www.daawa-info.
net
ﺤﺠُﺮات
ﻧﻈﺮات ﻓﻲ ﺳﻮرة اﻟ ُ
ﺗﺄﻟﻴﻒ
ﻣﺤﻤﱠﺪ ﻣﺤﻤُﻮد اﻟﺼﻮّاف
1
www.daawa-info.net
ﺑﺴﻢ اﷲ اﻟﺮﺣﻤﻦ اﻟﺮﺣﻴﻢ
ﻣﻘﺪﻣﺔ اﻟﺤﻠﻘﺔ اﻟﺜﺎﻟﺜﺔ ﻣﻦ اﻟﻤﻜﺘﺒﺔ اﻟﻘﺮﺁﻧﻴﺔ
ﻣﺤﻤﺪ ﻣﺤﻤﻮد اﻟﺼﻮاف
اﻟﻠﻬﻢ ﻟﻚ اﻟﺤﻤﺪ آﻤﺎ ﻳﻨﺒﻐﻲ ﻟﺠﻼل وﺟﻬﻚ وﻋﻈﻴﻢ ﺳﻠﻄﺎﻧﻚ.وﻟﻚ اﻟﺸﻜﺮ ﻋﻠﻰ ﻧﻌﻤﺎﺋﻚ وﻓﻀﻠﻚ وإﺣﺴﺎﻧﻚ.
اﻟﻠﻬﻢ إﺟﻌﻞ اﻟﺘﻘﻮى زادﻧﺎ .وإﺟﻌﻞ اﻟﺠﻨﺔ ﻣﺂﺑﻨﺎ.وأرزﻗﻨﺎ ﺷﻜﺮا ﻳﺮﺿﻴﻚ ﻋﻨﺎ،وورﻋﺎ ﻳﺠﺰﻧﺎ ﻋﻦ ﻣﻌﺎﺻﻴﻚ ،وأﻟﻬﻤﻨﺎ اﻟﺼﻮاب واﻟﺴﺪاد
ﻓﻲ ﻓﻬﻢ آﺘﺎﺑﻚ اﻟﺬي أﻧﺰﻟﺘﻪ ﻧﻮرا وﺿﻴﺎء وﺷﻔﺎء ﻟﻠﻤﺘﻘﻴﻦ ،ودﺳﺘﻮرا وﻧﻈﺎﻣﺎ ﻣﺤﻜﻤﺎ وهﺪاﻳﺔ ﻟﻠﻌﺎﻟﻤﻴﻦ ،واﻟﺬي هﻮ ﻋﺼﻤﺔ ﻟﻤﻦ ﺗﻤﺴﻚ ﺑﻪ،
وﻧﺠﺎة ﻟﻤﻦ إﺗﺒﻌﻪ.وﺻﻞ وﺳﻠﻢ – ﻳﺎ رﺑﻨﺎ – ﻋﻠﻰ ﺧﻴﺮ ﺧﻠﻘﻚ ،وﺳﻴﺪ رﺳﻠﻚ " ﻣﺤﻤﺪ " اﻟﻤﺒﻌﻮث رﺣﻤﺔ ﻟﻠﻨﺎس آﺎﻓﺔ ﺑﺸﻴﺮا وﻧﺬﻳﺮا ،وﻋﻠﻰ ﺁﻟﻪ
وﺻﺤﺒﻪ وﻣﻦ دﻋﺎ ﺑﺪﻋﻮﺗﻪ إﻟﻰ ﻳﻮم اﻟﺪﻳﻦ .وﺑﻌﺪ :
ﻓﻬﺬﻩ اﻟﺤﻠﻘﺔ اﻟﺜﺎﻟﺜﺔ ﻣﻦ " اﻟﻤﻜﺘﺒﺔ اﻟﻘﺮﺁﻧﻴﺔ " اﻟﺘﻲ ﺑﺪأت ﺑﻌﺪ اﻟﺘﻮآﻞ ﻋﻠﻰ اﷲ اﻟﻌﻠﻲ اﻟﻜﺒﻴﺮ إﺻﺪارهﺎ وﻧﺸﺮهﺎ ﺑﻴﻦ اﻟﻨﺎس رﺟﺎء
اﻹﻧﺘﻔﺎع ﺑﻬﺎ أو اﻹﺳﺘﻔﺎدة ﻣﻦ ﺛﻤﺮات هﺬا اﻟﻘﺮﺁن اﻟﻌﻈﻴﻢ ،اﻟﺬي ﺟﻌﻠﻪ اﷲ ﻣﺼﺪر ﻋﺰ هﺬﻩ اﻷﻣﺔ .وﻳﻨﺒﻮع ﺧﻴﺮهﺎ وﻓﻀﻠﻬﺎ وﻣﺠﺪهﺎ ،وﺣﻴﺎﺗﻬﺎ.
ﻓﻬﻲ ﺑﺨﻴﺮ ﻣﺎ داﻣﺖ راﻋﻴﺔ ﻟﻜﺘﺎب اﷲ ،ﻣﺤﺘﻔﻈﺔ ﺑﺂداﺑﻪ وأﺣﻜﺎﻣﻪ وأواﻣﺮﻩ وﻧﻮاهﻴﻪ .ﻓﻬﻮ ﻗﻤﺔ اﻟﻤﺠﺪ ﻓﻴﻬﺎ ،وهﻮ اﻟﻌﻠﻢ اﻟﻬﺎدي ،ﻳﻨﻴﺮ ﻟﻬﺎ
دروب اﻟﺤﻴﺎة ،وﻳﺴﻠﻚ ﺑﻬﺎ إﻟﻰ أﻗﻮم ﻃﺮﻳﻖ ،وأهﺪى ﺳﺒﻴﻞ .وﺳﻮف أآﻮن ﺑﻌﻮن اﷲ ﻓﻲ ﺳﻴﺮي ﺑﺈﺧﺮاج هﺬﻩ اﻟﺴﻠﺴﻠﺔ ﻣﻦ اﻟﻤﻜﺘﺒﺔ اﻟﻘﺮﺁﻧﻴﺔ
آﺴﺎع ﻓﻲ ﺣﺪﻳﻘﺔ ﻏﻨﺎء ﺗﺴﺮ اﻟﻨﺎﻇﺮﻳﻦ ﻳﺒﺘﻬﺞ ﻓﻴﻬﺎ ﺑﻤﺎ ﻳﺮى ﻣﻦ ﻋﻈﻴﻢ ﺻﻨﻊ اﷲ ﻋﺰ وﺟﻞ ﺑﻤﺎ أﺻﺎﺑﻬﺎ ﻣﻦ واﺑﻞ وإن ﻟﻢ ﻳﺼﺒﻬﺎ واﺑﻞ ﻓﻄﻞ .ﺛﻢ
ﻳﺸﺘﻬﻲ أن ﻳﺮى اﻟﻨﺎس ﻣﺎ رأى ،ﻓﻴﻘﺘﻄﻒ ﻣﻦ آﻞ ﻏﺼﻦ ﻣﻦ آﺘﺎب اﷲ زهﺮة ﻓﻮاﺣﺔ ﻧﺪﻳﺔ ﻋﻄﺮة وﻳﺠﻤﻊ ﻣﻨﻬﺎ ﺑﺎﻗﺔ ﻣﻦ اﻟﺰهﻮر ﻣﺘﻨﺎﺳﻘﺔ
اﻟﺸﻤﻮس واﻟﺒﺪور .
أو آﺪاﺧﻞ ﺟﻨﺔ ﻣﻠﺘﻔﺔ اﻷﻏﺼﺎن وارﻓﺔ اﻟﻈﻼل ،ﻋﻈﻴﻤﺔ اﻟﺜﻤﺎر .ﻳﺘﻔﻲء ﻇﻼﻟﻬﺎ ،وﻳﺄآﻞ ﻣﻦ ﺛﻤﺎرهﺎ ﺛﻢ ﻳﺘﻤﻨﻰ أن ﻳﺸﺎرآﻪ اﻟﻨﺎس ﻓﻲ
هﺬا اﻟﺨﻴﺮ ﻓﻴﺠﻨﻲ ﻣﻦ آﻞ ﻏﺼﻦ ﺛﻤﺮة ،وﻣﻦ آﻞ ﺷﺠﺮة ﻓﺎآﻬﺔ ﺷﻬﻴﺔ ﻃﺮﻳﺔ ﺑﻬﻴﺔ ،ﺛﻢ ﻳﻘﺪﻣﻬﺎ هﺪﻳﺔ هﻨﻴﺌﺔ ﻣﺮﻳﺌﺔ إﻟﻰ إﺧﻮاﻧﻪ اﻟﺬﻳﻦ ﺳﺮﺗﻬﻢ
هﺬﻩ اﻟﺴﻠﺴﻠﺔ ﻣﻦ اﻟﻤﻜﺘﺒﺔ اﻟﻘﺮﺁﻧﻴﺔ وﻓﺮﺣﻮا ﺑﻬﺎ وﺷﺠﻌﻮهﺎ ﻓﻲ ﺣﻠﻘﺘﻴﻬﺎ اﻷوﻟﻰ واﻟﺜﺎﻧﻴﺔ ﻓﺠﺰاهﻢ اﷲ أوﻓﺮ اﻟﺠﺰاء وأﺟﺰﻟﻪ .
وﻓﻲ هﺬﻩ اﻟﺤﻠﻘﺔ اﻟﺜﺎﻟﺜﺔ وددت أن أﻗﺪم ﻹﺧﻮاﻧﻲ اﻟﻘﺮاء ﺳﻮرة ﻗﺮﺁﻧﻴﺔ ﻣﻌﺠﺰة ﺑﻠﻔﻈﻬﺎ وﻣﻌﻨﺎهﺎ ،وهﻲ ﻣﺒﻬﺠﺔ وﻣﻨﺠﻴﺔ ﻟﻤﻦ أﺧﺬ ﺑﻬﺎ
وﻋﻤﻞ ﺑﻤﺎ ﻓﻴﻬﺎ ،وهﻲ ﻣﻦ اﻟﺴﻮر اﻟﻤﺒﺎرآﺔ اﻟﻤﻠﻴﺌﺔ ﺑﺎﻵداب اﻟﻌﺎﻟﻴﺔ .واﻷﺧﻼق اﻟﺴﺎﻣﻴﺔ ،واﻟﻤﺜﻞ اﻟﻨﻴﺮة اﻟﺘﻲ ﺗﻘﻮد اﻹﻧﺴﺎﻧﻴﺔ إﻟﻰ اﻟﻜﻤﺎل
واﻟﻌﻠﻴﺎء ،إﻧﻬﺎ ﺳﻮرة " اﻟﺤﺠﺮات " وﺳﻤﻴﺖ اﻟﺤﻠﻘﺔ " :ﻧﻈﺮات ﻓﻲ ﺳﻮرة اﻟﺤﺠﺮات ".
وﻟﻌﻞ ﻣﻦ اﻟﻤﻔﻴﺪ اﻟﻨﺎﻓﻊ أن أﻟﺨﺺ وأﺟﻤﻞ هﻨﺎ أهﻢ اﻷﻏﺮاض اﻟﺘﻲ إﺷﺘﻤﻠﺖ ﻋﻠﻴﻬﺎ هﺬﻩ اﻟﺴﻮرة اﻟﻌﻈﻴﻤﺔ .
ﻓﻔﻲ هﺬﻩ اﻟﺴﻮرة ﺑﻴﺎن ﻟﻶداب ﻣﻊ اﷲ ﻋﺰ وﺟﻞ واﻷدب ﻣﻊ رﺳﻮل اﷲ ﺻﻠﻰ اﷲ ﻋﻠﻴﻪ وﺳﻠﻢ .
وﻓﻴﻬﺎ ﺁداب ﻋﺎﻣﺔ ﻟﺘﻌﺎﻣﻞ اﻟﻤﺴﻠﻤﻴﻦ ﺑﻌﻀﻬﻢ ﻣﻊ اﻟﺒﻌﺾ اﻵﺧﺮ.
وهﺬﻩ اﻟﺴﻮرة ﻗﺮرت اﻟﺤﺮﻳﺔ اﻟﺸﺨﺼﻴﺔ ﻟﻠﻤﺴﻠﻢ داﺧﻞ ﺑﻴﺘﻪ ،ﺣﺘﻰ ﻻ ﻳﺒﺎح ﻷﺣﺪ أن ﻳﻨﻘﺐ ﻋﻨﻪ .إذ أن ﺑﻴﺖ اﻟﺮﺟﻞ ﺣﺼﻦ ﻟﻪ .ﻻ ﻳﺪﺧﻠﻪ
أﺣﺪ إﻻ ﺑﺈذﻧﻪ .
وﻓﻲ هﺬﻩ اﻟﺴﻮرة ﺣﻔﻆ ﻟﻠﻤﺴﻠﻢ ﻋﺮﺿﻪ ﻓﻲ ﻏﻴﺒﺘﻪ وﺣﻀﻮرﻩ.
آﻤﺎ ﻓﻴﻬﺎ اﻟﻨﻬﻲ ﻋﻦ اﻟﺘﻔﺎﺧﺮ ﺑﺎﻷﻧﺴﺎب ،واﻟﻨﻬﻲ ﻋﻦ ﻓﻌﻞ اﻟﺠﺎهﻠﻴﺔ اﻷوﻟﻰ ،وﻓﻴﻬﺎ ﻃﻠﺐ اﻟﺘﺜﺒﺖ ﻓﻲ اﻷﺧﺒﺎر وﻋﺪم اﻷﺳﺮاع ﻓﻲ
ﺗﺼﺪﻳﻖ أﻧﺒﺎء اﻟﻔﺎﺳﻘﻴﻦ.
وﻓﻴﻬﺎ اﻟﺘﻨﺒﻴﻪ واﻟﺘﻮﺟﻴﻪ ﻣﻦ اﷲ ﻋﺰ وﺟﻞ ﻟﻠﻤﺆﻣﻨﻴﻦ إﻟﻰ ﻃﺮﻳﻖ اﻟﻤﺠﺪ اﻟﺤﻘﻴﻘﻲ ﻓﻲ اﻟﺪﻧﻴﺎ واﻵﺧﺮة .آﻤﺎ ﺣﺚ اﷲ ﻓﻴﻬﺎ ﻋﻠﻰ اﻟﻌﻤﻞ ﺣﺘﻰ
ﺟﻌﻠﺖ اﻷﻋﻤﺎل ﺟﺰءا ﻣﻦ اﻹﻳﻤﺎن .
وﻓﻲ هﺬﻩ اﻟﺴﻮرة ﻧﺪب ﻟﻠﻤﺴﻠﻢ أن ﻳﻜﻮن ﻣﻌﻮاﻧﺎ ﻋﻠﻰ اﻟﺤﻖ ،ﻧﺼﻴﺮا ﻟﻪ وﻷهﻠﻪ ،ﻳﺪﻓﻊ اﻟﻈﺎﻟﻤﻴﻦ ،وﻳﻘﻒ ﻓﻲ ﺻﻒ اﻟﻤﻈﻠﻮﻣﻴﻦ ﺣﺘﻰ
ﻳﻨﺼﻔﻮا إﻧﺼﺎﻓﺎ آﺎﻣﻼ .
2
www.daawa-info.net
وﻓﻲ ﺳﻮرة اﻟﺤﺠﺮات اﻟﺪﻋﻮة إﻟﻰ اﻟﺠﻬﺎد ﺑﺎﻟﻨﻔﺲ وﺑﺎﻟﻤﺎل ﻓﻲ ﺳﺒﻴﻞ ﻧﺼﺮة اﻟﺤﻖ وإﻋﻼء آﻠﻤﺔ اﷲ .وﻧﺤﻦ أﻣﺔ ﻣﺠﺎهﺪة واﻟﺠﻬﺎد
ﻣﺎض ﻓﻴﻨﺎ إﻟﻰ ﻳﻮم اﻟﻘﻴﺎﻣﺔ .وﻣﺎ ﻏﺰي ﻗﻮم ﻓﻲ ﻋﻘﺮ دارهﻢ إﻻ ذﻟﻮا .
وهﺬﻩ اﻟﺴﻮرة اﻟﺠﻠﻴﻠﺔ ،ذات اﻟﺜﻤﺎﻧﻴﺔ ﻋﺸﺮة ﺁﻳﺔ ﺗﻌﺘﺒﺮ ﻣﻦ ﻋﻈﺎﺋﻢ اﻟﺴﻮر اﻟﻘﺮﺁﻧﻴﺔ .ﺣﻴﺚ ﺗﻀﻊ ﻟﻠﻤﺴﻠﻢ أروع اﻟﻤﺜﻞ اﻹﻧﺴﺎﻧﻴﺔ اﻟﻌﻠﻴﺎ
ﻓﻲ اﻷﺧﻼق واﻵداب ،واﻷﻋﻤﺎل واﻟﻤﻌﺎﻣﻼت وهﻲ ﺟﺪﻳﺮة ﺑﺎﻟﺪراﺳﺔ ،ﺣﺮﻳﺔ ﺑﺎﻟﻔﻬﻢ وإﻣﻌﺎن اﻟﻨﻈﺮ .ﻟﻤﺎ ﻓﻴﻬﺎ ﻣﻦ آﻨﻮز هﺬا اﻟﻘﺮﺁن اﻟﻌﻈﻴﻢ .
وﺣﺎﺟﺔ أﻣﺘﻨﺎ إﻟﻰ ﺁداب هﺬﻩ اﻟﺴﻮرة ﺗﺒﺮز اﻟﻴﻮم .واﻷﻣﺔ اﻹﺳﻼﻣﻴﺔ ﺗﺠﺘﺎز أﺧﻄﺮ ﻣﺤﻨﺔ ﻓﻲ ﺣﻴﺎﺗﻬﺎ اﻟﻄﻮﻳﻠﺔ .ﻓﻘﺪ ﺗﻜﺎﻟﺒﺖ ﻋﻠﻴﻬﺎ دول اﻟﻜﻔﺮ
واﻟﻀﻼل .وأﻃﻠﻘﺖ ﻋﻠﻴﻬﺎ ﻋﻤﻴﻠﺘﻬﺎ اﻟﻘﺬرة دوﻟﺔ اﻟﻐﺪر واﻟﺨﻴﺎﻧﺔ واﻟﻈﻠﻢ واﻟﻔﺴﺎد إﺳﺮاﺋﻴﻞ ،ﺗﻠﻚ اﻷﻣﺔ اﻟﻴﻬﻮدﻳﺔ اﻟﺨﺎﺳﺌﺔ اﻟﺘﻲ ﻟﻌﻨﺘﻬﺎ اﻷرض
واﻟﺴﻤﺎء ،وﺟﺎء ﻟﻌﻨﻬﺎ ﻓﻲ أرﺑﻊ آﺘﺐ ﺳﻤﺎوﻳﺔ آﻤﺎ ﻗﺎل إﺑﻦ ﻋﺒﺎس رﺿﻲ اﷲ ﻋﻨﻬﻤﺎ .إذ ﻟﻌﻦ اﷲ ﺑﻨﻲ إﺳﺮاﺋﻴﻞ ﻓﻲ اﻟﺘﻮراة واﻹﻧﺠﻴﻞ واﻟﺰﺑﻮر
واﻟﻘﺮﺁن .وهﻲ أهﻞ اﻟﻠﻌﻦ ﻷﻧﻬﺎ أﻣﺔ ﺗﺴﻌﻰ ﻓﻲ اﻷرض ﻓﺴﺎدا .ﻓﻌﻠﻴﻬﺎ وﻋﻠﻰ ﻣﻦ واﻻهﺎ وأﻳﺪهﺎ ﻣﺜﻞ هﺬﻩ اﻟﻠﻌﻨﺔ إﻟﻰ ﻳﻮم اﻟﺪﻳﻦ .وﻣﺎ ﻋﻠﻤﺖ
هﺬﻩ اﻟﺪوﻟﺔ اﻟﻜﺎﻓﺮة هﻲ وﻣﻦ ﺷﺎﻳﻌﻬﺎ ،إن ﻗﻮة اﷲ هﻲ أآﺒﺮ ﻣﻦ ﻗﻮﺗﻬﺎ ،وﺑﻄﺶ اﷲ أﻗﻮى ﻣﻦ ﺑﻄﺸﻬﺎ ،وأﻧﻨﺎ ﺑﺈذن اﷲ ﻣﻬﻤﺎ ﻃﺎل اﻷﻣﺪ ،
ﻓﺎﻟﻨﺼﺮ ﻷﻣﺘﻨﺎ و دﻳﻨﻨﺎ ،واﻟﻬﺰﻳﻤﺔ اﻷآﻴﺪة واﻟﺪﻣﺎر اﻟﻤﺤﻘﻖ ،ﻹﺳﺮاﺋﻴﻞ اﻟﻤﺠﺮﻣﺔ وﻣﻦ أﻳﺪهﺎ و ﻧﺎﺻﺮهﺎ ﻣﻦ دول اﻟﻜﻔﺮ .ﻓﺄﻣﺔ اﻟﻘﺮﺁن ﻟﻦ ﺗﻐﻠﺐ
،وأﻣﺔ اﻹﺳﻼم ﻟﻦ ﺗﻘﻬﺮ ،ﻣﺎ دام اﷲ ﻣﻌﻬﺎ ،وﻣﺎ داﻣﺖ هﻲ ﻣﻊ اﷲ .وإن آﺎن اﻟﺪهﺮ ﻗﺪ آﺒﺎﺑﻬﺎ ﻳﻮﻣﺎ .ﻓﺈن ﻋﻬﺪ هﺬﻩ اﻟﻜﺒﻮة ﻗﺪ إﻧﺘﻬﻰ وﺑﺪأ
ﺑﺮﻋﺎﻳﺔ اﷲ ﻋﻬﺪ اﻟﻨﺼﺮ واﻟﻮﺣﺪة واﻟﻨﻬﻮض ،ﻓﺈﻟﻰ اﻟﻘﺮﺁن ﻣﻦ ﺟﺪﻳﺪ أﻳﻬﺎ اﻟﻤﺴﻠﻤﻮن .ﻓﺎﻟﻨﺼﺮ ﻟﻨﺎ ﻣﻦ رﺑﻨﺎ واﷲ ﻣﻌﻨﺎ وﻟﻦ ﻳﺘﺮﻧﺎ أﻋﻤﺎﻟﻨﺎ ،
واﷲ ﻏﺎﻟﺐ ﻋﻠﻰ أﻣﺮﻩ وﻟﻜﻦ أآﺜﺮ اﻟﻨﺎس ﻻ ﻳﻌﻠﻤﻮن ،واﻟﺠﻬﺎد اﻟﺠﻬﺎد ﻓﻬﻮ ﺳﻨﺎم اﻹﺳﻼم ،وهﻮ ﻃﺮﻳﻖ اﻟﻤﺠﺪ واﻟﻌﺰة واﻟﻜﺮاﻣﺔ ،واﷲ ﻳﻘﻮل
اﻟﺤﻖ وهﻮ ﻳﻬﺪي اﻟﺴﺒﻴﻞ ،وﺻﻠﻮات اﷲ وﺳﻼﻣﻪ ﻋﻠﻰ إﻣﺎم اﻟﻤﺠﺎهﺪﻳﻦ وﻗﺎﺋﺪ اﻟﻐﺮ اﻟﻤﺤﺠﻠﻴﻦ ،ﻣﺤﻤﺪ وﻋﻠﻰ ﺁﻟﻪ وﺻﺤﺒﻪ أﺟﻤﻌﻴﻦ .
ﻣﻜﺔ اﻟﻤﻜﺮﻣﺔ
ﻣﺤﻤﺪ ﻣﺤﻤﻮد اﻟﺼﻮاف
ﻧﻈﺮات ﻓﻲ ﺳﻮرة اﻟﺤﺠﺮات
ﺳﻮرة اﻟﺤﺠﺮات ﻣﻦ اﻟﺴﻮر اﻟﻘﺮﺁﻧﻴﺔ اﻟﻤﻌﺠﺰة ﺑﻠﻔﻈﻬﺎ وﻣﻌﻨﺎهﺎ .وهﻲ ﻣﻦ اﻟﺴﻮر اﻟﻤﺪﻧﻴﺔ ،اﻟﺘﻲ ﺗﻨﺰل ﺑﻬﺎ اﻟﻮﺣﻲ اﻷﻣﻴﻦ ﻋﻠﻰ اﻟﻨﺒﻲ
اﻟﻜﺮﻳﻢ ﺻﻠﻰ اﷲ ﻋﻠﻴﻪ وﺳﻠﻢ وهﻮ ﻓﻲ اﻟﻤﺪﻳﻨﺔ اﻟﻤﻨﻮرة ﻣﺴﺘﻘﺮ اﻷﻧﺼﺎر ،وﻣﻬﺎﺟﺮ رﺳﻮل اﷲ ،وﻣﻨﻄﻠﻖ اﻟﺪﻋﻮة اﻹﺳﻼﻣﻴﺔ واﻟﺨﻼﻓﺔ
اﻟﺮاﺷﺪة ،وﻣﻮﺋﻞ اﻟﻤﻬﺎﺟﺮﻳﻦ .وﻣﺄزر اﻹﻳﻤﺎن واﻟﻤﺆﻣﻨﻴﻦ .وﺳﻮرة اﻟﺤﺠﺮات ،ﻣﻠﻴﺌﺔ ﺑﺎﻵداب اﻟﻌﺎﻟﻴﺔ ،واﻷﺧﻼق اﻟﺴﺎﻣﻴﺔ ،واﻟﻤﺜﻞ اﻟﻨﻴﺮة
اﻟﺘﻲ ﺗﻘﻮد اﻹﻧﺴﺎﻧﻴﺔ إﻟﻰ اﻟﻌﻠﻴﺎء واﻟﻜﻤﺎل ،واﻟﺤﺼﺎﻓﺔ واﻟﺴﻤﺎﺣﺔ واﻟﺠﻤﺎل .
أهﻢ أﻏﺮاض اﻟﺴﻮرة
وﻓﻲ ﺳﻮرة اﻟﺤﺠﺮات ﺑﻴﺎن ﻟﻸدب ﻣﻊ اﷲ ﻋﺰ وﺟﻞ ،واﻷدب ﻣﻊ رﺳﻮل اﷲ ﺻﻠﻰ اﷲ ﻋﻠﻴﻪ وﺳﻠﻢ .وﻓﻴﻬﺎ ﺁداب ﻋﺎﻣﺔ ﻟﺘﻌﺎﻣﻞ
اﻟﻤﺴﻠﻤﻴﻦ ﺑﻌﻀﻬﻢ ﻣﻊ اﻟﺒﻌﺾ اﻵﺧﺮ .وﻗﺪ إﺷﺘﻤﻠﺖ هﺬﻩ اﻟﺴﻮرة ﻋﻠﻰ أروع اﻟﻤﺜﻞ اﻹﺳﻼﻣﻴﺔ واﻹﻧﺴﺎﻧﻴﺔ .
وﻓﻲ هﺬﻩ اﻟﺴﻮرة ﻗﺮرت اﻟﺤﺮﻳﺔ اﻟﺸﺨﺼﻴﺔ ﻟﻠﻤﺴﻠﻢ داﺧﻞ ﺑﻴﺘﻪ ،ﺣﺘﻰ ﻻ ﻳﺒﺎح ﻷﺣﺪ أن ﻳﻨﻘﺐ ﻋﻨﻪ .إذ أن ﺑﻴﺖ اﻟﺮﺟﻞ ﺣﺼﻦ ﻟﻪ ،ﻻ
ﻳﺪﺧﻠﻪ أﺣﺪ إﻻ ﺑﺈذﻧﻪ .
وﻓﻲ هﺬﻩ اﻟﺴﻮرة ﺣﻔﻆ ﻟﻠﻤﺴﻠﻢ ﻋﺮﺿﻪ ﻓﻲ ﻏﻴﺒﺘﻪ وﺣﻀﻮرﻩ .وﻓﻴﻬﺎ اﻟﻨﻬﻲ ﻋﻦ اﻟﺘﻔﺎﺧﺮ ﺑﺎﻷﻧﺴﺎب ،واﻟﻨﻬﻲ ﻋﻦ ﻓﻌﻞ اﻟﺠﺎهﻠﻴﺔ
اﻷوﻟﻰ .
وﻓﻴﻬﺎ ﻃﻠﺐ اﻟﺘﺜﺒﺖ ﻓﻲ اﻷﺧﺒﺎر وﻋﺪم اﻹﺳﺮاع ﻓﻲ ﺗﺼﺪﻳﻖ أﺧﺒﺎر اﻟﻔﺎﺳﻘﻴﻦ .
وﻓﻴﻬﺎ اﻟﺘﻨﺒﻴﻪ واﻟﺘﻮﺟﻴﻪ ﻣﻦ اﷲ ﻋﺰ وﺟﻞ ﻟﻠﻤﺆﻣﻨﻴﻦ إﻟﻰ ﻃﺮﻳﻖ اﻟﻤﺠﺪ اﻟﺤﻘﻴﻘﻲ ﻓﻲ اﻟﺪﻧﻴﺎ واﻵﺧﺮة .آﻤﺎ ﺣﺚ اﷲ ﻓﻴﻬﺎ ﻋﻠﻰ اﻟﻌﻤﻞ .
ﺣﺘﻰ ﺟﻌﻠﺖ اﻷﻋﻤﺎل ﺟﺰءا ﻣﻦ اﻹﻳﻤﺎن ﺗﻨﻮﻳﻬﺎ ﺑﻤﺎ ﻟﻬﺎ ﻣﻦ اﻟﺸﺄن ﻋﻨﺪ اﷲ ﺗﺒﺎرك وﺗﻌﺎﻟﻰ ﻓﻲ اﻟﺪﻧﻴﺎ واﻵﺧﺮة.
3
www.daawa-info.net
وﻓﻲ هﺬﻩ اﻟﺴﻮرة ﻧﺪب ﻟﻠﻤﺴﻠﻢ أن ﻳﻜﻮن ﻣﻌﻮاﻧﺎ ﻋﻠﻰ اﻟﺤﻖ ،ﻧﺼﻴﺮا ﻟﻪ وﻷهﻠﻪ ،ﻳﺪﻓﻊ اﻟﻈﺎﻟﻤﻴﻦ ،وﻳﻘﻒ ﻓﻲ ﺻﻒ اﻟﻤﻈﻠﻮﻣﻴﻦ ،ﺣﺘﻰ
ﻳﻨﺼﻔﻮا إﻧﺼﺎﻓﺎ آﺎﻣﻼ .
وﻓﻲ اﻟﺴﻮرة دﻋﻮة إﻟﻰ اﻟﺠﻬﺎد ﺑﺎﻟﻨﻔﺲ واﻟﻤﺎل ﻓﻲ ﺳﺒﻴﻞ ﻧﺼﺮة اﻟﺤﻖ وإﻋﻼء آﻠﻤﺔ اﷲ ﻋﺰ وﺟﻞ .
واﻟﺨﻼﺻﺔ :إن ﺳﻮرة اﻟﺤﺠﺮات ذات اﻟﺜﻤﺎﻧﻲ ﻋﺸﺮة ﺁﻳﺔ ﻣﻦ اﻵﻳﺎت ،ﻣﻦ ﻋﻈﺎم اﻟﺴﻮر اﻟﻘﺮﺁﻧﻴﺔ ،اﻟﺘﻲ ﺗﻀﻊ ﻟﻠﻤﺴﻠﻢ أروع اﻟﻤﺜﻞ
اﻹﻧﺴﺎﻧﻴﺔ اﻟﻌﻠﻴﺎ ،ﻓﻲ اﻷﺧﻼق ،ﻓﻲ اﻵداب ،واﻷﻋﻤﺎل ،واﻟﻤﻌﺎﻣﻼت .وهﻲ ﺟﺪﻳﺮة ﺑﺎﻟﺪراﺳﺔ ،ﺣﺮﻳﺔ ﺑﺎﻟﻔﻬﻢ واﻟﻨﻈﺮ إﻟﻰ ﻣﺎ ﻓﻴﻬﺎ ﻣﻦ آﻨﻮز
هﺬا اﻟﻘﺮﺁن اﻟﻌﻈﻴﻢ ،اﻟﺬي أﻧﺰﻟﻪ اﷲ رﺣﻤﺔ ﻟﻠﻌﺎﻟﻤﻴﻦ .واﻟﺬي ﻻ ﻳﺄﺗﻴﻪ اﻟﺒﺎﻃﻞ ﻣﻦ ﺑﻴﻦ ﻳﺪﻳﻪ وﻻ ﻣﻦ ﺧﻠﻔﻪ ﺗﻨﺰﻳﻞ ﻣﻦ ﺣﻜﻴﻢ ﺣﻤﻴﺪ .
أﺳﺒﺎب اﻟﻨﺰول
ذآﺮ اﻟﻤﻔﺴﺮون أﺳﺒﺎﺑﺎ ﻣﺘﻌﺪدة ﻟﻨﺰول هﺬﻩ اﻟﺴﻮرة ،وآﻠﻬﺎ ﺗﻠﺘﻘﻲ ﻋﻨﺪ ﻣﻌﻨﻰ واﺣﺪ .ﺑﻞ ذآﺮوا أﺳﺒﺎﺑﺎ ﺧﺎﺻﺔ ﻵﻳﺎت ﻓﻲ هﺬﻩ اﻟﺴﻮرة
ﻧﺰﻟﺖ ﻣﻦ أﺟﻞ ﺗﻠﻚ اﻷﺳﺒﺎب .
ﻗﺎل اﻻﻣﺎم اﻟﻮاﺣﺪي اﻟﻨﻴﺴﺎﺑﻮري اﻟﻤﺘﻮﻓﻰ ﺳﻨﺔ 468ﻓﻲ آﺘﺎﺑﻪ "اﺳﺒﺎب اﻟﻨﺰول ":ﻋﻦ اﺑﻦ أﺑﻲ ﻣﻠﻴﻜﻪ أن ﻋﺒﺪ اﷲ اﺑﻦ اﻟﺰﺑﻴﺮ أﺧﺒﺮﻩ
أﻧﻪ ﻗﺪم رآﺐ ﻣﻦ ﺑﻨﻲ ﺗﻤﻴﻢ ﻋﻠﻰ رﺳﻮل اﷲ ﺻﻠﻰ اﷲ ﻋﻠﻴﻪ وﺳﻠﻢ .ﻓﻘﺎل أﺑﻮ ﺑﻜﺮ :أﻣﺮ اﻟﻘﻌﻘﺎع ﺑﻦ ﻣﻌﺒﺪ .وﻗﺎل ﻋﻤﺮ :ﺑﻞ أﻣﺮ اﻷﻗﺮع ﺑﻦ
ﺣﺎﺑﺲ ،ﻓﻘﺎل أﺑﻮ ﺑﻜﺮ :ﻣﺎ أردت اﻻ ﺧﻼﻓﻲ .وﻗﺎل ﻋﻤﺮ :ﻣﺎ أردت ﺧﻼﻓﻚ ،ﻓﺘﺤﺎرﺑﺎ ﺣﺘﻰ ارﺗﻔﻌﺖ أﺻﻮاﺗﻬﻤﺎ .ﻓﻨﺰﻟﺖ أواﺋﻞ هﺬﻩ اﻟﺴﻮرة .
وﻓﻲ رواﻳﺔ أﺧﺮى ﻗﺎل اﺑﻦ أﺑﻲ ﻣﻠﻴﻜﻪ :آﺎد اﻟﺨﻴﺮان أن ﻳﻬﻠﻜﺎ :أﺑﻮ ﺑﻜﺮ و ﻋﻤﺮ رﻓﻌﺎ أﺻﻮاﺗﻬﻤﺎ ﻋﻨﺪ اﻟﻨﺒﻲ ﺻﻠﻰ اﷲ ﻋﻠﻴﻪ وﺳﻠﻢ ،
ﺣﻴﻦ ﻗﺪم ﻋﻠﻴﻪ رآﺐ ﺑﻨﻲ ﺗﻤﻴﻢ ،ﻓﺄﺷﺎر أﺣﺪهﻤﺎ ﺑﻸﻗﺮع ﺑﻦ ﺣﺎﺑﺲ وأﺷﺎر اﻵﺧﺮ ،ﺑﺮﺟﻞ ﺁﺧﺮ ،ﻓﻘﺎل أﺑﻮ ﺑﻜﺮ ﻟﻌﻤﺮ :ﻣﺎ أردت اﻻ ﺧﻼﻓﻲ ،
وﻗﺎل ﻋﻤﺮ :ﻣﺎ أردت ﺧﻼﻓﻚ .وارﺗﻔﻌﺖ أﺻﻮاﺗﻬﻤﺎ ﻓﻲ ذﻟﻚ .ﻓﺄﻧﺰل اﷲ ﺗﻌﺎﻟﻰ " :ﻻ ﺗﺮﻓﻌﻮا أﺻﻮاﺗﻜﻢ ﻓﻮق ﺻﻮت اﻟﻨﺒﻲ … ".وﻗﺎل اﺑﻦ
اﻟﺰﺑﻴﺮ :ﻓﻤﺎ آﺎن ﻋﻤﺮ ﺑﻌﺪ ذﻟﻚ ﻳﺴﻤﻊ آﻼﻣﻪ ﻋﻨﺪ رﺳﻮل اﷲ ﺻﻠﻰ اﷲ ﻋﻠﻴﻪ وﺳﻠﻢ ﺑﻌﺪ هﺬﻩ اﻵﻳﻪ ﺣﺘﻰ ﻳﺴﺘﻔﻬﻤﻪ .وﻋﻦ ﻣﺨﺎرق ﻋﻦ ﻃﺎرق
،ﻋﻦ أﺑﻲ ﺑﻜﺮ ﻗﺎل :ﻟﻤﺎ ﻧﺰﻟﺖ ﻋﻠﻰ اﻟﻨﺒﻲ ﺻﻠﻰ اﷲ ﻋﻠﻴﻪ وﺳﻠﻢ " :ان اﻟﺬﻳﻦ ﻳﻐﻀﻮن أﺻﻮاﺗﻬﻢ ﻋﻨﺪ رﺳﻮل اﷲ " .ﺁﻟﻴﺖ ﻋﻠﻰ ﻧﻔﺴﻲ أن ﻻ
أآﻠﻢ رﺳﻮل اﷲ اﻻ آﺄﺧﻲ اﻟﺴﺮار .
ﻗﺼﺔ اﻟﻤﻔﺎﺧﺮﻩ
وذآﺮ اﻟﻮﻗﺪي ﻧﻔﺴﻪ رﺣﻤﻪ اﷲ ﻋﻦ ﺟﺎﺑﺮ ﺑﻦ ﻋﺒﺪ اﷲ ﻗﺎل :ﺟﺎء ﺑﻨﻮ ﺗﻤﻴﻢ اﻟﻰ اﻟﻨﺒﻲ ﺻﻠﻰ اﷲ ﻋﻠﻴﻪ وﺳﻠﻢ ﻓﻨﺎدوا ﻋﻠﻰ اﻟﺒﺎب :ﻳﺎ
ﻣﺤﻤﺪ اﺧﺮج اﻟﻴﻨﺎ ،ﻓﺎن ﻣﺪﺣﻨﺎ زﻳﻦ ،وان ذﻣﻨﺎ ﺷﻴﻦ ،ﻓﺴﻤﻌﻬﻢ اﻟﻨﺒﻲ ﺻﻠﻰ اﷲ ﻋﻠﻴﻪ وﺳﻠﻢ ،ﻓﺨﺮج ﻋﻠﻴﻬﻢ وهﻮ ﻳﻘﻮل :اﻧﻤﺎ ذﻟﻜﻢ اﷲ اﻟﺬي
ﻣﺪﺣﻪ زﻳﻦ ،وذﻣﻪ ﺷﻴﻦ ،ﻓﻘﺎﻟﻮا :ﻧﺤﻦ ﻧﺎس ﻣﻦ ﺑﻨﻲ ﺗﻤﻴﻢ ﺟﺌﻨﺎ ﺑﺸﺎﻋﺮﻧﺎ و ﺧﻄﻴﺒﻨﺎ ﻧﺸﺎﻋﺮك وﻧﻔﺎﺧﺮك ،ﻓﻘﺎل رﺳﻮل اﷲ ﺻﻠﻰ اﷲ ﻋﻠﻴﻪ
وﺳﻠﻢ :ﻣﺎ ﺑﺎﻟﺸﻌﺮ ﺑﻌﺜﺖ ،وﻻ ﺑﺎﻟﻔﺨﺎر أﻣﺮت ،وﻟﻜﻦ هﺎﺗﻮا ،ﻓﻘﺎل اﻟﺰﺑﺮﻗﺎن ﺑﻦ ﺑﺪر ﻟﺸﺎب ﻣﻦ ﺷﺒﺎﻧﻬﻢ :ﻗﻢ ﻓﺎذآﺮ ﻓﻀﻠﻚ وﻓﻀﻞ ﻗﻮﻣﻚ ،
ﻓﻘﺎم ﻓﻘﺎل :اﻟﺤﻤﺪ ﷲ اﻟﺬي ﺟﻌﻠﻨﺎ ﺧﻴﺮ ﺧﻠﻘﻪ ،وﺁﺗﺎﻧﺎ أﻣﻮاﻻ ﻧﻔﻌﻞ ﻓﻴﻬﺎ ﻣﺎ ﻧﺸﺎء ،ﻓﻨﺤﻦ ﻣﻦ ﺧﻴﺮ أهﻞ اﻷرض وﻣﻦ أآﺜﺮهﻢ ﻋﺪة ،وﻣﺎﻻ
وﺳﻼﺣﺎ ،ﻓﻤﻦ اﻧﻜﺮ ﻋﻠﻴﻨﺎ ﻗﻮﻟﻨﺎ ﻓﻠﻴﺄت ﺑﻘﻮا هﻮ أﺣﺴﻦ ﻣﻦ ﻗﻮﻟﻨﺎ ،وﻓﻌﺎل هﻲ ﺧﻴﺮ ﻣﻦ ﻓﻌﺎﻟﻨﺎ ،ﻓﻘﺎل رﺳﻮل اﷲ ﺻﻠﻰ اﷲ ﻋﻠﻴﻪ وﺳﻠﻢ ﻟﺜﺎﺑﺖ
ﺑﻦ ﻗﻴﺲ ﺑﻦ ﺷﻤﺎس وآﺎن ﻳﻠﻘﺐ ﺑﺨﻄﻴﺐ رﺳﻮل اﷲ :ﻗﻢ ﻓﺄﺟﺐ ﻓﻘﺎم ﻓﻘﺎل :اﻟﺤﻤﺪ ﷲ ،أﺣﻤﺪﻩ وأﺳﺘﻌﻴﻨﻪ و أوﻣﻦ ﺑﻪ ،و أﺗﻮآﻞ ﻋﻠﻴﻪ ،
وأﺷﻬﺪ أن ﻻ اﻟﻪ اﻻ اﷲ وﺣﺪﻩ ﻻ ﺷﺮﻳﻚ ﻟﻪ ،وأﺷﻬﺪ ان ﻣﺤﻤﺪا ﻋﺒﺪﻩ ورﺳﻮﻟﻪ ،دﻋﺎ اﻟﻤﻬﺎﺟﺮﻳﻦ واﻷﻧﺼﺎر ﻣﻦ ﺑﻨﻲ ﻋﻤﻪ ،أﺣﺴﻦ اﻟﻨﺎس
وﺟﻮهﺎ ،وأﻋﻈﻤﻬﻢ أﺣﻼﻣﺎ .ﻓﺄﺟﺎﺑﻮا :ﻓﺎﻟﺤﻤﺪ ﷲ اﻟﺬي ﺟﻌﻠﻨﺎ أﻧﺼﺎرﻩ ،ووزراء رﺳﻮﻟﻪ ،وﻋﺰا ﻟﺪﻳﻨﻪ ،ﻓﻨﺤﻦ ﻧﻘﺎﺗﻞ اﻟﻨﺎس ﺣﺘﻰ ﻳﺸﻬﺪوا
أن ﻻ اﻟﻪ اﻻ اﷲ ،ﻓﻤﻦ ﻗﺎﻟﻬﺎ ﻣﻨﻊ ﻣﻨﺎ ﻧﻔﺴﻪ وﻣﺎﻟﻪ ،وﻣﻦ أﺑﺎهﺎ ﻗﺘﻠﻨﺎﻩ ،وآﺎن رﻏﻤﻪ ﻣﻦ اﷲ ﺗﻌﺎﻟﻰ ﻋﻠﻴﻨﺎ هﻴﻨﺎ ،أﻗﻮل ﻗﻮﻟﻲ هﺬا وأﺳﺘﻐﻔﺮ اﷲ
ﻟﻠﻤﺆﻣﻨﻴﻦ و اﻟﻤﺆﻣﻨﺎت .
ﻓﻘﺎل اﻟﺰﺑﺮﻗﺎن ﺑﻦ ﺑﺪر ﻟﺸﺎب ﻣﻦ ﺷﺒﺎﻧﻬﻢ ﻗﻢ ﻳﺎ ﻓﻼن ﻓﻘﻞ أﺑﻴﺎﺗﺎ ﺗﺬآﺮ ﻓﻴﻬﺎ ﻓﻀﻠﻚ وﻓﻀﻞ ﻗﻮﻣﻚ ﻓﻘﺎم اﻟﺸﺎب ﻓﻘﺎل :
4
www.daawa-info.net
ﻓﻴﻨﺎ اﻟﺮؤؤس وﻓﻴﻨﺎ ﻳﻘﺴﻢ اﻟﺮﺑﻊ ﻧﺤﻦ اﻟﻜﺮام ﻓﻼ ﺣﻲ ﻳﻔﺎﺧﺮﻧﺎ
ﻣﻦ اﻟﺴﺮف اذا ﻟﻢ ﻳﺆﻧﺲ اﻟﻘﺰع وﻧﻄﻌﻢ اﻟﻨﺎس ﻋﻨﺪ اﻟﻘﺤﻂ آﻠﻬﻢ
اﻧﺎ آﺬﻟﻚ ﻋﻨﺪ اﻟﻔﺨﺮ ﻧﺮﺗﻔﻊ اذا أﺑﻴﻨﺎ ﻓﻼ ﻳﺄﺑﻰ ﻟﻨﺎ أﺣﺪ
ﻗﺎل :ﻓﺄرﺳﻞ رﺳﻮل اﷲ ﺻﻠﻰ اﷲ ﻋﻠﻴﻪ وﺳﻠﻢ اﻟﻰ ﺣﺴﺎن ﺑﻦ ﺛﺎﺑﺖ .ﻓﺎﻧﻄﻠﻖ اﻟﻴﻪ اﻟﺮﺳﻮل .ﻓﻘﺎل :وﻣﺎ ﻳﺮﻳﺪ ﻣﻨﻲ وﻗﺪ آﻨﺖ ﻋﻨﺪﻩ ؟
ﻗﺎل :ﺟﺎءت ﺑﻨﻮ ﺗﻤﻴﻢ ﺑﺸﺎﻋﺮهﻢ و ﺧﻄﻴﺒﻬﻢ ،ﻓﺄﻣﺮ رﺳﻮل اﷲ ﺻﻠﻰ اﷲ ﻋﻠﻴﻪ وﺳﻠﻢ ﺛﺎﺑﺖ ﺑﻦ ﻗﻴﺲ ﻓﺄﺟﺎﺑﻬﻢ وﺗﻜﻠﻢ ﺷﺎﻋﺮهﻢ ،ﻓﺄرﺳﻞ اﻟﻴﻚ
ﺗﺠﻴﺒﻪ ،ﻓﺠﺎء ﺣﺴﺎن ﻓﺄﻣﺮﻩ رﺳﻮل اﷲ ﺻﻠﻰ اﷲ ﻋﻠﻴﻪ وﺳﻠﻢ أن ﻳﺠﻴﺒﻪ ﻓﻘﺎل ﺣﺴﺎن :
ﻋﻠﻰ رﻏﻢ ﺳﺎر ﻣﻦ ﻣﻌﺪ و ﺣﺎﺿﺮ ﻧﺼﺮﻧﺎ رﺳﻮل اﷲ واﻟﺪﻳﻦ ﻋﻔﺮة
اذا ﻃﺎب ورد اﻟﻤﻮت ﺑﻴﻦ اﻟﻌﺴﺎآﺮ أﻟﺴﻨﺎ ﻧﺨﻮض اﻟﻤﻮت ﻓﻲ ﺣﻮﻣﺔ اﻟﻮﻏﻰ
اﻟﻰ ﺣﺴﺐ ﻣﻦ ﺟﺮم ﻏﺴﺎن ﻗﺎهﺮ وﻧﻀﺮب هﺎم اﻟﺪراﻋﻴﻦ وﻧﻨﺘﻤﻲ
ﻋﻠﻰ اﻟﻨﺎس ﺑﺎﻟﺤﻘﻴﻦ هﻞ ﻣﻦ ﻣﻔﺎﺧﺮ ﻓﻠﻮﻻ ﺣﻴﺎء اﷲ ﻗﻠﻨﺎ ﺗﻜﺮﻣﺎ
وأﻣﻮاﻟﻨﺎ ﻣﻦ ﺧﻴﺮ أهﻞ اﻟﻤﻘﺎﺑﺮ ﻓﺄﺣﻴﺎؤﻧﺎ ﻣﻦ ﺧﻴﺮ ﻣﻦ وﻃﻰء اﻟﺤﺼﻰ
ﻗﺎل :ﻓﻘﺎم اﻷﻗﺮع ﺑﻦ ﺣﺎﺑﺲ ﻓﻘﺎل :
اﻧﻲ واﷲ ﻟﻘﺪ ﺟﺌﺖ ﻷﻣﺮ ﻣﺎ ﺟﺎء ﻟﻪ هﺆﻻء ،وﻗﺪ ﻗﻠﺖ ﺷﻌﺮا ﻓﺎﺳﻤﻌﻪ ،ﻓﻘﺎل :هﺎت ،ﻓﻘﺎل :
اذا ﻓﺎﺧﺮوﻧﺎ ﻋﻨﺪ ذآﺮ اﻟﻤﻜﺎرم أﺗﻴﻨﺎك آﻴﻤﺎ ﻳﻌﺮف اﻟﻨﺎس ﻓﻀﻠﻨﺎ
وأن ﻟﻴﺲ ﻓﻲ أرض اﻟﺤﺠﺎز آﻮارم واﻧﺎ رؤؤس اﻟﻨﺎس ﻣﻦ آﻞ ﻣﻌﺸﺮ
ﺗﻜﻮن ﺑﻨﺠﺪ أو ﺑﺄرض اﻟﺘﻬﺎﺋﻢ وأن ﻟﻨﺎ اﻟﻤﺮﺑﺎع ﻓﻲ آﻞ ﻏﺎرة
ﻓﻘﺎل رﺳﻮل اﷲ ﺻﻠﻰ اﷲ ﻋﻠﻴﻪ وﺳﻠﻢ :
ﻗﻢ ﻳﺎ ﺣﺴﺎن ﻓﺄﺟﺐ ،ﻓﻘﺎل :
ﻳﻌﻮد وﺑﺎﻻ ﻋﻨﺪ ذآﺮ اﻟﻤﻜﺎرم ﺑﻨﻲ دارم ﻻ ﺗﻔﺨﺮوا ان ﻓﺨﺮآﻢ
ﻟﻨﺎ ﻣﻦ ﺑﻴﻦ ﻇﺌﺮ و ﺧﺎدم هﺒﻠﺘﻢ ﻋﻠﻴﻨﺎ ﺗﻔﺨﺮوا وأﻧﺘﻢ
وداﻓﺘﻨﺎ ﻣﻦ ﺑﻌﺪ ذآﺮ اﻷآﺎرم وأﻓﻀﻞ ﻣﺎ ﻧﻠﺘﻢ ﻣﻦ اﻟﻤﺠﺪ واﻟﻌﻠﻰ
وأﻣﻮاﻟﻜﻢ أن ﺗﻘﺴﻤﻮا ﻓﻲ اﻟﻤﻘﺎﺳﻢ ﻓﺎن آﻨﺘﻢ ﻟﺤﻘﻦ دﻣﺎﺋﻜﻢ
وﻻ ﺗﻔﺨﺮوا ﻋﻨﺪ اﻟﻨﺒﻲ ﺑﺪارم ﻓﻼ ﺗﺠﻌﻠﻮا ﷲ ﻧﺪا واﺳﻠﻤﻮا
ﻋﻠﻰ هﺎﻣﻜﻢ ﺑﺎﻟﻤﺮهﻔﺎت اﻟﺼﻮارم واﻻ ورب اﻟﺒﻴﺖ ﻣﺎﻟﺖ أآﻔﻨﺎ
5
www.daawa-info.net
ﻗﺎل:
ﻓﻘﺎم اﻷﻗﺮع ﺑﻦ ﺣﺎﺑﺲ ﻓﻘﺎل :ان ﻣﺤﻤﺪا اﻟﻤﻮﻟﻰ ،اﻧﻪ واﷲ ﻣﺎ ادري ﻣﺎ هﺬا اﻷﻣﺮ ،ﺗﻜﻠﻢ ﺧﻄﻴﺒﻨﺎ ﻓﻜﺎن ﺧﻄﻴﺒﻬﻢ أﺣﺴﻦ ﻗﻮﻻ ،وﺗﻜﻠﻢ
ﺷﺎﻋﺮﻧﺎ ﻓﻜﺎن ﺷﺎﻋﺮهﻢ أﺷﻌﺮ ﻣﻦ ﺷﺎﻋﺮﻧﺎ ،ﺛﻢ دﻧﺎ ﻣﻦ اﻟﻨﺒﻲ ﺻﻠﻰ اﷲ ﻋﻠﻴﻪ وﺳﻠﻢ ﻓﻘﺎل :أﺷﻬﺪ أن ﻻ اﻟﻪ اﻻ اﷲ ،وأﻧﻚ رﺳﻮل اﷲ ،ﻓﻘﺎل
اﻟﻨﺒﻲ ﺻﻠﻰ اﷲ ﻋﻠﻴﻪ وﺳﻠﻢ :ﻣﺎ ﻧﺼﺮك ﻣﺎ آﺎن ﻗﺒﻞ هﺬا ،ﺛﻢ أﻋﻄﺎهﻢ رﺳﻮل اﷲ ﺻﻠﻰ اﷲ ﻋﻠﻴﻪ وﺳﻠﻢ وآﺴﺎهﻢ وارﺗﻔﻌﺖ اﻷﺻﻮات وآﺜﺮ
اﻟﻠﻐﻂ ﻋﻨﺪ رﺳﻮل اﷲ ،ﻓﺄﻧﺰل اﷲ هﺬﻩ اﻟىﻴﻪ " :ﻻ ﺗﺮﻓﻌﻮا أﺻﻮاﺗﻜﻢ ﻓﻮق ﺻﻮت اﻟﻨﺒﻲ ،اﻟﻰ ﻗﻮﻟﻪ -وأﺟﺮ ﻋﻈﻴﻢ " – وﻗﺪ أﺟﺰل ﻟﻬﻢ اﻟﻨﺒﻲ
ﺻﻠﻰ اﷲ ﻋﻠﻴﻪ وﺳﻠﻢ اﻟﻌﻄﺎء وأآﺮﻣﻬﻢ ﻓﺄﺳﻠﻤﻮا .
ﻗﺼﺔ وﺣﺪﻳﺚ ﻟﺜﺎﺑﺖ ﺑﻦ ﻗﻴﺲ
ﻗﺼﺔ ﻓﻴﻬﺎ ﻋﺒﺮة وذآﺮى ﺑﻬﺬا اﻟﺼﺤﺎﺑﻲ اﻟﺠﻠﻴﻞ ،وآﻴﻒ آﺎن ﻳﺘﺄﺛﺮ ﺑﺎﻟﻘﺮﺁن .وﺛﺎﺑﺖ هﺬا :هﻮ ﺛﺎﺑﺖ ﺑﻦ ﻗﻴﺲ ﺑﻦ ﺷﻤﺎس اﻟﺨﺰرﺟﻲ
ﻳﻜﻨﻰ أﺑﺎ ﻣﺤﻤﺪ ،وآﺎن ﺧﻄﻴﺒﺎ ﺑﻠﻴﻐﺎ ﻣﻌﺮوﻓﺎ ﺑﺬﻟﻚ ،وآﺎن ﻳﻘﺎل ﻟﻪ ﺧﻄﻴﺐ رﺳﻮل اﷲ ﺻﻠﻰ اﷲ ﻋﻠﻴﻪ وﺳﻠﻢ ؛آﻤﺎ ﻳﻘﺎل ﻟﺤﺴﺎن ﺷﺎﻋﺮ رﺳﻮل
اﷲ ﺻﻠﻰ اﷲ ﻋﻠﻴﻪ وﺳﻠﻢ .
واﻟﻘﺼﺔ ذآﺮهﺎ اﻻﻣﺎم اﻟﻘﺮﻃﺒﻲ رﺣﻤﻪ اﷲ ﻓﻲ ﺗﻔﺴﻴﺮﻩ ﻗﺎل :وﻗﺎل ﻋﻄﺎء اﻟﺨﺮاﺳﺎﻧﻲ :ﺣﺪﺛﺘﻨﻲ اﺑﻨﺔ ﺛﺎﺑﺖ ﺑﻦ ﻗﻴﺲ ﻗﺎﻟﺖ :ﻟﻤﺎ ﻧﺰﻟﺖ
" :ﻳﺎ أﻳﻬﺎ اﻟﺬﻳﻦ ﺁﻣﻨﻮا ﻻ ﺗﺮﻓﻌﻮا أﺻﻮاﺗﻜﻢ ﻓﻮق ﺻﻮت اﻟﻨﺒﻲ " اﻵﻳﺔ :دﺧﻞ أﺑﻮهﺎ ﺑﻴﺘﻪ وأﻏﻠﻖ ﻋﻠﻴﻪ ﺑﺎﺑﻪ ؛ ﻓﻔﻘﺪﻩ اﻟﻨﺒﻲ ﺻﻠﻰ اﷲ ﻋﻠﻴﻪ
وﺳﻠﻢ ﻓﺄرﺳﻞ اﻟﻴﻪ ﻳﺴﺄﻟﻪ ﻣﺎ ﺧﺒﺮﻩ ،ﻓﻘﺎل :أﻧﺎ رﺟﻞ ﺷﺪﻳﺪ اﻟﺼﻮت ؛ أﺧﺎف أن ﻳﻜﻮن ﺣﺒﻂ ﻋﻤﻠﻲ .ﻓﻘﺎل ﻋﻠﻴﻪ اﻟﺴﻼم " :ﻟﺴﺖ ﻣﻨﻬﻢ .ﺑﻞ
ﺗﻌﻴﺶ ﺑﺨﻴﺮ وﺗﻤﻮت ﺑﺨﻴﺮ " .ﻗﺎل " ﺛﻢ أﻧﺰل اﷲ " :ان اﷲ ﻻ ﻳﺤﺐ آﻞ ﻣﺨﺘﺎل ﻓﺨﻮر" ﻓﺄﻏﻠﻖ ﺑﺎﺑﻪ وﻃﻔﻖ ﻳﺒﻜﻲ ؛ ﻓﻔﻘﺪﻩ ﻓﺄرﺳﻞ اﻟﻨﺒﻲ
ﺻﻠﻰ اﷲ ﻋﻠﻴﻪ وﺳﻠﻢ :ﻳﺎ رﺳﻮل اﷲ ،اﻧﻲ أﺣﺐ اﻟﺠﻤﺎل وأﺣﺐ أن أﺳﻮد ﻗﻮﻣﻲ .ﻓﻘﺎل :ﻟﺴﺖ ﻣﻨﻬﻢ ﺑﻞ ﺗﻌﻴﺶ ﺣﻤﻴﺪا وﺗﻘﺘﻞ ﺷﻬﻴﺪا وﺗﺪﺧﻞ
اﻟﺠﻨﺔ " .ﻗﺎﻟﺖ :ﻓﻠﻤﺎ آﺎن ﻳﻮم اﻟﻴﻤﺎﻣﺔ ،ﺧﺮج ﻣﻊ ﺧﺎﻟﺪ ﺑﻦ اﻟﻮﻟﻴﺪ اﻟﻰ ﻣﺴﻴﻠﻤﺔ ﻓﻠﻤﺎ اﻟﺘﻘﻮا اﻧﻜﺸﻔﻮا ،ﻓﻘﺎل ﺛﺎﺑﺖ وﺳﺎﻟﻢ ﻣﻮﻟﻰ أﺑﻲ ﺣﺬﻳﻔﻪ :
ﻣﺎ هﻜﺬا آﻨﺎ ﻧﻘﺎﺗﻞ ﻣﻊ رﺳﻮل اﷲ ﺻﻠﻰ اﷲ ﻋﻠﻴﻪ وﺳﻠﻢ ،ﺛﻢ ﺣﻔﺮ آﻞ واﺣﺪ ﻣﻨﻬﻤﺎ ﻟﻪ ﺣﻔﺮة ﻓﺜﺒﺘﺎ وﻗﺎﺗﻼ ﺣﺘﻰ ﻗﺘﻼ ؛ وﻋﻠﻰ ﺛﺎﺑﺖ ﻳﻮﻣﺌﺬ درع ﻟﻪ
ﻧﻔﻴﺴﺔ ؛ ﻓﻤﺮ ﺑﻪ رﺟﻞ ﻣﻦ اﻟﻤﺴﻠﻤﻴﻦ ﻓﺄﺧﺬهﺎ ؛ ﻓﺒﻴﻨﺎ رﺟﻞ ﻣﻦ اﻟﻤﺴﻠﻤﻴﻦ ﻧﺎﺋﻢ أﻧﺎﻩ ﺛﺎﺑﺖ ﻓﻲ ﻣﻨﺎﻣﻪ ﻓﻘﺎل ﻟﻪ " أوﺻﻴﻚ ﺑﻮﺻﻴﻪ " ﻓﺎﻳﺎك أن
ﺗﻘﻮل هﺬا ﺣﻠﻢ ﻓﺘﻀﻴﻌﻪ ؛ اﻧﻲ ﻟﻤﺎ ﻗﺘﻠﺖ أﻣﺲ ،ﻣﺮ ﺑﻲ رﺟﻞ ﻣﻦ اﻟﻤﺴﻠﻤﻴﻦ ﻓﺄﺧﺬ درﻋﻲ وﻣﻨﺰﻟﻪ ﻓﻲ أﻗﺼﻰ اﻟﻨﺎس ،وﻋﻨﺪ ﺧﺒﺎﺋﻪ ﻳﺴﻨﻦ ﻓﻲ
ﻃﻮﻟﻪ ،وﻗﺪ آﻔﺄ ﻋﻠﻰ اﻟﺪرع ﺑﺮﻣﺔ ،وﻓﻮق اﻟﺒﺮﻣﺔ رﺣﻞ ؛ ﻓﺎت ﺧﺎﻟﺪا ،ﻓﻤﺮﻩ أن ﻳﺒﻌﺚ اﻟﻰ درﻋﻲ ﻓﻴﺎﺧﺬهﺎ ،واذا ﻗﺪﻣﺖ اﻟﻤﺪﻳﻨﺔ ﻋﻠﻰ ﺧﻠﻴﻔﺔ
رﺳﻮل اﷲ ﺻﻠﻰ اﷲ ﻋﻠﻴﻪ وﺳﻠﻢ _ ﻳﻌﻨﻲ أﺑﺎ ﺑﻜﺮ _ ﻓﻘﻞ ﻟﻪ :ان ﻋﻠﻲ ﻣﻦ اﻟﺪﻳﻨﻜﺬا وآﺬا ،وﻓﻼن ﻣﻦ رﻓﻴﻘﻲ ﻋﺘﻴﻖ وﻓﻼن ؛ ﻓﺄﺗﻰ اﻟﺮﺟﻞ ﺧﺎﻟﺪا
ﻓﺄﺧﺒﺮﻩ ؛ ﻓﻴﻌﺚ اﻟﻰ اﻟﺪرع ﻓﺄﺗﻰ ﺑﻬﺎ .وﺣﺪث أﺑﺎ ﺑﻜﺮ ﺑﺮؤﻳﺎﻩ ﻓﺄﺟﺎز وﺻﻴﺘﻪ .ﻗﺎل :وﻻ ﻧﻌﻠﻢ أﺣﺪا أﺟﻴﺰت وﺻﻴﺘﻪ ﺑﻌﺪ ﻣﻮﺗﻪ ﻏﻴﺮ ﺛﺎﺑﺖ ﺑﻦ
ﻗﻴﺲ رﺣﻤﻪ اﷲ .أﺑﻮ ﻋﻤﺮ ﻓﻲ اﻻﺳﺘﻴﻌﺎب ".
وﻓﻲ اﻟﺼﺤﻴﺤﻴﻦ ﻋﻦ أﻧﺲ ﺑﻦ ﻣﺎﻟﻚ أن اﻟﻨﺒﻲ ﺻﻠﻰ اﷲ ﻋﻠﻴﻪ وﺳﻠﻢ اﻓﺘﻘﺪ ﺛﺎﺑﺖ ﺑﻦ ﻗﻴﺲ ﻓﻘﺎل رﺟﻞ :ﻳﺎ رﺳﻮل اﷲ ؛ أﻧﺎ أﻋﻠﻢ ﻟﻚ
ﻋﻠﻤﻪ ؛ﻓﺄﺗﺎﻩ ﻓﻮﺟﺪﻩ ﺟﺎﻟﺴﺎ ﻓﻲ ﺑﻴﺘﻪ ﻣﻨﻜﺴﺎ رأﺳﻪ ؛ ﻓﻘﺎل ﻟﻪ :ﻣﺎ ﺷﺄﻧﻚ ؟ ﻓﻘﺎل :ﺷﺮ ! ﻣﻦ آﺎن ﻳﺮﻓﻊ ﺻﻮﺗﻪ ﻓﻮق ﺻﻮت اﻟﻨﺒﻲ ﺻﻠﻰ اﷲ ﻋﻠﻴﻪ
وﺳﻠﻢ ﻓﻘﺪ ﺣﺒﻂ ﻋﻤﻠﻪ وهﻮ ﻣﻦ أهﻞ اﻟﻨﺎر .ﻓﺄﺗﻰ اﻟﺮﺟﻞ اﻟﻨﺒﻲ ﺻﻠﻰ اﷲ ﻋﻠﻴﻪ وﺳﻠﻢ ﻓﺄﺧﺒﺮﻩ أﻧﻪ ﻗﺎل آﺬا وآﺬا .ﻓﻘﺎل ﻣﻮﺳﻰ :ﻓﺮﺟﻊ اﻟﻴﻪ
اﻟﻤﺮة اﻵﺧﺮة ﺑﺒﺸﺎرة ﻋﻈﻴﻤﻪ ؛ ﻓﻘﺎل :أذهﺐ اﻟﻴﻪ ﻓﻘﻞ ﻟﻪ :واﻧﻚ ﻟﺴﺖ ﻣﻦ أهﻞ اﻟﻨﺎر .وﻟﻜﻨﻚ ﻣﻦ أهﻞ اﻟﺠﻨﺔ ".
رﺣﻢ اﷲ ﺛﺎﺑﺘﺎ اﻟﺸﻬﻴﺪ اﻟﺒﻄﻞ و أأﺳﻜﻨﻪ اﻟﺠﻨﺔ وﺳﺎﺋﺮ ﺻﺤﺎﺑﺔ رﺳﻮل اﷲ اﻟﻜﺮام وﻣﻦ ﺗﺒﻌﻬﻢ ﺑﺎﺣﺴﺎن اﻟﻰ ﻳﻮم اﻟﺪﻳﻦ .
اﻟﺸﺮح واﻟﺘﻔﺴﻴﺮ واﻟﺒﻴﺎن
ﻗﺎل اﷲ ﺗﺒﺎرك وﺗﻌﺎﻟﻰ ﻓﻲ أول ﺳﻮرة اﻟﺤﺠﺮات :
"ﻳﺎ أﻳﻬﺎ اﻟﺬﻳﻦ ﺁﻣﻨﻮا ﻻ ﺗﻘﺪﻣﻮا ﺑﻴﻦ ﻳﺪي اﷲ ورﺳﻮﻟﻪ ،واﺗﻘﻮا اﷲ ان اﷲ ﺳﻤﻴﻊ ﻋﻠﻴﻢ ".
6
www.daawa-info.net
ﻣﻦ اﻟﻤﻌﺮوف أﻧﻪ آﺎن ﻋﻨﺪ اﻟﻌﺮب ﺟﻔﺎء وﻏﺎﻇﺔ .وﺷﺪة ﻓﻲ اﻟﺤﺪﻳﺚ واﻻﺳﻼم اﻟﻌﻈﻴﻢ اﻧﻤﺎ ﺟﺎء ﻟﻴﺒﻌﺚ ﻓﻴﻬﻢ ﻣﻜﺎرم اﻷﺧﻼق .
وﻳﺮﺑﻴﻬﻢ وﻣﻦ ﺁﻣﻦ ﺑﻪ ﻣﻦ اﻷﻣﻢ .ﻋﻠﻰ اﻟﻜﻤﺎﻻت اﻻﻧﺴﺎﻧﻴﻪ واﻟﻔﻀﺎﺋﻞ اﻟﻌﻠﻴﺎ اﻟﺴﺎﻣﻴﺔ .وهﺬﻩ اﻵﻳﺔ ﻣﻦ ﺗﻠﻚ اﻵﻳﺎت اﻟﻘﺮﺁﻧﻴﻪ اﻟﺘﻲ رﺳﻤﺖ ﻟﻬﻢ
ﻃﺮﻳﻖ اﻟﻬﺪي واﻟﺮﺷﺎد .وﻓﻴﻬﺎ ﺑﻴﺎن ﻟﻸدب اﻟﺮﻓﻴﻊ ،أدب اﷲ ﺑﻪ ﻋﺒﺎدﻩ اﻟﻤﺆﻣﻨﻴﻦ ﻓﻴﻤﺎ ﻳﺠﺐ أن ﻳﻌﺎﻣﻠﻮا ﺑﻪ رﺳﻮﻟﻪ اﻷﻣﻴﻦ ﻣﺤﻤﺪا ﺻﻠﻰ اﷲ
ﻋﻠﻴﻪ وﺳﻠﻢ ﻣﻦ اﻟﺘﻮﻓﻴﺮ ،واﻟﺘﺒﺠﻴﻞ ،واﻻﺣﺘﺮام ،واﻻآﺮام .ﻓﻨﺎداهﻢ وﻗﺎل ﻟﻬﻢ " :ﻳﺎ أﻳﻬﺎ اﻟﺬﻳﻦ ﺁﻣﻨﻮا ﻻ ﺗﻘﺪﻣﻮا ﺑﻴﻦ ﻳﺪي اﷲ ورﺳﻮﻟﻪ ".
ﻓﻬﻲ أﻣﺮ ﺑﻤﻜﺎرم اﻷﺧﻼق ،ورﻋﺎﻳﺔ أدب اﻟﺨﻄﺎب ،ﻣﻊ أﺷﺮف ﻣﺨﺎﻃﺐ ،وأﻧﺒﻞ اﻧﺴﺎن ،وأآﺮم رﺳﻮل ،وﺧﻴﺮ اﻟﻌﺎﻟﻤﻴﻦ ،وﺳﻴﺪ اﻟﻤﺼﻄﻔﻴﻦ
اﻷﺧﻴﺎر.
وﻗﻮﻟﻪ ﺗﻌﺎﻟﻰ :ﻻ ﺗﻘﺪﻣﻮا ﺑﻴﻦ ﻳﺪي اﷲ ورﺳﻮﻟﻪ :أي :ﻻ ﺗﺴﺮﻋﻮا ﻓﻲ اﻷﺷﻴﺎء ﺑﻴﻦ ﻳﺪﻳﻪ .أي :ﻗﺒﻠﻪ .ﺑﻞ آﻮﻧﻮا ﺗﺒﻌﺎ ﻟﻪ ﻓﻲ ﺟﻤﻴﻊ
اﻷﻣﻮر وﻓﻲ آﻞ اﻟﺤﺎﻻت .
ﻗﺎل اﺑﻦ ﻋﺒﺎس رﺿﻲ اﷲ ﻋﻨﻪ " :ﻻ ﺗﻘﺪﻣﻮا ﺑﻴﻦ ﻳﺪي اﷲ ورﺳﻮﻟﻪ " .ﻻ ﺗﻘﻮﻟﻮا ﺧﻼف اﻟﻜﺘﺎب واﻟﺴﻨﺔ .وﻗﺎل اﻟﻀﺤﺎك :ﻻ ﺗﻘﻀﻮ
أﻣﺮا دون اﷲ ورﺳﻮﻟﻪ ﻣﻦ ﺷﺮاﺋﻊ دﻳﻨﻜﻢ .
وﻗﺎل اﻟﺮاﻏﺐ :ﻻ ﺗﺴﺒﻘﻮا ﺑﺎﻟﻘﻮل واﻟﺤﻜﻢ .ﺑﻞ اﻓﻌﻠﻮا ﻣﺎ ﻳﺮﺳﻤﻪ ﻟﻜﻢ ،آﻤﺎ هﻮ ﺷﺄن ﻋﺒﺎدﻩ اﻟﻤﻜﺮﻣﻴﻦ ﻣﻦ اﻟﻤﻼﺋﻜﺔ " :ﻻ ﻳﺴﺒﻘﻮﻧﻪ
ﺑﺎﻟﻘﻮل وهﻢ ﺑﺄﻣﺮﻩ ﻳﻌﻤﻠﻮن " .
وﺧﻼﺻﺔ اﻟﻤﻌﻨﻰ ﻋﻠﻰ هﺬﻩ اﻟﻮﺟﻮﻩ :اﻟﻨﻬﻲ ﻋﻦ اﻻﻗﺪام ﻋﻠﻰ أﻣﺮ ﻣﻦ اﻷﻣﻮر دون اﻟﺘﻘﻴﺪ ﺑﻜﺘﺎب اﷲ وﺳﻨﺔ رﺳﻮل اﷲ ﺻﻠﻰ اﷲ ﻋﻠﻴﻪ
وﺳﻠﻢ وهﻮ ﻣﻌﻨﻰ ﻗﻮل اﷲ ﻋﺰ وﺟﻞ " :وﻣﺎ أﺗﺎآﻢ اﻟﺮﺳﻮل ﻓﺨﺬوﻩ ،وﻣﺎ ﻧﻬﺎآﻢ ﻋﻨﻪ ﻓﺎﻧﺘﻬﻮا واﺗﻘﻮا اﷲ ،ان اﷲ ﺷﺪﻳﺪ اﻟﻌﻘﺎب " .
أي :ﻻ ﺗﻘﺪﻣﻮا ﻗﻮﻻ وﻻ ﻓﻌﻼ ﺑﻴﻦ ﻳﺪي اﷲ .وﻗﻮل رﺳﻮﻟﻪ ﺻﻠﻰ اﷲ ﻋﻠﻴﻪ وﺳﻠﻢ وﻓﻌﻠﻪ ﻓﻴﻤﺎ ﺳﺒﻴﻠﻪ أن ﺗﺄﺧﺬوﻩ ﻋﻨﻪ ﻣﻦ أﻣﺮ اﻟﺪﻳﻦ
واﻟﺪﻧﻴﺎ .وﻣﻦ ﻗﺪم ﻗﻮﻟﻪ أو ﻓﻌﻠﻪ ﻋﻠﻰ اﻟﺮﺳﻮل ﺻﻠﻰ اﷲ ﻋﻠﻴﻪ وﺳﻠﻢ ﻓﻘﺪ ﻗﺪﻣﻪ ﻋﻠﻰ اﷲ ﺗﻌﺎﻟﻰ ،ﻷن اﻟﺮﺳﻮل اﻧﻤﺎ ﻳﺄﻣﺮ ﻋﻦ أﻣﺮ اﻟﻠﻊ ﻋﺰ
وﺟﻞ " .وﻣﺎ ﻳﻨﻄﻖ ﻋﻦ اﻟﻬﻮى ان هﻮ اﻻ وﺣﻲ ﻳﻮﺣﻰ ".
وﻳﺪﺧﻞ ﻓﻲ ﻋﻤﻮم هﺬا اﻷدب اﻟﺸﺮﻋﻲ ﺣﺪﻳﺚ ﻣﻌﺎذ ﺑﻦ ﺟﺒﻞ رﺿﻲ اﻟﻠﻊ ﻋﻨﻪ ﺣﻴﺚ ﻗﺎل ﻟﻪ اﻟﻨﺒﻲ ﺻﻠﻰ اﷲ ﻋﻠﻴﻪ وﺳﻠﻢ ﺣﻴﻦ ﺑﻌﺜﻪ اﻟﻰ
اﻟﻴﻤﻦ " :ﺑﻢ ﺗﺤﻜﻢ ؟ " ﻗﺎل :ﺑﻜﺘﺎب اﷲ ﺗﻌﺎﻟﻰ :ﻗﺎل ﺻﻠﻰ اﷲ ﻋﻠﻴﻪ وﺳﻠﻢ " :ﻓﺎن ﻟﻢ ﺗﺠﺪ ؟ " ﻗﺎل :ﺑﺴﻨﺔ رﺳﻮل اﷲ ﺻﻠﻰ اﷲ ﻋﻠﻴﻪ وﺳﻠﻢ
،ﻗﺎل :ﻓﺎن ﻟﻢ ﺗﺠﺪ ؟" ﻗﺎل رﺿﻲ اﷲ ﻋﻨﻪ :اﺟﺘﻬﺪ رأﻳﻲ .ﻓﻀﺮب ﻓﻲ ﺻﺪرﻩ وﻗﺎل " :اﻟﺤﻤﺪ ﷲ اﻟﺬي وﻓﻖ رﺳﻮل رﺳﻮل اﷲ ﻟﻤﺎ ﻳﺮﺿﻲ
رﺳﻮل اﷲ " .
وﻟﻘﺪ أﺧﺮ ﻣﻌﺎذ رﺿﻲ اﷲ ﻋﻨﻪ رأﻳﻪ وﻧﻈﺮﻩ واﺟﺘﻬﺎدﻩ اﻟﻰ ﻣﺎ ﺑﻌﺪ اﻟﻜﺘﺎب واﻟﺴﻨﺔ .وﻟﻮ ﻗﺪﻣﻪ ﻗﺒﻞ اﻟﺒﺤﺚ ﻋﻨﻬﻤﺎ ﻟﻜﺎن ﻣﻦ ﺑﺎب اﻟﺘﻘﺪﻳﻢ
ﺑﻴﻦ ﻳﺪي اﷲ ورﺳﻮﻟﻪ ،وﻗﺪ ﻧﻬﻰ اﷲ ﺗﺒﺎرك وﺗﻌﺎﻟﻰ ﻋﻨﻪ ﻓﻲ هﺬﻩ اﻵﻳﺔ اﻟﻜﺮﻳﻤﺔ ﻣﻦ أول ﺳﻮرة اﻟﺤﺠﺮات .وهﺬا اﻷﻣﺮ ﻋﺎم ﺷﺎﻣﻞ ﻟﻜﻞ أﻣﺮ
وﻟﻜﻞ ﺣﻜﻢ ﻓﻼ ﻳﺠﻮز ﻟﻠﻤﺴﻠﻢ أن ﻳﻘﺪم أي ﻋﻤﻞ ﻣﺎ ﻟﻢ ﻳﻜﻦ ﻣﻮاﻓﻘﺎ ﻟﻜﺘﺎب اﷲ أو ﺳﻨﺔ رﺳﻮﻟﻪ ﺻﻠﻰ اﷲ ﻋﻠﻴﻪ وﺳﻠﻢ .واﻻ آﺎن ﻣﻦ ﺑﺎب اﻟﺘﻘﺪﻳﻢ
ﺑﻴﻦ ﻳﺪي اﷲ ورﺳﻮﻟﻪ .وهﺬا ﻣﺎ ﻳﺠﺐ أن ﻳﺘﺤﺎﺷﺎﻩ اﻟﻤﺴﻠﻢ .ﻓﻔﻲ اﻟﺘﻘﺪﻳﻢ ﺑﻴﻦ ﻳﺪي اﷲ ورﺳﻮاﻩ اﻟﻬﻼك واﻟﺨﺴﺎرة واﺣﺒﺎط اﻟﻌﻤﻞ .
واﺗﻘﻮا اﷲ :
أي اﺟﻌﻠﻮﻩ وﻗﺎﻳﺔ ﺑﻴﻨﻜﻢ وﺑﻴﻦ ﺳﺨﻂ اﷲ ،وﻏﻀﺒﻪ ،وﻋﺬاﺑﻪ اﻷﻟﻴﻢ اﻟﺸﺪﻳﺪ ،وﻻ ﺗﺒﺘﻨﻰ هﺬﻩ اﻷﺳﻮار اﻟﻮاﻗﻴﺔ ،وﻻ ﺗﺘﺤﻘﻖ هﺬﻩ
اﻟﺘﻘﻮى اﻟﻤﻨﺠﻴﺔ اﻟﺘﻲ أﻣﺮ اﷲ ﺑﻬﺎ اﻻ ﺑﺎﺗﺒﺎع أواﻣﺮﻩ ﺗﻌﺎﻟﻰ واﺟﺘﺘﺎب ﻧﻮاهﻴﻪ .واﻟﻮﻗﻮف ﻋﻨﺪ اﻟﺤﺪود اﻟﺘﻲ ﺑﻴﻨﺘﻬﺎ ﻟﻠﻨﺎس وﺣﺬرهﻢ ﻣﻦ ﺗﻌﺪﻳﻬﺎ .
وﻣﻦ ﺗﻘﻮى اﷲ اﻻ ﻳﻘﺪم اﻟﻤﺴﻠﻢ ﺑﻴﻦ ﻳﺪي اﷲ ورﺳﻮﻟﻪ ،ﻗﻮﻻ ،أو ﻓﻌﻼ أو ﻋﻤﻼ أو ﺧﻠﻘﺎ ﻟﻢ ﻳﺄت ﺑﻪ اﻻﺳﻼم ،ﻓﻬﻮ وﻗﺎف ﻋﻨﺪﻣﺎ أوﻗﻔﻪ اﷲ .ﻻ
ﻳﺘﺤﺮك ﺧﻄﻮة اﻻ ﻓﻲ ﻃﺮﻳﻖ واﺿﺤﺔ ﺑﻴﻨﺔ ﻳﺄﻣﻦ ﻓﻴﻬﺎ اﻟﺰﻟﻞ واﻟﻌﺜﺎر ،ﻷﻧﻬﺎ ﻃﺮﻳﻖ اﷲ وﺳﺒﻴﻞ اﻟﻤﺆﻣﻨﻴﻦ ،وﻃﺮﻳﻖ رﺳﻮﻟﻪ واﻟﺼﺤﺎﺑﺔ
واﻟﺘﺎﺑﻌﻴﻦ .
ان اﷲ ﺳﻤﻴﻊ ﻋﻠﻴﻢ :
ﻳﺴﻤﻊ ﻣﺎ ﺗﻨﻄﻘﻮن ،وﻳﻌﻠﻢ ﻣﺎ ﺗﻌﻠﻤﻮن ،ﻻ ﺗﺨﻔﻰ ﻋﻠﻴﻪ ﺧﺎﻓﻴﺔ ﻓﻲ اﻷرض وﻻ ﻓﻲ اﻟﺴﻤﺎء ،ﻓﻬﻮ ﻋﺰ وﺟﻞ ﻳﻌﻠﻢ اﻟﻤﺴﻤﻮﻋﺎت آﻠﻬﺎ .
وﺳﻴﺠﺎري ﻋﻠﻴﻬﺎ ان ﺧﻴﺮا ﻓﺨﻴﺮ ،وان ﺷﺮا ﻓﺸﺮ .
7
www.daawa-info.net
وآﻞ ﻣﻮﺿﻊ أﺛﺒﺖ اﷲ ﻓﻴﻪ اﻟﺴﻤﻊ ﻟﻠﻤﺆﻣﻨﻴﻦ ،أو ﻧﻔﺎﻩ ﻋﻦ اﻟﻜﺎﻓﺮﻳﻦ أو ﺣﺚ ﻋﻠﻴﻪ ﻓﻲ آﺘﺎﺑﻪ اﻟﻜﺮﻳﻢ ،ﻓﺎﻟﻘﺼﺪ ﺑﻪ ﺗﺼﻮر اﻟﻤﻌﻨﻰ
واﻟﺘﻔﻜﻴﺮ ﻓﻴﻪ واﻻﻋﺘﺒﺎر ﺑﻪ ﻗﺎل ﺗﻌﺎﻟﻰ " :اﻟﺬﻳﻦ ﻳﺴﺘﻤﻌﻮن اﻟﻘﻮل ﻓﻴﺘﺒﻌﻮن أﺣﺴﻨﻪ " .
وﻗﺎل ﺗﻌﺎﻟﻰ " :ان ﻓﻲ ذﻟﻚ ﻵﻳﺔ ﻟﻘﻮم ﻳﺴﻤﻌﻮن " .
واﷲ ﺳﺒﺤﺎﻧﻪ ﻳﻌﻠﻢ اﻟﻤﺴﻤﻮﻋﺎت ،وﻳﻌﻠﻢ اﻟﻤﺮاد ﻣﻨﻬﺎ ،وﻳﻌﻠﻢ ﻣﺎ ﻓﻲ ﺿﻤﻴﺮ اﻻﻧﺴﺎن ،وﻳﻌﻠﻢ ﻣﺎ ﺗﻮﺳﻮس ﺑﻪ ﻧﻔﺴﻚ وهﻮ أﻗﺮب اﻟﻴﻚ
ﻣﻦ ﺣﺒﻞ اﻟﻮرﻳﺪ .ﻓﺄﻳﻦ ﺗﺬهﺐ ﺑﺎﻟﻤﻌﺼﻴﺔ وهﻮ ﻣﻌﻚ أﻳﻨﻤﺎ آﻨﺖ ؟ وأﻳﻦ ﺗﺬهﺐ ﺑﻘﺎﻟﺔ اﻟﺴﻮء ؟ وهﻮ ﻳﺴﻤﻊ ﺳﺮك وﻧﺠﻮاك ؟
ﻗﺎل ﺗﻌﺎﻟﻰ " :ﻣﺎ ﻳﻜﻮن ﻣﻦ ﻧﺠﻮى ﺛﻼﺛﺔ اﻻ هﻮ راﺑﻌﻬﻢ .وﻻ ﺧﻤﺴﺔ اﻻ هﻮ ﺳﺎدﺳﻬﻢ .وﻻ أدﻧﻰ ﻣﻦ ذﻟﻚ وﻻ أآﺜﺮ اﻻ هﻮ ﻣﻌﻬﻢ أﻳﻨﻤﺎ
آﺎﻧﻮا .ﺛﻢ ﻳﻨﺒﺌﻬﻢ ﺑﻤﺎ ﻋﻤﻠﻮا ﻳﻮم اﻟﻘﻴﺎﻣﺔ ان ﺷﺎء اﷲ ﺑﻜﻞ ﺷﻴﺊ ﻋﻠﻴﻢ " .
_ " ﺷﻜﻮى اﻣﺮاة ﻳﺴﻤﻌﻬﺎ اﻟﻠﻊ ﻋﺰ وﺟﻞ ﻣﻦ ﻓﻮق ﺳﺒﻊ ﺳﻤﺎوات " .
واﻟﻰ اﻟﻘﺮاء أﺳﻮق هﺬﻩ اﻟﻘﺼﺔ اﻟﺘﻲ ﺳﻤﻌﻬﺎ اﷲ ﺗﻌﺎﻟﻰ ﻣﻦ ﻓﻮق ﺳﺒﻊ ﺳﻤﺎوات ،وﻗﺪ روﺗﻬﺎ أم اﻟﻤﺆﻣﻨﻴﻦ ﻋﺎﺋﺸﺔ رﺿﻲ اﷲ ﻋﻨﻬﺎ
وهﻲ ﻓﻲ ﺑﻴﺖ رﺳﻮل اﷲ ﺻﻠﻰ اﷲ ﻋﻠﻴﻪ وﺳﻠﻢ .وآﺎﻧﺖ ﺗﺘﺒﻴﻦ وﺗﺴﻤﻊ ﺑﻌﺾ اﻟﻜﻼم وﻻ ﺗﺴﻤﻊ اﻟﺒﻌﺾ اﻵﺧﺮ ﻣﻨﻪ .ﻗﺎﻟﺖ ﻋﺎﺋﺸﺔ رﺿﻲ اﷲ
ﻋﻨﻬﻞ :ﺗﺒﺎرك اﻟﺬي أوﻋﻰ ﺳﻤﻌﻪ آﻞ ﺷﻲء ،اﻧﻲ ﻷﺳﻤﻊ آﻼم ﺧﻮﻟﺔ ﺑﻨﺖ ﺛﻌﻠﺒﺔ وﻳﺨﻔﻰ ﻋﻠﻲ ﺑﻌﻀﻪ وهﻲ ﺗﺸﺘﻜﻲ زوﺟﻬﺎ اﻟﻰ رﺳﻮل اﷲ
ﺻﻠﻰ اﷲ ﻋﻠﻴﻪ وﺳﻠﻢ وهﻲ ﺗﻘﻮل :ﻳﺎ رﺳﻮل اﷲ :أآﻞ ﻣﺎﻟﻲ وأﻓﻨﻰ ﺷﺒﻠﺒﻲ وﻧﺜﺮت ﻟﻪ ﺑﻄﻨﻲ ﺣﺘﻰ أذا آﺒﺮت ﺳﻨﻲ واﻧﻘﻄﻊ وﻟﺪي ﻇﺎهﺮ ﻣﻨﻲ ،
وان ﻟﻲ ﺻﺒﻴﺔ ﺻﻐﺎرا ان ﺿﻤﻤﺘﻬﻢ اﻟﻴﻪ ﺿﺎﻋﻮا ،وان ﺿﻤﻤﺘﻬﻢ اﻟﻲ ﺟﺎﻋﻮا .
ﻓﻘﺎل ﻟﻬﺎ رﺳﻮل اﷲ ﺻﻠﻰ اﷲ ﻋﻠﻴﻪ وﺳﻠﻢ :ﻣﺎ ﻋﻨﺪي ﻓﻲ أﻣﺮك ﺷﻲء .
وروى أﻧﻪ ﻗﺎل ﻟﻬﺎ ﺣﺮﻣﺖ ﻋﻠﻴﻪ .ﻓﻘﺎﻟﺖ :ﻳﺎ رﺳﻮل اﷲ ﻣﺎ ذآﺮ ﻃﻼﻗﺎ واﻧﻤﺎ هﻮ أﺑﻲ وﻟﺪي ،وأﺣﺐ اﻟﻨﺎس اﻟﻲ ﻓﻘﺎل :ﺣﺮﻣﺖ ﻋﻠﻴﻪ .
ﻓﻘﺎﻟﺖ أﺷﻜﻮ اﻟﻰ اﷲ ﻓﺎﻗﺘﻲ ووﺟﺪي .وآﻠﻤﺎ ﻗﺎل ﻟﻬﺎ اﻟﺮﺳﻮل ﺻﻠﻰ اﷲ ﻋﻠﻴﻪ وﺳﻠﻢ ﺣﺮﻣﺖ ﻋﻠﻴﻪ هﺘﻔﺖ ﺑﻘﻠﺐ ﻣﻨﻜﺴﺮ وﺷﻜﺖ أﻣﺮهﺎ اﻟﻰ اﷲ
اﻟﺴﻤﻴﻊ اﻟﻌﻠﻴﻢ .
ﻗﺎﻟﺖ ﻋﺎﺋﺸﺔ رﺿﻲ اﷲ ﻋﻨﻬﺎ :ﻓﻤﺎ ﺑﺮﺣﺖ ﺣﺘﻰ ﻧﺰل ﺟﺒﺮﻳﻞ ﺑﻘﻮل اﷲ ﺗﺒﺎرك وﺗﻌﺎﻟﻰ " :ﻗﺪ ﺳﻤﻊ اﷲ ﻗﻮل اﻟﺘﻲ ﺗﺠﺎدﻟﻚ ﻓﻲ زوﺟﻬﺎ
وﺗﺸﺘﻜﻲ اﻟﻰ اﷲ ،واﷲ ﻳﺴﻤﻊ ﺗﺤﺎورآﻤﺎ ان اﷲ ﺳﻤﻴﻊ ﺑﺼﻴﺮ " .
ﻓﻘﺪ ﺳﻤﻊ اﷲ ﺷﻜﻮى هﺬﻩ اﻟﻤﺮأة ﻣﻦ ﻓﻮق ﺳﺒﻊ ﺳﻤﺎوات وﻋﺎﺋﺸﺔ رﺿﻲ اﷲ ﻋﻨﻬﺎ آﺎﻧﺖ ﺗﺴﻤﻊ ﺑﻌﺾ اﻟﻜﻠﻤﺎت وﻻ ﺗﻜﺎد ﺗﺴﻤﻊ
اﻟﺒﻌﺾ اﻵﺧﺮ .وهﻲ ﺑﺒﻴﺖ رﺳﻮل اﷲ ﺻﻠﻰ اﷲ ﻋﻠﻴﻪ وﺳﻠﻢ .وﻗﺪ ﺣﻀﺮت هﺬا اﻟﻤﺸﻬﺪ اﻟﻌﻈﻴﻢ اﻟﺬي ﺗﺠﻠﻰ ﻋﻠﻴﻪ اﷲ ﺑﻠﻄﻔﻪ وﻋﻄﻔﻪ وﺣﻨﺎﻧﻪ
ﻓﺄﻧﺰل ﻗﺮﺁﻧﺎ ﻳﺘﻠﻰ إﻟﻰ ﻳﻮم اﻟﺪﻳﻦ ﺑﺸﺄن هﺬﻩ اﻟﻤﺮأة وهﻲ ﺧﻮﻟﺔ ﺑﻨﺖ ﺛﻌﻠﺒﺔ وزوﺟﻬﺎ أوس ﺑﻦ اﻟﺼﺎﻣﺖ أﺧﻮ ﻋﺒﺎدة ﺑﻦ اﻟﺼﺎﻣﺖ ،وآﺎن ﺑﻪ ﻟﻤﻢ
وآﺎن إذا إﺷﺘﺪ ﻟﻤﻤﻪ ﻳﻈﺎهﺮ ﻣﻦ إﻣﺮأﺗﻪ وإذا ذهﺐ ﻋﻨﻪ ﻟﻢ ﻳﻘﻞ ﺷﻴﺌﺎ.
واﻟﻈﻬﺎر آﺎن ﻃﻼق اﻟﺠﺎهﻠﻴﺔ ،وﻟﻜﻦ هﺬﻩ اﻟﺤﺎدﺛﺔ أﻧﺰﻟﺖ اﻟﻔﺘﻮى وﺣﺪت ﻣﻦ ﺷﺄن اﻟﺮﺟﺎل ﻓﻲ إﺳﺘﻌﻤﺎل اﻟﻈﻬﺎر آﻌﻘﺎب ﻟﻠﻨﺴﺎء ﻓﻘﺎل
ﺗﻌﺎﻟﻰ " :اﻟﺬﻳﻦ ﻳﻈﺎهﺮون ﻣﻨﻜﻢ ﻣﻦ ﻧﺴﺎﺋﻬﻢ ﻣﺎ هﻦ أﻣﻬﺎﺗﻬﻢ ،إن أﻣﻬﺎﺗﻬﻢ إﻻ اﻻﺋﻲ وﻟﺪﻧﻬﻢ وإﻧﻬﻢ ﻟﻴﻘﻮﻟﻮن ﻣﻨﻜﺮا ﻣﻦ اﻟﻘﻮل وزورا وإن اﷲ
ﻟﻌﻔﻮ ﻏﻔﻮر".اﻵﻳﺔ.
وﻣﺎ دﻣﺖ ﻗﺪ ﺗﻄﺮﻗﺖ إﻟﻰ هﺬﻩ اﻟﻘﺼﺔ ﻓﺄﺣﺐ أن أﺗﻤﻬﺎ ﻓﻔﻴﻬﺎ ﺑﺎﻟﻐﺎت،وآﺎﻧﺖ ﺧﻮﻟﺔ ﺑﻨﺖ ﺛﻌﻠﺒﺔ ﺗﻘﻮل :ﻓﻲ واﷲ وﻓﻲ أوس ﺑﻦ اﻟﺼﺎﻣﺖ
أﻧﺰل اﷲ ﺻﺪر ﺳﻮرة اﻟﻤﺠﺎدﻟﺔ .آﻨﺖ ﻋﻨﺪﻩ وآﺎن ﺷﻴﺨﺎ آﺒﻴﺮا ﻗﺪ ﺳﺎء ﺧﻠﻘﻪ .ﻓﺪﺧﻞ ﻋﻠﻲ ﻳﻮﻣﺎ ﻓﺮاﺟﻌﺘﻪ ﺑﺸﻲء ﻓﻐﻀﺐ ﻓﻘﺎل :أﻧﺖ ﻋﻠﻲ آﻈﻬﺮ
أﻣﻲ .ﻗﺎﻟﺖ :ﺛﻢ ﺧﺮج ﻓﺠﻠﺲ ﻓﻲ ﻧﺎدي ﻗﻮﻣﻪ ﺳﺎﻋﺔ ﺛﻢ دﺧﻞ ﻋﻠﻲ .ﻓﺈذا هﻮ ﻳﺮﻳﺪﻧﻲ ﻋﻦ ﻧﻔﺴﻲ.ﻓﺄﺑﻴﺖ وﻗﻠﺖ :آﻼ واﻟﺬي ﻧﻔﺲ ﺧﻮﻳﻠﺔ ﺑﻴﺪﻩ ،ﻻ
ﺗﺨﻠﺺ إﻟﻲ وﻗﺪ ﻗﻠﺖ ﻣﺎ ﻗﻠﺖ ﺣﺘﻰ ﻳﺤﻜﻢ اﷲ ورﺳﻮﻟﻪ ﻓﻴﻨﺎ ﺑﺤﻜﻤﻪ.
ﺛﻢ ﻗﺎﻟﺖ :ﻓﺨﺮﺟﺖ إﻟﻰ ﺑﻌﺾ ﺟﺎراﺗﻲ ﻓﺈﺳﺘﻌﺮت ﻣﻨﻬﺎ ﺛﻴﺎﺑﺎ .ﺛﻢ ﺧﺮﺟﺖ ﺣﺘﻰ ﺟﺌﺖ إﻟﻰ رﺳﻮل اﷲ ﺻﻠﻰ اﷲ ﻋﻠﻴﻪ وﺳﻠﻢ ﻓﺠﻠﺴﺖ ﺑﻴﻦ
ﻳﺪﻳﻪ .ﻓﺬآﺮت ﻟﻪ ﻣﺎ ﻟﻘﻴﺖ ﻣﻨﻪ وﺟﻌﻠﺖ أﺷﻜﻮ إﻟﻴﻪ ﻣﺎ أﻟﻘﻰ ﻣﻦ ﺳﻮء ﺧﻠﻘﻪ ،ﻗﺎﻟﺖ :ﻓﺠﻌﻞ رﺳﻮل اﷲ ﺻﻠﻰ اﷲ ﻋﻠﻴﻪ وﺳﻠﻢ ﻳﻘﻮل :ﻳﺎ ﺧﻮﻳﻠﺔ
اﺑﻦ ﻋﻤﻚ ﺷﻴﺦ آﺒﻴﺮ ﻓﺈﺗﻘﻲ اﷲ ﻓﻴﻪ .ﻗﺎﻟﺖ :ﻓﻮاﷲ ﻣﺎ ﺑﺮﺣﺖ ﺣﺘﻰ ﻧﺰل ﻓﻲ ﻗﺮﺁن.
8
www.daawa-info.net
ﻓﺘﻐﺸﻰ رﺳﻮل اﷲ ﺻﻠﻰ اﷲ ﻋﻠﻴﻪ وﺳﻠﻢ ﻣﺎ آﺎن ﻳﺘﻐﺸﺎﻩ ﺛﻢ ﺳﺮي ﻋﻨﻪ ﻓﻘﺎل ﻟﻲ :ﻳﺎ ﺧﻮﻳﻠﺔ ﻗﺪ أﻧﺰل اﷲ ﻓﻴﻚ وﻓﻲ ﺻﺎﺣﺒﻚ ﻗﺮﺁﻧﺎ ،ﺛﻢ
ﻗﺮأ ﻋﻠﻲ":ﻗﺪ ﺳﻤﻊ اﷲ ﻗﻮل اﻟﺘﻲ ﺗﺠﺎدﻟﻚ ﻓﻲ زوﺟﻬﺎ وﺗﺸﺘﻜﻲ إﻟﻰ اﷲ واﷲ ﻳﺴﻤﻊ ﺗﺤﺎورآﻤﺎ إن اﷲ ﺳﻤﻴﻊ ﺑﺼﻴﺮ.إﻟﻰ ﻗﻮﻟﻪ":وﻟﻠﻜﺎﻓﺮﻳﻦ
ﻋﺬاب أﻟﻴﻢ.
ﻗﺎﻟﺖ :ﻓﻘﺎل ﻟﻲ رﺳﻮل اﷲ ﺻﻠﻰ اﷲ ﻋﻠﻴﻪ وﺳﻠﻢ ":ﻣﺮﻳﻪ ﻓﻠﻴﻌﺘﻖ رﻗﺒﺔ".ﻓﻘﻠﺖ :ﻳﺎ رﺳﻮل اﷲ ﻣﺎ ﻋﻨﺪﻩ ﻣﺎ ﻳﻌﺘﻖ ،ﻗﺎل ":ﻓﻠﻴﺼﻢ
ﺷﻬﺮﻳﻦ ﻣﺘﺘﺎﺑﻌﻴﻦ" ،ﻗﺎﻟﺖ :ﻓﻘﻠﺖ :واﷲ إﻧﻪ ﻟﺸﻴﺦ آﺒﻴﺮ ﻣﺎ ﻟﻪ ﻣﻦ ﺻﻴﺎم .ﻗﺎل :ﻓﻠﻴﻄﻌﻢ ﺳﺘﻴﻦ ﻣﺴﻜﻴﻨﺎ وﺳﻘﺎ ﻣﻦ ﺗﻤﺮ .ﻗﺎﻟﺖ :ﻓﻘﻠﺖ :واﷲ ﻳﺎ
رﺳﻮل اﷲ ﻣﺎ داك ﻋﻨﺪﻩ .ﻗﺎﻟﺖ :ﻓﻘﺎل رﺳﻮل اﷲ ﺻﻠﻰ اﷲ ﻋﻠﻴﻪ وﺳﻠﻢ ﻓﺈﻧﺎ ﺳﻨﻌﻴﻨﻪ ﺑﻔﺮق ﻣﻦ ﺗﻤﺮ .ﻗﺎﻟﺖ :ﻓﻘﻠﺖ :ﻳﺎ رﺳﻮل اﷲ وأﻧﺎ
ﺳﺄﻋﻴﻨﻪ ﺑﻔﺮق ﺁﺧﺮ .ﻗﺎل ":ﻗﺪ أﺻﺒﺖ وأﺣﺴﻨﺖ ﻓﺈذهﺒﻲ ﻓﺘﺼﺪﻗﻲ ﺑﻪ ﻋﻨﻪ ،ﺛﻢ إﺳﺘﻮﺻﻲ ﺑﺈﺑﻦ ﻋﻤﻚ ﺧﻴﺮا .ﻗﺎﻟﺖ ﻓﻔﻌﻠﺖ.
هﺬﻩ ﻗﺼﺔ ﺧﻮﻟﺔ ﺑﻨﺖ ﺛﻌﻠﺒﺔ ،وآﻞ إﻣﺮأة ﻣﻨﺬ ﻧﺰﻟﺖ هﺬﻩ اﻵﻳﺔ ﻓﻲ ﺳﻮرة اﻟﻤﺠﺎدﻟﺔ إﻟﻰ اﻵن وإﻟﻰ ﻳﻮم اﻟﺪﻳﻦ ﻓﻬﻲ ﺧﻮﻟﺔ ﺑﻨﺖ ﺛﻌﻠﺒﺔ.
ﻓﺈذا ﻃﻠﻘﺖ اﻟﻤﺮأة ﺑﻐﻴﺮ ﺳﺒﺐ و إﻋﺘﺪى ﻋﻠﻴﻬﺎ زوﺟﻬﺎ ﻓﻔﺎرﻗﻬﺎ ﻇﻠﻤﺎ وﻋﺪواﻧﺎ ،ﺛﻢ ﺷﻜﺖ أﻣﺮهﺎ إﻟﻰ اﷲ ﻓﺎﷲ ﺗﺒﺎرك وﺗﻌﺎﻟﻰ ﻳﺴﻤﻊ ﺷﻜﻮاهﺎ
وﻳﺴﺘﺠﻴﺐ ﻟﻨﺪاﺋﻬﺎ ودﻋﺎﺋﻬﺎ " :وإﺗﻘﻮا دﻋﻮة اﻟﻤﻈﻠﻮم ﻓﺈﻧﻪ ﻟﻴﺲ ﺑﻴﻨﻬﺎ وﺑﻴﻦ اﷲ ﺣﺠﺎب".
ﻟﻘﺎء ﻋﻤﺮ ﻣﻊ ﺧﻮﻟﺔ
وذآﺮ اﻟﺮواة ﻋﻦ ﻟﻘﺎء ﻋﻤﺮ ﺑﻦ اﻟﺨﻄﺎب رﺿﻲ اﷲ ﻋﻨﻪ ﻟﺨﻮﻟﺔ ﺑﻨﺖ ﺛﻌﻠﺒﺔ .هﺬﻩ اﻟﻤﺮأة اﻟﺘﻲ أآﺮﻣﻬﺎ اﷲ .ﻓﺴﻤﻊ ﻟﺸﻜﻮاهﺎ ﻣﻦ ﻓﻮق
ﺳﺒﻊ ﺳﻤﺎوات ،ورﻓﻊ ﻋﺰ وﺟﻞ ﻣﻦ ﺷﺄن اﻟﻤﺮأة ﺑﻬﺬﻩ اﻻﺳﺘﺠﺎﺑﺔ اﻟﺮﺑﺎﻧﻴﺔ ﻟﻬﺬﻩ اﻟﻤﺮأة اﻟﻤﻈﻠﻮﻣﺔ.
ﻗﺎﻟﻮا :ﻟﻘﻴﺖ اﻣﺮأة ﻋﻤﺮ ﻳﻘﺎل ﻟﻬﺎ ﺧﻮﻟﺔ ﺑﻨﺖ ﺛﻌﻠﺒﺔ وهﻮ ﻳﺴﻴﺮ ﻣﻊ اﻟﻨﺎس .ﻓﺎﺳﺘﻮﻗﻔﺘﻪ .ﻓﻮﻗﻒ ﻟﻬﺎ ،ودﻧﺎ ﻣﻨﻬﺎ ،وأﺻﻔﻰ اﻟﻴﻬﺎ رأﺳﻪ
ووﺿﻊ ﻳﺪﻳﻪ ﻋﻠﻰ ﻣﻨﻜﺒﻴﻬﺎ ،ﺣﺘﻰ ﻗﻀﺖ ﺣﺎﺟﺘﻬﺎ ،واﻧﺼﺮﻓﺖ ،ﻓﻘﺎل ﻟﻪ اﻟﺮﺟﻞ :ﻳﺎ أﻣﻴﺮ اﻟﻤﺆﻣﻨﻴﻦ ﺣﺒﺴﺖ رﺟﺎﻻت ﻗﺮﻳﺶ ﻋﻠﻰ هﺬﻩ اﻟﻌﺠﻮز
،ﻗﺎل :وﻳﺤﻚ وﺗﺪري ﻣﻦ هﺬﻩ ؟ ﻗﺎل :ﻻ .ﻗﺎل :هﺬﻩ اﻣﺮأة ﺳﻤﻊ اﷲ ﺷﻜﻮاهﺎ ﻣﻦ ﻓﻮق ﺳﺒﻊ ﺳﻤﻮات .هﺬﻩ ﺧﻮﻟﺔ ﺑﻨﺖ ﺛﻌﻠﺒﺔ واﷲ ﻟﻮ ﻟﻢ
ﺗﻨﺼﺮﻓﻌﻨﻲ اﻟﻰ اﻟﻠﻴﻞ ﻣﺎ اﻧﺼﺮﻓﺖ ﻋﻨﻬﺎ ﺣﺘﻰ ﺗﻘﻀﻲ ﺣﺎﺟﺘﻬﺎ اﻟﻰ أن ﺗﺤﻀﺮ ﺻﻼة ﻓﺄﺻﻠﻴﻬﺎ ﺛﻢ أرﺟﻊ اﻟﻴﻬﺎ ﺣﺘﻰ ﺗﻘﻀﻲ ﺣﺎﺟﺘﻬﺎ " .
