Professional Documents
Culture Documents
شيْخِ العَلّمةِ
فَضَيلةِ ال ّ
صلَ بِنَ عَبدِ ال َعزِيزِ آل ُمبَارَك
َفيْ َ
ت 1376هـ رَ ِح َمهُ الُ
الزء الثالث
من سورة الكهف إل سورة فصلت
ت فِيهِم
ِب ِعدِّتهِم مّا َيعْلَ ُمهُ ْم ِإلّا قَلِي ٌل فَلَا تُمَا ِر فِيهِ ْم ِإلّا ِمرَاء ظَاهِرا وَلَا تَ سْتَفْ ِ
شيْ ٍء إِنّي فَا ِع ٌل َذلِ كَ غَدا (ِ )23إلّا أَن َيشَاءَ
مّ ْنهُ ْم َأحَدا (َ )22ولَا َتقُوَلنّ ِل َ
ت َوقُلْ عَ سَى أَن َي ْهدِيَ نِ َربّ ي ِلَأ ْقرَ بَ مِ نْ َهذَا
اللّ ُه وَاذْكُر ّربّ كَ ِإذَا نَ سِي َ
ي وَا ْزدَادُوا تِ سْعا (ُ )25قلِ
ث مَِئةٍ سِنِ َ
َرشَدا (َ )24ولَبِثُوا فِي َك ْه ِفهِ مْ ثَلَا َ
ص ْر بِ ِه َوأَسْ ِم ْع مَا َلهُم مّن
ض َأبْ ِ
ب السّمَاوَاتِ وَالْأَرْ ِ
ال ّلهُ أَعْ َل ُم بِمَا لَبِثُوا َلهُ غَيْ ُ
شرِ ُك فِي ُحكْ ِمهِ َأحَدا (. ﴾ )26
دُونِ ِه مِن َوِليّ َولَا ُي ْ
***
5 توفيق الرحن ف دروس القرآن
َمـ
َابـ َول ْ
ِهـ الْكِت َ
ّهـ اّلذِي أَنزَلَ عَلَى عَ ْبد ِ
قوله عـز وجـل ﴿ :الْحَ ْم ُد لِل ِ
ي اّلذِينَ
جعَل ّلهُ ِعوَجَا ( )1قَيّما لّيُنذِرَ َبأْسا َشدِيدا مِن ّلدُنْ ُه َويَُبشّ َر الْ ُمؤْمِنِ َ
يَ ْ
َيعْمَلُو نَ ال صّالِحَاتِ أَنّ َلهُ مْ َأجْرا حَ سَنا ( )2مَاكِثِيَ فِي ِه َأبَدا (َ )3ويُنذِرَ
خذَ ال ّل ُه َولَدا ( )4مّا َلهُم ِب ِه ِمنْ عِ ْلمٍ َولَا لِآبَاِئ ِهمْ كَُب َرتْ كَلِ َمةً
اّلذِي َن قَالُوا اتّ َ
ك بَاخِ ٌع ّنفْ سَكَ عَلَى
ج مِ ْن َأفْوَاهِهِ ْم إِن َيقُولُو َن ِإلّا َكذِبا ( )5فَ َلعَلّ َ
خرُ ُ
تَ ْ
حدِيثِ َأسَفا (ِ )6إنّا جَعَلْنَا مَا عَلَى اْلأَرْضِ زِيَنةً
آثَا ِر ِهمْ إِن ّل ْم ُيؤْمِنُوا ِب َهذَا الْ َ
صعِيدا ُجرُزا (
ّلهَا لِنَبْ ُلوَهُ مْ َأّيهُ مْ أَحْ سَنُ َعمَلً ( )7وَِإنّا لَجَاعِلُو نَ مَا عَلَ ْيهَا َ
. ﴾ )8
جعَل لّ ُه ِعوَجَا * َقيّما ﴾ ،يقول :أنزل عن ابن عباس :قوله ﴿ :وَلَ ْم يَ ْ
َ ِعوَجََا ﴾ .وقال قتادة :معناه : َ يَجْعََل لّه ُ الكتاب عدلً قيما ﴿ ،وَلَم ْ
ب وَلَ ْم يَجْعَل لّ ُه ِعوَجَا ﴾ ول كن جعله ﴿ َقيّما ﴿ أَنزَ َل عَلَى َعبْدِ ِه اْلكِتَا َ
ّليُنذِ َر َبأْسا شَدِيدا ﴾ .قال بن إسحاق :عاجل عقوبة ف الدنيا ،وعذابًا ف
الخرة ﴿ مِن لّ ُدنْهُ ﴾ .أي :من عند ربك الذي بعثك رسولً .
﴿ َوُيبَشّ َر الْ ُم ْؤمِنِيَ الّذِي َن َيعْمَلُو نَ ال صّالِحَاتِ َأنّ َلهُ مْ أَجْرا حَ سَنا مَا ِكثِيَ
فِي هِ َأبَدا ﴾ أي :ف دار خلد ل يوتون فيه ،الذين صدقوك با جئت به عن
ّهَ وَلَدا ﴾ ،يعنَ : ِينَ قَالُوا اتّخَذَ الل ُ
ال وعملوا باَ أمرتمَ َ ﴿ ،ويُنذِ َر الّذ َ
خرُ جُقريشا ف قولم :إنا نعبد اللئكة وهن بنات ال َ ﴿ .كبُرَ تْ كَلِ َم ًة تَ ْ
مِنْ أَ ْفوَاهِهِمْ ﴾ قولم :إن اللئكة بنات ال ﴿ إِن َيقُولُونَ إِلّا كَذِبا ﴾ .
الزء الثالث 6
ك بَا ِخ ٌع ّنفْ سَكَ ﴾ قات ُل نفسك ﴿ ،عَلَى آثَا ِرهِ مْ إِن وعن قتادة ﴿ :فََلعَلّ َ
لّ ْم ُي ْؤمِنُوا ِبهَذَا الْحَدِي ثِ أَ سَفا ﴾ ،قال :حزنا علي هم .قال ا بن إ سحاق :
يعاتبه على حزنه عليهم ،حي فاته ما كان يرجو منهم ،أي :ل تفعل .
س ُن عَ َملً ﴾ اختبارًا ﴿ ِإنّا َجعَ ْلنَا مَا عَلَى الْأَرْضِ زِيَنةً ّلهَا ِلنَبُْل َوهُمْ أَّيهُمْ أَحْ َ
لم ،أيهم أتبع لمري وأعمل بطاعت .وقال قتادة :ذكر لنا أن نب ال
كان يقول « :إن الدنيَا خضرة حلوة ،وإن ال مسَتخلفكم فيهَا ،فناظَر
كيف تعملون ،فاتقوا الدنيا واتقوا النساء » .
صعِيدا ُجرُزا ﴾ ،يعن : وعن ابن إسحاق َ ﴿ :وإِنّا لَجَاعِلُو َن مَا عََلْيهَا َ
الرض إن ما علي ها لفان وبائد ،وإن الر جع إلّ ،فل تأس ول يز نك ما
ستسمع وترى فيها .
قال ا بن كث ي :و قد ذ كر م مد بن إ سحاق سبب نزول هذه ال سورة
الكرية ،فقال :حدثن شيخ من أهل مصر قدم علينا منذ بضع وأربعي سنة
عن عكرمة ،عن ابن عباس قال :بعثت قريش النضر بن الارث ،وعقبة بن
أب ُمعَيط ،إل أحبار يهود بالدينة ،فقالوا لم :سلوهم عن ممد ،وصفوا
ل م صفته ،وأخبوهم بقوله ؛ فإن م أهل الكتاب الول ،وعند هم ما ليس
عند نا من علم ال نبياء .فخر جا ح ت قد ما الدي نة ،ف سألوا أحبار يهود عن
ر سول ال ،وو صفوا ل م أمره وب عض قوله ،وقال :إن كم أ هل التوراة ،
وقد جئناكم لتخبونا عن صاحبنا هذا .قال :فقالوا لم :سلوه عن ثلث
نأمركم بن ،فإن أخبكم ِبهِ نّ :فهو نب مرسل ،وإل :فهو رجل ُمَتقَول
7 توفيق الرحن ف دروس القرآن
قروا فيه رأيكم :سلوه عن فتية ذهبوا ف الدهر الول ،ما كان من أمرهم ؟
فإنم قد كان لم حديث عجيب .وسلوه عن رجل طوّاف بلغ ف مشارق
الرض ومغارب ا ،ما كان نبَأه ؟ و سلوه عن الروح ،ما هو ؟ فإن أ خبكم
بذلك فهو نب فاتبعوه ،وإن ل يبكم فإنه رجل متقول ،فاصنعوا ف أمره
ما بدا لكم .
فأقبل النضر ،وعقبة حت قدما على قريش ،فقال :يا معشر قريش ،قد
جئنا كم بف صل ما بين كم وب ي م مد ،قد أمر نا أحبار يهود أن ن سأله عن
أمور ،فأخَبوهم باَ ،فجاءوا رسَول ال فقالوا :يَا ممَد ،أخبنَا :
فسألوه عما أمروهم به ،فقال لم رسول ال « :أخبكم غدًا عما سألتم
عنَه » .ول يسَتثن ،فانصَرفوا عنَه ،ومكَث رسَول ال خسَ عشرة
ليلة ،ل يُحدث ال ف ذلك وحيًا ،ول يأت يه جب يل عل يه ال سلم ،ح ت
أرجف أهل مكة وقالوا :وعدنا ممد غدًا ،واليوم خ سَ عشرةَ قد أصبحنا
في ها ،ل يُخب نا بش يء م ا سألناه ع نه .وح ت أحز نَ ر سول ال مك ثُ
الوحي عنه ،وشق عليه ما يتكلم به أهل مكة ،ث جاءه جبيل عليه السلم
من عند ال عز وجل بسورة أصحاب الكهف ،فيها معاتبته إياه على حزنه
عليهم ،و َخبَر ما سألوه عنه من أمر الفتية والرجل الطواف ،وقول ال عز
ح مِ نْ َأمْرِ َربّي َومَا أُوتِيتُ ْم مِ َن اْلعِلْمِ
ك عَ نِ الرّو حِ قُلِ الرّو ُ
سأَلُونَ َ
وجل َ ﴿ :ويَ ْ
إِل قَلِيل ﴾ .
الزء الثالث 8
خذُوا مِن دُونِ هِ آِل َهةً ّل ْولَا َيأْتُو نَ َعلَيْهِم بِ سُلْطَا ٍن بَيّ ٍن فَمَ نْ
َه ُؤلَاء َق ْومُنَا اتّ َ
أَظْلَ ُم مِمّ ِن افَْترَى عَلَى اللّ هِ َكذِبا (َ )15وِإذِ اعَْت َزلْتُمُوهُ مْ وَمَا َيعُْبدُو َن ِإلّا
ش ْر لَكُ مْ َرّبكُم مّن رّحته ويُهَّيئْ لَكُم مّ ْن َأ ْمرِكُم
اللّ َه َفأْوُوا ِإلَى الْ َكهْ فِ يَن ُ
ّم ْرفَقا (. ﴾ )16
قال ابن إسحاق :مرج أهل النيل ،وعظمت فيهم الطايا ،وطغت
فيهم اللوك حت عبدوا الصنام ،وذبوا للطواغيت ،وفيهم بقايا على دين
السَيح متمسَّكي بعبادة ال وتوحيده ،فكان منَ فعَل ذلك مَن ملوكهَم
ملك من الروم يقال له دقينوس ،وكان قد عبد الصنام ،وذبح للطواغيت ،
وقتل من خالفه ف ذلك .
وقال ماهد :كان أصحاب الكهف أبناء عظماء مدينتهم وأهل سوقهم ،
فخرجوا فاجتمعوا وراء الدينة على غي ميعاد ،فقال رجل منهم هو أسنّهم :
إ ن ل جد ف نف سي شيئًا ما أ ظن أن أحدًا يده ،قالوا :ماذا ت د ؟ قال :
أجد ف نفسي أن رب رب السماوات والرض ،وقالوا :نن ند ،فقاموا
جيعًا َ ﴿ :فقَالُوا َربّنَا رَبّ ال سّمَاوَاتِ وَاْلأَرْ ضِ لَن نّ ْد ُعوَ مِن دُونِ هِ إِلَها َلقَدْ
ُقلْنَا إِذا شَطَطا ﴾ فاجتمعوا أن يدخلوا الكهَف وعلى مدينتهَم إذ ذاك جبار
ي وَازْدَادُوا تِسَْعا َنِ َ
َ ِمَئةٍ س ِ يقال له دقينوس ،فلبثوا فَ الكهَف ﴿ ثَلَاث َ
﴾ رقداء .
الزء الثالث 10
عن عكر مة قال :كان أ صحاب الك هف أبناء ملوك الروم ،رزق هم ال
السَلم ،فتعوذوا بدينهَم ،واعتزلوا قومهَم ،حتَ انتهوا إل الكهَف ،
فضرب ال على سعهم فلبثوا دهرًا طويلً ،ح ت هل كت أمت هم وجاءت أ مة
مسَلمة وكان ملكهَم مسَلمًا فاختلفوا فَ الروح ،والسَد .فقال قائل :
يب عث الروح وال سد جيعًا ،وقال قائل :يب عث الروح فأ ما ال سد فتأكله
الرض فل يكون شيئًا ،فش قّ على ملكهم اختلفهم ،فانطلق فلبس السوح
وجلس على الرماد ،ثَ دعَا ال تعال :أي رب قَد ترى اختلف هؤلء
فابعث لم آية تبي لم ،فبعث ال أصحاب الكهف ،فبعثوا أحدهم يشتري
لم طعامًا ،فدخل السوق فجعل ينكر الوجوه ويعرف الطرق ،ويرى اليان
بالدي نة ظاهرًا ،فانطلق و هو م ستخف ح ت أ تى رجلً يشتري م نه طعامًا ،
فلما نظر الرجل إل الوَرِ قِ أنكرها فقال له الفت :أليس ملككم فلن قال :
بل ملك نا فلن ،فلم يزل ذلك بينه ما ح ت رف عه إل اللك ،ف سأله فأ خبه
الفت خب أصحابه ،فبعث اللك ف الناس فجمعهم فقال :إنكم قد اختلفتم
ف الروح والسد ،وإن ال قد بعث لكم آية ،فهذا رجل من قوم فلن -
يع ن ملك هم الذي م ضى -فقال الف ت :انطلقوا ب إل أ صحاب ،فر كب
اللك ور كب م عه الناس ح ت انتهوا إل ك هف ،فقال الف ت :دعو ن أد خل
إل أ صحاب ،فل ما أب صرهم ضرب على أذ نه وعلى آذان م ،فل ما ا ستبطئوه
دخل اللك ودخل الناس معه ،فإذا أجساد ل ينكرون منها شيئًا غي أنا ل
أرواح فيها ،فقال اللك :هذه آية بعثها ال لكم .
13 توفيق الرحن ف دروس القرآن
ّسَجِدا
ِمََلَنتّخِذَنّ عََليْهِم م ْ وقوله تعال ﴿ :قَالَ الّذ َ
ِينَ غََلبُوا عَلَى َأمْ ِره ْ
﴾ .قال ابن كثي :حكى ابن جرير ف القائلي ذلك قولي :أحدها :إنم
السلمون منهم .والثان :أهل الشرك منهم ،فال أعلم .والظاهر أن الذين
قالوا ذلك هم أصحاب الكلمة والنفوذ .ولكن هل هم ممودون أم ل ؟ فيه
نظر ؛ لن النب قال « :لعن ال اليهود ،والنصارى ،اتذوا قبور أنبيائهم
وصاليهم مساجد » .يذر ما فعلوا .انتهى .
ْسـةٌ
ُونـ خَم َ
ُمـ َوَيقُول َ
ُمـ كَلُْبه ْ
سـيَقُولُو َن ثَلَاثَةٌ رّابِ ُعه ْ
قوله عـز وجـل َ ﴿ :
ب َوَيقُولُونَ سَ ْب َعةٌ َوثَامُِنهُمْ كَلُْبهُمْ قُل ّربّي أَعْلَمُ
سَا ِدسُ ُهمْ كَلُْبهُمْ َرجْما بِاْلغَيْ ِ
ت فِيهِم
ِب ِعدِّتهِم مّا َيعْلَ ُمهُ ْم ِإلّا قَلِي ٌل فَلَا تُمَا ِر فِيهِ ْم ِإلّا ِمرَاء ظَاهِرا وَلَا تَ سْتَفْ ِ
شيْ ٍء إِنّي فَا ِع ٌل َذلِكَ غَدا ( ِ )23إلّا أَن َيشَاءَ
مّ ْنهُمْ َأحَدا ( )22وَلَا َتقُوَلنّ ِل َ
ت َوقُلْ عَ سَى أَن َي ْهدِيَ نِ َربّ ي ِلَأ ْقرَ بَ مِ نْ َهذَا
اللّ ُه وَاذْكُر ّربّ كَ ِإذَا نَ سِي َ
ي وَا ْزدَادُوا تِ سْعا ( ُ )25قلِ
ث مَِئةٍ سِنِ َ
َرشَدا (َ )24ولَبِثُوا فِي َك ْه ِفهِ مْ ثَلَا َ
ص ْر بِ ِه َوأَسْ ِم ْع مَا َلهُم مّن
ض َأبْ ِ
ب السّمَاوَاتِ وَالْأَرْ ِ
ال ّلهُ أَعْ َل ُم بِمَا لَبِثُوا َلهُ غَيْ ُ
شرِ ُك فِي ُحكْ ِمهِ َأحَدا (. ﴾ )26
دُونِ ِه مِن َوِليّ َولَا ُي ْ
عن قتادة ﴿ :مّ ا َيعَْل ُمهُ مْ إِلّا قَلِيلٌ ﴾ ،يقول :قل يل من الناس .و عن ا بن
عباس ﴿ :مّا َيعْلَ ُمهُمْ إِلّا َقلِيلٌ ﴾ ،قال :أنا من القليل ،كانوا سبعة ﴿ .فَلَا
تُمَارِ فِيهِم َْإِلّا ِمرَاء ظَاهِرا ﴾ ،يقول :إلّ باَ قَد أظهرنَا لك مَن أمرهَم .
وقال قتادة ،أي :حسَبك مَا قصَصنا عليَك مَن شأنمَ وعَن ابَن عباس
الزء الثالث 14
سَتفْتِ فِيهِم ّمْنهُ مْ أَحَدا ﴾ ،قال :هم أهل الكتاب .وعن أب ﴿ :وَلَا تَ ْ
ك غَدا * إِلّا أَن يَشَاءَ اللّ هُ
شيْءٍ ِإنّي فَاعِلٌ ذَلِ َ
العالية ف قوله ﴿ :وَلَا َتقُولَنّ لِ َ
وَاذْكُر ّربّكَ إِذَا نَسِيتَ ﴾ ث ذكرت فاستثن .
ب مِ ْن هَذَا َرشَدا ﴾ ،
وقوله تعال ﴿ :وَقُ ْل عَ سَى أَن َيهْ ِديَ نِ َربّ ي ِلأَقْرَ َ
قال ا بن كث ي :أي :إذا سئُلت عن ش يء ل تعل مه فا سأل ال تعال ف يه ،
وتوجه إليه ف أن يوفقك للصواب والرشد ف ذلك .وعن ماهد ﴿ :وََلبِثُوا
ي وَازْدَادُوا تِ سْعا ﴾ ،قال :عدد ما لبثوا .و عن
ث ِمَئةٍ ِسنِ َ
فِي َك ْه ِفهِ مْ ثَلَا َ
قتادة ﴿ :أَبْصِ ْر بِ ِه َوأَ سْمِعْ ﴾ ،فل أحد أبصر من ال ول أسع تبارك وتعال
.
***
15 توفيق الرحن ف دروس القرآن
ج َد مِن
ك لَا مَُب ّدلَ ِلكَلِمَاتِ ِه َولَن تَ ِ
﴿ وَاْت ُل مَا أُوحِ يَ ِإلَيْ كَ مِن كِتَا بِ َربّ َ
سكَ َم َع اّلذِينَ َيدْعُو نَ َرّبهُم بِاْل َغدَا ِة وَاْل َعشِيّ
دُونِهِ مُلَْتحَدا ( )27وَا صِْب ْر َنفْ َ
ُيرِيدُو نَ َو ْجهَ هُ َولَا َت ْعدُ عَيْنَا كَ عَ ْنهُ ْم ُترِيدُ زِيَنةَ الْحَيَا ِة ال ّدنْيَا َولَا تُطِ ْع مَ نْ
حقّ مِن
أَ ْغفَلْنَا قَلْبَ هُ عَن ذِ ْكرِنَا وَاتّبَ َع َهوَا ُه وَكَا َن َأمْرُ ُه ُفرُطا (َ )28وقُ ِل الْ َ
ّرّبكُ مْ فَمَن شَاء فَلُْيؤْمِن وَمَن شَاء فَلَْيكْ ُفرْ إِنّ ا أَعَْتدْنَا لِلظّالِمِيَ نَارا َأحَا طَ
ْسـ
ُوهـ بِئ َ
َسـَتغِيثُوا ُيغَاثُوا بِمَاء كَالْ ُم ْه ِل َيشْوِي الْ ُوج َ
سـرَادِ ُقهَا َوإِن ي ْ
ِمـ ُ
ِبه ْ
ت ِإنّ ا لَا
شرَا بُ وَ سَاءتْ ُم ْرتَفَقا ( )29إِنّ اّلذِي نَ آمَنُوا وَعَمِلُوا ال صّالِحَا ِ
ال ّ
جرِي مِن
ك َلهُ ْم جَنّا تُ َعدْ ٍن تَ ْ
نُضِي عُ أَ ْجرَ مَ ْن َأحْ سَنَ َعمَلً (ُ )30أ ْولَئِ َ
تَحِْتهِ مُ اْلَأنْهَا ُر يُحَ ّلوْ َن فِيهَا مِ ْن أَ سَاوِ َر مِن َذهَ بٍ َويَلْبَ سُو َن ثِيَابا خُضْرا مّن
ت ُمرَْتفَقا (
ب وَحَ سُنَ ْ
ق مّتّكِئِيَ فِيهَا عَلَى الْأَرَائِ كِ ِنعْ َم الّثوَا ُ
س َوإِ سْتَ ْبرَ ٍ
سُندُ ٍ
َابـ
ِنـ أَعْن ٍ
ْنـ م ْ
ْنـ جَعَلْن َا ِلَأحَ ِدهِم َا جَنّتَي ِ
ِبـ لَه ُم مّثَلً ّرجُلَي ِ
ضر ْ )31وَا ْ
ت أُكُ َلهَا َولَ مْ
خ ٍل َوجَعَلْنَا بَيَْنهُمَا زَرْعا ( )32كِلْتَا الْجَنّتَيْ نِ آتَ ْ
َوحَ َففْنَاهُمَا بِنَ ْ
جرْنَا خِلَاَلهُمَا َنهَرا ( )33وَكَا َن لَ هُ ثَ َم ٌر َفقَا َل لِ صَاحِِبهِ
تَظْلِ ْم مِنْ هُ شَيْئا َوفَ ّ
َوهُ َو يُحَاوِرُ ُه أَنَا أَكَْثرُ مِن كَ مَالً َوأَ َع ّز نَفَرا (َ )34و َدخَ َل جَنّتَ ُه وَ ُهوَ ظَالِ مٌ
سهِ قَالَ مَا أَظُنّ أَن تَبِي َد َهذِ هِ َأبَدا ( )35وَمَا أَظُنّ ال سّا َع َة قَائِ َمةً َولَئِن
لَّنفْ ِ
ّردِدتّ ِإلَى َربّي َلأَ ِجدَ ّن خَيْرا مّ ْنهَا مُنقَلَبا ( )36قَا َل َلهُ صَاحُِبهُ َو ُهوَ يُحَاوِ ُرهُ
الزء الثالث 16
***
الزء الثالث 18
ح ُيقَلّ بُ َكفّيْ هِ عَلَى مَا أَنفَ َق فِيهَا وَهِ َي خَا ِوَيةٌ عَلَى
ط بِثَ َمرِهِ َفأَصْبَ َ
َ )41وأُحِي َ
ُعرُوشِهَا َوَيقُولُ يَا لَيْتَنِي لَم ْـُأ ْشرِك ْـِب َربّيـَأحَدا ( )42وَلَم ْـتَكُن لّهُـ فَِئةٌ
حقّ ُهوَ
صرُوَنهُ مِن دُونِ اللّ ِه َومَا كَا َن مُنتَصِرا ( )43هُنَالِكَ اْلوَلَايَ ُة لِلّ ِه الْ َ
يَن ُ
خَ ْي ٌر ثَوَابا َوخَيْرٌ ُعقْبا (. ﴾ )44
لاَ ذكَر سَبحانه وتعال الكافريَن السَتكبين والؤمنيَ السَتضعفي ،
ضرب ل م مثلً بذ ين الرجل ي ؛ قال قتادة ف قوله َ ﴿ :فقَالَ لِ صَا ِحبِ ِه َوهُوَ
يُحَا ِورُهَُأَنَا أَ ْكثَ ُر مِنكََ مَالً َوَأعَ ّز َنفَرا ﴾ تلك وال أمنيَة الفا جر كثرة الال
وعزة النفر ﴿ ،وَدَ َخلَ َجّنتَ هُ َو ُه َو ظَالِ مٌ ّلَنفْ سِهِ قَالَ مَا َأظُنّ أَن َتبِي َد هَذِ هِ َأبَدا
َومَا َأظُنّ السّا َعةَ قَائِ َمةً ﴾ ،كفور لنعم ربه ،مكذب بلقائه متمن على ال .
وقوله تعال ﴿ :قَالَ لَ هُ صَا ِحبُ ُه َو ُهوَ يُحَاوِرُ هُ ﴾ أي :يادله ﴿ أَ َكفَرْ تَ
ب ثُمّ مِن نّ ْط َف ٍة ثُمّ َسوّاكَ رَ ُجلً ّل ِكنّا ُهوَ اللّ هُ َربّي وَلَا
ك مِن تُرَا ٍ
بِالّذِي خََلقَ َ
ُأشْ ِر ُك بِ َربّي أَحَدا ﴾ .
قال البغوي :وأصله ( :لكن إنا ) فحذفت المزة طلبًا للتخفيف لكثرة
استعمالا ،ث أدغمت إحدى النوني ف الخرى .
وقال ابن كثي ّ ﴿ :لكِنّا ُهوَ اللّهُ َربّي ﴾ أي :لكن أنا ل أقول بقالتك ،
بل أعترف ل بالوحدانية والربوبية ﴿ ،وَلَا ُأشْرِ كُ بِ َربّي أَحَدا ﴾ ،أي :بل
هو ال العبود وحده ل شريك له .
الزء الثالث 22
ض ِربْ َلهُم مَّث َل الْحَيَاةِ ال ّدنْيَا كَمَاء أَن َزلْنَاهُ ِمنَ السّمَاءِ
قوله عز وجل ﴿ :وَا ْ
ح وَكَا َن اللّ هُ عَلَى ُكلّ
ح َهشِيما َتذْرُو ُه ال ّريَا ُ
ض َفأَ صَْب َ
ت الْأَرْ ِ
ط بِ هِ نَبَا ُ
فَاخْتَلَ َ
ت ال صّالِحَاتُ
َشيْ ٍء ّمقْتَدِرا ( )45الْمَا ُل وَالْبَنُو نَ زِيَنةُ الْحَيَا ِة ال ّدنْيَا وَالْبَاقِيَا ُ
ك ثَوَابا َوخَيْ ٌر َأمَلً ( )46وََيوْ مَ نُ سَّيرُ الْجِبَالَ وََترَى اْلأَرْ ضَ
خَ ْيرٌ عِندَ َربّ َ
صفّا
ش ْرنَاهُ ْم فَلَ ْم ُنغَادِ ْر مِ ْنهُ مْ أَحَدا ( )47وَ ُعرِضُوا عَلَى َربّ كَ َ
بَارِ َز ًة وَ َح َ
ج َع َل لَكُم مّوْعِدا (
ّل َقدْ جِئْتُمُونَا كَمَا خَلَقْنَاكُ مْ َأ ّولَ َم ّر ٍة َبلْ َزعَمْتُ ْم َألّن نّ ْ
ج ِرمِيَ ُمشْ ِفقِيَ مِمّا فِي ِه َويَقُولُو نَ يَا َويْلَتَنَا
َ )48ووُضِ َع الْكِتَا بُ فََترَى الْمُ ْ
ي ًة ِإلّا أَحْ صَاهَا َووَ َجدُوا مَا َعمِلُوا
ي ًة َولَا كَبِ َ
صغِ َ
ب لَا ُيغَادِرُ َ
مَالِ َهذَا الْكِتَا ِ
حَاضِرا َولَا يَظْ ِلمُ َرّبكَ َأحَدا (. ﴾ )49
ت ال صّالِحَاتُ ﴾ ،قال :هي ذكر ال . عن ابن عباس قوله ﴿ :وَالْبَاِقيَا ُ
قول :ل إله إل ال ،وال أكَب ،وسَبحان ال ،وال مد ل ،وتبارك ال ،
ول حول ول قوة إل بال ،وأسَتغفر ال ،وصَلى ال على رسَول ال .
والصيام ،والصلة ،والج ،والصدقة ،والعتق ،والهاد ،والصلة ،وجيع
أعمال السنات .وه ّن الباقيات الصالات ،الت تبقى لهلها ف النة ،ما
دامت السماوات والرض .
وعن ماهد َ ﴿ :وتَرَى الْأَرْ ضَ بَارِ َزةً ﴾ ،ل حجر فيها ول غيابة ،ول
ش جر ،ول بناء ،ول جبال في ها .و عن قتادة :قوله ﴿ :مَا ِل هَذَا الْ ِكتَا بِ
صَغِ َيةً وَلَا َكبِ َيةً إِلّا أَحْصََاهَا ﴾ ،اشتكَى القوم كمَا تسَمعونلَا ُيغَا ِدرُ َ
الزء الثالث 24
الحصاء ،ول يشتك أحد ظلمًا ،فإياكم والحقّرات من الذنوب فإنا تتمع
على صاحبها حت تلكه .ذكر لنا أن نب ال كان يضرب لا مثلً يقول :
« كم ثل قوم انطلقوا ي سيون ح ت نزلوا بفلة من الرض ،وح ضر صنيع
القوم ،فانطلق كل رجل يتطب ،فجعل الرجل ييء بالعود وييء الخر
بالعود ،حتَ جعوا سَوادًا كثيًا وأجّجوا نارًا .فإن الذنَب الصَغي يتمَع
على صاحبه حت يهلكه » .
***
25 توفيق الرحن ف دروس القرآن
جنّ
جدُوا إِلّا ِإبْلِي سَ كَا نَ مِ َن الْ ِ
جدُوا لِآدَ َم فَ سَ َ
﴿ َوإِ ْذ قُلْنَا لِلْمَلَائِ َكةِ ا سْ ُ
خذُونَ ُه َوذُ ّريّتَهُ َأ ْولِيَاء مِن دُونِي وَهُ ْم َلكُمْ َع ُدوّ بِئْسَ
سقَ عَنْ َأ ْمرِ َربّ ِه َأفَتَتّ ِ
َففَ َ
ْقـ
ْضـ َولَا خَل َ
السـمَاوَاتِ وَالْأَر ِ
ْقـ ُّمـ خَل َ
لِلظّالِمِيَ َب َدلً ( )50مَا َأ ْشهَدّته ْ
خذَ الْمُضِلّيَ عَضُدا ( )51وََيوْ مَ يَقُو ُل نَادُوا ُشرَكَائِ يَ
ت مُتّ ِ
سهِ ْم َومَا كُن ُ
أَنفُ ِ
اّلذِينَ َزعَمْتُمْ َفدَ َع ْوهُمْ فَلَ ْم يَسْتَجِيبُوا َلهُمْ َو َجعَلْنَا بَيَْنهُم ّم ْوبِقا ( )52وَ َرأَى
صرِفا ( )53وََل َقدْ
جدُوا عَ ْنهَا مَ ْ
ج ِرمُو َن النّارَ فَظَنّوا َأنّهُم ّموَا ِقعُوهَا َولَ مْ يَ ِ
الْمُ ْ
ص ّرفْنَا فِي َهذَا اْلقُرْآ ِن لِلنّا سِ مِن ُك ّل مََثلٍ وَكَا َن الْإِن سَانُ أَكَْث َر َشيْءٍ جَ َدلً
َ
س أَن ُيؤْمِنُوا ِإ ْذ جَاءهُ مُ اْلهُدَى َويَ سَْتغْ ِفرُوا َرّبهُ ْم ِإلّا أَن
(َ )54ومَا مَنَ َع النّا َ
َت ْأتَِيهُ مْ سُّنةُ اْلأَ ّولِيَ َأ ْو َيأْتَِيهُ ُم الْ َعذَا بُ قُُبلً ( )55وَمَا ُنرْ ِسلُ الْ ُمرْ سَلِيَ إِلّا
ـ الْحَقّـ
ـ َكفَرُوا بِالْبَا ِطلِ لُِي ْدحِضُوا بِه ِ
ـ وَيُجَا ِدلُ اّلذِين َ
ـ وَمُنذِرِين َ
شرِين َ
مَُب ّ
خذُوا آيَاتِي وَمَا أُنذِرُوا ُهزُوا ( )56وَمَ ْن أَظْلَ ُم مِمّ ن ذُ ّكرَ بِآيَا تِ َربّ هِ
وَاتّ َ
َفأَ ْعرَ ضَ عَ ْنهَا َونَ سِ َي مَا َق ّدمَ تْ َيدَا هُ ِإنّا جَعَلْنَا عَلَى قُلُوِبهِ مْ أَكِّن ًة أَن َيفْ َقهُو هُ
َوفِي آذَاِنهِمْ َوقْرا َوإِن َتدْ ُعهُ ْم إِلَى اْل ُهدَى فَلَن َيهَْتدُوا إِذا أَبَدا ( )57وَ َربّكَ
جلَ َلهُ مُ اْل َعذَا بَ بَل لّهُم
اْلغَفُو ُر ذُو الرّحْ َم ِة َلوْ ُيؤَا ِخذُهُم بِمَا كَ سَبُوا َلعَ ّ
جدُوا مِن دُونِ هِ َم ْوئِلً (َ )58وتِلْ كَ اْل ُقرَى َأهْ َلكْنَاهُ ْم لَمّ ا َظلَمُوا
ّموْ ِعدٌ لّن يَ ِ
َوجَعَلْنَا لِ َمهْ ِلكِهِم مّوْعِدا (. ﴾ )59
***
الزء الثالث 26
***
الزء الثالث 30
اسْتَ ْطعَمَا َأهْ َلهَا َفَأبَوْا أَن يُضَّيفُوهُمَا َف َوجَدَا فِيهَا ِجدَارا ُيرِيدُ أَ ْن يَنقَضّ َفَأقَامَهُ
ِكـ
َاقـ بَيْن ِي َوبَيْن َ
ْهـ َأجْرا ( )77قَالَ َهذَا ِفر ُ
ْتـ َعلَي ِ
خذ َْتـ لَاتّ َ
قَالَ َلوْ شِئ َ
َتـ
السـفِيَنةُ َفكَان ْ
صـبْرا (َ )78أمّاـ ّ
ْهـ َ
َسـتَطِع عّلَي ِ
َمـ ت ْ
ك بَِتأْوِيلِ مَا ل ْ
سـُأنَبّئُ َ
َ
ك َيأْ ُخذُ
ح ِر َفأَرَدتّ أَ ْن أَعِيبَهَا وَكَا َن وَرَاءهُم مّلِ ٌ
ي َيعْمَلُو َن فِي الْبَ ْ
لِمَ سَاكِ َ
خشِينَا أَن ُيرْ ِه َقهُمَا
ُكلّ سَفِيَنةٍ غَصْبا (َ )79وَأمّا اْلغُلَا ُم َفكَا َن َأبَوَا ُه ُمؤْمِنَيْنِ فَ َ
ُطغْيَانا وَ ُكفْرا (َ )80فأَ َر ْدنَا أَن يُ ْب ِدَلهُمَا َرّبهُمَا خَيْرا مّنْ هُ زَكَا ًة َوَأقْرَ بَ ُرحْما
ن ّلهُمَا
جدَا ُر َفكَا نَ ِلغُلَامَيْ نِ يَتِيمَيْ ِن فِي الْ َمدِينَ ِة وَكَا َن تَحْتَ هُ كَ ٌ
(َ )81وَأمّا الْ ِ
نهُمَا
خ ِرجَا كَ َ
ك أَ ْن يَبْلُغَا َأشُ ّدهُمَا َويَ سْتَ ْ
وَكَا َن َأبُوهُمَا صَالِحا َفأَرَادَ َربّ َ
صبْرا (
ك َومَا َفعَلْتُ هُ عَ نْ َأ ْمرِي َذلِ كَ َت ْأوِي ُل مَا لَ ْم تَ سْطِع عّلَيْ هِ َ
َرحْ َم ًة مّن ّربّ َ
. ﴾ )82
***
الزء الثالث 32
جمَ عَ
ح حَتّ ى َأبْلُ َغ مَ ْ
قوله عز و جل َ ﴿ :وِإذْ قَالَ مُو سَى ِلفَتَا ُه لَا َأْبرَ ُ
خذَ
ح َريْنِ َأ ْو أَمْضِ َي حُقُبا ( )60فَلَمّا بَ َلغَا مَجْ َم َع بَيِْنهِمَا نَسِيَا حُوَتهُمَا فَاتّ َ
الْبَ ْ
حرِ سَرَبا ( )61فَلَمّا جَاوَزَا قَا َل ِلفَتَاهُ آتِنَا َغدَاءنَا َل َقدْ َلقِينَا مِن
سَبِي َل ُه فِي الْبَ ْ
خ َر ِة َفِإنّيـ نَسـِيتُ
الصـ ْ
ْتـ ِإ ْذ أَ َويْنَا ِإلَى ّ
سـَفرِنَا هَذَا نَصـَبا ( )62قَا َل أَ َرأَي َ
َ
حرِ عَجَبا (
خذَ سَبِي َلهُ فِي الْبَ ْ
ت وَمَا أَنسَانِي ُه ِإلّا الشّيْطَا ُن أَ ْن َأذْ ُكرَهُ وَاتّ َ
الْحُو َ
ك مَا كُنّا نَبْ ِغ فَا ْرتَدّا عَلَى آثَا ِرهِمَا قَ صَصا (َ )64ف َوجَدَا عَبْدا
)63قَالَ َذلِ َ
ّمنْ عِبَا ِدنَا آتَيْنَاهُ َرحْ َم ًة ِمنْ عِندِنَا وَعَلّمْنَا ُه مِن ّل ُدنّا عِلْما (. ﴾ )65
ح َريْ نِ ﴾ .والبحران :بر فارس
عن قتادة قوله َ ﴿ :حتّى َأبْلُ غَ مَجْمَ عَ الْبَ ْ
والروم ،وب ر الروم م ا يلي الغرب ،وب ر فارس م ا يلي الشرق .و عن ا بن
عباس :قوله َ ﴿ :أوْ َأمْضِ يَ ُحقُبا ﴾ ،قال :دهرًا .وقال عبد ال بن عمر :
لقُب ثانون سنة . وا ُ
حرِ َسرَبا ﴾ وحلق بيده .و عن
وقال ا بن عباس ﴿ :فَاتّخَذَ َسبِيلَهُ فِي الْبَ ْ
ماهد :قوله ﴿ :فِي اْلبَحْ ِر عَجَبا ﴾ ،قال :موسى يعجب من أثر الوت
ف البحر ودوراته الت غاب فيها ،فوجدا عندها خطرًا .
قوله عز وجل ﴿ :قَا َل لَهُ مُوسَى هَ ْل َأتِّبعُكَ عَلَى أَن تُعَلّمَ ِن مِمّا عُلّمْتَ
ف تَ صِْبرُ عَلَى مَا
ُرشْدا ( )66قَالَ ِإنّ كَ لَن تَ سْتَطِي َع َمعِ يَ صَبْرا ( )67وَكَيْ َ
ج ُدنِي إِن شَاء اللّ هُ صَابِرا َولَا أَعْ صِي لَ كَ
ط بِ ِه خُبْرا ( )68قَالَ سَتَ ِ
لَ ْم تُحِ ْ
33 توفيق الرحن ف دروس القرآن
ك مِنْ هُ
ث لَ َ
َأمْرا ( )69قَالَ َفإِ نِ اتَّبعْتَنِي فَلَا تَ سَْألْنِي عَن شَيْ ٍء حَتّ ى ُأحْدِ َ
ذِكْرا (. ﴾ )70
ْهَ
َكَ ِمن ُ
ِثَ ل َ
َسَأَلْنِي عَن َشيْءٍ َحتّىَأُ ْحد َ
عَن ابَن عباس :قال ﴿ َفلَا ت ْ
ذِكْرا﴾ يعن :عن شيء أصنعه حت أبي لك شأنه .
السـفِيَنةِ َخ َرقَهَا قَالَ
قوله عـز وجـل ﴿ :فَانطَلَقَا حَتّىـ ِإذَا رَكِبَا فِي ّ
ّكـ لَن
َمـ َأقُ ْل ِإن َ
ْتـ شَيْئا ِإمْرا ( )71قَا َل َأل ْ
ِقـ َأهْلَهَا َلقَ ْد جِئ َ
َأ َخرَقْتَهَا لُِت ْغر َ
ت َولَا ُت ْرهِقْنِي مِ نْ
تَ سْتَطِيعَ مَعِ يَ صَبْرا ( )72قَا َل لَا ُتؤَا ِخذْنِي بِمَا نَ سِي ُ
َأ ْمرِي ُعسْرا (. ﴾ )73
َ َشيْئا ِإمْرا ﴾ ،أي :عجبا ،إن قومًَا عَن قتادة قوله َ ﴿ :لقَدْ ِجئْت َ
لّجوا سفينتهم فخرقتها كأحوج ما تكون إليها ؟ ! ولكن عَلِم من ذلك ما
ل يعلم نَب ال موسَى .ذلك مَن علم ال الذي آتاه ،وقَد قال لنَب ال
سأَْلنِي عَن َشيْءٍ َحتّى أُحْدِ ثَ لَ كَ
موسى عليه السلم َ ﴿ :فإِ نِ اّتبَ ْعَتنِي فَلَا تَ ْ
ِمنْهُ ذِكْرا ﴾ .
ت َنفْسا
قوله عز وجل ﴿ :فَانطَلَقَا حَتّى ِإذَا َلقِيَا غُلَاما َفقَتَلَ ُه قَا َل َأقَتَلْ َ
ّكـ لَن
ّكـ ِإن َ
َمـ أَقُل ل َ
ْتـ شَيْئا نّكْرا ( )74قَا َل َأل ْ
ْسـ ّلقَ ْد جِئ َ
َزكِّيةً ِبغَ ْي ِر نَف ٍ
تَسْتَطِيعَ مَعِي صَبْرا ( )75قَا َل إِن سََألُْتكَ عَن َشيْ ٍء َبعْ َدهَا فَلَا تُصَاحِبْنِي َقدْ
ت مِن ّل ُدنّي ُعذْرا (. ﴾ )76
بَ َلغْ َ
الزء الثالث 34
قال ابن عباس :كذب عدو ال ،حدثنا أُبّ بن كعب رضي ال عنه أنه سع
ر سول ال يقول « :إن مو سى قام خطيبًا ف ب ن إ سرائيل ف سئل :أي
الناس أعلم ؟ قال :أنا .فعتب ال عليه إذ ل يردّ العلم إليه ،فأوحى ال إليه
ب وكيف ل أن ل عبدًا بجمعِ البحرينِ ،هو أعلم منك .قال موسى :يا ر ّ
به ؟ قال :تأخذ معك حوتًا ،فتجعلهُ بكتل فحيثما فقدت الوت فهو ثَمّ .
فأخذ حوتًا فجعله بك تل ،ثُمّ انطلق ،وانطلق معه فتاه يوشع بن نون عليه
ال سلم ح ت إذا أت يا ال صخرة وض عا رؤو سهما فنا ما ،واضطرب الوت ف
حرِ َسرَبا ﴾ ، الكتل ،فخرج منه فسقط ف البحر ﴿ ،فَاتّخَذَ َسبِيلَهُ فِي الْبَ ْ
وأمسك ال عن الوت جرية الاء فصار عليه مثل الطاق ،فلما استيقظ نسي
صاحبه أن يبه بالوت فانطلقا يومهما وليلتهما ،حت إذا كان من الغداة ،
﴿ قَالَ ﴾ موسى ِ ﴿ :ل َفتَا ُه آِتنَا غَدَاءنَا َلقَدْ َلقِينَا مِن َسفَ ِرنَا هَذَا نَ صَبا ﴾ ول
ي د مو سى النَ صَب ح ت جاوز الكان الذي أمره ال به ﴿ ،قَالَ ﴾ له فتاه
شيْطَانُ
ت َومَا أَنسَانِيهُ إِلّا ال ّ ﴿ :أَ َرَأيْتَ إِذْ َأوَْينَا إِلَى الصّخْ َرةِ فَِإنّي نَسِيتُ الْحُو َ
سَبِيلَهُ ف ِي اْلبَحْ ِر عَجَبا ﴾ ،قال :فكان للحوت سَربًا خ َذ ََهَ وَاتّ َ
َنَ أَذْ ُكر ُ
أ ْ
ْغَ فَا ْرتَدّا عَلَى آثَا ِرهِم َا
ِكَ م َا ُكنّاَ َنب ِولوسَى وفتاه عجب ًا .فقال ﴿ :ذَل َ
قَ صَصا ﴾ ،قال :فرجع يق صّان أثره ا حت انته يا إل الصخرة .فإذا رجل
مسجّي بثوب ،فسلم عليه موسى .فقال الضر :وأنّى بأرضك السلم .
فقال :أ نا مو سى .فقال :مو سى ب ن إ سرائيل ؟ قال :ن عم .قال :أتي تك
َْرا ﴾ ،يَا َطِي َع َمعِيََ صَب لتعلّمنَ ﴿ مِمّاَ عُلّمْتََ ُرشْدا * قَالَ إِنّكََلَن تَس ْتَ
الزء الثالث 36
موسى إن على علم من علم ال علّمنيه ل تعلمه أنت .وأنت على علم من
علم ال علّمكه ال ل أعلمه .فقال موسى َ ﴿ :ستَجِ ُدنِي إِن شَاء اللّ هُ صَابِرا
وَلَا َأعْ صِي لَكَ َأمْرا ﴾ ،قال له الضر ﴿ :فَإِنِ اّتبَ ْعَتنِي َفلَا تَسْأَْلنِي عَن َشيْءٍ
ك ِمنْهُ ذِكْرا * فَانطََلقَا ﴾ ،يشِيان عَلى ساحِل البحر ،فمرّت َحتّى أُحْدِثَ لَ َ
سفينة فكلّموهم أن يملوهم فعرفوا الضر فحملوهم بغي نول ،فلما ركبا
ف السفينة ل يفجأ إل والضر قد قلع لوحًا من ألواح السفينة بالقدّوم ،فقال
له موسى :قد حلونا بغي نول فعمدت إل سفينتهم فخرقتها ﴿ ِلُتغْرِقَ َأهَْلهَا
صبْرا * قَالَ ستَطِيعَ َم ِعيَ َ َلقَدْ ِجئْتَ َشيْئا ِإمْرا ﴾ ؟ ! ﴿ قَالَ أَلَمْ أَقُلْ ِإنّكَ لَن تَ ْ
لَا ُتؤَاخِ ْذنِي بِمَا نَسِيتُ وَلَا ُت ْرهِ ْقنِي مِنْ َأمْرِي عُسْرا ﴾ .
قال :وقال رسَول ال « :فكانَت الول مَن موسَى نسَيانًا » .قال :
وجاء عصفور فوقع على حرف السفينة فنقر ف البحر نقرة أو نقرتي .فقال
له الضر :ما علمي وعلمك ف علم ال إل :مثل ما نقص هذا العصفور من
هذا البحر .ث خرجا من السفينة .فبينما ها يشيان على الساحل إذ أبصر
الضر غلمًا يلعب مع الغلمان ،فأخ َذ الضر رأسه فاقتلعه بيده فقتلهُ ،فقال
ْتَ َشيْئا ّنكْرا ﴾ ؟ ! ْسَّلقَدْ ِجئ َ ْتَ َنفْسَا زَ ِكّيةً ِب َغيْ ِر َنف ٍ
لهَ موسَى ﴿ :أََقتَل َ ُ
صبْرا ﴾ ؟ قال :وهذه أشد من ستَطِي َع َمعِي َ ﴿ قَالَ أَلَمْ أَقُل لّكَ ِإنّكَ لَن تَ ْ
الول ﴿ ،قَالَ إِن َسأَْلتُكَ عَن َشيْءٍ بَعْ َدهَا فَلَا تُ صَا ِحْبنِي َق ْد بََلغْ تَ مِن لّ ُدنّي
َتَ ْطعَمَا أَهْلَهََا َفَأبَوْا أَن
عُذْرا ﴾ ﴿ ،فَانطَلَقََا َحتّىَ إِذَا َأتَيََا َأهْلَ َق ْرَيةٍ اس ْ
ضيّفُوهُمَا َف َوجَدَا فِيهَا جِدَارا يُرِيدُ أَ نْ يَن َقضّ ﴾ ،أي :مائلً .فقال الضر ُي َ
37 توفيق الرحن ف دروس القرآن
َهَ ﴾ فقال موسَى :قوم آتيناهَم فلم يطعمونَا ول يضيّفونَا ؟ بيده ﴿ َفأَقَام ُ
ق َبيْنِي َوبَْينِ كَ َسُأَنبّئُكَ
ت عََليْ هِ أَجْرا * قَا َل هَذَا فِرَا ُ
! ﴿ َل ْو ِشئْ تَ لَاتّخَذْ َ
صبْرا ﴾ .فقال رسول ال « :وددنا أن موسى ستَطِع عَّليْهِ َ
ِبَتأْوِي ِل مَا لَ ْم تَ ْ
كان صب حت يقص ال علينا من خبها » .قال سعيد بن جبي :كان ابن
عباس :يقرأ ( وكان أمامهم ملك يأخذ كل سفينة صالة غصبًا ) ،وكان
يقرأ ( :وأما الغلم كان كافرًا وكان أبواه مؤمني ) راوه البخاري وف رواية
( :وف أصل الصخرة عي يقال لا :الياة .ل يصيب من ماءها شيء إل
َحيِيَ فأصاب الوت من ماء تلك العي فتحرّك وانسلّ من الكتل فدخل البحر
).
وف رواية ( :فرجعا فوجدا خضرًا على طنفسة خضراء ،على كبد البحر ؛
وفيها ) .قال سعيد :وجد غلمانًا يلعبون فأخذ غلمّا كافرًا ظريفًا فأضجعه
ت َنفْ سا زَ ِكّيةً ﴾ ل تع مل ال بث ؟ وفي ها
ث ذب ه بال سكي فقال ﴿ :أََقتَلْ َ
كانت الول نسيانًا ،والثانية :شرطًا .والثالثة :عمدًا .وعن ابن عباس ف
قوله ﴿ :وَكَانَ َأبُوهُمَا صَالِحا ﴾ ،قال ُ :حفِظَا بصلح أبيهما .
***
الزء الثالث 38
سأَلُونَكَ عَن ذِي اْلقَ ْرنَيْ ِن ُقلْ َسأَتْلُو عَلَيْكُم مّنْ ُه ذِكْرا (ِ )83إنّ ا
﴿ َويَ ْ
ض وَآتَيْنَا هُ مِن ُكلّ َشيْءٍ سَبَبا (َ )84فَأتْبَ عَ سَبَبا ()85
َمكّنّ ا لَ ُه فِي اْلأَرْ ِ
ب فِي عَيْ نٍ حَمَِئةٍ َووَ َجدَ عِندَهَا
س َوجَدَهَا َت ْغرُ ُ
حَتّ ى ِإذَا بَلَ َغ َمغْرِ بَ الشّمْ ِ
خ َذ فِيهِ ْم حُ سْنا ( )86قَالَ
ب َوإِمّا أَن تَتّ ِ
َقوْما قُلْنَا يَا ذَا اْل َقرْنَيْ نِ ِإمّا أَن ُتعَذّ َ
سوْفَ نُ َع ّذبُ هُ ُثمّ ُي َر ّد إِلَى َربّ ِه فَُيعَ ّذبُ هُ َعذَابا نّكْرا (َ )87وَأمّا
َأمّا مَن ظَلَ مَ فَ َ
مَ نْ آمَ َن وَعَ ِملَ صَالِحا فَلَ هُ َجزَاء الْحُ سْنَى وَ سََنقُو ُل لَ هُ مِ ْن َأمْرِنَا يُ سْرا (
ُ )88ثمّ َأتْبَ عَ سَبَبا ( )89حَتّى ِإذَا بَلَ َغ مَطْ ِل َع الشّمْ سِ َوجَ َدهَا تَطْلُ عُ عَلَى
جعَل ّلهُم مّن دُوِنهَا سِتْرا (َ )90ك َذلِكَ َو َقدْ َأحَطْنَا بِمَا َل َديْ ِه خُبْرا
َقوْ ٍم لّمْ َن ْ
(ُ )91ثمّ َأتْبَعَ سَبَبا ( )92حَتّى ِإذَا بَلَ َغ بَيْنَ السّ ّدْينِ َوجَ َد مِن دُونِهِمَا َقوْما
ج َومَ ْأجُو جَ
لّا يَكَادُو نَ َي ْفقَهُو نَ َق ْولً ( )93قَالُوا يَا ذَا اْل َقرْنَيْ نِ إِنّ َيأْجُو َ
ج َع َل بَيْنَنَا وَبَيَْن ُهمْ َسدّا
ك َخرْجا عَلَى أَن تَ ْ
ج َع ُل لَ َ
ض َفهَ ْل نَ ْ
سدُو َن فِي اْلأَرْ ِ
ُم ْف ِ
( )94قَالَ مَا َمكّنّي فِي هِ َربّي خَ ْي ٌر َفأَعِينُونِي ِب ُقوّ ٍة َأجْ َع ْل بَيَْنكُ مْ َوبَيَْنهُ مْ َردْما
حدِيدِ حَتّ ى ِإذَا سَاوَى بَيْ نَ ال صّ َدفَ ْينِ قَالَ انفُخُوا حَتّ ى
( )95آتُونِي ُزَبرَ الْ َ
ِإذَا َجعَلَ ُه نَارا قَالَ آتُونِي أُ ْفرِ غْ عَلَيْ هِ قِطْرا ( )96فَمَا ا سْطَاعُوا أَن يَ ْظهَرُو هُ
وَمَا ا سْتَطَاعُوا لَ هُ َنقْبا ( )97قَا َل هَذَا َرحْ َمةٌ مّ ن ّربّ ي َفِإذَا جَاء وَ ْعدُ َربّ ي
ج فِي
ضهُ مْ َي ْومَئِ ٍذ يَمُو ُ
َجعَلَ هُ دَكّاء وَكَا َن وَ ْعدُ َربّ ي َحقّا (َ )98وَترَكْنَا َبعْ َ
ّمـ يَ ْومَِئذٍ
ُمـ جَمْعا ( )99وَ َعرَضْنَا َجهَن َ
ِخـ فِي الصـّو ِر فَجَ َمعْنَاه ْ
ْضـ َوُنف َ
َبع ٍ
39 توفيق الرحن ف دروس القرآن
***
الزء الثالث 40
سَألُونَكَ عَن ذِي الْ َق ْرنَيْ نِ ُقلْ سََأتْلُو عَلَيْكُم مّنْ هُ
قوله عز وجل ﴿ :وَيَ ْ
ذِكْرا (ِ )83إنّا َمكّنّا لَ ُه فِي اْلأَرْضِ وَآتَيْنَاهُ مِن ُك ّل شَيْءٍ سَبَبا ( َ )84فَأتْبَ عَ
ب فِي عَيْ نٍ حَمَِئةٍ
س َوجَدَهَا َتغْرُ ُ
ب الشّمْ ِ
سَبَبا ( )85حَتّ ى ِإذَا بَلَ َغ َمغْرِ َ
خذَ فِيهِ مْ
َووَ َجدَ عِندَهَا قَوْما قُلْنَا يَا ذَا الْ َق ْرنَيْ ِن ِإمّ ا أَن ُت َعذّ بَ َوِإمّ ا أَن تَتّ ِ
ف ُن َعذّبُ ُه ُثمّ ُي َردّ ِإلَى َربّ هِ فَُي َعذّبُ هُ َعذَابا
حُ سْنا ( )86قَا َل َأمّا مَن ظَلَ َم فَ سَوْ َ
ّنكْرا ( )87وََأمّا مَنْ آمَ َن وَ َع ِملَ صَالِحا فَلَ ُه َجزَاء الْحُسْنَى وَسََنقُولُ لَهُ مِنْ
َأ ْمرِنَا ُيسْرا (. ﴾ )88
َبَبا ﴾ ،يقول :
َ مَِن كُ ّل َشيْ ٍء س َ
عَن ابَن عباس قوله ﴿ :وَآتَْينَاه ُ
علمًا َ ﴿ ،فأَْتبَعَ َسبَبا ﴾ ،يعن :بالسبب النل .وقال ماهد :منلً وطريقًا
ما بي الشرق ،والغرب .
قال ابـن كثيـ :يسَر ال له السَباب .أي :الطرق ،والوسَائل إل فتَح
القاليم وكسر العداء .وقال وهب بن منبه :سخّر ال له النور ،والظلمة
عليَ رضَي ال عنَه :سَخّر له
فجعلهمَا جندًا مَن جنوده .ورُوي عَن ّ
السحاب ،ومدت له السباب ،وبسط له النور ،وأحب ال وأحبه .
قال بعض الفسرين :والسبب ف اللغة :اليل ،والراد ها هنا :كل ما
يتوصّل به إل القصود من علم أو قدرة أو آلة .
41 توفيق الرحن ف دروس القرآن
تعال بعد قتله فيعذبه عذابًا عظيمًا .وعن ماهد قوله ﴿:مِنْ َأمْ ِرنَا يُسْرا ﴾ ،
قال :معروفًا .
قال البغوي :أي :تلي له القول وتعامله باليسر .
قوله عز و جل ﴿ :ثُمّ أَتْبَ عَ سَبَبا ( )89حَتّ ى ِإذَا بَلَ َغ مَطْلِ َع الشّمْ سِ
ك َوقَدْ
جعَل لّهُم مّن دُونِهَا سِتْرا (َ )90ك َذلِ َ
َوجَ َدهَا تَطْ ُل عُ عَلَى َقوْ مٍ لّ ْم نَ ْ
َأحَطْنَا بِمَا َل َديْ ِه خُبْرا (. ﴾ )91
قوله عز وجل ﴿ :ثُمّ َأتْبَ عَ َسبَبا ﴾ منازل الرض ومعالها َ ﴿ ،حتّى ِإذَا
جعَل ّلهُم مّن دُوِنهَا سِتْرا ﴾ .
بََل َغ مَطْلِعَ الشّ ْمسِ َوجَ َدهَا تَطْلُ ُع عَلَى َق ْومٍ لّ ْم نَ ْ
قال ا بن جر ير :وذلك أرض هم ل ج بل في ها ول ش جر ول تت مل بناء
فيسكنوا البيوت ،وإنا يغورون ف الياه أو يسربون ف السراب .
وقوله تعال ﴿ :كَذَلِ كَ ﴾ ،أي :ك ما ح كم ف القوم الذ ين هم ع ند
مغرب الشمس حكم ف هؤلء ﴿ ،وَقَدْ أَحَ ْطنَا بِمَا َل َديْهِ ُخبْرا ﴾ .
قال البغوي :يعن :با عنده ومعه من الند والعدة واللت ﴿ ُخبْرا ﴾
أي :علمًا .
قوله عز وجل ﴿ :ثُمّ َأتْبَ عَ سَبَبا ( )92حَتّى ِإذَا بَلَ َغ بَيْ َن ال سّ ّدْينِ َوجَدَ
مِن دُونِهِمَا قَوْما لّا يَكَادُو َن يَ ْف َقهُو َن َقوْلً ( )93قَالُوا يَا ذَا اْل َقرْنَيْ نِ إِنّ
َكـ َخرْجا عَلَى أَن
ج َعلُ ل َ
ْضـ َفهَ ْل نَ ْ
ْسـدُو َن فِي اْلأَر ِ
ُوجـ ُمف ِ
ُوجـ َومَ ْأج َ
َي ْأج َ
43 توفيق الرحن ف دروس القرآن
ج َع َل بَيْنَنَا َوبَيَْنهُ مْ َسدّا ( )94قَا َل مَا َمكّنّي فِي هِ َربّي خَ ْيرٌ َفأَعِينُونِي ِب ُقوّةٍ
تَ ْ
حدِي ِد حَتّ ى ِإذَا سَاوَى بَيْ نَ
َأ ْجعَ ْل بَيَْنكُ ْم َوبَيَْنهُ مْ َردْما ( )95آتُونِي ُزَب َر الْ َ
الصّ َدفَ ْينِ قَالَ انفُخُوا حَتّى ِإذَا َجعَلَهُ نَارا قَالَ آتُونِي ُأ ْفرِغْ عَلَيْ ِه قِطْرا ()96
فَمَا اسْطَاعُوا أَن يَ ْظهَرُوهُ وَمَا اسْتَطَاعُوا َل ُه َنقْبا (. ﴾ )97
و عن قتادة ف قوله ﴿ :بَيْ َن ال سّ ّديْنِ ﴾ ،قال :ه ا جبلن .قال أ بو
عبيدة :السدّ إذا كان بلق ال فهو بضم السي ،وإذا كان من عمل العباد
فهو بالفتح .قال بعض الفسرين :والردم أكب من السد .
وقال ابن كثي ف ( البداية والنهاية ) :أما السد فقد تقدم أن ذا القرني
بناه من الد يد ،والنحاس ،و ساوى به البال ال صم ،الشامات الطوال .
فل يعرف على وجه الرض بناء أجلّ منه ول أنفع للخلق منه ف أمر دنياهم
ت ال سدّ قال « :وك يف رأي ته
.قال البخاري :وقال ر جل لل نب :رأي ُ
حبّرِ .فقال « :رأي ته » .و عن قتادة قال :ذ كر » ؟ قال :م ثل :البُرْ ِد الُ َ
ل نا أن رجلً قال :يا نب ال :قد رأ يت سد يأجوج ومأجوج .قال « :
حبّر طريقة سوداء ،وطري قة حراء .قال « :قد انعْته » قال :كأنه البُ ْردُ الُ َ
رأيته » .وعن الضحاك ف قوله َ ﴿ :بيْ َن الصّدََفيْنِ ﴾ ،يعن :البلي .وها
من ِقبَل أرمينية ،وأذريبيجان .
قال ابن كثي :وقد بعث الليفة الواثق ف دولته بعض أمرائه ،وجهز
معه جيشًا سريًا .لينظروا إل السد ويعاينوه وينعتوه له إذا رجعوا ،فتوصلّوا
الزء الثالث 44
من بلد إل بلد ومن ملُك إل ملك حت وصلوا إليه ورأوا بناءه من الديد
ومن النحاس ،وذكروا أنم رأوا فيه بابًا عظيمًا وعليه أقفال عظيمة ،ورأوا
بقية اللب والعمل ف برج هناك ،وأن عنده حرسًا من اللوك التاخة له ،وأنه
عال منيَف ،شاهَق ل يُسَتطاع ول مَا حوله مَن البال .ثَ رجعوا إل
بلدهم وكانت غيبتهم أكثر من سنتي ،وشاهدوا أهوالً وعجائب .انتهى
.
قلت :ول يشكَل على ذلك أن الدول التأخرة ل تكتشفَه ،فإناَ وإن
أعطيت ما أعطيت من القوة واللة ،فلم يبلغوا معشار ما أوت ذو القرني ،
فإن ال يسَّر له السَباب والوسَائل لفتَح الدائن والقاليَم ،وأطال عمره
وو سّع مل كه وك سر أعداءه ،و سخر له النور والظل مة ،فجعله ما جندًا من
جنوده .وكان إذا انت هى إل ب ر أو ما ضة ب ن سفنًا من ألواح صغار أمثال
النعال ،فنظمها ث جعل فيها جيع من معه من تلك المم والنود ،فإذا قطع
النار والبحار فتقها ث دفع إل كل إنسان لوحًا فل يكرثه حله ،وكان إذا
البحر الامد ألقى عليه ما يذيبه فخاضه ،وإذا أراد أن يمد الاء ألقى عليه
ما يمده فمشي فوقه ،وبعث النور والظلمة على ما يريد بسب حاجته ،
َاهَ م ِن كُلّ
وذلك مدد مَن ال تعال ،ويشهَد لذلك قوله تعال ﴿ :وَآَتيْن ُ
َشيْ ٍء َسبَبا ﴾ .
قال و هب بن من به :ما ب ي ال صدفي مائة فر سخ ،فل ما أن شأ ف عمله
حفر له أساسًا حت بلغ الاء ،ث جعل عرضه خسي فرسخًا ،وجعل حشوه
45 توفيق الرحن ف دروس القرآن
الصخور ،وطينه النحاس يذاب ث يصبّ عليه ،فصار كأنه عرق من جبل
تت الرض ،ث عله وشرفه بِ ُزبَ ِر الديد والنحاس الذاب .
وعن ابن جريج َ ﴿ :فمَا ا سْطَاعُوا أَن يَ ْظهَرُو هُ ﴾ ،قال :يعلوه َ ﴿ ،ومَا
ا سْتَطَاعُوا لَ ُه َنقْبا ﴾ ،أي :ينقبوه من أسفله .قال وهب بن منبه :وهو ف
منقطَع أرض الترك ماَ يلي مشرق الشمَس ُ ،بعْ ُد مَا بينهمَا مائة فرسَخ ،
حبّر من صفرة النحاس وجعل خلله عرقًا من ناس أصغر ،فصار كأنه ُبرْ ٌد مُ َ
وحرته وسواد الديد .
قال ا بن كث ي :وقوله ﴿ :وَجَ َد مِن دُوِنهِمَا َقوْما لّا يَكَادُو َن َي ْفقَهُو نَ
َقوْلً ﴾ ،أي :لستعجام كلمهم وبعدهم عن الناس .
وقال البغوي :أي :ل يفقهون كلم غيهََم .قال ابََن عباس :ل
يفقهون كلم أحد ول يفهم الناس كلمهم .وقال ف جامع البيان ﴿ وَ َج َد
مِن دُوِنهِمَا َقوْما لّا َيكَادُو َن َيفْ َقهُو نَ َقوْلً ﴾ يعن :لعجمهم وقله فطانتهم ،
ل يفهمون كلم أحد ،ومن قرأ بضم الياء وكسر القاف ،أي :ل يفهمون
السامع لغرابة ألسنتهم .
قوله عز و جل ﴿ :قَا َل هَذَا َرحْ َمةٌ مّ ن ّربّ ي َفِإذَا جَاء وَ ْعدُ َربّ ي َجعَلَ هُ
ج فِي َبعْ ضٍ
دَكّاء وَكَا نَ وَ ْعدُ َربّ ي َحقّا (َ )98وَترَكْنَا َبعْضَهُ مْ َي ْومَئِ ٍذ يَمُو ُ
ج َمعْنَاهُ مْ جَمْعا ( )99وَ َعرَضْنَا جَهَنّ َم يَ ْومَِئذٍ لّ ْلكَافِرِي نَ
خ فِي ال صّو ِر فَ َ
َوُنفِ َ
الزء الثالث 46
﴿ .يُوحَى إِلَيّ أَنّمَا إَِل ُهكُ مْ إِلَ ٌه وَاحِدٌ ﴾ ،قال ابن عباس :علّم ال رسوله
التواضع لئل يزهو على خلقه ،فأمره ال أن يقرّ فيقول :أنا آدم يّ مثلكم إل
ت بالوحي ،وأكرمن ال به ﴿ َفمَن كَا َن يَرْجُو ِلقَاء َربّ هِ فَ ْلَيعْمَلْ صصْ ُ أن خُ ّ
عَ َملً صَالِحا وَلَا يُشْ ِركْ ِب ِعبَا َدةِ َربّهِ أَحَدا ﴾ .
قال ا بن جر ير :ف من ياف ر به يوم لقائه ويراق به على معا صيه وير جو
ثوا به على طاع ته ﴿ ،فَ ْلَيعْمَلْ عَ َملً صَالِحا ﴾ ،يقول :فليخلص له العبادة
وليفرد له الربوبية .
وعن سعيد بن جبي َ ﴿ :فمَن كَا نَ َيرْجُو ِلقَاء َربّ هِ ﴾ ،قال :ثواب ربه
.
قال البغوي :فالرجاء يكون بعن الوف والمل جيعًا .
وقوله تعال ﴿ :وَلَا يُشْرِكْ ِب ِعبَا َدةِ َربّهِ أَحَدا ﴾ ،قال سفيان :ل يرائي .
و عن أ ب هريرة عن ال نب يرو يه عن ال عز و جل أ نه قال « :أ نا خ ي
الشركاء ،فمَن عمَل عملً أشرك فيَه غيي فأنَا بريَء منَه هَو والذي
أشرك » .رواه أحد .
***
51 توفيق الرحن ف دروس القرآن
قوله عز وجل ﴿ :كهيعص ( )1ذِ ْكرُ َرحْ َمةِ َربّ كَ َع ْبدَ هُ َز َكرِيّا (ِ )2إذْ
نَادَى َربّ ُه ِندَاء َخفِيّا ( )3قَالَ رَبّ ِإنّ ي َوهَ نَ اْلعَظْ مُ مِنّ ي وَاشَْتعَ َل الرّأْ سُ
ت الْ َموَالِ يَ مِن وَرَائِي
شَيْبا وَلَ ْم أَكُن ِبدُعَائِ كَ رَبّ شَقِيّا (َ )4وِإنّ ي خِفْ ُ
ث مِ نْ آلِ
ب لِي مِن ّلدُن كَ وَلِيّا (َ )5يرِثُنِي َويَرِ ُ
ت ا ْمرَأَتِي عَاقِرا َفهَ ْ
وَكَانَ ِ
َي ْعقُوبَ وَاجْعَ ْلهُ َربّ رَضِيّا (. ﴾ )6
عن قتادة قوله ﴿ :إِ ْذ نَادَى َربّهُ نِدَاء َخ ِفيّا ﴾ ،أي :سرًا ،وإن ال يعلم
القلب النقي ويسمع الصوت الفي ﴿ ،قَالَ رَبّ ِإنّي َوهَ َن اْلعَظْ ُم ِمنّي ﴾ ،
أي :ضعف ﴿ ،وَا ْشتَعَلَ ال ّرأْ سُ َشيْبا وَلَ مْ أَكُن بِ ُدعَائِ كَ رَبّ َش ِقيّا ﴾ ،قال
ا بن جر يج يقول :قد ك نت تعرف ن الجا بة في ما م ضى َ ﴿ ،وإِنّ ي ِخفْ تُ
ِيَ مِن وَرَائِي ﴾ ،قال ابَن عباس :يعنَ بالوال :الكللة الولياء أن الْ َموَال َ
يرثوه ،فوهب ال له يي .قال قتادة :هم العصبة .
ُوبَ ﴾ ،قال ماهَد :كان ِنَ آ ِل َيعْق َ ِثَ م ْ وقوله تعال ﴿ :يَ ِرثُنِي َويَر ُ
وراث ته علمًا ،وكان زكر يا من ذر ية يعقوب .وقال ال سن :يرث نبو ته
وعلمه .
قال البغوي :وقال الزجاج :والول أن يمَل على مياث غيَ الال ،
والع ن :أ نه خاف تضي يع ب ن ع مه د ين ال وتغي ي أحكا مه ،على ما كان
شاهد من بن إسرائيل من تبديل الدين وقتل النبياء ،فسأل ربه ولدًا صالًا
53 توفيق الرحن ف دروس القرآن
يأمنه على أمته ويرث نبوته وعمله ،لئل يضيع الدين ،وهذا معن قول عطاء
عن ابن عباس رضي ال عنهما .
وقوله ﴿ :وَا ْجعَلْهُ رَبّ رَ ِ
ضيّا ﴾ .
قال ابن كثي :أي :مرضيًا عندك وعند خلقك ،تبه وتببه إل خلقك
ف دينه وخلقه .
جعَل لّ هُ
شرُ َك ِبغُلَا ٍم ا سْ ُم ُه يَحْيَى لَ ْم نَ ْ
قوله عز وجل ﴿ :يَا َز َك ِريّا ِإنّا نَُب ّ
ت ا ْمرََأتِي عَاقِرا َوقَدْ
مِن قَ ْبلُ سَمِيّا ( )7قَالَ َربّ َأنّى َيكُو ُن لِي ُغلَا ٌم وَكَانَ ِ
ك هُوَ عَ َليّ هَيّ نٌ َو َقدْ خَلَقْتُ كَ
ك قَالَ َربّ َ
بَ َلغْ تُ مِ نَ اْلكَِبرِ عِتِيّا ( )8قَالَ َك َذلِ َ
ّمـ
ُكـ َألّا تُكَل َ
َكـ شَيْئا ( )9قَالَ رَبّ اجْعَل لّي آَي ًة قَالَ آيَت َ
َمـ ت ُ
مِن قَ ْبلُ َول ْ
حرَابِ َفَأوْحَى ِإلَ ْي ِهمْ
خرَجَ عَلَى َقوْ ِم ِه ِمنَ الْمِ ْ
النّاسَ ثَلَاثَ لَيَالٍ َس ِويّا ( )10فَ َ
أَن سَبّحُوا ُب ْك َرةً وَ َعشِيّا (. ﴾ )11
حيَى ﴾ ،عبد أحياه عن قتادة قوله ﴿ :يَا زَكَ ِريّا ِإنّا ُنبَشّرُ َك ِبغُلَا ٍم اسْمُهُ َي ْ
جعَل لّ ُه مِن َقبْلُ سَ ِميّا ﴾ ،قال :ل يسمّ قبله أحد بذا ال لليان ﴿ ،لَ ْم َن ْ
السَم .وقال ابَن عباس :ل تلد العواقَر مثله ولدًا قَط .وقال ماهَد :
﴿ ِعتِيّا ﴾ ،يع ن :تول الع ظم .و عن ا بن عباس ﴿ َثلَا ثَ َليَالٍ َسوِيّا
﴾ ،قال :اعتقل لسانه من غي مرض .قال قتادة :وإنا عوقب بذلك لنه
سأل آ ية بعد ما شافه ته اللئ كة مشاف هة ،أ خذ بل سانه ح ت ما كان ي فض
الكلم إلّ أومأ إياء .
الزء الثالث 54
وقال ا بن ز يد ف قوله ﴿:قَا َل آَيتُ كَ أَلّا ُتكَلّ َم النّا سَ ثَلَا ثَ َليَالٍ َس ِويّا
﴾ ،وأ نت صحيح .قال :فح بس ل سانه فكان ل ي ستطيع أن يكلم أحدًا ،
حرَا بِ ﴾ ،
ج عَلَى َق ْومِ هِ مِ َن الْمِ ْ
و هو ف ذلك ي سبّح ويقرأ التوراة َ ﴿ ،فخَ َر َ
شيّا ﴾ وهو ل قال :الحراب مصلّه َ ﴿ ،فَأوْحَى إَِلْيهِ مْ أَن َسبّحُوا بُكْ َر ًة َوعَ ِ
يكلمهم .
حكْ مَ صَبِيّا (
قوله عز وجل ﴿ :يَا يَحْيَى ُخذِ اْلكِتَا بَ ِب ُق ّوةٍ وَآتَيْنَا ُه الْ ُ
َ )12وحَنَانا مّن ّل ُدنّا وَزَكَاةً وَكَانَ َتقِيّا ( )13وََبرّا ِبوَالِ َديْ ِه وَلَمْ َيكُن جَبّارا
ث حَيّا (. ﴾ )15
ت َويَوْ َم يُ ْبعَ ُ
عَصِيّا (َ )14وسَلَامٌ عَلَ ْي ِه َيوْمَ وُِلدَ وََيوْ َم يَمُو ُ
عن ماهد ﴿ :خُذِ الْ ِكتَا بَ ِب ُق ّوةٍ ﴾ ،قال :بدّ .وقال ابن زيد :القوة
أن ي مل ما أمره ال به ،ويا نب ف يه ما ناه ال .قال ا بن جبي وقوله :
صِبيّا ﴾ ،يقول تعال ذكره :وأعطيناه الفهم بكتاب حكْ مَ َ﴿ وَآتَْينَا ُه الْ ُ
ال ف حال صباه قبل بلوغه أسنان الرجال .
وقوله ﴿ :وَ َحنَانا مّن لّ ُدنّا ﴾ ،يقول تعال ذكره :ورحة منا به ومبة
له آتيناه الكم صبيّا .وعن ابن عباس قوله ﴿ :وَ َحنَانا مّن لّ ُدنّا ﴾ ،يقول
:ورحة من عندنا .وقال الضحاك :رحة من عندنا ل يلك عطاءها أحد
غينا .وعن ماهد قوله َ ﴿ :و َحنَانا مّن لّ ُدنّا ﴾ ،قال :تع ّطفًا من ربه عليه
.وعن قتادة قوله ﴿ :وَزَكَاةً ﴾ ،قال :الزكاة :الع مل الصال .وعن ابن
عباس ﴿ :وَزَكَا ًة وَكَا َن َت ِقيّا ﴾ ،قال ُ :طهّرَ فلم يع مل بذ نب .وقال ا بن
55 توفيق الرحن ف دروس القرآن
***
الزء الثالث 56
﴿ وَاذْ ُك ْر فِي اْلكِتَا بِ َم ْريَ َم ِإذِ انتََبذَ تْ مِ نْ َأهْلِهَا مَكَانا َشرْقِيّا ()16
خذَ تْ مِن دُوِنهِ مْ حِجَابا َفأَرْ سَلْنَا ِإلَيْهَا رُوحَنَا فَتَمَّث َل لَهَا َبشَرا َسوِيّا (
فَاتّ َ
ُنتـ َتقِيّا ( )18قَالَ ِإنّمَا أَنَا
ِنكـ إِن ك َ
َتـ إِنّيـ أَعُو ُذ بِال ّرحْمَن م َ
)17قَال ْ
ت َأنّ ى يَكُو ُن لِي غُلَا ٌم َولَ مْ
ب لَ كِ غُلَاما زَكِيّا ( )19قَالَ ْ
رَ سُولُ َربّ كِ ِلَأهَ َ
يَمْسَـسْنِي َبشَ ٌر َولَم ْـ أَكُـَبغِيّا ( )20قَالَ َك َذلِكِـ قَالَ َربّكِـ هُوَ عَلَيّ هَيّنٌـ
حمَلَتْ ُه فَانتََبذَ تْ
س وَرَحْ َم ًة مّنّا وَكَا َن َأمْرا ّمقْضِيّا ( )21فَ َ
جعَلَ هُ آَيةً لِلنّا ِ
َولِنَ ْ
ت يَا لَيْتَنِي
ع النّخْ َلةِ قَالَ ْ
ض إِلَى جِذْ ِ
بِ هِ َمكَانا قَ صِيّا (َ )22فَأجَاءهَا الْمَخَا ُ
حزَنِي َقدْ
ت نَ سْيا مّن سِيّا ( )23فَنَادَاهَا مِن تَحْتِهَا َألّا تَ ْ
مِتّ قَ ْبلَ َهذَا وَكُن ُ
ع النّخْ َل ِة تُ سَاقِطْ عَ َليْ كِ
جذْ ِ
ك بِ ِ
َج َعلَ َربّ كِ تَحْتَ كِ َسرِيّا (َ )24و ُهزّي ِإلَيْ ِ
ِنـ الَْبشَ ِر َأحَدا
ُرطَبا جَنِيّا ( )25فَكُلِي وَا ْشرَب ِي َوقَرّي عَيْنا َفِإمّاـ تَ َريِن ّ م َ
ت بِ هِ
صوْما فَلَ ْن أُكَلّ مَ الَْيوْ َم إِن سِيّا (َ )26فأَتَ ْ
َفقُولِي ِإنّ ي َنذَرْ تُ لِل ّرحْمَ نِ َ
ت هَارُو نَ مَا
ت شَيْئا َفرِيّا ( )27يَا أُخْ َ
حمِلُ ُه قَالُوا يَا َم ْريَ ُم لَ َق ْد جِئْ ِ
َق ْومَهَا تَ ْ
ت ِإلَيْ هِ قَالُوا كَيْ فَ
ك َبغِيّا (َ )28فأَشَارَ ْ
ت ُأمّ ِ
كَا َن َأبُو كِ ا ْم َرأَ َسوْ ٍء َومَا كَانَ ْ
ُنكَلّ مُ مَن كَا َن فِي الْ َم ْهدِ صَبِيّا ( )29قَالَ ِإنّ ي َع ْبدُ اللّ هِ آتَانِ يَ اْلكِتَا بَ
ت َوَأوْصَانِي بِالصّلَاةِ وَالزّكَاةِ
َوجَعَلَنِي نَبِيّا (َ )30وجَعَلَنِي مُبَارَكا َأْينَ مَا كُن ُ
جعَلْنِي جَبّارا َشقِيّا ( )32وَال سّلَامُ
مَا ُدمْ تُ حَيّا ( )31وََبرّا ِبوَالِ َدتِي َولَ ْم يَ ْ
ث حَيّا (َ )33ذلِ كَ عِي سَى ابْ نُ َم ْريَ مَ
عَ َليّ َيوْ َم ُولِدتّ َوَيوْ َم َأمُو تُ َوَيوْ َم أُْبعَ ُ
57 توفيق الرحن ف دروس القرآن
***
الزء الثالث 58
قوله عز وجل ﴿ :وَاذْ ُك ْر فِي الْكِتَابِ َم ْريَ َم ِإذِ انتََبذَتْ مِ ْن أَهْ ِلهَا مَكَانا
خذَ تْ مِن دُوِنهِ مْ حِجَابا َفأَرْ سَلْنَا ِإلَيْهَا رُوحَنَا فََتمَّثلَ لَهَا
َش ْرقِيّا ( )16فَاتّ َ
ت َتقِيّا ( )18قَالَ
ت إِنّي أَعُوذُ بِالرّحْمَن مِنكَ إِن كُن َ
َبشَرا سَ ِويّا ( )17قَالَ ْ
ت أَنّى َيكُونُ لِي غُلَامٌ
ب لَكِ غُلَاما زَكِيّا ( )19قَالَ ْ
ك ِلأَهَ َ
ِإنّمَا َأنَا رَسُولُ َربّ ِ
ك هُوَ عَ َليّ هَيّ نٌ
سسْنِي َبشَ ٌر َولَ ْم أَ ُك َبغِيّا ( )20قَالَ َك َذلِ كِ قَالَ َربّ ِ
َولَ مْ يَمْ َ
س وَ َرحْ َمةً مّنّا وَكَانَ َأمْرا ّمقْضِيّا (. ﴾ )21
جعَ َلهُ آَيةً لِلنّا ِ
َولِنَ ْ
َابَ مَ ْريَمََإِ ِذ انتَبَذَت َْ ﴾ ،أي : عَن قتادة فَ قوله ﴿ :وَاذْكُرْ فِي الْ ِكت ِ
انفردت ﴿ ،مِ نْ َأهِْلهَا ﴾ ،قال السدي :خرجت مري إل جانب الحراب
ت مِنْ َأهِْلهَا َمكَانا شَرِْقيّا ﴾ ف شرقي ليض أصابا ،وهو قوله ﴿ :إِ ِذ انَتبَذَ ْ
ت مِن دُوِنهِ مْ ِحجَابا َفأَرْ سَ ْلنَا إَِليْهَا رُوحَنَا َفتَ َمثّلَ لَهَا الحراب ﴿ ،فَاتّخَذَ ْ
سَِويّا ﴾ ،قال وهَب بَن منبَه :أرسَل ال جبيَل إل مريَ ،وقال بَشَرا َ
السدي :فلما طهرت من حيضها إذا هي برجل معها قالت ِ ﴿ :إنّي أَعُوذُ
﴾ بال ﴿ ،مِن كَ إِن كُن تَ َت ِقيّا ﴾ ،قال ابن زيد :قد عَِلمَ تْ أن الّتقَى ذو
ك غُلَاما زَ ِكيّا قَالَتْ َأنّى يَكُونُ نية ﴿ ،قَالَ ِإنّمَا أَنَا رَسُولُ َربّكِ ِلَأهَبَ لَ ِ
سنِي بَشَ ٌر وَلَ مْ أَ كُ بَ ِغيّا ﴾ ،قال جب يل ﴿ :كَذَلِ كِ قَالَ لِي غُلَا ٌم وَلَ ْم يَمْ سَ ْ
ك ُهوَ عَلَيّ َهيّ نٌ ﴾ وإن ل ي كن لك ب عل ول يو جد م نك فاح شة ،فإ نه َربّ ِ
جعَلَ ُه آَيةً لِلنّا سِ ﴾ ،أي :علمة على على ما يشاء قادر ،ولذا قال ﴿ :وَِلنَ ْ
ضيّا ﴾ ل ير ّد ول قدرة ال ﴿ ،وَرَ ْح َم ًة ّمنّ ا ﴾ للمؤمن ي ﴿ ،وَكَا نَ َأمْرا ّم ْق ِ
59 توفيق الرحن ف دروس القرآن
ْكَ ُرطَبا َجِنيّا ﴾ ،قال عمرو بَن ميمون :مَا مَن شيَء خيَ
ط عََلي ِ
تُسََاقِ ْ
للنفساء من التمر ،والرطب .
وقوله تعال َ ﴿ :فكُلِي وَاشْرَب ِي وََقرّي َعيْنا فَِإمّاَ تَ َريِنّ م َ
ِنَ الْبَشَرِ أَحَدا
سيّا ﴾ ،قال الضحاك :
صوْما َفلَ نْ أُكَلّ مَ الَْيوْ مَ إِن ِ
َفقُولِي ِإنّي نَذَرْ تُ لِلرّحْ َم نِ َ
كان من بن إسرائيل من إذا اجتهد صام من الكلم كما يصوم من الطعام ،
إلّ من ذِ ْكرِ ال .
ت شَيْئا
حمِلُ ُه قَالُوا يَا َم ْريَ ُم َلقَ ْد جِئْ ِ
قوله عز وجل َ ﴿ :فَأتَتْ بِهِ َق ْو َمهَا تَ ْ
ت هَارُو نَ مَا كَا َن َأبُو ِك ا ْمرَأَ َسوْءٍ وَمَا كَانَ تْ ُأمّ كِ َبغِيّا (
َف ِريّا ( )27يَا أُخْ َ
ف ُنكَلّ مُ مَن كَا َن فِي الْ َمهْدِ صَبِيّا ( )29قَالَ
ت ِإلَيْ ِه قَالُوا كَيْ َ
َ )28فَأشَارَ ْ
ب وَ َجعَلَنِي نَبِيّا ( )30وَ َجعَلَنِي مُبَارَكا َأيْ َن مَا
ِإنّ ي عَ ْب ُد اللّ هِ آتَانِ َي الْكِتَا َ
ت َوأَوْ صَانِي بِال صّلَا ِة وَالزّكَاةِ مَا ُدمْ تُ حَيّا ( )31وََبرّا ِبوَالِدَتِي َولَ مْ
كُن ُ
جعَلْنِي جَبّارا َشقِيّا ( )32وَال سّلَامُ عَلَيّ َيوْ َم ُولِدتّ َوَيوْ َم َأمُو تُ َوَيوْ مَ
يَ ْ
ث حَيّا (َ )33ذلِ كَ عِي سَى ابْ ُن َمرْيَ َم َقوْ َل الْحَقّ اّلذِي فِي هِ يَمَْترُو نَ (
ُأْبعَ ُ
لَهُ خ َذ مِن وََلدٍ سُبْحَاَن ُه ِإذَا قَضَى َأمْرا َفِإنّمَا َيقُولُ
)34مَا كَا َن لِلّهِ أَن يَتّ ِ
صرَاطٌ مّ سَْتقِيمٌ (
كُن فََيكُو نُ ( )35وَإِنّ اللّ هَ َربّ ي وَ َرّبكُ مْ فَاعُْبدُو ُه َهذَا ِ
. ﴾ )36
ْتَ
ْتَ شَيْئا فَ ِريّا ﴾ ،قال :عظيم ًا ﴿ ،ي َا أُخ َ
عَن قتادة َ ﴿ :لقَدْ ِجئ ِ
ك َبغِيّا ﴾ ،قال :كانت من
هَارُو َن مَا كَا نَ َأبُو ِك امْ َرأَ َسوْ ٍء َومَا كَانَ تْ ُأمّ ِ
61 توفيق الرحن ف دروس القرآن
أهَل بيَت يُعرفون بالصَلح ول يُعرفون بالفسَاد ،قال :وكان مَن بنَ
إسرائيل رجل صال يسمى هارون ،فشبّهوها به ،يعن :ف الصلح .وعن
الغية بن شع بة قال :بعث ن ر سول ال إل أ هل نران فقالوا ل :أل ستم
تقرءون ﴿ يَا أُخْتَ هَارُونَ ﴾ ؟ قلت :بلى ،وقد علمتم ما كان بي عيسى
،ومو سى ،فرج عت إل ر سول ال فأ خبته فقال « :أل أ خبتم أن م
كانوا يسمّون بأنبيائهم والصالي قبلهم » .رواه مسلم وغيه .
ْهَ ﴾ ،يقول :أشارت إليَه أن َتَإَِلي ِ
وعَن وهَب بَن منبَه َ ﴿ :فَأشَار ْ
صِبيّا ﴾ ،فأجابم عيسى ف ُنكَلّ ُم مَن كَا نَ فِي الْ َمهْدِ َ كلّموه ﴿ ،قَالُوا َكيْ َ
ب وَ َجعََلنِي نَِبيّا ﴾ الية .وقال عنها فقال لم ِ ﴿ :إنّي َعبْدُ اللّ ِه آتَانِ َي اْلكِتَا َ
عكر مة ﴿ :آتَانِ َي اْلكِتَا بَ ﴾ ق ضى أن يؤتي ن الكتاب .و عن ما هد ﴿ :
وَ َج َعَلنِي ُمبَارَكا َأيْ َن مَا كُنتُ ﴾ ،قال :مقامًا .وقال سفيان :معلمًا للغي .
وقال قتادة :ذ كر ل نا أ نه كان يقول :سلون فإن قل ب ل ي ،وإ ن صغي ف
نف سي ،م ا أعطاه ال من التوا ضع .وقال ب عض ال سلف :ل ت د عاقّا إلّ
وجدته جبارًا شقيًا ،ول تد سيّئ اللكة إل وجدته متالً فخورًا .
ك عِيسَى ابْنُ َم ْريَمَ َقوْ َل الْحَقّ الّذِي فِي ِه يَ ْمتَرُونَ ﴾ وعن قتادة قوله ﴿ :ذَلِ َ
امترت اليهود والنصَارى ،فأمَا اليهود فزعموا أنَه سَاحر كذاب ،وأمَا
النصارى فزعموا أنه ابن ال ،وثالث وثلثة ،وإله ،وكذبوا كلهم ،ولكنه
عبد ال ورسوله ،وكلمته وروحه .
الزء الثالث 62
وقوله تعال ﴿ :أَ سْمِ ْع ِبهِ ْم َوَأبْ صِ ْر َيوْ مَ َي ْأتُونَنَا َلكِ نِ الظّالِمُو نَ اْلَيوْ مَ فِي
ضلَا ٍل ّمبِيٍ ﴾ ،أي :ما أ سعهم وأب صرهم يوم القيا مة .قال قتادة :سعوا َ
حي ل ينفعهم السمع ،وأبصروا حي ل ينفعهم البصر وقال ابن زيد :هذا
ف القيامة ،فأما ف الدنيا فل كانت على أبصارهم غشاوة وف آذانم وقرًا .
وعن أب سعيد قال :قال رسول ال « :إذا دخل أهل النة النة وأهل
النار النار ،ياء بالوت كأنه كبش أملح ،فيوقف بي النة والنار فيقال :يا
أ هل ال نة هل تعرفون هذا ؟ قال :فيشرئبّون وينظرون ويقولون :ن عم هذا
َل تعرفون هذا ؟ قال :فيشرئبّون َل النار هَ َا أهَ الوت ،قال :فيقال :يَ
وينظرون ويقولون :ن عم هذا الوت ،قال :فيؤ تى به فيُذ بح ،قال ويقال :
يا أهل النة خلود ول موت ،ويا أهل النار خلود ول موت ،ث قرأ رسول
ال َ ﴿ :وأَن ِذ ْرهُمْ َيوْ َم الْحَسْ َرةِ إِذْ ُقضِ َي الَْأمْ ُر َوهُمْ فِي غَفَْل ٍة َوهُمْ لَا ُي ْؤ ِمنُونَ
﴾ وأشار بيده ث قال « :أهل الدنيا ف غفلة الدنيا » رواه أحد وغيه .
وكتب عمر بن عبد العزيز لبعض عماله ( :أما بعد فإن ال كتب على
خل قه ح ي خلق هم الوت فج عل م صيهم إل يه ،وقال في ما أنزل ف كتا به
ال صادق الذي حف ظه بعل مه وأش هد ملئك ته على حف ظه ،أ نه يرث الرض
ومن عليها وإليه ترجعون ) .
***
الزء الثالث 64
وَاجْتَبَيْنَا إِذَا تُتْلَى َعلَ ْيهِ مْ آيَا تُ ال ّرحْمَن خَرّوا سُجّدا َوبُكِيّا ( )58فَخَلَ فَ
سوْفَ يَ ْل َقوْ نَ غَيّا (
ت فَ َ
شهَوَا ِ
ف أَضَاعُوا ال صّلَاةَ وَاتّبَعُوا ال ّ
مِن َبعْ ِدهِ ْم خَلْ ٌ
ب وَآمَنَ وَعَ ِملَ صَالِحا َفُأوْلَئِكَ َي ْدخُلُو َن الْجَّن َة َولَا يُظْلَمُونَ
ِ )59إلّا مَن تَا َ
ب ِإنّ هُ كَا َن وَ ْعدُ هُ
شَيْئا ( )60جَنّا تِ َعدْ ٍن الّتِي وَ َعدَ ال ّرحْمَ نُ عِبَادَ ُه بِالْغَيْ ِ
َم ْأتِيّا ( )61لَا يَ سْ َمعُونَ فِيهَا َلغْوا ِإلّا سَلَاما َوَلهُ مْ رِ ْز ُقهُ مْ فِيهَا ُبكْ َر ًة وَ َعشِيّا
( )62تِلْكَ الْجَّن ُة الّتِي نُورِثُ مِنْ عِبَا ِدنَا مَن كَانَ َتقِيّا ( )63وَمَا نَتََنزّ ُل ِإلّا
ك َومَا كَا نَ َربّ كَ نَ سِيّا (
ِبَأمْرِ َربّ كَ لَ ُه مَا بَيْ َن َأيْدِينَا َومَا خَ ْلفَنَا َومَا بَيْ َن َذلِ َ
ض َومَا بَيَْنهُمَا فَاعُْبدْهُ وَاصْطَِب ْر ِلعِبَا َدتِهِ َهلْ تَعْلَمُ
ت وَاْلأَرْ ِ
َ )64ربّ السّمَاوَا ِ
َل ُه سَمِيّا (﴾ )65
***
الزء الثالث 66
صدّيقا نّبِيّا (
قوله عز وجل ﴿ :وَاذْ ُك ْر فِي الْكِتَا بِ ِإْبرَاهِي مَ ِإنّ هُ كَا نَ ِ
ص ُر َولَا ُيغْنِي عَن كَ
ت لِ َم َتعُْبدُ مَا لَا يَ سْمَ ُع َولَا يُبْ ِ
ِ )41إ ْذ قَا َل ِلأَبِي هِ يَا َأبَ ِ
ك فَاتِّبعْنِي َأ ْهدِ كَ
ت ِإنّ ي َقدْ جَاءنِي مِ نَ اْلعِلْ مِ مَا لَ مْ َي ْأتِ َ
شَيْئا ( )42يَا َأبَ ِ
ت لَا َتعْبُ ِد الشّيْطَا َن إِنّ الشّيْطَا نَ كَا نَ لِلرّحْمَ نِ
صرَاطا َسوِيّا ( )43يَا َأبَ ِ
ِ
ب مّ نَ ال ّرحْمَن فََتكُو نَ
سكَ َعذَا ٌ
ت ِإنّ ي َأخَا فُ أَن يَمَ ّ
عَ صِيّا ( )44يَا أَبَ ِ
ب أَن تَ عَ نْ آِلهَتِي يَا ِإبْراهِي ُم لَئِن لّ مْ تَنتَ هِ
لِلشّيْطَا نِ َولِيّا ( )45قَا َل أَرَاغِ ٌ
جرْنِي مَلِيّا ( )46قَالَ سَلَامٌ عَلَيْ كَ َسأَسَْت ْغفِ ُر لَ كَ َربّ ي إِنّ هُ
َلأَ ْرجُمَنّ كَ وَاهْ ُ
كَا َن بِي حَفِيّا (َ )47وأَعَْت ِزلُكُمْ وَمَا تَدْعُو َن مِن دُو ِن اللّهِ َوَأدْعُو َربّي عَسَى
َألّا أَكُو َن ِبدُعَاء َربّي َشقِيّا (. ﴾ )48
قال البغوي :الصَديق :الكثيَ الصَدق القائم عليَه وعَن السَن :
ج ْرنِي مَِليّا ﴾ ،قال طويلً .قال ابن إسحاق يقول :دهرًا والدهر ﴿ وَاهْ ُ
اللي وعن ابن عباس [ قوله ] ِ ﴿ :إنّهُ كَا َن بِي َح ِفيّا ﴾ ،يقول :لطيفًا .
قال ا بن جر ير :وقوله َ ﴿ :وأَ ْعتَزُِلكُ ْم وَمَا تَ ْدعُو َن مِن دُو نِ اللّ هِ ﴾ ،
يقول :وأجتنبكم وما تدعون من دون ال من الوثان والصنام َ ﴿ ،وأَ ْدعُو
َربّي ﴾ ،يقول :وأدعو رب بإخلص العبادة له وإفراده بالربوبية ﴿ ،عَ سَى
ُونَ بِ ُدعَاء َربّيَ َش ِقيّا ﴾ ،يقول :عسَى أن ل أشقَى بدعاء ربَ ،
أَلّا أَك َ
ولكن ييب دعاء رب ،ويعطن ما أسأله .
67 توفيق الرحن ف دروس القرآن
قوله عز وجل ﴿ :فَلَمّا اعَْت َزَلهُ ْم وَمَا َيعُْبدُو َن مِن دُو ِن اللّ هِ َوهَبْنَا لَ هُ
ب وَكُلّا َجعَلْنَا نَبِيّا ( )49وَ َوهَبْنَا لَهُم مّ ن ّرحْمَتِنَا َوجَعَلْنَا
ق َوَي ْعقُو َ
إِ سْحَا َ
صدْقٍ عَلِيّا (. ﴾ )50
َل ُهمْ ِلسَانَ ِ
ق عَِليّا ﴾ ،يقول :الثناء
عن ابن عباس قوله ﴿ :وَ َجعَ ْلنَا َلهُ مْ لِ سَانَ صِ ْد ٍ
السن .
قوله عز وجل ﴿ :وَاذْ ُك ْر فِي اْلكِتَا بِ مُو سَى ِإنّ هُ كَا َن مُخْلَصا وَكَا نَ
رَ سُو ًل نّبِيّا ( )51وَنَا َديْنَا ُه مِن جَانِ بِ الطّو ِر الَْأيْمَ ِن وَ َق ّربْنَا هُ نَجِيّا ( )52
َووَهَبْنَا َلهُ مِن ّرحْمَتِنَا أَخَاهُ هَارُو َن نَبِيّا (. ﴾ )53
قال البغوي ﴿ :مُخْلَصا ﴾ ،أي :متارًا اختاره ال عز وجل .
وقوله تعال َ ﴿ :ونَا َدْينَا ُه مِن جَانِبِ الطّورِ الَْأيْمَ نِ ﴾ ،أي :جانبه الين
من موسى حي ذهب يبتغي من تلك النار جذوة .
جيّا ﴾ ،قال ُ :أ ْدنِيَ حت سع صريف القلموعن ابن عباس ﴿ :وَقَ ّرْبنَا ُه نَ ِ
َ ﴿ .ووَ َهْبنَا لَ ُه مِن رّحْ َمِتنَا أَخَاهُ هَارُو َن َنِبيّا ﴾ ،قال :كان هارون أكب من
موسى ،ولكن أراد وهب له نبوته .
ق اْلوَ ْعدِ
قوله عز وجل ﴿ :وَاذْ ُك ْر فِي الْكِتَابِ إِسْمَاعِي َل ِإنّ هُ كَانَ صَادِ َ
وَكَا نَ رَ سُو ًل نّبِيّا ( )54وَكَا َن َيأْ ُم ُر أَهْلَ هُ بِال صّلَا ِة وَالزّكَاةِ وَكَا نَ عِندَ َربّ هِ
َمرْضِيّا (. ﴾ )55
الزء الثالث 68
عِبَادِنَا مَن كَا نَ تَقِيّا ( )63وَمَا نَتََن ّزلُ ِإلّا ِبَأ ْمرِ َربّ كَ لَ هُ مَا بَيْ نَ َأْيدِينَا َومَا
ت وَاْلأَرْ ضِ
ك َومَا كَا نَ َربّ كَ نَ سِيّا (َ )64ربّ ال سّمَاوَا ِ
خَ ْلفَنَا َومَا بَيْ َن َذلِ َ
َومَا بَيَْنهُمَا فَاعُْب ْدهُ وَاصْطَِب ْر ِلعِبَا َدِتهِ َه ْل َتعْلَ ُم َلهُ سَمِيّا (. ﴾ )65
عَن ابَن مسَعود أنَه قيَل له :إن ال يكثَر ذكَر الصَلة فَ القرآن :
صلَاِتهِمْ دَائِمُو نَ ﴾ و ﴿ ﴿ الّذِي َن هُ ْم عَن صَلَاِتهِمْ سَاهُونَ ﴾ و﴿ عَلَى َ
لِتهِ ْم يُحَاِفظُو نَ ﴾ فقال ابن مسعود رضي ال عنه :على مواقيتها ، صَعَلَى َ
قالوا :ما كنا نرى ذلك إل على الترك ،قال ( :ذاك الكفر ) .
ف مِن َبعْ ِدهِ مْ خَلْ فٌ أَضَاعُوا ال صّلَا َة وَاّتَبعُواو عن ما هد قوله َ ﴿ :فخََل َ
ف يَ ْل َقوْ َن َغيّا ﴾ ،قال :عند قيام الساعة ،وذهاب صال أمة سوْ َ
ش َهوَاتِ فَ َ
ال ّ
ممد ،ينو بعضهم على بعض ف الزقّة .وعن أب عبيدة عن أبيه عبد
ف يَ ْل َقوْ َن َغيّا ﴾ ،قال :ن ر ف جه نم سوْ َ
ال أ نه قال ف هذه ال ية ﴿ :فَ َ
خبيث الطعم ،بعيد القعر ،يعذّب فيه الذين يتّبعون الشهوات .
جّنةَ
ك يَدْ ُخلُو َن الْ َ وقوله تعال ﴿ :إِلّا مَن تَا َ
ب وَآمَ َن َوعَمِلَ صَالِحا َفُأوَْلئِ َ
ت عَدْ ٍن اّلتِي َوعَدَ الرّ ْحمَ نُ عِبَادَهُ بِالْ َغيْ بِ ﴾ ،يعن :
وَلَا يُظَْلمُو َن َشيْئا * َجنّا ِ
ُهَ َمأِْتيّا ﴾ ،أي :العباد صَائرون إل مَا َانَ َوعْد ُ
ّهَ ك َ
أنمَ ل يروهَا ِ ﴿ ،إن ُ
وعدهم ال ،ووعده آت ل مالة .وعن قتادة :قوله ﴿ :وََلهُ مْ رِزُْقهُ مْ فِيهَا
ُبكْ َر ًة َوعَشِيّا ﴾ ،فيها ساعتان :بكرة وعش يّ ،فإن ذلك لم لبس ث ليل ،
إناَ هَو :ضوء ،ونور ،وقال :كانَت العرب إذا أصَاب أحدهَم الغداء
الزء الثالث 70
***
71 توفيق الرحن ف دروس القرآن
***
73 توفيق الرحن ف دروس القرآن
ف أُ ْخرَ جُ حَيّا (
سوْ َ
قوله عز و جل ﴿ :وََيقُو ُل الْإِن سَا ُن أَِئذَا مَا مِتّ لَ َ
َ )66أ َولَا َيذْ ُكرُ اْلإِن سَا ُن أَنّا خَلَقْنَا ُه مِن قَ ْب ُل َولَ ْم يَ كُ شَيْئا ( َ )67فوَرَبّ كَ
ض َرنّهُ مْ َحوْ َل َجهَنّ مَ جِثِيّا ( )68ثُمّ لَنَنِعَنّ
ش َرّنهُ ْم وَالشّيَاطِيَ ثُمّ لَنُحْ ِ
حُلَنَ ْ
مِن ُك ّل شِي َع ٍة َأيّهُمْ أَ َشدّ عَلَى ال ّرحْمَنِ عِتِيّا (ُ )69ثمّ لَنَحْ ُن أَعْلَمُ بِاّلذِي َن هُمْ
َأ ْولَى ِبهَا صِلِيّا ( )70وَإِن مّنكُ ْم ِإلّا وَارِ ُدهَا كَانَ عَلَى َربّكَ حَتْما ّمقْضِيّا (
ي فِيهَا جِثِيّا (. ﴾ )72
ُ )71ث ّم نُنَجّي اّلذِي َن اتّقَوا ّوَنذَرُ الظّالِمِ َ
ف الصحيح عن النب أنه قال « :يقول ال تعال :كذبن ابن آدم ول
يكَن له ذلك ،وآذانَ ول يكَن له ذلك ،فأمَا تكذيبَه إياي فقوله :لن
يعيد ن ك ما بدأ ن ول يس أول اللق بأهون عل يّ من إعاد ته ،وأ ما أذاه إياي
فقوله :إن با ولدًا وأنا الحد الصمد الذي ل يلد ول يولد ول يكن له كفوًا
أحد » .
حضِ َرّنهُ مْ َحوْلَ َج َهنّ مَ ِجِثيّا ﴾ ،يع ن : و عن ا بن عباس قوله ﴿ :ثُمّ َلنُ ْ
القعود ،وهو مثل قوله َ ﴿ :وتَرَى كُلّ ُأ ّمةٍ جَاِثَيةً ﴾ ﴿ .ثُمّ َلنَ ِنعَنّ مِن كُلّ
شِي َعةٍ َأّيهُ مْ َأشَدّ عَلَى الرّ ْحمَ ِن عِِتيّا ﴾ ،يقول :أي هم أ شد للرح ن مع صية .
وهي :معصيته ف الشرك .وقال أبو الحوص :نبدأ بالكب فالكب جرمًا .
وقوله تعال ﴿ :ثُمّ َلنَ ْ
حنُ أَعَْل ُم بِالّذِي َن هُمْ َأوْلَى ِبهَا صِِليّا ﴾ .
قال البغوي :أي :أحَق بدخول النار ،يقال :صَلى يصَلى صَليّا إذا
دخل النار وقاسى حرّها .
الزء الثالث 74
أخذتَه إل ثدييَه ،ومنهَم مَن أخذتَه إل عنقَه ،ول تغَش الوجوه .
فيستخرجونم منها ،فيطرحون ف ماء الياة .قيل وما ماء الياة يا رسول
ال ؟ قال « :غسل أهل النة فينبتون كما تنبت الزرعة ف غثاء السيل .ث
تشفع النبياء ف كل من كان يشهد أن ل إله إل ال مل صًا ،فيستخرجونم
من ها ،ث يتح نن ال برحته على من في ها ف ما يترك فيها عبدًا ف قلبه مثقال
ذرة من اليان إل أخرجه منها » .رواه ابن جرير .
وعن حفصة قالت :قال رسول ال « :إن لرجو أن ل يدخل النار
إن شاء ال أحَد شهَد بدرًا والديبيَة » ،قالت فقلت :أليَس ال يقول
ُمَإِلّا وَارِدُهَا ﴾ .قالت :فسَمعته يقول ﴿ « :ثُمّ ُننَجّيََ ﴿ :وإِن مّنك ْ
الّذِي َن اّتقَوا ّونَذَرُ الظّالِمِيَ فِيهَا ِجِثيّا ﴾ » .رواه أحد وغيه .
قوله عـز وجـل ﴿ :وَِإذَا تُتْلَى عَلَ ْيهِم ْـ آيَاتُنَا بَيّنَاتٍـ قَالَ اّلذِينَـ َك َفرُوا
َمـ َأهْ َلكْنَا
ْسـنُ نَ ِديّا ( )73وَك ْ
ْنـ خَ ْيرٌ ّمقَاما وََأح َ
ِينـ آمَنُوا أَيّ اْل َفرِيقَي ِ
لِ ّلذ َ
سنُ أَثَاثا وَ ِرئْيا (ُ )74ق ْل مَن كَا نَ فِي الضّلَالَةِ
قَبْلَهُم مّ ن َقرْ نٍ هُ مْ َأحْ َ
ب وَِإمّا ال سّا َعةَ
فَلْيَ ْم ُد ْد لَ ُه ال ّرحْمَ ُن َمدّا حَتّى ِإذَا َرَأوْا مَا يُو َعدُو َن ِإمّا اْلعَذَا َ
ضعَفُ جُندا (َ )75وَيزِيدُ اللّ ُه الّذِينَ اهَْتدَوْا
فَسََيعْلَمُو َن مَنْ ُهوَ شَ ّر ّمكَانا َوأَ ْ
ك ثَوَابا َوخَيْ ٌر ّم َردّا (. ﴾ )76
ت خَيْرٌ عِندَ َرّب َ
ُهدًى وَالْبَاقِيَاتُ الصّالِحَا ُ
عن ابن عباس َ ﴿ :وإِذَا تُتْلَى عََلْيهِ مْ آيَاُتنَا َبّينَا تٍ قَا َل الّذِي نَ َكفَرُوا لِلّذِي َن
َ ُن نَ ِديّا ﴾ ،قال :القام السَكن ، َ َخْي ٌر ّمقَاما َوأَحْس َ آ َمنُوا أَيَّ اْلفَرِي َقيْن ِ
الزء الثالث 76
***
81 توفيق الرحن ف دروس القرآن
قَالَ َربّنَا الّذِي أَعْطَى ُك ّل شَيْ ٍء خَ ْلقَ هُ ُثمّ هَدَى ( )50قَالَ فَمَا بَا ُل الْ ُقرُو نِ
ضلّ َربّي َولَا يَن سَى ()52
اْلأُولَى ( )51قَالَ عِلْ ُمهَا عِندَ َربّي فِي كِتَا بٍ لّا يَ ِ
ض َمهْدا وَسَ َلكَ َلكُمْ فِيهَا سُبُلً وَأَنزَ َل مِنَ السّمَا ِء مَاءً
اّلذِي َج َعلَ َلكُمُ اْلأَرْ َ
َفَأخْ َرجْنَا بِ ِه أَ ْزوَاجا مّ ن نّبَا تٍ شَتّ ى ( )53كُلُوا وَارْ َعوْا َأنْعَامَكُ ْم إِنّ فِي
ُمـ َومِنْهَا
ُمـ َوفِيهَا ُنعِيدُك ْ
َاتـ ّلُأ ْولِي النّهَى ( )54مِنْهَا خَ َلقْنَاك ْ
ِكـ لَآي ٍ
َذل َ
خ ِر ُجكُ ْم تَا َرةً ُأ ْخرَى (. ﴾ )55
نُ ْ
***
الزء الثالث 84
حزَ نَ
َه ْل َأدُّلكُ مْ عَلَى مَن َي ْكفُلُ ُه َفرَ َجعْنَا َك ِإلَى ُأمّ كَ كَ يْ َت َقرّ عَيْنُهَا َولَا تَ ْ
ي فِي َأهْ ِل َمدْيَ َن ُثمّ
ت َنفْسا فَنَجّيْنَا َك مِ َن الْ َغمّ وَفَتَنّا َك فُتُونا فَلَبِثْتَ سِنِ َ
َوقَتَلْ َ
جِئْتَ َعلَى َقدَ ٍر يَا مُوسَى (. ﴾ )40
قال البغوي ﴿ :إِذْ َأوْ َحْينَا إِلَى ُأمّ كَ ﴾ وحي إلام ﴿ ،مَا يُوحَى ﴾ ما
يلهم ؛ ث ف سّر ذلك اللام وعدّد نعمة عليه فقال ﴿ :أَ نِ اقْذِفِي هِ فِي التّابُو ِ
ت
فَا ْقذِفِي هِ فِي اْليَمّ ﴾ ،يعن :نر النيل ،قال ابن إسحاق :لا ولدت موسى
أمه أرضعته ،حت إذا أمر فرعون بقتل الغلمان من سنته تلك ،عمدت إليه
فصنعت به ما أمرها ال تعال ،جعلته ف تابوت صغي ومهّدت له فيه ،ث
عمدت إل الن يل فقذف ته ف يه ،وأ صبح فرعون ف ملس له ،كان يلس على
شف ي الن يل كل غداة ،فبين ما هو جالس إذ م ّر النيل بالتابوت ،فقذف به ،
وآسية ابنة مزا حم امرأته جالسة إل جنبه ،فقال :إن هذا الشيء ف البحر
فائتون به ،فخرج إليه أعوانه حت جاءوا به ،ففتح التابوت فإذا فيه صب ف
مهده ،فألقى ال عليه مبته وعطف عليه نفسه .
صنَ َع عَلَى َعْينِي ﴾ ،قال :هو غذاؤه .قال ابن وعن قتادة قوله ﴿ :وَِلتُ ْ
إ سحاق ﴿ :قالت ﴾ ،يع ن :أم مو سى ﴿ ،لخ ته ق صّيه ﴾ فانظري ما
يفعلون به ،فخرجت ف ذلك ﴿ فبصرت به عن جنب وهم ل يشعرون ﴾ ،
وقَد احتاج إل الرضاع والتمَس الثدي ،وجعوا له الراضَع حيَ ألقَى ال
مبتهم عليه ،فل يؤتى بامرأة فيقبل ثديها فيمضهم ذلك ،فيؤتى برضع بعد
الزء الثالث 90
َاهـ
َسـَم ُع َوأَرَى (َ )46فأْتِي ُ
َأوْ أَن يَطْغَى ( )45قَالَ لَا تَخَافَا ِإنّنِي َمعَكُمَا أ ْ
َفقُولَا إِنّا رَ سُولَا َربّ كَ َفأَرْ ِس ْل َمعَنَا بَنِي إِ ْسرَائِي َل َولَا ُتعَ ّذْبهُ مْ قَ ْد جِئْنَا َك بِآيَةٍ
مّن ّربّكَ وَالسّلَامُ عَلَى مَنِ اتّبَ َع اْلهُدَى (ِ )47إنّا َق ْد أُوحِ َي إِلَيْنَا أَنّ الْ َعذَابَ
عَلَى مَن َك ّذبَ َوتَ َولّى (. ﴾ )48
قال ابـن كثيـ :وقوله ﴿ :و ْ
َاصَ َطَنعْتُكَ ِلَنفْسَِي ﴾ ،أي :اصَطفيتك
واجتبيتك رسولً ِ ﴿ ،لَنفْسِي ﴾ ،أي :كما أريد ،وأشاء .وعن ابن عباس
قوله ﴿ :وَلَا َتنِيَا فِي ذِكْرِي ﴾ ل تبطئا .وقال ماهَد :ل تضعفَا .وقال
ابن زيد :الوان هو الغافل الفرط .وعن السدي َ ﴿ :فقُولَا لَهُ َقوْلً ّليّنا ﴾ ،
قال َ :كنّياه .
