You are on page 1of 4

‫كتاب “من جيد إلى عظيم” ‪Good To Great‬‬

‫هو كتاب ُنشر في عام ‪ 2001‬وقد بيع منه مليين النسخ‪ .‬مؤلف الكتاب هو جيم كوِلنز ‪Jim‬‬
‫‪ Collins‬والذي كان يعمل في السابق كأستاذ بجامعة ستانفورد ‪Stanford University‬‬
‫المعروفة‪ ،‬وهو يدير حاليا مركزه للبحاث الدارية‪ .‬يتميز الكتاب بأنه خلصة بحث قام به فريق‬
‫بقيادة جيم كولنز واستمر خمس سنوات‪ .‬الهدف من هذا البحث هو الوقوف على السباب‬
‫التي تجعل الشركات تنتقل من المستوى الجيد إلى المستوى العظيم‪ .‬أحاول في هذه المقالة‬
‫النظر في هذا الكتاب‪.‬‬

‫ما أهمية الكتاب؟‬

‫إن السؤال الذي يطرحه الكتاب هو سؤال مهم فعل فكلنا نحب أن نعرف السباب التي تجعل‬
‫شركة في حال مقبولة تنتقل إلى مستوى الشركات العظيمة‪ .‬فمعرفتنا بهذه السباب‬
‫يساعدنا على تطوير أنفسنا وتحسين أساليبنا الدارية‪ .‬والكتاب اعتمد في اختياره للشركات‬
‫موضع الدراسة على النتائج المالية خلل فترة طويلة‪ .‬فالشركات التي تم اختيارها استطاعت‬
‫أن تحقق زيادة في أسعار أسهمها خلل خمسة عشر عاما تزيد ثلثة أضعاف عن زيادة مؤشر‬
‫السوق‪ .‬والدراسة لم تعتمد على هذه الشركات فقط بل تم مقارنة هذه الشركات بشركات‬
‫أخرى لم تستطع أن تحقق هذه القفزة‪ .‬ففكرة البحث متميزة والجهد الذي بذل فيها كبيرا‬
‫والنتائج كذلك مثيرة‪.‬‬

‫أول ما يثيرك في هذا الكتاب أن الشركات الحد عشر التي تم اختيارها ليست من الشركات‬
‫التي تسمع عنها كل يوم بل ربما لم تسمع عن بعضها من قبل‪ .‬ولكن هذه هي نتيجة البحث‬
‫ونتيجة تطبيق القاعدة سالفة الذكر‪ .‬فهذه الشركات استطاعت تحقيق طفرة كبيرة على‬
‫مدار ‪ 15‬عاما ما بين ‪ 1965‬و ‪ 1995‬أي خلل أي ‪ 15‬عاما متوالية في تلك الفترة‪ .‬وجميع‬
‫الشركات موضع الدراسة هي شركات أمريكية وذلك لن الختيار تم أصل بين الشركات‬
‫المريكية‪.‬‬

‫أي نوع من المديرين؟‬

‫إن الدراسة أوضحت أن هذه الشركات كان وراءها مديرون أو على وجه الدقة قادة متميزين‪.‬‬
‫ويبين الكتاب أن سمات مشتركة تجمع هؤلء القادة منها أنهم متواضعين ولديهم إصرار على‬
‫النجاح‪ .‬هذه نتيجة غريبة فأكثرنا ‪-‬أو ربما كلنا‪ -‬يتصور قائد شركة عظيمة كشخص لديه حضور‬
‫إعلمي وشخصية شرسة واعتزاز شديد بالنفس‪ .‬ولكن الكتاب أوضح أن التواضع مع الصرار‬
‫على النجاح هما السمتان الظاهرتان في هؤلء القادة‪ .‬فيمكنك أن تكون متواضعا وأن تكون‬
‫مديرا ناجحا وليس بالضرورة أن تتخلى عن أخلقك الرفيعة لكي تصبح قائدا عظيما‪.‬‬