هﺬﻩ ﻗﺼﺔ ﻓﻴﻬﺎ ﻋﺒﺮ وذآﺮﻳﺎت ﺟﺴﺎم ﻋﻦ ﺗﻘﺪﻳﺮ اﻻﺳﻼم واهﺘﻤﺎﻣﻪ ﺑﺸﺄن اﻟﻤﺮأة ،ﻓﻔﻲ اﻟﻮﻗﺖ اﻟﺬي ﻧﺰﻟﺖ ﻓﻴﻪ هﺬﻩ اﻵﻳﺎت " ﻗﺪ ﺳﻤﻊ
اﷲ ﻗﻮل اﻟﺘﻲ ﺗﺠﺎدﻟﻚ ﻓﻲ زوﺟﻬﺎ وﺗﺸﺘﻜﻲ اﻟﻰ اﷲ " ز أي ﻗﺒﻞ أرﺑﻌﺔ ﻋﺸﺮ ﻗﺮﻧﺎ ﻣﻦ أﺣﻘﺎب هﺬا اﻟﺰﻣﻦ ،آﺎﻧﺖ اﻟﻤﺮأةﻓﻲ اﻟﻌﺎﻟﻢ آﻠﻪ اﻟﻰ ذﻟﻚ
اﻟﺤﻴﻦ ﻻ ﺗﻌﺘﺒﺮ اﻧﺴﺎﻧﺎ ﻣﺨﻠﻮﻗﺎ .وﻻ ﺗﺸﺎرك اﻟﺮﺟﻞ ﻓﻲ اﻧﺴﺎﻧﻴﺘﻪ ﻓﻼ ﺗﻤﻠﻚ وﻻ ﺗﻤﻠﻚ ،وﻻ ﻳﻌﺘﺒﺮ ﻟﻬﺎ ﻣﻘﺎم ﻓﻲ ﻣﺠﺘﻤﻌﻬﺎ اﻟﺬي ﺗﻌﻴﺶ ﻓﻴﻪ .
وﻟﻜﻦ اﻻﺳﻼم اﻟﻌﻈﻴﻢ اﻟﺬي ﺟﺎء رﺣﻤﺔ ﺑﻬﺎ .آﻤﺎ هﻮ رﺣﻤﺔ ﻟﻠﻌﺎﻟﻤﻴﻦ ﻓﺮﻓﻌﻬﺎ ﻣﻜﺎﻧﺎ ﻋﻠﻴﺎ ،وﺳﺎواهﺎ ﺑﺎﻟﺮﺟﻞ ،وأﻋﻄﻰ اﻟﻘﻴﺎدة
واﻟﺮﺋﺎﺳﺔ ،ووﺿﻌﻬﺎ ﻓﻲ ﻣﻜﺎﻧﻬﺎ اﻟﻄﺒﻴﻌﻲ ﺣﻴﺚ ﺳﻠﻤﻬﺎ ﻟﻠﺮﺟﻞ وﻗﺎل " :وﻟﻬﻦ ﻣﺜﻞ اﻟﺬي ﻋﻠﻴﻬﻦ ﺑﺎﻟﻤﻌﺮوف وﻟﻠﺮﺟﻞ ﻋﻠﻴﻬﻦ درﺟﺔ " ﺛﻢ
أوﺻﻰ ﺑﻬﺎ ،ووﺿﻊ ﻟﻬﺎ اﻟﻤﻜﺎن اﻻﺋﻖ ﺑﻬﺎ ،وﺳﻤﺎ ﺑﻬﺎ ﺳﻤﻮا ﻟﻢ ﺗﻌﺮﻓﻪ وﻟﻢ ﺗﺸﻬﺪﻩ ﻗﺒﻞ اﻻﺳﻼم .ﺣﺘﻰ ﺳﻤﻊ اﷲ ﺷﻜﻮاهﺎ ﻣﻦ ﻓﻮق ﺳﺒﻊ
ﺳﻤﺎوات ،ﻓﻠﻠﻪ اﻟﻔﻀﻞ واﻟﻤﻨﺔ وﻟﻪ اﻟﺤﻤﺪ ﻓﻲ اﻷوﻟﻰ وﻓﻲ اﻵﺧﺮة وﻟﻪ اﻟﺤﻜﻢ واﻟﻴﻪ ﺗﺮﺟﻌﻮن .
ﻋﻮد اﻟﻰ اﻵﻳﺔ اﻷوﻟﻰ
ﻧﻌﻮد ﻗﻠﻴﻼ اﻟﻰ اﻵﻳﺔ اﻷوﻟﻰ ﻣﻦ ﺳﻮرة اﻟﺤﺠﺮات .ﻓﺎﻧﻬﺎ ﺗﻘﺮر اﺻﻼ ﻋﻈﻴﻤﺎ ﻣﻦ أﺻﻮل اﻻﺳﻼم ،وﺟﺪﻳﺮ ﺑﻨﺎ ان ﻧﺸﻴﺮ اﻟﻰ هﺬا اﻷﺻﻞ
اﻟﻌﻈﻴﻢ اﻟﺬي هﻮ دﻋﺎم’ اﻻﺳﻼم ،وﻋﻠﻴﻪ ﺗﺸﺎد ﻣﻌﺎﻗﻠﻪ وﺗﺒﻨﻰ ﺣﺼﻮﻧﻪ .هﺬا اﻷﺻﻞ هﻮ :أن اﻟﺤﻜﻢ ﷲ وﺣﺪﻩ ،ﻻ ﻣﻌﻘﺐ ﻟﺤﻜﻤﻪ وهﻮ أﺣﻜﻢ
اﻟﺤﺎآﻤﻴﻦ .وﻻ ﻳﺠﻮز ﻷﺣﺪ آﺎﺋﻨﺎ ﻣﻦ آﺎن أن ﻳﻘﺪم ﺑﻴﻦ ﻳﺪي اﷲ ورﺳﻮﻟﻪ أﻣﺮا ،أو ﺣﻜﻤﺎ ،أو ﻧﻈﺎﻣﺎ ،أو دﺳﺘﻮرا ﻻ ﻳﺮﺿﻰ ﻋﻨﻪ اﷲ ﺗﺒﺎرك
وﺗﻌﺎﻟﻰ وﻻ رﺳﻮﻟﻪ اﻷﻣﻴﻦ ﺻﻠﻰ اﷲ ﻋﻠﻴﻪ وﺳﻠﻢ .
اﻵﻳﺔ اﻟﺜﺎﻧﻴﺔ :
9
www.daawa-info.net
ﻂ أﻋْﻤﺎُﻟ ُﻜ ْﻢ وأ ْﻧﺘُﻢ ﻻ
ن ﺗَﺤ َﺒ َ
ﺾأ ْ
ﻀ ُﻜ ْﻢ ِﻟﺒَﻌ ٍ
ﻲ وﻻ ﺗَﺠﻬَﺮوا َﻟ ُﻪ ﺑِﺎﻟﻘَﻮ ِل َآﺠَﻬ ِﺮ َﺑ ْﻌ ِ
ت اﻟﻨﱠﺒ ﱢ
ق ﺻَﻮ ِ ) ﻳﺎ أﻳﱡﻬﺎ اﻟﱠﺬﻳ َ
ﻦ ﺁﻣﻨُﻮا ﻻ ﺗَﺮ َﻓﻌُﻮا أﺻﻮاﺗَﻜﻢ ﻓَﻮ َ
ن(
ﺸﻌُﺮو َ
َﺗ ْ
آﺎﻧﺖ اﻵﻳ ﺔ اﻷوﻟ ﻰ ﻟﺒﻴ ﺎن اﻷدب ﻣ ﻊ اﷲ ﻋ ﺰ وﺟ ﻞ ،وه ﺬﻩ اﻵﻳ ﺔ اﻟﺜﺎﻧﻴ ﺔ وﺁﻳ ﺎت ﺑﻌ ﺪهﺎ ،ﻟﺒﻴ ﺎن اﻷدب ﻣ ﻊ رﺳ ﻮل اﷲ ρﻓﻘ ﺪ أﻣ ﺮ اﷲ
اﻟﻤﺆﻣﻨﻴﻦ أﻻ ﻳﺠﻌﻠ ﻮا أﺻ ﻮاﺗﻬﻢ ﻋﻨ ﺪ اﻟﺤ ﺪﻳﺚ ﻣ ﻊ رﺳ ﻮل اﷲ ﺻ ﻠﻰ اﷲ ﻋﻠﻴ ﻪ وﺳ ﻠﻢ ﻣﺮﺗﻔﻌ ﺔ ﻓ ﻮق ﺻ ﻮﺗﻪ وأﻻ ﻳﻜ ﻮن ﺧﻄ ﺎﺑﻬﻢ إﻳ ﺎﻩ آﺨﻄ ﺎب
ﺑﻌﻀﻬﻢ ﺑﻌﻀ ًﺎ ﻣﻦ اﻟﺠﻬﺮ وﻋﻠﻮ اﻟﺼﻮت وارﺗﻔﺎع اﻟﻜﻼم .
وﻗﻴﻞ أن اﻷول :ﻻ ﺗﺮﻓﻌﻮا أﺻﻮاﺗﻜﻢ .ﻳﺨﺺ ﺣﺎل ﻣﻜﺎﻟﻤﺘﻪ ﺻ ﻠﻰ اﷲ ﻋﻠﻴ ﻪ وﺳ ﻠﻢ وآﺄﻧ ﻪ ﻗﻴ ﻞ :ﻻ ﺗﺮﻓﻌ ﻮا أﺻ ﻮاﺗﻜﻢ ﻓ ﻮق ﺻ ﻮﺗﻪ إذا
ﻧﻄﻖ وﺗﻜﻠﻢ وﺗﺤﺪث .واﻟﺜﺎﻧﻲ :وﻻ ﺗﺠﻬﺮوا ﻟﻪ ﺑﺎﻟﻘﻮل .ﺣﺎل ﺻﻤﺘﻬﺼﻠﻰ اﷲ ﻋﻠﻴﻪ وﺳﻠﻢ وآﺄﻧﻪ ﻗ ﺎل :وﻻ ﺗﺠﻬ ﺮوا ﻟ ﻪ ﻋﻨ ﺪ دﻋﺎﺋ ﻪ إذا ﺳ ﻜﺖ
وﺗﻜﻠﻤﺘﻢ .
وﻳﻠﺰم ﻣﻦ هﺬا آﻠﻪ .أن ﻳﻜﻮن ﺻﻮﺗﻬﻢ أﺧﻔﺾ ﻣﻦ ﺻﻮﺗﻪ ﺻﻠﻰ اﷲ ﻋﻠﻴﻪ وﺳﻠﻢ ،وأن ﻳﺮاﻋﻮا ﻓﻲ دﻋﺎﺋﻪ وﻣﺨﺎﻃﺒﺘ ﻪ اﻟﻠ ﻴﻦ ﻓ ﻲ اﻟﻘ ﻮل
،واﻟﻠﻄﻒ ﻓﻲ اﻟﻤﺨﺎﻃﺒﺔ أدﺑ ًﺎ ﻣﻊ ﻣﻘﺎم اﻟﻨﺒﻮة وﺟﻼﻟﻬﺎ وﻋﻈﻴﻢ ﻗﺪرهﺎ ﻓﻴﺠﺐ أن ﻳﺨﺎﻃﺐ ﺑﺄدب وﺳﻜﻴﻨﺔ ووﻗﺎر وﺗﻌﻈﻴﻢ .
وﻗﺪ آﺮﻩ اﻟﻌﻠﻤﺎء رﻓﻊ اﻟﺼﻮت ﻋﻨﺪ ﻗﺒﺮﻩ اﻟﺸﺮﻳﻒ ﺻﻠﻰ اﷲ ﻋﻠﻴﻪ وﺳﻠﻢ آﻤﺎ آﺎن ﻳﻜﺮﻩ ﻓﻲ ﺣﻴﺎﺗﻪ وﺑﻴﻦ ﻳﺪﻳﻪ ﻷﻧﻪ ﺻﻠﻮات اﷲ وﺳﻼﻣﻪ
ﻋﻠﻴﻪ ﻣﺤﺘﺮم ﺣﻴ ًﺎ وﻓﻲ ﻗﺒﺮﻩ داﺋﻤ ًﺎ وأﺑﺪًا .
ﻗﺎل اﻟﻘﺎﺿﻲ أﺑﻮ ﺑﻜﺮ ﺑﻦ اﻟﻌﺮﺑﻲ :ﺣﺮﻣﺔ اﻟﻨﺒﻲ ﺻﻠﻰ اﷲ ﻋﻠﻴﻪ وﺳﻠﻢ ﻣﻴﺘ ًﺎ آﺤﺮﻣﺘﻪ ﺣﻴ ًﺎ ،وآﻼﻣﻪ اﻟﻤﺄﺛﻮر ﺑﻌﺪ ﻣﻮﺗ ﻪ ﻓ ﻲ اﻟﺮﻓﻌ ﺔ ﻣﺜ ﺎ ُل
آﻼﻣﻪ اﻟﻤﺴﻤﻮع ﻣﻦ ﻟﻔﻈ ﻪ ،ﻓ ﺈذا ﻗ ﺮئ آﻼﻣ ﻪ ،وﺟ ﺐ ﻋﻠ ﻰ آ ﻞ ﺣﺎﺿ ﺮ أﻻ ﻳﺮﻓ ﻊ ﺻ ﻮﺗﻪ ﻋﻠﻴ ﻪ ،وﻻ ﻳُﻌ ﺮض ﻋﻨ ﻪ ،آﻤ ﺎ آ ﺎن ﻳﻠ ﺰم ذﻟ ﻚ ﻓ ﻲ
ﻣﺠﻠﺴﻪ ﻋﻨﺪ ﺗﻠﻔﻈﻪ ﺑﻪ .وﻗﺪ ﻧﺒﱠﻪ اﷲ ﺳﺒﺤﺎﻧﻪ ﻋﻠﻰ دوام اﻟﺤﺮﻣﺔ اﻟﻤﺬآﻮرة ﻋﻠﻰ ﻣﺮور اﻷزﻣﻨﺔ ﺑﻘﻮﻟﻪ ﺗﻌ ﺎﻟﻰ " :وإذا ﻗ ﺮئ اﻟﻘ ﺮﺁن ﻓﺎﺳ ﺘﻤﻌﻮا
ﻟﻪ وأﻧﺼﺘﻮا " .
وآﻼﻣﻪ ﺻﻠﻰ اﷲ ﻋﻠﻴﻪ وﺳﻠﻢ ﻣﻦ اﻟﻮﺣﻲ ،وﻟﻪ ﻣﻦ اﻟﺤﻜﻤﺔ ﻣﺜﻞ ﻣﺎ ﻟﻠﻘﺮﺁن " ،إﻻ ﻣﻌﺎﻧﻲ ﻣ ﺴﺘﺜﻨﺎة ،ﺑﻴﺎﻧﻬ ﺎ ﻓ ﻲ آﺘ ﺐ اﻟﻔﻘ ﻪ " اﻧﺘﻬ ﻰ
ﻣﺎ ذآﺮﻩ اﻟﻘﺮﻃﺒﻲ ﻓﻲ ﺗﻔﺴﻴﺮﻩ ،وآﺮﻩ ﺑﻌﺾ اﻟﻌﻠﻤﺎء رﻓﻊ اﻟﺼﻮت ﻓﻲ ﻣﺠﺎﻟﺲ اﻟﻌﻠﻤﺎء ﺗﺸﺮﻳﻔ ًﺎ ﻟﻬﻢ ﻟﻨﻬﻢ ورﺛﺔ اﻷﻧﺒﻴﺎء .
وﻗﺎل اﻹﻣﺎم اﻟﻘﺮﻃﺒﻲ ﻓﻲ ﺗﻔﺴﻴﺮﻩ :
وﻟ ﻴﺲ اﻟﻐ ﺮض ﺑﺮﻓ ﻊ اﻟ ﺼﻮت ،وﻻ اﻟﺠﻬ ﺮ ﻣ ﺎ ﻳﻘ ﺼﺪ ﺑ ﻪ اﻻﺳ ﺘﺨﻔﺎف واﻻﺳ ﺘﻬﺎﻧﺔ .ﻷن ذﻟ ﻚ آﻔ ﺮ .واﻟﻤﺨ ﺎﻃﺒﻮن ﻣﺆﻣﻨ ﻮن .وإﻧﻤ ﺎ
اﻟﻐﺮض ﺻﻮت هﻮ ﻓﻲ ﻧﻔﺴﻪ واﻟﻤﺴﻤﻮع ﻣﻦ ﺟﺮﺳﻪ ﻏﻴﺮ ﻣﻨﺎﺳﺐ ﻟﻤﺎ ﻳُﻬﺎب ﺑﻪ اﻟﻌﻈﻤﺎء وﻳ ﻮﻗﺮ اﻟﻜﺒ ﺮاء ،ﻓﻴﺘﻜﻠ ﻒ اﻟﻐ ﺾ ﻣﻨ ﻪ وردﻩ إﻟ ﻰ ﺣ ﺪ
ﻳﻤﻴﻞ ﺑﻪ إﻟﻰ ﻣﺎ ﻳﺘﺒﻴﻦ ﻓﻴﻪ اﻟﻤﺄﻣﻮر ﺑﻪ ﻣﻦ اﻟﺘﻌﺰﻳﺮ واﻟﺘﻮﻗﻴﺮ .وﻟﻢ ﻳﺘﻨﺎول اﻟﻨﻬﻲ أﻳﻀ ًﺎ رﻓﻊ اﻟﺼﻮت اﻟﺬي ﻳﺘﺄذى ﺑﻪ رﺳﻮل اﷲ ﺻﻠﻰ اﷲ ﻋﻠﻴ ﻪ
وﺳﻠﻢ ،وهﻮ ﻣﺎ آﺎن ﻣﻨﻬﻢ ﻓﻲ ﺣﺮب أو ﻣﺠﺎدﻟﺔ ﻣﻌﺎﻧﺪ أو إرهﺎب ﻋﺪو أو ﻣﺎ أﺷﺒﻪ ذﻟﻚ ،ﻓﻔﻲ اﻟﺤﺪﻳﺚ أﻧﻪ ﻗ ﺎل ﻋﻠﻴ ﻪ اﻟ ﺴﻼم ﻟﻠﻌﺒ ﺎس ﺑ ﻦ ﻋﺒ ﺪ
اﻟﻤﻄﻠﺐ ﻟﻤﺎ اﻧﻬﺰم اﻟﻨﺎس ﻳﻮم ﺣﻨﻴﻦ " أﺻﺮخ ﺑﺎﻟﻨﺎس " وآﺎن اﻟﻌﺒﺎس أﺟﻬﺮ اﻟﻨﺎس ﺻﻮﺗ ًﺎ " .ﻳﺮوى أن ﻏﺎرة أﺗﺘﻬﻢ ﻳﻮﻣ ًﺎ ﻓ ﺼﺎح اﻟﻌﺒ ﺎس :
ﻳﺎ ﺻﺒﺎﺣﺎﻩ ! ﻓﺄﺳﻘﻄﺖ اﻟﺤﻮاﻣﻞ ﻟﺸﺪة ﺻﻮﺗﻪ " اﻧﺘﻬﻰ .
ﻟﻘﺪ أدب اﷲ اﻟﻤﺆﻣﻨﻴﻦ ﺑﻬﺬا اﻷدب اﻟﺮﻓﻴﻊ اﻟﺮﻗﻴﻖ ﻓﺄﺧ ﺬوﻩ ﻓ ﺮﺣﻴﻦ ،وﻃﺒﻘ ﻮﻩ ﻣﻐﺘﺒﻄ ﻴﻦ ،ﻣ ﻊ اﻧﻬ ﻢ آ ﺎﻧﻮا ﻏﻼﻇ ًﺎ وآ ﺎﻧﻮا ﺣ ﺪﻳﺜﻲ ﻋﻬ ﺪ
ﺑﺠﺎهﻠﻴﺔ وﻣﻦ ﺳﻤﺎت اﻟﺠﺎهﻠﻴﺔ اﻟﺠﻔﺎء ﻓﻲ اﻟﺨﻄﺎب ،واﻹﻏﻼظ ﻓﻲ اﻟﻘﻮل .وﻟﻜﻨﻬﻢ رﺿﻲ اﷲ ﻋﻨﻬﻢ ﻣﺎ آﺎدوا ﻳﺴﻤﻌﻮن ﻷﻣ ﺮ اﷲ ﻋ ﺰ وﺟ ﻞ إﻻ
وﺧﻔﻀﺖ أﺻﻮاﺗﻬﻢ ،وهﺪأت ﻣﺨﺎﻃﺒﺎﺗﻬﻢ ﻣﻊ رﺳﻮل اﷲ ﺻﻠﻰ اﷲ ﻋﻠﻴﻪ وﺳﻠﻢ .وﻣﻊ ﺑﻌﻀﻬﻢ ﻟﻠﺒﻌﺾ اﻵﺧﺮ .ﺑﻞ وﻣﻊ اﻟﻨﺎس أﺟﻤﻌﻴﻦ .
ﻓﻘﺪ روي أن أﺑﺎ ﺑﻜﺮ اﻟﺼﺪﻳﻖ رﺿﻲ اﷲ ﻋﻨﻪ ﺑﻌﺪ ﻧﺰول هﺬﻩ اﻵﻳﺔ ﻗﺎل :ﻳﺎ رﺳﻮل اﷲ :واﷲ ﻻ أآﻠﻤﻚ إﻻ اﻟﺴﺮار أو أﺧﺎ اﻟﺴﺮار ﺣﺘﻰ
أﻟﻘﻰ اﷲ .
ﺴﻠﱢﻤﻮن ،وﻳﺄﻣﺮهﻢ ﺑﺎﻟﺴﻜﻴﻨﺔ واﻟﻮﻗﺎر .
وآﺎن إذا ﻗﺪم ﻋﻠﻰ رﺳﻮل اﷲ ﺻﻠﻰ اﷲ ﻋﻠﻴﻪ وﺳﻠﻢ اﻟﻮﻓﻮد ،أرﺳﻞ إﻟﻴﻬﻢ ﻣﻦ ﻳﻌﻠﻤﻬﻢ آﻴﻒ ُﻳ َ
10
www.daawa-info.net
وروي ﻋﻦ أﻣﻴﺮ اﻟﻤﺆﻣﻨﻴﻦ ﻋﻤﺮ ﺑﻦ اﻟﺨﻄﺎب رﺿﻲ اﷲ ﻋﻨﻪ أﻧﻪ ﺳﻤﻊ ﺻﻮت رﺟﻠﻴﻦ ﻓﻲ ﻣﺴﺠﺪ رﺳ ﻮل اﷲ ﺻ ﻠﻰ اﷲ ﻋﻠﻴ ﻪ وﺳ ﻠﻢ ﻗ ﺪ
ارﺗﻔﻌـﺖ أﺻﻮاﺗﻬﻤﺎ ﻓﺠﺎء ﻓﻘﺎل :أﺗﺪرﻳﺎن أﻳﻦ أﻧﺘﻤﺎ ؟ ﺛﻢ ﻗ ﺎل :ﻣ ﻦ أﻳ ﻦ أﻧﺘﻤ ﺎ ؟ ﻗ ﺎﻻ :ﻣ ﻦ أه ﻞ اﻟﻄ ﺎﺋﻒ ،ﻓﻘ ﺎل :ﻟ ﻮ آﻨﺘﻤ ﺎ ﻣ ﻦ أه ﻞ اﻟﻤﺪﻳﻨ ﺔ
ﻷوﺟﻌﺘﻜﻤﺎ ﺿﺮﺑ ًﺎ .
وﻗﺪ أدﺑﻬﻢ اﷲ ﺑﻬﺬا اﻷدب اﻟﺮﻓﻴﻊ ﻣﻊ رﺳﻮل اﷲ ﺻﻠﻰ اﷲ ﻋﻠﻴﻪ وﺳﻠﻢ وﻧﻬﺎهﻢ ﻋﻦ اﻟﻐﻠﻈﺔ ،وﻣﻦ ﺷ ﺄن اﻟﻨﻬ ﻲ أن ﻳ ﺮدﻋﻬﻢ وﻳ ﺼﺪهﻢ
ﻋﻤﺎ اﻟﻔﻮﻩ – وﻗﺪ ﻓﻌﻠﻮا – وأن ﻳﻤﻜﻦ ﻓﻴﻬﻢ ﻋﺎدة اﻟﻠﻴﻦ واﻷدب ﻓﻲ اﻟﻘﻮل واﻟﻌﻤﻞ ،وأن ﺗﻄﺮد ﺗﻠﻚ اﻟﻌﺎدة ﻣﻊ اﻟﻨﺒﻲ ﺻﻠﻰ اﷲ ﻋﻠﻴﻪ وﺳﻠﻢ وﻣ ﻊ
ﻏﻴﺮﻩ ﻣﻦ اﻟﻤﺆﻣﻨﻴﻦ ،ﻓﺈن هﺬا اﻷدب آﻤﺎ هﻮ أدب ﻣﻊ اﻟﺮﺳﻮل ﺻﻠﻰ اﷲ ﻋﻠﻴﻪ وﺳﻠﻢ ﻓﻬ ﻮ أدب ﻣ ﻊ اﻟﻤ ﺆﻣﻨﻴﻦ ﺑﻌ ﻀﻬﻢ ﻣ ﻊ اﻟ ﺒﻌﺾ .وﻻ ﻧﺠ ﺪ
ﻼ ﻋﻨﺪ اﻟﺤﺪﻳﺚ ﺳﻬﻞ اﻟﻌﺮﻳﻜﺔ ﻏﻼ وهﻮ ذو ﻧﻔﺲ ﻣﻬﺬﺑﺔ ،ﺻﻘﻠﺘﻪ اﻷﻳﺎم ،وﺣﻨﻜﺘ ﻪ اﻟﺘﺠ ﺎرب .وﻓ ﺎض ﻋﻠﻴ ﻪ
ﻼ ﻟﻴﱢﻦ اﻟﻘﻮل ﻟﻴﻦ اﻟﻤﻌﺎﻣﻠﺔ ﺳﻬ ً
رﺟ ً
ﻃﻴﺐ ﻋﻨﺼﺮﻩ ،وآﺮم أروﻣﺘﻪ ،وﻏﻤﺮﺗﻪ ﺳﺤﺎﺋﺐ اﻟﺮﺣﻤﺔ ﻣﻦ أﺧﻼق دﻳﻨﻪ اﻟﻘﻮﻳﻢ وﻃﺮﻳﻘﻪ اﻟﻤﺴﺘﻘﻴﻢ .
وﻗﺪ أدﺑﻬﻢ اﷲ ﺑﻬﺬﻩ اﻵداب وﻧﻬﺎهﻢ ﻋﻤﺎ ﻳﺆذي اﻟﻨﺒﻲ ﻋﻠﻴﻪ اﻟﺼﻼة واﻟﺴﻼم ،ﻣﻊ اﻟﻌﻠﻢ أن اﻟﻨﺒﻲ ﻟﻢ ﻳﻜﻦ ﺟﺒﺎرًا ﻓﻲ اﻷرض وﻻ ﻣﺘﻜﺒ ﺮًا
ﻣﺨﺘﺎ ًﻻ ،ﺑﻞ آﺎن ﺟﻢ اﻟﺘﻮاﺿﻊ ،ﻋﻈﻴﻢ اﻟﺤﻠﻢ ،آﺜﻴﺮ اﻟﺤﻴﺎء .ﺗﻮﻗﻔﻪ اﻷ َﻣ ُﺔ ﻓﻲ اﻟﻄﺮﻳﻖ ﻟﺘﺤﺪﺛﻪ ﻓﻼ ﻳﺘﺮآﻬﺎ ﺣﺘﻰ ﺗﺘﺮآﻪ ه ﻲ ،وﻗ ﺎل ﻟﺮﺟ ﻞ دﺧ ﻞ
ﻋﻠﻴﻪ وهﻮ ﻳﺮﺗﺠﻒ ﻣﻦ هﻴﺒﺔ اﻟﺮﺳﻮل ﺻﻠﻰ اﷲ ﻋﻠﻴﻪ وﺳﻠﻢ " :إﻧﻤﺎ أﻧﺎ اﺑﻦ اﻣﺮأة آﺎﻧﺖ ﺗﺄآﻞ اﻟﻘﺪﻳﺪ " إﻻ أن اﻟﺮﺳﻮل ﺻ ﻠﻰ اﷲ ﻋﻠﻴ ﻪ وﺳ ﻠﻢ
آﺎن آﺜﻴﺮ اﻟﺘﻔﻜﻴﺮ ﺑﺤﻤﻞ ذﻟﻚ اﻟﻌﺐء اﻟﺠﺴﻴﻢ ﻓﻲ هﺬﻩ اﻟﺪﻋﻮة اﻟﻤﺒﺎرآﺔ اﻟﻌﻈﻴﻤﺔ اﻟﺠﻠﻴﻠﺔ .
ﻼ " وآ ﺎن ﻋﻠﻴ ﻪ اﻟ ﺼﻼة واﻟ ﺴﻼم آﺜﻴ ﺮ اﻟ ﺸﻮاﻏﻞ ﻳﺘﻠﻘ ﻰ اﻟ ﻮﺣﻲ ﻣ ﻦ رﺑ ﻪ ﺛ ﻢ ﻳﺒﻠﻐ ﻪ ﻟﻠﻨ ﺎس وﻳﺒﻴﻨ ﻪ ،
" إﻧ ﺎ ﺳ ﻨﻠﻘﻲ ﻋﻠﻴ ﻚ ﻗ ﻮ ًﻻ وﺛﻘ ﻴ ً
وﻳﺴﻮس اﻟﻤﺴﻠﻤﻴﻦ دﻧﻴﺎ وأﺧﺮى .وﻳﻔﻜﺮ ﻓﻲ ﻋﺰﺗﻬﻢ ودﻓﻊ اﻷذى ﻋﻨﻬﻢ وﻳﻨﻈ ﺮ ﻓ ﻲ ﺣ ﺮب ﻣ ﻦ ﻳﺤﺎرﺑ ﻪ وﺳ ﻠﻢ ﻣ ﻦ ﻳ ﺴﺎﻟﻤﻪ ،وﻳ ﺴﻌﻰ ﻟﺘ ﻮﻓﻴﺮ
اﻟﺨﻴﺮ ﻟﻠﻤﺴﻠﻤﻴﻦ .وهﻮ ﻣﻊ ذﻟﻚ ﺑﺸﺮ ﺗﺆذﻳﻪ اﻟﻐﻠﻈﺔ ،وﺗﻘﻠﻖ ﺑﺎﻟﻪ اﻟﻔﻈﺎﻇﺔ ،وﻣﻦ آﺎن هﺬا ﺣﺎﻟﻪ ،وﺟﺐ أن ﻳﻮﻓﺮ ﻟﻪ اﻟﻬﺪوء واﻟﺴﻜﻴﻨﺔ ،وأن
ﻳﺒﺎﻋﺪ ﻋﻨﻪ آﻞ ﺷﻲء ﻣﺸﻮش ﻟﻠﺨﺎﻃﺮ .وﻗﺪ أآﺮﻣﻪ اﷲ ﺑﺬﻟﻚ ﻓﻄﺒﻊ اﻟﻤﺴﻠﻤﻴﻦ ﻋﻠﻰ ه ﺬﻩ اﻵداب اﻟﻌﺎﻟﻴ ﺔ وأﻣ ﺮهﻢ أن ﻳﺘﻤ ﺴﻜﻮا ﺑﻬ ﺎ ﻓ ﻲ ﺣﻴ ﺎﺗﻬﻢ
اﻟﺪﻧﻴﺎ .وأﻣﺮهﻢ ﻣﻌﻬﺎ ﺑﺄن ﻳﻘﻮﻟﻮا ﻟﻠﻨﺎس ﺣﺴﻨ ًﺎ .ﻓﺎﺳﺘﻤﺴﻜﻮا ﺑﻜﻞ ﺣﺴﻦ ﻣ ﻦ اﻷﻗ ﻮال واﻷﻓﻌ ﺎل ،وأﻃ ﺎﻋﻮا اﷲ ورﺳﻮﻟ ـﻪ ،ﺣﺘ ﻰ اﺳ ﺘﺤﻘﻮا أن
ﻳﻜﻮﻧﻮا ﺧﻴﺮ أﻣﺔ أﺧﺮﺟﺖ ﻟﻠﻨﺎس ﺗﺄﻣﺮ ﺑﺎﻟﻤﻌﺮوف وﺗﻨﻬﻰ ﻋﻦ اﻟﻤﻨﻜﺮ وﺗﺆﻣﻦ ﺑﺎﷲ .وآﺎﻧﺖ ﺁداﺑﻬﻢ أرﻓﻊ اﻵداب وأﺧﻼﻗﻬﻢ أﺳﻤﻰ اﻷﺧ ﻼق .ﺑ ﻞ
آﺎﻧﻮا ﻏﺮة ﻓﻲ ﺟﺒﻴﻦ اﻟﺪهﺮ .ودرة ﻓﻲ ﺳﻤﺎء اﻟﻤﺠﺪ ﺟﻌﻠﻨﺎ اﷲ ﻣﻨﻬﻢ وﺣﺸﺮﻧﺎ ﺟﻤﻴﻌ ًﺎ ﻣﻌﻬ ﻢ .إﻧ ﻪ ﺗﺒ ﺎرك وﺗﻌ ﺎﻟﻰ ﻧﻌ ﻢ اﻟﻤ ﻮﻟﻰ وﻧﻌ ﻢ اﻟﻨ ﺼﻴﺮ ،
واﻟﺤﻤﺪ ﷲ رب اﻟﻌﺎﻟﻤﻴﻦ .
ﻗﻮﻟﻪ ﺗﻌﺎﻟﻰ ) :أن ﺗﺤﺒﻂ أﻋﻤﺎﻟﻜﻢ وأﻧﺘﻢ ﻻ ﺗﺸﻌﺮون ( .
وﻣﻌﻨﻰ هﺬﻩ اﻵﻳﺔ اﻟﻜﺮﻳﻤﺔ :أي إﻧﻤ ﺎ ﻧﻬﻴﻨ ﺎآﻢ ﻋ ﻦ رﻓ ﻊ اﻟ ﺼﻮت ﻋﻨ ﺪ اﻟﻨﺒ ﻲ ﺻ ﻠﻰ اﷲ ﻋﻠﻴ ﻪ وﺳ ﻠﻢ ﺧ ﺸﻴﺔ أن ﻳﺆذﻳ ﻪ ﺗ ﺼﺮﻓﻜﻢ ه ﺬا ،
وﻳﺰﻋﺠﻪ ﺻﻮﺗﻚ اﻟﻤﺮﺗﻔﻊ ﺑﻐﻴﺮ داع وﻻ ﺳﺒﺐ ﻓﻴﻐﻀﺐ ﻣﻦ ذﻟﻚ ،ﻓﻴﻐﻀﺐ اﷲ ﺗﻌﺎﻟﻰ ﻟﻐﻀﺒﻪ ﻓﻴﺤﺒﻂ ﻋﻤﻞ ﻣﻦ أﻏﻀﺒﻪ وهﻮ ﻻ ﻳﺪري ،آﻤﺎ ﺟ ﺎء
ﻓﻲ اﻟﺤﺪﻳﺚ اﻟﺼﺤﻴﺢ ﻣﻤﺎ ﻳﻤﺎﺛﻞ هﺬا .وهﻮ " :ان اﻟﺮﺟﻞ ﻟﻴﺘﻜﻠﻢ ﺑﺎﻟﻜﻠﻤﺔ ﻣﻦ رﺿﻮان اﷲ ﺗﻌ ﺎﻟﻰ ﻻ ﻳﻠﻘ ﻲ ﻟﻬ ﺎ ﺑ ﺎ ًﻻ ﻳﻜﺘ ﺐ ﻟ ﻪ ﺑﻬ ﺎ اﻟﺠﻨ ﺔ ،وأن
اﻟﺮﺟﻞ ﻟﻴﺘﻜﻠﻢ ﺑﺎﻟﻜﻠﻤﺔ ﻣﻦ ﺳﺨﻂ اﷲ ﺗﻌﺎﻟﻰ ﻻ ﻳﻠﻘﻲ ﻟﻬﺎ ﺑﺎ ًﻻ ﻳﻬﻮي ﺑﻬﺎ ﻓﻲ اﻟﻨﺎر أﺑﻌﺪ ﻣﺎ ﺑﻴﻦ اﻟﺴﻤﺎء واﻷرض " .
وﻗﻮﻟﻪ ﺗﻌﺎﻟﻰ " :أن ﺗﺤﺒﻂ أﻋﻤﺎﻟﻜﻢ " .
أي :ﺗﻔﺴﺪ ،وﺗﺒﻄﻞ ،وﺗ ﺬهﺐ ﺳ ﺪى ،ﻻ ﻳﻜﺘ ﺐ ﻟﻜ ﻢ ﺑﻬ ﺎ أﺟ ﺮ وﻻ ﺛ ﻮاب ﻟﻤﺨ ﺎﻟﻔﺘﻜﻢ ﻷﻣ ﺮ اﷲ ﻋ ﺰ وﺟ ﻞ ﻓ ﻲ أﻣ ﻮر ﻧﻬ ﺎآﻢ ﻋﻨﻬ ﺎ .ﻓﻠ ﻢ
ﺗﻨﺘﻬ ﻮا ﻓ ﺄﺣﺒﻂ أﻋﻤ ﺎﻟﻜﻢ ﻣ ﻦ ﺣﻴ ﺚ ﻻ ﺗ ﺸﻌﺮون .ﻓﺎﺣ ﺬروا ه ﺬا اﻟﻤ ﺴﻠﻚ اﻟﻤﻌ ﻮج اﻟ ﻮﻋﺮ اﻟ ﺸﺎﺋﻚ ﻓ ﺈن ارﺗﻜ ﺎب اﻟﻤﺤ ﺮم ﻗ ﺪ ﻳﻜ ﻮن داﻋﻴ ًﺎ إﻟ ﻰ
اﺳﺘﻤﺮاﺋﻪ واﻻﺳﺘﺮﺳﺎل ﻓﻴﻪ ﻣﻦ ﻏﻴﺮ ﻣﺒﺎﻻة ﻟﻌﻘﻮﺑﺔ اﷲ .ﻓﺘﻜﺜﺮ اﻟﺴﻴﺌﺎت وﺗﺤﺒﻂ اﻷﻋﻤﺎل ،ﻣ ﻦ ﺣﻴ ﺚ ﻻ ﻳ ﺸﻌﺮ اﻹﻧ ﺴﺎن .ﻓﺎﻟﺮذﻳﻠ ﺔ ﺗﻜ ﻮن أو ًﻻ
ﺣﺎ ًﻻ وﻋﺮﺿ ًﺎ ،ﺛﻢ ﺗﺼﻴﺮ ﻣﻠﻜﺔ وﻣﺮﺿ ًﺎ .وآﺬﻟﻚ اﻟﻔﻀﻴﻠﺔ .وﻗﺪ ﻧﻘﻞ ﻋﻦ أﻓﻼﻃﻮن ﻗﻮﻟﻪ :ﻻ ﺗﺼﺤﺐ اﻟﺸﺮﻳﺮ ﻓﺈن ﻃﺒﻌﻚ َﻳﺴْﺮق وأﻧﺖ ﻻ ﺗ ﺪري
.
أ ْوﺟُﻪ ﺣﺒﻮط اﻷﻋﻤﺎل :
11
www.daawa-info.net
ﺣﺒﻮط اﻷﻋﻤﺎل ﻳﻜﻮن ﻋﻠﻰ ﺛﻼﺛﺔ أوﺟﻪ وﻣﻦ اﻟﺨﻴﺮ أن ﻧﻨﺒﻪ إﻟﻴﻬﺎ ،ﻟﻴﺘﺠﻨﺐ اﻟﻨﺎس ﺗﻠﻚ اﻟﻤﺰاﻟ ﻖ اﻟﺨﻄ ﺮة اﻟﺘ ﻲ ﺗﺤ ﺒﻂ أﻋﻤ ﺎﻟﻬﻢ وﺗ ﺬهﺐ
ﺑﻬﺎ أدراج اﻟﺮﻳﺎح ﻓﻴﻜﻮﻧﻮن ﻗﺪ ﺧﺴﺮوا اﻟﺪﻧﻴﺎ واﻵﺧﺮة وذﻟﻚ هﻮ اﻟﺨﺴﺮان اﻟﻤﺒﻴﻦ .
اﻟﻮﺟ ﻪ اﻷول :أن ﺗﻜ ﻮن اﻷﻋﻤ ﺎل دُﻧﻴﻮﻳ ﺔ ﺧﺎﻟ ﺼﺔ ﻻ ﻳ ﺆﻣﻦ ﺻ ﺎﺣﺒﻬﺎ ﺑ ﺎﷲ وﻻ ﺑ ﺎﻟﻴﻮم اﻵﺧ ﺮ .ﻓﻬ ﺬﻩ اﻷﻋﻤ ﺎل وإن آ ﺎن ﻣﻨﻬ ﺎ ﺻ ﺎﻟﺤ ًﺎ
آﺈﻧﻔﺎق اﻟﻨﻔﻘﺎت واﻟﻤﺸﺎرآﺔ ﻓﻲ اﻷﻋﻤﺎل اﻟﺨﻴﺮﻳﺔ اﻟﺨﺎﺻﺔ أو اﻟﻌﺎﻣﺔ ﻓﺈﻧﻬﺎ ﻻ ﺗﻐﻨﻲ ﻓﻲ اﻵﺧـﺮة ﺷﻴﺌ ًﺎ ﻋﻦ ﺻﺎﺣﺒﻬﺎ .إذ ﻻ ﻳﻨﻔﻊ ﻋﻤ ﻞ ﻣ ﻊ اﻟﻜﻔ ﺮ
ﺑﺨﺎﻟﻖ اﻟﻌﺎﻣﻞ واﻟﻌﻤﻞ .وﻟﻴﺲ ﺑﻌﺪ اﻟﻜﻔﺮ ذﻧﺐ ،وﻟﻴﺲ ﺑﻌﺪ اﻟﻜﻔﺮ ﻗﺮب .ﻗﺎل ﺗﻌﺎﻟﻰ ﻓﻲ ﺣﻖ أﻣﺜﺎل هﺆﻻء :
" و َﻗﺪِﻣﻨﺎ إﻟﻰ ﻣﺎ ﻋﻤﻠﻮا ﻣﻦ ﻋﻤﻞ ﻓﺠﻌﻠﻨﺎﻩ هﺒﺎ ًء ﻣﻨﺜﻮرًا " .
اﻟﻮﺟﻪ اﻟﺜﺎﻧﻲ :أن ﺗﻜﻮن اﻷﻋﻤﺎل أﺧﺮوﻳﺔ وﻟﻜﻦ ﺻﺎﺣﺒﻬﺎ ﻟﻢ ﻳﻘﺼﺪ ﺑﻬﺎ وﺟﻪ اﷲ ﺗﺒﺎرك وﺗﻌﺎﻟﻰ ،إﻧﻤﺎ ﻗﺼﺪ ﺑﻬﺎ أﻣ ﻮرًا أﺧ ﺮى آﺎﻟﺮﻳ ﺎء
واﻟﺴﻤﻌﺔ واﻟﻤﻔﺎﺧﺮة .ﻓﻬﻲ ﻣﺤﺒﻄﺔ أﻳﻀ ًﺎ .وﻟﻴﺲ ﻟﺼﺎﺣﺒﻬﺎ ﺛﻮاب ﻋﻨﺪ اﷲ ﺗﻌﺎﻟﻰ ،وﻓﻴﻤـﺎ رواﻩ اﻹﻣﺎم ﻣﺴﻠﻢ ﻣﻦ ﺣﺪﻳﺚ رﺳ ﻮل اﷲ ﺻ ﻠﻰ اﷲ
ﻋﻠﻴﻪ وﺳﻠﻢ اﻟﻌﺒﺮة واﻟﺪﻟﻴﻞ واﻟﻜﻔﺎﻳﺔ .ﻓﻘﺪ ﻗﺎل :
ﻋﻦ أﺑﻲ هﺮﻳﺮة رﺿﻲ اﷲ ﻋﻨﻪ ﻗﺎل :ﺳﻤﻌﺖ رﺳﻮل اﷲ ﺻﻠﻰ اﷲ ﻋﻠﻴﻪ وﺳﻠﻢ ﻳﻘﻮل :إن أول اﻟﻨﺎس ﻳﻘ ﻀﻰ ﻳ ﻮم اﻟﻘﻴﺎﻣ ﺔ ﻋﻠﻴ ﻪ رﺟ ﻞ
ﻲ ﺑﻪ ﻓﻌﺮﻓﻪ ﻧﻌﻤﻪ ﻓﻌﺮﻓﻬﺎ ﻓﻘﺎل :ﻣﺎ ﻋﻤﻠﺖ ﻓﻴﻬﺎ ؟ ﻗﺎل :ﻗﺎﺗﻠﺖ ﻓﻴﻚ ﺣﺘﻰ اﺳﺘ ﺸﻬﺪت ﻗ ﺎل :آ ﺬﺑﺖ وﻟﻜﻨ ﻚ ﻗﺎﺗﻠ ﺖ ﻟ ﻦ ﻳﻘ ﺎل ﺟ ﺮئ ،
اﺳﺘﺸﻬﺪ ﻓﺄ ِﺗ َ
ﻓﻘﺪ ﻗﻴﻞ ،ﺛﻢ أﻣﺮ ﺑﻪ ﻓﺴﺤﺐ ﻋﻠﻰ وﺟﻬﻪ ﺣﺘﻰ اﻟﻘﻲ ﻓﻲ اﻟﻨﺎر .ورﺟﻞ ﺗﻌﻠﻢ اﻟﻌﻠﻢ وﻋﻠﻤﻪ وﻗﺮأ اﻟﻘﺮﺁن ﻓﺄﺗﻲ ﺑ ﻪ ﻓﻌﺮﻓ ﻪ ﻧﻌﻤ ﻪ ﻓﻌﺮﻓﻬ ﺎ ﻓﻘ ﺎل :ﻣ ﺎ
ﻋﻤﻠﺖ ﻓﻴﻬﺎ ؟ ﻗﺎل :ﺗﻌﻠﻤﺖ اﻟﻌﻠﻢ وﻋﻠﻤﺘﻪ ،وﻗﺮأت ﻓﻴﻚ اﻟﻘﺮﺁن ﻗﺎل :آﺬﺑﺖ وﻟﻜﻨﻚ ﺗﻌﻠﻤﺖ اﻟﻌﻠﻢ ﻟﻴﻘﺎل ﻋﺎﻟﻢ ،وﻗﺮأت اﻟﻘﺮﺁن ﻟﻴﻘﺎل ﻗﺎرئ .ﻓﻘ ﺪ
ﻗﻴﻞ .ﺛﻢ أ ِﻣ َﺮ ﺑﻪ ﻓﺴﺤﺐ ﻋﻠﻰ وﺟﻬﻪ ﺣﺘﻰ أﻟﻘﻲ ﻓﻲ اﻟﻨﺎر .
ورﺟﻞ وﺳﻊ اﷲ ﻋﻠﻴﻪ وأﻋﻄﺎﻩ ﻣﻦ أﺻﻨﺎف اﻟﻤﺎل ﻓﺄﺗﻲ ﺑﻪ ﻓﻌﺮﻓﻪ ﻧﻌﻤﻪ ﻓﻌﺮﻓﻬﺎ ﻓﻘﺎل :ﻓﻤ ﺎ ﻋﻤﻠ ﺖ ﻓﻴﻬ ﺎ ؟ ﻓﻘ ﺎل :ﻣ ﺎ ﺗﺮآ ﺖ ﻣ ﻦ ﺳ ﺒﻴﻞ
ﺗﺤﺐ أن ﻳﻨﻔﻖ ﻓﻴﻪ إﻻ أﻧﻔﻘﺖ ﻓﻴﻬﺎ ﻟﻚ ﻗﺎل :آﺬﺑﺖ وﻟﻜﻨﻚ ﻓﻌﻠﺖ ﻟﻴﻘﺎل هﻮ ﺟﻮاد .ﻓﻘﺪ ﻗﻴﻞ .ﺛﻢ أ ِﻣ َﺮ ﺑﻪ ﻓﺴﺤﺐ ﻋﻠﻰ وﺟﻬﻪ ﺣﺘ ﻰ أﻟﻘ ﻲ ﻓ ﻲ اﻟﻨ ﺎر
.ﻧﻌﻮذ ﺑﺎﷲ وﻧﺴﺘﺠﻴﺮ ﺑﻪ ﻣﻦ ﺣﺒﻮط اﻟﻌﻤﺎل وﺳﻮء اﻷﺣﻮال .ﻓﻤﻦ ﻟﻢ ُﻳﺮِد وﺟﻪ اﷲ ﺑﻌﻤﻠﻪ ﺧﺎﻟﺼ ًﺎ ﻣﺨﻠﺼ ًﺎ ﻓﻘﺪ ﺣﺒﻂ ﻋﻤﻠﻪ وﺑﻄﻞ أﻣﻠﻪ .
اﻟﻮﺟ ﻪ اﻟﺜﺎﻟ ﺚ :أن ﻳﻘ ﻮم اﻟﻤ ﺮء ﺑﺄﻋﻤ ﺎل ﺻ ﺎﻟﺤﺔ آﺮﻳﻤ ﺔ وﻟﻜﻨ ﻪ إﻟ ﻰ ﺟﺎﻧ ﺐ ذﻟ ﻚ ﻳﻘ ﻮم ﺑ ﺴﻴﺌﺎت آﺒﻴ ﺮات ﺗﻄﻐ ﻰ ﻋﻠ ـﻰ ه ـﺬﻩ اﻷﻋﻤ ـﺎل
ﻼ ﺻ ﺎﻟﺤ ًﺎ وﺁﺧ ـﺮ ﺳﻴﺌ ـ ًﺎ .ﻓﻬ ﺬا أﻳ ﻀ ًﺎ ﻣ ﻦ
ﻼ ﻟﻤّﺎ ،آﻤﺎ ﺗﺄآﻞ اﻟﻨﺎر اﻟﺤﻄﺐ وﻳﻜﻮن ذﻟﻚ اﻹﻧ ﺴﺎن آﻤ ﻦ ﺧﻠﻄ ﻮا ﻋﻤ ـ ً
اﻟﺼﺎﻟﺤﺔ ﻓﺘﺤﺒﻄﻬﺎ وﺗﺄآﻠﻬﺎ أآ ً
اﻟﺬﻳﻦ ﺳﺘﺤﺒﻂ أﻋﻤﺎﻟﻬﻢ وﻻ ﻳﻨﺎﻟﻮن ﺑﻬﺎ ﺛﻮاب اﷲ ﻋﺰ وﺟﻞ .
روى اﻹﻣﺎم ﻣﺴﻠﻢ وﻏﻴﺮﻩ ﻋﻦ ﺟﺎﺑﺮ رﺿﻲ اﷲ ﻋﻨﻪ أن اﻟﻨﺒﻲ ﺻﻠﻰ اﷲ ﻋﻠﻴﻪ وﺳﻠﻢ ﻗﺎل :أﺗﺪرون ﻣﻦ اﻟﻤﻔﻠﺲ ؟ ﻗﺎﻟﻮا :اﻟﻤﻔﻠ ﺲ ﻓﻴﻨ ﺎ
ﻣﻦ ﻻ درهﻢ ﻟﻪ وﻻ ﻣﺘﺎع .ﻓﻘﺎل :إن اﻟﻤﻔﻠﺲ ﻣﻦ أﻣﺘﻲ ﻣﻦ ﻳ ﺄﺗﻲ ﻳ ﻮم اﻟﻘﻴﺎﻣ ﺔ ﺑ ﺼﻼة وﺻ ﻴﺎم وزآ ﺎة .وﻳ ﺄﺗﻲ وﻗ ﺪ ﺷ ﺘﻢ ه ﺬا ،وﻗ ﺬف ه ﺬا ،
وأآﻞ ﻣﺎل هﺬا ،وﺳﻔﻚ دم هﺬا ،وﺿﺮب هﺬا .ﻓﻴﻌﻄﻲ هﺬا ﻣﻦ ﺣﺴﻨﺎﺗﻪ ،وهﺬا ﻣﻦ ﺣﺴﻨﺎﺗﻪ ﻓﺈن ﻓﻨﻴﺖ ﺣﺴﻨﺎﺗﻪ ﻗﺒﻞ أن ﻳﻘﻀﻰ ﻣﺎ ﻋﻠﻴ ﻪ ،أﺧ ﺬ
ﻣﻦ ﺧﻄﺎﻳﺎهﻢ ﻓﻄﺮﺣﺖ ﻋﻠﻴﻪ ،ﺛﻢ ﻃﺮح ﻓﻲ اﻟﻨﺎر.
ﻓﻬ ﺬﻩ ﺛﻼﺛ ﺔ أوﺟ ﻪ وﻣ ﺴﺎﻟﻚ ،ﺗﺤ ﺒﻂ ﻓﻴﻬ ﺎ اﻷﻋﻤ ﺎل وﺗﺒﻄ ﻞ ،ﻓ ﻼ ﻳ ﺴﺘﻔﻴﺪ ﻣﻨﻬ ﺎ ﺻ ﺎﺣﺒﻬﺎ ،وﻻ ﺗ ﺄﺗﻲ ﺑﺜﻤﺮاﺗﻬ ﺎ اﻟﻄﻴﺒ ﺔ .ﻓﻠﻴﺤ ﺬر اﻟﻌﺒ ﺪ
ﺳﻠﻮآﻬﺎ واﻟﺘﻮرط ﻓﻴﻬﺎ .ﻓﻘﺪ ﺣﺬرﻧﺎ اﻹﺳﻼم ﻣﻨﻬﺎ ودﻋﺎﻧﺎ إﻟﻰ اﻹﺧﻼص اﻟﻜﺎﻣﻞ ﻓﻲ اﻷﻗﻮال واﻷﻋﻤﺎل .وﻻ ﺣﺠﺔ ﻟﻠﻨﺎس ﺑﻌﺪ ﺑﻴﺎن اﷲ وﺗﺤﺬﻳﺮﻩ
ﻼ أﺷ ﺮك ﻓﻴ ﻪ ﻏﻴ ﺮ اﷲ ،ﻓﻬ ﻮ ﻟﻤ ﻦ أﺷ ﺮك
ﻟﻬﻢ .ﻓﻼ ﺟﺰاء ،وﻻ ﺛﻤﺮة ،ﻟﻠﻌﻤﻞ إﻻ إذا آ ﺎن ﺧﺎﻟ ﺼ ًﺎ ﻟﻮﺟ ﻪ اﷲ ﺗﺒ ﺎرك وﺗﻌ ﺎﻟﻰ .وﻣ ﻦ ﻋﻤ ﻞ ﻋﻤ ً
وﻟﻴﺲ ﻟﻪ ﻋﻨﺪ اﷲ ﻧﺼﻴﺐ ..وهﻞ ﻳﺠﺎزي وﻳﻜﺎﻓﻲ ﻏﻴﺮ اﷲ اﻟﻐﻨﻲ اﻟﻘﻮي اﻟﻌﺰﻳﺰ اﻟﺤﻜﻴﻢ ؟ ﻗﺎل ﺗﻌﺎﻟﻰ " :ﻓﺎدﻋﻮﻩ ﻣﺨﻠﺼﻴﻦ ﻟﻪ اﻟﺪﻳﻦ " .وﻗ ﺎل
ﺗﻌﺎﻟﻰ " :وﻣﺎ أﻣﺮوا إﻻ ﻟﻴﻌﺒﺪوا اﷲ ﻣﺨﻠﺼﻴﻦ ﻟﻪ اﻟﺪﻳﻦ " .ﺳﻮرة اﻟﺒﻴﻨﺔ 5 :
12
www.daawa-info.net
ورد ﻓ ﻲ اﻟﺤ ﺪﻳﺚ اﻟ ﺸﺮﻳﻒ ﻋ ﻦ ﻣﺤﻤ ﻮد ﺑ ﻦ ﻟﺒﻴ ﺪ ،أن رﺳ ﻮل اﷲ ﺻ ﻠﻰ اﷲ ﻋﻠﻴ ﻪ وﺳ ﻠﻢ ﻗ ﺎل :إن أﺧ ﻮف ﻣ ﺎ أﺧ ﺎف ﻋﻠ ﻴﻜﻢ اﻟ ﺸﺮك
اﻷﺻﻐﺮ .ﻗﺎﻟﻮا :وﻣﺎ اﻟﺸﺮك اﻷﺻﻐﺮ ﻳﺎ رﺳﻮل اﷲ ؟ ﻗﺎل :اﻟﺮﻳﺎء .ﻳﻘ ﻮل اﷲ ﻳ ﻮم اﻟﻘﻴﺎﻣ ﺔ .إذا ﺟ ﺰى اﻟﻨ ﺎس ﺑﺄﻋﻤ ﺎﻟﻬﻢ ﻳﻘ ﻮل :إذهﺒ ﻮا إﻟ ﻰ
اﻟﺬﻳﻦ آﻨﺘﻢ ﺗﺮاءون ﻓﻲ اﻟﺪﻧﻴﺎ .ﻓﺎﻧﻈﺮوا ،هﻞ ﺗﺠﺪون ﻋﻨﺪهﻢ ﺟﺰاء ؟
ﻓﻼ ﻗﺒﻮل ﻟﻠﻌﻤﻞ إذن إﻻ ﻣﻊ اﻹﺧﻼص اﻟﺘﺎم ﷲ رب اﻟﻌﺎﻟﻤﻴﻦ .وﺣﻘﻴﻘﺔ اﻹﺧﻼص هﻮ أن ﻳﻘ ﺼﺪ اﻟﻤ ﺮء ﺑﻘﻮﻟ ﻪ وﻋﻤﻠ ﻪ وﺟﻬ ﺎدﻩ وإﻧﻔﺎﻗ ﻪ
وﺟﻪ اﷲ ﺗﺒﺎرك وﺗﻌﺎﻟﻰ واﺑﺘﻐﺎء ﻣﺮﺿﺎﺗﻪ ،ﻣﻦ ﻏﻴﺮ ﻧﻈﺮ إﻟﻰ ﻣﻐﻨﻢ أو ﺟﺎﻩ ،أو ﻟﻘﺐ ،أو ﻣﻈﻬﺮ .ﺣﺘﻰ ﻳﺮﺗﻔﻊ ﻋﻦ ﻧﻘﺎﺋﺺ اﻷﻋﻤ ﺎل ،ورذاﺋ ﻞ
اﻷﺧﻼق وﻳﺘﺼﻞ ﺑﺎﷲ ﻣﺒﺎﺷﺮة .ﻓﻼ ﻳﺮﻳﺪ إﻻ وﺟﻬﻪ ،وﻻ ﻳﻌﻤﻞ إﻻ ﻟﻪ ﻓﻲ ﺟﻤﻴﻊ أﻋﻤﺎﻟﻪ وﺳﺎﺋﺮ ﺗﺼﺮﻓﺎﺗﻪ وﻳﺤﻘﻖ هﺬا ﻗﻮﻟﻪ ﺗﻌﺎﻟﻰ :
" ﻗﻞ إن ﺻﻼﺗﻲ وﻧﺴﻜﻲ وﻣﺤﻴﺎي وﻣﻤﺎﺗﻲ ﷲ رب اﻟﻌﺎﻟﻤﻴﻦ ﻻ ﺷﺮﻳﻚ ﻟﻪ .وﺑﺬﻟﻚ أﻣﺮت وأﻧﺎ أول اﻟﻤﺴﻠﻤﻴﻦ " .اﻷﻧﻌﺎم 162 :
هﺬا هﻮ اﻹﺳﻼم .أن ﻳﺘﺠﺮد اﻟﻤﺴﻠﻢ ﻣﻦ آﻞ هﻮى ،وﻳﺒﺘﻌﺪ ﻋﻦ آﻞ ﻣﺒﺘﻐﻰ ﻟﻴﺲ ﻓﻴﻪ وﺟﻪ اﷲ ﺳﺒﺤﺎﻧﻪ .
ﻼ ﻗﺎل :ﻳﺎ رﺳﻮل اﷲ .إﻧﻲ أﻗﻒ اﻟﻤﻮاﻗﻒ أرﻳﺪ وﺟﻪ اﷲ ،وأﺣﺐ أن ﻳﺮى ﻣﻮﻃﻨﻲ ؟ ﻓﻠﻢ ﻳﺮد
روى اﺑﻦ أﺑﻲ ﺣﺎﺗﻢ ﻋﻦ ﻃﺎووس أن رﺟ ً
ﻼ ﺻ ﺎﻟﺤ ًﺎ وﻻ ﻳ ﺸﺮك ﺑﻌﺒ ﺎدة رﺑ ﻪ
ﻋﻠﻴﻪ رﺳﻮل اﷲ ﺻﻠﻰ اﷲ ﻋﻠﻴﻪ وﺳﻠﻢ ﺷﻴﺌ ًﺎ ﺣﺘﻰ ﻧﺰﻟﺖ هﺬﻩ اﻵﻳﺔ " :ﻓﻤﻦ آﺎن ﻳﺮﺟﻮ ﻟﻘﺎء رﺑﻪ ﻓﻠﻴﻌﻤﻞ ﻋﻤ ً
أﺣﺪًا " .اﻟﻜﻬﻒ 110 :
ﻼ ﻋﻠﻰ آﻤﺎل اﻹﻳﻤﺎن .وﻣﻦ آﻤﻞ إﻳﻤﺎﻧﻪ ﻓﻬﻮ ﻓﻲ ﻋﻠﻴﻴﻦ ،وﻣﻦ ﺧﻴﺮ اﻟﺒﺮﻳﺔ .
وﻗﺪ ﺟﻌﻞ اﻹﺳﻼم اﻹﺧﻼص دﻟﻴ ً
روى أﺑﻮ داود واﻟﺘﺮﻣﺬي ﺑﺴﻨﺪ ﺣﺴﻦ أن رﺳﻮل اﷲ ﺻﻠﻰ اﷲ ﻋﻠﻴﻪ وﺳﻠﻢ ﻗﺎل " :ﻣ ﻦ أﺣ ﺐ ﷲ ،وأﺑﻐ ﺾ ﷲ ،وأﻋﻄ ﻰ ﷲ ،وﻣﻨ ﻊ
ﷲ ﻓﻘﺪ اﺳﺘﻜﻤﻞ اﻹﻳﻤﺎن " .وﻃﻮﺑﻰ ﻟﻬﺆﻻء اﻟﻤﺨﻠﺼﻴﻦ ﻓﻬﻢ ﻣﺼﺎﺑﻴﺢ اﻟﺪﺟﻰ ﺗﻨﺠﻠﻲ ﻋﻨﻬﻢ آﻞ ﻓﺘﻨﺔ ﻇﻠﻤﺎء .وهﻢ اﻟﻨﺠﻮم اﻟﺰاهﺮة اﻟﺘﻲ ﻳﻬﺘ ﺪي
ﺑﻨﻮرهﺎ اﻟﺴﺎﻟﻜﻮن ،ﻓﺒﺎﻹﺧﻼص واﻟﻨﻴﺔ اﻟﺼﺎﻟﺤﺔ ﻳﺒﻠﻎ اﻟﻤﺮء اﻟﺬروة ﻣﻦ اﻟﺴﻤﻮ واﻟﺮﻓﻌﺔ .وﻳﻨﺰل ﺑﻬﻤﺎ ﻣﻨﺎزل اﻷﺑﺮار اﻷﻃﻬﺎر ﻣﻦ اﻟﻤﻬﺎﺟﺮﻳﻦ
واﻷﻧﺼﺎر ﻳﻘﻮل اﻟﻨﺒﻲ اﻟﻜﺮﻳﻢ ﺻﻠﻰ اﷲ ﻋﻠﻴﻪ وﺳﻠﻢ :
" ﻃﻮﺑﻰ ﻟﻠﻤﺨﻠﺼﻴﻦ :اﻟﺬﻳﻦ إذا ﺣﻀﺮوا ﻟﻢ ﻳﻌﺮﻓﻮا ..وإذا ﻏ ﺎﺑﻮا ﻟ ﻢ ﻳﻔﺘﻘ ﺪوا … أوﻟﺌ ﻚ ه ﻢ ﻣ ﺼﺎﺑﻴﺢ اﻟﻬ ﺪى ﺗﻨﺠﻠ ﻲ ﻋ ﻨﻬﻢ آ ﻞ ﻓﺘﻨ ﺔ
ﻇﻠﻤﺎء " رواﻩ اﻟﺒﻴﻬﻘﻲ ﻋﻦ ﺛﻮﺑﺎن .
وﻟﻘﺪ آﺎن اﻟﺘﺤﻠﻲ ﺑﺤﻠﻴﺔ اﻹﺧﻼص ﺳﺒﺒ ًﺎ ﻓﻲ ﺗﻄﻬﻴﺮ أﻧﻔﺲ اﻟﺼﺤﺎﺑﺔ اﻟﻜﺮام ﻣﻦ اﻟﺮﻳﺎء واﻟﻨﻔﺎق واﻟﻜﺬب .وآﺎﻧﻮا ﺑﺤﻖ ﻣ ﺼﺎﺑﻴﺢ اﻟ ﺪﺟﻰ
واﻟﻬﺪى .اﻧﺠﻠﺖ ﻋﻨﻬﻢ آﻞ ﻓﺘﻨﺔ ﻇﻠﻤﺎء .واﻧﺪﻓﻌﻮا إﻟﻰ ﻏﺎﻳﺎﺗﻬﻢ اﻟﻜﺒﺮى .وأهﺪاﻓﻬﻢ اﻟﺴﺎﻣﻴﺔ ﻳﻨﺸﺪون إﻗﺎﻣﺔ اﻟﺤ ﻖ واﻟﻌ ﺪل وﻳﺒﺘﻐ ﻮن وﺟ ﻪ اﷲ
وإﻋﻼء آﻠﻤﺘﻪ .ﻓﻤﻜﻦ اﷲ ﻟﻬﻢ ﻓﻲ اﻷرض وﻓﺘﺢ ﻟﻬﻢ ﻣﺸﺎرﻗﻬﺎ وﻣﻐﺎرﺑﻬﺎ وﺟﻌﻠﻬﻢ ﻗﺎدة اﻟﺪﻧﻴﺎ ،وﺳﺎدة اﻟﻌﺎﻟﻢ ،وأﺋﻤﺔ اﻟﻨﺼﺮ واﻟﻔﺘﻮح .
واﻻﺗﺼﺎف ﺑﺼﻔﺔ اﻹﺧﻼص واﻟﺼﺪق ﻳﻜﺴﺐ اﻟﻔﺮد اﻟﻨﺠﺎح واﻟﻈﻔ ﺮ ،واﻟﺠﻤﺎﻋ ﺔ اﻟﺘ ﻲ ﺗﺘ ﺄﻟﻒ ﻣ ﻦ أﻓ ﺮاد ﻣﺨﻠ ﺼﻴﻦ ﺗﺘﺠ ﻪ إﻟ ﻰ اﻟﺨﻴ ﺮ ،
وﺗﺘﻨﺰﻩ ﻋﻦ اﻟﺪﻧﺎﻳﺎ ،وﺗﺘﺮﻓﻊ ﻋﻦ ﺷﻬﻮات اﻟﺪﻧﻴﺎ ،وﺗﺴﻴﺮ إﻟﻰ ﻏﺎﻳﺎﺗﻬﺎ ﺗﻈﻠﻠﻬﺎ اﻟﻤﺤﺒﺔ ،وﻳﻌﻤﻬﺎ اﻷﻣﻦ واﻟﺮﺧﺎء واﻟﺴﻼم .
-واﻹﺳﻼم اﻟﻌﻈﻴﻢ اﻟﺬي رﺑﻰ اﻟﻨﻔﻮس ﻋﻠﻰ أﻧﺒﻞ اﻷﺧ ﻼق وأﺳ ﻤﺎهﺎ ﻳﺮﻳ ﺪ ﻣ ﻦ اﻟﻤ ﺴﻠﻢ أن ﻳﻜ ﻮن ﺳ ﺮﻩ آﺈﻋﻼﻧ ﻪ ،وﻇﻠﻤ ﺔ ﻟﻴﻠ ﻪ آ ﻀﻮء
ﻧﻬﺎرﻩ .ﻓﺈذا اﺧﺘﻠﻒ اﻟﻈﺎهﺮ واﻟﺒﺎﻃﻦ ،وﺗﻌﺎرض اﻟﻘﻮل واﻟﻌﻤﻞ ،وﺗﺄرﺟﺢ اﻹﻧﺴﺎن ﺑﻴﻦ دواﻓﻊ اﻟﺨﻴﺮ وﻧﻮازع اﻟ ﺸﺮ ،آ ﺎن اﻟﻨﻔ ﺎق اﻟ ﺬي ﻳﻔﻘ ﺪ
اﻟﻤﺮء ﺷﺨﺼﻴﺘﻪ ﻓﻼ ﻳﻘﺪر ﻋﻠﻰ اﻟﺠﻬﺮ ﺑﺎﻟﺤﻖ ،وﻻ ﻳﻘﻮى ﻋﻠﻰ اﻟﻤﺼﺎرﺣﺔ ،وﻻ ﻳﻘﻒ ﻣﻮﻗﻒ اﻟﺒﻄﻞ اﻟﺸﺠﺎع .
روى اﻟﺒﺨﺎري ﻋﻦ اﺑﻦ ﻋﻤﺮ رﺿﻲ اﷲ ﻋﻨﻬﻤﺎ أن أﻧﺎﺳ ًﺎ ﻗﺎﻟﻮا ﻟﻪ :إﻧﺎ ﻧﺪﺧﻞ ﻋﻠﻰ ﺳﻼﻃﻴﻨﻨﺎ .ﻓﻨﻘﻮل ﻟﻬﻢ ﺑﺨ ﻼف ﻣ ﺎ ﻧ ﺘﻜﻠﻢ إذا ﺧﺮﺟﻨ ﺎ
ﻣﻦ ﻋﻨﺪهﻢ .ﻗﺎل اﺑﻦ ﻋﻤﺮ :آﻨﺎ ﻧﻌﺪ هﺬا ﻧﻔﺎﻗ ًﺎ ﻋﻠﻰ ﻋﻬﺪ رﺳﻮل اﷲ ﺻﻠﻰ اﷲ ﻋﻠﻴﻪ وﺳﻠﻢ .
وﻣﻦ ﻳﺮد أن ﻳﺘﺘﺒﻊ اﻵﺛﺎر اﻟﺴﻴﺌﺔ اﻟﺘﻲ ﻳﺘﺮآﻬﺎ ﻋﺪم اﻹﺧﻼص ﻓﻲ اﻟﻤﺠﺘﻤﻊ اﻟﺒﺸﺮي ،وﻓﻲ اﻟﺤﻴﺎة اﻹﻧﺴﺎﻧﻴﺔ ،وﻣﺪى ﻣﺎ أﺣﺪﺛ ﻪ اﻟﺮﻳ ﺎء
واﻟﻨﻔﺎق وﻓﺴﺎد اﻷﺧﻼق ،ﻣﻦ اﺿﻄﺮاب ﻓﻲ اﻟﻨﻈﻢ ،وﺗﻐﻴﻴﺮ ﻟﻠﻌﺮف اﻟﺼﺎﻟﺢ ،و َﺗﻌْﻮﻳ ﻖ ﻋ ﻦ اﻟﻨﻬ ﻮض واﻻرﺗﻘ ﺎء .ﺑ ﻞ واﻻﻧﺤﻄ ﺎط إﻟ ﻰ أﺳ ﻔﻞ
اﻟﺪرآﺎت ،ﻓﻠﻴﻨﻈﺮ إﻟﻰ ﺣﺎﻟﺘﻨﺎ اﻟﺤﺎﺿﺮة وﻳﺘﻔﺤﺺ ﻣﺎ وﺻﻠﻨﺎ ﻏﻠﻴ ﻪ ﻣ ﻦ ﺗ ﺪهﻮر واﻧﺤﻄ ﺎط ﻓ ﺈن ﻧﻈ ﺮة واﺣ ﺪة ﺗﻜﻔﻴ ﻪ ﻋﺒ ﺮة ﻋﻤ ﺎ آﻨ ﺎ ﻋﻠﻴ ﻪ وﻣ ﺎ
أﺻﺒﺤﻨﺎ ﻓﻴﻪ .وﻣﺎ ذﻟﻚ آﻠﻪ إﻻ ﻟﻔﻘﺪان اﻹﺧﻼص ﻓﻲ ﻣﺠﺘﻤﻌﺎﺗﻨﺎ اﻹﺳﻼﻣﻴﺔ .واﻧﺘﺸﺎر اﻟﻨﻔﺎق واﻟﺮﻳﺎء .وﻣﻦ ﺷﺄن اﻟﺮﻳﺎء أن ﻳﺤﺠﺐ اﻟﻤﺮء ﻋﻦ
اﷲ وﻳﻨﺰل ﺑﻪ إﻟﻰ ﻣﺴﺘﻮى اﻟﺤﻴﻮان ،ﻓﻼ ﺗﺰآﻮ ﻟﻪ ﻧﻔﺲ ،وﻻ ﻳﻘﺒﻞ ﻣﻨﻪ ﻋﻤﻞ ،ذﻟﻚ أن اﻟﻤﺮاﺋﻲ واﻟﻤﻨ ﺎﻓﻖ ﻻ رأي ﻟ ﻪ وﻻ ﻣﺒ ﺪأ وﻻ ﻋﻘﻴ ﺪة وﻻ
دﻳﻦ ،وﻟﻜﻨﻪ آﺎﻟﺤﺮﺑﺎء ﻳﺘﻠﻮن ﺑﻜﻞ ﻟﻮن وﻳﻤﻴ ﻞ ﻣ ﻊ آ ﻞ رﻳ ﺢ .و ُﺗﻔْﻘ ﺪ ﻣﻨ ﻪ اﻟﺮﺟﻮﻟ ﺔ واﻷﻧﻔ ﺔ واﻟ ﺸﺠﺎﻋﺔ ،وﻻ ﻳﻬﻤ ﻪ ﻣ ﻦ أﻣ ﺮ اﻟ ﺪﻧﻴﺎ إﻻ ﻧﻔ ﺴﻪ
13
www.daawa-info.net
اﻷﻣﺎرة ﺑﺎﻟﺴﻮء .وﺧﺪاع اﻟﻨﺎس وﻣﺨﺎدﻋﺔ اﷲ ﻋﺰ وﺟﻞ ﻗﺎل ﺗﻌﺎﻟﻰ " :إن اﻟﻤﻨﺎﻓﻘﻴﻦ ﻳﺨ ﺎدﻋﻮن اﷲ وه ﻮ ﺧ ﺎدﻋﻬﻢ ،وإذا ﻗ ﺎﻣﻮا إﻟ ﻰ اﻟ ﺼﻼة
ﻼ " .اﻟﻨﺴﺎء . 142
ﻗﺎﻣﻮا آﺴﺎﻟﻰ ﻳﺮاءُون اﻟﻨﺎس وﻻ ﻳﺬآﺮون اﷲ إﻻ ﻗﻠﻴ ً
وهﺆﻻء ﻣﻦ اﻟﺬﻳﻦ ﺳﻴﺤﺒﻂ اﷲ أﻋﻤﺎﻟﻬﻢ ﻓﻲ اﻟﺪﻧﻴﺎ واﻵﺧﺮة وﻳﺠﻌﻠﻬ ﻢ اﻷﺧ ﺴﺮﻳﻦ اﻷﺳ ﻔﻠﻴﻦ وه ﻢ ﻓ ﻲ اﻟ ﺪرك اﻷﺳ ﻔﻞ ﻣ ﻦ اﻟﻨ ﺎر " :إن
اﻟﻤﻨﺎﻓﻘﻴﻦ ﻓﻲ اﻟﺪرك اﻷﺳﻔﻞ ﻣﻦ اﻟﻨﺎر " .
ﺛﻨﺎء اﻟﻨﺎس ﻻ ﻳﺤﺒﻂ اﻟﻌﻤﻞ
ﻣﻦ اﻟﻨﺎس أﻧﺎس ﻳﻌﻤﻠﻮن اﻟﻌﻤﻞ ﷲ و ُﻳﺴﱢﺮون ذﻟﻚ اﻟﻌﻤﻞ وﻳﺨﻔﻮﻧﻪ ﻋﻦ اﻟﻨﺎس ﺧﺸﻴﺔ أن ﻳﻘﻌﻮا ﻓﻲ اﻟﺮﻳﺎء وهﻢ ﺻﺎدﻗﻮن ﻓﻲ إﺧﻼﺻ ﻬﻢ
،ﺛﻢ ﻳﻄﻠﻊ اﻟﻨﺎس ﻋﻠﻰ أﻋﻤﺎﻟﻬﻢ دون ﻗﺼﺪ ﻣﻨﻬﻢ ،ﻓﻴﺜﻨﻮن ﻋﻠﻴﻬﻢ ،وﻳﺤﻤﺪون ﻟﻬﻢ ﻣﺎ ﺻ ﻨﻌﻮا .وﻳ ﺬآﺮوﻧﻬﻢ ﺑﻜ ﻞ ﺧﻴ ﺮ وﺷ ﻜﺮ ،ﻓﻴﻌﺠ ﺒﻬﻢ ه ﺬا
اﻟﺜﻨﺎء وﻳﻨﺰل ﻣﻨﻬﻢ ﻣﻨﺰﻟﺔ اﻟﻤﺎء اﻟﺒﺎرد ﻋﻠﻰ اﻟﻘﻠﺐ اﻟﻮﻟﻬﺎن .ﻓﻬﺆﻻء اﻟﻌﺎﻣﻠﻮن اﻟﻤﺨﻠﺼﻮن وإن أﻋﺠ ﺒﻬﻢ ه ﺬا اﻟﺜﻨ ﺎء ،وﻇﻬ ﺮت أﻋﻤ ﺎﻟﻬﻢ ﺑ ﻴﻦ
اﻟﻨﺎس ،ﻓﺈن هﺬا ﻻ ﻳُﺤﺒَﻂ ﻣﻌﻪ ﻋﻤﻠﻬﻢ ،وﻻ ﻳﻨﻘﺺ ﺷﻴﺌ ًﺎ ﻣ ﻦ أﺟ ﺮهﻢ وﺛ ﻮاﺑﻬﻢ .ﻣ ﺎ داﻣ ﻮا ﻣﺨﻠ ﺼﻴﻦ ﷲ ﺗﺒ ﺎرك وﺗﻌ ﺎﻟﻰ .روى اﻟﺘﺮﻣ ﺬي ﻋ ﻦ
ﻃﻠِﻊ ﻋﻠﻴ ﻪ أﻋﺠﺒ ﻪ ذﻟ ﻚ ؟ .ﻗ ﺎل رﺳ ﻮل اﷲ ﺻ ﻠﻰ
ﻼ ﻗﺎل :ﻳﺎ رﺳﻮل اﷲ ،اﻟﺮﺟﻞ ﻳﻌﻤﻞ اﻟﻌﻤﻞ ﻓ ُﻴﺴﱢﺮﻩ .ﻓﺈذا ا ُ
أﺑﻲ هﺮﻳﺮة رﺿﻲ اﷲ ﻋﻨﻪ أن رﺟ ً
اﷲ ﻋﻠﻴﻪ وﺳﻠﻢ " :ﻟﻪ أﺟﺮان :أﺟﺮ اﻟﺴﺮ ،وأﺟﺮ اﻟﻌﻼﻧﻴﺔ " .
ﺑﻞ ﻗﺪ ﻳﻜﻮن ﺛﻨﺎء اﻟﻨﺎس ﻋﻠﻰ أﻋﻤﺎل هﺆﻻء اﻟﻤﺨﻠﺼﻴﻦ اﻟﺬﻳﻦ أﺧﻔﻮا أﻋﻤ ﺎﻟﻬﻢ ﷲ ،وﻟﻜ ﻦ اﷲ أﻇﻬﺮه ﺎ .ﻗ ﺪ ﻳﻜ ﻮن ه ﺬا ﻣ ﻦ اﻟﺒ ﺸﺮﻳﺎت
اﻟﻤﻌﺠﻠﺔ ﻟﻬﺆﻻء اﻟﺼﺎدﻗﻴﻦ .ﻓﻘﺪ ورد ﻋﻦ أﺑﻲ ذر رﺿﻲ اﷲ ﻋﻨﻪ أﻧﻪ ﺳﺄل رﺳﻮل اﷲ ﺻﻠﻰ اﷲ ﻋﻠﻴﻪ وﺳﻠﻢ ﻗﺎل :أرأﻳ ﺖ اﻟﺮﺟ ﻞ ﻳﻌﻤ ﻞ اﻟﻌﻤ ﻞ
ﻣﻦ اﻟﺨﻴﺮ ﻓﻴﺤﻤﺪﻩ اﻟﻨﺎس ﻋﻠﻴﻪ ؟ ﻗﺎل اﻟﻨﺒﻲ ﺻﻠﻰ اﷲ ﻋﻠﻴﻪ وﺳﻠﻢ " :ﺗﻠﻚ ﻋﺎﺟﻞ ﺑﺸﺮى اﻟﻤﺆﻣﻦ " .رواﻩ ﻣﺴﻠﻢ .
إﺗﻘﺎء اﻟﺮﻳﺎء
وﻟﻌﻞ ﺧﻴﺮ ﻣﺎ ﻧﺨﺘﻢ ﺑﻪ ﺗﻔﺴﻴﺮ هﺬﻩ اﻵﻳﺔ اﻟﻜﺮﻳﻤﺔ " :أن ﺗﺤﺒﻂ أﻋﻤﺎﻟﻜﻢ وأﻧﺘﻢ ﻻ ﺗﺸﻌﺮون " ،هﻮ ﻓﻲ آﻴﻔﻴ ﺔ اﻻﺗﻘ ﺎء ﻣ ﻦ اﻟﺮﻳ ﺎء .وﻻ
ﺷﻚ أن اﻟﻠﺠﻮء إﻟ ﻰ اﷲ ﻋﻨ ﺪ اﻟﻤﻠﻤ ﺎت ه ﻮ اﻟﻄﺮﻳ ﻖ اﻷﻗ ﻮم ،واﻟ ﺴﺒﻴﻞ اﻷﺳ ﻠﻢ .وﻗ ﺪ أرﺷ ﺪﻧﺎ اﻟﻤﻌﻠ ﻢ اﻷآﺒ ﺮ ،رﺳ ﻮل ه ﺬﻩ اﻷﻣ ﺔ اﻹﺳ ﻼﻣﻴﺔ ،
وﻣﺒﻌﻮث اﷲ إﻟﻰ اﻟﻨﺎس آﺎﻓﺔ ﺑﺸﻴﺮًا وﻧﺬﻳﺮًا ﻣﺤﻤﺪ ﺻﻠﻰ اﷲ ﻋﻠﻴﻪ وﺳﻠﻢ إﻟﻰ ﻃﺮﻳﻖ اﻻﺗﻘﺎء واﻟﺮﻳ ﺎء ،ﻓﻘ ﺪ روى اﻹﻣ ﺎم أﺣﻤ ﺪ رﺣﻤ ﻪ اﷲ ﻋ ﻦ
أﺑﻲ ﻣﻮﺳﻰ اﻷﺷﻌﺮي رﺿﻲ اﷲ ﻋﻨﻪ ﻗﺎل :ﺧﻄﺒﻨﺎ رﺳﻮل اﷲ ﺻﻠﻰ اﷲ ﻋﻠﻴﻪ وﺳﻠﻢ ذات ﻳﻮم ﻓﻘﺎل :
ﻳﺎ أﻳﻬﺎ اﻟﻨﺎس :اﺗﻘﻮا هﺬا اﻟﺸﺮك ،ﻓﺈﻧﻪ أﺧﻔﻰ ﻣﻦ دﺑﻴﺐ اﻟﻨﻤﻞ ،ﻓﻘﺎل رﺟﻞ :وآﻴﻒ ﻧﺘﻘﻴﻪ ؟
ﻗﺎل :ﻗﻮﻟﻮا " :اﻟﻠﻬﻢ إﻧﺎ ﻧﻌﻮذ ﺑﻚ ﻣﻦ أن ﻧﺸﺮك ﺑﻚ ﺷﻴﺌ ًﺎ ﻧﻌﻠﻤﻪ ،وﻧﺴﺘﻐﻔﺮك ﻟﻤﺎ ﻻ ﻧﻌﻠﻤﻪ " .
وﻧﺤﻦ ﻧﻘﻮل ﺻﺎدﻗﻴﻦ وﻣﻨﻴﺒﻴﻦ إﻟﻰ اﷲ ﻋﺰ وﺟﻞ " :اﻟﻠﻬﻢ إﻧﺎ ﻧﻌﻮذ ﺑ ﻚ ﻣ ﻦ أن ﻧ ﺸﺮك ﺑ ﻚ ﺷ ﻴﺌ ًﺎ ﻧﻌﻠﻤ ﻪ ،وﻧ ﺴﺘﻐﻔﺮك ﻟﻤ ﺎ ﻻ ﻧﻌﻠﻤ ﻪ "
واﻟﺤﻤﺪ ﷲ رب اﻟﻌﺎﻟﻤﻴﻦ .
اﻵﻳﺔ اﻟﺜﺎﻟﺜﺔ :
ﻋﻈِﻴ ٌﻢ (
ﺟ ٌﺮ َ
ﷲ ُﻗﻠُﻮ َﺑﻬُﻢ ﻟِﻠ ﱠﺘ ْﻘﻮَى َ ،ﻟ ُﻬ ْﻢ َﻣ ْﻐ ِﻔ َﺮ ٌة وأ ْ
ﻦا ُ
ﺤَ
ﻦ ا ْﻣ َﺘ َ
ﻚ اﻟّﺬﻳ َ
ﷲ ،أو َﻟ ِﺌ َ
ﻋ ْﻨ َﺪ َرﺳُﻮ ِل ا ِ
ن أﺻْﻮا َﺗ ُﻬ ْﻢ ِ
ﻦ َﻳ ُﻐﻀﱡﻮ َ )إ ﱠ
ن اﻟّﺬﻳ َ
ذُآﺮ ﻓﻲ أﺳﺒﺎب اﻟﻨﺰول :ﻓﻴﻤﺎ ورد ﻋﻦ أﺑﻲ ﺳﻠﻤﺔ ﻗﺎل :ﻟﻤﺎ ﻧﺰﻟﺖ " :ﻻ ﺗﺮﻓﻌ ﻮا أﺻ ﻮاﺗﻜﻢ " ﻗ ﺎل أﺑ ﻮ ﺑﻜ ﺮ رﺿ ﻲ اﷲ ﻋﻨ ﻪ :واﻟ ﺬي
ﺑﻌﺜﻚ ﺑﺎﻟﺤﻖ ﻻ أآﻠﻤﻚ ﺑﻌﺪ هﺬا إﻻ آﺄﺧﻲ اﻟﺴﺮار .
وﻗﺎل ﻋﺒﺪ اﷲ ﺑﻦ اﻟﺰﺑﻴﺮ :ﻟﻤﺎ ﻧﺰﻟﺖ " :ﻻ ﺗﺮﻓﻌﻮا أﺻﻮاﺗﻜﻢ " ﻣﺎ ﺣﺪث ﻋﻤﺮ ﻋﻨﺪ اﻟﻨﺒﻲ ﺻﻠﻰ اﷲ ﻋﻠﻴﻪ وﺳﻠﻢ ﺑﻌﺪ ذﻟ ﻚ ﻓ ﺴﻤﻊ آﻼﻣ ﻪ
ﺣﺘﻰ ﻳُﺴﺘﻔﻬﻤﻪ ﻣﻤﺎ ﻳﺨﻔﺾ ﻓﻨﺰﻟ ﺖ " :إن اﻟ ﺬﻳﻦ ﻳﻐ ﻀﻮن أﺻ ﻮاﺗﻬﻢ ﻋﻨ ﺪ رﺳ ﻮل اﷲ أوﻟﺌ ﻚ اﻟ ﺬﻳﻦ اﻣ ﺘﺤﻦ اﷲ ﻗﻠ ﻮﺑﻬﻢ ﻟﻠﺘﻘ ﻮى .ﻟﻬ ﻢ ﻣﻐﻔ ﺮة
14
www.daawa-info.net
وأﺟﺮ ﻋﻈﻴﻢ " .وﻗﺪ ﺗﻀﻤﻨﺖ اﻵﻳ ﺔ اﻟﻜﺮﻳﻤ ﺔ اﻟ ﺴﺎﺑﻘﺔ اﻟﺘﺤ ﺬﻳﺮ ﻣ ﻦ رﻓ ﻊ اﻟ ﺼﻮت .وﺗ ﻀﻤﻨﺖ ه ﺬﻩ اﻵﻳ ﺔ اﻟﺘﺮﻏﻴ ﺐ ﻓ ﻲ اﻟﻘ ﻮل اﻟﻠ ﻴﻦ وﺧﻔ ﺾ
اﻟﺼﻮت .
وﻗﺪ ﺟﻌﻞ اﷲ ﺟﺰاءﻩ اﻟﻤﻐﻔﺮة واﻟﺠﺮ اﻟﻌﻈﻴﻢ ،وذﻟﻚ ﻣ ﺎ ﺗ ﺼﺒﻮا إﻟﻴ ﻪ ﻧﻔ ﻮس اﻟﻤ ﺆﻣﻨﻴﻦ وﻳﺘﻌ ﺸﻘﻮﻧﻪ ﻣ ﻦ ﻗﺮﻳ ﺐ أو ﺑﻌﻴ ﺪ وﻳﺘﺨ ﺬون آ ﻞ
اﻷﺳﺒﺎب ﻟﻨﻴﻞ ﻣﺜﻞ هﺬا اﻟﺠﺰاء وهﺬا اﻷﺟﺮ اﻟﻌﻈﻴﻢ .وﺣﺴﺒﻪ أن اﷲ ﺗﺒﺎرك وﺗﻌﺎﻟﻰ وﺻﻔﻪ ﺑﺎﻟﻌﻈﻴﻢ ،وﺟﻌﻠﻪ ﻣ ﻦ ﻧ ﺼﻴﺐ أوﻟﺌ ﻚ اﻟ ﺬﻳﻦ ﻳﻐ ﻀﻮن
أﺻﻮاﺗﻬﻢ وﻳﺘﻜﻠﻤﻮن ﺑﺄدب ووﻗﺎر ﻣﻊ اﷲ ورﺳﻮﻟﻪ ﺛﻢ ﻣﻦ ﺑﻌﺪ ذﻟﻚ ﻣﻊ اﻟﻤﺆﻧﻨﻴﻦ وﻣﻊ اﻟﻨﺎس أﺟﻤﻌﻴﻦ .
وﻓﻲ وﺻﻴﺔ ﻟﻘﻤ ﺎن ﻻﺑﻨ ﻪ وه ﻮ ﻳﻌﻈ ﻪ وﻳﻮﺟﻬ ﻪ ﻷﺳ ﻤﻰ اﻷﺧ ﻼق وأﻧﺒ ﻞ اﻟ ﺼﻔﺎت ﻗﻮﻟ ﻪ ﺗﻌ ﺎﻟﻰ " :واﻗ ﺼﺪ ﻓ ﻲ ﻣ ﺸﻴﻚ واﻏ ﻀﺾ ﻣ ﻦ
ﺻﻮﺗﻚ إن أﻧﻜﺮ اﻷﺻﻮات ﻟﺼﻮت اﻟﺤﻤﻴﺮ " ﻓﻔﻲ اﻟﻮﻗﺖ اﻟﺬي أﻣﺮ اﷲ ﺳﺒﺤﺎﻧﻪ ﻓﻴﻪ ﺑﻐﺾ اﻟﺼﻮت وﺧﻔﻀﻪ ،اﺳﺘﻨﻜﺮ رﻓﻊ اﻟﺼﻮت وﺟﻌﻠﻪ ﻣﻦ
أﺧﻼق اﻟﺒﻬﺎﺋﻢ اﻟﻤﻨﻜﺮة اﻟﻤﺴﺘﻘﺒﺤﺔ " :إن أﻧﻜﺮ اﻷﺻﻮات ﻟﺼﻮت اﻟﺤﻤﻴﺮ " .وهﺬا ﻳﻤﺜﻞ ﻣﻨﺘﻬﻰ اﻟﺒﺸﺎﻋﺔ وﻏﺎﻳﺔ اﻟﺰﺟﺮ واﻟﻨﻬﻲ ﻟﻤﻦ ﻳﺮﻓﻌﻮن
أﺻﻮاﺗﻬﻢ ﺣﺘﻰ ﺗﺴﺘﻘﺒﺢ وﺗﺴﺘﻨﻜﺮ ،آﻤﺎ ﺗﺴﺘﻘﺒﺢ وﺗﺴﺘﻨﻜﺮ أﺻﻮات اﻟﺤﻤﻴﺮ .
واﻟﻤﻌﻨﻰ اﻟﻌﺎم ﻟﻶﻳﺔ اﻟﻜﺮﻳﻤﺔ :
إن اﻟ ﺬﻳﻦ ﻳﻐ ﻀﻮن أﺻ ﻮاﺗﻬﻢ ﻋﻨ ﺪ رﺳ ﻮل اﷲ ﻗ ﻮم أﺧﻠ ﺺ اﷲ ﻗﻠ ﻮﺑﻬﻢ وﺻ ﻔﺎهﺎ وأﻋ ﺪهﺎ ﻟﻠﺘﻘ ﻮى .وﻗ ﺪ ﻋ ﺮف اﷲ ﻗﻠ ﻮﺑﻬﻢ ﺑﺎﻟﺘﺠﺮﺑ ﺔ
واﻻﺧﺘﺒﺎر – وهﻮ اﻟﻌﻠﻴﻢ ﺑﻜﻞ ﺷﻲء – ﻓﻈﻬﺮت أﻧﻬﺎ ﻗﻠ ﻮب ﻣﻌ ﺪة ﻟﻠﺘﻘ ﻮى ﻣﺘﻬﻴ ﺄة ﻟﻜ ﻞ ﺧﻴ ﺮ وﻟﻜ ﻞ ﻋﻤ ﻞ ﺻ ﺎﻟﺢ وﻣﻘﺒ ﻮل ،ﻓﻬ ﺆﻻء ﻟﻬ ﻢ ﻣﻐﻔ ﺮة
وﺻﻔﺢ ﻋﻤﺎ اﻗﺘﺮﻓﻮﻩ ﻣﻦ اﻟﺴﻴﺌﺎت وﻟﻬﻢ أﺟﺮ ﻋﻈﻴﻢ ﻋﻠﻰ ﻣﺎ آﺴﺒﻮﻩ ﻣﻦ اﻟ ﺼﺎﻟﺤﺎت ﻓﻄ ﺎﻋﺘﻬﻢ ﷲ وﻟﻠﺮﺳ ﻮل ،وﺳ ﻤﻌﻬﻢ وﺗﻄﺒ ﻴﻘﻬﻢ ﻷواﻣ ﺮ اﷲ
وهﻢ راﺿﻮن ﺷﺎآﺮون ﷲ ﺗﺒﺎرك وﺗﻌﺎﻟﻰ .
ﻗﺎل اﻹﻣﺎم أﺣﻤﺪ رﺣﻤﻪ اﷲ ﻓﻲ آﺘﺎب اﻟﺰهﺪ ﻋﻦ ﻣﺠﺎهﺪ ﻗﺎل :آﺘﺐ إﻟﻰ ﻋﻤﺮ ﺑﻦ اﻟﺨﻄ ﺎب أﻣﻴ ﺮ اﻟﻤ ﺆﻣﻨﻴﻦ :رﺟ ﻞ ﻻ ﻳ ﺸﺘﻬﻲ اﻟﻤﻌ ﺼﻴﺔ
وﻻ ﻳﻌﻤﻞ ﺑﻬﺎ أﻓﻀﻞ ،أم رﺟﻞ ﻳﺸﺘﻬﻲ اﻟﻤﻌﺼﻴﺔ وﻻ ﻳﻌﻤﻞ ﺑﻬﺎ ؟
ﻓﻜﺘﺐ ﻋﻤﺮ رﺿﻲ اﷲ ﻋﻨﻪ :إن اﻟﺬﻳﻦ ﻳﺸﺘﻬﻮن اﻟﻤﻌ ﺼﻴﺔ وﻻ ﻳﻌﻤﻠ ﻮن ﺑﻬ ﺎ " .أوﻟﺌ ﻚ اﻟ ﺬﻳﻦ اﻣ ﺘﺤﻦ اﷲ ﻗﻠ ﻮﺑﻬﻢ ﻟﻠﺘﻘ ﻮى ﻟﻬ ﻢ ﻣﻐﻔ ﺮة
وأﺟﺮ ﻋﻈﻴﻢ " .واﻻﻣﺘﺤﺎن – آﻤﺎ هﻮ ﻣﻌﺮوف – ﻣﻌﻨﺎﻩ اﻻﺧﺘﺒ ﺎر واﻟﺘﺠﺮﺑ ﺔ ،واﻷﺻ ﻞ اﻟﻠﻐ ﻮي ﻓﻴ ﻪ ه ﻮ :إذاﺑ ﺔ اﻟ ﺬهﺐ ﻟ ﻴﺨﻠﺺ إﺑﺮﻳ ﺰﻩ ﻣ ﻦ
اﻟﺨﺒﺚ وﻳﻨﻘﻰ ﻣﻦ اﻟﺪﻧﺲ ﺣﺘﻰ ﻳﻜﻮن ذهﺒ ًﺎ ﺧﺎﻟﺼ ًﺎ ﺑﻌﺪ أن ﺗﻜﻮن اﻟﻨﺎر ﻗﺪ أذاﺑﺘﻪ وأﺧﺬت ﻗﺴﻄﻬﺎ اﻟﻮاﻓﺮ ﻣﻨﻪ .
واﷲ ﺗﺒﺎرك وﺗﻌﺎﻟﻰ ﻳﺒﺘﻠﻲ اﻟﻤﺆﻣﻨﻴﻦ ﺑﺎﻟﻤﺤﻦ ﻟﻴﺰآﻲ ﻧﻔﻮﺳﻬﻢ وﻳﻄﻬﺮه ﺎ ،وه ﻞ ﻳُﺰآ ﻰ اﻟ ﺬهﺐ إﻻ ﺑﺎﻟﻨ ﺎر ؟ وآ ﺬﻟﻚ اﻟﻨﻔ ﻮس اﻟﻤﺆﻣﻨ ﺔ ﻻ
ﺗﺰآ ﻰ إﻻ ﺑ ﺎﻟﻤﺤﻦ واﻟ ﺸﺪاﺋﺪ اﻟﻜﺒ ﺎر .ﻗ ﺎل ﺗﻌ ﺎﻟﻰ " :أم ﺣ ﺴﺒﺘﻢ أن ﺗ ﺪﺧﻠﻮا اﻟﺠﻨ ﺔ وﻟﻤ ﺎ ﻳ ﺄﺗﻜﻢ ﻣﺜ ﻞ اﻟ ﺬﻳﻦ ﺧﻠ ﻮا ﻣ ﻦ ﻗ ﺒﻠﻜﻢ ﻣ ﺴﺘﻬﻢ اﻟﺒﺄﺳ ﺎء
واﻟﻀﺮاء وزﻟﺰﻟﻮا ﺣﺘﻰ ﻳﻘﻮل اﻟﺮﺳﻮل واﻟﺬﻳﻦ ﺁﻣﻨﻮا ﻣﻌﻪ :ﻣﺘﻰ ﻧﺼﺮ اﷲ أﻻ إن ﻧﺼﺮ اﷲ ﻗﺮﻳﺐ " اﻟﺒﻘﺮة .
ﻗﺎل اﺑﻦ ﻣﺴﻌﻮد واﺑﻦ ﻋﺒﺎس رﺿﻲ ﻋﻨﻬﻤﺎ :اﻟﺒﺄﺳﺎء – اﻟﻔﻘﺮ .واﻟﻀﺮاء – اﻟﺴﻘﻢ ،وزﻟﺰﻟﻮا – ﺧﻮﻓﻮا ﻣ ﻦ اﻷﻋ ـﺪاء .زﻟ ﺰا ًﻻ ﺷ ﺪﻳﺪًا
واﻣﺘﺤﻨﻮا اﻣﺘﺤﺎﻧ ًﺎ ﻋﻈﻴﻤ ًﺎ آﻤﺎ ﺟﺎء ﻓﻲ اﻟﺤﺪﻳﺚ اﻟﺼﺤﻴﺢ ﻋﻦ ﺧﺒﺎب ﺑﻦ اﻷرت ﻗﺎل :ﻗﻠﻨﺎ ﻳﺎ رﺳﻮل اﷲ :أﻻ ﺗﺴﺘﻨﺼﺮ ﻟﻨﺎ ؟ أﻻ ﺗﺪﻋﻮ ﻟﻨﺎ ؟ ﻓﻘ ﺎل
ﺻﻠﻰ اﷲ ﻋﻠﻴﻪ وﺳﻠﻢ " :إن ﻣﻦ آﺎن ﻗﺒﻠﻜﻢ آﺎن أﺣﺪهﻢ ﻳﻮﺿﻊ اﻟﻤﻨ ﺸﺎر ﻋﻠ ﻰ ﻣﻔ ﺮق رأﺳ ﻪ ﻓ ﻴﺨﻠﺺ إﻟ ﻰ ﻗﺪﻣﻴ ﻪ ﻻ ﻳ ﺼﺮﻓﻪ ذﻟ ﻚ ﻋ ﻦ دﻳﻨ ﻪ .
وﻳﻤﺸﻂ ﺑﺄﻣﺸﺎط اﻟﺤﺪﻳﺪ ﻣﺎ ﺑﻴﻦ ﻟﺤﻤﻪ وﻋﻈﻤﻪ ﻻ ﻳﺼﺮﻓﻪ ﻋﻦ دﻳﻨﻪ " .
ﻦ اﷲ هﺬا اﻷﻣﺮ ﺣﺘﻰ ﻳﺴﻴﺮ اﻟﺮاآﺐ ﻣ ﻦ ﺻ ﻨﻌﺎء إﻟ ﻰ ﺣ ﻀﺮﻣﻮت ﻻ ﻳﺨ ﺎف إﻻ اﷲ واﻟ ﺬﺋﺐ ﻋﻠ ﻰ ﻏﻨﻤ ﻪ ،وﻟﻜ ﻨﻜﻢ
ﺛﻢ ﻗﺎل " :واﷲ َﻟ ُﻴ ِﺘ َﻤ ﱠ
ﻗﻮم ﺗﺴﺘﻌﺠﻠﻮن " .
وﻓﻲ ﻳﻮم اﻷﺣﺰاب أﺻﺎب اﻟﺼﺤﺎﺑﺔ رﺿﻮان اﷲ ﻋﻠﻴﻬﻢ ﻣﻦ اﻟﺒﻼء ﻣﺎ َه ﱠﺪ ﻗﻮاهﻢ وزﻟﺰﻟﻬﻢ زﻟﺰا ًﻻ ﺷﺪﻳﺪًا ﻓ ﻀﺎﻗﻮا ﺑ ﻪ ذرﻋ ًﺎ واﺳ ﺘﺠﺎروا
ﺑﺎﷲ ﻋﺰ وﺟﻞ ﺑﻌﺪ أن زاﻏﺖ اﻷﺑﺼﺎر وﺑﻠﻐﺖ اﻟﻘﻠﻮب اﻟﺤﻨﺎﺟﺮ وﻇﻦ ﺑﻌﻀﻬﻢ ﺑﺎﷲ اﻟﻈﻨﻮن .واهﺘﺒﻠﻬ ﺎ اﻟﻤﻨ ﺎﻓﻘﻮن ﻓﺮﺻ ﺔ ﻓﺄﺧ ﺬوا ﻳ ﺸﻜﻜﻮن ﻓ ﻲ
ﻣﻮﻋﻮد اﷲ ﺑﺎﻟﻨﺼﺮ ﻟﻠﻤﺴﻠﻤﻴﻦ وﻳﻘﻮﻟﻮن ﻟﻠﻤﺆﻣﻨﻴﻦ ﺑﻬﻤﺲ وﺧﺒﺚ :ﻣﺎ وﻋﺪآﻢ اﷲ ورﺳﻮﻟﻪ إﻻ ﻏﺮورًا .
وﻓﻲ ﻋﺰ اﻟﻤﺤﻨﺔ واﺷﺘﺪاد اﻟﻜﺮب واﻷزﻣﺔ ،وﺿﻴﻖ اﻟﻨﻔﻮس وﺗﻠﻮﻋﻬﺎ ﺑﺎﻟﻌﺬاب ،ﻓ ﻲ ﺗﻠ ﻚ اﻟ ﺴﺎﻋﺎت اﻟﺤﺮﺟ ﺔ ﺟ ﺎءهﻢ ﻧ ﺼﺮ اﷲ ورﻓ ﻊ
ﻋﻨﻬﻢ اﻟﺒﺄﺳﺎء واﻟﻀﺮاء ﻓﻔﺮ أﻋﺪاء اﷲ هﺎرﺑﻴﻦ ﻻ ﻳﻠﻮون ﻋﻠﻰ ﺷﻲء ورﺟﻊ اﻟﻤﺴﻠﻤﻮن ﻓﺮﺣﻴـﻦ ﻣﺴﺮورﻳﻦ ﻣﺒﺘﻬﺠ ﻴﻦ ﻣﻨﺘ ﺼﺮﻳﻦ ﺷ ﺎآﺮﻳﻦ ﷲ
15
www.daawa-info.net
ﻓﻀﻠﻪ وإﺣﺴﺎﻧﻪ وﻧﺼﺮﻩ اﻟﻤﺆزر ﻟﻌﺒﺎدﻩ اﻟﻤﺠﺎهﺪﻳﻦ .ﻗﺎل ﺗﻌﺎﻟﻰ " :ﺣﺘﻰ إذا اﺳﺘﻴﺄس اﻟﺮﺳﻞ وﻇﻨﻮا أﻧﻬﻢ ﻗﺪ آﺬﺑﻮا ﺟﺎءهﻢ ﻧ ﺼﺮﻧﺎ ﻓﻨﺠ ﻲ ﻣ ﻦ
ﻧﺸﺎء وﻻ ﻳﺮد ﺑﺄﺳﻨﺎ ﻋﻦ اﻟﻘﻮم اﻟﻤﺠﺮﻣﻴﻦ " .
