Professional Documents
Culture Documents
قال الشيخ الكبر ،و النور البهر والكبريت الحمر ،محيى الدين أبو عبد ال محمد بن
عربى الحاتمى الطائى الندلسى ،رضى ال عنه ،آمين .
الحمد ل رب العالمين ،و صلى ال على سيدنا محمد و آله وصحبه أجمعين .
ت أيها المريد عن " كنه ما ل بد للمريد منه " ،فأجبتك فى هذه الوراق و ال سأل َ
الموفق ل رب غيره .
اعلم أيها المريد -وفقك ال و إيانا لطاعته واستعملنا و إياك بما يرضيه -أن القرب من
ال :ل ُيْعـلَـم إل بتعريفه إيانا بذلك ،وقد فعل ذلك ،و ل الحمد و الشكر ،فأرسل الرسل ،
و أنزل الكتب ،و أوضح السبل الموصلة إلى السعادة البدية ،فآمنا وصدقنا ،و ما بقى إل
استعمال ما وقع به اليمان من العمال ،و تقرر فى نفوس المؤمنين :من وضع الشرع
فى محله .
ثم يجب عليك أيها المريد :توحيد خالقك ،وتنزيهه عن :ما ل يجوز عليه سبحانه و تعالى
ن مع ال لمتنع وقوع الفعل من اللهين ،لختلف الرادات : .فأما توحيده ،فلو ثَـّم إله ثا ٍ
ن ِفيِهَما آِلَهٌة إِّل ا ُّ
ل وجودًا و تقديرًا ،و فسد النظام ،وذلك قوله تعالى َ ) - :لْو َكا َ
سَدَتا (.
َلَف َ
و ل تسل ياأخى :بمن أشرك .و ل تحتاج إلى إقامة دليل على الوحدانية و الحدية ،فإن
المشرك قد أثبت وجود الحق تعالى معك و زاد عليه الشريك ،فعليه الدليل عل ما زاد .و
يكفيك هذا فى التوحيد ،فإن الوقت عزيز و العقد سالم .
و المخالف :ل عين موجودة .و الحمد ل .
و أما تنـزيهه ،فهو آكد عليك ،من أجل المشبهة و المجسمة الظاهرين فى هذا الزمان ،
يٌء ( و حسبك هذا .فكل وصف يناقض هذه الية ش ْ
س َكِمْثِلِه َ
فاعقد على قوله َ ) :لْي َ
مردود ،و ل تزد و ل تبرح من هذا الموطن .
لذلك جاء فى السنة " كان ال و ل شىء معه " تعالى ال عما يقول الظالمون علوًا كبيرًا .
وكل آية و حديث توهم التشبيه مما يعطيه كلم العرب ،أو كلم من أنزل عليه :بشىء من
الوحى والتبليغ فيجب عليك اليمان به ،على حد ما يعلمه ال تعالى ،و ما أنزله ،ل على
يٌء - ش ْس َكِمْثِلِه َما تتوهمه واصرف علم ذلك إلى ال .ليس بعد َ -لْي َ
و ما ينزهه منزه إذ قد نزه نفسه بنفسه ،و هو أنزه ما ينبغى له .إنه -عز و جل -أعظم
و أجل مما علمت و جهلت .
ثم بعد ذلك أيها المريد :يجب عليك اليمان بالرسل صلوات ال عليهم ،و بما جاءوا به ؛
و ما أخبروا عنه .
ثم حب الصحابة رضى ال عنهم أجمعين .ول سبيل إلى تجريحهم البته ،و ل الطعن فيهم ،
ول تفضل أحد على الخر ،إل بما فضله ربه فى كتابه العزيز ،أو على لسان نبيه صلى
ال عليه و على آله و صحبه وسلم .
ويجب عليك تعظيم من عظم ال تعالى و رسوله ،ثم التسليم لهل هذه الطريق فيما يحكى
عنهم من الحكايات ،وكل ما ترى منهم -مما ل يسع العقل و ل العلم . -و حسن الظن
1
بالناس أجمعين ،و سلمة الصدر ،و الدعاء للمؤمنين بظهر الغيب ،
و خدمة الفقراء برؤية الفضل لهم فى ذلك حيث ارتضوك خديمًا لهم ،وحمل كلفهم و أذاهم
،وجفاهم ،و الصبر على أذاهم .