وعن ابن عباس قوله ّ ﴿ :لعَلّ ُه َيتَذَكّرُ َأ ْو يَخْشَى ﴾ ،يقول :هل يتذكر
َأ ْو يَخْشَى .
وقال ابن كثي :أي :لعله يرجع عما هو فيه من الضلل واللكة ﴿ .
َأ ْو يَخْشَى ﴾ ،أي :يوجد طاعة من خشية ربه .
قال البغوي :فإن قيَل :كيَف قال ّ ﴿ :لعَل ُ
ّهَ َيتَذَكّرُ ﴾ وقَد سَبق فَ
علمه أنه ل يتذكّر ول يُ سْلِم ؟ قيل :معناه اذهبا على رجاء منكما وطمع ،
وقضاء ال وراء أمركما .
ط عََليْنَا َأوْ أَن يَطْغَى ﴾ ،
وقال ابن زيد ف قوله ﴿ :إِّننَا نَخَا فُ أَن َيفْرُ َ
ط ﴾ ويعجل ، قال :ناف أن يعجل علينا إذ نبلّغه كلمك وأمرك َ ﴿ ،يفْرُ َ
الزء الثالث 92
أي :فما بالم إذا كان المر كذلك ل يعبدوا ربك بل عبدوا غيه ؟ فقال له
موسَى فَ جواب ذلك :هَم وإن ل يعبدوه فإن عملهَم عنَد ال مضبوط
عليهم ،سيجزيهم بعملهم .
وقوله تعال َ ﴿ :فأَخْ َر ْجنَا بِهِ أَ ْزوَاجا ﴾ .
قال البغوي :أصَنافًا ﴿ مّنَّنب ٍ
َاتَ َشتّىَ ﴾ متلف اللوان ،والطعوم ،
والنافع ﴿ ،كُلُوا وَا ْر َعوْا َأْنعَامَكُ مْ ِإنّ فِي ذَلِ كَ لَآيَا تٍ ّلأُوْلِي الّنهَى ﴾ لذوي
ُمَ َو ِمنْه َا
ُمَ وَفِيه َا ُنعِيدُك ْ
العقول ِ ﴿ ،منْه َا ﴾ ،أي :الرض َ ﴿ ،خَل ْقنَاك ْ
خرِ ُجكُ ْم تَا َرةً أُخْرَى ﴾ يوم البعث . نُ ْ
***
الزء الثالث 94
خ ِرجَنَا مِ نْ
﴿ وََل َقدْ أَ َريْنَا هُ آيَاتِنَا كُ ّلهَا َف َكذّ بَ َوَأبَى ( )56قَالَ َأجِئْتَنَا لِتُ ْ
ح ٍر مّثْلِ ِه فَا ْج َعلْ بَيْنَنَا وَبَيْنَ كَ
ك بِ سِ ْ
حرِ َك يَا مُو سَى ( )57فَلََن ْأتِيَنّ َ
أَرْضِنَا بِ سِ ْ
ت مَكَانا ُسوًى ( )58قَالَ َموْ ِعدُكُ مْ َيوْ ُم الزّيَنةِ
َموْعِدا لّا نُخْ ِلفُ هُ نَحْ ُن َولَا أَن َ
جمَ عَ كَ ْيدَ ُه ُثمّ َأتَى ()60
شرَ النّا سُ ضُحًى ( )59فََتوَلّى ِفرْ َعوْ ُن فَ َ
حََوأَن يُ ْ
قَالَ لَهُم مّو سَى وَيْ َلكُ ْم لَا َتفَْترُوا عَلَى اللّ هِ َكذِبا فَيُ سْحَِت ُكمْ بِ َعذَا بٍ َو َقدْ
جوَى ( )62قَالُوا
خَا بَ مَ نِ افَْترَى ( )61فَتَنَازَعُوا َأ ْمرَهُم بَيَْنهُ ْم َوأَ سَرّوا النّ ْ
ح ِرهِمَا َوَيذْهَبَا
خ ِرجَاكُم مّ ْن أَرْضِكُم بِ سِ ْ
إِ ْن َهذَا نِ لَ سَا ِحرَا ِن ُيرِيدَا نِ أَن يُ ْ
ح الَْيوْ َم مَنِ
صفّا َو َقدْ َأفْلَ َ
بِ َطرِيقَتِكُمُ الْمُثْلَى (َ )63فَأجْ ِمعُوا كَ ْيدَكُمْ ُثمّ ائْتُوا َ
ا سَْتعْلَى ( )64قَالُوا يَا مُو سَى ِإمّا أَن تُ ْلقِ يَ َوِإمّا أَن ّنكُو َن َأوّ َل مَ ْن َألْقَى (
سعَى
ح ِر ِهمْ َأّنهَا َت ْ
)65قَالَ َب ْل َألْقُوا َفِإذَا حِبَاُلهُ ْم وَعِصِّي ُه ْم يُخَّي ُل ِإلَيْ ِه مِن سِ ْ
ك أَنتَ اْلأَعْلَى
ف ِإنّ َ
سهِ خِي َفةً مّوسَى ( )67قُلْنَا لَا تَخَ ْ
س فِي َنفْ ِ
(َ )66فَأوْجَ َ
ف مَا صََنعُوا ِإنّمَا صََنعُوا كَ ْيدُ سَا ِحرٍ َولَا ُيفْلِحُ
(َ )68وَألْ ِق مَا فِي يَمِينِكَ تَ ْلقَ ْ
ح َرةُ سُجّدا قَالُوا آمَنّ ا بِرَبّ هَارُو نَ
ث أَتَى (َ )69فُألْقِ يَ ال سّ َ
ال سّا ِحرُ حَيْ ُ
َومُو سَى ( )70قَالَ آمَنتُ ْم لَ هُ قَ ْب َل أَ نْ آ َذ َن َلكُ مْ إِنّ هُ َلكَبِيُكُ ُم اّلذِي عَلّ َمكُ مُ
ف َولَأُ صَلّبَّنكُ ْم فِي ُجذُو عِ
ح َر فَ َلُأقَ ّطعَنّ أَْي ِديَكُ ْم َوأَرْجُلَكُم مّ ْن خِلَا ٍ
ال سّ ْ
خ ِل َولَتَعْلَ ُمنّ َأيّنَا َأ َشدّ َعذَابا َوَأبْقَى ( )71قَالُوا لَن نّ ْؤِثرَ كَ عَلَى مَا جَاءنَا
النّ ْ
ض ِإنّمَا َتقْضِي َهذِ ِه الْحَيَاةَ ال ّدنْيَا
ت قَا ٍ
مِنَ الْبَيّنَاتِ وَاّلذِي فَ َط َرنَا فَاقْضِ مَا أَن َ
95 توفيق الرحن ف دروس القرآن
ح ِر وَاللّ هُ
(ِ )72إنّا آمَنّا ِب َربّنَا لَِي ْغفِ َر لَنَا خَطَايَانَا وَمَا أَ ْكرَهْتَنَا عَلَيْ ِه مِ نَ ال سّ ْ
جرِما فَإِنّ لَ ُه جَهَنّ مَ لَا يَمُو تُ فِيهَا َولَا
خَ ْي ٌر وََأْبقَى (ِ )73إنّ ُه مَن َيأْ تِ َربّ هُ مُ ْ
ح ي (َ )74ومَ نْ َي ْأتِ ِه ُمؤْمِنا َقدْ عَ ِم َل ال صّالِحَاتِ َفُأوْلَئِ كَ لَهُ ُم الدّ َرجَا تُ
يَ ْ
جرِي مِن تَحْتِهَا الَْأْنهَا ُر خَاِلدِينَـ فِيهَا َو َذلِكَـ
اْلعُلَى ( )75جَنّاتُـ َعدْنٍـتَ ْ
َجزَاء مَن َتزَكّى (. ﴾ )76
***
الزء الثالث 96
فله أمَر .وقال وهَب بن من به :ج ع كَل ساحر حباله وع صيّه ،وخرج
مو سى م عه أخوه يت كئ على ع صاه ،ح ت أ تى الج مع ،وفرعون ف مل سه
م عه أشراف أ هل ملك ته قد ا ستكف له الناس ،فقال مو سى لل سحرة ح ي
ب مَ نِ
حَتكُمْ بِعَذَابٍ وََقدْ خَا َ
جاءهم َ ﴿ :ويَْلكُمْ لَا َت ْفتَرُوا عَلَى اللّهِ كَذِبا َفيُسْ ِ
ا ْفتَرَى ﴾ ،فتراود السحرة بينهم ،وقال بعضهم لبعض :ما هذا بقول ساحر
.
وقال ابن كثي :وقوله َ ﴿ :ويَ ْذهَبَا بِطَرِي َقتِكُ ُم الْ ُمثْلَى ﴾ ،أي :ويستبدّا
بذه الطريقة وهي :السحر .وقال ابن عباس :يعن :ملكهم الذي هم فيه
والعيش .وقال علي بن أب طالب :يصرفان وجوه الناس إليهما .
صَفّا ﴾ ،أي : قال ابـن كثيـ :وقوله َ ﴿ :فأَجْ ِمعُوا َكيْدَك ْ
ُمَ ثُمّ اْئتُوا َ
اجتمعوا كلكم صفًا واحدًا ،وألقوا ما ف أيدكم مرة واحدة لتبهروا البصار
وتغلبوا هذا وأخاه ﴿ ،وَقَدْ أَفْلَحَ الَْي ْومَ مَ ِن ا ْسَتعْلَى ﴾ منا ومنه .
قوله عز وجل ﴿ :قَالُوا يَا مُو سَى ِإمّا أَن تُ ْلقِ َي َوإِمّا أَن نّكُو نَ أَ ّولَ مَ نْ
حرِ ِه ْم أَّنهَا
َأْلقَى ( )65قَا َل َبلْ َأْلقُوا فَِإذَا حِبَاُلهُمْ وَعِصِّي ُهمْ ُيخَّيلُ ِإلَيْهِ مِن سِ ْ
ف ِإنّ كَ أَن تَ
سهِ خِي َفةً مّو سَى ( )67قُلْنَا لَا تَخَ ْ
س فِي َنفْ ِ
سعَى (َ )66فَأوْجَ َ
تَ ْ
اْلأَعْلَى (َ )68وَألْ قِ مَا فِي يَمِينِ كَ تَ ْلقَ فْ مَا صََنعُوا ِإنّمَا صََنعُوا كَ ْيدُ سَا ِحرٍ
ث َأتَى (. ﴾ )69
ح السّا ِحرُ حَيْ ُ
َولَا ُيفْلِ ُ
الزء الثالث 98
ُونـ
سـجّدا قَالُوا آمَنّاـ ِبرَبّ هَار َ
ح َرةُ ُ
السـ َ
ِيـ ّقوله عـز وجـل َ ﴿ :فأُْلق َ
َومُو سَى ( )70قَالَ آمَنتُ ْم لَ هُ قَ ْب َل أَ نْ آ َذ َن َلكُ مْ إِنّ هُ َلكَبِيُكُ ُم اّلذِي عَلّ َمكُ مُ
ف َولَأُ صَلّبَّنكُ ْم فِي ُجذُو عِ
ح َر فَ َلُأقَ ّطعَنّ أَْي ِديَكُ ْم َوأَرْجُلَكُم مّ ْن خِلَا ٍ
ال سّ ْ
خ ِل َولَتَعْلَ ُمنّ َأيّنَا َأ َشدّ َعذَابا َوَأبْقَى ( )71قَالُوا لَن نّ ْؤِثرَ كَ عَلَى مَا جَاءنَا
النّ ْ
ض ِإنّمَا َتقْضِي َهذِ ِه الْحَيَاةَ ال ّدنْيَا
ت قَا ٍ
مِنَ الْبَيّنَاتِ وَاّلذِي فَ َط َرنَا فَاقْضِ مَا أَن َ
ح ِر وَاللّ هُ
(ِ )72إنّا آمَنّا ِب َربّنَا لَِي ْغفِ َر لَنَا خَطَايَانَا وَمَا أَ ْكرَهْتَنَا عَلَيْ ِه مِ نَ ال سّ ْ
جرِما فَإِنّ لَ ُه جَهَنّ مَ لَا يَمُو تُ فِيهَا َولَا
خَ ْي ٌر وََأْبقَى (ِ )73إنّ ُه مَن َيأْ تِ َربّ هُ مُ ْ
ح ي (َ )74ومَ نْ َي ْأتِ ِه ُمؤْمِنا َقدْ عَ ِم َل ال صّالِحَاتِ َفُأوْلَئِ كَ لَهُ ُم الدّ َرجَا تُ
يَ ْ
جرِي مِن تَحْتِهَا الَْأْنهَا ُر خَاِلدِينَـ فِيهَا َو َذلِكَـ
اْلعُلَى ( )75جَنّاتُـ َعدْنٍـتَ ْ
َجزَاء مَن َتزَكّى (. ﴾ )76
قال و هب بن من به :ل ا قالت ال سحرة ﴿ :آ َمنّ ا بِرَبّ هَارُو َن َومُو سَى
﴾ ،قال لم فرعون وأسف ورأى الغلبة البيّنة ﴿ :آمَنتُمْ لَهُ َقبْلَ أَنْ آذَنَ َلكُ ْم
حرَ ﴾ ،أي :لعظيم السحار الذي علّمكم . ِإنّ هُ َل َكبِيُكُ ُم الّذِي عَلّ َمكُ ُم ال سّ ْ
َافَ
ّنَ ِخل ٍ ُمَ َوأَرْ ُجلَكُم م ْ وعَن السَدي :قال فرعون َ ﴿ :فَلأُقَ ّطعَنّ َأيْ ِديَك ْ
ع النّخْلِ ﴾ فقتل هم وقطّع هم ،ك ما قال ع بد ال بن وََلأُ صَّلبَّنكُمْ فِي ُجذُو ِ
صبْرا َوَتوَفّنَا مُ سْلِ ِميَ
غ عََليْنَا َ
عباس ر ضي ال ع نه ح ي قالوا َ ﴿ :ربّنَا أَفْرِ ْ
﴾ وقال :كانوا أول النهار سحرة ،وف آخر النهار شهداء .
الزء الثالث 100
ت وَالّذِي
و عن و هب بن من به ﴿ :لَن ّن ْؤثِرَ كَ عَلَى مَا جَاءنَا مِ َن اْلَبيّنَا ِ
َاضَ ﴾ اصَنع مَا بدا لك َنتَ ق ٍ ْضَ مَا أ َ
فَ َطرَنَا ﴾ ،أي :على ال ﴿ ،فَاق ِ
حيَاةَ ال ّدْنيَا ﴾ ،أي :ليس لك سلطان إ َل فيها ث ِ ﴿ ،إنّمَا َت ْقضِي هَذِ ِه الْ َ
ل سلطان لك بعد .وقال ابن زيد ف قوله َ ﴿ :ومَا أَكْ َر ْهتَنَا عََليْ ِه مِ َن السّحْرِ
﴾ ،قال :أمرهَم بتعلّم السَحر ،قال :تركوا كتاب ال وأمروا قومهَم
بتعليم السحر .وعن ابن إسحاق ﴿ :وَاللّ هُ َخيْرٌ َوأَْبقَى ﴾ خي منك ثوابًا ،
وأبقى عذابًا .
و عن أ ب سعيد ر ضي ال عنه :أن ر سول ال خ طب فأ تى على هذه
جرِما فَِإنّ لَ هُ َج َهنّ مَ لَا يَمُوتُ فِيهَا وَلَا يَحْي ﴾ ،
الية ِ ﴿ :إنّهُ مَن َيأْ تِ َربّ ُه مُ ْ
قال النب « :أما أهلها الذين هم أهلها فل يوتون فيها ول ييون ،وأما
الذ ين لي سوا من أهل ها فإن النار ت سّهم ث يقوم الشفعاء فيشفعون ،فتج عل
الضبائر فيؤتى ب م نرًا يقال له الياة أو اليوان ،فينبتون ك ما ينبت الع شب
ف حيل السيل » .رواه ابن أب حات .وعن عبادة بن الصامت عن النب
قال « :النة مائة درجة ،ما بي كل درجتي كما بي السماء والرض ،
والفردوس أعل ها در جة .ومن ها ترج النار الرب عة ،والعرش فوق ها فإذا
سَألتم ال فاسَألوه الفردوس » رواه أحدَ وغيه .وفَ الصَحيحي « :إن
أهَل علّييَ ليون مَن فوقهَم كمَا ترون الكوكَب الغابر فَ أفَق السَماء
لتفاضل ما بينهم » ،قالوا :يا رسول ال تلك منازل النبياء ؟ قال « :بلى
والذي نفسي بيده رجال آمنوا بال وصدّقوا الرسلي » .
101 توفيق الرحن ف دروس القرآن
***
الزء الثالث 102
ت َأمْرِي ()93
ك ِإذْ َرأَيَْتهُ مْ ضَلّوا (َ )92ألّا تَتِّبعَ نِ َأ َفعَ صَيْ َ
هَارُو نُ مَا مََنعَ َ
ت بَيْ نَ
ت أَن تَقُولَ َف ّرقْ َ
قَالَ يَا ابْ َن أُمّ لَا َت ْأخُ ْذ بِلِحْيَتِي َولَا ِبرَأْ سِي ِإنّي َخشِي ُ
ك يَا سَامِرِيّ ( )95قَالَ
ب َق ْولِي ( )94قَا َل فَمَا خَطْبُ َ
بَنِي إِ ْسرَائِي َل وَلَ ْم َترْقُ ْ
ضةً مّ نْ َأَثرِ الرّ سُو ِل فَنََب ْذتُهَا وَ َك َذلِ كَ
ت قَبْ َ
صرُوا بِ هِ َفقَبَضْ ُ
ت بِمَا لَ ْم يَبْ ُ
صرْ ُ
بَ ُ
ك فِي الْحَيَا ِة أَن َتقُولَ لَا مِسَاسَ
ب َفإِنّ لَ َ
ت لِي َنفْسِي ( )96قَالَ فَاذْهَ ْ
سَ ّولَ ْ
ْهـ عَاكِفا
ْتـ عَلَي ِ
ِكـ اّلذِي َظل َ
َهـ وَان ُظ ْر ِإلَى ِإلَه َ
ّنـ تُخْ َلف ُ
َكـ َموْعِدا ل ْ
َوإِنّ ل َ
سفَّنهُ فِي الَْيمّ نَسْفا (ِ )97إنّمَا ِإَلهُكُمُ اللّهُ اّلذِي لَا ِإلَهَ ِإلّا ُهوَ
ح ّرقَنّ ُه ُثمّ لَنَن ِ
لّنُ َ
َوسِعَ ُك ّل شَيْءٍ عِلْما (. ﴾ )98
***
الزء الثالث 104
ضرِ بْ
قوله عز و جل ﴿ :وََل َقدْ َأ ْوحَيْنَا ِإلَى مُو سَى أَ ْن أَ ْسرِ ِبعِبَادِي فَا ْ
ُمـ
َافـ دَرَكا َولَا تَخْش َى (َ )77فَأتَْبعَه ْ
ح ِر يَبَسـا لّا تَخ ُ
ُمـ َطرِيقا ف ِي الْبَ ْ
َله ْ
ض ّل ِفرْ َعوْ ُن َقوْمَ ُه َومَا
جنُودِهِ َف َغشَِيهُم مّ َن الْيَمّ مَا َغشَِيهُمْ (َ )78وأَ َ
ِفرْ َعوْنُ بِ ُ
َهدَى (. ﴾ )79
عن ما هد قوله ﴿ :يَبَ سا ﴾ ،قال :ياب سًا .و عن ا بن عباس ف قوله
﴿ :ل تاف دركًا ول تشى ﴾ ،يقول :ل تاف من آل فرعون دركًا ،
ول تشى من البحر غرقًا .
شيَهُ ْم َوأَضَلّ فِ ْر َعوْ نُ
شيَهُم مّ َن اْليَمّ مَا غَ ِ
جنُودِ هِ َفغَ ِ
﴿ َفَأتَْب َعهُ مْ ِف ْر َعوْ نُ بِ ُ
َق ْومَ ُه َومَا هَدَى ﴾ .
قال البغوي :وهذا تكذيب لفرعون ف قوله ﴿ :وَمَا َأهْدِيكُ مْ إِلّا َسبِيلَ
ال ّرشَادِ ﴾ .
قوله عز وجل ﴿ :يَا بَنِي إِ ْسرَائِي َل َقدْ أَنَيْنَاكُم مّنْ َع ُدوّكُمْ َووَا َعدْنَاكُمْ
ب الطّو ِر اْلأَيْمَ نَ وََن ّزلْنَا عَلَ ْيكُ ُم الْ َمنّ وَال سّلْوَى ( )80كُلُوا مِن طَيّبَا تِ
جَانِ َ
حلّ عَلَ ْيكُ مْ غَضَبِي وَمَن يَحْ ِللْ عَلَيْ هِ غَضَبِي
مَا رَ َزقْنَاكُ مْ َولَا تَ ْط َغوْا فِي ِه فَيَ ِ
ب وَآمَ َن وَعَ ِملَ صَالِحا ثُمّ اهَْتدَى (
َف َقدْ َهوَى (َ )81وِإنّ ي َل َغفّا ٌر لّمَن تَا َ
. ﴾ )82
عن ابن عباس قوله ﴿ :وَلَا تَ ْط َغوْا فِي هِ ﴾ ،يقول :ول تظلموا َ ﴿ ،ومَن
حلِ ْل عََليْ ِه َغضَبِي َف َق ْد َهوَى ﴾ ،يقول :ف قد ش قي َ ﴿ ،وِإنّ ي َل َغفّارٌ لّمَن
يَ ْ
105 توفيق الرحن ف دروس القرآن
ِلتَرْضَى * قَالَ فَِإنّا قَدْ َفَتنّا َق ْومَ كَ مِن َبعْدِ َك َوأَضَّلهُ ُم ال سّامِرِيّ َفرَجَ َع مُو سَى
ضبَانَ َأسِفا ﴾ ،قال ابن عباس يقول :حزينًا . إِلَى َق ْومِهِ َغ ْ
﴿ قَا َل يَا َق ْومِ أَلَ ْم َيعِدْكُمْ َرّبكُ ْم َوعْدا حَسَنا ﴾ .
قال البغوي :صَدقًا ،أن يعطيكَم التوارة ﴿ ،أَفَطَا َل عََلْيكُم ُ
َ اْل َعهْدُ
ُمَ
َبَ مّنَ ّرّبك ْ ُمَ غَض ٌ ّمَأَن َيحِ ّل عََلْيك ْ َمَ أَرَدت ْ
﴾ مدة مفارقتَ إياكَم ﴿ ،أ ْ
َفأَ ْخَلفْتُم ّم ْوعِدِي * قَالُوا مَا أَخَْل ْفنَا َم ْوعِدَ َك بِمَ ْل ِكنَا ﴾ ،قال ابن كثي :أي :
عن قدرتنا واختيارنا .
﴿ وََلكِنّا ُحمّ ْلنَا َأوْزَارا مّن زِيَنةِ اْل َق ْومِ َفقَذَ ْفنَاهَا َفكَذَلِكَ أَْلقَى السّامِرِيّ ﴾ .
وعن ابن عباس ﴿ :وََل ِكنّا حُمّ ْلنَا َأوْزَارا مّن زِيَن ِة اْلقَوْ مِ ﴾ ،فهو ما كان مع
بن إسرائيل من حليّ آل فرعون ،يقول :خطؤنا ما أصبنا من حل ّي عدوّنا ،
وقال قتادة :كان ال و قت لو سى ثلث ي ليلة ث أتّم ها بع شر ،فل ما م ضت
الثلثون قال عدو ال السامريّ :إنا أصابكم الذي أصابكم عقوبة بالل يّ ،
الذي كان معكَم ،فهلّموا ،وكانَت حليّاَ اسَتعاروها مَن آل فرعون ،
ف ساروا و هي مع هم فقدفو ها إل يه ف صوّرها صورة بقرة ،وكان قد صرّ ف
عمامته أو ف ثوبه قبضة من أثر فرس جبائيل ،فقذفها مع الليّ والصورة .
جلً جَ سَدا لَ هُ ُخوَارٌ ﴾ فج عل يور خوار البقرة فقال ﴿ َفأَخْ َر جَ َلهُ ْم عِ ْ
﴿ :هَذَا إَِل ُهكُ ْم َوإِلَ هُ مُو سَى ﴾ ،و ف روا ية :فقالوا هذا إل كم وإله مو سى
ول كن موسَى نسَي ربَه عندكَم ،قال ال ﴿ :أَفَلَا يَ َروْنََأَلّا يَرْجِعَُإَِلْيهِم َْ
ضرّا وَلَا َنفْعا ﴾ ؟ . ﴾ ذلك العجل الذي اتذوه َ ﴿ ،قوْلً وَلَا يَ ْملِكُ َلهُمْ َ
107 توفيق الرحن ف دروس القرآن
قال ابن كثي :وحاصل ما اعتذر به هؤلء الهلة أنم تورّعوا عن زينة
القوم ،فألقو ها وعبدوا الع جل ،فتورّعوا عن الق ي وفعلوا ال مر ال كبي ،
ك ما قال ا بن ع مر :انظروا إل أ هل العراق ،قتلوا ا بن ب نت ر سول ال
وهم يسألون عن دم البعوضة .
قوله عز وجل ﴿ :وََل َقدْ قَالَ َلهُ ْم هَارُو ُن مِن قَ ْبلُ يَا َقوْ ِم إِنّمَا فُتِنتُم بِ هِ
َوإِنّ َرّبكُ ُم ال ّرحْمَ ُن فَاتّبِعُونِي َوأَطِيعُوا َأ ْمرِي ( )90قَالُوا لَن نّ ْبرَ حَ عَلَيْ هِ
عَا ِكفِيَ حَتّى َيرْجِ َع ِإلَيْنَا مُو سَى ( )91قَالَ يَا هَارُو ُن مَا مََنعَ كَ ِإذْ َرَأيَْتهُ مْ
ت َأمْرِي ( )93قَا َل يَا ابْنَ أُمّ لَا َتأْ ُخذْ بِ ِلحْيَتِي
ضَلّوا (َ )92ألّا تَتِّبعَنِ َأ َفعَصَيْ َ
ب َق ْولِي (
ت بَيْنَ بَنِي إِ ْسرَائِي َل وَلَمْ َت ْرقُ ْ
َولَا ِب َرأْسِي ِإنّي َخشِيتُ أَن َتقُو َل َف ّرقْ َ
. ﴾ )94
قال ا بن عباس :ل ا قال القوم ﴿ :لَن نّبْ َر َ
ح عََليْ ِه عَاكِفِيَ َحتّ ى يَ ْرجِ عَ
إَِلْينَا مُو سَى ﴾ ،أقام هارون فيمن تبعه من السلمي من ل يفتت ،وأقام من
يعبد العجل على عبادة العجل ،وتوف هارون إن سار بن معه من السلمي
ت َبيْ َن َبنِي إِ سْرَائِي َل وَلَ ْم تَرْقُ بْ َقوْلِي ﴾ وكان له
أن يقول له موسى َ ﴿ :فرّقْ َ
هائبًا مطيعًا .
ص ْرتُ بِمَا
ك يَا سَامِرِيّ ( )95قَالَ بَ ُ
قوله عز وجل ﴿ :قَا َل فَمَا خَطْبُ َ
ضةً مّ ْن َأَثرِ الرّ سُو ِل فَنََب ْذتُهَا وَ َكذَلِ كَ َس ّولَتْ لِي
ت قَبْ َ
صرُوا بِ ِه َفقَبَضْ ُ
لَ ْم يَبْ ُ
س َوإِنّ لَ كَ
ب َفإِنّ لَ كَ فِي الْحَيَا ِة أَن َتقُولَ لَا مِ سَا َ
َنفْ سِي ( )96قَالَ فَاذْهَ ْ
الزء الثالث 108
ح ّرقَنّ ُه ثُمّ
َموْعِدا لّ نْ تُخْ َلفَ هُ وَان ُظرْ ِإلَى ِإَلهِ كَ اّلذِي ظَلْ تَ عَلَيْ هِ عَاكِفا لّنُ َ
سفَّنهُ فِي الْيَمّ نَ سْفا (ِ )97إنّمَا إَِل ُهكُ ُم اللّ هُ اّلذِي لَا إِلَ َه إِلّا هُ َو وَ سِعَ ُكلّ
لَنَن ِ
َشيْءٍ عِلْما (. ﴾ )98
ك يَا سَامِرِيّ ﴾ ،قال :ما أمرك ؟ ما قال ابن زيد ف قوله َ ﴿ :فمَا خَ ْطبُ َ
َمَ
ت بِمَا ل ْ َصَرْ ُ
شأنَك ؟ مَا هذا الذي أدخلك فيمَا دخلت فيَه ؟ ﴿ قَا َل ب ُ
ض ًة مّ نْ َأثَرِ
َيبْصُرُوا بِهِ ﴾ .قال قتادة :يعن :فرس جبيل َ ﴿ ،ف َقبَضْتُ َقْب َ
ك َسوَّلتْ لِي َنفْسِي ﴾ ،قال ابن زيد :كذلك حدثتن ال ّرسُولِ َفَنبَ ْذُتهَا وَكَذَلِ َ
ي عظيما من عظماء بن إسرائيل من نفسي .وقال قتادة :كان وال السامر ُ
قبيلة يقال لا سامرة ،ولك نّ عدو ال نافق بعدما قطع البحر مع بن إسرائيل
.
َسََنتْهُ
سَوّلَتْ لِي َنفْسَِي ﴾ ،أي :ح ّ وقال ابـن كثيـ ﴿ :وَكَذَل َ
ِكَ َ
حيَاةِ أَن َتقُولَ لَا مِ سَاسَ ﴾ ،
وأعجبها إذ ذاك ﴿ ،قَالَ فَا ْذهَبْ فَِإنّ لَكَ فِي الْ َ
أي :ك ما أخذت وم سست ما ل ي كن لك أخذه وم سه من أ ثر الر سول ،
تاسَ الناس ول
فعقوبتَك فَ الدنيَا ﴿ ،أَن َتقُولَ لَا مِسََاسَ ﴾ ،أي :ل ّ
خَلفَ هُ ﴾ ،أي
ك َم ْوعِدا ﴾ ،أي :يوم القيامة ﴿ ،لّ ْن تُ ْ ي سّونك َ ﴿ ،وِإنّ لَ َ
:ل ييد لك عنه .
سفَنّهُ وقوله ﴿ :وَانظُرْ إِلَى إَِلهِ َ
ك الّذِي ظَلْ تَ عََليْ هِ عَاكِفا ّلنُحَرَّقنّ ُه ثُمّ َلنَن ِ
فِي اْليَمّ نَسْفا ﴾ .قال ابن عباس :فحرّقه ث ذرّاه ف اليمّ .
109 توفيق الرحن ف دروس القرآن
وقال ابن جرير :وقوله ِ ﴿ :إنّمَا إَِل ُهكُمُ اللّ ُه الّذِي لَا إِلَهَ إِلّا ُهوَ َوسِعَ كُلّ
َشيْ ٍء عِلْما ﴾ ،يقول :مَا لكَم أيهَا القوم معبود إلّ الذي له عبادة جيَع
َسَعَ كُلّ
اللق ،ل تصَلح العبادة لغيه ،ول تنبغَي أن تكون إلّ له ﴿ ،و ِ
َشيْ ٍء عِلْما ﴾ ،يقول :احتاط بكَل شيَء علمًا وعلمَه ،فل يفَى عليَه
شيء ول يضيق عليه علم جيع ذلك .
***
الزء الثالث 110
﴿ َكذَلِ كَ نَقُ صّ عَ َليْ كَ مِ ْن أَنبَاء مَا َقدْ سََبقَ وَ َقدْ آتَيْنَا َك مِن ّل ُدنّ ا ذِكْرا (
)99مَ نْ أَ ْعرَ ضَ عَنْ هُ َفِإنّ ُه يَحْ ِم ُل َيوْ َم اْلقِيَا َمةِ وِزْرا ( )100خَالِدِي َن فِي هِ
شرُ
حَُخـ ف ِي الصـّورِ َونَ ْ
ْمـ يُنف ُ
ْمـ الْقِيَامَ ِة حِمْلً (َ )101يو َ
ُمـ يَو َ
وَسـَاء َله ْ
ج ِرمِيَ َي ْومَئِذٍ زُرْقا ( )102يَتَخَافَتُو َن بَيَْنهُ مْ إِن لّبِثْتُ ْم ِإلّا َعشْرا ( )103
الْمُ ْ
نَحْ ُن أَعْلَ ُم بِمَا َيقُولُو َن ِإ ْذ يَقُولُ َأمْثَ ُلهُ مْ َطرِيقَ ًة إِن لّبِثْتُ ْم ِإلّا َيوْما ()104
َنسـُفهَا َربّيـ نَسـْفا ( )105فََيذَرُه َا قَاعا
َنـ الْجِبَا ِل َفقُ ْل ي ِ
َسـَألُونَكَ ع ِ
َوي ْ
صفْصَفا ( )106لَا َترَى فِيهَا ِعوَجا َولَا َأمْتا ( )107يَ ْومَِئذٍ يَتِّبعُونَ الدّاعِيَ
َ
صوَاتُ لِل ّرحْمَنِ فَلَا تَسْمَ ُع ِإلّا هَمْسا ( )108يَ ْومَِئذٍ
ج لَهُ َو َخشَعَت اْلأَ ْ
لَا ِعوَ َ
ضيَ َل ُه قَ ْولً (َ )109يعْ َلمُ مَا بَ ْينَ
شفَا َعةُ ِإلّا َم ْن َأذِنَ َل ُه ال ّرحْ َمنُ وَرَ ِ
لّا تَنفَعُ ال ّ
ت الْ ُوجُو ُه لِلْحَيّ
َأْيدِيهِ مْ وَمَا خَ ْل َفهُ مْ َولَا يُحِيطُو َن بِ هِ عِلْما ( )110وَعَنَ ِ
اْلقَيّو ِم َوقَ ْد خَا بَ مَ نْ حَ َملَ ظُلْما (َ )111ومَن َيعْ َملْ مِ نَ ال صّالِحَاتِ َوهُوَ
َاهـ ُقرْآنا َعرَبِيّا
ِكـ أَن َزلْن ُ
َافـ ظُلْما َولَا هَضْما ( )112وَ َكذَل َ
ِنـ فَلَا يَخ ُ
ُم ْؤم ٌ
حدِ ثُ َلهُ مْ ذِكْرا ( )113فََتعَالَى
ص ّرفْنَا فِي ِه مِ َن الْوَعِي ِد َلعَ ّلهُ مْ يَتّقُو نَ َأ ْو يُ ْ
وَ َ
جلْ بِاْلقُرْآ ِن مِن قَ ْب ِل أَن يُقْضَى ِإلَيْ كَ وَحْيُ ُه وَقُل
ك الْحَقّ َولَا َتعْ َ
اللّ ُه الْمَلِ ُ
ّربّ ِز ْدنِي ِعلْما (. ﴾ )114
***
111 توفيق الرحن ف دروس القرآن
آدم أبَو الناس ،خلقَك ال بيده وأسَكنك جنتَه وأسَجد لك ملئكتَه ،
وعلمك أساء كل شيء ،اشفع لنا عند ربك حت يرينا من مكاننا هذا .
فيقول :لست ُهنَاكم .ويذكر خطيئته الت أصاب :أكله من الشّجرة وقد
ب بع ثه ال إل أ هل الرض ،فيأتون نوحًا ن ي عن ها ول كن ائتوا نوحًا أول ن ٍ
فيقول :ل ست ُهنَا كم ويذ كر خطيئ ته ال ت أ صاب :سؤاله ر به بغ ي علم .
ول كن ائتوا إبراه يم خل يل الرح ن .قال :فيأتون إبراه يم فيقول :إ ن ل ست
ُهنَاكم ويذكر ثلث كذبا تٍ كذبنّ ولكن ائتوا موسى عبدًا آتَاه ال التوراة
وكل مه وقر به نيّ ا .قال :فيأتون مو سى فيقول :إ ن ل ست ُهنَا كم ويذ كر
خطيئَت هُ الّت أَ صَاب قتله النّفس ولكن ائتوا عيسى عبد ال ورسوله وروح ال
ت ُهنَاكُم ولكن ائتوا مُحَمدًا عبدًاس ُ وكلِمت هُ ،قال :فيأتون عيسى فيقول :لَ ْ
غفر اللّ هُ له ما تقدّم من ذنبه وما تأخّر .قال :فيأتون فأستأذن على رب ف
داره فيؤذن ل عليه .فإذا رأيتُ ُه وقعت ساجدًا فيدعن ما شَاء اللّ هُ أن يدعن
ثّ يقول :ار فع م مد ،و قل ت سمع ،واش فع تش فع ،و سل تع طه .قال :
فأرفع رأسي فأثن على رب بثناءٍ وتميد ُيعَلّمُني ِه ،ثّ أشفع َفَيحُدّ ل حَدّا ،
فأخرج فأخرجهم م َن النّا ِر َوأُدْ ِخُلهُم النّة .ثّ أعود الثّانية فأستأذن على رب
ف داره فيؤذن ل عليه فإذا رأيته وقعت ساجدًا فيدعن ما شاء اللّ هُ أن يدعن
ثّ يقول :ارفع مُحَمّ ُد وقل تسمع ،واشفع تشفع ،وسل تعطه .قال فأرفع
حدّ ل حدّا رأسَي فأثنَ على ربَ بثنا ٍء وتميَد يُعلّمنيَه .قال ثّ أشفَع في ُ
فأخرج فأخرجهم من النار وأدخلهم النّة .حت ما يبقى ف النّارِ إِل من قد
115 توفيق الرحن ف دروس القرآن
حب سه القرآ نُ .أَ يْ :و جب عل يه اللود -ثّ تل هذه ال ية ﴿ :عَ سَى أَ نْ
َهَ
القامَ الحمود الذِي وُعِد ُ
ُ حمُودًا ﴾ -قال :وهذا
ّكَ َمقَام ًا مَ ْ
َكَ َرب َ
َيْبعَث َ
نبيكم » .متفق عليه وعن جابر رضي ال عنه قال :قال رسول ال « :
يرج من النار قوم بالشفاعة كأنم الثعارير » قلنا :ما الثعارير ؟ قال « :إنه
الضغاب يس » .مت فق عل يه .و عن عثمان بن عفان ر ضي ال ع نه قال :قال
رسول ال « :يشفع يوم القيامة ثلثة :النبياء ث العلماء ث الشهداء » .
رواه ابن ماجة .
ص ّرفْنَا فِي هِ مِ َن الْوَعِيدِ
قوله عز وجل ﴿ :وَ َكذَلِ كَ أَن َزلْنَا ُه ُقرْآنا َع َربِيّا وَ َ
حدِ ثُ لَهُ مْ ذِكْرا ( )113فََتعَالَى اللّ هُ الْمَلِ كُ الْحَقّ َولَا
َلعَ ّلهُ ْم يَّتقُو نَ َأ ْو يُ ْ
ك َوحْيُ ُه َوقُل ّربّ ِز ْدنِي عِلْما ( )114
ج ْل بِاْل ُقرْآ ِن مِن قَ ْب ِل أَن ُيقْضَى ِإلَيْ َ
َتعْ َ
﴾.
قال البغوي ﴿ :وَكَذَلِكَ ﴾ ،أي :كما بينا ف هذه السورة ﴿ ،أَنزَْلنَاهُ
﴾ ،يعن :أنزلنا هذا الكتاب ُ ﴿ ،قرْآنا َع َربِيّا ﴾ ،أي :بلسان العرب ﴿ ،
صرّ ْفنَا فِي ِه مِ َن اْل َوعِيدِ َلعَّل ُه ْم يَّتقُو نَ َأ ْو يُحْدِ ثُ َلهُ مْ ذِكْرا ﴾ عبة وع ظة .
وَ َ
قال قتادة َ ﴿ :لعَّلهُ ْم َيتّقُونََ ﴾ ما حذروا بَه من أمَر ال وعقابَه ووقائعَه
ُمَ ﴾ القرآن ﴿ ،ذِكْرا ﴾ ،أي :حدًا ، ِثَ َله ْبالمَم قبلهَم َ ﴿ ،أوْ ُيحْد ُ
وورعًا .
الزء الثالث 116
ِكَ الْحَق ّ ﴾ ،أي :عمّاَ يصَفه بَه وقوله تعال َ ﴿ :فَتعَالَى الل ُ
ّهَ الْمَل ُ
ُهَ ﴾ ،قال
ْكَ وَ ْحي ُ
ْآنَ مِن َقبْلِ أَن يُقْضَى إَِلي َ
ج ْل بِاْلقُر ِ
الشركون ﴿ .وَلَا َتعْ َ
ماهد :ل َتتْلُه على أحد حت نبيّنه لك ﴿ ،وَقُل رّبّ زِ ْدنِي عِلْما ﴾ .
قال ابن جرير :يقول تعال ذكره ﴿ :وَقُل ﴾ يا ممد ﴿ :رّبّ زِ ْدنِي
عِلْما ﴾ صحيحًا إل ما علّمتن أمره بسألته من فوائد العلم ما ل يعلم .قال
ابن عيينة :ول يزل ف زيادة حت توفّاه ال عز وجل .وف الديث الذي
رواه الترمذي وغيه أنه كان يقول « :اللهم انفع ن با علّمتن ،وعلم ن
ما ينفع ن ،وارزق ن علمًا ينفع ن ،وزد ن علمًا ال مد ل على كل حال
وأعوذ بال من
حال أهل النار » .
***
117 توفيق الرحن ف دروس القرآن
ج ْد لَ هُ َعزْما ( )115وَِإذْ
س َي وَلَ مْ نَ ِ
﴿ َولَ َقدْ َع ِهدْنَا ِإلَى آ َد َم مِن قَ ْب ُل فَنَ ِ
س أَبَى (َ )116فقُلْنَا يَا آدَ مُ
جدُوا ِإلّا ِإبْلِي َ
جدُوا لِآدَ َم فَ سَ َ
قُلْنَا لِلْمَلَائِ َكةِ ا سْ ُ
خ ِرجَنّكُمَا مِ نَ الْجَّن ِة فََتشْقَى ( )117إِنّ
ك َوِلزَ ْوجِ كَ فَلَا يُ ْ
إِنّ هَذَا َع ُدوّ لّ َ
ع فِيهَا َولَا َت ْعرَى ( )118وََأنّ كَ لَا تَظْ َمأُ فِيهَا َولَا تَضْحَى (
لَ كَ َألّا تَجُو َ
ج َر ِة الْخُ ْلدِ
س إِلَيْ ِه الشّيْطَا ُن قَالَ يَا آدَ ُم َه ْل َأدُلّ كَ عَلَى شَ َ
َ )119فوَ سْوَ َ
صفَانِ
َومُلْ كٍ لّا يَبْلَى (َ )120فأَكَلَا مِنْهَا فََبدَ تْ َلهُمَا َسوْآتُهُمَا وَ َطفِقَا يَخْ ِ
ق الْجَّنةِ وَعَصَى آدَمُ َربّ ُه َفغَوَى (ُ )121ثمّ اجْتَبَاهُ َربّهُ فَتَابَ
عَلَ ْيهِمَا مِن وَرَ ِ
عَلَيْ هِ َو َهدَى ( )122قَالَ اهْبِطَا مِنْهَا جَمِيعا َبعْضُكُ ْم لَِبعْ ضٍ َعدُ ّو َفِإمّ ا
َنـ
ض ّل وَلَا َيشْقَى ( )123وَم ْ
َايـ فَلَا يَ ِ
َعـ ُهد َ
َنـ اتّب َ
َي ْأتِيَنّكُم مّنّيـ ُهدًى فَم ِ
ْمـ الْقِيَامَ ِة أَعْمَى (
ُهـ يَو َ
شر ُحُ
شةً ضَنكا َونَ ْ
َهـ َمعِي َ
َضـ عَن ذِ ْكرِي َفإِنّ ل ُ
أَ ْعر َ
ت بَ صِيا ( )125قَالَ َك َذلِ كَ
ش ْرتَنِي أَ ْعمَى َوقَدْ كُن ُ
)124قَالَ َربّ لِ مَ َح َ
جزِي مَ نْ
َأتَتْ كَ آيَاتُنَا فَنَ سِيَتهَا وَ َكذَلِ كَ الَْيوْ َم تُن سَى ( )126وَ َكذَلِ كَ نَ ْ
ب الْآ ِخ َرةِ َأشَ ّد َوأَْبقَى (َ )127أفَلَمْ َي ْهدِ
أَ ْسرَفَ َولَمْ ُي ْؤمِن بِآيَاتِ َربّ ِه َولَ َعذَا ُ
ك لَآيَاتٍ
َلهُمْ كَمْ َأهْ َلكْنَا قَبْ َلهُم مّ َن الْ ُقرُونِ يَ ْمشُو َن فِي مَسَاكِِن ِهمْ إِنّ فِي َذلِ َ
ّلُأوْلِي الّنهَى ( )128وََل ْولَا كَ ِل َمةٌ سََبقَتْ مِن ّربّكَ َلكَا َن ِلزَاما َوَأجَ ٌل مُسَمّى
ع الشّمْ سِ
ك قَ ْبلَ طُلُو ِ
ح ْمدِ َربّ َ
ح بِ َ
( )129فَا صِْبرْ عَلَى مَا َيقُولُو َن وَ سَبّ ْ
ح وَأَ ْطرَا فَ الّنهَا ِر لَعَلّ كَ َترْضَى ()130
َوقَ ْبلَ ُغرُوِبهَا َومِ نْ آنَاء اللّ ْي ِل فَ سَبّ ْ
الزء الثالث 118
َولَا تَ ُمدّنّ َعيْنَيْ كَ ِإلَى مَا مَّتعْنَا بِ هِ أَ ْزوَاجا مّ ْنهُ مْ َز ْه َرةَ الْحَيَا ِة الدّنيَا لَِنفْتَِنهُ مْ
ك خَيْ ٌر َوأَْبقَى ( )131وَْأ ُمرْ َأهْلَ كَ بِال صّلَاةِ وَا صْطَِبرْ عَلَ ْيهَا لَا
فِي ِه وَرِزْ قُ َربّ َ
ك وَاْلعَاقَِب ُة لِلّتقْوَى (َ )132وقَالُوا َل ْولَا َيأْتِينَا بِآيَةٍ
نَ سَْأُلكَ رِزْقا نّحْ نُ َنرْ ُزقُ َ
ف اْلأُولَى ( )133وََل ْو أَنّا َأهْ َلكْنَاهُم
مّن ّربّ هِ َأ َولَ مْ َت ْأِتهِم بَيَّن ُة مَا فِي ال صّحُ ِ
ك مِن قَ ْبلِ أَن
ت ِإلَيْنَا َرسُولً فَنَتِّبعَ آيَاتِ َ
ب مّن قَبْلِ ِه َلقَالُوا َربّنَا َل ْولَا أَرْسَلْ َ
ِب َعذَا ٍ
صحَابُ
ص فََترَبّ صُوا فَ سََتعْلَمُو َن مَ ْن أَ ْ
خزَى (ُ )134قلْ ُك ّل مَّترَبّ ٌ
ّن ِذلّ َونَ ْ
ي َومَ ِن اهْتَدَى (. ﴾ )135
ط السّوِ ّ
صرَا ِ
ال ّ
***
119 توفيق الرحن ف دروس القرآن
جدْ لَ هُ
سيَ َولَ ْم نَ ِ
قوله عز و جل َ ﴿ :وَلقَدْ َع ِهدْنَا إِلَى آدَ َم مِن قَ ْبلُ فَنَ ِ
س أَبَى (
جدُوا ِإلّا ِإبْلِي َ
جدُوا لِآدَ َم فَ سَ َ
َعزْما ( )115وَِإ ْذ قُلْنَا لِلْمَلَائِ َكةِ ا سْ ُ
خ ِرجَنّكُمَا مِ نَ الْجَّنةِ
ك َولِ َز ْوجِ كَ فَلَا يُ ْ
َ )116فقُلْنَا يَا آ َد ُم إِنّ هَذَا َع ُدوّ لّ َ
ك لَا تَظْ َمأُ
ع فِيهَا َولَا َت ْعرَى ( )118وََأنّ َ
ك َألّا تَجُو َ
فََتشْقَى ( )117إِنّ لَ َ
س إِلَيْ هِ الشّيْطَا ُن قَالَ يَا آ َد ُم َه ْل َأدُلّ كَ عَلَى
فِيهَا َولَا تَضْحَى (َ )119فوَ سْوَ َ
سـوْآتُهُمَا
َتـ َلهُم َا َ
ْكـ لّا يَبْلَى (َ )120فأَكَلَا مِنْه َا فََبد ْ
ج َر ِة الْخُ ْلدِ َومُل ٍ
شَ َ
صفَانِ عَ َل ْيهِمَا مِن وَرَ قِ الْجَّن ِة وَعَصَى آ َد مُ َربّ هُ َف َغوَى (ُ )121ثمّ
وَ َط ِفقَا يَخْ ِ
اجْتَبَاهُ َرّب ُه فَتَابَ عَلَ ْي ِه َوهَدَى (. ﴾ )122
سيَ ﴾ ،يقول عن ابن عباس ف قوله ﴿ :وََلقَ ْد َعهِ ْدنَا إِلَى آدَمَ مِن َقبْلُ َفنَ ِ
:فترك ﴿ ،وَلَ ْم نَجِدْ لَ ُه عَزْما ﴾ ،يقول :حفظًا .قال ا بن ز يد :العزم
الحافظة على ما أمره ال تبارك وتعال بفظه والتمسك به ،قال له ﴿ :يَا
شقَى ﴾ فقرأ حت جّنةِ َفتَ ْ
خرِ َجّنكُمَا مِ َن الْ َ
ك وَلِ َز ْوجِكَ فَلَا يُ ْ
آدَمُ ِإنّ هَذَا عَ ُدوّ لّ َ
بلغ ﴿ :لَا تَظْ َمأُ فِيهَا وَلَا َتضْحَى ﴾ وقرأ ح ت بلغ َ ﴿ :ومُلْ كٍ لّا َيبْلَى ﴾ ،
قال :فن سي ما ع هد إل يه ف ذلك .قال :وهذا ع هد ال إل يه .قال :ولو
كان له عزم مَا أطاع عدوه الذي حسَده وأبَ أن يسَجد له ،وعصَى ال
الذي كّر مه وشر فه وأ مر ملئك ته ف سجدوا له .و عن ا بن عباس قال :إن ا
سّي :النسان لنه عهد إليه فنسي .وعن سعيد بن جبي قال :أهبط إل
الزء الثالث 120
آدم ثور أحر ،فكان يرث عليه ويسح العرق من جبينه ،فهو الذي قال ال
شقَى ﴾ .
جّنةِ َفتَ ْ
خرِ َجّنكُمَا مِ َن الْ َ
﴿ :فَلَا يُ ْ
وقوله تعال ِ ﴿ :إنّ لَكَ أَلّا تَجُوعَ فِيهَا وَلَا َتعْرَى َوَأنّكَ لَا تَظْ َمأُ فِيهَا وَلَا
َتضْحَى ﴾ .قال ابن عباس :يقول :ل يصيبك فيها عطش ،ول حر .
ج َر ِة الْخُلْدِ ﴾ .
﴿ َف َو ْسوَسَ إَِليْهِ الشّيْطَانُ قَا َل يَا آ َدمُ هَلْ َأدُلّكَ عَلَى شَ َ
قال البغوي :يعن :على شجرة إن أكلت منها بقيت ملدًا ؟ ﴿ َومُلْ كٍ
َتََلهُمَا سََوْآُتهُمَا َو َطفِقَا لّا َيبْلَى ﴾ ل يبيَد ول يفنَ ؟ ﴿ َفأَكَلَا ِمنْهَا َفبَد ْ
جّنةِ ﴾ ،قال السَدي :أقبل يغطيان عليهمَا َقَ الْ َ
ْصَفَا ِن عََلْيهِمَا مِن وَر ِ
يَخ ِ
ب عََليْ ِه َوهَدَى ﴾ بورق التي َ ﴿ ،وعَصَى آدَمُ َربّهُ َف َغوَى * ثُمّ ا ْجَتبَاهُ َربّهُ َفتَا َ
وفقه للتوبة .
ضكُ ْم لَِبعْ ضٍ َع ُد ّو فَِإمّ ا
قوله عز و جل ﴿ :قَا َل اهْبِطَا مِنْهَا جَمِيعا بَعْ ُ
َنـ
ض ّل وَلَا َيشْقَى ( )123وَم ْ
َايـ فَلَا يَ ِ
َعـ ُهد َ
َنـ اتّب َ
َي ْأتِيَنّكُم مّنّيـ ُهدًى فَم ِ
ْمـ الْقِيَامَ ِة أَعْمَى (
ُهـ يَو َ
شر ُحُ
شةً ضَنكا َونَ ْ
َهـ َمعِي َ
َضـ عَن ذِ ْكرِي َفإِنّ ل ُ
أَ ْعر َ
ت بَ صِيا ( )125قَالَ َك َذلِ كَ
ش ْرتَنِي أَعْمَى َوقَدْ كُن ُ
)124قَالَ َربّ لِ مَ َح َ
جزِي مَن ْـ
َأتَتْكَـ آيَاتُنَا فَنَسـِيَتهَا وَ َك َذلِكَـ الَْيوْمَـتُنسـَى ( )126وَ َكذَلِكَـنَ ْ
ب الْآ ِخ َرةِ َأشَ ّد َوأَْبقَى (. ﴾ )127
َأ ْسرَفَ َوَلمْ ُي ْؤمِن بِآيَاتِ َربّ ِه َولَ َعذَا ُ
وعن ابن عباس قال :تضمّن ال لن قرأ القرآن واتّبع ما فيه أن ل يضل
ف الدن يا ول يش قى ف الخرة ،ث تل هذه ال ية ﴿ :فَمَ ِن اّتبَ َع هُدَا يَ َفلَا
121 توفيق الرحن ف دروس القرآن
مِن ّربّ كَ َلكَا َن ِلزَاما َوأَ َج ٌل مُ سَمّى ( )129فَا صِْبرْ عَلَى مَا َيقُولُو َن وَ سَبّحْ
َسـبّحْ
ِنـ آنَاء اللّ ْيلِ ف َ
ْسـ َوقَبْلَ ُغرُوبِه َا َوم ْ
ُوعـ الشّم ِ
ّكـ قَ ْبلَ طُل ِ
ح ْمدِ َرب َ
بِ َ
ك َترْضَى (. ﴾ )130
َوأَ ْطرَافَ الّنهَا ِر َلعَلّ َ
يقول تعال ﴿ :أَفََل ْم َيهْدِ َلهُ مْ ﴾ يبيّن لم القرآن ﴿ ،كَ مْ َأهَْل ْكنَا َقبَْلهُم
ُونَ ف ِي مَسََاكِِنهِمْ ﴾ كديار عاد ،وثود ،وقوم لوط ، ُونَ يَمْش َ
ّنَ اْلقُر ِ
م َ
وأ صحاب مد ين وغي هم ﴿ ،إِنّ فِي ذَلِ كَ لَآيَا تٍ ّلُأوْلِي النّهَى ﴾ لذوي
العقول .قال ابن عباس ﴿ :لذوي النهي ﴾ ،يقول :التقى .
َانَلِزَاما َوأَجَلٌ
ّكََلك َ
ت مِن ّرب َ سَقَ ْ
وعَن ماهَد قوله ﴿ :وََلوْلَا كَِل َم ٌة ََب
مُسَمّى ﴾ الجل السمى :الدنيا .
قال ا بن جر ير :ومع ن الكلم :ولول كل مة سبقت من ر بك وأ جل
مسمّى لكان لزامًا .
قال البغوي :والكل مة ال كم بتأخ ي العذاب عن هم وأ جل م سمى و هو
القيامة َ ﴿ ،لكَا نَ لِزَاما ﴾ ،أي :لكان لزمًا لم ف الدنيا كما لزم القرون
الاضية .
س وََقبْلَ
حمْدِ َربّ كَ َقبْلَ طُلُو عِ الشّمْ ِ
صبِ ْر عَلَى مَا َيقُولُو َن وَ َسبّ ْح بِ َ
﴿ فَا ْ
غُرُوبِهَا ﴾ ،قال ا بن عباس :ال صلة الكتو بة .قال البغوي َ ﴿ :ومِ نْ آنَاء
سبّحْ ﴾ ،يع ن :صلة الغرب ،والعشاء .قال ا بن الّليْلِ ﴾ ساعاته ﴿ ،فَ َ
ف الّنهَارِ ﴾ ،يعن :صلة الظهر ،وسّي
عباس :يريد أول الليل َ ﴿ ،وَأطْرَا َ
123 توفيق الرحن ف دروس القرآن
وقت الظهر أطراف النهار لنه وقته عند الزوال ،وهو طرف النصف الول
انتهاء ،وطرف النصف الخر ابتداء .انتهى .
وقيل :التسبيح ها هنا ممول على التنويه والجلل ،والصواب أن الية
عا مة ل صلة الكتو بة و صلة التطوع ،والت سبيح ،والتحم يد ،والتهل يل ،
والتكبي .
وقوله تعال َ ﴿ :لعَلّ َ
ك تَرْضَى ﴾ .قال ا بن ز يد :تر ضى ما يثي بك ال
على ذلك .وف الصحيحي عن جرير بن عبد ال البجلي رضي ال عنه قال
:ك نا جلو سًا ع ند ر سول ال فن ظر إل الق مر ليلة البدر فقال « :إن كم
سترون ربكم كما ترون هذا القمر ،ل تضامون ف رؤيته ،فإن استطعتم أن
ل تغلبوا على صلة قبل طلوع الش مس وقبل غروب ا فافعلوا » .ث قرأ هذه
الية .
ك ِإلَى مَا مَّتعْنَا بِهِ أَ ْزوَاجا مّ ْنهُمْ َزهْ َرةَ
قوله عز وجل َ ﴿ :ولَا تَ ُمدّنّ عَيْنَيْ َ
َكـ
ّكـ خَ ْي ٌر وََأبْقَى ( )131وَْأ ُمرْ َأهْل َ
ْقـ َرب َ
ِيهـ وَرِز ُ
ُمـ ف ِ
الْحَيَا ِة الدّنيَا لَِنفْتَِنه ْ
َسـأَُلكَ رِزْقا نّحْنُـَنرْ ُزقُكَـ وَالْعَاقِبَ ُة لِلّت ْقوَى (
ِالصـلَاةِ وَاص ْـطَِبرْ عَلَيْهَا لَا ن ْ
ب ّ
. ﴾ )132
حيَاةِ الدّني َا ﴾ ،أي :زينَة الياة الدنيَا ، عَن قتادة قوله َ ﴿ :زهْ َر َة الْ َ
﴿ ِلَنفِْتَنهُ مْ فِي هِ ﴾ ،قال :لنبتليهم فيه ﴿ ،وَرِزْ قُ َربّ كَ َخْي ٌر َوأَْبقَى ﴾ ما
متّعنا به هؤلء من هذه الدنيا وكان هشام بن عروة إذا رأى ما عند السلطي
الزء الثالث 124
د خل داره فقال ﴿ :وَلَا تَ ُمدّنّ َعيَْنيْ كَ إِلَى مَا َمتّعْنَا بِ هِ أَ ْزوَاجا ّمْنهُ مْ َزهْ َرةَ
ِالصَلَاةِ
َكَ ب ّ ّكَ َخيْ ٌر َوَأبْقَى * َوْأمُرْ َأهْل َ ْقَ َرب َ ِيهَ وَرِز ُ
ُمَ ف ِحيَاةِ الدّنيَا ِلَنفِْتَنه ْ
الْ َ
ك وَاْلعَاِقَبةُ لِلّت ْقوَى ﴾ ث ينادي : ح ُن نَ ْرزُقُ َ
سأَلُكَ رِزْقا نّ ْ وَا صْ َطبِ ْر عََليْهَا لَا نَ ْ
الصلة ،الصلة يرحكم ال .و عن زيد بن ثا بت قال :سعت ر سول ال
.
يقول « :من كانت الدنيا هّه فرّق ال عليه أمره وجعل فقره بي عينيه ،
ل يأته من الدنيا إل ما كتب له ،ومن كانت الخرة نيته جع له أمره وجعل
غناه ف قلبه ،وأتته الدنيا وهي راغمة » .رواه ابن ماجة .
قوله عز وجل َ ﴿ :وقَالُوا َل ْولَا َي ْأتِينَا بِآَي ٍة مّن ّربّ ِه َأوَلَ مْ َت ْأِتهِم بَيَّنةُ مَا فِي
ب مّن قَبْلِ ِه َلقَالُوا َربّنَا لَ ْولَا
ف اْلأُولَى ( )133وََل ْو أَنّا أَهْ َلكْنَاهُم بِ َعذَا ٍ
ال صّحُ ِ
خزَى (ُ )134قلْ ُكلّ
ك مِن قَ ْب ِل أَن نّ ِذ ّل وَنَ ْ
أَرْ سَلْتَ ِإلَيْنَا رَ سُولً فَنَتّبِ عَ آيَاتِ َ
ي وَمَ نِ اهَْتدَى (
سوِ ّ
ط ال ّ
صرَا ِ
ب ال ّ
صحَا ُ
مَّت َربّ صٌ فََترَبّ صُوا فَ سََتعْلَمُو َن مَ نْ أَ ْ
. ﴾ )135
يقول تعال ﴿ :وَقَالُوا ﴾ ،يعن :الشركي َ ﴿ ،لوْلَا َي ْأتِينَا بِآَي ٍة مّن ّربّ هِ
ف اْلأُولَى ﴾ ، ﴾ ،أي :بآ ية يقترحون ا َ ﴿ ،أوَلَ ْم َتأْتِهِم َبيَّن ُة مَا فِي ال صّحُ ِ
يع ن :بيان ما في ها و هو القرآن ،ك ما قال تعال ﴿ :وَقَالُوا َلوْلَا أُنزِ َل عََليْ هِ
ت عِندَ اللّ ِه َوِإنّمَا أَنَا نَذِي ٌر ّمبِيٌ * َأوَلَ ْم َي ْكفِهِ مْ َأنّا
آيَا تٌ مّن ّربّ هِ قُلْ ِإنّمَا الْآيَا ُ
125 توفيق الرحن ف دروس القرآن
ْمَ
ِكَ لَ َرحْ َم ًة وَذِ ْكرَى ِل َقو ٍ
ِمَ إِن ّ ف ِي ذَل َ َابَ ُيتْلَى عََلْيه ْ
ْكَ الْ ِكت َأَنزَلْن َا عََلي َ
ُي ْؤ ِمنُونَ ﴾ .
﴿ وََلوْ أَنّا أَهَْل ْكنَاهُم ِبعَذَا بٍ مّن َقبْلِ هِ َلقَالُوا َرّبنَا َلوْلَا أَرْ سَ ْلتَ إَِليْنَا رَ سُولً
ك مِن َقبْلِ أَن نّ ِذ ّل َونَخْزَى ﴾ ،أي :قالوا ذلك حي رأوا العذاب َفَنّتبِ َع آيَاتِ َ
يوم القيامة .وعن أب سعيد الدري عن النب قال « :يتج على ال يوم
القيامَة ثلثَة :الالك فَ الفترة ،والغلوب على عقله ،والصَب الصَغي .
فيقول الغلوب على عقله :ل تعَل ل عقلً أنتفَع بَه ،ويقول الالك فَ
الفترة :ل يأت ن ر سول ول نب ولو أتا ن لك ر سول أو نب لك نت أطوع
خل قك لك وقرأ َ ﴿ :لوْلَا أَرْ سَ ْلتَ إَِليْنَا رَ سُولً ﴾ ،ويقول ال صب ال صغي :
كنَت صَغيًا ل أعقَل .قال :فترفَع لمَ نار ،ويقال لمَ :رِدُوهَا قال :
َفيَ ِردُها من كان ف علم ال أنه سعيد ،وتلكّأ عنها من كان ف علم ال أنه
شقي ،فيقول :إياي عصيتم فكيف برسلي لو أتتكم » ؟ رواه ابن جرير .
وقوله تعال ﴿ :قُلْ ُك ّل ّمتَ َربّ صٌ ﴾ ،وذلك أن الشركي قالوا :نتربص
بح مد حوادث الد هر ،فقال ال سبحانه ﴿ :قُلْ ﴾ ل م يا م مد ﴿ :كُلّ
سوِيّ
ب ال صّرَاطِ ال ّ ّمتَ َربّ صٌ ﴾ منا ومنكم َ ﴿ ،فتَ َربّ صُوا فَ َ
سَتعْلَمُو َن مَ نْ أَ صْحَا ُ
﴾ ،أي :الطريق الستقيم نن أم أنتم َ ﴿ ،ومَ ِن اهْتَدَى ﴾ إل الق وسبيل
ب مَ نْ أَضَلّ
ف َيعْلَمُو نَ حِيَ يَ َروْ َن الْعَذَا َ
الرشاد ،كما قال تعال ﴿ :وَ َسوْ َ
َسبِيلً ﴾ .
***
الزء الثالث 126
تُ سَْألُونَ ( )13قَالُوا يَا وَيْلَنَا ِإنّا كُنّا ظَالِمِيَ ( )14فَمَا زَالَت تّلْ كَ دَ ْعوَاهُ مْ
حَتّ ى َجعَلْنَاهُ ْم حَ صِيدا خَا ِمدِي نَ ( )15وَمَا خَلَقْنَا ال سّمَاء وَاْلأَرْ ضَ وَمَا
َاهـ مِن لّ ُدنّاـ إِن كُنّاـ
خ ْذن ُ
خ َذ َلهْوا لّاتّ َ
بَيَْنهُمَا لَاعِبِيَ ( )16لَ ْو أَ َردْنَا أَن نّتّ ِ
فَاعِلِيَ (َ )17ب ْل َنقْذِ فُ بِالْحَقّ عَلَى الْبَا ِط ِل فََيدْ َمغُ ُه َفإِذَا هُوَ زَاهِ ٌق وََلكُ مُ
ض وَمَ نْ عِندَ ُه لَا
صفُونَ ( )18وَلَ ُه مَن فِي ال سّمَاوَاتِ وَاْلأَرْ ِ
اْلوَْي ُل مِمّ ا تَ ِ
سرُونَ ( )19يُ سَبّحُو َن اللّ ْيلَ وَالّنهَا َر لَا
حِيَ سْتَكِْبرُونَ عَ نْ ِعبَا َدتِ ِه َولَا يَ سْتَ ْ
َانـ
ُونـ ( )21لَوْ ك َ
شر َ ُمـ يُن ِ
ْضـ ه ْ
ّنـ اْلأَر ِ
خذُوا آِل َهةً م َ
َمـ اتّ َ
ُونـ ( )20أ ِ
َيفُْتر َ
صفُونَ ( )22لَا
س َدتَا فَ سُبْحَا َن اللّ هِ َربّ الْ َعرْ شِ عَمّا يَ ِ
فِيهِمَا آِل َهةٌ ِإلّا اللّ ُه َلفَ َ
خذُوا مِن دُونِ هِ آِل َهةً ُق ْل هَاتُوا
سأَلُونَ ( )23أَ ِم اتّ َ
يُ سَْألُ عَمّ ا َي ْف َعلُ َوهُ ْم يُ ْ
ُب ْرهَاَنكُ مْ َهذَا ذِ ْكرُ مَن ّمعِ يَ َوذِ ْكرُ مَن قَبْلِي َبلْ أَكَْث ُرهُ ْم لَا َيعْلَمُو نَ الْحَقّ
َفهُم ّم ْعرِضُو نَ (َ )24ومَا أَرْ سَلْنَا مِن قَبْلِ كَ مِن رّ سُو ٍل ِإلّا نُوحِي ِإلَيْ هِ َأنّ ُه لَا
سـبْحَاَنهُ َبلْ عِبَادٌ
َنـ َولَدا ُ
خ َذ ال ّرحْم ُ
ُونـ (َ )25وقَالُوا اتّ َ
َهـ ِإلّا أَن َا فَاعُْبد ِ
ِإل َ
ّم ْكرَمُو نَ ( )26لَا يَ سِْبقُوَنهُ بِاْلقَ ْولِ َوهُم بَِأ ْمرِ ِه َيعْمَلُو نَ (َ )27يعْلَ مُ مَا بَيْ نَ
شفَعُو َن ِإلّا لِمَ نِ ا ْرتَضَى َوهُم مّ نْ َخشْيَتِ هِ ُمشْ ِفقُو نَ
َأْيدِيهِ مْ َومَا خَ ْل َفهُ مْ َولَا َي ْ
جزِي
ك نَ ْ
جزِي ِه َجهَنّ مَ َكذَلِ َ
(َ )28ومَن َيقُ ْل مِ ْنهُ ْم ِإنّي ِإلَ ٌه مّن دُونِ ِه َف َذلِ كَ نَ ْ
الظّالِمِيَ (. ﴾ )29
***
الزء الثالث 128
قوله عز وجل ﴿ :اقَْترَبَ لِلنّاسِ حِسَاُبهُ ْم وَ ُهمْ فِي َغفْ َل ٍة ّمعْرِضُونَ ()1
ث إِلّا ا سْتَ َمعُو ُه َوهُ مْ يَ ْلعَبُو نَ ( )2لَاهَِيةً
حدَ ٍ
مَا َي ْأتِيهِم مّ ن ذِ ْك ٍر مّ ن ّربّهِم مّ ْ
ُونـ
ُمـ َأفَتَ ْأت َ
شرٌ مّثْلُك ْ
ِينـ ظَلَمُوْا َهلْ َهذَا ِإلّا َب َ
جوَى اّلذ َ
َسـرّواْ النّ ْ
ُمـ َوأ َ
قُلُوُبه ْ
ض َوهُوَ
صرُونَ ( )3قَالَ َربّي يَعْلَ مُ اْلقَ ْولَ فِي ال سّمَاء وَالَرْ ِ
ح َر َوأَنتُ مْ تُبْ ِ
ال سّ ْ
ل ٍم َب ِل افْتَرَا ُه َبلْ هُ َو شَا ِع ٌر فَلَْي ْأتِنَا
ضغَا ثُ أَحْ َ
ال سّمِي ُع الْعَلِي مُ (َ )4ب ْل قَالُواْ أَ ْ
ت قَبْلَهُم مّ ن َق ْرَيةٍ َأهْلَكْنَاهَا أَ َفهُ مْ
بِآيَةٍ كَمَا أُرْ ِسلَ ا َلوّلُو نَ ( )5مَا آمََن ْ
ُي ْؤمِنُونَ (. ﴾ )6
َ ﴿ :وهُ مْ فِي َغفَْل ٍة ّمعْرِضُو نَ ﴾ ،قال :ف عن أ ب سعيد عن ال نب
الدنيا .
وقوله تعال ﴿ :مَا يَ ْأتِيهِم مّن ذِكْ ٍر مّن ّرّبهِم مّحْدَ ثٍ إِلّا ا ْستَ َمعُو ُه َوهُ مْ
يَ ْل َعبُونَ لَا ِهَيةً ُقلُوُبهُمْ ﴾ ،أي :غافلة .
قال ابن جرير :يقول تعال ذكره :ما يدث ال من تنيل شيء من هذا
القرآن للناس ويذكَر هم به ويعظ هم ﴿ :إِلّا ا ْستَ َمعُوهُ َوهُ مْ َي ْلعَبُو نَ * لَا ِهَيةً
َثَ
حد ٍ ُمَ ﴾ .وعَن قتادة قوله ﴿ :مَا َي ْأتِيهِم مّنَ ذِكْ ٍر مّنَ ّربّهِم مّ ْ ُقلُوبُه ْ
﴾ الية ،يقول :ما ينل عليهم من شيء من القرآن ﴿ :إِلّا ا ْستَ َمعُو ُه َوهُ مْ
يَ ْل َعبُو نَ ﴾ .وقال ا بن عباس :ما ل كم ت سألون أ هل الكتاب ع ما بأيدي هم ،
وقد حرّفوه ،وبدّلوه ،وزادوا فيه ،ونقصوا منه ،وكتابكم أحدث الكتب
شبْ ؟ !بال تقرؤونه مضًا ل يُ َ
129 توفيق الرحن ف دروس القرآن
ُمَ
ِينَ ظَلَمُوْا هَ ْل هَذَا إِلّا بَشَ ٌر ّمثُْلك ْ
جوَى الّذ َ وقوله تعال َ ﴿ :وأ َ
َسَرّوْا النّ ْ
ح َر َوأَنتُ ْم ُتبْ صِرُونَ ﴾ ،قال ابن زيد :قاله أهل الكفر لنبيهم لا أََفَتأْتُو َن ال سّ ْ
جاء به من عند ال ،زعموا أنه ساحر وأن ما جاء به من سحر قالوا :أتأتون
ال سحر وأن تم تب صرون ؟ ﴿ قال ﴾ ،أي :م مد ،و ف قراءة { :قل َربّ ي
َيعْلَ ُم اْل َقوْلَ فِي ال سّمَاء وَالَرْ ضِ } ،ل ي فى عل يه خافية ،وهو الذي أنزل
هذا القرآن َ ﴿ ،و ُهوَ السّمِيعُ ﴾ لقوال اللق ﴿ ،اْلعَلِي ُم ﴾ بأحوالم .
ضغَا ثُ أَ ْحلَ ٍم بَ ِل ا ْفتَرَا هُ بَ ْل ُه َو شَاعِرٌ فَ ْلَي ْأتِنَا بِآَيةٍ كَمَا أُرْ سِلَ
﴿ بَلْ قَالُواْ أَ ْ
ُونَ ﴾ عَن ابَن عباس قوله ﴿ :أضغاث أحلم ﴾ ،قال :مشتبهَة . ا َلوّل َ
وعن قتادة قوله ﴿ :أضغاث أحلم ﴾ ،أي :فعل حال ،إنا هي رؤيا رآها
﴿ ،بل افتراه بل هو شاعر ﴾ كل هذا قد كان منهم .
قال البغوي :يع ن :أن الشرك ي اقت سموا القول ف يه وفي ما يقوله فقال
بعضهم :أضغاث أحلم ،وقال بعضهم :بل هو فرية ،وقال بعضهم :بل
ممد شاعر ،وما جاءكم به شعر ،فليأتنا بآية إن كان صادقًا كما أرسل
الولون ؛ قال ال تعال ميبًا لم ﴿ :مَا آ َمنَ تْ َقْبَلهُم مّن قَ ْرَيةٍ َأهَْل ْكنَاهَا أََفهُ مْ
﴾ الرسل إذا جاؤوا قومهم بالبينات فلم يؤمنوا ل ينظروا .
قوله عز و جل ﴿ :وَمَا أَرْ سَلْنَا قَبْلَ كَ ِإلّ ِرجَالً نّوحِي ِإلَ ْيهِ ْم فَا ْسَألُواْ
َأ ْهلَ الذّ ْكرِ إِن كُنتُ ْم لَ َتعْلَمُو نَ ( )7وَمَا َجعَلْنَاهُ ْم جَ سَدا لّا َيأْكُلُو نَ ال ّطعَا مَ
الزء الثالث 130
عن ابن عباس ف قوله َ ﴿ :لقَدْ أَنزَْلنَا إَِليْكُ مْ ِكتَابا فِي هِ ذِكْرُكُ مْ ﴾ ،يقول
ت ظَالِ َمةً ﴾ ،
:شرفكم ﴿ ،أََفلَا َتعْقِلُونَ ﴾ ؟ ﴿ ،وَكَمْ َقصَ ْمنَا مِن َق ْرَيةٍ كَانَ ْ
قال ماهد :أهلكناها َ ﴿ ،وأَنشَ ْأنَا بَعْ َدهَا َقوْما آخَرِينَ ﴾ .
َ ﴾ ،قال قتادة َ فِيه ِ﴿ لَا تَرْ ُكضُوا ﴾ ل تفرّوا ﴿ ،وَارْ ِجعُوا إِلَى مََا ُأتْرِ ْفتُم ْ
سأَلُونَ ﴾ من دنياكم يقول :ارجعوا إل دنياكم الت أترفتم فيها َ ﴿ ،لعَّلكُ ْم تُ ْ
شيئًا ،اسَتهزاء بمَ ﴿ ،قَالُوا يَا َويْلَنَا ِإنّاَ ُكنّاَ ظَالِمِيَ * فَمَا زَالَت تّلْكََ
َد ْعوَاهُ مْ َحتّ ى َجعَ ْلنَاهُ مْ حَ صِيدا خَامِدِي نَ ﴾ ،قال قتادة :فل ما رأوا العذاب
وعاينوه ل ي كن ل م م ي إ ّل قول م :ياويل نا إ نا ك نا ظال ي ،ح ت دمرّ ال
عليهم وأهلكهم .
ض َومَا بَيَْنهُمَا لَاعِبِيَ ()16
قوله عز وجل َ ﴿ :ومَا خَ َلقْنَا السّمَاء وَاْلأَرْ َ
خ ْذنَا هُ مِن لّ ُدنّ ا إِن كُنّ ا فَاعِلِيَ (َ )17ب ْل َنقْذِ فُ
خ َذ َلهْوا لّاتّ َ
َلوْ أَ َردْنَا أَن نّتّ ِ
صفُونَ ()18
بِالْحَقّ عَلَى الْبَا ِط ِل فََيدْ َمغُ هُ َفِإذَا ُهوَ زَاهِ ٌق َولَكُ مُ اْلوَْي ُل مِمّ ا تَ ِ
ض وَمَ نْ عِندَ ُه لَا يَ سْتَكِْبرُونَ عَ نْ ِعبَا َدتِ ِه َولَا
ت وَاْلأَرْ ِ
َولَ ُه مَن فِي ال سّمَاوَا ِ
سرُونَ (ُ )19يسَبّحُو َن اللّ ْيلَ وَالّنهَا َر لَا َيفُْترُونَ (. ﴾ )20
حَِيسْتَ ْ
عن قتادة قوله ﴿ :وَمَا خََلقْنَا ال سّمَاء وَالْأَرْ ضَ وَمَا بَْيَنهُمَا لَا ِعبِيَ ﴾ ،
يقول :ما خلقناه ا عبثًا ول باطلً .و عن ما هد ف قوله َ ﴿ :لوْ أَ َردْنَا أَن
ّنتّخِذَ َلهْوا ﴾ ،قال :زو جة ﴿ ،لّاتّخَ ْذنَا ُه مِن لّ ُدنّ ا ﴾ ،من عند نا ،و ما
خلق نا ج نة ،ول نارًا ،ول موتًا ،ول بعثًا .و عن قتادة قوله َ ﴿ :لوْ أَ َردْنَا
الزء الثالث 132
خذَ َلهْوا ﴾ اليَة ،أي :أن ذلك ل يكون ول ينبغَي .وقوله ﴿ :إِن أَن نّتّ ِ
ُكنّ ا فَاعِلِيَ ﴾ ،يقول :ما ك نا فاعل ي .وق يل :إن ك نا م ن يف عل ذلك
ف بِالْحَقّ
لتذناه من لدنا ،ولكنا ل نفعله لنه ل يليق بالربوبية ﴿ ،بَ ْل َنقْذِ ُ
عَلَى اْلبَاطِلِ َفيَ ْد َمغُ هُ فَإِذَا ُهوَ زَاهِ قٌ ﴾ ،أي :فبطل كذبم با نبي من الق ؛
صفُونَ ﴾ ال ب ا ل يل يق به من ث أوعد هم فقال ﴿ :وََلكُ ُم الْ َويْ ُل مِمّ ا تَ ِ
الصاحبة ،والولد ،والشريك .
ت وَالْأَرْ ضِ ﴾ خَ ْلقًا ،وملكًا ،وعبيدًا َ ﴿ ،ومَ نْ ﴿ وَلَ ُه مَن فِي ال سّمَاوَا ِ
ستَحْسِرُونَ ﴾ ،قال قتادة :ل يعيون . عِندَ هُ لَا يَ سَْت ْكبِرُو َن عَ نْ ِعبَا َدتِ هِ وَلَا يَ ْ
وقال ابن زيد :ل يلّون ﴿ ،يُسَبّحُونَ الّليْ َل وَالّنهَارَ لَا َي ْفتُرُونَ ﴾ ،قال قتادة
:يقول :اللئكة الذين هم عند الرحن ل يستكبون عن عبادته ول يسأمون
في ها ؛ وذ كر ل نا :أن نب ال بين ما هو جالس مع أ صحابه إذ قال « :
ت سمعون ما أ سع » ؟ قالوا :ما ن سمع من ش يء يا نب ال .قال « :أ ن
ل سع أط يط ال سماء ،و ما تلم أن تئط ،ول يس في ها مو ضع را حة إل وف يه
ملك ساجد أو قائم » .
شرُو نَ (َ )21لوْ
خذُوا آِل َهةً مّ نَ اْلأَرْ ضِ هُ مْ يُن ِ
قوله عز وجل ﴿ :أَ ِم اتّ َ
صفُونَ (
س َدتَا فَ سُبْحَانَ اللّ هِ َربّ اْل َعرْ شِ عَمّا يَ ِ
كَا َن فِيهِمَا آِل َهةٌ إِلّا اللّ هُ َلفَ َ
خذُوا مِن دُونِ هِ آِل َه ًة ُقلْ
سأَلُ َعمّا َيفْ َع ُل وَهُ ْم يُ سَْألُونَ ( )23أَ ِم اتّ َ
)22لَا يُ ْ
هَاتُوا ُب ْرهَاَنكُ ْم َهذَا ذِ ْك ُر مَن ّمعِ يَ َوذِ ْكرُ مَن قَبْلِي بَ ْل أَكَْث ُرهُ ْم لَا َيعْلَمُو نَ
133 توفيق الرحن ف دروس القرآن
***
الزء الثالث 136
﴿ َأوَلَ ْم َيرَ اّلذِي نَ َك َفرُوا أَنّ ال سّمَاوَاتِ وَالْأَرْ ضَ كَانَتَا َرتْقا َففََتقْنَاهُمَا
ْضـ
ُونـ (َ )30وجَعَلْنَا فِي اْلأَر ِ
َوجَعَلْنَا مِنَـ الْمَاء ُك ّل َشيْ ٍء حَيّ َأفَلَا يُ ْؤمِن َ
ُونـ ()31
ُمـ َيهْتَد َ
ل َلعَلّه ْ
سـبُ ً
ِمـ وَ َجعَلْنَا فِيهَا فِجَاجا ُ
َاسـ َي أَن تَمِيدَ ِبه ْ
َرو ِ
حفُوظا َوهُ مْ عَ نْ آيَاِتهَا مُ ْعرِضُو نَ ( )32وَ ُهوَ اّلذِي
َوجَعَلْنَا ال سّمَاء َسقْفا مّ ْ
ـَحُونَ ( )33وَمَا
خَلَقَـ اللّ ْي َل وَالّنهَا َر وَالشّمْسَـ وَاْلقَ َمرَ ُك ّل فِي فَلَكٍـ يَس ْب
ك الْخُ ْلدَ َأ َفإِن مّتّ َفهُ ُم الْخَاِلدُو نَ (ُ )34ك ّل َنفْ سٍ
ش ٍر مّ ن قَبْلِ َ
َجعَلْنَا لَِب َ
شرّ وَالْخَ ْيرِ فِتَْن ًة َوإِلَيْنَا ُت ْرجَعُو نَ (َ )35وِإذَا رَآ كَ
ت َونَبْلُوكُم بِال ّ
ذَائِ َق ُة الْمَوْ ِ
خذُونَ كَ ِإلّا ُهزُوا َأهَذَا اّلذِي يَذْ ُكرُ آِلهََتكُ ْم وَهُم ِبذِ ْكرِ
اّلذِي نَ َك َفرُوا إِن يَتّ ِ
جلٍ َسأُرِي ُكمْ آيَاتِي فَلَا
الرّحْمَ ِن هُ مْ كَا ِفرُو نَ ( )36خُلِ قَ اْلإِن سَا ُن مِ نْ عَ َ
ُمـ صـَا ِدقِيَ (َ )38لوْ
ُونـ مَتَى هَذَا اْلوَ ْعدُ إِن كُنت ْ
َسـَتعْجِلُونِ (َ )37وَيقُول َ
ت ْ
َيعْلَ مُ اّلذِي نَ َك َفرُوا حِيَ لَا َي ُكفّو نَ عَن ُوجُو ِههِ ُم النّا َر َولَا عَن ُظهُورِهِ ْم وَلَا
صرُونَ (َ )39بلْ َت ْأتِيهِم َبغْتَ ًة فَتَ ْبهَُتهُ مْ فَلَا يَ سْتَطِيعُونَ َردّهَا َولَا هُ مْ
هُ مْ يُن َ
خرُوا مِ ْنهُم
ق بِالّذِي نَ سَ ِ
يُن َظرُو نَ (َ )40وَلقَ ِد ا سُْت ْهزِئَ ِبرُ ُسلٍ مّن قَبْلِ كَ َفحَا َ
مّ ا كَانُوا بِ ِه يَ سَْت ْه ِزئُون (ُ )41قلْ مَن َيكْ َلؤُكُم بِاللّ ْيلِ وَالّنهَا ِر مِ نَ الرّحْمَ نِ
َب ْل هُ مْ عَن ذِ ْكرِ َربّهِم ّمعْرِضُو نَ ( )42أَ ْم َلهُ مْ آِل َه ٌة تَمَْنعُهُم مّ ن دُونِنَا لَا
حبُونَ (َ )43بلْ مَّتعْنَا َه ُؤلَاء
ُصـ َ
ُسـِهمْ َولَا هُم مّنّاـ ي ْ
َصـرَ أَنف ِ
َسـتَطِيعُونَ ن ْ
ي ْ
صهَا مِ نْ
ض نَنقُ ُ
وَآبَاءهُ مْ حَتّ ى طَالَ َعلَ ْيهِ مُ اْلعُ ُمرُ َأفَلَا يَ َروْ َن َأنّ ا َنأْتِي اْلأَرْ َ
137 توفيق الرحن ف دروس القرآن
أَ ْطرَافِهَا َأ َفهُ ُم الْغَالِبُو نَ (ُ )44قلْ ِإنّمَا أُنذِرُكُم بِاْلوَحْ يِ َولَا يَ سْ َم ُع ال صّمّ
ح ٌة مّ نْ َعذَا بِ َربّ كَ لََيقُوُلنّ يَا
الدّعَاء ِإذَا مَا يُنذَرُو نَ (َ )45ولَئِن مّ سّ ْت ُهمْ َنفْ َ
ط لَِيوْ ِم الْقِيَامَ ِة فَلَا تُظْلَ مُ
َويْلَنَا ِإنّا كُنّا ظَالِمِيَ (َ )46ونَضَ ُع الْ َموَازِي نَ اْلقِ سْ َ
َنفْ سٌ شَيْئا وَإِن كَا َن مِ ْثقَالَ حَّب ٍة مّ ْن َخرْ َدلٍ َأتَيْنَا بِهَا وَكَفَى بِنَا حَا سِبِيَ (
. ﴾ )47
***
الزء الثالث 138
قال ابـن جريـر :يقول تعال ذكره :جعلنَا هذه الفجاج فَ الرض
ليهتدوا إل السي فيها .
وقوله تعال ﴿ :وَ َجعَلْنَا ال سّمَاء َسقْفا مّ ْ
حفُوظا ﴾ ،قال قتادة :سقفًا
مرفوعًا وموجًا مكفوفًا َ ﴿ ،وهُ ْم عَ ْن آيَاتِهَا ُمعْرِضُو نَ ﴾ ،قال ما هد :
الشمس ،والقمر ،والنجوم آيات السماء ﴿ ،وَ ُه َو الّذِي َخلَ قَ الّليْ َل وَالّنهَارَ
سبَحُونَ ﴾ ،قال ماهد :فلك كهيئة حديدة ك يَ ْ
س وَالْقَ َمرَ كُلّ فِي فَلَ ٍ
وَالشّمْ َ
الرحى ﴿ ،يَسْبَحُونَ ﴾ يرون .
شرٍ مّ ن قَبْلِ كَ الْخُ ْل َد َأفَإِن مّتّ َفهُ مُ
قوله عز و جل ﴿ :وَمَا َجعَلْنَا لَِب َ
شرّ وَالْخَ ْيرِ فِتَْن ًة َوِإلَيْنَا
ت وَنَبْلُوكُم بِال ّ
الْخَالِدُونَ (ُ )34ك ّل َنفْسٍ ذَاِئقَ ُة الْ َموْ ِ
ُت ْرجَعُونَ (. ﴾ )35
قال ا بن جر ير :يقول تعال ذكره ل نبيه م مد :و ما خلّد نا أحدًا من
بن آدم يا ممد قبلك ف الدنيا فنخلّدك فيها ،ول بدّ لك من أن توت كما
ُونَ ﴾ ؟ يقول :فهؤلء الشركون
ُمَ الْخَالِد َ
مات مَن قبلك ﴿ أَفَإِن مّتّ َفه ُ
بربم هم الالدون ف الدنيا بعدك ؟ ل ما ذلك .قيل :نزلت هذه الية حي
قالوا :نتربَص بحمَد ريَب النون ،وفَ هذه اليَة دللة ظاهرة على أن
الضر عليه السلم ميت ،لن ال ل يعل اللد ف الدنيا لحد من بن آدم
.
الزء الثالث 140
قال ابن عباس ف قوله ﴿ :قُ ْل مَن يَكَْلؤُكُم بِالّليْ ِل وَالنّهَا ِر مِنَ الرّ ْحمَ نِ ﴾
قال :يرسكم ﴿ ،بَ ْل هُ ْم عَن ذِكْرِ َرّبهِم ّمعْرِضُو نَ أَ مْ َلهُ مْ آِل َه ٌة تَ ْمَنعُهُم مّن
حبُونَ ﴾ يأرون .أي : سهِ ْم وَلَا هُم ّمنّ ا يُ صْ َ ستَطِيعُونَ نَ صْرَ أَنفُ ِ دُونِنَا لَا يَ ْ
اللة ل يستطيعون نصر أنفسهم فكيف ينصرون عابديهم .
ِمَ اْلعُمُرُ
ُمَ َحتّىَ طَا َل عََلْيه ُ ﴿ بَ ْل َمّتعْنَا َهؤُلَاء ﴾ فَ الدنيَا ﴿ ،وَآبَاءه ْ
صهَا مِ نْ َأطْرَاِفهَا ﴾ ،قال ابن ﴾ فاغترّوا ﴿ ،أَفَلَا يَ َروْ نَ َأنّا َنأْتِي الْأَرْ ضَ نَنقُ ُ
عباس :ترب القر ية ح ت يكون العمران ف ناح ية ﴿ ،أََفهُ ُم الْغَاِلبُو نَ ﴾ أم
نن ؟
ْيَ ﴾ ،أي :بذا القرآن وعَن قتادة قوله ﴿ :قُلْ ِإنّم َا أُنذِرُك ُم بِاْلوَح ِ
﴿ ،وَلَا يَ سْمَ ُع ال صّمّ ال ّدعَاء ِإذَا مَا يُنذَرُو نَ ﴾ ،يقول :إن الكافر قد صمّ
ح ٌة مّنْ
ستْهُ ْم َنفْ َ
عن كتاب ال ،ل يسمعه ول يشفع به ول يعقله ﴿ ،وََلئِن مّ ّ
عَذَابِ َربّكَ ﴾ ،يقول :عقوبة َ ﴿ ،ليَقُولُنّ يَا َويَْلنَا ِإنّا ُكنّا ظَالِ ِميَ ﴾ ندموا
حي ل ينفعهم الندم .
ط لَِيوْ ِم اْلقِيَا َمةِ فَلَا تُظْلَ ُم َنفْ سٌ
قوله عز وجل َ ﴿ :ونَضَ ُع الْ َموَازِي َن الْقِسْ َ
شَيْئا وَإِن كَا َن مِ ْثقَا َل حَّبةٍ ّم ْن خَ ْر َدلٍ َأتَيْنَا بِهَا وَ َكفَى بِنَا حَاسِبِيَ (. ﴾ )47
عن عائشة رضي ال عنها ( :أن رجلً من أصحاب رسول ال جلس
بي يديه فقال :يا رسول ال إن ل ملوكي يكذبونن ويونونن ويعصونن ،
وأضربم وأشتمهم ،فكيف أنا منهم ؟ فقال له رسول ال « :يسب ما
143 توفيق الرحن ف دروس القرآن
خانوك ،وما عصوك ،وكذبوك ،وعقابك إياهم ،فإن كان عقابك إياهم
بقدر ذنوبمَ كان كفافًا ل لك ول عليَك ،وإن كان عقابَك إياهَم دون
ص لم منك ذنوبم كان فضلً لك ،وإن كان عقابك إياهم فوق ذنوبم اقت ّ
الفضَل الذي بق يَ ِقبَلَكََ » .فجعَل الر جل يبكَى ب ي يدي ر سول ال
﴿ ويهتف ،فقال رسول ال صلى ال « :ما له ل يقرأ كتاب ال :
َوَنضَ ُع الْ َموَازِي َن اْلقِ سْطَ ِلَيوْ ِم اْلقِيَا َمةِ فَلَا تُ ْظلَ ُم َنفْ سٌ َشيْئا َوإِن كَا نَ ِمْثقَالَ َحّبةٍ
مّ نْ خَ ْردَلٍ َأَتيْنَا ِبهَا وَكَفَى بِنَا حَا سِبِيَ ﴾ » ؟ فقال الرجل :يا رسول ال ما
أجد شيئًا خيًا من فراق هؤلء - ،يعن :عبيده ، -إن أشهدكم أنم أحرار
كلهم ) .رواه أحد .
***
الزء الثالث 144
***
الزء الثالث 146
ش َهدُونَـ ( )61قَالُوا أَأَنتَـ َفعَلْتَـ َهذَا بِآِلهَتِنَا يَا ِإبْرَاهِيمُـ ( )62قَا َل َبلْ
َي ْ
س ِهمْ
يهُ مْ َهذَا فَا سَْألُو ُهمْ إِن كَانُوا يَن ِطقُو نَ (َ )63ف َرجَعُوا ِإلَى أَنفُ ِ
َفعَلَ هُ كَبِ ُ
ت مَا
َفقَالُوا ِإّنكُ مْ أَنتُ ُم الظّالِمُو نَ (ُ )64ثمّ ُنكِ سُوا عَلَى ُرؤُو ِسهِ ْم َلقَدْ عَ ِلمْ َ
َه ُؤلَاء يَن ِطقُو نَ ( )65قَالَ َأفََتعُْبدُو نَ مِن دُو نِ اللّ هِ مَا لَا يَن َف ُعكُ مْ شَيْئا َولَا
ف ّل ُكمْ َولِمَا َتعُْبدُونَ مِن دُونِ ال ّل ِه َأفَلَا َتعْقِلُونَ (. ﴾ )67
ضرّ ُكمْ ( )66أُ ّ
يَ ُ
قال السَدي :إن إبراهيَم قال له أبوه :يَا إبراهيَم إن لنَا عيدًا ،لو قَد
خرجت معنا إليه قد أعجبك ديننا ،فلما كان يوم العيد فخرجوا إليه ،خرج
معهم إبراهيم ،فلما كان ببعض الطريق ألقى نفسه وقال :إن سقيم ،يقول
:أشتكي رجلي ،فلما مضوا نادى ف آخرهم ،وقد بقي ضعفاء الناس ﴿ ،
صنَا َمكُم َبعْدَ أَن ُتوَلّوا مُ ْدبِرِي نَ ﴾ .فسمعوها منه ،ث رجع َوتَاللّ هِ َلأَكِي َدنّ أَ ْ
إبراه يم إل ب يت الل ة ،فإذا هن ف ب و عظ يم ،م ستقبل باب الب هو صنم
عظيم ،إل جنبه أصغر منه بعضها إل بعض ،كل صنم يليه أصغر منه حت
بلغوا باب البهو ،وإذا هم قد جعلوا طعامًا فوضعوه بي أيدي اللة ،قالوا :
إذا كان ح ي نر جع رجع نا و قد برّ كت الل ة ف طعام نا فأكل نا ،فل ما ن ظر
إليهم إبراهيم وإل ما بي أيديهم من الطعام قال ﴿ :أَلَا َتأْكُلُونَ ﴾ ؟ فلما ل
ضرْبا بِاْليَمِيِ ﴾ فأخذ غ عََلْيهِ مْ َ
تبه قال ﴿ :مَا َلكُ مْ لَا تَن ِطقُو نَ ﴾ ؟ ﴿ فَرَا َ
فأس حديد فنقر كل صنم ف حافتيه ث علّق الفأس ف عنق الصنم الكب ث
خرج ،فلمَا جاء القوم إل طعامهَم نظروا إل آلتهَم ﴿ قَالُوا مَن َفعَ َل هَذَا
149 توفيق الرحن ف دروس القرآن
بِآِل َهتِنَا ِإنّ هُ لَمِ نَ الظّالِمِيَ * قَالُوا سَ ِم ْعنَا فَتًى يَذْكُ ُرهُ ْم ُيقَالُ لَ هُ ِإبْرَاهِي مُ ﴾ ،
ُونَ ﴾ ،قال :كادهَم بذلك لعلهَم ْهَ يَ ْر ِجع َ ُمَ إَِلي ِ
وعَن قتادة َ ﴿ :لعَّله ْ
يتذكرون أو يبصرون .
وعن ابن إسحاق قوله ﴿ :سَ ِم ْعنَا َفتًى يَذْكُ ُرهُ ْم ُيقَالُ لَهُ ِإبْرَاهِيمُ ﴾ سعناه
ي سبّها ويعيب ها وي ستهزئ ب ا ،ل ن سمع أحدًا يقول ذلك غيه ،و هو الذي
شهَدُونَ ﴾ ، نظن أنه صنع هذا با ﴿ ،قَالُوا َف ْأتُوا بِ ِه عَلَى أَ ْعيُ ِن النّاسِ َلعَّلهُمْ يَ ْ
قال ابن إسحاق :بََلغَ ما فعل إبراهيم بآلة قومه نرود وأشراف قومه ،فقالوا
شهَدُو نَ ﴾ ،أي :ما يصنع به ،ولا َ ﴿ :فأْتُوا بِ ِه عَلَى َأعْيُ ِن النّا سِ َل َعّلهُ ْم يَ ْ
أت به واجتمع له قومه عند ملكهم نرود ﴿ ،قَالُوا َأأَنتَ َفعَلْتَ هَذَا بِآِل َهتِنَا يَا
ِإبْرَاهِي مُ * قَا َل بَلْ َفعَلَ هُ َكبِيُهُ ْم هَذَا فَا ْسأَلُوهُمْ إِن كَانُوا يَن ِطقُو نَ ﴾ ،غضب
من أن يعبدوا معه هذه الصغار وهو أكب فكسرهّن .وعن قتادة قوله ﴿ :بَلْ
ُونَ ﴾ ،وهَي هذه الطَة التَ
َاسَأَلُوهُمْ إِن كَانُوا يَن ِطق َ
ُمَ هَذَا ف ْ
َهَ َكبِيُه ْ
َفعَل ُ
كادهم با .
قال ابـن إ سحاق َ ﴿ :فرَ َجعُوا إِلَى أَنفُ سِهِمْ َفقَالُوا ِإنّكُ مْ أَنتُ مُ الظّالِمُو نَ
﴾ قال :ارعووا ورجعوا عنه فيما ادعوا عليه من كسرهّن إل أنفسهم فيما
بينهم .فقالوا :لقد ظلمناه وما نراه إل كما قال ،ث قالوا َ ﴿ :لقَ ْد عَلِمْ تَ
مَا َهؤُلَاء يَن ِطقُو نَ ﴾ ،أي :ل تتكلم فتخب نا من صنع هذا ب ا و ما تب طش
باليدي فن صدقك ،يقول ال ﴿ :ثُمّ ُنكِ سُوا عَلَى ُرؤُو سِهِمْ ﴾ ف ال جة
عليهم لبراهيم حي جادلم .فقال عند ذلك إبراهيم -حي ظهرت الجّة
الزء الثالث 150
ت مَا َهؤُلَاء يَن ِطقُو نَ ﴾ ﴿ -قَالَ أََفتَ ْعبُدُو َن مِنعلي هم بقول م َ ﴿ :لقَ ْد عَلِمْ َ
دُو نِ اللّ ِه مَا لَا يَنفَ ُعكُ ْم َشيْئا وَلَا َيضُرّكُ مْ * أُفّ ّلكُ ْم وَلِمَا َتعْبُدُو نَ مِن دُو نِ
اللّهِ أَفَلَا تَ ْعقِلُونَ ﴾ ؟ .
صرُوا آِلهَتَكُ ْم إِن كُنتُ ْم فَاعِلِيَ ()68
قوله عز وجل ﴿ :قَالُوا َحرّقُوهُ وَان ُ
ِهـ كَيْدا
ِيمـ (َ )69وأَرَادُوا ب ِ
َسـلَاما عَلَى ِإْبرَاه َ
قُلْن َا ي َا نَارُ كُونِـي َبرْدا و َ
سرِينَ (. ﴾ )70
جعَلْنَا ُهمُ اْلأَ ْخ َ
فَ َ
قال ابـن إسـحاق :أجعَ نرود وقومَه فَ إبراهيَم ﴿ ،فقَالُوا حَرّقُوهَُ
وَان صُرُوا آِل َهتَكُ مْ إِن كُنتُ مْ فَاعِلِيَ ﴾ ،أي :ل تن صروها م نه إلّ بالتحر يق
بالنار إن كن تم نا صريها .و عن ال سدي قال :قالوا :ابنوا له بنيانًا فألقوه ف
الح يم ،فحب سوه ف ب يت وجعوا له حطبًا ،ح ت إن كان الط ي لت مر ب ا
فتحترق من شدّة وهجها فعمدوا إليه فرفعوه على رأس البنيان ،فرفع إبراهيم
رأ سه إل ال سماء وقال :الل هم أ نت الوا حد ف ال سماء ،وأ نا الوا حد ف
الرض ،ليَس فَ الرض أحَد يعبدك غيي ،حسَب ال ونعَم الوكيَل .
فقذفوه ف النار فقال ﴿ :يَا نَارُ كُونِي بَرْدا وَ سَلَاما عَلَى ِإبْرَاهِي مَ ﴾ .قال
أبو العالية :السلم ل يؤذيه بردها ،ولول أنه قال ﴿ :وَسَلَاما ﴾ لكان البد
أشدّ عل يه من ال ر .وقال ك عب الحبار :ما أحر قت النار من إبراه يم إلّ
وثا قه .و عن أ ب هريرة قال :إن أح سن ش يء قاله أ بو إبراه يم ل ا ر فع ع نه
151 توفيق الرحن ف دروس القرآن
الطبق وهو ف النار ،وجده ترشح جبينه فقال عند ذلك :نعم الرب ربك يا
إبراهيم .
قال ا بن ي سار :فقال نرود لبراه يم :إ ن مقرّب إل إل ك قربانًا ،لِمَا
رأيت من قدرته وعزته فيما صنع بك ،حيث أبيت إلّ عبادته وتوحيده ،إن
مقرّب له أرب عة آلف بقرة .فقال له إبراه يم :إذًا ل يقبل ها م نك ما ك نت
على دينَك حتَ تفارقَه إل دينَ ،فقال :ل أسَتطيع ترك ملّتَ وملكَي ،
ولكن سوف أذبها ،فذبها له نرود ث كف عن إبراهيم ومنعه ال منه .
ض الّتِي بَارَكْنَا فِيهَا لِ ْلعَالَ ِميَ
قوله عز وجل َ ﴿ :ونَجّيْنَا ُه َولُوطا ِإلَى الْأَرْ ِ
ُوبـ نَافِ َل ًة وَكُلّا َجعَلْن َا صـَالِحِيَ ()72
ِسـحَاقَ وََي ْعق َ
َهـ إ ْ
(َ )71ووَهَبْن َا ل ُ
ت َوإِقَا مَ ال صّلَاةِ
َوجَعَلْنَاهُ ْم أَئِ ّم ًة َي ْهدُو نَ ِبَأ ْمرِنَا َوأَ ْوحَيْنَا ِإلَ ْيهِ مْ ِف ْعلَ الْخَ ْيرَا ِ
َوإِيتَاء الزّكَاةِ وَكَانُوا لَنَا عَاِبدِينَ (. ﴾ )73
جْينَا ُه وَلُوطا إِلَى اْلأَرْ ضِ الّتِي بَارَ ْكنَا فِيهَا لِ ْلعَالَ ِميَ ﴾ ،
عن قتادة َ ﴿ :ونَ ّ
كانَا بأرض العراق فأنيَا إل أرض الشام ،وكان يقال للشام :عماد دار
الجرة .وما نقص من الرض زيد ف الشام ،وما نقص من الشام زيد ف
فلسطي .وكان يقال :هي :أرض الحشر والنشر ،وبا ممع الناس ،وبا
ينل عيسى ابن مري ،وبا يهلك ال شيخ الضللة الكذاب الدجال .
ب نَافَِلةً ﴾ ،قال عطية ق َوَيعْقُو َ وعن عطاء ف قوله َ ﴿ :و َو َهبْنَا لَ هُ إِ سْحَا َ
﴿ :وَكُلّا َجعَ ْلنَا صَاِلحِيَ ﴾ .
الزء الثالث 152
قال ابـن كثيـ :أي :الميَع أهَل خيَ وصَلح .وقال ابَن عباس :
ب ﴾ ابن ابن ﴿ ،نَافَِلةً ﴾ .
﴿ َو َوهَْبنَا لَهُ ِإسْحَاقَ ﴾ ولدًا َ ﴿ ،وَي ْعقُو َ
قال ابن كثي :يعن :أن يعقوب ولد إسحاق ،كما قال َ ﴿ :فبَشّ ْرنَاهَا
ق َيعْقُوبَ ﴾ . ق َومِن وَرَاء ِإسْحَا َ بِِإسْحَا َ
وعن قتادة قوله ﴿ :وَ َجعَ ْلنَاهُ مْ أَئِ ّم ًة َيهْدُو َن ِبَأمْرِنَا ﴾ ،جعل هم ال أئ مة
ت َوإِقَا مَ ال صّلَا ِة َوإِيتَاء
خيْرَا ِ
يُقتدى ب م ف أ مر ال َ ﴿ ،وَأوْ َحيْنَا إَِلْيهِ مْ ِفعْ َل الْ َ
الزّكَا ِة وَكَانُوا َلنَا عَابِدِينَ ﴾ .
قال ابن كثي :أي :فاعلي لا يأمرون الناس به .
قوله عز وجل َ ﴿ :ولُوطا آتَيْنَا هُ ُحكْما وَعِلْما َونَجّيْنَا هُ مِ نَ اْل َقرَْيةِ الّتِي
ث ِإّنهُ مْ كَانُوا َقوْ مَ َسوْ ٍء فَا سِقِيَ (َ )74وَأدْخَلْنَا ُه فِي
كَانَت تّعْ َم ُل الْخَبَائِ َ
َرحْمَتِنَا ِإّنهُ ِم َن الصّالِحِيَ (. ﴾ )75
قال البغوي ﴿ :وَلُوطا آَتيْن ُ
َاهَ ُحكْما ﴾ ،يعنَ :الفصَل بيَ الصَوم
خبَائِ ثَ ﴾ ،يعن : جْينَا ُه مِ َن اْلقَ ْرَيةِ اّلتِي كَانَت ّتعْمَ ُل الْ َ
بالق َ ﴿ ،وعِلْما َونَ ّ
سدومًا .وكان أهل ها يأتون الذكران ف أدبار هم ِ ﴿ ،إّنهُ مْ كَانُوا َقوْ مَ َسوْءٍ
حيَ ﴾ . فَا ِسقِيَ * َوأَدْخَ ْلنَاهُ فِي رَحْ َمِتنَا ِإنّهُ مِنَ الصّالِ ِ
قوله عز وجل ﴿ :وَنُوحا ِإذْ نَادَى مِن قَ ْبلُ فَا سْتَجَبْنَا لَ هُ فَنَجّيْنَا هُ َوَأهْلَ هُ
ص ْرنَاهُ مِ نَ اْل َقوْ ِم الّذِي نَ َك ّذبُوا بِآيَاتِنَا ِإّنهُ مْ
ب الْعَظِي مِ ( )76وَنَ َ
مِ َن الْ َكرْ ِ
كَانُوا َقوْ َم سَوْ ٍء َفأَ ْغ َرقْنَاهُ ْم أَجْ َمعِيَ (. ﴾ )77
153 توفيق الرحن ف دروس القرآن
***
الزء الثالث 154
ُمـ ُك ّل ِإلَيْنَا
ُونـ (َ )92وَتقَطّعُوا َأ ْمرَهُم بَيَْنه ْ
ُمـ فَاعُْبد ِ
ُأ ّمةً وَاحِ َد ًة وَأَنَا َرّبك ْ
ت َوهُ َو ُمؤْ ِم ٌن فَلَا ُك ْفرَا َن ِلسَعِْي ِه وَِإنّا
رَا ِجعُونَ ( )93فَمَن يَعْ َم ْل ِمنَ الصّالِحَا ِ
َلهُ كَاتِبُونَ (. ﴾ )94
***
الزء الثالث 156
ْثـ ِإذْ
حر َِانـ فِي الْ َ
حكُم ِ
َسـلَيْمَا َن ِإ ْذ يَ ْ
قوله عـز وجـل َ ﴿ :ودَاوُو َد و ُ
حكْ ِمهِ مْ شَاهِدِي نَ (َ )78ف َفهّمْنَاهَا سُلَيْمَانَ
ت فِي هِ غَنَ ُم الْ َقوْ مِ وَكُنّ ا لِ ُ
َن َفشَ ْ
ح َن وَالطّ ْيرَ وَكُنّ ا
خرْنَا مَ َع دَاوُودَ الْجِبَالَ يُ سَبّ ْ
وَكُلّا آتَيْنَا حُكْما وَعِلْما وَ سَ ّ
س ّلكُ مْ لُِتحْ صَِنكُم مّ ن َبأْ ِسكُ ْم َف َهلْ أَنتُ مْ
فَاعِلِيَ ( )79وَعَلّمْنَا هُ صَ ْن َعةَ لَبُو ٍ
شَا ِكرُونَ (. ﴾ )80
عن ماهد ف قول ال ﴿ :إِذْ نَفَشَ تْ فِي هِ َغنَ مُ الْ َقوْ مِ ﴾ ،قال :أعطاهم
داود رقاب الغنَم بالرث ،وحكَم سَليمان بزة الغنَم ،وألباناَ لهَل
الرث ،وعليهَم رعايتهَا على أهَل الرث ،ويرث لمَ أهَل الغنَم حتَ
يكون ل م الرث كهيئة يوم أُ كل ،ث يدفعو نه إل أهله ويأخذون غنم هم .
وقال شريح :كان النفش ليلً .
وقال ال سن :كان ال كم ب ا ق ضى به سليمان ول يع نف ال داود ف
حكمه .وف الصحيحي عن النب قال « :إذا اجتهد الاكم فأصاب فله
أجران ،وإذا اجتهد فأخطأ فله أجر » .
َبّحْ َن وَال ّطيْرَ ﴾ ،قال
جبَا َل يُس َ
َ دَاوُو َد الْ ِ وقوله تعال ﴿ :وَس َ
َخّ ْرنَا مَع َ
وهب :كانت البال تاوبه بالتسبيح وكذلك الطي ﴿ .وَ ُكنّا فَاعِِليَ ﴾ ،
أي :ما ذكرهن :التفهيم وإيتاء الكم والتسخي .
وقوله تعال َ ﴿ :وعَلّ ْمنَا هُ َ
صْن َعةَ َلبُو سٍ ّلكُ مْ ﴾ ،أي :الدروع قال قتادة
:كانت قبل داود صفائح ،وكان أول من صنع اللق وسرد داود .
157 توفيق الرحن ف دروس القرآن
فرح من لدن قرنه إل قدمه ،قال فأصابه البلء بعد البلء حت حُمل فوُضع
على مزبلة كنا سة لب ن إ سرائيل ،فلم ي بق له مال ،ول ولد ،ول صديق ،
ول أحد يَقربُه غي زوجته ،صبت معه بصدق وكانت تأتيه بطعام ،وتمد
ال معه إذا حد ،وأيوب على ذلك ل يف تر عن ذ كر ال ،والتحميد والثناء
على ال ،والصَب على مَا ابتله ال ؛ قال :وم ّر بَه رجلن ،ول وال مَا
على ظهَر الرض يومئذٍ أكرم على ال مَن أيوب ،فقال أحَد الرجليَ
ل صاحبه :لو كان ل ف هذا حا جة ما بلغ به هذا ،فلم ي سمع أيوب شيئًا
كان أشد عليه من هذه الكلمة .
وقال ابن عباس :لا مسّه الشيطان بنص ٍ
ب وعذاب ،أنساه ال الدعاء أن
يدعوه فيكشف ما به من ض ّر ،غي أنه كان يذكر ال كثيًا ول يزيده البلء
ف ال إ ّل رغبة وحسن إيان ،فلما انتهى الجل وقضى ال أنه كاشف ما به
مَن ضرّ ،أذن له فَ الدعاء ويسَّره له ،وكان قبَل ذلك يقول ال تبارك
وتعال ( :ل ينبغي لعبدي أيوب أن يدعون ث ل أستجيب له ) ،فلما دعا
استجيب له وأبدَلَه بكل شيء ذهب له ضعفي ،ردّ إليه أهله ومثلهم معهم ،
وأثن عليه فقال ِ ﴿ :إنّا وَجَ ْدنَاهُ صَابِرا ِنعْ َم اْلعَبْدُ ِإنّهُ َأوّابٌ ﴾ .
وف خب وهب بن منبه :فركض برجله وانفجرت له عي ،فدخل فيها
فاغتسل ،فأذهب ال عنه كل ما كان به من البلء ،ث خرج فجلس وأقبلت
امرأته تلتمسه ف مضجعه فلم تده ،فقامت كالوالة متلدّدة ،ث قالت :يا
عبد ال هل لك علم بالرجل البتلى الذي كان ها هنا ؟ قال :ل ،ث تب سّم
159 توفيق الرحن ف دروس القرآن
فعرفته بضحكه فاعتنقته .وف الديث الصحيح عن النب قال « :لا عاف
ال أيوب أمطر عليه جرادًا من ذهب ،فجعل يأخذ منه بيده ويعله ف ثوبه
فقيل له :يا أيوب أما تشبع ؟قال :يا رب ومن يشبع من رحتك » ؟ .