وﻗ ﺪ وﺻ ﻒ اﷲ ﺳ ﺒﺤﺎﻧﻪ ﺣ ﺎل اﻟ ﺼﺤﺎﺑﺔ ﻳ ﻮم اﻷﺣ ﺰاب أﺑﻠ ﻎ وﺻ ﻒ إذ ﻗ ﺎل " :إذ ﺟ ﺎءوآﻢ ﻣ ﻦ ﻓ ﻮﻗﻜﻢ وﻣ ﻦ أﺳ ﻔﻞ ﻣ ﻨﻜﻢ وإذ زاﻏ ﺖ
اﻷﺑﺼﺎر وﺑﻠﻐﺖ اﻟﻘﻠﻮب اﻟﺤﻨﺎﺟﺮ وﺗﻈﻨﻮن ﺑ ﺎﷲ اﻟﻈﻨﻮﻧ ﺎ .هﻨﺎﻟ ﻚ اﺑﺘﻠ ﻲ اﻟﻤﺆﻣﻨ ﻮن وزﻟﺰﻟ ﻮا زﻟ ﺰا ًﻻ ﺷ ﺪﻳﺪًا .وإذ ﻳﻘ ﻮل اﻟﻤﻨ ﺎﻓﻘﻮن واﻟ ﺬﻳﻦ ﻓ ﻲ
ﻗﻠﻮﺑﻬﻢ ﻣﺮض ﻣﺎ وﻋﺪﻧﺎ اﷲ ورﺳ ﻮﻟﻪ إﻻ ﻏ ﺮورًا " .ﻓﺎﻟ ﺼﺒﺮ ﻋﻠ ﻰ اﻟﻤﺤ ﻦ آﻔﻴ ﻞ ﺑﺰواﻟﻬ ﺎ وﻧ ﺼﺮ اﻟﻤ ﺆﻣﻨﻴﻦ اﻟ ﺼﺎﺑﺮﻳﻦ اﻟ ﺼﺎﻣﺪﻳﻦ .آﻤ ﺎ أن
اﻟﻤﺤﻦ ﺗﻜﺸﻒ ﻋﻦ ﺧﺒﺎﻳ ﺎ اﻟﻨﻔ ﻮس وآﺜﻴ ﺮًا ﻣ ﺎ ﺗﻈﻬ ﺮ ﻣﻄ ﺎوي اﻟﻘﻠ ﻮب وﺣﻘ ﺎﺋﻖ اﻟﺮﺟ ﺎل .واﻟﺤﻜﻤ ﺔ ﻣ ﺎ اﻣ ﺘﺤﻦ اﷲ ﻗﻠ ﻮب اﻷﻧﺒﻴ ﺎء واﻷﺻ ﻔﻴﺎء
واﻟﻌﻠﻤﺎء واﻟﺪﻋﺎة إﻟﻴﻪ ﺑﺈﺣﺴﺎن ،ﻗﺎل ﺗﻌﺎﻟﻰ " :أﻟﻢ ،أﺣﺴﺐ اﻟﻨﺎس أن ﻳﺘﺮآﻮا أن ﻳﻘﻮﻟ ﻮا ﺁﻣﻨ ﺎ وه ﻢ ﻻ ﻳﻔﺘﻨ ﻮن .وﻟﻘ ﺪ ﻓﺘﻨ ﺎ اﻟ ﺬﻳﻦ ﻣ ﻦ ﻗ ﺒﻠﻬﻢ
ﻓﻠﻴﻌﻠﻤﻦ اﷲ اﻟﺬﻳﻦ ﺻﺒﺮوا وﻟﻴﻌﻠﻤﻦ اﻟﻜﺎذﺑﻴﻦ " .
وﻟﻤﺎ ﺳﺄل هﺮﻗﻞ أﺑﺎ ﺳﻔﻴﺎن :هﻞ ﻗﺎﺗﻠﺘﻤﻮﻩ ؟ " ﻳﻌﻨﻲ ﻣﺤﻤﺪًا ﺻﻠﻰ اﷲ ﻋﻠﻴﻪ وﺳﻠﻢ " ﻗﺎل :ﻧﻌﻢ ﻗﺎل :ﻓﻜﻴﻒ آﺎﻧﺖ اﻟﺤﺮب ﺑﻴ ﻨﻜﻢ ؟ ﻗ ﺎل
:ﺳﺠﺎ ًﻻ ﻳﺪال ﻋﻠﻴﻨﺎ وﻧﺪال ﻋﻠﻴﻪ .ﻗﺎل :آﺬﻟﻚ اﻟﺮﺳﻞ ﺗﺒﺘﻠﻰ ﺛﻢ ﺗﻜﻮن ﻟﻬﺎ اﻟﻌﺎﻗﺒﺔ .
" ﻓﺈذا اﻣﺘﺤﻦ اﷲ ﻗﻠﺐ اﻟﻤﺆﻣﻦ ﻟﻠﺘﻘﻮى أو ﻟﻠﺠﻬﺎد أو ﻟﻠﻌﺒﺎدة أو ﻟﻺﻧﻔﺎق ﻓﺼﺒﺮ ﻋﻠ ﻰ اﻻﻣﺘﺤ ﺎن وﻧﺠ ﺢ ﻓﻴ ﻪ ﻓﻘ ﺪ آﻔ ﻞ اﷲ ﻋ ﺰ وﺟ ﻞ ﻟ ﻪ
اﻟﻤﻐﻔﺮة واﻷﺟﺮ اﻟﻌﻈﻴﻢ وآﺘﺒﻪ ﻓﻲ ﻋﻠﻴﻴﻦ ﻣﻊ اﻟﺬﻳﻦ أﻧﻌﻢ اﷲ ﻋﻠﻴﻬﻢ ﻣﻦ اﻟﻨﺒﻴﻴﻦ واﻟﺼﺪﻳﻘﻴﻦ واﻟﺸﻬﺪاء واﻟﺼﺎﻟﺤﻴﻦ وﺣﺴﻦ أوﻟﺌﻚ رﻓﻴﻘ ًﺎ " .
ﻗﺎل اﺑﻦ ﻋﺒﺎس :اﻣﺘﺤﻦ اﷲ ﻗﻠﻮﺑﻬﻢ ﻟﻠﺘﻘﻮى " :ﻃﻬﺮهﻢ ﻣﻦ آﻞ ﻗﺒﻴﺢ وﺟﻌﻞ ﻓﻲ ﻗﻠﻮﺑﻬﻢ اﻟﺨﻮف ﻣﻦ اﷲ ﻋﺰ وﺟﻞ " .
وﻗﺎل ﻋﻤﺮ رﺿﻲ اﷲ ﻋﻨﻪ " :أذهﺐ ﻋﻦ ﻗﻠﻮﺑﻬﻢ اﻟﺸﻬﻮات " .
اﻵﻳﺔ اﻟﺮاﺑﻌﺔ :
ﷲ ﻏَﻔﻮر رَﺣﻴﻢ( .
ﺧﻴْﺮًا َﻟﻬُﻢ وا َ
ن َ
ج إﻟﻴْﻬﻢ ﻟَﻜﺎ َ
ﺨ ُﺮ َ
ﺣﺘّﻰ َﺗ ْ
ﺻﺒَﺮوا َ
ن َ .و َﻟ ْﻮ أ ﱠﻧﻬُﻢ َ
ت أ ْآ َﺜ ُﺮ ُه ْﻢ ﻻ َﻳ ْﻌ ِﻘﻠُﻮ َ
ﺤﺠُﺮا ِ
ﻦ وَرا َء اﻟ ُ
ﻚ ِﻣ ْ
ﻦ ﻳُﻨﺎدُو َﻧ َ )إ ﱠ
ن اﻟّﺬﻳ َ
روى اﺑﻦ ﺟﺮﻳﺮ رﺣﻤﻪ اﷲ ﻋﻦ زﻳﺪ ﺑﻦ أرﻗﻢ رﺿﻲ اﷲ ﻋﻨﻪ ﻗﺎل :
اﺟﺘﻤﻊ أﻧﺎس ﻣﻦ اﻟﻌﺮب ﻓﻘﺎﻟﻮا :اﻧﻄﻠﻘﻮا ﺑﻨﺎ إﻟﻰ هﺬا اﻟﺮﺟﻞ ﻓﺈن ﻳﻚ ﻧﺒﻴ ًﺎ ﻓﻨﺤﻦ أﺳ ﻌﺪ اﻟﻨ ﺎس ﺑ ﻪ ،وإن ﻳ ﻚ ﻣﻠﻜ ًﺎ ﻧﻌ ﺶ ﺑﺠﻨﺎﺣ ﻪ ﻗ ﺎل :
ﻓﺄﺗﻴﺖ رﺳﻮل اﷲ ﺻﻠﻰ اﷲ ﻋﻠﻴﻪ وﺳﻠﻢ ﻓﺄﺧﺒﺮﺗﻪ ﺑﻤﺎ ﻗﺎﻟﻮا .ﻓﺠﺎءوا إﻟﻰ ﺣﺠﺮة اﻟﻨﺒﻲ ﺻﻠﻰ اﷲ ﻋﻠﻴﻪ وﺳﻠﻢ ﻓﺠﻌﻠﻮا ﻳﻨﺎدوﻧﻪ وه ﻮ ﻓ ﻲ ﺣﺠﺮﺗ ﻪ
ﻳﺎ ﻣﺤﻤﺪ ﻳﺎ ﻣﺤﻤﺪ .ﻓﺄﻧﺰل اﷲ ﺗﻌﺎﻟﻰ " :إن اﻟﺬﻳﻦ ﻳﻨﺎدوﻧﻚ ﻣﻦ وراء اﻟﺤﺠﺮات أآﺜﺮهﻢ ﻻ ﻳﻌﻘﻠﻮن " .ﻗﺎل :ﻓﺄﺧﺬ رﺳﻮل اﷲ ﺻ ﻠﻰ اﷲ ﻋﻠﻴ ﻪ
وﺳﻠﻢ ﺑﺄذﻧﻲ ﻓﻤﺪهﺎ ﻓﺠﻌﻞ ﻳﻘﻮل " :ﻟﻘﺪ ﺻﺪق اﷲ ﺗﻌﺎﻟﻰ ﻗﻮﻟﻚ ﻳﺎ زﻳﺪ ،ﻟﻘﺪ ﺻﺪق اﷲ ﻗﻮﻟﻚ ﻳﺎ زﻳﺪ " .اﺑﻦ آﺜﻴﺮ ج. 208 : 4
وﻗﺪ ﺗﺄذى رﺳﻮل اﷲ ﺻﻠﻰ اﷲ ﻋﻠﻴﻪ وﺳﻠﻢ ﻣﻦ ﻧﺪاﺋﻬﻢ ﻋﻠﻰ هﺬﻩ اﻟﺼﻔﺔ اﻟﻤﻨﺎﻓﻴﺔ ﻷﺑﺴﻂ ﻗﻮاﻋﺪ اﻵداب واﻷﺧﻼق ،ﺧﺎﺻﺔ وآﺎن ﺻﻠﻰ
اﷲ ﻋﻠﻴﻪ وﺳﻠﻢ ﻗﺪ أﺧﺬ راﺣﺘﻪ ﻓﻨﺎم ﻟﻠﻘﻴﻠﻮﻟﺔ ،وﺻﺤﺎ ﻋﻠﻰ أﺻﻮاﺗﻬﻢ وهﻢ ﻳﻨﺎدون ﺑﺄﻋﻼهﺎ :ﻳﺎ ﻣﺤﻤﺪ ﻳﺎ ﻣﺤﻤﺪ أﺧﺮج إﻟﻴﻨﺎ .
ﻟﺬا ﻓﻘﺪ ﺣﻜﻢ اﷲ ﻋﺰ وﺟﻞ ﻋﻠﻰ أآﺜﺮهﻢ ﺑﻌﺪم اﻟﻌﻘﻞ إذ ﻗﺎل :أآﺜﺮهﻢ ﻻ ﻳﻌﻘﻠﻮن .وﻋﺪم اﻟﻌﻘﻞ ﺟﺎء ﻣﻦ ﻧﺎﺣﻴﺔ اﻟﺠﻬ ﻞ ﺑﻘ ﺎﻧﻮن اﻷدب ﻓ ﻲ
اﻟﻨﺪاء ،واﻟﺠﻬﻞ ﺑﻤﺎ ﻳﻨﺒﻐﻲ أن ﻳﻜ ﻮن ﻋﻠﻴ ﻪ اﻟﻄﺎﻟ ﺐ ﻣ ﻦ ﺗﺨﻴ ﺮ اﻟﻮﻗ ﺖ ،ﺗﺨﻴ ﺮ اﻟﻤﻜ ﺎن ،وﺗﺨﻴ ﺮ اﻷﻟﻔ ﺎظ ﻓ ﻲ اﻟﻄﻠ ﺐ واﻟﻨ ﺪاء .وﻗ ﺪ آ ﺎن ﻋﻠﻴ ﻪ
اﻟﺼﻼة واﻟﺴﻼم ﻻ ﻳﺤﺘﺠﺐ ﻋﻦ اﻟﻨﺎس إﻻ ﺣﻴﺚ ﺗﺘﻘﺎﺿﺎﻩ دواﻋﻴﻪ اﻟﺨﺎﺻﺔ ﻓﻲ ﺑﻴﺘﻪ ،ﻓﻠﻴﺲ ﻣﻦ اﻟﺤﻖ وﻻ ﻣﻦ اﻟﻌﺪل ﺑﻞ وﻻ ﻣﻦ اﻟ ﺪب أﻻ ﺗﺘ ﺮك
ﻟﻪ ﻟﻔﺮﺻﺔ ﻟﻼﺳﺘﺠﻤﺎم واﻟﺮاﺣﺔ إﻟﻰ ﻧﻔﺴﻪ وأهﻠﻪ .
وهﺬا اﻷدب اﻟﺮﻓﻴﻊ آﻤﺎ هﻮ أدب ﻣ ﻊ اﻟﺮﺳ ﻮل ﺻ ﻠﻰ اﷲ ﻋﻠﻴ ﻪ وﺳ ﻠﻢ ﻳﺠ ﺐ أن ﻳﻜ ﻮن أدﺑﻨ ﺎ ﻣ ﻊ اﻟﻨ ﺎس آﺎﻓ ﺔ ﻓ ﻲ ﺣﻴﺎﺗﻨ ﺎ اﻹﺟﺘﻤﺎﻋﻴ ﺔ ،
ﻓﻠﻴﺲ ﻣﻦ اﻷدب وﻻ ﻣﻦ اﻟﻌﺪل واﻹﻧﺼﺎف أن ﺗﺰﻋﺞ اﻟﻨﺎس ﻓﻲ ﺑﻴﻮﺗﻬﻢ وﻗﺪ أووا إﻟﻴﻬﺎ ﻓﻲ أوﻗﺎت راﺣﺘﻬﻢ واﻧﺴﻬﻢ ﺑﻠﻘﺎء أهﻠﻬﻢ وأﻃﻔﺎﻟﻬﻢ .
وﻟﻠﺰﻳ ﺎرة أدب ووﻗ ﺖ ،وﻟﻠ ﺴﺆال آ ﺬﻟﻚ أدب وزﻣ ﺎن وﺑ ﺎب ﻳﻔ ﺘﺢ ﻓ ﻲ ﻏﺒ ﺎن ﻓ ﺄت اﻟﺒﻴ ﻮت ﻣ ﻦ أﺑﻮاﺑﻬ ﺎ إذا آﻨ ﺖ ﺣﺮﻳ ﺼ ًﺎ ﻋﻠ ﻰ ﻗ ﻀﺎء
ﺣﺎﺟﺘﻚ .
16
www.daawa-info.net
أﻣﺎ هﺆﻻء اﻟﺬﻳﻦ ﺟﺎءوا ﻣﻦ وراء اﻟﺤﺠﺮات ،وﺧﺎﻃﺒﻮا اﻟﺮﺳ ﻮل ﺻ ﻠﻰ اﷲ ﻋﻠﻴ ﻪ وﺳ ﻠﻢ وﻧ ﺎدوﻩ ﻣ ﻦ اﻟﻄﺮﻗ ﺎت ﻓﻘ ﺪ اﺳ ﺘﻬﺠﻦ اﷲ ﻋ ﺰ
وﺟﻞ ﻃﺮﻳﻘﻬﻢ وﻣﻘﺘﻬﺎ ووﺻﻒ أآﺜﺮهﻢ ﺑﻌﺪم اﻟﻌﻘﻞ واﻹدراك .وهﺬا ﻳﻜﻔﻲ ﻟﺘﺮك ﻣﺜﻞ هﺬﻩ اﻷﺧﻼق اﻟﺠﺎﻓ ﺔ اﻟﻔﻈ ﺔ اﻟﻐﻠﻴﻈ ﺔ .واﻟﺘ ﺄدب ﺑ ﺄدب اﷲ
ﺳﺒﺤﺎﻧﻪ وهﻮ أﺳﻤﻰ اﻵداب .
واﻟﺤﺠﺮات ﺟﻤﻊ ﺣﺠﺮة ،آﻐﺮﻓﺔ وﺟﻤﻌﻬﺎ ﻏﺮﻓﺎت .واﻟﺤﺠﺮة هﻨﺎ هﻲ اﻟﻐﺮﻓﺔ ﻓﻲ ﺑﻴﺖ اﻟﻨﺒﻲ ﺻﻠﻰ اﷲ ﻋﻠﻴﻪ وﺳﻠﻢ .
وأود هﻨﺎ أن أذآﺮ ﻣﺎ آﺎﻧﺖ ﻋﻠﻴﻪ ﺣﺠﺮات اﻟﻨﺒﻲ اﻷﻣﻴﻦ ﺻﻠﻰ اﷲ ﻋﻠﻴﻪ وﺳﻠﻢ اﻟﺬي هﺪى أﻣﺔ ،وآﻮّن دوﻟﺔ ،وأﺳﺲ ﺣﻀﺎرة ﻋﻈﻴﻤ ﺔ
،وﺑﻨﻰ ﻣﻠﻜ ًﺎ وﻣﺠﺪًا ﺧﺎﻟﺪﻳﻦ ﻋﻠﻰ ﻣﺪى اﻟﺪهﺮ .وﺟﺎء ﻣﻦ رﺑﻪ ﺑﺄﻋﻈﻢ رﺳﺎﻟﺔ ﺳﻤﺎوﻳﺔ .
ﻓﻘﺪ أﺧﺮج اﻟﺒﺨﺎري رﺣﻤ ﻪ اﷲ ﻓ ﻲ اﻷدب ﻋ ﻦ داؤد ﺑ ﻦ ﻗ ﻴﺲ ﻗ ﺎل :رأﻳ ﺖ اﻟﺤﺠ ﺮات ﻣ ﻦ ﺟﺮﻳ ﺪ اﻟﻨﺨ ﻞ ﻣﻐ ﺸﺎة ﻣ ﻦ ﺧﺎرﺟﻬ ﺎ ﺑﻤ ﺴﻮح
اﻟﺸﻌﺮ .
وﻋﻦ اﻟﺤﺴﻦ رﺿﻲ اﷲ ﻋﻨﻪ ﻗﺎل :آﻨﺖ أدﺧﻞ ﺑﻴﻮت أزواج اﻟﻨﺒﻲ ﺻﻠﻰ اﷲ ﻋﻠﻴﻪ وﺳﻠﻢ ﻓﻲ ﺧﻼﻓﺔ ﻋﺜﻤﺎن ﻓﺄﺗﻨﺎول ﺳﻘﻔﻬﺎ ﺑﻴﺪي ،وﻗﺪ
أدﺧﻠﺖ ﻓﻲ اﻟﻤﺴﺠﺪ ﻓﻲ ﻋﻬﺪ اﻟﻮﻟﻴﺪ ﺑﻦ ﻋﺒﺪ اﻟﻤﻠﻚ وﺑﻜﻰ اﻟﻨﺎس ﻟﺬﻟﻚ .
وﻗﺎل ﺳﻌﻴﺪ ﺑ ﻦ اﻟﻤ ﺴﻴﺐ رﺿ ﻲ اﷲ ﻋﻨ ﻪ إذ ذاك " :واﷲ ﻟ ﻮددت أﻧﻬ ﻢ ﺗﺮآﻮه ﺎ ﻋﻠ ﻰ ﺣﺎﻟﻬ ﺎ ﻟﻴﺮاه ﺎ اﻟ ﻨﺶء ﻣ ﻦ أه ﻞ اﻟﻤﺪﻳﻨ ﺔ و َﻳ ُﻘ ﺪُم
اﻟﻘﺎدم ﻣﻦ اﻵﻓﺎق ﻓﻴﺮى ﻣﺎ اآﺘﻔﻰ ﺑﻪ اﻟﻨﺒﻲ ﺻﻠﻰ اﷲ ﻋﻠﻴﻪ وﺳﻠﻢ ﻓﻲ ﺣﻴﺎﺗﻪ ،ﻓﻴﻜﻮن ذﻟﻚ داﻋﻴ ًﺎ إﻟﻰ ﺗﺮك اﻟﺘﻔﺎﺧﺮ واﻟﺘﻜﺎﺛﺮ " .
وﻟﻮ أن هﺆﻻء اﻷﻋﺮاب ﺻﺒﺮوا ﺣﺘﻰ ﺗﺨﺮج إﻟﻴﻬﻢ ﻟﻜﺎن ذﻟﻚ اﻟﺼﺒﺮ ﺧﻴﺮًا ﻟﻬﻢ وأﺟﺪر ﺑﺄﻣﺜﺎﻟﻬﻢ .وﻣﻊ هﺬا ﻓﺎﷲ ﻏﻔﻮر :ﻳﻐﻔﺮ ﻣﺜﻞ ه ﺬﻩ
اﻟﺰﻻت اﻟﺘﻲ ﻟﻢ ﺗﺼﺪر ﻋﻦ ﺳﻮء ﻗﺼﺪ وﻟﻢ ﻳﻜﻦ ﺳ ﺒﺒﻬﺎ إﻻ ﺗﻠ ﻚ اﻟﻄﺒﻴﻌ ﺔ اﻟﺠﺎﻓ ﺔ اﻟﺘ ﻲ ﻟ ﻢ ﺗﻬ ﺬب ﻣ ﻦ ﻗﺒ ﻞ ﺑﻌﻠ ﻢ وﻻ دﻳ ﻦ وﻻ ﺗﺠﺮﺑ ﺔ .ورﺣ ﻴﻢ :
ﻳﺮﺣﻢ ﻣﺜﻞ هﺆﻻء .وﻣﻦ رﺣﻤﺘﻪ أﻧﻪ ﻳﻨﺰل ﻣﻦ اﻟﻘﺮﺁن ﺁﻳﺎت ﺧﺎﻟﺪة ﻳﺆدب ﺑﻬﺎ ﻋﺒﺎدﻩ ﺑﺎﻵداب اﻟﺴﺎﻣﻴﺔ اﻟﺮﻓﻴﻌ ﺔ اﻟﺘ ﻲ ﺗﺮﺿ ﺎهﺎ اﻟﻨﻔ ﻮس اﻟﻜﺮﻳﻤ ﺔ
وﺗﺘﻘﺒﻠﻬﺎ اﻟﻄﺒﺎع اﻟﺸﺮﻳﻔﺔ .وﻣﻦ رﺣﻤﺘﻪ أﻧﻪ ﺗﺒﺎرك وﺗﻌﺎﻟﻰ اﺷﺘﺮى ﻣﻦ اﻟﻤﺆﻣﻨﻴﻦ أﻧﻔﺴﻬﻢ وأﻣﻮاﻟﻬﻢ ﺑﺄن ﻟﻬﻢ اﻟﺠﻨﺔ ،واﻷﻧﻔﺲ ﻣﻠﻚ ﻳﻤﻴﻨﻪ ﻋ ﺰ
وﺟﻞ وآﺬا اﻷﻣﻮال وﻣﻊ ذﻟﻚ ﻓﻬﻮ اﻟﻤﺘﻔﻀﻞ اﻟﻤﺘﻜﺮم ﻋﻠﻰ ﻋﺒﺎدﻩ ﻓﻲ آﻞ ﺷﻲء .
وهﻜﺬا ﻧﺠﺪ اﻟﻘﺮﺁن اﻟﻌﻈﻴﻢ ﻳ ﺪﺧﻞ ﻓ ﻲ ﺟﻤﻴ ﻊ ﺷ ﺆون اﻟﻌﺒ ﺎد ،ﻓ ﻴﻌﻠﻢ ﻋﻈ ﺎﺋﻢ اﻷﻣ ﻮر ،آﻤ ﺎ ﻳﻮﺟ ﻪ إﻟ ﻰ ﺻ ﻐﺎﺋﺮهﺎ ،ﺣﺘ ﻰ ﻋﻠﻤﻬ ﻢ ﻃﺮﻳ ﻖ
اﻟﻨﺪاء وﻃﺮﻳﻖ اﻻﺳﺘﺌﺬان ،ﺑﻞ وﻃﺮﻳﻖ دﺧﻮل اﻟﺒﻴﻮت وﻃﺮﻳﻖ اﻟﺴﺆال ﻓﻲ اﻟﺤﺎﺟﺎت واﻟﻤﻠﻤﺎت .
وﻗﺪ ﺣﻜﻲ ﻋﻦ اﺑﻦ ﻋﺒﻴﺪ ﻗﺎل :ﻣﺎ دﻗﻘﺖ ﺑﺎﺑ ًﺎ ﻋﻠﻰ ﻋﺎﻟﻢ ﺣﺘﻰ ﻳﺨﺮج ﻓﻲ وﻗﺖ ﺧﺮوﺟﻪ .
وآﺎن اﺑﻦ ﻋﺒﺎس رﺿﻲ اﷲ ﻋﻨﻬﻤﺎ :ﻳﺬهﺐ إﻟﻰ أﺑﻲ ﻓﻲ ﺑﻴﺘﻪ ﻷﺧﺬ اﻟﻘﺮﺁن ﻋﻨ ﻪ ،ﻓﻴﻘ ﻒ ﻋﻨ ﺪ اﻟﺒ ﺎب وﻻ ﻳ ﺪق ﺣﺘ ﻰ ﻳﺨ ﺮج أُﺑ ﻲّ رﺿ ﻲ
اﷲ ﻋﻨﻪ .
هﻜﺬا ﻓﻌﻞ اﻟﻘ ﺮﺁن ﻓ ﻲ ﻧﻔﻮﺳ ﻬﻢ ،ﺻ ﻘﻠﻬﺎ ،وه ﺬﺑﻬﺎ ،وأدﺑﻬ ﺎ ﺑﺄدﺑ ﻪ اﻟﺮﻓﻴ ﻊ ،ورﺑﺎه ﺎ ﻋﻠ ﻰ أﺧﻼﻗ ﻪ اﻟ ﺴﻤﺎوﻳﺔ اﻟﻄ ﺎهﺮة ،وﻟ ﻦ ﺗ ﺴﻤﻮ
اﻟﻨﻔﻮس ﺣﺘﻰ ﺗﺴﺘﺮﺷﺪ ﺑﺎﻟﻘﺮﺁن وﺗﻬﺘﺪي ﺑﻬﺪﻳﻪ اﻟﻤﻨﻴﺮ .
اﻵﻳﺔ اﻟﺨﺎﻣﺴﺔ :
ﺼ ِﺒﺤُﻮا ﻋَﻠﻰ ﻣَﺎ َﻓ َﻌ ْﻠﺘُﻢ ﻧَﺎ ِدﻣﻴﻦ ( .
ﺠﻬَﺎﻟ ٍﺔ َﻓ ُﺘ ْ
ن ُﺗﺼِﻴﺒُﻮا َﻗﻮْﻣ ًﺎ ِﺑ َ
ﻖ ِﺑ َﻨﺒَﺄ َﻓ َﺘ َﺒ ﱠﻴﻨُﻮا .أ ْ
ﺳٌ
ن ﺟَﺎ َء ُآ ْﻢ ﻓﺎ ِ ) ﻳﺎ أﻳـﱡﻬﺎ اّﻟﺬِﻳ َ
ﻦ ﺁ َﻣﻨُﻮا إ ْ
ﺗﻮﻃﺌــــﺔ
ﻼ ﻋﻈﻴﻤ ًﺎ ،ﻟﻪ ﺧﻄﺮﻩ وأﺛﺮﻩ ﻓﻲ اﻟﺤﻴﺎة ،ﻓﺎﻟﺘﺜﺒﺖ ﻓ ﻲ اﻷﺧﺒ ﺎر واﻟ ﺼﺪق ﻓ ﻲ ﻧﻘﻠﻬ ﺎ ،ﻣ ﻦ ﻗﻮاﻋ ﺪ ه ﺬا اﻟ ﺪﻳﻦ
هﺬﻩ ﺁﻳﺔ آﺮﻳﻤﺔ ،ﺗﻘﺮر أﺻ ً
اﻟﺬي ﺷﺎد ﺻﺮح اﻟﺨﻼق ﻋﻠﻰ أﻣ ﺘﻦ اﻟﻘﻮاﻋ ﺪ وأﻗﻮاه ﺎ ،و َﺛ ّﺒ ﺖ ه ﺬﻩ اﻷﺳ ﺲ وأرﺳ ﺎهﺎ .رب ﻋﻈ ﻴﻢ ﻓ ﻲ آﺘ ﺎب ﻋﻈ ﻴﻢ ،ﻧ ﺰل ﻋﻠ ﻰ ﻧﺒ ﻲ ﻋﻈ ﻴﻢ
ﺻﻠﻮات اﷲ وﺳﻼﻣﻪ ﻋﻠﻴﻪ .
17
www.daawa-info.net
واﻟﺼﺪق دﻋﺎﻣﺔ اﻟﻔﻀﺎﺋﻞ ،وﻋﻨﻮان اﻷﺧﻼق واﻟﺮﻗﻲ ،ودﻟﻴﻞ اﻟﻜﻤﺎل ،وﻣﻈﻬﺮ ﻣ ﻦ ﻣﻈ ﺎهﺮ اﻟﺮﺟﻮﻟ ﺔ واﻹﻧ ﺴﺎﻧﻴﺔ واﻟ ﺴﻤﺮ اﻟﻨﻔ ﺴﻲ ،
وهﻮ اﻟﺬي ﻳﻀﻤﻦ رد اﻟﺤﻘﻮق ،وﻳﻮﻃﺪ اﻟﺜﻘﺔ ﺑﻴﻦ اﻷﻓﺮاد واﻟﺠﻤﺎﻋﺎت ،ﻻ ﻳﺴﺘﻐﻨﻲ ﻋﻨﻪ ﻋﺎﻟﻢ ،وﻻ ﺣ ﺎآﻢ ،وﻻ ﻗ ﺎض ،وﻻ ﺗ ﺎﺟﺮ ،وﻻ رﺟ ﻞ
،وﻻ إﻣﺮأة .وﻻ ﺻﻐﻴﺮ ،وﻻ آﺒﻴﺮ ،ﻣﺎ داﻣﻮا ﺟﻤﻴﻌ ًﺎ ﻳﻌﻴﺸﻮن ﻓﻲ ﻣﺠﺘﻤﻊ ،وﻳﺘﻌﺎﻣﻠﻮن ﻓﻴﻪ ﻣﻊ اﻵﺧﺮﻳﻦ .
واﻟﺼﺪق ﻣﻦ ﺻﻔﺎت اﷲ ﻋﺰ وﺟﻞ وهﻮ ﻣﻦ ﺻﻔﺎت اﻷﻧﺒﻴﺎء واﻟﻤﺮﺳﻠﻴﻦ .
ﻗﺎل ﺗﻌﺎﻟﻰ :وﻣﻦ أﺻﺪق ﻣﻦ اﷲ ﺣﺪﻳﺜ ًﺎ .
وﻗﺎل ﺗﻌﺎﻟﻰ :واذآﺮ ﻓﻲ اﻟﻜﺘﺎب إﺑﺮاهﻴﻢ إﻧﻪ آﺎن ﺻﺪﻳﻘ ًﺎ ﻧﺒﻴ ًﺎ .
وإذا آﺎن ﻟﻠﺼﺪق هﺬﻩ اﻟﻤﻨﺰﻟﺔ اﻟﺮﻓﻴﻌﺔ ،وهﻮ ﻣﻦ أﺧﻼق اﻟﺮﺣﻴﻢ اﻟﺮﺣﻤﻦ ﺟﻞ وﻋ ﻼ .ﻓ ﺈن اﻟﻜ ﺬب ﺿ ﺪ ه ﺬا ﺗﻤﺎﻣ ًﺎ .وه ﻮ ﻣ ﻦ ﺻ ﻔﺎت
ﺴ َﻮدﱠة .ﻗﺎل ﺗﻌﺎﻟﻰ :
اﻟﺸﻴﻄﺎن ،وﻣﻦ ﻗﺎدهﻢ اﻟﺸﻴﻄﺎن ﻣﻦ ﺑﻨﻲ اﻹﻧﺴﺎن ،إﻟﻰ ﺣﺰﺑﻪ وﺟﻌﻠﻬﻢ ﻣﻦ أﺻﺤﺎب اﻟﻮﺟﻮﻩ اﻟ ُﻤ ْ
" إﻧﻤﺎ ﻳﻔﺘﺮي اﻟﻜﺬب اﻟﺬﻳﻦ ﻻ ﻳﺆﻣﻨﻮن ﺑﺂﻳﺎت اﷲ وأوﻟﺌﻚ هﻢ اﻟﻜﺎذﺑﻮن " .
وﻗﺎل " :وﻳﻢ اﻟﻘﻴﺎﻣﺔ ﺗﺮى اﻟﺬﻳﻦ آﺬﺑﻮا ﻋﻠﻰ اﷲ وﺟﻮهﻬﻢ ﻣﺴﻮدة " .
وآﻢ ﻗﺪ ﻓﺮق اﻟﻜﺬب ﺑﻴﻦ اﻟﻤﺘﺤﺎﺑﻴﻦ ! وآﻢ ﺳﻔﻚ ﻣﻦ دﻣﺎء ،وآﻢ ﺷﻦ ﻣﻦ ﻏﺎرات ،وأﺛﺎر إﺿ ًﺎ وﻧﻌﺮات ،وآﻢ ﻗﺪ ﻓ ﺮق ﺑ ﻴﻦ اﻷخ وأﺧﻴ ﻪ
،واﻟﻮﻟﺪ وأﺑﻴﻪ ،واﻟﻮاﻟﺪ وﺑﻨﻴﻪ ،وآﻢ ورﻃﺖ اﻟﻌﺠﻠﺔ أﻧﺎﺳ ًﺎ ﻓﺄﺳﻘﻄﺘﻬﻢ ﻓﻲ ﻣﻬﺎوي اﻟﻈﻠﻢ ،وﺟﻌﻠﺘﻬﻢ ﻳﻨﺪﻣﻮن وﻳﺘﺄﺳﻔﻮن ﻋﻠﻰ ﻓﺮﻃﻮا وﺗﻌﺠﻠﻮا
وﻻت ﺳﺎﻋﺔ ﻣﻨﺪم .وآﻢ ﻣﻦ دم أهﺮﻳﻖ ﻧﺘﻴﺠﺔ اﻟﺨﺒﺎر اﻟﻜﺎذﺑﺔ واﻟﺘﻌﺠﻞ ﻓﻲ ﺗﺼﺪﻳﻘﻬﺎ ،وآﻢ ﻣﻦ ﺑﺮﻳﺌﺔ ﻗﺪ ﻗﺘﻠﺖ ،وﻻ ﺗﻌﻠﻢ ﺑﺄي ذﻧﺐ ﻗﺘﻠﺖ !
ﻓﺎﷲ ﺗﺒﺎرك وﺗﻌﺎﻟﻰ ﻳﺄﻣﺮﻧﺎ ﺑﺎﻟﺘﺜﺒﺖ ﻓﻲ ﺧﺒﺮ اﻟﻔﺎﺳﻖ .واﻻﺣﺘﻴﺎط اﻟﺪﻗﻴﻖ ﻓﻲ ﺗﻠﻘﻲ اﻷﺧﺒﺎر ،ﻟﺌﻼ ﻧﺤﻜ ﻢ ﺑﻘ ﻮل اﻟﻔﺎﺳ ﻖ اﻟﻜ ﺎذب ،ﻓﻨﻜ ﻮن
آﺎذﺑﻴﻦ وﻣﺨﻄﺌﻴﻦ ،وﻣﺘﺠﻨﻴﻦ ،ﻋﻠﻰ ﻣﻦ ﺣﻜﻤﻨﺎ ﻋﻠﻴﻪ ،ﻗﺒﻞ اﻟﺘﺜﺒﺖ واﻟﺘﺄﻧﻲ ﻓﻲ ﺧﺒﺮ ﻣﺎ ﺳﻤﻌﻨﺎﻩ ﻣﻨﻪ ،وﻧﻘﻠﻨﺎﻩ ﻋﻨﻪ .
وﻟﻤﺎ ﻟﻠﺼﺪق ﻣﻦ أﺛﺮ ﻓﻲ ﺑﻨﺎء اﻟﻤﺠﺘﻤﻌﺎت ﻋﻠﻰ ﻗﻮاﻋﺪ ﺳﻠﻴﻤﺔ ﻣﺤﻜﻤﺔ ﻣﺘﻴﻨﺔ ،ﻓﻘﺪ أﻣﺮ اﷲ ﺑﺎﻟﺼﺪق وﻧﻬﻰ ﻋﻦ اﻟﻜﺬب ﻓﻘﺎل ﺗﻌﺎﻟﻰ :
" ﻳﺎ أﻳﻬﺎ اﻟﺬﻳﻦ ﺁﻣﻨﻮا اﺗﻘﻮا اﷲ وآﻮﻧﻮا ﻣﻊ اﻟﺼﺎدﻗﻴﻦ " .
وﻓﻲ اﻟﺤﺪﻳﺚ اﻟﺸﺮﻳﻒ ﻋﻦ اﺑﻦ ﻣﺴﻌﻮد رﺿﻲ اﷲ ﻋﻨﻪ ﻗﺎل ﻗﺎل رﺳﻮل اﷲ ﺻ ﻠﻰ اﷲ ﻋﻠﻴ ﻪ وﺳ ﻠﻢ " :ﻋﻠ ﻴﻜﻢ ﺑﺎﻟ ﺼﺪق .ﻓ ﺈن اﻟ ﺼﺪق
ﻳﻬﺪي إﻟﻰ اﻟﺒﺮ ،واﻟﺒﺮ ﻳﻬﺪي إﻟﻰ اﻟﺠﻨﺔ " ،وﻣﺎ ﻳﺰال اﻟﺮﺟﻞ ﻳﺼﺪق وﻳﺘﺤ ﺮى اﻟ ﺼﺪق ،ﺣﺘ ﻰ ﻳﻜﺘ ﺐ ﻋﻨ ﺪ اﷲ ﺻ ﺪﻳﻘ ًﺎ ،وإﻳ ﺎآﻢ واﻟﻜ ﺬب ﻓ ﺈن
اﻟﻜﺬب ﻳﻬﺪي إﻟﻰ اﻟﻔﺠﻮر ،وإن اﻟﻔﺠﻮر ﻳﻬﺪي إﻟﻰ اﻟﻨﺎر ،وﻣﺎ ﻳﺰال اﻟﻌﺒﺪ ﻳﻜﺬب وﻳﺘﺤﺮى اﻟﻜﺬب ﺣﺘﻰ ﻳﻜﺘﺐ ﻋﻨﺪ اﷲ آﺬاﺑ ًﺎ " .رواﻩ اﻟﺒﺨ ﺎري
وﻣﺴﻠﻢ .
وﻓﻲ ﺣﺪﻳﺚ ﻋﺒﺎدة ﺑﻦ اﻟﺼﺎﻣﺖ رﺿ ﻲ اﷲ ﻋﻨ ﻪ أن اﻟﻨﺒ ﻲ ﺻ ﻠﻰ اﷲ ﻋﻠﻴ ﻪ وﺳ ﻠﻢ ﻗ ﺎل " :اﺿ ﻤﻨﻮا ﻟ ﻲ ﺷ ﻴﺌ ًﺎ ﻣ ﻦ أﻧﻔ ﺴﻜﻢ أﺿ ﻤﻦ ﻟﻜ ﻢ
اﻟﺠﻨﺔ ،أﺻﺪﻗﻮا إذا ﺣﺪﺛﺘﻢ ،وأوﻓﻮا إذا وﻋﺪﺗﻢ ،وأدوا إذا أؤﺗﻤﻨﺘﻢ ،وأﺣﻔﻈﻮا ﻓﺮوﺟﻜﻢ ،وﻏﻀﻮا أﺑﺼﺎرآﻢ ،وآﻔ ﻮا أﻳ ﺪﻳﻜﻢ " .رواﻩ اﻹﻣ ﺎم
أﺣﻤﺪ واﺑﻦ ﺣﺒﺎن .
ﺻ َﺪﻗُﻮا ﻓﻴﻤ ﺎ
ورﺳﺎﻟﺔ اﻹﺳﻼم آﻠﻬﺎ اﻟﺼﺪق ،ورﺳﻮل اﻹﺳﻼم ﻋﻠﻴﻪ اﻟﺼﻼة واﻟﺴﻼم ﺟ ﺎء ﺑﺎﻟ ﺼﺪق ،وﺻ ﺪق ﺑﺮﺳ ﺎﻟﺘﻪ اﻟﻤﺆﻣﻨ ﻮن .و َ
ﻋﺎهﺪوا اﷲ ﻋﻠﻴﻪ ﻓﺄﺛﻨﻰ اﷲ ﻋﻠﻴﻬﻢ ،إذ َوﻓﱠﻮا ﺑﻤ ﺎ ﻋﺎه ﺪوا ﻋﻠﻴ ﻪ اﷲ .ﻣ ﻦ اﻟ ﺼﺒﺮ ﻓ ﻲ اﻟﺤ ﺮب .واﻟ ﺸﺠﺎﻋﺔ ﻓ ﻲ ﻟﻘ ﺎء اﻟﻌ ﺪو ،واﻟﺜﺒ ﺎت .وﻟ ﻢ
ﻼ .ﻗﺎل ﺗﻌﺎﻟﻰ " :واﻟﺬي ﺟﺎء ﺑﺎﻟﺼﺪق وﺻﺪق ﺑﻪ أوﻟﺌﻚ هﻢ اﻟﻤﺘﻘﻮن " .
ﻳﻬﻨﻮا وﻟﻢ ﻳﺴﺘﻜﻴﻨﻮا .وﻣﺎ ﺑﺪﻟﻮا ﺗﺒﺪﻳ ً
وﻗﺎل ﺗﻌﺎﻟﻰ " :ﻣﻦ اﻟﻤﺆﻣﻨﻴﻦ رﺟﺎل ﺻﺪﻗﻮا ﻣﺎ ﻋﺎهﺪوا اﷲ ﻋﻠﻴﻪ ﻓﻤﻨﻬﻢ ﻣﻦ ﻗﻀﻰ ﻧﺤﺒﻪ وﻣﻨﻬﻢ ﻣﻦ ﻳﻨﺘﻈﺮ وﻣﺎ ﺑﺪﻟﻮا ﺗﺒﺪﻳﻼ " .
" أﺳﺒﺎب ﻧﺰول اﻵﻳﺔ "
ﻗﺎل اﻹﻣﺎم أﺣﻤﺪ ﺑﻦ ﺣﻨﺒﻞ رﺣﻤﻪ اﷲ ﺣﺪﺛﻨﺎ ﻣﺤﻤﺪ ﺑﻦ ﺳﺎﺑﻖ ﺣﺪﺛﻨﺎ ﻋﻴﺴﻰ ﺑﻦ دﻳﻨ ﺎر .ﺣ ﺪﺛﻨﻲ أﻧ ﻪ ﺳ ﻤﻊ اﻟﺤ ﺎرث ﺑ ﻦ ﺿ ﺮار اﻟﺨﺰاﻋ ﻲ
رﺿﻲ اﷲ ﻋﻨﻪ ﻳﻘﻮل :
ﻗﺪﻣﺖ ﻋﻠﻰ رﺳﻮل اﷲ ﺻﻠﻰ اﷲ ﻋﻠﻴﻪ وﺳﻠﻢ ﻓﺪﻋﺎﻧﻲ إﻟﻰ اﻹﺳﻼم .ﻓﺪﺧﻠﺖ ﻓﻴﻪ وأﻗﺮرت ﺑﻪ .ودﻋﺎﻧﻲ إﻟﻰ اﻟﺰآﺎة ﻓﺄﻗﺮرت ﺑﻬﺎ وﻗﻠﺖ :
ﻲ ﻳﺎ رﺳﻮل اﷲ رﺳﻮ ًﻻ إﺑّﺎن آﺬا وآﺬا .
ﻳﺎ رﺳﻮل اﷲ ارﺟﻊ إﻟﻴﻬﻢ ﻓﺄدﻋﻮهﻢ إﻟﻰ اﻹﺳﻼم وأداء اﻟﺰآﺎة ﻓﻤﻦ اﺳﺘﺠﺎب ﻟﻲ دﻓﻌﺖ زآﺎﺗﻪ وﺗﺮﺳﻞ إﻟ ّ
18
www.daawa-info.net
ﻟﻴﺄﺗﻴﻚ ﺑﻤﺎ ﺟﻤﻌﺖ ﻣﻦ اﻟﺰآﺎة ،ﻓﻠﻤﺎ ﺟﻤﻊ اﻟﺤﺎرث اﻟﺰآﺎة ﻣﻤﻦ اﺳﺘﺠﺎب ﻟﻪ ،وﺑﻠﻎ اﻹﺑﺎن اﻟﺬي أراد رﺳﻮل اﷲ ﺻﻠﻰ اﷲ ﻋﻠﻴﻪ وﺳﻠﻢ أن ﻳﺒﻌ ﺚ
ﺳ ﺮَوات ﻗﻮﻣ ﻪ ﻓﻘ ﺎل ﻟﻬ ﻢ :إن
إﻟﻴﻪ .اﺣﺘﺒﺲ ﻋﻠﻴﻪ اﻟﺮﺳﻮل وﻟﻢ ﻳﺄﺗﻪ ،وﻇﻦ اﻟﺤﺎرث أﻧﻪ ﻗﺪ ﺣﺪث ﻓﻴﻪ ﺳﺨﻄﺔ ﻣ ﻦ اﷲ ﺗﻌ ﺎﻟﻰ ورﺳ ﻮﻟﻪ .ﻓ ﺪﻋﺎ َ
رﺳﻮل اﷲ ﺻﻠﻰ اﷲ ﻋﻠﻴﻪ وﺳﻠﻢ آﺎن وﻗّﺖ ﻟﻲ وﻗﺘ ًﺎ ﻳﺮﺳﻞ إﻟﻲ رﺳﻮﻟﻪ ﻟﻴﻘﺒﺾ ﻣﺎ آ ﺎن ﻋﻨ ﺪي ﻣ ﻦ اﻟﺰآ ﺎة ،وﻟ ﻴﺲ ﻣ ﻦ رﺳ ﻮل اﷲ اﻟﺨﻠ ﻒ ،
وﻻ أرى ﺣ ﺒﺲ رﺳ ﻮﻟﻪ إﻻ ﻣ ﻦ ﺳ ﺨﻄﺔ .ﻓ ﺎﻧﻄﻠﻘﻮا ﺑﻨ ﺎ ﻧ ﺄﺗﻲ رﺳ ﻮل اﷲ ﺻ ﻠﻰ اﷲ ﻋﻠﻴ ﻪ وﺳ ﻠﻢ وﻓ ﻲ ه ﺬا اﻟﺤ ﺎل وه ﻢ ﻳﺘﺤ ﺎدﺛﻮن ﻣﺠﺘﻤﻌ ﻴﻦ
وﻳﺘﺬاآﺮون ﻓﻲ ﺳﺒﺐ ﺗﺄﺧﻴﺮ اﻟﻤﺒﻌﻮث ﻣﻦ ﻗﺒﻞ رﺳﻮل اﷲ إﻟﻰ اﻟﺤﺎرث وﺟﻤﺎﻋﺘﻪ .
ﺑﻌﺚ رﺳﻮل اﷲ ﺻﻠﻰ اﷲ ﻋﻠﻴﻪ وﺳﻠﻢ اﻟﻮﻟﻴﺪ ﺑﻦ ﻋﻘﺒﺔ اﺑﻦ أﺑﻲ ﻣﻌﻴﻂ إﻟﻰ اﻟﺤﺎرث ﻟﻴﻘﺒﺾ ﻣﺎ آ ﺎن ﻋﻨ ﺪﻩ ﻣﻤ ﺎ ﺟﻤ ﻊ ﻣ ﻦ اﻟﺰآ ﺎة ،ﻓﻠﻤ ﺎ
ق – أي ﺧﺎف – ﻓﺮﺟﻊ ﺣﺘﻰ أﺗﻰ رﺳﻮل اﷲ ﺻﻠﻰ اﷲ ﻋﻠﻴﻪ وﺳﻠﻢ ﻓﻘﺎل :
أن ﺳﺎر اﻟﻮﻟﻴﺪ ﺑﻦ ﻋﻘﺒﺔ ،ﺣﺘﻰ ﺑﻠﻎ ﺑﻌﺾ اﻟﻄﺮﻳﻖ َﻓ َﺮ َ
" ﻳﺎ رﺳﻮل اﷲ إن اﻟﺤﺎرث ﻣﻨﻌﻨﻲ اﻟﺰآﺎة وأراد ﻗﺘﻠﻲ ،ﻓﻐﻀﺐ رﺳﻮل اﷲ وﺑﻌﺚ اﻟﺒﻌﺚ إﻟﻰ اﻟﺤﺎرث رﺿﻲ اﷲ ﻋﻨﻪ .وأﻗﺒ ﻞ اﻟﺤ ﺎرث
ﺑﺄﺻﺤﺎﺑﻪ ﺣﺘﻰ إذا اﺳﺘﻘﺒﻞ اﻟﺒﻌﺚ وﻓﺼﻞ ﻋﻦ اﻟﻤﺪﻳﻨﺔ ﻟﻘﻴﻬﻢ اﻟﺤﺎرث ﻓﻘﺎﻟﻮا هﺬا اﻟﺤﺎرث ،ﻓﻠﻤﺎ ﻏﺸﻴﻬﻢ ﻗﺎل ﻟﻬﻢ إﻟﻰ ﻣﻦ ﺑﻌﺜﺘﻢ ؟ ﻗ ﺎﻟﻮا :إﻟﻴ ﻚ .
ﻗﺎل :وﻟﻢ ؟ ﻗﺎﻟﻮا :إن رﺳﻮل اﷲ ﺻﻠﻰ اﷲ ﻋﻠﻴﻪ وﺳﻠﻢ ﺑﻬﺚ اﻟﻮﻟﻴﺪ ﺑﻦ ﻋﻘﺒﺔ ﻓﺰﻋﻢ أﻧﻚ ﻣﻨﻌﺘﻪ اﻟﺰآﺎة وأردت ﻗﺘﻠﻪ .ﻓﻘﺎل رﺿﻲ اﷲ ﻋﻨﻪ :ﻻ
،واﻟﺬي ﺑﻌﺚ ﻣﺤﻤﺪًا ﺑﺎﻟﺤﻖ ﻣﺎ رأﻳﺘﻪ ﺑﺘﺔ وﻻ أﺗﺎﻧﻲ .ﻓﻠﻤﺎ دﺧﻞ اﻟﺤﺎرث ﻋﻠﻰ رﺳﻮل اﷲ ﻗﺎل " :ﻣﻨﻌﺖ اﻟﺰآﺎة وأردت ﻗﺘﻞ رﺳﻮﻟﻲ ؟ " ﻗﺎل :
ﻲ رﺳﻮل اﷲ ﺻﻠﻰ اﷲ ﻋﻠﻴﻪ وﺳﻠﻢ ﺧﺸﻴﺖ أن ﻳﻜﻮن آﺎﻧﺖ ﺳﺨﻄﺔ
ﻻ .واﻟﺬي ﺑﻌﺜﻚ ﺑﺎﻟﺤﻖ ﻣﺎ رأﻳﺘﻪ وﻻ أﺗﺎﻧﻲ ،وﻣﺎ أﻗﺒﻠﺖ إﻻ ﺣﻴﻦ اﺣﺘﺒﺲ ﻋﻠ ّ
ﻣﻦ اﷲ ﺗﻌﺎﻟﻰ ورﺳﻮﻟﻪ .ﻓﻨﺰﻟﺖ هﺬﻩ اﻵﻳﺔ اﻟﻜﺮﻳﻤﺔ ﻣﻦ ﺳﻮرة اﻟﺤﺠﺮات " :ﻳﺎ أﻳﻬﺎ اﻟﺬﻳﻦ ﺁﻣﻨﻮا إن ﺟ ﺎءآﻢ ﻓﺎﺳ ﻖ ﺑﻨﺒ ﺄ ﻓﺘﺒﻴﻨ ﻮا ،أن ﺗ ﺼﻴﺒﻮا
ﻗﻮﻣ ًﺎ ﺑﺠﻬﺎﻟﺔ ﻓﺘﺼﺒﺤﻮا ﻋﻠﻰ ﻣﺎ ﻓﻌﻠﺘﻢ ﻧﺎدﻣﻴﻦ " .
وﻗﺎل ﻣﺠﺎهﺪ رﺿﻲ اﷲ ﻋﻨﻪ وﻗﺘﺎدة ﻓﻲ رواﻳﺔ أﺧﺮى :
ﺑﻌﺚ رﺳﻮل اﷲ ﺻﻠﻰ اﷲ ﻋﻠﻴﻪ وﺳﻠﻢ اﻟﻮﻟﻴﺪ ﺑﻦ ﻋﻘﺒﺔ إﻟﻰ ﺑﻨﻲ اﻟﻤﺼﻄﻠﻖ ﻳﺘﺼﺪﻗﻬﻢ ﻓﺘﻠﻘﻮﻩ ﺑﺎﻟﺼﺪﻗﺔ ﻓﺮﺟﻊ ﻓﻘﺎل :إن ﺑﻨﻲ اﻟﻤ ﺼﻄﻠﻖ
ﻗﺪ ﺟﻤﻌﺖ ﻟﻚ ﻟﺘﻘﺎﺗﻠﻚ .زاد ﻗﺘﺎدة .وأﻧﻬﻢ ﻗﺪ ارﺗﺪوا ﻋﻦ اﻹﺳﻼم .
ﻓﺒﻌﺚ رﺳﻮل اﷲ ﺻﻠﻰ اﷲ ﻋﻠﻴﻪ وﺳﻠﻢ ﺧﺎﻟﺪ ﺑﻦ اﻟﻮﻟﻴﺪ رﺿ ﻲ اﷲ ﻋﻨ ﻪ إﻟ ﻴﻬﻢ وأﻣ ﺮﻩ أن ﻳﺘﺜﺒ ﺖ وﻻ ﻳﻌﺠ ﻞ .ﻓ ﺎﻧﻄﻠﻖ ﺧﺎﻟ ﺪ ﺣﺘ ﻰ أﺗ ﺎهﻢ
ﻼ ﻓﺒﻌﺚ ﻋﻴﻮﻧﻪ ﻓﻠﻤﺎ ﺟﺎءوا .أﺧﺒﺮوا ﺧﺎﻟﺪًا رﺿﻲ اﷲ ﻋﻨ ﻪ أﻧﻬ ﻢ ﻣﺴﺘﻤ ﺴﻜﻮن ﺑﺎﻹﺳ ﻼم .وﺳ ﻤﻌﻮا أذاﻧﻬ ﻢ وﺻ ﻼﺗﻬﻢ .ﻓﻠﻤ ﺎ أﺻ ﺒﺤﻮا أﺗ ﺎهﻢ
ﻟﻴ ً
ﺧﺎﻟﺪ ﺑﻦ اﻟﻮﻟﻴﺪ ﻓﺮأى اﻟﺬي ﻳﻌﺠﺒﻪ ،ﻓﺮﺟﻊ إﻟﻰ رﺳﻮل اﷲ ﺻﻠﻰ اﷲ ﻋﻠﻴﻪ وﺳﻠﻢ ﻓﺄﺧﺒﺮﻩ اﻟﺨﺒﺮ ﻓﺄﻧﺰل اﷲ ﺗﺒﺎرك وﺗﻌﺎﻟﻰ هﺬﻩ اﻵﻳﺔ :
" ﻳﺎ أﻳﻬﺎ اﻟﺬﻳﻦ ﺁﻣﻨﻮا إن ﺟﺎءآﻢ ﻓﺎﺳﻖ ﺑﻨﺒﺄ ﻓﺘﺒﻴﻨﻮا " اﻵﻳﺔ .
ﻗﺎل اﻹﻣﺎم اﻟﺤﺴﻦ رﺿﻲ اﷲ ﻋﻨﻪ ﻓﻲ هﺬﻩ اﻵﻳﺔ :
" ﻓﻮاﷲ ﻟﺌﻦ آﺎﻧﺖ اﻵﻳﺔ ﻧﺰﻟﺖ ﻓﻲ هﺆﻻء اﻟﻘﻮم ﺧﺎﺻﺔ ،إﻧﻬﺎ ﻟﻤﺮﺳﻠﺔ إﻟﻰ ﻳﻮم اﻟﻘﻴﺎﻣﺔ ﻣﺎ ﻧﺴﺨﻬﺎ ﺷﻲء ".
واﻟﻘﺎﻋﺪة اﻷﺻﻮﻟﻴﺔ اﻟﻤﻌﺮوﻓﺔ .أن اﻟﻌﺒﺮة ﻓﻲ آﺘﺎب اﷲ ﺑﻌﻤﻮم اﻟﻠﻔﻆ ﻻ ﺑﺨﺼﻮص اﻟﺴﺒﺐ .
واﻟﻔﺴﺎق واﻟﻜﺬاﺑﻮن ﻓﻲ آﻞ زﻣﺎن وأوان ﻳﻤﻸون أﻃﺒﺎق اﻟﺜﺮى .ﻓﻌﻠﻰ اﻟﻤﺮء أن ﻳﺘﺜﺒﺖ ،وﻳﺘﺄﻧﻰ .وﻻ ﻳﺘﻌﺠﻞ ﺑﺎﻟﺤﻜﻢ ﻋﻠﻰ أﺣﺪ ،وﻗ ﺪ
أﻣﺮﻩ اﷲ ﺑﻬﺬﻩ اﻵﻳﺔ ﺑﺎﻟﺘﺜﺒﺖ واﻟﺘﺒﻴﻦ ،ﻓﺈذا أﻃﺎع وﺗﺜﺒﺖ ﻓﻘ ﺪ ﻋﺒ ﺪ اﷲ وأﻣ ﻦ ﻋﻠ ﻰ ﻧﻔ ﺴﻪ ﻣ ﻦ اﻟﻮﻗ ﻮع ﻓ ﻲ ﻋﺎﻗﺒ ﺔ اﻟﺤﻜ ﻢ ﻋﻠ ﻰ اﻟﻨ ﺎس ﺑﺎﻟﺒﺎﻃ ﻞ
واﻹﻓﻚ واﻟﺒﻬﺘﺎن .ﻋﻠﻰ أن ﺧﻄﺮ اﻷﺧﺒﺎر ﻻ ﻳﺠﻲء ﻣﻦ ﻧﺎﺣﻴﺔ اﻟﻔﺴﻖ وﺗﻌﻤﺪ اﻟﻜﺬب وﺣﺪﻩ ،ﺑﻞ ﻗﺪ ﻳﺠﻲء ﻣﻦ ﻧﻮاح أﺧ ﺮى ،ﻓﻘ ﺪ ﻳﻜ ﻮن اﻟﺮﺟ ﻞ
ﻋﺪ ًﻻ أﻣﻴﻨ ًﺎ ﺻﺎدﻗ ًﺎ .ﻟﻜﻨﻪ ﻻ ﻳﻌﺮف آﻴﻒ ﻳﺴﻤﻊ اﻟﺨﺒﺎر ،وﻻ آﻴﻒ ﻳﻨﻘﻠﻬﺎ .ﻓﻼ ﻳﺤﺴﻦ اﻟﺴﻤﻊ ،وﻻ ﻳﺤﺴﻦ اﻟﺪاء .ﻓﻴﻘﻊ ﺗﺤﺖ ﻃﺎﺋﻠﺔ اﻟﻜﺬب .
وﻗﺪ ﻳﻜﻮن اﻟﺮﺟﻞ ﻋﺪ ًﻻ .وﻟﻜﻨﻪ ذو ﻏﻔﻠﺔ .ﻓﺘﺪس إﻟﻴﻪ اﻷﺧﺒﺎر ﻣﻦ اﻟﻜ ﺎذﺑﻴﻦ وﻳﻨﻘﻠﻬ ﺎ إﻟ ﻰ اﻟﻐﻴ ﺮ ﻋ ﻦ ﺻ ﻔﺎء ﻧﻴ ﺔ ،وﻋﻠ ﻰ ﻇ ﻦ اﻟ ﺼﺪق
ﻓﻴﻘﻊ آﺬﻟﻚ ﻓﻲ أﺳﺮ اﻟﻜﺎذﺑﻴﻦ .
واﻟﺘﺜﺒﺖ ﻓﻲ اﻷﺧﺒ ﺎر ﻓ ﻀﻴﻠﺔ ،ﺗ ﺪل ﻋﻠ ﻰ اﻟﺮﺟﻮﻟ ﺔ ،وﺿ ﺒﻂ اﻟ ﻨﻔﺲ .وﻟﻜﻨﻬ ﺎ – ﻣ ﻊ ﻣ ﺮ اﻟ ﺴﻒ – ﻟﻴ ﺴﺖ آﺜﻴ ﺮة ﻋﻨ ﺪ اﻟﻨ ﺎس ،وأآﺜ ﺮ
ﻼ،
اﻟﻨﺎس ﻳﻘﻌﻮن ﻓﻲ ﺗﺼﺪﻳﻖ اﻷﺧﺒﺎر ﻣﻦ ﺣﻴﺚ ﻻ ﻳﺸﻌﺮون .وﻟﺒﻌﺾ ﻣﻬﺮة اﻟﻜﺬاﺑﻴﻦ ﺣﻴﻞ وأﺳﺎﻟﻴﺐ ﻗ ﺪ ﺗﺨﻔ ﻰ ﻋﻠ ﻰ أﺷ ﺪ اﻟﻨ ﺎس ﺗﺜﺒﺘ ًﺎ .وﻋﻘ ً
وﺣﻜﻤﺔ ،وإدراآ ًﺎ .ﺧﺼﻮﺻ ًﺎ ﻓﻲ زﻣﺎﻧﻨﺎ هﺬا .وﻗﺪ أﺻﺒﺤﺖ أﺳﻠﺤﺔ اﻟﺪﻋﺎﻳﺔ واﻟﻜﺬب ﻓﻴ ﻪ ﻣ ﻦ أﻓﺘ ﻚ ﻣ ﺎ ﻧُﺤ ﺎرب ﺑ ﻪ ،ﺑ ﻞ أﺻ ﺒﺢ ﻟﻠﻜ ﺬب ﻣﻌﺎﻣ ﻞ
وﻣﺼﺎﻧﻊ وﻣﻄﺎﺑﺦ ﺗﻬﻴﺊ اﻟﻜﺬب وﺗﺠﺪﻣﻠﻪ وﺗﺰﻳﻨﻪ وﺗﺼﻘﻠﻪ ،ﺛﻢ ﺗﺪس ﺳﻤﻪ ﻓﻲ اﻟﺪﺳﻢ وﺗﻘﺪﻣ ﻪ ﻃﻌﻤ ًﺎ ﻟﻠﻐ ﺎﻓﻠﻴﻦ اﻷﺑﺮﻳ ﺎء ﻣ ﻦ اﻟﻨ ﺎس ،ﻓﺘ ﻮﻗﻌﻬﻢ
19
www.daawa-info.net
ﻓﻲ ﺷﺒﺎك اﻟﻜﺬب ﻣﻦ ﺣﻴﺚ ﻻ ﻳﺸﻌﺮون ،وإذا آﺎن رﺟﺎل اﻟﻤﺲ ﻳﺘﺜﺒﺘﻮن ﻟﻠﺨﺒﺮ ﻣﺮة واﺣﺪة ،ﻓﻴﺠﺐ ﻋﻠﻴﻨﺎ ﻧﺤﻦ اﻟﻴﻮم أن ﻧﺘﺜﺒﺖ أﻟﻒ ﻣﺮة وﻣﺮة
،وﻗ ﺪ آﺜ ﺮت ﺑﻴﻨﻨ ﺎ اﻟﻮﺷ ﺎﻳﺎت وﺳ ﺎءت ﺑﻴﻨﻨ ﺎ اﻟﻌﻼﻗ ﺎت ،وﺗﻘﺮﻗﻨ ﺎ أﻳ ﺪي ﺳ ﺒﺄ ،ﺑﻔﻌ ﻞ اﻟﺨ ﺎﺋﻨﻴﻦ واﻟﻜ ﺬاﺑﻴﻦ واﻟﺪﺳﺎﺳ ﻴﻦ ،وﺑﻌ ﻞ اﻟﻤ ﺆاﻣﺮات
ﻒ ﻟﻔﻬ ﻢ ﻣ ﻦ أذﻧ ﺎﺑﻬﻢ وﺧ ﺪاﻣﻬﻢ اﻟﻌﻤ ﻼء اﻟﺨﻮﻧ ﺔ .ﺣﺘ ﻰ
واﻟﻤﺨﻄﻄﺎت اﻟﺠﻬﻨﻤﻴﺔ اﻟﺘﻲ ﺣﺎآﻬﺎ ﺿﺪﻧﺎ اﻻﺳﺘﻌﻤﺎر واﻟﺼﻬﻴﻮﻧﻴﺔ واﻟﺸﻴﻮﻋﻴﺔ وﻣﻦ ﻟ ّ
ﺳﺎد ﺑﻌﻀﻬﻢ اﻟﻤﺠﺘﻤﻌﺎت اﻹﺳﻼﻣﻴﺔ ،وﺣﻜﻤﻮا ﺷﻌﻮﺑﻬﺎ ﺑﺎﻟﻘﺴﺮ واﻟﻘﻬﺮ وهﻢ اﻟﻌﺒﻴﺪ اﻷذﻻء .ﻗﺎل اﻟﻤﺘﻨﺒﻲ:
ﺳﺎدات آﻞ أﻧﺎس ﻣﻦ ﻧﻔﻮﺳﻬﻤـﻮا
وﺳﺎدة اﻟﻤﺴﻠﻤﻴﻦ اﻷﻋﺒُـﺪث اﻟﻘُـ ُﺰ ُم
واﻟﻨﺎس ﺟﻤﻴﻌ ًﺎ ﻓﻲ أﺷﺪ اﻟﺤﺎﺟﺔ إﻟﻰ اﻟﻌﻤﻞ ﺑﻬﺬﻩ اﻵﻳﺔ اﻟﻜﺮﻳﻤﺔ ﻟﺘﺴﺘﻘﻴﻢ أﺧﻼﻗﻬﻢ وﺗﺮﺗﺎح ﺿﻤﺎﺋﺮهﻢ .واﻟﺬﻳﻦ هﻢ أﺷﺪ ﺣﺎﺟﺔ ﻣ ﻦ ﺟﻤﻴ ﻊ
اﻟﻨﺎس ﻟﻠﻌﻤﻞ ﺑﻬﺬا اﻟﻄﺮاز ﻣﻦ اﻟﺨﻠﻖ اﻟﺮﻓﻴﻊ ،هﻢ اﻟﺬﻳﻦ ﺑﻴﺪهﻢ ﻣﻘﺎﻟﻴﺪ اﻷﻣﻮر ،وآﺜﻴﺮًا ﻣﺎ ﻳﻘﻊ ﻋﺪم اﻟﺘﺜﺒﺖ ﻣ ﻦ اﻟﻜﺒ ﺮاء واﻟﺮؤﺳ ﺎء .وﻳ ﺪﻳﺌﻬﻢ
ذﻟﻚ ﻣﻦ ﻧﺎﺣﻴﺔ اﺳﺘﺒﻌﺎد أن ﺗﻜﺬب ﻋﻠﻴﻬﻢ ﺑﻄﺎﻧﺘﻬﻢ .وهﻮ ﻣﺪﺧﻞ ﻟﻠﺨﻄﺮ ﻋﻈﻴﻢ ،ﻓﻘﺪ ﺗﻜﻮن هﺬﻩ اﻟﺒﻄﺎﻧﺔ ﻣﻦ أآﺬب اﻟﻨﺎس وأﺷﺪهﻢ ﺣﻘ ﺪًا وﺣ ﺴﺪًا
ﻟﻶﺧﺮﻳﻦ ،ﻓﺘﻮﻗﻊ رﺋﻴﺴﻬﺎ ﻓﻲ ﻃﺎﺋﻠﺔ اﻟﻈﻠﻢ واﻟﻜﺬب واﻟﺘﺴﺮع ﻓﻲ اﻷﻣﻮر ،وﺗﻮﻗﻊ اﻟﻤﻈﻠﻮﻣﻴﻦ ﻓﺮﻳﺴﺔ ﻟﻬﺎ .
وﻓﻲ هﺬﻩ اﻵﻳﺔ – إن ﺟﺎءآﻢ ﻓﺎﺳﻖ ﺑﻨﺒﺄ ﻓﺘﺒﻴﻨﻮا – اﻷدب اﻟﻌﻈﻴﻢ اﻟﺬي ﻻ ﺑﺪ ﻣﻨﻪ ﻟﺘﻜﻤﻴﻞ اﻟﻨﻔﺲ ،وإﻋﺪادهﺎ ﻟﺘﻌ ﺮف اﻟﺤ ﻖ وﺗﻌﻤ ﻞ ﺑ ﻪ ،
وﻟﺘﻌﺮف ﻣﻮاﻃﻦ اﻟﺒﺎﻃﻞ واﻟﺰﻟﻞ ﻓﺘﺠﺘﻨﺐ ﻋﻨﻬﺎ .
واﷲ ﺗﺒﺎرك وﺗﻌﺎﻟﻰ ﻳﺮﺷﺪ ﻋﺒﺎدﻩ إﻟﻰ ه ﺬا اﻷدب اﻟﻜﺎﻣ ﻞ وﻳﺤ ﺬرهﻢ أن ﻳﻌﻤﻠ ﻮا ﺑﺎﻷﺧﺒ ﺎر ﻗﺒ ﻞ اﻟﻜ ﺸﻒ ﻋﻨﻬ ﺎ ،وﻗﺒ ﻞ اﻟﺘﺜﺒ ﺖ ﻣﻨﻬ ﺎ ،ﻟ ﺌﻼ
ﻳﺼﻴﺒﻮا أﻗﻮاﻣ ًﺎ ﺑﺴﺒﺐ اﻟﺠﻬﺎﻟﺔ ،وﺑﺴﺒﺐ اﻷﺧﺒﺎر اﻟﻜﺎذﺑﺔ اﻟﺘﻲ ﻻ ﺗﻔﻴﺪ ﻋﻠﻤ ًﺎ ﻋﻨﺪ اﻟﻌﻘﻼء ﻓﻴﺼﺒﺤﻮا ﺑﻌﺪ ذﻟﻚ ﺁﺳﻔﻴﻦ ،ﻧﺎدﻣﻴﻦ ،ﻳﻼزﻣﻬﻢ اﻟﺤ ﺰن
ﻋﻠﻰ ﻣﺎ ﻓﺮط ﻣﻨﻬﻢ .ﻓﻴﺠﺐ اﻟﻜﺸﻒ ﻋﻦ اﻟﺨﺒﺮ ﺑﻜﻞ اﻟﻮﺳﺎﺋﻞ اﻟﻤﺴﺘﻄﺎﻋﺔ ،وﻳﺠﺪر ﺑﺎﻟﻤﺆﻣﻦ أن ﻳﺤ ﺬق ﻃ ﺮق اﻟﻜ ﺸﻒ ﻋ ﻦ اﻷﺧﺒ ﺎر ،وﻳ ﺮوض
ﻧﻔﺴﻪ ﻋﻠﻴﻬﺎ وﻳﺘﺄﻧﻰ .ﻓﻔﻲ اﻟﺘﺄﻧﻲ اﻟﺴﻼﻣﺔ ،وﻓﻲ اﻟﻌﺠﻠﺔ اﻷﺳﻒ واﻟﻨﺪاﻣﺔ .
روي ﻋﻦ اﻟﺨﻠﻴﻔﺔ اﻟﺮاﺷﺪ ﻋﻤﺮ ﺑﻦ ﻋﺒﺪ اﻟﻌﺰﻳﺰ رﺿﻲ اﷲ ﻋﻨﻪ أﻧﻪ ﻗﺎل :إذا ﺟﺎءﻧﻲ اﻟﺨﺼﻢ وﻓ ﻲ ﻳ ﺪﻩ ﻋﻴﻨ ﻪ ﻣﻔﺮﻏ ﺔ – ﻣﺨﻠﻮﻋ ﺔ – ﻻ
أﺣﻜﻢ ﻟﻪ وأﻗﻮل إﻧﻪ ﻣﻈﻠﻮم ،ﺣﺘﻰ أﺳﻤﻊ ﻟﺨﺼﻤﻪ وأﺗﺜﺒﺖ ﻣﻨﻪ .ﻓﻠﻌﻞ هﺬا .ﻗﺪ أﻓﺮغ وﺧﻠﻊ ﻋﻴﻨﻲ ذاك ؟
واﻟﻔﺎﺳﻖ
ﻓﻲ ﻗﻮﻟﻪ ﺗﻌﺎﻟﻰ :إن ﺟﺎءآﻢ ﻓﺎﺳﻖ .
هﻮ اﻟﺨﺎرج ﻣﻦ ﻃﺎﻋﺔ اﷲ ﺗﻌﺎﻟﻰ إﻟﻰ ﻣﻌﺼﻴﺘﻪ .وﻗﺪ ﺳﻤﻲ اﻟﺤﺎﻣﻞ ﻟﻠﺨﺒﺮ اﻟﻜﺎذب ﻓﺎﺳﻘ ًﺎ ﻷﻧﻪ ﺧﺮج ﻣﻦ اﻟﺼﺪق اﻟﺬي ﻓﻴﻪ ﻃﺎﻋﺔ اﷲ ﻋﺰ
وﺟﻞ ،إﻟﻰ اﻟﻜﺬب اﻟﺬي ﻓﻴﻪ ﻣﻌﺼﻴﺔ اﷲ ﻋﺰ وﺟﻞ وﻣﺠﺎﻧﺒﺔ أﻣﺮﻩ .
وﻳﻘﻊ اﻟﻔﺴﻖ ﺑﺎﻟﻘﻠﻴﻞ ﻣﻦ اﻟﺬﻧﻮب وﺑﺎﻟﻜﺜﻴﺮ ،وﻟﻜﻨﻪ ﺗﻌﻮرف ﻓﻴﻤ ﺎ آ ﺎن آﺜﻴ ﺮًا ،وه ﻮ أﻋ ﻢ ﻣ ﻦ اﻟﻜﻔ ﺮ .وأآﺜ ﺮ ﻣ ﺎ ﻳﻘ ﺎل ﻟﻤ ﻦ اﻟﺘ ﺰم ﺣﻜ ﻢ
اﻟﺸﺮع وأﻗﺮﺑﻪ ،ﺛﻢ أﺧ ّﻞ ﺑﺄﺣﻜﺎﻣﻪ آﻠﻬﺎ أو ﺑﻌﻀﻬﺎ .وﻗﻮﻟﻪ ﺗﻌﺎﻟﻰ " :أﻓﻤﻦ آ ﺎن ﻣﺆﻣﻨ ًﺎ آﻤ ﻦ آ ﺎن ﻓﺎﺳ ﻘ ًﺎ ﻻ ﻳ ﺴﺘﻮون " ﻳ ﺪل ﻋﻠ ﻰ أن اﻟﻔ ﺴﻖ
أﻋﻢ ﻣﻦ اﻟﻜﻔﺮ ﻷﻧﻪ ﻗﺎﺑﻞ ﺑﻪ اﻹﻳﻤﺎن .
واﻟﻨﺒﺄ
هﻮ اﻟﺨﺒﺮ اﻟﻌﻈﻴﻢ ،اﻟﺬي ﻳﺘﺮﺗﺐ ﻋﻠﻴﻪ أﻣﺮ ﺧﻄﻴﺮ وآﺒﻴﺮ .
أﻣﺎ اﻷﺧﺒـﺎر اﻟﺼﻐﻴـﺮة أو اﻟﺘﺎﻓﻬـﺔ اﻟﺘﻲ ﻻ ﻳﺘﺮﺗﺐ ﻋﻠﻴﻬﺎ ﺷﻲء ﻓﻬﻲ ﻓﻲ ﻏﻴﺮ ﺣﺎﺟﺔ إﻟﻰ اﻟﺘﺒﻴﻦ واﻟﺘﺜﺒﺖ .
وﻗﺪ وﺻﻒ اﷲ ﺳﺒﺤﺎﻧﻪ ﺣﺎدث اﻟﺮﺳﺎﻟﺔ اﻟﻤﺤﻤﺪﻳﺔ ﺑﺎﻟﻨﺒﺄ اﻟﻌﻈﻴﻢ ﺣﻴﺚ ﻗﺎل ﺗﻌﺎﻟﻰ " :ﻋ ّﻢ ﻳﺘ ﺴﺎءﻟﻮن ؟ ﻋ ﻦ اﻟﻨﺒ ﺄ اﻟﻌﻈ ﻴﻢ اﻟ ﺬي ه ﻢ ﻓﻴ ﻪ
ﻣﺨﺘﻠﻔﻮن " .
20
www.daawa-info.net
وﻣﻊ هﺬا .ﻓﻤﻦ اﻟﺤﻜﻤﺔ واﻟﺤﻴﻄﺔ ،أن ﻳﺘﺜﺒﺖ اﻟﻤﺮء ﻓﻲ آﻞ ﺷﻲء ،وﻳﺘﺒ ﻴﻦ آ ﻞ ﺧﺒ ﺮ ،وأن ﻳﻜ ﻮن داﺋﻤ ًﺎ ﻋﻠ ﻰ ﺣ ﺬر .ﻓ ﺈن اﷲ ﺗﺒ ﺎرك
وﺗﻌﺎﻟﻰ .آﻤﺎ ﺣﺬرﻧﺎ ﻣﻦ اﻟﻜﺬب ،وﻧﻬﺎﻧﺎ ﻋﻨ ﻪ .ﻓﺈﻧ ﻪ ﻋ ﺰ وﺟ ﻞ ﻓ ﻲ ه ﺬﻩ اﻵﻳ ﺔ ،ﺣ ﺬرﻧﺎ ﻣ ﻦ ﺗ ﺼﺪﻳﻖ اﻟﻜ ﺬب واﻟﻜ ﺬاﺑﻴﻦ ،وأﻣﺮﻧ ﺎ ﺑﺎﻟﺘﺜﺒ ﺖ ﻓ ﻲ
أﻧﺒﺎﺋﻬﻢ وأﺧﺒﺎرهﻢ ،ﺑﻘﻄﻊ اﻟﻨﻈﺮ ﻋﻦ ﺷﻜﻠﻬﺎ وﻣﻮﺿﻮﻋﻬﺎ .وأﻃﻠﻖ ﻋﻠﻴﻬﻢ ﻟﻔﻆ اﻟﻔﺎﺳﻘﻴﻦ :إن ﺟﺎءآﻢ ﻓﺎﺳﻖ ﺑﻨﺒﺄ .
ﻧﺴﺄل اﷲ اﻟﺴﻼﻣﺔ ﻣﻦ آﻞ إﺛﻢ واﻟﺤﻤﺪ ﷲ رب اﻟﻌﺎﻟﻤﻴﻦ .
ﻣﻌﺎﻟﺠﺔ اﻹﺳﻼم ﻟﻤﺸﺎآﻞ اﻟﻠﺴﺎن
ﻟ ّﻤ ـﺎ آ ﺎن اﻟﻠ ﺴﺎن ﺁﻟ ﺔ اﻟ ﺼﺪق واﻟﻜ ﺬب ،ﻓﻘ ﺪ ورد ﻓ ﻲ اﻟﻠ ﺴﺎن ﻣ ﻦ اﻵﺛ ﺎر ﻣ ﺎ ﻳﻐﻨ ﻲ ذوي اﻟﻌﻘ ﻮل اﻟ ﺴﻠﻴﻤﺔ ﻋ ﻦ اﻟﻮﻗ ﻮع ﻓ ﻲ ﺁﻓﺎﺗ ﻪ
واﻻﻧﺠﺮاف ﻣﻌﻪ ﻓﻲ اﻧﺤﺮاﻓﺎﺗﻪ .
واﻟﻠﺴﺎن ﻣﻦ ﻧﻌﻢ اﷲ اﻟﻌﻈﻴﻤﺔ ،وﻟﻄﺎﺋﻒ ﺻﻨﻌﻪ اﻟﻐﺮﻳﺒﺔ اﻟﻌﺠﻴﺒﺔ ،ﻓﺈﻧﻪ ﺻﻐﻴﺮ اﻟﺠﺮم وﻟﻜﻨﻪ ﻋﻈ ﻴﻢ اﻟﺨﻄ ﺮ آﺜﻴ ﺮ اﻟﻨﻔ ﻊ واﻟ ﻀﺮر ،وﻻ
ﻳﺴﺘﺒﻴﻦ اﻟﻜﻔﺮ واﻹﻳﻤﺎن ،إﻻ ﺑﺸﻬﺎدة اﻟﻠﺴﺎن .وهﻤﺎ ﻏﺎﻳﺔ اﻟﻄﺎﻋﺔ واﻟﻌﺼﻴﺎن ﺛﻢ أﻧﻪ – آﻤﺎ ﻳﻘﻮل اﻹﻣﺎم اﻟﻐﺰاﻟﻲ رﺣﻤ ﻪ اﷲ – ﻣ ﺎ ﻣ ﻦ ﻣﻮﺟ ﻮد
أو ﻣﻌﺪوم ،وﻻ ﻣﺘﺨﻴ ﻞ أو ﻣ ﺼﺮوم ،ﻣﻈﻨ ﻮن أو ﻣﻮه ﻮم .إﻻ واﻟﻠ ﺴﺎن ﻳﺘﻨﺎوﻟ ﻪ وﻳﺘﻌ ﺮض ﻟ ﻪ ﺑﺈﺛﺒ ﺎت أو ﻧﻔ ﻲ .وﻣ ﻦ أﻃﻠ ﻖ ﻋﺬﺑ ﺔ اﻟﻠ ﺴﺎن ،
وأهﻤﻠﻪ ﻣﺮض اﻟﻌﻨﺎن ﺳﻠﻚ ﺑﻪ اﻟﺸﻴﻄﺎن ﻓﻴﻜﻞ ﻣﻴﺪان ،وﺳﺎﻗﻪ إﻟﻰ ﺷﻔﺎ ﺟﺮف هﺎر ،واﺿ ﻄﺮﻩ إﻟ ﻰ اﻟﺒ ﻮار وﻻ ﻳﻨﺠ ﻮ ﻣ ﻦ ﺷ ﺮ اﻟﻠ ﺴﺎن إﻻ ﻣ ﻦ
ﻗﻴﺪﻩ ﺑﻠﺠﺎم اﻟﺸﺮع ﻓﻼ ﻳﻄﻠﻘﻪ إﻻ ﻓﻴﻤﺎ ﻳﻨﻔﻌﻪ ﻓﻲ اﻟﺪﻧﻴﺎ واﻵﺧﺮة وﻳﻜﻔﻪ ﻋﻦ آﻞ ﻣﺎ ﻳﺨﺸﻰ ﻏﺎﺋﻠﺘﻪ ﻓﻲ ﻋﺎﺟﻠﻪ أو ﺁﺟﻠﻪ .
ورد ﻋﻦ ﺳﻌﻴﺪ ﺑﻦ ﺟﺒﻴﺮ ﻣﺮﻓﻮﻋ ًﺎ إﻟﻰ اﻟﻨﺒﻲ ﺻﻠﻰ اﷲ ﻋﻠﻴﻪ وﺳﻠﻢ ﻗﺎل :إذا أﺻﺒﺢ اﺑ ﻦ ﺁدم أﺻ ﺒﺤﺖ اﻷﻋ ﻀﺎء آﻠﻬ ﺎ ﺗ ﺬآﺮ اﻟﻠ ﺴﺎن أي
ﺗﻘﻮل :اﺗﻖ اﷲ ﻓﻴﻨﺎ ﻓﺈﻧﻚ إن اﺳﺘﻘﻤﺖ اﺳﺘﻘﻤﻨﺎ وإن اﻋﻮﺟﺠﺖ اﻋﻮﺟﺠﻨﺎ .
وهﺬا أروع ﺗﻤﺜﻴﻞ ﻟﺒﻴﺎن ﺧﻄﺮ اﻟﻠﺴﺎن ،وأﺷﺮ اﻟﻠﺴﺎن ﻓﻲ ﺣﻴﺎة اﻹﻧﺴﺎن ،ﻳﺼﻮرﻩ ﻟﻨﺎ اﻟﺮﺳﻮل اﻷﻣﻴﻦ ﺻﻠﻰ اﷲ ﻋﻠﻴﻪ وﺳﻠﻢ اﻟﺬي آﺎن
ﺻﻤﺘﻪ ﻓﻜﺮاص ،وﻧﻄﻘﻪ ذآﺮًا ،وﻧﻈﺮﻩ ﻋﺒﺮًا .
وروي ﻋﻦ اﺑﻦ ﻣﺴﻌﻮد رﺿﻲ اﷲ ﻋﻨﻪ أﻧﻪ آﺎن ﻋﻠﻰ اﻟﺼﻔﺎ ﻳﻠﺒﻲ وﻳﻘﻮل :
ﻳﺎ ﻟﺴﺎن ،ﻗﻞ ﺧﻴﺮًا ﺗﻐﻨﻢ ،واﺳﻜﺖ ﻋﻦ ﺷﺮ ﺗﺴﻠﻢ ﻣﻦ ﻗﺒﻞ أن ﺗﻨﺪم ﻓﻘﻴﻞ ﻟﻪ :ﻳﺎ أﺑﺎ ﻋﺒﺪ اﻟﺮﺣﻤﻦ .أهﺬا ﺷ ﻲء ﺗﻘﻮﻟ ﻪ أو ﺷ ﻲء ﺳ ﻤﻌﺘﻪ
؟ ﻓﻘﺎل :ﻻ ﺑﻞ ﺳﻤﻌﺖ رﺳﻮل اﷲ ﺻﻠﻰ اﷲ ﻋﻠﻴﻪ وﺳﻠﻢ ﻳﻘﻮل :أن أآﺜﺮ ﺧﻄﺎﻳﺎ اﺑﻦ ﺁدم ﻓﻲ ﻟﺴﺎﻧﻪ .
وورد ﻋﻦ اﻟﻨﺒﻲ ﺻﻠﻰ اﷲ ﻋﻠﻴﻪ وﺳﻠﻢ أﻧﻪ ﻗﺎل :ﻟﺴﺎن اﻟﻤﺆﻣﻦ وراء ﻗﻠﺒﻪ ﻓﺈذا أراد أن ﻳﺘﻜﻠﻢ ﺑﺸﻲء ﺗﺪﺑﺮﻩ ﺑﻘﻠﺒﻪ ﺛﻢ أﻣﻀﺎﻩ ﺑﻠﺴﺎﻧﻪ .
وأن ﻟﺴﺎن اﻟﻤﻨﺎﻓﻖ أﻣﺎم ﻗﻠﺒﻪ ﻓﺈذا ه ّﻢ ﺑﺸﻲء أﻣﻀﺎﻩ ﺑﻠﺴﺎﻧﻪ وﻟﻢ ﻳﺘﺪﺑﱠﺮﻩ ﻗﻠﺒﻪ .
وﻗﺎل اﻟﻨﺒﻲ اﻟﻜﺮﻳﻢ ﺻﻠﻮات اﷲ وﺳﻼﻣﻪ ﻋﻠﻴﻪ :ﻣﻦ آﺜﺮ آﻼﻣﻪ آﺜﺮ ﺳﻘﻄﻪ وﻣﻦ آﺜﺮ ﺳ ﻘﻄﻪ آﺜ ﺮت ذﻧﻮﺑ ﻪ ،وﻣ ﻦ آﺜ ﺮت ذﻧﻮﺑ ﻪ آﺎﻧ ﺖ
اﻟﻨﺎر أوﻟﻰ ﺑﻪ .
رﺟﻞ ﻣﻦ أهﻞ اﻟﺠﻨﺔ
ﺟﺎء ﻋﻦ ﻣﺤﻤﺪ ﺑﻦ آﻌﺐ ﻗﺎل ﻗﺎل رﺳﻮل اﷲ ﺻﻠﻰ اﷲ ﻋﻠﻴﻪ وﺳﻠﻢ :
أن أول ﻣﻦ ﻳﺪﺧﻞ ﻣﻦ هﺬا اﻟﺒﺎب رﺟﻞ ﻣﻦ أهﻞ اﻟﺠﻨﺔ .ﻓﺪﺧﻞ ﻋﺒﺪ اﷲ ﺑﻦ ﺳﻼم ﻓﻘﺎم إﻟﻴﻪ أﻧﺎس ﻣﻦ أﺻﺤﺎب رﺳﻮل اﷲ ﻓﺄﺧﺒﺮوﻩ ﺑ ﺬﻟﻚ
وﻗﺎﻟﻮا :أﺧﺒﺮﻧﺎ ﺑﺄوﺛﻖ ﻋﻤﻞ ﻓﻲ ﻧﻔﺴﻚ ﺗﺮﺟﻮ ﺑﻪ ﻓﻘﺎل :اﻧﻲ ﻟﻀﻌﻴﻒ ،وأن أوﺛﻖ ﻣﺎ أرﺟﻮ ﺑﻪ اﷲ ﺳﻼﻣﺔ اﻟﺼﺪر وﺗﺮك ﻣﺎ ﻻ ﻳﻌﻨﻴﻨﻲ .
وﻗﺪ ﻗﺴﻢ اﻹﻣﺎم اﻟﻐﺰاﻟﻲ رﺣﻤﻪ اﷲ ﻓﻲ آﺘﺎﺑﻪ اﻻﺣﻴﺎء .ﻗﺴﻢ اﻟﻜﻼم إﻟﻰ أرﺑﻌﺔ أﻗﺴﺎم ﻗ ﺴﻢ ه ﻮ ﺿ ﺮر ﻣﺤ ﺾ ،وﻗ ﺴﻢ ه ﻮ ﻧﻔ ﻊ ﻣﺤ ﺾ
وﻗﺴﻢ ﻓﻴﻪ ﺿﺮر وﻣﻨﻔﻌﺔ ،وﻗﺴﻢ ﻟﻴﺲ ﻓﻴﻪ ﺿﺮر وﻻ ﻣﻨﻔﻌﺔ .
أﻣﺎ اﻟﺬي هﻮ ﺿﺮر ﻣﺤﺾ ﻓﻼﺑﺪ ﻣﻦ اﻟﺴﻜﻮت ﻋﻨﻪ ،وآﺬﻟﻚ ﻣﺎ ﻓﻴﻪ ﺿﺮر وﻣﻨﻔﻌﺔ ﻻ ﺗﻔﻲ ﺑﺎﻟﻀﺮر .
وأﻣﺎ ﻣﺎ ﻻ ﻣﻨﻔﻌﺔ ﻓﻴﻪ وﻻ ﺿﺮر ﻓﻬﻮ ﻓﻀﻮل واﻻﺷﺘﻐﺎل ﺑﻪ ﺗﻀﻴﻴﻊ زﻣﺎن وهﻮ ﻋﻴﻦ اﻟﺨﺴﺮان .
21
www.daawa-info.net
ﻓﻼ ﻳﺒﻘﻰ إﻻ اﻟﻘﺴﻢ اﻟﺮاﺑﻊ ﻓﻘﺪ ﺳﻘﻂ ﺛﻼﺛﺔ أرﺑﺎع اﻟﻜﻼم ،وﺑﻘﻲ رﺑﻊ وهﺬا اﻟﺮﺑﻊ ﻓﻴﻪ ﺧﻄﺮ ،إذ ﻳﻤﺘﺰج ﺑﻤﺎ ﻓﻴﻪ أﺛﻢ ﻣ ﻦ دﻗ ﺎﺋﻖ اﻟﺮﻳ ﺎء ،
واﻟﺘﺼﻨﻊ ،واﻟﻐﻴﺒﺔ ،وﺗﺰآﻴﺔ اﻟﻨﻔﺲ .
ﻗﺎل ﺗﻌﺎﻟﻰ :
" ﻻ ﺧﻴﺮ ﻓﻲ آﺜﻴ ٍﺮ ﻣﻦ ﻧﺠﻮاهﻢ إﻻ ﻣﻦ أﻣﺮ ﺑﺼﺪﻗﺔ أو ﻣﻌﺮوف أو إﺻﻼح ﺑﻴﻦ اﻟﻨﺎس " .
هﺬا ﻗﻠﻴﻞ ﻣﻦ آﺜﻴﺮ ﻣﻤ ﺎ ورد ﻓ ﻲ اﻟﻠ ﺴﺎن وﺧﻄ ﺮ اﻟﻠ ﺴﺎن وﺁﺛ ﺎر اﻟﻠ ﺴﺎن ﻓﻬ ﻞ ﻳ ﺴﻮغ ﻟﻤ ﺴﻠﻢ أن ﻳﻄﻠ ﻖ ﻟ ﺴﺎﻧﻪ وﻳﺪﻋ ﻪ ﻳﻠ ﻮك اﻟﻜ ﻼم ﻓ ﻲ
أﻋﺮاض اﻟﻨﺎس ،وﻻ ﻳﺘﻘﻲ اﷲ ﻓ ﻴﻬﻢ ؟ وﻳﺄآ ﻞ ﻟﺤ ﻮﻣﻬﻢ وه ﻢ ﻏ ﺎﺋﺒﻮن ،وﻳﻄﻌ ﻦ ﻓ ﻴﻬﻢ وه ﻢ ﻻ ﻳﻌﻠﻤ ﻮن .إﻧ ﻪ اﻟﻮﺑ ﺎء واﻟﻤ ﺮض ﻳ ﺼﻴﺐ ﺑﻌ ﺾ
اﻷﻟﺴﻨﺔ ﻓﻴﺮدﻳﻬﺎ ﻗﺘﻴﻠﺔ هﺎﻟﻜﺔ .
أﻣﺮاض اﻟﻠﺴﺎن
واﻟﻠﺴﺎن ﻓﻲ اﻹﻧﺴﺎن ﻳﻤﺮض آﻤﺎ ﺗﻤﺮض ﺑﻘﻴﺔ اﻷﻋﻀﺎء .ﻓﺎﻟﻘﻠﺐ ﻳﻤﺮض آﻤﺎ ﻗﺎل ﺗﻌﺎﻟﻰ ﻓﻲ اﻟﻤﻨﺎﻓﻘﻴﻦ " :ﻓﻲ ﻗﻠﻮﺑﻬﻢ ﻣﺮض ﻓ ﺰادهﻢ
اﷲ ﻣﺮﺿ ًﺎ ،وﻟﻬﻢ ﻋﺬاب أﻟﻴﻢ ﺑﻤﺎ آﺎﻧﻮا ﻳﻜﺬﺑﻮن " .
واﻟﻌﻘﻞ ﻳﻤﺮض واﻟﻌﻴﻦ ﺗﻤﺮض .وﻟﻌﻞ ﻣﺮض اﻟﻠﺴﺎن ﻣﻦ أﺧﻄﺮ هﺬﻩ اﻷﻣﺮاض اﻟﻘﺎﺗﻠﺔ اﻟﺘﻲ ﺗﺼﻴﺐ هﺬا اﻹﻧﺴﺎن اﻟﻀﻌﻴﻒ واﷲ ﺗﺒﺎرك
وﺗﻌﺎﻟﻰ ﺣﺬرﻧﺎ ﻣﻦ آﻞ اﻷﻣﺮاض اﻟﺘﻲ ﻳﺼﺎب ﺑﻬﺎ اﻟﻠﺴﺎن آﻤﺎ أن اﻹﺳﻼم اﻟﻌﻈﻴﻢ ﻗﺪ وﺿ ﻊ اﻟ ﺪواء اﻟﻨ ﺎﺟﻊ ﻟﻜ ﻞ ﻧ ﻮع ﻣ ﻦ أﻧ ﻮاع اﻟﻤ ﺮاض اﻟﺘ ﻲ
ﻳﺼﺎب ﺑﻬﺎ اﻟﻠﺴﺎن .وﻟﻴﺲ هﻨﺎ ﻣﺤﻞ ﺗﻔﺼﻴﻠﻬﺎ وﺣﺴﺒﻲ أن أﺷﻴﺮ إﻟﻴﻬﺎ وأﺳﻤﻴﻬﺎ ﺑﺄﺳﻤﺎﺋﻬﺎ واﻟ ﺪواء ﻟﻜ ﻞ ﻣ ﺮض ﻓ ﻲ آﺘ ﺎب اﷲ ﻋ ﺰ وﺟ ﻞ وﻓ ﻲ
ﺳﻨﺔ رﺳﻮل اﷲ ﺻﻠﻰ اﷲ ﻋﻠﻴﻪ وﺳﻠﻢ وﻣﻦ أﻣﺮاض اﻟﻠﺴﺎن :
اﻟﻜ ﺬب ،واﻟﻐﻴﺒ ﺔ ،واﻟﻨﻤﻴﻤ ﺔ ،واﻟﻔﺤ ﺶ ،واﻟ ﺴﺐ ،وﺑ ﺬاءة اﻟﻠ ﺴﺎن ،واﻟﻤ ﺮاء واﻟﺠ ﺪال واﻟﻜ ﻼم ﻓﻴﻤ ﺎ ﻳﻌﻨ ﻲ ،وﻓ ﻀﻮل اﻟﻜ ﻼم ،
واﻟﺨﻮض ﻓﻲ اﻟﺒﺎﻃﻞ ،واﻟﺨﺼﻮﻣﺔ واﻟﺘﻘﻌﺮ ﻓﻲ اﻟﻜﻼم ،واﻟﻠﻌﻦ واﻟﻄﻌﻦ واﻟﺘﺸﺪق واﻟﺘﺼﻨﻊ ﻓﻲ اﻟﻜ ﻼم ،واﻟﻤ ﺰاح واﻟ ﺴﺨﺮﻳﺔ ،واﻻﺳ ﺘﻬﺰاء
وإﻓﺸﺎء اﻟﺴﺮ ،واﻟﻮﻋﺪ اﻟﻜﺎذب ،واﻟﻴﻤﻴﻦ اﻟﻜﺎذب ،واﻟﻤﺪح اﻟﻜﺎذب وأﺻﺤﺎب اﻟﻠﺴﺎﻧﻴﻦ اﻟﺦ .
آﻞ هﺬﻩ اﻷﻣﺮاض إﻧﻤﺎ هﻲ ﻣﻦ أﻣﺮاض هﺬا اﻟﻠﺴﺎن اﻟﺬي ﻳﺤﻤﻠﻪ آﻞ إﻧﺴﺎن وهﻮ اﻟﺬي ﻳﺤﺪد ﺷﺨﺼﻴﺔ هﺬا اﻹﻧ ﺴﺎن وﻳﺮﺳ ﻢ ﻣﻼﻣﺤ ﻪ .
ﻓﺎﻹﻧﺴﺎن ﻣﺨﺒﻮء ﺗﺤﺖ ﻟﺴﺎﻧﻪ ،ﻓﺈذا ﺗﻜﻠﻢ ﻓﻘﺪ اﻧﻜﺸﻒ وﻇﻬﺮ ﻟﻠﻌﻴﺎن ﺑﺼﺪﻗﻪ أو آﺬﺑﻪ ﺑﻌﻠﻤﻪ أو ﺑﺠﻬﻠﻪ ،ﺑﺨﻴﺮﻩ أو ﺑﺸﺮﻩ .ﺑﺸﺠﺎﻋﺘﻪ أو ﺟﺒﻨﻪ .
وﺟﺒﻦ اﻟﻮﻟﻴﺪ ﺑﻦ ﻋﻘﺒﺔ وﺧﻮﻓﻪ أﻇﻬﺮ ﻋﻠﻰ ﻟﺴﺎﻧﻪ ﺗﻠﻚ اﻟﻜﺬﺑﺔ اﻟﺘﻲ ﻧﺰﻟﺖ اﻵﻳﺔ ﺑﺴﺒﺒﻬﺎ وﺳﻤﺎﻩ اﷲ ﻋﺰ وﺟﻞ ﻓﺎﺳﻘ ًﺎ " :ﻳﺎ أﻳﻬ ﺎ اﻟ ﺬﻳﻦ ﺁﻣﻨ ﻮا إن
ﺟﺎءآﻢ ﻓﺎﺳﻖ ﺑﻨﺒﺈ ﻓﺘﺒﻴﻨﻮا أن ﺗﺼﻴﺒﻮا ﻗﻮﻣ ًﺎ ﺑﺠﻬﺎﻟﺔ ﻓﺘﺼﺒﺤﻮا ﻋﻠﻰ ﻣﺎ ﻓﻌﻠﺘﻢ ﻧﺎدﻣﻴﻦ " .
وهﻨﺎ ﻧﺎﺣﻴﺔ ﻓﻲ أﺧﻼﻗﻨﺎ اﻻﺟﺘﻤﺎﻋﻴﺔ ﺗﻜﺎد ﺗﻜﻮن ﻋﺎﻣﺔ ﻓﻲ آﺜﻴﺮ ﻣﻦ اﻟﻄﺒﻘﺎت وهﻲ اﻟﻜﺬب ﻓﻲ اﻟﺤﺪﻳﺚ واﻟﺮواﻳﺔ واﻟﻌﻤﻞ ﻻ ﻟﺸﻲء ﺳ ﻮى
اﻟﺘﺨﻠﺺ ﻣﻦ ﻋﺘﺎب ﺻﺪﻳﻖ .أو ﻋﻨ ﺎء زﻳ ﺎرة واﺟﺒ ﺔ ،أو دﻓ ﻊ ﺗﺒﻌ ﺔ ﻣﺤﺘﻤﻠ ﺔ ﻓﺎﻋﺘ ﺬارك ﻋ ﻦ ﺗﻠﺒﻴ ﺔ دﻋ ﻮة ،ﺑ ﺪاﻋﻲ اﻟﻤ ﺮض ﻣ ﻊ أﻧ ﻚ ﻟ ﻢ ﺗﻜ ﻦ
ﻣﺮﻳﻀ ًﺎ .أو آﻘﻮﻟﻚ ﻷهﻠﻚ ﻋﻨﺪ زﻳﺎرة أﺣﺪ ﺗﻜﺮﻩ ﻣﻘﺎﺑﻠﺘﻪ أو ﻋﻨﺪ ﻧﺪاء ﺗﻠﻔﻮﻧﻲ ﻣﻦ إﻧﺴﺎن ﻻ ﺗﺤﺐ ﻣﻜﺎﻟﻤﺘﻪ .ﻗﻮﻟﻮا ﻟﻪ أﻧﻲ ﻟﺴﺖ ﻓ ﻲ اﻟ ﺪار .ﻣ ﻊ
أﻧﻚ ﻣﻮﺟﻮد ﻓﻴﻬﺎ ﻓﻘﺪ آﺬﺑﺖ ﺑﻬ ﺬا اﻟﺘ ﺼﺮف ،وﺟﻌﻠ ﺖ أهﻠ ﻚ ﻳﻜ ﺬﺑﻮن ﻣﻌ ﻚ ،أو ﺗﺠﺎهﻠ ﻚ ﻷﻣ ﺮ ﺗﻌﺮﻓ ﻪ أو اﻟﺘﻐﺎﺿ ﻲ ﻋ ﻦ ﺷ ﻲء ﺗﻜ ﺮﻩ إﻓ ﺸﺎءﻩ .
واﻟﺘﻤﺎرض اﻟﺬي ﻳﻈﻬﺮ ﺑﻪ ﺑﻌﺾ اﻟﻨﺎس آﻞ ذﻟﻚ ﻣﻦ هﺬا اﻟﻘﺒﻴﻞ .
واﻟﻤﺼﺎﻧﻌﺔ ،واﻟﻤﺪاهﻨﺔ واﻟﺮﻳﺎء واﻟﺘﻘﻴﺔ وإن اﺧﺘﻠﻔﺖ أﺳﻤﺎؤهﺎ ،ﻓﻬﻲ ﻓﻲ اﻟﺤﻘﻴﻘﺔ ﻻ ﺗﺨﺮج ﻋﻦ هﺬا اﻟﻤﻴﺪان وهﻮ ﻣﻴﺪان اﻟﻜﺬب ،ﻣﺎ
دام اﻟﻜﺬب هﻮ اﻷﺧﺒﺎر ﺑﺸﻲء ﻋﻠﻰ ﺧﻼف ﻣﺎ هﻮ ﻋﻠﻴﻪ ﻣﻊ اﻟﻌﻠﻢ ﺑﻪ ،ﻓﻠﻴﺤﺬر اﻟﻨﺎس هﺬﻩ اﻟﻤﺰاﻟﻖ اﻟﺨﻄﺮة وﻟﻴﺤﺎرﺑﻮا آﻞ أﺻﻨﺎف هﺬا اﻟﻤﺮض
اﻟﺬي هﻮ اﻟﻜﺬب وهﻮ رذﻳﻠﺔ ﺷﻨﻌﺎء ﺧﻄﻴﺮة ﻣﻘﺘﻬﺎ وﻧﻬﺖ ﻋﻨﻬﺎ ﺟﻤﻴﻊ اﻟﺸﺮاﺋﻊ اﻟﺴﻤﺎوﻳﺔ وأﻧﻜﺮﺗﻬﺎ ﺟﻤﻴﻊ اﻟﻌﻘﻮل اﻟﺴﻠﻴﻤﺔ .
22
www.daawa-info.net
ﻣﻮاﺿﻊ ﻳﺠﻮز ﺑﻬﺎ اﻟﻜﺬب
ﻟﻘﺪ أﺟ ﺎزت ﻟﻨ ﺎ اﻟ ﺸﺮﻳﻌﺔ اﻹﺳ ﻼﻣﻴﺔ اﻟﻐ ﺮاء وه ﻲ ﺷ ﺮﻳﻌﺔ اﻟﺮﺣﻤ ﺔ واﻟﻴ ﺴﺮ واﻟﺨﻴ ﺮات اﻟﺤ ﺴﺎن أﺟ ﺎزت ﻟﻨ ﺎ ارﺗﻜ ﺎب ﺑﻌ ﺾ اﻟﻤﻨﻬﻴ ﺎت
ﻟﻠﻀﺮورة آﻤﺎ أﺟﺎزت ﻟﻠﻤﻀﻄﺮ أآﻞ اﻟﻤﻴﺘﺔ وﻟﺤﻢ اﻟﺨﻨﺰﻳ ﺮ ،ﻓﻘ ﺪ أﺟ ﺎزت اﻟﻜ ﺬب ﻟ ﺒﻌﺾ اﻟ ﻀﺮورات وﻗ ﺪ ورد ﻋ ﻦ أم آﻠﺜ ﻮم رﺿ ﻲ اﷲ ﻋﻨﻬ ﺎ
ﻗﺎﻟﺖ :ﻣﺎ ﺳﻤﻌﺖ رﺳﻮل اﷲ ﺻﻠﻰ اﷲ ﻋﻠﻴﻪ وﺳﻠﻢ ﻳﺮﺧﺺ ﻓﻲ ﺷﻲء ﻣﻦ اﻟﻜﺬب إﻻ ﻓﻲ ﺛﻼث :
– 1اﻟﺮﺟﻞ ﻳﻘﻮل اﻟﻘﻮل ﻳﺮﻳﺪ ﺑﻪ اﻹﺻﻼح – 2 ،واﻟﺮﺟﻞ ﻳﻘﻮل اﻟﻘﻮل ﻓﻲ اﻟﺤﺮب – 3 ،واﻟﺮﺟﻞ ﻳﺤﺪث اﻣﺮأﺗﻪ واﻟﻤﺮأة ﺗﺤﺪث زوﺟﻬﺎ
.