ومما ل بد منه :الصمت إل عن ذكر ال تعالى " ،وتلوة القرآن الكريم " و إرشاد الضال
،و المر بالمعروف و النهى عن المنكر،والصلح بين المتهاجرين ،و التحريض على
الصدقة ،بل على كل خير .
ومما ل بد منه :طلب شخص موافق ،يعينك على ما أنت بصدده و سبيله فإن " المرء
بأخيه" .و إياك وصحبة الضد .
ومما ل بد منه :شيخ مرشد ،و الصدق شعار المريد ،لنه إذا صدق مع ال تعالى :جعل
كل شيطان فى حقه ملكًا ،يرشده إلى الخير ،و يلهمه الخير ،فإن الصدق هو :الكسير
العظم ،ما وضع على شىء إل قلب عينه .
ومما لبد منه :البحث عن هذه اللقمة ،فأساس هذا الطريق :اللقمة الحلل ،عليها قام
هذا الطريق ،و لتثقل على أحد ،
ول تقبل من أحد ،واحترف ،وتورع فى كسبك و نطقك و نظرك و سمعك ،و فى جميع
حركاتك .
و ل توسع فى ثوب و ل مسكن ،و ل مأكل ،فإن الحلل قليل :ل يحتمل السرف .و اعلم
أن النفوس إذا زرع النسان الشهوة بها :عسر قلعها بعد ذلك .هذا كله لبد منه.
ومما ل بد منه :قلة الطعام ،فإن الجوع يورث النشاط فى الطاعة ،و يذهب الكسل .
وعليك بتعمير الوقات فى الليل و النهار .فأما الساعات التى دعاك الشرع إليها -إلى
الوقوف فيها ين يدى ربك -و هى الخمسة الوقات الواجبة عليك ،وباقى ما بينها من
الوقات فإن كنت صاحب حرفة ،فاجتهد أن تعمل فيها أيامًأ مثل الفتى ابن هارون الرشيد
رحمة ال تعالى عليه .
و ل تفارق مصلك بعد صلة الصبح إلى طلوع الشمس ،و من بعد صلة العصر إلى
غروبها ،بذكر و خشوع و خضوع .ول يفوتك الوقوف مصليًا من الظهر إلى العصر ،
ومن المغرب إلى العشاء الخيرة بعشرين ركعة .
و حافظ على أربع ركعات أول النهار و قبل الظهر و قبل العصر و اجعل ِوْترك ثلثة عشر
ركعة ،و ل تنم إلعن غلبة ،و لتأكل إل عن فاقة ،و ل تلبس إل عن وقاية من حر أو برد
،بنية ستر العورة و دفع الذى القاطع عن عبادة ربك .
و إن كنت ممن يعرف يكتب ،فاجعل على لسانك وردًا من القرآن فى المصحف ،تمسكه فى
حجرك و تلقى يدك اليسرى تحت المصحف ،بحيث تسمع نفسك ،و ترتل القرآن ،وتسأل
فى السورة التى توجب السؤال فيها و تعتبر فى الية التى فيها اعتبار ،و تعامل فى كل
آية بما يليق بها ،و ما تدل عليه من تلك الصفات ،فانظر ما عندك منها و ما فقدت من
ذلك ،فاشكره على ما عندك .و ما فاتك حصله .و إذا قرأت وصف المنافقين و الكافرين ،
فانظر :هل فيك من تلك الصفــــــات
شىء أم ل ؟
ومما ل بد منه :محاسبتك نفسك ،و مراعاة خواطرك فى الوقات ،ثم أشعر نفسك الحياء
2
-من قلبك -من ال تعالى ،فإنك إذا استحـيـيت من ال منعت قلبك أن يخطر فيه خاطر
يذمه الشرع ،أو تتحرك بحركة ل يرتضيها الحق.
و لقد كان لنا شيخ يـقيد حركاته فى صحيفة ،ثم إذا جنه الليل وضعها بين يديه ،ثم
يحاسب نفسه على ما فيها .
وقد زدت على شيخى بتقييدى خواطرى .
ومما ل بد منه :مراعاة الخواطر و الوقات ،بأن تنظر فى الوقت الذى أنت فيه ،و تنظر
فيما قال لك الشرع أن تعـمل فـتعـمل إن كنت فى وقت فرض فأده أو ندب فبادر إليه .و إن
كنت فى وقت مباح فاشغل نفسك بما ندبك الحق إليه من الخير على أنواعه .
