رسوله أحسن القصص‬ ‫واعلم أن الّله ذكر أنه يق ّ‬
‫في هذا الكتاب‪ ،‬ثم ذكر هذه القصة‪ ،‬وبسطها وذكر ما جرى فيها‪،‬‬
‫مَلها أو‬
‫ن أراد أن يك ّ‬ ‫م ْ‬ ‫ة؛ ف َ‬
‫مة كاملة حسن ٌ‬ ‫فعلم بذلك أنها قصة تا ّ‬
‫ف لها سند ٌ ول‬ ‫سنها بما ُيذكر في السرائيليات التي ل ي ُعَْر ُ‬ ‫يح ّ‬
‫ل لشيء‬ ‫ك على الّله‪ ،‬ومك ّ‬
‫م ٌ‬ ‫ب؛ فهو مستدرِ ٌ‬ ‫ل‪ ،‬وأغلُبها ك َذ ِ ٌ‬‫ناق ٌ‬
‫يزعم أنه ناقص‪ ،‬وحسُبك بأمر ينتهي إلى هذا الحد ّ قبحًا؛ فإ ّ‬
‫ن‬
‫ت في كثير من التفاسير من‬ ‫مل ِئ َ ْ‬
‫تضاعيف هذه السورة قد ُ‬
‫صه الّله تعالى بشيء‬ ‫الكاذيب والمور الشنيعة المناقضة لما ق ّ‬
‫صه‪ ،‬ويدع ما سوى ذلك‬ ‫ر؛ فعلى العبد أن يفهم عن الّله ما ق ّ‬ ‫كثي ٍ‬
‫مما ليس عن النبي صلى الله عليه وسلم ينقل‪.‬‬
‫ف لبيه{‪ :‬يعقوب بن‬ ‫س ُ‬ ‫}‪ {4‬فقوله تعالى‪} :‬إذ قال يو ُ‬
‫ت إنّـي‬ ‫إسحاق بن إبراهيم الخليل عليهم الصلة والسلم‪} ،‬يا أب ِ‬
‫س والقمَر رأيُتهم لي ساجدين{‪:‬‬ ‫ت أحد عشر كوكبا ً والشم َ‬ ‫رأي ُ‬
‫ف عليه السلم من‬ ‫دمة لما وصل إليه يوس ُ‬ ‫فكانت هذه الرؤيا مق ّ‬
‫دنيا والخرة‪ ،‬وهكذا إذا أراد الّله أمرا ً من المور‬ ‫الرتفاع في ال ّ‬
‫ة له وتسهيل ً لمره‪ ،‬واستعدادا ً‬ ‫دمة توطئ ً‬ ‫دم بين يديه مق ّ‬ ‫العظام؛ ق ّ‬
‫َ‬ ‫ً‬ ‫ً‬
‫لما ي َرِد ُ على العبد من المشاق‪ ،‬ولطفا بعبده وإحسانا إليه فأوّلها‬
‫ب إخوُته‪ ،‬وأّنه‬ ‫مه والقمَر أبوه والكواك َ‬ ‫سأ ّ‬ ‫يعقوب بأن الشم َ‬
‫جدون‬ ‫ستنتقل به الحوال إلى أن يصير إلى حال يخضعون له ويس ُ‬
‫دمه من‬ ‫له إكراما ً وإعظامًا‪ ،‬وأن ذلك ل يكون إل بأسباب تتق ّ‬
‫اجتباء الّله له واصطفائه له وإتمام نعمت ِهِ عليه بالعلم والعمل‬
‫والتمكين في الرض‪ ،‬وأن هذه النعمة ستشمل آل يعقوب الذين‬
‫سجدوا له‪ ،‬وصاروا ت ََبعا ً له فيها‪.‬‬
‫جتبيك رّبك{؛ أي‪ :‬يصطفيك‬ ‫}‪ {6‬ولهذا قال‪} :‬وكذلك َيـ ْ‬
‫ن به عليك من الوصاف الجليلة والمناقب‬ ‫ويختارك بما م ّ‬
‫ك من تأويل الحاديث{؛ أي‪ :‬من تعبير الرؤيا‬ ‫الجميلة‪} ،‬ويعل ّ ُ‬
‫م َ‬
‫وبيان ما تؤول إليه الحاديث الصادقة كالكتب السماوية ونحوها‪،‬‬
‫ن ُيؤتيك في الدنيا‬ ‫مته عليك{‪ :‬في الدنيا والخرة؛ بأ ْ‬ ‫م نع َ‬‫}ويت ّ‬
‫مها على أبويك من قب ُ‬
‫ل‬ ‫ة‪} ،‬كما أتـ ّ‬ ‫ة وفي الخرة حسن ً‬ ‫حسن ً‬
‫إبراهيم وإسحاق{‪ :‬حيث أنعم الّله عليهما بنعم عظيمةٍ واسع ٍ‬
‫ة‬
‫ط بالشياء‬ ‫علمه محي ٌ‬ ‫م{؛ أي‪ِ :‬‬ ‫م حكي ٌ‬ ‫ن رّبك علي ٌ‬ ‫دينّية ودنيوّية‪} .‬إ ّ‬
‫وبما احتوت عليه ضمائر العباد من البّر وغيره‪ ،‬فيعطي كل ّ ما‬
‫م يضع الشياء مواضعها‪ ،‬وينزلها‬ ‫تقتضيه حكمته وحمده؛ فإّنه حكي ٌ‬
‫منازلها‪.‬‬
‫)‪(1‬‬
‫يل‬‫م تعبيُرها ليوسف؛ قال له أبوه‪} :‬يا بن ّ‬ ‫}‪ {5‬ولما ت ّ‬
‫ص رؤياك على إخوتك فيكيدوا لك كيدًا{؛ أي‪ :‬حسدا ً من عند‬ ‫ص ْ‬‫ق ُ‬
‫تَ ْ‬
‫ن‬
‫ن الشيطا َ‬ ‫أنفسهم؛ بأن تكون أنت الرئيس الشريف عليهم‪} .‬إ ّ‬
‫ن{‪ :‬ل يفتر عنه ليل ً ول نهارا ً ول سّرا ول جهارا؛ً‬ ‫للنسان عدوّ مبيـ ٌ‬
‫فالبعد ُ عن السباب التي يتسّلط بها على العبد أولى‪ .‬فامتثل‬
‫مها عنهم‪.‬‬‫ف أمر أبيه‪ ،‬ولم يخب ِْر إخوته بذلك‪ ،‬بل ك َت َ َ‬ ‫يوس ُ‬
‫ﮌ ﮍ‬ ‫ﮀ ﮁ ﮂ ﮃ ﮄ ﮅ ﮆ ﮇ ﮈ ﮉ ﮊ ﮋ‬ ‫ﭿﭽ ﭾ ﭿ‬
‫ﮎ ﮏ ﮐ ﮑ ﮒ ﮓ ﮔ ﮕ ﮖ ﮗ ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ ﮜ ﮝ ﮞ ﮟ ﮠ‬
‫ﮡ ﮢ ﮣ ﮤ ﭾ‪.‬‬
‫ت{؛ أي‪:‬‬ ‫ف وإخوت ِهِ آيا ٌ‬‫س َ‬ ‫}‪ {7‬يقول تعالى‪} :‬لقد ْ كان في يو ُ‬
‫عبر وأدّلة على كثير من المطالب الحسنة‪} ،‬للسائلين{؛ أي‪:‬‬
‫ن السائلين‬ ‫ل من سأل عنها بلسان الحال أو بلسان المقال؛ فإ ّ‬ ‫لك ّ‬
‫رضون؛ فل ينتفعون‬ ‫هم الذين ينتفعون باليات والعبر‪ ،‬وأما المع ِ‬
‫باليات ول بالقصص )‪ (2‬والبّينات‪.‬‬
‫ن؛‬ ‫ف وأخوه{‪ :‬بنيامي ُ‬ ‫س ُ‬ ‫}‪} {8‬إذ قالوا{‪ :‬فيما بينهم‪َ} :‬ليو ُ‬
‫ة{؛‬ ‫ب إلى أبينا منا ونحن عصب ٌ‬ ‫ة‪} ،‬أح ّ‬‫أي‪ :‬شقيقه‪ ،‬وإل ّ فكّلهم إخو ٌ‬
‫ن أبانا‬ ‫أي‪ :‬جماعة‪ ،‬فكيف يفضلهما ]علينا[ بالمحبة والشفقة‪} .‬إ ّ‬
‫ضلهما علينا من غير‬ ‫لفي ضلل مبين{؛ أي‪ :‬لفي خطأ ٍ بّين حيث ف ّ‬
‫موجب نراه‪ ،‬ول أمر نشاهده‪.‬‬
‫ف أو اطرحوه أرضًا{؛ أي‪ :‬غّيبوه عن أبيه‬ ‫}‪} {9‬اقُتلوا يوس َ‬
‫كن من رؤيته فيها؛ فإنكم إذا فعلُتم أحد‬ ‫في أرض بعيدة ل يتم ّ‬
‫قب ِ ُ‬
‫ل‬ ‫ه أبيكم{؛ أي‪ :‬يتفّرغ لكم‪ ،‬وي ُ ْ‬ ‫ل لكم وج ُ‬ ‫خ ُ‬
‫هذين المرين؛ }َيـ ْ‬
‫عليكم بالشفقة والمحّبة؛ فإّنه قد اشتغل قلبه بيوسف شغل ً ل‬
‫يتفّرغ لكم‪} .‬وتكونوا من بعده{؛ أي‪ :‬من بعد هذا الصنيع قوما ً‬
‫صالحين؛ أي‪ :‬تتوبون إلى الّله وتستغفرونه من بعد ذنبكم‪،‬‬
‫دموا العزم على التوبة قبل صدور الذنب منهم؛ تسهيل ً لفعله‪،‬‬ ‫فق ّ‬
‫ة لشناعته‪ ،‬وتنشيطا ً من بعضهم لبعض‪.‬‬ ‫وإزال ً‬
‫‪.‬‬
‫ل{‪ :‬من إخوة يوسف الذين أرادوا قتله‬ ‫}‪ {10‬أي‪} :‬قال قائ ٌ‬
‫م إثما ً وأشن ُ‬
‫ع‪،‬‬ ‫ن قتله أعظ ُ‬‫ف{‪ :‬فإ ّ‬ ‫س َ‬‫أو تبعيده‪} :‬ل تقُتلوا يو ُ‬
‫صلوا‬
‫ل بتبعيده عن أبيه من غير قتل‪ ،‬ولكن تو ّ‬ ‫ص ُ‬
‫والمقصود يح ُ‬
‫عدوه على أنه ل‬ ‫ب{‪ :‬وتتو ّ‬
‫ج ّ‬ ‫إلى تبعيده بأن تلقوه }في َ‬
‫غياب َةِ الـ ُ‬
‫يخبر بشأنكم‪ ،‬بل على أّنه عبد ٌ مملوك آبقٌ ]منكم[ لجل أن‬

‫‪ -‬في )ب(‪» :‬بان«‪.‬‬ ‫‪1‬‬

‫‪ -‬في )ب(‪» :‬في القصص«‪.‬‬ ‫‪2‬‬


‫ض السّيارة{‪ :‬الذين يريدون مكانا ً بعيدا ً فيحتفظون‬ ‫ق َ‬
‫طه }بع ُ‬ ‫يلت ِ‬
‫فيه‪ ،‬وهذا القائل أحسنهم رأيا ً في يوسف وأبّرهم وأتقاهم في‬
‫ن من بعض‪ ،‬والضرر الخفيف‬ ‫ض الشّر أهو ُ‬
‫ن بع َ‬
‫هذه القضية؛ فإ ّ‬
‫ُيدفع به الضرُر الثقيل‪ .‬فلما اتفقوا على هذا الرأي‪:‬‬
‫ﭿ ﯗ ﯘ ﯙ ﯚ ﯛ ﯜ ﯝ ﯞ ﯟ ﯠ ﯡ ﯢ ﯣ ﯤ ﯥ ﯦ ﯧ ﯨ ﯩ ﯪﯧﯧ ﯫﯧﯧ ﯬﯧﯧ‬
‫ﯮﯧﯧ ﯯﯧﯧ ﯰﯧﯧ ﯱﯧﯧ ﯷ ﯷ ﯷ ﯷ ﯷ ﯷ ﯷ ﯷ ﯷ ﯷ ﯼ ﯽ ﯾ ﯿ‬ ‫ﯭﯧﯧ‬
‫ﯷ ﯷ ﯷ ﭾ‬ ‫ﯷ‬
‫صلين إلى مقصدهم‬ ‫}‪ {11‬أي‪ :‬قال إخوة يوسف متو ّ‬
‫ن{؛‬ ‫ف وإّنا له لناصحو َ‬ ‫س َ‬‫مّنا على يو ُ‬ ‫لبيهم‪} :‬يا أبانا ما ل َ‬
‫ك ل تأ َ‬
‫ف مّنا على يوسف من غير سبب ول‬ ‫ك الخو ُ‬ ‫خل ُ َ‬ ‫أي‪ :‬ليّ شيٍء ي َد ْ ُ‬
‫ن{؛ أي‪ :‬مشفقون عليه نود ّ له ما‬ ‫موجب‪ ،‬والحال أّنا }له لناصحو َ‬
‫نود ّ لنفسنا‪.‬‬
‫ف‬
‫س َ‬ ‫ل على أن يعقوب عليه السلم ل يترك يو ُ‬ ‫وهذا يد ّ‬
‫يذهب مع إخوته للبرّية ونحوها‪.‬‬
‫فوا عن أنفسهم الّتهمة المانعة لعدم إرساله‬ ‫}‪ {12‬فلما ن َ َ‬
‫معهم؛ ذكروا له من مصلحة يوسف وأنسه الذي يحّبه أبوه له ما‬
‫سْله معنا غدا ً ي َْرت َ ْ‬
‫ع‬ ‫يقتضي أن يسمح بإرساله معهم‪ ،‬فقالوا‪} :‬أر ِ‬
‫ب{؛ أي‪ :‬يتنّزه في البرّية ويستأنس‪} ،‬وإّنا له لحافظون{؛‬ ‫ويلع ْ‬
‫أي‪ :‬سنراعيه‪ ،‬ونحفظه من أذى يريده‪.‬‬
‫}‪ {13‬فأجابهم بقوله‪} :‬إّني ليحُزُنني أن تذهبوا به{؛ أي‪:‬‬
‫ي؛ لنني ل أقدر على فراقه‪،‬‬ ‫مجّرد ذهابكم به يحزنني ويشقّ علـ ّ‬
‫ولو مدة يسيرة؛ فهذا مانع من إرساله‪.‬‬
‫ن‪ ،‬وهو أني }أخاف أن يأكله الذئب وأنُتم عنه‬ ‫}و{ مانعٌ ثا ٍ‬
‫غافلون{؛ أي‪ :‬في حال غفلتكم عنه؛ لنه صغيٌر ل يمتنع من‬
‫الذئب‪.‬‬
‫ة{؛ أي‪ :‬جماعة‬‫ب ونحن عصب ٌ‬ ‫ن أكل َ ُ‬
‫ه الذئ ُ‬ ‫}‪} {14‬قالوا لئ ْ‬
‫حريصون على حفظه؛ }إّنا إذا ً لخاسرون{؛ أي‪ :‬ل خير فينا ول‬
‫نفع ُيرجى مّنا إن أكله الذئب وغلبنا عليه‪.‬‬
‫فلما مّهدوا لبيهم السباب الداعية لرساله وعدم الموانع؛‬
‫ح حينئذ بإرساله معهم لجل أنسه‪.‬‬ ‫م َ‬
‫س َ‬
‫َ‬
‫ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙﭚ ﭛ ﭜ ﭝ ﭞ ﭟ ﭠ ﭡ ﭢ‬ ‫ﭿﭑ ﭒ ﭓ‬
‫ﭨ ﭩ ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ ﭯ ﭰ ﭱ ﭲ ﭳﭴ ﭵ‬ ‫ﭣ ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ‬
‫ﭻ ﭼ ﭽ ﭾ ﭿ ﮀ ﮁ ﮂ ﮃ ﮄ ﮅ ﮆ ﮇ ﮈﮉ ﮊ ﮋ ﮌ‬ ‫ﭶ ﭷ ﭸ ﭹ ﭺ‬
‫ﮒ ﭾ‪.‬‬ ‫ﮍ ﮎ ﮏ ﮐ ﮑ‬
‫}‪ {15‬أي‪ :‬لما ذهب إخوة ُ يوسف بيوسف بعدما أذن له‬
‫ب كما قال قائُلهم الساب ُ‬
‫ق‬ ‫أبوه‪ ،‬وعزموا أن يجعلوه في غيابة الج ّ‬
‫ذكره‪ ،‬وكانوا قادرين على ما أجمعوا عليه‪ ،‬فنفذوا فيه قدرتهم‪،‬‬
‫ب‪ ،‬ثم إن الّله لطف به بأن أوحى إليه وهو بتلك‬ ‫وألقوه في الج ّ‬
‫ن{؛ أي‪:‬‬ ‫هم هذا وهم ل يشُعرو َ‬‫الحال الحرجة‪} :‬ل َت ُن َب ّئ َن ُّهم بأمرِ ِ‬
‫سيكون منك معاتبة لهم وإخباٌر عن أمرهم هذا وهم ل يشعرون‬
‫بذلك المر‪ .‬ففيه بشارة له بأنه سينجو مما وقع فيه‪ ،‬وأن الّله‬
‫سيجمعه بأهله وإخوته على وجه العّز والتمكين له في الرض‪.‬‬
‫خرا ً‬
‫}‪} {16‬وجاؤوا أباهم عشاًء يبكون{‪ :‬ليكون إتياُنهم متأ ّ‬
‫عن عادتهم‪ ،‬وبكاؤهم دليل ً لهم وقرينة على صدقهم‪.‬‬
‫}‪ {17‬فقالوا متعذرين بعذرٍ كاذب‪} :‬يا أبانا إّنا ذهبنا‬
‫كنا يوسف‬ ‫ق{‪ :‬إما على القدام أو بالرمي والنضال‪} ،‬وتر ْ‬ ‫ست َب ِ ُ‬
‫نَ ْ‬
‫ب{‪ :‬في حال غيبتنا‬ ‫ً‬
‫عند متاعنا{‪ :‬توفيرا له وراحة‪} ،‬فأكله الذئ ُ‬
‫)‪(1‬‬
‫ن{؛ أي‪:‬‬ ‫ن لنا ولو كّنا صادقي َ‬ ‫عنه واستباقنا ‪} .‬وما أنت بمؤم ٍ‬
‫تعذرنا بهذا العذر‪ ،‬والظاهر أنك ل تصدقنا؛ لما في قلبك من‬
‫الحزن على يوسف والرقة الشديدة عليه‪ ،‬ولكن عدم تصديقك‬
‫ل هذا تأكيد ٌ لعذرهم‪.‬‬ ‫إّيانا ل يمنُعنا أن نعتذر بالعذر الحقيقي‪ .‬وك ّ‬
‫كدوا به قولهم أنهم‪} :‬جاؤوا على قميصه‬ ‫}‪} {18‬و{ مما أ ّ‬
‫م يوسف حين أكله الذئب‪ ،‬فلم يصد ّْقهم‬ ‫ب{‪ :‬زعموا أّنه د ُ‬ ‫بدم كذ ٍ‬
‫ً‬
‫سكم أمرا{؛ أي‪ :‬زينت‬ ‫ولت لكم أنف ُ‬ ‫أبوهم بذلك‪ ،‬و }قال بل س ّ‬
‫لكم أنفسكم أمرا ً قبيحا ً في التفريق بيني وبينه؛ لنه رأى من‬
‫القرائن والحوال ومن رؤيا يوسف التي قصها عليه ما دّله على‬
‫ما‬
‫ن{؛ أي‪ :‬أ ّ‬ ‫ن على ما تصفو َ‬ ‫ل والّله المستعا ُ‬ ‫ما قال‪} .‬فصبٌر جمي ٌ‬
‫أنا؛ فوظيفتي سأحرص على القيام بها‪ ،‬وهي أني أصبر على هذه‬
‫المحنة صبرا ً جميل ً سالما ً من السخط والتشكي إلى الخلق‪،‬‬
‫وأستعين الّله على ذلك ل على حولي وقوتي‪ ،‬فوعد من نفسه‬
‫حْزني‬‫هذا المر‪ ،‬وشكا إلى خالقه في قوله‪} :‬إّنما أشكو بّثي و ُ‬
‫ن‬
‫ن الشكوى إلى الخالق ل تنافي الصبر الجميل؛ ل ّ‬ ‫إلى الّله{‪ :‬ل ّ‬
‫ي إذا وعد وفى‪.‬‬ ‫النب ّ‬
‫ﭿ ﮓ ﮔ ﮕ ﮖ ﮗ ﮘﮙ ﮚ ﮛ ﮜ ﮝﮞ ﮟ ﮠﮡ ﮢ ﮣ ﮤ ﮥ‬
‫ﮦ ﮧ ﮨ ﮩ ﮪ ﮫ ﮬ ﮭ ﮮﮮ ﮯ ﮰ ﭾ ‪.‬‬
‫ب ما مكث‪ ،‬حتى }جاءت‬ ‫}‪ {19‬أي‪ :‬مكث يوسف في الج ّ‬
‫دهم{؛ أي‪ :‬فرطهم‬ ‫ة{؛ أي‪ :‬قافلة تريد مصر‪} ،‬فأرسلوا وارِ َ‬
‫سّيار ٌ‬
‫س لهم المياه ويسبرها ويستعد لهم بتهيئة‬‫دمهم الذي يع ّ‬ ‫ومق ّ‬

‫‪ -‬في )ب(‪» :‬في استباقنا«‪.‬‬ ‫‪1‬‬


‫ه{‪ :‬فتعّلق فيه‬ ‫الحياض ونحو ذلك‪} ،‬فأدلى{‪ :‬ذلك الوارد ُ }د َل ْوَ ُ‬
‫م{؛ أي‪:‬‬ ‫يوسف عليه السلم وخرج‪ ،‬فقال‪} :‬يا ُبشرى هذا غل ٌ‬
‫ة{‪.‬‬
‫سّروه بضاع ً‬ ‫س‪} ،‬وأ َ‬
‫م نفي ٌ‬ ‫استبشر وقال‪ :‬هذا غل ٌ‬
‫}‪ {20‬وكان إخوته قريبا ً منه‪ ،‬فاشتراه السيارة ُ منهم‬
‫ة‬
‫م معدود ٍ‬ ‫سره بقوله‪} :‬دراه َ‬ ‫دا‪ ،‬ف ّ‬
‫س{؛ أي‪ :‬قليل ج ّ‬ ‫ن بخ ٍ‬ ‫}بثم ٍ‬
‫ن{‪ :‬لنه لم يكن لهم قصد ٌ إل تغييبه‬ ‫وكانوا فيه من الّزاهدي َ‬
‫وإبعاده عن أبيه‪ ،‬ولم يكن لهم قصد ٌ في أخذ ثمنه‪ .‬والمعنى في‬
‫سّروا أمره‪ ،‬ويجعلوه من‬ ‫ن السيارة لما وجدوه؛ عزموا أن ي ُ ِ‬ ‫هذا أ ّ‬
‫جملة بضائعهم التي معهم‪ ،‬حتى جاءهم إخوته‪ ،‬فزعموا أّنه عبد ٌ‬
‫أبق منهم‪ ،‬فاشتروه منهم بذلك الثمن‪ ،‬واستوثقوا منهم فيه لئل‬
‫ب‪ .‬والّله أعلم‪.‬‬ ‫يهر َ‬
‫ﭿ ﮱ ﯓ ﯔ ﯕ ﯖ ﯗ ﯘ ﯙ ﯚ ﯛ ﯜ ﯝ ﯞ ﯟﯠ ﯡ ﯢ ﯣ ﯤ ﯥ ﯦ ﯧ‬
‫ﯨ ﯩﯪﯧﯧ ﯫﯧﯧ ﯬﯧﯧ ﯭﯧﯧ ﯮﯧﯧ ﯯﯧﯧ ﯰﯧﯧ ﯱﯧﯧ ﯷ ﯷ ﯷ ﭾ ‪.‬‬
‫}‪ {21‬أي‪ :‬لما ذهب به السيارة ُ إلى مصر وباعوه بها‪،‬‬
‫صى عليه امرأَته‬ ‫ب به وو ّ‬ ‫فاشتراه عزيُز مصر‪ ،‬فلما اشتراه؛ أعج َ‬
‫ذه ولدَا{؛ أي‪ :‬إما أن‬ ‫خ َ‬‫فَعنا أو نت ّ ِ‬
‫رمي مثواه عسى أن َين َ‬ ‫وقال‪} :‬أك ِ‬
‫ينفعنا كنفع العبيد بأنواع الخدم‪ ،‬وإما أن نستمتع فيه استمتاعنا‬
‫د‪} .‬وكذلك مك ّّنا ليوس َ‬
‫ف‬ ‫ل ذلك أّنه لم يكن لهما ول ٌ‬ ‫بأولدنا‪ ،‬ولع ّ‬
‫مه هذا‬ ‫ن يشترَِيه عزيز مصر ويكرِ َ‬ ‫سْرنا أ ْ‬
‫في الرض{؛ أي‪ :‬كما ي ّ‬
‫جعَْلنا هذا مقدمة لتمكينه في الرض من هذا الطريق‪.‬‬ ‫الكرام؛ َ‬
‫م له‬‫ه من تأويل الحاديث{‪ :‬إذا بقي ل شغل له ول ه ّ‬ ‫}ول ِن ُعَل ّ َ‬
‫م ُ‬
‫سوى العلم؛ صار ذلك من أسباب تعّلمه علما ً كثيرا ً من علم‬
‫ه{؛ أي‪:‬‬ ‫ب على أمرِ ِ‬ ‫الحكام وعلم التعبير وغير ذلك‪} .‬والّله غال ٌ‬
‫ن أكثر‬ ‫ب‪} .‬ولك ّ‬ ‫ل ول يغلبه مغال ٌ‬ ‫أمره تعالى نافذ ٌ ل يبطله مبط ٌ‬
‫الناس ل يعلمون{‪ :‬فلذلك يجري منهم‪ ،‬ويصد ُُر ما يصد ُُر في‬
‫مغالبة أحكام الّله القدرّية‪ ،‬وهم أعجز وأضعف من ذلك‪.‬‬
‫ﭿ ﯷ ﯷ ﯷ ﯷ ﯷ ﯷﯷ ﯼ ﯽ ﯾ ﯿ ﭾ ‪.‬‬
‫ده{؛ أي‪ :‬كمال قوته‬ ‫}‪ {22‬أي‪} :‬لما بلغ{ يوسف }أ ُ‬
‫ش ّ‬
‫مل الحمال الثقيلة من النبوة‬ ‫صل َ َ‬
‫ح لن يتح ّ‬ ‫المعنوّية والحسّية و َ‬
‫والرسالة؛ }آت َْيناه حكما ً وعلمًا{؛ أي‪ :‬جعلناه نبّيا رسول ً وعالما ً‬
‫ربانّيا‪} .‬وكذلك نجزي المحسنين{‪ :‬في عبادة الخالق ببذل الجهد‬
‫والّنصح فيها‪ ،‬وإلى عباد الّله ببذل النفع والحسان إليهم؛ نؤتيهم‬
‫ل هذا على أن‬ ‫من جملة الجزاء على إحسانهم علما ً نافعًا‪ .‬ود ّ‬
‫يوسف وَّفـى مقام الحسان‪ ،‬فأعطاه الّله الحكم بين الناس‬
‫والعلم الكثير والنبوة‪.‬‬
‫ﭿ ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜﭝ ﭞ ﭟ ﭠﭡ ﭢ‬
‫ﭣ ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ ﭨ ﭩ ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ ﭮﭯ ﭰ ﭱ ﭲ ﭳ ﭴ ﭵ‬
‫ﭶﭷ ﭸ ﭹ ﭺ ﭻ ﭼﭽ ﭾ ﭿ ﮀ ﮁ ﮂ ﮃ ﮄ ﮅ ﮆ ﮇ ﮈ ﮉ ﮊ ﮋ‬
‫ﮖ ﮗ ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ ﮜ ﮝ‬ ‫ﮌﮍ ﮎ ﮏ ﮐ ﮑ ﮒ ﮓ ﮔ ﮕ‬
‫ﮨ ﮩ ﮪ ﮫ ﮬ ﮭ ﮮﮮ ﮯ ﮰ ﮱ ﯓ‬ ‫ﮞ ﮟ ﮠﮡ ﮢ ﮣ ﮤ ﮥ ﮦ ﮧ‬
‫ﯥ ﯦﯧ ﯨ ﯩ‬ ‫ﯔ ﯕ ﯖ ﯗ ﯘ ﯙ ﯚ ﯛ ﯜ ﯝ ﯞ ﯟ ﯠ ﯡ ﯢ ﯣ ﯤ‬
‫ﯪﯧﯧ ﯫﯧﯧ ﯬﯧﯧ ﯭﯧﯧ ﯮﯧﯧ ﯯﯧﯧﯰﯧﯧ ﯱﯧﯧ ﯷﯷ ﯷ ﯷ ﯷ ﯷ ﯷ ﭾ ‪.‬‬
‫ف من محنة إخوته‬ ‫م على يوس َ‬ ‫هذه المحنة العظيمة أعظ ُ‬
‫م أجرا ً لنه صبُر اختيارٍ مع وجود الدواعي‬ ‫وصبره عليها‪ ،‬أعظ ُ‬
‫ما محنته بإخوته؛‬ ‫دم محّبة الّله عليها‪ ،‬وأ ّ‬
‫الكثيرة لوقوع الفعل‪ ،‬فق ّ‬
‫فصبره صبر اضطرار؛ بمنزلة المراض والمكاره التي ُتصيب‬
‫العبد بغير اختياره‪ ،‬وليس له ملجأ إل ّ الصبر عليها طائعا ً أو كارهًا‪.‬‬
‫ن يوسف عليه الصلة والسلم بقي‬ ‫}‪ 23‬ـ ‪ {24‬وذلك أ ّ‬
‫مكّرما ً في بيت العزيز‪ ،‬وكان له من الجمال والكمال والبهاء ما‬
‫أوجب ذلك أن }راوَد َْته التي هو في بيتها عن نفسه{؛ أي‪ :‬هو‬
‫سر إيقاع المر المكروه‬ ‫غلمها وتحت تدبيرها والمسكن واحد ٌ يتي ّ‬
‫)‪(1‬‬
‫ة بأن‬‫ت المصيب ُ‬ ‫ر‪} .‬و{ زاد ِ‬ ‫من غير شعور أحد ٍ ول إحساس بش ٍ‬
‫ل خاليًا‪ ،‬وهما آمنان من دخول أحدٍ‬ ‫ب{‪ :‬وصار المح ّ‬ ‫ت البوا َ‬ ‫ق ِ‬ ‫}غ َل ّ َ‬
‫ت‪:‬‬
‫عليهما بسبب تغليق البواب‪ .‬وقد دعْته إلى نفسها‪ ،‬فقال ْ‬
‫ي! ومع هذا؛ فهو‬ ‫ل إلـ ّ‬ ‫ت لك{؛ أي‪ :‬افعل المر المكروه وأقب ْ‬ ‫}هَي ْ َ‬
‫ب ل يحتشم مثله ما يحتشمه إذا كان في وطنه وبين معارفه‪،‬‬ ‫غري ٌ‬
‫وهو أسيٌر تحت يدها‪ ،‬وهي سيدُته‪ ،‬وفيها من الجمال ما يدعو إلى‬
‫ب‪ ،‬وقد توعدته إن لم يفعل ما تأمره به‬ ‫ب ع ََز ٌ‬
‫ما هنالك‪ ،‬وهو شا ّ‬
‫بالسجن أو العذاب الليم‪ ،‬فصبر عن معصية الّله مع وجود‬
‫دم مراد‬ ‫ه لّله‪ ،‬وق ّ‬ ‫ما ت ََرك َ ُ‬‫م فيها هـ ّ‬ ‫الداعي القويّ فيه؛ لّنه قد ه ّ‬
‫مارة بالسوء‪ ،‬ورأى من برهان رّبه ـ وهو‬ ‫الّله على مراد النفس ال ّ‬
‫ل ما حّرم الّله ـ ما‬ ‫كك ّ‬ ‫ما معه من العلم واليمان الموجب ل ِت َْر ِ‬
‫أوجب له البعد والنكفاف عن هذه المعصية الكبيرة‪ ،‬و }قال‬
‫ل القبيح؛ لّنه مما‬ ‫معاذ َ الّله{؛ أي‪ :‬أعوذ بالّله أن أفعل هذا الفع َ‬
‫ة في حقّ سّيدي الذي أكرم‬ ‫ط الّله وي ُب ْعِد ُ عنه‪ ،‬ولّنه خيان ٌ‬‫خ ُ‬ ‫س ِ‬ ‫يُ ْ‬
‫مثواي؛ فل َيليقُ بي أن أقاب َِله في أهله بأقبح مقابلة‪ ،‬وهذا من‬
‫ح‪.‬‬‫ظلم‪ ،‬والظالم ل يفل ُ‬ ‫أعظم ال ّ‬
‫قوى الّله‪،‬‬ ‫والحاصل أّنه جعل الموانع له من هذا الفعل‪ :‬ت َ ْ‬
‫ظلم الذي ل‬ ‫ومراعاة حقّ سّيده الذي أكرمه‪ ،‬وصيانة نفسه عن ال ّ‬
‫ن الّله عليه من برهان اليمان الذي‬ ‫من تعاطاه‪ ،‬وكذلك ما م ّ‬ ‫يفلح َ‬
‫‪ -‬في )ب(‪» :‬إشعار«‪.‬‬ ‫‪1‬‬
‫ع‬
‫ب الزواجر‪ ،‬والجام ُ‬ ‫في قلبه يقتضي منه امتثا َ‬
‫ل الوامر واجتنا َ‬
‫ن الّله صرف عنه السوَء والفحشاَء؛ لّنه من عباده‬ ‫لذلك كّله أ ّ‬
‫المخلصين له في عباداتهم‪ ،‬الذين أخلصهم الّله واختارهم‬
‫صهم لنفسه‪ ،‬وأسدى عليهم من الّنعم‪ ،‬وصرف عنهم من‬ ‫واخت ّ‬
‫المكاره ما كانوا به من خيار خلقه‪.‬‬
‫}‪ {25‬ولما امتنع من إجابة طلبها بعد المراودة الشديدة؛‬
‫ب منها ويباد َِر إلى الخروج من الباب ليتخّلص ويهرب‬ ‫ذهب ليهر َ‬
‫ما وصل‬ ‫صه‪ ،‬فل ّ‬‫قت قمي َ‬‫ه‪ ،‬فش ّ‬ ‫من الفتنة‪ ،‬فبادرْته إليه وتعّلقت بثوب ِ ِ‬
‫دها ـ أي‪ :‬زوجها ـ لدى الباب‪،‬‬ ‫فيا سي ّ َ‬ ‫إلى الباب في تلك الحال؛ أل ْ َ‬
‫ت إلى الكذب‪ ،‬وأن المراودة قد كانت‬ ‫فرأى أمرا ً شقّ عليه‪ ،‬فبادر ْ‬
‫ل‪:‬‬‫ن أراد بأهلك سوءًا{‪ :‬ولم تق ْ‬ ‫م ْ‬
‫من يوسف‪ ،‬وقالت‪} :‬ما جزاُء َ‬
‫ة له أيضا ً من الفعل‪ ،‬وإنما‬ ‫ة لها وتبرئ ً‬ ‫من فعل بأهلك سوءًا؛ تبرئ ً‬
‫ب أليم{؛ أي‪:‬‬ ‫ن أو عذا ٌ‬
‫ج َ‬ ‫الّنزاع عند الرادة والمراودة‪} ،‬إل ّ أن ي ُ ْ‬
‫س َ‬
‫ذب عذابا ً أليمًا‪.‬‬ ‫أو يع ّ‬
‫}‪ {26‬فبّرأ نفسه مما رمته به‪ ،‬و }قال هي راوَد َْتني عن‬
‫ل واحد منهما‪ ،‬ولم يعلم‬ ‫ل صدقَ ك ّ‬ ‫ت الحا ُ‬ ‫نفسي{‪ :‬فحينئذ ٍ احتمل ِ‬
‫ت تد ّ‬
‫ل‬ ‫ت وأمارا ٍ‬ ‫ن الّله تعالى جعل للحقّ والصدق علما ٍ‬ ‫أيهما‪ ،‬ولك ّ‬
‫ن الّله ]تعالى[ في هذه‬ ‫مها العباد ُ وقد ل يعلموَنها؛ فم ّ‬ ‫عليه‪ ،‬قد يعل َ ُ‬
‫ة لنبّيه وصفّيه يوسف عليه‬ ‫القضية بمعرفة الصادق منهما تبرئ ً‬
‫ن وجدت معه‬ ‫م ْ‬‫السلم‪ ،‬فانبعث شاهد من أهل بيتها يشهد ُ بقرينةٍ َ‬
‫ت وهو‬ ‫صد َقَ ْ‬
‫ه قُد ّ من قُُبل ف َ‬ ‫ص ُ‬‫فهو الصادق‪ ،‬فقال‪} :‬إن كان قمي ُ‬
‫ل على أنه هو المقبل عليها المراوِد ُ‬ ‫من الكاذبين{؛ لن ذلك يد ّ‬
‫قت قميصه من هذا‬ ‫لها المعالج‪ ،‬وأنها أرادت أن تدفعه عنها‪ ،‬فش ّ‬
‫الجانب‪.‬‬
‫ت وهو من‬ ‫من د ُب ُرٍ فكذب ْ‬ ‫ه قُد ّ ِ‬‫ص ُ‬‫}‪} {27‬وإن كان قمي ُ‬
‫ل على هروبه منها؛ وأّنها هي التي طلبْته‪،‬‬ ‫ن ذلك يد ّ‬ ‫الصادقين{‪ :‬ل ّ‬
‫صه من هذا الجانب‪.‬‬ ‫قت قمي َ‬ ‫فش ّ‬
‫ف بذلك صدق‬ ‫ر{‪ :‬ع ََر َ‬‫صه قُد ّ من د ُب ُ ٍ‬ ‫}‪} {28‬فلما رأى قمي َ‬
‫من‬ ‫يوسف وبراءته وأّنها هي الكاذبة‪ ،‬فقال لها سيدها‪} :‬إّنه ِ‬
‫م{‪ :‬وهل أعظم من هذا الكيد الذي بّرأت‬ ‫ن عظي ٌ‬‫ن ك َي ْد َك ُ ّ‬ ‫كيد ِك ُ ّ‬
‫نإ ّ‬
‫ي الّله يوسف عليه‬ ‫ت به نب ّ‬ ‫ت ورم ْ‬ ‫ت وفعل ْ‬ ‫ما أراد ْ‬ ‫به نفسها م ّ‬
‫السلم؟!‬
‫قق المر؛ قال ليوسف‪:‬‬ ‫دها لما تح ّ‬
‫ن سي َ‬
‫}‪ {29‬ثم إ ّ‬
‫ه ول تذ ُ‬
‫كره‬ ‫س ُ‬
‫ض عن هذا{؛ أي‪ :‬اترك الكلم فيه وتنا َ‬ ‫ف أعرِ ْ‬
‫س ُ‬
‫}يو ُ‬
‫ك‬
‫فري{‪ :‬أيتها المرأة‪} ،‬لذنب ِ ِ‬ ‫ً‬
‫لحد ٍ طلبا للستر على أهله‪} .‬واستغ ِ‬
‫ت من الخاطئين{‪ :‬فأمر يوسف بالعراض‪ ،‬وهي‬ ‫إّنك كن ِ‬
‫بالستغفارِ والتوبة‪.‬‬
‫ﭿ ﯷ ﯷ ﯷ ﯼ ﯽ ﯾ ﯿ ﯷ ﯷ ﯷ ﯷﯷ ﯷ ﯷ ﯷﰈ ﰉ ﯷ‬
‫ﯷ ﯷ ﯷ ﰎ ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ ﭝ ﭞ ﭟ‬
‫ﭥ ﭦ ﭧ ﭨ ﭩ ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ ﭯ ﭰ ﭱ‬ ‫ﭠﭡ ﭢ ﭣ ﭤ‬
‫ﭲ ﭳ ﭴ ﭵ ﭶ ﭷﭸ ﭹ ﭺ ﭻ ﭼ ﭽﭾ ﭿ ﮀ ﮁ ﮂ ﮃ ﮄ ﮅ ﮆ ﮇ‬
‫ﮖ ﮗ ﮘ ﮙ‬ ‫ﮈ ﮉ ﮊ ﮋ ﮌ ﮍ ﮎ ﮏ ﮐﮑ ﮒ ﮓ ﮔ ﮕ‬
‫ﮦ ﮧ ﮨ ﮩ ﮪ ﮫ ﮬ ﮭ ﮮﮮ‬ ‫ﮛ ﮜ ﮝ ﮞ ﮟ ﮠ ﮡﮢ ﮣ ﮤ ﮥ‬ ‫ﮚ‬
‫ﮯ ﮰ ﮱ ﯓ ﯔ ﭾ‪.‬‬
‫دث به‬ ‫}‪ {30‬يعني‪ :‬أن الخبر اشتهر وشاع في البلد‪ ،‬وتح ّ‬
‫ن‪} :‬امرأة ُ العزيز تراوِد ُ فتاها عن‬ ‫قل ْ َ‬ ‫منها وي َ ُ‬ ‫النسوة‪ ،‬فجعلن ي َل ُ ْ‬
‫ح! هي امرأة ٌ كبيرةُ‬ ‫نفسه قد شغفها حّبا{؛ أي‪ :‬هذا أمٌر مستقب َ ٌ‬
‫ل تراوِد ُ فتاها الذي تحت‬ ‫القدر وزوجها كبيُر القدر ومع هذا لم تز ْ‬
‫ن حّبه قد بلغ من قلبها‬ ‫يدها وفي خدمتها عن نفسه‪ ،‬ومع هذا؛ فإ ّ‬
‫فها حّبا{؛ أي‪ :‬وصل حّبه إلى شغاف قلبها‪،‬‬ ‫شغَ َ‬ ‫مبلغا ً عظيمًا‪} .‬قد َ‬
‫وهو باطنه وسويداؤه‪ ،‬وهذا أعظم ما يكون من الحب‪} .‬إّنا لنراها‬
‫ن{‪ :‬حيث وجدت منها هذه الحالة التي ل ينبغي‬ ‫في ضلل مبي ٍ‬
‫ط قدرها وتضعه عند الناس‪.‬‬ ‫منها‪ ،‬وهي حالة تح ّ‬
‫ن مكرا ً ليس المقصود ُ به مجرد َ‬ ‫}‪ {31‬وكان هذا القول منه ّ‬
‫صلن بهذا الكلم إلى‬ ‫ْ‬ ‫ن أن يتو ّ‬ ‫الّلوم لها والقدح فيها‪ ،‬وإّنما أَرد ْ َ‬
‫حن َقَ امرأة ُ العزيز‬ ‫ت به امرأة العزيز لت َ ْ‬ ‫رؤية يوسف الذي فُت ِن َ ْ‬
‫ت‬‫ماه مكرًا‪ ،‬فقال‪} :‬فلما سمع ْ‬ ‫ن إّياه ليعذ ِْرنها‪ ،‬ولهذا س ّ‬ ‫وتريه ّ‬
‫ت‬ ‫ن إلى منزلها للضيافة‪} ،‬وأعتد ْ‬ ‫ن{‪ :‬تدعوه ّ‬ ‫ن أرسلت إليه ّ‬ ‫بمكرِه ِ ّ‬
‫لهن مّتكأ{؛ أي‪ :‬محل ّ مهيئا ً بأنواع الفرش والوسائد وما ُيقصد‬
‫بذلك من المآكل الّلذيذة‪ ،‬وكان في جملة ما أتت به وأحضرته‬
‫ج أو غيره‪.‬‬ ‫ُ‬
‫ما أتُر ّ‬‫ن‪ :‬إ ّ‬ ‫ج إلى سكي ٍ‬ ‫م يحتا ُ‬ ‫في تلك الضيافة طعا ٌ‬
‫كينًا{‪ :‬ليقط ّْعن فيها ذلك الطعام‪،‬‬ ‫نس ّ‬ ‫ل واحدة منه ّ‬ ‫}وآتت )‪ (1‬ك ّ‬
‫ن )‪ :{(2‬في حالة جماله وبهائه‪،‬‬ ‫ج عليه ّ‬ ‫ف‪} :‬اخر ْ‬ ‫ت{ ليوس َ‬ ‫}وقال ْ‬
‫ن ورأين منظرا ً‬ ‫ه{؛ أي‪ :‬أعظمنه في صدوره ّ‬ ‫ه أك ْب َْرن َ ُ‬ ‫}فلما رأي ْن َ ُ‬
‫ن{‪ :‬بتلك‬ ‫هش }أيد َِيـهُ ّ‬ ‫ن مثله؛ }وقط ّْعن{‪ :‬من الد ّ َ‬ ‫فائقا ً لم يشاه ِد ْ َ‬
‫ن حاش لّله{؛ أي‪ :‬تنزيها ً لّله‪} ،‬ما‬ ‫السكاكين اللتي معهن‪} ،‬وقل َ‬
‫م{‪ :‬وذلك أن يوسف أعطي من‬ ‫ك كري ٌ‬ ‫مل َ ٌ‬‫ن هذا إل ّ َ‬ ‫هذا بشرا ً إ ْ‬
‫ة للناظرين وعبرةً‬ ‫الجمال الفائق والنور والبهاء ما كان به آي ً‬
‫للمتأملين‪.‬‬
‫‪ -‬في )ب(‪» :‬فآتت«‪.‬‬ ‫‪1‬‬

‫ن«‪.‬‬
‫‪ -‬في )ب(‪» :‬إليه ّ‬ ‫‪2‬‬
‫ن‬
‫ل يوسف الظاهر‪ ،‬وأعجبه ّ‬ ‫ن جما ُ‬ ‫}‪ {32‬فلما تقّرر عنده ّ‬
‫ن من العذر لمرأة العزيز شيٌء كثيٌر؛ أرادت أن‬ ‫ة‪ ،‬وظهر منه ّ‬ ‫غاي ً‬
‫مة‪ ،‬فقالت معلنة لذلك ومبّينة‬ ‫ن جماله الباطن بالعفة التا ّ‬ ‫ت ُرَِيـهُ ّ‬
‫ّ‬
‫لحّبه الشديد غير مبالية ولن اللوم انقطع عنها من النسوة‪:‬‬
‫م{؛ أي‪ :‬امتنع‪ ،‬وهي مقيمة‬ ‫}ولقد راودُته عن نفسه فاستعص َ‬
‫ة وشوقا ً وقلقا ً‬
‫على مراودته‪ ،‬لم تزدها مرور الوقات إل ّ محب ّ ً‬
‫ل ما آمُرهُ‬ ‫ن‪} :‬ولئن لم يفع ْ‬ ‫لوصاله وتوقًا‪ ،‬ولهذا قالت له بحضرته ّ‬
‫جَئه بهذا الوعيد إلى حصول‬ ‫ن{‪ :‬لتل ِ‬ ‫صاغري َ‬
‫ن وليكوًنا من ال ّ‬
‫ليسجن ّ‬
‫مقصودها منه‪.‬‬

‫}‪ {33‬فعند ذلك اعتصم يوسف برّبه‪ ،‬واستعان به على‬


‫ي مما يدعونني إليه{‪ :‬وهذا‬ ‫ب إلـ ّ‬ ‫ن أح ّ‬ ‫ب السج ُ‬ ‫ن و }قال ر ّ‬ ‫كيده ِ ّ‬
‫شْرن على يوسف في مطاوعة‬ ‫ل على أن النسوة جعلن ي ُ ِ‬ ‫يد ّ‬
‫ب السجن والعذاب‬ ‫سيدته‪ ،‬وجعلن ي َك ِد َْنه في ذلك‪ ،‬فاستح ّ‬
‫ف‬‫ذة حاضرة توجب العذاب الشديد‪} .‬وإل ّ تصرِ ْ‬ ‫الدنيويّ على ل ّ‬
‫ف عاجز إن‬ ‫ن؛ فإني ضعي ٌ‬ ‫َ‬
‫مل إليه ّ‬ ‫ن{؛ أي‪:‬أ ِ‬ ‫ب إليه ّ‬ ‫ن أص ُ‬ ‫عّني كيد َهُ ّ‬
‫)‪(1‬‬
‫ن{ ‪:‬‬ ‫ن‪} ،‬وأكن من الجاهلي َ‬ ‫ت إليه ّ‬ ‫لم تدفعْ عّني السوء؛ صبو ُ‬
‫ذة قليلة منّغصة على لذات متتابعات‬ ‫ل؛ لّنه آثر ل ّ‬ ‫ن هذا جه ٌ‬ ‫فإ ّ‬
‫ن آثر هذا على هذا؛ فمن‬ ‫م ْ‬ ‫وشهوات متنوعات في جنات النعيم‪ ،‬و َ‬
‫ن العلم والعقل يدعو إلى تقديم أعظم‬ ‫ل منه؟! فإ ّ‬ ‫أجه ُ‬
‫ذتين‪ ،‬ويؤث ُِر ما كان محمود َ العاقبة‪.‬‬ ‫المصلحتين وأعظم الل ّ‬
‫ب له رّبه{‪ :‬حين دعاه‪} ،‬فصرف عنه‬ ‫}‪} {34‬فاستجا َ‬
‫ده وتستعين عليه بما تقد ُِر عليه من‬ ‫ل تراوِ ُ‬ ‫ن{‪ :‬فلم تز ْ‬ ‫ك َي ْد َهُ ّ‬
‫ف الّله عنه كيدها‪} .‬إّنه هو السميع{‪:‬‬ ‫صَر َ‬ ‫سها و َ‬ ‫الوسائل حتى أي ّ َ‬
‫م{‪ :‬بنّيته الصالحة وبنّيته الضعيفة المقتضية‬ ‫لدعاء الداعي‪} ،‬العلي ُ‬
‫ف من هذه‬ ‫ه به يوس َ‬ ‫ّ‬
‫جى الل ُ‬ ‫لمداده بمعونته ولطفه‪ ،‬فهذا ما ن ّ‬
‫مة والمحنة الشديدة‪.‬‬ ‫الفتنة المل ّ‬
‫ده؛ فإّنه لما اشتهر الخبر وبان وصار الناس‬ ‫}‪ {35‬وأما أسيا ُ‬
‫فيها بين عاذرٍ ولئم وقادح‪} ،‬بدا لهم{؛ أي‪ :‬ظهر لهم }من بعد‬
‫جن ُّنه حتى حين{؛ أي‪:‬‬ ‫س ُ‬ ‫ما رأوا اليات{‪ :‬الداّلة على براءته‪} ،‬ل َي َ ْ‬
‫ن الشيء إذا شاع؛ لم يز ْ‬
‫ل‬ ‫لينقطع بذلك الخبر ويتناساه الناس؛ فإ ّ‬
‫سي‪ ،‬فرأوا‬ ‫يذكر‪ ،‬ويشاع مع وجود أسبابه؛ فإذا عدمت أسبابه؛ ن ُ ِ‬
‫ن هذا مصلحة لهم‪ ،‬فأدخلوه في السجن‪.‬‬ ‫أ ّ‬

‫‪ -‬في )ب(‪}» :‬وأكن{ إن صبوت إليهن }من الجاهلين{«‪.‬‬ ‫‪1‬‬


‫ﮦ ﮧ ﮨ ﮩ ﮪ ﮫ ﮬ ﮭ ﮮﮮ‬ ‫ﮤ ﮥ‬ ‫ﭿ ﮜ ﮝ ﮞ ﮟ ﮠ ﮡﮢ ﮣ‬
‫ﯚ ﯛ ﯜ ﯝ ﯞ ﯟﯠ ﯡ ﯢ ﯣ ﯤ ﯥ ﯦ ﯧ‬ ‫ﮯ ﮰ ﮱ ﯓ ﯔ ﯕ ﯖ ﯗ ﯘﯙ‬
‫ﯷ ﯷ ﯷ ﯷ ﯷ ﯷ ﯷ ﯷ ﯷ ﯼ‬ ‫ﯨ ﯩ ﯪﯧﯧ ﯫﯧﯧﯬﯧﯧ ﯭﯧﯧ ﯮﯧﯧﯯﯧﯧ ﯰﯧﯧ ﯱﯧﯧ ﯷ‬
‫ﰈ ﰉ ﯷ ﯷ ﯷ ﯷ ﰎ ﯷ ﯷ ﯷ ﭑ‬ ‫ﯽ ﯾ ﯿﯷ ﯷ ﯷ ﯷ ﯷﯷ ﯷ ﯷ‬
‫ﭚ ﭛ ﭜ ﭝ ﭞ ﭟﭠ ﭡ ﭢ ﭣ‬ ‫ﭕ ﭖﭗ ﭘ ﭙ‬ ‫ﭒ ﭓ ﭔ‬
‫ﭭ ﭮ ﭯ ﭰ ﭱ ﭲ ﭳ ﭴ ﭵ ﭶ‬ ‫ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ ﭨ ﭩ ﭪ ﭫ ﭬ‬
‫ﮀ ﮁ ﮂ ﮃ ﮄ ﮅ ﮆﮇ ﮈ ﮉ ﮊ‬ ‫ﭷ ﭸ ﭹ ﭺ ﭻ ﭼ ﭽ ﭾ ﭿ‬
‫ﮔ ﮕ ﮖ ﮗ ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ ﮜ ﮝ‬ ‫ﮑﮒ ﮓ‬ ‫ﮋﮌ ﮍ ﮎ ﮏ ﮐ‬
‫)‪(1‬‬
‫ﮩ ﮪﮫ ﮬ ﮭ ﮮﮮ ﮯ ﮰ ﮱ ﭾ ‪.‬‬ ‫ﮞ ﮟ ﮠ ﮡ ﮢﮣ ﮤ ﮥ ﮦ ﮧ ﮨ‬
‫}‪ {36‬أي‪} :‬و{ لما دخل يوسف السجن؛ كان في جملة‬
‫ل واحدٍ‬ ‫ن{؛ أي‪ :‬شابان‪ ،‬فرأى ك ّ‬ ‫ن فتيا ِ‬ ‫من }دخل معه السج َ‬
‫دهما إني أراني‬ ‫صها على يوسف ليعبرها‪} ،‬قال أح ُ‬ ‫منهما رؤيا‪ ،‬فق ّ‬
‫صُر خمرًا‪ ،‬وقال الخُر إّنـي أراني أحمل فوقَ رأسي خبزًا{‪:‬‬ ‫أع ِ‬
‫ه{؛ أي‪ :‬بتفسيره وما‬ ‫ل الطيُر منه نب ّْئنا بتأويل ِ ِ‬ ‫وذلك الخبز }تأك ُ ُ‬
‫يؤول إليه أمرهما‪ .‬وقولهما‪} :‬إنا نراك من المحسنين{؛ أي‪ :‬من‬
‫ن إلينا في تعبيرك لرؤيانا كما‬ ‫س ْ‬
‫أهل الحسان إلى الخلق؛ فأح ِ‬
‫سل ليوسف بإحسانه‪.‬‬ ‫ت إلى غيرنا‪ ،‬فتو ّ‬ ‫أحسن َ‬
‫ل{ لهما مجيبا ً لطلبهما ‪} :‬ل يأِتيكما طعا ٌ‬ ‫}‪َ {37‬فـ}َقا َ‬
‫)‪(2‬‬
‫م‬
‫ن قلوُبكما‬ ‫ل أن يأتيكما{؛ أي‪ :‬فلتطمئ ّ‬ ‫ترزقان ِهِ إل ّ نبأُتكما بتأويله قب َ‬
‫فإني سأبادر إلى تعبير رؤياكما‪ ،‬فل يأتيكما غداؤكما أو عشاؤكما‬
‫أول ما يجيء إليكما؛ إل ّ نبأُتكما بتأويله قبل أن يأِتيكما‪ ،‬ولع ّ‬
‫ل‬
‫يوسف عليه الصلة والسلم قصد أن يدعوهما إلى اليمان في‬
‫ت حاجُتهما إليه؛ ليكون أنجعَ لدعوته وأقبل‬ ‫هذه الحال التي ب َد َ ْ‬
‫لهما‪ .‬ثم قال‪} :‬ذِلكما{‪ :‬التعبير الذي سأعبره لكما‪} ،‬مما عّلمني‬
‫ي به‪ .‬وذلك‬ ‫ربي{؛ أي‪ :‬هذا من علم الّله عّلمنيه وأحسن إلـ ّ‬
‫ن{‪:‬‬ ‫مّلة قوم ل يؤمنون بالّله وهم بالخرة هم كافرو َ‬ ‫ت ِ‬
‫}إنّـي ترك ُ‬
‫والترك كما يكون للداخل في شيء ثم ينتقل عنه يكون لمن لم‬
‫ل على غير مّلة‬ ‫ن يوسف كان من قب ُ‬ ‫ل؛ فل ُيقال‪ :‬إ ّ‬ ‫ل فيه أص ً‬ ‫خ ْ‬‫يد ُ‬
‫إبراهيم‪.‬‬
‫ب{‪ :‬ثم‬ ‫ة آبائي إبراهيم وإسحاق ويعقو َ‬ ‫مل ّ َ‬
‫}‪} {38‬واّتبعت ِ‬
‫سر تلك الملة بقوله‪} :‬ما كان لنا{؛ ]أي‪ :‬ما ينبغي ول يليق بنا[‬ ‫ف ّ‬
‫ص له‬‫خل ِ ُ‬ ‫ّ‬
‫فرِد ُ الله بالتوحيد ون ُ ْ‬ ‫ك بالله من شيٍء{‪ :‬بل ن ُ ْ‬ ‫ّ‬ ‫شرِ َ‬‫}أن ن ُ ْ‬
‫الدين والعبادة‪} .‬ذلك من فضل الّله علينا وعلى الناس{؛ أي‪:‬‬

‫‪ -‬ما بين المعقوفتين زيادة ل توجد في النسختين‪.‬‬ ‫‪1‬‬

‫‪ -‬في )ب(‪» :‬لطلبتهما«‪.‬‬ ‫‪2‬‬


‫)‪(1‬‬
‫ن هداه‬ ‫م ْ‬‫هذا من أفضل ]منِنه[ وإحسانه وفضله علينا وعلى َ‬
‫الّله كما هدانا؛ فإّنه ل أفضل من مّنة الّله على العباد بالسلم‬
‫ظه‪ ،‬وقد حصل له أكبر‬ ‫والدين القويم؛ فمن قبله وانقاد له؛ فهو ح ّ‬
‫ن{‪ :‬فلذلك‬ ‫ن أكثَر الناس ل يشكرو َ‬ ‫ل الفضائل‪} .‬ولك ّ‬ ‫النعم وأج ّ‬
‫قه‪ .‬وفي‬ ‫تأتيهم المّنة والحسان فل يقبلوَنها ول يقومون لّله بح ّ‬
‫ن الفتيين‬ ‫هذا من الترغيب للطريق الـتي هو عليها ما ل يخفى؛ فإ ّ‬
‫ن‬
‫لما تقّرر عنده أنهما رأياه بعين التعظيم والجلل وأنه محس ٌ‬
‫ن هذه الحالة التي أنا عليها كّلها من فضل الّله‬ ‫معّلم؛ ذكر لهما أ ّ‬
‫ي بترك الشرك وباتباع ملة آبائي )‪ (2‬؛‬ ‫ن علـ ّ‬ ‫وإحسانه‪ ،‬حيث م ّ‬
‫ت‪.‬‬ ‫سلكا ما سلك ُ‬ ‫ُ‬ ‫ت إلى ما رأيتما‪ ،‬فينبغي لكما أن ت َ ْ‬ ‫فبهذا وصل ُ‬
‫ن‬
‫}‪ {39‬ثم صرح لهما بالدعوة فقال‪} :‬يا صاحبي السج ِ‬
‫ب عاجزة‬ ‫ن خيٌر أم الّله الواحد القهار{؛ أي‪ :‬أأربا ٌ‬ ‫ب متفّرقو َ‬ ‫أأربا ٌ‬
‫ضعيفة ل تنفع ول تضّر ول تعطي ول تمنع وهي متفّرقة ما بين‬
‫أشجار وأحجار وملئكة وأموات وغير ذلك من أنواع المعبودات‬
‫التي يّتخذها المشركون‪ ،‬أتلك خيٌر أم الّله الذي له صفات الكمال‬
‫ك لـه في شيء من‬ ‫الواحد في ذاته وصفاته وأفعاله؟ فل شريـ َ‬
‫ه؛ فما شاء كان‪،‬‬ ‫ذلك‪ ،‬القّهار الذي انقادت الشياء لقهرِهِ وسلطان ِ ِ‬
‫ن‪ ،‬ما من داّبة إل ّ هو آخذ ٌ بناصيتها‪.‬‬ ‫وما لم يشأ لم يك ْ‬
‫من هذا شأنه ووصفه خيٌر من‬ ‫ن َ‬
‫}‪ {40‬ومن المعلوم أ ّ‬
‫اللهة المتفّرقة التي هي مجّرد أسماء ل كمال لها ول فعال لديها‪،‬‬
‫مي ُْتموها أنتم‬ ‫ولهذا قال‪} :‬ما تعُبدون من دون ِهِ إل ّ أسماًء س ّ‬
‫ميتموها آلهة‪ ،‬وهي ل‬ ‫وآباؤكم{؛ أي‪ :‬كسوُتموها أسماًء ]و[ س ّ‬
‫شيء‪ ،‬ول فيها من صفات اللوهّية شيء‪} .‬ما أنزل الّله بها من‬
‫ن{‪ :‬بل أنزل الّله السلطان بالنهي عن عبادتها وبيان‬ ‫سلطا ٍ‬
‫ة‬
‫ن طريقٌ ول وسيل ٌ‬ ‫ل الّله بها سلطانًا؛ لم يك ْ‬ ‫بطلنها‪ ،‬وإذا لم ي ُن ْزِ ِ‬
‫مُر وينهى‬ ‫ده؛ فهو الذي يأ ُ‬ ‫م }لّله{‪ :‬وح َ‬ ‫ل لها‪ .‬لن الحك َ‬ ‫ول دلي ٌ‬
‫ن الحكام‪ ،‬وهو الذي أمركم }أن ل تعُبدوا‬ ‫ويشّرع ُ الشرائع ويس ّ‬
‫ل خير‪،‬‬ ‫م{؛ أي‪ :‬المستقيم الموصل إلى ك ّ‬ ‫إل ّ إّياه ذلك الدين القي ّ ُ‬
‫جة توصل إلى‬ ‫وما سواه من الديان؛ فإّنها غير مستقيمة‪ ،‬بل معو ّ‬
‫ن{‪ :‬حقائق الشياء‪ ،‬وإل ّ ؛‬ ‫ن أكثر الناس ل يعلمو َ‬ ‫ل شّر‪} .‬ولك ّ‬ ‫ك ّ‬
‫ن الفرق بين عبادة الّله وحده ل شريك له وبين الشرك به‬ ‫فإ ّ‬
‫أظهر الشياء وأبينها‪ ،‬ولكن لعدم العلم من أكثر الناس بذلك‬
‫ل منهم ما حصل من الشرك‪ .‬فيوسف عليه السلم دعا‬ ‫ص َ‬
‫ح َ‬ ‫َ‬
‫دين له‪ ،‬فُيحتمل‬ ‫ّ‬
‫ن لعبادة الله وحده وإخلص ال ّ‬ ‫صاحبي السج ِ‬
‫‪ -‬كذا في )ب(‪ .‬وفي ) أ (‪» :‬منته«‪.‬‬ ‫‪1‬‬

‫‪ -‬في )ب(‪» :‬آبائه«‪.‬‬ ‫‪2‬‬


‫مت عليهما النعمة‪ ،‬وُيحتمل أّنهما لم يزال‬
‫أنهما استجابا وانقادا فت ّ‬
‫على شركهما‪ ،‬فقامت عليهما بذلك الحجة‪.‬‬
‫شَرعَ يعبر رؤياهما بعدما وعدهما‬ ‫}‪ {41‬ثم إنه عليه السلم َ‬
‫كما{‪ :‬وهو الذي رأى أنه‬ ‫حد ُ ُ‬ ‫ذلك‪ ،‬فقال‪} :‬يا صاحبي السجن أما أ َ‬
‫صُر خمرًا؛ فإّنه يخرج من السجن‪ ،‬ويسقي }رّبه خمرًا{؛ أي‪:‬‬ ‫يع ِ‬
‫يسقي سيده الذي كان يخدمه خمرًا‪ ،‬وذلك مستلزم لخروجه من‬
‫السجن‪} .‬وأما الخر{‪ :‬وهو الذي رأى أّنه يحمل فوق رأسه خبزا ً‬
‫ل الطير من رأسه{‪ :‬فإّنه عبر عن‬ ‫صل َ ُ‬
‫ب فتأك ُ‬ ‫تأكل الطير منه‪} ،‬في ُ ْ‬
‫خ‪،‬‬‫الخبز )‪ (1‬الذي تأكله الطير بلحم رأسه وشحمه وما فيه من الم ّ‬
‫وأّنه ل يقبر ويستر عن الطيور‪ ،‬بل ُيصلب وُيجعل في مح ّ‬
‫ل‬
‫ن هذا التأويل الذي تأّوله‬ ‫كن الطيور من أكله‪ ،‬ثم أخبرهما بأ ّ‬ ‫تتم ّ‬
‫ي المُر الذي فيه‬ ‫ض َ‬ ‫لهما أّنه ل بد ّ من وقوعه‪ ،‬فقال‪} :‬قُ ِ‬
‫تستفتيان{؛ أي‪ :‬تسألن عن تعبيره وتفسيره‪.‬‬
‫ﯝ ﯞ ﯟ ﯠ ﯡ ﯢ ﯣ ﯤ ﯥ ﭾ‬ ‫ﯕ ﯖ ﯗ ﯘ ﯙ ﯚ ﯛ ﯜ‬ ‫ﭿﯓ ﯔ‬
‫‪.‬‬
‫ن أّنه ناج‬ ‫ف عليه السلم }للذي ظ ّ‬ ‫}‪ {42‬أي‪} :‬وقال{ يوس ُ‬
‫صُر خمرًا‪} :‬اذ ْك ُْرني عند رّبك{؛ أي‪:‬‬ ‫منهما{‪ :‬وهو الذي رأى أنه يع ِ‬
‫صتي لعله َيرقّ لي فيخرجني مما أنا فيه‪،‬‬ ‫اذكر له شأني وق ّ‬
‫ن ذ ِك َْر رّبه{؛ أي‪ :‬فأنسى الشيطان ذلك الناجي‬ ‫}فأنساه الشيطا ُ‬
‫ب إليه ومن جملة ذلك نسيانه ذ ِك َْر‬ ‫قّر ُ‬‫ذكر الّله تعالى وذكر ما ي ُ َ‬
‫م الّله‬ ‫م الحسان‪ ،‬وذلك ليت ّ‬
‫يوسف الذي يستحقّ أن ُيجازى بأت ّ‬
‫ث في السجن بضعَ سنين{‪ :‬والبضع من‬ ‫أمره وقضاءه‪} .‬فل َب ِ َ‬
‫الثلث إلى التسع‪ ،‬ولهذا قيل‪ :‬إنه لبث سبع سنين‪.‬‬
‫م أمره ويأذن بإخراج يوسف من‬ ‫ولما أراد الّله أن ي ُت ِ ّ‬
‫در لذلك سببا ً لخراج يوسف وارتفاع شأنه وإعلء قَ ْ‬
‫دره‬ ‫السجن؛ ق ّ‬
‫وهو رؤيا الملك‪.‬‬
‫ﯩ ﯪﯧﯧ ﯫﯧﯧ ﯬﯧﯧ ﯭﯧﯧ ﯮﯧﯧ ﯯﯧﯧ ﯰﯧﯧ ﯱﯧﯧ ﯷ ﯷ ﯷﯷ ﯷ ﯷ‬ ‫ﭿﯦ ﯧ ﯨ‬
‫ﯽ ﯾ ﯿ ﭑ ﭒ ﭓﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ‬ ‫ﯷ ﯷ ﯷ ﯷ ﯼ‬
‫ﭥ ﭦ ﭧ ﭨ ﭩ ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ‬ ‫ﭛ ﭜ ﭝ ﭞ ﭟ ﭠ ﭡ ﭢ ﭣ ﭤ‬
‫ﭮ ﭯ ﭰ ﭱ ﭲ ﭳ ﭴ ﭵ ﭶ ﭷ ﭸ ﭹ ﭺ ﭻ ﭼ ﭽ ﭾ ﭿ ﮀ‬
‫ﮉ ﮊ ﮋ ﮌ ﮍ ﮎ ﮏ ﮐ ﮑ ﮒ ﮓ ﮔ‬ ‫ﮁ ﮂ ﮃ ﮄ ﮅ ﮆ ﮇ ﮈ‬
‫ﮕ ﮖ ﮗ ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ ﮜ ﮝ ﮞ ﮟ ﮠ ﮡ ﮢ ﮣ ﮤ ﮥ ﮦ ﮧ ﮨ ﭾ‪.‬‬
‫ج يوسف من السجن؛ أرى الّله‬ ‫ما أراد الّله تعالى أن يخرِ َ‬
‫لـ ّ‬
‫ن‬
‫مة؛ ليكو َ‬ ‫ك هذه الرؤيا العجيبة التي تأويلها يتناو ُ‬
‫ل جميع ال ّ‬ ‫المل َ‬

‫‪ -‬في )ب(‪» :‬عبر الخبَز«‪.‬‬ ‫‪1‬‬


‫تأويلها على يد يوسف‪ ،‬فيظهر من فضله ويبين من علمه ما‬
‫ن الملك‬ ‫ة في الدارين‪ .‬ومن التقادير المناسبة أ ّ‬ ‫يكون له رفع ً‬
‫الذي ترجع إليه أمور الرعية هو الذي رآها؛ لرتباط مصالحها به‪،‬‬
‫وذلك أّنه رأى رؤيا هالته‪ ،‬فجمع علماء قومه وذوي الرأي منهم‬
‫وقال‪:‬‬
‫ع{؛ أي‪:‬‬ ‫ن سب ٌ‬ ‫ن يأك ُل ُهُ ّ‬ ‫ت سما ٍ‬ ‫}‪} {43‬إني أرى سبعَ بقرا ٍ‬
‫ف‬
‫ن السبع العجا َ‬ ‫ف{‪ :‬وهذا من العجب أ ّ‬ ‫سبعٌ من البقرات }عجا ٌ‬
‫ن‬
‫ن السبع السمان التي ك ّ‬ ‫ت قوُّتهن يأك ُل ْ َ‬ ‫الهزيلت اللتي سقط ْ‬
‫ع‬
‫ر{ يأكلهن سب ُ‬ ‫ت خض ٍ‬ ‫سن ُْبل ٍ‬ ‫ت }سبعَ ُ‬ ‫ة في القوة‪} .‬و{ رأي ُ‬ ‫نهاي ً‬
‫ن تعبير‬ ‫ي{‪ :‬ل ّ‬ ‫ت؛ }يا أّيها المل أفتوني في رؤيا َ‬ ‫ت يابسا ٍ‬ ‫سنبل ٍ‬
‫د‪} ،‬إن كنُتم للرؤيا ت َعُْبرون{‪.‬‬ ‫ن شيٌء واح ٌ‬ ‫الجميع واحد ٌ وتأويله ّ‬
‫}‪ {44‬فتحّيروا ولم يعرفوا لها وجهًا؛ }وقالوا أضغا ُ‬
‫ث‬
‫م منهم بما‬ ‫ل‪ .‬وهذا جز ٌ‬ ‫ل لها ول لها تأوي ٌ‬ ‫أحلم{؛ أي‪ :‬أحلم ل حاص َ‬
‫ن بتأويل‬ ‫ل يعلمون وتعذ ٌّر منهم بما ليس بعذٍر‪ .‬ثم قالوا‪} :‬وما نح ُ‬
‫ما الحلم التي هي من‬ ‫ن{؛ أي‪ :‬ل ن َعْب ُُر إل الرؤيا وأ ّ‬ ‫الحلم بعالـمي َ‬
‫الشيطان أو من حديث النفس فإّنا ل نعبرها‪ .‬فجمعوا بين الجهل‬
‫ث إّنهم لم‬ ‫والجزم بأنها أضغاث أحلم والعجاب بالنفس بحي ُ‬
‫م تأويلها! وهذا من المور التي ل تنبغي لهل الدين‬ ‫يقولوا‪ :‬ل نعل ُ‬
‫حجا‪ .‬وهذا أيضا ً من لطف الّله بيوسف عليه السلم؛ فإّنه لو‬ ‫وال ِ‬
‫ضها على المل من قومه وعلمائهم‬ ‫ع َب ََرها ابتداًء قبل أن يعرِ َ‬
‫ن لها ذلك الموقع‪ ،‬ولكن لما عرضها عليهم‪،‬‬ ‫فيعجزوا عنها؛ لم يك ْ‬
‫ف؛‬‫ة‪ ،‬فعبرها يوس ُ‬ ‫ما لها غاي ً‬ ‫فعجزوا عن الجواب‪ ،‬وكان الملك مهت ّ‬
‫ت عندهم موقعا ً عظيمًا‪.‬‬ ‫وقع ْ‬
‫ل آدم على الملئكة بالعلم بعد‬ ‫وهذا نظيُر إظهار الّله فض َ‬
‫ل شيٍء‪،‬‬ ‫أن سألهم فلم يعلموا‪ ،‬ثم سأل آدم فعّلمهم أسماء ك ّ‬
‫قهِ محمدٍ‬ ‫ل أفضل خل ِ‬ ‫فحصل بذلك زيادة فضله‪ .‬وكما ي ُظ ْهُِر فض َ‬
‫ه الخلقَ أن‬ ‫م الل ّ ُ‬‫صلى الله عليه وسلم في القيامة أن ي ُل ْهِ َ‬
‫فعوا بآدم ثم بنوح ثم إبراهيم ثم موسى ثم عيسى عليهم‬ ‫يتش ّ‬
‫ً‬
‫ذرون عنها‪ ،‬ثم يأتون محمدا صلى الله عليه وسلم‪،‬‬ ‫السلم‪ ،‬فيعت ِ‬
‫)‪(1‬‬
‫فيقول‪» :‬أنا لها‪ ،‬أنا لها« ‪ ،‬فيشفع في جميع الخلق‪ ،‬وينال ذلك‬
‫طه به الولون والخرون؛ فسبحان من‬ ‫م المحمود َ الذي يغب ِ ُ‬ ‫المقا َ‬
‫ت ألطاُفه ودّقت في إيصاله البر والحسان إلى خوا ّ‬
‫ص‬ ‫في َ ْ‬
‫خ ِ‬
‫َ‬
‫أصفيائه وأوليائه‪.‬‬

‫‪ -‬أخرجه البخاري )‪ ،(4712‬ومسلم )‪.(193‬‬ ‫‪1‬‬


‫}‪} {45‬وقال الذي نجا منهما{؛ أي‪ :‬من الفتيين‪ ،‬وهو الذي‬
‫صُر خمرًا‪ ،‬وهو الذي أوصاه يوسف أن يذك َُره عند رّبه‪،‬‬ ‫رأى أّنه يع ِ‬
‫ة{؛ أي‪ :‬وتذ ّ‬ ‫ُ‬
‫كر يوسف وما جرى له في تعبيره‬ ‫}واد ّك ََر بعد أ ّ‬
‫م ٍ‬
‫ة‬ ‫صاه به وعلم أنه كفي ٌ‬
‫ل بتعبير هذه الرؤيا بعد مد ّ ٍ‬ ‫لرؤياهما وما و ّ‬
‫ف‬‫ن{‪ :‬إلى يوس َ‬ ‫من السنين‪ ،‬فقال‪} :‬أَنا أنّبئكم بتأويل ِهِ فأرسلو ِ‬
‫لسأله عنها‪.‬‬
‫ف على نسيانه‪،‬‬ ‫فه يوس ُ‬ ‫}‪ {46‬فأرسلوه‪ ،‬فجاء إليه‪ ،‬ولم يعن ّ ْ‬
‫ف أّيها‬ ‫بل استمع ما يسأله عنه‪ ،‬وأجابه عن ذلك‪ ،‬فقال‪} :‬يوس ُ‬
‫ق{؛ أي‪ :‬كثير الصدق في أقواله وأفعاله‪} ،‬أفِْتنا في سبِع‬ ‫الصدي ُ‬
‫خَر‬ ‫ف وسبِع سنبلت خضرٍ وأ َ‬ ‫ن سبعٌ عجا ٌ‬ ‫ن يأك ُل ُهُ ّ‬‫ت سما ٍ‬ ‫بقرا ٍ‬
‫وفون‬ ‫ن{‪ :‬فإّنهم متش ّ‬ ‫جعُ إلى الناس لعّلهم يعلمو َ‬ ‫ت لعّلـي أر ِ‬ ‫يابسا ٍ‬
‫مْتهم‪.‬‬ ‫لتعبيرها‪ ،‬وقد أهـ ّ‬
‫ع‬
‫ن والسب َ‬ ‫ت السما َ‬ ‫ف السبعَ البقرا ِ‬ ‫}‪ {47‬فعبر يوس ُ‬
‫ن سبع سنين مخصبات‪ ،‬والسبع البقرات‬ ‫ت الخضر بأنه ّ‬ ‫السنبل ِ‬
‫ت‪ ،‬ولع ّ‬
‫ل‬ ‫ن سنين مجدبا ٌ‬ ‫ت بأّنه ّ‬‫العجاف والسبع السنبلت اليابسا ِ‬
‫ن الخصب والجدب لما كان الحرث مبنّيا‬ ‫ه ذلك ـ والّله أعلم ـ أ ّ‬ ‫وج َ‬
‫ن‬
‫س َ‬ ‫ح ُ‬ ‫ثو َ‬ ‫ت الزروع والحرو ُ‬ ‫ب؛ قوي ِ‬ ‫عليه‪ ،‬وأّنه إذا حصل الخص ُ‬
‫منظُرها وكُثرت غللها‪ ،‬والجدب بالعكس من ذلك‪ ،‬وكانت البقر‬
‫هي التي ُتحرث عليها الرض وُتسقى عليها الحروث في الغالب‪،‬‬
‫ت هي أعظم القوات وأفضلها؛ عبرها بذلك لوجود‬ ‫والسنبل ُ‬
‫المناسبة‪ ،‬فجمع لهم في تأويلها بين التعبير والشارة لما يفعلونه‬
‫دب‪،‬‬ ‫ج ْ‬ ‫دون به من التدبير في سني الخصب إلى سني الـ َ‬ ‫ويستع ّ‬
‫ت‪} ،‬فما حصدُتم{‪:‬‬ ‫ن دأبًا{؛ أي‪ :‬متتابعا ٍ‬ ‫ن سبعَ سني َ‬ ‫فقال‪} :‬تزرعو َ‬
‫ه{‪ :‬لّنه أبقى‬ ‫سنب ُل ِ ِ‬‫ذروه{؛ أي‪ :‬اتركوه }في ُ‬ ‫من تلك الزروع‪} ،‬ف َ‬
‫له وأبعد )‪ (1‬من اللتفات إليه‪} ،‬إل ّ قليل ً مما تأكلون{؛ أي‪ :‬دّبروا‬
‫ل؛ ليكثر ما‬ ‫ضا[ أكلكم في هذه السنين الخصبة‪ ،‬وليكن قلي ً‬ ‫]أي ً‬
‫ظم نفُعه ووقعه‪.‬‬ ‫دخرون‪ ،‬ويع ُ‬ ‫ت ّ‬
‫}‪} {48‬ثم يأتي من بعد ذلك{؛ أي‪ :‬بعد تلك السنين السبع‬
‫دمتم‬ ‫ت‪} ،‬يأك ُْلن ما ق ّ‬ ‫د{؛ أي‪ :‬مجدبا ٌ‬ ‫شدا ٌ‬ ‫المخصبات‪} ،‬سبعٌ ِ‬
‫دخرتموه ولو كان كثيرًا‪} ،‬إل ّ قليل ً مما‬ ‫ن{؛ أي‪ :‬يأكلن جميع ما ا ّ‬ ‫له ّ‬
‫ن‪.‬‬ ‫ن{؛ أي‪ :‬تمنعونه من التقديم له ّ‬ ‫صنو َ‬ ‫ح ِ‬ ‫ُتـ ْ‬
‫م‬‫}‪} {49‬ثم يأتي من بعد ذلك{؛ أي‪ :‬السبع الشداد }عا ٌ‬
‫ن{؛ أي‪ :‬فيه تكُثر المطار‬ ‫صرو َ‬ ‫فيه ُيغاث الناس وفيه يع ِ‬
‫صرون‬ ‫ت‪ ،‬وتزيد على أقواتهم حّتى إّنهم يع ِ‬ ‫والسيول‪ ،‬وتكُثر الغل ُ‬

‫‪ -‬في )ب(‪» :‬عن«‪.‬‬ ‫‪1‬‬


‫ل استدلله على وجود ِ هذا‬ ‫العنب ونحوه زيادة ً على أكلهم‪ ،‬ولع ّ‬
‫العام الخصب مع أنه غير مصـّرح بـه فـي رؤيا الملك؛ لّنه فهم‬
‫ل به‬‫ن العام الذي يليها يزو ُ‬ ‫شداد أ ّ‬ ‫من ]التقدير[ )‪ (1‬بالسبع ال ّ‬
‫ب المستمّر سبع سنين‬ ‫جد ْ ُ‬ ‫ل الـ َ‬ ‫شد ُّتها‪ ،‬ومن المعلوم أّنه ل يزو ُ‬
‫ما كان للتقدير فائدة‪.‬‬ ‫دا‪ ،‬وإل ّ ؛ َلـ َ‬ ‫بج ّ‬ ‫ص ٍ‬ ‫خ ِ‬‫مـ ْ‬‫ت إل بعام ُ‬ ‫متواليا ٍ‬
‫فلما رجع الرسول إلى الملك والناس‪ ،‬وأخبرهم بتأويل‬
‫رحوا بها أشد ّ الفرح‪.‬‬ ‫يوسف للرؤيا؛ عجبوا من ذلك‪ ،‬وف ِ‬
‫ﭿ ﮩ ﮪ ﮫ ﮬﮭ ﮮﮮ ﮯ ﮰ ﮱ ﯓ ﯔ ﯕ ﯖ ﯗ ﯘ ﯙ ﯚ ﯛ‬
‫ﯜﯝ ﯞ ﯟ ﯠ ﯡ ﯢ ﯣ ﯤ ﯥ ﯦ ﯧ ﯨ ﯩ ﯪﯧﯧﯫﯧﯧ ﯬﯧﯧ ﯭﯧﯧ ﯮﯧﯧ ﯯﯧﯧ ﯰﯧﯧ ﯱﯧﯧ ﯷ ﯷﯷ ﯷ‬
‫ﯷ ﯷ ﯷ ﯷ ﯷ ﯷ ﯼ ﯽ ﯾ ﯿ ﯷ ﯷ ﯷ ﯷ ﯷ ﯷ ﯷ ﯷ ﰈ ﰉ‬
‫ﰎ ﯷ ﭑ ﭒ ﭓ ﭔﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ‬ ‫ﯷ ﯷ ﯷ ﯷ‬
‫ﭝﭞ ﭟ ﭠ ﭡ ﭢ ﭣ ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ ﭨ ﭩ ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ ﭯ‬
‫ﭰ ﭱ ﭲ ﭳ ﭴ ﭵ ﭶ ﭷ ﭸﭹ ﭺ ﭻ ﭼ ﭽ ﭾ ﭿ ﮀ ﮁ ﮂ ﮃ ﮄ‬
‫ﮅ ﮆﮇ ﮈ ﮉ ﮊ ﮋﮌ ﮍ ﮎ ﮏ ﮐ ﮑ ﮒ ﮓ ﮔ ﮕ ﮖ ﮗ ﮘ ﮙ‬
‫ﭾ‪.‬‬
‫ك{ لمن عنده‪} :‬ائتوني‬ ‫مل ِ ُ‬‫}‪ {50‬يقول تعالى‪} :‬وقال الـ َ‬
‫ضروه‬ ‫رجوه من السجن ويح ِ‬ ‫به{؛ أي‪ :‬بيوسف عليه السلم بأن يخ ِ‬
‫ل‪ ،‬وأمره بالحضور عند الملك؛ امتنع‬ ‫ف الرسو ُ‬ ‫ما جاء يوس َ‬ ‫إليه‪ .‬فل ّ‬
‫ة‪ ،‬وهذا من‬ ‫م ُ‬‫عن المبادرة إلى الخروج حّتى تتبيّـن براءُته التا ّ‬
‫ل‪} :‬ارجعْ إلى رّبك{؛ يعني‬ ‫م‪ ،‬فقال للرسو ِ‬ ‫صبره وعقله ورأيه التا ّ‬
‫ن{؛ أي‪:‬‬ ‫ل النسوةِ اللتي قط ّْعن أيد َِيـهُ ّ‬ ‫سأْله ما با ُ‬ ‫به‪ :‬الملك‪} ،‬فا ْ‬
‫ن رّبـي‬ ‫ن أمرهن ظاهٌر مّتضح‪} .‬إ ّ‬ ‫اسأله ما شأنهن وقصتهن؛ فإ ّ‬
‫م{‪.‬‬‫ن علي ٌ‬ ‫بكيد ِه ِ ّ‬
‫كن‪،‬‬ ‫ن{؛ أي‪ :‬شأن ُ‬ ‫ن الملك وقال‪} :‬ما خطب ُك ُ ّ‬ ‫}‪ {51‬فأحضره ّ‬
‫ه{‪ :‬فهل رأيُتن منه ما يريب؟! فبّرأَنه‬ ‫س ِ‬ ‫ف عن نف ِ‬ ‫ن يوس َ‬ ‫}إذ راودت ُ ّ‬
‫منا عليه من سوٍء{؛ أي‪ :‬ل قليل ول كثير؛‬ ‫ش لّله ما عل ِ ْ‬ ‫و }قلن حا َ‬
‫ب الذي ت ُب َْنى عليه الّتهمة‪ ،‬ولم يبقَ إل ّ ما عند‬ ‫فحينئذ زال السب ُ‬
‫ق{؛ أي‪:‬‬ ‫ص الح ّ‬ ‫ح َ‬ ‫ص َ‬
‫ح ْ‬
‫ن َ‬ ‫ت }امرأة العزيز ال َ‬ ‫امرأة العزيز‪ ،‬فقال ِ‬
‫خل معه من السوء والّتهمة ما‬ ‫حص )‪ (2‬وتبيّـن بعدما كّنا ن ُد ْ ِ‬ ‫تم ّ‬
‫)‪(3‬‬
‫سهِ وإّنه لمن‬ ‫أوجب السجن ليوسف ‪} ،‬أنا راودُته عن نف ِ‬
‫ن{‪ :‬في أقواله وبراءته‪.‬‬ ‫الصادقي َ‬

‫‪ -‬كذا في )ب( وفي ) أ (‪» :‬التعبير«‪.‬‬ ‫‪1‬‬

‫‪ -‬في )ب(‪» :‬تمحض«‪.‬‬ ‫‪2‬‬

‫‪ -‬في )ب(‪» :‬لسجن يوسف«‪.‬‬ ‫‪3‬‬


‫ف )‪، (4‬‬
‫ت يوس َ‬ ‫ت أني راود ُ‬ ‫}‪} {52‬ذلك{‪ :‬القراُر الذي أقرر ُ‬
‫ن مرادها بذلك زوجها؛ أي‪:‬‬ ‫ب{‪ُ :‬يحتمل أ ّ‬ ‫ه بالغي ِ‬
‫خن ْ ُ‬
‫}ليعلم أني لم أ ُ‬
‫ب؛‬
‫ه بالغي ِ‬
‫خن ْ ُ‬‫ت يوسف أّنـي لم أ ُ‬ ‫ت أني راود ُ‬ ‫ليعلم أني حين أقرر ُ‬
‫سد ْ عليه فراشه‪.‬‬ ‫جرِ مّني إل ّ مجّرد المراودة‪ ،‬ولم أف ِ‬ ‫أي‪ :‬لم َيـ ْ‬
‫ت أّنـي أنا الذي‬ ‫ف حين أقرر ُ‬ ‫ن المراد بذلك‪ :‬ليعلم يوس ُ‬ ‫وُيحتمل أ ّ‬
‫ن الّله ل‬
‫خْنه في حال غيبته عّني‪} .‬وأ ّ‬ ‫راودُته‪ ،‬وأّنه صادقٌ أني لم أ ُ‬
‫ن ل بد ّ أن تعود خيانته ومكره‬ ‫ل خائ ٍ‬‫نك ّ‬ ‫َيـْهدي كيد الخائنين{‪ :‬فإ ّ‬
‫على نفسه‪ ،‬ول بد ّ أن يتبيّـن أمره‪.‬‬
‫}‪ {53‬ثم لما كان في هذا الكلم نوع ُ تزكيةٍ لنفسها وأنه لم‬
‫ب في شأن يوسف استدركت فقالت‪} :‬وما أ ُب َّرىُء‬ ‫يجر منها ذن ٌ‬
‫م والحرص الشديد والكيد في‬ ‫سي{؛ أي‪ :‬من المراودة واله ّ‬ ‫ف ِ‬‫نَ ْ‬
‫ن النفس لمارة ٌ بالسوِء{؛ أي‪ :‬لكثيرة المر لصاحبها‬ ‫ذلك‪} .‬إ ّ‬
‫ب الشيطان‪،‬‬ ‫بالسوء؛ أي‪ :‬الفاحشة وسائر الذنوب؛ فإّنها مرك َ ُ‬
‫جاه من نفسه‬ ‫م ربي{‪ :‬فن ّ‬ ‫ل على النسان‪} .‬إل ّ ما َر ِ‬
‫ح َ‬ ‫خ ُ‬‫ومنها يد ُ‬
‫ة إلى رّبها منقادة لداعي الهدى‬ ‫ه مطمئن ً‬ ‫س ُ‬
‫مارة حتى صارت نف ُ‬ ‫ال ّ‬
‫متعاصية عن داعي الّردى؛ فذلك ليس من النفس‪ ،‬بل من فضل‬
‫ن ربّـي غفوٌر رحيم{؛ أي‪ :‬هو غفور لمن‬ ‫الّله ورحمته بعبده‪} .‬إ ّ‬
‫قبول توبته‬ ‫مب َ‬‫ذنوب والمعاصي إذا تاب وأناب‪ ،‬رحي ٌ‬ ‫تجّرأ على ال ّ‬
‫وتوفيقه للعمال الصالحة‪.‬‬
‫ن هذا من قول امرأة العزيز ل من قول‬ ‫بأ ّ‬ ‫وهذا هو الصوا ُ‬
‫ف إذ ذاك في السجن لم‬ ‫س ُ‬‫ن السياق في كلمها‪ ،‬ويو ُ‬ ‫ف؛ فإ ّ‬ ‫س َ‬ ‫يو ُ‬
‫ضْر‪.‬‬ ‫يح ُ‬
‫مة؛‬
‫}‪ {54‬فلما تحقق الملك والناس براءة يوسف التا ّ‬
‫صه لنفسي{؛ أي‪:‬‬ ‫خل ِ ْ‬
‫أرسل إليه الملك‪ ،‬وقال‪} :‬ائتوني به أست َ ْ‬
‫ي‪ .‬فأَتوه به مكرما ً محترمًا‪} ،‬فل ّ‬
‫ما‬ ‫أجعله خصيصة لي ومقّربا ً لد ّ‬
‫كّلمه{؛ أعجبه كلمه‪ ،‬وزاد موقُعه عنده‪ ،‬فقال له‪} :‬إّنك اليوم‬
‫ن على السرار‪.‬‬ ‫كن أمي ٌ‬‫ن{؛ أي‪ :‬متم ّ‬ ‫ن أمي ٌ‬ ‫لدينا{؛ أي‪ :‬عندنا }مكي ٌ‬
‫}‪ {55‬فقال يوسف طلبا ً للمصلحة العامة‪} :‬اجعْلني على‬
‫خزائن الرض{؛ أي‪ :‬على خزائن جبايات الرض وغللها وكيل ً‬
‫له ؛ فل‬ ‫م{؛ أي‪ :‬حفيظ لّلذي أتو ّ‬ ‫ظ علي ٌ‬‫حافظا ً مدّبرًا‪} .‬إنّـي حفي ٌ‬
‫م‬
‫ط للداخل والخارج‪ ،‬علي ٌ‬ ‫يضيعُ منه شيٌء في غير محّله‪ ،‬وضاب ٌ‬
‫بكيفّية التدبير والعطاء والمنع والتصّرف في جميع أنواع‬
‫التصّرفات‪ .‬وليس ذلك حرصا ً من يوسف على الولية‪ ،‬وإنما هو‬
‫ة منه في النفع العام‪ ،‬وقد عرف من نفسه من الكفاية‬ ‫رغب ٌ‬

‫‪ -‬في )ب(‪» :‬ذلك القرار الذي أقررت ليعلم أّني لم أخنه بالغيب«‪.‬‬ ‫‪4‬‬
‫والمانة والحفظ ما لم يكونوا يعرفونه؛ فلذلك طلب من الملك‬
‫أن يجعَله على خزائن الرض‪ ،‬فجعله الملك على خزائن الرض‬
‫وو ّ‬
‫له إّياها‪.‬‬
‫}‪ 56‬ـ ‪ {57‬قال تعالى‪} :‬وكذلك{؛ أي‪ :‬بهذه السباب‬
‫ث‬
‫وأ منها حي ُ‬ ‫ف في الرض يتب ّ‬‫مك ّّنا ليوس َ‬‫دمات المذكورة‪َ } ،‬‬ ‫والمق ّ‬
‫ب‬
‫يشاء{‪ :‬في عيش رغد ٍ ونعمة واسعةٍ وجاه عريض‪} ،‬نصي ُ‬
‫من نشاُء{؛ أي‪ :‬هذا من رحمة الّله بيوسف التي أصابه‬ ‫برحمتنا َ‬
‫درها له‪ ،‬وليست مقصورة ً على نعمة الدنيا‪ .‬فإن الله ل‬ ‫بها وق ّ‬
‫ن‪ ،‬ويوسف عليه السلم من سادات‬ ‫يضيعُ أجر المحسني َ‬
‫ة‪ ،‬ولهذا قال‪:‬‬ ‫ة وفي الخرة حسن ٌ‬ ‫دنيا حسن ٌ‬
‫المحسنين؛ فله في ال ّ‬
‫دنيا ـ }للذين آمنوا وكانوا‬ ‫}ولجُر الخرة خيٌر{ ـ من أجر ال ّ‬
‫ك‬‫ن{؛ أي‪ :‬لمن جمع بين التقوى واليمان؛ فبالّتقوى ت ُت َْر ُ‬ ‫يّتقو َ‬
‫م‬‫المور المحرمة من كبائر الذنوب وصغائرها‪ ،‬وباليمان التا ّ‬
‫ه أعمال‬ ‫ل تصديق القلب بما أمر الّله بالتصديق به وتتبعُ ُ‬ ‫ص ُ‬‫يح ُ‬
‫القلوب وأعمال الجوارح من الواجبات والمستحّبات‪.‬‬
‫ﮜ ﮝ ﮞ ﮟ ﮠ ﮡ ﮢ ﮣ ﮤ ﮥ ﮦ ﮧ ﮨ ﮩ ﮪ ﮫ‬ ‫ﭿﮚ ﮛ‬
‫ﯞ ﯟ ﯠ ﯡ‬ ‫ﮬﮭ ﮮﮮ ﮯ ﮰ ﮱ ﯓ ﯔ ﯕ ﯖ ﯗ ﯘ ﯙ ﯚ ﯛ ﯜ ﯝ‬
‫ﯢ ﯣ ﯤ ﯥ ﯦ ﯧ ﯨ ﯩ ﯪﯧﯧ ﯫﯧﯧ ﯬﯧﯧ ﯭﯧﯧ ﯮﯧﯧ ﯯﯧﯧ ﯰﯧﯧ ﯱﯧﯧ ﯷ ﯷ ﯷ ﯷ ﯷ ﯷ‬
‫ﯷ ﯷ ﯷ ﯷ ﯼ ﯽ ﯾ ﯿ ﯷ ﯷ ﯷ ﯷ ﯷ ﯷ ﯷ ﯷ ﰈ ﰉ ﭑ ﭒ‬
‫ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛﭜ ﭝ ﭞ ﭟﭠ ﭡ ﭢ ﭣ ﭤ ﭥ ﭦ‬
‫ﭧ ﭨ ﭩ ﭪ ﭫﭬ ﭭ ﭮ ﭯ ﭰﭱ ﭲ ﭳ ﭴ ﭵﭶ ﭷ ﭸ ﭹ ﭺ ﭻ‬
‫ﮏ‬ ‫ﭽﭾ ﭿ ﮀ ﮁ ﮂ ﮃ ﮄ ﮅ ﮆ ﮇ ﮈ ﮉ ﮊ ﮋ ﮌ ﮍ ﮎ‬ ‫ﭼ‬
‫ﮐ ﮑﮒ ﮓ ﮔ ﮕ ﮖ ﮗ ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ ﮜ ﮝ ﮞ ﮟ ﮠ ﮡ ﮢ ﮣ ﮤ‬
‫ﮥ ﮦ ﮧﮨ ﮩ ﮪ ﮫ ﮬ ﮭ ﮮﮮ ﮯﮰ ﮱ ﯓ ﯔ ﯕﯖ ﯗ ﯘﯙ ﯚ ﯛ ﯜ‬
‫ﯝ ﯞ ﯟ ﯠ ﯡ ﯢ ﯣ ﯤ ﯥ ﯦ ﯧ ﯨ ﯩ ﯪﯧﯧ ﯫﯧﯧ ﯬﯧﯧ ﯭﯧﯧ ﯮﯧﯧ ﯯﯧﯧ ﯰﯧﯧ ﯱﯧﯧﯷ ﯷ ﯷ ﯷ‬
‫ﯷ ﯷ ﯷ ﯷ ﯷ ﯷ ﯼ ﯽ ﭾ‪.‬‬
‫أي‪ :‬لما توّلـى يوسف عليه السلم خزائن الرض؛ دّبرها‬
‫ر‪ ،‬فزرع في أرض مصَر جميعها في السنين المخصبة‬ ‫ن تدبي ٍ‬‫أحس َ‬
‫ت الكباَر‪ ،‬وجبا من الطعمة شيئا ً‬ ‫ة‪ ،‬واّتخذ لها المحل ّ ِ‬‫زروعا ً هائل ً‬
‫ة‪،‬‬
‫ن المجدب ُ‬ ‫ت السنو َ‬ ‫كثيرًا‪ ،‬وحفظه وضبطه ضبطا ً تا ّ‬
‫ما‪ ،‬فلما دخل ِ‬
‫وسرى الجدب حتى وصل إلى فلسطين التي يقيم فيها يعقوب‬
‫ب بنيه لجل الميرة إلى مصر‪.‬‬ ‫وبنوه‪ ،‬فأرسل يعقو ُ‬
‫ف فدخلوا عليه فعرفهم وهم له‬ ‫}‪ {58‬فجاء }إخوة ُ يوس َ‬
‫منكرون{؛ أي‪ :‬لم يعرفوه‪.‬‬
‫}‪} {59‬ولما جّهزهم بجَهازهم{؛ أي‪ :‬كال لهم كما كان‬
‫ل واحد ٍ أكثر‬ ‫رهم‪ ،‬وكان من تدبيرِهِ الحسن أّنه ل َيكيل لك ّ‬ ‫ل لغي ِ‬ ‫َيكي ُ‬
‫ن لهم أخا ً‬ ‫مل بعير‪ ،‬وكان قد سألهم عن حالهم‪ ،‬فأخبروه أ ّ‬ ‫حـ ْ‬ ‫من ِ‬
‫خ لكم من أبيكم{‪:‬‬ ‫عند أبيه‪ ،‬وهو بنيامين‪ ،‬فقال لهم‪} :‬ائـتـوني بـأ ٍ‬
‫ل وأنا‬ ‫ن أّنـي أوفي الكي َ‬ ‫غبهم في التيان به‪ ،‬فقال‪} :‬أل ت ََروْ َ‬ ‫ثم ر ّ‬
‫زلين{‪ :‬في الضيافة والكرام‪.‬‬ ‫خيُر المن ِ‬
‫هبهم بعدم التيان به‪ ،‬فقال‪} :‬فإن لم تأتوني به‬ ‫مر ّ‬ ‫}‪ {60‬ث ّ‬
‫ن{‪ :‬وذلك لعلمه باضطرارهم إلى‬ ‫قَربو ِ‬ ‫كم عندي ول ت َ ْ‬ ‫لل ُ‬ ‫فل ك َي ْ َ‬
‫ن ذلك يحملهم على التيان به‪.‬‬ ‫التيان إليه‪ ،‬وأ ّ‬
‫ل هذا على أن يعقوب‬ ‫}‪ {61‬فقالوا‪} :‬سنراوِد ُ عنه أباه{‪ :‬د ّ‬
‫عليه السلم كان موَلعا ً به ل يصب ُِر عنه‪ ،‬وكان يتسّلـى به بعد‬
‫يوسف؛ فلذلك احتاج إلى مراودةٍ في بعثه معهم‪} ،‬وإّنا‬
‫ن{‪ :‬لما أمرتنا به‪.‬‬ ‫لفاعلو َ‬
‫ه‪:‬‬
‫ه{ الذين في خدمت ِ ِ‬ ‫ف }لفتيان ِ ِ‬ ‫}‪} {62‬وقال{ يوس ُ‬
‫}اجَعلوا بضاع ََتهم{؛ أي‪ :‬الثمن الذي اشتروا به منه الميرة‪} ،‬في‬
‫رفونها{؛ أي‪ :‬بضاعتهم إذا رأوها بعد ذلك في‬ ‫رحالهم لعّلهم يع ِ‬
‫جعون{‪ :‬لجل التحّرج من أخذها على ما قيل‪.‬‬ ‫رحالهم؛ }لعّلهم ير ِ‬
‫غبهم في إحسانه إليهم بالكيل لهم كيل ً‬ ‫والظاهر أّنه أراد أن ير ّ‬
‫سون بها ول‬ ‫وافيا ً ثم إعادة بضاعتهم إليهم على وجه ل يح ّ‬
‫ن الحسان يوجب للنسان تمام الوفاء‬ ‫يشعرون لما يأتي؛ فإ ّ‬
‫للمحسن‪.‬‬
‫ل{؛‬ ‫من ِعَ منا الكي ُ‬ ‫ما رجعوا إلى أبيهم قالوا يا أبانا ُ‬ ‫}‪} {63‬فل ّ‬
‫ل{؛ أي‪:‬‬ ‫ل معنا أخانا ن َك ْت َ ْ‬ ‫س ْ‬ ‫ل معنا أخانا‪} ،‬فأر ِ‬ ‫أي‪ :‬إن لم ترس ْ‬
‫ليكون ذلك سببا ً لكيلنا‪ .‬ثم التزموا له بحفظه فقالوا‪} :‬وإّنا له‬
‫ن{‪ :‬من أن يعرض له ما يكره‪.‬‬ ‫لحافظو َ‬
‫ب عليه السلم‪} :‬هل آمُنكم عليه‬ ‫}‪} {64‬قال{ لهم يعقو ُ‬
‫دم منكم التزام‬ ‫ل{؛ أي‪ :‬قد تق ّ‬ ‫منُتكم على أخيه من قب ُ‬ ‫إل ّ كما أ ِ‬
‫أكثر من هذا في حفظ يوسف‪ ،‬ومع هذا؛ فلم َتفوا بما عقدتم من‬
‫التأكيد؛ فل أثق بالتزامكم وحفظكم‪ ،‬وإنما أثقُ بالّله تعالى‪.‬‬
‫م الراحمين{؛ أي‪ :‬يعلم حالي وأرجو‬ ‫}فالّله خيٌر حافظا ً وهو أرح ُ‬
‫ي‪ ،‬وكأّنه في هذا الكلم قد لن‬ ‫ده علـ ّ‬ ‫أن يرحمني‪ ،‬فيحفظه وير ّ‬
‫لرساله معهم‪.‬‬
‫ت‬ ‫جدوا بضاعتهم ُرد ّ ْ‬ ‫عهم وَ َ‬ ‫}‪ {65‬ثم إنهم }لما فََتحوا متا َ‬
‫ل على أّنه قد كان معلوما ً عندهم أن يوسف قد‬ ‫إليهم{‪ :‬هذا دلي ٌ‬
‫دها عليهم بالقصد‪ ،‬وأّنه أراد أن يمّلكهم إياها‪ ،‬فقالوا لبيهم‬ ‫ر ّ‬
‫ترغيبا ً في إرسال أخيهم معهم‪} :‬يا أبانا ما ن َْبغي{؛ أي‪ :‬أيّ شيء‬
‫ث وّفـى لنا الكيل‪ ،‬ورد ّ علينا‬ ‫نطلب بعد هذا الكرام الجميل حي ُ‬
‫من للخلص ومكارم‬ ‫بضاعتنا على ]هذا[ الوجه الحسن المتض ّ‬
‫ت إلينا وَنميُر أهلنا{؛ أي‪ :‬إذا ذهبنا‬ ‫الخلق؟! }هذه بضاعُتنا ُرد ّ ْ‬
‫مْرنا أهلنا‪ ،‬وأتينا لهم بما هم‬ ‫بأخينا؛ صار سببا ً لك َي ْل ِهِ لنا‪ ،‬فَ ِ‬
‫ر{‪:‬‬ ‫ل بعي ٍ‬‫ظ أخانا ونزداد ُ ك َي ْ َ‬ ‫مضطّرون إليه من القوت‪} ،‬ونحف ُ‬
‫مل بعير‪} .‬ذلك كي ٌ‬
‫ل‬ ‫حـ ْ‬ ‫ل واحد ٍ ِ‬ ‫بإرساله معنا؛ فإنه يكيل لك ّ‬
‫يسيٌر{؛ أي‪ :‬سهل ل ينالك ضرٌر؛ لن المدة ل تطول‪ ،‬والمصلحة‬
‫قد تبّينت‪.‬‬
‫سَله معكم حتى تؤتوني‬ ‫}‪ {66‬فقال لهم يعقوب‪} :‬لن أر ِ‬
‫موِْثقا ً من الّله{؛ أي‪ :‬عهدا ً ثقيل ً وتحلفون بالّله }لتأت ُّنني به إل ّ أن‬ ‫َ‬
‫ل لكم به ول تقدرون‬ ‫ّ‬
‫ُيحاط بكم{؛ أي‪ :‬إل أن يأتيكم أمٌر ل قَب ِ َ‬ ‫َ‬
‫موِْثقهم{‪ :‬على ما قال وأراد؛ }قال‪ :‬الّله على‬ ‫وه َ‬ ‫ما آت َ ْ‬
‫دفعه‪} ،‬فل ّ‬
‫)‪(1‬‬
‫ل{؛ أي‪ :‬تكفينا شهادُته علينا وحفظه وكفالته ‪.‬‬ ‫ل وكي ٌ‬‫ما نقو ُ‬
‫صاهم إذا هم قدموا مصر أن‬ ‫}‪ {67‬ثم لما أرسله معهم؛ و ّ‬
‫خلوا من أبواب متفّرقة{‪ :‬وذلك أنه‬ ‫ب واحد واد ُ‬ ‫دخلوا }من با ٍ‬ ‫ل يَ ْ‬
‫)‪(2‬‬
‫خاف عليهم العين؛ لكثرتهم وبهاء منظرهم؛ لكونهم أبناء رجل‬
‫ما أغني عنكم من الّله{‪ :‬شيئًا؛‬ ‫واحد‪ ،‬وهذا سبب‪} ،‬و{ إل فـ} َ‬
‫م إل لّله{؛ أي‪ :‬القضاء قضاؤه‬ ‫در ل بد ّ أن يكون‪} .‬إن الحك ُ‬ ‫فالمق ّ‬
‫ت{؛‬ ‫والمر أمره؛ فما قضاه‪ ،‬وحكم به ل بد ّ أن يقع‪} .‬عليه توكل ُ‬
‫صيتكم به من السبب‪} .‬وعليه‬ ‫أي‪ :‬اعتمدت على الّله ل على ما و ّ‬
‫صل كل مطلوب‪ ،‬ويندفع‬ ‫كل يح ُ‬ ‫ن بالتو ّ‬ ‫كلون{‪ :‬فإ ّ‬ ‫كل المتو ّ‬ ‫فليتو ّ‬
‫كل مرهوب‪.‬‬
‫خلوا من حيث أمرهم أبوهم ما‬ ‫}‪} {68‬ولما{ ذهبوا و}د َ َ‬
‫ة في‬ ‫كان{‪ :‬ذلك الفعل }ي ُْغني عنهم من الّله من شيٍء إل ّ حاج ً‬
‫نفس يعقوب قضاها{‪ :‬وهو موجب الشفقة والمحبة للولد‪،‬‬
‫فحصل له في ذلك نوع ُ طمأنينةٍ وقضاٍء لما في خاطره‪ ،‬وليس‬
‫هذا قصورا ً في علمه؛ فإنه من الرسل الكرام والعلماء الربانيين‪،‬‬
‫ولهذا قال عنه‪} :‬وإّنه لذو علم{؛ أي‪ :‬لصاحب علم عظيم‪} ،‬لما‬
‫وته أدركه‪ ،‬بل بفضل الّله‬ ‫عل ّ ْ‬
‫مناه{؛ أي‪ :‬لتعليمنا إّياه‪ ،‬ل بحوله وق ّ‬
‫ن أكثر الناس ل يعلمون{‪ :‬عواقب المور ودقائق‬ ‫وتعليمه‪} .‬ولك ّ‬
‫الشياء‪ ،‬وكذلك أهل العلم منهم يخفى عليهم من العلم وأحكامه‬
‫ولوازمه شيء كثيٌر‪.‬‬