وﻗﺎل اﻟﻨﺒـﻲ اﻟﻜﺮﻳﻢ ﺻﻠﻮات اﷲ وﺳﻼﻣﻪ ﻋﻠﻴﻪ :ﻟﻴﺲ ﺑﻜﺬاب ﻣﻦ أﺻﻠﺢ ﺑﻴﻦ اﺛﻨﻴﻦ ﻓﻘﺎل ﺧﻴﺮًا أو أﻧﻤﻰ – أذاع ﺧﻴﺮًا – وروي ﻋﻦ أﺑﻲ
آﺎهﻞ ﻗﺎل :وﻗﻊ ﺑﻴﻦ اﺛﻨﻴﻦ ﻣﻦ أﺻﺤﺎب اﻟﻨﺒﻲ ﺻﻠﻰ اﷲ ﻋﻠﻴﻪ وﺳﻠﻢ ﺣﺘﻰ ﺗﺼﺎرﻣﺎ ،ﻓﻠﻘﻴﺖ أﺣﺪهﻤﺎ ﻓﻘﻠﺖ :ﻣﺎﻟﻚ وﻟﻔﻼن ،ﻓﻘﺪ ﺳﻤﻌﺘﻪ ﻳﺤ ﺴﻦ
ﻋﻠﻴﻚ اﻟﺜﻨﺎء ؟ ﺛﻢ ﻟﻘﻴﺖ اﻵﺧﺮ ﻓﻘﻠﺖ ﻟﻪ ﻣﺜﻞ ذﻟﻚ ﺣﺘﻰ اﺻﻄﻠﺤﺎ .ﺛﻢ ﻗﻠﺖ :أهﻠﻜﺖ ﻧﻔﺴﻲ وأﺻﻠﺤﺖ ﺑﻴﻦ هﺬﻳﻦ .ﻓﺄﺧﺒﺮت اﻟﻨﺒﻲ ﺻ ﻠﻰ اﷲ ﻋﻠﻴ ﻪ
وﺳﻠﻢ ﻓﻘﺎل :ﻳﺎ أﺑﺎ آﺎهﻞ أﺻﻠﺢ ﺑﻴﻦ اﻟﻨﺎس وﻟ ﻮ – أي وﻟ ﻮ ﺑﺎﻟﻜ ﺬب ﻓﻬ ﺬﻩ اﻟﻤﻮاﺿ ﻊ اﻟ ﺜﻼث ورد ﻓﻴﻬ ﺎ ﺻ ﺮﻳﺢ اﻻﺳ ﺘﺜﻨﺎء وﻓ ﻲ ﻣﻌﻨﺎه ﺎ آ ﻞ ﻣ ﺎ
ﻋﺪاهﺎ إذا ارﺗﺒﻂ ﺑﻪ ﻏﺮض ﻣﻘﺼﻮد ﺻ ﺤﻴﺢ ،وﻣ ﺼﻠﺤﺔ راﺟﺤ ﺔ ﻋﻠ ﻰ أن ﻻ ﺗﺘﻌ ﺪى ه ﺬﻩ اﻟﺮﺧ ﺼﺔ ﻓ ﻲ اﻟﻜ ﺬب ﺣ ﺪود اﻟ ﻀﺮورة ،ﻓ ﺈذا ﺗﻌ ﺪت
اﻧﻘﻠﺒﺖ إﻟﻰ ﺿﺪهﺎ .
اﻟﻜﺬب ﻓﻲ اﻟﻤﺰاح
وﻻ ﻳﻔﻮﺗﻨ ﺎ أن ﻧ ﺬآﺮ هﻨ ﺎ أن هﻨ ﺎك أﻧﺎﺳ ًﺎ ﻳﻐﻠ ﺐ ﻋﻠ ﻴﻬﻢ ﻃﺒ ﻊ اﻟﻤ ﺰاح ﻓﺘ ﺮاهﻢ ﻳﺨﺘﻠﻘ ﻮن اﻟﻘ ﺼﺺ واﻷﺧﺒ ﺎر واﻟﺨﺮاﻓ ﺎت ﻟﻴ ﻀﺤﻜﻮا ﺑﻬ ﺎ
اﻟﻨﺎس .وهﺬا اﻟﻨﻮع ﻣﻦ اﻟﻤﺬاح آﺬب ﻣﺤﺾ ﻓﻲ ﻋﺮف اﻟﺸﺮع واﻟﻌﻘﻞ وهﻮ ﻣﻨﻬﻰ ﻋﻨﻪ ﻗﺎل اﻟﻨﺒﻲ ﺻﻠﻰ اﷲ ﻋﻠﻴﻪ وﺳﻠﻢ :
وﻳﻞ ﻟﻠﺬي ﻳﺤﺪث ﻓﻴﻜﺬب ﻟﻴﻀﺤﻚ ﺑﻪ اﻟﻘﻮم وﻳﻞ ﻟﻪ ،وﻳﻞ ﻟﻪ ،وﻳﻞ ﻟﻪ .
وﻗﺎل اﻟﻨﺒﻲ ﺻﻠﻰ اﷲ ﻋﻠﻴﻪ وﺳﻠﻢ :إﻳﺎآﻢ واﻟﻜﺬب ﻓﺈن اﻟﻜﺬب ﻻ ﻳﺼﻠﺢ ﻻ ﻓﻲ اﻟﺠﺪ وﻻ ﻓﻲ اﻟﻬﺰل .
ﺑﻞ ﻧﻬﻰ اﻟﺸﺎرع اﻟﻌﻈﻴﻢ ﻋﻦ اﻟﻜﺬب ﺣﺘﻰ ﻣﻊ اﻟﻄﻔﻞ اﻟﺼﻐﻴﺮ ﻓﻘﺎل اﻟﻨﺒﻲ ﺻﻠﻮات اﷲ وﺳﻼﻣﻪ ﻋﻠﻴﻪ :ﻻ ﻳﻌﺪ اﻟﺮﺟﻞ ﺻﺒﻴﻪ ﺛﻢ ﻻ ﻳﻔ ﻲ ﻟ ﻪ
.
وروي أن ﻳﻌﻠﻰ ﺑﻨﺖ أﺑﻲ ﺟﺜﻤﺔ ﻧﺎدت اﺑﻨﻬﺎ اﻟﺼﻐﻴﺮ ﻗﺎﺋﻠﺔ :ﻳﺎ ﻋﺒﺪاﷲ ﺗﻌﺎل ﺧﺬ ﻓﻘﺎل ﻟﻬﺎ اﻟﻨﺒﻲ ﺻ ﻠﻰ اﷲ ﻋﻠﻴ ﻪ وﺳ ﻠﻢ :وﻣ ﺎ ﺗﻌﻄﻴﻨ ﻪ ؟
ﻗﺎﻟﺖ :ﺗﻤﺮًا .ﻓﻘﺎل :أﻣﺎ أﻧﻚ ﻟﻮ ﻟﻢ ﺗﻌﻄﻴﻪ آﺘﺒﺖ ﻟﻚ آﺬﺑﺔ .
وهﺬا ﻋﻼج ﻓﻲ اﻟﺘﺮﺑﻴﺔ ﺣﻜﻴﻢ وﻋﻈﻴﻢ ﻟﻮ ﺳﺎر ﻋﻠﻴﻪ اﻵﺑﺎء واﻷﻣﻬﺎت ﻟﻤﺎ ﻧﺸﺄ اﻷﺑﻨﺎء ﻋﻠﻰ اﻟﻜﺬب واﻟﻠﻌﺐ وآﺜﺮة اﻟﺒﻬﺘﺎن .
ﻓﺎﻷﻃﻔﺎل ورﺑﺔ اﻟﺒﻴﺖ وﺣﺘﻰ اﻟﺨﺪم إذا ﺁﻧﺴﻮا ﻣﻦ رب اﻟﺒﻴﺖ آﺬﺑ ًﺎ وﺧﺪاﻋ ًﺎ ﺟﺎورﻩ ﻓﻲ هﺬا اﻟﻤﻀﻤﺎر ،وﻏﻨ ﻮا ﺑﺄﺑ ﺸﻊ اﻷﻧﻐ ﺎم ﻋﻠ ﻰ ه ﺬا
اﻟﻤﻀﻤﺎر .
وﻻ ﺷﻲء ﻳﻀﻤﻦ اﻟﺮاﺣﺔ واﻟﻬﺪوء واﻟﺴﻌﺎدة ﻓﻲ اﻷﺳﺮة ﻣﺜﻞ أن ﻳﺠﻌﻞ رب اﻷﺳﺮة ﻋﻤ ﺎد ﻣﻌﺎﻣﻠﺘ ﻪ ﻷﻓ ﺮاد أﺳ ﺮﺗﻪ اﻟ ﺼﺪق واﻹﺧ ﻼص
وﺗﺤﺮي اﻟﺤﻖ ﻓﻲ اﻟﻘﻮل واﻟﻌﻤﻞ ،وﺗﻌﻮﻳﺪ أهﻠﻪ ووﻟﺪﻩ ﻋﻠﻰ هﺬﻩ اﻟﺨﻼل ،وﻳﻌﺠﺒﻨـﻲ ﻓﻲ اﻟﺤﺾ ﻋﻠﻰ اﻟﻮﻓﺎء ﺑﺎﻟﻮﻋﺪ وﻻﺣﺘﻴﺎط ﻓﻲ اﻷﻣ ﺮ ﻗ ﻮل
أﺑﻲ اﻷﺳﻮد اﻟﺪؤﻟﻲ رﺿﻲ اﷲ ﻋﻨﻪ إذ ﻳﻘﻮل :
وإذا وﻋﺪت اﻟﻮﻋﺪ آﻨـﺖ آﻐﺎرم
دﻳﻨـ ًﺎ أﻗـﺮ ﺑـﻪ وأﺣﻀﺮ آـﺎﺗﺒﺎ
ﺣﺘـﻰ أﻧﻔـﺬﻩ ﻋﻠـﻰ ﻣﺎ ﻗﻠﺘــﻪ
وآﻔﻰ ﻋﻠـﻲ ﺑﻪ ﻟﻨﻔﺴـﻲ ﻃﺎﻟﺒـﺎ
23
www.daawa-info.net
وإذا ﻣﻨﻌﺖ ﻣﻨﻌـﺖ ﻣﻨﻌـ ًﺎ ﺑﻴﻨـ ًﺎ
وأرﺣﺖ ﻣﻦ ﻃﻮل اﻟﻌﻨﺎء اﻟﺼﺎﺣﺒﺎ
ﻓﻬﻮ رﺿﻲ اﷲ ﻋﻨﻪ :إذا وﻋﺪ ﺁﺧﺮ ﺑﻮﻋﺪ اﻟﺘﺰم وﻋﺪﻩ وأآﺪﻩ ﻋﻠﻰ ﻧﻔﺴﻪ آﻤﺎ ﻳﻠﺘﺰم اﻟﻤﺪﻳﻦ أداء دﻳﻨ ﻪ ﺑ ﺎﻹﻗﺮار ﺑ ﻪ وﺗ ﺴﺠﻴﻠﻪ ﻓ ﻲ ﺻ ﻚ
ﻋﻦ ﻳﺪ آﺎﺗﺐ ﺣﺘﻰ ﻳﻨﻔﺬﻩ ﻓﻲ أﺟﻠﻪ اﻟﻤﻌﻠﻮم .أﻧﻪ ﻻ ﻳﺤﺘ ﺎج إﻟ ﻰ ﻣ ﻦ ﻳ ﺬآﺮﻩ ﺑﺎﻟﻮﻋ ﺪ وﻟ ﺰوم اﻟﻮﻓ ﺎء ﺑ ﻪ ﻓ ﺈن ﻧﻔ ﺴﻪ ه ﻲ اﻟﻜﻔﻴﻠ ﺔ ﺑ ﺬﻟﻚ ﺛ ﻢ أﻧ ﻪ إذا
أﺣﺲ ﻣﻦ ﻧﻔﺴﻪ اﻟﻌﺠﺰ ﻋﻦ اﻟﻮﻓﺎء ﻟﺼﺎﺣﺒﻪ ﺑﺎﻟﻮﻋﺪ اﻟﺬي وﻋﺪﻩ ﺑﻴﻦ ﻟﻪ ﻣﻦ أول وهﻠﺔ أﻧﻪ ﻏﻴﺮ ﻗﺎدر ﻋﻠﻰ اﻟﻮﻓ ﺎء واﻹﻧﺠ ﺎز ،وﻳﻜ ﻮن ﺑ ﺬﻟﻚ ﻗ ﺪ
أراح ﺻﺎﺣﺒﻪ ﻣﻦ اﻟﺘﻌﺐ واﻟﻌﻨﺎء وﻃﻮل اﻟﻤﺮاﺟﻌﺔ وﺣﺒﺬا هﺬا اﻟﺨﻠﻖ اﻟﻜﺮﻳﻢ ﻣﻦ أﺑﻲ اﻷﺳﻮد اﻟﺪؤﻟﻲ رﺣﻤﻪ اﷲ .
ﺟﻮاز اﻟﻤﺰاح
اﻟﻤﺰاح اﻟﺼﺎدق ﻟﻢ ﻳﻨﻪ ﻋﻨﻪ اﻟﺸﺮع اﻟﻜﺮﻳﻢ ﻓﻔﻴﻪ ﻣﻄﺎﻳﺒﺔ وﺗﺴﻠﻴﺔ ﻟﻜﺜﻴﺮ ﻣﻦ اﻟﻨﻔ ﻮس ﻋﻠ ﻰ أن ﻻ ﻳﺘﺠ ﺎوز ﺣ ﺪ اﻻﻋﺘ ﺪال وﻗ ﺪ آ ﺎن اﻟﻨﺒ ﻲ
ﺻﻠﻰ اﷲ ﻋﻠﻴﻪ وﺳﻠﻢ ﻳﻤﺎزح ﺑﻌﺾ اﻟﺼﺤﺎﺑﺔ واﻟﺼﺤﺎﺑﻴﺎت وﻟﻜﻨﻪ ﺻﻠﻮات اﷲ وﺳﻼﻣﻪ ﻋﻠﻴ ﻪ ﻻ ﻳﻘ ﻮل إﻻ ﺣﻘ ًﺎ .روي ﻋ ﻦ اﻟﺤ ﺴﻦ رﺿ ﻲ اﷲ
ﻋﻨﻪ أﻧﻪ ﻗﺎل :أﺗﺖ ﻋﺠﻮز إﻟﻰ اﻟﻨﺒﻲ ﺻﻠﻰ اﷲ ﻋﻠﻴﻪ وﺳﻠﻢ ﻓﻘﺎﻟﺖ :ﻳﺎ رﺳﻮل اﷲ أدع ﻟﻲ ﺑﺎﻟﻤﻐﻔﺮة .
ﻓﻘﺎل ﻟﻬﺎ :ﻻ ﻳﺪﺧﻞ اﻟﺠﻨﺔ ﻋﺠﻮز ..ﻓﺒﻜﺖ ﻓﺘﺒﺴﻢ اﻟﻨﺒﻲ ﺻﻠﻰ اﷲ ﻋﻠﻴﻪ وﺳﻠﻢ وﻗﺎل ﻟﻬﺎ :ﻟﺴﺖ ﺑﻌﺠﻮز ﻳﻮﻣﺌﺬ أﻣ ﺎ ﻗ ﺮأت ﻗﻮﻟ ﻪ ﺗﻌ ﺎﻟﻰ :
ﻋﺮُﺑ ًﺎ أﺗﺮاﺑ ًﺎ " .
ﻦ أﺑﻜﺎرًا ُ
ﻦ :إﻧﺸﺎءًا ﻓﺠﻌﻠﻨﺎه ﱠ
" إﻧﺎ أﻧﺸﺄﻧﺎه ﱠ
وﺟﺎء رﺟﻞ ﻣﻦ اﻟﺼﺤﺎﺑﺔ إﻟﻰ اﻟﻨﺒﻲ ﺻﻠﻰ اﷲ ﻋﻠﻴﻪ وﺳﻠﻢ ﻃﺎﻟﺒ ًﺎ أن ﻳﺠ ﺪ ﻟ ﻪ اﻟﺮﺳ ﻮل راﺣﻠ ﺔ ﺗﺤﻤﻠ ﻪ إﻟ ﻰ اﻟﻐ ﺰو اﻟﻐ ﺰو واﻟﻘﺘ ﺎل ﻓﻘ ﺎل :
اﺣﻤﻠﻨﻲ ﻳﺎ رﺳﻮل اﷲ ﻓﻘﺎل :ﻷﺣﻤﻠﻨﻚ ﻋﻠﻰ اﺑﻦ ﻧﺎﻗﺔ ﻓﻘﺎل اﻟﺮﺟﻞ :وآﻴﻒ ﻳﺤﻤﻠﻨﻲ اﺑﻦ اﻟﻨﺎﻗﺔ ﻳﺎ رﺳﻮل اﷲ ﻓﺘﺒﺴﻢ رﺳ ﻮل اﷲ ﺻ ﻠﻰ اﷲ ﻋﻠﻴ ﻪ
وﺳﻠﻢ وﻗﺎل ﻟﻪ :وهﻞ اﻟﺠﻤﻞ إﻻ اﺑﻦ اﻟﻨﺎﻗﺔ ؟
وهﻨﺎك اﻟﻜﺜﻴﺮ اﻟﻮاﻓﺮ ﻣﻦ ﺣﻮادث ﻣﺰاﺣﻪ اﻟﻨﺒﻴﻞ اﻟﺠﻤﻴﻞ ﺻﻠﻰ اﷲ ﻋﻠﻴﻪ وﺳﻠﻢ اﻟﻘﺎﺋﻢ ﻋﻠﻰ اﻟﺤﺐ واﻟﺼﺪق واﻹﺧﻼص وﺗﺄﻟﻒ اﻟﻘﻠﻮب .
وﻟﻘﺪ ﺗﺄدّب اﻟﻤﺴﻠﻤﻮن ﺑﻬﺬﻩ اﻵداب اﻟﺮﻓﻴﻌﺔ اﻟﺴﺎﻣﻴﺔ ﺣﺘﻰ آﺎﻧﻮا ﺑﺤﻖ ﺧﻴﺮ أﻣﺔ أُﺧﺮِﺟﺖ ﻟﻠﻨﺎس واﻟﺤﻤﺪ ﷲ رب اﻟﻌﺎﻟﻤﻴﻦ .
اﻵﻳﺔ اﻟﺴﺎدﺳﺔ واﻟﺴﺎﺑﻌﺔ :
ﻗﺎل اﷲ ﺳﺒﺤﺎﻧﻪ وﺗﻌﺎﻟﻰ :
ن َو َز ﱠﻳ َﻨ ُﻪ ﻓِﻲ ُﻗﻠُﻮ ِﺑﻜُﻢ و َآ ﱠﺮ َﻩ إ َﻟ ْﻴ ُﻜ ُﻢ
ﺐ إﻟّ ْﻴ ُﻜ ُﻢ اﻹﻳﻤﺎ َ
ﺣ ﱠﺒ َ
ﷲ َ
ﻦا َ
ﻦ اﻷ ْﻣ ِﺮ َﻟ َﻌ ِﻨ ﱡﺘ ُﻢ ،وﻟ ِﻜ ﱠ
ﷲ َﻟ ْﻮ ُﻳﻄِﻴ ُﻌﻜُﻢ ِﻓﻲ آَﺜﻴ ٍﺮ ِﻣ َ
ن ﻓِﻴﻜُﻢ َرﺳُﻮ َل ا ِ ) وا ْ
ﻋﻠَـﻤُﻮا أ ﱠ
ﺣﻜِﻴ ٌﻢ ( .
ﻋﻠِﻴ ٌﻢ َ
ﷲ َ
ﷲ و ِﻧ ْﻌ َﻤ ًﺔ ،وا ُ
ﻦا ِ
ﻼ ِﻣ َ
ﻀً
ن َ ،ﻓ ْ
ﺷﺪُو َ
ﻚ ُه ُﻢ اﻟﺮّا ِ
ن أوﻟ ِﺌ َ
ق واﻟ ِﻌﺼْﻴﺎ َ
اﻟ ُﻜ ْﻔ َﺮ واﻟ ُﻔﺴُﻮ َ
ﺑﻌﺪ أن ﺣﺬَر اﷲ ﺳﺒﺤﺎﻧﻪ اﻟﻤﺆﻣﻨﻴﻦ ﻓﻲ اﻵﻳﺔ اﻟﺴﺎﺑﻘﺔ ﻣﻦ أﺧﺒﺎر اﻟﻔﺎﺳﻘﻴﻦ ،وأﻣﺮهﻢ ﺑﺎﻟﺘﺒﻴﱡﻦ واﻟﺘﺜﺒﺖ ﻓﻴﻬ ﺎ ﻟ ﺌﻼ ﻳ ﺼﻴﺒﻮا ﻗﻮﻣ ًﺎ ﺑﺠﻬﺎﻟ ﺔ
ﻓﻴﺼﺒﺤﻮا ﻋﻠﻰ ﻣﺎ ﻓﻌﻠﻮا ﻧﺎدﻣﻴﻦ .
ﻧﺒﻬﻬﻢ هﻨﺎ ﺳﺒﺤﺎﻧﻪ ﻓﻲ هﺬﻩ اﻵﻳﺔ إﻟﻰ أن اﻟﺮﺳﻮل ﺑﻴﻨﻬﻢ وهﻮ ﻣﻌﻬﻢ ﻳﺘﻠﻘﻰ اﻟ ﻮﺣﻲ ﻣ ﻦ رﺑ ﻪ ،وﻟ ﻴﺲ اﻟﻤﻘ ﺼﻮد ﻇ ﺎهﺮ اﻟﺨﺒ ﺮ ﺑﻮﺟ ﻮدﻩ
ﺑﻴﻨﻬﻢ ﺻﻠﻮات اﷲ وﺳﻼﻣﻪ ﻋﻠﻴﻪ ﻷن ذﻟﻚ ﻣﻌﺮوف ﺑﺎﻟﻌﻴﺎن .
ﺑﻞ اﻟﻤﻘﺼﻮد ﻻزم اﻟﺨﺒﺮ وهﻮ اﻟﺘﺤﺮﱡز واﻟﺘﻮﻗﻲ واﻟﺤﺬر اﻟﺘﺎم ﻣﻦ اﻟﻜﺬب واﻟﺒﻬﺘﺎن ﻓﺈﻧﻪ إن ﺧﻔ ﻲ آ ﺬﺑﻜﻢ ﻋﻠ ﻰ اﻟﻨ ﺎس ،ﺑ ﻞ وﺣﺘ ﻰ ﻋﻠ ﻰ
اﻟﺮﺳﻮل ﻋﻠﻴﻪ اﻟﺴﻼم ﻓﺈن اﷲ ﻻ ﻳﺨﻔﻰ ﻋﻠﻴ ﻪ ﺷ ﻲء ﻣﻤ ﺎ ﺗﻮﺳ ﻮس ﺑ ﻪ أﻧﻔ ﺴﻜﻢ وﺗﻨﻄ ﻖ ﺑ ﻪ أﻟ ﺴﻨﺘﻜﻢ .ﻓ ﺈذا اﻃﻠ ﻊ ﻋﻠ ﻰ ﺷ ﻲء ﻣ ﻦ آ ﺬﺑﻜﻢ أﻧ ﺰل
اﻟﻮﺣﻲ ﻋﻠﻰ رﺳﻮﻟﻪ وﻓﻀﺤﻜﻢ ﺑﻤﺎ ﻗﻠﺘﻢ وﺑﻤﺎ آﺬﺑﺘﻢ آﻤﺎ ﻓﻌﻞ ﺑﺎﻟﻮﻟﻴﺪ ﺑﻦ ﻋﻘﺒﺔ اﻟﺬي اﻃﻠﻌﺘﻢ ﻋﻠﻰ ﻣﺼﻴﺮﻩ وﻧﺘﻴﺠﺔ أﻣﺮﻩ ﺣﻴﻦ ﻓﻀﺤﺘﻪ ﺁﻳﺘﻨ ﺎ اﻟﺘ ﻲ
أﻧﺰﻟﻨﺎهﺎ ﻋﻠﻰ رﺳﻮﻟﻨﺎ .
24
www.daawa-info.net
هﺬا ﻣﻦ ﺟﻬﺔ وأﻣﺎ ﻣﻦ اﻟﺠﻬﺔ اﻷﺧﺮى ﻓﺈن اﻟﻤﺆﻣﻨﻴﻦ وﻧﺒﻴﻬﻢ اﻷﻋﻈﻢ ﺻﻠﻮات اﷲ وﺳﻼﻣﻪ ﻋﻠﻴﻪ ﺑﻴﻦ أﻇﻬﺮهﻢ ﻳﺠﺐ أن ﻳﻜﻮﻧﻮا ﺑﻌﻴ ﺪﻳﻦ
ﻋﻦ اﻟﺪﻧﺎﻳﺎ وﻋﻦ اﻟﻜﺬب اﻟ ﺬي ﻳ ﺆدي إﻟ ﻰ اﻟﻤﻔﺎﺳ ﺪ ،وﻳﺠ ﺮ إﻟ ﻰ وﻳ ﻼت ﻗ ﺪ ﻳ ﺸﺘﺮك ﻓﻴﻬ ﺎ اﻟﻨﺒ ﻲ ﺻ ﻠﻰ اﷲ ﻋﻠﻴ ﻪ وﺳ ﻠﻢ ،وﻻ ﻳﻠﻴ ﻖ ﺑﻤ ﻦ ﻳﺤﺒ ﻪ
وﻳﺆﻣﻦ ﺑﻪ وﻳﻌﻈﻤﻪ أن ﻳﻮﻗﻌﻪ ﻓﻲ ﻣﺜﻞ هﺬا اﻟﺨﻄﺮ اﻟﺬي ﻳﺆدي إﻟﻴﻪ اﻟﻜﺬب .
وهﺬا اﻟﺤﺐ وهﺬا اﻹﺟﻼل ﻳﺪﻋﻮ إﻟﻰ اﻻﺣﺘﺮاس ﻣﻦ وﻗﻮع اﻟﻤﺤﺒﻮب ﻓﻴﻤﺎ ﻻ ﻳﻠﻴﻖ أن ﻳﻘﻊ ﻓﻴﻪ واﻹﻋﻼم ﺑﺄن ﻓﻴﻬﻢ رﺳﻮل اﷲ ﺗﻨﺒﻴ ﻪ ﻟﻬ ﻢ
ﻋﻠﻰ وﺟﻮد اﻟﻤﺮﺷﺪ اﻟﻤﺮاﻗﺐ ﻟﺘﺼﺮﻓﺎﺗﻬﻢ واﻟﺬي ﻳﺠﺐ اﺗﺒﺎﻋﻪ ،وﺗﺠﺐ ﻃﺎﻋﺘﻪ ﺑﺄﻣﺮ اﷲ ﻋ ﺰ وﺟ ﻞ ،وﺑ ﺬﻟﻚ ﻋ ﺎد اﻟﺤ ﺪﻳﺚ إﻟ ﻰ اﻟﻄﺎﻋ ﺔ ،وإﻟ ﻰ
ﻋﺪم اﻟﺴﺒﻖ ﺑﺎﻟﺮأي ،واﻟﺘﻌﺠﻞ ﻓﻲ اﻟﺤﻜﻢ وهﻮ ﻣﻮﺿﻮع أول ﺁﻳﺔ ﻓﻲ هﺬﻩ اﻟﺴﻮرة اﻟﻤﺒﺎرآﺔ ﺳﻮرة اﻟﺤﺠﺮات .
واﻟﺴﺮ ﻓﻲ ذﻟﻚ اﻟﻮﺟﻮب :هﻮ أن اﻟﺮﺳﻮل ﺻ ﻠﻰ اﷲ ﻋﻠﻴ ﻪ وﺳ ﻠﻢ ﻣﺒﻠ ﻎ أﻣ ﺮ اﷲ وﻣﺒ ﻴﻦ ﻟ ﻪ وأﻧ ﻪ أدرى ﺑ ﺎﻷﻏﺮاض اﻹﻟﻬﻴ ﺔ ،وأدرى
ﺑﻤﺼﺎﻟﺢ اﻷﻣﺔ وﻣﺎ ﻳﻨﻔﻌﻬﺎ ،ﻣﻦ آﻞ ﻣﻦ ﺣﻮﻟﻪ ﻳﺆﻳﺪﻩ اﻟﻮﺣﻲ وﻳﻤﺪﻩ اﻟﻨﻮر اﻹﻟﻬﻲ ،وﻣﻘﺎﻣﻪ ﻣﻘﺎم اﻟﻤﺘﺒﻮع ،وﻣﻘﺎﻣﻬﻢ ﻣﻘ ﺎم اﻟﺘ ﺎﺑﻊ ،ﻓﻴﺠ ﺐ أن
ﻳﻄﻴﻌﻮﻩ ،ﻻ أن ﻳﻄﻴﻌﻬﻢ ،وﻟﻮ أن اﻷﻣﺮ اﻧﻌﻜﺲ وأﻃﺎﻋﻬﻢ ﻟﻨﺎﻟﻬﻢ ﻣﻦ ﻃﺎﻋﺘﻪ إﻳﺎهﻢ ﻋﻨﺖ وﺟﻬﺪ وﻣﺸﻘﺔ وهﻼك .
وﻟﻜﻦ ذﻟﻚ ﻻ ﻳﻜﻮن ﻷن اﻟﺮﺳﻮل ﺻﻠﻰ اﷲ ﻋﻠﻴﻪ وﺳﻠﻢ ﺑﺤﻜﻢ ﻣﻨﺼﺒﻪ ﻻ ﻳﺘﺒﻊ إﻻ ﻣﺎ ﻳﻮﺣﻰ إﻟﻴﻪ ﻣﻦ رﺑ ﻪ ،وه ﺬا ﻣﺒ ﺪأ ﻣﻌ ﺮوف ﻟ ﻢ ﻳﺠ ﺮ
ﺣﺪﻳﺚ ﻋﻨﻪ ﻓﻲ اﻵﻳﺔ ،وﻷن ﺟﻤﺎﻋﺔ اﻟﻤﺆﻣﻨﻴﻦ ﺑﺤﻜ ﻢ إﻳﻤ ﺎﻧﻬﻢ ﻻ ﻳﺮﺿ ﻮن ذﻟ ﻚ وﻻ ﻳﻄ ﺎﻟﺒﻮن ﺑ ﻪ ﻷن اﷲ ﺣﺒ ﺐ إﻟ ﻴﻬﻢ اﻹﻳﻤ ﺎن ﺑ ﺎﷲ ورﺳ ﻮﻟﻪ ،
وﺣﺴﱠﻨﻪ ﻓﻲ ﻗﻠﻮﺑﻬﻢ ﻓﻬﻮ ﻻﺻﻖ ﺑﻬﻢ ،وآﺮﱠﻩ إﻟﻴﻬﻢ اﻟﻜﻔﺮ واﻟﻔﺴﻮق واﻟﺨﺮوج ﻋﻦ اﻟﻄﺎﻋﺔ ورآﻮب ﻣﺎ ﻧﻬﻰ اﷲ ﻋﻨﻪ ،وﻗﺪ ﺟﺮت ﻋ ﺎدة اﻟﻘ ﺮﺁن
اﻟﻜﺮﻳﻢ أن ﻳﺨﺎﻃﺐ اﻟﺠﻤﻴﻊ وﻟﻮ آﺎن اﻟﺬي ﻓﻌ ﻞ اﻟﻔﻌ ﻞ اﻟ ﺒﻌﺾ ،ﺗﻨﺒﻴﻬ ًﺎ ﻋﻠ ﻰ ان اﻟﻤ ﺴﻠﻤﻴﻦ ﻳﻌ ﺪون وﺣ ﺪة ﻣﺘ ﺼﻠﺔ وإن آﺜ ﺮت اﻷﻋ ﺪاد وأن ﻣ ﺎ
ﻳﻔﻌﻠﻪ اﻟﺒﻌﺾ ﻣﻨﻬﻢ ﻳُﻌ ّﺪ ﺻﺎدر ﻋﻦ اﻟﺠﻤﻴﻊ راﺟﻊ ﺗﻔﺴﻴﺮ ﺳﻮرة اﻟﺤﺠ ﺮات ﻟﻠ ﺸﻴﺦ ﻣﺤﻤ ﺪ ﻣ ﺼﻄﻔﻰ اﻟﻤﺮاﻏ ﻲ رﺣﻤ ﻪ اﷲ ﻗ ﺎل اﻹﻣ ﺎم اﺑ ﻦ آﺜﻴ ﺮ
رﺣﻤﻪ اﷲ ﻓﻲ ﺗﻔﺴﻴﺮﻩ:
ﻗﻮﻟﻪ ﺗﻌﺎﻟﻰ " :واﻋﻠﻤﻮا أن ﻓﻴﻜﻢ رﺳﻮل اﷲ " أي اﻋﻠﻤﻮا أن ﺑﻴﻦ أﻇﻬﺮآﻢ رﺳﻮل اﷲ ﻓﻌﻈﻤﻮﻩ ووﻗﺮوﻩ ،وﺗ ﺄدﺑﻮا ﻣﻌ ﻪ ،واﻧﻘ ﺎدوا
ﻷﻣﺮﻩ ﻓﺈﻧﻪ أﻋﻠﻢ ﺑﻤﺼﺎﻟﺤﻜﻢ وأﺷﻔﻖ ﻋﻠﻴﻜﻢ ﻣﻨﻜﻢ ورأﻳﻪ ﻓﻴﻜﻢ أﺗﻢ ﻣﻦ رأﻳﻜﻢ أﻧﻔﺴﻜﻢ آﻤﺎ ﻗﺎل اﷲ ﺗﺒﺎرك وﺗﻌﺎﻟﻰ " :اﻟﻨﺒﻲ أوﻟ ﻰ ﺑ ﺎﻟﻤﺆﻣﻨﻴﻦ ﻣ ﻦ
أﻧﻔﺴﻬﻢ " ﺛﻢ ﺑﻴّﻦ أن رأﻳﻬﻢ ﺳﺨﻴﻒ ﺑﺎﻟﻨﺴﺒﺔ إﻟﻰ ﻣﺮاﻋﺎة ﻣﺼﺎﻟﺤﻬﻢ ﻓﻘﺎل " :ﻟﻮ ﻳﻄﻴﻌﻜﻢ ﻓﻲ آﺜﻴﺮ ﻣﻦ اﻷﻣﺮ ﻟﻌﻨﺘﻢ " أي ﻟﻮ أﻃﺎﻋﻜﻢ ﻓﻲ ﺟﻤﻴﻊ
ﻣﺎ ﺗﺨﺘﺎروﻧﻪ ﻷدى ذﻟﻚ إﻟﻰ ﻋﻨﺘﻜﻢ وﺣﺮﺟﻜﻢ آﻤﺎ ﻗﺎل ﺳﺒﺤﺎﻧﻪ وﺗﻌﺎﻟﻰ " :وﻟﻮ اﺗﺒﻊ اﻟﺤﻖ أهﻮاءهﻢ ﻟﻔﺴﺪت اﻟﺴﻤﻮات واﻷرض وﻣﻦ ﻓﻴﻬﻦ ﺑﻞ
ﺁﺗﻴﻨﺎهﻢ ﺑﺬآﺮهﻢ ﻓﻬﻢ ﻋﻦ ذآﺮهﻢ ﻣﻌﺮﺿﻮن " .
وﻗﻮﻟﻪ ﺗﻌﺎﻟﻰ " :وﻟﻜﻦ اﷲ ﺣﺒﺐ إﻟﻴﻜﻢ اﻹﻳﻤﺎن وزﻳﻨﻪ ﻓﻲ ﻗﻠﻮﺑﻜﻢ " :أي ﺣﺒﺒﻪ إﻟﻰ ﻧﻔﻮﺳﻜﻢ ،وﺣﺴﻨﻪ ﻓ ﻲ ﻗﻠ ﻮﺑﻜﻢ ،وه ﺬﻩ ﻣ ﻦ ﻧﻌﻤ ﺔ
اﷲ ﻋﻠﻰ اﻟﻤﺆﻣﻨﻴﻦ إذ ﻳﺰﻳﻦ ﻟﻬﻢ اﻹﻳﻤﺎن وﻳﺮآﺰﻩ ﻓﻲ ﻗﻠﻮﺑﻬﻢ وﻳﺜﺒﺘﻬﻢ ﻋﻠﻴﻪ ،ﻓﺈن اﻹﻧﺴﺎن ﻗﺪ ﻳﺮى ﺣﺴﻨ ًﺎ ﻣ ﺎ ﻟ ﻴﺲ ﺑﺎﻟﺤ ﺴﻦ واﻟﻌﻜ ﺲ ﺑ ﺎﻟﻌﻜﺲ
آﺬﻟﻚ ،ﻟﺬا ﻓﺈن اﷲ زﻳﻦ هﺬا اﻹﻳﻤﺎن ﻓﻲ ﻗﻠﻮﺑﻬﻢ وﺛﺒﺘﻬﻢ ﻋﻠﻴﻪ وﺟﻌﻠﻬﻢ ﻳﺮوﻧﻪ ﺣﺴﻨ ًﺎ وأﻧﻪ ﻻ ﻳﺤﻴﺎة ﻟﻬﻢ ﺑﺪوﻧ ﻪ .ﻗ ﺎل اﻹﻣ ﺎم أﺣﻤ ﺪ رﺣﻤ ﻪ اﷲ :
ورد ﻋﻦ ﻗﺘﺎدة ﻋﻦ أﻧﺲ رﺿﻲ اﷲ ﻋﻨﻪ ﻗﺎل :آﺎن رﺳ ﻮل اﷲ ﺻ ﻠﻰ اﷲ ﻋﻠﻴ ﻪ وﺳ ﻠﻢ ﻳﻘ ﻮل :اﻹﺳ ﻼم ﻋﻼﻧﻴ ﺔ واﻹﻳﻤ ﺎن ﻓ ﻲ اﻟﻘﻠ ﺐ ،ﻗ ﺎل ﺛ ﻢ
ﻳﺸﻴﺮ ﺑﻴﺪﻩ إﻟﻰ ﺻﺪرﻩ ﺛﻼث ﻣﺮات ﺛﻢ ﻳﻘﻮل :اﻟﺘﻘﻮى هﻬﻨﺎ ،اﻟﺘﻘﻮى هﻬﻨﺎ .
" وآﺮّﻩ إﻟﻴﻜﻢ اﻟﻜﻔﺮ واﻟﻔﺴﻮق واﻟﻌﺼﻴﺎن " .
أي ﺑﻐﱠﺾ إﻟﻴﻜﻢ اﻟﻜﻔﺮ واﻟﻔﺴﻮق وهﻲ اﻟﺬﻧﻮب اﻟﻜﺒﺎر ،واﻟﻌﺼﻴﺎن ﻳﺸﻤﻞ ﺟﻤﻴﻊ اﻟﻤﻌﺎﺻﻲ وهﺬا ﺗﺪرﻳﺞ ﻟﻜﻤﺎل اﻟﻨﻌﻤﺔ .
وﻣﻦ اﻟﻤﻔﺴﺮﻳﻦ ﻣﻦ ﺣﻤﻞ اﻟﻔﺴﻮق ﻋﻠﻰ اﻟﻜﺒﺎﺋﺮ ،واﻟﻌ ﺼﻴﺎن ﻋﻠ ﻰ اﻟ ﺼﻐﺎﺋﺮ ،وﻗ ﺪ ﻧﻘ ﻞ ﻋ ﻦ أﺑ ﻲ زﻳ ﺪ :اﻟﻔﺎﺳ ﻖ ﻓ ﻲ آﺘ ﺎب اﷲ آﻠ ﻪ :
اﻟﻜﺎذب .وﻟﺬﻟﻚ ﺣﻤﻞ اﻟﻔﺴﻮق ﻋﻠﻰ اﻟﻜﺬب واﻟﻌﺼﻴﺎن ﻋﻠﻰ اﻹﺧﻼل ﺑﺎﻷرآﺎن .
ﺛ ﻢ وﺻ ﻒ اﷲ ﺳ ﺒﺤﺎﻧﻪ ﻣ ﻦ ﺣﺒ ﺐ إﻟ ﻴﻬﻢ اﻹﻳﻤ ﺎن وآ ﺮﻩ إﻟ ﻴﻬﻢ اﻟﻜﻔ ﺮ ﻋﻠ ﻰ ﻃﺮﻳ ﻖ اﻻﻟﺘﻔ ﺎت ﺑ ﺄﻧﻬﻢ اﻟﺮاﺷ ﺪون اﻟ ﺴﺎﻟﻜﻮن ﻃﺮﻳ ﻖ اﻟﺤ ﻖ
ﻼ ﻣﻨﻪ وﻧﻌﻤﺔ ﻋﻠﻴﻬﻢ .وﻗﺪ ﻗﻴﻞ :ان اﻟﻔﻌ ﻞ إذا ﻧﻈ ﺮ إﻟ ﻰ ﺻ ﺪورﻩ ﻣ ﻦ ﺟﺎﻧ ﺐ اﻟﺤ ﻖ
واﻟﺨﻴﺮ واﻟﻜﻤﺎل ،اﻟﻤﻬﺘﺪون إﻟﻴﻪ ،وﺑﻴﻦ أﻧﻪ ﻓﻌﻞ ذﻟﻚ ﻓﻀ ً
ﻼ ،وإذا ﻧﻈﺮ إﻟﻰ وﺻﻮﻟﻪ إﻟﻰ اﻟﻌﺒﺪ ﺳﻤﻲ ﻧﻌﻤﺔ .
ﺳﻤﻲ ﻓﻀ ً
واﷲ ﺗﺒﺎرك وﺗﻌﺎﻟﻰ ﻋﻠﻴﻢ ﺑﺄﺣﻮال اﻟﺨﻠﻖ وﺑﺎﻟﻤﺤﺴﻦ ﻣﻨﻬﻢ واﻟﻤﺴﻲء وﻣﻦ هﻮ أهﻞ ﻟﻔﻀﻠﻪ وﻣ ﻦ ﻟ ﻴﺲ أه ً
ﻼ ﻟﻠﻔ ﻀﻞ ،وه ﻮ ﺣﻜ ﻴﻢ ﻋ ﺰ
وﺟﻞ ﻳﻀﻊ اﻷﺷﻴﺎء ﻓﻲ ﻣﻮاﺿﻌﻬﺎ .
25
www.daawa-info.net
" أوﻟﺌﻚ هﻢ اﻟﺮاﺷﺪون " اﻟﻤﺘﺼﻔﻮن ﺑﻬﺬﻩ اﻟﺼﻔﺔ اﻟﺬﻳﻦ أﺗﺎهﻢ اﷲ رﺷﺪهﻢ ،وهﻢ أهﻞ ﻟﻬﺬا اﻟﺮﺷﺪ ﻓﺎﷲ ﻋﻠﻴﻢ ﺑ ﺄﺣﻮال ﻋﺒ ﺎدﻩ أي ﺑﻤ ﻦ
ﻳﺴﺘﺤﻖ اﻟﻬﺪاﻳﺔ ،ﻣﻤﻦ ﻳﺴﺘﺤﻖ اﻟﻐﻮاﻳﺔ ،ﺣﻜﻴﻢ ﻓﻲ أﻗﻮاﻟﻪ وأﻓﻌﺎﻟﻪ وﺷﺮﻋﻪ وﻗﺪرﻩ ﺟﻞ وﻋﻼ ﻋﻠﻮًا آﺒﻴﺮًا .ﻗﺎل اﻹﻣﺎم أﺣﻤﺪ رﺣﻤﻪ اﷲ :ﺣﺪّﺛﻨﺎ
ﻣﺮوان ﺑﻦ ﻣﻌﺎوﻳﺔ اﻟﻐ ﺰاري ﺣ ﺪﺛﻨﺎ ﻋﺒ ﺪ اﻟﻮاﺣ ﺪ ﺑ ﻦ أﻳﻤ ـﻦ اﻟﻤﻜ ﻲ ﻋ ﻦ أﺑ ﻲ رﻓﺎﻋ ﺔ اﻟﺰرﻗ ﻲ ﻋ ﻦ أﺑﻴ ﻪ ﻗ ﺎل :ﻟﻤ ﺎ آ ﺎن ﻳ ﻮم – أﺣ ﺪ – واﻧﻜﻔ ﺄ
اﻟﻤﺸﺮآﻮن ﻗﺎل رﺳﻮل اﷲ ﺻﻠﻰ اﷲ ﻋﻠﻴﻪ وﺳﻠﻢ :اﺳﺘﻮوا ﺣﺘﻰ أﺛﻨﻲ ﻋﻠﻰ رﺑﻲ ﻋﺰ وﺟﻞ ﻓﺼﺎروا ﺧﻠﻔﻪ ﺻﻔﻮﻓ ًﺎ ﻓﻘﺎل ﺻﻠﻰ اﷲ ﻋﻠﻴﻪ وﺳﻠﻢ :
اﻟﻠﻬﻢ ﻟﻚ اﻟﺤﻤﺪ آﻠﻪ ،اﻟﻠﻬﻢ ﻻ ﻗﺎﺑﺾ ﻟﻤﺎ ﺑﺴﻄﺖ وﻻ ﺑﺎﺳﻂ ﻟﻤﺎ ﻗﺒﻀﺖ ،وﻻ هﺎدي ﻟﻤﻦ أﺿﻠﻠﺖ وﻻ ﻣﻀﻞ ﻟﻤﻦ هﺪﻳﺖ ،وﻻ ﻣﻌﻄﻲ ﻟﻤ ﺎ
ﻣﻨﻌﺖ ،وﻻ ﻣﺎﻧﻊ ﻟﻤﺎ أﻋﻄﻴﺖ ،وﻻ ﻣﻘﺮب ﻟﻤﺎ ﺑﺎﻋﺪت ،وﻻ ﻣﺒﺎﻋﺪ ﻟﻤﺎ ﻗﺮﺑﺖ .
اﻟﻠﻬﻢ أﺑﺴﻂ ﻋﻠﻴﻨﺎ ﻣﻦ ﺑﺮآﺎﺗﻚ ورﺣﻤﺘﻚ وﻓﻀﻠﻚ ورزﻗﻚ .
اﻟﻠﻬﻢ إﻧﻲ أﺳﺄﻟﻚ اﻟﻨﻌﻴﻢ اﻟﻤﻘﻴﻢ اﻟﺬي ﻻ ﻳﺤﻮل وﻻ ﻳﺰول اﻟﻠﻬﻢ إﻧﻲ أﺳﺄﻟﻚ اﻟﻨﻌﻴﻢ ﻳﻮم اﻟﻌﻴﻠﺔ ،واﻷﻣﻦ ﻳﻮم اﻟﺨﻮف .
اﻟﻠﻬﻢ إﻧﻲ ﻋﺎﺋﺬ ﺑﻚ ﻣﻦ ﺷﺮ ﻣﺎ أﻋﻄﻴﺘﻨﺎ وﻣﻦ ﺷﺮ ﻣﺎ ﻣﻨﻌﺘﻨﺎ .
اﻟﻠﻬﻢ ﺣﺒﺐ ﻏﻠﻴﻨﺎ اﻹﻳﻤﺎن وزﻳﻨﻪ ﻓﻲ ﻗﻠﻮﺑﻨﺎ ،وآﺮﻩ إﻟﻴﻨﺎ اﻟﻜﻔﺮ واﻟﻔﺴﻮق واﻟﻌﺼﻴﺎن واﺟﻌﻠﻨﺎ ﻣﻦ اﻟﺮاﺷﺪﻳﻦ .
اﻟﻠﻬﻢ ﺗﻮﻓﻨﺎ ﻣﺴﻠﻤﻴﻦ وأﺣﻴﻨﺎ ﻣﺴﻠﻤﻴﻦ ،وأﻟﺤﻘﻨﺎ ﺑﺎﻟﺼﺎﻟﺤﻴﻦ ﻏﻴﺮ ﺧﺰاﻳﺎ وﻻ ﻣﻔﺘﻮﻧﻴﻦ .
اﻟﻠﻬﻢ ﻗﺎﺗﻞ اﻟﻜﻔﺮة اﻟﺬﻳﻦ ﻳﻜﺬﺑﻮن رﺳﻠﻚ وﻳﺼﺪون ﻋﻦ ﺳﺒﻴﻠﻚ واﺟﻌﻞ ﻋﻠﻴﻬﻢ رﺟﺰك وﻋﺬاﺑﻚ ،اﻟﻠﻬ ﻢ ﻗﺎﺗ ﻞ اﻟﻜﻔ ﺮة اﻟ ﺬﻳﻦ أوﺗ ﻮا اﻟﻜﺘ ﺎب
إﻟﻪ اﻟﺤﻖ .
وهﻜﺬا ﻳﻌﻠﻤﻨﺎ اﻟﺮﺳﻮل اﻷﻋﻈﻢ ﺻﻠﻰ اﷲ ﻋﻠﻴﻪ وﺳﻠﻢ اﻟﻠﺠﻮء إﻟﻰ اﷲ وأن ﻧﻠ ﻮذ ﺑﺠﻨﺎﺑ ﻪ ﻓ ﻲ آ ﻞ ﺣﺎﻻﺗﻨ ﺎ وأن ﻧﻄ ﺮق ﺑ ﺎب رﺣﻤﺘ ﻪ اﻟﺘ ﻲ
وﺳﻌﺖ آﻞ ﺷﻲء .
واﻹﺳﻼم اﻟﻌﻈﻴﻢ اﻟﺬي ﺟﺎء ﻹﺻﻼح ﻧﻔﻮس اﻟﺒﺸﺮ وﺗﺰآﻴﺘﻬﺎ ﺑﺘﺮﺑﻴﺘﻬﺎ واﻟﻌﻠﻮ ﺑﻬﺎ إﻟﻰ ﻣﻨﺘﻬﻰ اﻟﻜﻤﺎل اﻹﻧﺴﺎﻧﻲ ،أوﺿﺢ ﻟﻺﻧﺴﺎﻧﻴﺔ آﻠﻬﺎ
اﻟﻐﺎﻳﺔ اﻟﻘﺼﻮى ﻣﻦ ﺗﺸﺮﻳﻌﺎﺗﻪ ،واﻗﺘﺮاﺑﻬﺎ ﻧﺤﻮ اﻟﻤﺜﻞ اﻷﻋﻠ ﻰ ،وآ ﺎن ه ﺬا اﻟﻤﺜ ﻞ ه ﻮ اﷲ ﺟ ﻞ وﻋ ﻼ رب اﻟ ﺴﻤﺎوات واﻷرض ورب اﻟﻌ ﺎﻟﻤﻴﻦ
ورب آﻞ ﺷﻲء وﻣﻠﻴﻜﻪ ﻧﻠﻮذ ﺑﻪ ،وﻧﻌﺘﻤﺪ ﻋﻠﻴﻪ ،وﻧﺘﻮآﻞ ﻋﻠﻴﻪ ،وﻧﺴﺘﻤﺪ آﻞ ﻣﻌﺎﻧﻲ اﻟﺨﻴﺮ ،واﻟﻘﻮة واﻟﺒﻄﻮﻟﺔ ﻣﻨﻪ ﺳﺒﺤﺎﻧﻪ .
ﻗﺎل ﺗﻌﺎﻟﻰ " :ﻓﻔﺮوا إﻟﻰ اﷲ إﻧﻲ ﻟﻜﻢ ﻣﻨﻪ ﻧﺬﻳﺮ ﻣﺒﻴﻦ " .
ﻟﺬا ﻓﻘﺪ آﺎن اﻟﻤﺴﻠﻢ ذاآﺮًا اﷲ ،ﺷﺎآﺮًا ﻓﻀﻠﻪ وإﺣﺴﺎﻧﻪ ﺣﺎﻣﺪًا ﻟﻪ ﻋ ﺰ وﺟ ﻞ ﻓ ﻲ آ ﻞ ﺣﺎﻻﺗ ﻪ ،وﺟﻤﻴ ﻊ ﺗ ﺼﺮﻓﺎﺗﻪ ،وﻗ ﺪ أﺛ ﺮ ﻋ ﻦ اﻟﻨﺒ ﻲ
ﺻﻠﻰ اﷲ ﻋﻠﻴﻪ وﺳﻠﻢ ﻣﺜﻞ هﺬا اﻟﺪﻋﺎء اﻟﺬي ﻧﻘﻠﻨﺎﻩ ﻋﻨﻪ ﺑﻌﺪ ﻏﺰوة أﺣﺪ .آﻤﺎ أﺛﺮ ﻋﻨﻪ ﺻﻠﻰ اﷲ ﻋﻠﻴﻪ وﺳﻠﻢ اﻟﻜﺜﻴﺮ اﻟﺮاﺋ ﻊ ﻣ ﻦ اﻟ ﺼﻴﻎ اﻟﺒﻠﻴﻐ ﺔ
ﻣﻦ اﻟﺪﻋﺎء واﻟﺬآﺮ واﻟﺸﻜﺮ واﻟﺘﺴﺒﻴﺢ واﻟﺘﺤﻤﻴﺪ ﻓﻲ آﻞ اﻷﺣﻮال ﺻﻐﻴﺮهﺎ وآﺒﻴﺮهﺎ وﻋﻈﻴﻤﻬﺎ وﺣﻘﻴﺮه ﺎ وﻗ ﺪ آ ﺎن اﻟﻨﺒ ﻲ ﺻ ﻠﻮات اﷲ وﺳ ﻼﻣﻪ
ﻋﻠﻴﻪ وﻳﺬآﺮ اﷲ ﻋﻠﻰ آﻞ أﺣﻮاﻟﻪ .
وﻗﺪ ورد ﻋﻦ ﻋﺎﺋﺸﺔ رﺿﻲ اﷲ ﻋﻨﻬﺎ ﻗﺎﻟﺖ :آﺎن رﺳﻮل اﷲ ﺻﻠﻰ اﷲ ﻋﻠﻴﻪ وﺳﻠﻢ ﻳﺬآﺮ اﷲ ﻋﻠﻰ آﻞ أﺣﻴﺎﻧﻪ .
آﻤﺎ ورد اﻷﻣﺮ ﺑﻪ واﻹآﺜﺎر ﻣﻨﻪ وﺑﻴﺎن ﻓﻀﻠﻪ ﻓﻲ آﺜﻴﺮ ﻣﻦ ﺁﻳﺎت اﻟﻘﺮﺁن اﻟﻌﻈﻴﻢ وﻗﺪ أﻣﺮ اﷲ ﻋﺰ وﺟﻞ ﺑﻪ اﻟﻤ ﺆﻣﻨﻴﻦ " :ﻳ ﺎ أﻳﻬ ﺎ اﻟ ﺬﻳﻦ
ﺁﻣﻨﻮا اذآﺮوا اﷲ ذآﺮًا آﺜﻴﺮًا وﺳﺒﺤﻮﻩ ﺑﻜﺮة وأﺻﻴﻼ " .
وﻗﺎل ﺗﻌﺎﻟﻰ ﻓﻲ ﺳﻮرة اﻷﺣﺰاب " .إن اﻟﻤﺴﻠﻤﻴﻦ واﻟﻤﺴﻠﻤﺎت واﻟﻤﺆﻣﻨﻴﻦ واﻟﻤﺆﻣﻨﺎت واﻟﻘ ﺎﻧﺘﻴﻦ واﻟﻘﺎﻧﺘ ﺎت ،واﻟ ﺼﺎدﻗﻴﻦ واﻟ ﺼﺎدﻗﺎت
،واﻟﺼﺎﺑﺮﻳﻦ واﻟﺼﺎﺑﺮات واﻟﺨﺎﺷﻌﻴﻦ واﻟﺨﺎﺷﻌﺎت ،واﻟﻤﺘﺼﺪﻗﻴﻦ واﻟﻤﺘﺼﺪﻗﺎت واﻟﺼﺎﺋﻤﻴﻦ واﻟ ﺼﺎﺋﻤﺎت ،واﻟﺤ ﺎﻓﻈﻴﻦ ﻓ ﺮوﺟﻬﻢ واﻟﺤﺎﻓﻈ ﺎت
واﻟﺬاآﺮﻳﻦ اﷲ آﺜﻴﺮًا واﻟﺬاآﺮات ،أﻋﺪ اﷲ ﻟﻬﻢ ﻣﻐﻔﺮة وأﺟﺮًا ﻋﻈﻴﻤ ًﺎ " .
وﻓﻲ ﺣﺪﻳﺚ ﻗﺪﺳﻲ ﻳﺮوﻳﻪ اﻟﻨﺒﻲ اﻟﻜﺮﻳﻢ ﺻﻠﻰ اﷲ ﻋﻠﻴﻪ وﺳﻠﻢ ﻋﻦ رﺑﻪ ﻗﺎل :ﻗ ﺎل اﷲ ﺗﺒ ﺎرك وﺗﻌ ﺎﻟﻰ :أﻧ ﺎ ﻋﻨ ﺪ ﻇ ﻦ ﻋﺒ ﺪي ﺑ ﻲ ،وأﻧ ﺎ
ﻣﻌﻪ إذا ذآﺮﻧﻲ ،ﻓﺈن ذآﺮﻧﻲ ﻓﻲ ﻧﻔﺴﻪ ذآﺮﺗﻪ ﻓﻲ ﻧﻔﺴﻲ وإن ذآﺮﻧﻲ ﻓﻲ ﻣﻸ ذآﺮﺗﻪ ﻓﻲ ﻣﻸ ﺧﻴﺮ ﻣﻨﻪ .ﻣﺘﻔﻖ ﻋﻠﻴﻪ .
ﻼ ﻗﺎل :
وورد ﻋﻦ ﻋﺒﺪاﷲ ﺑﻦ ﺑﺸﺮ رﺿﻲ اﷲ ﻋﻨﻪ أن رﺟ ً
ﻳﺎ رﺳﻮل اﷲ إن ﺷﺮاﺋﻊ اﻹﺳﻼم ﻗﺪ آﺜﺮت ﻋﻠﻲ ﻓﺄﺧﺒﺮﻧﻲ ﺑﺸﻲء أﺗﺸﺒﺚ ﺑﻪ ،ﻗﺎل :ﻻ ﻳﺰال ﻟﺴﺎﻧﻚ رﻃﺒ ًﺎ ﻣﻦ ذآﺮ اﷲ .رواﻩ اﻟﺘﺮﻣﺬي
.
26
www.daawa-info.net
وﻓﻲ اﻟﺤﺪﻳﺚ اﻟﺬي ﻳﺮوﻳﻪ اﻹﻣﺎم ﻣﺴﻠﻢ رﺣﻤ ﻪ اﷲ ﻳﻘ ﻮل اﻟﻨﺒ ﻲ اﻟﻜ ﺮﻳﻢ ﺻ ﻠﻰ اﷲ ﻋﻠﻴ ﻪ وﺳ ﻠﻢ :ﻻ ﻳﻘﻌ ﺪ ﻗ ﻮم ﻳ ﺬآﺮون اﷲ ﻋﺰوﺟ ﻞ إﻻ
ﺣﻔﺘﻬﻢ اﻟﻤﻼﺋﻜﺔ ،وﻏﺸﻴﺘﻬﻢ اﻟﺮﺣﻤﺔ وﻧﺰﻟﺖ ﻋﻠﻴﻬﻢ اﻟﺴﻜﻴﻨﺔ ،وذآﺮهﻢ اﷲ ﻓﻴﻤﻦ ﻋﻨﺪﻩ .
واﻟﺠﻤﺎﻋﺔ اﻟﺘﻲ ﺗﺠﻠﺲ ﻟﺬآﺮ اﷲ ﻳﺒﺎهﻲ اﷲ ﺑﻬﻢ اﻟﻤﻼﺋﻜﺔ وﺗﻠﻚ ﻣﻨﺰﻟﺔ ﻋﻈﻴﻤﺔ ﺗﺘﻄﻠﻊ إﻟﻴﻬﺎ ﻧﻔ ﻮس اﻟﻤ ﺆﻣﻨﻴﻦ اﻟ ﺼﺎدﻗﻴﻦ اﻟ ﺸﺎآﺮﻳﻦ اﷲ
واﻟﺬاآﺮﻳﻦ اﻟﺨﺎﺷﻌﻴﻦ اﻟﺨﺎﺿﻌﻴﻦ .
ﻓﻔﻲ ﺣﺪﻳﺚ أﺑﻲ ﺳﻌﻴﺪ اﻟﺨﺪري رﺿﻲ اﷲ ﻋﻨﻪ ﻗﺎل :ﺧﺮج ﻣﻌﺎوﻳﺔ ﻋﻠﻰ ﺣﻠﻘﺔ ﻓﻲ اﻟﻤﺴﺠﺪ ﻓﻘﺎل :ﻣ ﺎ أﺟﻠ ﺴﻜﻢ إﻻ ذاك ؟ ﻗ ﺎﻟﻮا واﷲ ﻣ ﺎ
أﺟﻠﺴﻨﺎ إﻻ ذاك ،ﻗﺎل :أﻣﺎ أﻧﻲ ﻟﻢ أﺳﺘﺤﻠﻔﻜﻢ ﺗﻬﻤﺔ ﻟﻜﻢ ،وﻣﺎ آﺎن أﺣﺪ ﺑﻤﻨﺰﻟﺘﻲ ﻣﻦ رﺳ ﻮل اﷲ ﺻ ﻠﻰ اﷲ ﻋﻠﻴ ﻪ وﺳ ﻠﻢ أﻗ ﻞ ﻋﻨ ﻪ ﺣ ﺪﻳﺜ ًﺎ ﻣﻨ ﻲ .
وأن رﺳﻮل اﷲ ﺻﻠﻰ اﷲ ﻋﻠﻴﻪ وﺳﻠﻢ ﺧ ﺮج ﻋﻠ ﻰ ﺣﻠﻘ ﺔ ﻣ ﻦ أﺻ ﺤﺎﺑﻪ ﻓﻘ ﺎل :ﻣ ﺎ أﺟﻠ ﺴﻜﻢ ؟ ﻗ ﺎﻟﻮا :ﺟﻠ ﺴﻨﺎ ﻧ ﺬآﺮ اﷲ وﻧﺤﻤ ﺪﻩ ﻋﻠ ﻰ ﻣ ﺎ ه ﺪاﻧﺎ
ﻟﻺﺳﻼم وﻣﻦ ﺑﻪ ﻋﻠﻴﻨﺎ ﻗﺎل :أﻣﺎ أﻧﻲ ﻟﻢ أﺳﺘﺤﻠﻔﻜﻢ ﺗﻬﻤﺔ ﻟﻜﻢ وﻟﻜﻨﻪ أﺗﺎﻧﻲ ﺟﺒﺮﻳﻞ ﻓﺄﺧﺒﺮﻧﻲ أن اﷲ ﻋﺰ وﺟﻞ ﻳﺒﺎهﻲ ﺑﻜﻢ اﻟﻤﻼﺋﻜﺔ .
رواﻩ ﻣﺴﻠﻢ واﻟﺘﺮﻣﺬي واﻟﻨﺴﺎﺋﻲ .
وهﻜ ﺬا ﻳﻔﻌ ﻞ اﻟ ﺪﻋﺎء وه ﻮ ﻣ ﺦ اﻟﻌﺒ ﺎدة ﻓﻨ ﺴﺄل اﷲ أن ﻳﺤﺒ ﺐ إﻟﻴﻨ ﺎ اﻹﻳﻤ ﺎن وﻳﺰﻳﻨ ﻪ ﻓ ﻲ ﻗﻠﻮﺑﻨ ﺎ ،وأن ﻳﻜ ﺮﻩ إﻟﻴﻨ ﺎ اﻟﻜﻔ ﺮ واﻟﻔ ﺴﻮق
واﻟﻌﺼﻴﺎن ،واﻟﺤﻤﺪ ﷲ رب اﻟﻌﺎﻟﻤﻴﻦ .
اﻵﻳﺔ اﻟﺜﺎﻣﻨﺔ :
ﺣﺘّﻰ ﺗَﻔﻲ َء إﻟﻰ َأ ْﻣ ِﺮ اﷲ ،
ﺖ إﺣْﺪاهُﻤﺎ ﻋَﻠﻰ اﻷﺧْﺮى ﻓَﻘﺎﺗِﻠﻮا اﻟﺘﻲ َﺗ ْﺒﻐِﻲ َ
ن َﺑ َﻐ ْ
ﻦ ا ْﻗ َﺘﺘَﻠﻮا ﻓﺄﺻ ِﻠﺤُﻮا َﺑ ْﻴ َﻨﻬُﻤﺎ ،ﻓﺈ ْ
ﻦ اﻟﻤﺆ ِﻣﻨِﻴ َ
ن ِﻣ َ ) وإ ْ
ن ﻃَﺎ ِﺋﻔَﺘﺎ ِ
ﻦ( .
ﺤﺐﱡ اﻟ ُﻤ ْﻘﺴِﻄﻴ َ
ﷲ ُﻳ ِ
نا َ
ﺴﻄُﻮا إ ﱠ
ت ﻓﺄﺻﻠﺤﻮا َﺑ ْﻴﻨَﻬﻤﺎ ﺑﺎﻟ َﻌ ْﺪ ِل ،وأ ْﻗ ِ
ن ﻓﺎء ْ
ﻓﺈ ْ
ﺾ ﻧﻌﻢ اﷲ ﻋﻠﻰ اﻟﻤﺴﻠﻤﻴﻦ ﻻ ﻳﻨﻀﺐ ،وﻓﻀﻠﻪ ﻋﻠﻴﻪ ﻻ ﻳﻨﻘﻄﻊ ،وإﺣﺴﺎﻧﻪ ﺟﻞ وﻋﻼ ﻣﻮﺻﻮل ﺑﻬﻢ ﻣﺬ ﺧﻠﻘﻬﻢ اﷲ وﺟﻌﻠﻬ ﻢ ﻣ ﺴﻠﻤﻴﻦ
ﻓﻴ ُ
،ﻟﻪ أﻣﺮهﻢ ،ﻣﺆﻣﻨﻴﻦ ﺑﻪ وﺑﻜﺘﺎﺑﻪ وﻣﻼﺋﻜﺘﻪ وﺑﺎﻟﻘﺪر ﺧﻴﺮﻩ وﺷﺮﻩ وﺑﺎﻟﻴﻮم اﻵﺧﺮ.
ﻼ وﻋﻠﻤ ًﺎ .
ﻓﻘﺪ أآﺮﻣﻬﻢ ﺑﺎﻹﺳﻼم دﻳﻨ ًﺎ وﻧﻈﺎﻣ ًﺎ ،وأﺧﻼﻗ ًﺎ وﺣﻜﻤ ًﺎ وﺳﻴﺎﺳﺔ وﻋﻘ ً
وأآﺮﻣﻬﻢ ﺑﻤﺤﻤﺪ ﺻﻠﻰ اﷲ ﻋﻠﻴﻪ وﺳﻠﻢ ﻧﺒﻴ ًﺎ وهﺎدﻳ ًﺎ ،وﻣﺒﺸﺮًا وﻧﺬﻳﺮًا وداﻋﻴ ًﺎ إﻟﻰ اﷲ ﺑﺈذﻧﻪ وﺳﺮاﺟ ًﺎ ﻣﻨﻴﺮًا .
وأآﺮﻣﻬﻢ ﺑﺎﻟﻘﺮﺁن اﻟﻌﻈﻴﻢ دﺳﺘﻮرًا ﺧﺎﻟﺪًا وﻧﻈﺎﻣ ًﺎ ﻣﺤﻜﻤ ًﺎ وﺑﺮهﺎﻧ ًﺎ ﻧﻴﺮًا وﺿﻴﺎء ﺳﺎﻃﻌ ًﺎ ﻳﻬﺪﻳﻬﻢ إﻟﻰ ﺳﻮاء اﻟﺴﺒﻴﻞ .
وأآﺮﻣﻬﻢ ﺑﻬﺬﻩ اﻵﻳﺔ اﻟﻜﺮﻳﻤﺔ " :وإن ﻃﺎﺋﻔﺘﺎن ﻣﻦ اﻟﻤﺆﻣﻨﻴﻦ اﻗﺘﺘﻠﻮا ﻓﺄﺻﻠﺤﻮا ﺑﻴﻨﻬﻤﺎ . " ...
ﻓﺠﻌﻠﻬﻢ ﺣﺮاﺳ ًﺎ ﻋﻠﻰ اﻟﻌﺪل ،ﻗﻮاﻣﻴﻦ ﺑﺎﻟﻘﺴﻂ ،ﺷﻬﺪاء ﻋﻠﻰ اﻟﺤ ﻖ ،دﻋ ﺎة ﺧﻴ ﺮ وإﺻ ﻼح وﺑﻨ ﺎء ،ﻻ دﻋ ﺎة ﺧﻴ ﺮ وإﺻ ﻼح وﺑﻨ ﺎء ،ﻻ
دﻋﺎة ﺷﺮ وإﻓﺴﺎد ،ﺻﺎﻟﺤﻴﻦ ﻣﺼﻠﺤﻴﻦ ،ﺁﻣﺮﻳﻦ ﺑﺎﻟﻤﻌﺮوف ،ﻧﺎهﻴﻦ ﻋﻦ اﻟﻤﻨﻜﺮ .
وﻣﻦ ﺣـﻖ ﻣﻦ ﻳﻀﻌﻪ اﷲ ﺗﻌﺎﻟﻰ ﻓﻲ هﺬا اﻟﻤﻮﺿﻊ اﻟﺮﻓﻴﻊ وﻳﻤﻨﺤﻪ هﺬﻩ اﻟﺪرﺟﺎت ﻣﻦ اﻟﺸﺮف وﻋﻠﻮ اﻟﻤﻘﺎم ،أن ﻳﻌﺪ ﻧﻔﺴﻪ ﻟﻬ ﺬا اﻟﻤﻘ ﺎم
،وأن ﻳﻘﺪم آﻞ ﻣﺎ ﻳﻤﻠﻚ ﺗﻠﺒﻴﺔ ﻟﻬﺬا اﻟﻮاﺟﺐ اﻟﻤﻘﺪس .
ﻓﺈذا اﻗﺘﺘﻠﺖ ﻃﺎﺋﻔﺘﺎن ﻣﻦ اﻟﻤﺆﻣﻨﻴﻦ ﻟﺸﺒﻬﺔ دﺧﻠﺖ ﻋﻠﻴﻬﻤﺎ ،وآﻠﺘﺎهﻤﺎ ﺗﺮى ﻧﻔﺴﻬﺎ ﻣﺤﻘﺔ ﺻﺎدﻗﺔ ،وﺟﺐ إزاﻟﺔ هﺬﻩ اﻟﺸﺒﻬﺔ وإﻃﻼﻋﻬﻤﺎ
ﻋﻠﻰ ﻣﺮاﺷﺪ اﻟﺤﻖ وﻃﺮﻳﻖ اﻟﺼﻮاب ،ﻷن ﻣ ﻦ ﺧﺎﺻ ﻢ ﻋﻤﻴ ﺖ ﻋﻠﻴ ﻪ اﻟ ﺴﺒﻞ وﻟ ﻢ ﻳ ﺮ اﻟﺮﺷ ﺪ إﻻ ﻓﻴﻤ ﺎ ﺳ ﻠﻚ ﻣ ﻦ ﻃﺮﻳ ﻖ ﻓﻮﺟ ﺐ ﻋﻠ ﻰ اﻟﻤ ﺴﻠﻤﻴﻦ
هﺪاﻳﺘﻪ وإﻳﻘﺎﻓﻪ ﻋﻨﻪ ﺣﺪﱢﻩ ﻟﺌﻼ ﻳﺘﻴﻪ ﻓﻲ ﻃﺮﻳﻖ ﻋﻤﻴﺖ ﻋﻠﻴﻪ ﻣﺴﺎﻟﻜﻪ .
ﻓﺈن رآﺒﺖ اﻟﻄﺎﺋﻔﺘ ﺎن ﻣ ﺘﻦ اﻟ ﺸﻄﻂ واﻟﻐﻮاﻳ ﺔ واﻟﻌﻨ ﺎد وﻟ ﻢ ﺗﻌﻤ ﻼ ﺑﻤ ﺎ ه ﺪﻳﺘﺎ إﻟﻴ ﻪ وﻧ ﺼﺤﺘﺎ ﺑ ﻪ اﻋﺘﺒﺮﺗ ﺎ ﻓ ﻲ ﺣﻜ ﻢ اﻟﺒ ﺎﻏﻴﺘﻴﻦ اﻟﻈ ﺎﻟﻤﺘﻴﻦ
وﺣﻮرﺑﺘﺎ ﻣﻌ ًﺎ ﺣﺘﻰ ﺗﻌﻮدا إﻟﻰ اﻟﺼﻮاب واﻟﺴﺪاد وﻳﻜﻔّﺎ ﻋﻦ اﻟﺤﺮب واﻟﻐﻮاﻳﺔ ،وذﻟﻚ ﻧﺼﺮ ﻟﻬﻤﺎ وإﻧﺠﺎد وﺗﺨﻠﻴﺺ .
ﺛﺒﺖ ﻓﻲ اﻟﺼﺤﻴﺢ ﻋﻦ أﻧﺲ رﺿﻲ اﷲ ﺗﻌﺎﻟﻰ ﻋﻨﻪ أن رﺳﻮل اﷲ ﺻﻠﻰ اﷲ ﻋﻠﻴﻪ وﺳﻠﻢ ﻗﺎل " :اﻧﺼﺮ أﺧﺎك ﻇﺎﻟﻤ ًﺎ أو ﻣﻈﻠﻮﻣ ًﺎ ،ﻗﻠﺖ :
ﻳﺎ رﺳﻮل اﷲ .هﺬا ﻧﺼﺮﺗﻪ ﻣﻈﻠﻮﻣ ًﺎ ،ﻓﻜﻴﻒ أﻧﺼﺮﻩ ﻇﺎﻟﻤ ًﺎ ؟ ﻗﺎل ﺻﻠﻰ اﷲ ﻋﻠﻴﻪ وﺳﻠﻢ :ﺗﻤﻨﻌﻪ ﻣﻦ اﻟﻈﻠﻢ ،ﻓﺬاك ﻧﺼﺮك إﻳّـﺎﻩ".
27
www.daawa-info.net
ﺳﺒﺐ ﻧﺰول اﻵﻳﺔ
ذآﺮ ﻓﻲ ﺳﺒﺐ ﻧﺰوﻟﻬﺎ ﻣﺎ ﻗﺎﻟﻪ اﻟﺴﺪي رﺿﻲ اﷲ ﺗﻌﺎﻟﻰ ﻋﻨﻪ :آﺎن رﺟﻞ ﻣﻦ اﻷﻧﺼﺎر ﻳﻘﺎل ﻟﻪ :ﻋﻤﺮان ،وآﺎﻧﺖ ﻟﻪ اﻣﺮأة ﺗ ﺪﻋﻰ أم زﻳ ﺪ
،وأرادت اﻟﻤﺮأة أن ﺗﺰور أهﻠﻬﺎ ﻓﺤﺒﺴﻬﺎ زوﺟﻬﺎ وﺟﻌﻠﻬﺎ ﻓﻲ ﻋﻠﻴﺔ ﻟﻪ ﻻ ﻳﺪﺧﻞ ﻋﻠﻴﻬﺎ أﺣﺪ ﻣﻦ أهﻠﻬﺎ .
ﻓﺒﻌﺜﺖ اﻟﻤﺮأة إﻟﻰ ﻗﻮﻣﻬﺎ ،ﻓﺠﺎءوا وأﻧﺰﻟﻮهﺎ ﻟﻴﻨﻄﻠﻘﻮا ﺑﻬﺎ ،ﻓﺎﺳﺘﻌﺎن اﻟﺮﺟﻞ ﺑﺄهﻠﻪ ﻓﺠﺎء ﺑﻨ ﻮ ﻋﻤ ﻪ ﻟﻴﺤﻮﻟ ﻮا ﺑ ﻴﻦ اﻟﻤ ﺮأة وﺑ ﻴﻦ أهﻠﻬ ﺎ
ﻓﺘﺪاﻓﻌﻮا واﺟﺘﻠﺪوا ﺑﺎﻟﻨﻌﺎل وﺗﻀﺎرﺑﻮا واﻗﺘﺘﻠﻮا ﻓﻨﺰﻟﺖ ﻓﻴﻬﻢ هﺬﻩ اﻵﻳﺔ " :وإن ﻃﺎﺋﻔﺘﺎن ﻣﻦ اﻟﻤﺆﻣﻨﻴﻦ اﻗﺘﺘﻠﻮا ﻓﺄﺻﻠﺤﻮا ﺑﻴﻨﻬﻤﺎ " ﻓﺒﻌﺚ إﻟ ﻴﻬﻢ
رﺳﻮل اﷲ ﺻﻠﻰ اﷲ ﻋﻠﻴﻪ وﺳﻠﻢ وأﺻﻠﺢ ﺑﻴﻨﻬﻢ وﻓﺎءوا إﻟﻰ أﻣﺮ اﷲ ﺗﻌﺎﻟﻰ .
وروي ﻋﻦ اﺑﻦ ﻋﺒﺎس رﺿﻲ اﷲ ﺗﻌﺎﻟﻰ ﻋﻨﻬﻤ ﺎ :أن اﻵﻳ ﺔ ﻓ ﻲ اﻟ ﺮﺟﻠﻴﻦ ،أو اﻟﻨﻔ ﺮ واﻟﻨﻔ ﺮ ،أو اﻟﻘﺒﻴﻠ ﺔ واﻟﻘﺒﻴﻠ ﺔ ﻣ ﻦ أه ﻞ اﻹﺳ ﻼم ،
ﻳﻘﺘﺘﻼن ،ﻓﺄﻣﺮ اﷲ ﺗﻌﺎﻟﻰ أﺋﻤﺔ اﻟﻤﺴﻠﻤﻴﻦ أن ﻳﻘﻀﻮا ﺑﻴﻨﻬﻢ ﺑﺎﻟﺤﻖ اﻟﺬي أﻧﺰﻟﻪ اﷲ ﺗﻌﺎﻟﻰ ﻓﻲ آﺘﺎﺑﻪ :إﻣﺎ اﻟﻘﺼﺎص واﻟﻘﻮد ،وإﻣﺎ اﻟﻌﻘﻞ واﻟﺪﻳﺔ
.
ﻓﺈن ﺑﻐﺖ إﺣﺪاهﻤﺎ ﻋﻠﻰ اﻷﺧﺮى ﺑﻌﺪ ذﻟﻚ ،آﺎن اﻟﻤﺴﻠﻤﻮن ﻣﻊ اﻟﻤﻈﻠﻮم ﻋﻠﻰ اﻟﻈﺎﻟﻢ ﺣﺘﻰ ﻳﺮﺿﻰ ﺑﺤﻜﻢ اﷲ .
وﺑﻬﺬﻩ اﻵﻳﺔ اﻟﻜﺮﻳﻤﺔ اﺳﺘﺪل اﻹﻣﺎم اﻟﺒﺨﺎري وﻏﻴﺮﻩ ﻣﻦ اﻷﺋﻤﺔ اﻟﻜﺮام ﻋﻠ ﻰ أن اﻟﻤ ﺆﻣﻦ ﻻ ﻳﺨ ﺮج ﻋ ﻦ إﻳﻤﺎﻧ ﻪ إذا ارﺗﻜ ﺐ ﻣﻌ ﺼﻴﺔ وإن
ﻋﻈﻤ ﺖ ،ودﻟ ﻴﻠﻬﻢ ﻋﻠ ﻰ ذﻟ ﻚ ﻗ ﻮل اﷲ ﺗﺒ ﺎرك وﺗﻌ ﺎﻟﻰ ﻓ ﻲ ه ﺬﻩ اﻵﻳ ﺔ " :وإن ﻃﺎﺋﻔﺘ ﺎن ﻣ ﻦ اﻟﻤ ﺆﻣﻨﻴﻦ " ﺣﻴ ﺚ ﺳ ﻤﺎهﻢ اﷲ ﺳ ﺒﺤﺎﻧﻪ وﺗﻌ ﺎﻟﻰ
ﻣﺆﻣﻨﻴﻦ ﻣﻊ ارﺗﻜﺎﺑﻬﻢ ﻟﺘﻠﻚ اﻟﻤﻌﺼﻴﺔ وهﻲ اﻻﻗﺘﺘﺎل ﻓﻴﻤﺎ ﺑﻴﻨﻬﻢ .
ودﻟﻴﻠﻬﻢ ﻣﻦ اﻟﺴﻨﺔ ﻣﺎ ﺛﺒﺖ ﻓﻲ ﺻﺤﻴﺢ اﻟﺒﺨﺎري رﺣﻤﻪ اﷲ ﻣﻦ ﺣﺪﻳﺚ اﻟﺤﺴﻦ ﻋﻦ أﺑﻲ ﺑﻜﺮ رﺿﻲ اﷲ ﺗﻌﺎﻟﻰ ﻋﻨﻪ ﻗﺎل :أن رﺳ ﻮل اﷲ
ﺻﻠﻰ اﷲ ﻋﻠﻴﻪ وﺳﻠﻢ ﺧﻄﺐ ﻳﻮﻣ ًﺎ وﻣﻌﻪ ﻋﻠﻰ اﻟﻤﻨﺒﺮ اﻟﺤﺴﻦ ﺑﻦ ﻋﻠﻲ رﺿﻲ اﷲ ﺗﻌﺎﻟﻰ ﻋﻨﻬﻤﺎ ﻓﺠﻌﻞ ﻳﻨﻈﺮ إﻟﻴﻪ ﻣﺮة وإﻟﻰ اﻟﻨﺎس أﺧﺮى وﻳﻘﻮل
" :إن اﺑﻨﻲ هﺬا ﺳﻴﺪ ،وﻟﻌﻞ اﷲ ﺗﻌﺎﻟﻰ أن ﻳﺼﻠﺢ ﺑﻪ ﺑﻴﻦ ﻓﺌﺘﻴﻦ ﻋﻈﻴﻤﺘﻴﻦ ﻣﻦ اﻟﻤﺴﻠﻤﻴﻦ " .
ﻓﻜﺎن آﻤﺎ ﻗﺎل رﺳﻮل اﷲ ﺻﻠﻰ اﷲ ﻋﻠﻴﻪ وﺳﻠﻢ وأﺻﻠﺢ اﷲ ﺗﻌﺎﻟﻰ ﺑﻪ ﺑﻴﻦ أهﻞ اﻟﺸﺎم وأهﻞ اﻟﻌﺮاق ﺑﻌﺪ ﺗﻠﻚ اﻟﺤﺮوب اﻟﻄﻮﻳﻠﺔ واﻟﻮﻗﺎﺋﻊ
اﻟﻤﻔﺠﻌﺔ ورﺣﻢ اﷲ اﻹﻣﺎم اﻟﺒﺨﺎري وﻣﻦ ﺷﺎﻳﻌﻪ ﻓﻲ هﺬا اﻟﺮأي اﻟﺤﺴﻦ ،وإﻻ ﻓﻠﻮ أﺧﺬﻧﺎ ﺑﻘ ﻮل اﻟﺨ ﻮارج وﻣ ﻦ ﺗ ﺎﺑﻌﻬﻢ ﻣ ﻦ اﻟﻤﻌﺘﺰﻟ ﺔ وﻧﺤ ﻮهﻢ
اﻟﻤﺆدي إﻟﻰ ﺧﺮوج اﻟﻤﺆﻣﻦ ﻋ ﻦ إﻳﻤﺎﻧ ﻪ إذا ارﺗﻜ ﺐ ﻣﻌ ﺼﻴﺔ ،ﻓﻜ ﻢ ﻳﺒﻘ ﻰ ﺑﺄﻳ ﺪﻳﻨﺎ ﻣ ﻦ ﻣ ﺴﻠﻤﻲ اﻟﻴ ﻮم وﻗ ﺪ ﻏﺮﻗ ﻮا ﻓ ﻲ اﻟﻤﻌﺎﺻ ﻲ ﺣﺘ ﻰ ﻏﺎﺻ ﺖ
اﻟﺮآ ﺐ ؟ وآ ﻢ ﻳﺒﻘ ﻰ ﺑﺄﻳ ﺪﻳﻨﺎ ﻣ ﻦ اﻟﻤ ﺆﻣﻨﻴﻦ وﻗ ﺪ اﺳ ﺘﻤﺮأ اﻟﻨ ﺎس اﻟﻤﻌ ﺼﻴﺔ – أو أآﺜ ﺮ اﻟﻨ ﺎس ﻋﻠ ﻰ أﻗ ﻞ ﺗﻘ ﺪﻳﺮ – ﺣﺘ ﻰ أﺻ ﺒﺤﻮا ﻳ ﺮون اﻟﻤﻨﻜ ﺮ
ﻣﻌﺮوﻓ ًﺎ واﻟﻤﻌﺮوف ﻣﻨﻜﺮًا وﻏﻠﺒﺖ ﻋﻠﻴﻬﻢ ﺷﻘﻮﺗﻬﻢ ﻓﻠﻢ ﻳﺮﻋﻮا ﺣﻘ ًﺎ ﻟﺪﻳﻪ وﻻ ﻋﻬﺪًا ﻟﺮﺳﻮل وﻻ إ ﻻ وﻻ ذﻣﺔ ﻷﺣﺪ ﻣﻦ اﻟﻨ ﺎس ﻓﺎﻟﻤ ﺴﺘﻌﺎن ه ﻮ اﷲ
وﻻ ﺣﻮل وﻻ ﻗﻮة إﻻ ﺑﺎﷲ اﻟﻌﻠﻲ اﻟﻌﻈﻴﻢ .
واﻟﻄﺎﺋﻔﺔ ﻣﻦ اﻟﻨﺎس هﻲ اﻟﺠﻤﺎﻋﺔ ﻣﻨﻬﻢ ،وﻣﻦ اﻟﺸﻲء اﻟﻘﻄﻌﺔ ﻣﻨﻪ ،وهﻲ ﺟﻤﻊ ﻃﺎﺋﻒ ،وﻗﺪ ﻳﻜﻨﻰ ﺑ ﺎﻟﺠﻤﻊ ﻋ ﻦ اﻟﻮاﺣ ﺪ ،ﻓﻴ ﺮاد ﺑﻬ ﺎ
اﻟﻮاﺣﺪ ﻓﻘﻂ .
واﻟﺒﻐﻲ :هﻮ ﺗﺠﺎوز اﻟﺤﺪ واﻻﺳﺘﻄﺎﻟﺔ وإﺑﺎء اﻟﺼﻠﺢ وﻳﺄﺗﻲ ﺑﻤﻌﻨﻰ اﻟﻈﻠﻢ واﻟﺠﻨﺎﻳﺔ واﻟﻔﺴﺎد ،ﻳﻘﺎل :ﺑﺮئ ﺟﺪرﺣﻪ ﻋﻠﻰ ﺑﻐﻲ أي اﻧ ﺪﻣﻞ
ﻋﻠﻰ ﻓﺴﺎد .
واﻟﻔﻲء واﻟﻔﻴﺄة :اﻟﺮﺟﻮع إﻟﻰ ﺣﺎﻟﺔ ﻣﺤﻤﻮدة ،ﻓﺈن ﻓﺎءت أي رﺟﻌﺖ .
واﻟﻌﺪل :ﺿﺪ اﻟﻈﻠﻢ واﻟﺠﻮر ،وهﻮ اﻟﺘﻘﺴﻴﻂ ﻋﻠﻰ ﺳﻮاء واﻟﻤﺴﺎواة ﻓﻲ اﻟﻤﻜﺎﻓﺄة إن ﺧﻴﺮًا ﻓﺨﻴﺮ وإن ﺷﺮًا ﻓﺸﺮ .
واﻹﺣﺴﺎن :هﻮ ﻣﻘﺎﺑﻠﺔ اﻟﺨﻴﺮ ﺑﺄآﺜﺮ ﻣﻨﻪ ،وﻣﻘﺎﺑﻠﺔ اﻟﺸﺮ ﺑﺄﻗﻞ ﻣﻨﻪ .أو ﻣﻘﺎﺑﻠﺘﻪ ﺑﺎﻹﺣﺴﺎن وهﻮ ﺿﺪ اﻹﺳﺎءة .
وﻳﻘﺎل ﻓﻲ اﻟﻠﻐﺔ :ﻗﺴﻂ اﻟﺮﺟﻞ ،إذا ﺟﺎء ﻓﺄﺧﺬ ﻗﺴﻂ ﻏﻴﺮﻩ وأﻗﺴﻂ إذا ﻋﺪل ﻓﺄﻋﻄﻰ ﻗﺴﻂ ﻏﻴﺮﻩ ﺑﺎﻟﻌﺪل .
ﻓﻴﻜﻮن ﻣﻌﻨﻰ اﻵﻳﺔ اﻟﻜﺮﻳﻤﺔ :إذا اﻗﺘﺘﻞ اﺛﻨﺎن أو ﺟﻤﻌﺎن ﻣﻦ اﻟﻤﺴﻠﻤﻴﻦ ﻓﻌﻠﻰ اﻹﻣ ﺎم اﻹﺻ ﻼح ﺑﻴﻨﻬﻤ ﺎ ﺑﺎﻟ ﺪﻋﺎء إﻟ ﻰ ﺣﻜ ﻢ اﷲ واﻟﺮﺿ ﺎء
ﺑﻤﺎ ﻓﻴﻪ ،وﺑﺎﻟﻨﺼﺢ وإزاﻟﺔ ﺳﻮء اﻟﺘﻔﺎهﻢ ﺑﻴﻨﻬﻢ .
28
www.daawa-info.net
ﻣﺤﺎرﺑﺔ اﻟﻤﻌﺘﺪﻳﻦ
ﻓ ﺈذا وﺟ ﺪ ﺑﻠ ﺪ ﻻ ﻳﻤﺘ ﺪ إﻟﻴ ﻪ ﺳ ﻠﻄﺎن اﻟﻤ ﺴﻠﻤﻴﻦ وﻟ ﻴﺲ ﻓﻴ ﻪ إﻣ ﺎم ﻟﻬ ﻢ ،وﺟ ﺐ ﻋﻠ ﻰ ﺟﻤﺎﻋ ﺔ اﻟﻤ ﺴﻠﻤﻴﻦ ﻣ ﺎ ه ﻮ واﺟ ﺐ ﻋﻠ ﻰ اﻹﻣ ﺎم ،
وﻟﺠﻤﺎﻋﺔ اﻟﻤﺴﻠﻤﻴﻦ ﺗﺼﺮﻓﺎت ﻧﺎﻓﺬة ﻣﻌﺮوﻓﺔ ﻓﻲ ﻣﻮاﺿﻌﻬﺎ ﻣ ﻦ آﺘ ﺐ اﻟﻔﻘ ﻪ ،ﻓ ﺈن ﺗﻌ ﺪت إﺣ ﺪى اﻟﻄ ﺎﺋﻔﺘﻴﻦ ﻣ ﺎ ﺟﻌﻠ ﻪ اﷲ ﻋ ﺪ ًﻻ ﺑ ﻴﻦ ﺧﻠﻘ ﻪ ﻓ ﻲ
آﺘﺎﺑﻪ وﻃﻠﺒﺖ اﻟﻌﻠﻮ ﺑﻐﻴﺮ اﻟﺤﻖ ،إذ ذاك ﻳﻘﺎﺗﻞ اﻟﻤﺴﻠﻤﻮن اﻟﻄﺎﺋﻔﺔ اﻟﺒﺎﻏﻴﺔ ﺣﺘﻰ ﺗﺮﺟﻊ إﻟﻰ ﺣﻜ ﻢ آﺘ ﺎب اﷲ ﻋ ﺰ وﺟ ﻞ ،ﻓ ﺈن رﺟﻌ ﺖ ﺑﻌ ﺪ اﻟﻘﺘ ﺎل
أﺻﻠﺢ ﺑﻴﻨﻬﺎ وﺑﻴﻦ اﻟﻄﺎﺋﻔﺔ اﻷﺧﺮى ﺑﺎﻟﻌﺪل واﻹﻧﺼﺎف وﻻ ﻳﻜﺘﻔﻲ ﺑﺎﻟﻤﺤﺎﺟﺰة واﻟﻜﻒ ﻋﻦ اﻟﻘﺘﺎل ﺑﻞ ﻻﺑﺪ ﻣﻦ اﻹﺻﻼح ﺑﺎﻟﻌﺪل ﻟﺘﺰول اﻟ ﻀﻐﻴﻨﺔ ،
وﻳﺄﻣﻦ اﻟﻨﺎس رﺟﻮﻋﻬﻤﺎ ﺑﻌﺪ اﻟﺼﻠﺢ واﻹﺻﻼح إﻟﻰ اﻟﻘﺘﺎل واﻟﺨﺼﺎم .واﷲ ﺗﺒﺎرك وﺗﻌﺎﻟﻰ ﻳﺤﺐ اﻟﻤﻘﺴﻄﻴﻦ ،وﻣﺤﺒﺘﻪ ﻟﻬ ﻢ ﺗ ﺴﺘﻠﺰم ﻣﺠ ﺎزاﺗﻬﻢ
ﺑﺄﺣﺴﻦ اﻟﺠﺰاء ﻷﻧﻬﻢ ﻋﺪﻟﻮا وأﻗﺴﻄﻮا ﺑﻴﻦ اﻟﻨﺎس ،واﻟﻌﺪل ﻋﻨﺪ اﷲ ﺗﻌﺎﻟﻰ ﻣﻦ أﻗﺮب ﻣﺎ ﻳﺘﻘﺮب اﻟﻌﺒﺪ إﻟﻴﻪ ﺗﻌﺎﻟﻰ .
واﻟﻔﺌﺔ اﻟﺒﺎﻏﻴﺔ ﺗﻘﺎﺗﻞ ﻣﺎ ﻗﺎﺗﻠﺖ ﻓﺈذا ﻗﺒﻀﺖ أﻳﺪﻳﻬﺎ ﻋﻦ اﻟﻘﺘﺎل وآﻔﺖ ﻋﻦ اﻟﺤﺮب وأذﻋﻨﺖ ﻓﻼ ﻳﺠﻬﺰ ﻟﻬﺎ ﻋﻠﻰ ﺟﺮﻳﺢ وﻻ ﻳﻘﺘﻞ أﺳ ﻴﺮ وﻻ
ﻳﻄﻠ ﺐ ه ﺎرب ،وﻻ ﻳﻘ ﺴﻢ ﻓ ﻲء ﻓ ﺎﻟﺠﻤﻴﻊ أﺧ ﻮة ﻓ ﻲ اﷲ ﻳﺠﻤ ﻊ ﺑﻴ ﻨﻬﻢ اﻹﺳ ﻼم وﻳﻮﺣ ﺪ ﺻ ﻔﻬﻢ اﻹﻳﻤ ﺎن .وإن ﺑﻐ ﺖ اﻟﻔﺌﺘ ﺎن ﻣﻌ ًﺎ أﺻ ﻠﺢ ﺑﻴﻨﻬﻤ ﺎ
ﺑﺎﻟﻄﺮﻳﻘﺔ اﻟﺘﻲ ﻳﺮاهﺎ اﻟﻤﺴﻠﻤﻮن آﺎﻓﻠﺔ ﻟﻠﻤﻮادﻋﺔ واﻟﻤﺼﺎﻟﺤﺔ واﻟﻜﻒ ﻋﻦ اﻟﻘﺘﺎل .ﻓﺈن ﻟﻢ ﺗﺘﺤﺎﺟﺰا وأﻗﺎﻣﺘﺎ ﻋﻠﻰ اﻟﻈﻠﻢ واﻟﻘﺘﺎل وﺟﺒﺖ ﻣﻘﺎﻟﺘﻬﻤﺎ
ﻣﻌﺎص ﻷن اﻟﺒﻐﻲ ﻓﺴﺎد ﻓﻲ اﻷرض وﺧﺮوج ﻋﻦ ﺳﻨﻦ اﻹﺳﻼم وﺗﻌ ٍﺪ ﻋﻠﻰ اﻟﻌﺪل اﻟﺬي ﻳﺤﺒﻪ اﷲ ﺗﻌﺎﻟﻰ وﻳﺄﻣﺮ ﺑﻪ.
اﻟﻤﺴﻠﻤﻮن ﺣﻤﺎة اﻟﻌﺪل واﻟﻨﻈﺎم
وﻋﻠﻰ اﻟﻤﺴﻠﻤﻴﻦ أن ﻳﻄﻬﺮوا اﻷرض ﻣﻦ اﻟﺒﻐﻲ واﻟﻔﺴﺎد ﻟﺘﻌﻤﺮ ﺑﺎﻟﻌﺪل واﻹﺣﺴﺎن ،ﻓﺎﻟﻤ ﺴﻠﻤﻮن ﺣ ﺮاس اﻟﻌ ﺪل وﺟﻨ ﺪ اﷲ اﻟﻤ ﺼﻠﺤﻮن
ﻻ ﺗﻐﻤﺾ ﻟﻬﻢ ﻋﻴﻦ ﺣﺘﻰ ﻳﻘﺎم ﺣﻜﻢ اﷲ ﻓﻲ اﻷرض ،ﻓﻔﻲ ﺣﻜﻢ اﷲ وﺣﺪﻩ ﺿﻤﺎن ﻟﻠﻌ ﺪل واﻟﺤﺮﻳ ﺔ واﻟﻤﺠ ﺪ ،واﻟ ﺴﻌﺎدة واﻟﺨﻠ ﻮد ،ﻓﻠ ﻴﺲ ﻷﺣ ﺪ
ﺳﻠﻄﺎن ﻋﻠﻰ أﺣﺪ ،إذ اﻟﺴﻠﻄﺎن – آﻞ اﻟﺴﻠﻄﺎن – ﷲ ﺗﺒﺎرك وﺗﻌﺎﻟﻰ ﻋﻠﻰ اﻟﻨﺎس أﺟﻤﻌﻴﻦ ،وهﻮ اﻟﻌﺎدل ﻳﺄﻣﺮ ﺑﺎﻟﻌﺪل وﺣﺐ اﻟﻤﻘﺴﻄﻴﻦ اﻟﻌ ﺎدﻟﻴﻦ
.
ورد ﻋﻦ ﻋﺒﺪ اﷲ ﺑﻦ ﻋﻤﺮ رﺿﻲ اﷲ ﺗﻌﺎﻟﻰ ﻋﻨﻬﻤﺎ ﻗﺎل :أن رﺳﻮل اﷲ ﺻﻠﻰ اﷲ ﻋﻠﻴﻪ وﺳﻠﻢ ﻗﺎل " :إن اﻟﻤﻘ ﺴﻄﻴﻦ ﻓ ﻲ اﻟ ﺪﻧﻴﺎ ﻋﻠ ﻰ
ﻣﻨﺎﺑﺮ ﻣﻦ ﻟﺆﻟﺆ ﺑﻴﻦ ﻳﺪي اﻟﺮﺣﻤﻦ ﻋﺰ وﺟﻞ ﺑﻤﺎ أﻗﺴﻄﻮا ﻓﻲ اﻟﺪﻧﻴﺎ " .
وﻋﻨﻪ رﺿﻲ اﷲ ﺗﻌﺎﻟﻰ ﻋﻨﻬﻤﺎ ﻋﻦ اﻟﻨﺒﻲ ﺻﻠﻰ اﷲ ﻋﻠﻴﻪ وﺳﻠﻢ ﻗﺎل " :اﻟﻤﻘﺴﻄﻮن ﻋﻨﺪ اﷲ ﺗﻌ ﺎﻟﻰ ﻳ ﻮم اﻟﻘﻴﺎﻣ ﺔ ﻋﻠ ﻰ ﻣﻨ ﺎﺑﺮ ﻣ ﻦ ﻧ ﻮر
ﻋﻠﻰ ﻳﻤﻴﻦ اﻟﻌﺮش ،اﻟﺬﻳﻦ ﻳﻌﺪﻟﻮن ﻓﻲ ﺣﻜﻤﻬﻢ وأهﺎﻟﻴﻬﻢ وﻣﺎ وﻟﻮ " .
ﻓﻔﻲ هﺬﻩ اﻵﻳﺔ اﻟﻜﺮﻳﻤﺔ ﻗﺮر اﻹﺳﻼم ﻣﺒﺪأ ﻋﻈﻴﻤ ًﺎ ﻣﻦ ﻣﺒﺎدئ اﻟﻌ ﺪل اﻻﺟﺘﻤ ﺎﻋﻲ وﺷ ﺮع ﻧﻈﺎﻣ ًﺎ ﻣﺤﻜﻤ ًﺎ ﻣ ﻦ ﻣﺒ ﺎدئ اﻟﺘﻨﺎﺻ ﺮ اﻹﺳ ﻼﻣﻲ
ﺑﺎﻟﺤﻖ واﻟﻌﺪل واﻟﻘﺴﻄﺎس اﻟﻤﺴﺘﻘﻴﻢ .وآﻔﻞ ﻟﻬﻢ ﺣﻴﺎة اﻟﻤﻦ واﻻﺳﺘﻘﺮار واﻟﺘﻌﺎون ﻋﻠﻰ إزاﻟﺔ اﻟﺨﻼﻓﺎت واﻹآﺪار ﻟﻴﻌﻴﺸﻮا ﻓ ﻲ ﻣﺠﺘﻤ ﻊ ﻳ ﺴﻮدﻩ
اﻟﺴﻼم وﺗﻜﻠﻠﻪ اﻟﻤﺤﺒﺔ واﻟﻮﺋﺎم .
ﺳ ﻠﻮ اﻟﻘ ﻮاﻧﻴﻦ اﻟﻮﺿ ﻌﻴﺔ ه ﻞ ﺗﺠ ﺪون ﻗﺎﻧﻮﻧ ًﺎ ﻟﻠ ﺴﻼﻣﺔ اﻻﺟﺘﻤﺎﻋﻴ ﺔ آﻬ ﺬا اﻟ ﺬي ﻗ ﺮرﻩ اﻹﺳ ﻼم ﻣﻨ ﺬ أﻟ ﻒ وأرﺑﻌﻤﺎﺋ ﺔ ﻋ ﺎم واﺳ ﺘﻨﻄﻘﻮا
اﻟﻤﺒﺎدئ اﻟﻔﻜﺮﻳﺔ هﻞ ﺗﺠﺪون ﻓﻴﻬﺎ ﻣﻦ اﻷﻧﻈﻤﺔ ﻟﺤﻤﺎﻳﺔ اﻟﻌﺪاﻟ ﺔ وآ ﺴﺮ ﺷ ﻮآﺔ اﻟﺒ ﺎﻏﻴﻦ ،واﻟ ﺪﻓﺎع ﻋ ﻦ ﺣﻘ ﻮق اﻟﻤﻈﻠ ﻮﻣﻴﻦ آﻬ ﺬﻩ اﻟ ﻨﻈﻢ اﻟﺪﻗﻴﻘ ﺔ
اﻟﺘﻲ ﻗﺮرﺗﻬﺎ هﺬﻩ اﻵﻳﺔ وأوﺟﺒﺘﻬﺎ ﻋﻠﻰ اﻟﻤﺴﻠﻤﻴﻦ دﻳﻨ ًﺎ ﻳﺪﻳﻦ ﺑﻪ اﻟﻤﺴﻠﻤﻮن وﻧﻈﺎﻣ ًﺎ ﻳﺤﻜﻤﻮن ﺑﻪ ﻣﻨﺬ أرﺑﻌﺔ ﻋﺸﺮ ﻗﺮﻧ ًﺎ ﻣﻦ اﻟﺰﻣﺎن .
إن اﻟﻘﺮﺁن اﻟﻌﻈﻴﻢ ﺁﻳﺔ اﷲ وآﻠﻤﺎﺗﻪ اﻟﻜﺒﺮى اﻟﺘﻲ أﻧﺰﻟﻬ ﺎ ﻟﻠﻨ ﺎس رﺣﻤ ﺔ وﺑﻴﺎﻧ ًﺎ ﻣﻤ ﺎ ﻳ ﺸﻴﺮ إﻟ ﻰ ﻣﻌﺠ ﺰة اﻟﻘ ﺮﺁن اﻟﻜ ﺮﻳﻢ ﻓﻜﺎﻧ ﺖ ﻣﻌﺠﺰاﺗ ﻪ
ﺗﻤﺘﺪ إﻟﻰ ﺁﺧﺮ اﻷزﻣﺎن وﻋﺠﺎﺋﺒﻪ ﻻ ﺗﻨﻘﻀﻲ أﺑﺪ اﻟﺪهﺮ وﺁﻳﺎﺗﻪ ﻻ ﺗﺒﻠﻰ وﻻ ﺗﺨﻠﻖ ﻋﻠﻰ آﺜﺮة اﻟﺮد ﻓﺎﻟﻘﻠﻮب ﺗﻘﻒ واﺟﻔﺔ ﺧﺎﺷﻌﺔ ﻣﻦ ﻋﻈﻤﺔ وﺑﺪﻳﻊ
ﻧﻈﺎﻣﻪ ودﻗﻴﻖ ﺁﻳﺎﺗﻪ وﻟﻮ آﺎن ﻣﻦ ﻋﻨﺪ ﻏﻴﺮ اﷲ ﻟﻮﺟﺪوا ﻓﻴﻪ اﺧﺘﻼﻓ ًﺎ آﺜﻴﺮًا .وﺻﺪق اﷲ اﻟﻌﻈ ﻴﻢ إذ ﻳﻘ ﻮل " :ﻟ ﻮ أﻧﺰﻟﻨ ﺎ ه ﺬا اﻟﻘ ﺮﺁن ﻋﻠ ﻰ ﺟﺒ ﻞ
ﻟﺮأﻳﺘﻪ ﺧﺎﺷﻌ ًﺎ ﻣﺘﺼﺪﻋ ًﺎ ﻣﻦ ﺧﺸﻴﺔ اﷲ " .وﻳﻘﻮل " :ﺳﻨﺮﻳﻬﻢ ﺁﻳﺎﺗﻨﺎ ﻓﻲ اﻵﻓﺎق وﻓﻲ أﻧﻔﺴﻬﻢ ﺣﺘﻰ ﻳﺘﺒﻴﱠﻦ ﻟﻬﻢ أﻧﻪ اﻟﺤﻖ أوﻟ ﻢ ﻳﻜ ﻒ ﺑﺮﺑ ﻚ أﻧ ﻪ
ﻋﻠﻰ آﻞ ﺷﻲء ﺷﻬﻴﺪ " .
29
www.daawa-info.net
اﻵﻳﺔ اﻟﺘﺎﺳﻌﺔ :
ﺣﻤُﻮن ( .
ﷲ َﻟ َﻌّﻠ ُﻜ ْﻢ ُﺗ ْﺮ َ
ﺧ َﻮ ْﻳﻜُﻢ وا ّﺗﻘُﻮا ا َ
ﻦأَ
ﺻ ِﻠﺤُﻮا َﺑ ْﻴ َ
ﺧ َﻮ ٌة ﻓﺄ ْ ) إﻧﱠﻤﺎ اﻟﻤُﺆ ِﻣﻨُﻮ َ
نإ ْ
ﻼ ﻣﻦ أﺻﻮل هﺬا اﻹﺳﻼم اﻟﻌﻈﻴﻢ ،ﻓﻬﻲ ﺗﻘﺮﻳﺮ ﻟﻤﺎ أﻣﺮ اﷲ ﺑﻪ ﻣﻦ اﻹﺻﻼح ﺑﻴﻦ اﻟﻄﺎﺋﻔﺘﻴﻦ اﻟﻤﺆﻣﻨﺘﻴﻦ وﺗﻌﻠﻴﻞ ﻟ ﻪ
ﺁﻳﺔ ﻋﻈﻴﻤﺔ ﺗﻘﺮر أﺻ ً
،ذﻟﻚ أن اﻹﻳﻤﺎن ﻋﻘﺪ ﺑﻴﻦ أهﻠﻪ ﻣﻦ أواﺻﺮ اﻷﺧﻮة اﻹﺳﻼﻣﻴﺔ ﻣﺎ ﻳﻔﻮق وﻳﻔﻀﻞ ﻋﻠﻰ أواﺻﺮ اﻷﺧﻮة اﻟﻨﺴﺒﻴﺔ .
وﻗﺪ ﺟﺮت اﻟﻌﺎدة ﺑﻴﻦ اﻟﻨﺎس أن ﻳﻨﻬﻀﻮا وﻳﻬﺒﻮا ﻟﻠﺼﻠﺢ إذا ﻧﺸﺐ ﻗﺘﺎل ﺑﻴﻦ أﺧﻮﻳﻦ ﻣﻦ أﺧﻮة اﻟﻘﺮاﺑﺔ ﺣﺘﻰ ﻳﺒﻨﻮا ﻣﺎ اﻧﻬﺪم وﻳﺠﺒﺮوا ﻣ ﺎ
اﻧﻜﺴﺮ ،وﻻ ﻳﺮﺗﺎح ﻟﻬﻢ ﺑﺎل ﺣﺘﻰ ﻳﺰﻳﻠﻮا اﻷآﺪار وﻳﻌﻴﺪوا ﺟﻮ اﻹﺧﺎء إﻟﻰ اﻟﺼﻔﺎء واﻟﻨﻘﺎء .
إﺧﻮة إﺳﻼﻣﻴﺔ
وإﺧﻮة اﻟﺪﻳﻦ أﺣﻖ ﺑﺬﻟﻚ وأﺟﺪر أن ﻳُﻬﺘﻢ ﻟﻬﺎ وﻳ ﺼﻠﺢ ﺑ ﻴﻦ اﻟﻤﺘﺨﺎﺻ ﻤﻴﻦ ﻣ ﻦ اﻟﻤ ﺆﻣﻨﻴﻦ ﻟﻨﻬ ﺎ أﺧ ﻮّة ﺑ ﻨﺺ آﺘ ﺎب اﷲ ﺗﻌ ﺎﻟﻰ .واﷲ ﻋ ﺰ
وﺟﻞ هﻮ اﻟﺬي ﻋﻘﺪ هﺬﻩ اﻷﺧﻮة ﻣﻦ ﻓﻮق ﺳﺒﻊ ﺳﻤﺎوات وﻣﺎ ﻋﻘﺪﻩ اﷲ ﺗﺒﺎرك وﺗﻌﺎﻟﻰ ﻻ ﺗﺤﻠﻪ ﻳﺪ ﺑﺸﺮ ﻣﻬﻤﺎ ﻗﻮﻳﺖ وﺳﻄﺖ وﻇﻠﻤﺖ .
