You are on page 1of 207

‫الفقه‬

‫المنهجي‬
‫على مذهب المام الشافعي‬
‫رحمه الله تعالى‬

‫الجزء السابع‬
‫في المعاملت‬

‫الشفعة‪ ،‬المساقاة‪ ،‬العارية‪ ،‬الشركة‪ ،‬المضاربة‪،‬‬


‫الوديعة‬
‫اللقطة‪ ،‬الرهن‪ ،‬الكفالة‪ ،‬الوكالة‪ ،‬الكراه‪ ،‬الغصب‬

‫تأليف‬
‫الدكتور‬ ‫الدكتور مصطفى الخن‬
‫مصطفى البغا‬
‫على الشربجي‬

‫دار القلم‬
‫دمشق‬

‫)‪( 1‬‬
‫بسم الله الرحمن الرحيم‬
‫ةةةةةةة‬
‫الحمد لله رب العالمين ‪ ،‬والصلة والسلم على سيدنا‬
‫محمد وعلى آله وصحبه ومن تبعهم بإحسان الى يوم الدين‪.‬‬
‫أما بعد‪ ،‬فهذا الجزء السابع من كتابنا )الفقه المنهجي(‬
‫نقدمه لطلب العلم ورواد الفقه في دين الله عز وجل‪ ،‬ولكل من‬
‫اراد ان تستقيم معاملته في الدنيا ليكون ناجيا يوم القيامة‪ ،‬بينا‬
‫فيه احكام المعاملت التي تكثر في حياة الناس‪ ،‬والتي كثيرا ما‬
‫يؤدي الجهل في احكامها الى نزاعات وخلفات ‪ ،‬تجر الى دور‬
‫القضاء‪ ،‬وربما كان ذلك في كثير من الحيان سببا لراقة الدماء‬
‫او ضياع الحقوق‪ ،‬فتناولنا في هذا الجزء المواضيع التالية‪:‬‬
‫اللقطة‪.‬‬ ‫‪-7‬‬ ‫الشفعة‪.‬‬ ‫‪-1‬‬
‫الرهن‪.‬‬ ‫‪-8‬‬ ‫المساقاة وما يلحق بها من‬ ‫‪-2‬‬
‫المزارعة ونحوها‪.‬‬
‫الكفالة والضمان‪.‬‬ ‫‪-9‬‬ ‫العارية‪.‬‬ ‫‪-3‬‬
‫الوكالة‪.‬‬ ‫‪-10‬‬ ‫الشركة‬ ‫‪-4‬‬
‫الكراه‪.‬‬ ‫‪-11‬‬ ‫المضاربة ]القراض[‪.‬‬ ‫‪-5‬‬
‫الغصب‪.‬‬ ‫‪-12‬‬ ‫الوديعة‪.‬‬ ‫‪-6‬‬
‫وكانت طريقتنا في بحث هذه الموضوعات كما اعتدنا في‬
‫الجزاء السابقة‪ ،‬من بسط الحكم وبيان دليله وتعليله‪ ،‬من غير‬
‫تعقيد ول مناقشات لفظية‪ ،‬مع كثرة التقسيمات وتعداد الفقرات‪،‬‬
‫كي ل تتداخل الحكام بعضها في بعض‪.‬‬
‫ومعلوم أن سلسلتنا هذه في فقه المام الشافعي رحمه‬
‫الله تعالى‪ ،‬ولما كانت المعاملت متشعبة الوجوه‪ ،‬فقد يضيق‬
‫حكم المذهب بتصرفات الناس احيانا‪ ،‬وهي احيانا قليلة‪ ،‬ولذا فقد‬
‫اشرنا في بعض المواضع الى رأي المذاهب الخرى تسهيل‬
‫وتيسيرا ‪ ،‬ل إعراضا عن حكم المذهب ول نقدا او تضعيفا‪.‬‬
‫والله تعالى نسأل ان يمن بالقبول ‪ ،‬ويجزل الجر والمثوبة‬
‫ويجعل ذلك حسنة في سجل اعمالنا ‪ ،‬واعمال والدنيا ومعلمينا ‪،‬‬
‫انه اكرم مسؤول‪.‬‬
‫المؤلفون‬

‫)‪( 2‬‬
‫الباب الول‬

‫الشفعـة‬

‫)‪( 3‬‬
‫الشفعة‬
‫‪ ‬تعريفها‪:‬‬
‫الشفعة – بضم الشين وسكون الفاء – هي في‬
‫اللغة‪ :‬من الشفع بمعنى الضم‪.‬‬
‫وفي اصطلح الفقهاء‪ :‬حق تملك قهري ‪ ،‬يثبت‬
‫للشريك القديم على الحادث‪ ،‬فيما ملك بِعوض‪ ،‬بما ملك‬
‫به ‪ ،‬لدفع الضرر‪.‬‬
‫فالشفعة حق اثبته الشرع‪ ،‬يتملك به الشريك الول‬
‫ما باعه شريكه لغيره‪ ،‬كما اذا كان اثنان شريكين في دار‪،‬‬
‫فباع احدهما حصته لغير شريكه ‪ ،‬فلشريكه الحق ان يأخذ‬
‫هذه الحصة من المشتري – الذي صار شريكا جديدا له –‬
‫بغير رضاه‪ ،‬بمثل الثمن الذي دفعه وهذا خلف الصل‬
‫الثابت في التملك شرعا‪ :‬ان يكون برضا المالك‪.‬‬
‫وسمى هذا الحق شفعة لن الشريك يضم به نصيب‬
‫شريكه الى نصيبه ‪.‬‬
‫‪ ‬مشروعيتها‪:‬‬
‫الشفعة جائزة ومشروعة‪ ،‬دل على مشروعيتها‬
‫احاديث كثيرة ‪ ،‬منها‪:‬‬
‫ما رواه جابر بن عبدالله النصاري رضى الله عنه‬
‫قال‪ :‬قضي رسول الله صلى الله عليه وسلم بالشفعة في‬
‫كل ما لم يقسم‪ ،‬فإذا وقعت الحدود وصرفت الطرق فل‬
‫شفعة ‪) .‬اخرجه البخاري‪ :‬اول كتاب الشفعة‪ ،‬باب‪:‬‬
‫الشفعة في ما لم يقسم‪ ، ..‬رقم‪ ،2138 :‬ومسلم‪:‬‬
‫المساقاة‪ ،‬باب‪ :‬الشفعة‪ ،‬رقم ‪.(1608 :‬‬

‫)‪( 4‬‬
‫]ومعنى وقعت الحدود‪ :‬صارت الرض مقسومة‬
‫وحددت القسام‪ .‬صرفت الطرق‪ :‬ميزت وبينت[‪.‬‬
‫وسيأتي خلل البحث احاديث في هذا المعنى‪.‬‬
‫وما دل عليه الحديث اجمع على العمل به علماء‬
‫المسلمين في كل عصر ‪.‬‬
‫حكمة المشروعية‪:‬‬ ‫‪‬‬
‫ان التشريع السلمي يهدف الى تحقيق مصالح‬
‫الناس بجلب النفع له ودفع الضرر عنهم‪ ،‬والمرء قد يكون‬
‫على وفاق وتعاون مع من كان يشاركه في دار او ارض‪،‬‬
‫وقد يحتاج احد الشريكين الى بيع نصيبه ويكون في ذلك‬
‫تحقيق مصلحته‪ ،‬فل يحول الشرع بينه وبين ذلك‪ ،‬وانما‬
‫يحوط تصرفه وتحقيق نفعه بما ل يضر بشريكه‪ ،‬وانما‬
‫يصون مصلحته ايضا ويحميه من الضرر الذي قد يلحق‬
‫به ‪ ،‬من جراء البيع الى اجنبي عن الشركاء‪ ،‬فقد يبادر هذا‬
‫الشريك الجديد الى طلب القسمة ‪ ،‬او يكون منه سوء‬
‫خلق ومعاملة‪ ،‬فيضطرهم الى ذلك اوطلبه فينال شركاءه‬
‫بذلك ضرر احداث مرافق جديدة ونحو ذلك ‪ ،‬ويكلفهم‬
‫اعباء القسمة ونفقتها ‪ ،‬فيحل محل الوئام الشقاق والنزاع‬
‫بين الجيران‪ ،‬وتفوت المصالح ويكثر الضرر بين النام‪.‬‬
‫ولذا وجه شرع الله عز وجل هذا الراغب ببيع نصيبه‬
‫ان يعرض هذا اول على شركائه ‪ ،‬فإن رغبوا بشرائه كانوا‬
‫هم اولى واحق‪ ،‬فإن لم يرغبوا بذلك كان له الحق ان‬
‫يبيعه لمن يشاء‪.‬‬
‫فعن جابر رضى الله عنه قال‪ :‬قال رسول الله صلى‬
‫الله عليه وسلم‪" :‬من كان له شريك في ربعة او نخل‬
‫فليس له ان يبيع حتى يؤذن حتى يؤذن شريكه‪ ،‬فإن رضى‬
‫اخذ وإن كره ترك"‪) .‬اخرجه مسلم في المساقاة‪ ،‬باب‪:‬‬
‫الشفعة‪ ،‬رقم ‪.(1608 :‬‬

‫)‪( 5‬‬
‫وعن عمرو بن الشريد رضى الله عنه قال‪ :‬وقفت‬
‫على سعد بن ابي وقاص – رضى الله عنه – فجاء المسور‬
‫بن مخرمة – رضى الله عنه – فوضع يده على احدى‬
‫منكبي اذ جاء ابو رافع مولى النبي صلى الله عليه وسلم‬
‫– رضي الله عنه – فقال‪ :‬يا سعد‪ ،‬ابتع مني بيتي في‬
‫دارك‪ ،‬فقال سعد ‪ :‬والله ل ازيدك على اربعة الف منجمة‬
‫او مقطعة‪.‬‬
‫فقال ابو رافع‪ :‬لقد اعطيت بها خمسمائة دينار‪ ،‬ولوا‬
‫اني سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول‪" :‬الجار‬
‫أحق بسبقه" ما اعطيتكها بأربعة آلف ‪ ،‬وأنا اعطي بها‬
‫خمسمائة دينار‪ .‬فأعطاها إياه‪) .‬البخاري‪ :‬الشفعة‪ ،‬باب‪:‬‬
‫عرض الشفعة على صاحبها قبل البيع‪ ،‬رقم‪.(2139:‬‬
‫]منجمة ‪ :‬مؤجلة ومفرقة تعطى جزءا بعد جزء‪.‬‬
‫اربعة آلف ‪ :‬أي درهم‪ ،‬وكانت تساوي اربعمائة دينار‪.‬‬
‫بسبقه ‪ :‬ما قرب من داره[‪.‬‬
‫وهكذا نجد رسول الله صلى الله عليه وسلم يرسم‬
‫الطريق واضحا لحفظ الود والوئام بين الناس‪ ،‬ويوجه الى‬
‫أمثل خلق في التعامل‪ ،‬ونجد اصحابه – رضوان الله تعالى‬
‫عليهم اجمعين – يلتزمون هديه فل يحيدون عنه ‪ ،‬ولو كان‬
‫في ذلك خسارة مادية ظاهرة ‪ ،‬فيأبون إل ان يقولوا‪:‬‬
‫سمعنا واطعنا‪.‬‬
‫فإذا ما خالف المرء ما وجه اليه ‪ ،‬ولم ينظر في‬
‫مصلحة غيره ولم يبادر الى استشارة شركائه‪ ،‬فباع الى‬
‫اجنبي عنهم‪ ،‬بادر الشرع لدفع ما قد يكون من خطر وما‬
‫قد يقع من ضرر‪ ،‬فانتقل من التوجيه الى التشريع‪ ،‬فجعل‬
‫الحق لهؤلء الشركاء‪ :‬ان يتملكوا حصة شريكهم رغما عن‬
‫المالك الجديد لها‪ ،‬بمثل ما قامت عليه من ثمن‪ .‬وبهذا‬
‫تحقق مصالح الجميع ‪ ،‬وتلبي حاجات الناس‪ ،‬ويندفع‬
‫الضرر عنهم‪ ،‬وتتلشى اسباب البغضاء والشحناء‪ ،‬ويكون‬
‫المسلمون مثل الجسد الواحد في الوئام والوفاق‬
‫وكالبنيان في التماسك والتعاون والحسان‪.‬‬

‫)‪( 6‬‬
‫أركان الشفعة‪:‬‬
‫للشفعة اركان نبينها فيما يلي‪:‬‬ ‫‪‬‬
‫الشفيع )أي الذي له حق الشفعة(‪:‬‬ ‫‪-1‬‬
‫علمنا من حكمة التشريع ان الشفعة شرعت لدفع‬
‫الضرر المتوقع‪ ،‬وهذا المعنى قد يكون في الشريك‪ ،‬وقد‬
‫يكون في غيره كالجار الملصق مثل‪ ،‬ولكن الشرع خصه‬
‫في الشريك الذي لم يقاسم‪ ،‬وهو الذي يشترك مع غيره‬
‫في الصل وملحقاته‪ ،‬كأن يكون شريكا في الدار – مثل –‬
‫ومرافقها وطريقها‪ ،‬او في الرض وحق شربها وحظائرها‬
‫ونحو ذلك‪ ،‬كما صرح به الحديث‪" :‬في كل ما لم يقسم"‪.‬‬
‫وصاحب الحق هذا يسمى ‪ :‬الشفيع‪.‬‬
‫فإذا قسمت الدار او الرض‪ ،‬واصبح كل من الشركاء‬
‫مستقل بنصيبه‪ ،‬فباع احدهم ما يملكه لجنبي‪ ،‬أي غير‬
‫واحد من الشركاء السابقين‪ ،‬فليس لهم ان يأخذوا هذا‬
‫النصيب بحق الشفعة‪ ،‬حتى ولو كانت المرافق – كالممر‬
‫وحق الشرب ونحو ذلك – مشتركة‪ ،‬لما جاء في الحديث‪:‬‬
‫"فإذا وقعت الحدود وصرفت الطرق فل شفعة" وهؤلء‬
‫المستقلون بحصصهم ‪ ،‬والمشتركون بالمرافق ‪ ،‬يسمى‬
‫كل منهم بالشريك المخالط‪.‬‬
‫واذا لم تثبت الشفعة للشريك المخالط فل تثبت‬
‫للجار الملصق وغيره من باب أولى‪ .‬ولم تثبت الشفعة‬
‫لغير الشريك الذي لم يقاسم – مع ان المعنى الذي‬
‫شرعت من اجله‪ ،‬وهو دفع الضرر المتوقع‪ ،‬قد يوجد في‬
‫غيره – لنها شرعت كما علمت على خلف الصل‪ ،‬اذ‬
‫الصل ان ل يتملك احد شيئا قهرا عمن ملكه‪ ،‬وقد علمت‬
‫ان الشفيع يتملك الحصة قهرا عن المشترى الذي ملكها‬
‫بالشراء من الشريك القديم الشفيع‪.‬‬

‫)‪( 7‬‬
‫والمراد بالصل هنا‪ :‬المعنى الذي يراعيه التشريع في‬
‫غالب احكامه ‪ ،‬وهو الذي يسميه العلماء‪ :‬علة الحكم ‪،‬‬
‫وقد يطلقون عليه كلمة ‪ :‬القياس‪.‬‬
‫والقاعدة في التشريع السلمي‪ :‬ان كل ما ثبت على‬
‫خلف الصل يقتصر فيه على ما ورد بالنص‪ ،‬ول يلحق به‬
‫غيره‪ ،‬وقد يعبرون عن هذا بقولهم ‪ :‬ما ثبت على خلف‬
‫القياس فغيره عليه ل يقاس‪ .‬وقد ورد النص الصحيح‬
‫الصريح هنا بثبوت الشفعة للشريك الذي لم يقاسم ‪ ،‬فل‬
‫يلحق به غيره من شريك مقاسم اوجار ول يقاس عليه‪.‬‬
‫وما جاء من قوله صلى الله عليه وسلم ‪" :‬الجار احق‬
‫بسبقه" ليس صريحا في ثبوت حق الشفعة‪ ،‬انما هو من‬
‫باب الحث على تحصيل النفع للجار وانه اولى بالحسان‬
‫من غيره‪ .‬على ان كلمة الجار عامة في اللغة‪ ،‬فتشمل‬
‫الشريك وغيره‪ .‬والولى تفسيرها في الحديث بالشريك‬
‫الذي ذكرناه ‪ ،‬لن ابا رافع رضى الله عنه اورده بهذا‬
‫المعنى حين طلب من شريكه ان يشتري بيتيه – أي‬
‫غرفتيه – اللتين في داره‪ ،‬وواضح ان الدار لم تكن‬
‫مقسومة ‪ ،‬والله تعالى اعلم‪.‬‬

‫تزاحم الشفعاء‪:‬‬ ‫‪‬‬


‫علمنا ان الشفيع هو الشريك‪ ،‬فقد يكون للشريك‬
‫البائع حصته اكثر من شريك‪ ،‬فيكون اصحاب الحق في‬
‫الشفعة متعددين ‪ ،‬وقد تكون حصصهم متساوية – كما لو‬
‫كانوا يملكون الدار المبيعة اثلثا مثل – وقد تكون‬
‫متفاوتة ‪ ،‬كما لو كان احدهم يملك الربع والثاني الربع‬
‫والثالث النصف مثل ‪ ،‬فاذا باع احدهم حصته‪ ،‬وليكن‬
‫صاحب الربع مثل‪ ،‬واراد شركاؤه جميعا اخذ نصيبه‬
‫بالشفعة‪ ،‬فهل يأخذونه بالسوية حسب عددهم‪ ،‬ام ان كل‬
‫منهم يأخذ بنسبة حصته؟‬
‫والجواب‪ :‬ان كل منهم يأخذ بنسبة حصته‪ ،‬فمن كان‬
‫له الربع يأخذ ثلث الحصة‪ ،‬ومن كان له النصف يأخذ‬

‫)‪( 8‬‬
‫ثلثيها‪ ،‬لن سبب الستحقاق هو الملك وهم متفاوتون‬
‫فيه ‪ ،‬فيتفاوتون في الستحقاق‪.‬‬

‫تجزئة الشفعة‪:‬‬ ‫‪‬‬


‫حق الشفعة من المور التي ل تتجزأ‪ ،‬فالشفيع‪ :‬اما‬
‫ان يأخذ نصيب شريكه المباع جميعه ‪ ،‬واما ان يتركه‪.‬‬
‫فاذا كان هناك اكثر من شفيع – كما سبق – ولم يرد‬
‫بعضهم الخذ بالشفعة‪ ،‬واسقط حقه‪ :‬فالصح ان باقي‬
‫الشفعاء – او الشفيع الخر – يخير بين اخذ الجميع او ترك‬
‫الجميع‪ ،‬كما لو كان شفيع واحد‪ ،‬وليس لمن لم يسقط‬
‫حقه ان يأخذ بقدر حصته‪ .‬وذلك لكي ل تفرق الصفقة‬
‫وتبعض على المشتري‪ ،‬فيناله بذلك ضرر‪ ،‬لن مصلحته قد‬
‫تكون في الجميع ‪ ،‬ول يتحق غرضه في البعض‪.‬‬

‫غيبة بعض الشفعاء‪:‬‬ ‫‪‬‬


‫اذا كان احد الشفعاء او بعضهم غائبا كان للحاضرين‬
‫طلب الشفعة والخذ بها‪ ،‬وتقسم بينهم على قدر حصصهم‬
‫كما علمنا ‪ ،‬لن الغائب في حكم من اسقط حقه ‪ ،‬فلم‬
‫يبق للحاضرين مزاحم‪ ،‬فلهم ان يأخذوا الكل ‪ ،‬وليس لهم‬
‫القتصار على قدر حصصهم كما علمنا ‪ ،‬اذ من المحتمل‬
‫ان ل يأخذ الغائب حصته اذا حضر فتتفرق الصفقة على‬
‫المشتري‪:‬‬
‫فإذا اخذ الحاضرون الكل ثم حضر الغائب‪ ،‬كان له‬
‫الحق ان يطالب بنصيبه ‪ ،‬وقاسم الشركاء فيما اخذوا‬
‫بنسبة ما كان يملك‪.‬‬
‫والصح‪ :‬ان لمن حضر من الشفعاء ان يؤخر الخذ‬
‫بالشفعة حتى يحضر الغائب‪ ،‬وذلك لنه قد يكون له غرض‬
‫ظاهر في هذا ‪ ،‬فقد يكون غير قادر على اخذ الجميع‪ ،‬او‬
‫ل يرغب ان يأخذ ما قد يؤخذ منه اذا حضر الغائب‪.‬‬

‫)‪( 9‬‬
‫المشفوع عليه‪:‬‬ ‫‪-2‬‬
‫وهو الذي انتقل اليه ملك نصيب الشريك القديم‪،‬‬
‫والذي هو محل الشفعة‪.‬‬
‫ويشترط ان يكون انتقل الملك اليه بعوض‪ :‬وقد‬
‫يكون هذا العوض مال ‪ ،‬كما اذا انتقل الملك اليه بالشراء‪،‬‬
‫او بالصلح عن جناية موجبة للمال‪ ،‬كما اذا صالحه من‬
‫الدية التي تثبتت عليه على نصف العقار الذي يملكه ‪،‬‬
‫شقص بالشفعة‪.‬‬ ‫فلشريك المصالح ان يأخذ هذا ال ّ‬
‫وقد يكون العوض غير مال‪ ،‬كما اذا جعل نصيبه من‬
‫خلع ‪ ،‬ونحو ذلك‪ ،‬فللشريك‬‫العقار مهرًا‪ ،‬او جعلته بدل ال ُ‬
‫ايضا اخذ هذا النصيب ممن انتقل اليه بالشفعة ‪ .‬وذلك‬
‫لنه مملوك بعقد معاوضة فأشبه البيع‪.‬‬
‫ويأخذ الشفيع هذا الشقص بالثمن الذي ملك به اذا‬
‫كانا مثليا‪ ،‬وبقيمته يوم البيع ان كان قيميا كثوب مثل ‪،‬‬
‫وبمهر المثل في النكاح والخلع يوم النكاح ويوم الخلع‬
‫سواء أنقص عن قيمة النصيب او زاد‪.‬‬
‫فإذا انتقل الملك الى الشريك الجديد بغير عوض لم‬
‫يكن للشريك القديم ان يأخذ الشقص بالشفعة‪ ،‬وذلك كما‬
‫انتقل الملك اليه بهبة بغير عوض‪ ،‬او صدقة‪ ،‬او وصية‪ ،‬او‬
‫انتقل اليه بواسطة الرث‪ ،‬ونحو ذلك‪.‬‬
‫المشفوع فيه‪:‬‬ ‫‪-3‬‬
‫وهو الشئ الذي يريد الشفيع ان يتملكه بالشفعة‪.‬‬
‫ويشترط فيه ان يكون غير منقول‪ ،‬كالدور والراضي‬
‫ونحوها‪ ،‬ول تثبت في المنقول كالحيوان والمتعة ونحو‬
‫ذلك‪.‬‬
‫ودليل هذا‪:‬‬ ‫‪‬‬

‫)‪(10‬‬
‫ما رواه جابر رضى الله عنه‪ :‬ان رسول الله صلى‬ ‫‪-1‬‬
‫شْرك‪ :‬في‬
‫الله عليه وسلم قال‪" :‬الشفعة في كل ِ‬
‫ارض او ربع او حائط‪) "..‬اخرجه مسلم في‬
‫المساقاة‪ ،‬باب ‪ :‬الشفعة‪ ،‬رقم‪.(1608 :‬‬
‫]شرك‪ :‬شئ مشترك‪ .‬ربع‪ :‬دار ‪ .‬حائط‪ :‬بستان[‬
‫ان الخذ بالشفعة ثبت بالنص على خلف القياس‬ ‫‪-2‬‬
‫في العقار‪ ،‬فل يلحق به غيره ول ُيقاس عليه ما ليس‬
‫في معناه ‪ ،‬لن الشفعة شرعت لدفع ضرر سوء‬
‫جوار على الدوام‪ ،‬وما ينقل ويحول ل يدوم الضرر‬ ‫ال ِ‬
‫فيه‪.‬‬
‫ويلحق بالعقار البناء والشجر اذا بيعا مع الرض تبعا‬
‫للرض‪.‬‬
‫ويشترط في العقار ونحوه حتى تثبت فيه الشفعة‪:‬‬
‫ان يكون قابل للقسمة‪.‬‬
‫والعقار القابل للقسمة هو الذي إذا قسم كان قسم‬
‫منه صالحا لتحقيق المنفعة المقصودة منه‪ ،‬فإذا ابطلت‬
‫القسمة منفعته كان غير قابل للقسمة‪ ،‬وبالتالي ل يثبت‬
‫فيه حق الشفعة‪ ،‬وذلك كحمام صغير وطاحون صغيرة‬
‫ونحو ذلك‪.‬‬
‫ودليل ذلك‪:‬‬ ‫‪‬‬
‫انه صلى الله عليه وسلم قضى بالشفعة في كل ما‬
‫لم يقسم‪ ،‬فاذا وقعت الحدود وصرفت الطرق فل شفعة‪.‬‬
‫وهذا يدل على ان الشفعة فيما يمكن ان يقسم ما دام لم‬
‫يقسم‪.‬‬
‫وكذلك‪ :‬الشفعة انما ثبتت لدفع ضرر مؤنة القسمة‬
‫واستحداث المرافق‪ ،‬وذلك ل يوجد ال فيما يقبل القسمة‪.‬‬
‫وقيل‪ :‬تثبت الشفعة في العقار ونحوه فيما لم‬
‫يقسم‪ ،‬ولو كان غير قابل للقسمة‪ ،‬لعموم قوله‪ :‬قضى‬

‫)‪(11‬‬
‫رسول الله صلى الله عليه وسلم بالشفعة فيما لم يقسم‪،‬‬
‫شرعت لزالة ضرر المشاركة ‪ ،‬وهذا‬ ‫ولن الشفعة ُ‬
‫المعنى في الذي ل يقسم آكد‪ ،‬لن الضرر فيه يتأبد عند‬
‫ذلك‪.‬‬
‫شروط الخذ بالشفعة‪:‬‬ ‫‪‬‬
‫علمت اركان الشفعة وما يشترط في كل ركن منها‪،‬‬
‫ونذكر لك الن بعض الشروط الخرى التي لبد منها حتى‬
‫يثبت حق الخذ بالشفعة‪ ،‬وهي‪:‬‬
‫مْلك الشريك الول عن المشفوع فيه‬ ‫ان يزول ِ‬ ‫‪-1‬‬
‫ويزول حقه فيه‪ ،‬فلو باع الشريك حصته لغير شريكه‬
‫‪ ،‬وشرط لنفسه الخيار ‪ ،‬فل تثبت الشفعة مدة‬
‫الخيار‪ ،‬وكذلك لو شرط الخيار للبائع والمشتري‪ ،‬لن‬
‫المبيع لم يخرج من ملك البائع في هذه المدة‪ ،‬فإذا‬
‫انتهت المدة ولم يختر فسخ البيع فقد تم البيع وثبتت‬
‫الشفعة‪.‬‬
‫اما لو شرط الخيار للمشتري وحده فإن الشفيع له‬
‫ان يأخذ الشقص بالشفعة فور عقد البيع‪ ،‬لن البيع قد‬
‫خرج من ملك الشريك الول بمجرد العقد وعدم شرط‬
‫الخيار لنفسه‪.‬‬
‫وكذلك ل يثبت الخذ بالشفعة اذا تبين فساد عقد‬
‫التمليك وبطلنه‪ ،‬لن ملك البائع ايضا لم يزل عن البيع‪.‬‬
‫ان يكون الشفيع مالكا لما يشفع به عند عقد تمليك‬ ‫‪-2‬‬
‫الشريك الجديد‪ ،‬وان يستمر مْلكه ذلك الى ان‬
‫يقضي له بالشفعة على الصح‪.‬‬
‫فلو اخرج الشفيع الشقص عن ملكه ببيع او هبة او‬
‫نحو ذلك‪ ،‬قبل ان يقضي له بالشفعة‪ ،‬بطل حقه‪ ،‬سواء‬
‫اكان عالما بهذا ام جاهل وسواء اطالب بالشفعة ام لم‬
‫يطالب‪ ،‬لزوال سبب الخذ بالشفعة وهو الشركة‪.‬‬

‫)‪(12‬‬
‫وفي هذه الحالة لو طالب الشريك الجديد – وهو‬
‫المتملك من الشفيع – ان يأخذ هو بالشفعة ما كان‬
‫للشفيع ان يأخذه ‪ ،‬فليس له ذلك‪ ،‬لنه لم يكن مالكا لما‬
‫يشفع به عند عقد التمليك الول‪.‬‬
‫ويستثنى من هذا‪ :‬ما اذا مات الشفيع قبل القضاء له‬
‫بالشفعة‪ ،‬فإن لوارثه ان يأخذ بها‪ ،‬مع انه لم يكن مالكا لما‬
‫يشفع به عند البيع ونحوه‪ ،‬لن الشفعة من الحقوق التي‬
‫تورث وسواء اكان ذلك قبل طلب المورث الشفيع‬
‫للشفعة ام بعدها‪.‬‬
‫ان ل يظهر من الشفيع ما يدل على اعراضه عن‬ ‫‪-3‬‬
‫الخذ بالشفعة‪ ،‬وذلك بأن يعلن رضاه بتمليك‬
‫الشريك الجديد‪ ،‬او يكون منه ما يدل على عدم‬
‫رغبته بالشفعة من قول او فعل او سكوت‪ ،‬كأن‬
‫يحصل عقد البيع امامه‪ ،‬فيقوم ويغادر المجلس دون‬
‫ان يطالب بالشفعة‪ ،‬او يبلغه خبر التمليك فل يطالب‬
‫بالشفعة زمنا طويل من غير عذر ففي هذه الحالت‬
‫ليس له ان يعود ويطالب بالشفعة‪.‬‬
‫إل ان هناك حالت له ان يطالب فيها بالشفعة رغم‬
‫ظهور العراض منه ‪ ،‬وهي‪:‬‬
‫ان ل ُيخبر بحقيقة العوض الذي حصل به التمليك‪،‬‬ ‫أ‪-‬‬
‫كما لو اخبر انه مائة الف مثل ‪ ،‬فأعرض عن الطلب‬
‫ثم تبين له بعد ذلك انه تسعون مثل‪ ،‬لن اعراضه اول‬
‫لم يكن عن رضا منه‪ ،‬وانما لرتفاع العوض فلم يكن‬
‫اعراضه دليل الرضا بالشريك الجديد‪.‬‬
‫ب‪ -‬ان يخبر ان المشتري فلن‪ ،‬فل يطالب بالشفعة‪ ،‬ثم‬
‫يتبين له انه غير‪ ،‬فله ان يطالب بها‪ ،‬لنه قد يرغب‬
‫في مشاركة انسان ول يرغب بمشاركة آخر‪ ،‬ولهذا‬
‫لم يطلب اول‪ ،‬ولم يكن ذلك بتقصير منه‪.‬‬

‫)‪(13‬‬
‫ج‪ -‬ان يخبر بأن العوض معجل ‪ ،‬ثم يتبين له انه مؤجل‪،‬‬
‫فله ان يطالب بالشفعة ولو ظهر منه إعراض اول‪ ،‬اذ‬
‫قد يقدر على اخذ الشقص بمؤجل‪ ،‬ول يقدر على‬
‫اخذه بمعجل‪.‬‬
‫د‪ -‬ان ل يخبر بقدر المبيع حقيقة‪ ،‬كما لو اخبر ان المبيع‬
‫نصف الشقص فتبين انه جميعه‪ ،‬او ان المبيع‬
‫الشقص كله فتبين انه جزء منه ‪ ،‬فإذا ظهر منه‬
‫العراض اول حق له ان يطالب بعد تبين الحقيقة‪،‬‬
‫لنه قد يرغب بتملك قدر معين ول يرغب بتملك قدر‬
‫غيره‪.‬‬
‫ان يبادر الشفيع الى الطلب بالشفعة بحسب‬ ‫‪-4‬‬
‫المكان‪ ،‬وذلك ان حق الشفعة حق فوري‪ ،‬لنه ثبت‬
‫على خلف القياس كما علمت‪ ،‬فهو حق ضعيف وقد‬
‫جاء في الحديث‪" :‬الشفعة كحل العقال" )اخرجه ابن‬
‫ماجه في الشفعة‪ ،‬باب‪ :‬طلب الشفعة‪ ،‬رقم‪:‬‬
‫‪.(2500‬‬
‫ومعناه ‪ :‬انها تفوت ان لم يبادر الى طلبها‪ ،‬كما ان‬
‫البعير يشرد فورا اذا حل عقاله ‪ ،‬أي رباطه ‪ ،‬ولذا يجب‬
‫على الشفيع المبادرة الى الطلب بها عند علمه بانتقال‬
‫الملك من شريكه الى غيره حسب العادة وقدر المكان‪،‬‬
‫فلو علم ليل كان له تأخير ذلك الى النهار‪ ،‬وان كان مريضا‬
‫او غائبا عن البلد فليوكل بذلك او ليشهد على طلبه‪ ،‬فإن‬
‫قصر فيما هو قادر عليه سقط حقه على الظهر‪.‬‬
‫ول يشترط لثبوت الحق حكم حاكم ول حضور‬
‫المشتري ول رضاه‪ ،‬واحضار الثمن‪ ،‬وانما يشترط طلبها‬
‫بلفظ يدل على الخذ بها‪ ،‬كتملكت او اخذت بالشفعة‪.‬‬
‫ويشترط تسليم العوض الى المشتري‪ ،‬او رضاه بأن‬
‫يكون في ذمة الشفيع‪ ،‬واذا لم يحصل هذا وقضى له‬
‫القاضي بالشفعة ملك بها في الصح‪.‬‬

‫)‪(14‬‬
‫أحكام الشفعة‪:‬‬ ‫‪‬‬
‫سقوط حق الشفعة‪:‬‬ ‫‪-1‬‬
‫شفعة حق ضعيف‪ ،‬ولذا يتعرض‬ ‫علمنا أن حق ال ُ‬
‫للسقوط بأقل السباب‪ ،‬ومن هذه السباب ما علم مما‬
‫مر‪ :‬كالعراض عن الطلب بها‪ ،‬وكذلك عدم المبادرة اليها‪،‬‬
‫وخروج الشقص عن ملكه قبل الحكم بها‪ ،‬ونحو ذلك‪.‬‬
‫ومن ذلك ايضا‪ :‬الصلح عن الشفعة على عوض‪ ،‬كما‬
‫لو صالح الشفيع المشتري على شئ من مال ليترك له‬
‫الشقص الذي اشتراه‪ ،‬فإن الصلح باطل‪ ،‬ول يستحق شيئا‬
‫من العوض‪ ،‬وبالتالي سقط حقه في الشفعة‪.‬‬

‫تصرف المشتري في المشفوع فيه‪:‬‬ ‫‪-2‬‬


‫على من اشترى شقصا من عقار او دار ان يتريث‬
‫في التصرف فيما اشتراه‪ ،‬حتى يتبين له موقف الشفيع‬
‫من حيث المطالبة بالشفعة او التنازل عنها ‪ ،‬لن حق‬
‫الشفيع متقدم على حقه‪ ،‬واستقرار ملكه فيما اشتراه‬
‫متوقف على اسقاط الشفيع حقه في الشفعة‪.‬‬
‫فإذا تصرف المشتري قبل طلب الشفيع او تبين‬
‫الحال كان تصرفه صحيحا ونافذا‪ ،‬لنه يتصرف في ملكه‬
‫وان لم يلزم ويستقر‪ .‬ولكن هل يبطل تصرفه ذلك حق‬
‫الشفيع؟‬
‫والجواب‪ :‬ان ذلك ل يبطل حقه‪ ،‬بل للشفيع ان ينقض‬
‫كل تصرف ل شفعة فيه لو وجد ابتداء‪ ،‬كالهبة والوقف‬
‫شفعة‪ ،‬لن حقه سابق‬ ‫والجارة‪ ،‬وان يأخذ الشقص بال ُ‬
‫على هذه التصرفات ‪ ،‬فل يبطل بها‪.‬‬

‫)‪(15‬‬
‫شفعة‬‫واما اذا كان التصرف الجديد مما تثبت به ال ُ‬
‫ايضا ‪ ،‬كالبيع مثل ونحوه من التمليك بعوض‪ ،‬كان له‬
‫شفعة بناء على التصرف‬ ‫الخيار‪ :‬بين ان يأخذ الشقص بال ُ‬
‫الجديد‪ ،‬وبين ان ينقضه ويأخذ بالحق الثابت له اول‪.‬‬
‫وفائدة هذا التخيير‪ :‬ان العوض قد يكون في أحدهما‬
‫اقل او ايسر في جنسه عليه‪ ،‬فيختار ما فيه مصلحته‪.‬‬
‫ولو تصرف المشتري في الشقص تصرفا‬
‫يزيد فيه او ينقص منه‪:‬‬
‫كما لو زرع الرض او غرس فيها او بنى ‪ ،‬كان للشفيع‬ ‫‪-‬‬
‫ان يكلفه قلع ما فعل وتسوية الرض‪ ،‬لنه متعد في‬
‫فعله ‪ ،‬وله ان يأخذ الغراس او البناء بقيمته مقلوعا‪.‬‬
‫ولو كان في الرض بناء او شجر‪ ،‬فهدم البناء او قطع‬ ‫‪-‬‬
‫الشجر‪ ،‬فللشفيع اخذ الشقص بما يخصه من الثمن ‪،‬‬
‫بعد نقص قيمة البناء او الشجر يوم العقد ‪ ،‬لنهما –‬
‫وان كانا تابعين للرض – صارا مقابلين بشئ من‬
‫الثمن لنه قصد اتلفهما‪.‬‬
‫وكذلك الحال لو تلف بعض الرض بغرق أوانهيار‪ ،‬فإنه‬
‫يسقط من الثمن ما يقابل القسم التالف منها‪ ،‬لنه بعض‬
‫الصل‪.‬‬
‫اما لو تلف البناء او الشجر بغير صنع احد‪ :‬كان‬
‫للشفيع ان يأخذ الرض بكل الثمن او يدعها‪ ،‬ول يسقط‬
‫شئ من الثمن ‪ ،‬لن البناء والشجر تابع للرض‪ ،‬ويدخلن‬
‫معها في البيع ولو لم يذكر في العقد‪ ،‬فل يقابلهما شئ‬
‫من الثمن بخصوصهما‪.‬‬
‫نقص الثمن على المشتري او الزيادة فيه‪:‬‬ ‫‪-3‬‬
‫إذ حط البائع بعض الثمن عن المشتري او زاد فيه‪،‬‬
‫وأراد الشفيع الخذ بالشفعة‪ ،‬فهل يستفيد من هذا النقص‬
‫او تلزمه تلك الزيادة؟ والجواب‪:‬‬

‫)‪(16‬‬
‫اذا كانت الزيادة او النقص بعد لزوم البيع واستقراره‪،‬‬ ‫‪-‬‬
‫كما اذا كان البيع باتا ل خيار فيه‪ ،‬وتفرق العاقدان من‬
‫المجلس‪ ،‬او كان ذلك بعد انتهاء مدة الخيار ان كان‬
‫مشروطا‪ ،‬لم يلحق ذلك الشفيع ‪ ،‬لن نقص الثمن‬
‫في هذه الحال يكون بمثابة هبة من البائع للمشتري‪،‬‬
‫والزيادة فيه بمثابة هبة من المشتري للبائع‪ ،‬ول صلة‬
‫لهذا بالثمن لن العقد قد تم قبل ذلك‪.‬‬
‫واذا كانت الزيادة او النقص قبل لزوم البيع‬ ‫‪-‬‬
‫واستقراره ‪ ،‬كما لو كانت في مجلس العقد وقبل‬
‫التفرق‪ ،‬او كانت في مدة الخيار ان كان مشروطا‪،‬‬
‫لحق ذلك الشفيع‪ ،‬فينحط عنه من الثمن ما حطه‬
‫البائع‪ ،‬كما يلزمه ما زاد فيه المشتري‪ ،‬لن ذلك يعتبر‬
‫لحقا للعقد وجزءا منه‪ ،‬طالما انه وقع قبل لزوم‬
‫العقد واستقراره‪.‬‬
‫أخذ ما بيع مؤجل‪:‬‬ ‫‪-4‬‬
‫اذا باع الشريك نصيبه بثمن الى اجل‪ ،‬وطلب الشفيع‬
‫ان يأخذ بالشفعة‪ ،‬فهل يستفيد من تأجيل الثمن؟‬
‫والجواب‪:‬‬
‫ان الشفيع في هذه الحالة يخير‪ :‬بين ان يأخذ‬
‫بالشفعة في الحال ويعجل الثمن ‪ ،‬وبين ان يؤجل الخذ‬
‫بالشفعة الى حلول الجل‪ ،‬فإذا حل الجل‪ ،‬دفع الثمن‬
‫وأخذ المبيع‪ ،‬ول يسقط حقه بهذا التأخير لنه معذور به‪،‬‬
‫لننا لو ألزمناه الخذ في الحال مع تعجيل الثمن كان في‬
‫ذلك إضرار به‪ ،‬لن الجل غالبا ما يقابل بقسط من الثمن‪،‬‬
‫فما بيع مؤجل يغلب ان يكون ثمنه اكثر مما بيع حال‪ .‬ولو‬
‫اجزنا له ان يأخذ الشقص المبيع في الحال بالثمن‬
‫المؤجل كان في ذلك إضرار وقد ل يرضى المشتري –‬
‫الذي سيدفع هو الثمن للبائع‪ ،‬ويأخذ الثمن من الشفيع –‬
‫قد ل يرضى ان يبيعه الى اجل باختياره‪ ،‬فإذا الزمناه بذلك‬
‫اضررنا به ‪ ،‬فكان في تخييره على ما ذكر دفع للضرر عن‬
‫الجانبين‪.‬‬

‫)‪(17‬‬
‫ولو رضى المشتري ان ياخذ الشفيع الشفعة في‬
‫الحال‪ ،‬وان يؤجل الثمن الى وقت حلوله‪ ،‬فأبى الشفيع ال‬
‫ان يؤجل الخذ الى وقت الحلول‪ ،‬بطل حقه في الشفعة‬
‫على الصح‪.‬‬
‫اختلف المشتري والشفيع‪:‬‬ ‫‪-5‬‬
‫قد يختلف الشفيع والمشتري في قدر الثمن‪ ،‬فيقول‬
‫الشفيع‪ :‬اشتريته بألف مثل‪ ،‬ويقول المشتري‪ :‬اشتريته‬
‫بألف ومائة ‪ ،‬ول بينة على ذلك‪ ،‬يصدق المشتري بيمينه‪،‬‬
‫لنه اعلم بما باشره من الشراء وما دفعه من الثمن‪ ،‬ولن‬
‫الشفيع يدعي عليه الستحقاق بالقل وهو ينكر ذلك‪،‬‬
‫والقول دائما قول المنكر بيمينه‪ ،‬فإذا نكل المشتري في‬
‫اليمين – أي امتنع من الحلف – حلف الشفيع على مدعاه‪،‬‬
‫واخذ الشقص بما حلف عليه‪.‬‬
‫واذا اختلفا في البيع اصل‪ ،‬فأنكر المشتري الشراء‬
‫والشفيع يدعيه‪ ،‬فيصدق المشتري بيمينه‪ ،‬لن الصل عدم‬
‫الشراء‪ ،‬إل اذا اعترف الشريك القديم بالبيع‪.‬‬
‫وكذلك الحال لو انكر المشتري كون الشفيع الطالب‬
‫شريكا‪ ،‬فيحلف على نفي العلم بشركته‪ ،‬لن الصل‬
‫عدمها والقول قول من يتمسك بالصل‪.‬‬
‫**********‬

‫)‪(18‬‬
‫الباب الثاني‬

‫المساقاة والمزارعة والمخابرة‬

‫)‪(19‬‬
‫الـمســـا َ‬
‫قـــاة‬
‫تعريفها‪:‬‬
‫سْقي‪.‬‬
‫هي – في اللغة – مأخوذة من ال ّ‬
‫وشرعا‪ :‬هي ان يتعاقد صاحب الشجر مع غيره‪ ،‬على‬
‫ان يقوم بإصلحه وتعهده وما يحتاج إليه من عمل‪ ،‬ويأخذ‬
‫جزءا معينا مما يخرج منه من ثمر‪.‬‬
‫وسميت مساقاة‪ :‬لن هذا العمل يحتاج الى السقي‬
‫بالماء ونضحه ونقله أكثر من غيره‪ ،‬فهو أكثر العمال‬
‫مشقة على العامل‪ ،‬وأنفعها للمتعاقد من اجله وهو‬
‫الشجر‪.‬‬
‫وتسمى معاملة ‪ ،‬وتسميتها مساقاة أولى‪ ،‬لما ذكر‪.‬‬
‫مشروعيتها‪:‬‬
‫المساقاة مشروعة وجائزة ‪ ،‬وقد دل على‬
‫مشروعيتها‪:‬‬
‫‪ -1‬السّنة‪ :‬ومن ذلك ما رواه عبدالله بن عمر رضى‬
‫الله عنهما‪ :‬ان رسول الله صلى الله عليه وسلم‬
‫أعطى خيبر بشطر ما يخرج منها من ثمر او زرع‪،‬‬
‫وفي رواية‪ :‬عامل اهل خيبر‪) ..‬اخرجه البخاري‪:‬‬
‫المزارعة‪ ،‬باب‪ :‬المزارعة بالشطر ونحوه‪ ،‬رقم‪:‬‬
‫‪ ،2203‬ومسلم ‪ :‬المساقاة‪ ،‬باب‪ :‬المساقاة والمعاملة‬
‫بجزء من الثمر والزرع‪ ،‬رقم‪.(1551 :‬‬
‫‪ -2‬إجماع الصحابة رضى الله عنهم ‪ ،‬فقد استمروا‬
‫على ما فعله رسول الله صلى الله عليه وسلم خلفة‬
‫ابي بكر وعمر رضى الله عنهما‪ ،‬ولم ينكر ذلك احد‬
‫منهم‪) .‬انظر البخاري ومسلم الموضع المذكور قبل(‪.‬‬

‫)‪(20‬‬
‫حكمة مشروعيتها‪:‬‬
‫إن الحكمة من مشروعية المساقاة هي تلبية الحاجة‬
‫الداعية الى ذلك‪ ،‬والتيسير على الناس في تحقيق‬
‫مصالحهم المشتركة من غير ضرر ول ضرار‪ ،‬فقد يكون‬
‫للرجل الرض والشجر ول قدرة له على تعهدها والنتفاع‬
‫بها‪ ،‬ويكون غيره ل ارض له ول شجر‪ ،‬ولديه القدرة‬
‫البدنية والخبرة العملية لصلح الشجر واستثماره ‪ .‬وفي‬
‫استئجار من يقوم بالعمل احتمال ضرر بالغ بالمالك‪ ،‬فقد‬
‫يهمل الجير العمل‪ ،‬فل يخرج شئ من الثمر‪ ،‬او يخرج‬
‫قليل منه ل يقابل الجر الذي غرمه المالك‪ ،‬وربما غرمه‬
‫فور التعاقد على العمل‪ .‬فبهذا العقد ينشط العامل ويندفع‬
‫للعمل‪ ،‬فربما كان الثمر كثيرا‪ ،‬فينتفع هو مقابل جهده‪،‬‬
‫وينتفع المالك من ثمرة ملكه دون ان يقع عليه ضرر‪،‬‬
‫فتتحقق مصلحة الطرفين ‪ ،‬بل مصلحة المجتمع بالنتفاع‬
‫برزق الله عز وجل ‪ ،‬الذي يكون ثمرة الكسب والعمل‬
‫والبذل‪ ،‬مع الصدق والمانة والحفظ‪.‬‬
‫أركانها‪:‬‬
‫للمساقاة أركان ستة‪ :‬مالك‪ ،‬وعامل‪ ،‬وصيغة ‪،‬ومورد‪،‬‬
‫وعمل‪ ،‬وثمر‪ ،‬ولكل منها شروط‪ ،‬وسنبينها مع شروطها‬
‫بعون الله تعالى‪.‬‬
‫‪ -1‬المالك‪:‬‬
‫ويشترط فيه أن يكون كامل الهلية‪ ،‬إن قام بالتعاقد‬
‫لنفسه‪ ،‬فإن كان المالك غير اهل للتعاقد – كالصبي‬
‫والمجنون والمحجور عليه لسفه – ودعت الحاجة‬
‫والمصلحة الى هذا التعاقد ‪ ،‬قام بالتعاقد من له ولية‬
‫مْلك كأن كان المالك‬‫على المالك ‪ ،‬او من له ولية على ال ِ‬
‫غير معين – كمال بيت المال والوقف – قام بذلك ناظر‬
‫الوقف والحاكم او نائبه‪.‬‬
‫‪ -2‬العامل‪:‬‬

‫)‪(21‬‬
‫ويشترط فيه ما يشترط في المالك من الهلية ‪ ،‬فل‬
‫تصح اذا كان صبيا او مجنونا‪.‬‬

‫‪ -3‬الصيغة‪:‬‬
‫لبد في المساقاة من ايجاب وقبول ‪ ،‬فاليجاب قد‬
‫يكون بلفظ صريح‪ :‬كأن يقول ساقيتك على هذا النخيل –‬
‫مثل – بكذا من الثمرة‪ ،‬وبلفظ الكناية ‪ :‬كقوله سلمت‬
‫اليك هذا الشجر لتتعهده بكذا‪ ،‬او اعمل على هذا الشجر‬
‫بكذا‪ ،‬ونحو ذلك من اللفاظ التي يتعارفها الناس في هذا‬
‫التعاقد‪ ،‬فإذا قبل العامل بلفظ يدل على رضاه بما اوجبه‬
‫المالك صحت المساقاة‪.‬‬
‫ول تنعقد بلفظ الجارة على الصح‪ ،‬فلو قال‪:‬‬
‫استأجرتك لتقوم بتعهدها بكذا من ثمرتها‪ ،‬لم تنعقد‬
‫مساقاة‪ ،‬لن لفظ الجارة صريح في عقد آخر‪ ،‬ولم تنعقد‬
‫إجارة لجهالة الجرة في هذه الحالة‪.‬‬
‫ول بد لصحة النعقاد من القبول على ما ذكرنا‪ ،‬وان‬
‫يكون لفظا متصل باليجاب عرفا‪ ،‬وتقوم الشارة والكتابة‬
‫من الخرس مقام اللفظ‪.‬‬
‫‪ -4‬موردها‪:‬‬
‫أي ما ترد عليه صيغة المساقاة‪ ،‬وما يصح ان يحصل‬
‫التعاقد على اصلحه وتعهده من الشجر‪ ،‬وهو شجر النخيل‬
‫والعنب‪.‬‬
‫وذلك لن النص قد ورد في النخيل صراحة‪ ،‬فقد جاء‬
‫في رواية من حديث ابن عمر رضى الله عنهما‪" :‬دفع الى‬
‫اهل خيبر نخلها وارضها‪."..‬‬
‫وقيس شجر العنب على النخيل لنه في معناه‪ ،‬لن‬
‫ثمر كل منهما تجب فيه الزكاة باتفاق الفقهاء‪ ،‬ويتأتي فيه‬
‫الخرص – أي تقدير ما يكون في رطبه من يابس – ولكل‬
‫منهما رطب ويابس يدخر ويقتات به ‪ ،‬فالنخيل يؤكل ثمره‬

‫)‪(22‬‬
‫ُرطبا ويصير تمرا‪ ،‬وشجر العنب يؤكل ثمره عنبا كما يصبح‬
‫زبيبا‪.‬‬
‫واختار بعض أئمة المذهب ومرجحيه صحة ورودها‬
‫على جميع الشجار المثمرة ‪ ،‬قياسا على النخيل والعنب ‪،‬‬
‫ولعموم قوله "من ثمر‪."..‬‬
‫ولعل هذا الذي اختاره هو الرجح والوفق لحكمة‬
‫التشريع‪ ،‬من رعاية المصالح والتيسير على الناس‪،‬‬
‫ولسيما في هذه الزمان التي كثر فيها تنوع الشجار‬
‫المثمرة‪ ،‬فصارت الحاجة ملحة لصحة المساقاة في كل‬
‫شجر‪ ،‬ولعل سبب ورود النص على النخيل انه كان الكثر‬
‫والغالب في بلد العرب ولسيما الحجاز‪ ،‬وخصوصا خيبر‪،‬‬
‫يدل على هذا اختلف روايات الحديث‪ ،‬وان الكثر منها لم‬
‫يذكر فيه النخيل‪ ،‬والله تعالى اعلم‪.‬‬
‫وصحتها في كل الشجار المثمرة هو قول الشافعي‬
‫رحمه الله تعالى القديم‪ ،‬ومذهب اكثر الفقهاء غير‬
‫الشافعية‬
‫‪ -5‬العمل ‪:‬‬
‫وهو ما يقوم به العامل من جهد لرعاية الشجر‬
‫واصلحه‪.‬‬
‫وعلى العامل ان يقوم بكل عمل يحتاج اليه لصلح‬
‫الثمر واستزادته‪،‬مما يتكرر كل سنة‪:‬‬
‫فعليه السقي وما يتعلق به‪ :‬من اصلح طرق الماء‪،‬‬ ‫‪-‬‬
‫وفتح رأس الساقية وسدها عند السقي‪ ،‬وتنقية مجرى‬
‫الماء من طين وعشب ونحوه‪ ،‬واصلح الحفر حول‬
‫اصول الشجر ليستقر فيها الماء‪.‬‬
‫وعليه تلقيح الشجار ونحوه‪.‬‬ ‫‪-‬‬
‫وكذلك إزالة قضبان مضّرة وتنحية اعشاب وحشائش‬ ‫‪-‬‬
‫قد تؤثر على الشجر‪.‬‬

‫)‪(23‬‬
‫وعليه – ايضا – تعريش ما جرت العادة بتعريشه من‬ ‫‪-‬‬
‫الشجار في تلك البقاع‪ ،‬ووضع حشائش ونحوها على‬
‫الثمار لصيانتها من الشمس‪ ،‬حسب العادة والحاجة‪.‬‬
‫والصح أن عليه حفظ الثمر وصيانته من السّراق‪،‬‬ ‫‪-‬‬
‫وكذلك عليه حفظه من الحشرات بالرش بالمبيدات‬
‫ونحو ذلك‪ ،‬كما ان عليه قطعه وتجفيفه إن كان مما‬
‫يجفف ‪ ،‬كثمر النخيل والعنب والتين‪.‬‬
‫فإن عجز عن بعض هذه العمال – لكثرة الشجر مثل‬
‫او كبر البستان – استعان عليها ‪ ،‬وكانت نفقتها عليه‪.‬‬
‫وليس عليه ان يقوم بأي عمل يقصد به حفظ الشجر‪،‬‬
‫ول يتكرر كل سنة‪.‬‬
‫فليس عليه بناء حيطان ‪ ،‬ول حفر نهر جديد او بئر‪،‬‬
‫ول نصب باب‪ ،‬ول ادوات حراثة‪ ،‬ول ما يستخرج به الماء‬
‫كمحّرك ‪ ،‬ونحو ذلك‪ ،‬بل ذلك كله ونفقاته على المالك‪.‬‬
‫ولو شرط المالك على العامل القيام بما ليس عليه‬
‫ح المساقاة‪ ،‬وكذلك لو شرط العامل على المالك‬ ‫لم تص ّ‬
‫القيام بما هو من واجب العامل‪.‬‬
‫ويشترط في صحة المساقاة‪:‬‬
‫ان ينفرد العامل بالعمل وباليد‪ ،‬أي في التخلية بينه‬ ‫‪-‬‬
‫وبين المعقود عليه وان يسلم اليه‪ ،‬ليتمكن من العمل‬
‫متى شاء‪ .‬فلو شرط بقاء البستان في يد المالك‪ ،‬او‬
‫اشتراكهما في اليد لم تصح المساقاة‪ ،‬ولو شرط‬
‫المالك وجود اجير له‪ ،‬ليقوم عنه بما يترتب عليه‬
‫ح‪.‬‬
‫ويخصه من اعمال‪ ،‬ص ّ‬
‫كما يشترط معرفة قدر العمل إجمال‪ ،‬وذلك بذكر مدة‬ ‫‪-‬‬
‫تثمر فيها الشجار المعقود عليها غالبا وتبقى صالحة‬
‫للستغلل‪.‬‬
‫ح مطلقة عن المدة ‪ ،‬أو مقيدة بزمن ل تثمر‬ ‫فل تص ّ‬
‫وها عن العوض بالنسبة‬ ‫فيه تلك الشجار غالبا ً ‪ ،‬لخل ّ‬

‫)‪(24‬‬
‫للعامل ‪ ،‬ول مّقيدة بزمن ل تبقي فيه الشجار صالحة‬
‫للستغلل ‪.‬‬
‫ول يصح توقيتها بإدراك الثمر على الصح‪ ،‬لجهالة‬
‫المدة‪ ،‬لن إدراكه قد يتقدم وقد يتأخر‪.‬‬
‫‪ -6‬الثمرة‪:‬‬
‫أي ثمرة الشجار التي ورد عقد المساقاة على‬
‫تعهدها‪ ،‬ويشترط في هذا‪:‬‬
‫صة بهما‪ ،‬أي المالك والعامل‪ ،‬فل يجوز‬ ‫‪ -1‬أن تكون مخت ّ‬
‫ان يشترط جزء منها لغيرهما‪ ،‬فلو شرط شئ من‬
‫ذلك فسد عقد المساقاة‪.‬‬
‫‪ -2‬ان يشتركا في الثمر‪ ،‬فلو شرط ان كون الثمر كله‬
‫لواحد منهما كانت مساقاة فاسدة‪.‬‬
‫‪ -3‬ان يكون نصيب كل منهما معلوما بالجزئية‪ ،‬كربع‬
‫وثلث ونصف ونحو ذلك‪ ،‬فلو قال‪ :‬على ان الثمر‬
‫بيننا ‪ ،‬كان مناصفة‪ ،‬فلو شرط لواحد منهما نصيب‬
‫معين – كألف صاع مثل‪ ،‬أو الف رطل من الثمرة –‬
‫لم يصح‪ ،‬لنه ربما ما أثمرت ذلك ‪ ،‬او لم تثمر غيره‪،‬‬
‫فيخلو العاقد الثاني عن العوض‪ ،‬ومثل هذا لو شرط‬
‫لواحد منهما قدر معين من النقد‪.‬‬
‫ويثبت حق العامل في الثمرة بظهورها ‪ ،‬فإذا اطلعت‬
‫قبل انقضاء المدة – أي ظهر اول حملها ولو لم يظهر‬
‫تماما – ثبت حقه فيها‪.‬‬
‫ويصح عقد المساقاة قبل ان يكون الثمر بالكلية‪ ،‬كما‬
‫تصح بعد وجوده وظهوره – لكن قبل بدء صلحه – على‬
‫الظهر ‪ ،‬لبقاء اكثر العمل‪.‬‬
‫وصف عقد المساقاة‪:‬‬

‫عقد المساقاة عقد لزم من العاقدين‪ ،‬فإذا وجدت‬


‫اركانه بشروطها أصبح كل منهما ملزما بتنفيذه وليس له‬
‫فسخه والرجوع عنه ال برضا العاقد الخر‪ ،‬سواء أكان‬

‫)‪(25‬‬
‫ذلك قبل العمل ام بعده‪ ،‬لن العمل المعقود عليه يكون‬
‫في أعيان قائمة بحالها‪ ،‬فيلزمه إتمام أعمالها ولو تلفت‬
‫الثمرة كلها بآفة ونحوها‪.‬‬
‫ووجه لزومها مراعاة مصلحة العاقدين‪:‬‬

‫اذ لو كان للعامل فسخها قبل تمام العمل لتضّرر‬


‫المالك بفوات الثمرة او بعضها‪ ،‬لعدم تمكن المالك من‬
‫إتمامه‪ ،‬لكونه ل يحسنه او ل يتفرغ له‪.‬‬
‫ولو كان للمالك فسخها لتضرر العامل بفوات نصيبه‬
‫من الثمرة ‪ ،‬لن الغالب ان يكون أكثر من اجرة مثله‪.‬‬
‫حكم المساقاة الفاسدة‪:‬‬

‫كل ما سبق من أحكام يترتب على المساقاة‬


‫الصحيحة‪ ،‬وهي التي استوفت اركانها بكامل شروطها‪.‬‬
‫فإذا اختل ركن من الركان او شرط من الشروط كانت‬
‫المساقاة فاسدة‪ ،‬كما بينا ذلك في مواضعه‪ ،‬وذلك في‬
‫كل موضع قلنا فيه‪ :‬ل تصلح المساقاة‪ :‬كأن شرط على‬
‫احدهما ما ليس من عمله‪ ،‬او يكون نصيبه مجهول او غير‬
‫معلوم بالجزئية‪ ،‬او كان موردها شجرا غير مثمر‪ ،‬ونحو‬
‫ذلك‪.‬‬
‫فإذا تبين فساد المساقاة‪ :‬كان الثمر لصاحب‬
‫الشجر‪ ،‬لن نماء ملكه‪ ،‬وكان للعامل اجرة مثله لمثل‬
‫عمله الذي قام به ‪ ،‬لنه بذلك منفعته على ان تقابل‬
‫بعوض ‪ ،‬ولم يكن متبرع بعمله‪.‬‬

‫يد العامل‪:‬‬

‫يد العامل يد أمانة‪ ،‬فإن ادعى هلك شئ تحت يده –‬


‫من شجر او ثمر او غير ذلك – بغير تقصير منه ول تعد ‪،‬‬
‫كان القول قوله‪ ،‬فيصدق بيمينه ‪ .‬وكذلك فيما اذا ادعى‬
‫المالك خيانته وانكر هو‪ ،‬فإنه يصدق بيمينه‪ ،‬لن المالك قد‬
‫ائتمنه‪ ،‬والقول دائما قول المؤتمن بيمينه‪.‬‬

‫)‪(26‬‬
‫انتهاء المساقاة‪:‬‬

‫تنتهي المساقاة اذا انتهت المدة المتعاقد‬


‫عليها‪ ،‬اذا كان الثمر قد نضج وقطف‪ .‬فإذا انتهت المدة‬
‫وكان الثمر قد ظهر طله – أي بدء وجوده – فقد تعلق به‬
‫حل العامل كما علمت ‪ ،‬فتستمر المساقاة حتى ينضج‬
‫ويقطف‪ ،‬وعلى العامل ان يستمر بالعمل حتى يتمه‪.‬‬
‫ول تنتهي الماساقة بموت احدهما‪ :‬فإذا مات‬
‫المالك استمر العامل بعمله وأخذ حصته عند تمام العمل‪.‬‬
‫واذا مات العامل كان للوارث ان يتم العمل بنفسه‪،‬‬
‫وعلى المالك ان يمكنه من ذلك اذا كان ثقة عارفا بالعمل‬
‫‪ ،‬وان كان لم يكن كذلك استأجر المالك بإذن الحاكم من‬
‫يقوم بالعمل من تركة العامل‪ .‬ول يجبر الوارث على‬
‫العمل‪ ،‬بل له ان يتمه من تركة الوارث او من ماله‪.‬‬
‫ويجبر على اتمام العمل‪ ،‬اذا ترك العامل تركة ‪ ،‬لنه‬
‫حق قد وجب عليه‪ ،‬فيلزم أداؤه من التكرة كغيره من‬
‫الحقوق‪ .‬فإذا لم يترك العامل تركة لم يجبر الوارث على‬
‫اتمام العمل ل بنفسه ول من ماله‪ .‬ول يقترض على‬
‫العامل‪ .‬بل للمالك ان يفسخ المساقاة لتعذر استيفاء‬
‫المعقود عليه وهو العمل‪ ،‬ويستحق ورثة العامل اجرة‬
‫المثل لما مضى ان لم يظهر الثمر‪ ،‬وان ظهرت الثمرة‬
‫كان للورثة قيمة نصيب العامل على تلك الحالة‪ ،‬والله‬
‫تعالى أعلم‪.‬‬
‫ول تنتهي المساقاة بخيانة العامل‪ ،‬اذا ثبتت‬
‫بإقراره او ببينة ونحو ذلك‪ ،‬وانما يضم اليه مشرف ليمتنع‬
‫عن الخيانة‪ ،‬ول ترفع يده عن العمل لنه واجب عليه‪،‬‬
‫ويمكن استيفاؤه منه بهذا‪ .‬وتكون اجرة المشرف عليه‬
‫لنها استحقت بسببه‪.‬‬
‫فإذا لم يتحفظ عن الخيانة رغم وجود المشرف‬
‫ازيلت يده بالكلية‪ ،‬واستؤجر عليه من ماله من يقوم‬
‫بالعمل ويتمه‪ ،‬لتعذر الستيفاء منه مع لزومه له‪.‬‬

‫)‪(27‬‬
‫وكذلك الحال فيما لو هرب العامل – او حبس‬
‫او مرض‪ -‬قبل تمام العمل والفراغ منه‪ ،‬فل تنفسخ‬
‫المساقاة‪ ،‬بل يستأجر عليه الحاكم من يقوم بالعمل‬
‫ويتمه‪ ،‬ال اذا تبرع عنه المالك وغيره‪ ،‬فيبقى استحقاقه‬
‫فيما اتفق عليه من نصيب من الثمر‪.‬‬
‫وفي حال عدم التمكن من الرجوع الى الحاكم – او‬
‫عدم استجابته لذلك – يستأجر المالك من يقوم بالعمل‪،‬‬
‫ويشهد في ذلك على ما ينفقه من اجله‪ ،‬وانه ينفق ليرجع‬
‫على العامل‪ ،‬فإذا اشهد كان له الرجوع على العامل بما‬
‫انفق ‪ ،‬وال كان متبرعا‪.‬‬
‫واذا لم يجد الحاكم ول المالك من يقوم بالعمل عن‬
‫العامل – ولم يشأ المالك التبرع عنه – كان للمالك ان‬
‫يفسخ المساقاة‪ ،‬لتعذر استيفاء المعقود عليه وهو العمل‪.‬‬
‫وكان للعامل اجرة مثل ما سبق من عمله ان لم تظهر‬
‫الثمرة‪ ،‬وقيمة نصيبه على تلك الحالة ان كانت قد‬
‫ظهرت‪.‬‬
‫اختلف العامل والمالك‪:‬‬
‫اذا اختلف العامل وصاحب الشجر في العوض المشروط‪،‬‬
‫فقال المالك‪ :‬شرطت لك ثلث الثمرة‪ ،‬وقال العامل‪ :‬شرطت لي‬
‫نصفها‪ ،‬يحلف كل منهما على اثبات دعواه ونفي دعوى خصمه‪،‬‬
‫لن كل منهما منكر لدعوى الخر‪ ،‬فإذا تحالفا انفسخ عقد‬
‫المساقاة ‪،‬وكان الثمر كله للمالك‪ ،‬وللعامل اجرة مثله‪.‬‬

‫************‬

‫)‪(28‬‬
‫المزارعة والمخابرة‬
‫تعريفهما‪:‬‬
‫المزارعة – في اللغة – على وزن مفاعلة من الزرع‪.‬‬
‫وهي في الصطلح‪ :‬ان يتعاقد مالك الرض مع غيره ليقوم‬
‫بزراعة الرض وتعهد الزرع ويكون الخارج بينهما حسب التفاق‪،‬‬
‫والبذر على المالك‪.‬‬
‫والمخابرة – في اللغة – من الخبار ‪ ،‬وهو الرض اللينة‪ ،‬ومن‬
‫قولهم خبرت الرض اذا شققتها للزراعة‪ ،‬واصطلحا ‪ :‬هي مثل‬
‫المزارعة‪ ،‬وانما البذار فيها على العامل‪.‬‬
‫مشروعيتهما ‪:‬‬
‫وكل من المزارعة والمخابرة باطلة اذا كانت هي‬
‫المقصودة بالعقد‪ ،‬كأن كانت الرض ل شجر فيها ‪ ،‬او كان فيها‬
‫شجر وجرى التعاقد على زراعة الرض دون المساقاة على‬
‫الشجر‪.‬‬
‫ودليل بطلنهما‪ :‬حديث رافع بن خديج رضى الله عنه‬
‫قال‪ :‬كنا نحاقل الرض على عهد رسول الله صلى الله عليه‬
‫وسلم ‪ ،‬فنكريها بالثلث والربع والطعام المسمى‪ ،‬فجاءنا ذات‬
‫يوم رجل من عمومتي فقال‪ :‬نهانا رسول الله صلى الله عليه‬
‫وسلم عن امر كان لنا نافعا‪ ،‬وطواعية الله ورسوله انفع لنا‪ ،‬نهانا‬
‫ان نحاقل بالرض فنكريها على الثلث والربع والطعام المسمى‪،‬‬
‫وامر رب الرض ان َيزرعها اوُيزرعها‪ ،‬وكره كراءها وما سوى‬
‫ذلك ‪) .‬البخاري‪ :‬المزارعة‪ ،‬باب‪ :‬ما كان اصحاب النبي صلى الله‬
‫عليه وسلم يواسي بعضهم بعضا في الزراعة والثمرة‪ .‬مسلم ‪:‬‬
‫البيوع‪ ،‬باب‪ :‬كراء الرض بالطعام(‪.‬‬
‫]نحاقل‪ :‬من الحقل وهي الرض التي ل شجر بها‪ .‬الطعام‪:‬‬
‫دد قدره[‪.‬‬
‫القمح ونحوه‪ .‬المسمى ‪ :‬المعين والمح ّ‬
‫وروى جابر رضى الله عنه‪ :‬ان رسول الله صلى الله عليه‬
‫وسلم نهى عن المخابرة )البخاري‪ :‬المساقاة‪ ،‬باب‪ :‬الرجل يكون‬
‫له ممر او شرب في حائط او في نخل‪ ،‬رقم‪ .2252 :‬ومسلم‬
‫في البيوع‪ ،‬باب‪ :‬النهي عن المحاقلة والمزابنة‪ ،‬رقم‪.(1536 :‬‬
‫جواز المزارعة تبعا للمساقاة‪:‬‬

‫)‪(29‬‬
‫حت المزارعة‬
‫إذا كان بين الشجار ارض ل شجر فيها ص ّ‬
‫عليها مع التعاقد على مساقاة الشجر تبعا‪ ،‬لما جاء في حديث‬
‫ابن عمر رضى الله عنهما‪ :‬انه صلى الله عليه وسلم دفع ارض‬
‫خيبر الى اهلها بشطر ما يخرج من ثمر او زرع‪.‬‬
‫ويشترط في هذا ‪:‬‬
‫‪ -1‬اتحاد العامل‪ ،‬أي أن يكون من تعاقد معه المالك على‬
‫مساقاة الشجر هو الذي تعاقد معه على مزارعة الرض‪.‬‬
‫‪ -2‬ان يعسر إفراد الشجر بالسقي ونحوه عن الرض‪ ،‬فإذا كان‬
‫هذا ممكنا لم تصح المزارعة‪.‬‬
‫‪ -3‬أن ل تكن اصل ً مقصودا ً في التعاقد‪ ،‬وذلك بأن يحصل‬
‫التعاقد على المساقاة والمزارعة معا‪ ،‬فلو تعاقدا على‬
‫المساقاة‪ ،‬ثم تعاقدا على المزارعة ‪ ،‬لم تصح‪ ،‬لن تعدد‬
‫القصد ينفي التبعية‪.‬‬
‫دم المزارعة في العقد‬
‫ولذا يشترط – في الصح – ان ل تق ّ‬
‫على المساقاة‪ ،‬فلو قال‪ :‬زارعتك على هذه الرض وساقيتك‬
‫على هذا الشجر‪ ،‬لم يصح‪ ،‬لن‪ ،‬المزارعة يجب ان تكون تبعا‪،‬‬
‫والتبع ل يكون متقدما على متبوعه‪.‬‬
‫ول فرق – في الصح – بين ان تكون الرض بين الشجار‬
‫قليلة او كثيرة‪ ،‬لن السبب عسر إفرادها بالتعهد‪ ،‬فالحاجة الى‬
‫جوازها تبعا ل تختلف بين القليل والكثير‪.‬‬
‫ول يشترط ايضا ان يكون الجزء المخصص لكل منهما‬
‫متساويا في المزارعة والمساقاة‪ ،‬بل يمكن ان يختلف‪ ،‬فيكون‬
‫في المساقاة – مثل ً – شطرين ‪ ،‬وفي المزارعة اثلثًا‪ :‬لن‬
‫المزارعة – وان كانت تابعة – فهي في حكم عقد مستقل‪.‬‬
‫المخابرة باطلة مطلقا‪:‬‬
‫هذا ول تصح المخابرة مطلقا ولو كانت تبعا للمساقاة‪ ،‬لنها‬
‫لم يرد بها الشرع‪ ،‬بخلف المزارعة ‪ ،‬بالضافة الى ان المزارعة‬
‫في معنى المساقة‪ ،‬لن كل منهما ليس فيها على العامل ال‬
‫العمل‪ ،‬بينما في المخابرة عليه البذر إلى جانب العمل‪.‬‬
‫حكم المخابرة والمزارعة الفاسدة‪:‬‬
‫علمنا ان المخابرة فاسدة مطلقا‪ ،‬وكذلك المزارعة اذا لم‬
‫تتحقق شروط صحتها‪ ،‬فإذا تعاقد صاحب الرض مع العامل‬
‫مزارعة او مخابرة ‪ ،‬وقام العامل بالعمل وسّلم الزرع‪:‬‬

‫)‪(30‬‬
‫فإن كانت مزارعة‪ :‬كان الحاصل ملكا لصاحب الرض‪،‬‬ ‫‪-‬‬
‫لنه نماء ملكه وهو البذار الذي بذله في ارضه‪ .‬وعليه‬
‫للعامل اجرة مثل عمله ودوابه وآلته ان كانت منه‪.‬‬
‫وان كانت مخابرة‪ :‬كان الحاصل للعامل‪ ،‬لن البذر‬ ‫‪-‬‬
‫منه ‪ ،‬والغّلة تبع للبذر‪ .‬وعليه لصاحب الرض او‬
‫مستحقها اجرة مثلها‪.‬‬
‫فإن كان البذار منهما‪ :‬كان الحاصل بينهما‪ ،‬بنسبة ما‬
‫لكل منهما من البذر‪ .‬ويرجع كل منهما على الخر بأجرة ما‬
‫صرفه من المنافع على حصته فلو كان البذر مناصفة منهما‪ :‬رجع‬
‫صاحب الرض بنصف اجر مثلها على العامل‪ ،‬ورجع العامل على‬
‫صاحب الرض بنصف اجر مثل عمله‪ ،‬وهكذا‪.‬‬
‫ل المحصول في المزارعة والمخابرة مشتركا ً بين‬
‫طريقة ح ّ‬
‫المالك والعامل‪:‬‬
‫لما كان شرع الله تعالى يسرا ً ل عسر فيه ول حرج‪،‬‬
‫والحكمة من احكامه ضمان الحقوق وإبعاد الناس عن الضرر‬
‫والمنازعة وما الى ذلك‪ ،‬جهد الفقهاء في ان يجدوا مخرجا‬
‫للناس‪ ،‬حين توقعهم ظواهر النصوص في شئ من الحرج‪ ،‬ول‬
‫سيما عندما يؤمن الضرر وتنتفي الجهالة وتصان الحقوق‪ ،‬حرصا ً‬
‫على هيبة الشرع وإبقاء الناس تحت سلطان احكامه‪ ،‬مع تحقيق‬
‫مصالحهم وتيسير امورهم‪ ،‬طالما ان ذلك ممكن ولو بوجه من‬
‫الوجوه‪.‬‬
‫وتحقيقا ً لهذا المعنى وجد الفقهاء طريقة لتحقيق ما في‬
‫المزارعة والمخابرة من مصلحة في بعض الحيان‪ ،‬إذ قد توجد‬
‫الرض لدى من ل ُيحسن استخدامها او ل يستطيع الستفادة‬
‫منها‪ ،‬ويفقدها من لديه الخبرة على استخراج ما أودعه الله تعالى‬
‫فيها من خيرات‪ ،‬وفي نفس الوقت ليس لديه المال ليستأجرها‬
‫ويستثمرها‪.‬‬
‫وذلك‪ :‬بأن يستأجر المالك العامل بجزء معلوم من البذر‬
‫وشائع فيه ‪ ،‬أي كربعه او نصفه دون تمييز له‪ ،‬ليزرع له النصف‬
‫الخر في الرض‪ ،‬ويعيره – في نفس الوقت – جزءا شائعا ً من‬
‫الرض بقدر ما استأجره به من البذر‪ ،‬وهكذا يقوم العامل بالعمل‬
‫في الرض‪ ،‬ويكون الحاصل بينهما بنسبة ما ملك كل منهما من‬
‫البذر‪.‬‬