وعن ماهد ف قوله ﴿ :وَآَتْينَا هُ أَهْلَ ُه َو ِمثَْلهُم ّم َعهُ مْ ﴾ ،قال :قيل له :
إن شئت أحيينا هم لك ،وإن شئت كانوا لك ف الخرة وتع طى مثل هم ف
الدنيا ،فاختار أن يكونوا ف الخرة ومثلهم ف الدنيا .وعن ممد بن كعب
ِينَ ﴾ ،قال :أيّمَا
ّنَ عِندِنَا َوذِكْرَى ِل ْلعَابِد َ القرظَي فَ قوله َ ﴿ :رحْ َم ًة م ْ
مؤمن أصابه بلء فذكر ما أصاب أيوب فليقل :قد أصاب من هو خي منا ،
نبيًا من النبياء .
قوله عز وجل َ ﴿ :وإِسْمَاعِيلَ َوِإدْرِيسَ َوذَا اْلكِ ْفلِ ُك ّل مّنَ الصّابِرِينَ (
َ )85وَأدْخَلْنَاهُ ْم فِي َرحْمَتِنَا ِإّنهُم ّمنَ الصّالِحِيَ (. ﴾ )86
عن ماهد ف قوله ﴿ :وَذَا الْ ِكفْلِ ﴾ ،قال :رجل صال غي نب تكفل
لنب قومه أن يكفيه أمر قومه ،ويقيمه لم ويقضي بينهم بالعدل ففعل ذلك
فسمّي ذا الكفل .
ب ُمغَاضِبا فَ َظنّ أَن لّن ّنقْدِرَ عَ َليْ هِ
قوله عز وجل َ ﴿ :وذَا النّو نِ إِذ ّذهَ َ
ت مِ َن الظّالِمِيَ (
ت أَن لّا ِإلَ َه ِإلّا أَن تَ سُبْحَاَنكَ إِنّي كُن ُ
فَنَادَى فِي الظّلُمَا ِ
)87فَاسْتَجَبْنَا لَ ُه َونَجّيْنَاهُ ِم َن الْ َغ ّم وَ َكذَِلكَ نُنجِي الْ ُم ْؤمِنِيَ (. ﴾ )88
الزء الثالث 160
قال وهب بن منبه :إن يونس بن مت كان عبدًا صالًا ،وكان ف ُخُلقٍه
ضيق ،فلما حلت عليه أثقال النبوة ،ولا أثقال ل يملها إلّ قليل ،تف سّخ
تتها تف سّخ الربع تت المل ،فقذفها بي يديه وخرج هاربًا منها ،يقول
حكْمِصِبرْ لِ ُ
صبَرَ ُأوْلُوا اْلعَزْمِ مِنَ الرّسُلِ ﴾ ﴿ ،فَا ْ
صبِرْ كَمَا َ
ال لنبيه ﴿ :فَا ْ
ك وَلَا َتكُن َكصَا ِحبِ الْحُوتِ ﴾ .َربّ َ
وعن سعيد بن جبي عن ابن عباس قال :بعثه ال -يعن :يونس -إل
أهل قريته ،فردّوا عليه ما جاءهم به وامتنعوا منه ،فلما فعلوا ذلك أوحى ال
إليه :أن مرسل عليهم العذاب ف يوم كذا وكذا ،فاخرج من بي أظهرهم
فأعلم قو مه الذي وعده ال من عذا به إيا هم .فقالوا :ارمقوه فإن خرج من
بيَ أظهركَم فهَو وال كائن مَا وعدكَم ،فلمَا كانَت الليلة التَ وُعدوا
بالعذاب ف صبحها أدل ورآه القوم فخرجوا من القرية إل براز من أرضهم ،
وفرّقوا بي كل دابة وولدها ث عجّوا إل ال فاستقالوه فأقالم ،وانتظر يونس
ال ب عن القر ية وأهل ها ح ت مرّ به مارٌ فقال :ما ف عل أ هل القر ية ؟ قال :
فعلوا أن نبيهم خرج من ب ي أظهر هم ،عرفوا أ نه صدقهم ما وعد هم من
العذاب ،فخرجوا من قريت هم إل براز من الرض ،ث فرقوا ب ي كل ذات
ولد وولدها ،وعجّوا إل ال وتابوا إليه فقبل منهم وأخّر عنهم العذاب ،قال
:فقال يونس عند ذلك -وغضب : -وال ل أرجع إليهم كذّابًا أبدًا ،
وعدتم العذاب ف يوم ث رُدّ عنهم ،ومضى على وجهه مغاضبًا .
161 توفيق الرحن ف دروس القرآن
وف رواية :فخرج يونس لينتظر العذاب فلم ير شيئًا ،قال :جرّبوا عليّ
كذبًا ،فذهب مغاضبًا لربه حت أتى البحر .
و عن ا بن عباس َ ﴿ :فظَنّ أَن لّن ّنقْدِ َر عََليْ هِ ﴾ ،يقول :ظن أن لن نق ضي
عليَه عقوبَة ،ول بلء ،وعقوبتَه أخَذ النون إياه .قال السَن :وكان له
سلف من عبادة وت سبيح ،فتدار كه ال ب ا فلم يد عه للشيطان .و عن قتادة
َ ﴿ :فنَادَى فِي الظّلُمَاتَِ ﴾ ،قال :ظلمَة بطَن الوت ،وظلمَة البحَر ،
وظلمَة الليَل .وقال ابَن عباس ﴿ :نَادَى فِي الظُّلمَاتَِأَن لّا إِلَهََإِلّا أَنتََ
ت مِ نَ الظّالِ ِميَ ﴾ ،معترفًا بذنبه من خطيئته .وعن سعد ُسبْحَانَكَ ِإنّي كُن ُ
بن أ ب وقاص ر ضي ال ع نه قال :سعت ر سول ال يقول « :ا سم ال
الذي إذا دعي به أجاب وإذا سئل به أع طى ،دعوة يونس بن م ت » ،قال
فقلت :يا رسول ال هي ليونس بن مت خاصة أم لماعة السلمي ؟ قال :
« هي ليونس بن مت خاصة ،وللمؤمني عامة .إذا دَعوا با أل تسمع قول
ال تبارك وتعال َ ﴿ :فنَادَى فِي الظّلُمَا تِ أَن لّا إِلَ هَ إِلّا أَن تَ ُسبْحَانَكَ ِإنّ ي
ِكَ نُنج ِي
ِنَ اْلغَم ّ وَكَذَل َ
َاهَ م َ جْين ُ َهَ َونَ ّ
جْبنَا ل ُ
َاسَتَ َ
ِنَ الظّاِلمِي َ * ف ْ
ُنتَ م َ
ك ُ
الْ ُم ْؤ ِمنِيَ ﴾ » .رواه ا بن جر ير .و ف الد يث ال صحيح عن ال نب قال :
« من قال :أنا خي من يونس بن مت فقد كذب » .
قوله عز وجل ﴿ :وَزَ َك ِريّ ا ِإذْ نَادَى َربّ هُ رَبّ لَا َتذَرْنِي َفرْدا وَأَن تَ خَ ْيرُ
اْلوَا ِرثِيَ ( )89فَاسْتَجَبْنَا لَ ُه َووَهَبْنَا لَ ُه يَحْيَى َوأَصْلَحْنَا لَهُ َز ْوجَهُ ِإّنهُمْ كَانُوا
يُ سَارِعُو َن فِي الْخَ ْيرَا تِ َوَيدْعُونَنَا َرغَبا وَرَهَبا وَكَانُوا لَنَا خَا ِشعِيَ ()90
الزء الثالث 162
عن ابن عباس قوله ُ ﴿ :أمُّتكُ مْ ُأ ّم ًة وَاحِ َدةً ﴾ ،يقول :دينكم دين واحد
.وقوله تعال َ ﴿ :وَتقَ ّطعُوا َأمْ َرهُم َبيَْنهُمْ ﴾ ،قال البغوي :أي :اختلفوا ف
163 توفيق الرحن ف دروس القرآن
الدين فصاروا فرقًا وأحزابًا ُ ﴿ ،كلّ إِلَْينَا رَا ِجعُو نَ ﴾ فنجزيهم بأعمالم ﴿ ،
س ْعيِهِ َوِإنّا لَ هُ كَاتِبُو نَ ﴾ ،
ت َو ُهوَ ُم ْؤمِ نٌ فَلَا ُك ْفرَا نَ لِ َ
َفمَن َيعْمَ ْل مِ َن ال صّالِحَا ِ
أي :لعمله حافظون .
***
الزء الثالث 164
قوله عز وجل َ ﴿ :و َحرَامٌ عَلَى َقرَْي ٍة أَهْ َلكْنَاهَا َأّنهُمْ لَا َيرْ ِجعُونَ ( )95حَتّى
ج وَ َم ْأجُو جُ وَهُم مّ ن ُك ّل حَدَ بٍ يَن سِلُونَ ( )96وَاقَْترَ بَ
ت َي ْأجُو ُ
ِإذَا فُِتحَ ْ
صةٌ َأبْصَا ُر الّذِينَ َك َفرُوا يَا وَيْلَنَا َقدْ كُنّا فِي َغفْ َلةٍ
حقّ َفإِذَا هِ َي شَاخِ َ
اْلوَ ْعدُ الْ َ
ّم ْن هَذَا َبلْ كُنّا ظَالِ ِميَ (. ﴾ )97
ُمَ لَا
َامَ عَلَى َق ْرَيةٍ َأهَْل ْكنَاهَا َأّنه ْ
عَن ابَن عباس فَ قوله تعال ﴿ :وَحَر ٌ
يَ ْر ِجعُونَ ﴾ ،قال :ل يرجعون إل الدنيا قبل يوم القيامة .
ج َو َمأْجُو جُ ﴾ ،قال : ت َيأْجُو ُ وعن ا بن جريج قوله َ ﴿ :حتّى إِذَا ُفتِحَ ْ
أمتان مَن وراء ردم ذي القرنيَ .وقال عمرو البكال :إن ال جزأ النفَس
عشرة أجزاء ،فت سعة من هم :يأجوج ومأجوج ،و سائر ال نس جزء .وقال
ج َوهُم مّن كُلّ َحدَ بٍ ج َو َمأْجُو ُت َيأْجُو ُابن زيد ف قوله َ ﴿ :حتّى إِذَا ُفتِحَ ْ
ب اْل َوعْ ُد الْحَقّ ﴾ ،قال يَن سِلُونَ ﴾ ،قال :هذا مبتدأ يوم القيامة ﴿ ،وَاقْتَرَ َ
صةٌ َأبْصَارُ الّذِينَ َكفَرُوا ﴾ ،فل :اقترب يوم القيامة منهم ﴿ ،فَِإذَا هِيَ شَاخِ َ
تكاد تطرف من شدة ذلك اليوم يقولون ﴿ :يَا َويْلَنَا قَدْ ُكنّ ا فِي َغفَْلةٍ مّ نْ
هَذَا بَلْ ُكنّا ظَالِ ِميَ ﴾ .
وعن النواس بن سعان الكلب قال :ذكر رسول ال الدجال ذات يوم
فخفض فيه ورفع حت ظنناه ف ناحية النخل فقال « :غي الدجال أخوفن
علي كم فإن يرج وأنا فيكم فإنا حجي جه دونكم ،وإن يرج ول ست في كم
ف كل امرئ حج يج نف سه ،وال خليف ت على كل م سلم .وإ نه شاب ج عد
الزء الثالث 166
ق طط ،عي نه طاف ية وإ نه يرج خلة ب ي الشام والعراق فعاث يينًا وشالً يا
عباد اثبتوا » قلنا :يا رسول ال ما ُلْبثُه ف الرض ؟ قال « :أربعون يومًا ،
يوم كسنة ،ويوم كشهر ،ويوم كجمعة ،وسائر أيامه كأيامكم » ،قلنا :
يا رسول ال فذاك اليوم الذي هو كسنة أيكفينا فيه صلة يوم وليلة ؟ قال :
« ل ،اقدروا له قدره » ،قلنا :يا رسول ال فما إسراعه ف الرض ؟ قال :
« كالغ يث اشتدت به الر يح ،قال :فيم ّر بال يّ فيدعو هم في ستجيبون له ،
فيأمر السماء فتمطر والرض فتنبت ،وتروح عليهم سارحتهم وهي أطول ما
باليَ فيدعوهَم
ّ كانَت ذرى ،وأمدّه خواصَر ،وأسَبغه ضروعًا ،ويرَ
فيدّون عليه قوله ،فتتبعه أموالم فيصبحون محلي ليس لم من أموالم شيء
،ويرّ بالربة فيقول لا :أخرجي كنوزك ،فتتبعه كنوزها كيعاسيب النحل
.قال :ويأمر برجل فيُقتل فيضربه بالسيف فيقطعه جزلتي رمية الغرض ،ث
يدعوه فيق بل إل يه ،فبين ما هم على ذلك إذ ب عث ال عز و جل ال سيح بن
مري ،فينل عند النارة البيضاء شرقي دمشق بي مهرودتي واضعًا يديه على
أجنحة ملكي ،فيتبعه فيدركه فيقتله عند باب لدّ الشرقي ،قال :فبينما هم
كذلك إذ أو حى ال عز و جل إل عي سى بن مر ي عل يه ال سلم :إ ن قد
أخر جت عبادًا من عبادي ل يدان ل حد بقتال م ،فحرّز عبادي إل الطور ،
فيب عث ال عز و جل يأجوج ومأجوج ،ك ما قال تعال ﴿ :وَهُم مّ ن كُلّ
ب يَنسِلُونَ ﴾ .
حَدَ ٍ
167 توفيق الرحن ف دروس القرآن
قوله عز وجل ِ ﴿ :إنّكُ مْ َومَا َتعُْبدُو نَ مِن دُو نِ اللّ هِ حَ صَبُ َجهَنّ مَ أَنتُ مْ
لَهَا وَا ِردُو نَ (َ )98لوْ كَا َن هَ ُؤلَاء آِل َهةً مّ ا وَ َردُوهَا وَ ُك ّل فِيهَا خَاِلدُو نَ (
ت َلهُم مّنّا
ي َوهُمْ فِيهَا لَا يَسْ َمعُونَ ( )100إِنّ اّلذِينَ سََبقَ ْ
َ )99لهُ ْم فِيهَا َزفِ ٌ
سهَا َوهُ مْ فِي مَا
الْحُ سْنَى ُأ ْولَئِ كَ عَنْهَا مُ ْب َعدُو نَ ( )101لَا يَ سْ َمعُونَ حَ سِي َ
ُمـ
َعـ الْأَكَْب ُر َوتَتَ َلقّاه ُ
ُمـ اْل َفز ُ
ح ُزنُه ُ
ُونـ ( )102لَا يَ ْ
ُسـهُ ْم خَاِلد َ
َتـ أَنف ُ
اشَْته ْ
الْمَلَائِ َكةُ هَذَا يَ ْومُكُ ُم الّذِي كُنتُ ْم تُو َعدُونَ (َ )103يوْ َم نَ ْطوِي السّمَاء كَ َطيّ
ج ّل لِ ْلكُتُ بِ كَمَا َب َدأْنَا َأوّ َل خَلْ ٍق ّنعِيدُ هُ وَعْدا عَلَيْنَا ِإنّ ا كُنّ ا فَاعِلِيَ (
ال سّ ِ
. ﴾ )104
عن ا بن عباس ِ ﴿ :إنّكُ ْم وَمَا َت ْعبُدُو نَ مِن دُو نِ اللّ هِ حَ صَبُ َج َهنّ مَ ﴾ ،
يقول :وقود ها .وقال الضحاك :يُر مى ب م في ها .وقال ا بن ز يد ف قوله
َ ﴿ :لوْ كَا نَ َهؤُلَاء آِل َه ًة مّ ا وَ َردُوهَا وَكُلّ فِيهَا خَاِلدُو نَ ﴾ ،قال :العا بد ،
والعبود .وقال السن البصري :ث استثن فقال ِ ﴿ :إنّ الّذِي نَ َسَبقَتْ َلهُم
ك َعنْهَا ُمبْعَدُو نَ ﴾ ،ف قد عُبدت اللئ كة من دون ال ، سنَى ُأوَْلئِ َ ّمنّ ا الْحُ ْ
وعزير ،وعيسى من دون ال .وقال ابن إسحاق :جلس رسول ال فيما
بلغن يومًا مع الوليد بن الغية فجاء النضر بن الارث حت جلس معهم ،
وفَ الجلس غيَ واحَد مَن رجال قريَش ،فتكلّم رسَول ال فعرض له
النضر بن الارث وكلّمه رسول ال حت ألمه ث تل عليه وعليهم ﴿ :
صبُ َج َهنّ مَ أَنتُ مْ لَهَا وَا ِردُو نَ * َلوْ كَا نَ
ِإّنكُ ْم وَمَا َت ْعبُدُو َن مِن دُو نِ اللّ هِ حَ َ
169 توفيق الرحن ف دروس القرآن
ُمَ فِيهَا لَا ُونَ ﴾ إل قوله َ ﴿ :وه ْ َهؤُلَاء آِل َهةً مّاَ وَرَدُوهَا وَكُلّ فِيهَا خَالِد َ
يَ سْ َمعُونَ ﴾ ،ث قام ر سول ال وأق بل ع بد ال بن ال ّزَبعْرى ح ت جلس ،
فقال الول يد بن الغية لع بد ال بن ال ّزَبعْرى :وال ما قام الن ضر بن الارث
لبن عبد الطلب آنفًا وما قعد ،وقد زعم أنا وما نعبد من آلتنا هذه حصب
جه نم ،فقال ع بد ال بن الزبعري :أ ما وال لو وجد ته ل صمته ،ف سلوا
ممدًا :أ كل من عُ بد من دون ال ف جه نم مع من عبده ؟ فن حن نع بد
اللئ كة ،واليهود تع بد عُزَيرًا ،والن صارى تع بد ال سيح عي سى ا بن مر ي ،
فعجب الوليد بن الغية ومن كان ف الجلس من قول عبد ال بن ال ّزَبعْرى ،
واحتجَ ،فذكَر ذلك لرسَول ال مَن قول ابَن ّ ورأوا أنَه قاتَد خاصَم
ال ّزَبعْرى ،فقال ر سول ال « :ن عم كل من أ حب أن يُع بد من دون ال
فهو مع من عبد ،إنا يعبدون الشياطي ومن أمرهم بعبادتم » ؟ فأنزل عز
سنَى أُوَلئِ كَ َعنْهَا ُمبْعَدُو نَ ﴾ إل و جل ﴿ :إِنّ الّذِي نَ َسَب َقتْ َلهُ ْم ِمنّ ا الْحُ ْ
﴿ :خالِدُو نَ ﴾ ،أي :عيسى ابن مري ،وعُزير ،ومن عبدوا من الحبار
والرهبان الذ ين مضوا على طا عة ال ،فاتذهم مَ ْن َبعْ َدهُ مْ من أ هل الضللة
أربابًا من دون ال ،فأنزل ال فيما ذكروا أنم يعبدون اللئكة وأنا بنات ال
سِبقُونَ ُه بِاْلقَوْلِ
﴿ :وَقَالُوا اتّخَذَ الرّ ْحمَ ُن وَلَدًا ُسبْحَانَ ُه بَ ْل عِبَادٌ مُكْ َرمُونَ * لَا يَ ْ
ش َفعُو نَ إِلّا ِلمَ نِ
وَهُم ِبَأمْرِ هِ َيعْمَلُو نَ * َيعْلَ ُم مَا َبيْ نَ َأيْدِيهِ ْم وَمَا خَ ْل َفهُ ْم وَلَا يَ ْ
شفِقُو نَ * َومَن َيقُلْ ِمْنهُ مْ ِإنّي إِلَ ٌه مّن دُونِ هِ فَذَلِ كَ شَيتِ ِه مُ ْ
ا ْرَتضَى َوهُم مّ نْ خَ ْ
جزِي الظّالِمِيَ ﴾ . ك نَ ْجزِيهِ َج َهنّمَ كَذَلِ َ نَ ْ
الزء الثالث 170
وقوله تعال َ ﴿ :يوْمَ نَ ْطوِي السّمَاء كَ َطيّ السّجِلّ لِ ْل ُكتُبِ ﴾ ،قال ابن عباس
:يقول :كطي الصحف .وروى البخاري وغيه عن النب « :يقبض
ال الرض ويطوي السماء بيمينه ،ث يقول :أنا اللك ،أين ملوك الرض ؟
ضتُهُ َي ْومَ
» وقد قال ال تعال َ ﴿ :ومَا قَ َدرُوا اللّهَ َحقّ قَدْ ِر ِه وَالْأَ ْرضُ َجمِيعا َقْب َ
ت ِبيَمِينِ ِه ُسبْحَانَ ُه َوتَعَالَى عَمّا يُشْرِكُونَ ﴾ . اْل ِقيَا َم ِة وَالسّماوَاتُ مَ ْط ِويّا ٌ
قوله عز و جل َ ﴿ :وَل َقدْ كَتَبْنَا فِي ال ّزبُو ِر مِن َبعْ ِد الذّ ْك ِر أَنّ الْأَرْ ضَ
َي ِرثُهَا عِبَادِ يَ ال صّالِحُونَ ( )105إِنّ فِي َهذَا لَبَلَاغا لّ َقوْ مٍ عَابِدِي نَ ()106
َومَا أَ ْرسَلْنَا َك ِإلّا َرحْ َمةً لّلْعَالَمِيَ (. ﴾ )107
عن ماهد ف قوله ﴿ :ال ّزبُورِ ﴾ قال :الكتاب ﴿ ،مِن َبعْدِ الذّكْرِ ﴾ ،
قال :أم الكتاب عند ال .وقال ابن زيد :الزبور :الكتب الت أنزلت على
النَبياء ،والذكَر :أم الكتاب الذي تكتَب فيَه الشياء قبَل ذلك ﴿ ،أَنّ
ي ال صّالِحُونَ ﴾ ،قال :ال نة ،وقرأ قول ال ج ّل ثناؤه ض يَ ِرثُهَا ِعبَادِ َاْلأَرْ َ
جّنةِ
ِنَ الْ َ
ْضَ نََتَب ّوأُ م َ
َهَ َوَأوْ َرثَنَا اْلأَر َ
صَدََقنَا َوعْد ُ
ّهَ الّذِي َ ﴿ :وَقَالُوا الْحَ ْمدُ لِل ِ
ث نَشَاء َفِنعْمَ أَجْ ُر اْلعَامِلِيَ ﴾ .
َحيْ ُ
وعن ابن عباس ف قوله َ ﴿ :ومَا أَ ْرسَ ْلنَاكَ إِلّا َرحْ َمةً لّ ْلعَاَلمِيَ ﴾ ،قال تت
الرحة لن آمن به ف الدنيا والخرة ،ومن ل يؤمن به عوف ما أصاب المم
قبل .
171 توفيق الرحن ف دروس القرآن
قوله عز وجل ُ ﴿ :قلْ ِإنّمَا يُوحَى ِإلَيّ َأنّمَا ِإَل ُهكُ ْم ِإلَ ٌه وَا ِحدٌ َف َه ْل أَنتُم
ب أَم
مّ سْلِمُونَ (َ )108فإِن َتوَّلوْا َف ُقلْ آذَنتُكُ مْ عَلَى سَوَاء َوإِ ْن َأدْرِي َأ َقرِي ٌ
ج ْه َر مِ نَ اْلقَ ْولِ َوَيعْلَ مُ مَا تَكْتُمُو نَ (
َبعِيدٌ مّ ا تُو َعدُو نَ (ِ )109إنّ هُ َيعْلَ مُ الْ َ
َ )110وإِ ْن َأدْرِي َلعَلّ هُ فِتَْن ٌة ّلكُ مْ وَمَتَا عٌ إِلَى حِيٍ ( )111قَالَ َربّ احْكُم
صفُونَ (. ﴾ )112
حقّ وَ َربّنَا ال ّرحْ َمنُ الْ ُمسَْتعَانُ عَلَى مَا تَ ِ
بِالْ َ
عن ا بن جر يج َ ﴿ :وإِ نْ أَدْرِي أَقَرِي بٌ أَم َبعِي ٌد مّ ا تُوعَدُو نَ ﴾ ،قال :
الجل .وعن ابن عباس َ ﴿ :وإِ نْ أَدْرِي َلعَلّ هُ ِفْتَنةٌ ّلكُ ْم َو َمتَا عٌ إِلَى ِحيٍ ﴾ ،
يقول :ل عل ما أقرب ل كم من العذاب وال ساعة :أن يؤ خر عن كم لدت كم
َ ﴿ ،و َمتَا عٌ إِلَى حِيٍ ﴾ في صي قول ذلك ل كم فت نة ﴿ قَالَ رَبّ احْكُم
حقّ ﴾ ،قال :ل يكم بالق إلّ ال ولكن إنا استعجل بذلك ف الدنيا بِالْ َ
يسأل ربّه على قومه .
صفُونَ وقال ا بن كث ي :وقوله ﴿ :وَ َربّنَا الرّحْ َم ُن الْمُ ْ
ستَعَا ُن عَلَى مَا تَ ِ
﴾ أي :على مَا يقولون ويفترون مَن الكذب .وقال البغوي :فإن قيَل :
كيف قال ﴿ :ا ْحكُم بِالْحَقّ ﴾ وال ل ي كم إ ّل بال ق ؟ ! ق يل :الق ها
هنَا بعنَ :العذاب ،لنَه اسَتعجل العذاب لقومَه فعُذّبوا يوم بدر ،نظيه
حيَ ﴾ .قوله تعال َ ﴿ :رّبنَا ا ْفتَ ْح َبيَْننَا َوبَيْنَ َق ْو ِمنَا بِالْحَ ّق َوأَنتَ َخْي ُر الْفَاتِ ِ
***
الزء الثالث 172
[ سورة الج ]
مكية ،وقيل :مدنية ،وهي ثان وسبعون آية
قال البغوي :سورة الج مكية ،إلّ َ ﴿ :ومِ َن النّا سِ مَن َي ْعبُدُ اللّ َه عَلَى
حَرْفٍ ﴾ اليتي ،أو إل ﴿ :هَذَانِ َخصْمَانِ ﴾ الست آيات ،فمدنيّات .
بسم ال الرحن الرحيم
﴿ يَا َأيّهَا النّا سُ اّتقُوا َربّكُ ْم إِنّ َزْلزََلةَ ال سّا َعةِ شَيْءٌ َعظِي مٌ (َ )1يوْ مَ
َاتـ حَ ْم ٍل حَمْلَهَا
َعـ ُك ّل ذ ِ
َتـ َوتَض ُ
ضع ْضعَةٍ عَمّاـ أَرْ َ
َت َروْنَهَا َتذْ َهلُ ُك ّل ُمرْ ِ
َوَترَى النّا سَ ُسكَارَى َومَا هُم بِ سُكَارَى َولَ ِكنّ َعذَا بَ اللّ هِ َشدِيدٌ ( )2وَمِ نَ
النّاسِ مَن يُجَادِ ُل فِي اللّهِ ِبغَ ْيرِ عِلْ ٍم َويَتّبِعُ ُك ّل شَيْطَانٍ ّمرِيدٍ ( )3كُِتبَ عَلَيْهِ
س إِن
ب ال سّعِيِ ( )4يَا َأيّهَا النّا ُ
َأنّ هُ مَن َتوَلّا هُ َفَأنّ هُ يُضِلّ ُه َويَ ْهدِي ِه ِإلَى َعذَا ِ
ب ثُمّ مِن نّ ْطفَ ٍة ُثمّ مِنْ عَ َل َقةٍ
ث َفإِنّا خَلَقْنَاكُم مّن ُترَا ٍ
ب مّنَ الَْبعْ ِ
كُنتُمْ فِي َريْ ٍ
ض َغةٍ مّخَ ّل َق ٍة وَغَ ْي ِر مُخَ ّل َقةٍ لّنُبَيّ َن َلكُ ْم َونُ ِق ّر فِي اْلأَرْحَا ِم مَا َنشَاء ِإلَى
ُثمّ مِن مّ ْ
ل ُث ّم لِتَبْ ُلغُوا أَ ُشدّ ُكمْ َومِنكُم مّن يَُت َوفّى َومِنكُم
خ ِرجُ ُكمْ ِطفْ ً
َأ َجلٍ ّمسَمّى ثُ ّم نُ ْ
ض هَامِ َدةً
مّن ُيرَ ّد ِإلَى أَ ْرذَ ِل اْلعُ ُمرِ ِلكَيْلَا َيعْلَ مَ مِن َبعْدِ عِلْ ٍم شَيْئا وََترَى اْلأَرْ َ
ج َبهِيجٍ (َ )5ذلِكَ
ت مِن ُكلّ َزوْ ٍ
ت َوأَنبَتَ ْ
َفِإذَا أَنزَلْنَا عَلَ ْيهَا الْمَاء اهَْتزّتْ وَ َربَ ْ
ِبأَنّ اللّ َه ُهوَ الْحَقّ َوَأنّ هُ ُيحْيِي الْمَوْتَى وََأنّ هُ عَلَى ُك ّل شَيْ ٍء َقدِيرٌ (َ )6وأَنّ
س مَن
ب فِيهَا َوأَنّ اللّ َه يَ ْبعَثُ مَن فِي اْلقُبُورِ ( )7وَمِ َن النّا ِ
السّا َعةَ آتَِي ٌة لّا َريْ َ
173 توفيق الرحن ف دروس القرآن
ضلّ
ب مّنِيٍ ( )8ثَانِ يَ عِ ْطفِ هِ لِيُ ِ
يُجَا ِدلُ فِي اللّ ِه ِبغَيْرِ عِلْ ٍم وَلَا هُدًى َولَا كِتَا ٍ
حرِي قِ ()9
ب الْ َ
عَن سَبِي ِل اللّ ِه لَ هُ فِي ال ّدنْيَا ِخزْ يٌ وَُنذِيقُ هُ يَوْ َم اْلقِيَا َمةِ َعذَا َ
س بِظَلّا ٍم لّ ْلعَبِيدِ (. ﴾ )10
َذِلكَ بِمَا َق ّدمَتْ َيدَا َك وَأَ ّن ال ّلهَ لَيْ َ
***
الزء الثالث 174
فتضرب وجوهها فترجع ،ويولّي الناس مدبرين ينادي بعضهم بعضًا ،وهي
الت يقول ال تعال َ ﴿ :يوْ َم التّنَادِ * َيوْ مَ ُتوَلّو َن مُ ْدبِرِي َن مَا َلكُم مّ نَ اللّ هِ مِ نْ
عَاصِ ٍم ﴾ ،فبينما هم على ذلك إذا انصدعت الرض من قطر إل قطر ورأوا
أمرًا عظيمًا ،فأخذهم لذلك من الكرب ما ال أعلم به ،ث نظروا إل السماء
فإذا هي كال هل ث خ سف ش سها وقمر ها وانتثرت نوم ها ،ث كُش طت
عنهم ؛ قال رسول ال « :والموات ل يعلمون بشيء من ذلك » .قال
ت َومَن فِي أبو هريرة :فمن استثن ال حي يقول َ ﴿ :ف َفزِعَ مَن فِي السّمَاوَا ِ
اْلأَرْ ضِ إِلّا مَن شَاء اللّ هُ ﴾ ؟ قال « :أولئك الشهداء ،وإن ا ي صل الفزع إل
الحياء ،أولئك أحياء عند ربم يرزقون ،ووقاهم ال شر ذلك اليوم وآمنهم
،وهو عذاب ال يبعثه على شرار خلقه ،وهو الذي يقول ﴿ :يَا َأّيهَا النّاسُ
ض َعةٍ عَمّااّتقُوا َرّبكُ مْ ِإنّ زَْلزََلةَ ال سّا َعةِ َشيْ ٌء عَظِي مٌ * َيوْمَ تَ َر ْوَنهَا تَ ْذهَلُ كُ ّل ُمرْ ِ
سَكَارَى وَمَا هُم ّاسَ َُاتَ َحمْلٍ َحمْلَهَا َوتَرَى الن َ َعَ كُلّ ذ ِ َتَ َوَتض ُ ضع ْ أَرْ َ
سكَارَى وََلكِنّ عَذَا بَ اللّ ِه شَدِيدٌ ﴾ » .وعن ابن مسعود قال :قال رسول بِ ُ
ال « :إن ال يبعث يوم القيامة مناديًا :يا آدم إن ال يأمرك أن تبعث بعثًا
من ذريتك إل النار ،فيقول آدم :يا رب مَ نْ هم .فيقال له :من كل مائة
ت سعة وت سعون » .فقال ر جل من القوم :من هذا النا جي م نا ب عد هذا يا
ر سول ال ؟ قال « :هل تدرون ؟ ما أن تم ف الناس إل كالشا مة ف صدر
البعي » .رواه أحد .
الزء الثالث 176
وفَ الصَحيحي عَن أبَ سَعيد قال :قال النَب « :يقول ال تعال يوم
القيا مة :يا آدم .فيقول :لبيّك رب نا و سعديك ،فينادى ب صوت :إن ال
يأمرك أن ترج من ذريتك بعثًا إل النار ،قال :يا رب وما بعث النار ؟ قال
:من كل ألف -أراه قال -تسع مائة وتسعة وتسعي ،فحينئذٍ تضع الامل
سكَارَى وَلَكِنّ
حلها ،ويش يب الول يد َ ﴿ ،وتَرَى النّا سَ ُسكَارَى َومَا هُم بِ ُ
عَذَا بَ اللّ ِه شَدِيدٌ ﴾ فش قّ ذلك على الناس حت تغيّرت وجوههم ،قال النب
« :من يأجوج ومأجوج تسعمائة وتسعة وتسعي ،ومنكم واحد .أنتم
ف الناس كالشعرة ال سوداء ف ج نب الثور الب يض ،أو كالشعرة البيضاء ف
جنب الثور السود ،إن لرجو أن تكونوا ربع أهل النة » .فكبّرنا ث قال
« :ثلث أهل النة » .فكبنا ث قال « :شطر أهل النة » .فكبنا .
س مَن ُيجَا ِدلُ فِي اللّ ِه ِبغَ ْيرِ عِلْ مٍ َويَتّبِ عُ ُكلّ
قوله عز وجل َ ﴿ :ومِ َن النّا ِ
شَيْطَا ٍن ّمرِيدٍ ( )3كُتِ بَ عَلَيْ هِ أَنّ ُه مَن َت َولّا ُه َفأَنّ هُ يُضِلّ هُ َوَيهْدِي هِ ِإلَى َعذَا بِ
سعِيِ (. ﴾ )4
ال ّ
قال ماهد َ ﴿ :توَلّا هُ ﴾ اتبعه .وعن قتادة ُ ﴿ :كتِ بَ عََليْ هِ أَنّ هُ مَن َتوَلّا هُ
﴾ ،قال :كتب على الشيطان أنه من اتبع الشيطان من خلق ال .
ب مّ نَ الَْبعْ ثِ َفِإنّ ا
قوله عز و جل ﴿ :يَا أَيّهَا النّا سُ إِن كُنتُ ْم فِي َريْ ٍ
ضغَ ٍة مّخَ ّل َقةٍ وَغَ ْيرِ
ب ثُمّ مِن نّ ْطفَ ٍة ثُمّ مِ نْ عَ َل َق ٍة ثُمّ مِن مّ ْ
خَ َلقْنَاكُم مّ ن ُترَا ٍ
خ ِر ُجكُ مْ
مُخَ ّل َق ٍة لّنُبَيّ نَ لَكُ مْ َوُن ِقرّ فِي اْلأَ ْرحَا ِم مَا َنشَاء ِإلَى َأ َجلٍ مّ سَمّى ُثمّ نُ ْ
177 توفيق الرحن ف دروس القرآن
ل ُثمّ لِتَبْ ُلغُوا أَ ُشدّكُ ْم َومِنكُم مّن يَُت َوفّى َومِنكُم مّن ُي َردّ ِإلَى أَ ْر َذلِ اْلعُ ُمرِ
ِطفْ ً
ض هَامِ َد ًة َفإِذَا أَن َزلْنَا عَلَيْهَا الْمَاء
ِلكَيْلَا َيعْلَ مَ مِن َبعْدِ عِلْ ٍم شَيْئا وََترَى اْلأَرْ َ
ت مِن ُكلّ َزوْ جٍ بَهِي جٍ (َ )5ذلِ كَ ِبأَنّ اللّ َه ُهوَ الْحَقّ
ت وَأَنبَتَ ْ
ت وَ َربَ ْ
اهَْتزّ ْ
َوَأنّ ُه يُحْيِي الْ َم ْوتَى َوَأنّ هُ عَلَى ُك ّل شَيْ ٍء َقدِيرٌ (َ )6وأَنّ ال سّا َعةَ آتَِيةٌ لّا َريْ بَ
ث مَن فِي الْقُبُورِ (. ﴾ )7
فِيهَا وَأَ ّن ال ّلهَ يَ ْبعَ ُ
خّل َقةٍ ﴾ ،قال :تامّة وغي تامّة خّل َقةٍ َو َغيْ ِر مُ َ
عن قتادة ف قول ال ﴿ :مّ َ
.قال ابن جرير :الخلقة الصورة خلقًا تامًا ،وغي الخلّقة أسقط قبل تام
سمّىخلقه .وقال ابن زيد ف قوله َ ﴿ :وُنقِرّ فِي الْأَ ْرحَا ِم مَا نَشَاء إِلَى أَجَ ٍل مّ َ
﴾ ،قال :الجل السمى :إقامته ف الرحم حت يرج .
وعَن ابَن جر يج فَ قوله َ ﴿ :وتَرَى الْأَرْضََ هَامِ َدةً ﴾ ،قال :ل نبات
َتَ ﴾ ،قال قتادة :حسَنت ّتَ وَ َرب ْ فيهَا ﴿ ،فَِإذَا أَنزَلْنَا عََليْهَا الْمَاء اهْتَز ْ
ج َبهِي جٍ ﴾ ،قال :حسن . ت مِن كُلّ َز ْو ٍ وعرف الغيث ف ربوها َ ﴿ ،وأَنَبتَ ْ
ْجَ ﴾ مَن كَل نوع .قال ابـن كثيـ :
وقال ابَن جريَر ﴿ :فَ كُلّ َزو ٍ
ج َبهِي جٍ ﴾ ،أي :ح سن الن ظر ،ط يب الر يح .
﴿ َوأَنَبتَ تْ مِن كُلّ َزوْ ٍ
حقّ ﴾ ، قال البغوي :فهذا دليل آخر على البعث ﴿ .ذَلِ َ
ك ِبأَنّ اللّ َه ُهوَ الْ َ
أي :لتعلموا أن ال هو ال ق َ ﴿ ،وَأنّ هُ يُحْيِي الْ َموْتَى َوأَنّ ُه عَلَى كُ ّل َشيْءٍ
ث مَن فِي الْ ُقبُورِ ﴾ . َقدِيرٌ * َوَأنّ السّا َعةَ آِتَيةٌ لّا َرْيبَ فِيهَا َوَأنّ اللّ َه َيْبعَ ُ
الزء الثالث 178
***
179 توفيق الرحن ف دروس القرآن
س مَن َيعُْبدُ اللّ هَ عَلَى َحرْ فٍ َفإِ ْن أَ صَاَبهُ خَ ْيرٌ اطْ َمأَنّ بِ هِ َوإِ نْ
﴿ َومِ َن النّا ِ
سرَانُ
سرَ الدّنْيَا وَالْآ ِخرَ َة َذلِ كَ هُ َو الْخُ ْ
أَ صَابَتْ ُه فِتَْنةٌ انقَلَ بَ عَلَى َو ْجهِ هِ خَ ِ
ضرّ ُه وَمَا لَا يَن َفعُ ُه َذلِكَ ُهوَ الضّلَالُ
الْمُبِيُ (َ )11يدْعُو مِن دُونِ اللّهِ مَا لَا يَ ُ
س الْ َعشِيُ (
ض ّرهُ َأ ْق َربُ مِن ّنفْ ِعهِ لَبِئْسَ الْ َم ْولَى َولَبِئْ َ
الَْبعِيدُ (َ )12يدْعُو لَمَن َ
جرِي مِن
ت تَ ْ
ت جَنّا ٍ
)13إِنّ اللّ هَ ُي ْدخِ ُل الّذِي نَ آمَنُوا وَعَمِلُوا ال صّالِحَا ِ
ص َرهُ اللّ هُ
تَحِْتهَا الَْأْنهَا ُر إِنّ اللّ هَ َي ْف َعلُ مَا يُرِيدُ ( )14مَن كَا َن يَ ُظنّ أَن لّن يَن ُ
فِي ال ّدنْيَا وَالْآخِ َر ِة فَلْيَ ْم ُد ْد بِ سَبَبٍ إِلَى ال سّمَاء ُثمّ لِيَقْ َط ْع فَلْيَن ُظ ْر هَ ْل ُيذْهَِبنّ
ت بَيّنَاتٍ َوأَنّ اللّ َه َي ْهدِي مَن ُيرِيدُ
ك أَن َزلْنَاهُ آيَا ٍ
كَ ْيدُ ُه مَا يَغِيظُ ( )15وَ َكذَلِ َ
( )16إِنّ اّلذِينَـ آمَنُوا وَالّذِينَـ هَادُوا وَال صّابِئِيَ وَالنّصـَارَى وَالْ َمجُوسَـ
وَالّذِي َن أَ ْشرَكُوا إِنّ اللّ هَ َيفْ صِ ُل بَيَْنهُ ْم َيوْ َم اْلقِيَا َمةِ إِنّ اللّ هَ عَلَى ُكلّ َشيْءٍ
ت َومَن فِي اْلأَرْ ضِ
جدُ لَ هُ مَن فِي ال سّمَاوَا ِ
َشهِيدٌ (َ )17ألَ ْم َترَ أَنّ اللّ هَ يَ سْ ُ
ي مّ نَ النّا سِ
جرُ وَالدّوَابّ وَكَثِ ٌ
وَالشّمْ سُ وَاْلقَ َمرُ وَالنّجُو ُم وَالْجِبَالُ وَالشّ َ
ي َحقّ عَلَيْ ِه الْ َعذَا بُ َومَن ُيهِ ِن اللّ هُ فَمَا لَ ُه مِن مّ ْكرِ مٍ إِنّ اللّ َه يَ ْف َعلُ مَا
وَكَثِ ٌ
َيشَاءُ (َ )18هذَا ِن خَ صْمَا ِن اخْتَ صَمُوا فِي َرّبهِ مْ فَاّلذِي نَ َك َفرُوا قُ ّطعَ تْ َلهُ مْ
صهَ ُر بِ هِ مَا فِي
ب مِن َفوْ قِ ُرؤُو ِسهِ ُم الْحَمِي مُ ( )19يُ ْ
ثِيَا بٌ مّ ن نّارٍ يُ صَ ّ
بُطُوِنهِ مْ وَالْجُلُودُ ( )20وَلَهُم ّمقَامِ ُع مِ ْن حَدِيدٍ ( )21كُلّمَا أَرَادُوا أَن
حرِي قِ ( )22إِنّ اللّ هَ
ب الْ َ
خ ُرجُوا مِنْهَا مِ نْ غَمّ أُعِيدُوا فِيهَا َوذُوقُوا َعذَا َ
يَ ْ
الزء الثالث 180
***
181 توفيق الرحن ف دروس القرآن
:العشي هو :العاشر الصاحب .وقال ماهد :هو الوثن .قال ابن كثي :
يعن :بئس هذا الذي دعاه من دون ال مول يعن :وليًا وناصرًا ﴿ ،وََلِبئْسَ
اْلعَشِيُ ﴾ وهو الخالط والعاشر .
ِينـ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصـّالِحَاتِ
ّهـ يُ ْد ِخلُ اّلذ َ
قوله عـز وجـل ﴿ :إِنّ الل َ
حِتهَا اْلَأنْهَا ُر إِنّ اللّ َه َيفْ َع ُل مَا ُيرِيدُ ( )14مَن كَا َن يَ ُظنّ
جرِي مِن تَ ْ
جَنّا تٍ تَ ْ
ب ِإلَى ال سّمَاء ُثمّ لَِيقْطَ عْ
ص َرهُ اللّ هُ فِي ال ّدنْيَا وَالْآ ِخرَ ِة فَلْيَ ْم ُد ْد بِ سَبَ ٍ
أَن لّن يَن ُ
فَلْيَن ُظ ْر َه ْل يُ ْذهَِبنّ كَ ْيدُ هُ مَا َيغِي ظُ ( )15وَ َكذَلِ كَ أَن َزلْنَا هُ آيَا تٍ بَيّنَا تٍ َوأَنّ
ال ّلهَ َي ْهدِي مَن ُيرِيدُ (. ﴾ )16
سبَبٍ ﴾ ،
قال قتادة :من كان ي ظن أن لن ين صر ال نبيه ﴿ فَ ْليَمْ ُد ْد بِ َ
يقول :ب بل إل ال سماء الب يت ﴿ ،ثُمّ ِلَيقْطَ عْ ﴾ ،يقول :ث ليخت نق ،
﴿ فَ ْليَنظُ ْر هَ ْل يُ ْذ ِهبَنّ َكيْ ُدهُ مَا َيغِيظُ ﴾ ؟
وقال البغوي ﴿ :وَكَذَلِ كَ ﴾ ،أي :م ثل ذلك .يع ن :ما تقدم من
ت َوَأنّ اللّ َه َيهْدِي
آيات القرآن ﴿ ،أَنزَْلنَاهُ ﴾ ،يعن :القرآن ﴿ ،آيَاتٍ َبّينَا ٍ
مَن يُرِيدُ ﴾ .
ي وَالنّ صَارَى
قوله عز وجل ﴿ :إِنّ اّلذِي نَ آمَنُوا وَاّلذِي َن هَادُوا وَال صّابِئِ َ
صلُ بَيَْنهُ ْم يَوْ َم اْلقِيَا َمةِ إِنّ اللّ هَ عَلَى
وَالْمَجُو سَ وَاّلذِي نَ أَ ْشرَكُوا إِنّ اللّ َه َيفْ ِ
ُك ّل َشيْ ٍء شَهِيدٌ (. ﴾ )17
183 توفيق الرحن ف دروس القرآن
وهم مع كفرهم يسجد ظالهم ل عز وجل َ ﴿ :ومَن ُيهِ نِ اللّ هُ فَمَا لَ ُه مِن
ّمكْ ِرمٍ ﴾ ،أي :من يذلّه ال فل يكرمه أحد ﴿ ِإنّ اللّ َه َي ْفعَ ُل مَا يَشَاءُ ﴾ .
قوله عز و جل ﴿ :هَذَا ِن خَ صْمَانِ اخْتَ صَمُوا فِي َرّبهِ مْ فَالّذِي نَ َك َفرُوا
صهَ ُر بِهِ
ب مِن َفوْقِ ُرؤُو ِس ِهمُ الْحَمِيمُ ( )19يُ ْ
ت َلهُمْ ثِيَابٌ مّن نّارٍ يُصَ ّ
قُ ّطعَ ْ
مَا فِي بُطُونِهِ ْم وَالْجُلُودُ ( )20وََلهُم ّمقَامِ ُع مِ ْن حَدِيدٍ ( )21كُلّمَا أَرَادُوا
حرِيقِ ( )22إِنّ اللّهَ
خ ُرجُوا مِ ْنهَا مِنْ َغمّ أُعِيدُوا فِيهَا َوذُوقُوا َعذَابَ الْ َ
أَن يَ ْ
جرِي مِن تَحْتِهَا الَْأْنهَارُ
ّاتـ تَ ْ
ت جَن ٍ
ِينـ آ َمنُوا وَعَمِلُوا الصـّالِحَا ِ
ُي ْدخِ ُل الّذ َ
ب َولُ ْؤلُؤا وَلِبَا ُس ُهمْ فِيهَا َحرِيرٌ ( )23وَ ُهدُوا
يُحَ ّلوْ َن فِيهَا مِ نْ أَ سَاوِ َر مِن َذهَ ٍ
حمِيدِ (. ﴾ )24
صرَاطِ الْ َ
ب ِمنَ اْل َقوْ ِل وَ ُهدُوا ِإلَى ِ
ِإلَى الطّيّ ِ
قال عطاء:نزلت هؤلء اليات ﴿:هَذَا نِ خَ صْمَانِ ا ْختَ صَمُوا فِي َرّبهِ مْ ﴾
ف الذ ين تبارزوا يوم بدر :حزة ،وعلي ،و عبيدة بن الارث ،وعت بة بن
صرَاطِ
ربيعة ،وشيبة بن ربيعة ،والوليد بن عتبة .إل قوله َ ﴿ :وهُدُوا إِلَى ِ
حمِيدِ ﴾ .
الْ َ
وقال ما هد :هم الكافرون والؤمنون ،اخت صموا ف رب م ﴿ ،فَالّذِي نَ
ب مّن نّارٍ ﴾ ،قال :الكافر قُطّعت له ثياب من نار ،
َكفَرُوا قُ ّطعَ تْ َل ُه ْم ثِيَا ٌ
والؤ من يدخله ال جنات تري من تت ها النار .وروى ا بن جر ير وغيه
عن أ ب هريرة عن ال نب قال « :إن الح يم ي صبّ على رؤو سهم فين فذ
المجمة حت يلص إل جوفه ،فيسلت ما ف جوفه حت يبلغ قدميه ،وهو
185 توفيق الرحن ف دروس القرآن
***
الزء الثالث 186
حرَا ِم الّذِي
ج ِد الْ َ
صدّونَ عَن سَبِيلِ اللّ ِه وَالْمَ سْ ِ
﴿ إِنّ الّذِي نَ َك َفرُوا َويَ ُ
ف فِي هِ وَالْبَا ِد َومَن ُي ِردْ فِي ِه ِبإِلْحَا ٍد بِظُلْ مٍ ُن ِذقْ هُ مِ نْ
َجعَلْنَا هُ لِلنّا سِ سَوَاء الْعَاكِ ُ
شرِ ْك بِي شَيْئا
ت أَن لّا ُت ْ
ب َألِي مٍ ( )25وَِإ ْذ َبوّأْنَا لِِإْبرَاهِي َم َمكَا نَ الْبَيْ ِ
َعذَا ٍ
وَ َط ّه ْر بَيْتِ يَ لِلطّاِئفِيَ وَاْلقَائِمِيَ وَالرّكّ ِع ال سّجُودِ (َ )26وَأذّن فِي النّا سِ
ِيقـ ()27
ُوكـ ِرجَا ًل وَعَلَى ُكلّ ضَامِ ٍر َي ْأتِي َ م ِن ُك ّل فَج ّ عَم ٍ
بِالْحَج ّ َي ْأت َ
ش َهدُوا مَنَافِ َع َلهُ مْ َوَيذْ ُكرُوا ا ْسمَ اللّ ِه فِي َأيّا ٍم ّمعْلُومَا تٍ عَلَى مَا َر َزقَهُم
لَِي ْ
ِسـ الْ َفقِيَ ( )28ثُم ّ لَْيقْضُوا
َامـ َفكُلُوا مِنْه َا وَأَ ْطعِمُوا الْبَائ َ
مّنـ َبهِي َمةِ اْلأَْنع ِ
ت الْعَتِي قِ (َ )29ذلِ كَ وَمَن ُيعَظّ مْ
َتفََثهُ ْم وَلْيُوفُوا نُذُو َرهُ مْ وَلْيَ ّط ّوفُوا بِالْبَيْ ِ
ت َلكُ مُ اْلَأنْعَا ُم ِإلّا مَا يُتْلَى عَلَ ْيكُ مْ
ت اللّ هِ َفهُ َو خَ ْيرٌ لّ هُ عِندَ َربّ هِ َوُأحِلّ ْ
ُح ُرمَا ِ
ّهـ َغ ْيرَ
َانـ وَاجْتَنِبُوا َقوْ َل الزّورِ ( )30حُنَفَاء لِل ِ
ِنـ اْلأَ ْوث ِ
ْسـ م َ
فَاجْتَنِبُوا ال ّرج َ
شرِكِيَ بِ ِه وَمَن ُيشْرِ ْك بِاللّ هِ َف َكأَنّمَا َخرّ مِ نَ ال سّمَاء فََتخْ َطفُ هُ الطّ ْيرُ أَوْ
ُم ْ
ح فِي مَكَا نٍ سَحِيقٍ (َ )31ذلِ كَ َومَن ُيعَظّ مْ شَعَائِ َر اللّ هِ فَِإّنهَا
َت ْهوِي بِ هِ الرّي ُ
حلّهَا ِإلَى
مِن َتقْوَى اْلقُلُو بِ ( )32لَكُ ْم فِيهَا مَنَافِ ُع إِلَى أَ َجلٍ مّ سَمّى ثُمّ مَ ِ
الْبَيْ تِ اْلعَتِي قِ (َ )33ولِ ُك ّل ُأمّ ٍة َجعَلْنَا مَن سَكا لَِيذْ ُكرُوا ا سْ َم اللّ هِ عَلَى مَا
َر َزقَهُم مّ ن َبهِي َم ِة الَْأْنعَا ِم َفإَِل ُهكُ مْ ِإلَ ٌه وَا ِحدٌ فَلَ ُه أَ سْلِمُوا َوَبشّ ِر الْمُخْبِتِيَ (
ُمـ وَالصـّاِبرِينَ عَلَى مَا أَصـَاَب ُهمْ
َتـ قُلُوُبه ْ
ّهـ وَجِل ْ
ِينـ ِإذَا ذُ ِك َر الل ُ
)34اّلذ َ
وَالْ ُمقِيمِي ال صّلَاةِ َومِمّ ا رَ َزقْنَاهُ ْم يُنفِقُو نَ ( )35وَالُْبدْ َن جَعَلْنَاهَا لَكُم مّ ن
187 توفيق الرحن ف دروس القرآن
***
الزء الثالث 188
جدِ
صدّونَ عَن سَبِي ِل اللّهِ وَالْمَسْ ِ
قوله عز وجل ﴿ :إِنّ الّذِينَ َك َفرُوا َويَ ُ
حرَا ِم الّذِي َجعَلْنَا ُه لِلنّا سِ َسوَاء اْلعَاكِ فُ فِي هِ وَالْبَا ِد وَمَن ُيرِ ْد فِي هِ بِِإلْحَادٍ
الْ َ
بِظُ ْل ٍم ُنذِ ْق ُه ِمنْ َعذَابٍ َألِيمٍ (. ﴾ )25
عن ابن عباس قوله َ ﴿ :سوَاء اْلعَاكِ فُ فِي ِه وَاْلبَادِ ﴾ ،يقول :ينل أهل
مكة وغيهم ف السجد الرام .وعن ماهد وعطاء َ ﴿ :سوَاء اْلعَاكِ فُ فِي هِ
وَاْلبَادِ ﴾ ها ف حرمته سواء .وعن ماهد َ ﴿ :ومَن يُ ِردْ فِي ِه بِإِلْحَا ٍد بِظُلْمٍ ﴾
،قال :يعمل فيه عملً سيئًا ﴿ ،نُذِقْ ُه مِ ْن عَذَا بٍ أَلِي مٍ ﴾ ،قال الضحاك :
إن الرجل ليه ّم بالطيئة بكة وهو ف بلد آخر ،ول يعملها فتكتب عليه .
ت أَن لّا ُتشِْكْ بِي شَيْئا
قوله عز وجل َ ﴿ :وإِ ْذ َبوّْأنَا ِلِإبْرَاهِي َم َمكَا َن الْبَيْ ِ
ي وَاْلقَائِمِيَ وَالرّكّ ِع السّجُودِ (. ﴾ )26
وَ َط ّه ْر بَيِْتيَ لِلطّاِئفِ َ
قال البغوي :قوله تعال َ ﴿ :وإِ ْذ َب ّوأْنَا لِِإْبرَاهِي َم َمكَا َن الَْبيْ تِ ﴾ ،أي :
وطأنا .قال ابن عباس :جعلنا ،وقيل :بيّنّا .
و عن ما هد ف قوله َ ﴿ :و َطهّ ْر َبْيتِ يَ ﴾ ،قال :من الشرك .و عن عطاء
ف قوله َ ﴿ :و َطهّ ْر َبيْتِ يَ لِلطّاِئفِيَ وَاْلقَائِ ِميَ ﴾ ،قال :القائمون ف الصلة .
وقال ا بن ز يد :القائم :الرا كع .وال ساجد هو :ال صلي ،والطائف هو :
الذي يطوف به .قال ا بن كث ي :هذا ف يه تقر يع وتوب يخ ل ن ع بد غ ي ال
وأشرك بَه ،فَ البقعَة التَ أسَّست مَن أول يوم على توحيَد ال وعبادتَه
وحده ل شريك له .
189 توفيق الرحن ف دروس القرآن
س اْلفَقِيَ ﴾ ،قال ابن عباس : شاء أكل وإن شاء ل يأكل َ ﴿ ،وَأ ْطعِمُوا اْلبَائِ َ
يعن :الزمن الفقي .
﴿ ثُمّ ْلَيقْضُوا َت َفَثهُ مْ ﴾ ،قال ابن عمر :التفث :الناسك كلّها .وقال
ا بن عباس :الت فث :حلق الرأس وأ خذ من الشارب ي ،ون تف ال بط وحلق
العا نة ،و قص الظفار ،وال خذ من العارض ي ،ور مي المار ،والو قف
بعرفة ،والزدل فة ﴿ ،وَْليُوفُوا نُذُو َرهُ مْ ﴾ ،قال :نو ما نذروا من البدن .
الجَ والدي ،ومَا نذر النسَان مَن شيَء يكون فَ وقال ماهَد :نذر ّ
ت اْلعَتِي قِ ﴾ ،قال قتادة :ع تق من البابرة .وقال ال ج ﴿ ،وَْليَ ّطوّفُوا بِاْلبَيْ ِ
ت الْ َعتِي قِ
ا بن ز يد :العت يق القد ي .و عن عطاء ف قوله ﴿ :وَْليَ ّطوّفُوا بِاْلبَيْ ِ
﴾ ،قال :طواف يوم النحر .
ك وَمَن ُيعَظّ ْم ُحرُمَا تِ اللّ هِ َف ُهوَ خَ ْي ٌر لّ هُ عِندَ َربّ هِ
قوله عز وجل َ ﴿ :ذلِ َ
َانـ
ِنـ اْلأَ ْوث ِ
ْسـ م َ
ُمـ فَاجْتَنِبُوا الرّج َ
َامـ ِإلّا مَا يُتْلَى عَلَ ْيك ْ
ُمـ اْلأَْنع ُ
ّتـ َلك ُ
َوأُحِل ْ
شرِ ْك بِاللّ هِ
شرِكِيَ بِ هِ وَمَن ُي ْ
وَاجْتَنِبُوا قَ ْولَ الزّورِ ( )30حَُنفَاء لِلّ هِ غَ ْي َر ُم ْ
ح فِي َمكَانٍ سَحِيقٍ (
َف َكأَنّمَا َخرّ مِ َن السّمَاء فََتخْ َطفُهُ الطّ ْي ُر أَ ْو َتهْوِي بِهِ الرّي ُ
. ﴾ )31
قال ماهد ف قوله ﴿ :ذَلِ َ
ك َومَن ُيعَظّ مْ حُ ُرمَا تِ اللّ هِ ﴾ ،قال :الرمة
مكة ،والج ،والعمرة ،وما نى ال عنه من معاصيه كلها .
191 توفيق الرحن ف دروس القرآن
وقوله تعال َ ﴿ :وأُحِلّ تْ َلكُ ُم الَْأْنعَا مُ إِلّا مَا ُيتْلَى عََلْيكُ مْ ﴾ ،قال قتادة :
َانَ
ِنَ اْلَأوْث ِ ْسَ م َإ ّل اليتَة ،ومَا ل يذكَر اسَم ال عليَه ﴿ ،فَا ْجَتِنبُوا الرّج َ
وَا ْجَتنِبُوا َق ْولَ الزّورِ ﴾ ،قال ابَن عباس :يقول تعال ذكره :واجتنبوا طاعَة
الشيطان فَ عبادة الوثان .وعَن ماهَد قوله َ ﴿ :ق ْولَ الزّورِ ﴾ ،قال :
َ غَيْرَ الكذب .وعَن ابَن عباس قوله ﴿ :وَا ْجتَِنبُوا َقوْلَ الزّورِ * ُحَنفَاء لِلّه ِ
مُشْرِ ِكيَ بِهِ ﴾ ،يعن :الفتراء على ال والتكذيب .وعن ابن مسعود قال :
س مِ َن اْلَأوْثَا نِ وَا ْجَتِنبُوا
تعدل شهادة الزور بالشرك ،وقرأ ﴿ :فَا ْجَتِنبُوا الرّجْ َ
َقوْلَ الزّورِ ﴾ .و عن قتادة َ ﴿ :ف َكَأنّمَا َخ ّر مِ َن ال سّمَاء ﴾ ،قال :هذا م ثل
خ َطفُ هُ ال ّطيْرُ َأوْ
ضر به ال ل ن أشرك بال ف بعده من الدى وهل كه َ ﴿ ،فتَ ْ
َت ْهوِي بِهِ الرّيحُ فِي َمكَانٍ سَحِيقٍ ﴾ ،قال ماهد :بعيد .
ك َومَن ُيعَظّمْ َشعَاِئرَ اللّ ِه َفإِّنهَا مِن َتقْوَى اْلقُلُوبِ
قوله عز وجل َ ﴿ :ذلِ َ
ت اْلعَتِيقِ ()33
(َ )32ل ُكمْ فِيهَا مَنَافِ ُع ِإلَى َأجَ ٍل ّمسَمّى ُث ّم مَحِ ّلهَا إِلَى الْبَيْ ِ
﴾.
قال م مد بن أ ب مو سى :الوقوف بعر فة من شعائر ال ،وال مع من
شعائر ال ،ورمَي المار مَن شعائر ال ،والبدن مَن شعائر ال ،ومَن
يعظّمها فإنا من شعائر ال .
ف قوله َ ﴿ :ومَن ُيعَظّ ْم َشعَائِرَ اللّ هِ ﴾ فمن يعظمها ﴿ ،فَِإّنهَا مِن َت ْقوَى
اْلقُلُو بِ ﴾ .و عن ا بن عباس ف قوله ﴿ :وَمَن ُيعَظّ ْم َشعَائِرَ اللّ هِ فَِإنّهَا مِن
الزء الثالث 192
يسَألك .وقال زيَد بَن أسَلم :القانَع :السَكي الذي يطوف .والعترّ :
الصديق .والضعيف :الذي يزور .وقال ابنه :القانع :السكي الذي يعتر
للقوم للحمهَم وليَس بسَكي ،ول تكون له ذبيحَة ،ييَء إل القوم مَن
أجَل لمهَم .والبائس الفقيَ :هَو :القانَع .وفَ الديَث الصَحيح أن
رسول ال قال « :إن كنت نيتكم عن ادخار لوم الضاحي فوق ثلث
،فكلوا وادخروا ما بدا لكم » .وف رواية « :فكلوا وأطعموا وتصدقوا »
.
وعن إبراهيم ف قول ال ﴿ :لَن َينَالَ اللّهَ لُحُو ُمهَا وَلَا ِدمَا ُؤهَا وَلَكِن َينَالُهُ
الّتقْوَى مِنكُ مْ ﴾ ،قال :ما أريد به وجه ال .قال البغوي :وذلك أن أهل
الاهليَة كانوا إذا تروا البدن لطخوا الكعبَة بدمائهَا قربَة إل ال فأنزل ال
هذه ال ية ﴿ :لَن يَنَالَ اللّ هَ ُلحُومُهَا وَلَا ِدمَاؤُهَا وَلَكِن َينَالُ هُ الّتقْوَى مِنكُ مْ
كَذَلِ كَ َسخّ َرهَا َلكُ مْ ِلتُ َكبّرُوا اللّ َه عَلَى مَا هَدَاكُ مْ ﴾ ،أرشدكم لعال دينه ،
سنِيَ ﴾ . ومناسك حجه َ ﴿ ،وبَشّ ِر الْمُحْ ِ
***
195 توفيق الرحن ف دروس القرآن
﴿ إِنّ اللّ َه ُيدَافِ عُ عَ ِن اّلذِي نَ آمَنُوا إِنّ اللّ هَ لَا يُحِبّ ُك ّل َخوّا نٍ َكفُورٍ (
صرِ ِهمْ لَ َقدِيرٌ ( )39
ُ )38أذِ َن لِ ّلذِي َن ُيقَاتَلُو نَ ِبَأّنهُ مْ ظُ ِلمُوا َوإِنّ اللّ هَ عَلَى نَ ْ
اّلذِي نَ ُأ ْخرِجُوا مِن ِديَارِهِ ْم ِبغَ ْيرِ َحقّ ِإلّا أَن َيقُولُوا َربّنَا اللّ ُه َولَ ْولَا َدفْ عُ اللّ هِ
ت َومَ سَا ِجدُ ُيذْ َك ُر فِيهَا
صوَامِ ُع َوبِيَ ٌع وَ صَ َلوَا ٌ
س َبعْضَهُم بَِبعْ ضٍ ّل ُه ّدمَ تْ َ
النّا َ
ص ُرهُ إِنّ اللّ هَ َل َقوِيّ َعزِيزٌ ( )40الّذِي نَ
صرَ ّن اللّ هُ مَن يَن ُ
ا ْسمُ اللّ هِ َكثِيا وَلَيَن ُ
ف َوَنهَوْا
ض َأقَامُوا الصّلَاةَ وَآَتوُا الزّكَاةَ َوَأ َمرُوا بِالْ َم ْعرُو ِ
إِن ّمكّنّاهُمْ فِي الْأَرْ ِ
ت قَبْ َلهُ مْ قَوْ مُ
عَ ِن الْمُنكَ ِر َولِلّ هِ عَاقَِبةُ اْلأُمُورِ ( )41وَإِن ُي َكذّبُو َك َف َقدْ َك ّذبَ ْ
ب َمدْيَ نَ
صحَا ُ
ح وَعَا ٌد وَثَمُودُ (َ )42و َقوْ ُم ِإْبرَاهِي َم َوقَوْ ُم لُو طٍ ( َ )43وأَ ْ
نُو ٍ
وَ ُكذّبَـ مُوسـَى فََأمْلَيْتُـلِ ْلكَا ِفرِينَـثُمّ َأ َخذُْتهُم ْـ َفكَيْفَـ كَانَـَنكِيِ ()44
َف َكأَيّن مّن َق ْريَ ٍة َأهْلَكْنَاهَا َوهِ يَ ظَالِ َمةٌ َفهِيَ خَا ِوَيةٌ عَلَى ُعرُو ِشهَا َوبِ ْئ ٍر مّعَطّ َلةٍ
ض فََتكُو َن َلهُ ْم قُلُو بٌ َي ْعقِلُو َن ِبهَا
َوقَ صْ ٍر ّمشِيدٍ (َ )45أفَلَ ْم يَ سِيُوا فِي اْلأَرْ ِ
َأوْ آذَا ٌن يَ سْ َمعُو َن ِبهَا َفإِّنهَا لَا َتعْمَى الَْأبْ صَا ُر َولَكِن َتعْمَى الْقُلُو بُ الّتِي فِي
ف اللّ هُ وَ ْعدَ ُه َوإِنّ يَوْما
ب َولَن يُخْلِ َ
صدُورِ (َ )46ويَ سَْتعْجِلُوَنكَ بِاْلعَذَا ِ
ال ّ
ت َلهَا وَهِ يَ
عِندَ َربّ كَ َكَألْ فِ سََن ٍة مّمّا َت ُعدّو نَ ( )47وَ َكَأيّن مّن َقرَْيةٍ أَمْلَيْ ُ
س إِنّمَا َأنَا َلكُ ْم َنذِيرٌ
ظَالِ َم ٌة ُثمّ َأ َخذُْتهَا َوِإلَيّ الْمَ صِيُ (ُ )48قلْ يَا َأيّهَا النّا ُ
ت َلهُم ّم ْغفِ َر ٌة وَرِزْقٌ َكرِيٌ ( )50
مّبِيٌ ( )49فَالّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصّالِحَا ِ
ب الْجَحِي مِ ( )51وَمَا
صحَا ُ
ك أَ ْ
وَالّذِي نَ َس َعوْا فِي آيَاتِنَا ُمعَا ِجزِي َن أُ ْولَئِ َ
الزء الثالث 196
أَرْ سَلْنَا مِن قَبْلِ كَ مِن رّ سُو ٍل َولَا نَِبيّ ِإلّا ِإذَا تَمَنّى َأْلقَى الشّيْطَا ُن فِي ُأمْنِيّتِ هِ
حكِمُ اللّهُ آيَاتِهِ وَاللّهُ عَلِيمٌ َحكِيمٌ ()52
خ اللّ ُه مَا يُ ْلقِي الشّيْطَانُ ُثمّ يُ ْ
فَيَنسَ ُ
ج َع َل مَا يُ ْلقِي الشّيْطَا ُن فِتَْن ًة لّ ّلذِينَ فِي قُلُوبِهِم ّمرَضٌ وَالْقَاسَِيةِ قُلُوُبهُمْ وَإِنّ
لِيَ ْ
ق َبعِيدٍ (َ )53ولَِيعْلَ َم اّلذِي نَ أُوتُوا الْعِلْ َم أَنّ ُه الْحَقّ مِن
الظّالِمِيَ لَفِي ِشقَا ٍ
صرَاطٍ
ت لَ ُه قُلُوُبهُ ْم وَإِنّ اللّ هَ َلهَادِ اّلذِي نَ آمَنُوا ِإلَى ِ
ّربّ كَ فَُي ْؤمِنُوا بِ هِ فَتُخْبِ َ
مّسْتَقِيمٍ ( )54وَلَا َيزَالُ اّلذِينَ َكفَرُوا فِي ِم ْريَ ٍة مّنْ ُه حَتّى تَ ْأتَِيهُ ُم السّا َعةُ َبغَْتةً
حكُ ُم بَيَْنهُ مْ فَاّلذِي نَ
ك َيوْمَِئ ٍذ لّلّ ِه يَ ْ
َأوْ يَ ْأتَِيهُ مْ َعذَا بُ َيوْ مٍ َعقِي مٍ ( )55الْمُلْ ُ
آمَنُوا وَعَمِلُوا ال صّالِحَاتِ فِي جَنّا تِ الّنعِي مِ ( )56وَالّذِي نَ َك َفرُوا وَ َكذّبُوا
ك َلهُ مْ َعذَا بٌ ّمهِيٌ ( )57وَاّلذِي نَ هَاجَرُوا فِي سَبِي ِل اللّ ِه ثُمّ
بِآيَاتِنَا َفأُ ْولَئِ َ
قُتِلُوا َأ ْو مَاتُوا لََيرْ ُزقَّنهُ مُ اللّ هُ ِرزْقا حَ سَنا َوإِنّ اللّ هَ َل ُهوَ خَيْ ُر الرّا ِزقِيَ ()58
ض ْونَ ُه َوإِنّ اللّ هَ لَعَلِي ٌم حَلِي مٌ (َ )59ذلِ كَ َومَ نْ عَاقَ بَ
ل َيرْ َ
لَُي ْدخِلَنّهُم ّمدْخَ ً
صرَّنهُ اللّ ُه إِنّ اللّ َه َلعَ ُفوّ َغفُورٌ ( )60
بِمِ ْث ِل مَا عُوقِ بَ بِ ِه ثُمّ ُبغِ يَ عَلَيْ هِ لَيَن ُ
ج الّنهَا َر فِي اللّ ْيلِ َوأَنّ اللّ هَ سَمِيعٌ
ج اللّ ْي َل فِي الّنهَا ِر وَيُولِ ُ
ك ِبأَنّ اللّ هَ يُولِ ُ
َذلِ َ
حقّ َوأَنّ مَا َيدْعُو َن مِن دُونِ ِه ُهوَ الْبَا ِطلُ
ك ِبأَنّ اللّ هَ ُه َو الْ َ
بَ صِيٌ (َ )61ذلِ َ
َوأَ ّن اللّ َه ُهوَ اْلعَلِ ّي الْكَبِيُ (. ﴾ )62
***
197 توفيق الرحن ف دروس القرآن
حبّ ُكلّ
قوله عز وجل ﴿ :إِنّ اللّهَ ُيدَافِ عُ عَ ِن الّذِينَ آ َمنُوا إِنّ اللّ َه لَا يُ ِ
ص ِرهِمْ
َخوّا نٍ َكفُورٍ (ُ )38أذِ نَ لِ ّلذِي نَ ُيقَاتَلُو َن ِبأَّنهُ مْ ظُلِمُوا وَإِنّ اللّ هَ عَلَى نَ ْ
َل َقدِيرٌ ( )39اّلذِي نَ ُأ ْخرِجُوا مِن ِديَارِهِ ْم ِبغَ ْيرِ حَقّ ِإلّا أَن َيقُولُوا َربّنَا اللّ هُ
َوَلوْلَا َدفْعُـ اللّهِـ النّاسَـَبعْضَهُم بَِبعْضٍـّل ُهدّمَت ْـ صَـوَامِ ُع َوبِيَعٌـ وَصَـَلوَاتٌ
ص ُر ُه إِنّ اللّ َه َلقَوِيّ
صرَ ّن اللّ ُه مَن يَن ُ
َومَسَا ِجدُ ُيذْ َكرُ فِيهَا اسْ ُم اللّهِ كَثِيا َولَيَن ُ
الصـلَا َة وَآَتوُا الزّكَاةَ
ْضـ َأقَامُوا ّ
ُمـ ف ِي اْلأَر ِ
ِينـ إِن مّكّنّاه ْ
َعزِيزٌ ( )40الّذ َ
ف َونَ َهوْا َعنِ الْمُن َكرِ َولِ ّلهِ عَاقَِبةُ اْلأُمُورِ (. ﴾ )41
َوَأمَرُوا بِالْ َمعْرُو ِ
قال ابـن عباس :لاَ أخرج النَب مَن مكَة قال أبَو بكَر :أخرجوا
نبيهم ،إ نا ل وإ نا إل يه راجعون ،ليهل كن .قال ا بن عباس :فأنزل ال عز
وجل ﴿ :أُذِ نَ لِلّذِي َن ُيقَاتَلُو َن بَِأّنهُ ْم ظُِلمُوا َوِإنّ اللّ َه عَلَى نَ صْ ِرهِمْ َلقَدِيرٌ ﴾ ،
قال أبو بكر رضي ال عنه :فعرفت أنه سيكون قتال .رواه ابن جرير وغيه
؛ زاد أحد :قال ابن عباس :وهي أول آية نزلت ف القتال .
وروى ابن جريج أيضًا عن ابن عباس قوله ﴿ :أُذِ نَ ِللّذِي نَ يُقَاتَلُو َن ِبأَّنهُ مْ
ظُلِمُوا َوإِنّ اللّ َه عَلَى نَ صْ ِرهِمْ َلقَدِيرٌ ﴾ ،يع ن :ممدًا وأ صحابه إذ أخرجوا
من مكة إل الدينة ،يقول ال َ ﴿ :وِإنّ اللّ َه عَلَى نَ صْ ِرهِمْ َلقَدِيرٌ ﴾ وقد فعل
.
س َب ْعضَهُم ِببَعْ ضٍ ﴾ ،دفع وعن ابن جريج قوله ﴿ :وََلوْلَا دَفْ عُ اللّ ِه النّا َ
الشركي بالسلمي .وقال ابن زيد :لول القتال والهاد لدّمت صوامع قال
الزء الثالث 198
َعَ ﴾ ،قال :وكنائس .وقال الضحاك : ماهَد :صَوامع الرهبان َ ﴿ ،وِبي ٌ
البيع :بيع النصارى .وعن قتادة ﴿:وَصََلوَاتٌ ﴾ كنائس اليهود ﴿ َومَسَاجِدُ
يُذْ َكرُ فِيهَا ا سْمُ اللّ هِ َكثِيا ﴾ ،قال :الساجد :مساجد السلمي ﴿ ،يُذْكَرُ
فِيهَا اسْمُ اللّهِ َكثِيا ﴾ .
قال البغوي :ومعن الية :ولول دفع ال الناس بعضهم ببعض ،لدم ف
شري عة كل نب مكان صلتم ،لدم ف ز من مو سى الكنائس ،و ف ز من
عي سى البيع والصوامع ،و ف زمن م مد ال ساجد ﴿ .وََليَن صُ َرنّ اللّ ُه مَن
ي عَزِيزٌ ﴾ .يَنصُ ُرهُ ﴾ ،يعن :ينصر دينه ونبيه ﴿ ،إِنّ اللّهَ َل َقوِ ّ
وعن أب العالية ف قوله ﴿ :الّذِي نَ إِن ّمكّنّاهُ مْ فِي الْأَرْ ضِ أَقَامُوا ال صّلَاةَ
َ الْمُنكَرِ ﴾ ،قال :كان أمرهَم َ َوَن َهوْا عَن ِ
وَآَتوُا الزّكَا َة َوَأمَرُوا بِالْ َمعْرُوف ِ
بالعروف أنم دعوا إل الخلص ل وحده ل شريك له ،ونيهم عن النكر
أن م نوا عن عبادة الوثان وعبادة الشيطان .وقال ز يد بن أ سلم ﴿ :وَِللّ هِ
عَاِقَبةُ الُْأمُورِ ﴾ ،وعند ال ثواب ما صنعوا .وقال عمر بن عبد العزيز :أل
أنبئكَم باَ لكَم على الوال ،وباَ للوال عليكَم ؟ إن لكَم على الوال أن
يأخذ كم بقوق ال علي كم ،وأن يأ خذ لبعض كم من ب عض ،وأن يهدي كم
لل ت هي أقوم ما ا ستطاع ،وإن علي كم الطا عة غ ي البزوزة ،ول ال ستكثر
با ،ول الخالف سرّها علنيتها .
199 توفيق الرحن ف دروس القرآن
ح وَعَادٌ
ت قَبْ َلهُ ْم قَوْ ُم نُو ٍ
قوله عز و جل َ ﴿ :وإِن ُي َكذّبُو َك َف َقدْ َكذّبَ ْ
ب َمدْيَ َن وَ ُكذّ بَ
صحَا ُ
َوثَمُودُ (َ )42و َقوْ ُم إِْبرَاهِي َم َوقَوْ ُم لُو طٍ ( )43وَأَ ْ
ت لِ ْلكَا ِفرِي َن ثُمّ َأ َخذُْتهُ مْ َفكَيْ فَ كَا َن َنكِيِ (َ )44ف َكأَيّ ن مّ ن
مُو سَى فََأمْلَيْ ُ
َصـرٍ
ِيـ خَا ِوَيةٌ عَلَى ُعرُوشِهَا وَبِ ْئ ٍر ّمعَطّلَ ٍة َوق ْ
ِيـ ظَالِ َم ٌة َفه َ
َق ْرَيةٍ َأهْلَكْنَاهَا وَه َ
ب َيعْقِلُو َن بِهَا َأوْ
ض فََتكُو نَ لَهُ ْم قُلُو ٌ
ّمشِيدٍ (َ )45أفَلَ مْ يَ سِيُوا فِي الْأَرْ ِ
ب الّتِي فِي
آذَا ٌن يَ سْ َمعُو َن بِهَا َفإِنّهَا لَا َتعْمَى اْلأَبْ صَا ُر وَلَكِن َتعْمَى اْلقُلُو ُ
صدُورِ (. ﴾ )46
ال ّ
قال البغوي َ ﴿ :فكَيْ فَ كَا َن نَكِيِ ﴾ ،يع ن :إنكاري .أي :ك يف
أنكرت عليهم ما فعلوا من التكذيب بالعذاب واللك ،يوف به من يالف
النب ويكذبه .
قوله تعال َ ﴿ :فكََأيّ ن مّ ن قَ ْرَيةٍ َأهَْل ْكنَاهَا َوهِ َي ظَالِ َمةٌ َفهِ يَ خَا ِوَيةٌ عَلَى
عُرُوشِهَََا ﴾ ،قال الضحاك :خواؤهََا :خراباََ و ﴿ عُرُوشِهَََا
﴾ سَقوفها َ ﴿ ،وبِئْرٍ ّمعَطَّلةٍ ﴾ ،قال :ل أهَل لاَ .وقال قتادة :عطلهَا
أهلها ،تركوها .وعن عكرمة ف قوله ﴿ :وَقَصْ ٍر مّشِيدٍ ﴾ ،قال :مصّص
.وقال قتادة :كان أهله سدّوه وحصّنوه فهلكوا وتركوه .
وقوله تعال ﴿ :أَفََل ْم يَسِيُوا فِي اْلأَرْضِ َفتَكُونَ َلهُمْ ُقلُو ٌ
ب َيعْقِلُو َن ِبهَا َأوْ
آذَا نٌ يَ سْ َمعُو َن بِهَا ﴾ فيع تبون ﴿ ،فَِإنّهَا لَا َتعْمَى اْلأَبْ صَا ُر وَلَكِن َتعْمَى
الزء الثالث 200
(
(
قال ابن جريج قوله ﴿ :فَالّذِي نَ آ َمنُوا َوعَمِلُوا ال صّالِحَاتِ َلهُم ّم ْغفِ َرةٌ وَ ِرزْ قٌ
َك ِريٌ ﴾ قال :النة .وعن ابن عباس ﴿:وَالّذِي َن َس َعوْا فِي آيَاتِنَا ُمعَاجِزِينَ ﴾
قال :مشاقي .وقال ماهد :يثبّطون الناس عن متابعة النب .وقال قتادة
:كذبوا بآيات ال فظنوا أنمََ يعجزون ال ،ولن يعجزوه ُ ﴿ ،أوَْلئِكَََ
ب الْجَحِيم ﴾ .
صحَا ُ
أَ ْ
ك مِن رّ سُو ٍل َولَا نَبِيّ ِإلّا ِإذَا
قوله عز و جل ﴿ :وَمَا أَرْ سَلْنَا مِن قَبْلِ َ
حكِ مُ اللّ هُ
خ اللّ ُه مَا يُ ْلقِي الشّيْطَا ُن ثُمّ يُ ْ
سُتَمَنّى َألْقَى الشّيْطَا ُن فِي ُأمْنِيّتِ هِ فَيَن َ
ج َع َل مَا يُلْقِي الشّيْطَا ُن فِتَْن ًة لّ ّلذِي نَ فِي
آيَاتِ ِه وَاللّ هُ َعلِي ٌم حَكِي مٌ ( )52لِيَ ْ
ق َبعِيدٍ ( )53وَلَِيعْلَمَ
قُلُوِبهِم ّمرَضٌ وَاْلقَاسَِيةِ قُلُوبُهُ ْم وَإِنّ الظّالِمِيَ َلفِي ِشقَا ٍ
ت لَهُ قُلُوُبهُ ْم َوإِنّ اللّهَ
حقّ مِن ّربّكَ فَُي ْؤمِنُوا بِهِ فَُتخْبِ َ
اّلذِي َن أُوتُوا الْعِلْ َم َأنّ ُه الْ َ
ط ّمسَْتقِيمٍ (. ﴾ )54
صرَا ٍ
َلهَادِ اّلذِينَ آمَنُوا ِإلَى ِ
عن ممد بن كعب القرظي ،وممد بن قيس قال :جلس رسول ال
ف ناد من أندية قريش كثي أهله ،تن يومئذٍ أن ل يأتيه من ال شيء فينفروا
ع نه ,فأنزل ال عل يه ﴿ :وَالنّجْ مِ إِذَا َهوَى * مَا ضَلّ صَا ِحبُكُ ْم وَمَا َغوَى
ت وَاْلعُزّى * َو َمنَاةَ الثّاِلَثةَ
﴾ فقرأها رسول ال حت إذا بلغ ﴿ :أَفَ َرَأيْتُمُ اللّا َ
َق العلى ،وإن َا الشيطان كلمتيَ :تلك الغرانيَ َى عليهَ
اْلأُخْرَى ﴾ ألقَ
شفاعته ّن لترجى ؛ فتكلّم با .ث مضى فقرأ السورة كلّها ،فسجد ف آخر
ال سورة ،و سجد القوم جيعًا م عه ،ور فع الول يد بن الغية ترابًا إل جبه ته
الزء الثالث 202
فسجد عليه ،وكان شيخًا كبيًا ل يقدر على السجود ،فرضوا با تكلم به
وقالوا :قد عرفنا أن ال ييي وييت ،وهو الذي يلق ويرزق ،ولكن آلتنا
هذه تشفع لنا عنده ،إذ جعلت لا نصيبًا ،فنحن معك ،قال :فلما أمسى
أتاه جبيل عليه السلم ،فعرض عليه السورة ،فلما بلغ الكلمتي اللتي ألقى
الشيطان عل يه قال :ما جئ تك بات ي ،فقال ر سول ال « :افْتَ َريْ تُ على
ال ،وقل تُ على ال ما ل َيقُ ْل » .فأوحى ال إليه َ ﴿ :وإِ نْ كَادُوا َليَ ْفِتنُونَ كَ
ي عََليْنَا غَيْرَ هُ ﴾ إل قوله ﴿ :ثُمّ ل تَجِدُ لَ كَ عَ ِن الّذِي َأوْ َحيْنَا إِلَيْ كَ ِلَت ْفتَرِ َ
عََلْينَا نَ صِيًا ﴾ .فما زال مغمومًا مهمومًا ح ت نزلت عل يه َ ﴿ :ومَا أَرْ سَ ْلنَا
شيْطَانُ فِي ُأ ْمِنيّتِهِ َفَينْسَخُ اللّهُ
ك مِنْ رَسُو ٍل وَل َنِبيّ إِل إِذَا تَ َمنّى أَْلقَى ال ّ مِنْ َقبْلِ َ
حكِمُ اللّ ُه آيَاتِهِ وَاللّ ُه عَلِيمٌ َحكِيمٌ ﴾ .قال :فسمع من مَا يُ ْلقِي الشّيْطَا ُن ثُمّ يُ ْ
كان من الهاجرين بأرض البشة أن أهل مكة قد أسلموا كلهم ،فرجعوا إل
عشائرهم وقالوا :هم أح بّ إلينا ،فوجدوا القوم قد ارتكسوا حي نسخ ال
ما ألقى الشيطان .رواه ابن جرير وغيه .
قوله عز و جل ﴿ :وَل َيزَالُ اّلذِي نَ َك َفرُوا فِي ِم ْريَ ٍة مّنْ هُ حَتّ ى َتأْتَِيهُ مُ
حكُ مُ
ال سّا َعةُ َبغَْتةً َأ ْو يَ ْأتَِيهُ مْ َعذَا بُ َيوْ مٍ َعقِي مٍ ( )55الْمُلْ كُ يَ ْومَِئذٍ لّلّ ِه يَ ْ
بَيَْنهُ مْ فَاّلذِي نَ آمَنُوا وَ َعمِلُوا ال صّالِحَاتِ فِي جَنّا تِ الّنعِي مِ ( )56وَاّلذِي نَ
ك َل ُهمْ َعذَابٌ ّمهِيٌ (. ﴾ )57
َك َفرُوا وَ َك ّذبُوا بِآيَاتِنَا َفأُ ْولَئِ َ
203 توفيق الرحن ف دروس القرآن
عن سعيد بن جبي ﴿ :وَل يَزَا ُل الّذِي نَ َكفَرُوا فِي ِم ْرَيةٍ ّمنْهُ ﴾ من قوله :
تلك الغران يق العلى ،وإن شفاعت هن ترت ى .و عن ا بن جر يج ﴿ :وَل يَزَالُ
الّذِينَ َكفَرُوا فِي ِم ْرَيةٍ ّمنْهُ ﴾ ،قال :من القرآن َ ﴿ ،حتّى َتأِْتَيهُ ُم السّاعَ ُة َب ْغَتةً
َأ ْو َيأِْتَيهُ ْم عَذَابُ َي ْو ٍم عَقِيمٍ ﴾ ،قال ماهد :يوم بدر .
وقوله تعال ﴿ :الْمُلْك ُ
َ َي ْومَئِذٍ ﴾ ،قال البغوي :يعنَ :يوم القيامَة
حكُ ُم َبْيَنهُ مْ ﴾ ،ث بي الكم فقال تعال
﴿ لّلّ هِ ﴾ من غي منازع ﴿ ،يَ ْ
ِينَ َكفَرُوا
ِيمَ * وَالّذ َ
ّاتَ الّنع ِ
ِينَ آ َمنُوا َوعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ فِي َجن ِ
﴿ :فَالّذ َ
وَكَ ّذبُوا بِآيَاِتنَا َفُأوَْلئِكَ َلهُمْ عَذَابٌ ّمهِيٌ ﴾ .
قوله عز و جل ﴿ :وَاّلذِي نَ هَا َجرُوا فِي سَبِي ِل اللّ هِ ثُمّ قُتِلُوا أَ ْو مَاتُوا
ّهـَل ُهوَ خَ ْيرُ الرّا ِزقِيَ ( )58لَُي ْدخِلَنّهُم
لََيرْ ُزقَّنهُمُـ اللّهُـ رِزْقا حَسـَنا َوإِنّ الل َ
ب بِمِ ْث ِل مَا
ك وَمَ نْ عَاقَ َ
ض ْونَ ُه َوإِنّ اللّ هَ َلعَلِي مٌ حَلِي مٌ (َ )59ذلِ َ
ّم ْدخَلً يَرْ َ
ك ِبأَنّ
ص َرّنهُ اللّ ُه إِنّ اللّ َه َل َعفُوّ َغفُورٌ (َ )60ذلِ َ
ب بِ ِه ثُمّ بُغِ يَ عَلَيْ ِه لَيَن ُ
عُوقِ َ
ج اللّ ْيلَ فِي الّنهَارِ وَيُولِ جُ الّنهَا َر فِي اللّ ْيلِ َوأَنّ اللّ هَ سَمِي ٌع بَ صِيٌ (
اللّ هَ يُولِ ُ
حقّ َوأَنّ مَا َيدْعُو َن مِن دُونِ ِه ُهوَ الْبَا ِطلُ وَأَنّ اللّهَ
ك ِبأَنّ اللّ هَ ُه َو الْ َ
َ )61ذلِ َ
ُهوَ اْلعَ ِليّ الْكَبِيُ (. ﴾ )62
ك َومَ ْن عَاقَ بَ بِ ِمثْ ِل مَا عُوقِ بَ بِ هِ ﴾ ،قال :هم
عن ابن جريج ﴿ :ذَلِ َ
الشركون بغوا على رسول ال فوعده ال أن ينصره ،وقال :ف القصاص
الزء الثالث 204
أيضًا .قال البغوي :والعقاب الوّل بع ن :الزاء ﴿ .إِنّ اللّ هَ َل َع ُفوّ َغفُورٌ
﴾ عفا عن مساوئ الؤمني ،وغفر لم ذنوبم .
﴿ ذَلِكَ ﴾ يعن :ذلك النصر ﴿ ،بَِأنّ اللّهَ ﴾ القادر على ما يشاء ،فمن
قدر ته أ نه ﴿ :يُولِ جُ الّليْلَ فِي النّهَا ِر َويُولِ جُ الّنهَارَ فِي الّليْ ِل َوأَنّ اللّ هَ سَمِيعٌ
ك ِبَأنّ اللّ َه ُه َو الْحَقّ َوَأنّ مَا يَ ْدعُو َن مِن دُونِ هِ ُه َو الْبَاطِ ُل َوأَنّ اللّ هَ
بَ صِيٌ * ذَلِ َ
ُه َو الْعَِليّ ﴾ العال على كل شيء ﴿ ،اْل َكبِيُ ﴾ العظيم الذي كل شيء دونه
.قال ابن كثي :فكل شيء تت قهره وسلطانه وعظمته ،ل إله إل هو ،
ول رب سواه .لنه :العظيم الذي ل أعظم منه ،العلي الذي ل أعلى منه .
الكبي :الذي ل أكب منه ،تعال وتقدّس وتنّه عزّ وج ّل عما يقول الظالون
العتدون علوّا كبيًا .
***
205 توفيق الرحن ف دروس القرآن
ل َومِ نَ النّا سِ إِنّ اللّ هَ سَمِي ٌع بَ صِيٌ (َ )75يعْلَ مُ مَا بَيْ نَ َأْيدِيهِ مْ وَمَا
رُ سُ ً
جدُوا
خَ ْل َفهُ ْم َوإِلَى اللّ ِه ُترْجَ ُع المُورُ ( )76يَا َأّيهَا الّذِينَ آمَنُوا ارْ َكعُوا وَاسْ ُ
وَاعُْبدُوا َرّبكُ ْم وَا ْفعَلُوا الْخَ ْي َر َلعَلّكُ مْ ُتفْلِحُو نَ (َ )77وجَا ِهدُوا فِي اللّ ِه َحقّ
ج مّ ّلةَ َأبِيكُمْ ِإْبرَاهِيمَ
ِجهَا ِدهِ ُهوَ اجْتَبَاكُ ْم َومَا جَ َعلَ عَلَ ْيكُ ْم فِي الدّي ِن مِ ْن حَرَ ٍ
ي مِن قَ ْب ُل وَفِي َهذَا لَِيكُو َن الرّ سُولُ َشهِيدا عَ َل ْيكُ مْ
ُهوَ سَمّا ُكمُ الْمُ سْلِم َ
صمُوا بِاللّ هِ
س َفأَقِيمُوا ال صّلَا َة وَآتُوا الزّكَا َة وَاعْتَ ِ
َوتَكُونُوا شُ َهدَاء عَلَى النّا ِ
ُهوَ َم ْولَاكُ ْم فَِن ْعمَ الْ َم ْولَى وَِن ْعمَ النّصِيُ (. ﴾ )78
***
207 توفيق الرحن ف دروس القرآن
ح اْلأَرْ ضُ
قوله عز وجل ﴿ :أَلَ ْم َترَ أَنّ اللّ هَ أَنزَ َل مِ نَ ال سّمَا ِء مَا ًء فَتُ صْبِ ُ
ت وَمَا فِي اْلأَرْ ضِ
ف خَبِيٌ ( )63لَ هُ مَا فِي ال سّمَاوَا ِ
ض ّر ًة إِنّ اللّ هَ لَطِي ٌ
مُخْ َ
خ َر لَكُم مّا فِي الْأَرْ ضِ
َوإِنّ اللّ َه َلهُ َو الْغَِنيّ الْحَمِيدُ (َ )64ألَ ْم َترَ أَنّ اللّ هَ سَ ّ
ض ِإلّا
ك ال سّمَاء أَن َتقَ عَ عَلَى اْلأَرْ ِ
ح ِر ِبَأ ْمرِ هِ وَيُمْ سِ ُ
جرِي فِي الْبَ ْ
ك تَ ْ
وَالْفُلْ َ
ِبِإذِْن ِه إِنّ ال ّل َه بِالنّاسِ لَ َرؤُوفٌ ّرحِيمٌ (َ )65وهُ َو اّلذِي َأحْيَا ُك ْم ُثمّ يُمِيُت ُك ْم ُثمّ
يُحْيِي ُك ْم إِنّ اْلإِنسَا َن َلكَفُورٌ (. ﴾ )66
فَ هذه اليات الدالة الواضحَة على قدرتَه وعظيَم سَلطانه ،وأنَه ل
ي ستحق العبادة سواه .قال ا بن كث ي :وقوله َ ﴿ :و ُهوَ الّذِي أَ ْحيَاكُ ْم ثُمّ
حيِيكُمْ إِنّ الْإِنسَانَ َل َكفُورٌ ﴾ ،كقوله ﴿ :وكيف تكفرون بال يُمِيُتكُ ْم ثُمّ يُ ْ
حيِيكُ مْ ث إل يه ترجعون ﴾ ،ومع ن
وكن تم أمواتًا فأَ ْحيَاكُ ْم ثُمّ يُمِيُتكُ ْم ثُمّ يُ ْ
الكلم :كيَف تعلون ل أندادًا وتعبدون معَه غيه ،وهَو السَتقل باللق
والرزق والتصرّف ؟
قوله عز وجل ﴿ :لِ ُك ّل أُ ّم ٍة جَعَلْنَا مَنسَكا هُمْ نَا ِسكُو ُه فَلَا يُنَازِعُنّكَ فِي
ك َلعَلَى ُهدًى مّ سْتَقِيمٍ ( )67وَإِن جَادَلُو َك َف ُقلِ
ع ِإلَى َربّ كَ إِنّ َ
اْلأَ ْم ِر وَادْ ُ
حكُ مُ بَيَْنكُ ْم َيوْ َم اْلقِيَا َمةِ فِيمَا كُنتُ ْم فِي هِ
اللّ ُه أَعْلَ ُم بِمَا َتعْمَلُو نَ ( )68اللّ هُ يَ ْ
تَخْتَ ِلفُونَ (. ﴾ )69
الزء الثالث 208
عن ابن عباس قوله ِ ﴿ :لكُلّ ُأمّةٍ َج َع ْلنَا مَن سَكا هُ ْم نَا ِسكُوهُ ﴾ ،يقول :
عيدًا .وقال ما هد :إهراق دم الدي .وقال البغوي َ ﴿ :فلَا ُينَا ِزعُنّ كَ فِي
اْلَأمْرِ ﴾ ،يعن :ف أمر الذبائح ؛ نزلت ف بديل بن ورقاء ،وبشر بن سفيان
،ويز يد بن خن يس ،قالوا ل صحاب ال نب :ما ل كم تأكلون م ا تقتلون
بأيديكم ول تأكلون ما قتله ال ؟
وقال ابن كثي :وقوله َ ﴿ :وإِن جَادَلُوكَ َفقُلِ اللّهُ أَعَْل ُم بِمَا َتعْمَلُونَ ﴾ ،
كقوله َ ﴿ :وإِن كَ ّذبُو كَ َفقُل لّي عَ َملِي وََلكُ مْ عَ َمُلكُ مْ أَنتُ ْم بَرِيئُو َن مِمّا َأعْمَلُ
َوَأنَ ْا بَرِي ٌء مّمّا َتعْمَلُونَ ﴾ .
ض إِنّ
قوله عز وجل ﴿ :أَلَ مْ َتعْلَ ْم أَنّ اللّ َه َيعْلَ ُم مَا فِي ال سّمَاء وَاْلأَرْ ِ
ب إِ ّن َذلِكَ عَلَى ال ّلهِ َيسِيٌ (. ﴾ )70
َذِلكَ فِي كِتَا ٍ
قال عبدة بن أ ب لبا بة :علم ال ما هو خالق ،و ما اللق عاملون ،ث
كتبه .
قوله عز وجل َ ﴿ :ويَعُْبدُو َن مِن دُو ِن اللّ هِ مَا لَ مْ يَُن ّزلْ بِ هِ سُلْطَانا وَمَا
س لَهُم بِ هِ عِلْ ٌم وَمَا لِلظّالِمِيَ مِن نّ صِيٍ ( َ )71وِإذَا تُتْلَى عَلَ ْيهِ مْ آيَاتُنَا
لَيْ َ
ف فِي ُوجُو ِه الّذِينَ َك َفرُوا الْمُن َكرَ َيكَادُو َن يَسْطُو َن بِالّذِينَ يَتْلُونَ
بَيّنَاتٍ َت ْعرِ ُ
ش ّر مّ ن َذلِكُ ُم النّا ُر وَ َعدَهَا اللّ هُ اّلذِي نَ َك َفرُوا
عَلَ ْيهِ مْ آيَاتِنَا ُق ْل َأ َفأُنَبّئُكُم ِب َ
س الْمَصِيُ (. ﴾ )72
َوبِئْ َ
عن ابن عباس :قوله َ ﴿ :يكَادُو َن يَسْطُونَ ﴾ ،يقول :يبطشون .
209 توفيق الرحن ف دروس القرآن
وقوله تعال ﴿ :قُلْ أََفُأَنبُّئكُم بِشَ ّر مّن ذَِلكُ مُ النّارُ ﴾ ،قال البغوي :يعن
:بشرّ لكم وأكره إليكم من هذا القرآن الذي تسمعون ؟ النار ،يعن :هي
﴿ :النّا ُر َوعَ َدهَا اللّ ُه الّذِينَ َكفَرُوا َوِبئْسَ الْمَصِيُ ﴾ .وقال ابن كثي :أي :
النار وعذابا ونكالا ،أشد وأشقى ،وأطم ،وأعظم ما توفون به أولياء ال
الؤمني ف الدنيا ،وعذاب الخرة على صنيعكم هذا أعظم ما تنالون منهم ،
إن نلتم بزعمكم وإرادتكم .
ب مََثلٌ فَا سْتَ ِمعُوا لَ هُ إِنّ اّلذِي نَ
ضرِ َ
قوله عز و جل ﴿ :يَا َأيّهَا النّا سُ ُ
َتدْعُو َن مِن دُو ِن اللّ ِه لَن َيخْ ُلقُوا ُذبَابا َولَ ِو اجْتَ َمعُوا لَ ُه َوإِن يَ سْلُبْ ُه ُم ال ّذبَا بُ
ف الطّالِ بُ وَالْمَطْلُو بُ ( )73مَا َقدَرُوا اللّ هَ َحقّ
ضعُ َ
شَيْئا لّا يَ سْتَن ِقذُوهُ مِنْ هُ َ
َقدْ ِر ِه إِ ّن اللّ َه َلقَوِيّ َعزِيزٌ (. ﴾ )74
ِبَ
ُفَ الطّال ُ
ضع َقال ابـن زيـد :هذا مثَل ضربَه ال للتهَم وقرأ َ ﴿ :
وَالْمَ ْطلُو بُ * مَا قَدَرُوا اللّ هَ حَقّ َقدْرِ هِ ﴾ ،ح ي يعبدون من دون ال ما ل
ينتصَف مَن الذباب ول يتنَع منَه .وقال ابَن عباس :الطالب :الصَنم .
والطلوب :الذباب ،وقال :كانوا يطلون الصَنام بالزعفران ،فإذا جَف
جاء الذباب فاستلب منه .
ل َومِ َن النّا سِ إِنّ اللّ هَ
قوله عز وجل ﴿ :اللّ ُه يَ صْ َطفِي مِ نَ الْمَلَاِئكَةِ رُ سُ ً
سَمِي ٌع بَ صِيٌ (َ )75يعْلَ مُ مَا بَيْ نَ َأْيدِيهِ مْ وَمَا خَلْ َفهُ مْ َوِإلَى اللّ ِه ُترْجَ ُع المُورُ
(. ﴾ )76
الزء الثالث 210
قال البغوي ﴿ :اللّهَُيَص َْ َطفِي ﴾ ،يعنَ :يتار ﴿ مِنََ الْ َملَاِئكَةِ رُسَُلً
﴾ وهم :جبيل ،وميكائيل ،وإسرافيل ،وعزرائيل،وغيهم َ ﴿ .ومِ َن النّا ِ
س
ل ،مثَل :إبراهيَم ،وموسَى ،وعيسَى ، ﴾ يعنَ :يتار مَن الناس رسَ ً
وممد وغيهم من النبياء عليهم السلم ،نزلت حي قال الشركون ﴿ :
َأأُنزِ َل عََليْ هِ الذّ ْكرُ مِن َبْينِنَا ﴾ ؟ فأ خب أن الختيار إل يه يتار من يشاء من
خلقه .
جدُوا وَاعُْبدُوا
َاسـ ُ
ِينـ آمَنُوا ارْ َكعُوا و ْ
قوله عـز وجـل ﴿ :يَا أَيّهَا الّذ َ
َرّب ُكمْ وَافْعَلُوا الْخَ ْي َر َلعَلّ ُك ْم ُتفْلِحُونَ (. ﴾ )77
قال البغوي ﴿ :يَا َأّيهَا الّذِي نَ آ َمنُوا ارْكَعُوا وَا سْجُدُوا ﴾ ،يعن :صلّوا
ُمَ ﴾ ،أي :
لن الصَلة ل تكون إلّ بالركوع والسَجود ﴿ ،وَا ْعبُدُوا َربّك ْ
خيْرَ ﴾ ،قال ابَن عباس :صَلة الرحَم ،ومكارم وحّدوه ﴿ ،وَافْعَلُوا الْ َ
الخلق َ ﴿ .لعَّلكُ ْم ُتفْلِحُو نَ ﴾ ،ل كي :ت سعدوا وتفوزوا بال نة .وروى
أبَو داود عَن خالد بَن معدان رحهَ ال أن رسَول ال قال « :فضّلت
سورة الجّ على سائر القرآن بسجدتي » .وعن أب الهم :أن عمر سجد
سجدتي ف الج وهو بالابية وقال ( :إن هذه فضلت بسجدتي ) .
قوله عز وجل ﴿ :وَجَاهِدُوا فِي اللّ ِه حَقّ ِجهَادِ ِه هُ َو اجْتَبَاكُمْ َومَا جَ َعلَ
ي مِن
عَلَ ْيكُ مْ فِي الدّي نِ مِ نْ َحرَ جٍ مّ ّل َة َأبِيكُ ْم ِإْبرَاهِي َم هُوَ سَمّا ُك ُم الْمُ سْلِم َ
قَ ْب ُل وَفِي َهذَا لَِيكُو َن الرّ سُولُ َشهِيدا عَلَ ْيكُ مْ َوتَكُونُوا ُش َهدَاء عَلَى النّا سِ
211 توفيق الرحن ف دروس القرآن
َفَأقِيمُوا الصّلَا َة وَآتُوا الزّكَا َة وَاعْتَصِمُوا بِاللّ ِه ُهوَ َم ْولَاكُمْ فَِنعْ َم الْ َموْلَى َوِنعْمَ
النّصِيُ (. ﴾ )78
قال ا بن عباس ف قوله ﴿ :وَجَاهِدُوا فِي اللّ هِ حَقّ ِجهَادِ هِ ﴾ ،ل تافوا
ُمَ ﴾ ،قال : فَ ال لومَة لئم .وقال ابَن زيَد فَ قوله ُ ﴿ :هوَ ا ْجَتبَاك ْ
هداكم .وعن ابن عباس ف قوله َ ﴿ :ومَا َجعَ َل عََلْيكُ مْ فِي الدّي ِن مِ نْ َحرَ جٍ
﴾ ،قال :الرج :الضيَق ،فجعَل ال الكفارات مرجًا مَن ذلك .وقال
مقاتل :يعن :الرخص عند الضرورات :كقصر الصلة ف السفر ،والتيمم
عنَد فقَد الاء ،وأكَل اليتَة عنَد الضرورة ،والفطار بالسَفر والرض ،
والصلة قاعدًا عند العجز عن القيام ؛ وقال « :بعثت بالنيفية السمحة
».
وقوله تعال ﴿ :مّّلةَ َأبِيكُ مْ ِإبْرَاهِي مَ ﴾ ،أي :اتّبعوا ملة أبيكم إبراهيم ،
وهي عبادة ال وحده ل شريك له ،كما قال تعال ﴿ :ثُمّ َأوْ َحْينَا إَِليْ كَ أَ نِ
اّتبِعْ مِّلةَ ِإبْرَاهِيمَ َحنِيفا َومَا كَا َن مِ َن الْمُشْرِكِيَ ﴾ .
وقوله تعال ُ ﴿ :هوَ سَمّاكُ ُم الْمُ سْلِم َ
ي مِن َقبْ ُل وَفِي هَذَا ﴾ ،قال ماهد
:ال ساكم السلمي من قبل ف الكتب التقدمة ﴿ ،وَفِي هَذَا ﴾ ،يعن :
َلِميَ مَِن َقبْلُ ﴾ ،قال :ال َمّاكُمُ الْمُس ْالقرآن .وعَن قتادة ُ ﴿ :ه َو س َ
ساكم السلمي من قبل ﴿ .وف هذا ِلَيكُونَ ال ّرسُولُ َشهِيدا عََلْيكُ ْم ﴾ ،بأنه
بلّغكم َ ﴿ ،وَتكُونُوا ُشهَدَاء عَلَى النّا سِ ﴾ أن رسلهم قد بلّغتهم َ ﴿ ،فأَقِيمُوا
ال صّلَا َة وَآتُوا الزّكَاةَ وَا ْعتَ صِمُوا بِاللّ هِ ﴾ أي :استعينوا به وتوكّلوا عليه ﴿ ُهوَ
الزء الثالث 212
ّصَيُ ﴾ .قال
ْمَ الن ِ
ْمَ الْ َموْلَى َوِنع َ
ُمَ ﴾ يفظكَم وينصَركم َ ﴿ ،فِنع َ
َموْلَاك ْ
وهيب بن الورد :ويقول ال تعال ( :ابن آدم اذكرن إذا غضب تَ ،أذكرك
إذا غضب تُ ،فل أمقك فيمن أمق ،وإذا ظُلِمْ تَ فاصب وارض بنصرت فإن
نصرت لك خي من نصرتك لنفسك ) .رواه ابن أب حات .وال أعلم وهو
الستعان .
***
213 توفيق الرحن ف دروس القرآن
وَ صِ ْب ٍغ لّلْآكِلِيَ ( )20وَإِنّ َلكُ مْ فِي اْلَأنْعَا ِم َلعِ ْب َرةً نّسقِيكُم مّمّا فِي بُطُوِنهَا
ك تُحْ َملُونَ
ي ٌة َومِ ْنهَا َتأْكُلُونَ ( )21وَعَلَ ْيهَا وَعَلَى اْلفُلْ ِ
َولَكُ ْم فِيهَا مَنَافِ عُ كَثِ َ
(. ﴾ )22
***
215 توفيق الرحن ف دروس القرآن
ننقله من حال إل حال ،إل أن خرج طفلً ،ث نشأ صغيًا ،ث احتلم ،ث
صار شابّا ،ث كهلً ،ث شيخًا ،ث هرمًا .
ك لَمَيّتُو نَ ( )15ثُمّ إِّنكُ ْم يَوْ مَ
قوله عز و جل ﴿ :ثُمّ ِإّنكُ مْ َب ْعدَ َذلِ َ
اْلقِيَا َمةِ تُ ْبعَثُو نَ ( )16وََل َقدْ خَ َلقْنَا َف ْو َقكُ مْ سَبْعَ َطرَائِ قَ َومَا كُنّا عَ نِ الْخَلْ قِ
غَافِ ِليَ (. ﴾ )17
قال ابن زيد ف قول ال ﴿ :وََلقَدْ خََل ْقنَا َفوَْقكُ مْ َسبْعَ طَرَائِ قَ ﴾ ،قال :
َمَ م َا فِيّهَ َيعْل ُ
َمَ َترَ أَنّ الل َ الطرائق :السَماوات .وقَد قال تعال ﴿ :أَل ْ
سةٍ
جوَى ثَلَاَثةٍ إِلّا ُهوَ رَابِ ُعهُ ْم وَلَا خَمْ َ السّمَاوَاتِ َومَا فِي الْأَرْضِ مَا يَكُو ُن مِن نّ ْ
ك وَلَا أَ ْكثَرَ إِلّا هُ َو َم َعهُ مْ َأيْ نَ مَا كَانُوا ثُمّ
إِلّا ُهوَ سَا ِد ُسهُ ْم وَلَا َأدْنَى مِن ذَلِ َ
ُيَنبُّئهُم بِمَا عَ ِملُوا َي ْومَ اْل ِقيَا َمةِ ِإنّ اللّهَ بِكُ ّل َشيْءٍ عَلِيمٌ ﴾ .
ّامَ ثُمّ
سَةِ َأي ٍ
ْضَ فِي ِّت
السَمَاوَاتِ وَاْلأَر َ
َقَ ّوقال تعال ُ ﴿ :ه َو الّذِي خَل َ
ج ِمنْهَا وَمَا يَنِلُ مِ نَ
ا سَْتوَى عَلَى اْلعَرْ شِ َيعَْل ُم مَا يَلِ جُ فِي الْأَرْ ضِ وَمَا يَخْ ُر ُ
السّمَاء َومَا َيعْرُجُ فِيهَا َو ُهوَ َم َعكُمْ َأيْ َن مَا كُنتُ ْم وَاللّ ُه بِمَا َتعْمَلُو َن َبصِيٌ ﴾ .
َمَ
ّهَ رِزْقُهَا َوَيعْل ُ وقال تعال ﴿ :وَمَا مِن دَآّبةٍ فِي الَر ِ
ْضَ إِ ّل عَلَى الل ِ
سَتقَ ّرهَا َومُسَْتوْ َد َعهَا كُلّ فِي ِكتَابٍ ّمبِيٍ ﴾ .
مُ ْ
قوله عز و جل ﴿ :وَأَنزَلْنَا مِ نَ ال سّمَا ِء مَا ًء ِب َقدَرٍ فَأَ ْسكَنّاهُ فِي اْلأَرْ ضِ
ّاتـ مّنـنّخِيلٍ
ِهـ جَن ٍ
شأْنَا لَكُم ب ِ
ُونـ (َ )18فأَن َ
ِهـ َلقَادِر َ
َابـ ب ِ
َوِإنّاـ عَلَى َذه ٍ
219 توفيق الرحن ف دروس القرآن
خرُ جُ مِن
ج َرةً َت ْ
ي ٌة َومِنْهَا تَأْكُلُو نَ (َ )19وشَ َ
َوأَعْنَا بٍ ّلكُ ْم فِيهَا َفوَاكِ هُ َكثِ َ
ت بِالدّ ْهنِ وَصِبْ ٍغ لّلْآكِلِيَ (. ﴾ )20
طُورِ سَيْنَاء تَنبُ ُ
عن ابن عباس ف قوله ﴿ :مِن طُورِ َسيْنَاء ﴾ ،قال :البل الذي نودي
ت بِال ّدهْنِ ﴾ ،يقول :هو :الزيت يؤكل ويدّهن به .
منه موسى ﴿ ،تَنبُ ُ
َصَبْغٍ لّلْآكِلِيَ ﴾ ،قال :هذا الزيتون صَبغ
وقال ابَن زيَد فَ قوله ﴿ :و ِ
للكل ي ،يأتدمون به وي صطبغون به .قال ا بن كث ي :وطور َسيْنَاء هو :
طور سيني وهو :البل الذي كلّم ال عليه موسى بن عمران عليه السلم ،
وما حوله من البال الت فيها شجر الزيتون .
قوله عز وجل َ ﴿ :وإِنّ َلكُ ْم فِي اْلأَْنعَا ِم لَعِ ْب َر ًة نّسقِيكُم مّمّا فِي بُطُوِنهَا
ك تُحْ َملُونَ
ي ٌة َومِ ْنهَا َتأْكُلُونَ ( )21وَعَلَ ْيهَا وَعَلَى اْلفُلْ ِ
َولَكُ ْم فِيهَا مَنَافِ عُ كَثِ َ
(. ﴾ )22
قال ابن كثي :يذكر تعال ما جعل للقه ف النعام من النافع ،وذلك
أنم يشربون من ألبانا الارجة من بي فرث ودم ،ويأكلون من ُلحْمَانِها ،
حمّلونا ويلبسون من أصوافها ،وأوبارها وأشعارها ،ويركبون ظهورها ،ويُ َ
الحال الثقال إل البلد النائ ية عن هم ؛ ك ما قال تعال َ ﴿ :وتَحْمِلُ َأْثقَالَكُ مْ
إِلَى بَلَدٍ لّ ْم َتكُونُوْا بَاِلغِيهِ إِلّ بِشِ ّق الَن ُفسِ ِإنّ َرّبكُمْ لَ َرؤُوفٌ رّحِيمٌ ﴾ .