وﻣﻦ ﻋﺠﻴﺐ أﻣﺮ هﺬﻩ اﻵﻳﺔ اﻟﻜﺮﻳﻤﺔ أﻧﻬﺎ ﺟﺎءت وآﺄﻧﻬﺎ ﻗ ﺮرت أﻣ ﺮًا واﻗﻌ ًﺎ ﻣﻔﺮوﻏ ًﺎ ﻣﻨ ﻪ ﻻ ﻳ ﺮد وﻻ ﻳ ﺼﺪ ﻓﻘﺎﻟ ﺖ " :إﻧﻤ ﺎ اﻟﻤﺆﻣﻨ ﻮن
إﺧ ﻮة " ،هﻜ ﺬا ﺣﻜ ﻢ اﷲ ،وهﻜ ﺬا أﺧﺒ ﺮ ﻋ ﻦ ه ﺬا اﻟﻌﻘ ﺪ اﻟ ﺬي رﺑﻄ ﻪ ﻓ ﻲ اﻟ ﺴﻤﺎء ﺑ ﻴﻦ اﻟﻤ ﺆﻣﻨﻴﻦ ﻣﻬﻤ ﺎ اﺧﺘﻠﻔ ﺖ أﺟﻨﺎﺳ ﻬﻢ وﺗﺒﺎﻳﻨ ﺖ ﻟﻐ ﺎﺗﻬﻢ
وﺗﺒﺎﻋﺪت أﻗﻄﺎرهﻢ وﺗﻨﺎءت دﻳﺎرهﻢ ،ﻓﻬﻢ أﺧﻮة ﺗﺠﻤﻌﻬﻢ ﻋﻘﻴ ﺪة ﺧﺎﻟ ﺪة ورﺳ ﺎﻟﺔ واﺣ ﺪة ،وهﻜ ﺬا ﺟ ﺎءت اﻟﺠﻤﻠ ﺔ ﺧﺒﺮﻳ ﺔ ﻟﺘﻘ ﺮر واﻗﻌ ًﺎ ﻋﻈﻴﻤ ًﺎ
وﺗﺨﺒﺮ ﻋﻨﻪ ﻓﻘﺎﻟﺖ " :إﻧﻤﺎ اﻟﻤﺆﻣﻨﻮن اﺧﻮة " وﻟﻢ ﺗﺄت اﻟﺠﻤﻠﺔ إﻧﺸﺎﺋﻴﺔ ،إذ ﻟﻢ ﻳﻘﻞ اﷲ ﺗﻌﺎﻟﻰ :ﻳﺎ أﻳﻬﺎ اﻟﺬﻳﻦ ﺁﻣﻨﻮا آﻮﻧ ﻮا اﺧ ﻮة أو ﺗﻮاﺻ ﻮا
ﺑﺎﻷﺧﻮة ﻓﻴﻤﺎ ﺑﻴﻨﻜﻢ ،إذ ﻟﻮ ﺟﺎءت اﻵﻳﺔ هﻜﺬا " إﻧﺸﺎﺋﻴﺔ " ﻟﻜﺎﻧﺖ اﻷﺧﻮّة ﻏﻴﺮ ﻣﻮﺟﻮدة ،وﻟﻜﻨﻪ ﻋﺰ وﺟﻞ رﺑ ﻂ ﻗﻠ ﻮب اﻟﻤ ﺆﻣﻨﻴﻦ ﺑﺮﺑ ﺎط واﺣ ﺪ
وﻋﻘﺪ هﺬا اﻟﺮﺑﺎط ﺛﻢ أﺧﺒﺮ ﻋﻦ هﺬﻩ اﻟﺤﻘﻴﻘﺔ اﻟﺜﺎﺑﺘﺔ اﻟﻮاﻗﻌﺔ وﻗﻀﻰ ﻓﻴﻬﺎ ﺑﺤﻜﻤﻪ ﻓﻘﺎل " :إﻧﻤﺎ اﻟﻤﺆﻣﻨﻮن إﺧﻮة " ﺛﻢ ﺛﻨّﻰ ﺑﺘﻘﺮﻳﺮ هﺬﻩ اﻟﺤﻘﻴﻘﺔ
ﺐ أم آﺮﻩ " آﻤﺎ ﻗﺎل ﻋﻠﻴﻪ اﻟﺼﻼة واﻟﺴﻼم " :اﻟﻤ ﺴﻠﻢ أﺧ ﻮ اﻟﻤ ﺴﻠﻢ ،
رﺳﻮل اﷲ ﺻﻠﻰ اﷲ ﻋﻠﻴﻪ وﺳﻠﻢ ﺣﻴﻦ ﻗﺎل " :اﻟﻤﺴﻠﻢ أﺧﻮ اﻟﻤﺴﻠﻢ أﺣ ﱠ
ﻻ ﻳﻈﻠﻤﻪ ،وﻻ ﻳﺨﺬﻟﻪ ،وﻻ ﻳﻌﻴﺒﻪ ،وﻻ ﻳﺘﻄﺎول ﻋﻠﻴﻪ ﻓﻲ اﻟﺒﻨﻴﺎن ﻓﻴﺴﺘﺮ ﻋﻨﻪ اﻟﺮﻳﺢ إﻻ ﺑﺈذﻧﻪ ،وﻻ ﻳﺆذﻳﻪ ﺑﻘﺘﺎر ﻗﺪرﻩ " .
وﻓﻲ ﺳﻨﻦ أﺑﻲ داود ﻋﻦ أﺑﻲ هﺮﻳﺮة رﺿﻲ اﷲ ﺗﻌﺎﻟﻰ ﻋﻨﻪ ﻋ ﻦ اﻟﻨﺒ ﻲ ﺻ ﻠﻰ اﷲ ﻋﻠﻴ ﻪ وﺳ ﻠﻢ ﻗ ﺎل :اﻟﻤ ﺆﻣﻦ ﻣ ﺮﺁة اﻟﻤ ﺆﻣﻦ ،اﻟﻤ ﺆﻣﻦ
أﺧﻮ اﻟﻤﺆﻣﻦ ﻳﻜﻒ ﻋﻨﻪ ﺿﻴﻘﻪ وﻳﺤﻮﻃﻪ ﻣﻦ وراﺋﻪ " .
وهﻜﺬا ﻓﻬﻢ اﻟﺼﺤﺎﺑﺔ اﻟﻜﺮام هﺬﻩ اﻷﺧﻮة وﻋﺎﺷﻮا ﻓﻴﻬﺎ وﻟﻬﺎ ،وأﺻﺒﺤﻮا ﺑﻔﻀﻞ اﷲ ﺗﻌﺎﻟﻰ إﺧﻮاﻧ ًﺎ ،دﻋﻮﺗﻬﻢ واﺣﺪة ،وأﻣ ﺮهﻢ واﺣ ﺪ ،
ﺗﻘﺎﺳﻤﻮا اﻟﺤﺐ ﻓﻴﻤﺎ ﺑﻴﻨﻬﻢ ،وﺁﺛﺮوا إﺧﻮاﻧﻬﻢ ﻋﻠﻰ أﻧﻔﺴﻬﻢ ،ﻓﻘﺎﺳﻤﻮهﻢ اﻷﻣﻮال ووﺻﻠﻮا إﻟﻰ درﺟﺔ ﻣﻦ اﻹﻳﺜﺎر أن ﻳﻘﻮل اﻟﺼﺎﺣﺐ ﻟ ﺼﺎﺣﺒﻪ :
هﺬا ﻣﺎﻟﻲ ﺟﻌﻠﺘﻪ ﺑﻴﻨﻲ وﺑﻴﻨﻚ ﻧﺼﻔﻴﻦ ،وهﺎﺗﺎن زوﺟﺘﺎي اﺧﺘﺮ أﻳﺘﻬﻤﺎ ﺗﺸﺎء ﻟﺘﺘﺰوﺟﻬﺎ أﻧﺖ .
ﺁﺛﺎر اﻷﺧﻮة
هﺬا ﻣﺎ وﺻﻠﻮا إﻟﻴﻪ ﻣﻦ اﻹﻳﺜﺎر ﺑﻔﻀﻞ اﻟﻘﺮﺁن وأدب اﻟﻘﺮﺁن ﺑﻌﺪ أن آﺎﻧﻮا ﻳﻌ ﺪوا ﺑﻌ ﻀﻬﻢ ﻋﻠ ﻰ ﺑﻌ ﺾ ﻋ ﺪو اﻷﺳ ﺪ ،وﻳﺨﺘﻄ ﻒ ﺑﻌ ﻀﻬﻢ
ﺑﻌﻀ ًﺎ اﺧﺘﻄﺎف اﻟﺬﺋﺎب دون أن ﻳﺨﺠﻞ أو ﻳﻬﺎب .
ﺟﺎء ﻓﻲ اﻟﺠﺰء اﻟﺜﺎﻧﻲ ﻣﻦ اﻟﻜﺎﻣﻞ ﺻﻔﺤﺔ : 332ﻓﻲ ﻳﻮم اﻟﻘﺎدﺳﻴﺔ اﻟﺜﺎﻟﺚ اﺷﺘﺪ اﻟﻘﺘﺎل وﺗﻌﺎدل اﻟﻄﺮﻓﺎن ﻓﻘﺎﺗﻞ ﻓﻴﻪ ﻗﻴﺲ اﺑﻦ اﻟﻤﻜﺴﻮح
ﻗﺘﺎل اﻷﺑﻄﺎل وﺣﺮض أﺻﺤﺎﺑﻪ ﻓﻘﺎل :
30
www.daawa-info.net
ﻦ ﻋﻠ ﻴﻜﻢ ﺑﺎﻹﺳ ﻼم ،وأآ ﺮﻣﻜﻢ ﺑﻤﺤﻤ ﺪ ﺻ ﻠﻰ اﷲ ﻋﻠﻴ ﻪ وﺳ ﻠﻢ ﻓﺄﺻ ﺒﺤﺘﻢ ﺑﻨﻌﻤﺘ ﻪ إﺧﻮاﻧ ًﺎ ،دﻋ ﻮﺗﻜﻢ
" ﻳ ﺎ ﻣﻌ ﺸﺮ اﻟﻌ ﺮب :إن اﷲ ﻗ ﺪ ﻣ ّ
واﺣﺪة ،وأﻣﺮآﻢ واﺣﺪ ﺑﻌﺪ أن آﻨﺘﻢ ﻳﻌﺪوا ﺑﻌﻀﻜﻢ ﻋﻠﻰ ﺑﻌﺾ ﻋﺪو اﻷﺳﺪ وﻳﺨﺘﻄ ﻒ ﺑﻌ ﻀﻜﻢ ﺑﻌ ﻀ ًﺎ اﺧﺘﻄ ﺎف اﻟ ﺬﺋﺎب ،ﻓﺎﻧ ﺼﺮوا اﷲ ﻳﻨ ﺼﺮآﻢ
وﺗﻨﺠﺰوا ﻣﻦ اﷲ ﻓﺘﺢ ﻓﺎرس ،ﻓﺈن إﺧﻮاﻧﻜﻢ ﻣﻦ أهﻞ اﻟﺸﺎم ﻗﺪ أﻧﺠﺰ اﷲ اﻟﺸﺎم واﻧﺘﺸﺎل اﻟﻘﺼﻮر اﻟﺤﻤﺮ واﻟﺤﺼﻮن اﻟﺤﻤﺮ " .
هﺆﻻء اﻟﻌﺮب اﻟﺬﻳﻦ أﺻﺒﺤﻮا ﺑﻔﻀﻞ رﺳﺎﻟﺔ اﻹﺳﻼم ﺧﻴﺮ أﻣ ﺔ أﺧﺮﺟ ﺖ ﻟﻠﻨ ﺎس ،آ ﺎﻧﻮا إﻟ ﻰ ﻋﻬ ﺪ ﻗﺮﻳ ﺐ ﻓ ﻲ ﺟﺎهﻠﻴ ﺔ ﺟﻬ ﻼء وﻋ ﺼﺒﻴﺔ
ﻧﻜﺮاء ﻳﻌﺪو أﺣﺪهﻢ ﻋﻠﻰ اﻵﺧﺮ ﻋﺪو اﻷﺳﺪ ﺣﺘﻰ آﺎﻧﻮا ﻋﻠﻰ أﺳﻮأ ﺣﺎل :ﺣﺮوب ﻣﺘﻮاﺻ ﻠﺔ وﺗﻔ ﺮّق داﺋ ﻢ وﻋ ﺪاء ﻣ ﺴﺘﺤﻜﻢ وهﻤﺠﻴ ﺔ ﻣﻤﻘﻮﺗ ﺔ ،
ﻳﺒﻄﺶ ﺑﻌﻀﻬﻢ ﺑﺎﻟﺒﻌﺾ وﻳﺴﻔﻚ ﺑﻌﻀﻬﻢ دم اﻟﺒﻌﺾ اﻵﺧﺮ ﻻ دﻳﻦ ﻳﻤﻨﻊ ،وﻻ ﻗﺎﻧﻮن ﻳﺮدع ،وﻻ إﻧﺴﺎﻧﻴﺔ ﺗﺤﺠﺰ وﻻ ﻣﻨﺼﻒ ﻳﻌﻆ إﻟﻰ أن ﺳﻄﻊ
ﻧﻮر اﻹﺳﻼم ﻓﺄﺿﺎء ﺑﻼد اﻟﻌﺮب واﺳﺘﻨﺎرت ﺑﻪ أرﺟﺎء ﺗﻬﺎﻣﺔ وﻧﺠﺪ وارﺗﺠﺖ ﻷﺟﻠﻪ ﺑﻼد ﻓﺎرس واﻟﺮوم وﻗ ﺪ أﺗ ّﻢ اﷲ ﺗﻌ ﺎﻟﻰ ه ﺬا اﻟﻨ ﻮر ﻋﻠ ﻰ ﻳ ﺪ
ﺳﻴﺪ اﻟﺨﻠﻖ ﻣﺤﻤﺪ ﺻﻠﻮات اﷲ وﺳﻼﻣﻪ ﻋﻠﻴﻪ ﺑﻌﺪ أن اﻟﺘﻒ ﺣﻮﻟﻪ اﻟﺴﻌﺪاء واﻧ ﻀﻢ إﻟﻴ ﻪ اﻟﻌﻘ ﻼء ،وﺁﻣ ﻦ ﺑ ﻪ وﺑﺎﻳﻌ ﻪ اﻟﻔ ﻀﻼء واﻟﻜﺮﻣ ﺎء اﻟ ﺬﻳﻦ
ﻧﺰﻩ اﷲ ﻣﻦ ﻗﻠﻮﺑﻬﻢ داء اﻟﻌﺪاوة واﻟﺒﻐﻀﺎء ،وﻃﻬﺮه ﺎ ﺑ ﺪواء اﻷﺧ ﻮة واﻹﺧ ﻼص واﻟﻤﺤﺒ ﺔ وأﻟ ﻒ ﺑﻴ ﻨﻬﻢ ﺣﺘ ﻰ ﺻ ﺎروا ﺟ ﺴﻤ ًﺎ واﺣ ﺪًا وروﺣ ًﺎ
واﺣﺪة ﻓﻈﻔﺮوا ﺑﺨﻴﺮي اﻟﺪﻧﻴﺎ واﻵﺧﺮة ،ﻗﺎل ﺗﻌﺎﻟﻰ " :واذآﺮوا ﻧﻌﻤﺔ اﷲ ﻋﻠ ﻴﻜﻢ إذ آﻨ ﺘﻢ أﻋ ﺪا ًء ﻓ ﺄﻟﻒ ﺑ ﻴﻦ ﻗﻠ ﻮﺑﻜﻢ ﻓﺄﺻ ﺒﺤﺘﻢ ﺑﻨﻌﻤﺘ ﻪ إﺧﻮاﻧ ًﺎ
وآﻨﺘﻢ ﻋﻠﻰ ﺷﻔﺎ ﺣﻔﺮة ﻣﻦ اﻟﻨﺎر ﻓﺄﻧﻘﺬآﻢ ﻣﻨﻬﺎ آﺬﻟﻚ ﻳﺒﻴّﻦ اﷲ ﻟﻜﻢ ﺁﻳﺎﺗﻪ ﻟﻌﻠﻜﻢ ﺗﻬﺘﺪون " .
وآﺎن ﻟﺪوﻟﺔ اﻹﺳﻼم اﻟﻌﺰ اﻟﺬي ﻻ ﻳﺪاﻧﻰ واﻟ ﺴﻠﻄﺎن اﻟ ﺬي ﻻ ﻳ ﻀﺎهﻰ ،ﻓﻘﻬ ﺮوا اﻟﺠﺒ ﺎﺑﺮة ودوّﺧ ﻮا اﻷآﺎﺳ ﺮة وﻣﻠﻜ ﻮا ﻣ ﺸﺎرق اﻷرض
ﻋ ﺪﺗﻬﺎ وﺑﻔ ﻀﻞ
ﻋ ﺪدهﻢ ﻣ ﺎ ﻟ ﻢ ﺗﺪرآ ﻪ اﻟﺠﻴ ﻮش ﻋﻠ ﻰ آﺜﺮﺗﻬ ﺎ وﻗ ﻮة ُ
وﻣﻐﺎرﺑﻬﺎ ،وأدرآﻮا ﺑﺄﺧﻮﺗﻬﻢ واﺗﺤﺎد آﻠﻤﺘﻬﻢ ﻋﻠﻰ ﻗﻠﺔ ﻋﺪدهﻢ ،وﺿﻌﻒ ُ
اﺗﺤﺎد آﻠﻤﺘﻬﻢ وﺧﻠﻮص ﻧﻴﺘﻬﻢ وﺻﺪق ﺟﻬﺎدهﻢ ﻓﻲ ﺳﺒﻴﻞ إﻋﻼء آﻠﻤﺔ اﷲ ﺗﻌﺎﻟﻰ وﻧﺸﺮ دﻳﻨﻪ ﻗﻬﺮوا اﻟﻔﺮس واﻟﺮوﻣﺎن وﻓﺘﺤﻮا اﻟ ﺸﺎم وﻣ ﺼﺮ ،
واﻧﺘﺼﺮوا ﻓﻲ آﻞ اﻟﻘﺎﺋﻊ ﻓﻠﻢ ﺗﻨﻜﺲ ﻟﻬﻢ راﻳﺔ وﻟﻢ ﻳﻨﻬﺰم ﻟﻬﻢ ﺟﻴﺶ ﻓﺎﻟﻜﻞ ﻳﻌﻤﻞ ﺑﺼﺪق وإﺧﻼص ﻹﻋﻼء آﻠﻤ ﺔ اﷲ ورﻓ ﻊ راﻳ ﺔ اﻹﺳ ﻼم .ﻓﻬ ﻢ
آﺎﻟﺠﺴﺪ اﻟﻮاﺣﺪ إذا اﺷﺘﻜﻰ ﻣﻨﻪ ﻋﻀﻮ ﺗﺪاﻋﻰ ﻟﻪ ﺳﺎﺋﺮ اﻷﻋﻀﺎء ﺑﺎﻟﺤﻤﻰ واﻟﺴﻬﺮ ،وﻗﺎﺗﻠﻮا ﻓﻲ ﺳﺒﻴﻞ اﷲ ﺻﻔ ًﺎ واﺣﺪًا آﺄﻧﻬﻢ ﺑﻨﻴ ﺎن ﻣﺮﺻ ﻮص
ﻳﺸﺪ ﺑﻌﻀﻪ ﺑﻌﻀ ًﺎ ،ﻓﻔﺎزوا ﺑﺎﻟﺴﻌﺎدﺗﻴﻦ وﻧﺎﻟﻮا اﻟﺤﺴﻨﻴﻴﻦ رﺿﻮان اﷲ ﺗﻌﺎﻟﻰ ﻋﻠﻴﻬﻢ أﺟﻤﻌﻴﻦ .
وﺑﻌﺪ أن ﻋﻘﺪ اﷲ اﻟﺨﻮة ﺑﻴﻦ اﻟﻤﺆﻣﻨﻴﻦ ﻃﻠﺐ أن ﻳﺘﻘﻮﻩ ،وأن اﻟﺘﻘﻮى هﻲ ﺳﺒﻴﻞ اﻟﺘﻮاﺻﻞ واﻟﺘﺮاﺣﻢ واﻟﺘﻌ ﺎﻃﻒ واﻟﺘ ﺴﺎﻣﺢ وه ﺬا ﺳ ﺒﺐ
اﻟﻮﺻﻮل إﻟﻰ رﺣﻤﺔ اﷲ إﻟﻴﻬﻢ وﺑﺮّﻩ ﺑﻬﻢ وﻋﻄﻔﻪ ﻋﻠﻴﻬﻢ وﻧﺼﺮﻩ ﻟﻬﻢ " :واﺗﻘﻮا اﷲ ﻟﻌﻠﻜﻢ ﺗﺮﺣﻤﻮن " .
ﺟﻌﻠﻨﺎ اﷲ ﻣﻨﻬﻢ ووﻓﻘﻨﺎ ﻟﻠﺴﻴﺮ ﻋﻠﻰ ﻣﻨﻬﺎﺟﻬﻢ اﻟﻤﺴﺘﻘﻴﻢ وﻃﺮﻳﻘﻬﻢ اﻟﻘﻮﻳﻢ إﻧﻪ ﻧﻌﻢ اﻟﻤﻮﻟﻰ وﻧﻌﻢ اﻟﻨﺼﻴﺮ .
روى اﻟﺒﻴﻬﻘﻲ رﺿﻲ اﷲ ﺗﻌﺎﻟﻰ ﻋﻨﻪ ﻓﻘﺎل :ﺷﺘﻢ رﺟﻞ اﺑﻦ ﻋﺒﺎس رﺿﻲ اﷲ ﺗﻌﺎﻟﻰ ﻋﻨﻬﻤﺎ ﻓﺄﺟﺎﺑﻪ :
ﻲ ﺛﻠﺚ ﺧﺼﺎل :
أﺗﺸﺘﻤﻨﻲ وﻓ ّ
– 1إﻧﻲ ﻷﺳﻤﻊ ﺑﺎﻟﺤﺎآﻢ ﻳﻌﺪل ﻓﻲ ﺣﻜﻤﻪ ﻓﺄﺣﺒﻪ ،وﻟﻌﻠﻲ ﻻ أﻗﺎﺿﻲ إﻟﻴﻪ أﺑﺪًا .
– 2وإﻧﻲ ﻷﺳﻤﻊ ﺑﺎﻟﻐﻴﺚ ﻳﺼﻴﺐ اﻟﺒﻠﺪ ،ﻓﺄﻓﺮح ﺑﻪ وﻣﺎﻟﻲ ﺑﻪ ﺳﺎﺋﻤﺔ وﻻ راﻋﻴﺔ .
– 3وإﻧﻲ ﻵﺗﻲ ﻋﻠﻰ ﺁﻳﺔ ﻣﻦ آﺘﺎب اﷲ ،ﻓﺄود أن اﻟﻤﺴﻠﻤﻴﻦ آﻠﻬﻢ ﻳﻌﻠﻤﻮن ﻣﻨﻬﺎ ﻣﺜﻞ ﻣﺎ أﻋﻠﻢ .
وﻗﺪ أﺧﺬ أﺑﻮ اﻟﻌﻼء اﻟﻤﻌﺮي ﺑﻌﺾ هﺬﻩ اﻟﻤﻌﺎﻧﻲ ﻓﻘﺎل :
وﻟﻮ أﻧـﻲ ﺟﺒـﺖ اﻟﺨﻠﺪًا ﻓــﺮدًا
ﻟﻤـﺎ أﺣﺒﺒـﺖ ﺑﺎﻟﺨﻠـﺪ اﻧﻔــﺮادا
ﻲ وﻻ ﺑﺄرض
ﻓﻼ هﻄﻠـﺖ ﻋﻠــ ّ
ﺳﺤـﺎﺋﺐ ﻟﻴـﺲ ﺗﻨﺘﻈـﻢ اﻟﺒـﻼدا
31
www.daawa-info.net
اﻵﻳﺔ اﻟﻌﺎﺷﺮة :
ﺧﻴْﺮًا ِﻣ ْﻨ ُﻬﻦّ .وَﻻ
ن َﻳ ُﻜﻦّ َ
ﻦ ﻧِﺴﺎ ٍء ﻋَﺴﻰ أ ْ
ﺧﻴْﺮًا ِﻣ ْﻨ ُﻬ ْﻢ َ ،و ﻻ ﻧِﺴﺎ ٌء ِﻣ ْ
ن َﻳﻜُﻮﻧُﻮا َ
ﻦ َﻗ ْﻮ ٍم ﻋَﺴﻰ َأ ْ
ﺨ ْﺮ َﻗ ْﻮ ٌم ِﻣ ْ
ﺴَ ) ﻳﺎ أﻳﱡﻬﺎ اﻟﱠﺬﻳ َ
ﻦ ﺁﻣﻨُﻮا ﻻ َﻳ ْ
ن( .
ﻚ ُه ُﻢ اﻟﻈّﺎ ِﻟﻤُﻮ َ
ﺐ ﻓَﺄوﻟ ِﺌ َ
ﻦ َﻟ ْﻢ َﻳ ُﺘ ْ
ن َ ،و َﻣ ْ
ق َﺑ ْﻌ َﺪ اﻹﻳﻤﺎ ِ
ﺳ ُﻢ اﻟ ُﻔﺴُﻮ ُ
ﺲ اﻻ ْ
ب ِ ،ﺑ ْﺌ َ
ﺴ ُﻜ ْﻢ ،وَﻻ ﺗَﻨﺎ َﺑﺰُوا ﺑِﺎﻷﻟْﻘﺎ ِ
َﺗ ْﻠ ِﻤﺰُوا أ ْﻧ ُﻔ َ
ﻟﻤﺎ أﻣﺮ اﷲ ﺳﺒﺤﺎﻧﻪ وﺗﻌﺎﻟﻰ ﻓﻲ اﻵﻳﺔ اﻟﺴﺎﺑﻘﺔ ﺑﺈﺻﻼح ذات اﻟﺒﻴﻦ وﻧﻬﻰ ﻋﻦ اﻟﺘﻔﺮق وأﺧﺒﺮ ﻋ ﻦ ﻋﻘ ﺪ اﻷﺧ ﻮة اﻟ ﺬي رﺑﻄ ﻪ اﷲ ﺑﺮﺑ ﺎط
اﻹﻳﻤﺎن اﻟﻮﺛﻴﻖ ،ﻋﻘّﺐ ﻓﻲ هﺬﻩ اﻵﻳﺔ اﻟﻜﺮﻳﻤﺔ ﺑﺎﻟﻨﻬﻲ ﻋﻦ أﺳﺒﺎب اﻟﻔﺮﻗﺔ اﻟﺘﻲ ﺗﺆدي إﻟﻰ اﻟﺸﻘﺎق واﻟﻤﺸﺎﺣﻨﺎت واﻟﺒﻐﻀﺎء .
ﻓﺎﻟﺴﺨﺮﻳﺔ ﺑﺎﻟﺨﻠﻖ واﻻزدراء ﺑﺎﻟﻨﺎس واﻟﻬﻤﺰ واﻟﻠﻤﺰ واﻟﺘﻨﺎﺑﺰ ﺑﺎﻷﻟﻘﺎب ﻣﺎ هﻲ إﻻ ﻋﻮاﻣﻞ ﻟﻠﻔﺴﺎد وﻣﻌﺎول ﻟﻬﺪم اﻷﺧﻮة ﺑ ﻴﻦ اﻟﻤ ﺆﻣﻨﻴﻦ
،ﺑﻞ هﻲ اﻟﻔﺴﻮق اﻟﺬي ﻻ ﻳﻨﺎﺳﺐ اﻹﻳﻤﺎن اﻟﺬي ﻳﺘﺤﻠﻰ وﻳﺘﺠﻤﻞ ﺑﻪ اﻟﻤﺆﻣﻨﻮن اﻟﺒﺮرة ﻟﺬا ﻧﻬﻰ اﷲ ﻋﺰ وﺟ ﻞ ﻓ ﻲ ه ﺬﻩ اﻵﻳ ﺔ اﻟﻜﺮﻳﻤ ﺔ ﻋ ﻦ ه ﺬﻩ
اﻟﻌﻮاﻣﻞ اﻟﻤﻬﻠﻜﺔ اﻟﻤﻜﺪرة ﻟﺼﻔﻮ اﻟﻤﺠﺘﻤﻊ واﻟﺘﻲ ﺗﺄآﻞ اﻟﺤﺴﻨﺎت آﻤﺎ ﺗﺄآﻞ اﻟﻨﺎر اﻟﺤﻄﺐ ﻓﻘﺎل ﻋﺰ وﺟﻞ .
) ﻳﺎ أﻳﻬﺎ اﻟﺬﻳﻦ ﺁﻣﻨﻮا ﻻ ﻳﺴﺨﺮ ﻗﻮم ﻣﻦ ﻗﻮم ﻋﺴﻰ أن ﻳﻜﻮﻧﻮا ﺧﻴﺮًا ﻣﻨﻬﻢ ،وﻻ ﻧﺴﺎء ﻣﻦ ﻧﺴﺎء ﻋﺴﻰ أن ﻳﻜ ّ
ﻦ ﺧﻴﺮًا ﻣ ﻨﻬﻦ وﻻ ﺗﻠﻤ ﺰوا
أﻧﻔﺴﻜﻢ وﻻ ﺗﻨﺎﺑﺰوا ﺑﺎﻷﻟﻘﺎب ،ﺑﺌﺲ اﻻﺳﻢ اﻟﻔﺴﻮق ﺑﻌﺪ اﻹﻳﻤﺎن ،وﻣﻦ ﻟﻢ ﻳﺘﺐ ﻓﺄوﻟﺌﻚ هﻢ اﻟﻈﺎﻟﻤﻮن ( .
أﺧﻼق اﺟﺘﻤﺎﻋﻴﺔ
وﻗﺪ ﻧﻬﺖ اﻵﻳﺔ اﻟﻜﺮﻳﻤﺔ ﻋﻦ اﻟﺴﺨﺮﻳﺔ ﺑﻴﻦ اﻟﺮﺟﺎل واﻟﺮﺟﺎل وﺑﻴﻦ اﻟﻨﺴﺎء واﻟﻨﺴﺎء .
وﻗﺪ ﻧﺰل ﻗﻮﻟﻪ ﺗﻌﺎﻟﻰ :ﻻ ﻳﺴﺨﺮ ﻗﻮم ﻣﻦ ﻗﻮم ،ﻓﻲ ﺛﺎﺑﺖ ﺑﻦ ﻗﻴﺲ ﺑﻦ ﺷﻤﺎس وآﺎن ﻓﻲ أذﻧ ﻪ وﻗ ﺮ أي ﺛﻘ ﻞ ﻓ ﻲ اﻟ ﺴﻤﻊ وآ ﺎن إذا دﺧ ﻞ
اﻟﻤﺴﺠﺪ ﺗﻔﺴﺤﻮا ﻟﻪ ﺣﺘﻰ ﻳﻘﻌﺪ ﻋﻨﺪ اﻟﻨﺒﻲ ﺻﻠﻰ اﷲ ﻋﻠﻴﻪ وﺳﻠﻢ ﻟﻴﺴﻤﻊ ﻣﺎ ﻳﻘﻮل ،ﻓﺪﺧﻞ اﻟﻤﺴﺠﺪ ﻳﻮﻣ ًﺎ واﻟﻨﺎس ﻗﺪ ﻓﺮﻏﻮا ﻣﻦ اﻟ ﺼﻼة وأﺧ ﺬوا
أﻣﺎآﻨﻬﻢ ﻓﻲ اﻟﺠﻠ ﻮس ﻓﺠﻌ ﻞ ﻳﺘﺨﻄ ﻰ رﻗ ﺎب اﻟﻨ ﺎس وﻳﻘ ﻮل :ﺗﻔ ﺴﺤﻮا ﺗﻔ ﺴﺤﻮا ،ﺣﺘ ﻰ اﻧﺘﻬ ﻰ إﻟ ﻰ رﺟ ﻞ ﻓﻘ ﺎل ﻟ ﻪ :أﺻ ﺒﺖ ﻣﺠﻠ ﺴ ًﺎ ﻓ ﺎﺟﻠﺲ ،
ﻓﺠﻠﺲ ﺛﺎﺑﺖ ﺑﻦ ﻗﻴﺲ ﺧﻠﻒ ذﻟﻚ اﻟﺮﺟﻞ ﻣﻐﻀﺒ ًﺎ ،ﻓﻠﻤﺎ اﻧﺠﻠﺖ اﻟﻈﻠﻤﺔ ﻗﺎل ﺛﺎﺑﺖ :ﻣﻦ هﺬا ؟ ﻗﺎل اﻟﺮﺟﻞ :أﻧ ﺎ ﻓ ﻼن .ﻓﻘ ﺎل ﺛﺎﺑ ﺖ :اﺑ ﻦ ﻓﻼﻧ ﺔ ،
ﻼ ،ﻓﻨﺰﻟﺖ هﺬﻩ اﻵﻳﺔ اﻟﻜﺮﻳﻤﺔ " :ﻳﺎ أﻳﻬﺎ اﻟﺬﻳﻦ ﺁﻣﻨ ﻮا ﻻ ﻳ ﺴﺨﺮ ﻗ ﻮم
ذآﺮ أﻣ ًﺎ ﻟﻪ آﺎن ﻳﻌﻴﺮ ﺑﻬﺎ ﻓﻲ اﻟﺠﺎهﻠﻴﺔ ،ﻓﻨﻜﺲ اﻟﺮﺟﻞ رأﺳﻪ ﺣﻴﺎ ًء وﺧﺠ ً
ﻣﻦ ﻗﻮم ﻋﺴﻰ أن ﻳﻜﻮﻧﻮا ﺧﻴﺮًا ﻣﻨﻬﻢ " .ﻓﻘﺎل ﺛﺎﺑﺖ ﺑﻦ ﻗﻴﺲ ﻻ أﻓﺨﺮ ﻋﻠﻰ أﺣﺪ ﻓﻲ اﻟﺤﺴﺐ ﺑﻌﺪهﺎ أﺑﺪًا .
وروي ﻋﻦ اﻟﻀﺤﺎك أن ﻗﻮﻣ ًﺎ ﻣﻦ ﺑﻨﻲ ﺗﻤ ﻴﻢ اﺳ ﺘﻬﺰأوا ﺑ ﺒﻼل وﺧﺒ ﺎب وﻋﻤ ﺎر وﺻ ﻬﻴﺐ وأﺑ ﻲ ذر وﺳ ﺎﻟﻢ ﻣ ﻮﻟﻰ ﺣﺬﻳﻔ ﺔ ،ﻓﻨﺰﻟ ﺖ ه ﺬﻩ
اﻵﻳﺔ اﻟﻜﺮﻳﻤﺔ ﻓﻴﻬﻢ .
وﻗﻮﻟﻪ ﺗﻌﺎﻟﻰ " :وﻻ ﻧﺴﺎء ﻣﻦ ﻧﺴﺎء " ،ﻧﺰل ﻓﻲ ﻧﺴﺎء اﻟﻨﺒﻲ ﺻﻠﻰ اﷲ ﻋﻠﻴﻪ وﺳﻠﻢ ﺳﺨﺮن ﻣﻦ أم ﺳﻠﻤﺔ وﻋﻴّﺮﻧﻬ ﺎ ﺑﺎﻟﻘ ﺼﺮ وأﺷ ﺮن
إﻟﻴﻬﺎ ﺑﺄﻳﺪﻳﻬﻦ ﻓﻨﺰﻟﺖ هﺬﻩ اﻵﻳﺔ ﻓﻴﻬﻦ .
وﻋ ﻦ ﻋﻜﺮﻣ ﺔ ﻋ ﻦ اﺑ ـﻦ ﻋﺒ ﺎس رﺿ ﻲ اﷲ ﺗﻌ ﺎﻟﻰ ﻋﻨﻬﻤ ﺎ :أن ﺻ ﻔﻴﺔ ﺑﻨ ﺖ ﺣﻴ ﻲ أﺗ ﺖ رﺳ ﻮل اﷲ ﺻ ﻠﻰ اﷲ ﻋﻠﻴ ﻪ وﺳ ﻠﻢ ﻓﻘﺎﻟ ﺖ :إن
ﻼ ﻗﻠﺖ إن أﺑﻲ هﺮون ،واﺑﻦ ﻋﻤﻲ ﻣﻮﺳ ﻰ
اﻟﻨﺴﺎء ﻳﻌﻴﺮﻧﻨﻲ وﻳﻘﻠﻦ :ﻳﺎ ﻳﻬﻮدﻳﺔ ﺑﻨﺖ ﻳﻬﻮدﻳﻴﻦ ،ﻓﻘﺎل ﻟﻬﺎ رﺳﻮل اﷲ ﺻﻠﻰ اﷲ ﻋﻠﻴﻪ وﺳﻠﻢ :ه ّ
،وأن زوﺟﻲ ﻣﺤﻤﺪ ،ﻋﻠﻴﻪ اﻟﺼﻼة واﻟﺴﻼم ،ﻓﻨﺰﻟﺖ هﺬﻩ اﻵﻳﺔ ﻓﻲ ﺣﻘﻬﺎ وﺣﻖ ﻣﻦ ﻋﻴّﺮهﺎ وﻃﻌﻨﻬﺎ ﻓﻲ ﻧﺴﺒﻬﺎ ،ﻧﺎهﻴﺔ ﻋﻦ هﺬا اﻷﺳﻠﻮب ﻣ ﻦ
اﻟﺴﺨﺮﻳﺔ واﻻﺳﺘﻬﺰاء ﻣﻤﺎ ﻻ ﻳﻠﻴﻖ ﺑﺎﻟﻤﺆﻣﻨﻴﻦ واﻟﻤﺆﻣﻨﺎت واﻟﻤﺴﻠﻤﻴﻦ واﻟﻤﺴﻠﻤﺎت .
واﻟﻘﻮم ،ﻓﻲ ﻗﻮﻟﻪ ﺗﻌﺎﻟﻰ :ﻻ ﻳﺴﺨﺮ ﻗﻮم ﻣﻦ ﻗﻮم ،اﻟﻤﺮاد ﺑﻬ ﻢ اﻟﺮﺟ ﺎل ﺧﺎﺻ ﺔ ،ﻗ ﺎل اﻟﺨﻠﻴ ﻞ :اﻟﻘ ﻮم ﻳﻘ ﻊ ﻋﻠ ﻰ اﻟﺮﺟ ﺎل دون اﻟﻨ ﺴﺎء
ﻦ أم ﻧ ﺴﺎ ُء واﺧﺘ ﺼﺎص اﻟﻘ ﻮم ﺑﺎﻟﺮﺟ ﺎل دون
ﻟﻘﻴﺎم ﺑﻌﻀﻬﻢ ﻣﻊ ﺑﻌﺾ ﻓﻲ اﻷﻣﻮر ،ﻗﺎل زهﻴﺮ :وﻣﺎ أدري وﻟ ﺴﺖ أﺧ ﺎل أدري :أﻗ ﻮم ﺁل ﺣ ﺼ ٍ
اﻟﻨﺴﺎء ﺻﺮﻳﺢ ﻓﻲ اﻵﻳﺔ اﻟﻜﺮﻳﻤﺔ وﻓﻲ هﺬا اﻟﺒﻴﺖ ﻣﻦ ﺷﻌﺮ زهﻴﺮ .
وﻗﺎل اﻟﺰﻣﺨﺸﺮي رﺣﻤﻪ اﷲ ﺗﻌﺎﻟﻰ :اﻟﻘﻮم اﻟﺮﺟﺎل ﺧﺎﺻﺔ ﻟﻨﻬﻢ اﻟﻘﻮاﻣﻮن ﺑﺄﻣﻮر اﻟﻨﺴﺎء ،ﻗﺎل ﺗﻌﺎﻟﻰ " :اﻟﺮﺟﺎل ﻗﻮاﻣﻮن ﻋﻠﻰ اﻟﻨﺴﺎء
ﺑﻤﺎ ﻓﻀﻞ اﷲ ﺑﻌﻀﻬﻢ ﻋﻠﻰ ﺑﻌﺾ وﺑﻤﺎ أﻧﻔﻘﻮا " .
وﻗﺎل ﻋﻠﻴﻪ اﻟﺼﻼة واﻟﺴﻼم :اﻟﻨﺴﺎء ﻟﺤﻢ ﻋﻠﻰ وﺿﻢ إﻻ ﻣﺎ ذب ﻋﻨﻪ ،واﻟﺬاﺑﻮن هﻢ اﻟﺮﺟﺎل .
32
www.daawa-info.net
ﻼ وﻓﻴﻬﻢ اﻟﺬآﻮر واﻹﻧﺎث ،ﻓﻠﻴﺲ ﻟﻔ ﻆ اﻟﻘ ﻮم ﺑﻤﺘﻌ ﺎط ﻟﻠﻔ ﺮﻳﻘﻴﻦ وﻟﻜ ﻦ ﻗ ﺼﺪ ذآ ﺮ اﻟ ﺬآﻮر وﺗ ﺮك
وأﻣﺎ ﻗﻮﻟﻬﻢ ﻗﻮم ﻓﺮﻋﻮن وﻗﻮم ﻋﺎد ﻣﺜ ً
اﻹﻧﺎث ﻷﻧﻬﻦ ﺗﻮاﺑﻊ ﻟﺮﺟﺎﻟﻬﻦ أو ﻣﻦ ﺑﺎب ﺗﻐﻠﻴﺐ اﻟﺬآﻮر ﻋﻠﻰ اﻹﻧﺎث .
وورود ﻟﻔﻆ اﻟﻘﻮم واﻟﻨﺴﺎء ﺑﺼﻮرة اﻟﻨﻜﺮة " :ﻻ ﻳﺴﺨﺮ ﻗﻮم ﻣﻦ ﻗﻮم وﻻ ﻧﺴﺎء ﻣﻦ ﻧﺴﺎء " ﻳﺤﺘﻤﻞ ﻣﻌﻨﻴﻴﻦ :
أن ﻳ ﺮاد :ﻻ ﻳ ﺴﺨﺮ ﺑﻌ ﺾ اﻟﻤ ﺆﻣﻨﻴﻦ واﻟﻤﺆﻣﻨ ﺎت ﻣ ﻦ ﺑﻌ ﺾ ،وأن ﺗﻘ ﺼﺪ إﻓ ﺎدة اﻟ ﺸﻴﻮع وأن ﺗ ﺼﻴﺮ آ ﻞ ﺟﻤﺎﻋ ﺔ ﻣ ﻨﻬﻢ ﻣﻨﻬﻴ ﺔ ﻋ ﻦ
اﻟﺴﺨﺮﻳﺔ واﻻﺳﺘﻬﺰاء .
ﻗﺎل اﻟﺰﻣﺨﺸﺮي رﺣﻤﻪ اﷲ ﺗﻌﺎﻟﻰ :وإن ﻟﻢ ﻳﻘﻞ اﻟﺤﻖ ﻋﺰ وﺟﻞ رﺟﻞ ﻣﻦ رﺟﻞ وﻻ إﻣﺮأة ﻣﻦ إﻣﺮأة ﻋﻠ ﻰ اﻟﺘﻮﺣﻴ ﺪ إﻋﻼﻣ ًﺎ ﺑﺈﻗ ﺪام ﻏﻴ ﺮ
واﺣﺪ ﻣﻦ رﺟﺎﻟﻬﻢ وﻏﻴﺮ واﺣﺪة ﻣﻦ ﻧﺴﺎﺋﻬﻢ ﻋﻠﻰ اﻟﺴﺨﺮﻳﺔ واﺳﺘﻔﻈﺎﻋ ًﺎ ﻟﻠ ﺸﺄن اﻟ ﺬي آ ﺎﻧﻮا ﻋﻠﻴ ﻪ .وﻷن ﻣ ﺸﻬﺪ اﻟ ﺴﺎﺧﺮﻳﻦ ﻻ ﻳﻜ ﺎد ﻳﺨﻠ ﻮ ﻣ ﻦ
ﻳﺘﻠﻬﻰ وﻳﺴﺘﻀﺤﻚ ﻋﻠﻰ ﻗﻮﻟﻪ وﻻ ﻳ ﺄﺗﻲ ﻣ ﺎ ﻳﺠ ﺐ ﻋﻠﻴ ﻪ ﻣ ﻦ اﻟﻨﻬ ﻲ واﻹﻧﻜ ﺎر ﻓﻴﻜ ﻮن ﺷ ﺮﻳﻚ اﻟ ﺴﺎﺧﺮ … وآ ﺬﻟﻚ ﻣ ﻦ ﻳﻄ ﺮق ﺳ ﻤﻌﻪ ﻓﻴ ﺴﺘﻄﻴﺒﻪ
وﻳﻀﺤﻚ ﺑﻪ ﻓﻴﺆدي ذﻟﻚ وإن أوﺟﺪﻩ واﺣﺪ إﻟﻰ أن ﺗﻜﺜﺮ اﻟﺴﺨﺮﻳﺔ واﻧﻘﻼب اﻟﻮاﺣﺪ ﺟﻤﺎﻋﺔ وﻗﻮﻣ ًﺎ .
وﻗﻮﻟ ﻪ ﺗﻌ ﺎﻟﻰ " :ﻋ ﺴﻰ أن ﻳﻜﻮﻧ ﻮا ﺧﻴ ﺮًا ﻣ ﻨﻬﻢ " آ ﻼم ﻣ ﺴﺘﺄﻧﻒ ﻗ ﺪ ورد ﻣ ﻮرد ﺟ ﻮاب اﻟﻤﺘﺨﺒ ﺮ ﻋ ﻦ اﻟﻌﻠ ﺔ اﻟﻤﻮﺟﺒ ﺔ ﻟﻠﻨﻬ ﻲ ﻋ ﻦ
اﻟﺴﺨﺮﻳﺔ ﻓﻲ أول اﻵﻳﺔ اﻟﻜﺮﻳﻤﺔ ﻓﻘﻴﻞ ﻟﻠﻤﺘﺴﺎﺋﻞ :إن هﺬا اﻟﻤﺴﺨﻮر ﻣﻨﻪ ﻗﺪ ﻳﻜﻮن أﻓ ﻀﻞ وأآ ﺮم ﻋﻨ ﺪ اﷲ ﺗﻌ ﺎﻟﻰ ﻣ ﻦ اﻟ ﺴﺎﺧﺮ وﻳﺠ ﺐ ﻋﻠ ﻰ آ ﻞ
واﺣﺪ أن ﻳﻌﺘﻘﺪ أن اﻟﻤﺴﺨﻮر ﻣﻨﻪ رﺑﻤﺎ آﺎن ﻋﻨﺪ اﷲ ﺧﻴﺮًا ﻣﻦ اﻟﺴﺎﺧﺮ ،واﻟﻤﺴﺘﻬﺰأ ﺑﻪ أﻓﻀﻞ ﻣﻦ اﻟﻤ ﺴﺘﻬﺰئ ﻷن اﻟﻨ ﺎس ﻻ ﻳﻄﻠﻌ ﻮن إﻻ ﻋﻠ ﻰ
ﻇﻮاهﺮ اﻷﺣﻮال وﻻ ﻋﻠﻢ ﻟﻬﻢ ﺑﺎﻟﺨﻔﻴﺎت واﻟﻤﺴﺘﻮرات واﻟﺬي ﻳﻮزن ﻋﻨﺪ اﷲ ﺗﻌﺎﻟﻰ وﻳﻜﻮن اﻟﺸﺄن ﻓﻲ ﻋﻠﻮ ﺷﺄن اﻟﻨﺎس أو اﻧﺤﻄ ﺎﻃﻬﻢ إﻧﻤ ﺎ ه ﻮ
ﺧﻠﻮص اﻟﻀﻤﺎﺋﺮ ﷲ ،وﺗﻘﻮى اﻟﻘﻠﻮب .وﻋﻠﻢ اﻟﻨﺎس ﺑﺎﻟﻀﻤﺎﺋﺮ ﺻﻔﺮ ﻓﻲ ﺻﻔﺮ واﷲ وﺣﺪﻩ هﻮ اﻟﺬي ﻳﻌﻠﻢ ﻣ ﺎ ﻓ ﻲ اﻟ ﻀﻤﺎﺋﺮ واﻟﻘﻠ ﻮب وﻣﻨ ﺎزل
اﻟﻨ ﺎس ﻋﻨ ﺪﻩ ﻋﻠ ﻰ ﺣ ﺴﺐ ﻣ ﺎ ﻓ ﻲ ه ﺬﻩ اﻟﻘﻠ ﻮب اﻟﺘ ﻲ ﻧﺠﻬ ﻞ ﻋﻨﻬ ﺎ آ ﻞ اﻟﺠﻬ ﻞ ﻣ ﺎ ﻓﻴﻬ ﺎ وﻣ ﺎ ﺗﻨﻄ ﻮي ﻋﻠﻴ ﻪ ،ﻓﻴﻨﺒﻐ ﻲ أن ﻻ ﻳﺠﺘ ﺮئ أﺣ ﺪ ﻋﻠ ﻰ
اﻻﺳﺘﻬﺰاء ﺑﻤﻦ ﺗﻘﺘﺤﻤﻪ ﻋﻴﻨﻪ إذ رﺁﻩ رث اﻟﺤﺎل أو ذا ﻋﺎهﺔ ﻓﻲ ﺑﺪﻧﻪ أو ﺻﻐﻴﺮًا ﻓﻲ وﻇﻴﻔﺘﻪ أو ﻓﻘﻴﺮًا ﻓﻲ ﻣﻈﻬﺮﻩ أو ﻣﺘﻮاﺿﻌ ًﺎ ﻓ ﻲ ﺷ ﻬﺎدﺗﻪ أو
ﻼ وأﺻ ﻔﻰ
ﺿﻌﻴﻔ ًﺎ ﻓﻲ ﺣﺎﻟﻪ ،ﻓﻠﻌﻞ هﺬا اﻟﺬي ﺗﺴﺨﺮ ﻣﻨﻪ أﻳﻬﺎ اﻹﻧﺴﺎن وﺗﺴﺘﻬﺰئ ﺑﻪ ،ﻟﻌﻠﻪ ﻳﻜﻮن أﺧﻠﺺ ﻣﻨﻚ ﺿﻤﻴﺮًا أو أﻧﻘﻰ ﻗﻠﺒ ًﺎ وأﻃﻬ ﺮ ذﻳ ً
روﺣ ًﺎ وأﺳﻤﻰ ﺧﻠﻘ ًﺎ وأرﻓﻊ ﻣﻨﺰﻟﺔ ﻋﻨﺪ اﷲ ﻣﻨﻚ ،ﻓﻼ ﺗﻈﻠﻢ ﻧﻔ ﺴﻚ ﺑﺘﺤﻘﻴ ﺮ ﻣ ﻦ وﻗ ﺮﻩ اﷲ ﺗﻌ ﺎﻟﻰ ،واﻻﺳ ﺘﻬﺎﻧﺔ ﺑﻤ ﻦ ﻋﻈﻤ ﻪ اﷲ ﺗﻌ ﺎﻟﻰ وأآﺮﻣ ﻪ
ﺑﺮﺿﺎﻩ ﻋﻨﻪ.
وﻟﻘﺪ ﺑﻠﻎ اﻟﺨﻮف ﺑﺒﻌﺾ اﻟﺴﻠﻒ – رﺿﻲ اﷲ ﺗﻌﺎﻟﻰ ﻋﻨﻬﻢ وأرﺿﺎهﻢ – ﻣﻦ هﺬﻩ اﻵﻳﺔ أن أﻓﺮﻃﻮا ﻓﻲ اﻟﺘﻮﻗﻲ واﻟﺤﺬر ﻣ ﻦ اﻟﻮﻗ ﻮع ﻓ ﻲ
اﻟﺴﺨﺮﻳﺔ ﺑﺎﻟﻨﺎس .
ﻼ ﻳﺮﺿﻊ ﻋﻨﺰًا ﻓﻀﺤﺖ ﻣﻨﻪ ﺧﺸﻴﺖ أن أﺻﻨﻊ ﻣﺜﻞ اﻟﺬي ﺻﻨﻌﻪ.
ﻗﺎل ﻋﻤﺮو ﺑﻦ ﺷﺮﺣﺒﻴﻞ :ﻟﻮ رأﻳﺖ رﺟ ً
وﻋﻦ ﻋﺒﺪ اﷲ ﺑﻦ ﻣﺴﻌﻮد ﻗﺎل :اﻟﺒﻼء ﻣﻮآﻞ ﺑﺎﻟﻘﻮل ،وﻟﻮ ﺳﺨﺮت ﻣﻦ آﻠﺐ ﻟﺨﺸﻴﺖ أن أﺣﻮل آﻠﺒ ًﺎ .
ﺺ ﻓ ﻲ اﻟﻌﻘ ﻞ ،ﻓﻠﻜ ﻞ إﻧ ﺴﺎن ﻣﻨﺰﻟﺘ ﻪ ﻓ ﻲ اﻟﻤﺠﺘﻤ ﻊ ،وﻻ ﻳ ﺴﺘﻐﻨﻲ اﻟﻤﺠﺘﻤ ﻊ ﻋ ﻦ
واﻟﺴﺨﺮﻳﺔ ﺑﺎﻟﺨﻠﻖ ﺗﺪل ﻋﻠﻰ اﻧﺤﻄﺎط ﻓﻲ اﻟﺨُﻠ ﻖ وﻧﻘ ٍ
ﻋﻤﻞ أﺣ ٍﺪ ﻣﻦ اﻟﻨﺎس ﻣﻬﻤﺎ ﺻﻐﺮ هﺬا اﻟﻌﻤﻞ أو ﺣﻘﺮ ﻓﻲ ﻧﻈﺮ اﻟﺒﻌﺾ .
وﻟﻜﻞ إﻧﺴﺎن ﻋﺎﻃﻔﺘﻪ وآﺮاﻣﺘﻪ واﺣﺘﺮاﻣﻪ ،ﺑﻞ ﻗﺪ ﻳﻜﻮن ﻋﻨﺪ اﻟﻌﺎﻣﻞ اﻟﺒ ﺴﻴﻂ اﻟ ﺬي ﻗ ﺪ ﻳﺤﺘﻘ ﺮ ﻋﻤﻠ ﻪ اﻟﻤﺜﻘ ﻒ أو اﻟﻤﻮﻇ ﻒ أو اﻟﻐﻨ ﻲ أو
أي أﺣﺪ ﻣﻦ هﺆﻻء اﻟﺴﺎﺧﺮﻳﻦ اﻟﺠﺎهﻠﻴﻦ واﻟﻤﺘﻜﺒﺮﻳﻦ اﻟﻤﺘﺠﺒﺮﻳﻦ .ﻗﺪ ﻳﻜﻮن ﻋﻨﺪ هﺬا اﻟﻌﺎﻣﻞ ﻣﻦ اﻟﻜﺮاﻣﺔ وﻋ ﺰة اﻟ ﻨﻔﺲ وﻃﻴ ﺐ اﻟﺨﻠ ﻖ وﺻ ﻔﺎء
اﻟﻘﻠﺐ وﻃﻬﺎرة اﻟﺮوح ﻣﺎ ﻟﻴﺲ ﻋﻨﺪ أوﻟﺌﻚ ﺟﻤﻴﻌ ًﺎ ،ﻓﻴﺘﻖ اﷲ اﻟﻨﺎس ﻓﻲ ﻋﺒﺎد اﷲ وﻻ ﻳﺘﻄﺎوﻟﻮا ﻋﻠﻰ أﺣﺪ ،ﻓﺈﻧﻬﻢ ﻻﺑﺪ دون ﻣﻨ ﺎزل اﻟﻨ ﺎس ﻋﻨ ﺪ
اﷲ ﺳﺒﺤﺎﻧﻪ ،وﻻ ﻳﻌﻠﻤﻮن ﺣﻘﺎﺋﻖ ﻧﻔﻮﺳﻬﻢ ،ﻓﻜﻴﻒ ﻳﺠﺘﺮﺋﻮن ﻋﻠﻴﻬﻢ ﺑﺎﻟﺒﺎﻃﻞ وﻳﺴﺨﺮون ﻣﻨﻬﻢ ﻇﻠﻤ ًﺎ وﻋﺪواﻧ ًﺎ .
ﻳﺮوى أن اﻟﺮﺟ ﻞ ﻳﻮﻣ ًﺎ ﺧﺎﻃﺒ ﺖ اﻟ ﺮأس ﻓ ﻲ اﻟﺒ ﺪن ﻓﻘﺎﻟ ﺖ :أﻳﻬ ﺎ اﻟ ﺮأس ،ﻻ ﺗ ﺸﻤﺦ ﺑﺄﻧﻔ ﻚ ﻋﻠ ﻲ وﻻ ﺗﺘﺮﻓ ﻊ ﺑﻤ ﺎ وهﺒ ﻚ اﷲ ﻣ ﻦ ﺳ ﻤﻊ
وﺑﺼﺮ وﻟﺴﺎن ،وﻻﺗﻐﺘﺮ ﺑﻌﻠﻮك ﻋﻠﻰ ﺳﺎﺋﺮ أﻋﻀﺎء اﻟﺒﺪن ،وإﻳﺎك أن ﺗﺴﺨﺮ ﻣﻨﻲ وﺗﻬﺰأ ﺑﻲ وﺗﻘﻞ إﻧﻚ ﻣﻮﻃﻦ اﻟﺤﺬاء وﻣ ﺪاس اﻷﻗ ﺬار ،ﻓﺈﻧ ﻚ
أﻳﻬﺎ اﻟﺮأس ﻟﻮﻻي أﻧﺎ اﻟﺮﺟﻞ ﻣﺎ ﺳﺮت ﻋﻠﻰ اﻷرض .
33
www.daawa-info.net
واﻟﻤﺠﺘﻤﻊ آﺎﻟﺠﺴﻢ ،وهﻞ ﻧﻘﻄﻊ اﻟﺮﺟﻞ ﻣﻦ اﻟﺠﺴﺪ ﻷﻧﻬﺎ ﺣﻘﻴﺮة وﻧﺒﻘﻲ اﻟﺮأس ﻷﻧﻪ ﻋﻈﻴﻢ ،وإذا ﻓﻌﻠﻨﺎ ذﻟﻚ واﺣﺘﻘﺮﻧﺎ اﻟﺮﺟﻞ ﻓﻬﻞ ﻧﻌﺪو
أن ﻧﻜﻮن ﻣﺠﺎﻧﻴﻦ ﺧﺎرﺟﻴﻦ ﻋﻦ ﻃﻮر اﻹﻧﺴﺎﻧﻴﺔ .
ﻓﻜﺬﻟﻚ اﻟﺸﺄن ﻓﻲ اﻟﻤﺠﺘﻤﻊ ،ﻓﺈذا اﺣﺘﻘﺮﻧﺎ اﻟﺼﻐﻴﺮ ﻟﺼﻐﺮﻩ ،واﻟﻔﻘﻴﺮ ﻟﻔﻘﺮﻩ ،واﻟﻌﺎﻣﻞ ﻟﻌﻤﻠﻪ ،واﻟﻤﻮﻇﻒ اﻟ ﺼﻐﻴﺮ ﻟﻮﻇﻴﻔﺘ ﻪ ،ﻓ ﻨﺤﻦ ﻻ
ﻧﻌﺪو أن ﻧﻜﻮن آﺬﻟﻚ اﻟﺬي اﺣﺘﻘﺮ رﺟﻠﻪ ﻓﻘﻄﻌﻬﺎ وهﻲ ﺟﺰء ﻣﻦ ﺟﺴﻤﻪ .
ﻓﺎﻟﻤﺠﺘﻤﻊ اﻹﺳﻼﻣﻲ وﺣﺪة ﻣﺘﻜﺎﻣﻠﺔ ﻻ ﺗﺘﺠﺰأ ،وﻻ ﻳﺠﻮز ﻷﺣﺪ أن ﻳﺴﺨﺮ ﻣﻦ أﺣﺪ ،ﺣﺴﺐ أﻣﺮ اﷲ ﻋﺰ وﺟﻞ ﻓ ﻲ ه ﺬﻩ اﻵﻳ ﺔ اﻟﻜﺮﻳﻤ ﺔ ،
ﻻ رﺟﺎل ﻣﻦ رﺟﺎل وﻻ ﻧﺴﺎء ﻣﻦ ﻧﺴﺎء ،ﻓﺎﻟﺴﺨﺮﻳﺔ ﺑﺎﻟﻨﺎس ﺣﺮام ﺷﺮﻋ ًﺎ وﻣﻨﻬﻲ ﻋﻨﻬﺎ ﺑﻨﺺ هﺬﻩ اﻵﻳﺔ اﻟﻜﺮﻳﻤﺔ وﺑﻤﺎ ورد ﻣﻦ أﺣﺎدﻳﺚ رﺳﻮل
اﷲ ﺻﻠﻰ اﷲ ﻋﻠﻴﻪ وﺳﻠﻢ ،وﻋﻦ أﺑﻲ هﺮﻳﺮة رﺿﻲ اﷲ ﺗﻌﺎﻟﻰ ﻋﻨﻪ أن رﺳﻮل اﷲ ﺻﻠﻰ اﷲ ﻋﻠﻴﻪ وﺳﻠﻢ ﻗﺎل :إﻳﺎآﻢ واﻟﻈﻦ ،ﻓﺈن اﻟﻈﻦ أآ ﺬب
اﻟﺤﺪﻳﺚ ،وﻻ ﺗﺤﺴﺴﻮا ،وﻻ ﺗﺠﺴﺴﻮا ،وﻻ ﺗﻨﺎﻓﺴﻮا وﻻ ﺗﺤﺎﺳﺪوا ،وﻻ ﺗﺒﺎﻏ ﻀﻮا ،وﻻ ﺗ ﺪاﺑﺮوا ،وآﻮﻧ ﻮا ﻋﺒ ﺎد اﷲ إﺧﻮاﻧ ًﺎ ،آﻤ ﺎ أﻣ ﺮآﻢ ،
اﻟﻤﺴﻠﻢ أﺧﻮ اﻟﻤﺴﻠﻢ ،ﻻ ﻳﻈﻠﻤﻪ ،وﻻ ﻳﺨﺬﻟﻪ ،وﻻ ﻳﺤﻘﺮﻩ ،اﻟﺘﻘ ﻮى ه ﺎ هﻨ ﺎ – وﻳ ﺸﻴﺮ إﻟ ﻰ ﺻ ﺪرﻩ – ﺑﺤ ﺴﺐ اﻣ ﺮئ ﻣ ﻦ اﻟ ﺸﺮ أن ﻳﺤﻘ ﺮ أﺧ ﺎﻩ
اﻟﻤﺴﻠﻢ ،آﻞ اﻟﻤﺴﻠﻢ ﻋﻠﻰ اﻟﻤﺴﻠﻢ ﺣﺮام دﻣﻪ وﻣﺎﻟﻪ وﻋﺮﺿﻪ .
وﻋ ﻦ أﺑ ﻲ ﺑﻜ ﺮ رﺿ ﻲ اﷲ ﺗﻌ ﺎﻟﻰ ﻋﻨ ﻪ ،أن رﺳ ﻮل اﷲ ﺻ ﻠﻰ اﷲ ﻋﻠﻴ ﻪ وﺳ ﻠﻢ ﻗ ﺎل ﻓ ﻲ ﺧﻄﺒﺘ ﻪ ﻓ ﻲ ﺣﺠ ﺔ اﻟ ﻮداع " :إن دﻣ ﺎءآﻢ
وأﻋﺮاﺿﻜﻢ ﻋﻠﻴﻜﻢ ﺣﺮام ،آﺤﺮﻣﺔ ﻳﻮﻣﻜﻢ هﺬا ﻓﻲ ﺷﻬﺮآﻢ هﺬا ،ﻓﻲ ﺑﻠﺪآﻢ هﺬا ،أﻻ هﻞ ﺑﻠﻐﺖ ؟ .
وﻋﻦ ﻋﺎﺋﺸﺔ رﺿﻲ اﷲ ﺗﻌﺎﻟﻰ ﻋﻨﻬﺎ ﻗﺎﻟﺖ :ﻗﺎل رﺳﻮل اﷲ ﺻﻠﻰ اﷲ ﻋﻠﻴﻪ وﺳﻠﻢ ﻷﺻﺤﺎﺑﻪ :
أﺗﺪرون أرﺑﻰ اﻟﺮﺑﺎ ﻋﻨﺪ اﷲ ؟ ﻗ ﺎﻟﻮا :اﷲ ورﺳ ﻮﻟﻪ أﻋﻠ ﻢ ﻗ ﺎل " :ﻓ ﺈن أرﺑ ﻰ اﻟﺮﺑ ﺎ ﻋﻨ ﺪ اﷲ اﺳ ﺘﺤﻼل ﻋ ﺮض اﻣ ﺮئ ﻣ ﺴﻠﻢ ،ﺛ ﻢ ﻗ ﺮأ
رﺳﻮل اﷲ ﺻﻠﻰ اﷲ ﻋﻠﻴﻪ وﺳﻠﻢ " :واﻟﺬﻳﻦ ﻳﺆذون اﻟﻤﺆﻣﻨﻴﻦ واﻟﻤﺆﻣﻨﺎت ﺑﻐﻴﺮ ﻣﺎ اآﺘﺴﺒﻮا ﻓﻘﺪ اﺣﺘﻤﻠﻮا ﺑﻬﺘﺎﻧ ًﺎ وإﺛﻤ ًﺎ ﻣﺒﻴﻨ ًﺎ " .
وﻋﻦ ﺳﻌﻴﺪ ﺑﻦ زﻳﺪ رﺿﻲ اﷲ ﺗﻌﺎﻟﻰ ﻋﻨﻪ ،ﻋﻦ اﻟﻨﺒﻲ ﺻﻠﻰ اﷲ ﻋﻠﻴﻪ وﺳﻠﻢ ﻗﺎل " :إن ﻣﻦ أرﺑﻰ اﻟﺮﺑﺎ اﻻﺳﺘﻄﺎﻟﺔ ﻓﻲ ﻋﺮض اﻟﻤ ﺴﻠﻢ
ﺑﻐﻴﺮ ﺣﻖ " .
ﻼ ﺑﺤﻀﺮﺗﻪ .
واﻟﺴﺨﺮﻳﺔ :اﻻﺳﺘﻬﺰاء واﻟﻨﻈﺮ إﻟﻰ اﻟﻤﺴﺨﻮر ﻣﻨﻪ ﺑﻌﻴﻦ اﻟﻨﻘﺺ واﻻزدراء ﺑﻪ ﻗﻮ ًﻻ أو ﻓﻌ ً
واﻟﻠﻤﺰ :اﻟﻄﻌﻦ واﻟﻀﺮب ﺑﺎﻟﻠﺴﺎن واﻟﺘﻨﺒﻴﻪ ﻋﻠﻰ اﻟﻤﻌﺎﻳﺐ ﻓﻲ ﺣﻀﺮﺗﻪ ،وﻻ ﻳﺪﺧﻞ ﻓﻲ ﻣﻔﻬﻮﻣﻪ ﻗﺼﺪ اﻻﺣﺘﻘﺎر آﻤﺎ ﻳﺪﺧﻞ ﻓﻲ اﻟﺴﺨﺮﻳﺔ
،وهﺬا هﻮ اﻟﻔﺎرق ﺑﻴﻨﻬﻤﺎ .
واﻟﺘﻨ ﺎﺑﺰ ﺑﺎﻷﻟﻘ ﺎب :اﻟﺘ ﺪاﻋﻲ ﺑﻬ ﺎ ،وﺑﻨ ﻮ ﻓ ﻼن ﺑﺘﻨ ﺎﺑﺰون أي ﻳﺘ ﺪاﻋﻮن ﺑﺎﻟﺘﻠﻘﻴ ﺐ اﻟﻤﻨﻬ ﻲ ﻋﻨ ﻪ ﺷ ﺮﻋ ًﺎ ،وه ﻮ ﻣ ﺎ ﻳﺘ ﺪاﺧﻞ اﻟﻤ ﺪﻋﻮ ﺑ ﻪ
آﺮاهﺔ ﻟﻜﻮﻧﻪ ﺗﻘﺼﻴﺮًا ﺑﻪ وذﻣ ًﺎ ﻟﻪ وﺷﻴﻨ ًﺎ .
أﻣﺎ ﻣﺎ ﻳﺤﺒﻪ ﻣﻦ اﻷﻟﻘﺎب ﻣﻤﺎ ﻳﺰﻳﻨﻪ وﻳﻨﻮﻩ ﺑﻪ ﻓﻼ ﺑﺄس ﺑﻪ .ﻓﻔﻲ هﺬﻩ اﻵﻳﺔ اﻟﻜﺮﻳﻤﺔ ﻳﻨﻬﻰ اﷲ ﻋﺰ وﺟﻞ ﻋﻦ اﻟﻠﻤﺰ واﻟﻄﻌ ﻦ وﻋ ﻦ ﻧ ﺪاء
اﻟﻨﺎس ﺑﻌﻀﻬﻢ ﻟﺒﻌﺾ ﺑﻤﺎ ﻳﻜﺮهﻮﻧﻪ ﻣﻦ اﻷﻟﻘﺎب ﻓﻠﻴﺲ ﻣﻦ اﻹﻧﺼﺎف وﻻ ﻣﻦ اﻟﺮﺟﻮﻟﺔ أن ﺗﻠﻤﺰ أﺧ ﺎك وﺗﻄﻌﻨ ﻪ ﺑﻐﻴ ﺮ ﺣ ﻖ وﻻ ﺗﻨﺎدﻳ ﻪ ﺑﻤ ﺎ ﻳﻜ ﺮﻩ
ﻣﻦ اﻷﻟﻘﺎب اﻟﺨﺒﻴﺜﺔ ،وآﻞ هﺬﻩ اﻷﻣﻮر اﻟﺘﻲ ﻳﻨﻬﻰ ﻋﻨﻬﺎ اﻹﺳ ﻼم ﻣﻤ ﺎ ﺗﻮﻟ ﺪ اﻟﻔ ﺴﺎد واﻟﻌ ﺪاوة واﻟﺒﻐ ﻀﺎء ﺑ ﻴﻦ اﻟﻨ ﺎس ،واﷲ ﺗﺒ ﺎرك وﺗﻌ ﺎﻟﻰ ﻻ
ﻳﺤﺐ اﻟﻔﺴﺎد وﻻ ﻳﺮﺿﻰ ﻟﻌﺒﺎدﻩ اﻟﻔﺮﻗﺔ واﻟﺸﻘﺎق ،واﻟﺘﻔﺮﻗﺔ واﻟﻨﻔﺎق .
واﻧﻈﺮوا إﻟﻰ اﻹﻟﺘﻔﺎﺗﺔ اﻟﻌﻈﻴﻤﺔ ﻓﻲ هﺬﻩ اﻵﻳﺔ اﻟﻜﺮﻳﻤﺔ ﺣﻴﺚ ﻗﺎل ﺗﻌﺎﻟﻰ " :وﻻ ﺗﻠﻤ ﺰوا أﻧﻔ ﺴﻜﻢ " وﻗ ﺪ ﻳﺘ ﺴﺎءل اﻹﻧ ﺴﺎن وآﻴ ﻒ ﻳﻠﻤ ﺰ
اﻹﻧﺴﺎن ﻧﻔﺴﻪ ؟ واﻟﺠﻮاب :إن اﷲ ﺗﺒﺎرك وﺗﻌﺎﻟﻰ ﺟﻌﻞ اﻟﻤﺆﻣﻨﻴﻦ آﻨﻔﺲ واﺣﺪة واﻋﺘﺒﺮهﻢ آﺠﺴﺪ واﺣﺪ ،ﻓﻼ ﻳﻠﻴﻖ أن ﻳﻄﻌﻦ ﺑﻌ ﻀﻬﻢ ﺑﻌ ﻀ ًﺎ ،
ﻷن اﻟﻄﺎﻋﻦ ﻓﻲ هﺬﻩ اﻟﺤﺎﻟﺔ ﻳﻄﻌﻦ ﻧﻔﺴﻪ ،وﻳﻄﻌﻦ ﺟﺴﺪﻩ ﺑﻨﻔﺲ اﻟﻤﺪﻳﺔ اﻟﺘﻲ ﻃﻌﻦ ﻓﻴﻬﺎ أﺧﺎﻩ ،ﻟﺬﻟﻚ ﻧﻬ ﺎهﻢ ﺑﻬ ﺬا اﻷﺳ ﻠﻮب اﻟﺤﻜ ﻴﻢ ﻓﻘ ﺎل :وﻻ
ﻦ ﻓﻜﺄﻧﻤﺎ ﻋﺎب ﻧﻔﺴﻪ.
ﻦ اﻟﻤﺆﻣ َ
ﺗﻠﻤﺰوا أﻧﻔﺴﻜﻢ وﻣﻌﻨﺎﻩ ﻻ ﻳﻌﻴﱢﺮ ﺑﻌﻀﻜﻢ ﺑﻌﻀ ًﺎ ﻷن اﻟﻤﺆﻣﻨﻴﻦ آﻨﻔﺲ واﺣﺪة ،ﻋﺎب اﻟﻤﺆﻣ ُ
وذهﺐ ﺻﺎﺣﺐ اﻟﻜﺸﺎف رﺣﻤﻪ اﷲ ﺗﻌﺎﻟﻰ إﻟﻰ أن اﻟﻤﻌﻨﻰ :وﺧﺼﻮا أﻧﻔﺴﻜﻢ أﻳﻬﺎ اﻟﻤﺆﻣﻨﻮن ﺑﺎﻟﻨﻬﻲ ﻋﻦ اﻟﻠﻤ ﺰ ﻓﻴﻬ ﺎ وﻃﻌﻨﻬ ﺎ وﻋﻴﺒﻬ ﺎ ،
وﻻ ﻋﻠﻴﻜﻢ أن ﺗﻠﻤﺰوا ﻏﻴﺮآﻢ ﻣﻤﻦ ﻟﻴﺲ ﻋﻠﻰ دﻳﻨﻜﻢ أو ﻣﻤﻦ ﻟﻴﺲ ﻋﻠﻰ ﺳﻴﺮﺗﻜﻢ وهﻢ اﻟﻤﺠﺎهﺮون ﺑﺎﻟﻔﺴﻖ .وﻓﻲ اﻟﺤﺪﻳﺚ اﻟﺸﺮﻳﻒ " .اذآ ﺮوا
اﻟﻔﺎﺳﻖ ﺑﻤﺎ ﻓﻴﻪ آﻲ ﻳﺤﺬرﻩ اﻟﻨﺎس " .
34
www.daawa-info.net
وروي ﻋﻦ اﻟﻨﺒﻲ ﺻﻠﻰ اﷲ ﻋﻠﻴﻪ وﺳ ﻠﻢ " :ﻣ ﻦ ﺣ ﻖ اﻟﻤ ﺆﻣﻦ ﻋﻠ ﻰ أﺧﻴ ﻪ أن ﻳ ﺴﻤﻴﻪ ﺑﺄﺣ ﺐ أﺳ ﻤﺎﺋﻪ إﻟﻴ ﻪ .وﻟﻬ ﺬا آﺎﻧ ﺖ اﻟﺘﻜﻨﻴ ﺔ ﻣ ﻦ
اﻟﺴﻨﺔ واﻷدب اﻟﺤﺴﻦ .ﻗﺎل ﻋﻤﺮ ﺑﻦ اﻟﺨﻄﺎب رﺿﻲ اﷲ ﺗﻌﺎﻟﻰ ﻋﻨﻪ :أﺷﻴﻌﻮا اﻟﻜﻨﻰ ﻓﺈﻧﻬﺎ ﻣﻨﺒﻬﺔ .
وﻗ ّﻞ ﻣﻦ ﺗﺠﺪ ﻣﻦ اﻟﻤﺸﺎهﻴﺮ ﻓﻲ اﻟﺠﺎهﻠﻴﺔ واﻹﺳﻼم وﻻ ﺗﺠﺪ ﻟﻪ ﻟﻘﺒ ًﺎ ﺣﺴﻨ ًﺎ أو آﻨﻴﺔ ،وﻟﻘﺪ ﻟﻘّﺐ أﺑﻮ ﺑﻜﺮ ﺑﺎﻟﺼﺪﻳﻖ وُﻟﻘﱢﺐ ﻋﻤﺮ ﺑﺎﻟﻔﺎروق
،وﻟﻘﺐ ﺣﻤﺰة ﺑﺄﺳﺪ اﷲ ،وﺧﺎﻟﺪ ﺑﻦ اﻟﻮﻟﻴﺪ ﺑﺴﻴﻒ اﷲ ،وﻟﻢ ﺗﺰل هﺬﻩ اﻷﻟﻘﺎب اﻟﺤﺴﻨﺔ ،واﻟﻜﻨﻰ ﺗﺠﺮي ﻓﻲ اﻷﻣﻢ آﻠﻬﺎ ﻓﻲ ﺗﺨﺎﻃﺒﻬﻢ وآﺘﺎﺑﺎﺗﻬﻢ
ﻣﻦ ﻏﻴﺮ ﻧﻜﻴﺮ أو اﺳﺘﻐﺮاب ،ﺑﻞ هﻲ ﻣﻦ اﻵداب اﻟﺮﻓﻴﻌﺔ ،واﻷﺧﻼق اﻻﺟﺘﻤﺎﻋﻴﺔ اﻟﻨﺒﻴﻠﺔ ،اﻟﺘﻲ ﻣﻦ ﺷﺄﻧﻬﺎ أن ﺗﺸﻴﻊ اﻟﺤﺐ ﺑ ﻴﻦ اﻟﻨ ﺎس وﺗﻨﻤ ﻲ
ﻓﻴﻬﻢ روح اﻟﻤﻮدة واﻻﺣﺘﺮام ،وﺗﻘﺮب ﺑﻴﻦ ﻗﻠﻮﺑﻬﻢ وأرواﺣﻬﻢ ﺣﺘﻰ ﻳﻜﻮﻧﻮا ﺣﻘ ًﺎ آﻨﻔﺲ واﺣﺪة وﺟﺴﺪ واﺣﺪ إذا اﺷ ﺘﻜﻰ ﻣﻨ ﻪ ﻋ ﻀﻮ ﺗ ﺪاﻋﻰ ﻟ ﻪ
ﺳﺎﺋﺮ اﻟﺠﺴﺪ ﺑﺎﻟﺴﻬﺮ واﻟﺤﻤّﻰ .
ت أن اﻟﻨﻬﻲ ورد ﻋﻦ اﻟﺘﻠﻘﻴﺐ ﺑﻤﺎ هﻮ ﻣﻜﺮوﻩ ،وأود أن أﺑﻴّﻦ هﻨﺎ أﻧﻪ ﻻ ﻓﺮق ﺑﻴﻦ أن ﻳﻜﻮن اﻟﻠﻘﺐ اﻟﻤﻜﺮوﻩ ﺻ ﻔﺔ ﻟ ﻪ أو ﻷﺑﻴ ﻪ
وﻗﺪ ذآﺮ ُ
أو ﻷﻣﻪ أو ﻏﻴﺮهﻤﺎ ﻣﻤﻦ ﻟﻪ ﺑﻬﻢ ﺻ ﻠﺔ ،وﻗ ﺪ روي ﻋ ﻦ اﻟﺤ ﺴﻦ رﺿ ﻲ اﷲ ﺗﻌ ﺎﻟﻰ ﻋﻨ ﻪ ﻗ ﺎل :أدرآﻨ ﺎ اﻟ ﺴﻠﻒ وه ﻢ ﻳ ﺮون اﻟﻌﺒ ﺎدة اﻟﻜ ﻒ ﻋ ﻦ
أﻋﺮاض اﻟﻨﺎس .وﻗﺪ ﻗﺎل اﷲ ﺗﻌﺎﻟﻰ " :وﻳﻞ ﻟﻜﻞ هﻤﺰة ﻟﻤﺰة " واﻟﻬﻤﺰة :اﻟﻄﻌﺎن ﻓﻲ اﻟﻨﺎس .
ﺑﻌﺪ هﺬ ﺑﻴﻦ اﷲ ﺳﺒﺤﺎﻧﻪ وﺗﻌﺎﻟﻰ أن اﻟﺴﺨﺮﻳﺔ واﻟﻠﻤﺰ واﻟﺘﺪاﻋﻲ ﺑﺎﻷﻟﻘﺎب ﻣﻮﺟﺒﺔ ﻟﻠﻔﺴﻮق واﻟﺨﺮوج ﻋﻦ ﻃﺎﻋ ﺔ اﷲ ﺗﻌ ﺎﻟﻰ .أﻓ ﻼ ﻳﻠﻴ ﻖ
ﺑﺎﻟﻤﺆﻣﻦ اﻟﺬي ﺣﻞ ﻗﻠﺒﻪ اﻹﻳﻤﺎن واﺳﺘﻨﺎر ﺑﻨﻮر اﻹﺳﻼم ﻻ ﻳﻠﻴﻖ ﺑﻪ أن ﻳﻜﺐ ﻋﻠﻰ وﺟﻬﻪ وﻳﻨﻘﻠﺐ ﻋﻠﻰ ﻋﻘﺒﻴ ﻪ ﻓﺘﻄﻠ ﻖ ﻋﻠﻴ ﻪ آﻠﻤ ﺔ اﻟﻔ ﺴﻖ ،وأن
ﻳﺸﻴﻊ ذآﺮﻩ ﺑﻴﻦ اﻟﻨﺎس ﻋﻠﻰ وﺻﻒ أﻧﻪ ﻓﺎﺳﻖ ﺑﻌﺪ أن ﻋﺮف ﺑﺎﻹﻳﻤ ﺎن " :ﺑ ﺌﺲ اﻻﺳ ﻢ اﻟﻔ ﺴﻮق ﺑﻌ ﺪ اﻹﻳﻤ ﺎن " ،واﻻﺳ ﻢ هﻨ ﺎ ﻓ ﻲ ﻗﻮﻟ ﻪ ﻋ ﺰ
وﺟﻞ :ﺑﺌﺲ اﻻﺳﻢ ،ﻣﻌﻨﺎﻩ اﻟﺬآﺮ ،ﻣﺄﺧﻮذ ﻣﻦ ﻗﻮﻟﻬﻢ :ﻃﺎر اﺳﻤﻪ ﻓﻲ اﻵﻓﺎق ،أي ذآﺮﻩ .
وﺧﻼﺻ ﺔ ﻣﻌﻨ ﻰ ه ﺬﻩ اﻵﻳ ﺔ :ﺑ ﺌﺲ اﻟ ﺬآﺮ أن ﻳ ﺬآﺮ اﻟﻤ ﺆﻣﻦ ﺑﺎﻟﻔ ﺴﻮق ﺑﻌ ﺪ أن اﺗ ﺼﻒ ﺑﺎﻹﻳﻤ ﺎن ،أي أﻧ ﻪ ﻻ ﻳﻨﺒﻐ ﻲ اﺟﺘﻤ ﺎع ه ﺬﻳﻦ
اﻟﻮﺻﻔﻴﻦ :اﻹﻳﻤﺎن واﻟﻔﺴﻮق ،آﻘﻮﻟﻬﻢ :ﺑﺌﺲ اﻟﺸﺄن ﺑﻌﺪ اﻟﻜﺒْﺮ ِة اﻟﺼﺒﻮة ،وهﻢ ﻳﺮﻳﺪون اﺳﺘﻘﺒﺎح اﻟﺠﻤﻊ ﺑﻴﻦ اﻟ ﺼﺒﻮة وآﺒ ﺮ اﻟ ﺴﻦ ،أي ﻣ ﺎ
ﻳﻜﻮن ﻓﻲ ﺣﺎل اﻟﻜﺒﺮ ﻣﻦ اﻟﻤﻴﻞ إﻟﻰ اﻟﺠﻬﻞ .
وﻳﻨﺒﻐﻲ أن ﻧﺬآﺮ هﻨﺎ أن اﻟﻠﻘﺐ اﻟﻘﺒﻴﺢ ﻗﺪ ﻳﺸﻴﻊ وﻳﺼﺒﺢ ﻋﻠﻤ ًﺎ ﻋﻠﻰ ﻋﺎﺋﻠﺔ أو ﻓﺮد ﻣﻦ اﻟﻨﺎس ﻓﻴﺬآﺮ ذﻟﻚ اﻟﻠﻘﺐ وﻻ ﻳﺘﺄذى ﺻﺎﺣﺒﻪ ﻣﻨﻪ .
وﻗﺪ ﺗﺪﻋﻮ إﻟﻴﻪ اﻟﻀﺮورة ﻓﻴﺬآﺮ ﻻ ﻋﻠﻰ ﻗﺼﺪ اﻟﺘﺤﻘﻴﺮ ،آﻤﺎ ﻳﻘﻮل اﻟﻤﺤﺪﺛﻮن :ﺳﻠﻴﻤﺎن اﻷﻋﻤﺶ وواﺻﻞ اﻷﺣﺪب ،وﻓﻲ هﺬﻩ اﻟﺤﺎﻟ ﺔ ﻻ ﺿ ﺮر
ﻓﻴﻪ وﻻ ﻳﻨﻬﻰ ﻋﻨﻪ ﺷﺮﻋ ًﺎ .
اﻟﺘﻮﺑﺔ ﻣﻦ اﻟﺬﻧﻮب
ﺑﻌﺪ هﺬا اﻟﻨﻬﻲ وهﺬا اﻟﺒﻴﺎن ﻟﻤﺎ ﻳﺠﺐ أن ﻳﺠﺘﻨﺒﻪ اﻹﻧﺴﺎن ،ذآﺮ اﻟﻠّﻪ ﺳﺒﺤﺎﻧﻪ اﻟﺘﻮﺑﺔ ﻋﻦ هﺬﻩ اﻷﻣﻮر واﻋﺘﺒﺮه ﺎ واﺟﺒ ﺔ ﻻزﻣ ﺔ آﺎﻟﺘﻮﺑ ﺔ
ﻋﻦ ﺳﺎﺋﺮ اﻟﻤﻌﺎﺻﻲ واﻟﺬﻧﻮب وﻣﻦ ﻟﻢ ﻳﺘﺐ ﻓﻬﻮ ﻇﺎﻟﻢ ﻟﻨﻔﺴﻪ ﻣﻮﺑﻖ ﻟﻬﺎ ﻷﻧﻪ ﻋﺮﺿﻬﺎ ﻟﺴﺨﻂ اﷲ وﻋﺬاﺑ ﻪ ،ﻗ ﺎل ﺗﻌ ﺎﻟﻰ :وﻣ ﻦ ﻟ ﻢ ﻳﺘ ﺐ ﻓﺄوﻟﺌ ﻚ
هﻢ اﻟﻈﺎﻟﻤﻮن .
واﻟﺘﻮﺑﺔ ﻧﻌﻤﺔ ﻣﻦ اﷲ ﻋﺰ وﺟﻞ اﻣﺘﻦ ﺑﻬﺎ ﻋﻠﻴﻨﺎ وﻳﺴّﺮهﺎ ﻟﻨﺎ وﺟﻌﻠﻬﺎ ﺑﺎﺑ ًﺎ ﻣﻔﺘﻮﺣ ًﺎ ﻟﻤﻦ ﻳﻮد اﻟﺪﺧﻮل ﻓﻴﻪ ،وﻟﻴﺴﺖ اﻟﺘﻮﺑﺔ آﻠﻤﺎت ﻣﺠﺮدة
ﻓﻲ اﻟﻠﺴﺎن ﻳﻄﻠﻘﻬﺎ اﻹﻧﺴﺎن ﻣﻦ ﻏﻴﺮ أن ﻳُﻄﻠﱢﻖ اﻟﺬﻧﺐ وﻳﻬﺠﺮﻩ ،ﻓﻘﻮﻟﻚ :اﺳﺘﻐﻔﺮ اﷲ اﻟﻌﻈﻴﻢ وأﺗﻮب إﻟﻴﻪ ،ﻻ ﻳﺴﻤّﻰ ﺗﻮﺑﺔ وﻻ هﻮ اﻟﺬي ﻳﻄﻠﺒ ﻪ
اﷲ ﻋﺰ وﺟﻞ وﻳﺤﺒﻪ ﻣﻨﻚ وﻳﺤﺐ أﺻﺤﺎﺑﻪ ﻷن اﻟﺘﻮﺑﺔ ﺗﺴﺘﺪﻋﻲ ﻣﻌﺮﻓﺔ ﻋﻈﻴﻢ ﺿﺮر اﻟﺬﻧﻮب واﻹدﻣﺎن ﻋﻠﻴﻬﺎ ،آﻤ ﺎ ﺗ ﺴﺘﺪﻋﻲ أﻟ ﻢ اﻟﻘﻠ ﺐ وﺣ ﺰن
اﻟﻨﻔﺲ ﻓﺘﺬوب أﺳﻰ وﺣﺰﻧ ًﺎ وأﺳﻔ ًﺎ وأﻧﻪ ﻻ ﻳﻐﻔﺮ اﻟﺬﻧﻮب إﻻ اﷲ وﻻ ﻣﻔﺮج إﻻ هﻮ ،ﻓﻬﻮ ﻏﻔّﺎر اﻟﺬﻧﻮب وﺳﺘّﺎر اﻟﻌﻴﻮب ،وﺣﻴﻨﺌﺬ ﻳﻨ ﺎل رﺿ ﺎ اﷲ
ﻋﺰ وﺟﻞ " :إن اﷲ ﻳﺤﺐ اﻟﺘﻮاﺑﻴﻦ وﻳﺤﺐ اﻟﻤﺘﻄﻬﺮﻳﻦ " .
ﻗﺎل اﻟﻨﻮوي رﺣﻤﻪ اﷲ ﺗﻌﺎﻟﻰ ﻓﻲ ﺷﺮح ﻣﺴﻠﻢ :ﻗﺎل اﻟﻌﻠﻤﺎء :اﻟﺘﻮﺑﺔ واﺟﺒﺔ ﻣ ﻦ آ ﻞ ذﻧ ﺐ ،ﻓ ﺈن آﺎﻧ ﺖ اﻟﻤﻌ ﺼﻴﺔ ﺑ ﻴﻦ اﻟﻌﺒ ﺪ وﺑ ﻴﻦ اﷲ
ﺗﻌﺎﻟﻰ وﻻ ﺗﺘﻌﻠﻖ ﺑﺤﻖ ﺁدﻣﻲ ﻓﻠﻬﺎ ﺛﻼﺛﺔ ﺷﺮوط :
أﺣﺪهﺎ :أن ﻳﻘﻠﻊ ﻋﻦ اﻟﻤﻌﺼﻴﺔ .
اﻟﺜﺎﻧﻲ :أن ﻳﻨﺪم ﻋﻠﻰ ﻓﻌﻠﻬﺎ .
35
www.daawa-info.net
اﻟﺜﺎﻟﺚ :أن ﻳﻌﺰم ﻋﻠﻰ أن ﻻ ﻳﻌﻮد إﻟﻴﻬﺎ أﺑﺪًا .
ﻓﺈن ﻓﻘﺪ ﺷﺮط ﻣﻦ اﻟﺜﻼﺛﺔ ﻟﻢ ﻳﺼﺢ ﺗﻮﺑﺘﻪ ،وإن آﺎﻧﺖ اﻟﻤﻌﺼﻴﺔ ﺗﺘﻌﻠﻖ ﺑﺂدﻣﻲ ﻓﺸﺮوﻃﻬﺎ أرﺑﻌﺔ :
هﺬﻩ اﻟﺜﻼﺛﺔ .وأﻣﺎ اﻟﺮاﺑﻊ :أن ﻳﺒﺮأ ﻣﻦ ﺣﻖ ﺻﺎﺣﺒﻬﺎ ،ﻓﺈن آﺎﻧﺖ ﻣﺎ ًﻻ أو ﻧﺤﻮﻩ رد إﻟﻴﻪ ،وإن آﺎن ﺣﺪ ﻗﺬف ﻣﻜﻨﻪ ﻣﻨﻪ أو ﻃﻠﺐ ﻋﻔ ﻮﻩ
،وإن آﺎن ﻏﻴﺒﺔ اﺳﺘﺤﻠﻪ ﻣﻨﻬﺎ .
وﻳﺠﺐ أن ﻳﺘﻮب ﻣﻦ ﺟﻤﻴﻊ اﻟﺬﻧﻮب ،ﻓﺈن ﺗﺎب ﻣﻦ ﺑﻌﻀﻬﺎ ﺻﺤﺖ ﺗﻮﺑﺘﻪ ﻋﻨﺪ أهﻞ اﻟﺤﻖ ﻣﻦ ذﻟﻚ اﻟﺬﻧﺐ وﺑﻘﻲ ﻋﻠﻴﻪ اﻟﺒﺎﻗﻲ .
وﻗﺪ ﺗﻈﺎهﺮت دﻻﺋﻞ اﻟﻜﺘﺎب واﻟﺴﻨﺔ وإﺟﻤﺎع اﻷﻣﺔ ﻋﻠﻰ وﺟﻮب اﻟﺘﻮﺑﺔ ﻣﻦ آﻞ ذﻧﺐ ،ﻓﺎﻟﻤﺆﻣﻦ ﻗﺪ ﺗﺠﻨﺢ ﻧﻔﺴﻪ إﻟﻰ اﻟﺸﺮ ﻓﺘﻘﺘ ﺮف إﺛﻤ ًﺎ
أو ﺗﻜﺘﺴﺐ ﺧﻄﻴﺌﺔ ،ﻓﻤﺎ ﻋﻠﻴﻪ إﻻ اﻟﻤﺒ ﺎدرة إﻟ ﻰ اﻟﺘﻮﺑ ﺔ ﻟﻴﻐ ﺴﻞ ﻣ ﺎ أﺻ ﺎﺑﻪ ﻣ ﻦ درن اﻟﻤﻌ ﺼﻴﺔ وأوﺿ ﺎر اﻟﺨﻄﻴﺌ ﺔ ،ﻓ ﺈن اﻟﺘﻮﺑ ﺔ ﺗﻐ ﺴﻞ اﻟﺤﻮﺑ ﺔ
وﺗﺼﻘﻞ اﻟﻘﻠﺐ وﺗﻤﺴﺢ ﻋﻨﻪ رﻳﻦ اﻟﻤﻌﺼﻴﺔ وﺁﺛﺎرهﺎ اﻟﺴﻮداء اﻟﺘﻲ ﺗﺘﺮآﻬﺎ ﻋﻠﻰ ﻗﻠﺐ اﻟﻤﺆﻣﻦ .
ﻓﻔﻲ اﻷﺛﺮ أن اﻟﻤﺆﻣﻦ إذا أذﻧﺐ ذﻧﺒ ًﺎ آﺎﻧﺖ ﻧﻘﻄﺔ ﺳﻮداء ﻓ ﻲ ﻗﻠﺒ ﻪ ،ﻓ ﺈن ﺗ ﺎب واﺳ ﺘﻐﻔﺮ ﺻ ﻘﻞ ﻣﻨﻬ ﺎ ﻗﻠﺒ ﻪ ،وإن زاد زادت ﺣﺘ ﻰ ﻳﻐﻠ ﻒ
ﻗﻠﺒﻪ ﺑﺎﻟﺴﻮاد ،وذﻟﻚ اﻟﺮان اﻟﺬي ﻗﺎل اﷲ ﻓﻴﻪ " :آﻼ ﺑﻞ ران ﻋﻠﻰ ﻗﻠﻮﺑﻬﻢ ﻣﺎ آﺎﻧﻮا ﻳﻜﺴﺒﻮن " .
وﻓﻲ ﺣﺪﻳﺚ ﺁﺧﺮ ﻋﻦ اﻟﻨﺒﻲ ﺻﻠﻰ اﷲ ﻋﻠﻴﻪ وﺳﻠﻢ ﻗﺎل " :ﻳﺎ أﻳﻬﺎ اﻟﻨﺎس ،ﺗﻮﺑﻮا إﻟﻰ اﷲ واﺳﺘﻐﻔﺮوﻩ ﻓﺈﻧﻲ أﺗﻮب ﻓ ﻲ اﻟﻴ ﻮم ﻣﺎﺋ ﺔ ﻣ ﺮة
".
وﺣﻘﻴﻘﺔ اﻟﺘﻮﺑﺔ :ﻋﻠﻢ ،وﻧﺪم ،وﻗﺼﺪ .ﻓﺈذا ﻓﻘﺪ أﺣﺪهﺎ ﻓﻘﺪت .
وﻣﻌﺮﻓﺔ آﻮن اﻟﻤﻌﺎﺻﻲ ﻣﻬﻠﻜﺎت ﺟﺰء ﻣﻦ اﻹﻳﻤﺎن ،وﻋﺪم اﻟﻤﺒﺎدرة إﻟﻰ اﻟﺘﻮﺑﺔ ﻣﻔﻮﱢت ﻟﺠ ﺰء ﻣ ﻦ أﺟ ﺰاء اﻹﻳﻤ ﺎن ،وﻟ ﻮ آ ﺎن اﻹﻳﻤ ﺎن
ﻼ ﻟﻤﺎ أﻗﺪم ﻣﺆﻣﻦ ﻋﻠﻰ ﻣﻌﺼﻴﺔ ،وهﺬا ﻳﻔﺴﺮ ﻗﻮل اﻟﻨﺒﻲ ﺻﻠﻰ اﷲ ﻋﻠﻴﻪ وﺳﻠﻢ " :ﻻ ﻳﺰﻧ ﻲ اﻟﺰاﻧ ﻲ ﺣ ﻴﻦ ﻳﺰﻧ ﻲ وه ﻮ ﻣ ﺆﻣﻦ ،وﻻ ﻳ ﺴﺮق
آﺎﻣ ً
اﻟﺴﺎرق ﺣﻴﻦ ﻳﺴﺮق وهﻮ ﻣﺆﻣﻦ ،وﻻ ﻳﺸﺮب اﻟﺨﻤﺮ ﺣﻴﻦ ﻳﺸﺮﺑﻬﺎ وهﻮ ﻣﺆﻣﻦ " .
وﻻﺑﺪ ﻓﻲ اﻟﺘﻮﺑﺔ اﻟﻤﻘﺒﻮﻟﺔ أن ﺗﻜﻮن ﻗﺮﻳﺒﺔ ﻣﻦ اﻟﺬﻧﺐ ،ﻗﺎل ﺗﻌﺎﻟﻰ " :إﻧﻤﺎ اﻟﺘﻮﺑﺔ ﻋﻠﻰ اﷲ ﻟﻠﺬﻳﻦ ﻳﻌﻤﻠ ﻮن اﻟ ﺴﻮء ﺑﺠﻬﺎﻟ ﺔ ﺛ ﻢ ﻳﺘﻮﺑ ﻮن
ﻣﻦ ﻗﺮﻳﺐ ،ﻓﺄوﻟﺌﻚ ﻳﺘﻮب اﷲ ﻋﻠﻴﻬﻢ ،وآﺎن اﷲ ﻋﻠﻴﻤ ًﺎ ﺣﻜﻴﻤ ًﺎ .وﻟﻴﺴﺖ اﻟﺘﻮﺑﺔ ﻟﻠﺬﻳﻦ ﻳﻌﻤﻠﻮن اﻟﺴﻴﺌﺎت ،ﺣﺘﻰ إذا ﺣﻀﺮ أﺣ ﺪهﻢ اﻟﻤ ﻮت .ﻗ ﺎل
:إﻧﻲ ﺗﺒﺖ اﻵن ،وﻻ اﻟﺬﻳﻦ ﻳﻤﻮﺗﻮن وهﻢ آﻔﺎر ،أوﻟﺌﻚ اﻋﺘﺪﻧﺎ ﻟﻬﻢ ﻋﺬاﺑ ًﺎ أﻟﻴﻤ ًﺎ " .
ﻓﺈذا اﺳﺘﺮﺳﻞ اﻟﻤﺬﻧﺐ ﻓﻲ ذﻧﺒﻪ ﺣﺘﻰ ﺻﺎر ﻃﺒﻌ ًﺎ ﻟﻪ ،وران ﻋﻠﻰ ﻗﻠﺒﻪ ﻓﻼ ﺗﻨﻔﻌﻪ اﻟﻨﺪاﻣﺔ وﺣ ﺪهﺎ وﻻ ﻳﻨﻔﻌ ﻪ ﻣﺠ ﺮد اﻻﺳ ﺘﻐﻔﺎر ،ﻓﻠ ﻮ ﻗ ﺎل
ﺳﺒﻌﻴﻦ ﻣﺮة اﺳﺘﻐﻔﺮ اﷲ وﻟﻢ ﻳﻘﻠﻊ ﻋﻦ اﻟﺬﻧﺐ ﻓﻼ ﻳﺴﻤﻰ ﺗﺎﺋﺒﺎص ،وآ ﺎن ﻗﻮﻟ ﻪ آﻘ ﻮل اﻟﻘﺎﺋ ﻞ ﻏ ﺴﻠﺖ ﺛ ﻮﺑﻲ وﻟ ﻢ ﻳﻐ ﺴﻠﻪ ،ﻓﻬ ﻞ ﻳﺰﻳ ﻞ ﻣﺜ ﻞ ه ﺬا
اﻟﻜﻼم اﻷدران دون اﺳﺘﻌﻤﺎل اﻟﻤﺎء .
ﻓﻴﺎ أﻳﻬﺎ اﻟﻨﺎس ﺗﻮﺑﻮا إﻟﻰ اﷲ ﻗﺒﻞ أن ﺗﻤﻮﺗﻮا ،وﺑﺎدروا ﺑﺎﻟﻌﻤﺎل اﻟﺼﺎﻟﺤﺔ ﻗﺒﻞ أن ﺗﺸﻐﻠﻮا وﺻﻠﻮا اﻟﺬي ﺑﻴﻨﻜﻢ وﺑ ﻴﻦ رﺑﻜ ﻢ ﻓ ﻼ ﺗﻘﻄﻌ ﻮﻩ
ﺑﺎﻟﻌﺼﻴﺎن ،واﻋﻠﻤﻮا أن ﺁﺟﺎﻟﻜﻢ ﻟﻴﺴﺖ ﺑﺄﻳﺪﻳﻜﻢ وﻻ ﻣﻠﻜ ًﺎ ﻟﻜﻢ ،ﻓﻼ ﺗﻌﻠﻢ ﻧﻔﺲ ﻣﺎ ﺗﻜﺴﺐ ﻏﺪًا وﻻ ﺗ ﺪري ﻧﻔ ﺲ ﺑ ﺄي أرض ﺗﻤ ﻮت ﻓﻔ ﻲ ﻗﻠ ﺐ آ ﻞ
واﺣﺪ ﻣﻨﻜﻢ دﻗﺎت ﺗﻨﺬرﻩ ﺑﻘﺮب اﻟﺨﻄﺮ :
دﻗـﺎت ﻗﻠـﺐ اﻟﻤﺮء ﻗﺎﺋﻠـﺔ ﻟـﻪ
إن اﻟﺤﻴــﺎة دﻗﺎﺋـﻖ وﺛــﻮاﻧﻲ
اﻵﻳﺔ اﻟﺤﺎدﻳﺔ ﻋﺸﺮة :
ن ﻳﺄ ُآ َﻞ
ﺣ ُﺪآُﻢ أ ْ
ﺤﺐﱡ أ َ
ﻀﻜُﻢ َﺑﻌْﻀ ًﺎ ،أ ُﻳ ِ
ﺐ َﺑ ْﻌ ُ
ﻦ إ ْﺛ ٌﻢ .وَﻻ َﺗﺠَﺴﺴُﻮا .وَﻻ َﻳ ْﻐ َﺘ ْ
ن َﺑﻌْﺾ اﻟﻈ ﱢ
ﻦ.إ ْ
ﻈﱢ
ﻦ اﻟ ّ ) ﻳﺎ أﻳﱡﻬﺎ اﻟﱠﺬﻳ َ
ﻦ ﺁﻣﻨُﻮا اﺟ َﺘﻨِﺒﻮا َآﺜِﺮًا ِﻣ َ
ب َرﺣِﻴ ٌﻢ ( .
ﷲ َﺗﻮّا ٌ
نا َ
ﺤ َﻢ أﺧ ِﻴ ِﻪ َﻣﻴْﺘ ًﺎ َﻓ َﻜﺮِهﺘُﻤﻮ ُﻩ ،وا ّﺗﻘُﻮا اﻟّﻠ َﻪ ،إ ﱠ
َﻟ ْ
هﺬﻩ ﺁﻳﺔ آﺮﻳﻤﺔ ﺗﻘﺮر ﻣﺒﺎدئ هﺎﻣﺔ ﻣﻦ أﺻﻮل اﻷﺧﻼق اﻻﺟﺘﻤﺎﻋﻴﺔ ،وﺗﻨﻬﻰ ﻋﺒﺎد اﷲ اﻟﻤﺆﻣﻨﻴﻦ ﻋﻦ أﺧﻼق ﻻزﻣﺔ وﻻﺻﻘﺔ ﺑﻜﺜﻴ ﺮ ﻣ ﻦ
اﻟﻤﺠﺘﻤﻌﺎت ،وﻗﺪ اﺑﺘﻠﻰ ﺑﻬﺎ آﺜﻴﺮ ﻣﻦ اﻟﻨﺎس ،ﻓﻈﻨﻮا ﺑﺎﻵﺧﺮﻳﻦ ﺳﻮءًا ﻓﻮﻗﻌﻮا ﺑﺎﻵﺛﺎم ،وﺳﺎروا ﻓﻲ اﻟﻈﻼم ،إذ أﻧﻬﻢ ﻟﻢ ﻳﻬﺘ ﺪوا ﺑﻨ ﻮر اﻹﺳ ﻼم
36
www.daawa-info.net
،وﻟﻮ اهﺘﺪوا ﺑﻬﺪي اﷲ ﻋﺰ وﺟﻞ ﻟﻤﺎ ﻇﻨﻮا ﺳﻮءًا وﻻ ﺗﺠﺴﺴﻮا وﻻ ﺗﺤﺴﺴﻮا وﻻ اﻏﺘﺎﺑﻮا ،إذ ﻟﻠﻤﺆﻣﻦ ﻋﻨﺪ اﷲ ﺣﺮﻣﺔ ،وأي ﺣﺮﻣ ﺔ ،ﻓ ﺼﺎن
آﺮاﻣﺘﻪ وﺷﺮﻓﻪ وﺣﻔﻆ ﻟﻪ دﻣﻪ وﻋﺮﺿﻪ وﻣﺎﻟﻪ ﺑﻌﺪ أن ﺧﻠﻘﻪ ﻓﺄﺣﺴﻦ اﻟﺨﻠﻖ وأآﺮﻣﻪ ﺑﺴﻴﺪ اﻟﻤﺮﺳﻠﻴﻦ ﻣﺤﻤﺪ ﺻﻠﻰ اﷲ ﻋﻠﻴﻪ وﺳﻠﻢ
واﺳﻤﻌﻮا ﻣﺎ ورد ﻓﻲ ﺣﺮﻣﺔ اﻟﻤﺴﻠﻢ ﻋﻠﻰ ﻟﺴﺎن اﻟﻨﺒﻲ اﻷﻣﻴﻦ ﺻﻠﻮات اﷲ وﺳﻼﻣﻪ ﻋﻠﻴﻪ :
روى اﺑﻦ ﻣﺎﺟﻪ ﻋﻦ ﻋﺒﺪ اﷲ ﺑﻦ ﻋﻤﺮ رﺿﻲ اﷲ ﺗﻌﺎﻟﻰ ﻋﻨﻬﻤﺎ ﻗﺎل :رأﻳﺖ اﻟﻨﺒﻲ ﺻﻠﻰ اﷲ ﻋﻠﻴﻪ وﺳﻠﻢ ﻳﻄﻮف ﺑﺎﻟﻜﻌﺒﺔ وﻳﻘ ﻮل " :ﻣ ﺎ
أﻃﻴﺒﻚ وأﻃﻴﺐ رﻳﺤﻚ ،ﻣﺎ أﻋﻈﻤﻚ وأﻋﻈﻢ ﺣﺮﻣﺘﻚ ،واﻟﺬي ﻧﻔﺲ ﻣﺤﻤﺪ ﺑﻴﺪﻩ ﻟﺤﺮﻣﺔ اﻟﻤﺆﻣﻦ أﻋﻈﻢ ﻋﻨﺪ اﷲ ﺗﻌﺎﻟﻰ ﺣﺮﻣﺔ ﻣﻨ ﻚ .ﻣﺎﻟ ﻪ ودﻣ ﻪ .