‫‪ - 1‬في )ب(‪» :‬كفاءته«‪.‬‬


‫‪ - 2‬في )ب(‪» :‬ابن«‪ .‬وفي ) أ (‪ :‬جاءت كلمة »أبناء« بخط مغاير‪.‬‬
‫ﭿ ﯾ ﯿ ﯷ ﯷ ﯷ ﯷ ﯷﯷ ﯷ ﯷ ﰈ ﰉ ﯷ ﯷ ﯷ ﯷ ﰎ ﯷ ﭑ‬
‫ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ ﭝ ﭞ ﭟ ﭠ ﭡ ﭢ ﭣ ﭤ ﭥ‬
‫ﭦ ﭧ ﭨ ﭩ ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ ﭯ ﭰ ﭱ ﭲ ﭳ ﭴ ﭵ ﭶ ﭷ ﭸ‬
‫ﮆ ﮇ ﮈ ﮉ ﮊ ﮋ ﮌ‬ ‫ﭹ ﭺ ﭻ ﭼ ﭽ ﭾ ﭿ ﮀ ﮁ ﮂ ﮃ ﮄ ﮅ‬
‫ﮝ‬ ‫ﮗ ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ ﮜ‬ ‫ﮔ ﮕ ﮖ‬ ‫ﮍ ﮎ ﮏﮐ ﮑ ﮒ ﮓ‬
‫ﮞﮟ ﮠ ﮡ ﮢﮣ ﮤ ﮥ ﮦ ﮧ ﮨ ﮩ ﮪ ﮫ ﮬ ﮭ ﮮﮮﮯ ﮰ ﮱ ﯓ ﯔﯕ ﯖ‬
‫ﯗ ﯘ ﯙ ﯚ ﯛ ﯜ ﯝ ﯞ ﯟ ﯠ ﯡ ﯢ ﯣ ﯤ ﯥﯦ ﯧ ﯨ ﯩ ﯪﯧﯧ ﯫﯧﯧ ﯬﯧﯧ ﯭﯧﯧﯮﯧﯧ ﯯﯧﯧ ﯰﯧﯧ‬
‫ﯷ ﯷ‬ ‫ﯱﯧﯧ ﯷﯷ ﯷ ﯷ ﯷ ﯷ ﯷ ﯷ ﯷ ﯷ ﯼ ﯽ ﯾ ﯿ ﯷ‬
‫ﭜ‬ ‫ﯷﯷ ﯷ ﯷ ﯷ ﰈ ﰉ ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ‬
‫ﭝ ﭞ ﭾ‪.‬‬
‫}‪ {69‬أي‪ :‬لما دخل إخوة يوسف على يوسف؛ }آوى إليه‬
‫مه‬‫أخاه{؛ أي‪ :‬شقيقه‪ ،‬وهو بنيامين‪ ،‬الذي أمرهم بالتيان به وض ّ‬
‫صه من بين إخوته‪ ،‬وأخبره بحقيقة الحال‪ ،‬و }قال إّنـي‬ ‫إليه‪ ،‬واخت ّ‬
‫ن‬
‫س{؛ أي‪ :‬ل تحزن‪} .‬بما كانوا يعملون{‪ :‬فإ ّ‬ ‫أنا أخوك؛ فل تبتئ ْ‬
‫العاقبة خيٌر لنا‪ ،‬ثم خبره بما يريد أن يصنع ويتحّيل لبقائ ِهِ عنده‬
‫إلى أن ينتهي المر‪.‬‬
‫ل واحد ٍ من‬ ‫}‪} {70‬فلما جّهزهم بجَهازهم{؛ أي‪ :‬كال لك ّ‬
‫ة{‪ :‬وهو الناء الذي‬ ‫سقاي َ‬
‫إخوته‪ ،‬ومن جملتهم أخوه هذا‪} ،‬جعل ال ّ‬
‫ُيشرب به وُيكال فيه }في رحل أخيه ثم{‪ :‬أوعوا متاعهم‪ ،‬فلما‬
‫ن أيتها العيُر إنكم لسارقون{‪ :‬ولـعـل‬ ‫ذن مؤذ ّ ٌ‬
‫انطلقوا ذاهبين؛ }أ ّ‬
‫ذن لم يعلم بحقيقة الحال‪.‬‬ ‫هذا الـمؤ ّ‬
‫}‪} {71‬قالوا{؛ أي‪ :‬إخوة يوسف‪} ،‬وأقبلوا عليهم{‪ :‬لبعاد‬
‫من سرق‬ ‫م إل البعد والنطلق ع ّ‬ ‫ن السارق ليس له ه ّ‬ ‫الّتهمة؛ فإ ّ‬
‫م‬
‫منه؛ لتسلم له سرقته‪ ،‬وهؤلء جاؤوا مقبلين إليهم‪ ،‬ليس لهم ه ّ‬
‫إل إزالة التهمة التي ُرموا بها عنهم‪ ،‬فقالوا في هذه الحال‪} :‬ماذا‬
‫سَرْقنا؟ لجزمهم بأنهم ُبرآء من‬ ‫قدون{؟ ولم يقولوا‪ :‬ما الذي َ‬ ‫تف ِ‬
‫السرقة‪.‬‬
‫ر{؛‬ ‫م ُ‬
‫ل بعي ٍ‬ ‫حـ ْ‬
‫صواع َ الملك ولمن جاء به ِ‬ ‫قد ُ ُ‬
‫}‪} {72‬قالوا نف ِ‬
‫م{؛ أي‪ :‬كفيل‪ .‬وهذا‬ ‫أي‪ :‬أجرة له على وجدانه‪} ،‬وأنا به زعي ٌ‬
‫قد‪.‬‬
‫ذن المتف ّ‬‫يقوله المؤ ّ‬
‫سد َ في الرض{‪:‬‬ ‫ف ِ‬‫}‪} {73‬قالوا تالّله لقد علمُتم ما جئنا ل ِن ُ ْ‬
‫ن السرقة من أكبر‬ ‫بجميع أنواع المعاصي‪} ،‬وما كّنا سارقين{‪ :‬فإ ّ‬
‫أنواع الفساد في الرض‪ .‬وإنما أقسموا على علمهم أّنهم ليسوا‬
‫سَبروا من أحوالهم ما‬ ‫مفسدين ول سارقين؛ لّنهم عرفوا أنهم َ‬
‫ن هذا المر ل يقع منهم بعلم من‬ ‫فتهم وورعهم وأ ّ‬ ‫يدّلهم على ع ّ‬
‫ن لو قالوا‪ :‬تالل ّهِ لم‬
‫اّتهموهم‪ ،‬وهذا أبلغ في نفي الّتهمة من أ ْ‬
‫ق‪.‬‬
‫سد ْ في الرض ولم نسرِ ْ‬ ‫ف ِ‬
‫نُ ْ‬
‫}‪} {74‬قالوا فما جزاؤه{؛ أي‪ :‬جزاء هذا الفعل‪} ،‬إن كنُتم‬
‫ن كان معكم‪.‬‬‫كاذبين{‪ :‬بأ ْ‬
‫جد َ في رحله فهو{؛ أي‪ :‬الموجود‬ ‫من وُ ِ‬
‫}‪} {75‬قالوا جزاؤه َ‬
‫ه{‪ :‬بأن يتمّلكه صاحب السرقة‪ ،‬وكان هذا في‬ ‫في رحله‪} ،‬جزاؤ ُ ُ‬
‫ن السارق إذا ثبتت عليه السرقة؛ كان ملكا ً لصاحب‬ ‫دينهم؛ أ ّ‬
‫جزي الظالمين{‪.‬‬ ‫المال المسروق‪ ،‬ولهذا قالوا‪} :‬كذلك ن َ ْ‬
‫}‪ {76‬فبدأ المفتش بأوعيتهم قبل وعاء أخيه‪ ،‬وذلك لتزول‬
‫جد ْ في أوعيتهم‬ ‫ن أنها فعلت بالقصد‪ .‬فلما لم ي َ ِ‬ ‫الّريبة التي يظ ّ‬
‫ل‪ :‬وجدها أو سرقها‬ ‫ق ْ‬‫خَرجها من وعاء أخيه{‪ :‬ولم ي َ ُ‬ ‫شيئًا‪} ،‬است َ ْ‬
‫م ليوسف ما أراد من بقاء‬ ‫أخوه مراعاة ً للحقيقة الواقعة؛ فحينئذ ٍ ت ّ‬
‫دنا‬
‫أخيه عنده على وجهٍ ل يشعر به إخوته‪ .‬قال تعالى‪} :‬كذلك ك ِ ْ‬
‫صل به إلى أمرٍ غير‬ ‫سْرنا له هذا الكيد الذي تو ّ‬ ‫ف{؛ أي‪ :‬ي ّ‬ ‫س َ‬ ‫ليو ُ‬
‫ك{‪ :‬لّنه ليس من دينه‬ ‫ن المل ِ‬ ‫خذ َ أخاه في دي ِ‬ ‫مذموم‪} .‬ما كان ِليأ ُ‬
‫ت الحكومة‬ ‫مّلك السارق‪ ،‬وإّنما له عندهم جزاء آخر؛ فلو ُرد ّ ِ‬ ‫ن ي ُت َ َ‬
‫أ ْ‬
‫ف من إبقاء أخيه عنده‪ ،‬ولكّنه‬ ‫س ُ‬‫ن يو ُ‬‫إلى دين الملك؛ لم يتمك ّ ْ‬
‫ت‬
‫م له ما أراد‪ .‬قال تـعـالـى‪} :‬نرفعُ درجا ٍ‬ ‫جعل الحكم منهم؛ ليت ّ‬
‫من نشاء{‪ :‬بالعلم النافع ومعرفة الطرق الموصلة إلى مقصدها؛‬
‫م{؛ فكل عالم‬ ‫عل ْم ٍ ع َِلي ٌ‬ ‫ل ِذي ِ‬ ‫ت يوسف‪} .‬وَفَوْقَ ك ُ ّ‬ ‫كما َرفَْعنا درجا ِ‬
‫فوقه من هو أعلم منه حتى ينتهي العلم إلى عالم الغيب‬
‫والشهادة‪.‬‬
‫ق{‪:‬‬
‫سرِ ْ‬ ‫}‪ {77‬فلما رأى إخوة ُ يوسف ما رأوا؛ }قالوا إن ي َ ْ‬
‫ل{؛‬ ‫خ له من قب ُ‬ ‫هذا الخ؛ فليس هذا غريبا ً منه‪} ،‬فقد َ‬
‫سَرقَ أ ٌ‬
‫ن هذا‬ ‫ة أنفسهم‪ ،‬وأ ّ‬ ‫دهم تبرئ ُ‬
‫يعنون‪ :‬يوسف عليه السلم‪ ،‬ومقصو ُ‬
‫وأخاه قد يصد ُُر منهم ما يصد ُُر من السرقة‪ ،‬وهما ليسا شقيقين‬
‫ف في‬‫س ُ‬ ‫ض عليهما ما فيه‪ ،‬ولهذا }أسّرها يو ُ‬ ‫لنا‪ ،‬وفي هذا من الغ ّ‬
‫دها لهم{؛ أي‪ :‬لم يقاب ِْلهم على ما قالوه بما‬ ‫نفسه ولم ي ُب ْ ِ‬
‫ظ وأسّر المر في نفسه‪ ،‬و }قال{ في‬ ‫م الغي َ‬ ‫يكرهون‪ ،‬بل ك َظ َ َ‬
‫شّر مكانًا{‪ :‬حيث ذممتمونا بما أنُتم على أشّر منه‪.‬‬ ‫نفسه‪} :‬أنتم َ‬
‫مّنا من وصفنا بسرقة يعلم الّله أنا‬ ‫}والّله أعلم بما تصفون{‪ِ :‬‬
‫برآء منها‪.‬‬
‫}‪ {78‬ثم سلكوا معه مسلك التمّلق لعله يسمح لهم‬
‫ن له أبا ً شيخا ً كبيرًا{؛ أي‪ :‬وإنه ل‬ ‫بأخيهم‪َ ،‬فـ}َقالوا يا أّيها العزيز إ ّ‬
‫دنا مكانه إّنا نراك من‬ ‫يصبر عنه‪ ،‬وسيشقّ عليه فراقه‪} .‬فَ ُ‬
‫خذ ْ أح َ‬
‫ن إلينا وإلى أبينا بذلك‪.‬‬ ‫المحسنين{‪ :‬فأحس ْ‬
‫دنا‬
‫من وج ْ‬‫خذ َ إل ّ َ‬‫ف‪} :‬معاذ َ الّله أن نأ ُ‬‫س ُ‬
‫}‪ {79‬فقال يو ُ‬
‫دنا‬‫ج ْ‬
‫م منا لو أخذنا البريء بذنب من وَ َ‬ ‫متاعنا عنده{؛ أي‪ :‬هذا ظل ٌ‬
‫ل هذا تحّرٌز من الكذب‪} .‬إّنا‬ ‫ل‪ :‬من سرق‪ .‬ك ّ‬ ‫متاعنا عنده‪ ،‬ولم يق ْ‬
‫ث‬‫ن{‪ :‬حي ُ‬ ‫إذًا{؛ أي‪ :‬إن أخذنا غير من وجد في رحله‪} ،‬لظالمو َ‬
‫ضْعنا العقوبة في غير موضعها‪.‬‬ ‫وَ َ‬
‫ﭿ ﭟ ﭠ ﭡ ﭢ ﭣﭤ ﭥ ﭦ ﭧ ﭨ ﭩ ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ ﭯ‬
‫ﭰ ﭱ ﭲ ﭳ ﭴ ﭵ ﭶﭷ ﭸ ﭹ ﭺ ﭻ ﭼ ﭽ ﭾ ﭿ ﮀ ﮁ ﮂﮃ ﮄ ﮅ‬
‫ﮆ ﮇ ﮈ ﮉ ﮊ ﮋ ﮌ ﮍ ﮎ ﮏ ﮐ ﮑ ﮒ ﮓ ﮔ ﮕ ﮖ ﮗ ﮘ‬
‫ﮙ ﮚ ﮛ ﮜ ﮝ ﮞ ﮟ ﮠ ﮡ ﮢﮣ ﮤ ﮥ ﮦ ﮧ ﮨ ﮩ ﮪ ﮫ ﮬﮭ ﮮﮮ‬
‫ﮯﮰ ﮱ ﯓ ﯔ ﯕ ﯖ ﯗﯘ ﯙ ﯚ ﯛ ﯜ ﯝ ﭾ ‪.‬‬
‫}‪ {80‬أي‪ :‬فلما استيأس إخوة يوسف من يوسف أن‬
‫خَلصوا َنجّيا{؛ أي‪ :‬اجتمعوا وحدهم ليس‬ ‫ح لهم بأخيهم‪َ } ،‬‬ ‫يسم َ‬
‫ون فيما بينهم‪َ ،‬فـ}َقا َ‬
‫ل كبيُرهم ألم‬ ‫ج ْ‬
‫معهم غيرهم‪ ،‬وجعلوا ي ََتنا َ‬
‫موِْثقا ً من الّله{‪ :‬في حفظه وأّنكم‬ ‫ن أباكم قد أخذ عليكم َ‬ ‫تعلموا أ ّ‬
‫ف{‪:‬‬ ‫ل ما فّرطُتم في يوس َ‬ ‫من قب ُ‬ ‫تأتون به إل ّ أن ُيحاط بكم‪} ،‬و ِ‬
‫م‬
‫ف السابق‪ ،‬وعد ُ‬ ‫طكم في يوس َ‬ ‫فاجتمع عليكم المران‪ :‬تـفـريـ ُ‬
‫ح‬
‫ن أبر َ‬ ‫ه أواجه به أبي‪} .‬فل ْ‬ ‫إتياِنكم بأخيه باللحق؛ فليس لي وج ٌ‬
‫ن لي‬ ‫ض{؛ أي‪ :‬سأقيم في هذه الرض ول أزال بها‪} ،‬حّتى يأذ َ‬ ‫الر َ‬
‫ه لي{؛ أي‪ :‬يقد ُّر لي المجيء وحدي أو مع أخي‪،‬‬ ‫م الل ّ ُ‬
‫أبي أو يحك َ‬
‫}وهو خير الحاكمين{‪.‬‬
‫جعوا إلى‬ ‫صاهم ما يقولون لبيهم‪ ،‬فقال‪} :‬ار ِ‬ ‫}‪ {81‬ثم و ّ‬
‫ق{؛ أي‪ :‬وأخذ بسرقته‪ ،‬ولم‬ ‫ن ابنك سر َ‬ ‫أبيكم فقولوا يا أبانا إ ّ‬
‫يحصل لنا أن نأتيك به مع ما بذلنا من الجهد في ذلك‪ ،‬والحال أّنا‬
‫دنا بما علمنا؛ لّننا رأينا‬
‫مه‪ ،‬وإّنما شهِ ْ‬ ‫دنا بشيء لم نعل َ ْ‬ ‫ما َ‬
‫شهِ ْ‬
‫رج من رحله‪} .‬وما كّنا للغيب حافظين{؛ أي‪ :‬لو‬ ‫خـ ِ‬
‫صواع اسـُتـ ْ‬ ‫ال ّ‬
‫ما‬‫ذهابه معنا‪ ،‬ول َ‬ ‫صنا وبذ َْلنا المجهود في َ‬ ‫حَر ْ‬ ‫ب؛ لما َ‬ ‫كنا نعلم الغي َ‬
‫ن أن المر سيبلغ ما بلغ‪.‬‬ ‫أعطيناك عهودنا ومواثيقنا‪ ،‬فلم نظ ّ‬
‫ة التي كّنا‬ ‫ت في قولنا }القري َ‬ ‫}‪} {82‬واسأل{‪ :‬إن شكك ْ َ‬
‫طلعوا على ما أخبرناك به‪} ،‬وإّنا‬ ‫فيها والعير التي أقبلنا فيها{ فا ّ‬
‫دل‪ ،‬بل هذا الواقع‪.‬‬ ‫ب‪ ،‬ولم نغّير‪ ،‬ولم نب ّ‬ ‫ن{‪ :‬لم نكذ ِ ْ‬ ‫لصادقو َ‬
‫}‪ {83‬فلما رجعوا إلى أبيهم وأخبروه بهذا الخبر؛ اشتد ّ‬
‫مد ُه ُ واّتهمهم أيضا ً في هذه القضّية كما اّتهمهم‬ ‫حزُنه وتضاعف ك َ َ‬
‫ل{؛‬ ‫سكم أمرا ً فصبٌر جمي ٌ‬ ‫ت لكم أنف ُ‬ ‫في الولى و }قال بل سوّل َ ْ‬
‫خط ول‬ ‫حُبه تس ّ‬‫أي‪ :‬ألجأ في ذلك إلى الصبر الجميل الذي ل يص َ‬
‫ن‬
‫جزع ٌ ول شكوى للخلق‪ .‬ثم لجأ إلى حصول الفرج لما رأى أ ّ‬
‫ه أن يأتيني بهم‬ ‫المر اشتد ّ والكربة انتهت‪ ،‬فقال‪} :‬عسى الل ّ ُ‬
‫جميعًا{؛ أي‪ :‬يوسف وبنيامين وأخوهم الكبير الذي أقام في‬
‫مصر‪} .‬إّنه هو العليم{‪ :‬الذي يعلم حالي واحتياجي إلى تفريجه‬
‫ل شيٍء‬ ‫ومّنته واضطراري إلى إحسانه‪} ،‬الحكيم{‪ :‬الذي جعل لك ّ‬
‫ى بحسب ما اقتضته حكمته الربانّية‪.‬‬ ‫درًا‪ ،‬ولك ّ‬
‫ل أمرٍ منته ً‬ ‫قَ َ‬
‫ﯪﯧﯧ ﯫﯧﯧ ﯬﯧﯧ ﯭﯧﯧ ﯮﯧﯧ ﯯﯧﯧ ﯰﯧﯧ ﯱﯧﯧ ﯷ‬ ‫ﭿﯞ ﯟ ﯠ ﯡ ﯢ ﯣ ﯤ ﯥ ﯦ ﯧ ﯨ ﯩ‬
‫ﯷ ﯷ ﯼ ﯽ ﯾ ﯿ ﯷ ﯷ ﯷ ﯷ ﯷ ﯷ ﭾ‬ ‫ﯷ ﯷ ﯷ ﯷ ﯷ ﯷ ﯷ‬
‫‪.‬‬
‫ب عليه الصلة والسلم عن أولده‬ ‫}‪ {84‬أي‪ :‬وتوّلـى يعقو ُ‬
‫ت‬‫ض ْ‬ ‫بعدما أخبروه هذا الخبر‪ ،‬واشتد ّ به السف والسى‪ ،‬وابي ّ‬
‫عيناه من الحزن الذي في قلبه والكمد الذي أوجب له كثرةَ‬
‫م{؛ أي‪ :‬ممتلىء‬ ‫ضت عيناه من ذلك؛ }فهو كظي ٌ‬ ‫الُبكاء حيث )‪ (1‬ابي ّ‬
‫القلب من الحزن الشديد‪} ،‬وقال يا أسفى على يوسف{؛ أي‪:‬‬
‫م )‪ (2‬القديم والشوق المقيم‪ ،‬وذك َّرْته‬ ‫ن من اله ّ‬ ‫م َ‬‫ظهر منه ما ك َ َ‬
‫ة الولى‪.‬‬ ‫هذه المصيبة الخفيفة بالنسبة للولى‪ ،‬المصيب َ‬
‫جبين من حاله‪} :‬تالّله تفتأ ُ ت َذ ْك ُُر‬ ‫ده متع ّ‬‫}‪ {85‬فقال له أول ُ‬
‫ف في جميع أحوالك‪} ،‬حتى‬ ‫ف{؛ أي‪ :‬ل تزال تذكر يوس َ‬ ‫يوس َ‬
‫حراك فيك ول قدرة لك على الكلم‪،‬‬ ‫حَرضًا{؛ أي‪ :‬فانيا ً ل َ‬ ‫تكون َ‬
‫ن من الهالكين{؛ أي‪ :‬ل تترك ذكره مع قدرتك على ذكره‬ ‫}أو تكو َ‬
‫أبدًا‪.‬‬
‫ث من‬ ‫}‪ {86‬فقال يعقوب‪} :‬إّنما أشكو بّثي{؛ أي‪ :‬ما أب ّ‬
‫ده ل إليكم‬ ‫حْزني{‪ :‬الذي في قلبي‪} .‬إلى الّله{‪ :‬وح َ‬ ‫الكلم‪} ،‬و ُ‬
‫م من الّله ما ل‬ ‫ول إلى غيركم من الخلق؛ فقولوا ما شئتم‪} ،‬وأعل ُ‬
‫ي ويقّر عيني بالجتماع بهم‪.‬‬ ‫دهم علـ ّ‬ ‫ن{‪ :‬من أّنه سير ّ‬ ‫تعلمو َ‬
‫ﭿ ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛﭜ ﭝ ﭞ ﭟ ﭠ ﭡ ﭢ‬
‫ﭣ ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ ﭨ ﭩ ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ ﭯ ﭰ ﭱ ﭲ ﭳ‬
‫ﭴ ﭵ ﭶ ﭷﭸ ﭹ ﭺ ﭻ ﭼ ﭽ ﭾ ﭿ ﮀ ﮁ ﮂ ﮃ ﮄ ﮅ ﮆ ﮇ ﮈ‬
‫ﮉ ﮊ ﮋ ﮌﮍ ﮎ ﮏ ﮐ ﮑ ﮒﮓ ﮔ ﮕ ﮖ ﮗﮘ ﮙ ﮚ ﮛ ﮜ ﮝ‬
‫ﮞ ﮟ ﮠ ﮡ ﮢ ﮣ ﮤ ﮥ ﮦ ﮧ ﮨ ﮩ ﮪ ﮫ ﮬ ﮭ ﮮﮮ ﮯ ﮰ ﮱ ﯓﯔ‬
‫ﯕ ﯖ ﯗﯘ ﯙ ﯚ ﯛ ﯜ ﭾ ‪.‬‬

‫‪ -‬في )ب(‪» :‬حتى«‪.‬‬ ‫‪1‬‬

‫م«‪.‬‬
‫‪ -‬في )ب(‪» :‬ظهر منه وبَرز اله ّ‬ ‫‪2‬‬
‫ي اذهبوا‬‫}‪ {87‬أي‪ :‬قال يعقوب عليه السلم لبنيه‪} :‬يا ب َن ِ ّ‬
‫سسوا من يوسف وأخيه{؛ أي‪ :‬احرصوا واجتهدوا على‬ ‫فتح ّ‬
‫ب‬‫ج ُ‬
‫ن الرجاء يو ِ‬ ‫التفتيش عنهما‪} ،‬ول تيأسوا من َرْوح الّله{‪ :‬فإ ّ‬
‫ب له التثاقل‬ ‫ج ُ‬‫للعبد السعي والجتهاد فيما رجاه‪ ،‬والياس يو ِ‬
‫والتباطؤ‪ ،‬وأولى ما رجا العباد ُ فضل الّله وإحسانه ورحمته‬
‫م الكافرون{‪ :‬فإّنهم‬ ‫س من َرْوح الّله إل ّ القو ُ‬
‫وروحه‪} .‬إّنه ل ييأ ُ‬
‫رهم يستبعدون رحمَته‪ ،‬ورحمُته بعيدة ٌ منهم؛ فل تتشّبهوا‬ ‫لكف ِ‬
‫ل هذا على أّنه بحسب إيمان العبد يكون رجاؤه‬ ‫بالكافرين‪ .‬ود ّ‬
‫لرحمةِ الّله وَرْوحه‪.‬‬
‫}‪ {88‬فذهبوا‪ .‬فلما دخلوا على يوسف‪} ،‬قالوا{‪:‬‬
‫ة‬
‫ضّر وجئنا ببضاع ٍ‬ ‫سنا وأهَلنا ال ّ‬
‫متضّرعين إليه‪} :‬يا أّيها العزيز م ّ‬
‫ن‬
‫ل وتصد ّقْ علينا{؛ أي‪ :‬قد اضطررنا نح ُ‬ ‫ف لنا الكي َ‬
‫مْزجاةٍ فأوْ ِ‬
‫ُ‬
‫ّ‬
‫ة{؛ أي‪ :‬مدفوعة مرغوب عنها لقلتها‬ ‫مْزجا ٍ‬ ‫ْ‬ ‫ُ‬
‫وأهلنا }وجئنا ببضاعةٍ ُ‬
‫ف لنا الكيل{؛ أي‪ :‬مع عدم وفاء‬ ‫وعدم وقوعها الموقع؛ }فأو ِ‬
‫جزي‬ ‫ن الّله َيـ ْ‬
‫العوض‪ ،‬وتصد ّقْ علينا بالزيادة عن الواجب‪} .‬إ ّ‬
‫دقين{‪ :‬بثواب الدنيا والخرة‪.‬‬ ‫المتص ّ‬
‫ف رقّ ً‬
‫ة‬ ‫ده؛ رقّ لهم يوس ُ‬ ‫}‪ {89‬فلما انتهى المر وبلغ أش ّ‬
‫ة‪ ،‬وعّرفهم بنفسه‪ ،‬وعاتبهم فقال‪} :‬هل علمْتم ما فعلُتم‬ ‫شديد ً‬
‫ف؛ فظاهٌر فعُلهم فيه‪ ،‬وأما أخوه؛ فلعّله‬ ‫بيوسف وأخيه{‪ :‬أما يوس ُ‬
‫ل{‪ ،‬أو‬ ‫خ له من قب ُ‬ ‫سَرقَ أ ٌ‬‫سرِقْ فقد َ‬ ‫ـ والّله أعلم ـ قولهم‪} :‬إن ي َ ْ‬
‫أن السبب الذي فّرق بينه وبين أبيه هم السبب فيه والصل‬
‫ن{‪ :‬وهذا نوع اعتذارٍ لهم بجهلهم أو‬ ‫الموجب له‪} .‬إذ أنُتم جاهلو َ‬
‫توبيخ لهم إذ ْ فعلوا فعل الجاهلين‪ ،‬مع أّنه ل ينبغي ول َيليق منهم‪.‬‬
‫ف‪ ،‬فقالوا‪} :‬أإّنك‬ ‫}‪ {90‬فعرفوا أن الذي خاطبهم هو يوس ُ‬
‫ن الّله علينا{‪:‬‬
‫ف وهذا أخي قد م ّ‬ ‫ف قال أنا يوس ُ‬ ‫لنت يوس ُ‬
‫دنيا‪ ،‬وذلك بسبب الصبر‬ ‫باليمان والتقوى والتمكين في ال ّ‬
‫صب ِْر{؛ أي‪ :‬يّتقي فعل ما حّرم الّله‬ ‫والتقوى‪َ ،‬فـ}إّنه من يت ّ ِ‬
‫ق وي َ ْ‬
‫ن الّله ل‬‫ويصبر على اللم والمصائب وعلى الوامر بامتثالها‪} .‬فإ ّ‬
‫ن هذا من الحسان‪ ،‬والّله ل ُيضيعُ أجَر‬ ‫ُيضيع أجر المحسنين{‪ :‬فإ ّ‬
‫ن عم ً‬
‫ل‪.‬‬ ‫من أحس َ‬
‫ضلك علينا‬ ‫}‪} {91‬قالوا تالّله لقد آثرك الّله علينا{؛ أي‪ :‬ف ّ‬
‫بمكارم الخلق ومحاسن الشيم‪ ،‬وأسأنا إليك غاية الساءة‪،‬‬
‫صنا على إيصال الذى إليك والتبعيد لك عن أبيك‪ ،‬فآثرك الّله‬ ‫وحر ْ‬
‫كنك مما تريد ]وإن ك ُّنا لخاطئين‪ ،‬وهذا غاية العتراف‬ ‫تعالى وم ّ‬
‫منهم بالجرم الحاصل منهم على يوسف[‪.‬‬
‫}‪ {92‬فقال لهم يوسف عليه السلم كرما ً وجودًا‪} :‬ل‬
‫ه‬
‫فُر الل ُ‬
‫ب عليكم ول ألومكم‪َ} ،‬يغ ِ‬ ‫م{؛ أي‪ :‬ل أثّر ُ‬ ‫ب عليكم اليو َ‬ ‫ت َْثري َ‬
‫ما من غير تعيير‬ ‫ن{؛ فسمح لهم سماحا ً تا ّ‬ ‫مي َ‬
‫ح ِ‬
‫م الّرا ِ‬‫ح ُ‬
‫كم وهُوَ أر َ‬ ‫لَ ُ‬
‫ة‪ ،‬وهذا‬ ‫ذنب السابق‪ ،‬ودعا لهم بالمغفرةِ والرحم ِ‬ ‫لهم على ذكر ال ّ‬
‫ص الخلق وخيار‬ ‫نهاية الحسان الذي ل يتأّتى إل من خوا ّ‬
‫فْين‪.‬‬‫المصط َ َ‬
‫ﯣ ﯤ ﯥ ﯦ ﯧ ﯨ ﯩ ﯪﯧﯧ ﯫﯧﯧ ﯬﯧﯧ ﯭﯧﯧ ﯮﯧﯧ ﯯﯧﯧ ﯰﯧﯧ ﯱﯧﯧ ﯷﯷ‬ ‫ﯡ ﯢ‬ ‫ﭿﯝ ﯞ ﯟ ﯠ‬
‫ﯷ ﯼ ﯽ ﯾ ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ‬ ‫ﯷ‬ ‫ﯷ ﯷ ﯷ ﯷ ﯷ ﯷ‬
‫ﭠ ﭡ ﭢ ﭣ ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ ﭨ ﭩ ﭪ ﭫ ﭬ‬ ‫ﭟ‬ ‫ﭙﭚ ﭛ ﭜ ﭝ ﭞ‬
‫ﭹ ﭺ ﭾ‪.‬‬ ‫ﭷ ﭸ‬ ‫ﭲ ﭳ ﭴﭵ ﭶ‬ ‫ﭱ‬ ‫ﭮ ﭯ ﭰ‬ ‫ﭭ‬
‫هبوا‬ ‫}‪ {93‬أي‪ :‬قال يوسف عليه السلم لخوته‪} :‬اذ َ‬
‫ل داٍء‬ ‫نك ّ‬ ‫ت َبصيرًا{‪ :‬ل ّ‬ ‫بقميصي هذا فألقوه على وجه أبي يأ ِ‬
‫ص لما كان فيه أثُر ريح يوسف الذي‬ ‫ده؛ فهذا القمي ُ‬ ‫يداوى بض ّ‬
‫ب أبيه من الحزن والشوق ما الّله به عليم؛ أراد أن‬ ‫أوْد َع َ قل َ‬
‫سه ويرجعَ إليه بصُره‪،‬‬ ‫جعَ إليه روحه وتتراجع إليه نف ُ‬ ‫مه فتر ِ‬ ‫ش ّ‬‫يَ ُ‬
‫ف‬
‫طلع يوس ُ‬ ‫طلع عليها العباد‪ ،‬وقد ا ّ‬ ‫م وأسراٌر ل ي ّ‬ ‫حك َ ٌ‬ ‫ولّله في ذلك ِ‬
‫كم أجمعين{؛ أي‪ :‬أولدكم‬ ‫من ذلك على هذا المر‪} .‬وأتوني بأهل ِ ُ‬
‫ل عنكم ن َك َد ُ‬ ‫م اللقاء ويزو َ‬ ‫ل تما ُ‬ ‫وعشيرتكم وتوابعكم كّلهم؛ ليحص َ‬
‫ق‪.‬‬
‫ك الرز ِ‬ ‫ضن ْ ُ‬
‫المعيشة و َ‬
‫ة إلى‬ ‫}‪} {94‬ولما فصلت العير{‪ :‬عن أرض مصر مقبل ً‬
‫جد ُ ريح‬ ‫ب ريح القميص‪ ،‬فقال‪} :‬إّنـي ل ِ‬ ‫م يعقو ُ‬ ‫أرض فلسطين؛ ش ّ‬
‫ن هذا‬ ‫عمون أ ّ‬ ‫ن{؛ أي‪ :‬تسخرون مّني‪ ،‬وتز ُ‬ ‫فّندو ِ‬
‫ف لول أن ت ُ َ‬ ‫يوس َ‬
‫جب من‬ ‫الكلم صدر مّني من غير شعور؛ لّنه رأى منهم من التع ّ‬
‫حاله ما أوجب له هذا القول‪.‬‬
‫}‪ {95‬فوقع ما ظّنه بهم‪ ،‬فقالوا‪} :‬تالل ّهِ إّنك لفي ضللك‬
‫ي )‪ ، (1‬ل تدري ما تقول‪.‬‬ ‫ج ّ‬ ‫القديم{؛ أي‪ :‬ل تزال تائها ً في بحرٍ ُلـ ّ‬
‫ما أن جاء البشيُر{‪ :‬بقرب الجتماع بيوسف‬ ‫}‪} {96‬فل ّ‬
‫وإخوته وأبيهم‪} ،‬ألقاه{؛ أي‪ :‬القميص }على وجهِهِ فارتد ّ بصيرًا{؛‬
‫ضت عيناه من‬ ‫أي‪ :‬رجع على حاله الولى بصيرا ً بعد أن ابي ّ‬
‫ن‬‫ضَره ُ من أولده وأهله الذين كانوا يفّندو َ‬ ‫ح َ‬
‫الحزن‪ ،‬فقال لمن َ‬
‫متبجحا ً بنعمة الّله عليه‪} :‬ألم‬ ‫جبون منه منتصرا ً عليهم ُ‬ ‫رأيه‪ ،‬ويتع ّ‬
‫جيا ً‬
‫ت متر ّ‬ ‫ّ‬
‫كم إّنـي أعلم من الله ما ل تعلمون{‪ :‬حيث كن ُ‬ ‫لل ُ‬
‫أقُ ْ‬
‫م والحزن‪.‬‬ ‫م والغ ّ‬ ‫للقاء يوسف مترّقبا ً لزوال اله ّ‬

‫‪ - 1‬في )ب(‪» :‬في بحر الحب«‪ .‬وقد استبدلها الشي ُ‬


‫خ بما أثبت في هامش )‬
‫أ (‪.‬‬
‫}‪ {97‬فأقّروا بذنبهم‪ ،‬ونجعوا بذلك و}قالوا يا أبانا استغفْر‬
‫ن{‪ :‬حيث فعلنا معك ما فعلنا‪.‬‬ ‫لنا ذنوبنا إّنا كنا خاطئي َ‬
‫ف‬‫ل{ مجيبا ً لطلبتهم ومسرعا ً لجابتهم‪} :‬سو َ‬ ‫}‪َ {98‬فـ}َقا َ‬
‫فُر لكم رّبـي إّنه هو الغفور الرحيم{‪ :‬ورجائي به أن يغفَر‬ ‫أستغ ِ‬
‫مدكم برحمته‪.‬‬ ‫لكم ويرحمكم ويتغ ّ‬
‫خر الستغفار لهم إلى وقت السحر الفاضل؛‬ ‫وقد قيل‪ :‬إنه أ ّ‬
‫م للستغفار وأقرب للجابة‪.‬‬ ‫ن أت ّ‬‫ليكو َ‬
‫ﭿﭻ ﭼ ﭽ ﭾ ﭿ ﮀ ﮁ ﮂ ﮃ ﮄ ﮅ ﮆ ﮇ ﮈ ﮉ ﮊ ﮋ ﮌ‬
‫ﮍ ﮎ ﮏ ﮐﮑ ﮒ ﮓ ﮔ ﮕ ﮖ ﮗ ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ ﮜﮝ ﮞ ﮟ‬
‫ﯔ ﯕ‬ ‫ﮠ ﮡ ﮢ ﮣ ﮤ ﮥ ﮦ ﮧ ﮨ ﮩ ﮪ ﮫ ﮬ ﮭ ﮮﮮ ﮯ ﮰﮱ ﯓ‬
‫ﯖ ﯗﯘ ﯙ ﯚ ﯛ ﯜ ﯝ ﭾ ‪.‬‬
‫ما{ تجّهز يعقوب وأولده وأهلهم أجمعون‬ ‫}‪ {99‬أي‪} :‬فل ّ‬
‫وارتحلوا من بلدهم قاصدين الوصول إلى يوسف في مصر‬
‫ه{؛‬ ‫ف آوى إليه أبوي ِ‬
‫ما وصلوا إليه و }دخلوا على يوس َ‬ ‫س ْ‬
‫كناها‪ ،‬فل ّ‬ ‫و ُ‬
‫صهما بقربه وأبدى لهما من البّر والحسان‬ ‫مهما إليه واخت ّ‬ ‫أي‪ :‬ض ّ‬
‫خلوا‬ ‫ً‬ ‫ً‬
‫)‪ (1‬والتبجيل والعظام شيئا عظيما‪} .‬وقال{ لجميع أهله‪} :‬اد ُ‬
‫مصر إن شاء الّله آمنين{‪ :‬من جميع المكاره والمخاوف‪ .‬فدخلوا‬
‫ل‬‫ص َ‬‫ح َ‬ ‫ب ونكد المعيشة و َ‬
‫ص ُ‬
‫في هذه الحال الساّرة‪ ،‬وزال عنهم الن ّ َ‬
‫السرور والبهجة‪.‬‬
‫ش{؛ أي‪ :‬على سرير الملك‬ ‫}‪} {100‬ورفع أبويه على العر ِ‬
‫جدًا{؛ أي‪ :‬أبوه وأمه وإخوته‬ ‫ومجلس العزيز‪} ،‬وخّروا له س ّ‬
‫ما رأى‬ ‫سجودا ً على وجه التعظيم والتبجيل والكرام‪} .‬وقال{ لـ ّ‬
‫ل رؤيايَ من‬ ‫ت هذا تأوي ُ‬ ‫هذه الحال ورأى سجودهم له‪} :‬يا أب ِ‬
‫ل{‪ :‬حين رأى أحد عشر كوكبا ً والشمس والقمر له ساجدين؛‬ ‫قب ُ‬
‫قا{‪ :‬فلم‬ ‫جَعلها رّبـي ح ّ‬‫ت إليه ووصلت‪} .‬قد َ‬ ‫عها الذي آل ْ‬ ‫فهذا وقو ُ‬
‫ً‬ ‫ً‬
‫ن بي{‪ :‬إحسانا جسيما‪} ،‬إذ ْ‬ ‫ث أحلم‪} .‬وقد أحس َ‬ ‫جعَْلها أضغا َ‬‫َيـ ْ‬
‫دو{‪ :‬وهذا من لطفه‬ ‫جني من السجن وجاء بكم من الب َ ْ‬ ‫خَر َ‬‫أ ْ‬
‫ن خطابه عليه السلم؛ حيث ذ َك ََر حاله في السجن‪ ،‬ولم‬ ‫وحس ِ‬
‫ب؛ لتمام عفوِهِ عن إخوته‪ ،‬وأّنه ل يذكر ذلك‬ ‫ي َذ ْك ُْر حاله في الج ّ‬
‫ي‪ ،‬فلم يقل‬ ‫ن إتيانكم من البادية من إحسان الّله إلـ ّ‬ ‫الذنب‪ ،‬وأ ّ‬
‫ن بكم‪ ،‬بل قال‪:‬‬ ‫جاء بكم من الجوع والنصب‪ ،‬ول قال‪ :‬أحس َ‬
‫ه‬
‫ص برحمت ِ ِ‬ ‫أحسن بي‪ ،‬جعل الحسان عائدا ً إليه؛ فتبارك من يخت ّ‬
‫ة إنه هو الوهاب‪،‬‬ ‫ب لهم من لدنه رحم ً‬ ‫من يشاُء من عباد ِهِ وَيـهَ ُ‬
‫ن إخوتي{‪ :‬فلم يقل‪ :‬ن ََزغَ‬ ‫}من بعد ِ أن ن ََزغ َ الشيطان بيني وبي َ‬
‫‪ -‬في )ب(‪» :‬الكرام«‪.‬‬ ‫‪1‬‬
‫ن الذنب والجهل صدر من الطرفين؛‬ ‫ن إخوتي‪ ،‬بل كأ ّ‬ ‫الشيطا ُ‬
‫مَعنا بعد تلك الفرقة‬ ‫جـ َ‬ ‫حَره ُ و َ‬ ‫فالحمد لّله الذي أخزى الشيطان ود َ َ‬
‫ل بّره وإحسانه إلى‬ ‫ص ُ‬ ‫ف لما يشاء{‪ :‬يو ِ‬ ‫ن رّبـي لطي ٌ‬ ‫الشاقة‪} .‬إ ّ‬
‫صله إلى المنازل الرفيعة من أمور‬ ‫ُ‬ ‫العبد من حيث ل يشعر ويو ِ‬
‫م{‪ :‬الذي يعلم ظواهر المور وبواط َِنها‬ ‫يكرهها‪} .‬إّنه هو العلي ُ‬
‫وسرائر العباد وضمائرهم‪} .‬الحكيم{‪ :‬في وضعه الشياء‬
‫درة لها‪.‬‬ ‫سوْقِهِ المور إلى أوقاتها المق ّ‬ ‫مواضعها و َ‬
‫ﭿ ﯞ ﯟ ﯠ ﯡ ﯢ ﯣ ﯤ ﯥ ﯦ ﯧﯨ ﯩ ﯪﯧﯧ ﯫﯧﯧ ﯬﯧﯧ ﯭﯧﯧ ﯮﯧﯧ ﯯﯧﯧ ﯰﯧﯧﯱﯧﯧ ﯷ ﯷ ﯷ‬
‫ﯷ ﯷ ﭾ‪.‬‬
‫م من التمكين في الرض‬ ‫م الّله ليوسف ما أت ّ‬ ‫}‪ {101‬لما أت ّ‬
‫والملك وأقّر عينه بأبويه وإخوته وبعد العلم العظيم الذي أعطاه‬
‫الّله إّياه‪ ،‬فقال مقّرا بنعمة الّله شاكرا ً لها داعيا ً بالثبات على‬
‫ب قد آتيتني من الملك{‪ :‬وذلك أّنه كان على خزائن‬ ‫السلم‪} :‬ر ّ‬
‫مَتني من تأويل‬ ‫الرض وتدبيرها ووزيرا ً كبيرا ً للملك‪} ،‬وعل ّ ْ‬
‫الحاديث{؛ أي‪ :‬من تأويل أحاديث الكتب المنَزَلة وتأويل الرؤيا‬
‫ض‪ ...‬توّفني‬
‫ت والر ِ‬ ‫وغير ذلك من العلم‪} .‬فاطر السمـوا ِ‬
‫ي السلم وثب ّْتني عليه حتى توّفاني عليه‪،‬‬ ‫م علـ ّ‬ ‫مسلمًا{؛ أي‪ :‬أد ْ‬
‫صالحين{‪ :‬من‬ ‫قني بال ّ‬ ‫ح ْ‬ ‫ولم يكن هذا دعاًء باستعجال الموت‪} .‬وأل ِ‬
‫النبياء البرار والصفياء الخيار‪.‬‬
‫ﯷ ﭾ‬ ‫ﯷ ﯷ ﯷ ﯷ ﯷ ﯷ‬ ‫ﯷ ﯼﯽ ﯾ ﯿ‬ ‫ﭿﯷ ﯷ ﯷ ﯷ‬
‫‪.‬‬
‫ص الّله هذه القصة على محمد ٍ صلى الله‬ ‫}‪ {102‬لما ق ّ‬
‫عليه وسلم؛ قال الّله له‪} :‬ذلك{‪] :‬النباء[ الذي أخبرناك به }من‬
‫ؤنا إليك؛ لما وصل إليك هذا الخبر‬ ‫ب{‪ :‬الذي لول إيحا ُ‬‫أنباِء الغي ِ‬
‫مَرهم{؛ أي‪:‬‬ ‫الجليل‪ ،‬فإنك لم تكن حاضرا ً }لديهم إذ أجمعوا أ ْ‬
‫كرون{‪ :‬به حين تعاقدوا على التفريق بينه‬ ‫إخوة يوسف‪} .‬وهم يم ُ‬
‫ن أحدا ً أن‬‫طلع عليها إل الّله تعالى ول يمك ّ ُ‬ ‫وبين أبيه في حالةٍ ل ي ّ‬
‫يصل إلى علمها إل بتعليم الّله له إّياها؛ كما قال تعالى لما ق ّ‬
‫ص‬
‫ة موسى وما جرى له؛ ذ َك ََر الحال التي ل سبيل للخلق إلى‬ ‫قص َ‬
‫ي إذ ْ قَ َ‬
‫ضْينا إلى‬ ‫ب الغربـ ّ‬
‫ت بجان ِ‬‫علمها إل ّ بوحيه‪ ،‬فقال‪} :‬وما كن َ‬
‫ل دليل‬ ‫موسى المَر وما كنت من الشاهدين‪ {...‬اليات؛ فهذا أد ّ‬
‫من جاء بها رسول الّله ح ّ‬
‫قا‪.‬‬ ‫ن َ‬
‫على أ ّ‬
‫ﭿ ﯷ ﰈ ﰉ ﯷ ﯷ ﯷ ﯷ ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ‬
‫ﭜ ﭝ ﭞ ﭟ ﭠ ﭡ ﭢ ﭣ ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ ﭨ ﭩ ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ‬
‫ﭯ ﭰ ﭱ ﭲ ﭳ ﭴ ﭵ ﭶ ﭷ ﭸ ﭹ ﭺ ﭻ ﭼ ﭽ ﭾ ﭿ ﭾ‪.‬‬
‫}‪ {103‬يقول تعالى لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم‪:‬‬
‫ن‬
‫ن{‪ :‬فإ ّ‬ ‫ت{‪ :‬على إيمانهم }بمؤمني َ‬ ‫}وما أكثُر الناس ولو حرص َ‬
‫ص‬
‫ة؛ فل ينفعهم حر ُ‬ ‫دهم قد أصبحت فاسد ً‬ ‫ص َ‬
‫مداركهم ومقا ِ‬
‫ّ‬
‫ن كانوا يعلمونهم‬ ‫الناصحين عليهم‪ ،‬ولو عدمت الموانع؛ بأ ْ‬
‫ويدعونهم إلى ما فيه الخير لهم ودفع الشّر عنهم من غير أجرٍ ول‬
‫ت على صدقِِهم‬ ‫عوض‪ ،‬ولو أقاموا لهم من الشواهد واليات الدال ّ ِ‬
‫ما أقاموا‪.‬‬
‫ن هو إل ّ‬ ‫}‪ {104‬ولهذا قال‪} :‬وما تسأُلهم عليه من أجرٍ إ ْ‬
‫كرون به ما ينفُعهم ِليفعلوه‪ ،‬وما يضّرهم‬ ‫ن{‪ :‬يتذ ّ‬ ‫ذ ِك ٌْر للعالمي َ‬
‫ليتُركوه‪.‬‬
‫ت‬
‫ن{؛ أي‪ :‬وكم }من آيةٍ في السمـوا ِ‬ ‫}‪} {105‬وكأي ّ ْ‬
‫والرض يمّرون عليها{‪ :‬داّلة لهم على توحيد الّله‪} ،‬وهم عنها‬
‫ن{‪.‬‬ ‫معرضو َ‬
‫ن‬‫م ُ‬‫ض اليمان‪ ،‬فل }يؤ ِ‬ ‫جد َ منهم بع ُ‬ ‫ن وُ ِ‬
‫}‪ {106‬ومع هذا‪ ،‬إ ْ‬
‫ن{‪ :‬فهم وإن أقّروا بربوبي ّةِ الّله‬ ‫أكثُرهم بالّله إل ّ وهم مشركو َ‬
‫تعالى وأّنه الخالق الرازق المدّبر لجميع المور؛ فإّنهم يشركون‬
‫في ألوهّية الّله وتوحيده‪.‬‬
‫}‪ {107‬فهؤلء الذين وصلوا إلى هذه الحال لم يبقَ عليهم‬
‫ب وهم آمنون‪ ،‬ولهذا قال ‪:‬‬ ‫ل بهم العذاب ويفجأهم العقا ُ‬ ‫ح ّ‬‫ن يَ ِ‬‫إل أ ْ‬
‫منوا{؛ أي‪ :‬الفاعلون لتلك الفعال‪ ،‬المعرضون عن آيات‬ ‫}أفأ ِ‬
‫ب يغشاهم‬ ‫ة من عذاب الّله{؛ أي‪ :‬عذا ٌ‬ ‫الّله‪} ،‬أن تأت ِي َُهم غاشي ٌ‬
‫ة{؛ أي‪ :‬فجأة‪} ،‬وهم‬ ‫ة بغت ً‬ ‫صُلهم‪} ،‬أو تأتيه ُ‬
‫م الساع ُ‬ ‫مهم ويستأ ِ‬ ‫وي َعُ ّ‬
‫ن{؛ أي‪ :‬فإّنهم قد استوجبوا لذلك؛ فَْليتوبوا إلى الّله‪،‬‬ ‫ل يشُعرو َ‬
‫وي َت ُْركوا ما يكون سببا ً في عقابهم‪.‬‬
‫ﭿ ﮀ ﮁ ﮂ ﮃ ﮄ ﮅﮆ ﮇ ﮈ ﮉ ﮊ ﮋﮌ ﮍ ﮎ ﮏ ﮐ ﮑ ﮒ‬
‫ﮓ ﮔ ﮕ ﮖ ﮗ ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ ﮜ ﮝ ﮞﮟ ﮠ ﮡ ﮢ ﮣ ﮤ ﮥ ﮦ‬
‫ﮧ ﮨ ﮩ ﮪﮫ ﮬ ﮭ ﮮﮮ ﮯ ﮰﮱ ﯓ ﯔ ﯕ ﭾ ‪.‬‬
‫}‪ {108‬يقول تعالى لنبّيه محمد ٍ صلى الله عليه وسلم‪:‬‬
‫}قل{ للناس‪} :‬هذه سبيلي{؛ أي‪ :‬طريقي التي أدعو إليها‪ ،‬وهي‬
‫السبيل الموصلة إلى الّله وإلى دار كرامته‪ ،‬المتضمنة للعلم‬
‫بالحقّ والعمل به وإيثاره‪ ،‬وإخلص الدين لّله وحده ل شريك له‪.‬‬
‫ث الخلق والعباد إلى الوصول إلى ربهم‬ ‫}أدعو إلى الّله{؛ أي‪ :‬أح ّ‬
‫دهم عنه‪ ،‬ومع هذا؛ فأنا }على‬ ‫هبهم مما ي ُب ْعِ ُ‬
‫غبهم في ذلك وأر ّ‬ ‫وأر ّ‬
‫ك ول امتراء‬‫ة{‪ :‬من ديني؛ أي‪ :‬على علم ويقين من غير ش ّ‬ ‫بصير ٍ‬
‫ن اّتبعني{‪ :‬يدعو إلى الّله كما أدعو على‬ ‫م ِ‬
‫مْرية‪ .‬وكذلك } َ‬‫ول ِ‬
‫ب إليه مما ل يليق‬ ‫بصيرةٍ من أمره‪} .‬وسبحان الّله{‪ :‬عما ُنس َ‬
‫بجلله أو ينافي كماله‪} .‬وما أنا من المشركين{‪ :‬في جميع‬
‫أموري‪ ،‬بل أعبد الّله مخلصا ً له الدين‪.‬‬
‫ل{؛‬‫ك إل ّ رجا ً‬ ‫}‪ {109‬ثم قال تعالى‪} :‬وما أرسلنا من قبل ِ َ‬
‫ة ول غيرهم من أصناف الخلق؛ فليّ شيءٍ‬ ‫أي‪ :‬لم نرسل ملئك ً‬
‫ل‪،‬‬‫عمون أنه ليس لك عليهم فض ٌ‬ ‫ب قومك رسالتك‪ ،‬ويز ُ‬ ‫ست َغْرِ ُ‬
‫يَ ْ‬
‫ة‪} .‬نوحي إليهم من‬ ‫ن قبلك من المرسلين أسوة ٌ حسن ٌ‬ ‫م ْ‬
‫فلك في َ‬
‫قرى{؛ أي‪ :‬ل من البادية‪ ،‬بل من أهل القرى‪ ،‬الذين هم‬ ‫أهل ال ُ‬
‫ح آراء‪ ،‬وليتبيّـن أمرهم ويّتضح شأنهم‪} .‬أفلم‬ ‫أكمل عقول ً وأص ّ‬
‫ف كان‬ ‫دقوا لقولك‪} ،‬فينظروا كي َ‬ ‫يسيروا في الرض{‪ :‬إذا لم يص ّ‬
‫ه بتكذيبهم؛ فاحذروا أن‬ ‫ة الذين من قبلهم{‪ :‬كيف أهلكهم الل ّ ُ‬ ‫عاقب ُ‬
‫ُتقيموا على ما قاموا عليه‪ ،‬فيصيبكم ما أصابهم‪} .‬وَلداُر الخرة{؛‬
‫وا{‪ :‬الّله‬‫ق ْ‬
‫أي‪ :‬الجنة وما فيها من النعيم المقيم‪} ،‬خيٌر للذين ات ّ َ‬
‫ص منك ّد ٌ‬ ‫دنيا منغّ ٌ‬ ‫ن نعيم ال ّ‬ ‫في امتثال أوامره واجتناب نواهيه؛ فإ ّ‬
‫م كامل ل يفنى أبدًا‪ ،‬بل هو على الدوام‬ ‫ع‪ ،‬ونعيم الخرة تا ّ‬ ‫منقط ٌ‬
‫في تزايد ٍ وتواصل‪ .‬عطاًء غير مجذوذ‪} .‬أفل تعقلون{؛ أي‪ :‬أفل‬
‫ل تؤثر الذي هو خير على الدنى؟‬ ‫يكون لكم عقو ٌ‬
‫ﯪﯧﯧ ﯫﯧﯧ ﯬﯧﯧ‬ ‫ﭿ ﯖ ﯗ ﯘ ﯙ ﯚ ﯛ ﯜ ﯝ ﯞ ﯟ ﯠ ﯡ ﯢﯣ ﯤ ﯥ ﯦ ﯧ ﯨ ﯩ‬
‫ﯷ ﯷ ﯷ ﯷ ﯷ ﯷ ﯷ ﯼ ﯽ ﯾ ﯿ‬ ‫ﯭﯧﯧ ﯮﯧﯧ ﯯﯧﯧ ﯰﯧﯧ ﯱﯧﯧﯷ ﯷ ﯷ‬
‫ﯷ ﯷ ﭾ‪.‬‬ ‫ﯷ ﯷ‬
‫ذبهم‬‫}‪ {110‬يخبر تعالى أنه يرسل الرسل الكرام‪ ،‬فيك ّ‬
‫القوم المجرمون اللئام‪ ،‬وأن الّله تعالى يمهلهم ليرجعوا إلى‬
‫دة‬
‫ل الحال إلى غاية الش ّ‬ ‫ق‪ ،‬ول يزال الّله يمهلهم حتى إّنه تص ُ‬ ‫الح ّ‬
‫دة‬‫ن الرسل على كمال يقينهم وش ّ‬ ‫منهم على الرسل‪ ،‬حتى إ ّ‬
‫تصديقهم بوعد الّله ووعيده رّبما أنه يخط ُُر بقلوبهم نوع ٌ من‬
‫الياس ونوع ٌ من ضعف العلم والتصديق؛ فإذا بلغ المر هذه‬
‫من نشاء{‪ :‬وهم الرسل وأتباعهم‪،‬‬ ‫جي َ‬ ‫هم نصُرنا فن ُ ّ‬
‫الحال؛ }جاء ُ‬
‫سنا عن القوم المجرمين{؛ أي‪ :‬ول ي َُرد ّ عذابنا عمن‬ ‫}ول ي َُرد ّ بأ ُ‬
‫ّ‬
‫اجترم وتجرأ على الله؛ فما لهم من قوّةٍ ول ناصر‪.‬‬
‫}‪} {111‬لقد كان في قصصهم{؛ أي‪ :‬قصص النبياء‬
‫والرسل مع قومهم }عبرة ٌ لولي اللباب{؛ أي‪ :‬يعتبرون بها أهل‬
‫ل فعلهم؛ ناله ما نالهم من‬ ‫من فعل مث َ‬ ‫ن َ‬‫الخير وأهل الشر‪ ،‬وأ ّ‬
‫كرامة أو إهانة‪ ،‬ويعتبرون بها أيضا ً ما لّله من صفات الكمال‬
‫والحكمة العظيمة‪ ،‬وأّنه الّله الذي ل تنبغي العبادة إل ّ له وحده ل‬
‫فَترى{؛ أي‪ :‬ما كان هذا القرآن‬ ‫شريك له‪ .‬وقوله‪} :‬ما كان حديثا ً ي ُ ْ‬
‫ص من الحاديث‬ ‫ص الّله به عليكم من أنباء الغيب ما ق ّ‬ ‫الذي ق ّ‬
‫ن{‪ :‬كان }تصديقَ الذي بين يديه{‪ :‬من‬ ‫قة‪} .‬ولك ْ‬‫فَتراة المخت َل َ َ‬‫م ْ‬‫الـ ُ‬
‫ل‬‫لك ّ‬
‫الكتب السابقة؛ يوافقها ويشهد ُ لها بالصحة‪} ،‬وتفصي َ‬
‫ج إليه العباد من أصول الدين وفروعه ومن الدّلة‬ ‫شيٍء{‪ :‬يحتا ُ‬
‫ة لقوم يؤمنون{‪ :‬فإّنهم بسبب ما‬ ‫والبراهين‪} .‬وهدىً ورحم ً‬
‫ل لهم الهدى‪ ،‬وبما‬‫ص ُ‬‫ل لهم به من العلم بالحقّ وإيثاره يح ُ‬ ‫ص ُ‬ ‫يح ُ‬
‫ل لهم الرحمة‪.‬‬‫ص ُ‬‫ل لهم من الثواب العاجل والجل تح ُ‬ ‫ص ُ‬ ‫يح ُ‬
‫فصل‬
‫كر شيء من العبر والفوائد التي اشتملت عليها هذه‬ ‫في ذ ِ ْ‬
‫ص عليك‬ ‫ن نق ّ‬‫صة العظيمة التي قال الّله في أولها‪} :‬نح ُ‬ ‫الق ّ‬
‫ت‬
‫ف وإخوت ِهِ آيا ٌ‬‫س َ‬
‫صص{‪ ،‬وقال‪} :‬لقد كان في يو ُ‬ ‫ق َ‬ ‫ن ال َ‬
‫أحس َ‬
‫صِهم عبرة ٌ لولي‬ ‫للسائلين{‪ ،‬وقال في آخرها‪} :‬لقد كان في قَ َ‬
‫ص ِ‬
‫دم في مطاويها من الفوائد‪.‬‬ ‫اللباب{‪ ،‬غير ما تق ّ‬
‫فمن ذلك ‪ :‬أن هذه القصة من أحسن القصص وأوضحها‬
‫قلت‪ :‬من حال إلى حال‪ ،‬ومن محنة‬ ‫وأبينها؛ لما فيها من أنواع التن ّ‬
‫ق‬
‫ل إلى عّز‪ ،‬ومن ر ّ‬ ‫إلى محنة‪ ،‬ومن محنة إلى منحة ومّنة‪ ،‬ومن ذ ّ‬
‫إلى ملك‪ ،‬ومن فرقة وشتات إلى اجتماع وائتلف‪ ،‬ومن حزن إلى‬
‫ب إلى رخاء‪ ،‬ومن ضيق‬ ‫دب‪ ،‬ومن جد ٍ‬ ‫ج ْ‬
‫سرور‪ ،‬ومن رخاء إلى َ‬
‫صها فأحسنها‪،‬‬ ‫سَعة‪ ،‬ومن إنكارٍ إلى إقرار؛ فتبارك من ق ّ‬ ‫إلى َ‬
‫ضحها‪ ،‬وبّينها‪.‬‬‫وو ّ‬
‫ن )‪ (1‬علم التعبير من‬ ‫ومنها ‪ :‬أن فيها أصل ً لتعبير الرؤيا؛ فإ ّ‬
‫ن أغلب‬ ‫مة التي يعطيها الّله من يشاء من عباد ِ ِ‬
‫ه‪ ،‬وإ ّ‬ ‫العلوم المه ّ‬
‫ما ُتبنى عليه المناسبة والمشابهة في السم والصفة‪:‬‬
‫ن رؤيا يوسف التي رأى أن الشمس والقمر وأحد عشر‬ ‫فإ ّ‬
‫ن هذه النوار هي زينة‬ ‫ه المناسبة فيها أ ّ‬ ‫كوكبا ً له ساجدين وج ُ‬
‫السماء وجمالها وبها منافعها؛ فكذلك النبياء والعلماء زينة للرض‬
‫ن‬
‫ظلمات كما ُيـهَْتدى بهذه النوار‪ ،‬ول ّ‬ ‫ل‪ ،‬وبهم ُيـهَْتدى في ال ّ‬ ‫وجما ٌ‬
‫الصل أبوه وأمه‪ ،‬وإخوُته هم الفرع؛ فمن المناسب أن يكون‬
‫جْرما ً لما هو فرع ٌ عنه؛ فلذلك كانت الشم َ‬
‫س‬ ‫م نورا ً و ِ‬
‫ل أعظ َ‬ ‫الص ُ‬
‫ن الشمس‬ ‫ب إخوُته‪ .‬ومن المناسبة أ ّ‬ ‫مه والقمَر أبوه والكواك َ‬ ‫أ ّ‬
‫كرات؛ فكانت‬ ‫ث؛ فلذلك كانت أمه‪ ،‬والقمر والكواكب مذ ّ‬ ‫ظ مؤن ٌ‬ ‫لف ٌ‬
‫م للمسجود‬‫محترِ ٌ‬ ‫ن الساجد معظ ّ ٌ‬
‫م ُ‬ ‫لبيه وإخوته‪ .‬ومن المناسبة أ ّ‬
‫ل ذلك على أن يوسف‬ ‫م؛ فلذلك د ّ‬ ‫محتَر ٌ‬‫ظم ُ‬‫له‪ ،‬والمسجود ُ له مع ّ‬
‫ظما ً محترما ً عند أبويه وإخوته‪ ،‬ومن لزم ذلك أن يكون‬ ‫يكون مع ّ‬

‫ن«‪.‬‬
‫‪ -‬في )ب(‪» :‬وإ ّ‬ ‫‪1‬‬
‫ضل ً في العلم والفضائل الموجبة لذلك‪ ،‬ولذلك قال له‬ ‫مجتبى مف ّ‬
‫مك من تأويل الحاديث{‪.‬‬‫ك رّبك ويعل ّ ُ‬
‫جَتبي َ‬
‫أبوه‪} :‬وكذلك َيـ ْ‬
‫ومن المناسبة في رؤيا الفتيين‪ :‬أّنه أّول رؤيا الذي رأى أّنه‬
‫ن الذي يعصر خمرا ً في العادة يكون خادما ً لغيره‪،‬‬ ‫صُر خمرًا؛ أ ّ‬ ‫يع ِ‬
‫صد ُ لغيره؛ فلذلك أّوله بما يؤول إليه؛ أّنه يسقي رّبه‪،‬‬ ‫ق َ‬‫والعصُر ي ُ ْ‬
‫م ُ‬
‫ل‬ ‫من لخروجه من السجن‪ .‬وأّول الذي رأى أنه يح ِ‬ ‫وذلك متض ّ‬
‫ن جلدة رأسه ولحمه وما في‬ ‫سهِ خبزا ً تأك ُ ُ‬
‫ل الطير منه بأ ّ‬ ‫فوق رأ ِ‬
‫ل‬‫خ أنه هو الذي يحمل وأنه سيبرُز للطيور بمح ّ‬
‫)‪(1‬‬
‫ذلك من الم ّ‬
‫كن من الكل من رأسه‪ ،‬فرأى من حاله أّنه سُيقتل وُيصلب‬ ‫تتم ّ‬
‫بعد موته في ُب َْرُز للطيور فتأكل من رأسه‪ ،‬وذلك ل يكون إل‬
‫بالصلب بعد القتل‪.‬‬
‫سنبلت بالسنين المخصبة‬ ‫وأّول رؤيا الملك للبقرات وال ّ‬
‫ن الملك به ترتبط أحوال‬ ‫والسنين المجدبة‪ ،‬ووجه المناسبة أ ّ‬
‫الرعية ومصالحها‪ ،‬وبصلحه تصلح وبفساده تفسد‪ ،‬وكذلك‬
‫السنون بها صلح أحوال الّرعية واستقامة أمر المعاش أو عدمه‪،‬‬
‫سَتقى عليها الماء وإذا‬‫ث الرض عليها وي ُ ْ‬ ‫حَر ُ‬
‫وأما البقر؛ فإّنها ُتـ ْ‬
‫أخصبت السنة؛ سمنت‪ ،‬وإذا أجدبت؛ صارت عجافًا‪ ،‬وكذلك‬
‫ل وتيبس‪،‬‬ ‫السنابل في الخصب تكثر وتخضّر‪ ،‬وفي الجدب تق ّ‬
‫وهي أفضل غلل الرض‪.‬‬
‫ومنها ‪ :‬ما فيها من الدّلة على صحة نبوة محمد صلى الله‬
‫ص على قومه هذه القصة الطويلة‪ ،‬وهو لم‬ ‫عليه وسلم؛ حيث ق ّ‬
‫ه بين أظهرهم صباحا ً‬ ‫يقرأ كتب الولين‪ ،‬ول دارس أحدا ً يراه قو ُ‬
‫م ُ‬
‫ط ول يقرأ‪ ،‬وهي موافقة لما في الكتب‬ ‫ي ل يخ ّ‬ ‫ومساًء‪ ،‬وهو أم ّ‬
‫السابقة‪ ،‬وما كان لديهم إذ ْ أجمعوا أمرهم وهم يمكرون‪.‬‬
‫ن ما ُتخشى‬ ‫ومنها ‪ :‬أنه ينبغي البعد عن أسباب الشّر وكتما ُ‬
‫ص رؤيا َ‬
‫ك‬ ‫ص ْ‬ ‫مضّرته؛ لقول )‪ (2‬يعقوب ليوسف‪]} :‬يا بني[ ل ت َ ْ‬
‫ق ُ‬
‫ك فيكيدوا لك ك َْيدًا{‪.‬‬‫على إخوت ِ َ‬
‫ومنها ‪ :‬أنه يجوز ذكر النسان بما يكره على وجه النصيحة‬
‫لغيره؛ لقوله‪} :‬فيكيدوا لك كيدًا{‪.‬‬
‫ة على من يتعّلق به من‬ ‫ن نعمة الّله على العبد نعم ٌ‬ ‫ومنها ‪ :‬أ ّ‬
‫أهل بيته وأقاربه وأصحابه‪ ،‬وأّنه ربما شملتهم وحصل لهم ما‬
‫ب في تفسيره لرؤيا يوسف‪:‬‬ ‫حصل له بسببه؛ كما قال يعقو ُ‬
‫م نعمته‬‫}وكذلك يجتبيك رّبك ويعّلمك من تأويل الحاديث وي ُت ِ ّ‬
‫‪ -‬في )ب(‪» :‬يحمله«‪.‬‬ ‫‪1‬‬

‫‪ -‬في )ب(‪» :‬لقوله«‪.‬‬ ‫‪2‬‬


‫مت النعمة على يوسف؛ حصل‬ ‫علي َ‬
‫ك وعلى آل يعقوب{‪ ،‬ولما تـ ّ‬
‫لل يعقوب من العّز والتمكين في الرض والسرور والغبطة ما‬
‫حصل بسبب يوسف‪.‬‬
‫ب في كل المور‪ ،‬ل في معاملة‬ ‫ن العدل مطلو ٌ‬ ‫ومنها ‪ :‬أ ّ‬
‫السلطان رعيته‪ ،‬ول فيما دونه‪ ،‬حتى في معاملة الوالد لولده‬
‫ن في الخلل بذلك يخت ّ‬
‫ل عليه المر‬ ‫في المحّبة واليثار وغيره‪ ،‬وأ ّ‬
‫دم يعقوب يوسف في المحبة وآثره‬ ‫سد ُ الحوال‪ ،‬ولهذا لما ق ّ‬‫وتف ُ‬
‫على إخوته؛ جرى منهم ما جرى على أنفسهم وعلى أبيهم‬
‫وأخيهم‪.‬‬
‫ن الذنب الواحد يستتبع‬ ‫ومنها ‪ :‬الحذر من شؤم الذنوب‪ ،‬وأ ّ‬
‫م لفاعله إل بعدة جرائم؛ فإخوة يوسف لما‬ ‫ذنوبا ً متع ّ‬
‫ددة‪ ،‬ول يت ّ‬
‫أرادوا التفريق بينه وبين أبيه؛ احتالوا لذلك بأنواع من الحيل‪،‬‬
‫دم الذي‬‫ت‪ ،‬وزّوروا على أبيهم في القميص وال ّ‬ ‫وكذبوا عدة مرا ٍ‬
‫فيه‪ ،‬وفي إتيانهم عشاء يبكون‪ ،‬ول تستبعد ْ أّنه قد ك َث َُر البحث فيها‬
‫ل ذلك اّتصل إلى أن اجتمعوا بيوسف‪،‬‬ ‫دة‪ ،‬بل لع ّ‬‫في تلك الم ّ‬
‫وكلما صار البحث؛ حصل من الخبار بالكذب والفتراء ما حصل‪،‬‬
‫م الذنب وآثاره التابعة والسابقة واللحقة‪.‬‬ ‫وهذا شؤ ُ‬
‫ن العبرة في حال العبد بكمال النهاية ل بنقص‬ ‫ومنها ‪ :‬أ ّ‬
‫ن أولد يعقوب عليهم السلم جرى منهم ما جرى في‬ ‫البداية؛ فإ ّ‬
‫أول المر مما هو أكبُر أسباب النقص واللوم‪ ،‬ثم انتهى أمُرهم‬
‫دعاء‬
‫م من يوسف ومن أبيهم وال ّ‬ ‫إلى التوبة النصوح والسماح التا ّ‬
‫قه؛ فالّله خير‬ ‫ح العبد عن ح ّ‬ ‫م َ‬‫س َ‬ ‫لهم بالمغفرة والرحمة‪ ،‬وإذا َ‬
‫ح القوال أنهم كانوا أنبياء؛ لقوله تعالى‪:‬‬ ‫الراحمين‪ ،‬ولهذا في أص ّ‬
‫ط{‪،‬‬‫ب والسبا ِ‬ ‫ل وإسحاق ويعقو َ‬ ‫حْينا إلى إبراهيم وإسماعي َ‬ ‫}وأو َ‬
‫ل على ذلك أن‬ ‫وهم أولد يعقوب الثنا عشر وذّرّيتهم‪ ،‬ومما يد ّ‬
‫ب نّيرة‪ ،‬والكواكب فيها النور‬ ‫في رؤيا يوسف أنه رآهم كواك َ‬
‫ن لم يكونوا أنبياء؛ فإّنهم‬ ‫ة‪ ،‬الذي من صفات النبياء؛ فإ ْ‬ ‫والهداي ُ‬
‫علماء هداة‪.‬‬
‫ن الّله به على يوسف عليه الصلة والسلم من‬ ‫ومنها ‪ :‬ما م ّ‬
‫دعوة إلى الّله وإلى دينه وعفوه‬ ‫حْلم ومكارم الخلق وال ّ‬ ‫العلم وال ِ‬
‫مم ذلك بأن ل ي ُث َّر َ‬
‫ب‬ ‫عن إخوته الخاطئين عفوا ً باد ََرهم به وت ّ‬
‫عليهم ول يعي َّرهم به‪ ،‬ثم بّره العظيم بأبويه وإحسانه لخوته بل‬
‫لعموم الخلق‪.‬‬
‫ف‬
‫ومنها ‪ :‬أن بعض الشّر أهون من بعض‪ ،‬وارتكاب أخ ّ‬
‫ن إخوة يوسف لما‬
‫الضررين أولى من ارتكاب أعظمهما؛ فإ ّ‬
‫اّتفقوا على قتل يوسف أو إلقائه أرضًا‪ ،‬وقال قائل منهم‪} :‬ل‬
‫ب{؛ كان قوُله أحس َ‬
‫ن منهم‬ ‫قُتلوا يوسف وألقوه في غيابةِ الج ّ‬
‫تَ ْ‬
‫ف عن إخوته الثم الكبير‪.‬‬ ‫ف‪ ،‬وبسببه خ ّ‬
‫وأخ ّ‬
‫ن الشيء إذا تداولته اليدي وصار من جملة‬ ‫ومنها ‪ :‬أ ّ‬
‫الموال ولم ي ُعَْلم أنه كان على غير وجه الشرع؛ أنه ل إثم على‬
‫ن‬
‫ن باشره ببيع أو شراء أو خدمةٍ أو انتفاع أو استعمال؛ فإ ّ‬
‫م ْ‬
‫َ‬
‫ت به‬ ‫ً‬ ‫ً‬
‫يوسف عليه السلم باعه إخوُته بيعا حراما ل يجوز‪ ،‬ثم ذهب ْ‬
‫السّيارة إلى مصر‪ ،‬فباعوه بها‪ ،‬وبقي عند سّيده غلما ً رقيقًا‪،‬‬
‫وسماه الّله سيدا ً )‪ ، (1‬وكان عندهم بمنزلة الغلم الرقيق المكرم‪.‬‬
‫ن الفتنة‪،‬‬ ‫ومنها ‪ :‬الحذر من الخلوة بالنساء التي ُيخشى منه ّ‬
‫ن امرأة العزيز‬ ‫والحذر أيضا ً من المحّبة التي ُيخشى ضررها؛ فإ ّ‬
‫ف وحّبها الشديد ِ له‪ ،‬الذي‬ ‫جرى منها ما جرى بسبب توحدها بيوس َ‬
‫ن‬
‫ج َ‬‫س ِ‬
‫ما تركها حّتى راودْته تلك المراودة‪ ،‬ثم كذبت عليه‪ ،‬ف ُ‬
‫بسببها مدة طويلة‪.‬‬
‫م به يوسف بالمرأة ثم تركه لّله‬ ‫م الذي ه ّ‬ ‫ن اله ّ‬ ‫ومنها ‪ :‬أ ّ‬
‫م داٍع من دواعي النفس‬ ‫مما يرّقيه )‪ (2‬إلى الّله ُزلفى؛ ل ّ‬
‫ن اله ّ‬
‫خْلق‪ ،‬فلما قابل بينه وبين‬ ‫مارة بالسوء‪ ،‬وهو طبيعة لغلب الـ َ‬ ‫ال ّ‬
‫ت محّبة الّله وخشيته داعي النفس‬ ‫محّبة الّله وخشيته؛ غلب ْ‬
‫ف مقام رّبه ونهى النفس عن الهوى{‪،‬‬ ‫والهوى‪ ،‬فكان ممن}خا َ‬
‫ل إل ّ‬‫ملظ ّ‬ ‫ل عرشه يو َ‬ ‫ومن السبعة الذين ي ُظ ِّلمهم الله في ظ ّ‬
‫ّ‬
‫ب وجمال فقال‪ :‬إني‬ ‫ل دعته امرأة ٌ ذات منص ٍ‬ ‫دهم‪ :‬رج ٌ‬ ‫ظّله‪ :‬أح ُ‬
‫أخاف الّله ‪ .‬وإّنما اله ّ‬
‫)‪(3‬‬
‫م الذي‬ ‫م الذي ُيلم عليه العبد اله ّ‬
‫يساكنه‪ ،‬ويصير عزما ً رّبما اقترن به الفعل‪.‬‬
‫ل اليمان قلَبه‪ ،‬وكان مخلصا ً لّله في‬ ‫خ َ‬ ‫من د َ َ‬ ‫ن َ‬ ‫ومنها ‪ :‬أ ّ‬
‫ن الّله يدفع عنه ببرهان إيمانه وصدق إخلصه من‬ ‫جميع أموره؛ فإ ّ‬
‫أنواع السوء والفحشاء وأسباب المعاصي ما هو جزاٌء ليمانه‬
‫ن رّبه وكذلك‬ ‫م بها لول أن رأى برها َ‬ ‫وإخلصه؛ لقوله‪} :‬وه ّ‬
‫ف عنه السوَء والفحشاء إّنه من عبادنا المخلصين{‪ :‬على‬ ‫لنصرِ َ‬
‫قراءة من قرأها بكسر اللم‪ ،‬ومن قرأها بالفتح؛ فإّنه من إخلص‬
‫من لخلصه هو بنفسه‪ ،‬فلما أخلص عمله لّله؛‬ ‫الّله إياه‪ ،‬وهو متض ّ‬
‫صه الّله‪ ،‬وخّلصه من السوء والفحشاء‪.‬‬ ‫أخل َ‬

‫‪ - 1‬في )ب(‪» :‬شراًء«‪.‬‬


‫‪ - 2‬في )ب(‪» :‬يقّرُبه«‪.‬‬
‫‪ - 3‬كما في »صحيح البخاري« )‪ ،(660‬ومسلم )‪ (1031‬من حديث أبي‬
‫هريرة رضي الّله عنه‪.‬‬
‫ومنها ‪ :‬أنه ينبغي للعبد إذا رأى محل ّ فيه فتنة وأسباب‬
‫كن من التخّلص‬ ‫ب غاية ما يمك ُِنه؛ ليتم ّ‬ ‫معصية أن يفّر منه ويهر َ‬
‫ن يوسف عليه السلم لما راودته التي هو في‬ ‫من المعصية؛ ل ّ‬
‫ّ‬
‫ب الباب ليتخلص من شّرها‪.‬‬ ‫بيتها؛ فّر هاربا ً يطل ُ‬
‫ُ‬
‫ن القرائن ُيعمل بها عند الشتباه‪ ،‬فلو تخاصم رج ٌ‬
‫ل‬ ‫ومنها ‪ :‬أ ّ‬
‫وامرأته في شيء من أواني الدار؛ فما يصُلح للرجل؛ فإّنه‬
‫للرجل‪ ،‬وما يصُلح للمرأة؛ فهو لها‪ ،‬هذا إذ لم يكن بّينة‪ ،‬وكذا لو‬
‫تنازع نجاٌر وحداد ٌ في آلة حرفتهما من غير بّينة‪ ،‬والعمل بالقافة‬
‫ن شاهد يوسف شهد بالقرينة‬ ‫في الشباه والثر من هذا الباب؛ فإ ّ‬
‫ده من د ُُبره على صدق‬ ‫ل بق ّ‬‫وحكم بها في قد ّ القميص واستد ّ‬
‫ل بوجود‬ ‫ل على هذه القاعدة أّنه استد ّ‬ ‫يوسف وكذبها‪ .‬ومما يد ّ‬
‫ة‬
‫حل أخيه على الحكم عليه بالسرقة من غير بّين ِ‬ ‫صواع في َر ْ‬‫ال ّ‬
‫شهادةٍ ول إقرار؛ فعلى هذا إذا وجد المسروقُ في يد السارق‪،‬‬
‫خصوصا ً إذا كان معروفا ً بالسرقة؛ فإّنه يحكم عليه بالسرقة‪،‬‬
‫وهذا أبلغ من الشهادة‪ .‬وكذلك وجود الرجل يتقّيأ الخمر أو وجود‬
‫ل؛ فإّنه ُيقام بذلك الحد ّ ما لم‬ ‫المرأة التي ل زوج لها ول سي ّد َ حام ً‬
‫مى الّله هذا الحكم شاهدًا‪ ،‬فقال‪} :‬وشهد‬ ‫م مانعٌ منه‪ ،‬ولهذا س ّ‬ ‫يق ْ‬
‫شاهد ٌ من أهلها{‪.‬‬
‫ن‬
‫ف من الجمال الظاهر والباطن؛ فإ ّ‬ ‫ومنها ‪ :‬ما عليه يوس ُ‬
‫جماله الظاهر أوجب للمرأة التي هو في بيتها ما أوجب‪ ،‬وللنساء‬
‫ن وقلن‪} :‬ما‬ ‫طعن أيديه ّ‬ ‫اللتي جمعْتهن حين ُلمَنها على ذلك أن ق ّ‬
‫فة‬‫م{‪ .‬وأما جماله الباطن؛ فهو الع ّ‬ ‫مل َ ٌ‬
‫ك كري ٌ‬ ‫ن هذا إل ّ َ‬‫هذا بشرا ً إ ْ‬
‫العظيمة عن المعصية مع وجود الدواعي الكثيرة لوقوعها‬
‫وشهادة امرأة العزيز والنسوة بعد ذلك ببراءته‪ ،‬ولهذا قالت‬
‫م{‪ ،‬وقالت بعد‬ ‫ص َ‬
‫امرأة العزيز‪} :‬ولقد راودُته عن نفسه فاست َعْ َ‬
‫سهِ وإّنه لمن‬‫ص الحقّ أنا راودُته عن نف ِ‬ ‫ح َ‬ ‫ص َ‬
‫ح ْ‬
‫ن َ‬ ‫ذلك‪} :‬ال َ‬
‫ش لّله ما علمنا عليه من‬ ‫الصادقين{‪ ،‬وقالت النسوة‪} :‬حا َ‬
‫سوٍء{‪.‬‬
‫ن على‬ ‫ومنها ‪ :‬أن يوسف عليه السلم اختار السج َ‬
‫ي بين أمرين‪ :‬إما فعل‬ ‫المعصية؛ فهكذا ينبغي للعبد إذا اب ْت ُِلـ َ‬
‫معصية‪ ،‬وإما عقوبة دنيوّية‪ :‬أن يختار العقوبة الدنيوّية على‬
‫دنيا والخرة‪،‬‬ ‫مواقعة الذنب الموجب للعقوبة الشديدة في ال ّ‬
‫ولهذا من علمات اليمان أن يكره العبد ُ أن يعود َ في الكفر بعد‬
‫ن ُيلقى في النار‪.‬‬ ‫أن أنقذه الّله منه كما يكره ُ أ ْ‬
‫مي بحماه‬ ‫ومنها ‪ :‬أنه ينبغي للعبد أن يلتجىء إلى الّله وَيـ ْ‬
‫حت َ ِ‬
‫عند وجود أسباب المعصية ويتبّرأ من حوله وقوته؛ لقول يوسف‬
‫ن وأك ُ ْ‬
‫ن من‬ ‫ب إليه ّ‬
‫ن أص ُ‬
‫ف عّني كيد َهُ ّ‬ ‫عليه السلم‪} :‬وإل ّ ت َ ْ‬
‫صرِ ْ‬
‫الجاهلين{‪.‬‬
‫ومنها ‪ :‬أن العلم والعقل يدعوان صاحبهما إلى الخير‬
‫ن الجهل يدعو صاحبه إلى موافقة هوى‬ ‫وينهيانه عن الشّر‪ ،‬وأ ّ‬
‫النفس وإن كان معصية ضاّرا لصاحبه‪.‬‬
‫ومنها ‪ :‬أّنه كما على العبد عبودّية لّله في الرخاء؛ فعليه‬
‫ل يدعو إلى الّله‪،‬‬ ‫دة؛ فيوسف عليه السلم لم يز ْ‬ ‫عبودّية في الش ّ‬
‫ل السجن؛ استمّر على ذلك ودعا الفتيين إلى التوحيد‬ ‫خ َ‬
‫فلما د َ َ‬
‫ونهاهما عن الشرك‪ .‬ومن فطنته عليه السلم أّنه لما رأى فيهما‬
‫ن الحسن‪ ،‬وقال له‪} :‬إنا نراك‬ ‫قابلّية لدعوته حيث ظّنا فيه الظ ّ‬
‫ن‬‫ن{ وأَتياه لن ي َعْب َُر لهما رؤياهما‪ ،‬فرآهما متشوّقَي ْ ِ‬ ‫من المحسني َ‬
‫لتعبيرها عنده‪ ،‬رأى ذلك فرصة فانتهزها‪ ،‬فدعاهما إلى الّله تعالى‬
‫ب لحصول‬ ‫ح لمقصوده وأقر َ‬ ‫قبل أن ي َعْب َُر رؤياهما؛ ليكون أنج َ‬
‫ن الذي أوصله إلى الحال التي رأياه فيها‬ ‫مطلوبه‪ ،‬وبّين لهما أول ً أ ّ‬
‫ن ل يؤمن بالّله‬ ‫م ْ‬ ‫ة َ‬‫مل ّ َ‬ ‫ده وتر ُ‬
‫كه ِ‬ ‫من الكمال والعلم إيماُنه وتوحي ُ‬
‫واليوم الخر‪ ،‬وهذا دعاٌء لهما بالحال‪ ،‬ثم دعاهما بالمقال‪ ،‬وبّين‬
‫فساد الشرك وبرهن عليه‪ ،‬وحقيقة التوحيد وبرهن عليه‪.‬‬
‫ل المفتي‪ ،‬وكان‬ ‫سئ ِ َ‬‫م‪ ،‬وأّنه إذا ُ‬ ‫م فاله ّ‬ ‫ومنها ‪ :‬أّنه يبدأ باله ّ‬
‫السائل حاجته من )‪ (1‬غير سؤاله أشد؛ أّنه ينبغي له أن يعّلمه ما‬
‫ة على نصح المعّلم‬ ‫ن هذا علم ٌ‬ ‫ج إليه قبل أن يجيب سؤاله؛ فإ ّ‬ ‫يحتا ُ‬
‫ن يوسف لما سأله الفتيان‬ ‫وفطنته وحسن إرشاده وتعليمه؛ فإ ّ‬
‫دم لهما قبل تعبيرها دعوتهما إلى الّله وحده ل‬ ‫عن الرؤيا؛ ق ّ‬
‫شريك له‪.‬‬
‫دة؛ ل بأس أن يستعين‬ ‫ن وقع في مكروه وش ّ‬ ‫م ْ‬
‫ومنها‪ :‬أن َ‬
‫ن هذا ل يكون‬‫ن له قدرة ٌ على تخليصه أو الخبار بحاله‪ ،‬وأ ّ‬ ‫م ْ‬‫ب َ‬
‫ف‬
‫ن هذا من المور العادّية التي جرى العُْر ُ‬ ‫شكوى للمخلوق؛ فإ ّ‬
‫ن أّنه‬
‫باستعانة الناس بعضهم ببعض‪ ،‬ولهذا قال يوسف للذي ظ ّ‬
‫ك{‪.‬‬‫ج من الفتيين‪} :‬اذ ْك ُْرني عند رب ّ َ‬ ‫نا ٍ‬
‫كد على المعّلم استعمال الخلص‬ ‫ومنها ‪ :‬أنه ينبغي ويتأ ّ‬
‫ة لمعاوضة أحد ٍ في‬‫ن ل يجعل تعليمه وسيل ً‬ ‫م في تعليمه‪ ،‬وأ ْ‬ ‫التا ّ‬
‫مال أو جاه أو نفع‪ ،‬وأن ل يمتنع من التعليم أو ل ينصح فيه إذا لم‬
‫ن يوسف عليه السلم قد‬ ‫ل ما كّلفه به المعّلم؛ فإ ّ‬ ‫يفعل السائ ُ‬
‫ن يذك َُره عند رّبه‪ ،‬فلم يذك ُْره ونسي‪،‬‬ ‫صى أحد الفتيين أ ْ‬ ‫قال‪ ،‬وو ّ‬
‫فلما بدت حاجتهم إلى سؤال يوسف؛ أرسلوا ذلك الفتى‪ ،‬وجاءه‬

‫‪ -‬في )ب(‪» :‬في«‪.‬‬ ‫‪1‬‬


‫سائل ً مستفتيا ً عن تلك الرؤيا‪ ،‬فلم يعّنفه يوسف‪ ،‬ول وّبخه لتركه‬
‫ما من كل وجه‪.‬‬ ‫ذكره‪ ،‬بل أجابه عن سؤاله جوابا ً تا ّ‬
‫ل السائل على أمر ينفعه‬ ‫ومنها ‪ :‬أنه ينبغي للمسؤول أن يد ّ‬
‫ده إلى الطريق التي ينتفع بها في دينه‬ ‫مما يتعّلق بسؤاله وير ِ‬
‫ش َ‬
‫ن‬
‫ن هذا من كمال نصحه وفطنته وحسن إرشاده؛ فإ ّ‬ ‫ودنياه؛ فإ ّ‬
‫صْر على تعبير رؤيا الملك‪ ،‬بل دّلهم ـ‬ ‫يوسف عليه السلم لم يقت ِ‬
‫ن في تلك السنين المخصبات من كثرة‬ ‫مع ذلك ـ على ما يصنعو َ‬
‫الّزْرع وكثرة جبايته‪.‬‬
‫ومنها ‪ :‬أنه ل ُيلم النسان على السعي في دفع الّتهمة عن‬
‫مد ُ على ذلك؛ كما امتنع يوسف‬ ‫ح َ‬ ‫نفسه وطلب البراءة لها‪ ،‬بل ُيـ ْ‬
‫عن الخروج من السجن حتى تتبيّـن لهم براءته بحال النسوة‬
‫ن‪.‬‬
‫اللتي قطعن أيديه ّ‬
‫ومنها ‪ :‬فضيلة العلم؛ علم الحكام والشرع‪ ،‬وعلم تعبير‬
‫الرؤيا‪ ،‬وعلم التدبير والتربية‪ ،‬وأنه أفضل من الصورة الظاهرة‪،‬‬
‫ن يوسف بسبب جماله‬ ‫ولو بلغت في الحسن جمال يوسف؛ فإ ّ‬
‫حصلت له تلك المحنة والسجن‪ ،‬وبسبب علمه حصل له العّز‬
‫ل خيرٍ في الدنيا والخرة من‬‫نك ّ‬
‫والّرفعة والتمكين في الرض؛ فإ ّ‬
‫آثار العلم وموجباته‪.‬‬
‫ن علم التعبير من العلوم الشرعّية‪ ،‬وأّنه يثاب‬ ‫ومنها ‪ :‬أ ّ‬
‫ل في الفتوى؛‬ ‫النسان على تعّلمه وتعليمه‪ ،‬وأ ّ‬
‫ن تعبير الرؤيا داخ ٌ‬
‫ي المُر الذي فيه تستفتيان{‪ ،‬وقال الملك‪:‬‬ ‫لقوله للفتيين‪} :‬قُ ِ‬
‫ض َ‬
‫ي{‪ ،‬وقال الفتى ليوسف‪} :‬أفِْتنا في سبع‬ ‫}أفتوني في رؤيا َ‬
‫ت‪ {...‬اليات؛ فل يجوز القدام على تعبير الرؤيا من غير‬ ‫بقرا ٍ‬
‫علم‪.‬‬
‫ما في نفسه من‬ ‫نع ّ‬ ‫ومنها ‪ :‬أنه ل بأس أن يخب َِر النسا ُ‬
‫ة‪ ،‬ولم‬ ‫صفات الكمال من علم أو عمل إذا كان في ذلك مصلح ٌ‬
‫م من الكذب؛ لقول يوسف‪} :‬اجعَْلني‬ ‫سل ِ َ‬
‫صد ْ به العبد الرياء‪ ،‬و َ‬
‫يق ِ‬
‫م{‪.‬‬ ‫على خزائن الرض إّنـي حفي ٌ‬
‫ظ علي ٌ‬
‫م الولية إذا كان المتوّلـي فيها يقوم بما يقد ُِر‬ ‫وكذلك ل ت ُذ َ ّ‬
‫عليه من حقوق الّله وحقوق عباده‪ ،‬وأّنه ل بأس بطلبها إذا كان‬
‫ة‪ ،‬أو‬ ‫م إذا لم يكن فيه كفاي ٌ‬ ‫أعظم كفاءة ً من غيره‪ ،‬وإّنما الذي ي ُذ َ ّ‬
‫كان موجودا ً غيره مثله أو أعلى منه‪ ،‬أو لم ي ُرِد ْ بها إقامة أمر‬
‫الّله؛ فبهذه المور ُينهى عن طلبها والتعّرض لها‪.‬‬
‫ومنها ‪ :‬أن الّله واسعُ الجود والكرم‪ ،‬يجود ُ على عبده بخير‬
‫ن‪ ،‬والتقوى‪ ،‬وأنه‬ ‫ن خير الخرة له سببان‪ :‬اليما ُ‬ ‫الدنيا والخرة‪ ،‬وأ ّ‬
‫ن العبد ينبغي له أن يدعو نفسه‪،‬‬ ‫دنيا وملكها‪ ،‬وأ ّ‬ ‫خيٌر من ثواب ال ّ‬
‫دنيا ولذاتها‬
‫عها تحزن إذا رأت أهل ال ّ‬ ‫ويشوَّقها لثواب الّله‪ ،‬ول ي َد َ َ‬
‫وهي غير قادرة عليها‪ ،‬بل يسّليها بثواب الّله الخرويّ وفضل ِ ِ‬
‫ه‬
‫جُر الخرة خيٌر للذين آمنوا وكانوا‬‫العظيم؛ لقوله تعالى‪} :‬ول ْ‬
‫يّتقون{‪.‬‬
‫ن جباية الرزاق إذا أريد َ بها التوسعة على الناس‬ ‫ومنها ‪ :‬أ ّ‬
‫ن يوسف أمرهم بجباية‬ ‫من غير ضررٍ يلحقهم؛ ل بأس بها؛ ل ّ‬
‫)‪(1‬‬
‫الرزاق والطعمة في السنين المخصبات للستعداد للسنين‬
‫كل العبد‬ ‫كل على الّله‪ ،‬بل يتو ّ‬ ‫ض للتو ّ‬
‫ن هذا غير مناق ٍ‬‫المجدبة‪ ،‬وأ ّ‬
‫على الّله‪ ،‬ويعمل بالسباب التي تنفعه في دينه ودنياه‪.‬‬
‫ما توّلـى خزائن الرض حتى‬ ‫ومنها ‪ :‬حسن تدبير يوسف لـ ّ‬
‫ل القطار يقصدون مصر‬ ‫دا‪ ،‬حتى صار أه ُ‬ ‫ت عندهم الغ ّ‬
‫لت ج ّ‬ ‫ك َث َُر ْ‬
‫كيل‬
‫لطلب الميرةِ منها؛ لعلمهم بوفورها فيها‪ ،‬وحتى أّنه كان ل ي َ ِ‬
‫ل قادم على كيل‬ ‫ل ل يزيد ك ّ‬ ‫صة‪ ،‬أو أق ّ‬‫لحد إل ّ مقدار الحاجة الخا ّ‬
‫ه‪.‬‬
‫بعيرٍ وحمل ِ ِ‬
‫ومنها ‪ :‬مشروعّية الضيافة‪ ،‬وأنها من سنن المرسلين‪،‬‬
‫ن أّنـي أوفي الكيل‬
‫وإكرام الضيف؛ لقول يوسف لخوته‪} :‬أل ت ََروْ َ‬
‫ن{‪.‬‬
‫زلي َ‬ ‫وأنا خيُر المن ِ‬
‫ن سوء الظن مع وجود القرائن الداّلة عليه غير‬ ‫ومنها ‪ :‬أ ّ‬
‫ن يعقوب قال لولده بعدما امتنع من إرسال‬ ‫ممنوع ول محّرم؛ فإ ّ‬
‫يوسف معهم حتى عالجوه أشد ّ المعالجة ثم قال لهم بعد ما أتوه‬
‫سكم أمرًا{‪ ،‬وقال‬ ‫ولت لكم أنف ُ‬ ‫ب أك ََله‪} :‬بل س ّ‬ ‫وزعموا أن الذئ َ‬
‫منُتكم على أخيه‬‫كم عليه إل ّ كما أ ِ‬ ‫من ُ ُ‬
‫لهم في الخ الخر‪} :‬هل آ َ‬
‫ف عنده‪ ،‬وجاء إخوُته لبيهم؛ قال‬ ‫من قبل{‪ ،‬ثم لما احتبسه يوس ُ‬
‫سكم أمرًا{؛ فهم في الخيرة وإن لم‬ ‫ت لكم أنف ُ‬ ‫لهم‪} :‬بل سوّل َ ْ‬
‫يكونوا مفّرطين؛ فقد جرى منهم ما أوجب لبيهم أن قال ما قال‬
‫من غير إثم عليه ول حرج‪.‬‬
‫ومنها ‪ :‬أن استعمال السباب الدافعة للعين وغيرها )‪ (2‬من‬
‫المكاره أو الرافعة له بعد نزولها غير ممنوع‪ ،‬بل جائٌز‪ ،‬وإن كان ل‬
‫ن السباب أيضا ً من القضاء والقدر؛‬ ‫يقع شيٌء إل ّ بقضاء وقدٍر؛ فإ ّ‬
‫ب واحدٍ‬
‫خلوا من با ٍ‬
‫ي ل تـد ُ‬
‫لمر يعقوب؛ حيث قال لبنيه‪} :‬يا بـنـ ّ‬
‫وادخلوا من أبواب متفرقة{‪.‬‬

‫‪ -‬في )ب(‪» :‬المخصبة«‪.‬‬ ‫‪1‬‬

‫‪ -‬في )ب(‪» :‬أو غيرها«‪.‬‬ ‫‪2‬‬


‫صل بها إلى‬
‫ومنها ‪ :‬جواز استعمال المكايد التي ي ُت َوَ ّ‬
‫طرق الخفية الموصلة إلى مقاصدها مما‬ ‫ن العلم بال ّ‬
‫الحقوق‪ ،‬وأ ّ‬
‫ب أو‬
‫ُيحمد عليه العبد‪ ،‬وإّنما الممنوع التحّيل على إسقاط واج ٍ‬
‫فعل محرم‪.‬‬
‫ب أن‬ ‫م غيره بأمرٍ ل يح ّ‬ ‫ومنها ‪ :‬أنه ينبغي لمن أراد أن يوه ِ َ‬
‫ل المعاريض القولّية والفعلّية المانعة له من‬ ‫طلع عليه أن يستعم َ‬ ‫ي ّ‬
‫صواع في رحل أخيه‪ ،‬ثم‬ ‫ف حيث ألقى ال ّ‬ ‫الكذب؛ كما فعل يوس ُ‬
‫ق‪ ،‬وليس فيه إل القرينة الموهمة‬ ‫استخرجها منه موهما ً أّنه سار ٌ‬
‫من وجدنا متاعنا‬ ‫خذ َ إل ّ َ‬ ‫لخوته‪ ،‬وقال بعد ذلك‪} :‬معاذ َ الّله أن نأ ُ‬
‫سَرق متاعنا‪ .‬وكذلك لم يقل‪ :‬إنا وجدنا‬ ‫ن َ‬ ‫م ْ‬
‫عنده{‪ ،‬ولم يقل‪َ :‬‬
‫صُلح له ولغيره‪ ،‬وليس في ذلك‬ ‫م يَ ْ‬‫متاعنا عنده؛ بل أتى بكلم عا ّ‬
‫ل المقصود الحاضر‪،‬‬ ‫ص َ‬ ‫ق؛ ليح ُ‬ ‫م أّنه سار ٌ‬ ‫محذوٌر‪ ،‬وإّنما فيه إيها ٌ‬
‫وأنه يبقى ]عند[ أخيه‪ ،‬وقد زال عن الخ هذا اليهام بعدما تبّينت‬
‫الحال‪.‬‬
‫ه‬
‫قق ُ‬ ‫ه وتح ّ‬ ‫ومنها ‪ :‬أّنه ل يجوز للنسان أن يشهد َ إل ّ بما ع َل ِ َ‬
‫م ُ‬
‫)‪(1‬‬
‫ن إليه النفس؛‬ ‫]إما[ بمشاهدة أو خبر من يثق به‪ ،‬وتطمئ ّ‬
‫دنا إل بما علمنا{‪.‬‬ ‫شه ِ ْ‬‫لقولهم‪} :‬وما َ‬
‫ن الّله بها نبّيه‬ ‫ومنها ‪ :‬هذه المحنة العظيمة التي امتح َ‬
‫وصفّيه يعقوب عليه السلم؛ حيث قضى بالتفريق بينه وبين ابنه‬
‫ة واحدة ً ويحزُِنه ذلك أشد ّ‬ ‫يوسف الذي ل يقدر على فراقه ساع ً‬
‫الحزن‪ ،‬فحصل التفريق بينه وبينه مدة ً طويلة ل تقصر عن ثلثين‬
‫ت‬
‫ض ْ‬ ‫ه في هذه المدة‪} ،‬وابي ّ‬ ‫ن قَل ْب َ ُ‬
‫ق الحز ُ‬ ‫ب لم يفارِ ِ‬ ‫)‪ (2‬سنة‪ ،‬ويعقو ُ‬
‫دة حين صار‬ ‫م{‪ ،‬ثم ازداد به المر ش ّ‬ ‫ن فهو كظي ٌ‬ ‫عيناه من الحز ِ‬
‫الفراق بينه وبين ابنه الثاني شقيق يوسف‪ ،‬هذا وهو صابٌر لمر‬
‫ب الجر من الّله قد وَع َد َ من نفسه الصبر الجميل‪ ،‬ول‬ ‫الّله محتس ٌ‬
‫ك أنه وفى بما وعد به‪ ،‬ول ينافي ذلك قوله‪} :‬إّنما أشكو بّثي‬ ‫ش ّ‬
‫ن الشكوى إلى الّله ل ُتنافي الصبر‪ ،‬وإّنما‬ ‫وحزني إلى الّله{؛ فإ ّ‬
‫الذي ينافيه الشكوى إلى المخلوقين‪.‬‬
‫ن مع العسر يسرًا؛ فإّنه لما‬ ‫ن الفرج مع الكرب‪ ،‬وأ ّ‬ ‫ومنها ‪ :‬أ ّ‬
‫طال الحزن على يعقوب واشتد ّ به إلى أنهى ما يكون‪ ،‬ثم حصل‬
‫ن الّله حينئذ ٍ بالفرج‪،‬‬ ‫سهم الضّر؛ أذ ِ َ‬ ‫الضطرار لل يعقوب وم ّ‬
‫م بذلك‬ ‫فحصل التلقي في أشد ّ الوقات إليه حاجة واضطرارًا‪ ،‬فت ّ‬
‫دة‬‫ن الّله يبتلي أولياءه بالش ّ‬ ‫من ذلك أ ّ‬ ‫م ِ‬‫الجر وحصل السروُر وع ُل ِ َ‬
‫ل« والصواب ما أثبت‪.‬‬‫‪ - 1‬كذا في )ب(‪ .‬وفي ) أ (‪» :‬إ ّ‬
‫وبها الشيخ في هامش ) أ ( كما هو‬
‫‪ - 2‬في )ب(‪» :‬خمسة عشر«‪ .‬وص ّ‬
‫مثبت‪.‬‬
‫ن صبرهم وشكرهم‪ ،‬ويزداد بذلك‬ ‫والّرخاء والعسر واليسر؛ ليمتح َ‬
‫عْرفاُنهم‪.‬‬ ‫إيماُنهم ويقيُنهم و ِ‬
‫ض‬
‫ومنها ‪ :‬جواز إخبار النسان بما يجد وما هو فيه من مر ٍ‬
‫ن إخوة يوسف قالوا‪:‬‬ ‫خط؛ ل ّ‬ ‫أو فقرٍ ونحوهما على غير وجه التس ّ‬
‫سنا وأهَلنا الضّر{‪ ،‬ولم ي ُن ْك ِْر عليهم يوسف‪.‬‬ ‫}يا أّيها العزيز م ّ‬
‫ل خير في الدنيا‬ ‫نك ّ‬ ‫ومنها ‪ :‬فضيلة التقوى والصبر‪ ،‬وأ ّ‬
‫ن عاقبة أهلهما أحسن‬ ‫والخرة فمن آثار التقوى والصبر‪ ،‬وأ ّ‬
‫ن الّله‬
‫صب ِْر فإ ّ‬
‫ق وي َ ْ‬
‫ن الله علينا إّنه من يت ّ ِ‬
‫العواقب؛ لقوله‪} :‬قد م ّ ّ‬
‫ل يضيع أجر المحسنين{‪.‬‬
‫دة وفقر‬ ‫ومنها ‪ :‬أنه ينبغي لمن أنعم الّله عليه بنعمةٍ بعد ش ّ‬
‫وسوء حال أن يعترف بنعمة الّله عليه‪ ،‬وأن ل يزال ذاكرا ً حاله‬
‫الولى؛ ليحدث لذلك شكرا ً كّلما ذكرها؛ لقول يوسف عليه‬
‫جني من السجن وجاء بكم من‬ ‫ن بي إذ أخَر َ‬ ‫السلم‪} :‬وقد أحس َ‬
‫الب َد ِْو{‪.‬‬
‫ومنها ‪ :‬لطف الّله العظيم بيوسف؛ حيث نقله في تلك‬
‫الحوال‪ ،‬وأوصل إليه الشدائد والمحن؛ ليوصله بها إلى أعلى‬
‫الغايات ورفيع الدرجات‪.‬‬
‫ن يتمل ّقَ إلى الّله دائما ً في تثبيت‬ ‫ومنها ‪ :‬أنه ينبغي للعبد أ ْ‬
‫ن الخاتمة‬ ‫ل السباب الموجبة لذلك‪ ،‬ويسأل الّله حس َ‬ ‫م َ‬‫إيمانه‪ ،‬وي ُعْ ِ‬
‫وتمام الّنعمة؛ لقول يوسف عليه الصلة والسلم‪} :‬رّبـي قد‬
‫ت‬‫متني من تأويل الحاديث فاطر السمـوا ِ‬ ‫آت َي َْتني من الملك وعل ّ ْ‬
‫قني‬‫دنيا والخرة توّفني مسلما ً وألح ْ‬ ‫ت ولّيي في ال ّ‬ ‫والرض أن َ‬
‫صالحين{‪.‬‬ ‫بال ّ‬
‫سر الّله من الفوائد والعبر في هذه القصة‬ ‫فهذا ما ي ّ‬
‫كر غير ذلك؛ فنسأله‬ ‫ن يظهر للمتدّبر المتف ّ‬ ‫المباركة‪ ،‬ول بد ّ أ ْ‬
‫م‪.‬‬ ‫تعالى علما ً نافعا ً وعمل ً متقب ّل ً إنه جواد ٌ كري ٌ‬
‫فف ففففف فففف فففف ففففف فففففف ففففف‬
‫فف فف فففففففف‪.‬‬
‫فففففف ففففففف‪ .‬فففففف ف ف‬
‫***‬
‫تفسير سورة الرعد‬
‫وهي مدنية ـ وقيل مكية‬