***
الزء الثالث 220
﴿ َولَ َق ْد أَرْ سَلْنَا نُوحا ِإلَى َقوْمِ ِه َفقَا َل يَا قَوْ مِ اعُْبدُوا اللّ َه مَا لَكُم مّ ْن ِإلَ هٍ
غَ ْيرُ ُه َأفَلَا تَّتقُو نَ (َ )23فقَا َل الْمَ َلأُ اّلذِي نَ َكفَرُوا مِن َق ْومِ هِ مَا َهذَا ِإلّا َبشَرٌ
ضلَ عَلَ ْيكُ مْ َولَ ْو شَاء اللّ هُ َلأَنزَ َل مَلَاِئكَ ًة مّ ا سَ ِمعْنَا ِبهَذَا
مّثْ ُلكُ ْم ُيرِي ُد أَن يَتَفَ ّ
فِي آبَائِنَا الَْأ ّولِيَ ( )24إِ ْن هُ َو ِإلّا َر ُجلٌ بِ ِه جِّنةٌ فََت َربّ صُوا بِ هِ حَتّ ى حِيٍ (
صرْنِي بِمَا َك ّذبُو نِ (َ )26فأَ ْوحَيْنَا إِلَيْ هِ أَ نِ ا صَْن ِع الْفُلْ كَ
)25قَالَ رَبّ ان ُ
ك فِيهَا مِن ُكلّ َزوْجَيْ نِ
ِبأَعْيُنِنَا َووَحْيِنَا َفِإذَا جَاء َأ ْمرُنَا وَفَا َر التّنّو ُر فَا سْلُ ْ
ك ِإلّا مَن سَبَقَ عَ َليْ ِه الْ َقوْ ُل مِ ْنهُ ْم وَلَا تُخَاطِبْنِي فِي الّذِي نَ ظَ َلمُوا
اثْنَيْ ِن َوأَهْلَ َ
ك َفقُ ِل الْحَ ْمدُ
ت َومَن ّمعَ كَ َعلَى اْلفُلْ ِ
ِإّنهُم ّم ْغرَقُو نَ (َ )27فإِذَا ا سَْت َويْتَ أَن َ
لِلّ هِ اّلذِي نَجّانَا مِ َن الْ َقوْ ِم الظّالِمِيَ ( )28وَقُل رّبّ أَن ِزلْنِي مُنَ ًل مّبَارَكا
ك لَآيَا تٍ َوإِن كُنّا لَمُبْتَلِيَ (ُ )30ثمّ
نلِيَ ( )29إِنّ فِي َذلِ َ
َوأَن تَ خَ ْي ُر الْمُ ِ
شأْنَا مِن َبعْ ِدهِ ْم َقرْنا آ َخرِي نَ (َ )31فأَرْ سَلْنَا فِيهِ مْ رَ سُولً مِ ْنهُ مْ أَ نِ اعُْبدُوا
أَن َ
اللّ هَ مَا لَكُم مّ نْ ِإلَ هٍ غَ ْيرُ هُ َأفَلَا تَّتقُو نَ (َ )32وقَالَ الْمَ َلُأ مِن َق ْومِ ِه اّلذِي نَ
ُمـ ف ِي الْحَيَا ِة ال ّدنْي َا مَا هَذَا إِلّا َبشَرٌ
َك َفرُوا وَ َك ّذبُوا بِلِقَاء الْآ ِخ َرةِ َوَأْترَفْنَاه ْ
ش َربُو نَ (َ )33ولَئِ نْ أَ َطعْتُم
ب مِمّ ا َت ْ
شرَ ُ
مّثْ ُلكُ مْ َيأْ ُك ُل مِمّ ا َتأْكُلُو َن مِنْ هُ َوَي ْ
َبشَرا مِثْ َلكُ مْ ِإّنكُ ْم إِذا لّخَا ِسرُونَ (َ )34أيَ ِعدُكُ مْ َأّنكُ ْم ِإذَا مِتّ مْ وَكُنتُ مْ ُترَابا
ت لِمَا تُو َعدُو نَ ( )36إِ ْن هِ يَ
ت هَ ْيهَا َ
خرَجُو نَ ( )35هَ ْيهَا َ
وَعِظَاما َأّنكُم مّ ْ
ِإلّا حَيَاتُنَا ال ّدنْيَا نَمُو تُ َونَحْيَا وَمَا نَحْ ُن بِمَ ْبعُوثِيَ ( )37إِ ْن هُ َو ِإلّا َر ُجلٌ
221 توفيق الرحن ف دروس القرآن
صرْنِي بِمَا
افَْترَى عَلَى اللّ هِ َكذِبا وَمَا نَحْ ُن لَ هُ بِ ُم ْؤمِنِيَ ( )38قَالَ رَبّ ان ُ
حةُ
الصـيْ َ
ُمـ ّح ّن نَادِمِيَ (َ )40فَأخَ َذْته ُ
ُصـبِ ُ
ُونـ ( )39قَالَ عَمّاـ قَلِيلٍ لَي ْ
َك ّذب ِ
شأْنَا مِن َب ْعدِهِ مْ
جعَلْنَاهُ مْ غُثَاء فَُبعْدا لّ ْلقَوْ ِم الظّالِمِيَ ( )41ثُمّ أَن َ
بِالْحَقّ فَ َ
ُقرُونا آ َخرِي نَ ( )42مَا تَ سِْبقُ مِ ْن ُأ ّمةٍ َأجَلَهَا وَمَا يَ سَْتأْ ِخرُونَ ( )43ثُمّ
أَرْسَـلْنَا رُسُـلَنَا تَ ْترَا ُك ّل مَا جَاء ُأ ّمةً رّسـُوُلهَا َك ّذبُوهُـ َفَأتْبَعْنَا بَعْضَهُم بَعْضا
ث فَُبعْدا لّ َقوْ ٍم لّا ُي ْؤمِنُونَ (. ﴾ )44
َوجَعَلْنَا ُهمْ َأحَادِي َ
***
الزء الثالث 222
قوله عز و جل َ ﴿ :وَلقَ ْد أَرْ سَلْنَا نُوحا ِإلَى َق ْومِ هِ َفقَالَ يَا َقوْ مِ اعُْبدُوا
اللّ هَ مَا لَكُم مّ نْ ِإلَ هٍ غَ ْيرُ هُ َأفَلَا تَّتقُو نَ (َ )23فقَالَ الْمَ َلُأ الّذِي نَ َكفَرُوا مِن
ّهـ َلأَنزَلَ
ُمـ وََل ْو شَاء الل ُ
ُمـ ُيرِي ُد أَن يََتفَضّلَ عَلَ ْيك ْ
ش ٌر مّثْ ُلك ْ
ِهـ مَا َهذَا ِإلّا َب َ
َق ْوم ِ
ِهـ جِّنةٌ
ِنـ هُ َو ِإلّا َر ُجلٌ ب ِ
سـِمعْنَا ِب َهذَا فِي آبَائِنَا الَْأوّلِيَ ( )24إ ْ
مَلَائِ َكةً مّاـ َ
فََت َربّصُوا ِبهِ حَتّى حِيٍ (. ﴾ )25
ّهَ
ْمَ ا ْعبُدُوا الل َ
ِهَ َفقَا َل يَا َقو ِ قال البغوي ﴿ :وََلقَدْ أَر َ
ْسَْلنَا نُوحا إِلَى َق ْوم ِ
﴾ وحده ﴿ ،مَا لَكُم مّ نْ إِلَ ٍه َغيْرُ هُ ﴾ معبود سواه ﴿ ،أََفلَا َتتّقُو نَ ﴾ أفل
تافون عقوبته إذا عبدت غيه ؟
ُمَ يُرِيدُ أَن
ش ٌر ّمثُْلك ْ ِهَ م َا هَذَا إِلّا بَ َ
ِينَ َكفَرُوا م ِن َق ْوم ِ
﴿ َفقَا َل الْمََلُأ الّذ َ
َيَتفَضّ َل عََلْيكُمْ ﴾ ،يعن :يتشرّف بأن يكون له الفضل عليكم فيصي متبوعًا
وأن تم له ت بع ﴿ ،وََلوْ شَاء اللّ هُ ﴾ أن ل يُع بد سواه َ ﴿ ،لأَنزَ َل مَلَاِئ َكةً ﴾ ،
يعن :بإبلغ الوحي ﴿ ،مّا سَ ِم ْعنَا ِبهَذَا ﴾ الذي يدعونا إليه نوح ﴿ ،فِي
َ ِم ْعنَا ِبهَذَا ﴾ ،أي :بإرسَال بشَر آبَائِنََا اْلَأوّلِيََ ﴾ وقيَل ﴿ :مّاَ س َ
رسولً ﴿ ،إِ ْن ُهوَ إِلّا َرجُ ٌل بِ هِ ِجّنةٌ ﴾ ،يعن :جنون َ ﴿ ،فتَ َربّ صُوا بِ هِ َحتّى
حِيٍ ﴾ ،يعن :إل أن يوت فتستريوا منه .
ص ْرنِي بِمَا َك ّذبُونِ (َ )26فَأوْحَيْنَا إِلَيْ ِه أَنِ
قوله عز وجل ﴿ :قَالَ َربّ ان ُ
ك فِيهَا مِن ُكلّ
اصْنَ ِع اْلفُلْكَ ِبأَعْيُنِنَا وَ َوحْيِنَا َفإِذَا جَاء َأ ْم ُرنَا َوفَارَ التّنّو ُر فَاسْلُ ْ
َز ْوجَيْ نِ اثْنَيْ ِن وََأهْلَ كَ ِإلّا مَن سََبقَ عَلَيْ هِ اْل َقوْ ُل مِ ْنهُ ْم َولَا تُخَاطِبْنِي فِي اّلذِي نَ
223 توفيق الرحن ف دروس القرآن
ك َفقُلِ
ت َومَن ّمعَ كَ َعلَى اْلفُلْ ِ
ظَلَمُوا ِإّنهُم ّم ْغ َرقُو نَ (َ )27فإِذَا ا سَْت َويْتَ أَن َ
الْحَ ْم ُد لِلّ ِه اّلذِي نَجّانَا مِ َن الْ َقوْ ِم الظّالِمِيَ ( )28وَقُل رّبّ أَن ِزلْنِي مُنَلً
ت وَإِن كُنّ ا لَمُبْتَلِيَ (
نلِيَ ( )29إِنّ فِي َذلِ كَ لَآيَا ٍ
ت خَ ْيرُ الْمُ ِ
مّبَارَكا وَأَن َ
. ﴾ )30
عن ماهد ف قوله ﴿ :مُنَ ًل ّمبَارَكا ﴾ ،قال لنوح حي نزل من السفينة
.
قال ابن كثي :قوله ِ﴿ :إنّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ ﴾ ،أي :أن ف هذا الصنيع
و هو إناء الؤمن ي وإهلك الكافر ين ﴿ ،لَآيَا تٍ ﴾ ،أي :ل جج ودللت
واضحات على صدق النبياء فيما جاءوا به عن ال تعال ،وأنه تعال فاعل
لاَ يشاء ،قادر على كَل شيَء ،عليَم بكَل شيَء .وقوله َ ﴿ :وإِن ُكنّاَ
لَ ُمْبتَِليَ ﴾ ،أي :لختبين للعباد بإرسال الرسلي .
شأْنَا مِن َب ْعدِهِ ْم َقرْنا آ َخرِي نَ (َ )31فأَرْ سَلْنَا
قوله عز و جل ﴿ :ثُمّ أَن َ
فِيهِ مْ رَ سُولً مِ ْنهُ مْ أَ نِ اعُْبدُوا اللّ هَ مَا َلكُم مّ ْن إِلَ هٍ غَ ْيرُ ُه َأفَلَا تَّتقُو نَ ()32
ُمـ ف ِي
ِينـ َك َفرُوا وَ َك ّذبُوا بِ ِلقَاء الْآ ِخ َر ِة وََأْت َرفْنَاه ْ
ِهـ اّلذ َ
َوقَا َل الْمَ َلأُ م ِن َق ْوم ِ
الْحَيَا ِة ال ّدنْيَا مَا هَذَا إِلّا َبشَ ٌر مّثْ ُلكُ مْ َيأْ ُكلُ مِمّ ا َتأْكُلُو َن مِنْ هُ َوَيشْرَ بُ مِمّ ا
ش َربُونَ (َ )33ولَِئنْ أَ َطعْتُم َبشَرا مِثْ َلكُ ْم ِإنّ ُك ْم إِذا لّخَاسِرُونَ (َ )34أَيعِدُ ُكمْ
َت ْ
خ َرجُو نَ ( )35هَ ْيهَا تَ هَ ْيهَا تَ
َأّنكُ مْ ِإذَا مِتّ مْ وَكُنتُ ْم ُترَابا وَعِظَاما َأنّكُم مّ ْ
لِمَا تُو َعدُونَ ( )36إِ ْن هِيَ ِإلّا حَيَاتُنَا ال ّدنْيَا نَمُوتُ َونَحْيَا َومَا نَحْ ُن بِمَ ْبعُوثِيَ
الزء الثالث 224
( )37إِ ْن ُهوَ ِإلّا َرجُ ٌل افَْترَى عَلَى اللّهِ َكذِبا وَمَا نَحْنُ لَ ُه بِ ُم ْؤمِنِيَ (﴾ )38
.
ت هَْيهَاتَ ﴾ ،يقول :بعيد ،بعيد .
عن ابن عباس ف قوله َ ﴿ :هْيهَا َ
قال ابن جرير :وهذا خب من ال ج ّل ثناؤه عن قول الل من ثود أنم
ت َهيْهَا تَ ﴾ ،أي :بعيد ما توعدون ،أيها القوم من أنكم
قالوا َ ﴿ :هْيهَا َ
بعد موت كم وم صيكم ترابًا وعظامًا مرَجون أحياء من قبور كم ،يقولون :
ذلك غي كائن .
وقال ا بن ز يد ف قوله ﴿ :إِ ْن هِ يَ إِلّا َحيَاتُنَا ال ّدنْيَا نَمُو ُ
ت َونَحْيَا وَمَا
ْنَ بِ َمْبعُوثِي َ ﴾ ،قال يقول :ليَس آخرة ول بعَث ،يكفرون بالبعَث نَح ُ
يقولون :إن ا هي حيات نا هذه ث نوت ول ن يا ،يوت هؤلء وي يا هؤلء ،
يقولون :إنا الناس كالزرع يُح صد هذا وين بت هذا ،يقولون :يوت هؤلء
ويأت آخرون ﴿ ،وَقَا َل الّذِي نَ َكفَرُوا هَ ْل نَدُّلكُ ْم عَلَى رَجُلٍ يَُنّبئُكُ مْ إِذَا مُزّ ْقتُ مْ
كُ ّل مُ َمزّ قٍ ِإّنكُ مْ َلفِي َخلْ قٍ جَدِيدٍ ﴾ َ ﴿ ،زعَ َم الّذِي نَ َكفَرُوا أَن لّن ُيْب َعثُوا قُلْ
ك عَلَى اللّ ِه يَسِيٌ ﴾ . بَلَى وَ َربّي َلُتْب َعثُنّ ثُمّ َلُتَنّبؤُ ّن بِمَا عَمِ ْلتُ ْم َوذَلِ َ
ص ْرنِي بِمَا َك ّذبُو نِ ( )39قَالَ عَمّا قَلِيلٍ
قوله عز وجل ﴿ :قَالَ َربّ ان ُ
ُمـ غُثَاء فَُبعْدا
جعَلْنَاه ْ
ح ُة بِالْحَقّ فَ َ
الصـيْ َ
ُمـ ّح ّن نَا ِدمِيَ (َ )40فأَ َخذَْته ُ
ُصـبِ ُ
لَي ْ
لّ ْل َقوْ ِم الظّالِمِيَ (. ﴾ )41
225 توفيق الرحن ف دروس القرآن
قال ابن عباس يقول :جُعلوا كالشيء اليت البال من الشجر .وقال ماهد
:غثاء كالرميم الامد الذي يتمل السيل ،أولئك ثود .
شأْنَا مِن َب ْعدِهِ ْم ُقرُونا آ َخرِي نَ ( )42مَا تَ سْبِقُ
قوله عز وجل ُ ﴿ :ثمّ أَن َ
مِ نْ ُأ ّمةٍ َأجَلَهَا وَمَا يَ سْتَ ْأ ِخرُونَ ( )43ثُمّ أَرْ سَلْنَا رُ سُلَنَا تَ ْترَا كُلّمَا جَاء ُأ ّمةً
ْمـلّا
ِيثـ فَُبعْدا ّلقَو ٍ
ُمـ َأحَاد َ
ُوهـ َفأَتَْبعْنَا َبعْضَهُم َبعْضا َو َجعَلْنَاه ْ
رّسـُوُلهَا َك ّذب ُ
ُي ْؤمِنُونَ (. ﴾ )44
عن ا بن عباس قوله ﴿ :ثُمّ أَرْ سَ ْلنَا رُ سَُلنَا َتتْرَا ﴾ ،يقول :يت بع بعض ها
بعضًا .
وقوله تعال ﴿ :كُ ّل مَا جَاء ُأ ّمةً رّسَُوُلهَا كَ ّذبُوهَُ َفَأْتبَعْنَا َبعْضَهُم َبعْضا
﴾ أي :أهلكنا هم ﴿ ،وَ َجعَ ْلنَاهُ مْ أَحَادِي ثَ ﴾ ،أي :ق صصًا يتحدّث ب م
من بعد هم َ ﴿ ،فُبعْدا ّل َقوْ مٍ لّا ُي ْؤ ِمنُو نَ ﴾ ،أي :فأب عد ال قومًا ل يؤمنون
بال ول يصدّقون رسله .
***
الزء الثالث 226
﴿ ثُمّ أَرْ سَلْنَا مُو سَى َوأَخَا هُ هَارُو نَ بِآيَاتِنَا وَ سُلْطَا ٍن مّبِيٍ (ِ )45إلَى
ش َريْ نِ
ِفرْ َعوْ نَ َومَلَئِ ِه فَا سَْتكْبَرُوا وَكَانُوا قَوْما عَالِيَ (َ )46فقَالُوا َأُنؤْمِ نُ لَِب َ
مِثْلِنَا َو َقوْ ُمهُمَا لَنَا عَاِبدُو نَ ( )47فَ َك ّذبُوهُمَا َفكَانُوا مِ َن الْ ُمهْلَكِيَ ( )48
ب َلعَ ّلهُ مْ َيهَْتدُو نَ ( )49وَ َجعَلْنَا ابْ نَ مَ ْريَ َم َوأُمّ هُ آَيةً
َوَلقَدْ آتَيْنَا مُو سَى اْلكِتَا َ
ِنـ
ّسـلُ كُلُوا م َ
َاتـ َقرَا ٍر وَ َمعِيٍ ( )50يَا أَيّهَا الر ُ
وَآ َويْنَاهُمَا ِإلَى َرْب َو ٍة ذ ِ
ت وَا ْعمَلُوا صَالِحا ِإنّي بِمَا َتعْمَلُو نَ عَلِي مٌ ( )51وَإِنّ هَذِهِ ُأمُّتكُ ْم أُ ّمةً
الطّيّبَا ِ
وَا ِح َد ًة وََأنَا َرّبكُ مْ فَاّتقُو نِ ( )52فََتقَ ّطعُوا َأمْ َرهُم بَيَْنهُ مْ ُزبُرا ُك ّل ِحزْ بٍ بِمَا
َل َديْهِ مْ َف ِرحُو نَ (َ )53فذَ ْرهُ ْم فِي غَ ْم َرِتهِ مْ حَتّى حِيٍ ( َ )54أيَحْ سَبُو َن َأنّمَا
نُ ِم ّدهُم بِ ِه مِن مّالٍ وَبَنِيَ ( )55نُسَارِعُ لَهُمْ فِي الْخَ ْيرَاتِ بَل لّا َيشْ ُعرُو نَ (
شفِقُونَ ( )57وَاّلذِي َن هُم بِآيَاتِ َربّ ِهمْ
)56إِ ّن اّلذِي َن هُم ّمنْ َخشَْيةِ َرّبهِم ّم ْ
شرِكُو نَ ( )59وَاّلذِي َن ُيؤْتُو نَ مَا آتَوا
ُي ْؤمِنُو نَ ( )58وَاّلذِي َن هُم ِب َربّهِ ْم لَا ُي ْ
ِكـ يُسـَارِعُو َن ف ِي
ُونـ (ُ )60أ ْولَئ َ
ِمـ رَا ِجع َ
ُمـ ِإلَى َرّبه ْ
ُمـ َوجِ َلةٌ َأّنه ْ
ّوقُلُوُبه ْ
ف َنفْسا ِإلّا وُسْ َعهَا َوَلدَيْنَا كِتَابٌ
ت َوهُ ْم َلهَا سَاِبقُونَ ( )61وَلَا نُكَلّ ُ
الْخَ ْيرَا ِ
يَنطِ ُق بِالْحَقّ َوهُ مْ لَا يُظْلَمُو نَ (َ )62بلْ قُلُوُبهُ ْم فِي َغ ْم َرةٍ مّ ْن َهذَا َوَلهُ مْ
أَ ْعمَا ٌل مِن دُو ِن َذلِ كَ هُ مْ لَهَا عَامِلُو نَ ( )63حَتّ ى ِإذَا َأخَذْنَا مُ ْت َرفِيهِم
صرُونَ ()65
جأَرُوا الَْيوْ َم ِإنّكُم مّنّا لَا تُن َ
جأَرُونَ ( )64لَا تَ ْ
ب ِإذَا ُهمْ يَ ْ
بِالْ َعذَا ِ
ُمـ تَنكِصـُونَ ()66
ـ عَلَى أَ ْعقَاِبك ْ
ـ َفكُنتُم ْ
ـ آيَاتِـي تُتْلَى عَلَ ْيكُم ْ
َقدْ كَانَت ْ
227 توفيق الرحن ف دروس القرآن
***
الزء الثالث 228
قوله عز وجل ُ ﴿ :ثمّ أَرْسَلْنَا مُوسَى َوَأخَاهُ هَارُو َن بِآيَاتِنَا وَسُلْطَانٍ مِّبيٍ
(ِ )45إلَى ِفرْ َعوْ نَ َومَلَئِ ِه فَا سْتَكَْبرُوا وَكَانُوا قَوْما عَالِيَ (َ )46فقَالُوا َأُنؤْمِ نُ
ش َريْنِ مِثْلِنَا َوقَ ْو ُمهُمَا لَنَا عَابِدُونَ (َ )47ف َكذّبُوهُمَا فَكَانُوا مِنَ الْ ُمهْ َلكِيَ (
لَِب َ
. ﴾ )48
قال البغوي ﴿ :ثُمّ أَرْ سَ ْلنَا مُو سَى َوأَخَا هُ هَارُو َن بِآيَاتِنَا وَ سُلْطَانٍ مّبِيٍ
ِهَ
ْنَ َومََلئ ِ
﴾ ،يعنَ :بجّة بينَة مَن اليَد والعصَا وغيهاَ ﴿ ،إِلَى ِف ْرعَو َ
َتَ ْكبَرُوا ﴾ تعظّموا عَن اليان ﴿ ،وَكَانُوا َقوْما عَالِيََ ﴾ متكبّريَن فَاس ْ
قاهرين غيهم بالظلم .
﴿ َفقَالُوا ﴾ ،يعن :فرعون وقومه َ ﴿ ،أُن ْؤمِ نُ ِلبَشَ َريْ ِن ِمثِْلنَا ﴾ ،يعن :
َ ﴾ ،مطيعون متذللون ، موسَى ،وهارون ﴿ ،وََق ْو ُمهُمََا لَنََا عَابِدُون َ
ِنَ الْ ُمهَْلكِي َ ﴾ بالغرق .وقال ابَن زيَد :قال ﴿ َفكَ ّذبُوهُم َا َفكَانُوا م َ
فرعون َ ﴿ :أُن ْؤمِ نُ ِلبَشَ َريْ نِ مِثِْلنَا وََق ْومُهُمَا َلنَا عَابِدُو نَ ﴾ نذهب نرفعهم فوقنا
ونكون تت هم ،ون ن اليوم فوق هم و هم تت نا ،ك يف ن صنع ذلك ؟ وذلك
حي أتوهم بالرسالة ،وقرأ َ ﴿ :وتَكُونَ َلكُمَا اْل ِكبْ ِريَاء فِي الَ ْرضِ ﴾ ،قال :
العلو ف الرض .
قوله عز وجل ﴿ َوَلقَدْ آتَيْنَا مُوسَى اْلكِتَابَ َلعَ ّلهُمْ َيهَْتدُونَ ( )49وَ َجعَلْنَا
ت َقرَا ٍر َو َمعِيٍ (. ﴾ )50
اْبنَ َم ْرَيمَ َوُأمّهُ آَي ًة وَآوَيْنَاهُمَا ِإلَى َرْب َو ٍة ذَا ِ
229 توفيق الرحن ف دروس القرآن
عن قتادة ف قوله ﴿ :وَ َج َعلْنَا ابْ َن مَ ْريَ َم َوُأمّ ُه آَيةً ﴾ ،قال :ولد ته من
غي أب هو له ،ولذلك وجدت الية ،وقد ذكر مري وابنها .وقوله تعال :
﴿ وَآوَْينَاهُمَا إِلَى َرْب َوةٍ ذَاتِ قَرَا ٍر َو َمعِيٍ ﴾ ،قال ابن عباس :الربوة :الكان
الرتفع ،وهو أحسن ما يكون فيه النبات .
وقوله ﴿ :ذَا تِ قَرَارٍ ﴾ ،يقول :ذات خصب َ ﴿ ،و َمعِيٍ ﴾ ،يع ن :
ماء ظاهرًا .وقال الضحاك ،وقتادة ﴿ :إِلَى َرْب َوةٍ ذَا تِ َقرَا ٍر َو َمعِيٍ ﴾ هو :
بيت القدس .
ت وَاعْمَلُوا صَالِحا
قوله عز و جل ﴿ :يَا أَيّهَا الرّ ُسلُ كُلُوا مِ نَ الطّيّبَا ِ
ِإنّي بِمَا َتعْمَلُونَ عَلِيمٌ ( )51وَإِنّ هَذِهِ ُأمُّتكُ ْم أُ ّم ًة وَا ِح َدةً َوَأنَا َرّبكُ ْم فَاّتقُونِ
(. ﴾ )52
َاتَ ﴾ ،يعنَ :اللل .وعَن ابَن قال الضحاك ﴿ :كُلُوا م َ
ِنَ ال ّطّيب ِ
جريج َ ﴿ :وإِ ّن هَ ِذهِ ُأ ّمُتكُمْ ُأ ّم ًة وَاحِ َدةً ﴾ ،قال :اللة ،والدين .
قوله عز و جل ﴿ :فََتقَ ّطعُوا َأ ْمرَهُم بَيَْنهُ مْ ُزبُرا ُك ّل حِزْ بٍ بِمَا َل َديْهِ مْ
َف ِرحُو نَ (َ )53فذَرْهُ ْم فِي َغ ْم َرتِهِ مْ حَتّى حِيٍ (َ )54أيَحْ سَبُو َن َأنّمَا نُ ِمدّهُم
( ت بَل لّا َيشْ ُعرُو نَ
بِ ِه مِن مّا ٍل َوبَنِيَ ( )55نُ سَارِعُ لَهُ ْم فِي الْخَ ْيرَا ِ
. ﴾ )56
عن ماهد َ ﴿ :فَتقَ ّطعُوا َأمْ َرهُم َبيَْنهُمْ ُزبُرا ﴾ ،قال :كتبهم فرّقوها قطعًا
ب بِمَا لَ َدْيهِمْ
.وقال ابن زيد ف قوله َ ﴿ :فَتقَ ّطعُوا َأمْ َرهُم َبْيَنهُمْ ُزبُرا كُلّ ِحزْ ٍ
الزء الثالث 230
ويسرق ،ويشرب المر ؟ قال « :ل يا ابنة أب بكر ،ولكن الرجل يصوم
ويصلّي ويتصدّق وياف أن ل يُقبل منه » .رواه ابن جرير وغيه .
وقوله تعال ُ ﴿ :أوَْلئِ كَ يُ سَا ِرعُونَ فِي الْ َ
خيْرَا تِ ﴾ ،أي :يبادرون إل
العمال الصالات ﴿ ،وَهُ مْ َلهَا ﴾ ،أي :إليها ﴿ ،سَاِبقُونَ ﴾ ،قال ابن
عباس :سبقت لم من ال السعادة .
ب يَنطِ قُ
قوله عز و جل ﴿ :وَلَا نُكَلّ فُ َنفْ سا ِإلّا وُ ْسعَهَا وََل َديْنَا كِتَا ٌ
بِالْحَقّ َوهُ مْ لَا يُظْلَمُو نَ (َ )62بلْ قُلُوُبهُ مْ فِي َغ ْم َرةٍ مّ نْ هَذَا وََلهُ ْم أَعْمَالٌ
مِن دُونِ َذِلكَ ُه ْم َلهَا عَامِلُونَ (. ﴾ )63
ِقَ بِالْحَق ّ ﴾ ،يعنَ :كتاب قال ابـن كثيـ ﴿ :وَلَ َديْن َا ِكت ٌ
َابَ يَنط ُ
العمال َ ﴿ ،وهُ مْ لَا يُ ْظلَمُو نَ بَلْ ُقلُوُبهُ مْ فِي غَ ْم َرةٍ مّ ْن هَذَا ﴾ ،قال ماهد :
ك هُمْ َلهَا عَامِلُونَ ﴾ ،
ف عمى من هذا القرآن ﴿ ،وََلهُمْ َأعْمَا ٌل مِن دُونِ ذَلِ َ
قال :الطايا .
جأَرُونَ (
ب ِإذَا ُهمْ يَ ْ
قوله عز وجل ﴿ :حَتّى ِإذَا َأخَ ْذنَا مُ ْت َرفِيهِم بِالْ َعذَا ِ
َتـ آيَاتِي تُتْلَى
ُنصـرُونَ (َ )65قدْ كَان ْ
ْمـِإنّكُم مّنّاـ لَا ت َ
جأَرُوا الْيَو َ
)64لَا تَ ْ
جرُو نَ
عَلَ ْيكُمْ َفكُنتُمْ َعلَى أَ ْعقَابِكُ ْم تَنكِ صُونَ ( )66مُسْتَكِْبرِينَ بِ هِ سَامِرا َتهْ ُ
(. ﴾ )67
ُونَ ﴾ ،يقول :
جأَر َ قال ابـن زيـد :الترفون :العظماء ﴿ .إِذَا ه ْ
ُمَ يَ ْ
فإذا أخذناهَم بالعذاب جأروا ،يقول :ضجّوا واسَتغاثوا ماَ حلّ بمَ مَن
الزء الثالث 232
جأَرُوا الَْيوْ مَ ِإّنكُم ّمنّا لَا تُن صَرُونَ ﴾ ،قال الربيع :ل تزعوا عذابنا ﴿ ،لَا تَ ْ
الن حي ح ّل بكم العذاب إنه ل ينفعكم ،فلو كان هذا الزع َقبْل نَ َف َعكُ مْ
.
﴿ قَدْ كَانَ تْ آيَاتِي تُتْلَى عََلْيكُ مْ َفكُنتُ ْم عَلَى أَ ْعقَاِبكُ مْ تَنكِ صُونَ ﴾ ،قال
ِهَ ﴾ ،يقول :مسَتكبين برم ُسَ ْكبِرِي َن ب ِ
ابَن عباس يقول :تُ ْدبِرون ﴿ ،م ْتَ
الب يت ل نه ل يظ هر علي نا ف يه أ حد ﴿ ،سَامِرا ﴾ ،يقول :ي سمرون حول
جرُو نَ ﴾ ،قال :يهجرون ذ كر ال وال ق ،وقال ا بن ز يد : الب يت َ ﴿ ،تهْ ُ
كانوا يسمرون ليلهم ويلعبون ويتكلّمون بالشعر والكهانة ،وبا ل يدرون .
جرُونَ ﴾ ،قال :بالقول السيّئ ف القرآن . وعن ماهد َ ﴿ :تهْ ُ
قوله عز وجل َ ﴿ :أفَلَ ْم َي ّدبّرُوا اْلقَ ْولَ أَ ْم جَاءهُم مّا لَ مْ َيأْ تِ آبَاءهُ مُ
اْلأَ ّولِيَ ( )68أَ ْم لَ ْم َيعْ ِرفُوا رَ سُوَلهُ ْم َفهُ ْم لَ هُ مُن ِكرُو نَ ( )69أَ ْم َيقُولُو َن بِ هِ
َعـ الْحَقّ
ُونـ ( )70وََلوِ اتّب َ
ُمـ لِلْحَقّ كَا ِره َ
جِّنةٌ بَ ْل جَاءهُم بِالْحَقّ َوأَكَْث ُره ْ
ض َومَن فِي ِهنّ َب ْل َأتَيْنَاهُم ِبذِ ْك ِرهِ ْم َفهُ مْ
ت وَاْلأَرْ ُ
ت ال سّمَاوَا ُ
سدَ ِ
َأ ْهوَاءهُ مْ َلفَ َ
خرَاجُ َربّ كَ خَ ْي ٌر َوهُ َو خَ ْيرُ
سَألُ ُه ْم خَرْجا فَ َ
عَن ذِ ْك ِرهِم ّم ْعرِضُو نَ ( )71أَ ْم تَ ْ
الرّا ِزقِيَ (. ﴾ )72
قال البغوي ﴿ :أَفَلَ ْم يَ ّدبّرُوا ﴾ ،يعن :يتدّبروا ﴿ ،اْل َقوْلَ ﴾ ،يعن :
ما جاءهم من القول وهو :القرآن .فيعرفوا ما فيه من الدللت على صدق
ت آبَاءهُمُ اْلَأوّلِيَ ﴾ ؟ فأنكروا ،يريد أنا قد
ممد ﴿ ،أَمْ جَاءهُم مّا لَ ْم َيأْ ِ
233 توفيق الرحن ف دروس القرآن
بعثنا من قلبهم رسلً إل قومهم ،كذلك بعثنا ممدًا إليهم ؛ وقيل ( :أم )
بعن ( :بل ) .يعن :بل جاءهم ما ل يأت آباءهم الولي ،فلذلك أنكروا
.
﴿ أَ مْ َل ْم َيعْرِفُوا رَ سُوَلهُمْ ﴾ ممدًا َ ﴿ ،فهُ مْ لَ ُه مُنكِرُو نَ ﴾ ،قال ابن
عباس :أليس قد عرفوا ممدًا صغيًا وكبيًا ،وعرفوا نسبه وصدقه وأمانته
ووفائه بالعهود ؟ وهذا على سَبيل التوبيَخ لمَ على العراض عنَه ،بعدمَا
عرفوه بالصدق والمانة .
﴿ أَ ْم َيقُولُو َن بِ هِ ِجّنةٌ ﴾ ؟ جنون ،وليس كذلك ﴿ بَلْ جَاءهُم بِالْحَقّ ﴾
يعن :بالصدق والقول الذي ل تفى صحته وحسنه على عاقل ﴿ َوأَ ْكثَ ُرهُ مْ
ِللْحَقّ كَا ِرهُونَ ﴾ .
ت وَالْأَرْ ضُ وقوله تعال ﴿ :وََل ِو اتّبَ َع الْحَقّ َأ ْهوَاءهُ مْ َلفَ سَدَ ِ
ت ال سّمَاوَا ُ
َومَن فِيهِنّ ﴾ ،قال ماهد وغيه :الق :هو ال .قال ابن كثي :والراد :
لو أجاب م ال إل ما ف أنف سهم من الوى ،وشرع المور على و فق ذلك
ْضَ وَمَن فِيهِنّ ﴾ ،أي :لفسَاد أهوائهَم السَمَاوَاتُ وَاْلأَر ُ
َسَدَتِ ّ َ ﴿ :لف َ
واختلفها ،كما أخب عنهم ف قولم َ ﴿ :وْلَا نُزّ َل هَذَا اْلقُرْآنُ عَلَى رَ ُج ٍل مّنَ
ّكَ ﴾ ،وقال تعال ْسَمُونَ رَحْ َمةَ َرب َ ِيمَ ﴾ ثَ قال َ ﴿ :أهُم ََْيق ِ اْلقَ ْرَيتَيْنَِ عَظ ٍ
شَيةَ الِنفَا قِ
سكْتُمْ خَ ْ ﴿ :قُل ّلوْ أَنتُ ْم تَ ْمِلكُو نَ َخزَآئِ نَ رَحْ َمةِ َربّ ي إِذا ّلَأمْ َ
وَكَانَ النسَانُ َقتُورا ﴾ .
الزء الثالث 234
َيَتضَ ّرعُو نَ ﴾ ،قال ال سن :إذا أ صاب الناس من ِقبَ ِل الشيطان بلء ،فإن ا
هَي نقمَة فل تسَتقبلوا نقمَة ال بالميَة ،ولكَن اسَتقبلوها بالسَتغفار
وتضرّعوا إل ال .
وقوله تعال َ ﴿ :حتّ ى إِذَا َفتَحْنَا عََليْهِم بَابا ذَا عَذَا بٍ شَدِيدٍ ِإذَا هُ مْ فِي هِ
ُمبْلِ سُونَ ﴾ .قال ابن كثي :أي :حت إذا جاءهم أمر ال وجاءتم الساعة
بغتة ،فأخذهم من عذاب ال ما ل يكونوا يتسبون ،فعند ذلك ُأبْلِ سُوا من
كل خي ،وأيسوا من كل رحة ،وانقطعت آمالم ورجاؤهم .
***
الزء الثالث 236
وقوله تعال ﴿ :كَلّا ِإنّهَا َكلِ َم ٌة ُهوَ قَائِلُهَا وَمِن وَرَائِهِم بَرْ َز خٌ إِلَى َيوْ مِ
ُيْبعَثُونَ ﴾ .قال البغوي ﴿ :كَلّا ﴾ كلمة ردع وزجر ،أي :ل يرجع إليها
﴿ إِّنهَا ﴾ يعن :سؤاله الرجعة ﴿ ،كَِل َم ٌة ُهوَ قَائُِلهَا ﴾ ول ينالا َ ﴿ ،ومِن
وَرَاِئهِم بَرْ َز خٌ ﴾ ،أي :أمامهم وبي أيديهم حاجز ﴿ إِلَى َيوْ ِم ُيبْ َعثُو نَ ﴾ .
وقال الضحاك :البزخ :ما بي الوت إل البعث .
خ فِي ال صّو ِر فَلَا أَن سَابَ بَيَْنهُ ْم َيوْمَِئ ٍذ وَلَا
قوله عز و جل َ ﴿ :فإِذَا ُنفِ َ
ك هُمُ الْ ُمفْلِحُونَ (َ )102ومَنْ
ت َموَازِينُ ُه َفأُ ْولَئِ َ
يَتَسَاءلُونَ ( )101فَمَن ثَقُلَ ْ
سهُ ْم فِي جَهَنّ مَ خَالِدُو نَ ()103
سرُوا أَنفُ َ
ت َموَازِينُ هُ َفُأوْلَئِ كَ اّلذِي نَ خَ ِ
َخفّ ْ
ُنـ آيَاتِي تُتْلَى
َمـ َتك ْ
ُونـ (َ )104أل ْ
ُمـ فِيهَا كَالِح َ
ُمـ النّا ُر َوه ْ
َحـ ُوجُو َهه ُ
تَ ْلف ُ
عَلَ ْيكُ ْم َفكُنتُم بِهَا ُت َكذّبُو نَ ( )105قَالُوا َربّنَا غَلَبَ تْ َعلَيْنَا ِش ْقوَتُنَا وَكُنّ ا
َقوْما ضَالّيَ (َ )106ربّنَا َأخْ ِرجْنَا مِ ْنهَا َفإِ نْ ُع ْدنَا َفِإنّا ظَالِمُو نَ ( )107قَالَ
اخْ سَؤُوا فِيهَا َولَا ُتكَلّمُو نِ (ِ )108إنّ هُ كَا َن َفرِي ٌق مّ نْ عِبَادِي َيقُولُو نَ َربّنَا
خ ِريّا
خ ْذتُمُوهُ مْ سِ ْ
ت خَ ْيرُ الرّاحِ ِميَ ( )109فَاتّ َ
آمَنّا فَا ْغفِ ْر لَنَا وَارْحَمْنَا َوأَن َ
حكُو نَ (ِ )110إنّ ي َج َزيْتُهُ مُ الَْيوْ مَ
سوْكُ ْم ذِ ْكرِي وَكُنتُم مّ ْنهُ ْم تَضْ َ
حَتّ ى أَن َ
بِمَا صََبرُوا َأّن ُهمْ ُهمُ اْلفَاِئزُونَ (. ﴾ )111
قال ا بن م سعود :إذا كان يوم القيا مة ج ع ال الول ي والخر ين ،ث
نادى مناد :أل من كان له مظلمة فليجيء فليأخذ حقّه ،قال :فيفرح الرء
أن يكون له القََ على والده أو ولده أو زوجتََه ،وإن كان صََغيًا ،
243 توفيق الرحن ف دروس القرآن
وقوله تعال ِ ﴿ :إنّ هُ كَا نَ َفرِي ٌق مّ ْن عِبَادِي َيقُولُو نَ َربّنَا آ َمنّ ا فَا ْغفِرْ لَنَا
سوْكُمْ ذِكْرِي خ ْذتُمُوهُ مْ ِسخْ ِريّا َحتّى أَن َ وَارْ َح ْمنَا َوأَن تَ َخيْرُ الرّاحِ ِميَ * فَاتّ َ
صبَرُوا َأنّهُ ْم هُ ُم اْلفَائِزُو نَ حكُو نَ * ِإنّ ي جَ َزْيُتهُ مُ اْلَيوْ َم بِمَا َ وَكُنتُم ّمْنهُ ْم َتضْ َ
حكُونَ * َوِإذَا ﴾ كقوله تعال ِ ﴿ :إنّ الّذِينَ أَجْ َرمُوا كَانُواْ مِ َن الّذِينَ آ َمنُوا َيضْ َ
مَرّوْا ِبهِ ْم َيتَغَامَزُونَ * َوإِذَا انقََلبُواْ إِلَى َأهِْلهِمُ انقََلبُواْ َف ِكهِيَ * َوإِذَا َرَأوْهُمْ قَالُوا
إِنّ هَؤُلَاء َلضَالّو نَ * وَمَا أُرْ سِلُوا عََلْيهِ مْ حَافِظِيَ * فَاْلَيوْ مَ الّذِي نَ آ َمنُواْ مِ نَ
ّبَ اْل ُكفّارُ م َا كَانُوا ُونَ * هَ ْل ُثو َ ِكَ يَنظُر َ ُونَ * عَلَى الْأَرَائ ِ حك َ اْل ُكفّارِ َيضْ َ
َي ْفعَلُونَ ﴾ .
قوله عز وجل ﴿ :قَالَ كَ ْم لَبِثْتُ مْ فِي اْلأَرْ ضِ َع َددَ سِنِيَ ( )112قَالُوا
ل ّلوْ
لَبِثْنَا َيوْما َأوْ َبعْ ضَ َيوْ ٍم فَا سَْألْ اْلعَادّي نَ ( )113قَالَ إِن لّبِثْتُ مْ ِإلّا قَلِي ً
َأّنكُ مْ كُنتُ ْم َتعْلَمُو نَ (َ )114أفَحَ سِبُْت ْم َأنّمَا خَلَقْنَاكُ مْ َعبَثا َوَأنّكُ ْم ِإلَيْنَا لَا
حقّ لَا ِإلَ َه ِإلّا هُوَ َربّ اْل َعرْ شِ اْل َكرِيِ
ُت ْرجَعُو نَ ( )115فََتعَالَى اللّ ُه الْمَلِ كُ الْ َ
(. ﴾ )116
قال البغوي ﴿ :قَالَ كَ مْ َلِبثْتُ مْ فِي الْأَرْ ضِ ﴾ ،أي :ف الدن يا ،و ف
القبور ﴿ ،عَدَدَ ِسنِيَ * قَالُوا َلِبثْنَا َيوْما َأ ْو َبعْضَ َيوْمٍ ﴾ ،نسوا مدة لبثهم ف
الدنيا ِلعِظَ مِ ما هم بصدده من العذاب ﴿ ،فَا ْسأَ ْل اْلعَادّي َن ﴾ اللئكة الذين
يفظون أعمال بن آدم ويصونا عليهم ﴿ ،قَالَ إِن ّلِبثْتُمْ ﴾ ،أي :ما لبثتم
سْبتُمْ َأنّمَا خََل ْقنَاكُ ْم َعبَثا
ف الدن يا ﴿ إِلّا َقلِيلً ّلوْ َأّنكُ مْ كُنتُ ْم َتعْلَمُو نَ * أََفحَ ِ
245 توفيق الرحن ف دروس القرآن
***
الزء الثالث 246
***
الزء الثالث 248
قوله عز وجل ﴿ :سُو َر ٌة أَنزَلْنَاهَا َوفَرَضْنَاهَا َوأَنزَلْنَا فِيهَا آيَا تٍ بَيّنَا تٍ
ّلعَ ّلكُ ْم َتذَ ّكرُو نَ ( )1الزّانَِيةُ وَالزّانِي فَاجْ ِلدُوا ُك ّل وَا ِحدٍ مّ ْنهُمَا مَِئ َة جَلْ َدةٍ
َولَا َت ْأخُذْكُم ِبهِمَا َرْأ َفةٌ فِي دِي ِن اللّ ِه إِن كُنتُ ْم ُت ْؤمِنُو نَ بِاللّ ِه وَالَْيوْ ِم الْآ ِخرِ
ِحـ إلّا زَانَِيةً َأوْ
ّنـ الْمُ ْؤمِنِي َ ( )2الزّان ِي لَا يَنك ُ
شهَدْ َعذَابَهُم َا طَائِ َف ٌة م َ
َولَْي ْ
شرِ ٌك وَ ُحرّ َم َذلِ كَ عَلَى الْ ُم ْؤمِنِيَ (
حهَا ِإلّا زَا ٍن َأوْ ُم ْ
شرِ َكةً وَالزّانَِيةُ لَا يَنكِ ُ
ُم ْ
. ﴾ )3
قال ابن كثي :يقول تعال :هذه ﴿ سُو َرةٌ أَنزَْلنَاهَا ﴾ ،وفيه تنبيه على
ضنَاهَا ﴾ ،يقول :بّينّا ها . العتناء ب ا .و عن ا بن عباس ف قوله ﴿ :وَفَ َر ْ
ت َبيّنَا تٍ ﴾ ،قال :اللل ،والرام ، وعن ابن جريج َ ﴿ :وأَنزَْلنَا فِيهَا آيَا ٍ
والدود ّ ﴿ ،لعَّلكُ ْم تَذَكّرُو نَ * الزّاِنَي ُة وَالزّانِي فَا ْجلِدُوا كُ ّل وَاحِ ٍد ّمْنهُمَا ِمَئةَ
جَلْ َد ٍة وَلَا َتأْخُذْكُم ِبهِمَا َرأَْفةٌ فِي دِي نِ اللّ هِ ﴾ ،قال عطاء :يقام حدًا ل ول
يعطّل ،وليَس بالقتَل .وقال عمران :قلت لبَ ملز ﴿ :الزّانَِي ُة وَالزّانِي
ْمَ الْآخِرِ ﴾ إنَا لنرحهَم أن يلد فَاجْلِدُوا كُ ّل وَاحِ ٍد ّمْنهُمَا ﴾ إل ﴿ :وَاْليَو ِ
الرجل حدّا أو تقطع يده ،قال :إنا ذاك أنه ليس للسلطان إذا رفعوا إليه أن
يدعهم رحة لم حت يقيم الدّ .
وقوله تعال ﴿ :وَْليَ ْ
شهَ ْد عَذَاَبهُمَا طَاِئ َفةٌ مّ َن الْ ُم ْؤ ِمنِيَ ﴾ ،قال الزهري :
الطائفة الثلثة فصاعدًا .وعن ابن عباس :أن عمر قام فحمد ال وأثن عليه
ث قال ( :أما بعد أيها الناس ،فإن ال تعال بعث ممدًا بالق وأنزل عليه
249 توفيق الرحن ف دروس القرآن
الكتاب ،فكان فيمَا أنزل عليَه آيَة الرجَم ،فقرأناهَا ووعيناهَا ،ورجَم
رسَول ال ورجنَا بعده فأخشَى إن طال بالناس زمان أن يقول قائل :ل
ن د الر جم ف كتاب ال ،فيضلّوا بترك فري ضة قد أنزل ا ال ،فالر جم ف
كتاب ال ح قّ على من زن إذا أُحْ صِنَ من الرجال والنساء إذا قامت البيّنة ،
لبَلُ أو العتراف ) .متفق عليه .وف الصحيحي أيضًا ف حديث أو كان ا َ
العسيفي ،فقال رسول ال « :والذي نفسي بيده لقضيّ بينكما بكتاب
ال :الوليدة والغ نم رَدّ عل يك ،وعلى اب نك مائة جلدة وتغر يب عام ،وا غد
يَا أنيَس إل امرأة هذا ،فإن اعترفَت فارجهَا » ،فغدا عليهمَا فاعترفَت
َ .وعَن زيَد بَن ثابَت رضَي ال عنَه قال :كنَا نقرأ ( :والشيَخ فرجه ا
والشي خة إذا زن يا فارجوه ا الب تة ) .رواه الن سائي وغيه .قال ا بن كث ي :
آ ية الر جم كا نت مكتو بة ،فن سخ تلوت ا وب قي حكم ها معمولً به .وال
أعلم .
وقوله تعال ﴿ :الزّانِي لَا يَنكِ حُ إلّا زَاِنَيةً َأ ْو مُشْرِ َك ًة وَالزّانَِيةُ لَا يَنكِ ُ
حهَا إِلّا
ك عَلَى الْ ُم ْؤمِنِيَ ﴾ ،قال عبد ال بن عمرو كانت شرِ كٌ وَ ُحرّ مَ ذَلِ َ زَا نٍ َأوْ مُ ْ
امرأة يقال لا :أم مهزول وكانت تسافح ،فأراد رجل من أصحاب رسول
ِحَ إلّا زَاِنَيةً َأوْ
ال أن يتزوّجهَا ،فأنزل ال عَز وجَل ﴿ :الزّان ِي لَا يَنك ُ
ك عَلَى الْ ُم ْؤ ِمنِيَ ﴾ . شرِ كٌ َوحُرّ مَ ذَلِ َ حهَا إِلّا زَا نٍ َأوْ مُ ْ مُشْرِ َك ًة وَالزّاِنيَةُ لَا يَنكِ ُ
رواه النسَائي .وفَ روايَة الِمام أحدَ :فاسَتأذن رسَول ال فقرأ ﴿ :
شرِكٌ َوحُرّمَ حهَا إِلّا زَانٍ َأوْ مُ ْ
الزّانِي لَا يَنكِحُ إلّا زَاِنَيةً َأوْ مُشْرِ َك ًة وَالزّاِنيَةُ لَا يَنكِ ُ
الزء الثالث 250
ك عَلَى الْ ُم ْؤ ِمنِيَ ﴾ .وعن ابن عمر أن رسول ال قال « :ثلثة حرّم
ذَلِ َ
ال عليهَم الن ّة :مدمَن المَر ،والعاق لوالديَه ،والذي يقرّ فَ أهله
البث » .رواه أحد .وف رواية « :والديّوث » .
َمـ يَ ْأتُوا ِبأَ ْربَ َعةِ
ت ثُمّ ل ْ
ْصـنَا ِ
ُونـ الْمُح َ
ِينـ َي ْرم َ
قوله عـز وجـل ﴿ :وَالّذ َ
ُمـ
ِكـ ه ُ
ُمـ شَهَا َدةً َأبَدا َوأُ ْولَئ َ
ُمـ ثَمَانِيَ جَ ْلدَ ًة َولَا َتقْبَلُوا َله ْ
ُش َهدَاء فَاجْلِدُوه ْ
اْلفَا ِسقُونَ (ِ )4إلّا اّلذِينَ تَابُوا مِن بَ ْع ِد َذلِكَ َوأَ صْ َلحُوا َفإِنّ اللّ هَ َغفُورٌ ّرحِي مٌ
(. ﴾ )5
قال ا بن كث ي :الح صنة هي :الرة البال غة العفي فة .وقال الش عب ف
القاذف إذا تاب وعلم منه خي :أن شهادته جائزة ،وإن ل يتب فهو خليع
ل توز شهادتَه ،وتوبتُه إكذابُه نفسََه .وقال الضحاك :إذا تاب وأصَلح
قبلت شهادته .
قوله عز و جل ﴿ :وَاّلذِي نَ َي ْرمُو َن أَ ْزوَا َجهُ مْ َولَ ْم يَكُن ّلهُ ْم ُشهَدَاء ِإلّا
ِنـ الصـّا ِدقِيَ ( )6
ّهـ لَم َ
ّهـ ِإن ُ
َاتـ بِالل ِ
َعـ َشهَاد ٍ
ِمـ أَ ْرب ُ
شهَا َد ُة أَ َح ِده ْ
ُسـهُ ْم َف َ
أَنف ُ
ِنـ اْلكَا ِذبِيَ وََيدْ َرأُ ( )7عَنْهَا
َانـ م َ
ْهـ إِن ك َ
ّهـ عَلَي ِ
َتـ الل ِ
ِسـُة أَنّ َلعْن َ
وَالْخَام َ
ت بِاللّهِ ِإنّ ُه لَمِ َن اْلكَا ِذبِيَ ( )8وَالْخَامِسَ َة أَنّ
شهَ َد أَ ْربَ عَ شَهَادَا ٍ
ب أَ ْن َت ْ
اْلعَذَا َ
ُمـ
ّهـ عَلَ ْيك ْ
ض ُل الل ِ
ِنـ الصـّا ِدقِيَ (َ )9وَلوْلَا فَ ْ
َانـ م َ
ّهـ َعلَيْهَا إِن ك َ
َبـ الل ِ
غَض َ
ب حَكِيمٌ (. ﴾ )10
وَ َرحْمَُت ُه وَأَ ّن ال ّلهَ َتوّا ٌ
251 توفيق الرحن ف دروس القرآن
يُ ْدعَى ولدها لب ول يُ ْرمَى ولدها ،ومن رماها أو رمى ولدها فعليه الدّ ،
وقضى أن ل بيت عليه ول قوت لا من أجل أنما يتفرقان من غي طلق ول
متوفّى عنها ،وقال :إن جاءت به أصيهب أو حش الساقي فهو :للل ،
وإن جاءت به أورق جعدًا جاليًا خدل الساقي سابغ الليتي ،فهو :للذي
رم يت به ،فجاءت به أورق جعدًا ،خدل ال ساقي ،سابغ الليت ي .فقال
رسول ال « :لول اليان لكان ل ولا شأن » .قال عكرمة :فكان بعد
ذلك أميًا على مصر ،وكان يدعى لمّه ول يدعى لب .رواه أحد وغيه
.
وف الصحيحي من حديث ابن عمر قال :يا رسول ال مال ؟ قال « :
ل مال لك إن ك نت صدقت علي ها ،ف هو ب ا ا ستحللت من فرج ها ،وإن
كنت كذبت عليها فهو أبعد لك منها » .
وقوله تعال ﴿ :وََلوْلَا َفضْلُ اللّ ِه عََلْيكُمْ َورَحْ َمتُ ُه َوَأنّ اللّ َه َتوّابٌ َحكِيمٌ ﴾
قال البغوي :جواب ( لول ) مذوف .يعنَ :لعاجلكَم بالعقوبَة ،ولكنَه
ستر علي كم ور فع عن كم الدّ باللعان ﴿ َوأَنّ اللّ َه َتوّا بٌ ﴾ يعود على من
يرجع عن العاصي بالرحة َ ﴿ ،حكِيمٌ ﴾ فيما فرض من الدود .
وقال ابن كثي :ث ذكر تعال رأفته بلقه ولطفه بم فيما شرع لم من
الفرج والخرج مَن شدة مَا يكون بمَ مَن الضيَق ،فقال تعال ﴿ :وََلوْلَا
َفضْلُ اللّ ِه عََليْكُ ْم وَرَ ْح َمتُهُ ﴾ أي :لرجتم ولشق عليكم كثي من أموركم ،
الزء الثالث 254
﴿ َوأَنّ اللّ َه َتوّا بٌ ﴾ ،أي :على عبادة ،وإن كان ذلك بعد اللف واليان
الغلّظة َ ﴿ ،حكِيمٌ ﴾ فيما يشرعه ويأمر به ،وفيما ينهى عنه .
***
255 توفيق الرحن ف دروس القرآن
﴿ إِنّ اّلذِي نَ جَاؤُوا بِالِْإفْ كِ عُ صَْبةٌ مّنكُ ْم لَا َتحْ سَبُوهُ شَرّا لّكُم َبلْ ُهوَ
ب مِنَ اْلِإثْمِ وَالّذِي َتوَلّى كِ ْبرَهُ مِ ْنهُمْ لَهُ
خَ ْي ٌر لّكُ ْم ِلكُ ّل ا ْمرِئٍ مّ ْنهُم مّا اكْتَسَ َ
س ِهمْ
ت ِبأَنفُ ِ
َعذَا بٌ عَظِي مٌ (َ )11ل ْولَا ِإذْ سَ ِمعْتُمُوهُ َظنّ الْ ُم ْؤمِنُو نَ وَالْ ُمؤْمِنَا ُ
َمـ
ْهـ ِبأَرَْب َعةِ ُش َهدَاء َفِإ ْذ ل ْ
ْكـ مّبِيٌ ( )12لَ ْولَا جَاؤُوا عَلَي ِ
خَيْرا َوقَالُوا َهذَا ِإف ٌ
ّهـ
ضلُ الل ِ
ُونـ ( )13وََل ْولَا فَ ْ
ُمـ اْلكَا ِذب َ
ّهـ ه ُ
ِكـ عِن َد الل ِ
شهَدَاء َفأُ ْولَئ َ
َي ْأتُوا بِال ّ
س ُكمْ فِي مَا َأفَضْتُ مْ فِي هِ َعذَا بٌ َعظِي مٌ
عَلَ ْيكُ ْم وَ َرحْمَتُ هُ فِي ال ّدنْيَا وَالْآ ِخرَ ِة لَمَ ّ
ْمـ
ِهـ عِل ٌ
ْسـ لَكُم ب ِ
ُونـ ِبَأ ْفوَاهِكُم مّاـ لَي َ
ْسـنَِت ُكمْ َوَتقُول َ
َهـ ِبَأل ِ
(ِ )14إ ْذ تَ َلقّ ْون ُ
سـِمعْتُمُوهُ قُلْتُم مّاـ
ِيمـ ( )15وََل ْولَا ِإذْ َ
ّهـ عَظ ٌ
ْسـبُوَنهُ هَيّنا وَ ُهوَ عِن َد الل ِ
َوتَح َ
َيكُو ُن لَنَا أَن نّتَكَلّ َم ِبهَذَا سُبْحَاَنكَ َهذَا ُبهْتَا نٌ عَظِي مٌ (َ )16يعِ ُظكُ ُم اللّ هُ أَن
َتعُودُوا لِمِثْلِ ِه أَبَدا إِن كُنتُم ّمؤْمِنِيَ (َ )17ويُبَيّ ُن اللّ ُه لَكُ ُم الْآيَا تِ وَاللّ هُ
عَلِيمٌ َحكِيمٌ ( )18إِنّ اّلذِينَ يُحِبّو َن أَن َتشِي َع اْلفَا ِحشَ ُة فِي اّلذِينَ آمَنُوا َلهُمْ
ب َألِي ٌم فِي ال ّدنْيَا وَالْآ ِخ َرةِ وَاللّ هُ يَعْلَ مُ َوأَنتُ مْ لَا َتعْلَمُو نَ ( )19وََل ْولَا
َعذَا ٌ
ض ُل اللّهِ عَ َل ْيكُ ْم وَ َرحْمَتُهُ َوأَنّ اللّه َرؤُوفٌ َرحِيمٌ ( )20يَا َأّيهَا الّذِينَ آمَنُوا
فَ ْ
حشَاء
ت الشّيْطَانِ فَِإنّ ُه َيأْ ُم ُر بِاْلفَ ْ
لَا تَتِّبعُوا خُ ُطوَاتِ الشّيْطَانِ َومَن يَتّبِ ْع خُطُوَا ِ
ض ُل اللّهِ عَلَ ْيكُ ْم وَرَحْمَتُ ُه مَا زَكَا مِنكُم مّنْ َأحَ ٍد َأبَدا َولَ ِكنّ
وَالْمُنكَ ِر َولَ ْولَا فَ ْ
ضلِ مِنكُ مْ
اللّ هَ ُيزَكّي مَن َيشَا ُء وَاللّ هُ سَمِيعٌ عَلِي مٌ (َ )21ولَا َي ْأتَ ِل ُأوْلُوا اْلفَ ْ
ّهـ
سـبِيلِ الل ِ
ِينـ فِي َ
َالسـَعةِ أَن ُي ْؤتُوا أُ ْولِي اْلقُرْبَى وَالْمَسـَاكِيَ وَالْ ُمهَا ِجر َ
و ّ
الزء الثالث 256
صفَحُوا أَلَا تُحِبّو َن أَن َي ْغفِ َر اللّ هُ لَكُ ْم وَاللّ هُ َغفُورٌ ّرحِي مٌ ()22
َولَْيعْفُوا َولْيَ ْ
ت ُلعِنُوا فِي الدّنْيَا وَالْآ ِخ َرةِ
ت اْلغَافِلَا تِ الْمُ ْؤمِنَا ِ
إِنّ اّلذِي َن َيرْمُو نَ الْ ُمحْ صَنَا ِ
ش َهدُ عَلَ ْيهِ ْم َألْسِنَُت ُهمْ َوَأيْدِيهِمْ وَأَ ْرجُ ُلهُم بِمَا
َوَلهُمْ َعذَابٌ عَظِيمٌ (َ )23يوْ َم َت ْ
حقّ َوَيعْلَمُو َن أَنّ اللّ َه ُهوَ
كَانُوا َيعْمَلُو نَ (َ )24ي ْومَئِ ٍذ ُيوَفّيهِ ُم اللّ ُه دِينَهُ مُ الْ َ
ت وَالطّيّبَا تُ
ت لِلْخَبِيثِيَ وَالْخَبِيثُو نَ لِ ْلخَبِيثَا ِ
الْحَقّ الْمُبِيُ ( )25الْخَبِيثَا ُ
ك مَُبرّؤُو نَ مِمّا يَقُولُو نَ َلهُم ّم ْغفِ َر ٌة وَرِزْ قٌ
ت ُأوْلَئِ َ
لِلطّيِّبيَ وَالطّيّبُو َن لِلطّيّبَا ِ
َكرِيٌ (. ﴾ )26
***
257 توفيق الرحن ف دروس القرآن
قوله عز و جل ﴿ :إِنّ الّذِي نَ جَاؤُوا بِالِْإفْ كِ عُ صَْبةٌ مّنكُ مْ لَا تَحْ سَبُوهُ
ب مِ نَ اْلِإثْ ِم وَاّلذِي
َشرّا لّكُم َب ْل هُ َو خَ ْيرٌ ّلكُ مْ ِل ُكلّ ا ْمرِئٍ مّنْهُم مّ ا اكْتَ سَ َ
َت َولّى كِ ْبرَ ُه مِ ْنهُ ْم لَ هُ َعذَا بٌ عَظِي مٌ ( )11لَ ْولَا ِإذْ سَ ِمعْتُمُوهُ ظَنّ الْ ُم ْؤمِنُو نَ
وَالْ ُمؤْمِنَاتُـبِأَنفُسِـهِ ْم خَيْرا َوقَالُوا َهذَا ِإفْكٌـ مّبِيٌ (َ )12ل ْولَا جَاؤُوا عَلَيْهِـ
ُونـ (
ُمـ اْلكَا ِذب َ
ّهـ ه ُ
ِكـ عِن َد الل ِ
ش َهدَاء َفُأوْلَئ َ
َمـ يَ ْأتُوا بِال ّ
ِبأَ ْرَبعَ ِة ُشهَدَاء َفِإذْ ل ْ
. ﴾ )13
قال الزهري :أخبن سعيد بن السيب ،وعروة بن الزبي ،وعلقمة بن
أ ب وقاص ،وع بد ال بن ع بد ال بن عت بة بن م سعود عن حد يث عائ شة
زوج ال نب ح ي قال ل ا أ هل الِ فك ما قالوا فبّأ ها ال تعال وكل هم قد
حدّثن بطائفة من حديثها ،وبعضهم كان أوعى لديثها من بعض وأثبت له
اقتصاصًا ،وقد وعيت عن كل رجل منهم الديث الذي حدّثن عن عائشة
وبعض حديثهم ي صدّق بعضًا ؛ ذكروا أن عائ شة ر ضي ال عن ها زوج ال نب
قالت :كان ر سول ال إذا أراد أن يرج ل سفر أقرع ب ي ن سائه فأيه نّ
خرج سهمها خرج ب ا ر سول ال م عه .قالت عائ شة ر ضي ال عن ها :
فأقرع بيننا ف غزوة غزا ها ،فخرج في ها سهمي ،وخر جت مع ر سول ال
وذلك بعد ما أنزل الجاب ،فأنا أُ ْحمَلُ ف هودجي ،وأنزل فيه ،فسرنا
حت إذا فرغ رسول ال من غزوته تلك وقفل ودنونا من الدينة ،آذن ليلة
بالرح يل ،فق مت ح ي آذن بالرح يل فمش يت ح ت جاوزت ال يش ،فل ما
الزء الثالث 258
قضيَت شأنَ أقبلت إل رحلي فلمسَت صَدري ،فإذا عق ٌد باَ مَن جزع
ظفار قد انقطع ،فرجعت فالتمست عقدي فحبسن ابتغاؤه ،وأقبل الرهط
الذيَن يرحّلوننَ فاحتملوا هودجَي فرحّلوه على بعيي الذي كنَت أركَب
وهَم يسَبون أنَ فيَه .قالت :وكان النسَاء إذ ذاك خفاف ًا ل يثقلن ول
يغشه ّن الل حم إن ا يأكلن العل قة من الطعام .فلم ي ستنكر القوم خفّة الودج
حيَ رفعوه وحلوه ،وكنَت جاريَة حديثَة السَ ّن فبعثوا المَل وسَاروا ،
ووجدت عقدي ب عد ما ا ستمر ال يش ،فجئت منازل م ول يس ب ا داع ول
ميَب ،فتيمّمَت منل الذي كنَت فيَه ،وظننَت أن القوم سَيفقدونن
ل فبينا أنا جالسة ف منل غلبتن عيناي فنمت ،وكان صفوان بن فيجعون إ ّ
العطّل ال سلمّي ث الذكوانّ قد عرس من وراء ال يش ،فأدل فأ صبح ع ند
منل ،فرأى سواد إنسان نائم ،فأتان فعرفن حي رآن ،وقد كان قد رآن
قبَل الجاب ،فاسَتيقظت باسَترجاعه حيَ عرفنَ ،فخمرت وجهَي
بلباب ،وال ما كلّمن كلمة ول سعت منه كلمة غي استرجاعه حي أناخ
راحلته فوطئ على يديها فركبتها ،فانطلق يقود ب الراحلة حت أتينا اليش
بعدما نزلوا موغرين ف نر الظهية ،فهلك من هلك ف شأن ،وكان الذي
تولّى كبه عبد ال بن أبّ ابن سلول ،فقدمنا الدينة فاشتكيت حي قدمناها
شهرًا والناس يفيضون ف قول أهل الِفك ول أشعر بشيء من ذلك ،ويريبن
ف وجعي أن ل أرى من رسول ال اللطف الذي أرى منه حي أشتكي
إن ا يد خل ر سول ال في سلّم ث يقول « :ك يف تي كم » ؟ فذاك الذي
259 توفيق الرحن ف دروس القرآن
أهله ،وبالذي يعلم ف نفسه لم من الودّ فقال أ سامة :يا رسول ال َأهْلُك
ول نعلم إل خيًا .وأما علي بن أب طالب فقال :يا رسول ال ل يضيّق ال
عليك ،والنساء سواها كثي وإن تسأل الارية تصدقك الب .قالت :فدعا
ر سول ال بريرة فقال « :أ يْ بريرة ،هل رأ يت من ش يء يري بك من
عائشَة » ؟ فقالت له بريرة :والذي بعثَك بالقَ إن رأيَت منهَا أمرًا قَد
أغمصه عليها أكثر من أنا جارية حديثة السن ،تنام عن عجي أهلها ،فتأت
الداجن فتأكله ،فقام رسول ال من يومه فاستعذر من عبد ال بن أبّ بن
سلول .قالت :فقال رسول ال وهو على النب « :يا معشر السلمي ،
من يعذرن من رجل قد بلغن أذاه ف أهلي ؟ فوال ما علمت على أهلي إل
خيًا ،ول قد ذكروا رجلً ما عل مت عل يه إل خيًا ،و ما كان يد خل على
أهلي إل م عي » .فقام سعد بن معاذ الن صاري ر ضي ال ع نه فقال :أ نا
أعذرك م نه يا ر سول ال ،إن كان من الوس ضرب نا عن قه ،وإن كان من
إخوان نا من الزرج أمرت نا ففعل نا أمرك .قالت :فقام سعد بن عبادة و هو :
سيد الزرج وكان رجلً صالًا ولكن احتملته الميّة فقال لسعد بن معاذ :
كذبَت ،لعمَر ال ل تقتله ول تقدر على قتله ،ولو كان مَن رهطَك مَا
أحب بت أن يُق تل ؛ فقام أ سيد بن حض ي و هو ا بن عم سعد بن معاذ ،فقال
لسَعد بَن عبادة :كذبَت لعمَر ال ،لنقتلن ّه ،فإنَك منافَق تادل عَن
النافق ي ،فتثاور اليان الوس والزرج ح ت هّوا أن يقتتلوا ور سول ال
على النب فلم يزل رسول ال يفّضهم حت سكتوا .وسكت رسول ال
261 توفيق الرحن ف دروس القرآن
حنة بنت جحش تارب لا ،فهلكت فيمن هلك .متفق عليه .وعند أهل
ال سنن قالت ( :ل ا نزل عذري قام ر سول ال فذ كر ذلك وتل القرآن ،
فلما نزل أمر برجلي وامرأة فضُربوا حدّهم ) .
وع ند أ ب داود ( :ح سان بن ثا بت ،وم سطح بن أثا ثة ،وح نة ب نت
جحش ) .
وقوله تعال ﴿ :وَالّذِي َتوَلّى ِكبْرَ ُه ِمنْهُمْ لَ ُه عَذَا ٌ
ب عَظِيمٌ ﴾ ،أي :النار
ف الخرة .قال ابن عباس ( :الذين افتروا على عائشة عبد ال بن أبّ وهو
الذي تولّى كبه ،وح سان ،وم سطح ،وح نة ب نت ج حش ) .وقال ا بن
زيد :أما الذي تول كبه فعبد ال بن أبّ ابن سلول البيث ،هو الذي ابتدأ
هذا الكلم وقال :امرأة نبيكم باتت مع رجل حت أصبحت ث جاء يقود با
.وعن ممد بن إسحاق عن أبيه عن بعض رجال لبن النجار :أن أبا أيوب
خالد بن زيد قالت له امرأته أم أيوب :أما تسمع ما يقول الناس ف عائشة ؟
قال :بلى وذلك الكذب ،أكنَت فاعلة ذلك يَا أم أيوب ؟ قالت :ل وال
ما كنت لفعله ،قال :فعائشة وال خي منك .قال :فلما أنزل ال القرآن
ذكر ال من قال الفاحشة ما قال من أهل الفك ِ ﴿ :إنّ الّذِينَ جَاؤُوا بِالْإِفْكِ
صَب ٌة مّنكُمْ ﴾ وذلك من حسان وأصحابه الذين قالوا ما قالوا ،ث قال ﴿ : عُ ْ
سهِمْ َخيْرا وَقَالُوا هَذَا إِفْ كٌ
ت ِبأَنفُ ِ
َلوْلَا إِذْ سَ ِم ْعتُمُوهُ ظَنّ الْ ُمؤْ ِمنُو نَ وَالْ ُم ْؤ ِمنَا ُ
ّمبِيٌ ﴾ كما قال أبو أيوب وصاحبته ) .رواه ابن جرير .
الزء الثالث 264
ض ُل اللّهِ عَلَ ْيكُ ْم وَرَحْمَتُ ُه مَا زَكَا مِنكُم مّنْ َأحَ ٍد َأبَدا َولَ ِكنّ
وَالْمُنكَ ِر َولَ ْولَا فَ ْ
ال ّلهَ ُيزَكّي مَن َيشَا ُء وَال ّلهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ (. ﴾ )21
عن ابن عباس قوله ﴿ :وََلوْلَا َفضْلُ اللّهِ عََلْيكُ ْم وَرَ ْح َمتُهُ مَا زَكَا مِنكُم مّ ْن
أَ َحدٍ َأبَدا ﴾ ،يقول :ما اهتدى من كم من اللئق لش يء من ال ي ين فع به
نفسه ،ول يتق شيئًا من الشر يدفعه عن نفسه .قال ابن زيد :كل شيء ف
القرآن من ز كى أو تز كى ف هو ال سلم ؛ وقال مقا تل ﴿ :مَا زَكَى ﴾ ما
صلح ؛ وقال ابن قتيبة :ما طهر .
قال البغوي :وال ية على العموم ع ند ب عض الف سرين .قالوا :أ خب ال
أنه لول فضله ورحته بالعصمة ما صلح مسلم .
سعَ ِة أَن ُيؤْتُوا ُأ ْولِي
ض ِل مِنكُ ْم وَال ّ
قوله عز وجل َ ﴿ :ولَا َيأَْت ِل أُ ْولُوا الْفَ ْ
َصـفَحُوا َألَا
ّهـ َولَْيعْفُوا َولْي ْ
سـبِي ِل الل ِ
ِينـ فِي َ
ي وَالْ ُمهَا ِجر َ
اْلقُرْبَى وَالْمَسـَا ِك َ
تُحِبّو َن أَن َي ْغفِ َر ال ّلهُ َلكُ ْم وَال ّلهُ َغفُورٌ ّرحِيمٌ (. ﴾ )22
س َعةِ ﴾ إل آ خر
عن ا بن عباس قوله ﴿ :وَلَا يَ ْأتَلِ ُأوْلُوا اْلفَضْ ِل مِنكُ ْم وَال ّ
ال ية .قال :كان ناس من أ صحاب ر سول ال قد رموا عائ شة بالقب يح
وأفشوا ذلك وتكلّموا به ،فأق سم ناس من أ صحاب ر سول ال في هم أ بو
بكَر أن ل يتصَدّق على رجَل تكلّم بشيَء مَن هذا ول يصَله ،فقال :ل
يقسم أولوا الفضل منكم والسعة أن يصلوا أرحامهم وأن يعطوهم من أموالم
كالذي كانوا يفعلون قبل ذلك ،فأمر ال أن يغفر لم ،وأن يعفو عنهم .
الزء الثالث 266
قوله عز و جل ﴿ :إِنّ الّذِي َن َيرْمُو َن الْمُحْ صَنَاتِ اْلغَافِلَا تِ الْ ُم ْؤمِنَا تِ
ِمـ
ش َهدُ عَلَ ْيه ْ
ْمـ َت ْ
ِيمـ (َ )23يو َ
َابـ عَظ ٌ
ُمـ َعذ ٌ
ُلعِنُوا فِي ال ّدنْيَا وَالْآ ِخ َر ِة وََله ْ
َألْ سِنَُت ُهمْ وََأْيدِيهِ ْم َوأَرْجُلُهُم بِمَا كَانُوا َيعْمَلُو نَ (َ )24ي ْومَئِ ٍذ ُيوَفّيهِ ُم اللّ هُ
حقّ الْمُبِيُ ( )25الْخَبِيثَا تُ لِ ْلخَبِيثِيَ
حقّ َويَعْلَمُو َن أَنّ اللّ َه ُهوَ الْ َ
دِيَنهُ مُ الْ َ
ك مَُب ّرؤُونَ
ت ُأوْلَئِ َ
وَالْخَبِيثُو َن لِلْخَبِيثَاتِ وَالطّيّبَاتُ لِلطّيِّبيَ وَالطّيّبُو َن لِلطّيّبَا ِ
مِمّا َيقُولُونَ َلهُم مّ ْغ ِف َرةٌ وَرِ ْزقٌ َكرِيٌ (. ﴾ )26
قال ابن جرير ف قوله تعال ِ ﴿ :إنّ الّذِي َن يَ ْرمُو َن الْمُحْ َ
صنَاتِ اْلغَافِلَا تِ
صنَاتِ ﴾ الْ ُم ْؤ ِمنَا تِ ﴾ يقول تعال ذكره :إن الذين يرمون بالفاحشة ﴿ الْمُحْ َ
يعن :العفيفات ﴿ اْلغَافِلَاتِ ﴾ عن الفواحش ﴿ ،الْ ُم ْؤمِنَاتِ ﴾ بال ورسوله
وما جاء به من عند ال ُ ﴿ ،لعِنُوا فِي ال ّدْنيَا وَالْآ ِخ َرةِ ﴾ ،يقول :أُبعدوا من
رحة ال ف الدنيا والخرة ﴿ ،وََلهُ ْم عَذَا بٌ عَظِي مٌ ﴾ وذلك عذاب جهنم .
و عن جع فر بن برقان قال :سألت ميمونًا قلت :الذي ذ كر ال ﴿ :إِنّ
صنَاتِ ثُمّ َل ْم يَ ْأتُوا ِبأَ ْربَ َع ِة ُشهَدَاء ﴾ إل قوله ﴿ :إِلّا الّذِي نَ
الّذِي َن يَ ْرمُو نَ الْ ُمحْ َ
تَابُوا مِن َبعْدِ ذَلِكَ َوأَصْلَحُوا فَِإنّ اللّ َه َغفُورٌ رّحِيمٌ ﴾ فجعله ف هذه الية توبة
صنَاتِ اْلغَافِلَا تِ الْ ُم ْؤ ِمنَا تِ
،وقال ف الخرى ﴿ :إِنّ الّذِي َن يَ ْرمُو نَ الْ ُمحْ َ
ب عَظِي مٌ ﴾ ،قال ميمون :أ ما الول فع سى أن ﴾ إل قوله ﴿ :وََلهُ ْم عَذَا ٌ
تكون قد قار فت ،وأ ما هذه ف هي ال ت ل تقارف شيئًا من ذلك .وقال ا بن
زيد :هذا ف عائشة ،ومن صنع اليوم ف السلمات فله ما قال ال .
267 توفيق الرحن ف دروس القرآن
ُونَ مِمّاَ
ِكَ ُمبَ ّرؤ َ
عائشَة الطيّبَة ،وكان أول أن يكون لاَ الطيّب ﴿ ُأوْلَئ َ
َيقُولُونَ ﴾ قال ها هنا :بُرّئت عائشة ﴿ َلهُم ّم ْغفِ َرةٌ وَرِ ْزقٌ كَ ِريٌ ﴾ .
***
269 توفيق الرحن ف دروس القرآن
َسـَت ْأِنسُوا
ُمـ حَتّىـ ت ْ
ِينـ آمَنُوا لَا تَ ْدخُلُوا بُيُوتا غَ ْي َر بُيُوِتك ْ
﴿ يَا َأيّهَا اّلذ َ
جدُوا
َوتُ سَلّمُوا عَلَى أَهْ ِلهَا َذلِكُ ْم خَ ْيرٌ ّلكُ ْم َلعَلّكُ ْم َتذَ ّكرُو نَ (َ )27فإِن لّ مْ تَ ِ
فِيهَا َأحَدا فَلَا َت ْدخُلُوهَا حَتّى ُي ْؤذَ َن َلكُ مْ َوإِن قِيلَ لَكُ مُ ا ْرجِعُوا فَا ْر ِجعُوا ُهوَ
ح أَن َتدْخُلُوا
أَزْكَى َلكُ ْم وَاللّ ُه بِمَا َتعْمَلُو نَ عَلِي مٌ ( )28لّيْ سَ عَلَ ْيكُ ْم جُنَا ٌ
ع ّلكُمْ وَاللّ ُه يَعْلَمُ مَا تُ ْبدُو َن َومَا َتكْتُمُونَ ()29
بُيُوتا غَ ْي َر مَسْكُوَن ٍة فِيهَا مَتَا ٌ
حفَظُوا ُفرُوجَهُ مْ ذَلِ كَ أَزْكَى َلهُ مْ إِنّ
قُل لّلْ ُم ْؤمِنِيَ َيغُضّوا مِ ْن َأبْ صَارِ ِه ْم وَيَ ْ
ِنـ َأبْصـَا ِرهِنّ
ْنـ م ْ
َاتـ يَغْضُض َ
َصـَنعُونَ ( )30وَقُل لّلْ ُم ْؤمِن ِ
ي بِمَا ي ْ
ّهـ خَبِ ٌ
الل َ
ضرِبْ َن بِخُ ُم ِرهِنّ
حفَظْ نَ ُفرُوجَهُنّ وَلَا يُ ْبدِي نَ زِينََتهُنّ ِإلّا مَا َظ َه َر مِنْهَا َولْيَ ْ
َويَ ْ
عَلَى جُيُوبِ ِهنّ َولَا يُ ْبدِي نَ زِينََت ُهنّ إِلّا لُِبعُولَِتهِنّ أَوْ آبَاِئهِنّ َأوْ آبَاء ُبعُولَِت ِهنّ أَوْ
َأبْنَاِئهِنّ أَ ْو َأبْنَاء ُبعُولَتِهِنّ أَ ْو ِإخْوَانِهِنّ أَ ْو بَنِي ِإ ْخوَاِنهِنّ َأوْ بَنِي أَ َخوَاِتهِنّ َأوْ
ت َأيْمَاُنهُنّ أَ ِو التّاِبعِيَ غَ ْي ِر ُأ ْولِي اْلإِ ْرَبةِ مِ َن ال ّرجَالِ أَوِ
نِ سَائِ ِه ّن أَ ْو مَا مَ َلكَ ْ
ضرِبْنَ بِأَ ْرجُ ِل ِهنّ لُِيعْلَمَ مَا
ال ّط ْفلِ اّلذِي َن لَمْ يَ ْظ َهرُوا عَلَى َعوْرَاتِ النّسَاء وَلَا يَ ْ
خفِيَ مِن زِينَِت ِهنّ وَتُوبُوا ِإلَى اللّ هِ جَمِيعا َأيّهَا الْمُ ْؤمِنُو نَ لَعَ ّلكُ مْ ُتفْلِحُو نَ (
يُ ْ
ي مِ نْ عِبَادِكُ ْم َوإِمَائِكُ ْم إِن َيكُونُوا
حََ )31وأَنكِحُوا اْلَأيَامَى مِنكُ ْم وَال صّالِ ِ
ف الّذِي نَ لَا
ُف َقرَاء يُغِْنهِ مُ اللّ ُه مِن فَضْلِ ِه وَاللّ هُ وَا سِعٌ عَلِي مٌ (َ )32ولْيَ سَْتعْفِ ِ
ب مِمّ ا
جدُو َن نِكَاحا حَتّ ى ُيغْنَِيهُ ْم اللّ هُ مِن فَضْلِ هِ وَالّذِي نَ يَبَْتغُو َن الْكِتَا َ
يَ ِ
ت َأيْمَانُكُ ْم َفكَاتِبُوهُمْ إِنْ عَلِمْتُ ْم فِيهِمْ خَيْرا وَآتُوهُم مّن مّالِ اللّهِ اّلذِي
مَ َلكَ ْ
الزء الثالث 270
َضـ
ْنـ تَحَصـّنا لّتَبَْتغُوا َعر َ
ِنـ أَ َرد َ
ُمـ عَلَى الِْبغَاء إ ْ
ُمـ َولَا ُت ْكرِهُوا فَتَيَاتِك ْ
آتَاك ْ
الْحَيَا ِة ال ّدنْيَا َومَن ُي ْكرِه ّهنّ َفإِنّ اللّ هَ مِن َبعْ ِد إِ ْكرَا ِه ِهنّ َغفُورٌ ّرحِي مٌ ()33
ل مّ نَ اّلذِي نَ خَ َلوْا مِن قَبْ ِلكُ ْم َومَوْعِ َظةً
ت وَمَثَ ً
ت مّبَيّنَا ٍ
َوَلقَ ْد أَن َزلْنَا ِإلَيْكُ مْ آيَا ٍ
لّلْمُّت ِقيَ (. ﴾ )34
***
271 توفيق الرحن ف دروس القرآن
قوله عـز وجـل ﴿ :يَا َأيّهَا اّلذِينَـ آمَنُوا لَا َت ْدخُلُوا بُيُوتا غَ ْي َر بُيُوِتكُم ْـ
حَتّى تَسَْت ْأِنسُوا َوتُسَلّمُوا عَلَى َأهْ ِلهَا َذِلكُ ْم خَ ْيرٌ ّلكُمْ َلعَ ّلكُ ْم َتذَ ّكرُونَ ()27
ُمـ
ُمـ َوإِن قِيلَ َلك ُ
َنـ لَك ْ
جدُوا فِيهَا أَحَدا فَلَا َتدْخُلُوهَا حَتّىـ ُيؤْذ َ
ّمـ تَ ِ
َفإِن ل ْ
ا ْر ِجعُوا فَا ْر ِجعُوا هُ َو أَزْكَى َلكُمْ وَاللّ ُه بِمَا َتعْمَلُو نَ عَلِيمٌ ( )28لّيْسَ عَلَ ْيكُ مْ
ع ّلكُ ْم وَاللّ ُه َيعْلَ ُم مَا تُ ْبدُو نَ
ح أَن تَ ْدخُلُوا بُيُوتا غَ ْي َر مَ سْكُونَ ٍة فِيهَا مَتَا ٌ
جُنَا ٌ
َومَا َتكْتُمُونَ (. ﴾ )29
عن ا بن عباس قوله ﴿ :يَا أَيّهَا الّذِي نَ آ َمنُوا لَا تَدْخُلُوا ُبيُوتا َغيْ َر ُبيُوِتكُ مْ
ستَ ْأنِسُوا َوتُسَلّمُوا عَلَى َأهِْلهَا ﴾ ،قال :الستئناس :الستئذان .وعن َحتّى تَ ْ
سَتأْنِسُوا َوتُ سَلّمُوا ﴾ .وعن أب موسى قال :سعت النب قتادة َ ﴿ :حتّى تَ ْ
يقول « :إذا اسَتأذن أحدكَم ثلثًَا فلم يؤذن له فلينصَرف » .رواه
البخاري .وعن جابر قال ( :أتيت النب ف ّديْ نٍ كان على أب ،فدققت
الباب فقال « :من ذا » ؟ فقلت :أنا ،قال « :أنا ،أنا ! كأنه كرهه » .
رواه الماعَة .قال ابـن كثيـ :وإناَ كره ذلك لن هذه اللفظَة ل يُعرف
صاحبها حت يفصح باسه .
وعن عدي بن ثابت أن امرأة من النصار قالت :يا رسول ال إن أكون ف
منل على الال ال ت ل أ حب أن يرا ن أ حد علي ها ،ل والد ول ولد ،وإ نه
ل يزال يدخَل علّي رجَل مَن أهلي وأنَا على تلك الال ،قال :فنلت
﴿ :يَا َأيّهَا الّذِي نَ آ َمنُوا لَا تَدْ ُخلُوا ُبيُوتا ﴾ ال ية .رواه ا بن جر ير .وقال
الزء الثالث 272
﴿ فاختمرن بَه .رواه ابَن جريَر وغيه وقال سَعيد بَن جَبي :
وَْلَيضْ ِربْ نَ ﴾ وليشددن ﴿ ،بِخُ ُم ِرهِنّ عَلَى ُجيُوِبهِنّ ﴾ ،يع ن :على الن حر
ِينَ زِيَنتَهُنّ إِلّا
والصَدر فل يرى منَه شيَء .وعَن ابَن عباس ﴿ :وَلَا ُيبْد َ
ِلُبعُولَِتهِنّ ﴾ إل قوله َ ﴿ :عوْرَا تِ النّ سَاء ﴾ ،قال :الزينة الت يبدينها لؤلء
:قرطا ها ،وقلدت ا ،و سوارها ،فأ ما خلخال ا ،ومعضدا ها ،ونرا ها ،
وشعرهَا فإنَه ل تبديَه إلّ لزوجهَا .وقال قتادة :تبدي لؤلء الرأس .قال
بعض السلف :ل يذكر العم والال وها من مارمهن لئلّ يصفوهن لبنيهم .
وقال ال سن الب صري :إن ما ك سائر الحارم ف جواز الن ظر ،و قد يُذ كر
البعض لينبّه على الملة .وهذا أظهر .
هنَ السَلمات ،ل تبديَه وعَن ابَن عباس َ ﴿ :أوْ نِسََاِئهِنّ ﴾ ،قال ّ :
ليهود ية ول ن صرانية ،و هو :الن حر ،والقرط ،والوشاح ،و ما ل ي ّل أن
يراه إلّ مرم .وعَن ابَن جريَج قوله َ ﴿ :أ ْو نِسََائِهِنّ ﴾ ،قال :بلغنَ أن
نساء السلمي ل يل لسلمة أن ترى مشركة عريتها إلّ أن تكون أمة لا ،
فذلك قوله َ ﴿ :أوْ مَا مََلكَ تْ َأيْمَاُنهُنّ ﴾ .قال ابن كثي :وقال الكثرون :
بل يوز أن تظهر زينتها على رقيقها من الرجال والنساء واستدلوا بالديث
الذي رواه أبو داود عن أنس أن النب أتى فاطمة بعبد قد وهبه لا ،قال :
وعلى فاطمة ثوب إذا قنعت به رأسها ل يبلغ رجليها ،وإذا غطّت به رجليها
ل يبلغ رأسها ،فلما رأى النب ما تلقى قال « :إنه ليس عليك بأس إنا
هو أبوك وغلمك » .
275 توفيق الرحن ف دروس القرآن
وقال البغوي :قوله تعال َ ﴿ :أ ْو مَا مََلكَ تْ َأيْمَاُنهُنّ ﴾ ،اختلفوا في ها
فقال قوم :عبَد الرأة مرم لاَ فيجوز له الدخول عليهَا إذا كان عفيفًَا ،
وينظر إل بدن مولته إلّ ما بي السرة والركبة كالحارم ،وهو ظاهر القرآن
.
وعن ابن عباس قوله َ ﴿ :أوِ التّابِعِيَ َغيْرِ ُأوْلِي الْإِ ْرَبةِ مِ نَ الرّجَالِ ﴾ ،قال
:كان الرجل يتبع الرجل ف الزمان الول ول يغار عليه ،ول ترهب الرأة
أن تضع خارها عنده ،وهو الحق الذي ل حاجة له ف النساء .
وقوله تعال َ ﴿ :أوِ ال ّطفْلِ الّذِي نَ َل ْم يَ ْظهَرُوا عَلَى َعوْرَاتِ النّسَاء ﴾ ،قال
ماهد :ل يدروا ما ت من الصغر قبل اللم .
وقوله تعال ﴿ :وَلَا َيضْ ِربْ َن ِبأَرْ ُجِلهِنّ ِلُيعْلَ َم مَا ُي ْ
خفِيَ مِن زِيَنِتهِنّ ﴾ ،
قال ابن عباس :هو أن تقرع اللخال بالخر عند الرجال ويكون ف رجليها
خل خل فتحرك هن ع ند الرجال ،فن هى ال سبحانه وتعال عن ذلك ،ل نه
من عمل الشيطان .
قال ابـن كث ي :وقوله تعال َ ﴿ :وتُوبُوا إِلَى اللّ هِ جَمِيعا َأيّهَا الْ ُم ْؤمِنُو نَ
ُونَ ﴾ ،أي :افعلوا مَا أمركَم بَه مَن هذه الصَفات الميلة
ُمَ ُتفِْلح َ
َلعَّلك ْ
والخلق الليلة ،واتركوا ما كان عليه أهل الاهلية من الخلق والصفات
الرذيلة ،فإن الفلح كل الفلح ف فعل ما أمر ال به ورسوله ،وترك ما نيا
عنه .وال تعال هو الستعان .
الزء الثالث 276
ي مِ نْ عِبَادِكُ مْ
حَقوله عز و جل ﴿ :وَأَنكِحُوا الَْأيَامَى مِنكُ مْ وَال صّالِ ِ
َوِإمَائِكُ ْم إِن يَكُونُوا ُف َقرَاء ُيغْنِهِ مُ اللّ ُه مِن فَضْلِ ِه وَاللّ ُه وَا سِعٌ عَلِي مٌ ()32
جدُو نَ ِنكَاحا حَتّ ى يُغْنَِيهُ مْ اللّ ُه مِن فَضْلِ ِه وَاّلذِي نَ
ف الّذِي نَ لَا يَ ِ
َولْيَ سَْتعْفِ ِ
ِمـ خَيْرا
ُمـ فِيه ْ
ِنـ عَ ِلمْت ْ
ُمـ إ ْ
ُمـ َفكَاتِبُوه ْ
َتـ َأيْمَانُك ْ
َابـ مِمّاـ مَ َلك ْ
ُونـ اْلكِت َ
يَبَْتغ َ
وَآتُوهُم مّن مّالِ اللّ ِه الّذِي آتَاكُ ْم َولَا ُتكْ ِرهُوا فَتَيَاتِكُ مْ عَلَى الْبِغَاء إِ نْ أَ َردْ نَ
تَحَصّنا لّتَبَْتغُوا َعرَضَ الْحَيَا ِة الدّنْيَا وَمَن يُ ْكرِه ّه ّن َفإِنّ ال ّلهَ مِن َب ْعدِ إِ ْكرَا ِه ِهنّ
ل مّ َن الّذِي َن خَ َلوْا
َغفُورٌ ّرحِي مٌ ( )33وََل َقدْ أَن َزلْنَا ِإلَ ْيكُ مْ آيَا تٍ مّبَيّنَا تٍ َومَثَ ً
مِن قَبْ ِلكُ ْم َومَوْعِ َظ ًة لّلْمُّتقِيَ (. ﴾ )34
قال ابـن زيـد فـ قوله َ ﴿ :وأَنكِحُوا اْلَأيَامَى مِنك ْ
ُمَ ﴾ ،قال :أيامَى
الن ساء الل ت ل يس ل ن أزواج .و عن ا بن عباس قوله َ ﴿ :وأَنكِحُوا اْلأَيَامَى
ي مِ ْن عِبَادِكُ ْم َوِإمَاِئكُ مْ ﴾ قال :أ مر ال سبحانه بالنكاح ح َمِنكُ ْم وَال صّالِ ِ
ورغّبهم فيه وأمرهم أن يزوّجوا أحرارهم وعبيدهم ،ووعدهم ف ذلك الغن
فقال ﴿ :إِن َيكُونُوا ُف َقرَاء ُي ْغِنهِمُ اللّ ُه مِن َفضْلِهِ ﴾ .
ف الّذِينَ لَا يَجِدُو َن نِكَاحا َحتّى ُي ْغنَِيهُمْ قال ابن كثي وقوله ﴿ :وَْليَ ْ
ستَ ْعفِ ِ
اللّ ُه مِن َفضْلِهِ ﴾ هذا أمر من ال تعال لن ل يد تزويًا بالتعفّف عن الرام .
وقوله تعال ﴿ :وَالّذِي َن َيبَْتغُو َن الْ ِكتَا َ
ب مِمّ ا مََلكَ تْ َأيْمَاُنكُ مْ َفكَاتِبُوهُ مْ
إِ ْن عَلِ ْمتُ مْ فِيهِ مْ َخيْرا وَآتُوهُم مّ ن مّالِ اللّ ِه الّذِي آتَاكُ مْ ﴾ ،قال البغوي :
سبب نزول هذه الية ما روي أن غلمًا لويطب بن عبد العزّى سأل موله
277 توفيق الرحن ف دروس القرآن
أن يكاتبه فأب عليه ،فأنزل ال هذه الية .فكاتبه حويطب على مائة دينار ،
ووهب له منها عشرين دينارًا .
وعن ابن عباس قوله َ ﴿ :فكَاِتبُوهُمْ إِ ْن عَلِ ْمتُمْ فِيهِمْ َخيْرا ﴾ ،يقول :إن
علمتم لم حيلة ول تلقون مئونتهم على السلمي .وعن أب هريرة أن رسول
حقَ على ال عونمَ :الكاتَب الذي يريَد الداء ، ال قال « :ثلثَة ّ
والناكح يريد العفاف ،والجاهد ف سبيل ال » .رواه البغوي .
وقوله تعال ﴿ :وَلَا ُتكْ ِرهُوا َفَتيَاِتكُ ْم عَلَى الِْبغَاء إِ نْ أَرَدْ َن تَحَ صّنا ّلتَْبَتغُوا
حيَاةِ ال ّدنْيَا َومَن ُيكْرِههّنّ فَِإنّ اللّ َه مِن َبعْدِ إِكْرَاهِهِنّ َغفُورٌ رّحِيمٌ ﴾ .
ض الْ َ
عَرَ َ
قال ابن كثي :كان أهل الاهلية إذا كان لحدهم أمة أرسلها تزن وجعل
عليها ضريبة يأخذها منها كل وقت ،فلما جاء السلم نى ال الؤمني عن
ذلك ،وكان سبب نزول هذه الية الكرية فيما ذكر غي واحد من الفسرين
من السلف واللف ،ف شأن عبد ال بن أبّ بن سلول ،فإنه كان له إماء
فكان يكرههن على البغاء طلبًا لراجه ّن ورغبة ف أولده نّ ورياسة منه فيما
يز عم .قال :وقوله تعال ﴿ :إِ نْ أَرَدْ َن تَحَ صّنا ﴾ هذا خرج مرج الغالب
فل مفهوم له .
وقوله تعال َ ﴿ :ومَن ُيكْرِههّنّ فَِإنّ اللّ َه مِن َبعْدِ إِكْرَا ِههِنّ غَفُورٌ رّحِيمٌ ﴾
أي :لنَّ قال ابَن عباس :فإن فعلتَم ﴿ فَإِنّ اللّهََ ﴾ لنَ ﴿ َغفُورٌ رّحِيمٌَ
﴾ وإث هن على من أكرهه نّ .قال ا بن كث ي :ول ا ف صّل تبارك وتعال هذه
الزء الثالث 278
ت ّمَبيّنَا تٍ ﴾ يع ن : الحكام وبيّن ها ،قال تعال ﴿ :وََلقَدْ أَنزَلْنَا إَِليْكُ ْم آيَا ٍ
القرآن فيه آيات واضحات مفسّرات َ ﴿ ،و َمَثلً مّ َن الّذِينَ خََلوْا مِن َقبِْلكُمْ ﴾
أي :خبًا عن المم الاضية وما حل بم ف مالفتهم أوامر ال تعال ،كما
جعَ ْلنَاهُ مْ سَلَفا َومََثلً لِلْآ ِخرِي نَ ﴾ ،أي :زاجرًا عن ارتكاب قال تعال َ ﴿ :ف َ
الآثَ والحارم َ ﴿ ،و َم ْوعِ َظةً لّلْ ُمّتقِيَ ﴾ ،أي :لنَ اتقَى ال وخافَه .قال
علي بن أ ب طالب ر ضي ال ع نه ف صفة القرآن ( :ف يه ح كم ما بين كم ،
وخب ما قبلكم ،ونبأ ما بعدكم ،وهو الفصل ليس بالزل ،من تركه من
جبّار قصمه ال ،ومن ابتغى الدى من غيه أضله ال ) .
***
279 توفيق الرحن ف دروس القرآن
ِصـبَاحٌ
شكَا ٍة فِيه َا م ْ
ِهـ كَ ِم ْ
ْضـ مََث ُل نُور ِ
السـمَاوَاتِ وَاْلأَر ِ
ّهـ نُو ُر ّ
﴿ الل ُ
ج َرةٍ مّبَارَ َكةٍ
ب دُرّيّ يُو َقدُ مِن شَ َ
ح فِي ُزجَاجَ ٍة ال ّزجَا َجةُ َكأَّنهَا َكوْكَ ٌ
الْمِ صْبَا ُ
سسْ ُه نَا ٌر نّورٌ َعلَى
َزيْتُوِنةٍ لّا شَ ْرقِّيةٍ َولَا َغ ْربِيّ ٍة َيكَادُ َزيْتُهَا يُضِي ُء َوَلوْ لَ مْ تَمْ َ
س وَاللّ ُه بِ ُك ّل شَيْءٍ
ضرِبُ اللّهُ اْلَأمْثَالَ لِلنّا ِ
نُو ٍر َيهْدِي اللّ ُه لِنُورِهِ مَن َيشَا ُء وَيَ ْ
ح لَ ُه فِيهَا
عَلِي مٌ ( )35فِي بُيُو تٍ َأذِ َن اللّ هُ أَن ُت ْرفَ َع َويُذْ َك َر فِيهَا ا سْ ُمهُ يُ سَبّ ُ
بِالْ ُغ ُدوّ وَالْآ صَالِ (ِ )36رجَالٌ لّا تُ ْلهِيهِ مْ تِجَا َر ٌة َولَا بَيْ عٌ عَن ذِ ْك ِر اللّ ِه َوإِقَا مِ
ُوبـ وَاْلأَبْصـَارُ ()37
ِيهـ الْقُل ُ
ّبـ ف ِ
ُونـ َيوْما تََتقَل ُ
الصـلَا ِة َوإِيتَاء الزّكَا ِة يَخَاف َ
ّ
ق مَن َيشَاءُ
س َن مَا عَمِلُوا َويَزِيدَهُم مّ ن فَضْلِ ِه وَاللّ هُ َيرْزُ ُ
ج ِزَيهُ ُم اللّ هُ َأحْ َ
لِيَ ْ
سرَابٍ ِبقِي َعةٍ يَحْ سَُب ُه الظّمْآ نُ
ِبغَ ْيرِ حِ سَابٍ ( )38وَالّذِي نَ َك َفرُوا أَ ْعمَاُلهُ مْ كَ َ
جدْ ُه شَيْئا وَ َوجَ َد اللّ هَ عِندَ هُ َف َوفّا ُه حِ سَاَبهُ وَاللّ هُ
مَاء حَتّ ى ِإذَا جَاء ُه لَ مْ يَ ِ
ح ٍر لّجّيّ َي ْغشَا هُ َموْ جٌ مّ ن َف ْوقِ هِ
ت فِي بَ ْ
سَرِي ُع الْحِ سَابِ (َ )39أوْ كَظُلُمَا ٍ
ت َبعْضُهَا َفوْ قَ بَعْ ضٍ إِذَا أَ ْخرَ جَ َيدَ هُ لَ مْ َيكَدْ
ج مّن َف ْوقِ هِ سَحَابٌ ظُلُمَا ٌ
َموْ ٌ
ج َعلِ اللّ ُه لَ ُه نُورا فَمَا َلهُ مِن نّورٍ ( َ )40ألَ ْم َترَ أَ ّن اللّهَ ُيسَبّحُ
َيرَاهَا َومَن لّ ْم يَ ْ
حهُ
لَ ُه مَن فِي السّمَاوَاتِ وَاْلأَرْضِ وَالطّ ْيرُ صَافّاتٍ ُك ّل قَدْ عَلِمَ صَلَاَت ُه وَتَسْبِي َ
ض َوِإلَى اللّ هِ
وَاللّ هُ عَلِي ٌم بِمَا َيفْعَلُو نَ ( )41وَلِلّ ِه مُلْ كُ ال سّمَاوَاتِ وَالْأَرْ ِ
الْمَصِيُ (. ﴾ )42
***
الزء الثالث 280
شكَاةٍ
قوله عز و جل ﴿ :اللّ ُه نُورُ ال سّمَاوَاتِ وَاْلأَرْ ضِ مََثلُ نُورِ هِ كَ ِم ْ
ب دُرّيّ يُو َقدُ مِن
ح فِي ُزجَاجَ ٍة الزّجَا َجةُ َكأَنّهَا َكوْكَ ٌ
فِيهَا مِ صْبَاحٌ الْمِ صْبَا ُ
سهُ
سْج َر ٍة مّبَارَ َكةٍ َزيْتُوِنةٍ لّا شَ ْرقِّيةٍ وَلَا َغ ْربِّيةٍ َيكَادُ َزيُْتهَا يُضِي ُء َولَ ْو لَ مْ تَمْ َ
شَ َ
ضرِ بُ اللّ هُ اْلَأمْثَالَ لِلنّا سِ
نَا ٌر نّورٌ عَلَى نُو ٍر َيهْدِي اللّ ُه لِنُورِ هِ مَن َيشَا ُء وَيَ ْ
وَاللّ ُه ِبكُ ّل شَيْءٍ عَلِيمٌ (. ﴾ )35
ْضَ ﴾ ،يقول :ال السَمَاوَاتِ وَاْلأَر ِ
ّهَ نُورُ ّ
عَن ابَن عباس قوله ﴿ :الل ُ
سبحانه هادي أهل السماوات والرض َ ﴿ ،مثَلُ نُورِ هِ ﴾ مثل هداه ف قلب
صبَاحٌ ﴾ ، شكَاةٍ ﴾ ،قال :الشكاة كوّة الب يت ﴿ ،فِيهَا مِ ْ الؤ من ﴿ ،كَمِ ْ
قال ال سدي :هو ال سراج ،وقال أبّ بن ك عب :ال صباح :النور .و هو :
صبَاحُ فِي زُجَا َجةٍ ﴾ و هي نظ ي القرآن ،واليان الذي ف صدره ﴿ ،الْمِ ْ
َبَ دُرّيّ ﴾ مضيَء ﴿ ،يُوقَ ُد مِن قلب الؤمَن ﴿ ،الزّجَا َجةُ َكَأنّهَا َكوْك ٌ
ج َر ٍة ّمبَارَ َكةٍ َزْيتُوِنةٍ لّا َشرِْقّيةٍ وَلَا غَ ْرِبّيةٍ ﴾ ،قال ابَن عباس :هَي شجرة
شَ َ
وسط الشجر ليست من الشرق ول من الغرب .وقال عكرمة ل يسترها من
الشمَس جبَل ول واد إذا طلعَت وإذا غربَت .وقال ماهَد :إذا طلعَت
الشمس أصابتها ،وإذا غربت أصابتها .
َسْ ُه نَارٌ ﴾ ،قال البغوي َ ﴿ :يكَادُ
َ تَمْس َ
﴿ َيكَادُ َزْيتُهََا ُيضِيءُ وََلوْ لَم ْ
َزْيتُهَا ﴾ دهن ها ﴿ ُيضِيءُ ﴾ من صفائه ﴿ ،وََلوْ َل ْم تَمْ سَسْ ُه نَارٌ ﴾ ،أي :
قبَل أن تصَيبه النار ﴿ .نّو ٌر عَلَى نُورٍ ﴾ ،يعنَ :نور الصَباح على نور
281 توفيق الرحن ف دروس القرآن
الزجاجة .قال أبّ بن كعب :هذا مثل الؤمن ،فالشكاة نفسه ،والزجاجة
صدره ،وال صباح ما ج عل ال ف قل به من اليان والقرآن ﴿ ،يُوقَ ُد مِن
ج َر ٍة ّمبَارَ َكةٍ ﴾ وهي :الخلص ل وحده .
شَ َ
ـدي ف ـ قوله تعال ﴿ :نّو ٌر عَلَى نُورٍ ﴾ قال :نور النار ،
وقال السـ
ونور الز يت ،حي اجتمعا أضاءا ول يضيء واحد بغ ي صاحبه كذلك نور
القرآن ،ونور اليان حي اجتمعا ،فل يكون واحد منهما إلّ بصاحبه .
س وَاللّ ُه ِبكُ ّل شَيْءٍ
﴿ َيهْدِي اللّ هُ ِلنُورِ ِه مَن يَشَا ُء َوَيضْرِ بُ اللّ ُه اْلأَ ْمثَالَ لِلنّا ِ
عَلِي مٌ ﴾ .قال ا بن كث ي :أي :هو أعلم ب ن ي ستحق الدا ية م ن ي ستحق
الضلل .وعَن أبَ سَعيد الدري قال :قال رسَول ال « :القلوب
أربعة :قلب أجرد فيه مثل السراج يزهر ،وقلب أغلف مربوط على غلفه ،
وقلب منكوس ،وقلب مصفّح .فأما القلب الجرد :فقلب الؤمن سراجه
فيه نور .وأما القلب الغلف :فقلب الكافر ،وأما القلب النكوس :فقلب
النافق عَرَ فَ ث أنكر ،وأما القلب الصفّح :فقلب فيه كمثل القرحة يدّها
الدم والقيح ،فأي الَدّتي غلبت على الخرى غلبت عليه » .رواه أحد .
ت َأذِ َن اللّ هُ أَن ُت ْرفَ عَ وَُيذْ َكرَ فِيهَا ا سْ ُمهُ
قوله عز و جل ﴿ :فِي بُيُو ٍ
ح لَ ُه فِيهَا بِاْلغُ ُد ّو وَالْآ صَالِ (ِ )36رجَا ٌل لّا تُ ْلهِيهِ ْم تِجَا َرةٌ وَلَا بَيْ عٌ عَن
يُ سَبّ ُ
ُوبـ
ِيهـ الْقُل ُ
ّبـ ف ِ
ُونـ َيوْما تَتَقَل ُ
الصـلَا ِة َوإِيتَاء الزّكَا ِة يَخَاف َ
َامـ ّ
ّهـ وَِإق ِ
ذِ ْك ِر الل ِ
الزء الثالث 282
ج مّ ن
ح ٍر لّجّيّ َي ْغشَا هُ َموْ ٌ
وَاللّ هُ َسرِي ُع الْحِ سَابِ (َ )39أوْ كَظُلُمَا تٍ فِي بَ ْ
ج َيدَ ُه لَ مْ
ق َبعْ ضٍ ِإذَا أَ ْخرَ َ
ضهَا َفوْ َ
َف ْوقِ ِه َموْ جٌ مّن َف ْوقِ هِ سَحَابٌ ُظلُمَا تٌ َبعْ ُ
ج َعلِ ال ّل ُه َلهُ نُورا فَمَا َل ُه مِن نّورٍ (. ﴾ )40
َي َكدْ َيرَاهَا وَمَن لّ ْم يَ ْ
قال ابـن كثيـ :هذان مثلن ضربمَا ال تعال لنوعَي الكفار ،كمَا
ضرب للمنافق ي ف أول البقرة مثل ي ناريًا ومائيًا ،ك ما ضرب ل ا يقرّ ف
القلوب من الدى والعلم ف سورة الرعد مثلي مائيًا وناريًا ؛ فأما الول من
هذين الثلي فهو للكفار الدعاة إل كفرهم ،الذين يسبون أنم على شيء
من العمال والعتقادات ،ولي سوا ف ن فس ال مر على ش يء ،وهذا الثال
مثال لذوي ال هل الركّب ،فأ ما أ صحاب ال هل الب سيط و هم الطما طم
الغشام القلّدون لئ مة الك فر ،ال صم الب كم الذ ين ل يعقلون فمثل هم ك ما
جيّ ﴾ .انتهى ملخصًا . قال تعال َ ﴿ :أوْ كَظُُلمَاتٍ فِي َبحْرٍ لّ ّ
وقال أبّ بن ك عب :ث ضرب ال مثلً آ خر فقال ﴿ :وَالّذِي نَ َكفَرُوا
ب ِبقِي َعةٍ ﴾ ،قال :وكذلك الكا فر ي يء يوم القيا مة و هو َأعْمَاُلهُ مْ كَ سَرَا ٍ
يسَب أن له عنَد ال خيًا ،فل يدَ فيدخله النار .وعَن ابَن عباس قوله
ج مّن َفوْقِهِ سَحَابٌ
ج مّن َفوْقِ ِه َموْ ٌ
جيّ َيغْشَا ُه َموْ ٌحرٍ لّ ّ
َ ﴿ :أوْ كَ ُظلُمَاتٍ فِي بَ ْ
﴾ إل قوله ﴿ :م ِن نّورٍ ﴾ ،قال :يعنَ بالظلمات :العمال .وبالبحَر
ِهَ
ْجَ مّنَ َفوْق ِ
ِهَ َمو ٌ
ْجَ مّنَ َفوْق ِ َاهَ َمو ٌ
اللجّي :قلب النسَان .قال َ ﴿ :يغْش ُ
ق َبعْ ضٍ ﴾ ،يعن بذلك :الغشاوة ضهَا َفوْ َت َب ْع ُ
سَحَابٌ ﴾ ،قال ﴿ :ظُُلمَا ٌ
الزء الثالث 284
ّهَ عَلَى
َمَ الل ُ
التَ على القلب والسَمع والبصَر ،وهَو كقوله تعال َ ﴿ :خت َ
ُقلُوبِه ْم َوعَلَى سَ ْم ِعهِ ْم َوعَلَى َأبْ صَارِهِ ْم غِشَا َوةٌ وََلهُ ْم عَذَا بٌ عظِي مٌ ﴾ .وعن
جيّ َيغْشَا ُه َموْ جٌ ﴾ الية ،
حرٍ لّ ّ
أب بن كعب ف قوله َ ﴿ :أوْ كَ ُظلُمَا تٍ فِي بَ ْ
قال :ضرب مثلً آ خر للكا فر ،ف هو يتقلّب ف خ س من الظلم :فكل مه
ظلمَة ،وعمله ظلمَة ،ومدخله ظلمَة ،ومرجَه ظلمَة ،ومصَيه إل
الظلمات يوم القيامة إل النار .
وقوله تعال ﴿ :وَمَن لّ ْم يَ ْ
جعَلِ اللّ هُ لَ هُ نُورا فَمَا لَ ُه مِن نّورٍ ﴾ ،كقوله
ل هَادِيَ لَ ُه َويَذَ ُرهُمْ فِي ُطغْيَاِنهِ ْم َيعْ َمهُونَ ﴾ .