وأن ﻳﻈﻦ ﺑﻪ إﻻ ﺧﻴﺮًا " .
ﻂ ﻣ ﻦ ﻗ ﺪر ه ﺬا اﻟﻤ ﺆﻣﻦ ،
هﺬا ﻣﻘﺎم اﻟﻤﺆﻣﻦ ﻋﻨﺪ اﷲ ﺳﺒﺤﺎﻧﻪ ،وﻣﻨﺰﻟﺘﻪ اﻟﺮﻓﻴﻌﺔ ﻋﻨﺪ اﻟﺨﺎﻟﻖ اﻷﻋﻈﻢ .ﻓﻠﻴﺲ ﻷﺣ ﺪ ﻣ ﻦ اﻟﺨﻠ ﻖ أن ﻳﺤ ّ
ﻓﻴﻈﻦ ﺑﻪ ﺷﺮًا وﺳﻮءًا ،أو ﻳﺘﺠﺴﺲ ﻋﻠﻴﻪ وﻳﻐﺘﺎﺑﻪ .
واﷲ ﺳﺒﺤﺎﻧﻪ وﺗﻌﺎﻟﻰ ﻓﻲ هﺬﻩ اﻵﻳﺔ ﻳﻨﻬﻰ ﻋﺒﺎدﻩ اﻟﻤﺆﻣﻨﻴﻦ ﻋﻦ آﺜﻴﺮ ﻣﻦ اﻟﻈﻦ اﻟﺬي هﻮ اﻟﺘﻬﻤﺔ واﻟﺘﺨﻮن ﻟﻸهﻞ واﻷﻗﺎرب واﻟﻨﺎس ﻓﻲ
ﻏﻴﺮ ﻣﺤﻠﻪ .ﻷن ﺑﻌﺾ ذﻟﻚ اﻟﻈﻦ ﻳﻜﻮن إﺛﻤ ًﺎ ﻣﺤﻀ ًﺎ ،ﻓﻠﻴﺠﺘﻨﺐ آﺜﻴﺮ ﻣﻨﻪ اﺣﺘﻴﺎﻃ ًﺎ .إذ ﻣﻦ اﻟﻈﻦ ﻣ ﺎ ﻳﺒ ﺎح اﺗﺒﺎﻋ ﻪ ،آ ﺎﻟﻈﻦ ﻓ ﻲ أﻣ ﻮر اﻟﻤﻌ ﺎش
وﻣﺎ أﺷﺒﻪ ذﻟﻚ .وﻣﻨﻪ ﻣﺎ ﻳﺠﺐ اﺗﺒﺎﻋﻪ آﺎﻟﻈﻦ ﻓﻲ اﻷﺣﻜﺎم اﻟﺸﺮﻋﻴﺔ اﻟﺜﺎﺑﺘﺔ ﺑﺄدﻟﺔ ﻏﻴﺮ ﻗﻄﻌﻴﺔ ،وﻣﻨﻪ ﻣﺎ ﻳﺤﺮم اﺗﺒﺎﻋﻪ واﻟﺘﻔﻮّﻩ ﺑﻪ ،آﺎﻟﻈﻦ ﻓ ﻲ
اﻹﻟﻬﻴﺎت واﻟﻨﺒﻮات ،وﻣﻦ اﻟﻈﻦ اﻟﻤﺤ ﺮم ﻇ ﻦ اﻟ ﺴﻮء ﺑ ﺎﻟﻤﺆﻣﻨﻴﻦ ،ﻓﻘ ﺪ ﺣ ﺮم اﷲ ﺗﻌ ﺎﻟﻰ ﻣ ﻦ اﻟﻤ ﺴﻠﻢ دﻣ ﻪ ،وﻋﺮﺿ ﻪ ،وﻣﺎﻟ ﻪ ،وأن ﻳﻈ ﻦ ﺑ ﻪ
اﻟﺴﻮء .واﻟﻤﺤﺮّم ﻣﻨﻪ ﻋﻘﺪ اﻟﻘﻠﺐ ،واﻹﺻﺮار ﻋﻠﻰ اﻟﺤﻜﻢ ﻋﻠﻰ ﻏﻴﺮﻩ ﺑﺎﻟﺴﻮء ،أﻣﺎ ﺣﺪﻳﺚ اﻟﻨﻔﺲ واﻟﺨﻮاﻃﺮ واﻟﺸﻚ اﻟﺰاﺋ ﻞ ﻓﻜ ﻞ ذﻟ ﻚ ﻣﻌﻔ ﻮ
ﻋﻨﻪ ،ﻓﻠﻴﺲ ﻟﻚ أن ﺗﻌﺘﻘﺪ ﺳﻮءًا إﻻ إذا اﻧﻜﺸﻒ ﺳﺒﺒﻪ ﻟﻚ ﺑﺎﻟﻌﻴﺎن أو ﺛﺒﺖ ﻟﻚ ﺑﺒﺮهﺎن ،أﻣﺎ ﻣﺎ ﻟ ﻢ ﺗ ﺸﺎهﺪﻩ ﺑﻌﻴﻨ ﻚ وﻟ ﻢ ﺗ ﺴﻤﻌﻪ ﺑﺄذﻧ ﻚ ﻓﺈﻳ ﺎك أن
ﺗﺼﺪﻗﻪ ،وﺗﺤﻜﻢ ﻋﻠﻴﻪ ﻓﺈن اﻟﺸﻴﻄﺎن ﻳﻠﻘﻴﻪ ﻓﻲ اﻟﻘﻠﺐ .
وﻻ ﻳﺴﺘﺒﺎح ﻇﻦ اﻟﺴﻮء إﻻ ﺑﻤﺎ ﻳﺴﺘﺒﺎح ﺑﻪ اﻟﻤﺎل ﻣﻦ ﻣﺸﺎهﺪة أو ﺑﻴّﻨﺔ ﻋﺎدﻟﺔ .
وأﻣﺎرة ﺳﻮء اﻟﻈﻦ وﻋﻘﺪ اﻟﻘﻠﺐ هﻲ ﺗﻐﻴﺮ اﻟﻘﻠﺐ ﻋﻤﺎ آﺎن ﻋﻠﻴﻪ ،ﻓ ﺈذا أﺣﺴ ﺴﺖ ﺑ ﺬﻟﻚ ﻓﺘﺜ ّﺒ ﺖ واﺳ ﺘﻌﻦ ﺑ ﺎﷲ وﻻ ﺗﺠﻌ ﻞ ﻟﻠ ﺸﻴﻄﺎن إﻟﻴ ﻚ
ﻼ ،ﻓﺈن ﻇﻨ ًﺎ ﺳﻴﺌ ًﺎ واﺣﺪًا ﺑﺮﺟﻞ ﺑﺮيء ﻗﺪ ﻳﻮدي ﺑﻚ إﻟﻰ اﻟﻨﺎر ،وﻳﺠﺮّك إﻟﻰ اﻟﺪﻣﺎر وﺑﺌﺲ اﻟﻘﺮار .
ﺳﺒﻴ ً
ﻓﻠﻠﻤﺆﻣﻦ ﺣﺮﻣﺔ ،ﻓﺈﻳﺎك أن ﺗﻬﺘﻜﻬﺎ ،ﻓﻤﻦ ﻋﺮف ﺑﺎﻟﺼﻼح وأوﻧﺴﺖ ﻓﻴﻪ اﻷﻣﺎﻧﺔ واﻹﺧ ﻼص وﺷ ﻮهﺪ ﻣﻨ ﻪ اﻟﺘ ﺴﺘﺮ واﻟﻌﻤ ﻞ اﻟﺨ ﺎﻟﺺ ،
ﻓﻼ ﻳﺠﻮز ﻗﻄﻌ ًﺎ أن ﺗﻈﻦ ﺑﻪ ﺳﻮءًا ﻟﻤﺠﺮد ﺷﺒﻬﺔ ﻻ ﻳﻘﻮم ﻣﻌﻬﺎ دﻟﻴﻞ وﻟﻴﺲ ﻣﻌﻬﺎ ﺗﻌﻠﻴﻞ .
ن ﻋﻠﻰ ﻣﻌﺼﻴﺘﻪ ،ﻷﻧﻪ ﻣﻜﻦ ﻣﻦ ﺻﻔﺤﺘﻪ ،وأزال ﺣﺮﻣﺔ ﻋﺮﺿﻪ .
أﻣﺎ اﻟﻤﺠﺎهﺮ ﺑﺎﻟﻤﻌﺎﺻﻲ ﻓﻼ ﻳﺤﺮم ﺳﻮء اﻟﻈﻦ ﺑﻪ ،وإن ﻟﻢ ﻳﺮﻩ اﻟﻈﺎ ّ
وﻣﻦ اﻟﻈﻦ ﻣﺎ هﻮ ﻗﻬﺮي ﻏﻴﺮ ﻣﺴﺘﻄﺎع أن ﻧﺪﻓﻌﻪ ،ﻓﻼ ﻳﺘﻌﻠﻖ ﺑﻪ اﻟﻨﻬﻲ ﻟﻌﺪم اﻟﻘﺪرة ﻋﻠﻰ دﻓﻌﻪ ،ﺑﻞ ﻳﺘﻌﻠﻖ ﺑﻌﺪم اﻟﻌﻤﻞ ﺑﻤﻮﺟﺒ ﻪ ،وﻗ ﺪ
ن ﻻ ﻳ ﻀﺮﻩ أن ﻳﺤﺘ ﺮس وﻳﺄﺧ ﺬ ﺣ ﺬرﻩ ﻣﻤ ﻦ ﻇ ﻦ ﺑ ﻪ ﺳ ﻮءًا .وﻟﻜ ﻦ ﻳ ﻀﺮﻩ وﻳﺤ ﺮم ﻋﻠﻴ ﻪ أن
ﻳﻈﻦ ﺷﺨﺺ أن أﺣﺪًا ﻳﺮﻳﺪ ﺑﻪ ﺳﻮءًا ،ﻓﻬﺬا اﻟﻈ ﺎ ّ
ﻳﻮﻗﻊ أذى ﺑﺎﻟﻤﻈﻨﻮن ﻣﻨﻪ اﻟﺴﻮء ،ﻓﻤﺠﺮد اﻟﻈﻦ ﻻ ﻳﻜﻔﻲ ﻟﻠﺤﻜﻢ ﻋﻠﻰ اﻷﺷﺨﺎص وﻻ ﻋﻠﻰ اﻟﺠﻤﺎﻋﺎت وﻻ ﻣﻦ أﺣﺪ ﻣﻦ اﻟﻨﺎس آﺎﺋﻨ ًﺎ ﻣﻦ آﺎن .
ﻲ ﺑﻌ ﺾ إﺧ ﻮاﻧﻲ " أن ﺿ ﻊ أﻣ ﺮ أﺧﻴ ﻚ ﻋﻠ ﻰ أﺣ ﺴﻨﻪ ﻣ ﺎ ﻟ ﻢ ﻳﺄﺗ ﻚ ﻣ ﺎ
ورد ﻋﻦ ﺳﻌﻴﺪ ﺑﻦ اﻟﻤﺴﻴﺐ رﺿﻲ اﷲ ﺗﻌﺎﻟﻰ ﻋﻨﻪ ﻗ ﺎل :آﺘ ﺐ إﻟ ّ
ﻳﻐﻠﺒﻚ ،وﻻ ﺗﻈﻨﻦ ﺑﻜﻠﻤﺔ ﺧﺮﺟﺖ ﻣﻦ اﻣﺮئ ﻣﺴﻠﻢ ﺷﺮًا وأﻧﺖ ﺗﺠﺪ ﻟﻬﺎ ﻓﻲ اﻟﺨﻴﺮ ﻣﺤﻤ ً
ﻼ ،وﻣﻦ ﻋﺮض ﻧﻔﺴﻪ ﻟﻠﺘﻬﻢ ﻓﻼ ﻳﻠﻮﻣﻦ إﻻ ﻧﻔﺴﻪ ،وﻣ ﻦ
آﺘﻢ ﺳﺮﻩ آﺎﻧﺖ اﻟﺨﻴﺮة ﻓﻲ ﻳﺪﻩ ،وﻋﻠﻴ ﻚ ﺑ ﺈﺧﻮان اﻟ ﺼﺪق ﻓﻜ ﻦ ﻓ ﻲ اآﺘ ﺴﺎﺑﻬﻢ ،ﻓ ﺈﻧﻬﻢ زﻳﻨ ﺔ ﻓ ﻲ اﻟﺮﺧ ﺎء ،وﻋ ﺪة ﻋﻨ ﺪ ﻋﻈ ﻴﻢ اﻟ ﺒﻼء واﻋﺘ ﺰل
ﻋﺪوك ،واﺣﺬر ﺻﺪﻳﻘﻚ إﻻ اﻷﻣﻴﻦ وﻻ أﻣﻴﻦ إﻻ ﻣﻦ ﺧﺸﻲ اﷲ ﺗﻌﺎﻟﻰ ،وﺷﺎور ﻓﻲ أﻣﺮك اﻟﺬﻳﻦ ﻳﺨﺸﻮن رﺑﻬﻢ ﺑﺎﻟﻐﻴﺐ " .
وورد ﻋﻦ ﻋﻤﺮ ﺑﻦ اﻟﺨﻄﺎب رﺿﻲ اﷲ ﺗﻌﺎﻟﻰ ﻋﻨﻪ أﻧﻪ ﻗﺎل :وﻻ ﺗﻈﻨﻦ ﺑﻜﻠﻤﺔ ﺧﺮﺟﺖ ﻣ ﻦ أﺧﻴ ﻚ اﻟﻤ ﺆﻣﻦ إﻻ ﺧﻴ ﺮًا وأﻧ ﺖ ﺗﺠ ﺪ ﻟﻬ ﺎ ﻓ ﻲ
ﻼ.
اﻟﺨﻴﺮ ﻣﺤﻤ ً
وﻇﻦ اﻟﺴﻮء ﻣﺪﻋﺎة إﻟﻰ اﻟﺘﺤﻘﻴﺮ واﻟﺴﺨﺮﻳﺔ واﻟﻠﻤﺰ ،وﻣﺪﻋﺎة إﻟﻰ اﻣﺘﻼء اﻟﻘﻠﻮب ﻏﻴﻀ ًﺎ وﺣﻘﺪًا وﺣﻨﻘ ًﺎ ،وﻗﺪ ﻳﺆدي إﻳﻰ إﻳﻘﺎع اﻟ ﻀﺮر
ﺑﺎﻟﻤﻈﻨﻮن ﺑﻪ وهﻮ ﺑﺮيء ﻻ ﻋﻠﻢ ﻟﻪ ﺑﻈﻦ ﺻﺎﺣﺒﻪ ،وﻇﻦ اﻟﺴﻮء ﺧﺪش ﻟﻠﻌﺮض وهﺘﻚ ﻟﻠﺤﺮﻣﺔ ،وﻧﻴ ﻞ ﻣ ﻦ اﻟﻜﺮاﻣ ﺔ ﻟ ﺬا ﻧﻬ ﻰ اﷲ ﺗﻌ ﺎﻟﻰ ﻋﻨ ﻪ
ﺑﻬﺬﻩ اﻵﻳﺔ اﻟﻜﺮﻳﻤﺔ ،وﻗﺪ ﺟﻌﻠﻪ اﻟﺮﺳﻮل ﺻﻠﻰ اﷲ ﻋﻠﻴﻪ وﺳﻠﻢ أآﺬب اﻟﺤﺪﻳﺚ ،ﻓﻘﺎل " :إﻳ ﺎآﻢ واﻟﻈ ﻦ ،ﻓ ﺈن اﻟﻈ ﻦ أآ ﺬب اﻟﺤ ﺪﻳﺚ " .وﻇ ﻦ
37
www.daawa-info.net
اﻟﺴﻮء داء اﺳﺘﺤﻜﻢ ﻓﻲ آﺜﻴﺮ ﻣﻦ اﻟﻤﺴﻠﻤﻴﻦ .وﻣﻦ اﻟﻌﺴﻴﺮ ﻓﻄﺎﻣﻬﻢ ﻋﻨﻪ ،اﻟﻠﻬﻢ إﻻ إذا ﺗﻐﻠّﺐ ﻋﻠﻴﻬﻢ ﺧﻮف اﷲ ﻋﺰ وﺟﻞ وﻓﻬﻤﻮا آﺘﺎﺑﻪ اﻟﻌﺰﻳﺰ
وﺗﺮﺑﻮا ﻋﻠﻰ ﻣﺎﺋﺪة اﻟﻘﺮﺁن ،ﻓﻤﻦ اﻟﺴﻬﻞ ﻋﻨﺪﺋﺬ ﺗﺮآﻬﻢ ﻟﻬﺬﻩ اﻟﻤﻌﺼﻴﺔ .
روى اﻟﻄﺒﺮاﻧﻲ ﻋﻦ ﺣﺎرﺛﺔ ﺑﻦ اﻟﻨﻌﻤﺎن رﺿﻲ اﷲ ﺗﻌ ﺎﻟﻰ ﻋﻨ ﻪ ﻗ ﺎل :ﻗ ﺎل رﺳ ﻮل اﷲ ﺻ ﻠﻰ اﷲ ﻋﻠﻴ ﻪ وﺳ ﻠﻢ :ﺛﻼﺛ ﺔ ﻻزﻣ ﺎت ﻷﻣﺘ ﻲ :
اﻟﻄﻴﺮة ،واﻟﺤﺴﺪ ،وﺳﻮء اﻟﻈﻦ .ﻓﻘﺎل رﺟﻞ :وﻣﺎ ﻳﺬهﺒﻦ ﻳﺎ رﺳﻮل اﷲ ﻣﻤﻦ هﻦ ﻓﻴ ﻪ ؟ ﻓﻘ ﺎل ﺻ ﻠﻰ اﷲ ﻋﻠﻴ ﻪ وﺳ ﻠﻢ :إذا ﺣ ﺴﺪت ﻓﺎﺳ ﺘﻐﻔﺮ
اﷲ ،وإذا ﻇﻨﻨﺖ ﻓﻼ ﺗﺤﻘﻖ ،وإذا ﺗﻄﻴﺮت ﻓﺄﻣﺾ .
وآﻤﺎ ﻧﻬﻰ اﷲ ﻋﺰ وﺟﻞ ﻓﻲ هﺬﻩ اﻵﻳﺔ اﻟﻜﺮﻳﻤﺔ ﻋﻦ ﺳﻮء اﻟﻈﻦ ،ﻓﻘﺪ ﻧﻬﻰ ﻋﻦ اﻟﺘﺠﺴﺲ وﺗﺘﺒﻊ ﻋﻮرات اﻟﻤﺴﻠﻤﻴﻦ .وﻣﻦ ﺣﻖ اﻟﻤﺴﻠﻢ
ﻋﻠﻰ اﻟﻤﺴﻠﻢ ،ﺳﺘﺮ ﻋﻮراﺗﻪ ،وﻣﻦ ﺳﺘﺮ ﻋﻠﻰ ﻣﺴﻠﻢ ﺳﺘﺮﻩ اﷲ ﺗﻌﺎﻟﻰ ﻓﻲ اﻟﺪﻧﻴﺎ واﻵﺧﺮة .
وورد ﻋﻦ ﺳﻔﻴﺎن اﻟﺜﻮري ﻋﻦ راﺷﺪ ﺑﻦ ﺳﻌﺪ ﻋﻦ ﻣﻌﺎوﻳﺔ رﺿﻲ اﷲ ﺗﻌﺎﻟﻰ ﻋﻨﻪ ﻗﺎل :ﺳﻤﻌﺖ اﻟﻨﺒﻲ ﺻﻠﻰ اﷲ ﻋﻠﻴ ﻪ وﺳ ﻠﻢ ﻳﻘ ﻮل " :
إﻧﻚ إن اﺗﺒﻌﺖ ﻋﻮرات اﻟﻨﺴﺎس أﻓﺴﺪﺗﻬﻢ ،أو آﺪت أن ﺗﻔﺴﺪهﻢ " .
ﻓﻘﺎل أﺑﻮ اﻟﺪرداء رﺿﻲ اﷲ ﺗﻌﺎﻟﻰ ﻋﻨﻪ :آﻠﻤﺔ ﺳﻤﻌﻬﺎ ﻣﻌﺎوﻳﺔ ﻣﻦ رﺳﻮل اﷲ ﺻ ﻠﻰ اﷲ ﻋﻠﻴ ﻪ وﺳ ﻠﻢ ﻧﻔﻌ ﻪ اﷲ ﺗﻌ ﺎﻟﻰ ﺑﻬ ﺎ .وﻗ ﺎل أﺑ ﻮ
ﺑﻜﺮ اﻟﺼﺪﻳﻖ رﺿﻲ اﷲ ﺗﻌﺎﻟﻰ ﻋﻨﻪ :ﻟﻮ رأﻳﺖ أﺣﺪًا ﻋﻠﻰ ﺣﺪ ﻣﻦ ﺣﺪود اﷲ ﺗﻌﺎﻟﻰ ﻟﻤﺎ أﺧﺬﺗﻪ ،وﻻ دﻋﻮت إﻟﻴﻪ أﺣﺪًا ﺣﺘﻰ ﻳﻜﻮن ﻣﻌﻲ ﻏﻴﺮي .
وﻓﻲ اﻟﺤﺪﻳﺚ اﻟﺸﺮﻳﻒ ﻋﻦ اﺑﻦ ﻋﻤ ﺮ رﺿ ﻲ اﷲ ﺗﻌ ﺎﻟﻰ ﻋﻨﻬﻤ ﺎ ﻗ ﺎل :ﺻ ﻌﺪ رﺳ ﻮل اﷲ ﺻ ﻠﻰ اﷲ ﻋﻠﻴ ﻪ وﺳ ﻠﻢ اﻟﻤﻨﺒ ﺮ وﻧ ﺎدى ﺑ ﺼﻮت
رﻓﻴﻊ ﺣﺘﻰ اﺳﻤﻊ اﻟﻌﻮاﺗﻖ ﻓﻲ ﺧﺪورهﻦ " :ﻳﺎ ﻣﻌﺸﺮ ﻣﻦ ﺁﻣﻦ ﺑﻠﺴﺎﻧﻪ وﻟﻢ ﻳﻔ ﺾ )ﻳ ﺼﻞ ( اﻹﻳﻤ ﺎن إﻟ ﻰ ﻗﻠﺒ ﻪ ﻻ ﺗ ﺆذوا اﻟﻤ ﺴﻠﻤﻴﻦ ،وروي ﻻ
ﺗﻐﺘﺎﺑﻮا اﻟﻤﺴﻠﻤﻴﻦ – وﻻ ﺗﺘﺒﻌﻮا ﻋﻮراﺗﻬﻢ ،ﻓﺈن ﻣﻦ ﺗﺘﺒﻊ ﻋﻮرة أﺧﻴﻪ اﻟﻤﺴﻠﻢ ﺗﺘﺒﻊ اﷲ ﻋﻮرﺗﻪ ،وﻣﻦ ﺗﺘﺒﻊ اﷲ ﻋﻮرﺗﻪ ﻳﻮﺷﻚ أن ﻳﻔﻀﺤﻪ وﻟﻮ
ﻓﻲ ﺟﻮف رﺣﻠﻪ" .
وورد ﻋﻦ اﻷﻋﻤﺶ ﻋﻦ زﻳﺪ رﺿﻲ اﷲ ﺗﻌﺎﻟﻰ ﻋﻨﻪ ﻗﺎل :أﺗﻰ اﺑﻦ ﻣﺴﻌﻮد رﺿﻲ اﷲ ﺗﻌﺎﻟﻰ ﻋﻨﻪ ﺑﺮﺟﻞ ،ﻓﻘﻴ ﻞ ﻟ ﻪ :ه ﺬا ﻓ ﻼن ،ﺗﻘﻄ ﺮ
ﻟﺤﻴﺘﻪ ﺧﻤﺮًا ،ﻓﻘﺎل ﻋﺒﺪ اﷲ رﺿﻲ اﷲ ﺗﻌﺎﻟﻰ ﻋﻨﻪ " :إﻧﺎ ﻗﺪ ﻧُﻬﻴﻨﺎ ﻋﻦ اﻟﺘﺠﺴﺲ وﻟﻜﻦ إن ﻳﻈﻬﺮ ﻟﻨﺎ ﺷﻲ ٌء ﻧﺄﺧﺬ ﺑﻪ " .
وﻗﺎل اﻹﻣﺎم أﺣﻤﺪ رﺿﻲ اﷲ ﺗﻌﺎﻟﻰ ﻋﻨﻪ :ورد ﻋﻦ دﺟﻴﻦ آﺎﺗﺐ ﻋﻘﺒﺔ ﻗﺎل :ﻗﻠﺖ ﻟﻌﻘﺒﺔ :إن ﻟﻨﺎ ﺟﻴﺮاﻧ ًﺎ ﻳ ﺸﺮﺑﻮن اﻟﺨﻤ ﺮ وأﻧ ﺎ داع ﻟﻬ ﻢ
اﻟﺸﺮط ﻓﻴﺄﺧﺬوﻧﻬﻢ .ﻗﺎل :ﻻ ﺗﻔﻌﻞ ،وﻟﻜﻦ ﻋﻈﻬﻢ وﺗﻬﺪدهﻢ .
ﻗﺎل :ﻓﻔﻌﻞ ﻓﻠﻢ ﻳﻨﺘﻬﻮا .ﻗ ﺎل :ﻓﺠ ﺎءﻩ دﺟ ﻴﻦ ،ﻓﻘ ﺎل :إﻧ ﻲ ﻧﻬﻴ ﺘﻬﻢ ﻓﻠ ﻢ ﻳﻨﺘﻬ ﻮا ،وإﻧ ﻲ داع ﻟﻬ ﻢ اﻟ ﺸﺮط ﻓﺘﺄﺧ ﺬهﻢ ،ﻓﻘ ﺎل ﻟ ﻪ ﻋﻘﺒ ﺔ :
وﻳﺤﻚ ﻻ ﺗﻔﻌﻞ ،ﻓﺈﻧﻲ ﺳﻤﻌﺖ رﺳﻮل اﷲ ﺻﻠﻰ اﷲ ﻋﻠﻴﻪ وﺳﻠﻢ ﻳﻘﻮل " :ﻣﻦ ﺳﺘﺮ اﷲ ﻋﻮرة ﻣﺆﻣﻦ ﻓﻜﺄﻧﻤﺎ اﺳﺘﺤﻴﺎ ﻣﺆودة ﻣﻦ ﻗﺒﺮهﺎ " .
وﻋﻦ أﺑﻲ أﻣﺎﻣﺔ رﺿﻲ اﷲ ﺗﻌﺎﻟﻰ ﻋﻨﻪ ﻋﻦ اﻟﻨﺒﻲ ﺻﻠﻰ اﷲ ﻋﻠﻴﻪ وﺳﻠﻢ ﻗﺎل " :إن اﻷﻣﻴﺮ إذا اﺑﺘﻐﻰ اﻟﺮﻳﺒﺔ ﻓﻲ اﻟﻨﺎس أﻓﺴﺪهﻢ " .
وﻗﻮﻟ ﻪ ﺗﻌ ﺎﻟﻰ :وﻻ ﺗﺠﺴ ﺴﻮا أي ﻋﻠ ﻰ ﺑﻌ ﻀﻜﻢ ﺑﻌ ﻀ ًﺎ .واﻟﺘﺠ ﺴﺲ ﻏﺎﻟﺒ ًﺎ ﻳﻄﻠ ﻖ ﻓ ﻲ اﻟ ﺸﺮ ،وﻣﻨ ﻪ اﻟﺠﺎﺳ ﻮس وه ﻮ اﻟ ﺸﺮﻳﺮ .وأﻣ ﺎ
اﻟﻨﺤﺴﺲ ﻓﻴﻜﻮن ﻏﺎﻟﺒ ًﺎ ﻓﻲ اﻟﺨﻴﺮ آﻤ ﺎ ﻗ ﺎل ﻋ ﺰ وﺟ ﻞ اﺧﺒ ﺎرًا ﻋ ﻦ ﻳﻌﻘ ﻮب ﻋﻠﻴ ﻪ اﻟ ﺼﻼة واﻟ ﺴﻼم أﻧ ﻪ ﻗ ﺎل " :ﻳ ﺎ ﺑﻨ ﻲ اذهﺒ ﻮا ﻓﺘﺤﺴ ﺴﻮا ﻣ ﻦ
ﻳﻮﺳﻒ وأﺧﻴﻪ وﻻ ﺗﻴﺄﺳﻮا ﻣﻦ َروْح اﷲ إﻧﻪ ﻻ ﻳﻴﺄس ﻣﻦ َروْح اﷲ إﻻ اﻟﻘﻮم اﻟﻜﺎﻓﺮون " .
وﻗﺪ ﻳﺴﺘﻌﻤﻞ آﻞ ﻣﻨﻬﻤﺎ ﻓﻲ اﻟﺸﺮ آﻤﺎ ﺛﺒﺖ ﻓﻲ اﻟﺼﺤﻴﺢ أن رﺳﻮل رﺳﻮل اﷲ ﺻﻠﻰ اﷲ ﻋﻠﻴ ﻪ وﺳ ﻠﻢ ﻗ ﺎل :وﻻ ﺗﺠﺴ ﺴﻮا وﻻ ﺗﺤﺴ ﺴﻮا
وﻻ ﺗﺒﺎﻏﻀﻮا وﻻ ﺗﺪاﺑﺮوا وآﻮﻧﻮا ﻋﺒﺎد اﷲ إﺧﻮاﻧ ًﺎ . " . .
وﻗﺎل اﻷوزاﻋﻲ رﺣﻤﻪ اﷲ ﺗﻌﺎﻟﻰ :اﻟﺘﺠﺴﺲ اﻟﺒﺤﺚ ﻋﻦ اﻟﺸﻲء ،واﻟﺘﺤﺴﺲ اﻻﺳﺘﻤﺎع إﻟﻰ ﺣﺪﻳﺚ اﻟﻘﻮم وهﻢ ﻟﻪ آ ﺎرهﻮن أو ﻳﺘ ﺴﻤﻊ
ﻋﻠﻰ أﺑﻮاب اﻟﻨﺎس ﻟﻴﺴﺘﺨﺒﺮ ﻋﻦ أﻧﺒﺎﺋﻬﻢ .ﻓﻠﻬﻢ اﻟﺤﻖ ﻓﻲ أن ﻳﻔﻘﺄوا ﻋﻴﻨﻪ اﻟﻤﺴﻤﻮﻣﺔ اﻟﺘ ﻲ ﺗﻨﻈ ﺮ إﻟ ﻰ اﻟﻨ ﺎس ﺑﺎﻟﺒﺎﻃ ﻞ وﺗﺘﺤ ﺴﺲ ﻋﻠ ﻴﻬﻢ وه ﻢ
ﻓﻲ ﺑﻴﻮﺗﻬﻢ ﺁﻣﻨﻮن ،وﻋﻠﻰ أﺳﺮارهﻢ ﻣﺆﺗﻤﻨﻮن ،واﻟﻤﺮء ﻓﻲ ﺑﻴﺘﻪ ﻣﺼﻮن وﺣﺮﻳﺘﻪ ﻓﻴﻪ ﻣﺼﻮﻧﺔ ﺑﺤﻜ ﻢ اﻹﺳ ﻼم ،وﻟ ﻴﺲ ﻷﺣ ﺪ أن ﻳ ﺪﺧﻞ ﻋﻠﻴ ﻪ
إﻻ ﺑﺈذﻧﻪ ،آﻤﺎ أﻧﻪ ﻟﻴﺲ ﻷﺣﺪ أن ﻳﺘﺤﺴﺲ ﻋﻠﻴﻪ وﻳﺘﺴﻤﻊ إﻟﻰ أﺣﺎدﻳﺜ ﻪ وﻳﻨﻈ ﺮ ﻏﻠﻴ ﻪ ﻣ ﻦ ﺷ ﻘﻮق ﺑﺎﺑ ﻪ أو ﻳﺘ ﺴﻠﻂ ﻋﻠﻴ ﻪ ﻣ ﻦ ﺳ ﻄﺤﻪ أو ﺟ ﺪارﻩ
اﻟﻤﻜﺸﻮف وﻗﺪﻳﻤ ًﺎ ﻗﺎل اﻟﺸﺎﻋﺮ :
38
www.daawa-info.net
أﻋﻤـﻰ إذا ﻣﺎ ﺟﺎرﺗـﻲ ﺗﻈﻬـﺮ
ﺣﺘـﻰ ﻳـﻮاري ﺟـﺎرﺗﻲ اﻟﺴﺘـﺮ
وﻓﻲ ﺣﺪﻳﺚ رﺳﻮل اﷲ ﺻﻠﻰ اﷲ ﻋﻠﻴﻪ وﺳﻠﻢ ﻋﻦ أﺑﻲ هﺮﻳﺮة رﺿﻲ اﷲ ﺗﻌﺎﻟﻰ ﻋﻨﻪ ﻗ ﺎل :ﻗ ﺎل رﺳ ﻮل اﷲ ﺻ ﻠﻰ اﷲ ﻋﻠﻴ ﻪ وﺳ ﻠﻢ " :
ﻣﻦ اﻃﻠﻊ ﻓﻲ ﺑﻴﺖ ﻗﻮم ﺑﻐﻴﺮ إذﻧﻬﻢ ﻓﻘﺪ ﺣﻞ ﻟﻬﻢ أن ﻳﻔﻘﺄوا ﻋﻴﻨﻪ " .
وﻋﻦ اﺑﻦ ﻋﺒﺎس رﺿﻲ اﷲ ﺗﻌﺎﻟﻰ ﻋﻨﻬﻤﺎ ﻋﻦ اﻟﻨﺒﻲ ﺻﻠﻰ اﷲ ﻋﻠﻴﻪ وﺳﻠﻢ ﻗﺎل " :ﻣﻦ ﺗﺤﻠﻢ ﺑﺤﻠﻢ ﻟﻢ ﻳﺮﻩ آُﻠﻒ أن ﻳﻌﻘﺪ ﺑﻴﻦ ﺷ ﻌﻴﺮﺗﻴﻦ
ﺐ ﻓﻲ أذﻧﻴﻪ اﻵﻧﻚ وﻣﻦ ﺻﻮر ﺻﻮرة ﻋﺬب أو آﻠﻒ أن ﻳ ﻨﻔﺦ ﻓﻴﻬ ﺎ اﻟ ﺮوح وﻟ ﻴﺲ
وﻟﻦ ﻳﻔﻌﻞ ،وﻣﻦ اﺳﺘﻤﻊ إﻟﻰ ﺣﺪﻳﺚ ﻗﻮم وهﻢ ﻟﻪ آﺎرهﻮن ﺻ ّ
ﺑﻨﺎﻓﺦ " .
وﻗ ﺪ دﻓﻌ ﺖ آﺮاه ﺔ اﻟﻤﻨﻜ ﺮات واﻟﺤ ﺮص ﻋﻠ ﻰ ﻣ ﺼﺎﻟﺢ اﻷﻣ ﺔ واﻟ ﺴﻬﺮ ﻋﻠ ﻰ رﻋﺎﻳﺘﻬ ﺎ وأﻣﺎﻧﺘﻬ ﺎ وﺣﻤﺎﻳ ﺔ أﺧﻼﻗﻬ ﺎ ،وﺻ ﻴﺎﻧﺔ ﺁداﺑﻬ ﺎ
اﻹﺳﻼﻣﻴﺔ ،آﻞ ذﻟ ﻚ دﻓ ﻊ أﻣﻴ ﺮ اﻟﻤ ﺆﻣﻨﻴﻦ وﺧﻠﻴﻔ ﺔ رﺳ ﻮل رب اﻟﻌ ﺎﻟﻤﻴﻦ ،ﻣ ﻦ ﺗﺮﺑ ﻰ ﻋﻠ ﻰ ﻣﺎﺋ ﺪة اﻟﻘ ﺮﺁن وﻋ ﺎش ﻣ ﻊ اﻟﻘ ﺮﺁن وﻟﻠﻘ ﺮﺁن ،إﻟ ﻰ
اﻟﺘﺤﺴﺲ وﻣﺮاﻗﺒﺔ اﻟﻨﺎس .ﻓﻘﺪ ﻧﻘﻞ اﻟﺸﻴﻴﺦ ﻣﺤﻤﺪ ﻣﺼﻄﻔﻰ اﻟﻤﺮاﻏﻲ ﻓﻲ ﺗﻔﺴﻴﺮﻩ ﻟﺴﻮرة اﻟﺤﺠﺮات :أن ﻋﻤﺮ ﺑ ﻦ اﻟﺨﻄ ﺎب رﺿ ﻲ اﷲ ﺗﻌ ﺎﻟﻰ
ﻋﻨﻪ آﺎن ﻳﻌﺲ ﺑﺎﻟﻤﺪﻳﻨﺔ وﻳﺤﺮس اﻟﻨﺎس وﻳﻜﺸﻒ أهﻞ اﻟﺮﻳﺒﺔ ﻣﻨﻬﻢ ،ﻓﺴﻤﻊ ﺻﻮت رﺟﻞ ﻓﻲ ﺑﻴﺘ ﻪ ﻳﻐﻨ ﻲ ،ﻓﺘ ﺴﻮر ﻋﻠﻴ ﻪ ،ووﺟ ﺪ ﻋﻨ ﺪﻩ اﻣ ﺮأة
وﺧﻤﺮًا ﻓﻘﺎل ﻋﻤﺮ :ﻳﺎ ﻋﺪو اﷲ ! أﻃﻨﻨﺖ أن اﷲ ﻳﺴﺘﺮك وأﻧﺖ ﻋﻠﻰ ﻣﻌﺼﻴﺘﻪ ،ﻓﻘﺎل اﻟﺮﺟﻞ :وأﻧﺖ ﻳﺎ أﻣﻴﺮ اﻟﻤﺆﻣﻨﻴﻦ ﻻ ﺗﻌﺠﻞ ﻋﻠ ّ
ﻲ ،إن آﻨ ﺖ
ﻋﺼﻴﺖ اﷲ ﻓﻲ واﺣﺪة ،ﻓﻘﺪ ﻋﺼﻴﺘﻪ أﻧﺖ ﻓﻲ ﺛﻼث :ﻗﺎل اﷲ ﺗﻌﺎﻟﻰ " :ﻻ ﺗﺪﺧﻠﻮا ﺑﻴﻮﺗ ًﺎ ﻏﻴﺮ ﺑﻴﻮﺗﻜﻢ ﺣﺘﻰ ﺗﺴﺘﺄﻧﺴﻮا وﺗ ﺴﻠﻤﻮا ﻋﻠ ﻰ أهﻠﻴﻬ ﺎ "
،وﻗﺪ دﺧﻠﺖ ﺑﻐﻴﺮ إذﻧﻲ ﻓﻘﺎل أﻣﻴﺮ اﻟﻤﺆﻣﻨﻴﻦ رﺿﻲ اﷲ ﺗﻌﺎﻟﻰ ﻋﻨﻪ :ﻓﻬﻞ ﻋﻨﺪك ﻣﻦ ﺧﻴﺮ إن ﻋﻔ ﻮت ﻋﻨ ﻚ ! ﻗ ﺎل اﻟﺮﺟ ﻞ :ﻧﻌ ﻢ .واﷲ ﻳ ﺎ أﻣﻴ ﺮ
اﻟﻤﺆﻣﻨﻴﻦ ﻟﺌﻦ ﻋﻔﻮت ﻻ أﻋﻮد إﻟﻰ ﻣﺜﻠﻬﺎ أﺑﺪًا ،ﻓﻌﻔﺎ ﻋﻨﻪ ﻋﻤﺮ وﺗﺮآﻪ .
وﻗﺪ ﺗﻀﻤﻨﺖ هﺬﻩ اﻵﻳﺔ اﻟﻜﺮﻳﻤﺔ ﻟﻄﺎﺋﻒ ﻣﻦ اﻟﻤﻌﺎﻧﻲ وآﺮاﺋﻢ اﻟﺴﺠﺎﻳﺎ اﻟﺤﻤﻴﺪة ،وذآﺮت أﻣﻮرًا ﺛﻼﺛﺔ ﻣﺮﺗﺒﺔ ﺑﻌ ﻀﻬﺎ ﻋﻠ ﻰ ﺑﻌ ﺾ ،ﻓﻘ ﺪ
ﻧﻬﺖ ﻋﻦ اﻟﻈﻦ ﺑﺎﻟﻤﺴﻠﻢ ،واﻟﻘﻮل ﻓﻴﻪ ﺑﻐﻴﺮ ﻋﻠﻢ ،وﻧﻬﺖ ﻋﻦ اﻟﺒﺤﺚ ﻋﻦ ذﻟﻚ ﻟﺘﺤﻘﻴﻘﻪ ،وﻧﻬﺖ ﻋﻦ اﻟﺒﺤﺚ ﻋﻦ ذﻟﻚ ﺑ ﻴﻦ اﻟﻨ ﺎس إذا ﺗﺤﻘ ﻖ ﻣ ﺎ
ﻇﻨﻪ ﻣﻦ ﺳﻮء .ﺛﻢ ﺧﺘﻤﺖ اﻵﻳﺔ ﺑﺘﺮﻏﻴﺐ اﻟﻤﺆﻣﻨﻴﻦ ﻓﻲ رﺣﻤﺔ اﷲ ﺗﻌﺎﻟﻰ ﺑﺎﻟﺘﻮﺑﺔ ،وﻓﺘﺢ اﷲ ﺳﺒﺤﺎﻧﻪ اﻟﺒﺎب ﺑﻘﻮﻟﻪ ﻋﻠﻰ ﺳﺒﻴﻞ اﻟﻤﺒﺎﻟﻐ ﺔ " :إن
اﷲ ﺗﻮاب رﺣﻴﻢ " .
ﻓﻠﻴﺴﺎرع اﻟﻤﺆﻣﻨﻮن إﻟﻰ ﺑﺎب هﺬا اﻟﺘﻮاب اﻟﺮﺣﻴﻢ واﻟﺮب اﻟﻜﺮﻳﻢ واﻹﻟﻪ اﻟﻌﻈﻴﻢ ﺟﻞ ﺟﻼﻟﻪ وﺗﺒﺎرآﺖ أﺳﻤﺎؤﻩ وﻋﺰ آﻤﺎﻟﻪ .
ﺗﺤﺮﻳﻢ اﻟﻐﻴﺒﺔ
وﺗﻀﻤﻨﺖ اﻵﻳﺔ اﻟﻜﺮﻳﻤﺔ ﻧﻬﻲ اﷲ ﻋﺰ وﺟﻞ ﻋﻦ اﻟﻐﻴﺒﺔ ،وهﻲ :أن ﻳﺬآﺮ اﻹﻧﺴﺎن أﺧﺎﻩ اﻟﻤﺴﻠﻢ ﻓﻲ ﻏﻴﺒﺘﻪ ﺑﻤﺎ ﻳﻜﺮﻩ ،ﺳﻮاء آﺎن اﻟﺬآﺮ
ﻼ ﺑﻪ أو ﺑﻤﻦ ﻟﻪ
ﺻﺮاﺣﺔ أو آﺘﺎﺑﺔ أو إﺷﺎرة أو رﻣﺰًا .وﺳﻮاء آﺎن ﻣﺎ اﻏﺘﺎﺑﻪ ﺑﻪ ﻣﺘﻌﻠﻘ ًﺎ ﺑﺪﻳﻨﻪ أو ﺑﺪﻧﻴﺎﻩ ،ﺑﺨﻠﻘﻪ أو ﺧﻠﻘﻪ ،وﺳﻮاء أآﺎن ﻣﺘﺼ ً
ﺑﻪ راﺑﻄﺔ أو ﺻﻠﺔ ،ﻣﻦ وﻟﺪ أو زوﺟﺔ أو أب وأم .
وﻧﺤﺮم ﻏﻴﺒﺔ اﻟﻤﺴﻠﻢ وﺧﺎﺻﺔ اﻟﻤﻌﺮوف ﺑﺎﻟﺼﻼح ،وآﺬﻟﻚ ﻣﺴﺘﻮر اﻟﺤ ﺎل وﺑ ﺼﻮرة ﻣﻄﻠﻘ ﺔ اﻟﻠﻬ ﻢ إﻻ اﻟﻤﺠ ﺎهﺮﻳﻦ ﺑﺎﻟﻔ ﺴﻖ واﻟ ﺪاﺧﻠﻴﻦ
ﻓﻲ ﻣﻮاﻃﻦ اﻟﺮﻳﺐ ،ﻓﺈﻧﻪ ﻻ ﺗﺤﺮم ﻏﻴﺒﺘﻬﻢ .
وﻗﺪ ﻧﻘﻞ اﻹﻣﺎم اﻟﻘﺮﻃﺒﻲ رﺣﻤﻪ اﷲ ﺗﻌﺎﻟﻰ إﺟﻤﺎع اﻟﻤﺴﻠﻤﻴﻦ ﻋﻠﻰ أن اﻟﻐﻴﺒﺔ ﻣﻦ اﻟﻜﺒﺎﺋﺮ ،وﺑﻌﺪ أن ﺻﻮرهﺎ اﷲ ﺳ ﺒﺤﺎﻧﻪ أﺑ ﺸﻊ ﺗ ﺼﻮﻳﺮ
ﻓﻲ ﺁﺧﺮ اﻵﻳﺔ ،ﻓﻼ ﻳﺼﺢ أن ﺗﻌﺪ ﻓﻲ اﻟﺼﻐﺎﺋﺮ .
وﻣﻦ اﻟﻐﻴﺒﺔ ﻣﺎ هﻮ هﻴﻦ ﺑﺴﻴﻂ ،آﻌﻴﺐ اﻟﺸﺨﺺ ﻓﻲ ﻟﺒﺎﺳﻪ أو ﺳﻴﺎرﺗﻪ ،وﻣ ﺎ أﺷ ﺒﻪ ذﻟ ﻚ ﻣﻤ ﺎ ﻻ ﻳﺘ ﺼﻞ ﺑﺎﻟ ﺪﻳﻦ واﻟﺨﻠ ﻖ ،ﻓ ﺈذا ﻗﻴ ﻞ أن
أﻣﺜﺎل هﺬﻩ اﻟﻐﻴﺒﺔ ﻣﻦ اﻟﺼﻐﺎﺋﺮ آﺎن ﻣﻘﺒﻮ ًﻻ ،أﻣﺎ ﻣﺎ ﻳﺘﻌﻠﻖ ﺑﺎﻟﺪﻳﻦ واﻟﺨﻠﻖ واﻟﻌﺮض ﻓﻼ .
39
www.daawa-info.net
وﻳﺠﻮز ﻟﻤﻦ ﻇﻠﻢ أن ﻳﺸﻜﺮ ﻇﺎﻟﻤﻪ ،وﻳﺬآﺮ ﻣﺎ ﻓﻌﻠﻪ ﻣﻌﻪ ﻣﻤﺎ ﻳﻌﺪ ﻋﻴﺒ ًﺎ ،آﻤﺎ ﻳﺠﻮز ﻟﻤﻦ ﻳﺮﻳﺪ ﺗﻐﻴﻴﺮ ﻣﻨﻜ ﺮ أن ﻳ ﺬآﺮ ذﻟ ﻚ اﻟﻤﻨﻜ ﺮ ﻟﻠﻘ ﺎدر
ﻋﻠﻰ ﺗﻐﻴﻴﺮﻩ ،آﻤﺎ ﻳﺠﻮز ذآﺮ ﻣﺎ ﻓﻲ اﻟﻮﻻة واﻟﻘﻀﺎة ﻣﻦ ﺷﺮ ﻟﻠﻘﺎدر ﻋﻠﻰ ﻋﺰﻟﻬﻢ وﺗﻐﻴﻴﺮهﻢ وﻻ ﻳﻌﺪ هﺬا ﻣﻦ اﻟﻐﻴﺒﺔ .
ﻗﺎل اﻹﻣﺎم اﺑﻦ آﺜﻴﺮ رﺣﻤﻪ اﷲ ﺗﻌﺎﻟﻰ ﻓﻲ ﺗﻔﺴﻴﺮﻩ :
واﻟﻐﻴﺒﺔ ﻣﺤﺮّﻣﺔ ﺑﺎﻹﺟﻤﺎع ،وﻻ ﻳﺴﺘﺜﻨﻰ ﻣﻦ ذﻟ ﻚ إﻻ ﻣ ﺎ رﺟﺤ ﺖ ﻣ ﺼﻠﺤﺘﻪ ،آﻤ ﺎ ﻓ ﻲ اﻟﺠ ﺮح واﻟﺘﻌ ﺪﻳﻞ واﻟﻨ ﺼﻴﺤﺔ ،آﻘﻮﻟ ﻪ ﺻ ﻠﻰ اﷲ
ﻋﻠﻴﻪ وﺳﻠﻢ ﻟﻤﺎ اﺳﺘﺄذن ﻋﻠﻴﻪ اﻟﺮﺟﻞ اﻟﻔﺎﺟﺮ " :اﺋﺬﻧﻮا ﻟﻪ وﺑﺌﺲ أﺧﻮ اﻟﻌﺸﻴﺮة " .
وآﻘﻮﻟﻪ ﺻﻠﻰ اﷲ ﻋﻠﻴﻪ وﺳﻠﻢ ﻟﻔﺎﻃﻤﺔ ﺑﻨﺖ ﻗﻴﺲ رﺿﻲ اﷲ ﺗﻌﺎﻟﻰ ﻋﻨﻬﺎ وﻗﺪ ﺧﻄﺒﻬﺎ ﻣﻌﺎوﻳﺔ وأﺑ ﻮ اﻟﺠﻬ ﻢ " :أﻣ ﺎ ﻣﻌﺎوﻳ ﺔ ﻓ ﺼﻌﻠﻮك ،
وأﻣﺎ أﺑﻮ اﻟﺠﻬﻢ ﻓﻼ ﻳﻀﻊ ﻋﺼﺎﻩ ﻋﻦ ﻋﺎﺗﻘﻪ " ،وآﺬا ﻣﺎ ﺟﺮى ﻣﺠﺮى ذﻟﻚ ،ﺛﻢ ﺑﻘﻴﺘﻬﺎ ﻋﻠﻰ اﻟﺘﺤﺮﻳﻢ اﻟ ﺸﺪﻳﺪ ،وﻗ ﺪ ورد ﻓﻴﻬ ﺎ اﻟﺰﺟ ﺮ اﻷآﻴ ﺪ ،
وﻟﻬﺬا ﺷﺒﺒﻬﺎ اﷲ ﺗﺒﺎرك وﺗﻌﺎﻟﻰ ﺑﺄآﻞ اﻟﻠﺤﻢ ﻣﻦ اﻹﻧﺴﺎن اﻟﻤﻴﺖ ﻓﻘﺎل " :أﻳﺤﺐ أﺣﺪآﻢ أن ﻳﺄآﻞ ﻟﺤﻢ أﺧﻴﻪ ﻣﻴﺘ ًﺎ ﻓﻜﺮهﺘﻤ ﻮﻩ " أي آﻤ ﺎ ﺗﻜﺮه ﻮن
هﺬا ﻃﺒﻌ ًﺎ ﻓﺎآﺮهﻮا ذاك ﺷﺮﻋ ًﺎ .ﻓﺈن ﻋﻘﻮﺑﺘﻪ أﺷﺪ ﻣﻦ هﺬا ،وﻣﺜﻞ هﺬا ﻳﺄﺗﻲ ﻟﻠﺘﻨﻔﻴﺮ واﻟﺘﺤﺬﻳﺮ ،آﻤﺎ ﻗﺎل اﻟﻨﺒﻲ ﺻﻠﻰ اﷲ ﻋﻠﻴﻪ وﺳﻠﻢ ﻓﻲ اﻟﻌﺎﺋ ﺪ
ﻓﻲ هﺒﺘﻪ أو اﻟﺮاﺟﻊ ﻋﻨﻬﺎ ﻣﺜﻠﻪ ﺑﻘﻮﻟﻪ :آﺎﻟﻜﻠﺐ ﻳﻘﻲء ﺛﻢ ﻳﺮﺟﻊ ﻓﻲ ﻗﻴﺌﻪ .
وﻗﺪ ﻓﺴّﺮ اﻟﺸﺎرع اﻟﺤﻜﻴﻢ اﻟﻐﻴﺒﺔ ﺗﻔﺴﻴﺮًا واﺿﺤ ًﺎ ،ﻓﻘﺪ ﺟﺎء ﻓﻲ اﻟﺤﺪﻳﺚ اﻟﺬي رواﻩ أﺑﻮ داود رﺣﻤﻪ اﷲ ﺗﻌ ﺎﻟﻰ ﻋ ﻦ أﺑ ﻲ هﺮﻳ ﺮة رﺿ ﻲ
اﷲ ﺗﻌﺎﻟﻰ ﻋﻨﻪ ﻗﺎل :ﻗﻴﻞ ﻳﺎ رﺳﻮل اﷲ ﻣﺎ اﻟﻐﻴﺒﺔ ؟ ﻗﺎل ﺻﻠﻰ اﷲ ﻋﻠﻴﻪ وﺳﻠﻢ " :ذآﺮك أﺧ ﺎك ﺑﻤ ﺎ ﻳﻜ ﺮﻩ " ،ﻗﻴ ﻞ :ﻳ ﺎ رﺳ ﻮل اﷲ أﻓﺮأﻳ ﺖ إن
آﺎن ﻓﻲ أﺧﻲ ﻣﺎ أﻗﻮل ؟ ﻗﺎل ﺻﻠﻰ اﷲ ﻋﻠﻴﻪ وﺳﻠﻢ " :إن آﺎن ﻓﻴﻪ ﻣﺎ ﺗﻘ ﻮل ﻓﻘ ﺪ اﻏﺘﺒﺘ ﻪ ،وإن ﻟ ﻢ ﻳﻜ ﻦ ﻓﻴ ﻪ ﻣ ﺎ ﺗﻘ ﻮل ﻓﻘ ﺪ ﺑﻬﺘ ﻪ " .واﻟﺒﻬﺘ ﺎن
آﺬب وزور ،واﻟﻐﻴﺒﺔ إﺛﻢ وﻓﺠﻮر وآﻼهﻤﺎ ﺷﺮ وﺛﺒﻮر .
ﺳﺒﺐ اﻟﻨﺰول
وروي ﻋﻦ أﺑﻦ ﻋﺒﺎس رﺿﻲ اﷲ ﺗﻌﺎﻟﻰ ﻋﻨﻬﻤﺎ :أن ﺳﻠﻤﺎن آﺎن ﻳﺨﺪم رﺟﻠﻴﻦ ﻣﻦ اﻟﺼﺤﺎﺑﺔ وﻳﺴﻮّي ﻟﻬﻤﺎ ﻃﻌﺎﻣﻬﻤﺎ ،ﻓﻨﺎم ﻋ ﻦ ﺷ ﺄﻧﻪ
ﻳﻮﻣ ًﺎ .ﻓﺒﻌﺜﺎﻩ إﻟﻰ رﺳﻮل اﷲ ﺻﻠﻰ اﷲ ﻋﻠﻴﻪ وﺳﻠﻢ ﻳﺒﻐﻲ ﻟﻬﻤﺎ إداﻣ ًﺎ ،وآ ﺎن أﺳ ﺎﻣﺔ ﻋﻠ ﻰ ﻃﻌ ﺎم رﺳ ﻮل اﷲ ﺻ ﻠﻰ اﷲ ﻋﻠﻴ ﻪ وﺳ ﻠﻢ ﻓﻘ ﺎل :ﻣ ﺎ
ﻋﻨﺪي ﺷﻲء ،ﻓﺄﺧﺒﺮهﻤﺎ ﺳﻠﻤﺎن ﺑﺬﻟﻚ .ﻓﻌﻨﺪ ذﻟﻚ ﻗﺎﻻ :ﻟﻮ ﺑﻌﺜﻨﺎﻩ إﻟﻰ ﺑﺌﺮ ﺳﻤﻴﺤﺔ ﻟﻐﺎر ﻣﺎؤهﺎ ،ﻓﻠﻤ ﺎ راﺣ ﺎ إﻟ ﻰ اﻟﻨﺒ ﻲ ﺻ ﻠﻰ اﷲ ﻋﻠﻴ ﻪ وﺳ ﻠﻢ
ﻗﺎل ﻟﻬﻤﺎ :ﻣﺎ ﻟﻲ أرى ﺧﻀﺮة اﻟﻠﺤﻢ ﻓﻲ أﻓﻮاهﻜﻤﺎ .ﻓﻘﺎﻻ :ﻣﺎ ﺗﻨﺎوﻟﻨﺎ ﻟﺤﻤ ًﺎ ﻓﻘﺎل :إﻧﻜﻤﺎ ﻗﺪ اﻏﺘﺒﺘﻤﺎ ،ﻓﻨﺰﻟﺖ هﺬﻩ اﻵﻳﺔ اﻟﻜﺮﻳﻤﺔ " :وﻻ ﻳﻐﺘﺐ
ﺑﻌﻀﻜﻢ ﺑﻌﻀ ًﺎ أﻳﺤﺐ أﺣﺪآﻢ أن ﻳﺄآﻞ ﻟﺤﻢ أﺧﻴﻪ ﻣﻴﺘ ًﺎ ﻓﻜﺮهﺘﻤﻮﻩ ،واﺗﻘﻮا اﷲ ،إن اﷲ ﺗﻮاب رﺣﻴﻢ " .
وﻟﻘﺪ ﺗﻀﺎﻓﺮت أدﻟﺔ اﻟﺸﺮﻳﻌﺔ ﻋﻠﻰ ﺗﺤﺮﻳﻤﻬﺎ وﺷﻨﺎﻋﺔ ﻓﻌﻠﻬﺎ وﻗﺬارة ﻣﺮﺗﻜﺒﻴﻬﺎ .
وﻟﻠﻐﻴﺒ ﺔ أﺳ ﺒﺎب أهﻤﻬ ﺎ :اﻟﻐ ﻴﻆ ،وهﻴ ﺎج اﻟﻐ ﻀﺐ ،ﻓﻴ ﺬآﺮ ﻋﻴ ﻮب ﻏﻴ ﺮﻩ ﻟﻠﻨ ﺎس ﺷ ﻔﺎء ﻟﻨﻔ ﺴﻪ ﻣ ﻦ ﻏ ﻀﺒﻬﺎ ،أو ﻣﺠﺎﻣﻠ ﺔ اﻟﺮﻓﻘ ﺎء
واﻷﺻﺪﻗﺎء ،أو إرادة أن ﻳﺮﻓﻊ اﻹﻧﺴﺎن ﺑﺎﻟﻐﺾ ﻣﻦ ﻏﻴﺮﻩ ،أو اﻟﺤﺴﺪ وهﻮ أهﻢ اﻷﺳﺒﺎب .وﻣﻨﻬﺎ أﻳ ﻀ ًﺎ اﻟﻠﻌ ﺐ واﻟﻬ ﺰل واﻟﻤﻔﺎآﻬ ﺔ وإﺿ ﺎﻋﺔ
اﻟﻮﻗﺖ .وﻗﺪ ورد ﻋﻦ أﻧﺲ ﺑﻦ ﻣﺎﻟﻚ رﺿﻲ اﷲ ﺗﻌﺎﻟﻰ ﻋﻨﻪ ﻗﺎل :ﻗﺎل رﺳﻮل اﷲ ﺻﻠﻰ اﷲ ﻋﻠﻴﻪ وﺳﻠﻢ :ﻟﻤﺎ ﻋﺮج ﺑﻲ ﻣﺮرت ﺑﻘﻮم ﻟﻬﻢ أﻇﻔ ﺎر
ﻣﻦ ﻧﺤﺎس ﻳﺨﻤﺸﻮن وﺟﻮهﻬﻢ وﺻﺪورهﻢ ،ﻗﻠﺖ :ﻣﻦ هﺆﻻء ﻳﺎ ﺟﺒﺮﻳﻞ ؟ ﻗﺎل :هﺆﻻء اﻟﺬي ﻳﺄآﻠﻮن ﻟﺤﻮم اﻟﻨﺎس وﻳﻘﻌﻮن ﻓﻲ أﻋﺮاﺿﻬﻢ .
وﻋﻦ أﺑﻲ ﺳﻌﻴﺪ اﻟﺨﺪري رﺿﻲ اﷲ ﺗﻌﺎﻟﻰ ﻋﻨﻪ ﻗﺎل :ﻗﻠﻨﺎ ﻳﺎ رﺳﻮل اﷲ ﺣﺪﺛﻨﺎ ﻣﺎ رأﻳﺖ ﻟﻴﻠﺔ أﺳ ﺮي ﺑ ﻚ .ﻗ ﺎل … :ﺛ ﻢ اﻧﻄﻠ ﻖ ﺑ ﻲ إﻟ ﻰ
ﺐ أﺣﺪهﻢ ﻓﻴﺠﺰّون ﻣﻨﻪ اﻟﺠﺰّة ﻣﺜﻞ اﻟﻨﻌ ﻞ ،ﺛ ﻢ ﻳ ﻀﻌﻮﻧﻬﺎ ﻓ ﻲ
ﺧﻠﻖ ﻣﻦ ﺧﻠﻖ اﷲ آﺜﻴﺮ رﺟﺎل وﻧﺴﺎء ،ﻣﻮآﻞ ﺑﻬﻢ رﺟﺎل ﻳﻌﻤﺪون إﻟﻰ ﻋﺮض ﺟ ْﻨ ِ
ﺖ ،وه ﻮ ﻳﺠ ﺪ ﻣ ﻦ أآﻠ ﻪ اﻟﻤ ﻮت ﻳ ﺎ ﻣﺤﻤ ﺪ ،وه ﻮ ﻳُﻜ ﺮﻩ ﻋﻠﻴ ﻪ ،ﻓﻘﻠ ﺖ ﻳ ﺎ ﺟﺒﺮﻳ ﻞ ﻣ ﻦ ه ﺆﻻء ﻗ ﺎل :ه ﺆﻻء
ﻓﻲ أﺣﺪهﻢ .ﻓﻴﻘﺎل ﻟﻪ :آ ْﻞ آﻤﺎ أآﻠ َ
اﻟﻬﻤﺎزون ،اﻟﻠﻤﺎزون ،أﺻﺤﺎب اﻟﻨﻤﻴﻤﺔ ﻓﻴﻘﺎل " :أﻳﺤﺐ أﺣﺪآﻢ أن ﻳﺄآﻞ ﻟﺤﻢ أﺧﻴﻪ ﻣﻴﺘ ًﺎ ﻓﻜﺮهﺘﻤﻮﻩ " وهﻮ ﻳﻜﺮﻩ ﻋﻠﻰ أآﻞ ﻟﺤﻤﻪ .
وإﻟﻰ اﻟﺮﺟﺎل أﺳﻮق هﺬا اﻟﺤﺪﻳﺚ اﻟﺸﺮﻳﻒ اﻟ ﺬي ﻳﺮوﻳ ﻪ أﺑ ﻮ داود رﺣﻤ ﻪ اﷲ ﺗﻌ ﺎﻟﻰ أن اﻟﻨﺒ ﻲ ﺻ ﻠﻰ اﷲ ﻋﻠﻴ ﻪ وﺳ ﻠﻢ ﻗ ﺎل " :ﻣ ﻦ أآ ﻞ
ﺑﺮﺟﻞ أآﻠ ًﺔ ﻓﺈن اﷲ ﻳﻄﻌﻤﻪ ﻣﺜﻠﻬﺎ ﻓﻲ ﺟﻬﻨﻢ ،وﻣﻦ آﺴﺎ ﺛﻮﺑ ًﺎ ﺑﺮﺟﻞ ﻣﺴﻠﻢ ﻓﺈن اﷲ ﻳﻜﺴﻮﻩ ﻣﺜﻠﻪ ﻓﻲ ﺟﻬﻨﻢ ،وﻣﻦ ﻗﺎم ﺑﺮﺟﻞ ﻣﻘﺎم ﺳ ﻤﻌﺔ ورﻳ ﺎء
ﻓﺈن اﷲ ﺗﻌﺎﻟﻰ ﻳﻘﻮم ﺑﻪ ﻣﻘﺎم ﺳﻤﻌﺔ ورﻳﺎء ﻳﻮم اﻟﻘﻴﺎﻣﺔ " .
40
www.daawa-info.net
وإﻟﻰ اﻟﻨﺴﺎء ﻓﻲ ﺑﻼدﻧﺎ ﺟﻤﻴﻌ ًﺎ أﺳﻮق ﺣﺪﻳﺚ اﻟﻤﺮأﺗﻴﻦ ﻋﻠﻰ ﻋﻬ ﺪ رﺳ ﻮل اﷲ ﺻ ﻠﻰ اﷲ ﻋﻠﻴ ﻪ وﺳ ﻠﻢ ﻓﻴﻤ ﺎ رواﻩ اﻹﻣ ﺎم أﺣﻤ ﺪ ﺑ ﻦ ﺣﻨﺒ ﻞ
رﺿﻲ اﷲ ﺗﻌﺎﻟﻰ ﻋﻨﻪ ﻋﻦ ﺳﻌﺪ ﻣﻮﻟﻰ رﺳﻮل اﷲ ﺻﻠﻰ اﷲ ﻋﻠﻴﻪ وﺳﻠﻢ أﻧﻬﻢ أﻣﺮوا ﺑﺼﻴﺎم ،ﻓﺠﺎء رﺟﻞ ﻓﻲ ﻧﺼﻒ اﻟﻨﻬﺎر ﻓﻘﺎل :ﻳﺎ رﺳﻮل اﷲ
،ﻓﻼﻧﺔ وﻓﻼﻧﺔ ﻗﺪ ﺑﻠﻐﺘﺎ اﻟﺠﻬﺪ ،ﻓﺄﻋﺮض ﻋﻨﻪ ﻣﺮﺗﻴﻦ أو ﺛﻼﺛ ًﺎ ،ﺛﻢ ﻗﺎل :ادﻋﻬﻤ ﺎ ،ﻓﺠ ﺎء ﺑﻘ ﺪح ﻓﻘ ﺎل ﻹﺣ ﺪاهﻤﺎ :ﻗﻴﺌ ﻲ ،ﻓﻘ ﺎءت ﻟﺤﻤ ًﺎ ودﻣ ًﺎ
ﻋﺒﻴﻄ ًﺎ وﻗﻴﺤ ًﺎ .وﻗﺎل ﻟﻸﺧﺮى ﻣﺜﻞ ذﻟﻚ ﺛﻢ ﻗﺎل :إن هﺎﺗﻴﻦ ﺻﺎﻣﺘﺎ ﻋﻤﺎ أﺣﻞ اﷲ ﻟﻬﻤﺎ ،وأﻓﻄﺮﺗﺎ ﻋﻠﻰ ﻋﻠﻰ ﻣﺎ ﺣﺮم اﷲ ﻋﻠﻴﻬﻤﺎ ،أﺗﺖ إﺣﺪاهﻤﺎ
ﻟﻸﺧﺮى ﻓﻠﻢ ﺗﺰاﻻ ﺗﺄآﻼن ﻟﺤﻮم اﻟﻨﺎس ﺣﺘﻰ اﻣﺘﻸت أﺟﻮاﻓﻬﻤﺎ ﻗﻴﺤ ًﺎ .ﻧﻌﻮذ ﺑﺎﷲ ﺗﻌﺎﻟﻰ وﻧﺴﺘﺠﻴﺮ ﺑﻪ ﻣﻦ ﺷﺮ اﻟﻐﻴﺒﺔ .
وروي ﻋﻦ أﺑﻲ ﻳﻌﻠﻰ رﺿﻲ اﷲ ﺗﻌﺎﻟﻰ ﻋﻨﻪ ﻋﻦ ﻋﻢ ﻷﺑﻲ هﺮﻳﺮة رﺿﻲ اﷲ ﺗﻌﺎﻟﻰ ﻋﻨﻪ أن ﻣﺎﻋﺰًا ﺟﺎء إﻟﻰ رﺳ ﻮل اﷲ ﺻ ﻠﻰ اﷲ ﻋﻠﻴ ﻪ
وﺳﻠﻢ ﻓﻘﺎل :ﻳﺎ رﺳﻮل اﷲ إﻧﻲ ﻗﺪ زﻧﻴﺖ ،ﻓﺄﻋﺮض ﻋﻨﻪ ﺣﺘﻰ ﻗﺎﻟﻬﺎ أرﺑﻌ ًﺎ ،ﻓﻠﻤﺎ آﺎن ﻓﻲ اﻟﺨﺎﻣﺴﺔ ﻗﺎل ﺻﻠﻰ اﷲ ﻋﻠﻴﻪ وﺳﻠﻢ :زﻧﻴ ﺖ ؟ ﻗ ﺎل :
ﻧﻌﻢ ،ﻗﺎل :وﺗﺪري ﻣﺎ اﻟﺰﻧﺎ ؟ ﻗﺎل :ﻧﻌﻢ ،ﻗﺎل :أﺗﻴﺖ ﻣﻨﻬﺎ ﺣﺮاﻣ ًﺎ ﻣ ﺎ ﻳ ﺄﺗﻲ اﻟﺮﺟ ﻞ ﻣ ﻦ اﻣﺮأﺗ ﻪ ﺣ ﻼ ًﻻ ؟ ﻗ ﺎل :ﻧﻌ ﻢ ،ﻗ ﺎل :ﻣ ﺎ ﺗﺮﻳ ﺪ إﻟ ﻰ ه ﺬا
اﻟﻘﻮل ؟ ﻗﺎل :أرﻳﺪ أن ﺗﻄﻬﺮﻧﻲ ،ﻗﺎل ،ﻓﻘﺎل رﺳﻮل اﷲ ﺻﻠﻰ اﷲ ﻋﻠﻴﻪ وﺳﻠﻢ ،أدﺧﻠﺖ ذﻟﻚ ﻣﻨﻚ ﻓﻲ ذﻟﻚ ﻣﻨﻬﺎ ،آﻤﺎ ﻳﻐﻴﺐ اﻟﻤﻴﻞ ﻓﻲ اﻟﻤﻜﺤﻠﺔ
،واﻟﻌﺼﺎ ﻓﻲ اﻟﺒﺌﺮ ؟ ﻗﺎل ،ﻧﻌﻢ ﻳﺎ رﺳﻮل اﷲ .ﻗﺎل ،ﻓﺄﻣﺮ ﺑﺮﺟﻤﻪ ﻓﺮﺟﻢ ،ﻓﺴﻤﻊ اﻟﻨﺒﻲ ﺻﻠﻰ اﷲ ﻋﻠﻴﻪ وﺳﻠﻢ رﺟﻠﻴﻦ ﻳﻘﻮل أﺣﺪهﻤﺎ ﻟﺼﺎﺣﺒﻪ ،
أﻟﻢ ﺗﺮ إﻟﻰ هﺬا اﻟﺬي ﺳﺘﺮ اﷲ ﻋﻠﻴﻪ .ﻓﻠﻢ ﺗﺪﻋﻪ ﻧﻔﺴﻪ ﺣﺘﻰ رﺟﻢ رﺟﻢ اﻟﻜﻼب .ﺛﻢ ﺳﺎر اﻟﻨﺒﻲ ﺻﻠﻰ اﷲ ﻋﻠﻴﻪ وﺳﻠﻢ ﺣﺘﻰ ﻣﺮ ﺑﺠﻴﻔﺔ ﺣﻤﺎر ﻓﻘﺎل
،أﻳﻦ ﻓﻼن وﻓﻼن ؟ اﻧﺰﻻ .ﻓﻜﻼ ﻣﻦ ﺟﻴﻔﺔ هﺬا اﻟﺤﻤﺎر .ﻗﺎﻻ :ﻏﻔﺮ اﷲ ﻟﻚ ﻳﺎ رﺳﻮل اﷲ ،وهﻞ ﻳﺆآﻞ هﺬا ؟ ﻗﺎل ﺻ ﻠﻰ اﷲ ﻋﻠﻴ ﻪ وﺳ ﻠﻢ :ﻓﻤ ﺎ
ﻧﻠﺘﻤﺎ ﻣﻦ أﺧﻴﻜﻤﺎ ﺁﻧﻔ ًﺎ أﺷﺪ أآﻼ ﻣﻨﻪ ،واﻟﺬي ﻧﻔﺴﻲ ﺑﻴﺪﻩ إﻧﻪ اﻵن ﻟﻔﻲ أﻧﻬﺎر اﻟﺠﻨﺔ ﻳﻨﻐﻤﺲ ﻓﻴﻬﺎ .
وهﻜﺬا ﺗﺼﻨﻊ اﻟﺘﻮﺑﺔ اﻟﺼﺎدﻗﺔ ﺗﻨﻘﻞ اﻟﺮﺟﻞ ﻣﻦ اﻟﺮﺟﺲ واﻟﺪﻧﺲ إﻟﻰ أﻧﻬﺎر اﻟﺠﻨﺔ ﻳﺘﻄﻬﺮ ﻓﻴﻬﺎ وﻳﺘﻄﻴﺐ رﺿﻲ اﷲ ﺗﻌ ﺎﻟﻰ ﻋﻨ ﻪ وأرﺿ ﺎﻩ
،ﻓﻘﺪ ﺟﺎد ﺑﻨﻔﺴﻪ ﻓﻲ ﺳﺒﻴﻞ اﷲ وﺧﻮﻓ ًﺎ ﻣﻦ ﻋﻘﺎب اﷲ ،ووﻋﻴﺪﻩ ﻓﻲ اﻵﺧﺮة .
وﻗﺪ ﻋﺮّف اﻟﺰﻣﺨﺸﺮي اﻟﻐﻴﺒﺔ ﻓﻘﺎل :ﻏﺎﺑﻪ واﻏﺘﺎﺑﻪ ،آﻐﺎﻟﻪ واﻏﺘﺎﻟﻪ .واﻟﻐﻴﺒﺔ ﻣﻦ اﻻﻏﺘﻴﺎب آﺎﻟﻐﻴﻠ ﺔ ﻣ ﻦ اﻻﻏﺘﻴ ﺎل وه ﻲ ذآ ﺮ اﻟ ﺴﻮء
ﻓﻲ اﻟﻐﻴﺒﺔ .
وﻗﻮﻟﻪ ﺗﻌﺎﻟﻰ " :أﻳﺤﺐ أﺣﺪآﻢ أن ﻳﺄآﻞ ﻟﺤﻢ أﺧﻴﻪ ﻣﻴﺘ ًﺎ ﻓﻜﺮهﺘﻤﻮﻩ " ﺗﻤﺜﻴﻞ وﺗﺼﻮﻳﺮ ﻟﻤﺎ ﻳﻨﺎﻟﻪ اﻟﻤﻐﺘﺎب ﻣﻦ ﻋﺮض أﺧﻴﻪ .
وﻋﻦ ﻗﺘﺎدة :آﻤﺎ ﺗﻜﺮﻩ إن وﺟﺪت ﺟﻴﻔﺔ ﻣﺪودة أن ﺗﺄآﻞ ﻣﻨﻬﺎ آﺬﻟﻚ ﻓﺄآﺮﻩ ﻟﺤ ﻢ أﺧﻴ ﻚ .وﻋ ﺮف اﻹﻣ ﺎم اﻟﻄﺒ ﺮي ﺻ ﺎﺣﺐ ﻣﺠﻤ ﻊ اﻟﺒﻴ ﺎن
ﻓﻲ ﺗﻔﻴﺮ اﻟﻘﺮﺁن ،اﻟﻐﻴﺒﺔ ﺑﻘﻮﻟﻪ :اﻟﻐﻴﺒﺔ ذآﺮ اﻟﻌﻴﺐ ﺑﻈﻬﺮ اﻟﻐﻴﺐ ﻋﻠﻰ وﺟﻪ ﺗﻤﻨﻊ اﻟﺤﻜﻤﺔ ﻓﻴﻪ .ﺛﻢ ذآﺮ ﺣﺪﻳﺚ رﺳﻮل اﷲ ρﻓﻲ ﺗﻌﺮﻳﻔﻬﺎ .
وذآﺮ اﻟﻄﺒﺮي رؤﻳﺎ ﻣﻴﻤﻮن ﺑﻦ ﺷﺎﻩ ،ﻗﺎل ﻣﻴﻤﻮن :ﺑﻴﻨﺎ أﻧﺎ ﻧﺎﺋﻢ ،إذا ﺑﺠﻴﻔﺔ زﻧﺠﻲ وﻗﺎﺋﻞ ﻳﻘﻮل :آﻞ ﻳﺎ ﻋﺒﺪ اﷲ ،ﻗﻠﺖ وﻟ َﻢ ﺁآﻞ ،ﻗ ﺎل
:ﺑﻤﺎ اﻏﺘﻴﺐ ﻋﻨﺪ ﻓﻼن ،ﻗﻠﺖ واﷲ ﻣﺎ ذآﺮت ﻓﻴﻪ ﺧﻴﺮًا وﻻ ﺷ ﺮًا ،ﻗ ﺎل :ﻟﻜﻨ ﻚ اﺳ ﺘﻤﻌﺖ ﻓﺮﺿ ﻴﺖ .وآ ﺎن ﻣﻴﻤ ﻮن ﺑﻌ ﺪ ذﻟ ﻚ ﻻ ﻳ ﺪع أن ﻳﻐﺘ ﺎب
ﻋﻨﺪﻩ أﺣﺪ .
وﻗﺎل رﺟﻞ ﻻﺑﻦ ﺳﻴﺮﻳﻦ :إﻧﻲ ﻗﺪ اﻏﺘﺒﺘﻚ ﻓﺎﺟﻌﻠﻦ ﻓﻲ ﺣﻞ ،ﻗﺎل :إﻧﻲ أآﺮﻩ أن أﺣﻞ ﻣﺎ ﺣﺮّم اﷲ ،ﺛﻢ ﻗﺎل :
وﻳﺄآـﻞ ﺑﻌﻀﻨﺎ ﺑﻌﻀ ًﺎ ﻋﻴﺎﻧـﺎ وﻟﻴـﺲ اﻟﺬﺋﺐ ﻳﺄآـﻞ ﻟﺤﻢ ذﺋـﺐ
وﻗﺎل :
ﻓﺈن ﻳﺄآﻠـﻮا ﻟﺤﻤﻲ وﻓــﺮت ﻟﺤﻮﻣﻬﻢ
وإن ﻳﻬﺪﻣـﻮا ﻣﺠـﺪي ﺑﻨﻴﺖ ﻟﻬﻢ ﻣﺠﺪًا .
وروى اﻹﻣﺎم أﺣﻤﺪ رﺿﻲ اﷲ ﺗﻌﺎﻟﻰ ﻋﻨﻪ أن اﻟﻨﺒﻲ ﺻﻠﻰ اﷲ ﻋﻠﻴ ﻪ وﺳ ﻠﻢ ﻗ ﺎل :ﻣ ﻦ ﺣﻤ ﻰ ﻣﺆﻣﻨ ًﺎ ﻣ ﻦ ﻣﻨ ﺎﻓﻖ ﻳﻐﺘﺎﺑ ﻪ ،ﺑﻌ ﺚ اﷲ إﻟﻴ ﻪ
ﻣﻠﻜ ًﺎ ﻳﺤﻤﻲ ﻟﺤﻤﻪ ﻳﻮم اﻟﻘﻴﺎﻣﺔ ﻣﻦ ﻧﺎر ﺟﻬﻨﻢ .وﻣﻦ رﻣﻰ ﻣﺆﻣﻨ ًﺎ ﺑﺸﻲء ﻳﺮﻳﺪ ﺳﺒﻪ ،ﺣﺒﺴﻪ اﷲ ﺗﻌﺎﻟﻰ ﻋﻠﻰ ﺟﺴﺮ ﺟﻬﻨﻢ ﺣﺘﻰ ﻳﺨﺮج ﻣﻤﺎ ﻗﺎل .
41
www.daawa-info.net
وﻋﻦ ﺟﺎﺑـﺮ ﺑﻦ ﻋﺒـﺪ اﷲ وأﺑﻲ ﻃﻠﺤـﺔ ﺑﻦ ﺳﻬﻞ اﻷﻧﺼﺎري رﺿﻲ اﷲ ﺗﻌﺎﻟﻰ ﻋﻨﻬﻤﺎ ﻗﺎﻻ :ﻗﺎل رﺳﻮل اﷲ ﺻﻠﻰ اﷲ ﻋﻠﻴﻪ وﺳﻠﻢ ﻣ ﺎ ﻣ ﻦ
اﻣﺮئ ﻳﺨﺬل اﻣﺮأ ً ﻣﺴﻠﻤ ًﺎ ﻓﻲ ﻣﻮﺿﻊ ﺗﻨﺘﻬﻚ ﻓﻴﻪ ﺣﺮﻣﺘﻪ ،وﻳﻨﺘﻘﺺ ﻓﻴﻪ ﻣﻦ ﻋﺮﺿﻪ إﻻ ﺧﺬﻟﻪ اﷲ ﺗﻌﺎﻟﻰ ﻓﻲ ﻣﻮاﻃﻦ ﻳﺤ ﺐ ﻓﻴﻬ ﺎ ﻧ ﺼﺮﺗﻪ ،وﻣ ﺎ
ﻣﻦ اﻣﺮئ ﻳﻨﺼﺮ اﻣﺮأ ً ﻣﺴﻠﻤ ًﺎ ﻓﻲ ﻣﻮﺿﻊ ﻳﻨﺘﻘﺺ ﻓﻴﻪ ﻣ ﻦ ﻋﺮﺿ ﻪ وﻳﻨﺘﻬ ﻚ ﻓﻴ ﻪ ﻣ ﻦ ﺣﺮﻣﺘ ﻪ إﻻ ﻧ ﺼﺮﻩ اﷲ ﻋ ﺰ وﺟ ﻞ ﻓ ﻲ ﻣ ﻮاﻃﻦ ﻳﺤ ﺐ ﻓﻴﻬ ﺎ
ﻧﺼﺮﺗﻪ .
هﺬا ﺑﻌﺾ ﻣﺎ ورد ﻓﻲ اﻟﻐﻴﺒﺔ وﺣﻜﻤﻬﺎ ﻓﻲ ﺷﺮﻋﺔ اﻹﺳﻼم ،وهﻮ ﻣﻦ اﻟﺒ ﺸﺎﻋﺔ ﻣ ﺎ ﻳﺠﻌ ﻞ اﻟﻤ ﺴﻠﻢ ﺣ ﺬرًا ﻣﺘﻮﻗﻴ ًﺎ ﻣ ﻦ ارﺗﻜ ﺎب أي ﺷ ﻲء
ﻣﻨﻬﺎ ،ﺧﺎﺋﻔ ًﺎ رﺑﻪ ﻣﻨﻴﺒ ًﺎ إﻟﻴﻪ ،ﻃﺎهﺮًا ﻟﺴﺎﻧﻪ ﻣﻦ اﻟﻮﻗ ﻮع ﻓ ﻲ أﻋ ﺮاض اﻟﻨ ﺎس .واﻟﺘﻌ ﺮض ﻟﻬ ﻢ ﺑﺎﻟ ﺸﺮ ،ﻓﺎﻟﻤ ﺴﻠﻢ اﻟﺤ ﻖ ه ﻮ اﻟ ﺬي اﺑﺘﻌ ﺪ ﻋ ﻦ
ﻣﺤﺎرم اﷲ ﻓﺴﻠﻢ اﻟﻨﺎس ﻣﻦ ﻳﺪﻩ وﻟﺴﺎﻧﻪ وﺷﻌﺮ ﺑﻤﺮاﻗﺒﺔ اﷲ ﻋﺰ وﺟﻞ " .ﻣ ﺎ ﻳﻠﻔ ﻆ ﻣ ﻦ ﻗ ﻮل إﻻ ﻟﺪﻳ ﻪ رﻗﻴ ﺐ ﻋﺘﻴ ﺪ " " ،إن اﻟ ﺴﻤﻊ واﻟﺒ ﺼﺮ
واﻟﻔﺆاد آﻞ أوﻟﺌﻚ آﺎن ﻋﻨﻪ ﻣﺴﺆو ًﻻ " .
وﺳﺄﺧﺘﻢ ﺗﻔﺴﻴﺮ هﺬﻩ اﻵﻳﺔ ﺑﺸﺮح ﻣﻔﺮداﺗﻬﺎ :
– 1اﺟﺘﻨﺒﻪ :ﻣﻦ ﻗﻮﻟﻪ ﺗﻌﺎﻟﻰ " اﺟﺘﻨﺒﻮا " آﺎن ﻋﻠﻰ ﺟﺎﻧﺐ ﻣﻨﻪ ﺛﻢ ﺷﺎع ﻓﻲ اﻟﺘﺒﺎﻋﺪ اﻟﻼزم ﻟﻪ .
– 2اﻟﻈﻦ :اﺳﻢ ﻟﻤﺎ ﻳﺤﺼﻞ ﻋﻦ أﻣﺎرة ﻗﻮﻳﺔ أو ﺿﻌﻴﻔﺔ ،ﻓﺈن ﻗﻮﻳﺖ ﺟﺪًا أدت إﻟﻰ اﻟﻌﻠﻢ وإن ﺿﻌﻔﺖ ﺟﺪًا ﻟﻢ ﺗﺘﺠﺎوز ﺣﺪ اﻟﻮهﻢ .
– 3واﻹﺛﻢ اﻟﻔﻌﻞ اﻟﻤﺒﻄﺊ ﻋﻦ اﻟﺜﻮاب وﺟﻤﻌﻪ ﺁﺛﺎم ،وﻗﺪ ﺳﺌﻞ رﺳﻮل اﷲ ﺻﻠﻰ اﷲ ﻋﻠﻴﻪ وﺳﻠﻢ ﻋﻦ اﻹﺛﻢ ﻓﻘـﺎل " :اﻹﺛﻢ ﻣﺎ ﺣ ﺎك ﻓ ﻲ
ﺻﺪرك وآﺮهﺖ أن ﻳﻄﻠﻊ ﻋﻠﻴﻪ اﻟﻨﺎس " .وﻗﻮﻟﻪ ﺗﻌﺎﻟﻰ " :أﺧﺬﺗﻪ اﻟﻌﺰة ﺑﺎﻹﺛﻢ " ﻣﻌﻨﺎﻩ ﺣﻤﻠﺘﻪ ﻋﻠﻰ ﻓﻌﻞ ﻣﺎ ﻳﺆﺛﻢ ،واﻵﺛﻢ اﻟﺬي ﻳﺤﺘﻤ ﻞ اﻹﺛ ﻢ
.
– 4واﻟﺠﺲ ﻣﻦ ﻗﻮﻟ ﻪ ﺗﻌ ﺎﻟﻰ " :وﻻ ﺗﺠﺴ ﺴﻮا " ه ﻮ ﻣ ﺲ اﻟﻌ ﺮق وﺗﻌ ﺮف ﻧﺒ ﻀﻪ ﻟﻠﺤﻜ ﻢ ﻋﻠ ﻰ اﻟ ﺼﺤﺔ واﻟ ﺴﻘﻢ ،وه ﻮ أﺧ ﺺ ﻣ ﻦ
اﻟﺤﺲ ،ﻓﺈن اﻟﺤﺲ ﺗﻌﺮف ﻣﺎ ﻳﺪرآﻪ اﻟﺤﺲ .وﻳﺮى ﺑﻌﺾ اﻟﻌﻠﻤﺎء أﻧﻬﻤﺎ ﻣﺘﻘﺎرﺑﺎن ،وأن ﻣﺸﺎﻋﺮ اﻹﻧﺴﺎن ﻳﻘﺎل ﻟﻬﺎ :اﻟﺠﻮاس .
هﺬﻩ ﺧﻼﺻﺔ ﺗﻔﺴﻴﺮ ﻗﻮل اﻟﺤﻖ ﺗﺒﺎرك وﺗﻌﺎﻟﻰ " :ﻳﺎ أﻳﻬﺎ اﻟﺬﻳﻦ ﺁﻣﻨﻮا اﺟﺘﻨﺒﻮا آﺜﻴ ﺮًا ﻣ ﻦ اﻟﻈ ﻦ إن ﺑﻌ ﺾ اﻟﻈ ﻦ إﺛ ﻢ ،وﻻ ﺗﺠﺴ ﺴﻮا ،
وﻻ ﻳﻐﺘﺐ ﺑﻌﻀﻜﻢ ﺑﻌﻀ ًﺎ ،أﻳﺤﺐ أﺣﺪآﻢ أن ﻳﺄآﻞ ﻟﺤﻢ أﺧﻴﻪ ﻣﻴﺘ ًﺎ ﻓﻜﺮهﺘﻤﻮﻩ ،واﺗﻘﻮا اﷲ ،إن اﷲ ﺗﻮاب رﺣﻴﻢ " .
اﻵﻳﺔ اﻟﺜﺎﻟﺜﺔ ﻋﺸﺮة :
ﷲ ﻋَﻠﻴ ٌﻢ ﺧَﺒﻴ ٌﺮ ( .
نا َ
ﷲ أﺗْﻘﺎ ُآ ْﻢ ،إ ّ
ﻋ ْﻨ َﺪ ا ِ
ن أ ْآ َﺮ َﻣﻜُﻢ ِ
ﺷﻌُﻮﺑ ًﺎ وﻗَﺒﺎ ِﺋ َﻞ ِﻟﺘَﻌﺎ َرﻓُﻮا إ ﱠ
ﻦ َذآَﺮ وُأ ْﻧﺜﻰ َوﺟَﻌﻠْﻨﺎآُﻢ ُ ) ﻳﺎ أﻳﱡﻬﺎ اﻟﻨّـﺎ ُ
س إﻧّـﺎ ﺧَﻠﻘْﻨﺎ ُآ ْﻢ ِﻣ ْ
ﻼ ﻣﻦ أﺻﻮل اﻹﺳﻼم ﻋﻈﻴﻤ ًﺎ ،وهﻮ اﻟﻤﺴﺎواة ﺑﻴﻦ اﻟﻨﺎس ،وﻟﻘﺪ ﻗﺮرت هﺬﻩ اﻵﻳﺔ ﻣﺒﺪأ ﺿﺨﻤ ًﺎ ﻣ ﻦ اﻟﻤﺒ ﺎدئ
هﺬﻩ ﺁﻳﺔ ﻋﻈﻴﻤﺔ ﺗﻘﺮر أﺻ ً
اﻹﻧﺴﺎﻧﻴﺔ اﻟﺴﺎﻣﻴﺔ ﻓﻬﻲ ﻣﻦ ﻣﻌﺠﺰات هﺬا اﻟﻘﺮﺁن اﻟﻌﻈﻴﻢ اﻟﺬي أﻧﺰﻟﻪ اﷲ ﺿﻴﺎ ًء ﻟﻠﻨﺎس وﻧﻮرًا ﻳﻬﺘﺪون ﺑﻪ وﺑﺮهﺎﻧ ًﺎ ﺳﺎﻃﻌ ًﺎ ﻳﻨﻴﺮ اﻟﺴﺒﻞ أﻣﺎﻣﻬﻢ .
ﻗﺒﻞ أرﺑﻌﺔ ﻋﺸﺮ ﻗﺮﻧ ًﺎ ﻣﻦ اﻟﺰﻣﻦ واﻟﻌﺎﻟﻢ ﻳﻤﻮج ﻓﻲ اﻟﻈﻠﻢ وﻳﻀﻄﺮب ﻓﻲ اﻟﻔﺴﺎد ،وﺗﺴﻮدﻩ اﻟﻬﻤﺠﻴﺔ واﻟﻌﺼﺒﻴﺔ اﻟﺠﺎهﻠﻴ ﺔ وﺗﺨ ﻴﻢ ﻋﻠﻴ ﻪ
ﺿﻼﻻت اﻟﻌﺼﻮر اﻟﻘﺪﻳﻤﺔ ،وﻗﺪ ﻧﺸﺮ اﻟﺮﻋﺐ أﺟﻨﺤﺘﻪ ﻋﻠﻰ اﻟﺪﻧﻴﺎ وزاد اﻟﻔﺴﺎد وﺗﻔﺎﺧﺮ اﻟﻨﺎس ﺑﺎﻟﻨﺴﺎب وﻋﺎﺷﻮا ﺗﺤﺖ ﻇﻞ ﻧﻈﺎم اﻟﻄﺒﻘﺎت .
42
www.daawa-info.net
ﻓﻲ هﺬﻩ اﻟﻈﻠﻤﺔ اﻟﺪاآﻨﺔ ﻳﻨﺒﺜﻖ ﻓﺠﺮ اﻹﺳﻼم ﻓﺘﺒﺪد أﻧﻮارﻩ ﺗﻠﻚ اﻟﻐﻴﻮم اﻟ ﺴﻮداء وﺗﻨ ﺰل ه ﺬﻩ اﻵﻳ ﺔ اﻟﻜﺮﻳﻤ ﺔ ﻟﺘﻘ ﺮر ﻣﺒ ﺪأ إﻧ ﺴﺎﻧﻴ ًﺎ ﻋﻈﻴﻤ ًﺎ
وهﻮ إﻋﻼن اﻟﻤﺴﺎواة ﺑﻴﻦ اﻟﺒﺸﺮ – آﻞ اﻟﺒﺸﺮ – ﻓﻼ ﻓﻀﻞ ﻟﻌﺮﺑﻲ ﻋﻠﻰ ﻋﺠﻤﻲ ،وﻻ ﻟﺒﻴﺾ ﻋﻠﻰ أﺳﻮد ،وﻻ ﻟﻐﻨﻲ ﻋﻠﻰ ﻓﻘﻴﺮ ،وﻻ ﻟﻜﺒﻴﺮ ﻋﻠﻰ
ﺻﻐﻴﺮ ،إﻻ ﺑﺎﻟﺘﻘﻮى واﻟﺘﻘﺮب ﻣﻦ اﻟﺨﺎﻟﻖ ﻋﺰ وﺟﻞ .ﻓﺎﻟﻨﺎس آﻠﻬﻢ ﻣﺘﺴﺎوون ،أﺻﻠﻬﻢ واﺣﺪ وأﺑﺎهﻢ واﺣﺪ .
ﻼ ﻗﺎل ﻟﻨﺒ ﻲ اﷲ ﻋﻴ ﺴﻰ ﻋﻠﻴ ﻪ اﻟ ﺴﻼم :أي اﻟﻨ ﺎس أﻓ ﻀﻞ ؟ ﻓﺄﺧ ﺬ ﻗﺒ ﻀﺘﻴﻦ ﻣ ﻦ ﺗ ﺮاب وﻗ ﺎل " :أي ه ﺎﺗﻴﻦ أﻓ ﻀﻞ ؟
وﻗﺪ روي أن رﺟ ً
اﻟﻨﺎس ﺧﻠﻘﻮا ﻣﻦ ﺗﺮاب ،ﻓﺄآﺮﻣﻬﻢ أﺗﻘﺎهﻢ " .وﻗﺪ ﺟﻌﻠﻬﻢ اﷲ ﻋﺰ وﺟﻞ ﺷ ﻌﻮﺑ ًﺎ وﻗﺒﺎﺋ ﻞ ﻟﻴﺘﻌ ﺎرﻓﻮا وﻳ ﺼﻠﻮا اﻷرﺣ ﺎم ﻻ ﻟﻴﺘﻔ ﺎﺧﺮوا ﺑﺎﻷﻧ ﺴﺎب ،
ﻓﺎﻹﻧﺴﺎن ﻣﺨﻠﻮق ﺑﺄﻣﺮ اﷲ ﺳﺒﺤﺎﻧﻪ ﻻ ﺑﺎﺧﺘﻴﺎرﻩ وﻻ ﺑﺎﺧﺘﻴﺎر أﺑﻮﻳﻪ ،إن ﺷﺎء ﺧﻠﻘﻪ ﻋﺮﺑﻴ ًﺎ أو آﺮدﻳ ًﺎ أو ﺗﺮآﻴ ًﺎ ،ﻓﻜﻴﻒ ﻳﺴﻮغ ﻟﻪ أن ﻳﻔﺨ ﺮ ﺑ ﺄﻣﺮ
ﻟﻴﺲ ﻟﻪ ﻓﻴﻪ آﺴﺐ وﻻ اﺧﺘﻴﺎر ؟
واﷲ ﺗﺒﺎرك وﺗﻌﺎﻟﻰ ﻳﻘﻮل " :وأن ﻟﻴﺲ ﻟﻺﻧ ﺴﺎن إﻻ ﻣ ﺎ ﺳ ﻌﻰ " ،ﻓﻬ ﻞ ﻧ ﺴﺒﻪ وﺣ ﺴﺒﻪ ﻣ ﻦ ﺳ ﻌﻴﻪ وﻧﺘﻴﺠ ﺔ ﺟﻬ ﻮدﻩ ؟ ﺣﺘ ﻰ ﻳﻜ ﻮن ﻟ ﻪ
ﻼﻻ
اﻟﺤﻖ ﻓ ﻲ اﻟﻔﺨ ﺮ ﺑﻬﻤ ﺎ .ﻓ ﺎﷲ ﺗﻌ ﺎﻟﻰ اﻟﺨﺒﻴ ﺮ ﺑ ﺄﺣﻮال اﻟﻨ ﺎس اﻟﻌﻠ ﻴﻢ ﺑﺄﻋﻤ ﺎﻟﻬﻢ ﺳ ﻴﺠﺎزﻳﻬﻢ ﻋﻠ ﻰ ﻣ ﺎ آ ﺴﺒﺖ أﻳ ﺪﻳﻬﻢ ،ﻓﺎﻟﻔ ﺎﺋﺰ أﺣ ﺴﻨﻬﻢ ﻋﻤ ً
أﺷﺮﻓﻬﻢ ﻧﺴﺒ ًﺎ .
ﺳﺒﺐ اﻟﻨﺰول
ﻗﺎل اﻟﺰﻣﺨﺸﺮي ﺻﺎﺣﺐ اﻟﻜﺸﺎف رﺣﻤﻪ اﷲ ﺗﻌﺎﻟﻰ ﻓﻲ ﺳﺒﺐ ﻧﺰول هﺬﻩ اﻵﻳﺔ اﻟﻜﺮﻳﻤﺔ :ورد ﻋﻦ ﻳﺰﻳﺪ ﺑﻦ ﺷﺠﺮة ﻗﺎل :ﻣﺮ رﺳﻮل اﷲ
ﺻﻠﻰ اﷲ ﻋﻠﻴﻪ وﺳ ﻠﻢ ﻓ ﻲ ﺳ ﻮق اﻟﻤﺪﻳﻨ ﺔ ﻓ ﺮأى ﻏﻼﻣ ًﺎ أﺳ ﻮد ﻳﻘ ﻮل :ﻣ ﻦ اﺷ ﺘﺮاﻧﻲ ﻓﻌﻠ ﻰ ﺷ ﺮط أن ﻻ ﻳﻤﻨﻌﻨ ﻲ ﻋ ﻦ اﻟ ﺼﻠﻮات اﻟﺨﻤ ﺲ ﺧﻠ ﻒ
رﺳﻮل اﷲ ﺻﻠﻰ اﷲ ﻋﻠﻴﻪ وﺳﻠﻢ ،ﻓﺎﺷﺘﺮاﻩ رﺟﻞ ،ﻓﻜﺎن رﺳﻮل اﷲ ﺻﻠﻰ اﷲ ﻋﻠﻴﻪ وﺳﻠﻢ ﻳﺮاﻩ ﻋﻨﺪ
آﻞ ﺻﻼة ،ﻓﻔﻘﺪﻩ ﻳﻮﻣ ًﺎ ﻓﺴﺄل ﻋﻨﻪ ﺻﺎﺣﺒﻪ ،ﻓﻘﺎل :ﻣﺤﻤﻮم ،ﻓﻌﺎدﻩ رﺳﻮل اﷲ ﺻﻠﻰ اﷲ ﻋﻠﻴﻪ وﺳ ﻠﻢ ،ﺛ ﻢ ﺳ ﺄل ﻋﻨ ﻪ ﺑﻌ ﺪ ﺛﻼﺛ ﺔ أﻳ ﺎم
ﻓﻘﺎل :هﻮ ﻟﻤﺎ ﺑﻪ ،ﻓﺠﺎءﻩ وهﻮ ﻓﻲ دﻣﺎﺋﻪ ،ﻓﺘﻮﻟﻰ رﺳﻮل اﷲ ﺻﻠﻰ اﷲ ﻋﻠﻴ ﻪ وﺳ ﻠﻢ ﻏ ﺴﻠﻪ ودﻓﻨ ﻪ ،ﻓ ﺪﺧﻞ ﻋﻠ ﻰ اﻟﻤﻬ ﺎﺟﺮﻳﻦ واﻷﻧ ﺼﺎر أﻣ ﺮ
ﻋﻈﻴﻢ ،ﻓﻨﺰﻟﺖ هﺬﻩ اﻵﻳﺔ " :ﻳﺎ أﻳﻬﺎ اﻟﻨﺎس إﻧﺎ ﺧﻠﻘﻨﺎآﻢ ﻣﻦ ذآﺮ وأﻧﺜﻰ وﺟﻌﻠﻨﺎآﻢ ﺷﻌﻮﺑ ًﺎ وﻗﺒﺎﺋﻞ ﻟﺘﻌﺎرﻓﻮا إن أآﺮﻣﻜﻢ ﻋﻨﺪ اﷲ أﺗﻘﺎآﻢ ،إن اﷲ
ﻋﻠﻴﻢ ﺧﺒﻴﺮ " وﻗﺎل ﺑﻌﻀﻬﻢ :ﻧﺰﻟﺖ هﺬﻩ اﻵﻳﺔ ﻓﻲ أﺑﻲ هﻨﺪ ،ذآﺮ ذﻟﻚ أﺑﻮ داود ﻓﻲ اﻟﻤﺮاﺳﻴﻞ ﻋﻦ اﻟﺰهﺮي رﺿﻲ اﷲ ﺗﻌﺎﻟﻰ ﻋﻨﻪ ﻗﺎل :
أﻣﺮ رﺳﻮل اﷲ ﺻﻠﻰ اﷲ ﻋﻠﻴﻪ وﺳﻠﻢ ﺑﻨﻲ ﺑﻴﺎﺿﺔ أن ﻳﺰوﺟﻮا أﺑﺎ هﻨﺪ اﻣﺮأة ﻣﻨﻬﻢ ،ﻓﻘﺎﻟﻮا ﻟﺮﺳﻮل اﷲ ﺻ ﻠﻰ اﷲ ﻋﻠﻴ ﻪ وﺳ ﻠﻢ :ﻧ ﺰوج
ﺑﻨﺎﺗﻨﺎ ﻣﻮاﻟﻴﻨﺎ ؟ ﻓﺄﻧﺰل اﷲ ﻋﺰ وﺟﻞ هﺬﻩ اﻵﻳﺔ اﻟﻜﺮﻳﻤﺔ .
وﻗﺎل اﺑﻦ ﻋﺒﺎس رﺿﻲ اﷲ ﺗﻌﺎﻟﻰ ﻋﻨﻬﻤﺎ :
ﻟﻤﺎ آﺎن ﻓﺘﺢ ﻣﻜﺔ أﻣﺮ رﺳﻮل اﷲ ﺻﻠﻰ اﷲ ﻋﻠﻴﻪ وﺳﻠﻢ ﺑﻼ ًﻻ ﺣﺘﻰ ﻋ ﻼ ﻋﻠ ﻰ ﻇﻬ ﺮ اﻟﻜﻌﺒ ﺔ ﻓ ﺄذّن ،ﻓﻘ ﺎل اﻟﺤ ﺎرث ﺑ ﻦ ه ﺸﺎم :ﻣ ﺎ وﺟ ﺪ
ﻣﺤﻤﺪ ﻏﻴﺮ هﺬا اﻟﻐﺮاب اﻷﺳﻮد ﻣﺆذﻧ ًﺎ ؟
وﻗﺎل ﻋﺘﺎب ﺑﻦ أﺳﻴﺪ :اﻟﺤﻤﺪ ﷲ اﻟﺬي ﻗﺒﺾ أﺑﻲ ﺣﺘﻰ ﻻ ﻳﺮى هﺬا اﻟﻴﻮم .
وﻗﺎل ﺳﻬﻴﻞ ﺑﻦ ﻋﻤﺮو :إن ﻳﺮد اﷲ ﺷﻴﺌ ًﺎ ﺑﻐﻴﺮﻩ .
وﻗﺎل أﺑﻮ ﺳﻔﻴﺎن :أﻧﺎ ﻻ أﻗﻮل ﺷﻴﺌ ًﺎ ،أﺧﺎف أن ﻳﺨﺒﺮﻩ ﺑﻪ رب اﻟﺴﻤﻮات .ﻓﺄﺗﻰ ﺟﺒﺮﻳﻞ اﻟﻨﺒﻲ ﺻﻠﻰ اﷲ ﻋﻠﻴﻪ وﺳ ﻠﻢ وأﺧﺒ ﺮﻩ ﺑﻤ ﺎ ﻗ ﺎﻟﻮا
،ﻓﺄﻧﺰل اﷲ ﺗﻌﺎﻟﻰ هﺬﻩ اﻵﻳﺔ زﺟﺮًا ﻟﻬﻢ ﻋﻦ ﺗﻜﺒﺮهﻢ وازدراﺋﻬﻢ ﺑﺎﻟﻔﻘﺮاء ،ﻓﺈن اﻟﻤﺪار ﻋﻠﻰ اﻟﺘﻘﻮى ﻻ ﻋﻠﻰ اﻷﻧﺴﺎب واﻷﺣﺴﺎب .
وﻗ ﺪ وردت ه ﺬﻩ اﻵﻳ ﺔ اﻟﻜﺮﻳﻤ ﺔ ﺑﻌ ﺪ اﻟﻨﻬ ﻲ ﻋ ﻦ اﻟﺘﺠ ﺴﺲ واﻟﻐﻴﺒ ﺔ وﻏﻴﺮه ﺎ ﻣ ﻦ اﻷﺧ ﻼق اﻟﺬﻣﻴﻤ ﺔ ،ﻓﺠ ﺎءت ه ﺬﻩ اﻵﻳ ﺔ ﻣﻨﺒﻬ ﺔ ﻋﻠ ﻰ
ﺗﺴﺎوي اﻟﺒﺸﺮ ،ﻓﻼ ﻳﺠﻮز ﻷﺣﺪ أن ﻳﻔﺨﺮ ﻋﻠﻰ أﺣﺪ وﻻ ﻳﻨ ﺘﻘﺺ أﺣ ﺪًا أو ﻳﻄﻌﻨ ﻪ أو ﻳﻌﻴﺒ ﻪ وﻗ ﺪ ورد ﻋﻨ ﺪ اﻟﺒﺨ ﺎري رﺣﻤ ﻪ اﷲ ﺗﻌ ﺎﻟﻰ ﻋ ﻦ أﺑ ﻲ
هﺮﻳﺮة رﺿﻲ اﷲ ﺗﻌﺎﻟﻰ ﻋﻨﻪ ﻗﺎل :ﺳﺌﻞ رﺳﻮل اﷲ ﺻﻠﻰ اﷲ ﻋﻠﻴﻪ وﺳﻠﻢ :أي اﻟﻨ ﺎس أآ ﺮم ؟ ﻗ ﺎل " :أآ ﺮﻣﻬﻢ ﻋﻨ ﺪ اﷲ أﺗﻘ ﺎهﻢ " ،ﻗ ﺎﻟﻮا :
ﻟﻴﺲ ﻋﻦ هﺬا ﻧﺴﺄﻟﻚ ،ﻗﺎل " :ﻓﺄآﺮم اﻟﻨﺎس ﻳﻮﺳﻒ ﻧﺒﻲ اﷲ اﺑﻦ ﻧﺒﻲ اﷲ اﺑﻦ ﻧﺒﻲ اﷲ اﺑﻦ ﺧﻠﻴﻞ اﷲ " .ﻗﺎﻟﻮا :ﻟﻴﺲ ﻋ ﻦ ه ﺬا ﻧ ﺴﺄﻟﻚ ،ﻗ ﺎل
" :ﻓﻌﻦ ﻣﻌﺎدن اﻟﻌﺮب ﺗﺴﺄﻟﻮن ؟ " ﻗﺎﻟﻮا :ﻧﻌﻢ ،ﻗﺎل :ﺧﻴﺎرآﻢ ﻓﻲ اﻟﺠﺎهﻠﻴﺔ ،ﺧﻴﺎرآﻢ ﻓﻲ اﻹﺳﻼم إذا ﻓﻘﻬﻮا ؟
43
www.daawa-info.net
وذآﺮ أﺑﻮ ﺑﻜﺮ اﻟﺒﺰار ﻓﻲ ﻣﺴﻨﺪﻩ ﻋﻦ ﺣﺬﻳﻔﺔ رﺿﻲ اﷲ ﺗﻌﺎﻟﻰ ﻋﻨﻪ ﻗﺎل :ﻗﺎل رﺳﻮل اﷲ ﺻﻠﻰ اﷲ ﻋﻠﻴﻪ وﺳﻠﻢ " :آﻠﻜﻢ ﺑﻨﻮ ﺁدم ،وﺁدم
ﺧﻠﻖ ﻣﻦ ﺗﺮاب ،وﻟﻴﻨﺘﻬﻴﻦ ﻗﻮم ﻳﻔﺨﺮون ﺑﺂﺑﺎﺋﻬﻢ أو ﻟﻴﻜﻮﻧﻦ أهﻮن ﻋﻠﻰ اﷲ ﺗﻌﺎﻟﻰ ﻣﻦ اﻟﺠﻌﻼن ".