‫)‪(31‬‬
‫او يستأجره بنصف البذر شائعا ً – مثل – ونصف منفعة الرض‬
‫كذلك‪ ،‬ليزرع له النصف الخر من البذر في النصف الخر من‬
‫الرض‪.‬‬
‫وهكذا يشتركان في الغلة‪ ،‬ول يكون لحدهما ُأجرة على‬
‫الخر‪ ،‬لن العامل يستحق من منفعة الرض بقدر نصيبه من‬
‫الزرع‪ ،‬والمالك يستحق من منفعة العامل بقدر نصيبه من الزرع‬
‫ايضا‪.‬‬
‫وهذا اذا كان البذر من المالك‪.‬‬
‫فإذا كان البذر من العامل‪ :‬استأجر من المالك جزءا‬
‫معينا شائعا من الرض كنصفها – مثل – بنصف شائع من البذر‬
‫وبعمله في النصف الخر منها‪ .‬او يستأجر نصفها بنصف البذر‪،‬‬
‫ويتبرع له بالعمل بنصفها الخر‪.‬‬
‫وهكذا ايضا يملك كل منهما من الغلة بنسبة ما ملك من‬
‫البذر ومنفعة الرض‪ ،‬ول يكون لحدهما اجر على الخر‪.‬‬
‫هذا على أن كثيرا ً من الفقهاء غير الشافعية – رحمة الله‬
‫تعالى على الجميع – قالوا بجواز المزارعة استقلل ً ‪ ،‬بدليل‬
‫معاملة رسول الله صلى الله عليه وسلم أهل خيبر‪ ،‬واعتبروا‬
‫المخابرة في معنى المزارعة‪ ،‬لن كل ّ منهما وارد على منفعة ‪،‬‬
‫فإذا كن البذر من صاحب الرض فالمنفعة عمل العامل‪ ،‬وإن كان‬
‫البذر من العامل فالمنفعة هي منفعة الرض‪.‬‬

‫)‪(32‬‬
‫الباب الثالث‬

‫عارّيـة‬
‫ال َ‬

‫)‪(33‬‬
‫العارية‬
‫تعريفها‪:‬‬
‫العارّية – بتشديد الياء أفصح من تخفيفها – وهي في اللغة ‪:‬‬
‫اسم لما يعطيه الرجل لغيره لينتفع به ثم يرده عليه‪ ،‬كما تطلق‬
‫على العقد الذي يتضمن هذا‪ .‬مشتقة من التعاور وهو التداول‬
‫وانتقال الشئ من يد الى يد‪.‬‬
‫وهي في الصطلح الشرعي‪ :‬إباحة النتفاع بما يحل‬
‫النتفاع به مع بقاء عينه‪.‬‬
‫فعقد العارّية يتضمن اباحة النتفاع للمستعير‪ ،‬فهو ل يملك‬
‫المنفعة وانما يباح له ان ينتفع بالعين‪ ،‬أي الشئ المستعار على‬
‫ما سيأتي ‪ ،‬ولذا ل يملك ان يؤجر العين المستعارة لحد‪ ،‬كما ل‬
‫يملك ان يعيرها لغيره‪.‬‬
‫ح اعارة خنزير او‬ ‫ح اعارة ما يح ّ‬
‫ل النتفاع به‪ ،‬فل تص ّ‬ ‫وإنما تص ّ‬
‫آلت لهو‪ ،‬كما ل تصح اعارة مصحف لحائض ونفساء‪ ،‬لنه ل يجوز‬
‫سه والقراءة فيه‪.‬‬‫لهما م ّ‬
‫والعارة تكون في العيان التي ل تستهلك بالستعمال‪ ،‬كما‬
‫سيأتي بيانه عند الكلم عن أركان العارية‪ ،‬فإذا كانت تستهلك‬
‫بالستعمال – كالصابون مثل – فل تصح اعارتها‪.‬‬
‫مشروعيتها‪:‬‬
‫ل على مشروعيتها نصوص من‬ ‫العارة مشروعة‪ ،‬وقد د ّ‬
‫الكتاب والسّنة‪ ،‬وانعقد على ذلك الجماع‪.‬‬
‫أما الكتاب‪ :‬فقوله تعالى‪" :‬فويل للمصّلين ‪ .‬الذين هم عن‬
‫صلتهم ساهون‪ .‬الذين هم يراؤون ويمنعون الماعون" "الماعون‪:‬‬
‫‪."6-4‬‬
‫فقد ذكر الله تعالى ان منع الماعون من صفات المكذب‬
‫دد بالويل – وهو العذاب والهلك – يوم القيامة‪،‬‬ ‫بيوم الدين والمه ّ‬
‫ن بذل الماعون امر مشروع ومطلوب ‪ .‬وجمهور‬ ‫ل ذلك على ا ّ‬‫فد ّ‬
‫المفسرين على ان المراد بالماعون ما يستعيره الجيران بعضهم‬
‫در ونحو ذلك‪ ،‬ويلحق به كل ما في‬ ‫ق ْ‬
‫من بعض‪ ،‬كالدلو والبرة وال ِ‬
‫معناه‪.‬‬
‫وأما السّنة ‪ -:‬فما رواه انس رضى الله عنه‪ ،‬ان النبي‬
‫صلى الله عليه وسلم استعار فرسا ً من ابي طلحة فركبه‪.‬‬

‫)‪(34‬‬
‫)اخرجه البخاري في الهبة‪ ،‬باب‪ :‬من استعار من الناس الفرس‪،‬‬
‫رقم‪ .2484 :‬ومسلم في الفضائل ‪ ،‬باب ‪ :‬في شجاعة النبي‬
‫صلى الله عليه وسلم وتقدمه للحرب ‪ ،‬رقم‪.(2307 :‬‬
‫‪ -‬وما رواه جابر بن عبدالله رضى الله عنه قال‪ :‬سمعت‬
‫من كانت له ارض فليهبها أو‬
‫النبي صلى الله عليه وسلم يقول‪َ " :‬‬
‫لُيعْرها" )اخرجه مسلم في البيوع‪ ،‬باب‪ :‬كراء الرض‪ ،‬رقم‪:‬‬
‫‪.(1536‬‬
‫وسيأتي معنا احاديث ُأخرى خلل البحث‪ ،‬فيها دللة على‬
‫مشروعية العارّية مع بيان احكامها‪.‬‬
‫ل عليه القرآن والسّنة من مشروعية العارة عامة‪:‬‬ ‫وما د ّ‬
‫انعقد عليه اجماع علماء المسلمين في كل العصور‪.‬‬
‫حكمة مشروعيتها‪:‬‬
‫إن حكمة التشريع في العارّية هي تحقيق التعاون الذي ندب‬
‫الله تعالى المسلمين اليه اذ قال‪) :‬وتعاونوا على البر والتقوى ول‬
‫تعاونوا على الثم والعدوان( )المائدة ‪ . (2 :‬فكثير من الناس ل‬
‫يتمكن من اقتناء كل ما يحتاج اليه من متاع او ملبس او مسكن‬
‫او عقار‪ :‬إما لقلة ذات يده‪ ،‬او لفقدانه في السواق‪ ،‬أو ندرة‬
‫وجوده‪ ،‬او لكثرة مشاغل بعض الناس التي تنسيهم بعض‬
‫حاجاتهم ‪ ،‬وعندها قد يجد المرء نفسه في ساعة من ليل او نهار‬
‫في حاجة ماسة لن يطرق باب جيرانه‪ ،‬فيطلب منهم استعارة‬
‫بعض الشياء‪ ،‬او يتوجه بالطلب الى صديقه في سفر او حضر ان‬
‫يستعين ببعض متاعه لقضاء حاجته‪ ،‬ول سيما اولئك الكثيرات من‬
‫ن في سفر‪ ،‬او غائبين عن‬ ‫رّبات البيوت‪ ،‬اللواتي قد يكون رجاله ّ‬
‫البيت لنهماكهم في العمل‪ ،‬والمرأة مضطرة لن تهيئ الطعام او‬
‫تقوم بشؤون الولد‪ ،‬فتحتاج الى اشياء كثيرة ل تتمكن من تهيئتها‬
‫بنفسها‪ ،‬فل بد من ان تستعين بمتاع من يساكنها في دارها او‬
‫يجاورها ‪ .‬ولما كان السلم دين التيسير والتعاون – كما ذكرنا –‬
‫سر على الناس وشرع لهم ان ينتفع بعضهم بأمتعة بعض‪ ،‬بإذن‬ ‫ي ّ‬
‫منه ورضا‪ ،‬جلبا للمصلحة ودفعا للمضرة ‪ ،‬ورفعا للحرج ‪ ،‬وحفظا‬
‫من الرهاق والعنت ‪ ،‬كي تسود اللفة والمودة‪ ،‬ويكون الله عز‬
‫وجل في عون الجميع ‪ ،‬طالما ان كل منهم يسعى ان يكون في‬
‫عون غيره‪ ،‬مستجيبين لتوجيه رسول الله صلى الله عليه وسلم‬
‫اذ يقول‪" :‬والله في عون العبد ما كان العبد في عون اخيه"‪.‬‬
‫وبهذا يحمون أنفسهم من العقاب والعتاب‪ ،‬في يوم عصيب‬
‫دم من احسان في هذه الدار‪ ،‬ورعاية‬
‫ل ينفع المرء فيه ال ما ق ّ‬

‫)‪(35‬‬
‫للحقوق واداء للواجب‪ .‬روى جابر بن عبدالله رضى الله عنه قال‪:‬‬
‫سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول‪" :‬ما من صاحب‬
‫ابل ول بقر ول غنم ل يؤدي حقها‪ ،‬ال ُأقعد لها يوم القيامة بقاٍع‬
‫ه ذات القرن بقرنها‪،‬‬ ‫ف بظ ِْلفها ‪ ،‬وتَنط ُ‬
‫ح ُ‬ ‫ر‪ ،‬تطؤه ذات الظ ّل ْ ّ‬ ‫قَْرقَ ٍ‬
‫ماء ول مكسورة القرن"‪ .‬قلنا ‪ :‬يا رسول الله ‪،‬‬ ‫ليس فيها يومئذ ً ج ّ‬
‫قها؟ قال‪" :‬اطراقُ فحلها‪ ،‬واعارة دلوها‪ ،‬ومنيحُتها‪ ،‬وحلبها‬ ‫وما ح ّ‬
‫ل عليها في سبيل الله" ‪).‬اخرجه مسلم في‬ ‫على الماء‪ ،‬وحم ٌ‬
‫الزكاة‪ ،‬باب ‪ :‬اثم مانع الزكاة‪ ،‬رقم‪.(988 :‬‬
‫]قاع قرقر ‪ :‬ارض مستوية‪ .‬تطؤه ‪ :‬تدوسه‪ .‬الظلف‪ :‬ما‬
‫يكون في نهاية القدم من البقر والغنم ونحوها‪ ،‬جماء‪ :‬ل قرن لها‪.‬‬
‫اطراق فحلها ‪ :‬اعارة الذكر منها لينزو على اناثها‪ .‬منيحتها‪:‬‬
‫المنيحة هي الشاة او البقرة او الناقة‪ ،‬يعطيها مالكها لغيره لينتفع‬
‫بلبنها ونحوه زمانا‪ ،‬ثم يردها لمالكها[‪.‬‬
‫حكم العارّية‪:‬‬
‫العارّية مستحبة ومندوب اليها‪ ،‬لما سبق من أدلة في بيان‬
‫مشروعيتها وحكمة التشريع‪ ،‬وقد كانت واجبة في اول التشريع‪،‬‬
‫للتهديد الشديد لمانعها كما علمت‪ ،‬ولكن هذا الوجوب نسخ‬
‫بالجماع‪ ،‬وبقى الحكم على الستحباب‪ ،‬وهذا هو الصل في‬
‫حكمها الن‪.‬‬
‫وقد تصبح واجبة ‪ ،‬اذا توقف عليها انقاذ حياة انسان معصوم‪،‬‬
‫أي غير حربي‪ ،‬كإعارة ثوب لدفع حّر او برد ّ شديدين مهل ِك َْين‪،‬‬
‫واعارة حبل لنقاذ غريق‪ ،‬واعارة ضماد لعصب جرح بليغ ونحو‬
‫ذلك‪.‬‬
‫ومن الواجب اعارة ما فيه حفظ مال محترم ايضا‪ ،‬كإعارة‬
‫س ّ‬
‫كين لذبح حيوان مأكول اللحم يخشى موته اذا لم يذبح‪ ،‬لن‬
‫عدم ذبحه إضاعة مال‪ ،‬وهو منهي عنه شرعا‪.‬‬
‫وقد تكون العارّية محرمة‪ ،‬كإعارة آلة قاتلة لمن غلب على‬
‫ظنه انه سيقتل بها ‪ ،‬وكإعارة مصحف لحائض او نفساء كما‬
‫علمت‪.‬‬
‫وقد تكون مكروهة ‪ ،‬كما لو كان فيها مساعدة على مكروه‪.‬‬

‫)‪(36‬‬
‫أركان عقد العارة‬
‫معير‪ ،‬والمستعير‪ ،‬والصيغة‪،‬‬ ‫للعارة أركان اربعة‪ ،‬وهي‪ :‬ال ُ‬
‫ل منها شروط‪ ،‬واليك بيانها‪:‬‬ ‫والشئ المستعار‪ ،‬ولك ّ‬
‫المعير‪:‬‬ ‫‪-1‬‬
‫وهو الذي يبيح لغيره النتفاع بالعين التي في حوزته ‪،‬‬
‫ويشترط فيه‪:‬‬
‫معارة‪ ،‬سواء أكان يملك‬ ‫أ‪ -‬أن يكون مالكا ً للمنفعة في العين ال ُ‬
‫العين ام ل يملكها‪ ،‬كالمستأجر – مثل‪ -‬والموصى له او‬
‫الموقوفة عليه‪ ،‬فكل منهم له ان يعير العين المستأجر لها او‬
‫الموصي له بمنفعتها او الموقوفة عليه ‪ ،‬لنه يملك منفعتها‪،‬‬
‫والعارة ترد على المنفعة ل على العين‪ ،‬ولذا ليس للمستعير‬
‫ان يعير العين التي استعارها ‪ ،‬لنه ل يملك منفعتها‪ ،‬وانما‬
‫ابيح له النتفاع بها‪.‬‬
‫ب‪ -‬أن يكون ممن يصح تبرعه‪ ،‬فل تصح العارة من الصبي ول‬
‫ح من المحجور عليه بسفه أو فلس‬ ‫من المجنون‪ ،‬كما ل تص ّ‬
‫وض‪ ،‬وذلك لن العارة تّبرع‬ ‫اذا كانت المنفعة تقابل بع َ‬
‫بالمنفعة‪ ،‬وهؤلء ليسوا من اهل التبرع‪.‬‬
‫مكَره عليها‪ ،‬لن‬
‫ح العارة من ُ‬ ‫ج‪ -‬أن يكون مختارا ً ‪ ،‬فل تص ّ‬
‫المنفعة المبذولة مال‪ ،‬لنها تقابل بعوض‪ ،‬ورسول الله صلى‬
‫ل مال امرئ مسلم ال عن‬ ‫الله عليه وسلم يقول‪" :‬ل يح ّ‬
‫طيب نفس" )اخرجه الدارقطني في البيوع‪ ،‬الحديث‪.(91 :‬‬
‫المستعير‪:‬‬ ‫‪-2‬‬
‫معارة ‪ ،‬ويشترط فيه‬ ‫ُ‬
‫وهو الذي أبيح له النتفاع بالعين ال ُ‬
‫شرطان‪:‬‬
‫ح عبارته شرعا ويعتد ّ‬
‫أ – ان يكون أهل للتبرع عليه بعقد‪ ،‬أي تص ّ‬
‫ح العارة لصبي او مجنون‪ ،‬لن‬ ‫بها وهو البالغ العاقل‪ ،‬فل تص ّ‬
‫كل ّ منهما ل يعتبر قوله شرعا‪ ،‬فإذا احتيج الى اعارتهما تولى‬
‫ذلك عنهما ولّيهما‪.‬‬
‫ت احدكما كتابي‪ ،‬او قال‬ ‫ب‪ -‬ان يكون معّينًا‪ ،‬فلو قال لثنين‪ :‬أعر ُ‬
‫ح العارة ‪ ،‬لن‬
‫لجماعة‪ :‬اعرت احدكم كتابي‪ ،‬لم تص ّ‬
‫المستعير غير معين‪.‬‬
‫‪ -3‬صيغة عقد العارّية‪:‬‬

‫)‪(37‬‬
‫وهي العبارة التي تدل على هذا العقد من اليجاب والقبول‪،‬‬
‫ول ُيشترط اللفظ من المعير والمستعير‪ ،‬بل يكفي اللفظ من‬
‫أحدهما والفعل من الخر‪ ،‬بما يدل على إذن مالك المنفعة‬
‫بإباحتها لغيره‪ ،‬فلو قال المالك‪ :‬خذ هذا الكتاب واقرأ به‪ ،‬او‪:‬‬
‫حت العارة ‪ ،‬وكذلك‬ ‫اعرتك هذا الكتاب‪ ،‬فاستلمه المستعير ‪ ،‬ص ّ‬
‫لو قال المستعير‪ :‬اعرني كذا ‪ ،‬فسّلمه اليه المالك ‪ ،‬ص ّ‬
‫ح العقد‪.‬‬
‫ولبد فيها من اللفظ من احد المتعاقدين‪ ،‬فلو اخذ المستعير‬
‫المتاع دون كلم ‪ ،‬وسكت المعير‪ ،‬لم تصح العارة ‪ ،‬ولم يترتب‬
‫عليها إباحة النتفاع للمتسعير‪.‬‬
‫ول يشترط التتابع بين طرفي الصيغة‪ ،‬فلو قال‪ :‬اعرني كذا‪،‬‬
‫ودفعه اليه بعد زمن ‪ ،‬صح ذلك‪ ،‬ما لم يوجد ما يدل على الرجوع‬
‫من المعير او الرد من المستعير‪.‬‬
‫وتصح العارة مطلقة عن الوقت والشرط‪ ،‬كما تصح معلقة‬
‫على شرط ومقيدة بوقت‪ ،‬كما لو قال له‪ :‬اعرتك داري هذه‬
‫لتسكنها سنة‪ ،‬او ان خرج منها فلن الذي يسكنها‪ ،‬وذلك لن‬
‫العارة ليست بعقد تمليك حتى ل تقبل التعليق والتوقيت‪ ،‬وانما‬
‫هي اباحة انتفاع كما علمت‪.‬‬
‫المستعار‪:‬‬ ‫‪-4‬‬
‫وهو العين التي ُتباح منفعتها للمتسعير ‪ ،‬ويشترط فيها‪:‬‬
‫ح اعارة‬ ‫أ ‪ -‬ان تكون منفعتها مْلكا ً لل ُ‬
‫معير كما علمت‪ ،‬فل تص ّ‬
‫المستعير لغير‪.‬‬
‫ح اعارة ثياب ل تقي من‬‫ب‪ -‬ان تكون يمكن النتفاع بها‪ ،‬فل تص ّ‬
‫حّر ول برد او ل تستر عورة‪ ،‬كما ل تصح اعارة داّبة مريضة‬
‫مرضا ً مزمنا ً للركوب ‪ ،‬وكذلك سيارة ل محّرك فيها‪ ،‬لن عقد‬
‫العارّية يرد على المنفعة ‪ ،‬ول منفعة في مثل ذلك‪ ،‬فيكون‬
‫عقدا على غير معقود عليه‪.‬‬
‫ول يشترط وجود النفع عند العقد على الصحيح‪ ،‬فلو اعاره‬
‫مهرا صغيرا للركوب صح ذلك‪ ،‬ان كانت العارة مطلقة ‪ ،‬او‬
‫مقيدة بزمن يمكن ان يصبح المهر فيه صالحا للركوب‪.‬‬
‫وكذلك لو اعاره ثوبا غير صالح للبس ولكن يمكن اصلحه‪،‬‬
‫ونحو ذلك‪.‬‬
‫ج‪ -‬ان يكون النتفاع بها مباحا شرعا‪ ،‬فل تصح اعارة آلت اللهو‪،‬‬
‫ول اعارة حلي لمرأة تتزين به امام الجانب‪ ،‬ول اناء ليصنع‬
‫فيه خمر‪ ،‬او سكين ليذبح بها خنزير للكل ‪ ،‬او سلح لمن‬

‫)‪(38‬‬
‫يعتدي به على معصوم الدم‪ ،‬ونحو ذلك‪ ،‬لن‪ ،‬مثل هذا‬
‫النتفاع حرام وممنوع شرعًا‪.‬‬
‫د‪ -‬ان يكون النتفاع بها ل ينقص عينها‪ ،‬كالثياب والدور والواني‬
‫ونحو ذلك‪ .‬فإذا كان النتفاع بها ينقصها لم تصح اعارتها‪،‬‬
‫وعليه ‪ :‬فل اعارة لشمعة ليستضاء بها‪ ،‬او صابون للتنظيف‬
‫ونحو ذلك‪ ،‬لن النتفاع بها يكون باستهلكها وتلف عينها شيئا‬
‫فشيئا‪.‬‬

‫)‪(39‬‬
‫بالعارية‬
‫ّ‬ ‫أحكام تتعلق‬
‫حدود النتفاع بالعين المستعارة‪:‬‬ ‫‪-1‬‬
‫للمستعير ان ينتفع بالعين المستعارة ضمن الحدود التي أذن‬
‫فيها المالك‪ ،‬لرضاه بهذا‪ ،‬وليس له ان ينتفع بغير ما اذن به‪ ،‬لنه‬
‫لم يرض بذلك‪ ،‬ال اذا كان اقل تأثيرا على العين من الذي اذن به‪،‬‬
‫فإن اطلق الذن بالنتفاع‪ ،‬بأن اعاره مطلقا دون التقييد بوجه من‬
‫وجوه النتفاع‪ ،‬كان له ان ينتفع من العين بما ينتفع بها عادة‪ ،‬وان‬
‫نهاه عن النتفاع بوجه من الوجوه امتنع عليه ذلك الوجه‪ ،‬ولو‬
‫كان اقل تأثيرا على العين‪ ،‬وذلك كله لن المعير مالك للمنفعة‬
‫ومتبرع بها‪ ،‬فله تحديد وجه النتفاع بما شاء‪ ،‬وعليه‪:‬‬
‫فلو اعاره ارضا لينتفع بها‪ ،‬جاز له ان يبني فيها وأن يغرس‬ ‫‪-‬‬
‫شجرا ً أو يزرع زرعا‪ ،‬لنه اطلق الذن بالنتفاع ‪ ،‬فلو قال‪:‬‬
‫اعرتك هذه الرض‪ ،‬دون ان يقول لتنتفع بها‪ ،‬فالصحيح ان‬
‫العارة غير صحيحة‪.‬‬
‫وان أعاره للبناء او الغراس جاز له ان يزرع‪ ،‬لن الزرع اقل‬ ‫‪-‬‬
‫ضررا من الغراس او البناء‪ ،‬فرضاه بالشد دليل رضاه‬
‫بالقل‪ ،‬ال ان نهاه عن ذلك فليس له فعله‪.‬‬
‫وإن أعاره للزرع فليس له ان يبني او يغرس‪ ،‬لن البناء‬ ‫‪-‬‬
‫والغراس كل منهما اكثر ضررا على الرض من الزرع‪،‬‬
‫ورضاه بالقل ل يدل على رضاه بالشد‪.‬‬
‫وان اعاره للزراعة مطلقا زرع ما شاء ‪ ،‬فإن اعاره لزراعة‬ ‫‪-‬‬
‫نوع معين كان له زرعه وزرع ما هو مثله او اقل منه تأثيرا ‪،‬‬
‫وليس له زراعة ما هو اشد منه ضررا على الرض‪.‬‬
‫وهكذا القول في كل عين مستعارة‪:‬‬
‫فلو استعار سيارة للركوب فليس له ان يستعملها لحمل‬
‫المتعة مثل‪ ،‬وان استعارها لحمل امتعة خفيفة – كخشب مثل‬
‫ونحوه – فليس له ان يحمل فيها اشياء ثقيلة كحديد او اسمنت‬
‫ونحو ذلك‪.‬‬
‫وللمستعير ان يستوفي المنفعة او بمن ينوب منابه – كوكيله‬
‫مثل – لن النتفاع يعود عليه ويرجع اليه‪ ،‬شريطة ان يكون مثله‬
‫او دونه في استيفاء المنفعة من حيث التأثير على العين‬
‫المستعارة‪ ،‬فلو استعار دراجة وأراد ان يركب عليها أجيره أو‬

‫)‪(40‬‬
‫وكيله للقيام بعمله لمصلحته ‪ ،‬كان له ذلك‪ ،‬ال اذا كان يزيد عنه‬
‫في وزنه وثقله‪ ،‬وهكذا‪.‬‬

‫يد المستعير على العيد المستعارة‪:‬‬ ‫‪-2‬‬


‫إن يد المستعير على العين المستعارة يد ضمان‪ ،‬فإذا قبض‬
‫المستعير العين المستعارة دخلت في ضمانه‪ ،‬ومعنى هذا ان‬
‫المستعير العين المستعارة إذا تلفت‪ ،‬سواء أتعدى باستعمالها أم‬
‫صر‪ ،‬لنه قبض مال غيره‬‫صر في حفظها ام لم يق ّ‬ ‫د‪ ،‬وق ّ‬‫لم يتع ّ‬
‫لمصلحة نفسه‪.‬‬
‫ل على ذلك حديث ُأمية بن صفوان بن ُأمية عن ابيه‬ ‫وقد د ّ‬
‫صفوان رضى الله عنه‪ :‬ان رسول الله صلى الله عليه وسلم‬
‫استعار منه دروعا ً يوم حنين‪ ،‬فقال‪ :‬أغصب يا محمد؟ فقال صلى‬
‫الله عليه وسلم ‪" :‬ل‪ ،‬بل عارّية مضمونة" )اخرجه ابو داود في‬
‫البيوع والجارات‪ ،‬باب‪ :‬في تضمين العارية‪ ،‬رقم‪.(3562 :‬‬
‫ويضمن المستعير العين المستعارة بقيمتها يوم تلفها‪ ،‬اذا‬
‫ي منها او نقص‬ ‫تلفت وذهبت ولو بآفة سماوية‪ ،‬ول يضمن ما ب َل ِ َ‬
‫من قيمتها بسبب الستعمال المأذون فيه‪ ،‬فإذا استعملها في غير‬
‫ما أذن له به‪ ،‬فنقصت ‪ ،‬فإنه يضمن‪.‬‬
‫وكذلك يضمن ما نقص منها بسبب الستعمال ان استعملها‬
‫فيما ل تستعمل فيه عادة‪ ،‬كأن استعمل الدار او النجارة‪ ،‬او‬
‫استعمل اوعية الطعام لنقل الرمل او الحجارة‪.‬‬
‫معير بالعارة وطلبه‬‫ويضمنها ايضا اذا استعملها بعد رجوع ال ُ‬
‫رد ّ العين المستعارة ‪ ،‬حتى ولو استعملها فيما هو مألوف في‬
‫استعمالها‪ ،‬او ما اذن له المعير سابقا باستعمالها فيه‪ ،‬لنه‬
‫استعمال غير مأذون فيه‪ ،‬وكذلك الحال لو كانت العارية مؤقتة‬
‫واستعملها بعد انتهاء المدة‪.‬‬
‫شرط الضمان فيما ل ضمان فيه‪ ،‬وعدم الضمان فيما فيه‬
‫الضمان‪ :‬علمنا أنه ل ضمان فيما تلف او نقص من عين العارية‬
‫بالستعمال المأذون فيه‪ ،‬وكذلك تضمن العارية اذا تلفت بغير‬
‫الستعمال المأذون فيه مطلقا‪ ،‬فلو شرط في العقد خلف هذا‬
‫كان الشرط لغيا ل يلزم الوفاء به‪ ،‬ويبقى عقد العارية صحيحا‬
‫كما لو يشرط فيه هذا الشرط‪ ،‬وقيل‪ :‬تفسد العارة أيضا‪.‬‬
‫نفقة المستعار ومؤونة رده‪:‬‬ ‫‪-3‬‬

‫)‪(41‬‬
‫إذا كان للمستعار نفقة – كما لو كان دابة فتحتاج الى علف ‪،‬‬
‫او مسكنا فيحتاج الى ترميم – فهذه النفقة على مالك العين‪،‬‬
‫سواء أكان المعير هو المالك للعين أم المستأجر لها‪ ،‬لن النفقة‬
‫تبع للملك‪ ،‬والعارة تبرع بالمنفعة من مالكها لينتفع بها‬
‫المستعير‪ ،‬فل يجب عليه في مقابلها شئ‪.‬‬
‫فإذا انتهت العارة او فسخت‪ ،‬ووجب على المستعير رد‬
‫العين المستعارة الى المعير‪ ،‬وكان لردها عليه مؤونة ونفقة‪،‬‬
‫كأجرة دابة او سيارة نقل مثل‪ ،‬كان ذلك على المستعير‪ ،‬لن الرد‬
‫واجب عليه‪ ،‬إذ انه قبض العين لمنفعة نفسه‪ ،‬وما ل يتم الواجب‬
‫إل به فهو واجب‪ ،‬والرد الواجب عليه ل يتم ال بالنفقة ‪ ،‬فهي‬
‫واجبة عليه‪.‬‬
‫وقد دل على هذا قوله صلى الله عليه وسلم ‪" :‬على اليد ما‬
‫أخذت حتى تؤديه"‪.‬‬
‫وجاء في رواية من حديث صفوان بن امية رضى الله عنه‪:‬‬
‫داة"‪) .‬الترمذي‪:‬‬‫انه صلى الله عليه وسلم قال له‪" :‬عارّية مؤ ّ‬
‫البيوع‪ ،‬باب‪ :‬ما جاء في أن العارية مؤداة‪ ،‬ابو داود‪ :‬البيوع‪ ،‬باب‪:‬‬
‫ما جاء ان العارية مؤداة‪ .‬ابن ماجة‪ :‬الصدقات ‪ ،‬باب ‪ :‬العارية(‪.‬‬
‫وهذا اذا رد العين المستعارة الى المعير نفسه‪ ،‬فإذا استعار‬
‫من مستأجر ‪ ،‬ورد العارية الى المالك المؤجر‪ ،‬فالمؤونة حينئذ‬
‫على المالك ‪ ،‬لن المستعير يقوم في هذا مقام المستأجر في رد‬
‫العين المستأجرة الى المؤجر‪ ،‬ومؤونة الرد في الجارة على‬
‫المالك ل على المستأجر‪.‬‬
‫دها‪:‬‬
‫الرجوع بالعارّية ور ّ‬ ‫‪-4‬‬
‫كل من‬‫عقد العارّية عقد جائز من الطرفين‪ ،‬أي يحقّ ل ّ‬
‫المعير والمستعير فسخه متى شاء ولو بغير علم الخر ول رضاه‪،‬‬
‫فيحق للمعير ان يرجع بالعارية ويسترد العين المستعارة متى‬
‫شاء‪ ،‬حتى ولو كانت العارة مؤقتة بوقت لم ينته بعد‪ .‬وكذلك‬
‫يحق للمستعير ان يردها ايضا متى شاء‪ .‬ول يلزم أي منهما‬
‫باستمرار العارة‪ ،‬لنها مبرة من المعير وارتفاق من المستعير‪،‬‬
‫فل يناسبها اللزام لي منهما‪.‬‬
‫ويستثنى من ذلك ما اذا استعار ارضا ً لدفن ميت ‪ ،‬فليس‬
‫لحدهما فسخ العارة في الرض المدفون فيها‪ ،‬فل يحق للمعير‬
‫استرداد الرض ول للمستعير ردها‪ ،‬حتى يبلى المدفون ويندرس‬
‫أثره‪ ،‬بأن يصير ترابا ول يبقى منه شئ ظاهر‪ .‬وذلك لن الدفن‬

‫)‪(42‬‬
‫كان بإذن‪ .‬وفي النبش هتك حرمة النسان ‪ ،‬ول يلزمه اجرة على‬
‫أي حال في هذا‪.‬‬
‫وكذلك يستثنى ما إذا أذن المعير في شغل المستعار بشئ‬
‫يتضرر المستعير بالرجوع فيه‪ ،‬كما لو اعاره سفينة لنقل بضاعة‬
‫جة البحر‪ ،‬او أعارة سيارة لذلك وطالبه بها في‬
‫وطالبه بها في ل ّ‬
‫موضع ل يستطيع فيه تحصيل غيرها‪ ،‬كالصحراء مثل‪ ،‬ففي هذه‬
‫الحوال ل يلزم المستعير رد العين المستعارة‪ ،‬وله ان يستمر‬
‫بالنتفاع بها حتى يتمكن من ردها بغير ضرر‪ ،‬ولكن يلزمه في هذا‬
‫وامثاله اجرة المثل من حين الطلب الى حين الرد‪.‬‬

‫الرجوع بالرض المعارة واستردادها‪:‬‬


‫إعارة الرض إما أن تكون للبناء والغراس‪ ،‬وإما أن‬
‫تكون للزراعة‪:‬‬
‫فإن اعاره للبناء او الغراس‪ :‬ثم رجع المعير عن العارة بعد‬
‫البناء او الغراس‪ُ ،‬ينظر‪:‬‬
‫فإن كان المعير قد شرط على المستعير ان يقلع ما بناه او‬ ‫‪-‬‬
‫غرسه عند الرجوع بالعارة وجب عليه ذلك عمل بالشرط‪،‬‬
‫لقوله صلى الله عليه وسلم‪" :‬المسلمون على شروطهم"‪.‬‬
‫فإن امتنع من ذلك قلعه المعير‪.‬‬
‫وان كان شرط عليه تسوية الرض بعد القلع لزمه ذلك في‬ ‫‪-‬‬
‫الحالين‪ ،‬وان لم يشرطه فل يلزمه‪.‬‬
‫خّير‬
‫وان كان المعير لم يشترط على المستعير القلع ي ُ َ‬ ‫‪-‬‬
‫المستعير بين القلع وعدمه‪:‬‬
‫فإن اختار القلع قلع‪ ،‬ول يستحق شيئا اذا نقصت قيمة البناء‬
‫او الغراس بالقلع‪ ،‬لنه ملكه وقد رضى بنقصانه حين اختار قلعه‪،‬‬
‫ويلزمه تسوية الرض على الصح‪ ،‬ليصبح ما استعاره كما كان‬
‫عليه حين أخذه‪ ،‬ليرده كما اخذه‪ .‬وانما لزمته التسوية لنه قلع‬
‫باختياره ‪ ،‬ولو امتنع من القلع لم يجبر عليه‪.‬‬
‫وان لم يختر المستعير القلع‪ :‬فالمعير مخير بين امور‬
‫ثلثة ‪ ،‬وهي‪:‬‬
‫‪ -1‬ان يبقى البناء او الغراس ويأخذ اجرة المثل‪.‬‬

‫)‪(43‬‬
‫‪ -2‬ان يقلع الغراس او يهدم البناء‪ ،‬ويضمن للمستعير ما ينقص‬
‫من قيمة ذلك ما بين حاله قائما وحاله مقلوعا‪ ،‬كما انه يلزم‬
‫بأجرة القلع او الهدم‪.‬‬
‫‪ -3‬ان يتمّلك البناء او الغراس بقيمته مستحق القلع‪ ،‬ول بد ّ ان‬
‫يكون ذلك بعقد مشتمل على إيجاب وقبول‪.‬‬
‫محسن ‪ ،‬ولنه هو مالك‬ ‫وانما كان التخيير للمعير لنه هو ال ُ‬
‫الرض التي هي الصل ‪ ،‬فإن اختار واحدة منها اجبر المستعير‬
‫عليها‪.‬‬
‫وان لم يختر المعير واحدة منها‪ :‬فالصح ان القاضي يعرض‬
‫عنهما حتى يصطلحها او يختار امعير‪ ،‬وقيل ‪ :‬ان الحاكم يبيع‬
‫الرض وما فيها‪ ،‬ويقسم الثمن بينهما بنسبة قيمة ما لكل منهما‪،‬‬
‫فصل للخصومة‪.‬‬
‫ول فرق في كل ما سبق‪ :‬بين ان تكون العارة مطلقة او‬
‫مقيدة بوقت على الصح ‪ ،‬ال انه في العارة المطلقة ‪ :‬اذا بنى‬
‫او غرس ثم قلع فليس له ان يبني او يغرس ال بإذن جديد‪ ،‬فإن‬
‫فعل ذلك بل اذن كان للمعير ان يجبره على القلع وتسوية الرض‬
‫مطلقا‪ ،‬والله تعالى أعلم‪ ،‬واما في العارة المؤقتة‪ :‬فله ان يبني‬
‫او يغرس مرة بعد اخرى‪ ،‬طالما ان المدة لم تنته ولم يرجع‬
‫المعير في العارة ‪،‬وعند الرجوع تطبق الحكام المذكورة اول‪.‬‬
‫وإن اعاره للزراعة‪ :‬ثم رجع المعير عن العارة قبل ان‬
‫يدرك الزرع‪ :‬فالصحيح ان للمستعير ان يبقيه الى ان يدرك ان‬
‫كان ينقص قيمته بالقلع قبله ‪ ،‬لنه مال محترم‪ ،‬وله امد يدرك‬
‫فيه بالعادة فينتظر‪ ،‬وللمعير اجرة المثل في هذه الحال على‬
‫الصحيح‪.‬‬
‫ول فرق في هذا بين ان تكون العارة مطلقة او مقيدة‬
‫بمدة‪ ،‬ال انه في حال التقييد بمدة‪ :‬اذا لم يدرك الزرع قبل‬
‫انتهائها‪ ،‬لتقصير المستعير‪ :‬كأن يتأخر بالزراعة ‪ ،‬او يكون هناك‬
‫مانع منها من ثلج او سيل ونحو ذلك‪ ،‬ثم يزرع في الرض بعد‬
‫زوال المانع ما ل يدرك غابا في المدة المتبقية‪ ،‬او يزرع غير ما‬
‫استعار من اجله مما يبطئ اكثر منه ‪ ،‬ففي هذه الحالت‪ :‬للمعير‬
‫ان يجبر المستعير على قلع الزرع وتسوية الرض‪ ،‬وان نقص‬
‫بسبب ذلك‪ ،‬لنه متعد وظالم بفعله‪ ،‬ورسول الله صلى الله عليه‬
‫وسلم يقول‪" :‬ليس لعرق ظالم حق" )اخرجه ابو داود في‬
‫الخراج والمارة والفئ ‪ ،‬باب‪ :‬في احياء الموات‪ ،‬رقم‪،3073 :‬‬
‫والترمذي في الحكام ‪ ،‬باب‪ :‬احياء ارض الموات‪ ،‬رقم‪.(1378 :‬‬

‫)‪(44‬‬
‫كيفية رد العين المستعارة‪:‬‬ ‫‪-5‬‬
‫يكون رد العين المستعارة الى المعير بحسب الشئ‬
‫المستعار عرفا وعادة‪ :‬فالشياء المنقولة لبد من نقلها وتسليمها‬
‫للمعير‪ ،‬ولسيما اذا كانت نفيسة‪ ،‬فيختلف التسليم باختلف‬
‫نفاستها‪ ،‬كالجواهر والمعادن الثمينة‪ ،‬فربما اشترط تسليمها ليد‬
‫المعير بنفسه‪ ،‬وربما اكتفى بردها الى منزله وتسليمها الى من‬
‫ينوب منابه في قبضها‪ ،‬كالوعية ونحوها‪.‬‬
‫واذا كانت العين المستعارة غير منقولة‪ ،‬كالرض والدور‬
‫ونحو ذلك‪ ،‬كفى فيها التخلية وازالة الموانع من استلمها والنتفاع‬
‫منها‪.‬‬
‫الختلف بين المعير والمستعير‪:‬‬ ‫‪-6‬‬
‫قد يختلف المعير مع المستعير في ُأمور‪ ،‬من ذلك‪:‬‬
‫أ‪ -‬الختلف في الرد‪ :‬كأن يدعي المستعير انه رد العين على‬
‫المعير‪ ،‬وينكر المعير ذلك ويقول ‪ :‬لم تردها على‪ ،‬فُيحّلف‬
‫دق بيمينه ‪ ،‬لنه المنكر ‪ ،‬والقاعدة في‬
‫المعير على قوله ويص ّ‬
‫هذا‪ّ :‬أن البّينة – أي الشهود – على المدعي واليمين على من‬
‫انكر‪ .‬لن الصل عدم الرد اذ ثبت كون العارية في يد‬
‫المستعير‪ ،‬فالصل انها ل تزال في يده‪ ،‬فالمعير متمسك‬
‫بالصل بقوله‪ ،‬والقول المصدق هو قول من يتمسك بالصل‪.‬‬
‫ب‪ -‬الختلف في حال التلف‪ :‬لو تلفت العين المستعارة ‪ ،‬وادعى‬
‫المستعير انها تلفت بالستعمال المأذون فيه‪ ،‬وانكر المعير‬
‫ذلك وقال‪ :‬بل تلفت بغير الستعمال ‪ ،‬او باستعمال غير‬
‫مأذون فيه‪،‬يصدق هنا المستعير بيمينه‪ ،‬لنه من الصعب عليه‬
‫ان يقيم بينة على قوله‪ ،‬اذ ليس من العادة ان يستعمل‬
‫المستعار على مل من الناس حتى يشهدهم على التلف‪.‬‬
‫ولن الصل براءة ذمته من الضمان‪ ،‬والمعير هنا يدعي‬
‫الضمان وهو ينكره تمسكا بالصل‪ ،‬والقول قول المنكر‬
‫والمتمسك بالصل بيمينه كما علمت‪ ،‬فيحلف المستعير على‬
‫قوله ويبرأ من الضمان‪.‬‬
‫ج‪ -‬الختلف في اصل العقد‪ :‬كأن يدعي المالك الجارة ‪ ،‬ويدعي‬
‫المنتفع الستعارة ‪ .‬او ان يقول المنتفع ‪ :‬اعرتني ‪ ،‬ويقول‬
‫المالك‪ :‬بل غصبته مني‪ .‬فالصح انه يصدق المالك بيمينه‪.‬‬
‫فيحلف انه ما اعاره وانما اجره‪ ،‬او يحلف انه ما اعاره وانما‬
‫غصب منه‪.‬‬

‫)‪(45‬‬
‫وانما كان القوم قول المالك لن الصل ان ل يأذن بالنتفاع‬
‫فيما يملك ال بمقابل ‪ .‬فإذا حلف استحق اجرة المثل ان مضت‬
‫مدة لها اجرة‪ .‬فاذا كانت العين قائمة ردها‪ ،‬وان تلفت قبل الرد‬
‫ضمنها المنتفع في دعوى الغصب‪ .‬فإن كان ما يدعيه المالك من‬
‫التضمين اكثر مما يدعيه المنتفع حلف المالك على الزيادة‪ .‬وبيان‬
‫ذلك ان العارية تضمن بقيمتها يوم التلف‪ ،‬والمغصوب يضمن‬
‫بأعلى قيمه من يوم الغصب الى يوم التلف‪ ،‬فإذا كانت القيمة‬
‫متساوية فقد اتفقا‪ ،‬وال حلف المالك على الزيادة ‪ ،‬لنهما لم‬
‫يتفقا عليها‪.‬‬
‫انتهاء عقد العارّية‪:‬‬ ‫‪-7‬‬
‫ينتهي عقد العارة بأمور‪ ،‬وهي‪:‬‬
‫أ – طلب المعير للعارّية ورجوعه عن العارة ‪ ،‬سواء اكان ذلك‬
‫قبل انتهاء مدة العارة ام بعدها‪ ،‬لنها عقد جائز من طرفه‬
‫كما علمنا‪.‬‬
‫ب‪ -‬رد المستعير للعين المستعارة على المعير‪ ،‬بعد انتهاء مدة‬
‫العارة ام قبلهان لنها عقد جائز ايضا من طرفه‪.‬‬
‫ج‪ -‬جنون احد المتعاقدين او اغماؤه ‪ ،‬لختلل شروط المعير‬
‫والمستعير على ما علمت‪ ،‬اذ يشترط في المعير اهلية‬
‫التبرع وفي المستعير اهلية التبرع عليه‪ ،‬والمجنون والمغمى‬
‫عليه ليسا اهل لذلك‪.‬‬
‫د‪ -‬موت المعير او المستعير‪ ،‬لنها عقد اباحة النتفاع بالذن ‪،‬‬
‫وبموت المعير لم يبق صاحب الذن ‪ ،‬وبموت المستعير لم‬
‫يبق المأذون له‪.‬‬
‫هـ‪ -‬الحجر بالسفه على المعير او المستعير‪ ،‬لنه لم يبق‬
‫المحجور عليه اهل للتبرع‪ ،‬فل تصح العارة ‪ ،‬فتفسخ‪.‬‬
‫و‪ -‬الحجر بالفلس على المالك ‪ ،‬لنه يمتنع عليه التبرع بمنافع‬
‫امواله ‪ ،‬حفظا لمصحلة دائنيه‪.‬‬

‫)‪(46‬‬
‫الباب الرابع‬

‫الشركة‬

‫)‪(47‬‬
‫الشركة‬
‫تعريفها‪:‬‬
‫ح بفتح‬
‫الشركة‪ :‬بكسر الشين وسكون الراء هو الفصح‪ ،‬ويص ّ‬
‫الشين وكسر الراء او سكونها‪.‬‬
‫وهي في اللغة‪ :‬الختلط بعقد أم بغير عقد‪.‬‬
‫ن‬
‫وتطلق على الختلط في الموال ‪ ،‬ومنه قوله تعالى‪" :‬وإ ْ‬
‫ت فلك ّ‬
‫ل واحد ٍ منهما‬ ‫ُ‬ ‫ة او امرأة ٌ وله ا ٌ‬ ‫كان رج ٌ‬
‫خ او أخ ٌ‬ ‫ث كلل ً‬
‫ل ُيوَر ُ‬
‫دس فإن كانوا اكثَر من ذلك فهم شركاُء في الثلث"‬ ‫س ُ‬
‫ال ّ‬
‫)النساء ‪.(12 :‬‬
‫]يورث كللة‪ :‬أي يرثه كللة‪ ،‬وهم الورثة غير الفروع مطلقا ً‬
‫وغير الصول من الذكور ‪ .‬والمراد بهم هنا اخوة الميت من ُأمه[‪.‬‬
‫كما ُتطلق على الخلطة في غير الموال‪ ،‬ومنه قوله تعالى‪:‬‬
‫كه في امري"‪) .‬طه ‪(32 :‬‬ ‫ن اخي‪ .‬اشد ُد ْ به أ َْزري‪ .‬وأ َ ْ‬
‫شرِ ْ‬ ‫"هارو َ‬
‫وهي في اصطلح الفقهاء‪ :‬ثبوت الحق في شئ واحد‪،‬‬
‫لثنين فأكثر ‪ ،‬على جهة الشيوع ‪ ،‬ل على جهة التعيين‪ ،‬كأن يملك‬
‫اثنان فأكثر ارضا‪ ،‬دون ان تّعين منها حصة كل واحد منهم‪ ،‬وهذا‬
‫تعريف الشركة بمعناها العام‪ ،‬الذي يتناول ما كان منها بعقد وما‬
‫كان بغير عقد‪ .‬واما تعريفها بالمعنى الخاص‪:‬‬
‫فهي عقد يحدث بالختيار بقصد التصرف وتحصيل الربح‪.‬‬
‫اقسامها‪:‬‬
‫من التعريف يتبين لنا ان الشركة قد تكون بقصد الربح‪ ،‬وقد‬
‫تكون لغير ذلك‪ ،‬ولهذا جعلها العلماء قسمين‪ :‬شركة املك ‪،‬‬
‫وشركة عقد‪.‬‬
‫فشركة الملك‪ :‬ان يملك اثنان فأكثر شيئا ً واحدًا‪ ،‬وقد‬
‫يكون ذلك قهرا ً عنهما ‪ ،‬أي بغير فعلهما ول إرادتهم‪ ،‬كما لو ورثاه‬
‫معًا‪ ،‬وقد يكون اختياريا ً ‪ ،‬أي بفعل منهما ورغبتهما‪ ،‬كأن يشتريا‬
‫شيئا واحدا معا‪ ،‬او يقبل هبته لهما من احد ونحو ذلك‪.‬‬
‫وحكم هذه الشركة ‪ :‬ان كل واحد من الشريكين اجنبي في‬
‫نصيب الخر‪ ،‬فل يجوز له ان يتصرف فيه ال بإذنه‪ ،‬اذ ل ولية‬
‫لحدهما على مال الخر‪.‬‬

‫)‪(48‬‬
‫وهذه الشركة ليست هي المقصودة بالكلم في باب‬
‫الشركة لدى الفقهاء‪ ،‬وانما تبحث كل صورة منها في موضعها‬
‫من الباب الفقهي المتعلقة به‪ ،‬من هبة او إرث أو وصية ونحو‬
‫ذلك‪.‬‬
‫وأما شركة العقد‪ :‬فهي المقصودة بالبحث في باب‬
‫الشركة هنا‪ ،‬وقد مّر بك تعريفها‪ ،‬وهي أنواع‪ ،‬منها ما هو مشروع‬
‫ومنها ما ليس بمشروع ‪ ،‬وسنتكلم عن هذا بالتفصيل – ان شاء‬
‫الله تعالى – بعد الكلم عن مشروعية الشركة وحكمة‬
‫مشروعيتها‪.‬‬
‫مشروعيتها‪:‬‬
‫الشركة على العموم مشروعة وجائزة ‪ ،‬ود َ‬
‫ل على هذه‬
‫المشروعية‪:‬‬
‫القرآن‪ :‬ومن ذلك آية الميراث التي مَرت بك ‪ ،‬وفيها‪:‬‬
‫"فهم شركاُء في الثلث" في صريحة في جواز الشركة‪ ،‬اذ ن الله‬
‫تعالى جعل الخوة للم شركاء في الثلث‪ ،‬يقتسمونه بينهم‬
‫بالسوية‪ ،‬ويستأنس لها ايضا بما جاء على لسان داود عليه السلم‬
‫ضهم على‬ ‫خَلطاء ل ََيبْغي بع ُ‬
‫من قوله تعالى‪" :‬وإن كثيرا ً من ال ُ‬
‫بعض" )ص‪ (44:‬والخلطاء هم الشركاء ‪ ،‬وقلنا يستأنس ولم نقل‬
‫يستدل لن هذا وارد ٌ في شرع من قبلنا ‪ ،‬والصح انه ليس بشرع‬
‫لنا‪.‬‬
‫السنة ‪ :‬وفي ذلك احاديث كثيرة ‪ ،‬منها‪:‬‬
‫‪ -1‬ما رواه ابو هريرة رضى الله عنه‪ ،‬عن النبي صلى الله عليه‬
‫ن‬
‫خ ْ‬‫وسلم قال‪" :‬يقول الله تعالى‪ :‬انا ثالث الشريكين ما لم ي ُ‬
‫ت من بينهما" )ابو داود في‬
‫احدهما صاحبه‪ ،‬فاذا خانه خرج ُ‬
‫البيوع والجارات ‪ ،‬باب‪ :‬في الشركة ‪ ،‬رقم‪.(3383 :‬‬
‫ومعنى الحديث‪ :‬ان الله تعالى يشمل الشريكين – او‬
‫دهما بالبركة في أموالهما‬
‫الشركاء – بالحفظ والمعونة فيم ّ‬
‫وتجارتهما‪ ،‬طالما أنهما على الصدق والمانة فاذا زاغا عن الصدق‬
‫وعدل عن المانة رفعت البركة من تجارتهما‪ ،‬وحجبت العانة‬
‫عنهما‪ ،‬فيكون النزاع والخصام والفشل والخسران‪.‬‬
‫‪ -2‬حديث السائب بن ابي السائب رضى الله عنه‪ :‬انه كان‬
‫شريك النبي صلى الله عليه وسلم قبل البعثة في التجارة ‪،‬‬
‫فلما جاء يوم الفتح قال‪" :‬مرحبا بأخي وشريكي‪ ،‬ل يداري‬
‫ول يماري" )اخرجه ابو داود في الدب‪ ،‬باب‪ :‬في كراهية‬

‫)‪(49‬‬
‫المراء ‪ ،‬رقم‪ .(4836 :‬فقوله ‪" :‬شريكي" اقرار منه صلى‬
‫الله عليه وسلم لمشروعية الشركة ‪ ،‬وان كان من قوله‬
‫صلى الله عليه وسلم ‪ ،‬وان كان من قول السائب رضى الله‬
‫عنه فسكوته صلى الله عليه وسلم اقرار منه له‪.‬‬
‫]يداي ‪ :‬اصله يدارئ بالهمز ‪،‬وجاء بالياء تسهيل ليوافق لفظ‬
‫يماري‪ ،‬ويدارئ من درأ بمعنى دفع‪ ،‬ويماري ‪ :‬من المراء وهو‬
‫الجدال[‪.‬‬
‫ومعنى الحديث‪ :‬كنت شريكا متسامحا‪ ،‬توافقني في عملي ‪،‬‬
‫فل تخالفني ول تنازعني‪.‬‬
‫‪ -3‬ما رواه البراء بن عازب رضى الله عنه ‪ :‬انه كان وزيد بن‬
‫ارقم رضى الله عنه شريكين ‪ ،‬فاشتريا فضة بنقد ونسيئة ‪،‬‬
‫فبلغ ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم ‪ ،‬فأمرهما ‪" :‬ان‬
‫ما كان بنقد بأجيزوه ‪ ،‬وما كان نيسئة فردوه" )مسند احمد‪:‬‬
‫‪. (4/371‬‬
‫]نسيئة ‪ :‬أي الى اجل[‪.‬‬
‫وهذا ايضا اقرار منه صلى الله عليه وسلم لجواز الشركة‪.‬‬
‫كما كان الناس يتعاملون بالشركة فيما بينهم‪ ،‬ولم ينكر‬
‫عليهم صلى الله عليه وسلم وعلى هذا جرى التعامل بين‬
‫المسلمين في كل العصور دون انكار من احد فكان ذلك اجماعا‪.‬‬
‫حكمة تشريع الشركة‪:‬‬
‫الناس متكاملون في قدراتهم ومواهبهم وامكانياتهم خلقهم‬
‫الله عّز وجل متفاوتين في هذا كله‪ ،‬ل يستطيع احد منهم ان‬
‫يتسقل بكل ما تتطلبه الحياة‪ ،‬ولكنه يكمل ذلك بالتعاون مع‬
‫غيره‪ ،‬ليستقيم العيش‪ ،‬ويكون الرزق الحلل‪ ،‬وصدق الله عز‬
‫وجل اذ قال‪" :‬نحن قسمنا بينهم معيشتهم في الحياة الدنيا‬
‫ورفعنا بعضهم فوق بعض درجات ليتخذ بعضهم بعضا سخريا‬
‫ورحمة ربك خير مما يجمعون" )الزخرف ‪.(32 :‬‬
‫فقد يوجد من لديه المال الوفير‪ ،‬ولكن ليس لديه الخبرة‬
‫الكافية في إدارة المور‪ ،‬ويوجد من لديه الخبرة‪ ،‬ولكن ليس‬
‫عنده القدرة الجسدية اللزمة ‪ ،‬اول يلك المال الكافي للقيام‬
‫بعمل ما ‪ ،‬فيضم بعضهم ما لديه من قدرات الى ما عند غيره‪،‬‬
‫فتتوفر دعائم العمل‪ ،‬وتتيسر اسباب التجارة التجارة الرابحة ‪،‬‬
‫فيكون التكامل‪ ،‬ويتحقق التعاون‪ .‬وهذا ما تحققه الشركة بين‬
‫الشركاء فتقدم للمجتمع منافع جمة ربما حرم منها لو بقى كل‬

‫)‪(50‬‬
‫فرد مستقل بجهوده ومواهبه وممتلكاته‪ ،‬فكانت الحاجة ماسة‬
‫والمصحلة ملحة لتشريع الشركة‪ ،‬وشرع الله تعالى الذي جاء‬
‫للتيسير على الناس ورفع الحرج عنهم‪ ،‬على اسس سليمة‬
‫وقواعد اخلقية قويمة ‪ ،‬ما كان ليقف دون تلبية تلك الحاجة او‬
‫تحقيق هذه المصلحة‪ ،‬فكان من سمو تشريعه وكمال تقنينه ان‬
‫شرع الشركة واجزها ‪ ،‬ووضع لها الضوابط والحكام التي من‬
‫شأنها ان تجلب ما فيها من نفع وخير‪ ،‬وتدفع ما قد يكون فيها من‬
‫مفسدة وشر‪.‬‬

‫)‪(51‬‬
‫أنواع الشركة‬
‫والمشروع منها‬
‫شركة العقد يمكن ان تحصل على صور متعددة يحصرها‬
‫الفقهاء في اربعة انواع ‪ ،‬وهي ‪ :‬شركة العنان‪ ،‬وشركة‬
‫المفاوضة‪ ،‬وشركة البدان‪ ،‬وشركة الوجوه‪.‬‬
‫اما شركة العنان‪ :‬فهي ان يشترك شخصان او اكثر‬ ‫‪-1‬‬
‫في التجارة بأموال لهم‪ ،‬على ان يكون الربح بينهم‪ .‬وهذا‬
‫النوع من الشركة جائز ومشروع باتفاق الفقهاء‪ ،‬وسنتكلم‬
‫عنه بالتفصيل بعد الكلم عن النواع الثلثة الخرى‪.‬‬
‫واما شركة المفاوضة‪ :‬فهي أن يشترك اثنان‬ ‫‪-2‬‬
‫فأكثر في اموالهم عامة‪ ،‬ويكونوا شركاء في كل ما لدي كل‬
‫منهم‪ ،‬وكل منهم وكيل عن الخر وكفيل له‪ ،‬يشاركه في كل‬
‫مغنم وعليه ما يصيبه من كل غرم‪.‬‬
‫وهذا النوع من الشركة باطل عند الشافعية رحمهم‬
‫الله تعالى‪ ،‬لما تنطوي عليه من الغرر الكبير‪ ،‬لما فيها من الوكالة‬
‫بالمجهول والكفالة به‪ ،‬وكل منهما باطل لو انفرد فكيف اذا‬
‫اجتمعا؟ ولذا قال الشافعي رحمه الله تعالى‪ :‬إن لم تكن شركة‬
‫المفاوضة باطلة ‪ ،‬فل باطل أعرفه في الدنيا‪.‬‬
‫وقد اجازها غير الشافعية رحمهم الله تعالى بقيود وشروط‬
‫تكاد تجعلها ل وجود لها اصل في الواقع‪ ،‬والله تعالى أعلم‪.‬‬
‫وأما شركة البدان )وتسمى شركة العمال(‬ ‫‪-3‬‬
‫‪ :‬فهي أن يشترك اثنان أوأكثر – ل مال لهم – على أن يتقبلوا‬
‫حْرفة أم‬
‫أعمال ويوقوموا بها‪ ،‬سواء أكانوا متفقين في ال ِ‬
‫مختلفين – على أن يكون الربح بينهم متساويا ً او متفاوتا ً ‪،‬‬
‫مالين والخّياطين وغيرهم من اصحاب الصناعات‬ ‫وذلك كالح ّ‬
‫حَرف المشروعة‪.‬‬ ‫وال ِ‬
‫وهذا النوع من الشركة باطل ايضًا‪ ،‬لما فيه من الضرر‬
‫المنهي عنه شرعًا‪ ،‬لنه ربما قام بعضهم بأعمال تفوق ما قام به‬
‫غيره بكثير‪ ،‬وربما قام أحدهم بالعمل كله ولم يقم غيره بشئ ‪،‬‬

‫)‪(52‬‬
‫فيكون في ذلك غبن حين يتقاسم الشركاء ثمار العمل‪ ،‬ول‬
‫من قام بالجهد ان يبذل نتاج جهده لغيره بدون‬
‫تطمئن نفس َ‬
‫مقابل‪.‬‬
‫وقد أجازها الئمة غير الشافعية – رحم الله تعالى الجميع –‬
‫للحاجة الداعية اليها‪ ،‬إذ إن الحكمة من مشروعية الشركة تنمية‬
‫المال كما علمت ‪ ،‬وهذا النوع من الشركة يكون به تحصيل أصل‬
‫المال للشركاء‪ ،‬وربما كانت الحاجة لتحصيل أصل المال فوق‬
‫الحاجة إلى تنمية ما هو موجود منه ‪ ،‬والله تعالى أعلم‪.‬‬
‫وأما شركة الوجوه‪ :‬فهي ان يشترك اثنان فأكثر‬ ‫‪-4‬‬
‫سن سمعة‪ ،‬على أن يشتروا‬ ‫ح ْ‬‫من لهم وجاهة عند الناس و ُ‬‫م ّ‬
‫كين أم منفردين ‪ ،‬ويكون‬‫السلع في الذمة إلى أجل‪ ،‬مشترِ ِ‬
‫المشتري مشتركا ً بينهم‪ ،‬ثم يبيعوا تلك السلع‪ ،‬فما كان من‬
‫ربح كان بين الشركاء‪ ،‬يقتسمونه بالسوّية او حسب التفاق‪.‬‬
‫ايضا ‪ ،‬لعدم وجود المال المشترك‬‫ً‬ ‫وهذا النوع باطل‬
‫بينهم‪ ،‬والصل في الشركة المال‪ ،‬ولوجود الضرر فيها ايضا‪ ،‬لن‬
‫كل من الشركاء يعاوض صاحبه بكسب غير مقابل بعمل او صنعة‬
‫او ما الى ذلك‪ ،‬فلم يكن الربح هنا نماء للمال‪ ،‬ول مقابل للعمل ‪،‬‬
‫فل يستحق‪.‬‬
‫وكذلك اجاز هذه الشركة غير الشافعية رحمهمالله تعالى‬
‫جميعا‪ ،‬للحاجة اليها على ما سبق في التي قبلها‪ ،‬والله تعالى‬
‫اعلم‪.‬‬

‫)‪(53‬‬
‫شركة العِنان‬
‫علمنا مما سبق ان شركة الِعنان هي النوع المشروع من‬
‫الشركة باتفاق الفقهاء‪ ،‬وهي – في الحقيقة – النوع الشائع‬
‫والمتعارف لدى الناس في الشركات‪ ،‬وهو الصل فيها‪ ،‬لما فيه‬
‫من معنى الشتراك فعل‪ ،‬إذ إن مال الشركة في الصل مشترك‬
‫بين الشركاء‪ ،‬وهذا هو الصل في الشركة‪ ،‬سواء اكان الشتراك‬
‫بالعمل ام لم يكن ‪ ،‬وان كان الغالب هو الشتراك به ايضًا‪.‬‬
‫وقد علمت أنها اتفاق اثنين فأكثر على ان يشتركوا بمال من‬
‫الجميع‪ ،‬يتاجرون به ‪ ،‬على أن يكون الربح لهم‪.‬‬
‫ل من الشركاء براكب الدابة‪،‬‬ ‫عنان تشبيها ً لك ّ‬
‫ميت شركة ِ‬
‫وس ّ‬
‫ُ‬
‫الذي يمسك بإحدى يديه عنانها ويعمل بالخرى ‪ ،‬وذلك أن كل‬
‫شريك يجعل للشركاء غيره أمر التصّرف – الذي يشبه بالعنان –‬
‫في بعض ماله ‪ ،‬بينما يستقل هو بالعمل في بعضه الخر‪ ،‬او لن‬
‫كل من الشركاء يملك بها ان يتصرف بمال شريكه في الشركة‬
‫كما يملك الراكب التصّرف بالدابة بواسطة عنانها‪.‬‬
‫شروطها‪:‬‬
‫ُيشترط لصحة هذا النوع من الشركة شروط هي‪:‬‬
‫ل من الشركاء للخرين‪،‬‬ ‫‪ -1‬الصيغة‪ :‬وهي لفظ صريح من ك ّ‬
‫يدل على الذن في التصرف بالبيع والشراء ونحوهما من‬
‫متعلقات التجارة‪ ،‬ويكفي في ذلك ما يد ّ‬
‫ل على هذا المعنى‬
‫ويشعر به‪ ،‬مما تعارفه التجار فيما بينهم من ألفاظ‪.‬‬
‫والصح أنه ل يكفي القتصار على قولهم اشتركنا‪ ،‬لحتمال‬
‫ما حصل لهما من الشركة في المال‬ ‫ان يكون هذا إخبار ع ّ‬
‫كشركة الملك‪ ،‬كما لو ورثا مال من موّرث واحد‪ ،‬فل يلزم‬
‫من ذلك جواز التصّرف‪.‬‬
‫وقيل يكفي ذلك‪ ،‬لدللته على الشركة وفهم المقصود منه‬
‫عرفا‪.‬‬
‫‪ -2‬أهلية الوكالة في الشركاء‪ :‬بأن يكون كل منهما عاقل ً‬
‫بالغا ً غير محجوز عليه التصّرف في ماله‪ ،‬لن كل واحد من‬
‫الشركاء يتصرف بمال الشركة‪ :‬أصالة في ماله ووكالة – أي‬
‫بالذن – في مال غيره‪ ،‬فكل منهم وكيل وموكل‪.‬‬

‫)‪(54‬‬
‫‪ -3‬أن يكون مال الشركة مثليا‪ :‬بحيث إذا خلطت الموال ل‬
‫يتميز بعضها عن بعض‪ ،‬كالعملت المتعارفة اليوم‪،‬‬
‫وكالموزونات والمكيلت اذا كان مال كل من الشركاء من‬
‫جنس مال الخرين‪ ،‬كالبّر والشعير والحديد اذا كانت الموال‬
‫على صفة واحدة‪.‬‬
‫فإذا كان رأس مال الشركة – او مال احد الشركاء –‬
‫عروضًا‪ ،‬أي اعيانا ً متميزة غير مثلية لم تص ّ‬
‫ح الشركة ‪ ،‬لنها ل‬
‫يمكن خلطها بحيث ل تتميز‪ ،‬وقد يتلف مال أحدهم او ينقص فل‬
‫يمكن ان يعوض عنه من مال الخرين‪.‬‬
‫وطريقة تصحيح الشركة في حال كون راس مالها عروضا‪:‬‬
‫ان يبيع كل منهم جزءا من عروضه للخر بجزء من عروضه‪،‬‬
‫فيصيرا شركاء في العروض كلهم ‪ ،‬فيأذن كل منهم للخر‬
‫بالتصّرف ‪ ،‬فاذا باعها كان الثمن بينهما‪.‬‬
‫وكذلك اذا كان مال أحدهما نقدا ً ومال الخر عروضا‪ :‬باع‬
‫صاحب العروض جزءا ً منها بجزء من نقد الخر واشتركا في‬
‫الجميع‪.‬‬
‫وعلى هذا لو ملكا عرضا ً – إرثا ً أو شراًء أو غيرهما – واذن‬
‫ل منهما للخر بالتصرف في نصيبه تجارة تمت الشركة بينهما‪.‬‬ ‫ك ٌ‬
‫‪ -4‬خلط اموال الشركة‪ :‬بعدما يتفق الشركاء على الشركة‪،‬‬
‫ل بد ّ وان يحضروا الموال التي تصح فيها الشركة على النحو‬
‫الذي سبق ‪ ،‬وأن تخلط هذه الموال – إن لم تكن مشتركة –‬
‫بحيث ل يتميز بعضها عن بعض‪ ،‬ثم يجري عقد الشركة بعد‬
‫ذلك ‪ ،‬فإن جرى العقد قبل خلط المال لم تصح الشركة ولو‬
‫خطلت الموال في مجلس العقد بعد اجرائه ‪ ،‬ولبد ّ من‬ ‫ُ‬
‫ح الشركة‪.‬‬‫إعادة التعاقد بعد الخلط لتص ّ‬
‫ل من الشركاء مال ً وحصل العقد على ذلك‪،‬‬ ‫وهذا إذا أخرج ك ٌ‬
‫فإذا ملك الشركاء قبل عقد الشركة مال ً بالشتراك بينهم – إرثا‬
‫او شراء او هبة او نحو ذلك – ثم حصل عقد الشركة فإنه يصح‪،‬‬
‫ول يشترط اقتسامهم له ثم خلطه‪ ،‬لن المقصود من الخلط –‬
‫ل منهم على حدة – حاصل‪.‬‬ ‫وهو عدم تمييز مال ك ّ‬
‫‪ -5‬أن يكون الربح والخسران على قدر المال‪ :‬لن الربح‬
‫نماء المال ‪ ،‬وكذلك الخسارة نقصان له بمقابل الربح‪ .‬فل‬
‫يصح ان يشرط لحد الشركاء زيادة في الربح عن قدر نسبة‬
‫ماله من رأس المال‪ ،‬كما ل يصح ان يشرط عليه زيادة في‬
‫الخسارة أو نقص عن ذلك‪ ،‬ول يشترط التساوي في المال‬

‫)‪(55‬‬
‫لكل الشركاء‪ ،‬فلو اشترك أحدهم بالربع والخر بالنصف‬
‫والثالث بالربع صح‪ ،‬وكان الربح ربعه للول ونصفه للثاني‬
‫وربعه للثالث‪ ،‬وكذلك توزع الخسارة‪ ،‬سواء أشترك الجميع‬
‫بالعمل أم لم يشترك بعضهم‪ ،‬وسواء تساوَْوا في العمل حين‬
‫الشتراك أم اختلفوا‪.‬‬
‫رط تفاوت في الخسارة كانت الشركة باطلة باتفاق‬ ‫فإن ُ‬
‫ش ِ‬
‫الفقهاء‪ ،‬وان اشترط تفاوت في الربح عن قدر رأس المال لم‬
‫ح الشركة ايضًا‪ ،‬فلو حصل البيع والشراء من الشركاء نفذت‬‫تص ّ‬
‫تصرفاتهم لوجود الذن منهم بالتصّرف‪ ،‬وكان لكل منهم الربح‬
‫بقدر نسبة رأس ماله ‪ ،‬ويرجع على الخرين بأجرة المثل‪.‬‬
‫وأجاز الحنفية والحنابلة رحمهم الله تعالى ان يكون للشريك‬
‫ربح اكثر من نسبة ماله من رأس مال الشركة ‪ ،‬وذلك في الصور‬
‫التالية‪:‬‬
‫أن تتساوى اموال الشركاء ‪ ،‬كأن يكون من ك ّ‬
‫ل منهم الثلث‬ ‫‪-1‬‬
‫ح أن يشرط‬ ‫مثل‪ ،‬ويكونوا جميعا قائمين بالعمل‪ ،‬فيص ّ‬
‫لحدهم زيادة في الربح عن نسبة رأس ماله ‪،‬لنه قد يكون‬
‫مهارة في عمله من غيره‪ ،‬فتكون الزيادة مقابل عمله‬
‫ومهارته‪.‬‬
‫أن يتساوى الشركاء في المال ويكون العمل على بعضهم ‪،‬‬ ‫‪-2‬‬
‫ويكون للقائمين بالعمل زيادة في نسبة الربح عن نسبة‬
‫أموالهم‪.‬‬
‫ان يتفاوت الشركاء في نسبة الشتراك بالمال‪ ،‬كأن يكون‬ ‫‪-3‬‬
‫من احدهم الثلث ومن الخر الثلثان مثل‪ ،‬ويشتركا في‬
‫العمل‪ ،‬جاز ان يكون لحدهما زيادة في نسبة الربح عن‬
‫نسبة ماله‪ ،‬كأن يتساويا في الربح او يزيد احدهما عن الخر‪،‬‬
‫لحتمال ان يكون عمله اكثر ومهارته افضل‪ ،‬فتكون الزيادة‬
‫مقابل ذلك‪.‬‬
‫ان يتفاوتا في رأس المال كما سبق في الصورة قبلها‪،‬‬ ‫‪-4‬‬
‫من كان رأس ماله أقل‪ ،‬على ان يتساويا‬ ‫ويكون العمل على َ‬
‫في الربح او تزيد نسبة ربح من كان قائما في العمل ‪،‬‬
‫فيصح ايضا‪ ،‬وتكون الزيادة مقابل عمله‪.‬‬
‫حت له اذا كانت‬‫ح لمن ص ّ‬‫وينبغي ان ينتبه الى ان الزيادة تص ّ‬
‫صصة له ‪ ،‬كأن يكون نصيبه كله نسبة‬ ‫في ضمن نسبة الربح المخ ّ‬
‫مئوية من الربح العام‪ ،‬خمسين بالمائة مثل او ستين او اكثر او‬

‫)‪(56‬‬
‫ل‪ ،‬أما أن يعطي نسبة مستقلة من الربح مقابل عمله‪ ،‬او ان‬ ‫اق ّ‬
‫يعطي قدرا ً معينا ً – كألف مثل كل شهر ونحو ذلك – فل يصح‬
‫باتفاق الفقهاء‪.‬‬
‫وعلى هذا يتبين لنا فساد الكثير من عقود الشركات التي‬
‫صصون فيها لبعض الشركاء – سواء‬ ‫يقوم بها الناس‪ ،‬والتي يخ ّ‬
‫أكان مستقل ً بالعمل أم شريكا مع غيره من الشركاء – راتبا ً‬
‫شهريا ً مقطوعا ً من الشركة غير نصيبه من الربح‪ ،‬او نسبة‬
‫متميزة من الربح‪ ،‬كالربع – مثل – او النصف مقابل عمله ‪ ،‬ثم‬
‫يقاسم بعد ذلك الشركاء فيما تبقى بنسبة رأس ماله‪ .‬وليحذر‬
‫هؤلء المخالفون من عقاب الله تعالى‪ ،‬وليعلموا ان الكسب من‬
‫عقد فاسد كسب خبيث ل يبارك الله تعالى فيه‪.‬‬
‫هذا ول نرى مانعا من العمل بما قاله الحنفية والحنابلة‬
‫رحمهم الله تعالى‪ ،‬لسيما في هذه الزمان التي اصبح الناس ل‬
‫يرضون فيها بالقليل‪ ،‬ول يقنعون بربح يتوافق وما آتاهم الله‬
‫تعالى من مال‪ ،‬وان كان الورع ان يكون العمل متفقا عليه لدى‬
‫فقهاء المة‪ ،‬وهو الحوط في دين الله عّز وجل‪.‬‬