و إذا شرعت فى مشروع يعطى قربة :ل تحدث نفسك أن تعيش بعده إلى عمل آخر ،
فاجعل ذلك آخر عمل من الدنيا :الذى تلقى به ربك .فإذا فعلت هذا خلصت ،ومع
الخلص ،يكون القبول .
و مما ل بد منه :الجلوس على طهارة دائمًا ،و متى أحدثت توضأت ،و متى توضأت صّل
ركعتين ،إل أن تكون وقت كراهة نهيت عن إيقاع الصلة فيه ،و هى ثلثة أوقات :
طلوع الشمس ،إلى وقت استوائها ،إل يوم الجمعة ،و بعد العصر إلى غروبها و عند
الزوال .
و مما لبد منه :البحث عن مكارم الخلق ،و إتيانها :تعين منها خلقًا .كذلك سوء
الخلق :اجتنبها كلها .
واعلم أن من ترك خلقًا كريمًا ،فإنه ذو خلق ذميم .و اعلم أن الخلق على أصناف ،كما
هم الخلق على أقسام ،فيــنـبغى أن تعرف أى خلق تستعمله.
و الذى يعم أكثر الصناف :إيصال الراحة إليهم ،و دفع الذى عنهم ،لكن فى رضاء
ال تعالى .
و اعلم أن الخلق عبيد مسخرون ،مجبورون فى حركاتهم و نواصيهم بيد محركهم ،و
النبى صلى ال على آله و صحبه
و سلم قد أراحنا فى هذا المقام ،قال " :بعثت لتمم مكارم الخلق " .
فكل موضع قال لك الشرع فيه :إن شئت أن تتصرف ،و إن شئت تركت ؛ اختر الترك .أو
قال لك :إن شئت جازيت ،
و إن شئت عفوت ،فاجنح إلى العفو و التسامح ،و أجرك على ال تعالى .
وإياك أن تقتص لنفسك ممن أساء إليك ،فإن ال عز و جل سماها سيئة بالجملة ،و إن
كانت مما يسوء المقتص منه .و كل موضع قال لك الشرع :اغضب ؛ فإن لم تغضب فما
هو خلق حميد ،لن الغضب ل تعالى من مكارم الخلق مع ال تعالى .
ظيٍم (.
عِق َ خُل ٍ
ك َلَعلى ُ
و طوبى لمن عامله و صحبه ،سمع ال تعالى يقول َ ) :وِإّن َ
ومما ل بد منه :مجانبة الضداد ،و من ليس من جنسك ،من غير أن تعتقد فيهم السوء ،
أو يخطر ذلك فى خاطرك .و لكن :نية صحبة الحق تعالى و أهله و إيثاره عليهم .
كذلك فعامل هذه الحيوانات بالشفقة عليهم ،و الرحمة بهم ،لنهم ممن سخر ال سبحانه
لك ،فل تحملهم فوق طاقـتـهم
و ل تركب ما تركب منها بطرًا .
3
و باشر كذلك ملك اليمين من الرقيق ،لنهم أخوانك ،قد ملكك ال نواصيهم ليرى كيف
تتصرف فيهم ،فأنت عبد له سبحانه و تعالى ،فما تحب أن يفعله معك ،كذلك بعينه افعل
مع غلمانك و جواريك ،فإن ال تعالى يجازيك ،و ما تحب أن يصرفه عنك من القبيح و
السوء ؛ ذلك بعينه افعله معهم ،فالكل عيال ال تعالى ،و أنت من جملة العيال .
فإن كان لك ولد ،فعلمه القرآن ،ل لغرض من أغراض الدنيا .و ألزمه محافظة آداب
الشريعة السلمية والخلق الدينية .و احمله على الرفق و الزهد من صغره كى يعتادها .
و ل تزرع الشهوات فى قلبه .و بغض إليه زينة الحياة الدنيا ،و ما يئول صاحبها من
نقص الحظ فى الخرة .و ل تعمل ذلك شحًا على درهمك و مالك .
ومما لبد منه :أن ل تقترب من أبواب السلطان ،و ل تصاحب المتنافسين فى الدنيا ،
فإنهم يأخذون بقلبك عن ال تعالى .فإن اضطرك أمر إلى صحبتهم ،فعاملهم بالنصيحة ،و
ل تغشهم ،فإنك تعامل الحق تعالى .و مهما فعلت سخروا منك فى عموم أحوالك فتوجه
إلى ال فى تخليصك مما أنت فيه ،بما هو أحسن لك فى دينك .
و مما ل بد منه :الحضور مع ال تعالى فى جميع حركاتك و سكناتك .