‫‪1‬‬
‫وهؤلء القادة لديهم إصرار على النجاح ولكن النجاح المقصود هنا هو نجاح المؤسسة التي‬
‫ينتمون إليها‪ .‬فهم يريدون أن يحولوا شركاتهم إلى شركات عظيمة‪ .‬هذا بعكس المدير الذي‬
‫يريد أن يصبح هو عظيما‪ .‬ول شك أنك رأيت مديرين كثيرين يحاولون تعظيم مكاسبهم على‬
‫حساب شركاتهم‪ .‬ولكن هؤلء القادة يحبون أن يرتقوا بمؤسساتهم ل أن يصبحوا قادة‬
‫مشاهير‪ .‬وتبعا لذلك فهؤلء القادة ل يحاولون الوصول إلى نجاح سريع مؤقت خلل فترة‬
‫إدارتهم للمؤسسة بل هم يريدون أن تظل المؤسسة ناجحة على المدى البعيد حتى بعد أن‬
‫يتركوها‪ .‬ومع تواضعهم فهم حازمون ولديهم القدرة على اتخاذ قرارات صعبة‪.‬‬

‫ويشير الكتاب إلى أن هؤلء القادة يتميزون بأنهم ل ينسبون النجاح لنفسهم فل يقول لك لقد‬
‫نجحنا بسبب قيادتي الباهرة بل ينسبون النجاح للخرين أو للحظ أحيانا مع أنك عندما تسأل‬
‫من حولهم فإنهم يشيرون إلى دور هذا القائد المتميز‪ .‬وعلى العكس فهؤلء المديرون‬
‫كر في ذلك وفي من رأيت من مديرين وزملء‪ .‬لبد أن قلة منهم‬ ‫ينسبون الفشل لنفسهم‪ .‬ف ّ‬
‫تفعل ذلك مع السف‪.‬‬

‫هذه أمور تجعلنا نفكر في أسلوب اختيار المديرين وكيف أن الشخص الذي يهدف لمصلحة‬
‫المؤسسة قد ل يصل إلى المناصب العليا بعكس الشخص الذي يحب الظهور ول يهتم‬
‫لمصلحة المؤسسة‪.‬‬

‫اختيار المديرين أول‬

‫توصل البحث إلى أن أول اهتمام لهؤلء القادة هو اختيار القادة أي فريق العمل الذي سيعمل‬
‫معهم‪ .‬هم ل يبدؤون بالستراتيجية بل يبدؤون باختيار فريق عمل رائع جدا من منطلق أن‬
‫الفريق الرائع يستطيع توجيه الشركة في التجاه الصحيح ويستطيع مواجهة الصعاب‪ .‬وهؤلء‬
‫القادة يبنون فريقا متميزا من المديرين بعكس الشركات الخرى التي يكون الساس فيها‬
‫مدير عبقري ‪-‬على القل من وجهة نظره هو‪ -‬ومعه فريق من المستمعين‪ .‬هذه نقطة أخرى‬
‫مهمة فهي تبين اهتمام هؤلء المديرين بالعمل كفريق عمل‪.‬‬

‫ويشير الكتاب إلى أن هؤلء القادة يخلقون ثقافة عمل تسمح لمرؤوسيهم أن يبينوا لهم‬
‫المشاكل‪ .‬هذا بعكس ثقافة العمل التي يخشى فيها الموظف أن يواجه الرئيس بالمشاكل أو‬
‫يبدي رأيا يخالف رأي رئيسه أو يبين له أن قراره قد أثر سلبا على العمل‪ .‬هؤلء يواجهون‬
‫مّرة‪ .‬فهؤلء المديرين يحبون النقاش المثمر‬ ‫المشاكل ويريدون سماع الحقيقة ولو كانت ُ‬
‫ويحبون أن يتعرفوا على وجهات نظر مرؤوسيهم‪ .‬فهم ل يديرون مناقشات ظاهرية بل هم‬
‫يريدون مشاركة في التفكير ممن حولهم‪ .‬ومما يشجع على خلق هذا الجو الصحي أنهم عندما‬
‫يناقشون مشكلة فإنهم يحاولون الوصول إلى كيفية التغلب عليها ومنعها مستقبل والتعلم منها‬
‫ول يركزون على توجيه التهامات‪.‬‬