‫ﭿ ﭑﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ ﭝ ﭞ ﭟ ﭠ ﭡ ﭢ ﭾ ‪.‬‬
‫ن هذا القرآن هو آيات الكتاب الداّلة على‬ ‫}‪ {1‬يخبر تعالى أ ّ‬
‫ل‬ ‫ُ‬
‫ل ما يحتاج إليه العباد من أصول الدين وفروعه‪ ،‬وأن الذي أنز َ‬ ‫ك ّ‬
‫ن أخباره صدق وأوامره‬ ‫مبين؛ ل ّ‬
‫إلى الرسول من رّبه هو الحقّ الـ ُ‬
‫ل مؤّيدة بالدّلة والبراهين القاطعة؛ فمن أقبل عليه‬ ‫ونواهيه عد ٌ‬
‫وعلى علمه؛ كان من أهل العلم بالحقّ الذي يوجب لهم علمهم‬
‫ن أكثر الناس ]ل يؤمنون[{‪ :‬بهذا‬ ‫العمل بما أحب الّله‪} .‬ولك ّ‬
‫ما جهل ً وإعراضا ً عنه وعدم اهتمام به‪ ،‬وإما عنادا ً‬ ‫القرآن‪ :‬إ ّ‬
‫وظلمًا؛ فلذلك أكثر الناس غير منتفعين به؛ لعدم السبب الموجب‬
‫للنتفاع‪.‬‬
‫ﭨ ﭩ ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ ﭮﭯ ﭰ ﭱ ﭲ ﭳ ﭴ‬ ‫ﭿﭣ ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ‬
‫ﭶ ﭷﭸ ﭹ ﭺ ﭻ ﭼ ﭽ ﭾ ﭿ ﮀ ﮁ ﮂ ﮃ ﮄ ﮅ ﮆ ﮇ ﮈ ﮉﮊ‬ ‫ﭵ‬
‫ﮍ ﮎ ﮏ ﮐ ﮑﮒ ﮓ ﮔ ﮕﮖ ﮗ ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ ﮜ ﮝ‬ ‫ﮌ‬ ‫ﮋ‬
‫ﮟ ﮠ ﮡ ﮢ ﮣ ﮤ ﮥ ﮦ ﮧ ﮨ ﮩ ﮪ ﮫ ﮬ ﮭ ﮮﮮ ﮯ ﮰ ﮱ ﯓﯔ‬ ‫ﮞ‬
‫ﯖ ﯗ ﯘ ﯙ ﯚ ﯛ ﭾ‪.‬‬ ‫ﯕ‬
‫}‪ {2‬يخبر تعالى عن انفراده بالخلق والتدبير والعظمة‬
‫ل على أنه وحده المعبود الذي ل تنبغي العبادة إل ّ‬ ‫والسلطان الدا ّ‬
‫ت{‪ :‬على عظمها واّتساعها‬ ‫له‪ ،‬فقال‪} :‬الّله الذي رفعَ السمـو ِ‬
‫مد ٌ من‬
‫مد ٍ ت ََرْونها{؛ أي‪ :‬ليس لها ع َ َ‬‫بقدرته العظيمة‪} ،‬بغير ع َ َ‬
‫د؛ لرأيُتموها‪} ،‬ثم{‪ :‬بعدما خلق‬ ‫م ٌ‬ ‫تحتها؛ فإّنه لو كان لها ع َ َ‬
‫ت والرض‪} ،‬استوى على العرش{‪ :‬العظيم‪ ،‬الذي هو‬ ‫السماوا ِ‬
‫خر‬ ‫أعلى المخلوقات‪ ،‬استواًء َيليق بجلله ويناسب كماله‪} .‬وس ّ‬
‫الشمس والقمر{‪ :‬لمصالح العباد ومصالح مواشيهم وثمارهم‪.‬‬
‫جري{‪ :‬بتدبير العزيز العليم‬ ‫ل{‪ :‬من الشمس والقمر‪َ} ،‬يـ ْ‬ ‫}ك ّ‬
‫مى{‪ :‬بسير منتظم ل يفُتران ول ي َِنيان حتى يجيء‬ ‫}إلى أجل مس ّ‬
‫ي الله هذا العالم ونقلهم إلى الدار‬‫ّ‬ ‫مى‪ ،‬وهو ط ّ‬ ‫الجل المس ّ‬
‫الخرة التي هي دار القرار؛ فعند ذلك يطوي الّله السماوا ِ‬
‫ت‬
‫)‪(1‬‬
‫ور الشمس والقمر و]ُيجمع[‬ ‫دلها‪ ،‬فتك ّ‬ ‫دلها وي ُغَّير الرض ويب ّ‬‫ويب ّ‬
‫ن في النار؛ ليرى من عبدهما أّنهما غير أهل للعبادة‪،‬‬ ‫بينهما فيلقيا ِ‬
‫سر بذلك أشد ّ الحسرة‪ ،‬وليعلم الذين كفروا أّنهم كانوا‬ ‫فيتح ّ‬

‫‪ -‬كذا في )ب(‪ .‬وفي ) أ (‪» :‬تجمع«‪.‬‬ ‫‪1‬‬


‫ت{‪ :‬هذا جمعٌ بين الخلق‬ ‫ل اليا ِ‬‫ص ُ‬
‫كاذبين‪ .‬وقوله‪} :‬يدّبر المر يف ّ‬
‫والمر؛ أي‪ :‬قد استوى الّله العظيم على سرير الملك؛ يدّبر‬
‫ي‪ ،‬فيخلق ويرزق‪ ،‬ويغني‬ ‫المور في العالم العلويّ والسفلـ ّ‬
‫ع‪،‬‬
‫ض ويرف ُ‬ ‫ف ُ‬ ‫خ ِ‬ ‫قر‪ ،‬ويرفع أقواما ً ويضع آخرين‪ ،‬ويعّز ويذ ّ‬
‫ل‪ ،‬وَيـ ْ‬ ‫ف ِ‬‫وي ُ ْ‬
‫ج الكربات‪ ،‬ويـنـفـذ ُ القدار في أوقاتها التي‬ ‫ت‪ ،‬ويفّر ُ‬ ‫وَيقي ُ‬
‫ل العثرا ِ‬
‫ه وجرى بها قلمه‪ ،‬ويرسل ملئكته الكرام لتدبير ما‬ ‫سبق بها علم ُ‬
‫ه‪ ،‬وينّزل الكتب اللهية على رسله‪ ،‬ويبين ما‬ ‫جعلهم على تدبيرِ ِ‬
‫ة‬
‫صلها غاي َ‬‫ج إليه العباد من الشرائع والوامر والنواهي‪ ،‬ويف ّ‬ ‫يحتا ُ‬
‫التفصيل ببيانها وإيضاحها وتمييزها‪} .‬لعّلكم{‪ :‬بسبب ما أخرج‬
‫لكم من اليات الفقّية واليات القرآنّية‪} ،‬بلقاء رّبكم توقنون{‪:‬‬
‫ن كثرة الدّلة وبيانها ووضوحها من أسباب حصول اليقين في‬ ‫فإ ّ‬
‫جميع المور اللهّية‪ ،‬خصوصا ً في العقائد الكبار؛ كالبعث والنشور‬
‫والخراج من القبور‪.‬‬
‫م؛ ل يخُلق الخلق سد ً‬
‫ى‪،‬‬ ‫ن الّله تعالى حكي ٌ‬‫علم أ ّ‬‫وأيضًا؛ فقد ُ‬
‫ول يتركهم عبثًا؛ فكما أّنه أرسل رسله وأنزل كتبه لمر العباد‬
‫ل فيهم جزاؤه؛ فيجازي‬ ‫ونهيهم؛ فل بد ّ أن ينقَلهم إلى دار يح ّ‬
‫المحسنين بأحسن الجزاء‪ ،‬ويجازي المسيئين بإساءتهم‪.‬‬
‫سعها‬‫}‪} {3‬وهو الذي مد ّ الرض{؛ أي‪ :‬خلقها للعباد وو ّ‬
‫دها للعباد وأودع َ فيها من مصالحهم ما أودع‪،‬‬ ‫وبارك فيها ومهّ َ‬
‫ي{؛ أي‪ :‬جبال ً عظامًا؛ لئل ّ تميد َ بالخلق؛ فإّنه‬ ‫}وجعل فيها رواس َ‬
‫لول الجبال؛ لمادت بأهلها؛ لنها على تيار ماء ل ثبوت لها ول‬
‫استقرار إل بالجبال الّرواسي التي جعلها الّله أوتادا ً لها‪} .‬و{‬
‫جعل فيها }أنهارًا{ تسقي الدميين وبهائمهم وحروثهم؛ فأخرج‬
‫بها من الشجار والزروع والثمار خيرا ً كثيرًا‪ ،‬ولهذا قال‪} :‬ومن‬
‫ن{؛ أي‪ :‬صنفين مما يحتاج إليه‬ ‫ل الثمرات جعل فيها زوجين اثني ِ‬ ‫ك ّ‬
‫ل حيوان‬ ‫العباد‪ُ} .‬يغشي الليل النهار{‪ :‬فتظلم الفاق‪ ،‬فيسكن ك ّ‬
‫إلى مأواه‪ ،‬ويستريحون من التعب والنصب في النهار‪ ،‬ثم إذا‬
‫ل؛ فإذا هم مصبحون‬ ‫وا مآربهم من النوم؛ غشي النهاُر اللي َ‬ ‫ض ْ‬ ‫قَ َ‬
‫)‪(1‬‬
‫ه‬
‫]منتشرون[ في مصالحهم وأعمالهم في النهار‪} ،‬ومن رحمت ِ ِ‬
‫كنوا فيه ول ِت َب َْتغوا من فضل ِهِ ولعّلكم‬‫ل والّنهار لتس ُ‬‫جعل لكم اللي َ‬
‫ت{‪ :‬على المطالب اللهّية }لقوم‬ ‫ن في ذلك ليا ٍ‬ ‫كرون{‪} .‬إ ّ‬ ‫تش ُ‬
‫كرون{‪ :‬فيها وينظرون فيها نظر اعتبارٍ داّلة على أن الذي‬ ‫يتف ّ‬
‫خلقها ودّبرها وصّرفها هو الّله الذي ل إله إل ّ هو‪ ،‬ول معبود سواه‪،‬‬
‫وأّنه عالم الغيب والشهادة الرحمن الرحيم‪ ،‬وأّنه القادر على كل‬

‫‪ -‬في ) أ (‪» :‬منتشرين«‪ .‬وما أثبت من )ب(‪.‬‬ ‫‪1‬‬


‫خل َ َ‬
‫قه وأمر به‪،‬‬ ‫شيء‪ ،‬الحكيم في ك ّ‬
‫ل شيء‪ ،‬المحمود على ما َ‬
‫تبارك وتعالى‪.‬‬
‫}‪} {4‬و{ من اليات على كمال قدرت ِهِ وبديع صنعته أن‬
‫ت{‪ :‬فيها أنواع الشجار‪:‬‬ ‫ت وجنا ٌ‬ ‫جعل }في الرض قِط َعٌ متجاورا ٌ‬
‫ب والنخل والَزْرع‪ ،‬وغير ذلك‪ ،‬والنخيل التي بعضها‬ ‫من العنا ٍ‬
‫ن{‪ :‬بأن‬ ‫صْنوا ٍ‬
‫د‪} .‬وغيُر ِ‬ ‫}صنوان{؛ أي‪ :‬عدة أشجار في أصل واح ٍ‬
‫ضه‬ ‫د{‪ :‬وأر ُ‬ ‫سقى بماء واح ٍ‬ ‫كان كل شجرة على حدتها‪ ،‬والجميع }ي ُ ْ‬
‫كل{‪ :‬لونا ً وطعما ً‬ ‫ُ‬
‫ض في ال ُ‬ ‫ضها على بـع ٍ‬ ‫ضل بع َ‬ ‫ة‪} .‬وُنف ّ‬ ‫واحد ٌ‬
‫ة؛ فهذه أرض طّيبة تنبت الكل والعشب الكثير والشجار‬ ‫ونفعا ً ولذ ّ ً‬
‫ت كل ً ول تمسك ماًء‪ ،‬وهذه‬ ‫قها ل تنب ُ‬ ‫ص ُ‬‫ض تل ِ‬
‫والزروع‪ ،‬وهذه أر ٌ‬
‫)‪(1‬‬
‫ت ]الزروع[ والشجار ول‬ ‫تمسك الماء ول تنبت الكل‪ ،‬وهذه تنب ِ ُ‬
‫ت الكل‪ ،‬وهذه الثمرة ُ حلوة ٌ وهذه مّرة ٌ وهذه بين ذلك؛ فهل‬ ‫تنب ِ ُ‬
‫ن‬‫وع في ذاتها وطبيعتها أم ذلك تقدير العزيز الرحيم؟ }إ ّ‬ ‫هذا التن ّ‬
‫ل تهديهم إلى‬ ‫ن{؛ أي‪ :‬لقوم لهم عقو ٌ‬ ‫ت لقوم يعقلو َ‬ ‫في ذلك ليا ٍ‬
‫ما ينفُعهم وتقودهم إلى ما يرشدون ويعقلون عن الّله وصاياه‬
‫ل العراض وأهل البلدة؛ فهم في‬ ‫وأوامره ونواهيه‪ ،‬وأما أه ُ‬
‫ددون‪ ،‬ل يهتدون إلى رّبهم سبيل ً‬ ‫مهون وفي غّيهم يتر ّ‬ ‫ظ ُُلماتهم يع َ‬
‫ول يعون له قي ً‬
‫ل‪.‬‬
‫ﯬﯧﯧﯭﯧﯧ ﯮﯧﯧ ﯯﯧﯧ ﯰﯧﯧ‬ ‫ﯣ ﯤ ﯥ ﯦ ﯧﯨ ﯩ ﯪﯧﯧ ﯫﯧﯧ‬ ‫ﭿﯜ ﯝ ﯞ ﯟ ﯠ ﯡ ﯢ‬
‫ﯱﯧﯧﯷ ﯷ ﯷ ﯷﯷ ﯷ ﯷ ﯷ ﯷ ﭾ ‪.‬‬
‫ب{‪ :‬من عظمة الّله‬ ‫ج ْ‬‫ن معنى قوله‪} :‬وإن ت َعْ َ‬ ‫}‪ {5‬يحتمل أ ّ‬
‫ذبين‬ ‫ن العجب مع هذا إنكار المك ّ‬ ‫تعالى وكثرة أدّلة التوحيد؛ فإ ّ‬
‫ً‬
‫د{؛‬ ‫ق جدي ٍ‬ ‫وتكذيبهم بالبعث وقولهم‪} :‬أإذا ك ُّنا ترابا أإّنا لفي خل ٍ‬
‫أي‪ :‬هذا بعيد ٌ في غاية المتناع بزعمهم أّنهم بعدما كانوا ترابا ً أن‬
‫الّله ُيعيدهم؛ فإّنهم من جهلهم قاسوا قدرة الخالق بقدرة‬
‫المخلوق‪ ،‬فلما رأوا هذا ممتنعا ً في قدرة المخلوق‪ ،‬ظّنوا أنه‬
‫ن الّله خلقهم أول مّرة ولم‬ ‫ممتنعٌ على قدرة الخالق‪ ،‬ونسوا أ ّ‬
‫ب من قولهم وتكذيبهم‬ ‫ج ْ‬ ‫ن تع َ‬
‫ن معناه‪ :‬وإ ْ‬ ‫يكونوا شيئًا‪ .‬وُيحتمل أ ّ‬
‫ضح له اليات ويرى‬ ‫ن الذي ت ُوَ ّ‬ ‫ن ذلك من العجائب؛ فإ ّ‬ ‫للبعث؛ فإ ّ‬
‫ب ثم‬ ‫ك والري َ‬ ‫منها )‪ (2‬الدلة القاطعة على البعث ما ل يقبل الش ّ‬
‫ن قوله من العجائب‪ ،‬ولكن ذلك ل ُيستغرب على‬ ‫ينك ُِر ذلك؛ فإ ّ‬
‫حدوا وحدانّيته‪ ،‬وهي أظهُر الشياء‬ ‫ج َ‬
‫}الذين كفروا بربهم{‪ :‬و َ‬
‫ل{‪ :‬المانعة لهم من الهدى }في‬ ‫وأجلها‪} .‬وأولئك الغل ُ‬
‫ض عليهم‬ ‫عوا إلى اليمان فلم يؤمنوا‪ ،‬وع ُرِ َ‬ ‫أعناقِِهم{‪ :‬حيث د ُ ُ‬
‫‪ -‬في ) أ (‪» :‬الزرع«‪ .‬وما أثبت من )ب(‪.‬‬ ‫‪1‬‬

‫‪ -‬في )ب(‪» :‬من«‪.‬‬ ‫‪2‬‬


‫ة على أنهم لم‬
‫الهدى فلم يهتدوا‪ ،‬فقل َِبت قلوبهم وأفئدتهم عقوب ً‬
‫ب النار هم فيها خالدون{‪ :‬ل‬
‫يؤمنوا به أول مرة‪} .‬وأولئك أصحا ُ‬
‫يخرجون منها أبدًا‪.‬‬
‫ﭠ ﭡﭢ‬ ‫ﭿ ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙﭚ ﭛ ﭜ ﭝ ﭞ ﭟ‬
‫ﭣ ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ ﭾ‪.‬‬
‫ذبين لرسوله‪ ،‬المشركين‬ ‫}‪ {6‬يخبر تعالى عن جهل المك ّ‬
‫به‪ ،‬الذين ُوعظوا فلم يّتعظوا‪ ،‬وُأقيمت عليهم الدّلة فلم ينقادوا‬
‫حْلم الّله الواحد القهار عنهم‬ ‫لها‪ ،‬بل جاهروا بالنكار‪ ،‬واستدّلوا ب ِ‬
‫ق‪ ،‬وجعلوا يستعجلون‬ ‫وعدم معاجلتهم بذنوبهم أنهم على ح ّ‬
‫ق‬
‫م إن كان هذا هو الح ّ‬ ‫الرسول بالعذاب‪ ،‬ويقول قائلهم‪} :‬الله ّ‬
‫ب أليم{!‬ ‫ك فأمط ِْر علينا حجارة ً من السماء أو ائِتنا بعذا ٍ‬ ‫من عند ِ َ‬
‫ت{؛ أي‪ :‬وقائع الّله‬ ‫مُثل ُ‬ ‫ت من قبلهم ال َ‬ ‫خل َ ْ‬‫}و{ الحال أّنه }قد َ‬
‫كرون في حالهم ويتركون‬ ‫وأيامه في المم المكذبين‪ ،‬أفل يتف ّ‬
‫مِهم{؛ أي‪ :‬ل‬ ‫ن رّبك لذو مغفرةٍ للناس على ظل ِ‬ ‫جهلهم؟! }وإ ّ‬
‫يزال خيره إليهم وإحساُنه وبّره وعفوه نازل ً إلى العباد‪ ،‬وهم ل‬
‫شْركهم )‪ (1‬وعصيانهم إليه صاعدًا؛ يعصونه فيدعوهم إلى‬ ‫يزال ِ‬
‫ن تابوا إليه؛ فهو‬ ‫مهم خيره وإحسانه؛ فإ ْ‬ ‫رمون فل يحرِ ُ‬ ‫بابه‪ ،‬ويج ِ‬
‫ب المتطّهرين‪ ،‬وإن لم يتوبوا؛ فهو‬ ‫وابين ويح ّ‬ ‫ب الت ّ‬‫حبيُبهم؛ لّنه يح ّ‬
‫طبيُبهم؛ يبتليهم بالمصائب ليطّهرهم من المعايب‪} :‬قل يا عبادي‬
‫ن الّله يغفُر‬ ‫الذين أسرفوا على أنفسهم ل تقَنطوا من رحمةِ الّله إ ّ‬
‫ن رّبك لشديد ُ‬ ‫ذنوب جميعا ً إّنه هو الغفور الرحيم{‪} .‬وإ ّ‬ ‫ال ّ‬
‫ذنوب‪ ،‬قد أبى التوبة‬ ‫ل مصّرا على ال ّ‬ ‫ب{‪ :‬على من لم يز ْ‬ ‫العقا ِ‬
‫ه‬
‫والستغفار واللتجاء إلى العزيز الغفار؛ فليحذرِ العباد ُ عقوبات ِ ِ‬
‫د‪.‬‬
‫ذه أليم شدي ٌ‬ ‫ن أخ َ‬ ‫بأهل الجرائم؛ فإ ّ‬
‫ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ ﭯ ﭰﭱ ﭲ ﭳ ﭴﭵ ﭶ ﭷ ﭸ‬ ‫ﭿﭨ ﭩ ﭪ‬
‫ﭹ ﭾ‪.‬‬
‫}‪ {7‬أي‪ :‬ويقترح الكفاُر عليك من اليات التي ي ُعَي ُّنوَنها‬
‫ة من رّبه{‪ ،‬ويجعلون هذا القول‬ ‫ويقولون‪} :‬لول أنزِ َ‬
‫ل عليه آي ٌ‬
‫عذرا ً لهم في عدم الجابة إلى الرسول‪ ،‬والحال أّنه منذٌر‪،‬‬ ‫منهم ُ‬
‫ليس له من المر شيٌء‪ ،‬والّله هو الذي ينّزل اليات‪ ،‬وقد أّيده‬
‫بالدّلة البّينات التي ل تخفى على أولي اللباب‪ ،‬وبها يهتدي من‬
‫ن ظلمه وجهله يقترح على الّله‬ ‫م ْ‬
‫ق‪ ،‬وأما الكافر الذي ِ‬ ‫قصد ُه ُ الح ّ‬
‫)‪(2‬‬
‫ب وافتراٌء ؛ فإّنه لو جاءته‬ ‫ح منه باط ٌ‬
‫ل وكذ ٌ‬ ‫اليات؛ فهذا اقترا ٌ‬
‫أيّ آية كانت؛ لم يؤمن ولم ينقد؛ لّنه لم يمتنع من اليمان لـعـدم‬
‫في )ب(‪» :‬وهم ل يزال شرهم«‪-.‬‬ ‫‪1‬‬

‫‪ -‬في )ب(‪» :‬وافتراه«‪.‬‬ ‫‪2‬‬


‫مـا يـدّله على صحته‪ ،‬وإّنما ذلك لهوى نفسه واّتباع شهوته‪.‬‬
‫ل قوم هاٍد{؛ أي‪ :‬داٍع يدعوهم إلى الهدى من الرسل‬ ‫}ولك ّ‬
‫حة ما معهم‬
‫ل على ص ّ‬ ‫وأتباعهم‪ ،‬ومعهم من الدّلة والبراهين ما يد ّ‬
‫من الهدى‪.‬‬
‫ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ ﭯ ﭰﭱ ﭲ ﭳ ﭴﭵ ﭶ ﭷ ﭸ‬ ‫ﭿﭨ ﭩ ﭪ‬
‫ﭹ ﭺ ﭻ ﭼ ﭽ ﭾ ﭿ ﮀ ﮁ ﮂ ﮃ ﮄﮅ ﮆ ﮇ ﮈ ﮉ ﮊ ﮋ ﮌ ﮍ‬
‫ﮎ ﮏ ﮐ ﮑ ﮒ ﮓ ﮔ ﮕ ﮖ ﮗ ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ ﮜ ﮝ ﮞ ﮟ‬
‫ﮠ ﮡ ﮢ ﮣ ﮤ ﮥ ﮦ ﮧ ﮨ ﮩ ﮪﮫ ﮬ ﮭ ﮮﮮ ﮯ ﮰ ﮱ ﯓ ﯔ ﯕ‬
‫ﯖﯗ ﯘ ﯙ ﯚ ﯛ ﯜ ﯝ ﯞ ﯟﯠ ﯡ ﯢ ﯣ ﯤ ﯥ ﯦ ﯧ ﭾ ‪.‬‬
‫طلعه وإحاطته‬ ‫}‪ 8‬ـ ‪ {9‬يخبر تعالى بعموم علمه وسعة ا ّ‬
‫ل أنثى{‪ :‬من بني آدم‬ ‫لك ّ‬ ‫م ُ‬ ‫ل شيء‪ ،‬فقال‪} :‬الّله يعل ُ‬
‫م ما تح ِ‬ ‫بك ّ‬
‫ص مما فيها‪ ،‬إما أن‬ ‫ق ُ‬
‫م{؛ أي‪ :‬ت َن ْ ُ‬ ‫ض الرحا ُ‬‫وغيرهم‪} ،‬وما َتغي ُ‬
‫د{‪ :‬الرحام وتكبر‬ ‫ل‪} ،‬وما تزدا ُ‬ ‫ك الحمل أو يتضاءل أو يضمح ّ‬ ‫َيـهْل ِ َ‬
‫دم عليه ول‬ ‫ل شيٍء عنده بمقداٍر{‪ :‬ل يتق ّ‬ ‫الجّنة التي فيها‪} .‬وك ّ‬
‫قص إل ّ بما تقتضيه حكمته وعلمه؛ فإّنه }عال ُ‬
‫م‬ ‫خر ول يزيد ول ي َن ْ ُ‬ ‫يتأ ّ‬
‫ل{‪:‬‬‫الغيب والشهادةِ الكبيُر{‪ :‬في ذاته وأسمائه وصفاته‪} ،‬المتعا ِ‬
‫على جميع خلقه بذات ِهِ وقدرته وقهره‪.‬‬
‫ن‬
‫م ْ‬
‫}‪} {10‬سواٌء منكم{‪ :‬في علمه وسمعه وبصره‪َ } ،‬‬
‫ف بالليل{؛ أي‪ :‬مستقّر‬
‫جهََر به ومن هو مستخ ٍ‬
‫أسّر القول ومن َ‬
‫ب بالنهار{؛ أي‪ :‬داخل سربه في النهار‪،‬‬
‫بمكان خفي فيه‪} ،‬وسار ٌ‬
‫)‪(1‬‬
‫ب هو ما يستخفي فيه النسان‪ :‬إما جوف بيته‪ ،‬أو غار‪،‬‬ ‫والسر ُ‬
‫أو مغارة‪ ،‬أو نحو ذلك‪.‬‬
‫ت{‪ :‬من الملئكة‬ ‫}‪} {11‬له{؛ أي‪ :‬للنسان }معقبا ٌ‬
‫فهِ يحفظوَنه‬‫يتعاقبون في الليل والنهار‪} ،‬من بين يديهِ ومن خل ِ‬
‫من يريده‬ ‫من أمر الّله{؛ أي‪ :‬يحفظون بدنه وروحه من ك ّ‬
‫ل َ‬
‫بسوء‪ ،‬ويحفظون عليه أعماله‪ ،‬وهم ملزمون له دائمًا؛ فكما أ ّ‬
‫ن‬
‫ط به؛ فالّله قد أرسل هؤلء الحفظة على العباد‬ ‫علم الّله محي ٌ‬
‫ن‬
‫سى منها شيء‪} .‬إ ّ‬ ‫خفى أحوالهم ول أعمالهم ول ُين َ‬ ‫بحيث ل َتـ ْ‬
‫الّله ل يغّير ما بقوم{‪ :‬من النعمة والحسان وَرغ َد ِ العيش‪} ،‬حّتى‬
‫سهم{‪ :‬بأن ينتقلوا من اليمان إلى الكفر‪ ،‬ومن‬ ‫يغّيروا ما بأنف ِ‬
‫الطاعة إلى المعصية‪ ،‬أو من شكر نعم الّله إلى البطر بها‪،‬‬
‫فيسل ُُبهم الّله عند ذلك إياها‪ ،‬وكذلك إذا غير العباد ما بأنفسهم‬
‫من المعصية‪ ،‬فانتقلوا إلى طاعة الّله؛ غّير الّله عليهم ما كانوا‬
‫فيه من الشقاء إلى الخير والسرور والغبطة والرحمة‪} .‬وإذا أراد‬

‫‪ -‬في )ب(‪» :‬ما يختفي«‪.‬‬ ‫‪1‬‬


‫ن إرادته ل‬‫دة وأمرا ً يكرهونه؛ فإ ّ‬ ‫الّله بقوم سوءًا{؛ أي‪ :‬عذابا ً وش ّ‬
‫مرد ّ له{‪ ،‬ول أحد يمنعهم منه‪} ،‬وما‬ ‫بد ّ أن تنفذ فيهم‪ ،‬فإنه }ل َّ‬
‫ب‪،‬‬‫ل{‪ :‬يتو ّلى أمورهم‪ ،‬فيجلب لهم المحبو َ‬ ‫لهم من دون ِهِ من وا ٍ‬
‫ّ‬
‫حذروا من القامة على ما يكره الله؛‬ ‫ْ‬
‫ه‪ .‬فَلي َ ْ‬
‫ويدفع عنهم المكرو َ‬
‫ل بهم من العقاب ما ل ي َُرد ّ عن القوم المجرمين‪.‬‬ ‫خشية أن يح ّ‬
‫ﭿ ﯨ ﯩ ﯪﯧﯧ ﯫﯧﯧ ﯬﯧﯧ ﯭﯧﯧ ﯮﯧﯧ ﯯﯧﯧ ﯰﯧﯧ ﯱﯧﯧ ﯷ ﯷ ﯷ ﯷ ﯷ ﯷ ﯷ ﯷ‬
‫ﯷ ﯷ ﯼ ﯽ ﯾ ﯿ ﯷ ﯷ ﯷ ﯷ ﯷ ﯷ ﭾ‪.‬‬
‫}‪ {12‬يقول تعالى‪} :‬هو الذي ُيريكم البرقَ خوفا ً وطمعًا{؛‬
‫ضرر على بعض الثمار‬ ‫أي‪ُ :‬يخاف منه الصواعق والهدم وأنواع ال ّ‬
‫سحاب الّثقال{‪:‬‬ ‫شىء ال ّ‬ ‫ونحوها‪ ،‬وُيطمع في خيره ونفعه‪} ،‬وُين ِ‬
‫بالمطر الغزير الذي به نفعُ العباد والبلد‪.‬‬
‫}‪} {13‬ويسّبح الرعد ُ بحمده{‪ :‬وهو الصوت الذي ُيسمع‬
‫من السحاب المزعج للعباد؛ فهو خاضعٌ لرّبه‪ ،‬مسّبح بحمده‪} ،‬و{‬
‫شعا ً لربهم خائفين من‬ ‫خـ ّ‬
‫ه{؛ أي‪ُ :‬‬‫خيفت ِ ِ‬‫ة من ِ‬ ‫تسّبح }الملئك ُ‬
‫ق{‪ :‬وهي هذه النار التي تخرج من‬ ‫ه‪} ،‬ويرسل الصواع َ‬ ‫سطوت ِ ِ‬
‫من يشاُء{‪ :‬من عباده بحسب ما شاءه‬ ‫ب بها َ‬ ‫السحاب‪} .‬فيصي ُ‬
‫وة؛ فل يريد‬‫ول والق ّ‬ ‫ح ْ‬
‫وأراده‪} .‬وهو شديد ُ المحال{؛ أي‪ :‬شديد ال َ‬
‫ب‪ .‬فإذا كان‬‫شيئا ً إل ّ فعله‪ ،‬ول يتعاصى عليه شيٌء‪ ،‬ول يفوُته هار ٌ‬
‫هو وحده الذي يسوق للعباد المطار والسحب التي فيها مادة‬
‫ت العظام‬ ‫أرزاقهم‪ ،‬وهو الذي يدّبر المور وتخضع له المخلوقا ُ‬
‫ج العباد‪ ،‬وهو شديد القوة؛ فهو الذي‬ ‫ع ُ‬‫التي ُيخاف منها وتز ِ‬
‫يستحقّ أن ي ُعْب َد َ وحده ل شريك له‪ ،‬ولهذا قال‪:‬‬
‫ﭠ ﭡ ﭢ‬ ‫ﭿ ﭑ ﭒ ﭓﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ ﭝ ﭞ ﭟ‬
‫ﭣ ﭤ ﭥ ﭦﭧ ﭨ ﭩ ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ ﭾ ‪.‬‬
‫ق{‪ :‬وهي عبادته وحده ل‬ ‫}‪ {14‬أي‪ :‬لّله وحده }دعوة ُ الح ّ‬
‫شريك له‪ ،‬وإخلص دعاء العبادة ودعاء المسألة له تعالى؛ أي‪ :‬هو‬
‫ب‬
‫الذي ينبغي أن ُيصرف له الدعاء والخوف والرجاء والح ّ‬
‫ق‪ ،‬وألوهّية غيره‬ ‫ن ألوهّيته هي الح ّ‬ ‫والرغبة والرهبة والنابة؛ ل ّ‬
‫ن من دونه{‪ :‬من الوثان والنداد التي‬ ‫ن يدعو َ‬‫باطلة‪َ .‬فـ}الذي َ‬
‫دعوها‬ ‫جعلوها شركاء لّله‪} ،‬ل يستجيبون لهم{؛ أي‪ :‬لمن ي َ ْ‬
‫دنيا ول من أمور‬ ‫ويعُبدها بشيء قليل ول كثير‪ ،‬ل من أمور ال ّ‬
‫ه؛‬
‫فاه لبعد ِ ِ‬
‫فيه إلى الماء{‪ :‬الذي ل تناله ك ّ‬ ‫الخرة‪} .‬إل ّ كباسط ك ّ‬
‫دة‬
‫فيه إلى الماء }فاه{؛ فإّنه عطشان‪ ،‬ومن ش ّ‬ ‫غ{‪ :‬ببسط ك ّ‬ ‫}ليبل َ‬
‫عطشه يتناول بيده ويبسطها إلى الماء الممتنع وصولها إليه؛ فل‬
‫ة ل يستجيبون لهم‬ ‫ل إليه؛ كذلك الكفار الذين يدعون معه آله ً‬ ‫يص ُ‬
‫ة؛ لّنهم فقراء؛‬ ‫بشيء ول ينفعونهم في أشد ّ الوقات إليهم حاج ً‬
‫ن من دعوهم فقراء }ل يملكون مثقال ذّرة في السمـوات‬ ‫كما أ ّ‬
‫شْرك وما له منهم من ظهير{‪،‬‬ ‫ول في الرض وما لهم فيهما من ِ‬
‫دعون من دون‬ ‫}وما دعاُء الكافرين إل ّ في ضلل{‪ :‬لبطلن ما ي َ ْ‬
‫ل ببطلن غايتها‪،‬‬ ‫ن الوسيلة ت َب ْط ُ ُ‬ ‫ؤهم؛ ل ّ‬ ‫الّله‪ ،‬فبطلت عبادُتهم ودعا ُ‬
‫قا‬
‫ه تعالى هو الملك الحق المبين؛ كانت عبادُته ح ّ‬ ‫ولما كان الل ّ ُ‬
‫مّتصلة النفع بصاحبها في الدنيا والخرة‪.‬‬
‫فيه إلى‬ ‫وتشبيه دعاء الكافرين لغير الّله بالذي يبسط ك ّ‬
‫محال؛‬ ‫ه بأمرٍ ُ‬ ‫ن ذلك تشبي ٌ‬ ‫الماء ليبلغ فاه من أحسن المثلة؛ فإ ّ‬
‫ل‪ ،‬والتعليق على المحال من‬ ‫ل؛ فالمشّبه به محا ٌ‬ ‫فكما أن هذا محا ٌ‬
‫ن الذين كفروا‬ ‫أبلغ ما يكون في نفي الشيء؛ كما قال تعالى‪} :‬إ ّ‬
‫ة حتى‬ ‫ن الجن ّ َ‬‫ب السماء ول يدخلو َ‬ ‫ح لهم أبوا ُ‬ ‫فت ّ ُ‬
‫ذبوا بآياتنا ل ت ُ َ‬ ‫وك ّ‬
‫خياط{‪.‬‬ ‫م ال ِ‬
‫س ّ‬ ‫ل في َ‬ ‫م ُ‬‫جـ َ‬
‫ج الـ َ‬‫ي َل ِ َ‬
‫ﭱ ﭲ ﭳ ﭴ ﭵ ﭶ ﭷ ﭸ ﭹ ﭺ ﭻ ﭾ‪.‬‬ ‫ﭿﭯ ﭰ‬
‫}‪ {15‬أي‪ :‬جميع ما احتوت عليه السماوات والرض كّلها‬
‫وع لمن يأتي‬ ‫ة لرّبها‪ ،‬تسجد له }طوعا ً وكرهًا{‪ :‬فالط ّ ْ‬ ‫خاضع ٌ‬
‫ً‬
‫بالسجود والخضوع اختيارا كالمؤمنين‪ ،‬والك َْره ُ لمن يستكبر عن‬
‫ذبه في ذلك‪} .‬وظلُلهم بالغُد ُّو‬ ‫عبادة رّبه‪ ،‬وحاُله وفطرُته تك ّ‬
‫ل النهار وآخره‪،‬‬ ‫والصال{؛ أي‪ :‬ويسجد له ظلل المخلوقات أوّ َ‬
‫من شيٍء‬ ‫ل شيء بحسب حاله؛ كما قال تعالى‪} :‬وإن ِ‬ ‫وسجود ُ ك ّ‬
‫حهم{؛ فإذا كانت‬ ‫ن تسبي َ‬
‫ح بحمد ِهِ ولكن ل تفقهو َ‬ ‫إل ّ يسب ّ ُ‬
‫قا‪،‬‬‫المخلوقات كّلها تسجد لرّبها طوعا ً وكرهًا؛ كان هو الله ح ّ‬
‫قا‪ ،‬وإلهّية غيره باطلة‪ ،‬ولهذا ذكر بطلنها‬ ‫المعبود المحمود ح ّ‬
‫وبرهن عليه بقوله‪:‬‬
‫ﭿ ﭼ ﭽ ﭾ ﭿ ﮀ ﮁ ﮂﮃ ﮄ ﮅ ﮆ ﮇ ﮈ ﮉ ﮊ ﮋ ﮌ ﮍ ﮎﮏ‬
‫ﮐ ﮑ ﮒ ﮓ ﮔ ﮕ ﮖ ﮗ ﮘ ﮙﮚ ﮛ ﮜ ﮝ ﮞ ﮟ ﮠ ﮡ ﮢ‬
‫ﮩ ﮪ ﮫ ﮬ ﮭ ﭾ‪.‬‬ ‫ﮣﮤ ﮥ ﮦ ﮧ ﮨ‬
‫}‪ {16‬أي‪ :‬قل لهؤلء المشركين به أوثانا ً وأندادًا؛ يحّبونها‬
‫ت‬‫ذلون لها أنواع التقّربات والعبادات‪ :‬أفتاه ْ‬ ‫كما يحّبون الّله‪ ،‬ويب ُ‬
‫ونهم بالعبادة وليسوا‬ ‫عقولكم حتى اّتخذتم من دونه أولياء تتول ّ ْ‬
‫ضّرا{‪ ،‬وتتركون‬ ‫بأهل لذلك؛ فإّنهم }ل يمِلكون لنفسهم نفعا ً ول َ‬
‫ولية من هو كامل السماء والصفات‪ ،‬المالك للحياء والموات‪،‬‬
‫ضّر؛ فما تستوي عبادة الله‬ ‫خْلق والتدبير والنفع وال ّ‬ ‫الذي بيده الـ َ‬
‫وحده وعبادة المشركين به‪ ،‬كما ل يستوي العمى والبصير‪ ،‬وكما‬
‫ك واشتباهٌ‬‫ن كان عندهم ش ّ‬ ‫ت والنور{‪ :‬فإ ْ‬‫ل }تستوي الظلما ُ‬
‫خْلقه‪ ،‬وفعلوا كفعله؛ فأزِ ْ‬
‫ل‬ ‫وجعلوا له شركاء‪ ،‬زعموا أّنهم خلقوا ك َ‬
‫حد ِ الله‬ ‫عنهم هذا الشتباه والّلبس بالبرهان الدا ّ‬
‫ل على ت َوَ ّ‬
‫ل شيء؛ فإنه من المحال أن‬ ‫بالوحدانّية‪ ،‬فقل لهم‪ :‬الل ّ ُ‬
‫ه خالقُ ك ّ‬
‫من‬‫سه‪ ،‬ومن المحال أيضا ً أن يوجد َ ِ‬ ‫خل ُقَ شيٌء من الشياء نف َ‬ ‫َيـ ْ‬
‫ن لـهـا إلها ً خالقا ً ل شريك له في خلقه؛ لّنه‬ ‫ق‪ ،‬فتعيّـن أ ّ‬
‫دون خال ٍ‬
‫الواحد ُ القّهاُر؛ فإّنه ل توجد الوحدة والقهر إل ّ لّله وحده؛‬
‫ل مخلوق فوقه مخلوقٌ يقهره‪ ،‬ثم فوق ذلك‬ ‫فالمخلوقات ك ّ‬
‫القاهر قاهٌر أعلى منه‪ ،‬حتى ينتهي القهر للواحد القهار؛ فالقهر‬
‫والتوحيد متلزمان متعّينان لّله وحده‪ ،‬فتبيّـن بالدليل العقلـ ّ‬
‫ي‬
‫خْلق‬
‫ن ما ُيدعى من دون الّله ليس له شيء من َ‬ ‫القاهر أ ّ‬
‫المخلوقات‪ ،‬وبذلك كانت عبادته باطلة‪.‬‬
‫ﭿ ﮮﮮ ﮯ ﮰ ﮱ ﯓ ﯔ ﯕ ﯖ ﯗ ﯘ ﯙﯚ ﯛ ﯜ ﯝ ﯞ ﯟ ﯠ ﯡ ﯢ‬
‫ﯨ ﯩ ﯪﯧﯧ ﯫﯧﯧﯬﯧﯧ ﯭﯧﯧ ﯮﯧﯧ ﯯﯧﯧ ﯰﯧﯧﯱﯧﯧ ﯷ ﯷ ﯷ ﯷ ﯷ ﯷ ﯷﯷ ﯷ‬ ‫ﯣ ﯤ ﯥﯦ ﯧ‬
‫ﯷ ﯼ ﯽ ﯾ ﭾ‪.‬‬
‫}‪ {17‬شّبه تعالى الهدى الذي أنزل )‪ (1‬على رسوله لحياة‬
‫القلوب والرواح بالماء الذي أنزله لحياة الشباح‪ .‬وشّبه ما في‬
‫الهدى من النفع العام الكثير الذي يضطّر إليه العباد بما في‬
‫ي‪ .‬وشّبه القلوب الحاملة للهدى‬ ‫م الضرور ّ‬ ‫المطر من النفع العا ّ‬
‫سعُ ماًء‬ ‫وتفاوتها بالودية التي تسيل فيها السيول؛ فَ َ‬
‫واد ٍ كبيٌر ي َ َ‬
‫ب كبيرٍ يسعُ علما ً كثيرًا‪ ،‬وواد ٍ صغيٌر يأخذ ماًء قليل ً‬ ‫كثيرا ً كقل ٍ‬
‫ل‪ ...‬وهكذا‪ .‬وشّبه ما يكون في القلوب‬ ‫ب صغيرٍ يسعُ علما ً قلي ً‬ ‫كقل ٍ‬
‫شبهات عند وصول الحقّ إليها بالّزبد الذي يعلو‬ ‫من الشهوات وال ّ‬
‫صها‬‫الماَء ويعلو ما يوقَد ُ عليه النار من الحلية التي ُيراد تخلي ُ‬
‫درة ً له حتى تذهب‬ ‫ة مك ّ‬‫وسبكها‪ ،‬وأنها ل تزال فوق الماء طافي ً‬
‫ل‪ ،‬ويبقى ما ينفع الناس من الماء الصافي والحلية‬ ‫وتضمح ّ‬
‫شهوات ل يزال القلب يكرهها‬ ‫ت وال ّ‬
‫الخالصة‪ ،‬كذلك الشبها ُ‬
‫ويجاهدها بالبراهين الصادقة والرادات الجازمة حتى تذهب‬
‫ب خالصا ً صافيا ً ليس فيه إل ّ ما ينفعُ الناس‬ ‫ل ويبقى القل ُ‬ ‫وتضمح ّ‬
‫ه‬
‫ق ُ‬‫ح ُ‬ ‫م َ‬‫ب وي َ ْ‬ ‫من العلم بالحقّ وإيثاره والرغبة فيه؛ فالباطل يذه ُ‬
‫ب الّله‬ ‫ن الباطل كان زهوقًا{‪ ،‬وقال هنا‪} :‬كذلك يضرِ ُ‬ ‫ق؛ }إ ّ‬‫الح ّ‬
‫المثال{‪ :‬ليّتضح الحقّ من الباطل والهدى من الضلل‪.‬‬
‫ﭿ ﯿ ﯷ ﯷ ﯷﯷ ﯷ ﯷ ﯷ ﯷ ﰈ ﰉ ﯷ ﯷ ﯷ ﯷ ﰎ ﯷ ﯷ ﯷ‬
‫ﰒﯷ ﯷ ﯷ ﯷ ﯷ ﯷ ﯷﯷ ﯷ ﯷ ﯷ ﭾ ‪.‬‬

‫‪ -‬في )ب(‪» :‬أنزله«‪.‬‬ ‫‪1‬‬


‫ن الناس على‬ ‫}‪ {18‬لما بّين تعالى الحقّ من الباطل؛ ذ َك ََر أ ّ‬
‫قسمين‪ :‬مستجيب لرّبه فذكر ثوابه‪ ،‬وغير مستجيب فذكر عقابه‪،‬‬
‫فقال‪} :‬للذين استجابوا لرّبهم{؛ أي‪ :‬انقادت قلوُبهم للعلم‬
‫حهم للمر والنهي‪ ،‬وصاروا موافقين لرّبهم فيما‬ ‫واليمان‪ ،‬وجوار ُ‬
‫يريده منهم؛ فلهم }الحسنى{؛ أي‪ :‬الحالة الحسنة والثواب‬
‫الحسن؛ فلهم من الصفات أجّلها‪ ،‬ومن المناقب أفضُلها‪ ،‬ومن‬
‫ن سمعت ول خطر‬ ‫ن رأت ول أذ ٌ‬ ‫الثواب العاجل والجل ما ل عي ٌ‬
‫ب لهم‬ ‫ضَر َ‬ ‫على قلب بشر‪} .‬والذين لم يستجيبوا له{‪ :‬بعدما َ‬
‫ن لهم ما‬ ‫ة غير الحسنة‪َ .‬فـ}لو أ ّ‬ ‫المثال وبّين لهم الحقّ لهم الحال ُ‬
‫في الرض جميعًا{‪ :‬من ذهب وفضةٍ وغيرهما‪} ،‬ومثله معه‬
‫َ‬
‫ل منهم‪ .‬وأّنى لهم‬ ‫قب ّ َ‬
‫لفت َد َْوا به{‪ :‬من عذاب يوم القيامة؛ ما ت ُ ُ‬
‫ذلك؟! }أولئك لهم سوء الحساب{‪ :‬وهو الحساب الذي يأتي‬
‫ل ما أسلفوه من عمل سيىء وما ضيعوه من حقوق اللهّ‬ ‫على ك ّ‬
‫ل‬‫سط َِر عليهم‪} :‬وقالوا يا وَي ْل ََتنا ما ِ‬ ‫ب ذلك و ُ‬ ‫وحقوق عباده‪ ،‬قد ك ُت ِ َ‬
‫جدوا ما عملوا‬ ‫ب ل يغاد ُِر صغيرة ً ول كبيرة ً إل أحصاها ووَ َ‬ ‫هذا الكتا ِ‬
‫م رّبك أحدا{‪} .‬و{ بعد هذا الحساب السيىء‪،‬‬ ‫ً‬ ‫حاضرا ً ول يظل ُ‬
‫ب من الجوع الشديد‬ ‫ل عذا ٍ‬ ‫}مأواهم جهّنم{‪ :‬الجامعة لك ّ‬
‫ضريع‪،‬‬ ‫والعطش الوجيع والنار الحامية والزّقوم والزمهرير وال ّ‬
‫د{؛ أي‪:‬‬ ‫وجميع ما ذكره الّله من أصناف العذاب‪} .‬وبئس المها ُ‬
‫قّر والمسكن مسكنهم‪.‬‬ ‫م َ‬
‫ال َ‬
‫ﭛ ﭜﭝ ﭞ ﭟ ﭠ ﭡ‬ ‫ﭿﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ‬
‫ﭢ ﭣ ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ ﭨ ﭩ ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ ﭯ ﭰ ﭱ ﭲ ﭳ ﭴ‬
‫ﭵ ﭶ ﭷ ﭸ ﭹ ﭺ ﭻ ﭼ ﭽ ﭾ ﭿ ﮀ ﮁ ﮂ ﮃ ﮄ ﮅ ﮆ ﮇ ﮈ ﮉ‬
‫ﮌ ﮍ ﮎ ﮏ ﮐ ﮑ ﮒ ﮓ ﮔ ﮕﮖ ﮗ ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ‬ ‫ﮊ ﮋ‬
‫ﮜ ﮝ ﮞ ﮟ ﮠ ﮡﮢ ﮣ ﮤ ﮥ ﮦ ﭾ ‪.‬‬
‫}‪ 19‬ـ ‪ {20‬يقول تعالى‪ :‬مفرقا ً بين أهل العلم والعمل‬
‫ق{‪ :‬ففهم‬ ‫ل إليك من رّبك الح ّ‬ ‫م أّنما أنزِ َ‬ ‫من يعل ُ‬ ‫دهم‪} :‬أفَ َ‬ ‫وبين ض ّ‬
‫ن هو أعمى{‪ :‬ل يعلم الحقّ ول يعمل به؛‬ ‫م ْ‬ ‫ذلك وعمل به‪} .‬ك َ َ‬
‫فبينهما من الفرق كما بين السماء والرض؛ فحقيقٌ بالعبد أن‬
‫ل‪ ،‬فيؤثر طريقها‪،‬‬ ‫كر‪ ،‬أيّ الفريقين أحسن حال ً وخير مآ ً‬ ‫كر ويتف ّ‬ ‫يتذ ّ‬
‫كر ما ينفعه ويضره‪.‬‬ ‫ل أحد ٍ يتذ ّ‬ ‫ويسلك خلف فريقها‪ ،‬ولكن ما ك ّ‬
‫كر أولو اللباب{؛ أي‪ :‬أولو العقول الرزينة والراء‬ ‫}إّنما يتذ ّ‬
‫ت عن‬ ‫ب العالم وصفوة ُ بني آدم‪ .‬فإن سأل َ‬ ‫الكاملة‪ ،‬الذين هم ل ّ‬
‫فهم؛ فل تجد ُ أحسن من وصف الّله لهم بقوله‪} :‬الذين ُيوفو َ‬
‫ن‬ ‫وص ِ‬
‫ه{‪ :‬الذي ع َهِد َه ُ إليهم والذي عاهدهم عليه من القيام‬ ‫بعهد ِ الل ّ ِ‬
‫قها من التتميم لها‬ ‫بحقوقه كاملة موفرة؛ فالوفاء بها توفيتها ح ّ‬
‫ق{؛‬‫قضون الميثا َ‬ ‫والنصح فيها‪ ،‬ومن تمام الوفاء بها أّنهم }ل ين ُ‬
‫أي‪ :‬العهد الذي عاهدوا الّله عليه )‪ ، (1‬فدخل في ذلك جميع‬
‫دها العباد‪ ،‬فل يكون‬ ‫ق ُ‬
‫المواثيق والعهود واليمان والّنذور التي يع ِ‬
‫ة‬
‫العبد من أولي اللباب الذين لهم الثواب العظيم إل بأدائها كامل ً‬
‫وعدم نقضها وبخسها‪.‬‬
‫ل{‪ :‬وهذا‬ ‫ص َ‬
‫ه به أن يو َ‬ ‫ن ما أمَر الل ّ ُ‬ ‫صلو َ‬ ‫}‪} {21‬والذين ي ِ‬
‫ل ما أمر الّله بوصله من اليمان به وبرسوله ومحّبته‬ ‫م في ك ّ‬
‫عا ّ‬
‫ومحّبة رسوله والنقياد لعبادته وحده ل شريك له ولطاعة‬
‫رسوله‪ ،‬ويصلون آباءهم وأمهاتهم ببّرهم بالقول والفعل وعدم‬
‫عقوقهم‪ ،‬ويصلون القارب والرحام بالحسان إليهم قول ً وفع ً‬
‫ل‪،‬‬
‫قهم‬ ‫ويصلون ما بيَنهم وبين الزواج والصحاب والمماليك بأداء ح ّ‬
‫كامل ً موّفرا ً من الحقوق الدينّية والدنيوّية‪ .‬والسبب الذي يجعل‬
‫ف يوم‬‫ة الّله وخو ُ‬ ‫ل خشي ُ‬ ‫العبد واصل ً ما أمر الّله به أن يو َ‬
‫ص َ‬
‫ن رّبهم{؛ أي‪ :‬يخافونه‪ ،‬فيمنعهم‬ ‫خ َ‬
‫شو ْ َ‬ ‫الحساب‪ ،‬ولهذا قال‪} :‬وَيـ ْ‬
‫خوُفهم منه ومن القدوم عليه يوم الحساب أن يتجّرؤوا على‬
‫ما أمر الّله به؛ خوفا ً من‬ ‫معاصي الّله أو يقصروا في شيء مـ ّ‬
‫العقاب ورجاًء للثواب‪.‬‬
‫}‪} {22‬والذين صبروا{‪ :‬على المأمورات بالمتثال‪ ،‬وعن‬
‫المنهّيات بالنكفاف عنها والبعد منها‪ ،‬وعلى أقدار الّله المؤلمة‬
‫ه‬
‫خطها‪ ،‬ولكن بشرط أن يكون ذلك الصبر }ابتغاَء وج ِ‬ ‫بعدم تس ّ‬
‫ن هذا‬ ‫رّبهم{‪ :‬ل لغير ذلك من المقاصد والغراض الفاسدة؛ فإ ّ‬
‫س به العبد نفسه طلبا ً لمرضاة رّبه‬ ‫حب ِ ُ‬
‫الصبر النافع‪ ،‬الذي َيـ ْ‬
‫ورجاًء للقرب منه والحظوة بثوابه‪ ،‬وهو الصبر الذي من خصائص‬
‫ه التجّلد ومنتهاه‬ ‫أهل اليمان‪ ،‬و أما الصبر المشترك الذي غايت ُ ُ‬
‫الفخر؛ فهذا يصد ُُر من الب َّر والفاجر والمؤمن والكافر؛ فليس هو‬
‫صلة{‪ :‬بأركانها وشروطها‬ ‫الممدوح على الحقيقة‪} .‬وأقاموا ال ّ‬
‫ملتها ظاهرا ً وباطنًا‪} .‬وأنفقوا مما رزْقناهم سّرا وعلنية{‪:‬‬ ‫ومك ّ‬
‫دخل في ذلك النفقات )‪ (2‬الواجبة كالزكوات والكفارات والنفقات‬
‫ة إلى النفقة سّرا‬ ‫المستحّبة‪ ،‬وأنهم ينفقون حيث دعت الحاج ُ‬
‫من أساء إليهم بقول‬ ‫ة{؛ أي‪َ :‬‬ ‫ن بالحسنةِ السيئ َ‬ ‫ة‪} .‬ويدرؤو َ‬
‫وعلني ً‬
‫أو فعل؛ لم يقابلوه بفعله‪ ،‬بل قابلوه بالحسان إليه‪ ،‬فيعطون من‬
‫سنون‬ ‫طعهم‪ ،‬ويح ِ‬ ‫صلون من قَ َ‬ ‫من ظ ََلمهم‪ ،‬وي ِ‬ ‫مهم‪ ،‬ويعفون ع ّ‬ ‫حَر َ‬
‫َ‬
‫من أساء إليهم‪ ،‬وإذا كانوا يقابلون المسيء بالحسان؛ فما‬ ‫إلى َ‬

‫‪ -‬في )ب(‪» :‬عاهدوا عليه الله«‪.‬‬ ‫‪1‬‬

‫‪ -‬في النسختين‪» :‬والنفقات« مكّررة مرتين‪.‬‬ ‫‪2‬‬


‫ت صفاتهم الجليلة‬
‫ف ْ‬
‫ص َ‬
‫ظّنك بغير المسيء‪} .‬أولئك{‪ :‬الذين وُ ِ‬
‫عقبى الدار{‪.‬‬
‫ومناقبهم الجميلة؛ }لهم ُ‬
‫ن{؛ أي‪ :‬إقامةٍ ل‬ ‫ت عد ٍ‬ ‫سرها بقوله‪} :‬جنا ُ‬ ‫}‪ 23‬ـ ‪ {24‬ف ّ‬
‫ة؛ لما‬ ‫ل؛ لّنهم ل يرون فوقها غاي ً‬ ‫حو َ ً‬‫يزولون عنها ول يبغون عنها ِ‬
‫اشتملت عليه من النعيم والسرور‪ ،‬الذي تنتهي إليه المطالب‬
‫من‬ ‫خلونها وَ َ‬ ‫والغايات‪ ،‬ومن تمام نعيمهم وقّرة أعينهم أّنهم }يد ُ‬
‫ح من آبائهم وأزواجهم وذّرّياتهم{‪ :‬من الذكور والناث‬ ‫صل َ َ‬‫َ‬
‫وأزواجهم؛ أي‪ :‬الزوج أو الزوجة‪ ،‬وكذلك النظراء والشباه‬
‫والصحاب والحباب؛ فإّنهم من أزواجهم وذ ُّرّياتهم‪} .‬والملئك ُ‬
‫ة‬
‫ب{‪ :‬يهنونهم بالسلمة وكرامة الّله لهم‪،‬‬ ‫ل با ٍ‬‫خلون عليهم من ك ّ‬ ‫يد ُ‬
‫م عليكم{؛ أي‪ :‬حّلت عليكم السلمة والتحّية من‬ ‫ويقولون‪} :‬سل ٌ‬
‫م‬
‫ل مكروه ومستلز ٌ‬ ‫ن لزوال ك ّ‬ ‫م ٌ‬‫صَلت لكم‪ ،‬وذلك متض ّ‬ ‫الّله و َ‬
‫ح َ‬
‫لحصول كل محبوب }بما صبرُتم{؛ أي‪ :‬صبركم هو الذي أوصلكم‬
‫عقبى الدار{‪:‬‬ ‫إلى هذه المنازل العالية والجنان الغالية‪} .‬فنعم ُ‬
‫دها لعّلها‬ ‫فحقيقٌ بمن نصح نفسه‪ ،‬وكان لها عنده قيمة أن يجاه ِ َ‬
‫خذ ُ من أوصاف أولي اللباب بنصيب‪ ،‬ولعلها تحظى بهذه الدار‬ ‫تأ ُ‬
‫ذات‬ ‫ّ‬
‫ح الجامعة لجميع الل ّ‬ ‫س وسروُر الروا ِ‬ ‫ة النفو ِ‬ ‫من ْي َ ُ‬
‫التي هي ُ‬
‫مْثلها فليعمل العاملون‪ ،‬وفيها فليتنافس المتنافسون‪.‬‬ ‫والفراح؛ فل ِ‬
‫ﭿ ﮧ ﮨ ﮩ ﮪ ﮫ ﮬ ﮭ ﮮﮮ ﮯ ﮰ ﮱ ﯓ ﯔ ﯕ ﯖ ﯗ ﯘﯙ ﯚ ﯛ‬
‫ﯠ ﭾ‪.‬‬ ‫ﯝ ﯞ ﯟ‬ ‫ﯜ‬
‫ن أهل النار بعكس ما‬ ‫}‪ {25‬لما ذكر حال أهل الجنة؛ ذكر أ ّ‬
‫قضون عهد الّله من بعد‬ ‫وصفهم به‪ ،‬فقال عنهم‪} :‬والذين ين ُ‬
‫ّ‬
‫كده عليهم على أيدي رسله وغلظ‬ ‫ه{؛ أي‪ :‬من بعدما أ ّ‬ ‫ميثاقِ ِ‬
‫عليهم‪ ،‬فلم يقابلوه بالنقياد والتسليم‪ ،‬بل قابلوه بالعراض‬
‫صلوا ما‬ ‫ص َ‬
‫ل{‪ :‬فلم ي َ ِ‬ ‫طعون ما أمر الّله به أن يو َ‬‫والنقض‪} .‬ويق َ‬
‫بينهم وبين رّبهم باليمان والعمل الصالح‪ ،‬ول وصلوا الرحام‪ ،‬ول‬
‫أّدوا الحقوق‪ ،‬بل أفسدوا في الرض بالكفر والمعاصي والصد ّ عن‬
‫م‬
‫ة{؛ أي‪ :‬البعد والذ ّ‬ ‫سبيل الّله وابتغائها عوجًا‪} .‬أولئك لهم اللعن ُ‬
‫من الّله وملئكته وعباده المؤمنين‪} .‬ولهم سوء الدار{‪ :‬وهي‬
‫الجحيم بما فيها من العذاب الليم‪.‬‬
‫ﯮﯧﯧ ﯯﯧﯧ ﯰﯧﯧ ﯱﯧﯧ ﯷ ﭾ ‪.‬‬ ‫ﯦﯧ ﯨ ﯩ ﯪﯧﯧ ﯫﯧﯧ ﯬﯧﯧ ﯭﯧﯧ‬ ‫ﯥ‬ ‫ﭿﯡ ﯢ ﯣ ﯤ‬
‫طه على من يشاء‬ ‫س ُ‬
‫سع الرزق ويب ُ‬ ‫}‪ {26‬أي‪ :‬هو وحده يو ّ‬
‫من يشاء‪} .‬وفرحوا{؛ أي‪ :‬الكفار }بالحياة‬ ‫دره ويضّيقه على َ‬
‫ق ِ‬
‫وي َ ْ‬
‫الدنيا{‪ :‬فرحا ً أوجب لهم أن يطمئّنوا بها ويغفلوا عن الخرة‪،‬‬
‫ع{؛‬‫دنيا في الخرة إل ّ متا ٌ‬
‫وذلك لنقصان عقولهم‪} .‬وما الحياة ال ّ‬
‫قُبهم َويل ً‬
‫مّتع به قليل ً ويفارق أهله وأصحابه وي ُعْ ِ‬
‫أي‪ :‬شيء حقيٌر ي ُت َ َ‬
‫طوي ً‬
‫ل‪.‬‬
‫ﭿ ﯷ ﯷ ﯷ ﯷ ﯷ ﯷ ﯷ ﯷ ﯷﯼ ﯽ ﯾ ﯿ ﯷ ﯷ ﯷ ﯷ ﯷ‬
‫ﯷ ﯷ ﯷ ﰈ ﰉ ﯷ ﯷ ﯷ ﯷﰎ ﯷ ﯷ ﯷ ﰒ ﯷ ﯷ ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ‬
‫ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭾ‪.‬‬
‫ن الذين كفروا بآيات الّله يتعّنتون على‬ ‫}‪ {27‬يخبر تعالى أ ّ‬
‫ة من رّبه{‪:‬‬ ‫ل عليه آي ٌ‬‫رسول الّله ويقترحون ويقولون‪} :‬لول أنزِ َ‬
‫ن الّله‬ ‫وبزعمهم أنها لو جاءت لمنوا‪ ،‬فأجابهم الّله بقوله‪} :‬قل إ ّ‬
‫ب{؛ أي‪ :‬طلب رضوانه‪،‬‬ ‫من يشاء ويهدي إليه من أنا َ‬ ‫ل َ‬ ‫ض ّ‬
‫يُ ِ‬
‫ً‬
‫فليست الهداية والضلل بأيديهم حتى يجعلوا ذلك متوّقفا على‬
‫اليات‪ ،‬ومع ذلك؛ فهم كاذبون فـ }لو أننا نّزلنا إليهم الملئكة‬
‫ل شيٍء قُب ُل ً ما كانوا ل ُِيؤمنوا إل ّ‬ ‫شْرنا عليهم ك ّ‬ ‫ح َ‬‫وكّلمهم الموتى و َ‬
‫ن{‪.‬‬ ‫ن أكثرهم يجهلو َ‬ ‫ن يشاء الّله ولك ّ‬ ‫أ ْ‬
‫ل بالية التي يعّينونها ويقترحونها‪،‬‬ ‫م أن يأتي الرسو ُ‬ ‫ول يلز ُ‬
‫ق؛ كفى ذلك وحصل‬ ‫ن ما جاء به من الح ّ‬ ‫بل إذا جاءهم بآيةٍ تبيـ ّ ُ‬
‫المقصود ُ وكان أنفع لهم من طلبهم اليات التي يعّينونها؛ فإّنها لو‬
‫جاءتهم ط ِب ْقَ ما اقترحوا‪ ،‬فلم يؤمنوا بها؛ لعاجلهم العذاب‪.‬‬
‫}‪ {28‬ثم ذكر تعالى علمة المؤمنين‪ ،‬فقال‪} :‬الذين آمنوا‬
‫ن قلوُبهم بذكر الّله{؛ أي‪ :‬يزول قلقها واضطرابها‪،‬‬ ‫وتطمئ ّ‬
‫ن القلوب{؛ أي‪:‬‬ ‫ذاتها‪} .‬أل بذكرِ الّله تطمئ ّ‬ ‫ضُرها أفراحها ول ّ‬ ‫وتح ُ‬
‫ن لشيٍء سوى ذكره؛ فإّنه ل شيء‬ ‫حقيق بها وحريّ أن ل تطمئ ّ‬
‫ألذ ّ للقلوب ول أشهى ول أحلى من محبة خالقها والنس به‬
‫ومعرفته‪ ،‬وعلى قَد ْرِ معرفتها بالّله ومحّبتها له يكون ذ ِك ُْرها له‪،‬‬
‫ن ذكَر الّله ذ ِك ُْر العبد لرّبه من تسبيح وتهليل‬ ‫هذا على القول بأ ّ‬
‫كر الّله كتاُبه الذي أنزله‬ ‫وتكبير وغير ذلك‪ ،‬وقيل‪ :‬إن المراد بذ ِ ْ‬
‫ذكرى للمؤمنين؛ فعلى هذا معنى طمأنينة القلب بذكر الّله أنها‬
‫ن لها؛ فإّنها تدل على‬ ‫ف معاني القرآن وأحكامه تطمئ ّ‬ ‫حين ت َعْرِ ُ‬
‫ن القلوب؛‬ ‫الحقّ المبين المؤّيد بالدلة والبراهين‪ ،‬وبذلك تطمئ ّ‬
‫ن إل باليقين والعلم‪ ،‬وذلك في كتاب الّله مضمو ٌ‬
‫ن‬ ‫فإّنها ل تطمئ ّ‬
‫ع‬
‫ج ُ‬‫م الوجوه وأكملها‪ ،‬وأما ما سواه من الكتب التي ل تر ِ‬ ‫على أت ّ‬
‫ة من تعارض الدّلة وتضاد ّ‬ ‫ن بها‪ ،‬بل ل تزال قلق ً‬ ‫إليه؛ فل تطمئ ّ‬
‫جدوا فيه اختلفا ً كثيرًا{‪،‬‬ ‫الحكام‪} ،‬ولو كان من عند ِ غيرِ الّله ل َوَ َ‬
‫ب الّله‪ ،‬وتدّبره‪ ،‬وتدّبر غيره من أنواع‬ ‫خب ََر كتا َ‬
‫وهذا إنما يعرفه من َ‬
‫العلوم؛ فإّنه يجد بينها وبينه فرقا ً عظيمًا‪.‬‬
‫}‪ {29‬ثم قال تعالى‪} :‬الذين آمنوا وعملوا الصالحات{؛‬
‫أي‪ :‬آمنوا بقلوبهم بالّله وملئكته وكتبه ورسله واليوم الخر‪،‬‬
‫دقوا هذا اليمان بالعمال الصالحة؛ أعمال القلوب كمحبة‬ ‫وص ّ‬
‫الّله وخشيته ورجائه‪ ،‬وأعمال الجوارح كالصلة ونحوها‪} .‬طوبى‬
‫ن‪ ،‬وذلك بما‬ ‫ة ومرجع حس ٌ‬ ‫ة طيب ٌ‬
‫ن مآب{؛ أي‪ :‬لهم حال ٌ‬
‫لهم وحس ُ‬
‫ن لهم‬‫ينالون من رضوان الّله وكرامته في الدنيا والخرة‪ ،‬وإ ّ‬
‫كمال الراحة وتمام الطمأنينة‪ ،‬ومن جملة ذلك شجرة ُ طوبى التي‬
‫في الجنة‪ ،‬التي يسير الراكب في ظّلها مائة عام ما يقطُعها؛ كما‬
‫وردت بها الحاديث الصحيحة )‪. (1‬‬
‫ﭿ ﭚ ﭛ ﭜ ﭝ ﭞ ﭟ ﭠ ﭡ ﭢ ﭣ ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ ﭨ ﭩ ﭪﭫ‬
‫ﭲ ﭳ ﭴ ﭵ ﭶ ﭷ ﭾ‪.‬‬ ‫ﭬ ﭭ ﭮ ﭯ ﭰ ﭱ‬
‫}‪ {30‬يقول تعالى لنبّيه محمد صلى الله عليه وسلم‪:‬‬
‫ت من‬‫خل َ ْ‬
‫}كذلك أرسلناك{‪ :‬إلى قومك تدعوهم إلى الهدى‪} ،‬قد َ‬
‫ت ببدع من الرسل حتى‬ ‫م{‪ :‬أرسلنا فيهم رسلنا‪ ،‬فلس َ‬ ‫قبلها أم ٌ‬
‫ت تقول من تلقاِء نفسك‪ ،‬بل تتلو عليهم‬ ‫يستنكروا رسالتك‪ ،‬ولس َ‬
‫كي‬ ‫ت الّله‪ ،‬التي أْوحاها الّله إليك‪ ،‬التي تطّهر القلوب وتز ّ‬ ‫آيا ِ‬
‫ن قومك يكفرون بالرحمن‪ ،‬فلم يقابلوا رحمته‬ ‫النفوس‪ ،‬والحال أ ّ‬
‫ن أرسلناك إليهم رسول ً وأنزلنا عليك‬ ‫وإحسانه ـ التي أعظمها أ ْ‬
‫د؛ أفل يعتبرون‬ ‫كتابا ً ـ بالقبول والشكر‪ ،‬بل قابلوها بالنكار والر ّ‬
‫ذبة كيف أخذهم الّله‬ ‫ن خل من قبلهم من القرون المك ّ‬ ‫م ْ‬
‫ب َ‬
‫بذنوبهم؟ }قل هو رّبـي ل إله إل ّ هو{‪ :‬وهذا متض ّ‬
‫من‬
‫]للتوحيدين[‪ :‬توحيد اللوهّية وتوحيد الربوبّية؛ فهو ربي الذي‬
‫ت{ في‬ ‫مهِ منذ أوجدني‪ ،‬وهو إلهي الذي }عليه توكل ُ‬ ‫َرّباني بنع ِ‬
‫)‪(2‬‬
‫جميع أموري وإليه أنيب ؛ أي‪ :‬أرجع في جميع عباداتي وفي‬
‫حاجاتي‪.‬‬
‫ﮃ ﮄ ﮅﮆ ﮇ ﮈ ﮉ‬ ‫ﭿﭸ ﭹ ﭺ ﭻ ﭼ ﭽ ﭾ ﭿ ﮀ ﮁ ﮂ‬
‫ﮜ‬ ‫ﮊﮋ ﮌ ﮍ ﮎ ﮏ ﮐ ﮑ ﮒ ﮓ ﮔ ﮕ ﮖﮗ ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ‬
‫ﮝ ﮞ ﮟ ﮠ ﮡ ﮢ ﮣ ﮤ ﮥ ﮦ ﮧ ﮨﮩ ﮪ ﮫ ﮬ ﮭ ﮮﮮ ﮯ ﭾ ‪.‬‬
‫}‪ {31‬يقول تعالى مبّينا ً فضل القرآن الكريم على سائر‬
‫ت به‬ ‫ن قرآنًا{‪ :‬من الكتب اللهّية‪ُ } ،‬‬
‫سّير ْ‬ ‫الكتب المنّزلة‪} :‬ولو أ ّ‬

‫‪ - 1‬رواية‪ :‬أن طوبى شجرة في الجنة مسيرة مائة عام عند المام أحمد )‬
‫‪ ،(3/71‬وأبي يعلى )‪ ،(1374‬وابن حبان )‪ ،(7413‬وقد جاء الحديث عند‬
‫البخاري )‪ ،(4881‬ومسلم )‪ (2826‬وغيرهما دون ذكر اسم الشجرة‬
‫)طوبى(‪ ،‬وانظر »الصحيحة« )‪ .(1985‬والله أعلم‪.‬‬
‫‪ - 2‬كذا في النسختين وتمام الية‪} :‬وإليه متاب{‪.‬‬
‫ض{‪ :‬جنانا ً وأنهارًا‪ ،‬و}ك ُّلم‬ ‫طعت به الر ُ‬ ‫الجبال{‪ :‬عن أماكنها‪ ،‬و}قُ ّ‬
‫به الموتى{‪ :‬لكان هذا القرآن‪} .‬بل لّله المُر جميعًا{‪ :‬فيأتي‬
‫باليات التي تقتضيها حكمته؛ فما بال المكذبين يقترحون من‬
‫اليات ما يقترحون؟! فهل لهم ولغيرهم من المر شيء؟! }أفلم‬
‫س جميعًا{‪ :‬فليعلموا‬ ‫س الذين آمنوا أن لو يشاُء الّله لهدى النا َ‬ ‫ييأ ِ‬
‫ن‬‫م ْ‬‫أّنه قادٌر على هدايتهم جميعًا‪ ،‬ولكنه ل يشاء ذلك‪ ،‬بل يهدي َ‬
‫ل الذين كفروا{‪ :‬على كفرهم ل‬ ‫ل من يشاء‪} .‬ول يزا ُ‬ ‫ض ّ‬
‫يشاء وي ُ ِ‬
‫يعتبرون ول يّتعظون‪ ،‬والّله تعالى يوالي عليهم القوارع َ التي‬
‫ل قريبا ً منها وهم مصّرون على‬ ‫ح ّ‬
‫تصيُبهم في ديارهم أو َتـ ُ‬
‫دهم به لنزول العذاب‬ ‫ّ‬
‫كفرهم‪} .‬حتى يأتي وعد ُ الله{‪ :‬الذي وَع َ َ‬
‫ف الميعاد{‪ :‬وهذا‬ ‫ن الّله ل يخل ِ ُ‬‫المّتصل الذي ل يمكن رفُعه‪} .‬إ ّ‬
‫ف من نزول ما وعدهم الّله به على كفرهم‬ ‫تهديد ٌ لهم وتخوي ٌ‬
‫وعنادهم وظلمهم‪.‬‬
‫ﯙ ﯚﯛ ﯜ ﯝ ﯞ ﯟ‬ ‫ﯖ ﯗ ﯘ‬ ‫ﯔ ﯕ‬ ‫ﭿﮰ ﮱ ﯓ‬
‫ﭾ‪.‬‬
‫}‪ {32‬يقول تعالى لرسوله مثّبتا ً له ومسليًا‪} :‬ولقد‬
‫ي‪.‬‬
‫ذب وأوذ ِ َ‬ ‫ل رسول ك ُ ّ‬ ‫ت أوّ َ‬ ‫ك{‪ :‬فلس َ‬ ‫زىء برسل من قبل ِ َ‬ ‫است ُهْ ِ‬
‫ت للذين كفروا{‪ :‬برسلهم؛ أي‪ :‬أمهلتهم مدة حتى ظّنوا‬ ‫}فأملي ُ‬
‫ذبين‪} ،‬ثم أخذُتهم{‪ :‬بأنواع العذاب‪} .‬فكيف كان‬ ‫أّنهم غيُر مع ّ‬
‫ب{‪ :‬كان عقابا ً شديدا ً وعذابا ً أليمًا؛ فل يغتّر هؤلء الذين‬ ‫عقا ِ‬
‫ذبوك واستهزؤوا بك بإمهالنا؛ فلهم أسوة ٌ فيمن قبلهم من‬ ‫ك ّ‬
‫ل بأولئك‪.‬‬ ‫ل بهم كما فُعِ َ‬ ‫فعَ َ‬
‫ذروا أن ي ُ ْ‬ ‫المم‪ ،‬فليح َ‬
‫ﯥ ﯦ ﯧﯨ ﯩ ﯪﯧﯧ ﯫﯧﯧ ﯬﯧﯧ ﯭﯧﯧﯮﯧﯧ ﯯﯧﯧ ﯰﯧﯧ ﯱﯧﯧ ﯷ ﯷ ﯷ ﯷ‬ ‫ﭿﯠ ﯡ ﯢ ﯣ ﯤ‬
‫ﯿ ﯷ ﯷ ﯷﯷ ﯷ ﯷ ﯷ ﯷ ﰈ ﰉ‬ ‫ﯷ ﯷ ﯷ ﯷﯷ ﯷ ﯼ ﯽ ﯾ‬
‫ﯷ ﯷ ﯷ ﯷ ﰎ ﯷ ﯷﯷ ﰒ ﯷ ﯷﯷ ﯷ ﯷ ﯷ ﯷ ﯷ ﯷ ﯷ ﭾ ‪.‬‬
‫ل نفس بما‬ ‫م على ك ّ‬ ‫}‪ {33‬يقول تعالى‪} :‬أفمن هو قائ ٌ‬
‫ت{‪ :‬بالجزاء العاجل والجل‪ ،‬بالعدل والقسط‪ ،‬وهو الّله‬ ‫كسب ْ‬
‫تبارك وتعالى؛ كمن ليس كذلك‪ .‬ولهذا قال‪} :‬وجعلوا لل ّ ِ‬
‫ه‬
‫ه الحد ُ الفرد ُ الصمد ُ الذي ل شريك له ول ند ّ ول‬ ‫شركاَء{‪ :‬وهو الل ّ ُ‬
‫م حاَلهم‪.‬‬ ‫نظير‪} .‬قل{‪ :‬لهم إن كانوا صادقين‪} :‬سموهم{‪ :‬ل ِت َعْل َ َ‬
‫}أم تنّبئوَنه بما ل يعلم في الرض{‪ :‬فإّنه إذا كان عالم الغيب‬
‫م بذلك بطلن دعوى‬ ‫والشهادة‪ ،‬وهو ل يعلم له شريكًا؛ ع ُل ِ َ‬
‫ن له شريكا ً وهو ل‬ ‫م الّله أ ّ‬ ‫الشريك له‪ ،‬وأّنكم بمنزلة الذي ي ُعْل ِ ُ‬
‫يعلمه‪ ،‬وهذا أبطل ما يكون! ولهذا قال‪} :‬أم بـظـاهرٍ من‬
‫القول{؛ أي‪ :‬غاية ما يمكن من دعوى الشريك له تعالى أنه‬
‫بظاهر أقوالكم‪ ،‬وأما في الحقيقة؛ فل إله إل الّله‪ ،‬وليس أحد ٌ من‬
‫ن للذين كفروا‬ ‫الخلق يستحقّ شيئا ً من العبادة‪ .‬ولكن }ُزي ّ َ‬
‫مكُرهم{‪ :‬الذي مكروه‪ ،‬وهو كفرهم وشركهم وتكذيبهم ليات‬
‫دوا عن السبيل{؛ أي‪ :‬عن الطريق المستقيمة‬ ‫الّله‪} .‬وص ّ‬
‫ضِلل الّله فما له من‬
‫الموصلة إلى الّله وإلى دار كرامته‪} .‬ومن ي ُ ْ‬
‫هاٍد{‪ :‬لنه ليس لحد ٍ من المر شيٌء‪.‬‬
‫ق{‪:‬‬
‫ب الخرة أش ّ‬ ‫ب في الحياة الدنيا ولعذا ُ‬ ‫}‪} {34‬لهم عذا ٌ‬
‫دته ودوامه‪} .‬وما لهم من الّله من وا ٍ‬
‫ق{‪:‬‬ ‫دنيا؛ لش ّ‬ ‫من عذاب ال ّ‬
‫جهه إليهم ل مانع منه‪.‬‬‫ه إذا و ّ‬
‫ه[؛ فعذاب ُ ُ‬‫ب ]الل ّ ِ‬
‫يقيهم من عذا ِ‬
‫ﭿ ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛﭜ ﭝ ﭞ ﭟﭠ ﭡ ﭢ ﭣ‬
‫ﭤﭥ ﭦ ﭧ ﭨ ﭩ ﭾ ‪.‬‬
‫عد َ المّتقون{‪ :‬الذين‬ ‫ل الجنة التي وُ ِ‬‫مث َ ُ‬
‫}‪ {35‬يقول تعالى‪َ } :‬‬
‫صروا فيما أمرهم به؛ أي‪ :‬صفتها‬ ‫تركوا ما نهاهم الّله عنه‪ ،‬ولم يق ّ‬
‫وحقيقتها‪} ،‬تجري من تحتها النهار{‪ :‬أنهار العسل وأنهار الخمر‬
‫وأنهار اللبن وأنهار الماء التي تجري في غير أخدوٍد‪ ،‬فتسقي تلك‬
‫البساتين والشجار‪ ،‬فتحمل جميع أنواع الثمار‪} .‬أك ُُلها دائ ٌ‬
‫م‬
‫عقبى الذين اّتقوا{؛ أي‪ :‬عاقبتهم‬ ‫م أيضًا‪} .‬تلك ُ‬
‫وظّلها{‪ :‬دائ ٌ‬
‫عقبى الكافرين النار{‪ :‬فكم بين‬ ‫ومآلهم التي إليها يصيرون‪} .‬و ُ‬
‫الفريقين من الفرق المبين؟‬
‫ﭺ‬ ‫ﭶﭷ ﭸ ﭹ‬ ‫ﭿ ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ ﭯ ﭰﭱ ﭲ ﭳ ﭴ ﭵ‬
‫ﭻ ﭼ ﭽ ﭾ ﭿ ﮀﮁ ﮂ ﮃ ﮄ ﮅ ﮆ ﭾ ‪.‬‬
‫ب{؛ أي‪ :‬منّنا‬ ‫}‪ {36‬يقول تعالى‪} :‬والذين آت َْيناهم الكتا َ‬
‫عليهم به وبمعرفته‪} ،‬يفرحون بما أنزل إليك{‪ :‬فيؤمنون به‬
‫دقونه ويفرحون بموافقة الكتب بعضها لبعض وتصديق بعضها‬ ‫ويص ّ‬
‫من‬
‫ن أهل الكتابين‪} .‬ومن الحزاب َ‬ ‫م ْ‬
‫ن آمن ِ‬ ‫بعضًا‪ ،‬وهذه حال َ‬
‫م ْ‬
‫ينك ُِر بعضه{؛ أي‪ :‬ومن طوائف الكفار المتحربين على الحقّ من‬
‫ينكر بعض هذا القرآن ول يصدقه؛ فمن اهتدى فلنفسه‪ ،‬ومن‬
‫ل عليها‪ ،‬إنما أنت يا محمد منذٌر تدعو إلى الّله‪.‬‬ ‫ل؛ فإنما يض ّ‬ ‫ض ّ‬
‫ت أن أعبد َ الّله ول أشرك به{؛ أي‪ :‬بإخلص الدين‬ ‫مْر ُ‬
‫}قل إّنما أ ِ‬
‫ب{؛ أي‪ :‬مرجعي الذي أرجع به‬ ‫لّله وحده‪} .‬إليه أدعو وإليه مآ ِ‬
‫ت به من الدعوة إلى دينه والقيام بما‬ ‫إليه‪ ،‬فيجازيني بما قم ُ‬
‫أمرت به‪.‬‬
‫ﮓ ﮔ ﮕ ﮖ ﮗ ﮘ‬ ‫ﭿ ﮇ ﮈ ﮉ ﮊﮋ ﮌ ﮍ ﮎ ﮏ ﮐ ﮑ ﮒ‬
‫ﮙ ﮚ ﮛ ﭾ‪.‬‬
‫كما ً عربّيا{؛‬
‫ح ْ‬
‫}‪ {37‬أي‪ :‬ولقد أنزلنا هذا القرآن والكتاب } ُ‬
‫أي‪ :‬محكما ً متقنا ً بأوضح اللسنة وأفصح اللغات؛ لئل ّ يقع فيه ش ّ‬
‫ك‬
‫ده‬
‫ده ول ُيداهن فيه ول يّتبع ما يضا ّ‬ ‫ه‪ ،‬وليوجب أن ي ُّتبع وح َ‬ ‫واشتبا ٌ‬
‫عد رسوله ـ مع أنه‬ ‫ويناقضه من أهواء الذين ل يعلمون‪ ،‬ولهذا تو ّ‬
‫مُته أسوَته في الحكام‪،‬‬ ‫ن عليه بعصمته‪ ،‬ولتكون أ ّ‬ ‫م ـ ليمت ّ‬‫معصو ٌ‬
‫ت أهواءهم بعدما جاءك من العلم{‪ :‬البيّـن‪،‬‬ ‫فقال‪} :‬ولئن اّتبع َ‬
‫ي{‪:‬‬ ‫الذي ينهاك عن اّتباع أهوائهم‪} .‬ما لك من الّله من ولـ ّ‬
‫ق{‪ :‬يقيك من المر‬ ‫لك فيحصل لك المر المحبوب‪} .‬ول وا ٍ‬ ‫يتو ّ‬
‫المكروه‪.‬‬
‫ﮨ ﮩ ﮪ ﮫ ﮬ ﮭ ﮮﮮﮯ ﮰ‬ ‫ﭿ ﮜ ﮝ ﮞ ﮟ ﮠ ﮡ ﮢ ﮣ ﮤﮥ ﮦ ﮧ‬
‫ﮱ ﯓ ﯔ ﯕ ﯖ ﯗ ﯘ ﯙﯚ ﯛ ﯜ ﯝ ﯞ ﭾ‬

‫}‪ {38‬أي‪ :‬لست أول رسول أرسل إلى الناس حتى‬


‫جعَْلنا لهم‬ ‫كو َ‬ ‫سْلنا رسل ً من قبل ِ َ‬ ‫يستغربوا رسالتك‪ .‬فقد }أر َ‬
‫ج وذ ُّرّية كما‬ ‫ة{‪ :‬فل يعيبك أعداؤك بأن يكون لك أزوا ٌ‬ ‫أزواجا ً وذ ُّري ّ ً‬
‫كان لخوانك المرسلين؛ فليّ شيء يقدحون فيك بذلك وهم‬
‫يعلمون أن الرسل قبلك كذلك إل ّ لجل أغراضهم الفاسدة‬
‫ة اقترحوها؛ فليس لك من المر‬ ‫وأهوائهم‪ ،‬وإن طلبوا منك آي ً‬
‫ّ‬
‫ن الله{‪ :‬والله ل‬ ‫ّ‬ ‫شيء‪ .‬فما }كان لرسول أن يأتي بآيةٍ إل ّ بإذ ِ‬
‫ب{‪ :‬ل‬ ‫ل أجل كتا ٌ‬ ‫دره وقضاه‪} .‬لك ّ‬ ‫يأذن فيها إل ّ في وقتها الذي ق ّ‬
‫خر عنه‪ ،‬فليس استعجالهم باليات أو بالعذاب‬ ‫يتقدم عليه ول يتأ ّ‬
‫ل لما‬ ‫خر‪ ،‬مع أّنه تعالى فّعا ٌ‬ ‫دم الّله ما كتب أنه يؤ ّ‬ ‫ن يق ّ‬ ‫موجبا ً ل ْ‬
‫يريد‪.‬‬
‫ت{‪ :‬ما‬ ‫}‪} {39‬يمحو الّله ما يشاُء{‪ :‬من القدار‪} ،‬وي ُث ْب ِ ُ‬
‫مه وك ََتـَبه‬ ‫يشاء منها‪ ،‬وهذا المحو والتغيير في غير ما سبق به عل ُ‬
‫ل على‬ ‫ن ذلك محا ٌ‬ ‫ل ول تغييٌر؛ ل ّ‬ ‫ن هذا ل يقع فيه تبدي ٌ‬ ‫مه؛ فإ ّ‬ ‫قل ُ‬
‫م‬
‫ل‪ ،‬ولهذا قال‪} :‬وعنده أ ّ‬ ‫ص أو خل ٌ‬ ‫الّله أن يقع في عل ِ‬
‫مهِ نق ٌ‬
‫جعُ إليه سائر الشياء؛ فهو‬ ‫الكتاب{؛ أي‪ :‬اللوح المحفوظ الذي تر ِ‬
‫ب؛ فالتغيير والتبديل يقع في الفروع‬ ‫أصلها‪ ،‬وهي فروع ٌ ]له[ وشع ٌ‬
‫والشعب؛ كأعمال اليوم والليلة التي تكتبها الملئكة ويجعل الّله‬
‫سم في‬ ‫دى تلك السباب ما ُر ِ‬ ‫لثبوتها أسبابا ً ولمحوها أسبابًا‪ ،‬ل تتع ّ‬
‫اللوح المحفوظ؛ كما جعل الّله البّر والصلة والحسان من أسباب‬
‫طول العمر وسعة الرزق‪ ،‬وكما جعل المعاصي سببا ً لمحق بركة‬
‫الرزق والعمر‪ ،‬وكما جعل أسباب النجاة من المهالك والمعاطب‬
‫سببا ً للسلمة‪ ،‬وجعل التعّرض لذلك سببا ً للعطب؛ فهو الذي يدّبر‬
‫المور بحسب قدرته وإرادته‪ ،‬وما يدّبره منها ل يخالف ما قد‬
‫علمه وكتبه في اللوح المحفوظ‪.‬‬
‫ﯪﯧﯧ ﯫﯧﯧ ﯬﯧﯧ ﯭﯧﯧ ﯮﯧﯧ ﯯﯧﯧ ﯰﯧﯧ ﯱﯧﯧ ﯷ ﯷ‬ ‫ﭿﯟ ﯠ ﯡ ﯢ ﯣ ﯤ ﯥ ﯦ ﯧ ﯨ ﯩ‬
‫ﯷﯷ ﯷ ﯷ ﯷ ﯷ ﯷﯷ ﯼ ﯽ ﯾ ﯿ ﭾ ‪.‬‬
‫}‪ {40‬يقول تعالى لنبّيه محمد صلى الله عليه وسلم‪ :‬ل‬
‫عدون ]به[ من العذاب؛ فهم إن‬ ‫تعجل عليهم بإصابة ما يو َ‬
‫عدوا به‪:‬‬‫استمّروا على طغيانهم وكفرهم؛ فل بد ّ أن يصيَبهم ما وُ ِ‬
‫ك قبل‬ ‫قّر بذلك عينك‪ ،‬أو نتوفّي َن ّ َ‬ ‫ن نريّنك إّياه في الدنيا فَت َ َ‬ ‫إما أ ْ‬
‫إصابتهم؛ فليس ذلك شغل ً لك‪} .‬فإنما عليك البلغ{‪ :‬والتبيين‬
‫ب{‪ :‬فنحاسب الخلق على ما قاموا به مما‬ ‫للخلق‪} ،‬وعلينا الحسا ُ‬
‫عليهم وضّيعوه‪ ،‬ونثيبهم أو نعاقبهم‪.‬‬
‫عدا ً للمكذبين‪} :‬أو لم يروا أنا نأتي‬ ‫}‪ {41‬ثم قال متو ّ‬
‫صها من أطرافها{‪ :‬قيل‪ :‬بإهلك المكذبين واستئصال‬ ‫ق ُ‬
‫ض نن ُ‬
‫الر َ‬
‫الظالمين‪ ،‬وقيل‪ :‬بفتح بلدان المشركين ونقصهم في أموالهم‬
‫وأبدانهم‪ ،‬وقيل غير ذلك من القوال‪ .‬والظاهر ـ والّله أعلم ـ أ ّ‬
‫ن‬
‫ذبين جعل الّله يفتحها ويجتاحها‬ ‫ن أراضي هؤلء المك ّ‬ ‫المراد بذلك أ ّ‬
‫ل القوارع بأطرافها تنبيها ً لهم قبل أن يجتاحهم النقص ويوقع‬ ‫ح ّ‬‫وي ُ ِ‬
‫ّ‬
‫د‪ ،‬ولهذا قال‪} :‬والله يحكم ل‬ ‫ده أح ٌ‬ ‫الّله بهم من القوارع ما ل ير ّ‬
‫ي‬
‫ي والقدر ّ‬ ‫ه{‪ :‬ويدخل في هذا حكمه الشرع ّ‬ ‫م ِ‬
‫ب لحك ِ‬ ‫ق َ‬‫معَ ّ‬ ‫ُ‬
‫ي؛ فهذه الحكام التي يحكم الّله فيها توجد في غاية‬ ‫ّ‬ ‫والجزائ‬
‫الحكمة والتقان‪ ،‬ل خلل فيها ول نقص‪ ،‬بل هي مبنّية على‬
‫د‪ ،‬ول سبيل إلى القدح‬ ‫قبها أح ٌ‬
‫القسط والعدل والحمد؛ فل يتع ّ‬
‫فيها؛ بخلف حكم غيره؛ فإّنه قد يوافق الصواب وقد ل يوافقه‪.‬‬
‫ن كل ما‬ ‫}وهو سريع الحساب{؛ أي‪ :‬فل يستعجلوا بالعذاب؛ فإ ّ‬
‫ب‪.‬‬
‫ت فهو قري ٌ‬ ‫هو آ ٍ‬
‫ﯷﰎ ﯷ ﯷ‬ ‫ﭿ ﯷ ﯷ ﯷ ﯷ ﯷ ﯷ ﯷ ﯷﰈ ﰉ ﯷ ﯷ ﯷ‬
‫ﯷ ﰒ ﯷ ﯷ ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ ﭝ ﭞ ﭟ ﭠ‬
‫ﭡ ﭾ‪.‬‬
‫}‪ {42‬يقول تعالى‪} :‬وقد مكر الذين من قبلهم{‪ :‬برسلهم‬
‫ن عنهم مكرهم‪ ،‬ولم‬ ‫وبالحقّ الذي جاءت به الرسل‪ ،‬فلم ي ُغْ ِ‬
‫يصنعوا شيئًا؛ فإّنهم يحاربون الّله ويبارزونه‪} .‬فلله المكُر‬
‫جميعًا{؛ أي‪ :‬ل يقدر أحد ٌ أن يمكر مكرا ً إل ّ بإذنه وتحت قضائه‬
‫ن مكرهم سيعود عليهم‬ ‫وقدره؛ فإذا كانوا يمكرون بدينه؛ فإ ّ‬
‫س{؛ أي‪:‬‬ ‫ل نف ٍ‬‫بك ّ‬‫س ُ‬ ‫ن الّله }يعلم ما تك ِ‬‫بالخيبة والندم؛ فإ ّ‬
‫همومها وإراداتها وأعمالها الظاهرة والباطنة‪ ،‬والمكر ل بد ّ أن‬
‫يكون من كسبها؛ فل يخفى على الّله مكرهم‪ ،‬فيمتنع أن يمكروا‬
‫فار لمن‬ ‫مكرا ً يضّر الحقّ وأهله ويفيدهم شيئًا‪} .‬وسيعلم الك ّ‬
‫ة‬
‫ن العاقب َ‬ ‫عقبى الدار{؛ أي‪ :‬أ َل َه َ‬
‫سِله؟ ومن المعلوم أ ّ‬ ‫م أوْ ل ُِر ُ‬‫ُ ْ‬ ‫ُ‬
‫ماِله‪.‬‬ ‫َ‬ ‫ن ل ِل ْك ُ ْ‬
‫ر‪ ،‬وَأع ْ َ‬ ‫ف ِ‬ ‫قي َ‬
‫للمت ّ ِ‬
‫ذبونك‬ ‫ل{؛ أي‪ :‬يك ّ‬ ‫ت مرس ً‬ ‫}‪} {43‬ويقول الذين كفروا لس َ‬
‫ذبون ما أرسلت به‪} .‬قل{ لهم إن طلبوا على ذلك شهيدًا‪:‬‬ ‫ويك ّ‬
‫}كفى بالّله شهيدا ً بيني وبيَنكم{‪ :‬وشهادته بقوله وبفعله وإقراره‪:‬‬
‫ت به رسالته‪.‬‬ ‫أما قوله؛ فبما أوحاه الّله إلى أصدق خلقه مما ي ُث ْب ِ ُ‬
‫ن الّله تعالى أّيد رسوله ونصره نصرا ً خارجا ً عن‬ ‫وأما فعله؛ فل ّ‬
‫قدرته وقدرة أصحابه وأتباعه‪ ،‬وهذا شهادة ٌ منه له بالفعل‬
‫)‪(1‬‬
‫والتأييد‪ ،‬وأما إقراره؛ فإّنه أخبر الرسول عنه أنه رسول ‪ ،‬وأنه‬
‫ن الّله وكرامته‪ ،‬ومن لم‬ ‫أمر الناس باتباعه؛ فمن اّتبعه؛ فله رضوا ُ‬
‫ل له ماُله ودمه‪ ،‬والّله يقّره على‬ ‫يّتبعه؛ فله النار والسخط‪ ،‬وح ّ‬
‫ول عليه بعض القاويل؛ لعاجله بالعقوبة‪.‬‬ ‫ذلك؛ فلو تق ّ‬
‫ل علماء أهل‬ ‫ل لك ّ‬ ‫م الكتاب{‪ :‬وهذا شام ٌ‬ ‫ده عل ُ‬ ‫ن عن َ‬ ‫م ْ‬ ‫}و َ‬
‫ق‪ ،‬صّرح‬ ‫الكتابين؛ فإّنهم يشهدون للرسول‪ ،‬من آمن واّتبع الح ّ‬
‫ن عنده‬ ‫بتلك الشهادة التي عليه‪ ،‬ومن كتم ذلك؛ فإخبار الّله عنه أ ّ‬
‫ة؛ لرد ّ استشهاده‬ ‫شهادة ً أبلغ من خبره‪ ،‬ولو لم يكن عنده شهاد ٌ‬
‫ة‪ ،‬وإّنما أمر‬ ‫ل على أن عنده شهادة ً مكتوم ً‬ ‫بالبرهان؛ فسكوته يد ّ‬
‫ل أمر إنما‬ ‫الّله باستشهاد أهل الكتاب لّنهم أهل هذا الشأن‪ ،‬وك ّ‬
‫ن هو‬ ‫م ْ‬ ‫ُيستشهد فيه أهله ومن هم أعلم به من غيرهم؛ بخلف َ‬
‫ي عنه؛ كالمّيين من مشركي العرب وغيرهم؛ فل فائدة في‬ ‫أجنب ّ‬
‫استشهادهم؛ لعدم خبرتهم ومعرفتهم‪ .‬والّله أعلم‪.‬‬
‫تم تفسير سورة الرعد‪.‬‬
‫والحمد لّله رب العالمين‪.‬‬