و أوصيك بالنفاق فى السراء و الضراء ،و الشدة و الرخاء .فإن ذلك دليل على ثقة القلب
بما عند ال تعالى ،فإن البخيل جبان يأتيه الشيطان فيمد أمله ،و يطيل عمره ،و يقول له
" :إن أنفقت مالك هلكت و بقيت مثلة بين أقرانك و أصحابك ،بل شىء ،فأمسك عليك ،
و استعد إلى نوائب الزمان ،و ل تغتر بهذا الرخاء الذى أنت فيه
فما تدرى ما يحدث ال فى العام القابل .
وإن كانت أوقات شدة و ضراء ،فيقول لك ":أمسك عليك شيئًا فإنك ل تدرى متى تنقضى
هذه الشدة و لعل هذا المرل يزداد إل صعوبة و احفظ على نفسك ،فما أحد ينفعك إذا لم
يبق معك شىء ،وتتأخر و تثقل على الخلق ،و تذهب ماء وجهك ".
فإن استمرت هذه الوسوسة على قلب هذا المسكين ،أدته إلى الشح و البخل ،و حالت بينه
سِه (.
عن ّنْف ِخُل َ خْل َفِإّنَما َيْب َ
و بين قوله تعالى َ ) :وَمن َيْب َ
و عندنا فى هذا الطريق :إذا التحق رجل بأهل ال تعالى ،ثم بخل ،فإنه يستبدل مكانه ،و
ينزل عن ذلك المقام
خِلُفُه ( .و حال بينه و بين قوله تعالى ) َرّبَنا يٍء َفُهَو ُي ْ ش ْ من قوله تعالى ) َوَما َأنَفْقُتم ّمن َ
عَلى ُقُلوِبِهْم ( فضيعوا فقراءهم ،فماتوا جوعًا . شُدْد َعَلى َأْمَواِلِهْم َوا ْ
س َ
طِم ْ
اْ
وحالت بينه و بين حال النبى صلى ال على آله و صحبه و سلم " :أنفق بلل و ل تخش
من ذى العرش إقلًل " و بينه
ط كل منفق خلفًا ،و و بين قوله " :إن ل ملكًا فى كل يوم ينادى عند الصباح :اللهم أع ِ
ط كل ممسك تلفًا " .وحالت بينه و بين حال النبى صلى ال على آله و صحبه و سلم أع ِ
حين أعطى الكنزين فاختار تركهما على أخذهما .
و بين حال إبى بكر الصديق رضى ال تعالى عنه حين جاء إلى النبى صلى ال على آله و
صحبه و سلم بجميع ماله فقال :
" ماأبقيت لهلك يا أبا بكر .قال :ال و رسوله " و جاء عمر بن الخطاب بنصف ماله .
فقال " :ما أبقيت لهلك ؟
4
قال :النصف ،و تصدقت بالنصف .
قال صلى ال على آله و صحبه و سلم " :ما بينكما كما بين كلمتيكما " .
فالنفاق سبب لستجلب الرزق من الرزاق ،فى الدنيا و الخرة .فكل من أمسك فهو ل
تعالى متهم ،وعلى درهمه معتمد ،وكانت ثقته بدرهمه أعظم من ثقته بربه .و هذا طعن
بإيمانه ،و نسأل ال تعالى العافية .
و عليك بالنفاق فى الشدة ،و ل تخف الفقر ،فليس إل كما قال رسول ال صلى ال على
آله و صحبه و سلم :
" من قال بماله هكذا هكذا " يمينًا و شماًل ،و ال تعالى موف لك ما وعدك :شئت أم
أبيت ،شاء العالم أم أبى ،فما هلك سخى قط .
و لول قصدى الختصار لسقنا من الخبار ما يتأيد به ما ذكرنا .
) فصل (
وعليك بكظم الغيظ ،فإنه دليل على سعة الصدر .فإنك إذا كظمت غيظك :أرضيت
الرحمن ،و أسخطت الشيطان و قمعت نفسك و ردعتها ،حيث لم تنتصر لها ،و أدخلت
السرور على قلب من كظمت غيظك عنه ،و لم تجازه بفعله .و كان ذلك سببًا فى رجوعه
إلى الحق و إنصافه و إقراره بالجفاء عليك و التعدى .و ربما كان ندم على ما وقع منه
.فعليك بواقع القبول ،فتخلق بذلك .