‫السبب الرئيسي‬

‫يبين الكتاب أن المديرين في هذه الشركات ل يستطيعون تحديد حدثا رئيسيا أدى بهم إلى‬
‫النتقال إلى الشركات العظيمة ول يستطيعون تحديد اسما محددا لما قاموا به‪ .‬ويخلص‬
‫الكتاب إلى أن هذا التحول يتم عبر سنوات طويلة ولكنه كما لو كنت تدير عجلة ثقيلة فعندما‬
‫تبدأ في إداراتها تحتاج قوة كبيرة ثم لو استمررت في دفعها باستمرار في نفس التجاه فإنها‬
‫تدور بسرعة كبيرة‪ .‬ويقصد الكاتب بذلك أن هذا النجاح يأتي نتيجة أعمال كثيرة متلحقة‬
‫ومتلحمة ولكنها جميعها تدفع العجلة في نفس التجاه أي تدفع الشركة في نفس التجاه‬
‫الصحيح فيحدث التحول الكبير‪ .‬وهذا يعني أن هؤلء المديرين كان لديهم الصبر والصرار‬
‫والقدرة على مواجهة الصعاب‪ .‬كما أن لديهم رؤية واضحة لما ينبغي أن يفعلوه وما ل ينبغي‬
‫أن يفعلوه‪.‬‬

‫‪2‬‬
‫ثقافة الحرية مع النضباط الذاتي‬

‫يبين الكتاب أن هذه الشركات تتميز بثقافة تمنح المديرين والموظفين الحرية لتجربة أفكار‬
‫جديدة ولكن مع وجود ثقافة انضباط ذاتي‪ .‬فهذه ثقافة انضباط وليس ثقافة الخوف من‬
‫المدير‪ .‬وهذا يعني أن هذه الشركات لديها عمالة تتمتع بالنضباط الذاتي فهم يعرفون نطاق‬
‫الحرية التي يتمتعون بها ويعرفون الهداف العامة التي تحكم أفعالهم وقراراتهم‪.‬‬

‫الدوائر الثلث‬

‫يبين الكتاب أن هذه الشركات تحدد اتجاهها باستخدام ثلث دوائر‪ .‬كل دائرة من هذه الدوائر‬
‫تختص بسؤال محدد‪ .‬فالول‪ :‬ما هو الشيء الذي يمكن أن نؤديه بحماس شديد؟ والثاني‪ :‬ما‬
‫هو الشيء الذي نستطيع أن نصل فيه إلى المرتبة الولى عالميا؟ والثالث‪ :‬ما الذي يحرك‬
‫ماكينتنا القتصادية؟ وتحاول هذه الشركات الوصول للشيء الذي تستطيع أداءه بحماس‬
‫وشغف والشيء الذي تستطيع أن تبدع فيه والشيء الذي يحقق مكاسب اقتصادية‪.‬‬

‫فهذه الشركات ل تكتفي بأنها تؤدي عمل ما بشكل جيد وتحقق أرباحا مقبولة بل تبحث عن‬
‫ما تؤديها بشكل ل يؤديه به غيرها‪ .‬إنها تركز جهودها في أنشطة محددة وهذه النشطة هي‬
‫أنشطة تتحمس لها المؤسسة‪ .‬ومن خلل فهم اقتصاديات الصناعة تتمكن هذه الشركات من‬
‫تحقيق أرباح هائلة‪.‬‬

‫تعليقات‪:‬‬

‫هناك بعض المور التي قد نستفيدها من هذا الكتاب‪:‬‬

‫‪ -1‬التركيز الكبير على اختيار المديرين والموظفين‪ .‬فكما أوضح الكتاب فإن هؤلء المديرين‬
‫يبحثون عن فريق العمل المتميز قبل التفكير في الستراتيجية‪ .‬إنهم يؤمنون بأن فريقا جيدا‬
‫يستطيع تحديد التجاه ويستطيع مواجهة العواصف‪ .‬وهذا المر يجعلنا نعيد النظر ونعطي كثيرا‬
‫من جهدنا ووقتنا لعملية اختيار موظف جديد وعمليات الترقي واختيار المديرين‪ .‬وانظر إلى ما‬
‫تبحث عنه فإنك تبحث عن أفرادا متميزين لديهم حماس وانضباط‪ .‬تبحث عن مديرين لديهم‬
‫الحب على العمل في فريق ولديهم الرغبة في تحقيق النجاح‪.‬‬