‫‪ - 1‬في )ب(‪» :‬رسوله«‪.‬‬


‫تفسير سورة إبراهيم عليه الصلة والسلم‬
‫وهي مكية‬

‫ﭽ ﭢﭣ ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ ﭨ ﭩ ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ ﭯ ﭰ ﭱ ﭲ ﭳ‬
‫ﭴ ﭵ ﭶ ﭷ ﭸ ﭹ ﭺ ﭻ ﭼﭽ ﭾ ﭿ ﮀ ﮁ ﮂ ﮃ ﮄ ﮅ ﮆ ﮇ ﮈ ﮉ‬
‫ﮊ ﮋ ﮌ ﮍ ﮎ ﮏﮐ ﮑ ﮒ ﮓ ﮔ ﮕ ﭼ ‪.‬‬
‫}‪ 1‬ـ ‪ {2‬يخبر تعالى أنه أنزل كتابه على رسوله محمد‬
‫صلى الله عليه وسلم؛ لنفع الخلق؛ ليخرج الناس من ظلمات‬
‫الجهل والكفر والخلق السّيئة وأنواع المعاصي إلى نور العلم‬
‫واليمان والخلق الحسنة‪ .‬وقوله‪} :‬بإذن رّبهم{؛ أي‪ :‬ل يحصل‬
‫ث‬ ‫منهم المراد المحبوب لّله إل بإرادةٍ من الّله ومعونة؛ ففيه ح ّ‬
‫سر النور الذي يهديهم إليه هذا‬ ‫للعباد على الستعانة بربهم‪ .‬ثم ف ّ‬
‫الكتاب‪ ،‬فقال‪} :‬إلى صراط العزيز الحميد{؛ أي‪ :‬الموصل إليه‬
‫وإلى دار كرامته‪ ،‬المشتمل على العلم بالحقّ والعمل به‪ .‬وفي‬
‫ن‬‫ذكر العزيز الحميد بعد ذكر الصراط الموصل إليه إشارة إلى أ ّ‬
‫سَلكه؛ فهو عزيٌز بعّز الّله‪ ،‬قويّ ولو لم يكن له أنصار إل ّ الّله‪،‬‬ ‫ن َ‬‫م ْ‬ ‫َ‬
‫ط اللهّ‬ ‫ن صرا َ‬ ‫ل ذلك على أ ّ‬‫محمود ٌ في أموره‪ ،‬حسن العاقبة‪ ،‬وليد ّ‬
‫من أكبر الدّلة على ما لّله من صفات الكمال ونعوت الجلل‪،‬‬
‫ن الذي نصبه لعباده عزيُز السلطان حميد ٌ في أقواله وأفعاله‬ ‫وأ ّ‬
‫وأحكامه‪ ،‬وأنه مألوه ٌ معبود ٌ بالعبادات التي هي منازل الصراط‬
‫المستقيم‪ ،‬وأنه كما أن له ملك السماوات والرض خلقا ً ورزقا ً‬
‫وتدبيرًا؛ فله الحكم على عباده بأحكامه الدينّية؛ لّنهم ملكه‪ ،‬ول‬
‫من لم‬ ‫عد َ‬
‫ى‪ .‬فلما بّين الدليل والبرهان؛ تو ّ‬‫كهم سد ً‬ ‫َيليق به أن يتُر َ‬
‫در‬‫د{‪ :‬ل يق ّ‬‫ب شدي ٍ‬
‫ل للكافرين من عذا ٍ‬ ‫قد ْ لذلك‪ ،‬فقال‪} :‬ووي ٌ‬ ‫ي َن ْ َ‬
‫ف أمره‪.‬‬
‫ص ُ‬‫دره‪ ،‬ول يو َ‬ ‫قَ ْ‬
‫دنيا على‬ ‫}‪ {3‬ثم وصفهم بأنهم الذين استحبوا }الحياة ال ّ‬
‫الخرة{‪ :‬فرضوا بها واطمأنوا وغفلوا عن الدار الخرة‪.‬‬
‫صبها لعباده وبّينها‬ ‫دون{ الناس }عن سبيل الّله{‪ :‬التي ن َ َ‬ ‫}ويص ّ‬
‫في كتبه وعلى ألسنة رسله؛ فهؤلء قد ناَبذوا مولهم بالمعاداة‬
‫والمحاربة‪} .‬وي َْبغونها{؛ أي‪ :‬سبيل الّله }عوجًا{؛ أي‪ :‬يحرصون‬
‫على تهجينها وتقبيحها للتنفير عنها‪ ،‬ولكن يأبى الّله إل أن ي ُت ِ ّ‬
‫م‬
‫كر وصفهم }في ضلل‬ ‫نوره ولو كره الكافرون‪} .‬أولئك{‪:‬الذين ذ ُ ِ‬
‫ي‬
‫ه وحاربوهما؛ فأ ّ‬ ‫ه ورسول َ ُ‬ ‫بعيد{‪ :‬لنهم ضّلوا وأضّلوا وشاّقوا الل ّ َ‬
‫ضلل أبعد ُ من هذا؟! وأما أهل اليمان؛ فبعكس هؤلء؛ يؤمنون‬
‫بالّله وآياته‪ ،‬ويستحّبون الخرة على الدنيا‪ ،‬ويدعون إلى سبيل‬
‫الّله‪ ،‬ويح ّ‬
‫سنونها مهما أمكنهم‪ ،‬ويبينون استقامتها‪.‬‬
‫ﭽ ﮖ ﮗ ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ ﮜ ﮝ ﮞﮟ ﮠ ﮡ ﮢ ﮣ ﮤ ﮥ ﮦﮧ ﮨ ﮩ‬
‫ﮪ ﮫ ﭼ‪. .‬‬
‫}‪ {4‬وهذا من لطفه بعباده أّنه ما أرسل رسول ً إل بلسان‬
‫كنون من تعّلم ما أتى به‪،‬‬ ‫قومه؛ ليبيّـن لهم ما يحتاجون إليه‪ ،‬ويتم ّ‬
‫)‪(1‬‬
‫بخلف ما لو أتى على غير لسانهم؛ فإنهم يحتاجون إلى تعّلم‬
‫تلك اللغة التي يتكّلم بها‪ ،‬ثم يفهمون عنه‪ .‬فإذا بّين ]لهم[‬
‫جة الّله؛ }فيض ّ‬
‫ل‬ ‫الرسول ما أمروا به وُنهوا عنه وقامت عليهم ح ّ‬
‫من لم ينقد ْ للهدى‪} ،‬وَيـْهدي من يشاء{‪:‬‬ ‫من يشاء{‪ :‬مـ ّ‬ ‫الّله َ‬
‫صه برحمته‪} .‬وهو العزيز الحكيم{‪ :‬الذي من عزته أنه‬ ‫من اخت ّ‬ ‫مـ ّ‬
‫انفرد بالهداية والضلل وتقليب القلوب إلى ما شاء‪ ،‬ومن حكمته‬
‫أنه ل يضع هدايته ول إضلله إل بالمحل اللئق به‪.‬‬
‫ويستدل بهذه الية الكريمة على أن علوم العربية الموصلة‬
‫ة لّله؛ لّنه ل‬
‫ة محبوب ٌ‬
‫إلى تبيّـن كلمه وكلم رسوله أموٌر مطلوب ٌ‬
‫م معرفة ما أنزل على رسوله إل بها‪ ،‬إل إذا كان الناس في‬ ‫يت ّ‬
‫)‪(2‬‬
‫حالة ل يحتاجون إليها‪ ،‬وذلك إذا تمّرنوا على العربية‪ ،‬ونشأ‬
‫ة لهم؛ فحينئذ ٍ قد اكتفوا المؤنة‪،‬‬
‫عليها صغيرهم‪ ،‬وصار طبيع ً‬
‫قى‬‫وا عن الّله وعن رسوله ابتداًء‪ ،‬كما تل ّ‬ ‫وصلحوا على أن )‪ (3‬ي َت َل َ ّ‬
‫ق ْ‬
‫عنهم الصحابة رضي الّله عنهم‪.‬‬
‫ﭽ ﮬ ﮭ ﮮﮮ ﮯ ﮰ ﮱ ﯓ ﯔ ﯕ ﯖ ﯗ ﯘ ﯙ ﯚﯛ ﯜ ﯝ ﯞ ﯟ‬
‫ﯠ ﯡ ﯢ ﯣ ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ ﭝ ﭞ ﭟ ﭠ ﭡ ﭢ‬
‫ﭣ ﭤﭥ ﭦ ﭧ ﭨ ﭩ ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ ﭯ ﭰ ﭱ ﭲﭳ ﭴ ﭵ ﭶ‬
‫ﭷ ﭸ ﭹ ﭺ ﭻ ﭼ ﭽ ﭾ ﭿ ﮀ ﮁ ﮂ ﮃ ﮄ ﮅ ﮆ ﮇ ﭼ‪.‬‬
‫}‪ {5‬يخبر تعالى أنه أرسل موسى بآياته العظيمة الداّلة‬
‫حته‪ ،‬وأمره بما أمر الّله به رسوله‬ ‫على صدق ما جاء به وص ّ‬
‫محمدا ً صلى الله عليه وسلم‪ ،‬بل وبما أمر به جميع الرسل‬
‫ظلمات إلى النور{؛ أي‪ :‬ظلمات‬ ‫ج قومك من ال ّ‬ ‫خرِ ْ‬
‫قومهم‪} :‬أن أ ْ‬
‫الجهل والكفر وفروعه إلى نور العلم واليمان وتوابعه‪} .‬وذك ّْرهم‬
‫بأيام الّله{؛ أي‪ :‬بنعمه عليهم وإحسانه إليهم‪ ،‬وبأّيامه في المم‬
‫ن‬
‫ذبين ووقائعه بالكافرين؛ ليشكروا نعمه وليحذروا عقابه‪} .‬إ ّ‬ ‫المك ّ‬
‫ت لك ّ‬
‫ل صّباٍر‬ ‫ّ‬
‫في ذلك{؛ أي‪ :‬في أيام الله على العباد‪} ،‬ليا ٍ‬

‫‪ -‬في )ب(‪» :‬إلى أن يتعلموا«‪.‬‬ ‫‪1‬‬

‫‪ -‬في )ب(‪» :‬بحالة«‪.‬‬ ‫‪2‬‬

‫‪ -‬في )ب(‪» :‬وصلحوا لن«‪.‬‬ ‫‪3‬‬


‫شكور{؛ أي‪ :‬صبار في الضّراء والعسر والضيق‪ ،‬شكور على‬
‫ل بأيامه على كمال قدرته وعميم‬ ‫السراء والنعمة؛ فإّنه يستد ّ‬
‫إحسانه وتمام عدله وحكمته‪.‬‬
‫كرهم‬ ‫}‪ {6‬ولهذا امتثل موسى عليه السلم أمر رّبه‪ ،‬فذ ّ‬
‫نعم الّله‪ ،‬فقال‪} :‬اذكروا نعمة الّله عليكم{؛ أي‪ :‬بقلوبكم‬
‫ن يسومونكم{؛ أي‪ُ :‬يوُلونكم‪،‬‬ ‫وألسنتكم‪} ،‬إذ أنجاكم من آل فرعو َ‬
‫سر ذلك بقوله‪} :‬ويذّبحون‬ ‫}سوء العذاب{؛ أي‪ :‬أشده‪ .‬وف ّ‬
‫ن‪} .‬وفي‬ ‫ن فل يقتلونه ّ‬ ‫حيون نساءكم{؛ أي‪ :‬يبقونه ّ‬ ‫ست َ ْ‬
‫أبناءكم وي َ ْ‬
‫م{؛ أي‪ :‬نعمة عظيمة‪ ،‬أو‬ ‫ذلكم{‪ :‬النجاء }بلٌء من رّبكم عظي ٌ‬
‫وفي ذلكم العذاب الذي ابُتليتم به من فرعون وملئه ابتلٌء من‬
‫م لكم لينظر هل تصبرون أم ل‪.‬‬ ‫الّله عظي ٌ‬
‫ذن رّبكم{؛‬ ‫}‪ {7‬وقال لهم حاّثا على شكر نعم الّله‪} :‬وإذ ْ تأ ّ‬
‫أي‪ :‬أعلم ووعد‪} ،‬لئن شكرُتم لزيدّنكم{‪ :‬من نعمي‪} ،‬ولئن‬
‫ن يزيل عنهم النعمة التي‬ ‫د{‪ :‬ومن ذلك أ ْ‬ ‫كفرُتم إن عذابي لشدي ٌ‬
‫أنعم بها عليهم‪ .‬والشكُر‪ :‬هو اعتراف القلب بنعم الّله‪ ،‬والثناء‬
‫على الّله بها‪ ،‬وصرفها في مرضاة الّله تعالى‪ .‬وكفر النعمة ضد ّ‬
‫ذلك‪.‬‬
‫فروا أنتم ومن في الرض‬ ‫}‪} {8‬وقال موسى إن تك ُ‬
‫د‪ ،‬فالطاعات ل‬ ‫ن الّله غن ٌ‬
‫ي حمي ٌ‬ ‫جميعًا{‪ :‬فلن تضّروا الّله شيئًا‪ ،‬فإ ّ‬
‫تزيد في ملكه‪ ،‬والمعاصي ل تنقصه‪ ،‬وهو كامل الغنى‪ ،‬حميد ٌ في‬
‫ذاته وأسمائه وصفاته وأفعاله‪ ،‬ليس له من الصفات إل كل صفة‬
‫حمد ٍ وكمال‪ ،‬ول من السماء إل كل اسم حسن‪ ،‬ول من الفعال‬
‫إل ّ كل فعل جميل‪.‬‬
‫ﭽ ﮈ ﮉ ﮊ ﮋ ﮌ ﮍ ﮎ ﮏ ﮐ ﮑﮒ ﮓ ﮔ ﮕ ﮖ ﮗ ﮘ ﮙ‬
‫ﮦ ﮧ ﮨ ﮩ ﮪ ﮫ ﮬ ﮭ ﮮﮮ ﮯ‬ ‫ﮚﮛ ﮜ ﮝ ﮞ ﮟ ﮠ ﮡ ﮢ ﮣ ﮤ ﮥ‬
‫ﮰ ﮱ ﯓ ﯔ ﯕ ﯖ ﯗ ﯘ ﯙ ﯚﯛ ﯜ ﯝ ﯞ ﯟ ﯠ ﯡ ﯢ ﯣ ﯤﯥ ﯦ ﯧ ﯨ ﯩ ﯪﯧﯧ‬
‫ﯫﯧﯧ ﯬﯧﯧ ﯭﯧﯧ ﯮﯧﯧ ﯯﯧﯧ ﯰﯧﯧ ﯱﯧﯧ ﯷ ﯷ ﯷ ﯷ ﯷ ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ‬
‫ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ ﭨ ﭩ ﭪﭫ ﭬ‬ ‫ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ ﭝ ﭞ ﭟ ﭠﭡ ﭢ ﭣ‬
‫ﭭ ﭮ ﭯ ﭰ ﭱ ﭲ ﭳ ﭴ ﭵ ﭶ ﭷ ﭸ ﭹﭺ ﭻ ﭼ ﭽ ﭾﭿ ﮀ ﮁ‬
‫ﮂ ﮃ ﮄ ﭼ‪.‬‬
‫ذبة حين‬ ‫وفا ً عباده ما أحّله بالمم المك ّ‬ ‫}‪ {9‬يقول تعالى مخ ّ‬
‫ذبوهم‪ ،‬فعاقبهم بالعقاب العاجل الذي رآه‬ ‫جاءتهم الرسل فك ّ‬
‫م نوح‬
‫كم نبأ الذين من قبلكم قو ُ‬ ‫الناس وسمعوه‪ ،‬فقال‪}:‬ألم يأت ِ ُ‬
‫د{‪ :‬وقد ذكر الّله قصصهم في كتابه وبسطها‪} .‬والذين‬ ‫وعاد ٍ وثمو َ‬
‫ّ‬
‫مهم إل ّ الله{‪ :‬من كثرتهم وكون أخبارهم‬ ‫دهم ل يعل ُ‬‫من بع ِ‬
‫ت{؛ أي‪ :‬بالدلة‬ ‫اندرست؛ فهؤلء كّلهم }جاءتهم رسُلهم بالبينا ِ‬
‫الداّلة على صدق ما جاؤوا به‪ ،‬فلم يرسل الّله رسول ً إل آتاه من‬
‫ن على مثل ِهِ البشُر؛ فحين أتتهم رسُلهم بالبينات؛ لم‬ ‫م ُ‬ ‫اليات ما يؤ ِ‬
‫دوا أيد َِيهم في أفواههم{؛ أي‪:‬‬ ‫ينقادوا لها‪ ،‬بل استكبروا عنها‪} ،‬فر ّ‬
‫ل على‬ ‫وهوا بشيء مما يد ّ‬ ‫لم يؤمنوا بما جاؤوا به‪ ،‬ولم يتف ّ‬
‫حذ ََر‬ ‫ق َ‬ ‫ع ِ‬ ‫اليمان؛ كقوله‪} :‬جعلوا أصاب َِعهم في آذانهم من الصوا ِ‬
‫سلتم به‬ ‫ْ‬ ‫فْرنا بما أر ِ‬ ‫الموت{‪} .‬وقالوا{ صريحا ً لرسلهم‪} :‬إّنا ك َ َ‬
‫ب{؛ أي‪ :‬موقع في الريبة‪.‬‬ ‫ك مما تدعوننا إليه مري ٍ‬ ‫وإنا لفي ش ّ‬
‫ت{ لهم‬ ‫}‪ {10‬وقد كذبوا في ذلك وظلموا‪ ،‬ولهذا }قال ْ‬
‫ك{؛ أي‪ :‬فإنه أظهر الشياء وأجلها؛ فمن‬ ‫سُلهم أفي الّله ش ّ‬ ‫}ر ُ‬
‫ض{‪ :‬الذي وجود الشياء‬ ‫ت والر ِ‬ ‫ك في الّله }فاطرِ السمـوا ِ‬ ‫ش ّ‬ ‫َ‬
‫ة بشيء من المعلومات‪،‬‬ ‫مستند ٌ إلى وجوده؛ لم يكن عنده ثق ٌ‬
‫ب من ل‬ ‫حتى المور المحسوسة‪ .‬ولهذا خاطبتهم الرسل خطا َ‬
‫ك فيه‪ ،‬ول يصلح الريب فيه‪} .‬يدعوكم{‪ :‬إلى منافعكم‬ ‫يش ّ‬
‫خَركم إلى أجل‬ ‫ومصالحكم‪} ،‬ليغفَر لكم من ذنوبكم ويؤ ّ‬
‫مى{؛ أي‪ :‬ليثيبكم على الستجابة لدعوته بالثواب العاجل‬ ‫مس ّ‬
‫دوا‬ ‫عكم لينتفع بعبادتكم‪ ،‬بل النفع عائد إليكم‪ .‬فر ّ‬ ‫والجل‪ ،‬فلم يد ُ‬
‫ن أنتم إل ّ‬ ‫على رسلهم رد ّ السفهاء الجاهلين‪} ،‬وقالوا{ لهم‪} :‬إ ْ‬
‫ضلوننا بالنبوة والرسالة؟ }تريدون أن‬ ‫بشٌر مثُلنا{؛ أي‪ :‬فكيف ت َ ْ‬
‫ف ُ‬
‫ك رأي الباء وسيرتهم‬ ‫دونا عما كان يعبد آباؤنا{‪ :‬فكيف نتُر ُ‬ ‫تص ّ‬
‫ن‬‫لرأيكم؟! وكيف نطيعكم وأنتم بشٌر مثلنا؟! }فأتونا بسلطا ٍ‬
‫جة وبّينة ظاهرة‪ ،‬ومرادهم بّينة يقترحونها هم‪ ،‬وإل ّ‬ ‫ن{؛ أي‪ :‬بح ّ‬ ‫مبي ٍ‬
‫ن رسلهم جاءتهم بالبينات‪.‬‬ ‫دم أ ّ‬ ‫؛ فقد تق ّ‬
‫)‪(1‬‬
‫}‪} {11‬قالت لهم رسلهم{ مجيبين لقتراحهم‬
‫واعتراضهم‪} :‬إن نحن إل ّ بشٌر مثُلكم{؛ أي‪ :‬صحيح وحقيقة أّنا‬
‫ق؛‬‫بشٌر مثلكم‪} .‬ولكن{ ليس في ذلك ما يدفعُ ما جئنا به من الح ّ‬
‫ن الّله علينا‬ ‫ه{؛ فإذا م ّ‬ ‫من يشاء من عباد ِ ِ‬ ‫ن على َ‬ ‫م ّ‬ ‫ن }الّله ي َ ُ‬ ‫فإ ّ‬
‫جَر‬‫ح ُ‬ ‫بوحيه ورسالته؛ فذلك فضله وإحسانه‪ ،‬وليس لحد ٍ أن َيـ ْ‬
‫ن‬‫على الّله فضله ويمنعه من تفضله؛ فانظروا ما جئناكم به؛ فإ ْ‬
‫دوه‪ ،‬ول تجعلوا حالنا‬ ‫قا؛ فاقبلوه‪ ،‬وإن كان غير ذلك؛ فر ّ‬ ‫كان ح ّ‬
‫ن‬
‫جة لكم على رد ّ ما جئناكم به‪ ،‬وقولكم‪} :‬فائتونا بسلطا ٍ‬ ‫ح ّ‬
‫ن هذا ليس بأيدينا وليس لنا من المر شيء‪} .‬وما كان‬ ‫مبين{‪ ،‬فإ ّ‬
‫ن إل ّ بإذن الّله{‪ :‬فهو الذي إن شاء جاءكم به‬ ‫لنا أن نأت َِيكم بسلطا ٍ‬
‫كم به‪ ،‬وهو ل يفعل إل ّ ما هو مقتضى حكمته‬ ‫وإن شاء لم يأت ِ ُ‬
‫كل المؤمنون{‪:‬‬ ‫ورحمته‪} .‬وعلى الّله{‪ :‬ل على غيره‪} ،‬فليتو ّ‬

‫‪ -‬في )ب(‪» :‬عن اقتراحهم«‪.‬‬ ‫‪1‬‬


‫فيعتمدون عليه في جلب مصالحهم ودفع مضاّرهم؛ لعلمهم بتمام‬
‫كفايته وكمال قدرت ِهِ وعميم إحسانه‪ ،‬ويثقون به في تيسير ذلك‪،‬‬
‫كلهم‪ .‬فُعلم بهذا وجوب‬ ‫ن تو ّ‬ ‫وبحسب ما معهم من اليمان يكو ُ‬
‫كل وأّنه من لوازم اليمان ومن العبادات الكبار التي يحّبها‬ ‫التو ّ‬
‫الّله ويرضاها لتوّقف سائر العبادات عليه‪.‬‬
‫سب َُلنا{؛‬ ‫كل على الّله وقد هدانا ُ‬ ‫}‪} {12‬وما لنا أن ل نتو ّ‬
‫كل على الّله والحال أننا على الح ّ‬
‫ق‬ ‫أي‪ :‬أيّ شيء يمنعنا من التو ّ‬
‫ن هداه يوجب له تمام‬ ‫والهدى‪ ،‬ومن كان على الحقّ والهدى؛ فإ ّ‬
‫فل بمعونة المهتدي‬ ‫ن الّله متك ّ‬ ‫م من أ ّ‬ ‫كل‪ ،‬وكذلك ما ي ُعْل َ ُ‬ ‫التو ّ‬
‫وكفايته‪ ،‬يدعو إلى ذلك؛ بخلف من لم يكن على الحقّ والهدى؛‬
‫كل؟!‬ ‫ة لحال المتو ّ‬ ‫ن حاله مناقض ٌ‬ ‫فإّنه ليس ضامنا ً على الّله؛ فإ ّ‬
‫وفي هذا كالشارة من الرسل عليهم الصلة والسلم لقومهم‬
‫ن لهم القهر والغلبة‬ ‫ن قومهم في الغالب أ ّ‬ ‫ة‪ ،‬وهو أ ّ‬ ‫بآيةٍ عظيم ٍ‬
‫كلون على الله في دفع كيدهم‬ ‫ّ‬ ‫دتهم رسلهم بأّنهم متو ّ‬ ‫ُ‬ ‫عليهم‪ ،‬فتح ّ‬
‫ومكرهم‪ ،‬وجازمون بكفايته إّياهم‪ ،‬وقد كفاهم الّله شّرهم مع‬
‫ق‪ ،‬فيكون هذا‬ ‫حرصهم على إتلفهم وإطفاء ما معهم من الح ّ‬
‫ه‪} :‬يا قوم إن كان ك َب َُر عليكم مقامي وتذكيري‬ ‫م ِ‬
‫كقول نوح لقو ِ‬
‫مل‬ ‫شركاَءكم ث ّ‬ ‫معوا أمَركم و ُ‬ ‫ت فأج ِ‬ ‫بآيات الّله فعلى الّله توك ّل ْ ُ‬
‫ن‪ {...‬اليات‪،‬‬ ‫ظرو ِ‬ ‫ي ول ُتن ِ‬ ‫مة ثم اقضوا إلـ ّ‬ ‫ن أمُركم عليكم غ ُ ّ‬ ‫يك ْ‬
‫شَهدوا أني بريءٌ‬ ‫ّ‬
‫شهِد ُ الله وا ْ‬ ‫ُ‬
‫ل إنّـي أ ْ‬ ‫وقول هود عليه السلم‪} :‬قا َ‬
‫ن{‪.‬‬
‫ظرو ِ‬ ‫ن من دون ِهِ فكيدوني جميعا ً ثم ل ُتن ِ‬ ‫ركو َ‬ ‫مما تش ِ‬
‫ظكم‬ ‫ن على دعوِتكم ووع ِ‬ ‫ن على ما آذ َي ُْتمونا{‪ :‬ولنستمر ّ‬ ‫}ول َن َ ْ‬
‫صب َِر ّ‬
‫طن‬ ‫وتذكيركم‪ ،‬ول نبالي بما يأتينا منكم من الذى؛ فإّنا سنو ّ‬
‫أنفسنا على ما ينالنا منكم من الذى؛ احتسابا ً للجر ونصحا ً لكم‪،‬‬
‫ده ل‬ ‫ل الّله أن يهد َِيكم مع كثرة التذكير‪} .‬وعلى الّله{‪ :‬وح َ‬ ‫لع ّ‬
‫كل عليه مفتاح لكل‬ ‫ن التو ّ‬ ‫كلون{‪ :‬فإ ّ‬ ‫كل المتو ّ‬ ‫على غيره‪} ،‬فليتو ّ‬
‫خير‪.‬‬
‫كلهم في أعلى‬ ‫واعلم أن الرسل عليهم الصلة والسلم تو ّ‬
‫كل على الّله في إقامة دينه‬ ‫المطالب وأشرف المراتب‪ ،‬وهي التو ّ‬
‫ضلل عنهم‪ .‬وهذا أكمل ما يكون‬ ‫ونصره وهداية عبيده وإزالة ال ّ‬
‫كل‪.‬‬ ‫من التو ّ‬
‫ﭽ ﮅ ﮆ ﮇ ﮈ ﮉ ﮊ ﮋ ﮌ ﮍ ﮎ ﮏﮐ ﮑ ﮒ ﮓ ﮔ ﮕ ﮖ‬
‫ﮞ ﮟ ﮠ ﮡ ﮢ ﮣ ﮤ ﮥ ﮦ ﮧ ﮨ ﮩ ﮪ ﮫ‬ ‫ﮗ ﮘ ﮙ ﮚﮛ ﮜ ﮝ‬
‫ﮬ ﮭ ﮮﮮ ﮯ ﮰ ﮱ ﯓ ﯔ ﯕ ﯖ ﯗ ﯘ ﯙ ﯚ ﯛ ﯜ ﯝﯞ ﯟ ﯠ ﯡ ﯢ ﯣ‬
‫ﭼ‪.‬‬
‫}‪ {13‬لما ذكر دعوة الرسل لقومهم ودوامهم على ذلك‬
‫وعدم مللهم؛ ذكر منتهى ما وصلت بهم الحال مع قومهم‪ ،‬فقال‪:‬‬
‫جّنكم من‬ ‫خرِ َ‬‫عدين لهم‪} :‬ل َن ُ ْ‬ ‫}وقال الذين كفروا لرسلهم{‪ :‬متو ّ‬
‫د‪ ،‬وليس‬ ‫مّلتنا{‪ :‬وهذا أبلغ ما يكون من الر ّ‬ ‫ن في ِ‬ ‫ضنا أو َلتعود ُ ّ‬ ‫أر ِ‬
‫بعد هذا فيهم مطمع؛ لّنه ما كفاهم أن أعرضوا عن الهدى‪ ،‬بل‬
‫ن‬
‫عدوهم بالخراج من ديارهم‪ ،‬ونسبوها إلى أنفسهم‪ ،‬وزعموا أ ّ‬ ‫تو ّ‬
‫ّ‬
‫ن الله أخرج‬ ‫ّ‬
‫الرسل ل حقّ لهم فيها‪ ،‬وهذا من أعظم الظلم؛ فإ ّ‬
‫خر لهم الرض وما عليها‬ ‫عباده إلى الرض‪ ،‬وأمرهم بعبادته‪ ،‬وس ّ‬
‫يستعينون بها على عبادته؛ فمن استعان بذلك على عبادة الّله؛‬
‫ل له ذلك وخرج من الت ِّبعة‪ ،‬ومن استعان بذلك على الكفر‬ ‫ح ّ‬
‫ل له‪ ،‬فعلم أن‬ ‫وأنواع المعاصي؛ لم يكن ذلك خالصا ً له ولم يح ّ‬
‫أعداء الرسل في الحقيقة ليس لهم شيء من الرض التي‬
‫ن‬‫جْعنا إلى مجّرد العادة؛ فإ ّ‬ ‫عدوا الرسل بإخراجهم منها‪ .‬وإن ر َ‬ ‫ت َوَ ّ‬
‫الرسل من جملة أهل بلدهم وأفراد منهم؛ فليّ شيء يمنعونهم‬
‫قا لهم صريحا ً واضحًا؟! هل هذا إل من عدم الدين والمروءة‬ ‫ح ّ‬
‫بالكلية؟! ولهذا لما انتهى مكرهم بالرسل إلى هذه الحال؛ ما‬
‫بقي حينئذ ٍ إل ّ أن ُيمضي الّله أمره وينصر أولياءه‪} .‬فأوحى إليهم‬
‫ن الظالمين{‪ :‬بأنواع العقوبات‪.‬‬ ‫رّبهم ل َن ُهْل ِك َ ّ‬
‫م الرض من بعدهم ذلك{؛ أي‪ :‬العاقبة‬ ‫سك ِن َن ّك ُ ُ‬‫}‪} {14‬ول َن ُ ْ‬
‫ن خاف‬ ‫م ْ‬ ‫ن ت َب َِعهم جزاء‪ِ} ،‬لـ َ‬ ‫م ْ‬‫الحسنة التي جعلها الّله للرسل و َ‬
‫مقامي{‪ :‬عليه في الدنيا‪ ،‬وراقب الّله مراقبة من يعلم أنه يراه‪،‬‬
‫ن عصاني؛ فأوجب له ذلك‬ ‫م ْ‬ ‫عدت به َ‬ ‫د{؛ أي‪ :‬ما تو ّ‬ ‫}وخاف وعي ِ‬
‫ّ‬
‫ه الله والمبادرة إلى ما يحّبه الله‪.‬‬ ‫ّ‬ ‫ما يكرهُ ُ‬ ‫النكفاف ع ّ‬
‫}‪} {15‬واستفتحوا{؛ أي‪ :‬الكفار؛ أي‪ :‬هم الذين طلبوا‬
‫ه بين أوليائه وأعدائه‪ ،‬فجاءهم ما‬ ‫ح الّله وفرقان َ ُ‬ ‫واستعجلوا فَت ْ َ‬
‫جل من عصاه بالعقوبة‪.‬‬ ‫م‪ ،‬ل يعا ِ‬ ‫استفتحوا به‪ ،‬وإل ّ ؛ فالّله حلي ٌ‬
‫د{؛ أي‪ :‬خسر في الدنيا والخرة من تجّبر‬ ‫ل جبارٍ عني ٍ‬ ‫}وخاب ك ّ‬
‫على الّله وعلى الحقّ وعلى عباد الّله‪] ،‬واستكبر[ )‪ (1‬في الرض‪،‬‬
‫وعاند الرسل‪ ،‬وشاّقهم‪.‬‬
‫م{؛ أي‪ :‬جهّنم لهذا الجبار العنيد‬
‫}‪} {16‬من ورائه جهن ّ ُ‬
‫بالمرصاد؛ فل بد ّ له من ورودها‪ ،‬فيذاق حينئذ ٍ العذاب الشديد‪.‬‬
‫د{‪ :‬في لونه وطعمه ورائحته الخبيثة‪ ،‬وهو‬ ‫سقى من ماٍء صدي ٍ‬ ‫}وي ُ ْ‬
‫في غاية الحرارة‪.‬‬

‫‪ -‬كذا في )ب(‪ .‬وفي ) أ (‪» :‬استكبروا«‪.‬‬ ‫‪1‬‬


‫ه{‪:‬‬ ‫عه{‪ :‬من العطش الشديد‪} ،‬ول يكاد ُ ُيسيغُ ُ‬ ‫جّر ُ‬
‫}‪} {17‬ي َت َ َ‬
‫فإنه إذا قرب إلى وجهه؛ شواه‪ ،‬وإذا وصل إلى بطنه؛ قطع ما‬
‫ل مكان وما هو‬ ‫ت من ك ّ‬ ‫أتى عليه من المعاء‪} ،‬ويأتيه المو ُ‬
‫ل نوع من أنواع العذاب‪،‬‬ ‫ت{؛ أي‪ :‬يأتيه العذاب الشديد من ك ّ‬ ‫بمي ّ ٍ‬
‫ن الّله قضى أن ل‬ ‫دته يبلغ إلى الموت‪ ،‬ولك ّ‬ ‫ل نوع منه من ش ّ‬ ‫وك ّ‬
‫ف‬
‫ف ُ‬‫خ ّ‬
‫قضى عليهم فيموتوا ول ُيـ َ‬ ‫يموتوا؛ كما قال تعالى‪} :‬ل ي ُ ْ‬
‫ل كفوٍر{‪ .‬وهم يصطرخون فيها‪،‬‬ ‫جزي ك ّ‬ ‫عنهم من عذابها كذلك ن َ ْ‬
‫ظ{؛ أي‪ :‬قويّ شديد ٌ‬ ‫ب غلي ٌ‬ ‫}ومن وراِئه{؛ أي‪ :‬الجبار العنيد }عذا ٌ‬
‫دته إل الّله تعالى‪.‬‬ ‫ل يعلم بوصفه وش ّ‬
‫ﯷ ﯷ ﯷ‬ ‫ﯰﯧﯧﯱﯧﯧ ﯷ‬ ‫ﯫﯧﯧ ﯬﯧﯧ ﯭﯧﯧ ﯮﯧﯧ ﯯﯧﯧ‬ ‫ﯧﯨ ﯩ ﯪﯧﯧ‬ ‫ﭽﯤ ﯥ ﯦ‬
‫ﯷ ﯷﯷ ﯷ ﯷ ﯷ ﯼ ﯽ ﭼ ‪.‬‬
‫}‪ {18‬يخّبر تعالى عن أعمال الكفار التي عملوها‪ :‬إما أن‬
‫ذهابها وبطلنها‬ ‫المراد بها العمال التي عملوها لّله بأّنها في َ‬
‫واضمحللها كاضمحلل الرماد الذي هو أدقّ الشياء وأخفها إذا‬
‫دت به الريح في يوم عاصف شديد الهبوب؛ فإّنه ل ُيبقي‬ ‫اشـتـ ّ‬
‫ل؛ فكذلك أعمال‬ ‫قد َُر منه على شيء يذهب ويضمح ّ‬ ‫ً‬
‫منه شيئا ول ي ُ ْ‬
‫ما كسبوا على شيء{‪ ،‬ول على مثقال ذّرة‬ ‫ن مـ ّ‬‫درو َ‬
‫الكفار‪} ،‬ل يق ِ‬
‫ي على الكفر والتكذيب‪} .‬ذلك هو الضلل البعيد{‪:‬‬ ‫منه؛ لّنه مبن ّ‬
‫ن المراد بذلك أعمال‬ ‫ما أ ّ‬‫ل عمُلهم‪ .‬وإ ّ‬ ‫ل سعُيهم واضمح ّ‬ ‫حيث ب َط َ َ‬
‫ق؛ فإّنهم يسعون ويكدحون‬ ‫الكفار التي عملوها ل َِيكيدوا بها الح ّ‬
‫في ذلك‪ ،‬ومكرهم عائد ٌ عليهم‪ ،‬ولن يضّروا الّله ورسله وجنده‬
‫وما معهم من الحقّ شيئًا‪.‬‬
‫ﭽ ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘﭙ ﭚ ﭛ ﭜ ﭝ ﭞ ﭟ ﭠ ﭡ ﭢ‬
‫ﭣ ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ ﭨ ﭩ ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ ﭯ ﭰ ﭱ ﭲ ﭳ ﭴ ﭵ‬
‫ﭶ ﭷ ﭸ ﭹ ﭺﭻ ﭼ ﭽ ﭾ ﭿ ﮀﮁ ﮂ ﮃ ﮄ ﮅ ﮆ ﮇ ﮈ ﮉ ﮊ ﮋ‬
‫ﭼ‪.‬‬
‫ت والرض‬ ‫خل َقَ السمـوا ِ‬ ‫}‪ {19‬ينّبه تعالى عباده بأّنه } َ‬
‫ق{؛ أي‪ :‬ليعبده الخلق ويعرفوه ويأمرهم وينهاهم‪ ،‬وليستدلوا‬ ‫بالح ّ‬
‫ن الذي‬ ‫بهما وما فيهما على ما له من صفات الكمال‪ ،‬وليعلموا أ ّ‬
‫خل َقَ السماوات والرض ـ على عظمهما وسعتهما ـ قادٌر على أن‬ ‫َ‬
‫ن قدرته‬ ‫دهم خلقا جديدا؛ ليجازَِيهم بإحسانهم وإساءتهم‪ ،‬وأ ّ‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫يعي َ‬
‫صُر عن ذلك‪.‬‬ ‫ق ُ‬ ‫ومشيئته ل ت َ ْ‬
‫ن‬‫د{‪ُ :‬يحتمل أ ّ‬ ‫ق جدي ٍ‬ ‫تب َ ْ‬ ‫شأ ي ُذ ْه ِْبكم ويأ ِ‬‫ن يَ َ‬
‫خل ٍ‬ ‫ولهذا قال‪} :‬إ ْ‬
‫ن يشأ ُيذهبكم ويأت بقوم غيركم يكونون أطوع َ لّله‬ ‫المعنى‪ :‬إ ْ‬
‫فنيكم ثم يعيدهم بالبعث خلقا ً‬ ‫ن يشأ ي ُ ْ‬ ‫ن المراد‪ :‬إ ْ‬ ‫منكم‪ .‬وُيحتمل أ ّ‬
‫ل على هذا الحتمال ما ذكره بعده من أحوال القيامة‪.‬‬ ‫جديدًا‪ .‬ويد ّ‬
‫ز{؛ أي‪ :‬بممتنع‪ ،‬بل هو‬ ‫}‪} {20‬وما ذلك على الّله بعزي ٍ‬
‫كم ول ب َعُْثكم إل كنفس واحدةٍ وهو الذي‬ ‫ق ُ‬‫خل ْ ُ‬
‫دا‪} ،‬ما َ‬ ‫ل عليه ج ّ‬ ‫سه ٌ‬
‫ن عليه{‪.‬‬ ‫ده وهو أهو ُ‬ ‫خْلق ثم يعي ُ‬ ‫يبدأ ال َ‬
‫خ في‬ ‫}‪} {21‬وبرزوا{؛ أي‪ :‬الخلئق }لّله جميعًا{‪ :‬حين ُينف ُ‬
‫الصور فيخرجون من الجداث إلى رّبهم‪ ،‬فيقفون في أرض‬
‫ف‪ ،‬ل ترى فيها عوجا ً ول أمتًا‪ ،‬ويبُرزون له‬ ‫مستوية‪ ،‬قاٍع صفص ٍ‬
‫ل يدفع‬ ‫جون‪ ،‬وكـ ّ‬ ‫ة؛ فإذا برزوا؛ صاروا يتحا ّ‬ ‫ليخفى عليه منهم خافي ٌ‬
‫عن نفسه ويدافع ما يقدر عليه‪ ،‬ولكن أّنى لهم ذلك؟! فيقول‬
‫}الضعفاء{؛ أي‪ :‬التابعون والمقّلدون‪} ،‬للذين استكبروا{‪ :‬وهم‬
‫ضلل‪} :‬إّنا كّنا لكم َتـَبعًا{؛ أي‪:‬‬ ‫المتبوعون الذين هم قادة في ال ّ‬
‫في الدنيا أمرتمونا بالضلل وزّينتموه لنا فأغويتمونا‪} .‬فهل أنتم{‬
‫مغنون عّنا من عذاب الّله من شيء{؛ أي‪ :‬ولو مثقال ذّرة‬ ‫اليوم } ُ‬
‫فلو }قالوا{؛ أي‪ :‬المتبوعون والرؤساء‪ :‬أغويناكم كما غوينا‪،‬‬
‫َفـ}لو هدانا الّله لهديناكم{؛ فل ُيغني أحد ٌ أحدًا‪} .‬سواٌء علينا‬
‫ص{؛‬ ‫محي ٍ‬ ‫صب َْرنا{‪ :‬عليه‪} .‬ما لنا من َ‬ ‫عنا{‪ :‬من العذاب‪} ،‬أم َ‬ ‫جزِ ْ‬
‫أ َ‬
‫ب لنا من عذاب الّله‪.‬‬ ‫مهَْر َ‬‫أي‪] :‬من[ ملجأ نلجأ إليه‪ ،‬ول َ‬
‫ﭽ ﮌ ﮍ ﮎ ﮏ ﮐ ﮑ ﮒ ﮓ ﮔ ﮕ ﮖ ﮗﮘ ﮙ ﮚ‬
‫ﮛ ﮜ ﮝ ﮞ ﮟ ﮠ ﮡ ﮢ ﮣﮤ ﮥ ﮦ ﮧ ﮨﮩ ﮪ ﮫ ﮬ ﮭ ﮮﮮ ﮯﮰ ﮱ ﯓ‬
‫ﯩ ﯪﯧﯧ ﯫﯧﯧ‬ ‫ﯔ ﯕ ﯖ ﯗﯘ ﯙ ﯚ ﯛ ﯜ ﯝ ﯞ ﯟ ﯠ ﯡ ﯢ ﯣ ﯤ ﯥ ﯦ ﯧ ﯨ‬
‫ﯬﯧﯧﯭﯧﯧ ﯮﯧﯧ ﯯﯧﯧ ﯰﯧﯧ ﯱﯧﯧ ﭼ ‪.‬‬
‫ل شّر يقع‬ ‫ب لك ّ‬ ‫}‪ {22‬أي‪} :‬وقال الشيطان{‪ :‬الذي هو سب ٌ‬
‫ي‬
‫ض َ‬ ‫ما قُ ِ‬‫ووقع في العالم خاطبا ً لهل النار ومتبرئا ً منهم‪} ،‬لـ ّ‬
‫دكم‬ ‫ن الّله وَع َ َ‬ ‫ة وأه ُ‬
‫ل النارِ الناَر‪} :‬إ ّ‬ ‫ل الجنةِ الجن َ‬ ‫المر{‪ :‬ودخل أه ُ‬
‫ق{‪ :‬على ألسنة رسله فلم تطيعوه؛ فلو أطعتموه؛‬ ‫وعد َ الح ّ‬
‫لدركتم الفوز العظيم‪} .‬ووعدُتكم{‪ :‬الخير‪} ،‬فأخلفُتكم{؛ أي‪ :‬لم‬
‫ل لكم ما مّنيتكم به من الماني الباطلة‪} .‬وما‬ ‫ص َ‬‫ل ولن يح ُ‬ ‫ص ْ‬ ‫يح ُ‬
‫ن{؛ أي‪ :‬من حجة على تأييد قولي‪} ،‬إل ّ‬ ‫كم من سلطا ٍ‬ ‫كان لي علي ُ‬
‫أن دعوُتكم فاستجبُتم لي{؛ أي‪ :‬هذه نهاية ما عندي أني دعوُتكم‬
‫مرادي وزّينته لكم فاستجبُتم لي اّتباعا ً لهوائكم وشهواتكم؛‬ ‫إلى ُ‬
‫فإذا كانت الحال بهذه الصورة؛ }فل تلوموني ولوموا أنفسكم{‪:‬‬
‫فأنتم السبب وعليكم المدار في موجب العقاب‪} .‬ما أنا‬
‫دة التي أنتم بها‪} ،‬وما أنتم‬ ‫كم{؛ أي‪ :‬بمغيثكم من الش ّ‬ ‫خ ُ‬ ‫بمصرِ ِ‬
‫ت بما‬ ‫ط من العذاب‪} .‬إّني كفر ُ‬ ‫ل له قس ٌ‬ ‫ي{‪ :‬ك ّ‬ ‫بمصرخ ّ‬
‫ل{؛ أي‪ :‬تبرأت من جعلكم لي شريكا ً مع الّله‪،‬‬ ‫ن من قب ُ‬ ‫أشركتمو ِ‬
‫ن الظالمين{‪ :‬لنفسهم‬ ‫فلست شريكا ً لّله‪ ،‬ول تجب طاعتي‪} .‬إ ّ‬
‫م{‪ :‬خالدين فيه أبدًا‪ .‬وهذا من‬
‫ب ألي ٌ‬
‫بطاعة الشيطان }لهم عذا ٌ‬
‫ذرهم من طاعة الشيطان‪ ،‬وأخبر بمداخل ِهِ‬ ‫لطف الّله بعباده أن ح ّ‬
‫التي يدخل منها على النسان ومقاصد ِهِ فيه‪ ،‬وأنه يقصد ُ أن يدخله‬
‫النيران‪.‬‬
‫ده )‪ (1‬؛ أّنه يتبّرأ منهم هذه‬
‫وهنا بّين لنا أّنه إذا دخل النار وجن ُ‬
‫ر‪ .‬واعلم أن الّله ذكر‬ ‫فر بشرك ِِهم‪ ،‬ول ينّبئك مثل خبي ٍ‬ ‫البراءة‪ ،‬ويك ُ‬
‫ن‪ ،‬وقال في آية أخرى‪} :‬إّنما‬ ‫في هذه الية أنه ليس له سلطا ٌ‬
‫ن{؛‬
‫ه والذين هم به مشركو َ‬ ‫ه على الذين َيـَتـوَل ّوْن َ ُ‬ ‫سْلطان ُ ُ‬‫ُ‬
‫جة والدليل‪ ،‬فليس له‬ ‫فالسلطان الذي نفاه عنه هو سلطان الح ّ‬
‫جة أصل ً على ما يدعو إليه‪ ،‬وإنما نهاية ذلك أن ُيقيم لهم من‬ ‫ح ّ‬
‫شَبه والتزيينات ما به يتجرؤون على الـمـعاصي‪ ،‬وأما السلطان‬ ‫ال ُ‬
‫الذي أثبته؛ فهو التسّلط بالغراء على المعاصي لوليائه يؤّزهم‬
‫إلى المعاصي أّزا‪ ،‬وهم الذين سّلطوه على أنفسهم بموالته‬
‫واللتحاق بحزبه‪ ،‬ولهذا ليس له سلطان على الذين آمنوا وعلى‬
‫كلون‪.‬‬ ‫رّبهم يتو ّ‬
‫}‪ {23‬ولما ذكر عقاب الظالمين؛ ذكر ثواب الطائعين‪،‬‬
‫ل الذين آمنوا وعملوا الصالحات{؛ أي‪ :‬قاموا بالدين‬ ‫فقال‪} :‬وأ ُد ْ ِ‬
‫خ َ‬
‫ت تجري من تحتها النهاُر{‪ :‬فيها من‬ ‫قول ً وعمل ً واعتقادًا‪} ،‬جنا ٍ‬
‫ت ول خطر على‬ ‫ن سمع ْ‬ ‫ت ول أذ ٌ‬‫ن رأ ْ‬‫شَهوات ما ل عي ٌ‬ ‫ذات وال ّ‬ ‫الل ّ ّ‬
‫وتهم‪ ،‬بل‬‫ن رّبهم{؛ أي‪ :‬ل بحولهم وق ّ‬ ‫ر‪} .‬خالدين فيها بإذ ِ‬ ‫قلب بش ٍ‬
‫ضهم بعضا ً‬‫م{؛ أي‪ :‬يحّيي بع ُ‬ ‫بحول الّله وقوته‪} .‬تحي ُّتهم فيها سل ٌ‬
‫بالسلم والتحية والكلم الطيب‪.‬‬
‫ﯷ ﯷ ﯷ ﯷ ﯷ ﯷ ﯷ ﯼ ﯽ ﯾ ﯿ ﯷ ﯷ‬ ‫ﭽﯷ ﯷ ﯷ‬
‫ﭔ ﭕ ﭖﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ ﭝ ﭞ ﭟ ﭠ ﭡ ﭢ‬ ‫ﭑ ﭒ ﭓ‬
‫ﭣ ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ ﭨ ﭩ ﭪ ﭫ ﭬ ﭼ‪.‬‬
‫ب الّله مثل ً كلم ً‬
‫ة‬ ‫ضَر َ‬
‫}‪ {24‬يقول تعالى‪} :‬ألم ت ََر كيف َ‬
‫ة{‪ :‬وهي شهادة أن ل إله إل الّله وفروعها }كشجرةٍ طيب ٍ‬
‫ة{‪:‬‬ ‫طيب ً‬
‫عها{‪ :‬منتشٌر }في‬ ‫ت{‪ :‬في الرض‪} .‬وفر ُ‬ ‫وهي النخلة }أصُلها ثاب ٌ‬
‫السماء{‪ :‬وهي كثيرة النفع دائمًا‪.‬‬
‫ل حين بإذن رّبها{‪:‬‬ ‫}‪} {25‬تؤتي أك َُلها{؛ أي‪ :‬ثمرتها‪} ،‬ك ّ‬
‫ت في قلب المؤمن علما ً‬ ‫فكذلك شجرة اليمان أصُلها ثاب ٌ‬
‫عها من الكلم الطّيب والعمل الصالح والخلق‬ ‫واعتقادًا‪ ،‬وفر ُ‬
‫المرضّية والداب الحسنة في السماء دائمًا‪ ،‬يصعَد ُ إلى الّله منه‬

‫‪ -‬في )ب(‪» :‬وحزبه«‪.‬‬ ‫‪1‬‬


‫جها شجرة اليمان‪ ،‬ما ينتفعُ به‬ ‫من العمال والقوال التي تخرِ ُ‬
‫ل للناس لعّلهم‬ ‫ب الّله المثا َ‬ ‫المؤمن وينتفع غيره‪} ،‬ويضرِ ُ‬
‫ن في ضرب المثال‬ ‫كرون{‪ :‬ما أمرهم به ونهاهم عنه؛ فإ ّ‬ ‫يتذ ّ‬
‫تقريبا ً للمعاني المعقولة من المثال المحسوسة‪ ،‬ويتبيّـن المعنى‬
‫الذي أراده الّله غاية البيان ويّتضح غاية الوضوح‪ ،‬وهذا من رحمته‬
‫مه‪ .‬فهذه صفة كلمة‬ ‫م الحمد وأكمله وأع ّ‬ ‫وحسن تعليمه؛ فلّله أت ّ‬
‫التوحيد‪ ،‬وثباُتها في قلب المؤمن‪.‬‬
‫دها‪ ،‬وهي كلمة الكفر وفروعها‪ ،‬فقال‪:‬‬ ‫}‪ {26‬ثم ذكر ض ّ‬
‫ة{‪ :‬المأكل والمطعم‪ ،‬وهي‬ ‫ل كلمةٍ خبيثة كشجرةٍ خبيث ٍ‬ ‫مث َ ُ‬‫}و َ‬
‫شجرة الحنظل ونحوها‪} .‬اجت ُّثت{‪ :‬هذه الشجرة }من فوق‬
‫الرض ما لها من قراٍر{؛ أي‪] :‬من[ ثبوت؛ فل عروق تمسكها‪ ،‬ول‬
‫ة؛ فهي ثمرة ٌ خبيثة‪،‬‬ ‫جد َ فيها ثمر ٌ‬ ‫ن وُ ِ‬
‫جها‪ ،‬بل إ ْ‬ ‫ثمرة صالحة تنت ِ ُ‬
‫ت نافعٌ في القلب‪ ،‬ول‬ ‫كذلك كلمة الكفر والمعاصي‪ ،‬ليس لها ثبو ٌ‬
‫ع‪،‬‬
‫ث يستضر به صاحبه‪ ،‬ول ينتف ُ‬ ‫ل خبي ٍ‬ ‫ث وعم ٍ‬ ‫ل خبي ٍ‬ ‫ل قو ٍ‬ ‫مُر إل ك ّ‬ ‫تث ِ‬
‫ل صالح‪ ،‬ول ينفع نفسه‪ ،‬ول ينتفع به‬ ‫ول يصعد ُ إلى الّله منه عم ٌ‬ ‫(‬ ‫‪1‬‬ ‫)‬

‫غيره‪.‬‬
‫ﭽ ﭭ ﭮ ﭯ ﭰ ﭱ ﭲ ﭳ ﭴ ﭵ ﭶ ﭷﭸ ﭹ ﭺ ﭻﭼ ﭽ ﭾ‬
‫ﭿ ﮀ ﮁ ﭼ‪.‬‬
‫}‪ {27‬يخبر تعالى أّنه يثّبت عباده المؤمنين؛ أي‪ :‬الذين‬
‫م‪ ،‬الذي يستلزم أعمال‬ ‫ي التا ّ‬
‫قاموا بما عليهم من اليمان القلب ّ‬
‫مرها‪ ،‬فيثبتهم الّله‪ :‬في الحياة الدنيا عند ورود‬ ‫الجوارح ويث ّ‬
‫الشبهات بالهداية إلى اليقين‪ ،‬وعند عروض الشهوات بالرادة‬
‫الجازمة على تقديم ما يحّبه الّله على هوى النفس ومرادها‪ ،‬وفي‬
‫ي والخاتمة‬
‫الخرة عند الموت بالثبات على الدين السلم ّ‬
‫الحسنة‪ ،‬وفي القبر عند سؤال الملكين للجواب الصحيح إذا قيل‬
‫للميت‪ :‬من رّبك؟ وما ديُنك؟ ومن نبّيك )‪(2‬؟ هداهم للجواب‬
‫م ديني‪ ،‬ومحمد ٌ‬ ‫ه رّبي‪ ،‬والسل ُ‬ ‫ل المؤمن‪ :‬الل ّ ُ‬
‫الصحيح بأن يقو َ‬
‫ل الّله الظالمين{‪ :‬عن الصواب في الدنيا والخرة‪،‬‬ ‫ض ّ‬‫نبّيي‪} .‬وي ِ‬
‫ّ‬
‫وما ظلمهم الله ولكّنهم ظلموا أنفسهم‪.‬‬

‫‪ - 1‬في )ب(‪» :‬فل«‪.‬‬


‫‪ - 2‬كما في حديث البراء بن عازب في قصة خروجه مع النبي صلى الله‬
‫عليه وسلم في جنازة رجل من النصار‪ :‬أخرجه المام أحمد )‪ 4/287‬و‬
‫‪ 288‬و ‪ 295‬و ‪ ،(296‬وأبو داود )‪ ،(4753‬والحاكم )‪ (1/37‬وقال‪» :‬صحيح‬
‫على شرط الشيخين« وأقره الذهبي‪ ،‬ووافقهما اللباني في »أحكام‬
‫الجنائز« ص)‪.(159‬‬
‫وفي هذه الية دللة على فتنة القبر وعذابه ونعيمه؛ كما‬
‫ي صلى الله عليه وسلم في الفتنة‬ ‫تواترت بذلك النصوص عن النب ّ‬
‫وصفتها ونعيم القبر وعذابه‪.‬‬
‫ﭽ ﮂ ﮃ ﮄ ﮅ ﮆ ﮇ ﮈ ﮉ ﮊ ﮋ ﮌ ﮍ ﮎ ﮏ ﮐ ﮑﮒ ﮓ ﮔ‬
‫ﮕ ﮖ ﮗ ﮘ ﮙ ﮚ ﮛﮜ ﮝ ﮞ ﮟ ﮠ ﮡ ﮢ ﮣ ﭼ ‪.‬‬
‫ذبين لرسوله من كفار‬ ‫}‪ {28‬يقول تعالى مبين ّا ً حال المك ّ‬
‫دلوا نعمة الّله‬ ‫ل إليه أمُرهم‪} :‬ألم ت ََر إلى الذين ب ّ‬ ‫قريش وما آ َ‬
‫كفرًا{‪ :‬ونعمة الّله هي إرسال محمد صلى الله عليه وسلم إليهم‬
‫دنيا والخرة وإلى النجاة من‬ ‫يدعوهم إلى إدراك الخيرات في ال ّ‬
‫دلوا هذه النعمة برّدها والكفر بها والصد ّ‬ ‫دنيا والخرة‪ ،‬فب ّ‬ ‫شرور ال ّ‬
‫مهم دار البواِر{‪:‬‬ ‫دهم غيرهم حتى }أحّلوا قو َ‬ ‫عنها بأنفسهم وص ّ‬
‫وهي النار؛ حيث تسّببوا لضللهم‪ ،‬فصاروا وبال ً على قومهم من‬
‫ن نفعهم‪ ،‬ومن ذلك أنهم زّينوا لهم الخروج يوم بدر‬ ‫حيث ي ُظ َ ّ‬
‫ل كثيٌر من‬ ‫ليحاربوا الّله ورسوله‪ ،‬فجرى عليهم ما جرى‪ ،‬وقُت ِ َ‬
‫كبرائهم وصناديدهم في تلك الوقعة‪.‬‬
‫ونها{؛ أي‪ :‬يحيط بهم حّرها من جميع‬ ‫صل َ ْ‬
‫}‪} {29‬جهنم ي َ ْ‬
‫جوانبهم‪} .‬وبئس القراُر{‪.‬‬
‫ضّلوا‬
‫}‪} {30‬وجعلوا لّله أندادًا{؛ أي‪ :‬نظراء وشركاء‪} ،‬لي ُ ِ‬
‫عن سبيله{؛ أي‪ :‬ليضّلوا العباد عن سبيل الّله بسبب ما جعلوا لّله‬
‫عدًا‪} :‬تمّتعوا{‬ ‫وهم إلى عبادتها‪} .‬قل{ لهم متو ّ‬ ‫من النداد ود َع َ ْ‬
‫ن مصيركم إلى‬ ‫ل؛ فليس ذلك بنافعكم‪} ،‬فإ ّ‬ ‫بكفركم وضللكم قلي ً‬
‫النار{؛ أي‪ :‬مآلكم ومأواكم فيها وبئس المصير‪.‬‬
‫ﭽ ﮤ ﮥ ﮦ ﮧ ﮨ ﮩ ﮪ ﮫ ﮬ ﮭ ﮮﮮ ﮯ ﮰ ﮱ ﯓ ﯔ ﯕ ﯖ ﯗ‬
‫ﯘ ﯙ ﯚ ﭼ‪.‬‬
‫}‪ {31‬أي‪ :‬قل لعبادي المؤمنين آمرا ً لهم بما فيه غاي ُ‬
‫ة‬
‫ة قبل أن ل يمكنهم ذلك‪ُ} ،‬يقيموا‬ ‫صلحهم وأن ينتهزوا الفرص َ‬
‫فقوا مما َرَزْقناهم{؛ أي‪ :‬من النعم‬ ‫الصلة{‪ :‬ظاهرا ً وباطنًا‪} ،‬وين ِ‬
‫ة{‪ :‬وهذا يشمل‬ ‫التي أنعمنا بها عليهم قليل ً أو كثيرًا‪} ،‬سّرا وعلني ً‬
‫النفقة الواجبة كالزكاة ونفقة من تجب عليه نفقته‪ ،‬والمستحّبة‬
‫ل{؛‬‫خل ٌ‬ ‫م ل بيعٌ فيه ول ِ‬ ‫ن قبل أن يأتي يو ٌ‬ ‫م ْ‬‫كالصدقات ونحوها‪ِ } .‬‬
‫أي‪ :‬ل ينفع فيه شيء‪ ،‬ول سبيل إلى استدراك ما فات؛ ل‬
‫ن‬
‫بمعاوضة بيع وشراٍء‪ ،‬ول بهبة خليل وصديق؛ فكل امرىٍء له شأ ٌ‬
‫د‪ ،‬وليتفقد ْ أعماله‪،‬‬ ‫دمه لغ ٍ‬ ‫دم العبد لنفسه‪ ،‬ولينظْر ما ق ّ‬ ‫يغنيه؛ فليق ّ‬
‫ويحاسب نفسه قبل الحساب الكبر‪.‬‬
‫ﭽ ﯛ ﯜ ﯝ ﯞ ﯟ ﯠ ﯡ ﯢ ﯣ ﯤ ﯥ ﯦ ﯧ ﯨ ﯩﯪﯧﯧ ﯫﯧﯧ ﯬﯧﯧ ﯭﯧﯧ ﯮﯧﯧ ﯯﯧﯧ ﯰﯧﯧ‬
‫ﯱﯧﯧﯷ ﯷ ﯷ ﯷ ﯷ ﯷ ﯷ ﯷ ﯷ ﯷﯼ ﯽ ﯾ ﯿ ﯷ ﯷ ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ‬
‫ﭕﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜﭝ ﭞ ﭟ ﭠ ﭡ ﭢ ﭼ ‪.‬‬
‫ت‬‫}‪ {32‬يخبر تعالى أّنه وحده }الذي خلق السمـوا ِ‬
‫ض{‪ :‬على اّتساعهما وعظمهما‪} ،‬وأنزل من السماء ماًء{‪:‬‬ ‫والر َ‬
‫وهو المطر الذي ينزله الّله من السحاب‪ ،‬فأخرج بذلك الماء }من‬
‫ت{‪ :‬المختلفة النواع‪} ،‬رزقا ً لكم{‪ :‬ورزقا ً لنعامكم‪.‬‬ ‫الثمرا ِ‬
‫ك{؛ أي‪ :‬السفن والمراكب‪} ،‬لتجرِيَ في البحر‬ ‫فل ْ َ‬
‫خر لكم ال ُ‬ ‫}وس ّ‬
‫ظها على‬ ‫ف َ‬ ‫ح ِ‬‫سر لكم صنعتها وأقْد ََركم عليها و َ‬ ‫ه{‪ :‬فهو الذي ي ّ‬ ‫بأمرِ ِ‬
‫مَلكم وتحمل تجاراتكم وأمتعتكم إلى بلد ٍ تقصدونه‪.‬‬ ‫تيار الماء لتح ِ‬
‫خَر لكم النهاَر{‪ :‬لتسقي حروثكم وأشجاركم‪ ،‬وتشربوا منها‪.‬‬ ‫}وس ّ‬
‫ن{‪ :‬ل يفتران ول‬ ‫س والقمر دائ ِب َي ْ ِ‬ ‫خر لكم الشم َ‬ ‫}‪} {33‬وس ّ‬
‫َينيان‪ ،‬يسَعيان لمصالحكم من حساب أزمنتكم ومصالح أبدانكم‬
‫كنوا‬ ‫خر لكم الليل{‪ :‬لتس ُ‬ ‫وحيواناتكم وزروعكم وثماركم‪} .‬وس ّ‬
‫فيه‪} ،‬والنهار{ مبصرا ً لتبتغوا من فضله‪.‬‬
‫ل‬‫ل ما سألُتموه{؛ أي‪ :‬أعطاكم من ك ّ‬ ‫}‪} {34‬وآتاكم من ك ّ‬
‫ما تعّلقت به أمانيكم وحاجتكم مما تسألونه إّياه بلسان الحال أو‬
‫دوا‬‫ت وغير ذلك‪} .‬وإن ت َعُ ّ‬ ‫ت وصناعا ٍ‬ ‫بلسان المقال من أنعام وآل ٍ‬
‫ن النسان‬ ‫حصوها{‪ :‬فضل ً عن قيامكم بشكرها‪} .‬إ ّ‬ ‫نعمة الّله ل ُتـ ْ‬
‫م‬‫ث هو ظال ٌ‬ ‫فاٌر{؛ أي‪ :‬هذه طبيعة النسان من حي ُ‬ ‫مك ّ‬ ‫لظلو ٌ‬
‫فار لنعم الّله ل‬ ‫صٌر في حقوق رّبه‪ ،‬ك ّ‬ ‫متجّرىٌء على المعاصي مق ّ‬
‫ق‬
‫فح ّ‬ ‫ه‪ ،‬وع ََر َ‬ ‫شك ََر ن ِعَ َ‬
‫م ُ‬ ‫من هداه الّله ف َ‬ ‫ف بها؛ إل ّ َ‬ ‫يشكرها ول يعتر ُ‬
‫رّبه وقام به‪.‬‬
‫ففي هذه اليات من أصناف نعم الّله على العباد شيٌء‬
‫ل يدعو الّله به العباد إلى القيام بشكره‬ ‫ص ٌ‬‫ل ومف ّ‬ ‫م مجم ٌ‬ ‫عظي ٌ‬
‫غبهم في سؤاله ودعائه آناء الليل‬ ‫وذكره‪ ،‬ويحّثهم على ذلك‪ ،‬وير ّ‬
‫ن نعمته تتكّرر عليهم في جميع الوقات‪.‬‬ ‫والنهار؛ كما أ ّ‬
‫ﭽﭣ ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ ﭨ ﭩ ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ ﭯ ﭰ ﭱ ﭲ ﭳ‬
‫ﭵ ﭶﭷ ﭸ ﭹ ﭺ ﭻﭼ ﭽ ﭾ ﭿ ﮀ ﮁ ﮂ ﮃ ﮄ ﮅ ﮆ ﮇ ﮈ‬ ‫ﭴ‬
‫ﮉ ﮊ ﮋ ﮌ ﮍ ﮎ ﮏ ﮐ ﮑ ﮒ ﮓ ﮔ ﮕ ﮖ ﮗ ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ‬
‫ﮜ ﮝ ﮞ ﮟ ﮠ ﮡ ﮢ ﮣ ﮤﮥ ﮦ ﮧ ﮨ ﮩ ﮪ ﮫ ﮬ ﮭ ﮮﮮ ﮯ ﮰ ﮱ ﯓ‬
‫ﯔ ﯕ ﯖ ﯗ ﯘ ﯙ ﯚ ﯛﯜ ﯝ ﯞ ﯟ ﯠ ﯡ ﯢ ﯣ ﯤ ﯥ ﯦ ﯧﯨ ﯩ ﯪﯧﯧ ﯫﯧﯧ ﯬﯧﯧ ﯭﯧﯧ‬
‫ﯯﯧﯧ ﯰﯧﯧ ﯱﯧﯧ ﯷ ﯷ ﯷ ﯷ ‪1‬ﭼ )‪. (1‬‬ ‫ﯮﯧﯧ‬

‫‪ -‬اليات ما بين المعقوفتين زيادة على النسختين‪.‬‬ ‫‪1‬‬


‫}‪ {35‬أي‪} :‬و{ اذك ُْر إبراهيم عليه الصلة والسلم في هذه‬
‫ب اجعل هذا البلد{؛ أي‪:‬‬ ‫الحالة الجميلة‪} .‬إذ قال إبراهيم ر ّ‬
‫الحرم }آمنًا{‪ :‬فاستجاب الّله دعاءه شرعا ً وقدرًا‪ ،‬فحرمه الّله‬
‫درا ً ما هو معلوم‪ ،‬حتى إنه‬ ‫سر من أسباب حرمته قَ َ‬ ‫في الشرع‪ ،‬وي ّ‬
‫م بسوٍء إل ّ قصمه الّله؛ كما فعل بأصحاب الفيل‬ ‫ده ظال ٌ‬ ‫لم ير ْ‬
‫وغيرهم‪ .‬ولما دعا له بالمن؛ دعا له ولبنيه بالمن‪ ،‬فقال‪:‬‬
‫ي أن نعب ُد َ الصنام{؛ أي‪ :‬اجعلني وإّياهم جانبا ً بعيدا ً‬‫جن ُْبني وب َن ِ ّ‬
‫}وا ْ‬
‫عن عبادتها واللمام بها‪.‬‬
‫من‬ ‫}‪ {36‬ثم ذكر الموجب لخوفه عليه وعلى بنيه بكثرة َ‬
‫ن كثيرا ً من‬‫ضل َل ْ َ‬
‫نأ ْ‬ ‫ب إنه ّ‬ ‫ي بعبادتها‪ .‬فقال‪} :‬ر ّ‬ ‫افتتن وابـت ُِلـ َ‬
‫ت به من‬ ‫الناس{؛ أي‪ :‬ضلوا بسببها‪} ،‬فمن ت َب ِعَِني{‪ :‬على ما جئ ُ‬
‫ب العالمين }فإّنه مّني{‪ :‬لتمام الموافقة‪،‬‬ ‫التوحيد والخلص لّله ر ّ‬
‫ن عصاني فإّنك غفوٌر‬ ‫ب قوما ً وتبعهم؛ التحق بهم‪} .‬و َ‬
‫م ْ‬ ‫ومن أح ّ‬
‫رحيم{‪ :‬وهذا من شفقة الخليل عليه الصلة والسلم؛ حيث دعا‬
‫للعاصين بالمغفرة والرحمة من الّله‪ ،‬والّله تبارك وتعالى أرح ُ‬
‫م‬
‫ذب إل ّ من تمّرد عليه‪.‬‬ ‫منه بعباده‪ ،‬ل يع ّ‬
‫ت من ذ ُّرّيتي بواد ٍ غير ذي زرع عند‬ ‫}‪} {37‬رّبنا إني أسكن ُ‬
‫ك المحّرم{‪ :‬وذلك أّنه أتى بهاجر أم إسماعيل وبابنها إسماعيل‬ ‫بيت ِ َ‬
‫عليه الصلة والسلم وهو في الّرضاع من الشام حتى وضعهما‬
‫ن ول داٍع ول مجيب‪ ،‬فلما‬ ‫في مكة‪ ،‬وهي إذ ذاك ليس فيها سك ٌ‬
‫وضعهما؛ دعا رّبه بهذا الدعاء‪ ،‬فقال متضّرعا ً متوك ّل ً على رّبه‪:‬‬
‫ن إسحاق في‬ ‫ت من ذ ُّرّيتي{؛ أي‪ :‬ل كل ذ ُّرّيتي؛ ل ّ‬ ‫رب }إني أسكن ُ‬
‫الشام وباقي بنيه كذلك‪ ،‬وإنما أسكن في مكة إسماعيل وذريته‪.‬‬
‫وقوله‪} :‬بواد غير ذي َزْرع{؛ أي‪ :‬لن أرض مكة ل تصلح للزراعة‪.‬‬
‫ن‬
‫حدين مقيمين الصلة؛ ل ّ‬ ‫ة{؛ أي‪ :‬اجعلهم مو ّ‬ ‫}رّبنا ِليقيموا الصل َ‬
‫ن أقامها كان‬ ‫ص وأفضل العبادات الدينّية؛ فم ْ‬ ‫إقامة الصلة من أخ ّ‬
‫ل أفئدة ً من الناس َتـْهوي إليهم{؛ أي‪ :‬تحّبهم‬ ‫مقيما ً لدينه‪} .‬فا ْ‬
‫جعَ ْ‬
‫ب الموضع الذي هم ساكنون فيه‪ .‬فأجاب الّله دعاءه‪ ،‬فأخرج‬ ‫وتح ّ‬
‫من ذرّية إسماعيل محمدا ً صلى الله عليه وسلم‪ ،‬حتى دعا ذّرّيته‬
‫ي وإلى مّلة أبيهم إبراهيم‪ ،‬فاستجابوا له‬ ‫إلى الدين السلم ّ‬
‫ج هذا البيت الذي أسكن‬ ‫وصاروا مقيمي الصلة‪ .‬وافترض الّله ح ّ‬
‫جه‬ ‫به ذرّيته إبراهيم‪ ،‬وجعل فيه سّرا عجيبا ً جاذبا ً للقلوب؛ فهي تح ّ‬
‫دد إليه؛‬ ‫ول تقضي منه وطرا ً على الدوام‪ ،‬بل كّلما أكثر العبد ُ التر ّ‬
‫ظم وَل َُعه وت َوُْقه‪ ،‬وهذا سّر إضافته تعالى إلى‬ ‫ازداد شوُقه وع ُ‬
‫نفسه المقدسة‪} .‬وارُزْقهم من الثمرات لعّلهم يشكرون{‪:‬‬
‫فأجاب الّله دعاءه‪ ،‬فصار ُيجبى إليه ثمرات كل شيء؛ فإنك ترى‬
‫ل وقت‪ ،‬والثماُر فيها متوّفرة‪ ،‬والرزاق تتوالى‬
‫مكة المشرفة ك ّ‬
‫إليها من كل جانب‪.‬‬
‫ن{؛ أي‪ :‬أنت أعلم‬ ‫}‪} {38‬رّبنا إنك تعلم ما ُنخفي وما ن ُعْل ِ ُ‬
‫سر لنا من المور‬ ‫بنا منا‪ ،‬فنسألك من تدبيرك وتربيتك لنا أن تي ّ‬
‫مقتضى علمك ورحمتك‪} .‬وما‬ ‫التي نعلمها والتي ل نعلمها ما هو ُ‬
‫يخفى على الل ّهِ من شيٍء في الرض ول في السماء{‪ :‬ومن ذلك‬
‫صد ْ به الخليل إل الخير وكثرة الشكر لّله‬ ‫ق ِ‬ ‫هذا الدعاء الذي لم ي َ ْ‬
‫ب العالمين‪.‬‬ ‫ر ّ‬
‫ب لي على الك ِب َرِ إسماعيل‬ ‫}‪} {39‬الحمد لّله الذي وَهَ َ‬
‫ق{‪ :‬فَهِب َُتهم من أكبر النعم‪ ،‬وكونهم على الكبر في حال‬ ‫وإسحا َ‬
‫ة أخرى‪ ،‬وكونهم أنبياء صالحين أج ّ‬
‫ل‬ ‫الياس من الولد نعم ٌ‬
‫ن رّبـي لسميع الدعاء{؛ أي‪ :‬لقريب الجابة ممن‬ ‫وأفضل‪} .‬إ ّ‬
‫ب رجائي‪.‬‬ ‫دعاه‪ ،‬وقد دعوُته فلم يخي ّ ْ‬
‫ب اجعلني‬ ‫}‪ 40‬ـ ‪ {41‬ثم دعا لنفسه ولذّرّيته‪ ،‬فقال‪} :‬ر ّ‬
‫ي‬
‫فْر لي ولوالد ّ‬‫دعاء‪ .‬رّبنا اغ ِ‬ ‫صلة ومن ذ ُّرّيتي رّبنا وتقّبل ُ‬ ‫مقيم ال ّ‬
‫م الحساب{‪ :‬فاستجاب الّله له في ذلك كّله؛‬ ‫م يقو ُ‬
‫وللمؤمنين يو َ‬
‫ن دعاءه لبيه إنما كان عن موعدةٍ وعدها إّياه‪ ،‬فلما تبيّـن له‬ ‫إل ّ أ ّ‬
‫أنه عدوّ لّله؛ تبّرأ منه‪.‬‬
‫ثم قال تعالى‪:‬‬
‫ﯷ ﯷ ﯷ ﯷ ﭑ ﭒ‬ ‫ﯿ ﯷ‬ ‫ﭽ ﯷ ﯷ ﯷ ﯷ ﯷ ﯷ ﯼﯽ ﯾ‬
‫ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗﭘ ﭙ ﭚ ﭛ ﭼ ‪.‬‬
‫}‪ {42‬هذا وعيد ٌ شديد للظالمين وتسلية للمظلومين؛ يقول‬
‫ل الظالمون{‪ :‬حيث‬ ‫ن الّله غافل ً عما يعم ُ‬ ‫تعالى‪} :‬ول تحسب ّ‬
‫كهم يتقّلبون في البلد آمنين‬ ‫أمهلهم وأدّر عليهم الرزاق وت ََر َ‬
‫ن الّله‬‫ل على حسن حالهم؛ فإ ّ‬ ‫مطمئّنين؛ فليس في هذا ما يد ّ‬
‫مهُِله ليزداد إثمًا‪ ،‬حتى إذا أخذه؛ لم ي ُ ْ‬
‫فل ِْته‪،‬‬ ‫ُيملي للظالم وي ُ ْ‬
‫ن أخذ َه ُ ألي ٌ‬
‫م‬ ‫ةإ ّ‬
‫قرى وهي ظالم ٌ‬ ‫خذ َ ال ُ‬
‫خذ ُ رّبك إذا أ َ‬ ‫}وكذلك أ ْ‬
‫د{‪ .‬والظلم ها هنا يشمل الظلم فيما بين العبد ورّبه وظلمه‬ ‫شدي ٌ‬
‫ص فيه البصاُر{؛ أي‪ :‬ل‬ ‫خ ُ‬ ‫خُرهم ليوم ت َ ْ‬
‫ش َ‬ ‫لعباد الّله‪} .‬إنما يؤ ّ‬
‫دة ما ترى من الهوال وما أزعجها من القلقل‪.‬‬ ‫تطرف من ش ّ‬
‫ن{؛ أي‪ :‬مسرعين إلى إجابة الداعي حين‬ ‫طعي َ‬ ‫مه ْ ِ‬‫}‪ُ } {43‬‬
‫ّ‬
‫يدعوهم إلى الحضور بين يدي الله للحساب‪ ،‬ل امتناع َ لهم ول‬
‫مقنعي رؤوسهم{؛ أي‪ :‬رافعيها‪ ،‬قد غ ُل ّ ْ‬
‫ت‬ ‫محيص ول ملجأ‪ُ } ،‬‬
‫أيديهم إلى الذقان‪ ،‬فارتفعت لذلك رؤوسهم‪} ،‬ل يرتد ّ إليهم‬
‫ة من قلوبهم‪ ،‬قد‬‫طرُفهم وأفئ ِد َُتهم هواء{؛ أي‪ :‬أفئدتهم فارغ ٌ‬
‫م وحزن وقلق‪.‬‬‫م وغ ّ‬
‫صعدت إلى الحناجر‪ ،‬لكّنها مملوءة ٌ من كل ه ّ‬
‫ﭽ ﭜ ﭝ ﭞ ﭟ ﭠ ﭡ ﭢ ﭣ ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ ﭨ ﭩ ﭪ ﭫ ﭬﭭ‬
‫ﭮ ﭯ ﭰ ﭱ ﭲ ﭳ ﭴ ﭵ ﭶ ﭷ ﭸ ﭹ ﭺ ﭻ ﭼ ﭽ ﭾ ﭿ ﮀ‬
‫ﮁ ﮂ ﮃ ﮄ ﮅ ﮆ ﮇ ﮈ ﮉ ﮊ ﮋ ﮌ ﮍ ﮎ ﮏ ﮐ ﮑ ﮒ ﮓ ﭼ‪.‬‬
‫}‪ {44‬يقول تعالى لنبّيه محمد صلى الله عليه وسلم‪:‬‬
‫ب{؛ أي‪ :‬صف لهم صفة تلك‬ ‫}وأنذ ِرِ الناس يوم يأتيهم العذا ُ‬
‫ذرهم من العمال الموجبة للعذاب‪ ،‬الذي حين يأتي‬ ‫الحال‪ ،‬وح ّ‬
‫في شدائده وقلقله‪ ،‬فيقول الذين ظلموا بالكفر والتكذيب وأنواع‬
‫المعاصي‪ ،‬نادمين على ما فعلوا‪ ،‬سائلين للرجعة في غير وقتها‪:‬‬
‫دنيا؛ فإّنا قد أبصرنا؛‬ ‫دنا إلى ال ّ‬
‫ب{؛ أي‪ُ :‬ر ّ‬‫خْرنا إلى أجل قري ٍ‬ ‫}رّبنا أ ّ‬
‫ك{‪ :‬والّله يدعو إلى دار السلم‪} ،‬ونّتبع الّرسل{‪:‬‬ ‫ب دعوت َ َ‬ ‫ج ْ‬‫}ن ُ ِ‬
‫ة في‬ ‫ّ‬
‫وهذا كـله لجل التخلص من العذاب الليم‪ ،‬وإل ّ ؛ فهم ك َذ َب َ ٌ‬ ‫ّ‬
‫دوا لعادوا لما نهوا عنه‪ ،‬ولهذا يوّبخون وُيقال‬ ‫هذا الوعد؛ فلو ُر ّ‬
‫ل{‪ :‬عن‬ ‫ل ما لكم من زوا ٍ‬ ‫م من قب ُ‬‫لهم‪} :‬أولم تكونوا أقسمت ُ ْ‬
‫دنيا وانتقال إلى الخرة؛ فها قد تبيّـن لكم حنثكم في إقسامكم‬ ‫ال ّ‬
‫دعون‪.‬‬ ‫وكذبكم فيما ت ّ‬
‫}‪} {45‬و{ ليس عليكم قاصر في الدنيا من أجل اليات‬
‫سهم وتبيّـن‬ ‫ف َ‬
‫البينات‪ ،‬بل }سكنُتم في مساكن الذين ظلموا أن ُ‬
‫ّ‬
‫ل الله بهم‬ ‫لكم كيف فعلنا بهم{‪ :‬من أنواع العقوبات‪ ،‬وكيف أح ّ‬
‫ضَرْبنا لكم المثا َ‬
‫ل{‪:‬‬ ‫ذبوا باليات البينات‪} ،‬و َ‬ ‫العقوبات حين ك ّ‬
‫ع‬
‫ك في القلب إل أزالته‪ ،‬فلم تنف ْ‬ ‫الواضحة التي ل ت َد َع ُ أدنى ش ّ‬
‫فيكم تلك اليات‪ ،‬بل أعرضُتم ودمُتم على باطلكم‪ ،‬حتى صار ما‬
‫ن اعتذر‬ ‫م ِ‬
‫صار‪ ،‬ووصلُتم إلى هذا اليوم الذي ل ينفع فيه اعتذاُر َ‬
‫بباطل‪.‬‬
‫ذبون للرسل }مكَرهم{‪:‬‬ ‫}‪} {46‬وقد مكروا{؛ أي‪ :‬المك ّ‬
‫هم{؛ أي‪:‬‬ ‫الذي وصلت إراداتهم وقدرهم عليه‪} ،‬وعند الّله مكُر ُ‬
‫ة‪ ،‬فإنه عاد مكُرهم عليهم‪ ،‬ول َيحيق‬ ‫ط به علما ً وقدر ً‬ ‫هو محي ٌ‬
‫ل{؛‬‫ل منه الجبا ُ‬‫هم ل َِتزو َ‬
‫ن كان مكُر ُ‬ ‫المكر السيىء إل ّ بأهله‪} .‬وإ ْ‬
‫ذبين للرسل بالحقّ وبمن جاء به‬ ‫أي‪ :‬ولقد كان مكُر الكفار المك ّ‬
‫ل الراسيات بسببه عن أماكنها؛ أي‪ :‬مكروا‬ ‫ل الجبا ُ‬
‫من عظمه ل َِتزو َ‬
‫مكرا ً ك ُّبارا ً ل ُيقاد َُر قَد ُْره‪ ،‬ولكن الّله رد ّ كيدهم في نحورهم‪.‬‬
‫ن مكر من المخالفين للرسل لينصر باطل ً‬ ‫م ْ‬ ‫ويدخل في هذا ك ّ‬
‫ل َ‬
‫ن عنهم شيئا ً ولم يضّروا‬ ‫ن مكرهم لم يغ ِ‬ ‫قا‪ ،‬والقصد أ ّ‬ ‫أو يبطل ح ّ‬
‫الّله شيئًا‪ ،‬وإّنما ضروا أنفسهم‪.‬‬
‫ﭽ ﮔ ﮕ ﮖ ﮗ ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ ﮜ ﮝ ﮞ ﮟ ﮠ ﮡ ﮢ ﮣ ﮤ ﮥ ﮦﮧ‬
‫ﮨ ﮩ ﮪ ﮫ ﮬ ﮭ ﮮﮮ ﮯ ﮰ ﮱ ﯓ ﯔ ﯕ ﯖ ﯗ ﯘ ﯙ ﯚ ﯛ ﯜ ﯝ ﯞ‬
‫ﯟ ﯠ ﯡﯢ ﯣ ﯤ ﯥ ﯦ ﯧ ﯨ ﯩ ﯪﯧﯧ ﯫﯧﯧ ﯬﯧﯧ ﯭﯧﯧ ﯮﯧﯧ ﯯﯧﯧ ﯰﯧﯧ ﯱﯧﯧ ﯷ ﯷ ﯷ ﯷ ﭼ ‪.‬‬
‫ه‬
‫ف وعد ِ ِ‬ ‫خل ِ َ‬ ‫مـ ْ‬‫ن الّله ُ‬‫}‪ {47‬يقول تعالى‪} :‬فل تحسب ّ‬
‫رسَله{‪ :‬بنجاتهم ونجاة أتباعهم وسعادتهم‪ ،‬وإهلك أعدائهم‬
‫وخذلنهم في الدنيا وعقابهم في الخرة؛ فهذا ل بد ّ من وقوعه؛‬
‫لّنه وعد به الصادقُ قول ً على ألسنة أصدق خلقه‪ ،‬وهم الرسل‪،‬‬
‫وهذا أعلى ما يكون من الخبار‪ ،‬خصوصا ً وهو مطابقٌ للحكمة‬
‫اللهّية والسنن الربانّية وللعقول الصحيحة‪ ،‬والّله تعالى ل يعجزه‬
‫د؛‬‫شيٌء؛ فإّنه }عزيٌز ذو انتقام{؛ أي‪ :‬إذا أراد أن ينتقم من أح ٍ‬
‫فإنه ل يفوته ول يعجزه‪ ،‬وذلك في يوم القيامة‪.‬‬
‫ت{‪ :‬ت ُب َد ّ ُ‬
‫ل‬ ‫ض غير الرض والسمـوا ُ‬ ‫ل الر ُ‬ ‫}‪} {48‬يوم ت ُب َد ّ ُ‬
‫ن‬
‫غيَر السماوات‪ ،‬وهذا التبديل تبديل صفات ل تبديل ذات؛ فإ ّ‬
‫مد ّ كمد ّ الديم‪ ،‬وُيلقى ما على‬ ‫وى وُتـ َ‬ ‫س ّ‬‫الرض يوم القيامة ت ُ َ‬
‫معَْلم‪ ،‬فتصير قاعا ً صفصفًا‪ ،‬ل ترى فيها عوجا ً‬ ‫ظهرها من جبل و َ‬
‫دة أهوال ذلك اليوم‪ ،‬ثم‬ ‫ن السماء كالمهل من ش ّ‬ ‫ول أمتًا‪ ،‬وتكو ُ‬
‫يطويها الّله تعالى بيمينه‪} .‬وبرزوا{؛ أي‪ :‬الخلئق من قبورهم إلى‬
‫ل ل يخفى منهم على الّله شيء‪،‬‬ ‫يوم بعثهم ونشورهم في مح ّ‬
‫}لّله الواحد القهار{؛ أي‪ :‬المنفرد بعظمته وأسمائه وصفاته‬
‫ل العوالم؛ فكّلها تحت تصّرفه‬ ‫وأفعاله العظيمة وقهره لك ّ‬
‫ه‪.‬‬‫ن إل ّ بإذن ِ ِ‬ ‫ن ساك ٌ‬ ‫وتدبيره؛ فل يتحّرك منها متحّرك‪ ،‬ول يسك ُ‬
‫م‬
‫فهم الجرا ُ‬ ‫}‪} {49‬وترى المجرمين{؛ أي‪ :‬الذين وص ُ‬
‫وكثرة الذنوب في ذلك الـيوم‪} ،‬مقّرنين في الصفاِد{؛ أي‪:‬‬
‫ل أهل عمل من المجرمين بسلسل من ناٍر‪ ،‬فُيقادون‬ ‫لك ّ‬‫س ُ‬ ‫سل ْ َ‬‫يُ َ‬
‫ل صورة وأشنعها وأبشعها‪.‬‬ ‫إلى العذاب في أذ ّ‬
‫ن{‪ :‬وذلك‬ ‫طرا ٍ‬ ‫}‪} {50‬سرابيُلهم{؛ أي‪ :‬ثيابهم }من قَ ِ‬
‫دة اشتعال النار فيهم وحرارتها ونتن ريحها‪} ،‬وت َْغشى‬ ‫لش ّ‬
‫ههم{‪ :‬التي هي أشرف ما في أبدانهم }الناُر{؛ أي‪ :‬تحيط‬ ‫وجو َ‬
‫بها‪ ،‬وَتصلها من كل جانب‪ ،‬وغير الوجوه من باب أولى وأحرى‪.‬‬
‫}‪ {51‬وليس هذا ظلما ً من الّله ]لهم[‪ ،‬وإنما هو جزاٌء لما‬
‫ل نفس ما‬ ‫جزِيَ الّله ك ّ‬ ‫دموا وكسبوا‪ ،‬ولهذا قال تعالى‪} :‬ل ِي َ ْ‬ ‫ق ّ‬
‫ور فيه بوجه‬ ‫ج ْ‬ ‫سط الذي ل َ‬ ‫ق ْ‬ ‫ت{‪ :‬من خير وشّر بالعدل وال ِ‬ ‫سب َ ْ‬‫كَ َ‬
‫ب‬‫ن الّله سريعُ الحساب{؛ كقوله تعالى‪} :‬اقتر َ‬ ‫من الوجوه‪} .‬إ ّ‬
‫ن{‪ ،‬وُيحتمل أن معناه‬ ‫للناس حساُبهم وهم في غفلةٍ معرضو َ‬
‫ب الخلق في ساعة واحدةٍ كما يرزقهم‬ ‫س ُ‬
‫سريع المحاسبة؛ فيحا ِ‬
‫ة‪ ،‬ل يشغَُله شأ ٌ‬
‫ن عن‬ ‫ويدّبرهم بأنواع التدابير في لحظة واحد ٍ‬
‫ن‪ ،‬وليس ذلك بعسير عليه‪.‬‬ ‫شأ ٌ‬
‫}‪ {52‬فلما بّين البيان المبين في هذا القرآن؛ قال في‬
‫مدحه‪} :‬هذا بلغ ٌ للناس{؛ أي‪ :‬يتبّلغون به ويتزّودون إلى الوصول‬
‫إلى أعلى المقامات وأفضل الكرامات؛ لما اشتمل عليه من‬
‫الصول والفروع وجميع العلوم التي يحتاجها العباد‪} ،‬ول ِي ُن ْ َ‬
‫ذروا‬
‫به{‪ :‬لما فيه من الترهيب من أعمال الشّر وما أعد ّ الّله لهلها‬
‫د{‪ :‬حيث صرف فيه من‬ ‫ه واح ٌ‬ ‫من العقاب‪} ،‬ول ِي َْعلموا أّنما هو إل ٌ‬
‫الدّلة والبراهين على ألوهّيته ووحدانّيته ما صار ذلك حق اليقين‪،‬‬
‫}ول ِي َذ ّك َّر أولو اللباب{؛ أي‪ :‬العقول الكاملة ما ينفعهم فيفعلونه‬
‫وما يضّرهم فيتركونه‪ ،‬وبذلك صاروا أولي اللباب والبصائر؛ إذ‬
‫ما أخذوه‬ ‫ورت أفكارهم َلـ ّ‬ ‫بالقرآن ازدادت معارفهم وآراؤهم‪ ،‬وتن ّ‬
‫ضا طرّيا؛ فإّنه ل يدعو إل ّ إلى أعلى الخلق والعمال وأفضلها‪،‬‬ ‫غ ّ‬
‫ل على ذلك إل بأقوى الدلة وأبينها‪ ،‬وهذه القاعدة إذا‬ ‫ول يستد ّ‬
‫ي على الدوام في‬ ‫ي؛ لم يزل في صعود ورق ّ‬ ‫تدّرب بها العبد الذك ّ‬
‫ل خصلة حميدة‪ .‬والحمد لّله رب العالمين‪.‬‬ ‫ك ّ‬
‫فف ففففف فففف ففففففف فففففف فففف فففففف‬
‫ففففففف‪.‬‬
‫***‬
‫تفسير سورة الحجر‬
‫وهي مكية‬

‫ﭽ ﭑﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ ﭝ ﭞ ﭟ ﭠ ﭡ ﭢ‬
‫ﭱ ﭲ ﭳ ﭴ ﭵ‬ ‫ﭣ ﭤ ﭥﭦ ﭧ ﭨ ﭩ ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ ﭯ ﭰ‬
‫ﭶ ﭷ ﭸ ﭹ ﭺ ﭼ‪.‬‬
‫ت‬‫ظما ً لكتابه مادحا ً له‪} :‬تلك آيا ُ‬
‫}‪ {1‬يقول تعالى مع ّ‬
‫ب{؛ أي‪ :‬اليات الداّلة على أحسن المعاني وأفضل‬ ‫الـكـتا ِ‬
‫ن{‪ :‬للحقائق بأحسن لفظ وأوضحه وأدّله‬ ‫مبي ٍ‬
‫ن ُ‬‫المطالب‪} ،‬وقرآ ٍ‬
‫على المقصود‪.‬‬
‫}‪ {2‬وهذا مما يوجب على الخلق النقياد إليه والتسليم‬
‫قبول والفرح والسرور‪ ،‬فأما من قابل هذه‬ ‫قيه بال َ‬
‫لحكمه وتل ّ‬
‫ذبين الضاّلين‪،‬‬ ‫دها والكفر بها؛ فإّنه من المك ّ‬ ‫النعمة العظيمة بر ّ‬
‫ون أنهم مسلمون؛ أي‪ :‬منقادون‬ ‫ت يتمن ّ ْ‬‫الذين سيأتي عليهم وق ٌ‬
‫لحكامه‪ ،‬وذلك حين ينكشف الغطاء وتظهُر أوائل الخرة‬
‫دمات الموت؛ فإنهم في أحوال الخرة كّلها يتمّنون أنهم‬ ‫ومق ّ‬
‫دنيا‬
‫ت المكان‪ ،‬ولكّنهم في هذه ال ّ‬ ‫مسلمون‪ ،‬وقد فات وق ُ‬
‫مغتّرون‪.‬‬
‫}‪َ {3‬فـ}ذ َْرهم يأكلوا ويتمّتعوا{‪ :‬بلذاتهم‪} ،‬ويلههم المل{؛‬
‫ملون البقاء في الدنيا فيلهيهم عن الخرة‪} ،‬فسوف‬ ‫أي‪ :‬يؤ ّ‬
‫ن أعمالهم ذهبت خسرانا ً‬ ‫ل‪ ،‬وأ ّ‬ ‫ن ما هم عليه باط ٌ‬ ‫ن{‪ :‬أ ّ‬ ‫يعلمو َ‬
‫ن هذه سنته في المم‪.‬‬ ‫عليهم‪ ،‬ول يغتّروا بإمهال الّله تعالى؛ فإ ّ‬
‫ة للعذاب‪} ،‬إل ّ‬ ‫ة{‪ :‬كانت مستحق ً‬ ‫كنا من قري ٍ‬ ‫}‪} {4‬وما أهل ْ‬
‫در لهلكها‪.‬‬ ‫ب معلوم{‪ :‬مق ّ‬ ‫ولها كتا ٌ‬
‫خرون{‪ :‬وإل ّ ؛‬ ‫جَلها وما يستأ ِ‬‫مة ٍ أ َ‬ ‫}‪} {5‬ما تسب ِقُ من أ ّ‬
‫خر‪.‬‬
‫فالذنوب ل بد ّ من وقوع أثرها وإن تأ ّ‬
‫ﮊ ﮋ‬ ‫ﭽﭻ ﭼ ﭽ ﭾ ﭿ ﮀ ﮁ ﮂ ﮃ ﮄ ﮅ ﮆ ﮇ ﮈ ﮉ‬
‫ﮔ ﮕ ﮖ ﮗ ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ ﮜ‬ ‫ﮌ ﮍ ﮎ ﮏ ﮐ ﮑ ﮒ ﮓ‬
‫ﮝ ﮞ ﭼ‪.‬‬
‫مد صلى الله عليه وسلم‬ ‫}‪ {6‬أي‪ :‬وقال المكذبون لمح ّ‬
‫ذكر{‪ :‬على زعمك‪،‬‬ ‫ل عليه ال ّ‬‫ة‪} :‬يا أيها الذي ن ُّز َ‬
‫استهزاًء وسخري ً‬
‫ن أنا سنّتبعك ونترك ما وجدنا عليه آباءنا‬ ‫}إّنك لمجنون{‪ :‬إذ تظ ّ‬
‫لمجّرد قولك‪.‬‬
‫حة ما‬ ‫ة{‪ :‬يشهدون لك بص ّ‬ ‫}‪ 7‬ـ ‪} {8‬لو ما تأتينا بالملئك ِ‬
‫ة؛‬‫ت من الصادقين{‪ :‬فلما لم تأت بالملئك ِ‬ ‫جئت به‪} ،‬إن كن َ‬
‫ظلم؛‬ ‫ظلم والجهل‪ :‬أما ال ّ‬ ‫ت بصادق‪ .‬وهذا من أعظم ال ّ‬ ‫فلس َ‬
‫ن هذا تجرؤ على الله وتعّنت بتعيين اليات التي لم‬ ‫ّ‬ ‫فظاهر؛ فإ ّ‬
‫ل المقصود ُ والبرهان بدونها من اليات الكثيرة‬ ‫ص َ‬ ‫ح َ‬ ‫يختْرها‪ ،‬و َ‬
‫ل؛ فإّنهم جهلوا مصلحتهم‬ ‫حة ما جاء به‪ .‬وأما الجه ُ‬ ‫الداّلة على ص ّ‬
‫من مضّرتهم؛ فليس في إنزال الملئكة خيٌر لهم‪ ،‬بل ل ينزل الّله‬
‫ن لم يّتبعه وينقد له‪.‬‬ ‫الملئكة إل ّ بالحقّ الذي ل إمهال على َ‬
‫م ْ‬
‫}وما كانوا إذًا{؛ أي‪ :‬حين تنزل الملئكة إن لم يؤمنوا ولن‬
‫ن‪ ،‬فصار طلبهم لنزال الملئكة‬ ‫مَهلي َ‬‫م ْ‬
‫ظرين{؛ أي‪ :‬ب ُ‬ ‫من ْ َ‬ ‫يؤمنوا‪ُ } ،‬‬
‫تعجيل ً لنفسهم بالهلك والدمار؛ فإن اليمان ليس في‬
‫أيديهم‪،‬وإنما هو بيد الّله‪} ،‬ولو أّننا نّزلنا إليهم الملئكة وكّلمهم‬
‫ل شيء قُب ُل ً ما كانوا ِليؤمنوا إل ّ أن يشاء‬ ‫شْرنا عليهم ك ّ‬ ‫ح َ‬ ‫الموتى و َ‬
‫ن{‪.‬‬ ‫ن أكثَرهم يجهلو َ‬ ‫الّله‪ ،‬ولك ّ‬
‫ن كانوا صادقين هذا القرآن‬ ‫}‪ {9‬ويكفيهم من اليات إ ْ‬
‫ن نّزْلنا الذ ّك َْر{؛ أي‪ :‬القرآن الذي‬ ‫العظيم‪ ،‬ولهذا قال هنا‪} :‬إّنا نح ُ‬
‫ل شيء من المسائل والدلئل الواضحة‪ ،‬وفيه يتذ ّ‬
‫كر‬ ‫فيه ذكرى لك ّ‬
‫ن{؛ أي‪ :‬في حال إنزاله وبعد‬ ‫كر‪} .‬وإّنا له لحافظو َ‬ ‫ن أراد التذ ّ‬ ‫م ْ‬
‫َ‬
‫ّ‬
‫إنزاله؛ ففي حال إنزاله حافظون له من استراق كل شيطان‬
‫ه في‬ ‫رجيم‪ ،‬وبعد إنزاله أودعه الّله في قلب رسول ِهِ واست َوْد َع َ ُ‬
‫ظه من التغيير فيها والزيادة والنقص‬ ‫ظ الّله ألفا َ‬‫مته وحف َ‬ ‫قلوب أ ّ‬
‫ف معنى من معانيه إل ّ‬ ‫ومعانيه من التبديل؛ فل يحّرف محّر ٌ‬
‫وقّيض الّله له من يبيّـن الحقّ المبين‪ ،‬وهذا من أعظم آيات اللهّ‬
‫ظ أهله من‬ ‫ن الّله يحف ُ‬ ‫ونعمه على عباده المؤمنين‪ ،‬ومن حفظه أ ّ‬
‫حهم‪.‬‬ ‫أعدائهم‪ ،‬ول يسّلط عليهم عدّوا يجتا ُ‬
‫ﭽ ﮟ ﮠ ﮡ ﮢ ﮣ ﮤ ﮥ ﮦ ﮧ ﮨ ﮩ ﮪ ﮫ ﮬ ﮭ ﮮﮮ ﮯ ﮰ ﮱ‬
‫ﯓ ﯔ ﯕ ﯖ ﯗ ﯘ ﯙﯚ ﯛ ﯜ ﯝ ﯞ ﯟ ﭼ ‪.‬‬
‫ل هذا‬ ‫}‪ {10‬يقول تعالى لنبّيه إذ كذبه المشركون‪ :‬لم يز ْ‬
‫سْلنا }قبلك في شيع‬ ‫دأب المم الخالية والقرون الماضية‪ ،‬فقد أْر َ‬
‫الولين{؛ أي‪ :‬فرقهم وجماعتهم رس ً‬
‫ل‪.‬‬
‫ق‬
‫}‪} {11‬وما يأتيهم من رسول{‪ :‬يدعوهم إلى الح ّ‬
‫والهدى‪} ،‬إل ّ كانوا به يستهزئون{‪.‬‬
‫كه{؛ أي‪ :‬ندخل التكذيب }في‬ ‫سل ُ ُ‬
‫}‪ 12‬ـ ‪} {13‬كذلك ن َ ْ‬
‫قلوب المجرمين{؛ أي‪ :‬الذين وصفهم الظلم والب َْهت‪ ،‬عاقبناهم‬
‫لما تشابهت قلوُبهم بالكفر والتكذيب تشابهت معاملتهم لنبيائهم‬
‫ورسلهم بالستهزاء والسخرية وعدم اليمان‪ ،‬ولهذا قال‪} :‬ل‬
‫ة الولين{؛ أي‪ :‬عادة الّله فيهم بإهلك‬
‫ت سن ّ ُ‬ ‫خل َ ْ‬
‫يؤمنون ب ِهِ وقد َ‬
‫ن بآيات الّله‪.‬‬‫ن لم يؤم ْ‬ ‫م ْ‬
‫َ‬
‫ﯬﯧﯧ ﯭﯧﯧ‬‫ﭽ ﯗ ﯘ ﯙﯚ ﯛ ﯜ ﯝ ﯞ ﯟ ﯠ ﯡ ﯢ ﯣ ﯤ ﯥ ﯦ ﯧ ﯨ ﯩ ﯪﯧﯧ ﯫﯧﯧ‬
‫ﯮﯧﯧ ﯯﯧﯧ ﯰﯧﯧ ﯱﯧﯧ ﯷ ﭼ ‪.‬‬
‫ل آية عظيمة؛ لم يؤمنوا‬ ‫}‪ 14‬ـ ‪ {15‬أي‪ :‬ولو جاءتهم ك ّ‬
‫حنا عليهم بابا ً من السماء{‪ :‬فصاروا يعرجون‬ ‫وكابروها‪َ ،‬فـ}َلو فَت َ ْ‬
‫فيه ويشاهدونه عيانا ً بأنفسهم؛ لقالوا من ظلمهم وعنادهم‬
‫ت أبصاُرنا{؛ أي‪ :‬أصابها سكر‬ ‫سك َّر ْ‬
‫كرين لهذه الية‪} :‬إّنما ُ‬ ‫من ِ‬
‫م مسحورون{؛ أي‪:‬‬ ‫ن قو ٌ‬
‫وغشاوة حتى رأينا ما لم ن ََر‪} .‬بل نح ُ‬
‫ليس هذا بحقيقة‪ ،‬بل هذا سحٌر‪ .‬وقوم وصلت بهم الحال إلى هذا‬
‫النكار؛ فإّنهم ل مطمع فيهم ول رجاء‪.‬‬
‫ثم ذكر اليات الدالت على ما جاءت به الرسل من الحق‬
‫فقال‪:‬‬
‫ﭜ ﭝ ﭞ ﭟ ﭠ ﭡ‬ ‫ﭽﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ‬
‫ﭰ ﭱ ﭲ ﭳ‬ ‫ﭢ ﭣ ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ ﭨ ﭩ ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ ﭯ‬
‫ﭴ ﭵ ﭶ ﭷ ﭸ ﭹ ﭺ ﭻ ﭼ‪.‬‬
‫}‪ {16‬يقول تعالى مبينا ً كمال اقتداره ورحمته بخلقه‪:‬‬
‫جعَْلنا في السماء بروجًا{؛ أي‪ :‬نجوما ً كالبراج والعلم‬ ‫}ولقد َ‬
‫ُ‬
‫العظام ُيهتدى بها في ظلمات البّر والبحر‪} ،‬وزي ّّناها للناظرين{‪:‬‬
‫فإّنه لول النجوم؛ لما كان للسماء هذا المنظر البهي والهيئة‬
‫مل فيها والنظر في‬ ‫العجيبة‪ ،‬وهذا مما يدعو الناظرين إلى التأ ّ‬
‫معانيها والستدلل بها على باريها‪.‬‬
‫ل شيطان رجيم{‪ :‬إذا استرق‬ ‫فظناها من ك ّ‬ ‫ح ِ‬
‫}‪} {17‬و َ‬
‫م ٌ‬
‫ل‬ ‫ب الثواقب‪ ،‬فبقيت السماء ظاهرها مج ّ‬ ‫السمع؛ اّتبعته الشه ُ‬
‫س ممنوع ٌ من الفات‪.‬‬ ‫بالنجوم النيرات‪ ،‬وباطنها محرو ٌ‬
‫}‪} {18‬إل من استرق السمع{؛ أي‪ ] :‬إل ّ [ في بعض‬
‫ض الشياطين السمع بخفية واختلس‪.‬‬ ‫الوقات قد يسترق بع ُ‬
‫ن{؛ أي‪ :‬بّين منير يقتله أو يخبله؛ فربما أدركه‬ ‫ب مبي ٌ‬ ‫ه شها ٌ‬
‫}فأت ْب َعَ ُ‬
‫صَلها الشيطان إلى ولّيه فينقطع خبر السماء‬ ‫الشهاب قبل أن يو ِ‬
‫كه الشهاب‪،‬‬ ‫عن الرض‪ ،‬ورّبما ألقاها إلى ولّيه قبل أن يدرِ َ‬
‫ل بتلك الكلمة التي‬ ‫ب معها مائة كذبة‪ ،‬ويستد ّ‬ ‫مها‪ ،‬ويكذ ُ‬ ‫فيض ّ‬
‫سمعت من السماء‪.‬‬ ‫ُ‬
‫}‪} {19‬والرض مددناها{؛ أي‪ :‬وسعناها سعة يتم ّ‬
‫كن‬
‫الدميون والحيوانات كّلها من المتداد بأرجائها والتناول من‬
‫ي{؛ أي‪ :‬جبال ً‬ ‫قْينا فيها رواس َ‬‫ن في نواحيها‪} .‬وأل َ‬ ‫أرزاقها والسكو ِ‬
‫عظاما ً تحفظ الرض بإذن الله أن تميد َ وتثّبتها أن تزول‪} .‬وأنب َْتنا‬
‫ّ‬
‫وم يضطّر إليه العباد‬ ‫ن{؛ أي‪ :‬نافع متق ّ‬ ‫ل شيٍء موزو ٍ‬‫فيها من ك ّ‬
‫والبلد ما بين نخيل وأعناب وأصناف الشجار وأنواع النبات‬
‫والمعادن‪.‬‬
‫}‪} {20‬وجعلنا لكم فيها معايش{‪ :‬من الحرث ومن‬
‫ن لستم له‬ ‫م ْ‬
‫حَرف‪} ،‬و َ‬‫مكاسب وال ِ‬ ‫الماشية ومن أنواع الـ َ‬
‫برازقين{؛ أي‪ :‬أنعمنا عليكم بعبيد ٍ وإماٍء وأنعام ٍ لنفعكم‬
‫ولكم الّله إّياها‪ ،‬وتك ّ‬
‫فل‬ ‫ومصالحكم‪ ،‬وليس عليكم رزُقها‪ ،‬بل خ ّ‬
‫بأرزاقها‪.‬‬
‫ﮆ ﮇ ﭼ‬ ‫ﮅ‬ ‫ﮀ ﮁ ﮂ ﮃ ﮄ‬ ‫ﭽﭼ ﭽ ﭾ ﭿ‬
‫}‪ {21‬أي‪ :‬جميع الرزاق وأصناف القدار ل يمل ِ ُ‬
‫كها أحد ٌ إل ّ‬
‫من يشاء بحسب‬ ‫من يشاء ويمنع َ‬ ‫الّله؛ فخزائ ُِنها بيده‪ ،‬يعطي َ‬
‫ل شيء‬ ‫در من ك ّ‬ ‫حكمته ورحمته الواسعة‪} .‬وما ننّزُله{؛ أي‪ :‬المق ّ‬
‫دره الّله‪،‬‬
‫من مطر وغيره‪} ،‬إل ّ بقدرٍ معلوم{‪ :‬فل يزيد ُ على ما ق ّ‬
‫ول ينقص منه‪.‬‬
‫ﭽﮈ ﮉ ﮊ ﮋ ﮌ ﮍ ﮎ ﮏ ﮐ ﮑ ﮒ ﮓ ﮔ ﭼ‬
‫ح السحاب كما‬ ‫ق ُ‬‫خرنا الرياح رياح الرحمة ت ُل ْ ِ‬ ‫}‪ {22‬أي‪ :‬وس ّ‬
‫ح الذكر النثى‪ ،‬فينشأ عن ذلك الماء بإذن الّله‪ ،‬فيسقيه الّله‬ ‫ي ُل ْ ِ‬
‫ق ُ‬
‫دخرا ً لحاجاتهم‬ ‫ضهم‪ ،‬وُيبقي في الرض م ّ‬ ‫العباد َ ومواشَيهم وأر َ‬
‫وضروراتهم ما هو مقتضى قدرته ورحمته‪} .‬وما أنتم له‬
‫دخاره‪ ،‬ولكن الّله يخزُِنه‬ ‫ن{؛ أي‪ :‬ل قدرة لكم على خزن ِهِ وا ّ‬ ‫بخاِزني َ‬
‫ة بكم وإحسانا ً إليكم‪.‬‬ ‫سل ُ ُ‬
‫كه ينابيع في الرض رحم ً‬ ‫لكم وي َ ْ‬
‫ﭽﮕ ﮖ ﮗ ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ ﮜ ﮝ ﮞ ﮟ ﮠ ﮡ ﮢ ﮣ ﮤ ﮥ ﮦ‬
‫ﮧﮨ ﮩ ﮪ ﮫ ﮬ ﭼ ‪.‬‬
‫}‪ 23‬ـ ‪ {25‬أي‪ :‬هو وحده ل شريك له الذي يحيي الخلق‬
‫من العدم بعد أن لم يكونوا شيئا ً مذكورًا‪ ،‬ويميتهم لجالهم التي‬
‫ن‬
‫م ْ‬‫ضو َ‬ ‫ث الر َ‬‫ن ن َرِ ُ‬
‫قدرها‪} ،‬ونحن الوارثون{؛ كقوله‪} :‬إنا نح ُ‬
‫جعون{‪ :‬وليس ذلك بعزيز ول ممتنع على الّله؛ فإنه‬ ‫عليها وإلينا ي ُْر َ‬
‫خرين منهم‪ ،‬ويعلم ما‬ ‫دمين من الخلق والمستأ ِ‬ ‫تعالى يعلم المستق ِ‬
‫هل‬‫ص الرض منهم وما تفّرقُ من أجزائهم‪ ،‬وهو الذي قدرت ُ ُ‬ ‫ق ُ‬ ‫ت َن ْ ُ‬
‫شُرهم إليه‪} .‬إّنه‬ ‫جٌز‪ ،‬فيعيد عباده خلقا ً جديدًا‪ ،‬ويح ُ‬ ‫جُزها مع ِ‬‫يع ِ‬
‫م{‪ :‬يضع الشياء مواضعها‪ ،‬وينزُِلها منازَِلها‪ ،‬ويجازي ك ّ‬
‫ل عامل‬ ‫حكي ٌ‬
‫بعمله‪ :‬إن خيرًا؛ فخير‪ ،‬وإن شّرا؛ فشر‪.‬‬
‫ﭽ ﮭ ﮮﮮ ﮯ ﮰ ﮱ ﯓ ﯔ ﯕ ﯖ ﯗ ﯘ ﯙ ﯚ ﯛ ﯜ ﯝ ﯞ ﯟ ﯠ‬
‫ﯡ ﯢ ﯣ ﯤ ﯥ ﯦ ﯧ ﯨ ﯩ ﯪﯧﯧ ﯫﯧﯧ ﯬﯧﯧ ﯭﯧﯧ ﯮﯧﯧ ﯯﯧﯧ ﯰﯧﯧ ﯱﯧﯧ ﯷ ﯷ ﯷ ﯷ ﯷ ﯷ ﯷ‬
‫ﯽ ﯾ ﯿ ﯷ ﯷ ﯷ ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ‬ ‫ﯷ ﯷ ﯷ ﯼ‬
‫ﭟ ﭠ ﭡ ﭢ ﭣ ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ ﭨ ﭩ ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ‬ ‫ﭛ ﭜ ﭝ ﭞ‬
‫ﭮ ﭯ ﭰ ﭱ ﭲ ﭳ ﭴ ﭵ ﭶ ﭷ ﭸ ﭹ ﭺ ﭻ ﭼ ﭽ ﭾ ﭿ ﮀ‬
‫ﮁ ﮂ ﮃ ﮄ ﮅ ﮆ ﮇ ﮈ ﮉ ﮊ ﮋ ﮌ ﮍ ﮎ ﮏ ﮐ ﮑ ﮒ ﮓ ﮔ‬
‫ﮕ ﮖ ﮗ ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ ﮜ ﮝ ﮞ ﮟ ﮠ ﮡ ﮢ ﮣ ﮤ ﮥ ﮦ ﮧ ﮨ ﮩ ﮪ‬
‫ﮫ ﮬ ﮭ ﮮﮮ ﮯ ﮰ ﮱ ﯓ ﯔ ﭼ ‪.‬‬
‫يذكر تعالى نعمته وإحسانه على أبينا آدم عليه السلم‪ ،‬وما‬
‫جرى من عدّوه إبليس‪ ،‬وفي ضمن ذلك التحذير لنا من شّره‬
‫وفتنته‪ ،‬فقال تعالى‪:‬‬
‫}‪} {26‬ولقد خلقنا النسان{؛ أي‪ :‬آدم عليه السلم }من‬
‫مَر‬ ‫خـ ّ‬
‫ن{؛ أي‪ :‬من طين قد يبس بعدما ُ‬ ‫مإ ٍ مسنو ٍ‬ ‫حـ َ‬‫صْلصال من َ‬ ‫َ‬
‫ت كصوت الفخار‪ .‬والحمأ المسنون‪:‬‬ ‫ة وصو ٌ‬ ‫َ‬
‫صل ٌ‬‫صل َ‬‫ْ‬ ‫حتى صار له َ‬
‫ن المتغّير لونه وريحه من طول مكثه‪.‬‬ ‫الطي ُ‬
‫قناه من‬ ‫خل َ ْ‬
‫ن؛ أي‪ :‬إبليس‪َ } ،‬‬ ‫ن{‪ :‬وهو أبو الج ّ‬ ‫}‪} {27‬والجا ّ‬
‫سموم{؛ أي‪ :‬من النار الشديدة‬ ‫ق آدم‪} ،‬من نار ال ّ‬ ‫قبل{‪ْ َ :‬‬
‫خل ِ‬
‫الحرارة‪.‬‬
‫خل ْقَ آدم؛ قال للملئكة‪} :‬إّنـي‬ ‫}‪ 28‬ـ ‪ {29‬فلما أراد الّله َ‬
‫ن‪ .‬فإذا سوّي ُْته{‪ :‬جسدا ً‬ ‫سنو ٍ‬ ‫صْلصال من حمإ ٍ َ‬
‫م ْ‬ ‫خالقٌ بشرا ً من َ‬
‫ن{‪.‬‬
‫قُعوا له ساجدي َ‬ ‫ت فيه من روحي فَ َ‬ ‫ما‪} ،‬ونفخ ُ‬ ‫تا ّ‬
‫ة كّلهم‬ ‫}‪ 30‬ـ ‪ {31‬فامتثلوا أمَر رّبهم‪} ،‬فسجد الملئك ُ‬
‫د‪،‬‬‫ل على أنه لم يتخّلف منهم أح ٌ‬ ‫د؛ ليد ّ‬
‫أجمعون{‪ :‬تأكيد ٌ بعد تأكي ٍ‬
‫م ما لم يعلموا‪} .‬إل ّ‬ ‫وذلك تعظيما ً لمر الّله وإكراما ً لدم حيث ع َل ِ َ‬
‫ن مع الساجدين{‪ :‬وهذه أول عداوته لدم‬ ‫س أبى أن يكو َ‬ ‫إبلي َ‬
‫وذّرّيته‪.‬‬
‫س ما لك أل تكون مع‬ ‫}‪ 32‬ـ ‪} {33‬قال{‪ :‬الّله‪} :‬يا إبلي ُ‬
‫ن لسجد َ لبشرٍ خلقَته من صلصال من حمإ ٍ‬ ‫الساجدين‪ .‬قال لم أك ْ‬
‫ن{‪ :‬فاستكبر على أمر الّله‪ ،‬وأبدى العداوة لدم وذّرّيته‪،‬‬ ‫مسنو ٍ‬
‫ب بعنصره‪ ،‬وقال‪ :‬أنا خيٌر من آدم‪.‬‬ ‫ج َ‬ ‫وأع ِ‬
‫}‪ 34‬ـ ‪} {35‬قال{ الّله معاقبا ً له على كفره واستكباره‪:‬‬
‫م{؛ أي‪ :‬مطرود ومبعد ٌ من كل خير‪،‬‬ ‫ج منها فإّنك رجي ٌ‬ ‫خُر ْ‬ ‫}فا ْ‬
‫م والعيب والبعد عن رحمة الّله‬ ‫ة{؛ أي‪ :‬الذ ّ‬ ‫ن عليك اللعن َ‬ ‫}وإ ّ‬
‫ل على أّنه سيستمّر على‬ ‫}إلى يوم الدين{‪ .‬ففيها وما أشبهها دلي ٌ‬
‫كفره وبعده من الخير‪.‬‬
‫ب فأن ْظ ِْرني{؛ أي‪ :‬أمهِْلني }إلى يوم‬ ‫}‪ 36‬ـ ‪} {38‬قال ر ّ‬
‫ت المعلوم{‪:‬‬‫ن‪ .‬إلى يوم الوق ِ‬‫ظري َ‬ ‫من ْ َ‬
‫ن‪ .‬قال فإّنك من الـ ُ‬ ‫ي ُب َْعثو َ‬
‫ن وابتلءٌ‬
‫قه‪ ،‬وإنما ذلك امتحا ٌ‬
‫ة في ح ّ‬ ‫ة الّله لدعائ ِهِ كرام ً‬‫وليس إجاب ُ‬
‫من الّله له وللعباد؛ ليتبيّـن الصادق الذي يطيع موله دون عدوه‬
‫ذرنا منه غاية التحذير‪ ،‬وشرح لنا ما‬ ‫ممن ليس كذلك‪ ،‬ولذلك ح ّ‬
‫يريده مّنا‪.‬‬
‫ن لهم في الرض{؛ أي‪:‬‬ ‫ب بما أغويتني لزي ّن َ ّ‬ ‫}‪} {39‬قال ر ّ‬
‫أزّين لهم الدنيا‪ ،‬وأدعوهم إلى إيثارها على الخرى‪ ،‬حتى يكونوا‬
‫دهم كّلهم‬ ‫ة‪} ،‬ولغوِي َّنهم أجمعين{؛ أي‪ :‬أص ّ‬ ‫ل معصي ٍ‬ ‫منقادين لك ّ‬
‫دك منهم المخَلصين{؛ أي‪ :‬الذين‬ ‫عن الصراط المستقيم‪} ،‬إل ّ عبا َ‬
‫أخلصتهم‪ ،‬واجتبيتهم لخلصهم وإيمانهم وتوكلهم‪.‬‬
‫م{؛ أي‪ :‬معتد ٌ‬
‫ل‬ ‫ي مستقي ٌ‬ ‫ط علـ ّ‬ ‫}‪ {40‬قال الّله‪} :‬هذا صرا ٌ‬
‫ي وإلى دار كرامتي‪.‬‬ ‫موص ٌ‬
‫ل إلـ ّ‬
‫ن{‪ :‬تميلهم به‬ ‫ن عبادي ليس لك عليهم سلطا ٌ‬ ‫}‪} {41‬إ ّ‬
‫ضللت بسبب عبودّيتهم لرّبهم وانقيادهم‬ ‫إلى ما تشاء من أنواع ال ّ‬
‫لوامره‪ ،‬أعانهم الّله وعصمهم من الشيطان‪.‬‬
‫}‪} {42‬إل ّ من اّتبعك{‪ :‬فرضي بوليتك وطاعتك بدل ً من‬
‫ن{‪ :‬والغاوي ضد ّ الراشد؛ فهو الذي‬ ‫طاعة الرحمن‪} ،‬من الغاوي َ‬
‫ل الذي تركه من غير علم منه به‪.‬‬ ‫عرف الحقّ وتركه‪ ،‬والضا ّ‬
‫دهم أجمعين{؛ أي‪ :‬إبليس‬ ‫ع ُ‬
‫موْ ِ‬ ‫ن جهّنم َلـ َ‬ ‫}‪} {43‬وإ ّ‬
‫وجنوده‪.‬‬
‫ب{‪ :‬كل باب أسفل من الخر‪} .‬لك ّ‬
‫ل‬ ‫ة أبوا ٍ‬ ‫}‪} {44‬لها سبع ُ‬
‫م{‪ :‬بحسب‬ ‫باب منهم{؛ أي‪ :‬من أتباع إبليس }جزٌء مقسو ٌ‬
‫س‬
‫ن وجنود ُ إبلي َ‬‫كبوا فيها هم والغاوو َ‬ ‫أعمالهم؛ قال تعالى‪} :‬فَك ُب ْ ِ‬
‫ن{‪.‬‬
‫أجمعو َ‬
‫ولما ذكر تعالى ما أعد ّ لعدائ ِهِ أتباع إبليس من الّنكال‬
‫والعذاب الشديد؛ ذكر ما أعد ّ لوليائه من الفضل العظيم والنعيم‬
‫المقيم‪ ،‬فقال‪:‬‬
‫ﭽ ﯕ ﯖ ﯗ ﯘ ﯙ ﯚ ﯛ ﯜ ﯝ ﯞ ﯟ ﯠ ﯡ ﯢ ﯣ ﯤ ﯥ ﯦ ﯧ ﯨ ﯩ ﯪﯧﯧ‬
‫ﯫﯧﯧ ﯬﯧﯧ ﯭﯧﯧ ﯮﯧﯧ ﯯﯧﯧ ﯰﯧﯧ ﯱﯧﯧ ﯷ ﯷ ﯷ ﯷ ﯷ ﯷ ﯷ ﯷ ﯷ ﯷ ﯼ ﯽ ﯾ ﯿ‬
‫ﯷ ﭼ‪.‬‬
‫ن المّتقين{‪ :‬الذين اّتقوا طاعة‬
‫}‪ {45‬يقول تعالى‪} :‬إ ّ‬
‫الشيطان وما يدعوهم إليه من جميع الذنوب والعصيان‪} ،‬في‬
‫ع‬
‫ت وعيون{‪ :‬قد احتوت على جميع الشجار‪ ،‬وأينعت فيها جمي ُ‬ ‫جّنا ٍ‬
‫الثمار اللذيذة في جميع الوقات‪.‬‬
‫ن{‪:‬‬‫خلوها بسلم آمني َ‬ ‫}‪ {46‬ويقال لهم حال دخولها‪} :‬اد ُ‬
‫صب والّلغوب وانقطاع شيء من النعيم‬ ‫من الموت والنوم والن ّ َ‬
‫م وسائر‬ ‫الذي هم فيه أو نقصانه ومن المرض والحزن واله ّ‬
‫المكدرات‪.‬‬
‫ل{‪ :‬فتبقى قلوُبهم‬ ‫}‪} {47‬ونزعنا ما في صدورهم من ِغ ّ‬
‫ل وحسد ٍ متصافية متحاّبة‪} ،‬إخوانا ً على ُ‬ ‫لغ ّ‬ ‫ة من ك ّ‬
‫)‪(1‬‬
‫سُرر‬ ‫سالم ً‬
‫ل ذلك على تزاورهم واجتماعهم وحسن أدبهم فيما‬ ‫متقابلين{‪ :‬د ّ‬
‫ل منهم مقابل ً للخر ل مستدبرا ً له‪ ،‬متكئين على‬ ‫بينهم في كون ك ّ‬
‫سرر المزّينة بالفرش واللؤلؤ وأنواع الجواهر‪.‬‬ ‫تلك ال ّ‬
‫ن‪ ،‬وذلك‬ ‫ب{‪ :‬ل ظاهٌر ول باط ٌ‬ ‫سهم فيها نص ٌ‬ ‫م ّ‬ ‫}‪} {48‬ل ي َ َ‬
‫ة ل تقبل شيئا ً من الفات‪} .‬وما‬ ‫ن الّله ُينشئهم نشأة ً وحياة ً كامل ً‬ ‫ل ّ‬
‫خَرجين{‪ :‬على سائر الوقات‪.‬‬ ‫م ْ‬
‫هم منها ب ُ‬
‫}‪ {49‬ولما ذكر ما يوجب الرغبة والرهبة من مفعولت الّله‬
‫من الجنة والنار؛ ذكر ما يوجب ذلك من أوصافه تعالى‪ ،‬فقال‪:‬‬
‫}نّبىء عبادي{؛ أي‪ :‬أخبرهم خبرا ً جازما ً مؤيدا ً بالدّلة‪} ،‬أني أنا‬
‫الغفوُر الرحيم{‪ :‬فإّنهم إذا عرفوا كمال رحمته ومغفرته؛ سعوا‬
‫ذنوب وتابوا‬ ‫بالسباب )‪ (2‬الموصلة لهم إلى رحمته‪ ،‬وأقلعوا عن ال ّ‬
‫ه‪.‬‬
‫منها؛ لينالوا مغفرت َ ُ‬
‫}‪ {50‬ومع هذا؛ فل ينبغي أن يتمادى بهم الرجاُء إلى حال‬
‫م{؛ أي‪ :‬ل‬ ‫ب اللي ُ‬ ‫ن عذابي هو العذا ُ‬ ‫المن والدلل؛ فنبئهم }أ ّ‬
‫دره ول ي ُب َْلغ‬ ‫ب الّله الذي ل يقاد َُر قَ ْ‬ ‫عذاب في الحقيقة إل ّ عذا ُ‬
‫ب عذاَبه‬ ‫ك ُْنهه‪ ،‬نعوذ به من عذابه؛ فإنهم إذا عرفوا أن )‪ (3‬ل يعذ ّ َ‬
‫ل سبب يوجب‬ ‫د؛ حذروا وأبـعـدوا عـن كـ ّ‬ ‫ه أح ٌ‬ ‫أحد ٌ ول يوث ِقُ َوثاقَ ُ‬
‫لهم العقاب‪.‬‬
‫فالعبد ينبغي أن يكون قلبه دائما ً بين الخوف والرجاء‬
‫والرغبة والرهبة؛ فإذا نظر إلى رحمة رّبه ومغفرته وجوده‬