‫ما يترتب على صحة العقد من آثار‪:‬‬


‫حت وترتب على ذلك الثار‬
‫إذا توفرت شروط شركة الِعنان ص ّ‬
‫التالية‪:‬‬
‫‪ُ -1‬تطلق يد كل من الشركاء في مال الشركة‪ ،‬لنه وكيل عن‬
‫شركائه واصيل عن نفسه‪ ،‬ولكن يتقيد هذا الطلق بالُعرف‬
‫وعدم الضرار بالشركاء‪.‬‬
‫‪ -2‬وعليه ‪ :‬فل يبيع بالنسيئة – أي بتأجيل الثمن الى زمن معين‬
‫– ول بغير النقد الغالب في البلد كما ل يبيع ول يشتري بغبن‬
‫فاحش‪ ،‬ول يسافر بمال الشركة‪ ،‬إل إذا أذن له الشركاء في‬
‫شئ مما ُ‬
‫ذكر فإنه يصح تصرفه فيه‪ ،‬فإذا لم يأذنوا له به كان‬
‫تصرفه باطل‪.‬‬
‫‪ -3‬يجب العمل على الشركاء حسب التفاق‪.‬‬
‫‪ -4‬إذا اشترى أحدهم شيئا ً بمال الشركة – بالشرط المذكور‬
‫سابقا – كان الشراء للجميع‪ ،‬لنه وكيل عنهم‪ ،‬ال ان البائع‬
‫يطالب المشتري وحده‪ ،‬لن الشركاء الخرين غير كافلين‬
‫له‪.‬‬
‫فساد الشركة وما يترتب عليه‪:‬‬

‫)‪(57‬‬
‫علمنا ان للشركة شروطا اذا تحققت كان العقد صحيحا‪،‬‬
‫ل شئ منها كانت الشركة‬‫وترتبت عليه آثاره السابقة‪ ،‬واذا اخت ّ‬
‫فاسدة‪.‬‬
‫فإذا علم فسادها قبل البدء بأعمال الشركة لم يترتب على‬
‫ذلك شئ من آثار العقد وينبغي تجديد العقد على وجه صحيح اذا‬
‫اريد الستمرار بالشركة‪.‬‬
‫واذا تبين الخلل بعد البدء بأعمال الشركة وجب التوقف عن‬
‫الستمرار بذلك‪ ،‬وتجديد العقد على وجه صحيح إذا أريد‬
‫الستمرار بها وترتب على تبين فساد الشركة فيما مضى المور‬
‫التالية‪:‬‬
‫‪ -1‬يقسم ما ظهر من ربح على الشركاء بمقدار ما لكل من‬
‫رأس المال‪ ،‬لن الربح استفيد من المال‪ ،‬وقد تبين بطلن‬
‫الشركة‪ ،‬فيرجع الى الصل وهو المال‪ ،‬فتكون نسبة ربح ك ّ‬
‫ل‬
‫من الشركاء بنسبة مشاركته بالمال‪.‬‬
‫‪ -2‬يرجع كل شريك على الشركاء الخرين بُأجرة عمله من‬
‫اموالهم الخاصة‪ ،‬لنه تّبين انه كان اجيرا لهم وليس شريكا‪.‬‬
‫ل ما قام به الشركاء من تصرفات تعتبر نافذة ‪ ،‬لن كل ً‬‫‪ -3‬ك ّ‬
‫منهم تصرف بإذن من الخرين‪.‬‬

‫انتهاء عقد الشركة الصحيحة‪:‬‬


‫ينتهي عقد الشركة بأمور ‪ ،‬هي‪:‬‬
‫‪ -1‬فسخ عقد الشركة من قبل الشركاء أو بعضهم ‪،‬‬
‫فإن عقد الشركة عقد جائز‪ ،‬أي لكل من الشركاء ان‬
‫يفسخه متى شاء ‪ ،‬والفسخ إنهاء لها‪ ،‬فإذا كانا شريكين فقد‬
‫انتهت الشركة بينهما‪ ،‬وان كانوا اكثر وفسخ احدهم بقيت‬
‫الشركة في حق من لم يفسخ‪.‬‬
‫‪ -2‬موت الشركاء‪ ،‬فإذا مات الشركاء فقد انتهت الشركة‪،‬‬
‫مْلك عن المتعاقدين وخروجهم عن اهلية التصرف‪،‬‬ ‫لزوال ال ُ‬
‫لن الشركة تتضمن الوكالة كما علمنا ول تنتقل الى الورثة‪،‬‬
‫لن الورثة لم يتعاقدوا على الشركة‪ ،‬فإذا مات احد‬
‫الشركاء‪ :‬فإن كانا شريكين فقد انتهت الشركة ايضا‪ ،‬وان‬
‫كانوا اكثر من اثنين انتهت الشركة في حق من مات وحده‪،‬‬

‫)‪(58‬‬
‫وبقيت قائمة بين الشركاء الخرين ‪ ،‬لن الوكالة في حقهم‬
‫باقية‪ ،‬وتصرفهم جائز وصحيح‪.‬‬
‫ويكون الفسخ والنتهاء من تاريخ وفاة الشريك ولو لم يعلم‬
‫الشركاء الخرون ‪ ،‬لن الموت عزل حكمي عن الوكالة بالتصرف‬
‫‪ -3‬الجنون او الغماء‪ :‬فإذا جن احد الشركاء او اغمي عليه‬
‫فقد انفسخت الشركة في حقه وانتهت‪ ،‬لزوال العقل الذي‬
‫هو مناط التكليف ‪ ،‬لكن يشترط في الغماء ان يستغرق‬
‫وقت فرض صلة حتى تنفسخ به الشركة‪ ،‬فإن لم يستغرق‬
‫ذلك لم يؤثر‪.‬‬
‫ي‪ :‬فإن شاء اختار‬
‫وفي حال الجنون ينتقل الحكم الى الول ّ‬
‫قسمة المال‪ ،‬وان شاء اختار استئناف الشركة بعقد جديد‪.‬‬
‫واما في حال الغماء‪ :‬فإن ُرجي زواله عن قرب لم ينتقل‬
‫الحكم الى وليه‪ ،‬لنه ل يولي عليه في هذه الحالة‪ .‬فإذا افاق ‪:‬‬
‫فإن شاء اختار القسمة‪ ،‬وان شاء استأنف الشركة بعقد جديد ولو‬
‫بلفظ التقرير‪ .‬فإن ُأيس من افاقته عن قرب‪ ،‬او استمر اغماؤه‬
‫ثلثة ايام فأكثر انتقل الحكم الى ولّيه كما في الجنون‪ ،‬فإن شاء‬
‫اختار قسمة المال‪ ،‬وان شاء استأنف الشركة‪.‬‬

‫)‪(59‬‬
‫الباب الخامس‬

‫القراض‬
‫"المضاربة"‬

‫)‪(60‬‬
‫القراض‬
‫تعريفه‪:‬‬
‫القراض‪ :‬مشتق من القرض وهو القطع‪ ،‬سمى به هذا‬
‫العقد لن مالك المال يقطع من ماله جزءا ً يعطيه للعامل‬
‫يتصرف فيه‪ ،‬كما يقطع له جزءا ً من ربح هذا المال‪ ،‬ويسمى‬
‫مقارضة ‪ ،‬وهو المساواة ‪ ،‬لتساويهما في الربح‪.‬‬

‫والمضاربة‪ :‬مشتقة من الضرب في الرض وهو السفر‪،‬‬


‫ميت به هذه الشركة لن الغالب فيها السفر لجلب البضاعة‬
‫س ّ‬
‫وتسويقها وجلب الربح ونحو ذلك‪.‬‬
‫وهذه الشركة في ع ُْرف الفقهاء‪ :‬ان يدفع مالك المال مال‬
‫لغيره ليعمل به ويتجر فيه‪ ،‬على أن يكون الربح مشتركا ً بينهما‪،‬‬
‫ومن هنا سميت شركة‪ ،‬لشتراكهما في الربح‪.‬‬

‫مشروعيته‪:‬‬
‫دل على مشروعيته‬
‫هذا النوع من الشركة جائز ومشروع‪ّ ،‬‬
‫السّنة‪ ،‬وانعقد عليه إجماع المسلمين‪.‬‬
‫فقد روي عبدالله بن عباس رضى الله عنهما عن أبيه‬ ‫‪-‬‬
‫العباس بن عبدالمطلب رضى الله عنه ‪ :‬أنه كان إذا دفع‬
‫مال ً مضاربة اشترط على صاحبه‪ :‬أن ل يسلك به بحرا ً ‪ ،‬ول‬
‫ينزل به واديًا‪ ،‬ول يشترى به دابة ذات كبد رطبة ‪ ،‬فإن فعل‬
‫ذلك ضمن ‪ .‬فبلغ شرطه رسول الله صلى الله عليه وسلم‬
‫فأجازه ‪) .‬اخرجه البيهقي في كتاب القراض‪.(6/111 :‬‬
‫وعن صهيب رضى الله عنه ‪ :‬أن النبي صلى الله عليه‬ ‫‪-‬‬
‫ن البركة‪ :‬البيع إلى أجل ‪ ،‬والمقارضة‪،‬‬
‫وسلم قال‪" :‬ثلث فيه ّ‬
‫وخلط الب ُّر بالشعير للبيت ل للبيع"‪) .‬اخرجه ابن ماجه في‬
‫التجارات ‪ ،‬باب‪ :‬الشركة والمضاربة‪ ،‬رقم‪.(2289 :‬‬
‫وهذه الحاديث وان كان في سند كل منها ضعف ‪ ،‬لكنها‬
‫بمجموعها تقوي فتصبح مقبولة صالحة للحتجاج بها‪ ،‬ولسيما وقد‬
‫ايدها عمل الصحابة رضى الله عنهم وإجماعهم على مشروعية‬
‫هذا العمل‪.‬‬

‫)‪(61‬‬
‫وإليك نماذج من هذا العمل‪:‬‬
‫روى زيد بن أسلم عن أبيه أنه قال‪ :‬خرج عبدلله وعبيد الله‬
‫ابنا عمر بن الخطاب – رضى الله عنهم – في جيش الى العراق ‪،‬‬
‫فلما قفل مّرا على ابي موسى الشعري رضى الله عنه – وهو‬
‫أمير البصرة – فرحب بهما وسّهل ‪ ،‬ثم قال‪ :‬لو أقدر لكما على‬
‫أمر أنفعكما به لفعلت‪ .‬ثم قال‪ :‬بلى‪ ،‬هاهنا مال من مال الله‬
‫أريد أن أبعث به إلى أمير المؤمنين‪ ،‬فأسلفكماه‪ ،‬فتبتاعان به‬
‫متاعا ً من متاع العراق‪ ،‬ثم تبيعانه بالمدينة ‪ ،‬فتؤديان رأس المال‬
‫الى أمير المؤمنين ويكون الربح لكما‪ .‬فقال‪ :‬وددنا ذلك‪ .‬ففعل ‪،‬‬
‫وكتب الى عمر بن الخطاب أن يأخذ منهما المال‪ .‬فلما قدما باعا‬
‫فأربحا‪ ،‬فلما دفعا ذلك الى عمر قال‪ :‬أكل الجيش أسلفه مثل ما‬
‫أسلفكما؟ قال ‪ :‬ل‪ ،‬فقال عمر بن الخطاب ‪ :‬أبنا أمير المؤمنين‬
‫ديا المال وربحه ‪ .‬فأما عبدالله فسكت‪ ،‬واما عبيد‬ ‫فأسلفكما‪ ،‬أ ّ‬
‫الله فقال‪ :‬ما ينبغي لك يا أمير المؤمنين هذا‪ ،‬لو نقص هذا المال‬
‫دياه‪ ،‬فسكت عبدالله وراجعه‬ ‫او هلك لضمناه‪ .‬فقال عمر ‪ :‬أ ّ‬
‫عبيدالله ‪ ،‬فقال رجل من جلساء عمر ‪ :‬يا أمير المؤمنين لو‬
‫جعلته قراضا ً ‪ ،‬فقال عمر ‪ :‬قد جعلته قراضًا‪ ،‬فأخذ عمر رأس‬
‫المال ونصف ربحه‪ ،‬واخذ عبدالله وعبيد الله ابنا عمر بن الخطاب‬
‫نصف ربح المال‪.‬‬
‫ده‪ :‬ان عثمان –‬
‫وعن العلء بن عبدالرحمن عن ابيه عن ج ّ‬ ‫‪-‬‬
‫رضى الله عنه – اعطاه مال قراضا ً يعمل فيه‪ ،‬على أن‬
‫الربح بينهما‪.‬‬
‫)اخرجهما مالك في الموطأ‪ :‬اول كتاب القراض‪ ،‬باب‪ :‬ما‬
‫جاء في القراض‪ .2/687 :‬والبيهقي في السنن‪ :‬كتاب القراض‪:‬‬
‫‪.(6/111‬‬
‫وعن حكيم بن حزام رضى الله عنه ‪ :‬أنه كان يشرط على‬ ‫‪-‬‬
‫الرجل إذا اعطاه مال ً مقارضة يضرب له به‪ :‬ان ل تجعل‬
‫مالي في كبد رطبة ‪ ،‬ول تحمله في بحر‪ ،‬ول تنزل به بطن‬
‫مسيل‪ ،‬فإن فعلت شيئا من ذلك فقد ضمنت مالي‪) .‬اخرجه‬
‫البيهقي في السنن‪ :‬القراض‪.(6/111 :‬‬
‫فهذه الثار عن أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم‬
‫تدل على تعاملهم بالقراض‪ ،‬وجرت منهم على علم ومسمع من‬

‫)‪(62‬‬
‫غيرهم‪ ،‬ولم ينقل عن أحد منهم إنكار لها‪ ،‬فصار ذلك إجماعا ً على‬
‫مشروعيته‪.‬‬
‫وعلى هذا أجمعت المة في جميع العصار‪.‬‬

‫حكمة مشروعيته‪:‬‬
‫علمنا ان حكمة مشروعية الشركة عامة هو تنمية المال‪،‬‬
‫وتحقيق التعاون بين أفراد المجتمع‪ ،‬وتحقيق التكامل بين‬
‫من لديه المال‬‫القدرات والمكانيات والكفايات‪ ،‬بالستفادة م ّ‬
‫من لديه الخبرة‬
‫الكثير وقد تكون الخبرة لديه قليلة‪ ،‬والستفادة م ّ‬
‫ل‪ ،‬الى غير ذلك من الصور‪.‬‬‫الواسعة وربما كان المال لديه قلي ً‬

‫م‬
‫وهذا المعنى في الشركة عامة يوجد في المضاربة على ات ّ‬
‫وجه وأعلى نسبة‪ ،‬لما فيها من تحصيل المال اصل ً لمن ل يوجد‬
‫لديه غالبا‪ ،‬وتحقيق الفائدة لمن عنده المال ول خبرة عنده اص ً‬
‫ل‪،‬‬
‫فكانت الحاجة ماسة الى هذا النوع من الشركة‪ ،‬لتحقيق التعاون‬
‫والنفع بين هذين الصنفين من الناس ‪ ،‬ورعاية للمصلحة العامة‬
‫في الستفادة من وظيفة المال التي هي قوام معاش الناس‪،‬‬
‫والخبرة التي وهبها الله عز وجل لتسخر في أمور الناس‪:‬‬
‫"ورفعنا بعضهم فوق بعض درجات ليتخذ بعضهم بعضا سخريا"‪.‬‬
‫)الزخرف‪.(32 :‬‬

‫حكم عقد القراض‪:‬‬


‫عقد القراض والمضاربة وعقد جائز‪ ،‬أي غير لزم‪ ،‬بمعنى ان‬
‫كل من المتعاقدين – أي صاحب المال والعامل – له الحق ان‬
‫يفسخ هذا العقد‪ ،‬سواء ابدأ العامل بالتصّرف – أي الشراء والبيع‬
‫ونحو ذلك – ام لم يبدأ‪.‬‬
‫فإذا كان الفسخ قبل الشروع بالعمل لم يجز للعامل ان‬
‫يتصرف بشئ من راس المال‪ ،‬لنه تصرف في غير ملكه بغير‬
‫اذن مالكه‪.‬‬
‫وإذا كان الفسخ بعد الشروع بالعمل توقف العامل – أي‬
‫الشريك المضارب – عن شراء شئ جديد‪ ،‬ووجب عليه بيع ما‬
‫لديه من سلع بالنقد المتعامل به في البلد‪ ،‬واستيفاء الديون‬
‫العائدة الى هذه الشركة ‪ ،‬ثم يجري الحساب‪ ،‬ويسترد صاحب‬
‫المال رأس ماله‪ ،‬ويتقاسمان الربح بينهما حسب اتفاقهما‪.‬‬

‫)‪(63‬‬
‫أركان عقد المضاربة‪:‬‬
‫أركان عقد المضاربة ثلثة‪ :‬صيغة ‪ ،‬وعاقدان‪ ،‬ورأس مال‪.‬‬

‫‪ -1‬الصيغة‪ :‬وهي اليجاب والقبول بألفاظ تدل على الرضا‬


‫بهذا العقد وهذه الشركة‪.‬‬
‫فاليجاب ‪ :‬كقوله‪ :‬ضاربتك وقارضتك وعاملتك‪ ،‬وما يؤدي‬
‫هذه المعاني من اللفاظ كقوله‪ :‬خذ هذه الدراهم واتجر فيها‪ ،‬وما‬
‫يحصل من ربح بيننا مناصفة ‪ ،‬او ثلث لي وثلثان لك ‪ ،‬ونحو ذلك‪.‬‬
‫والقبول ‪ :‬أن يقول العامل المضارب‪ :‬قبلت ذلك ‪ ،‬أو‬
‫رضيت أو نحو ذلك مما يدل على الرضا بهذا‪.‬‬
‫ويشترط في الصيغة‪ :‬ان تكون منجزة‪ ،‬فل يصح تعليقها‬
‫على شرط‪ ،‬كإذا جاء رمضان فقد قارضتك ‪ ،‬ونحو ذلك‪.‬‬
‫كما يشترط ن يكون القبول متصل باليجاب عرفا‪ ،‬فلو فصل‬
‫بينهما سكت طويل او كلم ل علقة له بالعقد لم يصح‪.‬‬

‫‪ -2‬العاقدان ‪ :‬وهما صاحب المال والعامل‪.‬‬


‫ويشترط فيهما أهلية الوكالة والتوكيل‪ ،‬لن المالك‬
‫كل ‪ ،‬والعامل كالوكيل‪ ،‬إذ أن العامل يتصرف في مال‬ ‫كالمو ّ‬
‫صاحب المال بإذن منه‪ ،‬فلو كان أحدهما محجورا ً عليه لسفه –‬
‫ح العقد‪ ،‬وكذلك لو كان العامل‬ ‫أي لسوء تصرفه بالمال – لم يص ّ‬
‫أعمى ‪ ،‬لنه ليس أهل ً لن يكون وكيل ً في البيع والشراء وأعمال‬
‫التجارة ‪ .‬أما لو كان صاحب المال أعمى لم يضّر ذلك‪ ،‬لنه يصح‬
‫منه أن يوكل غيره بذلك‪.‬‬

‫‪ -3‬رأس المال‪ :‬ويشترط فيه‪:‬‬


‫‪ (1‬أن يكون من النقود ‪ ،‬كالدراهم والعملت المتعارفة اليوم‪،‬‬
‫سَلعا ً – تجارية‪ ،‬لن في ذلك‬‫ح أن يكون عروضا ً – أي ِ‬
‫ول يص ّ‬
‫غررا ً فاحشًا‪ ،‬إذ يصبح كل من الربح ورأس المال مجهو ً‬
‫ل‪،‬‬
‫ده‪.‬‬‫لن العرض تختلف قيمته بين يوم قبضه ويوم بيعه او ر ّ‬
‫والصل في عقد القراض أنه فيه غرر‪ ،‬لن العمل فيه غير‬
‫مضبوط‪ ،‬والربح غير موثوق به ‪ ،‬وإنما جاز لحاجة الناس‬
‫إليه كما بينا‪ ،‬فل يضاف إليه غرر آخر‪ ،‬ولذا يقتصر فيه على‬
‫ما يروج بكل الحوال وتسهل التجارة به ‪ ،‬وهو النقود‪.‬‬

‫)‪(64‬‬
‫ح‬
‫‪ (2‬ويشترط أن يكون رأس المال معلوم المقدار‪ ،‬فل تص ّ‬
‫المضاربة على مال مجهول القدر‪ ،‬كي ل يكون الربح‬
‫مجهو ً‬
‫ل‪.‬‬
‫مة‪،‬‬
‫ح المضاربة على مال في الذ ّ‬ ‫ان يكون معينًا‪ ،‬فل تص ّ‬ ‫‪(3‬‬
‫إل إذا أخرجه في مجلس العقد وعينه‪ ،‬وكذلك ل تصح على‬
‫دين له في ذمة العامل‪ ،‬إل إذا نقده في المجلس ايضًا‪.‬‬
‫‪ (4‬ان يكون مسّلما ً الى العامل‪ ،‬أي أن يكون في يد العامل‬
‫وهو وحده الذي يتصرف فيه‪ ،‬فل يصح اشتراط أن يكون‬
‫المال في يد المالك أو غيره‪ ،‬ليعطى العامل منه ثمن ما‬
‫يشتريه في كل صفقة‪ ،‬كما ل يصح ان يشترط عليه مراجعة‬
‫صاحب المال في كل تصرف‪ ،‬لنه قد ل يجده عند الحاجة‬
‫الى ذلك‪ ،‬فيكون في ذلك تضييق عليه وإضرار به‪.‬‬

‫شروط عقد المضاربة‪:‬‬


‫الطلق وعدم التقييد‪:‬‬ ‫‪-1‬‬
‫ح‬‫يشترط في المضاربة أن تكون مطلقة‪ ،‬أي ل تص ّ‬
‫المضاربة فيما اذا قّيد صاحب المال العامل بشراء شئ معين‬
‫ل‪ ،‬أو نوع معين من شخص معين كحنطة زيد‪،‬‬ ‫كهذه السجادة مث ً‬
‫أو من بلد صغير‪ ،‬كحنطة هذه القرية وهي صغيرة قليلة النتاج‪ ،‬أو‬
‫معاملة شخص بعينه‪ ،‬كالشراء من عمرو وبيعه‪ ،‬أو المتاجرة بشئ‬
‫يندر وجوده‪.‬‬
‫ول يشترط تعيين مدة للقراض ‪ ،‬فإن عّين مدة ل يتحقق‬
‫فيها الغرض أي ل يتمكن فيها من الشراء للبضاعة المطلوب‬
‫المتاجرة فيها‪ ،‬وكذلك بيعها وتسويقها ليحصل الربح الذي هو‬
‫المقصود من هذا التعامل‪ ،‬فسدت هذه الشركة‪.‬‬
‫مدة ً يتمكن فيها من الشراء‪ ،‬ومنعه من الشراء‬‫ن ّ‬
‫وإن عي ّ َ‬
‫ح ذلك‪ ،‬لحصول السترباح بالبيع‬
‫بعدها ولم يمنعه من البيع ص ّ‬
‫الذي له فعله بعد تلك المدة‪.‬‬
‫اشتراكهما في الربح واختصاصهما به‪:‬‬ ‫‪-2‬‬
‫يشترط ان يكون الربح مشتركا بين صاحب المال‬
‫والعامل ‪ ،‬ليأخذ المالك نماء ماله والعامل ثمرة جهده‪ ،‬فيملك‬
‫صاحب المال الربح بملكه والعامل بعمله‪ ،‬فلو شرط الربح‬

‫)‪(65‬‬
‫لحدهما خاصة فسدت الشركة ‪ ،‬لمخالفة هذا الشرط لمقتضى‬
‫العقد‪.‬‬
‫ولو شرط ان يكون الربح كله للعامل فسد العقد‪ ،‬وكان‬
‫الربح كله لصاحب المال‪ ،‬واستحق العامل اجرة مثله‪ ،‬لنه عمل‬
‫طامعا ً في المنفعة والربح‪.‬‬
‫ولو شرط ان يكون الربح كله لصاحب المال فسد العقد‬
‫ايضًا‪ ،‬ولم يكن للعامل شئ ‪ ،‬لنه يعتبر متبرعا ً في هذه الحالة‬
‫بالعمل‪ ،‬إذ لم يكن لديه طمع في أن يحصل على شئ من الربح‪.‬‬
‫ويشترط ان يكون نصيب كل منهما من الربح‬
‫معلوم القدر بالجزئية ‪ ،‬أي ان يكون نصيبا شائعا معلوما‪،‬‬
‫كالربع مثل‪ ،‬او خمسين في المائة‪ ،‬او اكثر او اقل‪.‬‬
‫فل يصح العقد اذا لم يكن نصيب كل منهما من الربح‬
‫معلوما‪ ،‬لن الربح في هذا العقد هو المقصود‪ ،‬فهو محل العقد‪،‬‬
‫أي المعقود عليه‪ ،‬وجهالة المعقود عليه توجب فساد العقد‪،‬‬
‫كجهالة المبيع في البيع‪.‬‬
‫ح العقد إذا كان الربح المشروط لحدهما قدرا ً‬
‫وكذلك ل يص ّ‬
‫معينا بالعدد‪ ،‬كأن يشرط ان يكون لحدهما ألف مثل من الربح‪ ،‬او‬
‫اكثر او اقل‪ ،‬لحتمال ان ل يكون الربح كله اكثر من هذا المقدار‪،‬‬
‫فيختص به من شرط له‪ ،‬فل يتحقق اشتراكهما في الربح‪ ،‬فل‬
‫تكون شركة‪ ،‬ول يكون التصّرف قراضا او مضاربة‪ ،‬فيفسد العقد‪،‬‬
‫وفي هذه الحالة يكون الربح كله لصاحب المال ‪ ،‬ويكون للعامل‬
‫اجرة مثله‪.‬‬
‫وكذلك الحال لو شرط للعامل نصيب جزئي من الربح‬
‫ومقدار معين منه‪ ،‬كأن يشرط له راتب شهري قدره الف – مثل‬
‫– وخمسة في المائة من الربح‪ ،‬للمعنى المذكور قبله‪ ،‬واحتمال‬
‫أن ل يكون الربح أكثر مما عّين له‪.‬‬
‫وعليه يتّبين فساد الكثير من تصرفات الناس في هذا‬
‫الزمن‪ ،‬حيث يتعاقدون مع من يعمل بأموالهم ‪ ،‬على ان يتقاضى‬
‫راتبا شهريا معينا‪ ،‬ويكون له نسبة معينة من الرباح عند الجرد‬
‫السنوي او غيره‪.‬‬
‫وكذلك يشترط أن يكون الربح خاصا بهما‪ ،‬أي بصاحب المال‬
‫والعامل‪ ،‬ول يجوز ان يشرط جزء منه لغيرهما‪ ،‬ال اذا شرط عليه‬

‫)‪(66‬‬
‫مل َْين أو‬
‫ان يعمل مع العامل‪ ،‬فيكون قراضا بين صاحب المال وعا ِ‬
‫أكثر‪.‬‬
‫استقلل العامل بالتصّرف والعمل‪:‬‬ ‫‪-3‬‬
‫ح المضاربة إذا شرط فيها ان أيشارك صاحب المال‬ ‫فل تص ّ‬
‫العامل ي العمل والتصرف ‪ ،‬لن شرط ذلك يعني بقاء المال‬
‫على يد صاحب المال‪ ،‬وقد علمنا انه يشترط ان يكون المال في‬
‫يد العامل‪.‬‬
‫فإذا لم يشرط ذلك ‪ ،‬واستعان العامل بصاحب المال في‬
‫العمل‪ ،‬جاز ذلك‪ ،‬لن الستعانة به ل توجب خروج المال من‬
‫العامل إليه‪.‬‬
‫يد العامل المضارب‪:‬‬

‫العامل المضارب يده يد أمانة على المال الذي استلمه ‪،‬‬


‫وكذلك السلع التي اشتراها به أو بجزء منه‪ ،‬والمراد بيد المانة‪:‬‬
‫دى أو‬‫انه ل يضمن ما تلف في يده من اموال المضاربة ال اذا تع ّ‬
‫قصر في واجبه‪ ،‬وذلك بخلف من كانت يده يد الضمان على ما‬
‫في يده ‪ ،‬فإنه يضمن مطلقا‪ ،‬سواء اقصر ام لم يقصر‪ ،‬تعدى ام‬
‫لم يتعد‪.‬‬
‫دي أن يفعل ما ليس له فعله‪ ،‬مما سنذكره بعد‬
‫ومن التع ّ‬
‫قليل‪.‬‬
‫الخسارة على صاحب المال‪:‬‬

‫ولما كانت يد المضارب يد أمانة كانت الخسارة عند انتهاء‬


‫المضاربة على صاحب المال وحده‪ ،‬وليس على العامل منها‬
‫شئ‪ ،‬لنها في حكم تلف بعض مال المضاربة‪ ،‬وهو غير ضامن‬
‫لذلك طالما انه لم يتعد ولم يقصر‪.‬‬
‫ما ليس للمضارب فعله‪:‬‬

‫هناك ُأمور ل بدّ للمضارب من التزامها وعدم مخالفتها ‪،‬‬


‫ومنها‪:‬‬

‫‪ -1‬أن ل يشتري للقراض بأكثر من رأس المال المدفوع إليه‬


‫ض ان يشغل‬ ‫وما يحصل معه من ربح‪ ،‬لن المالك لم ير َ‬
‫ذمته بأكثر من ذلك ‪.‬‬

‫)‪(67‬‬
‫‪ -2‬ل يسافر بالمال إل بإذن من صاحبه‪ ،‬لن السفر يغلب فيه‬
‫الخطر على المال‪ ،‬فإن اذن له جاز بحسب الذن ان قّيده‪،‬‬
‫وإن أطلق الذن سافر الى البلد المأمونة بحسب ما جرت‬
‫به عادة التجار‪.‬‬
‫‪ -3‬ل يبيع بالنسيئة ‪ ،‬أي بتأجيل الثمن الى أجل ‪ ،‬إل إذا أذن له‬
‫المالك بذلك‪ ،‬لحتمال تلف المال في هذا‪.‬‬
‫‪ -4‬ل يجوز له ان يقارض عامل ً آخر ليشاركه في العمل والربح‬
‫على الصح‪ ،‬حتى ولو أذن له صاحب المال بذلك‪ ،‬لن‬
‫موضوع القراض‪ :‬أن يكون أحد العاقدين مالكا ً ل عمل له‪،‬‬
‫والخر عامل ً ل ملك له ‪،‬ومقارضة العامل لخر على خلف‬
‫ذلك‪ ،‬إذ إنه يجري بين عاملين ل ملك لهما‪.‬‬
‫فإذا حصل مثل ذلك كان العقد الثاني باط ً‬
‫ل‪ ،‬وبقى العقد‬
‫الول على صحته‪ ،‬فإن تصّرف العامل الثاني بما دفع له من مال‬
‫كان له ُأجرة مثله من صاحب المال ‪ ،‬وكأن ربح المال الذي دفع‬
‫له كله لصاحب المال‪ ،‬وليس للعامل الول منه شئ لنه لم يعمل‬
‫شيئا لتحصيله‪.‬‬
‫‪ -5‬ل ينفق على نفسه مال المضاربة حال القامة في بلده قول ً‬
‫واحدًا‪ ،‬لن العرف ل يقضي بذلك‪ ،‬ولن النفقة قد تستغرق‬
‫الربح كله‪ ،‬فيلزم من ذلك انفراد العامل به دون صاحب‬
‫المال‪ ،‬وهذا ينافي شروط هذا العقد‪ ،‬وإذا لم تستغرقه لزم‬
‫ص بجزء معين من الربح ‪ ،‬وهذا ينافيه ايضًا‪.‬‬
‫أن يخت ّ‬
‫والظهر أنه ليس له النفاق ايضا حال السفر‪ ،‬للمعنى‬
‫المذكور‪ .‬وقيل‪ :‬له ان يأخذ ما يزيد على النفقة بسبب السفر إذا‬
‫أنفق بالمعروف‪.‬‬
‫وقال الحنفية رحمهم الله تعالى‪ :‬له ان يأخذ جميع نفقته من‬
‫مال المضاربة إذا سافر‪ ،‬لنه اصبح بالسفر محبوسا ً لها‪ ،‬فاستحق‬
‫النفقة مقابل احتباسه‪.‬‬
‫ول نرى مانعا ً من ا لخذ بهذا الرأي إذا دعت الحاجة إليه ‪،‬‬
‫على أن يشرط ذلك في العقد ‪ ،‬لن شرط مثل ذلك في العقد‬
‫يفسده‪.‬‬

‫)‪(68‬‬
‫ما على العامل فعله‪:‬‬

‫على العامل ان يقوم بكل عمل يلزم للمضاربة إذا كان من‬
‫جار ونحوهم القيام به‬‫عادة أمثاله القيام به‪ ،‬أو كان من عادة الت ّ‬
‫بأنفسهم‪ ،‬حتى ولو لم يعتد هو بالذات فعل ذلك‪.‬‬
‫لجرة في‬‫فإذا استأجر على القيام بما يلزمه عرفا ً كانت ا ُ‬
‫ماله خاصة‪ ،‬ل في مال القراض ولو شرط على المالك الستئجار‬
‫ح العقد‪ ،‬لنه شرط ينافي مقتضى‬ ‫عليه من مال المضاربة لم يص ّ‬
‫العقد ‪ ،‬إذ أن مقتضاه أن غير المالك للمال هو الذي يقوم‬
‫بالعمل‪ ،‬وما ل يلزمه القيام به من العمل حسب العُْرف له ان‬
‫يستأجر عليه من مال المضاربة‪ ،‬لنه من تتمة التجارة ومصالحها‪،‬‬
‫والعُْرف ل يلزمه بالقيام به ‪ ،‬حى ولو اعتاد فعله ‪ ،‬ولكن لو قام‬
‫به بنفسه كان متبرعًا‪ ،‬ولم يجز له ان يأخذ اجرة مثله من مال‬
‫المضاربة‪ ،‬لنه يكون قد استأجر نفسه‪ ،‬وذلك غير صحيح‪.‬‬
‫متى يملك العامل حصته من الربح؟‬

‫إذا أستلم العامل رأس مال المضاربة وتصّرف به في البيع‬


‫والشراء ‪ ،‬وظهر فيه ربح بهذا التصرف‪ ،‬فالظهر أن العامل ل‬
‫يملك حصته من هذا الربح حتى ينض جميع المال‪ ،‬أي تباع السلع‬
‫جميعها ويعود المال نقدًا‪ ،‬ثم يتقاسم المالك والعامل الربح بعد‬
‫تمييز راس مال المضاربة منه‪ ،‬لنه من المحتمل ان تحصل‬
‫خسارة قبل القسمة‪ ،‬فُتجبر من الربح‪ ،‬لن الربح في هذه‬
‫الشركة وقاية للمال‪.‬‬
‫على أن حق العامل في هذا قبل القسمة مؤكد ‪ ،‬ولذا لو‬
‫أتلف المالك مال المضاربة او استرّده قبل القسمة غرم للعامل‬
‫نصيبه من الربح الذي ظهر ‪ ،‬ولو مات العامل كذلك قبل القسمة‬
‫ورث عنه هذا النصيب‪.‬‬

‫ما يطرأ على رأس المال من النقص‪:‬‬

‫من‬
‫إذا طرأ على رأس مال المضاربة بعد العقد نقص‪ ،‬ف ّ‬
‫يتحمل هذا النقص؟‬
‫للجواب على ذلك نقول‪ُ :‬ينظر‪:‬‬

‫)‪(69‬‬
‫فإن كان النقص قد طرأ قبل تصرف العامل به ودون تّعد‬ ‫‪-‬‬
‫منه أو تقصير‪ :‬فالصح أنه يكون من رأس المال‪ ،‬ويتحمله‬
‫المالك‪ ،‬لن عقد المضاربة يتأكد بالعمل والتصرف‪ ،‬وذلك لم‬
‫يحصل بعد‪.‬‬
‫وان طرأ النقص بعد التصرف ُينظر‪:‬‬ ‫‪-‬‬

‫فإن كان ذلك بسبب رخص السعار بعد الشراء به ‪ ،‬او عيب‬ ‫•‬
‫حدث كمرض في الحيوان او فساد في الثمار مثل‪ ،‬فهو‬
‫محسوب من الربح ومجبور به ما امكن قول ً واحدًا‪ ،‬لقتضاء‬
‫العُْرف ذلك‪ ،‬ولن الربح وقاية للمال كما علمنا‪.‬‬

‫وان كان ذلك النقص حصل بسبب آفة سماوية كحريق او‬ ‫•‬
‫غريق ونحو ذلك‪ ،‬او غصب او سرقة ‪ ،‬فالصح – أيضا ً – أنه‬
‫يحسب من الربح وُيجبر به‪.‬‬
‫انتهاء عقد المضاربة‪:‬‬

‫ينتهي عقد المضاربة بأمور ‪ ،‬هي‪:‬‬


‫‪ -1‬الفسخ‪ :‬فقد علمنا ان عقد القراض عقد جائز‪ ،‬لك ّ‬
‫ل من‬
‫المالك والعامل فسخة متى شاء‪ ،‬قبل تصّرف العامل او‬
‫بعده ‪ ،‬وسواء اكان الطرف الخر حاضرا ً ام غائبا ً ‪ ،‬رضى او‬
‫ض‪.‬‬
‫لم ير َ‬
‫فإذا فسخه احدهما او كلهما فقد انتهت المضاربة من تاريخ‬
‫الفسخ‪ ،‬ولو لم يعمل الخر بذلك‪ ،‬ويحصل بقول المالك ‪ :‬فسخت‬
‫القراض أو أبطلته‪ ،‬او ل تتصرف بعد الن ‪ ،‬ونحو ذلك‪.‬‬
‫وليس للعامل بعد الفسخ ان يشتري شيئا ً من مال المضاربة‬
‫‪ ،‬ولو اشترى شيئا به قبل العلم لم ينفذ شراؤه ‪ ،‬ولو ان يبيع ما‬
‫عنده من عروض اذا توقع فيها ربحا ظاهرا ‪ ،‬وعيله ان يبيعها‬
‫ليصبح رأس المال نقودا ويظهر الربح‪ ،‬ان طلب المالك منه ذلك‬
‫كما يلزمه استيفاء الديون الراجعة لمال القراض‪.‬‬
‫‪ -2‬موت أحد المتعاقدين‪ :‬لن من شرطها اهلية التوكيل كما‬
‫علمت‪ ،‬وبالموت تبطل الوكالة‪ ،‬ولكن لو مات المالك كان‬
‫ض المال‪ ،‬أي يصبح نقودا‪ ،‬بغير‬
‫للعامل بيع ما في يده لين ّ‬
‫إذن ورثة المالك ‪ ،‬استصحابا لذن المالك السابق‪ ،‬وليظهر‬

‫)‪(70‬‬
‫الربح‪ .‬بخلف ما لو مات العامل‪ ،‬فإنه ليس لورثته تنضيض‬
‫المال ال بإذن المالك‪ ،‬لنه لم يرض بتصرفهم‪ ،‬وانما رضى‬
‫بتصرف مورثهم‪.‬‬
‫‪ -3‬جنون أحد العاقدين أو إغماؤه‪ ،‬وإن زال ذلك عن‬
‫قرب‪ ،‬لن كل منهما لو قارن العقد لم يصح‪ ،‬فكذلك اذا طرأ‬
‫عليه قطعه‪ .‬ويقوم العامل بتنضيض المال لو كان الذي جن‬
‫أو أغمى عليه المال‪ ،‬وولى العامل بإذن المالك لو كان الذي‬
‫جن أو أغمي عليه العامل‪.‬‬
‫‪ -4‬هلك رأس مال المضاربة‪ :‬لنه محل العقد‪ ،‬فإذا هلك‬
‫لم يبق معنى للعقد‪ ،‬وسواء أكان ذلك التلف بآفة سماوية‬
‫كالحريق والغريق‪ ،‬ام بإتلف المالك‪ ،‬ام العامل ‪ ،‬ولكن‬
‫مت ِْلف هو المالك‪.‬‬
‫يستقر نصيب العامل فيما اذا كان ال ُ‬
‫فإذا كان المتلف هو العامل‪ :‬فإذا لم ُيؤخذ منه البدل انتهت‬
‫المضاربة‪ ،‬وأن ُأخذ منه البدل استمرت ‪ .‬وكذلك المر إذا اتلفه‬
‫غيرهما‪ :‬إن لم يؤخذ منه بدل انتهت المضاربة‪ ،‬وإن ُأخذ منه بدل‬
‫لم تنته‪.‬‬
‫والمطالب بالبدل في هذه الحالة‪ :‬المالك إن لم يكن ربح‪،‬‬
‫فإن كان ربح كانت المطالبة للمالك والعامل‪ ،‬لنهما مشتركان‬
‫في البدل‪.‬‬
‫اختلف العامل والمالك‪:‬‬

‫‪ -1‬لو اختلف العامل والمالك في الربح‪ ،‬فقال العامل لم أربح‬


‫دق العامل بيمينه‪ ،‬لن الصل‬ ‫شيئًا‪ ،‬أو‪ :‬لم أربح إل كذا‪ُ ،‬‬
‫ص ّ‬
‫دعى غلطا ً في‬
‫عدم الربح‪ .‬فإذا اقّر بربح قدر معين‪ ،‬ثم أ ّ‬
‫ما أقّر به من حق‬ ‫الحساب‪ ،‬لم يقبل قوله‪ ،‬لنه رجوع ع ّ‬
‫لغيره‪ ،‬فل يقبل‪.‬‬
‫‪ -2‬ولو اختلفا في شئ‪ :‬فقال المالك‪ :‬اشتريته للقراض‪ ،‬وقال‬
‫دق العامل ايضا‬
‫ص ّ‬
‫العامل‪ :‬اشتريته لنفسي‪ ،‬او بالعكس‪ُ ،‬‬
‫بيمينه ان كان الشراء في الذمة‪ ،‬لنه مؤتمن ‪ ،‬وهو أدرى‬
‫بقصده‪ ،‬ولو كان الشراء بعين مال القراض‪ :‬فإنه ل يقبل‬
‫قوله ولو نواه لنفسه‪ ،‬فيقع المشتري للقراض‪.‬‬
‫دق العامل‬
‫‪ -3‬ولو أختلفا في قدر رأس المال أو جنسه‪ ،‬فالمص ّ‬
‫ايضا بيمينه ‪ ،‬لن الصل عدم دفع زيادة عليه‪.‬‬

‫)‪(71‬‬
‫‪ -4‬ولو أختلفا في دعوى تلف رأس المال ‪ :‬فقال المالك‪ :‬تلف‬
‫دق‬
‫بتعد ّ او تقصير‪ ،‬وقال العامل ‪ :‬بل بل تعد ّ ول تقصير ‪ ،‬ص ّ‬
‫العامل بيمينه‪ ،‬لنه مؤتمن ‪ ،‬والصل عدم الخيانة والضمان‪.‬‬
‫ده ‪ ،‬والمالك‬
‫دعى العامل ر ّ‬‫‪ -5‬ولو اختلفا في رد ّ رأس المال‪ :‬فا ّ‬
‫ده‪ ،‬صدق العامل بيمينه‪ ،‬لنه مؤتمن ‪ ،‬وكل امين‬ ‫عدم ر ّ‬
‫صدق بيمينه‪.‬‬ ‫ادعى الرد على من ائتمنه ُ‬
‫‪ -6‬ولو ادعى المالك بعد تلف المال انه قرض‪ ،‬وادعى العامل انه‬
‫قراض‪ ،‬صدق المالك بيمينه‪ ،‬لن العامل اعترف بالقبض‬
‫وادعى سقوط الضمان‪ ،‬والصل عدم سقوطه‪.‬‬
‫ومثله‪ :‬لو ادعى العامل القراض‪ ،‬وادعى المالك التوكيل ‪،‬‬
‫صدق المالك بيمينه‪ ،‬لنه اعلم بقصده‪ .‬ول اجرة للعامل ‪،‬‬
‫لنه مقر بعدم استحقاق الجر‪.‬‬
‫‪ -7‬ولو اختلفا في المشروط له‪ :‬أهو الربع أم الثلث ونحو ذلك؟‬
‫دعاه ‪ ،‬لختلفهما في‬ ‫تحالفا ‪ ،‬أي حلف كل منهما على ما ا ّ‬
‫وض العقد مع اتفاقهما على صحته‪ ،‬فكل منهما مد ٍّع‬ ‫ع َ‬
‫ِ‬
‫دعى عليه‪ ،‬فيحلف كل منهما على إثبات دعواه ونفى‬ ‫وم ّ‬
‫دعوى الخر‪ ،‬فإذا حلفا كان للمالك جميع الربح لنه نماء‬
‫مْلكه‪ ،‬وللعامل اجرة مثل عمله‪ ،‬لنه ل يمكن رجوعه بعمله‪،‬‬
‫فيرجع بقيمته ‪ ،‬وهي ُأجرة المثل‪.‬‬

‫)‪(72‬‬
‫الباب السادس‬

‫الوديعة‬

‫)‪(73‬‬
‫عة‬
‫الوَدي َ‬
‫تعريفها‪:‬‬ ‫‪‬‬
‫هي – في اللغة – ترك الشئ عند غير صاحبه ليحفظه‪،‬‬
‫دع وهو الت َْرك‪ ،‬ورد‬
‫وتطلق على الشئ المتروك‪ .‬مشتقة من الوَ ْ‬
‫ن الله‬
‫معات‪ ،‬او ليختم ّ‬ ‫ج ُ‬
‫ن أقوام عن ودعهم ال ُ‬ ‫في الحديث‪" :‬لينتهي ّ‬
‫ن من الغافلين"‪) .‬مسلم‪ :‬في الجمعة‪،‬‬ ‫على قلوبهم ‪ ،‬ثم ليكون ُ ْ‬
‫باب‪ :‬التغليظ في ترك الجمعة‪ ،‬رقم‪.(865:‬‬
‫والمراد بقوله‪" :‬ودعهم الجمعات" أي صلة الجمعة‪ ،‬وتكرار‬
‫ذلك منهم‪.‬‬
‫وهي في الصطلح الشرعي‪ :‬تطلق ويراد بها الشئ‬
‫المودوع‪ ،‬كما تطلق بمعنى العقد وهو اليداع‪ ،‬وهذا هو المقصود‬
‫في الباب غالبًا‪ ،‬وهي بهذا المعنى‪ :‬توكيل في حفظ مملوك‪ ،‬او‬
‫محترم مخصوص‪ ،‬على وجه مخصوص‪.‬‬
‫ح تملكه شّرعا‪ ،‬كالعيان الطاهرة‬ ‫والمراد بالمملوك‪ :‬ما يص ّ‬
‫ح تمّلكه‬
‫والمباحة الستعمال‪ ،‬وبالمحترم المخصوص‪ :‬ما ل يص ّ‬
‫شرعًا‪ ،‬ولكن يصح وضع اليد عليه والختصاص به ‪ ،‬كالكلب‬
‫المعّلم‪ ،‬ومعنى محترم‪ :‬أي غير مأمور بإتلفه‪.‬‬
‫وسنوضح هذا عند الكلم عن أركان الوديعة‪.‬‬

‫مشروعيتها‪:‬‬ ‫‪‬‬
‫الوديعة مشروعة ‪ ،‬وقد د ّ‬
‫ل على مشروعيتها القرآن والسنة‬
‫والجماع‪:‬‬

‫اما القرآن‪:‬‬ ‫‪‬‬


‫فقوله تعالى‪) :‬إن الله يأمركم ان تؤدوا المانات الى اهلها(‬
‫ضكم بعضا ً فليؤد الذي‬
‫ن بع ُ‬
‫م َ‬
‫)النساء‪ (58 :‬وقوله تعالى‪" :‬فإن أ ِ‬
‫اؤتمن امانته"‪) .‬البقرة‪.(283 :‬‬
‫والمانة لفظ عام‪ ،‬يتناول كل ما اسُتحفظ عليه النسان من‬
‫دين او عين‪ ،‬والئتمان على العين هو الوديعة ‪ .‬وأداؤها يعني‪ :‬ان‬

‫)‪(74‬‬
‫يكون المؤتمن موضع حسن ظن من ائتمنه ‪ ،‬فيحفظ ما استودع‬
‫عنده او اؤتمن عليه‪ ،‬ويرده على صاحبه‪.‬‬
‫والمر برد ّ المانات وحفظها يتضمن الخبار بمشروعيتها‪.‬‬

‫وأما السّنة‪:‬‬ ‫‪‬‬


‫فما رواه ابو هريرة رضى الله عنه‪ :‬ان النبي صلى الله عليه‬
‫من خانك"‪.‬‬‫من ائتمنك ‪ ،‬ول ُتخن َ‬
‫وسلم قال‪" :‬أد ّ المانة الى َ‬
‫)اخرجه ابو داود في البيوع والجارات‪ ،‬باب‪ :‬في الرجل يأخذ حقه‬
‫من تحت يده‪ ،‬رقم‪ .3535 :‬والترمذي في البيوع‪ ،‬باب ‪ :‬حدثنا ابو‬
‫كريب‪ ، ..‬رقم‪.(1264 :‬‬
‫ووجه الستدلل بالحديث هو نفس الستدلل باليتين‪.‬‬
‫وروى انه صلى الله عليه وسلم كانت عنده ودائع لهل مكة‪،‬‬
‫فلما أراد الهجرة اودعها عند ام ايمن بركة الحبشية رضى الله‬
‫دها على أصحابها‪.‬‬‫عنها‪ ،‬وامر عليا ان ير ّ‬

‫وأما الجماع‪:‬‬ ‫‪‬‬


‫فقد اتفق علماء المسلمين في كل عصر – من لدن‬
‫الصحابة رضى الله عنهم الى يومنا هذا – على ان الوديعة جائزة‬
‫ومشروعة‪.‬‬

‫حكمة مشروعيتها‪:‬‬ ‫‪‬‬


‫واضح ان الحكمة من مشروعية الوديعة هي التيسير على‬
‫المسلمين‪ ،‬وتحقيق مصلحتهم ودفع الحرج والضرر عنهم‪ ،‬فهم‬
‫في حاجة شديدة لن يستعين بعضهم ببعض لحفظ امواله‪،‬‬
‫وصيانة امتعته‪:‬‬
‫فقد يكون لدى أحدهم مال‪ ،‬ول يكون عنده موضع امين‬
‫يحفظه فيه‪ ،‬او يكون عاجزا ً عن دفع اليدي الثمة عنه‪ ،‬ويكون‬
‫من عنده حرز لحفظ هذا المال‪ ،‬ول ُيصطلي له بنار‪ ،‬فل‬ ‫هناك َ‬
‫يجرؤ أحد من السفهاء أن يقترب من داره او مخزنه‪ ،‬فيستودعه‬
‫ماله‪.‬‬

‫)‪(75‬‬
‫وقد يكون أحدهم يريد سفرا ً لقضاء مصالحه‪ ،‬ول يأمن أن‬
‫يترك ماله وما لديه دون رعاية أو اشراف‪.‬‬
‫وكذلك قد يكون المرء في السوق‪ ،‬فيشتري من السلع ما‬
‫ددة‪ ،‬ول يتمكن من حمل هذه المتعة‬ ‫يحتاج اليه من مواضع متع ّ‬
‫من يحفظها له ألى أن‬
‫ول بها من مكان لخر‪ ،‬فيستودعها َ‬ ‫والتج ّ‬
‫يقضي عمله‪.‬‬
‫وكثيرا ما يقتني الناس سلعا‪ ،‬قد ل يحتاجونها الن‪ ،‬وإنما‬
‫يحتاجون اليها في مستقبل اليام‪ ،‬ول يجدون المكان الذي‬
‫يحفظونها فيه في دورهم ونحوها‪.‬‬
‫فالحاجة داعية في كل ما سبق الى اليداع والستيداع‪،‬‬
‫والله تعالى يقول‪" :‬يريد الله بكم اليسر ول يريد بكم العسر"‬
‫)البقرة ‪ . (185:‬فمشروعية الوديعة تيسير ومنعها عسر ‪ ،‬وهو‬
‫سبحانه يقول‪) :‬وتعاونوا على البر والتقوى ول تعاونوا على الثم‬
‫والعدوان( )المائدة‪ . (2:‬وفي مشروعيتها تعاون على البر ‪ ،‬ومنع‬
‫من الثم والعدوان ‪ ،‬والله تعالى أعلم‪.‬‬

‫حكمها‪:‬‬ ‫‪‬‬
‫يتناول الوديعة الحكام الخمسة‪ ،‬وهي‪:‬‬
‫الستحباب‪ :‬فالصل في الوديعة انها مستحبة ‪ ،‬أي‬ ‫‪-1‬‬
‫مندوبة ‪ ،‬وذلك إذا كان الوديع قادرا ً على حفظها‪ ،‬واثقا من‬
‫من هو مثله في المانة‬ ‫أمانة نفسه‪ ،‬وكان يوجد غيره م ّ‬
‫والقدرة على الحفظ‪ ،‬وذلك لما فيها من عون المسلم‬
‫لخيه‪ ،‬ورسول الله صلى الله عليه وسلم يقول‪ :‬والله في‬
‫عون العبد ما دام العبد في عون اخيه" ‪) .‬مسلم‪ :‬الذكر‬
‫والدعاء‪ ،‬باب‪ :‬فضل الجتماع على تلوة القرآن‪ ،..‬رقم‪:‬‬
‫‪.(2699‬‬
‫الوجوب‪ :‬ويصبح قبول الوديعة واجبا ً على الوديع‪ ،‬اذا‬ ‫‪-2‬‬
‫عرضت عليه وكان امينا واثقا من امانة نفسه وقدرته على‬ ‫ُ‬
‫حفظها‪ ،‬ول يوجد غيره مثله‪ ،‬لن في عدم قبوله لها تضييعا‬
‫للمال‪ ،‬وفي قبولها صيانة لمال غيره‪ ،‬ورسول الله صلى الله‬
‫عليه وسلم نهى عن اضاعة المال‪ ،‬وبّين حرمة مال المسلم‬
‫فقال‪" :‬حرمة مال المؤمن كحرمة دمه"‪ .‬فكما يجب على‬

‫)‪(76‬‬
‫المسلم ان يدافع عن اخيه ويصونه من ان يسفك دمه كذلك‬
‫يجب عليه ان يحافظ على ماله ان خاف ضياعه‪.‬‬
‫الكراهة‪ :‬وقد يكون قبول الوديعة مكروها في حق الوديع‪،‬‬ ‫‪-3‬‬
‫وذلك اذا كان امينا وقت عرضها عليه‪ ،‬ولكنه ل يثق ان يبقى‬
‫امينا في المستقبل ‪ ،‬فيكره له قبولها خشية الخيانة فيها‬
‫وتضييعها على مالكها‪.‬‬
‫التحريم‪ :‬أي يحرم على الوديع قبول ايداع ما عرض عليه‬ ‫‪-4‬‬
‫ايداعه‪ ،‬وذلك اذا كان يعلم من نفسه العجز عن حفظها‪ ،‬لن‬
‫في قبوله للوديعة – والحالة هذه – تضييعا لها‪ ،‬وتعريضها‬
‫للتلف ‪ ،‬فيدخل تحت النهي عن اضاعة المال‪.‬‬
‫الباحة‪ :‬بمعنى ان للوديع ان يقبل اليداع وله ان ل يقبل ‪،‬‬ ‫‪-5‬‬
‫ويستوى الحال بالنسبة اليه ‪ ،‬وذلك في حال انه ل يثق‬
‫بأمانته في المستقبل ‪ ،‬او كان عاجزا عن حفظ الوديعة ‪،‬‬
‫وعلم المالك المودع بحاله ‪ ،‬ورضى بإيداعها عنده‪.‬‬

‫أركان الوديعة وشروطها‬


‫لعقد الوديعة أركان ثلثة هي‪ :‬العاقدان ‪ ،‬والصيغة‪ ،‬والشئ‬
‫المودع‪ ،‬ولكل منها شروط‪:‬‬
‫دع ‪ ،‬والوديع‬‫‪ -1‬العاقدان‪ :‬وهما المودع المالك للشئ المو َ‬
‫ظ عليها‪.‬‬‫ف ُ‬
‫ح َ‬
‫وهو الذي تعرض عليه الوديعة وي ُْتست َ ْ‬
‫ل منهما‪ :‬اهلية التوكيل‪ ،‬لن الوديعة وكالة‬ ‫ويشترط في ك ّ‬
‫من‬ ‫ح دفع الوديعة إليه‪ ،‬وك ّ‬
‫ل َ‬ ‫ح توكيله ص ّ‬
‫من ص ّ‬ ‫في الحفظ فك ّ‬
‫ل َ‬
‫ح إيداعه عند غيره‪.‬‬
‫كل غيره ص ّ‬ ‫ح أن يو ّ‬
‫ص ّ‬
‫وسيأتي معنا في باب الوكالة‪ :‬أنه يشترط في الموكل‬
‫ح مباشرته التصّرف‬ ‫والوكيل أن يكون كل منهما عاقل ً بالغًا‪ ،‬تص ّ‬
‫كل فيه إن كان وكي ً‬
‫ل‪.‬‬ ‫ل‪ ،‬والذي وُ ّ‬ ‫كل فيه إن كان موك ّ ً‬ ‫الذي وَ ّ‬

‫ح أن يكون الصبي أو المجنون موِدعا ً أو وديعًا‪ ،‬لن‬ ‫فل يص ّ‬


‫ح‬‫كل ّ منهما ليس من أهل الوكالة لنه غير مكلف‪ ،‬وكذلك ل يص ّ‬
‫أن يكون المحجور عليه لسفه وديعًا‪ ،‬لن الوديعة تصّرف مالي ‪،‬‬
‫وهو محجور عليه فيه‪.‬‬

‫)‪(77‬‬
‫ح استيداع غير المسلم مصحفًا‪ ،‬لنه ل يم ّ‬
‫كن‬ ‫وكذلك ل يص ّ‬
‫سه‪ ،‬فلو أود َع َ أحد شيئا عند واحد من هؤلء فتلف‪،‬‬
‫من حمله وم ّ‬
‫صر في‬‫صر الوديع في الحفظ‪ ،‬لن الموِدع قد ق ّ‬ ‫لم يضمن ‪ ،‬وإن ق ّ‬
‫اليداع عنده‪.‬‬
‫‪ -2‬الصيغة‪ :‬وهي اليجاب والقبول‪ :‬وذلك بأن يقول المالك‬
‫الموِدع‪ :‬أودعتك هذا الثوب ‪ ،‬ويقول الوديع‪ :‬قبلت‪ ،‬ويمكن‬
‫دم كلم الوديع على كلم الموِدع‪ ،‬كأن يقول‪ :‬أوِدع‬
‫ان يتق ّ‬
‫عندي ثوبك هذا ‪ ،‬فيقول ‪ :‬أودعت‪.‬‬
‫ول يشترط ان يكون لفظ من العاقدين ‪ ،‬بل يكفي ان يكون‬
‫لفظ من أحدهما وفعل من الخر ‪ .‬فلو قال المودع ‪ :‬أودعت‬
‫كتابي هذا عندك‪ ،‬فأستلمه الوديع كفى ‪ .‬وكذلك لو قال الوِديع‪:‬‬
‫أودع عندي متاعك هذا‪ ،‬فدفعه إليه المودع المالك ولم يتكلم ‪،‬‬
‫حت الوديعة‪.‬‬
‫ص ّ‬
‫ول يشترط ايضا ً أن يكون صريحا ً في الوديعة‪ ،‬بل يكفي ان‬
‫يكون اللفظ كناية‪ ،‬مع نّية الوديعة ووجود قرينة تدل عليها‪ .‬كأن‬
‫يقول‪ :‬ضع لي هذا عندك ‪ ،‬او خذه أمانة‪ ،‬او أن َب ُْتك في حفظه ‪،‬‬
‫ويقبضه الوديع‪.‬‬
‫دع‪ :‬ويطلق عليه لفظ الوديعة في اكثر‬
‫‪ -3‬الشئ المو َ‬
‫الحيان‪.‬‬
‫ويشترط فيه أن يكون محترما ً ‪ ،‬أي مملوكا ً أو محرزا ً ‪ ،‬ولو‬
‫ول شرعًا‪ ،‬كحبات قليلة من الحنطة‬ ‫لم يكن ما ً‬
‫ل‪ ،‬أي غير متم ّ‬
‫ل‪ ،‬أو كان نجسًا‪ ،‬ككلب صيد أو زبل‪.‬‬ ‫مث ً‬

‫فلو كان غير محترم شرعًا‪ ،‬كخنزير او آلة لهو‪ ،‬فل يجوز‬
‫إيداعه ول استيداعه ‪ ،‬ول تنطبق عليه أحكام الوديعة‪.‬‬

‫ما يترتب على عقد الوديعة‪:‬‬ ‫‪‬‬


‫ح عقد الوديعة ترّتب عليه الحكام‬
‫إذا حصل اليداع وص ّ‬
‫التالية‪:‬‬
‫‪ -1‬وجوب حفظ الوديع لما ُأودع عنده‪ ،‬لن اليداع من‬
‫جانب المالك استحفاظ وائتمان ‪ ،‬ومن جانب الوديع التزام‬
‫بالحفظ ‪ ،‬فيلزمه ذلك لنه في حكم اشتراطه عليه‪،‬‬
‫والحديث يقول‪" :‬المسلمون على شروطهم" )الترمذي ‪:‬‬

‫)‪(78‬‬
‫الحكام‪ ،‬باب‪ :‬ما ذكر عن رسول الله صلى الله عليه وسلم‬
‫في الصلح‪ ،..‬رقم‪.(1352 :‬‬
‫وعلى الوديع أن يحفظ الوديعة في حرزِ مثلها‪ ،‬في مكان‬
‫ة‪ .‬وكذلك عليه ان يحفظها بنفسه‪ ،‬وليس له‬ ‫امين ُتحفظ فيه عاد ً‬
‫أن يحفظها بغيره كولده أو زوجته أو أجيره ‪ ،‬لن الموِدع قد‬
‫ض بأمانة غيره‬‫رضى بأمانته وان يجعل متاعه تحت يده‪ ،‬ولم ير َ‬
‫ويده‪ .‬فإذا أذن له المالك بحفظه بغيره جاز له ذلك ‪ ،‬وكذلك إذا‬
‫كان له عذر في هذا ‪ ،‬كما اذا طرأ له سفر او وقع حريق‪ ،‬ولم‬
‫يستطع رد ّ الوديعة إلى المالك ‪،‬أو وكيله أو القاضي ‪ ،‬فله ان‬
‫يدفعها الى من يحفظها‪.‬‬
‫‪ -2‬عقد الوديعة عقد جائز‪ :‬أي لك ّ‬
‫ل من العاقِد ِْين فسخه‬
‫متى شاء دون إذن العاقد الخر ‪ ،‬فللموِدع ان يسترد ّ‬
‫دها عليه ايضا متى شاء‪.‬‬ ‫الوديعة متى شَاء ‪ ،‬وللوديع ان ير ّ‬
‫دها له عند طلبه قدر‬‫فإذا طلبها المالك وجب على الوديع ر ّ‬
‫المكان ‪ ،‬لقوله تعالى‪" :‬إن الله يأمركم ان تؤدوا المانات‬
‫دها حمَلها إلى صاحبها‪،‬‬‫الى اهلها" )النساء‪ (58 :‬ول يعني ر ّ‬
‫وانما المراد ان يخلي بينه وبينها‪.‬‬
‫‪ -3‬صفة يد الوديع‪ :‬يد الوديع على الوديعة يد امانة ‪ ،‬أي ل‬
‫يضمنها اذا تلفت عنده ل اذا فرط في حفظها او تعدى عليها‬
‫‪ ،‬ودليل ذلك‪:‬‬
‫دع غير‬
‫قوله صلى الله عليه وسلم ‪" :‬ليس على المستو َ‬ ‫‪-‬‬
‫ل ضمان"‪) .‬اخرجه الدارقطني في البيوع‪ ،‬رقم‪.(167 :‬‬‫مغِ ّ‬
‫ال ُ‬
‫ولنه لو كان ضامنا ً لمتنع الناس عن قبول الودائع‪ ،‬فيكون‬ ‫‪-‬‬
‫في ذلك حرج على المة‪.‬‬
‫سن – وان كان قد التزمه –‬
‫مح ِ‬
‫ولن الوديع متبرع بالحفظ و ُ‬ ‫‪-‬‬
‫والله تعالى يقول‪) :‬ما على المحسنين من سبيل( )التوبة‪:‬‬
‫‪.(91‬‬
‫ولن يده على الوديعة تقوم مقام يد المالك ‪ ،‬فكان هلكها‬ ‫‪-‬‬
‫من يد المالك‪.‬‬
‫وعلى هذا ‪ :‬لو أودعه على انه ضامن مطلقًا‪ ،‬أو أنه غير‬
‫ضامن مطلقًا‪ ،‬لم يص ّ‬
‫ح اليداع‪.‬‬

‫)‪(79‬‬
‫متى ُتضمن الوديعة؟‬ ‫‪‬‬
‫علمنا أن الوديعة أمانة في يد الوديع‪ ،‬ل يضمنها اذا تلفت‬
‫بدون تعد ّ منه عليها‪ ،‬او تقصير في حفظها‪ ،‬هذا هو الصل ‪ ،‬وقد‬
‫تصبح مضمونة عليه في الحالت التالية‪:‬‬
‫‪ .1‬إذا أودعها عند غيره‪ ،‬بل اذن من المودع ول عذر‪ ،‬كما‬
‫سبق ‪ ،‬فإنها تصبح مضمونة عليه‪.‬‬
‫ح إيداعها‬
‫من ل يص ّ‬‫فإذا أودعها – في هذه الحالة – عند َ‬
‫من‬‫من أيهما شاء‪ ،‬فإن ض ّ‬‫عنده‪ ،‬فهلكت ‪ ،‬كان للمالك ان ُيض ّ‬
‫الثاني وكان جاهل ً بالحال رجع على الول بما ضمن‪ ،‬لنه وديع‬
‫د‪ ،‬فل يضمن ‪ .‬وأن كان عالما ً أن الذي أودع عنده ليس‬ ‫غير متع ّ‬
‫بمالك ‪ ،‬وإنما يودع عنده وديعة غيره وبدون إذنه ‪ ،‬لم يرجع عليه‬
‫بما ضمن ‪ ،‬لنه في هذه الحلة غاصب ل وديع‪.‬‬
‫‪ .2‬ترك الحفظ‪ :‬علمنا أن واجب الوديع حفظ الوديعة‪،‬‬
‫فإذا ترك ذلك‪ ،‬ثم هلكت الوديعة كان ضامنا ً لها‪،‬‬
‫ويكون ترك الحفظ بما يلي‪:‬‬
‫بنقل الوديعة من مكان الى مكان آخر دونه في الحرز‪ ،‬لن‬ ‫أ‪-‬‬
‫في ذلك تعريضا لها للتلف ‪ ،‬فإذا كان ما نلت اليه مساويا ً‬
‫لما نقلت منه في الحرز‪ ،‬او أحرز منه‪ ،‬فل ضمان عليه‪ ،‬لن‬
‫من رضى بحرز رضي بمثله ‪،‬ورضى بما هو احرز منه من‬ ‫َ‬
‫باب أولى ‪ ،‬إل إذا نهاه المودع عن نقلها ‪ ،‬أو كان الطريق‬
‫فيه خطر عليها‪ ،‬فإنه يضمن في الحالتين ان نقلها وتلفت ‪،‬‬
‫لن ذلك تعد ّ منه وتقصير‪.‬‬
‫ب‪ -‬ويكون ترك الحفظ ايضًا‪ :‬بترك دفع الخطار عنها وما يتلفها‪،‬‬
‫لن دفع مثل ذلك عن الوديعة واجب ما أمكن‪ ،‬لنه من‬
‫جملة حفظها‪ ،‬وذلك كما لو أودعه حيوانًا‪ ،‬فترك علفه أو‬
‫دة يموت مثله فيها ‪ ،‬فمات فإنه يضمنه ‪ ،‬سواء أمره‬ ‫سقيه م ّ‬
‫المالك بعلفه وسقيه أم سكت ‪ ،‬لن ذلك واجب عليه حقا لله‬
‫تعالى‪ ،‬وبه يحصل الحفظ الذي التزمه بقبوله اليداع‪.‬‬
‫وكذلك لو كانت الوديعة مما يحتاج الى تعريض للشمس‬
‫والريح كالصوف مث ً‬
‫ل‪ ،‬او وضع عقاقير لتحفظه‪ .‬فإن نهاه المالك‬
‫عن دفع ما يسّبب إتلف الوديعة‪ ،‬فترك ذلك وتلفت ‪ ،‬فإنه ل‬
‫يضمن على الصحيح‪ ،‬لن المالك هو الذي أذن في إتلف ما‬

‫)‪(80‬‬
‫يملك‪ .‬واذا كانت الوديعة حيوانا أثم بدفع التلف عنه ان امره‬
‫حرمة الروح ولم يضمن ‪.‬‬ ‫المالك بهذا‪ ،‬ل ُ‬
‫‪ .3‬استعمال الوديعة والنتفاع بها‪ :‬بأيّ وجه من وجوه‬
‫الستعمال والنتفاع‪ ،‬فيضمنها إذا تلفت ولو بعد ترك‬
‫دى باستعماله مْلك غيره بغير‬‫الستعمال والنتفاع‪ ،‬لنه تع ّ‬
‫دي ارتفع الحكم الصلي للوديعة وهو كونها أمانة‬ ‫إذنه‪ ،‬وبالتع ّ‬
‫في يده‪ ،‬فل يعود ال بتجديد للعقد‪ ،‬فإذا تلفت قبل تجديد‬
‫العقد كانت مضمونة عليه‪.‬‬
‫‪ .4‬السفر بالوديعة‪ :‬اذا طرأ للوديع سفر من بلد اليداع فليس‬
‫له أن يسافر بالوديعة ‪ ،‬لن واجبه حفظها في الحرز والسفر‬
‫دها‬
‫ليس من مواضعه‪ ،‬فيجب عليه – في هذه الحالة – ر ّ‬
‫على مالكها أو وكيله إن كان غائبا ً ‪ ،‬فإن كانا غائب َْين وجب‬
‫عليه ان يدفعها الى الحاكم ان كان يؤتمن عليها‪ ،‬وال دفعها‬
‫الى أمين يحفظها‪.‬‬
‫ذكر كان‬‫من ُ‬‫من يمكن دفعها اليه م ّ‬ ‫فإن سافر بها مع وجود َ‬
‫ضامنا ً لها‪ ،‬وإن لم يجد احدا منهم كان معذورا أن يسافر بها‪ ،‬لن‬
‫ً‬
‫من ل يؤتمن عليها‪.‬‬ ‫السفر بها أحوط في حفظها من تركها عند َ‬
‫من‬ ‫من طرأ له السفر هو حكم َ‬ ‫وهذا الذي ذكر في حق َ‬
‫ه أسباب الوفاة‪ ،‬فإن‬ ‫ضَرت ْ ٌ‬ ‫مرض مرضا ً يخاف منه الموت‪ ،‬ومن َ‬
‫ح َ‬
‫من يدفعها إليه أوصى بها ‪ ،‬وإل كان ضامنا ً لها إذا تلفت‬ ‫لم يجد َ‬
‫بعد الموت لنه يعّرضها للفوات على مالكها بترك ما ذكر‪ ،‬إذ قد‬
‫دعي الوارث أنها ملك موّرثه ‪ ،‬اعتمادا ً على الظاهر‪ ،‬لنها تحت‬ ‫ي ّ‬
‫وزته‪.‬‬ ‫ح ْ‬
‫يده وفي َ‬
‫‪ .5‬انكار الوديعة بغير عذر‪ :‬فإذا طلب المودع الوديعة ‪ ،‬فأنكر‬
‫الوديع أن له وديعة عنده‪ ،‬ثم تلفت ‪ ،‬فإنه يضمنها حتى ولو‬
‫عاد فاعترف بها بعد النكار ‪ ،‬لنه بإنكاره صار غاصبا ً لها‪،‬‬
‫ويد الغاصب يد ضمان‪ ،‬وقد ارتفع عقد الوديعة بالنكار ‪ ،‬فل‬
‫يعود ال بالتجديد‪.‬‬
‫فإن كان له عذر بالنكار فإنه ل يرتفع به عقد الوديعة ‪،‬‬
‫وتبقى امانة في يده‪ ،‬فإذا تلفت ل يضمنها ‪ ،‬وذلك كما إذا أجبر‬
‫المالك على طلبها غاصب او ظالم ‪ ،‬وعلم الوديع أنه إن اعترف‬
‫دها الملك وانتزعها منه غير المحق بأخذها ‪ ،‬فأنكرها‬‫بها استر ّ‬

‫)‪(81‬‬
‫ظاهرا ً دفعا ً للضرر عن المالك‪ ،‬ثم تلفت بعد هذا‪ ،‬فإنه ل‬
‫د‪.‬‬
‫يضمنها ‪ ،‬لنه غير متع ّ‬
‫دها بعد الطلب‪ :‬علمنا ان الوديعة عقد‬ ‫‪ .6‬المتناع من ر ّ‬
‫جائز ‪ ،‬ويترتب على ذلك ‪ :‬أن المودع له ان يفسخه ويطلب‬
‫دها‬
‫رد ّ الوديعة ‪،‬وفي هذه الحالة يجب على الوديع ان ير ّ‬
‫عليه فورًا‪ ،‬أي أن يخّلي بينه وبينها كما علمنا‪ .‬فإن امتنع عن‬
‫دى بحبس ملك‬ ‫خره من غير عذر ضمن‪ ،‬لنه تع ّ‬ ‫دها او أ ّ‬
‫ر ّ‬
‫خر ذلك لعذر‪: ،‬كأن طلبها‬ ‫غيره بغير عذر ول رضا ّ منه فإن أ ّ‬
‫دها عليه أن‬‫د‪ ،‬او خشى إن ر ّ‬ ‫في وقت ل يتمكن فيه من الر ّ‬
‫يغصبها منه متسّلط‪ ،‬ونحو ذلك‪ ،‬فإنه ل يضمن‪.‬‬
‫‪ .7‬خلط الوديعة بغيرها‪ :‬على الوديع أن يحفظ الوديعة في‬
‫حرز مثلها‪ ،‬دون أن يخلطها بماله او متاعه الذي ل تتميز‬
‫عنه إذا خلطت به‪ ،‬فإذا خلطها ‪ -‬او اختلطت بنفسها دون‬
‫دى بخلطها‪ ،‬والمالك لم‬ ‫قصد منه – فإنه يضمنها ‪ ،‬لنه تع ّ‬
‫ما اختلطت به او‬ ‫ض باختلطها بغيرها‪ .‬فإذا كانت تتمّيز ع ّ‬ ‫ير َ‬
‫خلطت ‪ ،‬كأن كانت دراهم فاختلطت بدنانير ‪ ،‬او نقود‬
‫سورية اختلطت بغيرها‪ ،‬فإنه ل يضمنها ‪ ،‬لسهولة تمييزها ‪،‬‬
‫فإن كان تمييزها صعبًا‪ -‬كما لو كانت قمحا فاختلطت بشعير‬
‫– فإنه يضمنها ‪ ،‬لعسر تمييزها ‪ ،‬فهو في حكم عدم التمييز‪.‬‬
‫وفي حال الضمان‪ :‬يضمن مثلها ان كانت مثلية ‪ ،‬أو قيمتها‬
‫إذا لم تكن مثلية ‪ ،‬ولكن يضمنها بأغلى القيم من يوم اليداع الى‬
‫وقت التلف كالمغصوب ‪ ،‬وتصبح ملكا ً له‪.‬‬
‫‪ .8‬مخالفة شرط الموِدع‪ :‬كما إذا أمره أن يحفظ الوديعة‬
‫بمكان معين أو بطريقة معينة ‪ ،‬فخالف في هذا وحفظها في‬
‫مكان غيره‪ ،‬أو بطريقة ُأخرى‪ ،‬فتلفت بسبب هذا التغيير ‪،‬‬
‫فإنه يضمنها ‪ ،‬لن التلف حصل من جهة مخالفته‪.‬‬
‫ومن ذلك ما إذا خالف ما هو المعتاد في الحفظ‪ ،‬كما لو‬
‫سرقت ‪،‬‬‫وضع على الصندوق قفلين‪ ،‬وقد كان يضع قفل ً واحدا ً ‪ ،‬ف ُ‬
‫فقيل‪ :‬إنه يضمن ‪ ،‬لنه بذلك اغرى السارق بنفاسة ما فيه ‪،‬‬
‫والصح أنه ل يضمن ‪ ،‬لن ما فعله مزيد احتياط في الحفظ‪.‬‬