تعال ﴿ :مَن ُيضْلِلِ اللّهُ َف َ
ح لَهُ مَن فِي السّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ
قوله عز وجل َ ﴿ :ألَمْ َت َر أَنّ اللّ َه يُسَبّ ُ
ح ُه وَاللّهُ عَلِي ٌم بِمَا يَ ْفعَلُونَ ()41
وَالطّ ْيرُ صَافّاتٍ ُك ّل َقدْ عَلِمَ صَلَاَتهُ َوتَسْبِي َ
ض وَِإلَى ال ّلهِ الْمَصِيُ (. ﴾ )42
ت وَاْلأَرْ ِ
َولِ ّلهِ مُ ْلكُ السّمَاوَا ِ
ت وَالْأَرْضِ ﴾ قال ابن كثي :يب تعال أنه ﴿:يُ َ
سبّحُ لَ ُه مَن فِي السّمَاوَا ِ
أي :من اللئ كة ،والنا سي ،والا ّن ،واليوان ح ت الماد ،ك ما قال
ض َومَن فِيهِنّ َوإِن مّن شَيْءٍ إِلّ
ت وَاْلأَرْ ِ
سبّحُ لَ ُه مَن فِي ال سّمَاوَا ِ تعال ﴿ :يُ َ
حهُمْ ِإنّهُ كَانَ حَلِيما َغفُورا ﴾ .
سبّ ُح بِحَ ْم َدهِ وَلََكِن ّل َت ْف َقهُو َن تَسْبِي َ
يُ َ
وقوله تعال ﴿ :وَال ّطيْرُ صَافّاتٍ ﴾ ،أي :ف حال طيان ا ت سبّح رب ا
وتعبده بت سبيح ألم ها وأرشد ها إل يه ،و هو يعلم ما هي فاعلة ،ولذا قال
سبِيحَهُ ﴾ ،أي :كل قد أرشده إل طريقتهتعال ﴿ :كُلّ قَ ْد عَِل مَ صَلَاتَ ُه َوتَ ْ
285 توفيق الرحن ف دروس القرآن
ومسلكه ف عبادة ال عز وجل ؛ ث أخب أنه عال بميع ذلك ل يفى عليه
من ذلك شيء ،ولذا قال ﴿ :وَاللّ ُه عَلِي ٌم بِمَا َي ْفعَلُونَ ﴾ .
ث أخب تعال أن له ملك السماوات والرض فهو الاكم التصرف ،الله
العبود الذي ل تنبغَي العبادة إلّ له ول معقّب لكمَه ﴿ َوإِلَى اللّهَِ الْمَ صِيُ
﴾ أي :يوم القيا مة .فيح كم ف يه ب ا شاء ليجزي الذ ين أ ساءوا ب ا عملوا ،
ويزي الذيَن أحسَنوا بالسَن ،فهَو الالق الالك الله الكَم فَ الدنيَا
والخرة ،وله المد ف الول والخرة ،وله الكم وإليه ترجعون .
***
الزء الثالث 286
***
الزء الثالث 288
جعَلُهُ
قوله عز وجل َ ﴿ :ألَ ْم َترَ أَنّ اللّهَ ُي ْزجِي سَحَابا ُثمّ ُي َؤلّفُ بَيْنَ ُه ُثمّ يَ ْ
ج مِ نْ خِلَالِ ِه وَيَُن ّزلُ مِ نَ ال سّمَا ِء مِن جِبَالٍ فِيهَا مِن
خرُ ُ
ق يَ ْ
ُركَاما فََترَى اْلوَدْ َ
ص ِرفُهُ عَن مّ ن َيشَا ُء َيكَادُ سَنَا َبرْقِ هِ َي ْذهَ بُ
ب بِ هِ مَن َيشَا ُء َويَ ْ
َب َردٍ فَيُ صِي ُ
ك َلعِ ْبرَ ًة ّلأُ ْولِي اْلأَبْصَارِ (
بِالَْأبْصَارِ (ُ )43يقَلّبُ اللّهُ اللّ ْي َل وَالّنهَا َر إِنّ فِي َذلِ َ
. ﴾ )44
قال ا بن كث ي :يذ كر تعال أ نه ي سوق ال سحاب بقدرته أول ما ينشئها
َهَ ﴾ ،أي :يمعَه بعَد ّفَ َبْين ُ
وهَي ضعيفَة وهَو الزجاء ﴿ ،ثُم ّ ُيؤَل ُ
جعَلُ هُ رُكَاما ﴾ ،أي :متراكمًا ير كب بع ضه بعضًا ﴿ ، تفر قه ﴿ ،ثُمّ يَ ْ
ج مِ نْ خِلَالِ هِ ﴾ ،أي :من خلله . خرُ ُ َفتَرَى الْوَدْ قَ ﴾ ،أي :ال طر ﴿ ،يَ ْ
قال عب يد بن عم ي اللي ثي :يبعث ال الثية فتق مّ الرض قمّ ا ،ث يبعث ال
الناشئة فتن شئ ال سحاب .ث يب عث ال الؤلّف بي نه ،ث يب عث ال اللوا قح
ج مِ نْ خِلَالِهِ
خرُ ُ
ق يَ ْ
فتلقّح السحاب .وقال ابن زيد ف قوله َ ﴿ :فتَرَى الْوَدْ َ
﴾ ،قال :الودق القطر .
وقوله تعال َ ﴿ :ويُنَزّلُ مِ َن ال سّمَا ِء مِن ِجبَالٍ فِيهَا مِن َبرَدٍ َفيُ صِيبُ بِ هِ مَن
يَشَا ُء َويَصْرِفُ ُه عَن مّن يَشَاءُ ﴾ ،قال ابن عباس :أخب ال تعال أن ف السماء
جبالً من بَ َردٍ ﴿ َيكَادُ َسنَا بَرْقِ ِه يَ ْذهَبُ بِاْلَأبْصَارِ ﴾ ،قال :ضوء برقه يذهب
بالبصار .
289 توفيق الرحن ف دروس القرآن
وقوله تعال ﴿ ُيقَلّبُ اللّهُ الّليْ َل وَالنّهَارَ ِإنّ فِي ذَلِكَ َل ِعبْ َرةً ّلُأوْلِي الَْأبْصَارِ ﴾
كقوله تعال ﴿ :يُولِ جُ الّليْلَ فِي الّنهَا ِر َويُولِ ُج الّنهَارَ فِي الّليْلِ ﴾ .و عن أ ب
هريرة قال :قال ر سول ال « :قال ال تعال :يؤذي ن ا بن آدم ،ي سبّ
الدهر وأنا الدهر ،بيدي المر أقلب الليل والنهار » .رواه البغوي وغيه .
قوله عز وجل ﴿ :وَاللّ ُه خَلَ قَ ُك ّل دَاّب ٍة مِن مّاء َفمِ ْنهُم مّن يَ ْمشِي عَلَى
بَطْنِهِ َومِ ْنهُم مّن يَ ْمشِي عَلَى ِرجْلَيْ ِن َومِنْهُم مّن يَ ْمشِي عَلَى أَ ْربَ عٍ يَخْلُ ُق اللّ هُ
ت وَاللّ هُ
ت مّبَيّنَا ٍ
مَا َيشَا ُء إِنّ اللّ هَ عَلَى ُكلّ َشيْ ٍء َقدِيرٌ (َ )45لقَ ْد أَن َزلْنَا آيَا ٍ
صرَاطٍ ّمسَْتقِيمٍ (. ﴾ )46
َي ْهدِي مَن َيشَا ُء ِإلَى ِ
قال ا بن كث ي :يذكّر تعال قدر ته التا مة ،و سلطانه العظ يم ،ف خل قه
أنواع الخلوقات ،على اختلف أشكالا وألوانا ،وحركاتا وسكناتا ،من
ماء وا حد ،فمنهم من ي شي على بط نه :كالية و ما شاكل ها ،ومنهم من
يشَي على رجليَ :كالنسَان ،والطيَ ،ومنهَم مَن يشَي على أربَع :
خلُ قُ اللّ ُه مَا يَشَاءُ إِنّ اللّ َه عَلَى
كالنعام و سائر اليوانات ،ولذا قال ﴿ :يَ ْ
كُ ّل َشيْءٍ قَدِيرٌ ﴾ .قال البغوي :ول يذكر من يشي على أكثر من أربع ،
مثل حشرات الرض لنا ف الصورة كالت على الربع ،وقيل :إن ف قوله
تعال ﴿ :يَخُْلقُ اللّ ُه مَا يَشَاءُ ﴾ تنبيهًا على سائر القسام .
وقوله تعال َ ﴿ :لقَدْ أَنزَلْنَا آيَا تٍ مَّبّينَا تٍ ﴾ ،أي :واضحات تدلّ على
ستَقِيمٍ ﴾ .
ط مّ ْ
صرَا ٍ
طريق الق ﴿ وَاللّ ُه َيهْدِي مَن يَشَاءُ إِلَى ِ
الزء الثالث 290
قوله عز وجل ﴿ :وََيقُولُونَ آمَنّا بِال ّلهِ َوبِال ّرسُولِ َوأَ َطعْنَا ثُ ّم يََتوَلّى َفرِيقٌ
مّ ْنهُم مّن َبعْ ِد َذلِكَ وَمَا ُأوْلَئِكَ بِالْ ُمؤْمِنِيَ ( )47وَِإذَا ُدعُوا ِإلَى اللّهِ وَرَسُوِلهِ
حقّ َي ْأتُوا ِإلَيْهِ
حكُمَ بَيَْنهُ ْم ِإذَا َفرِي ٌق مّ ْنهُم ّم ْعرِضُونَ ( )48وَإِن َيكُن ّلهُمُ الْ َ
لِيَ ْ
ُمذْعِنِيَ ( )49أَفِي قُلُوبِهِم ّمرَ ضٌ أَ مِ ا ْرتَابُوا أَ ْم يَخَافُو َن أَن يَحِي فَ اللّ هُ
ك هُ ُم الظّالِمُو نَ (ِ )50إنّمَا كَا َن َقوْلَ الْ ُم ْؤمِنِيَ ِإذَا
عَلَ ْيهِ ْم وَرَ سُوُلهُ َب ْل ُأوْلَئِ َ
ك هُ مُ
حكُ َم بَيَْنهُ ْم أَن يَقُولُوا سَ ِمعْنَا َوأَ َطعْنَا َوأُ ْولَئِ َ
دُعُوا إِلَى اللّ هِ وَرَ سُولِ ِه لِيَ ْ
ك هُ مُ
ش اللّ َه وَيَّتقْ هِ َفُأ ْولَئِ َ
الْ ُمفْلِحُو نَ ( )51وَمَن يُطِ ِع اللّ هَ وَرَ سُوَلهُ وَيَخْ َ
اْلفَاِئزُونَ (. ﴾ )52
قال ابن كثي :يب تعال عن صفات النافقي ،الذين يُظهرون خلف
مَا يبطنون ،يقولون قو ًل بألسَنتهم :آمنَا بال وبالرسَول وأطعنَا ﴿ ،ثُمّ
َيَتوَلّى فَرِي ٌق ّمْنهُم مّن َبعْدِ ذَلِكَ ﴾ ،أي :يالفون أقوالم بأعمالم ،فيقولون
ك بِالْ ُم ْؤمِنِيَ ﴾ .
ما ل يفعلون ،ولذا قال تعال َ ﴿ :ومَا ُأوَْلئِ َ
وقوله تعال َ ﴿ :وإِذَا ُدعُوا إِلَى اللّ ِه وَرَ سُولِهِ ِليَ ْ
حكُ َم َبيَْنهُ مْ إِذَا فَرِي ٌق ّمنْهُم
ُونَ ﴾ ،أي :إذا طُلبوا إل اتباع الدى فيمَا أنزل ال على رسَوله ، ّمعْرِض َ
أعرضوا عنه واستكبوا ف أنفسهم عن اتباعه ،كقوله تعال ﴿ :أَلَ ْم َترَ إِلَى
ك يُرِيدُو نَ أَن ك وَمَا أُنزِ َل مِن َقبْلِ َ الّذِي َن يَ ْزعُمُو نَ أَّنهُ مْ آ َمنُوْا بِمَا أُنزِلَ إَِليْ َ
شيْطَا نُ أَن ُيضِّلهُ مْ ت وَقَدْ ُأمِرُواْ أَن َي ْكفُرُوْا بِ هِ َويُرِيدُ ال ّ
َيتَحَاكَمُواْ إِلَى الطّاغُو ِ
ْتَ
ّهَ َوإِلَى الرّسَُولِ َرَأي َ ُمَ َتعَاَلوْاْ إِلَى م َا أَنزَلَ الل ُ ضلَ ًل َبعِيدا * َوإِذَا قِيلَ َله ْ َ
291 توفيق الرحن ف دروس القرآن
الْ ُمنَاِفقِيَ يَ صُدّونَ عَن كَ صُدُودا ﴾ .وف الطبان عن سرة مرفوعًا « :من
دُعي إل سلطان فلم يب فهو ظال ل حق له » .
وقوله تعال َ ﴿ :وإِن يَكُن ّلهُ ُم الْحَقّ َيأْتُوا إَِليْ هِ مُ ْذ ِعنِيَ ﴾ ،أي :وإذا
كا نت الكو مة ل م ل علي هم جاءوا سامعي مطيع ي ،وإذا كا نت علي هم
أعرضوا ،ولذا قال تعال ﴿ :أَفِي ُقلُوبِهِم مّرَ ضٌ أَ مِ ا ْرتَابُوا أَ مْ َيخَافُو نَ أَن
يَحِيفَ اللّ ُه عََلْيهِ ْم وَرَسُولُ ُه بَلْ ُأوَْلئِكَ هُمُ الظّالِمُونَ * ِإنّمَا كَانَ َقوْلَ الْ ُمؤْ ِمنِيَ
حكُ َم َبيَْنهُ مْ أَن َيقُولُوا سَ ِم ْعنَا َوأَ َط ْعنَا َوُأوَْلئِ كَ هُ مُ
إِذَا ُدعُوا إِلَى اللّ ِه وَرَ سُولِهِ ِليَ ْ
الْ ُمفِْلحُو نَ ﴾ .قال قتادة :ذكر لنا أن عبادة بن الصامت وكان عقبيًا بدريًا
أحد نقباء النصار ،أنه لا حضره الوت قال لبن أخيه جنادة بن أب أمية :
أل أنبئك باذا عليك وباذا لك ؟ قال :بلى قال :فإن عليك السمع والطاعة
فَ عسَرك ويسَرك ومنشطَك ومكرهَك وأثرة عليَك ،وعليَك أن تقيَم
لسانك بالعدل ،وأن ل تنازع المر أهله ،إلّ أن يأمروك بعصية ال بواحًا ،
فما أُمرت به من شيء يالف كتاب ال فاتبع كتاب ال » .
وقوله تعال ﴿ :وَمَن يُ ِط عِ اللّ َه وَرَ سُولَ ُه َويَخْ شَ اللّ َه َوَيتّقْ هِ َفُأوَْلئِ َ
ك هُ مُ
اْلفَائِزُونَ ﴾ .قال قتادة :يطيع ال ورسوله فيما أمراه به ،ويترك ما نياه عنه
ويشى ال فيما مضي من ذنوبه ،وَيتّقْ ِه فيما يستقبل .
خ ُر ُجنّ
قوله عز وجل ﴿ :وََأقْ سَمُوا بِاللّ ِه َجهْ َد َأيْمَاِنهِ مْ لَئِ ْن َأ َمرَْتهُ مْ لَيَ ْ
ي بِمَا َتعْمَلُونَ (ُ )53ق ْل أَطِيعُوا اللّهَ
قُل لّا ُتقْسِمُوا طَا َع ٌة ّم ْعرُو َفةٌ إِنّ اللّهَ خَبِ ٌ
الزء الثالث 292
َوأَطِيعُوا الرّ سُولَ َفإِن َتوَلّوا َفِإنّمَا عَلَيْ هِ مَا حُ ّم َل وَعَلَيْكُم مّ ا حُمّلْتُ ْم َوإِن
غ الْمُِبيُ (. ﴾ )54
تُطِيعُوهُ َتهَْتدُوا َومَا عَلَى ال ّرسُو ِل إِلّا الْبَلَا ُ
قال البغوي قوله تعال َ ﴿ :وأَقْ سَمُوا بِاللّ هِ َجهْدَ َأيْمَاِنهِ مْ ﴾ َجهْ َد اليم ي
خرُ ُجنّ ﴾ وذلك أن يلف بال ،ول حلف فوق اللف بال ﴿ َلئِنْ َأمَ ْرَتهُمْ َليَ ْ
أن النافقيَ كانوا يقولون لرسَول ال :أينمَا كنَت نكَن معَك ،لئن
خرجت خرجنا ،وإن أقمت أقمنا ،وإن أمرتنا بالهاد جاهدنا ،فقال تعال
﴿ :قُلْ ﴾ لم ﴿ :لّا ُتقْ سِمُوا ﴾ ،ل تلفوا ،وقد تّ الكلم ؛ ث قال ﴿ :
طَا َعةٌ ّمعْرُوَفةٌ ﴾ يعنَ :هذه طاعَة بالقول وباللسَان دون العتقاد ،وهَي
معرو فة :يع ن :أم ٌر عرف من كم أن كم تكذبون ،وتقولون ما ل تفعلون ،
هذا معن قول ماهد ِ ﴿ .إنّ اللّ هَ َخبِ ٌي بِمَا َتعْمَلُو نَ * قُلْ َأطِيعُوا اللّ َه َوأَطِيعُوا
الرّ سُولَ فَإِن َتوَلّوا ﴾ ،يعن :تولّوا عن طاعة ال ورسوله ﴿ ،فَِإنّمَا عََليْ ِه مَا
حُمّلَ ﴾ ،يعنَ :على الرسَول مَا كُلّف وأمَر بَه مَن تبليَغ الرسَالة ﴿ ،
َوعََليْكُم مّ ا حُمّ ْلتُ مْ ﴾ من الجا بة والطا عة َ ﴿ ،وإِن تُطِيعُو ُه ﴾ تتدوا و ما
على الرسول إل البلغ البي .
قوله عز و جل ﴿ :وَ َعدَ اللّ هُ اّلذِي نَ آمَنُوا مِنكُ مْ وَعَمِلُوا ال صّالِحَاتِ
ف اّلذِي َن مِن قَبْ ِلهِ ْم َولَيُ َمكّنَنّ لَهُ مْ
لَيَ سْتَخْ ِلفَّنهُم فِي الْأَرْ ضِ كَمَا ا سْتَخْلَ َ
ِمـ َأمْنا َيعُْبدُونَن ِي لَا
ُمـ َولَيَُبدّلَنّهُم مّنـ َبعْ ِد َخوْ ِفه ْ
ُمـ الّذِي ا ْرتَض َى َله ْ
دِيَنه ُ
َاسـقُونَ ()55
ُمـ اْلف ِ
ِكـ ه ُ
ِكـ َفأُ ْولَئ َ
ُونـ ب ِي شَيْئا وَم َن َك َف َر َبعْ َد َذل َ
شرِك َ
ُي ْ
293 توفيق الرحن ف دروس القرآن
ُونـ ( )56لَا
ُمـ ُترْحَم َ
الصـلَا َة وَآتُوا الزّكَاةَ وَأَطِيعُوا الرّسـُولَ لَعَ ّلك ْ
َوَأقِيمُوا ّ
س الْمَ صِيُ (
ض َو َمأْوَاهُ ُم النّا ُر َولَبِئْ َ
جزِي نَ فِي الْأَرْ ِ
تَحْ سََب ّن اّلذِي نَ َك َفرُوا ُمعْ ِ
. ﴾ )57
عن أ ب العال ية قوله ﴿ َوعَدَ اللّ ُه الّذِي نَ آ َمنُوا مِنكُ ْم َوعَمِلُوا ال صّالِحَاتِ
﴾ الية .قال :مكث النب عشر سني خائفًا يدعو إل ال سرًا وعلنية ،
ث أ مر بالجرة إل الدي نة ،فم كث ب ا هو وأ صحابه خائف ي ي صبحون ف
ال سلح وي سون ف يه ،فقال ر جل :ما يأ ت علي نا يوم نأ من ف يه ون ضع ع نا
السلح ؟ فقال النب « :ل تصبون إلّ يسيًا حت يلس الرجل منكم ف
الل العظيَم متبيًا ليَس فيَه حديدة » ،فأنزل ال هذه اليَة َ ﴿ :وعَدَ اللّهَُ
ِكَ ﴾ ،قال :يقول : ُمَ ﴾ إل قوله ﴿ :وَمَن َكفَ َر َبعْدَ ذَل َ ِينَ آمَنُوا مِنك ْ
الّذ َ
ك هُ ُم اْلفَا ِسقُونَ ﴾ وليس يعن الكفر بال ؛ من كفر بذه النعمة َ ﴿ ،فُأوَْلئِ َ
قال :فأظهره ال على جزيرة العرب فآمنوا ثَ تبّروا فغيَّر ال مَا بمَ ،
وكفروا بذه النعمة فأدخل ال عليهم الوف الذي كان رفعه عنهم .
قال ابن كثي :فالصحابة رضي ال عنهم لا كانوا أقوم الناس بعد النب
بأوامر ال عز وجل وأطوعهم ل ،كان نصرهم بسبهم ،أظهروا كلمة
ال ف الشارق والغارب ،وأيّد هم تأييدًا عظيما ،وحكموا ف سائر البلد
والعباد ،ولا قصّر الناس بعدهم ف بعض الوامر ،نقص ظهورهم بسبهم ،
ولكن قد ثبت ف الصحيحي من غي وجه عن رسول ال أنه قال « :ل
الزء الثالث 294
***
295 توفيق الرحن ف دروس القرآن
***
297 توفيق الرحن ف دروس القرآن
َتـ
ِينـ مَ َلك ْ
َسـَتأْذِنكُ ُم الّذ َ
ِينـ آمَنُوا لِي ْ
قوله عـز وجـل ﴿ :يَا أَيّهَا الّذ َ
جرِ
ت مِن قَ ْبلِ صَلَاةِ اْلفَ ْ
َأيْمَانُكُ مْ وَاّلذِي نَ لَ ْم يَبْ ُلغُوا الْحُلُ مَ مِنكُ مْ ثَلَا ثَ َمرّا ٍ
يةِ وَمِن َب ْعدِ صَلَا ِة الْ ِعشَاء ثَلَا ثُ َعوْرَا تٍ
ضعُو َن ثِيَابَكُم مّ َن ال ّظهِ َ
َوحِيَ تَ َ
ّلكُ مْ لَيْ سَ َعلَ ْيكُ ْم َولَا عَلَ ْيهِ ْم جُنَا حٌ َب ْعدَهُنّ َطوّافُو نَ عَ َليْكُم َبعْضُكُ مْ عَلَى
ك يُبَيّ ُن اللّ ُه لَكُ ُم الْآيَا تِ وَاللّ هُ عَلِي مٌ َحكِي مٌ (َ )58وِإذَا بَلَ غَ
َبعْ ضٍ َك َذلِ َ
اْلأَ ْطفَالُ مِنكُ ُم الْحُلُ َم فَلْيَ سَْتأْ ِذنُوا كَمَا ا سَْتأْذَ َن اّلذِي َن مِن قَبْ ِلهِ مْ َك َذلِ كَ يُبَيّ نُ
ال ّلهُ َل ُكمْ آيَاِتهِ وَال ّلهُ عَلِيمٌ َحكِيمٌ (. ﴾ )59
سَتأْذِنكُ ُم الّذِي َن مََلكَتْ أَيْمَاُنكُمْ ﴾ ،يقول :
عن ابن عباس ف قوله ِ ﴿ :ليَ ْ
إذا خل الر جل بأهله ب عد صلة العشاء فل يد خل عل يه خادم ول صب إلّ
بإذن حت يصلي الغداة ،فإذا خل بأهله عند صلة الظهر فمثل ذلك .
وقوله تعال َ ﴿ :ليْ سَ عََلْيكُ ْم وَلَا عََلْيهِ مْ ُجنَا ٌ
ح َبعْ َدهُنّ ﴾ ،أي :ب عد
هذه الحوال الثلث َ ﴿ ،طوّافُونَ ﴾ .
قال ف جا مع البيان :أي هم :طوّافون ﴿ ،عََليْكُم ﴾ ا ستئناف يبي
العذر ف ترك الستئذان َ ﴿ ،ب ْعضُكُمْ ﴾ طائف ﴿ ،عَلَى َبعْضٍ ﴾ أو تقديره
:يطوف بعض كم على ب عض ،أو فيكثرون التردّد لوائج كم ،فيفت قر في هم
ما ل يفت قر ف غي هم ﴿ كَذَلِ كَ ﴾ َ ،مثَلُ ذلك ال تبيي ﴿ ُيبَيّ نُ اللّ هُ َلكُ مُ
الْآيَاتِ وَاللّ ُه عَلِيمٌ ﴾ بأحوالكم َ ﴿ ،حكِيمٌ ﴾ فيما أمركم .
الزء الثالث 298
َ ﴾ ،أي :
َ الْحُلُم َ وقال البغوي :قوله تعال َ ﴿ :وإِذَا بَلَغ َ
َ اْلأَ ْطفَا ُل مِنكُم ُ
َسَأْ ِذنُوا ﴾ ،أي :يسَتأذنون فَ الحتلم ،يريَد الحرار البالغيَ ﴿ ،فَ ْلي َْت
جيع الوقات ف الدخول علي كم ﴿ ،كَمَا ا سَْتأْ َذ َن الّذِي َن مِن َقبِْلهِ مْ ﴾ من
ك ُيَبيّ نُ اللّ هُ َلكُ ْم آيَاتِ هِ ﴾ ﴿ ،وَاللّ ُه عَلِي ٌم ﴾ بأمور
الحرار والكبار ﴿ ،كَذَلِ َ
خل قه َ ﴿ ،حكِي مٌ ﴾ في ما دب ّر ل م ،قال :و سئل حذي فة :أي ستأذن الر جل
على والدته ؟ قال :نعم ،إن ل يفعل رأى منها ما يكره .
قوله عز وجل ﴿ :وَاْلقَوَا ِعدُ مِ َن النّ سَاء اللّاتِي لَا َي ْرجُو َن ِنكَاحا فَلَيْ سَ
ت ِبزِيَن ٍة وَأَن يَ سْتَ ْع ِففْ َن خَ ْيرٌ ّل ُهنّ
ضعْ نَ ثِيَاَب ُهنّ غَ ْي َر مُتََبرّجَا ٍ
ح أَن يَ َ
عَلَ ْي ِهنّ جُنَا ٌ
وَاللّ ُه سَمِيعٌ عَلِيمٌ (. ﴾ )60
قال البغوي :قوله تعال ﴿ :وَاْل َقوَاعِدُ ﴾ ،يعن :اللّاتِي قعدن عن الولد
وال يض من ال ِكبَر ﴿ ،اللّاتِي لَا يَ ْرجُو َن ِنكَاحا ﴾ ،أي :ل يردن الرجال
ضعْ َن ِثيَابَهُنّ ﴾ عند الرجال .يعن :
ل ِكبَرِه نّ ﴿ ،فََليْ سَ عََلْيهِنّ ُجنَا حٌ أَن َي َ
ْنَ بعَض ِثيَاَبهُنّ وهَي اللباب والرداء الذي فوق الثياب والقناع الذي ضع َ َي َ
فوق المار .والتبّج هو :أن تظهر الرأة من ماسنها ما ينبغي لا أن تستره
سَتعْ ِففْنَ َخيْرٌ ّلهُنّ ﴾ ،قال :تَرْ كُ ذلك ،يع ن :
.و عن الش عب َ ﴿ :وأَن يَ ْ
ترك وضع الثياب .
ج وَلَا عَلَى اْلأَ ْعرَ جِ َحرَ جٌ َولَا
قوله عز وجل ﴿ :لَيْ سَ عَلَى الْأَ ْعمَى حَرَ ٌ
ُوتـ
ُمـ أَ ْو بُي ِ
ُسـكُ ْم أَن َتأْكُلُوا مِن بُيُوتِك ْ
َجـ َولَا عَلَى أَنف ِ
ِيضـ َحر ٌ
عَلَى الْ َمر ِ
299 توفيق الرحن ف دروس القرآن
وروى أبَو داود وغيه عَن أبَ هريرة قال :قال رسَول ال « :إذا
انتهى أحدكم إل الجلس فليسلّم ،فإذا أراد أن يقوم فليسلّم فليست الول
بأحق من الخرة » .
ُمـ َكدُعَاء َبعْضِكُم
جعَلُوا دُعَاء الرّسـُو ِل بَيَْنك ْ
قوله عـز وجـل ﴿ :لَا تَ ْ
حذَرِ اّلذِينَ ُيخَاِلفُو نَ عَنْ
َبعْضا َق ْد َيعْلَمُ اللّهُ اّلذِينَ يَتَسَلّلُونَ مِنكُ ْم ِلوَاذا فَلَْي ْ
َأ ْم ِرهِ أَن تُصِيَب ُه ْم فِتَْنةٌ َأ ْو يُصِيَبهُمْ َعذَابٌ َألِيمٌ (. ﴾ )63
قال ا بن عباس :كانوا يقولون :يا م مد ،يا أ با القا سم ،فنها هم ال
عن ذلك إعظامًا لنبيّه ،قال :فقولوا :يا نبّ ال ،يا رسول ال .وقال قتادة
ف قوله ﴿ :قَ ْد َيعَْل مُ اللّ ُه الّذِي نَ يَتَ سَلّلُونَ مِنكُ مْ ِلوَاذا ﴾ ،يع ن ِ :لوَاذا عن
نب ال وعن كتابه .
وقوله تعال َ ﴿ :ف ْليَحْذَ ِر الّذِي َن يُخَاِلفُو نَ عَ نْ َأمْرِ هِ أَن تُ صِيبَهُمْ ِفْتَنةٌ ﴾ ،قال
ابن كثي :أي :ف قلوبم من كفر أو نفاق أو بدعة َ ﴿ ،أوْ يُ صِيَبهُ ْم عَذَا بٌ
أَلِيمٌ ﴾ ،أي :ف الدنيا بقتل ،أو حدّ ،أو حبس ،أو نو ذلك .
ض َقدْ َيعْلَ ُم مَا
ت وَاْلأَرْ ِ
قوله عز و جل ﴿ :أَلَا إِنّ لِلّ هِ مَا فِي ال سّمَاوَا ِ
أَنتُ مْ عَلَيْ ِه وََيوْ َم ُي ْر َجعُو نَ ِإلَيْ ِه فَيُنَبّئُهُم بِمَا عَمِلُوا وَاللّ ُه بِ ُك ّل شَيْءٍ عَلِي مٌ (
. ﴾ )64
قال ابن كثي ( :قد ) للتحقيق كما قال قبلها ﴿ :قَ ْد َيعْلَ مُ اللّ هُ الّذِي نَ
َيتَسَلّلُونَ مِنكُ مْ ِلوَاذا ﴾ .قال ابن جرير َ ﴿ :وَيوْ َم يُرْ َجعُو نَ إَِليْ هِ ﴾ ،يقول :
الزء الثالث 302
***
303 توفيق الرحن ف دروس القرآن
ِكـ
لَهَا َتغَيّظا وَ َزفِيا ( )12وَِإذَا ُأْلقُوا مِنْهَا َمكَانا ضَيّقا ُم َقرّنِيَ َد َعوْا هُنَال َ
ـ ثُبُورا وَاحِدا وَادْعُوا ثُبُورا كَثِيا (ُ )14قلْ
ثُبُورا ( )13لَا تَدْعُوا الَْيوْمــ َ
ت َلهُ مْ َجزَاء وَمَ صِيا (
ك خَ ْيرٌ أَ ْم جَّن ُة الْخُ ْلدِ الّتِي وُ ِع َد الْمُّتقُو نَ كَانَ ْ
َأ َذلِ َ
َ )15لهُ مْ فِيهَا مَا َيشَاؤُو َن خَاِلدِي نَ كَا نَ عَلَى َربّ كَ وَعْدا مَ سْؤُولً ()16
شرُهُمْ وَمَا يَعُْبدُونَ مِن دُونِ اللّ ِه فََيقُولُ َأأَنتُمْ أَضْلَلْتُمْ عِبَادِي َهؤُلَاء
حَُوَيوْمَ يَ ْ
خذَ مِن
أَ ْم هُ مْ ضَلّوا ال سّبِيلَ ( )17قَالُوا سُبْحَاَنكَ مَا كَا َن يَنَبغِي لَنَا أَن نّتّ ِ
ك مِ نْ َأ ْولِيَاء َولَكِن مّّتعَْتهُ ْم وَآبَاءهُ مْ حَتّ ى نَ سُوا الذّ ْكرَ وَكَانُوا قَوْما
دُونِ َ
صرْفا َولَا نَ صْرا وَمَن
بُورا (َ )18ف َقدْ َكذّبُوكُم بِمَا َتقُولُو نَ فَمَا تَ سْتَطِيعُونَ َ
ي ِإلّا
ك مِ َن الْ ُمرْ سَلِ َ
يَظْلِم مّنكُ مْ ُن ِذقْ هُ َعذَابا كَبِيا ( )19وَ ما أَرْ سَلْنَا قَبْلَ َ
ض فِتَْنةً
ق وَ َجعَلْنَا َبعْضَكُ ْم لَِبعْ ٍ
ِإّنهُ مْ لَيَأْكُلُو نَ ال ّطعَا َم َويَ ْمشُو َن فِي الْأَ ْسوَا ِ
َأتَ صِْبرُونَ وَكَا نَ َربّ كَ بَ صِيا (َ )20وقَا َل الّذِي نَ لَا َيرْجُو نَ ِلقَاءنَا َل ْولَا أُنزِلَ
س ِهمْ وَعََتوْ ُعُتوّا كَبِيا (
عَلَيْنَا الْمَلَائِ َكةُ َأ ْو َنرَى َربّنَا َل َقدِ ا سْتَكَْبرُوا فِي أَنفُ ِ
ـ حِجْرا
ج ِرمِيَـ َوَيقُولُون َ
شرَى َي ْومَئِ ٍذ لّلْمُ ْ
ـ الْمَلَائِ َكةَ لَا ُب ْ
ـ َيرَوْن َ
َ )21يوْم َ
جعَلْنَا ُه هَبَاء مّنثُورا ()23
حجُورا (َ )22و َقدِمْنَا ِإلَى مَا َعمِلُوا مِ نْ َع َم ٍل فَ َ
مّ ْ
ّقـ
شق ُْمـ َت َ
ْسـنُ َمقِيلً (َ )24وَيو َ
ّسـتَ َقرّا َوَأح َ
َصـحَابُ الْجَّن ِة َيوْمَِئ ٍذ خَ ْيرٌ م ْ
أ ْ
ك َيوْمَِئ ٍذ الْحَقّ لِلرّحْمَ نِ
ال سّمَاء بِاْلغَمَا ِم َوُنزّلَ الْمَلَاِئكَ ُة تَنِيلً ( )25الْمُلْ ُ
وَكَا نَ َيوْما عَلَى الْكَا ِفرِي نَ عَ سِيا ( )26وََيوْ مَ يَعَضّ الظّالِ مُ عَلَى يَ َديْ ِه َيقُولُ
خ ْذ فُلَانا
خذْ تُ مَ َع الرّ سُولِ سَبِيلً ( )27يَا وَيْلَتَى لَيْتَنِي لَ مْ أَتّ ِ
يَا لَيْتَنِي اتّ َ
305 توفيق الرحن ف دروس القرآن
خَلِيلً (َ )28ل َقدْ أَضَلّنِي عَ ِن الذّ ْكرِ َب ْعدَ ِإ ْذ جَاءنِي وَكَا نَ الشّيْطَا ُن لِ ْلإِن سَانِ
خذُوا َهذَا الْ ُقرْآ َن َمهْجُورا
َخذُولً (َ )29وقَا َل الرّ سُولُ يَا َربّ إِنّ قَ ْومِي اتّ َ
ج ِرمِيَ وَكَفَى ِب َربّ كَ هَادِيا
( )30وَ َك َذلِ كَ َجعَلْنَا ِلكُ ّل نَبِيّ َع ُدوّا مّ نَ الْمُ ْ
ْآنـ جُمْ َلةً وَا ِح َدةً
ْهـ اْلقُر ُ
ِينـ َك َفرُوا َل ْولَا ُنزّلَ عَلَي ِ
َونَصـِيا (َ )31وقَا َل الّذ َ
ك لِنُثَبّ تَ بِ هِ ُفؤَادَ َك وَ َرتّلْنَا ُه َترْتِيلً (َ )32ولَا َي ْأتُونَ كَ بِمََث ٍل ِإلّا جِئْنَا كَ
َك َذلِ َ
شرُو نَ عَلَى وُجُو ِههِ مْ ِإلَى َجهَنّ مَ
حَبِالْحَقّ َوَأحْ سَ َن َتفْ سِيا ( )33الّذِي نَ يُ ْ
ض ّل سَبِيلً (. ﴾ )34
ك َشرّ ّمكَانا َوأَ َ
ُأ ْولَئِ َ
***
الزء الثالث 306
قوله عز وجل ﴿ :تَبَارَ َك اّلذِي َن ّزلَ اْل ُفرْقَانَ عَلَى عَ ْب ِد ِه لَِيكُو َن لِ ْلعَالَمِيَ
خ ْذ َولَدا وََل ْم يَكُن لّهُ
ض َولَ ْم يَتّ ِ
ت وَاْلأَرْ ِ
ك السّمَاوَا ِ
َنذِيرا ( )1اّلذِي َل ُه مُلْ ُ
خذُوا مِن دُونِهِ
ك فِي الْمُ ْلكِ َوخَ َلقَ ُكلّ َشيْ ٍء َفقَدّ َر ُه َت ْقدِيرا ( )2وَاتّ َ
َشرِي ٌ
ضرّا َولَا َنفْعا َولَا
س ِهمْ َ
آِل َه ًة لّا يَخْ ُلقُو َن شَيْئا َو ُهمْ يُخْ َلقُو َن َولَا يَمْ ِلكُونَ ِلأَن ُف ِ
يَمْ ِلكُو َن مَوْتا َولَا حَيَاةً وَلَا ُنشُورا (. ﴾ )3
قال ا بن ز يد ف قوله ﴿ :تَبَارَ َك الّذِي نَزّ َل اْلفُرْقَا َن عَلَى عَبْدِ هِ ِليَكُو نَ
ِل ْلعَالَمِيَ نَذِيرا ﴾ ،قال :النب :النذير ،وقرأ َ ﴿ :وإِن مّ نْ ُأ ّمةٍ إِلّا خلَا فِيهَا
نَذِيرٌ ﴾ وقرأ َ ﴿ :ومَا أَهَْل ْكنَا مِن قَ ْرَيةٍ إِلّا َلهَا مُنذِرُونَ ﴾ .قال :رسل .قال
:النذرون :الر سل ،قال :وكان نذيرًا واح ًد بلغ ما ب ي الشرق والغرب ،
ذو القرن ي ،ث بلغ ال سدّين ،وكان نذيرًا ول أ سع أحدًا ب ق أ نه كان نبيًا
َ ﴿ .وأُوحِيَ إِلَيّ هَذَا اْلقُرْآنُ لُنذِرَكُم بِ ِه َومَن بََلغَ ﴾ ،قال :من بلغه القرآن
من اللق فر سول ال نذيره وقرأ ﴿ :يَا َأيّهَا النّا سُ ِإنّ ي رَ سُولُ اللّ هِ إَِلْيكُ مْ
جَمِيعا ﴾ ،وقال :ل ير سل ال ر سولً إل الناس عا مة إلّ نوحًا بدأ به ،
فكان رسول أهل الرض كلهم ،وممد ختم به .
قال البغوي َ ﴿ :تبَارَ كَ ﴾ تفا عل ،من الب كة ﴿ ،الّذِي نَزّ َل اْلفُرْقَا نَ ﴾ ،
أي :القرآن ﴿ ،عَلَى عَبْدِ هِ ﴾ ممد ِ ﴿ ،ليَكُو نَ لِ ْلعَالَ ِميَ نَذِيرا ﴾ ،أي
ض وَلَ ْم َيتّخِ ْذ وَلَدا وَلَ مْ
ت وَالْأَرْ ِ
ك ال سّمَاوَا ِ
:ال ّن ،والنس ﴿ .الّذِي لَ ُه ُملْ ُ
ك وَ َخلَ قَ كُ ّل َشيْءٍ ﴾ ،ما يطلق عليه صفة الخلوق َيكُن لّ ُه شَرِي كٌ فِي الْ ُملْ ِ
307 توفيق الرحن ف دروس القرآن
َ َتقْدِيرا ﴾ فسَوّاه وهيّأه لاَ يصَلح له ،ل خلل فيَه ول َ ﴿ .فقَدّرَه ُ
تفاوت ﴿ ،وَاتّخَذُوا ﴾ ،يعن :عبدة الوثان ﴿ ،مِن دُونِ هِ آِل َهةً ﴾ ،يعن
سهِمْ ضَرّا وَلَا
خَلقُو نَ وَلَا يَ ْمِلكُو نَ ِلأَنفُ ِ
:الصنام ﴿ ،لّا َيخُْلقُو َن َشيْئا َوهُ ْم يُ ْ
َنفْعا ﴾ ،أي :دفع ضرّ ول جلب نفع ﴿ ،وَلَا يَمِْلكُو نَ َموْتا وَلَا َحيَاةً ﴾ ،
أي :إماتة وإحياء ﴿ ،وَلَا نُشُورا ﴾ ،أي :بعثًا بعد الوت .
قوله عز و جل ﴿ :وَقَالَ اّلذِي نَ َك َفرُوا إِ نْ هَذَا إِلّا ِإفْ كٌ افَْترَا هُ وَأَعَانَ هُ
ي اْلأَ ّولِيَ
ُونـ َفقَ ْد جَاؤُوا ُظلْما وَزُورا (َ )4وقَالُوا أَسـَاطِ ُ
ْمـ آ َخر َ
ْهـ َقو ٌ
عَلَي ِ
سرّ فِي
اكْتَتََبهَا َفهِ َي تُمْلَى عَلَيْ هِ ُب ْك َرةً َوأَ صِيلً (ُ )5قلْ أَن َزلَ هُ اّلذِي َيعْلَ ُم ال ّ
ض ِإّنهُ كَانَ َغفُورا ّرحِيما (. ﴾ )6
السّمَاوَاتِ وَالْأَرْ ِ
ت وَالْأَرْضِ ﴾ ،
عن ابن جريج ﴿ :قُلْ أَنزَلَ ُه الّذِي َيعْلَ ُم السّرّ فِي السّمَاوَا ِ
قال :ما يُس ّر أهل الرض وأهل السماء .
قوله عز و جل ﴿ :وَقَالُوا مَالِ هَذَا الرّ سُولِ َيأْ ُكلُ ال ّطعَا َم َويَمْشِي فِي
ن أَوْ
ك فََيكُو نَ َمعَ ُه َنذِيرا ( )7أَ ْو يُلْقَى إِلَيْ هِ َك ٌ
ق َلوْلَا أُن ِزلَ ِإلَيْ ِه مَلَ ٌ
اْلأَ سْوَا ِ
ل مّ سْحُورا ()8
َتكُو ُن لَ ُه جَنّ ٌة َيأْ ُكلُ مِ ْنهَا َوقَالَ الظّالِمُو َن إِن تَتِّبعُو َن ِإلّا َرجُ ً
َكـ
سـبِيلً ( )9تَبَار َ
َسـتَطِيعُونَ َ
َكـ اْلأَمْثَالَ فَضَلّوا فَلَا ي ْ
ض َربُوا ل َ
ْفـ َ
ان ُظرْ كَي َ
جرِي مِن تَحْتِهَا اْلَأنْهَارُ
ّاتـ َت ْ
ِكـ جَن ٍ
َكـ خَيْرا مّنـ َذل َ
اّلذِي إِن شَاء جَ َع َل ل َ
ك قُصُورا (. ﴾ )10
جعَل ّل َ
َويَ ْ
الزء الثالث 308
﴿ :وَقَا َل الّذِي نَ لَا يَرْجُونَ ِلقَاءنَا َلوْلَا أُنزِ َل عََلْينَا الْمَلَاِئ َكةُ ﴾ أي :فتخبنا أن
سهِمْ
ممدًا صادق َ ﴿ ،أ ْو نَرَى َربّنَا ﴾ فيخبنا بذلك ﴿ َلقَدِ ا ْسَتكْبَرُوا فِي أَنفُ ِ
َو َعَتوْ ُعُتوّا َكبِيا َيوْ َم يَ َروْنَ الْمَلَاِئ َكةَ ﴾ عند الوت ويوم القيامة ﴿ ،لَا بُشْرَى
حجُورا ﴾ .قال ابن كثي :أي :وتقول
َي ْو َمئِذٍ لّلْ ُمجْ ِرمِيَ َوَيقُولُونَ ِحجْرا مّ ْ
اللئكة للكافرين :حرام مرّم عليكم الفلح اليوم .
وقوله تعال ﴿ :وَقَ ِد ْمنَا إِلَى مَا عَمِلُوا مِ ْن عَ َملٍ فَ َ
جعَ ْلنَا هُ َهبَاء مّنثُورا ﴾ ،
َا قال تعال ّ ﴿ :مثَلُ الّذِين ََ َكفَرُوْا بِ َرّبهِم ْ
َ أي :باطلً ل ثواب له ،كمَ
سبُوْا عَلَىت بِهِ الرّيحُ فِي َيوْمٍ عَاصِفٍ ّل َيقْدِرُونَ ِممّا كَ َ َأعْمَاُلهُمْ كَ َرمَا ٍد اشْتَدّ ْ
جّنةِ
ب الْ َ
صحَا ُ ضلَلُ اْلَبعِيدُ ﴾ .و عن ا بن عباس قوله ﴿ :أَ ْ ك ُهوَ ال ّ َشيْءٍ ذَلِ َ
ْسَ ُن َمقِيلً ﴾ ،يقول :قالوا فَ الغرف فَ النَة ، ّسَقَرّا َوأَح ََي ْو َمئِذٍ َخيْ ٌر م ْتَ
وكان حسابم أن عُرضوا على ربم عرضة واحدة ،وذلك الساب اليسي ،
ف يُحَا َسبُ حِ سَابا سوْ َ
و هو م ثل قوله َ ﴿ :فأَمّ ا مَ نْ أُوتِ يَ ِكتَابَ هُ ِبيَمِينِ هِ * فَ َ
يَسِيا * َويَنقَِلبُ إِلَى َأهْلِ ِه مَسْرُورا ﴾ .
شقّ ُق ال سّمَاء بِالْغَمَا ِم َونُ ّزلَ الْمَلَائِ َك ُة تَنِيلً (
قوله عز وجل ﴿ :وََيوْ َم َت َ
حقّ لِلرّحْمَ ِن وَكَا َن يَوْما عَلَى اْلكَا ِفرِي نَ عَ سِيا ()26
)25الْمُلْ كُ يَ ْومَِئذٍ الْ َ
خذْ تُ مَ َع الرّ سُولِ سَبِيلً (
َوَيوْ َم َيعَضّ الظّالِ مُ َعلَى َي َديْ هِ َيقُو ُل يَا لَيْتَنِي اتّ َ
خ ْذ فُلَانا خَلِيلً (َ )28لقَ ْد أَضَلّنِي عَ ِن الذّ ْك ِر َبعْدَ
)27يَا َويْلَتَى لَيْتَنِي لَ مْ أَتّ ِ
ِإ ْذ جَاءنِي وَكَا َن الشّيْطَانُ لِلْإِنسَانِ َخذُولً (. ﴾ )29
الزء الثالث 312
قال ابن زيد ف قول ال ﴿ :وَقَالَ الرّسُو ُل يَا رَبّ ِإنّ َق ْومِي اتّخَذُوا هَذَا
َ َمهْجُورا ﴾ ،ل يرون أن يسَمعوه ،وإن دُعوا إل ال قالوا :ل ، اْلقُرْآن َ
وقرأ َ ﴿ :وهُ ْم َيْن َهوْ نَ َعنْ ُه َوَينَْأوْ َن عَنْ هُ ﴾ ،قال :ينهون عنه وَيبْعُدون عنه .
ج ِرمِيَ ﴾ ،قال :
وقال ابن عباس ﴿ :وَكَذَلِكَ َجعَ ْلنَا ِلكُ ّل َنبِيّ عَ ُدوّا مّ َن الْمُ ْ
يوطّن ممدًا أنه جاعل له عدوًا من الجرمي كما جعل لن قبله .
ْآنَ جُ ْمَل ًة وَاحِ َدةً
ْهَ اْلقُر ُ وقوله تعال ﴿ :وَقَا َل الّذ َ
ِينَ َكفَرُوا َلوْلَا نُزّ َل عََلي ِ
ت بِ هِ ُفؤَادَ كَ وَ َرتّ ْلنَا هُ َت ْرتِيلً ﴾ ،قال ا بن عباس :كان ال ينل كَذَلِ كَ ِلُنثَبّ َ
عل يه ال ية ،فإذا علم ها نب ال نزلت عل يه آ ية أخرى ،ليعلّ مه الكتاب عن
ظهر قلب ويثبّت به فؤاده .وعن السن ف قوله ﴿ :وَ َرتّ ْلنَا ُه تَ ْرتِيلً ﴾ ،قال
:كان ينل آ ية ف آيت ي وآيات ،جوابًا ل م إذا سألوا عن ش يء ،أنزله ال
جوابًا لم وردًا عن الشيء فيما يتكلّمون به ،وكان بي أوله وآخره نو من
عشرين سنة .
َاكَ بِاْلحَق ّ ﴾ ،قال : َكَ بِ َمثَلٍ إِلّا ِجْئن َ
وعَن ابَن جريَج ﴿ :وَلَا يَ ْأتُون َ
ْسَنَ
الكتاب باَ تردّ بَه مَا جاءوا بَه مَن المثال التَ جاءوا باَ ﴿ َوأَح َ
َتفْسِيا ﴾ قال ابن عباس :يقول أحسن تفصيلً .
وقوله تعال ﴿ :الّذِينََيُحْ َ
شرُونََ عَلَى وُجُو ِههِم َْإِلَى َج َهنّمََُأوَْلئِكََ َشرّ
ّمكَانا َوأَضَلّ َسبِيلً ﴾ ف ال صحيح عن أ نس أن رجلً قال :يا ر سول ال
ك يف ي شر الكا فر على وج هه يوم القيا مة ؟ فقال « :إن الذي أمشاه على
رجليه قادر أن يشيه على وجهه يوم القيامة » .
الزء الثالث 314
﴿ َولَ َقدْ آتَيْنَا مُو سَى الْكِتَا بَ َو َجعَلْنَا مَعَ هُ َأخَا هُ هَارُو نَ وَزِيرا ()35
َفقُلْنَا ا ْذهَبَا ِإلَى اْلقَوْ ِم الّذِي نَ َك ّذبُوا بِآيَاتِنَا َف َد ّمرْنَاهُ مْ َت ْدمِيا (َ )36و َقوْ مَ
ح لّمّ ا َكذّبُوا الرّ ُس َل أَ ْغ َرقْنَاهُ مْ َو َجعَلْنَاهُ مْ لِلنّا سِ آَيةً وَأَعَْتدْنَا لِلظّالِمِيَ
نُو ٍ
ب الرّسّ َو ُقرُونا بَيْ َن َذلِكَ كَثِيا (
َعذَابا َألِيما ( )37وَعَادا َوثَمُو َد َوأَصْحَا َ
ض َربْنَا لَ ُه الَْأمْثَا َل وَكُلّا تَّب ْرنَا تَتْبِيا ( َ )39وَلقَ ْد َأتَوْا عَلَى اْل َقرَْيةِ
)38وَكُلّا َ
سوْ ِء َأفَلَ مْ َيكُونُوا َيرَ ْوَنهَا َبلْ كَانُوا لَا َيرْجُو َن ُنشُورا (
ت مَ َط َر ال ّ
الّتِي ُأمْ ِطرَ ْ
خذُونَكَ ِإلّا ُهزُوا َأهَذَا الّذِي َبعَثَ اللّهُ رَسُولً ( )41
َ )40وِإذَا َرَأوْ َك إِن يَتّ ِ
ف يَعْلَمُو َن حِيَ َي َروْ نَ
إِن كَا َد لَيُضِلّنَا عَ نْ آِلهَتِنَا َل ْولَا أَن صََب ْرنَا عَلَ ْيهَا وَ َسوْ َ
ت َتكُو نُ
خ َذ ِإلَهَ ُه َهوَا هُ َأ َفأَن َ
ت مَ نِ اتّ َ
ضلّ سَبِيلً ( )42أَ َرَأيْ َ
ب مَ ْن أَ َ
اْلعَذَا َ
ب أَنّ أَكَْث َرهُ مْ يَ سْ َمعُونَ َأ ْو َيعْقِلُو َن إِ نْ هُ مْ ِإلّا
س ُ
عَلَيْ ِه وَكِيلً ( )43أَ ْم تَحْ َ
ف َم ّد ال ّظلّ َوَلوْ
ضلّ سَبِيلً (َ )44ألَ مْ َت َر ِإلَى َربّ كَ كَيْ َ
كَاْلَأنْعَا ِم َبلْ هُ ْم أَ َ
جعَلَ هُ سَاكِنا ثُمّ َجعَلْنَا الشّمْ سَ عَلَيْ ِه َدلِيلً ( )45ثُمّ قَبَضْنَا ُه ِإلَيْنَا
شَاء لَ َ
قَبْضا يَ سِيا ( )46وَ ُهوَ اّلذِي جَ َعلَ لَكُ ُم اللّ ْيلَ لِبَاسا وَالّنوْ مَ سُبَاتا َوجَ َعلَ
ح ُبشْرا بَيْ َن َيدَيْ َرحْمَتِ ِه َوأَن َزلْنَا
الّنهَارَ ُنشُورا (َ )47وهُ َو اّلذِي أَرْ َس َل ال ّريَا َ
سقِيَ ُه مِمّا خَ َلقْنَا َأنْعَاما
مِ نَ ال سّمَا ِء مَاءً َطهُورا ( )48لِنُحْيِ َي بِ ِه بَ ْل َدةً مّيْتا َونُ ْ
س ِإلّا
ص ّرفْنَاهُ بَيَْنهُ ْم لَِيذّ ّكرُوا َفأَبَى أَكَْث ُر النّا ِ
َوَأنَا سِيّ كَثِيا (َ )49وَلقَدْ َ
ُكفُورا (َ )50وَلوْ شِئْنَا لَبَعَثْنَا فِي ُك ّل َق ْرَيةٍ َنذِيرا ( )51فَلَا تُ ِط عِ اْلكَا ِفرِي نَ
315 توفيق الرحن ف دروس القرآن
***
الزء الثالث 316
َترًا وقوله تعال َ ﴿ :و ُهوَ الّذِي َجعَلَ َلكُمَُ الّليْلَ ِلبَاسَ
َا ﴾ ،أي :سَ
تستترون به ﴿ ،وَالّنوْمَ ُسبَاتا ﴾ راحة لبدانكم ﴿ ،وَ َجعَ َل الّنهَا َر نُشُورا ﴾
تنتشرون فيه لشغالكم .
ح ُبشْرا بَيْ َن يَدَ يْ َرحْمَتِ هِ
قوله عز و جل َ ﴿ :و ُهوَ اّلذِي أَرْ َسلَ ال ّريَا َ
َوأَن َزلْنَا مِ َن السّمَا ِء مَاءً َطهُورا ( )48لِنُحْيِيَ بِهِ بَ ْل َد ًة مّيْتا َونُسْقَِيهُ مِمّا خَ َلقْنَا
ص ّرفْنَا ُه بَيَْنهُ ْم لَِيذّ ّكرُوا َفأَبَى أَكَْثرُ النّا سِ
َأْنعَاما َوَأنَا ِسيّ كَثِيا (َ )49وَلقَدْ َ
ِإلّا ُكفُورا (. ﴾ )50
قال ابن عباس :ما عام بأكثر مطر من عام ،ولكن ال يصرفه بي خلقه
ث قرأ ﴿ :وََلقَدْ صَرّ ْفنَاهُ َبْيَنهُ مْ ِليَذّكّرُوا ﴾ .و عن عكر مة َ ﴿ :فأَبَى أَ ْكثَرُ
النّاسِ إِلّا ُكفُورا ﴾ ،قال :قولم ف النواء .
قوله عز و جل َ ﴿ :ولَ ْو شِئْنَا لََبعَثْنَا فِي ُك ّل َق ْرَيةٍ َنذِيرا ( )51فَلَا تُ ِط عِ
حرَيْ نِ َهذَا
ج الْبَ ْ
اْلكَا ِفرِي نَ َوجَا ِهدْهُم بِ ِه ِجهَادا كَبِيا ( )52وَ ُهوَ اّلذِي مَرَ َ
حجُورا ()53
ح ُأجَاجٌ َو َجعَ َل بَيَْنهُمَا َبرْزَخا َوحِجْرا مّ ْ
َعذْبٌ ُفرَاتٌ وَ َهذَا مِلْ ٌ
صهْرا وَكَا نَ َربّ كَ قَدِيرا (
جعَلَ ُه نَ سَبا وَ ِ
َوهُ َو اّلذِي خَلَ َق مِ َن الْمَاء َبشَرا فَ َ
ض ّرهُ مْ وَكَا َن الْكَافِرُ عَلَى
َ )54وَيعْبُدُو َن مِن دُو ِن اللّ ِه مَا لَا يَنفَ ُعهُ مْ َولَا يَ ُ
َرّبهِ َظهِيا (. ﴾ )55
ِهَ ﴾ ،قال :
ِينَ وَجَاهِدْهُم ب ِ قال ابـن عباس قوله َ ﴿ :فلَا تُط ِ
ِعَ اْلكَافِر َ
بالقرآن .
319 توفيق الرحن ف دروس القرآن
ج اْلبَحْ َريْ نِ ﴾ أفاض أحدها على الخر ﴿ ، وعن ماهد ف قوله ﴿ :مَرَ َ
حجُورا ْحَُأجَاجٌَ وَ َجعَ َل َبيَْنهُمَا بَرْزَخا وَحِجْرا مّ ْ
َاتَ َوهَذَا ِمل ٌ
ْبَ ُفر ٌ
هَذَا عَذ ٌ
﴾ ،قال :ل يتلط البحر بالعذب .وعن السن ف قوله ﴿ :وَ َجعَ َل َبيَْنهُمَا
حجُورا ﴾ ،قال :هذا اليبس . بَ ْرزَخا وَ ِحجْرا مّ ْ
وقوله تعال َ ﴿ :و ُهوَ الّذِي خَلَ َق مِ َن الْمَاء ﴾ ،أي :الن طف ﴿ ،بَشَرا
صهْرا ﴾ وهو اللطة الت تشبه القرابة ﴿ ، جعَلَ ُه نَسَبا ﴾ وهو القرابة ﴿ ،وَ ِ
َف َ
وَكَا نَ َربّ كَ قَدِيرا ﴾ .وعن السن ف قوله ﴿ وَكَا َن الْكَاِف ُر عَلَى َربّ ِه َظهِيا
﴾ قال :عونًا للشيطان على ر به على العا صي .وقال ا بن ز يد :والظه ي :
العوين ،وقرأ قول ال َ ﴿ :فلَا َتكُونَ ّن َظهِيا لّ ْلكَاِفرِينَ ﴾ .
قوله عز وجل ﴿ :وَمَا أَرْسَلْنَا َك ِإلّا مَُبشّرا َوَنذِيرا (ُ )56قلْ مَا أَ ْسَألُ ُكمْ
حيّ
خذَ إِلَى َربّهِ سَبِيلً (َ )57وَتوَكّلْ عَلَى الْ َ
عَلَيْ ِه مِ ْن َأجْ ٍر ِإلّا مَن شَاء أَن يَتّ ِ
ح ِبحَ ْمدِ هِ وَكَفَى بِ ِه ِبذُنُو بِ ِعبَادِ ِه خَبِيا ( )58اّلذِي
ت وَ سَبّ ْ
اّلذِي لَا يَمُو ُ
ض َومَا بَيَْنهُمَا فِي سِّتةِ أَيّا مٍ ثُمّ ا سْتَوَى عَلَى الْ َعرْ شِ
ت وَاْلأَرْ َ
خَلَ قَ ال سّمَاوَا ِ
جدُوا لِلرّحْمَ نِ قَالُوا َومَا
الرّحْمَ نُ فَا ْسَألْ بِ ِه خَبِيا ( )59وَِإذَا قِي َل َلهُ مُ ا سْ ُ
جدُ لِمَا َت ْأمُ ُرنَا وَزَادَ ُه ْم ُنفُورا (. ﴾ )60
الرّحْ َم ُن َأَنسْ ُ
قال البغوي :قوله ﴿ :وَمَا أَرْ سَ ْلنَاكَ إِلّا ُمبَشّرا َونَذِيرا * قُ ْل مَا أَ ْسأَلُكُمْ
عََليْ هِ ﴾ ،أي :على تبليغ الوحي ﴿ ،مِ نْ أَجْرٍ ﴾ فتقولوا :إنا يطلب ممد
خذَ إِلَى َربّ هِ َسبِيلً ﴾ هذا من الستثناء النقطع
أموالنا ﴿ ،إِلّا مَن شَاء أَن َيتّ ِ
الزء الثالث 320
***
321 توفيق الرحن ف دروس القرآن
﴿ تَبَارَ َك الّذِي جَ َع َل فِي السّمَاء ُبرُوجا َوجَ َعلَ فِيهَا ِسرَاجا َوقَمَرا مّنِيا
(َ )61وهُ َو اّلذِي َجعَ َل اللّ ْيلَ وَالّنهَا َر خِ ْلفَ ًة لّ َم ْن أَرَادَ أَن َيذّ ّكرَ َأ ْو أَرَادَ
ض هَوْنا َوِإذَا
ُشكُورا ( )62وَعِبَادُ الرّحْ َم ِن الّذِينَ يَ ْمشُونَ َعلَى اْلأَرْ ِ
خَاطََب ُهمُ الْجَاهِلُونَ قَالُوا سَلَاما ( )63وَالّذِينَ يَبِيتُو َن ِل َربّ ِه ْم سُجّدا َوقِيَاما (
ب َجهَنّ َم إِنّ َعذَابَهَا كَانَ َغرَاما (
صرِفْ عَنّا َعذَا َ
)64وَالّذِينَ َيقُولُونَ َربّنَا ا ْ
س ِرفُوا وََلمْ
ِ )65إّنهَا سَاءتْ ُمسَْت َقرّا َومُقَاما ( )66وَاّلذِي َن ِإذَا أَن َفقُوا َلمْ ُي ْ
ك َقوَاما ( )67وَاّلذِي َن لَا َيدْعُو َن مَ َع اللّ ِه ِإلَها آ َخ َر وَلَا
َيقُْترُوا وَكَانَ بَ ْي َن َذلِ َ
ك يَ ْلقَ أَثَاما
ح ّق َولَا َي ْزنُو َن َومَن َي ْفعَ ْل َذلِ َ
س الّتِي َحرّمَ ال ّل ُه ِإلّا بِالْ َ
َيقْتُلُونَ الّنفْ َ
ف َلهُ اْل َعذَابُ َيوْ َم اْلقِيَا َمةِ َويَخْ ُل ْد فِيهِ ُمهَانا (ِ )69إلّا مَن تَابَ
( )68يُضَاعَ ْ
وَآ َم َن وَعَ ِملَ عَ َملً صَالِحا َفأُ ْولَِئكَ يَُب ّدلُ ال ّلهُ سَيّئَاِتهِ ْم َحسَنَاتٍ وَكَا َن ال ّلهُ
ب ِإلَى اللّ ِه مَتَابا (
َغفُورا ّرحِيما (َ )70ومَن تَابَ وَعَ ِملَ صَالِحا َفِإنّ ُه يَتُو ُ
)71وَالّذِينَ لَا َيشْ َهدُونَ الزّورَ َوِإذَا َمرّوا بِال ّل ْغوِ َمرّوا ِكرَاما ( )72وَاّلذِينَ
خرّوا عَلَ ْيهَا صُمّا وَعُمْيَانا ( )73وَاّلذِينَ
ِإذَا ذُ ّكرُوا بِآيَاتِ َرّبهِ ْم َلمْ يَ ِ
ي ِإمَاما (
ب لَنَا ِمنْ أَ ْزوَاجِنَا وَذُ ّريّاتِنَا ُق ّرةَ أَ ْعُينٍ وَاجْعَلْنَا لِلْمُّتقِ َ
َيقُولُونَ َربّنَا هَ ْ
ج َزوْنَ اْل ُغرْ َف َة بِمَا صََبرُوا َويُلَ ّقوْ َن فِيهَا تَحِّي ًة َوسَلَاما ()75
ك يُ ْ
ُ )74أ ْولَئِ َ
ت ُمسَْت َقرّا َومُقَاما (ُ )76قلْ مَا َيعْبَُأ ِبكُمْ َربّي َل ْولَا
خَالِدِينَ فِيهَا حَسُنَ ْ
سوْفَ َيكُونُ ِلزَاما (. ﴾ )77
دُعَاؤُ ُكمْ َف َقدْ َك ّذبْتُ ْم َف َ
الزء الثالث 322
قوله عز وجل ﴿ :تَبَارَ َك الّذِي جَ َع َل فِي السّمَاء ُبرُوجا َوجَ َعلَ فِيهَا
ِسرَاجا َوقَمَرا مّنِيا (َ )61وهُ َو اّلذِي َجعَ َل اللّ ْيلَ وَالّنهَا َر خِ ْلفَ ًة لّ َم ْن أَرَادَ
أَن َيذّ ّكرَ َأ ْو أَرَادَ ُشكُورا (. ﴾ )62
قال قتادة :البوج :النجوم .وعَن ماهَد قوله َ ﴿ :و ُهوَ الّذِي َجعَلَ
َنَأَرَا َد
الّليْ َل وَالنّهَارَ خِ ْل َفةً ﴾ ،قال :هذا يلف هذا وهذا يلف هذا ﴿ ،لّم ْ
أَن يَذّكّرَ ﴾ ذاك آية له َ ﴿ ،أوْ أَرَا َد ُشكُورا ﴾ ،قال :شكر نعمة ربه عليه
فيهما .
قوله عز و جل ﴿ :وَعِبَادُ الرّحْمَ ِن الّذِي نَ يَ ْمشُو نَ عَلَى اْلأَرْ ضِ هَوْنا
َوِإذَا خَاطََبهُ مُ الْجَاهِلُو َن قَالُوا سَلَاما ( )63وَالّذِي نَ يَبِيتُو َن ِل َربّهِ مْ سُجّدا
صرِفْ عَنّا َعذَابَ َجهَنّ َم إِنّ َعذَاَبهَا كَانَ
َوقِيَاما ( )64وَاّلذِينَ َيقُولُونَ َربّنَا ا ْ
ـ َقرّا َومُقَاما ( )66وَالّذِينَـِإذَا أَن َفقُوا لَم ْـ
َغرَاما (ِ )65إنّهَا سـَاءتْ مُس َْت
س ِرفُوا وََلمْ يَقُْترُوا وَكَا َن بَ ْينَ َذِلكَ َقوَاما ( . ﴾ )67
ُي ْ
ض َهوْنا ﴾ ،قال :بالوقار ،والسكينة عن ماهد ﴿ :يَمْشُو َن عَلَى اْلأَرْ ِ
.وعن ابن عباس قوله ﴿ :يَمْشُونَ عَلَى الْأَرْضِ هَوْنا ﴾ ،بالطاعة والعفاف
والتواضََع .وقال ابََن زيََد :ل يتكبّرون على الناس ول يتجبّرون ول
ُونَ
ِينَ لَا ُيرِيد َ
ج َعلُهَا لِلّذ َ
ْكَ الدّا ُر الْآ ِخ َرةُ نَ ْ
يفسَدون ،وقرأ قول ال ﴿ :تِل َ
ض وَلَا فَسَادا وَاْلعَاِقَبةُ ِللْ ُمّتقِيَ ﴾ .
عُُلوّا فِي الْأَ ْر ِ
323 توفيق الرحن ف دروس القرآن
وعن السن َ ﴿ :وإِذَا خَاطََبهُمُ الْجَاهِلُونَ قَالُوا َسلَاما ﴾ ،قال :حلماء ،
وإن جُهل عليهم ل يهلوا .
وقوله تعال َ ﴿ :ربّنَا ا صْرِ ْ
ف َعنّ ا عَذَا بَ َج َهنّ مَ إِنّ عَذَابَهَا كَا نَ غَرَاما
﴾ قال البغوي :يعن :مُِلحّا دائمًا لزمًا غي مفارق من عُذّب به من الكفار
سَتقَرّا َومُقَاما ﴾ ،يعن :بئس موضع قرار وإقامة . ت مُ ْ ِ ﴿ ،إنّهَا سَاء ْ
وعن ابن عباس قوله ﴿ :وَالّذِي نَ إِذَا أَن َفقُوا لَ ْم يُ سْرِفُوا وَلَ ْم َيقْتُرُوا وَكَا نَ
َبيْ نَ ذَلِ كَ َقوَاما ﴾ ،قال :هم الؤمنون ل ي سرفون فينفقوا ف مع صية ال ،
ول يقترون فيمنعون حقوق ال .وعن إبراهيم قوله ﴿ :وَالّذِينَ إِذَا أَن َفقُوا لَمْ
يُ سْرِفُوا وَلَ ْم َي ْقتُرُوا ﴾ ،قال :ل ييع هم ول يعري هم ،ول ين فق نف قة يقول
الناس :قد أسرف .وروى المام أحد عن أب الدرداء عن النب قال « :
جعَلْ
من ف قه الر جل ق صده ف معيش ته » وهذه ال ية كقوله تعال ﴿ :وَ َل تَ ْ
ك وَ َل َتبْسُ ْطهَا كُ ّل اْلبَسْطِ َفَتقْعُ َد َملُوما مّحْسُورا ﴾ . يَ َد َك َمغْلُوَلةً إِلَى ُعنُقِ َ
ِكَ َقوَاما ﴾ ،أي :وسَطًا عدلً ،وقرئ :
ْنَ ذَل َ وقوله تعال ﴿ :وَك َ
َانَ َبي َ
بكسر القاف ،وهو ما تقام به الاجة .
قوله عز وجـل ﴿ :وَاّلذِي نَ لَا يَدْعُو َن مَعَـ اللّهِـِإلَها آ َخرَ وَلَا يَقْتُلُو نَ
ك يَلْقَ َأثَاما ()68
حقّ َولَا َيزْنُو َن وَمَن َيفْ َع ْل َذلِ َ
الّنفْسَ الّتِي حَرّ َم اللّهُ ِإلّا بِالْ َ
ف لَ هُ اْل َعذَا بُ َيوْ َم اْلقِيَا َمةِ َويَخْ ُل ْد فِي هِ ُمهَانا (ِ )69إلّا مَن تَا بَ وَآمَ نَ
يُضَاعَ ْ
الزء الثالث 324
صَالِحا فَِإنّ ُه َيتُو بُ إِلَى اللّ ِه َمتَابا ﴾ ،أي :رجوعًا .قال ا بن كث ي :أي :
فإن ال يقبل توبته ،كما قال تعال َ ﴿ :ومَن َيعْمَلْ سُوءا َأ ْو يَظِْل ْم َنفْ سَهُ ثُمّ
سَت ْغفِرِ اللّ َه يَجِدِ اللّ َه َغفُورا رّحِيما ﴾ .
يَ ْ
ُونـ الزّو َر َوإِذَا مَرّوا بِال ّلغْ ِو َمرّوا
ش َهد َ
ِينـ لَا َي ْ
قوله عـز وجـل ﴿ :وَاّلذ َ
خرّوا عَلَ ْيهَا صُمّا وَعُمْيَانا
ِكرَاما ( )72وَالّذِي َن ِإذَا ذُ ّكرُوا بِآيَاتِ َرّبهِمْ لَمْ َي ِ
ب لَنَا مِ نْ أَ ْزوَاجِنَا َوذُ ّريّاتِنَا ُق ّرةَ أَعْيُ ٍن وَا ْجعَلْنَا
( )73وَالّذِي َن َيقُولُو نَ َربّنَا هَ ْ
ج َزوْ َن الْ ُغ ْر َفةَ بِمَا صََبرُوا َويُ َل ّقوْ َن فِيهَا تَحِّيةً
ك يُ ْ
لِلْمُّتقِيَ ِإمَاما ( )74أُ ْولَئِ َ
ت ُمسَْت َقرّا َومُقَاما (. ﴾ )76
َوسَلَاما ( )75خَالِدِينَ فِيهَا حَسُنَ ْ
قال ا بن جر ير ف قوله ﴿ :وَالّذِي نَ لَا يَ ْ
شهَدُو نَ الزّورَ ﴾ ،ل يشهدون
شيئًا من البا طل ،ل شركًا ول غناء ول كذبًا ول غيه ،قال :والل غو ف
كلم العرب هو كل كلم أو فعل باطل ل حقيقة له ،أو ما يُستقبح .وقال
ابن كثي :أي :ل يضرون الزور ،وإذا اتفق مرورهم به مرّوا ول يتدنّسوا
منه بشيء ،ولذا قال َ ﴿ :وإِذَا َمرّوا بِالّل ْغ ِو مَرّوا كِرَاما ﴾ .
وقوله تعال ﴿ :وَالّذِي نَ ِإذَا ذُكّرُوا بِآيَا تِ َرّبهِ مْ لَ ْم يَ ِ
خرّوا عََليْهَا صُمّا
َوعُ ْميَانا ﴾ ،قال البغوي ﴿ :وَالّذِي نَ إِذَا ذُكّرُوا بِآيَا تِ َرّبهِ مْ لَ مْ يَخِرّوا ﴾ ل
صَمّا َوعُ ْميَانا ﴾ كأنمَ صَمّ عمَي ،بَل يقعوا ول يسَقطوا عليهَا ُ ﴿ ،
يسمعون ما يذكرون به فيفهمونه ويرون الق فيه فيتبعونه ؛ قال القتيب :ل
يتغافلوا عنها كأنم صمّ ل يسمعوها وعمي ل يروها .
الزء الثالث 326
وقوله تعال ﴿ :وَالّذِي َن َيقُولُو نَ َرّبنَا هَ بْ َلنَا مِ نْ أَ ْزوَا ِجنَا َوذُ ّريّاتِنَا ُق ّرةَ َأ ْعيُ نٍ
وَا ْجعَلْنَا لِ ْل ُمّتقِيَ ِإمَاما ﴾ ،عن ا بن عباس قوله ﴿ :هَ بْ لَنَا مِ نْ أَ ْزوَاجِنَا
َوذُ ّريّاتِنَا ُق ّرةَ َأ ْعيُنٍ ﴾ ،يعنون :من يعمل لك بالطاعة َفُتقِ ّر ِبهِ ْم أعينًا ف الدنيا
والخرة ﴿ ،وَا ْجعَلْن َا لِلْ ُمّتقِي َ ِإمَاما ﴾ ،يقول :أئمَة يُقتدى بنَا .وقال
ماهد :أئمة نقتدي بن قبلنا ،ونكون أئمة لن بعدنا .
وقوله تعال ُ ﴿ :أوَْلئِ َ
ك يُجْ َزوْنَ اْلغُرَْفةَ ﴾ ،أي :الدرجة العالية .وهي :
صبَرُوا ﴾ على أمر ال تعال طاعته َ ﴿ ،ويَُل ّقوْ َن الفردوس أعل النة ﴿ ،بِمَا َ
لِئ َكةُ يَ ْدخُلُو نَ عََليْهِم مّ ن كُلّ حّي ًة وَ سَلَاما ﴾ ك ما قال تعال ﴿ :وَالَ َ فِيهَا تَ ِ
ِينَ فِيهَاْمَ ُعقْبَى الدّارِ ﴾ ﴿ ،خَاِلد َ صَ ْرتُمْ َفِنع َ
ل ٌم عََليْكُم بِمَا َبَسَ َ
َابَ * َ ب ٍ
ُسَقَرّا َومُقَاما ﴾ ،أي :موضَع قرار وإقامَة ،كمَا قال تعال : َسَتْ م َْت ح َُن
س نُزُلً * ت اْلفِرْ َدوْ ِ
﴿ ِإنّ الّذِي نَ آ َمنُوا َوعَمِلُوا ال صّالِحَاتِ كَانَ تْ َلهُ مْ َجنّا ُ
خَالِدِينَ فِيهَا لَا يَْبغُونَ َعْنهَا ِحوَلً ﴾ .
ُمـ
ُمـ َفقَدْ َك ّذبْت ْ
ُمـ َربّيـ َلوْلَا دُعَاؤُك ْ
قوله عـز وجـل ُ ﴿ :ق ْل مَا َيعَْبأُ بِك ْ
ف يَكُو ُن ِلزَاما (. ﴾ )77
سوْ َ
َف َ
قال ا بن كث ي :أي :ل يبال ول يكترث ب كم إذا ل تعبدوه ،فإ نه إن ا
خلق اللق ليعبدوه ويوحّدوه .وقال الضحاك فََ قوله َ ﴿ :فقَدْ َك ّذبْتُمَ ْ
َ
ف َيكُو نُ لِزَاما ﴾ ،الكفار كذّبوا ر سول ال وب ا جاء به من ع ند سوْ َ
فَ َ
سوْفَف َيكُو نُ ِلزَاما ﴾ ،وهو يوم بدر .وعن ابن عباس ﴿ :فَ َ
سوْ َ
ال ﴿ فَ َ
327 توفيق الرحن ف دروس القرآن
ف َيكُونَُ
َيكُونَُلِزَاما ﴾ ،قال :موتًا .وقال السَن البصَري ﴿ :فَسََوْ َ
ف يَكُو نُ ِلزَاما ﴾ ، ِلزَاما ﴾ ،أي :يوم القيامة .وقال ابن كثي ﴿ :فَ َ
سوْ َ
أي :فسَوف يكون تكذيبكَم لزام ًا لكَم .يعنَ :مقتضي ًا لعذابكَم ،
وهلككم ،ودماركم ف الدنيا والخرة .
***
الزء الثالث 328
تَمُّنهَا عَ َليّ أَ نْ عَبّدتّ بَنِي إِ ْسرَائِيلَ ( )22قَالَ ِفرْ َعوْ ُن َومَا َربّ اْلعَالَ ِميَ (
ت وَاْلأَرْ ضِ وَمَا بَيَْنهُمَا إن كُنتُم مّوقِنِيَ ( )24قَالَ
)23قَالَ َربّ ال سّمَاوَا ِ
لِمَ ْن َحوْلَ هُ أَلَا تَ سْتَ ِمعُونَ ( )25قَالَ َرّبكُ مْ وَ َربّ آبَائِكُ مُ اْلأَ ّولِيَ ( )26قَالَ
ِقـ
شر ُِونـ ( )27قَالَ رَب ّ الْ َم ْ
ُمـ لَ َمجْن ٌ
ْسـلَ ِإلَ ْيك ْ
إِن ّ رَسـُولَ ُكمُ اّلذِي أُر ِ
ت ِإلَها غَ ْيرِي
خذْ َ
وَالْ َمغْرِ بِ َومَا بَيَْنهُمَا إِن كُنتُ ْم َت ْعقِلُو نَ ( )28قَالَ لَئِ ِن اتّ َ
شيْءٍ مّبِيٍ ( )30قَالَ
ك ِب َ
ك مِ َن الْمَ سْجُونِيَ ( )29قَا َل أَ َوَلوْ جِئْتُ َ
َلَأجْعَلَنّ َ
ت مِ نَ ال صّا ِدقِيَ (َ )31فأَْلقَى عَ صَا ُه َفِإذَا هِ يَ ُثعْبَا نٌ مّبِيٌ (
َفأْ تِ بِ ِه إِن كُن َ
ع َيدَ ُه َفِإذَا هِ َي بَيْضَاء لِلنّا ِظرِي نَ ( )33قَالَ لِلْمَ َلِإ َحوْلَ هُ إِنّ هَذَا
َ )32وَنزَ َ
ح ِر ِه فَمَاذَا َت ْأ ُمرُونَ (
ضكُم بِسِ ْ
خ ِرجَكُم مّ ْن أَرْ ِ
لَسَا ِحرٌ عَلِيمٌ (ُ )34يرِي ُد أَن يُ ْ
)35قَالُوا أَرْجِ هِ َوأَخَا هُ وَابْعَ ثْ فِي الْ َمدَائِ نِ حَاشِرِي نَ ( َ )36يأْتُو َك ِب ُكلّ
ح َر ُة لِمِيقَا تِ يَوْ ٍم ّمعْلُو مٍ ( َ )38وقِيلَ لِلنّا سِ
سَحّارٍ عَلِي مٍ ( )37فَجُ ِم َع ال سّ َ
ح َر َة إِن كَانُوا هُ مُ اْلغَالِبِيَ ( )40
َه ْل أَنتُم مّجَْت ِمعُو نَ (َ )39لعَلّنَا نَتّبِ ُع ال سّ َ
ح َر ُة قَالُوا لِ ِفرْ َعوْ نَ َأِئنّ لَنَا َلأَجْرا إِن كُنّا نَحْ ُن اْلغَالِبِيَ ()41
فَلَمّا جَاء ال سّ َ
قَالَ َنعَ مْ َوِإنّكُ مْ إِذا لّمِ نَ الْ ُم َق ّربِيَ ( )42قَا َل لَهُم مّو سَى َأْلقُوا مَا أَنتُم
ح ُن اْلغَالِبُونَ
مّ ْلقُونَ (َ )43فَألْ َقوْا حِبَالَ ُه ْم وَعِصِّي ُهمْ َوقَالُوا ِب ِع ّزةِ ِفرْ َعوْ َن ِإنّا لَنَ ْ
ح َرةُ
(َ )44فَألْقَى مُوسَى عَصَا ُه َفِإذَا هِ َي تَ ْلقَفُ مَا َي ْأفِكُونَ ( َ )45فُألْقِيَ السّ َ
سَا ِجدِينَ ( )46قَالُوا آمَنّا ِبرَبّ اْلعَالَ ِميَ ( َ )47ربّ مُوسَى َوهَارُونَ ( )48
سوْفَ
ح َر فَلَ َ
قَالَ آمَنتُ ْم لَ ُه قَ ْبلَ أَنْ آذَ َن لَكُ ْم ِإنّ ُه لَكَبِيُكُمُ اّلذِي عَلّ َمكُ ُم السّ ْ
الزء الثالث 330
***
331 توفيق الرحن ف دروس القرآن
وهارون باَ فأخَبه بذلك ،وصَاحت أمّهمَا وقالت :إن فرعون يطلبَك
ليقتلك ،فلو ذهبتما إليه قتلكما ،فلم يتنعا لقولا وذهب إل باب فرعون .
ت فِينَا مِ نْ ُع ُمرِ كَ
قوله عز و جل ﴿ :قَا َل َألَ ْم ُنرَبّ كَ فِينَا َولِيدا َولَبِثْ َ
ت مِ نَ اْلكَا ِفرِي نَ ( )19قَالَ
ت وَأَن َ
ك الّتِي َفعَلْ َ
ت َفعْلَتَ َ
سِنِيَ (َ )18و َفعَلْ َ
ب لِي َربّي
ت مِن ُكمْ لَمّا ِخفُْتكُمْ َف َوهَ َ
َفعَلُْتهَا إِذا َوأَنَا ِمنَ الضّالّيَ (َ )20ف َفرَرْ ُ
ك نِعْ َم ٌة تَمُّنهَا عَ َليّ أَ نْ عَبّدتّ بَنِي
ُحكْما َو َجعَلَنِي مِ نَ الْ ُمرْ سَلِيَ ( )21وَتِلْ َ
إِ ْسرَائِيلَ ( )22قَا َل ِفرْ َعوْ نُ وَمَا رَبّ اْلعَالَمِيَ ( )23قَالَ رَبّ ال سّمَاوَاتِ
ض َومَا بَيَْنهُمَا إن كُنتُم مّوقِِنيَ ( )24قَالَ لِمَ ْن َحوْلَ هُ أَلَا تَ سْتَ ِمعُونَ (
وَالْأَرْ ِ
)25قَالَ َرّبكُ مْ وَ َربّ آبَائِكُ مُ اْلأَ ّولِيَ ( )26قَالَ إِنّ رَ سُولَ ُكمُ اّلذِي أُرْ ِسلَ
ق وَالْ َم ْغرِ بِ وَمَا بَيَْنهُمَا إِن كُنتُ مْ
شرِ ِ
ِإلَ ْيكُ مْ لَ َمجْنُو نٌ ( )27قَالَ رَبّ الْ َم ْ
ت ِإلَها غَ ْيرِي َلأَ ْجعَلَنّكَ مِنَ الْمَسْجُونِيَ ()29
خذْ َ
َت ْعقِلُونَ ( )28قَالَ لَئِنِ اتّ َ
ت مِ نَ ال صّا ِدقِيَ (
ت بِ ِه إِن كُن َ
قَالَ َأ َولَ ْو جِئْتُ كَ ِبشَيْ ٍء مّبِيٍ ( )30قَالَ َفأْ ِ
ع َيدَ ُه َفِإذَا هِ يَ بَيْضَاء
َ )31فَألْقَى عَ صَا ُه َفإِذَا هِ َي ُثعْبَا ٌن مّبِيٌ (َ )32وَنزَ َ
لِلنّا ِظرِينَ (. ﴾ )33
ت مِ َن اْلكَافِرِينَ ﴾ قال ابن زيد ف قوله ﴿:وََفعَلْتَ َفعَْلتَ َ
ك الّتِي َفعَلْتَ َوأَن َ
قال :ربّيناك فينَا وليدًا فهذا الذي كافأتنَا أن قتلت منَا نفسًَا وكفرت
نعمتنا ؟ ﴿ قَالَ َفعَ ْلُتهَا إِذا َوَأنَا مِ َن الضّالّيَ ﴾ ،قال ماهد :من الاهلي .
وعن السدي َ ﴿ :ف َوهَ بَ لِي َربّي ُحكْما ﴾ والكم :النبوّة .وعن ماهد :
الزء الثالث 334
َ غلب وانقلب صَاغرًا عدل إل كان فرعون لعنَه ال وقحًا جريئًا ،فلم ا
السَحْرَ ﴾ ،وهذه ُمَ ّ ُمَ الّذِي عَلّ َمك ُّهَ َل َكبِيُك ُ الكابرة والعناد فقال ِ ﴿ :إن ُ
مكابرة يعلم كل أ حد بطلن ا ،فإن م ل يتمعوا بوسى ق بل ذلك اليوم ،ث
ضْيرَ ﴾ ،أي :ل توعّدهم بقطع اليدي والرجل وال صَلب .فقالوا ﴿ :لَا َ
يضرّ نا ذلك ول نبال به ِ ﴿ :إنّ ا إِلَى َربّنَا مُنقَِلبُو نَ ﴾ ،أي :الر جع إل ال
َعَ أَن َي ْغفِرَ لَنَا َربّنَا
عزّ وجلّ ،ول يفَى عليَه مَا فعلت بنَا ِ ﴿ ،إنّاَ نَطْم ُ
خَطَايَانَا أَن ُكنّا َأوّ َل الْ ُم ْؤ ِمنِيَ ﴾ ،أي :بسبب أنّا بادرنا قومنا من القبط إل
اليان بال وتصديق رسله ،فقتلهم كلّهم .
ل مِن َقوْ مِ فِ ْرعَو نَ َأتَذَ ُر مُو سَى وََق ْومَ هُ ِليُفْ سِدُواْ فِي الَرْ ضِ ﴿ وَقَا َل الْ َم ُ
حيَِي نِ سَاءهُ ْم َوِإنّا َفوَْقهُ مْ قَا ِهرُو نَ ستَ َْويَذَرَ َك وَآِل َهتَ كَ قَالَ َسنُ َقتّلُ َأبْنَاءهُ ْم َونَ ْ
صبِرُواْ إِنّ الَرْضَ لِلّ ِه يُو ِرُثهَا مَن يَشَا ُء مِنْ
* قَا َل مُوسَى ِل َق ْومِهِ اسَْتعِينُوا بِاللّ ِه وَا ْ
ِعبَادِهَِ وَاْلعَاِقبَةُ لِ ْل ُمّتقِيَ * قَالُواْ أُوذِينَا مِن َقبْلِ أَن َتأْتِينَا وَمِن َبعْ ِد مَا ِجْئتَنَا
ستَخِْل َفكُمْ فِي الَرْ ضِ َفيَنظُرَ َكيْ فَ ك عَ ُدوّكُ ْم َويَ ْ قَا َل عَ سَى َرّبكُ مْ أَن ُيهْلِ َ
َتعْمَلُونَ ﴾ .
قوله عز وجل َ ﴿ :وأَ ْوحَيْنَا إِلَى مُو سَى أَ ْن أَ ْسرِ ِبعِبَادِي ِإنّكُم مّتَّبعُو نَ (
ش ْرذِ َمةٌ قَلِيلُو نَ
َ )52فأَرْ َسلَ ِفرْ َعوْ ُن فِي الْ َمدَائِ ِن حَا ِشرِي نَ ( )53إِنّ َهؤُلَاء َل ِ
جمِي ٌع حَاذِرُو نَ (َ )56فَأخْ َرجْنَاهُم
(َ )54وِإنّهُ مْ لَنَا َلغَائِظُو نَ (َ )55وِإنّ ا لَ َ
ك َوأَوْ َرثْنَاهَا بَنِي
مّن جَنّا تٍ وَعُيُو نٍ ( )57وَكُنُوزٍ َو َمقَا مٍ َكرِيٍ (َ )58ك َذلِ َ
337 توفيق الرحن ف دروس القرآن
على الاء قال أ صحاب مو سى :يا مكلّم ال إن القوم يتبعون نا ف الطر يق ،
فاضرب بعصاك البحر فأخلطه ،فأراد موسى أن يفعل فأوحى ال إليه :أن
اترك البحَر رهوًا إنمَ جنَد مغرقون ،إناَ أمكَر بمَ فإذا سَلكوا طريقكَم
أغرقت هم ،قال :فل ما انت هى فرعون إل و سط الب حر أو حى ال إل الب حر :
خذ عبدي الظال وعبادي الظلمة ،فتغطمطت تلك الفرق من المواج كأنا
ّهَ ل
َنتََأن ُ
البال وضرب بعضهَا بعضًا ،فلمَا إذا أدركَه الغرق ﴿ قَالَ آم ُ
َِ ِميَ ﴾ ،فقيَل له : إِلََِهَ إِ ّل الّذِي آ َمنَت َْبِهَِبَنُو إِس َْرَائِي َل َوَأنَاْ مِنََ الْمُس ْل
ك ِببَ َدنِ كَ
صيْتَ َقبْ ُل وَكُن تَ مِ َن الْ ُمفْ سِدِينَ * فَاْلَيوْ َم ُننَجّي َ ﴿ آل َن وَقَ ْد عَ َ
ك آَيةً َوإِنّ َكثِيا مّ َن النّاسِ عَ ْن آيَاِتنَا َلغَافِلُونَ ﴾ . ِلَتكُونَ لِمَنْ خَ ْلفَ َ
وقوله تعال ﴿ :إِنَّ فَِي ذَلِكَََ ﴾ ،أي :إناء الؤمنيََ وإهلك
الكافر ين ﴿ لَآَي ًة وَمَا كَا نَ أَ ْكثَرُهُم ّم ْؤمِنِيَ * َوإِنّ َربّ كَ َل ُهوَ اْلعَزِيزُ الرّحِي مُ
﴾.
***
الزء الثالث 340
﴿ وَاْتلُ عَلَ ْيهِ ْم نََبأَ ِإْبرَاهِي مَ (ِ )69إ ْذ قَا َل ِلأَبِي هِ وَ َق ْومِ ِه مَا َتعُْبدُو نَ ()70
قَالُوا نَعُْب ُد أَصْنَاما فَنَ َظ ّل َلهَا عَا ِكفِيَ ( )71قَالَ َه ْل يَسْ َمعُوَن ُكمْ ِإ ْذ تَدْعُونَ (
ضرّو نَ ( )73قَالُوا َبلْ َوجَ ْدنَا آبَاءنَا َك َذلِ كَ َي ْفعَلُو نَ
َ )72أوْ يَن َفعُوَنكُ ْم أَ ْو يَ ُ
( )74قَالَ َأ َف َرأَيْتُم مّ ا كُنتُ ْم َتعُْبدُو نَ ( )75أَنتُ مْ وَآبَاؤُكُ مُ اْلأَ ْق َدمُو نَ ()76
ِينـ ()78
ُمـ َعدُ ّو لّي ِإلّا رَبّ اْلعَالَمِي َ ( )77الّذِي خَلَقَن ِي َف ُهوَ َي ْهد ِ
َفِإّنه ْ
سقِيِ (َ )79وِإذَا َمرِضْ تُ َفهُ َو َيشْفِيِ ( )80وَالّذِي
وَالّذِي هُ َو يُ ْطعِمُنِي َويَ ْ
يُمِيتُنِي ثُمّ ُيحْيِيِ ( )81وَالّذِي أَطْ َم ُع أَن َي ْغفِ َر لِي خَطِيئَتِي َيوْ َم الدّينِ ()82
ق فِي
صدْ ٍ
حقْنِي بِالصّالِحِيَ ( )83وَا ْجعَل لّي لِسَانَ ِ
ب لِي ُحكْما َوَألْ ِ
َربّ هَ ْ
الْآ ِخرِي نَ ( )84وَا ْجعَلْنِي مِن وَ َرثَ ِة جَّنةِ الّنعِي مِ ( )85وَا ْغ ِف ْر ِلأَبِي ِإنّ هُ كَا نَ
خ ِزنِي َيوْ مَ يُبْعَثُو نَ ( )87يَوْ َم لَا يَنفَ ُع مَا ٌل وَلَا بَنُو نَ
مِ َن الضّالّيَ ( )86وَلَا تُ ْ
ت الْجَّنةُ لِلْ ُمّتقِيَ ()90
(ِ )88إلّا مَ ْن أَتَى اللّ َه ِبقَلْ بٍ سَلِيمٍ ( )89وَأُ ْزِلفَ ِ
جحِي ُم لِ ْلغَاوِي نَ (َ )91وقِيلَ َلهُ مْ َأيْ َن مَا كُنتُ مْ َتعُْبدُو نَ ( )92مِن
َوُبرّزَ تِ الْ َ
صرُونَ (َ )93فكُ ْبكِبُوا فِيهَا هُ مْ وَالْغَاوُو نَ (
صرُوَنكُ ْم َأوْ يَنتَ ِ
دُو نِ اللّ ِه َهلْ يَن ُ
س َأجْ َمعُو نَ ( )95قَالُوا وَهُ ْم فِيهَا يَخْتَ صِمُونَ ( )96تَاللّ هِ
َ )94وجُنُو ُد ِإبْلِي َ
سوّيكُم ِب َربّ اْلعَالَمِيَ ( )98وَمَا أَضَلّنَا
إِن كُنّا َلفِي ضَلَا ٍل مّبِيٍ (ِ )97إذْ نُ َ
صدِي ٍق حَمِي مٍ ()101
ج ِرمُو نَ ( )99فَمَا لَنَا مِن شَا ِفعِيَ ( )100وَلَا َ
ِإلّا الْمُ ْ
341 توفيق الرحن ف دروس القرآن
فَ َل ْو أَنّ لَنَا َك ّر ًة فََنكُو َن مِ َن الْمُ ْؤمِنِيَ ( )102إِنّ فِي َذلِ كَ لَآَيةً وَمَا كَا نَ
أَكَْث ُرهُم ّم ْؤمِنِيَ (َ )103وإِنّ َرّبكَ َل ُهوَ اْلعَزِيزُ ال ّرحِيمُ (. ﴾ )104
***
الزء الثالث 342
قوله عز وجل ﴿ :وَاْتلُ عَلَ ْيهِ مْ نََبَأ ِإبْرَاهِي مَ (ِ )69إذْ قَالَ ِلَأبِي ِه َوقَ ْومِ هِ
مَا تَعُْبدُو نَ ( )70قَالُوا نَعُْب ُد أَ صْنَاما فَنَ َظ ّل لَهَا عَا ِكفِيَ ( )71قَالَ َهلْ
ضرّو نَ ( )73قَالُوا َبلْ
يَ سْ َمعُوَن ُكمْ ِإ ْذ َتدْعُو نَ ( )72أَ ْو يَن َفعُونَكُ ْم أَ ْو يَ ُ
ك َي ْفعَلُونَ (. ﴾ )74
َوجَ ْدنَا آبَاءنَا َك َذلِ َ
قال البغوي :قوله ﴿ :وَاتْ ُل عََلْيهِ ْم َنَبأَ ِإبْرَاهِي مَ * ِإذْ قَالَ ِلَأبِي هِ وََقوْمِ هِ مَا
صنَاما َفنَ َظلّ َلهَا عَا ِكفِيَ ﴾ ،
ي شيء تعبدون ﴿ ،قَالُوا َن ْعبُدُ أَ ْ َت ْعبُدُو نَ ﴾ ،أ ّ
يعن :نقيم على عبادتا .قال ﴿ :هَ ْل يَ سْ َمعُونَكُمْ ﴾ ،أي :هل يسمعون
دعاء كم إذ تدعون .قال ا بن عباس :ي سمعون ل كم أو ينفعو كم أو يضرون
ك َيفْعَلُو نَ ﴾ ،معناه :أنا إن تركتم عبادتا ﴿ ،قَالُوا بَ ْل وَ َج ْدنَا آبَاءنَا كَذَلِ َ
ل تسمع قولً ،ول تلب نفعًا ،ول تدفع ضرًا ،لكن اقتدينا بآبائنا .وفيه
إبطال التقليد ف الدين .انتهى ملخصًا .
قوله عز وجل ﴿ :قَا َل َأفَ َرَأيْتُم مّا كُنتُ ْم َتعُْبدُو نَ ( )75أَنتُ مْ وَآبَاؤُكُ مُ
اْلأَ ْق َدمُو نَ (َ )76فِإّنهُ مْ َع ُدوّ لّي ِإلّا َربّ اْلعَالَ ِميَ ( )77الّذِي خَلَقَنِي َفهُوَ
شفِيِ (
ت َف ُهوَ َي ْ
َي ْهدِينِ ( )78وَاّلذِي ُهوَ يُ ْطعِمُنِي وََيسْقِيِ ( )79وَِإذَا َمرِضْ ُ
)80وَالّذِي يُمِيتُنِي ُثمّ يُحِْييِ ( )81وَاّلذِي أَ ْطمَ ُع أَن يَ ْغ ِفرَ لِي خَطِيئَتِي يَوْمَ
حقْنِي بِال صّالِحِيَ ( )83وَاجْعَل لّي
ب لِي ُحكْما َوَألْ ِ
الدّي نِ (َ )82ربّ هَ ْ
ق فِي الْآ ِخرِي نَ ( )84وَا ْجعَلْنِي مِن وَ َرثَ ِة جَّنةِ الّنعِي مِ ( )85
صدْ ٍ
لِ سَانَ ِ
343 توفيق الرحن ف دروس القرآن
المم ،فأعطاه ال ذلك ،فإن اليهود آمنت بوسى ،وكفرت بعيسى ،وإن
الن صارى آم نت بعي سى وكفرت بح مد علي هم ال صلة وال سلم ،وكلّ هم
يتولّى إبراهيم .قالت اليهود :وهو خليل ال وهو منا ،فقطع ال وليتهم
م نه ب عد ما أقرّوا له بالنبوة وآمنوا به فقال ﴿ :مَا كَا نَ ِإبْرَاهِي ُم َيهُو ِديّا وَلَ
نَ صْرَاِنيّا وَلَكِن كَا نَ َحنِيفا مّ سْلِما َومَا كَا نَ مِ َن الْمُشْرِ ِكيَ ﴾ ث ألق وليته
س بِِإبْرَاهِي مَ َللّذِي نَ اّتَبعُو هُ َوهَ َذَا الّنبِيّ وَالّذِي نَ
ب كم فقال ﴿ :إِنّ َأوْلَى النّا ِ
ّهَ وَلِيّ الْ ُم ْؤ ِمنِيَ ﴾ فهذا خيه الذي عجّل له ،وهَي السَنة إذ آ َمنُوْا وَالل ُ
سَنةً ﴾ ،وهو :اللسان الصدق الذي سأل ربه يقول ﴿ :وَآَتيْنَاهُ فِي الْ ّدْنيَا حَ َ
.
وقوله ﴿ :وَا ْجعَلْنِي مِن َو َرَثةِ َجّنةِ الّنع ِ
ِيمَ ﴾ ،قال البغوي :أي :منَ
تع طه ج نة النع يم .وقال ا بن كث ي :أي :أن عم عل يّ ف الدن يا ببقاء الذ كر
الميل بعدي ،وف الخرة بأن تعلن من ورثة جنة النعيم .
وقوله ﴿ :وَاغْفِرْ ِلأَبِي ِإنّ هُ كَا نَ مِ َن الضّالّيَ ﴾ ،وهذا م ا ر جع ع نه
إبراهيم عليه السلم ،كما قال تعال َ ﴿ :ومَا كَا َن ا سِْت ْغفَارُ ِإبْرَاهِي مَ ِلَأبِي هِ إِ ّل
عَن ّم ْوعِ َدةٍ َوعَدَهَا ِإيّا هُ فََلمّ ا َتبَيّ نَ لَ هُ َأنّ ُه عَ ُدوّ لِلّ ِه َتبَ ّرَأ ِمنْ هُ إِنّ ِإبْرَاهِي َم لوّا هٌ
حَلِيمٌ ﴾ .
ُونَ ﴾ ،أي :أَجِرْنَ مَن الزي يوم وقوله ﴿ :وَلَا ُتخْزِن ِي َيو َ
ْمَ ُيبْ َعث َ
القيامة َ ﴿ ،يوْ مَ لَا يَنفَ ُع مَا ٌل وَلَا َبنُو نَ * إِلّا مَ نْ َأتَى اللّ َه ِبقَلْ بٍ سَلِيمٍ ﴾ ،قال
345 توفيق الرحن ف دروس القرآن
سوّيكُم بِرَبّ اْلعَالَمِيَ ﴾ ،أي :نعدل كم به إِن ُكنّ ا لَفِي ضَلَا ٍل ّمبِيٍ * إِ ْذ نُ َ
فنعبدكم معه َ ﴿ ،ومَا أَضَّلنَا إِلّا الْمُجْ ِرمُونَ ﴾ ،قال الكلب :إل أوّلونا الذين
اقتدي نا ب م ﴿ ،فَمَا لَنَا مِن شَاِفعِيَ * وَلَا صَدِيقٍ حَمِي مٍ ﴾ ،أي :قر يب .
قال قتادة :يعلمون وال أن الصَديق إذا كان صَالًا نفَع ،وأن الميَم إذا
كان صالًا نفع .وعن جابر بن عبد ال قال :سعنا رسول ال يقول « :
إن الر جل ليقولن ف ال نة :ما ف عل صديقي فلن ؟ و صديقه ف الح يم ،
فيقول ال تعال :أخرجوا له صديقه إل النة ،فيقول من ب قي ﴿ :فَمَا َلنَا
صدِيقٍ حَمِي مٍ ﴾ .رواه البغوي ﴿ .فََلوْ أَنّ لَنَا َك ّرةً ﴾ ، مِن شَاِفعِيَ * وَلَا َ
أي :رج عة إل الدن يا َ ﴿ ،فنَكُو نَ مِ َن الْ ُم ْؤ ِمنِيَ ﴾ لن م يشفعون وتنفع هم
الشفاعة ،وأما الكفار فل تنفعهم شفاعة الشافعي .
وقوله تعال ِ ﴿ :إنّ فِي ذَلِكَ لَآَي ًة َومَا كَانَ أَ ْكثَ ُرهُم ّم ْؤ ِمنِيَ ﴾ قال ابن
كثي :أي :أن ف ماجّة إبراهيم لقومه وإقامة الجج عليهم ف التوحيد ،
ل ية واض حة جليلة على أ نه ل إله إل ال ﴿ ،وَمَا كَا نَ أَ ْكثَرُهُم ّمؤْ ِمنِيَ *
َوِإنّ َربّكَ َل ُه َو اْلعَزِيزُ الرّحِيمُ ﴾ .قال البغوي ﴿ :الْعَزِيزُ ﴾ :الذي ل ُيغَْلبُ
،فال عزيز وهو ف وصف عزّته رحيم .
***
347 توفيق الرحن ف دروس القرآن
ح أَل
ت َقوْ ُم نُو حٍ الْ ُمرْ سَلِيَ (ِ )105إ ْذ قَا َل َلهُ مْ َأخُوهُ ْم نُو ٌ
﴿ َك ّذبَ ْ
تَّتقُو نَ (ِ )106إنّي لَكُ مْ رَ سُولٌ َأمِيٌ ( )107فَاّتقُوا اللّ َه َوأَطِيعُو نِ ()108
َومَا أَ ْسأَُلكُمْ عَلَيْ ِه مِ ْن أَ ْج ٍر إِ ْن َأ ْجرِ يَ إِل عَلَى َربّ اْلعَالَمِيَ ( )109فَاّتقُوا
ك وَاتَّبعَ كَ الَ ْر َذلُو نَ ( )111قَالَ َومَا
اللّ َه َوأَطِيعُو نِ ( )110قَالُوا َأُنؤْمِ ُن لَ َ
عِلْمِي بِمَا كَانُوا َيعْمَلُو نَ ( )112إِ ْن حِ سَاُب ُهمْ ِإلّا عَلَى َربّ ي َل ْو َتشْ ُعرُو نَ (
)113وَمَا أَنَا بِطَا ِر ِد الْ ُمؤْمِنِيَ ( )114إِ ْن أَنَا ِإلّا َنذِي ٌر مّبِيٌ ( )115قَالُوا
ح لَتَكُونَنّ مِ نَ الْ َم ْرجُومِيَ ( )116قَالَ رَبّ إِنّ َقوْمِي
لَئِن لّ مْ تَنتَ ِه يَا نُو ُ
ح بَيْنِي َوبَيَْنهُ مْ فَتْحا َونَجّنِي َومَن ّمعِي مِ نَ الْ ُم ْؤمِنِيَ (
َك ّذبُو نِ ( )117فَافْتَ ْ
َ )118فأَنَيْنَاهُـ وَمَن ّمعَهُـ فِي اْلفُلْكِـ الْ َمشْحُونِـ ( )119ثُمّ أَ ْغ َرقْنَا َبعْدُ
ك لَآَي ًة وَمَا كَا َن أَكَْثرُهُم ّمؤْمِنِيَ (َ )121وإِنّ
الْبَاقِيَ ( )120إِنّ فِي َذلِ َ
ْسـلِيَ (ِ )123إ ْذ قَالَ
َتـ عَادٌ الْ ُمر َ
ِيمـ (َ )122ك ّذب ْ
ّكـ َلهُ َو الْ َعزِي ُز الرّح ُ
َرب َ
َلهُ مْ َأخُوهُ مْ هُودٌ َألَا تَتّقُو نَ (ِ )124إنّ ي َلكُ مْ رَ سُو ٌل َأمِيٌ ( )125فَاتّقُوا
اللّ هَ َوأَطِيعُو نِ ( )126وَمَا أَ ْسأَُلكُمْ عَلَيْ ِه مِ ْن أَ ْج ٍر إِ ْن أَ ْجرِ يَ إِلّا عَلَى رَبّ
خذُو نَ مَ صَانِعَ
اْلعَالَمِيَ (َ )127أتَبْنُو نَ بِ ُكلّ رِي عٍ آَي ًة َتعْبَثُو نَ ( )128وَتَتّ ِ
َلعَ ّلكُ ْم تَخْ ُلدُو نَ (َ )129وِإذَا بَ َطشْتُم بَ َطشْتُ ْم جَبّارِي نَ ( )130فَاّتقُوا اللّ هَ
َوأَطِيعُو نِ ( )131وَاتّقُوا اّلذِي َأ َمدّكُم بِمَا َتعْلَمُو نَ (َ )132أ َمدّكُم ِبَأنْعَا مٍ
ب َيوْمٍ عَظِيمٍ
ت وَعُيُونٍ (ِ )134إنّي أَخَافُ عَلَ ْي ُكمْ َعذَا َ
َوبَنِيَ (َ )133وجَنّا ٍ
الزء الثالث 348
خَلَ َق لَكُ مْ َربّكُ ْم مِ نْ أَ ْزوَاجِكُم َبلْ أَنتُ ْم قَوْ مٌ عَادُو نَ ( )166قَالُوا لَئِن لّ مْ
خ َرجِيَ ( )167قَا َل ِإنّي ِلعَمَ ِلكُم مّ نَ اْلقَالِيَ (
ط لََتكُوَننّ مِ َن الْمُ ْ
تَنتَ هِ يَا لُو ُ
)168رَبّ َنجّنِي وََأهْلِي مِمّ ا َيعْمَلُو نَ ( )169فَنَجّيْنَا ُه َوأَهْلَ ُه َأجْ َمعِيَ (
ِ )170إلّا عَجُوزا فِي اْلغَاِبرِينَ (ُ )171ثمّ َد ّمرْنَا الْآ َخرِينَ (َ )172وَأمْ َطرْنَا
َانـ
ِكـ لَآَي ًة وَمَا ك َ
ِينـ ( )173إِنّ فِي َذل َ
عَلَيْهِم مّطَرا فَسـَاء مَ َط ُر الْمُنذَر َ
ّبـ
ِيمـ (َ )175كذ َ
ّكـ َل ُهوَ اْلعَزِيزُ ال ّرح ُ
أَكَْثرُهُم ّم ْؤمِنِيَ (َ )174وإِنّ َرب َ
ب َألَا تَّتقُو نَ ()177
ب الَْأْيكَ ِة الْ ُمرْ سَلِيَ (ِ )176إذْ قَالَ َلهُ مْ ُشعَيْ ٌ
صحَا ُ
أَ ْ
ِإنّ ي لَكُ مْ رَ سُولٌ َأمِيٌ ( )178فَاتّقُوا اللّ َه َوأَطِيعُو نِ ( )179وَمَا أَ ْسَألُ ُكمْ
عَلَيْهِـ مِن ْـَأجْ ٍر إِن ْـَأجْرِيَـِإلّا عَلَى رَبّ اْلعَالَمِيَ (َ )180أ ْوفُوا اْلكَ ْيلَ َولَا
ُسـَتقِيمِ (َ )182ولَا
س الْم ْ
ِسـطَا ِ
ْسـرِينَ ( )181وَ ِزنُوا بِاْلق ْ
ِنـ الْمُخ ِ
َتكُونُوا م َ
ض ُمفْسِدِينَ ( )183وَاّتقُوا اّلذِي
س أَشْيَاءهُمْ َولَا َتعَْثوْا فِي اْلأَرْ ِ
تَبْخَسُوا النّا َ
حرِينَ ()185
ت مِ نَ الْمُ سَ ّ
خَ َلقَكُ ْم وَالْجِبِ ّل َة الَْأ ّولِيَ ( )184قَالُوا إِنّمَا أَن َ
ك لَمِ َن الْكَاذِبِيَ (َ )186فأَ ْسقِطْ عَلَيْنَا
شرٌ مّثْلُنَا َوإِن نّظُنّ َ
ت ِإلّا َب َ
وَمَا أَن َ
ت مِ َن ال صّا ِدقِيَ ( )187قَالَ َربّيـأَعْلَ ُم بِمَا
كِ سَفا مّ نَ ال سّمَا ِء إِن كُن َ
ب َيوْ مٍ
َتعْمَلُو نَ (َ )188ف َكذّبُو هُ َفَأخَ َذهُ مْ َعذَا بُ يَوْ ِم الظّ ّل ِة إِنّ هُ كَا نَ َعذَا َ
عَظِي مٍ ( )189إِنّ فِي َذلِ كَ لَآَيةً وَمَا كَا َن أَكَْثرُهُم ّمؤْمِنِيَ (َ )190وإِنّ
ك َلهُ َو الْ َعزِي ُز الرّحِيمُ (. ﴾ )191
َرّب َ
***
الزء الثالث 350
كلّهم ﴿ ،إِلّا َعجُوزا فِي اْلغَابِرِي نَ ﴾ وهي امرأته وكانت عجوز سوء بقيت
فهلكت مع من بقي من قومها ،كما أخب ال عنهم ف سورة هود وغيها .
ب الَْأْيكَ ِة الْ ُمرْ سَلِيَ (ِ )176إ ْذ قَالَ
صحَا ُ
قوله عز و جل َ ﴿ :كذّ بَ أَ ْ
ب َألَا تَّتقُو نَ (ِ )177إنّ ي َلكُ مْ رَ سُو ٌل َأمِيٌ ( )178فَاتّقُوا اللّ هَ
َلهُ ْم ُشعَيْ ٌ
ِيـ ِإلّا َعلَى رَبّ
ِنـ أَ ْجر َ
ِنـ َأ ْجرٍ إ ْ
ْهـ م ْ
َسـَألُ ُكمْ عَلَي ِ
ُونـ ( )179وَمَا أ ْ
َوأَطِيع ِ
ْسـرِينَ ( )181وَ ِزنُوا
ِنـ الْ ُمخ ِ
اْلعَالَمِي َ ( )180أَ ْوفُوا الْكَ ْي َل َولَا تَكُونُوا م َ
بِالْقِ سْطَاسِ الْمُ سَْتقِيمِ ( )182وَلَا تَبْخَ سُوا النّا سَ َأشْيَاءهُ ْم َولَا َتعْثَوْا فِي
ُمـ وَالْجِبِ ّلةَ اْلأَ ّولِي َ ()184
ْسـدِينَ ( )183وَاتّقُوا اّلذِي خَ َلقَك ْ
ْضـ ُمف ِ
اْلأَر ِ
ش ٌر مّثْلُنَا َوإِن نّظُنّ كَ
حرِينَ ( )185وَمَا أَن تَ ِإلّا َب َ
ت مِ َن الْمُ سَ ّ
قَالُوا إِنّمَا أَن َ
ِنـ
ُنتـ م َ
السـمَا ِء إِن ك َ
ّنـ َّسـقِطْ عَلَيْنَا كِسـَفا م َ
ِنـ الْكَاذِبِيَ (َ )186فأ ْ
لَم َ
ال صّا ِدقِيَ ( )187قَالَ َربّ ي أَعْلَ ُم بِمَا َتعْمَلُو نَ (َ )188ف َكذّبُو ُه َفأَ َخ َذهُ مْ
ك لَآَي ًة وَمَا
ب َيوْ مٍ عَظِي مٍ ( )189إِنّ فِي َذلِ َ
َعذَا بُ َيوْ ِم الظّ ّلةِ إِنّ هُ كَا نَ َعذَا َ
ك َلهُ َو الْ َعزِي ُز الرّحِيمُ (. ﴾ )191
كَا َن أَكَْث ُرهُم ّم ْؤمِنِيَ ( )190وَإِنّ َرّب َ
قال ابن عباس قوله ﴿ :كَذّ بَ أَ صْحَا ُ
ب اْلَأيْ َكةِ ﴾ ،قال :أهل مدين ،
والي كة :اللت قى من الش جر .قال ا بن ز يد :الي كة :الش جر ؛ ب عث ال
شعيب ًا إل قومَه مَن أهَل مديَن وإل أهَل الباديَة .وعَن ماهَد قوله :
جبِّل َة الَْأوّلِيَ ﴾ ،قال :الليقة .