‫‪ -‬في )ب(‪» :‬دغل«‪.‬‬ ‫‪1‬‬

‫‪ -‬في )ب(‪» :‬في السباب«‪.‬‬ ‫‪2‬‬

‫‪ -‬في )ب(‪» :‬أنه«‪.‬‬ ‫‪3‬‬


‫ة‪ ،‬وإذا نظر إلى ذنوبه‬
‫وإحسانه؛ أحدث له ذلك الرجاَء والرغب َ‬
‫ف والرهبة والقلع عنها‪.‬‬‫وتقصيره في حقوق رّبه؛ أحدث له الخو َ‬
‫ﭽﯷ ﯷ ﯷ ﯷ ﯷ ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ ﭝ‬
‫ﭞ ﭟ ﭠ ﭡ ﭢ ﭣ ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ ﭨ ﭩ ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ ﭯ ﭰ‬
‫ﭱ ﭲ ﭳ ﭴ ﭵ ﭶ ﭷ ﭸ ﭹ ﭺ ﭻ ﭼ ﭼ‪.‬‬
‫}‪ {51‬يقول تعالى لنبّيه محمد صلى الله عليه وسلم‪:‬‬
‫ن‬
‫صة العجيبة؛ فإ ّ‬ ‫ف إبراهيم{؛ أي‪ :‬عن تلك الق ّ‬ ‫}ونب ّْئهم عن ضي ِ‬
‫صك عليهم أنباء الرسل وما جرى لهم ما يوجب لهم العبرةَ‬ ‫في ق ّ‬
‫ع‬
‫ه أن نت ّب ِ َ‬ ‫والقتداء بهم‪ ،‬خصوصا ً إبراهيم الخليل‪ ،‬الذي أمرنا الل ّ ُ‬
‫جعََلهم أضيافه‪.‬‬ ‫ن َ‬ ‫ه الّله بأ ْ‬ ‫م ُ‬‫مّلته‪ ،‬وضيفه هم الملئكة الكرام‪ ،‬أك َْر َ‬
‫}‪} {52‬إذ دخلوا عليه فقالوا سلمًا{؛ أي‪ :‬سّلموا عليه فرد ّ‬
‫ن{؛ أي‪ :‬خائفون؛ لّنه لما دخلوا‬ ‫جلو َ‬ ‫عليهم‪} ،‬قال إّنا منكم وَ ِ‬
‫عليه‪ ،‬وحسبهم ضيوفًا؛ ذهب مسرعا ً إلى بيته‪ ،‬فأحضر لهم‬
‫ل إليه؛‬ ‫ص ُ‬‫دمه إليهم‪ ،‬فلما رأى أيد َِيهم ل ت ِ‬ ‫ضيافتهم عجل ً حنيذًا‪ ،‬فق ّ‬
‫خاف منهم أن يكونوا لصوصا ً أو نحوهم فقالوا له‪:‬‬
‫شرك بغلم عليم{‪ :‬وهو إسحاق عليه‬ ‫ل إّنا نب ّ‬‫ج ْ‬
‫}‪} {53‬ل ت َوْ َ‬
‫الصلة والسلم‪ .‬تضمنت هذه البشارة بأّنه ذكٌر ل أنثى‪} .‬عليم{؛‬
‫شْرناه بإسحاقَ نبّيا من‬ ‫أي‪ :‬كثير العلم‪ .‬وفي الية الخرى‪} :‬وب ّ‬
‫ن{‪.‬‬ ‫صالحي َ‬ ‫ال ّ‬
‫جبا ً من هذه البشارة‪:‬‬ ‫}‪} {54‬قال{ لهم متع ّ‬
‫ي الك ِب َُر{‪ :‬وصار نوع إياس‬ ‫سن ِ َ‬‫م ّ‬‫شْرُتموني{‪ :‬بالولد }على أن َ‬ ‫}أب ّ‬
‫شرون وقد عدمت‬ ‫ن{؛ أي‪ :‬على أيّ وجهٍ تب ّ‬ ‫شرو ِ‬ ‫منه‪} .‬فبم تب ّ‬
‫السباب؟!‬
‫ن الّله‬ ‫ك فيه؛ ل ّ‬ ‫ق{‪ :‬الذي ل ش ّ‬ ‫شْرناك بالح ّ‬ ‫}‪} {55‬قالوا ب ّ‬
‫ل شيٍء قديٌر‪ ،‬وأنتم بالخصوص يا أهل هذا البيت‪ ،‬رحمة‬ ‫على ك ّ‬
‫ب فضل الّله وإحساُنه إليكم‪} .‬فل‬ ‫الّله وبركاته عليكم؛ فل ي ُ ْ‬
‫ست َغَْر ُ‬
‫ن{‪ :‬الذين يستبعدون وجود َ الخير‪ ،‬بل ل تزال‬ ‫ن من القانطي َ‬ ‫ت َك ُ ْ‬
‫راجيا ً لفضل الّله وإحسان ِهِ وبّره وامتنانه‪.‬‬
‫ط من رحمةِ رّبه‬ ‫قن َ ُ‬
‫من ي َ ْ‬ ‫م بقوله‪} :‬و َ‬ ‫}‪ {56‬فأجابهم إبراهي ُ‬
‫ن‬
‫م ْ‬ ‫ضاّلون{‪ :‬الذين ل علم لهم برّبهم وكمال اقتداره‪ ،‬وأما َ‬ ‫إل ّ ال ّ‬
‫أنعم الّله عليه بالهداية والعلم العظيم؛ فل سبيل إلى القنوط‬
‫إليه؛ لّنه يعرف من ك َْثرة السباب والوسائل والطرق لرحمة الّله‬
‫شيئا ً كثيرًا‪.‬‬
‫ر‬
‫ف أّنهم مرسلون لم ٍ‬ ‫ثم لما ب ّ‬
‫شروه بهذه البشارة؛ ع ََر َ‬
‫م‪.‬‬
‫مه ّ‬
‫ﮅ ﮆ ﮇ ﮈ ﮉ ﮊ ﮋ ﮌ ﮍ ﮎ‬ ‫ﭽﭽ ﭾ ﭿ ﮀ ﮁ ﮂ ﮃ ﮄ‬
‫ﮏ ﮐ ﮑ ﮒ ﮓﮔ ﮕ ﮖ ﮗ ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ ﮜ ﮝ ﮞ ﮟ ﮠ ﮡ ﮢ‬
‫ﮩ ﮪ ﮫ ﮬ ﮭ ﮮﮮ ﮯ ﮰ ﮱ ﯓ ﯔ ﯕ ﯖ ﯗ‬ ‫ﮣ ﮤ ﮥ ﮦ ﮧ ﮨ‬
‫ﯘ ﯙ ﯚ ﯛ ﯜ ﯝ ﯞ ﯟ ﯠ ﯡ ﯢ ﯣ ﯤ ﯥ ﯦ ﯧ ﯨ ﯩ ﯪﯧﯧ ﯫﯧﯧ ﯬﯧﯧ ﯭﯧﯧ ﯮﯧﯧ ﯯﯧﯧ ﯰﯧﯧ‬
‫ﯱﯧﯧ ﯷ ﯷ ﯷ ﯷ ﯷ ﯷ ﯷ ﯷ ﯷ ﯷ ﯼ ﯽ ﯾ ﯿ ﯷ ﯷ ﭑ ﭒ ﭓ‬
‫ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ ﭝ ﭞ ﭟ ﭠ ﭡ ﭢ ﭣ ﭤ ﭥ ﭦ‬ ‫ﭔ ﭕ‬
‫ﭧ ﭨ ﭩ ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ ﭯ ﭰ ﭱ ﭲ ﭳ ﭴ ﭵ ﭶ ﭷ ﭸ ﭹ‬
‫ﭺ ﭼ‪.‬‬
‫ل عليه السلم للملئكة‪} :‬فما‬ ‫}‪ {57‬أي‪} :‬قال{ الخلي ُ‬
‫سل ُْتم؟!‬‫كم أّيها المرسلون{؛ أي‪ :‬ما شأنكم؟ وليّ شيٍء أر ِ‬ ‫خطب ُ‬
‫رمين{؛ أي‪ :‬كثر‬ ‫سْلنا إلى قوم مج ِ‬ ‫}‪} {58‬قالوا إّنا أر ِ‬
‫ظم شّرهم لنعذ َّبهم ونعاقبهم‪.‬‬ ‫دهم وع َ ُ‬ ‫فسا ُ‬
‫ط{؛ أي‪ :‬إل ّ لوطا ً وأهله‪} ،‬إل ّ امرأت َ ُ‬
‫ه‬ ‫ل لو ٍ‬‫}‪ 59‬ـ ‪} {60‬إل ّ آ َ‬
‫ط؛‬‫ن الغابرين{؛ أي‪ :‬الباقين بالعذاب‪ ،‬وأما لو ٌ‬ ‫م َ‬ ‫قد ّْرنا أّنها َلـ ِ‬
‫جيهم منها‪ .‬فجعل إبراهيم يجادل الرسل في‬ ‫جّنه وأهله ونن ّ‬ ‫خرِ َ‬ ‫فَ َ‬
‫سن ُ ْ‬
‫ض عن هذا إّنه قد‬ ‫م أع ْرِ ْ‬ ‫إهلكهم ويراجعهم‪ ،‬فقيل له‪} :‬يا إبراهي ُ‬
‫ب غير مردوٍد{‪ .‬فذهبوا منه‪.‬‬ ‫مر رّبك وإّنهم آتيهم عذا ٌ‬ ‫جاء أ ُ‬
‫ن قال{ لهم لوط‪:‬‬ ‫ط المرسلو َ‬ ‫ل لو ٍ‬‫}‪ 61‬ـ ‪} {62‬فلما جاء آ َ‬
‫ن{؛ أي‪ :‬ل أعرفكم‪ ،‬ول أدري من أنتم‪.‬‬ ‫من ْ َ‬
‫كرو َ‬ ‫}إّنكم قوم ُ‬
‫مَترون{؛ أي‪:‬‬ ‫جْئناك بما كانوا فيه ي َ ْ‬ ‫}‪َ {63‬فـ}قالوا بل ِ‬
‫دهم به‪.‬‬ ‫ذبونك حين ت َعِ ُ‬ ‫كون فيه ويك ّ‬ ‫جئناك بعذابهم الذي كانوا يش ّ‬
‫ق{‪ :‬الذي ليس بالهزل‪} .‬وإّنا‬ ‫}‪} {64‬وأتيناك بالح ّ‬
‫ن{‪ :‬فيما قلنا لك‪.‬‬ ‫لصادقو َ‬
‫طع من الليل{؛ أي‪ :‬في أثنائه حين‬ ‫ق ْ‬ ‫سرِ بأهلك ب ِ‬ ‫}‪} {65‬فأ ْ‬
‫د{؛‬‫ت منكم أح ٌ‬ ‫سراك‪} .‬ول ي َل ْت َ ِ‬
‫ف ْ‬ ‫م ْ‬ ‫تنام العيون ول يدري أحد ٌ عن َ‬
‫ن معهم‬ ‫مرون{‪ :‬كأ ّ‬ ‫ث ت ُؤ ْ َ‬
‫مضوا حي ُ‬ ‫أي‪ :‬بل بادروا وأسرعوا‪} ،‬وا ْ‬
‫جهون‪.‬‬ ‫دليل ً يدّلهم على أين يتو ّ‬
‫مث ْن َوِّية فيه‪،‬‬‫ضْينا إليه ذلك{؛ أي‪ :‬أخبرناه خبرا ً ل َ‬ ‫}‪} {66‬وق َ‬
‫ب الذي‬ ‫ن{؛ أي‪ :‬سيصّبحهم العذا ُ‬ ‫ن دابَر هؤلء مقطوع ٌ مصبحي َ‬ ‫}أ ّ‬
‫يجتاحهم‪ ،‬ويستأصلهم‪.‬‬
‫ل المدينة{؛ أي‪ :‬المدينة التي فيها‬ ‫}‪ 67‬ـ ‪} {69‬وجاء أه ُ‬
‫ضهم بعضا ً بأضياف لو ٍ‬
‫ط‬ ‫شر بع ُ‬ ‫ن{؛ أي‪ :‬يب ّ‬ ‫ط‪} ،‬يستبشرو َ‬ ‫لو ٌ‬
‫ل الفاحشة‬ ‫هم فع َ‬ ‫وصباحةِ وجوههم واقتدارهم عليهم‪ ،‬وذلك لقصد ِ ِ‬
‫ط‪ ،‬فجعلوا يعالجون لوطا ً‬ ‫فيهم‪ ،‬فجاؤوا حتى وصلوا إلى بيت لو ٍ‬
‫ضْيفي فل‬ ‫ن هؤلء َ‬ ‫ل‪} :‬إ ّ‬ ‫ط يستعيذ ُ منهم ويقو ُ‬ ‫على أضيافه‪ ،‬ولو ٌ‬
‫ن{؛ أي‪ :‬راقبوا الّله أول ذلك‪ ،‬وإن‬ ‫خُزو ِ‬‫ن‪ .‬واّتقوا الّله ول ُتـ ْ‬‫ضحو ِ‬ ‫ف َ‬ ‫تَ ْ‬
‫ف من الّله؛ فل تفضحوني في أضيافي‪،‬‬ ‫كان ليس فيكم خو ٌ‬
‫كوا منهم المر الشنيع‪.‬‬ ‫وتنَته ِ‬
‫ن{ فقط‪:‬‬ ‫}‪َ {70‬فـ}َقالوا{ له جوابا ً عن قوله‪} :‬ول تخزو ِ‬
‫ك عن العالمين{‪ :‬أن تضّيفهم‪ ،‬فنحن قد أنذرناك‪ ،‬ومن‬ ‫}أولم ن َن ْهَ َ‬
‫أنذر؛ فقد أعذر‪.‬‬
‫دة المر الذي أصابه‪:‬‬ ‫ط من ش ّ‬ ‫}‪ 71‬ـ ‪َ {72‬فـ}َقال{ لهم لو ٌ‬
‫ن{‪ :‬فلم يبالوا بقوله‪ ،‬ولهذا قال الّله‬ ‫}هؤلء بناتي إن كنُتم فاعلي َ‬
‫مُرك إّنهم لفي‬ ‫لرسوله محمد ٍ صلى الله عليه وسلم‪} :‬ل َعَ ْ‬
‫ن{‪ :‬وهذه السكرة هي سكرة محّبة الفاحشة‬ ‫سكرت ِِهم يعمهو َ‬
‫التي ل ُيبالون معها بعذل ول لوم‪.‬‬
‫ط ما كان‬ ‫}‪ {73‬فلما بينت له الرسل حاَلهم؛ زال عن لو ٍ‬
‫ده من الضيق والكرب‪ ،‬فامتثل أمر رّبه‪ ،‬وسرى بأهله لي ً‬
‫ل‪،‬‬ ‫ج ُ‬‫يَ ِ‬
‫ن{؛ أي‪:‬‬ ‫ة مشرقي َ‬ ‫م الصيح ُ‬ ‫فنجوا‪ .‬وأما أهل القرية؛ }فأخذْتـهُ ُ‬
‫د‪.‬‬
‫وقت شروق الشمس؛ حين كانت العقوبة عليهم أش ّ‬
‫}‪} {74‬فجعَْلنا عال َِيها سافَِلها{؛ أي‪ :‬قلبنا عليهم مدينتهم‪،‬‬
‫جيل{‪ :‬تتبع فيها من شذ ّ من البلد‬ ‫}وأمط َْرنا عليهم حجارة ً من س ّ‬
‫منهم‪.‬‬
‫ملين‬ ‫سمين{؛ أي‪ :‬المتأ ّ‬ ‫}‪} {75‬إن في ذلك ليات للمتو ّ‬
‫ة يفهمون بها ما أريد‬ ‫كرين الذين لهم فكٌر وروّية وفراس ٌ‬ ‫المتف ّ‬
‫ن من تجّرأ على معاصي الّله‪ ،‬خصوصا ً هذه الفاحشة‬ ‫من أ ّ‬ ‫بذلك ِ‬
‫ت؛ كما تجرؤوا على‬ ‫ن الّله سيعاقُِبهم بأشنع العقوبا ِ‬ ‫العظيمة‪ ،‬وأ ّ‬
‫أشنع السيئات‪.‬‬
‫مقيم{‪:‬‬ ‫}‪} {76‬وإّنها{؛ أي‪ :‬مدينة قوم لوط }َلبسبيل ُ‬
‫ديار‪.‬‬ ‫دد في تلك ال ّ‬ ‫ن تر ّ‬
‫م ْ‬
‫ل َ‬ ‫للسالكين‪ ،‬يعرفه ك ّ‬
‫ة للمؤمنين{‪ :‬وفي هذه القصة من‬ ‫ن في ذلك لي ً‬ ‫}‪} {77‬إ ّ‬
‫ن لوطا ً عليه السلم من‬ ‫العبر‪ :‬عنايُته تعالى بخليله إبراهيم؛ فإ ّ‬
‫من آمن به‪ ،‬فكأنه تـلـميذ ٌ له؛ فحين أراد الّله إهلك‬ ‫أتباعه ومـ ّ‬
‫قوا ذلك؛ أمر رسله أن يمّروا على إبراهيم‬ ‫ط حين استح ّ‬ ‫قوم لو ٍ‬
‫شروه بالولد ويخبروه بما بعثوا له‪ ،‬حتى إّنه‬ ‫عليه السلم كي يب ّ‬
‫سه‪،‬‬ ‫جادلهم عليه السلم في إهلكهم‪ ،‬حتى أقنعوه‪ ،‬فطابت نف ُ‬
‫ه؛ فربما أخذْته الرقة‬ ‫وكذلك لوط عليه السلم‪ ،‬لما كانوا أهل وط َن ِ ِ‬
‫ظه‬‫در الّله من السباب ما به يشتد ّ غي ُ‬ ‫عليهم والرأفة بهم؛ ق ّ‬
‫دهم‬
‫ع َ‬
‫ن مو ِ‬‫ما قيل له‪} :‬إ ّ‬ ‫ه عليهم‪ ،‬حّتى استبطأ إهل َ‬
‫كهم لـ ّ‬ ‫ق ُ‬‫حن ْ ُ‬
‫و ِ‬
‫ب{‪.‬‬‫ح بقري ٍ‬
‫ح أليس الصب ُ‬ ‫الصب ُ‬
‫ك قرية ازداد شّرهم‬ ‫ومنها ‪ :‬أن الّله تعالى إذا أراد أن ُيـهْل ِ َ‬
‫قونه‪.‬‬‫وطغيانهم؛ فإذا انتهى؛ أوقع بهم من العقوبات ما يستح ّ‬
‫ﭽ ﭾ ﭿ ﮀ ﮁ ﮂ ﮃ ﮄ ﮅ ﮆ ﭼ‪.‬‬ ‫ﭽﭻ ﭼ‬
‫ب‪ ،‬ن َعَت َُهم الّله وأضافهم إلى الي َ‬
‫كة‪،‬‬ ‫}‪ {78‬وهؤلء قوم شعي ٍ‬
‫وهو البستان كثير الشجار؛ ليذكر نعمته عليهم‪ ،‬وأنهم ما قاموا‬
‫بها‪ ،‬بل جاءهم نبّيهم شعيب‪ ،‬فدعاهم إلى التوحيد‪ ،‬وت َْرك ظ ُْلم‬
‫جهم على ذلك أشد ّ‬ ‫الناس في المكاييل والموازين‪ ،‬وعاَلـ َ‬
‫ق‬
‫المعالجة‪ ،‬فاستمروا على ظلمهم في حقّ الخالق وفي ح ّ‬
‫ظلم‪.‬‬‫الخلق‪ ،‬ولهذا وصفهم هنا بال ّ‬
‫ة؛ إنه‬ ‫ب يوم ِ الظ ّل ّ ِ‬
‫منا منهم{‪ :‬فأخذهم عذا ُ‬ ‫ق ْ‬‫}‪} {79‬فان ْت َ َ‬
‫ط وأصحاب‬ ‫كان عذاب يوم عظيم‪} .‬وإّنهما{؛ أي‪ :‬ديار قوم لو ٍ‬
‫ن{؛ أي‪ :‬لبطريق واضح يمّر بهم المسافرون‬ ‫مبي ٍ‬ ‫اليكة‪} ،‬لبإمام ُ‬
‫ل وقت‪ ،‬فيبين من آثارهم ما هو مشاهَد ٌ بالبصار‪ ،‬فيعتبر بذلك‬ ‫ك ّ‬
‫أولو اللباب‪.‬‬
‫ﮉ ﮊ ﮋ ﮌ ﮍ ﮎ ﮏ ﮐ ﮑ ﮒ ﮓ ﮔ ﮕ ﮖ‬ ‫ﭽﮇ ﮈ‬
‫ﮣ ﮤ ﭼ‪.‬‬ ‫ﮗ ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ ﮜ ﮝ ﮞ ﮟ ﮠ ﮡ ﮢ‬
‫}‪ {80‬يخبر تعالى عن أهل الحجر‪ ،‬وهم قوم صالح‪ ،‬الذين‬
‫ذبوا‬ ‫يسكنون الحجَر المعروف في أرض الحجاز‪ :‬أّنهم ك ّ‬
‫ذب سائر‬ ‫ل؛ فقد ك ّ‬ ‫ذب رسو ً‬ ‫ذبوا صالحًا‪ ،‬ومن ك ّ‬‫المرسلين؛ أي‪ :‬ك ّ‬
‫ه‪ ،‬بل لما‬ ‫ص ِ‬ ‫الرسل لتفاق دعوتهم‪ ،‬وليس تكذيب بعضهم لشخ ِ‬
‫ق‪ ،‬الذي اشترك جميع الرسل بالتيان به‪.‬‬ ‫جاء به من الح ّ‬
‫حة ما جاءهم به‬ ‫}‪} {81‬وآتيناهم آياتنا{‪ :‬الداّلة على ص ّ‬
‫صالح من الحق التي من جملتها تلك الناقة التي هي من آيات‬
‫الّله العظيمة‪} .‬فكانوا عنها معرضين{‪ :‬ك ِْبرا ً وتجّبرا ً على الّله‪.‬‬
‫حتون من‬ ‫}‪} {82‬وكانوا{‪ :‬من كثرة إنعام الّله عليهم‪} ،‬ي َن ْ ِ‬
‫ن{‪ :‬من المخاوف‪ ،‬مطمئنين في ديارهم؛ فلو‬ ‫الجبال بيوتا ً آمني َ‬
‫دقوا نبّيهم صالحا ً عليه السلم؛ لدّر الّله عليهم‬ ‫شكروا النعمة وص ّ‬
‫الرزاق‪ ،‬ولكرمهم بأنواع من الثواب العاجل والجل‪ ،‬ولكّنهم لما‬
‫ح ائِتنا‬
‫ذبوا وعقروا الناقة وعتوا عن أمرِ رّبهم وقالوا‪} :‬يا صال ُ‬ ‫ك ّ‬
‫صادقين{‪.‬‬‫ت من ال ّ‬ ‫دنا إن كن َ‬ ‫بما ت َعِ ُ‬
‫ن{‪ :‬فتقطعت قلوبهم في‬ ‫حي َ‬ ‫صب ِ ِ‬
‫م ْ‬‫ة ُ‬‫ح ُ‬‫صي ْ َ‬
‫م ال َ‬ ‫خذ َْتـهُ ُ‬‫}‪َ} {83‬فأ َ‬
‫أجوافهم وأصبحوا في دارهم جاثمين هلكى‪ ،‬مع ما يتبع ذلك من‬
‫الخزي واللعنة المستمرة‪.‬‬
‫ن أمر الّله‬ ‫ن{‪ :‬ل ّ‬ ‫كسبو َ‬ ‫}‪} {84‬فما أغنى عنهم ما كانوا ي َ ْ‬
‫وة أنصار ول غزارة أموال‪.‬‬ ‫ده ك َْثرة جنود ٍ ول ق ّ‬ ‫إذا جاء ل ير ّ‬
‫ﭽ ﮥ ﮦ ﮧ ﮨ ﮩ ﮪ ﮫ ﮬﮭ ﮮﮮ ﮯ ﮰﮱ ﯓ ﯔ ﯕ ﯖ ﯗ ﯘ ﯙ‬
‫ﯚ ﯛ ﯜ ﭼ‪.‬‬
‫ن ذلك أعداء الّله‪،‬‬ ‫}‪ {85‬أي‪ :‬ما خلقناهما ع ََبثا ً باطل ً كما يظ ّ‬
‫ق{‪ :‬الذي منه أن يكونا بما فيهما داّلتين‬ ‫بل ما خلقناهما }إل ّ بالح ّ‬
‫ه‬
‫م ِ‬
‫على كمال خالقهما واقتداره وسعة رحمت ِهِ وحكمت ِهِ وعل ِ‬
‫ده ل شريك له‪.‬‬ ‫المحيط‪ ،‬وأّنه الذي ل تنبغي العبادة ُ إل له وح َ‬
‫خل ْقُ السماوات والرض أكبُر‬ ‫ب فيها؛ َلـ َ‬ ‫ة{‪ :‬ل ري َ‬ ‫ن الساعة لتي ٌ‬ ‫}وإ ّ‬
‫ل{‪ :‬وهو الصفح الذي ل‬ ‫فح الجمي َ‬ ‫ص ْ‬‫فح ال ّ‬ ‫خْلق الناس‪} .‬فاص َ‬ ‫من َ‬
‫أذّية فيه‪ ،‬بل يقابل إساءة المسيء بالحسان وذنَبه بالغفران؛‬
‫ت فهو‬ ‫ل ما هو آ ٍ‬ ‫نك ّ‬ ‫لتنال من رّبك جزيل الجر والثواب؛ فإ ّ‬
‫ب‪.‬‬‫قري ٌ‬
‫ن المأمور‬‫ت هنا‪ ،‬وهو أ ّ‬ ‫وقد ظهر لي معنى أحسن مما ذكر ُ‬
‫م من الحقد‬ ‫سل ِ َ‬
‫به هو الصفح الجميل؛ أي‪ :‬الحسن الذي قد َ‬
‫والذّية القولّية والفعلّية‪ ،‬دون الصفح الذي ليس بجميل‪ ،‬وهو‬
‫فح حيث اقتضى المقام العقوبة؛‬ ‫الصفح في غير محّله؛ فل ي ُ ْ‬
‫ص َ‬
‫كعقوبة المعتدين الظالمين الذين ل ينفعُ فيهم إل العقوبة‪ ،‬وهذا‬
‫هو المعنى‪.‬‬
‫م{‪ :‬بكل‬‫لق{‪ :‬لكل مخلوق‪} ،‬العلي ُ‬ ‫ن رّبك هو الخ ّ‬ ‫}‪} {86‬إ ّ‬
‫مه‪ ،‬وجرى عليه‬ ‫جُزه أحد ٌ من جميع ما أحاط به عل ُ‬ ‫شيٍء؛ فل يع ِ‬
‫قه‪ ،‬وذلك سائر الموجودات‪.‬‬ ‫خل ُ‬
‫ﭽ ﯝ ﯞ ﯟ ﯠ ﯡ ﯢ ﯣ ﯤ ﯥ ﯦ ﯧ ﯨ ﯩ ﯪﯧﯧ ﯫﯧﯧ ﯬﯧﯧ ﯭﯧﯧ ﯮﯧﯧ ﯯﯧﯧ ﯰﯧﯧ ﯱﯧﯧ ﯷ‬
‫ﯷ ﯷ ﯷ ﯷ ﯷ ﯷ ﯷ ﯷ ﯷ ﯼ ﯽ ﯾ ﯿ ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ‬
‫ﭧ ﭨ ﭩ‬ ‫ﭜ ﭝ ﭞ ﭟ ﭠ ﭡ ﭢ ﭣ ﭤ ﭥ ﭦ‬ ‫ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ‬
‫ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ ﭮﭯ ﭰ ﭱ ﭲ ﭳ ﭴ ﭵ ﭶ ﭷ ﭸ ﭹ ﭺ ﭻ ﭼ ﭽ‬
‫ﭾ ﭿ ﮀ ﮁ ﮂ ﮃ ﮄ ﮅ ﮆ ﮇ ﭼ )‪.(1‬‬
‫}‪ {87‬يقول تعالى ممتّنا على رسوله‪} :‬ولقد آتيناك سبعا ً‬
‫ن على الصحيح السور السبع الطوال‪ :‬البقرة‬ ‫من المثاني{‪ :‬وه ّ‬
‫وآل عمران والنساء والمائدة والنعام والعراف والنفال مع‬

‫‪ -‬اليات ما بين المعقوفتين زيادة على النسختين‪.‬‬ ‫‪1‬‬


‫التوبة‪ .‬أو أّنها فاتحة الكتاب؛ لنها سبع آيات‪ .‬فيكون عطف‬
‫ص؛‬
‫م على الخا ّ‬ ‫}القرآن العظيم{ على ذلك من باب عطف العا ّ‬
‫لكثرة ما في المثاني من التوحيد وعلوم الغيب والحكام الجليلة‬
‫وتثنيتها فيها‪ .‬وعلى القول بأن الفاتحة هي السبع المثاني معناها‬
‫ل ركعة‪.‬‬ ‫ت ُتثنى في ك ّ‬ ‫أّنها سبعُ آيا ٍ‬
‫ه قد أعطاه القرآن العظيم مع السبع‬ ‫}‪ {88‬وإذ كان الل ّ ُ‬
‫س فيه المتنافسون‬ ‫ل ما يتناف ُ‬ ‫المثاني؛ كان قد أعطاه أفض َ‬
‫ل بفضل الل ّهِ وبرحمت ِهِ فبذلك‬ ‫م ما فرح به المؤمنون‪} ،‬قُ ْ‬ ‫وأعظ َ‬
‫ن‬
‫ن{‪ ،‬ولذلك قال بعده‪} :‬ل تمد ّ ّ‬ ‫فرحوا هو خيٌر مما يجمعو َ‬ ‫فَل ْي َ ْ‬
‫مُلك‬ ‫عينيك إلى ما مّتعنا به أزواجا ً منهم{؛ أي‪ :‬ل تعجب إعجابا ً يح ِ‬
‫دنيا التي تمّتع بها المترفون واغتّر‬ ‫على إشغال فكرك بشهوات ال ّ‬
‫ن بما آتاك الّله من المثاني والقرآن العظيم‪.‬‬ ‫بها الجاهلون‪ ،‬واستغْ ِ‬
‫قب؛‬ ‫ن عليهم{‪ :‬فإّنهم ل خير فيهم ُيرجى‪ ،‬ول نفع ُيرت َ َ‬ ‫}ول تحَز ْ‬
‫ض‬
‫ف ْ‬ ‫ن البدل وأفضل العوض‪} .‬واخ ِ‬ ‫فلك في المؤمنين عنهم أحس ُ‬
‫ة‬
‫قك محب ً‬ ‫خل ُ َ‬
‫ن لهم ُ‬‫س ْ‬
‫ن لهم جانبك وح ّ‬ ‫جناحك للمؤمنين{؛ أي‪ :‬أل ِ ْ‬
‫ددًا‪.‬‬
‫وإكراما ً وتو ّ‬
‫}‪} {89‬وقل إني أنا النذير المبين{؛ أي‪ :‬قم بما عليك من‬
‫النذارة وأداء الرسالة والتبليغ للقريب والبعيد والعدوّ والصديق؛‬
‫فإّنك إذا فعلت ذلك؛ فليس عليك من حسابهم من شيء‪ ،‬وما من‬
‫حسابك عليهم من شيء‪.‬‬
‫}‪ {90‬وقوله‪} :‬كما أنزلنا على المقتسمين{؛ أي‪ :‬كما‬
‫ت به‪ ،‬الساعين‬ ‫أنزلنا العقوبة على المقتسمين على بطلن ما جئ َ‬
‫لصد ّ الناس عن سبيل الّله‪.‬‬
‫ضين{؛ أي‪ :‬أصنافا ً وأعضاًء‬ ‫ع ِ‬
‫ن ِ‬
‫جعلوا القرآ َ‬ ‫}‪} {91‬الذين َ‬
‫ل‪ :‬سحٌر‪،‬‬ ‫وأجزاًء يصّرفونه بحسب ما يهوونه؛ فمنهم من يقو ُ‬
‫ى‪ ...‬إلى غير ذلك‬ ‫ة‪ ،‬ومنهم من يقول‪ :‬مفتر ً‬ ‫ومنهم من يقول‪ :‬كهان ٌ‬
‫دوا‬‫حهم فيه؛ ليص ّ‬ ‫ذبين به‪ ،‬الذين جعلوا قد َ‬‫من أقوال الكفرة المك ّ‬
‫الناس عن الهدى‪.‬‬

‫}‪ 92‬ـ ‪} {93‬فورّبك لنسألّنهم أجمعين{؛ أي‪ :‬جميع من‬


‫ما كانوا يعملون{‪ :‬وفي هذا‬
‫قدح فيه وعابه وحّرفه وبدله‪} ،‬ع ّ‬
‫)‪(1‬‬
‫أعظم ترهيب وزجر لهم عن القامة على ما كانوا يعملون ‪.‬‬

‫‪ -‬في )ب(‪» :‬على ما كانوا عليه«‪.‬‬ ‫‪1‬‬


‫}‪ {94‬ثم أمر الّله رسوله أن ل يبالي بهم ول بغيرهم‪ ،‬وأن‬
‫ل أحد ٍ ول يعوقّنه عن أمره‬ ‫ن بذلك لك ّ‬ ‫صد َع َ بما أمر الّله ويعل َ‬ ‫يَ ْ‬
‫ن{‪:‬‬ ‫وكين‪} .‬وأعرض عن المشركي َ‬ ‫ده أقوال المته ّ‬ ‫عائقٌ ول تص ّ‬
‫مَتهم ومساّبتهم مقبل ً على شأنك‪.‬‬ ‫ك مشاَتـ َ‬ ‫أي؛ ل تبال بهم‪ ،‬واتر ْ‬
‫}‪} {95‬إّنا كفيناك المستهزئين{‪ :‬بك وبما جئت به‪ .‬وهذا‬
‫وعد ٌ من الّله لرسوله أن ل يضّره المستهزئون‪ ،‬وأن يكفيه الّله‬
‫إّياهم بما شاء من أنواع العقوبة‪ ،‬وقد فعل تعالى‪ :‬فإّنه ما تظاهر‬
‫أحد ٌ بالستهزاء برسول الّله صلى الله عليه وسلم وبما جاء به؛ إل‬
‫ه شّر قِت ْل َ ٍ‬
‫ة‪.‬‬ ‫كه الّله وقَت َل َ ُ‬
‫أهل َ َ‬
‫}‪ {96‬ثم ذكر وصفهم‪ ،‬وأنهم كما يؤذونك يا رسول الّله؛‬
‫فإّنهم أيضا ً يؤذون الّله‪} ،‬الذين يجعلون مع الّله إلها ً آخر{ )‪:(1‬‬
‫ب أفعالهم‬ ‫وهو رّبهم وخالقهم ومدبرهم‪} .‬فسوف يعلمون{‪ِ :‬غ ّ‬
‫إذا وردوا القيامة‪.‬‬
‫ك بما يقولون{‪ :‬لك من‬ ‫م أنك يضيقُ صدُر َ‬ ‫}‪} {97‬ولقد نعل ُ‬
‫التكذيب والستهزاء؛ فنحن قادرون على استئصالهم بالعذاب‬
‫ن الّله يمهُِلهم‪ ،‬ول يهمُلهم‪.‬‬ ‫قونه‪ ،‬ولك ّ‬ ‫والّتعجيل لهم بما يستح ّ‬
‫ح بحمد رّبك وكن من‬ ‫د‪} ،‬سب ّ ْ‬ ‫}‪ {98‬فأنت يا محم ُ‬
‫الساجدين{ )‪(2‬؛ أي‪ :‬أكثر من ذكر الّله وتسبيحه وتحميده‬
‫حه وُيعينك على أمورك‪.‬‬ ‫ن ذلك يوسع الصدر ويشَر ُ‬ ‫والصلة؛ فإ ّ‬
‫ن{؛ أي‪ :‬الموت؛ أي‪:‬‬ ‫ك اليقي ُ‬‫}‪} {99‬واعب ُد ْ رّبك حتى يأت ِي َ َ‬
‫استمّر في جميع الوقات على التقّرب إلى الّله بأنواع العبادات‪.‬‬
‫فامتثل صلى الله عليه وسلم أمر رّبه‪ ،‬فلم يزل دائبا ً في العبادة‬
‫حتى أتاه اليقين من رّبه‪ ،‬صلى الله عليه وسلم تسليما ً كثيرًا‪.‬‬
‫فف فف‬‫فف ففففف فففف ففففف‪ .‬فففففف ف ف‬
‫فففففففف فففف‪.‬‬

‫***‬

‫‪ -‬في )ب(‪» :‬يؤذون الله ويجعلون«‪.‬‬ ‫‪1‬‬

‫‪ -‬في )ب(‪» :‬فسّبح«‪.‬‬ ‫‪2‬‬


‫تفسير سورة النحل‬
‫وهي مكية‬

‫ﭽ ﮈ ﮉ ﮊ ﮋ ﮌﮍ ﮎ ﮏ ﮐ ﮑ ﮒ ﮓ ﮔ ﮕ ﮖ ﮗ ﮘ ﮙ‬
‫ﮣ ﮤ ﮥ ﭼ‪.‬‬ ‫ﮚ ﮛ ﮜ ﮝ ﮞ ﮟ ﮠ ﮡ ﮢ‬
‫}‪ {1‬يقول تعالى مقّربا ً لما وعد به محققا ً لوقوعه‪} :‬أتى‬
‫ب‪.‬‬‫ت فإّنه قري ٌ‬ ‫ت‪ ،‬وما هو آ ٍ‬ ‫أمُر الّله فل تستعجلوه{‪ :‬فإنه آ ٍ‬
‫}سبحانه وتعالى عما يشركون{‪ :‬من نسبة الشريك والولد‬
‫والصاحبة والكفؤ وغير ذلك مما نسبه إليه المشركون مما ل يليق‬
‫بجلله أو ينافي كماله‪.‬‬
‫ه به أعداؤه؛ ذ َك ََر الوحي‬‫ف ُ‬
‫ص َ‬
‫سه عما وَ َ‬ ‫}‪ {2‬ولما نّزه نف َ‬
‫الذي ينّزله على أنبيائه مما يجب اتباعه في ذكر ما ُينسب لّله من‬
‫ل الملئكة بالّروح من أمره{؛ أي‪:‬‬ ‫صفات الكمال‪ ،‬فقال‪} :‬ينّز ُ‬
‫من‬‫ه{‪ :‬مـ ّ‬ ‫من يشاُء من عباد ِ ِ‬ ‫بالوحي الذي به حياة الرواح‪} ،‬على َ‬
‫مل رسالته‪ .‬وزبدة دعوة الرسل كّلهم‬
‫(‬‫‪1‬‬‫)‬
‫يعلمه صالحا ً لتح ّ‬
‫ن أنذروا أّنه ل إله إل ّ أنا{ )‪ (2‬؛ أي‪ :‬على‬ ‫ومدارها على قوله‪} :‬أ ْ‬
‫حده في صفات العظمة‪ ،‬التي هي صفات‬ ‫معرفة الّله تعالى‪ ،‬وتو ّ‬
‫اللوهّية‪ ،‬وعبادته وحده ل شريك له؛ فهي التي أنزل بها كتبه‪،‬‬
‫ن‬
‫م ْ‬
‫ث‪ ،‬وتجاهد َ‬ ‫وأرسل رسله‪ ،‬وجعل الشرائع كلها تدعو إليها‪ ،‬وتح ّ‬
‫دها‪.‬‬‫حاربها‪ ،‬وقام بض ّ‬
‫ثم ذكر الدلة والبراهين على ذلك‪ ،‬فقال‪:‬‬
‫ﭽ ﮦ ﮧ ﮨ ﮩﮪ ﮫ ﮬ ﮭ ﮮﮮ ﮯ ﮰ ﮱ ﯓ ﯔ ﯕ ﯖ ﯗ ﯘ ﯙ‬
‫ﯚﯛ ﯜ ﯝ ﯞ ﯟ ﯠ ﯡ ﯢ ﯣ ﯤ ﯥ ﯦ ﯧ ﯨ ﯩ ﯪﯧﯧ ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ‬
‫ﭚﭛ ﭜ ﭝ ﭞ ﭟ ﭠ ﭡ ﭢ ﭣ ﭤ ﭥﭦ ﭧ ﭨ ﭩ ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ‬
‫ﭯ ﭰ ﭱﭲ ﭳ ﭴ ﭵ ﭶ ﭷ ﭼ ‪.‬‬
‫هذه السورة تسمى سورة النعم؛ فإن الّله ذكر في أولها‬
‫ملتها‪.‬‬
‫مماتها ومك ّ‬
‫أصول النعم وقواعدها‪ ،‬وفي آخرها مت ّ‬
‫ق{؛ ليستد ّ‬
‫ل‬ ‫}‪ {3‬فأخبر أنه }خلق السمـوات والرض بالح ّ‬
‫بهما العباد ُ على عظمة خالقهما وما له من نعوت الكمال‪،‬‬
‫ويعلموا أنه خلقهما مسكنا ً لعباده الذين يعبدونه بما يأمرهم به‬
‫من الشرائع التي أنزلها على ألسنة رسله‪ ،‬ولهذا نّزه نفسه عن‬
‫شرك المشركين به‪ ،‬فقال‪} :‬تعالى عما يشركون{‪ ،‬أي‪ :‬تنّزه‬
‫‪ -‬في )ب(‪» :‬المرسلين«‪.‬‬ ‫‪1‬‬

‫‪ -‬في )ب(‪» :‬ل إله إل ّ أنا فاتقون«‪.‬‬ ‫‪2‬‬


‫ب‬
‫قا‪ ،‬الذي ل تنبغي العبادة والح ّ‬ ‫وتعاظم عن شركهم؛ فإنه الله ح ّ‬
‫ل إل له تعالى‪.‬‬ ‫والذ ّ ّ‬
‫خل ْقَ ما‬
‫}‪ {4‬ولما ذكر خلق السماوات ]والرض[ )‪ (1‬؛ ذكر َ‬
‫فيهما‪ ،‬وبدأ بأشرف ذلك‪ ،‬وهو النسان‪ ،‬فقال‪} :‬خلق النسان من‬
‫ميها حتى صارت بشرا ً تا ّ‬
‫ما‬ ‫ة{‪ :‬لم يزل يدّبرها ويرقيها وين ّ‬ ‫ُنطف ٍ‬
‫كامل العضاء الظاهرة والباطنة‪ ،‬قد غمره بنعمه الغزيرة‪ ،‬حتى‬
‫ن{‪:‬‬ ‫ُ‬ ‫م فَ َ‬
‫م مبي ٌ‬‫جب بها‪} .‬فإذا هو خصي ٌ‬ ‫خَر بنفسه وأع ْ ِ‬ ‫إذا استت ّ‬
‫م لرّبه؛ يكفر به‪ ،‬ويجادل رسَله‪،‬‬ ‫ُيحتمل أن المراد‪ :‬فإذا هو خصي ٌ‬
‫قه الّول‪ ،‬وما أنعم الّله عليه به من‬ ‫ذب بآياته‪ ،‬ونسي خل َ‬ ‫ويك ّ‬
‫النعم‪ ،‬فاستعان بها على معاصيه‪.‬‬
‫ة‪ ،‬ثم لم‬ ‫ي من نطف ٍ‬ ‫ن الّله أنشأ الدم ّ‬
‫ن المعنى أ ّ‬ ‫وُيحتمل أ ّ‬
‫ل‪ ،‬متكّلمًا‪ ،‬ذا ذهن‬ ‫يزل ينقله من ط َوْرٍ إلى ط َوٍْر‪ ،‬حتى صار عاق ً‬
‫ورأي‪ ،‬يخاصم ويجادل؛ فليشكرِ العبد ُ رّبه الذي أوصله إلى هذه‬
‫الحال‪ ،‬التي ليس في إمكانه القدرة على شيء منها‪.‬‬
‫م خلقها لكم{؛ أي‪ :‬لجلكم ولجل منافعكم‬ ‫}‪} {5‬والنعا َ‬
‫ن }لكم فيها دفٌء{‪:‬‬ ‫ومصالحكم‪ ،‬من جملة منافعها العظيمة‪ ،‬أ ّ‬
‫مما تّتخذون من أصوافها وأوبارها وأشعارها وجلوِدها من الثياب‬
‫ع{‪ :‬غيُر ذلك‪} ،‬ومنها‬ ‫والفرش والبيوت‪} .‬و{ لكم فيها }مناف ُ‬
‫تأكلون{‪.‬‬
‫سَرحون{؛ أي‪:‬‬ ‫ن وحين ت َ ْ‬ ‫ل حين ُتريحو َ‬ ‫كم فيها جما ٌ‬ ‫}‪} {6‬ول ُ‬
‫في وقت رواحها وراحتها وسكونها ووقت حركتها وسرحها‪ ،‬وذلك‬
‫ملون بها‬ ‫ن جمالها ل يعود إليها منه شيٌء؛ فإّنكم أنتم الذين تتج ّ‬ ‫أ ّ‬
‫)‪(2‬‬
‫جبون بذلك ‪.‬‬ ‫كما تتجملون بثيابكم وأولدكم وأموالكم وت ُعْ َ‬
‫ل أثقاَلكم{‪ :‬من الحمال الثقيلة‪ ،‬بل وتحملكم‬ ‫}‪} {7‬وتحم ُ‬
‫شقّ النفس{‪ :‬ولكن الّله‬ ‫أنتم‪} ،‬إلى بلد ٍ لم تكونوا بالغيه إل ّ ب ِ ِ‬
‫ذّللها لكم؛ فمنها ما تركبونه‪ ،‬ومنها ما تحملون عليه ما تشاؤون‬
‫ن رّبكم‬ ‫من الثقال إلى البلدان البعيدة والقطار الشاسعة‪} .‬إ ّ‬
‫خر لكم ما تضطّرون إليه وتحتاجونه؛ فله‬ ‫م{‪ :‬إذ س ّ‬ ‫ف رحي ٌ‬
‫لرءو ٌ‬
‫ه‪.‬‬
‫الحمد ُ كما ينبغي لجلل وجهه وعظيم سلطانه وسعة جوده وبّر ِ‬
‫كبوها‬ ‫خرناها لكم؛ }لت َْر َ‬ ‫ل والحميَر{‪ :‬س ّ‬ ‫ل والبغا َ‬
‫}‪} {8‬والخي َ‬
‫ة{؛ أي‪ :‬تارة تستعملونها للضرورة في الركوب‪ ،‬وتارة لجل‬ ‫وزين ً‬
‫ن البغال والحمير محّرم أكلها‪،‬‬ ‫الجمال والزينة‪ ،‬ولم يذكر الكل؛ ل ّ‬
‫‪ - 1‬زيادة ل توجد في النسختين‪.‬‬
‫‪ - 2‬جاء في هامش )ب(‪» :‬المشهور في التفسير أن قوله‪} :‬حين تريحون{‬
‫أي إذا راحت النعام على أهلها وعادت من مسارحها«‪ ،‬والله أعلم‪.‬‬
‫والخيل ل تستعمل في الغالب للكل‪ ،‬بل ُينهى عن ذبحها لجل‬
‫الكل خوفا ً من انقطاعها‪ ،‬وإل ّ ؛ فقد ثبت في »الصحيحين« أ ّ‬
‫ن‬
‫ي صلى الله عليه وسلم أذن في لحوم الخيل )‪} . (1‬ويخلق ما‬ ‫النب ّ‬
‫ن{‪ :‬مما يكون بعد نزول القرآن من الشياء التي يركبها‬ ‫ل تعلمو َ‬
‫الخلقُ في الب َّر والبحرِ والجوّ ويستعملونها في منافعهم‬
‫ن الّله تعالى لم يذكر في‬ ‫ومصالحهم؛ فإّنه لم يذك ُْرها بأعيانها؛ ل ّ‬
‫ما ما ليس له نظيٌر؛‬ ‫ه العباد أو يعرفون نظيَره‪ ،‬وأ ّ‬ ‫كتابه إل ما يعرفُ ُ‬
‫رفوه ولم يفهموا المراد منه‪ ،‬في َذ ْك ُُر أصل ً‬ ‫فإّنه لو ذ ُك َِر؛ لم يع ِ‬
‫ل فيه ما يعلمون وما ل يعلمون؛ كما ذكر نعيم الجنة‪،‬‬ ‫خ ُ‬‫جامعا ً يد ُ‬
‫مان‬ ‫مى منه ما نعلم ونشاهد نظيره؛ كالنخل والعناب‪ ،‬والر ّ‬ ‫وس ّ‬
‫ة‬
‫ل فاكه ٍ‬ ‫وأجمل ما ل نعرف له نظيرا ً في قوله‪} :‬فيهما من ك ّ‬
‫ن{؛ فكذلك هنا ذكر ما نعرفه من المراكب؛ كالخيل والبغال‬ ‫زوجا ِ‬
‫خلقُ ما ل‬ ‫ُ‬ ‫والحمير والبل والسفن‪ ،‬وأجمل الباقي في قوله‪} :‬وَيـ ْ‬
‫تعلمون{‪.‬‬
‫ن الّله قد جعل‬ ‫ي‪ ،‬وأ ّ‬
‫}‪ {9‬ولما ذكر تعالى الطريق الحس ّ‬
‫ي‬
‫للعباد ما يقطعونه به من البل وغيرها؛ ذكر الطريق المعنو ّ‬
‫صد ُ السبيل{؛ أي‪ :‬الصراط‬ ‫الموصل إليه‪ ،‬فقال‪} :‬وعلى الّله قَ ْ‬
‫المستقيم‪ ،‬الذي هو أقرب الطرق وأخصرها‪ ،‬موصل إلى الّله‬
‫وإلى كرامته‪ ،‬وأما الطريقُ الجائر في عقائده وأعماله‪ ،‬وهو ك ّ‬
‫ل‬
‫ل إلى دار‬ ‫ما خالف الصراط المستقيم؛ فهو قاطعٌ عن الّله‪ ،‬موص ٌ‬
‫الشقاء‪ ،‬فسلك المهتدون الصراط المستقيم بإذن رّبهم‪ ،‬وض ّ‬
‫ل‬
‫الغاوون عنه‪ ،‬وسلكوا الطرق الجائرة‪} .‬ولو شاء لهداكم‬
‫ة‬
‫ل‪ ،‬ولم يهد ِ آخرين حكم ً‬ ‫أجمعين{‪ :‬ولكنه هدى بعضا ً كرما ً وفض ً‬
‫منه وعد ً‬
‫ل‪.‬‬
‫ﭽ ﭸ ﭹ ﭺ ﭻ ﭼ ﭽﭾ ﭿ ﮀ ﮁ ﮂ ﮃ ﮄ ﮅ ﮆ ﮇ ﮈ ﮉ ﮊ‬
‫ﮋ ﮌ ﮍ ﮎ ﮏ ﮐﮑ ﮒ ﮓ ﮔ ﮕ ﮖ ﮗ ﮘ ﭼ ‪.‬‬
‫}‪ 10‬ـ ‪ {11‬بذلك على كمال قدرة الّله الذي أنزل هذا‬
‫ب الرقيق اللطيف ورحمته‪ ،‬حيث جعل فيه ماء‬ ‫الماء من السحا ِ‬
‫ب مواشيهم‪ ،‬ويسقون منه حروَثهم‪،‬‬ ‫غزيرا ً منه يشربون‪ ،‬وتشر ُ‬
‫فتخرج لهم الثمرات الكثيرة والنعم الغزيرة‪.‬‬
‫ﭽ ﮙ ﮚ ﮛ ﮜ ﮝ ﮞﮟ ﮠ ﮡ ﮢﮣ ﮤ ﮥ ﮦ ﮧ ﮨ ﮩ ﮪ ﭼ ‪.‬‬
‫خر لكم هذه الشياء لمنافعكم وأنواع‬ ‫}‪ {12‬أي‪ :‬س ّ‬
‫مصالحكم؛ بحيث ل تستغنون عنها أبدًا؛ فبالليل تسكنون وتنامون‬
‫شكم ومنافع دينكم‬‫وتستريحون‪ ،‬وبالنهار تنتشرون في معاي ِ ِ‬

‫‪ - 1‬أخرجه البخاري )‪ ،(5520‬ومسلم )‪ (1941‬عن جابر بن عبدال رضي ال عنهما‪.‬‬


‫ودنياكم‪ ،‬وبالشمس والقمر من الضياء والنور والشراق وإصلح‬
‫الشجار والثمار والنبات وتجفيف الرطوبات وإزالة البرودة‬
‫الضاّرة للرض وللبدان وغير ذلك من الضرورّيات والحاجيات‬
‫التابعة لوجود الشمس والقمر‪ ،‬وفيهما وفي الّنجوم من الزينة‬
‫للسماء والهداية في ظلمات البّر والبحر ومعرفة الوقات‬
‫وع دللتها وتتصّرف آياتها‪ ،‬ولهذا جمعها في‬ ‫وحساب الزمنة ما تتن ّ‬
‫ن{؛ أي‪ :‬لمن لهم عقو ٌ‬
‫ل‬ ‫ت لقوم يعقلو َ‬
‫ن في ذلك ليا ٍ‬ ‫قوله‪} :‬إ ّ‬
‫قل‬‫دة‪ ،‬تع ِ‬
‫كر فيما هي مهيئة له مستع ّ‬‫يستعملونها في التدّبر والتف ّ‬
‫ظهم من النظر ح ّ‬
‫ظ‬ ‫ما تراه وتسمُعه‪ ،‬ل كنظر الغافلين الذين ح ّ‬
‫البهائم التي ل عقل لها‪.‬‬
‫ﭽ ﮫ ﮬ ﮭ ﮮﮮ ﮯ ﮰ ﮱﯓ ﯔ ﯕ ﯖ ﯗ ﯘ ﯙ ﯚ ﭼ‬
‫ل ما على وجه‬ ‫}‪ {13‬أي‪ :‬فيما ذرأ الّله ونشر للعباد من ك ّ‬
‫ف ألوانه‬ ‫الرض من حيوان وأشجار ونبات وغير ذلك مما تختل ُ‬
‫ة‬ ‫ة على كمال قدرة الّله وعميم إحسان ِهِ و َ‬
‫سعَ ِ‬ ‫وتختلف منافعه آي ٌ‬
‫ده ل شريك له‪} .‬لقوم‬ ‫بّره وأّنه الذي ل تنبغي العبادة إل ّ له وح َ‬
‫ن{؛ أي‪ :‬يستحضرون في ذاكرتهم ما ينفُعهم من العلم‬ ‫يذكرو َ‬
‫كروا بذلك‬ ‫مل فيه حتى يتذ ّ‬ ‫ملون ما دعاهم الّله إلى التأ ّ‬ ‫النافع ويتأ ّ‬
‫ما هو دليل عليه‪.‬‬
‫ﭽ ﯛ ﯜ ﯝ ﯞ ﯟ ﯠ ﯡ ﯢ ﯣ ﯤ ﯥ ﯦ ﯧ ﯨ ﯩ ﯪﯧﯧ ﯫﯧﯧ ﯬﯧﯧ ﯭﯧﯧ ﯮﯧﯧ ﯯﯧﯧ ﯰﯧﯧ‬
‫ﭼ‪.‬‬
‫خر البحر{‪:‬‬ ‫}‪ {14‬أي‪] :‬و[هو وحده ل شريك له }الذي س ّ‬
‫وعة؛ }لتأكلوا منه لحما ً طرّيا{‪ :‬وهو السمك‬ ‫وهّيأه لمنافعكم المتن ّ‬
‫سونها{‪:‬‬ ‫ة تلب َ‬‫حل ْي َ ً‬
‫رجوا منه ِ‬ ‫ت الذي يصطادونه منه‪} ،‬وتستخ ِ‬ ‫والحو ُ‬
‫ك{؛ أي‪ :‬السفن‬ ‫فل ْ َ‬
‫حسنا ً إلى حسنكم‪} .‬وترى ال ُ‬ ‫دكم جمال ً و ُ‬‫فتزي ُ‬
‫دمها‬‫ق ّ‬ ‫ج الهائ َ‬
‫ل بم َ‬ ‫خُر البحر العجا َ‬ ‫م َ‬
‫خَر فيه{؛ أي‪َ :‬تـ ْ‬ ‫والمراكب }موا ِ‬
‫حتى تسلك فيه من قطرٍ إلى آخر تحمل المسافرين وأرزاقهم‬
‫وأمتعتهم وتجاراتهم التي يطلبون بها الرزاق وفضل الّله عليهم‪.‬‬
‫سر لكم هذه الشياء وهّيأها وُتثنون‬ ‫كرون{‪ :‬الذي ي ّ‬ ‫}ولـعّلكم تش ُ‬
‫ن بها؛ فلله تعالى الحمد ُ والشكر والثناء؛ حيث‬ ‫م ّ‬‫على الّله الذي َ‬
‫أعطى العباد من مصالحهم ومنافعهم فوق ما يطلبون وأعلى مما‬
‫ل ما سألوه ل نحصي ثناء عليه‪ ،‬بل هو كما‬ ‫ون وآتاهم من ك ّ‬ ‫يتمن ّ ْ‬
‫أثنى على نفسه‪.‬‬
‫ﭽ ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ ﭝﭞ ﭟ ﭠ ﭡ ﭢ‬
‫ﭼ‪.‬‬
‫}‪ 15‬ـ ‪ {16‬أي‪} :‬وألقى{‪ :‬الّله تعالى لجل عباده }في‬
‫ب‬‫ي{‪ :‬وهي الجبال العظام؛ لئل ّ تميد َ بهم وتضطر َ‬ ‫الرض رواس َ‬
‫كنون من حرث الرض والبناء والسير عليها‪ ،‬ومن‬ ‫بالخلق‪ ،‬فيتم ّ‬
‫ن جعل فيها أنهارا ً يسوقها من أرض بعيدةٍ إلى‬ ‫رحمته تعالى أ ْ‬
‫أرض مضطّرة إليها؛ لسقيهم وسقي مواشيهم وحروثهم؛ أنهارا ً‬
‫على وجه الرض وأنهارا ً في بطنها يستخرجونها بحفرها حتى‬
‫خر الّله لهم من الدوالي واللت‬ ‫يصلوا إليها فيستخرجونها بما س ّ‬
‫ص ُ‬
‫ل‬ ‫ل؛ أي‪ :‬طرقا ً تو ِ‬
‫سب ُ ً‬
‫ل في الرض ُ‬ ‫ن جع َ‬‫ونحوها‪ ،‬ومن رحمته أ ْ‬
‫ن{‪ :‬السبيل إليها‪ ،‬حتى إنك‬ ‫إلى الديار المتنائية‪} .‬لعّلكم تهتدو َ‬
‫ة فيها‪ ،‬وقد جعل الّله فيما‬
‫ة بالجبال مسلسل ً‬ ‫تجد ُ أرضا ً مشتبك ً‬
‫بينها منافذ ومسالك للسالكين‪.‬‬
‫ﭦ ﭧﭨ ﭩ ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ ﭯ ﭰ ﭱﭲ ﭳ‬ ‫ﭽﭣ ﭤ ﭥ‬
‫ﭴ ﭵ ﭶ ﭷ ﭸ ﭹ ﭺ ﭻ ﭼ ﭽ ﭾ ﭿ ﮀ ﮁ ﮂ ﮃ ﮄ ﮅ ﮆ ﮇ ﮈ‬
‫ﮕﮖ ﮗ ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ‬ ‫ﮉ ﮊ ﮋ ﮌﮍ ﮎ ﮏ ﮐ ﮑ ﮒ ﮓ ﮔ‬
‫ﮫ ﮬ ﮭ ﮮﮮ ﭼ ‪.‬‬ ‫ﮜ ﮝ ﮞ ﮟ ﮠ ﮡ ﮢ ﮣ ﮤ ﮥ ﮦ ﮧ ﮨﮩ ﮪ‬
‫ه من المخلوقات العظيمة وما‬ ‫خل َ َ‬
‫ق ُ‬ ‫}‪ {17‬لما ذكر تعالى ما َ‬
‫د‪ ،‬ول كفء له ول‬ ‫أنعم به من النعم العميمة؛ ذكر أنه ل يشبهه أح ٌ‬
‫ق{‪ :‬جميع المخلوقات‪ ،‬وهو الفّعال لما‬ ‫خل ُ ُ‬
‫ند ّ له‪ ،‬فقال‪} :‬أفمن َيـ ْ‬
‫ن{‪:‬‬ ‫ق{‪ :‬شيئا ً ل قليل ً ول كثيرًا‪} .‬أفل ت َذ َ ّ‬
‫كرو َ‬ ‫خل ُ ُ‬
‫يريد‪} ،‬كمن ل َيـ ْ‬
‫فتعرفون أن المنفرد بالخلق أحقّ بالعبادة كّلها؛ فكما أنه واحد ٌ‬
‫في خلقه وتدبيره؛ فإّنه واحد ٌ في إلهي ِّته وتوحيده وعبادته‪ ،‬وكما‬
‫ك إذ أنشأكم وأنشأ غيركم؛ فل تجعلوا له أندادا ً‬ ‫أّنه ليس له مشار ٌ‬
‫في عبادته‪ ،‬بل أخلصوا له الدين‪.‬‬
‫دوا نعمة الّله{‪ :‬عددا ً مجردا ً عن الشكر‪} ،‬ل‬ ‫}‪} {18‬وإن ت َعُ ّ‬
‫ن نعمه الظاهرة‬ ‫كرونها؛ فإ ّ‬ ‫ُتحصوها{‪ :‬فضل ً عن كونكم تش ُ‬
‫والباطنة على العباد بعدد النفاس واللحظات‪ ،‬من جميع أصناف‬
‫النعم‪ ،‬مما يعرف العباد ومما ل يعرفون‪ ،‬وما يدفع عنهم من‬
‫م{‪ :‬يرضى منكم‬ ‫ن الّله لغفوٌر رحي ٌ‬ ‫النقم؛ فأكثر من أن تحصى‪} .‬إ ّ‬
‫باليسير من الشكر مع إنعامه الكثير‪.‬‬
‫م ومغفرته‬ ‫ة وجوده عمي ٌ‬‫}‪ 19‬ـ ‪ {20‬وكما أن رحمته واسع ٌ‬
‫ط بهم‪ ،‬يعلم ما يسّرون وما يعلنون‬ ‫ة للعباد؛ فعلمه محي ٌ‬ ‫شامل ٌ‬
‫خُلقون شيئًا{‪ :‬قليل ً ول‬
‫ن ع ُِبد من دونه فإنهم }ل َيـ ْ‬ ‫م ْ‬
‫بخلف َ‬
‫خُلقون شيئا ً مع افتقارهم في‬ ‫خَلقون{؛ فكيف َيـ ْ‬‫كثيرًا‪} .‬وهم ُيـ ْ‬
‫إيجادهم إلى الّله تعالى؟!‬
‫}‪ 21‬ـ ‪ {22‬ومع هذا؛ ليس فيهم من أوصاف الكمال شيء‬
‫صر ول‬ ‫ت غير أحياء{‪ :‬فل تسمع ول ت ُب ْ ِ‬ ‫م ول غيره‪} .‬أموا ٌ‬ ‫ل عل ٌ‬
‫ب العالمين؟! فتّبا لعقول‬ ‫خذ ُ هذه آلهة من دون ر ّ‬ ‫ل شيئًا‪ ،‬أفت ُت ّ َ‬ ‫ق ُ‬ ‫ت َعْ ِ‬
‫دها؛ حيث ضلت في أظهر الشياء‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬
‫المشركين ما أضلها وأفس َ‬
‫ووا بين الناقص من جميع الوجوه؛ فل أوصاف كمال‪،‬‬ ‫فسادًا‪ ،‬وس ّ‬
‫ول شيء من الفعال! وبين الكامل من جميع الوجوه الذي له ك ّ‬
‫ل‬
‫صفة كمال وله من تلك الصفة أكملها وأعظمها؛ فله العلم‬
‫مة والرحمة الواسعة التي ملت‬ ‫ل الشياء والقدرة ُ العا ّ‬ ‫ط بك ّ‬ ‫المحي ُ‬
‫جميع العوالم والحمد ُ والمجد ُ والكبرياء والعظمة التي ل يقدر أحد ٌ‬
‫ه‬
‫ط ببعض أوصافه‪ ،‬ولهذا قال‪} :‬إلهكم إل ٌ‬ ‫من الخلق أن يحي َ‬
‫د‪ ،‬ولم‬
‫د‪ ،‬ولم يول ْ‬ ‫د{‪ :‬وهو الّله الحد الفرد الصمد‪ ،‬الذي لم يل ْ‬ ‫واح ٌ‬
‫د؛ فأهل اليمان والعقول أجل ّْته قلوُبهم‪ ،‬وع ّ‬
‫ظمته‪،‬‬ ‫ن له كفوا ً أح ٌ‬ ‫يك ْ‬
‫ل ما استطاعوا من القربات‬ ‫ً‬
‫وأحّبته حّبا عظيما‪ ،‬وصرفوا له ك ّ‬
‫وا عليه‬ ‫البدنّية والمالّية وأعمال القلوب وأعمال الجوارح‪ ،‬وأثن َ ْ‬
‫بأسمائ ِهِ الحسنى وصفات ِهِ وأفعاله المقدسة‪.‬‬
‫ة{‪ :‬لهذا المر‬ ‫من ْك َِر ٌ‬
‫ن بالخرة قلوُبـُهم ُ‬ ‫و}الذين ل يؤمنو َ‬
‫ً‬
‫خلق جهل ً وعنادا‪ ،‬وهو توحيد‬ ‫ْ‬ ‫العظيم‪ ،‬الذي ل ينك ُِره إل ّ أعظم الـ َ‬
‫ن{‪ :‬عن عبادته‪.‬‬ ‫الّله‪} .‬وهم مستكبرو َ‬
‫سّرون‬ ‫ن الّله يعلم ما ي ُ ِ‬ ‫قا ل بد ّ }أ ّ‬ ‫م{؛ أي‪ :‬ح ّ‬ ‫جَر َ‬
‫}‪} {23‬ل َ‬
‫ب المستكبرين{‪:‬‬ ‫وما ي ُعِْلنون{‪ :‬من العمال القبيحة‪} .‬إّنه ل يح ّ‬
‫ن‬
‫بل يبغضهم أشد ّ البغض‪ ،‬وسيجازيهم من جنس عملهم‪} .‬إ ّ‬
‫الذين يستكِبرون عن عبادتي سيدخلون جهّنم داخرين{‪.‬‬
‫ﯞ ﯟﯠ ﯡ ﯢ‬ ‫ﭽ ﮯ ﮰ ﮱ ﯓ ﯔ ﯕﯖ ﯗ ﯘ ﯙ ﯚ ﯛ ﯜ ﯝ‬
‫ﯣ ﯤ ﯥ ﯦﯧ ﯨ ﯩ ﯪﯧﯧ ﯫﯧﯧ ﯬﯧﯧ ﯭﯧﯧ ﯮﯧﯧ ﯯﯧﯧ ﯰﯧﯧ ﯱﯧﯧ ﯷ ﯷ ﯷ ﯷ ﯷ ﯷ ﯷ ﯷ ﯷ‬
‫ﯷ ﯼ ﯽ ﯾ ﯿ ﯷ ﯷ ﯷ ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛﭜ ﭝ‬
‫ﭞ ﭟ ﭠ ﭡ ﭢ ﭣ ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ ﭨ ﭩ ﭪ ﭫ ﭬﭭ ﭮ ﭯ ﭰ ﭱ‬
‫ﭼ ﭽ ﭾ ﭿ ﮀ ﮁ ﮂﮃ ﮄ ﮅ‬ ‫ﭲ ﭳ ﭴﭵ ﭶ ﭷ ﭸ ﭹ ﭺ ﭻ‬
‫ﮆ ﮇ ﭼ‪.‬‬
‫دة تكذيب المشركين‬ ‫}‪ {24‬يقول تعالى مخبرا ً عن ش ّ‬
‫ل رّبكم{؛ أي‪ :‬إذا سئلوا عن‬ ‫ل لهم ماذا أن َْز َ‬ ‫بآيات الّله‪} :‬وإذا قي َ‬
‫ن والوحي الذي هو أكبر نعمةٍ أنعم الّله بها على العباد؛‬ ‫القرآ ِ‬
‫فماذا قولكم به؟ وهل تشكرون هذه النعمة وتعترفون بها أم‬
‫ح جواب وأسمجه‪ ،‬فيقولون‬ ‫تكفرون وتعاندون؟ فيكون جوابهم أقب َ‬
‫ب اختلقه محمد ٌ على الّله‪،‬‬ ‫عنه‪ :‬إّنه }أساطيُر الولين{؛ أي‪ :‬كذ ٌ‬
‫ص الّولين التي يتناقلها الناس جيل ً بعد جيل‪ ،‬منها‬ ‫وما هو إل ّ قَ َ‬
‫ص ُ‬
‫الصدق ومنها الكذب‪.‬‬
‫ملوا‬ ‫حـ َ‬ ‫}‪ {25‬فقالوا هذه المقالة‪ ،‬ودعوا أتباعهم إليها‪ ،‬و َ‬
‫ن أوزار‬ ‫م ْ‬ ‫وِْزرهم ووِْزَر من انقاد لهم إلى يوم القيامة‪ ،‬وقوله‪} :‬و ِ‬
‫ضّلونهم بغير علم{؛ أي‪ :‬من أوزار المقّلدين الذين ل علم‬ ‫الذين ي ُ ِ‬
‫وهم إليه وأما الذين‬ ‫وهم إليه‪ ،‬فيحملون إثم ما د َع َ ْ‬ ‫دهم إل ّ ما د َع َ ْ‬ ‫عن َ‬
‫جرمه؛ لّنه عرف ما عرفوا‪} .‬أل ساء ما‬ ‫ل بِ ُ‬ ‫ل مستق ّ‬ ‫يعلمون؛ فك ّ‬
‫ل لظهورهم من‬ ‫ق ِ‬
‫ن{؛ أي‪ :‬بئس ما حملوا من الوزر المث ِ‬ ‫زرو َ‬ ‫يَ ِ‬
‫ّ‬
‫وِْزرهم ووِْزر من أضلوه‪.‬‬
‫مك ََر الذين من قبلهم{‪ :‬برسلهم‪ ،‬واحتالوا‬ ‫}‪ 26‬ـ ‪} {27‬قد َ‬
‫بأنواع الحيل على رد ّ ما جاؤوهم به‪ ،‬وبنوا من مكرهم قصورا ً‬
‫د{؛ أي‪ :‬جاءها المر من‬ ‫ع ِ‬ ‫ة‪} ،‬فأتى الّله بنياَنهم من القوا ِ‬ ‫هائل ً‬
‫ف من فوقِِهم{‪ :‬فصار ما‬ ‫أساسها وقاعدتها‪} ،‬فخّر عليهم السق ُ‬
‫ن{‪:‬‬ ‫ث ل يشعرو َ‬ ‫ب من حي ُ‬ ‫م العذا ُ‬ ‫ذبوا به‪} .‬وأتاهُ ُ‬ ‫وه عذابا ً ع ُ ّ‬ ‫ب َن َ ْ‬
‫وذلك أّنهم ظّنوا أن هذا البنيان سينفعهم ويقيهم العذاب‪ ،‬فصار‬
‫صلوه‪ .‬وهذا من أحسن المثال في إبطال‬ ‫وه وأ ّ‬ ‫عذاُبهم فيما ب َن َ ْ‬
‫دروا فيما جاءت به الرسل لما‬ ‫كروا وق ّ‬‫مك َْر أعدائه؛ فإّنهم ف ّ‬ ‫الّله َ‬
‫ذبوه وجعلوا لهم أصول ً وقواعد َ من الباطل يرجعون إليها‬ ‫ك ّ‬
‫ً‬
‫دون بها ما جاءت به الرسل‪ ،‬واحتالوا أيضا على إيقاع‬ ‫وير ّ‬
‫ن ت َب َِعهم‪ ،‬فصار مكُرهم وبال ً عليهم‪،‬‬ ‫م ْ‬‫المكروه والضرر بالرسل و َ‬
‫ن مكرهم سّيىٌء‪ ،‬ول َيحيق‬ ‫فصار تدبيرهم فيه تدميرهم‪ ،‬ذلك ل ّ‬
‫دنيا‪ ،‬ولعذاب الخرة أخزى‪،‬‬ ‫المكر السّيىء إل ّ بأهله‪ .‬هذا في ال ّ‬
‫حهم على رؤوس‬ ‫ولهذا قال‪} :‬ثم يوم القيامةِ ُيخزيهم{؛ أي‪ :‬يفض ُ‬
‫الخلئق ويبيّـن لهم ك َذ َِبهم وافتراءهم على الّله‪} .‬ويقول أين‬
‫ي الذين كنُتم ُتشاّقون فيهم{؛ أي‪ :‬تحاربون وتعادون الّله‬ ‫شركائ َ‬
‫حْزبه لجلهم تزعمون أّنهم شركاء لّله؛ فإذا سألهم هذا السؤال؛‬ ‫و ِ‬
‫لم يكن لهم جواب إل ّ القرار بضللهم والعتراف بعنادهم‪،‬‬
‫ن{‪:‬‬ ‫سهم أّنهم كانوا كافري َ‬ ‫ف ِ‬‫شِهدوا على أن ِ‬ ‫ضّلوا عّنا وَ َ‬ ‫فيقولون‪َ } :‬‬
‫ي‬
‫خْز َ‬ ‫ن ال ِ‬
‫}قال الذين أوتوا العلم{؛ أي‪ :‬العلماء الربانّيون‪} :‬إ ّ‬
‫م{؛ أي‪ :‬يوم القيامة‪}] ،‬والسوء{؛ أي[‪ :‬العذاب }على‬ ‫اليو َ‬
‫ق‬
‫الكافرين{‪ .‬وفي هذا فضيلة أهل العلم‪ ،‬وأّنهم الناطقون بالح ّ‬
‫ن لقولهم اعتبارا ً عند الّله‬ ‫دنيا ويوم يقوم الشهاد‪ ،‬وأ ّ‬ ‫في هذه ال ّ‬
‫وعند خلقه‪.‬‬
‫}‪ {28‬ثم ذكر ما يفعل بهم عند الوفاةِ وفي القيامة‪ ،‬فقال‪:‬‬
‫سِهم{؛ أي‪ :‬تتوّفاهم في هذه‬ ‫ف ِ‬ ‫}الذين تتوّفاهم الملئك ُ‬
‫ة ظالمي أن ُ‬
‫مهم وغّيهم‪ ،‬وقد علم ما يلقى الظلمة‬ ‫الحال التي ك َُثر فيها ظل ُ‬
‫وا‬
‫ق ُ‬
‫في ذلك المقام من أنواع العذاب والخزي والهانة‪} .‬فأل َ‬
‫سَلم{؛ أي‪ :‬استسلموا وأنكروا ما كانوا يعُبدونهم من دون الّله‪،‬‬ ‫ال ّ‬
‫ن سوٍء{‪ :‬فُيقال لهم‪} :‬بلى{‪ :‬كنُتم‬ ‫م ْ‬ ‫ل ِ‬ ‫وقالوا‪} :‬ما ك ُّنا نعم ُ‬
‫ن الّله عليم بما كنُتم تعملون{‪ :‬فل ُيفيدكم‬ ‫تعملون السوَء‪َ .‬فـ}إ ّ‬
‫الجحود شيئًا‪ .‬وهذا في بعض مواقف القيامة؛ ينكرون ما كانوا‬
‫حهم‪،‬‬ ‫دنيا؛ ظّنا أنه ينفعهم؛ فإذا شهدت عليهم جوارِ ُ‬ ‫عليه في ال ّ‬
‫وتبيّـن ما كانوا عليه؛ أقّروا واعترفوا‪ ،‬ولهذا ل يدخلون النار حتى‬
‫ذنوبهم‪.‬‬ ‫رفوا ب ُ‬
‫يعت ِ‬
‫خلون‬ ‫ل أهل عمل يد ُ‬ ‫}‪ {29‬فإذا دخلوا )‪ (1‬أبواب جهّنم‪ ،‬ك ّ‬
‫س }مثوى المتكّبرين{‪ :‬نار جهنم؛‬ ‫من الباب اللئق بحالهم؛ فبئ َ‬
‫ل الهموم‬ ‫فإّنها مثوى الحسرة والندم‪ ،‬ومنزل الشقاء واللم‪ ،‬ومح ّ‬
‫فّتر عنهم من‬ ‫ي القّيوم‪ ،‬ل ي ُ َ‬
‫خط من الح ّ‬ ‫س َ‬ ‫والغموم‪ ،‬وموضعُ ال ّ‬
‫عذابها‪ ،‬ول ي ُْرَفع عنهم يوما ً من أليم عقابها‪ ،‬قد أعرض عنهم‬
‫ب الرحيم‪ ،‬وأذاقهم العذاب العظيم‪.‬‬ ‫الر ّ‬
‫ﭽ ﮈ ﮉ ﮊ ﮋ ﮌ ﮍ ﮎﮏ ﮐ ﮑﮒ ﮓ ﮔ ﮕ ﮖ ﮗ ﮘﮙ ﮚ‬
‫ﮰ ﮱ‬ ‫ﮛ ﮜﮝ ﮞ ﮟ ﮠ ﮡ ﮢ ﮣ ﮤ ﮥ ﮦ ﮧ ﮨﮩ ﮪ ﮫ ﮬ ﮭﮮﮮ ﮯ‬
‫ﯓ ﯔ ﯕ ﯖ ﯗ ﯘﯙ ﯚ ﯛ ﯜ ﯝ ﯞ ﯟ ﯠ ﯡ ﯢ ﭼ ‪.‬‬
‫}‪ {30‬لما ذ َك ََر الّله قيل المكذبين بما أنزل الّله؛ ذ َك ََر ما‬
‫ة‬‫ن ما أنزل الّله نعم ٌ‬ ‫قاله المّتقون‪ ،‬وأّنهم اعترفوا وأقّروا بأ ّ‬
‫ن الّله به على العباد‪ ،‬فقبلوا تلك النعمة‪،‬‬ ‫م امت ّ‬ ‫ة وخيٌر عظي ٌ‬ ‫عظيم ٌ‬
‫قبول والنقياد‪ ،‬وشكروا الّله عليها‪ ،‬فعَِلموها وعملوا‬ ‫وها بال َ‬‫ق ْ‬‫وتل ّ‬
‫ّ‬
‫بها‪} .‬للذين أحسنوا{‪ :‬في عبادة الله تعالى وأحسنوا إلى عباد‬
‫ة‬
‫ة هني ّ ٌ‬‫ة{‪ :‬رزقٌ واسعٌ وعيش ٌ‬ ‫دنيا حسن ٌ‬ ‫الّله؛ فلهم }في هذه ال ّ‬
‫ن وسروٌر‪} .‬ولدار الخرة خيٌر{‪ :‬من هذه الدار‬ ‫ب وأم ٌ‬‫ة قل ٍ‬‫وطمأنين ُ‬
‫ن هذه نعيمها قلي ٌ‬
‫ل‬ ‫ذات والمشتهيات؛ فإ ّ‬ ‫وما فيها من أنواع الل ّ‬
‫محشوّ بالفات منقطع؛ بخلف نعيم الخرة‪ ،‬ولهذا قال‪} :‬ولنعم‬
‫داُر المّتقين{‪.‬‬
‫ن يدخلونها تجري من تحتها النهار‬ ‫ت ع َد ْ ٍ‬‫}‪ 31‬ـ ‪} {32‬جنا ُ‬
‫لهم فيها ما يشاؤون{؛ أي‪ :‬مهما تمّنته أنفسهم وتعّلقت به‬
‫ن أن‬ ‫مها؛ فل يمك ُ‬ ‫إراداتهم؛ حصل لهم على أكمل الوجوه وأتـ ّ‬
‫يطُلبوا نوعا ً من أنواع النعيم الذي فيه ل َذ ّة ُ القلوب وسرور‬
‫ل ما‬ ‫الرواح؛ إل ّ وهو حاضٌر لديهم‪ ،‬ولهذا ُيعطي الّله أهل الجنة ك ّ‬
‫كرهم أشياء من النعيم لم تخطر على‬ ‫وه عليه‪ ،‬حتى إّنه يذ ّ‬ ‫تمن ّ ْ‬
‫مهِ ول حد ّ لجوده‪ ،‬الذي ليس‬ ‫قلوبهم؛ فتبارك الذي ل نهاية لكر ِ‬
‫كمثله شيٌء في صفات ذاته وصفات أفعاله وآثار تلك النعوت‬
‫ط‬
‫خ ِ‬ ‫س َ‬‫جزي الّله المّتقين{‪ :‬ل ِ َ‬ ‫وعظمةِ الملك والملكوت‪} .‬كذلك َيـ ْ‬

‫‪ -‬في )ب(‪» :‬ودخلوا«‪.‬‬ ‫‪1‬‬


‫ه؛ بأداء ما أوجبه عليهم من الفروض والواجبات‬ ‫الّله وعذاب ِ ِ‬
‫قه وحقّ عباده‪ ،‬وترك ما‬ ‫المتعلقة بالقلب والبدن واللسان من ح ّ‬
‫ة{‪ :‬مستمّرين على‬ ‫نهاهم الّله عنه‪} .‬الذين تتوّفاهم الملئك ُ‬
‫تقواهم‪} ،‬طيبين{؛ أي‪ :‬طاهرين مطّهرين من كل نقص ودَنس‬
‫ل في إيمانهم‪ ،‬فطابت قلوبهم بمعرفة الّله‬ ‫خ ّ‬
‫يتطّرق إليهم وي ُ ِ‬
‫حهم بطاعته‬ ‫ومحّبته‪ ،‬وألسنتهم بذكرِهِ والثناء عليه‪ ،‬وجوارِ ُ‬
‫م عليكم{؛ أي‪ :‬التحية الكاملة‬ ‫والقبال عليه‪} .‬يقولون سل ٌ‬
‫ل ما‬‫ل آفة‪ ،‬وقد سلمُتم من ك ّ‬ ‫ة لكم‪ ،‬والسلمة من ك ّ‬ ‫حاصل ٌ‬
‫ن{‪ :‬من اليمان بالّله‬ ‫خلوا الجّنة بما كنُتم تعملو َ‬ ‫تكرهون‪} .‬اد ُ‬
‫ل في دخول‬ ‫ن العمل هو السبب والمادة والص ُ‬ ‫ه؛ فإ ّ‬ ‫والنقياد لمرِ ِ‬
‫الجنة والنجاة من النار‪ ،‬وذلك العمل حصل لهم برحمة الّله‬
‫وتهم‪.‬‬
‫ومّنته‪ ،‬ل بحولهم وق ّ‬
‫ﯯﯧﯧ ﯰﯧﯧ ﯱﯧﯧ ﯷﯷ ﯷ ﯷ ﯷ‬ ‫ﭽ ﯣ ﯤ ﯥ ﯦ ﯧ ﯨ ﯩ ﯪﯧﯧ ﯫﯧﯧ ﯬﯧﯧﯭﯧﯧ ﯮﯧﯧ‬
‫ﯷ ﯷ ﯷ ﭼ‪.‬‬ ‫ﯷ ﯷ ﯷ ﯷ ﯷ ﯼ ﯽ ﯾ ﯿ ﯷ ﯷ ﯷ ﯷ‬
‫}‪ {33‬يقول تعالى‪ :‬هل ينظ ُُر هؤلء الذين جاءتهم اليات‬
‫ة{‪ :‬لقبض‬ ‫م الملئك ُ‬ ‫كروا‪} ،‬إل ّ أن تأت ِي َهُ ُ‬ ‫كروا فلم يتذ ّ‬‫فلم يؤمنوا وذ ُ ّ‬
‫ل بهم؛ فإّنهم‬‫ح ّ‬
‫أرواحهم‪} ،‬أو يأتي أمُر رّبك{‪ :‬بالعذاب الذي سي ِ‬
‫ل الذين من قبلهم{‪ :‬ك ّ‬
‫ذبوا‬ ‫قوا لوقوعه فيهم‪} .‬كذلك فَعَ َ‬ ‫قد استح ّ‬
‫وكفروا‪ ،‬ثم لم يؤمنوا‪ ،‬حتى نزل بهم العذاب‪} .‬وما ظلمهم‬
‫ة‬
‫ن{؛ فإّنها مخلوق ٌ‬ ‫سهم يظِلمو َ‬ ‫ذبهم‪} ،‬ولكن كانوا أنف َ‬ ‫الّله{؛ إذ ع ّ‬
‫ن مآُلها إلى كرامة الّله‪ ،‬فظلموها وتركوا ما‬ ‫لعبادة الّله؛ ليكو َ‬
‫ت له وعّرضوها للهانة الدائمة والشقاء الملزم‪.‬‬ ‫ق ْ‬
‫خل ِ َ‬
‫ُ‬
‫ت ما عملوا{؛ أي‪ :‬عقوبات أعمالهم‬ ‫}‪} {34‬فأصابهم سّيئا ُ‬
‫وآثارها‪} ،‬وحاق بهم{؛ أي‪ :‬نزل }ما كانوا به يستهزئون{‪ :‬فإنهم‬
‫من‬ ‫كانوا إذا أخبرتهم رسُلهم بالعذاب؛ استهزؤوا به‪ ،‬وسخروا مـ ّ‬
‫ل بهم ذلك المر الذي سخروا منه‪.‬‬ ‫أخبر به‪ ،‬فح ّ‬
‫ﭽﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ ﭝ ﭞ ﭟ ﭠ ﭡ‬
‫ﭨ ﭩ ﭪ ﭫﭬ ﭭ ﭮ ﭯ ﭰ ﭱ ﭲ ﭳ‬ ‫ﭢ ﭣ ﭤ ﭥﭦ ﭧ‬
‫ﭼ‪.‬‬
‫ج المشركون على شركهم بمشيئة الّله‪ ،‬وأ ّ‬
‫ن‬ ‫}‪ {35‬أي‪ :‬احت ّ‬
‫الّله لو شاء ما أشركوا ول حّرموا شيئا ً من النعام التي أحّلها؛‬
‫ة؛‬
‫ة باطل ٌ‬ ‫ج ٌ‬
‫كالبحيرة والوصيلة والحام ونحوها من دونه‪ ،‬وهذه ح ّ‬
‫قا؛ ما عاقب الّله الذين من قبلهم حيث أشركوا‬ ‫فإّنها لو كانت ح ّ‬
‫ذبهم‪.‬‬ ‫ب ذلك منهم؛ لما ع ّ‬‫به‪ ،‬فعاقبهم أشد ّ العقاب؛ فلو كان يح ّ‬
‫وليس قصدهم بذلك إل ّ رد ّ الحقّ الذي جاءت به الرسل‪ ،‬وإل ّ ؛‬
‫ن الّله أمرهم ونهاهم‪،‬‬ ‫جة لهم على الّله؛ فإ ّ‬ ‫م أنه ل ح ّ‬ ‫فعندهم عل ٌ‬
‫كنهم من القيام بما كّلفهم‪ ،‬وجعل لهم ق ّ‬ ‫وم ّ‬
‫(‬‫‪1‬‬ ‫)‬
‫در‬
‫وة ومشيئة تص ُ‬
‫در من أبطل الباطل‪ ،‬هذا‬ ‫ق َ‬
‫جهم بالقضاء وال َ‬ ‫عنها أفعالهم؛ فاحتجا ُ‬
‫ل يريده من غير‬ ‫ل فع ٍ‬‫س قدرة النسان على ك ُ ّ‬ ‫وكل أحد ٍ يعلم بالح ّ‬
‫سل ِهِ وتكذيب‬ ‫ع؛ فجمعوا بين تكذيب الّله وتكذيب ر ُ‬ ‫عه منازِ ٌ‬ ‫أن ينازِ َ‬
‫المور العقلّية والحسّية‪} .‬فهل على الّرسل إل ّ البلغ ُ المبين{؛‬
‫ل إلى القلوب ول يبقى لحد ٍ على الّله‬ ‫ص ُ‬
‫أي‪ :‬البيّـن الظاهر الذي ي َ ِ‬
‫در‬‫ق َ‬‫جوا عليهم بال َ‬ ‫م الرسل أمَر رّبهم ونهَيه ـ واحت ّ‬ ‫جة؛ فإذا ب َل ّغَت ْهُ ُ‬ ‫ح ّ‬
‫ـ؛ فليس للرسل من المر شيء‪ ،‬وإنما حساُبهم على الّله عّز‬
‫وج ّ‬
‫ل‪.‬‬
‫ﭽ ﭴ ﭵ ﭶ ﭷ ﭸ ﭹ ﭺ ﭻ ﭼ ﭽ ﭾﭿ ﮀ ﮁ ﮂ ﮃ ﮄ ﮅ ﮆ‬
‫ﮏ ﮐ ﮑ ﮒ ﮓ ﭼ‪.‬‬ ‫ﮇ ﮈﮉ ﮊ ﮋ ﮌ ﮍ ﮎ‬
‫جته قامت على جميع المم‪ ،‬وأّنه ما‬ ‫}‪ {36‬يخبر تعالى أن ح ّ‬
‫ل‪ ،‬وكّلهم‬ ‫خرة إل ّ وبعث الّله فيها رسو ً‬ ‫دمة أو متأ ّ‬‫مة متق ّ‬‫من أ ّ‬
‫ده ل‬ ‫د‪ ،‬وهو عبادة ُ الّله وح َ‬ ‫ن واح ٍ‬ ‫مّتفقون على دعوةٍ واحدةٍ ودي ٍ‬
‫ن اعُبدوا الّله واجت َِنبوا الطاغوت{‪ :‬فانقسمت المم‬ ‫شريك له‪} .‬أ ِ‬
‫ن‬
‫م ْ‬ ‫بحسب استجابتها لدعوة الرسل وعدمها قسمين‪} :‬فمنهم َ‬
‫ت‬‫ق ْ‬‫ح ّ‬‫ن َ‬‫م ْ‬
‫ل‪} ،‬ومنهم َ‬ ‫سلين علما ً وعم ً‬ ‫هدى الّله{‪ :‬فاّتبعوا المر َ‬ ‫َ‬
‫ي‪} .‬فسيروا في الرض{‪:‬‬ ‫ضللة{‪ :‬فاّتبع سبيل الغ ّ‬ ‫عليه ال ّ‬
‫ذبين{‪ :‬فإّنكم‬ ‫ة المك ّ‬‫ن عاقب ُ‬ ‫ظروا كيف كا َ‬ ‫بأبداِنكم وقلوِبكم‪} ،‬فان ُ‬
‫ذبا ً إل ّ كان عاقبته‬‫سترون من ذلك العجائب؛ فل تجد ُ )‪ (2‬مك ّ‬
‫الهلك‪.‬‬
‫ص على هداهم{‪ :‬وتبذل جهدك في ذلك‪،‬‬ ‫}‪} {37‬إن تحرِ ْ‬
‫ب؛ لم يهده إل ّ‬ ‫ل سب ٍ‬ ‫ل{‪ :‬ولو فعل ك ّ‬‫ض ّ‬‫ن الّله ل َيـْهدي من ي ُ ِ‬‫}فإ ّ‬
‫صرونهم من عذاب الّله‪ ،‬وَيقوَنهم‬ ‫ن{‪ :‬ين ُ‬‫الّله‪} .‬وما لهم من ناصري َ‬
‫سه‪.‬‬‫بأ َ‬
‫ﭽ ﮣ ﮤ ﮥ ﮦﮧ ﮨ ﮩ ﮪ ﮫ ﮬﮭ ﮮﮮ ﮯ ﮰ ﮱ ﯓ ﯔ ﯕ ﯖ ﯗ ﯘ‬
‫ﯮﯧﯧ‬ ‫ﯙ ﯚ ﯛ ﯜ ﯝ ﯞ ﯟ ﯠ ﯡ ﯢ ﯣ ﯤ ﯥ ﯦ ﯧ ﯨ ﯩ ﯪﯧﯧ ﯫﯧﯧ ﯬﯧﯧ ﯭﯧﯧ‬
‫ﯯﯧﯧ ﭼ ‪.‬‬
‫ذبين لرسوله أّنهم‬ ‫}‪ {38‬يخبر تعالى عن المشركين المك ّ‬
‫كدة مغّلظة‬ ‫مان ِِهم{؛ أي‪ :‬حلفوا أيمانا ً مؤ ّ‬ ‫}أقسموا بالّله َ‬
‫جهْد َ أي ْ‬
‫ث الموات ول يقد ُِر على إحيائهم‬ ‫على تكذيب الّله وأن الله ل ي َب ْعَ ُ‬
‫ذبا ً لهم‪} :‬بلى{ سيبعُثهم‬ ‫بعد أن كانوا ترابًا‪ .‬قال تعالى مك ّ‬