‫الوديعة عند اثنين‪:‬‬ ‫‪‬‬

‫)‪(82‬‬
‫إذا أودع رجل وديعة عند اثنين‪:‬‬ ‫‪‬‬
‫فإن كانت مما ُيقسم – كالنقود مثل ً – فلهما أن يقسماها‪،‬‬
‫ويأخذ كل واحد منهما نصفه ويحفظه عنده‪ ،‬فإن دفعها أحدهما‬
‫ن نصفها‪ ،‬لن المالك رضى بحفظهما للجميع ولم‬ ‫م َ‬
‫ض ِ‬
‫للخر كاملة َ‬
‫يرض بواحد منهما‪ ،‬وقيل ‪ :‬ل يضمن لن المالك رضى بأمانتهما‪،‬‬
‫فكان لكل واحد منهما ان يدفعها للخر‪.‬‬
‫وإن كانت مما ل يقسم‪ :‬جاز لكل واحد منهما أن يدفعها الى‬
‫الخر‪ ،‬ول ضمان عليه قول ً واحدًا‪ ،‬لنه ل يمكن حفظها ال في‬
‫مكان واحد‪ ،‬والمالك يعلم أنهما ل يجتمعان على حفظها دائمًا‪،‬‬
‫فكان دفعه لها دليل على رضاه بحفظ احدهما‪.‬‬
‫إيداع الثنين عند واحد‪:‬‬
‫ة عند وديع واحد‪ ،‬ثم جاء أحدهما يطلب‬‫إذا أودع اثنان وديع ً‬
‫استردادها ‪ ،‬او استرداد نصيبه منها‪ ،‬فهل للوديع ان يجيبه الى‬
‫طلبه؟‬
‫والجواب‪ :‬انه ليس للوديع ان يدفع اليه شيئا منها ‪ ،‬لنهما‬
‫اتفقا على اليداع‪ ،‬فينبغي ان يتفقا في السترداد‪ ،‬فإذا اراد ان‬
‫يسترد نصيبه خاصة رفع المر الى القاضي‪ ،‬ليقسم الوديعة ويرد‬
‫اليه نصيبه‪.‬‬
‫انتهاء الوديعة‪:‬‬
‫دع للشئ المودع ‪ ،‬كما تنتهي‬
‫تنتهي الوديعة باسترداد المو َ‬
‫برد ّ الوديع له على المودع‪ ،‬وان كان يحرم على الوديع ردها حيث‬
‫وجب القبول ولم يرد المالك الرد‪ ،‬كما يكره حيث ندب القبول‬
‫ولم يرد المالك الرد‪.‬‬
‫كما تنتهي بموت المودع او الوديع ‪ ،‬لن العقد جرى بينهما‪.‬‬
‫جر على‬
‫ح ْ‬
‫وكذلك تنتهي بجنون احدهما او اغمائه ‪ ،‬وبال َ‬
‫المودع لسفه‪ ،‬وكذلك بالحجر على الوديع لفلس‪.‬‬
‫وتنتهي ايضا ً بنقل المالك ملكيتها إلى غيره ببيع او هبة او‬
‫نحو ذلك‪.‬‬

‫)‪(83‬‬
‫وبانتهاء الوديعة يرتفع حكمها‪ ،‬وفي حال انتهائها بغير‬
‫الرد او السترداد تصبح أمانة شرعية في يده كالضّالة ‪ ،‬فيجب‬
‫كنه من ذلك‪،‬‬ ‫دها لمالكها او ولّيه – ان عرفه – فورا عند تم ّ‬‫عليه ر ّ‬
‫ّ‬
‫وان لم يطلبها ‪ ،‬والمراد بالرد ّ هنا العلم بها أو بمحلها‪ ،‬فإن غاب‬
‫صر في هذا ضمنها ‪ ،‬ان‬ ‫دها للقاضي المين ‪ ،‬فإن ق ّ‬ ‫ذكر ر ّ‬‫من ُ‬
‫تلفت في يده بعد إنتهاء الوديعة‪.‬‬

‫)‪(84‬‬
‫الباب السابع‬
‫َ‬
‫اللقطة‬

‫)‪(85‬‬
‫اللقطَة‬
‫تعريفها‪:‬‬ ‫♦‬
‫اللقطة في اللغة – بضم اللم وفتح القاف – هي الشئ‬
‫قط أي المأخوذ من الرض‪ ،‬قال تعالى في شأن موسى‬ ‫الملت َ َ‬
‫عليه السلم‪) :‬فالتقطه آل فرعون‪) (...‬القصص‪(8:‬‬
‫وفي اصطلح الشرع‪ :‬هي مال أو اختصاص محترم‪ ،‬وجد‬
‫في مكان غير مملوك ‪ ،‬لم يحرز ول عرف الواجد مستحقه‪.‬‬
‫فقولنا‪) :‬اختصاص( أي شئ ل يملك شرعًا‪ ،‬ولكن يمكن أن‬
‫ل‪.‬‬ ‫ص به مكل ّ ٌ‬
‫ف ما‪ ،‬كالكلب مث ً‬ ‫يدخل تحت اليد ويخت ّ‬
‫وقولنا‪) :‬محترم( صفة للمال والختصاص‪ ،‬أي أن يكون‬
‫المال محترمًا‪ ،‬أي معتبرا ً شرعًا‪ ،‬فنحو آلت اللهو والخمر‬
‫والخنزير ليس بمال محترم‪ ،‬وكذلك مال الحربي‪ .‬والختصاص‬
‫المحترم نحو كلب صيد او حراسة ‪ ،‬فإذا لم يكن كذلك فليس‬
‫بمحترم‪.‬‬
‫وقولنا‪) :‬لم يحرز( أي ليس عليه علمات الحفظ والحراز‪،‬‬
‫وأنه وضع في هذا المكان لحفظه‪ ،‬أو أن المكان غير محرز‪ ،‬أي‬
‫محاطا ً ولم يتخذ لحفظ الشياء فيه‪.‬‬
‫ليس ُ‬

‫مشروعية اللتقاط‪:‬‬ ‫♦‬


‫اللتقاط مشروع‪ ،‬بدليل قوله صلى الله عليه وسلم حين‬
‫سئل عن ذلك‪" :‬اعرف وكاءها وعفاصها‪ ،‬ثم عّرفها سنة‪ ،‬فإن لم‬
‫تعرف فاستنفقها‪ ،‬ولتكن وديعة عندك ‪ ،‬فإن جاء طالبها يوما ً من‬
‫دها إليه"‪) .‬البخاري ‪ :‬اللقطة ‪ ،‬باب‪ :‬ضالة البل‪ ،‬رقم‪:‬‬
‫الدهر فأ ّ‬
‫‪ .2295‬ومسلم‪ :‬اول كتاب اللقطة‪ ،‬رقم‪.(1722 :‬‬
‫]وكاءها‪ :‬هو ما ُيربط به فم الكيس ونحوه‪ .‬عفاصها‪ :‬وعاءها‬
‫الموضوعة فيه‪ .‬عرفها‪ :‬ناد عليها واخبر الناس بأنك وجدت‬
‫لقطة ‪ .‬لم تعرف ‪ :‬أي صاحبها ‪ .‬فاستنفقها‪ :‬تملكها وتصرف بها‪.‬‬
‫ولتكن ‪ :‬أي قيمتها‪ :‬طالبها‪ :‬صاحب اللقطة[‪.‬‬

‫)‪(86‬‬
‫وهناك أحاديث أخرى تأتي خلل البحث‪.‬‬

‫حكمة التشريع‪:‬‬ ‫♦‬


‫ص به يصيبه شئ من‬ ‫ل شك أن من فقد شيئا ً يملكه او يخت ّ‬
‫الكرب على فقده‪ ،‬وقد يصعب على هذا النسان أن يتعّرف على‬
‫مكان وجوده‪ ،‬ويغيب عن ذهنه أين نسيه‪ ،‬وقد ل يعلم أين فقده‪،‬‬
‫من ل أمانة عنده فأخذه وضاع على‬ ‫وربما تعّرض لهذا الشئ َ‬
‫دى دون ان ينتفع به‪.‬‬ ‫س ّ‬‫صاحبه‪ ،‬وربما أسرع إليه التلف وذهب ُ‬
‫حة لديهم‪،‬‬ ‫ففي تشريع اللتقاط تيسير على الناس وتلبية حاجة مل ّ‬
‫فالملتقط ُيعين صاحب الشئ على العثور عليه‪ ،‬ويتعاون معه‬
‫ف اليدي الثمة عن أموال الناس‪ ،‬تحقيقا ً لقول الله عّز‬ ‫على ك ّ‬
‫وجل‪) :‬وتعاونوا على البّر والتقوى ول تعاونوا على الثم‬
‫والعدوان( )المائدة‪ . (2 :‬واستجابة لتوجيه رسول الله صلى الله‬
‫عليه وسلم ‪" :‬والله في عون العبد ما كان العبد في عون أخيه"‪.‬‬
‫مه‬
‫سّر به وزال غ ّ‬
‫وإذا تعّرف صاحب الشئ الضائع عليه ُ‬
‫وذهب كربه‪ ،‬فيكون للملتقط اجر عند الله عّز وجل ‪ ،‬كما اخبر‬
‫فس عن مسلم‬ ‫رسول الله صلى الله عليه وسلم اذ قال‪" :‬من ن ّ‬
‫ة من كربات يوم‬ ‫فس الله عنه ك ًْرب ً‬
‫ك ُْربة من ك َُرب الدنيا ن ّ‬
‫القيامة"‪.‬‬
‫وبهذا يعيش الناس آمنين مطمئنين ‪ ،‬يعلمون أن أموالهم‬
‫مصونة‪ ،‬حتى ولو ُفقدت منهم فستعود اليهم‪ ،‬تحملها النفوس‬
‫قيها أوفر ما كانت ‪،‬‬
‫البّية واليدي المينة ‪ ،‬لتوصيلها الى مستح ّ‬
‫فيسود الحب‪ ،‬ويكون الخاء والود‪.‬‬

‫حكمها‪:‬‬ ‫♦‬
‫إذا وجد المسلم لقطة – أي شيئا ساقطا ً على النحو الذي‬
‫عرفت – فهل يلتقطه او يتركه ؟ والجواب‪:‬‬
‫ب له اللتقاط إذا كان واثقا ً من أمانة نفسه‪ ،‬ويخشى‬
‫يستح َ‬
‫ان يضيع هذا الشئ على صاحبه إن لم يلتقطه‪ ،‬حفظا ً لمال أخيه‬
‫كما علمت‪.‬‬
‫فإن لم يخف عليها الضياع كان التقاطها مباحًا‪ ،‬له أن يأخذها‬
‫وله ان يدعها‪.‬‬

‫)‪(87‬‬
‫وإن تيقن ضياعها‪ ،‬لمعرفته بعدم وجود أمين غيره في ذاك‬
‫الموضع‪ ،‬وجب عليه التقاطها‪ ،‬لن حفظ مال المسلم واجب‪.‬‬
‫ول له‬‫ل‪ ،‬وخشي ان تس ّ‬‫وإن لم يثق بأمانة نفسه مستقب ً‬
‫نفسه أكلها‪ ،‬كره له التقاطها‪ ،‬وإن علم من نفسه الخيانة‪ ،‬وأنه إن‬
‫التقطها سيلتقطها لنفسه‪ ،‬ل ليحفظها على مالكها ومستحقها‪،‬‬
‫حرم عليه التقاطها ‪ .‬وفي هذا يقول صلى الله عليه وسلم ‪" :‬ل‬
‫يأوى الضالة إل ضال‪ ،‬ما لم يعرفها" )مسند احمد‪ ،4/360 :‬من‬
‫حديث جرير بن عبدالله رضى الله عنه(‪.‬‬
‫]والضالة‪ :‬هي الشئ الضائع‪ ،‬وإيواؤها التقاطها[‪.‬‬

‫لقطة الحيوان ولقطة غير الحيوان‪:‬‬ ‫♦‬


‫الشئ الضائع قد يكون حيوانا ً ‪ ،‬وقد يكون غير حيوان‪:‬‬

‫فإن كان حيوانا ً ُينظر‪:‬‬ ‫‪-1‬‬


‫‪ -1‬فإن كان مما يمتنع بنفسه – أي يحمي نفسه – من صغار‬
‫السباع‪ :‬اما لقوته كالفرس والبعير ‪ ،‬او لسرعة جريه‬
‫كالغزال والرنب‪.‬‬
‫فإن وجدها في صحراء لم يجز له التقاطها ‪ ،‬فقد جاء في‬
‫حديث خالد بن زيد رضى الله عنه ‪ :‬أنه سأل رسول الله صلى‬
‫الله عليه وسلم عن ضالة البل؟ فقال‪" :‬ما لك ولها ‪،‬دعها فإن‬
‫معها حذاءها وسقاءها‪ ،‬ترد الماء وتأكل الشجر حتى يجدها رّبها" ‪.‬‬
‫)البخاري‪ :‬اللقطة‪ ،‬باب‪ :‬ضالة الغنم‪ ،‬رقم‪ .(2296:‬أي تقوى‬
‫بخفها على قطع الصحراء‪ ،‬كما انها تمل كرشها ماء بما يكفيها‬
‫اياما‪ ،‬يتمكن فيها صاحبها من العثور عليها‪.‬‬
‫س على البل ما في معناها من الحيوانات التي تقدر‬‫وقي َ‬
‫على المتناع بنفسها من عدوها‪.‬‬
‫وحمل العلماء قوله صلى الله عليه وسلم هذا على التقاطها‬
‫للتمّلك ‪ ،‬وفي حال غلبة الظن ان صاحبها سيعثر عليها‪ ،‬لن‬
‫الغالب على أصحاب البل ونحوها إرسالها لترعى في الصحراء‬
‫بل راع‪ ،‬فالغالب أنها ليست بضائعة ‪ ،‬فل ينبغي التقاطها‪ ،‬ولذا‬
‫أجازوا التقاطها للحفظ ل للتمّلك زمن المن ‪ ،‬أي يلتقطها بقصد‬

‫)‪(88‬‬
‫ان يحفظها على صاحبها‪ ،‬ل ليتملكها ولو بعد تعريفها المدة‬
‫المطلوبة‪.‬‬
‫وان وجدها في بنيان من مدينة او قرية جاز له التقاطها‬
‫مطلقا ً ‪ ،‬لختلف حالها في البنيان عن الصحراء‪ ،‬إذ لم يعتد‬
‫الناس إرسالها في القرى والمدن لترعى وحدها‪ ،‬ولن من يمر‬
‫بها هنا كثير فيخشى عليها‪ ،‬بخلف الصحراء فإن المجتازين فيها‬
‫قلة‪.‬‬
‫وقد دل على ذلك قوله صلى الله عليه وسلم ‪" :‬ترد الماء‬
‫ل على ان ذلك‬ ‫وتأكل الشجر حتى يجدها رّبها" فإن سياقه يد ّ‬
‫يكون في الصحراء‪ ،‬حيث يوجد الماء والشجر ول يوجد من الناس‬
‫من يتعرض لها‪ ،‬وهذا المعنى ل يتحقق في المدن والقرى‪.‬‬
‫‪ -2‬وإن كان الحيوان ل يمتنع بنفسه‪ :‬إما لضعف ذاتي فيه‬
‫كالغنم ونحوها‪ ،‬وإما لعجز طارئ كبعير مريض او فرس‬
‫مكسور ‪ ،‬جاز التقاطه في الصحراء وغيرها ‪ ،‬وللتمّلك‬
‫وغيره‪.‬‬
‫ل على ذلك ‪ :‬ما جاء في حديث خالد بن زيد رضى‬ ‫وقد د ّ‬
‫ل عن ضالة الغنم؟ فقال‪:‬‬ ‫سئ ِ َ‬
‫الله عنه انه صلى الله عليه وسلم ُ‬
‫"خذها ‪ ،‬فإنما هي لك‪ ،‬أو لخيك ‪ ،‬أو للذئب" أي إما أن تأخذها‬
‫أنت وإما أن يأخذها غيرك وإما أن يأكلها الذئب‪.‬‬
‫س على الغنم غيرها مما في معناها من الحيوان الذي ل‬
‫وقي َ‬
‫يمتنع بنفسه‪.‬‬

‫وإن كان الشئ الضائع غير حيوان‪ :‬جاز‬ ‫‪-2‬‬


‫التقاطه مطلقا ً كالحيوان غير الممتنع‪ ،‬على‬
‫التفصيل الذي عرفته في حكم اللقطة من‬
‫حيث الوجوب وعدمه‪.‬‬
‫ل على ذلك أحاديث‪ :‬منها حديث زيد بن خالد رضى‬ ‫وقد د ّ‬
‫سئ ِ َ‬
‫ل عن‬ ‫الله عنه‪ ،‬وقد جاء فيه انه صلى الله عليه وسلم ُ‬
‫اللقطة‪ :‬الذهب او الوَِرق؟ فقال‪" :‬اعرف وكاءها وعفاصها‪ "..‬وقد‬
‫مر بك في مشروعية اللتقاط‪.‬‬ ‫ّ‬
‫صرة‬ ‫ُ‬
‫ي بن كعب رضى الله عنه قال‪ :‬اخذت ُ‬ ‫ومنها‪ :‬حديث أب ّ‬
‫فيها مائة دينا‪ ،‬فأتيت النبي صلى الله عليه وسلم ‪ ،‬فقال‪" :‬عرفها‬

‫)‪(89‬‬
‫حول" فعرفتها حول فلم اجد من يعرفها‪ ،‬ثم أتيته فقال‪" :‬عرفها‬
‫حول" فعرفتها فم اجد‪ ،‬ثم اتيته ثلثا فقال‪" :‬احفظ وعاءها‬
‫وعددها ووكاءها‪ ،‬فإن جاء صاحبها وال فاستمتع بها " فاستمتعت‪.‬‬
‫)البخاري‪ :‬اول كتاب اللقطة ‪ ،‬باب ‪ :‬واذا اخبره رب اللقطة‬
‫بالعلمة دفع اليه‪ ،‬رقم‪ .2294:‬ومسلم في اوائل كتاب اللقطة ‪،‬‬
‫رقم‪.(1723:‬‬

‫لُ ّ‬
‫قطة الحرم‪:‬‬ ‫♦‬
‫المراد بالحرم ‪ :‬مكة وما حولها من الماكن التي ُتعَرف‬
‫ل الصيد فيها ول قطع شجرها ونحو ذلك‪.‬‬ ‫بالحرم‪ ،‬والتي ل يح ّ‬
‫فإذا وجد المسلم فيها شيئا ً ساقطا ً – ينطبق عليه تعريف‬
‫ل له التقاطه ال بقصد الحفظ على مالكه‪ ،‬ول‬ ‫اللقطة – لم يح ّ‬
‫ل له تمّلكه ابد الدهر‪ ،‬لن الغالب ان يعود صاحبه الى مكة ولو‬‫يح ّ‬
‫بعد حين‪.‬‬
‫ل على ذلك ‪ :‬قوله صلى الله عليه وسلم في مكة يوم‬ ‫وقد د ّ‬
‫ل لقطتها ال لمنشد" أي معّرف على الدوام‪.‬‬‫الفتح‪" :‬ول تح ّ‬
‫)البخاري‪ :‬اللقطة ‪ ،‬باب ‪ :‬كيف تعرف لقطة اهل مكة ‪ ،‬رقم‪:‬‬
‫‪ .2301‬ومسلم‪ :‬الحج‪ ،‬باب‪ :‬تحريم مكة وصيدها‪ ...‬ولقطتها‪،‬‬
‫رقم‪.(1355:‬‬
‫وتلزمه القامة لتعريفها ‪ ،‬فإن أراد الرتحال عن مكة دفعها‬
‫من ينوب منابه‪ ،‬ليقوم بتعريفها ويحفظها لمالكها‪.‬‬
‫الى الحاكم او َ‬

‫الشهاد على اللتقاط‪:‬‬ ‫♦‬


‫الصح أن الشهاد على اللتقاط غير واجب‪ ،‬لنه لم يرد‬
‫المر به في أكثر أحاديث اللقطة‪ ،‬وإنما هو مستحب ولو كان‬
‫ل‪ ،‬ودرءا ً‬
‫ل‪ ،‬ليقطع على نفسه طريق الخيانة مستقب ً‬ ‫الملتقط عد ً‬
‫من أن يأخذها وارُثه بعد موته بحجة أنها كانت في يده‪.‬‬
‫من‬
‫ل على الستحباب قوله صلى الله عليه وسلم‪َ " :‬‬ ‫وقد د ّ‬
‫التقط لقطة فلُيشهد عليها ذا عدل او ذوَيْ عدل" )ابو داود‪:‬‬
‫اللقطة‪ ،‬باب‪:‬التعريف باللقطة‪ ،‬رقم‪.(1709:‬‬
‫فالتخيير في ان ُيشهد عدل ً أو عدلين يقتضي عدم الوجوب ‪،‬‬
‫ولو كان الشهاد واجبا ً لما اكُتفى بعدل واحد‪.‬‬

‫)‪(90‬‬
‫ويذكر للشهود بعض صفاتها ول يستوعبها ‪ ،‬ويكره له ان‬
‫يزيد في البيان‪ ،‬وإن خشي من الشهاد ان يعلم بها غير أمين‪،‬‬
‫فيأخذها منه ظلما ً ‪ ،‬امتنع عليه الشهاد ‪.‬‬

‫تعريف اللقطة‪:‬‬ ‫♦‬


‫إذا َوجد المرء شيئا ضائعا بمعنى اللقطة الذي عرفت ‪،‬‬
‫ُينظر‪:‬‬
‫فإن كان شيئا ً تافهًا‪ :‬أي ليس من شأن الناس عادة – إذا‬
‫فقدوه – ان يطلبوه ويبحثوا عنه ‪ ،‬كاللقمة والتمرة ونحو ذلك‪،‬‬
‫حسب ع ُْرف كل مكان وزمان‪ ،‬فإن الملتقط يتملك ذلك دون ان‬
‫يعرف به او يتعرف عليه‪.‬‬
‫مر‬
‫ل على ذلك‪ :‬حديث أنس رضى الله عنه قال‪ّ :‬‬ ‫وقد د ّ‬
‫النبي صلى الله عليه وسلم بتمرة في الطريق‪ ،‬قال‪" :‬لول أني‬
‫أخاف أن تكون من الصدقة لكلتها" ‪) .‬البخاري ‪ :‬اللقطة‪ ،‬باب‪:‬‬
‫اذا وجد تمرة في الطريق‪ ،‬رقم‪ .2299:‬ومسلم ‪ :‬الزكاة‪ ،‬باب‪:‬‬
‫تحريم الزكاة على رسول الله صلى الله عليه وسلم ‪ ،‬رقم‪:‬‬
‫‪.(1071‬‬
‫وإن كان شيئا ذا قيمة‪ :‬أي من شان الناس أن يطلبوه إذا‬
‫ل على ذلك‬ ‫فقدوه ويبحثوا عنه‪ ،‬كان على الملتقط تعريفه‪ ،‬د ّ‬
‫صريح الحاديث التي سبقت‪.‬‬
‫والصح أن التعريف واجب‪ ،‬سواء أكان اللتقاط بقصد‬
‫الحفظ فقط أم بقصد الحفظ ثم التمّلك‪.‬‬

‫كيفية التعريف ومدته ومكانه‪:‬‬ ‫♦‬


‫ل‪ :‬يتعرف على العين الملتقطة بما يمّيزها عن غيرها من‬ ‫او ً‬
‫من يدعيها وسأله عن صفاتها استطاع ان‬ ‫الصفات‪ ،‬بحيث إذا جاء َ‬
‫م ل؟ فإذا دفعها كان على يقين انه دفعها‬
‫يعرف هل هو صاحبها أ ْ‬
‫قها‪.‬‬
‫لمستح ّ‬
‫فيتعرف على وعائها إن كان لها وعاء‪ ،‬وعلى رباطه إن كان‬
‫له رباط ‪ ،‬وهي العفاص‪ ،‬والوكاء ‪ ،‬كما يعرف عددها إن كانت‬
‫ذات عدد‪ ،‬وجنسها ونوعها‪ ،‬وما الى ذلك من صفات كما ذكرت ‪،‬‬
‫تختلف باختلف الشئ‪.‬‬

‫)‪(91‬‬
‫ل على ذلك قوله صلى الله عليه وسلم ‪" :‬اعرف وكاءها‬ ‫د ّ‬
‫سئل عن لقطة الذهب والفضة‪ ،‬ومن‬ ‫دتها" وذلك انه ُ‬
‫وعفاصها وع ّ‬
‫شأنها أن تكون في وعاء مربوط ولها عدد‪ ،‬فيقاس على ذلك‬
‫غيره من الصفات التي تتميز بها الشياء وتّتضح‪.‬‬
‫ثانيًا‪ :‬إذا عرف صفاتها ومّيزاتها نادى عليها‪ ،‬ذاكرا ً بعض‬
‫صفاتها التي من شأنها ان تنّبه فاقدها إليها‪ ،‬ول يتوسع بذلك كي‬
‫دعيها ‪ ،‬وربما اخذها ظلما ً‬
‫من ل يستحقها في ّ‬‫ل يعرف صفاتها َ‬
‫وباط ً‬
‫ل‪.‬‬
‫ثالثًا‪ :‬إذا كان الشئ ذا بال كبير‪ ،‬يتأسف عليه فاقده زمنا ً‬
‫ل‪ ،‬عرفه سنة كما ثبت في النص‪ ،‬لنها لو كانت لمسافر‬ ‫طوي ً‬
‫يغلب أن ل يغيب عن مكان فقده اكثر من سنة‪ .‬يعرفه كل يوم‬
‫مرتين لمدة أسبوع‪ ،‬ثم كل يوم مرة اسبوعا ً آخر‪ ،‬ثم كل اسبوع‬
‫م سبعة اسابيع‪ ،‬ثم في كل شهر مرة‪.‬‬ ‫مرة ليت ّ‬
‫وزيد في اليام الولى لن الطلب يكون فيها أشد‪ ،‬وهذا‬
‫التحديد اجتهاد استحّبه العلماء‪ ،‬وإل فالمطلوب تعريف حسب‬
‫العادة‪ ،‬بحيث ينتبه صاحب الحق الى حقه ويصل إليه‪.‬‬
‫فإذا كان الشئ ليس ذا بال كبير‪ :‬فإنه ُيعّرف فترة يغلب‬
‫ل على ذلك قرائن‬ ‫ف عن طلبه‪ ،‬د ّ‬ ‫على الظن أن صاحبه يك ّ‬
‫الحوال التي وردت فيها الحاديث‪ ،‬فسؤال عن صّرة فيها مائة‬
‫دينار‪ ،‬وسؤال عن ذهب وفضة ‪ ،‬وسؤال عن ضالة الغنم والبل‬
‫ونحو ذلك‪ ،‬فكلها اشياء ذات قيمة‪ ،‬ل يكف فاقدها عن طلبها غالبا‬
‫في اقل من سنة‪ ،‬والله تعالى اعلم‪.‬‬
‫رابعًا‪ :‬يكون التعريف في الماكن العامة والسواق وعلى‬
‫أبواب المساجد ونحوها حيث يجتمع الناس ‪ ،‬ويكثر منه في موضع‬
‫وجودها‪ ،‬لن الغالب ان يطلبها فاقدها فيه‪.‬‬
‫ويكره ان يعرفها في المسجد ‪ ،‬لما فيه من رفع الصوت‬
‫والتشويش على المصّلين والذاكرين فيه ‪ ،‬وقد ورد الزجر عن‬
‫من سمع رجل ً ينشد ضالة في‬ ‫هذا بقوله صلى الله عليه وسلم ‪َ " :‬‬
‫دها الله عليك‪ ،‬فإن المساجد لم ت ُُب ّ ْ‬
‫ن لهذا" ‪.‬‬ ‫المسجد فليقل‪ :‬ل ر ّ‬
‫)اخرجه مسلم‪ :‬في المساجد‪ ،‬باب‪ :‬النهي عن نشد الضالة في‬
‫المسجد‪ ،...‬رقم‪.(568 :‬‬

‫)‪(92‬‬
‫ويستثنى من هذا المسجد الحرام‪ ،‬فإنه يجوز فيه‪ ،‬لن من‬
‫ينشدها في غيره مّتهم انه يفعل ذلك من اجل ان يتملك اللقطة‬
‫بعد تعريفها‪ ،‬وهذا المعنى غير موجود فيمن ينشد لقطة المسجد‬
‫الحرام‪ ،‬لن تعريفها لمصلحة مالكها وحفظها‪ ،‬اذ ان الملتقط‬
‫ليس له تمّلكها كما علمت‪.‬‬
‫هذا والذي نراه أن هذا الكلم ل ينطبق على النداء على‬
‫الضالة بالمكبرات الصوتية في هذه اليام ‪ ،‬التي ينادي بها‬
‫للصلوات‪ ،‬لن الصوت ل يكون في المسجد‪ ،‬وكل ما هنالك هو‬
‫استعانة بهذه المكبرات لنها توصل النداء الى أمكنة ل تصل إليها‬
‫أصوات الناس‪ ،‬ولعل الحاجة داعية الى ذلك ولسيما في المدن‬
‫التي اّتسعت رقعتها‪ ،‬وكثر ساكنوها ‪ ،‬مع كثرة النتقال بين احيائها‬
‫وبقاعها ‪ .‬فل داعي لستنكار هذا النداء وان كان الْولى الستغناء‬
‫م إل إذا كان نداًء من أجل ضياع طفل او طفلة ‪ ،‬فإننا‬ ‫عنه ‪ ،‬الّله ّ‬
‫نرى أنه قد يكون واجبًا‪ ،‬لما فيه من إحياء النفس ‪ ،‬ودفع ترويع‬
‫اهله عليه‪ ،‬وكفكفة دمعه الذي قد يطول حتى يعثر عليه اهله لول‬
‫هذا النداء‪ ،‬والله تعالى أعلم‪.‬‬

‫نفقة التعريف‪:‬‬ ‫♦‬


‫للملتقط ان يقوم بالتعريف بنفسه وله ان يقوم به بغيره‪،‬‬
‫فإن احتاج الى نفقة كانت هذه النفقة على المالك ‪ ،‬لنه لمصلحة‬
‫ملكه ‪ ،‬فإما أن يدفعها القاضي من بيت المال‪ ،‬وإما أن يقترض‬
‫من الملتقط أو غيره على المالك‪ ،‬أو يأمر الملتقط بدفعها ليرجع‬
‫بها على المالك‪ ،‬او يبيع جزءا ً منها في ذلك‪ ،‬فإن أنفق الملتقط‬
‫من ماله دون إذن الحاكم كان ذلك تبرعا ً منه‪ ،‬ل يلزم به المالك‬
‫إن ظهر‪.‬‬

‫أنواع ما يلتقط وكيفية التصّرف به‪:‬‬ ‫♦‬


‫اللقطة قد تكون حيوانا ً وقد تكون غير حيوان‪ ،‬وغير الحيوان‬
‫ل حكم‪:‬‬‫قد يكون مما يبقى وقد يكون مما يفسد ‪ ،‬ولك ّ‬
‫‪ -1‬فإن كان حيوانا ً ‪ :‬فإن شاء أبقاه وأنفق عليه بإذن الحاكم‬
‫‪ ،‬ليرجع على صاحبه عند ظهوره بما أنفق‪ ،‬فإن لم يجد‬
‫حاكما ً أشهد على ذلك‪ ،‬فإن انفق دون إذن ول إشهاد كان‬
‫متبرعا ً ‪ ،‬ليس له أن يرجع بما أنفق‪.‬‬

‫)‪(93‬‬
‫وإن شاء باعه بإذن الحاكم وحفظ ثمنه‪.‬‬
‫وله – إن أخذه في مكان ل يتسير فيه البيع – أن يتملكه حال ً‬
‫ثم يأكله‪ ،‬ويغرم قيمته – يوم تملكه – لصاحبه إن ظهر‪.‬‬
‫‪ -2‬وإن كان غير حيوان مما يسرع اليه الفساد‪ :‬فهو‬
‫مخّير بين أن يأكله ويغّرم قيمته‪ ،‬أو يبيعه بإذن الحاكم‬
‫ويحفظ ثمنه‪.‬‬
‫‪ -3‬وإن كان يبقى بعلج ‪ - :‬كتجفيف ونحوه – كرطب‬
‫فف‪ ،‬ولبن يصنع أقطًا‪ :‬وجب على الملتق أن يفعل ما هو‬ ‫يج ّ‬
‫الصلح للمالك والنفع من المور التالية‪ :‬أن يبيعه كله بإذن‬
‫الحاكم ويحفظ ثمنه‪ ،‬أو يعالجه ليبقى متبّرعا ً بعلجه ‪ ،‬فإن‬
‫لم يتبرع بذلك بيع بعضه – بإذن الحاكم – بقدر ما يعالج به‬
‫الباقي‪.‬‬
‫‪ -4‬وان كان مما يبقى ابدا ً بدون علج‪ :‬وجب عليه حفظه‬
‫مدة التعريف اللزمة‪ .‬ويبنغي ان ينتبه الى انه‪ :‬في الحالت‬
‫التي ُتباع فيها العين الملتقطة‪ ،‬ويحفظ فيها ثمنها‪ ،‬لبد من‬
‫استمرار التعريف بها المدة اللزمة‪ ،‬ويكون التعريف للعين‬
‫الملتقطة ل للثمن‪.‬‬

‫تمّلك اللقطة‪:‬‬ ‫♦‬


‫للملتقط ان يتمّلك العين الملتقطة إن كانت باقية – أو ثمنها‬
‫حال بيعها كما في الصور السابقة – بعد انتهاء مدة تعريفها‬
‫اللزمة‪ ،‬فإذا تمّلكها صارت مضمونة عليه‪ ،‬ويغّرم قيمتها لصاحبها‬
‫إن ظهر يوم تمّلكها ‪ ،‬اخذا ً من النصوص السابقة ‪" :‬ثم عّرفها‬
‫سنة ‪ ،‬فإن لم تعرف فاستنفقها‪."...‬‬
‫ويتملكها بلفظ صريح كقوله تملكت هذه ‪ ،‬او كناية – كأخذت‬
‫دة التعريف اكتفاء‬ ‫ونحوه – مع الّنية‪ ،‬وقيل‪ :‬يتمّلكها بمض ّ‬
‫يم ّ‬
‫بقصد التمّلك‪ ،‬ول يحتاج إلى لفظ يد الملتقط وحفظ اللقطة‪:‬‬
‫على الملتقط أن يحفظ اللقطة في حرز مثلها‪ ،‬وكذلك ثمنها‬
‫في حال بيعها‪ ،‬وهو غير ضامن لما يصيبها دون تعد ّ أو تقصير ‪،‬‬
‫لنه متبّرع بالحفظ ‪ ،‬وهذا م صّرحت به الحاديث ‪" :‬ولتكن وديعة‬
‫عندك"‪.‬‬

‫)‪(94‬‬
‫فهي غير مضمونة عليه خلل مدة التعريف وكذلك بعده إن‬
‫لم يتملكها ‪ ،‬فإذا تملكها أو تملك ثمنها صار ضامنًا‪ ،‬وعليه – كما‬
‫سبق – ان يغّرم قيمتها يوم التملك إن ظهر صاحبها‪.‬‬

‫دعيها‪:‬‬
‫دفع اللقطة الى م ّ‬ ‫♦‬
‫دعي اللقطة وأنها ملكه سأله الملتقط عن‬ ‫من ي ّ‬
‫إذا جاء َ‬
‫أوصافها‪ ،‬فإن وصفها وأحاط بجميع أوصافها‪ ،‬وغلب على ظن‬
‫الملتقط صدقه جاز له أن يدفعها إليه عمل ً بقوله صلى الله عليه‬
‫وسلم ‪" :‬فإن جاء صاحبها ‪،‬وعرف عفاصها ووكاءها وعددها‪،‬‬
‫فأعطها إياه" ‪) .‬مسلم ‪ :‬في اوائل كتاب اللقطة ‪ ،‬في رواية من‬
‫حديث زيد بن خالد رضى الله عنه(‪.‬‬
‫فإذا دفعها اليه برئت ذمته‪ ،‬ول يضمن فيما لو ظهر كاذبا‪.‬‬
‫والصح أنه ل يجب عليه أن يدفعها إليه حتى ولو وصفها‬
‫بدقة‪ ،‬وغلب على ظنه صدقه‪ ،‬إل إذا أقام بّينة عند القاضي وحكم‬
‫بها على الملتقط ‪ ،‬لقوله صلى الله عليه وسلم ‪" :‬لو يعطي‬
‫دعى رجال اموال قوم ودماءهم ‪ ،‬لكن البيّنة‬ ‫الناس بدعواهم ل ّ‬
‫من أنكر"‪) .‬البخاري ‪ :‬التفسير‪ /‬آل‬ ‫دعي واليمين على َ‬‫على الم ّ‬
‫عمران‪ ،‬باب‪" :‬ان الذين يشترون بعهد الله‪ "..‬رقم ‪.4277:‬‬
‫ومسلم ‪ :‬القضية ‪ ،‬باب‪ :‬اليمين على المدعي عليه ‪ ،‬رقم‪:‬‬
‫‪.(1711‬‬
‫فل يعطي أحد شيئا ً بمجّرد دعواه أنه ل ‪ ،‬حتى يثبت ذلك‬
‫بالبّينة أو ما يقوم مقامها حسب الدعوى‪.‬‬
‫تنبيه‪ :‬في كل موضع ذكر إذن القاضي أو إخباره وما إلى‬
‫ذلك‪ :‬في حال إمكان ذلك‪ ،‬وعدم خوفه اخذها ظلما ً وضياعها‬
‫على مالكها ‪ ،‬فإن خاف شيئا من ذلك لم يرجع إليه‪ ،‬والله تعالى‬
‫أعلم‪.‬‬

‫)‪(95‬‬
‫الباب الثاني‬

‫الّرهن‬

‫)‪(96‬‬
‫الرّهن‬
‫تعريفه‪:‬‬
‫س بما‬ ‫هو – في اللغة – الحبس ‪ ،‬ومنه قوله تعالى‪" :‬ك ّ‬
‫ل نف ٍ‬
‫دثر ‪ : (38 :‬أي محتسبة وممنوعة من دخول‬ ‫ت رهينة" )الم َ‬
‫كسب ْ‬
‫الجنة يوم القيامة‪ ،‬بسبب ما كسبته في الدنيا ‪ ،‬حتى تحاسب‬
‫عيه‪.‬‬
‫ويأتي أيضا ً بمعنى الثبوت والدوام‪ ،‬جاء في مختار الصحاح‪:‬‬
‫ت لهم الطعام والشراب أدمته لهم‪ ،‬ويقال‪ :‬الحوال الراهنة‪،‬‬ ‫أرهن ُ‬
‫أي الحاضرة والدائمة‪.‬‬
‫وهو في الصطلح الشرعي‪ُ :‬يطلق على عقد الرهن‪ ،‬وهذا‬
‫هو الصل والغالب في إطلق الفقهاء‪ ،‬وقد ُيطلق وُيراد به الشئ‬
‫المرهون‪ ،‬ومن ذلك قوله تعالى‪) :‬وان كُنتم على سفرٍ ولم تجدوا‬
‫ن مقبوضة( )البقرة‪ .(283:‬فرهان هنا جمع رهن‪ ،‬لنها‬ ‫كاتبا ً فرها ٌ‬
‫وصفت بأنها مقبوضة‪ ،‬والقبض يكون في الشياء ول يكون في‬
‫المعاني‪ ،‬والعقد معنى فل يتأّتى فيه القبض‪.‬‬
‫فالرهن بمعنى العقد‪ :‬هو جعل عين متمولة وثيقة بد َْين‪،‬‬
‫ُيستوفى منها عند تع ّ‬
‫ذر الوفاء‪.‬‬
‫فالجعل يكون بالعقد‪ ،‬والجاعل هو الراهن‪ ،‬والمجعول عنده‬
‫هو المرتهن‪ ،‬والمجعول هو العين المرهونة ‪ ،‬والعين تطلق على‬
‫عرف‬ ‫كل ذي حجم‪ ،‬وكون هذه العين متمولة أي تعتبر مال في ُ‬
‫الشرع‪ ،‬وهذا الجعل انما هو للتوّثق‪ ،‬أي ليستوثق الدائن من ان‬
‫د َْينه لن يذهب ويضيع‪ ،‬بل يطمئن إلى انه سيعود اليه‪ ،‬فالعين‬
‫ذر – أي صعب او‬ ‫تجعل مرهونة مقابل الد ّْين‪ ،‬بحيث اذا تع ّ‬
‫استحال – على المدين إن يوفى د َْينه في أجله‪ ،‬استطاع الدائن‬
‫أن يستوفي د َْينه من هذه العين‪ ،‬بأن ُتباع ويأخذ د َْينه من ثمنها‪.‬‬
‫وهكذا نجد أن التعريف قد شمل بإيجاز أركان عقد الرهن‬
‫واحكامه وحكمته ‪ ،‬التي سنتعّرض لبيانها بالتفصيل ان شاء الله‬
‫تعالى‪.‬‬

‫)‪(97‬‬
‫مشروعية الرهن‪:‬‬
‫الرهن جائز ومشروع‪ ،‬بإجماع المسلمين في كل العصور‬
‫والزمان‪ ،‬ومستند هذا الجماع ما ثبت من نصوص صريحة في‬
‫كتاب الله تعالى وسنة نبيه صلى الله عليه وسلم تدل على ذلك‪:‬‬
‫أما الكتاب ‪ :‬فقوله تعالى‪" :‬وان كنُتم على سفر ولم تجدوا‬
‫ن مقبوضة" )البقرة‪ . (283:‬جاء ذلك بعد قوله تعالى‪:‬‬ ‫كاتبا ً فرها ٌ‬
‫مى فاكتبوه‪"..‬‬ ‫"يا أيها الذين آمنوا اذا تداينُتم بد َْين الى اجل مس ّ‬
‫ل على أن الرهان تقوم مقام الكتابة في التوثيق للد َْين‪ ،‬وذلك‬ ‫فد ّ‬
‫عنوان المشروعية‪.‬‬
‫وأما السنة ‪ :‬فأحاديث كثيرة ‪ ،‬منها حديث عائشة رضى‬
‫الله عنه قالت‪" :‬توفي رسول الله صلى الله عليه وسلم ودرعه‬
‫مرهونة عند يهودي بثلثين صاعا ً من شعير"‪.‬‬
‫)البخاري ‪ :‬الجهاد‪ ،‬باب‪ :‬ما قيل في درع النبي صلى الله‬
‫عليه وسلم والقميص في الحرب‪ ،‬رقم‪.(2759 :‬‬
‫وسيأتي معنا مزيد من الدلة على المشروعية خلل البحث‬
‫ان شاء الله تعالى‪.‬‬

‫الرهن في الحضر وحال وجود الكاتب‪:‬‬


‫جاء في الية النفة الذكر قوله‪" :‬وان كنتم على سفرٍ ولم‬
‫تجدوا كاتبا ً فرهان‪ "..‬وظاهر ذلك‪ :‬أن الرهن إنما يشرع حال‬
‫ل على‬ ‫السفر وفي الحضر ‪،‬وحال وجود الكاتب وحال عدمه‪ ،‬د ّ‬
‫ذلك حديث عائشة رضى الله عنها وغيره‪ :‬أن النبي صلى الله‬
‫عليه وسلم اشترى من يهودي طعاما ً الى أجل ‪ ،‬ورهنه درعا ً من‬
‫حديد‪.‬‬
‫)البخاري‪ :‬البيوع‪ ،‬باب‪ :‬شراء النبي صلى الله عليه وسلم‬
‫بالنسيئة ‪ ،‬رقم‪ .1962:‬مسلم‪ :‬المساقاة‪ ،‬باب‪ :‬الرهن وجوازه‬
‫في الحضر والسفر‪ ،‬رقم‪.(1603:‬‬
‫والظاهر أنهما كانا في المدينة ‪ ،‬فهما غير مسافَِرْين ‪،‬‬
‫ل على أنه ل يشترط لصحة‬ ‫والك ُّتاب في المدينة ايضا ً ك ُُثر‪ ،‬فد ّ‬
‫الرهن أيّ من هذين المرين‪.‬‬

‫)‪(98‬‬
‫وأجاب العلماء عن حكمة ذكر السفر وعدم الكاتب في‬
‫الية‪ :‬بأنه بيان للغالب في واقع المر‪ ،‬إذ الغالب أن يحتاج إلى‬
‫الرتهان في السفر‪ ،‬الذي كثيرا ً ما ُيعدم فيه الشهود ويفتقد‬
‫الكاتب ‪ ،‬لسيما في تلك الزمان التي كانت فيها القراءة والكتابة‬
‫قليلة‪ ،‬وذلك من اسلوب الكلم العربي الذي جاء القرآن على‬
‫ارقى مستوى منه‪.‬‬

‫حكم الرهن‪:‬‬
‫ظاهر الية التي تدل على مشروعيته ان ذلك واجب ‪ ،‬اذ‬
‫صِيغ المر‪ ،‬إذ المعنى‬‫قالت ‪" :‬فرهان مقبوضة" وهذه صيغة من َ‬
‫فليكن منكم رهان‪ ، ...‬والمر للوجوب ‪ ،‬ولكن العلماء اتفقوا على‬
‫أن الرهن ليس بواجب ‪ ،‬وأنه أمر جائز ‪ ،‬للمكّلف ان يفعله وان ل‬
‫يفعله ‪ ،‬لنه شرع لتوثيق الحق‪ ،‬وللنسان ان يوّثق حقه وأن ل‬
‫من‬‫يوثقه‪ ،‬وقد أكد معنى الجواز قوله تعالى في الية‪" :‬فإن أ َ‬
‫ضكم بعضا ً فليؤد ّ الذي اؤتمن امانته" ‪ :‬أي فليكن المدين‬ ‫بع ُ‬
‫المؤتمن على الد ّْين دون توثق اهل ً لهذا الئتمان‪ ،‬وليؤد ّ المانة‬
‫دون اساءة ‪ ،‬وواضح ان الئتمان ل يكون إل إذا لم يكن ارتهان ‪،‬‬
‫لن طلب الرتهان دليل الشك في المانة‪.‬‬
‫وقال العلماء ايضًا‪ :‬إن الرهن بدل عن الكتابة‪ ،‬فيأخذ‬
‫سأمو ان‬‫حكمها‪ ،‬والكتابة ليست واجبة‪ ،‬بدليل قوله تعالى ‪" :‬ول ت َ ْ‬
‫م‬
‫ط عند الله وأقو ُ‬ ‫تكتبوه صغيرا ً او كبيرا ً إلى أجله ذلكم أقس ُ‬
‫لترتابوا " أي ل تمّلوا من كتابة الد ّْين ق ّ‬
‫ل أو كثر‪،‬‬ ‫للشهادة وأدني أ ّ‬
‫فإن كتابته أقرب إلى العدل وعدم ضياع الحقوق‪ ،‬واسهل لقامة‬
‫الشهادة عند الختلف‪ ،‬وابعد عن الشك في قدر الد ّْين أو صفته‬
‫أو اجله‪.‬‬
‫قالوا‪ :‬هذه المعاني تدل على ان المر بالكتابة أمر إرشاد‬
‫وتوجيه‪ ،‬وليس امر إيجاب وتحتيم‪.‬‬
‫على أننا نقول‪ :‬إذا لم تكن الكتابة أو الرهن واجبًا‪ ،‬فذاك ل‬
‫دور القضاء‪،‬‬‫يعني ان نتساهل في المر‪ ،‬ثم يجّر بعضنا بعضا ً الى ُ‬
‫او يتخذ ذلك بعض من رق دينهم ذريعة الى أكل اموال الناس‬
‫بالباطل‪ ،‬فأقل ما قاله العلماء انه امر ارشاد وذلك يعني الندب‬
‫والستحباب‪ ،‬فالولى الكتابة على أيّ حال‪ ،‬والرهن اذا لم تتيسر‬
‫الكتابة‪ ،‬كي ل يترك الناس فعل الخير خشية ضياع اموالهم‬

‫)‪(99‬‬
‫وذهاب حقوقهم‪ ،‬اللهم ال اذا كانت الثقة بالمانة والدين والخلق‬
‫اقرب الى اليقين‪ ،‬والله تعالى الموفق‪.‬‬
‫حكمة مشروعية الرهن‪:‬‬
‫ة التيسير ورفع الحرج‬ ‫مل ّ‬
‫تكرر معنا ان شرع الله تعالى ِ‬
‫ورعاية مصالح الناس‪ ،‬والناس يتعاملون فيما بينهم‪ ،‬وكثيرا ً ما‬
‫يحتاجون الى النقد فل يجدونه‪ ،‬وهم محتاجون الى بعض السلع‪،‬‬
‫من‬‫فيحتاجون الى استقراض النقد أو تأجيل الثمن‪ ،‬ول يجدون َ‬
‫يثق بهم ليعطيهم المال أو السلعة دون وثيقة ‪ ،‬ويرغب صاحب‬
‫المال أو السلعة بما يوّثق حقه ويطئمنه الى أنه سيعود اليه كامل ً‬
‫موفورًا‪ ،‬ول يرغب ان يقع في مخاصمات ومرافعات‪ ،‬فل يرضى‬
‫بالكفالة ول يكتفي بالكتابة والشهاد‪ ،‬فيطلب سلعة تكون وثيقة‬
‫في يده مقابل حقه‪ ،‬ويرضى صاحب الحاجة الى النقد او تأجيل‬
‫الثمن بهذا التوثيق‪ ،‬فيدفع متاعا ً يستطيع ان يستغنى عن منفعته‬
‫لطالب الوثيقة‪ ،‬وهنا تتحقق مصلحة الطرفين‪ ،‬ويسهل التعامل‬
‫بين الناس‪.‬‬

‫أركان عقد الرهن‬


‫علمنا مما سبق أن لعقد الرهن أركانا كغيره من العقود‪ ،‬ل‬
‫يوجد ول يقوم إل بوجودها ‪ ،‬كما أن لتلك الركان شروطًا‪ ،‬ل يص ّ‬
‫ح‬
‫العقد ول تترّتب عليه آثاره المعتبرة شرعا ً إل بتوفرها‪ ،‬وأركان‬
‫عقد الرهن هي‪:‬‬
‫العاقدان‪ ،‬وهما اللذان يقومان بإنشاء هذا العقد‪ ،‬وهما‬ ‫‪-1‬‬
‫الراهن والمرتهن‪.‬‬
‫الصيغة‪ ،‬أي الكلم الذي يصدر عن العاقِد َْين ليدل على‬ ‫‪-2‬‬
‫إنشاء هذا العقد‪.‬‬
‫مة‬
‫الد ّْين ‪ ،‬الذي هو سبب هذا العقد‪ ،‬والذي يكون في ذ ّ‬ ‫‪-3‬‬
‫الراهن للمرتهن‪.‬‬
‫المرهون‪ ،‬وهو العين التي توضع لدى المرتهن وثيقة بد ّْينه‪.‬‬ ‫‪-4‬‬
‫وسنتكلم بالتفصيل – ان شاء الله تعالى – عن هذه الركان‬
‫مع شروط ك ّ‬
‫ل منها‪.‬‬
‫الركن الول‪ :‬العاقدان‪:‬‬

‫)‪10‬‬
‫‪(0‬‬
‫وهما الراهن والمرتهن ‪ :‬فالراهن هو المدين‪ ،‬أي الذي عليه‬
‫الد ّْين‪ ،‬وذمته مشغولة به تجاه المرتهن‪ ،‬والمرتهن‪ :‬هو الدائن‬
‫الذي له الد ّْين في ذمة الراهن‪ ،‬والذي توضع العين المرهونة‬
‫تحت يده وسلطانه‪.‬‬
‫ويشترط في ك ّ‬
‫ل منهما‪:‬‬

‫كلفًا‪ :‬أي عاقل ً بالغا ً غير محجور عليه‬


‫ان يكون م ّ‬ ‫‪-1‬‬
‫في تصرفاته المالية‪.‬‬
‫ميزا ً – ل يصلح ان يكون راهنا ً ول‬
‫فالصبي – ولو كان م ّ‬
‫ح منه هذا‬ ‫مرتهنا ً ‪ ،‬فلو رهن شيئا ً من ممتلكاته عند أحد فل يص ّ‬
‫الرهن‪ ،‬والمرتهن ضامن لما أخذه منه في هذه الحالة‪ .‬وكذلك لو‬
‫رهن احد عنده متاعا‪ ،‬فل يعتبر ذلك رهنا‪ ،‬وال تثبت له احكامه ‪،‬‬
‫ومثل الصبي المجنون الذي غلب على عقله‪.‬‬
‫وذلك لن الرهن عقد تترتب عليه أحكام ومسؤولّيات‪ ،‬وكل‬
‫من الصبي والمجنون ليس اهل ً لذلك‪ ،‬فالشرع لم يعتبر أقوالهما‬
‫وتصرفاتهما في العقود‪ ،‬لنهما ليسا اهل للمؤاخذة كما علمت في‬
‫كثير من المواضع‪ .‬قال صلى الله عليه وسلم ‪" :‬رفع القلم عن‬
‫ثلثة‪ :‬عن المجنون المغلوب على عقله حتى يفيق‪ ،‬وعن النائم‬
‫حتى يستيقظ ‪ ،‬وعن الصبي حتى يحتلم" أي يبلغ‪) .‬ابو داود‪:‬‬
‫الحدود‪ ،‬باب‪ :‬في المجنون يسرق او يصيب حدا‪ ،‬رقم‪. (4401 :‬‬
‫والمراد برفع القلم عدم المؤاخذة والمسؤولية‪.‬‬
‫وأما المحجور عليه في تصرفاته المالية – وهو السفيه في‬
‫ع ُْرف الشرع – وهو الذي ل يحسن التصّرف بالمال‪ :‬إما بإنفاقه‬
‫في المحّرمات ‪ ،‬أو إسرافه في المباحات ‪ ،‬او لطيش فيه‪ :‬فلنه‬
‫تصّرف مالي ‪ ،‬وهو ممنوع منه ‪ ،‬كما علمت في )باب الحجر(‪.‬‬
‫مك َْره‪ :‬أي أن يرهن الراهن ما يرهن‬ ‫‪ -2‬أن يكون غير ُ‬
‫ُ‬
‫باختياره ‪ ،‬وكذلك المرتهن‪ ،‬فلو أكره الراهن على الرهن ‪ ،‬أو‬
‫ح الرهن‪ ،‬ول تترتب عليه آثاره‬ ‫المرتهن على الرتهان ‪ ،‬فل يص ّ‬
‫واحكامه التي ستعرفها ‪ ،‬بمعنى أنه إذا زال الكراه عن العاقد‬
‫رجع الحال إلى ما كان عليه قبل الكراه‪ ،‬ووجب على الراهن ان‬
‫يسترد ّ العين إن كان المكره هو المرتهن‪ ،‬وعلى المرتهن ان يرد ّ‬
‫العين إن كان المكَره هو الراهن ‪ ،‬ثم إذا رغبا في الرهن أنشآه‬
‫من جديد‪.‬‬

‫)‪10‬‬
‫‪(1‬‬
‫وذلك لن الرهن من التصرفات الشرعية النشائية‪ ،‬والكراه‬
‫عليها يؤثر فيها ويذهب أثرها‪ ،‬كما ستعلم ذلك مفصل في )باب‬
‫الكراه( ان شاء الله تعالى‪.‬‬
‫‪ -3‬ان يكون من أهل التبّرع فيما يرهنه أو يرتهن‬
‫به‪ :‬كأن يكون مالكا للعين التي يرهنها مثل‪ ،‬وان يكون مالكا‬
‫للدين الذي يرتهن به‪.‬‬
‫رهن الولي والوصي وارتهانهما‪:‬‬

‫والمراد بهذا الشرط بيان‪ :‬أنه ليس لحد أن يرهن شيئا ً من‬
‫ي والوصي‪ ،‬كما انه ليس له ان‬ ‫ن له عليه ولية مالية كالول ّ‬
‫م ْ‬
‫مال َ‬
‫يرتهن شيئا لهم بشئ من اموالهم ‪ ،‬لن الولي والوصي – كل ّ‬
‫من تحت وليته أو وصايته ‪،‬‬ ‫منهما – ليس اهل ً للتبّرع من أموال َ‬
‫ل منهما فيه معنى التبرع‪.‬‬ ‫والرهن والرتهان ك ّ‬
‫فالبرهن ُيمنع الراهن من التصّرف في المرهون – إل‬
‫بشروط كما سيأتي – وذلك حبس لمال القاصر وتفويت للمنفعة‬
‫بغير عوض‪ ،‬فهو تبرع‪.‬‬
‫وبالرتهان تأجيل للمال الذي يستحقه القاصر‪ ،‬وذلك تفويت‬
‫لمنفعة التعجيل بغير عوض‪ ،‬إذ ليس للمرتهن أن ينتفع بالعين‬
‫ي‬
‫المرهونة كما ستعلم‪ ،‬وذلك تبرع ولذا قال الفقهاء‪ :‬ليس لول ّ‬
‫القاصر أن يبيع شيئا ً من ماله – في الحوال العادية – إل بحا ّ‬
‫ل‬
‫مقبوض قبل أن يسلم المبيع ‪ ،‬وبالتالي فل ارتهان بماله‪.‬‬
‫ي‬
‫على أن الفقهاء قد استثنوا حالتين ‪ ،‬يجوز فيهما للول ّ‬
‫والوصي الرهن والرتهان‪ ،‬لما في ذلك من مصلحة ظاهرة لمن‬
‫كان تحت وليتهما‪ ،‬وهما‪:‬‬
‫‪ -1‬حالة الضرورة‪:‬‬

‫من تحت وليته ‪،‬ول يكن له مال‬ ‫كأن يحتاج إلى النفقة على َ‬
‫ينفق عليه منه ‪ ،‬فيرهن شيئا ً من أمتعتهم مقابل مال يأخذه‬
‫لينفقه عليهم‪ ،‬وهو يرجو أن يوفيه من غّلة ينتظر خروجها لهم‪ ،‬او‬
‫جله ‪ ،‬او بيع متاع لهم كاسد الن يرجى نفاقه‪.‬‬ ‫د َْين لهم سيح ّ‬
‫لأ َ‬
‫وكذلك له أن يرتهن بمال لهم ‪ ،‬يخشى عليه السرقة أو‬
‫النهب فيبيعه الى أجل أو يقرضه‪ ،‬ويرتهن بذلك متاعا ً لهم حفظا ً‬
‫واستيثاقا ً لد َْينهم‪.‬‬

‫)‪10‬‬
‫‪(2‬‬
‫‪ -2‬أن يكون الرهن والرتهان لمصلحة ظاهرة‪:‬‬

‫وذلك كأن يجد سلعة تساوي مائتين مث ً‬


‫ل‪ ،‬تباع بمائة ‪ ،‬ول‬
‫مال لهم‪ ،‬فيشتريها على أن يرهن بها شيئا ً من متاعهم يساوي‬
‫مائة‪.‬‬
‫ويشترط في هذه الحالة ان يكن هذا المتاع المرهون عند‬
‫امين موسر‪ ،‬وان يشهد على ذلك‪ ،‬وان يكون الى اجل غير طويل‬
‫ح الرهن‪.‬‬ ‫عرفًا‪ ،‬فإن فقد شرط من ذلك لم يص ّ‬
‫ُ‬
‫ومثل الرهن الرتهان ‪ ،‬وذلك كأن يبيع شيئا من متاعهم‬
‫يساوي مائة بمائتين‪ ،‬ويرتهن لهم بذلك متاعا ً يساوي مائتين‪.‬‬
‫فالمصلحة هنا ظاهرة والمنفعة بالغة لهؤلء القاصرين‪ ،‬ولذا‬
‫ح الرهن والرتهان لهم‪.‬‬
‫ص ّ‬
‫الركن الثاني‪ :‬الصيغة‪:‬‬

‫وهي اليجاب والقبول‪ :‬وهما كل كلم يدل على الرهن‬


‫والقبول به‪ ،‬من الراهن والمرتهن‪ ،‬كأن يقول الراهن‪ :‬رهنتك‬
‫دين‪ ،‬أو خذ هذا – لسلعة في يده –‬
‫ى من ال ّ‬ ‫َ‬
‫داري هذه بما لك عل ّ‬
‫رهنا ً بثمن هذا‪ ،‬لشئ اشتراه‪ ،‬فيقول صاحب الدين في الحالين‪:‬‬
‫قبلت ‪ ،‬أو ارتهنت ‪ ،‬ونحو ذلك‪.‬‬
‫والصل في اشتراط الصيغة في الرهن – وغيره من العقود‬
‫ل مال‬‫– أنه عقد فيه تبادل مالي‪ ،‬فيشترط فيه الرضا‪ ،‬لنه ل يح ّ‬
‫ي ‪ ،‬فُيكتفي بما‬
‫امرئ إل عن طيب نفس منه ‪ ،‬والرضا أمر خف ّ‬
‫يدل عليه وهو اللفظ من المتعاقِد َْين ‪ ،‬وذلك يكون باليجاب‬
‫والقبول‪.‬‬
‫وهل يكتفي فيه بالمعاطاة؟ كأن يقول له‪ :‬يعني هذه السلعة‬
‫ي هذه الساعة مثل ً رهنا ً بالثمن‪ ،‬فيقول ‪:‬‬
‫بكذا الى أجل‪ ،‬وخذ من ّ‬
‫بعتك ‪ ،‬ويقبضه السلعة وذلك يعطيه الساعة‪.‬‬
‫الصلح أن هذا الرهن ل ينعقد‪ ،‬ول بد ّ من صيغة خاصة به‪،‬‬
‫تدل على الرهن والرتهان‪.‬‬
‫هذا بالنسبة لمن يستطيع النطق ‪ ،‬وأما الخرس‪ :‬فيكتفي‬
‫منه بإشارته المعهودة المفهمة رضاه بالرهن أو الرتهان ‪ ،‬فتقوم‬
‫مقام نطقه للضرورة ‪ ،‬لنها تدل على ما في نفسه من الرضا أو‬
‫عدمه ‪ ،‬وكذلك كتابته فيما اذا كان يحسن الكتابة‪.‬‬

‫)‪10‬‬
‫‪(3‬‬
‫الركن الثالث‪ :‬المرهون‪:‬‬

‫وهو العين التي يضعها الراهن عند المرتهن ليحتبسها وثيقة‬


‫بد َْينه‪ ،‬وقد اشترط الفقهاء فيها شروطا ً ليصح ارتهانها ‪ ،‬منها‪:‬‬
‫ح رهن المنفعة ‪ ،‬كأن يرهنه سكنى‬‫‪ -1‬أن يكون عينا ً ‪ :‬فل يص ّ‬
‫دار‪ ،‬لن المنفعة تتلف بمرور الزمن‪ ،‬فل يحصل بها توّثق ول‬
‫تثبت عليها يد الحبس‪.‬‬
‫‪ -2‬أن يكون قابل ً للبيع‪ :‬أي تتوفر فيه شروط المبيع التي‬
‫مّرت بك في عقد البيع‪ ،‬بأن يكون موجودا ً وقت العقد‪ ،‬وأن‬
‫وما ً شرعًا‪ ،‬وأن يكون مقدورا ً على تسليمه‪،‬‬
‫يكون مال ً متق ّ‬
‫وأن يكون قد وقع عليه التمّلك من الراهن أو دخل في‬
‫سلطانه‪.‬‬
‫ح رهن ما ستلده أغنامه ‪ ،‬لنه غير موجود عند العقد‪.‬‬
‫فل يص ّ‬
‫ح رهن كلب و خنزير ‪ ،‬لنهما ليسا بمال ذي قيمة‬
‫ول يص ّ‬
‫شرعًا‪ ،‬ومثلهما صيد المرحم بحج او عمرة وصيد الحرم الم ّ‬
‫كي ‪،‬‬
‫لن كل ّ منهما في حكم الميتة‪ ،‬وهي ليست بمال شرعًا‪.‬‬
‫ح أن يرهن طيرا ً في الهواء‪ ،‬لنه غير مقدور على‬
‫كما ل يص ّ‬
‫تسليمه‪.‬‬
‫مة فلن من الد ّْين‪ ،‬لنه غير قادر‬
‫ومثله أن يرهن ما له في ذ ّ‬
‫على تسليمه ايضًا‪.‬‬
‫ح رهن ما يسومه ليشتريه‪ ،‬او ما يريد ان‬ ‫وكذلك ل يص ّ‬
‫مباحات كالحطب والكل – أي الحشيش – غير‬ ‫يجمعه من ال ُ‬
‫المملوكين ‪ ،‬لن هذه الشياء لم يقع عليها التمّلك بعد‪ ،‬ولم تدخل‬
‫في سلطانه‪.‬‬
‫وهل يشترط ان يكون الراهن مالكا ً للعين المرهونة ‪ ،‬أم‬
‫يكفي أن تكون في سلطانه؟ الجواب‪ :‬أنه ل تشترط ملكية‬
‫الراهن للمرهون‪ ،‬بل له أن يستعير شيئا ً ليرهنه‪ ،‬بشروط‬
‫وأحكام ‪ ،‬سيأتي بيانها في فقرة مستقلة تحت عنوان‪ :‬العين‬
‫المستعارة للرهن‪.‬‬
‫وكذلك ل يشترط ان يكون مالكا ً لجميع العين المرهونة‪ ،‬بل‬
‫يصح ان يكون مالكا ً لجزء منها‪ ،‬فيرهن ما هو مْلك له ‪ ،‬كما لو‬
‫كان يملك نصف سيارة أو نصف الدار أو العقار‪ ،‬فله ان يرهن‬

‫)‪10‬‬
‫‪(4‬‬
‫حصته مقابل ما عليه من الد ّْين‪ ،‬وهذا ما يسمى عند الفقهاء‪:‬‬
‫من كان يملك‬ ‫رهن المشاع‪ ،‬وذلك لن المشاع قابل للبيع‪ ،‬ف ّ‬
‫حصة شائعة في شئ – أي غير مقسومة ول معزولة – له ان‬
‫يبيعها‪ ،‬فكذلك يصح له ان يرهنها‪ ،‬لن الغاية من الرهن الستيثاق‬
‫والتمكن من الستيفاء منه عند تعذر وفاء الد ّْين‪ ،‬وذلك يحصل‬
‫برهن المشاع‪ ،‬لنه يمكن بيعه عند حلول الجل واستيفاء الد ّْين‬
‫من ثمنه‪.‬‬
‫وسيأتي بيان كيفية قبض المرهون المشاع عند الكلم عن‬
‫القبض في الرهن إن شاء الله تعالى‪.‬‬
‫الركن الرابع‪ :‬المرهون به‪:‬‬

‫وهو الحق الذي للمرتهن في ذمة الراهن‪ ،‬والذي يوضع‬


‫الرهن بمقابله‪ ،‬ويشترط فيه أمور ‪ ،‬وهي‪:‬‬
‫‪ -1‬أن يكون دَْينا ً‪ :‬أي مما يثبت في الذمة كالدراهم والدنانير‬
‫وم بها الشياء ‪ ،‬لن‬‫ونحوها من العملت المتداولة ‪ ،‬والتي تق ّ‬
‫مقصود الرهن استيفاء المرهون به من قيمة المرهون وثمنه‬
‫عند تع ّ‬
‫ذر الوفاء‪ ،‬وهذا ممكن في الد ّْين‪.‬‬
‫دين سواء أكان ثمن مبيع اشتراه الراهن‬ ‫ول عبرة بسبب ال ّ‬
‫إلى أجل‪ ،‬أم كان قرضًا‪ ،‬أم كان ضمانا ً بسبب إتلفه شيئا ً ما‬
‫للمرتهن‪.‬‬
‫ح أن يكون الحق المرهون به عينًا‪ ،‬كما لو‬‫وعليه ‪ :‬فل يص ّ‬
‫غصب انسان متاعا ً من آخر ‪ ،‬فطالبه المغصوب منه به‪ ،‬وطلب‬
‫منه ان يرهنه شيئا ً مقابله الى ان يأتيه به‪ ،‬وكذلك لو استعار احد‬
‫شيئا‪ ،‬فطلب المعير من المستعير ان يرهنه شيئا ما – متاعا او‬
‫نقودا مثل – مقابله حتى يأتيه به‪ ،‬فل يصح مثل هذا الرهن ‪ ،‬وهذا‬
‫يقع كثيرا ً في هذه اليام‪.‬‬
‫قال صاحب كتاب ]مغني المحتاج[‪ :‬ومن هنا يؤخذ بطلن ما‬
‫جرت به عادة بعض الناس من كونه يقف كتابا‪ ،‬ويشرط ان ل‬
‫يعار او يخرج من مكان يحسبه فيه ال برهن‪.‬‬
‫وانما لم يصح الرهن مقابل العيان لنها ل يمكن استيفاؤها‬
‫من ثمن المرهون عند تعذر الوفاء وبيع العين المرهونة‪ ،‬اذ كيف‬
‫تستوفى مثل ساعة من ليرات ونحوها‪ ،‬واذا قلنا تستوفى قيمتها‪،‬‬
‫فإن القيمة تختلف باختلف المقومين ‪ ،‬فيؤدي ذلك الى التنازع‪.‬‬

‫)‪10‬‬
‫‪(5‬‬
‫على ان الرهن انما شرع وذكر في كتاب الله تعالى في‬
‫الدين – كما علمت عند الكلم عن مشروعيته – فل يثبت في‬
‫غيره‪.‬‬
‫مة الراهن للمرتهن‪ :‬كثمن‬ ‫‪ -2‬ان يكون الدّْين ثابتا ً في ذ ّ‬
‫مبيع بعدما أبرم البيع ولو قبل تسليم المبيع ‪ ،‬أو نفقة زوجة‬
‫عن زمن مضى‪ ،‬أو مال اقترضه الراهن وقبضه أو قبل‬
‫ح الرهن‪.‬‬
‫قبضه‪ ،‬ونحو ذلك‪ ،‬فيص ّ‬
‫ح الرهن في هذه الحالت لن الحق قد ثبت‪،‬‬ ‫وإنما ص ّ‬
‫فصارت الحاجة داعية لخذ الوثيقة به‪ ،‬فصار الرهن ضمانا ً للد ّْين‪،‬‬
‫فجاز أخذه به‪.‬‬
‫ح الرهن لو وقع مع العقد الموجب للد ّْين‪ ،‬كما لو‬ ‫وكذلك يص ّ‬
‫قال‪ :‬ب ِْعني هذا الثوب بمائة إلى شهر‪ ،‬وأرهنك بها هذه الساعة‪،‬‬
‫فقال البائع‪ :‬قبلت ‪ ،‬أو بعتك وارتهنت‪ ،‬أو قال‪ :‬أقرضني ألفا ً الى‬
‫سنة ‪ ،‬وأرهنك بها هذه السجادة‪ ،‬فقال‪ :‬قبلت‪ ،‬أو أقرضتك‬
‫وارتهنت‪ ،‬لن الحاجة تدعو الى ذلك ‪ ،‬فلو لم يعقد ذلك ويشترطه‬
‫مع ثبوت الد ّْين ربما لم يتمكن من إلزام المشتري أو المقترض‬
‫بعقد الرهن بعد ثبوت الد ّْين ‪ ،‬فيفوت حقه في التوّثق من د َْينه‪.‬‬
‫أما إذا حصل عقد الرهن قبل ثبوت الحق أو العقد الذي‬
‫ح ‪ ،‬كما لو ارتهنت الزوجة متاعا ً مقابل ما‬
‫يوجبه فإنه ل يص ّ‬
‫سيثبت لها من نفقة في ايام مقبلة‪ ،‬او ارتهن شيئا ً بما سيقرضه‬
‫إياه‪ ،‬أو بثمن ما سيشتريه منه‪ ،‬فإن الرهن في هذه الحالت ل‬
‫ح ول ينعقد‪.‬‬
‫يص ّ‬
‫وذلك لن الرهن وثيقة بالحق فل تقدم على ثبوته‪ ،‬وتابع فل‬
‫دم قبل ثبوت المشهود عليه ول تسبقه‪.‬‬ ‫يسبقه‪ ،‬كالشهادة فل تق ّ‬
‫قدَْين قدرا ً وصفة‪ :‬فلو‬‫‪ -3‬أن يكون الدّْين معلوما ً للعا ِ‬
‫ثبت أن للمرتهن د َْينا ً في ذمة الراهن ‪ ،‬لكنه يجهل ما هو‪:‬‬
‫أليرات سورية ام غير ذلك؟ أو يجهل قدرها‪ ،‬أهي الف ام‬
‫الفان؟ فارتهنه شيئا ً بها ‪ ،‬فإن الرهن ل يصح‪ ،‬سواء أعلم‬
‫العاقد الثاني قدرها وصفتها أم ل‪ .‬وذلك لتع ّ‬
‫ذر استيفاء هذا‬
‫الد ّْين المجهول من ثمن العين المرهونة إذا بيعت عند عدم‬
‫الوفاء‪.‬‬
‫لزوم عقد الرهن‪:‬‬

‫)‪10‬‬
‫‪(6‬‬
‫إذا وجدت أركان عقد الرهن بشروطها فقد انعقد صحيحًا‪،‬‬
‫ولكن هل لزم العقد؟ بمعنى أنه ليس للراهن أن يرجع عنه ‪،‬‬
‫ويلزمه دفع العين المرهونة للمرتهن‪ ،‬ام ل يزال له الخيار في‬
‫ذلك‪ ،‬ان شاء دفع وان شاء رجع؟‬
‫والجواب‪ :‬أن عقد الرهن عقد جائز قبل القبض‪ ،‬وأن القبض‬
‫من تمامه ‪ ،‬وشرط ل يلزم إل به‪ ،‬فما دامت العين المرهونة بيد‬
‫الراهن كان له الرجوع عن رهنها‪ ،‬فإذا دفعها للمرتهن‪ ،‬وقبضها‬
‫المرتهن قبضا ً صحيحا لزم العقد ‪ ،‬وصار من حق المرتهن‬
‫احتباسه ‪ ،‬وليس للراهن واسترداد العين المرهونة إل برضاه‪.‬‬
‫ودليل ذلك‪:‬‬
‫قوله تعالى‪" :‬وإن كنتم على سفر ولم تجدوا كتابا فرهان‬
‫مقبوضة"‪ .‬فالفاء المقرونة بكلمة رهان هي جواب للشرط "وإن‬
‫كنتم" وجزاء له‪ ،‬ومثل هذه الصيغة من صيغ المر‪ ،‬فهو أمر إذن‬
‫بالرهان التي وصفت بأنها "مقبوضة" والمر بالشئ الموصوف‬
‫بصفة يقتضي أن يكون ذلك الوصف من تمامه وشرطا ً فيه‪ ،‬لن‬
‫ل ذلك على‬ ‫المشروع بصفة ل يوجد إل إذا ُوجدت تلك الصفة‪ ،‬فد ّ‬
‫أن عقد الرهن لم يتم إذا لم يحصل القبض ‪ ،‬فإذا حصل القبض‬
‫م فقد لزم‪.‬‬
‫م ‪ ،‬وإذا ت ّ‬
‫ت ّ‬
‫وكذلك‪ :‬لو كان الرهن يلزم بدون قبض لم يكن لقوله ‪:‬‬
‫"مقبوضة" أية فائدة ‪ ،‬وكلم الشارع ُيصان عن اللغو وعدم‬
‫الفائدة ‪ ،‬فكان لبد ّ من إعتبار هذا الوصف الذي قّيدت به الرهان‬
‫ليلزم العقد‪.‬‬
‫وأيضا ً‪ :‬عقد الرهن فيه معنى التبّرع من جهة الراهن – كما‬
‫مّر معنا عند الكلم عن شروط العاقِد َْين – لنه ل يستوجب على‬
‫المرتهن بمقابلة حبس العين شيئا‪ ،‬وعقد التبّرع ل ُيجبر عليه‬
‫القائم به‪ ،‬فلو كان الرهن يلزم بمجرد انعقاده لكان مجبرا ً على‬
‫إمضائه‪ ،‬ولذا لبد ّ من إمضائه باختياره‪ ،‬وذلك يكون بالقباض منه‬
‫والقبض من المرتهن ‪ ،‬فإذا حصل إمضاء العقد باختياره صار‬
‫ملزما ً به ‪ ،‬وامتنع عليه الرجوع عنه‪.‬‬
‫كيفية قبض الرهن‪:‬‬