ثم الفائدة الكبرى ،و الفضيلة العظمى :إنك إذا كظمت عن من فعل ذلك الغضب :جازاك
ال تعالى على فعلك .
فأى فائدة أتم من عفوك عن أخيك و تحمل أذاه ،و كظم غيظك ؟ وما أراد الحق أن تفعله
مع عبد ،فقد أراد أن يفعله معك بعينه .
فاجتهد فى هذه الصفات ،فإنها تورث المودة فى قلوب الناس ،فإن النبى صلى ال على
آله و صحبه و سلم قد أمرنا بالتودد و التحابب ،و هذا من أعلى أسباب تؤدى إلى
المحبة .
) فصل (
و عليك بالحسان ،فهو دليل على الحياء من ال تعالى ،وعلى تعظيم ال تعالى فى قلب
المحسن.
قال جبريل -عليه السلم : -ما الحسان ؟
قال النبى صلى ال على آله و صحبه و سلم ":أن تعبد ال كأنك تراه ،فإن لم تكن تراه
فإنه يراك " .
قال عليه الصلة و السلم " :إن الحياء من اليمان " و " الحياء خير كله " .
فمن المحال أن يكون عند المؤمن شر ،انتهى .
) فصل (
و عليك بلزوم الذكر و الستغفار ،إن كان عقيب ذنب محاه و أزاله ،و إن كان عقيب
5
طاعة و إحسان ،فنور على نور ،
و سرور على سرور ،فإن الذكر أجمع للهم ،و أصفى للخاطر .
ل بتدبر و تفكر و تعظيم و تنزيه ،و سؤال عند
فإن سئمت فانتقل إلى تلوة كتاب ال مرت ً
آية السؤال ،و خوف و تضرع عند آية خوف ،و وعيد و اعتبار ،فإن القرءان ل يسأم
قارؤه ،لختلف المعانى فيه .
) فصل (
وعليك بحل عقدة الصرار من قلبك .و ل تطيق ذلك إل أن تقول لنفسك -فى الّنـَفس
الخارج -هل تدرين يا نْفس أن الّنـَفس الخر يأتيك ،أم ل ؟ فلعل -و ال تعالى أعلم -
ربما تموتين فى هذا الّنـَفس ،فإنه آخر أنفاسك فى الدنيا ،و أنت مصرة على السوء .
عند ال تعالى للمصرين على الذنوب من العذاب .ما ل تطيقه الجبال الشوامخ ،كيف
بضعيفة مثلك ؟ فتوبى إلى ال تعالى ،فإنك ل تدرين متى يفاجئك الموت ،فإن ال تعالى
ت َقاَل ِإّني ُتبْ ُ
ت حَدُهُم الَمْو ُ
ضَر َأ َ
ح َ
حّتى ِإَذا َ
ت َ
سّيَئا ِ
ن ال ّ
ن َيْعَمُلو َ
ت الّتْوَبُة ِلّلِذي َ
س ِ
يقول َ ) :وَلْي َ
ن (.
ال َ
و قال سيد الخلق ،رسول ال صلى ال على آله و صحبه و سلم " :إن ال تعالى يقبل
توبة العبد ما لم يغرغر ".
و كم من شخص فجأه الموت و هو يأكل و يشرب و ينكح ،وهو نائم :تخرج روحه فل
يستيقظ .
و عظ نفسك بمثل هذا ،فإنه متى كان منك مثل هذا و أكثر :انحلت عقدة الصرار .
) فصل (
و عليك بتقوى ال فى السر و العلنية .و معنى التقوى ،وهو :الحذر من عقابه ،فإنه
حّذُرُكُم
من خاف من عقابه بادر إلى الفعل الذى يرضى ال تعالى ،وال تعالى يقول َ ) :وُي َ
ل َنْفسَُه (.
ا ُّ
حَذُروُه ( .فالتقوى مشتق من الوقاية . سُكْم َفا ْ
ل َيْعَلُم َما ِفي َأنُف ِ
ن ا َّ
عَلُموا َأ ّ
وقال َ ) :وا ْ
فاتق ال من فعل ال ،كما قال المصطفى صلى ال على آله و صحبه و سلم " :أعوذ بك
منك " .
فكل شىء تخافه و تخشاه ،فاجتنب الطريق الموصلة إليه ،فإن المعصية طريق موصلة
إلى الشقاوة .
و الطاعة طريق موصلة إلى السعادة .