‫‪ -‬في )ب(‪» :‬على«‪.‬‬ ‫‪1‬‬

‫‪ -‬في )ب(‪» :‬فل تجدون«‪.‬‬ ‫‪2‬‬


‫فه ول‬
‫خل ِ ُ‬ ‫ب فيه‪} .‬وعدا ً عليه ح ّ‬
‫قا{‪ :‬ل ُيـ ْ‬ ‫ويجمُعهم ليوم ل ري َ‬
‫ن{‪ :‬ومن جهلهم العظيم‬ ‫ن أكثر الناس ل يعلمو َ‬ ‫يغّيره‪} .‬ولك ّ‬
‫إنكاُرهم البعث والجزاء‪.‬‬
‫}‪ 39‬ـ ‪ {40‬ثم ذكر الحكمة في الجزاء والبعث‪ ،‬فقال‪:‬‬
‫ن فيه{‪ :‬من المسائل الكبار والصغار‪،‬‬ ‫ن لهم الذي يختلفو َ‬ ‫}ليبيـ ّ َ‬
‫م الذين كفروا أّنهم كانوا‬ ‫ضحها‪} ،‬ول ِي َعْل َ َ‬ ‫فيبيّـن حقائقها ويو ّ‬
‫ت عليهم‪ ،‬وما نفعتهم‬ ‫سرا ٍ‬ ‫كاذبين{‪] :‬حين[ )‪ (1‬ي ََرْون أعمالهم َ‬
‫ح َ‬
‫ما جاء أمُر رّبك‪ ،‬وحين‬ ‫دعون مع الّله من شيء لـ ّ‬ ‫آلهُتهم التي ي َ ْ‬
‫ور الشمس والقمر‪ ،‬وتتناثر‬ ‫ن ما يعُبدون حطبا ً لجهّنم‪ ،‬وتك ّ‬ ‫ي ََروْ َ‬
‫ت‬
‫ن مفتقرا ٌ‬ ‫خرات‪ ،‬وأنه ّ‬ ‫دها أنها عبيد ٌ مس ّ‬ ‫الّنجوم‪ ،‬ويّتضح لمن يعب ُ ُ‬
‫ب ول‬‫إلى الّله في جميع الحالت‪ ،‬وليس ذلك على الّله بصع ٍ‬
‫د؛ فإّنه إذا أراد شيئا ً قال له كن فيكون من غير منازعةٍ ول‬ ‫شدي ٍ‬
‫ق ما أراده وشاءه‪.‬‬ ‫امتناع‪ ،‬بل يكون على ط ِب ْ ِ‬
‫ﭽ ﯰﯧﯧ ﯱﯧﯧ ﯷ ﯷ ﯷ ﯷ ﯷ ﯷ ﯷ ﯷ ﯷ ﯷﯼ ﯽ ﯾ ﯿﯷ ﯷ ﯷ‬
‫ﯷ ﯷ ﯷ ﯷ ﯷ ﰈ ﰉ ﯷ ﭼ‪.‬‬
‫}‪ {41‬يخبر تعالى بفضل المؤمنين الممتحنين‪} ،‬الذين‬
‫هاجروا في الّله{؛ أي‪ :‬في سبيله وابتغاء مرضاته‪} ،‬من بعد ِ ما‬
‫دوهم‬ ‫ظ ُِلموا{‪ :‬بالذّية والمحنة من قومهم‪ ،‬الذين يفِتنوَنهم لير ّ‬
‫لن‪ ،‬وانتقلوا عنها لجل‬ ‫خ ّ‬ ‫إلى الكفر والشرك‪ ،‬فتركوا الوطان والـ ُ‬
‫دنيا من‬ ‫طاعة الرحمن‪ ،‬فذكر لهم ثوابين ‪ :‬ثوابا ً عاجل ً في ال ّ‬
‫الرزق الواسع والعيش الهنيء الذي رأوه عيانا ً بعدما هاجروا‬
‫وانتصروا على أعدائهم وافتتحوا البلدان وغ َِنموا منها الغنائم‬
‫جُر الخرة{‪:‬‬ ‫ة‪} .‬ول ْ‬ ‫دنيا حسن ً‬ ‫ولوا وآتاهم الّله في ال ّ‬ ‫العظيمة فتم ّ‬
‫دهم على لسان رسوله خيٌر و }أكبُر{ من أجر الدنيا؛‬ ‫الذي وَع َ َ‬
‫جروا وجاهدوا في سبيل الّله‬ ‫كما قال تعالى‪} :‬الذين آمنوا وها َ‬
‫ة‬
‫شُرهم رّبهم برحم ٍ‬ ‫ن‪ .‬يب ّ‬ ‫ة عند الّله وأولئك هم الفائزو َ‬ ‫م درج ً‬ ‫أعظ ُ‬
‫ن‬‫ن فيها أبدا ً إ ّ‬ ‫م‪ .‬خالدي َ‬ ‫ت لهم فيها نعيم مقي ٌ‬ ‫ن وجنا ٍ‬ ‫منه ورضوا ٍ‬
‫م{‪ .‬وقوله‪} :‬لو كانوا يعلمون{؛ أي‪ :‬لو كان‬ ‫ده أجٌر عظي ٌ‬ ‫الّله عن َ‬
‫ن به‬ ‫ن آم َ‬ ‫م ْ‬
‫جر والثواب ِلـ َ‬ ‫ن بما عند الّله من ال ِ‬ ‫م ويقي ٌ‬ ‫لهم عل ٌ‬
‫د‪.‬‬
‫ف عن ذلك أح ٌ‬ ‫وهاجَر في سبيله؛ لم يتخل ّ ْ‬
‫صَبروا{‪ :‬على‬ ‫}‪ {42‬ثم ذ َك ََر وصف أوليائه‪ ،‬فقال‪} :‬الذين َ‬
‫أوامر الّله‪ ،‬وعن نواهيه‪ ،‬وعلى أقدار الّله المؤلمة‪ ،‬وعلى الذّية‬
‫كلون{؛ أي‪ :‬يعتمدون عليه في‬ ‫فيه والمحن‪} .‬وعلى رّبهم يتو ّ‬
‫ح أموُرهم وتستقيم‬ ‫تنفيذ محاّبه ل على أنفسهم‪ ،‬وبذلك تنج ُ‬

‫‪ -‬كذا في )ب(‪ .‬وفي ) أ (‪» :‬حتى«‪.‬‬ ‫‪1‬‬


‫ك المور كّلها؛ فما فات أحدا ً‬ ‫كل مل ُ‬ ‫ن الصبر والتو ّ‬‫أحواُلهم؛ فإ ّ‬
‫شيٌء من الخير إل لعدم صبرِهِ وب َذ ْ ِ‬
‫ل جهد ِهِ فيما أريد منه أو لعدم‬
‫كله واعتماده على الّله‪.‬‬ ‫تو ّ‬
‫ﭟ ﭠ‬ ‫ﭽ ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘﭙ ﭚ ﭛ ﭜ ﭝ ﭞ‬
‫ﭡ ﭢ ﭣﭤ ﭥ ﭦ ﭧ ﭨ ﭩ ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ ﭯ ﭼ ‪.‬‬
‫}‪ {43‬يقول تعالى لنبّيه محمد صلى الله عليه وسلم‪} :‬وما‬
‫ت ببدع من الرسل‪ ،‬فلم‬ ‫ل{؛ أي‪ :‬لس َ‬‫ك إل ّ رجا ً‬
‫سلنا من قبل ِ َ‬ ‫أر ْ‬
‫ة‪ ،‬بل رجال ً كاملين ل نساًء‪} .‬نوحي إليهم{‪:‬‬ ‫ك ملئك ً‬ ‫ل قبل َ َ‬
‫س ْ‬
‫نر ِ‬
‫من الشرائع والحكام ما هو من فضل ِهِ وإحسان ِهِ على العبيد‪ ،‬من‬
‫غير أن يأتوا بشيٍء من قَِبل أنفسهم‪} .‬فاسألوا أهل الذ ّ ْ‬
‫كر{؛ أي‪:‬‬
‫كتم‪ ،‬هل‬‫ن{‪ :‬نبأ الّولين‪ ،‬وشك َ ْ‬‫ن كنُتم ل تعلمو َ‬
‫الكتب السابقة }إ ْ‬
‫ت عليهم‬ ‫ل؟ فاسألوا أهل العلم بذلك‪ ،‬الذين نزل ْ‬ ‫ث الّله رجا ً‬ ‫ب َعَ َ‬
‫ن‬
‫الّزبر والبّينات‪ ،‬فعلموها وفهموها؛ فإّنهم كلهم قد تقّرر عندهم أ ّ‬
‫الّله ما بعث إل ّ رجال ً يوحي إليهم من أهل القرى‪.‬‬
‫ن أعلى أنواعه‬ ‫ح أهل العلم‪ ،‬وأ ّ‬‫وعموم هذه الية فيها مد ُ‬
‫ن ل يعلم بالرجوع إليهم‬ ‫ن الّله أمر َ‬
‫م ْ‬ ‫العلم بكتاب الّله المنزل؛ فإ ّ‬
‫ة لهم؛‬‫ل لهل العلم وتزكي ٌ‬ ‫في جميع الحوادث‪ ،‬وفي ضمنه تعدي ٌ‬
‫ن بذلك يخرج الجاهل من الت ِّبعة‪ ،‬فد ّ‬
‫ل على‬ ‫حيث أمر بسؤالهم‪ ،‬وأ ّ‬
‫ن الّله ائتمنهم على وحيه وتنزيله‪ ،‬وأنهم مأمورون بتزكية‬ ‫أ ّ‬
‫أنفسهم والتصاف بصفات الكمال‪.‬‬
‫}‪ {44‬وأفضل أهل الذكر أهل هذا القرآن العظيم؛ فإنهم‬
‫أهل الذكر على الحقيقة‪ ،‬وأولى من غيرهم بهذا السم‪ ،‬ولهذا‬
‫كر ما‬‫ذكر{؛ أي‪ :‬القرآن الذي فيه ذ ِ ْ‬‫قال تعالى‪} :‬وأن َْزْلنا إليك ال ّ‬
‫يحتاج إليه العباد من أمور دينهم ودنياهم الظاهرة والباطنة‪،‬‬
‫ل لتبيين ألفاظه وتبيين‬ ‫ل إليهم{‪ :‬وهذا شام ٌ‬ ‫ن للناس ما ن ُّز َ‬ ‫}ل ِت َُبيـ ّ َ‬
‫كرون{‪ :‬فيه‪ ،‬فيستخرجون من كنوزه‬ ‫معانيه‪} .‬ولعّلهم يتف ّ‬
‫وعلومه بحسب استعدادهم وإقبالهم عليه‪.‬‬
‫ﭽﭰ ﭱ ﭲ ﭳ ﭴ ﭵ ﭶ ﭷ ﭸ ﭹ ﭺ ﭻ ﭼ ﭽ ﭾ ﭿ ﮀ ﮁ‬
‫ﮂ ﮃ ﮄ ﮅ ﮆ ﮇ ﮈ ﮉ ﮊ ﮋ ﮌ ﮍ ﮎ ﮏ ﮐ ﮑ ﭼ‪.‬‬
‫ف من الّله تعالى لهل الكفر‬
‫}‪ 45‬ـ ‪ {47‬هذا تخوي ٌ‬
‫ذهم بالعذاب على ِغّرة‬‫والتكذيب وأنواع المعاصي من أن يأخ َ‬
‫ذهم العذاب من فوقهم‪ ،‬أو من‬ ‫خ َ‬
‫ما أن يأ ُ‬
‫وهم ل يشعرون‪ :‬إ ّ‬
‫ف وغيره‪ ،‬وإما في حال تقّلبهم وشغلهم‬ ‫س ِ‬ ‫خ ْ‬‫أسفل منهم بالـ َ‬
‫وفهم من العذاب؛‬ ‫وعدم خطور العذاب ببالهم‪ ،‬وإما في حال تخ ّ‬
‫زين الّله )‪ (1‬في حالة من هذه الحوال‪ ،‬بل هم تحت‬ ‫فليسوا بمعج ِ‬
‫قبضته‪ ،‬ونواصيهم بيده‪ ،‬ولكنه رءوف رحيم‪ ،‬ل يعاجل العاصين‬
‫بالعقوبة‪ ،‬بل يمهلهم ويعافيهم ويرزقهم‪ ،‬وهم يؤذونه ويؤذون‬
‫ح لهم )‪ (2‬أبواب التوبة‪ ،‬ويدعوهم إلى القلع‬ ‫فت َ ُ‬
‫أولياءه‪ ،‬ومع هذا ي َ ْ‬
‫ل الكرامات‬‫دهم بذلك أفض َ‬ ‫عن السيئات التي تضّرهم‪ ،‬وي َعِ ُ‬
‫م من رّبه أن‬‫ح المجر ُ‬ ‫ومغفرة َ ما صدر منهم من الذنوب؛ فليست ِ‬
‫ة في جميع ]اللحظات[ ومعاصيه صاعدة‬ ‫م الل ّهِ عليه نازل ً‬ ‫تكون نع ُ‬
‫ل‪ ،‬وأنه إذا‬‫ل ول يهم ُ‬‫ن الّله يمه ُ‬
‫ل الوقات‪ ،‬وليعلم أ ّ‬ ‫إلى رّبه في ك ّ‬
‫َ‬
‫ب إليه‪ ،‬وليرجعْ في‬ ‫خذ َ عزيزٍ مقتدٍر؛ فليت ْ‬ ‫أخذ العاصي؛ أخذه أ ْ‬
‫جميع أموره إليه؛ فإّنه رءوف رحيم؛ فالبداَر البداَر إلى رحمته‬
‫ب‬‫الواسعة‪ ،‬وبّره العميم‪ ،‬وسلوك الطرق الموصلة إلى فضل الر ّ‬
‫الرحيم‪ ،‬أل وهي تقواه‪ ،‬والعمل بما يحّبه ويرضاه‪.‬‬
‫ﭽﮒ ﮓ ﮔ ﮕ ﮖ ﮗ ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ ﮜ ﮝ ﮞ ﮟ ﮠ ﮡ ﮢ ﮣ‬
‫ﮤ ﮥ ﮦ ﮧ ﮨ ﮩ ﮪ ﮫ ﮬ ﮭ ﮮﮮ ﮯ ﮰ ﮱ ﯓ ﯔ ﯕ ﯖ ﯗ ﯘ ﯙ ﯚ‬
‫ﯛ ﯜ ﭼ‪.‬‬
‫كون في توحيد‬ ‫}‪ {48‬يقول تعالى‪} :‬أولم يروا{؛ أي‪ :‬الشا ّ‬
‫خل َقَ الّله من شيء{؛ أي‪ :‬إلى‬ ‫رّبهم وعظمته وكماله‪} ،‬إلى ما َ‬
‫جدا ً‬‫س ّ‬ ‫جميع مخلوقاته‪ ،‬وكيف تتفّيأ أظلتها }عن اليمين والشمائل ُ‬
‫لّله{؛ أي‪ :‬كلها ساجدة ٌ لّربها خاضعة لعظمته وجلله‪} ،‬وهم‬
‫ن{؛ أي‪ :‬ذليلون تحت التسخير والتدبير والقهر‪ ،‬ما منهم‬ ‫خرو َ‬ ‫دا ِ‬
‫أحد ٌ إل ّ وناصيته بيد الّله وتدبيره عنده‪.‬‬
‫ض من‬ ‫ت وما في الر ِ‬ ‫}‪} {49‬ولّله يسجد ما في السمـوا ِ‬
‫ة{‪ :‬الكرام‪،‬‬ ‫داّبة{‪ :‬من الحيوانات الناطقة والصامتة‪} ،‬والملئك ُ‬
‫صهم بعد العموم لفضلهم وشرفهم وكثرة عبادتهم‪ ،‬ولهذا قال‪:‬‬ ‫خ ّ‬
‫ن{؛ أي‪ :‬عن عبادته؛ على كثرتهم وعظمة‬ ‫}وهم ل يستك ِْبرو َ‬
‫ح أن يكون‬ ‫ف المسي ُ‬ ‫وتهم؛ كما قال تعالى‪} :‬لن يستنك َ‬ ‫أخلقهم وق ّ‬
‫عبدا ً لّله ول الملئكة المقربون{‪.‬‬
‫حهم بك َث َْر ِ‬
‫ة‬ ‫ما مد َ‬ ‫}‪} {50‬يخافون رّبهم من فوقهم{‪ :‬لـ ّ‬
‫ف من الّله الذي هو فوقهم‬ ‫حهم بالخو ِ‬‫الطاعة والخضوع لّله؛ مد َ‬
‫لء تحت قهره‪} .‬ويفعلون‬ ‫بالذات والقهر وكمال الوصاف؛ فهم أذ ّ‬
‫ما يؤمرون{؛ أي‪ :‬مهما أمرهم الّله تعالى؛ امتثلوا لمره طوعا ً‬
‫واختيارًا‪ .‬وسجود المخلوقات لّله تعالى قسمان‪ :‬سجود ُ اضطرار‬
‫م لكل مخلوق من‬ ‫ودللةٍ على ما له من صفات الكمال‪ ،‬وهذا عا ّ‬
‫‪ - 1‬في )ب(‪» :‬لله«‪.‬‬
‫‪ - 2‬في )ب(‪» :‬عليهم«‪.‬‬
‫ره‪ .‬وسجود ُ اختياٍر‬
‫ق وغي ِ‬
‫ن ناط ٍ‬
‫ن وكافرٍ وب َّر وفاجرٍ وحيوا ٍ‬‫مؤم ٍ‬
‫ص بأوليائه وعباده المؤمنين من الملئكة وغيرهم من‬ ‫يخت ّ‬
‫المخلوقات‪.‬‬
‫ﯨﯩ ﯪﯧﯧ ﯫﯧﯧ ﯬﯧﯧ ﯭﯧﯧ ﯮﯧﯧ ﯯﯧﯧ ﯰﯧﯧ ﯱﯧﯧ ﯷ‬ ‫ﭽ ﯝ ﯞ ﯟ ﯠ ﯡ ﯢ ﯣﯤ ﯥ ﯦ ﯧ‬
‫ﯷ ﯷﯷ ﯷ ﯷ ﯷ ﯷ ﯷ ﯷ ﯼ ﯽ ﯾ ﯿﯷ ﯷ ﯷ ﯷ ﯷ ﯷ ﯷ ﯷ ﰈ‬
‫ﯷ ﯷ ﯷ ﰎ ﯷ ﯷ ﯷ ﰒ ﭑ ﭒ ﭓﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭼ ‪.‬‬ ‫ﰉ ﯷ‬
‫ل على‬ ‫}‪ {51‬يأمر تعالى بعبادته وحده ل شريك له‪ ،‬ويستد ّ‬
‫ذلك بانفراده بالنعم ]والوحدانية[‪ ،‬فقال‪ :‬و}ل تّتخذوا إلهين‬
‫ه‬‫اثنين{؛ أي‪ :‬تجعلون له شريكا ً في إلهّيته‪ ،‬وهو }إّنما هو إل ٌ‬
‫حد في الوصاف العظيمة‪ ،‬متفّرد بالفعال كّلها؛ فكما‬ ‫د{‪ :‬متو ّ‬ ‫واح ٌ‬
‫حدوه في‬ ‫أّنه الواحد في ذاته وأسمائ ِهِ ونعوته وأفعاله؛ فَل ُْتو ّ‬
‫)‪(1‬‬
‫ن{؛ أي‪ :‬خافوني‪ ،‬وامتثلوا‬ ‫هبو ِ‬ ‫عبادته‪ ،‬ولهذا قال‪} :‬فإّيايَ فاْر َ‬
‫ً‬
‫أمري‪ ،‬واجتنبوا نهيي من غير أن تشركوا شيئا من المخلوقات؛‬
‫فإّنها كلها لّله تعالى مملوكة‪.‬‬
‫صبًا{؛‬ ‫ن وا ِ‬ ‫دي ُ‬
‫ض وله ال ّ‬ ‫}‪ {52‬فـ}له ما في السمـوات والر ِ‬
‫َ‬
‫ده على‬ ‫ت لّله وح َ‬ ‫ل في جميع الوقا ِ‬ ‫أي‪ :‬الدين والعبادة والذ ّ ّ‬
‫ن{‪:‬‬ ‫صِبغوا بعبودّيته‪} .‬أفغير الّله تّتقو َ‬ ‫خِلصوه لّله وي َن ْ َ‬ ‫الخلق أن ُيـ ْ‬
‫من أهل الرض أو أهل السماوات؛ فإّنهم ل يمِلكون لكم ضّرا ول‬
‫نفعًا‪ ،‬والّله المنفرد بالعطاء والحسان‪.‬‬
‫ن الّله{‪:‬‬ ‫م َ‬‫ة{‪ :‬ظاهرةٍ وباطنةٍ }ف ِ‬ ‫}‪} {53‬وما بكم من نعم ٍ‬
‫ضّر{‪ :‬من فقر ومرض‬ ‫كم ال ّ‬‫س ُ‬ ‫كه فيها‪} ،‬ثم إذا م ّ‬ ‫شَر ُ‬
‫ل أحد ي َ ْ‬
‫دعاء والتضّرع لعلمكم‬ ‫جون بال ّ‬‫ن{؛ أي‪ :‬تض ّ‬ ‫دة }فإليه تجأرو َ‬ ‫وش ّ‬
‫دة إل ّ هو؛ فالذي انفرد بإعطائكم ما‬ ‫أّنه ل يدفعُ الضّر والش ّ‬
‫تحّبون‪ ،‬وصرف ما تكرهون‪ ،‬هو الذي ل تنبغي العبادة إل له‬
‫وحده‪.‬‬
‫ن كثيرا ً من الناس يظلمون أنفسهم‬ ‫}‪ 54‬ـ ‪ {55‬ولك ّ‬
‫دة ـ فصاروا في‬ ‫جاهم من الش ّ‬ ‫ة الّله عليهم إذا ن ّ‬ ‫ويجحدون نعم َ‬
‫حال الرخاء ـ؛ أشركوا به بعض مخلوقاته الفقيرة‪ ،‬ولهذا قال‪:‬‬
‫جي َْناهم من الشدة‪،‬‬ ‫}ليكفروا بما آتيناهم{؛ أي‪ :‬أعطيناهم؛ حيث ن َ ّ‬
‫دنياكم قليل ً }فسوف‬ ‫قة‪} .‬فتمّتعوا{‪ :‬في ُ‬ ‫وخّلصناهم من المش ّ‬
‫كم‪.‬‬ ‫ن{‪ :‬عاقبة كفرِ ُ‬ ‫تعلمو َ‬
‫ﭦ ﭧ ﭨ ﭩ‬ ‫ﭽ ﭚ ﭛ ﭜ ﭝ ﭞ ﭟ ﭠﭡ ﭢ ﭣ ﭤ ﭥ‬
‫ﭺ ﭻ‬ ‫ﭪ ﭫﭬ ﭭ ﭮ ﭯ ﭰ ﭱ ﭲ ﭳ ﭴ ﭵ ﭶ ﭷ ﭸ ﭹ‬

‫‪ -‬في )ب(‪» :‬أي‪ :‬فامتثلوا«‪.‬‬ ‫‪1‬‬


‫ﭼ ﭽ ﭾ ﭿ ﮀ ﮁ ﮂﮃ ﮄ ﮅ ﮆ ﮇ ﮈ ﮉ ﮊﮋ ﮌ ﮍ ﮎ ﮏ ﮐ ﮑ‬
‫ﮒ ﮓ ﮔ ﮕ ﮖﮗ ﮘ ﮙ ﮚﮛ ﮜ ﮝ ﮞ ﮟ ﭼ ‪.‬‬
‫}‪ {56‬يخبر تعالى عن جهل المشركين وظلمهم وافترائهم‬
‫ع‬
‫م ول تنف ُ‬ ‫على الّله الكذب‪ ،‬وأّنهم يجعلون لصنامهم التي ل تعل ُ‬
‫ول تضّر نصيبا ً مما رزقهم الّله وأنعم به عليهم‪ ،‬فاستعانوا برزقِ ِ‬
‫ه‬
‫ة؛ كما قال تعالى‪:‬‬ ‫على الشرك به‪ ،‬وتقّربوا به إلى أصنام منحوت ٍ‬
‫حْرث والنعام نصيبا ً فقالوا هذا لّله‬ ‫}وجعلوا لّله مما ذ ََرأ من الـ َ‬
‫ل إلى الّله‪{...‬‬ ‫ص ُ‬
‫ن لشَركائ ِِهم فل ي َ ِ‬ ‫مِهم وهذا لشركاِئنا فما كا َ‬ ‫بزع ِ‬
‫ه أمركم بهذا‬ ‫ن عما كنُتم تفترون{‪ :‬وُيقال‪} :‬آلل ّ ُ‬ ‫سأل ُ ّ‬‫الية‪} .‬تالّله ل َت ُ ْ‬
‫ن الذين يفترون على الّله الكذب‬ ‫أم على الّله تفترون{؟ وما ظ ّ‬
‫يوم القيامة؟! فيعاقبهم على ذلك أشد ّ العقوبة‪.‬‬
‫ت{‪ :‬حيث قالوا عن‬ ‫}‪ 57‬ـ ‪} {59‬ويجعلون لّله البنا ِ‬
‫ن{؛‬ ‫ت الّله‪} ،‬ولهم ما يشتهو َ‬ ‫الملئكةِ العباد ِ المقّربين‪ :‬إّنهم بنا ُ‬
‫ة؛‬
‫ة شديد ً‬ ‫ذكور‪ ،‬حتى إنهم يكرهون البنات كراه ً‬ ‫أي‪ :‬لنفسهم ال ّ‬
‫م‬
‫دا{‪ :‬من الغ ّ‬ ‫ه مسو ّ‬ ‫ل وجهُ ُ‬ ‫شَر بالنثى ظ ّ‬ ‫فكان أحدهم }إذا ب ُ ّ‬
‫م{؛ أي‪ :‬كاظم على الحزن والسف إذ‬ ‫الذي أصابه‪} ،‬وهو كظي ٌ‬
‫ضح عند أبناء جنسه‪ ،‬ويتوارى منهم من‬ ‫فت َ َ‬ ‫شَر بأنثى‪ ،‬وحتى إنه ي ُ ْ‬ ‫بُ ّ‬
‫ل فكَره ورأَيه الفاسد فيما يصنع بتلك‬ ‫م ُ‬ ‫شَر به‪ ،‬ثم ي ُعْ ِ‬ ‫سوء ما ب ُ ّ‬
‫ن{؛ أي‪ :‬يتركها من غير‬ ‫كه على هُوْ ٍ‬ ‫س ُ‬‫م ِ‬ ‫شَر بها‪} :‬أي ُ ْ‬ ‫البنت التي ب ُ ّ‬
‫سه في الّتراب{؛ أي‪ :‬يدفنها وهي‬ ‫ل‪} ،‬أم يد ّ‬ ‫قتل على إهانةٍ وذ ّ‬
‫م الّله به المشركين‪} .‬أل ساء ما‬ ‫حّية‪ ،‬وهو الوأد ُ الذي ذ ّ‬
‫كمون{‪ :‬إذ وصفوا الّله بما ل َيليق بجلله من نسبة الولد إليه‪،‬‬ ‫يح ُ‬
‫فِهم هذا حتى نسبوا له أردأ القسمين‪ ،‬وهو الناث اللتي‬ ‫ثم لم يك ِ‬
‫يأنفون بأنفسهم عنها ويكرهونها؛ فكيف ينسبونها لّله تعالى؟!‬
‫فبئس الحكم حكمهم‪.‬‬
‫وء التي نسبها إليه‬ ‫س ْ‬‫}‪ {60‬ولما كان هذا من أمثال ال ّ‬
‫مث َ ُ‬
‫ل‬ ‫أعداؤه المشركون؛ قال تعالى‪} :‬للذين ل يؤمنون بالخرة َ‬
‫مَثل العلى{‪:‬‬ ‫م‪} .‬ولّله الـ َ‬‫وء{؛ أي‪ :‬المثل الناقص والعيب التا ّ‬ ‫س ْ‬
‫ال ّ‬
‫ّ‬
‫ل كمال في الوجود فالله أحقّ به من غير‬ ‫ل صفة كمال‪ ،‬وك ّ‬ ‫وهو ك ّ‬
‫أن يستلزم ذلك نقصا ً بوجه‪ ،‬وله المثل العلى في قلوب أوليائه‪،‬‬
‫وهو التعظيم والجلل والمحّبة والنابة والمعرفة‪} .‬وهو العزيُز{‪:‬‬
‫ت بأسرها‪.‬‬ ‫الذي قَهََر جميع الشياء‪ ،‬وانقادت له المخلوقا ُ‬
‫ضَعها فل يأمر ول يفعل إل ما‬ ‫ضعُ الشياء موا ِ‬‫م{‪ :‬الذي ي َ َ‬
‫}الحكي ُ‬
‫ُيحمد عليه‪ ،‬وُيثنى على كماله فيه‪.‬‬
‫ﭽ ﮠ ﮡ ﮢ ﮣ ﮤ ﮥ ﮦ ﮧ ﮨ ﮩ ﮪ ﮫ ﮬ ﮭ ﮮﮮﮯ ﮰ ﮱ ﯓ ﯔ‬
‫ﯕ ﯖﯗ ﯘ ﯙ ﯚ ﭼ ‪.‬‬
‫}‪ {61‬لما ذكر تعالى ما افتراه الظالمون عليه؛ ذ َك ََر كمال‬
‫مِهم{‪ :‬من غير‬ ‫خذ ُ الّله الناس بظل ِ‬
‫ه‪ ،‬فقال‪} :‬ولو يؤا ِ‬ ‫مهِ وصبرِ ِ‬
‫حل ِ‬
‫ك{ على ظهرها }من داّبة{؛ أي‪ :‬لهلك‬ ‫زيادة ول نقص‪} ،‬ما ت ََر َ‬
‫ن‬
‫ب والحيوانات؛ فإ ّ‬ ‫المباشرين للمعصية وغيرهم من أنواع الدوا ّ‬
‫خُرهم{‪ :‬عن‬ ‫ك به الحرث والنسل‪} .‬ولكن يؤ ّ‬ ‫شؤم المعاصي َيـهْل ِ ُ‬
‫مى{‪ :‬وهو يوم القيامة‪.‬‬ ‫تعجيل العقوبة عليهم‪} ،‬إلى أجل مس ّ‬
‫ذروا‬ ‫ح َ‬
‫ن{‪ :‬فلي َ ْ‬‫دمو َ‬‫ة ول يستق ِ‬ ‫ن ساع ً‬‫خرو َ‬‫}فإذا جاء أجُلهم ل يستأ ِ‬
‫ت الذي ل إمها َ‬
‫ل‬ ‫ت المهال قبل أن يجيء الوق ُ‬ ‫ما داموا في وق ِ‬
‫فيه‪.‬‬
‫ﭽ ﯛ ﯜ ﯝ ﯞ ﯟ ﯠ ﯡ ﯢ ﯣ ﯤﯥ ﯦ ﯧ ﯨ ﯩ ﯪﯧﯧ ﯫﯧﯧ ﯬﯧﯧ ﯭﯧﯧ ﯮﯧﯧ ﯯﯧﯧ ﯰﯧﯧ ﯱﯧﯧ‬
‫ﯷ ﯷ ﯷ ﯷ ﯷ ﯷ ﯷ ﯷ ﯷ ﯷ ﯼ ﯽ ﯾ ﯿ ﭼ‪.‬‬
‫ن المشركين }يجعلون لّله ما‬ ‫}‪ {62‬يخبر تعالى أ ّ‬
‫يكرهون{‪ :‬من البنات ومن الوصاف القبيحة‪ ،‬وهو الشرك؛‬
‫بصرف شيء من العبادات إلى بعض المخلوقات التي هي عبيد ٌ‬
‫دهم ـ وهم‬ ‫ن عبي ُ‬‫ون أن يكو َ‬‫ض ْ‬‫لّله؛ فكما أنهم يكرهون ول ير َ‬
‫سهم ـ شركاَء لهم فيما رزقهم الّله؛ فكيف‬ ‫مخلوقون من جن ِ‬
‫جَعلون له شركاَء من عبيده؟ }و{‪ :‬هم مع هذه الساءة‬ ‫َيـ ْ‬
‫ن لهم الحسنى{؛ أي‪ :‬أن لهم‬ ‫بأ ّ‬‫ف ألسنُتهم الك َذ ِ َ‬ ‫ص ُ‬‫ة‪} ،‬ت َ ِ‬
‫العظيم ِ‬
‫ن‬
‫مأ ّ‬‫جَر َ‬
‫الحالة الحسنة في الدنيا والخرة؛ رد ّ عليهم بقوله‪} :‬ل َ‬
‫ن{‪ :‬مقدمون إليها‪ ،‬ماكثون فيها‪ ،‬غير‬ ‫فَرطو َ‬‫م ْ‬‫لهم الناَر وأّنهم ُ‬
‫خارجين منها أبدًا‪.‬‬
‫}‪ {63‬بين تعالى لرسوله صلى الله عليه وسلم أنه ليس‬
‫سْلنا إلى أمم من‬ ‫ذب‪ ،‬فقال تعالى‪} :‬تالل ّهِ لقد أر َ‬ ‫هو أول رسول ك ُ ّ‬
‫ن‬
‫ن لهم الشيطا ُ‬ ‫ك{‪ :‬رسل ً يدعوَنهم إلى التوحيد‪} ،‬فزي ّ َ‬ ‫قبل ِ َ‬
‫ق‬
‫ن ما هم عليه هو الح ّ‬ ‫ذبوا الرسل‪ ،‬وزعموا أ ّ‬ ‫أعماَلهم{‪ :‬فك ّ‬
‫ن ما دعت إليه الرسل؛ فهو بخلف‬ ‫ل مكروه‪ ،‬وأ ّ‬ ‫جي من ك ّ‬ ‫المن ّ‬
‫ذلك‪ ،‬فلما زّين لهم الشيطان أعماَلهم؛ صار }ولّيهم{‪ :‬في الدنيا‪،‬‬
‫ه أولياء من دوني‬ ‫ه وذ ُّري ّت َ ُ‬
‫خذون َ ُ‬‫وه‪} ،‬أفتت ّ ِ‬ ‫فأطاعوه واّتبعوه وتول ّ ْ‬
‫م{‪ :‬في‬ ‫ب ألي ٌ‬‫ل{‪} .‬ولهم عذا ٌ‬ ‫ن بد ً‬ ‫س للظالمي َ‬ ‫وهم لكم عدوّ بئ َ‬
‫ضوا بولية الشيطان‪،‬‬ ‫الخرة؛ حيث توّلوا عن ولية الرحمن وَر ُ‬
‫قوا لذلك عذاب الهوان‪.‬‬ ‫فاستح ّ‬
‫)‪(1‬‬
‫ﭽ ﯷ ﯷ ﯷ ﯷ ﯷ ﯷ ﯷ ﯷ ﰈ ﰉﯷ ﯷ ﯷ ﯷ ﰎ ﯷ ﭼ‬

‫‪ - 1‬في النسختين ل يوجد تفسير للية )‪(64‬؛ ولعل المؤلف ـ رحمه الله ـ‬
‫سها عنها‪.‬‬
‫ﭡ ﭢ‬ ‫ﭝ ﭞ ﭟ ﭠ‬ ‫ﭽ ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚﭛ ﭜ‬
‫‪.‬‬ ‫ﭼ‬
‫}‪ {65‬عن الّله مواعظه وتذكيره‪ ،‬فيستدّلون بذلك على أّنه‬
‫وحده المعبود‪ ،‬الذي ل تنبغي العبادة إل ّ له وحده؛ لّنه المنعم‬
‫بإنزال المطر وإنبات جميع أصناف النبات‪ ،‬وعلى أنه على ك ّ‬
‫ل‬
‫ن الذي أحيا الرض بعد موتها قادٌر على إحياء‬ ‫شيٍء قديٌر‪ ،‬وأ ّ‬
‫الموات‪ ،‬وأن الذي نشر هذا الحسان لذو رحمةٍ واسعةٍ وجودٍ‬
‫م‪.‬‬
‫عظي ٍ‬
‫ﭽ ﭣ ﭤ ﭥ ﭦ ﭧﭨ ﭩ ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ ﭯ ﭰ ﭱ ﭲ ﭳ ﭴ‬
‫ﮅ ﮆ ﭼ‪.‬‬ ‫ﮁ ﮂ ﮃ ﮄ‬ ‫ﭵ ﭶ ﭷ ﭸ ﭹ ﭺ ﭻ ﭼ ﭽ ﭾﭿ ﮀ‬
‫خرها الّله‬ ‫كم في النعام{‪ :‬التي س ّ‬ ‫نل ُ‬‫}‪ {66‬أي‪} :‬إ ّ‬
‫ة{‪ :‬تستدّلون بها على كمال قدرة الّله وسعة‬ ‫لمنافعكم‪} ،‬لعبر ً‬
‫دم‪،‬‬ ‫فْرث وال ّ‬ ‫إحسانه؛ حيث أسقاكم من بطونها المشتملة على ال َ‬
‫ذته‬ ‫فأخرج من بين ذلك لبنا ً خالصا ً من الكدر سائغا ً للشاربين لل ّ‬
‫ولنه ُيسقي ويغذي؛ فهل هذه إل ّ قدرة إلهّية ل أمور طبيعّية؟!‬
‫فأي شيء في الطبيعة يقلب العلف الذي تأك ُُله البهيمة والشراب‬
‫الذي تشربه من الماء العذب والملح لبنا ً خالصا ً سائغا ً‬
‫للشاربين؟!‬
‫}‪ {67‬وجعل تعالى لعباده من ثمرات النخيل والعناب‬
‫منافع للعباد ومصالح من أنواع الرزق الحسن الذي يأك ُُله العباد‬
‫خذ ُ من عصيرها‬ ‫دخرا ً وطعاما ً وشرابا ً ي ُت ّ َ‬‫طرّيا ونضيجا ً وحاضرا ً وم ّ‬
‫س َ‬
‫خ‬ ‫م إن الّله ن َ َ‬‫كر الذي كان حلل ً قبل ذلك‪ ،‬ث ّ‬ ‫س َ‬
‫ونبيذها ومن ال ّ‬
‫ل المسكرات وأعاض عنها بالطّيبات من النبذة وأنواع الشربة‬ ‫ح ّ‬
‫ِ‬
‫كر هنا‬ ‫س َ‬
‫ن المراد بال ّ‬ ‫اللذيذة المباحة‪ ،‬ولهذا قال من قال‪ :‬إ ّ‬
‫ن في‬ ‫الطعام والشراب اللذيذ‪ ،‬وهو أولى من القول الول‪} .‬إ ّ‬
‫ن{‪ :‬عن الّله كمال اقتداره؛ حيث أخرجها‬ ‫ذلك لية لقوم يعقلو َ‬
‫ة‪،‬‬‫ة طيب ً‬ ‫من أشجارٍ شبيهةٍ بالحطب‪ ،‬فصارت ثمرة ً لذيذة ً وفاكه ً‬
‫)‪(1‬‬
‫سرها لهم‪ ،‬وأّنه‬ ‫م بها عباده‪ ،‬وي ّ‬ ‫وعلى شمول رحمته؛ حيث ع ّ‬
‫ث إنه المنفرد ُ بذلك‪.‬‬‫حده؛ حي ُ‬ ‫الله المعبود و َ‬
‫ﭽﮇ ﮈ ﮉ ﮊ ﮋ ﮌ ﮍ ﮎ ﮏ ﮐ ﮑ ﮒ ﮓ ﮔ ﮕ ﮖ‬
‫ﮗ ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ ﮜ ﮝﮞ ﮟ ﮠ ﮡ ﮢ ﮣ ﮤ ﮥ ﮦ ﮧﮨ ﮩ ﮪ ﮫ ﮬ ﮭ‬
‫ﮮﮮ ﮯ ﭼ ‪.‬‬
‫}‪ 68‬ـ ‪ {69‬في خلق هذه الّنحلة الصغيرة‪ ،‬التي هداها الّله‬
‫سر لها المراعي‪ ،‬ثم الرجوع إلى بيوتها‬‫هذه الهداية العجيبة‪ ،‬وي َ ّ‬
‫مم«‪.‬‬
‫‪ -‬في )ب(‪» :‬عَ ّ‬ ‫‪1‬‬
‫التي أصلحتها بتعليم الّله لها وهدايته لها‪ ،‬ثم يخرج من بطونها هذا‬
‫العسل اللذيذ مختلف اللوان بحسب اختلف أرضها ومراعيها؛‬
‫ل على كمال عناية‬ ‫فيه شفاء للناس من أمراض عديدة؛ فهذا دلي ٌ‬
‫ب غيره‪،‬‬ ‫الّله تعالى وتمام لطفه بعباده‪ ،‬وأّنه الذي ل ينبغي أن ُيـ َ‬
‫ح ّ‬
‫دعى سواه‪.‬‬ ‫وي ُ ْ‬
‫ﯡﯢ ﯣ ﯤ ﯥ‬ ‫ﯜ ﯝ ﯞ ﯟ ﯠ‬ ‫ﯚ ﯛ‬ ‫ﭽ ﮰ ﮱ ﯓ ﯔﯕ ﯖ ﯗ ﯘ ﯙ‬
‫ﯦ ﯧ ﭼ‪.‬‬
‫خل َقَ العباد ونقلهم في الخليقة‬ ‫}‪ {70‬يخبر تعالى أنه الذي َ‬
‫طورا ً بعد طور‪ ،‬ثم بعد أن يستكملوا آجالهم يتوّفاهم‪ ،‬ومنهم من‬
‫سه‪ ،‬الذي يبلغ به‬ ‫مر{؛ أي‪ :‬أخ ّ‬ ‫مُره ُ حتى ي َُرد ّ }إلى أرذل العُ ُ‬ ‫ي ُعَ ّ‬
‫ضْعف القوى الظاهرة والباطنة‪ ،‬حتى العقل الذي‬ ‫النسان إلى َ‬
‫ه‪ ،‬حتى إّنه ينسى ما كان يعلمه‪،‬‬ ‫ف ُ‬
‫ضعْ ُ‬ ‫هو جوهر النسان يزيد َ‬
‫ي ل يعلم بعد َ علم‬ ‫ه كعقل الطفل‪ ،‬ولهذا قال‪} :‬ل ِك َ ْ‬ ‫ويصير عقل ُ ُ‬
‫م قديٌر{؛ أي‪ :‬قد أحاط علمه وقدرته بجميع‬ ‫ن الّله علي ٌ‬‫شيئا ً إ ّ‬
‫ي من أطوار الخلقة خلقا ً بعد‬ ‫ل به الدم ّ‬ ‫ق ُ‬
‫الشياء‪ ،‬ومن ذلك ما ي ُن َ ّ‬
‫ف ثم جعل من‬ ‫ضعْ ٍ‬ ‫كم من َ‬ ‫ق ُ‬ ‫َ‬
‫خل َ‬ ‫ّ‬
‫ق؛ كما قال تعالى‪} :‬الله الذي َ‬ ‫خل ٍ‬
‫خل ُقُ ما يشاء‬ ‫ف قُوّة ً ثم جعل من بعد قُوّةٍ ضعفا ً وشيب ً‬
‫ة َيـ ْ‬ ‫ضعْ ٍ‬
‫بعد ِ َ‬
‫وهو العليم القديُر{‪.‬‬
‫ﭽ ﯨ ﯩ ﯪﯧﯧ ﯫﯧﯧ ﯬﯧﯧ ﯭﯧﯧ ﯮﯧﯧﯯﯧﯧ ﯰﯧﯧ ﯱﯧﯧ ﯷ ﯷ ﯷ ﯷ ﯷ ﯷ ﯷ ﯷ ﯷ‬
‫ﯷﯼ ﯽ ﯾ ﯿ ﯷ ﭼ‪.‬‬
‫}‪ {71‬وهذا من أدلة توحيده وقبح الشرك به؛ يقول تعالى‪:‬‬
‫كما أنكم مشتركون بأّنكم مخلوقون مرزوقون؛ إل ّ أّنه تعالى‬
‫ضكم على بعض في الرزق{‪ :‬فجعل منكم أحرارا ً لهم‬ ‫ل بع َ‬ ‫ض َ‬ ‫}ف ّ‬
‫ن شيئا ً من الدنيا؛ فكما أن‬ ‫ة‪ ،‬ومنكم أرّقاء لهم ل يملكو َ‬ ‫ل وثرو ٌ‬ ‫ما ٌ‬
‫دي رزقِِهم‬‫ضلهم الّله عليهم بالرزق ليسوا }برا ّ‬ ‫سادتهم الذين ف ّ‬
‫ت أيماُنهم فهم فيه سواٌء{‪ :‬ويرون هذا من المور‬ ‫مل َك َ ْ‬‫على ما َ‬
‫ن أشركُتم بها مع الّله؛ فإّنها عبيد ٌ ليس لها‬ ‫م ْ‬‫الممتنعة؛ فكذلك َ‬
‫ة؛ فكيف تجعلونها شركاء لّله تعالى؟! هل‬ ‫من الملك مثقال ذ َّر ٍ‬
‫ظلم والجحود لنعم الّله‪ ،‬ولهذا قال‪} :‬أفبنعمةِ‬ ‫ن أعظم ال ّ‬ ‫م ْ‬‫هذا إل ّ ِ‬
‫ن أولها؛ لما‬ ‫م ْ‬‫ن{؛ فلو أقّروا بالنعمة ونسبوها إلى َ‬ ‫دو َ‬ ‫ح ُ‬‫ج َ‬‫الّله َيـ ْ‬
‫أشركوا به أحدًا‪.‬‬
‫ﭽ ﯷ ﯷ ﯷ ﯷ ﯷ ﯷ ﯷ ﰈ ﰉ ﯷ ﯷ ﯷ ﯷ ﰎ ﯷﯷ ﯷ ﰒ ﯷ‬
‫ﯷ ﯷ ﯷ ﯷ ﭼ‪.‬‬
‫}‪ {72‬يخبر تعالى عن مّنته العظيمة على عباده؛ حيث‬
‫جعل لهم أزواجا ً ليسكُنوا إليها‪ ،‬وجعل لهم من أزواجهم أولدا ً ت َ َ‬
‫قّر‬
‫ن بهم من‬ ‫جهم وينتفعو َ‬ ‫ن حوائ ِ َ‬ ‫دمونهم ويقضو َ‬ ‫بهم أعيُنهم ويخ ِ‬
‫ة‪ ،‬ورَزَقهم من الطيبات من المآكل والمشارب والّنعم‬ ‫وجوهٍ كثير ٍ‬
‫ن‬
‫ل يؤمنو َ‬‫حصوها‪} .‬أفبالباط ِ‬ ‫الظاهرة التي ل يقد ُِر العباد ُ أن ُيـ ْ‬
‫فرون{؛ أي‪ :‬أيؤمنون بالباطل الذي لم يكن‬ ‫وبنعمةِ الّله هم يك ُ‬
‫ده الّله‪ ،‬وليس له من وجوده سوى العدم؟‬ ‫شيئا ً مذكورًا‪ ،‬ثم أو َ‬
‫ج َ‬
‫م لك ّ‬‫خل ُقُ ول ت َْرُزقُ ول تدب ُّر من المور شيئًا‪ ،‬وهذا عا ّ‬
‫)‪(1‬‬
‫ل ما‬ ‫فل َتـ ْ‬
‫ة؛ فكيف يّتخذها المشركون من‬ ‫ّ‬
‫ع ُب ِد َ من دون الله؛ فإّنها باطل ٌ‬
‫حدونها‪ ،‬ويستعينون بها‬ ‫دون الّله‪} .‬وبنعمة الّله هم يكفرون{‪ :‬يج َ‬
‫ظلم وأفجر‬ ‫على معاصي الّله والكفر به‪ ،‬هل هذا إل ّ من أظلم ال ّ‬
‫فه؟!‬ ‫س َ‬ ‫الفجور وأسفه ال ّ‬
‫ﭽﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ ﭝ ﭞ ﭟ ﭠ ﭡ ﭢ‬
‫ﭣ ﭤﭥ ﭦ ﭧ ﭨ ﭩ ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ ﭯ ﭰ ﭱ ﭲ ﭳ ﭴ ﭵ‬
‫ﭶ ﭷ ﭸ ﭹ ﭺ ﭻ ﭼ ﭽ ﭾ ﭿ ﮀﮁ ﮂ ﮃﮄ ﮅ ﮆﮇ ﮈ ﮉ ﮊ ﮋ ﮌ‬
‫ﮍ ﮎ ﮏ ﮐ ﮑ ﮒ ﮓ ﮔ ﮕ ﮖ ﮗ ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ ﮜ ﮝ ﮞ‬
‫ﮟﮠ ﮡ ﮢ ﮣ ﮤ ﮥ ﮦﮧ ﮨ ﮩ ﮪ ﮫ ﮬ ﭼ ‪.‬‬
‫}‪ 73‬ـ ‪ {74‬يخبر تعالى عن جهل المشركين وظلمهم‪ ،‬أّنهم‬
‫يعبدون من دونه آلهة اّتخذوها شركاَء لّله‪ ،‬والحال أّنهم ل يملكون‬
‫زلون مطرا ً ول رزقًا‪ ،‬ول‬ ‫لهم رزقا ً من السماوات والرض؛ فل ي ُن ْ ِ‬
‫ي ُن ِْبتون من نبات الرض شيئًا‪ ،‬ول يمِلكون مثقال ذّرةٍ في‬
‫ن غير المالك‬ ‫ت والرض‪ ،‬ول يستطيعون لو أرادوا؛ فإ ّ‬ ‫السماوا ِ‬
‫وة واقتداٌر على ما ينفع من يّتصل به‪،‬‬ ‫للشيء رّبما كان له ق ّ‬
‫وهؤلء ل يملكون ول يقدرون؛ فهذه صفة آلهتهم؛ كيف جعلوها‬
‫مع الّله وشّبهوها بمالك الرض والسماوات الذي له الملك كّله‬
‫ل{‪:‬‬ ‫ربوا لّله المثا َ‬ ‫والحمد كّله والقوة كّلها‪ ،‬ولهذا قال‪} :‬فل تض ِ‬
‫مل‬ ‫م وأنت ُ‬‫ن الّله يعل ُ‬ ‫منة للتسوية بينه وبين خلقه‪} .‬إ ّ‬ ‫المتض ّ‬
‫ضَرُبه‬‫ل عليه بل علم‪ ،‬وأن نسمعَ ما َ‬ ‫ن{‪ :‬فعلينا أن ل نقو َ‬ ‫تعلمو َ‬
‫ب تعالى َ َ‬
‫ن له ولمن ي ُعْب َد ُ من‬ ‫مث َلي ْ ِ‬ ‫ضَر َ‬‫العليم من المثال؛ فلهذا َ‬
‫ه‪:‬‬
‫دون ِ ِ‬
‫سه ول‬ ‫ك؛ أي‪ :‬رقيق ل يملك نف َ‬ ‫}‪ {75‬أحدهما ‪ :‬عبد ٌ مملو ٌ‬
‫ي قد رزقه الّله منه‬ ‫دنيا شيئًا‪ ،‬والثاني ‪ :‬حّر غن ّ‬ ‫ك من المال وال ّ‬ ‫يمل ُ‬
‫ب للحسان؛‬ ‫م مح ّ‬ ‫رزقا ً حسنا ً من جميع أصناف المال‪ ،‬وهو كري ٌ‬
‫ن؛‬ ‫فقُ منه سّرا وجهرًا؛ هل يستوي هذا وذاك؟! ل يستويا ِ‬ ‫فهو ين ِ‬
‫ؤهما؛ فإذا كانا ل يستويان؛‬ ‫مع أّنهما مخلوقان‪ ،‬غير محال استوا ُ‬
‫ك ول قدرة ٌ ول‬ ‫فكيف يستوي المخلوقُ العبد ُ الذي ليس له مل ٌ‬
‫ب الخالق المالك‬ ‫ة‪ ،‬بل هو فقير من جميع الوجوه‪ ،‬بالر ّ‬ ‫استطاع ٌ‬
‫‪ -‬في )ب(‪» :‬المر«‪.‬‬ ‫‪1‬‬
‫ل شيٍء؟! ولهذا حمد نفسه‬ ‫لجميع الممالك‪ ،‬القادر على ك ّ‬
‫ل‪ :‬إذا كان‬ ‫ص بالحمد ِ بأنواعه‪ ،‬فقال‪} :‬الحمد ُ لّله{‪ :‬فكأّنه قي َ‬ ‫واخت ّ‬
‫وى المشركون آلهتهم بالّله؟! قال‪} :‬بل‬ ‫المُر كذلك؛ فلم س ّ‬
‫ن{‪ :‬فلو علموا حقيقة العلم؛ لم يتجّرؤوا على‬ ‫أكثُرهم ل يعلمو َ‬
‫الشرك العظيم‪.‬‬
‫م{‪ :‬ل‬ ‫دهما أبك ُ‬ ‫ل }رجلين أح ُ‬ ‫مث َ ُ‬
‫}‪ {76‬والمثل الثاني ‪َ :‬‬
‫ق‪ ،‬و}ل يقد ُِر على شيٍء{‪ :‬ل قليل ول كثير‪} ،‬وهو‬ ‫يسمعُ ول ينط ِ ُ‬
‫م‬‫ل على موله{؛ أي‪ :‬يخدمه موله ول يستطيع هو أن يخد ِ َ‬ ‫كَ ّ‬
‫مُر‬
‫ن كان }يأ ُ‬ ‫م ْ‬‫سَتوي هذا و َ‬ ‫ل وجه‪ ،‬فهل ي َ ْ‬ ‫ص من ك ّ‬ ‫نفسه؛ فهو ناق ٌ‬
‫ل وأفعاله‬ ‫ه عد ٌ‬‫ط مستقيم{‪ :‬فأقوال ُ ُ‬ ‫بالعدل وهو على صرا ٍ‬
‫ن ع ُب ِد َ من دون‬ ‫م ْ‬‫ة؛ فكما أنهما ل يستويان؛ فل يستوي َ‬ ‫مستقيم ٌ‬
‫م الّله بها؛ لم‬ ‫الّله وهو ل يقد ُِر على شيء من مصالحه؛ فلول قيا ُ‬
‫ق‪ ،‬ول‬ ‫ل إل ّ الح ّ‬ ‫دا لمن ل يقو ُ‬ ‫يستطعْ شيئا ً منها‪ ،‬ل يكون كفوا ً ول ن ّ‬
‫مد ُ عليه‪.‬‬ ‫ل إل ّ ما ُيـ ْ‬
‫ح َ‬ ‫يفع ُ‬
‫ﭽ ﮭ ﮮﮮ ﮯ ﮰﮱ ﯓ ﯔ ﯕ ﯖ ﯗ ﯘ ﯙ ﯚ ﯛﯜ ﯝ ﯞ ﯟ‬
‫ﯠ ﯡ ﯢ ﯣ ﭼ‪.‬‬
‫ب السماوات والرض؛ فل‬ ‫}‪ {77‬أي‪ :‬هو تعالى المنفرد بغي ِ‬
‫م الساعة؛‬ ‫ن والسراَر إل ّ هو‪ ،‬ومن ذلك عل ُ‬ ‫يعلم الخفايا والبواط َ‬
‫ن }إل ّ‬‫ه؛ فإذا جاءت وتجّلت؛ لم تك ْ‬ ‫فل يدري أحد ٌ متى تأتي إل الل ّ ُ‬
‫م الناس من قبوِرهم‬ ‫ب{‪ :‬من ذلك‪ ،‬فيقو ُ‬ ‫كلمح البصرِ أو هو أقر ُ‬
‫ن يريد المهال‪.‬‬‫م ْ‬
‫ص لـ َ‬
‫ت الفر ُ‬‫إلى يوم بعث ِِهم وُنشوِرهم‪ ،‬وتفو ُ‬
‫ل شيٍء قديٌر{‪ :‬فل ُيستغرب على قدرته‬ ‫ن الّله على ك ّ‬
‫}إ ّ‬
‫الشاملة إحياؤه للموتى‪.‬‬
‫ﭽ ﯤ ﯥ ﯦ ﯧ ﯨ ﯩ ﯪﯧﯧ ﯫﯧﯧ ﯬﯧﯧ ﯭﯧﯧ ﯮﯧﯧ ﯯﯧﯧ ﯰﯧﯧﯱﯧﯧ ﯷ ﯷ ﯷ ﭼ ‪.‬‬
‫}‪ {78‬أي‪ :‬هو المنفرد بهذه الّنعم؛ حيث }أخرجكم من‬
‫درون على شيٍء‪ .‬ثم إّنه‬ ‫ن شيئًا{‪ :‬ول تق ِ‬ ‫مهاِتكم ل تعلمو َ‬‫بطون أ ّ‬
‫ص هذه العضاء الثلثة‬ ‫ة{‪ :‬خ ّ‬ ‫ل لكم السمعَ والبصاَر والفئد َ‬ ‫جعَ َ‬‫} َ‬
‫م إل ّ‬
‫ل للعبد عل ٌ‬ ‫ص َ‬
‫ل علم؛ فل وَ َ‬ ‫ح لك ّ‬
‫لشرِفها وفضِلها ولّنها مفتا ٌ‬
‫ن أحد ِ هذه البواب الثلثة‪ ،‬وإل ّ ؛ فسائر العضاء والقوى‬ ‫م ْ‬‫ِ‬
‫ميها فيهم شيئا ً‬ ‫الظاهرة والباطنة هو الذي أعطاهم إّياها وجعل ي ُن َ ّ‬
‫ل أحد ٍ إلى الحالة اللئقة به‪ ،‬وذلك لجل أن‬ ‫فشيئا ً إلى أن يصل ك ّ‬
‫يشكروا الّله باستعمال ما أعطاهم من هذه الجوارح في طاعة‬
‫ة عليه‪ ،‬وقابل النعمة‬ ‫ج ً‬‫تح ّ‬ ‫الّله؛ فمن استعملها في غير ذلك؛ كان ْ‬
‫بأقبح المعاملة‪.‬‬
‫ﯽ ﯾ ﯿ ﯷﯷ ﯷ ﯷ ﯷ ﯷ ﯷ‬ ‫ﯷ ﯷ ﯷ ﯼ‬ ‫ﭽﯷ ﯷ ﯷ ﯷ‬
‫ﯷ ﰈ ﭼ‪.‬‬
‫كرون فيما‬ ‫}‪ {79‬أي‪ :‬لنهم المنتفعون بآيات الّله‪ ،‬المتف ّ‬
‫ة‪ .‬ووجه‬ ‫ن نظرهم نظُر لهوٍ وغفل ٍ‬ ‫ة عليه‪ ،‬وأما غيرهم؛ فإ ّ‬ ‫ت آي ٌ‬ ‫جعِل َ ْ‬
‫ُ‬
‫خر لها‬ ‫ح للطيران‪ ،‬ثم س ّ‬ ‫صل ُ ُ‬ ‫قها بخلقةٍ ت َ ْ‬ ‫خل َ َ‬‫ن الّله تعالى َ‬ ‫الية فيها أ ّ‬
‫وة الحركة ما قدرت به‬ ‫هذا الهواء اللطيف‪ ،‬ثم أودع َ فيها من ق ّ‬
‫مهِ الواسع وعنايت ِهِ الربانّية‬ ‫ل على حكمت ِهِ وعل ِ‬ ‫على ذلك‪ ،‬وذلك دلي ٌ‬
‫ب العالمين‪.‬‬ ‫ه؛ تبارك ر ّ‬ ‫بجميع مخلوقات ِهِ وكمال اقتدارِ ِ‬
‫ﭽ ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ ﭝ ﭞ ﭟ ﭠ ﭡﭢ‬
‫ﭣ ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ ﭨ ﭩ ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ ﭯ ﭰ ﭱ ﭲ ﭳ ﭴ ﭵ‬
‫ﮁ ﮂ ﮃ ﮄ ﮅ ﮆ ﮇ ﮈ ﮉ ﮊ‬ ‫ﭶ ﭷ ﭸ ﭹ ﭺ ﭻ ﭼ ﭽ ﭾﭿ ﮀ‬
‫ﮋ ﮌ ﮍ ﮎ ﮏ ﮐ ﮑ ﮒ ﮓ ﮔ ﮕ ﭼ‪.‬‬
‫ده نعمه‪ ،‬ويستدعي منهم شكرها‬ ‫كر تعالى عبا َ‬ ‫}‪ {80‬يذ ّ‬
‫كنًا{‪ :‬في‬ ‫س َ‬
‫كم َ‬ ‫والعتراف بها‪ ،‬فقال‪} :‬والّله جعل لكم من بيوت ِ ُ‬
‫دور والقصور ونحوها‪ ،‬ت ُك ِّنكم من الحّر والبرد‪ ،‬وتسُتركم أنتم‬ ‫ال ّ‬
‫وأولدكم وأمتعتكم‪ ،‬وتّتخذون فيها البيوت والغرف‪ ،‬والبيوت التي‬
‫مكم‬ ‫حَر ِ‬‫ظ لموالكم و ُ‬ ‫هي لنواع منافعكم ومصالحكم‪ ،‬وفيها حف ٌ‬
‫كم من جلود ِ النعام{‪:‬‬ ‫لل ُ‬ ‫وغيرِ ذلك من الفوائد المشاهدة‪} .‬وجع َ‬
‫ر‪،‬‬ ‫ف وشعرٍ ووب ٍ‬ ‫ت عليه من صو ٍ‬ ‫ه‪ ،‬أو مما ن َب َ َ‬ ‫س ِ‬ ‫إما من الجلد ِ نف ِ‬
‫}بيوتا ً ت َ ْ‬
‫)‪(1‬‬
‫فونها{؛ أي‪ :‬خفيفة الحمل تكون لكم في السفر‪،‬‬ ‫خ ّ‬‫ست َ ِ‬
‫صد َ لكم في استيطانها‪ ،‬فتقيكم من الحّر‬ ‫والمنازل التي ل قَ ْ‬
‫ر‪ ،‬وتقي متاعكم من المطر‪} .‬و{ جعل لكم }من‬ ‫والبرد والمط ِ‬
‫ً‬
‫أصواِفها{؛ أي‪ :‬النعام‪} ،‬وأوباِرها وأشعاِرها أثاثا{‪ :‬وهذا شام ٌ‬
‫ل‬
‫جّلة‬ ‫فُرش واللبسة وال ِ‬ ‫ل ما ي ُّتخذ منها من النية والوعية وال ُ‬ ‫لك ّ‬
‫دنيا‬
‫ن{؛ أي‪ :‬تتمّتعون بذلك في هذه ال ّ‬ ‫ً‬
‫وغير ذلك‪} .‬ومتاعا إلى حي ٍ‬
‫خر الّله العباد لصنعته وعمله‪.‬‬ ‫وتنتفعون بها؛ فهذا مما س ّ‬
‫ق{؛ أي‪ :‬من مخلوقاته التي‬ ‫خل َ َ‬
‫ل لكم مما َ‬ ‫جعَ َ‬
‫ه َ‬ ‫}‪} {81‬والل ّ ُ‬
‫ل{‪ :‬وذلك كأظ ِّلة الشجار والجبال‬ ‫ة لكم فيها‪} ،‬ظل ً‬ ‫ل صنع َ‬
‫كم من الجبال أكنانًا{؛ أي‪ :‬مغارات‬ ‫ها‪} .‬وجعل ل ُ‬ ‫والكام ونحوِ ِ‬
‫ل{؛‬ ‫ل لكم سرابي َ‬ ‫جعَ َ‬ ‫ت ُك ِّنكم من الحّر والبرد والمطار والعداء‪} .‬و َ‬
‫د؛ لّنه قد‬ ‫م الحّر{‪ :‬ولم يذك ُرِ الّله البر َ‬ ‫أي‪ :‬ألبسة وثيابًا‪} ،‬تقيك ُ ُ‬
‫ملتها‬ ‫ن هذه السورة أولها في أصول النعم وآخرها في مك ّ‬ ‫دم أ ّ‬ ‫تق ّ‬
‫مماتها‪ ،‬ووقاية البرد من أصول الّنعم؛ فإّنه من الضرورة وقد‬ ‫ومت ّ‬
‫كم‬ ‫ع{‪ .‬و }تقي ُ‬ ‫فٌء ومناف ُ‬ ‫كم فيها د ِ ْ‬ ‫ذكره في أولها في قوله‪} :‬ل ُ‬

‫‪ -‬في )ب(‪» :‬المحمل«‬ ‫‪1‬‬


‫كم{؛ أي‪ :‬وثيابا ً َتقيكم وقت البأس والحرب من السلح‪،‬‬ ‫س ُ‬ ‫بأ َ‬
‫)‪(1‬‬
‫م نعمَته عليكم{‪:‬‬ ‫دروع والّزرود ونحوها‪} .‬كذلك ي ُت ِ ّ‬ ‫وذلك كال ّ‬
‫ل تحت الحصر‪} .‬لعّلكم{‪:‬‬ ‫خ ُ‬
‫مهِ ما ل يد ُ‬‫حيث أسبغَ عليكم من نع ِ‬
‫ل وجه؛‬ ‫إذا ذكرُتم نعمة الّله ورأيتموها غامرة ً لكم من ك ّ‬
‫ن{‪ :‬لعظمت ِهِ وتنقادون لمرِهِ وتصرفونها في طاعة‬ ‫سِلمو َ‬ ‫}ت ُ ْ‬
‫سديها؛ فكثرة ُ النعم من السباب الجالبة من العباد‬ ‫م ْ‬ ‫موليها و ُ‬ ‫ُ‬
‫ّ‬
‫شكر والثناء بها على الله تعالى‪.‬‬ ‫مزيد َ ال ّ‬
‫ن إل ّ تمّردا ً وعنادًا‪ ،‬ولهذا قال الّله‬ ‫ن أبى الظالمو َ‬ ‫}‪ {82‬ولك ْ‬
‫كروا بنعمه‬ ‫ن ت َوَّلوا{‪ :‬عن الّله وعن طاعته بعدما ذ ُ ّ‬ ‫عنهم‪} :‬فإ ْ‬
‫وآياته‪} ،‬فإّنما عليك البلغ ُ المبين{‪ :‬ليس عليك من هدايتهم‬
‫ذكير والنذار‬ ‫ب بالوعظ والت ّ ْ‬ ‫وتوفيقهم شيٌء‪ ،‬بل أنت مطال َ ٌ‬
‫والتحذير‪.‬‬
‫}‪ {83‬فإذا أد ّْيت ما عليك؛ فحساُبهم على الّله؛ فإّنهم ي ََروْ َ‬
‫ن‬
‫حدونها‪.‬‬ ‫ج َ‬‫كروَنها وَيـ ْ‬ ‫ة الّله‪ ،‬ولكّنهم ي ُن ْ ِ‬‫الحسان ويعرفون نعم َ‬
‫ن{‪ :‬ل خير فيهم‪ ،‬وما ينفعهم توالي اليات؛‬ ‫هم الكافرو َ‬ ‫}وأكثُر ُ‬
‫ل جباٍر‬ ‫ّ‬
‫ن جزاء الله لك ّ‬ ‫لفساد مشاعرهم وسوء قصودهم‪ ،‬وسي ََروْ َ‬
‫عنيد ٍ كفورٍ للنعم متمّرد ٍ على الّله وعلى رسله‪.‬‬
‫ﮚ ﮛ ﮜ ﮝ ﮞ ﮟ ﮠ ﮡ ﮢ ﮣ ﮤ ﮥ‬ ‫ﭽﮖ ﮗ ﮘ ﮙ‬
‫ﮦ ﮧ ﮨ ﮩ ﮪ ﮫ ﮬ ﮭ ﮮﮮ ﮯ ﮰ ﮱ ﯓ ﯔ ﯕ ﯖ ﯗ ﯘ ﯙ ﯚ ﯛ ﯜ‬
‫ﯱﯧﯧ ﯷ ﭼ ‪.‬‬ ‫ﯝ ﯞ ﯟﯠ ﯡ ﯢ ﯣ ﯤ ﯥ ﯦ ﯧ ﯨ ﯩ ﯪﯧﯧ ﯫﯧﯧﯬﯧﯧ ﯭﯧﯧ ﯮﯧﯧ ﯯﯧﯧ ﯰﯧﯧ‬
‫}‪ 84‬ـ ‪ {85‬يخبر تعالى عن حال هؤلء الذين كفروا في‬
‫يوم القيامة‪ ،‬وأّنه ل ُيقبل لهم عذٌر ول ي ُْرفَعُ عنهم العقاب‪ ،‬وأ ّ‬
‫ن‬
‫شركاءهم تتبّرأ منهم‪ ،‬ويقّرون على أنفسهم بالكفر والفتراء على‬
‫ل أمةٍ شهيدًا{‪ :‬يشهد ُ عليها‬ ‫ث من ك ّ‬ ‫م نبع ُ‬‫الّله‪ ،‬فقال‪} :‬ويو َ‬
‫داعي إلى الهدى‪ ،‬وذلك الشهيد الذي‬ ‫بأعمالهم وماذا أجابوا به ال ّ‬
‫ه الّله أزكى الشهداء وأعدلهم‪ ،‬وهم الرسل الذين إذا شهدوا؛‬ ‫يبعث ُ ُ‬
‫ن‬ ‫)‪(2‬‬
‫ن للذين كفروا{ ‪ :‬في العتذار؛ ل ّ‬ ‫م عليهم الحكم‪} .‬ثم ل يؤذ َ ُ‬ ‫ت ّ‬
‫بل‬ ‫ن ما هم عليه اعتذاٌر كاذ ٌ‬ ‫اعتذارهم بعدما علموا يقينا ً بطل َ‬
‫دنيا ليستدركوا؛ لم‬ ‫ن ط ََلبوا أيضا ً الرجوع إلى ال ّ‬ ‫دهم شيئًا‪ ،‬وإ ْ‬ ‫يفي ُ‬
‫فف‬ ‫ُيجابوا ولم ي ُعَْتبوا‪ ،‬بل يباد ُِرهم العذاب الشديد الذي ل يخ ّ‬
‫ل من حين يرونه؛ لّنهم ل حسنات‬ ‫عنهم من غير إنظارٍ ول إمها ٍ‬
‫قّرُرون بها‪،‬‬ ‫لهم‪ ،‬وإّنما تعد ّ أعمالهم وُتحصى ويوَقفون عليها‪ ،‬وي ُ َ‬
‫ضحون‪.‬‬‫فت َ َ‬‫وي ُ ْ‬

‫‪ -‬في )ب(‪» :‬الّزَرد«‪.‬‬ ‫‪1‬‬

‫‪ -‬في )ب(‪» :‬فل«‪.‬‬ ‫‪2‬‬


‫}‪} {86‬وإذا رأى الذين أشركوا شركاءهم{‪ :‬يوم القيامة‪،‬‬
‫وعلموا بطلنها‪ ،‬ولم يمك ِْنهم النكار‪} ،‬قالوا رّبنا هؤلء شركاؤنا‬
‫وهوا‬
‫ع‪ ،‬فن ّ‬ ‫ك{‪ :‬ليس عندها نفعٌ ول شف ٌ‬ ‫الذين ك ُّنا ندعو من دون ِ َ‬
‫بأنفسهم ببطلنها‪ ،‬وكفروا بها‪ ،‬وبدت البغضاُء والعداوة ُ بيَنهم‬
‫ت عليهم شركاؤهم عليهم‬ ‫وا إليهم القول{؛ أي‪ :‬رد ّ ْ‬ ‫ق ْ‬
‫وبيَنها‪} ،‬فأل َ‬
‫ث جعلُتمونا شركاء لّله‬ ‫قولهم‪ ،‬فقالت لهم‪} :‬إّنكم لكاذبون{‪ :‬حي ُ‬
‫ن فينا استحقاقا ً‬ ‫منا أ ّ‬‫مْركم بذلك‪ ،‬ول َزع َ ْ‬ ‫وعبدُتمونا معه‪ ،‬فلم نأ ُ‬
‫لللوهّية؛ فاللوم عليكم‪.‬‬
‫}‪ {87‬فحينئذ ٍ استسلموا لّله‪ ،‬وخضعوا لحكمه‪ ،‬وعلموا أنهم‬
‫ل عنهم ما كانوا يفترون{‪ :‬فدخلوا الناَر‬ ‫مستحقون للعذاب‪} ،‬وض ّ‬
‫مد ِ رّبهم‪ ،‬وأّنه لم‬ ‫حـ ْ‬
‫ت أنفسهم ومن َ‬ ‫ق ِ‬‫م ْ‬
‫وقد امتلت قلوُبهم من َ‬
‫يعاقِْبهم إل ّ بما كسبوا‪.‬‬
‫ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ ﭝ ﭞ ﭼ‪.‬‬ ‫ﭽﭑ ﭒ‬
‫ذبوا بآيات الّله‪ ،‬وحاربوا‬
‫}‪ {88‬حيث كفروا بأنفسهم‪ ،‬وك ّ‬
‫دوا الناس عن سبيل الّله‪ ،‬وصاروا دعاة ً إلى الضلل‪،‬‬ ‫سَله‪ ،‬وص ّ‬
‫ُر ُ‬
‫مهم‪ ،‬وكما أفسدوا‬ ‫ف جر ُ‬ ‫قوا مضاعفة العذاب كما تضاع َ َ‬ ‫فاستح ّ‬
‫ّ‬
‫في أرض الله‪.‬‬
‫ﭣ ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ ﭨ ﭩ ﭪ ﭫ ﭬ ﭭﭮ‬ ‫ﭽﭟ ﭠ ﭡ ﭢ‬
‫ﭯ ﭰ ﭱ ﭲ ﭳ ﭴ ﭵ ﭶ ﭷ ﭸ ﭹ ﭼ‪.‬‬
‫ل أمةٍ شهيدًا؛ ذكر‬ ‫دم أنه يبعث في ك ّ‬ ‫}‪ {89‬لما ذ َك ََر فيما تق ّ‬
‫ص منهم هذا الرسول الكريم‪ ،‬فقال‪} :‬وجئنا بك‬ ‫ذلك أيضا ً هنا‪ ،‬وخ ّ‬
‫متك تشهد عليهم بالخير والشّر‪،‬‬ ‫شهيدا ً على هؤلء{؛ أي‪ :‬على أ ّ‬
‫مته؛‬‫ل رسول يشهد ُ على أ ّ‬ ‫نك ّ‬ ‫وهذا من كمال عدل الّله تعالى؛ أ ّ‬
‫طلعا ً من غيره على أعمال أمته‪ ،‬وأعدل وأشفقُ من‬ ‫ما ّ‬ ‫لّنه أعظ ُ‬
‫قون‪ ،‬وهذا كقوله تعالى‪} :‬وكذلك‬ ‫أن يشهد َ عليهم إل ّ بما يستح ّ‬
‫ة وسطا ً لتكونوا شهداء على الناس ويكون الرسول‬ ‫جعَْلناكم أ ّ‬
‫م ً‬ ‫َ‬
‫مةٍ بشهيدٍ‬ ‫لأ ّ‬‫جْئنا من ك ّ‬‫عليكم شهيدا{‪ ،‬وقال تعالى‪} :‬فكيف إذا ِ‬ ‫ً‬
‫وا‬ ‫وجئنا بك على هؤلء شهيدًا‪ .‬يومئذ ٍ ي َوَد ّ الذين كفروا وع َ َ‬
‫ص ُ‬
‫ب‬‫ض{‪ .‬وقوله‪} :‬ونّزْلنا عليك الكتا َ‬ ‫وى بهم الر ُ‬ ‫س ّ‬
‫ل لو ت ُ َ‬ ‫الرسو َ‬
‫ل شيٍء{‪ :‬في أصول الدين وفروعه‪ ،‬وفي أحكام‬ ‫تبيانا ً لك ّ‬
‫م تبيين‪،‬‬ ‫د؛ فهو مبيّـن فيه أت ّ‬ ‫الدارين‪ ،‬وكل ما يحتاج إليه العبا ُ‬
‫ة‪ ،‬حتى إّنه تعالى ي ُث َّني فيه المور الكبار‬ ‫ن جلي ّ ٍ‬
‫بألفاظ واضحةٍ ومعا ٍ‬
‫ة‬
‫ل ساع ٍ‬ ‫ت وإعادتها في ك ّ‬ ‫ل وق ٍ‬ ‫ج القلب لمرورها عليه ك ّ‬ ‫التي يحتا ُ‬
‫ظ مختلفةٍ وأدل ّةٍ متنوعةٍ لتستقّر في القلوب‬ ‫دها وُيبديها بألفا ٍ‬ ‫ويعي ُ‬
‫فتثمَر من الخير والبّر بحسب ثبوتها في القلب‪ ،‬وحتى إنه تعالى‬
‫يجمع في اللفظ القليل الواضح معاني كثيرة ً يكون اللف ُ‬
‫ظ لها‬
‫كالقاعدة والساس‪ .‬واعتبر هذا بالية التي بعد هذه الية‪ ،‬وما‬
‫فيها من أنواع الوامر والنواهي التي ل ُتحصر‪.‬‬
‫جة الّله على‬ ‫ل شيٍء؛ صار ح ّ‬ ‫فلما كان هذا القرآن تبيانا ً لك ّ‬
‫ن‪،‬‬
‫ة الظالمين‪ ،‬وانتفع به المسلمو َ‬ ‫العباد كّلهم‪ ،‬فانقطعت به ح ّ‬
‫ج ُ‬
‫ة ينالون‬ ‫دنياهم ورحم ً‬ ‫فصار هدىً لهم يهتدون به إلى أمر دينهم و ُ‬
‫دنيا والخرة؛ فالهدى ما نالوا به من علم نافع‬ ‫به ك ّ‬
‫ل خير في ال ّ‬
‫دنيا‬
‫وعمل صالح‪ ،‬والرحمة ما ترّتب على ذلك من ثواب ال ّ‬
‫م‬
‫ه‪ ،‬وتمام العقل الذي ل يت ّ‬ ‫والخرة؛ كصلح القلب وبّره وطمأنينت ِ ِ‬
‫ل المعاني وأعلها‪ ،‬والعمال‬ ‫إل ّ بتربيت ِهِ على معانيه التي هي أج ّ‬
‫الكريمة والخلق الفاضلة والرزق الواسع والنصر على العداء‬
‫ول والفعل ون َْيل رضا الّله تعالى وكرامت ِهِ العظيمة التي ل‬ ‫ق ْ‬
‫بال َ‬
‫ب الرحيم‪.‬‬‫يعلم ما فيها من النعيم المقيم إل ّ الر ّ‬
‫ﭽ ﭺ ﭻ ﭼ ﭽ ﭾ ﭿ ﮀ ﮁ ﮂ ﮃ ﮄ ﮅ ﮆ ﮇﮈ ﮉ ﮊ ﮋ ﮌ ﭼ‬
‫‪.‬‬
‫قه وفي‬ ‫ل في ح ّ‬ ‫}‪ {90‬فالعدل الذي أمر الّله به يشم ُ‬
‫ل العد َ‬
‫ة؛ بأن‬ ‫ة موفور ً‬ ‫ل في ذلك أداُء الحقوق كامل ً‬ ‫حقّ عباده؛ فالعد ُ‬
‫يؤد ّيَ العبد ما أوجب الّله عليه من الحقوق المالّية والبدنّية‬
‫م‪،‬‬
‫قه وحقّ عباده‪ ،‬ويعامل الخلق بالعدل التا ّ‬ ‫كبة منهما في ح ّ‬ ‫والمر ّ‬
‫ه‪ ،‬سواء في ذلك ولية المامة‬ ‫ل ما عليه تحت وليت ِ ِ‬ ‫ل وا ٍ‬ ‫دي ك ّ‬ ‫فيؤ ّ‬
‫الكبرى وولية القضاء ونواب الخليفة ونواب القاضي‪ .‬والعدل‪ :‬هو‬
‫ضه الّله عليهم في كتابه وعلى لسان رسوله وأمرهم‬ ‫ما فََر َ‬
‫مَلهم في عقود البيع‬ ‫بسلوكه‪ ،‬ومن العدل في المعاملت أن تعا ِ‬
‫س لهم‬‫والشراء وسائر المعاوضات بإيفاء جميع ما عليك؛ فل تبخ ُ‬
‫ب‪ ،‬والحسان‬ ‫مهم؛ فالعدل واج ٌ‬ ‫عهم وتظل ِ ُ‬ ‫شهم ول تخد ُ‬ ‫قا‪ ،‬ول تغ ّ‬ ‫ح ّ‬
‫ب‪ ،‬وذلك كنفع الناس بالمال والبدن والعلم وغير‬ ‫ة مستح ّ‬ ‫فضيل ٌ‬
‫ل فيه الحسان إلى الحيوان البهيم‬ ‫ذلك من أنواع النفع‪ ،‬حتى يدخ َ‬
‫قربى وإن كان داخل ً في‬ ‫ص الّله إيتاء ذي ال ُ‬ ‫المأكول وغيره‪ ،‬وخ ّ‬
‫قهم وتعيّـن صلتهم وبّرهم والحرص على ذلك‪،‬‬ ‫كد ح ّ‬ ‫العموم؛ لتأ ّ‬
‫من‬‫ل َ‬ ‫ويدخل في ذلك جميع القارب؛ قريبهم وبعيدهم‪ ،‬لكن ك ّ‬
‫ب كان أحقّ بالبّر‪ .‬وقوله‪} :‬وينهى عن الفحشاِء{‪ :‬وهو‬ ‫كان أقر َ‬
‫ك بالّله‬‫طر؛ كالشر ِ‬ ‫ف َ‬
‫ب عظيم استفحشته الشرائعُ وال ِ‬ ‫ل ذن ٍ‬ ‫ك ّ‬
‫والقتل بغير حقّ والّزنا والسرقة والُعجب والك ِْبر واحتقار الخلق‬
‫ة‬
‫ب ومعصي ٍ‬ ‫وغير ذلك من الفواحش‪ ،‬ويدخل في المنكر ك ّ‬
‫ل ذن ٍ‬
‫ل عدوان على الخلق في‬ ‫متعّلق بحقّ الّله تعالى‪ ،‬وبالبغي ك ّ‬
‫ة لجميع‬ ‫دماء والموال والعراض‪ .‬فصارت هذه الية جامع ً‬ ‫ال ّ‬
‫المأمورات والمنهّيات‪ ،‬لم يبقَ شيٌء إل ّ دخل فيها‪ .‬فهذه قاعدةٌ‬
‫ل مسألة مشتملة على عدل أو‬ ‫ترجع إليها سائر الجزئّيات؛ فك ّ‬
‫ة‬
‫ل مسأل ٍ‬ ‫إحسان أو إيتاء ذي القربى؛ فهي مما أمر الّله به‪ ،‬وك ّ‬
‫كر أو بغي؛ فهي مما نهى الّله عنه‪،‬‬ ‫مشتملة على فحشاء أو من َ‬
‫ن ما أمر الّله به وُقبح ما نهى عنه‪ ،‬وبها ُيعتبر ما‬ ‫حس ُ‬ ‫وبها ي ُعْل َ ُ‬
‫م ُ‬
‫من‬ ‫ك َ‬‫عند الناس من القوال‪ ،‬وترد ّ إليها سائر الحوال؛ فتباَر َ‬
‫مهِ الهدى والشفاء والنور والفرقان بين جميع‬ ‫جعل في كل ِ‬
‫كم{؛ به‪ ،‬أي‪ :‬بما بّينه لكم في كتابه‬ ‫الشياء‪ ،‬ولهذا قال‪} :‬يعظ ِ ُ‬
‫بأمركم بما فيه غاية صلحكم ونهيكم عما فيه مضّرتكم‪} .‬لعّلكم‬
‫كرتموه‬ ‫قلونه؛ فإّنكم إذا تذ ّ‬ ‫كم به فتفهمونه وتع ِ‬ ‫كرون{‪ :‬ما يعظ ِ ُ‬ ‫تذ ّ‬
‫وعقلتموه؛ عملتم بمقتضاه‪ ،‬فسعدُتم سعادة ً ل شقاوة معها‪.‬‬
‫ب في أصل الشرع؛ أمر بوفاء ما‬
‫فلما أمر بما هو واج ٌ‬
‫أوجبه العبد ُ على نفسه‪ ،‬فقال‪:‬‬
‫ﭽ ﮍ ﮎ ﮏ ﮐ ﮑ ﮒ ﮓ ﮔ ﮕ ﮖ ﮗ ﮘ ﮙ ﮚ ﮛﮜ ﮝ‬
‫ﮞ ﮟ ﮠ ﮡ ﮢ ﮣ ﮤ ﮥ ﮦ ﮧ ﮨ ﮩ ﮪ ﮫ ﮬ ﮭ ﮮﮮ ﮯ ﮰ ﮱ ﯓ ﯔ‬
‫ﯤ ﯥ ﯦ ﭼ‪.‬‬ ‫ﯕ ﯖ ﯗﯘ ﯙ ﯚ ﯛ ﯜﯝ ﯞ ﯟ ﯠ ﯡ ﯢ ﯣ‬
‫ل جميع ما عاهد العبد ُ عليه رّبه من‬ ‫م ُ‬ ‫}‪ {91‬وهذا يش َ‬
‫العبادات والنذور واليمان التي عقدها إذا كان الوفاء بها بّرا‪،‬‬
‫ويشمل أيضا ً ما تعاقد عليه هو وغيره؛ كالعهود بين المتعاقدين‪،‬‬
‫كده على نفسه؛ فعليه في‬ ‫وكالوعد الذي يعده العبد ُ لغيره ويؤ ّ‬
‫ضها‪،‬‬ ‫جميع ذلك الوفاء وتتميمها مع القدرة‪ ،‬ولهذا نهى الّله عن نق ِ‬
‫قضوا اليمان بعد توكيدها{‪ :‬بعقدها على اسم الّله‬ ‫فقال‪} :‬ول تن ُ‬
‫ل{‪ :‬فل‬ ‫م الله عليكم{‪ :‬أيها المتعاقدون‪} ،‬كفي ً‬ ‫ّ‬ ‫تعالى‪} .‬وقد جعلت ُ ُ‬
‫ل‪ ،‬فيكون ذلك‬ ‫كموا ما جعلتم الّله عليكم كفي ً‬ ‫ح ِ‬ ‫ل لكم أن ل ُتـ ْ‬ ‫ح ّ‬‫يَ ِ‬
‫ة به‪ ،‬وقد رضي الخر منك باليمين‬ ‫ك تعظيم الّله واستهان ٌ‬ ‫تر ُ‬
‫ل؛ فكما ائتمنك وأحسن ظّنه‬ ‫ت الّله فيه كفي ً‬ ‫والتوكيد الذي جعل َ‬
‫ن{‪:‬‬ ‫ن الّله يعلم ما تفعلو َ‬ ‫كدته‪} .‬إ ّ‬ ‫ف له بما قلت وأ ّ‬ ‫فيك؛ فَل ْت َ ِ‬
‫ه‪.‬‬‫ل عامل بعمله على حسب نّيته ومقصد ِ ِ‬ ‫فيجازي ك ّ‬
‫كم للعهود ِ بأسوأ المثال‬ ‫ض ُ‬ ‫}‪} {92‬ول تكونوا{‪ :‬في نق ِ‬
‫ل غزل ً‬ ‫وأقبحها وأدّلها على سفه متعاطيها‪ ،‬وذلك }كالتي{ ت َغْزِ ُ‬
‫ضْته فجعلْته }أْنكاثًا{‪:‬‬ ‫ق َ‬
‫م ما أريد منه؛ ن َ َ‬ ‫قوّيا؛ فإذا استحكم وت ّ‬
‫فتعبت على الغزل‪ ،‬ثم على النقض‪ ،‬ولم تستفد ْ سوى الخيبة‬
‫ض ما عاهد‬ ‫ق َ‬ ‫ن نَ َ‬ ‫م ْ‬
‫والعناء وسفاهة العقل ونقص الرأي؛ فكذلك َ‬
‫ه ناقص الدين والمروءة‪ .‬وقوله‪:‬‬ ‫ل سفي ٌ‬ ‫م جاه ٌ‬ ‫عليه؛ فهو ظال ٌ‬
‫ة{؛‬ ‫م ٍ‬‫ة هي أربى من أ ّ‬ ‫م ٌ‬
‫نأ ّ‬ ‫خل ً بيَنكم أن تكو َ‬ ‫}تّتخذون أيمانكم د َ َ‬
‫أي‪ :‬ل تنبغي هذه الحالة منكم؛ تعقدون اليمان المؤ ّ‬
‫كدة‪،‬‬
‫ص‪ :‬فإذا كان العاقد ُ لها ضعيفا ً غير قادرٍ على‬ ‫ظرون فيها الفر َ‬ ‫وتنت ِ‬
‫ه‪ .‬وإن كان قوّيا‬ ‫مها ل لتعظيم العقد واليمين‪ ،‬بل لعجزِ ِ‬ ‫الخر؛ أت ّ‬
‫ل بعهد ِ الّله‬ ‫ضها غيَر مبا ٍ‬ ‫ق َ‬‫ضها؛ ن َ َ‬
‫ه الدنيوّية في نق ِ‬ ‫يرى مصلحت َ َ‬
‫ً‬
‫ل ذلك د ََورانا مع أهوية النفوس وتقديما لها على مراد‬ ‫ً‬ ‫ويميِنه‪ ،‬ك ّ‬
‫الّله منكم وعلى المروءة النسانّية والخلق المرضّية؛ لجل أن‬
‫وة من الخرى‪ .‬وهذا ابتلء من الله‬ ‫تكون أمة أكثر عددا ً وق ّ‬
‫ن الذي‬ ‫ح ِ‬‫م َ‬‫ض من أسباب ال ِ‬ ‫وامتحان يبتليكم ]الله[ به؛ حيث قي ّ َ‬
‫م‬
‫ن لكم يو َ‬ ‫ي‪} .‬وليبّين ّ‬ ‫ي من الفاجر الشق ّ‬ ‫ن به الصادق الوف ّ‬ ‫ح ُ‬‫مت َ َ‬
‫يُ ْ‬
‫ن{‪ :‬فيجازي كّل بعمله ‪ ،‬ويخزي‬
‫)‪(1‬‬
‫القيامةِ ما كنُتم فيه تختلفو َ‬
‫الغادَر‪.‬‬
‫ﭽ ﯧ ﯨ ﯩ ﯪﯧﯧ ﯫﯧﯧ ﯬﯧﯧ ﯭﯧﯧ ﯮﯧﯧ ﯯﯧﯧ ﯰﯧﯧ ﯱﯧﯧ ﯷ ﯷﯷ ﯷ ﯷ ﯷ‬
‫ﯷ ﯷ ﭼ‪.‬‬
‫معَ الناس على الهدى‪،‬‬ ‫ج َ‬ ‫}‪ {93‬أي‪} :‬لو شاء الّله{ ل َ‬
‫ة{‪ :‬ولكّنه تعالى المنفرد بالهداية والضلل‪،‬‬ ‫ة واحد ً‬ ‫م ً‬ ‫وجعلهم }أ ّ‬
‫ه‪ ،‬يعطي الهداية‬ ‫مهِ وحكمت ِ ِ‬ ‫ه من أفعاله التابعة لعل ِ‬ ‫ه وإضلل ُ ُ‬ ‫وهدايت ُ ُ‬
‫ن عما‬ ‫ُ‬
‫سأل ّ‬ ‫َ‬
‫قها عدل ً }ولت ُ ْ‬ ‫ن ل يستح ّ‬ ‫م ْ‬‫ل‪ ،‬ويمنُعها َ‬ ‫قها فض ً‬ ‫من يستح ّ‬
‫م الجزاء‬ ‫ن{‪ :‬من خيرٍ وشّر‪ ،‬فيجازيكم عليها أت ّ‬ ‫كنتم تعملو َ‬ ‫ُ‬
‫وأعدله‪.‬‬
‫ﭽ ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ ﭝ ﭞ ﭟ ﭠﭡ ﭢ‬
‫ﭣ ﭤ ﭥ ﭼ‪.‬‬
‫}‪ {94‬أي‪} :‬ول تّتخذوا أيمانكم{‪ :‬وعهودكم ومواثيقكم ت ََبعا ً‬
‫ضُتموها؛ فإّنكم إذا‬ ‫لهواِئكم‪ ،‬متى شئُتم وفّي ُْتم بها‪ ،‬ومتى شئُتم ن َ َ‬
‫ق ْ‬
‫صراط المستقيم‪.‬‬ ‫مكم بعد ثبوتها على ال ّ‬ ‫فعلُتم ذلك؛ ت َزِ ّ‬
‫ل أقدا ُ‬
‫حُزنكم‪} .‬بما‬
‫سوء{؛ أي‪ :‬العذاب الذي يسوؤكم وَيـ ْ‬ ‫}وتذوقوا ال ّ‬
‫ددُتم عن سبيل الّله{‪ :‬حيث ضللُتم وأضللُتم غيركم‪} .‬ولكم‬ ‫ص َ‬
‫م{‪ :‬مضاعف‪.‬‬ ‫ب عظي ٌ‬‫عذا ٌ‬
‫ﭽ ﭦ ﭧ ﭨ ﭩ ﭪ ﭫﭬ ﭭ ﭮ ﭯ ﭰ ﭱ ﭲ ﭳ ﭴ ﭵ ﭶ‬
‫ﭷ ﭸ ﭹﭺ ﭻ ﭼ ﭽ ﭾﭿ ﮀ ﮁ ﮂ ﮃ ﮄ ﮅ ﮆ ﮇ ﮈ ﮉ ﮊ ﮋ ﮌ ﮍ‬
‫ﮎ ﮏ ﮐ ﮑ ﮒ ﮓ ﮔﮕ ﮖ ﮗ ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ ﮜ ﭼ ‪.‬‬
‫ذر تعالى عباده من نقض العهود واليمان لجل‬ ‫}‪ {95‬يح ّ‬
‫منا ً قلي ً‬
‫ل{‪:‬‬ ‫دنيا وحطامها‪ ،‬فقال‪} :‬ول تشتروا بعِهد الّله ث َ َ‬ ‫متاع ال ّ‬
‫َ‬
‫ّ‬
‫قض وعدم الوفاء‪} .‬إّنما عند الله{‪ :‬من الثواب العاجل‬ ‫تنالونه بالن ّ ْ‬
‫والجل لمن آثر رضاه وأوفى بما عاهد عليه الّله‪} ،‬هو خيٌر‬
‫ن{‪.‬‬‫دنيا الزائلة }إن كنتم تعلمو َ‬
‫لكم{‪ :‬من حطام ال ّ‬
‫مل«‪.‬‬
‫ما عَ ِ‬
‫‪ -‬في )ب(‪» :‬ب ِ َ‬ ‫‪1‬‬
‫ن الذي }عندكم{‪:‬‬ ‫}‪ {96‬فآِثروا ما يبقى على ما يفنى؛ فإ ّ‬
‫ه‪ ،‬ل‬ ‫ق{‪ :‬ببقائ ِ ِ‬ ‫دا ل بد ّ أن ينفد َ ويفنى‪} ،‬وما عند الّله با ٍ‬ ‫ولو ك َُثر ج ّ‬
‫يفنى ول يزول؛ فليس بعاقل من آثر الفاني الخسيس على‬
‫دنيا‬‫الباقي النفيس‪ ،‬وهذا كقول ِهِ تعالى‪} :‬بل تؤِثرون الحياة َ ال ّ‬
‫والخرة خيٌر وأبقى{‪} .‬وما عند َ الّله خيٌر للبرار{‪ .‬وفي هذا‬
‫الحث والترغيب على الّزهد في الدنيا‪ ،‬خصوصا ً الّزهد المتعيّـن‪،‬‬
‫وهو الّزهد فيما يكون ضررا ً على العبد ويوجب له الشتغال عما‬
‫ب‪.‬‬ ‫ن هذا الّزهد واج ٌ‬ ‫أوجب الّله عليه وتقديمه على حقّ الّله؛ فإ ّ‬
‫دنيا وشهواتها بخيرات‬ ‫ت ال ّ‬ ‫ل العبد ل َ ّ‬
‫ذا ِ‬ ‫ومن الدواعي للّزهد أن يقاب َ‬
‫الخرة؛ فإّنه يجد من الفرق والتفاوت ما يدعوه إلى إيثار أعلى‬
‫المرين‪ ،‬وليس الّزهد الممدوح هو النقطاع للعبادات القاصرة؛‬
‫كر ونحوها‪ ،‬بل ل يكون العبد ُ زاهدا ً زهدا ً‬ ‫كالصلة والصيام والذ ّ ْ‬
‫صحيحا ً حّتى يقوم بما يقد ُِر عليه من الوامر الشرعّية الظاهرة‬
‫والباطنة‪ ،‬ومن الدعوة إلى الّله وإلى دينه بالقول والفعل؛ فالزهد ُ‬
‫ة‬
‫دنيا‪ ،‬والرغب ُ‬ ‫ي هو الزهد فيما ل ينفعُ في الدين وال ّ‬ ‫الحقيق ّ‬
‫ن الذين صبروا{‪ :‬على طاعة‬ ‫ل ما ينفع‪} .‬ولنجزي ّ‬ ‫والسعي في ك ّ‬
‫سهم عن الشهوات الدنيوّية‬ ‫طموا أنف َ‬‫الّله وعن معصيته‪ ،‬وفَ َ‬
‫ة‬
‫ن ما كانوا يعملون{‪ :‬الحسن ُ‬ ‫جَرهم بأحس ِ‬ ‫المضّرة بدينهم؛ }أ ْ‬
‫ن الّله ل‬ ‫بعشر أمثالها إلى سبعمائة ضعف إلى أضعاف كثيرة؛ فإ ّ‬
‫يضيع أجر من أحسن عم ً‬
‫ل‪.‬‬
‫دنيا والخرة فقال‪:‬‬ ‫}‪ {97‬ولهذا ذكر جزاء العاملين في ال ّ‬
‫ن اليمان‬ ‫ن{‪ :‬فإ ّ‬ ‫ن عمل صالحا ً من ذ َك َرٍ أو أنثى وهو مؤم ٌ‬ ‫م ْ‬ ‫} َ‬
‫مى أعمال ً‬ ‫حة العمال الصالحة وَقبولها‪ ،‬بل ل تس ّ‬ ‫ٌ‬
‫شرط في ص ّ‬
‫ض لها؛ فإّنه التصديق الجازم‬ ‫صالحة إل ّ باليمان‪ ،‬واليمان مقت ٍ‬
‫معَ‬‫جـ َ‬
‫ن َ‬‫م ْ‬
‫مُر لعمال الجوارح من الواجبات والمستحّبات؛ ف َ‬ ‫المث ِ‬
‫ة{‪ :‬وذلك‬ ‫ه حياة ً طيب ً‬ ‫حي ِي َن ّ ُ‬ ‫َ‬
‫بين اليمان والعمل الصالح؛ }فَلن ُ ْ‬
‫وش عليه قلبه‬ ‫بطمأنينة قلبه وسكون نفسه وعدم التفات ِهِ لما ي ُ َ‬
‫ش ّ‬
‫ويرُزُقه الّله رزقا ً حلل ً طّيبا ً من حيث ل يحتسب‪} .‬ولنجزِي َّنهم{‪:‬‬
‫ن{‪ :‬من أصناف‬ ‫ن ما كانوا يعملو َ‬ ‫في الخرة }أجَرهم بأحس ِ‬
‫ت‪ ،‬ول خطَر على قلب‬ ‫ن سمع ْ‬ ‫ت‪ ،‬ول أذ ٌ‬ ‫ن رأ ْ‬‫ما ل عي ٌ‬‫ذات؛ مـ ّ‬ ‫الل ّ‬
‫ة‪.‬‬
‫ة وفى الخرة حسن ً‬ ‫دنيا حسن ً‬ ‫بشر‪ ،‬فيؤتيه الّله في ال ّ‬
‫ﭽ ﮝ ﮞ ﮟ ﮠ ﮡ ﮢ ﮣ ﮤ ﮥ ﮦ ﮧ ﮨ ﮩ ﮪ ﮫ ﮬ ﮭ ﮮﮮ ﮯ ﮰ‬
‫ﮱ ﯓ ﯔ ﯕ ﯖ ﯗ ﯘ ﯙ ﯚ ﯛ ﭼ‪.‬‬
‫}‪ 98‬ـ ‪ {100‬أي‪ :‬فإذا أردت القراءة لكتاب الّله الذي هو‬
‫ن‬ ‫ف الك ُُتب وأجّلها‪ ،‬وفيه صل ُ‬
‫ح القلوب والعلوم الكثيرة؛ فإ ّ‬ ‫أشر ُ‬
‫عهِ في المور‬‫ص ما يكون على العبد عند شرو ِ‬ ‫الشيطان أحر ُ‬
‫دها ومعانيها؛ فالطريق‬ ‫الفاضلة‪ ،‬فيسعى في صرفِهِ عن مقاص ِ‬
‫إلى السلمة من شّره اللتجاُء إلى الّله والستعاذة به من شّره‪،‬‬
‫فيقول القارىء‪ :‬أعوذ ُ بالّله من الشيطان الرجيم؛ متدّبرا ً لمعناها‪،‬‬
‫معتمدا ً بقلبه على الّله في صرفه عنه‪ ،‬مجتهدا ً في دفع وسواسه‬
‫)‪ (1‬وأفكاره الّرديئة‪ ،‬مجتهدا ً على السبب القوى في دفعه‪ ،‬وهو‬
‫ن الشيطان }ليس له‬ ‫كل؛ فإ ّ‬ ‫حْلية اليمان والتو ّ‬ ‫التحّلـي ب ِ‬
‫ن{؛ أي‪ :‬تسّلط }على الذين آمنوا وعلى رّبهم{‪ :‬وحده ل‬ ‫سلطا ٌ‬
‫كلين عليه‬ ‫ن{‪ :‬فيدفع الّله عن المؤمنين المتو ّ‬ ‫كلو َ‬ ‫شريك له‪} ،‬يتو ّ‬
‫ل‪} .‬إّنما سلطاُنه{؛ أي‪:‬‬ ‫شّر الشيطان ول يبقى له عليهم سبي ٌ‬
‫ونه{؛ أي‪ :‬يجعلونه لهم ولّيا‪ ،‬وذلك‬ ‫تسّلطه }على الذين ي َت َوَل ّ ْ‬
‫بتخّليهم عن ولية الّله‪ ،‬ودخولهم في طاعة الشيطان‪،‬‬
‫ة على أنفسهم‪،‬‬ ‫وانضمامهم لحزبه؛ فهم الذين جعلوا له ولي ً‬
‫ودا‪ً.‬‬‫فأّزهم إلى المعاصي أّزا‪ ،‬وقادهم إلى النار قَ ْ‬
‫ﭽ ﯜ ﯝ ﯞ ﯟ ﯠﯡ ﯢ ﯣ ﯤ ﯥ ﯦ ﯧ ﯨ ﯩﯪﯧﯧ ﯫﯧﯧ ﯬﯧﯧ ﯭﯧﯧ ﯮﯧﯧ ﯯﯧﯧ ﯰﯧﯧ ﯱﯧﯧ ﯷ‬
‫ﯷ ﯷ ﯷ ﯷ ﯷ ﯷ ﯷ ﯷ ﯷ ﯼ ﯽ ﭼ‪.‬‬
‫ذبين بهذا القرآن يتتّبعون ما‬ ‫ن المك ّ‬ ‫كر تعالى أ ّ‬ ‫}‪ {101‬يذ ُ‬
‫ن الّله تعالى هو الحاكم الحكيم‪ ،‬الذي‬ ‫جة لهم‪ ،‬وهو أ ّ‬ ‫ي ََروَْنه ح ّ‬
‫دل حكما ً مكان آخر؛ لحكمته ورحمته؛ فإذا رأوه‬ ‫شَرع الحكام ويب ّ‬ ‫يَ ْ‬
‫ر{‪،‬‬ ‫فت َ ٍ‬
‫م ْ‬‫كذلك؛ قدحوا في الرسول وبما جاء به‪ ،‬و}قالوا إنما أنت ُ‬
‫ل‪ ،‬ل علم لهم‬ ‫ن{‪ :‬فهم جها ٌ‬ ‫قال الّله تعالى‪} :‬بل أكُثرهم ل يعلمو َ‬
‫ه‪ ،‬ومن المعلوم أن قدح الجاهل بل علم ل عبرةَ‬ ‫ع ِ‬‫برّبهم ول بشر ِ‬
‫ن القدح في الشيء فرع ٌ عن العلم به وما يشتمل عليه‬ ‫به؛ فإ ّ‬
‫مما يوجب المدح والقدح‪.‬‬
‫}‪ {102‬ولهذا ذكر تعالى حكمته في ذلك‪ ،‬فقال‪} :‬قل ن َّزَله‬
‫ل عيب‬ ‫دس المنّزه عن ك ّ‬ ‫ل الرسول المق ّ‬ ‫دس{‪ :‬وهو جبري ُ‬ ‫ق ُ‬‫ح ال ُ‬ ‫ُرو ُ‬
‫ل على‬ ‫ق‪ ،‬وهو مشتم ٌ‬ ‫ق{؛ أي‪ :‬نزوله بالح ّ‬ ‫ة‪} ،‬بالح ّ‬ ‫وخيانةٍ وآف ٍ‬
‫ح فيه‬ ‫قد َ َ‬‫الحقّ في أخباره وأوامره ونواهيه؛ فل سبيل لحد ٍ أن ي َ ْ‬
‫ضه‬‫ضه وناقَ َ‬ ‫ن ما عاَر َ‬ ‫مأ ّ‬ ‫ق؛ ع ُل ِ َ‬ ‫م أّنه الح ّ‬ ‫قدحا ً صحيحًا؛ لّنه إذا ع ُل ِ َ‬
‫ت الذين آمنوا{‪ :‬عند نزول آيات ِهِ وتواُرِدها عليهم وقتا ً‬ ‫ل‪} .‬ليثب ّ َ‬ ‫باط ٌ‬
‫ل إلى قلوبهم شيئا ً فشيئًا‪ ،‬حتى‬ ‫ت؛ فل يزال الحقّ يص ُ‬ ‫بعد وق ٍ‬
‫ت من الجبال الرواسي‪ .‬وأيضًا؛ فإّنهم يعلمون‬ ‫يكون إيمانهم أثب َ‬
‫خه؛ علموا أنه‬ ‫س َ‬ ‫ً‬
‫ق‪ ،‬وإذا شرع حكما من الحكام‪ ،‬ثم ن َ َ‬ ‫أّنه الح ّ‬
‫خه هو المناسب‬ ‫ن نس َ‬ ‫أبدله بما هو مثُله أو خيٌر منه لهم‪ ،‬وأ ّ‬
‫للحكمة الربانّية والمناسبة العقلّية‪} .‬وهدىً وبشرى للمسلمين{؛‬
‫أي‪ :‬يهديهم إلى حقائق الشياء‪ ،‬ويبيّـن لهم الحقّ من الباطل‬
‫‪ -‬في )ب(‪» :‬وساوسه«‪.‬‬ ‫‪1‬‬
‫ن لهم أجرا ً حسنا ً ماكثين فيه‬ ‫شرهم أ ّ‬ ‫ضلل‪ ،‬ويب ّ‬ ‫والهدى من ال ّ‬
‫ة وبشارةً‬ ‫أبدًا‪ .‬وأيضًا؛ فإنه كّلما نزل شيئا ً فشيئًا؛ كان أعظم هداي ً‬
‫ل الّله‬
‫ة واحدة ً وتفّرق الفكُر فيه‪ ،‬بل ي ُن ْزِ ُ‬ ‫ن لو أتاهم جمل ً‬ ‫م ْ‬‫لهم ِ‬
‫قلوه وع ََرفوا المراد منه وتروّْوا‬ ‫حكما ً وتارة أكثر؛ فإذا فِهموه وع َ َ‬
‫منه؛ أنزل نظيره‪ ...‬وهكذا‪ .‬ولذلك بلغ الصحابة رضي الّله عنهم‬
‫به مبلغا ً عظيمًا‪ ،‬وتغّيرت أخلقهم وطبائعهم‪ ،‬وانتقلوا إلى أخلق‬
‫وعوائد وأعمال فاقوا بها الّولين والخرين‪ ،‬وكان أعلى وأولى‬
‫دهم أن يترّبوا بعلومه‪ ،‬ويتخّلقوا بأخلقه‪ ،‬ويستضيئوا بنورِهِ‬ ‫لمن بع َ‬
‫ي والجهالت‪ ،‬ويجعلوه إمامهم في جميع الحالت‪.‬‬ ‫ظلمات الغ ّ‬ ‫في ُ‬
‫فبذلك تستقيم أمورهم الدينّية والدنيوّية‪.‬‬
‫ﭽ ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗﭘ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ ﭝ ﭞ ﭟ ﭠ ﭡ ﭢ‬
‫ﭣ ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ ﭨ ﭩ ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ ﭯ ﭰ ﭱ ﭲ ﭳ ﭴ ﭵ ﭶ‬
‫ﭷﭸ ﭹ ﭺ ﭻ ﭼ ﭼ ‪.‬‬
‫ذبين لرسوله‪:‬‬ ‫}‪ {103‬يخبر تعالى عن ِقيل المشركين المك ّ‬
‫شٌر{‪:‬‬ ‫مه{‪ :‬هذا الكتاب الذي جاء به‪} ،‬ب َ َ‬ ‫ن إّنما يعل ّ ُ‬
‫}أّنهم يقولو َ‬
‫ي اللسان‪} .‬وهذا{‪ :‬القرآن‬ ‫وذلك البشُر الذي يشيرون إليه أعجم ّ‬
‫ظ من‬ ‫ن أو له ح ّ‬ ‫ن{‪ :‬هل هذا القول ممك ٌ‬ ‫ي مبي ٌ‬‫ن عربـ ّ‬ ‫}لسا ٌ‬
‫كر فيما يؤول إليه كذبه‪،‬‬ ‫ب ول يف ّ‬ ‫الحتمال؟! ولكن الكاذب يكذ ِ ُ‬
‫ده بمجّرد‬ ‫فيكون في قوله من التناقض والفساد ما يوجب ر ّ‬
‫وره‪.‬‬ ‫تص ّ‬
‫ن الذين ل يؤمنون بآيات الّله{‪ :‬الداّلة دللة‬ ‫}‪} {104‬إ ّ‬
‫م‬‫دونها ول يقبلونها‪} ،‬ل يهديهِ ُ‬ ‫ة على الحقّ المبين فير ّ‬ ‫صريح ً‬
‫ذلن اللهّ‬ ‫خ ْ‬‫حْرمان ِهِ و ِ‬
‫دوه فعوِقبوا ب ِ‬ ‫الّله{‪ :‬حيث جاءهم الهدى فر ّ‬
‫م{‪.‬‬ ‫ب ألي ٌ‬‫لهم‪} .‬ولهم{‪ :‬في الخرة }عذا ٌ‬
‫}‪} {105‬إنما يفتري الكذب{؛ أي‪ :‬إنما يصد ُُر افتراء‬
‫الكذب من }الذين ل يؤمنون بآيات الّله{‪ :‬كالمعاندين لرسول ِ ِ‬
‫ه‬
‫ن{؛ أي‪ :‬الكذب‬ ‫ت‪} .‬وأولئك هم الكاذبو َ‬ ‫من بعد ما جاءتهم البينا ُ‬
‫منحصٌر فيهم‪ ،‬وعليهم أولى بأن يطلق من غيرهم‪ .‬وأما محمد ٌ‬
‫ل أن‬ ‫محا ٌ‬ ‫صلى الله عليه وسلم المؤمن بآيات الّله الخاضع لرّبه؛ ف ُ‬
‫وه بالكذب‬ ‫م ْ‬‫ل‪ ،‬فأعداؤه َر َ‬ ‫ق ْ‬‫ول عليه ما لم ي َ ُ‬ ‫ب على الّله‪ ،‬ويتق ّ‬ ‫يكذ ِ َ‬
‫خْزيهم وبّين فضائحهم؛ فله تعالى‬ ‫فهم‪ ،‬فأظهر الّله ِ‬ ‫الذي هو وص ُ‬
‫الحمد‪.‬‬
‫ﭽﭽ ﭾ ﭿ ﮀ ﮁ ﮂ ﮃ ﮄ ﮅ ﮆ ﮇ ﮈ ﮉ ﮊ ﮋ ﮌ ﮍ ﮎ‬
‫ﮏ ﮐ ﮑ ﮒ ﮓ ﮔ ﮕ ﮖ ﮗ ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ ﮜ ﮝ ﮞ ﮟ ﮠ ﮡ ﮢ‬
‫ﮣ ﮤ ﮥ ﮦ ﮧ ﮨ ﮩ ﮪ ﮫﮬ ﮭ ﮮﮮ ﮯ ﮰ ﮱ ﯓ ﯔ ﯕ ﯖ ﯗ ﯘ ﯙ ﭼ ‪.‬‬
‫فَر به من‬ ‫من ك َ َ‬ ‫}‪ 106‬ـ ‪ {108‬يخبر تعالى عن شناعة حال َ‬
‫بعد إيمانه فعمي بعدما أبصر‪ ،‬ورجع إلى الضلل بعدما اهتدى‪،‬‬
‫ب الشديد َ‬ ‫ن لهم الغض َ‬ ‫ح صدَره بالكفر راضيا ً به مطمئّنا‪ :‬أ ّ‬ ‫شَر َ‬ ‫و َ‬
‫م لغضب ِهِ شيء وغضب‬ ‫ب؛ لم ي َقُ ْ‬‫ض َ‬ ‫ب الرحيم‪ ،‬الذي إذا غ َ ِ‬ ‫من الر ّ‬
‫دة‪ ،‬مع‬ ‫م{؛ أي‪ :‬في غاية الش ّ‬ ‫ب عظي ٌ‬ ‫ل شيء‪} .‬ولهم عذا ٌ‬ ‫عليهم ك ّ‬
‫دنيا على الخرة{‪:‬‬ ‫م أبدًا‪ .‬وذلك أّنهم }استحّبوا الحياة ال ّ‬ ‫أّنه دائ ٌ‬
‫دنيا‪،‬‬‫دوا على أدبارهم؛ طمعا في شيء من حطام ال ّ‬ ‫ً‬ ‫حيث ارت ّ‬
‫ة فيه‪ ،‬وزهدا ً في خير الخرة‪.‬‬ ‫ورغب ً‬
‫ما اختاروا الكفر على اليمان؛ منعهم الّله الهداية‪ ،‬فلم‬ ‫فل ّ‬
‫خُلها خيٌر‪،‬‬ ‫فهم‪ ،‬فطبع على قلوبهم؛ فل يد ُ‬ ‫ن الكفر وص ُ‬ ‫دهم؛ ل ّ‬ ‫يه ِ‬
‫وعلى سمعهم وعلى أبصارهم؛ فل ينفذ ُ منها ما ينفعهم ويصل‬
‫رموا رحمة‬ ‫ح ِ‬‫ذلن و ُ‬ ‫خ ْ‬‫ة وأحاط بهم ال ِ‬ ‫إلى قلوبهم‪ ،‬فشملْتهم الغفل ُ‬
‫ت‬‫ض ْ‬ ‫دوها وع ُرِ َ‬ ‫ل شيء‪ ،‬وذلك أّنها أتتهم فر ّ‬ ‫الّله التي وسعت ك ّ‬
‫عليهم فلم يقَبلوها‪.‬‬
‫}‪} {109‬ل جرم أنهم في الخرة هم الخاسرون{‪ :‬الذين‬
‫م‬
‫خسروا أنفسهم وأموالهم وأهليهم يوم القيامة‪ ،‬وفاتهم النعي ُ‬
‫ُ‬
‫ره على‬ ‫م‪ُ ،‬وحصلوا على العذاب الليم‪ ،‬وهذا بخلف من أك ْ ِ‬ ‫المقي ُ‬
‫ب فيه؛ فإّنه ل حرج‬ ‫ن باليمان راغ ٌ‬ ‫ه مطمئ ٌ‬ ‫جِبر عليه‪ ،‬وقلب ُ ُ‬ ‫الكفر وأ ْ‬
‫عليه ول إثم‪ ،‬ويجوُز له الّنطق بكلمة الكفر عند الكراه عليها‪.‬‬
‫ن كلم المكره على الطلق أو العتاق أو‬ ‫ل ذلك على أ ّ‬ ‫ود ّ‬
‫البيع أو الشراء أو سائر العقود أّنه ل عبرة َ به ول يترّتب عليه‬
‫ب على كلمة الكفر إذا أكره عليها؛‬ ‫ي؛ لّنه إذا لم يعاقَ ْ‬ ‫م شرع ّ‬ ‫حك ٌ‬
‫فغيُرها من باب أولى وأحرى‪.‬‬
‫ﭽ ﯚ ﯛ ﯜ ﯝ ﯞ ﯟ ﯠ ﯡ ﯢ ﯣ ﯤ ﯥ ﯦ ﯧ ﯨ ﯩ ﯪﯧﯧ ﯫﯧﯧ ﯬﯧﯧ ﭑ ﭒ ﭓ‬
‫ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ ﭝ ﭞ ﭟ ﭠ ﭡ ﭼ‪.‬‬
‫ن رّبك{‪ :‬الذي رّبى عباده المخلصين‬ ‫}‪ {110‬أي‪ :‬ثم }إ ّ‬
‫م{ لمن هاجر في سبيله‪ ،‬وخّلى‬ ‫بلطفه وإحسانه }لغفور رحي ٌ‬
‫ن على دينه ليرجعَ إلى‬ ‫دياره وأمواله طالبا ً لمرضاةِ الّله‪ ،‬وفُت ِ َ‬
‫الكفر‪ ،‬فثبت على اليمان‪ ،‬وتخّلص ما معه من اليقين‪ ،‬ثم جاهد‬
‫صب ََر على هذه‬ ‫خَلهم في دين الّله بلسان ِهِ ويد ِ ِ‬
‫ه‪ ،‬و َ‬ ‫أعداء الّله ل ِي ُد ْ ِ‬
‫العبادات الشاّقة على أكثر الناس؛ فهذه أكبُر السباب التي ُتنال‬
‫بها أعظم العطايا وأفضل المواهب‪ ،‬وهي مغفرة الّله للذنوب‬
‫ل أمرٍ مكروه‪ ،‬ورحمته‬ ‫من ذلك زوال ك ّ‬ ‫صغارها وكبارها‪ ،‬المتض ّ‬
‫العظيمة التي بها صلحت أحوالهم واستقامت أمور دينهم‬
‫ودنياهم؛ فلهم الرحمة من الّله في يوم القيامة‪.‬‬
‫ل عن نفسها{‪ :‬ك ّ‬
‫ل‬ ‫ل نفس تجاد ِ ُ‬ ‫}‪ {111‬حين }تأتي ك ّ‬
‫مه سوى نفسه؛ ففي ذلك اليوم يفتقر‬ ‫يقول‪ :‬نفسي نفسي‪ ،‬ل يه ُ‬
‫ل نفس ما‬ ‫العبد ُ إلى حصول مثقال ذّرة من الخير‪} .‬وُتوّفـى ك ّ‬
‫ن{‪ :‬فل يزاد ُ في‬ ‫عملت{‪ :‬من خيرٍ وشّر‪} .‬وهم ل ي ُظ َْلمو َ‬
‫س شيئا ً ول‬‫م نف ٌ‬ ‫ص من حسناتهم‪} .‬فاليوم ل ت ُظ ْل َ ُ‬ ‫ق ُ‬ ‫سيئاتهم‪ ،‬ول ي ُن ْ َ‬
‫ن{‪.‬‬ ‫جَزْون إل ّ ما كنُتم تعملو َ‬ ‫ُتـ ْ‬
‫ﭮ ﭯ ﭰ ﭱ‬ ‫ﭽﭢ ﭣ ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ ﭨ ﭩ ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ‬
‫ﭵ ﭶ ﭷ ﭸ ﭹ ﭺ ﭻ ﭼ ﭽ ﭾ ﭿ ﮀ ﮁ ﮂ ﮃ ﮄ ﭼ‪.‬‬ ‫ﭲ ﭳ ﭴ‬
‫كة المشّرفة التي كانت‬ ‫}‪ 112‬ـ ‪ {113‬وهذه القرية هي م ّ‬
‫جْهلُء‪ ،‬حتى‬ ‫ة ال َ‬‫رمها الجاهلي ّ ُ‬ ‫د‪ ،‬وتحت ِ‬ ‫ة ل ُيهاج فيها أح ٌ‬ ‫ة مطمئن ً‬ ‫آمن ً‬
‫دة الحمّية فيهم‬ ‫ه مع ش ّ‬ ‫ج ُ‬
‫ل أبيه وأخيه فل َيهي ُ‬ ‫ن أحدهم يجد قات َ‬ ‫إ ّ‬
‫ل لسواها‪،‬‬ ‫م ما لم يحص ْ‬ ‫والنعرة العربّية‪ ،‬فحصل لها من المن التا ّ‬
‫ن‬
‫وكذلك الرزق الواسع‪ ،‬كانت بلدة ليس فيها زرع ٌ ول شجٌر‪ ،‬ولك ْ‬
‫ل منهم‬ ‫ل مكان‪ ،‬فجاءهم رسو ٌ‬ ‫سَر الّله لها الرزقَ يأتيها من ك ّ‬ ‫ي ّ‬
‫عوهم إلى أكمل المور‪ ،‬وينهاهم عن‬ ‫رفون أمانته وصدَقه؛ يد ُ‬ ‫يع ِ‬
‫ذبوه وكفروا بنعمة الّله عليهم‪ ،‬فأذاقهم اللهّ‬ ‫المور السّيئة‪ ،‬فك ّ‬
‫ضد ّ ما كانوا فيه‪ ،‬وألبسهم }لباس الجوع{ الذي هو ضد ّ الّرغ َ ِ‬
‫د‪،‬‬
‫رهم‬ ‫ف{ الذي هو ضد ّ المن‪ ،‬وذلك بسبب صنيعهم وكف ِ‬ ‫}والخو ِ‬
‫ن‪.‬‬‫مو َ‬ ‫سهم يظل ِ‬ ‫ن كانوا أنف َ‬ ‫م الّله ولك ْ‬ ‫مه ُ ُ‬ ‫رهم‪ ،‬وما ظ َل َ َ‬ ‫شك ْ ِ‬‫وعدم ُ‬
‫ﮐ ﮑ ﮒ ﮓ ﮔ‬ ‫ﭽﮅ ﮆ ﮇ ﮈ ﮉ ﮊ ﮋ ﮌ ﮍ ﮎ ﮏ‬
‫ﮝ ﮞﮟ ﮠ ﮡ ﮢ ﮣ ﮤ ﮥ ﮦ ﮧ ﮨ‬ ‫ﮕ ﮖ ﮗ ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ ﮜ‬
‫ﮩ ﮪ ﮫ ﮬ ﮭ ﮮﮮ ﮯ ﮰ ﮱ ﯓ ﯔ ﯕ ﯖ ﯗ ﯘ ﯙﯚ ﯛ ﯜ ﯝ ﯞ‬
‫ﯟ ﯠ ﯡ ﯢ ﯣ ﯤ ﯥ ﯦ ﯧ ﯨ ﯩ ﯪﯧﯧ ﯫﯧﯧ ﯬﯧﯧ ﯭﯧﯧ ﯮﯧﯧ ﯯﯧﯧ ﭼ ‪.‬‬
‫}‪ {114‬يأمر عباده بأكل ما رزقهم الّله من الحيوانات‬
‫والحبوب والثمار وغيرها‪} .‬حلل ً طّيبًا{؛ أي‪ :‬حالة كونها مّتصفة‬
‫ب‬‫ص ٍ‬ ‫بهذين الوصفين؛ بحيث ل تكون مما حّرم الّله أو أثرا ً من غ َ ْ‬
‫د‪.‬‬‫ف ول ت َعَ ّ‬ ‫خل َقَ الّله لكم من غير إسرا ٍ‬ ‫ونحوه؛ فتمّتعوا بما َ‬
‫ة الّله{‪ :‬بالعتراف بها بالقلب‪ ،‬والثناء على الّله‬ ‫كروا نعم َ‬ ‫}واش ُ‬
‫بها‪ ،‬وصرفها في طاعة الّله‪} .‬إن كنُتم إّياه تعُبدون{؛ أي‪ :‬إن‬
‫سوا المنعم‪.‬‬ ‫كروا إل ّ إّياه‪ ،‬ول تن َ‬ ‫ة؛ فل تش ُ‬ ‫كنُتم مخلصين له العباد َ‬
‫}‪} {115‬إّنما حّرم عليكم{‪ :‬الشياء المضّرة تنزيها ً لكم‪،‬‬
‫ة‬
‫ل ما كان موته على غير ذكا ٍ‬ ‫ل في ذلك ك ّ‬ ‫خ ُ‬‫وذلك‪ :‬كالميتة‪ ،‬ويد ُ‬
‫م{‪:‬‬ ‫ك‪} .‬والد ّ َ‬ ‫مشروعة‪ ،‬وُيستثنى منه ميتة الجراد ِ والسم ِ‬
‫المسفوح‪ ،‬وأما ما يبقى في العروق واللحم؛ فل يضّر‪} .‬ولحم‬
‫ه‪ ،‬وذلك شامل للحمه وشحمه وجميع‬ ‫الخنزير{‪ :‬لقذارت ِهِ وخبث ِ ِ‬
‫ل لغير الّله به{‪ :‬كالذي يذبح للصنام والقبور‬ ‫أجزائه‪} .‬وما أ ُه ِ ّ‬
‫ضط ُّر{‪ :‬إلى شيء من‬ ‫ونحوها؛ لنه مقصود ٌ به الشرك‪} .‬فمن ا ْ‬
‫ك؛ فل‬ ‫ل أن َيـهْل ِ َ‬ ‫المحّرمات؛ بأن حملته الضرورة ُ وخاف إن لم يأك ُ ْ‬
‫ح عليه إذا لم يكن باغيا ً أو عاديًا؛ أي‪ :‬إذا لم ي ُرِد ْ أكل المحّرم‪،‬‬ ‫جنا َ‬
‫وهو غير مضطّر ول متعد ّ الحلل إلى الحرام أو متجاوزٍ لما زاد َ‬
‫على قَد ْرِ الضرورة؛ فهذا الذي حّرمه الّله من المباحات‪.‬‬
‫ب هذا حل ٌ‬
‫ل‬ ‫ف ألسنُتكم الك َذ ِ َ‬ ‫ص ُ‬ ‫}‪} {116‬ول تقولوا لما ت َ ِ‬
‫م{؛ أي‪ :‬ل تحّرموا وتحّللوا من تلقاء أنفسكم كذبا ً‬ ‫وهذا حرا ٌ‬
‫ن‬‫بإ ّ‬ ‫فَتروا على الّله الكذ ِ َ‬ ‫وافتراًء على الّله وتقوّل ً عليه؛ }لت َ ْ‬
‫دنيا ول في‬ ‫ن{‪ :‬ل في ال ّ‬ ‫ب ل يفِلحو َ‬ ‫ن على الّله الك َذ ِ َ‬ ‫الذين يفترو َ‬
‫خْزَيهم‪.‬‬ ‫الخرة‪ ،‬ول بد ّ أن ي ُظ ْهَِر الّله ِ‬
‫ل{‪:‬‬ ‫دنيا؛ فإّنه }متاع ٌ قلي ٌ‬ ‫}‪ {117‬وإن تمّتعوا في ال ّ‬
‫م{‪.‬‬ ‫ب ألي ٌ‬ ‫ومصيرهم إلى النار‪} ،‬ولهم عذا ٌ‬
‫ضل ً منه‬ ‫}‪ {118‬فالّله تعالى ما حّرم علينا إل ّ الخبيثات تف ّ‬
‫ل مستقذٍر‪ ،‬وأما الذين هادوا؛ فحّرم الّله عليهم‬ ‫ة عن ك ّ‬ ‫وصيان ً‬
‫ُ‬
‫صه في سورة‬ ‫ة لهم؛ كما قَ ّ‬ ‫مهم عقوب ً‬ ‫حّلت لهم بسبب ظ ُل ْ ِ‬ ‫تأ ِ‬ ‫طيبا ٍ‬
‫فرٍ ومن‬ ‫ُ‬
‫ل ذي ظ ُ‬ ‫منا ك ّ‬ ‫حّر ْ‬‫النعام في قوله‪} :‬وعلى الذين هادوا َ‬
‫ت ظهوُرهما أِو‬ ‫مل َ ْ‬ ‫مُهما إل ّ ما َ‬
‫حـ َ‬ ‫منا عليهم شحو َ‬ ‫البقر والغنم حّر ْ‬
‫ن{‪.‬‬ ‫ط بعظم ٍ ذلك جزيناهم ببغيهم وإّنا لصادقو َ‬ ‫الحوايا أو ما اختل َ َ‬
‫ﭽﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ ﭝ ﭞ ﭟ ﭠ ﭡ‬
‫ﭢ ﭣ ﭤ ﭼ‪.‬‬
‫ض منه لعباد ِهِ على التوبة ودعوة ٌ لهم إلى‬ ‫}‪ {119‬وهذا ح ّ‬
‫جني‬‫ة{‪ :‬بعاقبةٍ ما َتـ ْ‬ ‫ً‬
‫ن من عمل سوءا }بجهال ٍ‬ ‫النابة‪ ،‬فأخبر أ ّ‬
‫مدا ً للذنب؛ فإّنه ل بد ّ أن ينقص ما في قلبه من‬ ‫عليه‪ ،‬ولو كان متع ّ‬
‫ك الذنب وندم‬ ‫ن ت ََر َ‬‫ت مقارفة الذنب؛ فإذا تاب وأصلح بأ ْ‬ ‫العلم وق َ‬
‫مه ويتقّبل توبَته‬ ‫ّ‬
‫ن الله يغفر له ويرحـ ُ‬ ‫َ‬
‫)‪ (1‬عليه وأصلح أعماله؛ فإ ّ‬
‫ده إلى حالته الولى أو أعلى منها‪.‬‬ ‫ويعي ُ‬
‫ﭨ ﭩ ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ ﭯ ﭰ ﭱ ﭲﭳ ﭴ‬ ‫ﭽﭥ ﭦ ﭧ‬
‫ﭵ ﭶ ﭷ ﭸ ﭹ ﭺ ﭻ ﭼ ﭽﭾ ﭿ ﮀ ﮁ ﮂ ﮃ ﮄ ﮅ ﮆ ﮇ ﮈ ﮉ‬
‫ﮐ ﮑ ﮒ ﭼ‪.‬‬ ‫ﮌﮍ ﮎ ﮏ‬ ‫ﮊ ﮋ‬
‫ل به خليَله إبراهيم عليه‬‫ض َ‬‫ما فَ ّ‬
‫}‪ {120‬يخبر تعالى ع ّ‬
‫صه به من الفضائل العالية والمناقب الكاملة‪،‬‬ ‫الصلة والسلم وخ ّ‬
‫ة{؛ أي‪ :‬إماما ً جامعا ً لخصال الخير‬ ‫م ً‬
‫ن إبراهيم كان أ ّ‬
‫فقال‪} :‬إ ّ‬