‫)‪10‬‬
‫‪(7‬‬
‫إذا كان القبض شرطا ً لتمام عقد الرهن ولزومه‪ ،‬فكيف‬
‫يكون هذا القبض؟ نقول‪ :‬إن العين المرهونة قد تكون غير منقولة‬
‫كالرض والعقار‪ ،‬وقد تكون منقولة كالسيارة وغيرها من السلع‪.‬‬
‫فإذا كانت غير منقولة‪ :‬كفى فيها ان يخّلى الراهن بينها وبين‬
‫المرتهن‪ ،‬والتخلية تكون برفع الموانع التي تحول دون استلمها‪،‬‬
‫من يسكن الدار مث ً‬
‫ل‪ ،‬وما إلى‬ ‫كما لو كانت مشغولة بأمتعة ‪ ،‬او ب َ‬
‫ذلك‪ ،‬فإقباضها وقبضها يكون بتفريغها وعدم الحيلولة دون‬
‫استلمها‪.‬‬
‫وإذا كانت العين المرهونة منقولة ‪ :‬فل يكفي فيها التخلية ‪ ،‬بل ل‬
‫بد ّ فيها من التناول والنقل حسب العُْرف بالنسبة للشئ المنقول‪،‬‬
‫وما يسمى قبضا ً له في العادة ‪،‬فإذا لم يحصل ذلك ل يعتبر‬
‫القبض‪.‬‬
‫وهذا إذا كانت العين المنقولة أو غير المنقولة كلها رهنًا‪ ،‬فإذا‬
‫كان بعضها هو المرهون‪ ،‬وهو رهن المشاع الذي أشرنا إليه عند‬
‫الكلم عن المرهون ‪ ،‬فكيف يكون القبض فيه؟‬
‫والجواب‪ :‬أنه إن كانت العين منقولة كان قبضها بتسليمها‬
‫كلها للمرتهن‪ ،‬وذلك بعد إذن الشريك بالقبض‪ ،‬لنه ل يحصل إل‬
‫بالنقل كما علمت‪ ،‬فإن أبى الشريك ذلك ولم يأذن بالنقل‪ :‬فإما‬
‫أن يرضى المرتهن بوضعها في يد الشريك كلها‪ ،‬ويعتبر الشريك‬
‫نائبا ً عن المرتهن في قبض الحصة المرهونة‪ ،‬فيجوز ذلك ويت ّ‬
‫م‬
‫ض المرتهن بذلك رفع المر الى القضاء‪ ،‬وعندها‬ ‫العقد‪ ،‬وإذا لم ير َ‬
‫ينصب الحاكم عدل ً تكون العين في يده لهما‪ ،‬أي للمرتهن‬
‫والشريك‪.‬‬
‫وللشريك ان ينتفع بالعين المرهونة بنسبة مْلكه منها‪ ،‬وبإذن‬
‫من المرتهن او القاضي‪.‬‬

‫)‪10‬‬
‫‪(8‬‬
‫أحكام عقد الرهن‬
‫علمنا ان لكل عقد من العقود الشرعية احكامًا‪ ،‬وهي الثار‬
‫التي يرتبها الشارع على وجود ذلك التصرف بين المتعاقِد َْين ‪،‬‬
‫قق شروطه ‪ ،‬وعقد الرهن‬ ‫وانعقاده صحيحا ً بوجود أركانه وتح ّ‬
‫ت‪،‬‬
‫ح ولزم‪ ،‬على المعنى الذي علم َ‬ ‫مثل غيره من العقود‪ :‬إذا ص ّ‬
‫ترّتبت عليه آثاره وثبتت له أحكامه‪ ،‬فما هي هذه الحكام؟‬
‫سنتكلم عن هذه الحكام ‪ ،‬ولتسهيل البحث نجعلها‬
‫اقساما ً أربع ً‬
‫ة‪:‬‬

‫القسم الول‪ :‬الحكام التي تتعلق بالمرهون حال بقائه‬ ‫‪‬‬


‫في يد المرتهن‪.‬‬

‫القسم الثاني‪ :‬الحكام التي تتعلق بالمرهون حال هلكه‪.‬‬ ‫‪‬‬


‫القسم الثالث‪ :‬الحكام التي تتعلق بنماء المرهون وهو‬ ‫‪‬‬
‫في يد المرتهن‪.‬‬

‫القسم الرابع‪ :‬احكام فرعية تتعلق بالرهن‪.‬‬ ‫‪‬‬


‫القسم الول‪ :‬ما يتعلق بالمرهون حال بقائه في يد‬ ‫•‬
‫المرتهن‪:‬‬
‫بعدما يدفع الراهن العين المرهونة الى المرتهن ‪ ،‬قد تكاملت‬
‫أركان الرهن وشروطها‪ ،‬يترتب على ذلك آثار وأحكام من حيث‪:‬‬
‫حبس المرهون‪ ،‬وحفظ العين المرهونة ومؤونتها‪ ،‬وما هي حقيقة‬
‫يد المرتهن على المرهون؟ وهي ينتفع بالعين المرهونة في هذه‬
‫الحالة؟ وما حكم التصّرف بهذه العين؟ وفكاك الرهن وتسلمه‬
‫ده بوفاء الدين ‪ ،‬ومتى ُيباع المرهون وكيف؟ وإليك الكلم عن‬ ‫ور ّ‬
‫هذه المور‪:‬‬

‫أو ً‬
‫ل‪ :‬حبس المرهون‪:‬‬ ‫•‬
‫علمنا أن عقد الرهن ل يتم ول يلزم إل بقبض العين المرهونة‬
‫‪ ،‬فإذا قبضها المرتهن تم العقد ولزم‪ ،‬وليس للراهن الرجوع عنه‬

‫)‪10‬‬
‫‪(9‬‬
‫واسترداد المرهون إل بفكاكه بوفاء الد ّْين‪ ،‬وبالتالي صار للمرتهن‬
‫حق في ان يحتبس العين المرهونة عنده‪ ،‬وليس للراهن ان‬
‫ُيخرجها من يده‪.‬‬
‫ويكفي لتمام الرهن القبض الول‪ ،‬فل يشترط استدامة هذا‬
‫القبض ‪ ،‬كما ل يشترط أن تبقى العين المرهونة محبوسة على‬
‫الستمرار لدى المرتهن حتى يبقى عقد الرهن مستمرًا‪ ،‬ولذا كان‬
‫للمرتهن ان يخرج المرهون من يده برضا ً منه وإذن ويدفعه‬
‫للراهن ‪ ،‬ول يبطل بذلك الرهن ول ينقطع ‪ ،‬ويبقي حق المرتهن‬
‫متعلقًا‪ ،‬بالمرهون له أن يعيده إلى يده ويحتبسه متى شاء‪.‬‬
‫وذلك ‪ :‬لن القصد من الرهن الستيفاء ‪ ،‬وذلك ممكن بدون‬
‫استمرار الحبس‪ ،‬ولن الراهن يملك منافع الرهن كما سيأتي‬
‫بيانه ‪ ،‬فله ان يستوفى هذه المنافع بإذن المرتهن ‪ ،‬وذلك ل يكون‬
‫إل باستخراج المرهون من يده‪.‬‬

‫ثانيا ً – حفظ الرهن ومؤونته‪:‬‬ ‫•‬


‫حفظ الرهن يعني‪ :‬مراقبته ورعايته والبقاء عليه من ان‬
‫يناله ضرر أو تلف كأن يسرق مثل‪ ،‬وذلك من مصلحة المرتهن ‪،‬‬
‫لن مصلحته أن يبقى الرهن سالما ً كي يستوفي حقه منه إذا‬
‫ذر على الراهن وفاء الد ّْين‪ .‬ولذا كان حفظه عليه ومن واجبه‬‫تع ّ‬
‫من كانت له يد‬ ‫لنه من مصلحته‪ ،‬ولنه تحت يده ورعايته ‪ ،‬وك َ َ‬
‫ل َ‬
‫على شئ كان عليه حفظه ورعايته ‪ ،‬وعليه ان يحفظه بنفسه‬
‫حسب الُعرف والعادة ‪ ،‬لنه هو العاقد الملتزم بالحفظ بمقتضى‬
‫العقد‪.‬‬
‫فإذا احتاج الحفظ الى مستودع مثل ً كانت عليه ُأجرته ‪ ،‬أو‬
‫إلى خزانة كان عليه إيجادها ‪ ،‬أو أجرة حارس ‪ ،‬وهكذا‪.‬‬
‫وأما مؤونة الرهن‪ ،‬وهي‪ :‬كل ما تحتاجه العين من نفقة‬
‫لبقائها ‪ ،‬كعلف الدابة وسقي الشجار ‪ ،‬وترميم الدار مث ً‬
‫ل‪ ،‬فهو‬
‫على الراهن ‪ ،‬لنه لبد ّ منه لبقاء العين التي هي ملكه‪ ،‬وُيجبر‬
‫عليها كي ل تهلك العين ‪ ،‬محفظة على حق المرتهن‪.‬‬
‫ل على ذلك‪ :‬قوله صلى الله عليه وسلم ‪" :‬ل َيغلق‬ ‫ود ّ‬
‫الرهن‪ ،‬الرهن من صاحبه الذي رهنه‪ ،‬له غ َُنمه وعليه غ ُْرمه" ومن‬
‫غ ُْرمه نفقته ومؤونته‪) ،‬رواه الشافعي في الم‪ :‬كتاب الرهن‪،‬‬

‫)‪11‬‬
‫‪(0‬‬
‫باب‪ :‬ضمان الرهن‪ .3/147 :‬والدارقطني‪ :‬البيوع ‪ ،‬رقم الحديث‪:‬‬
‫‪.(133‬‬

‫ثالثا ً – يد المرتهن‪:‬‬ ‫•‬


‫علمنا أنه إذا تحقق شروط بعد وجود أركانه فقد انعقد‬
‫صحيحًا‪ ،‬وللمرتهن الحق في أن يقبض العين المرهونة إذا لم‬
‫يرجع الراهن عن الرهن ‪ ،‬فإذا قبض المرتهن العين صار له الحق‬
‫في احتباسها عنده حتى يؤدي الد ّْين ‪ ،‬وليس للراهن أن يخرجها‬
‫من يده إل بإذن منه وهذا هو معنى اليد‪ ،‬أي أن العين المرهونة‬
‫في يده وتحت سلطانه‪.‬‬
‫والذي نريد أن نعلمه الن ‪ :‬هي يد المرتهن على العين يد‬
‫أمانة أم يد ضمان؟‬
‫ويد المانة تعني‪ :‬أن صاحبها ل يغّرم بسبب ما هلك تحت يده‬
‫دى أو قصر في مسؤوليته‪.‬‬ ‫شيئا ً إل إذا تع ّ‬
‫ويد الضمان تعني‪ :‬أن صاحبها يغّرم بسبب ما هلك تحت يده‪،‬‬
‫صر في مسؤوليته أم ل‪.‬‬ ‫دى بالهلك أم ل‪ ،‬ق ّ‬
‫سواء أتع ّ‬
‫والجواب‪ :‬أن يد المرتهن على العين المرهونة يد أمانة ‪ ،‬فل‬
‫يغّرم شيئا ً إذا هلكت‪ ،‬ول يسقط عن الراهن شئ من الد ّْين‬
‫دى في هذا‬ ‫بمقابل بعض هلك العين المرهونة او كّلها‪ ،‬إل إذا تع ّ‬
‫صل ً عند الكلم عن هلك‬ ‫الهلك أو قصر‪ ،‬كما ستعلمه مف ّ‬
‫المرهون‪.‬‬
‫ودليل ذلك قوله صلى الله عليه وسلم ‪" :‬له غ ُْنمه وعليه‬
‫غ ُْرمه" ومن غ ُْرمه هلكه وتلفه ‪ ،‬واذا كان هلكه على الراهن‬
‫فمعناه أنه هو الضامن له‪ ،‬وبالتالي المرتهن غير ضامن‪ ،‬وتكون‬
‫يده يد أمانة‪.‬‬

‫رابعا ً – النتفاع بالمرهون‪:‬‬ ‫•‬


‫أ – انتفاع الراهن بالمرهون‪:‬‬
‫قد علمنا أنه ل يشترط لبقاء عقد الرهن استمرار حبس‬
‫ن منه‬
‫المرهون في يد المرتهن ‪ ،‬بل له أن يخرجه من يده بإذ ٍ‬
‫ورضاه كما علمنا من خلل ما مّر أن منافع المرهون لمالكه وهو‬
‫الراهن‪ ،‬لقوله صلى الله عليه وسلم ‪ " :‬له غ ُْنمه" ومن غنمه‬

‫)‪11‬‬
‫‪(1‬‬
‫منافعه‪ ،‬ولكنه محجوز عنها لحق المرتهن طالما أن المرهون‬
‫محبوس عنده‪ ،‬فإذا أذن للراهن باسترداده والنتفاع به جاز له‬
‫ذلك‪.‬‬
‫وكذلك قوله صلى الله عليه وسلم ‪" :‬الظهر يركب بنفقته إذا‬
‫كان مرهونا ً ‪ ،‬ولبن الدر يشرب بنفقته إذا كان مرهونا ً ‪ ،‬وعلى‬
‫الذي يركب ويشرب النفقة" والذي يركب يشرب هو المالك‬
‫للمنفعة وهو الراهن ‪ ،‬فله النتفاع وعليه النفقة‪.‬‬
‫ولكن يشترط في ذلك‪:‬‬

‫أن يكون النتفاع بالعين المرهونة ل ُيلحق بها ضررا ً من‬ ‫‪‬‬
‫نقص او تلف‪.‬‬

‫أن ل يسافر الراهن بالعين المرهونة ‪ ،‬لن السفر مظنة‬ ‫‪‬‬


‫الخطر ‪ ،‬ول ضرورة له ‪ ،‬فإذا أذن المرتهن بما ُيمنع منه‬
‫الراهن جاز له ذلك‪.‬‬

‫وكذلك‪ :‬ان امكن النتفاع بالمرهون وهو في يد المرتهن دون‬


‫اخراجه واسترداده انتفع به عنده ‪ ،‬وان لم يمكن ذلك ال‬
‫باستخراجه من يده استخراجه‪ ،‬والولى ان يشهد المرتهن على‬
‫ذلك رجلين او رجل وامرأتين ‪ ،‬لنه امر مالي‪.‬‬
‫وعلى الراهن رد العين المرهونة بعد استيفائه المنفعة منها‬
‫الى يد المرتهن‪.‬‬
‫ب‪ -‬انتفاع المرتهن بالمرهون‪:‬‬
‫دين ‪ ،‬وذلك بثبوت يد‬ ‫علمنا أن عقد الرهن ُيقصد به التوثق لل ْ‬
‫المرتهن على العين المرهونة‪ ،‬ليمكن بيعها واستيفاء الد ّْين من‬
‫ذر وفائه على الراهن‪.‬‬‫قيمتها عند تع ّ‬
‫وعليه‪ :‬فإن عقد الرهن ل يعني امتلك المرتهن للعين‬
‫المرهونة‪ ،‬ول استباحته لمنفعة من منافعها‪ ،‬بل تبقى ملكية‬
‫رقبتها ومنافعها للراهن‪ ،‬المالك الصلي لها‪ ،‬وبالتالي‪ :‬فليس‬
‫للمرتهن أن ينتفع بالعين المرهونة بدون إذن الراهن مطلقًا‪ ،‬فإذا‬
‫ديا ً وضامنا ً للمرهون‪.‬‬
‫فعل ذلك كان متع ّ‬
‫وهل له أن ينتفع به إذا أذن له الراهن بذلك؟‬

‫)‪11‬‬
‫‪(2‬‬
‫ينبغي ان نفّرق هنا بين أن يكون الذن بالنتفاع لحقا ً لعقد‬
‫الرهن وبعد تمامه ودون شرط له ‪،‬وبين أن يكون مع العقد‬
‫ومشروطا ً فيه‪:‬‬
‫فإن كان مع العقد ومشروطا ً فيه كان شرطا ً فاسدًا‪ ،‬ويفسد‬
‫معه عقد الرهن على الظهر‪ ،‬وذلك لنه شرط يخالف مقتضى‬
‫العقد‪ ،‬إذ مقتضى العقد التوّثق – كما علمت – ل استباحة‬
‫المنفعة‪ ،‬وكذلك هو شرط فيه منفعة لحد المتعاقِد َْين وإضرار‬
‫بالخر‪ ،‬إذ به منفعة للمرتهن وإضرار بمصلحة الراهن‪.‬‬
‫ومقابل الظهر‪ :‬أن الشرط فاسد ل ُيلتفت إليه‪ ،‬والعقد‬
‫صحيح‪ ،‬وقول ضعيف‪.‬‬

‫وأما إذا لم يكن النتفاع للمرتهن مشروطا ً في العقد فهو‬ ‫‪‬‬


‫جائز‪ ،‬ويملكه المرتهن ‪ ،‬لن الراهن مالك‪ ،‬وله أن يأذن‬
‫بالتصّرف في ملكه بما ل يضّيع حقوق الخرين فيه‪ ،‬وقد أذن‬
‫له بذلك‪ ،‬وليس في ذلك تضييع لحقه في المرهون‪ ،‬لنه‬
‫بانتفاعه به ل يخرج من يده‪ ،‬ويبقى محتبسا ً عنده لحقه‪.‬‬

‫خامسا – التصّرف بالمرهون‪:‬‬ ‫•‬


‫المراد بالتصرف هنا‪ :‬التصّرف الذي ُينشئ التزاما ً وينتج‬
‫أثرا ً شرعيًا‪ ،‬كالهبة والبيع ونحو ذلك‪.‬‬
‫وهذا التصّرف إما أن يكون من الراهن وإما أن يكون من‬
‫المرتهن ‪ ،‬وإما ان يكون بإذن من الطرف الخر وإما أن يكون‬
‫بغير إذن‪.‬‬
‫أ‪-‬تصّرف الراهن بالعين المرهونة‪:‬‬
‫إذا تصرف الراهن بالعين المرهونة تصرفا ً ُيزيل ملكه عنها‪،‬‬
‫كالبيع والهبة والوقف ‪ ،‬كان تصرفه باطل ً إذا كان بغير إذن‬
‫المرتهن ‪ ،‬ولم يترتب عليه أيّ أثر شرعي‪ ،‬وبقى الرهن على‬
‫حاله‪.‬‬
‫وذلك‪ :‬لن المرهون وثيقة بيد المرتهن مقابل دينه‪ ،‬فإذا‬
‫ُأجيز تصّرف الراهن هذا فيه فاتت الوثيقة وذهب ح ّ‬
‫قه ‪،‬ولذا كان‬
‫باطل محافظة على حقه‪.‬‬

‫)‪11‬‬
‫‪(3‬‬
‫ح التصّرف الذي ُيزيل المْلك ل يصح التصّرف‬ ‫وكما ل يص ّ‬
‫من‬‫ى‪ ،‬كأن يعيره الى َ‬ ‫سا ً أو َ‬
‫مّعن ً‬ ‫ح ّ‬ ‫الذي ينقص العين المرهونة ِ‬
‫جره الى مدة يح ّ‬
‫ل الد ّْين قبل‬ ‫يستعمله استعمال ً ي َْبليه‪ ،‬أو يؤ ّ‬
‫ل في شراء‬ ‫ى ‪ ،‬إذ أن الرغبة تق ّ‬ ‫مْعن ً‬
‫انتهائها ‪ ،‬فإن ذلك ينقصه َ‬
‫العين المؤجرة ‪ ،‬وعندها إذا احتيج الى بيع العين لوفاء الد ّْين‪ :‬إما‬
‫أن ل ُتباع‪ ،‬وإما أن ُتباع بأبخس من قيمتها‪ ،‬فإذا كانت المدة‬
‫ح ‪ ،‬لنه ل ضرر فيه‪.‬‬ ‫تنتهي مع حلول الد ّْين أو قبله جاز ذلك وص ّ‬
‫ح له رهنه عند مرتهن آخر‪ ،‬لنه ُينشئ له بذلك‬
‫وكذلك ل يص ّ‬
‫حقا ً يزاحم فيه حق المرتهن الول‪ ،‬فيفوت مقصود الرهن‪.‬‬
‫فإذا كان التصّرف ل يتحقق فيه ما سبق كان صحيحا ً ونافذا ً ‪،‬‬
‫كالعارة ونحوها‪.‬‬
‫ل ذلك إذا كان التصّرف بغير إذن المرتهن كما علمت ‪ ،‬فإذا‬ ‫ك ّ‬
‫حت ك ّ‬
‫ل تلك التصّرفات ونفذت ‪ ،‬وترتبت‬ ‫كان التصّرف بإذنه‪ :‬ص ّ‬
‫عليها آثارها المعتبرة شرعًا‪ ،‬لن المنع من صحتها لحقْ المرتهن ‪،‬‬
‫وقد تنازل عن حقه بإذنه فيها‪.‬‬
‫لكن للمرتهن حق الرجوع عن إذنه قبل تصّرف الراهن ‪ ،‬لن‬
‫ق طالما أن التصرف المأذون فيه لم يحصل‪.‬‬
‫قه با ٍ‬
‫ح ّ‬
‫فإذا لم يرجع عن إذنه وتصّرف الراهن نفذ التصّرف‪ ،‬وبطل‬
‫الرهن إذا كان التصّرف ُيزيل المْلك كالهبة ونحوها‪ ،‬وإذا لم يكن‬
‫كذلك – كالجارة ونحوها مما ل يزيل المْلك – بقى الرهن على‬
‫حاله‪.‬‬
‫ب‪ -‬تصّرف المرتهن‪:‬‬
‫ل يعدو تصّرف المرتهن بالعين المرهونة‪ :‬أن يكون بإذن‬
‫الراهن ‪ ،‬أو بغير إذنه‪:‬‬

‫فإذا كان تصّرف المرتهن بغير إذن الراهن‪ ،‬كان تصّرفه باطل ً‬ ‫‪‬‬
‫ل يترتب عليه أيّ أثر شرعي‪ ،‬مهما كان نوع ذلك التصّرف‪،‬‬
‫وإذا سلم العين المرهونة بسبب تصّرفه كان في ذلك‬
‫ديًا‪ ،‬وصارت العين المرهونة مضمونة عليه‪،‬وذلك لنه‬ ‫متع ّ‬
‫تصّرف بغير ملكه وبغير إذن المالك ‪ ،‬لن المرتهن ل يملك‬
‫العين المرهونة ‪ ،‬كما أنه ل يملك منفعتها‪.‬‬

‫)‪11‬‬
‫‪(4‬‬
‫ح‬
‫وإذا كان تصّرف المرتهن بالعين المرهونة بإذن الراهن‪ :‬ص ّ‬ ‫‪‬‬
‫تصّرفه ونفذ‪ ،‬لنه تصرف بإذن المالك في ملكه‪ ،‬وإنما ينظر‪:‬‬

‫• فإن كان التصّرف ُيزيل المْلك كالهبة والبيع بطل الرهن ‪،‬‬
‫لن الوثيقة قد ذهبت ‪.‬‬

‫• وإن كان ل ُيزيل المْلك – كالعارة والجارة – لم يبطل‬


‫الرهن ‪ ،‬لن عين الوثيقة – وهي المرهون – ل تزال‬
‫قائمة‪.‬‬

‫ده بوفاء الدّْين‪:‬‬


‫فكاك الرهن وتسليمه ور ّ‬
‫سادسا‪ِ :‬‬ ‫•‬
‫ك المرهون‬ ‫دد الرهن ما عليه من الد ّْين كامل ً انف ّ‬
‫س ّ‬
‫إذا َ‬
‫وانتهى عقد الرهن‪ ،‬ووجب على المرتهن رد ّ العين المرهونة على‬
‫ج ْ‬
‫ل للد ّْين أم‬ ‫الراهن وتسليمها له ‪ ،‬سواء أكان ذلك عند انتهاء ال َ‬
‫صر في الرد أو امتنع دون عذر ‪ ،‬كان‬ ‫قبله‪ ،‬وإذا لم يفعل ذلك‪ ،‬وق ّ‬
‫ضامنا ً للعين‪ ،‬لنه صار في حكم الغاصب ‪ ،‬إذ لم يبق له حق في‬
‫احتباس العين المرهونة‪ ،‬فإذا كان له عذر‪ ،‬كأن كانت العين غائبة‬
‫في مكان ل يتمكن من إحضارها إل بعد زمن‪ ،‬لم يكن ضامنًا‪،‬‬
‫من سيغصبها من‬ ‫وكذلك لو امتنع من تسليمها لعلمه أن هناك َ‬
‫الراهن إذا دفعها إليه‪ ،‬والله تعالى أعلم‪.‬‬
‫وإذا دفع الراهن د َْينه على أقساط ‪ :‬فإنه ل ينفك شئ من‬
‫الرهن حتى يؤدي الد ّْين كله ‪ ،‬أو يبرئه المرتهن مما بقى له من‬
‫أقساط وليس له أن يطالب بفك جزء من العين المرهونة لو‬
‫كانت قابلة للتجّزؤ ‪ ،‬مقابل ما دفعه من أقساط‪.‬‬
‫وذلك‪ :‬لن الرهن وثيقة بجميع أجزاء الد ّْين ‪ ،‬فل ينفك جزء‬
‫منه إل بأداء جميع الد ّْين وعلي ذلك أجمع الفقهاء ‪.‬‬
‫فلو شرط الراهين في العقد ‪ :‬أنه كلما قضي من الد ّْنن‬
‫كمن الرهن بقدره فسد الرهن ‪ ،‬لشتراط ما ينافيه ‪.‬‬ ‫قسطا ً انف ّ‬

‫سابعًا‪ :‬بيع المرهون‪:‬‬ ‫•‬

‫)‪11‬‬
‫‪(5‬‬
‫ل أجل الد ّْين ‪،‬ولم يكن عند الراهن وفاء له‪ ،‬وطالب‬‫إذا ح ّ‬
‫المرتهن به ‪ِ ،‬بيع المرهون لُيستوفى الد ّْين من قيمته‪.‬‬
‫والذي له حق بيعه هو الراهن أو وكيله‪ ،‬لنه هو المالك له‬
‫ووكيله نائب عنه‪ ،‬وأنما ُيشترط في هذا إذن المرتهن‪ ،‬لن له حقا ً‬
‫في مالّيته ‪ ،‬أي في قيمته ‪ ،‬ليستوفى د َْينه منها‪.‬‬
‫فإن لم يأذن المرتهن في بيعه ُرفع المر إلى القضاء ‪ ،‬وامره‬
‫القاضي بالذن ببيعه او إبراء الراهن من الد ّْين‪ ،‬فإن لم يفعل‬
‫شيئا ً من ذلك باعه الحاكم رغما ً عنه‪ ،‬ووفاه دينه من ثمنه‪ ،‬دفعا ً‬
‫للضرر عن الراهن‪.‬‬
‫وكذلك لو امتنع الراهن من بيع المرهون في هذه الحالة ‪:‬‬
‫ن أبي باعه‬
‫فإن القاضي يلزمه بقضاء الد ّْين أو بيع المرهون ‪ ،‬فإ ْ‬
‫الحاكم رغما ً عنه‪ ،‬ووّفى المرتهن د َْينه من ثمنه ‪ ،‬دفعا ً للضرر‬
‫عنه‪.‬‬
‫فإذا كان للراهن متاع آخر يمكن ان ُيباع ويوّفى الد ّْين من‬
‫ثمنه لم ُيجبر على بيع المرهون ‪ ،‬إذا رغب ببيع غيره والوفاء منه‪،‬‬
‫لن المرهون لم يتعّين للوفاء ‪ ،‬لن الواجب وفاء الد ّْين من مال‬
‫المدين ‪ ،‬فل فرق بين المرهون وغيره‪ ،‬كما لو لم يكن بالد ّْين‬
‫رهن ‪ ،‬فإنه ل يتعين لوفائه مال دون مال‪.‬‬
‫ن الراهن للمرتهن أن يبيع العين المرهونة‪ :‬فالصح أنه‬ ‫وإذا أذ ِ َ‬
‫ح ذلك‪ ،‬لن الراهن يستطيع ان‬ ‫إذا باعها في حضرة الراهن ص ّ‬
‫يرجع عن الذن قبل إبرام العقد إذا وجد أن في البيع عبنا ً له ‪ .‬أما‬
‫ح البيع‪ ،‬لن بيعه لغرض‬ ‫إذا باع المرتهن في غ َْيبة الراهين فل يص ّ‬
‫نفسه‪ ،‬وهو استيفاء د َْينه‪ ،‬فيّتهم حال غ َْيبة الراهن بالستعجال‬
‫فظ لمصلحة الراهن‪ ،‬مما ل يحصل في حال‬ ‫وعدم الترّوي والتح ّ‬
‫حضوره‪.‬‬

‫القسم الثاني‪ :‬ما يتعلق بهلك العين المرهونة‬ ‫•‬


‫واستهلكها‪:‬‬
‫قد تتعرض العين المرهونة الى الت َّلف‪ :‬إما بهلكها بنفسها أو‬
‫بآفة سماوية‪ ،‬أي بدون أي فعل يقع عليها من أحد‪ ،‬وإما‬
‫باستهلكها من قَِبل الراهن او المرتهن او غيرهما ‪ ،‬ولكل حال‬
‫حكمها‪.‬‬

‫)‪11‬‬
‫‪(6‬‬
‫هلكها بنفسها‪:‬‬ ‫‪.1‬‬
‫وذلك ل يخلو من ان يكون الهلك بتعدّ أو تقصير او‬
‫ل يكون بتعدّ او تقصير‪:‬‬
‫فإن كان الهلك بتعد ّ أو تقصير‪ :‬كانت العين المرهونة‬
‫صر‪ ،‬سواء أكان الراهن أو المرتهن‬
‫دي أو المق ّ‬ ‫مضمونة على المتع ّ‬
‫صر ضامن على أيّ حال‪ ،‬والضمان‬ ‫دي والمق ّ‬ ‫أو غيرهما‪ ،‬لن المتع ّ‬
‫يكون بمثلها إن كانت لها مثل ‪ ،‬أو بقيمتها إن لم يكن لها مثل‪،‬‬
‫ويكون المثل أو القيمة رهنا ً بدلها في يد المرتهن‪.‬‬
‫وإن كان الهلك بل تعد ّ أو تقصير‪ :‬فل ضمان على المرتهن‬
‫إن كانت في يده وإنما تهلك من مال الراهن ‪ ،‬ول يسقط شئ‬
‫دين بهلكها‪ ،‬لن يد المرتهن عليها يد أمانة‪.‬‬
‫من ال ّ‬
‫ودليل ذلك‪:‬‬

‫قوله صلى الله عليه وسلم ‪" :‬ل يغلق الرهن‪ ،‬الرهن من‬ ‫‪‬‬
‫صاحبه الذي رهنه‪ ،‬له غ ُْنمه وعليه غ ُْرمه"‪) .‬اخرجه الشافعي‬
‫في الم‪ :‬كتاب الرهن‪ ،‬باب‪ :‬ضمان الرهن‪.(3/147 :‬‬
‫ومعنى أن الرهن من صاحبه أن هلكه يكون من ماله ‪ ،‬بدليل‬
‫قوله‪" :‬له غنمه وعليه غرمه" ‪ .‬وغنمه‪ :‬سلمته وزيادته ومنافعه‪،‬‬
‫وغرمه‪ :‬نفقته ونقصه وهلكه‪ .‬فكان هلكه من مال مالكه وهو‬
‫الراهن ‪ ،‬ولكن ل يضمن بدله ليوضع رهنًا‪ ،‬لنه لم يتعد ّ بهلكه‪.‬‬

‫ومما يؤكد ما سبق من فهم الحديث‪ :‬أن الرهن وثيقة‬ ‫‪‬‬


‫دين‪ ،‬فإذا هلك بدون تعد ّ كان كهلك غيره من الوثائق‬ ‫بال ّ‬
‫صك الذي ُ‬
‫كتب فيه الد ّْين والشاه ِد َْين والكفيل‪ ،‬ول يسقط‬ ‫كال ّ‬
‫شئ من الد ّْين بهلك شئ من هذه الوثائق‪ ،‬فكذلك ل يسقط‬
‫شئ منه بهلك العين المرهونة‪.‬‬

‫استهلك العين المرهونة‪:‬‬ ‫‪.2‬‬


‫استهلك العين المرهونة‪ :‬إما أن يكون من قبل الراهن ‪ ،‬أو‬
‫ميه بالجنبي‪،‬‬‫من قبل المرتهن‪ ،‬أو من قبل غيرهما‪ ،‬وهو ما نس ّ‬
‫أي الذي ل علقة له بعقد الرهن‪ ،‬وأي ّا ً منهم كان المستهِلك كان‬
‫ضامنا ً لقيمة العين المرهونة ‪ ،‬ولكن لك ّ‬
‫ل حالة أحكامها‪:‬‬

‫)‪11‬‬
‫‪(7‬‬
‫‪ -1‬فإذا كان المستهلك هو الراهن ترتبت الحكام التالية‪:‬‬
‫أ – إذا كان الد ّْين قد ح ّ‬
‫ل أجله يطالب الراهن بالد ّْين‪ ،‬ول‬
‫يطالب بالضمان ‪ ،‬أي بقيمة المرهون لتكون رهنا ً جديدًا‪،‬‬
‫إذ ل فائدة في ذلك طالما أن الجل قد انتهى‪.‬‬
‫ه بعد طولب بالمثل أو‬‫ل أجل ُ‬‫ب‪ -‬فإذا كان الد ّْين لم يح ّ‬
‫القيمة‪ ،‬ليكون ذلك رهنا ً في يد المرتهن بدل العين‬
‫جل الد ّْين‪ ،‬لقيام الضمان مقام العين‬
‫الهالكة حتى يحل أ َ‬
‫المضمونة‪.‬‬
‫ج‪ -‬الذي يخاصم الراهن في التضمين ويرافعه لدى القضاء‬
‫هو المرتهن ‪ ،‬لنه صاحب الحق في مالية العين‬
‫المرهونة ‪ ،‬اذ من حقه حبسها ليستوفى منها دينه عند‬
‫حلول الجل اذا تع ّ‬
‫ذر على الراهن وفاؤه‪.‬‬
‫‪ -2‬وإن كان المستهلك هو المرتهن‪ :‬ترتب ما يلي من الحكام‪:‬‬
‫أ – فهو ضامن لمثله أو قيمته يوم قبضه له‪ ،‬لن قبضه هو‬
‫المعتبر في ضمانه‪ ،‬إذ به دخل في ضمانه ‪ ،‬لنه قبض‬
‫لمصلحته لستيفاء الد ّْين منه‪.‬‬
‫وإنما كان ضامنا ً – رغم أن يد المرتهن على الرهن يد أمانة –‬
‫لنه أتلف مال غيره بغير حق‪.‬‬
‫جله بعد ُ كان المثل أو القيمة‬ ‫ب‪ -‬فإن كان الد ّْين لم يح ّ‬
‫لأ َ‬
‫ل الجل‪ ،‬لن ذلك بدل‬ ‫رهنا ً في يد المرتهن حتى يح ّ‬
‫العين المرهونة فيأخذ حكمها‪.‬‬
‫ل أجله ‪ ،‬وكان الضمان من جنس‬ ‫ج‪ -‬وإن كان الد ّْين قد ح ّ‬
‫الد ّْين استرد ّ المرتهن منه حقه‪ ،‬ورد ّ الزيادة إن فضل‬
‫شئ عن الد ّْين ‪،‬وإن كان الد ّْين أكثر رجع على الراهن‬
‫صة ‪ ،‬ول شئ‬‫بالنقص‪ ،‬وإن كانا متساوِي َْين حصلت المقا ّ‬
‫على واحد منهما‪.‬‬
‫‪ -3‬وإن كان المستهلك أجنبيا ً ترتب ما يلي من الحكام‪:‬‬
‫أ‪ -‬يضمن قيمة الرهن يوم الستهلك إن لم يكن له مثل ‪،‬‬
‫فإن كان له مثل ضمن مثله‪ ،‬ويكون المثل أو القيمة‬
‫رهنا ً عند المرتهن بدل العين المستهلكة‪.‬‬

‫)‪11‬‬
‫‪(8‬‬
‫ب‪ -‬الذي يخاصم في الضمان هو الراهن‪ ،‬لنه هو المالك‬
‫للعين المستهلكة ومنفعتها‪ ،‬وللمرتهن أن يحضر‬
‫قه بالبدل الذي سيكون رهنا ً عنده‪،‬‬
‫الخصومة لتعّلق ح ّ‬
‫فإن لم يخاصم الراهن فليس للمرتهن أن يخاصم على‬
‫الصح‪.‬‬

‫ماء الرهن‪:‬‬
‫القسم الثالث‪ :‬ما يتعلق بن َ‬ ‫•‬
‫ماء الرهن هو ثمرة المرهون وغّلته وزيادته‪ ،‬متصل ً كان‬ ‫ن َ‬
‫من أو منفصل ً كالولد ‪ ،‬وسواء أكان متوّلدا ً من الصل‬ ‫س َ‬‫كال ّ‬
‫من ‪ ،‬أم غير متول ّد ٍ منه كأجرة الدار وكسب‬
‫س َ‬
‫كالثمرة والولد وال ّ‬
‫السيارة‪.‬‬
‫إذا حصل هذا النماء للعين المرهونة كان ملكا ً للراهن ‪ ،‬لنه‬
‫نماء مْلكه‪ ،‬فهو تبع للصل في المْلك‪ ،‬ولكن هل يدخل هذا النماء‬
‫في عقد الرهن تبعا ً للصل‪ ،‬ويكون للمرتهن حق احتباسها معه‬
‫حتى يف ّ‬
‫ك المرهون ‪ ،‬أم للراهن أخذها ‪ ،‬لنها لم يجرِ عليها عقد‬
‫الرهن؟‬
‫من‬
‫س ْ‬
‫والجواب‪ :‬أنه من الواضح دخول الزيادة المتصلة كال ّ‬
‫ونحوه في الرهن‪ ،‬لنه ل يمكن انفصالها او تمييزها عن الصل‪.‬‬
‫وأما الزيادة المنفصلة‪ :‬كالولد واللبن والثمرة وما أشبه‬
‫ذلك‪ ،‬فل تدخل في الرهن‪ ،‬وليس للمرتهن أن يحبسها عن‬
‫ل على ذلك ‪:‬‬‫الراهن‪ ،‬لنها مْلكه ولم يجر عليها عقد الرهن‪ ،‬د ّ‬
‫قوله صلى الله عليه وسلم ‪" :‬له غنمه‪ "..‬ومن غنمه‪ :‬زوائده‬
‫ونماؤه‪.‬‬

‫القسم الرابع ‪ :‬أحكام فرعية تتعلق بالرهن‪:‬‬ ‫•‬


‫هناك أحكام فرعية غير ما سبق تتعلق بالرهن ‪،‬‬
‫وهي‪:‬‬

‫اول ً – وضع المرهون على يد ع ْ‬


‫دل‪:‬‬
‫قد يطلب المرتهن رهنا ً بد َْينه ‪ ،‬ول يطئمن الراهن الى وضعه‬
‫في يده‪ ،‬فيتفقان على وضعه عند إنسان يثقان به ويرضيانه ‪،‬‬
‫سن سيرته وامانته وحرصه على رعاية مصالح الناس‪.‬‬ ‫ح ْ‬
‫لعدالته و ُ‬

‫)‪11‬‬
‫‪(9‬‬
‫فالعدل‪ :‬هو الثقة المين الذي يرضى به كل من الراهن‬
‫والمرتهن ‪ ،‬ليضعا عنده العين المرهونة‪.‬‬
‫وحكم ذلك‪ :‬أنه جائز ومشروع إذا شرطاه أو اتفقا عليه‪ ،‬فإذا‬
‫م عقد الرهن‪ ،‬وكان في ذلك‬ ‫ح قبضه وت ّ‬
‫قبض العين بالمرهونة ص ّ‬
‫وكيل ً عن المرتهن في القبض‪.‬‬
‫ويتعلق بوضع المرهون على يد العدل أحكام ‪،‬‬
‫وهي‪:‬‬
‫‪ -1‬ليس للعدل أن يدفع العين المرهونة إلى الراهن أو المرتهن‬
‫بل إذن الخر ‪ ،‬لن كل ّ منهما لم يرض بوضعه في يد صاحبه‬
‫ل‪ ،‬ولن كل واحد منهما قد تعّلق حقه بالمرهون ‪ :‬فحق‬ ‫او ً‬
‫الراهن حفظ مْلكه في يد َ‬
‫من ائتمنه ‪ ،‬وحق المرتهن التوّثق‬
‫من أجل استيفاء الد ّْين ‪ ،‬فليس له ان يبطل حق واحد منهما‬
‫بدفعه الى الخر بغير إذنه ‪ ،‬فإذا اذن في ذلك جاز‪.‬‬
‫ديًا‪ ،‬وصار‬
‫فإذا دفعه الى أحدهما بدون إذن الخر كان متع ّ‬
‫ضامنا ً للعين المرهونة‪ ،‬يضمن قيمتها إذا تلفت‪.‬‬
‫‪ -2‬إذا هلكت العين المرهونة في يده بل تعد ّ ول تقصير لم‬
‫يضمن ‪ ،‬لن يده يد المرتهن هنا‪ ،‬ويد المرتهن يد أمانة كما‬
‫صر ضمن‪ ،‬كالمرتهن‪.‬‬ ‫دى أو ق ّ‬‫علمت ‪ ،‬فإذا تع ّ‬
‫جل الد ّْين‬
‫‪ -3‬ليس للعدل أن يبيع العين المرهونة عند حلول أ َ‬
‫ذر وفائه‪ ،‬لنهما جعل له حق المساك ل التصّرف ‪ ،‬إل إذا‬ ‫وتع ّ‬
‫سّلطاه على ذلك‪ ،‬أو شرطا في العقد أن يبيعه العدل‪،‬‬
‫وعندها يجوز له بيعه ‪ ،‬ول يجب عليه مراجعة الراهن في‬
‫ح عزله‪ ،‬ولم يملك البيع‬ ‫الصح‪ ،‬فإن عزله الراهن عن البيع ص ّ‬
‫عندئذ‪ .‬وكذلك للعدل ان يعزل نفسه عن ذلك‪ ،‬ويترك أمر‬
‫البيع لهما‪.‬‬
‫ديه في إتلفه ‪ ،‬أو‬
‫‪ -4‬إذا ضمن العدل قيمة الرهن – بسبب تع ّ‬
‫دفعه إلى أحد المتراهنين بدون إذن الخر وتلف في يده –‬
‫أخذت منه القيمة ثم جعلت رهنا ً من جديد عنده‪ ،‬أو جعلت‬
‫عند غيره‪.‬‬
‫ثانيًا‪ :‬رهن العين المستعارة للرهن‪:‬‬

‫)‪12‬‬
‫‪(0‬‬
‫مر معنا عند الكلم عن شروط المرهون أنه ل يشترط‬ ‫قد ّ‬
‫ح أن يستعير عينا ً‬
‫أن يكون الراهن مالكا ً للعين المرهونة‪ ،‬بل يص ّ‬
‫ليرهنها‪.‬‬
‫وإنما جاز ذلك‪ :‬لن الرهن توثيق للد ّْين ‪ ،‬وهو يحصل بما يملكه‬
‫المدين وما ل يملكه كالشهود والكفالة‪ ،‬وكذلك الرهن بمعنى‬
‫وفاء الد ّْين وقضائه‪ ،‬والنسان يملك أن يقضي دينه بمال غيره إذا‬
‫أذن له بذلك‪.‬‬
‫ويتعلق بذلك أحكام‪:‬‬
‫تقييد العارة ‪ :‬بمعنى أنه يشترط في ذلك ان يبّين‬ ‫‪-1‬‬
‫الراهن المستعير للمعير‪ :‬جنس الد ّْين وقدره وصفته‬
‫والمرهون عنده‪ ،‬لن الغراض تختلف باختلف هذه الشياء ‪،‬‬
‫فقد يرضى برهن متاعه عند شخص ول يرضى بذلك عند آخر‪،‬‬
‫سن المعاملة وعدمها‪ ،‬وقد يرضى برهن‬ ‫ح ْ‬ ‫لختلف الناس في ُ‬
‫متاعه بد َْين معّين من اليسير على الراهن وفاؤه‪ ،‬بينما ل‬
‫ذر عليه وفاؤه ‪ ،‬فُيباع في ذلك‬ ‫يرضى برهنه مقابل د َْين قد يتع ّ‬
‫متاعه ‪ ،‬وهكذا‪.‬‬
‫موافقة الراهن المستعير شروط المعير‬ ‫‪-2‬‬
‫ومخالفته لها‪ :‬اذا وافق الراهن شروط المعير في رهن‬
‫العين التي استعارها منه كان الرهن صحيحًا‪ ،‬فإذا قبض‬
‫م عقد الرهن ولزم ‪ ،‬وليس للمعير‬ ‫المرتهن العين المرهونة ت ّ‬
‫ول للراهن المستعير الرجوع عنه‪ ،‬وترتبت على ذلك جميع‬
‫أحكام الرهن السابقة التي من جملتها‪ :‬أنه إذا هلكت العين‬
‫دول تقصير فل ضمان عليه كما أن‬ ‫المرهونة في المرتهن بلتع ّ‬
‫الراهن المستعير ل يضمن شيئا ً لنه لم يسقط عنه بهلكها‬
‫شيء من الد ّْين الذي في ذمته ‪ ،‬وهو لم يخالف ما شرط‬
‫عليه‪.‬‬
‫أما إذا خالف الراهن المستعير شروط المعير ‪ ،‬كأن أعاره‬
‫ليرهنه عند شخص معين فرهنه عند غيره‪ ،‬بطل الرهن ‪ .‬وكذلك‬
‫لو خالف في جنس الد ّْين كأن يرهنه بنقد سوري فرهنه بغيره‬
‫ف فرهنه‬ ‫مث ً‬
‫ل‪ ،‬ومثله المخالفة في القدر‪ : ،‬كأن أعاره ليرهنه بأل ٍ‬
‫بألفين‪ .‬أما لو كانت المخالفة في القدر الى أقل ‪ ،‬كأن اعاره‬
‫ليرهنه بألفين فرهنه بألف ‪ ،‬لنه أيسر في الوفاء ‪ ،‬فهي مخالفة‬
‫لمصحلة المعير‪.‬‬

‫)‪12‬‬
‫‪(1‬‬
‫هلك العين المستعارة للرهن في يد‬ ‫‪-3‬‬
‫المستعير‪ :‬قد علمنا أنه إذا هلكت العين المستعارة في يد‬
‫المرتهن بل تعد ّ أو تقصير فل ضمان‪ ،‬أما إذا هلكت أو تعّيبت‬
‫في يد المستعير فإنه ضامن لها‪ ،‬سواء أكان ذلك قبل دفعها‬
‫دى في ذلك أم لم‬ ‫للمرتهن أم بعد فكاك الرهن‪ ،‬وسواء تع ّ‬
‫د‪ ،‬لنها تلفت في غير الستعمال الذي استعارها من أجله‪،‬‬ ‫يتع ّ‬
‫ً‬
‫وهو الرهن هنا‪ ،‬والعارّية مضمونة مطلقا اذا هلكت بغير‬
‫الستعمال ‪ ،‬كما علمت في باب العارّية‪.‬‬
‫فك المعير للعين المستعارة للرهن‪ :‬إذا عجز‬ ‫‪-4‬‬
‫الراهن عن وفاء الد ّْين وافتكاك العين المرهونة عند حلول‬
‫اجل الد ّْين‪ ،‬وأراد المعير مالك العين وفاء الد ّْين ليفتك مْلكه‬
‫كان له ذلك‪ ،‬وُأجبر المرتهن على قبول الوفاء منه‪ ،‬لنه غير‬
‫متبّرع بقضاء د َْين الراهن ‪ ،‬لنه يسعى في تخليص مْلكه ‪ ،‬فل‬
‫مّنة له في ذلك‪ ،‬ولذا ُيجبر الدائن على القبول ‪ ،‬بخلف ما لو‬ ‫ِ‬
‫كان الذي يقضي الدين متبرعا ً ‪ ،‬فإن الدائن ل يجبر على‬
‫مّنة‪.‬‬
‫القبول ‪ ،‬لما في ذلك من ال ِ‬
‫وفي هذه الحالة يرجع المعير على الراهن المستعير بجميع‬
‫ما قضي عنه من الدين‪.‬‬
‫موت المعير أو المستعير‪ :‬إذا مات الراهن‬ ‫‪-5‬‬
‫دي منه الد ّْين‪ ،‬بقى الرهن على‬ ‫المستعير ‪ ،‬ولم يترك مال ً يؤ ّ‬
‫حاله ‪ ،‬ول يباع المرهون المستعار إل برضا المعير لنه ملكه‪،‬‬
‫فإذا رضى ببيعه – وكان في ثمنه وفاء للد ّْين – بيع ولو لم‬
‫يرض المرتهن ‪ ،‬لن حقه – وهو استيفاء الد ّْين – يحصل بالبيع‬
‫‪ .‬وإذا لم يكن في ثمنه وفاء الد ّْين لم يبع إل برضا المرتهن ‪،‬‬
‫لن في حبسه منفعة له ‪ ،‬فقد يحتاجه المالك المعير فيسعى‬
‫ل‪ ،‬كما أنه قد ترتفع قيمته فيكون‬ ‫لتخليصه بوفاء الد ّْين كام ً‬
‫في بيعه عندها وفاء دينه‪.‬‬
‫وإذا مات المعير وكان عليه دين‪ ،‬ولم يترك ما يفي به إل‬
‫العين المستعارة للرهن‪ ،‬أمر الراهن المستعير بفكاك الرهن‪،‬‬
‫ل ذي حقّ إلى‬ ‫ليعود الى ورثة المعير فيفوا منه د َْينه‪ ،‬ويصل ك ّ‬
‫حقه‪ .‬فإن عجز الراهن عن فك الرهن بقى على حاله ‪ ،‬ولورثة‬
‫المعير عندها أن يأخذوا العين المرهونة إن قضوا ما عليه من‬
‫د َْين‪ ،‬فإن لم يقضوا د َْين المعير‪ ،‬وطالبوا هم والغرماء أصحاب‬
‫الديون ببيع العين المرهونة بيعت إن كان في ثمنها وفاء لدين‬

‫)‪12‬‬
‫‪(2‬‬
‫المرتهن ولو بغير رضاه‪ ،‬فإن لم يكن فيها وفاء ل ُتباع ال برضاه ‪،‬‬
‫لمصلحته في حبسه ‪ ،‬فلعّلهم يف ّ‬
‫كوه بوفاء الدين أو يزداد السعر‪.‬‬
‫ثالثا ً ‪ :‬الزيادة في المرهون أو الد ّْين بعد تمام عقد الرهن‪:‬‬
‫أ – الزيادة في المرهون‪ :‬لو رهن شخص شيئا ً ما بد َْين‪،‬‬
‫وبعد قبض المرتهن المرهون أراد الراهن أن يزيد في المرهون‬
‫ويضع عينا ً ُأخرى ‪ ،‬لتكون رهنا ً مع العين الولى بذلك الد ّْين نفسه‬
‫ح ذلك‪ ،‬لنه زيادة توثيق لحق المرتهن‪ ،‬كما لو كان له عليه‬ ‫ص ّ‬
‫د َْين بل رهن‪ ،‬ثم رهنه شيئا ً به‪.‬‬
‫فإذا قبض المرتهن تلك الزيادة صارت مرهونة قصدا ً ل تبعا ً ‪،‬‬
‫وجرت عليها جميع أحكام الرهن كما تجرى على المرهون الول‪،‬‬
‫وصارت معه رهنا ً واحدًا‪.‬‬
‫ب‪ -‬الزيادة في الدّْين‪ :‬وذلك بأن يرهن شخص متاعا ً‬
‫ل‪ ،‬ويتم عقد الرهن بالقبض‪ ،‬ثم يرغب أن يأخذ الفا ً‬ ‫بألف مث ً‬
‫ثانية ‪ ،‬على أن يكون المتاع المرهون رهنا ً باللفين‪ .‬فإن ذلك ل‬
‫ح ‪ ،‬لنه نقص في الوثيقة‪ ،‬على خلف ما سبق من الزيادة في‬ ‫يص ّ‬
‫ً‬
‫المرهون ‪ ،‬لن بعض المرهون الول هنا جعل رهنا بالد ّْين الثاني‪،‬‬
‫فنقصت الوثيقة بالد ّْين الول‪.‬‬
‫وكذلك فإن العين المرهونة مشغولة بالد ّْين الول‪ ،‬فالزيادة‬
‫في الد ّْين شغل لما هو مشغول ‪ ،‬فل يصح‪ ،‬بخلف الزيادة في‬
‫المرهون ‪ ،‬فإنها شغل لما هو غير مشغول ‪ ،‬وهو المرهون الثاني‬
‫فإنه فارغ من الشغل بد َْين ‪ ،‬فتصح‪.‬‬
‫رابعا‪ :‬تعدد اطراف الرهن‪:‬‬
‫يمكن ان يجري عقد الرهن اول مع اكثر من عاقدين‪ ،‬وان‬
‫يكون على مرهونين فأكثر ‪ ،‬واليك بيان ذلك‪:‬‬
‫دد الراهنين‪:‬‬
‫‪ -1‬تع ّ‬
‫وذلك بأن يكون لرجل واحد د َْين على شخصين او اكثر‪،‬‬
‫فيرهن هؤلء جميعا ً عنده شيئا ً ما‪ ،‬سجادة او دارا ً أو نحو ذلك‪،‬‬
‫بهذا الد ّْين كله في عقد واحد‪ ،‬ول فرق أن يكون الد ّْين ثبت على‬
‫الجميع في صفقة واحدة‪ ،‬أم كان ثبوت كل جزء منه على كل‬
‫واحد منهم على حدة‪.‬‬

‫)‪12‬‬
‫‪(3‬‬
‫ان هذا الرهن صحيح‪ ،‬لن المرتهن كالمشتري والراهن‬
‫كالبائع‪ ،‬ويصح ان يشتري انسان واحد سلعة واحدة من عدة‬
‫بائعين‪.‬‬
‫وهل اذا دفع احدهم نصيبه من الدين انفك قسطه الذي‬
‫يقابله من المرهون‪ ،‬ام يبقى كله رهنا حتى يؤدي الجميع؟‬
‫والجواب‪ :‬ان الصفقة متعددة لتعدد العاقدين‪ ،‬فصار عقد‬
‫الرهن كأنه متعدد والعين المرهونة كأنها متعددة‪ ،‬ولذا ينفك من‬
‫الرهن نصيب كل منهم اذا وفى ما عليه من الدين‪.‬‬
‫‪ -2‬تعدد المرتهنين‪:‬‬
‫وذلك بأن يكون لثنين أو أكثر ديون على شخص ‪ ،‬فيرهن‬
‫عندهم جميعا ً متاعا ً ما أو دارا ً مثل ً بتلك الديون‪ ،‬ويقبل هؤلء‪.‬‬
‫ان هذا الرهن صحيح‪ ،‬سواء أكان هؤلء شركاء في الديون‬
‫التي عليه‪ ،‬أم لم يكونوا كذلك‪.‬‬
‫وإذا وفي الراهن دين أحد المرتهنين انفك من المرهون‬
‫قسطه الذي يقابله من الدين‪ ،‬وذلك لتعدد الصفقة بتعدد‬
‫المستحقين‪ ،‬وهم الدائنون ‪ ،‬فصار كأنه عقد مع كل واحد منهم‬
‫على حدة‪.‬‬
‫‪ -3‬تعدد العين المرهونة‪:‬‬
‫وذلك بأن يقول الراهن للمرتهن ‪ :‬رهنتك هاتين السيارتين –‬
‫مثل ً – بمائتي ألف ‪ ،‬ويقبل المرتهن ويقبض السيارتين ‪ .‬ان هذا‬
‫الرهن صحيح‪.‬‬
‫وهل ينفك احد الرهنين إذا أدى قسطه من‬
‫المال؟ ينظر‪:‬‬

‫فإن كان رهن العينين مقابل الد ّْين بدون تفريق‪ :‬لم يكن له‬ ‫‪‬‬
‫الحق بقبض شئ من العيان المرهونة حتى يوفى الد ّْين‬
‫كله‪ ،‬لن العيان المرهونة رهن بكل الد ّْين‪ ،‬فتكون جميعها‬
‫دي‬
‫ك شئ منها حتى تؤ ّ‬ ‫محبوسة بكل جزء من اجزائه‪ ،‬فل ينف ّ‬
‫جميع الجزاءن ويصير ذلك كحبس كل المبيع في يد البائع‬
‫حتى يقبض كل الثمن‪.‬‬

‫)‪12‬‬
‫‪(4‬‬
‫ل‪ ،‬كان‬ ‫وإن كان فّرق عند الرهن فقال‪ :‬كل واحدة بألف مث ً‬ ‫‪‬‬
‫دى ما عّين لها من الد ّْين‪،‬‬
‫له الحق أن يقبض إحداهما إذا أ ّ‬
‫لن العقد صار في حكم عقدين حين عّين حصة كل من‬
‫المرهونين‪.‬‬

‫)‪12‬‬
‫‪(5‬‬
‫الباب التاسع‬

‫الكفــالــة والضمــان‬

‫)‪12‬‬
‫‪(6‬‬
‫فالة‬
‫الك َ‬
‫تعريفها‪:‬‬
‫فلها‬
‫هي – في اللغة – اللتزام والضم ‪ ،‬ومنه قوله تعالى ‪":‬وك ّ‬
‫مها إليه والتزم برعايتها‪.‬‬
‫زكريا" "آل عمران‪ :"37:‬أي ض ّ‬
‫وقوله صلى الله عليه وسلم ‪" :‬أنا وكافل اليتيم في الجنة‬
‫هكذا" وأشار بالسّبابة والوسطى وفّرج بينهما شيئًا‪) .‬اخرجه‬
‫البخاري في الطلق‪ ،‬باب‪ :‬اللعان‪ ،‬رقم ‪.(4998‬‬
‫مه إليه ويلتزم رعايته والنفقة‬
‫وكافل اليتيم‪ :‬هو الذي يض ّ‬
‫عليه‪.‬‬

‫وشرعًا‪ :‬هي التزام حقّ ثابت في ذمة غيره‪ ،‬أو إحضار َ‬


‫من‬
‫عليه حق لغيره أو عين مضمونة‪.‬‬
‫أي هي عقد يلتزم فيه العاقد – وهو المسمى الكفيل أو‬
‫من‬ ‫الضامن – حقا ً ثابتا ً لشخص في ذمة غيره‪ ،‬بحيث إذا لم يؤ ّ‬
‫ده َ‬
‫داه ذلك الملتزم‪ .‬أو أن يلتزم أن يحضر الشخص‬ ‫عليه الحق أ ّ‬
‫الذي عليه الحق إلى مجلس القضاء أو إلى صاحب الحق‪ .‬أو أن‬
‫يلتزم لشخص أن يحضر له عينا ً – هي حقّ له – من يد غيره التي‬
‫هي في يده مضمونة عليه‪ ،‬كأن تكون مغصوبة‪.‬‬
‫مشروعيتها‪:‬‬
‫هي مشروعة ‪ ،‬وربما كانت مندوبة ‪ ،‬إذا كان القائم بها واثقا ً‬
‫ل على‬ ‫بنفسه‪ ،‬ويأمن من أن يناله ضرر بسببها ‪ ،‬وقد د ّ‬
‫مشروعيتها نصوص كثيرة ‪ ،‬منها‪:‬‬
‫وع رضى الله عنه قال‪ :‬كنا ً جلوسا ً عند‬‫ما رواه سلمة بن الك ْ َ‬
‫النبي صلى الله عليه وسلم إذ أتى بجنازة ‪ ،‬فقالوا‪ :‬ص ّ‬
‫ل عليها‬
‫فقال‪" :‬هل عليه د َْين؟" قالوا‪ :‬ل‪ ،‬قال‪" :‬فهل ترك شيئًا؟" قالوا ‪:‬‬
‫ل ‪ ،‬فصلى عليه‪ ،‬ثم أتى بجنازة ُأخرى ‪ ،‬فقالوا ‪:‬يا رسول الله‬
‫ل عليها ‪ ،‬قال " هل عليه دين ؟ " قيل ‪ :‬نعم ‪ ،‬قال ‪ " :‬فهل‬ ‫ص ّ‬
‫ُ‬
‫ترك شيئا ً ؟ " ‪ .‬قالوا ‪ :‬ثلثة دنانير ‪ ،‬فصلى عليها ‪ .‬ثم أتي بالثالثة‬
‫ل عليها ‪ ،‬قال" هل ترك شيئا ً ؟" قالوا ‪ :‬ل قال " فهل‬ ‫‪ ،‬فقالوا ص ّ‬
‫عليه دين ؟ " قالوا ‪ :‬ثلثة دنانير ‪ ،‬قال " صّلوا على صاحبكم "‬
‫ى ديُنه فصلى عليه ‪.‬‬ ‫ل عليه يا رسول الله وعل ّ‬ ‫قال أبو قتادة ‪ :‬ص ّ‬

‫)‪12‬‬
‫‪(7‬‬
‫)البخاري ‪ :‬الحوالت‪ ،‬باب‪ :‬ان احال دين الميت على رجل جاز‪،‬‬
‫رقم‪(2168 :‬‬
‫مل عن رجل عشرة‬
‫ومنها ‪ :‬انه صلى الله عليه وسلم تح ّ‬
‫دنانير ‪) .‬اخرجه الحاكم(‪.‬‬
‫وسيأتي معنا مزيد من النصوص خلل فقرات البحث‪.‬‬
‫وُيستأنس لمشروعيتها أيضا ً بقوله تعالى – على لسان‬
‫م ُ‬
‫ل بعير وأنا به زعيم"‬ ‫ح ْ‬
‫من جاء به ِ‬
‫يوسف عليه السلم‪" :‬ول َ‬
‫)يوسف‪ .(72:‬قال ابن عباس رضى الله عنهما ‪ :‬الزعيم‪ :‬الكفيل‪.‬‬
‫من‬
‫وقلنا يستأنس ولم نقل ُيستدل ‪ ،‬لن هذا وارد في شرع َ‬
‫من قبلنا ليس بشرع لنا‪.‬‬
‫قبلنا ‪ ،‬والصحيح أن شرع َ‬
‫ت عليه النصوص موضع إجماع المسلمين في‬
‫وهذا الذي دل ّ‬
‫كل الزمان والعصور‪.‬‬
‫حكمة مشروعيتها‪:‬‬
‫هي التيسير على المسلمين وتحقيق التعاون فيما بينهم‪ ،‬فقد‬
‫يشتري إنسان سلعة هو في حاجة إليها‪ ،‬ول يجد الثمن ‪ ،‬ول‬
‫يطئمن البائع إليه فل يرضى بإنظاره به ‪ ،‬ول يتيسر له رهن يضعه‬
‫به ‪ ،‬وقد ل يرضى البائع بالرهن ‪ ،‬فيحتاج في هذه الحالة الى‬
‫كفيل ‪ ،‬وقد يستقرض مال ً هو في حاجة إليه‪ ،‬ويطلب المقرض‬
‫ل‪ ،‬وقد يقع في جناية يعاقب عليها‪ ،‬وهو بعيد عن بلده ‪ ،‬وعليه‬ ‫كفي ً‬
‫من يكفله‬‫ل للقيام بها‪ ،‬فيحتاج الى َ‬
‫ج ٍ‬
‫حقوق وت َِبعات يضطر الى أ َ‬
‫حتى يذهب ويعود‪ .‬وقد يضطر إنسان إلى استعارة عين‪ ،‬ول‬
‫دها سالمة‪ .‬وقد‬ ‫يرضى صاحبها بإعارتها له إل بكفيل يضمن له ر ّ‬
‫تكون في يده عين مغصوبة ‪ ،‬يحتاج إلى أجل لحضارها‪ ،‬فيأبى‬
‫صاحبها أن يفلته إل بكفيل‪ ،‬وهكذا‪ ،‬فالمصلحة في تشريع الكفالة‬
‫واضحة‪ ،‬والحاجة إليها أكيدة‪ ،‬وشرع الله تعالى إنما جاء لرعاية‬
‫مصالح العباد‪ ،‬وتخليصهم من الحرج‪.‬‬
‫سر"‬ ‫سر ول يريد بك ُ ُ‬
‫م العُ ْ‬ ‫قال الله تعالى‪" :‬يريد ُ الله بك ُ ُ‬
‫م الي ُ ْ‬
‫حَرج"‬ ‫ل عليكم في الد ّْين من َ‬ ‫جعَ َ‬
‫)البقرة‪ (185:‬وقال‪" :‬ما َ‬
‫)الحج‪.(78:‬‬
‫سروا‬
‫سر" وقال‪" :‬ي ّ‬
‫وقال صلى الله عليه وسلم ‪" :‬إن الد ّْين ي ُ َ‬
‫سروا"‪.‬‬
‫ول تع ّ‬

‫)‪12‬‬
‫‪(8‬‬
‫)اخرجهما البخاري‪ :‬في اليمان ‪ ،‬باب ‪ :‬الدين يسر‪ ،‬رقم ‪:‬‬
‫‪ ،39‬وفي العلم ‪ ،‬باب‪ :‬ما كان النبي صلى الله عليه وسلم‬
‫يتخولهم بالموعظة والعلم‪ ، ..‬رقم‪.(69 :‬‬

‫أنواع الكفالة‪:‬‬
‫الكفالة نوعان‪:‬‬
‫مة إنسان‪ ،‬يلتزم الكفيل‬
‫فهي إما أن يتكفل بد َْين ثبت في ذ ّ‬
‫من هو عليه في أجله‪ ،‬وتسمى ‪ :‬الكفالة‬ ‫ده َ‬‫اداءه اذا لم يؤ ّ‬
‫بالد ّْين‪ ،‬كما تسمى ‪ :‬الضمان‪.‬‬
‫من لزمه حق ‪ ،‬من د َْين أو غيره‬‫فل باحضار َ‬ ‫وإما أن يتك ّ‬
‫فل بأداء الد ّْين‪ ،‬وتسمى‪ :‬كفالة‬ ‫كقصاص مث ً‬
‫ل‪ ،‬دون أن يتك ّ‬
‫بالنفس‪.‬‬
‫أركان الكفالة‬
‫للكفالة أركان خمسة‪ ،‬سواء أكانت كفالة مال أم كفالة‬
‫نفس‪ ،‬وهي‪ :‬الكفيل ‪ ،‬والمكفول له ‪ ،‬والمكفول عنه‪ ،‬والمكفول‬
‫به‪ ،‬والصيغة‪ ،‬ولك ّ‬
‫ل منها شروط نبّينها فيما يلي إن شاء الله‬
‫تعالى‪.‬‬
‫الركن الول‪ :‬الكفيل‪:‬‬
‫وهو الضامن الذي يلتزم بأداء الحق المضمون‪ ،‬أو إحضار‬
‫الشخص المكفول ويشترط فيه‪:‬‬
‫أن يكون اهل ً للتبّرع ‪ ،‬بأن يكون عاقل ً بالغا ً رشيدًا‪ ،‬لن‬
‫ح كفالة‬ ‫الكفالة تّبرع ‪ ،‬فيشترط أن يكون الكفيل أهل ً له‪ ،‬فل تص ّ‬
‫المجنون ول الصبي‪ ،‬لنهما ليسا من أهل التبّرع ‪ ،‬ول سلطان‬
‫لهما على أنفسهما ومالهما‪ ،‬فل سلطان لهما على غيرهما من‬
‫من كان محجورا ً عليه‬ ‫ح الكفالة بالمال م ّ‬
‫باب أولى ‪ ،‬وكذلك ل تص ّ‬
‫بسفه‪ ،‬لنه تصّرف مالي‪ ،‬وهو محجور عليه في التصرفات‬
‫المالية‪ ،‬لنه ل يحسنها‪.‬‬
‫من كان مريضا ً مرضا ً يخاف معه‬
‫ويتفّرع على ذلك‪ :‬انه َ‬
‫موته ليس له ان يكفل ال في حدود ثلث ما يملك ‪ ،‬لنه محجور‬

‫)‪12‬‬
‫‪(9‬‬
‫عليه التصرفات المالية التي هي من قبيل التبّرع في أكثر من‬
‫ثلث ماله‪ ،‬أما في حدود الثلث فجائز‪.‬‬
‫الركن الثاني‪ :‬المكفول له‪:‬‬
‫وهو مستحق الحق ‪ ،‬الذي يلتزم الكفيل بما التزم به حفظا ً‬
‫لحقه‪ ،‬ويشترط أن يكون معروفا ً لدى الضامن معرفة عينية ‪ ،‬أي‬
‫أن يعرف شخصه ‪ ،‬فل يكفي أن يعرف نسبه مثل ً ‪ ،‬واشُترطت‬
‫معرفته لنه هو صاحب الحق الذي سُيطالب الكفيل به‪ ،‬والناس‬
‫دة وُيسرا ً ‪ ،‬فل بد ّ لمن يلتزم‬
‫يتفاوتون في المطالبة بحقوقهم ش ّ‬
‫من سيطالبه وكذلك إذا كان مجهول ً ل يتحقق ما‬ ‫بالداء أن يعرف َ‬
‫شرعت له الكفالة ‪ ،‬وهو التوّثق لصاحب الحق‪ .‬واكتفى بمعرفة‬
‫شخصه لن الظاهر غالبا ً عنوان الباطن‪.‬‬
‫وُيشترط معرفة وكيله إن كان له وكيل‪ ،‬لن الغالب في‬
‫من هو اشد ّ منه في المطالبة ‪ ،‬ولهذا تغنى‬ ‫الناس أن يو ّ‬
‫كل َ‬
‫معرفة الوكيل عن معرفة الصيل‪.‬‬
‫ول ُيشترط حضور المكفول له ‪ ،‬كما ل ُيشترط قبوله الكفالة‬
‫أو رضاه بها‪ ،‬لنها التزام وضمان لصالحه ل يرتب عليه شيئًا‪،‬‬
‫ودليله حديث أبي قتادة رضى الله عنه‪ ،‬إذ لم يتعّرض فيه إلى‬
‫فظ بقبوله‪.‬‬
‫المكفول له ‪ ،‬وقيل‪ :‬يشترط رضاه دون التل ّ‬
‫الركن الثالث‪ :‬المكفول عنه‪:‬‬
‫وهو المطاَلب بالحق من قَِبل المكفول له‪ ،‬ويعّبر عنه أحيانا ً‬
‫بالصيل مقابل الكفيل‪ ،‬ويشترط فيه أن يكون ث ََبت في ذمته ح ّ‬
‫ق‬
‫ح ضمانه‪.‬‬ ‫ن د َْين أو نحوه ‪ ،‬مما يص ّ‬
‫م ْ‬
‫ِ‬
‫ول يشترط رضا المضمون عنه في المال قول ً واحدًا‪ ،‬لن‬
‫قضاء د َْين غيره بغير إذنه جائز ‪ ،‬فالتزامه جائز من باب أولى ‪،‬‬
‫ح الضمان عن الميت وإن ولم يخلف وفاًء وكذلك ضمانه‬ ‫ولذا ص ّ‬
‫من ل يعرفه ‪،‬‬ ‫من يعرفه و َ‬
‫عنه معروف ‪ ،‬والمعروف ُيصنع مع َ‬
‫وسواء أكان اهل ً له أم ل‪ .‬ول تشترط معرفته في الصح ‪ ،‬لنه‬
‫ليس هناك معاملة بين الكفيل والمكفول عنه‪.‬‬
‫الركن الرابع‪ :‬المكفول به‪:‬‬
‫وهو الحق الذي وقع عليه الضمان والكفالة من د َْين أو غيره‪،‬‬
‫ويشترط فيه‪:‬‬

‫)‪13‬‬
‫‪(0‬‬
‫ح ضمان ما لم‬‫‪ -1‬أن يكون حقا ً ثابتا ً حال العقد‪ ،‬فل يص ّ‬
‫يثبت ‪ ،‬سواء أجرى سبب وجوبه كنفقة الزوجة المستقبلة‪،‬‬
‫أم لم يجر كضمان ما سيقرضه لفلن‪ ،‬لن الضمان وثيقة‬
‫بالحق فل يتقدم عليه ‪ ،‬كالشهادة‪.‬‬
‫ويكفي في ثبوت الحق اعتراف الضامن به وإن لم يثبت‬
‫على المضمون شئ‪ .‬فلو قال ‪ :‬لزيد على عمرو مائة دينار وأنا‬
‫ضامن لها‪ ،‬فأنكر عمر الد ّْين‪ ،‬فلزيد مطالبة الضامن به‪.‬‬

‫ح ضمان ما سيجب ‪ ،‬كما لو قال‪ :‬أقْ ِ‬


‫رضه مائة وأنا‬ ‫وقيل‪ :‬يص ّ‬
‫سة إليه‪.‬‬
‫ح ذلك ‪ ،‬لن الحاجة ما ّ‬
‫ضامنها‪ ،‬ففعل‪ ،‬ص ّ‬
‫ح ضمان النفقة المستقبلة عن القريب ونحوه قول ً‬ ‫ول يص ّ‬
‫واحدًا‪ ،‬لن سبيلها البّر والحسان ‪ ،‬ل الد ّْين‪.‬‬
‫ويستثنى من هذا ضمان الد َّرك‪ ،‬وهو أن يلتزم لمن يشتري‬
‫سلعة أن يرد ّ له ثمنها‪ ،‬إن خرجت السلعة معيبة أو ناقصة أو‬
‫مستحقة ‪ ،‬أي مغصوبة أو مسروقة أو ضائعة ‪ ،‬ووجدها صاحبها‪،‬‬
‫فإنه يقيم البّينة عليها ويأخذها ‪ ،‬لنه احقّ بها‪ .‬ففي هذه الحالة‬
‫ح هذا الضمان – وهو‬ ‫يعود المشتري على الضامن بثمنها‪ .‬وإنما ص ّ‬
‫ضمان لد َْين لم يثبت‪ ،‬لنه يثبت عند استحقاق المبيع من يد‬
‫المشتري – لن الحاجة تدعو إليه ‪ ،‬وخاصة عند التعامل مع‬
‫الغريب الذي يخشى ان يكون ما يبيعه مستحقا لحد‪ ،‬ول يظفر‬
‫به عند الستحقاق ونحوه‪ ،‬فاحتيج الى الضمان ليتوثق المشتري‬
‫لما يدفعه من ثمن‪.‬‬
‫ويشترط أن يكون هذا الضمان بعد قبض البائع الثمن‪ ،‬لن‬
‫الضامن يضمن ما دخل في يد البائع‪ ،‬والثمن ل يدخل في ضمانه‬
‫ال بقبضه‪.‬‬
‫‪ -2‬ان يكون لزما‪ :‬سواء أكان مستقرا ً كثمن البيع بعد القبض‬
‫مْهر بعد الدخول‪ ،‬ام غير مستقر كثمن‬ ‫وانتهاء مدة الخيار‪ ،‬وال َ‬
‫المبيع قبل القبض والمهر قبل الدخول‪.‬‬
‫ح أيضا ضمان ما هو آيل الى اللزوم ‪ ،‬أي ما يلزم بنفسه‬
‫ويص ّ‬
‫ول يتوقف لزومه على شئ‪ ،‬كالثمن في مدة الخيار ‪ ،‬فإنه يلزم‬
‫بنفسه بانتهاء مدة الخيار‪ ،‬فيصح ضمانه وان لم يلزم بعد‪.‬‬
‫والمراد باللزم واليل الى اللزوم ما ل يملك فسخه بل سبب‬
‫كالمثلة السابقة‪ ،‬فلو كان الدين غير لزم ول آيل الى اللزوم‪،‬‬