﴿ وَالْ ِ
357 توفيق الرحن ف دروس القرآن
وقال البغوي :قوله ﴿ :قَالُوا ِإنّمَا أَن تَ مِ َن الْمُ سَحّرِينَ * وَمَا أَن تَ إِلّا
ط عََليْنَا كِ سَفا مّ َن ال سّمَاءِ إِن
بَشَ ٌر ّمثْلُنَا َوإِن نّ ُظنّ كَ لَمِ نَ الْكَا ِذبِيَ * َفأَ سْقِ ْ
ت مِ َن الصّادِقِيَ * قَالَ َربّي َأعْلَ ُم بِمَا َتعْ َملُونَ ﴾ من نقصان الكيل والوزن كُن َ
،وهو مازيكم بأعمالكم وليس العذاب إلّ ،وما عل ّي إل الدعوة ،فكذّبوه
فأخذهم عذاب يوم الظلّة ِ ﴿ ،إنّهُ كَا َن عَذَابَ َيوْ ٍم عَظِيمٍ ﴾ .قال ابن جريج
:لا أنزل ال عليهم أول العذاب أخذهم منه حرّ شديد ،فرفع ال لم غمامة
،فخرج إليها طائفة منهم ليستظلّوا با ،فأصابم منها روح ،وبرد ،وريح
طيّبة ،فصبّ ال عليهم من فوقهم من تلك الغمامة عذابًا ،فذلك قوله ﴿ :
ب َي ْومِ الظّّلةِ ﴾ . عَذَا ُ
وقوله تعال ِ ﴿ :إنّ فِي ذَلِ كَ لَآَي ًة َومَا كَا نَ أَ ْكثَ ُرهُم ّم ْؤ ِمنِيَ * َوِإنّ َربّ كَ
َل ُه َو اْلعَزِيزُ الرّحِي مُ ﴾ ،أي ﴿ :الْعَزِيزُ ﴾ ف انتقامه من الظالي ﴿ ،الرّحِي مُ
﴾ بعباده الؤمني .
***
الزء الثالث 358
ح اْلأَمِيُ ( )193عَلَى
﴿ َوإِنّ ُه لَتَنِيلُ َربّ الْعَالَمِيَ (َ )192نزَ َل بِهِ الرّو ُ
ك لِتَكُو َن مِ نَ الْمُنذِرِي نَ ( )194بِلِ سَانٍ َع َربِيّ مّبِيٍ (َ )195وِإنّ ُه لَفِي
قَلْبِ َ
ُزُب ِر الَْأ ّولِيَ ( )196أَ َولَ مْ يَكُن ّلهُ مْ آَيةً أَن َيعْلَمَ هُ عُ َلمَاء بَنِي إِ سْرَائِيلَ (
جمِيَ (َ )198ف َق َرأَ هُ عَلَيْهِم مّ ا كَانُوا بِ هِ
َ )197وَلوْ َن ّزلْنَا هُ عَلَى َبعْ ضِ اْلأَعْ َ
ج ِرمِيَ ( )200لَا يُ ْؤمِنُو نَ بِ هِ
ب الْمُ ْ
ُم ْؤمِنِيَ (َ )199ك َذلِ كَ سَلَكْنَا ُه فِي قُلُو ِ
شعُرُو نَ ()202
ب اْلأَلِي مَ ( )201فََيأْتِيَهُم َبغَْتةً َوهُ مْ لَا َي ْ
حَتّ ى َيرَوُا اْل َعذَا َ
ت إِن
فََيقُولُوا َه ْل نَحْ ُن مُن َظرُونَ (َ )203أفَبِ َعذَابِنَا يَسْتَعْجِلُونَ (َ )204أفَ َرَأيْ َ
مّّتعْنَاهُمْ سِنِيَ (ُ )205ثمّ جَاءهُم مّا كَانُوا يُو َعدُونَ ( )206مَا أَغْنَى عَ ْنهُم
مّاـ كَانُوا يُمَّتعُونَـ ( )207وَمَا أَهْ َلكْنَا مِن َق ْريَ ٍة ِإلّا لَهَا مُنذِرُو نَ ()208
ت بِهِ الشّيَاطِيُ (َ )210ومَا يَنَبغِي
ذِ ْكرَى َومَا كُنّا ظَالِمِيَ ( )209وَمَا تََن ّزلَ ْ
َلهُ مْ َومَا يَ سْتَطِيعُونَ (ِ )211إّنهُ مْ عَ ِن ال سّمْ ِع لَ َم ْعزُولُو نَ ( )212فَلَا َتدْ عُ
يتَ كَ اْلأَ ْق َربِيَ (
مَ َع اللّ هِ إِلَها آ َخ َر فََتكُو نَ مِ َن الْ ُمعَ ّذبِيَ ( )213وَأَنذِرْ َعشِ َ
صوْكَ
ك مِ نَ الْ ُم ْؤمِنِيَ (َ )215فإِ نْ عَ َ
)214وَا ْخفِ ضْ جَنَاحَ كَ لِمَ نِ اتَّبعَ َ
َف ُقلْ ِإنّيـَبرِي ٌء مّمّاـَتعْمَلُونَـ ( )216وََتوَ ّكلْ عَلَى اْل َعزِي ِز ال ّرحِيمِـ ()217
ّهـ ُهوَ
َكـ فِي السـّا ِجدِينَ (ِ )219إن ُ
ُومـ ( )218وََتقَلّب َ
َاكـ حِيَ َتق ُ
اّلذِي َير َ
ال سّمِي ُع اْلعَلِي مُ (َ )220هلْ ُأنَبُّئكُ مْ عَلَى مَن تََن ّزلُ الشّيَاطِيُ ( )221تََن ّزلُ
ُونـ ()223
ُمـ كَاذِب َ
السـمْ َع َوأَكَْثرُه ْ
ُونـ ّ
ِيمـ ( )222يُ ْلق َ
ّاكـ أَث ٍ
عَلَى ُك ّل َأف ٍ
359 توفيق الرحن ف دروس القرآن
ُونـ (
ُمـ فِي ُكلّ وَادٍ يَهِيم َ
َمـ َترَ َأّنه ْ
ُونـ (َ )224أل ْ
ُمـ اْلغَاو َ
ش َعرَاء يَتِّبعُه ُ
وَال ّ
ـ آمَنُوا وَعَمِلُوا
ـ (ِ )226إلّا الّذِين َ
ـ مَـا لَا َيفْعَلُون َ
ـ يَقُولُون َ
َ )225وَأنّهُم ْ
صرُوا مِن َب ْعدِ مَا ظُ ِلمُوا وَ سَيَعْ َلمُ اّلذِي نَ
ت وَذَ َكرُوا اللّ هَ كَثِيا وَانتَ َ
ال صّالِحَا ِ
ب يَنقَلِبُونَ (. ﴾ )227
ي مُنقَلَ ٍ
ظَلَمُوا أَ ّ
***
الزء الثالث 360
ث قال تعال م بًا عن عدله ف خل قه ﴿ :وَمَا َأهَْلكْنَا مِن َق ْرَيةٍ إِلّا لَهَا
مُنذِرُونََ * ذِكْرَى ﴾ .قال البغوي :أي :رسَل ينذرونمَ تذكرة .قيَل :
ملّ ها ر فع .أي :تلك ذكرى و ما ك نا ظال ي ف تعذيب هم ،ح يث قدّم نا
الجّة عليهم وأعذرنا إليهم .
ت بِ ِه الشّيَا ِطيُ (َ )210ومَا يَنَبغِي َلهُ ْم َومَا
قوله عز وجل ﴿ :وَمَا تََن ّزلَ ْ
ع مَ َع اللّ هِ
يَ سْتَطِيعُونَ (ِ )211إنّهُ مْ عَ ِن ال سّ ْم ِع لَ َم ْعزُولُو نَ ( )212فَلَا َتدْ ُ
ك الَْأ ْقرَبِيَ ()214
يتَ َ
ِإلَها آ َخ َر فََتكُو نَ مِ نَ الْ ُم َع ّذبِيَ ( )213وَأَنذِرْ َعشِ َ
صوْ َك َفقُ ْل ِإنّي
ك مِ نَ الْ ُم ْؤمِنِيَ (َ )215فإِ نْ عَ َ
ض جَنَاحَ كَ لِمَ ِن اتَّبعَ َ
وَا ْخفِ ْ
َبرِي ٌء مّمّا َتعْمَلُونَ (َ )216وَتوَكّلْ عَلَى اْلعَزِيزِ الرّحِيمِ ( )217اّلذِي َيرَا كَ
ك فِي السّا ِجدِينَ (ِ )219إنّ هُ ُهوَ السّمِي ُع اْلعَلِيمُ (
حِيَ َتقُو مُ ( )218وََتقَلّبَ َ
ّاكـ
ُمـ عَلَى مَن تََنزّ ُل الشّيَاطِيُ ( )221تََنزّلُ عَلَى ُك ّل َأف ٍ
َ )220ه ْل أُنَبُّئك ْ
َأثِيمٍ ( )222يُ ْلقُو َن السّمْ َع َوأَكَْثرُ ُهمْ كَاذِبُونَ (. ﴾ )223
شيَاطِيُ ﴾ ،قال :هذا القرآن .
عن قتادة ف قوله َ ﴿ :ومَا َتنَزَّلتْ بِهِ ال ّ
وف قوله ِ ﴿ :إّنهُ ْم عَنِ السّمْعِ لَ َمعْزُولُونَ ﴾ ،قال :عن سع السماء .
وقوله تعال َ ﴿ :فلَا تَدْ ُ
ع مَ عَ اللّ هِ إِلَها آ َخرَ َفتَكُو َن مِ َن الْ ُمعَ ّذبِيَ ﴾ ,قال
ا بن عباس ر ضي ال عنه ما :يذّر به غيه يقول :أ نت أكرم اللق عل يّ ،
ولو اتذت إلًا غيي لعذّبتك .وعن أب هريرة رضي ال عنه قال :لا نزلت
فعمَ
َكَ اْلأَقْ َربِيَ ﴾ دعَا رسَول ال قريشًا ّ
هذه اليَة َ ﴿ :وأَنذِ ْر عَشِيَت َ
363 توفيق الرحن ف دروس القرآن
وسكناتم ،كما قال تعال َ ﴿ :ومَا تَكُو نُ فِي َشأْ نٍ َومَا َتتْلُو ِمنْ هُ مِن قُرْآ نٍ
ب عَن وَ َل َتعْمَلُو نَ مِ ْن عَمَلٍ إِلّ ُكنّا عََلْيكُ ْم ُشهُودا إِ ْذ ُتفِيضُو نَ فِي ِه َومَا َيعْزُ ُ
ك وَل أَ ْكبَرَصغَ َر مِن ذَلِ َ ك مِن ّمْثقَالِ َذ ّرةٍ فِي الَرْ ضِ وَلَ فِي ال سّمَاء وَلَ أَ ْ ّربّ َ
إِلّ فِي ِكتَابٍ ّمبِيٍ ﴾ .
وقوله تعال ﴿ :هَلْ ُأَنبُّئك ْ
ُمَ عَلَى م َن َتنَزّلُ الشّيَاطِي ُ ﴾ ؟ هذا جواب
قول الشركيَ :إن الشياطيَ يلقون القرآن على لسَان ممَد ،فقال تعال
ستَطِيعُونَ ﴾ ،ث أخب
شيَاطِيُ * َومَا يَنَبغِي َلهُ ْم َومَا يَ ْ ت بِ هِ ال َّ ﴿ :ومَا َتنَزّلَ ْ
أنم إنا ينلون على من يشاكلهم ويشابهم من الكهان الكذبة فقال ﴿ :هَلْ
شيَاطِيُ * َتنَزّ ُل عَلَى كُلّ أَفّا كٍ َأثِي مٍ ﴾ ،أي :كذاب
ُأَنبُّئكُ ْم عَلَى مَن َتنَزّلُ ال ّ
فاجَر .قال قتادة :هَم :الكهنَة ،تسَترق النّ السَمع ثَ يأتون بَه إل
أوليائهم من الِنس .
ُونَ ﴾ ،قالت عائشَة :
ُمَ كَا ِذب َ
السَمْعَ َوأَ ْكثَ ُره ْ وقوله تعال ﴿ :يُ ْلق َ
ُونَ ّ
الشياطي تسترق السمع ،فتجيء بكلمة حق فيقذفها ف أذن وليّه ،ويزيد
فيها أكثر من مائة كذبة .
شعَرَاء يَتِّب ُعهُ مُ اْلغَاوُو نَ (َ )224ألَ ْم َترَ َأّنهُ ْم فِي
قوله عز وجل ﴿ :وَال ّ
ُك ّل وَادٍ َيهِيمُو نَ (َ )225وَأنّهُ مْ َيقُولُو َن مَا لَا َي ْفعَلُو نَ (ِ )226إلّا الّذِي نَ
صرُوا مِن َب ْعدِ مَا ظُ ِلمُوا
ت َوذَ َكرُوا اللّ هَ كَثِيا وَانتَ َ
آمَنُوا وَعَمِلُوا ال صّالِحَا ِ
ب يَنقَلِبُونَ (. ﴾ )227
َوسََيعْلَ ُم الّذِينَ ظَلَمُوا أَيّ مُنقَلَ ٍ
365 توفيق الرحن ف دروس القرآن
َن خليله
َل عَ
َل الليَ
ويذهَ ضرب ًا يزيَل المام عَن مقيله
( (
فقال له عمر :يا ابن رواحة بي يدي رسول ال ،وف حرم ال تقول
الشعر ؟ ! فقال النب « :خ ّل عنه يا عمر ،فلهي أسرع فيهم من نضح
الن بل » .قال ا بن كث ي :وقوله تعال ﴿ :وَ َسيَعَْل ُم الّذِي َن ظَلَمُوا أَيّ مُنقَلَ بٍ
يَنقَِلبُو نَ ﴾ ،كقوله تعال َ ﴿ :يوْ مَ لَا يَنفَ عُ الظّالِمِيَ َمعْذِ َرُتهُ ْم وََلهُ مُ الّلعَْنةُ
الزء الثالث 366
وََلهُ مْ سُوءُ الدّارِ ﴾ .وف الصحيح أن رسول ال قال « :إياكم والظلم ،
فإن الظلم ظلمات يوم القيامَة » .قال قتادة بَن دعامَة فَ قوله تعال ﴿ :
ب يَنقَِلبُو نَ ﴾ ،يعن :من الشعراء وغيهم . وَ َسَيعْلَ ُم الّذِي َن ظَلَمُوا أَيّ مُنقَلَ ٍ
وعن عائشة رضي ال عنها قالت :كتب أب ف وصيّته سطرين ( :بسم ال
الرحن الرحيم ،هذا ما أوصى به أبو بكر بن أب قحافة عند خروجه من
الدنيَا ،حيَ يؤمَن الكافَر ،وينتهَي الفاجَر ،ويصَدق الكاذب ،إنَ
ا ستخلفت علي كم ع مر بن الطاب فإن يعدل فذاك ظنّي به ورجائي ف يه ،
َ
َ ظَلَمُوا أَيَّ مُنقَلَب ٍ
ََيعْلَ ُم الّذِين َ
وإن يرؤ يبدّل فل أعلم الغيَب ﴿ وَس َ
يَنقَِلبُونَ ﴾ .رواه ابن أب حات .وال أعلم .
***
367 توفيق الرحن ف دروس القرآن
ك الّذِي نَ َلهُ مْ سُوءُ اْلعَذَا بِ ﴾ ،أي :ف الدنيا والخرة َ ﴿ ،وهُ مْ فِي
﴿ ُأوْلَئِ َ
الْآ ِخ َرةِ هُ ُم اْلأَخْسَرُونَ ﴾ ،أي :ليس يسر أنفسهم وأهليهم سواهم من أهل
الشر .
ْآنَ ﴾ ،أي :تؤتَى القرآن ﴿ ،مِن وقوله تعال َ ﴿ :وِإن َ
ّكََلتَُلقّىَ اْلقُر َ
لّدُ نْ َحكِي ٍم عَلِي مٍ ﴾ ،أي :وحيًا من ع ند ال الك يم ف أمره ون يه العل يم
بالمور كلها فخبه هو الصدق وحكمه هو العدل كما قال تعالَ ﴿ :وتَمّتْ
كَِل َمتُ َربّكَ صِدْقا َوعَدْلً ّل مُبَدّلِ ِلكَلِمَاتِ ِه َوهُوَ السّمِي ُع اْلعَلِيمُ ﴾ .
قوله عز وجل ِ ﴿ :إذْ قَالَ مُو سَى لَِأهْلِ هِ ِإنّي آنَ سْتُ نَارا سَآتِيكُم مّ ْنهَا
ي أَن
س ّلعَلّكُ مْ تَ صْطَلُونَ ( )7فَلَمّا جَاءهَا نُودِ َ
شهَا بٍ قَبَ ٍ
بِخََب ٍر َأوْ آتِيكُم ِب ِ
بُورِ َك مَن فِي النّا ِر َومَ نْ َحوَْلهَا وَ سُبْحَا َن اللّ هِ َربّ الْعَالَمِيَ ( )8يَا مُو سَى
حكِيمُ (َ )9وَألْقِ عَصَا َك فَ َلمّا رَآهَا َتهَْتزّ َكَأنّهَا جَا ّن َولّى
ِإّنهُ َأنَا ال ّلهُ اْل َعزِي ُز الْ َ
ف َلدَيّ الْ ُمرْسَلُونَ (ِ )10إلّا
ف ِإنّي لَا يَخَا ُ
ب يَا مُوسَى لَا تَخَ ْ
ُم ْدبِرا وََلمْ ُي َعقّ ْ
مَن ظَلَ َم ُثمّ َب ّدلَ حُ سْنا َب ْعدَ سُو ٍء َفِإنّي َغفُورٌ ّرحِي مٌ (َ )11وَأدْ ِخلْ يَدَ َك فِي
ت ِإلَى ِفرْ َعوْ َن َو َقوْمِ ِه ِإّنهُ مْ
خرُ جْ بَيْضَاء مِ نْ غَ ْيرِ سُو ٍء فِي تِ سْعِ آيَا ٍ
ك تَ ْ
جَيْبِ َ
حرٌ مِّبيٌ (
ص َرةً قَالُوا هَذَا سِ ْ
كَانُوا َقوْما فَا ِسقِيَ ( )12فَلَمّا جَاءْت ُهمْ آيَاتُنَا مُبْ ِ
س ُهمْ ظُلْما وَعُ ُلوّا فَان ُظرْ كَيْ فَ كَا نَ عَاقَِبةُ
حدُوا ِبهَا وَا سْتَ ْيقَنَ ْتهَا أَنفُ ُ
َ )13وجَ َ
سدِينَ (. ﴾ )14
الْ ُم ْف ِ
الزء الثالث 370
﴿ إِلّا مَن ظََل َم ثُمّ بَدّلَ حُسْنا َبعْدَ سُوءٍ فَِإنّي غَفُورٌ رّحِيمٌ ﴾ ،هذا استثناء
منقطع ،وفيه بشارة عظيمة للبشر ،وذلك أنه من كان على عمل سيّء ث
أقلع عنه ورجع وتاب وأناب فإن ال يتوب عليه ،كما قال تعال َ ﴿ :وِإنّي
َنَ َوعَمِلَ صََالِحا ثُمّ ا ْهتَدَى ﴾ وقال تعال ﴿ :وَمَن َابَ وَآم َ َل َغفّارٌ لّمَن ت َ
جدِ اللّ َه َغفُورا رّحِيما ﴾ .
ستَ ْغفِرِ اللّ َه يَ ِ
َيعْمَ ْل سُوءا َأوْ يَظْلِ ْم َنفْسَ ُه ثُ ّم يَ ْ
ِنَ َغيْ ِر سَُوءٍ
ُجَ َبْيضَاء م ْ
خر ِْكَ تَ ْ وقوله تعال َ ﴿ :وأَدْ ِخ ْل يَد َ
َكَ فِي َجْيب َ
﴾ هذه آ ية أخرى ودل يل با هر على قدرة ال الفا عل الختار ،و صدق من
جعل له معجزة وذلك أن ال تعال أمره أن يدخل يده ف جيب درعه ،فإذا
أدخل ها وأخرج ها خر جت بيضاء ساطعة كأن ا قط عة ق مر ،ل ا لعان تتلل
كالبق الاطف .
وقوله تعال ﴿ :فِي تِ سْ ِع آيَا تٍ ﴾ ،أي :هاتان ثنتان من ت سع آيات
ُمَ كَانُوا َقوْما
ِهَإِّنه ْ
ْنَ وََقوْم ِ
وأجعلهنَ برهانًا لك ﴿ ،إِلَى فِ ْر َعو َ
ّ بنَ
أؤيّدك ّ
فَا ِسقِيَ ﴾ .
وقوله تعال ﴿ :فََلمّا جَاءْتهُ ْم آيَاُتنَا ُمبْصِ َرةً ﴾ ،أي :بيّنة واضحة ظاهرة
ح ٌر ّمبِيٌَ ﴾ وأرادوا معارضتَه بسَحرهم فغلبوا وانقلبوا َْ ﴿ قَالُوا هَذَا س ِ
َاسَتَْي َقنَْتهَا
صَاغرين ﴿ ،وَ َجحَدُوا بِه َا ﴾ ،أي :فَ ظاهَر أمرهَم ﴿ ،و ْ
سهُمْ ﴾ ،أي :علموا ف أنفسهم أنا حق من عند ال ،ولكن جحدوها أَنفُ ُ
وعاندو ها وكابرو ها ﴿ ،ظُلْما وَعُُلوّا ﴾ ،أي :ظلمًا من أنف سهم سجية
ملعونة ﴿ .وَعُُلوّا ﴾ ،أي :استكبارًا عن إتباع الق ،ولذا قال تعال ﴿ :
373 توفيق الرحن ف دروس القرآن
فَان ُظرْ َكيْ فَ كَا َن عَاِقَبةُ الْ ُمفْ سِدِينَ ﴾ ،أي :انظر يا ممد كيف كان عاقبة
أمرهَم ،فَ إهلك ال إياهَم وإغراقهَم عَن آخرهَم فَ صَبيحة واحدة ؛
وفحوى الكلم يقول :احذروا أي ها الكذّبون لح مد ،الاحدون ب ا جاء
به من ربه أن يصيبكم ما أصابم .
***
الزء الثالث 374
ت يَا َأيّهَا الَ َلأُ ِإنّ ي ُأْلقِ َي إِلَيّ كِتَا بٌ َكرِيٌ (ِ )29إنّ هُ
َي ْرجِعُو نَ ( )28قَالَ ْ
سمِ اللّ هِ الرّحْمَ نِ ال ّرحِي مِ (َ )30ألّا َتعْلُوا عَلَيّ وَْأتُونِي
مِن سُلَيْمَا َن وَِإنّ ُه بِ ْ
ت قَا ِط َع ًة أَمْرا حَتّى
ت يَا َأّيهَا الَ َلُأ َأفْتُونِي فِي َأ ْمرِي مَا كُن ُ
مُسْلِمِيَ ( )31قَالَ ْ
ـ
ـ شَدِيدٍ وَالَْأ ْمرُ ِإلَيْك ِ
ـ أُ ْولُوا ُق ّوةٍ َوأُولُوا َبأْس ٍ
ـ ( )32قَالُوا نَحْن ُ
ش َهدُون ِ
َت ْ
ْسـدُوهَا
ُوكـ ِإذَا َدخَلُوا َق ْريَ ًة َأف َ
َتـ إِنّ الْمُل َ
ِينـ ( )33قَال ْ
فَان ُظرِي مَاذَا َت ْأمُر َ
َوجَعَلُوا أَ ِع ّز َة َأهْلِهَا َأ ِذّلةً وَ َك َذلِ كَ َي ْفعَلُو نَ ( )34وَِإنّ ي ُمرْ سِلَ ٌة ِإلَيْهِم ِب َه ِديّةٍ
فَنَا ِظ َر ٌة بِ َم َيرْجِ ُع الْ ُمرْ سَلُونَ ( )35فَلَمّ ا جَاء سُلَيْمَا َن قَالَ َأتُ ِمدّونَ نِ بِمَالٍ
فَمَا آتَانِ َي ال ّلهُ خَ ْي ٌر مّمّا آتَاكُم َبلْ أَنتُم ِبهَ ِديِّتكُ ْم َتفْ َرحُونَ ( )36ا ْرجِعْ إِلَ ْي ِهمْ
خ ِرجَنّهُم مّ ْنهَا َأ ِذلّ ًة وَ ُهمْ صَا ِغرُونَ ()37
فَلََن ْأتِيَّن ُهمْ بِجُنُو ٍد لّا قَِب َل َلهُم ِبهَا َولَنُ ْ
قَالَ يَا أَيّهَا الَ َلُأ َأيّكُ مْ َي ْأتِينِي ِب َعرْشِهَا قَ ْب َل أَن َيأْتُونِي مُ سْلِمِيَ ( )38قَالَ
ك َوإِنّي عَلَيْ ِه َلقَوِيّ
ك بِ هِ قَ ْب َل أَن َتقُو َم مِن ّمقَامِ َ
جنّ َأنَا آتِي َ
ت مّ نَ الْ ِ
ِعفْري ٌ
ك بِ ِه قَ ْبلَ أَن َي ْرَتدّ ِإلَيْكَ
َأمِيٌ ( )39قَالَ اّلذِي عِندَهُ عِ ْلمٌ ّمنَ اْلكِتَابِ َأنَا آتِي َ
ضلِ َربّ ي لِيَبْ ُلوَنِي َأَأشْ ُكرُ أَ مْ
ك فَلَمّ ا رَآ ُه مُ سَْت ِقرّا عِندَ ُه قَا َل َهذَا مِن فَ ْ
َط ْرفُ َ
سهِ وَمَن َك َفرَ َفإِنّ َربّ ي غَنِيّ َكرِيٌ ()40
أَ ْك ُفرُ وَمَن شَ َكرَ َفِإنّمَا َيشْ ُكرُ لَِنفْ ِ
قَالَ َن ّكرُوا لَهَا َع ْرشَهَا نَن ُظرْ َأَتهَْتدِي أَ ْم َتكُو نُ مِ َن الّذِي نَ لَا َيهَْتدُو نَ ()41
ك قَالَتْ َكَأنّهُ ُه َو وَأُوتِينَا اْلعِلْ َم مِن قَبْ ِلهَا وَكُنّا
فَلَمّا جَاءتْ قِي َل َأهَ َكذَا َع ْرشُ ِ
صدّهَا مَا كَانَت ّتعْبُ ُد مِن دُو ِن اللّ ِه ِإنّهَا كَانَ تْ مِن َقوْ مٍ
مُ سْلِمِيَ ( )42وَ َ
شفَ تْ عَن
ج ًة وَ َك َ
ح فَلَمّا َرأَتْ هُ حَ سِبَتْ ُه لُ ّ
صرْ َ
كَا ِفرِي نَ ( )43قِي َل َلهَا ا ْدخُلِي ال ّ
الزء الثالث 376
***
377 توفيق الرحن ف دروس القرآن
قوله عز و جل َ ﴿ :ولَ َقدْ آتَيْنَا دَاوُو َد وَ سُلَيْمَانَ عِلْما َوقَالَا الْحَ ْم ُد لِلّ هِ
اّلذِي فَضّلَنَا عَلَى كَثِيٍ مّ نْ عِبَادِ ِه الْ ُمؤْمِنِيَ (َ )15ووَرِ ثَ سُلَيْمَا ُن دَاوُودَ
َوقَا َل يَا َأيّهَا النّا سُ عُلّمْنَا مَنطِ َق الطّ ْيرِ َوأُوتِينَا مِن ُك ّل َشيْ ٍء إِنّ َهذَا َل ُهوَ
ضلُ الْمُبِيُ (. ﴾ )16
اْلفَ ْ
قال البغوي :قوله عز و جل ﴿ :وََلقَ ْد آَتيْنَا دَاوُو َد وَ سَُليْمَانَ عِلْما ﴾ ،
يع ن :علم القضاء ومن طق الط ي والدواب ،وت سخي الشياط ي ،وتسَبيح
ّهَ الّذِي َفضّلَنَا ﴾ ،بالنبوة ،والكتاب ،وتسَخي البال ﴿ ،وَقَالَا الْحَ ْمدُ لِل ِ
ِثَ
ِهَ الْ ُمؤْ ِمنِيَ * َووَر َ
ّنَ عِبَاد ِ
والنَ والنَس ﴿ ،عَلَى َكثِ ٍي م ْ ّ الشياطيَ ،
سََليْمَانُ دَاوُو َد ﴾ ،نبوتَه وعلمَه وملكَه دون سَائر أولده ،وكان لداود ُ
تسعة عشر ابنًا ،وأعطى سليمان ما أعطى داود :اللك ،وزيد له :تسخي
الر يح ،وت سخي الشياط ي .وقال مقا تل :كان سليمان أع ظم ملكًا من
داود وأقضى منه ،وكان داود أش ّد تعبّدًا من سليمان ،وكان سليمان شاكرًا
لنعم ال تعال .
﴿ وَقَا َل يَا َأيّهَا النّا سُ عُلّمْنَا مَنطِ قَ ال ّطيْرِ ﴾ ،سّى صوت الط ي من طق
لصول الفهم منه كما يُفهم من كلم الناس .روي عن كعب قال :صاح
ورشان عند سليمان عليه السلم فقال :أتدرون ما يقول :قالوا :ل ،قال :
فإنَه يقول :لِدُوا للموت ،وابنوا للخراب .وصَاح طاووس فقال :أتدرون
مَا يقول :قالوا :ل ،قال :فإنَه يقول :كمَا تَديَن تُدان .وصَاح صَرد
الزء الثالث 378
فقال :أتدرون مَا يقول :قالوا :ل ،قال :فإنَه يقول :اسَتغفروا ال يَا
مذنَبي .وهدرت حامَة فقال :أتدرون مَا تقول :قالوا :ل ،قال :فإناَ
تقول :سبحان ر ب العلى ملء سائه وأر ضه .قال :والغراب يد عو على
العشا .والدأة تقول :كل شيء هالك إل ال .والقطاة تقول :من سكت
سلم .والضفدعة تقول :سبحان الذكور بكل لسان .
وقوله َ ﴿ :وأُوتِينَا مِن كُ ّل َشيْءٍ ﴾ ،قال البغوي :من كل ش يء يؤتاه
النَبياء واللوك ﴿ ،إِن ّ هَذَا َل ُه َو الْ َفضْ ُل الْ ُمبِي ُ ﴾ ،وقال ابَن كثيَ ﴿ :
َوأُوتِينَا مِن كُ ّل َشيْءٍ ﴾ ،أي :ما يتاج إليه اللك ﴿ ،إِنّ هَذَا َل ُه َو الْ َفضْلُ
الْ ُمبِيُ ﴾ ،أي :الظاهر البيّن ل علينا .
س وَالطّ ْيرِ
شرَ لِ سُلَيْمَانَ جُنُودُ هُ مِ َن الْجِنّ وَاْلإِن ِ
قوله عز و جل ﴿ :وَ ُح ِ
َتـ نَمْ َل ٌة يَا َأيّهَا
ُونـ ( )17حَتّىـ ِإذَا َأتَوْا عَلَى وَادِي النّ ْملِ قَال ْ
ُمـ يُوزَع َ
َفه ْ
ش ُعرُو نَ (
النّ ْم ُل ادْخُلُوا مَ سَاكَِن ُكمْ لَا يَحْطِمَّنكُ مْ سُلَيْمَانُ وَجُنُودُ هُ وَهُ ْم لَا َي ْ
ك الّتِي
سمَ ضَاحِكا مّ ن َقوْلِهَا َوقَالَ رَبّ َأوْزِعْنِي أَ ْن َأشْ ُك َر نِعْمَتَ َ
)18فَتَبَ ّ
َأْنعَمْتَ عَ َليّ وَعَلَى وَاِلدَيّ وَأَنْ أَعْ َملَ صَالِحا َترْضَا ُه َوأَ ْدخِلْنِي ِبرَحْمَتِكَ فِي
عِبَادِكَ الصّالِحِيَ (. ﴾ )19
شرَ لِ سَُليْمَانَ ُجنُودُ ُه مِ َن الْجِنّ وَالْإِن سِ وَال ّطيْرِ
عن قتادة ف قوله ﴿ :وَحُ ِ
َفهُ ْم يُو َزعُونَ ﴾ ،قال :يردّ أولم على آخرهم .
379 توفيق الرحن ف دروس القرآن
قوله عز وجل َ ﴿ :وتَ َف ّقدَ الطّ ْيرَ فَقَالَ مَا لِ َي لَا أَرَى اْلهُ ْد ُهدَ أَمْ كَانَ مِنَ
اْلغَائِبِيَ (َ )20لأُ َعذّبَنّ هُ َعذَابا َشدِيدا َأ ْو َلأَ ْذبَحَنّ ُه َأوْ لَيَ ْأتِيَنّي بِ سُلْطَا ٍن مّبِيٍ (
ك مِن سََبٍإ بِنََبإٍ
ط بِ هِ َوجِئْتُ َ
ح ْ
ت بِمَا لَ ْم تُ ِ
)21فَ َمكَ ثَ َغ ْيرَ َبعِيدٍ فَقَالَ َأحَط ُ
ت مِن ُك ّل َشيْ ٍء وَلَهَا َعرْ شٌ
َيقِيٍ (ِ )22إنّ ي وَجَدتّ ا ْمرََأ ًة تَمْ ِل ُكهُ ْم َوأُوتِيَ ْ
س مِن دُو ِن اللّ ِه وَ َزيّ نَ َلهُ مُ
جدُو َن لِلشّمْ ِ
عَظِي مٌ (َ )23وجَدّتهَا َو َقوْ َمهَا يَ سْ ُ
جدُوا
ص ّدهُمْ عَ ِن ال سّبِيلِ َفهُ مْ لَا يَهَْتدُو نَ (َ )24ألّا يَ سْ ُ
الشّيْطَا ُن أَعْمَاَلهُ ْم فَ َ
خفُو نَ وَمَا
ض وََيعْلَ مُ مَا تُ ْ
ت وَاْلأَرْ ِ
ج الْخَبْ َء فِي ال سّمَاوَا ِ
خرِ ُ
لِلّ ِه الّذِي يُ ْ
ش الْعَظِيمِ (. ﴾ )26
ب الْ َعرْ ِ
ُتعْلِنُونَ ( )25ال ّلهُ لَا ِإلَ َه ِإلّا ُهوَ َر ّ
قال ابن زيد :نزل سليمان بواد فسأل الِنس عن مائِهِ فقالوا :ما نعلم له
ماء ،فإن يكن أحد من جنودك يعلم له ماء فال نّ ،فدعا ال نّ فسألم فقالوا
:ما نعلم له ماء ،وإن يكن أحد من جنودك يعلم له ماء فالطي ،فدعا الطي
فسألم فقالوا :ما نعلم له ماء ،وإن يكن أحد من جنودك يعلمه فالدهد ،
فلم يده ،قال :فذاك أوّل ما فقد الدهد .
وعن ماهد َ ﴿ :لأُعَ ّذَبنّ ُه عَذَابا شَدِيدا ﴾ ،قال :نتف ريشه كله َ ﴿ ،أوْ
حنّهُ َأوْ َليَ ْأِتيَنّي بِسُلْطَا ٍن ّمبِيٍ ﴾ ،قال وهب بن منبه :أي :بجّة .عذر
َلأَ ْذبَ َ
له ف غيب ته ﴿ ،فَ َمكَ ثَ َغيْ َر َبعِيدٍ ﴾ ث جاء الد هد ،فقال له سليمان :ما
خلّ فك ؟ فقال أح طت ب ا ل ت ط به .قال البغوي :يقول :عل مت ما ل
الزء الثالث 380
تعلم ،وجئتك من سبأ بنبأ يقي .قال ابن كثي :أي :بب صدق حق يقي
وسبأ هم ِح ْميَر .وهم :ملوك اليمن .
﴿ ِإنّي وَجَدتّ امْ َرَأ ًة تَمِْل ُكهُمْ ﴾ ،قال السن :هي بلقيس بنت شراحيل
ملكة سبأ َ ﴿ ،وأُوِتيَ تْ مِن كُ ّل َشيْءٍ ﴾ ،يعن :من كل أمر الدنيا ﴿ وََلهَا
ش عَظِي مٌ ﴾ ،قال ا بن عباس :سرير كر ي .قال :ح سن ال صنعة .قال عَرْ ٌ
ابن كثي :سرير تلس عليه عظيم هائل ،مزخرف بالذهب وأنواع الواهر
والللئ .
س مِن دُو نِ اللّ هِ وَ َزيّ نَ َلهُ مُ الشّيْطَا نُ
﴿ وَجَدّتهَا وََقوْ َمهَا يَ سْجُدُونَ لِلشّمْ ِ
سبِيلِ ﴾ ،أي :طريق الق فهم ل يهتدون ﴿ ،أَلّا َأعْمَاَلهُ مْ فَ صَ ّدهُ ْم عَ ِن ال ّ
خفُو نَ ض َويَعَْل ُم مَا تُ ْخبْءَ فِي ال سّمَاوَاتِ وَاْلأَرْ ِج الْ َيَ سْجُدُوا لِلّ ِه الّذِي يُخْ ِر ُ
َومَا ُتعِْلنُونَ ﴾ ،قال ابن عباس :يعلم كل خبيئة ف السماء والرض .
قال ا بن جر ير :قوله ﴿ :اللّ هُ لَا إِلَ هَ إِلّا ُهوَ رَبّ الْعَرْ ِ
ش الْعَظِي مِ ﴾ ،يقول
تعال ذكره :ال الذي ل ت صلح العبادة إل له ،ل إله إل هو ل معبود سواه
تصلح له العبادة ،فأخلصوا له العبادة وأفردوه بالطاعة ،ول تشركوا به شيئًا
﴿ ،رَبّ اْلعَرْ شِ الْعَظِي مِ ﴾ ،يع ن :بذلك مالك العرش العظ يم ،الذي كل
عرش وإن عَظُمَ فدونه ل يشبهه عرش ملكة سبأ ول غيه .
وقال ابن زيد ف قوله ﴿ :أَحَط تُ بِمَا لَ ْم تُحِ ْ
ط بِ هِ ﴾ إل قوله ﴿ :اللّ هُ
ش اْلعَظِيمِ ﴾ هذا كله كلم الدهد .
ب الْعَ ْر ِ
لَا إِلَهَ إِلّا ُهوَ رَ ّ
381 توفيق الرحن ف دروس القرآن
ت مِ َن الْكَاذِبِيَ ()27
ت أَ مْ كُن َ
ص َدقْ َ
قوله عز وجل ﴿ :قَالَ سَنَن ُظ ُر أَ َ
اذْهَب ّبكِتَابِي هَذَا َفأَْلقِ ْه ِإلَيْهِ مْ ثُمّ َتوَلّ عَ ْنهُ مْ فَان ُظرْ مَاذَا َي ْرجِعُو نَ ()28
سمِ
ت يَا َأّيهَا الَ َلأُ ِإنّي ُأْلقِ َي إَِليّ كِتَابٌ َكرِيٌ (ِ )29إنّ ُه مِن سُلَيْمَا َن َوِإنّ ُه بِ ْ
قَالَ ْ
ت يَا
اللّ هِ الرّحْمَ ِن الرّحِي مِ (َ )30ألّا َتعْلُوا عَ َليّ َوأْتُونِي مُ سْلِمِيَ ( )31قَالَ ْ
ش َهدُو نِ ( )32قَالُوا
َأيّهَا الَ َلُأ َأفْتُونِي فِي َأ ْمرِي مَا كُن تُ قَا ِط َع ًة َأمْرا حَتّ ى َت ْ
س َشدِيدٍ وَاْلأَ ْمرُ إِلَيْ كِ فَان ُظرِي مَاذَا َت ْأ ُمرِي نَ ()33
نَحْ ُن ُأ ْولُوا ُق ّو ٍة وَأُولُوا بَأْ ٍ
ـدُوهَا وَ َجعَلُوا أَ ِع ّز َة أَهْلِهَـا أَ ِذّلةً
ـ ِإذَا َدخَلُوا َق ْريَ ًة َأفْس َ
ـ إِنّـ الْمُلُوك َ
قَالَت ْ
ِعـ
ِمـ َيرْج ُ
ْسـَلةٌ ِإلَيْه ِم ِب َه ِديّ ٍة فَنَا ِظ َرةٌ ب َ
ُونـ (َ )34وِإنّيـ ُمر ِ
ِكـ َيفْعَل َ
وَ َك َذل َ
الْ ُمرْ سَلُونَ ( )35فَلَمّا جَاء سُلَيْمَا َن قَا َل َأتُ ِمدّونَ ِن بِمَا ٍل فَمَا آتَانِ َي اللّ هُ خَ ْيرٌ
جنُو ٍد لّا
مّمّا آتَاكُم َبلْ أَنتُم ِب َه ِديّتِكُمْ َت ْفرَحُونَ ( )36ا ْرجِعْ إِلَ ْيهِمْ فَلََن ْأتِيَّنهُمْ بِ ُ
خ ِرجَّنهُم مّ ْنهَا َأ ِذلّ ًة َوهُمْ صَا ِغرُونَ (. ﴾ )37
قَِب َل َلهُم ِبهَا َولَنُ ْ
قال البغوي :فلمَا فرغ الدهَد مَن كلمَه قال سَليمان للهدهَد :
﴿ َسنَنظُرُ أَ صَدَ ْقتَ ﴾ فيما أخبت ﴿ ،أَ مْ كُن تَ مِ َن الْكَا ِذبِيَ ﴾ فدلّهم
الدهد على الاء ،فاحتفروا الركايا وروى الناس والدواب ،ث كتب سليمان
الكتاب وختمه باته ،فقال للهدهد ﴿ :ا ْذهَب ّب ِكتَابِي هَذَا َفأَْلقِ هْ إِلَْيهِ ْم ثُمّ
َتوَ ّل َعْنهُ مْ ﴾ تن حّ عنهم فكن قريبًا منهم ﴿ ،فَان ُظ ْر مَاذَا يَرْ ِجعُو نَ ﴾ يردّون
من الواب ،فأخذ الدهد الكتاب فأتى به بلقيس ،وكانت بأرض يقال لا
:مأرب من صنعاء على ثلثة أيام ،فوافاها ف قصرها وقد غلّقت البواب ،
الزء الثالث 382
وكا نت إذا رقدت غلّ قت البواب وأخذت الفات يح فوضعت ها ت ت رأ سها ،
فأتا ها الد هد و هي نائ مة م ستلقية على قفا ها ،فأل قى الكتاب على نر ها .
هذا قول قتادة .وقال ابن منبه ،وابن زيد :كانت لا كوّة مستقبلة الشمس
ت قع الش مس في ها ح ي تطلع ،فإذا نظرت إلي ها سجدت ل ا ،فجاء الد هد
الكوّة ف سدّها بنا حه فارتف عت الش مس ول تعلم ،فل ما ا ستبطأت الش مس
قامت تنظر فرمى بالصحيفة إليها ،فأخذت بلقيس الكتاب وكانت قارئة ،
فلمَا رأت الاتَ ارتعدت وخضعَت ،لن ملك سَليمان كان فَ خاتهَ ،
وعر فت أن الذي أر سل الكتاب إلي ها أع ظم ُملْكًا ،فقرأت الكتاب وتأخّر
الد هد غ ي بع يد ،فجاءت ح ت قعدت على سرير ملك ها وج عت الل من
قوم ها فجاءوا وأخذوا مال سهم ﴿ ،قَالَ تْ ﴾ ل م بلق يس ﴿ :يَا َأيّهَا الََلأُ
﴾ و هم أشراف الناس و كباؤهم ِ ﴿ ،إنّ ي أُْلقِ يَ إِلَيّ ِكتَا بٌ كَرِيٌ ﴾ ق يل :
سّته كريًا ل نه كان م ص ّدرًا بب سم ال الرح ن الرح يم ،ث بيّ نت الكتاب
فقالت ِ ﴿ :إنّ هُ مِن سَُليْمَانَ ﴾ وبيّ نت الكتوب فقالت َ ﴿ :وِإنّ ُه بِ سْمِ اللّ هِ
الرّحْمَ نِ الرّحِي مِ * أَلّا َتعْلُوا عََليّ َوْأتُونِي مُ سِْلمِيَ ﴾ ،قال ابن عباس :أي :
ل تتكبّروا عليّ وائتون مسلمي ،مؤمني طائعي .انتهى ملخصًا .
وقوله تعال ﴿ :قَال ْ
َتَ يَا أَيّهَا الََلأُ أَ ْفتُونِي فِي َأمْرِي ﴾ ،أي :أشيوا
َ ﴾ أي : شهَدُون ِ
َ قَا ِط َعةً َأمْرا َحتّىَ تَ ْ
َ فيمَا عرض ل ﴿ مََا كُنت ُ علي ّ
ْسَ شَدِيدٍ ﴾ وهذا تعريَض منهَم ْنَ ُأوْلُوا ُق ّو ٍة َوأُولُوا َبأ ٍ
تضرون ﴿ قَالُوا َنح ُ
بالقتال إن أمرتم بذلك ،ث قالوا ﴿ :وَاْلَأمْرُ إَِليْكِ ﴾ ف القتال ﴿ ،فَانظُرِي
383 توفيق الرحن ف دروس القرآن
قوله عز وجل ﴿ :قَا َل يَا َأيّهَا الَ َلأُ َأّيكُ مْ َي ْأتِينِي بِ َع ْرشِهَا قَ ْب َل أَن َيأْتُونِي
جنّ أَنَا آتِيكَ بِ ِه قَ ْبلَ أَن َتقُو َم مِن ّمقَامِكَ
مُسْلِ ِميَ ( )38قَالَ ِعفْري تٌ مّ َن الْ ِ
ك بِ هِ
َوِإنّي عَلَيْ ِه َلقَوِيّ َأمِيٌ ( )39قَالَ اّلذِي عِندَ هُ عِلْ مٌ مّ نَ اْلكِتَا بِ َأنَا آتِي َ
ضلِ َربّ ي
قَ ْب َل أَن َيرَْت ّد إِلَيْ كَ َط ْرفُ كَ فَلَمّ ا رَآ ُه مُ سْتَ ِقرّا عِندَ هُ قَالَ َهذَا مِن فَ ْ
لِيَبْ ُل َونِي َأَأشْ ُك ُر أَ ْم أَ ْك ُف ُر وَمَن َشكَ َر َفِإنّمَا َيشْ ُكرُ لِنَفْ سِ ِه َومَن َك َفرَ َفإِنّ َربّي
غَِنيّ َكرِيٌ (. ﴾ )40
قال قتادة :لا بلغ سليمان أنا جائية ،وكان قد ذُكر له عرشها فأعجبه
وقد علم نب ال أنم مت أسلموا ترم أموالم ودماؤهم فقال ﴿ :يَا َأّيهَا الََلُأ
َأّيكُ ْم َي ْأتِينِي بِعَ ْر ِشهَا َقبْلَ أَن َيأْتُونِي مُسِْلمِيَ * قَا َل ِعفْريتٌ مّ َن الْجِنّ ﴾ ،قال
ك بِ هِ َقبْلَ أَن َتقُو َم مِن ّمقَامِ كَ ﴾ ،
البغوي :و هو الارد القوي ﴿ :أَنَا آتِي َ
قال ا بن عباس :يع ن :ق بل أن تقوم من مل سك ﴿ َوِإنّ ي عََليْ هِ َل َقوِيّ َأمِيٌ
﴾ أي :قو يّ على حله أم ي على ما ف يه من الو هر ،فقال سليمان عل يه
ال سلم :أر يد أع جل من ذلك ﴿ ،قَا َل الّذِي عِندَ ُه عِلْ ٌم مّ َن اْل ِكتَا بِ ﴾ ،
وهو آصف كاتب سليمان -قال قتادة : -كان مؤمنًا من الِنس َ ﴿ :أنَا
آتِي كَ بِ هِ َقبْلَ أَن يَ ْرتَدّ إَِليْ كَ طَرْفُ كَ ﴾ ،قال ماهد :يعن :إدامة النظر حت
يرت ّد الطرف خاسَئًا ،قال سَليمان :هات فسَجد وقال :يَا ذا اللل
والكرام ،يا إلنا وإله كل شيء إلًا واحدًا ،ل إله إل أنت ،ائتن بعرشها .
قال الكلب :فغار عرشها تت الرض حت نبع عند كرسيّ سليمان .
385 توفيق الرحن ف دروس القرآن
ّهَ رَبّ
سََليْمَانَ لِل ِ
َعَ ُ
تم َ
َسَلَ ْم ُ
ْتَ َنفْسَِي َوأ ْ
َتَ رَبّ ِإنّيَ ظَلَم ُ
فََ ﴿ قَال ْ
اْلعَالَمِيَ ﴾ وأسلمت فحسن إسلمها .وعن عكرمة قال :لا تزوج سليمان
قطَ ،قال سَليمان للشياطيَ :انظروا مَا بلقيَس قالت :ل تسَّن حديدة ّ
يذهب الشعر ،قالوا :النورة ،فكان أول من صنع النورة .وال أعلم .
***
الزء الثالث 388
﴿ َولَ َق ْد أَرْسَلْنَا ِإلَى ثَمُو َد أَخَاهُمْ صَالِحا أَنِ اعُْبدُوا اللّ َه َفِإذَا هُ ْم َفرِيقَانِ
َسـَنةِ َل ْولَا
ِالسـيَّئةِ قَ ْب َل الْح َ
َسـَتعْجِلُونَ ب ّ
ِمـ ت ْ
ْمـ ل َ
َصـمُونَ ( )45قَالَ يَا قَو ِ
يَخْت ِ
ك قَالَ
ك وَبِمَن مّعَ َ
تَ سْتَ ْغ ِفرُو َن اللّ َه َلعَلّكُ ْم ُترْحَمُو نَ ( )46قَالُوا اطّّيرْنَا بِ َ
طَاِئرُكُ مْ عِندَ اللّ ِه َبلْ أَنتُ مْ َقوْ ٌم ُتفْتَنُو نَ ( )47وَكَا نَ فِي الْ َمدِينَ ِة تِ سْ َعةُ َرهْ طٍ
ض وَلَا يُ صْلِحُونَ ( )48قَالُوا تَقَا سَمُوا بِاللّ ِه لَنُبَيّتَنّ هُ َوَأهْلَ هُ
سدُو َن فِي اْلأَرْ ِ
ُيفْ ِ
ك أَهْلِ ِه َوإِنّا لَ صَا ِدقُونَ ( )49وَ َم َكرُوا مَكْرا
ُثمّ لََنقُوَلنّ ِل َولِيّ ِه مَا َش ِهدْنَا َمهْلِ َ
ش ُعرُو نَ ( )50فَان ُظرْ َكيْ فَ كَا نَ عَاقَِبةُ َم ْكرِهِ مْ أَنّ ا
َومَ َكرْنَا َمكْرا وَهُ ْم لَا َي ْ
َد ّم ْرنَاهُ مْ وَ َق ْومَهُ مْ َأجْ َمعِيَ ( )51فَتِلْ كَ بُيُوتُهُ مْ خَا ِوَيةً بِمَا ظَلَمُوا إِنّ فِي
ُونـ ()53
ْمـَيعْلَمُونَـ ( )52وَأَنَيْنَا اّلذِينَـ آمَنُوا وَكَانُوا يَّتق َ
ِكـلَآَيةً ّل َقو ٍ
َذل َ
صرُونَ (َ )54أئِنّكُ مْ لََت ْأتُو نَ
شةَ َوأَنتُ ْم تُبْ ِ
َولُوطا ِإ ْذ قَا َل ِلقَ ْومِ ِه َأَتأْتُو نَ اْلفَا ِح َ
جهَلُونَ ( )55فَمَا كَا َن َجوَابَ
الرّجَا َل َشهْ َو ًة مّن دُو ِن النّسَاء َبلْ أَنتُ ْم َقوْ ٌم تَ ْ
َق ْومِ هِ ِإلّا أَن قَالُوا َأخْ ِرجُوا آ َل لُو طٍ مّن َق ْريَِتكُ مْ ِإّنهُ ْم ُأنَا سٌ يَتَ َط ّهرُو نَ ()56
َفأَنَيْنَا ُه وََأهْلَ هُ ِإلّا ا ْم َرأَتَ هُ قَدّ ْرنَاهَا مِ نَ اْلغَاِبرِي نَ (َ )57وَأمْ َطرْنَا عَلَيْهِم مّطَرا
فَسَاء مَ َطرُ الْمُنذَرِينَ (ُ )58ق ِل الْحَ ْم ُد لِلّهِ وَسَلَامٌ عَلَى عِبَادِهِ اّلذِي َن اصْ َطفَى
ض َوأَنزَ َل لَكُم مّنَ
آللّ ُه خَ ْيرٌ أَمّا ُيشْرِكُونَ (َ )59أمّ ْن خَلَقَ السّمَاوَاتِ وَالْأَرْ َ
جرَهَا َأإِلَهٌ
ج ٍة مّا كَا َن لَكُمْ أَن تُنبِتُوا شَ َ
السّمَا ِء مَاء َفأَنبَتْنَا بِهِ َحدَائِقَ ذَاتَ بَهْ َ
ض َقرَارا َو َجعَ َل خِلَالَهَا
مّ َع اللّ هِ بَ ْل هُ ْم َقوْ ٌم َي ْعدِلُو نَ (َ )60أمّ ن َج َعلَ اْلأَرْ َ
389 توفيق الرحن ف دروس القرآن
ّهـ َبلْ
ّعـ الل ِ
َهـ م َ
ْنـ حَاجِزا أَِإل ٌ
ح َري ِ
ْنـ الْبَ ْ
َاسـيَ َوجَ َع َل بَي َ
َأْنهَارا وَ َج َعلَ لَهَا َرو ِ
ف ال سّوءَ
ب الْمُضْ َط ّر ِإذَا دَعَا هُ وََي ْكشِ ُ
أَكَْث ُرهُ ْم لَا َيعْلَمُو نَ (َ )61أمّ ن يُجِي ُ
ل مّا َتذَكّرُو نَ (َ )62أمّن َي ْهدِيكُ مْ
ض َأإِلَ هٌ مّ َع اللّ ِه قَلِي ً
جعَ ُلكُ ْم خُ َلفَاء اْلأَرْ ِ
َويَ ْ
ح ُبشْرا بَيْ نَ َيدَ يْ َرحْمَتِ هِ َأِإلَ هٌ مّ عَ
ح ِر َومَن ُيرْ سِ ُل الرّيَا َ
فِي ظُلُمَا تِ الَْب ّر وَالْبَ ْ
اللّ ِه َتعَالَى اللّهُ عَمّا ُيشْرِكُونَ (َ )63أمّن يَ ْب َدأُ الْخَلْ َق ُثمّ يُعِيدُهُ َومَن َيرْ ُزقُكُم
ض َأإَِلهٌ مّ َع اللّهِ ُقلْ هَاتُوا ُب ْرهَاَنكُمْ إِن كُنتُمْ صَادِقِيَ ()64
ّمنَ السّمَا ِء وَالْأَرْ ِ
شعُرُو َن َأيّا نَ
ب ِإلّا اللّ ُه وَمَا َي ْ
ض اْلغَيْ َ
قُل لّا َيعْلَ مُ مَن فِي ال سّمَاوَاتِ وَالْأَرْ ِ
يُ ْبعَثُو نَ (َ )65بلِ ادّارَ كَ عِلْ ُمهُ ْم فِي الْآ ِخ َرةِ َب ْل هُ مْ فِي شَكّ مّنْهَا َبلْ هُم
مّ ْنهَا عَمِونَ (. ﴾ )66
***
الزء الثالث 390
قوله عز و جل َ ﴿ :وَل َقدْ أَرْ سَلْنَا ِإلَى ثَمُو َد أَخَاهُ مْ صَالِحا أَ نِ اعُْبدُوا
ختَ صِمُونَ ( )45قَالَ يَا قَوْ ِم لِ َم تَ سَْتعْجِلُونَ بِال سّيَّئةِ
اللّ هَ َفِإذَا هُ ْم َفرِيقَا نِ يَ ْ
قَ ْب َل الْحَ سََن ِة َلوْلَا تَ سَْتغْ ِفرُونَ اللّ هَ َلعَ ّلكُ مْ ُت ْرحَمُو نَ ( )46قَالُوا اطّّيرْنَا بِ كَ
َوبِمَن مّ َعكَ قَالَ طَاِئرُكُمْ عِن َد ال ّلهِ َب ْل أَنتُ ْم َقوْ ٌم ُتفْتَنُونَ (. ﴾ )47
ختَ صِمُونَ ﴾ قول مؤ من ،وكا فر ، عن ما هد ف قول ال ﴿ :فَرِيقَا نِ يَ ْ
سيَّئةِ َقبْلَ
سَتعْجِلُونَ بِال ّ
قولم صال مرسل ؟ ليس برسل ﴿ :قَا َل يَا َقوْ مِ لِ مَ تَ ْ
سَنةِ ﴾ ؟ قال ماهد :بالعذاب قبل العافية . الْحَ َ
قال ابن كثي :أي :ل تدعون بضور العذاب ول تطلبون من ال رحته
ك َوبِمَنسَتغْفِرُونَ اللّهَ َلعَّلكُ ْم تُرْ َحمُونَ * قَالُوا اطّيّ ْرنَا بِ َ
؟ ولذا قال َ ﴿ :لوْلَا تَ ْ
ّمعَ كَ ﴾ ،أي :ما رأينا على وجهك ووجوه من اتّبعك خيًا .قال ماهد :
تشاءموا ب م ﴿ ،قَا َل طَائِرُكُ ْم عِندَ اللّ هِ ﴾ ،قال ا بن عباس :الشؤم أتا كم
من عند ال لكفركم ﴿ ،بَلْ أَنتُمْ َق ْو ٌم ُتفَْتنُونَ ﴾ تتبون بالي والشر .
سدُونَ فِي الْأَرْ ضِ
ط ُيفْ ِ
س َعةُ َرهْ ٍ
قوله عز وجل ﴿ :وَكَا نَ فِي الْ َمدِيَنةِ تِ ْ
َولَا يُ صْلِحُونَ ( )48قَالُوا َتقَا سَمُوا بِاللّ هِ لَنُبَيّتَنّ هُ َوَأهْلَ ُه ثُمّ لَنَقُولَنّ لِ َولِيّ ِه مَا
ك أَهْلِ ِه وَِإنّا لَ صَا ِدقُونَ ( )49وَ َم َكرُوا مَكْرا َومَ َك ْرنَا َمكْرا وَهُ مْ
َش ِهدْنَا مَهْلِ َ
لَا َيشْ ُعرُو نَ ( )50فَان ُظرْ كَيْ فَ كَا نَ عَاقَِب ُة مَ ْك ِرهِ ْم َأنّ ا َد ّمرْنَاهُ ْم َوقَ ْو َمهُ مْ
ْمـ
ِكـ لَآَيةً ّل َقو ٍ
ُمـ خَا ِوَيةً بِمَا ظَلَمُوا إِنّ فِي ذَل َ
ْكـ بُيُوُته ْ
َأجْ َمعِيَ ( )51فَتِل َ
َيعْلَمُونَ (َ )52وأَنَيْنَا اّلذِينَ آمَنُوا وَكَانُوا يَّتقُونَ (. ﴾ )53
391 توفيق الرحن ف دروس القرآن
عَن ابَن عباس قوله ﴿ :وَكَانََ فِي الْمَدِيَنةِ تِس ََْعةُ َرهْطٍَُيفْسَِدُونَ فِي
اْلأَرْ ضِ وَلَا يُ صِْلحُونَ ﴾ هم الذين عقروا الناقة ،وقالوا حي عقروها :نبيّت
صالًا وأهله فنقتلهم ث نقول لولياء صال .ما شهدنا من هذا شيئًا وما لنا
به علم ،فدمّرهم ال أجعي .
و عن ا بن إ سحاق :قال الت سعة الذ ين عقروا النا قة :هل مّ فلنق تل صالًا
فإن كان صادقًا ،يعن :فيما وعدهم من العذاب بعد الثلث عجّلناه قبله ،
وإن كان كاذبًا نكون قد ألقناه بناق ته ،فأتوه ليلً ل يبيّتوه ف أهله فدمغت هم
اللئ كة بالجارة ،فل ما أبطأوا على أ صحابم ،أتوا منل صال فوجدو هم
مشدوخي قد رُضخوا بالجارة .
وقال ا بن ز يد ف وقوله َ ﴿ :و َمكَرُوا َمكْرا ﴾ ،قال :احتالوا لمر هم
واحتال ال ل م ،مكروا بصال مكرًا ،ومكرنا ب م مكرًا ،و هم ل يشعرون
بكرنا ،وشعرنا بكرهم .
﴿ فَانظُرْ َكيْفَ كَا َن عَاِقبَ ُة َمكْ ِرهِمْ َأنّا َدمّ ْرنَاهُ ْم وََق ْو َمهُمْ أَجْ َمعِيَ ﴾ ،قال
ماهد :تقا سوا وتالفوا على إهل كه ،فلم ي صلوا إليه ح ت هلكوا وقوم هم
ُمَ خَا ِوَيةً بِمَا ظََلمُوا ﴾ ،أي :بظلمهَم وكفرهَم ْكَُبيُوتُه ْ
أجعيَ َ ﴿ .فتِل َ
﴿ ،إِنّ فِي ذَلِ كَ لَآَيةً ﴾ ل عبة ّ ﴿ ،ل َقوْ ٍم َيعْلَمُو نَ * َوأَ َنيْنَا الّذِي نَ آ َمنُوا
وَكَانُوا َيّتقُونَ ﴾ .
الزء الثالث 392
صرُونَ
قوله عز وجل َ ﴿ :ولُوطا ِإذْ قَالَ ِل َقوْمِ ِه أََت ْأتُو َن اْلفَا ِحشَ َة َوأَنتُ ْم تُبْ ِ
جهَلُو نَ (
(َ )54أئِّنكُ ْم لََتأْتُو َن ال ّرجَا َل شَ ْه َوةً مّن دُو نِ النّ سَاء َبلْ أَنتُ ْم قَوْ ٌم َت ْ
ب َقوْمِ هِ ِإلّا أَن قَالُوا أَ ْخ ِرجُوا آ َل لُو طٍ مّن َق ْريَتِكُ مْ ِإّنهُ مْ
)55فَمَا كَا َن َجوَا َ
ُأنَا سٌ يَتَ َط ّهرُو نَ (َ )56فأَنَيْنَا هُ َوأَهْلَ ُه ِإلّا امْ َرَأتَ ُه َقدّ ْرنَاهَا مِ َن الْغَابِرِي نَ ()57
َوَأمْ َطرْنَا عَلَ ْيهِم مّطَرا َفسَاء مَ َطرُ الْمُنذَرِينَ (. ﴾ )58
عن ا بن عباس ف قوله ِ ﴿ :إّنهُ مْ ُأنَا سٌ يَتَ َطهّرُو نَ ﴾ ،قال :من الرجال
أدبارهنَ .وقال ماهَد :مَن أدبار الرجال ،وأدبار النسَاء ، ّ والنسَاء فَ
استهزاء بم .قال قتادة :عابوهم بغي عيب .أي :وال إنم يتطهّرون من
أعمال السوء .
﴿ َفأَنَْينَاهُ َوَأهْلَهُ إِلّا امْ َرَأتَهُ َقدّ ْرنَاهَا ﴾ .
قال البغوي :قضينا علي ها وجعلناها بتقديرنا ﴿ مِ َن الْغَابِرِي نَ ﴾ ،أي :
الباق ي ف العذاب َ ﴿ ،وَأمْطَرْنَا عََليْهِم مّطَرا ﴾ و هو :الجارة ﴿ ،فَ سَاء
مَ َط ُر الْمُنذَرِينَ ﴾ .
قال ا بن كث ي :أي :الذ ين قا مت علي هم الجّة وو صل إلي هم الِنذار
فخالفوا الرسول وكذّبوه وهّوا بإخراجه من بينهم .
قوله عز و جل ُ ﴿ :قلِ الْحَ ْم ُد لِلّ هِ وَ سَلَامٌ عَلَى عِبَادِ هِ اّلذِي نَ ا صْ َطفَى
ض َوأَنزَ َل لَكُم مّنَ
آللّ ُه خَ ْيرٌ أَمّا ُيشْرِكُونَ (َ )59أمّ ْن خَلَقَ السّمَاوَاتِ وَالْأَرْ َ
جرَهَا َأإِلَهٌ
ج ٍة مّا كَا َن لَكُمْ أَن تُنبِتُوا شَ َ
السّمَا ِء مَاء َفأَنبَتْنَا بِهِ َحدَائِقَ ذَاتَ بَهْ َ
393 توفيق الرحن ف دروس القرآن
زيدًا فقال :ال خي من زيد ،ث م ّر بم الثالثة وهم يدعونم فقال :ال خي
من زيد ،فقالوا :صدق الشيخ ،وتركوا دعاءه .
وقوله تعال َ ﴿ :أمّنْ َخلَقَ السّمَاوَاتِ وَاْلأَ ْرضَ ﴾ ؟
قال البغوي :معناه آلتكم خي أم الذي خلق السماوات والرض ؟
وقال ابن كثي َ ﴿ :أمّنْ ﴾ ف هذه اليات كلها تقديره :أمن يفعل هذه
الشياء كمن ل يقدر على شيء منها ؟ هذا معن السياق وإن ل يذكر الخر
لن ف قوة الكلم ما يرشد إل ذلك .
وقوله تعال َ ﴿ :وأَنزَلَ َلكُم مّ َن ال سّمَا ِء مَاء َفأَنَبْتنَا بِ هِ حَدَائِ قَ ﴾ ،أي :
جةٍ ﴾ ،أي :من ظر ح سن ﴿ ،مّ ا كَا نَ َلكُ مْ أَن تُنبِتُوات َبهْ َ
ب ساتي ﴿ ذَا َ
ج َرهَا ﴾ ،قال ابن كثي :أي :ل تكونوا تقدرون على إنبات أشجارها ، شَ َ
وإن ا يقدر على ذلك الالق الرازق ال ستقلّ بذلك ،النفرد به دون ما سواه
َ يعترف بَه هؤلء الشركون َ ﴿ ،أإِلَهٌَ مّعََ اللّهَِ مَن الصَنام والنداد ،كم ا
ب أنه الالق الرازق ؟ .
﴾ يعبد وقد تبيّن لم ولكل ذي ل ّ
وقوله تعال ﴿ :بَ ْل هُ مْ َقوْ ٌم َيعْدِلُو نَ ﴾ ،أي :يعلون ل عدلً ونظيًا ،
َ وَ َجعَلَ
َمَاوَاتِ وَالَرْض َ
َ الس ّ
َ الّذِي خَلَق َ كمَا قال تعال ﴿ :الْحَ ْمدُ لِلّه ِ
ت وَالنّو َر ثُ ّم الّذِينَ َكفَرُواْ بِ َرّبهِم َيعْدِلُونَ ﴾ .
الظُّلمَا ِ
وقال البغوي :قوله َ ﴿ :أمّنَ َجعَ َل الْأَر َ
ْضَ َقرَارا ﴾ ل تيَد بأهلهَا ،
﴿ وَ َجعَلَ ِخلَالَهَا ﴾ وسَطها َ ﴿ ،أْنهَارا ﴾ تَطّرِ ُد بالياه ﴿ ،وَ َجعَلَ لَهَا
395 توفيق الرحن ف دروس القرآن
حرِ ﴾ وقال ابن كثي :يقول تعال َ ﴿:أمّن َيهْدِيكُمْ فِي ظُلُمَا ِ
ت اْلبَ ّر وَالْبَ ْ
َا قال تعال :
َماوية والرضيَّة ،كمَ
َن الدلئل السَ أي :با َ خلق مَ
ت َوبِالنّجْ ِم هُ ْم َي ْهتَدُونَ ﴾ .
﴿ َوعَلمَا ٍ
ُهَ ﴾ ،أي :بعَد الوت ، وقوله تعال َ ﴿ :أمّنَ َيبْ َدُأ الْخَل َ
ْقَ ثُم ّ ُيعِيد ُ
﴿ َومَن يَ ْرزُُقكُم مّ َن ال سّمَاءِ ﴾ بالطر والرض بالنبات َ ﴿ ،أإِلَ هٌ مّ عَ اللّ ِه
قُلْ هَاتُوا ُب ْرهَاَنكُ مْ ﴾ حجّتكم على قولكم أن مع ال إلًا آخر ﴿ ،إِن كُنتُ مْ
صَادِِقيَ ﴾ ف ذلك ،وقد علم أنه ل حجّة لم ول برهان ،كما قال تعال :
ع مَ عَ اللّ هِ إِلَها آ َخرَ لَا بُ ْرهَا نَ لَ ُه بِ هِ فَِإنّمَا حِ سَابُهُ عِندَ َربّ هِ ِإنّ هُ لَا
﴿ وَمَن يَدْ ُ
ُيفْلِ ُح اْلكَافِرُونَ ﴾ .
ض اْلغَْيبَ إِلّا اللّهُ ﴾ . وقوله تعال ﴿:قُل لّا َيعَْل ُم مَن فِي السّمَاوَا ِ
ت وَالْأَ ْر ِ
عن و قت قال البغوي :نزلت ف الشرك ي ح يث سألوا ر سول ال
شعُرُونَ َأيّانَ ﴾ ،مت ﴿ يُْب َعثُونَ ﴾ .
قيام الساعة َ ﴿ .ومَا يَ ْ
وقال ابن كثي :يقول تعال آمرًا رسوله أن يقول معلّمًا لميع اللق
أنه ل يعلم أحد من أهل السماوات والرض الغيب إل ال عز وجل .
وقوله تعال َ ﴿ :ومَا يَ ْ
شعُرُونَ َأيّانَ ُيْبعَثُونَ ﴾ ،أي :وما يشعر اللئق
الساكنون ف السماوات والرض بوقت الساعة ،كما قال تعال َ ﴿ :ثقُلَ ْ
ت
فِي ال سّمَاوَاتِ وَالَرْ ضِ َل َتأْتِيكُ مْ إِ ّل َبغَْتةً ﴾ .وعن عائ شة ر ضي ال عن ها
قالت :من زعم أنه يعلم -تعن النب -ما يكون ف غد ،فقد أعظم على
397 توفيق الرحن ف دروس القرآن
ال الفر ية ،لن ال تعال يقول ﴿ :قُل لّا َيعْلَ ُم مَن فِي ال سّمَاوَاتِ وَاْلأَرْ ضِ
اْل َغيْبَ إِلّا اللّهُ ﴾ .رواه ابن أب حات .
ُمَ فِي الْآخِ َرةِ ﴾ ،أي :غاب ﴿ ،بَلْ وقوله تعال ﴿ :بَلِ ادّار َ
َكَ عِلْ ُمه ْ
هُ مْ فِي شَكّ ّمْنهَا بَ ْل هُم ّمنْهَا عَمِو نَ ﴾ .قال ابن زيد يقول :ض ّل عملهم
ف الخرة ،وليس لم فيها علم ﴿ بَ ْل هُم ّمنْهَا عَمِونَ ﴾ .
قال ابن كثي :أي :ف عماية وجهل كبي ف أمرها وشأنا .
***
الزء الثالث 398
الدرس الائتان
***
الزء الثالث 400
﴿ َوَيقُولُو َن َمتَى هَذَا اْلوَعْدُ إِن كُنتُمْ صَادِقِيَ * قُ ْل عَسَى أَن َيكُونَ رَدِفَ
سَتعْجِلُونَ ﴾ .قال ابن عباس :يقول :اقترب لكم . َلكُم َب ْعضُ الّذِي تَ ْ
﴿ َوإِنّ َربّكَ لَذُو َفضْ ٍل عَلَى النّاسِ ﴾ بإنعامه عليهم وتأخي العذاب عنهم
مع ظلمهم لنفسهم ﴿ وََلكِنّ أَ ْكثَ َرهُمْ لَا يَشْكُرُونَ * َوإِنّ َربّكَ َلَيعْلَمُ مَا ُتكِنّ
صدُو ُرهُ ْم َومَا ُيعِْلنُونَ ﴾ ،فإنه يعلم السرائر كما يعلم الظواهر . ُ
َابَ مّبِيٍ ﴾ ،أي : ْضَإِلّا فِي ِكت ٍ السَمَاء وَاْلأَر ِ
ِنَ غَائَِبةٍ فِي ّ
﴿ وَمَا م ْ
مكتوب ف اللوح الحفوظ ،كما قال تعال ﴿ :أَلَمْ تَعَْلمْ َأنّ اللّ َه َيعْلَ ُم مَا فِي
ك عَلَى اللّ ِه يَسِيٌ ﴾ . السّمَاء وَاْلأَ ْرضِ ِإنّ ذَلِكَ فِي ِكتَابٍ ِإنّ ذَلِ َ
قوله عز وجل ﴿ :إِنّ َهذَا اْلقُرْآ َن َيقُ صّ َعلَى بَنِي إِ ْسرَائِي َل أَكَْثرَ اّلذِي
ك َيقْضِي
هُمْ فِيهِ يَخْتَ ِلفُونَ ( )76وَِإنّهُ َل ُهدًى وَ َرحْ َم ٌة لّلْ ُم ْؤمِنِيَ ( )77إِنّ َربّ َ
حكْمِ هِ َوهُ َو اْلعَزِيزُ اْلعَلِي مُ ( )78فََتوَ ّكلْ َعلَى اللّ هِ ِإنّ كَ عَلَى الْحَقّ
بَيْنَهُم بِ ُ
الصـ ّم الدّعَاء ِإذَا وَّلوْا
ُسـ ِم ُع ّ
ُسـمِ ُع الْ َموْت َى َولَا ت ْ
ّكـ لَا ت ْ
الْمُبِي ِ (ِ )79إن َ
ُم ْدبِرِي نَ ( )80وَمَا أَن تَ ِبهَادِي اْلعُمْ يِ عَن ضَلَالَتِهِ مْ إِن تُ سْمِ ُع ِإلّا مَن ُيؤْمِ نُ
بِآيَاتِنَا َفهُم ّمسْلِمُونَ (. ﴾ )81
يقول تعال ﴿ :إِنّ هَذَا اْلقُرْآ نَ َيقُ ّ
ص عَلَى بَنِي إِ سْرَائِيلَ ﴾ ،و هم أ هل
ختَِلفُونَ ﴾ من أمرالكتاب التوراة والِنيل ليبيّن لم ﴿ :أَ ْكثَ َر الّذِي هُمْ فِي ِه يَ ْ
الدين .قال الكلب :إن أهل الكتاب اختلفوا فيما بينهم فصاروا أحزابًا يطعن
بعضهم على بعض ،فنل القرآن ببيان ما اختلفوا فيه َ ﴿ .وِإنّ هُ ﴾ ،يعن :
الزء الثالث 402
حكْمِ ِه ﴾ الق ، القرآن ﴿ َلهُدًى وَرَ ْح َمةٌ لّلْ ُم ْؤ ِمنِيَ * ِإنّ َربّكَ َي ْقضِي بَْيَنهُم ِب ُ
﴿ وَ ُه َو اْلعَزِيزُ ﴾ فل يردّ أمره ﴿ ،اْلعَلِي ُم ﴾ بأحوال م َ ﴿ ،فَتوَكّ ْل عَلَى اللّ هِ
﴾ فَ جيَع أمورك وبلّغ رسَالة ربَك ِ ﴿ ،إنّكََ عَلَى الْحَقّ الْ ُمبِيِ ﴾ وإن
خالفك من خالفك .
﴿ ِإنّكَ لَا تُسْ ِم ُع الْ َم ْوتَى وَلَا تُسْمِ ُع الصّمّ ال ّدعَاء ِإذَا وَّلوْا مُ ْدبِرِينَ ﴾ ،قال
،قتادة :الصمّ :إذا ولّى مدبرًا ث ناديته ل يسمع ،كذلك الكافر ل يسمع
ما يُدعى إليه من الِيان .
قال البغوي :ومعن الية :أنم لفرط إعراضهم عما يُ ْد َعوْن إليه كاليت
الذي ل سَبيل إل إسَاعه ،والصَمّ الذي ل يسَمع ﴿ ،وَمَا أَنتََ ِبهَادِي
ِمَ ﴾ ،أي :مَا أنَت برشَد مَن أعمَى ال قلبَه عَن ضلَاَلِته ْ
ْيَ عَن َ
اْلعُم ِ
الِيان ﴿ إِن تُ سْمِعُ ﴾ ما ت سمع ﴿ ،إِلّا مَن ُي ْؤمِ نُ بِآيَاتِنَا فَهُم مّ سْلِمُونَ
﴾ ملصون فيه مصدّقون بكتبه ورسله .
قوله عز وجل ﴿ :وَِإذَا َوقَ َع الْ َقوْلُ عَلَ ْيهِمْ َأ ْخرَجْنَا َلهُ ْم دَاّب ًة مّنَ اْلأَرْضِ
ُتكَلّ ُم ُهمْ أَ ّن النّاسَ كَانُوا بِآيَاتِنَا لَا يُوقِنُونَ (. ﴾ )82
قال ابن عباس :تاطبهم .قال ابن عمر :وذلك حي ل يؤمر بعروف
ِمَ ﴾ ،
َعَ اْلقَوْ ُل عََلْيه ْ
ول يُنهَى عَن منكَر .وعَن قتادة :قوله َ ﴿ :وإِذَا وَق َ
يقول :إذا وجَب القول عليهَم ،والقول :الغضَب ﴿ .أَخْ َرجْنَا ﴾ دابَة
ذات ز غب ور يش ،ول ا أر بع قوائم ترج من ب عض أود ية تا مة .و عن
403 توفيق الرحن ف دروس القرآن
وعَن عبَد ال بَن عمرو أنَه سَع رسَول ال يقول « :إن أول اليات
خروجًا طلوع الشمَس مَن مغرباَ ،وخروج الدابَة على الناس ضحَى ،
وأيّتهما كانت قبل صاحبتها ،فالخرى على أثرها قريبًا » .رواه مسلم .
قال الا فظ ا بن ح جر ( :فالذي يترجّح من مموع الخبار أن خروج
الدجال أوّل اليات العظام الؤذ نة بتغي ي الحوال العا مة ف مع ظم الرض ،
وينتهي ذلك بوت عيسى ابن مري ،وأن طلوع الشمس من الغرب هو أوّل
اليات العظام الؤذِنَة بتغييَ الحوال العلويَة ،وينتهَي ذلك بقيام السَاعة ،
ولعلّ خروج الدا بة ي قع ف ذلك اليوم الذي تطلع ف يه الش مس من الغرب .
قال :والكمة ف ذلك أن عند طلوع الشمس من الغرب يغلق باب التوبة ،
فتخرج الدابة تيّز الؤمن من الكافر ،تكميلً للمقصود من إغلق باب التوبة
،وأوّل اليات الؤذِنة بقيام الساعة النار الت تشر الناس ) .انتهى .
وقال عبد ال بن عمرو ( :ل تلبثون بعد يأجوج ومأجوج إل قليلً حت
تطلع الشمس من مغربا ،فيناديهم مناد :يا أيها الذين آمنوا قد قبل منكم ،
و يا أي ها الذ ين كفروا قد أغلق عن كم باب التو بة ،وجفّت القلم وطوت
الصحف ) .رواه نعيم ،وحاد .
وع ند م سلم من حد يث ع بد ال بن عمرو رف عه « :يرج الدجال من
أمت -الديث وفيه : -فبعث ال عيسى ابن مري فيطلبه فيهلكه ،ث يكث
الناس سبع سني ،ث ير سل ال ريًا باردة من ِقبَلِ الشام ،فل يب قى على
وجه الرض أحد ف قلبه مثقال حبة من خي أو إيان إل قبضته -وفيه : -
405 توفيق الرحن ف دروس القرآن
فيب قى شرار الناس ف خِفّة الط ي ،وأحلم ال سباع ،ل يعرفون معروفًا ول
ينكرون منكرًا .فيتمثّل ل م الشيطان فيأمر هم بعبادة الوثان ،ث يُن فخ ف
ال صور » .وروى أح د وغيه من حد يث أ نس « :إن أمام الدجال سنون
خداعات يكذب فيها الصادق ،ويصدق فيها الكاذب ،ويون فيها المي ،
ويؤت ن في ها الائن ،ويتكلّم في ها الرويب ضة » .و ف حد يث أ ب هريرة ع ند
ابن ماجة قيل :وما الرويبضة ؟ قال « :الرجل التافه يتكلّم ف أمره العامّة »
.
و عن ع بد ال بن ع مر ر ضي ال عنه ما قال :ك نا قعودًا ع ند ال نب
فذكر الفت فأكثر ف ذكرها حت ذكر فتنة الحلس .قال قائل :وما فتنة
الحلس ؟ قال « :هي هَرَ بٌ و َحرْ بٌ ؛ ث فت نة ال سرّاء دَ َخنُ ها من ت ت
َق َدمَ يْ رجل من أهل بيت يزعم أنه منّي وليس منّي ،إنا أوليائي التقون ،ث
ضلَ عٍ ث فتنة ال ّدهَيْمَاء ل تدع أحدًا من
يصطلح الناس على رجل َكوَرِ كٍ على ِ
هذه ال مة إل لطم ته لط مة .فإذا ق يل :انق ضت تادت ي صبح الر جل في ها
مؤمنًا ،وي سي كافرًا .ح ت ي صي الناس إل ف سطاطي :ف سطاط إيان ل
نفاق فيه ،وفسطاط نفاق ل إيان فيه ،فإذا كان ذاكم فانتظروا الدجال من
يومه أو من غده » .رواه أبو داود .ولحد من حديث عبد ال بن عمرو :
« ل تقوم الساعة حت يأخذ ال شريطته من أهل الرض ،فيبقى عجاج ل
يعرفون معروف ًا ول يُنكرون منكرًا » .وله مَن حديَث أنَس « :ل تقوم
الساعة حت ل يقال ف الرض :ل إله إل ال » .
الزء الثالث 406
ي بِمَا َت ْفعَلُو نَ ( )88مَن جَاء بِالْحَ سََنةِ فَلَ هُ خَيْ ٌر مّنْهَا وَهُم مّ ن َفزَ عٍ
خَبِ ٌ
ُمـ ف ِي النّا ِر َهلْ
ّتـ ُوجُو ُهه ْ
ِالسـيَّئةِ َفكُب ْ
ُونـ ( )89وَم َن جَاء ب ّ
َي ْومَئِذٍ آمِن َ
ج َزوْ َن ِإلّا مَا كُنُتمْ َتعْمَلُونَ (. ﴾ )90
تُ ْ
عن أ ب هريرة أ نه قال :يا ر سول ال ما ال صور ؟ قال « :قرن » .قال :
وك يف هو ؟ قال « :قرن عظ يم ،ين فخ ف يه ثلث نفخات :الول نف خة
الفزع ،والثانية :نفخة الصعق ،والثالثة :نفخة القيام ل رب العالي ؛ يأمر
ال إسَرافيل بالنفخَة الول فيقول :انفَخ نفخَة الفزع ،فيفزع أهَل
ال سماوات وأ هل الرض إل من شاء ال ،ويأمره ال في مد ب ا ويطوّل ا فل
ح ًة وَاحِ َد ًة مّ ا لَهَا مِن صيْ َيف تر و هي ال ت يقول ال ﴿ :وَمَا يَنظُ ُر َهؤُلَاء إِلّا َ
ج الرض بأهلها رجّا وهي الت َفوَاقٍ ﴾ فيسيّر ال البال فتكون سرابًا ،وتر ّ
ُوبَ َي ْومَئِ ٍذ وَا ِج َفةٌ
ُفَ الرّا ِج َفةُ * َتْتَبعُه َا الرّادَِفةُ * قُل ٌ
ْمَ تَرْج ُ
يقول ال َ ﴿ :يو َ
﴾ فتكون الرض كالسفينة الوثقة ف البحر تضربا المواج تكفأ بأهلها ،أو
كالقنديَل العلّق بالوتَر تؤرجحَه الرياح فتميَد الناس على ظهرهَا فتذهَل
الراضع ،وتضع الوامل ،وتشيب الولدان ،وتطي الشياطي هاربة حت تأت
القطار فتتلقاهَا اللئكَة فتضرب وجوههَا فترجَع ،ويول الناس مدبريَن
ينادي بعضهم بعضا وهو الذي يقول ال َ ﴿ :يوْ َم الّتنَا ِد َيوْمَ ُتوَلّونَ مُ ْدِبرِي َن مَا
َلكُم مّ نَ اللّ ِه مِ ْن عَاصِمٍ ﴾ ،فبينا هم على ذلك إذ تصدعت الرض من قطر
إل قطَر ،فرأوا أمرًا عظيمًا فأخذهَم لذلك مَن الكرب مَا ال أعلم بَه ثَ
نظروا إل ال سماء فإذا هي كال هل ،ث خُ سف ش سها وقمر ها ،وانتثرت
الزء الثالث 408
يغيبَ
ُ ول أن مَا يفَى عليَه ب ال يغفَل سَاعة
ول تسَ ّ
( (
***
الزء الثالث 410
***
الزء الثالث 412
ب الْمُبِيِ ( )2نَتْلُوا
قوله عز و جل ﴿ :ط سم ( )1تِلْ كَ آيَا تُ اْلكِتَا ِ
حقّ ِل َقوْ مٍ يُ ْؤمِنُو نَ ( )3إِنّ ِفرْ َعوْ نَ عَلَا فِي
عَلَيْ كَ مِن نَّبإِ مُو سَى وَ ِفرْ َعوْ َن بِالْ َ
ح َأبْنَاءهُ مْ َويَ سْتَحْيِي
ضعِفُ طَائِ َف ًة مّ ْنهُ ْم ُيذَبّ ُ
ض وَ َج َعلَ َأهْ َلهَا شِيَعا يَ سْتَ ْ
اْلأَرْ ِ
سدِينَ (َ )4وُنرِي ُد أَن نّ ُمنّ عَلَى اّلذِي َن ا سْتُضْ ِعفُوا
نِ سَاء ُهمْ ِإنّ هُ كَا َن مِ َن الْ ُمفْ ِ
جعَ َلهُ مُ اْلوَا ِرثِيَ ( )5وَنُ َمكّ َن َلهُ ْم فِي اْلأَرْ ضِ
جعَ َلهُ ْم َأئِ ّمةً َونَ ْ
ض َونَ ْ
فِي اْلأَرْ ِ
حذَرُونَ (. ﴾ )6
َوُنرِي ِفرْ َعوْ َن َوهَامَانَ َوجُنُو َدهُمَا مِ ْنهُم مّا كَانُوا يَ ْ
عن ماهد ﴿ :وَ َجعَلَ َأهَْلهَا ِشيَعا ﴾ ،أي :فِرَقًا :يذبّح طائفة منهم ،
وي ستحيي طائ فة ،ويعذّب طائ فة ،وي ستعبد طائ فة .قال ال عز و جل :
حيِي نِ سَاءهُمْ ِإنّ هُ كَا َن مِ َن الْ ُمفْ سِدِينَ ﴾ ،قال
﴿ يُ َذبّ حُ َأْبنَاءهُ ْم َويَ سْتَ ْ
ال سدي :كان من شأن فرعون أ نه رأى رؤ يا ف منا مه :أن نارًا أقبلت من
ب يت القدس ح ت اشتملت على بيوت م صر ،فأحر قت الق بط وتر كت ب ن
إسَرائيل ،وأحرقَت بيوت مصَر ،فدعَا السَحرة ،والكهنَة ،والعافَة ،
والازة ،فسَألم عَن رؤياه فقالوا له :يرج مَن هذه البلد الذي جاء بنَو
إ سرائيل م نه -يعنون ب يت القدس -ر جل يكون على وج هه هلك م صر ،
فأ مر بب ن إ سرائيل أن ل يولد ل م غلم إل ذبوه ،ول تولد ل م جار ية إل
تر كت ،وقال للق بط :انظروا ملوك كم الذ ين يعلمون خارجًا فأدخلو هم
ُونَ تلك العمال القذرة ،فجعَل بنَ إسَرائيل فَ واجعلوا بنَ إسَرائيل يَل َ
أعمال غلمانم وأدخلوا غلمانم ،فذلك حي يقول ﴿ :إِنّ ِف ْرعَوْ نَ عَلَا فِي
413 توفيق الرحن ف دروس القرآن
عن قتادة :قوله َ ﴿ :وَأوْ َحْينَا إِلَى ُأمّ مُوسَى ﴾ ،قال :قذف ف نفسها .
قال السدي :أمر فرعون أن يذبح مَ ْن وُلِ َد ببن إسرائيل سنة ويُتركوا سنة ،
فلمَا كان فَ السَنة التَيُذبون فيهَا حلت بوسَى ،فلمَا أرادت وضعَه
ت عََليْهِ َفأَلْقِيهِ فِي
ضعِيهِ فَإِذَا ِخفْ ِ
حزنت من شأنه ،فأوحى ال إليها ﴿:أَنْ أَرْ ِ
اْليَمّ ﴾ و هو الن يل ﴿ ،وَلَا َتخَافِي وَلَا تَحْزَنِي ﴾ ،قال ا بن ز يد :ل تا ف
عل يه الب حر ،ول تز ن بفرا قه ِ ﴿ ،إنّ ا رَادّو هُ إَِليْ كِ وَجَاعِلُو هُ مِ َن الْمُرْ سَِليَ
ْكَ ﴾ وباعثوه رسَولً إل هذا ّوهَ إَِلي ِ
﴾ ،قال ابَن إسَحاق ِ ﴿ :إنّاَ رَاد ُ
الطاغية ،وجاعل هلكه وناة بن إسرائيل ما هم فيه على يديه .
قال ا بن كث ي :كا نت دار أم مو سى على حا فة الن يل ،فاتّخذت تابوتًا
ومهّدت فيه مهدًا ،وجعلت ترضع ولدها ،فإذا دخل عليها أحد من تافه
ذهبت فوضعته ف ذلك التابوت وسيّرته ف البحر وربطته ببل عندها ،فلما
كان ذات يوم دخَل عليهَا مَن تافَه فذهبَت فوضعتَه فَ ذلك التابوت ،
وأرسلته ف البحر وذهلت أن تربطه ،فذهب مع الاء واحتمله ،حت مرّ به
على دار فرعون ،فالتق طه الواري فاحتمل نه فذه ب به إل امرأة فرعون ول
يدريَن مَا فيَه ،فلمَا كشفَت عنَه إذا هَو غلم مَن أحسَن اللق وأجله
وأحله وأباه ،فأو قع ال مب ته ف قلب ها ح ي نظرت إل يه ،وذلك ل سعادتا
و ما أراد ال من كرامت ها وشقاوة بعل ها ،ولذا قال ﴿ :فَاْلَتقَطَ هُ آلُ فِ ْر َعوْ نَ
ِلَيكُونَ َلهُ ْم عَ ُدوّا وَحَزَنا ﴾ .
415 توفيق الرحن ف دروس القرآن
وقال ابن كثي :فلما رأتم حائرين فيمن يرضعه قالت :هل أدلّكم على
أهل بيت يكفلونه لكم وهم له ناصحون ؟ قال ابن عباس :فلما قالت ذلك
أخذوها ،وشكّوا ف أمرها .وقالوا لا :وما يدريك بنصحهم له وشفقتهم
عليه ؟ فقالت لم :نصحهم له وشفقتهم عليه رغبتهم ف سرور اللك ورجاء
منفعته ،فأرسلوها ،فلما قالت لم ذلك وخلصت من أذاهم ذهبوا معها إل
منل م فدخلو ها به على أ مه فأعط ته ثدي ها فالتق مه ،ففرحوا بذلك فرحًا
شديدًا ،وذهب البشي إل امرأة اللك فاستدعت أم موسى ،وأحسنت إليها
وأعطت ها عطاء جزيلً ،و هي ل تعرف أن ا أ مه ف القي قة ،ول كن لكو نه
وافق ثديها .ث سألتها آسية أن تقيم عندها فترضعه فأبت عليها وقالت :إن
ل بعلً وأولدًا ول أقدر على القام عندك ،ول كن إن أحب بت أن أرض عه ف
بيتَ فعلت ،فأجابتهَا امرأة فرعون إل ذلك ،وأجرت عليَه النفقَة ،
وال صلت ،والك ساوي ،والِح سان الز يل ،فرج عت أم مو سى بولد ها
راض ية مرضيّة ،قد أبدل ا ال ب عد خوف ها أمنًا ف ع ّز وجاه ،ورزق دار ؛
ولذا جاء ف الديث « :مثل الذي يعمل ويتسب ف صنعته الي ،كمثل
أم مو سى تر ضع ولد ها وتأ خذ أجر ها » ؛ ول ي كن ب ي الشدّة والفرج إل
القليل ،يوم وليلة أو نوه وال أعلم ؛ فسبحان من بيده المر ،ما شاء كان
و ما ل ي شأ ل ي كن ،الذي ي عل ل ن ألقاه ب عد كل هم فرجًا ،وب عد كل
ضيق مرجًا ؛ ولذا قال تعال ﴿ :فَ َردَ ْدنَا هُ إِلَى ُأمّ هِ كَ يْ َتقَ ّر َعْينُهَا ﴾ ،أي :
به ﴿ ،وَلَا تَحْزَ نَ ﴾ ،أي :عل يه ﴿ ،وَِلتَعَْل مَ أَنّ َوعْدَ اللّ هِ حَقّ ﴾ ،أي :
الزء الثالث 418
فيما وعدها من ردّه إليها وجعله من الرسلي ،فحينئذٍ تقّقت بردّه إليها أنه
كائن من رسول الرسلي ،فعاملته ف تربيته ما ينبغي له طبعًا وشرعًا .
قوله تعال ﴿ :وَلَكِنّ أَ ْكثَ َرهُ مْ لَا َيعْلَمُو نَ ﴾ ،أي :حكم ال ف أفعاله ،
وعواقبها الحمودة الت هو الحمود عليها ف الدنيا والخرة ،فربا يقع المر
كريه ًا إل النفوس وعاقبتَه ممودة فَ نفَس المَر ،كمَا قال تعال ﴿ :
حبّواْ َشيْئا َو ُه َو شَرّ ّلكُ مْ
َوعَ سَى أَن تَكْ َرهُواْ َشيْئا َوهُوَ َخيْرٌ ّلكُ مْ َوعَ سَى أَن تُ ِ
َ َخيْرا َكثِيا َ فِيه ِ جعَلَ اللّه ُ
﴾ ،وقال تعال َ ﴿ :فعَسََى أَن َتكْ َرهُوْا َشيْئا َويَ ْ
﴾ .انتهى .وال أعلم .
***
419 توفيق الرحن ف دروس القرآن
جزِي
ِكـ نَ ْ
َاهـ حُكْما وَعِلْما وَ َكذَل َ
َاسـتَوَى آتَيْن ُ
ّهـ و ْ
َغـ أَ ُشد ُ
﴿ َولَمّاـ بَل َ
ّنـ َأهْلِه َا َف َوجَ َد فِيه َا
ْسـنِيَ (َ )14و َدخَ َل الْ َمدِيَنةَ عَلَى حِي ِ َغفْ َلةٍ م ْ
الْمُح ِ
َرجُلَيْ نِ َيقْتَتِلَا نِ َهذَا مِن شِيعَتِ ِه َوهَذَا مِ نْ َع ُدوّ ِه فَا سْتَغَاثَ ُه الّذِي مِن شِيعَتِ هِ
عَلَى اّلذِي ِمنْ َعدُ ّوهِ َفوَ َكزَ ُه مُوسَى َفقَضَى عَلَيْ ِه قَالَ َهذَا ِمنْ عَ َم ِل الشّيْطَانِ
ض ّل مّبِيٌ ( )15قَالَ رَبّ ِإنّ ي ظَ َلمْ تُ نَفْ سِي فَا ْغفِ ْر لِي َف َغ َفرَ لَ هُ
ِإنّ هُ َع ُدوّ مّ ِ
ِإنّ هُ ُهوَ اْل َغفُو ُر الرّحِي مُ ( )16قَالَ رَبّ بِمَا َأْنعَمْ تَ عَلَيّ فَلَ نْ أَكُو نَ َظهِيا
ص َرهُ
اسـتَن َ
ّبـ َفِإذَا الّذِي ْ
ح فِي الْ َمدِيَن ِة خَائِفا يََت َرق ُ
َصـبَ َ
ج ِرمِيَ (َ )17فأ ْ
لّلْ ُم ْ
صرِ ُخهُ قَالَ لَ ُه مُو سَى ِإنّ كَ َل َغوِيّ مّبِيٌ ( )18فَلَمّا أَ ْن أَرَادَ أَن
س يَ سْتَ ْ
بِالَْأمْ ِ
ت َنفْسا
ش بِاّلذِي ُهوَ َعدُ ّو ّلهُمَا قَالَ يَا مُوسَى َأُترِي ُد أَن تَقْتُلَنِي كَمَا قَتَلْ َ
يَبْطِ َ
بِالَْأمْسِـ إِن ُترِي ُد ِإلّا أَن َتكُونَـ جَبّارا فِي اْلأَرْضِـ وَمَا ُترِي ُد أَن تَكُونَـ مِنَـ
سعَى قَا َل يَا مُو سَى إِنّ
الْمُ صْلِحِيَ (َ )19وجَاء َرجُ ٌل مّ ْن َأقْ صَى الْ َمدِيَنةِ يَ ْ
خرَ جَ
ك لَِيقْتُلُو كَ فَا ْخرُ جْ ِإنّ ي لَ كَ مِ َن النّا صِحِيَ ( )20فَ َ
الْمَ َلَأ َيأْتَ ِمرُو َن بِ َ
ب قَالَ رَبّ نَجّنِي مِ نَ اْلقَوْ ِم الظّالِمِيَ (َ )21ولَمّ ا تَ َوجّ هَ
مِنْهَا خَائِفا يََترَقّ ُ
تِ ْلقَاء َمدْيَ َن قَالَ عَ سَى َربّ ي أَن َيهْ ِديَنِي َسوَاء ال سّبِيلِ ( )22وَلَمّ ا وَ َر َد مَاء
سقُونَ َووَ َج َد مِن دُوِنهِ ُم امْرَأتَيْ نِ تَذُودَا نِ
س يَ ْ
َم ْديَ نَ وَ َجدَ عَلَيْ ِه ُأ ّمةً مّ نَ النّا ِ
صدِ َر الرّعَاء َوَأبُونَا شَيْ خٌ كَبِيٌ ()23
سقِي حَتّى يُ ْ
قَالَ مَا خَطُْبكُمَا قَالَتَا لَا نَ ْ
ت ِإلَ ّي ِمنْ خَ ْي ٍر َفقِيٌ (
سقَى َلهُمَا ثُ ّم َتوَلّى ِإلَى ال ّظ ّل َفقَالَ َربّ ِإنّي لِمَا أَن َزلْ َ
َف َ
الزء الثالث 420
ج ِزيَ كَ
ت إِنّ َأبِي يَدْعُو َك لِيَ ْ
)24فَجَاءتْ ُه ِإحْدَاهُمَا تَ ْمشِي عَلَى ا سْتِحْيَاء قَالَ ْ
ت مِ نَ
جوْ َ
ف نَ َ
ص قَالَ لَا تَخَ ْ
ت لَنَا فَلَمّا جَاء ُه َوقَ صّ عَلَيْ ِه الْقَ صَ َ
َأ ْجرَ مَا سَقَيْ َ
َنـ
اسـتَ ْأ ِجرْ ُه إِنّ خَ ْيرَ م ِ
َتـ ْ
َتـ إِ ْحدَاهُمَا يَا َأب ِ
ْمـ الظّالِمِيَ ( )25قَال ْ
اْلقَو ِ
َكـ ِإحْدَى ابْنَتَيّ
َنـأُنكِح َ
اسـَت ْأجَ ْرتَ اْل َقوِيّ اْلَأمِيُ ( )26قَا َل ِإنّيـ أُرِيدُ أ ْ
ْ
ج َفإِ ْن َأتْمَمْتَ َعشْرا فَ ِمنْ عِندِ َك َومَا أُرِيدُ
هَاتَيْنِ عَلَى أَن َتأْ ُج َرنِي ثَمَانِ َي حِجَ ٍ
ك بَيْنِي
حيَ ( )27قَالَ َذلِ َ
ج ُدنِي إِن شَاء اللّ هُ مِ نَ ال صّالِ ِ
أَ ْن أَ ُشقّ َعلَيْ كَ سَتَ ِ
ت فَلَا ُع ْدوَا نَ عَلَيّ وَاللّ هُ عَلَى مَا نَقُولُ وَكِيلٌ (
ك َأيّمَا اْلَأجَلَيْ ِن قَضَيْ ُ
َوبَيْنَ َ
. ﴾ )28
***
421 توفيق الرحن ف دروس القرآن
شِي َعتِهِ عَلَى الّذِي مِ ْن عَ ُد ّوهِ ﴾ وكان موسى قد أوت بسطة ف اللق وشدّة ف
البطش ،فغضب بعدوّها فنازعه َ ﴿ ،فوَ َكزَ هُ مُو سَى ﴾ وكزه قتله منها وهو
ّهَ عَ ُد ّو مّضِ ّل ّمبِيٌ ﴾ .
َانَِإن ُ
شيْط ِ ِنَ عَمَلِ ال ّ
ل يريَد قتله ،فقال ﴿ :هَذَا م ْ
و عن ما هد َ ﴿ :فوَكَزَ ُه مُو سَى ﴾ ،قال :بم يع كفّه ﴿ ،قَالَ رَبّ ِإنّ ي
ت َنفْسِي فَا ْغفِرْ لِي َف َغفَرَ لَهُ ِإنّهُ ُه َو اْلغَفُورُ الرّحِيمُ ﴾ ،قال قتادة :عرف
ظَلَمْ ُ
َهَ ﴾ ﴿ ،قَالَ رَبّ بِم َا ْتَ َنفْسَِي فَاغْفِرْ لِي َف َغفَرَ ل ُ
الخرج فقال ﴿ :ظَلَم ُ
َأْنعَ ْمتَ عََليّ ﴾ .
قال ابـن كثيـ :أي :باَ جعلت ل مَن الاه والعَز والنعمَة َ ﴿ ،فلَن َْ
ج ِرمِي َ ﴾ ،أي :الكافريَن بَك
ُونَ َظهِيا ﴾ ،أي :معين ًا ﴿ ،لّلْمُ ْ
أَك َ
الخالفي لمرك .
وعن ابن عباس قال :أت فرعون فقيل له :إن بن إسرائيل قد قتلوا رجلً
من آل فرعون ،فخذ لنا بقّنا ول ترخص لم ف ذلك ،قال :ابغون قاتله
و من يش هد عل يه ،ل ي ستقيم أن نق ضي بغ ي بي نة ول ث بت فاطلبوا ذلك ،
فبينمَا هَم يطوفون ل يدون شيئًا ،إذ م ّر موسَى مَن الغَد فرأى ذلك
ال سرائيلي يقا تل فرعونيًا ،فا ستغاثه ال سرائيليّ على الفرعونّ ،ف صادف
موسى وقد ندم على ما كان منه بالمس وكره الذي رأى ،فغضب موسى
فم ّد يده وهو يريد أن يبطش بالفرعونّ ،فقال للسرائيلي لِمَا فعل بالمس
واليوم ِ ﴿ :إنّ كَ َل َغوِيّ ّمبِيٌ ﴾ فنظر السرائيليّ إل موسى بعد ما قال هذا ،
فإذا هَو غضبان كغضبَه بالمَس ،فخاف السَرائيليّ أن يكون إياه أراد
423 توفيق الرحن ف دروس القرآن
ظهر ول درهم .وقال ابن عباس :خرج موسى متو ّجهًا نو مدين ،وليس
له علم بالطريق ،إل حسن ظنه بربه ،فإنه قال ﴿ :عَ سَى َربّي أَن َيهْ ِديَنِي
سبِيلِ ﴾ .
َسوَاء ال ّ
ّاسـ
ّنـ الن ِ
ْهـ ُأمّ ًة م َ
َنـ َو َجدَ عَلَي ِ
قوله عـز وجـل َ ﴿ :ولَمّاـ وَ َردَ مَاء َم ْدي َ
سقُو َن َووَ َج َد مِن دُونِهِ مُ ا ْمرَأتَيْ ِن َتذُودَا نِ قَالَ مَا خَطُْبكُمَا قَالَتَا لَا نَ سْقِي
يَ ْ
سقَى َلهُمَا ُثمّ َتوَلّى ِإلَى ال ّظلّ
صدِ َر الرّعَاء وََأبُونَا شَيْ خٌ كَبِيٌ ( )23فَ َ
حَتّى يُ ْ
َفقَالَ َربّ إِنّي لِمَا أَن َزلْ تَ ِإَليّ مِ ْن خَ ْيرٍ َفقِيٌ ( )24فَجَاءتْ ُه ِإحْدَاهُمَا تَ ْمشِي
ت لَنَا فَلَمّا جَاء هُ
ج ِزيَ كَ َأ ْجرَ مَا سَقَيْ َ
عَلَى ا سْتِحْيَاء قَالَ تْ إِنّ َأبِي َيدْعُو َك لِيَ ْ
ت ِمنَ اْل َقوْمِ الظّالِمِيَ (. ﴾ )25
جوْ َ
ف نَ َ
ص قَالَ لَا تَخَ ْ
َوقَصّ عَلَ ْي ِه الْقَصَ َ
قال سعيد بن جبي :خرج مو سى من م صر إل مد ين وبين ها وبين ها
مسية ثان ،ول يكن له طعام إل ورق الشجر ،وخرج فما وصل إليها حت
وقع خفّ قدمه .
ِمَ
َسَقُونَ َووَجَدَ مِن دُوِنه ُ
ّاسَ ي ْ
ّنَ الن ِ وقوله تعال ﴿ :وَ َج َد عََلي ِ
ْهَ ُأ ّم ًة م َ
امْرَأَتيْ ِن تَذُودَا نِ ﴾ ،قال أبو مالك :تبسان غنمهما عن الناس حت يفرغوا
ويلوا لم البئر .
﴿ قَا َل مَا خَ ْطُبكُمَا ﴾ ؟ قال ا بن إ سحاق :و جد ل ما رح ة ودخلت
فيهما خشية لا رأى من ضعفهما ،وغلبة الناس على الاء دونما ؟ فقال لم
سقِي َحتّ ى يُ صْدِرَ ال ّرعَاء
:ما خطبك ما ؟ أي :ما شأنك ما ؟ ﴿ قَالَتَا لَا نَ ْ
425 توفيق الرحن ف دروس القرآن
َنـ
اسـَتأْ ِج ْر ُه إِنّ خَيْ َر م ِ
َتـ ْ
َتـ ِإ ْحدَاهُمَا يَا َأب ِ
قوله عـز وجـل ﴿ :قَال ْ
َكـ ِإحْدَى ابْنَتَيّ
َنـأُنكِح َ
اسـَت ْأجَ ْرتَ اْل َقوِيّ اْلَأمِيُ ( )26قَا َل ِإنّيـ أُرِيدُ أ ْ
ْ
الزء الثالث 426
فزوّجه وأقام معه يكفيه ويعمل له ف رعاية غنمه وما يتاج إليه منه .وقوله :
ضيْ تُ َفلَا عُ ْدوَا َن عَلَيّ ﴾ ،أي :ل ظلم عل ّي بأن أطال بَ
﴿ أَيّمَا اْلأَجََليْ نِ َق َ
بأك ثر منه ما .قال ا بن عباس :ق ضى أكثره ا وأطيبه ما ،إن ر سول ال إذا
قال فعل ﴿ .وَاللّ ُه عَلَى مَا َنقُو ُل وَكِيلٌ ﴾ ،قال ابن عباس :شهيد .وروى
ابن ماجة ف سننه عن النب قال « :إن موسى آجر نفسه ثان سني ،أو
عشر سني على عفّة فرجه ،وطعام بطنه » .وال أعلم .
***
الزء الثالث 428
***
الزء الثالث 430
س مِن
قوله عز و جل ﴿ :فَلَمّ ا قَضَى مُو سَى الَْأ َجلَ وَ سَا َر ِبأَهْلِ هِ آنَ َ
ت نَارا ّلعَلّي آتِيكُم مّ ْنهَا بِخََبرٍ
ب الطّو ِر نَارا قَالَ ِلَأهْلِ ِه امْكُثُوا ِإنّي آنَ سْ ُ
جَانِ ِ
َصـطَلُونَ ( )29فَلَمّاـ َأتَاهَا نُودِي مِن شَا ِطئِ
ُمـ ت ْ
ِنـ النّا ِر لَعَ ّلك ْ
َأوْ جَ ْذ َوةٍ م َ
ج َرةِ أَن يَا مُو سَى ِإنّ ي أَنَا اللّ هُ
اْلوَادِي اْلَأيْمَ نِ فِي الْبُ ْق َعةِ الْمُبَارَ َك ِة مِ نَ الشّ َ
َربّ اْلعَالَ ِميَ (َ )30وأَ ْن َألْ قِ عَ صَا َك فَلَمّا رَآهَا َتهْتَزّ َكَأّنهَا جَانّ َولّى ُم ْدبِرا
ك مِنَ الْآمِنِيَ ( )31اسْ ُلكْ يَدَ َك فِي
ف ِإنّ َ
َولَمْ ُي َعقّ بْ يَا مُوسَى َأقِْب ْل وَلَا تَخَ ْ
ـ
ـ مِن َ
ـ جَنَاحَك َ
ـ إِلَيْك َ
ـ غَ ْي ِر سـُو ٍء وَاضْمُم ْ
ـ بَيْضَاء مِن ْ
خرُج ْ
ـ َت ْ
جَيْبِك َ
ب َفذَانِكَ بُ ْرهَانَانِ مِن ّربّكَ ِإلَى ِفرْ َعوْنَ َومَلَئِ ِه ِإّنهُمْ كَانُوا َقوْما فَاسِقِيَ
الرّهْ ِ
(. ﴾ )32
عن قتادة ﴿ :فََلمّا َقضَى مُو سَى اْلأَجَلَ ﴾ ،قال :حدث ابن عباس قال
:رعى نبّ ال أكثرها وأطيبها .
وقوله تعال َ ﴿ :وسَا َر ِبأَهْلِهِ ﴾ .
قال ا بن كث ي :قالوا :لن مو سى قد اشتاق إل بلده وأهله فعزم على
زيارت م ف خف ية من فرعون وقو مه ،فتحمّ ل بأهله و ما كان م عه من الغ نم
الت وهبها له صهره ،فسلك بم ف ليلة مطية باردة ،فنل منلً فجعل كل
ما أورى زنده ل يضيء شيئًا ،فتعجّب من ذلك ،فبينما هو كذلك ﴿ آنَسَ
ِهَ
ِبَ الطّو ِر نَارا ﴾ أي :رأى نارًا تضيَء على بعَد ﴿ ،قَالَ ِلَأهْل ِم ِن جَان ِ
خبَرٍ ﴾ت نَارا ﴾ أي :حت أذهب إليها ﴿ ّلعَلّي آتِيكُم ّمْنهَا ِب َ
س ُ
ا ْمكُثُوا ِإنّي آنَ ْ
431 توفيق الرحن ف دروس القرآن
ِنَ النّارِ ﴾ ،أي :قطعَة وذلك لنَه قَد أضَل الطريَق َ ﴿ ،أوْ َج ْذ َوةٍ م َ
منها َ ﴿ ،لعَّلكُ ْم تَصْ َطلُونَ ﴾ ،أي :تستدفئون با من البد .قال ال تعال :
﴿ فَلَمّا َأتَاهَا نُودِي مِن شَا ِطئِ اْلوَادِي اْلأَيْمَنِ ﴾ ،أي :من جانب الوادي ما
ت بِجَانِ بِ
يلي البل عن يينه من ناحية الغرب كما قال تعال َ ﴿ :ومَا كُن َ
ضيْن َا إِلَى مُوسََى الَْأمْرَ ﴾ ،والنار وجدهَا تضطرم فَ شجرة اْلغَ ْربِي ّ إِذْ َق َ
خضراء ف ل ف ال بل م ا يلي الوادي ،فو قف باهتًا ف أمر ها فناداه ر به ،
ج َرةِ أَن يَا مُو سَى
﴿ مِن شَا ِطئِ اْلوَادِي اْلأَيْمَ نِ فِي اْلُبقْ َع ِة الْ ُمبَارَ َكةِ مِ نَ الشّ َ
ِإنّ ي أَنَا اللّ هُ رَبّ اْلعَالَمِيَ ﴾ أي :الذي ياط بك ويكّل مك هو رب العال ي
الفعال لاَ يشاء ،ل إله غيه ول رب سَواه ،تعال وتقدّس وتنّه عَن ماثلة
الخلوقات ف ذاته وصفاته وأقواله وأفعاله سبحانه .
وقوله َ ﴿ :وأَنْ أَلْ ِق عَصَاكَ ﴾ ،أي :الت ف يدك ،كما قرّره على ذلك
ك ِبيَمِينِ كَ يَا مُو سَى * قَا َل هِ َي عَ صَايَ ﴾ ،والعن ف قوله تعال َ ﴿ :ومَا تِلْ َ
سعَى ﴾ وقال :أما هذه عصاك الت تعرفها ألقها َ ﴿ ،فأَْلقَاهَا َفإِذَا هِ يَ َحّيةٌ تَ ْ
:ها هنا ﴿ .فََلمّا رَآهَا َتهْتَزّ ﴾ ،أي :تضطرب َ ﴿ ،كَأّنهَا جَانّ ﴾ ،أي :
ف حركتها السريعة مع عظم خلقتها ﴿ ،وَلّى مُ ْدبِرا وَلَ ْم ُي َعقّ بْ ﴾ ،أي :
ول ي كن يلت فت ،لن ط بع البشر ية ين فر من ذلك ،فل ما قال ال له ﴿ :يَا
ك مِ َن الْآمِنِيَ ﴾ رجع فوقف ف مقامه الول . مُوسَى أَ ْقبِ ْل وَلَا تَخَفْ ِإنّ َ
ج َبْيضَاء مِ ْن َغيْرِ سُوءٍ ث قال ال تعال ﴿ ا سْلُ ْ
ك يَدَ كَ فِي َجيْبِ كَ َتخْ ُر ْ
﴾ أي :إذا أدخلت يدك ف جيب درعك ث أخرجتها فإنا ترج تلل كأنا
الزء الثالث 432
قط عة ق مر ف لعان البق ،ولذا قال ﴿ :مِ نْ غَيْرِ سُوءٍ ﴾ ،أي :من غ ي
برص .انتهى ملخصًا .
وقوله تعال ﴿ :وَاضْمُ مْ إَِليْ كَ َجنَاحَ َ
ك مِ نَ ال ّرهْ بِ ﴾ ،قال ا بن ز يد :
ك بُ ْرهَانَانِ مِن ّربّكَ ﴾ ،قال
ما دخله من الفَرَقِ من اليّة والوف َ ﴿ ،فذَانِ َ
السدي :العصا ،واليد .