‫‪ -‬في )ب(‪» :‬وعزم«‪.‬‬ ‫‪1‬‬


‫هاديا ً مهتديًا‪} ،‬قانتا ً لّله{؛ أي‪ :‬مديما ً لطاعة رّبه مخلصا ً له الدين‪،‬‬
‫من‬‫}حنيفًا{‪ :‬مقبل ً على الّله بالمحّبة والنابة والعبودّية‪ ،‬معرضا ً ع ّ‬
‫ك من المشركين{‪ :‬في قول ِهِ وعمله وجميع‬ ‫سواه‪} .‬ولم ي َ ُ‬
‫أحواله؛ لّنه إمام الموحدين الحنفاء‪.‬‬
‫ة‪،‬‬‫دنيا حسن ً‬‫ه{؛ أي‪ :‬آتاه الّله في ال ّ‬ ‫}‪} {121‬شاكرا ً لنع ِ‬
‫م ِ‬
‫ة هذه‬ ‫ة‪ ،‬فقام بشكرها‪ ،‬فكان نتيج ُ‬ ‫وأنعم عليه بنعم ٍ ظاهرةٍ وباطن ٍ‬
‫صه بخّلته وجعله من‬ ‫ن }اجتباه{ رّبه واخت ّ‬ ‫الخصال الفاضلة أ ِ‬
‫ط‬
‫قهِ وخيار عباده المقّربين‪} .‬وهداه إلى صرا ٍ‬ ‫صفوة خل ِ‬
‫مستقيم{‪ :‬في علمه وعمله‪ ،‬فعلم بالحقّ وآثره على غيره‪.‬‬
‫ة{‪ :‬رزقا ً واسعًا‪ ،‬وزوج ً‬
‫ة‬ ‫دنيا حسن ً‬ ‫}‪} {122‬وآتيناه في ال ّ‬
‫حسناء‪ ،‬وذّرّية صالحين‪ ،‬وأخلقا ً مرضية‪} .‬وإ ِّنه في الخرة لم َ‬
‫ن‬
‫ب العظيم من الّله‬ ‫قْر ُ‬
‫ة وال ُ‬‫صالحين{‪ :‬الذين لهم المنازل العالي ُ‬ ‫ال ّ‬
‫تعالى‪.‬‬
‫ن الّله أوحى لسّيد الخلق‬ ‫}‪ {123‬ومن أعظم فضائله أ ّ‬
‫وأكمل ِِهم أن يّتبع مّلة إبراهيم ويقتدي به هو وأ ّ‬
‫مته‪.‬‬
‫ﮢ ﮣ ﮤ‬ ‫ﭽ ﮓ ﮔ ﮕ ﮖ ﮗ ﮘ ﮙﮚ ﮛ ﮜ ﮝ ﮞ ﮟ ﮠ ﮡ‬
‫ﮥ ﭼ‪.‬‬
‫ت{؛ أي‪ :‬فرضا ً‬
‫سب ْ ُ‬ ‫جعِ َ‬
‫ل ال ّ‬ ‫}‪ {124‬يقول تعالى‪} :‬إّنما ُ‬
‫}على الذين اختلفوا فيه{‪ :‬حين ضّلوا عن يوم الجمعة‪ ،‬وهم‬
‫ت احترامه‬ ‫اليهود‪ ،‬فصار اختلفهم سببا ً لن يجب عليهم في السب ِ‬
‫ة الحقيقّية ليوم الجمعة‪ ،‬الذي هدى الّله‬ ‫وتعظيمه‪ ،‬وإل ّ ؛ فالفضيل ُ‬
‫م بينهم يوم القيامة فيما كانوا فيه‬ ‫ن رّبك َليحك ُ ُ‬ ‫هذه المة إليه‪} .‬وإ ّ‬
‫طل والمستحقّ للثواب‬ ‫يختلفون{‪ :‬فيبيّـن لهم المحقّ من المب ِ‬
‫ممن استحقّ العذاب )‪. (1‬‬
‫ﭽ ﮦ ﮧ ﮨ ﮩ ﮪ ﮫ ﮬﮭ ﮮﮮ ﮯ ﮰ ﮱﯓ ﯔ ﯕ ﯖ ﯗ ﯘ ﯙ ﯚ‬
‫ﯛﯜ ﯝ ﯞ ﯟ ﯠ ﭼ‪.‬‬
‫}‪ {125‬أي‪ :‬ليكن دعاؤك للخلق مسلمهم وكافرهم إلى‬
‫سبيل رّبك المستقيم المشتمل على العلم النافع والعمل الصالح‪،‬‬
‫}بالحكمة{؛ أي‪ :‬كل أحد ٍ على حسب حاله وفَْهمه وَقبوله‬
‫م‬
‫وانقياده‪ ،‬ومن الحكمة الدعوة ُ بالعلم ل بالجهل‪ ،‬والبدأة باله ّ‬
‫ب إلى الذهان والفهم‪ ،‬وبما يكون َقبوله أت ّ‬
‫م‪،‬‬ ‫م‪ ،‬وبالقر ِ‬
‫فاله ّ‬
‫ن انقاد بالحكمة‪ ،‬وإل ّ ؛ فينتقل معه بالدعوة‬
‫وبالرفق واللين؛ فإ ِ‬
‫بالموعظة الحسنة‪ ،‬وهو المر والنهي المقرون بالترغيب‬

‫‪ -‬في )ب(‪» :‬العقاب«‪.‬‬ ‫‪1‬‬


‫والترهيب‪ :‬إما بما تشتمل عليه الوامر من المصالح وتعدادها‬
‫م بدين‬ ‫والنواهي من المضار وتعدادها‪ ،‬وإما بذكر إكرام من قا َ‬
‫قم به‪ ،‬وإما بذكر ما أعد ّ الّله للطائعين من‬ ‫الّله وإهانةِ من لم ي ُ‬
‫الثواب العاجل والجل وما أعد ّ للعاصين من العقاب العاجل‬
‫ة‬
‫ق‪ ،‬أو كان داعي ً‬ ‫والجل؛ فإن كان المدعوّ يرى أن ما ]هو[ عليه ح ّ‬
‫طرق التي تكون‬ ‫ل بالتي هي أحسن‪ ،‬وهي ال ّ‬ ‫إلى الباطل؛ فيجاد َ ُ‬
‫ل‪ ،‬ومن ذلك الحتجاج عليه بالدّلة التي‬ ‫أدعى لستجابته عقل ً ونق ً‬
‫دي‬ ‫كان يعتقدها؛ فإّنه أقرب إلى حصول المقصود وأن ل تؤ ّ‬
‫صل‬ ‫المجادلة إلى خصام أو مشاتمةٍ تذهب بمقصودها ول تح ُ‬
‫الفائدة منها‪ ،‬بل يكون القصد ُ منها هداية الخلق إلى الحقّ ل‬
‫ل عن‬ ‫ن رّبك هو أعلم بمن ض ّ‬ ‫المغالبة ونحوها‪ .‬وقوله‪} :‬إ ّ‬
‫داه إلى الضلل‪ ،‬وعلم أعماله‬ ‫سبيله{؛ علم السبب الذي أ ّ‬
‫المترّتبة على ضللته‪ ،‬وسيجازيه عليها‪} .‬وهو أعلم بالمهتدين{‪:‬‬
‫ن عليهم فاجتباهم‪.‬‬ ‫صُلحون للهداية فهداهم‪ ،‬ثم م ّ‬ ‫علم أّنهم ي َ ْ‬
‫ﭽ ﯡ ﯢ ﯣ ﯤ ﯥ ﯦ ﯧﯨ ﯩ ﯪﯧﯧ ﯫﯧﯧ ﯬﯧﯧ ﯭﯧﯧ ﯮﯧﯧ ﯯﯧﯧ ﯰﯧﯧ ﯱﯧﯧ ﯷ ﯷﯷ ﯷ ﯷ‬
‫ﯷ ﯷ ﯷ ﯷ ﯷ ﯼ ﯽ ﯾ ﯿ ﭼ‪.‬‬
‫}‪ {126‬يقول تعالى مبيحا ً للعدل ونادبا ً للفضل والحسان‪:‬‬
‫ن أساء إليكم بالقول والفعل‪} ،‬فعاِقبوا بمثل ما‬ ‫م ْ‬‫ن عاقَب ُْتم{‪َ :‬‬ ‫}وإ ْ‬
‫عوقِب ُْتم به{‪ :‬من غير زيادةٍ منكم على ما أجراه معكم‪} .‬ول َِئن‬ ‫ُ‬
‫صبرُتم{‪ :‬عن المعاقبة وعفوُتم عن جرمهم‪} ،‬لهو خيٌر‬
‫ن{‪ :‬من الستيفاء‪ ،‬وما عند الّله خيٌر لكم وأحسن عاقب ً‬
‫ة؛‬ ‫صابري َ‬ ‫لل ّ‬
‫جُره ُ على الّله{‪.‬‬ ‫ح فأ ْ‬ ‫صل َ َ‬
‫كما قال تعالى‪} :‬فمن عفا وأ ْ‬
‫}‪ 127‬ـ ‪ {128‬ثم أمر رسوله بالصبر على دعوةِ الخلق‬
‫إلى الّله والستعانة بالّله على ذلك وعدم الّتكال على النفس‪،‬‬
‫ك إل ّ بالّله{‪ :‬هو الذي ُيعينك عليه وي ُث َب ُّتك‪.‬‬ ‫صب ُْر َ‬
‫صب ِْر وما َ‬ ‫فقال‪} :‬وا ْ‬
‫ن‬
‫ك؛ فإ ّ‬ ‫ن عليهم{‪ :‬إذا دعوَتهم فلم ت ََر منهم َقبول ً لدعوت ِ َ‬ ‫حَز ْ‬‫}ول ت َ ْ‬
‫حَرج‬ ‫دة و َ‬ ‫ق{؛ أي‪ :‬ش ّ‬ ‫ضي ْ ٍ‬
‫ك في َ‬ ‫جدي عليك شيئًا‪} .‬ول ت َ ُ‬ ‫الحزن ل ُيـ ْ‬
‫ن مكرهم عائد ٌ إليهم‪ ،‬وأنت من المّتقين‬ ‫كرون{‪ :‬فإ ّ‬ ‫}مما يم ُ‬
‫المحسنين‪ ،‬والّله مع المتقين المحسنين بعونه وتوفيقه وتسديده‪،‬‬
‫وهم الذين اّتقوا الكفر والمعاصي‪ ،‬وأحسنوا في عبادة الّله؛ بأن‬
‫كونوا ي ََرْونه فإّنه يراهم‪،‬‬ ‫ن َلم ي ُ‬ ‫عبدوا الّله كأّنهم يروَنه؛ فإ ْ‬
‫والحسان إلى الخلق ببذل النفع لهم من كل وجه‪ .‬نسأل الّله أن‬
‫جعََلنا من المتقين المحسنين‪.‬‬ ‫َيـ ْ‬
‫فف ففففف فففففف‪.‬‬ ‫فف ففففف فففف ففففف‪ .‬فف ف‬
***
‫تفسير سورة بني إسرائيل‬
‫وهي مكية‬

‫ﭠ‬ ‫ﭚ ﭛ ﭜ ﭝ ﭞ ﭟ‬ ‫ﭙ‬ ‫ﭽﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ‬


‫ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ ﭼ‪.‬‬ ‫ﭡﭢ ﭣ‬
‫ن له الفعال‬ ‫ظمها ل ّ‬‫دسة ويع ّ‬ ‫}‪ {1‬ينّزه تعالى نفسه المق ّ‬
‫ه{‪:‬‬ ‫العظيمة والمنن الجسيمة التي من جملتها أنه }أسرى بعبد ِ ِ‬
‫ورسوله محمد صلى الله عليه وسلم‪} ،‬من المسجد الحرام{‪:‬‬
‫ل المساجد على الطلق‪} ،‬إلى المسجد القصى{‪:‬‬ ‫الذي هو أج ّ‬
‫ل النبياء‪ ،‬فأسرى به‬ ‫الذي هو من المساجد الفاضلة‪ ،‬وهو مـحـ ّ‬
‫دا‪ ،‬ورجع في ليلته‪ ،‬وأراه الّله‬ ‫في ليلة واحدةٍ إلى مسافة بعيدةٍ ج ّ‬
‫من آياته ما ازداد به هدىً وبصيرة ً وثباتا ً وفرقانًا‪ ،‬وهذا من اعتنائه‬
‫وله‬‫سره لليسرى في جميع أموره‪ ،‬وخ ّ‬ ‫تعالى به ولطفه؛ حيث ي ّ‬
‫ن السراء كان في‬ ‫نعما ً فاق بها الّولين والخرين‪ .‬وظاهر الية أ ّ‬
‫أول الليل‪ ،‬وأّنه من نفس المسجد الحرام‪ ،‬لكن ثبت في الصحيح‬
‫سرِيَ به من بيت أم هانىء )‪ (1‬؛ فعلى هذا تكون الفضيلة في‬ ‫ُ‬
‫أنه أ ْ‬
‫المسجد الحرام لسائر الحرم؛ فكّله تضاعف )‪ (2‬فيه العبادة‬
‫ن السراء بروحه وجسده معًا‪،‬‬ ‫كتضاعفها في نفس المسجد‪ ،‬وأ ّ‬
‫ة عظيمة‪.‬‬ ‫ة كبرى ومنقب ٌ‬ ‫وإل ّ لم يكن في ذلك آي ٌ‬
‫وقد تكاثرت الحاديث الثابتة عن النبي صلى الله عليه‬
‫سرِيَ به إلى‬ ‫ُ‬ ‫)‪(3‬‬
‫وسلم في السراء وذكر تفاصيل ما رأى‪ ،‬وأنه أ ْ‬
‫رج به من هناك إلى السماوات حتى وصل‬ ‫بيت المقدس‪ ،‬ثم ع ُ ِ‬
‫إلى ما فوق السماوات الُعلى‪ ،‬ورأى الجنة والنار‪ ،‬والنبياء على‬
‫جعُ رّبه‬
‫ت خمسين‪ ،‬ثم ما زال يرا ِ‬ ‫ض عليه الصلوا ُ‬ ‫مراتبهم‪ ،‬وفُرِ َ‬
‫بإشارة موسى الكليم حتى صارت خمسا ً في الفعل وخمسين‬
‫)‪(4‬‬

‫في الجر )‪ (5‬والثواب‪ ،‬وحاز من المفاخر تلك الليلة هو وأمُته ما ل‬


‫يعلم مقداَره إل ّ الّله عز وجل‪ .‬وذ َك ََره ُ هنا وفي مقام النزال‬
‫دي بصفة العبودّية؛ لّنه نال هذه المقامات‬ ‫للقرآن ومقام التح ّ‬
‫الكبار بتكميله لعبودّية ربه‪.‬‬
‫‪ - 1‬انظر »سيرة ابن هشام« )‪ (2/15‬ط دار إحياء التراث العربي‪ .‬وانظر‬
‫»الفتح« )‪ (7/204‬فقد جمع الحافظ ابن حجر بين الروايات‪.‬‬
‫‪ - 2‬في )ب(‪» :‬تتضاعف«‪.‬‬
‫‪ - 3‬كما في »صحيح البخاري« )‪3207‬و ‪ ،(3887‬ومسلم )‪ (162‬وقد ساق‬
‫الحافظ ابن كثير أحاديث السراء في أول تفسير سورة السراء‪.‬‬
‫‪ - 4‬في )ب(‪» :‬بالفعل«‪.‬‬
‫‪ - 5‬في )ب(‪» :‬بالجر«‪.‬‬
‫كنا حوله{؛ أي‪ :‬بكثرة الشجار والنهار‬ ‫وقوله‪} :‬الذي باَر ْ‬
‫والخصب الدائم‪ ،‬ومن بركته تفضيله على غيره من المساجد‬
‫ب شد ّ الرحل‬ ‫سوى المسجد الحرام ومسجد المدينة‪ ،‬وأنه ي ُط ْل َ ُ‬
‫صه محل ّ لكثيرٍ من أنبيائه‬ ‫ن الّله اخت ّ‬
‫إليه للعبادة والصلة فيه‪ ،‬وأ ّ‬
‫وأصفيائه‪.‬‬
‫ﭽﭨ ﭩ ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ ﭯ ﭰ ﭱ ﭲ ﭳ ﭴ ﭵ ﭶ ﭷ ﭸ‬
‫ﭹﭺ ﭻ ﭼ ﭽ ﭾ ﭿ ﮀ ﮁ ﮂ ﮃ ﮄ ﮅ ﮆ ﮇ ﮈ ﮉ ﮊ ﮋ ﮌ ﮍ‬
‫ﮎ ﮏ ﮐ ﮑ ﮒ ﮓ ﮔ ﮕ ﮖ ﮗ ﮘ ﮙ ﮚ ﮛﮜ ﮝ ﮞ ﮟ ﮠﮮ ﮡ‬
‫ﮢ ﮣ ﮤ ﮥ ﮦ ﮧﮮ ﮨ ﮩﮮ ﮪ ﮫ ﮬ ﮭ ﮮﮮ ﮯ ﮰﮱ ﯓ ﯔ ﯕﯖ ﯗ ﯘ ﯙ‬
‫ﯚ ﯛ ﯜ ﯝ ﯞ ﯟﮮ ﯠ ﯡ ﯢ ﯣ ﯤ ﯥﯦ ﯧ ﭑ ﭒ ﭓ ﭔﭕ ﭖ ﭗ ﭘﭙ ﭚ ﭛ‬
‫ﭜ ﭝ ﭞ ﭼ‪.‬‬
‫وة محمد صلى الله عليه‬ ‫ن الباري بين نب ّ‬ ‫}‪ {2‬كثيرا ً ما ي َ ْ‬
‫قرِ ُ‬
‫وة موسى صلى الله عليه وسلم وبين كتابيهما‬ ‫وسلم ونب ّ‬
‫ن كتابيهما أفضل الكتب‪ ،‬وشريعتيهما أكمل‬ ‫وشريعتيهما؛ ل ّ‬
‫وات‪ ،‬وأتباعهما أكثر المؤمنين‪ ،‬ولهذا‬ ‫وتيهما أعلى النب ّ‬ ‫الشرائع‪ ،‬ونب ّ‬
‫ْ‬
‫جعَلناه‬ ‫ب{‪ :‬الذي هو التوراة‪} ،‬و َ‬ ‫قال هنا‪} :‬وآتينا موسى الكتا َ‬
‫ن به في ظ ُُلمات الجهل إلى العلم‬ ‫هدىً لبني إسرائيل{‪ :‬يهتدو َ‬
‫ل{؛ أي‪ :‬وقلنا لهم ذلك‪ ،‬وأنزلنا‬ ‫من دوني وكي ً‬ ‫ق‪} .‬أل ّ تّتخذوا ِ‬ ‫بالح ّ‬
‫إليهم الكتاب لذلك؛ ليعبدوا الّله وحده‪ ،‬وُينيبوا إليه‪ ،‬ويّتخذوه‬
‫دنياهم‪ ،‬ول يتعّلقوا بغيره‬ ‫ده وكيل ً ومدبرا ً لهم في أمر دينهم و ُ‬ ‫وح َ‬
‫من المخلوقين الذين ل يملكون شيئا ً ول ينفعوَنهم بشيٍء‪.‬‬
‫من َّنا‬‫ن َ‬ ‫مْلنا مع نوح{؛ أي‪ :‬يا ذ ُّرّية َ‬
‫م ْ‬ ‫حـ َ‬‫ن َ‬ ‫م ْ‬ ‫ة َ‬‫}‪} {3‬ذ ُّري ّ َ‬
‫ً‬ ‫ً‬
‫عليهم وحملناهم مع نوح‪} .‬إّنه كان عبدا شكورا{‪ :‬ففيه التنويه‬
‫بالثناء على نوح عليه السلم بقيامه بشكر الّله واّتصافه بذلك‪،‬‬
‫كروا‬‫ث لذ ُّري ّت ِهِ أن يقتدوا به في شكره ويتابعوه عليه‪ ،‬وأن يتذ ّ‬ ‫والح ّ‬
‫أبقاهم‪ ،‬واستخلفهم في الرض‪ ،‬وأغرق‬ ‫)‪(1‬‬
‫ة الله عليهم إذ‬ ‫ّ‬ ‫نعم َ‬
‫غيرهم‪.‬‬
‫دنا إليهم‬ ‫دمنا وع َهِ ْ‬‫ضْينا إلى بني إسرائيل{؛ أي‪ :‬تق ّ‬ ‫}‪} {4‬وقَ َ‬
‫ع‪ :‬منهم إفساد ٌ في الرض‬ ‫وأخبرناهم في كتابهم أنهم ل بد ّ أن يق َ‬
‫طر لنعم الّله والعلوّ في الرض‬ ‫مرتين بعمل المعاصي والب َ َ‬
‫ط الّله عليهم العداء‬ ‫والتكّبر فيها‪ ،‬وأّنه إذا وقع واحدة ٌ منهما؛ سل ّ َ‬
‫كرون‪.‬‬ ‫وانتقم منهم‪ ،‬وهذا تحذيٌر لهم وإنذاٌر لعّلهم يرجعون فيتذ ّ‬

‫‪ -‬في )ب(‪» :‬إذا«‪.‬‬ ‫‪1‬‬


‫}‪} {5‬فإذا جاء وَع ْد ُ أولهما{؛ أي‪ :‬أولى المرتين اللتين‬
‫د‪} ،‬ب َعَْثنا عليكم{‪:‬‬ ‫يفسدون فيهما؛ أي‪ :‬إذا وقع منهم ذلك الفسا ُ‬
‫بعثا ً قدرّيا وسّلطنا عليكم تسليطا ً كونّيا جزائّيا‪} ،‬عبادا ً لنا أولي‬
‫ه عليكم‪،‬‬ ‫ة‪ ،‬فنصرهم الل ّ ُ‬ ‫د{؛ أي‪ :‬ذوي شجاعة وعدد ٍ وع ُد ّ ٍ‬ ‫س شدي ٍ‬ ‫بأ ٍ‬
‫ديار{‪:‬‬ ‫ل ال ّ‬ ‫وا أولدكم ونهبوا أموالكم‪ ،‬وجاسوا }خل َ‬ ‫سب َ ْ‬
‫فقتلوكم و َ‬
‫دور‪ ،‬ودخلوا المسجد الحرام‪ ،‬وأفسدوه‪} .‬وكان وعدا ً‬ ‫فهتكوا ال ّ‬
‫سرون‬ ‫ل{‪ :‬ل بد ّ من وقوعه لوجود سببه منهم‪ .‬واختلف المف ّ‬ ‫مفعو ً‬
‫م كفاٌر‪:‬‬ ‫في تعيين هؤلء المسّلطين؛ إل ّ أّنهم اّتفقوا على أّنهم قو ٌ‬
‫ما من أهل العراق‪ ،‬أو الجزيرة‪ ،‬أو غيرها؛ سّلطهم الّله على بني‬ ‫إ ّ‬
‫ً‬
‫ت فيهم المعاصي وتركوا كثيرا من شريعتهم‬ ‫إسرائيل لما ك َث َُر ْ‬
‫وط ََغوا في الرض‪.‬‬
‫م الك َّرة َ عليهم{؛ أي‪ :‬على هؤلء الذين‬ ‫دنا لك ُ‬
‫}‪} {6‬ثم َرد َ ْ‬
‫دناكم بأموال‬ ‫جل َْيتموهم من دياركم‪} ،‬وأمد َ ْ‬ ‫سلطوا عليكم فأ ْ‬ ‫ُ‬
‫ويناكم عليهم‪،‬‬ ‫ن{؛ أي‪ :‬أكثرنا أرزاقكم وكّثرناكم وق ّ‬ ‫وبني َ‬
‫كم أكثَر نفيرًا{‪ :‬منهم‪ ،‬وذلك بسبب إحسانكم وخضوعكم‬ ‫}وجعلنا ُ‬
‫لّله‪.‬‬
‫ن النفع عائد ٌ إليكم‬ ‫سكم{‪ :‬ل ّ‬ ‫ن أحسنُتم أحسنُتم لنف ِ‬ ‫}‪} {7‬إ ْ‬
‫ن‬
‫صاركم على أعدائكم‪} .‬وإ ْ‬ ‫دنيا كما شاهدتم من انت ِ‬ ‫حتى في ال ّ‬
‫أسأُتم فلها{؛ أي‪ :‬فلنفسكم يعود الضرر؛ كما أراكم الّله من‬
‫)‪(1‬‬
‫تسليط العداء‪} .‬فإذا جاء وعد ُ الخرة{؛ أي‪ :‬المّرة الخرى‬
‫طنا أيضا ً عليكم العداء‪،‬‬ ‫سدون فيها في الرض؛ سل ّ ْ‬ ‫التي تف ِ‬
‫خلوا‬‫سب ِْيكم‪} ،‬ول ِي َد ْ ُ‬ ‫}ليسوءوا وجوهكم{‪ :‬بانتصارهم عليكم و َ‬
‫ة{‪ :‬والمراد بالمسجد مسجد بيت‬ ‫خلوه أّول مّر ٍ‬‫المسجد كما د َ َ‬
‫وا{‪ :‬عليه‬ ‫مروا }ما ع َل َ ْ‬ ‫المقدس‪} ،‬ول ِي ُت َّبروا{؛ أي‪ :‬يخّربوا ويد ّ‬
‫}تتبيرًا{‪ :‬فيخّربوا بيوتكم ومساجدكم وحروثكم‪.‬‬
‫مكم{‪ :‬فُيديل لكم الكرة عليهم‪،‬‬ ‫حـ َ‬
‫}‪} {8‬عسى رّبكم أن ير َ‬
‫ن‬
‫عدهم على المعاصي‪ ،‬فقال‪} :‬وإ ْ‬ ‫فرحمهم وجعل لهم الدولة وتو ّ‬
‫دنا{‪ :‬إلى عقوبِتكم‪ ،‬فعادوا‬ ‫عدتم{‪ :‬إلى الفساد في الرض‪} ،‬ع ُ ْ‬ ‫ُ‬
‫ً‬
‫لذلك‪ ،‬فسلط الله عليهم رسوله محمدا صلى الله عليه وسلم‪،‬‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬
‫دنيا‪ ،‬وما عند الّله من الّنكال‬ ‫فانتقم الّله به مُنهم؛ فهذا جزاء ال ّ‬
‫جعَْلنا جهّنم للكافرين حصيرًا{‪:‬‬ ‫ع‪ ،‬ولهذا قال‪} :‬و َ‬ ‫م وأشن ُ‬ ‫أعظ ُ‬
‫ً‬
‫يصلونها ويلِزمونها ل يخرجون منها أبدا‪ .‬وفي هذه اليات التحذير‬
‫مة من العمل بالمعاصي؛ لئل ّ يصيبهم ما أصاب بني‬ ‫لهذه ال ّ‬
‫دل ول تغّير‪ ،‬ومن نظر إلى‬ ‫إسرائيل؛ فسّنة الّله واحدة ٌ ل تب ّ‬
‫ن ذلك من أجل‬ ‫فأ ّ‬ ‫تسليط الكفرة على المسلمين والظ َّلمة؛ ع ََر َ‬
‫‪ -‬في )ب(‪» :‬الخرة«‪.‬‬ ‫‪1‬‬
‫ة لهم‪ ،‬وأّنهم إذا أقاموا كتاب الّله وسّنة رسوله؛‬
‫ذنوبهم عقوب ً‬
‫كن لهم في الرض‪ ،‬ونصرهم على أعدائهم‪.‬‬ ‫م ّ‬
‫ﭯ‬ ‫ﭧ ﭨ ﭩ ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ‬ ‫ﭽﭟ ﭠ ﭡ ﭢ ﭣ ﭤ ﭥ ﭦ‬
‫ﭰ ﭱ ﭲ ﭳ ﭴ ﭵ ﭶ ﭷ ﭸ ﭹ ﭼ‪.‬‬
‫}‪ 9‬ـ ‪ {10‬يخبر تعالى عن شرف القرآن وجللته وأّنه‬
‫ل وأعلى من العقائد والعمال‬ ‫م{؛ أي‪ :‬أعد ُ‬ ‫}يهدي للتي هي أقو ُ‬
‫ل الناس‬ ‫ن؛ كان أكم َ‬‫والخلق؛ فمن اهتدى بما يدعو إليه القرآ ُ‬
‫شُر المؤمنين الذين‬ ‫مهم وأهداهم في جميع المور‪} .‬ويب ّ‬ ‫وأقو َ‬
‫ن لهم أجرا ً‬ ‫سنن‪} ،‬أ ّ‬ ‫ت{‪ :‬من الواجبات وال ّ‬ ‫صالحا ِ‬
‫ن ال ّ‬‫يعملو َ‬
‫فه إل ّ هو‪} .‬وأ ّ‬
‫ن‬ ‫ده الله لهم في دار كرامته ل يعلم وص َ‬ ‫ّ‬ ‫كبيرًا{‪ :‬أع ّ‬
‫ن مشتم ٌ‬
‫ل‬ ‫دنا لهم عذابا ً أليمًا{؛ فالقرآ ُ‬‫الذين ل يؤمنون بالخرةِ أع ْت َ ْ‬
‫على البشارة والّنذارة وذ ِك ْرِ السباب التي ُتنال بها البشارة‪ ،‬وهو‬
‫اليمان والعمل الصالح‪ ،‬والتي تستحقّ بها النذارة‪ ،‬وهو ضد ّ ذلك‪.‬‬
‫ﭽ ﭺ ﭻ ﭼ ﭽ ﭾﭿ ﮀ ﮁ ﮂ ﮃ ﭼ ‪.‬‬
‫}‪ {11‬وهذا من جهل النسان وعجلته؛ حيث يدعو على‬
‫نفسه وأولده بالشّر عند الغضب‪ ،‬ويباد ُِر بذلك الدعاء كما يباد ُِر‬
‫ب له في الخير‬ ‫ن الّله من لطفه )‪ (1‬يستجي ُ‬ ‫دعاء في الخير‪ ،‬ولك ّ‬ ‫بال ّ‬
‫ل الله للناس الشّر استعجالهم‬ ‫ج ُ‬
‫ب له بالشر‪ ،‬ولو ي ُعَ ّ‬
‫ول يستجي ُ‬
‫قضي إليهم أجلهم‪.‬‬ ‫بالخير ل َ ُ‬
‫ﭽ ﮄ ﮅ ﮆ ﮇﮈ ﮉ ﮊ ﮋ ﮌ ﮍ ﮎ ﮏ ﮐ ﮑ ﮒ ﮓ ﮔ ﮕ‬
‫ﮖ ﮗﮘ ﮙ ﮚ ﮛ ﮜ ﮝ ﭼ ‪.‬‬
‫ن{؛ أي‪:‬‬ ‫}‪ {12‬يقول تعالى‪} :‬وجعلنا اللي َ‬
‫ل والنهار آيتي ِ‬
‫سَعة رحمته وأّنه الذي ل تنبغي‬ ‫داّلتين على كمال قدرة الّله و َ‬
‫ونا آية الليل{؛ أي‪ :‬جعلناه مظلما ً للسكون‬ ‫ح ْ‬ ‫العبادة إل ّ له‪} .‬فَ َ‬
‫م َ‬
‫ة{؛ أي‪ :‬مضيئة‪} ،‬لتبتغوا‬ ‫ة النهارِ مبصر ً‬ ‫فيه والراحة‪} .‬وجعلنا آي َ‬
‫ضل ً من رّبكم{‪ :‬في معايشكم وصنائعكم وتجاراتكم وأسفاركم‪،‬‬ ‫فَ ْ‬
‫}ولتعلموا{‪ :‬بتوالي الليل والنهار واختلف القمر }ع َد َد َ السنين‬
‫ب{‪ :‬فتبنون عليها ما تشاؤون من مصالحكم‪} .‬وك ّ‬
‫ل‬ ‫والحسا َ‬
‫ل{؛ أي‪ :‬بي ّّنا اليات‪ ،‬وصّرفناه لتتميز الشياء‪،‬‬ ‫صْلناه تفصي ً‬ ‫شيٍء ف ّ‬
‫طنا في الكتاب‬ ‫ويتبيّـن الحقّ من الباطل؛ كما قال تعالى‪} :‬ما فّر ْ‬
‫من شيٍء{‪.‬‬
‫ﮯ‬ ‫ﭽ ﮞ ﮟ ﮠﮮ ﮡ ﮢ ﮣ ﮤ ﮥ ﮦ ﮧﮮ ﮨ ﮩﮮ ﮪ ﮫ ﮬ ﮭ ﮮﮮ‬
‫ﮰ ﮱ ﯓ ﯔ ﯕ ﭼ‪.‬‬

‫‪ -‬في )ب(‪» :‬بلطفه«‪.‬‬ ‫‪1‬‬


‫ل إنسان‬‫نك ّ‬ ‫}‪ 13‬ـ ‪ {14‬وهذا إخباٌر عن كمال عدله‪ :‬أ ّ‬
‫ه؛ أي‪ :‬ما عمل من خيرٍ وشّر يجعله الّله‬ ‫ق ِ‬‫ه طائ َِره ُ في عن ِ‬ ‫م ُ‬ ‫ي ُل ْزِ ُ‬
‫ب‬
‫س ُ‬‫ب بعمل غيره ول يحا َ‬ ‫س ُ‬‫داه إلى غيره؛ فل يحا َ‬ ‫ملزما ً له ل يتع ّ‬
‫ج له يوم القيامةِ كتابا ً يلقاه ُ منشورًا{‪ :‬فيه‬ ‫غيره بعمله‪} .‬ونـخـرِ ُ‬
‫ه‪ ،‬ويقال له‪} :‬اقرأ‬ ‫ه من الخير والشّر حاضرا ً صغيُره ُ وكبيُر ُ‬ ‫عمل ُ ُ‬
‫ك اليوم عليك حسيبًا{‪ :‬وهذا من أعظم العدل‬ ‫س َ‬
‫ك كفى بنف ِ‬ ‫كتاب َ َ‬
‫ك؛ ليعرف ما عليه من‬ ‫س َ‬‫ب نف َ‬ ‫س ْ‬‫د‪ :‬حا ِ‬‫والنصاف أن يقال للعب ِ‬
‫الحقّ الموجب للعقاب‪.‬‬
‫ﯷ ﯷ ﯷ‬ ‫ﭽ ﯖ ﯗ ﯘ ﯙ ﯚﯛ ﯜ ﯝ ﯞ ﯟﮮ ﯠﯡ ﯢ ﯣ ﯤ ﯥﯦﯧ ﯨ ﯩ‬
‫ﯷ ﯷ ﭼ‪.‬‬
‫ل أحد ٍ وضلله لنفسه‪ .‬ل يحمل أحد ٌ ذنب‬ ‫ةك ّ‬ ‫}‪ {15‬أي‪ :‬هداي ُ‬
‫ل ذّرة من الشّر‪ ،‬والّله تعالى أعدل‬ ‫د‪ ،‬ول يدفع عنه مثقا َ‬ ‫أح ٍ‬
‫جة بالرسالة ثم يعاند‬ ‫ذب أحدا حتى تقوم عليه الح ّ‬ ‫ً‬ ‫العادلين‪ ،‬ل يع ّ‬
‫جة الّله تعالى؛ فإ ّ‬
‫ن‬ ‫جة أو لم تبل ُْغه ح ّ‬
‫جة‪ ،‬وأما من انقاد للح ّ‬ ‫الح ّ‬
‫ن أهل الفترات‬ ‫ذب به‪ .‬استدل بهذه الية على أ ّ‬ ‫الّله تعالى ل يع ّ‬
‫ل؛ لّنه‬‫ث إليهم رسو ً‬ ‫وأطفال المشركين ل يعذ ُّبهم الّله حتى يبع َ‬
‫ظلم‪.‬‬ ‫منّزه عن ال ّ‬
‫ﯷ ﯷ ﯷ ﯷ ﯼ ﯽ ﯾ ﯿ ﯷ‬ ‫ﭽﯷ ﯷ ﯷ ﯷ ﯷ ﯷ ﯷ ﯷ ﯷ‬
‫ﯷ ﯷ ﯷ ﯷﯷ ﯷ ﯷ ﰈ ﰉ ﯷ ﯷ ﯷ ﭼ ‪.‬‬
‫ة من القرى‬ ‫}‪ {16‬يخبر تعالى أنه إذا أراد أن ُيـهْل ِ َ‬
‫ك قري ً‬
‫مت َْرفيها أمرا ً قدرّيا‪ ،‬ففسقوا‬ ‫الظالمة ويستأصلها بالعذاب؛ أمر ُ‬
‫ل{؛ أي‪ :‬كلمة العذاب‬ ‫فيها‪ ،‬واشتد ّ طغياُنهم؛ }فحقّ عليها القو ُ‬
‫مْرناها تدميرًا{‬
‫التي ل مرد ّ لها؛ }فد ّ‬
‫}‪ {17‬وهؤلء أمم كثيرة ٌ أبادهم الّله بالعذاب من بعد قوم‬
‫من عاقبهم الّله لما ك َُثر‬ ‫نوح؛ كعاد وثمود وقوم لوط وغيرهم م ّ‬
‫بغُيهم واشتد ّ كفُرهم؛ أنزل الّله بهم عقاَبه العظيم‪} .‬وكفى برّبك‬
‫ذنوب عباد ِهِ خبيرا ً بصيرًا{‪ :‬فل يخافوا منه ظلمًا‪ ،‬وأنه يعاقبهم‬ ‫ب ُ‬
‫على ما عملوه‪.‬‬
‫ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ ﭝ ﭞ ﭟ ﭠ ﭡ‬ ‫ﭽﭑ ﭒ‬
‫ﭢ ﭣ ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ ﭨ ﭩ ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ ﭯ ﭰ ﭱ ﭲ ﭳ ﭴ‬
‫ﮁ ﮂ ﮃ ﮄﮅ ﮆ ﮇ ﮈ‬ ‫ﭻ ﭼ ﭽ ﭾ ﭿ ﮀ‬ ‫ﭵ ﭶ ﭷﭸ ﭹ ﭺ‬
‫ﮉ ﮊ ﮋ ﭼ‪.‬‬
‫د{‪ :‬الدنيا }العاجلة{‬
‫من كان يري ُ‬
‫}‪ {18‬يخبر تعالى أن } َ‬
‫المنقضية الزائلة‪ ،‬فعمل لها وسعى‪ ،‬ونسي المبتدأ أو المنتهى‪:‬‬
‫جل له من حطامها ومتاعها ما يشاؤه ويريده‪ ،‬مما ك َت َ َ‬
‫ب‬ ‫ن الّله يع ّ‬
‫أ ّ‬
‫الّله له في اللوح المحفوظ‪ ،‬ولكّنه متاع ٌ غير نافع ول دائم له‪ ،‬ثم‬
‫صلها{؛ أي‪ :‬يباشر عذابها‪،‬‬ ‫يجعل له في الخرة }جهّنم ي َ ْ‬
‫م من‬ ‫خْزي والفضيحة والذ ّ‬ ‫}مذموما ً مدحورًا{؛ أي‪ :‬في حالة ال ِ‬
‫قهِ والبعد عن رحمةِ الّله‪ ،‬فيجمعُ له بين العذاب‬ ‫الّله ومن خل ِ‬
‫والفضيحة‪.‬‬
‫دنيا‪،‬‬ ‫ضَيها وآثرها على ال ّ‬ ‫ة{‪ :‬فر ِ‬ ‫}‪} {19‬ومن أراد الخر َ‬
‫سعَْيها{‪ :‬الذي دعت إليه الكتب السماوّية والثار‬ ‫}وسعى لها َ‬
‫ن{‪ :‬بالّله‬ ‫النبوّية‪ ،‬فعمل بذلك على قدر إمكانه‪} ،‬وهو مؤم ٌ‬
‫وملئكته وكتبه ورسله واليوم الخر‪} .‬فأولئك كان سعُيهم‬
‫دخرًا‪ ،‬لهم أجرهم وثوابهم عند‬ ‫مى م ّ‬ ‫مشكورًا{؛ أي‪ :‬مقبول ً من ّ‬
‫ربهم‪.‬‬
‫ده‬ ‫م ّ‬ ‫دنيا؛ فكّل ي ُ ِ‬ ‫}‪ {20‬ومع هذا؛ فل يفوُتهم نصيُبهم من ال ّ‬
‫الّله منها؛ لّنه عطاؤه وإحسانه‪} .‬وما كان عطاُء رّبك محظورا{؛‬
‫ً‬
‫ه‪.‬‬‫د‪ ،‬بل جميعُ الخلق راِتعون بفضل ِهِ وإحسان ِ ِ‬ ‫أي‪ :‬ممنوعا ً من أح ٍ‬
‫دنيا‬ ‫ض{‪ :‬في ال ّ‬ ‫ضهم على بع ٍ‬ ‫ضْلنا بع َ‬ ‫}‪} {21‬انظْر كيف ف ّ‬
‫سر‪ ،‬والعلم والجهل‪ ،‬والعقل‬ ‫سر والعُ ْ‬ ‫سعة الرزاق وقّلتها‪ ،‬والي ُ ْ‬ ‫ب َ‬
‫ضل الله العباد بعضهم على‬ ‫ّ‬ ‫فه‪ ،‬وغير ذلك من المور التي ف ّ‬ ‫س َ‬‫وال ّ‬
‫ل{‪ :‬فل نسبة لنعيم‬ ‫ت وأكبُر تفضي ً‬ ‫بعض بها‪} .‬وللخرة ُ أكبُر درجا ٍ‬
‫ذاتها إلى الخرة بوجه من الوجوه؛ فكم بين من هو في‬ ‫دنيا ول ّ‬ ‫ال ّ‬
‫وعات والسرور والخيرات والفراح‬ ‫ذات المتن ّ‬ ‫ّ‬
‫الغرف العاليات والل ّ‬
‫ذب بالعذاب الليم‪ ،‬وقد ح ّ‬
‫ل‬ ‫من هو يتقّلب في الجحيم‪ ،‬ويع ّ‬ ‫مـ ّ‬
‫ل من الدارين بين أهلها من‬ ‫ب الرحيم‪ ،‬وك ّ‬ ‫ط الر ّ‬ ‫خ ُ‬ ‫س َ‬
‫عليه َ‬
‫ده‪.‬‬ ‫ً‬
‫ن أحدا ع ّ‬ ‫التفاوت ما ل يمك ُ‬
‫ﭽ ﮌ ﮍ ﮎ ﮏ ﮐ ﮑ ﮒ ﮓ ﮔ ﮕ ﭼ‪.‬‬
‫ن أحدا ً من المخلوقين يستحقّ شيئا ً‬ ‫}‪ {22‬أي‪ :‬ل تعتقد ْ أ ّ‬
‫م‬
‫ن ذلك داع للذ ّ‬ ‫ك بالّله أحدا منهم؛ فإ ّ‬
‫ً‬ ‫من العبادة‪ ،‬ول تشر ْ‬
‫موا من‬ ‫وا عن الشرك‪ ،‬وذ ّ‬ ‫والخذلن؛ فالّله وملئكته ورسله قد َنـهَ ْ‬
‫م‪ ،‬ورّتبوا عليه من السماء المذمومة والوصاف‬ ‫عمله أشد ّ الذ ّ‬
‫المقبوحة ما كان به متعاطيه أشنعَ الخلق وصفا ً وأقبحهم نعتا‪ً،‬‬
‫ذلن في أمر دينه ودنياه بحسب ما تركه من التعّلق‬ ‫خ ْ‬‫وله من ال ِ‬
‫من تعّلق به‪ ،‬ول‬ ‫ل إلى َ‬ ‫ل قد وُك ِ َ‬ ‫برّبه؛ فمن تعّلق بغيره؛ فهو مخذو ٌ‬
‫من جعل مع الّله‬ ‫ن َ‬ ‫أحد من الخلق ينفع أحدا ً إل بإذن الّله؛ وكما أ ّ‬
‫حده وأخلص دينه لّله‪ ،‬وتعّلق به‬ ‫م والخذلن؛ فمن و ّ‬ ‫إلها ً آخر له الذ ّ‬
‫ن في جميع أحواله‪.‬‬ ‫معا ٌ‬ ‫دون غيره؛ فإّنه محمود ٌ ُ‬
‫ﭽ ﮖ ﮗ ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ ﮜ ﮝ ﮞﮟ ﮠﮮ ﮡ ﮢ ﮣ ﮤ ﮥ ﮦ ﮧﮮ ﮨ‬
‫ﯝ‬ ‫ﮩﮮ ﮪ ﮫ ﮬ ﮭ ﮮﮮ ﮯ ﮰ ﮱ ﯓ ﯔ ﯕ ﯖ ﯗ ﯘ ﯙ ﯚ ﯛ ﯜ‬
‫ﯞ ﯟﮮ ﭼ ‪.‬‬
‫}‪ {23‬لما نهى تعالى عن الشرك به؛ أمر بالتوحيد‪ ،‬فقال‪:‬‬
‫}وقضى رّبك{‪ :‬قضاء دينّيا‪ ،‬وأمر أمرا ً شرعّيا }أن ل تعُبدوا{‪:‬‬
‫أحدا ً من أهل الرض والسماوات الحياء والموات‪} ،‬إل ّ إّياه{‪:‬‬
‫ل صفة كمال‪ ،‬وله من‬ ‫لّنه الواحد الحد‪ ،‬الفرد الصمد‪ ،‬الذي له ك ّ‬
‫تلك الصفة أعظمها‪ ،‬على وجهٍ ل يشبهه أحد ٌ من خلقه‪ ،‬وهو‬
‫م بالنعم الظاهرة والباطنة‪ ،‬الدافع لجميع الّنقم‪ ،‬الخالق‪،‬‬ ‫المنعِ ُ‬
‫الرازق‪ ،‬المدّبر لجميع المور؛ فهو المتفّرد بذلك كّله‪ ،‬وغيره ليس‬
‫قه القيام بحقّ الوالدين‪ ،‬فقال‪:‬‬ ‫له من ذلك شيء‪ .‬ثم ذكر بعد ح ّ‬
‫}وبالوالدين إحسانًا{؛ أي‪ :‬أحسنوا إليهما بجميع وجوه الحسان‬
‫ب وجود العبد‪ ،‬ولهما من المحّبة‬ ‫ي؛ لنهما سب ُ‬ ‫ي والفعلـ ّ‬ ‫القولـ ّ‬
‫كد الحقّ ووجوب البّر‪.‬‬ ‫للولد والحسان إليه‪ ،‬والقرب ما يقتضي تأ ّ‬
‫دهما أو كلهما{؛ أي‪ :‬إذا وصل إلى هذا‬ ‫ك الك ِب ََر أح ُ‬ ‫ن عند َ َ‬‫ما ي َب ْل ُغَ ّ‬‫}إ ّ‬
‫ف فيه قواهما ويحتاجان من الّلطف والحسان‬ ‫ن الذي تضعُ ُ‬ ‫الس ّ‬
‫ف{‪ :‬وهذا أدنى مراتب الذى‪ ،‬نّبه‬ ‫ل لهما أ ّ‬ ‫ق ْ‬‫ف‪} ،‬فل ت َ ُ‬ ‫ما هو معرو ٌ‬
‫هما{؛‬ ‫هما أدنى أذّية‪} ،‬ول ت َن ْهَْر ُ‬ ‫به على ما سواه‪ ،‬والمعنى‪ :‬ل تؤذ ِ ِ‬
‫ل لهما قول ً كريمًا{‪:‬‬ ‫جرهما وتتكّلم لهما كلما ً خشنًا‪} .‬وق ْ‬ ‫أي‪ :‬تز ُ‬
‫دب وتلطف بكلم لّين حسن يلذ ّ على قلوبهما‪،‬‬ ‫ّ‬ ‫ظ يحّبانه‪ ،‬وتأ ّ‬ ‫بلف ٍ‬
‫ف باختلف الحوال والعوائد‬ ‫ن به نفوسهما‪ ،‬وذلك يختل ُ‬ ‫وتطمئ ّ‬
‫والزمان‪.‬‬
‫ة{؛ أي‪ :‬تواضع‬ ‫ل من الرحم ِ‬ ‫ح الذ ّ ّ‬ ‫ض لهما جنا َ‬ ‫}‪} {24‬واخف ْ‬
‫ة واحتسابا ً للجر‪ ،‬ل لجل الخوف منهما أو‬ ‫لهما ذ ُّل لهما ورحم ً‬
‫جر عليها العبد‪.‬‬ ‫الرجاء لما لهما ونحو ذلك من المقاصد التي ل يؤ َ‬
‫مهما{؛ أي‪ :‬ادع ُ لهما بالرحمة أحياًء وأمواتًا؛ جزاًء‬ ‫حـ ْ‬
‫ب ار َ‬‫}وقل ر ّ‬
‫ة؛‬ ‫م من هذا أّنه كّلما ازدادت التربي ُ‬ ‫على تربيتهما إّياك صغيرًا‪ .‬وفُهِ َ‬
‫ة‬
‫دنياه تربي ً‬ ‫ق‪ .‬وكذلك من توّلى تربية النسان في دين ِهِ و ُ‬ ‫ازداد الح ّ‬
‫من رّباه حقّ التربية‪.‬‬ ‫ن له على َ‬ ‫ة غير البوين؛ فإ ّ‬ ‫صالح ً‬
‫ﯷ ﯷ ﭼ‪.‬‬ ‫ﭽ ﯠ ﯡ ﯢ ﯣ ﯤﯥﯦ ﯧ ﯨ ﯩ ﯷ ﯷ‬
‫طلع على ما أكّنته سرائركم من‬‫}‪ {25‬أي‪ :‬رّبكم تعالى م ّ‬
‫خير وشّر‪ ،‬وهو ل ينظر إلى أعمالكم وأبدانكم‪ ،‬وإنما ينظر إلى‬
‫قلوبكم وما فيها من الخير والشر‪} .‬إن تكونوا صالحين{‪ :‬بأن‬
‫تكون إرادُتكم ومقاصدكم دائرة ً على مرضاة الّله‪ ،‬ورغبتكم فيما‬
‫يقربكم إليه‪ ،‬وليس في قلوبكم إرادات مستقرة لغير الّله‪} .‬فإّنه‬
‫جاعين إليه في جميع الوقات؛ }غفورًا{‪:‬‬ ‫كان للّوابين{؛ أي‪ :‬الر ّ‬
‫طلع الّله على قلبه‪ ،‬وعلم أنه ليس فيه إل ّ النابة إليه‬
‫فمن ا ّ‬
‫ومحّبته ومحّبة ما يقّرب إليه؛ فإّنه وإن جرى منه في بعض‬
‫ن الّله يعفو عنه‪،‬‬ ‫الوقات ما هو مقتضى الطبائع البشرّية؛ فإ ّ‬
‫ويغفر له المور العارضة غير المستقّرة‪.‬‬
‫ﭽ ﯷ ﯷ ﯷ ﯷ ﯷ ﯷ ﯷ ﯷ ﯷ ﯷ ﯷ ﯷ ﯷ ﯷ ﯼ ﯽﯾ ﯿ‬
‫ﯷ ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ ﭝ ﭞ ﭟ‬ ‫ﯷ ﯷ ﯷ‬
‫ﭠ ﭡ ﭢ ﭣ ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ ﭨ ﭩ ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ ﭯ ﭰ ﭱ ﭲﭳ‬
‫ﭶ ﭷ ﭸ ﭹ ﭼ‪.‬‬ ‫ﭴ ﭵ‬
‫قه{‪ :‬من البّر‬ ‫قربى ح ّ‬ ‫}‪ 26‬ـ ‪ {27‬يقول تعالى‪} :‬وآت ذا ال ُ‬
‫والكرام الواجب والمسنون‪ ،‬وذلك الحقّ يتفاوت بتفاوت الحوال‬
‫قه من‬ ‫ن{‪ :‬آته ح ّ‬ ‫والقارب والحاجة وعدمها والزمنة‪} ،‬والمسكي َ‬
‫ن السبيل{‪ :‬وهو الغريب‬ ‫الّزكاة ومن غيرها؛ لتزول مسكنُته‪} ،‬واب َ‬
‫المنقطع به عن بلده‪ ،‬في ُْعطى الجميع من المال‪ ،‬على وجهٍ ل‬
‫ن ذلك‬ ‫يضّر المعطي‪ ،‬ول يكون زائدا ً على المقدار اللئق؛ فإ ّ‬
‫ن الشياطين{‪:‬‬ ‫ذرين }إخوا ُ‬ ‫ن المب ّ‬‫تبذيٌر‪ ،‬قد نهى الّله عنه وأخبر‪ :‬إ ّ‬
‫ة‪ ،‬فيدعو النسان‬ ‫خصلة ذميم ٍ‬ ‫ل َ‬ ‫ن الشيطان ل يدعو إل ّ إلى ك ّ‬ ‫ل ّ‬
‫إلى البخل والمساك؛ فإذا عصاه؛ دعاه إلى السراف والتبذير‪،‬‬
‫ح عليه؛ كما‬ ‫طها‪ ،‬ويمد ُ‬ ‫مُر بأعدل المور وأقس ِ‬ ‫والّله تعالى إّنما يأ ُ‬
‫رفوا‬ ‫س ِ‬
‫في قوله عن عباد الرحمن البرار‪} :‬والذين إذا أنفقوا لم ي ُ ْ‬
‫قُتروا وكان بين ذلك َقوامًا{‪.‬‬ ‫ولم ي َ ْ‬
‫ة إلى عنقك{‪:‬‬ ‫ك مغلول ً‬ ‫}‪ (1) {29‬وقال هنا‪} :‬ول تجعل ي َد َ َ‬
‫ل البسط{‪:‬‬ ‫طها ك ّ‬ ‫س ْ‬ ‫كناية عن شدة المساك والبخل‪} ،‬ول ت َب ْ ُ‬
‫د{‪ :‬إن فعلت‬ ‫فتنفق فيما ل ينبغي أو زيادة على ما ينبغي‪} ،‬فتقع َ‬
‫حسورًا{؛ أي‪ :‬حاسر‬ ‫مـ ْ‬ ‫ت‪َ } ،‬‬ ‫ملومًا{؛ أي‪ُ :‬تلم على ما فعل َ‬ ‫ذلك } َ‬
‫ح وثناٌء‪.‬‬ ‫فه مد ٌ‬ ‫خل َ َ‬‫اليد فارغها؛ فل بقي ما في يدك من المال‪ ،‬ول َ‬
‫ما‬
‫}‪ {28‬وهذا المر بإيتاء ذي القربى مع القدرة والغنى‪ ،‬فأ ّ‬
‫دا‬
‫دوا ر ّ‬‫سر النفقة الحاضرة؛ فأمر تعالى أن ُير ّ‬ ‫دم أو تع ّ‬
‫مع العُ ْ‬
‫ن عنهم ابتغاَء رحمةٍ من رّبك ترجوها{؛‬ ‫ض ّ‬
‫ما تعر َ‬ ‫ل‪ ،‬فقال‪} :‬وإ ّ‬ ‫جمي ً‬
‫أي‪ :‬تعرض عن إعطائ ِِهم إلى وقت آخر ترجو فيه من الّله تيسير‬
‫ً‬ ‫ً‬
‫ق ووعد بالجميل‬ ‫ل لهم قول ً ميسورا{؛ أي‪ :‬لطيفا برف ٍ‬ ‫ق ْ‬
‫المر‪} .‬ف ُ‬
‫سنوح الفرصة واعتذارٍ بعدم المكان في الوقت الحاضر؛‬ ‫عند ُ‬
‫ف‬‫ل معرو ٌ‬ ‫لينقلبوا عنك مطمئّنة خواطرهم؛ كما قال تعالى‪} :‬قو ٌ‬
‫ومغفرة ٌ خيٌر من صدقةٍ ي َت ْب َُعها أذى{‪ :‬وهذا أيضا ً من لطف الّله‬
‫ن انتظار ذلك‬ ‫تعالى بالعباد‪ ،‬أمرهم بانتظار الرحمة والرزق منه؛ ل ّ‬

‫‪ -‬ذكر المؤلف تفسير الية )‪ (29‬بعد الية )‪ (27‬لتناسبهما‪.‬‬ ‫‪1‬‬


‫سر عبادةٌ‬ ‫دهم بالصدقة والمعروف عند التي ّ‬ ‫عبادة‪ ،‬وكذلك وع ُ‬
‫ة‪ ،‬ولهذا ينبغي للنسان أن‬ ‫م بفعل الحسنة حسن ٌ‬ ‫ن اله ّ‬
‫ة؛ ل ّ‬ ‫حاضر ٌ‬
‫قد ُِر عليه من الخير‪ ،‬وينوي فعل ما لم يقد ِْر عليه ل ُِيثاب‬ ‫يفعل ما ي َ ْ‬
‫سر له بسبب رجائه‪.‬‬ ‫ّ‬
‫ل الله يي ّ‬ ‫على ذلك‪ ،‬ولع ّ‬
‫ط الرزق لمن يشاء{‪:‬‬ ‫س ُ‬ ‫ه }يب ُ‬‫ن الل ّ َ‬
‫}‪ {30‬ثم أخبر تعالى‪ :‬أ ّ‬
‫ة منه‪} .‬إّنه كان‬ ‫من عباده ويقد ُِره ويضّيقه على من يشاء حكم ً‬
‫ه صالحا ً لهم‪،‬‬ ‫م ُ‬‫جزيهم على ما يعل ُ‬ ‫بعباد ِهِ خبيرا ً بصيرًا{‪ :‬في َ ْ‬
‫ويدّبرهم بلطفه وكرمه‪.‬‬
‫ﭽ ﭺ ﭻ ﭼ ﭽ ﭾﭿ ﮀ ﮁ ﮂ ﮃ ﮄ ﮅ ﮆ ﮇ ﮈ ﮉ ﭼ ‪.‬‬
‫}‪ {31‬وهذا من رحمته بعباده؛ حيث كان أرحم بهم من‬
‫والديهم‪ ،‬فنهى الوالدين أن يقُتلوا أولدهم خوفا ً من الفقر‬
‫طئا ً‬
‫خ ْ‬‫ن‪} :‬قَت َْلهم كان ِ‬
‫فل برزق الجميع‪ ،‬وأخبر أ ّ‬ ‫والملق‪ ،‬وتك ّ‬
‫كبيرًا{؛ أي‪ :‬من أعظم كبائر الذنوب؛ لزوال الرحمة من القلب‪،‬‬
‫والعقوق العظيم‪ ،‬والتجّري على قتل الطفال الذين لم يجرِ منهم‬
‫ة‪.‬‬
‫ب ول معصي ٌ‬ ‫ذن ٌ‬
‫ﮐ ﮑ ﮒ ﮓ ﭼ‪.‬‬ ‫ﮏ‬ ‫ﭽ ﮊ ﮋ ﮌﮍ ﮎ‬
‫}‪ {32‬والنهي عن قربانه أبلغ من النهي عن مجّرد فعله؛‬
‫ن من حام‬ ‫دماته ودواعيه؛ فإ ّ‬
‫ن ذلك يشمل النهي عن جميع مق ّ‬ ‫ل ّ‬
‫حول الحمى يوشك أن يقع فيه‪ ،‬خصوصا ً هذا المر الذي في كثير‬
‫من النفوس أقوى داع إليه‪ ،‬ووصف الّله الّزنا وقْبحه بأنه }كان‬
‫طر؛‬‫ف َ‬‫ة{؛ أي‪ :‬إثما ً ُيستفحش في الشرع والعقل وال ِ‬ ‫فاحش ً‬
‫منه التجّري على الحرمة في حقّ الّله وحقّ المرأة وح ّ‬
‫ق‬ ‫لتض ّ‬
‫أهلها أو زوجها وإفساد الفراش واختلط النساب وغير ذلك من‬
‫ل من‬ ‫ل{؛ أي‪ :‬بئس السبيل سبي ُ‬ ‫المفاسد‪ .‬وقوله‪} :‬وساء سبي ً‬
‫تجّرأ على هذا الذنب العظيم‪.‬‬
‫ﭽ ﮔ ﮕ ﮖ ﮗ ﮘ ﮙ ﮚ ﮛﮜ ﮝ ﮞ ﮟ ﮠﮮ ﮡ ﮢ ﮣ ﮤ ﮥ ﮦ‬
‫ﮧﮮﮨ ﮩﮮ ﮪ ﮫ ﮬ ﭼ ‪.‬‬
‫ل نفس حّرم الّله قتَلها من صغير‬ ‫ل لك ّ‬
‫}‪ {33‬وهذا شام ٌ‬
‫وكبير وذكر وأنثى وحّر وعبد ومسلم وكافرٍ له عهد‪} ،‬إل ّ بالحق{‪:‬‬
‫كالنفس بالنفس‪ ،‬والزاني المحصن‪ ،‬والتارك لدينه المفارق‬
‫من‬‫للجماعة‪ ،‬والباغي في حال بغيه إذا لم يندفع إل ّ بالقتل‪} .‬و َ‬
‫جعَْلنا لولّيه{‪ :‬وهو أقرب‬‫ق‪} ،‬فقد َ‬ ‫ل مظلومًا{؛ أي‪ :‬بغير ح ّ‬‫قُت ِ َ‬
‫صباته وورثت ِهِ إليه }سلطانًا{؛ أي‪ :‬حجة ظاهرة على القصاص‬ ‫عَ َ‬
‫من القاتل‪ ،‬وجعلنا له أيضا ً تسّلطا ً قدرّيا على ذلك‪ ،‬وذلك حين‬
‫تجتمع الشروط الموجبة للقصاص؛ كالعمد العدوان والمكافأة‪.‬‬
‫ف{‪ :‬الولي }في القتل إّنه كان منصورًا{‪ :‬والسراف‬ ‫}فل يسر ْ‬
‫ل به‪ ،‬أو‬‫د‪ :‬إما أن يمّثل بالقاتل‪ ،‬أو يقُتله بغير ما قَت َ َ‬‫مجاوزة ُ الح ّ‬
‫ن الحقّ في القتل‬ ‫ل إلى أ ّ‬‫ل غير القاتل‪ .‬وفي هذه الية دلي ٌ‬ ‫قت ُ َ‬
‫يَ ْ‬
‫ي‬
‫ن ولـ ّ‬‫قَتص إل ّ بإذنه‪ ،‬وإن عفا؛ سقط القصاص‪ ،‬وأ ّ‬ ‫ي؛ فل ي ُ ْ‬‫للولـ ّ‬
‫كن من قتله‪.‬‬ ‫المقتول ُيعينه الّله على القاتل ومن أعانه‪ ،‬حتى يتم ّ‬
‫ﯓ ﯔ ﯕ ﯖ ﯗ ﯘﯙ ﯚ ﯛﯜ ﯝ ﯞ ﯟﮮ‬ ‫ﭽ ﮭ ﮮﮮ ﮯ ﮰ ﮱ‬
‫ﯠﯡ ﭼ‪.‬‬
‫قد َ والده وهو‬ ‫}‪ {34‬وهذا من لطفه ورحمته باليتيم الذي فَ َ‬
‫ن أمر أولياءه‬ ‫م بها أ ْ‬ ‫صغيٌر غير عارف بمصلحة نفسه ول قائ ٌ‬
‫قَربوه ُ }إل ّ بالتي هي‬ ‫ن ل يَ ْ‬ ‫بحفظه وحفظ ماله وإصلحه وأ ْ‬
‫ن{‪ :‬من الّتجارة فيه وعدم تعريضه للخطار والحرص على‬ ‫أحس ُ‬
‫ده{؛ أي‪ :‬بلوغه وعقله‬ ‫م }أش ّ‬ ‫تنميته‪ ،‬وذلك ممتد ّ إلى أن يبلغَ اليتي ُ‬
‫ي نفسه‪،‬‬ ‫ة‪ ،‬وصار ولـ ّ‬ ‫ده؛ زالت عنه الولي ُ‬ ‫ورشده؛ فإذا ب َل َغَ أش ّ‬
‫شدا ً فاد َْفعوا‬
‫سُتم منهم ُر ْ‬ ‫ن آن َ ْ‬‫ودفع إليه ماله؛ كما قال تعالى‪} :‬فإ ْ‬
‫د{‪ :‬الذي عاهدتم الّله عليه‪ ،‬والذي‬ ‫إليهم أمواَلهم{‪} ،‬وأوفوا بالعه ِ‬
‫ل{؛ أي‪ :‬مسؤولين عن‬ ‫سؤو ً‬ ‫م ْ‬‫ن العهد كان َ‬ ‫عاهدتم الخلق عليه‪} .‬إ ّ‬
‫الوفاء به وعدمه؛ فإن وفيتم؛ فلكم الثواب الجزيل‪ ،‬وإن لم‬
‫تفعلوا )‪ (1‬؛ فعليكم الثم العظيم‪.‬‬
‫ﯷ ﯷ ﯷ ﭼ‪.‬‬ ‫ﭽ ﯢ ﯣ ﯤ ﯥ ﯦ ﯧ ﯨﯩ ﯷ ﯷ‬
‫}‪ {35‬وهذا أمٌر بالعدل وإيفاء المكاييل والموازين بالقسط‬
‫س ول نقص‪ .‬ويؤخذ من عموم المعنى‪ ،‬النهي عن ك ّ‬
‫ل‬ ‫من غير بخ ٍ‬
‫ن أو معقود ٍ عليه‪ ،‬والمر بالّنصح والصدق‬ ‫م ٍ‬
‫ن أو مث ّ‬‫ش في ثم ٍ‬
‫غ ّ‬
‫ل{؛ أي‪:‬‬‫ن تأوي ً‬
‫في المعاملة‪} .‬ذلك خيٌر{‪ :‬من عدمه‪} ،‬وأحس ُ‬
‫أحسن عاقبة‪ ،‬به يسلم العبد من الت ِّبعات‪ ،‬وبه تنزل البركة‪.‬‬
‫ﯾ ﯿ‬ ‫ﭽ ﯷ ﯷ ﯷ ﯷ ﯷ ﯷ ﯷﯷ ﯷ ﯷ ﯷ ﯷ ﯷ ﯼ ﯽ‬
‫ﯷ ﭼ‪.‬‬
‫ل ما‬ ‫}‪ {36‬أي‪ :‬ول تّتبع ما ليس لك به علم‪ ،‬بل تثّبت في ك ّ‬
‫ن السمع‬ ‫ن ذلك يذهب ل لك ول عليك‪} .‬إ ّ‬ ‫تقوله وتفعله؛ فل تظ ّ‬
‫ل{‪ :‬فحقيق بالعبد الذي‬ ‫ل أولئك كان عنه مسؤو ً‬ ‫والبصر والفؤاد ك ّ‬
‫يعرف أنه مسؤول عما قاله وفعله وعما استعمل به جوارحه‬
‫التي خلقها الّله لعبادته أن ي ُعِد ّ للسؤال جوابًا‪ ،‬وذلك ل يكون إل ّ‬
‫فها عما يكرهه الّله‬ ‫باستعمالها بعبودّية الّله‪ ،‬وإخلص ال ّ‬
‫دين له‪ ،‬وك ّ‬
‫تعالى‪.‬‬

‫فوا«‪.‬‬
‫‪ -‬في )ب(‪» :‬وإن لم ت َ ُ‬ ‫‪1‬‬
‫ﭽ ﯷ ﯷ ﯷ ﯷ ﯷﯷ ﯷ ﰈ ﰉ ﯷ ﯷ ﯷ ﯷ ﰎ ﯷ ﯷ ﯷ ﰒ‬
‫ﯷ ﯷ ﯷ ﯷ ﯷ ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗﭘ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ ﭝ ﭞ ﭟ‬
‫ﭠ ﭡ ﭢ ﭣ ﭤ ﭼ‪.‬‬
‫مَرحًا{؛ أي‪ :‬كبرا ً‬ ‫ش في الرض َ‬ ‫}‪ {37‬يقول تعالى‪} :‬ول تم ِ‬
‫وتيها ً وبطرا ً متكّبرا ً على الحقّ ومتعاظما ً على الخلق‪} .‬إّنك{‪:‬‬
‫ل{‪ :‬في‬ ‫خرِقَ الرض ولن تبل ُغَ الجبال طو ً‬ ‫في فعلك ذلك }لن َتـ ْ‬
‫تكّبرك بل تكون حقيرا ً عند الّله‪ ،‬ومحتقرا ً عند الخلق‪ ،‬مبغوضًا‪،‬‬
‫ممقوتًا‪ ،‬قد اكتسبت شّر الخلق‪ ،‬واكتسيت بأرذلها‪ ،‬من غير‬
‫إدراك لبعض ما تروم‪.‬‬
‫دم‬ ‫}‪} {38‬كل ذلك{‪ :‬المذكور الذي نهى الّله عنه فيما تق ّ‬
‫ل مع الّله إلها ً آخر{‪ ،‬والنهي عن عقوق‬ ‫جعَ ْ‬‫من قوله‪} :‬ل َتـ ْ‬
‫ه عند رّبك مكروهًا{؛‬ ‫سي ّئ ُ ُ‬
‫طف على ذلك‪} ،‬كان َ‬ ‫الوالدين‪ ،‬وما ع ُ ِ‬
‫ّ‬
‫أي‪ :‬كل ذلك يسوء العاملين ويضّرهم والله تعالى يكرهه ويأباه‪.‬‬
‫ضحناه من هذه الحكام‬ ‫}‪} {39‬ذلك{ الذي بي ّّناه وو ّ‬
‫ن الحكمة المر‬ ‫الجليلة‪} ،‬مما أوحى إليك رّبك من الحكمة{‪ :‬فإ ّ‬
‫بمحاسن العمال ومكارم الخلق والنهي عن أراذل الخلق‬
‫وأسوأ العمال‪ .‬وهذه العمال المذكورة في هذه اليات من‬
‫ب العالمين لسّيد المرسلين في‬ ‫الحكمة العالية التي أوحاها ر ّ‬
‫أشرف الكتب ليأمر بها أفضل المم؛ فهي من الحكمة التي من‬
‫أوتيها؛ فقد أوتي خيرا ً كثيرًا‪ .‬ثم ختمها بالنهي عن عبادة غير الّله‬
‫ل مع الّله إلها ً آخر فَُتلقى في‬ ‫جعَ ْ‬ ‫كما افتتحها بذلك‪ ،‬فقال‪} :‬ول َتـ ْ‬
‫رك بالّله فقد حّرم الّله‬ ‫جهّنم{؛ أي‪ :‬خالدا ً مخّلدًا؛ فإّنه من ي ُ ْ‬
‫ش ِ‬
‫دحورًا{؛ أي‪ :‬قد لحقتك اللئمة‬ ‫ملوما ً َ‬
‫م ْ‬ ‫عليه الجنة ومأواه النار‪َ } .‬‬
‫م من الّله وملئكته والناس أجمعين‪.‬‬ ‫واللعنة والذ ّ‬
‫ﭮ ﭯ ﭰ ﭱ ﭼ‪.‬‬ ‫ﭽ ﭥ ﭦ ﭧ ﭨ ﭩ ﭪ ﭫﭬ ﭭ‬
‫ن الّله اّتخذ من‬ ‫مأ ّ‬ ‫}‪ {40‬وهذا إنكاٌر شديد ٌ على من َزع َ َ‬
‫خلقه بنات‪ ،‬فقال‪} :‬أفأصفاكم رّبكم بالبنين{؛ أي‪ :‬اختار لكم‬
‫صفوة والقسم الكامل‪} ،‬واّتخذ{‪ :‬لنفسه }من الملئكة إناثًا{‪:‬‬ ‫ال ّ‬
‫ً‬
‫ظيما{‪:‬‬‫ن َقول ً ع َ ِ‬ ‫ُ‬
‫قولو َ‬ ‫َ‬
‫كم لت َ ُ‬ ‫حيث زعموا أن الملئكة بنات الله‪} .‬إن ّ ُ‬
‫من‬ ‫فيه أعظم الجرأة على الله‪ ،‬حيث نسبُتم له الولد المتض ّ‬
‫لحاجته‪ ،‬واستغناء بعض المخلوقات عنه‪ ،‬وحكموا له بأردأ‬
‫القسمين‪ ،‬وهن الناث‪ ،‬وهو الذي خلقكم واصطفاكم بالذكور‪،‬‬
‫وا كبيرًا‪.‬‬ ‫فتعالى الّله عما يقول الظالمون عل ّ‬
‫ﭽﭲ ﭳ ﭴ ﭵ ﭶ ﭷ ﭸ ﭹ ﭺ ﭻ ﭼ ﭽ ﭾ ﭿ ﮀ ﮁ ﮂ‬
‫ﮑ ﮒ ﮓ ﮔ ﮕ‬ ‫ﮃ ﮄ ﮅ ﮆ ﮇ ﮈ ﮉ ﮊ ﮋ ﮌ ﮍ ﮎ ﮏ ﮐ‬
‫ﮧﮮ ﮨ ﮩﮮ ﭼ ‪.‬‬ ‫ﮖ ﮗ ﮘﮙ ﮚ ﮛ ﮜ ﮝ ﮞ ﮟ ﮠﮮ ﮡ ﮢ ﮣ ﮤ ﮥ ﮦ‬
‫}‪ {41‬يخبر تعالى أنه صّرف لعباده في هذا القرآن؛ أي‪:‬‬
‫ضحها وأكثر من الدّلة والبراهين على ما دعا إليه‪،‬‬ ‫وع الحكام وو ّ‬ ‫ن ّ‬
‫سُلكوه وما يضّرهم‬ ‫كروا ما ينفعهم في َ ْ‬ ‫كر لجل أن يتذ ّ‬ ‫ووعظ وذ ّ‬
‫فيدعوه‪ ،‬ولكن أبى أكثر الناس }إل ّ نفورًا{ عن آيات الّله؛‬
‫صبوا‬‫لبغضهم للحقّ ومحّبتهم ما كانوا عليه من الباطل‪ ،‬حتى تع ّ‬
‫وا لها با ً‬
‫ل‪.‬‬ ‫ق ْ‬‫لباطلهم‪ ،‬ولم ُيعيروا آيات الّله لهم سمعًا‪ ،‬ول أل َ‬
‫}‪ {42‬ومن أعظم ما صّرف فيه اليات والدّلة الّتوحيد‬
‫ده وأقام عليه من‬ ‫الذي هو أصل الصول‪ ،‬فأمر به ونهى عن ض ّ‬
‫ن من أصغى إلى‬ ‫الحجج العقلّية والنقلّية شيئا ً كثيرًا؛ بحيث إ ّ‬
‫كا ول ريبًا‪ ،‬ومن الدّلة على ذلك هذا‬ ‫بعضها ل ت َد َع ُ في قلبه ش ّ‬
‫ي الذي ذكره هنا‪ ،‬فقال‪} :‬قل{‪ :‬للمشركين الذين‬ ‫الدليل العقل ّ‬
‫ة كما يقولون{؛ أي‪:‬‬ ‫يجعلون مع الّله إلها ً آخر‪} :‬لو كان معه آله ٌ‬
‫على موجب زعمهم وافترائهم؛ }إذا ً لب ْت ََغوا إلى ذي العرش‬
‫سبيل ً{؛ أي‪ :‬لّتخذوا سبيل ً إلى الّله بعبادته والنابة إليه والتقّرب‬
‫دة‬‫وابتغاء الوسيلة؛ فكيف يجعل العبد الفقير الذي يرى ش ّ‬
‫افتقاره لعبودّية رّبه إلها ً مع الّله؟! هل هذا إل ّ من أظلم الظلم‬
‫فه؛ فعلى هذا المعنى تكون هذه الية كقوله تعالى‪:‬‬ ‫س َ‬
‫وأسفه ال ّ‬
‫}أولئك الذين يدعون يبتغون إلى ربهم الوسيلة أيهم أقرب{‪:‬‬
‫شُرهم وما يعُبدون من دون الّله فيقول‬ ‫ح ُ‬ ‫وكقوله تعالى‪} :‬ويوم َيـ ْ‬
‫هم ضّلوا السبيل قالوا سبحانك ما‬ ‫أأنُتم أضللُتم عبادي هؤلء أم ُ‬
‫ك من أولياَء{‪.‬‬ ‫كان ينبغي لنا أن نّتخذ من دون ِ َ‬
‫ة كما‬ ‫ل لو كان معه آله ٌ‬ ‫ن المعنى في قوله‪} :‬قُ ْ‬ ‫وُيحتمل أ ّ‬
‫ل{؛ أي‪ :‬لطلبوا السبيل‬ ‫وا إلى ذي العرش سبي ً‬ ‫يقولون إذا ً لب ْت َغَ ْ‬
‫ن عل‬ ‫م ْ‬‫وا في مغالبة الّله تعالى‪ ،‬فإما أن يعلوا عليه فيكون َ‬ ‫سعَ ْ‬‫و َ‬
‫ن آلهتهم التي‬ ‫ب الله‪ ،‬فأما وقد علموا أنهم يقّرون أ ّ‬ ‫وقَهََر هو الر ّ‬
‫ة ليس لها من المر شيء؛‬ ‫يدعون )‪ (1‬من دون الّله مقهورة ٌ مغلوب ٌ‬
‫فلم اّتخذوها وهي بهذه الحال؟! فيكون هذا كقوله تعالى‪} :‬ما‬
‫ل إلهٍ بما‬ ‫بك ّ‬ ‫ه من ولد ٍ وما كان معه من إلهٍ إذا ً ل َذ َهَ َ‬ ‫خذ َ الل ّ ُ‬
‫اّتـ َ‬
‫خل َقَ ولعل بعضهم على بعض{‪.‬‬ ‫َ‬
‫دس وتنّزه وعلت أوصافه‪،‬‬ ‫}‪} {43‬سبحانه وتعالى{؛ أي‪ :‬تق ّ‬
‫وا كبيرًا{‪:‬‬ ‫}عما يقولون{‪ :‬من الشرك به واّتخاذ النداد معه‪} ،‬عل ّ‬