) فصل (
و إياك و الغترار ،فهو :أن تخدعك نفسك لكرم ال تعالى و حلمه ،مع استمرارك على
معصيته ،و يخدعك إبليس لعنة ال عليه بأن يقول لك :لول ذنبك و مخالفتك :من أين
يظهر كرمه و رحمته و عفوه و مغفرته .
و يقول لك " :ما على المحسنين من سبيل " فإن الرحمة سبقت لهم من ال تعالى فى
6
الدنيا و الخرة .
فل يغررك هذا الكلم ،فقل له :أما رحمته و ما ذكرت منه كان .
صحيح :أنه لول المخالفة و الذنوب لما ظهرت آثار هذه الصفات -على زعمك -و الثار
و الخبار فيها صحيحة .لكن يا ملعون تريد أن تغرنى بكرم ال تعالى .و من أين أعلم أنى
ممن عفى عنه ،أو يغفر له .
نعم؛ يلحق كرمه و رحمته و مغفرته وعفوه بمن شاء من عباده ،كما يلحق عقوبته و
نقمته بمن شاء من عصاته ،و أنا لأدرى من أى الفريقين أنا عند فعلى هذا .
ولعل ال تعالى كما حرمنى التوبة من المعصية هنا ،يحرمنى عفوه قبل دخولى النار ،
فينتفم منى .
أل ؛ و إن الذنب يزيد الكفر ،فلو علمت قطعًا أنى ممن يعفى عنه قطعًا ،و ل يؤخذ بذنب ،
ربما اغتررت بكلمك ،و ذلك حمق منى وجهل .بل كان الواجب أن أبذل جهدى فى طاعة
ال ،شكرًا ل تعالى ،وحياء منه ،فإنه أولى من أستحى منه .كيف وما بشرنى على
ل فى معصيتى بين عفوه و عذابه .كيف أغتر التعيين ،و ل أمننى ،بل تركنى مهم ً
بزورك و بزور نفسى المارة بالسوء .
) فصل (
وعليك بالورع ،و هو اجتناب ما حاك فى صدرك .قال النبى صلى ال على آله و صحبه و
سلم " :دع ما يريبك إلى ما يريبك" ولو لم تجد غيره و أنت محتاج إليه ،و اتركه ل
يعوضك ال خيرًا منه .
و ل تستعجل ،فالورع أساس الدين ،فإذا استعملته زكت أفعالك ،و نجحت أحوالك ،
وكملت أقوالك ،و سارعت إليك الكرامات و كنت محفوظًا فى جميع أمورك ،حفظًا إلهياً ل
شك فيه .
ال ال يا أخى .
الورع الورع .
) فصل (
و عليك بالزهد فى الدنيا و قلة الرغبة فيها ،بل أعدمها من قلبك جملة واحدة .
و إن كنت ل بد لها طالبًا ،فاقتصر على طلب منها ،من وجهه فل تنافس أبناءها ،فإنها
عرض ل يبقى ،و ل ينال الراغب منها مراده أبدًا .و ال تعالى ل يعطيه إل ما قسم له .و
الراغب فيها ل يزال كثير الحزن عليها ،ممقوتًا عند ال تعالى ،فإن مثل الطالب لها كمثل
ماء البحر ،كلما ازداد شربًا ازداد عطشًا .وحسبك من تشبيه النبى صلى ال على آله و
صحبه و سلم للدنيا :بالجيفة و المزبلة .وهل يجتمع على الجيفة و المزبلة إل الكلب .
قال ال تعالى " :يابن آدم إن رضيت بما قسمت لك أرحت قلبك و بدنك ،وجاءك رزقك و
أنت محمود ،وإن لم ترض بما قسمت لك ،أتعبت قلبك و بدنك ،حتى تركض وراءها
ركض الوحـوش فى الـبـرية ،ثــم و عـزتى و جــللى ل ينالك منها
إل ما قدرت لك ،و أنت مذموم " .
ل َوَل ُتْلُقوا ِبَأْيِديُكْم ِإَلى الّتْهُلَكِة ( و هى رجوعهم إلىسِبيِل ا ِّ
قال ال تعالى َ ) :وَأنِفُقوا ِفي َ
أموالهم بالنظر فيها
7
ن (.
سِني َ
ح ِ
ب الُم ْ
ح ّ
ل ُي ِ
ن ا َّ
سُنوا ِإ ّ
ح ِ
) َوَأ ْ
***
والحمد ل رب العالمين
وصلى ال على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم
تمت بحمد ال وحسن عونه.
***
8