قال ابن جرير يقول :آياتان وحجّتان ﴿ ،إِلَى ِف ْر َعوْ نَ َومََلئِ هِ ﴾ ،يقول
:إل فرعون وأشراف قومَه ،حجّة عليهَم ودللة على حقيقَة نبوّتَك يَا
موسى ِ ﴿ ،إنّهُمْ كَانُوا َقوْما فَا ِسقِيَ ﴾ .
ف أَن يَقْتُلُونِ (
قوله عز وجل ﴿ :قَالَ َربّ ِإنّي قَتَلْتُ مِ ْنهُ ْم َنفْسا َفأَخَا ُ
ص ّدقُنِي ِإنّي
ح مِنّي لِ سَانا َفأَرْ سِلْ ُه َمعِ يَ ِردْءا يُ َ
َ )33وأَخِي هَارُو ُن هُ َو َأفْ صَ ُ
ج َعلُ َلكُمَا سُلْطَانا
ضدَ َك ِبَأخِي كَ َونَ ْ
شدّ عَ ُ
ف أَن يُ َك ّذبُو نِ ( )34قَالَ سََن ُ
َأخَا ُ
فَلَا يَ صِلُونَ ِإلَ ْيكُمَا بِآيَاتِنَا أَنتُمَا َومَ نِ اتَّبعَكُمَا الْغَالِبُو نَ ( )35فَلَمّ ا جَاءهُم
ح ٌر ّمفَْترًى َومَا سَ ِمعْنَا ِب َهذَا فِي آبَائِنَا
مّوسَى بِآيَاتِنَا بَيّنَاتٍ قَالُوا مَا هَذَا إِلّا سِ ْ
اْلأَ ّولِيَ (َ )36وقَالَ مُو سَى َربّ ي أَعْلَ ُم بِمَن جَاء بِاْلهُدَى مِ نْ عِندِ هِ وَمَن
َتكُو ُن َلهُ عَاقَِبةُ الدّا ِر ِإّنهُ لَا يُفْلِحُ الظّالِمُونَ (. ﴾ )37
عن ابن إ سحاق َ ﴿ :وأَخِي هَارُو نُ هُوَ أَفْ صَ ُح ِمنّي لِ سَانا َفأَرْ سِلْ ُه َمعِ يَ
ُصَدُّقنِي ﴾ ،أي :يَبيّن لمَ عنّ مَا أكلّمهَم بَه .وعَن ماهَد : ِردْءا ي َ
﴿ َفأَرْ سِلْ ُه َمعِ يَ ِردْءا يُ صَدُّقنِي ﴾ ،قال :عونًا .وقال ا بن ز يد :لن
433 توفيق الرحن ف دروس القرآن
جعَلُ
الثن ي أحرى أن يُ صَدّقا من وا حد ﴿ ،قَالَ َسنَشُ ّد َعضُدَ كَ بِأَخِي كَ َونَ ْ
َلكُمَا سُ ْلطَانا ﴾ ،قال ماهد :حجّة ﴿ ،فَلَا َيصِلُونَ إَِلْيكُمَا بِآيَاِتنَا ﴾ .
قال البغوي :أي :ل يصلون إليكما بقتل ول سوء ،لكان آياتنا .
َاتَ
ُونَ * فََلمّاَ جَاءهُم مّوسََى بِآيَاتِنَا َبّين ٍ
َنَ اّتَبعَكُمَا اْلغَاِلب َ﴿ أَنتُمَا َوم ِ
ح ٌر ّمفْتَرًى ﴾ .
﴾ واضحات ﴿ ،قَالُوا مَا هَذَا إِلّا سِ ْ
قال ابـن كثيـ :أي :مفتعَل مصَنوع ﴿ ،وَمَا َ
سَِمعْنَا ِبهَذَا ﴾ الذي
تدعونا إليه ﴿ ،فِي آبَاِئنَا اْلَأوّلِيَ * وَقَالَ مُو سَى َربّي َأعْلَ ُم بِمَن جَاء بِاْلهُدَى
مِ ْن عِندِهِ ﴾ وسيفصل بين وبينكم ولذا قالَ ﴿:ومَن َتكُونُ لَهُ عَاقَِبةُ الدّارِ ﴾
أي :العقب الحمودة ف الدنيا والخرة ِ ﴿ ،إنّهُ لَا ُيفِْلحُ الظّالِمُونَ ﴾ .
ت لَكُم مّ ْن ِإلَ هٍ
قوله عز و جل ﴿ :وَقَالَ ِفرْ َعوْ نُ يَا َأيّهَا الْمَ َلُأ مَا عَ ِلمْ ُ
صرْحا ّلعَلّي َأطّلِ ُع ِإلَى ِإلَ هِ
غَ ْيرِي َفَأ ْوقِ ْد لِي يَا هَامَا نُ عَلَى الطّيِ فَا ْجعَل لّي َ
مُو سَى َوإِنّ ي َلأَظُنّ ُه مِ نَ الْكَا ِذبِيَ ( )38وَا سَْتكْبَ َر ُهوَ َوجُنُودُ هُ فِي اْلأَرْ ضِ
ِبغَ ْيرِ الْحَقّ وَظَنّوا َأّنهُ مْ ِإلَيْنَا لَا ُي ْر َجعُو نَ (َ )39فَأخَ ْذنَا ُه وَجُنُودَ ُه فَنََبذْنَاهُ مْ
فِي الَْيمّ فَان ُظرْ كَيْفَ كَانَ عَاقَِب ُة الظّالِمِيَ (َ )40وجَعَلْنَاهُمْ َأئِ ّمةً يَدْعُو َن ِإلَى
صرُونَ (َ )41وَأتْبَعْنَاهُ ْم فِي َهذِ هِ ال ّدنْيَا َلعَْنةً َوَيوْ مَ
النّارِ وََيوْ َم الْقِيَامَ ِة لَا يُن َ
اْلقِيَا َمةِ هُم ّمنَ الْ َمقْبُوحِيَ (. ﴾ )42
قال ا بن كث ي :أ مر فرعون وزيره هامان أن يو قد له على الط ي ،يع ن
يتّ خذ له آجُرّا لبناء ال صرح ،و هو القصر الن يف الرف يع العال ،ك ما قال ف
الزء الثالث 434
ابن عباس من الشوّهي بسواد الوجوه وزرقة العيون .وقال قتادة :لعنوا ف
الدن يا والخرة ،قال :هو كقوله َ ﴿ :وُأْتبِعُواْ فِي هَ َ ِذهِ َل ْعَنةً َوَيوْ مَ اْل ِقيَامَةِ
ِبْئسَ الرّفْ ُد الْمَرْفُودُ ﴾ .
***
الزء الثالث 436
َر َزقْنَاهُ ْم يُنفِقُو نَ ( )54وَِإذَا سَ ِمعُوا اللّ ْغوَ أَ ْعرَضُوا عَنْ ُه وَقَالُوا لَنَا أَعْمَالُنَا
َولَ ُك ْم أَعْمَالُ ُك ْم سَلَامٌ عَلَ ْي ُكمْ لَا نَبَْتغِي الْجَاهِلِيَ (. ﴾ )55
ب مِن َب ْعدِ مَا َأهْلَكْنَا اْل ُقرُونَ
قوله عز وجل َ ﴿ :ولَ َقدْ آتَيْنَا مُوسَى الْكِتَا َ
ُنتـ
ُونـ ( )43وَمَا ك َ
ُمـ يََتذَ ّكر َ
ّاسـ َو ُهدًى وَ َرحْ َم ًة لّعَ ّله ْ
اْلأُولَى بَصـَاِئرَ لِلن ِ
ب الْ َغ ْربِيّ ِإذْ قَضَيْنَا ِإلَى مُو سَى اْلَأمْ َر وَمَا كُن تَ مِ َن الشّا ِهدِي نَ ()44
بِجَانِ ِ
ت ثَاوِيا فِي َأهْ ِل َمدَْينَ تَتْلُو
شأْنَا ُقرُونا فَتَطَا َولَ عَلَ ْيهِ ُم الْعُ ُم ُر َومَا كُن َ
َولَكِنّا أَن َ
ت بِجَانِ بِ الطّو ِر ِإذْ نَا َديْنَا
عَلَ ْيهِ مْ آيَاتِنَا َوَلكِنّ ا كُنّ ا ُمرْ سِ ِليَ ( )45وَمَا كُن َ
ِكـَلعَ ّلهُم ْـ
ّكـلِتُنذِ َر َقوْما مّاـَأتَاهُم مّنـّنذِي ٍر مّنـ قَبْل َ
َولَكِن ّرحْ َم ًة مّنـ ّرب َ
يََتذَ ّكرُونَ (. ﴾ )46
قال البغوي :قوله تعال ﴿ :وََلقَ ْد آَتيْن َا مُوسََى اْلكِت َ
َابَ م ِن َبعْ ِد م َا
َأهَْلكْنَا اْلقُرُو نَ الْأُولَى ﴾ ،يع ن :قوم نوح ،وعادًا ،وثود وغيهم ،كانوا
ق بل مو سى ﴿ ،بَ صَائِرَ لِلنّا سِ ﴾ ،يع ن :ليب صروا بذلك الكتاب ويهتدوا
به ﴿ َوهُدًى ﴾ من الضلل ل ن ع مل به ﴿ ،وَ َرحْ َمةً ﴾ ل ن آ من به ﴿ ،
ّلعَّلهُمْ يَتَذَكّرُونَ ﴾ با فيه من الواعظ والبصائر .
ب اْلغَ ْربِيّ ﴾ يعن :بانب البل الغرب ﴿ َومَا كُن تَ ﴾ يا ممد ﴿ بِجَانِ ِ
.قال قتادة ،والسدي :قال ابن عباس :يريد حيث ناجى موسى ربه ﴿ ،
إِذْ َقضَْينَا إِلَى مُو سَى اْلأَمْرَ ﴾ يعن :عهدنا إليه وأحكمنا المر معه بالرسالة
ِينَ ﴾ الاضريَن ذلك القامِنَ الشّاهِد َ
ُنتَ م َ
إل فرعون وقومَه ﴿ ،وَمَا ك َ
الزء الثالث 438
ش ْأنَا ُقرُونا ﴾ خلقنا أمًا من بعد موسى فتذكره من ذات نفسك ﴿ ،وََل ِكنّا أَن َ
ِمَ اْلعُ ُمرُ ﴾ ،أي :طالت عليهَم الهلة فنسَوا عليَه السَلم ﴿ َفتَطَاوَلَ عََلْيه ُ
عهد ال وميثاقه وتركوا أمره ،وذلك أن ال تعال قد عهد إل موسى وقومه
عهودًا ف ممد واليان به ،فلما طال عليهم العمر وخلفت القرون بعد
القرون نسوا تلك العهود وتركوا الوفاء با .
ُنتَ ثَاوِيا ﴾ مقيمًا فَ أهَل مديَن كمقام موسَى وشعيَب ﴿ وَمَا ك َ
فيهم ﴿ ،تَتْلُو عََلْيهِ ْم آيَاِتنَا ﴾ تذّكرهم بالوعد والوعيد .قال مقاتل يقول :
ل تشهَد أهَل مد ين فتقرأ على أهَل مد ين ،فتقرأ على أ هل م كة خبهم
﴿ وَلَ ِكنّا ُكنّا ُمرْسِِليَ ﴾ أي :أرسلناك رسولً ،وأنزلنا عليك كتابًا فيه هذه
الخبار فتتلوها عليهم ،ولول ذلك لا علمتها ول تبهم با َ ﴿ ،ومَا كُن تَ
بِجَانِبِ الطّورِ ﴾ بناحية البل الذي كلّم ال عليه موسى ِ ﴿ ،إ ْذ نَا َدْينَا وََلكِن
رّحْ َم ًة مّن ّربّ كَ ﴾ قال ابن كثي :أي :ما كنت مشاهدًا لشيء من ذلك ،
ولكن ال تعال أوحاه إليك وأخبك به رحة منه بك وبالعباد بإرسالك إليهم
﴿ ِلتُنذِرَ َقوْما مّا َأتَاهُم مّن نّذِي ٍر مّن َقبْلِكَ َلعَّلهُ ْم َيتَذَكّرُونَ ﴾ .
ت َأْيدِيهِ مْ فََيقُولُوا
قوله عز وجل َ ﴿ :ولَ ْولَا أَن تُ صِيَبهُم مّ صِيَب ٌة بِمَا َقدّمَ ْ
ك َونَكُو َن مِ َن الْ ُمؤْمِنِيَ ( )47فَلَمّا
ت ِإلَيْنَا رَسُولً فَنَتِّب عَ آيَاتِ َ
َربّنَا َل ْولَا أَرْ سَلْ َ
حقّ مِ نْ عِندِنَا قَالُوا َل ْولَا أُوتِ يَ مِ ْث َل مَا أُوتِ َي مُو سَى َأ َولَ ْم يَ ْك ُفرُوا
جَاءهُ مُ الْ َ
حرَانِ تَظَا َهرَا َوقَالُوا ِإنّ ا بِ ُكلّ كَافِرُو نَ (
بِمَا أُوتِ يَ مُو سَى مِن قَ ْب ُل قَالُوا سِ ْ
439 توفيق الرحن ف دروس القرآن
وعن قتادة ﴿ :وََلقَ ْد وَصّ ْلنَا َلهُ ُم اْل َقوْلَ ﴾ ،قال :وصلّ ال لم القول ف
هذا القرآن ي بهم :ك يف صنع ب ن م ضى وك يف هو صانع َ ﴿ .لعَّل ُه مْ
َيتَذَكّرُونَ ﴾ .
ب مِن قَبْلِ هِ هُم بِ ِه ُيؤْمِنُو نَ (
قوله عز و جل ﴿ :اّلذِي نَ آتَيْنَاهُ مُ اْلكِتَا َ
َ )52وِإذَا يُتْلَى عَلَ ْيهِ ْم قَالُوا آمَنّ ا بِ ِه إِنّ هُ الْحَقّ مِن ّربّنَا ِإنّ ا كُنّ ا مِن قَبْلِ هِ
مُ سْلِ ِميَ ( )53أُ ْولَئِ كَ ُي ْؤتَوْ َن َأجْ َرهُم ّم ّرتَيْ نِ بِمَا صََبرُوا وََيدْ َرؤُو َن بِالْحَ سََنةِ
ال سّيَّئ َة َومِمّا رَ َزقْنَاهُ مْ يُن ِفقُو نَ ( )54وَِإذَا سَ ِمعُوا اللّ ْغوَ أَ ْعرَضُوا عَنْ ُه وَقَالُوا
لَنَا أَعْمَالُنَا َولَ ُك ْم أَعْمَالُ ُك ْم سَلَامٌ عَلَ ْي ُكمْ لَا نَبَْتغِي الْجَاهِلِيَ (. ﴾ )55
ِهَ ﴾ إل قوله ﴿
َابَ م ِن َقْبل ِ
ُمَ اْل ِكت َ
ِينَ آَتْينَاه ُ
عَن ماهَد قوله ﴿ :الّذ َ
الْجَاهِلِيَ ﴾ قال هم :م سلمة أ هل الكتاب .و ف ال صحيح عن أ ب مو سى
رضي ال عنه قال :قال رسول ال « :ثلثة يؤتون أجرهم مرتي :رجل
من أ هل الكتاب آ من ب نبيّه ث آ من ب ،وع بد ملوك أدّى حق ال وح قّ
مواليه ،ورجل كانت له أمة فأدّبا فأحسن تأديبها ث أعتقها فتزوّجها » .
وقال ا بن إ سحاق :ث قدم على ر سول ال و هو ب كة عشرون رجلً
أو قريب من ذلك من النصارى ،حي بلغهم خبه من البشة ،فوجدوه ف
السجد فجلسوا إليه وكلّموه وسألوه ،ورجال من قريش ف أنديتهم حول
الكع بة ،فل ما فرغوا من م سألة ر سول ال ع ما أرادوا ،دعا هم إل ال
تعال وتل علي هم القرآن ،فل ما سعوا القرآن فا ضت أعين هم من الد مع ،ث
الزء الثالث 442
***
443 توفيق الرحن ف دروس القرآن
﴿ ِإنّكَـ لَا َتهْدِي مَن ْـَأحْبَبْتَـ َولَكِنّ اللّهَـَيهْدِي مَن َيشَاءُ وَ ُهوَ أَعْلَمُـ
بِالْ ُمهَْتدِينَـ (َ )56وقَالُوا إِن نّتّبِعِـ اْلهُدَى َمعَكَـنُتَخَطّف ْـ مِن ْـأَرْضِنَا أَ َولَم ْـ
نُ َمكّ ن ّلهُ ْم حَرَما آمِنا يُجْبَى إِلَيْ هِ ثَ َمرَا تُ ُك ّل شَيْءٍ ِرزْقا مِن ّل ُدنّ ا َوَلكِنّ
أَكَْث َرهُ مْ لَا يَعْلَمُو نَ ( )57وَكَ مْ َأهْ َلكْنَا مِن َق ْرَيةٍ بَ ِطرَ تْ َمعِيشَتَهَا فَتِلْ كَ
ل وَكُنّ ا نَحْ ُن الْوَا ِرثِيَ ( )58وَمَا
سكَن مّ ن َبعْ ِدهِ ْم ِإلّا قَلِي ً
مَ سَاكُِن ُه ْم لَ مْ تُ ْ
ك الْ ُقرَى حَتّى يَ ْبعَ ثَ فِي ُأمّهَا رَ سُولً يَتْلُو عَلَ ْيهِ مْ آيَاتِنَا َومَا
ك ُمهْلِ َ
كَا نَ َربّ َ
كُنّ ا ُمهْلِكِي الْ ُقرَى إِلّا وََأهْلُهَا ظَالِمُو نَ ( )59وَمَا أُوتِيتُم مّ ن شَيْ ٍء فَمَتَا عُ
الْحَيَا ِة ال ّدنْيَا وَزِينَتُهَا وَمَا عِن َد اللّ ِه خَيْ ٌر َوأَبْقَى َأفَلَا َتعْقِلُو نَ (َ )60أفَمَن
ع الْحَيَاةِ ال ّدنْيَا ُثمّ هُ َو َيوْ مَ
وَ َع ْدنَا هُ وَعْدا حَ سَنا َفهُ َو لَاقِي هِ كَمَن مّّتعْنَا هُ مَتَا َ
ضرِينَ (َ )61وَيوْمَ يُنَادِيهِ ْم فََيقُولُ أَيْ َن شُرَكَائِ َي اّلذِينَ كُنتُمْ
اْلقِيَا َمةِ مِ َن الْمُحْ َ
ِينـ أَ ْغ َويْنَا
ِمـ اْل َقوْلُ َربّنَا َه ُؤلَاء اّلذ َ
ِينـ حَقّ عَلَ ْيه ُ
ُونـ ( )62قَا َل الّذ َ
َتزْعُم َ
ك مَا كَانُوا ِإيّانَا َيعُْبدُو نَ ( َ )63وقِي َل ادْعُوا
أَ ْغ َويْنَاهُ مْ كَمَا َغ َويْنَا تََب ّرْأنَا ِإلَيْ َ
ُمـ كَانُوا
َابـ َلوْ أَّنه ْ
ُمـ وَ َرَأوُا الْ َعذ َ
َسـتَجِيبُوا َله ْ
َمـ ي ْ
ُمـ فَل ْ
ُمـ َفدَ َع ْوه ْ
ُشرَكَاءك ْ
َيهَْتدُو نَ (َ )64وَيوْ َم يُنَادِيهِ ْم فََيقُولُ مَاذَا َأجَبْتُ ُم الْ ُمرْ سَلِيَ (َ )65فعَمِيَ تْ
ب وَآمَ نَ وَ َع ِملَ
عَلَ ْيهِ مُ اْلأَنبَاء َي ْومَئِ ٍذ َفهُ مْ لَا يَتَ سَاءلُونَ (َ )66فأَمّ ا مَن تَا َ
حيَ ( )67وَ َربّ كَ يَخْلُ ُق مَا َيشَا ُء َويَخْتَارُ
صَالِحا فَعَ سَى أَن يَكُو نَ مِ نَ الْ ُمفْلِ ِ
شرِكُو نَ ( )68وَ َربّ كَ َيعْلَ مُ
مَا كَا َن َلهُ مُ الْخَِي َرةُ سُبْحَا َن اللّ ِه َوتَعَالَى َعمّا ُي ْ
الزء الثالث 444
صدُورُ ُه ْم وَمَا ُيعْلِنُو نَ ( )69وَ ُهوَ اللّ ُه لَا ِإلَ هَ ِإلّا ُهوَ لَ ُه الْحَ ْم ُد فِي
مَا تُ ِكنّ ُ
حكْ ُم َوإِلَيْ ِه ُترْ َجعُو نَ (ُ )70ق ْل أَ َرأَيْتُ ْم إِن جَ َع َل اللّ هُ
اْلأُولَى وَالْآخِ َر ِة َولَ ُه الْ ُ
عَلَ ْيكُ مُ اللّ ْيلَ َس ْرمَدا إِلَى يَوْ ِم الْقِيَامَ ِة مَ ْن ِإلَ هٌ غَ ْي ُر اللّ هِ َي ْأتِيكُم بِضِيَاء َأفَلَا
ْمـ
سـْرمَدا ِإلَى َيو ِ
ُمـ الّنهَا َر َ
ّهـ عَلَ ْيك ُ
ُمـ إِن َج َعلَ الل ُ
َسـَمعُونَ (ُ )71ق ْل أَ َرأَيْت ْ
ت ْ
صرُونَ ( )72وَمِن
اْلقِيَا َمةِ مَ نْ ِإلَ هٌ غَ ْي ُر اللّ ِه َيأْتِيكُم بِلَ ْيلٍ تَ سْكُنُو َن فِي ِه َأفَلَا تُبْ ِ
سكُنُوا فِي ِه َولِتَبَْتغُوا مِن فَضْلِ ِه وََلعَ ّلكُ مْ
ّرحْمَتِ ِه َجعَ َل َلكُ ُم اللّ ْيلَ وَالّنهَا َر لِتَ ْ
شكُرُو نَ (َ )73وَيوْ مَ يُنَادِيهِ ْم فََيقُولُ أَيْ َن شُرَكَائِ َي اّلذِي نَ كُنتُ ْم َتزْعُمُو نَ (
َت ْ
حقّ لِلّ هِ
َ )74وَنزَعْنَا مِن ُك ّل ُأمّ ٍة َشهِيدا َفقُلْنَا هَاتُوا ُب ْرهَاَنكُ ْم َفعَلِمُوا أَنّ الْ َ
ضلّ عَ ْنهُم مّا كَانُوا َيفَْترُونَ (. ﴾ )75
وَ َ
***
445 توفيق الرحن ف دروس القرآن
ك الْ ُقرَى حَتّى يَ ْبعَ ثَ فِي ُأمّهَا رَ سُولً يَتْلُو عَلَ ْيهِ مْ آيَاتِنَا
ك ُمهْلِ َ
َومَا كَا نَ َربّ َ
َومَا كُنّا ُمهْ ِلكِي الْ ُقرَى إِلّا وََأهْ ُلهَا ظَالِمُونَ (. ﴾ )59
ف مِ نْ أَرْضِنَا ﴾ ، ك ُنتَخَطّ ْ عن ا بن عباس قوله ﴿ :إِن ّنّتبِ ِع اْلهُدَى َمعَ َ
قال :هم أناس من قر يش قالوا لح مد :إن نتّب عك يتخطّف نا الناس فقال ال
جبَى إَِليْهِ ثَ َمرَاتُ كُ ّل َشيْءٍ ﴾ ،قال قتادة : َ ﴿ :أوَلَ ْم نُ َمكّن ّل ُهمْ َحرَما آمِنا يُ ْ
يقول :أو ل يكونوا آمن ي ف حرم هم ل ُيغْ َزوْ نَ ف يه ول يافون ُ ﴿ ،يجْبَى
إَِليْ ِه ثَمَرَا تُ كُ ّل َشيْءٍ ﴾ ،قال ا بن عباس :ثرات الرض .قال ا بن كث ي :
أي :مَن سَائر الثمار ماَ حوله مَن الطائف وغيه ،وكذلك التاجَر
والمتعة ﴿ رِزْقا مِن لّ ُدنّا ﴾ ،أي :من عندنا ﴿ ،وََلكِنّ أَكْثَ َرهُمْ لَا يَعَْلمُونَ
﴾ ولذا قالوا ما قالوا .
ت َمعِيشَتَهَا ﴾ ، وقال ا بن ز يد ف قوله ﴿ :وَكَ مْ أَهَْلكْنَا مِن قَ ْرَي ٍة بَطِرَ ْ
قال :البطر :أشر أهل الغفلة ،وأهل الباطل ،والركوب لعاصي ال ؛ وقال
ك مَسَا ِكنُهُمْ َل ْم تُسْكَن مّن َبعْ ِدهِمْ إِلّا قَلِيلً ﴾ :ذلك البطر ف النعمة َ ﴿ .فتِلْ َ
،يقول :فتلك دور القوم الذيَن أهلكناهَم خربَت فلم يعمَر منهَا إل
ح ُن اْلوَا ِرثِيَ ﴾ .
أقلّها ﴿ ،وَ ُكنّا نَ ْ
ك الْقُرَى َحتّى َيْبعَثَ فِي ُأ ّمهَا رَسُولً ﴾ . ك ُمهْلِ َ
وعن قتادة ﴿ َومَا كَانَ َربّ َ
وأم القرى :مكة ،وبعث ال إليهم رسولً ممدًا .
قال البغوي :وخ ّ
ص ال مّ ببع ثة الر سول في ها ،لن الر سول يب عث إل
الشراف ،والشراف يسكنون الدائن والواضع الت هي أ مّ ما حولا .وعن
447 توفيق الرحن ف دروس القرآن
ا بن عباس ﴿ :وَمَا ُكنّ ا ُمهْلِكِي اْلقُرَى إِلّا َوَأهْلُهَا ظَالِمُو نَ ﴾ ،قال ال :ل
يهلك قرية بإيان ،ولكنه يهلك القرى بظلم إذا ظَلَمَ أهلها .
ع الْحَيَاةِ ال ّدنْيَا وَزِينَتُهَا
قوله عز و جل ﴿ :وَمَا أُوتِيتُم مّ ن َشيْ ٍء فَمَتَا ُ
َومَا عِندَ اللّ هِ خَيْ ٌر َوأَْبقَى َأفَلَا َت ْعقِلُو نَ (َ )60أفَمَن وَ َع ْدنَا ُه وَعْدا حَ سَنا َف ُهوَ
ضرِي نَ (
لَاقِي هِ كَمَن مّّتعْنَا ُه مَتَا عَ الْحَيَا ِة الدّنْيَا ثُمّ ُهوَ َيوْ َم الْقِيَا َمةِ مِ نَ الْ ُمحْ َ
. ﴾ )61
عن قتادة قوله ﴿ :أَفَمَن َوعَ ْدنَا ُه َوعْدا حَ سَنا َف ُهوَ لَاقِي هِ ﴾ ،قال :هو
الؤمن سع كتاب ال فصدّق به وآمن با وعد ال فيه ﴿ ،كَمَن ّمتّ ْعنَاهُ َمتَاعَ
حيَاةِ ال ّدنْيَا ﴾ و هو هذا الكا فر ل يس وال كالؤ من ﴿ ،ثُمّ ُه َو َيوْ مَ اْل ِقيَامَةِ الْ َ
حضَرِينَ ﴾ أي :ف عذاب ال .وقال ماهد :أهل النار أُ ْحضِرُوها . مِ َن الْ ُم ْ
قوله عـز وجـل ﴿ :وََيوْمَـيُنَادِيهِم ْـ فََيقُو ُل َأيْنَـ ُشرَكَائِيَـ اّلذِينَـ كُنتُم ْـ
ِينـ أَ ْغ َويْنَا
ِمـ اْل َقوْلُ َربّنَا َه ُؤلَاء اّلذ َ
ِينـ حَقّ عَلَ ْيه ُ
ُونـ ( )62قَا َل الّذ َ
َتزْعُم َ
ك مَا كَانُوا ِإيّانَا َيعُْبدُو نَ ( َ )63وقِي َل ادْعُوا
أَ ْغ َويْنَاهُ مْ كَمَا َغ َويْنَا تََب ّرْأنَا ِإلَيْ َ
ُمـ كَانُوا
َابـ َلوْ أَّنه ْ
ُمـ وَ َرَأوُا الْ َعذ َ
َسـتَجِيبُوا َله ْ
َمـ ي ْ
ُمـ فَل ْ
ُمـ َفدَ َع ْوه ْ
ُشرَكَاءك ْ
َيهَْتدُونَ (. ﴾ )64
قال البغوي :قوله تعال َ ﴿ :وَيوْ مَ ُينَادِيهِ مْ َفَيقُولُ َأيْ نَ ُشرَكَائِ َي الّذِي نَ
كُنتُ ْم تَ ْزعُمُو نَ ﴾ ف الدن يا أن م شركائي ﴿ ،قَا َل الّذِي نَ حَقّ عََلْيهِ ُم اْل َقوْلُ
﴾ وجب عليهم العذاب ،وهم رؤوس الضللة َ ﴿ .رّبنَا َهؤُلَاء الّذِي نَ َأ ْغ َويْنَا
الزء الثالث 448
قال ابن كثي :النداء الول عن سؤال التوحيد ،وهذا فيه إثبات النبوّات
ماذا كان جوابكم للمرسلي إليكم ؟ وكيف كان حالكم معهم ؟ وهذا كما
يسأل العبد ف قبه :مَنْ ربّك ؟ ومن نبيّك ؟ وما دينك ؟ فأما الؤمن فيشهد
:أن ل إله إل ال ،وأن ممدًا عبده ورسَوله ،وأمَا الكافَر فيقول :هاه ،
هاه ل أدري ،ولذا ل جواب له يوم القيا مة ،لن من كان ف هذه أع مى
فهَو فَ الخرة أعمَى وأضَل سَبيلً ،ولذا قال تعال َ ﴿ :فعَ ِميَت َْ عََلْيهِمَُ
ت عََلْيهِ ُم ﴾ الجج اْلأَنبَاء َي ْومَئِذٍ َفهُ مْ لَا َيتَ سَاءلُونَ ﴾ ،قال ماهد َ ﴿ :فعَ ِميَ ْ
فهم ل يتساءلون بالنساب .
قال البغوي َ ﴿ :فهُمََْ لَا َيتَسَََاءلُونَ ﴾ :ل ييبون .وقال قتادة ل
يتجّون .وقيل :يسكتون ل يسأل بعضهم بعضًا .وقوله َ ﴿ :فَأمّا مَن تَا َ
ب
حيَ ﴾ وَآمَ َن َوعَمِلَ صَالِحا ﴾ ،أي :ف الدنيا ﴿ َفعَسَى أَن َيكُو َن مِ َن الْ ُمفْلِ ِ
أي :يوم القامَة .و ( عسَى ) مَن ال موجِبَة ،فإن هذا واقَع بفضَل ال
ومنّته ل مالة .
قوله عز وجل ﴿ :وَ َربّ كَ يَخْلُ ُق مَا َيشَا ُء َويَخْتَا ُر مَا كَا َن َلهُ ُم الْخَِي َرةُ
صدُو ُرهُ ْم َومَا
سُبْحَا َن ال ّلهِ َوَتعَالَى َعمّا ُيشْرِكُونَ ( )68وَ َرّبكَ َيعْ َلمُ مَا تُ ِكنّ ُ
َهـ
ح ْمدُ فِي اْلأُولَى وَالْآ ِخ َرةِ َول ُ
َهـ الْ َ
َهـ ِإلّا هُ َو ل ُ
ّهـ لَا إِل َ
ُونـ (َ )69وهُ َو الل ُ
ُيعْلِن َ
ح ْكمُ َوِإلَيْ ِه ُترْ َجعُونَ (. ﴾ )70
الْ ُ
الزء الثالث 450
قال ابن كثي :يب ال تعال :أنه النفرد باللق والختيار ،وأنه ليس له
ختَا ُرُقَ مَا يَشَا ُء َويَ ْ
ّكَ َيخْل ُ فَ ذلك منازع ول معقَب .قال تعال ﴿ :وَ َرب َ
﴾ أي :ما يشاء ،فما شاء كان وما ل يشأ ل يكن ،فالمور كلها خيها
خيَ َرةُ ﴾ ،ن في على وشر ها بيده ومرجع ها إل يه .وقوله ﴿ :مَا كَا نَ َلهُ ُم الْ ِ
أ صح القول ي ،كقوله تعال ﴿ :وَمَا كَا نَ لِ ُم ْؤمِ ٍن وَلَا ُم ْؤ ِمَنةٍ ِإذَا قَضَى اللّ هُ
خيَ َر ُة مِنْ َأمْ ِرهِمْ ﴾ .
وَ َرسُولُهُ َأمْرا أَن َيكُونَ َلهُ ُم الْ ِ
إل أن قال :ولذا قال ُ ﴿ :سبْحَانَ اللّ ِه َوَتعَالَى عَمّا يُشْرِكُو نَ ﴾ ،أي :
من الصنام ،والنداد الت ل تلق ول تتار شيئًا ،ث قال تعال ﴿ :وَ َربّ كَ
َيعْلَ ُم مَا ُتكِنّ صُدُو ُرهُ ْم وَمَا ُيعِْلنُو نَ * َو ُهوَ اللّ هُ لَا إِلَ هَ إِلّا ُهوَ ﴾ ،أي :هو
النفرد باللوهيَة فل معبود سَواه ،كمَا ل رب يلق مَا يشاء ويتار سَواه
﴿ .لَ ُه الْحَ ْمدُ فِي اْلأُولَى وَالْآ ِخ َرةِ ﴾ ،أي :ف ج يع ما يفعله هو الحمود
حكْ مُ ﴾ ،أي :الذي ل معقّب له عل يه بعدله وحكم ته ورح ته ﴿ ،وَلَ ُه الْ ُ
لقهره وغلب ته وحكم ته ورح ته َ ﴿ ،وإِلَيْ ِه تُرْ َجعُو نَ ﴾ ،أي :جيع كم يوم
القيامة فيجزى كل عامل بعمله .
قوله عز و جل ُ ﴿ :قلْ أَ َرَأيْتُ ْم إِن جَ َع َل اللّ هُ عَلَ ْيكُ ُم اللّيْلَ سَ ْرمَدا ِإلَى
َيوْ ِم الْقِيَا َمةِ مَ ْن إِلَهٌ غَ ْي ُر اللّهِ َي ْأتِيكُم بِضِيَاء َأفَلَا تَسْ َمعُونَ ( ُ )71قلْ أَ َرَأيْتُمْ إِن
َج َعلَ اللّهُ عَلَ ْيكُمُ الّنهَارَ سَ ْرمَدا ِإلَى َيوْ ِم اْلقِيَا َمةِ مَنْ ِإلَهٌ غَ ْي ُر اللّ ِه َيأْتِيكُم بِلَ ْيلٍ
451 توفيق الرحن ف دروس القرآن
***
الزء الثالث 452
﴿ إِنّ قَارُونَ كَا َن مِن َقوْ ِم مُوسَى فََبغَى َعلَ ْيهِمْ وَآتَيْنَا ُه مِنَ الْكُنُو ِز مَا إِنّ
َمفَاتِحَ هُ لَتَنُو ُء بِاْلعُ صَْبةِ أُولِي اْلقُ ّو ِة ِإذْ قَالَ لَ ُه َق ْومُ هُ لَا َتفْرَ حْ إِنّ اللّ َه لَا يُحِبّ
ك مِ نَ
اْلفَ ِرحِيَ ( )76وَابْتَ ِغ فِيمَا آتَا َك اللّ هُ الدّارَ الْآ ِخ َرةَ وَلَا تَن سَ نَ صِيبَ َ
ض إِنّ اللّ َه لَا
سنَ اللّ هُ ِإلَيْ كَ َولَا تَ ْب غِ اْلفَ سَا َد فِي اْلأَرْ ِ
الدّنْيَا وََأحْ سِن َكمَا َأحْ َ
سدِينَ ( )77قَا َل ِإنّمَا أُوتِيتُ هُ عَلَى عِلْ مٍ عِندِي أَ َولَ ْم َيعْلَ مْ أَنّ اللّ هَ
حبّ الْ ُمفْ ِ
يُ ِ
سأَلُ
ك مِن قَبْلِ ِه مِ نَ ال ُقرُو ِن مَ نْ ُه َو أَ َش ّد مِنْ ُه ُق ّوةً َوأَكَْث ُر جَمْعا َولَا يُ ْ
َق ْد أَهْلَ َ
ِينـ
ِهـ قَا َل الّذ َ
ِهـ فِي زِينَت ِ
َجـ عَلَى َق ْوم ِ
خر َُونـ ( )78فَ َ
ج ِرم َ
ِمـ الْ ُم ْ
عَن ُذنُوِبه ُ
ت لَنَا مِ ْث َل مَا أُوتِ َي قَارُو ُن ِإنّ هُ َلذُو حَظّ عَظِي مٍ (
ُيرِيدُو نَ الْحَيَا َة الدّنيَا يَا لَيْ َ
َنـ وَ َع ِملَ
َنـ آم َ
ّهـ خَ ْيرٌ لّم ْ
َابـ الل ِ
ُمـ َثو ُ
ْمـ َويْ َلك ْ
ِينـ أُوتُوا اْلعِل َ
َ )79وقَا َل الّذ َ
ض فَمَا كَا نَ
سفْنَا بِ هِ َوِبدَارِ هِ اْلأَرْ َ
صَالِحا وَلَا يُلَقّاهَا ِإلّا ال صّاِبرُونَ ( )80فَخَ َ
صرِينَ ( )81وَأَ صْبَحَ
صرُونَ ُه مِن دُو ِن اللّ هِ وَمَا كَا َن مِ َن الُنتَ ِ
لَ هُ مِن فَِئ ٍة يَن ُ
ق لِمَن َيشَا ُء مِ نْ
ط الرّ ْز َ
اّلذِي نَ تَمَّنوْا مَكَانَ هُ بِاْلأَمْ سِ َيقُولُو نَ َوْيكَأَنّ اللّ هَ يَبْ سُ ُ
ح الْكَا ِفرُو نَ (
عِبَادِ ِه َويَ ْقدِ ُر َلوْلَا أَن ّمنّ اللّ هُ َعلَيْنَا َلخَ سَفَ بِنَا َويْ َكَأنّ ُه لَا ُيفْلِ ُ
ْضـ وَلَا
ُونـ عُ ُلوّا فِي اْلأَر ِ
ِينـ لَا ُيرِيد َ
جعَلُهَا لِ ّلذ َ
ْكـ الدّارُ الْآ ِخ َر ُة نَ ْ
)82تِل َ
فَ سَادا وَاْلعَاقَِبةُ لِلْمُّتقِيَ ( )83مَن جَاء بِالْحَ سََن ِة فَلَ ُه خَ ْيرٌ مّنْهَا وَمَن جَاء
ت ِإلّا مَا كَانُوا َيعْمَلُو نَ ( )84إِنّ
جزَى الّذِي نَ َعمِلُوا ال سّيّئَا ِ
بِال سّيَّئةِ فَلَا يُ ْ
اّلذِي َفرَ ضَ عَ َليْ كَ اْلقُرْآ نَ لَرَادّ َك ِإلَى مَعَادٍ قُل ّربّي أَ ْعلَ مُ مَن جَاء بِاْلهُدَى
453 توفيق الرحن ف دروس القرآن
ب ِإلّا
ت َت ْرجُو أَن يُ ْلقَى ِإلَيْ كَ اْلكِتَا ُ
َومَ ْن هُ َو فِي ضَلَالٍ مّبِيٍ ( )85وَمَا كُن َ
صدّّنكَ عَ نْ آيَا تِ
ك فَلَا َتكُونَنّ َظهِيا لّ ْلكَا ِفرِي نَ ( )86وَلَا يَ ُ
َرحْ َم ًة مّ ن ّربّ َ
شرِ ِكيَ ()87
ك َولَا َتكُوَننّ مِ نَ الْ ُم ْ
ك وَادْ عُ إِلَى َربّ َ
ت ِإلَيْ َ
اللّ هِ َب ْعدَ ِإ ْذ أُنزِلَ ْ
َهـ
َهـ ل ُ
ِكـ ِإلّا َو ْجه ُ
َهـ ِإلّا هُوَ ُك ّل شَيْ ٍء هَال ٌ
ّهـ ِإلَها آ َخرَ لَا ِإل َ
َعـ الل ِ
ْعـ م َ
َولَا َتد ُ
ح ْكمُ َوِإلَيْ ِه ُترْ َجعُونَ (. ﴾ )88
الْ ُ
***
الزء الثالث 454
قوله عز وجل ﴿ :إِنّ قَارُو نَ كَا َن مِن َقوْ مِ مُو سَى فََبغَى عَلَ ْيهِ ْم وَآتَيْنَا هُ
مِنَ اْلكُنُو ِز مَا إِنّ َمفَاتِحَ ُه لَتَنُوءُ بِاْلعُصَْب ِة أُولِي اْلقُ ّو ِة ِإذْ قَالَ لَهُ َق ْومُهُ لَا َتفْرَحْ
إِنّ اللّهَ لَا يُحِبّ اْل َفرِحِيَ ( )76وَابْتَ ِغ فِيمَا آتَا َك اللّهُ الدّارَ الْآ ِخ َرةَ وَلَا تَنسَ
سنَ اللّ ُه ِإلَيْكَ َولَا تَ ْب ِغ اْلفَسَا َد فِي الْأَرْضِ
نَصِيَبكَ ِمنَ الدّنْيَا َوأَ ْحسِن َكمَا َأحْ َ
إِنّ اللّ هَ لَا يُحِبّ الْ ُمفْ سِدِينَ ( )77قَا َل ِإنّمَا أُوتِيتُ هُ عَلَى عِلْ مٍ عِندِي َأ َولَ مْ
ك مِن قَبْلِ ِه مِ َن القُرُو ِن مَ نْ ُهوَ َأ َشدّ مِنْ هُ ُق ّو ًة وَأَكَْثرُ
َيعْلَ ْم أَنّ اللّ َه َقدْ َأهْلَ َ
ج ِرمُونَ (. ﴾ )78
سَألُ عَن ُذنُوبِ ِهمُ الْ ُم ْ
جَمْعا َولَا ُي ْ
عن قتادة ِ ﴿ :إنّ قَارُو نَ كَا نَ مِن َقوْ ِم مُو سَى ﴾ كنا ندث أنه كان ابن
عمه أخي أبيه ،وكان يسمى النور من حسن صوته بالتوراة ،ولكن عدو ال
نافق كما نافق السامريّ فأهلكه البغي ،إنا بغى عليهم بكثرة ماله .
صَبةِ أُولِي
و عن ما هد ﴿ :وَآتَْينَا ُه مِ َن اْلكُنُو ِز مَا إِنّ َمفَاتِحَ هُ َلتَنُو ُء بِاْلعُ ْ
اْل ُقوّةِ ﴾ قال :مفا تح من جلود كمفا تح العيدان .و عن ا بن عباس ف قوله
صَبةِ ﴾ ،قال :لتثقل بالعصبة .قال قتادة :ذكر لنا أن العصبة َ ﴿ :لتَنُو ُء بِاْلعُ ْ
ما بي العشرة إل الربعي .
و عن ما هد ف قوله ﴿ :لَا َتفْ َر حْ إِنّ اللّ هَ لَا يُحِبّ اْلفَرِحِيَ ﴾ ،قال :
التبذّخي الشِرين البَطِرين ،الذين ل يشكرون ال على ما أعطاهم .وقال :
هو :فرح البغي .
455 توفيق الرحن ف دروس القرآن
ك مِ نَ ال ّدْنيَا ﴾ ،قال :أن تعمل فيها وعن ابن عباس ﴿ :وَلَا تَنسَ نَصِيبَ َ
ِنَ ال ّدنْيَا ﴾ ،قال :طلب كم َ َنسَ نَصَِيبَ َلخرتَك .وعَن قتادة ﴿ :وَلَا ت َ
اللل .قال ابَن كثيَ :وقوله ﴿ :وَاْبتَغَِ فِيمَا آتَاكََ اللّهَُ الدّا َر الْآخِ َر َة وَلَا
ِنَ ال ّدنْيَا ﴾ ،أي :اسَتعمل مَا وهبَك ال مَن هذا الال َنسَ نَصَِيبَكَ م َ ت َ
الز يل ،والنع مة الطائلة ف طا عة ر بك ،والتقرّب إل يه بأنواع القربات ال ت
يصل لك با الثواب ف الدنيا والخرة ﴿ .وَلَا تَن سَ نَ صِيبَكَ مِ نَ ال ّدْنيَا ﴾ ،
أي :م ا أباح ال في ها من الآ كل والشارب والل بس وال ساكن والنا كح ،
فإن لربك عليك حقًا ،ولنفسك عليك حقًا ،ولهلك عليك حقًا ،ول َزوْرِك
عل يك حقًا ،فآت كل ذي حق ح قه ﴿ َوأَحْ سِن كَمَا َأحْ سَنَ اللّ هُ إَِليْ كَ
﴾ أي :أحسن إل خلقه كما أحسن هو إليك ﴿ وَلَا َتبْ ِغ اْلفَ سَادَ فِي الْأَرْضِ
﴾ أي :ل تكن هتك با أنت فيه أن تفسد به ف الرض وتسيء إل خلق
ب الْ ُمفْسِدِينَ ﴾ .
ح ّ
ال ِ ﴿ ،إنّ اللّهَ لَا يُ ِ
وقال ابن زيد ف قوله ﴿ :قَالَ ِإنّمَا أُوتِيتُ هُ عَلَى عِ ْل ٍم عِندِي ﴾ ،قال :لول
رضا ال عن ومعرفته بفضلي ما أعطان هذا .وقرأ َ ﴿ :أوَلَ ْم َيعْلَمْ َأنّ اللّهَ َق ْد
ك مِن َقبْلِ ِه مِ َن القُرُو نِ مَ ْن ُهوَ َأشَ ّد ِمنْ هُ ُقوّ ًة َوأَ ْكثَرُ جَمْعا ﴾ الية .وعن
َأهْلَ َ
ف الْ ُمجْ ِرمُونَ ج ِرمُونَ ﴾ كقوله ُ ﴿ :يعْرَ ُ سأَ ُل عَن ُذنُوِبهِ ُم الْمُ ْ
ماهد ﴿ :وَلَا يُ ْ
بِ سِيمَاهُمْ ﴾ ،زرقًا سود الوجوه ،واللئ كة ل ت سأل عن هم قد عرفت هم .
وقال السن :ل يسألون سؤال استعلم وإنا يسألون سؤال تقريع وتوبيخ .
الزء الثالث 456
مسعود ( :إن ال قسم بينكم أخلقكم كما قسم أرزاقكم ،وإن ال يعطي
الال من يبّ ومن ل يبّ ،ول يعطي اليان إل من يبّ ) .
ف ِبنَا ﴾ ،أي :لول لطف ال بنا وإحسانه ﴿ َلوْلَا أَن مّنّ اللّ ُه عََلْينَا لَخَسَ َ
إلي نا ل سف ب نا ك ما خ سف به ،لن ودد نا أن نكون مثله َ ﴿ .وْيكََأنّ هُ لَا
ُيفْلِ ُح اْلكَافِرُونَ ﴾ ،يعنون :أنه كان كافرًا ول يفلح الكافرون عند ال ل ف
الدنيا ول ف الخرة .
جعَلُهَا لِ ّلذِي نَ لَا ُيرِيدُو نَ عُ ُلوّا
قوله عز و جل ﴿ :تِلْ كَ الدّا ُر الْآ ِخ َرةُ نَ ْ
ض َولَا فَ سَادا وَالْعَاقَِبةُ لِلْمُّتقِيَ ( )83مَن جَاء بِالْحَ سََن ِة فَلَ ُه خَ ْيرٌ
فِي اْلأَرْ ِ
ت ِإلّا م َا كَانُوا
السـيّئَا ِ
ِينـ َعمِلُوا ّ
جزَى الّذ َ
ِالسـيَّئةِ فَلَا يُ ْ
مّنْه َا وَم َن جَاء ب ّ
َيعْمَلُونَ (. ﴾ )84
ج َعلُهَا لِلّذِي نَ لَا ُيرِيدُو نَ عُُلوّا
عن م سلم البط ي ﴿ :تِلْ كَ الدّا ُر الْآ ِخ َرةُ نَ ْ
ض وَلَا فَ سَادا ﴾ قال :العلوّ :التكب ف الرض بغي الق ،والفساد فِي اْلأَرْ ِ
:ال خذ بغ ي ال ق .و عن ا بن جر يج قوله ﴿ :لِلّذِي نَ لَا يُرِيدُو نَ عُُلوّا فِي
اْلأَرْ ضِ ﴾ قال :تعظيمًا وتبّرًا ﴿ وَلَا فَ سَادا ﴾ عملً بالعاصي .وعن قتادة
﴿ :وَالْعَاِقَبةُ لِلْ ُمّتقِيَ ﴾ أي :النة للمتقي .
وقوله تعال ﴿ :مَن جَاء بِالْحَ َ
سَنةِ فَلَهُ َخْي ٌر ّمنْهَا ﴾ .
الزء الثالث 458
قال ابـن كثيـ :أي :ثواب ال خيَ مَن حسَنة العبَد ،فكيَف وال
سّيَئةِ َفلَا
يضاعفه أضعافًا كثية ؟ وهذا مقام الفضل ؛ ث قال َ ﴿ :ومَن جَاء بِال ّ
جزَى الّذِي َن عَمِلُوا السّّيئَاتِ إِلّا مَا كَانُوا يَعْ َملُونَ ﴾ وهذا مقام العدل .
يُ ْ
قوله عز وجل ﴿ :إِنّ اّلذِي َفرَ ضَ عَلَيْ كَ اْلقُرْآ َن َلرَادّ َك ِإلَى مَعَادٍ قُل
ت َترْجُو
ّربّي أَعْلَ مُ مَن جَاء بِاْل ُهدَى َومَ نْ ُهوَ فِي ضَلَالٍ مِّبيٍ (َ )85ومَا كُن َ
ك فَلَا تَكُونَنّ َظهِيا لّ ْلكَا ِفرِي نَ (
أَن يُلْقَى ِإلَيْ كَ الْكِتَا بُ ِإلّا َرحْ َمةً مّ ن ّربّ َ
ك َولَا
ع ِإلَى َربّ َ
ت ِإلَيْ كَ وَادْ ُ
ت اللّ هِ بَ ْع َد ِإذْ أُنزِلَ ْ
صدّّنكَ عَ نْ آيَا ِ
َ )86ولَا يَ ُ
شرِكِيَ (َ )87ولَا َتدْ عُ مَ َع اللّ ِه ِإلَها آ َخرَ لَا ِإلَ هَ ِإلّا هُوَ ُكلّ
َتكُونَنّ مِ َن الْ ُم ْ
ح ْكمُ َوِإلَيْ ِه ُترْ َجعُونَ (. ﴾ )88
َشيْ ٍء هَاِلكٌ ِإلّا َو ْجهَ ُه َلهُ الْ ُ
ك الْقُرْآنَ َلرَادّكَ إِلَى َمعَادٍ ﴾ ، عن ماهد ف قوله ﴿ :إِنّ الّذِي فَرَضَ عََليْ َ
قال :إل النَة .وقال السَن :أي وال إن له لعادًا يبعثَه ال يوم القيامَة
ويدخله النة .
ك الْقُرْآ نَ َلرَادّ كَ إِلَى َمعَادٍ ﴾ ،
و عن ا بن عباس ﴿ :إِنّ الّذِي فَرَ ضَ عََليْ َ
يقول :لرادّك إل ال نة ،ث سائلك عن القرآن ؛ وع نه ﴿ لَرَادّ كَ إِلَى َمعَادٍ
﴾ قال :إل مكة .
قال ا بن كث ي :وو جه ال مع ب ي هذه القوال أن ا بن عباس ف سرّ ذلك
تارة برجوعَه إل مكَة ،وهَو الفتَح الذي هَو عنَد ابَن عباس أمارة على
اقتراب أ جل ال نب ،إل أن قال :ولذا ف سّر ا بن عباس تارة أخرى قوله :
459 توفيق الرحن ف دروس القرآن
ّكَ إِلَى َمعَادٍ ﴾ بالوت ،وتارة بيوم القيامَة الذي هَو بعَد الوت ،
﴿ لَرَاد َ
وتارة بالنة الت هي جزاؤه ومصيه على أداء رسالة ال وإبلغها إل الثقلي
النس والن .
َنَ جَا َء بِاْلهُدَى ﴾ ،أي :يعلم مَن وقال البغوي ﴿ :قُلْ َربّيَ َأعْل ُ
َمَ م ْ
جاء بالدى ،وهذا جواب لكفار م كة ل ا قالوا لل نب :إ نك ل في ضلل
مبي ،فقال ال عز و جل ﴿ :قُل ﴾ ل م ّ ﴿ :ربّ ي أَعَْل ُم مَن جَاء بِاْلهُدَى
﴾ يع ن :نف سه َ ﴿ ،ومَ ْن ُهوَ فِي ضَل ٍل ُمبِيٍ ﴾ ،يع ن :الشرك ي .وال
أعلم بالفريقي .
قوله تعال َ ﴿ :ومَا كُن تَ َترْجُو أَن يُ ْلقَى إَِليْ كَ اْلكِتَا بُ ﴾ ،أي :يوحى
ّكَ ﴾ ،قال الفراء :هذا مَن السَتثناء إليَك القرآن ﴿ ،إِل رَحْ َم ًة مّنَ ّرب َ
النقطَع معناه :لكَن ربَك رحكَ فأعطاك القرآن ﴿ ،فَل تَكُونَنّ َظهِيا
لّ ْلكَافِرِي نَ ﴾ ،أي :معينا ل م على دين هم .وقال مقا تل :وذلك ح ي دُ عي
إل دين آبائه ،فذكّره ال نعمه وناه عن مظاهرهم على ما هم عليه ﴿ ،وَل
ك عَنْ آيَاتِ اللّهِ ﴾ ،يعن :القرآن َ ﴿ ،بعْدَ ِإذْ أُنزِلَتْ إَِليْكَ وَادْعُ إِلَى
يَصُ ّدنّ َ
شرِكِيَ ﴾ ،قال ابَن ِنَ الْمُ ْ
ّكَ ﴾ إل معرفتَه وتوحيده ﴿ وَل َتكُونَنّ م َ َرب َ
عباس رضي ال عنهما :الطاب ف الظاهر للنب ،والراد به أهل دينه ،
أي :ل تظاهروا الكافرين ول توافقوهم .
وقال ابن كثي :وقوله ﴿ :وَلَا تَدْ ُ
ع مَ عَ اللّ هِ إِلَها آخَرَ لَا إِلَ هَ إِلّا ُهوَ ﴾ ،
أي :ل تليق العبادة إلّ له ول تنبغي اللية إلّ لعظمته .
الزء الثالث 460
وقوله ﴿ :كُ ّل َشيْ ٍء هَالِ كٌ إِلّا وَ ْجهَ هُ ﴾ ،إخبار بأ نه الدائم ،ث البا قي
َ
اليَ القيوم الذي توت اللئق ول يوت ،كمَا قال تعال ﴿ :كُ ّل مَن ْ
جلَا ِل وَالْإِكْرَا مِ ﴾ فعبّر بالوجه عن الذات
عََلْيهَا فَا نٍ * َوَيبْقَى َوجْ هُ َربّ كَ ذُو الْ َ
َهَ ﴾ ،أي :إ ّل إياه .
ِكَ إِلّا وَ ْجه ُ
وهكذا قوله هَا هنَا ﴿ :كُ ّل َشيْءٍ هَال ٌ
ْمَ ﴾ ،أي :اللك والتصَرّف ول معق ّب لكمَه . حك ُ َهَ الْ ُ
وقوله ﴿ :ل ُ
﴿ َوإَِليْهِ تُ ْر َجعُونَ ﴾ ،أي :يوم معادكم فيجزيكم بأعمالكم .
***
461 توفيق الرحن ف دروس القرآن
***
463 توفيق الرحن ف دروس القرآن
تركت دين فكلي ،وإن شئت فل تأكلي ،فلما أيست منه أكلت وشربت
فأنزل ال تعال هذه ال ية ،وأمره :بالب بوالد يه والح سان إليه ما ،وأن ل
يطيعهما ف الشرك ،فذلك قوله عز وجل َ ﴿ :وإِ نْ جَاهَدَا كَ ِلتُشْرِ كَ بِي مَا
ك بِ هِ عِلْ مٌ فَل تُ ِط ْعهُمَا ﴾ .جاء ف الديث « :ل طاعة لخلوق ف َليْ سَ لَ َ
معصية ال الالق » .
ث أوعد بالصي إليه فقال ﴿ :إِلَيّ مَ ْر ِجعُكُمْ َفُأَنبُّئكُ ْم بِمَا ُكْنتُ ْم َتعْمَلُونَ ﴾
أخبكم بصال أعمالكم وسيئها فأجازيكم عليها .
وقوله تعال ﴿ :وَالّذِينَ آ َمنُوا َوعَمِلُوا الصّالِحَاتِ َلنُدْ ِخَلّنهُمْ فِي الصّالِحِيَ
﴾ ،أي :ف زمرة ال صالي .وهم :ال نبياء ،والولياء .قال ابن جر ير :
ّهَ َورَسَُولِهِ َوعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ ﴾ ،
ِينَ آ ِمنُوا بِالل ِ
يقول تعال ذكره ﴿ :وَالّذ َ
وذاك أن يؤدّوا فرائض ال ويتنبوا مارمه َ ﴿ ،لنُ ْدخَِلّنهُ مْ فِي ال صّالِحِيَ ﴾ ف
مدخل الصالي .وذلك :النة .
س مَن َيقُولُ آمَنّا بِاللّ ِه َفِإذَا أُوذِ يَ فِي اللّ هِ
قوله عز وجل ﴿ :وَمِ نَ النّا ِ
صرٌ مّن ّربّكَ لََيقُوُلنّ ِإنّا كُنّا َمعَكُمْ
ب اللّ ِه َولَئِن جَاء نَ ْ
َج َعلَ فِتَْن َة النّاسِ َك َعذَا ِ
صدُو ِر اْلعَالَمِيَ ( )10وَلََيعْلَ َمنّ اللّ هُ اّلذِي نَ آمَنُوا
َأ َولَيْ سَ اللّ ُه بِأَعْلَ َم بِمَا فِي ُ
َولََيعْلَ َمنّ الْمُنَا ِفقِيَ (. ﴾ )11
عن ا بن عباس قوله َ ﴿ :ومِ َن النّا ِ
س مَن َيقُولُ آ َمنّ ا بِاللّ هِ فَإِذَا أُوذِ يَ فِي
اللّهِ َجعَلَ ِفتَْن َة النّاسِ َكعَذَابِ اللّهِ ﴾ ،قال :أن يرتدّ عن دين ال إذا أوذي ف
467 توفيق الرحن ف دروس القرآن
ال .وعن ماهد قوله ﴿:فَِإذَا أُوذِيَ فِي اللّهِ َجعَلَ ِفْتَن َة النّاسِ َكعَذَابِ اللّهِ ﴾
إل قوله ﴿ :وََليَعَْلمَنَّ الْ ُمنَاِفقِيََ ﴾ ،قال :أناس يؤمنون بألسَنتهم ،فإذا
أصَابم بلء مَن ال أو مصَيبة فَ أنفسَهم افتتنوا ،فجعلوا ذلك فَ الدنيَا
كعذاب ال ف الخرة .
سـبِيلَنَا
ِينـ آمَنُوا اتِّبعُوا َ
ِينـ َكفَرُوا لِ ّلذ َ
قوله عـز وجـل َ ﴿ :وقَالَ اّلذ َ
َولْنَحْ ِم ْل خَطَايَاكُمْ َومَا هُم بِحَامِ ِليَ مِنْ خَطَايَاهُم مّن شَيْ ٍء ِإّنهُمْ َلكَاذِبُونَ (
َ )12ولَيَحْمِ ُلنّ َأْثقَاَلهُ ْم َوأَْثقَا ًل مّ َع َأْثقَاِلهِ ْم َولَيُ سَْأُلنّ َيوْ َم الْقِيَا َمةِ َعمّا كَانُوا
َيفَْترُونَ (. ﴾ )13
ُمَ ﴾ ،قال :قول سَبِيَلنَا وَْلنَحْ ِملْ خَطَايَاك ْ
عَن ماهَد قوله ﴿ :اّتِبعُوا َ
كفار قر يش ب كة ل ن آ من من هم ،يقول :قالوا :ل نب عث ن ن ول أن تم ،
فاتّبعونا إن كان عليكم شيء فهو علينا .
وعَن قتادة ﴿ :وََليَحْ ِملُنّ َأثْقَاَلهُم َْ ﴾ ،أي :أوزارهَم َ ﴿ ،وأَْثقَالً مّعََ
َأْثقَاِلهِمْ ﴾ ،يقول :أوزار من أضلّوا .وف الصحيح عن النب قال « :من
دعَا إل هدى كان له مَن الجَر مثَل أجور مَن تبعَه ل ينقَص ذلك مَن
أجورهم شيئًا ،ومن دعا إل ضللة كان عليه من الث مثل آثام من تبعه ل
ينقص ذلك من آثامهم شيئًا » .
ُونَ ﴾ ،سَؤال
ْمَ الْ ِقيَا َمةِ عَمّاَ كَانُوا َيفْتَر َ وقوله تعال ﴿ :وََلي ْ
ُسَأَلُنّ َيو َ
توبيخ وتقريع .
الزء الثالث 468
***
469 توفيق الرحن ف دروس القرآن
سيَ عَاما
ث فِيهِ ْم أَلْ فَ سََنةٍ ِإلّا خَمْ ِ
﴿ َولَ َق ْد أَرْ سَلْنَا نُوحا ِإلَى َق ْومِ ِه فَلَبِ َ
سفِيَنةِ َوجَعَلْنَاهَا
ب ال ّ
صحَا َ
َفَأخَ َذهُ مُ الطّوفَا ُن َوهُمْ ظَالِمُونَ (َ )14فأَنَيْنَاهُ َوأَ ْ
آَي ًة لّ ْلعَالَمِيَ ( )15وَِإْبرَاهِي مَ ِإ ْذ قَا َل ِلقَ ْومِ هِ اعُْبدُوا اللّ هَ وَاّتقُو ُه َذلِكُ مْ خَ ْيرٌ
ّلكُ ْم إِن كُنتُ ْم َتعْلَمُو نَ (ِ )16إنّمَا تَعُْبدُو َن مِن دُو ِن اللّ ِه َأوْثَانا َوتَخْ ُلقُو نَ
ِإفْكا إِنّ اّلذِي نَ َتعُْبدُو َن مِن دُو ِن اللّ هِ لَا يَمْ ِلكُو َن لَكُ مْ ِرزْقا فَابْتَغُوا عِندَ اللّ هِ
ق وَاعُْبدُو ُه وَا ْشكُرُوا لَ هُ ِإلَيْ ِه ُترْ َجعُو نَ ( )17وَإِن ُت َكذّبُوا َف َقدْ َكذّ بَ
الرّزْ َ
غ الْمُِبيُ (َ )18أ َولَ مْ َي َروْا كَيْ فَ
ُأمَ ٌم مّن قَبْ ِلكُ مْ َومَا عَلَى الرّ سُولِ ِإلّا الْبَلَا ُ
يُ ْبدِئُ اللّ هُ الْخَلْ قَ ثُمّ ُيعِيدُ ُه إِنّ َذلِ كَ عَلَى اللّ هِ يَ سِيٌ ( ُ )19قلْ سِيُوا فِي
شَأةَ الْآ ِخ َرةَ إِنّ اللّ هَ عَلَى
شئُ الّن ْ
ف َب َدأَ الْخَلْ َق ثُمّ اللّ هُ يُن ِ
ض فَان ُظرُوا كَيْ َ
اْلأَرْ ِ
ُك ّل َشيْ ٍء َقدِيرٌ (ُ )20يعَذّبُ مَن َيشَا ُء َوَيرْحَمُـ مَن َيشَا ُء َوإِلَيْهِـتُقْلَبُونَـ (
جزِي َن فِي اْلأَرْ ضِ وَلَا فِي ال سّمَاء وَمَا لَكُم مّن دُو نِ اللّ هِ
َ )21ومَا أَنتُم بِ ُمعْ ِ
ك يَئِسُوا مِن
ت اللّهِ َوِلقَائِهِ ُأ ْولَئِ َ
مِن وَِليّ وَلَا نَصِيٍ ( )22وَاّلذِينَ َك َفرُوا بِآيَا ِ
ك َلهُ مْ َعذَا بٌ َألِي مٌ ( )23فَمَا كَا َن َجوَا بَ َق ْومِ هِ ِإلّا أَن قَالُوا
ّرحْمَتِي َوأُ ْولَئِ َ
ك لَآيَا تٍ لّ َقوْ ٍم ُي ْؤمِنُو نَ (
اقْتُلُو ُه َأوْ َح ّرقُو هُ َفأَنَا ُه اللّ ُه مِ َن النّا ِر إِنّ فِي َذلِ َ
خ ْذتُم مّن دُو ِن اللّ هِ َأ ْوثَانا ّم َو ّدةَ بَيِْنكُ مْ فِي الْحَيَاةِ الدّنْيَا
َ )24وقَا َل ِإنّمَا اتّ َ
ثُمّ َيوْ َم اْلقِيَا َمةِ يَ ْك ُفرُ َبعْضُكُم بَِبعْ ضٍ َويَ ْلعَ ُن َبعْضُكُم َبعْضا َو َمأْوَاكُ ُم النّارُ
صرِينَ ( )25فَآمَ َن لَ ُه لُوطٌ َوقَا َل ِإنّي ُمهَا ِجرٌ ِإلَى َربّي إِنّ ُه هُوَ
َومَا َلكُم مّن نّا ِ
الزء الثالث 470
***
الزء الثالث 472
ُهَ
ْقَ ثُمّ ُيعِيد ُ خل َّهَ الْ َ
ْفَ ُيبْدِئُ الل ُ
َمَ يَ َروْا َكي َ
عَن قتادة فَ قوله َ ﴿ :أوَل ْ
ك عَلَى اللّ ِه يَ سِيٌ * قُلْ سِيُوا فِي اْلأَرْ ضِ ﴾ بالب عث ب عد الوت ﴿ .إِنّ ذَلِ َ
شئُ ف بَ َدَأ الْخَلْ قَ ﴾ خلق ال سماوات ،والرض ﴿ ،ثُمّ اللّ ُه يُن ِ فَان ُظرُوا َكيْ َ
النّشَْأ َة الْآخِ َرةَ ﴾ ،أي :البعث بعد الوت .وعن ابن عباس قوله ﴿ :ثُمّ اللّهُ
شئُ النّشَْأ َة الْآخِ َرةَ ﴾ ،قال :هي :الياة بعد الوت ،وهو :النشور . يُن ِ
قال البغوي :فكمَا ل يتعذّر عليَه إحداثهَا مبتدئًا ،ل يتعذّر عليَه
إنشاؤها معيدًا ﴿ ،إِنّ اللّ َه عَلَى كُ ّل َشيْءٍ َقدِيرٌ * ُيعَذّبُ مَن يَشَاءُ َويَرْحَ ُم مَن
يَشَا ُء َوإَِليْهِ ُتقَْلبُونَ ﴾ تُ َردّون .
وقال ابن زيد ف قولهَ ﴿:ومَا أَنتُم بِ ُم ْعجِزِينَ فِي الْأَرْ ِ
ض وَلَا فِي السّمَاء ﴾
قال :ل يعجزه أهَل الرضيَ فَ الرضيَ ،ول أهَل السَماوات فَ
السماوات إن عصوه َ ﴿ ،ومَا َلكُم مّن دُونِ اللّ ِه مِن وَِليّ وَلَا َنصِيٍ ﴾ .
قال البغوي :أي ﴿ :مِن وَلِيّ ﴾ ينع كم م ن ﴿ وَلَا نَ صِيٍ ﴾ ين صركم
من عذاب .
ِهَ ﴾ ،أي :بالقرآن
ّهَ وَِلقَائ ِ
َاتَ الل ِ وقوله تعال ﴿ :وَالّذ َ
ِينَ َكفَرُوا بِآي ِ
والبعث ُ ﴿ ،أوْلَئِكَ َيئِسُوا مِن رّحْ َمتِي ﴾ أي :ل نصيب لم فيها ﴿ َوُأوَْلئِكَ
َلهُ ْم عَذَابٌ أَلِيمٌ ﴾ ،موجع :وهو عذاب النار .
قوله عز وجل ﴿ :فَمَا كَا َن جَوَا بَ قَ ْومِ ِه ِإلّا أَن قَالُوا اقْتُلُو ُه َأوْ َح ّرقُو هُ
ك لَآيَا تٍ ّل َقوْ ٍم ُي ْؤمِنُو نَ (َ )24وقَالَ ِإنّمَا
َفأَنَا ُه اللّ ُه مِ نَ النّا ِر إِنّ فِي َذلِ َ
475 توفيق الرحن ف دروس القرآن
خذْتُم مّ ن دُو ِن اللّ هِ َأ ْوثَانا ّم َو ّدةَ بَيِْنكُ مْ فِي الْحَيَاةِ الدّنْيَا ثُمّ َيوْ َم الْقِيَامَةِ
اتّ َ
ض َويَ ْلعَ نُ َبعْضُكُم بَعْضا َومَ ْأوَاكُ مُ النّا ُر وَمَا لَكُم مّ ن
َي ْكفُ ُر َبعْضُكُم بَِبعْ ٍ
ّهـ هُ َو الْ َعزِيزُ
ُوطـ َوقَالَ ِإنّيـ ُمهَا ِجرٌ ِإلَى َربّيـ ِإن ُ
َهـ ل ٌ
َنـ ل ُ
ّاصـرِينَ ( )25فَآم َ
ن ِ
ِهـ النُّب ّوةَ
ُوبـ َو َجعَلْن َا فِي ذُ ّريّت ِ
ق َويَ ْعق َ
ِسـحَا َ
َهـ إ ْ
ِيمـ ( )26وَ َوهَبْنَا ل ُ
حك ُ الْ َ
( ب وَآتَيْنَا هُ َأ ْجرَ هُ فِي ال ّدنْيَا َوِإنّ ُه فِي الْآ ِخ َرةِ لَمِ َن ال صّالِحِيَ
وَالْكِتَا َ
. ﴾ )27
و عن قتادة قوله ﴿ :فَمَا كَا نَ َجوَا بَ َق ْومِ هِ ﴾ قوم إبراه يم ﴿ ،إِلّا أَن
قَالُوا اقْتُلُوهُ َأوْ َحرّقُو هُ َفأَنَاهُ اللّ ُه مِ َن النّارِ ﴾ ،قال كعب :ما حرقت منه إل
وثاقه ِ ﴿ ،إنّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ ّل َقوْ ٍم ُي ْؤمِنُونَ ﴾ .
و عن قتادة ﴿ :وَقَالَ ِإنّمَا اتّخَذْتُم مّ ن دُو نِ اللّ هِ َأ ْوثَانا ّموَ ّد َة َبيِْنكُ مْ فِي
َنَ َبعْضُك ُم َبعْضا ْضَ َويَ ْلع ُْمَ اْل ِقيَا َمةِ َي ْكفُ ُر َبعْضُك ُم ِببَع ٍ
حيَاةِ ال ّدنْي َا ثُمّ َيو َ
الْ َ
صرِينَ ﴾ ،قال :صارت كل خلّة ف الدن يا َو َم ْأوَاكُ ُم النّا ُر وَمَا لَكُم مّ ن نّا ِ
عداوة على أهلها يوم القيامة إل خلّة التّقي .
وعن ابن عباس قوله ﴿ :فَآمَ نَ لَ هُ لُو طٌ ﴾ ،قال :صدّقه لوط ﴿ ،وَقَالَ
ِإنّي ُمهَاجِرٌ إِلَى َربّ ي ﴾ ،قال :هو إبراه يم .وقال قتادة :هاجرا جيعًا من
كوثى .وهي من ثواد الكوفة إل الشام .
وقوله تعال َ ﴿ :و َو َهبْنَا لَهَُإِس َْحَا َ
ق َوَيعْقُوبََ وَ َجعَلْنَا فِي ذُ ّرّيتِهَِ الّنُبوّةَ
حيَ ﴾ .عن قتادة
وَاْلكِتَابَ وَآَتْينَاهُ َأجْ َرهُ فِي ال ّدْنيَا َوِإنّهُ فِي الْآ ِخ َرةِ لَ ِم َن الصّالِ ِ
الزء الثالث 476
عن ابن عباس قوله ﴿ :وَلَمّا جَاء تْ رُ سُُلنَا ِإبْرَاهِي َم بِاْلبُشْرَى ﴾ إل قوله
﴿ :نَحْ نُ َأعْلَ ُم بِمَن فِيهَا ﴾ ،قال :فجادل إبراهيم اللئكة ف قوم لوط أن
يتركوا ،قال :فقال :أرأيتَم إن كان فيهَا عشَر أبيات مَن السَلمي
أتتركونمَ ؟ فقالت اللئكَة :ليَس فيهَا عشَر أبيات ،ول خسَة ،ول
أربعة ،ول ثلثة ،ول اثنان .قال :فحزن على لوط وأهل بيته فَ ﴿ قَالَ
ت مِ نَجَينّ ُه َوَأهْلَ هُ إِلّا امْ َرَأتَ هُ كَانَ ْ
إِنّ فِيهَا لُوطا قَالُوا نَحْ نُ أَعَْل ُم بِمَن فِيهَا َلنُنَ ّ
حلِي مٌ َأوّا هٌ
اْلغَابِرِي نَ ﴾ فذلك قوله ﴿ :يُجَادِلُنَا فِي َقوْ مِ لُو طٍ * إِنّ ِإبْرَاهِي مَ لَ َ
ّمنِي بٌ ﴾ ،فقالت اللئ كة :يا إبراه يم أعرض عن هذا ،إ نه قد جاء أ مر
ربك ،وإنم آتيهم عذاب غي مردود .
قوله عز وجل َ ﴿ :ولَمّا أَن جَاء تْ رُ سُلُنَا لُوطا سِي َء ِبهِ مْ وَضَا قَ بِهِ مْ
حزَ ْن ِإنّا مُنَجّو َك َوأَهْلَ كَ إِلّا ا ْم َرَأتَ كَ كَانَ تْ مِ نَ
ف َولَا تَ ْ
ذَرْعا َوقَالُوا لَا تَخَ ْ
نلُونَ عَلَى َأ ْهلِ َهذِهِ اْل َقرَْيةِ ِرجْزا مّنَ السّمَا ِء بِمَا كَانُوا
اْلغَاِبرِينَ (ِ )33إنّا مُ ِ
سقُونَ (َ )34وَلقَد ّترَكْنَا مِ ْنهَا آَيةً بَيَّن ًة ّلقَوْ ٍم َي ْعقِلُونَ (. ﴾ )35
َي ْف ُ
عن قتادة قوله ﴿ :وَلَمّ ا أَن جَاء تْ رُ سُُلنَا لُوطا سِي َء ِبهِ ْم وَضَا قَ ِبهِ مْ
ذَرْعا ﴾ ،قال :بالضيافة مافة عليهم ما يعلم من شر قومه .
و عن ما هد قوله ﴿ :وَلَقَد تّرَكْنَا ِمنْهَا آَي ًة َبيَّنةً ﴾ ،قال :عبة .وقال
ابن عباس :الية البيّنة هي آثار منازلم الربة .
الزء الثالث 478
قوله عز و جل ﴿ :وَِإلَى َم ْديَ نَ َأخَاهُ مْ ُشعَيْبا َفقَا َل يَا َقوْ مِ اعُْبدُوا اللّ هَ
ض ُمفْ سِدِينَ ( )36فَ َك ّذبُو ُه َفأَ َخ َذتْهُ مُ
وَا ْرجُوا الَْيوْ َم الْآ ِخرَ َولَا َتعَْثوْا فِي اْلأَرْ ِ
الرّ ْج َفةُ َفأَصْبَحُوا فِي دَا ِرهِ ْم جَاثِ ِميَ (. ﴾ )37
قال ا بن كث ي :وقوله ﴿ :وَلَا َت ْعثَوْا فِي اْلأَرْ ضِ ُمفْ سِدِينَ ﴾ نا هم عن
الع بث ف الرض بالف ساد .و هو :ال سعي في ها والب غي على أهل ها ،وذلك
أن م كانوا ينق صون الكيال واليزان ،ويقطعون الطر يق على الناس ،هذا مع
كفر هم بال ور سوله ،فأهلك هم ال برج فة عظي مة زلزلت علي هم بلد هم ،
وصَيحة أخرجَت القلوب مَن حناجرهَا ،وعذاب يوم الظلّة الذي أزهَق
الرواح من مستقرّها ،إنه كان عذاب يوم عظيم .
قوله عز و جل ﴿ :وَعَادا َوثَمُودَ وَقَد تّبَيّ نَ لَكُم مّ ن مّ سَاكِِن ِهمْ وَزَيّ نَ
صرِينَ ()38
ُسـتَبْ ِ
السـبِي ِل وَكَانُوا م ْ
َنـ َّصـدّ ُهمْ ع ِ
ُمـ ف َ
َانـ أَعْمَاَله ْ
ُمـ الشّيْط ُ
َله ُ
َوقَارُو َن َو ِفرْ َعوْ نَ َوهَامَا َن َولَ َقدْ جَاءهُم مّو سَى بِالْبَيّنَا تِ فَا سْتَكَْبرُوا فِي
ض وَمَا كَانُوا سَاِبقِيَ (َ )39فكُلّا َأ َخذْنَا بِذَنبِ هِ فَ ِم ْنهُم مّ نْ أَرْ سَلْنَا عَلَيْ هِ
اْلأَرْ ِ
ض َومِنْهُم مّ نْ
سفْنَا بِ ِه الْأَرْ َ
حةُ َومِ ْنهُم مّ ْن خَ َ
حَا صِبا َومِ ْنهُم مّ نْ َأ َخذَتْ هُ ال صّ ْي َ
س ُهمْ يَظْ ِلمُونَ (. ﴾ )40
أَ ْغ َرقْنَا وَمَا كَانَ ال ّل ُه لِيَظْلِ َم ُه ْم وََلكِن كَانُوا أَنفُ َ
قال البغوي َ ﴿ :وعَادا َوثَمُودَ ﴾ ،أي :وأهلكنَا عادًا وثود .وعَن
قتادة وكانوا متب صّرين ف ضللتهم ،معجبي ب ا .قال الفراء :كانوا عقلء
ذوي بصائر .
479 توفيق الرحن ف دروس القرآن
وقوله تعال ﴿ :وَقَارُو نَ وَفِ ْر َعوْ َن َوهَامَا نَ وََلقَدْ جَاءهُم مّو سَى بِاْلبَّينَا تِ
ض وَمَا كَانُوا سَابِقِيَ ﴾ أي :فائت ي من عذاب نا ﴿ َفكُلّا فَا ْسَتكْبَرُوا فِي الْأَرْ ِ
أَ َخ ْذنَا بِذَنبِ هِ فَ ِمْنهُم مّ نْ أَرْ سَ ْلنَا عََليْ هِ حَا صِبا ﴾ وهم عاد ﴿ َو ِمْنهُم مّ نْ أَخَ َذتْ هُ
س ْفنَا بِ هِ الْأَرْ ضَ ﴾ و هو قارون حةُ ﴾ يع ن :ثود َ ﴿ ،و ِمنْهُم مّ نْ خَ َ صيْ َال ّ
وأصحابه َ ﴿ ،و ِمْنهُم مّ نْ َأغْرَ ْقنَا ﴾ وهم فرعون وهامان وجنودها َ ﴿ ،ومَا
سهُ ْم يَظْلِمُونَ ﴾ .
كَانَ اللّهُ ِليَظْلِ َمهُمْ وَلَكِن كَانُوا أَنفُ َ
***
الزء الثالث 480
خذَتْ بَيْتا
خذُوا مِن دُو ِن اللّ ِه َأوْلِيَاء َكمََثلِ اْلعَنكَبُوتِ اتّ َ
﴿ مََثلُ اّلذِي َن اتّ َ
ت َلوْ كَانُوا َيعْلَمُونَ ( )41إِنّ اللّ َه َيعْلَ ُم مَا
ت اْلعَنكَبُو ِ
ت لَبَيْ ُ
َوإِنّ أَ ْوهَنَ الْبُيُو ِ
ْكـ اْلَأمْثَالُ
ِيمـ ( )42وَتِل َ
حك ُ ِهـ م ِن َشيْ ٍء َوهُ َو الْ َعزِي ُز الْ َ
ُونـ م ِن دُون ِ
َيدْع َ
ض ِرُبهَا لِلنّاسِ َومَا َي ْعقِ ُلهَا ِإلّا اْلعَالِمُونَ ( )43خَلَقَ اللّهُ السّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ
نَ ْ
ك لَآَيةً لّ ْل ُمؤْمِنِيَ ( )44اتْ ُل مَا أُوحِ َي إِلَيْ كَ مِ نَ الْكِتَا بِ
بِالْحَقّ إِنّ فِي َذلِ َ
حشَاء وَالْمُن َكرِ وََلذِ ْكرُ اللّهِ أَكَْب ُر وَاللّهُ
َوَأقِمِ الصّلَاةَ إِنّ الصّلَاةَ تَ ْنهَى عَنِ اْلفَ ْ
س ُن ِإلّا
َيعْلَ ُم مَا تَ صَْنعُونَ (َ )45ولَا تُجَا ِدلُوا أَ ْه َل الْكِتَا بِ ِإلّا بِالّتِي هِ يَ َأحْ َ
ُمـ َوِإَلهُن َا
ُمـ َوقُولُوا آمَنّاـ بِاّلذِي أُن ِزلَ ِإلَيْن َا وَأُنزِ َل ِإلَيْك ْ
ِينـ ظَ َلمُوا مِ ْنه ْ
اّلذ َ
ك الْكِتَا بَ
َوِإلَ ُهكُ مْ وَا ِح ٌد وَنَحْ ُن لَ هُ مُ سْلِمُونَ ( )46وَ َكذَلِ كَ أَن َزلْنَا ِإلَيْ َ
حدُ
فَالّذِي نَ آتَيْنَاهُ ُم الْكِتَا بَ ُي ْؤمِنُو َن بِ ِه وَمِ نْ َه ُؤلَاء مَن ُي ْؤمِ نُ بِ هِ وَمَا يَجْ َ
ت تَتْلُو مِن قَبْلِ هِ مِن كِتَا بٍ َولَا َتخُطّ هُ
بِآيَاتِنَا ِإلّا اْلكَا ِفرُو نَ ( )47وَمَا كُن َ
صدُورِ اّلذِي نَ
ك إِذا لّا ْرتَا بَ الْمُ ْبطِلُو نَ (َ )48ب ْل هُوَ آيَا تٌ بَيّنَا تٌ فِي ُ
بِيَمِينِ َ
ْهـ
ُونـ (َ )49وقَالُوا َل ْولَا أُن ِزلَ عَلَي ِ
حدُ بِآيَاتِنَا ِإلّا الظّالِم َ
جَْمـ وَمَا يَ ْ
أُوتُوا اْلعِل َ
ت مّ ن ّربّ هِ ُق ْل ِإنّمَا الْآيَا تُ عِن َد اللّ ِه َوإِنّمَا أَنَا َنذِي ٌر مّبِيٌ (َ )50أ َولَ مْ
آيَا ٌ
َي ْكفِهِ مْ أَنّا أَن َزلْنَا عَلَيْ كَ اْلكِتَا بَ يُتْلَى عَلَ ْيهِ ْم إِنّ فِي َذلِ كَ َل َرحْ َمةً َوذِ ْكرَى
َمـ مَا فِي
ُمـ شَهِيدا َيعْل ُ
ّهـ بَيْنِي َوبَيْنَك ْ
ُونـ (ُ )51قلْ كَفَى بِالل ِ
ْمـ يُ ْؤمِن َ
ِل َقو ٍ
481 توفيق الرحن ف دروس القرآن
ُمـ
ِكـ ه ُ
ّهـ ُأ ْولَئ َ
ِينـ آمَنُوا بِالْبَا ِطلِ وَ َك َفرُوا بِالل ِ
ْضـ وَالّذ َ
ت وَاْلأَر ِ
السـمَاوَا ِ
ّ
الْخَاسِرُونَ (. ﴾ )52
***
الزء الثالث 482
وعن ابن عباس ف قوله ﴿ :وَلَذِ ْكرُ اللّ هِ أَ ْكبَرُ ﴾ ،قال :ل ا وجهان :ذ كر
ال أكب ما سواه ،وذكر ال إياكم أكب من ذكركم إياه .
قال شيـخ السـلم ابـن تيميـة :والصَحيح أن الصَلة فيه ا
َ مقصَودان
عظيمان أحدها أعظم من الخر ،ولا فيها من ذكر ال أكب من نيها عن
صَنعُونَ ﴾ .فيجازيكم .
الفحشاء والنكر ﴿ ،وَاللّ ُه َيعْلَ ُم مَا َت ْ
سنُ ِإلّا
ب ِإلّا بِالّتِي هِ َي أَحْ َ
قوله عز و جل ﴿ :وَلَا تُجَادِلُوا َأ ْهلَ اْلكِتَا ِ
ُمـ َوِإَلهُن َا
ُمـ َوقُولُوا آمَنّاـ بِاّلذِي أُن ِزلَ ِإلَيْن َا وَأُنزِ َل ِإلَيْك ْ
ِينـ ظَ َلمُوا مِ ْنه ْ
اّلذ َ
ك الْكِتَا بَ
َوِإلَ ُهكُ مْ وَا ِح ٌد وَنَحْ ُن لَ هُ مُ سْلِمُونَ ( )46وَ َكذَلِ كَ أَن َزلْنَا ِإلَيْ َ
حدُ
فَالّذِي نَ آتَيْنَاهُ ُم الْكِتَا بَ ُي ْؤمِنُو َن بِ ِه وَمِ نْ َه ُؤلَاء مَن ُي ْؤمِ نُ بِ هِ وَمَا يَجْ َ
ت تَتْلُو مِن قَبْلِ هِ مِن كِتَا بٍ َولَا َتخُطّ هُ
بِآيَاتِنَا ِإلّا اْلكَا ِفرُو نَ ( )47وَمَا كُن َ
صدُورِ اّلذِي نَ
ك إِذا لّا ْرتَا بَ الْمُ ْبطِلُو نَ (َ )48ب ْل هُوَ آيَا تٌ بَيّنَا تٌ فِي ُ
بِيَمِينِ َ
حدُ بِآيَاتِنَا ِإلّا الظّالِمُونَ (. ﴾ )49
جَأُوتُوا اْلعِ ْلمَ َومَا يَ ْ
قال ابن زيد ف قوله ﴿:وَلَا ُتجَادِلُوا أَهْ َل اْل ِكتَابِ إِلّا بِالّتِي هِيَ أَحْ َ
سنُ ﴾
قال :ليست بنسوخة .انتهى .وهذه الية كقوله تعال ﴿ :ادْ عُ إِلِى سَبِيلِ
سَنةِ وَجَادِْلهُم بِاّلتِي ِهيَ َأحْسَنُ ﴾ .
حكْ َم ِة وَالْ َم ْوعِ َظ ِة الْحَ َ
ك بِالْ ِ
َربّ َ
قال ابن كثي :وقوله تعال ﴿ :إِلّا الّذِي َن ظَلَمُوا ِمْنهُ مْ ﴾ ،أي :حادوا
عن و جه ال ق ،وعموا عن وا ضح الجّة ،وعاندوا وكابروا فحينئذٍ ينت قل
من الدال إل اللد .و عن سعيد ﴿ :وَلَا تُجَادِلُوا َأهْ َل اْلكِتَا بِ إِلّا بِالّتِي
485 توفيق الرحن ف دروس القرآن
هِ يَ َأحْ سَنُ * إِلّا الّذِي َن ظَلَمُوا ِمنْهُ مْ ﴾ ،قال :أ هل الرب من ل ع هد له
جادله بالسَيف .وعَن أبَ هريرة قال :كان أهَل الكتاب يقرءون التوراة
بالعبانيَة فيفسَّرونا بالعربيَة لهَل السَلم ،فقال رسَول ال « :ل
ت صدّقوا أ هل الكتاب ول تكذّبو هم وقولوا :آم نا بالذي أنزل إلي نا ،وأنزل
إليكم ،وإلنا وإلكم واحد ،ونن له مسلمون » .رواه ابن جرير وغيه .
وقوله تعال ﴿ :وَكَذَلِكَ أَنزَْلنَا إَِليْكَ اْلكِتَابَ ﴾ .
قال البغوي :وكذلك يع ن ك ما أنزل نا إلي هم الكتاب ﴿ :أَنزَلْنَا إَِليْ كَ
ِهَ ﴾ ،يعنَ :مؤمنَ أهَل ُونَ ب ِ
َابَ ُي ْؤ ِمن َُمَ اْل ِكت َ
ِينَ آَتْينَاه ُ
َابَ فَالّذ َ
اْلكِت َ
الكتاب َ ﴿ ،ومِ نْ َهؤُلَاء ﴾ ،يع ن :أ هل م كة ﴿ :مَن ُي ْؤمِ نُ بِ هِ ﴾ و هم
ُونَ ﴾ وذلك أن اليهود جحَ ُد بِآيَاتِنَا إِلّا اْلكَافِر َ
مؤمنَو أهَل مكَة ﴿ ،وَمَا يَ ْ
َ فجحدوا .وقال قتادة : وأهَل مكَة عرفوا أن ممدًا نَبّ ،والقرآن حق ّ
الحود إنا يكون بعد العرفة .
ت َتتْلُو ﴾ يا م مد ﴿ مِن َقبْلِ ِه مِن ِكتَا بٍ وَلَا َتخُطّ ُه ِبيَمِينِ كَ ﴿ وَمَا كُن َ
ب الْ ُمبْطِلُو نَ ﴾ ،﴾ يعن :ل تكن تقرأ ول تكتب قبل الوحي ﴿ ،إِذا لّا ْرتَا َ
قال قتادة :إذًا لقالوا إنا هذا شيء تعلّمه ممد وكتبه .
وقال ال سن ف قوله ﴿ :بَلْ هُ َو آيَا ٌ
ت َبيّنَا تٌ فِي صُدُو ِر الّذِي نَ أُوتُوا
ت َبّينَا تٌ فِي صُدُو ِر الّذِي نَ أُوتُوا اْلعِلْ مَ ﴾ ،يع ن
اْلعِلْ مَ ﴾ القرآن ﴿ ،آيَا ٌ
الؤمني .
قال ابن كثي :ولذا جاء ف صفة هذه المة :أناجيلهم ف صدورهم .
الزء الثالث 486
***
الزء الثالث 488
ب َولَيَ ْأتِيَّنهُم
ب وََل ْولَا َأجَ ٌل مّسَمّى لَجَاءهُ ُم الْ َعذَا ُ
﴿ َويَسْتَعْجِلُوَنكَ بِالْ َعذَا ِ
ّمـ لَ ُمحِي َطةٌ
َابـ َوإِنّ َجهَن َ
ك بِاْل َعذ ِ
َسـَتعْجِلُونَ َ
ُونـ ( )53ي ْ
ش ُعر َ
ُمـ لَا َي ْ
َبغَْتةً َوه ْ
ت أَ ْرجُ ِلهِ مْ
بِالْكَافِرِي نَ ( )54يَوْ َم َي ْغشَاهُ مُ اْل َعذَا بُ مِن َف ْوقِهِ ْم وَمِن تَحْ ِ
ي الّذِي نَ آمَنُوا إِنّ أَرْضِي
َوَيقُولُ ذُوقُوا مَا كُنتُ ْم َتعْمَلُو نَ ( )55يَا عِبَادِ َ
ت ثُمّ ِإلَيْنَا ُت ْرجَعُو نَ (
وَا ِس َعةٌ َفِإيّا يَ فَاعُْبدُو نِ (ُ )56ك ّل َنفْ سٍ ذَاِئقَ ُة الْ َموْ ِ
جرِي مِن
ت لَنَُبوّئَّنهُم مّ َن الْجَّنةِ ُغرَفا تَ ْ
)57وَالّذِي نَ آمَنُوا وَعَمِلُوا ال صّالِحَا ِ
تَحْتِهَا الَْأْنهَا ُر خَالِدِي نَ فِيهَا نِعْ َم أَ ْجرُ اْلعَامِلِيَ ( )58اّلذِي نَ صََبرُوا وَعَلَى
َرّبهِ ْم يََتوَكّلُو نَ ( )59وَ َكَأيّن مِن دَاّبةٍ لَا تَحْ ِملُ رِ ْز َقهَا اللّ ُه َيرْ ُزقُهَا َوِإيّاكُ مْ
ْضـ
السـمَاوَاتِ وَالْأَر َ
َقـ ّّنـ خَل َ
سـأَلَْتهُم م ْ
ِيمـ ( )60وَلَئِن َ
السـمِي ُع اْلعَل ُ
َوهُ َو ّ
ط الرّزْ قَ
س وَالْقَ َم َر لََيقُوُلنّ اللّ ُه َفأَنّى ُيؤْ َفكُو نَ ( )61اللّ هُ يَبْ سُ ُ
خ َر الشّمْ َ
وَ سَ ّ
لِمَن َيشَا ُء مِ نْ عِبَادِ ِه َويَ ْقدِ ُر لَ هُ إِنّ اللّ هَ ِب ُكلّ َشيْءٍ عَلِي مٌ ( )62وَلَئِن َسأَلَْتهُم
ض مِن َبعْ ِد َموْتِهَا لََيقُولُنّ اللّ ُه ُقلِ
مّ ن ّنزّ َل مِ نَ ال سّمَا ِء مَا ًء َفأَحْيَا بِ ِه الْأَرْ َ
ِهـ الْحَيَاةُ ال ّدنْيَا ِإلّا لَ ْهوٌ
ُونـ ( )63وَمَا َهذ ِ
ُمـ لَا َي ْعقِل َ
ّهـ َبلْ أَكَْثرُه ْ
الْحَ ْم ُد لِل ِ
ب َوإِنّ الدّا َر الْآ ِخ َرةَ َلهِ يَ الْحََيوَا نُ َلوْ كَانُوا يَعْلَمُو نَ (َ )64فِإذَا رَ ِكبُوا
َوَلعِ ٌ
ُمـ
ُمـ إِلَى الَْب ّر ِإذَا ه ْ
ّينـ فَلَمّاـ نَجّاه ْ
َهـ الد َ
يل ُِصـ َ
ّهـ مُخْل ِ
ْكـ دَ َعوُا الل َ
فِي اْلفُل ِ
سوْفَ يَعْلَمُونَ ( )66أَ َولَمْ
شرِكُونَ ( )65لِيَ ْك ُفرُوا بِمَا آتَيْنَاهُ ْم وَلِيَتَ َمّتعُوا فَ َ
ُي ْ
س مِ ْن حَ ْوِلهِ مْ أَفَبِالْبَا ِطلِ ُي ْؤمِنُو نَ
ف النّا ُ
خطّ ُ
َي َروْا َأنّ ا جَعَلْنَا َحرَما آمِنا وَيُتَ َ
489 توفيق الرحن ف دروس القرآن
َوبِِنعْ َمةِ اللّهِ َي ْك ُفرُونَ (َ )67ومَنْ أَظْلَ ُم مِمّ ِن افَْترَى عَلَى اللّهِ َكذِبا أَوْ َكذّبَ
بِالْحَقّ لَمّ ا جَاء ُه َألَيْ سَ فِي َجهَنّ َم مَ ْثوًى لّ ْلكَا ِفرِي نَ ( )68وَالّذِي َن جَا َهدُوا
حسِنِيَ (. ﴾ )69
فِينَا لََن ْهدِيَّن ُهمْ سُبُلَنَا َوإِنّ ال ّلهَ لَ َم َع الْمُ ْ
***
الزء الثالث 490
عباد ته ؛ وكثيًا ما يقرّر تعال مقام الل ية بالعتراف بتوح يد الربوب ية ،و قد
كان الشركون يعترفون بذلك ،ك ما يقولون ف تلبيت هم :لبيّك ل شر يك
لك ،إل شريكًا هو لك ،تلكه وما ملك .انتهى .
ب َوإِنّ الدّا َر الْآخِ َرةَ وقوله تعال ﴿ :وَمَا هَذِ هِ الْ َ
حيَاةُ ال ّدنْيَا إِلّا َل ْه ٌو وََلعِ ٌ
حَيوَا نُ ﴾ ،قال ما هد :ل موت في ها .قال ا بن كث ي :وقوله تعال َلهِ َي الْ َ
َ ﴿ :لوْ كَانُوا يَعَْلمُونَ ﴾ ،أي :لثروا ما يبقى على ما يفن .
ي لَ ُه الدّي نَ
صَقوله عز وجل َ ﴿ :فإِذَا رَكِبُوا فِي اْلفُلْ كِ َد َعوُا اللّ هَ مُخْلِ ِ
شرِكُونَ ( )65لَِي ْكفُرُوا بِمَا آتَيْنَاهُمْ َولِيَتَمَّتعُوا
فَلَمّا نَجّاهُمْ ِإلَى الَْبرّ ِإذَا هُ ْم ُي ْ
س مِ نْ
ف النّا ُ
ف َيعْلَمُو نَ ( )66أَ َولَ مْ َي َروْا َأنّا َجعَلْنَا َحرَما آمِنا َويُتَخَطّ ُ
سوْ َ
فَ َ
ّنـ
َمـ مِم ِ
َنـ أَظْل ُ
ُونـ ( )67وَم ْ
ّهـ َي ْكفُر َ
ُونـ َوبِِنعْ َمةِ الل ِ
ِمـ َأفَبِالْبَا ِطلِ ُي ْؤمِن َ
َحوِْله ْ
س فِي جَهَنّ مَ مَ ْثوًى
ب بِالْحَقّ لَمّ ا جَاء ُه َألَيْ َ
افَْترَى عَلَى اللّ هِ َكذِبا َأوْ َكذّ َ
َعـ
ّهـ لَم َ
سـبُلَنَا َوإِن ّ الل َ
ُمـ ُ
ِينـ جَاهَدُوا فِين َا لََن ْه ِديَنّه ْ
ِينـ ( )68وَاّلذ َ
لّ ْلكَا ِفر َ
حسِِنيَ (. ﴾ )69
الْمُ ْ
ذكر ابن إسحاق عن عكرمة بن أب جهل أنه لا فتح رسول ال مكة
ذ هب فارًا من ها ،فل ما ر كب ف الب حر ليذ هب إل الب شة اضطر بت ب م
السفينة فقال أهلها :يا قوم أخلصوا لربكم الدعاء ،فإنه ل ينجي ها هنا إل
هو ،فقال عكرمة :وال لئن كان ل ينجي ف البحر غيه فإنه ل ينجي ف
الزء الثالث 494
***
الزء الثالث 496
يُحَْبرُو نَ (َ )15وَأمّا اّلذِي نَ َكفَرُوا وَ َك ّذبُوا بِآيَاتِنَا َوِلقَاء الْآ ِخ َر ِة َفأُ ْولَئِ كَ فِي
ي تُصِْبحُونَ ()17
ي تُ ْمسُو َن وَحِ َ
ضرُونَ (َ )16فسُبْحَا َن اللّ ِه حِ َ
اْلعَذَابِ مُحْ َ
خرِ جُ
ض وَ َعشِيّا َوحِيَ تُ ْظ ِهرُو نَ ( )18يُ ْ
ت وَاْلأَرْ ِ
َولَ ُه الْحَ ْمدُ فِي ال سّمَاوَا ِ
ت مِ نَ الْحَيّ وَيُحْيِي اْلأَرْ ضَ بَ ْع َد مَ ْوتِهَا
ج الْمَيّ َ
خرِ ُ
ت َويُ ْ
الْحَيّ مِ َن الْمَيّ ِ
خ َرجُونَ (. ﴾ )19
ك تُ ْ
وَ َك َذلِ َ
***
الزء الثالث 498
ض وَهُم مّن
قوله عز وجل ﴿ :آل ( )1غُلِبَتِ الرّومُ ( )2فِي أَ ْدنَى الْأَرْ ِ
ي لِلّ ِه الَْأ ْمرُ مِن قَ ْب ُل وَمِن َبعْ ُد َويَ ْومَِئذٍ
َب ْعدِ غَلَِبهِمْ سََيغْلِبُونَ ( )3فِي بِضْعِ سِنِ َ
ص ُر مَن َيشَا ُء َو ُهوَ اْلعَزِيزُ ال ّرحِي مُ ()5
ص ِر اللّ هِ يَن ُ
ح الْ ُمؤْمِنُو نَ ( )4بِنَ ْ
َي ْفرَ ُ
س لَا َيعْلَمُو نَ (َ )6يعْلَمُو نَ
ف اللّ هُ وَ ْعدَ هُ َوَلكِنّ أَكَْثرَ النّا ِ
وَ ْع َد اللّ هِ لَا يُخْلِ ُ
ظَاهِرا ّم َن الْحَيَاةِ ال ّدنْيَا َوهُمْ َع ِن الْآ ِخ َرةِ ُهمْ غَافِلُونَ (. ﴾ )7
قال ابن عباس :كان السلمون يبون أن تغلب الروم لنم أهل الكتاب،
وكان الشركون يبون أن تغلب فارس لنمَ أهَل أوثان ،قال فذكروا ذلك
لب بكر ،فذكره أبو بكر للنب فقال « :أما إنم َسيُهْ َزمُون » ،فذكر
ذلك أبَو بكَر للمشركيَ قال :فقالوا :أفنجعَل بيننَا وبينكَم أجلً ؟ فإن
غلبوا كان لك كذا ،وكذا ،وإن غلبنا كان لنا كذا ،وكذا ،قال :فجعلوا
بينه وبينهم أجلً خس سني ،قال :فمضت فلم يغلبوا ،قال :فذكر ذلك
أبو بكر للنب فقال له « :أفل جعلته دون العشر » ؟ قال سعيد :والبضع
:ما دون العشر .قال :فغُلِ بَ الروم ث غََلبَ تْ ،قال فذلك قوله ﴿ :آل *
ض َوهُم مّن َبعْدِ غََلِبهِ ْم َسَيغِْلبُونَ * فِي ِبضْ ِع ِسنِيَ غُِلَبتِ الرّومُ * فِي أَ ْدنَى الْأَ ْر ِ
﴾ ،قال :الب ضع :ما دون الع شر ِ ﴿ ،للّ ِه اْلأَمْرُ مِن َقبْ ُل وَمِن بَعْ ُد َوَي ْو َمئِذٍ
ح الْ ُم ْؤمِنُو نَ * ِبنَ صْرِ اللّ هِ ﴾ ،قال سفيان :فبلغ ن أن م غلبوا يوم بدر . َيفْ َر ُ
وعند الترمذي من حديث آخر « :وذلك قبل تري الرهان » .
499 توفيق الرحن ف دروس القرآن
ّاسَ لَا
َهَ وََلكِنّ أَكْثَ َر الن ِ
ّهَ َوعْد ُ
ِفَ الل ُ وقوله تعال َ ﴿ :وعْدَ الل ِ
ّهَ لَا يُخْل ُ
حيَاةِ ال ّدْنيَا َوهُ ْم عَ ِن الْآخِ َر ِة هُ ْم غَافِلُو نَ ﴾ ،
َيعْلَمُو نَ * َيعْلَمُو َن ظَاهِرا مّ َن الْ َ
حيَاةِ ال ّدنْيَا ﴾ ،يع ن :الكفار يعرفون عن ا بن عباس قوله ﴿ :ظَاهِرا مّ َن الْ َ
عمران الدنيا ،وهم ف أمر الدين جهّال .
قوله عز وجل َ ﴿ :أوَلَ ْم يََتفَ ّكرُوا فِي أَنفُ سِ ِه ْم مَا خَلَ قَ اللّ هُ ال سّمَاوَاتِ
س بِ ِلقَاء
ض وَمَا بَيَْنهُمَا ِإلّا بِالْحَقّ َوَأجَ ٍل مّ سَمّى َوإِنّ كَثِيا مّ َن النّا ِ
وَالْأَرْ َ
ض فَيَن ُظرُوا كَيْ فَ كَا نَ عَاقَِبةُ
َرّبهِ ْم َلكَا ِفرُو نَ ( )8أَ َولَ ْم يَ سِيُوا فِي اْلأَرْ ِ
ض وَعَ َمرُوهَا أَكَْث َر مِمّ ا
اّلذِي نَ مِن قَبْ ِلهِ مْ كَانُوا َأشَ ّد مِ ْنهُ ْم قُ ّو ًة َوأَثَارُوا اْلأَرْ َ
ت فَمَا كَا نَ اللّ ُه لِيَظْلِ َمهُ مْ وَلَكِن كَانُوا
عَ َمرُوهَا وَجَاءْتهُ مْ رُ سُ ُلهُم بِالْبَيّنَا ِ
ِينـ أَسـَاؤُوا السـّوأَى أَن َك ّذبُوا
َانـ عَاقَِب َة الّذ َ
ُونـ ( )9ثُمّ ك َ
ُسـهُ ْم يَظْلِم َ
أَنف َ
بِآيَاتِ ال ّل ِه وَكَانُوا ِبهَا َيسَْت ْهزِئُون (. ﴾ )10
قال ابـن كثيـ :يقول تعال منبّهًا على التفكّر فَ ملوقاتَه الدالّة على
َمَ
وجوده وانفراده بلقهَا ،وأنَه ل إله غيه ول رب سَواه ،فقال َ ﴿ :أوَل ْ
سهِمْ ﴾ ،يعن به :النظر ،والتدبّر ،والتأمّل للق ال الشياء َيَتفَكّرُوا فِي أَنفُ ِ
من العال العلوي ،والسفلي ،وما بينهما من الخلوقات التنوّعة ،والجناس
الختلفة ،فيعلموا أنا ما خُلقت سدى ،ول باطلً ،بل بالق .وأنا مؤجّلة
إل أ جل م سمّى .و هو :يوم القيا مة ،ولذا قال تعال َ ﴿ :وإِنّ َكثِيا مّ نَ
النّاسِ بِِلقَاء َرّبهِمْ َلكَافِرُونَ ﴾ .
الزء الثالث 500
ث نبّههم على صدق رسله فيما جاءوا عنه ،با أيّدهم به من العجزات
والدلئل الواضحات ،من إهلك من ك فر ب م ،وناة من صدّقهم ،فقال
تعال َ ﴿ :أوَلَ ْم يَ سِيُوا فِي الْأَرْ ضِ ﴾ ،أي :بأفهام هم وعقول م ونظر هم
و ساع أخبار الاضي ي ؟ ولذا قال َ ﴿ :فيَنظُرُوا َكيْ فَ كَا َن عَاِقَبةُ الّذِي َن مِن
َقبِْلهِمْ كَانُوا َأشَ ّد مِْنهُمْ ُق ّوةً ﴾ ،أي :كانت المم الاضية ،والقرون السالفة
أش ّد من كم قوّة ،أي ها البعوث إلي هم م مد ،وأك ثر أموالً وأولدًا ،و ما
أوتيتم معشار ما أوتوا ،ومكّنوا ف الدنيا تكينًا ل تبلغوا إليه ،وعمروا فيها
عمارًا طوالً فعمروها أكثر منكم واستغلّوها أكثر من استغللكم ،ومع هذا
فلما جاءتم رسلهم بالبيّنات وفرحوا با أوتوا ،أخذهم ال بذنوبم وما كان
لم من ال من واق ،ول حالت أموالم وأولدهم بينهم وبن بأس ال ،ول
دفعوا عن هم مثقال ذرّة ،و ما كان ال ليظلم هم في ما أح ّل ب م من العذاب
والنكال .
سهُ ْم يَظِْلمُو نَ ﴾ ،أي :وإنا أوتوا من أنفسهم حيث ﴿ وََلكِن كَانُوا أَنفُ َ
كذّبوا بآيات ال واسَتهزؤوا باَ ،ومَا ذاك إل بسَبب ذنوبمَ السَالفة
وتكذيبهم التقدّم ،ولذا قال تعال ﴿ :ثُمّ كَا َن عَاِقبَ َة الّذِي نَ أَ سَاؤُوا ال سّوأَى
سَتهْ ِزئُون ﴾ .
أَن كَ ّذبُوا بِآيَاتِ اللّ ِه وَكَانُوا ِبهَا يَ ْ
قوله عز و حل ﴿ :اللّ هُ يَ ْب َدأُ الْخَلْ َق ثُمّ يُعِيدُ هُ ثُمّ ِإلَيْ ِه ُترْ َجعُو نَ ()11
ج ِرمُو نَ ( )12وَلَ ْم يَكُن لّهُم مّ ن ُشرَكَائِهِ مْ
س الْمُ ْ
َوَيوْ مَ تَقُو ُم ال سّا َع ُة يُبْلِ ُ
501 توفيق الرحن ف دروس القرآن
ُش َفعَاء وَكَانُوا ِبشُرَكَاِئهِ مْ كَا ِفرِي نَ ( )13وََيوْ َم َتقُو ُم ال سّا َعةُ َي ْومَِئذٍ يََت َف ّرقُو نَ
ضةٍ يُحَْبرُو نَ ()15
(َ )14فَأمّا اّلذِي نَ آمَنُوا وَعَمِلُوا ال صّالِحَاتِ َفهُ مْ فِي َروْ َ
َابـ
ِكـ ف ِي الْ َعذ ِ
ِينـ َكفَرُوا وَ َك ّذبُوا بِآيَاتِن َا َولِقَاء الْآ ِخ َرةِ َفُأوْلَئ َ
َوَأمّاـ الّذ َ
ضرُو نَ ( )16فَ سُبْحَا َن اللّ ِه حِيَ تُمْ سُو َن وَحِيَ تُ صِْبحُونَ (َ )17ولَ هُ
مُحْ َ
حيّ
ج الْ َ
خرِ ُ
ض وَ َعشِيّا وَحِيَ تُ ْظ ِهرُو نَ ( )18يُ ْ
الْحَ ْم ُد فِي ال سّمَاوَاتِ وَالْأَرْ ِ
ض َب ْعدَ َم ْوتِهَا وَ َكذَلِ كَ
خرِ جُ الْمَيّ تَ مِ َن الْحَيّ َويُحْيِي الْأَرْ َ
ت َويُ ْ
مِ َن الْمَيّ ِ
خ َرجُونَ (. ﴾ )19
تُ ْ
يقول تعال ﴿ :اللّ هُ يَبْ َدُأ الْخَ ْل َق ثُمّ ُيعِيدُ هُ ﴾ ،أي :ك ما هو قادر على
ُونَ ﴾ ،أي :يوم القيامَة ْهَُترْ َجع َبداءتَه فهَو قادر على إعادتَه ﴿ ،ثُمّ إَِلي ِ
ِسَ
ُومَ السَّاعَ ُة ُيبْل ُ
ْمَ َتق ُ
فيجازي كَل عامَل بعمله ،ثَ قال تعال َ ﴿ :ويَو َ
ُونَ ﴾ ،قال ابَن عباس :ييأس الجرمون .وقال ماهَد :يفتضَح الْ ُمجْ ِرم َ
الجرمون .و ف روا ية :يكتئب الجرمون ﴿ وَلَ مْ يَكُن لّهُم مّ ن ُشرَكَاِئهِ مْ
ُش َفعَاء ﴾ أي :ما شف عت فيهم اللة ال ت كانوا يعبدون ا من دون ال تعال
بل كفروا بم .
ث قال تعال َ ﴿ :ويَوْ مَ َتقُو ُم ال سّا َعةُ َيوْ َمئِ ٍذ َيتَفَرّقُو نَ ﴾ ،قال قتادة :هي
ِينَ آ َمنُوا
وال الفرقَة التَ ل اجتماع بعدهَا ،ولذا قال تعال َ ﴿ :فَأمّاَ الّذ َ
ُونَ ﴾ ،قال ماهَد :ينعمون ، حبَر َض ٍة يُ ْ
ُمَ ف ِي َروْ َ
َوعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ َفه ْ
الزء الثالث 502
﴿ َوَأمّاَ الّذِينََ َكفَرُوا وَكَ ّذبُوا بِآيَاتِنَا وَِلقَاء الْآخِ َرةِ َفأُوَْلئِكََ فِي اْلعَذَابَِ
ضرُونَ ﴾ . حَمُ ْ
وقوله تعال ﴿ :فَ ُ
سبْحَانَ اللّهِ ِحيَ تُمْسُونَ وَ ِحيَ تُصْبِحُونَ * وَلَ ُه الْحَ ْمدُ
ض َوعَشِيّا وَحِيَ تُ ْظهِرُو نَ ﴾ ،هذا ت سبيح م نه تعال
فِي ال سّمَاوَاتِ وَاْلأَرْ ِ
لنفسه القدّسة ،وإرشاد لعباده إل تسبيحه وتميده ف هذا الوقات التعاقبة
سبْحَانَ اللّهِ حِيَ
.قال ابن عباس :جعت هاتان الياتان مواقيت الصلة ﴿ فَ ُ
شيّا
صبِحُونَ ﴾ الفجر َ ﴿ ،وعَ ِتُمْسُونَ ﴾ قال :الغرب والعشاء ﴿ .وَحِيَ تُ ْ
ي تُ ْظهِرُونَ ﴾ الظهر .
﴾ العصر َ ﴿ ،وحِ َ
حيّ ﴾ ،
ج الْ َميّ تَ مِ نَ الْ َ
خرِ ُ
حيّ مِ َن الْ َميّ تِ َويُ ْ
ج الْ َ وقوله تعال ﴿ :يُ ْ
خرِ ُ
قال ا بن م سعود :ويرج النط فة من الر جل مي تة و هو ح يّ ،ويرج الر جل
منها حيّا وهي ميتة .