‫)‪13‬‬
‫‪(1‬‬
‫بأن كان يستطيع من هو عليه فسخه بدون سبب كجعل الجعالة‬
‫– وهو ان يلتزم دفع مال معين لمن يأتي له بضالته – فهو يملك‬
‫الرجوع عن ذلك قبل ان يأتيه احد بها‪ ،‬فهو دين غير لزم ول آيل‬
‫ح ضمانه‪ ،‬لنه ل يثبت ال بعد الفراغ من‬‫الى اللزوم‪ ،‬فل يص ّ‬
‫العمل‪ ،‬كما علمت في باب الجعالة‪.‬‬
‫‪ -3‬أن يكون معلوما ً للضامن‪ ،‬جنسا ً وقدرا ً وصفة‪ ،‬فالجنس‬
‫كأن يكون دراهم أو دنانير أو غيرهما‪ ،‬والقدر كألف أو أكثر أو‬
‫أقل‪ ،‬والصفة كجيد أو ردئ فيما لو كان يوصف بذلك‪ ،‬وأن‬
‫يعلم عينه إذا كان ضمان عين كالمغصوب‪.‬‬
‫وإنما اشترط العلم به لنه إثبات مال في الذمة لدمي بعقد‪،‬‬
‫كالثمن في البيع والجرة في الجارة ‪ ،‬فل بد ّ من العلم به‪ ،‬أو‬
‫ل على هذا ما جاء في حديث أبي قتادة‬ ‫تعيينه إن كان عينًا‪ ،‬وقد د ّ‬
‫رضى الله عنه حيث بّين الد ّْين وأنه ثلثة دنانير‪.‬‬
‫ح ضمان المجهول‪ ،‬كضمنت مالك عليه من‬ ‫وعليه فل يص ّ‬
‫دين‪ ،‬أو أحد الد ّْينين ‪ ،‬أو أحد المغصوب َْين ‪ ،‬وهكذا‪.‬‬
‫‪ -4‬أن يكون الحق المضمون قابل ً للتبّرع به‪ ،‬أي أن يكون‬
‫من هو له بغير عوض‪ ،‬كالحقوق التي‬ ‫قابل ً للنتقال لغير َ‬
‫ح‬
‫ذكرت أمثلة فيما مضى‪ ،‬فلو كان غير قابل لذلك فل يص ّ‬
‫ل‪ ،‬فهو حق للشفيع ‪ ،‬أي‬ ‫الضمان به‪ ،‬كحق الشفعة مث ً‬
‫للشريك الذي يملك حصة مع البائع‪ ،‬فإذا باع شريكه حصته‬
‫لغيره كان له الحق ان يأخذها بالثمن ‪ ،‬ولكن ليس له أن‬
‫ينقل هذا الحق لغيره‪ ،‬فل يصح الضمان به‪.‬‬
‫الركن الخامس‪ :‬الصيغة‪:‬‬
‫وهي اليجاب من الضامن الكفيل‪ ،‬والقبول من المكفول له‪.‬‬
‫ويكفي في تحقيق الكفالة إيجاب الكفيل الضامن‪ ،‬ول‬
‫يشترط فيها قبول المكفول له ول رضاه‪ ،‬كما مّر معنا عند الكلم‬
‫عن المكفول له‪.‬‬
‫ويشترط فيها‪:‬‬
‫ل على اللتزام ‪ ،‬صريحا ً كان أم‬
‫‪ -1‬أن تكون بلفظ يد ّ‬
‫كناية‪:‬‬

‫)‪13‬‬
‫‪(2‬‬
‫فمن الصريح أن يقول ‪ :‬ضمنت د َْينك على فلن‪ ،‬أو تحملته ‪،‬‬
‫فلت به‪ ،‬أو تكفلت ببدن فلن ‪ ،‬أو أنا كفيل أو ضامن بإحضار‬‫أو تك ّ‬
‫فلن ونحو ذلك‪.‬‬
‫ومن الكناية أن يقول‪ :‬خ ّ‬
‫ل عن فلن والدين الذي لك عليه‬
‫ي‪ ،‬ونحو ذلك‪.‬‬ ‫هو عل ّ‬
‫ح الكفالة ‪ ،‬كما لو‬‫فإن كان اللفظ ل يدل على اللتزام فل تص ّ‬
‫ً‬
‫قال‪ :‬أؤدي المال الذي على فلن‪ ،‬أو‪ :‬أحضر فلنا ‪ ،‬ونحو ذلك‪.‬‬
‫فإن مثل هذه الصيغة ل يدل على اللتزام ول يشعر به‪ ،‬فهو وعد‬
‫ل يلزم الوفاء به‪ ،‬إل إن صحبه قرينة تصرفه إلى ذلك‪ ،‬كما إذا‬
‫رأى صاحب الحق يريد حبس المدين‪ ،‬فقال‪ :‬أنا أؤدي المال الذي‬
‫عليه‪ ،‬فهذا قرينة على أنه يريد الضمان‪ ،‬فكأنه يقول‪ :‬أنا ضامن‬
‫له ‪ ،‬فدعه ول تتعرض له‪.‬‬
‫ويقوم مقام اللفظ من الناطق ما يدل عليه من كتابة‬
‫الخرس أو إشارته المفهمة والمعهودة‪.‬‬
‫‪ -2‬التنجيز في العقد‪ ،‬أي عدم التعليق على الشرط‪ ،‬سوءا‬
‫أكانت كفالة مال أم كفالة بدن‪ ،‬فالصح أنه لو قال‪ :‬إن قَد ِ َ‬
‫م‬
‫ح الضمان ‪ ،‬وكذلك‬ ‫زيد فأنا كفيل لك بما على فلن‪ ،‬لم يص ّ‬
‫ح‬‫فلت لك بإحضار فلن ‪ ،‬لم تص ّ‬ ‫لو قال‪ :‬إن فعلت كذا تك ّ‬
‫الكفالة ‪ ،‬لن الكفالة عقد ‪ ،‬والعقود ل تقبل التعليق‪.‬‬
‫‪ -3‬عدم التوقيت في كفالة المال قول ً واحداً‪ ،‬لن‬
‫ح تأقيته‪ ،‬وكذلك كفالة البدن على‬
‫المقصود منه الداء‪ ،‬فل يص ّ‬
‫الصح‪ ،‬لن المقصود الحضار ايضًا‪.‬‬
‫فلو نجز الكفالة وشرط تأخير إحضار المكفول إلى أجل‬
‫معين جاز ‪ ،‬كما لو قال‪ :‬ضمنت إحضاره ‪ ،‬ولكن أحضره بعد شهر‬
‫مثل‪ ،‬لنه التزم بعمل في الذمة‪ ،‬فصار كالجارة على عمل ‪،‬‬
‫يجوز حال ّ ومؤج ً‬
‫ل‪.‬‬
‫ديه بعد أجل‬‫ح ان يضمن الد ّْين الحال على ان يؤ ّ‬
‫وكذلك يص ّ‬
‫معلوم ‪ ،‬لن الضامن متبرع‪ ،‬وقد ل يكون متيسرا ً له الداء حا ً‬
‫ل‪،‬‬
‫والحاجة داعية إلى الضمان‪ ،‬فيكون على حسب ما التزمه ‪،‬‬
‫ويثبت الجل في حق الضامن وحده‪ ،‬بمعنى ان المكفول له ليس‬
‫له حق مطالبته الن‪ ،‬وأما المكفول عنه – وهو الصيل – فل يثبت‬
‫الجل في حقه‪ ،‬ويبقى لصاحب الحق ان يطالبه بالوفاء الن‪.‬‬

‫)‪13‬‬
‫‪(3‬‬
‫دل على ذلك‪ :‬ما رواه ابن عباس رضى الله عنهما‪ :‬إن رجل ً‬
‫لزم غريما ً له بعشرة دنانير على عهد رسول الله صلى الله عليه‬
‫وسلم‪ ،‬فقال ‪ :‬ما عندي شئ اعطيكه ‪ ،‬فقال‪ :‬والله ل افارقك‬
‫حتى تقضيني او تأتيني بحميل‪ ،‬فجره الى رسول الله صلى الله‬
‫عليه وسلم ‪ ،‬فقال النبي صلى الله عليه وسلم ‪" :‬كم‬
‫تستنظره؟" قال‪ :‬شهرا‪ ،‬قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ‪:‬‬
‫"فان احمل له"‪ .‬فجاءه في الوقت الذي قال النبي صلى الله‬
‫عليه وسلم ‪" :‬من اين اصبت هذا؟"‪ .‬قال ‪ :‬من معدن‪ .‬قال‪" :‬ل‬
‫خير فيها" وقضاها عنه‪) .‬اخرجه ابن ماجه في الصدقات‪ .‬باب ‪:‬‬
‫الكفالة ‪ ،‬رقم ‪.(2406 :‬‬
‫وكذلك له أن يضمن الد ّْين المؤجل حال‪ ،‬لنه تبرع بالتزام‬
‫ح ذلك منه‪ ،‬ولكن ل يلزمه التعجيل على الصح‪ ،‬بل‬ ‫التعجيل ‪ ،‬فص ّ‬
‫ً‬
‫يثبت في حقه الجل تبعا للصيل الذي عليه الد ّْين‪.‬‬
‫وإذا قضاه حال ً ل يرجع بما قضاه على الصيل قبل حلول‬
‫الجل ‪ ،‬لن تعجيله تبرع به ‪ ،‬ل يسقط حق الصيل في الجل‪.‬‬

‫أحكام الكفالة بالنفس‬


‫********************‬
‫‪ -1‬علمنا أن الكفالة بالنفس نوع من الكفالة ‪ ،‬وهي أن يلتزم‬
‫الكفيل إحضار المكفول إلى المكفول له‪.‬‬
‫كما علمنا أنها مشروعة ‪ ،‬لنها تدخل في عموم الدلة التي‬
‫تدل على مشروعية الكفالة‪ ،‬ويؤيد ذلك ما جاء في خصوصها من‬
‫آثار عن الصحابة رضى الله عنهم‪ ،‬منها‪:‬‬
‫سبيعي عن حارثة بن مضرب قال‪:‬‬ ‫ما رواه أبو اسحاق ال ّ‬
‫صّليت مع عبدالله بن مسعود رضى الله عنه الغداة‪ ،‬فلما سلم‬
‫ّ‬
‫ت‬‫قام رجل فحمد الله وأثنى عليه‪ ،‬وقال ‪ :‬أما بعد‪ ،‬فوالله لقد ب ّ‬
‫حَنة‪ ،‬وإني كنت استطرقت‬ ‫البارحة وما في نفسي على أحد إ ِ ْ‬
‫ذنهم‬‫رجل ً من بني حنيفة‪ ،‬مسجد عبدالله بن النواحة‪ ،‬فسمعت مؤ ّ‬
‫يشهد ان ل اله ال الله وان مسيلمة رسول الله ‪ ،‬فكذبت‬
‫سمعي ‪ ،‬وكففت فرسي حتى سمعت أهل المسجد قد تواطؤوا‬
‫ى بعبد‬ ‫على ذلك‪ ،‬فقال عبدالله بن مسعود رضى الله عنه‪ :‬عل ّ‬
‫الله بن النواحة‪ ،‬فحضر وأعترف ‪ ،‬فقال له عبدالله بن مسعود‪:‬‬
‫ب‪.‬‬ ‫أين ما تقرأ من القرآن؟! قال‪ :‬كنت أتقيكم به‪ ،‬فقال له‪ :‬ت ُ ْ‬

‫)‪13‬‬
‫‪(4‬‬
‫جّز رأسه ‪ .‬ثم شاور أصحاب‬ ‫ُ‬
‫فأبى ‪ ،‬فأمر به فأخرج الى السوق ف ُ‬
‫محمد صلى الله عليه وسلم في بقية القوم‪ ،‬فقال عديّ بن حاتم‬
‫رضى الله عنه‪ :‬ثؤلول كفر‪ ،‬قد أطلع رأسه ‪ ،‬فاحسمه‪ ،‬وقال‬
‫جرير بن عبدالله والشعث بن قيس رضى الله عنهما‪ :‬استتبهم ‪،‬‬
‫فإن تابوا كفلهم عشائرهم ‪ ،‬فاستتابهم فتابوا ‪ ،‬وكفلهم‬
‫عشائرهم‪) .‬اخرجه البيهقي في كتاب المرتد‪ ،‬باب‪ :‬من قال في‬
‫المرتد يستتاب مكانه فإن تاب وال قتل‪ .8/206 :‬وذكر البخاري‬
‫جزءا منه تعليقا في صحيحه‪ :‬الكفالة ‪ ،‬باب‪ :‬الكفالة في القرض‬
‫والديون بالبدان وغيرها(‪.‬‬
‫ل‪ .‬بغلس ‪ :‬الغلس‬‫ت لي ً‬
‫]إحنة ‪ :‬حقد او بغض‪ .‬استطرقت ‪ :‬أتي ُ‬
‫ظلمة آخر الليل‪ .‬كففت فرسي‪ :‬منعته عن الجري‪ .‬تواطؤوا ‪:‬‬
‫توافقوا واجتمعوا في قولهم‪ .‬فجز ‪ :‬فقطع ‪ .‬ثؤلول كفر ‪ :‬الثؤلول‬
‫حّبات زائدة عنه‪ ،‬فشّبه به لشذوذه‬‫هو ما يخرج على الجلد من َ‬
‫وخروجه عن الستقامة‪ .‬أطلع رأسه‪ :‬أظهر كفره‪ .‬فاحسمه‪:‬‬
‫فاقطعه واقطع به دابر الشّر[‪.‬‬
‫وقد يستأنس لها بقوله تعالى على لسان يعقوب عليه‬
‫ن الله لتأُتيّني به(‬ ‫وثقا ً ِ‬ ‫السلم‪) :‬لن ارسله معكم حتى ت ُ ُْ‬
‫م َ‬ ‫م ْ‬
‫ؤتوني َ‬
‫)يوسف ‪.(66 :‬‬
‫من عليه مال‪ ،‬وقد‬
‫‪ -2‬والكفالة بالبدن قد تكون كفالة ببدن َ‬
‫من عليه عقوبة‪.‬‬‫تكون كفالة ببدن َ‬
‫من عليه مال‪ :‬فهي صحيحة مطلقا ً إذا كانت‬ ‫أما كفالة بدن َ‬
‫ن عليه مال‪ ،‬سواء أعلم بمقدار المال ام ل‪ ،‬لنه‬ ‫فل ً بإحضار َ‬
‫م ْ‬ ‫تك ّ‬
‫فل بالبدن ولم يتكفل بالمال‪ ،‬ولهذا ل ُيطاَلب بالمال‪ ،‬وإنما‬ ‫تك ّ‬
‫يطالب بإحضار المكفول‪ ،‬وإنما يشترط أن يكون المال الذي في‬
‫ح ضمانه على ما علمت عند الكلم عن‬ ‫مة المكفول مما يص ّ‬ ‫ذ ّ‬
‫المكفول به‪.‬‬

‫من عليه عقوبة‪ :‬فُينظر‪:‬‬


‫واما كفالة بدن َ‬
‫فإن كانت العقوبة حقا ً لدمي‪ ،‬كقصاص وحد ّ قذف – فإنهما‬
‫حق للدمي‪ ،‬لن القصاص بدل النفس وحد ّ القذف لدفع العار‬

‫)‪13‬‬
‫‪(5‬‬
‫عنه – فإنها صحيحة ‪ ،‬لنها كفالة بحق لزم‪ ،‬فأشبهت الكفالة‬
‫بالمال‪.‬‬
‫وإن كانت العقوبة حقا ً لله تعالى‪ ،‬كحد ّ الخمر والسرقة‬
‫ح ‪ ،‬لن الحدود مبناها على الدرء – أي الدفع –‬ ‫والزنا‪ ،‬فل تص ّ‬
‫والسقاط‪ ،‬طالما أنها حقوق لله تعالى‪ ،‬فالمطلوب مّنا سترها‬
‫والسعي في دفعها ما أمكن‪ ،‬وقطع الوسائل المؤدية إليها‪،‬‬
‫ح‪.‬‬
‫والكفالة بها إظهار لها وسعي في تأكيدها وتوسيعها فل تص ّ‬
‫‪ -3‬أحكام ُأخرى تتعلق بالكفالة بالبدن ‪ ،‬منها‪:‬‬
‫‪ =1‬مكان تسليم المكفول ووقته‪ :‬فإذا شرط الكفيل وقتا ً معينا ً‬
‫لتسليم المكفول لزمه احضاره فيه اذا طالب المكفول له‬
‫بإحضاره ‪ ،‬وفاء بما التزمه‪ ،‬فإذا احضره فقد وفى ما عليه‪،‬‬
‫وان لم يحضره حبسه الحاكم لمتناعه عن إيفاء ما استحق‬
‫عليه‪.‬‬
‫فإن غاب المكفول – وجهل الكفيل مكانه – لم يلزمه‬
‫إحضاره ‪ ،‬لعذره في ذلك‪ ،‬ويقبل قوله في دعوى جهالة مكانه‬
‫بيمينه‪.‬‬
‫ن على نفسه في‬
‫م َ‬
‫وإن علم مكانه لزمه إحضاره ‪ ،‬إن أ ِ‬
‫الطريق وغلبت السلمة‪ ،‬وُيمهل مدة الذهاب والياب حسب‬
‫العادة والمكان‪.‬‬
‫فإن مضت المدة التي أمهله إياها ولم يحضر المكفول حبسه‬
‫صر في‬ ‫ايضا ً إل إذا أ ّ‬
‫دى ما على المكفول من الد ّْين‪ ،‬لنه مق ّ‬
‫تسليم ما وجب عليه تسليمه وهو المكفول‪.‬‬
‫وإذا حبسه استمر بحبسه إلى أن يتعذر إحضار الغائب‪،‬‬
‫من يحميه ويمنعه من أن‬‫بموت أو جهل بموضعه أو بإقامته عند َ‬
‫يصل إليه أحد‪.‬‬
‫وإذا أدى الدين حتى ل ُيحبس ‪ ،‬ثم جاء الغائب المكفول ‪،‬‬
‫داه إن كان باقيا ً على حاله‪ ،‬أو بدله إن كان‬
‫كان له استرداد ما أ ّ‬
‫قد استهلك ‪ ،‬لنه ليس متبرعا ً بأدائه ‪ ،‬هذا من حيث الزمان‪.‬‬
‫وأما من حيث مكان التسليم‪ :‬فإن كان الكفيل قد ع َّين‬
‫مكانا ً لتسليم المكفول تعّين إن كان صالحا ً للتسليم ‪ ،‬تبعا ً‬
‫حمل على‬ ‫لشرطه ‪ ،‬فإن لم يكن صالحا لذلك‪ ،‬أو كان له مؤونة ُ‬

‫)‪13‬‬
‫‪(6‬‬
‫اقرب مكان اليه‪ ،‬ويشترط في هذا إذن المكفول‪ ،‬فإن لم يأذن‬
‫فسدت‪ ،‬وإذا لم يعّين مكانا ً للتسليم فمكانه مكان الكفالة إن‬
‫كان صالحا ً لذلك‪ ،‬وإن لم يكن صالحا ً تعّين أقرب مكان لمكان‬
‫الكفالة يصلح لهذا‪.‬‬
‫‪ =2‬يبرأ الكفيل إذا سلم المكفول في مكان التسليم على ما‬
‫علمت ‪ ،‬وُيشترط أن ل يكون هناك حائل يمنع المكفول له‬
‫من الوصول الى حقه‪ ،‬لقيام الكفيل بما التزمه‪ ،‬فإذا سّلمه‬
‫في موضع التسليم‪ ،‬وكان هناك حائل يمنعه من الوصول الى‬
‫حقه‪ ،‬كذى منعة يمنعه منه ‪ ،‬فل يبرأ الكفيل‪ ،‬لعدم حصول‬
‫المقصود بتسليمه‪.‬‬

‫فإذا سّلمه في غير مكان التسليم ‪ ،‬ولم ير َ‬


‫ض المكفول له‬
‫ان يتسلمه ‪ ،‬فل يجبر على استلمه اذا امتنع لغرض‪ ،‬كأن يكون‬
‫من يعينه على الوصول إلى حقه‬ ‫له في مكان التسليم بّينة أو َ‬
‫فإن لم يكن له غرض في امتناعه أجبره الحاكم على استلمه ‪،‬‬
‫فإن أبى استلمه عنه‪ ،‬فإن فقد الحاكم اشهد الكفيل على‬
‫تسليمه له ‪ ،‬وبرئ‪.‬‬
‫وكما يبرأ الكفيل إذا سلم المكفول بالشروط السابقة يبرأ‬
‫أيضا ً إذا سلم المكفول نفسه‪ ،‬فإن أبى استلمه أجبر على ذلك‬
‫على ما سبق من تفصيل في تسليم الكفيل له‪ .‬ول يكفي مجرد‬
‫سلمت نفسي عن‬ ‫حضور المكفول ‪ ،‬بل ل بد ّ من أن يقول‪ّ :‬‬
‫فلن‪.‬‬
‫دفن‪ ،‬أو توارى ولم‬
‫‪ =3‬ويبرأ الكفيل فيما إذا مات المكفول و ُ‬
‫يعرف محله‪ ،‬ول ُيطالب بما عليه من حق ‪ ،‬لنه التزم إحضار‬
‫المكفول‪ ،‬ولم يضمن ما عليه من حقوق‪.‬‬
‫‪ =4‬لو شرط في الكفالة بالنفس‪ :‬أنه إن عجز الكفيل عن‬
‫إحضار المكفول ضمن ما عليه من الحق بطلت الكفالة على‬
‫الصح ‪ .‬لنه شرط ينافي مقتضى الكفالة بالنفس‪ ،‬لن‬
‫مقتضاها عدم الغرم بالمال‪ ،‬لنها ليست ضمانا ً بالمال‪.‬‬
‫‪ =5‬يبرأ الكفيل من المطالبة بإحضار المكفول اذا أبرأه‬
‫المكفول له من ذلك‪ ،‬لنه ملتزم بإحضره لحق المكفول له‪،‬‬
‫وقد تنازل عن حقه‪ ،‬فل مطالبة‪.‬‬

‫)‪13‬‬
‫‪(7‬‬
‫‪ =6‬يشترط في الكفالة بالنفس رضا المكفول على الصح‪ ،‬لن‬
‫الكفيل فيها ل يغرم المال عند العجز‪ ،‬فل فائدة لها إذن إل‬
‫احضار المكفول ول يلزمه الحضور مع الكفيل إذا لم يكن‬
‫راضيا ً بكفالته له‪.‬‬
‫ح‬
‫والصح أنه ل يشترط رضا المكفول له‪ ،‬لنها وثيقة له فتص ّ‬
‫من غير رضاه كالشهادة ‪ ،‬وكذلك هي التزام حق له من غير‬
‫عوض يدفعه ‪ ،‬فل يعتبر رضاه فيها‪.‬‬

‫)‪13‬‬
‫‪(8‬‬
‫أحكام الكفالة بالمال‬
‫*=*=*=*=*=*=‬
‫الكفالة بالمال هي ما يسمى بالضمان ‪ ،‬وهي‪ :‬أن يلتزم‬
‫ده المدين‪ .‬وهي أحد‬
‫إنسان أداء ما في ذمة من مال إذا لم يؤ ّ‬
‫نوعي الكفالة كما سبق‪.‬‬
‫وهي مشروعة كما علمنا‪ ،‬لما ذكرنا من الدلة عند الكلم‬
‫عن مشروعية الكفالة العامة‪ ،‬فيدخل فيها الضمان دخول ً أوليا‪ً،‬‬
‫وقد أجمع المسلمون في كل العصور على مشروعيتها‪.‬‬
‫ولقد علمت الصيغة التي تنعقد بها هذه الكفالة‪ ،‬كما علمت‬
‫أركانها وشروطها فيما سبق‪ ،‬وإليك الن بعض أحكامها‪:‬‬
‫‪ -1‬مطالبة الكفيل والمكفول عنه‪:‬‬
‫إذا ضمن شخص ما في ذمة غيره ثبت لصاحب هذا الد ّْين‬
‫حق مطالبته به‪ ،‬ول يعني ذلك براءة ذمة المدين الصيل‬
‫المكفول عنه‪ ،‬بل لصاحب الحق مطالبته أيضًا‪ ،‬لن ذمته هي‬
‫ل‪ ،‬وانضم إليها انشغال ذمة الضامن به ‪،‬‬‫المشغولة بالد ّْين أص ً‬
‫مة‬
‫ولن الضمان وثيقة للد ّْين كالرهن والصك‪ ،‬فل يتحول من ذ ّ‬
‫المدين الى الوثيقة إذا وجدت‪.‬‬
‫ولهذا لو شرط في عقد الضمان أن يبرأ الصيل من الدين‬
‫ح الضمان‪ ،‬لن الضمان توثيق للد ّْين ‪ ،‬وهذا الشرط ينافيه‪،‬‬
‫لم يص ّ‬
‫مة الصيل ‪ ،‬ل ببراءتها‪.‬‬ ‫ُ‬
‫مة أخرى إلى ذ ّ‬ ‫مذ ّ‬
‫لن التوثيق يحصل بض ّ‬
‫ل على هذا ما جاء في حديث أبي قتادة رضى الله‬ ‫وقد د ّ‬
‫عنه‪ :‬فتحملهما أبو قتادة‪ ،‬ثم قال رسول الله صلى الله عليه‬
‫وسلم بعد ذلك بيوم‪" :‬ما فعل الديناران؟" قال‪ :‬إنما مات امس‪،‬‬
‫ثم أعاد عليه بالغد‪ ،‬قال‪ :‬قد قضيته‪ .‬قال‪" :‬الن بردت عليه‬
‫جلده"‪) .‬اخرجه احمد في مسنده‪ 3/330 :‬من حديث جابر رضى‬
‫الله عنه(‪.‬‬
‫فقوله ‪" :‬الن بردت عليه جلده" يدل على ان الد ّْين لم‬
‫ول عن المدين ولم تبرأ منه ذمته بمجرد الضمان‪ ،‬ولو كان‬ ‫يتح ّ‬
‫كذلك لبردت عليه جلده من حين الضمان‪ .‬وإذا لم تبرأ ذمة‬
‫المدين الصيل من الدين فلصاحبه مطالبته به‪ ،‬كما يطالب‬

‫)‪13‬‬
‫‪(9‬‬
‫الضامن لنه التزم ذلك‪ ،‬فإذا حضر الكفيل الضامن والصيل‬
‫المضمون عنه‪ ،‬وكلهما موسر ‪ ،‬فلصاحب الد ّْين أن يطلبه‬
‫ويأخذه من أّيهما شاء‪ ،‬لن الصيل الد ّْين ثابت في ذمته أص ً‬
‫ل‪،‬‬
‫وأما الكفيل ‪ :‬فلقول رسول الله صلى الله عليه وسلم ‪" :‬الزعيم‬
‫غارم" ‪ .‬والزعيم هو الكفيل ‪ ،‬فيغرم الدين ويطالب به اذا لم‬
‫ده المدين‪) :‬الحديث اخرجه الترمذي في البيوع‪ ،‬باب‪ :‬ما جاء‬ ‫يؤ ّ‬
‫في ان العارية مؤداة‪ ،‬رقم‪ 1265:‬وغيره(‪.‬‬
‫‪ -2‬براءة الكفيل ببراءة الصيل‪:‬‬
‫إذا أبرأ صاحب الحق المدين الصيل من الد ّْين برئ الضامن‬
‫من المطالبة به ‪ ،‬لنه تبع للصيل ‪ ،‬وضمانه توثيق للد ّْين‪ ،‬فإذا‬
‫سقط الد ّْين بالبراء فقد سقطت الوثيقة‪.‬‬
‫وأما إذا أبرأ صاحب الحق الكفيل من ضمانه‪ ،‬أو من الد ّْين‬
‫والمطالبة به‪ ،‬فإنه ل تبرأ بذلك ذمة المدين الصيل ‪ ،‬وإنما تبرأ‬
‫ذمة الضاضمن وحده‪ .‬لن إبراء الكفيل إسقاط لوثيقة الدين من‬
‫غير قبض له‪ ،‬فل يسقط الد ّْين بإسقاط الوثيقة ‪ ،‬كتمزيق الصك‬
‫وفسخ الرهن‪.‬‬
‫ويتعلق بهذا ما إذا ضمن الضامن ضامن آخر‪ ،‬وهو ضمان‬
‫ح‬
‫صحيح‪ ،‬لن الدين المضمون لزم وثابت في ذمته ‪ ،‬فص ّ‬
‫ضمانه ‪ ،‬وعليه ‪ :‬يعتبر الدين ثابتا ً في ذمم ثلثة‪ :‬الصيل والضامن‬
‫الول والضامن الثاني‪ ،‬ولصاحب الحق أن يطالب أّيهم شاء‪.‬‬
‫فإذا أبرأ الصيل برئت ذمم الجميع ‪ ،‬وإذا أبرأ الضامن الول‬
‫برئت ذمة الضامن الثاني أيضا ً معها ولم تبرأ ذمة الصيل‪ ،‬وإذا‬
‫أبرأ الضامن الثاني برئ وحده ‪ ،‬ولم تبرأ ذمة الضامن الول ول‬
‫مة الصيل‪.‬‬‫ذ ّ‬
‫‪ -3‬مطالبة الكفيل الصيل بتخليصه‪:‬‬
‫ن صاحب الحق الكفي َ‬
‫ل بالد ّْين ‪ ،‬فهل للكفيل‬ ‫إذا طالب الدائ ُ‬
‫أن يطالب الصيل المكفول بأداء الدين ‪ ،‬ليخلصه من المطالبة ؟‬
‫ُينظر‪:‬‬
‫فإن كان الضمان بإذن الصيل المضمون عنه كان للكفيل‬
‫الحق في أن يطالبه بتخليصه من المطالبة بأداء الد ّْين‪ ،‬لنه‬
‫لزمته المطالبة والداء عنه بإذنه وأمره ‪ ،‬فكان له حق مطالبته‬
‫بتبرئة ذمته‪.‬‬

‫)‪14‬‬
‫‪(0‬‬
‫وإن كان الضمان بغير إذن الصيل لم يكن للضامن الكفيل‬
‫حق مطالبته بذلك ‪ ،‬لنه لم يلتزم ما غّرم به بإذنه‪ ،‬فل يلزمه‬
‫تبرئته وتخليصه منه‪.‬‬
‫هذا إذا طالب صاحب الحق الكفيل بالد ّْين ‪ ،‬فأما إذا لم‬
‫يطالبه به‪ :‬فالصح أنه ليس له مطالبة الصيل بتخليصه من‬
‫التزاه طالما أنه لم يطالب بذلك‪.‬‬

‫‪ -4‬حلول الد ّْين المؤجل بالموت‪:‬‬


‫جل في حقه‪،‬‬ ‫إذا مات الكفيل أو المكفول عنه ح ّ‬
‫ل الد ّْين المؤ ّ‬
‫وبقى الجل في حق الطرف الثاني‪ ،‬لن الموت مبطل للجل ‪،‬‬
‫وقد وجد في حق أحدهما ولم يوجد في حق الخر‪ ،‬والجل منفعة‬
‫له فل يبطل في حق‪.‬‬
‫فإن كان المتوّفي هو الصيل‪ :‬فللضامن الكفيل أن يطالب‬
‫صاحب الد ّْين بأخذ الد ّْين من ت َرِ َ‬
‫كته قبل أن يقتسمها الورثة ‪ ،‬أو‬
‫كة قد تذهب إلى أن يحين الجل ‪،‬‬ ‫إبرائه من الكفالة ‪ ،‬لن الت َرِ َ‬
‫فيغّرم هو‪.‬‬
‫وإن كان الميت هو الكفيل‪ ،‬وأخذ صاحب الد ّْين دينه من‬
‫كته‪ ،‬فليس لورثته الرجوع على المكفول عنه قبل حلول أجل‬ ‫َتر َ‬
‫ق في حقه‪.‬‬‫الد ّْين‪ ،‬لن الجل با ٍ‬
‫‪ -5‬رجوع الكفيل على المكفول بما أدى عنه‪:‬‬
‫دى المكفول عنه الد ّْين برئت ذمته منه‪ ،‬كما تبرأ ذمة‬
‫إذا أ ّ‬
‫شغلت وثيقة بحق صاحب الد ّْين ‪ ،‬فانتهت‬ ‫الكفيل‪ ،‬لن ذمته ُ‬
‫الوثيقة بقبض الحق‪.‬‬
‫وكذلك تبرأ ذمتهما من حق المكفول له صاحب الد ّْين إذا‬
‫قضاه الكفيل‪ ،‬لن صاحب الحق قد استوفاه من الوثيقة وهو‬
‫من عليه الحق وهو الصيل ‪ ،‬وتبرأ ذمة‬‫الكفيل‪ ،‬فبرئت ذمة َ‬
‫الكفيل تبعا ً له ‪ ،‬كما علمت‪.‬‬
‫وفي هذه الحالة ‪ :‬هل يرجع الكفيل على الصيل‬
‫بماأداه عنه ام ل؟ ُينظر‪:‬‬

‫)‪14‬‬
‫‪(1‬‬
‫أ‪ -‬فإن كان الضمان والداء بإذن المضمون عنه رجع الكفيل‬
‫عليه‪ ،‬لنه ضمن وغرم بإذنه‪.‬‬
‫ب‪ -‬وإن كان الضمان بإذن من المضمون عنه ‪ ،‬والداء بغير إذنه‪:‬‬
‫داه عنه ‪ ،‬لن الضمان‬ ‫فالصح – ايضا ً – أنه يرجع عليه بما أ ّ‬
‫سبب الداء ‪ ،‬وقد أذن فيه‪.‬‬
‫ج‪ -‬وإن كان الضمان والداء بغير إذن المضمون عنه لم يرجع‬
‫داه عنه‪ ،‬لنه قضى د َْين غيره بغير‬‫الكفيل عليه بشئ مما أ ّ‬
‫إذنه‪ ،‬فهو متبّرع ‪ ،‬والمتبّرع ل يرجع مبما تبّرع به‪.‬‬
‫د‪ -‬وإن كان الضمان بغير إذن من المضمون عنه‪ ،‬وكان الداء‬
‫دى‬
‫بإذن منه‪ :‬فالصح أنه ل يرجع الكفيل على الصيل بما أ ّ‬
‫عنه‪ ،‬لن سبب وجوب الداء هو الضمان‪ ،‬وهو لم يأذن فيه ‪،‬‬
‫فكان في معنى المتبّرع بوفاء د َْين غيره‪.‬‬
‫وفي حال الرجوع على المكفول عنه‪ ،‬فبماذا يرجع‬
‫عليه؟‬
‫ل شك أنه لو أدى عنه الد ّْين الذي كان في ذمته بنفس صفته‬
‫مة المكفول عنه ‪،‬‬
‫فإنه يرجع به عليه‪ ،‬لنه هو الذي برئت به ذ ّ‬
‫وهو الذي غرمه الكفيل في نفس الوقت‪.‬‬
‫دى عنه غير ما ثبت في ذمته‪ :‬فالصح أنه يرجع عليه‬ ‫وإذا أ ّ‬
‫داه إذا كان أقل من الد ّْين‪ ،‬لنه هو الذي غرمه وبذله‪ ،‬فإن‬ ‫بما أ ّ‬
‫كان أكثر من الد ّْين رجع بمقدار الد ّْين‪ ،‬لنه هو الذي كان ثابتا ً في‬
‫ذمة الصيل‪ ،‬وبرئت منه بالداء عنه ‪ ،‬فلو كان له في ذمته ألف‬
‫ل‪ ،‬فأدى عنها ألفا ً معيبة ‪ ،‬رجع بالمعيبة ‪،‬ولو صالح عن‬ ‫صحيحة مث ً‬
‫اللف بخمسمائة رجع بخمسمائة فقط‪.‬‬
‫ولو صالح عن اللف بسلعة تساوي ثمانمائة رجع بها أيضًا‪.‬‬
‫ولو كان الشئ الذي صالح عليه يساوي الفا ً ومائة – مثل ً –‬
‫رجع باللف وحده‪.‬‬
‫‪ -6‬دعوى الضامن قضاء الد ّْين‪:‬‬
‫دعى الكفيل الضامن قضاء الد ّْين عن الصيل ‪ ،‬فإما أن‬ ‫إذا ا ّ‬
‫يقّر بذلك المكفول له أو ينكر ذلك‪:‬‬

‫)‪14‬‬
‫‪(2‬‬
‫داه على الصيل‬ ‫فإن أقّر المكفول له بذلك رجع الضامن بما أ ّ‬
‫المكفول عنه‪ ،‬لتبرئته لذمته وسقوط المطالبة عنه بإقرار صاحب‬
‫الحق ‪ ،‬ولو أنكر المضمون عنه ذلك لم ُيلتفت إلى إنكاره ‪ ،‬لن‬
‫ما في ذمته حق للمضمون له ‪ ،‬فإذا اعترف بالقبض من الضامن‬
‫فقد اعترف بأن الحق الذي كان له قد صار حقا ً للضامن‪ ،‬فيقبل‬
‫إقراره لكونه في حق نفسه‪.‬‬
‫وإن أنكر المكفول له ذلك ينظر‪:‬‬

‫فإن كان للضامن بّينة على الداء قضى بها‪ ،‬ورجع على‬ ‫•‬
‫داه‪.‬‬
‫المضمون عنه بما أ ّ‬

‫وإن لم يكن له بّينة على الداء فالقول قول المكفول له‬ ‫•‬
‫صر‬
‫بيمينه‪ ،‬لنه منكر للقبض‪ ،‬والصل عدمه‪ ،‬والكفيل مق ّ‬
‫من شاء من‬ ‫بترك الشهاد ‪ ،‬فإذا حلف كان له أن يطالب َ‬
‫متهما ‪ ،‬فإذا طالب‬
‫الضامن أو الصيل‪ ،‬لن حقه ثابت في ذ ّ‬
‫الكفيل وقضاه الد ّْين ُينظر‪:‬‬

‫فإن كان قضاه في غ َْيبة المكفول عنه‪ :‬فل رجوع له على‬ ‫•‬
‫ذبه في دعواه ‪ ،‬لنه منكر للداء ‪،‬‬ ‫الصيل قول ً واحدا ً إ ْ‬
‫نك ّ‬
‫دقه‪ ،‬فل رجوع له عليه في‬ ‫نص ّ‬ ‫والصل عدمه‪ ،‬وكذلك إ ْ‬
‫الصح‪ ،‬لنه لم ينتفع بأدائه عنه‪ ،‬ولم تسقط المطالبة ‪ ،‬فل‬
‫صر في‬‫رجوع عليه طالما أنه لم ُيبرئ ذمته‪ ،‬لنه هو المق ّ‬
‫عدم إشهاده على القضاء‪.‬‬

‫وإن كان قضاءه في حضور المكفول عنه رجع عليه في‬ ‫•‬
‫الصح‪ ،‬وإن كان قضاء الكفيل لم يبرئ ذمته من الد ّْين ولم‬
‫صر في‬ ‫يسقط المطالبة عنه‪ ،‬لنه في هذه الحالة هو المق ّ‬
‫فظ لحقه وطلب الشهاد على الدفع ‪ ،‬فكان عليه‬ ‫ترك التح ّ‬
‫صر إذن دون الضامن‪.‬‬ ‫ان يحتاط لنفسه ‪ ،‬فهو المق ّ‬

‫ضمان العيان‬
‫إذا ضمن شخص لخر ان يردّ له العين التي يملكها من‬
‫يد غيره‪ُ ،‬ينظر‪:‬‬

‫)‪14‬‬
‫‪(3‬‬
‫من هي بيده – كالوديعة – لم‬
‫فإن كانت العين أمانة في يد َ‬ ‫‪-‬‬
‫يصح ضمانها ‪ ،‬لنها إذا لم يجب ضمانها على من هي عنده‬
‫فمن باب أولى أن ل يجب ضمانها على غيره الذي يضمنها‪.‬‬
‫من هي في يده – كالعين‬ ‫وإن كانت العين مضمونة على َ‬ ‫‪-‬‬
‫المغصوبة‪ ،‬والمستعارة ‪ ،‬والمقبوضة على سوم الشراء ‪،‬‬
‫ح ضمانها‪.‬‬‫والمبيع قبل قبض المشتري له من البائع – ص ّ‬
‫من كانت العين‬ ‫ويشترط في هذا الضمان‪ :‬أن يأذنه فيه َ‬ ‫‪-‬‬
‫تحت يده‪ ،‬أو أن يكون الضامن قادرا ً على انتزاع العين منه‪.‬‬
‫ح الضمان‪ :‬برئت ذمة الضامن برد ّ العين للمضمون‬
‫فإذا ص ّ‬ ‫‪-‬‬
‫له‪.‬‬
‫ح الضمان‪،‬‬‫وإن ضمن أن يرد ّ القيمة إن تلفت العين لم يص ّ‬ ‫‪-‬‬
‫لنه ضمان لد َْين لم يثبت ‪ ،‬وقد علمت أن من شرط صحة‬
‫الضمان أن يكون المضمون دينا ً ثابتًا‪ ،‬وقيمة العين ل تثبت إل‬
‫ح‪ ،‬لنها لم تثبت‬
‫بهلك العين‪ ،‬فإذا ضمنها والعين قائمة لم يص ّ‬
‫بعد‪ ،‬فكان ضمانا ً لد َْين لم يثبت ‪ ،‬فلم يصح‪.‬‬

‫الباب العاشر‬

‫َ‬
‫الوكـــالــــة‬
‫)‪14‬‬
‫‪(4‬‬
14)
(5
‫الـوك َاَلـة‬
‫تعريفها‪:‬‬
‫ن‪،‬‬
‫الوكالة – في اللغة – بفتح الواو وكسرها ‪ ،‬وتطلق على معا ٍ‬
‫منها‪:‬‬
‫الحفظ‪ ،‬ومن ذلك قوله تعالى ‪" :‬حسُبنا الله ونعم الوكيل"‬ ‫‪-‬‬
‫)آل عمران‪ : (173:‬أي الحافظ‪.‬‬
‫التفويض‪ ،‬ومنه قوله تعالى ‪) :‬وتو ّ‬
‫كل على الله( )النفال ‪:‬‬ ‫‪-‬‬
‫وض أمرك إليه‪.‬‬ ‫‪ (61‬أي ف ّ‬
‫وفي اصطلح الفقهاء‪ :‬هي تفويض شخص ما له فعله ‪ ،‬مما‬
‫يقبل النيابة ‪ ،‬إلى غيره‪ ،‬بصيغ ‪ ،‬ليفعله في حياته‪.‬‬
‫وض‬
‫ف ّ‬
‫وض المرء غيره بالقيام بتصّرف يملك هذا الم َ‬ ‫أي ان يف ّ‬
‫القيام به بنفسه‪ ،‬ليقوم به عنه في حال حياته‪ ،‬أي حياة‬
‫ح النيابة فيه‪ ،‬وسيتضح‬ ‫وض ‪ ،‬على أن يكون هذا الفعل تص ّ‬ ‫المف ّ‬
‫معنا التعريف على وجهه الكامل من خلل الكلم عن أركان‬
‫الوكالة وشروطها وأحكامها‪.‬‬

‫مشروعية الوكالة‪:‬‬
‫الوكالة مشروعة ‪ ،‬وقد ثبتت مشروعيتها بالكتاب والسّنة‬
‫وحصل على ذلك الجماع‪:‬‬
‫شقاقَ بينهما فابعثوا‬
‫خفُْتم ِ‬‫أما الكتاب ‪ :‬فقوله تعالى ‪) :‬وإن ِ‬
‫كما ً من أهلها( )النساء ‪ (35:‬أي إذا حصل نزاع‬ ‫كما ً من أهله و َ‬
‫ح َ‬ ‫ح َ‬
‫َ‬
‫كمان يكونان وكيلين‬ ‫ح َ‬
‫بين الزوجين واشتد ّ ‪ ،‬ولم يتوافقا ‪ ،‬فُيعّين َ‬
‫عنهما ينظران في المر ‪ ،‬وهذا النص وإن كان خاصا ً بشأن‬
‫الزوجين – فهو عام في مشروعية الوكالة‪.‬‬
‫كم ب ِوَرِقِ ُ‬
‫كم‬ ‫حد َ ُ‬‫وُيستأنس لهذا أيضا ً بقوله تعالى‪" :‬فأبعثوا أ َ‬
‫ق منه"‬ ‫م برز ٍ‬ ‫هذه إلى المدينة فلينظر أّيها أزكى طعاما ً فليأت ِك ُ ْ‬
‫ث واحد من الجماعة توكيل له منهم‪.‬‬ ‫"الكهف‪ : "19:‬فبع ُ‬
‫]ِبورِِقكم ‪ :‬هي الفضة المصكوكة‪ .‬أزكى ‪ :‬أطيب وأمتع‪ .‬برزق‬
‫‪ :‬بطعام ونحوه[‪.‬‬

‫)‪14‬‬
‫‪(6‬‬
‫وكذلك قوله تعالى‪" :‬اذهبوا بقميصي هذا فألقوه على وجه‬
‫ابي يأت بصيرا" )يوسف ‪ (93 :‬فقد وكلهم بالذهاب بالقميص‬
‫والقائه على وجه ابيه‪.‬‬
‫وقلنا ‪ :‬يستأنس بهاتين اليتين لنهما واردتان في القرآن‬
‫حكاية عن شرع من قبلنا ‪ ،‬وقد تكرر منا القول ‪ :‬ان شرع من‬
‫قبلنا ليس بشرع لنا‪.‬‬
‫وأما السّنة‪ :‬فأحاديث كثيرة‪ ،‬منها‪:‬‬
‫سَير ‪ :‬أن رسول الله صلى الله عليه وسلم‬ ‫ما رواه أصحاب ال ّ‬
‫ُ‬
‫كل عمرو بن أمية الضمري رضى الله عنه في قبول نكاح‬ ‫و ّ‬
‫أم حبيبة رملة بنت أبي سفيان رضى الله عنهما‪.‬‬
‫ما رواه رافع مولى رسول الله صلى الله عليه وسلم قال‪ :‬إن‬
‫رسول الله صلى الله عليه وسلم تزوج ميمونة حلل ً ‪ ،‬وبنى‬
‫بها حلل‪ ،‬وكنت السفير بينهما‪) .‬اخرجه الترمذي في ابواب‬
‫الحج‪ ،‬باب‪ :‬ما جاء في كراهية تزويج المحرم‪ ،‬رقم‪.(841:‬‬
‫]حلل ً ‪ :‬أي غير محرم بحج أو عمرة‪ ،‬بنى بها‪ :‬أي دخل‪.‬‬
‫السفير ‪ :‬هو الذي يقوم بالصلح وتحقيق الوفاق بين اثنين‬
‫ونحوهما[‪.‬‬
‫ى رسول الله‬ ‫وما رواه عروة البارقي رضى الله عنه قال‪ :‬دفع إل ّ‬
‫صلى الله عليه وسلم دينارا ً لشتري له شاة‪ ،‬فاشتريت له‬
‫شاتين ‪ ،‬فبعت إحداهما بدينار‪ ،‬وجئت بالشاة والدينار الى‬
‫النبي صلى الله عليه وسلم ‪ ،‬فذكر له ما كان من أمره ‪،‬‬
‫فقال له ‪" :‬بارك الله لك في صفقة يمينك"‪) .‬أخرجه‬
‫البخاري في المناقب ‪ ،‬باب‪ :‬سؤال المشركين ان ُيريهم‬
‫النبي صلى الله عليه وسلم آية‪ ،..‬رقم‪ .3443 :‬والترمذي‬
‫في أبواب البيوع‪ ،‬باب‪ :‬حدثنا ابو كريب ‪ ،‬رقم‪.(1258:‬‬
‫وسيأي مزيد من الحاديث خلل البحث‪.‬‬
‫ت عليه اليات والحاديث هو موضع إجماع‬
‫وهذا الذي دل ّ‬
‫علماء المة في كل عصر من العصور‪.‬‬
‫حكمة تشريع الوكالة‪:‬‬

‫)‪14‬‬
‫‪(7‬‬
‫إن الله تعالى خلق الناس متفاوتين في المواهب والقدرات ‪،‬‬
‫ل منهم سبيل ً أو أكثر من سبل‬
‫سر لك ّ‬
‫وفتح لهم أبوب الرزق ‪ ،‬وي ّ‬
‫الكسب والمعاش‪.‬‬
‫من أوتي القدرة والكفاءة التي تجعله على‬ ‫فمن الناس َ‬
‫استعداد لن يباشر جميع أعماله بنفسه ‪ ،‬إل أنه قد تتوالى عليه‬
‫الشواغل وتتزاحم عليه العمال ‪ ،‬فيضطر إلى مساعدة الخرين‬
‫والستعانة بهم‪.‬‬
‫ت من القدرة والكفاءة ما يؤهله للقيام‬ ‫من لم يؤ َ‬‫ومن الناس َ‬
‫س الحاجة إليها‪.‬‬
‫بأعمال قد يكون و بأم ّ‬
‫وقد تكون لديه القدرة والكفاءة ‪ ،‬ولكن تنقصه الخبرة في‬
‫عمل من العمال أو مصلحة من المصالح‪.‬‬
‫ت من الحجة‬‫من يكون صاحب حق ‪ ،‬ولكنه لم يؤ َ‬ ‫ومنهم َ‬
‫ً‬
‫واللسن‪ ،‬والفصاحة والبيان‪ ،‬ما يجعله قادرا على أن يظهر حقه‬
‫ويدافع عن نفسه‪ ،‬وقد يكون خصمه الحن منه في حجته ‪ ،‬فيقلب‬
‫باطله حقًا‪.‬‬
‫من اجل ذلك كله كانت الحجة ماسة لكثير من الناس ان‬
‫يعتمد على غيره‪ ،‬ويستفيد من خبراته في بعض اعماله ‪ ،‬قليلة‬
‫كانت ام كثيرة ‪ ،‬فكانت المصلحة في تشريع الوكالة ‪ ،‬سدا‬
‫للحاجة وتيسيرا للمعاملة ‪ ،‬ورفعا للحرج الذي جاء شرع الله‬
‫تعالى برفعه اذ قال‪" :‬ما جعل عليكم في الدين من حرج"‬
‫)الحج ‪.(78 :‬‬
‫حكمها‪:‬‬
‫قلنا‪ :‬إن الوكالة جائزة ومشروعة ‪ ،‬والصل فيها الباحة‪.‬‬
‫وقد تكون مندوبة ‪ :‬إن كانت إعانة على مندوب‪.‬‬
‫وقد تكون مكروهة ‪ :‬إن كان فيها إعانة على مكروه‪.‬‬
‫وقد تكون حراما‪ :‬إن كان فيها إعانة على أمر محرم‪.‬‬
‫وقد تكون واجبة ‪ :‬إن توقف عليها دفع ضرر عن الموكل ‪ ،‬كما إذا‬
‫وكله بشراء طعام مضطر إليه‪ ،‬وهو عاجز عن‬
‫شرائه‪.‬‬

‫)‪14‬‬
‫‪(8‬‬
14)
(9
‫أركان الوكالة‬

‫للوكالة أركان أربعة‪ ،‬هي ‪ :‬المو ّ‬


‫كل والوكيل وصيغة العقد‪،‬‬
‫والمو ّ‬
‫كل فيه‪.‬‬
‫الركن الول‪ :‬المو ّ‬
‫كل‪:‬‬
‫وهو الذي يستعين بغيره‪ ،‬ليقوم ببعض التصرفات نيابة عنه‪.‬‬
‫وُيشترط فيه‪ :‬صحة مباشرته للتصّرف الذي وكل فيه بملك أو‬
‫ولية‪.‬‬
‫أي أن يكون له شرعا ً حق التصّرف فيما أذن لغيره أن يقوم‬
‫به‪ ،‬ويعتبر الشرع تصّرفه صحيحا ً ويبني عليه آثاره وأحكامه‪.‬‬
‫ح‬
‫ح مباشرته لما أذن بالتصّرف فيه لم يص ّ‬
‫فإذا كان ل تص ّ‬
‫توكيله‪ ،‬لنه الصل ‪ ،‬وإذا كان الصل غير قادر على التصّرف ‪،‬‬
‫فنائبه غير قادر عليه من باب أولى‪.‬‬
‫كل في التصّرف فيه‪ ،‬إذا كان بالغا ً عاقل ً‬
‫فلمالك المال أن يو ّ‬
‫نافذ التصرف‪ ،‬أي غير محجور عليه ‪ ،‬لنه يتصّرف في ملكه‪.‬‬
‫ى المال – كالب والجد ّ والوصي – أن يوكل غيره‬
‫وكذلك لول ّ‬
‫ليتصرف بمال من تحته وليته‪ ،‬لنه يملك هو مباشرة ذلك بسبب‬
‫الولية‪.‬‬
‫وللرجل البالغ العاقل أن يوكل أحدا ً في تزويجه ‪ ،‬لنه يملك‬
‫مباشرة ذلك بنفسه‪.‬‬
‫من‬ ‫ي البكر العدل أن يو ّ‬
‫كل في نكاح ابنته أو غيرها م ّ‬ ‫ولول ّ‬
‫ح منه مباشرة ذلك بنفسه‪.‬‬ ‫تحت وليته ‪ ،‬لنه يص ّ‬
‫وعليه ‪:‬‬
‫ح توكيل الصبي أو المجنون أو المغمى عليه مطلقًا‪،‬‬‫فل يص ّ‬
‫ح منهم مباشرة التصرفات شرعًا‪.‬‬ ‫لنهم ل تص ّ‬
‫ح توكيل المحجور عليه لسفه في تصّرف مالي‪ ،‬لنه ل‬
‫ول يص ّ‬
‫يملك مباشرته‪.‬‬

‫)‪15‬‬
‫‪(0‬‬
‫ح للب الفاسق أن يوكل في تزويج ابنته‪ ،‬لنه ل يملك‬ ‫ول يص ّ‬
‫مباشرة ذلك بنفسه ‪ ،‬وكذلك غيره من الولياء‪.‬‬
‫ح منها أن تباشر عقد زواجها بنفسها‪ ،‬فكذلك ل‬
‫والمرأة ل يص ّ‬
‫ح توكيلها فيه‪.‬‬
‫يص ّ‬
‫والمحرم بحج أو عمرة ل يجوز له أن يعقد زواج لنفسه‪،‬‬
‫من يعقد له ذلك حال إحرامه‪ ،‬فلو و ّ‬
‫كله‬ ‫كل َ‬‫ح أن يو ّ‬
‫فكذلك ل يص ّ‬
‫ح‪.‬‬
‫ليعقد له بعد الحرام ص ّ‬
‫ويستثنى من هذا الشرط‪:‬‬
‫ح أن يباشر البيع والشراء ونحوهما مما‬ ‫العمى‪ ،‬فإنه ل يص ّ‬
‫كل في ذلك‬ ‫يتوقف على الرؤية كما علمت‪ ،‬ويصح أن يو ّ‬
‫ح‬
‫ح توكيله فيها – والحال أنه ل تص ّ‬
‫للضرورة‪ ،‬لنه لو لم يص ّ‬
‫مباشرته لها – لكان في ذلك حرج عليه شديد‪.‬‬
‫الركن الثاني‪ :‬الوكيل‪:‬‬
‫وهو الذي يقوم بالتصّرف نيابة عن غيره ‪ ،‬بإذن منه وتوكيل‪.‬‬
‫ح مباشره للتصّرف المأذون‬ ‫ويشترط فيه ايضًا‪ :‬أن تص ّ‬
‫ح أن يباشره‬‫كل فيه ل يص ّ‬‫فيه لنفسه‪ :‬فإذا كان التصّرف المو ّ‬
‫ح توكيله فيه‪ ،‬لن تصّرف النسان لنفسه أقوى من‬ ‫لنفسه لم يص ّ‬
‫تصرفه لغيره‪ ،‬لنه يتصّرف لنفسه بطريق الصالة ‪ ،‬ويتصرف‬
‫لغيره بطريق النيابة‪ ،‬والصالة أقوى من النيابة ‪ ،‬فإذا كان غير‬
‫قادر على التصّرف بالقوى‪ ،‬فهو غير قادر عليه بالضعف من باب‬
‫أولى‪.‬‬
‫وبناءا ً عليه‪:‬‬
‫ح الوكالة للصبي والمجنون والمغمى عليه‪ ،‬لعدم‬
‫فل تص ّ‬
‫ح توكيل الصبي‬
‫صحة مباشرتهم التصرفات كما علمت ‪ ،‬ويص ّ‬
‫الممّيز في حج تطوع وذبح ُأضحية وتفرقة زكاة‪ ،‬لن هذه‬
‫ح منه لنفسه‪.‬‬
‫التصرفات تص ّ‬
‫والسفيه‪ ،‬ل يكون وكيل ً في التصرفات المالية‪.‬‬
‫ح أن يكون وكيل ً في تصّرف تتوقف صحته‬
‫والعمى ‪ ،‬ل يص ّ‬
‫على الرؤية‪.‬‬

‫)‪15‬‬
‫‪(1‬‬
‫والمحرم بحج أو عمرة ل يصح أن يو ّ‬
‫كل في عقد نكاح‪،‬‬
‫ح منهما مباشرة ذلك لنفسهما‪.‬‬‫وكذلك المرأة ‪ ،‬لنهما ل تص ّ‬
‫ويستثنى من هذا‪ :‬توكيل الصبي المميز المأمون في الذن‬
‫بدخول الدار وإيصال هدية ونحوها على الصحيح‪ ،‬لتسامح السلف‬
‫في ذلك‪ ،‬فيعتمد قوله فيها‪.‬‬
‫وكذلك يعتمد قوله في إخباره بدعوة صاحب الوليمة ‪،‬‬
‫والفاسق وغير المسلم في هذا كالصبي‪ ،‬قال النووي رحمه الله‬
‫تعالى‪ :‬ل أعلم في جواز اعتمادهما خلفًا‪.‬‬
‫وُيشترط في الوكيل أيضًا‪ :‬أن يكون معّينا ً ‪ ،‬فلو قال لثنين ‪:‬‬
‫كلت أحدكما ببيع داري ‪ ،‬لم يصح‪ ،‬وكذلك لو قال ‪ :‬و ّ‬
‫كلت ببيع‬ ‫و ّ‬
‫داري ك ّ‬
‫ل من أراد بيعها‪.‬‬
‫ويشترط في الوكيل أيضا ً أن يكون عدل ً ‪ ،‬إذا كان وكيل ً عن‬
‫من كان تحت‬ ‫ى في بيع مال َ‬ ‫القاضي ‪ ،‬أو كان وكيل ً عن الول ّ‬
‫وليته‪.‬‬
‫الركن الثالث‪ :‬صيغة عقد الوكالة‪:‬‬
‫وهي اليجاب والقبول‪ ،‬ويشترط فيها شرطان ‪ ،‬وهما‪:‬‬
‫‪ -1‬أن يكون من المو ّ‬
‫كل لفظ يدل على رضاه بالتوكيل ‪ ،‬صراحة‬
‫أو كناية ‪ ،‬لن المكّلف ممنوع من التصّرف في حق غيره ال‬
‫برضاه‪.‬‬
‫وضت إليك أمر‬ ‫فالصريح‪ :‬كقوله‪ :‬و ّ‬
‫كلتك ببيع داري‪ ،‬أو ف ّ‬
‫بيعه‪.‬‬
‫والكناية ‪ :‬كقوله ‪ :‬أقمتك مقامي في ببيعه‪ ،‬أو أنبتك‪.‬‬
‫وينوب في الوكالة الكتابة والرسالة مناب النطق‪.‬‬
‫ويكفي من الوكيل ما يدل على القبول ‪ ،‬ول يشترط فيه‬
‫اللفظ ‪ ،‬بل يكفي الفعل‪ ،‬لن التوكل إباحة للتصّرف ورفع للحجر‬
‫الذي كان قبلها‪ ،‬فأشبه إباحة الطعام للضيف ‪ ،‬فل يشترط فيها‬
‫القبول لفظًا‪.‬‬
‫‪ -2‬عدم تعليقها بشرط على الصح ‪ ،‬كأن يقول ‪ :‬إن جاء زيد من‬
‫سفره فأنت وكيلي بكذا‪ ،‬أو ‪ :‬إذا جاء شهر رمضان فقد‬

‫)‪15‬‬
‫‪(2‬‬
‫ح‬ ‫و ّ‬
‫كلتك بكذا‪ ،‬وذلك لن في التعليق جهالة فاحشة‪ ،‬فل تص ّ‬
‫الوكالة معه‪.‬‬
‫ح‬
‫فإذا تصّرف الوكيل في هذه الحالة عند وجود الشرط ص ّ‬
‫تصّرفه ‪ ،‬لوجود الذن في التصّرف ‪.‬‬
‫ول مانع من تعليق التصّرف إذا كانت الوكالة منجزة ‪ ،‬كما إذا‬
‫كلتك في بيع داري ‪ ،‬على أن تبيعه عند قدوم فلن ‪ ،‬أو‬ ‫قال له‪ :‬و ّ‬
‫إذا جاء شهر كذا‪.‬‬
‫وكذلك ل مانع من تقييدها بوقت ‪ ،‬كأن يقول له‪ :‬أنت وكيلي‬
‫ح الوكالة ‪ ،‬وتنتهي بانتهاء الشهر ‪ ،‬وليس للوكيل‬
‫لمدة شهر‪ ،‬فتص ّ‬
‫أن يتصرف بعده‪.‬‬
‫الركن الرابع‪ :‬المو ّ‬
‫كل فيه‪:‬‬
‫وهو التصرف الذي يقوم به الوكيل نيابة عن المو ّ‬
‫كل‪.‬‬
‫ويشترط فيه شروط هي‪:‬‬
‫أن يكون حق التصرف فيه ثابتا ً للموكل عند‬ ‫‪-1‬‬
‫كله ببيع ما يملكه عند التوكيل ‪ ،‬أو و ّ‬
‫كله‬ ‫التوكيل ‪ ،‬كما لو و ّ‬
‫بما ل ولية عليه كتأجير دار الصبي الذي تحت وليته‪ ،‬والتي‬
‫يملكها الصبي عند عقد الوكالة‪ ،‬فإن الولي يملك التصّرف في‬
‫كل بالتصّرف فيما ل يملكه‪ ،‬أو‬ ‫ح أن يو ّ‬‫ذلك‪ .‬وعليه ‪ :‬فل يص ّ‬
‫كل ببيع دار صديقه – مثل ً – وهو ل‬ ‫فيما سيملكه ‪ ،‬كما لو و ّ‬
‫كل ببيع دار زيد التي سيشتريها منه‪ ،‬أو و ّ‬
‫كل‬ ‫يملكها ‪ ،‬أو و ّ‬
‫بطلق فلنة التي سيتزوجها ‪ ،‬فإن الوكالة غير صحيحة في‬
‫ذلك كله‪ ،‬لنه ل يحقّ له ان يباشر ذلك بنفسه حين التوكيل ‪،‬‬
‫فكيف يستنيب غيره فيه‪.‬‬
‫كله في التصّرف فيما سيملكه بعد التوكيل تبعا ً لما‬ ‫أما لو و ّ‬
‫كله ببيع ما‬‫يملكه حال التوكيل‪ :‬فإن الوكالة صحيحة‪ ،‬كما لو و ّ‬
‫ح ذلك ‪ ،‬لنه يملك الصل وهي الشجار ‪،‬‬ ‫ستثمره أشجاره ‪ ،‬فيص ّ‬
‫كله ببيع ما عنده من أثواب وما سيشتريه أيضا ً منها‪،‬‬ ‫وكذلك لو و ّ‬
‫ح توكيله في بيع ما لم يملكه عند التوكيل تبعا ً لما كان يملكه ‪.‬‬ ‫ص ّ‬
‫ح التوكيل‬ ‫كله ببيع متاع‪ ،‬وأن يشتري له بثمنه شيئا ً ‪ ،‬ص ّ‬ ‫ولو و ّ‬
‫ر‪.‬‬ ‫بالشراء على ال ْ‬
‫شه َ ِ‬

‫)‪15‬‬
‫‪(3‬‬
‫كل فيه معلوما ً ولو من بعض‬ ‫أن يكون المو ّ‬ ‫‪-2‬‬
‫ل والجهالة ترتفع نوعا ً ما‪ .‬ول‬
‫الوجوه‪ ،‬فإن الضرر بذلك يق ّ‬
‫يشترط العلم به من كل الوجوه ‪ ،‬لصعوبة ذلك‪ ،‬ولن الوكالة‬
‫شرعت للحاجة ‪ ،‬وذلك يقتضي المسامحة فيها‪.‬‬
‫كلتك في بيع أموالي‪ ،‬واستيفاء ديوني‪ ،‬واسترداد‬ ‫فلو قال‪ :‬و ّ‬
‫من هي‬ ‫ح ذلك‪ ،‬وإن جهل الموال ‪ ،‬والديون و َ‬‫ودائعي – مثل ً – ص ّ‬
‫كل‬‫من هي عنده‪ ،‬لن الضرر فيها قليل ‪ ،‬والمو ّ‬ ‫عليه‪ ،‬والودائع و َ‬
‫فيه صار معلوما ً من بعض الوجوه‪.‬‬
‫كلتك في كل قليل وكثير من ُأموري ‪ ،‬أو‬‫وأما لو قال ‪ :‬و ّ‬
‫وضت إليك كل شئ ‪ ،‬أو أنت وكيلي فتصرف كيف شئت ‪ ،‬لم‬ ‫ف ّ‬
‫ح التوكيل ‪ ،‬لكثرة الضرر‪ ،‬وجهالة المو ّ‬
‫كل فيه من كل وجه‪.‬‬ ‫يص ّ‬
‫ح ما يسمى اليوم بالوكالة العامة‪ ،‬وإن أضرارها‬
‫وعليه فل يص ّ‬
‫كل‬ ‫ً‬
‫ظاهرة‪ ،‬حيث يتصرف الوكيل احيانا في أشياء ل يرغب المو ّ‬
‫تصرفه فيها‪.‬‬
‫وكذلك لو قال‪ :‬و ّ‬
‫كلتك ببيع بعض مالي‪ ،‬دون أن يعّين هذا‬
‫البعض‪ ،‬لكثرة الجهالة وفحش الغرر‪.‬‬

‫كل فيه قابل ً للنيابة ‪ ،‬فل يص ّ‬


‫ح‬ ‫أن يكون المو ّ‬ ‫‪-3‬‬
‫التوكيل فيما ل يقبل النيابة‪ ،‬ولذا ل تصح الوكالة في العبادات‬
‫البدنية المحضة كالصلة والصوم‪ ،‬لن حكمة تشريعها البتلء‬
‫والختبار بمجاهدة النفس‪ ،‬وذلك ل يحصل بفعل غير المكلف‬
‫بها‪.‬‬
‫ويصح التوكيل في العبادات التي تشترط القدرة البدنية‬
‫لدائها ل لوجوبها كالحج والعمرة ‪ ،‬عند العجز عن القيام بها‪.‬‬
‫ح التوكيل فيما هو من تمام العبادات المالية‬‫وكذلك يص ّ‬
‫قيها ‪ ،‬وتفرقة مال‬‫والعانة عليها‪ ،‬كتوزيع الزكاة على مستح ّ‬
‫دى وشاة الوليمة ونحو‬ ‫فارة وكذلك ذبح الضحية والهَ ْ‬
‫منذور أو ك ّ‬
‫ذلك‪.‬‬
‫ح فنقول‪:‬‬
‫ح التوكيل فيه وما ل يص ّ‬
‫صل القول هنا فيما يص ّ‬
‫ونف ّ‬
‫الوكالة يمكن أن تكون في حق من حقوق العباد‪ ،‬ويمكن أن‬
‫تكون في حق من حقوق الله تعالى‪.‬‬

‫)‪15‬‬
‫‪(4‬‬
‫الوكالة في حقوق الله تعالى‪:‬‬
‫وحقّ الله تعالى‪ :‬هو ما شرع حكمه للمصلحة العامة ل‬
‫لمصلحة فرد معين‪ ،‬فهو من النظام العام الذي يتعلق به حقّ كل‬
‫فرد من الناس ‪ ،‬ولذلك نسب لرب الناس جمعيهم ‪ ،‬لعظم‬
‫خطره وشموله نفعه ‪ ،‬وسمى حق الله تعالى لنه هو المستحق‬
‫له وحده‪ ،‬فل يملك أحد من الناس إسقاطه‪.‬‬
‫ومن حقوق الله تعالى العبادات المحضة‪ ،‬وقد علمنا انه ل‬
‫ح التوكيل فيها‪.‬‬
‫يص ّ‬
‫ومنها العقوبات الكاملة وهي الحدود‪ ،‬والوكالة‬
‫فيها‪:‬‬
‫إما في إثباتها وإما في استيفائها‪.‬‬
‫ح ‪ ،‬لن مبنى الحدود على‬ ‫فإذا كانت الوكالة في إثباتها فل تص ّ‬
‫جح فيه جانب الدفع والسقاط‪،‬‬ ‫الدرء‪ ،‬أي إن الشارع ير ّ‬
‫ة‪ ،‬والتوكيل في إثباتها يخالف ذلك لنه‬‫فيسقطها لقل شبه ٍ‬
‫يوصل إلى إيجابها وتنفيذها‪.‬‬
‫وإذا كانت في استيفاء الحدود فهي جائزة وصحيحة‪ ،‬لما ثبت أنه‬
‫من‬
‫من ثبت زناه‪ ،‬وجلد َ‬ ‫كل في رجم َ‬ ‫صلى الله عليه وسلم و ّ‬
‫ثبت شربه المسكر‪) .‬انظر البخاري ‪ :‬الوكالة ‪ ،‬باب‪ :‬الوكالة‬
‫في الحدود(‪.‬‬
‫الوكالة في حقوق العباد‪:‬‬
‫حقوق العباد هي كل ما يتعلق بأفرادهم على أنهم أفراد ل‬
‫جماعة ‪ ،‬كالبيع والشراء والزواج والطلق والشركة والصلح ونحو‬
‫ذلك‪.‬‬
‫ح الوكالة فيها باتفاق العلماء ‪ ،‬وقد مّر‬
‫فمثل هذه الحقوق تص ّ‬
‫معنا عند الكلم عن مشروعية الوكالة أدلة ذلك‪.‬‬
‫ومن هذه الحقوق الخصومة في إثبات هذه الحقوق ‪،‬‬
‫والوكالة فيها جائزة أيضًا‪.‬‬
‫ودليل ذلك‪:‬‬

‫)‪15‬‬
‫‪(5‬‬
‫كل عقيل ً عند أبي بكر – رضى الله‬ ‫أن عليا ً رضى الله عنه و ّ‬
‫ي‪،‬‬
‫عنهما – وقال‪ :‬ما قضى له فلي ‪ ،‬وما قضى عليه فعل ّ‬
‫كل عند عثمان رضى الله عنه عبدالله بن جعفر رضى الله‬ ‫وو ّ‬
‫حما ً وإن الشيطان ليحضرها ‪،‬‬ ‫عنهما‪ ،‬وقال‪ :‬إن للخصومة قُ َ‬
‫وإني لكره أن أحضرها‪) .‬البيهقي ‪ :‬الوكالة ‪ ،‬باب‪ :‬التوكيل‬
‫في الخصومات‪(6/81 : ..‬‬

‫]قحما ً ‪ :‬جمع قُ ْ‬
‫حمة ‪ ،‬وهي المر الشاقّ الذي ل يكاد يحتمل ‪،‬‬
‫وقحم الخصومات ما يحمل النسان على ما يكرهه[‪.‬‬
‫الوكالة في القصاص‪:‬‬
‫ح الوكالة في إثبات القصاص واستيفائه ‪ ،‬لن الغالب فيه‬
‫تص ّ‬
‫حق العبد‪ ،‬وهم أولياء المقتول‪ ،‬ولذا يملكون إسقاطه ‪ ،‬كما‬
‫يملكون استبداله بالدية‪.‬‬
‫الوكالة في الشهادة والْيمان والنذور‪:‬‬
‫كلتك أن تشهد‬ ‫ح الوكالة في الشهادة‪ ،‬كأن يقول له‪ :‬و ّ‬
‫ل تص ّ‬
‫عّني بكذا‪ ،‬لن حكمها متعّلق بعلم الشاهد‪ ،‬لنها إخبار عما رآه أو‬
‫سمعه‪ ،‬وهذا غير حاصل للوكيل‪ ،‬فتعلقت الشهادة بعين الشاهد ‪،‬‬
‫كل فيها كان الوكيل شاهدا ً على‬
‫فل تقبل التوكيل‪ ،‬فإن و ّ‬
‫الشهادة‪.‬‬
‫ح الوكالة في النذور واليمان ‪ ،‬كأن يقول‪:‬‬ ‫وكذلك ل تص ّ‬
‫و ّ‬
‫كلتك أن تحلف عّني أو تنذر عّني ‪ ،‬لن فيها تعظيم الله تعالى ‪،‬‬
‫فأشبهت العبادة المحضة‪ ،‬وتعلقت بعين الحالف والناذر‪.‬‬
‫الوكالة في اليلء واللعان والقسامة والظهار‪:‬‬
‫ح الوكالة في اليلء واللعان والقسامة‪ ،‬لنها‬
‫وكذلك ل تص ّ‬
‫ل من الشهادة واليمان ل‬ ‫أيمان ‪ ،‬وقيل‪ :‬إن اللعان شهادة ‪ ،‬وك ّ‬
‫ح فيه الوكالة‪.‬‬
‫تص ّ‬
‫ح في الظهار ‪ ،‬لن الغالب فيه معنى‬
‫والصح أن الوكالة ل تص ّ‬
‫اليمين ‪ ،‬لتعّلقه بألفاظ وخصائص كاليمين‪.‬‬
‫ح الوكالة فيه‪ ،‬لنه ملحق بالطلق ‪ ،‬لن الغاية فيه‬
‫وقيل‪ :‬تص ّ‬
‫تحريم الستمتاع بزوجته‪ ،‬وهذا ما يثبت بالطلق ‪ ،‬وصورته أن‬

‫)‪15‬‬
‫‪(6‬‬
‫كلي مظاهرا ً‬
‫ت مو ّ‬ ‫ُ‬ ‫ت على مو ّ‬
‫كلي كظهر أمه‪ ،‬أو جعل ُ‬ ‫يقول‪ :‬أن ِ‬
‫منك‪.‬‬
‫الوكالة في القرار‪:‬‬
‫وذلك بأن يقول له‪ :‬و ّ‬
‫كلتك لتقّر عّني لفلن بألف دينار له‬
‫ى ‪ ،‬ونحو ذلك‪ .‬فالصح أن الوكالة في ذلك غير صحيحة ‪ ،‬ولو‬ ‫عل ّ‬
‫أقّر عنه ل يلزمه ما أقّر به عليه ‪ ،‬لن القرار إخبار عن إثبات حق‬
‫– كالشهادة – فل يقبل التوكيل‪.‬‬
‫الوكالة في تمّلك المباحات كالصطياد والحتطاب‪:‬‬
‫كله أن يحتطب له أو أن يصطاد له‪ :‬فالصح صحة‬ ‫فلو و ّ‬
‫الوكالة ‪ ،‬وأن ما يجمعه الوكيل من الحطب أو يمسك به من‬
‫كل‪ ،‬لن تمّلك المباحات أحد‬
‫كل ‪ ،‬يكون ملكا ً للمو ّ‬
‫الصيد‪ ،‬بنّية المو ّ‬
‫حت الوكالة به‪.‬‬‫أسباب المْلك ‪ ،‬فأشبه الشراء ونحوه‪ ،‬فص ّ‬
‫الوكالة في المحّرم‪:‬‬
‫كله في غصب شئ أو سرقته‪ ،‬أو فعل جناية‬ ‫وذلك بأن يو ّ‬
‫‪،‬فإن الوكالة غير صحيحة‪ ،‬وإن فعل الوكيل شيئا ً من ذلك كان هو‬
‫ص بمرتكبها‪ ،‬ولن‬
‫الضامن والثم عليه‪ ،‬لن حكم المحّرمات مخت ّ‬
‫الشارع قصد بالمتناع عنها كل شخص بعينه‪.‬‬
‫حدود تصرفات الوكيل‬
‫إذا وقعت الوكالة مستوفية لركانها وشروطها ثبت للوكيل‬
‫حق التصّرف فيما و ّ‬
‫كل فيه‪ ،‬ولكن ما هي حدود هذا التصّرف؟‬
‫هذا ما سنبّينه فيما يلي بحسب موضوع الوكالة التي أسندت إليه‪.‬‬
‫‪ -1‬الوكالة في الخصومة‪:‬‬
‫وهي توكيل بالدعوى والمرافعة أمام القضاء وهي المشهور‬
‫كل المحامي وغيره بالخصومة‬ ‫في أيامنا بعمل المحاماة ‪ ،‬فإذا وُ ّ‬
‫فهو يملك أن يتصرف بكل ما يتعلق بإثبات الحق لمو ّ‬
‫كله أو دفعه‬
‫دعيه‪.‬‬‫عنه إذا كان خصمه ي ّ‬
‫وهل يملك القرار بالحق على مو ّ‬
‫كله؟‬