‫‪ -‬في )ب(‪» :‬يعبدون«‪.‬‬ ‫‪1‬‬


‫ظم وجّلت كبرياؤه التي ل ُتقادر أن يكون معه‬ ‫فعل قـدُره وعـ ُ‬
‫من قال ذلك ضلل ً مبينا ً وظلم ظلما ً كبيرًا‪ ،‬لقد‬ ‫ل َ‬ ‫آلهة؛ فقد ض ّ‬
‫ه‬
‫ت لدى كبريائ ِ ِ‬ ‫ة‪ ،‬وصغَُر ْ‬ ‫ت العظيم ُ‬
‫ت لعظمت ِهِ المخلوقا ُ‬ ‫تضاءل ْ‬
‫ت السبع ومن فيهن والرضون السبع ومن فيهن‪،‬‬ ‫السماوا ُ‬
‫ت بيمينه‪،‬‬ ‫ت مطويا ٌ‬ ‫والرض جميعا ً قبضُته يوم القيامة والسماوا ُ‬
‫ك عن أحدٍ‬ ‫ي فقرا ً ذاتّيا ل ينف ّ‬
‫م العلويّ والسفلـ ّ‬
‫وافتقر إليه العال ُ‬
‫ت من الوقات‪ ،‬هذا الفقر بجميع وجوهه؛ فقٌر من‬ ‫منهم في وق ٍ‬
‫جهة الخلق والرزق والتدبير‪ ،‬وفقٌر من جهة الضطرار إلى أن‬
‫ده ومحبوَبه الذي إليه يتقّربون‪ ،‬وإليه في كل حال‬ ‫يكون معبو َ‬
‫يفزعون‪.‬‬
‫ت السبع والرض‬ ‫ح له السمـوا ُ‬ ‫}‪ {44‬ولهذا قال‪} :‬تسب ّ ُ‬
‫ق‪ ،‬ومن‬ ‫ن ناطق وغير ناط ٍ‬ ‫ومن فيهن وإن من شيٍء{‪ :‬من حيوا ٍ‬
‫ه{‪ :‬بلسان‬ ‫ح بحمد ِ ِ‬ ‫ي وميت‪} ،‬إل ّ يسب ّ ُ‬ ‫أشجار ونبات وجامد‪ ،‬وح ّ‬
‫حهم{؛ أي‪ :‬تسبيح‬ ‫قهون تسبي َ‬ ‫ن ل تف َ‬ ‫الحال ولسان المقال‪} ،‬ولك ْ‬
‫ط بها ع ّ‬
‫لم‬ ‫باقي المخلوقات التي على غير لغتكم‪ ،‬بل يحي ُ‬
‫من‬‫ل بالُعقوبة َ‬ ‫ج ْ‬ ‫ث لم يعا ِ‬ ‫الغيوب‪} .‬إّنه كان حليما ً غفورًا{‪ :‬حي ُ‬
‫خّر له الجبال‪،‬‬ ‫طر منه وت َ ِ‬ ‫ف ِ‬
‫ت والرض تن َ‬ ‫قال فيه قول ً تكاد السماوا ُ‬
‫ه‬
‫ولكّنه أمهلهم‪ ،‬وأنعم عليهم‪ ،‬وعافاهم‪ ،‬ورزقهم‪ ،‬ودعاهم إلى باب ِ ِ‬
‫ليتوبوا من هذا الذنب العظيم؛ ليعطيهم الثواب الجزيل‪ ،‬ويغفر‬
‫ه ومغفرته؛ لسقطت السماوات على‬ ‫م ُ‬
‫لهم ذنبهم؛ فلول حل ُ‬
‫ة‪.‬‬‫الرض‪ ،‬ولما ترك على ظهرها من داب ّ ٍ‬
‫ﭽ ﮪ ﮫ ﮬ ﮭ ﮮﮮ ﮯ ﮰ ﮱ ﯓ ﯔ ﯕ ﯖ ﯗ ﯘ ﯙ ﯚ ﯛ ﯜ ﯝ‬
‫ﯞ ﯟﮮ ﯠﯡ ﯢ ﯣ ﯤ ﯥﯦ ﯧ ﯨ ﯩ ﯷ ﯷ ﯷ ﯷ ﯷ ﯷ ﯷ ﯷ ﯷ ﯷ ﯷ ﯷ‬
‫ﯷ ﯷ ﯷ ﯷ ﯷ ﯷ ﯼ ﯽ ﯾ ﯿ ﯷ ﯷ ﯷ ﯷ ﯷ ﯷ ﯷ ﯷ ﰈ ﰉ‬
‫ﯷ ﭼ‪.‬‬
‫دوه‬ ‫ذبين بالحقّ الذين ر ّ‬ ‫}‪ {45‬يخبر تعالى عن عقوبته للمك ّ‬
‫ت‬‫وأعرضوا عنه أّنه َيحول بيَنهم وبين اليمان‪ ،‬فقال‪} :‬وإذا قرأ َ‬
‫ظ والّتذكير والهدى واليمان والخير‬ ‫ن{‪ :‬الذي فيه الوع ُ‬ ‫القرآ َ‬
‫ن بالخرة حجابا ً‬ ‫جعَلنا بيَنك وبين الذين ل يؤمنو َ‬ ‫ْ‬ ‫والعلم الكثيُر؛ } َ‬
‫قق بحقائقه‬ ‫ة وعن التح ّ‬ ‫مستورًا{‪ :‬يسُترهم عن فهمه حقيق ً‬
‫والنقياد إلى ما يدعو إليه من الخير‪.‬‬
‫ة{؛ أي‪ :‬أغطية وأغشية ل‬ ‫جعَْلنا على قلوب ِِهم أك ِن ّ ً‬‫}‪} {46‬و َ‬
‫جة‪،‬‬ ‫يفقهون معها القرآن‪ ،‬بل يسمعونه سماعا ً تقوم به عليهم الح ّ‬
‫ت رّبك‬ ‫}وفي آذانهم وَْقرًا{؛ أي‪ :‬صمما ً عن سماعه‪} ،‬وإذا ذكر َ‬
‫ده{‪ :‬داعيا ً لتوحيده‪ ،‬ناهيا ً عن الشرك به؛ }وَّلوا‬ ‫في القرآن وح َ‬
‫دة ُبغضهم له ومحّبتهم لما هم عليه‬ ‫هم ُنفورًا{‪ :‬من ش ّ‬ ‫على أدبارِ ِ‬
‫ب‬
‫ده اشمأّزت قلو ُ‬ ‫ه وح َ‬ ‫من الباطل؛ كما قال تعالى‪} :‬وإذا ذ ُك َِر الل ّ ُ‬
‫الذين ل يؤمنون بالخرةِ وإذا ذ ُك َِر الذين من دون ِهِ إذا هم‬
‫ن{‪.‬‬‫يستبشرو َ‬
‫من َْعناهم من‬ ‫ن أعلم بما يستمعون به{؛ أي‪ :‬إّنما َ‬ ‫}‪} {47‬نح ُ‬
‫النتفاع عند سماع القرآن لّننا نعلم أن مقاصدهم سّيئة؛ يريدون‬
‫عهم لجل‬ ‫دحوا به‪ ،‬وليس استما ُ‬ ‫ق َ‬
‫ل شيٍء ل ِي َ ْ‬ ‫أن يعثروا على أق ّ‬
‫ق‪ ،‬وإّنما هم معتمدون على عدم اّتباعه‪،‬‬ ‫السترشاد وَقبول الح ّ‬
‫فد ْه ُ الستماع شيئًا‪ ،‬ولهذا قال‪} :‬إذ ْ‬ ‫ن كان بهذه الحالة؛ لم ي ُ ِ‬ ‫م ْ‬‫و َ‬
‫جوى{؛ أي‪ :‬متناجين‪} ،‬إذ ْ يقو ُ‬
‫ل‬ ‫ن إليك وإذ ْ هم ن َ ْ‬ ‫معو َ‬‫يست َ ِ‬
‫ن إل ّ رجل ً مسحورًا{‪ :‬فإذا‬ ‫ن ت َت ِّبعو َ‬
‫ن{‪ :‬في مناجاتهم‪} :‬إ ْ‬ ‫الظالمو َ‬
‫وها على أنه‬ ‫كانت هذه مناجاُتهم الظالمة فيما بينهم‪ ،‬وقد ب َن َ ْ‬
‫مسحوٌر؛ فهم جازمون أّنهم غير معت َِبرين لما قال‪ ،‬وأّنه َيـْهذي ل‬
‫يدري ما يقول‪.‬‬
‫}‪ {48‬قال تعالى‪} :‬انظر{‪ :‬متعجبا ً }كيف ضربوا لك‬
‫ضّلوا{‪:‬‬‫دها عن الصواب‪} ،‬ف َ‬ ‫ل المثال وأبع ُ‬ ‫المثال{‪ :‬التي هي أض ّ‬
‫في ذلك‪ ،‬أو فصارت سببا ً لضللهم؛ لّنهم ب ََنوا عليها أمرهم‪،‬‬
‫ل{؛ أي‪ :‬ل‬ ‫ي على فاسد ٍ أفسد ُ منه‪ .‬فل يـهـتدون }سبي ً‬ ‫والمبن ّ‬
‫ظلم الصرف‪.‬‬ ‫ض وال ّ‬ ‫صيب ُُهم الضلل المح ُ‬ ‫يهتدون أيّ اهتداٍء‪ ،‬فَن َ ِ‬
‫ﭔ ﭕ ﭖ‬ ‫ﰎ ﯷ ﯷ ﯷ ﰒ ﯷ ﯷ ﭑ ﭒ ﭓ‬ ‫ﭽﯷ ﯷ ﯷ‬
‫ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ ﭝﭞ ﭟ ﭠ ﭡﭢ ﭣ ﭤ ﭥ ﭦ ﭧﭨ ﭩ ﭪ ﭫ‬
‫ﭬ ﭭ ﭮﭯ ﭰ ﭱ ﭲ ﭳ ﭴ ﭵ ﭶ ﭷ ﭸ ﭹ ﭺ ﭻ ﭼ ﭽ ﭾ ﭿ‬
‫ﭼ‪.‬‬
‫}‪ {49‬يخبر تعالى عن قول المنكرين للبعث وتكذيبهم به‬
‫واستبعادهم بقولهم‪} :‬أإذا ك ُّنا عظاما ً وُرفاتًا{؛ أي‪ :‬أجسادا ً بالية‪.‬‬
‫}أإّنا َلمبعوثون خلقا ً جديدًا{؛ أي‪ :‬ل يكون ذلك‪ ،‬وهو محا ٌ‬
‫ل‬
‫حدوا‬ ‫ج َ‬ ‫ذبوا رسل الّله‪ ،‬و َ‬ ‫ثك ّ‬ ‫بزعمهم‪ ،‬فجهلوا أشد ّ الجهل؛ حي ُ‬
‫م‬
‫قد َرِه ِ ُ‬ ‫ض بِ ُ‬
‫ت والر ِ‬ ‫آيات الّله‪ ،‬وقاسوا قدرة َ خالق السماوا ِ‬
‫ن هذا ممتنعٌ عليهم ل يقدرون عليه؛‬ ‫الضعيفة العاجزة‪ ،‬فلما رأوا أ ّ‬
‫ل خلقا ً من خلقه‬ ‫جعَ َ‬
‫ن َ‬ ‫جعلوا قدرة الّله كذلك؛ فسبحان َ‬
‫م ْ‬
‫عمون أّنهم أولو العقول واللباب مثال ً في جهل أظهر الشياء‬ ‫يز ُ‬
‫م إل توفيقه‬ ‫وأجلها وأوضحها براهين وأعلها؛ ل ُِيري عباده أنه ما ث َ ّ‬
‫ب‬‫وإعانُته أو الهلك والضلل‪} ،‬رّبنا ل ت ُزِغ ْ قلوبنا بعد إذ ْ هَد َي َْتنا وَهَ ْ‬
‫ة إّنك أنت الوهاب{‪.‬‬ ‫لنا من ل َد ُْنك رحم ً‬
‫}‪ 50‬ـ ‪ {51‬ولهذا أمر رسوله صلى الله عليه وسلم أن‬
‫ل كونوا حجارة أو‬ ‫يقول لهؤلء المنكرين للبعث استبعادًا‪} :‬قُ ْ‬
‫ظم }في صدوِركم{‪ :‬لتسلموا‬ ‫حديدًا‪ .‬أو خلقا ً مما يكبر{؛ أي‪ :‬يع ُ‬
‫بذلك ـ على زعمكم ـ من أن تنالكم قدرة الّله أو تنفذ َ فيكم‬
‫مشيئُته؛ فإنكم غير معجزين الّله في أيّ حالة تكونون وعلى أ ّ‬
‫ي‬
‫ولون‪ ،‬وليس لكم في أنفسكم تدبيٌر في حالة الحياة‬ ‫ف تتح ّ‬ ‫وص ٍ‬
‫ل شيء‬ ‫ن هو على ك ّ‬ ‫م ْ‬‫وبعد الممات؛ فدعوا التدبير والتصريف ِلـ َ‬
‫جة‬ ‫ل شيء محيط‪} .‬فسيقولون{‪ :‬حين ُتقيم عليهم الح ّ‬ ‫قدير وبك ّ‬
‫في البعث‪} :‬من يعيدنا قل الذي فَط ََركم أول مرة{‪ :‬فكما‬
‫فطركم ولم تكونوا شيئا ً مذكورًا؛ فإّنه سيعيدكم خلقا ً جديدًا؛‬
‫ن إليك رؤوسهم{؛ أي‪:‬‬ ‫ده{‪} ،‬فسي ُن ِْغضو َ‬‫ق نعي ُ‬ ‫ل خل ٍ‬‫دأنا أوّ َ‬
‫}كما ب َ َ‬
‫جبا مما قلت‪} .‬ويقولون متى هو{؛ أي‪ :‬متى‬ ‫ً‬ ‫ً‬
‫يهّزونها إنكارا وتع ّ‬
‫ت البعث الذي تزعمه على قولك؟ ل إقرارا ً منهم لصل‬ ‫وق ُ‬
‫ن قريبًا{‪:‬‬ ‫ه منهم وتعجيٌز‪} .‬قل عسى أن يكو َ‬ ‫البعث‪ ،‬بل ذلك سف ٌ‬
‫ة‪ ،‬وإّنما الفائدة والمدار على تقريره‬ ‫فليس في تعيين وقت ِهِ فائد ٌ‬
‫ت؛ فإّنه قريب‪.‬‬ ‫والقرار به وإثباته‪ ،‬وإل ّ ؛ فك ّ‬
‫ل ما هو آ ٍ‬
‫فخ في الصور‪،‬‬ ‫}‪} {52‬يوم يدعوكم{‪ :‬للبعث والّنشور وين ُ‬
‫ن عليه‪.‬‬
‫ه{؛ أي‪ :‬تنقادون لمرِهِ ول تستعصو َ‬ ‫ن بحمد ِ ِ‬
‫}فتستجيبو َ‬
‫وقوله‪} :‬بحمده{؛ أي‪ :‬هو المحمود تعالى على فعله‪ ،‬ويجزي به‬
‫ل{‪ :‬من‬ ‫ن إن ل َب ِث ُْتم إل ّ قلي ً‬‫العباد إذا جمعهم ليوم الّتناِد‪} ،‬وتظّنو َ‬
‫ن الذي مّر عليكم من النعيم كأّنه ما كان؛ فهذا‬ ‫سرعة وقوعه‪ ،‬وأ ّ‬
‫الذي يقول عنه المنكرون‪ :‬متى هو؟ يندمون غاية الندم عند‬
‫ذبون‪.‬‬ ‫ه‪ ،‬وُيقال لهم‪ :‬هذا الذي كنُتم به تك ّ‬ ‫ورود ِ ِ‬
‫ﭽ ﮀ ﮁ ﮂ ﮃ ﮄ ﮅﮆ ﮇ ﮈ ﮉ ﮊﮋ ﮌ ﮍ ﮎ ﮏ ﮐ ﮑ ﮒ‬
‫ﮓ ﮔ ﮕﮖ ﮗ ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ ﮜ ﮝﮞ ﮟ ﮠﮮ ﮡ ﮢ ﮣ ﮤ ﮥ ﮦ ﮧﮮ ﮨ‬
‫ﮩﮮﮪ ﮫ ﮬ ﮭ ﮮﮮ ﮯ ﮰﮱ ﯓ ﯔ ﯕ ﯖ ﭼ ‪.‬‬
‫ث أمرهم بأحسن الخلق‬ ‫فهِ بعباده؛ حي ُ‬ ‫}‪ {53‬وهذا من لط ِ‬
‫دنيا والخرة‪ ،‬فقال‪:‬‬ ‫والعمال والقوال الموجبة للسعادة في ال ّ‬
‫ل كلم يقّرب‬ ‫ن{‪ :‬وهذا أمٌر بك ّ‬ ‫ل لعبادي يقولوا التي هي أحس ُ‬ ‫}وقُ ْ‬
‫إلى الّله؛ من قراءةٍ وذكرٍ وعلم وأمرٍ بمعروف ونهي عن منك ٍ‬
‫ر‬
‫ف مع الخلق على اختلف مراتبهم ومنازلهم‪،‬‬ ‫ن لطي ٍ‬ ‫وكلم حس ٍ‬
‫سِنهما‬
‫مر بإيثار أح َ‬ ‫وأنه إذا دار المر بين أمرين حسنين؛ فإّنه يؤ َ‬
‫ق جميل‬ ‫ل خل ٍ‬ ‫ن داٍع لك ّ‬ ‫إن لم يمكن الجمعُ بيَنهما‪ ،‬والقول الحس ُ‬
‫ن‬‫ك جميع أمره‪ .‬وقوله‪} :‬إ ّ‬ ‫مل َ َ‬ ‫مل َ َ‬
‫ك لسانه؛ َ‬ ‫من َ‬
‫ن َ‬ ‫وعمل صالح؛ فإ ّ‬
‫سد ُ عليهم‬ ‫ن ي َن َْزغ ُ بينهم{؛ أي‪ :‬يسعى بين العباد بما ي ُ ْ‬
‫ف ِ‬ ‫الشيطا َ‬
‫دينهم ودنياهم؛ فدواُء هذا أن ل ُيطيعوه في القوال غير الحسنة‬
‫ن الذي‬ ‫التي يدعوهم إليها‪ ،‬وأن َيلينوا فيما بيَنهم؛ لينقمعَ الشيطا ُ‬
‫ي الذي ينبغي لهم أن يحاربوه؛‬ ‫ينزغ بينهم؛ فإّنه عدّوهم الحقيق ّ‬
‫فإّنه يدعوهم ليكونوا من أصحاب السعير‪ ،‬وأما إخوانهم؛ فإّنهم‬
‫ن الحزم ك ّ‬
‫ل‬ ‫ن نزغ الشيطان فيما بينهم وسعى في العداوة؛ فإ ّ‬ ‫وإ ْ‬
‫مارة‬ ‫معوا أنفسهم ال ّ‬ ‫ق َ‬‫ي في ضد ّ عدّوهم‪ ،‬وأن ي َ ْ‬ ‫الحزم السع ُ‬
‫خل الشيطان من قِب َِلها؛ فبذلك يطيعون رّبهم‪،‬‬ ‫بالسوء‪ ،‬التي يد ُ‬
‫دون لرشدهم‪.‬‬ ‫ويستقيم أمرهم‪ ،‬وُيـهْ َ‬
‫}‪} {54‬رّبكم أعلم بكم{‪ :‬من أنفسكم؛ فلذلك ل يريد لكم‬
‫إل ّ ما هو الخير‪،‬ول يأمركم إل ّ بما فيه مصلحة لكم‪ ،‬وقد تريدون‬
‫شأ ي ُعَذ ّْبكم{‪:‬‬ ‫م ُ‬
‫كم أو إن ي َ َ‬ ‫شيئا ً الخير في عكسه‪} .‬إن ي َ ْ‬
‫حـ ْ‬ ‫شأ ي َْر َ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬
‫ل عنها‬ ‫ض ّ‬‫ل من شاء فَي َ ِ‬ ‫من شاء لسباب الرحمة‪ ،‬ويخذ ُ ُ‬ ‫فيوّفق َ‬
‫ل{‪ُ :‬تدب ُّر أمرهم‬ ‫فيستحقّ العذاب‪} .‬وما أرسلناك عليهم وكي ً‬
‫وتقوم بمجازاتهم‪ ،‬وإّنما الّله هو الوكيل‪ ،‬وأنت مبلغٌ هاد ٍ إلى‬
‫صراط مستقيم‪.‬‬
‫ت والرض{‪ :‬من‬ ‫م بمن في السمـوا ِ‬ ‫}‪} {55‬ورّبك أعل ُ‬
‫قه وتقتضيه‬ ‫جميع أصناف الخلئق‪ ،‬فيعطي كل ّ منهم ما يستح ّ‬
‫ضهم على بعض في جميع الخصال الحسّية‬ ‫ضل بع َ‬ ‫حكمُته‪ ،‬ويف ّ‬
‫ض‪،‬‬‫ضل بعض النبّيين المشتركين بوحيه على بع ٍ‬ ‫والمعنوّية؛ كما ف ّ‬
‫ن به عليهم‪ ،‬من الوصاف‬ ‫م ّ‬‫بالفضائل والخصائص الّراجعة إلى ما َ‬
‫الممدوحة‪ ،‬والخلق المرضّية والعمال الصالحة وك َْثرة التباع‬
‫ونزول الكتب على بعضهم‪ ،‬المشتملة على الحكام الشرعّية‬
‫والعقائد المرضّية؛ كما أنزل على داود َزبورًا‪ ،‬وهو الكتاب‬
‫ض وآتى‬ ‫ضهم على بع ٍ‬ ‫ضل بع َ‬ ‫المعروف؛ فإذا كان تعالى قد ف ّ‬
‫ذبون لمحمد ٍ صلى الله عليه وسلم ما‬ ‫بعضهم كتبًا؛ ِفل َ‬
‫م ينك ُِر المك ّ‬
‫وة والكتاب؟‬ ‫ضله به من النب ّ‬‫أنزله الّله عليه وما ف ّ‬
‫ﯠ ﯡ ﯢ ﯣ ﯤ ﯥﯦ ﯧ ﯨ ﯩ ﯷ ﯷ‬ ‫ﭽ ﯗ ﯘ ﯙ ﯚ ﯛ ﯜ ﯝ ﯞ ﯟﮮ‬
‫ﯷ ﯷ ﭼ‪.‬‬ ‫ﯷ ﯷ ﯷ ﯷ ﯷ ﯷﯷ ﯷ ﯷ ﯷ ﯷ‬
‫}‪ {56‬يقول تعالى‪} :‬قل{ للمشركين بالّله الذين اّتخذوا‬
‫من دونه أندادا ً يعُبدونهم كما يعبدون الّله‪ ،‬ويدعونهم كما يدعوَنه‬
‫زما ً لهم بتصحيح ما زعموه‪ ،‬واعتقدوه إن كانوا صادقين‪:‬‬ ‫مل ِ‬
‫فعونكم‬ ‫}ادعوا الذين زعمُتم{‪ :‬آلهة من دون الّله‪ ،‬فانظروا هل ي َن ْ َ‬
‫ضّر عنكم{‪:‬‬ ‫ف ال ّ‬ ‫ن كش َ‬ ‫ضّر؟ فإنهم ل }يمِلكو َ‬ ‫أو يدَفعون عنكم ال ّ‬
‫ض أو فقرٍ أو شد ّةٍ ونحو ذلك؛ فل يدفعوَنه بالك ُل ّّية‪ .‬ول‬ ‫من مر ٍ‬
‫دة إلى ما‬ ‫حويله من شخص إلى آخر‪ ،‬ومن ش ّ‬ ‫يملكون أيضا ً ت َ ْ‬
‫دونها؛ فإذا كانوا بهذه الصفة؛ فليّ شيٍء تدعوَنهم من دون الّله؛‬
‫ص في الدين‬ ‫ذهم نق ٌ‬ ‫ل لهم ول فعال نافعة؛ فاّتخا ُ‬ ‫فإّنهم ل كما َ‬
‫ه في الرأي‪.‬‬ ‫ف ٌ‬‫س َ‬
‫والعقل و َ‬
‫قيه عن‬ ‫سفه عند العتياد والممارسة وتل ّ‬ ‫ن ال ّ‬‫ومن العجب أ ّ‬
‫الباء الضاّلين بالقبول يراه صاحبه هو الرأي السديد والعقل‬
‫دين لّله الواحد الحد الكامل المنعم‬ ‫ص ال ّ‬‫المفيد‪ ،‬ويرى إخل َ‬
‫جب منه؛‬ ‫سفه والمر المتع ّ‬ ‫بجميع النعم الظاهرة والباطنة هو ال ّ‬
‫ن هذا لشيٌء‬ ‫ة إلها ً واحدا ً إ ّ‬ ‫ل الله َ‬ ‫كما قال المشركون‪} :‬أجع َ‬
‫ب{‪.‬‬ ‫عجا ٌ‬ ‫ُ‬
‫ن الذين يعُبدونهم من دون الّله في‬ ‫}‪ {57‬ثم أخبر أيضا ً أ ّ‬
‫شغل شاغل عنهم باهتمامهم بالفتقار إلى الّله وابتغاء الوسيلة‬
‫ن{‪ :‬من النبياء والصالحين‬ ‫دعو َ‬ ‫إليه؛ فقال‪} :‬أولئك الذين ي َ ْ‬
‫ب{؛ أي‪:‬‬ ‫ة أّيهم أقر ُ‬ ‫والملئكة‪} ،‬ي َب َْتغون إلى رّبهم الوسيل َ‬
‫ذلون ما يقدرون عليه من‬ ‫يتنافسون في القرب من رّبهم‪ ،‬ويب ُ‬
‫العمال الصالحة المقّربة إلى الّله تعالى وإلى رحمِته‪} ،‬ويخافون‬
‫ن عذاب رّبك‬ ‫ل إلى العذاب‪} .‬إ ّ‬ ‫ص ُ‬
‫ل ما يو ِ‬ ‫عذاَبه{‪ :‬فيجتنبون ك ّ‬
‫دة الحذر منه والتوّقي من‬ ‫كان محذورًا{؛ أي‪ :‬هو الذي ينبغي ش ّ‬
‫ف‬
‫ص َ‬ ‫ة الخوف والرجاء والمحّبة التي وَ َ‬ ‫أسبابه‪ .‬وهذه المور الثلث ُ‬
‫ل خير؛‬ ‫دة في ك ّ‬ ‫الّله بها هؤلء المقّربين عنده هي الصل والما ّ‬
‫حلت عنه‬ ‫ب منها؛ تر ّ‬ ‫ت له أموره‪ ،‬وإذا خل القل ُ‬ ‫م ْ‬
‫ت له؛ َتـ ّ‬‫م ْ‬‫فمن َتـ ّ‬
‫الخيرات‪ ،‬وأحاطت به الشرور‪.‬‬
‫ل‬
‫م ٍٍ‬ ‫ل عَ َ‬ ‫وعلمة المحّبة ما ذ َك ََره ُ الّله أن يجتهد العبد ُ في ك ّ‬
‫يقّرُبه إلى الّله‪ ،‬وينافس في قربه بإخلص العمال كّلها لّله‪،‬‬
‫والّنصح فيها وإيقاعها في أكمل الوجوه المقدور عليها؛ فمن زعم‬
‫ب الّله بغير ذلك؛ فهو كاذب‪.‬‬ ‫أنه يح ّ‬
‫ﰈ ﰉ‬ ‫ﭽ ﯷ ﯷ ﯷ ﯼ ﯽ ﯾ ﯿ ﯷ ﯷ ﯷ ﯷ ﯷ ﯷﯷ ﯷ‬
‫ذبة‬ ‫قرى المك ّ‬ ‫ﯷ ﯷ ﯷ ﭼ السراء‪ {58} ٥٨ :‬أي‪ :‬ما من قريةٍ من ال ُ‬
‫ب‬‫ك قبل يوم القيامة أو عذا ٌ‬ ‫للرسل إل ّ ل بد ّ أن يصيبهم هل ٌ‬
‫ب كتبه الّله وقضاٌء أبرمه ل بد ّ من وقوعه؛ فليبادر‬ ‫د‪ ،‬كتا ٌ‬ ‫شدي ٌ‬
‫ة‬
‫م عليهم كلم ُ‬ ‫سل ِهِ قبل أن تت ّ‬ ‫ذبون بالنابة إلى الّله وتصديق ُر ُ‬ ‫المك ّ‬
‫العذاب ويحقّ عليهم القول‪.‬‬
‫ﭽ ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚﭛ ﭜ ﭝ ﭞ ﭟ ﭠ ﭡ ﭢ ﭣ‬
‫ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ ﭨ ﭩ ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ ﭯﭰ ﭱ ﭲ ﭳ ﭴ ﭵ ﭶ ﭷ‬
‫ﭸ ﭹ ﭺ ﭻ ﭼﭽ ﭾ ﭿ ﮀ ﮁ ﮂ ﮃ ﮄ ﭼ ‪.‬‬
‫ح بها‬‫}‪ {59‬يذكر تعالى رحمته بعدم إنزاله اليات التي يقتر ُ‬
‫سَلها إل ّ خوفا ً من تكذيبهم لها؛ فإذا‬
‫ذبون‪ ،‬وأّنه ما منعه أن ير ِ‬‫المك ّ‬
‫ل بهم من غير تأخيرٍ كما فعل‬ ‫جَلهم العقا ُ‬
‫ب وح ّ‬ ‫ك ّ‬
‫ذبوا بها؛ عا َ‬
‫ة التي أرسلها اللهّ‬‫بالولين الذين كذبوا بها‪ ،‬ومن أعظم اليات الي ُ‬
‫ة الباهرة التي كانت تصد ُُر عنها‬ ‫إلى ثمود‪ ،‬وهي الناقة العظيم ُ‬
‫ص الّله‬ ‫ذبوا بها‪ ،‬فأصابهم ما ق ّ‬ ‫جميع القبيلة بأجمعها‪ ،‬ومع ذلك ك ّ‬
‫علينا في كتابه‪ .‬وهؤلء كذلك؛ لو جاءتهم اليات الكبار؛ لم يؤمنوا؛‬
‫فإّنه ما منعهم من اليمان خفاُء ما جاء به الرسول واشتباهه هل‬
‫ل على‬ ‫هو حقّ أو باطل؟ فإنه قد جاء من البراهين الكثيرة ما د ّ‬
‫ن طلب الهداية؛ فغيُرها مثُلها‪،‬‬ ‫م ْ‬‫حة ما جاء به الموجب لهداية َ‬ ‫ص ّ‬
‫ك إنزالها والحالة هذه‬ ‫فل بد ّ أن يسلكوا بها ما سلكوا بغيرها‪ ،‬فتر ُ‬
‫خيٌر لهم وأنفع‪ .‬وقوله‪} :‬وما نرسل باليات إل تخويفًا{؛ أي‪ :‬لم‬
‫ل إل ّ‬ ‫ص ُ‬ ‫ة لليمان الذي ل يح ُ‬ ‫ة وموجب ً‬ ‫يكن القصد ُ بها أن تكون داعي ً‬
‫دعوا عن ما هم‬ ‫بها‪ ،‬بل المقصود منها التخويف والترهيب؛ ليرت ِ‬
‫عليه‪.‬‬
‫ة؛‬‫ن رّبك أحاط بالناس{‪ :‬علما ً وقدر ً‬ ‫}‪} {60‬وإذ قلنا لك إ ّ‬
‫فليس لهم ملجأ يلجؤون إليه ول ملذ ٌ يلوذون به عنه‪ ،‬وهذا كا ٍ‬
‫ف‬
‫ل في النكفاف عما يكرهه الّله الذي أحاط بالناس‪،‬‬ ‫لمن له عق ٌ‬
‫جعَْلنا الرؤيا التي أَرْيناك{‪ :‬أكثر المفسرين على أّنها ليلة‬ ‫}وما َ‬
‫ة{‪ :‬التي ذكرت }في القرآن{‪ :‬وهي‬ ‫السراء‪} ،‬والشجرة َ الملعون َ‬
‫ت في أصل الجحيم‪.‬‬ ‫شجرة الزّقوم التي ت َن ْب ُ ُ‬
‫ة للناس‪ ،‬حتى‬ ‫والمعنى ‪ :‬إذا كان هذان المران قد صارا فتن ً‬
‫ه‬
‫من كان إيمان ُ ُ‬ ‫فار بكفرهم وازداد شّرهم‪ ،‬وبعض َ‬ ‫ج الك ّ‬‫استل ّ‬
‫ن ما أخبرهم به من المور التي كانت‬ ‫ضعيفا ً رجع عنه‪ ،‬بسبب أ ّ‬
‫ليلة السراء‪ ،‬ومن السراء من المسجد الحرام إلى المسجد‬
‫ت في أصل‬ ‫القصى كان خارقا ً للعادة‪ ،‬والخبار بوجود شجرةٍ ت َن ْب ُ ُ‬
‫ف‬‫الجحيم أيضا ً من الخوارق؛ فهذا الذي أوجب لهم التكذيب؛ فكي َ‬
‫لو شاهدوا اليات العظيمة والخوارق الجسيمة؟! أليس ذلك أولى‬
‫أن يزداد بسببه شّرهم؛ فلذلك رحمهم الّله وصرفها عنهم‪ .‬ومن‬
‫ن عدم التصريح في الكتاب والسنة بذكر الموِر‬ ‫مأ ّ‬ ‫هنا تعل ُ‬
‫ن‬‫خرة أولى وأحسن؛ ل ّ‬ ‫ت في الزمنة المتأ ّ‬ ‫حد َث َ ْ‬
‫العظيمة التي َ‬
‫المور التي لم يشاه ِد ِ الناس لها نظيرا ً رّبما ل تقبلها عقوُلهم‪] ،‬لو‬
‫عها[ فيكون ذلك ريبا ً في قلوب بعض‬ ‫خب ُِروا بها قبل وُُقو ِ‬ ‫أُ ْ‬
‫خل السلم ومنفرا ً عنه‪ ،‬بل ذكر‬ ‫المؤمنين ومانعا ً يمنعُ من لم يد ُ‬
‫مة تتناول جميع ما يكون‪ .‬والّله أعلم‪} .‬ونخوُّفهم{‪:‬‬ ‫الّله ألفاظا ً عا ّ‬
‫باليات‪} ،‬فما يزيدهم{‪ :‬التخويف }إل ّ طغيانا ً كبيرًا{‪ :‬وهذا أبلغ ما‬
‫يكون في التحّلـي بالشّر ومحّبته وبغض الخير وعدم النقياد له‪.‬‬
‫ﮍ ﮎ ﮏ ﮐ ﮑ ﮒ ﮓ ﮔ ﮕ‬ ‫ﭽﮅ ﮆ ﮇ ﮈ ﮉ ﮊ ﮋ ﮌ‬
‫ﮖ ﮗ ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ ﮜ ﮝ ﮞ ﮟ ﮠﮮ ﮡ ﮢ ﮣ ﮤ ﮥ ﮦ ﮧﮮ ﮨ ﮩﮮ‬
‫ﮪ ﮫ ﮬ ﮭ ﮮﮮ ﮯ ﮰ ﮱ ﯓ ﯔ ﯕ ﯖ ﯗ ﯘ ﯙ ﯚ ﯛ ﯜﯝ ﯞ ﯟﮮ ﯠ‬
‫ﯢ ﯣ ﯤ ﯥﯦ ﯧ ﯨ ﯩﯷ ﯷ ﯷ ﯷ ﯷ ﭼ ‪.‬‬ ‫ﯡ‬
‫دة عداوة الشيطان‬ ‫}‪ {61‬ينّبه تبارك وتعالى عباده على ش ّ‬
‫خل َقَ الّله آدم؛ استكبر عن‬ ‫وحرصه على إضللهم‪ ،‬وأّنه لما َ‬
‫ت طينًا{؛ أي‪ :‬من‬ ‫جد ُ لمن خلق َ‬ ‫السجود له و }قال{ متكّبرًا‪} :‬أأس ُ‬
‫دم فساد‬ ‫خل ِقَ من ناٍر‪ ،‬وقد تق ّ‬ ‫طين‪ ،‬وبزعمه أّنه خيٌر منه؛ لنه ُ‬
‫هذا القياس الباطل من عدة أوجه‪.‬‬
‫}‪ {62‬فلما تبين لبليس تفضيل الّله لدم؛ }قال{ مخاطبا ً‬
‫ة‬
‫ن إلى يوم القيام ِ‬ ‫خْرت َ ِ‬
‫نأ ّ‬ ‫ي لئ ْ‬ ‫ت علـ ّ‬ ‫م َ‬ ‫ك هذا الذي كّر ْ‬ ‫لّله‪} :‬أرأيت َ َ‬
‫ه{؛ أي‪ :‬لستأصل َّنهم بالضلل ولغ ْوِي َّنهم‪} ،‬إل ّ‬ ‫ن ذ ُّري ّت َ ُ‬ ‫لحت َن ِك َ ّ‬
‫ث أّنه ل بد ّ أن يكون منهم من يعاديه ويعصيه‪.‬‬ ‫ل{‪ :‬عرف الخبي ُ‬ ‫قلي ً‬
‫ب فمن تبعك منهم{‪ :‬واختارك‬ ‫}‪ {63‬فقال الّله له‪} :‬اذه ْ‬
‫ن جهّنم جزاؤكم جزاًء موفورًا{؛ أي‪:‬‬ ‫ق‪} .‬فإ ّ‬ ‫على رّبه وولّيه الح ّ‬
‫دخرا ً لكم موّفرا ً جزاء أعمالكم‪.‬‬ ‫م ّ‬
‫ل ما يقد ُِر عليه من‬ ‫لك ّ‬ ‫}‪ {64‬ثم أمره الّله أن يفع َ‬
‫ك{‪ :‬ويدخل‬ ‫ت منهم بصوت ِ َ‬ ‫إضللهم‪ ،‬فقال‪} :‬واستفزِْز من استطع َ‬
‫ك{‪:‬‬ ‫جل َ‬ ‫ك وَر ِ‬ ‫ب عليهم بخيل ِ َ‬ ‫جل ِ ْ‬‫ل داٍع إلى المعصية‪} ،‬وأ ْ‬ ‫في هذا ك ّ‬
‫ش في معصية الّله؛ فهو من خيل‬ ‫ب وما ٍ‬ ‫ل راك ٍ‬ ‫ويدخل فيه ك ّ‬
‫ن الّله ابتلى العباد بهذا العدّو‬ ‫ه‪ .‬والمقصود أ ّ‬ ‫جل ِ ِ‬
‫الشيطان وَر ِ‬
‫كهم‬ ‫المبين الداعي لهم إلى معصية الّله بأقواله وأفعاله‪} .‬وشارِ ْ‬
‫ل معصية تعّلقت بأموالهم‬ ‫ل لك ّ‬ ‫في الموال والولد{‪ :‬وذلك شام ٌ‬
‫فارات والحقوق الواجبة‪ ،‬وعدم‬ ‫وأولدهم من منع الزكاة والك ّ‬
‫تأديب الولد وتربيتهم على الخير وترك الشّر‪ ،‬وأخذ الموال بغير‬
‫قها أو استعمال المكاسب الردّية‪ ،‬بل ذ َك ََر‬ ‫قها أو وضعها بغير ح ّ‬ ‫ح ّ‬
‫ل في مشاركة الشيطان في الموال‬ ‫خ ُ‬ ‫سرين أنه يد ُ‬ ‫كثيٌر من المف ّ‬
‫ك التسمية عند الطعام والشراب والجماع‪ ،‬وأّنه إذا لم‬ ‫والولد ِ تر ُ‬
‫)‪(1‬‬
‫م الّله في ذلك؛ شارك فيه الشيطان؛ كما ورد فيه الحديث‬ ‫س ّ‬ ‫يُ َ‬
‫خَرَفة التي ل حقيقة لها‪ ،‬ولهذا قال‪:‬‬ ‫دهم{‪ :‬الوعاد َ المز ْ‬ ‫ع ْ‬‫‪} .‬و ِ‬
‫ن إل ّ غرورًا{؛ أي‪ :‬باطل ً مضمحّل؛ كأن يزّين‬ ‫هم الشيطا ُ‬ ‫}وما ي َعِد ُ ُ‬
‫لهم المعاصي والعقائد الفاسدة‪ ،‬ويعدهم عليها الجر؛ لّنهم‬
‫كم الفقر‬ ‫يظّنون أّنهم على الحق‪ ،‬وقال تعالى‪} :‬الشيطان ي َعِد ُ ُ‬
‫ل{‪.‬‬ ‫كم مغفرة ً منه وفض ً‬ ‫مُركم بالفحشاِء والّله ي َعِد ُ ُ‬ ‫ويأ ُ‬
‫}‪ {65‬ولما أخبر عما يريد الشيطان أن يفعل بالعباد؛ ذ َك ََر‬
‫كل‪،‬‬ ‫م به من فتنته‪ ،‬وهو عبودّية الّله والقيام باليمان والتو ّ‬ ‫ص ُ‬‫ما ي ُعْت َ َ‬
‫‪ -‬كما في »صحيح البخاري« )‪ ،(141‬ومسلم )‪.(2018‬‬ ‫‪1‬‬
‫ن{؛ أي‪ :‬تسّلط وإغواٌء‪،‬‬‫ن عبادي ليس لك عليهم سلطا ٌ‬ ‫فقال‪} :‬إ ّ‬
‫ظهم من‬‫ل شّر‪ ،‬ويحف ُ‬‫بل الّله يدفع عنهم بقيامهم بعبودّيته ك ّ‬
‫الشيطان الرجيم‪ ،‬ويقوم بكفايتهم‪} .‬وكفى برّبك وكي ً‬
‫ل{‪ :‬لمن‬
‫دى ما أمر به‪.‬‬
‫كل عليه‪ ،‬وأ ّ‬‫تو ّ‬
‫ﯼ ﯽ ﯾ‬ ‫ﯷ ﯷ ﯷﯷ ﯷ ﯷ‬ ‫ﭽﯷ ﯷ ﯷ ﯷ ﯷ ﯷ ﯷ‬
‫ﭢ ﭣ ﭤ‬ ‫ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚﭛ ﭜ ﭝ ﭞ ﭟ ﭠﭡ‬
‫ﭴ ﭵ ﭶ ﭷ‬ ‫ﭥ ﭦ ﭧ ﭨ ﭩ ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ ﭯ ﭰ ﭱ ﭲ ﭳ‬
‫ﮊ ﮋ ﮌ ﮍ‬ ‫ﭸ ﭹ ﭺ ﭻ ﭼ ﭽ ﭾ ﭿ ﮀ ﮁ ﮂ ﮃ ﮄﮅ ﮆ ﮇ ﮈ ﮉ‬
‫ﭼ‪.‬‬
‫خر لهم من‬ ‫}‪ {66‬يذكر تعالى نعمته على العباد بما س ّ‬
‫خر لها‬
‫فلك والسفن والمراكب‪ ،‬وألهمهم كيفّية صنعتها وس ّ‬ ‫ال ُ‬
‫البحر الملتطم يحملها على ظهره؛ لينتفع العباد بها في الركوب‬
‫والحمل للمتعة والتجارة‪ ،‬وهذا من رحمته بعباده؛ فإّنه لم يْزل‬
‫ل ما تعّلقت به إرادتهم ومنافعهم‪.‬‬ ‫بهم رحيما ً رءوفًا‪ ،‬يؤتيهم من ك ّ‬
‫}‪ {67‬ومن رحمته الداّلة على أّنه وحده المعبود دون ما‬
‫كم‬‫ضّر في البحر‪ ،‬فخافوا من الهلك لترا ُ‬ ‫سهم ال ّ‬
‫سواه أّنهم إذا م ّ‬
‫ّ‬
‫ل عنهم ما كانوا يدعون من دون الله في حال الّرخاء‬ ‫المواج؛ ض ّ‬
‫ت من‬ ‫من الحياء والموات‪ ،‬فكأّنهم لم يكونوا يدعونهم في وق ٍ‬
‫ضّر‪ ،‬وصرخوا‬ ‫الوقات؛ لعلمهم أّنهم ضعفاء عاجزون عن كشف ال ّ‬
‫بدعوة فاطر الرض والسماوات‪ ،‬الذي تستغيث به في شدائدها‬
‫جميعُ المخلوقات‪ ،‬وأخلصوا له الدعاء والتضّرع في هذه الحال‪،‬‬
‫جاهم إلى الب َّر؛ نسوا ما كانوا‬ ‫ف الّله عنهم ال ّ‬
‫ضّر ون ّ‬ ‫فلما ك َ َ‬
‫ش َ‬
‫ن ل ينفع ول يضّر ول يعطي‬ ‫م ْ‬
‫يدعون إليه من قبل‪ ،‬وأشركوا به َ‬
‫ول يمنع‪ ،‬وأعرضوا عن الخلص لرّبهم ومليكهم‪.‬‬
‫ن النسان كفوٌر للّنعم؛ إل ّ‬ ‫ه؛ فإ ّ‬ ‫وهذا من جهل النسان وكفرِ ِ‬
‫ن عليه بالعقل السليم واهتدى إلى الصراط‬ ‫من هدى الّله فم ّ‬ ‫َ‬
‫جي من‬ ‫ن الذي يكشف الشدائد‪ ،‬وين ّ‬ ‫المستقيم؛ فإّنه يعلم أ ّ‬
‫ص له سائر العمال في‬ ‫خل َ َ‬ ‫د‪ ،‬وُتـ ْ‬‫فَر َ‬
‫الهوال هو الذي يستحقّ أن ي ُ ْ‬
‫ل إلى عقله‬ ‫ل ووُك ِ َ‬ ‫خذ ِ َ‬
‫دة والّرخاء والُيسر والُعسر‪ ،‬وأما من ُ‬ ‫الش ّ‬
‫دة إل ّ مصلحته الحاضرة‬ ‫ظ وقت الش ّ‬ ‫ح ْ‬
‫الضعيف؛ فإّنه لم يل َ‬
‫ت له النجاة ُ وزالت عنه‬ ‫ل تلك الحال‪ ،‬فلما حصل ْ‬ ‫وإنجاءه في ك ّ‬
‫خط ُْر بقلبه شيء‬ ‫ن بجهله أّنه قد أعجز الّله‪ ،‬ولم َيـ ْ‬ ‫قة؛ ظ ّ‬ ‫المش ّ‬
‫من العواقب الدنيوّية فضل ً عن أمور الخرة‪.‬‬
‫ف‬
‫س َ‬‫منُتم أن يخ ِ‬ ‫ه‪} :‬أفأ ِ‬ ‫كرهم الّله بقول ِ ِ‬ ‫}‪ 68‬ـ ‪ {69‬ولهذا ذ ّ‬
‫ل عليكم حاصبًا{؛ أي‪ :‬فهو على كل شيء‬ ‫ب الب َّر أو يرس َ‬
‫بكم جان َ‬
‫ف‪ ،‬أو‬ ‫ل منكم بالخس ِ‬ ‫قديٌر‪ ،‬إن شاء أنزل عليكم عذابا ً من أسف َ‬
‫صُبهم فيصبحوا‬ ‫ب الذي َيح ُ‬ ‫من فوِقكم بالحاصب‪ ،‬وهو العذا ُ‬
‫ن ظننُتم‬ ‫ن الهلك ل يكون إل في البحر‪ ،‬وإ ْ‬ ‫هالكين؛ فل تظّنوا أ ّ‬
‫ذلك؛ فأنتم آمنون من }أن يعيدكم{‪ :‬في البحر؛ }تارة ً أخرى‬
‫دا تقصف‬ ‫صفا ً من الريح{؛ أي‪ :‬ريحا ً شديدة ً ج ّ‬ ‫فيرسل عليكم قا ِ‬
‫جدوا لكم علينا به‬ ‫ما أتت عليه‪} ،‬فيغرَِقكم بما كفرتم ثم ل ت َ ِ‬
‫كم مثقال ذّرة‪.‬‬ ‫م ُ‬ ‫ن الّله لم يظل ْ‬ ‫تبيعًا{؛ أي‪ :‬تبعة ومطالبة؛ فإ ّ‬
‫ﮑ ﮒ ﮓ ﮔ ﮕ ﮖ ﮗ ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ ﮜﮝ‬ ‫ﭽﮎ ﮏ ﮐ‬
‫ﮞ ﮟ ﮠﮮ ﭼ ‪.‬‬

‫مهِ عليهم وإحسانه الذي ل يقاد َُر قَد ُْر ُ‬


‫ه؛‬ ‫}‪ {70‬وهذا من كر ِ‬
‫حيث كّرم بني آدم بجميع وجوه الكرام‪ ،‬فكّرمهم بالعلم والعقل‬
‫وإرسال الرسل وإنزال الكتب‪ ،‬وجعل منهم الولياَء والصفياء‪،‬‬
‫مْلناهم في البّر{‪:‬‬ ‫حـ َ‬ ‫وأنعم عليهم بالّنعم الظاهرة والباطنة‪} ،‬و َ‬
‫على الركاب من البل والبغال والحمير والمراكب البرّية‪ .‬وفي‬
‫}البحر{‪ :‬في السفن والمراكب‪} ،‬وَرَزْقناهم من الطيبات{‪ :‬من‬
‫ب والملبس والمناكح؛ فما من طيب تتعّلق به‬ ‫المآكل والمشار ِ‬
‫ر‪،‬‬
‫سره لهم غاية التيسي ِ‬ ‫حوائجهم إل ّ وقد أكرمهم الّله به وي ّ‬
‫صهم به من‬ ‫ل{‪ :‬بما خ ّ‬ ‫قنا تفضي ً‬ ‫خل َ ْ‬
‫من َ‬ ‫ضْلناهم على كثيرٍ مـ ّ‬ ‫}وف ّ‬
‫ضلهم به من الفضائل التي ليست لغيرهم من أنواع‬ ‫المناقب وف ّ‬
‫ن أولى النعم ود َفَعَ الّنقم ول‬ ‫م ْ‬‫المخلوقات‪ ،‬أفل يقومون بشكر َ‬
‫تحجبهم الّنعم عن المنعم فيشتغلوا بها عن عبادة رّبهم‪ ،‬بل رّبما‬
‫استعانوا بها على معاصيه؟!‬
‫ﯕ‬ ‫ﭽ ﮡ ﮢ ﮣ ﮤ ﮥ ﮦ ﮧﮮ ﮨ ﮩﮮ ﮪ ﮫ ﮬ ﮭ ﮮﮮ ﮯ ﮰ ﮱ ﯓ ﯔ‬
‫ﯖ ﯗ ﯘ ﯙ ﯚ ﯛ ﯜ ﯝ ﯞ ﭼ السراء‪.٧٢ - ٧١ :‬‬
‫}‪ {71‬يخبر تعالى عن حال الخلق يوم القيامة‪ ،‬وأنه يدعو‬
‫ل أناس معهم إمامهم وهاديهم إلى الّرشد‪ ،‬وهم الرسل‬ ‫ك ّ‬
‫ل أمة‪ ،‬ويحضرها رسولهم الذي دعاهم‪،‬‬ ‫ونوابهم‪ ،‬فتعرض ك ّ‬
‫وتعرض أعمالهم على الكتاب الذي يدعو إليه الرسول هل هي‬
‫موافقة له أم ل؟ فينقسمون بهذا قسمين‪} :‬فمن أوتي كتابه‬
‫ط مستقيم‪ ،‬واهتدى‬ ‫بيمينه{‪ :‬لكونه اّتبع إمامه الهادي إلى صرا ٍ‬
‫بكتابه‪ ،‬فكثرت حسناُته‪ ،‬وقّلت سيئاُته؛ }فأولئك يقرؤون كتابهم{‪:‬‬
‫حهم ويسّرهم‪،‬‬ ‫قراءة سرورٍ وبهجة على ما يرون فيها مما يفرِ ُ‬
‫ما عملوه من الحسنات‪.‬‬ ‫}ول ُيظلمون فتي ً‬
‫ل{‪ :‬م ّ‬
‫ق؛‬
‫}‪} {72‬ومن كان في هذه{‪ :‬الدنيا }أعمى{‪ :‬عن الح ّ‬
‫فلم يقب َْله ولم ينقد ْ له‪ ،‬بل اّتبع الضلل‪} ،‬فهو في الخرة أعمى{‪:‬‬
‫عن سلوك طريق الجّنة كما لم يسلكه في الدنيا‪} ،‬وأض ّ‬
‫ل‬
‫ن الجزاء من جنس العمل‪ ،‬وكما َتدين ُتدان‪.‬‬ ‫سبي ً‬
‫ل{‪ :‬فإ ّ‬
‫ل أمة ُتدعى إلى دينها‬ ‫نك ّ‬ ‫وفي هذه الية دليل على أ ّ‬
‫ي لم‬‫وكتابها وهل عملت به أم ل؟ وأنهم ل يؤاخذون بشرع نب ّ‬
‫جة عليه‬ ‫ذب أحدا ً إل ّ بعد قيام الح ّ‬ ‫ن الّله ل يع ّ‬
‫يؤمروا باّتباعه‪ ،‬وأ ّ‬
‫ص ُ‬
‫ل‬ ‫ون كتبهم بأيمانهم‪ ،‬ويح ُ‬ ‫ن أهل الخير يعط َ ْ‬ ‫ومخالفته لها‪ ،‬وأ ّ‬
‫ن أهل الشّر بعكس‬ ‫لهم من الفرح والسرور شيٌء عظيم‪ ،‬وأ ّ‬
‫مهم وحزنهم‬ ‫دة غ ّ‬
‫درون على قراءة كتبهم من ش ّ‬ ‫ذلك‪ ،‬وأنهم ل يق ِ‬
‫وثبورهم‪.‬‬
‫ﯷ‬ ‫ﭽ ﯟﮮ ﯠ ﯡ ﯢ ﯣ ﯤ ﯥﯦ ﯧ ﯨﯩ ﯷ ﯷ ﯷ ﯷ ﯷ ﯷ ﯷ ﯷ ﯷ‬
‫ﯷ ﯷ ﯷ ﯷ ﯷ ﯷ ﯷ ﯷ ﯼ ﯽ ﯾ ﯿ ﯷ ﯷ ﯷ ﯷ ﯷ ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ‬
‫ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ ﭝ ﭞ ﭟ ﭠ ﭡ ﭢ ﭣ ﭤ ﭥ ﭦﭧ ﭨ ﭩ‬
‫ﭪ ﭫ ﭬ ﭼ السراء‪٧٧ - ٧٣ :‬‬
‫}‪ {73‬يذكر تعالى مّنته على رسوله محمد ٍ صلى الله عليه‬
‫وسلم وحفظه له من أعدائه الحريصين على فتنته بكل طريق‪،‬‬
‫فِتنونك عن الذي أوحينا إليك لتفتريَ علينا{؛‬ ‫فقال‪} :‬وإن كادوا ل َي َ ْ‬
‫أي‪ :‬قد كادوا لك أمرا ً لم ي ُد ِْركوه‪ ،‬وتحّيلوا لك على أن تفتري‬
‫على الّله غير الذي أنزلنا إليك‪ ،‬فتجيء بما يوافقُ أهواءهم‪ ،‬وتدعُ‬
‫ل{؛‬‫ما أنزل الّله إليك‪} .‬وإذًا{‪ :‬لو فعلت ما يهوون؛ }لّتخذوك خلي ً‬
‫ك الّله عليه من‬ ‫جب َل َ َ‬‫أي‪ :‬حبيبا ً صفّيا أعّز عليهم من أحبـابهم لما َ‬
‫مكارم الخلق ومحاسن الداب المحّببة للقريب والبعيد والصديق‬
‫والعدّو‪ ،‬ولكن لتعلم أّنهم لم يعادوك وينابذوك العداوة إل ّ للح ّ‬
‫ق‬
‫حُزُنك‬ ‫م إّنه ل َي َ ْ‬
‫ذاتك؛ كما قال تعالى‪} :‬قد نعل ُ‬ ‫ت به ل ل ِ َ‬ ‫الذي جئ َ‬
‫ن الظالمين بآيات الّله‬ ‫ذبون َ َ‬
‫ك ولك ّ‬ ‫الذي يقولون فإّنهم ل يك ّ‬
‫ن{‪.‬‬ ‫يجحدو َ‬
‫}‪} {74‬و{ مع هذا }لول أن ث َب ّْتناك{‪ :‬على الحقّ وامتّننا‬
‫ل{‪:‬‬ ‫ن إليهم شيئا ً قلي ً‬ ‫ت ترك ُ‬ ‫عليك بعدم الجابة لداعيهم‪} ،‬لقد كد َ‬
‫من كثرة المعالجة ومحّبتك لهدايتهم‪.‬‬
‫}‪} {75‬إذًا{‪ :‬لو ركنت إليهم بما يهوون‪} ،‬لذقناك ضع َ‬
‫ف‬
‫دنيا‬‫ف في ال ّ‬ ‫ب مضاع ٍ‬ ‫ت{؛ أي‪ :‬لصبناك بعذا ٍ‬ ‫ف المما ِ‬ ‫الحياة وضع َ‬
‫مل‬ ‫والخرة‪ ،‬وذلك لكمال نعمة الّله عليك وكمال معرفتك‪} .‬ث ّ‬
‫ل بك من العذاب‪ ،‬ولكن الّله‬ ‫جد ُ لك علينا نصيرًا{‪ :‬ينقذك مما يح ّ‬ ‫تَ ِ‬
‫شّر‪ ،‬فثّبتك وهداك‬ ‫شّر ومن ال ّ‬ ‫ك من أسباب ال ّ‬ ‫م َ‬
‫ص َ‬
‫تعالى ع َ َ‬
‫ن إليهم بوجه من الوجوه؛ فله عليك‬ ‫الصراط المستقيم‪ ،‬ولم ترك َ ْ‬
‫ة‪.‬‬‫م نعمةٍ وأبلغ منح ٍ‬ ‫أت ّ‬
‫رجوك‬ ‫خ ِ‬ ‫فّزونك من الرض ل ِي ُ ْ‬ ‫ست َ ِ‬‫}‪ 76‬ـ ‪} {77‬وإن كادوا ل َي َ ْ‬
‫منها{؛ أي‪ :‬من بغضهم لمقامك بين أظهرهم‪ ،‬قد كادوا أن‬
‫جلوك عنها‪ ،‬ولو فعلوا ذلك؛ لم يلبثوا‬ ‫ض وُيـ ْ‬
‫يخرجوك من الر ِ‬
‫ل بهم العقوبة؛ كما هي سنة اللهّ‬ ‫ل‪ ،‬حتى تح ّ‬ ‫بعدك فيها إل ّ قلي ً‬
‫التي ل تحول ول تبدل في جميع المم‪ ،‬كل أمة كذبت رسولها‬
‫ما مكر به الذين كفروا‬ ‫وأخرجته؛ عاجلها الله بالعقوبة‪ ،‬ول ّ‬
‫ّ‬
‫وأخرجوه؛ لم يلبثوا إل ّ قليل ً حّتى أوقع الله بهم ببدٍر‪ ،‬وقَت َ َ‬
‫ل‬
‫ض بيضتهم؛ فله الحمد‪.‬‬ ‫صناديدهم‪ ،‬وفَ ّ‬
‫ل على شدة افتقار العبد إلى تثبيت الّله‬ ‫وفي هذه اليات دلي ٌ‬
‫إياه‪ ،‬وأّنه ]ينبغي له أن[ ل يزال متمّلقا ً لرّبه أن يثبته على اليمان‬
‫ي صلى الله عليه‬ ‫ن النب ّ‬
‫ل سبب موصل إلى ذلك؛ ل ّ‬ ‫ساعيا ً في ك ّ‬
‫وسلم ـ وهو أكمل الخلق ـ قال الّله له‪} :‬ولول أن ث َب ّْتناك لقد‬
‫ل{؛ فكيف بغيره؟!‬ ‫ن إليهم شيئا ً قلي ً‬ ‫كدت ت َْرك َ ُ‬ ‫ِ‬
‫وفيها ‪ :‬تذكيُر الّله لرسوله مّنته عليه وعصمته من الشّر‪،‬‬
‫طنوا لنعامه عليهم‬ ‫ب من عباده أن يتف ّ‬ ‫ن الّله يح ّ‬ ‫ل ذلك على أ ّ‬ ‫فد ّ‬
‫عند وجود أسباب الشّر بالعصمة منه والثبات على اليمان‪.‬‬
‫وفيها ‪ :‬أنه بحسب علوّ مرتبة العبد وتوات ُرِ الّنعم عليه من‬
‫ن الّله‬ ‫ه إذا فعل ما ُيلم عليه؛ ل ّ‬ ‫م ُ‬ ‫ف جر ُ‬ ‫ه ويتضاع ُ‬ ‫م ُ‬‫م إث ُ‬‫الّله ي َعْظ ُ ُ‬
‫كر رسوله لو فعل ـ وحاشاه من ذلك ـ بقوله‪} :‬إذا ً لذ َْقناك‬ ‫ذ ّ‬
‫جد ُ لك علينا نصيرًا{‪.‬‬ ‫ف الـممات ثم ل ت ِ‬ ‫ف الحياة وضع َ‬ ‫ضع َ‬
‫ظم‬ ‫جرمها وع َ ُ‬ ‫مة؛ تضاعف ُ‬ ‫ن الّله إذا أراد إهلك أ ّ‬ ‫وفيها ‪ :‬أ ّ‬
‫ل من الّله‪ ،‬فيوقع بها العقاب؛ كما هي‬ ‫وك َُبر‪ ،‬فيحقّ عليها القو ُ‬
‫سّنته في المم إذا أخرجوا رسولهم‪.‬‬
‫ﭽ ﭠ ﭡ ﭢ ﭣ ﭤ ﭥ ﭦﭧ ﭨ ﭩ ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ ﭯ ﭰ ﭱ‬
‫ﭻ ﭼ ﭽ ﭾ ﭿ ﮀ ﮁ ﮂ ﮃ ﮄ ﮅ‬ ‫ﭲ ﭳ ﭴ ﭵﭶ ﭷ ﭸ ﭹ ﭺ‬
‫ﮆ ﮇ ﮈ ﮉ ﮊ ﮋ ﮌ ﮍ ﮎ ﮏ ﮐ ﮑ ﮒ ﮓ ﮔ ﮕ ﮖ ﮗ ﮘ ﮙ‬
‫ﮢ ﮣ ﭼ‪.‬‬ ‫ﮚ ﮛ ﮜ ﮝﮞ ﮟ ﮠﮮ ﮡ‬
‫}‪ {78‬يأمر تعالى نبّيه محمدا ً صلى الله عليه وسلم بإقامة‬
‫دلوك الشمس{؛ أي‪:‬‬ ‫مة ظاهرا ً وباطنا ً في أوقاتها‪} ،‬ل ِ ُ‬ ‫الصلة تا ّ‬
‫ل في ذلك صلة‬ ‫خ ُ‬‫ي بعد الزوال‪ ،‬فيد ُ‬ ‫ُ‬
‫ق الغربـ ّ‬ ‫ميلنها إلى الف ِ‬
‫ه‪ ،‬فدخل في‬ ‫ق الليل{؛ أي‪ :‬ظلمت ِ ِ‬ ‫الظهر وصلة العصر }إلى غ َ َ‬
‫س ِ‬
‫ر{؛ أي‪ :‬صلة‬ ‫ج ِ‬
‫ن الف ْ‬‫ذلك صلة المغرب وصلة العشاء‪} ،‬وقرآ َ‬
‫ميت قرآنا ً لمشروعّية إطالة القرآن فيها أطول من‬ ‫الفجر‪ ،‬وس ّ‬
‫ل وملئكة‬‫ة اللي ِ‬ ‫غيرها‪ ،‬ولفضل القراءة؛ حيث يشهدها الّله وملئك ُ‬
‫النهار‪.‬‬
‫صلوات المكتوبات‪،‬‬ ‫ففي هذه الية ذكُر الوقات الخمسة لل ّ‬
‫ض؛ لتخصيصها بالمر‪.‬‬ ‫صلوات الموقعة فيه فرائ ُ‬ ‫وأن ال ّ‬
‫ب لوجوبها؛‬ ‫حة الصلة‪ ،‬وأّنه سب ٌ‬ ‫ط لص ّ‬ ‫ن الوقت شر ٌ‬ ‫وفيها أ ّ‬
‫ن الظهر والعصر ُيجمعان‪،‬‬ ‫ن الّله أمر بإقامتها لهذه الوقات‪ ،‬وأ ّ‬ ‫ل ّ‬
‫ن الّله جمع وقتهما جميعًا‪.‬‬ ‫والمغرب والعشاء كذلك؛ للعذر؛ ل ّ‬
‫ن‬
‫ة صلة الفجر‪ ،‬وفضيلة إطالة القراءة فيها‪ ،‬وأ ّ‬ ‫وفيه فضيل ُ‬
‫ل على‬ ‫ميت ببعض أجزائها؛ د ّ‬ ‫س ّ‬ ‫ن العبادة إذا ُ‬ ‫ن؛ ل ّ‬ ‫القراءة فيها رك ٌ‬
‫فرضّية ذلك‪.‬‬
‫ل به في‬ ‫جد ْ به{؛ أي‪ :‬ص ّ‬ ‫}‪ {79‬وقوله‪} :‬ومن الليل فته ّ‬
‫ة لك{؛ أي‪ :‬لتكون صلة الليل زيادة ً لك في‬ ‫سائر أوقاته‪} ،‬نافل ً‬
‫فارة‬
‫علوّ القدر ورفع الدرجات؛ بخلف غيرك؛ فإّنها تكون ك ّ‬
‫ض‬‫ن الصلوات الخمس فر ٌ‬ ‫لسّيئاته‪ .‬وُيحتمل أن يكون المعنى أ ّ‬
‫عليك وعلى المؤمنين؛ بخلف صلة الليل؛ فإنها فرض عليك‬
‫ل وظيفتك أكثر من غيرك‪،‬‬ ‫جعَ َ‬ ‫بالخصوص؛ لكرامتك على الّله أن َ‬
‫وليكثر ثوابك‪ ،‬وتنال بذلك المقام المحمود‪ ،‬وهو المقام الذي‬
‫يحمده فيه الّولون والخرون‪ ،‬مقام الشفاعة العظمى‪ ،‬حين‬
‫يستشفع الخلئق بآدم ثم بنوح ثم إبراهيم ثم موسى ثم عيسى‪،‬‬
‫خر عنها‪ ،‬حتى يستشفعوا بسّيد ولد آدم ليرحمهم‬ ‫وكّلهم يعتذر ويتأ ّ‬
‫فعه وُيقيمه‬ ‫ه‪ ،‬فيشفع عند رّبه‪ ،‬فيش ّ‬ ‫م الموقف وكرب ِ ِ‬ ‫الّله من ه ّ‬
‫مقاما ً يغبطه به الّولون والخرون‪ ،‬وتكون له المّنة على جميع‬
‫الخلق‪.‬‬
‫جني‬ ‫ق وأخرِ ْ‬ ‫ل صد ٍ‬ ‫خ َ‬ ‫خْلني ُ‬
‫مد ْ َ‬ ‫ب أد ِ‬‫}‪ {80‬وقوله‪} :‬وقل ر ّ‬
‫ق{؛ أي‪ :‬اجعل مداخلي ومخارجي كّلها في طاعتك‬ ‫ج صد ٍ‬ ‫خَر َ‬
‫مـ ْ‬
‫ُ‬
‫)‪(1‬‬
‫منها الخلص وموافقته المر‪.‬‬ ‫وعلى مرضاتك‪ ،‬وذلك لتض ّ‬
‫}واجعل لي من لدنك سلطانا ً نصيرًا{؛ أي‪ :‬حجة ظاهرة وبرهانا ً‬
‫قاطعا ً على جميع ما آتيه وما أذره‪ ،‬وهذا أعلى حالة ي ُن ْزُِلها الّله‬
‫ة له إلى رّبه‪ ،‬وأن يكون‬ ‫ه كّلها خيرا ً ومقرب ً‬ ‫ن تكون أحوال ُ ُ‬ ‫العبد‪ ،‬أ ْ‬
‫من للعلم‬ ‫ل ظاهٌر‪ ،‬وذلك متض ّ‬ ‫ل حالة من أحواله دلي ٌ‬ ‫له على ك ّ‬
‫النافع والعمل الصالح للعلم بالمسائل والدلئل‪.‬‬
‫}‪ {81‬وقوله‪} :‬وقل جاء الحقّ وَزهَقَ الباطل{‪ :‬والحقّ هو‬
‫ما أوحاه الّله إلى رسوله محمد ٍ صلى الله عليه وسلم‪ ،‬فأمره‬
‫ق‬
‫ن‪ :‬قد جاء الحقّ الذي ل يقوم له شيٌء‪ ،‬وَزهَ َ‬ ‫الّله أن يقو َ‬
‫ل ويعل ِ َ‬
‫ن الباطل كان َزهوقًا{؛ أي‪ :‬هذا‬ ‫ل؛ أي‪ :‬اضمحل وتلشى‪} .‬إ ّ‬ ‫الباط ُ‬
‫ة وروجان إذا لم يقابْله‬
‫وصف الباطل‪ ،‬ولكّنه قد يكون له صول ٌ‬

‫‪ -‬في )ب(‪» :‬وموافقة«‪.‬‬ ‫‪1‬‬


‫ل الباطل فل يبقى له حراك‪،‬‬ ‫ق؛ يضمح ّ‬
‫ق‪ ،‬فعند مجيء الح ّ‬ ‫الح ّ‬
‫ولهذا ل يروج الباطل إل ّ في الزمان والمكنة الخالية من العلم‬
‫بآيات الّله وبيناته‪ .‬وقوله‪:‬‬
‫ﮱ ﯓﭼ ‪.‬‬
‫ﭽ ﮤ ﮥ ﮦ ﮧﮮ ﮨ ﮩﮮ ﮪ ﮫﮬ ﮭ ﮮﮮ ﮯ ﮰ‬
‫ل على الشفاء والرحمة‪ ،‬وليس ذلك‬ ‫}‪ {82‬فالقرآن مشتم ٌ‬
‫دقين بآياته العالمين به‪،‬‬‫د‪ ،‬وإّنما ذلك للمؤمنين به المص ّ‬ ‫ل أح ٍ‬‫لك ّ‬
‫دهم‬ ‫ظالمون بعدم التصديق به أو عدم العمل به؛ فل تزي ُ‬ ‫وأما ال ّ‬
‫جة؛ فالشفاء الذي تضمّنه‬ ‫م عليهم الح ّ‬ ‫آياته إل خسارًا؛ إذ به تقو ُ‬
‫شبه والجهالة والراء الفاسدة‬ ‫م لشفاء القلوب من ال ّ‬ ‫القرآن عا ّ‬
‫ل على العلم‬ ‫والنحراف السيىء والقصود السيئة؛ فإنه مشتم ٌ‬
‫ل شبهة وجهالة‪ ،‬والوعظ والتذكير الذي‬ ‫اليقيني الذي تزول به ك ّ‬
‫ل شهوة تخالف أمر الّله‪ ،‬ولشفاء البدان من آلمها‬ ‫يزول به ك ّ‬
‫ن ما فيه من السباب والوسائل التي‬ ‫وأسقامها‪ ،‬وأما الرحمة؛ فإ ّ‬
‫ث عليها متى فعلها العبد‪ ،‬فاز بالرحمة والسعادة البدّية‬ ‫يح ّ‬
‫والثواب العاجل والجل‪.‬‬
‫ﯡ ﭼ‪.‬‬ ‫ﯠ‬ ‫ﭽ ﯔ ﯕ ﯖ ﯗ ﯘ ﯙ ﯚﯛ ﯜ ﯝ ﯞ ﯟﮮ‬
‫من هداه الّله؛‬ ‫}‪ {83‬هذه طبيعة النسان من حيث هو‪ ،‬إل ّ َ‬
‫ن النسان عند إنعام الّله عليه يفرح بالّنعم‪ ،‬ويبط َُر بها‪،‬‬ ‫فإ ّ‬
‫ض‪ ،‬وينأى بجانب ِهِ عن رّبه؛ فل يشك ُُره‪ ،‬ول يذك ُُره‪} .‬وإذا‬
‫ويعرِ ُ‬
‫سه الشّر{‪ :‬كالمرض ونحوه‪} ،‬كان يؤوسًا{‪ :‬من الخير‪ ،‬قد‬ ‫م ّ‬
‫ن هداه‬ ‫م ْ‬
‫ما َ‬‫م أبدًا‪ ،‬وأ ّ‬
‫ن ما هو فيه دائ ٌ‬
‫نأ ّ‬
‫قطع عن رّبه رجاءه‪ ،‬وظ ّ‬
‫الّله؛ فإّنه عند النعم يخضعُ لرّبه‪ ،‬ويشكر نعمته‪ ،‬وعند الضّراء‬
‫يتضّرع‪ ،‬ويرجو من الّله عافيته وإزالة ما يقعُ فيه‪ ،‬وبذلك يخ ّ‬
‫ف‬
‫عليه البلء‪.‬‬
‫ﯩ ﯷ ﯷ ﯷ ﯷ ﭼ السراء‪٨٤ :‬‬ ‫ﭽ ﯢ ﯣ ﯤ ﯥﯦ ﯧ ﯨ‬
‫ه{؛‬ ‫ل على شاكلت ِ ِ‬ ‫ل{‪ :‬من الناس‪} ،‬يعم ُ‬ ‫}‪ {84‬أي‪} :‬قل ك ُ ّ‬
‫أي‪ :‬على ما َيليق به من الحوال‪ :‬إن كانوا من الصفوة البرار؛ لم‬
‫هم من‬ ‫ب العالمين‪ ،‬ومن كانوا من غيرِ ِ‬ ‫يشاك ِْلهم إل عملهم لر ّ‬
‫قهم إل ّ ما‬ ‫سْبهم إل ّ العمل للمخلوقين‪ ،‬ولم يوافِ ْ‬ ‫المخذولين؛ لم ينا ِ‬
‫ن‬‫م ْ‬ ‫م َ‬ ‫ل{‪ :‬فيعل ُ‬ ‫وافق أغراضهم‪ .‬وربك }أعلم بمن هو أهدى سبي ً‬
‫ح لها فيخذله ول يهديه‪.‬‬ ‫صل ُ ُ‬
‫ح للهداية فيهديه‪ ،‬ومن ل ي َ ْ‬ ‫صل ُ ُ‬
‫يَ ْ‬
‫ﭽ ﯷ ﯷ ﯷﯷ ﯷ ﯷ ﯷ ﯷ ﯷ ﯷ ﯷ ﯷ ﯷ ﯷ ﯼ ﯽ ﭼ ‪.‬‬
‫صد ُ‬
‫ق َ‬
‫من لردع من يسأل المسائل التي ل ي ُ ْ‬ ‫}‪ {85‬وهذا متض ّ‬
‫م‪ ،‬فيسألون عن‬ ‫بها إل ّ التعّنت والّتعجيز‪ ،‬ويدع السؤال عن المه ّ‬
‫ن وصفها وكيفيتها‬ ‫الّروح التي هي من المور الخفّية التي ل يتق ُ‬
‫ج إليه العباد‪ ،‬ولهذا‬ ‫د‪ ،‬وهم قاصرون في العلم الذي يحتا ُ‬ ‫ل أح ٍ‬‫ك ّ‬
‫ح من أمر‬ ‫ب سؤالهم بقوله‪} :‬قل الّرو ُ‬ ‫أمر الّله رسوله أن ُيجي َ‬
‫ت‪،‬‬‫ن فكان َ ْ‬‫رّبـي{؛ أي‪ :‬من جملة مخلوقاته التي أمرها أن تكو َ‬
‫كم بغيرها‪.‬‬ ‫م ُ‬
‫فليس في السؤال عنها كبيُر فائدةٍ مع عدم عـلـ ِ‬
‫ر‪،‬‬‫ل عن أم ٍ‬ ‫سئ ِ َ‬
‫ن المسؤول إذا ُ‬ ‫ل على أ ّ‬‫وفي هذه الية دلي ٌ‬
‫ض عن جوابه‪ ،‬ويدّله على ما يحتا ُ‬
‫ج‬ ‫ن يعرِ َ‬‫ال َوَْلى بالسائل غيره أ ْ‬
‫ده إلى ما ينفعه‪.‬‬‫ش َ‬
‫إليه‪ ،‬وير ِ‬
‫ﭽ ﯾ ﯿ ﯷ ﯷ ﯷ ﯷ ﯷ ﯷ ﯷ ﯷ ﰈ ﰉ ﯷ ﯷ ﭑ ﭒ ﭓ ﭔﭕ‬
‫ﭙ ﭚ ﭛ ﭼ‪.‬‬ ‫ﭖ ﭗ ﭘ‬
‫ن القرآن والوحي الذي أوحاه إلى‬ ‫}‪ 86‬ـ ‪ {87‬يخبر تعالى أ ّ‬
‫ه‪ ،‬وهو أكبر النعم على الطلق‬ ‫ة منه عليه وعلى عباد ِ ِ‬ ‫رسوله رحم ٌ‬
‫ه؛ فالذي‬ ‫ن فضل الّله عليه كبيٌر ل يقاد َُر قدُر ُ‬ ‫على رسوله؛ فإ ّ‬
‫ده ول‬ ‫دا ير ّ‬ ‫جد ُ را ّ‬ ‫ب به ثم ل ت ِ‬ ‫ضل به عليك قادٌر على أن ي َذ ْهَ َ‬ ‫تف ّ‬
‫ط به وت َقَّر به عيُنك‪ ،‬ول يحزنك‬ ‫جه عند الّله فيه؛ فَل ْت َغْت َب ِ ْ‬ ‫وكيل ً يتو ّ‬
‫ب المكذبين واستهزاُء الضالين؛ فإّنهم عرضت عليهم أج ّ‬
‫ل‬ ‫تكذي ُ‬
‫ذلن ِهِ لهم‪.‬‬ ‫خ ْ‬ ‫ّ‬
‫دوها لهوانهم على الله و ِ‬ ‫النعم فر ّ‬
‫ﭽﭜ ﭝ ﭞ ﭟ ﭠ ﭡ ﭢ ﭣ ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ ﭨ ﭩ ﭪ ﭫ ﭬ‬
‫ﭭ ﭮ ﭯ ﭼ‪.‬‬

‫حة ما جاء به‬ ‫ن ساطعٌ على ص ّ‬ ‫ل قاطعٌ وبرها ٌ‬ ‫}‪ {88‬وهذا دلي ٌ‬
‫ن أن يأتوا بمثله‪،‬‬ ‫دى الّله النس والج ّ‬ ‫الرسول وصدقه؛ حيث تح ّ‬
‫دروا‬ ‫وأخبر أنهم ل يأتون بمثله‪ ،‬ولو تعاونوا كّلهم على ذلك؛ لم يق ِ‬
‫ذبين به‬ ‫ن دواعي أعدائه المك ّ‬ ‫ه؛ فإ ّ‬ ‫عليه‪ ،‬ووقع كما أخبر الل ّ ُ‬
‫ل اللسان‬ ‫م أه ُ‬ ‫متوّفرة على رد ّ ما جاء به بأيّ وجهٍ كان‪ ،‬وهُ ْ‬
‫كن من ذلك؛ لفعلوه‪،‬‬ ‫هل وتم ّ‬ ‫دهم أدنى تأ ّ‬ ‫والفصاحة؛ فلو كان عن َ‬
‫جزوا عن‬ ‫ً‬ ‫ً‬
‫م بذلك أنهم أذعنوا غاية الذعان طوعا وكرها‪ ،‬وع َ َ‬ ‫فعُل ِ َ‬
‫ص من جميع‬ ‫ب‪ ،‬الناق ُ‬ ‫ه‪ ،‬وكيف يقد ُِر المخلوق من ترا ٍ‬ ‫معارضت ِ ِ‬
‫م‬
‫ة ول كل ٌ‬ ‫م ول قدرة ٌ ول إرادة ٌ ول مشيئ ٌ‬ ‫الوجوه‪ ،‬الذي ليس له عل ٌ‬
‫ب الرض والسماوات‪،‬‬ ‫مر ّ‬ ‫ض كل َ‬ ‫ل إل ّ من رّبه؛ أن يعارِ َ‬ ‫ول كما ٌ‬
‫ل المطلقُ والحمد ُ‬ ‫طلع على سائر الخفّيات‪ ،‬الذي له الكما ُ‬ ‫الم ّ‬
‫ة‬
‫ده من بعده سبع ُ‬ ‫ن البحر يم ّ‬ ‫م‪ ،‬الذي لو أ ّ‬ ‫المطلقُ والمجد ُ العظي ُ‬
‫ت القلم ولم‬ ‫فد َ المداد وفني ِ‬ ‫َ‬
‫م؛ لن َ ِ‬ ‫أبحر مدادا ً والشجاَر كّلها أقل ٌ‬
‫ت الّله؛ فكما أّنه ليس أحد ٌ من المخلوقين مماثل ً لّله‬ ‫فد ْ كلما ُ‬ ‫ت َن ْ َ‬
‫د؛ فليس‬ ‫ه من أوصافه التي ل يـمـاث ُِله فيها أح ٌ‬ ‫م ُ‬
‫في أوصافه؛ فكل ُ‬
‫كمثل ِهِ شيٌء في ذات ِهِ وأسمائ ِهِ وصفات ِهِ وأفعال ِهِ تبارك وتعالى؛ فتّبا‬
‫ن محمدا ً‬
‫ق‪ ،‬وزعم أ ّ‬
‫م الخالق بكلم المخلو ِ‬‫لمن اشتبه عليه كل ُ‬
‫صلى الله عليه وسلم افتراه على الّله‪ ،‬واختلقه من نفسه‪.‬‬
‫ﭽﭰ ﭱ ﭲ ﭳ ﭴ ﭵ ﭶ ﭷ ﭸ ﭹ ﭺ ﭻ ﭼ ﭽ ﭾ ﭿ ﮀ‬
‫ﮁ ﮂ ﮃ ﮄ ﮅ ﮆ ﮇ ﮈ ﮉ ﮊ ﮋ ﮌ ﮍ ﮎ ﮏ ﮐ ﮑ ﮒ ﮓ ﮔ ﮕ‬
‫ﮝ ﮞ ﮟ ﮠﮮ ﮡ ﮢ ﮣ ﮤ ﮥ ﮦ ﮧﮮ ﮨ‬ ‫ﮚ ﮛ ﮜ‬ ‫ﮖ ﮗ ﮘ ﮙ‬
‫ﯕﯖ ﯗ ﯘ ﯙ ﯚ ﯛ ﯜ ﯝ‬ ‫ﮩﮮ ﮪ ﮫ ﮬ ﮭ ﮮﮮ ﮯ ﮰ ﮱ ﯓ ﯔ‬
‫ﯷ ﯷ‬ ‫ﯞ ﯟﮮ ﯠ ﯡ ﯢ ﯣ ﯤ ﯥﯦ ﯧ ﯨ ﯩ ﯷ ﯷ ﯷ ﯷ ﯷ ﯷ ﯷ ﯷ ﯷ‬
‫ﯷ ﯷ ﯷ ﯷ ﯷ ﯷ ﯷ ﯼ ﯽ ﯾ ﯿ ﯷ ﯷ ﯷ ﯷ ﯷﯷ ﯷ ﯷ ﰈ ﰉ‬
‫ﯷ ﯷ ﭼ‪.‬‬
‫هو }‪ 89‬ـ ‪ {93‬يقول تعالى‪} :‬ولقد صّرْفنا للناس في هذا‬
‫وعنا فيه المواعظ والمثال‪ ،‬وثن ّْينا فيه‬ ‫ل مثل{؛ أي‪ :‬ن ّ‬ ‫القرآن من ك ّ‬
‫كروا ويّتقوا‪ ،‬فلم‬ ‫المعاني التي يضطّر إليها العباد ُ لجل أن يتذ ّ‬
‫ة السعادة‪،‬‬ ‫ل منهم‪ ،‬الذين سبقت لهم من الّله سابق ُ‬ ‫كر إل القلي ُ‬ ‫يتذ ّ‬
‫كفورا ً لهذه‬ ‫وا إل ُ‬ ‫وأعانهم الّله بتوفيقه‪ ،‬وأما أكثر الناس؛ فأب َ ْ‬
‫ت‬‫النعمة التي هي أكبُر من جميع النعم‪ ،‬وجعلوا يتعّنتون عليه آيا ٍ‬
‫رعونها من ِتلقاء أنفسهم الظالمة الجاهلة‪ ،‬فيقولون‬ ‫غيَر آيات ِهِ يخت ِ‬
‫لرسول الّله صلى الله عليه وسلم الذي أتى بهذا القرآن‬
‫جَر لنا من‬ ‫ف ُ‬
‫ن لك حّتى ت َ ْ‬ ‫المشتمل على كل برهان وآية‪} :‬لن نؤم َ‬
‫ة من نخيل‬ ‫ن لك جن ّ ٌ‬ ‫ة‪} ،‬أو تكو َ‬ ‫الرض َينبوعًا{؛ أي‪ :‬أنهارا ً جاري ً‬
‫ذهاب‬ ‫ب{‪ :‬فتستغني بها عن المشي في السواق وال ّ‬ ‫وعن ٍ‬
‫سفًا{؛ أي‪:‬‬ ‫ت علينا ك ِ َ‬ ‫م َ‬ ‫ط السماء كما َزع َ ْ‬ ‫ق َ‬ ‫س ِ‬ ‫والمجيء‪} ،‬أو ت ُ ْ‬
‫ل{؛ أي؛ جميعا ً أو‬ ‫ي بالّله والملئكةِ َقبي ً‬ ‫قطعا ً من العذاب‪} ،‬أو تأت َ‬
‫ت من‬ ‫ن لك بي ٌ‬ ‫ة يشهدون لك بما جئت به‪} ،‬أو يكو َ‬ ‫ة ومعاين ً‬ ‫مقابل ً‬
‫ف{؛ أي‪ :‬مزخرف بالذهب وغيره‪} ،‬أو ت َْرقى في السماء{‪:‬‬ ‫زخر ٍ‬
‫ل علينا كتابا ً‬ ‫ك حتى تنّز َ‬ ‫ن ل ُِرقِي ّ َ‬
‫ُرقِّيا حسّيا‪} .‬و{ مع هذا فلن }نؤم َ‬
‫ت هذه تعّنتات وتعجيزات وكلم أسفه الناس‬ ‫نقَرؤه{‪ .‬ولما كان ْ‬
‫ب مع الّله‪ ،‬وأن الرسول‬ ‫منة لرد ّ الحقّ وسوء أد ٍ‬ ‫وأظلمهم‪ ،‬المتض ّ‬
‫صلى الله عليه وسلم الذي يأتي باليات؛ أمره الّله أن ينّزهَ ُ‬
‫ه‪،‬‬
‫ما تقولون علوا ً كبيرًا‪ ،‬وسبحانه أن‬ ‫ن رّبـي{‪ :‬ع ّ‬ ‫فقال‪} :‬قل سبحا َ‬
‫ة لهوائهم الفاسدة وآرائهم الضاّلة‪}.‬هل‬ ‫ه تابع ً‬ ‫ه وآيات ُ ُ‬ ‫م ُ‬
‫ن أحكا ُ‬ ‫تكو َ‬
‫ل{‪ :‬ليس بيده شيء من المر‪.‬‬ ‫ت إل ّ بشرا ً رسو ً‬ ‫كن ُ‬
‫}‪ {94‬وهذا السبب الذي منع أكثر الناس من اليمان؛ حيث‬
‫ل إليهم من جنسهم بشرًا‪ ،‬وهذا من‬ ‫س ُ‬
‫كانت الرسل التي ت ُْر َ‬
‫رحمته بهم أن أرسل إليهم بشرا ً منهم؛ فإّنهم ل يطيقون التلقي‬
‫من الملئكة‪.‬‬
‫ن مطمئّنين{‪:‬‬ ‫ة يمشو َ‬ ‫ن في الرض ملئك ٌ‬ ‫}‪ {95‬فلو }كا َ‬
‫ي عنهم؛ }ل َن َّزْلنا عليهم من‬ ‫ي َث ُْبتون على رؤية الملئكة والتلق ّ‬
‫ل{‪ :‬ليمك َِنهم التلقي عنه‪.‬‬ ‫مَلكا ً رسو ً‬
‫السماِء َ‬
‫}‪} {96‬قل كفى بالّله شهيدا ً بيني وبينكم إّنه كان بعباد ِ ِ‬
‫ه‬
‫ده به من المعجزات‪،‬‬ ‫خبيرا ً بصيرًا{‪ :‬فمن شهادت ِهِ لرسول ِهِ ما أي ّ َ‬
‫ن عاداه وناوأه؛ فلو‬ ‫م ْ‬ ‫وما أنزل عليه من اليات‪ ،‬ونصره على َ‬
‫خذ َ منه باليمين‪ ،‬ثم لقطع منه الوتي َ‬
‫ن؛‬ ‫ول عليه بعض القاويل؛ ل َ‬ ‫تق ّ‬
‫ة‪.‬‬
‫فإّنه خبيٌر بصيٌر‪ ،‬ل تخفى عليه من أحوال العباد ِ خافي ٌ‬
‫ﭽ ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ ﭝ ﭞﭟ ﭠ ﭡ ﭢ ﭣ‬
‫ﭵ ﭶ ﭷ‬ ‫ﭤ ﭥ ﭦ ﭧﭨ ﭩ ﭪﭫ ﭬ ﭭ ﭮ ﭯ ﭰ ﭱ ﭲ ﭳ ﭴ‬
‫ﭹ ﭺ ﭻ ﭼ ﭽ ﭾ ﭿ ﮀ ﮁ ﮂ ﮃ ﮄ ﮅ ﮆ ﮇ ﮈ ﮉ ﮊ ﮋ‬ ‫ﭸ‬
‫ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ ﮜ‬ ‫ﮌ ﮍ ﮎ ﮏ ﮐ ﮑ ﮒ ﮓ ﮔ ﮕ ﮖ ﮗ‬
‫ﮝ ﮞ ﮟ ﮠﮮ ﮡ ﮢ ﮣ ﮤ ﮥ ﮦ ﮧﮮ ﮨ ﭼ ‪.‬‬
‫ه‬
‫}‪ {97‬يخبر تعالى أّنه المنفرد بالهداية والضلل؛ فمن يهد ِ ِ‬
‫سره لليسرى ويجّنبه العسرى؛ فهو المهتدي على الحقيقة‪،‬‬ ‫فيي ّ‬
‫كله إلى نفسه‪ :‬فل هادي له من دون الّله‪،‬‬ ‫ضل ِْله فيخذله وي َ ِ‬ ‫ومن ي ُ ْ‬
‫ّ‬
‫شُرهم الله على‬ ‫ّ‬
‫ي ينصره من عذاب الله حين يح ُ‬ ‫وليس له ولـ ّ‬
‫عميا ً وُبكمًا‪ ،‬ل يبصرون‪ ،‬ول ينطقون‪} .‬مأواهم{؛‬ ‫وجوه ِِهم‪ ،‬خزيا ً ُ‬
‫ب‪.‬‬ ‫م وعذا ٍ‬ ‫م وغ ّ‬ ‫له ّ‬ ‫م{‪ :‬التي جمعت ك ّ‬ ‫أي‪ :‬مقّرهم ودارهم }جهن ّ ُ‬
‫ً‬
‫دناهم سعيرا{؛ أي‪:‬‬ ‫ت{؛ أي‪ :‬تهّيأت للنطفاء‪} ،‬زِ ْ‬ ‫خب َ ْ‬‫}كّلما َ‬
‫ب‪ ،‬ول ُيقضى عليهم فيموتوا‪ ،‬ول‬ ‫فت ُّر عنهم العذا ُ‬ ‫سعّْرناها بهم‪ ،‬ل ي ُ َ‬ ‫َ‬
‫يخفف عنهم من عذابها‪.‬‬
‫مهم الّله تعالى‪ ،‬بل جازاهم بما كفروا بآياته‬ ‫}‪ {98‬ولم يظل ِ ْ‬
‫ت به الكتب‪،‬‬ ‫ث الذي أخبرت به الّرسل‪ ،‬ونطق ْ‬ ‫وأنكروا البع َ‬
‫ما وُرفاتا ً‬ ‫جزوا رّبهم؛ فأنكروا تمام قدرته‪} ،‬وقالوا أإذا كّنا عظا ً‬ ‫وع ّ‬
‫ن خلقا ً جديدًا{؛ أي‪ :‬ل يكون هذا؛ لّنه في غاية البعد‬ ‫مْبعوثو َ‬ ‫أإّنا َلـ َ‬
‫عند عقولهم الفاسدة‪.‬‬
‫ت والرض{‪:‬‬ ‫ن الّله الذي خلق السمـوا ِ‬ ‫م ي ََرْوا أ ّ‬ ‫}‪} {99‬أوََلـ ْ‬
‫خل ُقَ مثَلهم{‪ :‬بلى‬ ‫وهي أكبر من خلق الناس‪} ،‬قادٌر على أن َيـ ْ‬
‫ه{‪:‬‬ ‫ب ِفي ِ‬ ‫ل لذلك }أجل ً ل َري ْ َ‬ ‫جعَ َ‬‫إّنه على ذلك قدير‪} .‬و{ لكنه قد َ‬
‫ك وإل فلو شاء لجاءهم به بغتة ومع إقامته الحجج والدلة‬ ‫ول ش ّ‬
‫كفورًا{‪ :‬ظ ُْلما ً منهم وافتراًء‪.‬‬ ‫ن إل ّ ُ‬
‫ظالمو َ‬ ‫على البعث؛ }فأبى ال ّ‬
‫ن رحمةِ رّبـي{‪ :‬التي ل‬ ‫ن خزائ َ‬ ‫}‪} {100‬قل لو أنتم تمِلكو َ‬
‫فد َ‬‫كتم خشية النفاق{؛ أي‪ :‬خشية أن ي َن ْ َ‬ ‫س ْ‬ ‫م َ‬ ‫فد ُ ول تبيد‪} ،‬إذا ً ل ْ‬ ‫ت َن ْ َ‬
‫ن الّله‪ ،‬ولك ّ‬
‫ن‬ ‫فد َ خزائ ُ‬
‫فقون منه‪ ،‬مع أّنه من المحال أن ت َن ْ َ‬
‫ما تن ِ‬
‫ح والبخل‪.‬‬
‫النسان مطبوع ٌ على الش ّ‬
‫ﭽ ﮩﮮ ﮪ ﮫ ﮬ ﮭ ﮮﮮﮯ ﮰ ﮱ ﯓ ﯔ ﯕ ﯖ ﯗ ﯘ ﯙ ﯚ ﯛ ﯜ‬
‫ﯝ ﯞ ﯟﮮ ﯠ ﯡ ﯢ ﯣ ﯤ ﯥﯦ ﯧ ﯨ ﯩ ﯷ ﯷ ﯷ ﯷ ﯷ ﯷ ﯷ ﯷ ﯷ ﯷ ﯷ‬
‫ﯷ ﯷ ﯷ ﯷ ﯷ ﯷ ﯷ ﯼ ﯽ ﯾ ﯿ ﯷ ﯷ ﯷ ﯷ ﯷ ﯷ ﯷ ﭼ‬
‫ل رسول‬ ‫ت أّيها الرسول المؤّيد باليات أو َ‬ ‫}‪ {101‬أي‪ :‬لس َ‬
‫ك موسى بن عمران الكليم إلى‬ ‫ذبه الناس؛ فلقد أرسْلنا قبل َ‬
‫َ‬ ‫ك ّ‬
‫ل واحدة منها تكفي‬ ‫ت{‪ :‬ك ّ‬ ‫ت بّينا ٍ‬ ‫مهِ َوآتيناه }تسعَ آيا ٍ‬ ‫فرعون وقو ِ‬
‫مل‬ ‫ق ّ‬ ‫طوفان والجراد ِ وال ُ‬ ‫لمن قصد ُه ُ اّتباع الحقّ كالحّية والعصا وال ّ‬
‫ت في شيء من‬ ‫ن شكك َ‬ ‫دم والرجز وفلق البحر؛ فإ ْ‬ ‫والضفادع وال ّ‬
‫ن{‪ :‬مع هذه‬ ‫ل إذ ْ جاَءهم فقال له فرعو ُ‬ ‫ل بني إسرائي َ‬ ‫ذلك؛ }فاسأ ْ‬
‫اليات‪} :‬إني لظّنك يا موسى مسحورًا{‪.‬‬
‫ن‪،‬‬‫ت{‪ :‬يا فرعو ُ‬ ‫ل{ له موسى‪} :‬لقد علم َ‬ ‫}‪َ {102‬فـ}َقا َ‬
‫ض بصائَر{‪:‬‬ ‫ت والر ِ‬ ‫ب السمـوا ِ‬ ‫ل هؤلء{‪ :‬اليات‪} .‬إل ّ ر ّ‬ ‫}ما أنز َ‬
‫ك هذا بالحقيقة‪ ،‬وإّنما قلت ذلك ترويجا ً‬ ‫منه لعباده؛ فليس قول ُ َ‬
‫مْثبورًا{؛‬ ‫ن َ‬ ‫على قومك واستخفافا ً لهم‪} .‬وإّنـي لظّنك يا فرعو ُ‬
‫م واللعنة‪.‬‬ ‫ى في العذاب‪ ،‬لك الويل والذ ّ‬ ‫أي‪ :‬ممقوتًا‪ْ ُ ،‬‬
‫ملق ً‬
‫فّزهم من‬ ‫ست َ ِ‬
‫}‪ 103‬ـ ‪} {104‬فأراد{‪ :‬فرعون }أن ي َ ْ‬
‫جهم منها‪} ،‬فأغ َْرْقناه ومن معه‬ ‫جل َِيهم ويخرِ َ‬ ‫ض{؛ أي‪ُ :‬يـ ْ‬ ‫الر ِ‬
‫ضهم وديارهم‪ ،‬ولهذا قال‪} :‬وقُْلنا‬ ‫جميعًا{‪ :‬وأورثنا بني إسرائيل أر َ‬
‫ض فإذا جاء وع ْد ُ الخرة جئنا‬ ‫كنوا الر َ‬ ‫ل اس ُ‬ ‫من بعد ِهِ لبني إسرائي َ‬
‫ل عامل بعمله‪.‬‬ ‫بكم لفيفًا{؛ أي‪ :‬جميعًا؛ ل ُِيجاِزي )‪ (1‬ك ّ‬
‫ﭽ ﭑ ﭒ ﭓ ﭔﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ ﭼ‬
‫}‪ {105‬أي‪ :‬وبالحقّ أنزلنا هذا القرآن الكريم لمر العبادِ‬
‫ونهيهم وثوابهم وعقابهم‪} ،‬وبالحقّ نزل{؛ أي‪ :‬بالصدق والعدل‬
‫شرًا{‪ :‬من‬ ‫سْلناك إل ّ مب ّ‬‫ل شيطان رجيم‪} .‬وما أْر َ‬ ‫والحفظ من ك ّ‬
‫أطاع الّله بالثواب العاجل والجل‪} ،‬وَنذيرًا{‪ :‬لمن عصى الّله‬
‫شر به وينذر‪.‬‬ ‫ن ما يب ّ‬
‫بالعقاب العاجل والجل‪ ،‬ويلزم من ذلك بيا ُ‬
‫ﭽ ﭜ ﭝ ﭞ ﭟ ﭠ ﭡ ﭢ ﭣ ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ ﭨ ﭩ ﭪ ﭫﭬ‬
‫ﭭ ﭮ ﭯ ﭰ ﭱ ﭲ ﭳ ﭴ ﭵ ﭶ ﭷ ﭸ ﭹ ﭺ ﭻ ﭼ ﭽ ﭾ‬
‫ﭿ ﮀ ﮁ ﮂ ﮃ ﮄ ﮅ ﮆ ﮇ ﮈ ﮉ ﭼ‬
‫}‪ {106‬أي‪ :‬وأنزلنا هذا القرآن مفّرفا ً فاِرقا ً بين الهدى‬
‫ضلل والحقّ والباطل؛ }لتقرأه على الناس على مكث{؛ أي‪:‬‬ ‫وال ّ‬

‫‪ -‬في )ب(‪» :‬لنجازي«‪.‬‬ ‫‪1‬‬


‫مه‪،‬‬
‫كروا في معانيه ويستخرجوا علو َ‬ ‫مْهل؛ ليتدّبروه‪ ،‬ويتف ّ‬ ‫على َ‬
‫ل{؛ أي‪ :‬شيئا ً فشيئا ً مفّرقا ً في ثلث وعشرين سنة‪.‬‬ ‫}ونّزْلناه تنزي ً‬
‫ن تفسيرًا{‪.‬‬ ‫ك بالحقّ وأحس َ‬ ‫جْئنا َ‬ ‫ل إل ّ ِ‬ ‫مث َ ٍ‬
‫كب َ‬ ‫}ول يأتون َ َ‬
‫ك فيه ول ريب بوجهٍ‬ ‫}‪ {107‬فإذا تبيّـن أّنه الحقّ الذي ل ش ّ‬
‫منوا به أو ل‬ ‫ذب به وأعرض عنه‪} :‬آ ِ‬ ‫ل{ لمن ك َ ّ‬ ‫من الوجوه‪َ ،‬فـ}قُ ْ‬
‫ة فيكم ولسُتم بضاّريه شيئًا‪ ،‬وإّنما ضرر‬ ‫ُتؤمنوا{‪ :‬فليس لّله حاج ٌ‬
‫م الّله العلم‬‫ن لّله عبادا ً غيركم‪ ،‬وهم الذين آتاهُ ُ‬ ‫كم؛ فإ ّ‬ ‫ذلك علي ُ‬
‫جدًا{؛ أي‪ :‬يتأثرون به‬ ‫س ّ‬ ‫ن للذَقا ِ‬
‫ن ُ‬ ‫خّرو َ‬ ‫النافع؛ }إذا ي ُت َْلى ع َل َي ِْهم ي َ ِ‬
‫غاية التأثر ويخضعون له‪.‬‬
‫ن رّبنا{‪ :‬عما ل َيليقُ بجلل ِهِ مما‬
‫}‪} {108‬ويقولون سبحا َ‬
‫ن كان وعد ُ رّبنا{‪ :‬بالبعث والجزاء‬ ‫ه إليه المشركون‪} .‬إ ْ‬ ‫سب َ ُ‬
‫نَ َ‬
‫ف فيه ول ش ّ‬
‫ك‪.‬‬ ‫خل ْ َ‬
‫ل{‪ :‬ل ُ‬‫فعو ً‬ ‫بالعمال‪َ} ،‬لـ َ‬
‫م ْ‬
‫ن‬
‫ن{؛ أي‪ :‬على وجوههم‪} ،‬يبكو َ‬ ‫}‪} {109‬ويخرون للذقا ِ‬
‫ن الله عليهم من‬ ‫ّ‬ ‫هم{‪ :‬القرآن }خشوعًا{‪ :‬وهؤلء كالذين م ّ‬ ‫ويزيد ُ ُ‬
‫مؤمني أهل الكتاب؛ كعبد الّله بن سلم‪ ،‬وغيره مـ ّ‬
‫)‪(1‬‬
‫من أسلم‬
‫ي صلى الله عليه وسلم وبعد ذلك‪.‬‬ ‫في وقت النب ّ‬
‫ﭽ ﮊ ﮋ ﮌ ﮍ ﮎ ﮏﮐ ﮑ ﮒ ﮓ ﮔ ﮕ ﮖﮗ ﮘ ﮙ ﮚ‬
‫ﮛ ﮜ ﮝ ﮞ ﮟ ﮠﮮ ﮡ ﮢ ﮣ ﮤ ﮥ ﮦ ﮧﮮ ﮨ ﮩﮮ ﮪ ﮫ ﮬ ﮭ ﮮﮮ ﮯ ﮰ‬
‫ﯖﯗ ﯘ ﯙ ﯚ ﭼ‬ ‫ﮱ ﯓ ﯔ ﯕ‬
‫دعوا‬ ‫}‪ {110‬يقول تعالى لعباده‪} :‬ادعوا الّله أوِ ا ْ‬
‫الرحمن{؛ أي‪ :‬أيهما شئتم‪} .‬أّيا ما تدعوا فله السماُء الحسنى{؛‬
‫ن؛ أي‪ :‬حتى ينهى عن دعائه به؛ ]بل[‬ ‫م غير حس ٍ‬ ‫أي‪ :‬ليس له اس ٌ‬
‫د‪ ،‬والذي ينبغي أن ُيدعى‬ ‫ل به المقصو ُ‬ ‫ص َ‬‫ح َ‬ ‫أيّ اسم دعوُتموه به؛ َ‬
‫جهَْر بصلتك{؛‬ ‫ب ذلك السم‪} .‬ول َتـ ْ‬ ‫س ُ‬ ‫ل مطلوب بما ينا ِ‬ ‫في ك ّ‬
‫ل من المرين محذورًا‪،‬‬ ‫ن في ك ّ‬ ‫ت بها{؛ فإ ّ‬ ‫أي‪ :‬قراءتك‪} ،‬ول ُتخافِ ْ‬
‫ذبين به إذا سمعوه‪ ،‬سّبوه‪ ،‬وسّبوا‬ ‫ن المشركين المك ّ‬ ‫ما الجهُر؛ فإ ّ‬ ‫أ ّ‬
‫ل المقصود لمن أراد‬ ‫ص ُ‬ ‫ة؛ فإّنه ل يح ُ‬ ‫ن جاء به‪ .‬وأما المخافت ُ‬ ‫م ْ‬ ‫َ‬
‫ن ذلك{؛ أي‪ :‬بين الجهر والخفات‬ ‫عه مع الخفاء‪} .‬وابتغ بي َ‬ ‫استما َ‬
‫سط فيما بينهما‪.‬‬ ‫ل{؛ أي‪ :‬تتو ّ‬ ‫}سبي ً‬
‫ل والثناُء والحمد ُ‬ ‫}‪} {111‬وقل الحمد لّله{‪ :‬الذي له الكما ُ‬
‫ل آفة ونقص‪} .‬الذي لم‬ ‫والمجد ُ من جميع الوجوه‪ ،‬المنّزه عن ك ّ‬
‫ك كّله لّله‬ ‫ك في الملك{‪ :‬بل المل ُ‬ ‫كن له شري ٌ‬ ‫خذ ْ ولدا ً ولم ي ُ‬ ‫يت ّ ِ‬
‫ي كّلهم مملوكون لّله‪،‬‬ ‫الواحد القهار؛ فالعالم العلويّ والسفلـ ّ‬
‫ل{؛ أي‪:‬‬ ‫ي من الذ ّ ّ‬ ‫كن له ولـ ّ‬ ‫ليس لحد ٍ من الملك شيء‪} .‬ولم ي َ ُ‬
‫من آمن«‪.‬‬
‫‪ -‬في )ب(‪» :‬م ّ‬ ‫‪1‬‬
‫ل يتولى أحدا ً من خلقه ليتعزز به ويعاونه‪ ،‬فإنه الغني الحميد‪،‬‬
‫الذي ل يحتاج إلى أحد ٍ من المخلوقات في الرض ول في‬
‫السماوات‪ ،‬ولكّنه يتخذ أولياءه إحسانا ً منه إليهم ورحمة بهم‪،‬‬
‫ت إلى الّنور{‪.‬‬‫جهم من الظ ُّلما ِ‬ ‫خرِ ُ‬
‫ن آمنوا ُيـ ْ‬ ‫}الّله ولـ ّ‬
‫ي الذي َ‬
‫ظمه وأجّله بالخبار بأوصافه العظيمة‪،‬‬ ‫}وكب ّْره تكبيرًا{؛ أي‪ :‬ع ّ‬
‫دسة‪،‬‬ ‫وبالّثناء عليه بأسمائ ِهِ الحسنى‪ ،‬وبتمجيد ِهِ بأفعاله المق ّ‬
‫دين كّله‬‫ده ل شريك له‪ ،‬وإخلص ال ّ‬ ‫وبتعظيمه وإجلله بعبادت ِهِ وح َ‬
‫له‪.‬‬
‫ةة ةةةةة ةةةةةة‬
‫ةة ةةةةة ةةةة ةةةةةةة ةة ة‬
‫ةةةةةةة ةةةةة ةةة ةة ةةةةة ةةة ةةةةةة ةة ةةةة‬
‫ةة ةة ةةةة‪.‬‬
‫ةة ةةة ةة ة‬
‫ةة ةة ةةةةةةةة ةةةةةة ةةةةةةةة‪ .‬ةةةة‪.‬‬
‫ةةة ةة ة‬
‫ةة ةةة ةةةة ةةةة ةةةةةةةةةةةة‪.‬ة‬
‫ةةةة ةة ة‬
‫ةةةة ةة ‪ 7‬ةةةةة ةةةةةة ةةة ‪1344‬ةة‪.‬‬
‫ةةةةةة ةة ةة ةةةةةة ةةةة ةةةةةة ةةة ةةة‬
‫ةة ةة ةةةةةةةة‬‫ةةةةةة ةةةةة ةةةةةة ةةة ةة ة‬
‫ةة ةةة ةةةة ةةةة‬
‫ةةةةةة ةةةةةةةة‪ .‬ةةةة‪ .‬ةةةة ةة ة‬
‫ةةة ةةةةة ةةةةةة‪ .‬ةةةة ةة ةةةة‪.‬‬

You might also like