وروى اﻹﻣﺎم أﺣﻤﺪ رﺿﻲ اﷲ ﺗﻌﺎﻟﻰ ﻋﻨﻪ ﻋﻦ ﻋﻘﺒﺔ ﺑ ﻦ ﻋ ﺎﻣﺮ رﺿ ﻲ اﷲ ﺗﻌ ﺎﻟﻰ ﻋﻨ ﻪ أن رﺳ ﻮل اﷲ ﺻ ﻠﻰ اﷲ ﻋﻠﻴ ﻪ وﺳ ﻠﻢ ﻗ ﺎل :إن
أﻧﺴﺎﺑﻜﻢ هﺬﻩ ﻟﻴﺴﺖ ﺑﻤﻨﺴﺒﺔ ﻋﻠﻰ أﺣﺪ ،آﻠﻜﻢ ﺑﻨﻮ ﺁدم ،ﻃﻒ اﻟﺼﺎع ﻟﻢ ﺗﻤﻨﻌﻮﻩ ﻟﻴﺲ ﻷﺣﺪ ﻋﻠﻰ أﺣﺪ ﻓﻀﻞ إﻻ ﺑﺪﻳﻦ أو ﺗﻘﻮى وآﻔﻰ ﺑﺎﻟﺮﺟﻞ أن
ﻼ ﻓﺎﺣﺸ ًﺎ .
ﻳﻜﻮن ﺑﺬﻳﺌ ًﺎ ﺑﺨﻴ ً
وﻗﺪ رواﻩ اﺑﻦ ﺟﺮﻳﺮ ﻋﻦ ﻳﻮﻧﺲ ﻋﻦ اﺑﻦ وهﺐ ﻋ ﻦ أﺑ ﻲ ﻟﻬﻴﻌ ﺔ وﻟﻔﻈ ﻪ " :اﻟﻨ ﺎس ﻵدم وﺣ ﻮاء ،ﻃ ﻒ اﻟ ﺼﺎع ﻟ ﻢ ﻳﻤﻠ ﻮﻩ ،إن اﷲ ﻻ
ﻳﺴﺄﻟﻜﻢ ﻋﻦ أﺣﺴﺎﺑﻜﻢ وﻻ ﻋﻦ أﻧﺴﺎﺑﻜﻢ ﻳﻮم اﻟﻘﻴﺎﻣﺔ ،إن أآﺮﻣﻜﻢ ﻋﻨﺪ اﷲ أﺗﻘﺎآﻢ " .
وﻧﻘﻞ اﻹﻣﺎم أﺣﻤﺪ رﺿﻲ اﷲ ﺗﻌﺎﻟﻰ ﻋﻨﻪ ﻋﻦ ﻋﻤﻴﺮة زوج درة ﺑﻨﺖ أﺑﻲ ﻟﻬﺐ ﻋﻦ درة ﺑﻨﺖ أﺑﻲ ﻟﻬﺐ ﻗﺎل :ﻗ ﺎم رﺟ ﻞ إﻟ ﻰ اﻟﻨﺒ ﻲ ﺻ ﻠﻰ
اﷲ ﻋﻠﻴﻪ وﺳﻠﻢ وهﻮ ﻋﻠﻰ اﻟﻤﻨﺒﺮ ﻓﻘﺎل :ﻳﺎ رﺳﻮل اﷲ أي اﻟﻨﺎس ﺧﻴﺮ ؟ ﻗﺎل ﺻﻠﻰ اﷲ ﻋﻠﻴﻪ وﺳﻠﻢ ﺧﻴﺮ اﻟﻨﺎس أﻗ ﺮأهﻢ وأﺗﻘ ﺎهﻢ ﻟّﻠ ﻪ ﻋ ﺰ وﺟ ﻞ
وﺁﻣﺮهﻢ ﺑﺎﻟﻤﻌﺮوف وأﻧﻬﺎهﻢ ﻋﻦ اﻟﻤﻨﻜﺮ وأوﺻﻠﻬﻢ ﻟﻠﺮﺣﻢ .
وﻋﻦ ﻋﺎﺋﺸﺔ أم اﻟﻤﺆﻣﻨﻴﻦ رﺿﻲ اﷲ ﺗﻌﺎﻟﻰ ﻋﻨﻬﺎ ﻗﺎﻟﺖ :ﻣﺎ أﻋﺠﺐ رﺳﻮل اﷲ ﺻﻠﻰ اﷲ ﻋﻠﻴ ﻪ وﺳ ﻠﻢ ﺷ ﻲء ﻣ ﻦ اﻟ ﺪﻧﻴﺎ وﻻ أﻋﺠﺒ ﻪ إﻻ
ذو ﺗﻘﻰ .
وﻗﺪ اﺳﺘﻔﺎﺿ ﺖ اﻷﺧﺒ ﺎر واﻣ ﺘﻸت آﺘ ﺐ اﻟ ﺸﺮﻳﻌﺔ اﻹﺳ ﻼﻣﻴﺔ ﺑ ﺄن اﻟﻜﺮاﻣ ﺔ ﻻ ﺗ ﺮﺗﺒﻂ ﺑﺎﻟﻨ ﺴﺐ وﻻ ﺑﻌﻈ ﻴﻢ اﻟﺮﺗ ﺐ وﻻ ﺑ ﺄم وأب ،وﻟﻜﻨﻬ ﺎ
ﺗﺮﺗﺒﻂ ارﺗﺒﺎﻃ ًﺎ وﺛﻴﻘ ًﺎ ﺑﺎﻟﻌﻤﻞ ،وﻋﻤﻞ اﻹﻧﺴﺎن هﻮ اﻟﺬي ﻳﻮزن ﺑﻪ ،واﻟﻨﺎس أﺑﺮار وﻓﺠﺎر .واﻟﻔﺎﺟﺮ ﻓﺎﺟﺮ وﻟﻮ آ ﺎن اﺑ ﻦ أآ ﺎﺑﺮ ،واﻟﺒ ﺮ ،ﺑ ﺮ ،
وﻟﻮ آﺎن اﺑﻦ اﻷﺣﻘ ﺮ .ﻗ ﺎل رﺳ ﻮل اﷲ ﺻ ﻠﻰ اﷲ ﻋﻠﻴ ﻪ وﺳ ﻠﻢ " :اﻟﻨ ﺎس رﺟ ﻼن :ﺑ ﺮ ﺗﻘ ﻲ آ ﺮﻳﻢ ﻋﻠ ﻰ اﷲ ،وﻓ ﺎﺟﺮ ﺷ ﻘﻲ ه ﻴّﻦ ﻋﻠ ﻰ اﷲ ،
اﻟﻨﺎس آﻠﻬﻢ ﺑﻨﻮ ﺁدم ،وﺧﻠﻖ اﷲ ﺁدم ﻣﻦ ﺗﺮاب " ﺛﻢ ﻗﺮأ رﺳﻮل اﷲ ﺻﻠﻰ اﷲ ﻋﻠﻴﻪ وﺳﻠﻢ هﺬﻩ اﻵﻳﺔ " :ﻳﺎ أﻳﻬﺎ اﻟﻨ ﺎس إﻧ ﺎ ﺧﻠﻘﻨ ﺎآﻢ ﻣ ﻦ ذآ ﺮ
وأﻧﺜﻰ وﺟﻌﻠﻨﺎآﻢ ﺷﻌﻮﺑ ًﺎ وﻗﺒﺎﺋﻞ ﻟﺘﻌﺎرﻓﻮا ،إن أآﺮﻣﻜﻢ ﻋﻨﺪ اﷲ أﺗﻘﺎآﻢ " .
وﺧﻄﺐ رﺳﻮل اﷲ ﺻﻠﻰ اﷲ ﻋﻠﻴﻪ وﺳﻠﻢ ﻓﻲ ﺣﺠ ﺔ اﻟ ﻮداع ﺗﻠ ﻚ اﻟﺨﻄﺒ ﺔ اﻟﻌﻈﻴﻤ ﺔ اﻟﺘ ﻲ آﺎﻧ ﺖ دﺳ ﺘﻮرًا ﻟﻠﻤ ﺆﻣﻨﻴﻦ وﻧ ﻮرًا ﻟﻠ ﺼﺎﻟﺤﻴﻦ ،
وﺿﻴﺎء ﻟﻠﻌﺎرﻓﻴﻦ ،وﻣﻤﺎ ﻗﺎل ﻓﻴﻬﺎ ﺻﻠﻮات اﷲ وﺳﻼﻣﻪ ﻋﻠﻴﻪ :أﻻ إن رﺑﻜﻢ واﺣﺪ ،ﻻ ﻓﻀﻞ ﻟﻌﺮﺑﻲ ﻋﻠ ﻰ ﻋﺠﻤ ﻲ وﻻ ﻟﻌﺠﻤ ﻲ ﻋﻠ ﻰ ﻋﺮﺑ ﻲ وﻻ
ﻷﺳﻮد ﻋﻠﻰ أﺣﻤﺮ ،وﻻ ﻷﺣﻤﺮ ﻋﻠﻰ أﺳﻮد إﻻ ﺑﺎﻟﺘﻘﻮى ،إن أآﺮﻣﻜﻢ ﻋﻨﺪ اﷲ أﺗﻘﺎآﻢ ،أﻻ هﻞ ﺑﻠﻐﺖ ؟ ﻗﺎﻟﻮا :ﺑﻠﻰ ﻳﺎ رﺳﻮل اﷲ ،ﻗ ﺎل :ﻓﻠﻴﺒﻠ ﻎ
اﻟﺸﺎهﺪ اﻟﻐﺎﺋﺐ .
هﺬا هﻮ اﻹﺳﻼم ﻓﻲ ﻋﺪﻟﻪ وﻣﺴﺎواﺗﻪ ﻟﻠﻨﺎس ،ﻓﻤﺎذا ﺑﻌﺪ اﻟﺤﻖ إﻻ اﻟﻀﻼل ،وﻣﺎذا ﺑﻌﺪ اﻹﺳﻼم ﻣﻦ اﻟﻤﺒﺎدئ واﻷﻓﻜﺎر إﻻ اﻟﺨﺒﺎل .
وﻟﻘﺪ ﺟﺎء اﻹﺳﻼم دﻳﻨ ًﺎ ﻋﺎﻣ ًﺎ ﺧﺎﻟﺪًا ،ﻟﺬا اﻋﺘﺒﺮ اﻟﻤﺆﻣﻨﻴﻦ ﺟﻤﻴﻌ ًﺎ ﺟﺴﺪًا واﺣﺪًا ،واﻋﺘﺒﺮ اﻟﻤﺴﻠﻤﻴﻦ أﻣ ﺔ واﺣ ﺪة " :إن ه ﺬﻩ أﻣ ﺘﻜﻢ أﻣ ﺔ
واﺣﺪة وأﻧﺎ رﺑﻜﻢ ﻓﺎﻋﺒﺪون " .
وﺑﻬﺬﻩ اﻟﺮوح ﻓﺘﺤﻮا ﻣﺸﺎرق اﻷرض وﻣﻐﺎرﺑﻬﺎ وداﻧﺖ ﻟﻬﻢ اﻟﺪﻧﻴﺎ ﺑﺎﻟﻄﺎﻋﺔ وﻣﺎ آﺎن ﻳﻤﻜﻦ أن ﺗﺴﻴﺮ ﻗﺒﺎﺋﻞ اﻟﻌﺮب وﺷﻌﻮب اﻟﻌﺠﻢ ﺗﺤﺖ
راﻳﺔ اﻹﺳﻼم ﺗﻘﺎﺗﻞ ﻣﺨﺎﻟﻔﻴﻪ وﺗﻨﺸﺮ ﺗﻌﺎﻟﻴﻤﻪ اﻟﻨﻴﺮة وﺗﺜﺒﺖ ﻗﻮاﻋﺪ اﻟﺘﻮﺣﻴﺪ وﺗﻨﺸﺮ اﻟﻌﺪل واﻟﻤﺴﺎواة ﺑﻴﻦ اﻟﻨ ﺎس ،ﻣ ﺎ آ ﺎن ﻳﻤﻜ ﻦ أن ﺗﻔﻌ ﻞ ه ﺬﻩ
اﻷﻋﺎﺟﻴﺐ ﻓﻲ ذﻟﻚ اﻟﻈﺮف اﻟﻘﺼﻴﺮ ،ﻟ ﻮ اﺳ ﺘﻤﺮت ﻋﻠ ﻰ ﻋ ﺼﺒﻴﺘﻬﺎ اﻟﺠﺎهﻠﻴ ﺔ ،ﺗﻔﺨ ﺮ اﻟﻘﺒﺎﺋ ﻞ ﻋﻠ ﻰ اﻟﻘﺒﺎﺋ ﻞ ،واﻟ ﺸﻌﻮب ﻋﻠ ﻰ اﻟ ﺸﻌﻮب ،وﻣ ﺎ
ﻋﺮف أن أﻣﺔ ﺗﻮﺣﺪت وارﺗﺒﻄﺖ ﺣﺘﻰ آﺎﻧﺖ آﺠﺴﻢ واﺣﺪ رﻏﻢ ﺗﻔﺎوت أﺟﻨﺎﺳﻬﺎ وﻟﻐﺎﺗﻬﺎ .وﻟﻬﺎ هﺪف ﻣﻌﻴﻦ وﻏﺎﻳ ﺔ ﻣﺤ ﺪدة ﻳﻌﻤ ﻞ اﻟﺠﻤﻴ ﻊ ﻓﻴﻬ ﺎ
ﻋﻠﻰ ﺗﺤﻘﻴﻖ هﺬا اﻟﻬﺪف وﺗﻠﻚ اﻟﻐﺎﻳﺔ ،وﻗ ﺪ اﻋﺘﺒ ﺮت اﻟﻮﺣ ﺪة اﻹﺳ ﻼﻣﻴﺔ ،ﻋﻠ ﻰ رﺑ ﺎط اﻹﻳﻤ ﺎن ،وه ﺪﻓﻬﺎ إرﺿ ﺎء اﷲ ﻋ ﺰ وﺟ ﻞ ﺧ ﺎﻟﻖ اﻟﺠﻤﻴ ﻊ
ورب آﻞ اﻟﻨﺎس رب اﻟﻌﺎﻟﻤﻴﻦ .
وﻗـﺪ ﻗﻀﻰ هﺬا اﻟﻤﺒﺪأ اﻹﻧﺴﺎﻧﻲ ﻋﻠﻰ اﻟﻨﺰﻋﺎت اﻟﻘﻮﻣﻴﺔ واﻻﺧﺘﻼﻓ ﺎت اﻟﻌﻨ ﺼﺮﻳﺔ اﻟﺘ ﻲ آﺎﻧ ﺖ – وﻣ ﺎ زاﻟ ﺖ – ﺗ ﺴﻮد اﻟﻤﺠﺘﻤﻌ ﺎت واﻟﺘ ﻲ
ﺗﺴﺒﺐ اﻟﻌﺪاوات ﻓﺘﻘﺘﻞ اﻷﻧﻔﺲ وﺗﺰهﻖ اﻷرواح وﺗﻨﻬﺐ اﻷﻣﻮال .
وﺑﻬﺬﻩ اﻟﻘﺎﻋﺪة ﻣﻬﺪ اﻹﺳﻼم ﻟﻠﻌﺎﻣﻞ اﻟﻤﺠﺪ أن ﻳﻔﺘﺢ أﻣﺎﻣﻪ ﻃﺮﻳﻖ اﻟﻤﺠﺪ ،وأن ﻳﻨﺎل ﻓﻲ اﻟ ﺪﻧﻴﺎ ﻣ ﺎ ﻳ ﺼﻞ إﻟﻴ ﻪ ﺟﻬ ﺪﻩ ،وﻓ ﻲ اﻵﺧ ﺮة ﻣ ﺎ
ﻣﻬﺪ ﻟﻪ ﺗﻘﻮاﻩ وﺻﻼﺣﻪ .
44
www.daawa-info.net
واﻟﺘﻘ ﻮى ﺗﻨ ﺎل ﺑﻄﺎﻋ ﺔ اﷲ ﻋ ﺰ وﺟ ﻞ وﻃﺎﻋ ﺔ رﺳ ﻮﻟﻪ ﺻ ﻠﻰ اﷲ ﻋﻠﻴ ﻪ وﺳ ﻠﻢ ،وﺑﺎﻷﻋﻤ ﺎل اﻟ ﺼﺎﻟﺤﺔ ،وﻟﻴ ﺴﺖ ه ﺬﻩ اﻷﻋﻤ ﺎل ﺻ ﻼة
وﺻﻮﻣ ًﺎ وزآﺎة وﺣﺠ ًﺎ ﻓﺤﺴﺐ ﺑﻞ ﻻﺑﺪ إﻟﻰ ﺟﺎﻧﺒﻬﺎ أﻣﻮر وأﻣﻮر ﻻ ﻳﺘﻢ إﻳﻤﺎن اﻟﻤﺮء إﻻ ﺑﻬﺎ ،وﻣﻨﻬﺎ ﺑﻞ أهﻤﻬﺎ ﺻﻴﺎﻧﺔ اﻹﺳﻼم وﺣﻤﺎﻳﺘﻪ ﻣ ﻦ آﻴ ﺪ
أﻋﺪاﺋﻪ واﻟﺠﻬﺎد ﻓﻲ ﺳﺒﻴﻠﻪ ،وﻓﻲ ﺳﺒﻴﻞ اﻟﺤﻖ واﻟﺪﻓﺎع ﻋﻦ دﻳﺎر اﻹﺳ ﻼم ﻣ ﻦ أن ﺗﻤﺘ ﺪ إﻟﻴﻬ ﺎ ﻳ ﺪ اﻟﻄ ﺎﻣﻌﻴﻦ ﻣ ﻦ اﻟﻜ ﺎﻓﺮﻳﻦ " :إﻧﻤ ﺎ اﻟﻤﺆﻣﻨ ﻮن
اﻟﺬﻳﻦ ﺁﻣﻨﻮا ﺑﺎﷲ ورﺳﻮﻟﻪ ﺛﻢ ﻟﻢ ﻳﺮﺗﺎﺑﻮا وﺟﺎهﺪوا ﺑﺄﻣﻮاﻟﻬﻢ وأﻧﻔﺴﻬﻢ ﻓﻲ ﺳﺒﻴﻞ اﷲ " .
ﻓﻤﻦ اﻟﻤﻤﻜﻦ أن ﻳﻜﻮن أي ﺷﺨﺺ ﻣﻦ اﻟﻨﺎس هﻮ اﻷآﺮم ﻋﻨﺪ اﷲ .ﻷن اﻟﻜﺮاﻣﺔ ﻋﻨﺪ اﷲ ﻋﺰ وﺟﻞ ﺑ ﺎﻟﺘﻘﻮى ،وﻣ ﻦ اﻟﻮاﺟ ﺐ أن ﻳﻜ ﻮن
هﺬا اﻟﻤﻌﻴﺎر ﻗﺎﺋﻤ ًﺎ ﻋﻨﺪ اﻟﻨﺎس ،ﻓﺎﻟﻤﺘﻘﻮن هﻢ اﻷآﺮﻣﻮن .
وهﺬا هﻮ اﻟﺴﻤﻮ ﺑﺎﻟﻨﻔﺲ اﻹﻧﺴﺎﻧﻴﺔ إﻟﻰ أﻋﻠﻰ اﻟﺪرﺟﺎت وأﺳ ﻤﻰ اﻟﻐﺎﻳ ﺎت وأﻧﺒ ﻞ اﻟ ﺼﻔﺎت ،وﺑﻌ ﺪ ﺛﻼﺛ ﺔ ﻋ ﺸﺮ ﻗﺮﻧ ًﺎ ﻣ ﻦ اﻟ ﺰﻣﻦ ﻋﺮﻓ ﺖ
اﻷﻣﻢ هﺬا اﻟﻤﺒﺪأ وﻓﺨﺮت ﺑﻪ وﻇﻨﺖ أﻧﻬﺎ وﻗﻌﺖ ﻋﻠﻰ ﺷﻲء ﺟﺪﻳﺪ ﻟﻢ ﻳﻌﺮف ﻣﻦ ﻗﺒﻞ ،وﺗﺠﺎهﻠﺖ أن اﻹﺳ ﻼم اﻟﻌﻈ ﻴﻢ ﻗ ﺪ ﺟ ﺎء ﺑﻬ ﺬﻩ اﻟﻤﺜ ﻞ اﻟﻌﻠﻴ ﺎ
ﻗﺒﻞ زﻣﻦ ﻃﻮﻳﻞ ﻓﻲ وﻗﺖ آﺎن اﻟﺒﺸﺮ ﻏﺎرﻗﻴﻦ ﻓﻲ اﻟﻌﺒﻮدﻳﺔ ﺑﻞ وﺗﻘﺪﻳﺲ اﻟﻄﻐﻴﺎن ،ﻓﺠﺎء اﻹﺳﻼم اﻟﻌﻈ ﻴﻢ ﺑﻬ ﺪم ﻣﺰاﻳ ﺎ اﻷﺟﻨ ﺎس واﻟﻈﻠ ﻢ وإﻟﻐ ﺎء
اﻟﻔﺮوق اﻟﺠﻨﺴﻴﺔ واﻟﺘﻤﻴﻴﺰ اﻟﻌﻨﺼﺮي واﻟﺘﻌﻮﻳﻞ ﻋﻠﻰ اﻟﺘﻘﻮى واﻟﻌﻤﻞ اﻟﺼﺎﻟﺢ وﺣﺪهﻤﺎ .
ﻼ راﺋﻌ ًﺎ ﻣﻦ أﻣﺜﺎل هﺬا اﻟﺪﻳﻦ اﻟﻌﻈﻴﻢ اﻟﺬي ﺳﺎوى ﺑﻴﻦ اﻟﻨﺎس وﻟﻢ ﻳﻔﺮق ﺑﻴﻦ أﺣﺪ ﻣ ﻨﻬﻢ :أﺑ ﻮ ﻟﻬ ـﺐ ﻋ ـﻢ رﺳ ﻞ اﷲ ﺻ ﻠﻰ اﷲ
وإﻟﻴﻜﻢ ﻣﺜ ً
ﻋﻠﻴﻪ وﺳﻠﻢ وهﻮ ﻣﻦ آﺒﺎر رﺟﺎل ﻣﻜﺔ ﺣ ﺴﺒ ًﺎ وﺷ ﺮﻓ ًﺎ وﻣ ﺎ ًﻻ وأﻧ ﺼﺎرًا ،وﺣ ﺴﺒُﻪ أﻧ ﻪ ﻋ ﻢ رﺳ ﻮل اﷲ ﺻ ﻠﻰ اﷲ ﻋﻠﻴ ﻪ وﺳ ﻠﻢ ،وﻟﻜﻨ ﻪ ﻟ ﻢ ﻳ ﺆﻣﻦ
ﻼ دون اﻧﺘﺸﺎرهﺎ وﻣﻨﻔﺮًا ﻋﻨﻬﺎ هﻮ وزوﺟﺘ ﻪ أم ﺟﻤﻴ ﻞ ،وﻟﻤ ﺎ أﻧ ﺰل اﷲ ﻋﻠ ﻰ رﺳ ﻮﻟﻪ اﻷﻣ ﻴﻦ ﺻ ﻠﻰ اﷲ ﻋﻠﻴ ﻪ
ﺑﺮﺳﺎﻟـﺔ اﻹﺳﻼم ،ﺑﻞ وﻗﻒ ﺣﺎﺋ ً
وﺳﻠﻢ ﻗﻮﻟﻪ " :وأﻧﺬر ﻋﺸﻴﺮﺗﻚ اﻵﺧﺮﻳﻦ " ﺟﻤﻊ ﺻﻠﻰ اﷲ ﻋﻠﻴﻪ وﺳﻠﻢ أﻗﺮﺑﺎءﻩ وﺁل ﺑﻴﺘﻪ ﻓﺪﻋﺎهﻢ إﻟﻰ اﷲ ﺗﻌ ﺎﻟﻰ وإﻟ ﻰ دﻳﻨ ﻪ اﻟﺠﺪﻳ ﺪ ﻓﻘ ﺎل ﻟ ﻪ
ﻋﻤﻪ أﺑﻮ ﻟﻬﺐ :ﺗ ّﺒ ًﺎ ﻟﻚ أﻟﻬﺬا ﺟﻤﻌﺘﻨﺎ ؟
ﻓﺄﻧﺰل اﷲ ﺗﻌﺎﻟﻰ ﻓﻴﻪ " :ﺗﺒﺖ ﻳﺪا أﺑﻲ ﻟﻬﺐ وﺗﺐ ،ﻣﺎ أﻏﻨﻰ ﻋﻨﻪ ﻣﺎﻟﻪ وﻣﺎ آﺴﺐ ،ﺳﻴﺼﻠﻰ ﻧﺎرًا ذات ﻟﻬﺐ ،واﻣﺮأﺗﻪ ﺣﻤﺎﻟﺔ اﻟﺤﻄﺐ ،
ﻓﻲ ﺟﻴﺪهﺎ ﺣﺒﻞ ﻣﻦ ﻣﺴﺪ " ﻓﻠﻢ ﺗﻨﻔﻌﻪ ﻗﺮاﺑﺘﻪ وﻟﻢ ﻳﺸﻔﻊ ﻟﻪ ﻧﺴﺒﻪ ﺑﻌﺪ أن ﺗﺮك رﺳﺎﻟﺔ اﻹﺳﻼم .
وهﺬا ﺑﻼل اﻟﺤﺒﺸﻲ اﻟﻤﻮﻟﻰ اﻟﻔﻘﻴﺮ واﻟﻌﺒﺪ اﻟﻀﻌﻴﻒ ﻟﻴﺲ ﻟﻪ ﻗﺒﻴﻞ وﻻ ﻋ ﺸﻴﺮ ،وﻻ ﻧﺎﺻ ﺮ وﻻ ﻣﺠﻴ ﺮ ،وﻟ ﻢ ﻳﻜ ﻦ ﻋﺮﺑﻴ ًﺎ وﻻ ﻗﺮﺷ ﻴ ًﺎ وﻻ
ﻣﻜﻴ ًﺎ ،ﺑﻞ آﺎن ﻋﺒﺪًا ﺣﺒﺸﻴ ًﺎ ،ﺁﻣﻦ ﺑﺮﺳﺎﻟﺔ اﻹﺳﻼم ،واﺗﺒﻊ ﻣﺤﻤﺪًا ﺧﻴﺮ اﻷﻧﺎم ﺣﺘﻰ أﺻﺒﺢ ﻳ ﺪﻋﻮ إﻟ ﻰ اﷲ ﺧﻤ ﺲ ﻣ ﺮات ﻓ ﻲ اﻟﻴ ﻮم ﻣﺆذﻧ ًﺎ ﺑ ﺄﻣﺮ
رﺳﻮل اﷲ ﺻﻠﻰ اﷲ ﻋﻠﻴﻪ وﺳﻠﻢ ،وﻓﻲ ﻳﻮم أﺻﺒﺢ رﺳﻮل اﷲ ﺻﻠﻰ اﷲ ﻋﻠﻴﻪ وﺳﻠﻢ ﻓﻘﺎل :أﻳﻦ ﺑﻼل ؟ أﻳﻦ ﺑﻼل ؟ ﻓﻠﻤﺎ ﺣﻀﺮ ﻗﺎل رﺳ ﻮل اﷲ
ﺻﻠﻰ اﷲ ﻋﻠﻴﻪ وﺳ ﻠﻢ :ﻳ ﺎ ﺑ ﻼل ،ﺑ ﻢ دﺧﻠ ﺖ إﻟ ﻰ اﻟﺠﻨ ﺔ :ﻓﻘ ﺎل رﺿ ﻲ اﷲ ﺗﻌ ﺎﻟﻰ ﻋﻨ ﻪ :آﻨ ﺖ ﻳ ﺎ رﺳ ﻮل اﷲ ﻣ ﺎ ﺗﻮﺿ ﺄت وﺿ ﻮءًا إﻻ ﺻ ﻠﻴﺖ
رآﻌﺘﻴﻦ وﻻ أذﻧﺖ أذاﻧ ًﺎ إﻻ ﺻﻠﻴﺖ رآﻌﺘﻴﻦ ،ﻗﺎل ﺻﻠﻰ اﷲ ﻋﻠﻴﻪ وﺳﻠﻢ :ﺑﻬﻤﺎ .
هﺬﻩ اﻟﺪرﺟﺔ اﻟﺘﻲ ﻧﺎﻟﻬﺎ ﺑﻼل وﺻﻠﻬﺎ ﺑﺈﻳﻤﺎﻧﻪ وﺗﻘﻮاﻩ ،وﺗﻠﻚ اﻟﺪرﺟﺔ اﻟﺘﻲ وﺻﻞ إﻟﻴﻬﺎ أﺑﻮ ﻟﻬﺐ ﺑﻜﻔﺮﻩ وﻋﻨﺎدﻩ .
وﺳﻠﻤﺎن اﻟﻔﺎرﺳﻲ رﺿﻲ اﷲ ﻋﻨﻪ ﻳﺒﻠﻎ ﺗﻠﻚ اﻟﻤﻨﺰﻟﺔ اﻟﺮﻓﻴﻌﺔ ﺣﺘﻰ ﻳﻘﻮل ﻓﻴﻪ رﺳﻮل اﷲ ﺻﻠﻰ اﷲ ﻋﻠﻴﻪ وﺳﻠﻢ :ﺳﻠﻤﺎن ﻣﻨﺎ أه ﻞ اﻟﺒﻴ ﺖ
،وﻳﻘﻮل اﻟﺮﺳﻮل ﺻﻠﻰ اﷲ ﻋﻠﻴﻪ وﺳﻠﻢ ﻣﺨﺒﺮًا ﻋﻦ ﻗﺎدة اﻷﻣ ﻢ وﻃﻼﺋﻌﻬ ﺎ إﻟ ﻰ اﻟﺠﻨ ﺔ :أﻧ ﺎ ﺳ ﺎﺑﻖ اﻟﻌ ﺮب ،وﺻ ﻬﻴﺐ ﺳ ﺎﺑﻖ اﻟ ﺮوم ،وﺳ ﻠﻤﺎن
ﺳﺎﺑﻖ اﻟﻔﺮس وﺑﻼل ﺳﺎﺑﻖ اﻟﺤﺒﺸﺔ ،هﺬﻩ اﻟﺪرﺟﺎت اﻟﺴﺎﻣﻴﺔ اﻟﺘﻲ رﻓﻊ اﻹﺳﻼم أﺻﺤﺎﺑﻬﺎ إﻟﻴﻬﺎ وﺑﻮأهﻢ ﻋﺮش ذﻟﻚ اﻟﻤﺠﺪ اﻟﻤﺆﺛ ﻞ .ﻓ ﺄﻳﻦ ﻗ ﺎدة
اﻟﻤﺴﻠﻤﻴﻦ ﻣﻤﺎ ﻋﻠﻴﻪ اﻟﻴﻮم ﻣﻦ اﻋﺘﺰاز ﺑﻌﺮوﻗﻬﻢ وﻓﺨﺮهﻢ ﺑﻘﺒﺎﺋﻠﻬﻢ وأﻣﺼﺎرهﻢ ﻣﻤﺎ أدى إﻟﻰ ﺗﻘﻄﻴﻊ اﻟﺮواﺑﻂ ﺑﻴﻦ اﻟﻤﺴﻠﻤﻴﻦ ﻓﺄﺻﺒﺤﻮا أذﻟﺔ ﺑﻌ ﺪ
اﻟﻌﺰة ،وﺿﻌﻔﺎء ﺑﻌﺪ اﻟﻘﻮة ،وﻓﻘﺮاء ﺑﻌﺪ اﻟﻐﻨﻰ .ﺑﻞ أﺻﺒﺤﻮا آﻤﺎ ﻗﺎل رﺳﻮل اﷲ ﺻﻠﻰ اﷲ ﻋﻠﻴﻪ وﺳﻠﻢ ﻏﺜﺎء آﻐﺜ ﺎء اﻟ ﺴﻴﻞ ،ﻟ ﻴﺲ ﻟﻬ ﻢ وزن
ﻳﺘﺨﻄﻒ ﺑﻼدهﻢ أﻋﺪاؤهﻢ وهﻢ ﻏﺎﻓﻠﻮن ﻻهﻮن ،ﻳﺘﺤﻜﻢ ﺑﻤﺼﺎﺋﺮهﻢ اﻟﻐﺮﺑﺎء وهﻢ ﺳﺎدرون ﻏﺎﺋﺒﻮن آﻤﺎ ﻗﺎل اﻟﺸﺎﻋﺮ اﻟﻌﺮﺑﻲ :
وﻳﻘﻀـﻰ اﻷﻣـﺮ ﺣﻴﻦ ﺗﻐﻴـﺐ ﺗﻴــﻢ
وﻻ ﻳﺴﺘﺄﻣﺮون وهــﻢ ﺷﻬـــﻮد
وﻳﻌﺠﺒﻨﻲ ﻗﻮل ﺷﺎﻋﺮ اﻹﺳﻼم ﻣﺤﻤﺪ إﻗﺒﺎل رﺣﻤﻪ اﷲ ﺗﻌﺎﻟﻰ إذ ﻳﻨﺎدي اﻟﻌﺮب واﻟﻤﺴﻠﻤﻴﻦ :
45
www.daawa-info.net
آﻞ ﺷﻌــﺐ ﻗـﺎم ﻳﺒﻐـﻲ ﻧﻬﻀـــﺔ
وأرى ﺑﻨﻴﺎﻧﻜـــــﻢ ﻣﺘﻬﺪﻣـــ ًﺎ
ﻓـﻲ ﻗﺪﻳـﻢ اﻟﺪهـﺮ آﻨﺘـﻢ أﻣــــﺔ
ﻟﻬـﻒ ﻧﻔﺴـﻲ آﻴـﻒ ﺻﺮﺗـﻢ أﻣﻤـﺎ
اﻟ ﺸﻌﺐ :ﻣ ﻦ ﻗﻮﻟ ﻪ ﺗﻌ ﺎﻟﻰ " :وﺟﻌﻠﻨ ﺎآﻢ ﺷ ﻌﻮﺑ ًﺎ وﻗﺒﺎﺋ ﻞ ﻟﺘﻌ ﺎرﻓﻮا " ه ﻮ اﻟﻄﺒﻘ ﺔ اﻷوﻟ ﻰ ﻣ ﻦ اﻟﻄﺒﻘ ﺎت اﻟﺘ ﻲ ﻋﻠﻴﻬ ﺎ اﻟﻌ ﺮب ﻓ ﻲ
اﺻﻄﻼﺣﺎﺗﻬﻢ وهﻲ :اﻟﺸﻌﺐ واﻟﻘﺒﻴﻠﺔ واﻟﻌﻤﺎرة واﻟﺒﻄﻦ واﻟﻔﺨﺬ واﻟﻔﺼﻴﻠﺔ ،ﻓﺎﻟﺸﻌﺐ ﻳﺠﻤﻊ اﻟﻘﺒﺎﺋﻞ ،واﻟﻘﺒﻴﻠﺔ ﺗﺠﻤﻊ اﻟﻌﻤ ﺎﺋﺮ واﻟﻌﻤ ﺎرة ﺗﺠﻤ ﻊ
اﻟﺒﻄﻮن ،واﻟﺒﻄﻦ ﻳﺠﻤﻊ اﻷﻓﺨﺎذ ،واﻟﻔﺨﺬ ﺗﺠﻤﻊ اﻟﻔﺼﺎﺋﻞ ،ﻓﺨﺰﻳﻤﺔ ﺷﻌﺐ ،وآﻨﺎﻧﺔ ﻗﺒﻴﻠﺔ ،وﻗﺮﻳﺶ ﻋﻤ ﺎرة ،وﻗ ﺼﻲ ﺑﻄ ﻦ ،وهﺎﺷ ﻢ ﻓﺨ ﺬ ،
واﻟﻌﺒﺎس رﺿﻲ اﷲ ﺗﻌﺎﻟﻰ ﻋﻨﻪ ﻓﺼﻴﻠﺔ ،وﺳﻤﻴﺖ اﻟﺸﻌﻮب ﻷن اﻟﻘﺒﺎﺋﻞ ﺗﺸﻌﺒﺖ ﻣﻨﻬﺎ .
وروي ﻋﻦ اﻹﻣﺎم ﺟﻌﻔﺮ اﻟﺴﺎﺑﻖ رﺿﻲ اﷲ ﺗﻌﺎﻟﻰ ﻋﻨﻪ ﻗﺎل :اﻟﺸﻌﻮب ﻣﻦ اﻟﻌﺠﻢ واﻟﻘﺒﺎﺋﻞ ﻣﻦ اﻟﻌﺮب واﻷﺳﺒﺎط ﻣﻦ ﺑﻨﻲ إﺳﺮاﺋﻴﻞ .
واﻟﺬآﺮ واﻷﻧﺜﻰ ﻣﻦ ﻗﻮﻟﻪ ﺗﻌﺎﻟﻰ " :إﻧﺎ ﺧﻠﻘﻨﺎآﻢ ﻣﻦ ذآﺮ وأﻧﺜﻰ " أي ﻣﻦ ﺁدم وﺣﻮاء وﻗﻴﻞ ﻣﻌﻨﺎﻩ :ﺧﻠﻘﻨﺎ آﻞ واﺣ ﺪ ﻣ ﻨﻜﻢ ﻣ ﻦ أب وأم
،ﻓﻤﺎ ﻣﻨﻜﻢ أﺣﺪ إﻻ وهﻮ ﻳﺪﻟﻲ ﺑﻤﺜﻞ ﻣﺎ ﻳﺪﻟﻲ ﺑﻪ اﻵﺧﺮ ﺳﻮاء ﺑﺴﻮاء ﻓﻼ وﺟﻪ ﻟﻠﺘﻔﺎﺧﺮ واﻟﺘﻔﺎﺿﻞ ﻓﻲ اﻟﻨﺴﺐ .
اﻟﺨﻠﻖ :هﻮ اﻹﻳﺠﺎد واﻟﺘﻜﻮﻳﻦ .
وﻗﺪ ورد ﻓﻲ اﻟﺨﺒﺮ ﻋﻦ ﺳﻴﺪ اﻟﺒﺸﺮ ﺻﻠﻰ اﷲ ﻋﻠﻴﻪ وﺳﻠﻢ أﻧﻪ ﻃﺎف ﻳﻮم ﻓﺘﺢ ﻣﻜ ﺔ ،ﻓﺤﻤ ﺪ اﷲ ﺗﻌ ﺎﻟﻰ وأﺛﻨ ﻰ ﻋﻠﻴ ﻪ ﺛ ﻢ ﻗ ﺎل :اﻟﺤﻤ ﺪ ﷲ
اﻟﺬي أذهﺐ ﻋﻨﻜﻢ ﻋﻴﺒﺔ اﻟﺠﺎهﻠﻴﺔ وﺗﻜﺒﺮهﺎ ﻳﺎ اﻳﻬﺎ اﻟﻨﺎس ،إﻧﻤﺎ اﻟﻨﺎس رﺟﻼن :ﻣﺆﻣﻦ ﺗﻘ ﻲ آ ﺮﻳﻢ ﻋﻠ ﻰ اﷲ وﻓ ﺎﺟﺮ ﺷ ﻘﻲ ه ﻴﻦ ﻋﻠ ﻰ اﷲ ،ﺛ ﻢ
ﻗﺮأ اﻵﻳﺔ اﻟﻜﺮﻳﻤﺔ :ﻳﺎ اﻳﻬﺎ اﻟﻨﺎس إﻧﺎ ﺧﻠﻘﻨﺎآﻢ ﻣﻦ ذآﺮ وأﻧﺜﻰ وﺟﻌﻠﻨﺎآﻢ ﺷﻌﻮﺑ ًﺎ وﻗﺒﺎﺋﻞ ﻟﺘﻌﺎرﻓﻮا ،إن أآﺮﻣﻜﻢ ﻋﻨﺪ اﷲ أﺗﻘﺎآﻢ .
وﻟﻘﺪ ﻗﺎم ﻓﻲ هﺬﻩ اﻵﻳﺔ اﻟﻜﺮﻳﻤﺔ أﺻﻞ ﺧﻄﻴ ﺮ ﻏﻴ ﺮ ﻣ ﺎ ﻗﺮرﺗ ﻪ ﻣ ﻦ اﻟﻤ ﺴﺎواة ﺑ ﻴﻦ اﻟﻨ ﺎس وﻋ ﺪم اﻟﺘﻔﺎﺿ ﻞ ﻓﻴﻤ ﺎ ﺑﻴ ﻨﻬﻢ إﻻ ﺑ ﺎﻟﺘﻘﻮى وﻣ ﺎ
ﻗﺮرﺗﻪ ﻣﻦ اﻋﺘﺒﺎر اﻟﻤﺴﻠﻤﻴﻦ وﺣﺪة ﻣﺘﻤﺎﺳﻜﺔ آﺠﺴﺪ واﺣﺪ ﻓﻘﺪ ﻗﺎم ﻓﻴﻬﺎ أﺻﻞ ﻣﻬﻢ وﺧﻄﻴﺮ وهﻮ وﺟﻮب رد اﻟﻈ ﺎﻟﻤﻴﻦ ﻋ ﻦ ﻇﻠﻤﻬ ﻢ ،واﻟﻮﻗ ﻮف
ﻓﻲ ﺻﻒ اﻟﻤﻈﻠﻮﻣﻴﻦ ،وهﺬﻩ درﺟﺔ ﺳﺎﻣﻴﺔ آﺮّم اﷲ ﺑﻬﺎ اﻟﻤﺴﻠﻤﻴﻦ ،وﻣﻦ اﻟﻮاﺟﺐ أن ﻳﻔﻘﻬﻮهﺎ وﻳﺘﺪﺑﺮوهﺎ وﻳﻌﻤﻠﻮا ﻟﻬﺎ وﻳﺤﺎﻓﻈﻮا ﻋﻠﻴﻬ ﺎ آﻤ ﺎ
ﻳﺤﺎﻓﻈﻮن ﻋﻠﻰ أﻋﺰ ﻣﺎ ﻳﻤﻠﻜﻮن ﺣﻔﺎﻇ ًﺎ ﻋﻠﻰ ﺷﺮﻓﻬﻢ وﻣﺠﺪهﻢ وﻋﺰﺗﻬﻢ وآﺮاﻣﺘﻬﻢ ،ﺟﻌﻠﻨﺎ اﷲ ﺗﻌﺎﻟﻰ ﻣﻤﻦ ﻳﺴﺘﻤﻌﻮن اﻟﻘﻮل ﻓﻴﺘﺒﻌﻮن أﺣﺴﻨﻪ .
وﻟﻘﺪ ﺧﺘﻤﺖ اﻵﻳﺔ ﺑﻘﻮﻟﻪ ﺗﻌﺎﻟﻰ " :إن اﷲ ﻋﻠﻴﻢ ﺧﺒﻴﺮ " ﻓﺎﷲ ﺗﺒ ﺎرك وﺗﻌ ﺎﻟﻰ ﺧﺒﻴ ﺮ ﺑ ﺄﺣﻮال اﻟﻨ ﺎس ﻻ ﺗﺨﻔ ﻰ ﻋﻠﻴ ﻪ ﺧﺎﻓﻴ ﺔ ﻓ ﻲ اﻷرض
وﻻ ﻓﻲ اﻟﺴﻤﺎء ،ﻋﻠﻴﻢ ﺑﺄﻋﻤﺎﻟﻬﻢ اﻟﺘﻲ ﺗﻤﻴﺰهﻢ ﻋﻨﺪﻩ ﻓﺒﺎب اﷲ ﻣﻔﺘﻮح ﻟﻜﻞ أﺣﺪ واﻟﺘﻘﻮى ﻣﺘﻴﺴﺮة ﻟﻜ ﻞ إﻧ ﺴﺎن ،وﻓﻘﻨ ﺎ اﷲ ﻟﻌﺒﺎدﺗ ﻪ وﺗﻘ ﻮاﻩ إﻧ ﻪ
ﻧﻌﻢ اﻟﻤﻮﻟﻰ وﻧﻌﻢ اﻟﻨﺼﻴﺮ واﻟﺤﻤﺪ ﷲ رب اﻟﻌﺎﻟﻤﻴﻦ .
اﻵﻳﺔ اﻟﺮاﺑﻌﺔ ﻋﺸﺮة :
ﷲ ورﺳُﻮ َﻟ ُﻪ ﻻ َﻳﻠْﺘ ُﻜ ْﻢ
ن ُﺗﻄِﻴﻌُﻮا ا َ
ن ﻓﻲ ﻗُﻠﻮﺑِﻜﻢ ،وإ ْ
ﻦ ﻗُﻮﻟُﻮا :أﺳْـ َﻠﻤْﻨﺎ ،وﻟﻤّـﺎ َﻳ ْﺪﺧُﻞ اﻹﻳﻤﺎ ُ
ب :ﺁﻣﻨّﺎ ُ ،ﻗ ْﻞ َ :ﻟ ْﻢ ﺗُﺆ ِﻣﻨُﻮا وﻟ ِﻜ ْ ) ﻗﺎ َﻟ ِ
ﺖ اﻷﻋْﺮا ُ
ن اﷲ ﻏَـﻔُﻮ ٌر رﺣِﻴ ٌﻢ ( .
ﺷﻴْﺌ ًﺎ ،إ ّ
ﻦ أﻋْﻤﺎ ِﻟﻜُﻢ َ
ِﻣ ْ
ﻗﺎل اﺑﻦ ﻋﺒﺎس رﺿﻲ اﷲ ﺗﻌﺎﻟﻰ ﻋﻨﻬﻤﺎ ﻓﻴﻤﺎ ﻧﻘﻠ ﻪ اﻟﺰﻣﺨ ﺸﺮي ﻓ ﻲ آ ﺸﺎﻓﻪ :إن ﻧﻔ ﺮًا ﻣ ﻦ ﺑﻨ ﻲ أﺳ ﺪ ﻗ ﺪﻣﻮا اﻟﻤﺪﻳﻨ ﺔ ﻓ ﻲ ﺳ ﻨﺔ ﺟﺪﺑ ﺔ ،
ﻓﺄﻇﻬﺮوا اﻟﺸﻬﺎدة وأﻓﺴﺪوا ﻃﺮق اﻟﻤﺪﻳﻨﺔ ﺑﺎﻟﻌﺬرات وأﻏﻠﻮا أﺳﻌﺎرهﺎ وهﻢ ﻳﻐﺪون وﻳﺮوﺣﻮن ﻋﻠﻰ رﺳﻮل اﷲ ﺻﻠﻰ اﷲ ﻋﻠﻴﻪ وﺳﻠﻢ وﻳﻘﻮﻟ ﻮن
:أﺗﺘﻚ اﻟﻌﺮب ﺑﺄﻧﻔﺴﻬﺎ ﻋﻠﻰ ﻇﻬﻮر رواﺣﻠﻬﺎ وﺟﺌﻨﺎك ﺑﺎﻷﺛﻘﺎل واﻟ ﺬراري ،ﻳﺮﻳ ﺪون اﻟ ﺼﺪﻗﺔ وﻳﻤﻨ ﻮن ﻋﻠﻴ ﻪ ﺻ ﻠﻰ اﷲ ﻋﻠﻴ ﻪ وﺳ ﻠﻢ ﺑﺈﺳ ﻼﻣﻬﻢ
ﻓﻨﺰﻟﺖ هﺬﻩ اﻵﻳﺔ اﻟﻜﺮﻳﻤﺔ .
46
www.daawa-info.net
وﻧﻘﻞ اﻹﻣﺎم اﻟﻄﺒﺮي ﻓﻲ ﻣﺠﻤﻊ اﻟﺒﻴﺎن ﻓﻲ ﻗﻮﻟﻪ ﺗﻌﺎﻟﻰ " :ﻗﺎﻟﺖ اﻷﻋﺮاب :ﺁﻣﻨﺎ " ﻗﺎل :هﻢ ﻗ ﻮم ﻣ ﻦ ﺑﻨ ﻲ أﺳ ﺪ أﺗ ﻮا اﻟﻨﺒ ﻲ ﺻ ﻠﻰ اﷲ
ﻋﻠﻴﻪ وﺳﻠﻢ ﻓﻲ ﺳﻨﺔ ﺟﺪﺑﺔ وأﻇﻬﺮوا اﻹﺳﻼم وﻟﻢ ﻳﻜﻮﻧﻮا ﻣﺆﻣﻨﻴﻦ ﻓﻲ اﻟﺴﺮ ،إﻧﻤﺎ آﺎﻧﻮا ﻳﻄﻠﺒﻮن اﻟﺼﺪﻗﺔ ،واﻟﻤﻌﻨ ﻰ :إﻧﻬ ﻢ ﻗ ﺎﻟﻮا ﺻ ﺪّﻗﻨﺎ ﺑﻤ ﺎ
ﺟﺌﺖ ﺑﻪ ،ﻓﺄﻣﺮﻩ اﷲ ﺳﺒﺤﺎﻧﻪ أن ﻳﺨﺒﺮهﻢ ﺑﺬﻟﻚ ﻟﻴﻜﻮن ﺁﻳﺔ ﻣﻌﺠﺰة ﻟﻪ ﺻﻠﻰ اﷲ ﻋﻠﻴﻪ وﺳﻠﻢ ،ﻓﻘﺎل " :ﻗﻞ ﻟ ﻢ ﺗﺆﻣﻨ ﻮا " أي ﻟ ﻢ ﺗ ﺼﺪﻗﻮا ﻋﻠ ﻰ
اﻟﺤﻘﻴﻘﺔ ﻓﻲ اﻟﺒﺎﻃﻦ " ،وﻟﻜﻦ ﻗﻮﻟﻮا :أﺳﻠﻤﻨﺎ " أي اﻧﻘﺬﻧﺎ واﺳﺘﺴﻠﻤﻨﺎ ﻣﺨﺎﻓﺔ اﻟﺴﺒﻲ واﻟﻘﺘﻞ ،ﺛﻢ ﺗﺒﻴّﻦ ﺳﺒﺤﺎﻧﻪ أن اﻹﻳﻤ ﺎن ﻣﺤﻠ ﻪ اﻟﻘﻠ ﺐ دون
اﻟﻠﺴﺎن ،ﻓﻘﺎل " :وﻟﻤﺎ ﻳﺪﺧﻞ اﻹﻳﻤﺎن ﻓﻲ ﻗﻠﻮﺑﻜﻢ " .
ﻗﺎل اﻟﺰﺟﺎج :اﻹﺳﻼم إﻇﻬﺎر اﻟﺨﻀﻮع واﻟﻘﺒﻮل ﻟﻤﺎ أﺗﻰ ﺑﻪ اﻟﺮﺳ ﻮل ﺻ ﻠﻰ اﷲ ﻋﻠﻴ ﻪ وﺳ ﻠﻢ ،وﺑ ﺬﻟﻚ ﻳﺤﻘ ﻦ اﻟ ﺪم ،ﻓ ﺈن آ ﺎن ﻣ ﻊ ذﻟ ﻚ
اﻹﻇﻬﺎر اﻋﺘﻘﺎد وﺗﺼﺪﻳﻖ ﺑﺎﻟﻘﻠﺐ ﻓﺬﻟﻚ اﻹﻳﻤﺎن ،وﺻﺎﺣﺒﻪ اﻟﻤﺆﻣﻦ اﻟﻤﺴﻠﻢ ﺣﻘ ًﺎ ،ﻓﺄﻣﺎ ﻣﻦ أﻇﻬﺮ ﻗﺒﻮل اﻟﺸﺮﻳﻌﺔ واﺳﺘ ﺴﻠﻢ ﻟ ﺪﻓﻊ اﻟﻤﻜ ﺮوﻩ ﻓﻬ ﻮ
ﻓﻲ اﻟﻈﺎهﺮ ﻣﺴﻠﻢ ،وﺑﺎﻃﻨﻪ ﻏﻴﺮ ﻣﺼﺪق ،وﻗﺪ أﺧﺮج هﺆﻻء ﻣﻦ اﻹﻳﻤﺎن ﺑﻘﻮﻟﻪ ﺗﻌﺎﻟﻰ " :وﻟﻤ ﺎ ﻳ ﺪﺧﻞ اﻹﻳﻤ ﺎن ﻓ ﻲ ﻗﻠ ﻮﺑﻜﻢ " أي ﻟ ﻢ ﺗ ﺼﺪﻗﻮا
ﺑﻌﺪ ﻣﺎ اﺳﻠﻤﺘﻢ ﺗﻌﻮذًا ﻣﻦ اﻟﻘﺘﻞ ،ﻓﺎﻟﻤﺆﻣﻦ ﻣﺒﻄﻦ ﻣﻦ اﻟﺘﺼﺪﻳﻖ ﻣﺜﻞ ﻣﺎ ﻳﻈﻬﺮ ،واﻟﻤﺴﻠﻢ اﻟﺘﺎم اﻹﺳﻼم ﻣﻈﻬﺮ ﻟﻠﻄﺎﻋﺔ وهﻮ ﻣﻊ ذﻟﻚ ﻣﺆﻣﻦ ﺑﻬ ﺎ
.واﻟﺬي أﻇﻬﺮ اﻹﺳﻼم ﺗﻌﻮذًا ﻣﻦ اﻟﻘﺘﻞ ﻏﻴﺮ ﻣﺆﻣﻦ ﻓﻲ اﻟﺤﻘﻴﻘﺔ إﻻ أن ﺣﻜﻤﻪ ﻓﻲ اﻟﻈﺎهﺮ ﺣﻜﻢ اﻟﻤﺴﻠﻤﻴﻦ .
وروى أﻧ ﺲ ﻋ ﻦ اﻟﻨﺒ ﻲ ﺻ ﻠﻰ اﷲ ﻋﻠﻴ ﻪ وﺳ ﻠﻢ ﻗ ﺎل " :اﻹﺳ ﻼم ﻋﻼﻧﻴ ﺔ واﻹﻳﻤ ﺎن ﻓ ﻲ اﻟﻘﻠ ﺐ " وأﺷ ﺎر إﻟ ﻰ ﺻ ﺪرﻩ ،واﻹﻳﻤ ﺎن ه ﻮ
اﻟﺘﺼﺪﻳﻖ اﻟﺘﺎم ﻣﻊ اﻟﺜﻘﺔ وﻃﻤﺄﻧﻴﻨﺔ اﻟﻨﻔﺲ وهﻮ أﺧﺺ ﻣﻦ اﻹﺳﻼم آﻤﺎ هﻮ ﻣﺬهﺐ أهﻞ اﻟﻘﻘﻪ واﻟﻌﻠﻢ ﻣﻦ اﻟﻤﺴﻠﻤﻴﻦ ،وﻳﺪل ﻋﻠﻴﻪ ﺣﺪﻳﺚ ﺟﺒﺮﻳﻞ
ﻋﻠﻴﻪ اﻟﺴﻼم ﺣﻴﻦ ﺳﺄل اﻟﻨﺒﻲ ﺻﻠﻰ اﷲ ﻋﻠﻴﻪ وﺳﻠﻢ ﻋﻦ اﻹﺳﻼم ﺛﻢ اﻹﻳﻤﺎن ﺛﻢ اﻹﺣﺴﺎن ،ﻓﺘﺮﻗﻰ ﻣﻦ اﻷﻋﻢ إﻟﻰ اﻷﺧﺺ ﺛﻢ ﻟﻸﺧﺺ ﻣﻨﻪ .
ﻗﺎل اﻹﻣﺎم أﺣﻤﺪ رﺿﻲ اﷲ ﺗﻌﺎﻟﻰ ﻋﻨﻪ :ﺣﺪﺛﻨﺎ ﻋﺒﺪ اﻟﺮزاق أﺧﺒﺮﻧﺎ ﻣﻌﻤﺮ ﻋﻦ اﻟﺰهﺮي ﻋﻦ ﻋ ﺎﻣﺮ ﺑ ﻦ ﺳ ﻌﺪ ﺑ ﻦ أﺑ ﻲ وﻗ ﺎص ﻋ ﻦ أﺑﻴ ﻪ
ﻼ ﻣﻨﻬﻢ ﺷﻴﺌ ًﺎ .ﻓﻘﺎل ﺳﻌﺪ رﺿﻲ اﷲ ﺗﻌﺎﻟﻰ ﻋﻨﻪ :ﻳ ﺎ
رﺿﻲ اﷲ ﺗﻌﺎﻟﻰ ﻋﻨﻬﻤﺎ ﻗﺎل :أﻋﻄﻰ رﺳﻮل اﷲ ﺻﻠﻰ اﷲ ﻋﻠﻴﻪ وﺳﻠﻢ رﺟﺎ ًﻻ وﻟﻢ ﻳﻌﻂ رﺟ ً
رﺳﻮل اﷲ ،أﻋﻄﻴﺖ ﻓﻼﻧ ًﺎ وﻓﻼﻧ ًﺎ وﻟﻢ ﺗﻌﻂ ﻓﻼﻧ ًﺎ ﺷﻴﺌ ًﺎ وهﻮ ﻣﺆﻣﻦ .ﻓﻘﺎل اﻟﻨﺒ ﻲ ﺻ ﻠﻰ اﷲ ﻋﻠﻴ ﻪ وﺳ ﻠﻢ :أو ﻣ ﺴﻠﻢ ؟ ﺣﺘ ﻰ أﻋﺎده ﺎ ﺳ ﻌﺪ ﺛﻼﺛ ًﺎ :
ﻲ ﻣ ﻨﻬﻢ ﻓﻠ ﻢ أﻋﻄ ﻪ
واﻟﻨﺒﻲ ﺻﻠﻰ اﷲ ﻋﻠﻴﻪ وﺳﻠﻢ أو ﻣﺴﻠﻢ ؟ ﺛﻢ ﻗﺎل اﻟﻨﺒﻲ ﺻ ﻠﻰ اﷲ ﻋﻠﻴ ﻪ وﺳ ﻠﻢ :إﻧ ﻲ ﻷﻋﻄ ﻲ رﺟ ﺎ ًﻻ وأدع ﻣ ﻦ ه ﻮ أﺣ ﺐ إﻟ ّ
ﻣﺨﺎﻓﺔ أن ﻳﻜﺒﻮا ﻓﻲ اﻟﻨﺎر ﻋﻠﻰ وﺟﻮهﻬﻢ .
ﻓﻘﺪ ﻓﺮق اﻟﻨﺒﻲ ﺻﻠﻰ اﷲ ﻋﻠﻴﻪ وﺳﻠﻢ ﺑﻴﻦ اﻟﻤﺆﻣﻦ واﻟﻤﺴﻠﻢ ﻓﺪل ﻋﻠﻰ أن اﻹﻳﻤ ﺎن أﺧ ﺺ ﻣ ﻦ اﻹﺳ ﻼم واﻹﺳ ﻼم أﻋ ﻢ وأﺷ ﻤﻞ وﺑﻴﻨﻬﻤ ﺎ
ﻋﻤﻮم وﺧﺼﻮص ﻣﻄﻠﻖ آﻤﺎ ﻳﻘﻮل ﻋﻠﻤﺎء اﻟﻤﻨﻄﻖ ،ﻓﻜﻞ ﻣﺆﻣﻦ ﻣﺴﻠﻢ وﻻ ﻋﻜﺲ .
واﻷﻣﻦ :أﺻﻠﻪ ﻃﻤﺄﻧﻴﻨﺔ اﻟﻨﻔﺲ وزوال اﻟﺨﻮف وﻗﺪ أﺧﺬ ﻣﻨﻪ :اﻹﻳﻤﺎن ،وﺟﻌﻞ اﺳﻤ ًﺎ ﻟﻠﺘﺼﺪﻳﻖ اﻟﺬي ﻣﻌﻪ اﻷﻣﻦ وه ﻮ اﻹذﻋ ﺎن ﻟﻠﺤ ﻖ
،وﻣﻨﻪ ﻗﻮﻟﻪ ﺗﻌﺎﻟﻰ " :وﻣﺎ أﻧﺖ ﺑﻤﺆﻣﻦ ﻟﻨﺎ " أي ﺑﻤﺼﺪق .
واﻹﺳﻼم :اﺳﺘﺴﻼم واﻧﻘﻴﺎد وﺗﺮك ﻟﻠﺘﻤﺮد واﻟﻌﻨﺎد .واﻟﺘﺴﻠﻴﻢ :ﻋﺎم ﻳﻜﻮن ﻓﻲ اﻟﻘﻠﺐ واﻟﺠﻮارح واﻟﻠ ﺴﺎن أﻣ ﺎ اﻹﻳﻤ ﺎن ﻓ ﺄﺧﺺ – آﻤ ﺎ
ﻗﻠﻨﺎ – وهﻮ أﺷﺮف أﺟﺰاء اﻹﺳﻼم .
هﺬا ﻣﺎ ﻳﻌﻄﻴﻪ ﻇﺎهﺮ اﻟﻠﻐﺔ ،وﻟﻜﻦ اﻹﻳﻤﺎن واﻹﺳﻼم ﻟﻬﻤﺎ اﺳﺘﻌﻤﺎﻻت ﺷﺮﻋﻴﺔ أﺧﺮى ﻓﻘﺪ اﺳﺘﻌﻤﻼ ﻣﺘﺮادﻓﻴﻦ وﻣﺨﺘﻠﻔﻴﻦ وﻣﺘﺪاﺧﻠﻴﻦ .
وﻣﻦ اﻟﺘﺮادف ﻗﻮﻟﻪ ﺗﻌﺎﻟﻰ " :ﻓﺄﺧﺮﺟﻨﺎ ﻣﻦ آﺎن ﻓﻴﻬﺎ ﻣﻦ اﻟﻤﺆﻣﻨﻴﻦ .ﻓﻤﺎ وﺟﺪﻧﺎ ﻏﻴﺮ ﺑﻴﺖ ﻣﻦ اﻟﻤﺴﻠﻤﻴﻦ" ﻓﻠﻢ ﻳﻜﻦ ﻓﻴﻬﺎ ﺑﺎﻻﺗﻔ ﺎق إﻻ
ﺑﻴﺖ واﺣﺪ .
وﻓﻲ ﺣﺪﻳﺚ رﺳﻮل اﷲ ﺻﻠﻰ اﷲ ﻋﻠﻴﻪ وﺳﻠﻢ ﻗﻮﻟﻪ :ﺑﻨﻲ اﻹﺳﻼم ﻋﻠﻰ ﺧﻤﺲ ….
وﻗﺪ ﺳﺌﻞ اﻟﻨﺒﻲ ﺻﻠﻮات اﷲ وﺳﻼﻣﻪ ﻋﻠﻴﻪ ﻋﻦ اﻹﻳﻤﺎن ﻓﺄﺟﺎب ﺑﻤﺜﻞ هﺬا اﻟﺠﻮاب وذآﺮ ﻧﻔﺲ هﺬﻩ اﻷرآﺎن .
وﻣﻦ اﻻﺧﺘﻼف ﺑﻴﻦ ﻣﻌﻨﻰ اﻹﻳﻤﺎن واﻹﺳﻼم اﻵﻳﺔ اﻟﺘﻲ ﻧﺤﻦ ﺑﺼﺪد ﺗﻔﺴﻴﺮهﺎ ،وﻗﺪ ذآﺮت اﻟﻔﺮق ﺑﻴﻨﻬﻤﺎ .وﻣ ﻦ اﻟﺘ ﺪاﺧﻞ ﺣ ﺪﻳﺚ رﺳ ﻮل
اﷲ ﺻﻠﻰ اﷲ ﻋﻠﻴﻪ وﺳﻠﻢ وﻗ ﺪ ﺳ ﺌﻞ :أي اﻷﻋﻤ ﺎل أﻓ ﻀﻞ ؟ ﻗ ﺎل :اﻹﺳ ﻼم ﻓﻘﻴ ﻞ :أي اﻹﺳ ﻼم أﻓ ﻀﻞ ؟ ﻗ ﺎل :اﻹﻳﻤ ﺎن .وه ﺬا دﻟﻴ ﻞ ﻋﻠ ﻰ أن
اﻹﺳﻼم أﻋﻢ واﻹﻳﻤﺎن أﺧﺺ وهﻤﺎ ﻣﺘﺪاﺧﻼن ﻓﺎﻹﺳـﻼم ﺷﻤﻞ ﺗﺴﻠﻴﻢ اﻟﻘﻠ ﺐ وﻧﻄ ﻖ اﻟﻠ ﺴﺎن وﻋﻤ ﻞ اﻟﺠ ﻮارح ،وأﻓ ﻀﻞ ه ﺬﻩ اﻟﺜﻼﺛ ﺔ :ﺗ ﺼﺪﻳﻖ
اﻟﻘﻠﺐ وهﻮ اﻹﻳﻤﺎن .
وﻗﺪ ﺟﺎء اﺳﺘﻌﻤﺎل اﻹﻳﻤﺎن ﻓﻲ اﻟﻌﻤﻞ اﻟﺼﺎﻟﺢ ،ﻗﺎل ﺗﻌﺎﻟﻰ " :وﻣﺎ آﺎن اﷲ ﻟﻴﻀﻴﻊ إﻳﻤﺎﻧﻜﻢ " .
47
www.daawa-info.net
وﻟﻺﻳﻤﺎن ﺷﻌﺐ ﻣﺨﺘﻠﻔﺔ ودرﺟﺎﺗﻪ ﻋﻨﺪ اﻟﻨﺎس ﻣﺘﻔﺎوﺗﺔ ،وهﻮ ﻳﺰﻳﺪ وﻳﻨﻘﺺ ،وﻳﺰهﺮ وﻳﺬﺑﻞ وﻳﺤﻴﺎ وﻳﻤ ﻮت ،وﻓ ﻲ ﺣ ﺪﻳﺚ رﺳ ﻮل اﷲ
ﺻ ﻠﻰ اﷲ ﻋﻠﻴ ﻪ وﺳ ﻠﻢ ﻓﻴﻤ ﺎ رواﻩ أﺑ ﻮ هﺮﻳ ﺮة رﺿ ﻲ اﷲ ﺗﻌ ﺎﻟﻰ ﻋﻨ ﻪ ﻗ ﺎل :اﻹﻳﻤ ﺎن ﺑ ﻀﻊ وﺳ ﺒﻌﻮن ﺷ ﻌﺒﺔ ،ﻓﺄﻓ ﻀﻠﻬﺎ ﻗ ﻮل :ﻻ إﻟ ﻪ إﻻ اﷲ ،
وأدﻧﺎهﺎ إﻣﺎﻃﺔ اﻷذى ﻋﻦ اﻟﻄﺮﻳﻖ ،واﻟﺤﻴﺎء ﺷﻌﺒﺔ ﻣﻦ اﻹﻳﻤﺎن " .
ﻓﻤﺎ أﻋﻈﻢ هﺬا اﻹﺳﻼم اﻟﺬي ﺟﻌﻞ إﻣﺎﻃﺔ اﻷذى ﻋﻦ اﻟﻄﺮﻳﻖ ﺷﻌﺒﺔ ﻣﻦ ﺷﻌﺐ اﻹﻳﻤ ﺎن وﻗ ﺪ ورد ذﻟ ﻚ ﻋﻠ ﻰ ﻟ ﺴﺎن اﻟﻨﺒ ﻲ اﻷﻋﻈ ﻢ ﺳ ﻴﺪﻧﺎ
ﻣﺤﻤﺪ ﺻﻠﻰ اﷲ ﻋﻠﻴﻪ وﺳﻠﻢ اﻟﻤﺜﻞ اﻷﻋﻠﻰ ﻟﻺﻧﺴﺎن اﻟﻜﺎﻣﻞ ،وﻗﺪ اﺳﺘﺠﻤﻊ ﺻﻔﺎت اﻟﻜﻤﺎل ﻓﻬﻮ ﻋﻠﻴﻪ اﻟﺼﻼة واﻟﺴﻼم آﻤﺎ ًﻻ ﻓﻮق اﻟﻜﻤﺎل .
أﻣﺎ زﻳﺎدة اﻹﻳﻤﺎن وﻧﻘﺼﺎﻧﻪ ﻓﻬﻮ ﻓﻲ ﻗﻮل اﻟﺤﻖ ﺗﺒﺎرك وﺗﻌ ﺎﻟﻰ إذ ﻳﻘ ﻮل وه ﻮ أﺻ ﺪق اﻟﻘ ﺎﺋﻠﻴﻦ " :إﻧﻤ ﺎ اﻟﻤﺆﻣﻨ ﻮن اﻟ ﺬﻳﻦ إذا ذآ ﺮ اﷲ
ﺖ ﻋﻠ ﻴﻬﻢ ﺁﻳﺎﺗ ﻪ زادﺗﻬ ﻢ إﻳﻤﺎﻧ ًﺎ وﻋﻠ ﻰ رﺑﻬ ﻢ ﻳﺘﻮآﻠ ﻮن ،اﻟ ﺬﻳﻦ ﻳﻘﻴﻤ ﻮن اﻟ ﺼﻼة وﻣﻤ ﺎ رزﻗﻨ ﺎهﻢ ﻳﻨﻔﻘ ﻮن .أوﻟﺌ ﻚ ه ﻢ
وﺟﻠ ﺖ ﻗﻠ ﻮﺑﻬﻢ وإذا ﺗُﻠﻴ ْ
اﻟﻤﺆﻣﻨﻮن ﺣﻘﺎ ،ﻟﻬﻢ درﺟﺎت ﻋﻨﺪ رﺑﻬﻢ وﻣﻐﻔﺮة ورزق آﺮﻳﻢ " .
ﻓﺎﷲ ﺗﺒﺎرك وﺗﻌﺎﻟﻰ ذآﺮ ﺻﻔﺎت اﻟﻤﺆﻣﻨﻴﻦ ﻓ ﻲ ه ﺬﻩ اﻵﻳ ﺎت ورﺗ ﺐ ﻋﻠﻴﻬ ﺎ اﻟ ﺴﻌﺎدة ﻓ ﻲ اﻟ ﺪﻧﻴﺎ واﻵﺧ ﺮة ،وﺑﻬ ﺎ ﻳﺘﺤﻘ ﻖ اﻹﻳﻤ ﺎن اﻟﻜﺎﻣ ﻞ
ﻓﻠﻴﻨﻈﺮ اﻹﻧﺴﺎن إﻟﻰ ﻧﻔﺴﻪ ،ﻓﺈن آﺎﻧﺖ ﺗﻠ ﻚ اﻟ ﺼﻔﺎت ﺻ ﻔﺎﺗﻪ ﻓﻬ ﻮ ﻣﻤ ﻦ ﻳﺮﺛ ﻮن اﻟﻔ ﺮدوس ه ﻢ ﻓﻴﻬ ﺎ ﺧﺎﻟ ﺪون ،وإن آ ﺎن ﺑﻌﻴ ﺪًا ﻋﻨﻬ ﺎ ﻓﻠﻴﺤ ﺬر
اﻟﺬﻳﻦ ﻳﺨﺎﻟﻔﻮن ﻋﻦ أﻣﺮﻩ .
ﻼ آﻠﻤ ﺎ ازداد
وﻟﻘﺪ ذآﺮ اﷲ ﺗﻌﺎﻟﻰ ﻓﻲ هﺬﻩ اﻵﻳﺎت ﺧﻤﺲ ﺻﻔﺎت هﻲ ﻋﻼﻣﺎت اﻹﻳﻤﺎن اﻟﺤﻖ وﺳ ﻤﺔ اﻹﺳ ﻼم اﻟ ﺼﺤﻴﺢ وآﻠﻤ ﺎ ازداد ﻋﻤ ً
ﻗﺮﺑ ًﺎ ﻣﻦ اﷲ واﻟﻮاﺟﺐ ﻋﻠﻰ اﻹﻧﺴﺎن أن ﻳﺘﺪارك أﻣﺮﻩ ﻗﺒﻞ أن ﻳﻨﻘﻀﻲ اﻷﺟﻞ وﻳﻨﻘﻄﻊ اﻷﻣﻞ ﻓﻼ ﺗﻨﻔﻌﻪ اﻟﻨﺪاﻣﺔ وﻻ ﺗﻐﻨﻴﻪ اﻟﺤﺴﺮة ،ﻳ ﻮم ﻻ ﻳﻨﻔ ﻊ
ﻼ .ﻳ ﻮم ﻳﻘ ﻮل اﻟﻜ ﺎﻓﺮ :ﻳ ﺎ
ﻣﺎل وﻻ ﺑﻨﻮن إﻻ ﻣﻦ أﺗﻰ اﷲ ﺑﻘﻠﺐ ﺳﻠﻴﻢ ،ﻳﻮم ﻳﻌﺾ اﻟﻈﺎﻟﻢ ﻋﻠﻰ ﻳﺪﻳﻪ ،ﻳﻘﻮل :ﻳﺎ ﻟﻴﺘﻨﻲ أﺗﺨﺬت ﻣﻊ اﻟﺮﺳ ﻮل ﺳ ﺒﻴ ً
ﻟﻴﺘﻨﻲ آﻨﺖ ﺗﺮاﺑ ًﺎ .
وﻣﻦ ﺻﻔﺎت هﺆﻻء اﻟﻤﺆﻣﻨﻴﻦ " :إذا ذآﺮ اﷲ وﺟﻠﺖ ﻗﻠﻮﺑﻬﻢ " .
ﻓﻤ ﻦ ﻋﻼﺋ ﻢ اﻹﻳﻤ ﺎن وﺟ ﻞ اﻟﻘﻠ ﻮب ﻋﻨ ﺪ ذآ ﺮ اﷲ ﻋ ﺰ وﺟ ﻞ ﻣ ﺪﻳﺮ اﻟﻜﺎﺋﻨ ﺎت ورب اﻷرض واﻟ ﺴﻤﺎوات وآ ﻞ ﺷ ﻲء ﻓ ﻲ ﻗﺒ ﻀﺘﻪ ،وآ ﻞ
ﻣﺨﻠﻮق ﻓﻲ ﺣﺎﺟﺔ إﻟﻰ رﺣﻤﺘﻪ وهﻮ اﻟﺬي ﻳﻌﻠﻢ ﺧﻮاﻃﺮ اﻟﻨﻔﻮس وهﻤﺴﺎﺗﻬﺎ وﺳﺮهﺎ وﻋﻼﻧﻴﺘﻬﺎ وﻗﺪ أﺣﺎط ﺑﻜﻞ ﺷﻲء ﻋﻠﻤ ًﺎ .
أﻣﺎ اﻟﺬﻳﻦ ﻻ ﺗﺨﺸﻊ ﻗﻠﻮﺑﻬﻢ ﻟﺬآﺮ اﷲ ﻋﺰ وﺟﻞ وﻻ ﺗﺘﺤﺮك ﻧﻔﻮﺳﻬﻢ ﻓﺄوﻟﺌﻚ اﻟﺬﻳﻦ ﻟﻢ ُﻳ َﻘﺪّروا اﷲ ﺣﻖ ﻗﺪرﻩ ،وﻟ ﻢ ﻳﻌﺮﻓ ﻮا ﻣ ﺪى ﺳ ﻠﻄﺎﻧﻪ
وﺑﺄﺳﻪ .ﻗﺎل ﺗﻌﺎﻟﻰ :
" أﻟﻢ ﻳﺄن ﻟﻠﺬﻳﻦ ﺁﻣﻨﻮا أن ﺗﺨﺸﻊ ﻗﻠﻮﺑﻬﻢ ﻟ ﺬآﺮ اﷲ وﻣ ﺎ ﻧ ﺰل ﻣ ﻦ اﻟﺤ ﻖ وﻻ ﻳﻜﻮﻧ ﻮا آﺎﻟ ﺬﻳﻦ أوﺗ ﻮا اﻟﻜﺘ ﺎب ﻣ ﻦ ﻗﺒ ﻞ ﻓﻄ ﺎل ﻋﻠ ﻴﻬﻢ اﻟﻤ ﺪ
ﻓﻘﺴﺖ ﻗﻠﻮﺑﻬﻢ وآﺜﻴﺮ ﻣﻨﻬﻢ ﻓﺎﺳﻘﻮن " .
وﺛﺎﻧﻴﺔ هﺬﻩ اﻟﺼﻔﺎت هﻲ ﻓﻲ ﻗﻮﻟﻪ ﺗﻌﺎﻟﻰ " :وإذا ﺗﻠﻴﺖ ﻋﻠﻴﻬﻢ ﺁﻳﺎﺗﻪ زادﺗﻬﻢ إﻳﻤﺎﻧ ًﺎ " .
ﻓﻤﻦ ﻋﻼﻣﺔ اﻟﻤﺆﻣﻦ أﻧﻪ إذا ﺳﻤﻊ ﺁﻳﺎت اﷲ ﺗﺘﻠﻰ ووﺣﻴﻪ ﻳﻘﺮأ ازداد إﻳﻤﺎﻧ ًﺎ إﻟﻰ إﻳﻤﺎﻧ ﻪ وﻳﻘﻴﻨ ًﺎ إﻟ ﻰ ﻳﻘﻴﻨ ﻪ وﻋﻠﻤ ًﺎ إﻟ ﻰ ﻋﻠﻤ ﻪ ،ﻓ ﺎﻟﻤﺆﻣﻦ
ﻗﻠﺒﻪ داﺋﻤ ًﺎ ﺣﺎﺿﺮ وﻧﻔﺴﻪ ﻣﺘﻴﻘﻀﺔ ﺑﺬآﺮ اﷲ ﻋﺰ وﺟﻞ ﺗﺪاوي ﺑﻪ ﻋﻠﻠﻬﺎ ،وﺗﺼﻠﺢ ﺑﻪ ﻣ ﺎ اﺧﺘ ﻞ ﻣ ﻦ ﺷ ﺆوﻧﻬﺎ ،وﻣﺘ ﻰ ﻣ ﺎ ﻗ ﺮع ﻧ ﺪاء اﷲ ﺗﻌ ﺎﻟﻰ
أذﻧﻴﻪ ﻟﺒﻰ ﻧﺪاء ﺧﺎﻟﻘﻪ .أﻣﺎ أوﻟﺌﻚ اﻟﺬﻳﻦ ﻓﻲ ﻗﻠﻮﺑﻬﻢ ﻣﺮض اﻟﺬﻳﻦ ﻳﺴﺘﺜﻘﻠﻮن ﺁﻳﺎت اﷲ ﻋﺰ وﺟﻞ إذا ﺗﻠﻴﺖ ﻋﻠﻴﻬﻢ وﺗ ﺸﻤﺌﺰ ﻗﻠ ﻮﺑﻬﻢ ﻣ ﻦ ذآ ﺮ اﷲ
ﺳﺒﺤﺎﻧﻪ ﻓﺄوﻟﺌﻚ ﻻ ﺗﻨﻔﻌﻬﻢ اﻟﺬآﺮى ﺑﻞ ﻳﺰدادون رﺟﺴ ًﺎ إﻟﻰ رﺟﺴﻬﻢ وﺧﺒﺜ ًﺎ إﻟﻰ ﺧﺒﺜﻬﻢ وهﺆﻻء ﻳﻘﻮل اﷲ ﺗﻌﺎﻟﻰ ﻓﻴﻬﻢ " :وإذا ﻣﺎ أﻧﺰﻟﺖ ﺳ ﻮرة
،ﻓﻤﻨﻬﻢ ﻣﻦ ﻳﻘﻮل :أﻳﻜﻢ زادﺗﻪ هﺬﻩ إﻳﻤﺎﻧ ًﺎ ،ﻓﺄﻣﺎ اﻟﺬﻳﻦ ﺁﻣﻨﻮا ﻓﺰادﺗﻬﻢ إﻳﻤﺎﻧ ًﺎ وهﻢ ﻳﺴﺘﺒﺸﺮون ،وأﻣﺎ اﻟﺬﻳﻦ ﻓﻲ ﻗﻠﻮﺑﻬﻢ ﻣﺮض ﻓﺰادﺗﻬﻢ رﺟﺴ ًﺎ
إﻟﻰ رﺟﺴﻬﻢ وﻣﺎﺗﻮا وهﻢ آﺎﻓﺮون " .
وهﺬﻩ اﻵﻳﺎت واﻟﺘﻲ ﻗﺒﻠﻬﺎ ﺗﺆآﺪ وﺗﺼﺮح ﺑﺄن اﻹﻳﻤﺎن ﻳﺰﻳﺪ وﻳﻨﻘﺺ وﻳﺰهﺮ وﻳﺰﺑﻞ ،وﻳﺘﻘﺪم وﻳﺘﺄﺧﺮ وﻳﺤﻴﺎ وﻳﻤﻮت .وﻋﻠﻰ هﺬا ﻓﻴﺠ ﺐ
ﻋﻠﻰ اﻟﻤﺴﻠﻢ اﻟﻤﺆﻣﻦ أن ﻳﺴﻌﻰ داﺋﻤ ًﺎ إﻟ ﻰ ﺗﻨﻤﻴ ﺔ إﻳﻤﺎﻧ ﻪ واﻟﻤﺤﺎﻓﻈ ﺔ ﻋﻠ ﻰ دﻳﻨ ﻪ ﻓﻬ ﻮ آﺎﻟﻨﺒﺘ ﺔ اﻟﻤﺰه ﺮة إن ﻟ ﻢ ﺗﺮﻋﻬ ﺎ ﺑ ﺎﻟﺮي واﻟ ﺴﻘﺎﻳﺔ وﺗ ﺪﻓﻊ
ﻋﻨﻬﺎ اﻷذى واﻟﻌﺪوان اﻋﺘﺮاهﺎ اﻟﺬﺑﻮل ﻓﺎﻟﻤﻮت .
ﻼ ﺛ ﻢ ﺗﻔﻜ ﺮ ﻓ ﻲ ﻣﻠﻜ ﻮت اﻟ ﺴﻤﺎوات
ﻓﺎﺟﺘﻬﺪ أﻳﻬﺎ اﻟﻤﺴﻠﻢ أن ﺗﻜﻮن ﻟﻜﻼم اﷲ ﻣﺼﻐﻴ ًﺎ وﻵﻳﺎﺗﻪ ﻣﺘﺪﺑﺮًا وﻓﻲ اﻟﻤﻌ ﺎﻧﻲ ﻣﻔﻜ ﺮًا وﻟﻸواﻣ ﺮ ﻓ ﺎﻋ ً
واﻷرض واﻋﺘﺒﺮ ﺑﻤﻦ ارﺗﺤﻠﻮا ﻋﻨﻚ ﻓﺴﻜﻨﻮا اﻟﻤﻘﺎﺑﺮ وﺗﺮآﻮا اﻟﺪﻧﻴﺎ وأهﻠﻬﺎ .واﻟﺘﺰم ﻣﺠﺎﻟﺲ اﻟﺼﺎﻟﺤﻴﻦ واﻋﺒﺪ رﺑﻚ ﺣﺘﻰ ﻳﺄﺗﻴ ﻚ اﻟﻴﻘ ﻴﻦ ،ﻓﻬ ﺬا
48
www.daawa-info.net
ﻣﻤﺎ ﻳﺴﺎﻋﺪ ﻋﻠﻰ زﻳﺎدة اﻹﻳﻤﺎن وﺗﻘﻮﻳﺔ اﻟﻴﻘﻴﻦ وﻓﻜﺮ ﻓﻲ ﻧﻔﺴﻚ وﻣﺎذا آﻨ ﺖ وﻓ ﻲ ﻧ ﺸﺄﺗﻚ وﻣﺮاﺣ ﻞ ﺣﻴﺎﺗ ﻚ وﻗ ﻞ ﺑﻌ ﺪهﺎ " :وﺗﺒ ﺎرك اﷲ أﺣ ﺴﻦ
اﻟﺨﺎﻟﻘﻴﻦ " واﷲ ﺗﻌﺎﻟﻰ ﻳﻘﻮل " :وﻓﻲ اﻷرض ﺁﻳﺎت ﻟﻠﻤﻮﻗﻨﻴﻦ .وﻓﻲ أﻧﻔﺴﻜﻢ أﻓﻼ ﺗﺒﺼﺮون .
وﺛﺎﻟﺜﺔ اﻟﺼﻔﺎت هﻲ ﻓﻲ ﻗﻮﻟﻪ ﺗﻌﺎﻟﻰ " :وﻋﻠﻰ رﺑﻬﻢ ﻳﺘﻮآﻠﻮن " .
واﻟﺘﻮآﻞ ﻋﻠﻰ اﷲ ﻋﺰ وﺟﻞ هﻮ اﻹﻋﺘﻤﺎد ﻋﻠﻴﻪ ﻓﻲ ﺑﻠﻮغ اﻟﻐﺎﻳﺔ واﻟﻮﺻﻮل إﻟﻰ اﻟﻨﺘﻴﺠﺔ اﻟﻤﺮﺟ ﻮة ﻓ ﻲ اﻟﻌﻤ ﻞ ،ﻓ ﺈذا ﺷ ﺮع ﻓ ﻲ ﻋﻤ ﻞ ﻣ ﺎ
ﻓﻠﻴﻮﻃﻦ ﻧﻔﺴﻪ ﻋﻠﻰ أﻧﻪ ﻟﻦ ﻳﺠﻨﻲ ﺛﻤﺎرﻩ وﻳﺒﻠﻎ اﻟﻐﺮض ﻣﻨﻪ إﻻ إذا أﺣﺎﻃﺘﻪ رﻋﺎﻳﺔ اﷲ ﻋﺰ وﺟﻞ وﺳﻬﻠﺖ ﻟﻪ اﻷﺳﺒﺎب وذﻟﻠ ﺖ أﻣﺎﻣ ﻪ اﻟ ﺼﻌﺎب ،
ﻓﺈن اﻟﻌﺒﺪ إذا وﻃﻦ ﻧﻔﺴﻪ ﻋﻠﻰ ذﻟﻚ وﺻﺪق ﻓﻲ ﺗﻮآﻠﻪ أﻣﺪّﻩ اﷲ ﺗﻌﺎﻟﻰ ﺑﻘﺪرﺗﻪ ﺣﺘﻰ ﻳﺼﻞ إﻟﻰ ﻏﺎﻳﺘﻪ ،وﻟ ﻴﺲ ﻣﻌﻨ ﻰ اﻟﺘﻮآ ﻞ أن ﺗﻨ ﺎم ﻓ ﻲ اﻟﺒﻴ ﺖ
وﺗﻘﻌﺪ ﻋﻦ اﻟﻌﻤﻞ وﺗﻘﻮل :أﻧﺎ ﻣﺘﻮآﻞ ﻋﻠﻰ اﷲ ﺗﻌﺎﻟﻰ وﺳﻴﺄﺗﻴﻨﻲ رزﻗﻲ ،وﻣﺎ ﻗﺪّر ﻟﻲ ﻻ ﺑﺪ واﺻﻞ إﻟ ﻲ .ﻓﻬ ﺬا ﻟ ﻴﺲ ﻣ ﻦ اﻟﺘﻮآ ﻞ ﻓ ﻲ ﺷ ﻲء ﺑ ﻞ
هﺬا ﺿﻌﻒ وﻋﺠﺰ وﺧﻤﻮل ،وﻗﺪ روﻳﻨﺎ أن أﻣﻴﺮ اﻟﻤﺆﻣﻨﻴﻦ ﻋﻤﺮ ﺑﻦ اﻟﺨﻄﺎب رﺿﻲ اﷲ ﻋﻨﻪ ﻗﺎل ﻟﺬﻟﻚ اﻟﺮﺟﻞ اﻟﺬي رﺁﻩ ﺟﺎﻟﺴ ًﺎ ﻣﻦ ﻏﻴﺮ ﻋﻤﻞ :
ﻗﺪ ﻋﻠﻤﺘﻢ أن اﻟﺴﻤﺎء ﻻ ﺗﻤﻄﺮ ذهﺒ ًﺎ وﻻ ﻓﻀﺔ .
واﻟﺘﻮآ ﻞ اﻟﺤ ﻖ دﻟﻴ ﻞ اﻹﻳﻤ ﺎن وﻃﺮﻳ ﻖ اﻟﻔ ﻼح آﻤ ﺎ ﻗ ﺎل اﻟﺮﺳ ﻮل اﻷﻋﻈ ﻢ ﺻ ﻠﻰ اﷲ ﻋﻠﻴ ﻪ وﺳ ﻠﻢ " :ﻟ ﻮ ﺗ ﻮآﻠﺘﻢ ﻋﻠ ﻰ اﷲ ﺣ ﻖ ﺗﻮآﻠ ﻪ
ﻟﺮزﻗﻜﻢ آﻤﺎ ﻳﺮزق اﻟﻄﻴﺮ ﺗﻐﺪو ﺧﻤﺎﺻ ًﺎ وﺗﺮوح ﺑﻄﺎﻧ ًﺎ " وﻣﺎ أﻋﻈﻢ هﺬا اﻟﺘﺸﺒﻴﻪ ﻣﻦ رﺳﻮل اﷲ ﺻﻠﻮات اﷲ وﺳﻼﻣﻪ ﻋﻠﻴ ﻪ ،ﻓ ﺎﻟﻄﻴﺮ ﻟ ﻴﺲ ﻟﻬ ﺎ
ﻣﺨﺎزن ﺗﻮدع ﻓﻴﻬﺎ اﻟﺤﺒﻮب واﻷﻗﻮات وﻟﻴﺲ ﻟﻬ ﺎ ﺻ ﻬﺎرﻳﺞ ﺗﻤﻠﺆه ﺎ ﺑﺎﻟﻤﻴ ﺎﻩ ،وﻻ ﺣﻘ ﻮل ﺧﺎﺻ ﺔ ﺗﺘﻨ ﺎول ﻣﻨﻬ ﺎ ﻣﺎءه ﺎ وﻏ ﺬاءهﺎ ،وﻟﻜﻨﻬ ﺎ ﺑﻤ ﺎ
أودع اﷲ ﻓﻴﻬ ﺎ ﻣ ﻦ ﻏﺮﻳ ﺰة ﺗﻬ ﺐ ﻣ ﻦ أوآﺎره ﺎ ﻓ ﻲ اﻟ ﺼﺒﺎح ﻗ ﺪ ﺧﻠ ﺖ ﺑﻄﻮﻧﻬ ﺎ ﻣ ﻦ اﻟﻄﻌ ﺎم واﻟ ﺸﺮاب ﻓﺘ ﺴﺮح ﻓ ﻲ اﻟﺠ ﻮ وﺗﻨﺘﻘ ﻞ ﻓ ﻲ اﻟﺤﻘ ﻮل
واﻟﺮﻳﺎض واﻟﻔﻴﺎﻓﻲ واﻟﻘﻔ ﺎر وﻋﻠ ﻰ اﻟﻤﻨ ﺎﺑﻊ واﻷﻧﻬ ﺎر ،ﻓﻤ ﺎ ﻳ ﺄﺗﻲ اﻟﻤ ﺴﺎء إﻻ وﻗ ﺪ اﻣ ﺘﻸت ﺑﻄﻮﻧﻬ ﺎ وارﺗ ﻮت ،وﻋ ﺎدت أدراﺟﻬ ﺎ إﻟ ﻰ أوآﺎره ﺎ
ﺳﺎﻟﻤﺔ ﺁﻣﻨﺔ ،وﻟﻮ ﺳﻜﻨﺖ اﻟﻄﻴﻮر أﻋﺸﺎﺷﻬﺎ دون ﻏﺪو ورواح ﻟﻤﺎ وﺻﻞ إﻟﻴﻬﺎ ﺷﻲء ،ﻓﺎﻟﺴﻌﻲ واﻟﻌﻤﻞ ﻻ ﻳﻨﺎﻓﻲ اﻟﺘﻮآﻞ ﻋﻠ ﻰ اﷲ ﺳ ﺒﺤﺎﻧﻪ ﺑ ﻞ
اﷲ ﺗﻌﺎﻟﻰ ﻧﻔﺴﻪ ﻳﺄﻣﺮﻧﺎ ﺑﺎﻟﺒﺤﺚ واﻟﺘﻨﻘﻴﺐ واﺳﺘﻐﻼل ﺧﻴ ﺮات اﻷرض ﺣﻴ ﺚ ﻳﻘ ﻮل " :ه ﻮ اﻟ ﺬي ﺟﻌ ﻞ ﻟﻜ ﻢ اﻷرض ذﻟ ﻮ ًﻻ ﻓﺎﻣ ﺸﻮا ﻓ ﻲ ﻣﻨﺎآﺒﻬ ﺎ
وآﻠﻮا ﻣﻦ رزﻗﻪ وإﻟﻴﻪ اﻟﻨﺸﻮر " آﻤﺎ أﻣﺮﻧﺎ ﺑﺎﻟﺘﻮآﻞ ﻋﻠﻴﻪ ﺣﻴﻦ ﻗﺎل " :رﺑﻨﺎ ﻋﻠﻴﻚ ﺗﻮآﻠﻨﺎ وإﻟﻴﻚ أﻧﺒﻨﺎ وإﻟﻴﻚ اﻟﻤﺼﻴﺮ " .
وراﺑﻌﺔ ﺻﻔﺎت اﻟﻤﺆﻣﻨﻴﻦ ﻓﻲ ﻗﻮﻟﻪ ﺗﻌﺎﻟﻰ " :وﻳﻘﻴﻤﻮن اﻟﺼﻼة " .
ﻓﺎﻟﺼﻼة ﻋﻤﺎد اﻟﺪﻳﻦ ﻓﻤﻦ أﻗﺎﻣﻬﺎ ﻓﻘﺪ أﻗﺎم اﻟﺪﻳﻦ وﻣﻦ ﺗﺮآﻬﺎ ﻓﻘﺪ هﺪم اﻟﺪﻳﻦ ،وهﻲ ﺻﻠﺔ ﺑﻴﻦ اﻟﻌﺒﺪ ورﺑﻪ ،وهﻲ ﺻﻠﺔ ﺑﻴﻦ اﻟﻌﺒ ﺪ ورﺑ ﻪ
،وهﻲ رﻳﺎﺿﺔ اﻟﻨﻔﺲ وﺗﻄﻬﻴﺮ ﻟﻬﺎ ﻣﻦ اﻟﺮﺟﺲ ،واﻟﺼﻼة ﻗﺮﺁن ﻳﺘﻠﻰ وﺷﻜﺮ ﷲ وﺗﻘﺪﻳﺲ ،وﺗﻨﺰﻳﻪ ﻟﻪ وﺗ ﺴﺒﻴﺢ ،وﻣ ﺎ أﺣ ﻮج اﻟﻌﺒ ﺪ إﻟ ﻰ ه ﺬﻩ
اﻟﺼﻠﺔ ﺑﺮﺑﻪ وهﺬا اﻟﺸﻜﺮ ﻟﺨﺎﻟﻘﻪ ،وﻳﻘﺪﻣﻪ آﻞ ﻳﻮم ﺧﻤﺲ ﻣﺮات اﺳﺘﺠﺎﺑﺔ ﻟﻤﺮ اﷲ ﺗﻌﺎﻟﻰ إذ ﻳﻘ ﻮل " :إن اﻟ ﺼﻼة آﺎﻧ ﺖ ﻋﻠ ﻰ اﻟﻤ ﺆﻣﻨﻴﻦ آﺘﺎﺑ ًﺎ
ﻣﻮﻗﻮﺗ ًﺎ " وهﻲ ﺗﻨﻬﻲ ﻋﻦ اﻟﻔﺤﺸﺎء واﻟﻤﻨﻜﺮ ،وﻻ ﻳﺘﺤﻘﻖ اﻟﻨﻬﻲ ﺣﺘ ﻰ ﺗﻜ ﻮن آﻠﻬ ﺎ ﺧ ﺸﻮﻋ ًﺎ وﺧ ﻀﻮﻋ ًﺎ وﺳ ﺠﻮدًا ورآﻮﻋ ًﺎ .ﻓﺎﻟﻘﻠ ﺐ ﻳﺮآ ﻊ ﷲ
وﻳﺴﺠﺪ ﻗﺒﻞ أن ﺗﺮآﻊ اﻟﺠﻮارح وﺗﺴﺠﺪ ،واﻟﻘﻠﺐ ﻳﻘﺮأ وﻳﻨﻄﻖ ﻗﺒﻞ أن ﻳﺘﺤﺮك اﻟﻠﺴﺎن وﻳﻠﻔﻆ ،واﻟﻘﻠﺐ ﻳﺴﻜﻦ وﻳﻄﻤﺌﻦ ﻗﺒﻞ أن ﺗﺴﻜﻦ اﻟﺠﻮارح
وﺗﺴﺘﻘﺮ .
وﻳﺠﺐ أن ﺗﻔﻜﺮ اﻟﻨﻔﺲ ﻓﻴﻤﻦ وﻗﻔﺖ ﺑﻴﻦ ﻳﺪﻳﻪ ﺗﺤﺎدﺛﻪ وﺗﻨﺎﺟﻴﻪ ،ﻓﻼ ﻳﻜﻦ اﻟﺠﺴﻢ راآﻌ ًﺎ ﷲ ،واﻟﻘﻠﺐ ﻏﺎﻓ ً
ﻼ ﻋﻨﻪ ﺗﺒﺎرك وﺗﻌ ﺎﻟﻰ ﻣ ﺸﻐﻮ ًﻻ
ﺑﺎﻷﻣﻮال واﻷوﻻد ،وﻳﺠﺐ أن ﻳﻜﻮن ﻟﻨﺎ أﺳﻮة ﺣﺴﻨﺔ ﺑﺮﺳﻮل اﷲ ﺻﻠﻰ اﷲ ﻋﻠﻴﻪ وﺳ ﻠﻢ اﻟ ﺬي ﻗﺎﻟ ﺖ ﻋﻨ ﻪ ﻋﺎﺋ ﺸﺔ رﺿ ﻲ اﷲ ﺗﻌ ﺎﻟﻰ ﻋﻨﻬ ﺎ " :
آﺎن رﺳﻮل اﷲ ﺻﻠﻰ اﷲ ﻋﻠﻴﻪ وﺳﻠﻢ ﻳﺤﺪﺛﻨﺎ وﻧﺤﺪﺛ ﻪ ،ﻓ ﺈذا ﺣ ﻀﺮت اﻟ ﺼﻼة ﻓﻜﺄﻧ ﻪ ﻻ ﻳﻌﺮﻓﻨ ﺎ وﻻ ﻧﻌﺮﻓ ﻪ " ،ﻓﻮﻗ ﺖ اﻟ ﺼﻼة وﻗ ﺖ ﺧ ﺎص ﷲ
ﻼ.
ﺗﻌﺎﻟﻰ ،ﻓﻼ ﻳﻨﺒﻐﻲ أن ﺗﺸﻐﻠﻪ ﺑﻐﻴﺮﻩ وﺗﻌﻄﻴﻪ ﻟﻐﻴﺮﻩ وﻗﺪ ﺧﻠﻖ اﻟﻤﻮت واﻟﺤﻴﺎة ﻟﻴﺒﻠﻮآﻢ أﻳﻜﻢ أﺣﺴﻦ ﻋﻤ ً
ﻓﺼ ﱢﻞ ﺑﻘﻠﺒﻚ ﻗﺒﻞ أن ﺗﺼﻞ ﺑﺠﺴﻤﻚ ،واﻋﻠﻢ أﻧﻪ ﻟﻴﺲ ﻟﻚ ﻣﻦ ﺻﻼﺗﻚ إﻻ ﻣ ﺎ ﻋﻘﻠ ﺖ ﻣﻨﻬ ﺎ ،ﻗ ﺎل ﺗﻌ ﺎﻟﻰ " :ﻓﻮﻳ ﻞ ﻟﻠﻤ ﺼﻠﻴﻦ ،اﻟ ﺬﻳﻦ ه ﻢ
ﻋﻦ ﺻﻼﺗﻬﻢ ﺳﺎهﻮن ،اﻟﺬﻳﻦ ﻳﺮاءون ،وﻳﻤﻨﻌﻮن اﻟﻤﺎﻋﻮن " .
وﻓﻲ ﺣﺪﻳﺚ ﻟﺮﺳﻮل اﷲ ﺻﻠﻰ اﷲ ﻋﻠﻴﻪ وﺳﻠﻢ " :ﻣﻦ ﻟﻢ ﺗﻨﻬﻪ ﺻﻼﺗﻪ ﻋﻦ اﻟﻔﺤﺸﺎء واﻟﻤﻨﻜﺮ ﻟﻢ ﻳﺰدد ﻣﻦ اﷲ إﻻ ﺑﻌﺪًا " .
وﺧﺎﻣﺴﺔ ،اﻟﺼﻔﺎت هﻲ ﻓﻲ ﻗﻮﻟﻪ ﺗﺒﺎرك ﺗﻌﺎﻟﻰ " :وﻣﻤﺎ رزﻗﻨﺎهﻢ ﻳﻨﻔﻘﻮن " .
ﻣﻦ ﻧﻌﻢ اﷲ ﺗﻌﺎﻟﻰ ﻋﻠﻰ اﻹﻧﺴﺎن إﻋﻄﺎءﻩ اﻷﻣﻮال اﻟﺘﻲ ﻳﺘﻤﺘﻊ ﺑﻬﺎ ﻓﻲ هﺬﻩ اﻟﺤﻴﺎة اﻟﺪﻧﻴﺎ ﻓﻴﺄآﻞ وﻳﺸﺮب وﻳﺴﻜﻦ وﻳﻠﺒﺲ وﻳﺮآ ﺐ وﻳﺘﻨ ﺰﻩ
وﻳﺘﻄﻴﺐ وﻳﺘﻄﺒﺐ وﻳﺮﺣﻞ وﻳﺼﻄﺎف ،وﻣﻦ اﻟﻨﺎس ﻣﻦ ﺿﺎﻗﺖ ﻳﺪهﻢ أو ﺿﻌﻔﺖ ﺣﻴﻠﺘﻬﻢ أو ﻗﻞ آﺴﺒﻬﻢ ،ﻓﺎﻻﻟﺘﻔﺎت ﻋﻦ هﺆﻻء – وهﻢ ﺟﺰء ﻣ ﻦ
49
www.daawa-info.net
اﻟﻤﺠﺘﻤﻊ – ﻗﺴﻮة وﻇﻠﻢ ﻳﺆدﻳﺎن إﻟﻰ اﻟﻔﺴﺎد ﻓﻲ اﻷرض وﺗﻤﻜﻴﻦ اﻟﻌﺪاوة واﻟﺒﻐﻀﺎء ﺑﻴﻦ ﻃﺒﻘﺎت اﻟﻤﺠﺘﻤﻊ ﻏﻨﻴﻬﺎ وﻓﻘﻴﺮه ﺎ ،وﺿ ﻌﻴﻔﻬﺎ وﻗﻮﻳﻬ ﺎ
،ﻟﺬا ﺣﺘﱠﻢ اﷲ ﻋﺰ وﺟﻞ ﻋﻠﻰ اﻟﻤﺴﻠﻤﻴﻦ أن ﻳﺴﺎﻧﺪوا ﺑﻌﻀﻬﻢ ﻓﻴﺨﺮج اﻷﻏﻨﻴﺎء ﺟﺰءًا ﻣﻤﺎ رزﻗﻬﻢ اﷲ ﺳﺒﺤﺎﻧﻪ وﻳﻘﺪﻣﻮﻩ ﻟﻬ ﺆﻻء اﻟﺒﺆﺳ ﺎء ﻋﻄ ﺎء
ﻣﻔﺮوﺿ ًﺎ وﺣﻘ ًﺎ ﻻزﻣ ًﺎ ﻣﻌﻠﻮﻣ ًﺎ ﺣﺘ ﻰ ﺗ ﺰول اﻟﻔﺎﻗ ﺔ وﺗﺘﺤﻘ ﻖ ﻟﻠﺠﻤﻴ ﻊ اﻟﻬﻨ ﺎءة واﻟﺮاﺣ ﺔ ،ﻓﻘ ﺎل ﺗﻌ ﺎﻟﻰ " :وﻓ ﻲ أﻣ ﻮاﻟﻬﻢ ﺣ ﻖ ﻣﻌﻠ ﻮم ﻟﻠ ﺴﺎﺋﻞ
ﻼ وﻣﻨﺔ ﺑﻞ هﻮ ﺣ ﻖ ﻣ ﻦ ﺣﻘ ﻮﻗﻬﻢ ﻓﺮﺿ ﻪ اﷲ ﻋﻠ ﻴﻬﻢ ﺷ ﻜﺮًا ﻟﻠﻨﻌﻤ ﺔ
واﻟﻤﺤﺮوم " ﻓﺈذا أﻋﻄﻰ اﻷﻏﻨﻴﺎء ﻟﻠﻔﻘﺮاء هﺬا اﻟﺤﻖ ﻓﺈﻧﻬﻢ ﻟﻢ ﻳﻌﻄﻮﻩ ﺗﻔﻀ ً
واﻋﺘﺮاﻓ ًﺎ ﺑﺎﻹﺣ ﺴﺎن ،أﻣ ﺎ إذا أﻋﻄ ﻮا وﻣﻨ ﻮا ﻋﻠ ﻰ اﻟﻔﻘ ﺮاء ﻓﻘ ﺪ ﺑﻄ ﻞ أﺟ ﺮهﻢ وﺣ ﺒﻂ ﻋﻤﻠﻬ ﻢ ،ﻗ ﺎل ﺗﻌ ﺎﻟﻰ " :ﻳ ﺎ أﻳﻬ ﺎ اﻟ ﺬﻳﻦ ﺁﻣﻨ ﻮا ﻻ ﺗﺒﻄﻠ ﻮا
ﺻ ﺪﻗﺎﺗﻜﻢ ﺑ ﺎﻟﻤﻦ واﻷذى " وﻗ ﺎل ﺳ ﺒﺤﺎﻧﻪ أﻳ ﻀ ًﺎ " :ﻗ ﻮل ﻣﻌ ﺮوف وﻣﻐﻔ ﺮة ﺧﻴ ﺮ ﻣ ﻦ ﺻ ﺪﻗﺔ ﻳﺘﺒﻌﻬ ﺎ أذى " .وﻟ ﺴﺖ ﺑ ﺼﺪد ﺷ ﺮح اﻟﻨﺎﺣﻴ ﺔ
اﻻﻗﺘﺼﺎدﻳﺔ ﻓﻲ اﻹﺳﻼم ﺣﺘﻰ أﺗﻮﺳﻊ اﻵن ﻷﺑﻴّﻦ ﻧﻮاﺣﻲ اﻟﻌﺪاﻟﺔ اﻻﺟﺘﻤﺎﻋﻴﺔ اﻟﺘﻲ ﺟﺎء ﺑﻬﺎ هﺬا اﻟﺪﻳﻦ اﻟﻌﻈﻴﻢ واﻟﺘﻜﺎﻓ ﻞ اﻻﺟﺘﻤ ﺎﻋﻲ اﻟ ﺬي وﺿ ﻊ
ﻼ ، -ﻏﺎﻳﺔ ﻣ ﺎ
ﻗﻮاﻋﺪﻩ وأﺳﺲ ﺑﻨﻴﺎﻧﻪ – وأرﺟﻮ اﻟﻤﻮﻟﻰ اﻟﻘﺪﻳﺮ أن ﻳﺘﻴﺢ ﻟﻲ اﻟﻔﺮﺻﺔ ﻷﺗﻲ ﻋﻠﻰ هﺬﻩ اﻟﻨﺎﺣﻴﺔ اﻟﺨﻄﻴﺮة ﻓﺄﻓﺼﻞ اﻟﻜﻼم ﻓﻴﻬﺎ ﺗﻔﺼﻴ ً
ﻓﻲ اﻷﻣﺮ هﻨﺎ أن ﻳﻌﻠﻢ اﻟﻨﺎس أن ﺗﻄﺒﻴﻖ ﻣﺎ أﻣﺮ ﺑﻪ اﻹﺳﻼم ﻣﻦ اﻟﻨﺎﺣﻴﺔ اﻻﺟﺘﻤﺎﻋﻴﺔ واﻻﻗﺘﺼﺎدﻳﺔ آﻔﻴ ﻞ ﺑﺎﻟﻘ ﻀﺎء ﻋﻠ ﻰ اﻟﻔﻘ ﺮ ﺑ ﺸﺘﻰ ﻣﻈ ﺎهﺮﻩ ،
واﻹﺳﻼم ﺟﻌﻞ اﻹﻧﻔﺎق ﺟﺰءًا ﻣﻦ اﻹﻳﻤﺎن ،وﻟﻴﺲ هﻨﺎك ﻣﻦ اﻟﻌﻘﺎﺋﺪ واﻷﻓﻜﺎر ﻣﺎ ﻳﺠﻌﻞ اﻷﻣﻮر اﻻﻗﺘﺼﺎدﻳﺔ ﻣﺮﺗﺒﻂ ﺑﺎﻹﻳﻤ ﺎن ﻏﻴ ﺮ اﻹﺳ ﻼم اﻟ ﺬي
ﺟﺎء ﻗﺒﻞ أرﺑﻌﺔ ﻋﺸﺮ ﻗﺮﻧ ًﺎ واﻟﺬي ﻻ ﺗﺰال ﻣﺒﺎدﺋﻪ وﺁﻳﺎﺗﻪ اﻟﻨﻴﺮة ﺗﺘﺠﺪد ﻣﻌﺎﻧﻴﻬﺎ وﺗﺴﺒﻖ اﻟﺪﻧﻴﺎ ﺑﻌﺪاﻟﺘﻬﺎ وﺷﺮﻋﻬﺎ .