‫‪ -2‬النجاح يحتاج لصبر ومثابرة وتكاتف‪ .‬فالمر ل يأتي عن طريق فرصة واحدة تستغلها أو‬
‫اختراع واحد بل هي عملية طويلة متكاملة‪ .‬وهذا يبين لنا أهمية أل يدير شخص العجلة في‬
‫اتجاه ثم يأتي زميله يحاول أن يديرها في التجاه المعاكس ثم يأتي آخر فيريح هذا وذاك‬
‫ويخلع العجلة من مكانها‪ .‬إن التقدم ل يأتي من أناس عباقرة عمالقة وإنما من بشر مثلي‬
‫ومثلك ولكنهم كلهم يديرون العجلة في نفس التجاه وكلهم ينظر لها عندما تدور وهو فخور‬
‫بها‪ .‬إن التقدم يأتي من بشر مثلي ومثلك يضع أحدهم بذرة فيأتي الخر فيرويها ويأتي الثالث‬
‫فيضع بذرة أخرى ‪.‬‬

‫‪ -3‬إن وصف مديري هذه الشركات يجعلنا نفكر في طريقة اختيارنا للمديرين‪ .‬إن الكتاب‬
‫يتحدث عن مديرين متواضعين ولديهم حرص وإصرار على نجاح المؤسسة نجاحا باهرا‪ .‬فهم ل‬
‫يتباهون بأنفسهم ول يبنون مجدا شخصيا وهم ل يرضون لمؤسساتهم بما هو جيد بل يريدون‬
‫ح فكرة المدير المتعجرف سليط اللسان ولنبحث عن مدير متواضع‬ ‫لها أن تكون عظيمة‪ .‬فلنم ُ‬
‫يستطيع أن يبني فريقا ويستطيع أن يجعل العاملين يبدعون‪.‬‬

‫‪3‬‬
‫‪ -4‬إن ثقافة العقاب والتهديد ل تصلح للشركات العظيمة فهي تتميز بثقافة الحرية مع‬
‫النضباط الذاتي‪ .‬إن ثقافة المدير الفذ الذي يستطيع وحده معرفة الصواب في دقائق المور‬
‫وعظيمها ل تصلح لهذه الشركات‪.‬‬

‫‪ -5‬إن هذه الشركات لها شخصيتها فهي ل تجري وراء كل صيحة ول تفعل شيئا لن كل‬
‫الشركات المنافسة تفعل ذلك‪ .‬إنها تحدد اتجاهها بناء على ما يمكنها أن تبدع فيه وما تحب أن‬
‫تؤديه‪ .‬ونحن علينا أن نختار ما يمكننا أن نبدع فيه كأفراد وكمؤسسات‪ .‬علينا أن نختار كيف‬
‫نقود مؤسساتنا في العالم النامي لتصبح شركات عظيمة‪.‬‬

‫‪ -6‬الكتاب يبين أن في العالم الغربي من يحاول بناء صفا ثانيا قويا ومن يهدف إلى بقاء‬
‫شركته ناجحة بعد أن يتقاعد‪ .‬أل يفترض بمن يصلي في اليوم خمس مرات أن يفعل ذلك؟‬
‫هل ُيعقل أن تجد الكثير من المديرين يحاولون تحقير مرؤوسيهم ليضمنوا البقاء في‬
‫مناصبهم؟ هل يصح أن يحاول المدير إخفاء المعلومات عن مرؤوسيه لكي يظل هو الوحيد‬
‫الذي يمتلك المعلومات؟ وإن كان ل ُيعقل ول يصح فإن المصيبة الكبر أل تحاول المؤسسة‬
‫محاربة هذا السلوك بل وقد يجد مثل هؤلء فرصا للترقي‪.‬‬

‫ربما ل تكون رئيسا لشركة وربما ل تكون مديرا كبيرا في مؤسستك ولكن يمكنك فعل الكثير‪.‬‬
‫حول جزءا صغيرا جدا من مؤسستك‬ ‫يمكنك أن ترتقي بعملك من جيد إلى عظيم‪ .‬يمكنك أن ت ّ‬
‫من جيد إلى عظيم‪ .‬ومن يدري ربما يوما ما تصبح رئيسا لشركة كبيرة وُتطّبق ما قمت به من‬
‫قبل على الشركة كلها ثم يأتي مؤلف عربي فيؤلف كتاب‪ :‬شركات عربية من جيدة إلى‬
‫عظيمة‪.‬‬

‫‪4‬‬

You might also like