‫)‪15‬‬
‫‪(7‬‬
‫والجواب‪ :‬هو أنه ل يملك ذلك ‪ ،‬لنه وكيل في المنازعة‬
‫والقرار بخلف ذلك لنه مسالمة‪ ،‬فل يتناوله التوكيل بالخصومة ‪،‬‬
‫فل يملكه الوكيل‪.‬‬
‫وإذا أثبت الوكيل بالخصومة بالمال الحق لمو ّ‬
‫كله وُقضى له‬
‫به‪ ،‬فهل يملك قبضه؟‬
‫والجواب‪ :‬أنه ل يملك ذلك ‪ ،‬لن الذن في إثبات الحق‬
‫ليس إذنا ً في قبضه ‪ ،‬ل من جهة النطق ول من جهة العُْرف ‪ ،‬إذ‬
‫من يرضاه لتثبيت الحق يرضاه لقبضه‪ ،‬بل‬ ‫ليس في العُْرف أن َ‬
‫الغالب أن يختار لتثبيت الحق ألد ّ الناس خصومة‪ .‬وأكثرهم حيلة‬
‫من‬‫ودهاًء ‪ ،‬وقد يكون أقل الناس ِدينا ً وحياًء‪ ،‬بينما يختار للقبض َ‬
‫من يصلح للخصومة قد ل‬ ‫هو أوفى الناس أمانة وأكثرهم ورعًا‪ ،‬ف َ‬
‫ل على الرضا به للقبض‪.‬‬ ‫يصلح للقبض‪ ،‬وتوكيله بالخصومة ل يد ّ‬
‫‪ -2‬الوكيل بالقبض‪:‬‬
‫كل إنسان آخر بقبض حق له من فلن ‪ ،‬فأنكر فلن أن‬ ‫إذا و ّ‬
‫كل عليه حقًا‪ ،‬فهل يملك الوكيل بالقبض المخاصمة في‬ ‫للمو ّ‬
‫دعيه المو ّ‬
‫كل؟ فيه وجهان‪:‬‬ ‫إثبات ذلك الحق الذي ي ّ‬
‫أحدهما‪ :‬يملك ذلك لنه بالمخاصمة يتوصل إلى إثبات الحق‬
‫وقبضه‪ ،‬فيكون الذن بالقبض إذنا ً في المخاصمة‪.‬‬
‫والثاني‪ :‬أنه ل يملك المخاصمة في تثبيت الحق ‪ ،‬لن الذن‬
‫من يرضاه‬‫في القبض ليس إذنا ً في التثبيت ‪ ،‬ل لفظا ً ول ع ُْرفا ً ‪ ،‬و َ‬
‫من كان‬
‫في قبض حقه قد ل يرضاه في تثبيته ‪ ،‬لنه يختار للقبض َ‬
‫ذا أمانة ودين وورع ‪ ،‬وقد يكون أقل الناس حيلة وأضعفهم حج‬
‫ومخاصمة ‪ ،‬وعليه لو رافع في المر إلى القضاء ‪ ،‬وقضي على‬
‫ل هذا الوجه هو الرجح ‪،‬‬ ‫كله ‪ ،‬فل يمضي عليه هذا القضاء‪ ،‬ولع ّ‬ ‫مو ّ‬
‫والله تعالى أعلم‪.‬‬
‫‪ -3‬الوكيل بالبيع والشراء‪:‬‬
‫‪ -1‬الوكالة بالبيع‪:‬‬
‫كله ببيع شئ له ‪ ،‬فل يخلوا من أن تكون هذه الوكالة‬ ‫إذا و ّ‬
‫مطلقة أو مقّيدة ‪ ،‬ولك ّ‬
‫ل منهما حكم يتعلق بها‪:‬‬

‫الوكالة المطلقة بالبيع‪:‬‬ ‫•‬

‫)‪15‬‬
‫‪(8‬‬
‫وهي أن يوك َّله ببيبع شئ دون أيّ تقييد ‪ ،‬ففي هذه الحالة‬
‫يتقيد الوكيل بما يلي‪:‬‬
‫‪ -1‬ل يبيع بغير نقد البلد‪ ،‬لن العُْرف يقيده به عند الطلق ‪ ،‬فإن‬
‫كان فيه نقدان يتعامل بهما أهله باع بالغالب منهما‪ ،‬فإن‬
‫استويا في التعامل باع بأنفعهما للمو ّ‬
‫كل ‪ ،‬وإن استويا بالنفع‬
‫باع بأّيهما شاء‪.‬‬
‫‪ -2‬ل يبيع بالنسيئة أي بتأجيل الثمن إلى زمن معين ‪ ،‬وإن كان‬
‫ل‪ ،‬لن مقتضى الطلق الحلول‪،‬‬ ‫البيع بأكثر من ثمن مثله حا ّ‬
‫إذ هو المعتاد في البيع غالبًا‪.‬‬
‫جل ً معينا ً جاز أن يبيع إلى‬
‫در له أ َ‬ ‫فلو و ّ‬
‫كله ليبيع مؤج ً‬
‫ل‪ :‬فإن ق ّ‬
‫ذلك الجل ول يزيد عليه‪ ،‬فإن نقص عنه أو باع حال ّ ص ّ‬
‫ح البيع ‪،‬‬
‫كل‪ -‬كنقص ثمن أو خوف‬ ‫فإن كان في التعجيل ضرر على المو ّ‬
‫ح‪.‬‬
‫على الثمن ونحو ذلك – لم يص ّ‬
‫ح التوكيل على الصح‪ ،‬وحمل الجل على‬ ‫وإن أطلق الجل ص ّ‬
‫المتعارف في مثله‪ ،‬فإن لم يكن فيه ع ُْرف راعي النفع للموكل‪.‬‬
‫‪ -3‬ول يبيع بغبن فاحش ‪ ،‬وهو ما ل ُيحتمل غالبًا‪ ،‬وضبطوه بما‬
‫درون بما بين‬
‫دره المق ّ‬
‫درين ‪ ،‬كأن يق ّ‬
‫يخرج عن تقدير المق ّ‬
‫ل‪ ،‬فيبيعه بخمسة أو ستة‪.‬‬ ‫السبعة والعشرة مث ً‬

‫ح بيعه على‬ ‫فإذا خالف أحد هذه القيود الثلثة وباع لم يص ّ‬


‫الصح ‪ ،‬وإذا سلم المبيع للمشتري كان ضامنا ً له ‪ ،‬لنه تع ّ‬
‫دى في‬
‫كل‬‫ده ‪ ،‬وإل غّرم المو ّ‬‫تصرفه ‪ ،‬فإن كان المبيع موجودا ً استر ّ‬
‫قيمته من شاء من الوكل أو المشتري ‪ ،‬ويستقر الضمان على‬
‫المشتري ‪ ،‬أي هو الذي يغرم القيمة في النهاية ‪ ،‬ويعود على‬
‫الوكيل بالثمن إن كان قد دفعه إليه‪.‬‬

‫الوكالة المقيدة بالبيع‪:‬‬ ‫•‬


‫وذلك بأن يو ّ‬
‫كله ببيع شئ يملكه ‪ ،‬ويقيده بشخص أو زمن أو‬
‫مكان أو ثمن‪.‬‬

‫فإن قّيده بشخص ‪ ،‬كأن قال ‪ :‬ب ِعْ هذا لفلن ‪ ،‬تعّين عليه البيع‬ ‫‪‬‬
‫له ‪ ،‬لن تخصيصه قد يكون لغرض يقصده‪ ،‬كأن يكون ماله‬
‫أبعد عن الشبهة ‪ ،‬فإن دّلت قرينة على أن مراده الربح‪ ،‬وأنه‬

‫)‪15‬‬
‫‪(9‬‬
‫ل غرض له في التعيين إل ذلك‪ ،‬جاز بيعه لغير ذلك الشخص‬
‫الذي عّينه‪.‬‬

‫وإن قّيده بزمن ‪ ،‬كأن قال‪ :‬ب ِْعه يوم الجمعة مث ً‬


‫ل‪ ،‬تعّين هذا ‪،‬‬ ‫‪‬‬
‫ولم يجز أن يبيع قبله ول بعده ‪ ،‬لنه قد ُيؤثر البيع في زمان‬
‫لحاجة خاصة فيه‪ ،‬ول يؤثره في غيره ‪.‬‬

‫وإن قّيده بمكان‪ ،‬كسوق كذا‪ُ ،‬ينظر‪:‬‬ ‫‪‬‬


‫فإن كان له في التعيين غرض صحيح‪ ،‬كأن يكون الثمن فيه‬ ‫‪‬‬
‫أكثر‪ ،‬أو النقد فيه أجود‪ ،‬لم يجز البيع في غيره ‪ ،‬لنه ل يجوز‬
‫تفويت غرضه عليه‪.‬‬

‫وإن لم يكن في التعيين غرض صحيح ‪ ،‬كأن يكون الثمن فيه‬ ‫‪‬‬
‫وفي غيره واحدًا‪ ،‬فالراجح أن له البيع فيه وفي غيره‪ ،‬لن‬
‫مقصوده يتحقق في أيّ مكان‪ ،‬فكان الذن بالبيع بمكان إذنا ً‬
‫بالبيع في غيره‪.‬‬

‫وإن قيده بثمن‪ ،‬كأن قال له‪ :‬ب ِعْ بمائة مث ً‬


‫ل‪ ،‬فليس له أن يبيع‬ ‫‪‬‬
‫بأقل منها‪ ،‬ولو كان ثمن المثل أو كان النقص قلي ً‬
‫ل‪ ،‬لنه‬
‫مخالف للذن‪.‬‬
‫ن له أن يبيع بأكثر منها ‪ ،‬لن المفهوم من ذلك ع ُْرفا ً‬‫والصح أ َ‬
‫من يرغب‬ ‫هو عدم النقص‪ ،‬بل ل يجوز له أن يبيع بالمائة إن وجد َ‬
‫شراءه بأكثر منها ‪ ،‬لنه مأمور بالنفع للمو ّ‬
‫كل ‪ ،‬حتى لو وجد‬
‫الراغب بالزيادة زمن الخيار لزمه الفسخ‪ ،‬وإذا لم يفسخه هو‬
‫انفسخ بنفسه‪.‬‬
‫ما قيده به ‪ ،‬كأن قال‬ ‫فإذا صّرح له بالمنع من البيع بزيادة ع ّ‬
‫ح بيعه بزيادة ‪ ،‬لنه‬
‫له ‪ :‬ب ِْعه بمائة ‪ ،‬ول َتبعْ بأكثر من ذلك‪ ،‬لم يص ّ‬
‫ل عبرة للدللة مع التصريح‪ ،‬فقد أبطل النطق دللة العُْرف‪.‬‬

‫البيع لمن يتهم فيه بالمحاباة‪:‬‬ ‫•‬


‫كل ببيعه لنفسه كما ل‬‫ح أن يشتري المو ّ‬‫الوكيل بالبيع ل يص ّ‬
‫جره وتحت‬ ‫ح ْ‬
‫من هو في َ‬ ‫ح أن يشتريه لولده الصغير ول لكل َ‬ ‫يص ّ‬
‫وليته ‪ ،‬لن العُْرف في مثل هذا أن يبيع الوكيل لغيره ‪ ،‬ل‬

‫)‪16‬‬
‫‪(0‬‬
‫لنفسه ‪ ،‬وبيعه لولده الصغير ومن في حجره كبيعه لنفسه ‪ ،‬فلم‬
‫كل‪ ،‬لتعارض أغراض‬ ‫ح ذلك كله‪ ،‬حتى ولو أذن له فيه المو ّ‬
‫يص ّ‬
‫البائع والمشتري ‪ ،‬فالمشتري يرغب السلعة بأرخص الثمان ‪،‬‬
‫ووكيل البائع عليه ان يحصل لموكله اغلها واعلها‪ ،‬وهنا‬
‫المشتري والبائع واحد‪ ،‬فل تتحقق اغراض البيع‪.‬‬
‫من يتهم في محاباتهم من ذوي قرباه –‬ ‫واما غير هؤلء – م ّ‬
‫فل مانع من بيعهم‪ ،‬فيبيع لزوجته واخوته ونحوهم‪ ،‬لن العاقد‬
‫ليس واحدا ‪ ،‬فالغراض غير متنافية‪.‬‬
‫والصح انه يبيع لبيه وسائر أصوله‪ ،‬كما أنه يبيع لبنه البالغ‬
‫وسائر فروعه المستقّلين عنه‪ ،‬طالما أنه يبيعهم بالثمن الذي لو‬
‫ح البيع‪ ،‬كما لو باع‬
‫ح ‪ ،‬فتنتفي التهمة ويص ّ‬
‫باع به لجنبي لص ّ‬
‫لصديق له‪ ،‬ليس بينه وبينه قرابة‪.‬‬

‫التوكيل ببيع فاسد‪:‬‬ ‫•‬


‫كله أن يبيع بعقد فاسد – كما لو و ّ‬
‫كله ببيع المال الربوي‬ ‫لو و ّ‬
‫ل‪ ،‬كصاع حنطة بصاعين‪ ،‬أو أن يبيع المبيع بثمن‬ ‫بجنسه متفاض ً‬
‫محرم كآلة لهو مثل – فل يجوز أن يعقد هذا العقد‪ ،‬لن الله تعالى‬
‫كل أصل ً حتى يملكه الوكيل‪.‬‬‫لم يأذن فيه‪ ،‬فلم يملكه المو ّ‬

‫وهل يملك أن يبيعه بعقد صحيح؟ والجواب‪ :‬ل يملك ذلك‪،‬‬


‫لن المو ّ‬
‫كل لم يأذن فيه‪.‬‬
‫‪ -2‬الوكالة بالشراء‪:‬‬

‫الوكالة المطلقة بالشراء‪:‬‬ ‫‪‬‬


‫كله بشراء شئ موصوف أو معين دون أن يقيده‬ ‫وذلك بأن يو ّ‬
‫بنوع أو ثمن‪ ،‬كأن يقول‪ :‬و ّ‬
‫كلتك أن تشتري لي سيارة ‪ ،‬فهنا يتقيد‬
‫الوكيل بما يلي‪:‬‬
‫ل يشتري معيبًا‪ ،‬لن الطلق يقتضي الوصف بالسلمة من‬ ‫‪-1‬‬
‫العيب ‪ ،‬فإن اشترى ما فيه عيب ُينظر‪:‬‬

‫فإن كان الوكيل يعلم العيب‪:‬‬ ‫‪‬‬

‫)‪16‬‬
‫‪(1‬‬
‫وقع الشراء له ولم يقع للموكل ‪ ،‬حتى ولو كان المشتري‬
‫يساوي الثمن الذي اشترى به مع العيب على الصح‪ ،‬لنه لم يأذن‬
‫كل من‬‫صر بشرائه ‪ ،‬وقد ل يتمكن المو ّ‬
‫له بشراء المعيب‪ ،‬فهو مق ّ‬
‫ده لهروب البائع فيتضرر بذلك‪ ،‬ول سيما حين يكون ل يساوي‬ ‫ر ّ‬
‫الثمن‪.‬‬

‫وإن كان الوكيل ل يعلم العيب‪:‬‬ ‫‪‬‬


‫فإن كان المشتري يساوي الثمن مع العيب وقع الشراء‬
‫كل ‪ ،‬إذ ل ضرر عليه‪ ،‬لنه يملك الختيار بين إمساكه ‪ -‬ول‬ ‫للمو ّ‬
‫ده على البائع ‪ ،‬والوكيل‬
‫خسارة عندها لنه يساوي الثمن – وأن ير ّ‬
‫صر بهذا ‪ ،‬لنه جهل العيب ‪ ،‬ولم يشتره بأكثر من ثمن‬ ‫غير مق ّ‬
‫مثله‪.‬‬
‫وكذلك الحال أن كان المشتري ل يساوي الثمن مع العيب‬
‫لنظ للعيب‪.‬‬ ‫في الصح‪ ،‬كما لو اشتراه المو ّ‬
‫كل بنفسه جاه ً‬

‫وفي هذه الحالة‪:‬‬ ‫‪‬‬


‫كل وحده خيار الرد بالعيب إن اشُترى بعين ماله‪،‬‬‫يكون للمو ّ‬
‫ده‪،‬‬‫لنه هو المتضّرر بذلك ‪ ،‬فإن رضى به فليس للوكيل حق ر ّ‬
‫لن العقد ل يمكن أن يقع له ‪ ،‬فل يتضرر به‪.‬‬
‫وإن كان الوكيل قد اشتراه بالذمة‪ :‬ثبت حق الرد له أيضا ً ‪،‬‬
‫لنها ظلمة حصلت بعقده فجاز له رفعها ‪ ،‬كما لو اشتراه لنفسه‪،‬‬
‫د‪ .‬فربما ل يرضى به المالك ‪ ،‬فتنقلب‬ ‫ولنه لو لم يجز له الر ّ‬
‫ده لكون الرد فوريا ً ‪ ،‬فيتضرر الوكيل‬
‫ملكيته للوكيل‪ ،‬ويتعذر ر ّ‬
‫بذلك‪.‬‬
‫ل يشتري إل بثمن المثل‪ ،‬أو بزيادة يسيرة يقبل الناس‬ ‫‪-2‬‬
‫التغابن فيها عادة‪ ،‬فإن اشترى بزيادة ل يتغابن فيها الناس‬
‫عادة – على ما سبق – فيا يقع البيع للمو ّ‬
‫كل‪.‬‬

‫الوكالة المقّيدة بالشراء‪:‬‬ ‫‪‬‬

‫)‪16‬‬
‫‪(2‬‬
‫كله أن يشتري له شيئا ً ‪ ،‬وقّيده بنوع أو ثمن ‪ ،‬لزمه‬
‫إذا و ّ‬
‫مراعاة القيد ‪ ،‬فإذا خالف الوكيل في هذا وقع الشراء للوكيل ‪،‬‬
‫ولم يقع للموكل إل إذا خالف إلى خير‪.‬‬
‫ومثال التقييد بالنوع من المشتري أن يقول له‪ :‬اشتر لي‬
‫سيارة من نوع كذا صنع سنة كذا ‪ ،‬فإذا اشتراها مع هذا الوصف‬
‫كل ‪ ،‬وإن خالف في هذا فاشتراها من نوع آخر‬ ‫كان الشراء للمو ّ‬
‫أو من صنع سنة غير المذكورة في العقد‪ ،‬كان الشراء للوكيل‬
‫وليس للموكل ‪ ،‬لنه خالف قيدا ً معتبرا ً قد يكون للموكل مصلحة‬
‫فيه‪.‬‬
‫ومثال التقييد في الثمن‪ ،‬أن يقول‪ :‬اشتر لي سيارة – مثل ً –‬
‫أو دارا ً بمائة ألف ‪ ،‬فاشتراها بمائتي ألف ‪ ،‬فل يلزم هذا الشراء‬
‫كل ‪ ،‬وإنما يلزم الوكيل لمخالفة قيد الثمن‪.‬‬‫المو ّ‬

‫كله بشرائه بألف –‬‫ومثال المخالفة الى خير‪ :‬أن يشتري ما و ّ‬


‫بصفة معينة – بثمانمائة بنفس الصفقة والقيد ‪ ،‬فهذا الشراء يلزم‬
‫كل – وإن خالف فيه الوكيل – لنها مخالفة إلى خيره‬ ‫المو ّ‬
‫وصالحه‪.‬‬
‫كله بشراء سلعة موصوفة بثمن معين‪،‬‬ ‫ومن هذا ما لو و ّ‬
‫ل منهما تساوي الثمن‬ ‫فاشترى اثنتين منها بالثمن نفسه‪ ،‬ك ّ‬
‫ح الشراء للموكل‪ ،‬لنه مخالفة إلى ما هو أنفع ‪ .‬ود ّ‬
‫ل‬ ‫المعين‪ ،‬ص ّ‬
‫على ذلك كله حديث عروة رضى الله عنه السابق‪.‬‬

‫أشتراط الوكيل الخيار‪:‬‬ ‫‪‬‬


‫ليس للوكيل بالبيع أن يشرط الخيار للمشتري ‪ ،‬كما أنه ليس‬
‫للوكيل بالشراء أن يشرط الخيار للبائع ‪ ،‬لنه – في الحالين –‬
‫كل‪ ،‬فإن أذن به المو ّ‬
‫كل جاز ‪.‬‬ ‫شرط ل مصلحة فيه للمو ّ‬
‫وللوكيل أن يشرط الخيار لنفسه او للمو ّ‬
‫كل ‪ ،‬لن في ذلك‬
‫كل واحتياطا ً له‪.‬‬
‫مصلحة للمو ّ‬

‫حقوق العقد بالوكالة وحكمه‬

‫)‪16‬‬
‫‪(3‬‬
‫المراد بحقوق العقد‪ :‬التصرفات التي ل بد ّ منها للحصول‬
‫على الغاية والقصد من العقد‪ ،‬مثل تسليم المبيع وقبض الثمن‬
‫في البيع‪ ،‬والمطالبة بالمهر في النكاح‪ ،‬ونحو ذلك ‪ .‬وحكم العقد ‪:‬‬
‫هو الغرض منه والمقصود ‪ ،‬كثبوت الملكية في المبيع للمشتري ‪،‬‬
‫وحل الستمتاع بالزوجة في عقد النكاح ونحو ذلك‪ .‬وبحثنا الن ‪:‬‬
‫لمن تثبت حقوق العقد وحكمه‪ ،‬للوكيل أم للموكل؟ والجواب هو‪:‬‬
‫أما حكم العقد‪:‬‬
‫كل ل للوكيل ‪ ،‬لن‬‫فقد اتفق الفقهاء على أنه يقع ويثبت للمو ّ‬
‫كل ويعقد‬‫الوكيل واسطة وسفير في هذا‪ ،‬وهو يتكلم باسم المو ّ‬
‫ن العاقد في الحقيقة هو‬‫دة منه فكأ ّ‬
‫له ‪ ،‬فوليته على العقد مستم ّ‬
‫كل ‪ ،‬ولذلك يثبت حكم العقد له مباشرة ‪ ،‬بمجرد تمام العقد‬ ‫المو ّ‬
‫وصحته من قَِبل الوكيل‪.‬‬
‫وأما حقوق العقد‪:‬‬
‫فهي نوعان بحسب العقود التي تترتب عليها ‪ ،‬فإن العقود‬
‫التي يمكن ان يقوم بها الوكيل نوعان‪:‬‬
‫عقود يضيفها الوكيل إلى نفسه‪.‬‬ ‫‪‬‬

‫وعقود يضيفها الوكيل إلى مو ّ‬


‫كله‪.‬‬ ‫‪‬‬

‫فالعقود التي يضيفها إلى نفسه‪:‬‬


‫هي كالبيع والشراء والجارة ونحوها‪ ،‬فإن الوكيل يقول عند‬
‫ت ‪ ،‬دون أن يقول‪ :‬عن مو ّ‬
‫كلي ‪ ،‬أو‬ ‫جْر ُ‬
‫التعاقد‪ :‬بعت واشتريت وأ ّ‬
‫لمو ّ‬
‫كلي‪.‬‬
‫فمثل هذه العقود تتعلق أحكامها بالوكيل ل بالمو ّ‬
‫كل ‪ ،‬فهو‬
‫المعتبر في رؤية المبيع قبل العقد‪ ،‬ويلزم العقد بمفارقته‬
‫المجلس ‪ ،‬وهو الذي يطالب بالثمن أو المبيع ‪ ،‬وهو الذي يستلم‬
‫البدل من العاقد الخر ونحو ذلك‪.‬‬
‫وإنما رجعت إليه هذه الحقوق لنه أصل في التعاقد‪ ،‬بدليل‬
‫كل‪.‬‬‫استغنائه عن إضافة العقد إلى المو ّ‬

‫)‪16‬‬
‫‪(4‬‬
‫وأما العقود التي يضيفها الوكيل للمو ّ‬
‫كل‪:‬‬

‫فهي كالزواج والخلع والصلح عن دم ونحو ذلك‪ ،‬فإن الوكيل‬


‫كلي فلن مثل‪ ،‬ويقول ‪:‬‬‫يقول عندها‪ :‬قبلت زواج ابنتك لمو ّ‬
‫خالعتك عن زوجتك فلنة ‪ ،‬وما الى ذلك‪.‬‬
‫فمثل هذه العقود تتعلق أحكامها بالموكل ل بالوكيل فل‬
‫كل ‪ ،‬ول يطالب وكيل‬‫يطالب الوكيل بالمهر وإنما يطالب به المو ّ‬
‫الزوجة المخالع عنها ببدل الخلع وإنما تطالب به الزوجة الموكلة‪،‬‬
‫وهكذا‪.‬‬

‫احكام تتعلق بالوكالة‬

‫‪ -1‬توكيل الوكيل‪:‬‬
‫إذا كان الوكيل يمكنه القيام بما وُ ّ‬
‫كل فيه‪ ،‬وكان مما يليق‬
‫كل غيره بدون إذن المو ّ‬
‫كل‪،‬‬ ‫بأمثاله القيام به ‪ ،‬فليس له أن يو ّ‬
‫ض بتصّرف غيره‪ ،‬ول ضرورة‬ ‫كل رضى بتصرفه ولم ير َ‬ ‫لن المو ّ‬
‫لذلك‪.‬‬
‫كل فيه‪ ،‬إما لنه ل يحسنه‬‫فإن كان ل يتأتى منه القيام بما وُ ّ‬
‫كل غيره بالقيام بذلك‪ ،‬لن‬ ‫وإما لنه ل يليق به‪ ،‬فله عندئذ أن يو ّ‬
‫كل بقصد منه إنابته عنه في توكيل‬ ‫تفويض مثل ذلك إليه من المو ّ‬
‫من يقوم بما أسنده إليه‪.‬‬
‫َ‬
‫وإذا كان الموكل فيه مما يحسنه ويليق به‪ ،‬ولكنه كثر حتى‬
‫كل فيما زاد من‬‫عجز الوكيل عن التيان بكله ‪ ،‬جاز له أن يو ّ‬
‫قدرته على الصح ‪ ،‬لن الضرورة دعت إليه‪.‬‬
‫كل – عن نفسه أو عن المو ّ‬
‫كل –‬ ‫جوزنا للوكيل أن يو ّ‬ ‫وحيث ّ‬
‫كل‪ ،‬إل إن عين‬‫كل امينا ً رعاية لمصلحة المو ّ‬ ‫اشترط أن يو ّ‬
‫كل أحدا ً غير أمين‪ ،‬فله توكيله اتباعا ً لتعيين المو ّ‬
‫كل‪.‬‬ ‫المو ّ‬
‫وهل الوكيل الثاني وكيل المو ّ‬
‫كل ‪ ،‬أو وكيل الوكيل الول؟‬
‫والجواب‪:‬‬

‫)‪16‬‬
‫‪(5‬‬
‫كل عن نفسك ‪ ،‬فالثاني وكيل الوكيل ‪ ،‬فللول أن‬ ‫إذا قال‪ :‬و ّ‬ ‫‪‬‬

‫يعزله ‪ ،‬كما أنه ينعزل بعزل الموكل للوكيل الول‪ ،‬أو بعزل‬
‫الوكيل الول لنفسه ‪ ،‬لنه تبع له‪.‬‬
‫كل عّني ‪ ،‬أو أذن له بالتوكيل مطلقا ً ‪ ،‬فالوكيل‬
‫وإن قال ‪ :‬و ّ‬ ‫‪‬‬

‫الثاني وكيل للموكل ‪ ،‬فل يملك أحد الوكيلين عزل الخر‪،‬‬


‫كل عزل أّيهما شاء فل ينعزل الثاني بانعزاله‪.‬‬ ‫وللمو ّ‬

‫عل‪:‬‬
‫ج ْ‬
‫‪ -2‬التوكيل ب ُ‬
‫كل شيئا ً مقابل ذلك أم لم‬‫الوكالة صحيحة سواء أجعل المو ّ‬
‫كل ولم يعط شيئا ً‬ ‫يجعل‪ .‬فقد ثبت أنه صلى الله عليه وسلم و ّ‬
‫سعاة بجمع الزكاة ويعطيهم‬ ‫على العمل‪ ،‬كما أنه كان يو ّ‬
‫كل ال ُ‬
‫على ذلك أجرا ً يجعله لهم مقابل عملهم‪ .‬وفي حال كونها بجعل‬
‫يشترط أن يكون الجعل معلومًا‪ ،‬فل يصح ما يفعله الناس اليوم‬
‫من إعطاء المحامين نسبة مئوية من مال القضية التي يربحونها‬
‫كأتعاب لهم‪ .‬كما ل يصح اعطاء جباة الجمعيات ونحوها نسبة‬
‫مئوية مما يجبونه من اموال‪ ،‬وكذلك إعطاء أصحاب المكاتب‬
‫العقارية نسبة مئوية من قيمة ما يبيعونه ‪ .‬والمشروع في ذلك‬
‫جْعل ي ُّتفق عليه قبل بدء العمل وعند التوكيل ‪.‬‬
‫كله تحديد ُ‬
‫ويستحق هذا الجعل عند النتهاء من العمل الموكل فيه‪.‬‬
‫‪ -3‬صفة يد الوكيل‪:‬‬
‫دي ‪،‬‬ ‫يد الوكيل على ما و ّ‬
‫كل فيه يد أمانة ‪ ،‬فل يضمن إل بالتع ّ‬
‫كل في‬ ‫جْعل‪ ،‬لن الوكيل نائب عن المو ّ‬ ‫حتى ولو كانت الوكالة ب ُ‬
‫التصّرف فيما تحت يده‪ ،‬فكانت يده كيده‪ ،‬فكما ان المالك ل‬
‫يضمن ما تلف في يده من ملكه فكذلك وكيله‪.‬‬
‫وأيضا ً فإن الوكالة إرفاق وتعاون من الوكيل ‪ ،‬والضمان‬
‫فر عنه‪ ،‬ويجعل الناس يمتنعون عنها‪ ،‬فيكون في‬ ‫ينافي ذلك وين ّ‬
‫دى – كأن استعمل ما وكل ببيعه او شرائه‪ ،‬او‬
‫ذلك حرج ‪ ،‬فإذا تع َ‬
‫ضاع منه ولم يدر كيف ضاع‪ ،‬او وضعه في مكان ثم نسيه‪ ،‬او‬
‫خالف الموكل – فإنه يضمن في ذلك كله‪.‬‬
‫‪ -4‬دعوى الوكالة‪:‬‬
‫دعى أنه وكيل‬
‫من عليه حق لخر‪ ،‬وا ّ‬ ‫إذا جاء إنسان ألى َ‬
‫من عليه‬‫دقه َ‬
‫كله في قبض الحق منه‪ ،‬وص ّ‬ ‫صاحب الحق ‪ ،‬وأنه و ّ‬
‫الحق في ذلك‪ ،‬فهل يجب دفع الحق إليه؟‬

‫)‪16‬‬
‫‪(6‬‬
‫والجواب‪ :‬إنه ل يجب عليه ذلك‪ ،‬لن هذا الدفع ل يبرئه من‬
‫الحق ‪ ،‬فل يؤمر به ل أن أقام بينة على دعواه‪.‬‬
‫فإذا دفع اليه وقبضه جاز‪ ،‬فإذا حضر صاحب الحق وصدقه‬
‫بالوكالة فقد ظهر انه كان وكيل له‪ ،‬وان قبضه صحيح‪ ،‬فتبرأ ذمة‬
‫من كان عليه الحق منه‪.‬‬
‫دق بيمينه أنه ما و ّ‬
‫كل‪ ،‬لن‬ ‫ص ّ‬
‫وإن أنكر صاحب الحق التوكيل ُ‬
‫الصل عدم التوكيل‪ ،‬فإذا حلف ُينظر‪:‬‬
‫فإن كان الحق عينا ً‪ :‬أخذها إن كانت باقية أو أخذ بدلها إن‬ ‫‪‬‬

‫من كان عليه الحق‬ ‫كانت تالفة‪ .‬وله أن يطالب أّيهما شاء‪َ :‬‬
‫من‬‫من أدعى الوكالة وقبض‪ .‬لن الدافع دفع إلى َ‬ ‫ودفعه ‪ ،‬و َ‬
‫لم يثبت له إذن صاحب الحق له بالقبض‪ ،‬والقابض قبض ما‬
‫لم يكن له حق في قبضه‪.‬‬
‫من واحد ً منهما لم يكن له أن يرجع بما ضمنه على‬
‫وإذا ض ّ‬
‫الخر‪ ،‬لن كل ّ منهما يرى أن ما يأخذه صاحب الحق منه ظلم‪،‬‬
‫فليس له أن يرجع على غيره لدفع الظلم عن نفسه‪.‬‬
‫وإن كان الحق دَْينا ً‪ :‬فله أن يطالب به الذي كان عليه ‪،‬‬ ‫‪‬‬

‫لن حقه – على رأيه – ل يزال في ذمته ولم ينتقل الى ذمة‬
‫غيره‪ .‬وليس له أن يطالب القابض على قول الكثر‪ ،‬لن ما‬
‫قبضه لم يتعين حقا له‪ ،‬فليس له أن يطالب به‪.‬‬
‫‪ -5‬الوكالة في قضاء الدّْين‪:‬‬
‫إذا و ّ‬
‫كل رجل ً في قضاء دينه لزم الوكيل أن يشهد على‬
‫كل‪ ،‬ومن‬ ‫القضاء‪ ،‬لنه مأمور بما هو الحوط لمصلحة المو ّ‬
‫مصلحته أن يشهد على قضاء دينه‪ ،‬كي ل يرجع عليه الدائن وينكر‬
‫القضاء‪.‬‬
‫فإذا دفع الوكيل الد ّْين دون إشهاد ‪ ،‬وأنكر صاحب الد ّْين‬
‫الوفاء‪ ،‬لم ُيقبل قول الوكيل عليه‪ ،‬وبقى دينه في ذمة المو ّ‬
‫كل‪.‬‬
‫من الوكيل ما دفعه إليه؟ والجواب‪ُ :‬ينظر‪:‬‬ ‫كل ان يض ّ‬‫وهو للمو ّ‬

‫كل ضمن للموكل ما دفعه‬ ‫فإن كان دفع إليه في غ َْيبة المو ّ‬ ‫‪‬‬

‫إليه‪ ،‬لنه فّرط في ترك الشهاد على الدفع‪.‬‬

‫)‪16‬‬
‫‪(7‬‬
‫وإن كان في حضوره ل يضمن ‪ ،‬لن المفّرط هو اْلمو َِ‬
‫كل ‪ ،‬إذ‬ ‫‪‬‬

‫كان عليه أن يشهد على الدفع‪ ،‬لن الشهاد لمصلحته ولحقه‪.‬‬


‫‪ -6‬الوكالة لثنين‪:‬‬
‫كل وكيلين في تصّرف ‪ ،‬فهل للواحد منهما أن يتصّرف‬ ‫إذا و ّ‬
‫َ‬
‫كل فيه منفردا ً عن الخر ؟‬‫فيما وُ ّ‬

‫كل منهما أن يتصّرف‬‫ص في الوكالة على أن ل ّ‬‫فإن كان قد ن ّ‬


‫ح له ذلك‪ ،‬وكذلك إذا كان توكيلهما على التعاقب أو‬
‫دون الخر ص ّ‬
‫ل منهما أن يتصّرف‬‫على انفراد‪ ،‬ولم يكن بلفظ واحد‪ ،‬جاز لك ّ‬
‫دون أن يرجع إلى صاحبه‪.‬‬
‫وإن كان التوكيل بلفظ واحد ينظر‪:‬‬
‫فإن كان يتعلق بأمر فيه بدل مالي‪ ،‬كالبيع والشراء وقبض‬ ‫‪‬‬

‫الد ّْين والنكاح والطلق على مال‪ ،‬لم ينفرد أحدهما عن‬
‫الخر‪ ،‬ولو تصّرف توقف تصّرفه على إجازة الخر‪ ،‬لن هذه‬
‫كل رضى‬ ‫التصرفات تحتاج الى مزيد من الرأي ‪ ،‬والمو ّ‬
‫ض برأي أحدهما ‪ ،‬واجتماعهما ممكن ‪ ،‬فل‬ ‫برأيهما ولم ير َ‬
‫ينفذ تصّرف أحدهما دون الرجوع الى الخر‪ ،‬لن المو ّ‬
‫كل لم‬
‫يأذن به‪.‬‬
‫وإن كان التصّرف ل يتعلق بأمرٍ فيه بدل مالي‪ ،‬كالطلق على‬ ‫‪‬‬

‫غير مال وتسليم الهبة وقضاء الد ّْين ونحو ذلك‪ ،‬فلكل واحد‬
‫منهما أن ينفرد بالتصّرف‪ ،‬لن هذه التصرفات ل تحتاج الى‬
‫مزيد نظر ورأي‪ ،‬فتكون إضافة التوكيل إليهما تفويضا ً‬
‫بالتصّرف إلى كل واحد منهما على انفراده‪ .‬وكذلك التوكيل‬
‫بالخصومة لثنين‪ ،‬لن القصد منها إعلم القاضي بحق‬
‫كل والمرافعة أمامه‪ ،‬وقد يكون في حضورهما معا ً‬ ‫المو ّ‬
‫إخلل بذلك‪.‬‬
‫‪ -7‬اختلف المو ّ‬
‫كل مع الوكيل‪:‬‬
‫كل مع الوكيل في بعض المور‪ ،‬فما هو‬ ‫قد يختلف المو ّ‬
‫الحكم عند الختلف؟ وأبرز هذه المور الحوال التالية‪:‬‬
‫أ‪-‬الختلف في تلف ما في يد الوكيل‪:‬‬

‫)‪16‬‬
‫‪(8‬‬
‫علمنا أن الوكيل أمين‪ ،‬وأنه ل يضمن ما تلف في يده إل إذا‬
‫دعى الوكيل أنه تلف في يده ما و ّ‬
‫كله ببيعه‬ ‫دى ‪ .‬فإذا ا ّ‬‫فّرط أو تع ّ‬
‫كله بالشراء به‪ ،‬أو الثمن الذي قبضه له‬ ‫ل‪ ،‬أو الثمن الذي و ّ‬ ‫مث ً‬
‫كل بدعواه وقال‪ :‬لم يتلف شئ في يدك‪،‬‬ ‫ذبه المو ّ‬ ‫ونحو ذلك‪ ،‬فك ّ‬
‫دق الوكيل بدعواه مع يمينه ‪ ،‬لنه أمين ‪،‬والصل عدم‬ ‫فيص ّ‬
‫تضمينه‪ ،‬والتلف مما يتعذر إقامة البّينة عليه فل يكّلف بها‪.‬‬
‫دعى أن التلف حصل بأمر ظاهر ل يخفى ‪ ،‬كحريق أو‬ ‫إل إذا ا ّ‬
‫غرق أو نهب‪ ،‬فيكّلف إقامة البّينة على هذا المر‪ ،‬لنه ليس مما‬
‫ذر إقامة البّينة عليه‪ ،‬فإن لم يقم بّينة على ذلك كان ضامنا ً لما‬ ‫يتع ّ‬
‫كان في يده‪.‬‬
‫دي أو التفريط‪:‬‬
‫ب‪ -‬الختلف في التع ّ‬
‫كل والوكيل في دعوى التلف‪ ،‬ولكن اختلفا‬ ‫إذا توافق المو ّ‬
‫كل مخالفة الوكيل شروطه‪،‬‬ ‫دعى المو ّ‬
‫دي وعدمه‪ ،‬كأن ي ّ‬ ‫في التع ّ‬
‫أو التقصير في الحفظ‪ ،‬أو الستعمال لنفسه ونحو ذلك‪ ،‬مما‬
‫دعي‬‫ديا ً من الوكيل أو تقصيرا ً منه‪ ،‬والوكيل ينكر ذلك وي ّ‬ ‫ُيعتبر تع ّ‬
‫صر‪ ،‬فالمعتبر قول الوكيل مع يمينه‪ ،‬لن‬ ‫دى ول ق ّ‬ ‫أنه ما تع ّ‬
‫دعى عليه الضمان وهو ينكره‪ ،‬والقول دائما ً قول‬ ‫كل ي ّ‬ ‫المو ّ‬
‫المنكر مع يمينه‪ ،‬فإذا حلف فل ضمان عليه‪.‬‬
‫ج‪ -‬الختلف في التصرف‪:‬‬
‫كل البيع‪،‬‬‫كل ببيعه وينكر المو ّ‬
‫دعي الوكيل أنه باع ما وُ ّ‬‫كأن ي ّ‬
‫كل ‪:‬‬‫ت الثمن وتلف‪ ،‬ويقول المو ّ‬ ‫ت وقبض ُ‬ ‫أو يقول الوكيل‪ :‬بع ُ‬
‫ت ولم تقبض الثمن‪ .‬فالقول – أيضا ً – قول الوكيل مع يمينه‪،‬‬ ‫بع َ‬
‫من ملك تصرفا ً ملك‬ ‫لنه يملك التصّرف بالبيع والقبض بالذن‪ ،‬و َ‬
‫القرار به‪.‬‬
‫د‪:‬‬
‫د‪ -‬الختلف في الر ّ‬
‫دعى الوكيل أنه رد ّ ما في يده من حقوق المو ّ‬
‫كل إليه‪،‬‬ ‫أي ا ّ‬
‫دعى رد ّ العين التي و ّ‬
‫كله ببيعها‪ ،‬أو رد ّ الثمن الذي باع به‪،‬‬ ‫كما لو ا ّ‬
‫كل ذلك‪:‬‬ ‫وأنكر المو ّ‬

‫جْعل فالقول قول الوكيل بغير جعل‬‫فإن كانت الوكالة بغير ُ‬ ‫‪-‬‬
‫فالقول قول الوكيل بيمينه ‪ ،‬لن قبضه للمال كان لصالح‬
‫ده‪.‬‬
‫مالكه ‪ ،‬فُيقبل قوله في ر ّ‬

‫)‪16‬‬
‫‪(9‬‬
‫جْعل‪ :‬فوجهان‪ :‬قيل‪ :‬ل يقبل قوله ‪ ،‬لن‬ ‫وإن كانت الوكالة ب ُ‬ ‫‪-‬‬
‫قبضه للمال كان لصالح نفسه‪ ،‬وقيل‪ُ :‬يقبل قوله‪ ،‬لن منفعته‬
‫كل‪ ،‬وهذا القول هو الرجح‪.‬‬ ‫كانت بعمله ل بقبضه لمال المو ّ‬

‫هـ‪ -‬الختلف في التوكيل‪:‬‬


‫كل في أصل الوكالة‪ ،‬فقال‪:‬‬ ‫إذا اختلف الوكيل مع المو ّ‬
‫كلتني بكذا ‪ ،‬وقال الصيل‪ :‬لم ُأو ّ‬
‫كلك‪:‬‬ ‫و ّ‬

‫فإن كان قبل التصّرف ‪ :‬فل خصومة ‪ ،‬أي ي َُرد ّ ترافعهما أمام‬ ‫‪-‬‬
‫كل في هذه‬ ‫القضاء‪ ،‬إذ ل فائدة من ذلك‪ ،‬لن إنكار المو ّ‬
‫الحالة الوكالة عزل للوكيل لو حصل التوكيل‪.‬‬
‫كل بيمينه‪ ،‬لن‬‫وإن كان بعد التصّرف‪ :‬فالقول قول المو ّ‬ ‫‪-‬‬
‫دعيه والمو ّ‬
‫كل‬ ‫كيل ي ّ‬‫الصل عدم الذن وعدم التوكيل‪،‬والو ّ‬
‫كر بيمينه‪.‬‬‫ينكره‪ ،‬والمعتبر – كما علمنا – قول المن ِ‬
‫وتسمية الطرفين هنا وكيل ً وموك ّل ً مجاز‪ ،‬حسب دعوى‬
‫دعي التوكيل‪.‬‬
‫م ّ‬
‫و‪ -‬الختلف في صفة الوكالة‪:‬‬
‫كل والوكيل على الوكالة‪ ،‬ولكن اختلفا في‬ ‫إذا توافق المو ّ‬
‫كلتني بالبيع إلى أجل‪ ،‬وقال‬ ‫ل‪ :‬و ّ‬
‫صفتها ‪ ،‬كأن قال الوكيل مث ً‬
‫كلتني أن أشتري لك كذا‬ ‫كل‪ :‬بل نقدا ً ‪ ،‬أو قال الوكيل‪ :‬و ّ‬‫المو ّ‬
‫كل‪ :‬بل بخمسمائة ‪ ،‬أو قال الوكيل‪ :‬و ّ‬
‫كلتني‬ ‫بألف ‪ ،‬فقال المو ّ‬
‫كل‪ :‬بل بشراء دار‪ ،‬وهكذا‪.‬‬ ‫بشراء سيارة ‪ ،‬فقال المو ّ‬
‫فالقول قول المو ّ‬
‫كل مع يمينه‪ ،‬لنه أعرف بحال الذن‬
‫الصادر منه‪ ،‬وأعلم بالعبارة التي نطق بها‪.‬‬

‫انتهاء عقد الوكالة‬


‫(‪*()*_()_+_)_)+‬؛)(_*()&*)_*(_‪_(*)_*+‬‬

‫ينتهي عقد الوكالة بُأمور ‪ ،‬هي‪:‬‬

‫‪ -1‬الفسخ‪:‬‬

‫)‪17‬‬
‫‪(0‬‬
‫عقد الوكالة عقد جائز من الطرفين‪:‬‬
‫خ عقد الوكالة وعزل الوكيل عن‬ ‫أي إن الموك ّ َ‬
‫ل له فس ُ‬
‫التصرف متى شاء ‪ ،‬لنه قد يرى أن مصلحته في ترك التوكيل‪،‬‬
‫أو يرى مصلحته في توكيل شخص آخر‪ ،‬والتوكيل إذن منه‬
‫للتصّرف في مْلكه‪ ،‬فله أن يرجع عنه متى شاء‪.‬‬
‫وكذلك للوكيل أن يفسخ الوكالة ويعزل نفسه عن التصّرف‬
‫كل به‪ ،‬أو قد يكون‬ ‫متى شاء‪ ،‬لنه قد ل يتفّرغ للقيام بما وُ ّ‬
‫التوكيل في غير مصلحته ‪ ،‬فلو كان ملَزما ً بها لكان في ذلك‬
‫إضرار به‪.‬‬
‫جْعل‪.‬‬
‫جْعل أم بغير ٌ‬
‫ول يختلف الحال سواء أكانت الوكالة ب ُ‬
‫وبناءً عليه‪:‬‬
‫كل الوكيل فقد انتهت الوكالة‪ ،‬ويكون ذلك‬ ‫فلو عزل المو ّ‬
‫بقوله‪ :‬رفعت الوكالة‪ ،‬أو أخرجتك منها‪ ،‬أو عزلت وكيلي عن‬
‫التصّرف ‪ ،‬أو أرسل إليه رسول ً يخبره بذلك‪ ،‬أو كتب إليه بعزله ‪،‬‬
‫ونحو ذلك‪.‬‬
‫كل فقد انعزل الوكيل في الحال ‪،‬‬ ‫وإذا وقع العزل من المو ّ‬
‫وخرج عن الذن السابق له بالتصّرف ‪ ،‬سواء أكان حاضرا ً أم‬
‫غائبًا‪ ،‬وبلغة خبر العزل أم لم يبلغه‪ ،‬لن العزل رفع للعقد فل‬
‫ُيشترط فيه الرضا‪ ،‬ول يحتاج إلى العلم‪.‬‬
‫فلو تصّرف بعد العزل وقبل العلم به فتصّرفه باطل‪.‬‬
‫وكذلك الحال إذا عزل الوكيل نفسه‪ ،‬بأن قال‪ :‬عزلت نفسي‬
‫ت الوكالة ونحو ذلك‪ ،‬فإنه ينعزل للحال‬ ‫عن الوكالة ‪ ،‬أو‪ :‬ردد ٌ‬
‫كل غائبا ً ولم يبلغه علم العزل‪.‬‬
‫وتنتهي الوكالة ‪ ،‬ولو كان المو ّ‬

‫‪ -2‬خروج أحد العاقدين عن أهلية التصّرف‪:‬‬


‫ح‬
‫كل والوكيل شروط حتى تص ّ‬ ‫علمنا أنه يشترط في المو ّ‬
‫ل شرط من هذه الشروط في المو ّ‬
‫كل أو‬ ‫الوكالة‪ ،‬فإذا اخت ّ‬
‫الوكيل فقد خرج عن أهلية التصّرف‪ ،‬وبالتالي بطلت الوكالة‬
‫وانتهت ‪ ،‬لن اختلل هذه الشروط وعدم توفرها لو قارن العقد‬
‫حت الوكالة‪ ،‬فكذلك إذا طرأ عليها فإنه يبطلها ‪ ،‬وذلك مثل‬ ‫لما ص ّ‬
‫الجنون والغماء والسفه والفلس‪.‬‬

‫)‪17‬‬
‫‪(1‬‬
‫وكذلك تنتهي الوكالة بموت أحدهما‪ :‬الوكيل أوالمو ّ‬
‫كل ‪،‬‬
‫كل يخرج عن أهلية‬ ‫سواء أعلم الخر بموته أم لم يعلم ‪ ،‬لن المو ّ‬
‫الذن بالتصّرف بموته‪ ،‬وكذلك الوكيل يفقد بالموت أهلية‬
‫التصّرف‪.‬‬
‫خروج محل التصّرف عن ملك المو ّ‬
‫كل أو وليته‪:‬‬ ‫‪-3‬‬
‫ومما تنتهي به الوكالة خروج محل التصّرف – أي مح ّ‬
‫ل‬
‫التوكيل – عن مْلك المو ّ‬
‫كل أو وليته‪ ،‬فينعزل الوكيل‪.‬‬
‫ومثال خروجه عن مْلكه‪ :‬ما لو باع العين التي و ّ‬
‫كله ببيعها أو‬
‫وهبها ‪ ،‬ونحو ذلك‪.‬‬
‫كل‪ :‬بما لو و ّ‬
‫كله ببيع‬ ‫ومثال خروج محل الوكالة عن ولية المو ّ‬
‫مال للصبي الذي تحت وليته‪ ،‬ثم بلغ الصبي رشيدًا‪ ،‬فيرتفع عنه‬
‫كل عليه‪ ،‬فيبطل إذنه في التصرف‬ ‫جر‪ ،‬وتنتهي ولية المو ّ‬
‫ح ْ‬
‫ال َ‬
‫بأمواله بعد بلوغه ‪ ،‬فتبطل الوكالة‪.‬‬
‫كل أو وليته هلكه ‪،‬‬‫ومثل خروج محل الوكالة عن مْلك المو ّ‬
‫سرقت‪ ،‬أو دار فُهدمت ‪ ،‬أو و ّ‬
‫كله بنكاح‬ ‫كما لو و ّ‬
‫كله ببيع سيارة ف ُ‬
‫ابنته فماتت‪ ،‬فينعزل الوكيل في كل هذه الصور وتنتهي الوكالة‪،‬‬
‫لن محل التصرف لم يبق‪.‬‬

‫‪ -4‬قيام الوكيل بما وُ ّ‬


‫كل به‪:‬‬
‫من الواضح أنه إذا قام الوكيل بالتصّرف الذي أذن له‬
‫وض إليه القيام به فقد انتهت الوكالة ‪ ،‬كما لو‬‫كل فيه وف ّ‬‫المو ّ‬
‫و ّ‬
‫كله ببيع داره فباعها ‪ ،‬أو بشراء سلعة معّينة فاشتراها ‪ ،‬أو‬
‫بتزويجها من فلن فقبل زواجها له من ولّيها‪ ،‬وهكذا‪ ،‬لن توكيله‬
‫بعد ذلك يصبح غير ذي موضوع‪ ،‬ول محل فيه للتصّرف‪.‬‬

‫)‪17‬‬
‫‪(2‬‬
‫الباب الحادي عشر‬

‫الإكـــَـــراه‬

‫)‪17‬‬
‫‪(3‬‬
‫الكــــــَـــراه‬

‫حقيقته ومعناه‪:‬‬
‫ة فهو كريه‪،‬‬ ‫في المصباح المنير‪ :‬ك َُره المُر والمنظُر كراه ً‬
‫ى‪ ،‬وكرهته أكرهه كرها ً –‬ ‫ً‬
‫مثل ُقبح قباحة فهو قبيح ‪ ،‬وزنا ومعن ً‬
‫بضم الكاف وفتحها – ضد أحببته ‪ ،‬فهو مكروه‪.‬‬
‫وال َ‬
‫كره – بالفتح – المشقة ‪ ،‬وبالضم‪ :‬القهر ‪ ،‬وقيل‪ :‬بالفتح‬
‫الكراه‪ ،‬وبالضم المشقة‪.‬‬
‫وأكرهته على المر إكراها ً حملته عليه قهرًا‪ ،‬يقال‪ :‬فعلته‬
‫كرها ً – بالفتح – أي إكراهًا‪ ،‬وعليه قوله تعالى ‪) :‬طوعا ً أوك َْرهًا(‬
‫َ‬
‫دين‪.‬‬
‫صلت ‪ (11 :‬فقابل بين الض ّ‬ ‫)ف ّ‬
‫والخلصة ‪ :‬أن الكراه في اللغة‪ :‬حمل الغير على أمر‬
‫يكرهه ‪ ،‬أي إثبات الكره في نفس المكَره‪ ،‬أي قيام معنى في‬
‫نفسه ينافي المحبة والرضا‪ ،‬فالكره ضد لهما ويستعمل في‬
‫هوا شيئا ً وهو خيٌر لكم‬
‫مقابليهما ‪ ،‬قال تعالى ‪) :‬وعسى أن ت َك َْر ُ‬
‫شٌر لكم( )البقرة ‪.(216 :‬‬ ‫حّبوا شيئا ً وهو َ‬
‫وعسى أن ت ِ‬
‫ويسمى الغلق ‪ ،‬فكأن المكَره ُأغلق عليه باب ومنع من‬
‫الخروج منه إل بما ُأكره عليه‪.‬‬
‫وفي الصطلح ‪ :‬هو اللجاء إلى فعل الشئ قهرًا‪.‬‬
‫وعرفه الشافعي رحمه الله تعالى في "ا ُ‬
‫لم" بقوله‪ :‬أن يصير‬ ‫ّ‬
‫من ل يقدر على المتناع عنه‪.‬‬ ‫ي‬
‫َ ْ َ‬ ‫د‬ ‫ي‬ ‫في‬ ‫الرجل‬
‫ويحصل ذلك بالتخويف بمحذور كضرب وحبس وإتلف مال‪،‬‬
‫ويختلف ذلك باختلف أحوال الناس‪:‬‬
‫فالتهديد بالستخفاف للوجيه بين المل‪ ،‬والحبس القصير له‪،‬‬ ‫‪‬‬

‫إكراه بالنسبة إليه‪ ،‬وقد ل يكون إكراها ً بالنسبة لغيره‪.‬‬


‫والتهديد بالضرف اليسير لمن كان من أهل المروءات‬ ‫‪‬‬

‫والهيئات إكراه بالنسبة إليه‪ ،‬بينما قد ل يكون إكراها ً بالنسبة‬


‫لغيره‪.‬‬

‫)‪17‬‬
‫‪(4‬‬
‫والمعتبر بالتهديد بإتلف المال التضييق على المكره في‬ ‫‪‬‬

‫ماله‪ ،‬فما يعتبر تهديدا ً للفقير في ماله غير ما يعتبر في‬


‫الغني‪.‬‬
‫هذا وما يكون إكراها ً في حق نفسه يكون إكراها إذا كان في‬
‫م للحاق الذى بهم‪،‬‬ ‫مه أمرهم ويغت ّ‬
‫حق غيره‪ ،‬من الناس الذين يه ّ‬
‫دد بقتل‬
‫لصول والفروع‪ ،‬والخوة والخوات ونحو هؤلء ‪ ،‬فلو ه ّ‬ ‫كا ُ‬
‫واحد منهم كان كالتهديد بقتل نفسه ‪.‬‬
‫قق الكراه‪:‬‬
‫شروط تح ّ‬
‫حتى يتحقق الكراه وتترتب عليه آثاره شرعا ً فل بد أن توجد‬
‫فيه بعض الشروط وهي‪:‬‬

‫أن يكون المكره قادرا ً على تنفيذ ما ه ّ‬


‫دد به ‪ ،‬وإل كان‬ ‫‪-1‬‬
‫هذيانًا‪ ،‬لن الضرورة الملجئة الى فَعل ما ُأكره عليه ل‬
‫ره‪.‬‬
‫تتحقق إل عند قدرة المك ِ‬
‫قق ما أ َْوعد به‬
‫ره سيح ّ‬
‫أن يغلب على ظن المستكَره أن المك ِ‬ ‫‪-2‬‬
‫دعى إليه ولم يقم بما ط ُّلب منه‪.‬‬ ‫دد‪ ،‬إذا لم ُيجب الى ما ُ‬
‫وه ّ‬
‫ره وما أكره عليه‪،‬‬ ‫أن يعجز المستكَره عن التخلص من المك ِ‬ ‫‪-3‬‬
‫بهرب أو مقاومة أو استغاثة‪ ،‬أو نحو ذلك‪.‬‬
‫أن يكون المستكَره ممتنعا ً عن فعل ما ُأكره عليه قبل‬ ‫‪-4‬‬
‫الكراه لحقّ ما‪ ،‬أي لحق نفسه كإتلف ماله‪ ،‬أو لحق شخص‬
‫آخر كإتلف مال غيره‪ ،‬أو لحق الشرع كشرب الخمر والزنا‬
‫ونحو ذلك‪.‬‬
‫دد به أشد خطرا ً على المستكَره مما ُأكره‬ ‫أن يكون المه ّ‬ ‫‪-5‬‬
‫عليه‪ ،‬فلو هدد إنسان بصفع وجهه إن لم يتلف ماله‪ ،‬وكان‬
‫صفع الوجه بالنسبة إليه أقل خطرا ً من إتلف المال‪ ،‬فل ُيعد ّ‬
‫هذا إكراهًا‪.‬‬
‫أما لو هدده بالقتل إن لم يقطع يده‪ ،‬فإن هذا إكراه‪ ،‬لن‬
‫القتل المهدد به أشد خطرا ً مما ُأكره عليه وهو قطع اليد‪ ،‬فله أن‬
‫يختار الهون ‪ ،‬وقد ثبت عن عائشة رضى الله عنها قالت‪" :‬ما‬
‫خّير رسول الله صلى الله عليه وسلم بين أمرين أحدهما أيسر‬ ‫ُ‬
‫من الخر إل اختار أيسرهما" )البخاري في المناقب ‪ ،‬باب‪ :‬صفة‬

‫)‪17‬‬
‫‪(5‬‬
‫النبي صلى الله عليه وسلم ‪ .‬ومسلم في الفضائل ‪ ،‬باب‪:‬‬
‫مباعدته صلى الله عليه وسلم للثام واختياره من المباح أسهله(‪.‬‬
‫أن يترتب على فعل المكَره به الخلص من المهدد به‪:‬‬ ‫‪-6‬‬

‫فلو قال انسان لخر ‪ :‬اقتل نفسك وإل قتلتك ‪ ،‬ل ُيعد هذا‬
‫إكراها ً ‪ ،‬لنه ل يترتب على قتل النفس الخلص مما ه ّ‬
‫دد به‪.‬‬
‫دد بقطع يده ما لم يقطعها بنفسه‪.‬‬ ‫وكذلك لو ه ّ‬
‫ح للمستكَره أن يقدم على ما ُأكره عليه لنه ل يسمى‬ ‫فل يص ّ‬
‫دد به بالقدام‬ ‫مكَرها ً حقيقة‪ ،‬لن المكره حقيقة هو ما ينجو مما ه ّ‬
‫طلب منه‪ .‬بل هو اذا قتل نفسه او قطع يده كان الخطر‬ ‫على ما ُ‬
‫قنا ً‬
‫قنا ً ‪ ،‬لنه يفعله بنفسه‪ .‬ولو لم ُيقدم على ذلك لم يكن متي ّ‬‫متي ّ‬
‫ققه‪.‬‬‫وفه بما ل يح ّ‬
‫دد به ‪ ،‬فربما كان الكره يخ ّ‬
‫مما ه ّ‬
‫ل‪ :‬فلو كان آجل ً لم يتحقق الكراه‪،‬‬‫دد به عاج ً‬
‫أن يكون المه ّ‬ ‫‪-7‬‬
‫دد به بالستغاثة والحتماء‬ ‫ّ‬
‫لن التأجيل مظنة التخلص مما ه ّ‬
‫بالسلطان‪ ،‬وما إلى ذلك‪.‬‬
‫أن ل يخالف المستكَره المكره بفعل غير ما ُأكره عليه‪ ،‬أو‬ ‫‪-8‬‬
‫بالزيادة عليه أو النقصان‪ ،‬لنه في هذه الحوال الثلثة يكون‬
‫طائعا ً فيما أتى به‪ ،‬فل يكون مكرهًا‪.‬‬
‫فلو أكره إنسان شخصا ً على طلق امرأته ‪ ،‬فباع داره ‪ ،‬أو‬
‫أكرهه على طلقة واحدة رجعية فطّلقها ثلثًا‪ ،‬أو أكرهه على‬
‫طلق امرأته ثلثًا‪ ،‬فطّلقها واحدة‪ ،‬فهذه الصور الثلثة نافذة ‪ ،‬أي‬
‫تترتب أحكامها على المكّلف كما لو فعلها باختياره ‪ ،‬لنها ليست‬
‫من الكراه في شئ‪.‬‬
‫‪ -9‬أن يكون المكَره عليه معّينًا‪ ،‬بأن يكون شيئا ً واحدًا‪ ،‬فلو ُأكره‬
‫إنسان على طلق إحدى امرأتيه‪ ،‬أو على قتل زيد أو عمرو ‪،‬‬
‫فل يعد ّ هذا إكراهًا‪.‬‬
‫قا ً عليه‪ :‬كما لو‬
‫ح ّ‬‫‪ -1 0‬أل ّ يكون المكره عليه أو المخوف به مست َ‬
‫مولى‬‫دد ال ُ‬ ‫س المحجوُر عليه ببيع ماله‪ ،‬أو ه ّ‬
‫دد المفل ُ‬
‫هُ ّ‬
‫بالتطليق عليه ‪ ،‬أو القاتل عمدا ً بالقصاص ‪ ،‬فليس هذا‬
‫قه على المستكره‪.‬‬ ‫ح ّ‬
‫دد بها مست َ‬
‫بإكراه‪ ،‬لن هذه المور المه ّ‬

‫)‪17‬‬
‫‪(6‬‬
‫دد به حقا ً للمكره ‪ ،‬يتوصل به إلى ما ليس حقا ً‬ ‫‪ -1 1‬أل ّ يكون المه ّ‬
‫له ول واجبا ً ‪ ،‬كتهديد الزوج زوجته بطلقها إن لم ُتبرئه من‬
‫د َْينها‪ ،‬فل يكون إكراها ً ‪ ،‬فإذا أبرأته فقد سقط الد ّْين من‬
‫ذمته‪ ،‬وليس لها أن تطالبه بعد ذلك‪.‬‬
‫وقال بعضهم ‪ُ :‬يعتبر إكراهًا‪ ،‬لن الزوج سلطان زوجته‪،‬‬
‫فيتحقق منه الكراه‪ ،‬وعلى هذا القول‪ :‬لو أبرأته لتخلص من هذا‬
‫التهديد ل تبرأ ذمته من الد ّْين‪ ،‬وكان لها أن تطالبه به بعد ذلك‪.‬‬

‫)‪17‬‬
‫‪(7‬‬
‫ما يقع عليه الكراه من التصرفات وأثره فيها‬
‫التصرفات التي يمكن أن يقع الكراه على فعلها أو تركها‬
‫نوعان‪:‬‬
‫تصرفات حسّية‪ :‬أي ُأمور ُتعرف بالحواس‪ ،‬قولية كانت أم‬ ‫‪‬‬

‫فعلية ‪ ،‬كالكل والشرب‪ ،‬والقتل والتلف ‪ ،‬والشتم والكفر‪.‬‬


‫تصرفات شرعية‪ :‬أي ُأمور عرفت بالشرع‪ ،‬حيث أعطاها‬ ‫‪‬‬

‫اسماًء خاصة ‪ ،‬ورتب عليها احكاما ً معينة‪ ،‬كالبيع والنكاح‬


‫والطلق ‪ ،‬وما إلى ذلك من عقود أو فسوخ‪.‬‬
‫او ً‬
‫ل‪ :‬التصرفات الحسّية وأثر الكراه عليها‪:‬‬ ‫‪‬‬

‫يتعلق بالتصرفات الحسّية نوعان من الحكام‪ :‬نوع يرجع إلى‬


‫الخرة من حيث المؤاخذة وعدمها‪ ،‬ونوع يرجع إلى الدنيا من‬
‫حيث الضمان وترّتب العقوبة وعدم ذلك‪.‬‬
‫فما هو أثر الكراه على هذه التصرفات في أحكامها الخروية‬
‫أو الدنيوية؟‬
‫يختلف أثر الكراه على التصرفات الحسّية بحسب نوع‬
‫التصّرف المكَره عليه‪ ،‬فقد يصبح التصّرف مباحا ً بعد أن كان‬
‫خص به مع بقاء أصل المنع‪ ،‬وقد يبى‬ ‫حراما ً ومحظورا ً ‪ ،‬وقد ير ّ‬
‫ن هذه النواع الثلثة‬‫خص به‪ .‬وإليك بيا َ‬
‫حرمته فل ُيباح ول ير ّ‬ ‫على ُ‬
‫وأحكامها‪:‬‬
‫النوع الول‪ :‬ما ُيباح بالكراه من التصرفات الحسّية‪:‬‬
‫من هذا النوع أكل الميتة والدم ولحم الخنزير وشرب الخمر‪،‬‬
‫ونحو ذلك من المحظورات‪.‬‬
‫فإذا ُأكره المسلم على تعاطي شئ منها ُأبيح له ذلك‪ ،‬لن‬
‫الله تعالى أباحها عند الضطرار ‪ ،‬فإنه سبحانه قال بعد تحريمها‪:‬‬
‫ضط ُرِْرتم إليه" )النعام‪ ، (119:‬والستثناء من التحريم‬
‫"إل ما ا ْ‬
‫دليل الباحة‪.‬‬
‫ضط ُّر غيَر باٍغ ول عاد ٍ فل إَثم عليه(‬
‫من ا ْ‬ ‫وقال ج ّ‬
‫ل وعل‪) :‬ف َ‬
‫)البقرة‪ .(173 :‬ونفى الثم دلل الباحة ايضًا‪.‬‬
‫والمستكَره على تعاطيها مضطر ‪ ،‬فيشمله الحكم‪.‬‬

‫)‪17‬‬
‫‪(8‬‬
‫خذا ً ‪ ،‬لنه‬
‫فلو امتنع من تعاطيها حتى ناله الذى كان مؤا َ‬
‫بامتناعه ُيلقي بنفسه الى التهلكة‪ ،‬وقد نهى الله تعالى عن ذلك‬
‫إذ قال‪" :‬ول ت ُْلقوا بايديكم الى التهلكة" )البقرة‪(195 :‬‬
‫هذا من حيث المؤاخذة ا ُ‬
‫لخروية‪.‬‬
‫وأما من حيث الحكام الدنيوية‪ :‬فقد بحث الفقهاء في‬
‫حد ّ شاربه أوْ ل؟ وما حكم‬‫أثر الكراه على شرب الخمر‪ :‬هل ي ُ َ‬
‫من أكره على شرب الخمر ل‬ ‫ُ‬
‫تصّرفاته حال سكره؟ فقالوا ‪ :‬إن َ‬
‫شرع زجرا ً عن فعل هذه الجناية في‬ ‫د‪ ،‬لن الحد ّ ُ‬‫ُيقام عليه الح ّ‬
‫المستقبل ‪ ،‬والمستكره على شرب الخمر لم يكن فعله جناية ‪،‬‬
‫لنه ُأبيح له ‪ ،‬بل صار واجبا ً عليه‪ ،‬طالما أنه يأثم إذا لم يفعله‬
‫دد به‪.‬‬
‫حتى وقع عليه ما ه ّ‬
‫وكذلك قالوا‪ :‬ل تنفذ تصرفات من ُأكره على الشرب حال‬
‫سكره ‪ ،‬لن نفاذ تصرفات السكران تكون حال إثمه بسكره –‬
‫مسكر باختياره دون عذر – تغليظا ً عليه وزجرا ً له‬ ‫أي عند شربه ال ُ‬
‫كر ‪ ،‬لن‬ ‫س ْ‬
‫عن فعله ‪ ،‬ول معنى لهذا التغليظ حال الكراه على ال ُ‬
‫قق ‪ ،‬إذ لم يقدم المستكَره على الفعل‬ ‫الغرض منه غير متح ّ‬
‫باختياره ‪ ،‬وهو غير آثم به كما علمت‪.‬‬
‫والعمدة في هذا والذي سبقه‪ :‬عموم قوله صلى الله عليه‬
‫وسلم ‪" :‬إن الله وضع عن ُأمتي الخطأ والنسيان وما استكرهوا‬
‫عليه" ‪) .‬اخرجه ابن ماجه في الطلق ‪ ،‬باب‪ :‬طلق المكَره‬
‫والناسي‪ ،‬وقد جاء الحديث من طرق عند غيره‪ ،‬مع اختلف في‬
‫بعض اللفاظ(‪.‬‬
‫والمعنى ‪ :‬وضع عنهم حكم ذلك وما يترتب عليه ‪ ،‬ل نفس‬
‫هذه المور ‪ ،‬لنها واقعة‪.‬‬
‫وعليه‪ :‬فما يترتب على الكراه موضوع‪ ،‬أي غير معتبر ‪،‬‬
‫لخروي‪.‬‬‫والحديث يشمل الحكم الدنيوي والحكم ا ُ‬

‫خص فيه بالكراه من التصرفات الحسّية‪:‬‬


‫النوع الثاني‪ :‬ما ير ّ‬
‫أ‪ -‬قول أو فع ُ‬
‫ل ما ظاهره الكفر‪:‬‬
‫ب النبي صلى‬ ‫جري ألفاظ الكفر على لسانه ‪ ،‬أو يس ّ‬‫كأن ي ُ ْ‬
‫فار تعظيم‬
‫ظمه الك ّ‬‫ظم ما يع ّ‬
‫الله عليه وسلم أو يسجد لصنم أو يع ّ‬

‫)‪17‬‬
‫‪(9‬‬
‫خص له القدام‬
‫عبادة وتقديس ‪ ،‬فمثل هذه القوال أو الفعال ير ّ‬
‫عليها – وقلبه مطمئن باليمان – بسبب الكراه‪.‬‬
‫من‬‫ن كفر بالله من بعد إيمانه إل َ‬‫م ْ‬
‫ودليل ذلك قوله تعالى‪َ " :‬‬
‫ً‬
‫شَرح بالكفر صدرا فعليهم‬‫ن َ‬ ‫ُ‬
‫م ْ‬
‫ن باليمان ولكن َ‬ ‫ه مطئم ّ‬
‫أكره وقلب ُ ُ‬
‫ب من الله ولهم عذاب عظيم" "النحل‪."106 :‬‬ ‫غض ٌ‬
‫مار بن ياسر ‪ ،‬عن أبيه رضى‬ ‫وروى الحاكم عن محمد بن ع ّ‬
‫مار بن ياسر ‪ ،‬فلم يتركوه حتى‬ ‫الله عنه قال‪ :‬أخذ المشركون ع ّ‬
‫ب النبي صلى الله عليه وسلم وذكر آلهتهم بخير ‪ ،‬ثم تركوه ‪،‬‬ ‫س ّ‬
‫فلما أتى رسول الله صلى الله عليه وسلم قال‪" :‬ما وراءك؟ ‪.‬‬
‫ت آلهتهم‬
‫ت منك وذكر ُ‬ ‫قال‪ :‬شٌر يا رسول الله ‪ ،‬ما ُتركت حتى نل ُ‬
‫ن باليمان‪ .‬قال‪" :‬إن‬‫بخير‪ .‬قال‪" :‬كيف تجد قلبك؟" ‪ .‬قال‪ :‬مطئم ّ‬
‫عادوا فعد" قال الحاكم ‪ :‬هذا حديث صحيح على شرط الشيخين‬
‫ولم يخرجاه‪) .‬المستدرك‪ :‬كتاب التفسير – تفسير سورة النحل –‬
‫باب‪ :‬حكاية اسارة عمار بن ياسر بيد الكفار‪.(2/357 :‬‬
‫ح لن الكفر ل يحتمل الباحة بحال‪،‬‬ ‫خص بذلك ولم ي ُب َ ْ‬
‫وإنما ُر ّ‬
‫َ‬
‫حرمة قائمة‪ ،‬إل أن المؤاخذة سقطت بسبب الكراه ‪ ،‬فأث َُر‬ ‫فال ُ‬
‫الرخصة في تغّير حكم الفعل – أي ما يترتب عليه من المؤاخذة‬
‫وغيرها – ل في تغّير وصفه وهو الحرمة‪.‬‬
‫خصا ً‬
‫ولما كانت الحرمة قائمة ‪ ،‬وكان التصّرف في هذا مر ّ‬
‫فيه وليس مباحًا‪ ،‬كان المتناع عن ذلك أفضل‪.‬‬
‫وإن أدى امتناع المستكَره عنها الى قتله ُأثيب ثواب المجاهد‬
‫في سبيل الله تعالى‪ ،‬لنه جاد بنفسه في سبيل إعلء كلمة الله‬
‫عّز وجل‪ ،‬وإظهارا ً لعزاز دينه‪.‬‬
‫وقد د ّ‬
‫ل على ذلك‪:‬‬
‫ت رضى الله عنه قال‪:‬‬
‫ما روى البخاري عن خباب بن الر ّ‬
‫‪‬‬

‫سد ٌ‬
‫ونا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم – وهو متو ّ‬ ‫شك َ ْ‬
‫بردة له في ظل الكعبة – قلنا له‪ :‬أل تستنصر لنا؟ أل تدعو الله‬
‫لنا؟ قال‪" :‬كان الرجل فيمن قبلكم ُيحفر له في الرض فُيجعل‬
‫ده‬
‫فيها‪ ،‬فُيجاء بالمنشار فُيوضع على رأسه فيشقّ باثنين ‪ ،‬وما يص ّ‬
‫ط بأمشاط الحديد ما دون لحمه من عظم‬ ‫ش ُ‬‫ذلك عن دينه‪ .‬ويم َ‬
‫ن هذا المُر حتى‬ ‫ده ذلك عن دينه‪ ،‬والله ل َي َت ّ ّ‬
‫م ّ‬ ‫او عصب‪ ،‬وما يص ّ‬
‫يسير الراكب من صنعاء الى حضرموت ل يخاف إل الله‪ ،‬أو‬