ﻓﺈذا اﺳﺘﻜﻤﻞ اﻟﻤﺴﻠﻢ هﺬﻩ اﻟﺼﻔﺎت اﻟﺨﻤﺲ وهﻲ :ﺧﺸﻮع اﻟﻘﻠﺐ ﻋﻨﺪ ذآﺮ اﷲ ﻋﺰ وﺟﻞ ،واﻟﺘﺄﺛﺮ ﺑﺂﻳﺎت اﷲ ﻋﺰ وﺟﻞ وإﻗﺎﻣ ﺔ اﻟ ﺼﻼة
وإﻳﺘﺎء اﻟﺰآﺎة واﻻﻋﺘﻤﺎد ﻋﻠﻰ اﷲ واﻟﺘﻮآﻞ ﻋﻠﻴﻪ .
إذا اﺳﺘﻜﻤﻞ اﻟﻤﺆﻣﻦ هﺬﻩ اﻟﺼﻔﺎت آﺎﻓﺄﻩ اﷲ ﺗﻌﺎﻟﻰ درﺟﺎت ﻋﺎﻟﻴﺔ ﻓﻲ دار اﻟﻨﻌﻴﻢ .وﻻ ﺗﻘﺎس هﺬﻩ اﻟ ﺪرﺟﺎت ﺑﻤﻨﺎﺻ ﺐ اﻟ ﺪﻧﻴﺎ وﻻ ﺑﺮﺗﺒﻬ ﺎ
وﻻ ﺑﻤﺎﻟﻬﺎ وﺻﺪق اﷲ اﻟﻌﻈﻴﻢ إذ ﻳﻘﻮل " :إن اﻟﻤﺘﻘﻴﻦ ﻓﻲ ﺟﻨﺎت وﻧﻬﺮ .ﻓﻲ ﻣﻘﻌ ﺪ ﺻ ﺪق ﻋﻨ ﺪ ﻣﻠﻴ ﻚ ﻣﻘﺘ ﺪر " " .آﻠ ﻮا واﺷ ﺮﺑﻮا هﻨﻴﺌ ًﺎ ﺑﻤ ﺎ
أﺳﻠﻔﺘﻢ ﻓﻲ اﻷﻳﺎم اﻟﺨﺎﻟﻴﺔ " .ﻓﺰن ﻧﻔﺴﻚ أﻳﻬﺎ اﻟﻤﺆﻣﻦ ﺑﻬﺬا اﻟﻤﻴﺰان اﻟﺪﻗﻴﻖ – ﻣﻴﺰان اﻹﻳﻤﺎن – ﻟﺘﻌﺮف درﺟﺘﻚ ﻋﻨﺪ رﺑ ﻚ ،ﻓ ﺈن وﺟ ﺪت ﺧﻴ ﺮًا
ﻓﺎﺣﻤﺪ اﷲ ﻋﻠﻰ هﺪاﻩ ،وإن وﺟﺪت ﻏﻴﺮ ذﻟﻚ ﻓﻼ ﺗﻠﻮﻣﻦ إﻻ ﻧﻔﺴﻚ ،وﻟﻜﻦ ﻻ ﺗﻴﺄس ﻣﻦ اﷲ ﻓﺄﺑﻮاب اﻟﺘﻮﺑﺔ ﻣﻔﺘﻮﺣ ﺔ وﻃﺮﻳ ﻖ اﻟﻌﻤ ﻞ ﻣﻴ ﺴﻮر "
رﺑﻨﺎ إﻧﻨﺎ ﺳﻤﻌﻨﺎ ﻣﻨﺎدﻳ ًﺎ ﻳﻨﺎدي ﻟﻺﻳﻤﺎن أن ﺁﻣﻨﻮا ﺑﺮﺑﻜﻢ ﻓﺂﻣﻨﺎ ،رﺑﻨﺎ ﻓﺎﻏﻔﺮ ﻟﻨﺎ ذﻧﻮﺑﻨﺎ ،وآﻔ ﺮ ﻋﻨ ﺎ ﺳ ﻴﺌﺎﺗﻨﺎ وﺗﻮﻓﻨ ﺎ ﻣ ﻊ اﻷﺑ ﺮار .رﺑﻨ ﺎ وﺁﺗﻨ ﺎ ﻣ ﺎ
وﻋﺪﺗﻨﺎ ﻋﻠﻰ رﺳﻠﻚ ،وﻻ ﺗﺨﺰﻧﺎ ﻳﻮم اﻟﻘﻴﺎﻣﺔ ،إﻧﻚ ﻻ ﺗﺨﻠﻒ اﻟﻤﻴﻌﺎد " .
اﻵﻳﺔ اﻟﺨﺎﻣﺴﺔ ﻋﺸﺮة :
ن( .
) إﻧﱠﻤﺎ اﻟﻤُﺆ ِﻣﻨُﻮن اﻟﺬﻳﻦ ﺁ َﻣﻨُﻮا ﺑﺎﻟّﻠ ِﻪ وَرﺳُﻮﻟِﻪ ُﺛﻢّ ﻟ ْﻢ ﻳَﺮﺗﺎﺑُﻮا وﺟﺎهَﺪوا ﺑﺄﻣْﻮاﻟِﻬﻢ وأ ْﻧ ُﻔﺴِﻬﻢ ﻓﻲ ﺳَﺒﻴﻞ اﻟﻠّﻪ وأوﻟﺌِﻚ ُه ُﻢ اﻟﺼﺎ ِدﻗُﻮ َ
ﻓﻲ اﻵﻳﺔ اﻟﻜﺮﻳﻤﺔ اﻟﺴﺎﺑﻘﺔ رد اﷲ ادﻋﺎء ﻧﻔﺮ ﻣﻦ ﺑﻨﻲ أﺳﺪ ﺣﻴﻨﻤﺎ ﻗﺪﻣﻮا اﻟﻤﺪﻳﻨﺔ اﻟﻤﻨﻮرة وادﻋﻮا اﻹﻳﻤﺎن ﻓﺮد اﷲ ﺗﻌﺎﻟﻰ ﻗﻮﻟﻬﻢ " :ﻗﻞ
:ﻟﻢ ﺗﺆﻣﻨﻮا وﻟﻜﻦ ﻗﻮﻟﻮا أﺳﻠﻤﻨﺎ " .
ﻼ وآﺄن اﷲ ﻋﺰ وﺟﻞ ﻗﺎل ﻟﻬﺆﻻء اﻟﻤﺪﻋﻴﻦ :ﻟﻴﺲ اﻹﻳﻤ ﺎن
وﻓﻲ هﺬﻩ اﻵﻳﺔ ﺑﻴﺎن ﻟﺤﻘﻴﻘﺔ اﻹﻳﻤﺎن وﺻﻔﺔ اﻟﻤﺆﻣﻨﻴﻦ اﻟﺼﺎدﻗﻴﻦ ﻗﻮ ًﻻ وﻋﻤ ً
ﻣﺎ زﻋﻤﺘﻢ وﻇﻨﻨﺘﻢ ﻣﻦ ﻗﻮل ﻻ ﻳﻮاﻓﻘﻪ ﻋﻘﺪ اﻟﻘﻠﺐ وادﻋﺎء ﻻ ﺗﺼﺪﻗﻪ اﻷﻋﻤﺎل وﻟﻢ ﺗﺸﻬﺪ ﻟﻪ اﻟﻄﺎﻋﺔ ﺑﺎﻟﺒﺮهﺎن ،ﺑﻞ اﻹﻳﻤﺎن اﻟﺤﻖ ﻋﻨﺪ اﷲ ﺗﻌ ﺎﻟﻰ
وﻳﺴﺘﺤﻖ أهﻠ ﻪ ﻋﻠﻴ ﻪ اﻟﺤﻤ ﺪ واﻟﺜﻨ ﺎء وﺣ ﺴﻦ اﻟﺠ ﺰاء إﻧﻤ ﺎ ه ﻮ اﻟﺘ ﺼﺪﻳﻖ ﻻ أﺛ ﺮ ﻓﻴ ﻪ ﻟﻠﺮﻳ ﺐ واﻟ ﺸﻚ ﺑ ﻞ ه ﻮ ﻳﻤ ﻸ اﻟﻘﻠ ﺐ ﻓﺘﻈﻬ ﺮ ﺛﻤﺮاﺗ ﻪ ﻋﻠ ﻰ
اﻟﺠﻮارح ﺑﺎﻟﻄﺎﻋﺔ وأداء ﻣﺎ ﻓﺮﺿﻪ ﻋﺰ وﺟﻞ ﻣﻦ اﻟﺘﻜﺎﻟﻴﻒ اﻟﺒﺪﻧﻴ ﺔ آﺎﻟ ﺼﻼة واﻟ ﺼﻮم واﻟﺘﻜ ﺎﻟﻴﻒ اﻟﻤﺎﻟﻴ ﺔ آﺎﻟﺰآ ﺎة واﻟﺤ ﺞ واﻟﺘ ﻀﺤﻴﺔ ﺑ ﺎﻟﻨﻔﺲ
واﻟﻤﺎل ﻓﻲ ﺳﺒﻴﻞ اﷲ ﻣﻦ أﺟﻞ إﻋﻼء آﻠﻤﺔ اﷲ ﺗﻌﺎﻟﻰ وﺗﻤﻜﻴﻦ اﻟﺤﻖ ودﻓﻊ اﻟﺒﻐﻲ ،وﻋﻤ ﺎرة اﻷرض وﺗﻄﻬﻴﺮه ﺎ ﻣ ﻦ اﻟﻔ ﺴﺎد ﻓ ﺆﻻء اﻟﻤﺘ ﺼﻔﻮن
ﺑﻬﺬﻩ اﻟﺨﺼﺎل اﻟﻌﺎﻣﻠﻮن ﻟﻬﺎ هﻢ اﻟﺼﺎدﻗﻮن إذا ﻗﺎﻟﻮا ﺁﻣﻨﺎ .
50
www.daawa-info.net
روى اﻹﻣﺎم أﺣﻤﺪ رﺿﻲ اﷲ ﺗﻌﺎﻟﻰ ﻋﻨﻪ ﻋﻦ أﺑﻲ ﺳﻌﻴﺪ رﺿﻲ اﷲ ﺗﻌﺎﻟﻰ ﻋﻨﻪ ﻗﺎل :إن اﻟﻨﺒ ﻲ ﺻ ﻠﻰ اﷲ ﻋﻠﻴ ﻪ وﺳ ﻠﻢ ﻗ ﺎل :اﻟﻤﺆﻣﻨ ﻮن
ﻓﻲ اﻟﺪﻧﻴﺎ ﻋﻠﻰ ﺛﻼﺛﺔ أﺟﺰاء :اﻟﺬﻳﻦ ﺁﻣﻨﻮا ﺑﺎﷲ ورﺳﻮﻟﻪ ﺛﻢ ﻟﻢ ﻳﺮﺗﺎﺑﻮا وﺟﺎهﺪوا ﺑﺄﻣﻮاﻟﻬﻢ وأﻧﻔﺴﻬﻢ ﻓﻲ ﺳ ﺒﻴﻞ اﷲ .واﻟ ﺬي ﻳﺄﻣﻨ ﻪ ﻟﻨ ﺎس ﻋﻠ ﻰ
أﻣﻮاﻟﻬﻢ وأﻧﻔﺴﻬﻢ ،واﻟﺬي إذا أﺷﺮف ﻋﻠﻰ ﻃﻤﻊ ﺗﺮآﻪ ﷲ ﻋﺰ وﺟﻞ .
وﻗﻮﻟﻪ ﺗﻌﺎﻟﻰ :ﻟﻢ ﻳﺮﺗﺎﺑﻮا ،أﺻﻠﻪ راﺑﻪ أي أوﻗﻌﻪ ﻓﻲ اﻟﺸﻚ واﻟﺘﻬﻤﺔ ،وﻗﻮﻟﻬﻢ :رﻳﺐ اﻟﻤﻨﻮن :ﻟﻴﺲ اﻟﺸﻚ ﻓﻴﻪ ﻣﻦ ﺟﻬ ﺔ وﻗﻮﻋ ﻪ ﺑ ﻞ
ﻣﻦ ﺟﻬﺔ وﻗﺘﻪ .
واﻟﻤﺠﺎهﺪة :ﻣﻌﻨﺎهﺎ اﺳﺘﻔﺮاغ اﻟﺠﻬﺪ ﻓﻲ ﻣﺪاﻓﻌﺔ اﻟﻌﺪو ،واﻟﺠﻬﺎد ﻳﺸﻤﻞ ﺟﻬﺎد اﻟﻌﺪو اﻟﻈﺎهﺮ وﺟﻬﺎد اﻟﻨﻔﺲ .
أﻧﻮاع اﻟﺠﻬﺎد
وﻓﻲ اﻟﺤﺪﻳﺚ ،ﺟﺎهﺪوا أهﻮاءآﻢ آﻤﺎ ﺗﺠﺎهﺪوا أﻋﺪاءآﻢ ،واﻟﺠﻬﺎد اﻟﻈﺎهﺮي ﻳﻜ ﻮن ﺑﺎﻟﻴ ﺪ وﺑﺎﻟﻠ ﺴﺎن ،وﻓ ﻲ ﺣ ﺪﻳﺚ اﻟﺮﺳ ﻮل ﺻ ﻠﻰ اﷲ
ﻋﻠﻴﻪ وﺳﻠﻢ :ﺟﺎهﺪوا اﻟﻜﻔﺎر ﺑﺄﻳﺪﻳﻜﻢ وأﻟﺴﻨﺘﻜﻢ .
وﻣﻌﻨﻰ ﻗﻮﻟﻪ ﺗﻌﺎﻟﻰ :ﺛﻢ ﻟﻢ ﻳﺮﺗﺎﺑﻮا :أي اﺳﺘﻤﺮوا ﻋﻠﻰ اﻟﺘﺼﺪﻳﻖ واﻹذﻋﺎن ﻟﻠﺤﻖ وﻟﻨﺒﻲ اﻟﺤﻖ ﺻ ﻠﻰ اﷲ ﻋﻠﻴ ﻪ وﺳ ﻠﻢ وﻟ ﻢ ﻳﻌﺘﺮﺿ ﻬﻢ
اﻟﺮﻳﺐ واﻟﺸﻚ ﺑﻌﺪ ذﻟﻚ ،ﻷن اﻟﻤﺆﻣﻦ ﻗﺪ ﻳﺒﺘﻠﻰ ﺑﻤﻦ ﻳﻀﻠﻠﻪ وﻳﻘﺬف ﻓﻲ ﻗﻠﺒﻪ اﻟﺸﻚ ﻣﻦ ﺷﻴﺎﻃﻴﻦ اﻹﻧﺲ واﻟﺠﻦ اﻟﺬﻳﻦ ﻳﻮﺣﻲ ﺑﻌﻀﻬﻢ إﻟﻰ ﺑﻌ ﺾ
زﺧﺮف اﻟﻘﻮل ﻏ ﺮورًا .ﻓ ﺎﻟﻤﺆﻣﻨﻮن اﻷﻃﻬ ﺎر ﻳﺒﺘﻌ ﺪون ﻋ ﻦ ﻣﺜ ﻞ ه ﺆﻻء اﻟﻤﻔ ﺴﺪﻳﻦ اﻟﻤ ﺸﻜﻜﻴﻦ ﻟﻠﻨ ﺎس ﻓ ﻲ ﻋﻘﺎﺋ ﺪهﻢ ،وﻟ ﺬﻟﻚ ﻓﻬ ﻢ اﻟﻤﺆﻣﻨ ﻮن
اﻟﺼﺎدﻗﻮن اﻟﺬﻳﻦ رﺿﻲ اﷲ ﻋﻨﻬﻢ وأرﺿﺎهﻢ وﺛﺒﺘﻬﻢ ﺑﺎﻟﻘﻮل اﻟﺜﺎﺑﺖ ﻓﻲ اﻟﺤﻴﺎة اﻟﺪﻧﻴﺎ ،وﻳﻢ ﻳﻘﻮم اﻷﺷﻬﺎد وهﻢ اﻟﻤﺠﺎهﺪون ﺑﺄﻧﻔ ﺴﻬﻢ وأﻣ ﻮاﻟﻬﻢ
واﻟﻤﺮاﺑﻄﻮن ﻋﻠﻰ اﻟﺜﻐﻮر ﺣﻤﺎﻳﺔ ﻟﺒﻼد اﻹﺳﻼم وأﻣﺔ اﻹﺳﻼم ،وهﺬا هﻮ اﻟﺠﻬﺎد ﺑﺎﻟﻨﻔﺲ ،أﻣ ﺎ اﻟﺠﻬ ﺎد ﺑﺎﻟﻤ ﺎل ﻓﻴ ﺸﻤﻞ ﻋﻠ ﻰ ﺟﻤﻴ ﻊ أﻧ ﻮاع اﻟﺒ ﺮ
ﻣﻦ زآﺎة وﺻﺪﻗﺔ وﺑﻨﺎء ﻟﻠﻤﺴﺎﺟﺪ واﻟﻤﻼﺟﺊ واﻟﻤﻴﺎﺗﻢ وﻋﻤﺎرة ﻟﺸﺘﻰ اﻟﻤﺮاﻓ ﻖ اﻟﻌﺎﻣ ﺔ ﻣ ﻦ ﻣﺴﺘ ﺸﻔﻴﺎت وﻣ ﺴﺘﻮﺻﻔﺎت ﻣ ﻦ أه ﻢ أﻧ ﻮاع اﻟﺠﻬ ﺎد
ﺑﺎﻟﻤﺎل ﺗﺠﻬﻴﺰ اﻟﻐﺰاة اﻟﻤﺠﺎه ﺪﻳﻦ ﺑﺎﻟﻤﻌ ﺪات اﻟﺤﺮﺑﻴ ﺔ اﻟﻼزﻣ ﺔ واﻹﻧﻔﻘ ﺎق ﻋﻠ ﻴﻬﻢ وﻋﻠ ﻰ ذوﻳﻬ ﻢ ﻟﺘ ﺄﻣﻴﻦ ﺣﺎﺟﻴ ﺎﺗﻬﻢ ﻣ ﻦ ﻃﻌ ﺎم وﺷ ﺮاب وﻣ ﺴﻜﻦ
ودواء ﺣﺘﻰ ﻳﻄﻤﺌﻦ اﻟﻤﺠﺎهﺪ آﻞ اﻻﻃﻤﺌﻨﺎن ﻋﻠﻰ ﻣﻦ ﻳﻌﻮل وﻳﺠﺎهﺪ ﺑﻜﻞ راﺣﺔ ﺑﺎل وﻃﻤﺄﻧﻴﻨﺔ ﻧﻔﺲ .
واﻟﻐﺮض ﻣﻦ ذآﺮ واﻟﺠﻬﺎد ﻓﻲ هﺬﻩ اﻵﻳﺔ دون ﺳﺎﺋﺮ اﻟﻄﺎﻋﺎت هﻮ أن ﻳﻜﻮن اﻟﻤﺴﻠﻤﻮن ﻣﻊ اﻟﻤﻈﻠﻮم ﻋﻠ ﻰ اﻟﻈ ﺎﻟﻢ ﺣﺘ ﻰ ﻳﻌ ﻮد ه ﺬا إﻟ ﻰ
اﻟﺤﻖ .
ب ﻣ ﻦ ﻗﺒ ﻞ اﷲ ﻋ ﺰ وﺟ ﻞ ﻟﻨ ﺼﺮة اﻟﺤ ﻖ
واﻟﺠﻬﺎد ﻳﺠﺐ أن ﻳﻜﻮن ﻓﻲ ﺳﺒﻴﻞ اﷲ وﻹﻋﻼء آﻠﻤﺔ اﷲ وإﻋﺰاز دﻳﻨ ﻪ ،ﻓﻜ ﺄن اﻟﻤ ﺴﻠﻢ ﻗ ﺪ ُﻧ ﺪ َ
وإﻋﻼء آﻠﻤﺔ اﻟﺪﻳﻦ واﻟﻀﺮب ﻋﻠﻰ أﻳﺪي اﻟﺒﻐﺎة ﻟﻴﺘﻢ ﺗﻄﻬﻴﺮ اﻷرض ﻣﻦ اﻟﻔﺴﺎد ،وهﺬﻩ ﻣﻨﺰﻟﺔ رﻓﻴﻌﺔ وﺿ ﻊ اﻟﻤ ﺴﻠﻢ ﻓﻴﻬ ﺎ ﻓﻌﻠﻴ ﻪ أن ﻳﻌ ﺪ ﻧﻔ ﺴﻪ
ﻟﻬﺎ وأن ﻳﻌﺘﺒﺮ ﺟﻨﺪﻳ ًﺎ ﺟﺎهﺰًا ﻋﻠﻰ أهﺒﺔ اﻻﺳﺘﻌﺪاد ،إﻣﺎ ﻓﻲ اﻟﻘﺘﺎل واﻟﻐﺰو وإﻣﺎ ﻓﻲ اﻟﺮﺑﺎط ﻟﻠﺪﻓﺎع ﻋﻦ ﺛﻐﻮر اﻟﺒﻼد وﺣﻤﺎﻳﺘﻬﺎ .
وﻗﺪ ﺟﻌﻞ اﷲ ﺗﻌﺎﻟﻰ أﺟﺮ اﻟﺠﻬﺎد ﻋﻈﻴﻤ ًﺎ ،وهﻮ ﻓﺮﻳﻀﺔ ﻣﺤﻜﻤﺔ ﻋﻠﻰ آﻞ ﻣﺴﻠﻢ ﻓﻤﻦ ﺗﺨﻠﻒ ﻓﻘﺪ اﺳﺘﺤﻖ اﻟﻌﻘﻮﺑ ﺔ ،واﻟﺠﻬ ﺎد ﻣ ﺎض إﻟ ﻰ
ﻳﻮم اﻟﻘﻴﺎﻣﺔ ،واﻷﻣﺔ اﻹﺳﻼﻣﻴﺔ أﻣﺔ ﻣﺠﺎهﺪة إﻟﻰ ﻳﻮم اﻟﺪﻳﻦ .وﻓﻲ ﺣﺪﻳﺚ رﺳﻮل اﷲ ﺻﻠﻰ اﷲ ﻋﻠﻴﻪ وﺳﻠﻢ :اﻟﺠﻬﺎد ﻣﺎض إﻟﻰ ﻳﻮم اﻟﻘﻴﺎﻣ ﺔ ،
وﻗﺎل ﻋﻤﺮ ﺑﻦ اﻟﺨﻄﺎب رﺿﻲ اﷲ ﺗﻌﺎﻟﻰ ﻋﻨﻪ :اﻟﻤﺴﻠﻤﻮن ﻓﻲ رﺑﺎط إﻟﻰ ﻳﻮم اﻟﻘﻴﺎﻣﺔ.
وإذا ﺣﻮرب اﻟﻤﺴﻠﻤﻮن أو اﻋﺘﺪي ﻋﻠﻰ ﺑﻼدهﻢ وﺟﺐ ﻋﻠﻰ اﻟﻤﺴﻠﻤﻴﻦ ﺟﻤﻴﻌ ًﺎ رد اﻟﻤﻌﺘﺪﻳﻦ وﺗﺨﻠﻴﺺ دﻳﺎرهﻢ ﺻﻔ ًﺎ واﺣﺪًا ،ﻗﺎل ﺗﻌ ﺎﻟﻰ :
" إن اﷲ ﻳﺤﺐ اﻟﺬﻳﻦ ﻳﻘﺎﺗﻠﻮن ﻓﻲ ﺳﺒﻴﻠﻪ ﺻﻔ ًﺎ آﺄﻧﻬﻢ ﺑﻨﻴﺎن ﻣﺮﺻﻮص " .ﻓﺈذا ﻟﻢ ﻳﺘﻌﺎون اﻟﻤﺴﻠﻤﻮن ﺟﻤﻴﻌ ًﺎ ﻟﻘﺘﺎل اﻷﻋﺪاء أﺛﻤﻮا ﺟﻤﻴﻌ ًﺎ .
واﻟﺠﻬﺎد اﻟﺤﻖ هﻮ اﻟﺠﻬﺎد اﻟﺨﺎﻟﺺ ﻟﻮﺟﻪ اﷲ ﺗﻌﺎﻟﻰ وﻹﻋﻼء آﻠﻤﺔ اﷲ وﺣﺪﻩ ﻻ ﻳﻘﺼﺪ ﻣﻦ وراﺋﻪ ﻣﻐﻨﻢ دﻧﻴﻮي :ورد ﻋﻦ أﺑ ﻲ ﻣﻮﺳ ﻰ
أن أﻋﺮاﺑﻴ ًﺎ أﺗﻰ اﻟﻨﺒﻲ ﺻﻠﻰ اﷲ ﻋﻠﻴﻪ وﺳﻠﻢ ﻓﻘﺎل :ﻳﺎ رﺳﻮل اﷲ ،اﻟﺮﺟﻞ ﻳﻘﺎﺗﻞ ﺣﻤﻴﺔ ،واﻟﺮﺟﻞ ﻳﻘﺎﺗﻞ ﻟﻠﻤﻐﻨﻢ واﻟﺬآﺮ ،ﻓﻤﻦ ﻓﻲ ﺳ ﺒﻴﻞ ،ﻓﻘ ﺎل
ﺻﻠﻰ اﷲ ﻋﻠﻴﻪ وﺳﻠﻢ " :ﻣﻦ ﻗﺎﺗﻞ ﻟﺘﻜﻮن آﻠﻤﺔ اﷲ هﻲ اﻟﻌﻠﻴﺎ ﻓﻬﻮ ﻓﻲ ﺳﺒﻴﻞ اﷲ " .
ﻓﺈذا اﺧﺘﻠﻄﺖ ﻧﻴﺔ اﻟﺠﻬﺎد ﺑﻤﻘﺼﺪ ﺁﺧﺮ آﺤﺐ اﻟﻈﻬﻮر واﻟﺸﻬﺮة ﺑﻴﻦ اﻟﻨﺎس ﻓﻲ اﻟ ﺸﺠﺎﻋﺔ أو ﻟﻜ ﺴﺐ اﻟﻤﻐ ﺎﻧﻢ واﻷﻣ ﻮال ﻓﻠ ﻴﺲ ﻟ ﻪ ﺟ ﺰاء
ﻋﻨﺪ اﷲ ﺗﻌﺎﻟﻰ ﺑﻞ ﻳﺤﺒﻂ ﻋﻤﻠﻪ ﻷﻧﻪ ﻟﻢ ﻳﺨﻠﺺ ﻟﻮﺟﻪ اﷲ ﺗﺒﺎرك وﺗﻌﺎﻟﻰ .
51
www.daawa-info.net
ﻓﻔﻲ ﺣﺪﻳﺚ رﺳﻮل اﷲ ﺻﻠﻰ اﷲ ﻋﻠﻴﻪ وﺳﻠﻢ اﻟﺬي رواﻩ أﺑ ﻮ هﺮﻳ ﺮة رﺿ ﻲ اﷲ ﻋﻨ ﻪ ﻗ ﺎل :ﺳ ﻤﻌﺖ رﺳ ﻮل اﷲ ﺻ ﻠﻰ اﷲ ﻋﻠﻴ ﻪ وﺳ ﻠﻢ
ﻳﻘﻮل :إن أول اﻟﻨﺎس ﻳﻘﻀﻰ ﻳﻮم اﻟﻘﻴﺎﻣﺔ ﻋﻠﻴﻪ :رﺟﻞ اﺳﺘﺸﻬﺪ ،ﻓﺄﺗﻲ ﺑﻪ ،ﻓﻌﺮﻓﻪ ﻧﻌﻤﻪ ،ﻓﻌﺮﻓﻬﺎ ﻓﻘﺎل :ﻣﺎ ﻋﻤﻠﺖ ﻓﻴﻬ ﺎ .ﻗ ﺎل :ﻗﺎﺗﻠ ﺖ ﻓﻴ ﻚ
ﺣﺘﻰ اﺳﺘﺸﻬﺪت ،ﻗﺎل :آﺬﺑﺖ وﻟﻜﻨﻚ ﻗﺎﺗﻠﺖ ﻷن ﻳﻘﺎل :ﺟﺮيء ،ﻓﻘﺪ ﻗﻴﻞ ،ﺛﻢ أﻣﺮ ﺑﻪ ﻓﺴﺤﺐ ﻋﻠﻰ وﺟﻬﻪ ﺣﺘﻰ أﻟﻘﻲ ﻓﻲ اﻟﻨﺎر ..وﻗﺪ ﺑ ﻴّﻦ اﷲ
ﺗﻌﺎﻟﻰ أﺣﻜﺎم اﻟﺠﻬﺎد وﺳﻨﻦ اﻟﺤﺮب واﻟﺴﻼم وﻣﻦ ﻳﻘﺎﺗﻠﻮن وﻣﻦ ﻳﺴﺎﻟﻤﻮن وﻗﺪ ﻓﻀﻞ اﷲ اﻟﻤﺠﺎهﺪﻳﻦ ﻋﻠﻰ اﻟﻘﺎﻋﺪﻳﻦ ﻓﻘﺎل ﺗﻌﺎﻟﻰ :
" ﻻ ﻳ ﺴﺘﻮي اﻟﻘﺎﻋ ﺪون ﻣ ﻦ اﻟﻤ ﺆﻣﻨﻴﻦ ﻏﻴ ﺮ أوﻟ ﻰ اﻟ ﻀﺮر واﻟﻤﺠﺎه ﺪون ﻓ ﻲ ﺳ ﺒﻴﻞ اﷲ ﺑ ﺄﻣﻮاﻟﻬﻢ وأﻧﻔ ﺴﻬﻢ ،ﻓ ﻀﻞ اﷲ اﻟﻤﺠﺎه ﺪﻳﻦ
ﻼ وﻋ ﺪ اﷲ اﻟﺤ ﺴﻨﻰ ،وﻓ ﻀﻞ اﷲ اﻟﻤﺠﺎه ﺪﻳﻦ ﻋﻠ ﻰ اﻟﻘﺎﻋ ﺪﻳﻦ أﺟ ﺮًا ﻋﻈﻴﻤ ًﺎ .درﺟ ﺎت ﻣﻨ ﻪ
ﺑ ﺄﻣﻮاﻟﻬﻢ وأﻧﻔ ﺴﻬﻢ ﻋﻠ ﻰ اﻟﻘﺎﻋ ﺪﻳﻦ درﺟ ﺔ ،وآ ً
وﻣﻐﻔﺮة ورﺣﻤﺔ ،وآﺎن اﷲ ﻏﻔﻮرًا رﺣﻴﻤ ًﺎ " .
وﺟﻌﻞ اﻟﺠﻬﺎد ﺳﺒﻴﻞ اﻟﻨﺠﺎة ﻣﻦ ﻋﺬاب اﷲ ﺳﺒﺤﺎﻧﻪ ،وﻃﺮﻳﻖ اﻟﻔﻮز ﺑﻨﻌﻤﺔ اﷲ ،وﺑﺎﻟﺠﻬﺎد ﻳﻜﺘﺐ اﻟﻨﺼﺮ ﻟﻸﻣﺔ وﻳﻔﺘﺢ ﻟﻬ ﺎ ﺳ ﺒﻴﻞ اﻟﻤﺠ ﺪ
واﻟﻜﺮاﻣﺔ واﻟﺤﺮﻳﺔ ،وﻗﺪ ﻗﺎل ﺗﻌﺎﻟﻰ ﻣﺮﻏﺒ ًﺎ ﻓﻲ اﻟﺠﻬﺎد ﻣﺒﻴﻨ ًﺎ ﻓﻀﻠﻪ وﺛﻮاﺑﻪ " :ﻳﺎ أﻳﻬﺎ اﻟﺬﻳﻦ ﺁﻣﻨﻮا ه ﻞ أدﻟﻜ ﻢ ﻋﻠ ﻰ ﺗﺠ ﺎرة ﺗﻨﺠ ﻴﻜﻢ ﻣ ﻦ ﻋ ﺬاب
أﻟﻴﻢ .ﺗﺆﻣﻨﻮن ﺑﺎﷲ ورﺳﻮﻟﻪ وﺗﺠﺎهﺪون ﻓﻲ ﺳﺒﻴﻞ اﷲ ﺑﺄﻣﻮاﻟﻜﻢ وأﻧﻔﺴﻜﻢ ذﻟﻚ ﺧﻴﺮ ﻟﻜ ﻢ إن آﻨ ﺘﻢ ﺗﻌﻠﻤ ﻮن .ﻳﻐﻔ ﺮ ﻟﻜ ﻢ ذﻧ ﻮﺑﻜﻢ وﻳ ﺪﺧﻠﻜﻢ ﺟﻨ ﺎت
ﺗﺠﺮي ﻣﻦ ﺗﺤﺘﻬﺎ اﻷﻧﻬﺎر وﻣﺴﺎآﻦ ﻃﻴﺒﺔ ﻓﻲ ﺟﻨﺎت ﻋﺪن ذﻟﻚ اﻟﻔﻮز اﻟﻌﻈﻴﻢ .وأﺧﺮى ﺗﺤﺒﻮﻧﻬﺎ ﻧﺼﺮ ﻣﻦ اﷲ وﻓﺘﺢ ﻗﺮﻳﺐ وﺑﺸﺮ اﻟﻤﺆﻣﻨﻴﻦ .ﻳ ﺎ
أﻳﻬﺎ اﻟﺬﻳﻦ ﺁﻣﻨﻮا آﻮﻧﻮا أﻧﺼﺎر اﷲ ،آﻤﺎ ﻗﺎل ﻋﻴﺴﻰ ﺑﻦ ﻣﺮﻳﻢ ﻟﻠﺤ ﻮارﻳﻴﻦ ﻣ ﻦ أﻧ ﺼﺎري إﻟ ﻰ اﷲ ،ﻗ ﺎل اﻟﺤﻮارﻳ ﻮن ﻧﺤ ﻦ أﻧ ﺼﺎر اﷲ ،ﻓﺂﻣﻨ ﺖ
ﻃﺎﺋﻔﺔ ﻣﻦ ﺑﻨﻲ إﺳﺮاﺋﻴﻞ وآﻔﺮت ﻃﺎﺋﻔﺔ ،ﻓﺄﻳﺪﻧﺎ اﻟﺬﻳﻦ ﺁﻣﻨﻮا ﻋﻠﻰ ﻋﺪوهﻢ ﻓﺄﺻﺒﺤﻮا ﻇﺎهﺮﻳﻦ " .
آﻤﺎ ﻗﺎل ﺗﻌﺎﻟﻰ ﻓﻲ ﺳﻮرة اﻟﺘﻮﺑﺔ " :أﺟﻌﻠﺘﻢ ﺳﻘﺎﻳﺔ اﻟﺤﺎج وﻋﻤﺎرة اﻟﻤﺴﺠﺪ اﻟﺤﺮام آﻤ ﻦ ﺁﻣ ﻦ ﺑ ﺎﷲ واﻟﻴ ﻮم اﻵﺧ ﺮ وﺟﺎه ﺪ ﻓ ﻲ ﺳ ﺒﻴﻞ
اﷲ ،ﻻ ﻳﺴﺘﻮون ﻋﻨﺪ اﷲ ،واﷲ ﻻ ﻳﻬﺪي اﻟﻘﻮم اﻟﻈﺎﻟﻤﻴﻦ .اﻟﺬﻳﻦ ﺁﻣﻨﻮا وه ﺎﺟﺮوا وﺟﺎه ﺪوا ﻓ ﻲ ﺳ ﺒﻴﻞ اﷲ ﺑ ﺄﻣﻮاﻟﻬﻢ وأﻧﻔ ﺴﻬﻢ أﻋﻈ ﻢ درﺟ ﺔ
ﻋﻨﺪ اﷲ ،وأوﻟﺌﻚ هﻢ اﻟﻔﺎﺋﺰون .ﻳﺒﺸﺮهﻢ رﺑﻬﻢ ﺑﺮﺣﻤﺔ ﻣﻨﻪ ورﺿﻮان ،وﺟﻨﺎت ﻟﻬﻢ ﻓﻴﻬﺎ ﻧﻌ ﻴﻢ ﻣﻘ ﻴﻢ .ﺧﺎﻟ ﺪﻳﻦ ﻓﻴﻬ ﺎ أﺑ ﺪًا .إن اﷲ ﻋﻨ ﺪﻩ أﺟ ﺮ
ﻋﻈﻴﻢ " .
وﻟﻢ ﻳﺸﺮع اﻟﺠﻬﺎد ﻓﻲ اﻹﺳﻼم ﻟ ﺴﻔﻚ دﻣ ﺎء اﻟﻨ ﺎس واﺳ ﺘﻌﻤﺎر دﻳ ﺎرهﻢ أو ﻃ ﺮدهﻢ ﻣ ﻦ أوﻃ ﺎﻧﻬﻢ ﺑ ﻞ ﺷ ﺮع ﻟﺤﻤﺎﻳ ﺔ اﻟ ﺪﻋﻮة اﻹﺳ ﻼﻣﻴﺔ
وﺻﻴﺎﻧﺔ دﻳﺎر اﻹﺳﻼم ﻣﻦ أن ﺗﻤﺘﺪ إﻟﻴﻬﺎ ﻳﺪ اﻟﻐﺎﺻ ﺒﻴﻦ وﻷﺟ ﻞ إدﺧ ﺎل اﻟﻨ ﻮر وﺿ ﻴﺎء اﻟﻌﻘﻴ ﺪة اﻟﺤﻘ ﺔ إﻟ ﻰ ﻗﻠ ﻮب اﻟﻨ ﺎس وﻧﻔﻮﺳ ﻬﻢ .وﻳﻤﻜ ﻦ أن
ﺗﻌﺘﺒ ﺮ اﻵﻳ ﺔ اﻟﻘﺮﺁﻧﻴ ﺔ اﻟﻜﺮﻳﻤ ﺔ اﻟﺘ ﻲ وردت ﻓ ﻲ ﺳ ﻮرة اﻟﻤﻤﺘﺤﻨ ﺔ دﺳ ﺘﻮر اﻹﺳ ﻼم ﻓ ﻲ اﻟﻘﺘ ﺎل ،ﻗ ﺎل ﺗﻌ ﺎﻟﻰ " :ﻻ ﻳﻨﻬ ﺎآﻢ اﷲ ﻋ ﻦ اﻟ ﺬﻳﻦ ﻟ ﻢ
ﻳﻘﺎﺗﻠﻮآﻢ ﻓﻲ اﻟﺪﻳﻦ وﻟﻢ ﻳﺨﺮﺟﻮآﻢ ﻣﻦ دﻳﺎرآﻢ أن ﺗﺒﺮوهﻢ وﺗﻘﺴﻄﻮا إﻟﻴﻬﻢ ،إن اﷲ ﻳﺤﺐ اﻟﻤﻘﺴﻄﻴﻦ ،إﻧﻤﺎ ﻳﻨﻬ ﺎآﻢ اﷲ ﻋ ﻦ اﻟ ﺬﻳﻦ ﻗ ﺎﺗﻠﻮآﻢ ﻓ ﻲ
اﻟﺪﻳﻦ وأﺧﺮﺟﻮآﻢ ﻣﻦ دﻳﺎرآﻢ وﻇﺎهﺮوا ﻋﻠﻰ إﺧﺮاﺟﻜﻢ أن ﺗﻮﻟﻮهﻢ ،وﻣﻦ ﻳﺘﻮﻟﻬﻢ ﻓﺄوﻟﺌﻚ هﻢ اﻟﻈﺎﻟﻤﻮن " .
وﻟﻤﺎ أﻣﺮ اﷲ ﺗﻌﺎﻟﻰ ﺑﺎﻟﺠﻬﺎد وأﻣﺮ اﻟﻤﺴﻠﻤﻴﻦ ﺑﺄن ﻳﻌﺪوا ﻷﻋﺪاﺋﻬﻢ اﻟﻌﺪة اﻟﻼزﻣﺔ ﻣﻦ ﺻﻨﻮف اﻟﻘﻮة وأﻧﻮاع اﻟﺴﻼح ﺑ ﻴّﻦ ﻟﻬ ﻢ أﻧﻬ ﻢ إﻧﻤ ﺎ
ﻳﻌﺪون اﻟﻌﺪة ﺣﺘﻰ ﻻ ﻳﺆﺧﺬوا ﻋﻠﻰ ﻏﺮة وﻹرهﺎب ﻋﺪوهﻢ ﺣﺘﻰ ﻻ ﻳﻈﻨﻬﻢ ﺿﻌﻔﺎء ﻓﻴﻄﻤﻊ ﺑﻬﻢ وهﺬا ﻣ ﺎ ﻳ ﺴﻤﻮﻧﻪ ﻓ ﻲ اﻟﻌ ﺮف اﻟ ﺪوﻟﻲ " ﺑﺎﻟ ﺴﻠﻢ
اﻟﻤﺴﻠﺢ " ﻗ ﺎل ﺗﻌ ﺎﻟﻰ " :وأﻋ ﺪوا ﻟﻬ ﻢ ﻣ ﺎ اﺳ ﺘﻄﻌﺘﻢ ﻣ ﻦ ﻗ ﻮة ،وﻣ ﻦ رﺑ ﺎط اﻟﺨﻴ ﻞ ،ﺗﺮهﺒ ﻮن ﺑ ﻪ ﻋ ﺪو اﷲ وﻋ ﺪوآﻢ وﺁﺧ ﺮﻳﻦ ﻣ ﻦ دوﻧﻬ ﻢ ﻻ
ﺗﻌﻠﻤﻮﻧﻬﻢ ،اﷲ ﻳﻌﻠﻤﻬﻢ . " ...
ﻓﺎﻧﻈﺮوا إﻟﻰ دﻗﺔ ﺗﻌﺒﻴﺮ اﻟﻘﺮﺁن اﻟﻌﻈﻴﻢ ﺣﻴﺚ ﻗﺎل ﺑﻌﺪ ﻣﺎ أﻣﺮ ﺑﺈﻋﺪاد اﻟﻘﻮة ﺑﺼﻨﻮﻓﻬﺎ اﻟﻤﺨﺘﻠﻔﺔ ﻗﺎل " :ﺗﺮهﺒﻮن ﺑﻪ " وﻟﻢ ﻳﻘﻞ ﺗﻈﻠﻤﻮن
أو ﺗﺴﻔﻜﻮن اﻟﺪﻣﺎء أو ﺗﺴﺘﻌﻤﺮون اﻟﺪﻳﺎر ﺑﻞ ﻗﺎل " :ﺗﺮهﺒﻮن ﺑﻪ ﻋﺪو اﷲ وﻋﺪوآﻢ " وﻣﺘﻰ ﻋﻠﻢ اﻟﻌﺪو أﻧﻚ ﻣ ﺴﻠﺢ ﻗ ﺎم اﺣﺘﺮﻣ ﻚ وزال ﻃﻌﻤ ﻪ
ﻓﻴﻚ وهﺬا ﻣﻤﺎ ﻳﺜﺒﺖ دﻋﺎﺋﻢ اﻟﺴﻠﻢ .
واﻟﻘﻮة ﺗﺨﺘﻠﻒ ﺑﺎﺧﺘﻼف اﻟﻌﺼﻮر ﻓﻠﻜﻞ ﻋﺼﺮ ﺳﻼح وﻋﺪة ،ﻓ ﻼ ﻳﺠ ﻮز ﻟﻠﻤ ﺴﻠﻤﻴﻦ أن ﻳﺘﺨﻠﻔ ﻮا ﻏﻴ ﺮهﻢ ﻓ ﻲ اﻋ ﺪاد اﻟﻨ ﻮع اﻟﻤﻼﺋ ﻢ ﻟﻜ ﻞ
زﻣﺎن وﻋﻠﻴﻬﻢ أن ﻳﻤﻠﻜﻮا أﺣﺪث أﻧﻮاع اﻟﺴﻼح وإﻗﺎﻣﺔ ﻣﺼﺎﻧﻌﻪ ﺛﻘﻴﻠﺔ وﺧﻔﻴﻔﺔ وأن ﻳﺤﺎﻓﻈﻮا ﻋﻠﻰ أﺳﺮار ﺻﻨﻌﻬﺎ .
هﺬﻩ اﻟﻤﻌﺎرف اﻟﺘﻲ ﺗﺘﻌﻠﻖ ﺑﺎﻟﺴﻼح وأﻧﻮاﻋﻪ واﻟﻘﻮة وﻟﻮازﻣﻬﺎ ﻳﺠﺐ ﻋﻠﻰ اﻟﻤﺴﻠﻤﻴﻦ أن ﻳﺄﺧﺬوا آﻤﺎ ﻳﺠﺐ ﻋﻠﻴﻬﻢ اﻹﺣﺎﻃﺔ ﺑﻌﻠﻮم دﻳ ﻨﻬﻢ
وأﺳﺮارﻩ ،وإﻻ ﻓﻬﻢ ﻣﻘﺼﺮون وﻣﻌﺎﻗﺒﻮن وﻳﻜﻮن ذﻟﻚ ﺳﺒﺒ ًﺎ ﻻﺳﺘﻐﻼل اﻟﻄﺎﻣﻌﻴﻦ وآﻴﺪ اﻟﻜﺎﻓﺮﻳﻦ .
52
www.daawa-info.net
وواﺟﺐ اﻟﻤﺴﻠﻤﻴﻦ اﻟﻴﻮم وﻗﺪ أﺣﺎط ﺑﻬﻢ أﻋﺪاؤهﻢ ﻣﻦ آﻞ ﺟﺎﻧﺐ ،وﻃﻤﻊ ﻓﻴﻬﻢ ﻣﻦ ﻻ ﻳﺪﻓﻊ ﻋﻦ ﻧﻔﺴﻪ ﻣﻦ أراذل اﻟﺨﻠﻖ وﺷﺬاذ اﻵﻓﺎق ،
ﻼ وأن ﻳﻜﻮﻧﻮا داﺋﻤ ًﺎ ﻋﻠﻰ أهﺒﺔ اﻻﺳﺘﻌﺪاد ﻟﻠﻘﺘﺎل ،وأن ﻳﺤﺴﻨﻮا اﺳﺘﺨﺪام أﺣﺪث أﻧﻮاع اﻟﺴﻼح وأن
واﺟﺒﻬﻢ اﻟﻴﻮم أن ﻳﻌﺪوا أﻧﻔﺴﻬﻢ إﻋﺪادًا آﺎﻣ ً
ﻳﺘﻘﻨﻮا ﺻ ﻨﺎﻋﺔ اﻟﻤ ﻮت وﻳﺘﻤﺮﻧ ﻮا ﻋﻠ ﻰ ﺗﺤﻤ ﻞ اﻟ ﺼﺒﺮ واﻟﻤ ﺸﻘﺎت وأن ﻳﺨ ﺸﻮﺷﻨﻮا وﻳﺘﺮآ ﻮا اﻟﺘ ﺮف واﻟﺒ ﺬخ ﺣﺘ ﻰ ﺗﻌ ﻮد اﻟﻜﺮاﻣ ﺔ وﺗ ﺮد اﻟ ﺒﻼد
اﻟﺴﻠﻴﺒﺔ ،وأن ﻳﺘﺤ ﺪوا وﻳﺘﻌ ﺎوﻧﻮا ﻋﻠ ﻰ اﻟﺒ ﺮ واﻟﺘﻘ ﻮى ﻓ ﻲ ﺳ ﺒﻴﻞ اﻟﻐﺎﻳ ﺔ اﻟﻜﺒ ﺮى واﻟﻤ ﺼﻠﺤﺔ اﻟﻌﻈﻤ ﻰ ﻣ ﺼﻠﺤﺔ اﻹﺳ ﻼم واﻟﻤ ﺴﻠﻤﻴﻦ ﻟ ﺮد آﻴ ﺪ
اﻟﻜﺎﺋﺪﻳﻦ وﻃﻤﻊ اﻟﻄﺎﻣﻌﻴﻦ .واﻷﻣﺔ اﻟﻤﺠﺎهﺪة ﻻ ﺗﻌﺮف اﻟﻠﻬﻮ واﻟﻌﺒﺚ ﺑﻞ ﺗﻌﻤﻞ ﻟﻴﻞ ﻧﻬﺎر ﻓﻲ ﺳﺒﻴﻞ ﻋﺰﺗﻬﺎ وآﺮاﻣﺘﻬﺎ.
روي أن اﻟﺴﻠﻄﺎن ﻧﻮر اﻟﺪﻳﻦ اﻟﺸﻬﻴﺪ ،اﻟﺬي ﻳﻌﺘﺒﺮ ﻓﻲ ﻧﻈ ﺮ ﺑﻌ ﺾ اﻟﻤ ﺆرﺧﻴﻦ ﺳ ﺎدس اﻟﺨﻠﻔ ﺎء اﻟﺮاﺷ ﺪﻳﻦ آ ﺎن داﺋ ﻢ اﻟﻌﺒ ﻮس ﻓﻠ ﻢ ﻳ ﺮ
ﺿﺎﺣﻜ ًﺎ وﻻ ﻣﺒﺘﺴﻤ ًﺎ ﻗﻂ ﺣﺘﻰ ﻋﺮف ذﻟﻚ ﻋﻨﻪ ،واﻧﺘﺸﺮ ﺑﻴﻦ اﻟﻨﺎس وﺗﺤﻴ ﺮوا ﻓ ﻲ ﺗﻌﻠﻴ ﻞ ذﻟ ﻚ وه ﻮ اﻟﺮﺟ ﻞ اﻟﻤ ﺴﻠﻢ واﻟ ﺴﻠﻄﺎن اﻟﻌ ﺎدل ﻓﻜﻴ ﻒ ﻻ
ﻳﻬ ﺶ ﻷﺣ ﺪ وﻻ ﻳ ﺒﺶ ﺑﻮﺟ ﻪ إﻧ ﺴﺎن ،وﻗ ﺪ ﻋ ﺮف اﻟ ﺴﺒﺐ وﺑﻄ ﻞ اﻟﻌﺠ ﺐ ﺣﻴﻨﻤ ﺎ ﺟ ﺎء اﻟ ﺴﻠﻄﺎن إﻟ ﻰ اﻟﻤ ﺴﺠﺪ ﻳ ﺴﺘﻤﻊ ﺗﻔ ﺴﻴﺮ آﺘ ﺎب اﷲ ﺗﻌ ﺎﻟﻰ
وﻳﺼﻐﻲ إﻟﻰ أﺣﺎدﻳﺚ اﻹﺳﻼم ﻓﻲ ﺑﻴﺖ ﻣﻦ ﺑﻴﻮت اﷲ ﺳﺒﺤﺎﻧﻪ ،وﻣﺎ آﺎد إﻣﺎم اﻟﻤﺴﺠﺪ وﺧﻄﻴﺒﻪ ﻳﻌﻠﻢ ﺑﻘﺪوم اﻟ ﺴﻠﻄﺎن إﻻ وﺣ ﻮﱠل ﻣﻮﺿ ﻮﻋﻪ إﻟ ﻰ
ﺑﺸﺎﺷﺔ اﻟﻮﺟﻪ وأﺛﺮهﺎ ﻓ ﻲ اﻟﻨﻔ ﻮس وأن اﻟﺮﺳ ﻮل ﺻ ﻠﻰ اﷲ ﻋﻠﻴ ﻪ وﺳ ﻠﻢ آ ﺎن ﻳﺒﺘ ﺴﻢ ﻓ ﻲ وﺟ ﻪ أﺻ ﺤﺎﺑﻪ وﻟﻜ ﻦ اﻟ ﺴﻠﻄﺎن ﻟ ﻢ ﻳ ﺰدد إﻻ ﻋﺒﻮﺳ ًﺎ
وإﻃﺮاﻗ ًﺎ .وﺑﻌﺪ اﻧﺘﻬﺎء اﻟﻤﻮﺿﻮع اﻧﺘﻘ ﻞ اﻟﻤﺠﻠ ﺲ إﻟ ﻰ ﻏﺮﻓ ﺔ اﻹﻣ ﺎم اﻟ ﺬي أﺧ ﺬ ﺑﻤﻼﻃﻔ ﺔ اﻟ ﺴﻠﻄﺎن وﺳ ﺄﻟﻪ ﻋ ﻦ ﺳ ﺒﺐ ﻋﺒﻮﺳ ﻪ ﻓﻴﻤ ﺎ آ ﺎن ﻣ ﻦ
اﻟﺴﻠﻄﺎن اﻟﺸﻬﻴﺪ إﻻ أن ﺻﺮخ ﺑﺄﻋﻠﻰ ﺻ ﻮﺗﻪ ﻳﺨﺎﻃ ﺐ اﻹﻣ ﺎم " :ﻣ ﺎ ﺗﻘ ﻮل ﻳ ﺎ ه ﺬا واﷲ إﻧ ﻲ ﻷﺳ ﺘﺤﻴﻲ ﻣ ﻦ اﷲ أن ﻳﺮاﻧ ﻲ ﻣﺒﺘ ﺴﻤ ًﺎ وﻓ ﻲ دﻳ ﺎر
اﻹﺳﻼم ﻗﺪم ﻟﻜﺎﻓﺮ " .
ﻓﻬﺬا هﻮ اﻹﻣﺎم اﻟﻤﺠﺎهﺪ اﻟﺬي ﻋﻘﺪ اﷲ ﺗﻌﺎﻟﻰ ﻟﻮاء اﻟﻨﺼﺮ ﻟﻠﻤﺴﻠﻤﻴﻦ ﻓﻮق رأﺳﻪ وﻗﺪ اﺧﺘﺎرﻩ اﷲ ﻋﺰ وﺟ ﻞ ﻟﻠ ﺸﻬﺎدة ﻓ ﻲ ﺳ ﺒﻴﻞ إﻋ ﻼء
آﻠﻤﺔ اﷲ ودﺣﺮ أﻋﺪاﺋﻪ ،اﺳﺘﺸﻬﺪ وﻗﻠﺒﻪ ﻳﻬﺘﻒ :اﷲ أآﺒﺮ واﻟﻌﺰة ﻟﻺﺳﻼم ،واﷲ أآﺒﺮ وﻻ ﺣﻜﻢ إﻻ ﺑﺎﻟﻘﺮﺁن ،واﷲ أآﺒﺮ وﻟﻮ آﺮﻩ اﻟﻜﺎﻓﺮون .
اﻟﺠﻬﺎد أﺳﻤﻰ اﻷﻣﺎﻧﻲ
وﻟﻘﺪ ﺑﺬل اﻟﻤﺴﻠﻤﻮن اﻟﻤﻬﺞ رﺧﻴﺼﺔ ﻓﻲ ﺳﺒﻴﻞ اﷲ ﺗﻌﺎﻟﻰ ﻟﻤﺎ ﺳﻤﻌﻮا ﻣﻦ ﻣﻮﻋﻮد اﷲ ﻟﻠﻤﺠﺎهﺪﻳﻦ ﻣﻦ ﻧﺼﺮ ﻓﻲ اﻟﺪﻧﻴﺎ وﻓ ﻮز وﻧﻌ ﻴﻢ ﻓ ﻲ
اﻵﺧﺮة ،ﻓﺼﺪﻗﻮا ﻣﺎ ﻋﺎهﺪوا اﷲ ﻋﻠﻴﻪ وﺟﻌﻠﻮا ﺷﻌﺎرهﻢ ﻓﻲ اﻟﺪﻧﻴﺎ " :اﻟﻤﻮت أﺳﻤﻰ أﻣﺎﻧﻴﻨﺎ " ﺣﺘﻰ آﺎن أﺣﺪهﻢ إذا ﺧﺮج ﻣﻦ ﺑﻴﺘﻪ ودّع أهﻠ ﻪ
ووﻟﺪﻩ ﺛﻢ ﺳﺄل اﷲ ﺗﻌﺎﻟﻰ أن ﻳﺨﺘﺎرﻩ ﺷﻬﻴﺪًا إﻟﻴﻪ ﻓﻼ ﻳﺮﺟﻌﻪ إﻟﻰ أهﻠﻪ .
وآﻴﻒ ﻻ ﻳﺠﺎهﺪون ﺑﺈﺧﻼص وهﻢ اﻟﺬﻳﻦ ﺳﻤﻌﻮا ﻋﻦ رﺳﻮل اﷲ ﺻﻠﻰ اﷲ ﻋﻠﻴﻪ وﺳﻠﻢ ﻗﻮﻟﻪ " :ﺿﻤﻦ اﷲ ﻟﻤﻦ ﺧ ﺮج ﻓ ﻲ ﺳ ﺒﻴﻠﻪ – ﻻ
ﻼ ﻣ ﺎ ﻧ ﺎل ﻣ ﻦ أﺟ ﺮ أو
ﻳﺨﺮﺟﻪ إﻻ ﺟﻬﺎد ﻓﻲ ﺳﺒﻴﻠﻪ وإﻳﻤﺎن ﺑﻪ وﺗﺼﺪﻳﻖ ﺑﺮﺳﻮﻟﻪ – أن ﻳﺪﺧﻠﻪ اﻟﺠﻨﺔ ،أو ﻳﺮﺟﻌﻪ إﻟﻰ ﻣﻨﺰﻟﻪ اﻟﺬي ﺧﺮج ﻣﻨﻪ ﻧﺎﺋ ً
ﻏﻨﻴﻤﺔ " .
وآﻴﻒ ﻻ ﻳﺮاﺑﻄﻮن وﻳﺤﻤﻮن اﻟﺜﻐﻮر وهﻢ ﻳﺴﻤﻌﻮن رﺳﻮل اﷲ ﺻﻠﻰ اﷲ ﻋﻠﻴ ﻪ وﺳ ﻠﻢ ﻳﻘ ﻮل " :ﻋﻴﻨ ﺎن ﻻ ﺗﻤ ﺴﻬﻤﺎ اﻟﻨ ﺎر :ﻋ ﻴﻦ ﺑﻜ ﺖ
ﻣﻦ ﺧﺸﻴﺔ اﷲ ،وﻋﻴﻦ ﺑﺎﺗﺖ ﺗﺤﺮس ﻓﻲ ﺳﺒﻴﻞ اﷲ ،أﻻ أﻧﺒﺌﻜﻢ ﺑﻠﻴﻠﺔ أﻓﻀﻞ ﻣ ﻦ ﻟﻴﻠ ﺔ اﻟﻘ ﺪر ؟ ﺣ ﺎرس ﺣ ﺮس ﻓ ﻲ أرض ﺧ ﻮف ﻟﻌﻠ ﻪ أﻻ ﻳﺮﺟ ﻊ
إﻟﻰ أهﻠﻪ ،وﻣﻦ راﺑﻂ ﻟﻴﻠﺔ ﺣﺎرﺳ ًﺎ ﻣﻦ وراء اﻟﻤﺴﻠﻤﻴﻦ آﺎن ﻟﻪ أﺟﺮ ﻣﻦ ﺧﻠﻔﻪ ﻣﻤﻦ ﺻﻠﻰ وﺻﺎم ،واﻟﺮﺑﺎط هﻮ ﺣﺮاﺳﺔ اﻟﺤﺪود واﻟﺜﻐﻮر .
وﻟﻘﺪ أﺳﺮع اﻟﻤﺴﻠﻤﻮن ﻓﻲ اﻻﺳﺘﺠﺎﺑﺔ ﻟﻠﻘﺘﺎل وﻟﻢ ﻳﺘﺨﻠﻒ ﻣﻨﻬﻢ أﺣﺪ ،ﻓﻜﻞ ﻣﺴﻠﻢ ﺟﻨﺪي ﻃﺒﻴﻌﻲ ﻓﻲ ﺟﻴﺶ اﻹﺳﻼم ﻓﺈذا دق ﺑﻮق اﻟﺨﻄ ﺮ
ﻓﺎﻟﻜﻞ ﻣﺠﺎهﺪ ﺑﻤﺎﻟﻪ وﻧﻔﺴﻪ وﺳﻼﺣﻪ وﻋﺘﺎدﻩ وﻣﻦ ﻻ ﺳﻼح ﻟﻪ ﺟﻬﺰﻩ اﻟﻤﺴﻠﻤﻮن وأﻋﺎﻧﻮﻩ ،ﻓﻼ ﺗﺜﺎﻗﻞ ﻋﻦ اﻟﺠﻬﺎد وﻻ ﺗﺨﻠّﻒ ﺑﻞ اﻟﻜﻞ ﻓﻲ ﺳﺒﻴﻞ
اﷲ .ﻗﺎل ﺗﻌﺎﻟﻰ " :ﻳﺎ أﻳﻬﺎ اﻟﺬﻳﻦ ﺁﻣﻨﻮا ﻣﺎ ﻟﻜﻢ إذا ﻗﻴﻞ ﻟﻜﻢ اﻧﻔﺮوا ﻓﻲ ﺳﺒﻴﻞ اﷲ اﺛﺎﻗﻠﺘﻢ إﻟﻰ اﻷرض ؟ أرﺿﻴﺘﻢ ﺑﺎﻟﺤﻴﺎة اﻟﺪﻧﻴﺎ ﻣﻦ اﻵﺧﺮة ،ﻓﻤ ﺎ
ﻣﺘﺎع اﻟﺤﻴﺎة اﻟﺪﻧﻴﺎ ﻓﻲ اﻵﺧﺮة إﻻ ﻗﻠﻴﻞ .اﻻ ﺗﻨﻔﺮوا ﻳﻌﺬﺑﻜﻢ ﻋﺬاﺑ ًﺎ أﻟﻴﻤ ًﺎ ،وﻳﺴﺘﺒﺪل ﻗﻮﻣ ًﺎ ﻏﻴﺮآﻢ ،وﻻ ﺗﻀﺮوﻩ ﺷﻴﺌ ًﺎ ،واﷲ ﻋﻠﻰ آﻞ ﺷﻲء ﻗ ﺪﻳﺮ
".
وﻟﻘﺪ ﺛﺒﺘﻮا ﻓﻲ ﻣﻮاﻗﻌﻬﻢ ﺛﺒﺎت اﻷﺑﻄﺎل وأﻗﺪﻣﻮا دون إﺣﺪام ﺻﻔ ًﺎ واﺣﺪًا آﺄﻧﻬﻢ ﺑﻨﻴﺎن ﻣﺮﺻﻮص ﻓﻼ ﺧﻮف وﻻ ﻓﺮار ،ﻗﺎل ﺗﻌ ﺎﻟﻰ " :ﻳ ﺎ
أﻳﻬﺎ اﻟﺬﻳﻦ ﺁﻣﻨﻮا إذا ﻟﻘﻴﺘﻢ اﻟﺬﻳﻦ آﻔﺮوا زﺣﻔ ًﺎ ﻓﻼ ﺗﻮﻟﻮهﻢ اﻷدﺑﺎر ،وﻣﻦ ﻳﻮﻟﻬﻢ ﻳﻮﻣﺌﺬ دﺑﺮﻩ – إﻻ ﻣﺘﺤﺮﻓ ًﺎ ﻟﻘﺘﺎل أو ﻣﺘﺤﻴﺰًا إﻟ ﻰ ﻓﺌ ﺔ – ﻓﻘ ﺪ ﺑ ﺎء
ﺑﻐﻀﺐ ﻣﻦ اﷲ ،وﻣﺄواﻩ ﺟﻬﻨﻢ وﺑﺌﺲ اﻟﻤﺼﻴﺮ " .
53
www.daawa-info.net
وورد ﻋﻦ اﻟﻨﺒﻲ ﺻﻠﻰ اﷲ ﻋﻠﻴﻪ وﺳﻠﻢ أﻧﻪ ﻗﺎل :ﺛﻼﺛﺔ ﻻ ﻳﻨﻔﻊ ﻣﻌﻬﻦ ﻋﻤﻞ :اﻟﺸﺮك ﺑﺎﷲ ،وﻋﻘﻮق اﻟﻮاﻟﺪﻳﻦ ،واﻟﻔﺮار ﻣﻦ اﻟﺰﺣﻒ "
.
وﻗﺪ وﺻﻒ اﻟﺸﺎﻋﺮ ﺛﺒﺎﺗﻬﻢ وﻋﺰﻳﻤﺘﻬﻢ ﺑﻘﻮﻟﻪ :
آﺄﻧﻬـﻢ ﻓﻲ ﻇﻬـﻮر اﻟﺨﻴﻞ ﺛﺒﺖ رﺑــ ًﺎ
ﻣﻦ ﺷﺪة اﻟﺤَـﺰْم ﻻ ﻣﻦ ﺷﺪة اﻟﺤُـﺰَم
ﻓﻜﺎﻧﻮا أﻣﺜﻠﺔ ﺻﺪق ﻓﻲ اﻟﻌﺰﻳﻤﺔ واﻟﺒﻄﻮﻟﺔ واﻟﺘﻀﺤﻴﺔ واﻟﻔﺪاء رﺿﻲ اﷲ ﺗﻌﺎﻟﻰ ﻋﻨﻬﻢ وأرﺿﺎهﻢ .
هﺬﻩ ﺑﻌﺾ أﺣﻜﺎم اﻟﺠﻬﺎد ﻓﻲ اﻹﺳﻼم آﻤﺎ ﺷﺮﻋﻪ اﷲ ﻋﺰ وﺟﻞ ﻟﻨﺼﺮة اﻟﺤ ﻖ وإﻋ ﻼء آﻠﻤ ﺔ اﷲ ﺗﻌ ﺎﻟﻰ ،ﻻ ﻣ ﻦ أﺟ ﻞ اﻟﻤﻄ ﺎﻣﻊ وإرواء
اﻟﺸﻬﻮات أو اﻟﺘﻮﺳﻊ ﻓﻲ اﻟﺒﻼد وﻧﻬﺐ اﻟﺨﻴﺮات .
ﻼ ﺷﺠﺎﻋ ًﺎ ﻳﻬﺎب اﻟﻤﻮت إذا دﻋﺎ داﻋﻲ اﻟﺠﻬﺎد وﺣﺎﻧﺖ ﺳﺎﻋﺔ اﻟﻘﺘﺎل وﻟﻜﻨﻪ ﻓﻲ ﻧﻔ ﺲ اﻟﻮﻗ ﺖ – وﻓ ﻲ آ ﻞ وﻗ ﺖ –
وﻟﻬﺬا آﺎن اﻟﻤﺴﻠﻢ رﺟ ً
ﻣﻬﺬب اﻷﺧﻼق ،ﺳﻤﺢ اﻟﻄﺒﺎع ،ﻻ ﻳﺴﺨﺮ ﻣﻦ أﺣﺪ ،ﻻ ﻳﻄﻌﻦ أﺣﺪًا ،وﻻ ﻳﺆذي أﺣﺪًا ،ﻏﺎﻳﺘ ـﻪ ﻣﺮﺿ ﺎة اﷲ ﻋ ﺰ وﺟ ﻞ ،وﺳ ﻴﺮﺗﻪ ﺳ ﻴﺮة اﻟﻨﺒ ﻲ
ﺻﻠﻰ اﷲ ﻋﻠﻴﻪ وﺳﻠﻢ ،أﺧﻼﻗﻪ أﺧﻼق اﻟﻘﺮﺁن ،وﻣﻴﺰاﻧﻪ ﻣﻴﺰان اﻟﺤﻖ .
ﻓﻬﻞ ﺁن ﻟﻠﻤﺴﻠﻤﻴﻦ أن ﻳﻔﻬﻤﻮا ﺣﻘﻴﻘﺔ اﻹﺳﻼم ﻓﻴﻌﻮدوا إﻟﻰ رﺑﻬﻢ ،وﻳﻬﺒّﻮا ﻟﺪﻓﻊ اﻷﺧﻄﺎر اﻟﻤﺤﻴﻘﺔ ﺑﻬ ﻢ وﺑ ﺒﻼدهﻢ ﺑﻌ ﺪ أن ﻏﻠ ﺒﻬﻢ اﻟﻌ ﺪو
ﻓﻲ ﺑﻌﺾ أﻗﻄﺎرهﻢ ،ﻓﻼ ﺗﺰال أﺑﻮاب اﻟﺠﻨﺔ ﻣﻔﺘﺤﺔ وﺑﻼد اﻹﺳﻼم ﺗﺴﺘﺠﻴﺮ ﻣﻦ وﻃﺄة اﻟﻜﺎﻓﺮ ﻋﻠﻰ أرﺿﻬﺎ ،ﻓﺎﻹﻳﻤﺎن ﻟ ﻴﺲ آﻠﻤ ﺔ ﺗﻘ ﺎل ﺑﺎﻟﻠ ﺴﺎن
آﻤﺎ ﻗﺎﻟﺖ اﻷﻋﺮاب :ﺁﻣﻨﺎ ،وﻟﻜ ﻦ اﻹﻳﻤ ﺎن ﺣﻘﻴﻘ ﺔ راﺳ ﺨﺔ ﻓ ﻲ اﻟﻘﻠ ﺐ ﺗ ﺪل ﻋﻠﻴﻬ ﺎ اﻷﻋﻤ ﺎل اﻟﻨﻈﻴﻔ ﺔ واﻟﺒﻴﺎﻧ ﺎت اﻟ ﺼﺤﻴﺤﺔ " :إﻧﻤ ﺎ اﻟﻤﺆﻣﻨ ﻮن
اﻟﺬﻳﻦ ﺁﻣﻨﻮا ﺑﺎﷲ ورﺳﻮﻟﻪ ﺛﻢ ﻳﺮﺗﺎﺑﻮا ،وﺟﺎهﺪوا ﺑ ﺄﻣﻮاﻟﻬﻢ وأﻧﻔ ﺴﻬﻢ ﻓ ﻲ ﺳ ﺒﻴﻞ اﷲ ،أوﻟﺌ ﻚ ه ﻢ اﻟ ﺼﺎدﻗﻮن " ﻧ ﺴﺄل اﷲ أن ﻳﺤﻘ ﻖ ﻟﻨ ﺎ آﺎﻣ ﻞ
اﻹﻳﻤﺎن وأن ﻳﺮزﻗﻨﺎ اﻟﺘﻮﻓﻴﻖ ﻟﻠﺠﻬﺎد ﻓﻲ ﺳﺒﻴﻞ اﷲ وإﻋﻼء آﻠﻤﺔ اﷲ إﻧﻪ ﻧﻌﻢ اﻟﻤﻮﻟﻰ وﻧﻌﻢ اﻟﻨﺼﻴﺮ .
اﻵﻳﺔ اﻟﺴﺎدﺳﺔ ﻋﺸﺮة :
ﷲ ِﺑ ُﻜﻞﱢ ﺷَﻲ ٍء ﻋَﻠﻴ ٌﻢ ( .
ض ،وا ُ
ت وﻣﺎ ﻓﻲ اﻷ ْر ِ
ﺴﻤَﻮا ِ
ﷲ َﻳ ْﻌ َﻠ ُﻢ ﻣﺎ ﻓﻲ اﻟ ﱠ
ﷲ ﺑِﺪﻳﻨﻜُﻢ وا ُ ) ُﻗ ْﻞ أ ُﺗﻌَﻠﻤﻮ َ
نا َ
ﻟﻤﺎ ﺟﺎء ﻧﻔﺮ ﻣﻦ ﺑﻨﻲ أﺳﺪ إﻟﻰ رﺳﻮل اﷲ ﺻ ﻠﻰ اﷲ ﻋﻠﻴ ﻪ وﺳ ﻠﻢ وادّﻋ ﻮا اﻹﻳﻤ ﺎن ور ّد ﻋﻠ ﻴﻬﻢ اﷲ ﻋ ﺰ وﺟ ﻞ ﺑ ﺎﻵﻳﺘﻴﻦ اﻟ ﺴﺎﺑﻘﺘﻴﻦ " :
ﻗﺎﻟﺖ اﻟﻌﺮاب ﺁﻣﻨﺎ ،ﻗﻞ ﻟﻢ ﺗﺆﻣﻨﻮا ،وﻟﻜﻦ ﻗﻮﻟﻮا أﺳﻠﻤﻨﺎ ،وﻟﻤﺎ ﻳﺪﺧﻞ اﻹﻳﻤﺎن ﻓﻲ ﻗﻠﻮﺑﻜﻢ . " ...
وﻗﺪ وﺿّﺤﺖ اﻵﻳﺔ اﻟﺘﻲ ﺑﻌﺪ هﺎﺗﻴﻦ اﻵﻳﺘ ﻴﻦ ﺣﻘﻴﻘ ﺔ اﻹﻳﻤ ﺎن واﻟﻤ ﺆﻣﻨﻴﻦ وذﻟ ﻚ ﻓ ﻲ ﻗﻮﻟ ﻪ ﺗﻌ ﺎﻟﻰ " :إﻧﻤ ﺎ اﻟﻤﺆﻣﻨ ﻮن اﻟ ﺬﻳﻦ ﺁﻣﻨ ﻮا ﺑ ﺎﷲ
ورﺳﻮﻟﻪ ﺛﻢ ﻟﻢ ﻳﺮﺗﺎﺑﻮا وﺟﺎهﺪوا ﺑﺄﻣﻮاﻟﻬﻢ وأﻧﻔﺴﻬﻢ ﻓﻲ ﺳﺒﻴﻞ اﷲ أوﻟﺌﻚ هﻢ اﻟﺼﺎدﻗﻮن " .
وﻟﻤﺎ ﺳﻤﻊ هﺬا اﻟﻨﻔﺮ ﻣﻦ ﺑﻨﻲ أﺳﺪ إﻟﻰ هﺬﻩ اﻵﻳﺔ اﻟﻜﺮﻳﻤﺔ ﺟﺎءوا رﺳﻮل اﷲ ﺻﻠﻰ اﷲ ﻋﻠﻴﻪ وﺳﻠﻢ ﻳﺤﻠﻔﻮن ﻟﻪ أﻧﻬﻢ ﻣﺆﻣﻨﻮن ﺻ ﺎدﻗﻮن
ﻓﺄﻧﺰل اﷲ ﻋﺰ وﺟﻞ اﻵﻳﺔ اﻟﻜﺮﻳﻤﺔ " :ﻗﻞ أﺗﻌﻠﻤﻮن اﷲ ﺑﺪﻳﻨﻜﻢ ،واﷲ ﻳﻌﻠﻢ ﻣﺎ ﻓﻲ اﻟﺴﻤﻮات وﻣﺎ ﻓﻲ اﻷرض واﷲ ﺑﻜﻞ ﺷﻲء ﻋﻠﻴﻢ " .
واﻟﻤﻌﻨﻰ :أﺗﺨﺒﺮون اﷲ ﺑﺎﻟﺪﻳﻦ اﻟﺬي أﻧﺘﻢ ﻋﻠﻴﻪ ،واﷲ ﺗﺒﺎرك وﺗﻌﺎﻟﻰ ﻋﺎﻟﻢ ﺑﺬﻟﻚ ﻓﻼ ﻳﺤﺘﺎج إﻟ ﻰ إﺧﺒ ﺎرآﻢ ﺑ ﻪ ،وه ﺬا اﻻﺳ ﺘﻔﻬﺎم إﻧﻜ ﺎر
وﺗﻮﺑﻴﺦ ،أي آﻴﻒ ﺗﻌﻠﻤّﻤﻮن اﷲ ﺑﺪﻳﻨﻜﻢ واﷲ ﻳﻌﻠﻢ ﻣﺎ ﻓﻲ اﻟﺴﻤﻮات وﻣﺎ ﻓﻲ اﻷرض واﷲ ﺑﻜﻞ ﺷﻲء ﻋﻠﻴﻢ .
وﻓﻴﻪ ﻣﻌﻨﻰ اﻟﺘﺠﻬﻴﻞ ﻟﻬﻢ ﻓﻜﻴﻒ ﻳﻌﻠﻤﻮن اﷲ ﺑﺪﻳﻨﻬﻢ وﻳﻘﺴﻤﻮن اﻹﻳﻤﺎن ﻋﻠﻰ إﻳﻤﺎﻧﻬﻢ واﷲ ﻳﻌﻠﻢ اﻟﺴﺮ وأﺧﻔﻰ ،وﻳﻌﻠﻢ ﻣ ﺎ ﻓ ﻲ اﻟ ﺴﻤﻮات
وﻣﺎ ﻓﻲ اﻷرض وهﻮ ﺑﻜﻞ ﺷﻲء ﻋﻠﻴﻢ ،ﻗﺎل ﺗﻌﺎﻟﻰ " :وﻟﻘﺪ ﺧﻠﻘﻨﺎ اﻹﻧﺴﺎن وﻧﻌﻠﻢ ﻣﺎ ﺗﻮﺳﻮس ﺑﻪ ﻧﻔﺴﻪ وﻧﺤﻦ أﻗﺮب إﻟﻴﻪ ﻣ ﻦ ﺣﺒ ﻞ اﻟﻮرﻳ ﺪ "
.
54
www.daawa-info.net
وإن ﻋﺠﺎﺋﺐ هﺬا اﻟﻜﻮن ودﻗﺎﺋﻖ اﻟ ﺼﻨﻊ وﻋﺠﻴ ﺐ اﻷﺳ ﺮار ﻓ ﻲ ﺗﻠ ﻚ اﻟﻌ ﻮاﻟﻢ واﻟﺘ ﻲ ﻻ ﻳﻌﻠ ﻢ ﺣﻘﻴﻘﺘﻬ ﺎ وأﺳ ﺮارهﺎ اﻟﻜﺎﻣﻠ ﺔ إﻻ اﷲ ﺗﺒ ﺎرك
وﺗﻌﺎﻟﻰ ﻟﻴﺪل ذﻟﻚ آﻠﻪ ﻋﻠﻰ أﻧﻪ ﻻ ﻳﻐﻴﺐ ﻋﻨﻪ ﻣﺜﻘﺎل ذرة ﻓﻲ اﻷرض وﻻ ﻓﻲ اﻟﺴﻤﺎء " :أﻻ ﻳﻌﻠﻢ ﻣﻦ ﺧﻠ ﻖ وه ﻮ اﻟﻠﻄﻴ ﻒ اﻟﺨﺒﻴ ﺮ " " .ﻟ ﻪ ﻣ ﺎ
ﻓﻲ اﻟﺴﻤﺎوات وﻣﺎ ﻓﻲ اﻷرض وﻣﺎ ﺑﻴﻨﻬﻤﺎ وﻣﺎ ﺗﺤﺖ اﻟﺜﺮى " .
اﻵﻳﺔ اﻟﺴﺎﺑﻌﺔ ﻋﺸﺮة :
ن ،إن آُﻨﺘُﻢ ﺻﺎ ِدﻗِﻴﻦ ( .
ن هَﺪا ُآ ْﻢ ﻟِﻺﻳﻤﺎ ِ
ﻲ إﺳْﻼ َﻣﻜُﻢ ،ﺑَﻞ اﻟّﻠ ُﻪ َﻳ ُﻤﻦﱡ ﻋَﻠ ْﻴﻜُﻢ أ ْ
ن أﺳْﻠﻤﻮا ُ ،ﻗ ْﻞ :ﻻ َﺗ ُﻤﻨﱡﻮا ﻋَﻠ ﱠ
ﻚأ ْ ) َﻳ ُﻤﻨّﻮ َ
ن ﻋَﻠ ْﻴ َ
روى اﻟﺤﺎﻓﻆ أﺑﻮ ﺑﻜﺮ اﻟﺒﺰار ﻋﻦ اﺑﻦ ﻋﺒ ﺎس رﺿ ﻲ اﷲ ﺗﻌ ﺎﻟﻰ ﻋﻨﻬﻤ ﺎ ﻗ ﺎل :ﺟ ﺎءت ﺑﻨ ﻮ أﺳ ﺪ إﻟ ﻰ رﺳ ﻮل اﷲ ﺻ ﻠﻰ اﷲ ﻋﻠﻴ ﻪ وﺳ ﻠﻢ
ﻓﻘﺎﻟﻮا :أﺳﻠﻤﻨﺎ وﻗﺎﺗﻠﻨﺎ اﻟﻌﺮب وﻟﻢ ﻧﻘﺎﺗﻠﻚ ،آﻤﺎ ﻗﺎﻟﻮا ﻟﻪ ﻋﻠﻴﻪ اﻟﺼﻼة واﻟﺴﻼم :ﺟﺌﻨ ﺎك ﺑﺎﻷﺛﻘ ﺎل واﻟﻌﻴ ﺎل ،وﻟ ﻢ ﻧﻘﺎﺗﻠ ﻚ آﻤ ﺎ ﻗﺎﺗﻠ ﻚ ﺑﻨ ﻮ ﻓ ﻼن
وﺑﻨﻮ ﻓﻼن .
ﻓﻘ ﺎل اﻟﺮﺳ ﻮل ﺻ ﻠﻰ اﷲ ﻋﻠﻴ ﻪ وﺳ ﻠﻢ " :إن ﻓﻘﻬﻬ ﻢ ﻗﻠﻴ ﻞ ،وإن اﻟ ﺸﻴﻄﺎن ﻳﻨﻄ ﻖ ﻋﻠ ﻰ أﻟ ﺴﻨﺘﻬﻢ " .وﻧﺰﻟ ﺖ ه ﺬﻩ اﻵﻳ ﺔ اﻟﻜﺮﻳﻤ ﺔ" :
ﻳﻤﻨﻮن ﻋﻠﻴﻚ أن أﺳﻠﻤﻮا ،ﻗﻞ ﻻ ﺗﻤﻨﻮا ﻋﻠﻲ إﺳﻼﻣﻜﻢ ،ﺑﻞ اﷲ ﻳﻤﻦ ﻋﻠﻴﻜﻢ أن هﺪاآﻢ ﻟﻺﻳﻤﺎن ،إن آﻨﺘﻢ ﺻﺎدﻗﻴﻦ " .
ﻼ وﻏﺮورًا ﻓﺮد ﻋﻠﻴﻬﻢ اﷲ ﺗﻌ ﺎﻟﻰ ﺑﻘﻮﻟ ﻪ " :ﻗ ﻞ ﻻ
ﻦ هﺆﻻء اﻷﻋﺮاب ﺑﺈﺳﻼﻣﻬﻢ وﻧﺼﺮﺗﻬﻢ ﻟﺮﺳﻮل اﷲ ﺻﻠﻰ اﷲ ﻋﻠﻴﻪ وﺳﻠﻢ ﺟﻬ ً
ﻓﻘﺪ ﻣ ّ
ﻲ إﺳﻼﻣﻜﻢ " ﻷن ﻧﻔﻊ اﻹﺳﻼم وﺧﻴﺮﻩ وﻓﻼﺣﻪ وﻋﺰﻩ وﺳﻌﺎدﺗﻪ إﻧﻤﺎ ﻳﻌﻮد ﻋﻠﻴﻜﻢ أﻧﺘﻢ ،وﷲ اﻟﻤﻨّﺔ ﻋﻠﻴﻜﻢ وهﻮ أﺣ ﻖ ﺑ ﺄن ﻳﻤ ﻦ ﻋﻠ ﻴﻜﻢ
ﺗﻤﻨﻮا ﻋﻠ ّ
أن هﺪاآﻢ ﻟﻺﻳﻤﺎن وزﻳﻨﻪ ﻓﻲ ﻗﻠﻮﺑﻜﻢ وآﺮﻩ إﻟﻴﻜﻢ اﻟﻜﻔﺮ واﻟﻔﺴﻮق واﻟﻌﺼﻴﺎن ،وﻟﻠّﻪ اﻟﻔﻀﻞ واﻟﻤﻨﺔ ﻋﻠﻴﻨﺎ وﻋﻠﻰ اﻟﻨﺎس أﺟﻤﻌﻴﻦ آﻤ ﺎ ﻗ ﺎل اﻟﻨﺒ ﻲ
ﺻﻠﻰ اﷲ ﻋﻠﻴﻪ وﺳﻠﻢ ﻟﻸﻧﺼﺎر ﻳﻮم ﺣﻨﻴﻦ " :ﻳﺎ ﻣﻌﺸﺮ اﻷﻧﺼﺎر أﻟﻢ أﺟﺪآـﻢ ﺿ ﻼ ًﻻ ﻓﻬ ﺪاآﻢ اﷲ ﺑ ﻲ ؟ وآﻨ ﺘﻢ ﻣﺘﻔ ﺮﻗﻴﻦ ﻓ ﺂﻟﻔﻜﻢ اﷲ ﺑ ﻲ ؟ وآﻨ ﺘﻢ
ﻦ".
ﻋﺎﻟﺔ ﻓﺄﻏﻨﺎآﻢ اﷲ ﺑﻲ ؟ وآﻠﻤﺎ ﻗﺎل ﺷﻴﺌ ًﺎ ﻗﺎﻟﻮا :اﷲ ورﺳﻮﻟﻪ أﻣ ّ
ﻓﻠﻠﻪ اﻟﻔﻀﻞ واﻟﻤﻨﺔ ﻓﻲ هﺪﻳﺘﻨﺎ وﺗﻮﻓﻴﻘﻨﺎ ،ﻓﻠﻮﻻ اﷲ ﻣﺎ اهﺘﺪﻳﻨﺎ وﻻ ﺗﺼﺪﻗﻨﺎ وﻻ ﺻﻤﻨﺎ وﻻ ﺻﻠﻴﻨﺎ ،ﻓﻘﺪ أآﺮﻣﻨ ﺎ اﷲ ﺗﻌ ﺎﻟﻰ ﺑﺎﻹﺳ ﻼم آﻤ ﺎ
أآﺮﻣﻨﺎ ﺑﻤﺤﻤﺪ ﻋﻠﻴﻪ اﻟﺼﻼة واﻟﺴﻼم ﻧﺒﻲ اﻟﺮﺣﻤﻪ وهﺎدي اﻷﻧﺎم ،ﺛﻢ ﺧﺘﻤﺖ اﻵﻳﺔ اﻟﻜﺮﻳﻤﺔ ﺑﻘﻮﻟﻪ ﺗﻌﺎﻟﻰ " :إن آﻨﺘﻢ ﺻﺎدﻗﻴﻦ " .أي ﻗﺎل ﻟﻬ ﻢ
ﺗﻌﺎﻟﻰ :إن آﻨﺘﻢ ﺻﺎدﻗﻴﻦ أﻳﻬﺎ اﻷﻋﺮاب ﻓﻲ ﻗﻮﻟﻜﻢ :ﺁﻣﻨﺎ ،ﻓﺎﷲ وﺣﺪﻩ هﻮ اﻟﺬي هﺪاآﻢ ﻟﻬﺬا اﻹﻳﻤﺎن اﻟﺬي ﺗﺰﻋﻤﻮن وﺗﺪﻋﻮن .
ﻦ ﻋﻠﻴ ﻪ ﺑﻴ ﺪ أﺳ ﺪهﺎ إﻟﻴ ﻪ آﻘﻮﻟ ﻚ :أﻧﻌ ﻢ ﻋﻠﻴ ﻪ وأﻓ ﻀﻞ ﻋﻠﻴ ﻪ ،واﻟﻤ ّﻨ ﺔ اﻟﻨﻌﻤ ﺔ
ﻗﺎل اﻟﺰﻣﺨﺸﺮي رﺣﻤﻪ اﷲ ﺗﻌﺎﻟﻰ ﻓﻲ آﺸﺎﻓﻪ :ﻳﻘﺎل :ﻣ ّ
ﺴﺪِﻳﻬﺎ إﻟﻴﻪ ﻟﻴﻘﻄﻊ ﺑﻬﺎ ﺣﺎﺟﺘﻪ ،ﺛ ﻢ ﻳﻘ ﺎل :ﻣ ّ
ﻦ اﻟﺘﻲ ﻻ ﻳﺴﺘﺜﻴﺐ ﻣﺴﺪﻳﻬﺎ ﻣﻦ ﻳﺰﻟﻬﺎ إﻟﻴﻪ وﻳﻌﻄﻴﻬﺎ ﻟﻪ واﺷﺘﻘﺎﻗﻬﺎ ﻣﻦ اﻟﻤﻦ اﻟﺬي هﻮ اﻟﻘﻄﻊ ﻷﻧﻪ ُﻳ ْ
ﻋﻠﻴﻪ ﺻﻨﻌﻪ إذا اﻋﺘﺪﻩ ﻋﻠﻴﻪ ﻣﻨّﻪ واﻧﻌﺎﻣ ًﺎ .
وﺳﻴﺎق هﺬﻩ اﻵﻳﺔ ﻓﻴﻪ ﻟﻄﻒ ورﺷﺎﻗﺔ وذﻟﻚ أن اﻟﻜﺎﺋﻦ ﻣﻦ هﺆﻻء اﻷﻋﺮاب ﻗﺪ ﺳﻤﺎﻩ إﺳﻼﻣ ًﺎ وﻧﻔﻰ أن ﻳﻜﻮن آﻤﺎ زﻋﻤ ﻮا إﻳﻤﺎﻧ ًﺎ ،ﻓﻼﻣ ﺎ
ﻣﻨّﻮا ﻋﻠﻰ رﺳﻮل اﷲ ﺻﻠﻰ اﷲ ﻋﻠﻴﻪ وﺳﻠﻢ ﻣﺎ آﺎن ﻣﻨﻬﻢ ﻗﺎل اﷲ ﺳﺒﺤﺎﻧﻪ وﺗﻌﺎﻟﻰ ﻟﺮﺳﻮﻟﻪ ﺻ ﻠﻰ اﷲ ﻋﻠﻴ ﻪ وﺳ ﻠﻢ :إن ه ﺆﻻء ﻳﻌﺘ ﺪون ﻋﻠﻴ ﻚ
ﺣ ﺪَﺛﻜﻢ اﻟﻤ ﺴﻤﻰ
ﻖ ﺗ ﺴﻤﻴﺘﻪ أن ﻳﻘ ﺎل ﻟ ﻪ :إﺳ ﻼم ،ﻓﻘ ﻞ ﻟﻬ ﻢ :ﻻ ﺗﻌﺘ ﺪوا ﻋﻠ ﻰ إﺳ ﻼﻣﻜﻢ أي َ
ﺑﻤﺎ ﻟﻴﺲ ﺟﺪﻳﺮًا ﺑﺎﻻﻋﺘﺪاد ﺑﻪ ﻣﻦ ﺣَﺪﻳﺜﻬﻢ اﻟ ﺬي ﺣ ّ
إﺳﻼﻣ ًﺎ ﻋﻨﺪي ﻻ إﻳﻤﺎﻧ ًﺎ .ﺛ ﻢ ﻗ ﺎل :ﺑ ﻞ اﷲ ﻳﻌﺘ ﺪ ﻋﻠ ﻴﻜﻢ أن أﻣ ﺪآﻢ ﺑﺘﻮﻓﻴﻘ ﻪ ﺣﻴ ﺚ ه ﺪاآﻢ ﻟﻺﻳﻤ ﺎن ﻋﻠ ﻰ ﻣ ﺎ زﻋﻤ ﺘﻢ وادﻋﻴ ﺘﻢ أﻧﻜ ﻢ أرﺷ ﺪﺗﻢ إﻟﻴ ﻪ
ووﻓﻘﺘﻢ ﻟﻪ ﺣﺴﺐ زﻋﻤﻜﻢ وﺻﺪﻗﺖ دﻋﻮاآﻢ ،إﻻ أﻧﻜﻢ ﺗﺰﻋﻤﻮن وﺗﺰﻋﻤﻮن ﻣ ﺎ اﷲ ﻋﻠ ﻴﻢ ﺑﺨﻼﻓ ﻪ ،وﻓ ﻲ إﺿ ﺎﻓﺔ اﻹﺳ ﻼم إﻟ ﻴﻬﻢ وإﻳ ﺮاد اﻹﻳﻤ ﺎن
55
www.daawa-info.net
ﻏﻴﺮ ﻣﻀﺎف ﻣﺎ ﻻ ﻳﺨﻔﻰ ﻋﻠﻰ اﻟﻤﺘﺄﻣﻞ وﺟﻮاب اﻟﺸﺮط ﻣﺤﺬوف ﻟﺪﻻﻟ ﺔ ﻣ ﺎ ﻗﺒﻠ ﻪ ﻋﻠﻴ ﻪ وﺗﻘ ﺪﻳﺮﻩ :إن آﻨ ﺘﻢ ﺻ ﺎدﻗﻴﻦ ﻓ ﻲ ادﻋ ﺎﺋﻜﻢ اﻹﻳﻤ ﺎن ﻓﻠﻠ ﻪ
اﻟﻤﻨﺔ ﻋﻠﻴﻜﻢ أن هﺪاآﻢ ﻟﻺﻳﻤﺎن .
ﻦ ﺑ ﺼﺪﻗﺘﻪ أﻳ ﻀ ًﺎ ،
ﻦ ﻋﻠ ﻰ اﷲ ﺑ ﺼﻼﺗﻪ ،وإذا ﺗ ﺼﺪّق ﺑﻔﻠ ﺴﻴﻦ ﻣ ّ
وﻣﺎ أآﺜﺮ اﻟﻤﻨّـﺎﻧﻴﻦ اﻟﻴﻮم واﻟﻤﺘﺠﺒﺮﻳﻦ ،ﻓﺈذا ﺻﻠﻰ أﺣﺪهﻢ رآﻌﺘﻴﻦ ﻣ ّ
ﻦ ﻋﻠﻴﻨ ﺎ أن
ﻦ ذﻟ ﻚ اﻟﺮﺟ ﻞ واﺳ ﺘﻌﻼﺋﻪ ﻋﻠﻴ ﻪ .ﻣ ﻊ أن اﻟﻔ ﻀﻞ آﻠ ﻪ ﷲ ه ﻮ اﻟ ﺬي ﻳﺠ ﺐ أن ﻳﻤ ّ
وإذا ﻓﻌﻞ ﻣﻌﺮوﻓ ًﺎ ﻣﻊ أﺣﺪ ﻓﺎﻟﻮﻳﻞ ﻟﺬﻟﻚ اﻷﺣﺪ ﻣﻦ ﻣ ّ
هﺪاﻧﺎ ﻟﻺﻳﻤﺎن ورزﻗﻨﺎ وأﻋﻄﺎﻧﺎ وﻋﺎﻓﺎﻧﺎ وإن ﺗﻌﺪّوا ﻧﻌﻤﺔ اﷲ ﻻ ﺗﺤﺼﻮهﺎ .
اﻵﻳﺔ اﻟﺜﺎﻣﻨﺔ ﻋﺸﺮة :
ن(.
ض واﻟّﻠ ُﻪ َﺑﺼِﻴ ٌﺮ ِﺑ َﻤﺎ َﺗﻌْﻤﻠُﻮ َ
ت واﻷ ْر ِ
ﺐ اﻟﺴﱠﻤﻮا ِ
ﻏ ْﻴ َ )إ ﱠ
ن اﻟّﻠ َﻪ َﻳ ْﻌ َﻠ ُﻢ َ
هﺬﻩ ﺁﺧﺮ ﺁﻳﺔ ﻓﻲ ﺳﻮرة اﻟﺤﺠﺮات وﻓﻴﻬﺎ إﺧﺒﺎر ﻣﻦ اﷲ ﻋﺰ وﺟﻞ ﻟﻠﻤﺴﻠﻤﻴﻦ وﺑﻴﺎن ﻟﻬﻢ ﺑﺄﻧ ﻪ ﻳﻌﻠ ﻢ ﻏﻴ ﺐ اﻟ ﺴﻤﻮات واﻷرض ﻓﻬ ﻮ ﻳﻌﻠ ﻢ
ﻖ ﻟﻜﻢ أن ﺗﻌﻠّﻤﻮﻩ ﻣﺎ أﻧﺘﻢ ﻋﻠﻴﻪ ،ﻓﻬﻮ ﻳﻌﻠﻢ ﻣﺎ ﺗﻜﻨّﻪ اﻟﻀﻤﺎﺋﺮ وﻣﺎ ﺗﺘﺤﺪث ﻓﻴﻪ اﻟﻨﻔﻮس وﻣ ﺎ
اﻟﺼﺎدق ﻣﻦ اﻟﻜﺎذب ،واﻟﻤﺆﻣﻦ ﻣﻦ اﻟﻤﻨﺎﻓﻖ ﻓﻼ ﻳﺤ ﱡ
ﻏﺎب واﺳﺘﺘﺮ ﻣﻦ ﺧﺒﺎﻳﺎ اﻟﺴﻤﻮات واﻷرض وهﻮ ﺑﺼﻴﺮ ﺑﺄﻋﻤ ﺎﻟﻜﻢ ﺳ ﺮهﺎ وﺟﻬﺮه ﺎ ﺧﻴﺮه ﺎ وﺷ ﺮهﺎ وه ﻮ اﻟ ﺬي ﺳ ﻴﺠﺎزي آ ﻞ إﻧ ﺴﺎن ﻋﻠ ﻰ ﻣ ﺎ
اﻗﺘﺮف " :ﻓﻤﻦ ﻳﻌﻤﻞ ﻣﺜﻘﺎل ذرة ﺧﻴﺮاص ﻳﺮﻩ ،وﻣﻦ ﻳﻌﻤﻞ ﻣﺜﻘﺎل ذرة ﺷﺮًا ﻳﺮﻩ " .
وهﺬﻩ اﻟﻤﻌﺎﻧﻲ ﺗﻜﺮرت ﻓﻲ آﺜﻴﺮ ﻣﻦ اﻟﺴﻮر ﻷن هﺬا اﻟﻤﺒﺪأ ﻳﺒﻨﻲ ﻋﻠﻴﻪ اﻟﻜﺜﻴﺮ ﻣﻦ اﻷﻣﻮر ﻓﺎﻟﻤﺴﻠﻢ اﻟﺬي ﻳﺴﺘﻴﻘﻦ أن اﷲ ﺑﺼﻴﺮ ﺑﻪ ﻣﻄﻠﻊ
ﻋﻠﻴﻪ ﻳﻌﻠﻢ ﺳﺮﻩ وﺟﻬﺮﻩ ﻳﻔﻜﺮ آﺜﻴﺮًا وآﺜﻴﺮًا ﺟﺪًا ﻗﺒﻞ أن ﻳﺘﻬﺎون ﻓﻲ ﻃﺎﻋﺔ اﷲ ﻋﺰ وﺟﻞ أو ﻳﺮﺗﻜﺐ ﻣﻌﺼﻴﺔ ﻣﻤﺎ ﻧﻬﻰ اﷲ ﻋﻨ ﻪ ،أﻣ ﺎ إذا ﻧﺰﻋ ﺖ
هﺬﻩ اﻟﺮﻗﺎﺑﺔ اﻟﺮﺑﺎﻧﻴﺔ ﻣﻦ اﻟﻨﻔﻮس اﻧﻘﻠﺐ اﻟﻨﺎس ﺑﻐﻔﻠﺘﻬﻢ إﻟﻰ ﺣﺎﻟﺔ ﻗﺮﻳﺒﺔ ﻣﻦ ﺣﺎل اﻟﺒﻬﺎﺋﻢ آﻤﺎ ورد ذﻟﻚ ﻓﻲ ﻗﻮﻟﻪ ﺗﻌﺎﻟﻰ " :وﻟﻘ ﺪ ذرأﻧ ﺎ ﻟﺠ ﻨﻬﻢ
آﺜﻴﺮًا ﻣﻦ اﻟﺠﻦ واﻹﻧﺲ ،ﻟﻬﻢ ﻗﻠﻮب ﻻ ﻳﻔﻘﻬﻮن ﺑﻬﺎ ،وﻟﻬﻢ أﻋﻴﻦ ﻻ ﻳﺒﺼﺮون ﺑﻬﺎ ،وﻟﻬﻢ ﺁذان ﻻ ﻳﺴﻤﻌﻮن ﺑﻬﺎ ،أوﻟﺌﻚ آﺎﻷﻧﻌﺎم ﺑﻞ ه ﻢ أﺿ ﻞ
وأوﻟﺌﻚ هﻢ اﻟﻐﺎﻓﻠﻮن " .
ﺟﻌﻠﻨﺎ اﷲ ﺗﻌﺎﻟﻰ ﻣﻦ اﻟﺬاآﺮﻳﻦ اﻟﺸﺎآﺮﻳﻦ اﻟﺒﻌﻴﺪن ﻋﻦ اﻟﻐﻔﻠﺔ وﻧﺴﺄﻟﻪ ﺗﻌﺎﻟﻰ أن ﻳﻮﻓ ﻖ اﻟﻤ ﺴﻠﻤﻴﻦ إﻟ ﻰ ﻣﻌﺮﻓ ﺔ دﻳ ﻨﻬﻢ واﻟﻌ ﻮدة إﻟﻴ ﻪ ﻋ ﻦ
رﻏﺒﺔ ورهﺒﺔ وأن ﻳﻌﻤﻠﻮا ﻋﻠﻰ ﺳﻌﺎدﺗﻬﻢ ﻓﻲ اﻟ ﺪﻧﻴﺎ واﻵﺧ ﺮة وأن ﻳﻌﻴ ﺸﻮا ﻋﻠ ﻰ ﻣﺎﺋ ﺪة اﻟﻘ ﺮﺁن وﻳﺘﺨﻠﻘ ﻮا ﺑﺄﺧﻼﻗ ﻪ وﻳﺘ ﺄدﺑﻮا ﺑ ﺂداب اﻟﻤ ﺼﻄﻔﻰ
ﺻﻠﻰ اﷲ ﻋﻠﻴﻪ وﺳﻠﻢ وأن ﻳﻌﻴﺸﻮا ﻟﻠﻘﺮﺁن وﺑﺎﻟﻘﺮﺁن إﻧﻪ ﻧﻌﻢ اﻟﻤﻮﻟﻰ وﻧﻌﻢ اﻟﻨﺼﻴﺮ واﺟﻌﻞ ﺁﺧﺮ دﻋﻮاﻧﺎ أن اﻟﺤﻤﺪ ﷲ رب اﻟﻌﺎﻟﻤﻴﻦ .
56
You might also like
- Draft of The Moroccan Constitution 2011Document49 pagesDraft of The Moroccan Constitution 2011طه زهيرNo ratings yet
- مجموع فتاوى ابن تيمية المجلد السادس باب العقيدةDocument193 pagesمجموع فتاوى ابن تيمية المجلد السادس باب العقيدةB.INo ratings yet
- 6th Central Pay Commission Salary CalculatorDocument15 pages6th Central Pay Commission Salary Calculatorrakhonde100% (436)
- اغتنام الأوقات في الباقيات الصالحات قبل هجوم هادم اللذات ومشتت الشمل ومفرق الجماعاتDocument187 pagesاغتنام الأوقات في الباقيات الصالحات قبل هجوم هادم اللذات ومشتت الشمل ومفرق الجماعاتB.INo ratings yet
- الشيخ الشعراوى..دعاء الانبياء و الصالحينDocument97 pagesالشيخ الشعراوى..دعاء الانبياء و الصالحينB.INo ratings yet
- Fatawa Ibn Taymia - 08Document169 pagesFatawa Ibn Taymia - 08abou_hamza100% (1)
- مجموع فتاوى ابن تيمية المجلد العاشرباب الآداب والتصوفDocument224 pagesمجموع فتاوى ابن تيمية المجلد العاشرباب الآداب والتصوفB.I100% (1)
- أحمد ديدات هذه حياتيDocument104 pagesأحمد ديدات هذه حياتيB.Y Al_HussaineNo ratings yet
- صورة المرأة في الشعر الإسلامي المعاصرDocument6 pagesصورة المرأة في الشعر الإسلامي المعاصرB.INo ratings yet
- مجموع فتاوى ابن تيمية المجلد الحادي عشرباب الآداب والتصوفDocument198 pagesمجموع فتاوى ابن تيمية المجلد الحادي عشرباب الآداب والتصوفB.INo ratings yet
- ما ألذّ ذكرياتنا مع الوالدينDocument23 pagesما ألذّ ذكرياتنا مع الوالدينB.INo ratings yet
- مجموع فتاوى ابن تيمية - 01Document132 pagesمجموع فتاوى ابن تيمية - 01Ayman abo yousifNo ratings yet
- مجموع فتاوى ابن تيمية المجلد التاسع باب المنطقDocument97 pagesمجموع فتاوى ابن تيمية المجلد التاسع باب المنطقB.I100% (2)
- مجموع فتاوى ابن تيمية الجزء الرابع باب العقيدةDocument171 pagesمجموع فتاوى ابن تيمية الجزء الرابع باب العقيدةB.INo ratings yet
- مجموع فتاوى ابن تيمية الجزء الثالث باب العقيدةDocument135 pagesمجموع فتاوى ابن تيمية الجزء الثالث باب العقيدةB.INo ratings yet
- مجموع فتاوى ابن تيمية الجزء الثاني باب العقيدةDocument169 pagesمجموع فتاوى ابن تيمية الجزء الثاني باب العقيدةB.INo ratings yet
- مجموع فتاوى ابن تيمية الجزء الخامس باب العقيدةDocument187 pagesمجموع فتاوى ابن تيمية الجزء الخامس باب العقيدةB.INo ratings yet
- أطفالنا وشاشة التلفازDocument6 pagesأطفالنا وشاشة التلفازB.INo ratings yet
- مسائل يكثر السؤال عنها في أحكام العقيقةDocument11 pagesمسائل يكثر السؤال عنها في أحكام العقيقةB.INo ratings yet
- إلى الآباء ! قبل أن يفلت الزمامDocument11 pagesإلى الآباء ! قبل أن يفلت الزمامB.INo ratings yet
- القصيدة الفاشيةDocument8 pagesالقصيدة الفاشيةB.INo ratings yet
- حال السلف في رمضانDocument5 pagesحال السلف في رمضانB.INo ratings yet
- لسعات العقاربDocument2 pagesلسعات العقاربB.INo ratings yet
- 6th Central Pay Commission Salary CalculatorDocument15 pages6th Central Pay Commission Salary Calculatorrakhonde100% (436)
- ملخص أحكام سجود السهوDocument1 pageملخص أحكام سجود السهوB.I100% (2)
- محرمات استهان بها الناسDocument57 pagesمحرمات استهان بها الناسB.I100% (1)