‫)‪18‬‬
‫‪(0‬‬
‫الذئب على غنمه‪ ،‬ولكنكم تستعجلون" ‪) .‬اخرجه البخاري في‬
‫المناقب‪ ،‬باب ‪ :‬علمات النبوة‪ ،‬رقم‪.(3416:‬‬
‫ووجه الستدلل بالحديث‪ :‬أنه صلى الله عليه وسلم وصف‬
‫لمم السالفة بالصبر على المكروه في ذات الله تعالى حتى‬ ‫ا ُ‬
‫أصابهم ما أصابهم ‪ ،‬وأنهم لم يتظاهروا بالكفر ليدفعوا عن‬
‫أنفسهم العذاب والقتل‪ ،‬وصفهم بذلك على سبيل المدح لهم‬
‫ل ذلك على أن‬‫وبيان فضيلتهم ومقامهم عند الله عّز وجل‪ ،‬فد ّ‬
‫الصبر والحتمال أفضل من التخّلص بالرخصة‪.‬‬
‫ذاب أخذ اثنين من أصحاب رسول الله‬ ‫وروى ان مسيلمة الك ّ‬ ‫‪‬‬

‫صلى الله عليه وسلم ‪ ،‬فقال لحدهما‪ :‬ما تقول في محمد؟‬


‫ي؟ قال ‪ :‬وأنت ايضًا‪،‬‬ ‫قال‪ :‬رسول الله ‪ ،‬قال‪ :‬فما تقول ف ّ‬
‫فخّلى سبيله وقال للخر‪ :‬ما تقول في محمد؟ قال‪ :‬رسول‬
‫ي ؟ قال ‪ :‬أنا أصم ‪ ،‬ل أسمع ‪ ،‬فأعاد‬ ‫الله ‪ ،‬قال‪ :‬فما تقول ف ّ‬
‫عليه ثلث مرات ‪ ،‬فأعاد جوابه‪ ،‬فقتله‪ ،‬فبلغ رسول الله‬
‫صلى الله عليه وسلم ‪ ،‬فقال‪" :‬أما الول فقد أخذ برخصة‬
‫الله تعالى‪ ،‬وأما الثاني فقد صدع بالحق ‪ ،‬فهنيئا ً له"‪.‬‬
‫وكذلك ما ثبت من قصة خبيب رضى الله عنه‪ ،‬وأنه حين‬ ‫‪‬‬

‫أخذه الكفار وباعوه لهل مكة‪ ،‬أخذوا يع ّ‬


‫ذبونه ليذكر النبي‬
‫صلى الله عليه وسلم بالسوء فلم يفعل ‪ ،‬فقتلوه‪ ،‬فبلغ ذلك‬
‫خصه ‪،‬‬
‫النبي صلى الله عليه وسلم فلم ينكر صبره وعدم تر ّ‬
‫بل روى أ نه قال فيه‪" :‬هو سيد الشهداء وهو رفيقي في‬
‫الجنة"‪.‬‬
‫والذي سبق فيما يتعلق بأحكام الخرة‪.‬‬
‫وأما ما يتعلق بأحكام الدنيا من أثر الكراه على الكفر‪ :‬فإن‬
‫المستكَره على ذلك ل ُيحكم بكفره ‪ ،‬ول ُيعامل معاملة المرتد‪.‬‬
‫قال الشافعي رحمه الله تعالى في معرض الكلم عن قوله‬
‫ُ‬
‫فراق الزوجة‪ ،‬وأن‬ ‫تعالى‪" :‬إل ّ َ‬
‫من أكره‪ : "..‬وللكفر أحكام ‪ ،‬ك ِ‬
‫ُيقتل الكافر وُيغنم ماله‪ ،‬فلما وضع الله عنه سقطت عنه أحكام‬
‫الكراه على القول كله‪ ،‬لن العظم إذا سقط عن الناس ما هو‬
‫أصغر منه وما يكون حكمه بثبته عليه‪.‬‬
‫الكراه على السلم‪:‬‬

‫)‪18‬‬
‫‪(1‬‬
‫إذا ُأكره إنسان على السلم فأسلم اعُتبر إسلمه صحيحًا‪،‬‬
‫وعومل معاملة المسلمين‪ ،‬لنه إكراه بحق ‪ ،‬ول سيما في المرتد‬
‫والحربي‪ ،‬وإن احتمل الكفر في قلبه‪ ،‬ترجيحا ً لجانب السلم‪ ،‬لن‬
‫في ذلك إعلًء للدين الحق‪ ،‬وإعلء الدين الحق واجب‪.‬‬
‫ب‪-‬إتلف مال المسلم أو الن ّْيل من عرضه‪:‬‬
‫فلو ُأكره على إتلف مال المسلم ُرخص له بذلك‪ ،‬ول يأثم‬
‫بالقدام عليه‪ ،‬لن مال غيره يرخص له باستهلكه حال الضطرار‬
‫إليه‪ ،‬لدفع الهلك عند شدة الجوع ونحوه‪ ،‬فكذلك حال الكراه‬
‫لنه نوع اضطرار‪.‬‬
‫وكذلك لو ُأكره على شتم المسلم والطعن في عرضه وما‬
‫إلى ذلك‪.‬‬
‫ولو امتنع المستكَره على التلف أو الطعن كان أفضل ‪ ،‬وإذا‬
‫حرمة مال المسلم‬ ‫ُ‬
‫أصابه أذى في سبيل ذلك أثيب عليه‪ ،‬لن ُ‬
‫وعرضه ثابتة بقوله صلى الله عليه وسلم ‪" :‬كل المسلم على‬
‫المسلم حرام‪ :‬دمه وماله وعرضه" ‪) .‬اخرجه مسلم في البّر‬
‫والصلة والداب‪ ،‬باب‪ :‬تحريم ظلم المسلم وخذله واحتقاره ودمه‬
‫وماله وعرضه‪ ،‬رقم‪ .(2564 :‬فل يجوز التعّرض لها على كل‬
‫حال‪ ،‬إل أنه رخص بذلك بسبب الكراه ‪ ،‬والرخصة – كما سبق‬
‫وعلمنا – تؤثر في سقوط المؤاخذة ل رفع الحرمة ‪ ،‬فإذا امتنع‬
‫حرمة أخيه المسلم على‬ ‫عن الرخصة كان ذلك إيثارا ً لحفظ حق ُ‬
‫حق نفسه‪ ،‬فكن مأجورا ً غير مأزور‪.‬‬
‫من قتل دون ماله‬ ‫ويؤكد هذا قوله صلى الله عليه وسلم ‪َ " :‬‬
‫قتل كان له أجر‬‫من قاتل دفاعا ً عن ماله ف ُ‬
‫فهو شهيد"‪ :‬أي َ‬
‫الشهيد‪) .‬اخرجه أبو داود في كتاب السّنة ‪ ،‬باب‪ :‬في قتال‬
‫اللصوص‪ ،‬رقم‪ .4771 :‬والترمذي في أبواب الديات‪ ،‬باب‪ :‬ما‬
‫جاء فيمن ُقتل دون ماله فهو شهيد ‪ ،‬رقم‪.(1418 :‬‬
‫وهذا يدل على أنه إذا ُأكره على إتلف مال نفسه فامتنع‬
‫كان أفضل‪ ،‬وإذا كان المتناع في حق مال نفسه أفضل‪ ،‬كان في‬
‫حق مال غيره من باب أولى‪.‬‬
‫ومن حيث الحكم الدنيوي‪:‬‬
‫فقد قال الفقهاء‪ :‬إذا ُأكره إنسان على اتلف مال غيره‬
‫ره أو المستكَره ‪ ،‬بمعنى‬
‫فأتلفه ‪ ،‬كان لصاحب المال تضمين المك ِ‬

‫)‪18‬‬
‫‪(2‬‬
‫ره تسبب بالتلف ‪،‬‬ ‫أن له أن يطالب أّيهما شاء‪ ،‬لن المك ِ‬
‫والمستكَره هو الذي باشره ‪ ،‬والتسّبب بالفعل ومباشرته سواء‪.‬‬
‫ره‪ ،‬أي إذا ضمن‬
‫ولكن الضمان يستقر في النهاية على المك ِ‬
‫المستكَره رجع بما غرمه على المكره في الصح‪.‬‬
‫خص فيه بالكراه من‬
‫النوع الثالث‪ :‬ما ل ُيباح ول ير ّ‬
‫التصرفات الحسّية‪:‬‬
‫هناك تصرفات محظورة شرعًا‪ ،‬وحرمتها ثابتة بالعقل كما‬
‫ل من‬‫خص بها في حا ٍ‬ ‫هي ثابتة بالشرع‪ ،‬ولذلك ل ُتباح ول ير ّ‬
‫الحوال‪ ،‬من ذلك‪:‬‬
‫أ‪-‬قتل المسلم بغير حق‪:‬‬
‫لن القتل حرام محض‪ ،‬ول ُيستباح للضرورة ول يرخص فيه‪.‬‬
‫ه إل بالحق"‬
‫قال تعالى‪" :‬ول تقتلوا النفس التي حّرم الل ُ‬
‫)النعام ‪.(151 :‬‬
‫ل دم امرٍء مسلم‪ ،‬يشهد‬ ‫وقال صلى الله عليه وسلم ‪" :‬ل يح ّ‬
‫أن ل إله إل الله وأني رسول الله‪ ،‬إل بإحدى ثلث‪ :‬النفس‬
‫بالنفس‪ ،‬والَثيب الزاني‪ ،‬والمفارق لدينه التارك للجماعة"‪.‬‬
‫)أخرجه البخاري في الديات ‪ ،‬باب‪ :‬قوله تعالى‪" :‬وأن النفس‬
‫بالنفس" ‪ ،‬رقم‪ .6484 :‬ومسلم في القسامة ‪ ،‬باب‪ :‬ما ُيباح به‬
‫دم المسلم‪ ،‬رقم‪.(1676:‬‬
‫]النفس بالنفس‪ :‬أي القاتل عمدا ً وعدوانا ً يقتل ‪ .‬الّثيب‬
‫الزاني‪ :‬المتزوج الذي ارتكب الفاحشة‪ ،‬المفارق لدينه‪ :‬المرتد‬
‫عن السلم ‪ .‬التارك للجماعة ‪ :‬الخارج على جماعة المسلمين‬
‫متهم ‪ ،‬والمخالف لمنهجهم وطريقتهم[‪.‬‬ ‫وعا ّ‬
‫ومثل القتل من حيث الحرمة وعدم الترخيص بالكراه قطع‬
‫عضو من أعضائه‪ ،‬أو الضرب المهلك الذي ُيلحق به أذىً شديدًا‪،‬‬
‫لنه اعتداء ‪ ،‬والعتداء حرام‪.‬‬
‫ذون المؤمنين والمؤمنات بغيرِ ما‬ ‫قال تعالى‪" :‬والذي ي ُؤ ْ ُ‬
‫اكتسبوا فقد احتملوا بهتانا ً وإثما ً مبينًا" )الحزاب ‪.(58 :‬‬

‫)‪18‬‬
‫‪(3‬‬
‫من ُأكره على شئ مما سبق فأقدم عليه كان آثما ً‬ ‫وعليه‪ :‬ف َ‬
‫عند الله عّز وجل باتفاق الفقهاء ‪ ،‬سواء أكان الكراه تاما ً أم‬
‫ناقصًا‪.‬‬
‫وأما من حيث الحكام الدنيوية‪:‬‬
‫ره والمستكَره ‪،‬‬
‫فالصح عند الفقهاء‪ :‬أنه ُيقتص من المك ِ‬
‫‪‬‬

‫ره‬
‫لن المستكره باشر القتل وُوجد منه حقيقة‪ ،‬والمك ِ‬
‫متسّبب بالقتل وحامل عليه‪ ،‬والمتسّبب كالمباشر ‪ ،‬فُيقتص‬
‫منهما‪ ،‬تغليظا ً لمر الدماء وزجرا ً عن العتداء‪.‬‬
‫ب‪-‬الزنا‪:‬‬
‫خص في حال من‬ ‫فهو من المحّرمات التي ل ُتباح ول ُتر ّ‬
‫الحوال ‪ ،‬لتفاق الشرائع والعقل على حرمتها ‪ ،‬لفحشها‬
‫ونكارتها‪.‬‬
‫ة وساء سبي ً‬
‫ل(‬ ‫قال تعالى‪) :‬ول تقربوا الزنا إنه كان فاحش ً‬
‫)السراء‪.(32 :‬‬
‫خص له بالقدام عليه‪ ،‬رجل ً‬ ‫فإذا ُ‬
‫لكره إنسان على الزنا لم ير ّ‬
‫كان أم امرأة ‪ ،‬فإن أقدم عليه كان آثما ً ومؤاخذا ً عند الله عّز‬
‫وجل‪.‬‬
‫وأما من حيث إقامة الحد ّ على المستكَره على الزنا‪:‬‬
‫فقد قال الفقهاء ‪ :‬ل حد ّ على المستكَره على الزنا‪ ،‬رجل ً‬
‫كان أم امرأة ‪ ،‬لوجود الشبهة‪ ،‬والحدود تدرأ بالشبهات ‪ ،‬أي ُتدفع‬
‫سْتها شبهة‪ ،‬والشبهة هنا قائمة بسبب الكراه‪.‬‬
‫وُتسقط إذا لب َ َ‬

‫ثانيًا‪ :‬التصرفات الشرعية وأثر الكراه فيها‪:‬‬


‫التصرفات الشرعية إما أن تكون إنشاًء أو إقرارًا‪.‬‬
‫والتصرفات النشائية نوعان‪:‬‬
‫د‪ :‬كالطلق ‪ ،‬والنكاح ‪،‬‬ ‫نوع ل يحتمل الفسخ والر ّ‬
‫والرضاع‪ ،‬والرجعة‪ ،‬واليمين ‪ ،‬والنذر ‪ ،‬والظهار‪ ،‬واليلء ‪ ،‬والفئ‬
‫في اليلء ‪ ،‬والعفو عن القصاص‪ .‬فهي تصرفات لزمة تلزم‬
‫بمجرد انعقادها ‪ ،‬ول تقبل فسخا ً ول رد ًّا‪.‬‬

‫)‪18‬‬
‫‪(4‬‬
‫د‪ :‬كالبيع والشراء ‪ ،‬والجارة ‪،‬‬
‫ونوع يحتمل الفسخ والر ّ‬
‫والهبة‪ ،‬ونحو ذلك‪ .‬فإنها تصرفات ل تلزم بمجرد انعقادها‪ ،‬فهي‬
‫تقبل الفسخ أو الرد‪.‬‬
‫أثر الكراه في التصرفات النشائية التي ل تحتمل‬
‫الفسخ‪:‬‬
‫قال الفقهاء‪ :‬إن الكراه على إيقاع شئ من هذه‬
‫التصرفات يفسدها ويجعلها غير معتبرة‪ ،‬فل يترتب عليها شئ من‬
‫آثارها المعتبرة شرعًا‪ ،‬فالكراه يجعلها كأنها لم تكن ‪ ،‬ولو وقعت‬
‫من المستكَره عليها‪.‬‬
‫فظ بالكفر حالة‬ ‫واستدلوا على ذلك عمومًا‪ :‬بأن التل ّ‬
‫الكراه لم يعتبره الشرع‪ ،‬ولم يترتب عليه أثرا ً من الثار‪ ،‬وهو‬
‫أشد من أيّ قول شرعًا‪ ،‬وإذا سقط حكم الشد سقط حكم‬
‫الخف من باب أولى‪ ،‬فل يترتب أثر على أيّ تصّرف قولي مع‬
‫الكراه‪.‬‬
‫فلو أكره على النكاح‪ :‬فإن العقد ل يثبت ‪ ،‬ول يترتب‬ ‫‪‬‬

‫ح ّ‬
‫ل الستمتاع وما الى ذلك‪،‬‬ ‫عليه آثاره‪ :‬من وجوب المهر ‪ ،‬و ِ‬
‫لما ذكرناه‪.‬‬
‫وذلك على هذا أيضًا‪ :‬ما رواه البخاري عن خنساء بنت‬
‫خذام النصارية رضى الله عنها‪ :‬أن أباها زّوجها وهي ّثيب ‪،‬‬
‫فكرهت ذلك ‪ ،‬فأتت رسول الله صلى الله عليه وسلم ‪ ،‬فرد ّ‬
‫نكاحها‪) ،‬أخرجه البخاري في النكاح‪ ،‬باب‪ :‬إذا زّوج الرجل ابنته‬
‫وهي كارهة فنكاحه مردود‪ ،‬رقم‪ .4845 :‬واخرجه النسائي ايضا‬
‫في النكاح‪ ،‬باب‪ :‬الثيب يزوجها ابوها وهي كارهة‪.(6/86 :‬‬
‫ويؤيده ايضًا‪ :‬ما رواه النسائي عن عائشة رضى الله عنها‪:‬‬
‫أن فتاة دخلت عليها فقالت ‪ :‬إن أبي زّوجني ابن أخيه ليرفع بي‬
‫خسيسته وأنا كارهة‪ ،‬قالت‪ :‬اجلسي حتى يأتي رسول الله صلى‬
‫الله عليه وسلم ‪ .‬فجاء رسول الله صلى الله عليه وسلم‬
‫فأخبرته‪ :‬فأرسل إلى أبيها فدعاه‪ ،‬فجعل المر إليها‪) .‬أخرجه‬
‫النسائي في النكاح‪ ،‬باب‪ :‬البكر يزّوجها أبوها وهي كارهة‪:‬‬
‫‪.(6/86‬‬
‫]ليرفع بي خسيسته‪ :‬لُيزيل بسب تزويجي منه دناءته[‪.‬‬
‫وكذلك لو ُأكره على الطلق ‪ ،‬فإنه ل يقع طلقه‪.‬‬ ‫‪‬‬

‫)‪18‬‬
‫‪(5‬‬
‫روى ابو داود عن عائشة رضى الله عنها قالت‪ :‬سمعت‬
‫رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول‪" :‬ل طلقَ ول عتاقَ في‬
‫سر الغلق‬ ‫غلق" وعند ابن ماجه والحاكم‪" :‬في إغلق" وفُ ّ‬‫َ‬
‫ره كأنه أغلق عليه أمره وتصرفه‪) .‬ابو داود في‬
‫بالكراه‪ ،‬لن المك ِ‬
‫الطلق ‪ ،‬باب‪ :‬في الطلق على غلط‪ ،‬رقم‪ .2193 :‬وابن ماجه‬
‫في الطلق ‪ ،‬باب‪ :‬طلق المكره والناسي ‪ ،‬رقم‪.2046 :‬‬
‫والحاكم في المستدرك‪ :‬الطلق ‪ ،‬باب‪ :‬ل طلق ول عتاق في‬
‫الغلق‪.(2/198 :‬‬
‫وهكذا سائر هذه التصرفات ل ُتعتبر مع الكراه ‪ ،‬ول يترتب‬
‫عليها أيّ أثر من آثارها الشرعية ‪ ،‬للدلة الخاصة والعامة ‪ ،‬ومنها‬
‫ما سبق من قوله صلى الله عليه وسلم ‪" :‬وما اسُتكرهوا عليه"‬
‫ل على رفع حكم الكراه‪ ،‬ورفعه ل يكون إل بانعدام ما‬ ‫الذي د ّ‬
‫يتعلق بالتصّرف المكَره عليه من أحكام‪.‬‬
‫وُيستثنى مما سبق‪ :‬ما لو ُأكرهت المرأة على الرضاع‪،‬‬
‫أو ُأكره الرجل على الوطء‪ ،‬فإنه ل أثر للكراه هنا ‪ ،‬بل يترتب‬
‫على ذلك ما يتعلق به من أحكام شرعية‪ :‬فتثبت بالرضاع‬
‫حرمة‪ ،‬إذا ُوجدت شروطها‪ ،‬كما يترتب على الوطء كامل المهر‬‫ال ُ‬
‫بعد العقد وغير ذلك من أحكام‪.‬‬
‫أثر الكراه في التصرفات النشائية التي تحتمل‬
‫الفسخ‪:‬‬
‫قال الفقهاء‪ :‬إذا وقع الكراه على شئ من هذه التصرفات‬
‫أبطلها‪ ،‬فل يترتب عليها شئ من آثارها المعتبرة شرعًا‪ ،‬لن‬
‫شرط صحة هذه التصرفات الرضا‪ ،‬وهو معدوم حالة الكراه ‪،‬‬
‫قق شرطها‪ .‬قال في ]مغني‬ ‫ح ولم ُتعتبر شرعًا‪ ،‬لعدم تح ّ‬
‫فلم تص ّ‬
‫ح عقد مكَره في ماله بغير حق ‪ ،‬لقوله تعالى‪:‬‬ ‫المحتاج[ ‪ :‬فل يص ّ‬
‫ض منكم" )النساء‪.(9 :‬‬‫ن تجارة ٌ عن ترا ٍ‬‫"إل أن تكو َ‬
‫والعقد المالي يشمل البيع والجارة والهبة والحوالة‬
‫والوكالة ‪ ،‬وغير ذلك من العقود التي لها علقة بالمال‪.‬‬
‫أثر الكراه على القرارات من التصرفات الشرعية‪:‬‬
‫اتفق الفقهاء على أن الكراه على القرار ُيلغيه‪ ،‬ول يرتب‬
‫عليه أي اثر‪ ،‬سواء أكان المقّر به‪:‬‬

‫)‪18‬‬
‫‪(6‬‬
‫تصرًفا حسي ًّا‪ ،‬كمن ُأكره ليقّر بالزنا‪ ،‬أو شرب الخمر‪ ،‬أو‬ ‫‪‬‬

‫القتل‪ ،‬أو غير ذلك‪.‬‬


‫أو كان تصرفا ً إنشائيا ً ل يحتمل الفسخ ‪ ،‬كالنكاح والطلق‬ ‫‪‬‬

‫ونحوهما‪.‬‬
‫أو كان تصرفا ً إنشائيا ً يحتمل الفسخ ‪ ،‬كالبيع والجارة‬ ‫‪‬‬

‫ونحوهما‪.‬‬
‫والعمدة في هذا‪:‬‬
‫ي‬
‫‪ -1‬أن القرار بالكفر لم ُيعتبر حال الكراه‪ ،‬ولم يترّتب عليه أ ّ‬
‫أثر ‪ ،‬فمن باب أولى أن ل ُيعبتر القرار بغيره ول يترتب عليه‬
‫أثر ما‪.‬‬
‫‪ -2‬عموم قوله صلى الله عليه وسلم ‪" :‬وما اسُتكرهوا عليه"‬
‫فإنه يدل على رفع حكم كل تصرف ُأكره عليه‪ ،‬والقرار‬
‫تصّرف من التصرفات ‪ ،‬فالكراه عليه يرفع حكمه ‪ ،‬فل‬
‫يترتب عليه أيّ أثر من آثاره‪.‬‬
‫جح جانب الصدق‬ ‫‪ -3‬القرار خبر يحتمل الصدق والكذب ‪ ،‬وُر ّ‬
‫ح القرار ‪ ،‬لن النسان ل ي ُّتهم بالكذب على‬‫ة الختبار وص ّ‬
‫حال َ‬
‫نفسه‪.‬‬
‫ة الكراه يترجح جانب الكذب بسبب التهديد القائم‪ ،‬فل‬
‫وحال َ‬
‫ح القرار‪.‬‬‫يص ّ‬
‫‪ -4‬القرار من باب الشهادة ‪ ،‬قال تعالى‪" :‬ياأّيها الذين آمنوا‬
‫وامين بالقسط شهداء لله ولو على أنفسكم" )النساء‬ ‫كونوا ق ّ‬
‫‪ . (135 :‬والشهادة على النفس ليست إل إقرارًا‪ ،‬فكان‬
‫القرار في حكم الشهادة ‪ ،‬والشهادة ترد ّ بالتهمة ول تصح‪،‬‬
‫والمقّر حالة الكراه متهم في شهادته على نفسه ‪ ،‬فل يقبل‬
‫إقراره‪.‬‬
‫أثر الكراه على التصرفات المخير فيها‪:‬‬
‫ما سبق من كلم عن أثر الكراه في التصرفات إنما هو حال‬
‫كون المكَره عليه أمرا ً واحدا ً معينًا‪.‬‬
‫فإذا كان الكراه على امر غير معين‪ ،‬كأن يكرهه على شرب‬
‫الخمر او إتلف المال‪ ،‬او يكرهه على الطلق او اليلء ‪ ،‬أو يكرهه‬

‫)‪18‬‬
‫‪(7‬‬
‫على البيع أو الجارة‪ ،‬ثم يقدم المستكره على أحد المرين ‪،‬‬
‫ويوقعه‪ ،‬فما هو أثر الكراه على هذا التصرف؟‬
‫قق الكراه أن‬ ‫والجواب‪ :‬أنك قد علمت أن من شروط تح ّ‬
‫يكون المكره عليه معينًا‪ ،‬فإذا كان مخّيرا ً فيه لم يتحقق الكراه‪،‬‬
‫وبالتالي ل أثر للكراه على التصرف المخير فيه‪ ،‬أي على احد‬
‫ف ما في هذه‬ ‫أمرين دون تعيين‪ ،‬فإذا أقدم المستكَره على تصّر ٍ‬
‫الحالة كان تصرفه صحيحًا‪ ،‬وترتبت عليه آثاره المعتبرة شرعا ً‬
‫كما لو فعله مختارًا‪ ،‬لن إقدامه عليه مع التخيير بينه وبين غيره‬
‫على أنه فعله مختارا ً غير مستكره‪.‬‬
‫ويستوي في هذا ما إذا كان المران من التصرفات الحسّية‬
‫أو الشرعية أو غيرها‪.‬‬

‫)‪18‬‬
‫‪(8‬‬
‫الباب الثاني عشر‬

‫ص ـب‬
‫َ‬ ‫ـ‬ ‫غ‬
‫َ‬ ‫لـ‬‫ا‬

‫)‪18‬‬
‫‪(9‬‬
‫صب‬
‫الغَ َ‬
‫تعريفه‪:‬‬
‫الغصب – في اللغة – أخذ الشئ ظلمًا‪.‬‬
‫دوانًا‪.‬‬
‫وشرعًا‪ :‬هو الستيلء على حق غيره ع ُ ْ‬
‫والمراد بحق غيره‪ :‬ما كان عينا ً كدار ونحوها ‪ ،‬أو منفعة‬
‫كسكنى الدار بغير رضاه‪ ،‬أو اختصاصا ً ككلب صيد ونحوه‪ ،‬وكحق‬
‫الشرب ونحوه‪.‬‬

‫وقولنا‪) :‬عدوانًا( أي على جهة التع ّ‬


‫دي والظلم ‪ ،‬أي بغير‬
‫رضا ً من صاحب الحق ‪ ،‬بل قهرا ً عنه‪.‬‬
‫فلو أكل طعام غيره بغير إباحة منه ول عقد فهو غصب‪.‬‬
‫ولو سكن دار غيره بغير رضاه‪ ،‬فهو غاصب ‪ ،‬ولو أعطاه‬
‫ُأجرة‪.‬‬
‫ولو جلس على فراشه بغير إذن منه فهو غاصب أيضًا‪،‬‬
‫وهكذا‪.‬‬
‫وهنا ننّبه إلى ما يفعله الكثير من الناس في هذا الزمن من‬
‫ون بها ‪،‬‬ ‫ُ‬
‫ض ْ‬
‫سكنى دور غيرهم‪ ،‬أو استخدام حوانيتهم‪ ،‬بأجور ل ير َ‬
‫فإن هؤلء غاصبون ‪ ،‬وتنطبق عليهم جميع أحكام الغصب الدنيوية‬
‫دعون‬ ‫وا ُ‬
‫لخروية ‪ ،‬وإن كانوا يظنون أنهم يحسنون صنعا ً حين ي ّ‬
‫أنهم مستأجرون وأنهم يدفعون ُأجورا ً حسب التفاق القديم‪ ،‬فل‬
‫تنطبق عليهم أحكام الجارة ‪ ،‬لنهم في الحقيقة غاصبون وليسوا‬
‫بمستأجرين‪.‬‬

‫تحريمه‪:‬‬
‫الغصب حرام شرعًا‪ ،‬وهو من الكبائر ‪ ،‬لما ورد من زجر عن‬
‫دي على الموال‪ ،‬ووعيد على أخذها بغير حق‪ ،‬ومن ذلك آيات‬‫التع ّ‬
‫في القرآن وأحاديث من السنة‪.‬‬

‫)‪19‬‬
‫‪(0‬‬
‫‪ ‬أما آيات القرآن‪:‬‬
‫فمنها قوله تعالى‪" :‬ول تأكلوا امواَلكم بينكم بالباطل وت ُ ْ‬
‫دلوا‬ ‫‪‬‬

‫بها إلى الحكام لتأكلوا فريقا ً من أموال الناس بالثم وأنتم‬


‫تعلمون" )البقرة ‪.(188 :‬‬
‫ن الذين يأكلون أموال اليتامى ظلما ً‬ ‫ومنها قوله تعالى‪" :‬إ ّ‬ ‫‪‬‬

‫ون سعيرا" )النساء‪(10:‬‬ ‫صل َ ْ‬


‫إنما يأكلون في بطونهم نارا ً وسي َ ْ‬

‫‪ ‬وأما الحاديث‪:‬‬
‫فمنها قوله صلى الله عليه وسلم‪" :‬إن دمائكم وأموالكم‬ ‫‪‬‬

‫وأعراضكم بينكم حرام‪) "..‬اخرجه البخاري في العلم‪ ،‬باب‪:‬‬


‫قول النبي صلى الله عليه وسلم ‪ :‬رب مبلغ اوعى من‬
‫سامع‪ ،‬رقم‪ .67 :‬ومسلم ‪ :‬القسامة ‪ ،‬باب ‪ :‬تغليظ تحريم‬
‫الدماء والعراض والموال ‪ ،‬رقم‪.(1679 :‬‬
‫ل مال امرئ مسلم‬ ‫ومنها قوله صلى الله عليه وسلم ‪" :‬ل يح ّ‬ ‫‪‬‬

‫إل بطيب نفسه" )اخرجه الدارقطني في البيوع ‪ ،‬الحديث ‪:‬‬


‫‪ ،91‬ج ‪ ،3‬صفحة ‪.(26‬‬
‫ومنها قوله صلى الله عليه وسلم ‪" :‬من أخذ شبرا ً من‬ ‫‪‬‬

‫الرض ظلما ً فإنه ي ُط َوُّقه يوم القيامة من سبع أرضين" ‪.‬‬


‫)البخاري ‪ :‬بدء الخلق‪ ،‬باب‪ :‬ما جاء في سبع ارضين‪ ،‬رقم‪:‬‬
‫‪ .3026‬ومسلم ‪ :‬المساقاة ‪ ،‬باب‪ :‬تحريم الظلم وغصب‬
‫الرض وغيرها‪ ،‬رقم‪.(1610 :‬‬
‫وقد أجمع المسلمون على تحريم الغصب – بكل أشكاله‬
‫وألوانه – في كل العصور ‪ ،‬من لدن أصحاب رسول الله صلى‬
‫الله عليه وسلم إلى يومنا هذا‪.‬‬

‫)‪19‬‬
‫‪(1‬‬
‫أحكام الغصب‬
‫يترتب على الغصب حكم ُأخروي وحكم دنيوي‪:‬‬
‫لخروي‪ :‬فهو الثم واستحقاق المؤاخذة والعقاب‬ ‫أما الحكم ا ُ‬
‫في الخرة‪ ،‬إذا تعدى على حقوق غيره عالما ً متعمدًا‪ ،‬لن ذلك‬
‫معصية كبيرة كما علمت ‪ ،‬وفعل المعصية عالما ً متعمدا ً يستوجب‬
‫العقاب والمؤاخذة عند الله عّز وجل إذا لم يتب منها قبل فوات‬
‫أوان التوبة‪.‬‬
‫وأما الحكم الدنيوي‪ :‬فإنه يتناول ما يلي‪:‬‬
‫‪ -1‬تأديب الحاكم للغاصب‪:‬‬
‫وتعزيره بما يراه رادعا ً له ولغيره عن مثل هذه المعصية ‪،‬‬
‫بالضرب أو السجن ونحو ذلك‪ ،‬حتى ولو عفا المغصوب منه عن‬
‫الغاصب‪ .‬لن ذلك حق لله تعالى‪ ،‬وحسم للشّر ‪ ،‬وإغلق لباب‬
‫الظلم والعتداء‪.‬‬
‫‪ -2‬الكف عن الغصب فورًا‪:‬‬
‫وذلك برد ّ المغصوب – إذا كان عنيا ً – ما دام قائمًا‪ ،‬لن‬
‫الغصب معصة كما علمنا والخروج عن المعصية واجب فوري قدر‬
‫المكان‪.‬‬
‫ن أحدكم‬ ‫ودليل ذلك ‪ :‬قوله صلى الله عليه وسلم ‪" :‬ل يأخذ ّ‬
‫متاع أخيه جاد ّا ً ول لعبًا‪ ،‬وإذا أخذ أحدكم عصا أخيه فلير ّ‬
‫دها‬
‫ل لمسلم‬ ‫عليه" )أخرجه الترمذي في الفتن‪ ،‬باب‪ :‬ما جاء ل يح ّ‬
‫من‬‫أن يرّوع مسلمًا‪ ،‬رقم‪ .2161 :‬و أبو داود في الدب‪ :‬باب‪َ :‬‬
‫يأخذ الشئ على المزاح‪ ،‬رقم‪.(5003 :‬‬
‫وترد العين المغصوبة إلى مكان غصبها ‪ ،‬وكلفة الرد ونفقته‬
‫إنما كون على الغاصب ‪ ،‬لن الرد ّ واجب عليه‪ ،‬وإذا كان ل يتم إل‬
‫بالنفقة كانت النفقة واجبة‪ ،‬إذ ما ل يتم الواجب إل به فهو‬
‫واجب ‪ ،‬كما هو معلوم‪.‬‬
‫وإنما يحصل الرد ّ في العين المغصوبة بوضعها بين ي َد َيْ من‬
‫غصبت منه‪ ،‬بحيث يتمكن من أخذها وإثبات يده عليها‪ ،‬ويخرج‬ ‫ُ‬

‫)‪19‬‬
‫‪(2‬‬
‫لخرى بتمكين صاحب الحق مما غصب‬ ‫عن الغصب في الحقوق ا ُ‬
‫منه‪ ،‬وإزالة الموانع من إثبات يده عليه والستفادة منه‪.‬‬
‫وإذا حصل الرد للمغصوب خرج الغاصب من حكم الغصب‬
‫وبرئ من الضمان‪.‬‬
‫‪ -3‬ضمان المغصوب إذا تلف في يد الغاصب‪:‬‬
‫إذا تلف المغصوب في يد الغاصب ضمنه ‪ ،‬سواء أتلفه هو أم‬
‫تلف بنفسه أو بآفة سماوية أو غير ذلك ‪ ،‬لنه متعد ّ في إثبات يده‬
‫عليه‪ ،‬ورسول الله صلى الله عليه وسلم يقول‪" :‬على اليد ما‬
‫ديه" ‪ .‬وهذا صريح في أنه مسؤول عن أداء ما‬ ‫أخذت حتى تؤ ّ‬
‫ً‬
‫ده لهلكه كان ضامنا له‬ ‫ده‪ ،‬فإذا عجز عن ر ّ‬
‫أثبت يده عليه ور ّ‬
‫‪،‬وعليه أن يرد ّ بدله من مثل أو قيمة‪.‬‬

‫كيفية ضمان المغصوب‪:‬‬


‫إذا تلف المغصوب في يد الغاصب كان عليه أن يرد بدلً عنه‬
‫ما هو أقرب إليه وأشبه به‪:‬‬
‫فإن كان مثليا ً وجب عليه رد ّ المثل‪ ،‬لقوله تعالى‪" :‬وإن‬
‫عاقب ُْتم فعاقبوا بمثل ما عوقبتم به" )النحل ‪ (126 :‬أي بمثل ما‬
‫وقع عليكم من الفعل الذي يستحق العقاب‪.‬‬
‫والمثلى من العيان‪ :‬هو ما يوجد له في السواق مثيل ل‬
‫يتفاوت عنه تفاوتا ً ُيلتفت إليه‪ ،‬والمثليات في هذه الزمان كثيرة ‪،‬‬
‫لسيما المصنوعات‪ ،‬لنها ُتصنع بآلة واحدة ‪ ،‬ومن المثليات ما‬
‫ُيباع كيل ً كالزيت ونحوه‪ ،‬أو وزنا ً كالسكر ونحوه‪ ،‬وكذلك العدديات‬
‫المتقاربة كالبيض والجوز ‪ ،‬والذرعيات ‪ ،‬وهي ما يباع بالذرع‬
‫بالمقاييس المتعارفة كالثياب ونحوها ‪ ،‬إذا كانت من نوع واحد‪.‬‬
‫فإذا كان المغصوب قيمياً‪ ،‬وهو ما ل مثيل له على النحو‬
‫ذر رد ّ المثل ‪ ،‬وجب رد ّ القيمة بدل ً‬ ‫السابق‪ ،‬أو كان مثليا ً ولكن تع ّ‬
‫ده بذاه ما دام قائمًا‪ ،‬دفعا ً‬
‫عن المغصوب نفسه‪ ،‬الذي وجب ر ّ‬
‫للضرر ما أمكن عن المغصوب منه‪.‬‬
‫ومن الشياء القيمية الحيوانات‪ ،‬فكل واحد منها من نوعه‬
‫يختلف عن الخر في قيمته‪ ،‬لختلف الصفات المميزة له عن‬
‫غيره‪.‬‬

‫)‪19‬‬
‫‪(3‬‬
‫وكذلك السيارات والدور وغيرها من المتعة التي تختلف‬
‫قيمتها باختلف مزاياها وصفاتها‪.‬‬
‫ذر رد ّ المثل في المثليات‪ :‬إذا انقطع المثل من‬‫وإنما يتع ّ‬
‫السواق ‪ ،‬فلم يوجد بعد البحث عنه والسعي لتحصيله ‪ ،‬أو وجد‬
‫بثمن يزيد زيادة فاحشة عن مثله عادة ‪ ،‬فل يكّلف شراءه في‬
‫هذه الحالة ‪ ،‬وإنما يتوجب عليه رد ّ القيمة‪.‬‬
‫القيمة الواجب ردّها‪:‬‬
‫قيميا أو لتعذّر‬
‫ً‬ ‫إذا حكِم على الغاصب بقيمة المغصوب‪ ،‬لكونه‬
‫المقدرة؟ والجواب‪:‬‬
‫ّ‬ ‫المثل ‪ ،‬فما هي القيمة‬

‫إذا كان المغصوب مثليا‪ :‬وجب رد ّ أقصى قيمة له من يوم‬ ‫•‬


‫ذر وجوده‪ ،‬إن كان موجودا ً وقت التلف ‪،‬‬
‫الغصب إلى يوم تع ّ‬
‫فإن كان مفقودا ً يوم التلف وجب رد ّ أقصى قيمة له من يوم‬
‫الغصب إلى يوم التلف‪.‬‬

‫قيميا‪ :‬وجب رد ّ أقصى قيمة له من وقت الغصب‬


‫ً‬ ‫وإن كان‬ ‫•‬
‫ً‬
‫إلى وقت التلف‪ .‬فلو كان عند الغصب قيمته الفا‪ ،‬ونزل‬
‫سعره بعد ذلك‪ ،‬وجب اللف‪.‬‬
‫ولو كان عند الغصب خمسمائة ‪ ،‬وارتفع في يوم من اليام‬
‫إلى ألف ‪ ،‬ثم نزل الى سبعمائة ‪ ،‬وجب اللف ايضًا‪ ،‬وهكذا‪.‬‬
‫وإنما وجبت القيمة بأقصى ما بلغت إليه‪ :‬لنه كان غاصبا ً له‬
‫في الوقت الذي زادت فيه قيمته‪ ،‬فلزمه ضمان قيمته في ذلك‬
‫الوقت الذي غصبه فيه‪.‬‬
‫ما يترتب على ضمان المغصوب‪:‬‬
‫إذا ضمن الغاصب العين المغصوبة لمالكها‪ ،‬ودفع له البدل ‪،‬‬
‫ترتب على ذلك‪:‬‬
‫ح جميع‬
‫أ_ ان المغصوب منه يملك البدل الذي دفع له‪ ،‬فتص ّ‬
‫تصرفاته فيه من بيع وهبة وإجارة ونحو ذلك‪.‬‬
‫ب‪-‬ل يملك الغاصب العين المغصوبة بضمانها‪ ،‬فلو ظن هلك‬
‫العين المغصوبة – كما لو ضاعت أ‪+‬و سرقت – ضمنها الغاصب‬
‫ل بينه وبين مْلكه‪،‬‬
‫ووجب عليه رد ّ بدلها للمغصوب منه‪ ،‬لنه حي َ‬
‫فاستحق بدله‪ ،‬فإذا ُوجد بعد ذلك وعاد إلى يد الغاصب فإنه ل‬

‫)‪19‬‬
‫‪(4‬‬
‫ده إلى المغصوب منه‪ ،‬لن الصل أن‬ ‫يملكه بضمانه‪ ،‬بل عليه ر ّ‬
‫عدل الى البدل ‪،‬‬ ‫الواجب رد ّ عين المغصوب ‪ ،‬فحين تع ّ‬
‫ذر ذلك ُ‬
‫ده‪ ،‬وبهذا يتبين‬
‫كن من رد ّ الصل ل يعدل عنه‪ ،‬فيجب ر ّ‬ ‫وحيث تم ّ‬
‫أنه لم يملكه‪.‬‬

‫فإذا رد ّ العين المغصوبة الى المغصوبة منه جب عليه رد ّ‬


‫البدل الذي أخذه على الغاصب ‪ ،‬فإن كان قد زاد زيادة متصلة –‬
‫دت مع البدل ضرورة ‪ ،‬وإن كانت الزيادة‬ ‫من مثل ً – ُر ّ‬
‫س َ‬
‫كال ّ‬
‫دها مع البدل‪ ،‬لنها حدثت‬ ‫ُ‬
‫منفصلة – كالولد أو أجرة الدار – لم ير ّ‬
‫على ملكه‪.‬‬

‫‪ -4‬تصرفات الغاصب بالعين المغصوبة‪:‬‬


‫إذا تصّرف الغاصب بالعين المغصوبة – بيعا ً أو هبة أو إجارة‬
‫أو إعارة أو وديعة ونحو ذلك – كان تصرفه باطل ً ‪ ،‬ل يترتب عليه‬
‫من انتقلت العين‬ ‫أيّ أثر شرعي له‪ ،‬وسرى حكم الغصب على َ‬
‫إلى يده فكان ضامنا ً للعين المغصوبة كما لو كانت في يد‬
‫الغاصب‪ ،‬لن كل ّ من هؤلء قد وضع يده على مْلك غيره بغير إذنه‬
‫لثم ول يسقط‬ ‫‪ ،‬ولو كان يجهل أنها مغصوبة ‪ ،‬لن الجهل ُيسقط ا ِ‬
‫الضمان‪ ،‬كما لو أتلف مال غيره بغير قصد أو علم ‪ ،‬فإنه يضمن‬
‫وإن كان ل يأثم‪.‬‬
‫من‬‫وعليه‪ :‬إذا تلف المغصوب كان للمغصوب منه أن يطالب َ‬
‫من انتقلت إليه العين بالضمان‪ ،‬فإذا طالب‬‫شاء من الغاصب و َ‬
‫غير الغاصب وغرمه رجع على الغاصب بما غرم‪ ،‬إن كان ل يعلم‬
‫دع والمستأجر ‪ ،‬أما‬‫الغصب وكانت يده في تصرفه يد أمانة كالمو َ‬
‫إن كانت يده في الصل يد ضمان كالمستعير والمشتري‬
‫والمقترض ونحوهم ‪ ،‬فل يرجعون ‪ ،‬لنهم تعاملوا مع الغاصب‬
‫على أنهم ضامنون‪ ،‬فل تغرير من الغاصب بهم‪ .‬وإن كان على‬
‫علم بالغصب فليس له أن يرجع عليه‪ ،‬لنه لم يغرر به‪ ،‬وهو يعلم‬
‫أنه غاصب‪.‬‬
‫‪ -5‬تغّير العين المغصوبة‪:‬‬
‫إذا تغيرت العين المغصوبة في يد الغاصب ُينظر‪:‬‬

‫)‪19‬‬
‫‪(5‬‬
‫‪ ‬فإن كان تغّيرها بنفسها – كما لو غصب بيضا ً فصار‬
‫فرخا ً ‪ ،‬أو غصب زرعا ً فصار حب ّا ً – فللمغصوب منه الرجوع‬
‫به ‪ ،‬لنه عين ماله‪ ،‬وإن نقصت قيمته بالتغّير كان له أن‬
‫يطالب الغاصب بقيمة هذا النقص‪ ،‬لنه حدث في يده‪ ،‬وإن‬
‫زادت القيمة فليس للغاصب شئ ‪ ،‬لن الزيادة نماء الصل‬
‫وتبع له‪ ،‬فهي مْلك لمالك الصل‪.‬‬

‫‪ ‬وإن كان التغّير بوصف العين المغصوبة بسبب عمل‬


‫عمله الغاصب فيها ُينظر‪:‬‬
‫فإن كان التغّير بالعمل وحده‪ ،‬دون إدخال عين ُأخرى على‬
‫صره ‪ ،‬أو غزل ً فنسجه ‪ ،‬أو خشبا ً‬ ‫المغصوب – كما لو كان ثوبا ً فق ّ‬
‫ده أيضا ً على المالك لنه عين ملكه ‪ ،‬وليس‬ ‫فصنعه بابا ً – ر ّ‬
‫للغاصب شئ بدل عمله وإن زادت قيمته‪ ،‬لنه عمل بدون إذن ‪،‬‬
‫فهو متبرع بعمله‪ ،‬فل يستحق بدل ً عنه‪.‬‬
‫وإن كان التغّير بإضافة عين له – كما لو كان ثوبا ً‬ ‫‪‬‬
‫فصبغه ‪ ،‬أو دارا ً فطلها أو طّينها – ينظر‪:‬‬

‫ده المغصوب منه‬‫إن لم تزد قيمة المغصوب مع التغيير استر ّ‬ ‫!‬


‫وليس للغاصب شئ ‪ ،‬لن قيمة ما أضافه استهلكت بفعله‪.‬‬

‫ما كانت عليه قبله‪ :‬وجب‬


‫وإن نقصت قيمته مع التغيير ع ّ‬ ‫!‬
‫على الغاصب ضمان ما نقص ‪ ،‬لن النقص حصل بفعله‪.‬‬

‫وإن زادت القيمة بعد التغيير ُينظر‪:‬‬ ‫‪‬‬


‫فإن صارت القيمة تساوي قيمة المغصوب وقيمة العين‬
‫المضافة‪ :‬اشتركا في ثمنه بنسبة ما لكل واحد منهما‪ ،‬فلو كانت‬
‫قيمة المغصوب مائة ‪ ،‬وقيمة المضاف إليه خمسين‪ ،‬كان ثمنه‬
‫بينهما أثلثًا‪ ،‬وإن كانت قيمة كل منهما مائة كان الثمن بينهما‬
‫نصفين ‪ ،‬وهكذا‪.‬‬
‫وإن لم تساوِ القيمة قيمة المغصوب والعين المضافة‪ ،‬كما لو‬
‫صارت القيمة مائة وخمسين ‪،‬وكانت قيمة المغصوب مائة وقيمة‬
‫المضاف مائة ‪ ،‬كان للمغصوب منه قيمة ملكه – وهو مائة مثل ً –‬
‫وللغاصب خمسون‪ ،‬وهو فرق زيادة القيمة بفعله وما أضافه‪.‬‬

‫)‪19‬‬
‫‪(6‬‬
‫وإن زادت القيمة عن قيمة المغصوب والمضاف إليه – كما‬
‫ل منهما‬‫لو صارت القيمة ثلثمائة في المثال السابق – كان لك ّ‬
‫من الزيادة – بالضافة إلى قيمة عينه – بنسبة مْلكه‪ .‬فإذا كان‬
‫ل منهما مائة كانت الزيادة مناصفة بينهما‪ ،‬وإن كانت قيمة‬‫مْلك ك ّ‬
‫مْلك أحدهما ضعف قيمة مْلك الخر مث ً‬
‫ل‪ ،‬كانت الزيادة بينها‬
‫اثلثًا‪ ،‬وهكذا‪.‬‬
‫وإن كان التغّير في ذات المغصوب واسمه بفعل – كما لو‬
‫كان حنطة فطحنها‪ ،‬أو شاة فذبحها – لم ينقطع مْلك المالك عنه‪،‬‬
‫وكان له استرداده ‪ ،‬فإن نقصت قيمته بذلك كان له أن يطالب‬
‫بأرش النقص‪ ،‬لنه نقصان في عين المغصوب حصل في يد‬
‫الغاصب وفعله ‪ ،‬فوجب ضمانه‪.‬‬
‫ولو طالب المغصوب منه ببدله لم يكن له ذلك‪ ،‬لن عين‬
‫ماله باقية ‪ ،‬فل يملك المطالبة ببدلها‪.‬‬
‫‪ -6‬نقص المغصوب‪:‬‬
‫النقص في المغصوب قد يكون نقصا ً حسيًا‪ ،‬وقد يكون‬
‫معنويًا‪:‬‬
‫در يضمن به‪ ،‬كنقص‬ ‫فالنقص الحسي‪ :‬إن كان له بدل مق ّ‬
‫جزء من العين فإنه مضمون على الغاصب حتى ولو لم تنقص‬
‫قيمة العين‪ ،‬كما لو غصب أشياء مثلية فتلف بعضها‪ ،‬وكانت قيمة‬
‫ما بقى تساوي قيمة الجميع‪ ،‬أو غصب شاة فذهبت عينها‪ ،‬ولم‬
‫تنقص قيمتها بذلك‪ ،‬فعليه رد ّ مثل ما تلف أو قيمة ما نقص‪.‬‬
‫در يضمن به‪،‬‬
‫ي بدل مق ّ‬‫وإن لم يكن للنقص الحس ّ‬
‫ول يضمن إل بنقص القيمة ‪ ،‬كما لو كانت الشاة‬
‫سمينة فهزلت ‪ ،‬فإن نقصت قيمتها ضمن ذلك النقص‪،‬‬
‫وإن لم تنقص قيمتها لم يلزمه شئ‪.‬‬
‫والنقص المعنوي‪ :‬أن تنقص القيمة دون أن تنقص العين‪،‬‬
‫ذلك بسبب انخفاض السعار‪ ،‬فإن الغاصب ل يضمن هذا النقص‬
‫إذا رد ّ العين المغصوبة كما غصبها‪ ،‬لبقاء المغصوب على حاله‪،‬‬
‫والذي فات هو رغبات الناس‪ .‬أما لو تلفت أو تلف جزء منها‪ :‬فإنه‬
‫يضمن قيمتها أو قيمة ما تلف منها بأرفع ما وصلت إليه القيمة‬
‫كما علمت‪.‬‬
‫‪ -7‬زوائد المغصوب‪:‬‬

‫)‪19‬‬
‫‪(7‬‬
‫إذا زادت العين المغصوبة في يد الغاصب كانت تلك الزيادة‬
‫ملكا ً للمغصوب منه‪ ،‬لنها نماء ملكه ‪ ،‬ودخلت تلك الزيادة في‬
‫حكم الغصب كالصل‪ ،‬وكانت مضمونة على الغاصب كأصلها‪،‬‬
‫لنها تبع له‪ ،‬والتابع في الوجود تابع في الحكم‪.‬‬
‫من ‪ ،‬أو‬
‫س َ‬
‫ول فرق في ذلك بين أن تكون الزيادة متصلة كال ّ‬
‫منفصلة كالثمرة للشجر والولد للحيوان‪.‬‬
‫فإذا تلفت الزيادة المنفصلة في يد الغاصب ضمنها كما‬
‫يضمن أصلها لو تلف‪ ،‬وكذلك لو هزلت الدابة بعدما سمنت عنده‬
‫ضمن الفرق بين قيمتها سمينة وقيمتها هزيلة‪.‬‬
‫‪ -8‬منافع المغصوب‪:‬‬
‫إذا كان للعين المغصوبة منفعة‪ ،‬كسكنى الدار وركوب الدابة‬
‫أو السيارة ونحو ذلك‪ ،‬فإنها تدخل في ضمان الغاصب‪ ،‬سواء‬
‫استوفاها بنفسه أم بغيره أم لم يستوفها‪ ،‬فيلزمه ُأجرة المثل‬
‫أقصى ما كانت ‪ ،‬من حين الغصب إلى حين رد ّ العين المغصوبة‪،‬‬
‫أو تلفها في يده‪ ،‬إذا كانت المدة مما يقابل بُأجرة عادية‪ ،‬وذلك‬
‫لن المنافع أموال ‪ ،‬وقد عطلها على مالكها بغصبه لصلها‪ ،‬فهو‬
‫غاصب لها أيضًا‪ ،‬فيلزمه رد ّ بدلها وهو ُأجرة المثل‪ ،‬ويلزمه أقصى‬
‫وتها على المالك حين ارتفع‬ ‫ُ‬
‫أجرة لها لنه معتد ٍ وغاصب‪ ،‬وقد ف ّ‬
‫جرها وهو غاصب لها‪.‬‬ ‫أ ْ‬
‫لجرة التي تلزمه هي بدل المنافع ‪ ،‬فإذا تلفت العين‬ ‫وهذه ا ُ‬
‫في يده لزمه ضمانها أيضًا‪.‬‬
‫‪ -9‬البناء على الرض المغصوبة وغرسها أو زرعها‪:‬‬
‫إذا غصب أرضا ً وبنى عليها بناًء أو غرس فيها أشجارا ً كّلف‬
‫بنقض البناء وقلع الغراس ‪ ،‬وتسوية الرض كما كانت‪ ،‬ووجب‬
‫عليه أرش نقص قيمة الرض إن نقصت بذلك‪ ،‬وُأجرة مثل‬
‫الرض إن مضت مدة لمثلها ُأجرة ‪ ،‬لنه متعد ّ في ذلك كله‪،‬‬
‫ورسول الله صلى الله عليه وسلم يقول‪" :‬ليس لعرق ظالم‬
‫حق"‪) .‬انظر تخريجه صفحة‪.(51 :‬‬
‫ولو أراد المالك تملك البناء أو الغراس بقيمته لم ُيلزم‬
‫الغاصب بذلك‪ ،‬لن البناء والغراس ملكه‪ ،‬فل يتملك منه بغير‬
‫ح‪.‬‬
‫رضاه‪ ،‬فإن توافقا على ذلك ص ّ‬

‫)‪19‬‬
‫‪(8‬‬
‫ولوكان البناء والغراس مغصوبين أيضا ً من صاحب الرض‪،‬‬
‫ورضى المالك ببقائهما ‪ ،‬لم يكن للغاصب هدم البناء أو قلع‬
‫الغراس‪ ،‬ول شئ له على عمله لنه لم يؤذن له به‪ ،‬ول شئ عليه‬
‫أن لم تنقص قيمة الجميع بفعله‪ ،‬وإل لزمه النقص‪.‬‬
‫وإذا زرع الغاصب الرض كان للمالك أن يجبره على إخراج‬
‫البذر وتسوية الرض ‪ ،‬ويلزمه أرش النقص وُأجرة المثل‪.‬‬
‫وإذا رضى المالك بإبقاء البذر في الرض بقيمته امتنع على‬
‫الغاصب إخراجه‪ ،‬لنه ل ينتفع به في الغالب‪.‬‬
‫خلط المغصوب بغيره‪:‬‬ ‫‪-10‬‬
‫إذا اختلط المغصوب بغيره أو خلط‪ :‬فإن أمكن تمييزه وجب‬
‫ذلك على الغاصب وإن شقّ عليه‪ ،‬وإن لم يكن تمييزه فقد تع ّ‬
‫ذره‬
‫ده أبدًا‪ ،‬فأشبه التالف ‪ ،‬فللمالك تغريمه بدله من مثل أو قيمة‬
‫ر ّ‬
‫على النحو الذي علمت‪.‬‬
‫وللغاصب أن يعطيه من المخلوط ‪ ،‬إن خطله بجنسه وكان‬
‫المخلوط به مثله أو أجود منه‪ ،‬فإن خلطه بأقل منه فليس له‬
‫ذلك إل أن رضى المالك به‪.‬‬
‫‪ -11‬ردّ المغصوب وإن تضرر الغاصب‪:‬‬
‫علمنا أن الواجب على الغاصب رد ّ العين المغصوبة فورًا‪،‬‬
‫عهدة الضمان إل بالرد‪ ،‬فلو كان يترتب‬‫وأنه ل يبرأ من الثم و ُ‬
‫ده العين المغصوبة ضرر بالغ به كّلف بذلك‪ ،‬ول يلتفت إلى‬ ‫على ر ّ‬
‫ما يناله من ضرر‪ ،‬لنه ظالم ومتعد ّ بغصبه‪.‬‬
‫فلو غصب خشبة ‪ ،‬فوضعت في بناء أو سفينة ‪ ،‬وجب نزعها‬
‫دها ‪ ،‬وإن تهدم البناء أو غرقت السفينة‪ ،‬ويلزم الغاصب أرش‬‫ور ّ‬
‫النقص للمغصوب منه ولصاحب البناء أو السفينة إن كان غير‬
‫الغاصب ويجهل الغصب ‪ ،‬كما يلزمه ُأجرة المثل إن كان لمثلها‬
‫ُأجرة‪.‬‬
‫ده هلك آدمي معصوم الدم ‪ ،‬أو‬ ‫فإن كان يترتب على ر ّ‬
‫حيوان محترم أي غير مأمور بقتله شرعا ً ويجوز تملكه أو‬
‫ده ‪ ،‬فيعدل‬
‫مي ‪ ،‬فإنه ل يجب ر ّ‬ ‫حيازته ‪ ،‬أو إتلف مال مسلم أو ذ ّ‬
‫الى تضمين البدل من مثل أو قيمة‪.‬‬

‫)‪19‬‬
‫‪(9‬‬
‫اختلف الغاصب والمغصوب منه‪:‬‬ ‫‪-12‬‬
‫قد يقع اختلف بين الغاصب والمغصوب منه في ُأمور ‪ ،‬هي‪:‬‬
‫دعي الغاصب أن العين‬
‫أ‪ -‬تلف المغصب وبقاؤه‪ :‬كأن ي ّ‬
‫دعي المغصوب منه أنها ل‬‫المغصوبة قد تلفت فعليه بدلها‪ ،‬وي ّ‬
‫دها‪.‬‬
‫تزال قائمة عنده فعليه ر ّ‬
‫فالصحيح أنه يصدق الغاصب بيمينه‪ ،‬لحتمال صدقه وعجزه‬
‫عن إقامة البّينة على دعواه – إذ الغالب عدم البّينة على التلف –‬
‫دى ذلك إلى تخليده في الحبس‪.‬‬ ‫دق أ ّ‬‫فإذا لم يص ّ‬
‫فإذا حلف غرم للمالك بدل المغصوب من مثل أو قيمة على‬
‫الصح‪ ،‬لعجز المالك عن الوصول إلى عين ماله بيمين الغاصب‪.‬‬
‫ب‪ -‬قيمة المغصوب‪ :‬وذلك يعني أنهما اتفقا على تلفه ‪،‬‬
‫ولكنهما اختلفا في قيمته‪ ،‬فقال المالك ‪ :‬قيمته ألف ‪ ،‬وقال‬
‫الغاصب ‪ :‬قيمته ثمانمائة ‪ ،‬صدق الغاصب بيمينه‪ ،‬لن المالك‬
‫ما اتفقا عليه – فقد اتفقا في قولهما في‬ ‫دعي عليه الزيادة ع ّ‬‫ي ّ‬
‫المثال المذكور على الثمانمائة واختلفا في الزيادة ‪ ،‬فالمالك‬
‫دعيها والغاصب ينكرها – والصل براءة ذمته منها‪ ،‬فيكون القول‬ ‫ي ّ‬
‫دق قوله بيمينه‪.‬‬
‫المص ّ‬
‫فإذا أقام المالك بّينة على أن القيمة أكثر مما قاله الغاصب‬
‫دعاه هو إلى حد ّ ل‬ ‫سمعت بّينته ‪ ،‬وكّلف الغاصب الزيادة ع ّ‬
‫ما ا ّ‬
‫تقطع البّينة بالزيادة عليه بأن تجوز الزيادة عليه وعدمها ‪ ،‬كأن‬
‫تفيد البّينة أن قيمته – مثل ً – ألف أو تسعمائة ‪ ،‬مع احتمال أن‬
‫تكون أكثر أو أقل‪.‬‬
‫دعي المغصوب منه‬ ‫ج‪ -‬صفة المغصوب أو قدره‪ :‬كأن ي ّ‬
‫دعي الغاصب أنها لم‬ ‫أن الدار المغصوبة كانت مطلّية مث ً‬
‫ل‪ ،‬وي ّ‬
‫دعي المالك أنه غصبه عشرين رطل ً قمحًا‪،‬‬ ‫تكن كذلك‪ ،‬أو ي ّ‬
‫ويقول الغاصب‪ :‬بل عشرة أرطال‪ .‬ونحو ذلك من الختلف في‬
‫القدر أو الصفة التي هي صفة زيادة‪.‬‬
‫دق هو الغاصب بيمينه في ذلك‪ ،‬لنه هو الذي‬‫فالمص ّ‬
‫سيغرم ‪ ،‬والصل براءة ذمته ‪ ،‬وهو منكر لشغلها ‪ ،‬فالقول قوله‬
‫بيمينه‪.‬‬

‫)‪20‬‬
‫‪(0‬‬
‫ب حادث‪ :‬وهو الختلف في صفة نقص‪،‬‬ ‫وإن اختلفا في عي ٍ‬
‫دعى المالك أن المغصوب كان سليما ً من العيوب‪ ،‬وأدعى‬ ‫كأن ا ّ‬
‫الغاصب أنه كان معيبًا‪.‬‬
‫دق المالك بيمينه على الصحيح‪ ،‬لن‬
‫فإن كانت اليعن تالفة ص ّ‬
‫من يتمسك‬ ‫الصل والغالب السلمة من العيوب‪ ،‬والقول قول َ‬
‫بالصل‪.‬‬
‫دعى ‪،‬‬‫دها الغاصب معيبة كما ا ّ‬
‫وإن كانت العين باقية‪ ،‬ور ّ‬
‫دق الغاصب بيمينه ‪ ،‬لن الصل براءة ذمته من ضمان ما يزيد‬ ‫ص ّ‬
‫ُ‬
‫على تلك الصفة القائمة‪.‬‬
‫د‪ -‬ردّ العين المغصوبة‪ :‬فلو اّدعى الغاصب أنه رد ّ العين‬
‫المغصوبة على المغصوب منه‪ ،‬وأنكر المغصوب منه ذلك‪،‬‬
‫دق انه ما رد ّ عليه المغصوب‪،‬‬ ‫فالقول قول المالك بيمينه‪ ،‬فيص ّ‬
‫دق‬
‫لن العين المغصوبة كانت في يده ‪ ،‬والصل عدم الرد ّ ‪ ،‬فيص ّ‬
‫ده الغاصب عليه‪،‬‬ ‫من يتمسك به وهو المغصوب منه‪ ،‬فإما أن ير ّ‬ ‫َ‬
‫وإما أن يضمن له بدله‪.‬‬
‫تم الجزء السابع من كتاب الفقه المنهجي بعون الله تعالى‬
‫وتوفيقه ‪،‬‬
‫ويليه – ان شاء الله تعالى –‬
‫الجزء الثامن في الجنايات والجهاد والقضاء وما يتعلق بها‪،‬‬
‫والله تعالى ولي التوفيق‪.‬‬

‫******‬ ‫****************‬
‫*****‬

‫===‬ ‫=====‬
‫=================‬

‫)‪20‬‬
‫‪(1‬‬
‫الفهرس‬
‫الباب الثالث ‪ :‬العارية‬ ‫‪5‬‬ ‫مقدمة‬
‫‪39‬‬ ‫تعريفها – مشروعيتها‬ ‫الباب الول‪ :‬الشفعة‬
‫‪40‬‬ ‫حكمة مشروعيتها‬ ‫‪9‬‬ ‫تعريفها – مشروعيتها‬
‫‪41‬‬ ‫حكم العارية‬ ‫‪10‬‬ ‫حكمة المشروعية‬
‫‪43‬‬ ‫اركان عقد العارة‬ ‫‪11‬‬ ‫اركان الشفعة‬
‫احكام تتعلق بالعارية‪:‬‬ ‫‪15‬‬ ‫شروط الخذ بالشفعة‬
‫حدود النتفاع بالعين‬ ‫‪‬‬
‫‪46‬‬ ‫‪18‬‬ ‫احكام الشفعة‬
‫المستعارة‬
‫يد المستعير على‬ ‫‪‬‬
‫‪47‬‬ ‫الباب الثاني‪:‬‬
‫العين المستعارة‬
‫نفقة المستعار‬ ‫‪‬‬
‫‪48‬‬ ‫المساقاة والمزراعة والمخابرة‬
‫ومؤونة رده‬
‫الرجوع بالعارية‬ ‫‪‬‬
‫‪49‬‬ ‫‪25‬‬ ‫المساقاة‪ :‬تعريفها – مشروعيتها‬
‫وردها‬
‫الرجوع بالرض‬ ‫‪‬‬
‫‪49‬‬ ‫‪26‬‬ ‫حكمتها – اركانها‬
‫المعارة واستردادها‬
‫كيفية رد العين‬ ‫‪‬‬
‫‪51‬‬ ‫‪29‬‬ ‫شروط صحتها‬
‫المستعارة‬
‫الختلف بين المعير‬ ‫‪‬‬
‫‪51‬‬ ‫‪30‬‬ ‫وصف عقد المساقاة‬
‫والمستعير‬
‫‪53‬‬ ‫انتهاء عقد العارية‬ ‫‪‬‬ ‫‪31‬‬ ‫انتهاء المساقاة‬
‫الباب الرابع‪ :‬الشركة‬ ‫‪32‬‬ ‫اختلف العامل والمالك‬
‫المزارعة والمخابرة ‪ :‬تعريفهما‬
‫‪57‬‬ ‫تعريفها – اقسامها‬ ‫‪33‬‬ ‫ومشروعيتهما‬
‫‪58‬‬ ‫مشروعيتها‬ ‫‪34‬‬ ‫جواز المزارعة تبعا للمساقاة‬
‫‪59‬‬ ‫حكمة تشريع الشركة‬ ‫‪35‬‬ ‫المخابرة باطلة مطلقا‬
‫طريقة حل المحصول فيهما‬
‫‪61‬‬ ‫انواع الشركة والمشروع منها‬ ‫‪35‬‬
‫مشتركا‬

‫)‪20‬‬
‫‪(2‬‬
‫لقطة الحيوان ولقطة غير‬
‫شركة العنان‬
‫الحيوان‬
‫لقطة الحرم‬ ‫شروطها‬
‫الشهاد على اللتقاط‬ ‫ما يترتب على صحتها من آثار‬
‫تعريف اللقطة‬ ‫فساد الشركة وما يترتب عليه‬
‫كيفية التصرف بما يلتقط‬ ‫انتهاء عقد الشركة الصحيحة‬
‫تملك اللقطة‬ ‫الباب الخامس‪ :‬القراض )المضاربة(‬
‫يد الملتقط وحفظ اللقطة‬ ‫تعريفه – مشروعيته‬
‫دفع اللقطة الى مدعيها‬ ‫حكمة مشروعيته‬
‫حكم عقد القراض‬
‫الباب الثامن ‪ :‬الرهن‬
‫أركانه‬
‫تعريفه‬ ‫شروط المضاربة‬
‫مشروعيته‬ ‫انتهاء عقد لمضاربة‬
‫الرهن في الحضر وحال وجود‬
‫انتهاء عقد المضاربة‬
‫الكاتب‬
‫حكم الرهن‬ ‫اختلف العامل والمالك‬
‫حكمة مشروعيته‬ ‫الباب السادس ‪ :‬الوديعة‬
‫أركان عقد الرهن‬ ‫تعريفها – مشروعيتها‬
‫رهن الولي والوصي وارتهانهما‬ ‫حكمة مشروعيتها‬
‫لزوم عقد الرهن‬ ‫حكمها‬
‫كيفية قبض الرهن‬ ‫اركانها وشروطها‬
‫أحكام عقد الرهن‬ ‫ما يترتب على عقد الوديعة‬
‫ما يتعلق بالمرهون حال بقائه‬ ‫متى تضمن الوديعة‬
‫حبس المرهون‬ ‫–‬ ‫الوديعة عند اثنين‬
‫حفظ الرهن ومؤونته‬ ‫–‬ ‫إيداع الثنين عند واحد‬
‫يد المرتهن‬ ‫–‬ ‫انتهاء الوديعة‬
‫النتفاع بالمرهون‬ ‫–‬ ‫الباب السابع‪ :‬اللقطة‬
‫التصرف بالمرهون‬ ‫–‬ ‫تعريفها – مشروعية اللتقاط‬
‫فكاك الرهن وتسليمه ورده‬ ‫–‬ ‫حكمة التشريع‬
‫بيع المرهون‬ ‫–‬ ‫حكمها‬

‫)‪20‬‬
‫‪(3‬‬
‫الوكالة في اليلء واللعان والقسامة‬ ‫ما يتعلق بهلك العين المرهونة‬
‫والظهار‬ ‫واستهلكها‬
‫الوكالة في القرار‬ ‫– هلكها بنفسها‬
‫الوكالة في تملك المباحات‬ ‫استهلك العين المرهونة‬ ‫–‬
‫الوكالة في المحرم‬ ‫ما يتعلق بنماء الرهن‬
‫حدود تصرفات الوكيل‬ ‫احكام فرعية تتعلق بالرهن‬
‫الوكالة في الخصومة‬ ‫–‬ ‫وضع المرهون على يد عدل‬ ‫–‬
‫الوكيل بالقبض‬ ‫–‬ ‫رهن العين المستعارة للرهن‬ ‫–‬
‫الزيادة في المرهون او‬ ‫–‬
‫الوكيل بالبيع والشراء‬ ‫–‬
‫الدين‬
‫حقوق العقد بالوكالة وحكمه‬ ‫تعدد أطراف الرهن‬ ‫–‬
‫أحكام تتعلق بالوكالة‬ ‫–‬ ‫الباب التاسع‪ :‬الكفالة والضمان‬
‫توكيل الوكيل‬ ‫–‬ ‫تعريفها – مشروعيتها‬
‫التوكيل بجعل‬ ‫–‬ ‫حكمة المشروعية‬
‫صفة يد الوكيل‬ ‫–‬ ‫انواع الكفالة‬
‫دعوى الوكالة‬ ‫–‬ ‫أركان الكفالة‬
‫الوكالة في قضاء الدين‬ ‫–‬ ‫احكام الكفالة بالنفس‬
‫كفالة بدن من عليه مال‪ ،‬وكفالة‬
‫الوكالة لثنين‬ ‫–‬
‫بدن من عليه عقوبة‬
‫اختلف الموكل مع الوكيل‬ ‫–‬ ‫احكام الكفالة بالمال‬
‫انتهاء عقد الوكالة‬ ‫ضمان العيان‬
‫الباب الحادي عشر ‪ :‬الكراه‬ ‫الباب العاشر ‪ :‬الوكالة‬
‫حقيقته ومعناه‬ ‫تعريفها – مشروعيتها‬
‫شروط تحقق الكراه‬ ‫حكمة تشريع الوكالة‬
‫ما يقع عليه الكراه من‬
‫حكمها‬
‫التصرفات‬
‫– التصرفات الحسية‬ ‫اركان الوكالة وشروطها‬
‫ما يباح بالكراه‬ ‫‪‬‬ ‫الوكالة في حقوق الله تعالى‬
‫ما يرخص فيه بالكراه‬ ‫‪‬‬ ‫الوكالة في حقوق العباد‬
‫ما ل يباح ول يرخص فيه‬ ‫‪‬‬ ‫الوكالة في القصاص‬
‫الوكالة في الشهادة واليمان‬
‫التصرفات الشرعية‬ ‫–‬
‫والنذور‬

‫)‪20‬‬
‫‪(4‬‬
‫التصرفات النشائية التي ل‬ ‫‪‬‬
‫الكف عن الغصب‬ ‫‪‬‬
‫تحتمل الفسخ‬
‫التصرفات النشائية التي تحتمل‬ ‫‪‬‬
‫ضمان المغصوب‬ ‫‪‬‬
‫الفسخ‬
‫تصرفات الغاصب بالمغصوب‬ ‫‪‬‬ ‫أثر الكراه على القرارات‬ ‫‪‬‬

‫أثر الكراه على التصرفات‬ ‫‪‬‬


‫تغير العين المغصوبة‬ ‫‪‬‬
‫المخير فيها‬
‫نقص المغصوب‬ ‫‪‬‬
‫الباب الثاني عشر ‪ :‬الغصب‬
‫زوائد المغصوب‬ ‫‪‬‬

‫منافع المغصوب‬ ‫‪‬‬ ‫تعريفه – تحريمه‬ ‫‪‬‬

‫البناء على الرض المغصوبة‬ ‫‪‬‬


‫أحكام الغصب‬ ‫‪‬‬
‫وغرسها او زرعها‬
‫خلط المغصوب بغيره‬ ‫‪‬‬ ‫الحكم الخروي‬ ‫‪o‬‬
‫رد المغصوب‬ ‫‪‬‬ ‫الحكم الدنيوي‬ ‫‪o‬‬
‫اختلف الغاصب والمغصوب‬ ‫‪‬‬
‫تأديب الغاصب‬ ‫‪‬‬
‫منه‬

‫)‪20‬‬
‫‪(5‬‬
‫الفقه‬
‫المنهجي‬
‫على مذهب المام الشافعي‬
‫رحمه الله تعالى‬

‫اشترك في تأليف هذه السلسلة‬

‫على الشربجي‬ ‫الدكتور مصطفى‬ ‫الدكتور مصطفى‬


‫الخن‬ ‫البغا‬

‫‪ :‬في الطهارة والصلة‪.‬‬ ‫الجزء‬ ‫‪‬‬

‫الول‬
‫‪ :‬في الزكاة والصوم والحج‪.‬‬ ‫الجزء‬ ‫‪‬‬

‫الثاني‬
‫‪ :‬في اليمان والنذور والكفارات والطعمة والشربة‬ ‫الجزء‬ ‫‪‬‬

‫وأبواب أخرى‪.‬‬ ‫الثالث‬


‫‪ :‬في الحوال الشخصية – أحكام السرة‪.‬‬ ‫الجزء‬ ‫‪‬‬

‫الرابع‬
‫‪ :‬في الوقف والوصية والفرائض‪.‬‬ ‫الجزء‬ ‫‪‬‬

‫الخام‬
‫س‬
‫‪ :‬في البيع والهبة والجارة والصلح والحوالة وما يلحق‬ ‫الجزء‬ ‫‪‬‬

‫بها‪.‬‬ ‫الساد‬
‫س‬
‫‪ :‬في فقه المعاملت‪.‬‬ ‫الجزء‬ ‫‪‬‬

‫)‪20‬‬
‫‪(6‬‬
‫الساب‬
‫ع‬
‫‪ :‬في الجنايات‪ ،‬الجهاد ‪ ،‬الفتوة‪ ،‬القضاء وأمور أخرى‪.‬‬ ‫الجزء‬ ‫‪‬‬

‫الثامن‬

‫)‪20‬‬
‫‪(7‬‬

You might also like