ك تُخْ َرجُونَ ﴾ ،كقوله وقوله تعال َ ﴿ :ويُ ْ
حيِي اْلأَ ْرضَ بَعْ َد َم ْوِتهَا وَكَذَلِ َ
ك تَرَى اْلأَرْ ضَ خَا ِش َعةً فَِإذَا أَنزَْلنَا عََلْيهَا الْمَاء ا ْهتَزّ تْ
تعال َ ﴿ :ومِ ْن آيَاتِ هِ َأنّ َ
حيِي الْ َموْتَى ِإنّهُ عَلَى كُ ّل َشيْءٍ َقدِيرٌ ﴾ . وَ َرَبتْ إِ ّن الّذِي أَ ْحيَاهَا لَمُ ْ
***
503 توفيق الرحن ف دروس القرآن
شرُو نَ ()20
ش ٌر تَنَت ِ
ب ثُمّ إِذَا أَنتُم َب َ
﴿ َومِ نْ آيَاتِ ِه أَ نْ خَ َلقَكُم مّ ن ُترَا ٍ
َومِ نْ آيَاتِ هِ أَ ْن خَلَ َق لَكُم مّ نْ أَنفُ سِ ُكمْ أَ ْزوَاجا لّتَ سْكُنُوا ِإلَ ْيهَا َوجَ َع َل بَيْنَكُم
ت ّلقَوْ ٍم يََت َف ّكرُو نَ (َ )21ومِ نْ آيَاتِ هِ خَلْ قُ
ك لَآيَا ٍ
ّم َو ّدةً وَ َرحْ َمةً إِنّ فِي َذلِ َ
ف َألْ سِنَِتكُ ْم َوأَْلوَاِنكُ ْم إِنّ فِي َذلِ كَ لَآيَا تٍ
ض وَاخْتِلَا ُ
ال سّمَاوَاتِ وَالْأَرْ ِ
لّ ْلعَالِ ِميَ ( )22وَمِ نْ آيَاتِ ِه مَنَامُكُم بِاللّ ْيلِ وَالّنهَا ِر وَابِْتغَاؤُكُم مّن فَضْلِ ِه إِنّ
ق َخوْفا وَطَمَعا
ت ّلقَوْ ٍم يَسْ َمعُونَ (َ )23ومِنْ آيَاتِهِ ُيرِيكُ ُم الْبَرْ َ
فِي ذَلِكَ لَآيَا ٍ
ت ّلقَوْمٍ
ك لَآيَا ٍ
ض َب ْعدَ َم ْوتِهَا إِنّ فِي َذلِ َ
َويَُنزّ ُل مِ َن السّمَا ِء مَا ًء فَيُحْيِي بِهِ اْلأَرْ َ
ض ِبَأمْرِ ِه ثُمّ ِإذَا دَعَاكُ مْ
َي ْعقِلُو نَ ( )24وَمِ نْ آيَاتِ ِه أَن َتقُو َم ال سّمَاء وَاْلأَرْ ُ
خ ُرجُو نَ ( )25وَلَ ُه مَن فِي ال سّمَاوَاتِ وَاْلأَرْ ضِ
ض ِإذَا أَنتُ مْ تَ ْ
دَ ْع َو ًة مّ نَ اْلأَرْ ِ
ُك ّل لّ هُ قَانِتُو نَ (َ )26وهُ َو اّلذِي يَ ْب َدأُ الْخَلْ قَ ُثمّ ُيعِيدُ ُه َوهُ َو أَ ْهوَ نُ عَلَيْ ِه َولَ هُ
ضرَ بَ
حكِي مُ (َ )27
ض َوهُ َو اْلعَزِيزُ الْ َ
الْمََث ُل الْأَعْلَى فِي ال سّمَاوَاتِ وَالْأَرْ ِ
ت َأيْمَاُنكُم مّن شُرَكَاء فِي مَا
ل مِ ْن أَنفُ سِ ُكمْ هَل ّلكُم مّن مّا مَلَكَ ْ
َلكُم مّثَ ً
َر َزقْنَاكُ مْ َفأَنتُم ْـ فِيهِـ سَـوَاء تَخَافُوَنهُ مْ كَخِيفَِتكُم ْـأَنفُسَـ ُكمْ َك َذلِكَـُنفَصّـلُ
الْآيَا تِ ِل َقوْ مٍ يَ ْعقِلُو نَ (َ )28ب ِل اتّبَ عَ اّلذِي نَ ظَلَمُوا َأ ْهوَاءهُم بِغَ ْيرِ عِلْ ٍم فَمَن
صرِينَ (َ )29فَأقِ مْ َوجْهَ كَ لِلدّي نِ حَنِيفا
ضلّ اللّ ُه َومَا َلهُم مّن نّا ِ
َي ْهدِي مَ ْن أَ َ
ك الدّي ُن الْقَيّ مُ
فِ ْط َر َة اللّ هِ الّتِي فَ َط َر النّا سَ عَلَيْهَا لَا تَ ْبدِيلَ لِخَلْ ِق اللّ هِ َذلِ َ
س لَا َيعْلَمُو نَ ( )30مُنِيِبيَ ِإلَيْ ِه وَاّتقُو ُه َوَأقِيمُوا ال صّلَا َة َولَا
َولَ ِكنّ أَكَْثرَ النّا ِ
الزء الثالث 504
***
505 توفيق الرحن ف دروس القرآن
شرٌ
وقوله عز وجل َ ﴿ :ومِ نْ آيَاتِ ِه أَ ْن خَ َلقَكُم مّن ُترَا بٍ ُثمّ ِإذَا أَنتُم َب َ
سكُنُوا إِلَ ْيهَا
سكُ ْم أَ ْزوَاجا لّتَ ْ
شرُونَ ( )20وَمِنْ آيَاتِ ِه أَ ْن خَلَقَ َلكُم مّ ْن أَنفُ ِ
تَنَت ِ
َوجَ َع َل بَيَْنكُم ّم َو ّدةً وَ َرحْ َم ًة إِنّ فِي َذلِ كَ لَآيَا تٍ ّل َقوْ ٍم يََت َفكّرُو نَ ( )21وَمِ نْ
ف َألْ سِنَِت ُكمْ َوَألْوَانِكُ مْ إِنّ فِي َذلِ كَ
ض وَاخْتِلَا ُ
ت وَاْلأَرْ ِ
آيَاتِ هِ خَلْ ُق ال سّمَاوَا ِ
لَآيَاتٍـلّ ْلعَالِمِيَ ( )22وَمِ نْ آيَاتِهِـ مَنَامُكُم بِاللّ ْي ِل وَالّنهَارِ وَابِْتغَاؤُكُم مّنـ
فَضْ ِل ِه إِ ّن فِي َذِلكَ لَآيَاتٍ ّل َقوْ ٍم َيسْ َمعُونَ (. ﴾ )23
عن قتادة َ ﴿ :ومِ ْن آيَاتِهِ أَنْ خََل َقكُم مّن تُرَابٍ ﴾ ،خلق آدم عليه السلم
من تراب ﴿ :ثُمّ إِذَا أَنتُم بَشَ ٌر تَنتَشِرُونَ ﴾ ،يعن :ذريته َ ﴿ .ومِ ْن آيَاتِهِ أَنْ
سكُمْ أَ ْزوَاجا ﴾ ،خلق ها ل كم من ضلع من أضل عه ، خَلَ قَ لَكُم مّ نْ أَنفُ ِ
﴿ وَ َجعَ َل َبْينَكُم ّموَ ّدةً وَ َرحْ َمةً ﴾ ،قال البغوي :وجعَل بيَ الزوجيَ
الوّدة والرح ة ،فه ما يتوادّان ويتراحان ،و ما ش يء أ حب إل أحده ا من
ال خر من غ ي َرحِ ٍم بينه ما ﴿ :إِنّ فِي ذَلِ كَ لَآيَا تٍ ّل َقوْ مٍ َيَت َفكّرُو نَ ﴾ ف
عظمة ال وقدرته .
ْسََنتِكُمْ
َافَ أَل ِ
ْضَ وَا ْختِل ُ
السَمَاوَاتِ وَاْلأَر ِ
ْقَ ِّهَ َخل ُ قوله َ ﴿ :وم ْ
ِنَ آيَات ِ
ُمَ ﴾ ،يعنَ :اختلف اللغات مَن العربيَة والعجميَة وغيهاَ : َوأَْلوَاِنك ْ
﴿ َوأَْلوَاِنكُ مْ ﴾ ،أبيض ،وأسود ،وأحر وأنتم ولد رجل واحد وامرأة
َاتَ لّ ْلعَالِمِيَ ﴾ ،قرأ حفَص بكسَر اللم : ِكَ لَآي ٍ واحدة ﴿ ،إِنّ فِي ذَل َ
ِهَ ﴾ ،أي :
ِهَ َمنَامُكُم بِالّليْ ِل وَالنّهَا ِر وَاْبتِغَاؤُكُم مّنَ َفضْل ِ
ِنَ آيَات ِ
﴿ َوم ْ
الزء الثالث 506
ت صرّفكم ف طلب العي شة ﴿ :إِنّ فِي ذَلِ كَ لَآيَا تٍ ّل َقوْ ٍم يَ سْ َمعُونَ ﴾ ساع
نذير واعتبار .
ق َخوْفا وَطَمَعا َويَُنزّ ُل مِ نَ
قوله عز و جل َ ﴿ :ومِ نْ آيَاتِ ِه ُيرِيكُ ُم الَْبرْ َ
ت ّلقَوْ ٍم َيعْقِلُو نَ (
حيِي بِ هِ اْلأَرْ ضَ بَ ْع َد مَ ْوِتهَا إِنّ فِي َذلِ كَ لَآيَا ٍ
ال سّمَا ِء مَا ًء فَيُ ْ
َ )24ومِ نْ آيَاتِ هِ أَن َتقُو َم ال سّمَاء وَاْلأَرْ ضُ بَِأ ْمرِ هِ ثُمّ ِإذَا دَعَاكُ مْ دَ ْع َوةً مّ نَ
ت وَاْلأَرْ ضِ ُك ّل لّ هُ
خ ُرجُو نَ (َ )25ولَ هُ مَن فِي ال سّمَاوَا ِ
ض ِإذَا أَنتُ ْم تَ ْ
اْلأَرْ ِ
قَانِتُو نَ (َ )26وهُ َو اّلذِي يَ ْب َدأُ الْخَلْ َق ثُمّ ُيعِيدُ هُ َو ُهوَ َأ ْهوَ نُ عَلَيْ هِ وَلَ هُ الْمََثلُ
ض وَ ُهوَ اْل َعزِي ُز الْحَكِيمُ (. ﴾ )27
اْلأَعْلَى فِي السّمَاوَاتِ وَاْلأَرْ ِ
ِهَ ﴾ الدالة على عظمتَه أنَه قال ابـن كثيـ :يقول تعال َ ﴿ :وم ْ
ِنَ آيَات ِ
﴿ :يُرِيكُ ُم اْلبَرْ قَ َخوْفا َوطَمَعا ﴾ ،أي :تارة تافون م ا يدث بعده من
أمطار مزع جة و صواعق مقل قة ،وتارة ترجون ومي ضه .و ما يأ ت بعده من
ِهَ
السَمَا ِء مَاءً َفيُحْيِي ب ِ
ِنَ ّ الطَر الحتاج إليَه ؛ ولذا قال تعال َ ﴿ :وُينَزّ ُل م َ
اْلأَرْضَ َبعْ َد َم ْوِتهَا ﴾ ،وف ذلك عبة ودللة واضحة على العاد وقيام الساعة
؛ ولذا قال ِ ﴿ :إنّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ ّل َق ْومٍ َي ْعقِلُونَ ﴾ .
وعن قتادة َ ﴿ :ومِ نْ آيَاتِ هِ أَن َتقُو مَ ال سّمَاء وَاْلأَرْ ضُ ِبَأمْرِ هِ ﴾ قامتا بأمره
من غي عَمَدٍ ﴿ :ثُمّ إِذَا َدعَاكُمْ َد ْع َوةً مّ َن اْلأَرْضِ إِذَا أَنتُ ْم تَخْ ُرجُونَ ﴾ ،قال
:دعاهم فخرجوا من الرض .وقال ابن عباس :من القبور .قال ابن كثي
:ث قال تعال َ ﴿ :ومِ ْن آيَاتِ هِ أَن َتقُو مَ ال سّمَاء وَاْلأَرْ ضُ بَِأمْرِ هِ ﴾ ،كقوله
507 توفيق الرحن ف دروس القرآن
ك ال سّمَاء أَن َتقَ َع عَلَى اْلأَرْ ضِ إِلّا بِِإ ْذنِ هِ ﴾ وقوله ﴿ :إِنّ تعال َ ﴿ :ويُمْ سِ ُ
ت وَالْأَرْ ضَ أَن تَزُو َل ﴾ ؛ وكان عمر بن الطاب رضي ك ال سّمَاوَا ِ اللّ َه يُمْ سِ ُ
ال عنه إذا اجتهد ف اليمي قال :والذي تقوم السماء والرض بأمره ،أي :
قائ مة ثاب تة بأمره ل ا وت سخيه إيا ها ،ث إذا كان يوم القيا مة بدّلت الرض
غ ي الرض وال سماوات ،وخر جت الموات من قبور ها أحياء بأمره تعال
ودعائه إياهم ،ولذا قال تعال ﴿ :ثُمّ إِذَا َدعَاكُ مْ َدعْ َو ًة مّ َن اْلأَرْ ضِ إِذَا أَنتُ مْ
خرُجُو نَ ﴾ ،وعن ابن عباس قوله َ ﴿ :ومِ ْن آيَاتِ هِ أَن َتقُو َم ال سّمَاء وَالْأَرْ ضُ تَ ْ
ِبَأمْرِ هِ ﴾ إل ُ ﴿ :كلّ لّ هُ قَاِنتُو نَ ﴾ يقول :مطيعون ،يع ن :الياة والنشور
والوت وهم عاصون له فيما سوى ذلك من العبادة .
﴿ َو ُهوَ الّذِي َيبْ َدُأ الْخَلْ َق ثُمّ يُعِيدُ ُه َوهُوَ َأ ْهوَ ُن عََليْهِ ﴾ ،يقول :كل شيء
عليَه هيّن .وقال عكرمَة :تعجّب الكفار مَن إحياء ال الوتَى فنلت :
﴿ َو ُهوَ الّذِي َيبْ َدُأ الْخَلْ َق ثُمّ يُعِيدُ ُه َوهُوَ َأ ْهوَ ُن عََليْ هِ ﴾ إعادة اللق أهون
عل يه من ابتدائه .عن ما هد قوله َ ﴿ :و ُهوَ َأ ْهوَ نُ عََليْ هِ ﴾ ،قال :العادة
أهون عل يه من البداءة ،والبداءة عل يه هيّن .و عن ا بن عباس قوله ﴿ :وَلَ هُ
َهَ الْ َمثَلُ
الْ َمثَ ُل اْلأَعْلَى ﴾ ،يقول :ليَس كمثله شيَء .وعَن قتادة ﴿ :وَل ُ
اْلأَعْلَى ﴾ ف السماوات والرض ،قال َمثَلُ هُ إنه ل إله إلّ هو ول رب غيه
حكِيمُ ﴾ .
َ ﴿ .وهُ َو اْلعَزِي ُز الْ َ
الزء الثالث 508
« مَا مَن مولود يولد إلّ على الفطرة ،فأبواه يهوّدانَه ،أو ينصَّرانه ،أو
يجّسانه ،كما تنتج البهيمة بيمة جعاء هل ت سّون فيها من جدعاء ؟ -ث
خلْ قِ اللّ هِ ذَلِ كَ الدّي نُ
يقول ﴿ : -فِ ْط َرةَ اللّ هِ الّتِي َفطَ َر النّا سَ عََلْيهَا لَا َتبْدِيلَ لِ َ
اْل َقيّمُ ﴾ » .
قال البغوي :فمَن حلَ الفطرة على الديَن قال :معناه ل تبديَل لديَن
ال ،وهو خب بعن النهي ،أي :ل تبدلوا دين ال .قال ماهد ،وإبراهيم :
معنَ اليَة :الزموا فطرة ال .أي :ديَن ال ،واتبعوه ول تبدلوا التوحيَد
بالشرك ﴿ ذَلِكَ الدّي ُن الْ َقيّمُ ﴾ الستقيم ﴿ وََلكِنّ أَ ْكثَ َر النّاسِ ل َيعْلَمُونَ ﴾ .
َ
َلَاةَ وَلَا َتكُونُوا مِن َ
َ َوأَقِيمُوا الص ّ وقوله تعال ُ ﴿ :منِيبِيََإَِليْه ِ
َ وَاّتقُوه ُ
َكَ ﴾ أنَت يَا ممَد ومَن ِمَ َو ْجه َ
شرِكِي َ ﴾ ،يقول تعال َ ﴿ :فأَق ْ الْمُ ْ
اتبعك ُ ﴿ ،منِيبِيَ إِلَيْ هِ ﴾ ،أي :راجعي إليه ﴿ ،وَاّتقُو ُه َوأَقِيمُوا ال صّلَاةَ وَلَا
َتكُونُوا مِ نَ الْمُشْرِكِيَ ﴾ بل كونوا من الوحدين الصلّي الطائعي .قال ابن
جرير ﴿ :وَلَا َتكُونُوا مِ َن الْمُشْرِ ِكيَ ﴾ ،يقول :ول تكونوا من أهل الشرك
بال ،بتضييعكَم فرائضَه ،وركوبكَم معاصَيه ،وخلفكَم الديَن الذي
دعاكم إليه .
وقوله ﴿ :مِ َن الّذِي نَ َفرّقُوا دِيَنهُ ْم وَكَانُوا شِيَعا ﴾ ،يقول :ول تكونوا
مَن الشركيَ الذيَن بدّلوا دينهَم وخالفوه ﴿ ،وَكَانُوا ِشيَعا ﴾ ،يقول :
وكانوا أحزابًا فِرقًا كاليهود ،والنصارى .
511 توفيق الرحن ف دروس القرآن
***
الزء الثالث 512
ض ّر دَ َعوْا َرّبهُم مّنِيِبيَ ِإلَيْ ِه ُثمّ ِإذَا َأذَا َقهُم مّنْ هُ َرحْ َمةً
س النّا سَ ُ
﴿ َوإِذَا مَ ّ
سوْفَ
ِإذَا َفرِي ٌق مّ ْنهُم ِبرَّبهِ ْم ُيشْرِكُو نَ ( )33لِيَ ْك ُفرُوا بِمَا آتَيْنَاهُ ْم فَتَمَّتعُوا فَ َ
شرِكُو نَ (
َتعْلَمُو نَ ( )34أَ ْم أَن َزلْنَا عَلَ ْيهِ مْ سُلْطَانا َفهُ َو يََتكَلّ ُم بِمَا كَانُوا بِ ِه ُي ْ
َتـ
سـيَّئةٌ بِمَا َق ّدم ْ
ُصـْب ُهمْ َ
ّاسـ َرحْ َم ًة َفرِحُوا بِهَا َوإِن ت ِ
َ )35وِإذَا َأ َذقْنَا الن َ
ق لِمَن َيشَاءُ
ط الرّ ْز َ
َأْيدِيهِ مْ ِإذَا هُ ْم َيقْنَطُو نَ (َ )36أ َولَ ْم َيرَوْا أَنّ اللّ َه يَبْ سُ ُ
ّهـ
َآتـ ذَا اْلقُرْبَى حَق ُ
ُونـ ( )37ف ِ
ْمـ ُي ْؤمِن َ
َاتـ لّ َقو ٍ
ِكـ لَآي ٍ
َوَيقْدِ ُر إِنّ فِي َذل َ
ي وَابْ نَ ال سّبِيلِ َذلِ كَ خَ ْي ٌر لّ ّلذِي َن ُيرِيدُو َن َوجْ َه اللّ هِ َوُأوْلَئِ كَ هُ مُ
وَالْمِ سْكِ َ
الْ ُمفْلِحُونَ ( )38وَمَا آتَيْتُم مّن رّبا لَّيرُْب َو فِي َأمْوَالِ النّاسِ فَلَا َيرْبُو عِن َد اللّهِ
ض ِعفُو نَ ( )39اللّ هُ
ك هُ ُم الْمُ ْ
وَمَا آتَيْتُم مّ ن زَكَا ٍة ُترِيدُو نَ َوجْ هَ اللّ هِ َفُأوْلَئِ َ
اّلذِي خَ َلقَ ُك ْم ُثمّ رَ َز َق ُكمْ ُث ّم يُمِيُت ُكمْ ُث ّم يُحْيِي ُكمْ َه ْل مِن ُشرَكَاِئكُم مّن يَ ْف َعلُ
مِن َذلِكُم مّن شَيْءٍ سُبْحَاَنهُ َوَتعَالَى عَمّا ُيشْرِكُو نَ (َ )40ظ َهرَ اْلفَ سَادُ فِي
ت َأيْدِي النّاسِـلُِيذِيقَهُم َبعْضَـ اّلذِي عَمِلُوا َلعَ ّلهُم ْـ
ـَ ْ
ح ِر بِمَا كَسَب
الَْبرّ وَالْبَ ْ
ض فَان ُظرُوا كَيْ فَ كَا نَ عَاقِبَ ُة اّلذِي َن مِن
َي ْرجِعُو نَ (ُ )41قلْ سِيُوا فِي الْأَرْ ِ
شرِكِيَ (َ )42فَأقِ مْ َوجْهَ كَ لِلدّي نِ اْلقَيّ مِ مِن قَ ْبلِ أَن
قَ ْبلُ كَا َن أَكَْثرُهُم ّم ْ
صدّعُونَ ( )43مَن َك َفرَ َفعَلَيْ هِ ُك ْفرُ هُ
َي ْأتِ يَ َيوْ مٌ لّا َم َردّ لَ هُ مِ نَ اللّ ِه َيوْمَِئذٍ يَ ّ
ي اّلذِي نَ آمَنُوا وَعَمِلُوا
جزِ َ
س ِهمْ يَ ْم َهدُو نَ ( )44لِيَ ْ
َومَ نْ عَ ِملَ صَالِحا فَ ِلأَنفُ ِ
ب الْكَا ِفرِينَ (. ﴾ )45
ح ّ
ت مِن فَضْ ِل ِه ِإنّ ُه لَا يُ ِ
الصّالِحَا ِ
513 توفيق الرحن ف دروس القرآن
***
الزء الثالث 514
ث قال تعال َ ﴿ :وإِذَا أَذَ ْقنَا النّا سَ رَحْ َمةً َفرِحُوا ِبهَا َوإِن تُ ِ
صْبهُمْ َسيَّئ ٌة بِمَا
َق ّدمَ تْ َأيْدِيهِ مْ إِذَا هُ ْم َي ْقنَطُو نَ ﴾ ،هذا إنكار على النسان من حيث هو ،
إل من عصمه ال ووفّقه ،فإن النسان إذا أصابته نعمة بطر وقال :
سّيئَاتُ َعنّ ي ِإنّ هُ َلفَرِ حٌ فَخُورٌ ﴾ ،أي :يفرح ف نف سه ويف خر ب ال ّ
﴿ َذهَ َ
على غيه ،وإذا أصابته شدّة قنط وأيس أن يصل له بعد ذلك خي بالكّليّة ،
صبَرُواْ وَعَ ِملُواْ ال صّالِحَاتِ ﴾ ،أي :صبوا ف
قال ال تعال ﴿ :إِ ّل الّذِي نَ َ
الضرّاء وعملوا الصَالات فَ الرخاء ،كمَا ثبَت فَ الصَحيح « :عجبًا
للمؤمَن ،ل يقضَي ال له قضاء إل كان خيًا له ،إن أصَابته سَرّاء شكَر
فكان خيًا له ،وإن أصابته ضراء صب فكان خيًا له » .
وقوله تعال َ ﴿ :أوَلَ ْم يَ َروْا أَنّ اللّ َه َيبْ سُطُ الرّزْ قَ لِمَن يَشَا ُء َوَيقْدِرُ ﴾ ،
أي :هو الت صرّف الفا عل لذلك بكم ته وعدله ،فيو سّع على قوم ويضيّق
على آخرين ِ ﴿ ،إنّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ ّل َق ْو ٍم ُيؤْ ِمنُونَ ﴾ .
ي وَابْ نَ ال سّبِي ِل َذلِ كَ
سكِ َ
ت ذَا اْل ُقرْبَى حَقّ هُ وَالْمِ ْ
قوله عز وجل ﴿ :فَآ ِ
خَ ْي ٌر لّ ّلذِي نَ يُرِيدُو َن َوجْ َه اللّ هِ َوأُ ْولَئِ كَ هُ مُ الْ ُمفْلِحُو نَ ( )38وَمَا آتَيْتُم مّن
رّبا لَّيرُْب َو فِي َأ ْموَالِ النّا سِ فَلَا َيرْبُو عِن َد اللّ ِه وَمَا آَتيْتُم مّ ن زَكَا ٍة ُترِيدُو نَ
ضعِفُونَ (. ﴾ )39
َوجْ َه ال ّلهِ َفُأوْلَِئكَ هُ ُم الْمُ ْ
الزء الثالث 516
سبِيلِ ﴾ ،قال : ي وَابْ َن ال ّ سكِ َ عن السن ﴿ :فَآ تِ ذَا الْقُ ْربَى َحقّ ُه وَالْمِ ْ
هو أن توفّي هم حقّ هم إن كان عندك ي سر ،وإن ل ي كن عندك ﴿ فَقُل ّلهُ مْ
َقوْ ًل ّميْسُورا ﴾ قل لم الي .
وعن ابن عباس قوله َ ﴿ :ومَا آَتْيتُم مّن رّبا ّليَ ْرُبوَ فِي َأ ْموَا ِل النّاسِ فَلَا يَ ْربُو
عِندَ اللّ هِ ﴾ ،قال :هو ما يعطي الناس بينهم بعضهم بعضًا ،يعطي الرجل
الر جل العطيّة ير يد أن يع طي أك ثر من ها .وقال ما هد :هي الدا يا ،وقال
الضحاك ف قوله ﴿ :وَمَا آَتيْتُم مّ ن رّبا ّليَ ْرُبوَ فِي َأ ْموَا ِل النّا سِ ﴾ ف هو ما
يتعاطى الناس بينهم ويتهادون ،يعطي الرجل العطيّة ليصيب منه أفضل منها ،
ستَ ْكثِرُ ﴾ فهذا للنب خاصة ،ل وهذا للناس عامة ،وأما قوله ﴿ :وَلَا تَ ْمنُن تَ ْ
يكن له أن يعطي إل ل ،ول يكن يعطي ليعطى أكثر منه .وقال ابن عباس
قوله َ ﴿ :ومَا آَتْيتُم مّن رّبا ّليَ ْرُبوَ فِي َأ ْموَا ِل النّاسِ فَلَا يَ ْربُو عِندَ اللّهِ ﴾ ،قال :
هي :ال بة ،ي هب الش يء ير يد أن يثاب عل يه أف ضل منه ،فذلك الذي :ل
يربو عند ال ل يؤجر فيه صاحبه ،ول إث عليه ﴿ َومَا آَتْيتُم مّن زَكَاةٍ ﴾ .
ضعِفُو نَ ﴾ ،قال ك هُ ُم الْ ُم ْقال :هي :الصدقة ﴿ ،تُرِيدُو نَ وَجْ هَ اللّ هِ َفُأوْلَئِ َ
قتادة :هذا الذي يقبله ال ويضعفه لم عشر أمثالا وأكثر من ذلك .
قوله عز وجل ﴿ :اللّ ُه الّذِي خَ َلقَكُمْ ُثمّ رَ َز َقكُمْ ُثمّ يُمِيُتكُ ْم ُثمّ ُيحْيِيكُمْ
سـبْحَاَن ُه وََتعَالَى عَمّاـ
َه ْل مِن ُشرَكَائِكُم مّنـ يَ ْف َعلُ مِن َذلِكُم مّنـ َشيْ ٍء ُ
ّاسـ
ت َأْيدِي الن ِ
َسـبَ ْ
ح ِر بِمَا ك َ
ُونـ (َ )40ظ َه َر الْفَسـَادُ فِي الَْب ّر وَالْبَ ْ
شرِك َ
ُي ْ
517 توفيق الرحن ف دروس القرآن
ض الّذِي َعمِلُوا َلعَ ّلهُ مْ َي ْر ِجعُو نَ (ُ )41قلْ سِيُوا فِي اْلأَرْ ضِ
لُِيذِيقَهُم َبعْ َ
شرِكِيَ (. ﴾ )42
فَان ُظرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقَِبةُ اّلذِي َن مِن قَ ْبلُ كَا َن أَكَْث ُرهُم ّم ْ
حيِيكُمْ ﴾عن قتادة :قوله ﴿:اللّ ُه الّذِي خََل َقكُ ْم ثُمّ َرزََقكُمْ ثُمّ يُمِيُتكُ ْم ثُمّ يُ ْ
للبعث بعد الوت ﴿ هَ ْل مِن ُشرَكَائِكُم مّن َي ْفعَ ُل مِن ذَِلكُم مّن َشيْءٍ ﴾ ؟ ل
شرِكُو َن ﴾ سبّح نفسه إذا قيل عليه البهتان . وال ُ ﴿ ،سبْحَانَهُ َوَتعَالَى عَمّا يُ ْ
سبَتْ َأيْدِي
ح ِر بِمَا كَ َ وعن السن :ف قوله َ ﴿ :ظهَ َر اْلفَسَادُ فِي اْلبَ ّر وَاْلبَ ْ
النّاسِ ﴾ ،قال :أفسدهم ال بذنوبم ف بر الرض وبرّها بأعمالم البيثة ،
﴿ ِليُذِي َقهُم َبعْضَ الّذِي عَ ِملُوا َلعَّلهُ ْم َيرْ ِجعُونَ ﴾ ،وقال قتادة :لعل رجعًا أن
يرجع ،لع ّل تائبًا أن يتوب ،لع ّل مستعتبًا أن يستعتب .وقوله تعال ﴿ :قُلْ
سِيُوا فِي اْلأَ ْرضِ فَان ُظرُوا َكيْفَ كَانَ عَاِقَب ُة الّذِينَ مِن َقبْلُ ﴾ .
قال البغوي :لتروا منازلمَ ومسَاكنهم خاويَة ﴿ ،كَان َ
َ أَ ْكثَرُهَُم
مّشْرِ ِكيَ ﴾ فأهلكوا بكفرهم .
قوله عز و جل َ ﴿ :فأَقِ ْم وَ ْجهَ كَ لِلدّي ِن اْلقَيّ ِم مِن قَ ْب ِل أَن َيأْتِ يَ يَوْ ٌم لّا
صدّعُونَ ( )43مَن َك َفرَ َفعَلَيْ هِ ُك ْفرُ هُ َومَ نْ عَ ِملَ
َم َردّ لَ ُه مِ نَ اللّ هِ يَ ْومَِئذٍ يَ ّ
جزِ يَ اّلذِي نَ آمَنُوا وَعَمِلُوا ال صّالِحَاتِ
س ِهمْ يَ ْم َهدُو نَ ( )44لِيَ ْ
صَالِحا فَ ِلأَنفُ ِ
ب اْلكَا ِفرِينَ (. ﴾ )45
مِن فَضْ ِلهِ ِإّنهُ لَا يُحِ ّ
الزء الثالث 518
عن قتادة :قوله َ ﴿ :فأَقِ ْم وَ ْجهَ كَ لِلدّي ِن اْل َقيّ مِ ﴾ الِسلم ﴿ ،مِن َقبْ ِل
أَن يَ ْأتِ يَ َيوْ مٌ لّا مَرَدّ لَ ُه مِ نَ اللّ ِه َي ْو َمئِ ٍذ يَ صّ ّدعُونَ ﴾ فريق ف النة ،وفريق ف
السعي .
ُسَهِمْ
َنَ عَمِلَ صََالِحا َفِلأَنف ِ
ُهَ َوم ْ وقوله تعال ﴿ :م َن َكفَرَ َفعََلي ِ
ْهَ ُكفْر ُ
يَ ْمهَدُونَ ﴾ .
قال ابن جرير :يقول تعال ذكره :من كفر بال فعليه أوزار كفره وآثام
جحوده نعَم ربَه َ ﴿ ،ومَن َْ عَمِلَ صََالِحا َفِلأَنفُسَِهِ ْم يَ ْمهَدُونََ ﴾ ،يقول :
فلنفسهم يستعدّون ويسوّون الضجع ليسلموا من عقاب ربم ولينجوا من
عذابه .
ت مِن َفضْلِهِ ﴾ . ي الّذِينَ آ َمنُوا َوعَمِلُوا الصّالِحَا ِ
﴿ ِليَجْ ِز َ
قال ا بن كث ي :أي :يازي هم مازاة الف ضل ،ال سنة بع شر أمثال ا إل
سبعمائة ض عف إل ما يشاء ال ِ ﴿ .إنّ هُ لَا يُحِبّ اْلكَافِرِي نَ ﴾ و مع هذا هو
العادل فيهم الذي ل يور .
***
519 توفيق الرحن ف دروس القرآن
جرِيَ
شرَاتٍ َولُِيذِي َقكُم مّن ّرحْمَتِ ِه َولِتَ ْ
﴿ وَمِنْ آيَاتِ ِه أَن ُيرْ ِسلَ الرّيَاحَ مَُب ّ
ك ِبأَ ْمرِ ِه وَلِتَبَْتغُوا مِن فَضْلِ هِ َوَلعَلّكُ مْ َتشْ ُكرُو نَ ( )46وََل َقدْ أَرْ سَلْنَا مِن
اْلفُلْ ُ
ت فَانَتقَمْنَا مِنَ اّلذِينَ َأ ْجرَمُوا وَكَانَ
ل ِإلَى َقوْ ِمهِ ْم فَجَاؤُوهُم بِالْبَيّنَا ِ
قَبْلِكَ رُسُ ً
سـحَابا
ي ََاحـ فَتُثِ ُ
ْسـلُ الرّي َ
ّهـ اّلذِي ُير ِ
َصـُر الْ ُمؤْمِنِيَ ( )47الل ُ
َحقّا َعلَيْنَا ن ْ
ج مِ نْ
خرُ ُ
ق يَ ْ
جعَلُ هُ كِ سَفا فََترَى الْ َودْ َ
ف َيشَا ُء َويَ ْ
فَيَبْ سُ ُط ُه فِي ال سّمَاء كَيْ َ
شرُونَ (َ )48وإِن
ب بِ ِه مَن َيشَا ُء مِ نْ عِبَادِ ِه ِإذَا هُ ْم يَ سْتَ ْب ِ
خِلَالِ هِ َفِإذَا أَ صَا َ
ِسـيَ ( )49فَان ُظ ْر ِإلَى آثَارِ
ِهـ لَمُ ْبل ِ
كَانُوا م ِن قَ ْب ِل أَن يَُنزّلَ عَلَيْه ِم مّنـ قَبْل ِ
ك لَمُحْيِي الْ َموْتَى َو ُهوَ
ض َب ْعدَ َم ْوِتهَا إِنّ َذلِ َ
ف يُحْيِي الْأَرْ َ
َرحْمَ تِ اللّ هِ كَيْ َ
ص َفرّا لّظَلّوا مِن بَ ْعدِ هِ
عَلَى ُك ّل َشيْ ٍء َقدِيرٌ ( )50وَلَئِ ْن أَرْ سَلْنَا رِيا َف َرأَوْ ُه مُ ْ
صمّ الدّعَاء ِإذَا َوّلوْا
ك لَا تُ سْ ِمعُ الْ َموْتَى َولَا تُ سْمِ ُع ال ّ
َي ْكفُرُو نَ (َ )51فِإنّ َ
ُم ْدبِرِي نَ ( )52وَمَا أَن تَ ِبهَادِي اْلعُمْ يِ عَن ضَلَالَتِهِ مْ إِن تُ سْمِ ُع ِإلّا مَن ُيؤْمِ نُ
ضعْ فٍ ُثمّ َج َعلَ مِن َب ْعدِ
بِآيَاتِنَا َفهُم مّ سْلِمُونَ ( )53اللّ ُه الّذِي خَ َلقَكُم مّن َ
خلُ قُ مَا َيشَا ُء َو ُهوَ اْلعَلِي مُ
ضعْفا َوشَيَْبةً يَ ْ
ضعْ فٍ ُق ّو ًة ثُمّ َجعَ َل مِن بَ ْع ِد قُ ّوةٍ َ
َ
ُونـ مَا لَبِثُوا غَ ْي َر سـَا َعةٍ
ج ِرم َ
ْسـُم الْمُ ْ
ُومـ السـّا َع ُة ُيق ِ
ْمـ تَق ُ
اْلقَدِيرُ (َ )54وَيو َ
َك َذلِ كَ كَانُوا ُي ْؤفَكُو نَ (َ )55وقَالَ اّلذِي َن أُوتُوا اْلعِلْ َم وَاْلإِيَا نَ لَ َق ْد لَبِثْتُ مْ فِي
ث َولَكِّنكُمْ كُنتُ ْم لَا تَعْلَمُونَ ()56
ث َف َهذَا َيوْمُ الَْبعْ ِ
ب اللّ ِه ِإلَى َيوْمِ الَْبعْ ِ
كِتَا ِ
ض َربْنَا
فََي ْومَِئذٍ لّا يَنفَ ُع الّذِي نَ ظَ َلمُوا َم ْعذِرَُتهُ ْم َولَا هُ ْم يُ سَْتعْتَبُونَ ( )57وََل َقدْ َ
الزء الثالث 520
لِلنّا سِ فِي َهذَا اْلقُرْآ ِن مِن ُك ّل مََثلٍ وَلَئِن جِئْتَهُم بِآَيةٍ لََيقُوَلنّ اّلذِي نَ َك َفرُوا
ب الّذِي َن لَا َيعْلَمُونَ (
ك يَطْبَ ُع اللّ هُ عَلَى قُلُو ِ
إِ ْن أَنتُمْ ِإلّا مُبْطِلُونَ (َ )58ك َذلِ َ
خفّّنكَ اّلذِي َن لَا يُوقِنُونَ (. ﴾ )60
)59فَاصِْب ْر إِ ّن وَ ْعدَ ال ّل ِه حَ ّق َولَا َيسْتَ ِ
***
521 توفيق الرحن ف دروس القرآن
ت َولِيُذِيقَكُم مّن
شرَا ٍ
قوله عز وجل ﴿ :وَمِنْ آيَاتِ ِه أَن ُيرْ ِسلَ ال ّريَاحَ مَُب ّ
ش ُكرُو نَ ()46
ك ِبأَ ْمرِ ِه َولِتَبَْتغُوا مِن فَضْلِ ِه وََلعَ ّلكُ مْ َت ْ
جرِ يَ اْلفُلْ ُ
ّرحْمَتِ هِ وَلِتَ ْ
ل ِإلَى َق ْومِهِ ْم فَجَاؤُوهُم بِالْبَيّنَا تِ فَانَتقَمْنَا مِ نَ
َوَلقَ ْد أَرْ سَلْنَا مِن قَبْلِ كَ رُ سُ ً
صرُ الْ ُم ْؤمِنِيَ (. ﴾ )47
اّلذِي َن أَ ْج َرمُوا وَكَانَ َحقّا عَلَيْنَا نَ ْ
قال ا بن كث ي :يذ كر تعال نع مه على خل قه ف إر ساله الرياح مبشّرات
ب ي يدي رح ته بج يء الغ يث عقب ها ،ولذا قال تعال ﴿ :وَِليُذِي َقكُ ْم مِ ْن
ِيَ
جر َ ِهَ ﴾ ،أي :الطَر الذي ينله فيحيَي بَه البلد والعباد ﴿ ،وَِلتَ ْ َرحْ َمت ِ
ِهَ ﴾ ،أي :فَ ِنَ َفضْل ِ
ِهَ ﴾ ،أي :فَ البحَر ﴿ ،وَِلتَْبَتغُوا م ْ ْكَ ِبَأمْر ِ
اْلفُل ُ
التجارات ،والعايَش .والسَي مَن إقليَم إل إقليَم ،وقطَر إل قطَر .
شكُرُو نَ ﴾ ،أي :تشكرون ال على ما أنعم به عليكم من ﴿ وََلعَّلكُ ْم تَ ْ
النعم الظاهرة والباطنة الت ل تعد ول تصى .
ثـ قال تعال ﴿ :وََلقَدْ أَرْسَ ْل
َنَا مِن َقبْلِكََ رُسَُلً إِلَى َق ْو ِمهِم َْ فَجَاؤُوهُم
بِاْلَبيّنَا تِ فَانَتقَ ْمنَا مِ َن الّذِي نَ أَ ْج َرمُوا ﴾ هذه تسلية من ال تعال لعبده ورسوله
م مد بأ نه وإن كذّ به كث ي من قو مه و من الناس ،ف قد كُذّ بت الر سل
التقدّمون مع ما جاءوا أمهم به من الدلئل الواضحات ،ولكن انتقم ال من
كذّبم وخالفهم وأنى الؤمني بم ﴿ وَكَا نَ َحقّا عََلْينَا نَ صْ ُر الْ ُم ْؤمِنِيَ ﴾ ،
أي :هَو حَق أوجبَه على نفسَه الكريةَ تكرّمًا وتفضلً ،كقوله تعال :
﴿ َكتَبَ َرّبكُ ْم عَلَى َنفْسِهِ الرّ ْح َمةَ ﴾ .
الزء الثالث 522
قوله عز و جل ﴿ :اللّ ُه الّذِي ُيرْ ِسلُ الرّيَا حَ فَتُثِيُ سَحَابا فَيَبْ سُ ُطهُ فِي
ج مِ نْ خِلَالِ هِ َفِإذَا
خرُ ُ
ق يَ ْ
جعَلُ هُ كِ سَفا فََترَى الْ َودْ َ
ف َيشَا ُء َويَ ْ
ال سّمَاء كَيْ َ
شرُونَ (َ )48وإِن كَانُوا مِن قَ ْبلِ
ب بِ ِه مَن َيشَاءُ مِنْ عِبَادِ ِه ِإذَا هُ ْم يَ سْتَ ْب ِ
أَصَا َ
أَن يَُن ّزلَ عَلَ ْيهِم مّن قَبْلِ هِ لَمُ ْبلِ سِيَ ( )49فَان ُظرْ ِإلَى آثَارِ َرحْمَ تِ اللّ هِ كَيْ فَ
ض َب ْعدَ مَ ْوِتهَا إِنّ َذلِ كَ لَ ُمحْيِي الْ َموْتَى َوهُوَ عَلَى ُك ّل شَيْ ٍء َقدِيرٌ
يُحْيِي اْلأَرْ َ
ص َفرّا لّظَلّوا مِن بَ ْعدِهِ َيكْ ُفرُونَ (َ )51فإِنّكَ
(َ )50ولَئِ ْن أَرْسَلْنَا رِيا َفرََأوْ ُه مُ ْ
لَا تُ سْمِ ُع الْ َم ْوتَى َولَا تُ سْمِ ُع ال صّ ّم الدّعَاء ِإذَا وَّلوْا ُم ْدبِرِي نَ (َ )52ومَا أَن تَ
ضلَالَِتهِ ْم إِن تُ سْ ِم ُع ِإلّا مَن ُيؤْمِ ُن بِآيَاتِنَا َفهُم مّ سْلِمُونَ (
ِبهَادِي اْلعُمْ يِ عَن َ
. ﴾ )53
قال عبيد بن عمي :الرياح أربع :يبعث ال ريًا فتق مّ الرض قمًا ،ث
يب عث ال الر يح الثان ية فتث ي سحابًا فيجعله ف ال سماء ك سفًا ،ث يب عث ال
الريح الثالثة فيؤلّف بي نه فيجعله ركامًا ،ث يب عث ال الريح الراب عة فتمطر .
جعَلُ هُ كِ سَفا ﴾ ،أي :قطعًا َ ﴿ ،فتَرَى اْلوَدْ قَ ﴾ ،قال
و عن قتادة َ ﴿ :ويَ ْ
ج مِ نْ ِخلَالِ هِ ﴾ ،قال ابن كثي :أي :فترى الطر
ماهد :القطر ﴿ ،يَخْ ُر ُ
ب بِ ِه مَ ْن
وهو القطر يرج من بي ذلك السحاب .وقوله تعال ﴿ :فَِإذَا أَصَا َ
يَشَا ُء مِ ْن ِعبَادِ هِ إِذَا هُ مْ يَ سَْتبْشِرُونَ * َوإِن كَانُوا مِن َقبْلِ أَن ُينَزّ َل عََليْهِم مّ ن
َقبْلِ هِ لَ ُمبْلِ سِيَ ﴾ ،قال قتادة :قانط ي .قال ف جا مع البيان َ ﴿ :وإِن كَانُوا
مِن َقبْلِ أَن ُينَزّ َل عََليْهِم ﴾ ال طر ﴿ ،مّ ن َقبْلِ هِ ﴾ تكر ير للتأك يد ،ومع ن
523 توفيق الرحن ف دروس القرآن
سيَ
التأك يد :الدللة على بُ عد عهد هم بال طر وا ستحكام بأ سهم َ ﴿ ،ل ُمبْلِ ِ
﴾ آي سي .وقوله تعال ﴿ :فَان ُظرْ إِلَى آثَارِ رَحْمَ تِ اللّ هِ ﴾ ،قال البغوي :
أراد برح ة ال ال طر ،أي :ان ظر إل ح سن تأثيه ف الرض ،قال مقا تل :
حيِي اْلأَرْضَ َبعْ َد َم ْوِتهَا
ف يُ ْ
أثر رحة ال .أي :أثر نعمته وهو النبت َ ﴿ ،كيْ َ
إِنّ ذَلِ كَ لَ ُمحْيِي الْ َموْتَى َو ُهوَ عَلَى كُ ّل َشيْءٍ قَدِيرٌ ﴾ ﴿ .وََلئِ نْ أَرْ سَ ْلنَا رِيا
﴾ ،باردة مضرّة فأف سدت الزرع ﴿ ،فَ َرَأوْ ُه مُ صْفَرّا ﴾ ،أي :رأوا الن بت
والزرع م صفرًا ب عد الضرة ﴿ ،لّ َظلّوا ﴾ ل صاروا ﴿ ،مِن َبعْدِ هِ ﴾ ،أي :
من ب عد ا صفرار الزرع ﴿ ،يَ ْكفُرُو نَ ﴾ ،يحدون ما سلف من النع مة .
و عن قتادة قوله ﴿ :فَِإنّ كَ لَا تُ سْمِعُ الْ َموْتَى ﴾ هذا م ثل ضر به ال للكا فر ،
فك ما ل ي سمع ال يت الدعاء كذلك ل ي سمع الكا فر ﴿ ،وَلَا تُ سْمِ ُع ال صّمّ
َ ﴾ ،يقول :لو أن أصَمّ ولّى مدبرّا ثَ ناديتَه ل ال ّدعَاء إِذَا وَّلوْا مُ ْدبِرِين َ
يسمع ،كذلك الكافر ل يسمع ول ينتفع با يسمع .وقال ف جامع البيان :
الص ّم القبل ربا يفطن من الكلم بعونة مشاهدة القرائن شيئًا منه ،بلف
ضلَاَلِتهِ مْ ﴾ ،والكا فر ك من ل ت ِبهَادِي اْلعُمْ يِ عَن َالدبر ﴿ .وَمَا أَن َ
عيَ له يضلّ الطريَق ،وليَس بوسَع أحَد أن ينع عنَه العمَى ويعله
بصيًا ﴿ ،إِن تُ سْمِعُ إِلّا مَن ُي ْؤمِ نُ بِآيَاِتنَا ﴾ ما ينفع الساع إل لن علم ال
أنه يصدّق بآياته وما طبع على قلبه ﴿ َفهُم مّسِْلمُونَ ﴾ منقادون لا تأمرهم .
الزء الثالث 524
عن قتادة َ ﴿ :وَيوْ َم َتقُو مُ ال سّا َعةُ ُيقْ سِمُ الْ ُمجْ ِرمُو َن مَا َلِبثُوا َغيْرَ سَا َع ٍة
ُونَ ﴾ ،أي :يكذّبوك فَ الدنيَا ،وإناَ يعنَ بقوله : ِكَ كَانُوا ُيؤَْفك َ
كَذَل َ
ُيؤَْفكُونَ ﴾ عن الصدق ويصدّون عنه إل الكذب .
قال ا بن كث ي :ي ب تعال عن ج هل الكفار ف الدن يا والخرة ،ف في
الدنيا فعلوا ما فعلوا من عبادة الوثان ،وف الخرة يكون منهم جهل عظيم
أيض ًا ،فمنَه إقسَامهم بال أنمَ مَا لبثوا غيَ سَاعة واحدة فَ الدنيَا ،
ومقصَودهم بذلك عدم قيام الج ّة عليهَم ،وأنمَ ل ينتظروا حتَ يُعذَر
ِينَ أُوتُوا
ِكَ كَانٌوا ُيؤَْفكُون ﴾ ﴿ ،وَقَا َل الّذ َ إليهَم ،قال ال تعال ﴿ :كَذَل َ
اْلعِلْ َم وَاليَا نَ َلقَدْ َلِبثْتُ مْ فِي ِكتَا بِ اللّ هِ إِلَى َيوْ ِم الَْبعْ ثِ ﴾ ،أي :فيد عليهم
الؤمنون العلماء ف الخرة ،كما أقاموا عليهم حجة ال ف الدنيا ،فيقولون
لم حي يلفون ما لبثوا غي ساعة َ ﴿ :لقَدْ َلِبثْتُ مْ فِي ِكتَا بِ اللّ هِ ﴾ ،أي :
ف كتاب العمال ﴿ ،إِلَى َيوْمِ اْلَبعْثِ ﴾ ،أي :من يوم خلقتم إل أن بعثتم
﴿ ،وَلَ ِكّنكُ مْ ُكْنتُ ْم ل َتعْلَمُو نَ ﴾ .قال ال تعال َ ﴿ :فَيوْ َمئِذٍ ﴾ ،أي :يوم
َ ﴾ ،أي :اعتذارهَم عمَا ِينَ ظَلَمُوا َمعْذِ َرُتهُم ْ
َعَ الّذ َالقيامَة ﴿ ،ل َينْف ُ
سَتعَْتبُونَ ﴾ ،أي :ول هم يرجعون إل الدنيا ،كما قال فعلوا ﴿ ،وَل هُ ْم يُ ْ
ستَ ْعِتبُوا فَمَا هُ ْم مِ َن الْ ُم ْعَتبِيَ ﴾ .
تعال َ ﴿ :وإِ ْن يَ ْ
ض َربْنَا لِلنّا سِ فِي َهذَا الْ ُقرْآ ِن مِن ُك ّل مََثلٍ
قوله عز و جل ﴿ :وََل َقدْ َ
َولَئِن جِئْتَهُم بِآيَ ٍة لََيقُولَنّ الّذِي نَ َك َفرُوا إِ ْن أَنتُ ْم ِإلّا مُبْطِلُو نَ (َ )58ك َذلِ كَ
الزء الثالث 526
يَطَْب ُع اللّ هُ عَلَى قُلُو بِ اّلذِي نَ لَا َيعْلَمُو نَ ( )59فَا صِْب ْر إِنّ وَ ْع َد اللّ ِه حَقّ َولَا
خفّّنكَ اّلذِي َن لَا يُوقِنُونَ (. ﴾ )60
َيسْتَ ِ
قال ا بن كث ي :يقول تعال ﴿ :وََلقَدْ ضَ َربْنَا لِلنّا سِ فِي هَذَا اْلقُرْآ نِ مِ نْ
كُ ّل َمثَلٍ ﴾ ،أي :قد بّينّا لم الق ووضّحناه لم ،وضربنا لم فيه المثال
لي تبيّنوا ال ق ويتّبعوه ﴿ ،وََلئِ نْ ِجْئَتهُ ْم بِآَيةٍ َلَيقُولَنّ الّذِي نَ َكفَرُوا إِ نْ َأْنتُ مْ إِل
ي آية كانت ،سواء كانت باقتراحهم أو غيه ل ُمبْطِلُونَ ﴾ ،أي :لو رأوا أ ّ
يؤمنون ب ا ويعتقدون أن ا سحر وبا طل ،ك ما قالوا ف انشقاق الق مر ونوه
ك ل ُي ْؤمِنُو نَ * وََلوْ جَا َءْتهُمْ كما قال تعال ﴿ :الّذِي نَ َحقّ تْ عََلْيهِ مْ كَِل َمةُ َربّ َ
ك يَ ْطبَعُ اللّهُكُ ّل آَيةٍ َحتّى يَ َروُا اْلعَذَابَ اللِيمَ ﴾ ،ولذا قال ها هنا ﴿ :كَذَلِ َ
صبِرْ ِإنّ َوعْدَ اللّ هِ حَقّ ﴾ ،أي :اصب على ب الّذِي َن ل َيعْلَمُو نَ * فَا ْ
عَلَى قُلُو ِ
مالفتهَم وعنادهَم ،فإن ال تعال منجَز لك مَا وعدك مَن نصَره إياك
خ ّفنّكَ
ستَ ِ عليهم ،وجعله العاقبة لك ولن اتبعك ف الدنيا والخرة ﴿ ،وَل يَ ْ
الّذِي نَ ل يُوِقنُو نَ ﴾ ،أي :بل اثبت على ما بعثك ال به فإنه الق الذي ل
مرية فيه ،ول تعدل عنه وليس فيما سواه هدى يتبع ،بل الق كله منحصر
فيه .قال سعيد عن قتادة :نادى رجل من الوارج عليًا رضي ال عنه وهو
ِنَ
ِكَ َلئ ْ
ِنَ َقبْل َ ِينَ م ْْكَ َوإِلَى الّذ َ
ِيَ إَِلي َ فَ صَلة الغداة فقال ﴿ :وََلقَدْ أُوح َ
ك وََلَتكُونَنّ مِ َن الْخَا ِسرِينَ ﴾ ،فأنصت له عل يّ حت حبَطَنّ عَمَلُ َ
َأشْرَكْ تَ َليَ ْ
527 توفيق الرحن ف دروس القرآن
***
الزء الثالث 528
***
الزء الثالث 530
س مَ نْ
الق ،وما يضرّ على ما ينفع .وعن ابن عباس ف قوله َ ﴿ :ومِ نَ النّا ِ
شتَرِي َل ْه َو الْحَدِيثِ ﴾ ،قال :هو :الغناء ونوه .
يَ ْ
َسََم ْعهَا
ّمَ ي ْ
ُسَتَ ْكبِرا َكأَن ل ْ وقوله تعال َ ﴿ :وإِذَا ُتتْلَى عََلي ِ
ْهَ آيَاتُنَا وَلّى م ْ
َكَأنّ فِي أُ ُذَنيْهِ وَقْرا ﴾ .
وقال ا بن كث ي :أي :هذا الق بل على :الل هو ،والل عب ،والطرب إذا
تل يت عل يه اليات القرآن ية ،ولّى عن ها وأعرض وأدبر وتَ صَامم و ما به من
صمم ،كأنّه ما سعها ل نه يتأذّى ب سماعها إذ ل انتفاع له ب ا ول أرب له
في ها َ ﴿ :فبَشّرْ ُه ِبعَذَا بٍ أَلِي مٍ ﴾ ،أي :يوم القيا مة يؤل ه ك ما تأل ب سماع
كتاب ال وآياته ِ ﴿ :إنّ الّذِي نَ آ َمنُوا َوعَمِلُوا ال صّالِحَاتِ َلهُ مْ َجنّا تُ الّنعِي مِ *
حكِيمُ ﴾ . خَالِدِينَ فِيهَا وَعْدَ اللّهِ َحقّا َوهُ َو اْلعَزِي ُز الْ َ
ت بِغَ ْيرِ َع َمدٍ َت َروَْنهَا َوأَْلقَى فِي اْلأَرْضِ
قوله عز وجل ﴿ :خَلَقَ السّمَاوَا ِ
َروَا ِسيَ أَن تَمِي َد ِبكُ مْ َوبَثّ فِيهَا مِن ُك ّل دَاّبةٍ َوأَن َزلْنَا مِ َن ال سّمَا ِء مَا ًء َفأَنبَتْنَا
فِيهَا مِن ُكلّ َزوْ جٍ َكرِيٍ ( )10هَذَا خَلْ قُ اللّ هِ َفأَرُونِي مَاذَا خَلَ َق الّذِي نَ مِن
دُونِ ِه َبلِ الظّالِمُونَ فِي ضَلَالٍ مِّبيٍ (. ﴾ )11
قال البغوي ﴿ :هَذَا ﴾ ،يع ن الذي ذكرت م ا تعاينون َ ﴿ :خلْ قُ اللّ هِ
ِهَ ﴾ مَن آلتكَم التَ تعبدوناَ ﴿ ،بَلِ
ِينَ مِن دُون ِ
َقَ الّذ َ
َفأَرُونِي مَاذَا خَل َ
ضلَا ٍل ّمبِيٍ ﴾ .
الظّالِمُونَ فِي َ
الزء الثالث 532
ش ُكرْ
حكْ َم َة أَ ِن اشْ ُك ْر لِلّ ِه وَمَن َي ْ
قوله عز وجل َ ﴿ :وَلقَدْ آتَيْنَا ُلقْمَانَ الْ ِ
سهِ وَمَن َك َفرَ َفإِنّ اللّ هَ غَنِيّ حَمِيدٌ (َ )12وِإذْ قَالَ ُلقْمَا نُ
َفِإنّمَا َيشْ ُك ُر لَِنفْ ِ
شرْ َك لَظُلْمٌ َعظِيمٌ (َ )13ووَصّيْنَا
شرِكْ بِاللّ ِه إِنّ ال ّ
لِابْنِهِ وَ ُهوَ َيعِظُهُ يَا بَُنيّ لَا ُت ْ
اْلإِنسَا َن بِوَالِ َديْهِ حَمَلَتْ ُه ُأمّهُ َوهْنا َعلَى َوهْنٍ َوفِصَاُل ُه فِي عَامَيْنِ أَنِ ا ْشكُ ْر لِي
س لَ كَ
شرِ َك بِي مَا لَيْ َ
َوِلوَاِلدَيْ كَ ِإَليّ الْمَ صِيُ (َ )14وإِن جَا َهدَا كَ عَلى أَن ُت ْ
ب ِإلَيّ
بِ هِ عِلْ ٌم فَلَا تُ ِط ْعهُمَا وَ صَاحِ ْبهُمَا فِي الدّنْيَا مَ ْعرُوفا وَاتّبِ عْ سَبِي َل مَ نْ َأنَا َ
ُثمّ ِإلَيّ مَ ْر ِجعُكُ ْم َفأُنَبُّئكُم بِمَا كُنتُ ْم َتعْمَلُونَ ( )15يَا بُنَيّ ِإّنهَا إِن تَكُ مِ ْثقَالَ
ض َيأْ تِ ِبهَا
خ َر ٍة أَ ْو فِي ال سّمَاوَاتِ َأ ْو فِي الْأَرْ ِ
صْحَّبةٍ مّ ْن َخ ْردَ ٍل فَتَكُن فِي َ
ف وَانْهَ عَنِ
ف خَبِيٌ ( )16يَا بُنَيّ َأقِمِ الصّلَاةَ َوْأمُ ْر بِالْ َمعْرُو ِ
اللّهُ إِنّ اللّهَ لَطِي ٌ
صعّرْ
ك مِ نْ َعزْ ِم اْلأُمُورِ ( )17وَلَا تُ َ
الْمُن َكرِ وَا صِْبرْ عَلَى مَا أَ صَاَبكَ إِنّ َذلِ َ
ض َمرَحا إِنّ اللّ هَ لَا يُحِبّ ُك ّل مُخْتَالٍ فَخُورٍ
ش فِي الْأَرْ ِ
َخدّ َك لِلنّا سِ َولَا تَمْ ِ
صوْتُ
ت لَ َ
صوَا ِ
ك إِنّ أَن َكرَ اْلأَ ْ
ص ْوتِ َ
ض مِن َ
( )18وَاقْ صِ ْد فِي َمشْيِ كَ وَاغْضُ ْ
الْحَ ِميِ (. ﴾ )19
حكْ َمةَ ﴾ قال :الف قه والع قل ،
عن ما هد قوله ﴿ :وََلقَ ْد آتَيْنَا ُلقْمَا نَ الْ ِ
وال صابة ف القول من غ ي نبوّة ،وقال عمرو بن ق يس :كان لقمان عبدًا
أسود غليظ الشفتي مصفّح القدمي ،فأتاه رجل وهو ف ملس أناس يدّثهم
فقال له :ألست الذي كنت ترعى معي الغنم ؟ قال :ن عم ،قال :ف ما بلغ
بَك مَا أرى ؟ قال :صَدق الديَث ،والصَمت عمَا ل يعنينَ .وفَ
533 توفيق الرحن ف دروس القرآن
ِيفَ
ِيفَ َخبِيٌ ﴾ ،أي ﴿ :لَط ٌ ّهَ َلط ٌ ّهَ إِن ّ الل َ
ْتَ بِه َا الل ُ
ْضَ َيأ ِ
ف ِي الْأَر ِ
﴾ باستخراجها َ ﴿ ،خبِيٌ ﴾ بستقرّها .
ف وَانْ هَ عَ نِوعن ابن جريج ف قوله ﴿ :يَا ُبنَيّ أَِق ِم ال صّلَا َة َوْأمُ ْر بِالْ َمعْرُو ِ
ك مِ ْن عَزْ مِصبِ ْر عَلَى مَا أَ صَابَكَ ﴾ من الذى ف ذلك ِ ﴿ :إنّ ذَلِ َ الْمُنكَ ِر وَا ْ
اْلُأمُورِ ﴾ ،قال :إن ذلك ما عزم ال عليه من المور ،يقول :ما أمر ال به
من المور .
ّاسَ ﴾ ،يقول :ول تتكبّر ّكَ لِلن ِ ُصَعّرْ خَد َ وعَن ابَن عباس ﴿ :وَلَا ت َ
فتحقّر عباد ال وتعرض عنهم بوجهك إذا كلّموك .وعن الضحاك ف قوله :
حبّ كُلّ ﴿ وَلَا تَمْ شِ فِي اْلأَرْ ضِ َمرَحا ﴾ ،قال :باليلء ِ ﴿ ،إنّ اللّ هَ لَا يُ ِ
ختَالٍ ﴾ متكَب َ ﴿ ،فخُورٍ ﴾ .قال : ختَالٍ فَخُورٍ ﴾ ،قال ماهَد ﴿ :مُ ْ مُ ْ
يعدّد ما أعطى ال وهو ل يشكر ال .
ص ْوتِكَ ﴾ ، ض مِن َ شيِكَ ﴾ ،قال :التواضع ﴿ ،وَا ْغضُ ْ ﴿ وَاقْصِدْ فِي مَ ْ
صوْتُ الْحَمِيِ صوَاتِ لَ َ قال قتادة :أمره بالقت صاد ف صوته ﴿ إِنّ أَنكَ َر اْلأَ ْ
﴾ أوّله زفي ،وآخره شهيق .
وقد روي عن لقمان من الكم والواعظ أشياء كثية فمنها قوله :إن
ال إذا استودع شيئًا حفظه .
وقال :يا ب ّ
ن إن الكمة أجلست الساكي مالس اللوك .
وقال :الصمت حكم وقليل فاعله .
535 توفيق الرحن ف دروس القرآن
وقال :يا بنّ إذا أتيت نادي قوم فارمهم بسهم السلم -يعن :السلم -
ث اجلس ف ناحيتهم ،ول تنطق حت تراهم قد نطقوا ،فإن أفاضوا ف ذكر
ال فَأ ِجلْ سهمك معهم ،وإن أفاضوا ف غي ذلك فتحوّل عنهم إل غيهم .
الربعيَ :كان لقمان عبدًا حبشي ًا فدفَع موله إليَه شاة وقال :
ّ وقال خالد
اذبها وائتن بأطيب مضغتي منها .فأتاه باللسان ،والقلب ،ث دفع إليه شاة
أخرى وقال :اذبها وائتن بأخبث مضغتي منها ،فأتاه باللسان ،والقلب ،
فسأله موله فقال :ليس شيء أطيب منهما إذا طابا ،ول أخبث منهما إذا
خب ثا .و عن ع مر مول غفرة قال :و قف ر جل على لقمان الك يم فقال :
أنَت لقمان ،أنَت عبَد بنَ السَحاس ؟ قال :نعَم ،قال :أنَت راعَي
الغ نم ؟ قال :ن عم ،قال :أ نت ال سود ؟ قال :أ ما سوادي فظا هر ،ف ما
الذي يعجبَك مَن أمري ؟ قال وطَء الناس بسَاطك ،وغشيهَم بابَك ،
ورضاهَم بقولك ! قال :يَا ابَن أخَي إن صَغيت إل مَا أقول لك كنَت
كذلك ،قال لقمان :غَضّي بصري ،وكَفيّ لسان ،وعفَة طعمت ،وحفظ
فرجَي ،وقول بصَدقي ،ووفائي بعهدي ،وتكرمتَ ضيفَي ،وحفظَي
جاري ،وتركي ما ل يعنين ،فذلك الذي صيّن إل ما ترى .وال أعلم .
***
الزء الثالث 536
ض َوأَسْبَغَ
ت َومَا فِي اْلأَرْ ِ
خرَ َلكُم مّا فِي السّمَاوَا ِ
﴿ َألَمْ َت َروْا أَنّ اللّهَ سَ ّ
عَلَ ْيكُ مْ ِنعَمَ هُ ظَاهِ َر ًة َوبَاطَِن ًة َومِ نَ النّا سِ مَن يُجَا ِدلُ فِي اللّ ِه ِبغَيْرِ عِلْ ٍم وَلَا
ب مّنِيٍ ( )20وَِإذَا قِي َل َلهُ مُ اتِّبعُوا مَا أَنزَ َل اللّ ُه قَالُوا َب ْل نَتّبِ عُ
ُهدًى َولَا كِتَا ٍ
مَا َوجَ ْدنَا عَلَيْهِ آبَاءنَا أَ َوَلوْ كَا َن الشّيْطَا ُن يَدْعُوهُ ْم ِإلَى َعذَابِ السّعِيِ ()21
ك بِالْ ُع ْروَ ِة الْ ُوْثقَى َوِإلَى
سنٌ َف َقدِ اسْتَ ْمسَ َ
َومَن يُسْ ِل ْم وَ ْجهَ ُه ِإلَى اللّهِ َو ُهوَ مُحْ ِ
حزُن كَ ُك ْفرُ هُ ِإلَيْنَا َمرْ ِج ُعهُ مْ فَنُنَبُّئهُم
اللّ هِ عَاقَِبةُ اْلُأمُورِ ( )22وَمَن َك َف َر فَلَا يَ ْ
ل ُثمّ نَضْ َط ّرهُ مْ
صدُورِ ( )23نُمَّت ُعهُ ْم قَلِي ً
ت ال ّ
بِمَا َعمِلُوا إِنّ اللّ هَ َعلِي مٌ ِبذَا ِ
ض لََيقُوُلنّ
ت وَاْلأَرْ َ
ِإلَى َعذَا بٍ غَلِي ظٍ (َ )24ولَئِن َسأَلَْتهُم مّنْ خَلَقَ ال سّمَاوَا ِ
ح ْمدُ لِلّ هِ َب ْل أَكَْث ُرهُ مْ لَا َيعْلَمُو نَ ( )25لِلّ ِه مَا فِي ال سّمَاوَاتِ
اللّ ُه ُقلِ الْ َ
ج َرةٍ
ض مِن شَ َ
ض إِنّ اللّ هَ ُهوَ اْلغَنِيّ الْحَمِيدُ (َ )26وَلوْ َأنّمَا فِي الْأَرْ ِ
وَالْأَرْ ِ
ت اللّ ِه إِنّ اللّهَ َعزِيزٌ
ح ٍر مّا َن ِفدَتْ كَلِمَا ُ
ح ُر يَ ُمدّ ُه مِن َب ْعدِهِ سَ ْب َعةُ َأبْ ُ
َأقْلَا ٌم وَالْبَ ْ
َحكِيمٌ ( )27مّا خَ ْلقُكُ ْم وَلَا بَعُْثكُمْ ِإلّا كََنفْسٍ وَاحِ َد ٍة إِنّ اللّهَ سَمِي ٌع بَصِيٌ (
خرَ
ج الّنهَا َر فِي اللّ ْي ِل وَ سَ ّ
ج اللّ ْي َل فِي الّنهَا ِر َويُولِ ُ
َ )28ألَ مْ َت َر أَنّ اللّ َه يُولِ ُ
جرِي إِلَى َأ َجلٍ مّ سَمّى َوأَنّ اللّ هَ بِمَا َتعْمَلُو َن خَبِيٌ (
س وَاْلقَ َمرَ ُك ّل يَ ْ
الشّمْ َ
حقّ َوأَنّ مَا َيدْعُو َن مِن دُونِ هِ الْبَا ِط ُل َوأَنّ اللّ هَ ُهوَ
َ )29ذلِ كَ ِبأَنّ اللّ َه ُهوَ الْ َ
ت اللّ ِه لُِي ِريَكُم
ح ِر بِِنعْمَ ِ
جرِي فِي الْبَ ْ
اْلعَلِيّ اْلكَبِيُ (َ )30ألَ مْ َت َر أَنّ اْلفُلْ كَ تَ ْ
مّ نْ آيَاتِ ِه إِنّ فِي َذلِ كَ لَآيَا تٍ ّل ُكلّ صَبّا ٍر شَكُورٍ (َ )31وِإذَا َغشَِيهُم مّوْ جٌ
537 توفيق الرحن ف دروس القرآن
صدٌ
ي لَ هُ الدّي نَ فَلَمّا نَجّاهُ مْ ِإلَى الَْبرّ فَمِ ْنهُم ّمقْتَ ِ
كَالظّ َل ِل دَ َعوُا اللّ َه مُخْلِ صِ َ
ُمـ
ّاسـ اّتقُوا َربّك ْ
ح ُد بِآيَاتِنَا إِلّا ُك ّل خَتّارٍ َكفُورٍ ( )32يَا َأيّه َا الن ُ
وَمَا يَجْ َ
جزِي وَاِلدٌ عَن َوَلدِ ِه َولَا َموْلُودٌ ُهوَ جَازٍ عَن وَاِلدِ هِ شَيْئا
شوْا َيوْما لّا يَ ْ
وَا ْخ َ
إِنّ وَ ْعدَ اللّ ِه َحقّ فَلَا َت ُغ ّرنّكُ ُم الْحَيَاةُ ال ّدنْيَا َولَا َي ُغ ّرنّكُم بِاللّ هِ اْلغَرُورُ ()33
إِنّ اللّ هَ عِندَ هُ عِلْ مُ ال سّا َع ِة َويَُنزّلُ اْلغَيْ ثَ وََيعْلَ ُم مَا فِي اْلأَ ْرحَا ِم َومَا َتدْرِي
ض تَمُو تُ إِنّ اللّ هَ عَلِي مٌ
س ِبأَيّ أَرْ ٍ
س مّاذَا تَكْ سِبُ غَدا وَمَا َتدْرِي َنفْ ٌ
َنفْ ٌ
خَبِيٌ (. ﴾ )34
***
الزء الثالث 538
َ :يتبعون الشيطان
َم فيتبعونََه .يعنَ ( لو ) مذوف ،ومازه :يدعوهَ
سعِيِ ﴾ .
شيْطَانُ يَ ْدعُوهُمْ إِلَى عَذَابِ ال ّ
وإن ﴿ كَانَ ال ّ
قوله تعال ﴿ :وَمَن يُ سْلِ ْم وَ ْجهَ هُ إِلَى اللّ هِ ﴾ ،يع ن :ل ،أي :يلص
َه ل ،ويفوّض أمره إل ال َ ﴿ ،و ُهوَ مُحْسَِنٌ ﴾ ف َ عمله َ ﴿ ،ف َق ِد دينَ
ك بِاْلعُ ْر َوةِ الْ ُوثْقَى ﴾ ،أي :اعتصَم بالعهَد الوثَق الذي ل ياف اسََمْسَ َ
ْت
انقطاعه ﴿ َوإِلَى اللّ ِه عَاِقبَ ُة اْلأُمُورِ * َومَن َكفَرَ فَلَا يَحْزُنكَ ُك ْفرُهُ إَِليْنَا َمرْ ِج ُعهُمْ
َفُنَنبُّئهُم بِمَا عَ ِملُوا ِإنّ اللّ َه عَلِي ٌم بِذَا تِ ال صّدُورِ ﴾ ﴿ .نُ َمّت ُعهُ مْ َقلِيلً ﴾ ،أي
:نهلهم ليتمتّعوا بنع يم الدن يا قليلً إل انقضاء آجال م ﴿ ثُمّ َنضْطَ ّرهُ مْ ﴾ ث
ظ ﴾ وهو :عذاب النار . ب غَلِي ٍ نلجئهم ونردّهم ف الخرة ﴿ ،إِلَى عَذَا ٍ
ض لََيقُوُلنّ
ت وَاْلأَرْ َ
قوله عز وجل َ ﴿ :ولَئِن َسَألَْتهُم مّ نْ خَلَ َق ال سّمَاوَا ِ
ح ْمدُ لِلّ هِ َب ْل أَكَْث ُرهُ مْ لَا َيعْلَمُو نَ ( )25لِلّ ِه مَا فِي ال سّمَاوَاتِ
اللّ ُه ُقلِ الْ َ
ج َرةٍ
ض مِن شَ َ
ض إِنّ اللّ هَ ُهوَ اْلغَنِيّ الْحَمِيدُ (َ )26وَلوْ َأنّمَا فِي الْأَرْ ِ
وَالْأَرْ ِ
ت اللّ ِه إِنّ اللّهَ َعزِيزٌ
ح ٍر مّا َن ِفدَتْ كَلِمَا ُ
ح ُر يَ ُمدّ ُه مِن َب ْعدِهِ سَ ْب َعةُ َأبْ ُ
َأقْلَا ٌم وَالْبَ ْ
َحكِيمٌ ( )27مّا خَ ْلقُكُ ْم وَلَا بَعُْثكُمْ ِإلّا كََنفْسٍ وَاحِ َد ٍة إِنّ اللّهَ سَمِي ٌع بَصِيٌ (
. ﴾ )28
قال ا بن كث ي :يقول تعال م بًا عن هؤلء الشرك ي :أن م يعرفون أن
خالقَ السَماوات والرض وحدَه ل شريَك له ،ومَع هذا يعبدون معَه ُ ال
شركاء يعترفون أنا َخلْقٌ له وملك له ،ولذا قال تعال ﴿ :وََلئِنْ سَأَْلَتهُ ْم مَنْ
الزء الثالث 540
ج الّنهَارَ
ج اللّ ْي َل فِي الّنهَا ِر َويُولِ ُ
قوله عز وجل َ ﴿ :ألَ مْ َت َر أَنّ اللّ َه يُولِ ُ
جرِي إِلَى َأ َجلٍ مّ سَمّى َوأَنّ اللّ هَ بِمَا
س وَاْلقَ َمرَ ُك ّل يَ ْ
خ َر الشّمْ َ
فِي اللّ ْي ِل وَ سَ ّ
َتعْمَلُو َن خَبِيٌ (َ )29ذلِ كَ ِبأَنّ اللّ َه ُهوَ الْحَقّ َوأَنّ مَا َيدْعُو َن مِن دُونِ هِ
حرِ
جرِي فِي الْبَ ْ
الْبَا ِطلُ وَأَنّ اللّ هَ ُهوَ اْلعَ ِليّ اْلكَبِيُ (َ )30ألَ مْ َت َر أَنّ اْلفُلْ كَ تَ ْ
ك لَآيَا تٍ لّ ُكلّ صَبّا ٍر َشكُورٍ ()31
ت اللّ هِ لُِي ِرَيكُم مّ نْ آيَاتِ ِه إِنّ فِي َذلِ َ
بِِنعْمَ ِ
ي لَ هُ الدّي نَ فَلَمّ ا نَجّاهُ مْ ِإلَى
َوِإذَا َغشِيَهُم ّموْ جٌ كَالظّ َل ِل دَ َعوُا اللّ َه مُخْلِ صِ َ
ح ُد بِآيَاتِنَا ِإلّا ُك ّل خَتّارٍ َكفُورٍ (. ﴾ )32
جَصدٌ َومَا يَ ْ
الَْبرّ َفمِ ْنهُم ّمقْتَ ِ
عن قتادة قوله ﴿ :أَلَ ْم تَرَ َأنّ اللّ َه يُولِ جُ الّليْلَ فِي الّنهَارِ ﴾ ،نقصان الليل
ِجَ الّنهَارَ ف ِي الّليْلِ ﴾ ،نقصَان النهار فَ زيادة فَ زيادة النهار َ ﴿ ،ويُول ُ
ّسَمّى ﴾ ،يقول :
جرِي إِلَى أَ َج ٍل م َ ْسَ وَاْلقَمَرَ كُ ّل يَ َْسَخّرَ الشّم َ الليَل ﴿ و َ
لذلك كله وقت معلوم ل ياوزه ول يعدوه .
وقوله تعال ﴿ :أَلَ ْم تَرَ أَنّ الْفُلْ َ
ك َتجْرِي فِي اْلبَحْ ِر ِبِنعْمَ تِ اللّ هِ ِليُ ِريَكُم
صبّا ٍر َشكُورٍ ﴾ .عن مغية قال :الصبمّ ْن آيَاتِ هِ إِنّ فِي ذَلِ كَ لَآيَا تٍ ّلكُلّ َ
نصف اليان ،والشكر نصف اليان ،واليقي اليان كله ،أل تر إل قوله
َاتَ
ْضَ آي ٌ
صَبّا ٍر َشكُورٍ ﴾ ﴿ ،وَفِي الْأَر ِ
َاتَّلكُلّ َ
ِكَ لَآي ٍ ﴿ :إِنّ فِي ذَل َ
ك لَيةً لّلْمُؤ ِمنِيَ ﴾ .
لّلْمُوِقنِيَ ﴾ ﴿ ،إِنّ فِي ذَلِ َ
الزء الثالث 542
***
الزء الثالث 544
***
547 توفيق الرحن ف دروس القرآن
ضلَلْنَا فِي الْأَرْ ضِ ﴾ ،يقول :أئذا هلك نا .و عن عن ما هد َ ﴿ :أئِذَا َ
ضلَ ْلنَا فِي الْأَرْ ضِ َأئِنّا َلفِي خَلْ قٍ جَدِيدٍ ﴾ ،قال :قالوا قتادة ﴿ :وَقَالُوا َأئِذَا َ
:أئذا كنا عظامًا ورفاتًا أئنا لبعوثون خلقًا جديدًا ؟ وقال الضحاك :يكفرون
بالبعث .
ت الّذِي وُكّ َل بِكُ مْ ﴾ قال :ملك ك الْ َموْ ِ وعن قتادة ُ ﴿ :ق ْل يََتوَفّاكُم مّلَ ُ
الوت يتوفا كم وم عه أعوان من اللئ كة .وقال ما هد :طو يت له الرض
فجعلت له مثَل الطسَت يتناول منهَا حيَث شاء .وقال ابَن زيَد فَ قوله
ِمَ ﴾ ،قال :قَد
ُوسَهِ ْم عِندَ َرّبه ْ
ُونَ نَاكِسَُو ُرؤ ِ ﴿ وََلوْ تَرَى إِ ِذ الْ ُمجْ ِرم َ
س هُدَاهَا ﴾ ،قال
حزنوا واستحيوا .وعن قتادة ﴿ :وََلوْ شِْئنَا لَآَتْينَا كُ ّل َنفْ ٍ
:لو شاء ال لدى الناس جيعًا ،لو شاء ال لنزل عليهَم مَن السَماء آيَة
فظّلت أعناقهم لا خاضعي ﴿ .وَلَكِ نْ حَقّ اْلقَوْ ُل ِمنّي ﴾ ح ّق القول عليهم
.
وقوله تعال ﴿ :فَذُوقُوا بِمَا نَسِيتُمْ ِلقَاء َي ْومِكُ ْم هَذَا ِإنّا نَسِينَاكُمْ ﴾ ،قال
ا بن عباس :تركنا كم .وقال قتادة :نُ سوا من كل خ ي ،وأ ما ال شر فلم
ُينْ سَوْا م نه .و عن أ نس بن مالك :إن هذه ال ية َ ﴿ :تتَجَافَى ُجنُوُبهُ مْ عَ نِ
الْ َمضَاجِ عِ ﴾ نزلت ف انتظار ال صلة ال ت تد عى القمّة .و عن ما هد قوله
َ ﴿ :تتَجَافَى ُجنُوُبهُ ْم عَ ِن الْ َمضَاجِعِ ﴾ يقومون يصلّون من الليل .وقال ابن
عباس َ ﴿ :تتَجَافَى ﴾ لذ كر ال ،كل ما ا ستيقظوا ذكروا ال تعال ،إ ما ف
الصَلة ،وإمَا فَ قيام ،أو فَ قعود ،أو على جنوبمَ ،ثَ يذكرون ال .
551 توفيق الرحن ف دروس القرآن
وروى المام أحد وغيه من حديث معاذ بن جبل أن النب قال له « :
أل أدلّك على أبواب الي ؟ الصوم ُجنّة ،والصدقة تطفئ الطيئة كما يطفئ
الاء النار ،وصلة الرجل ف جوف الليل - ،ث قرأ ﴿ : -تَتَجَافَى ُجنُوُبهُ مْ
عَ ِن الْ َمضَاجِ ِع يَ ْدعُو نَ َرّبهُ مْ َخوْفا َوطَمَعا َومِمّ ا رَزَ ْقنَاهُ ْم يُن ِفقُو نَ * فَلَا َتعَْل مُ
س مّ ا أُ ْخفِ يَ لَهُم مّ ن ُق ّرةِ َأ ْعيُ نٍ َجزَاء بِمَا كَانُوا يَعْ َملُو نَ ﴾ » .و عن أ ب َنفْ ٌ
هريرة عن رسول ال قال « :قال ال تعال :أعددت لعبادي الصالي ما
ل عيٌ رأت ،ول أذ نٌ سعت ،ول خَ َطرَ على قلب بشر » .قال أبو هريرة
س مّا أُ ْخفِ يَ َلهُم مّن ُق ّرةِ أَ ْعيُ نٍ ﴾ .متفق :اقرؤوا إن شئتم َ ﴿ :فلَا َتعْلَ ُم َنفْ ٌ
عليه .
قوله عز و جل َ ﴿ :أفَمَن كَا نَ ُم ْؤمِنا كَمَن كَا َن فَا سِقا لّا يَ سَْتوُونَ (
َ )18أمّاـ اّلذِينَـ آمَنُوا وَ َعمِلُوا الصـّالِحَاتِ فَ َلهُم ْـ جَنّاتُـ الْ َم ْأوَى ُن ُزلً بِمَا
ُمـ النّارُ كُلّمَا أَرَادُوا أَن
َسـقُوا َف َمأْوَاه ُ
ِينـ ف َ
ُونـ (َ )19وَأمّاـ اّلذ َ
كَانُوا َيعْمَل َ
ِهـ
َابـ النّا ِر الّذِي كُنتُم ب ِ
ُمـ ذُوقُوا َعذ َ
خ ُرجُوا مِنْهَا أُعِيدُوا فِيهَا وَقِي َل َله ْ
يَ ْ
ُت َكذّبُو نَ ( )20وَلَُنذِيقَنّهُ مْ مِ نَ اْلعَذَا بِ اْلَأدْنَى دُو َن اْلعَذَا بِ اْلأَكَْب ِر لَعَ ّلهُ مْ
َي ْرجِعُو نَ ( )21وَمَ نْ أَظْلَ ُم مِمّ ن ذُ ّك َر بِآيَا تِ َربّ ِه ثُمّ أَ ْعرَ ضَ َعنْهَا إِنّ ا مِ نَ
ي مُنَتقِمُونَ (. ﴾ )22
ج ِرمِ َ
الْمُ ْ
عم ا بن عباس ﴿ :وََلنُذِيقَّنهُ ْم مِ َن اْلعَذَا بِ الْأَدْنَى ﴾ ،يقول :م صائب
الدنيَا وأسَقامها وبلؤهَا ماَ يبتلي ال بَه العباد حتَ يتوبوا .وعَن ماهَد
الزء الثالث 552
***
555 توفيق الرحن ف دروس القرآن
***
557 توفيق الرحن ف دروس القرآن
قوله عز وجل ﴿ :يَا أَّيهَا النّبِيّ اتّ قِ اللّ َه َولَا تُطِ عِ اْلكَا ِفرِي َن وَالْمُنَا ِفقِيَ
ك إِنّ اللّهَ كَانَ
ك مِن ّربّ َ
إِنّ اللّهَ كَانَ عَلِيما حَكِيما ( )1وَاتّبِ ْع مَا يُوحَى ِإلَيْ َ
بِمَا َتعْمَلُونَ خَبِيا ( )2وََتوَ ّكلْ عَلَى ال ّل ِه وَ َكفَى بِال ّلهِ وَكِيلً (. ﴾ )3
قال ا بن كث ي :هذا ت نبيه بالعلى على الد ن ،فإ نه تعال إذا كان يأ مر
عبده ورسوله بذا ،فَلن يأتر مَ نْ دونه بذلك بطريق الول والحرى ؛ وقد
قال طَلْق بَن حَبيب :التقوى أن تعمَل بطاعَة ال على نور مَن ال ترجَو
ثواب ال ،وأن تترك معصية ال على نور من ال مافة عذاب ال .
َ ﴾ ،أي :هذا َ مَِن ّربّك َ َ مََا يُوحََى إَِليْك َ وعَن قتادة ﴿ :وَاّتبِع ْ
القرآن ﴿ ،إِنّ اللّ هَ كَا نَ بِمَا َتعْمَلُو نَ َخبِيا * َوَتوَكّ ْل عَلَى اللّ ِه وَكَفَى بِاللّ هِ
وَكِيلً ﴾ .قال البغوي :حافظًا لك .
قوله عز و جل ﴿ :مّ ا جَ َعلَ اللّ هُ ِل َرجُ ٍل مّ ن قَلْبَيْ ِن فِي َجوْفِ هِ وَمَا جَ َعلَ
أَ ْزوَا َجكُمُـ اللّائِي تُظَا ِهرُونَـ مِ ْنهُنّ ُأ ّمهَاِتكُم ْـ وَمَا َجعَ َل َأدْعِيَاءكُم ْـَأبْنَاءكُم ْـ
حقّ وَ ُهوَ َي ْهدِي ال سّبِيلَ ( )4ادْعُوهُ مْ
َذِلكُ مْ َق ْولُكُم ِبَأفْوَاهِكُ ْم وَاللّ ُه َيقُولُ الْ َ
لِآبَاِئهِ ْم ُهوَ َأقْ سَطُ عِندَ اللّ هِ َفإِن لّ مْ تَعْلَمُوا آبَاءهُ مْ َفِإخْوَاُنكُ مْ فِي الدّي نِ
َو َموَالِيكُ مْ َولَيْ سَ عَلَ ْيكُ مْ جُنَا حٌ فِيمَا َأخْطَ ْأتُم بِ ِه َولَكِن مّا َتعَ ّمدَ تْ قُلُوبُكُ مْ
وَكَا َن اللّهُ َغفُورا ّرحِيما (. ﴾ )5
قال ا بن كثيـ :يقول تعال :موطئًا قبَل الق صود العنويَّ أمرًا معروفًا
سيًا و هو أ نه ك ما ل يكون للش خص الوا حد قلبان ف جو فه ،ول ت صي
ح ّ
الزء الثالث 558
زوجته الت يظاهر منها بقوله :أنت عََليّ كظهر أمي أمّا له ،كذلك ل يصي
الدّع يّ ولدًا للرجل إذا تبنّاه فدعاه ابنًا له ،فقال ﴿ :مَا َجعَلَ اللّ هُ لِ َرجُ ٍل مِ نْ
َق ْلبَيْ نِ فِي َجوْفِ ِه وَمَا َجعَلَ أَ ْزوَا َجكُ ُم اللئِي تُظَاهِرُو نَ ِمْنهُنّ ُأ ّمهَاِتكُ مْ ﴾ ،
كقوله عز وجل ﴿ :مَا هُنّ ُأمّهَاِتهِمْ ِإنْ ُأ ّمهَاُتهُمْ إِل اللئِي وَلَ ْدَنهُ ْم ﴾ الية .
قوله تعال َ ﴿ :ومَا َجعَلَ َأ ْدعِيَاءَكُ مْ َأبْنَاءَكُ مْ ﴾ هذا هو القصود بالنفي ،
فإنا نزلت ف شأن زيد بن حارثة رضي ال عنه مول النب ،كان النب
قد تبنّاه ق بل النبوّة فكان يقال له :ز يد بن م مد ،فأراد ال أن يق طع هذا
اللاق وهذه النسبة بقوله تعال َ ﴿ :ومَا َجعَلَ َأ ْدعِيَاءَكُ مْ َأبْنَاءَكُ مْ ﴾ ،كما
قال تعال ف أثناء ال سورة ﴿ :مَا كَا َن مُحَمّدٌ أَبَا أَحَ ٍد مِ نْ رِجَاِلكُ ْم وََلكِ نْ
رَ سُولَ اللّ ِه َوخَاتَ َم الّنبِيّيَ وَكَا نَ اللّ ُه ِبكُ ّل شَيْ ٍء عَلِيمًا ﴾ وقال ها ه نا :
﴿ ذَِلكُم َْ َقوُْلكُم َِْبأَ ْفوَاهِكُم َْ ﴾ ،يعنَ :تبنّيكَم لمَ قولً ل يقتضَي أن
يكون ابنًا حقيقيّا ،فإنه ملوق من صلب رجل آخر ،فما يكن أن يكون له
أبوان كما ل يكن أن يكون للبشر الواحد قلبان ﴿ ،وَاللّ هُ يَقُو ُل الْحَقّ َو ُهوَ
سبِيلَ ﴾ .انتهى . َيهْدِي ال ّ
وعن قتادة ﴿ :ا ْدعُوهُم لبائهِ ْم ُهوَ أقْسَطُ ِعنْدَ اللّهِ فإنْ لَ ْم َتعْلَمُوا آبا َءهُمْ
فإ ْخوَاُنكُ مْ فِي الدّي ِن َو َموَالِيكُ مْ ﴾ ،فإن ل تعلموا من أبوه فإن ا هو أخوك
ومولك ﴿ .وَلَيْ سَ عَلْيكُ مْ جُنا حٌ فِي ما أخْط ْأتُ ْم بِ هِ ﴾ ،يقول :إذا دعوت
الر جل لغ ي أبيه وأنت ترى أنه كذلك ﴿ ،وََلكِن مّا َتعَمّدَ تْ ُقلُوبُكُ مْ ﴾ ،
يقول ال :ل تدعه لغي أبيه متعمدًا ،أما الطأ فل يؤاخذكم ال به ،ولكن
559 توفيق الرحن ف دروس القرآن
يؤاخذكم با تعمّدت قلوبكم .قال ماهد :فالعمد ما أُت بعد البيان والنهي
ف هذا وغيه .وعن أب بكرة رضي ال عنه قال :سعت رسول ال يقول
« :من ادّ عى إل غ ي أب يه و هو يعل مه فال نة عل يه حرام » .رواه البغوي
وغيه .
س ِهمْ َوأَ ْزوَاجُ هُ ُأ ّمهَاُتهُ مْ
قوله عز وجل ﴿ :النّبِيّ َأوْلَى بِالْ ُمؤْمِِنيَ مِ نْ أَنفُ ِ
ض فِي كِتَابِ ال ّلهِ ِمنَ الْ ُم ْؤمِنِيَ وَالْ ُمهَا ِجرِينَ
َوُأوْلُو اْلأَ ْرحَا ِم َبعْضُ ُهمْ َأ ْولَى بَِبعْ ٍ
( ب مَ سْطُورا
ِإلّا أَن َت ْفعَلُوا إِلَى أَ ْولِيَاِئكُم ّم ْعرُوفا كَا َن َذلِ كَ فِي الْكِتَا ِ
. ﴾ )6
قال ا بن ز يد ﴿ :النّ ّ
ب أوْلَى با ُل ْؤ ِمنِيَ مِ نْ أنفُ سهِمْ ﴾ ك ما أ نت أول
بعبدك ما قضى فيهم من أمر جاز كما كلما قضيت على عبدك جاز .وعن
أ ب هريرة أن ر سول ال قال « :ما من مؤ من إل وأ نا أول الناس به ف
سهِمْ ﴾ ، الدنيا والخرة ،اقرؤوا إن شئتم ﴿ :النِّبيّ َأوْلَى بِالْ ُم ْؤمِنِيَ مِ نْ أَْنفُ ِ
فأيّما مؤمن ترك مالً فليثه عصبة مَ ْن كانوا ،وإن ترك َدْينًا أو ضَياعًا فليأتن
فأ نا موله » .رواه البخاري وغيه .و عن قتادة ﴿ :النّبِيّ َأوْلَى بِالْ ُم ْؤ ِمنِيَ
سهِ ْم َوأَ ْزوَاجُ هُ ُأ ّمهَاُتهُ مْ ﴾ يعظّ م بذلك حقّه نّ ،و ف ب عض القراءة : مِ نْ َأْنفُ ِ
و هو :أب ل م .قال ا بن ز يد ف قوله ﴿ :وأ ْزوَاجُ هُ ُأمّهاُتهُ مْ ﴾ مرّمات
عليهم .وعن قتادة ﴿ :وأُولُوا الرْحا ِم َب ْعضُهُ ْم أوْل بَِب ْعضٍ ف كتاب اللّ ِه مِنَ
ا ُلؤْمِنيَ والُها ِجرِي نَ ﴾ ،ل بث ال سلمون زمانًا يتوارثون بالجرة ،والعرا ب
الزء الثالث 560
السَلم ل يرث مَن الهاجريَن شيئًا ،فأنزل ال هذه اليَة فخلط الؤمنيَ
بعضهم ببعض فصارت الواريث باللل .
َ َمعْرُوفا ﴾ ،قال وعـن ماهـد قوله ﴿ :إل أن ْ
َ َت ْفعَلُوا إل أوْلِيائِكُم ْ
حلفاؤكم الذين وال بينهم النب من الهاجرين والنصار إمساك بالعروف
أنَ تَ ْفعَلُوا إل
والعقَل والنصَر بينهَم .قال ابَن كثيَ وقوله تعال ﴿ :إل ْ
أوْلِيائِكُ ْم َمعْرُوفا ﴾ ،أي :ذهب الياث ،وبقي :النصر ،وال ّب ،والصلة ،
والحسان ،والوصيّة .
قوله عز و جل َ ﴿ :وإِ ْذ َأخَذْنَا مِ نَ النّبِيّيَ مِيثَاقَهُ مْ وَمِن كَ وَمِن نّو حٍ
َوِإبْرَاهِي َم َومُو سَى وَعِي سَى ابْ نِ َم ْريَ مَ َوَأخَ ْذنَا مِ ْنهُم مّيثَاقا غَلِيظا ( )7لِيَ سَْألَ
ص ْد ِقهِ ْم َوأَ َعدّ لِ ْلكَا ِفرِينَ َعذَابا َألِيما (. ﴾ )8
الصّادِقِيَ عَن ِ
عن ماهد َ ﴿ :وإِذْ أَخَ ْذنَا مِ َن الّنبِيّيَ مِيثَاَقهُ ْم َومِنكَ َومِن نّوحٍ ﴾ ،قال :
ِنَ الّنِبيّيَ
فَ ظهَر آدم .وقال البغوي :قوله عَز وجَل َ ﴿ :وإِذْ أَ َخذْنَا م َ
مِيثَاَقهُ مْ ﴾ على الوفاء ب ا حلوا ،وأن ي صدّق بعض هم بعضًا ويبشّر بعض هم
بب عض .قال مقا تل :أ خذ ميثاق هم على أن يعبدوا ال ويدعوا إل عبادة ال
ح َوِإبْرَاهِي مَ
وي صدّق بعض هم بعضًا وين صحوا لقوم هم َ ﴿ ،ومِن كَ وَمِن نّو ٍ
ص هؤلء الم سة بالذ كر من ب ي ال نبيّي َومُو سَى َوعِي سَى ابْ نِ َم ْريَ مَ ﴾ خ ّ
لنم أصحاب الكتب والشرائع وأول العزم من الرسل انتهى .
561 توفيق الرحن ف دروس القرآن
***
الزء الثالث 562
ُمـ جُنُودٌ
ُمـ ِإ ْذ جَاءتْك ْ
ّهـ عَلَ ْيك ْ
ِينـ آمَنُوا اذْ ُكرُوا ِنعْ َمةَ الل ِ
﴿ يَا أَيّهَا الّذ َ
َفأَرْسَلْنَا عَلَ ْيهِمْ رِيا َوجُنُودا لّ ْم َترَ ْوهَا وَكَا َن اللّهُ بِمَا َتعْمَلُونَ بَصِيا (ِ )9إذْ
جَاؤُوكُم مّن َف ْوقِكُ مْ َومِ نْ أَ ْسفَ َل مِنكُ ْم َوِإذْ زَا َغ تْ اْلَأبْ صَارُ َوبَ َلغَ تِ اْلقُلُو بُ
الْحَنَاجِ َر َوتَظُنّو َن بِاللّهِ الظّنُونَا ( )10هُنَالِكَ ابْتُلِ َي الْ ُمؤْمِنُو َن وَ ُزْل ِزلُوا ِزلْزَالً
ض مّا وَ َعدَنَا اللّ هُ
َشدِيدا (َ )11وِإذْ َيقُو ُل الْمُنَا ِفقُو نَ وَاّلذِي نَ فِي قُلُوِبهِم ّمرَ ٌ
ب لَا ُمقَا َم لَكُ مْ
وَرَ سُوُلهُ ِإلّا ُغرُورا (َ )12وِإذْ قَالَت طّاِئفَ ٌة مّ ْنهُ مْ يَا أَ ْه َل يَ ْثرِ َ
فَا ْرجِعُوا َويَ سَْتأْذِ ُن َفرِي قٌ مّ ْنهُ مُ النِّبيّ َيقُولُو َن إِنّ بُيُوتَنَا َعوْ َر ٌة وَمَا هِ َي ِبعَوْ َرةٍ
إِن ُيرِيدُو َن ِإلّا ِفرَارا (َ )13وَلوْ ُدخِلَ تْ عَلَ ْيهِم مّ نْ َأقْطَا ِرهَا ُثمّ سُئِلُوا اْلفِتَْنةَ
لَآتَوْهَا وَمَا تَلَبّثُوا بِهَا ِإلّا يَ سِيا ( )14وََل َقدْ كَانُوا عَا َهدُوا اللّ هَ مِن قَ ْب ُل لَا
ُمـ اْل ِفرَارُ إِن
َسـؤُولً ( )15قُل لّن يَن َفعَك ُ
ّهـ م ْ
َانـ َع ْه ُد الل ِ
ّونـ الَْأ ْدبَارَ وَك َ
ُي َول َ
ت أَ ِو الْقَ ْت ِل َوإِذا لّا تُمَّتعُو َن إِلّا قَلِيلً (ُ )16ق ْل مَن ذَا الّذِي
َفرَ ْرتُم مّ َن الْ َموْ ِ
جدُو َن َلهُم
َيعْ صِمُكُم مّ َن اللّ هِ إِ ْن أَرَادَ ِبكُ مْ سُوءا َأ ْو أَرَا َد ِبكُ مْ َرحْ َمةً َولَا يَ ِ
مّن دُو نِ اللّ هِ َولِيّا وَلَا نَ صِيا (َ )17قدْ َيعْلَ مُ اللّ هُ الْ ُم َع ّوقِيَ مِنكُ ْم وَاْلقَائِلِيَ
حةً عَ َل ْيكُ ْم َفإِذَا جَاء
س ِإلّا قَلِيلً ( )18أَشِ ّ
ِلِإخْوَاِنهِ مْ هَ ُلمّ ِإلَيْنَا َولَا َي ْأتُو َن الَْبأْ َ
خوْ فُ َرَأيَْتهُ ْم يَن ُظرُو نَ ِإلَيْ كَ َتدُو ُر أَعْيُُنهُ مْ كَاّلذِي ُي ْغشَى عَلَيْ هِ مِ َن الْ َموْ تِ
الْ َ
حةً عَلَى الْخَ ْيرِ أُ ْولَئِكَـ لَم ْـ
خوْفُـ سَـَلقُوكُم ِبَألْسِـنَ ٍة ِحدَادٍ أَشِ ّ
َفِإذَا َذهَبَـ الْ َ
ط اللّ هُ أَ ْعمَاَلهُ مْ وَكَا َن َذلِ كَ َعلَى اللّ هِ يَ سِيا ( )19يَحْ سَبُونَ
ُي ْؤمِنُوا فََأحْبَ َ
563 توفيق الرحن ف دروس القرآن
اْلأَ ْحزَا بَ لَ مْ َي ْذهَبُوا َوإِن َيأْ تِ اْلأَ ْحزَا بُ َي َودّوا لَ ْو َأّنهُم بَادُو َن فِي اْلأَ ْعرَا بِ
ـلُونَ عَن ْـأَنبَاِئكُم ْـ َولَوْ كَانُوا فِيكُم مّاـ قَاتَلُوا ِإلّا قَلِيلً (َ )20ل َقدْ كَانَـ
يَس َْأ
َلكُ مْ فِي رَ سُولِ اللّ هِ أُ ْس َوةٌ حَ سََنةٌ لّمَن كَا َن َي ْرجُو اللّ َه وَالَْيوْ َم الْآ ِخرَ َوذَ َكرَ
اللّ هَ كَثِيا (َ )21ولَمّ ا َرأَى الْ ُمؤْمِنُو َن اْلأَ ْحزَا بَ قَالُوا هَذَا مَا وَ َعدَنَا اللّ هُ
وَرَسـُوُلهُ وَصَـدَقَ اللّهُـ وَرَسـُولُ ُه وَمَا زَا َدهُم ْـِإلّا إِيَانا َوتَس ْـلِيما ( )22مِنَـ
ص َدقُوا مَا عَاهَدُوا اللّ هَ عَلَيْ ِه فَمِ ْنهُم مّن قَضَى نَحْبَ ُه َومِ ْنهُم
الْ ُم ْؤمِنِيَ ِرجَالٌ َ
ص ْد ِق ِهمْ َوُيعَذّ بَ
ي بِ ِ
ي اللّ هُ ال صّادِقِ َ
جزِ َ
مّن يَنتَ ِظرُ وَمَا بَ ّدلُوا تَ ْبدِيلً ( )23لِيَ ْ
الْمُنَا ِفقِيَ إِن شَاء َأوْ يَتُو بَ عَلَ ْيهِ مْ إِنّ اللّ هَ كَا نَ َغفُورا ّرحِيما ( )24وَ َردّ
اللّ هُ اّلذِي نَ َك َفرُوا ِبغَيْ ِظهِ ْم لَ مْ يَنَالُوا خَيْرا وَ َكفَى اللّ ُه الْ ُمؤْمِنِيَ اْلقِتَا َل وَكَا نَ
َابـ م ِن
ّنـ َأهْ ِل الْكِت ِ
ِينـ ظَا َهرُوه ُم م ْ
ّهـ َقوِيّا َعزِيزا ( )25وَأَنزَ َل الّذ َ
الل ُ
ب َفرِيقا َتقْتُلُو َن َوَتأْ ِسرُو َن َفرِيقا ()26
صَيَاصِي ِهمْ َو َقذَ فَ فِي قُلُوِبهِ مُ الرّعْ َ
ضهُ ْم َودِيَا َرهُ ْم َوأَ ْموَاَلهُ مْ َوأَرْضا لّ مْ تَ َطؤُوهَا وَكَا َن اللّ هُ عَلَى
َوَأوْرََثكُ مْ أَرْ َ
ُك ّل َشيْ ٍء َقدِيرا (. ﴾ )27
***
الزء الثالث 564
قوله عز و جل ﴿ :يَا َأيّهَا الّذِي نَ آ َمنُوا اذْ ُكرُوا نِعْ َم َة اللّ هِ َعلَ ْيكُ ْم ِإذْ
ّهـ بِمَا
َانـ الل ُ
ّمـ َت َروْهَا وَك َ
ِمـ رِيا َوجُنُودا ل ْ
ْسـلْنَا عَلَ ْيه ْ
ُمـ جُنُودٌ َفأَر َ
جَاءتْك ْ
َتعْمَلُو نَ بَ صِيا (ِ )9إذْ جَاؤُوكُم مّن َف ْوقِكُ ْم َومِ نْ أَ سْ َفلَ مِنكُ ْم َوِإذْ زَا َغ تْ
ب الْحَنَا ِج َر َوتَظُنّو َن بِاللّ ِه الظّنُونَا ( )10هُنَالِ كَ ابْتُلِ يَ
ت اْلقُلُو ُ
اْلأَبْ صَارُ َوبَ َلغَ ِ
الْ ُم ْؤمِنُو َن وَ ُزْلزِلُوا ِزْلزَا ًل َشدِيدا (. ﴾ )11
قال ابن إسحاق :حدثن يزيد بن رومان ف قول ال ﴿ :يَا أَّيهَا الّذِي نَ
آ َمنُوا اذْكُرُوا ِنعْ َمةَ اللّ ِه عََلْيكُ مْ ِإذْ جَاءْتكُ مْ ُجنُودٌ َفأَرْ سَ ْلنَا عََلْيهِ مْ رِيا وَ ُجنُودا
لّمْ تَ َر ْوهَا ﴾ .والنود :قريش ،وغطفان ،وبنو قريظة ،وكانت النود الت
أرسل ال عليهم مع الريح اللئكة .وعن ماهد ﴿:إذْ جاءُوكُمْ مِنْ َفوِْقكُمْ ﴾
قال :عيينة بن بدر ف أهل ند َ ﴿ ،ومِ نْ أَ ْسفَلَ مِنكُ مْ ﴾ ،قال أبو سفيان
ت البْ صَارُ ﴾ شخصت . قال :وواجهتهم قريظة .وعن قتادة َ ﴿ :وإِذْ زَاغَ ِ
حنَاجِرَ ﴾ ،قال :مَن الفزع .وعَن ُوبَ الْ َ
َتَ اْلقُل ُ وعَن عكرمَة َ ﴿ :وبََلغ ِ
السن َ ﴿ :وتَ ُظنّو نَ بِاللّ هِ ال ّظنُونَا ﴾ ،قال :ظنونًا متلفة ؛ ظ ّن النافقون أن
ممدًا وأصَحابه يسَتأصلون ،وأيقَن الؤمنون أن مَا وعدهَم ال حَق أنَه
سيظهره على الدين كله ولو كره الشركون .
حصُوا .ك ابْتُِل َي الْ ُم ْؤ ِمنُونَ ﴾ ،قال ُ :م ّ وعن ماهد قوله ﴿ :هُنَالِ َ
565 توفيق الرحن ف دروس القرآن
اسم أرض ،ومدينة الرسول ف ناحية منها .وف بعض الخبار أن النب
نى أن تسمّى الدينة يثرب ،وقال « :هي طابة » ،كأنه كره هذا اللفظ
-ل مقام لكم فارجعوا إل منازلكم ،ويستأذن فريق منهم النب يقولون :إن
بيوتنا عورة .قال ابن عباس قالوا :بيوتنا مليّة نشى عليها السرق َ ﴿ .ومَا
ِهيَ ِب َعوْ َرةٍ إِن يُرِيدُونَ إِلّا ِفرَارا ﴾ .
وعن قتادة ﴿ :وََلوْ دُ ِخلَ تْ عََلْيهِم مّ نْ أَقْطَا ِرهَا ﴾ ،أي :لو دخل علهم
من نوا حي الدي نة ﴿ ،ثُمّ ُسئِلُوا اْلفِْتَنةَ ﴾ ،أي :الشرك ﴿ ،لَآَتوْهَا ﴾ ،
يقول :لعطوها َ ﴿ ،ومَا تََلّبثُوا ِبهَا إِلّا يَ سِيا ﴾ ،يقول :إل أعطوه طيّبة
به أنفسهم ما يتبسونه ﴿ ،وََلقَدْ كَانُوا عَاهَدُوا اللّ هَ مِن َقبْلُ لَا ُيوَلّو نَ الْأَ ْدبَارَ
سؤُولً ﴾ ،قال :كان أناس غابوا عن وقعة بدر ورأوا ما وَكَا نَ عَهْدُ اللّ ِه مَ ْ
أعطى ال أصحاب بدر من الكرامة ،والفضيلة فقالوا :لئن أشهدنا ال تعال
قتا ًل لنقاتل نّ ،ف ساق ال ذلك إلي هم ح ت كان ف ناح ية الدي نة ﴿ .قُل لّن
يَن َفعَكُ ُم اْلفِرَارُ إِن َفرَ ْرتُم مّ َن الْ َموْ تِ َأوِ اْل َقتْ ِل َوإِذا لّا تُ َمّتعُو نَ إِلّا َقلِيلً ﴾ وإنا
الدنيا كلها قليل .
وقوله تعال ﴿ :قُ ْل مَن ذَا الّذِي َيعْصِ ُمكُم مّنَ اللّهِ ﴾ .
ُمَ
ُمَ سَُوءا َأوْ أَرَا َد ِبك ْ قال البغوي :ينعكَم مَن عذابَه ﴿ إ ْ
ِنَأَرَا َد ِبك ْ
جدُونَ َلهُم مّن دُونِ اللّ ِه وَِليّا وَلَا نَصِيا ﴾ .
َرحْ َم ًة وَلَا يَ ِ
قال ابن كثي :أي :ليس لم ول لغيهم من دون ال مي ول مغيث .
567 توفيق الرحن ف دروس القرآن
قوله عز و جل َ ﴿ :قدْ َيعْلَ مُ اللّ هُ الْ ُم َع ّوقِيَ مِنكُ ْم وَاْلقَائِلِيَ ِلِإخْوَانِهِ مْ
خوْ فُ
حةً عَلَ ْيكُ مْ َفِإذَا جَاء الْ َ
س ِإلّا قَلِيلً (َ )18أشِ ّ
هَلُمّ إِلَيْنَا َولَا َيأْتُو َن الْبَأْ َ
َرَأيَْتهُ ْم يَن ُظرُو َن ِإلَيْ كَ َتدُورُ أَ ْعيُُنهُ مْ كَالّذِي ُيغْشَى عَ َليْ ِه مِ َن الْ َموْ تِ َفِإذَا
ك لَ ْم يُ ْؤمِنُوا
حةً عَلَى الْخَ ْي ِر أُ ْولَئِ َ
خوْ فُ سَ َلقُوكُم ِبأَلْ سِنَ ٍة ِحدَا ٍد أَشِ ّ
َذهَ بَ الْ َ
ط اللّ ُه أَعْمَاَلهُ مْ وَكَا َن َذلِ كَ عَلَى اللّ ِه يَ سِيا ( )19يَحْ سَبُونَ اْلَأحْزَا بَ
َفَأحْبَ َ
سأَلُونَ
ب يَ ْ
ب َيوَدّوا َلوْ أَنّهُم بَادُو نَ فِي اْلأَ ْعرَا ِ
لَ ْم يَ ْذهَبُوا َوإِن َيأْ تِ اْلأَ ْحزَا ُ
َعنْ أَنبَائِ ُكمْ َوَلوْ كَانُوا فِيكُم مّا قَاتَلُوا ِإلّا قَلِيلً (. ﴾ )20
و عن قتادة :قوله ﴿ :قَ ْد َيعْلَ مُ اللّ ُه الْ ُم َعوّقِيَ مِنكُ مْ وَاْلقَائِلِيَ لِِإ ْخوَاِنهِ ْم
هَلُمّ إَِليْنَا ﴾ ،قال :هؤلء ناس مَن النافقيَ كانوا يقولون لخوانمَ :مَا
َ للتهمهَم أبَو سَفيان ممَد وأصَحابه إل آكلة رأس ،ولو كانوا لمً ا
وأصحابه ،دعوا هذا الرجل فإنه هالك .قال ابن إسحاق :حدّثنا يزيد بن
رومان ﴿ :قَدْ يَعَْلمُ اللّ ُه الْ ُم َعوّقِيَ مِنكُمْ ﴾ ،أي :أهل النفاق ﴿ ،وَاْلقَائِلِيَ
ْسَ إِلّا َقلِيلً ﴾ أي :إل دفع ًا وتعذيرًا ُونَ الَْبأ َ
ِمَ هَلُم ّ إَِليْن َا وَلَا َي ْأت َ لِِإ ْخوَاِنه ْ
َ ﴾ ،أي :للضغَن الذي فَ أنفسَهم َ ﴿ ،فإِذَا جَاء ح ًة عََلْيكُم ْ﴿ َأشِ ّ
ك تَدُورُ َأعُْيُنهُ مْ كَالّذِي ُيغْشَى عََليْ ِه مِ َن الْ َموْ تِ خوْ فُ َرأَْيَتهُ ْم يَنظُرُو نَ إَِليْ َالْ َ
سنَةٍ ِحدَادٍ خوْ فُ سََلقُوكُم بِأَلْ ِ ب الْ َ
﴾ ،أي :إعظامًا وفَرَقًا م نه ﴿ ،فَِإذَا َذهَ َ
﴾ ،قال قتادة :أما عند القسمة فأش ّح قوم وأسوأ مقاسة ،أعطونا فإنا قد
شهدنا معكم ،وأما عند البأس فأجب قوم ،وأخذله للحق .
الزء الثالث 568
ولذا قال تعال ُ ﴿ :أوَْلئِ كَ لَ ْم ُيؤْ ِمنُوا َفأَ ْحبَ طَ اللّ هُ َأعْمَاَلهُ ْم وَكَا نَ ذَلِ كَ
عَلَى اللّ ِه يَسِيا ﴾ .
َ يَ ْذ َهبُوا ﴾ ،قال البغوي ﴿ :
َ لَم ْ وقوله تعال ﴿ :يَحْس َ
َبُونَ اْلأَحْزَاب َ
َابَ ﴾ ،يعنَ :قريشًا ، ْسَُونَ ﴾ ،يعنَ :هؤلء النافقيَ ﴿ ،الحْز َ يَح َب
وغطفان ،واليهود ﴿ ،لَ ْم يَ ْذ َهبُوا ﴾ ل ينصرفوا عن قتالم جبنًا وَفرَقًا ،وقد
انصرفوا َ ﴿ ،وإِ ْن يَأْتِ الحْزَابُ ﴾ ،أي :يرجعوا إليهم للقتال بعد الذهاب
َ ﴿ ،يوَدّوا َلوْ َأّنهُ ْم بَادُونَ فِي العْرَابِ ﴾ ،أي :يتمنّوا لو كانوا ف بادية مع
سأَلُو َن عَ نْ َأْنبَائِكُ مْ ﴾ أخبار كم و ما آل
العراب من الوف وال ب ﴿ ،يَ ْ
إل يه أمر كم ﴿ ،وََلوْ كَانُوا ﴾ ،يع ن :هؤلء النافق ي ﴿ فِيكُ مْ مَا قَاتَلُوا إِل
ل يقيمون به عذرهم فيقولون :قد قاتلنا . َقلِيل ﴾ تعذيرًا ،أي :يقاتلون قلي ً
قوله عز وجل ﴿ :لَ َقدْ كَا َن َلكُ ْم فِي رَسُو ِل اللّهِ أُسْ َو ٌة حَسََنةٌ لّمَن كَانَ
ُونـ
ّهـ كَثِيا (َ )21ولَمّاـ َرأَى الْ ُم ْؤمِن َ
ْمـ الْآ ِخرَ َوذَ َك َر الل َ
ّهـ وَالَْيو َ
َيرْج ُو الل َ
ق اللّ ُه وَرَسُوُلهُ َومَا زَا َدهُمْ
صدَ َ
اْلأَ ْحزَابَ قَالُوا هَذَا مَا وَ َعدَنَا اللّ ُه وَرَسُوُلهُ وَ َ
ص َدقُوا مَا عَا َهدُوا اللّ هَ عَلَيْ هِ
ِإلّا إِيَانا َوتَ سْلِيما ( )22مِ نَ الْ ُم ْؤمِنِيَ ِرجَالٌ َ
ي اللّهُ
جزِ َ
فَمِ ْنهُم مّن قَضَى نَحْبَ ُه وَمِ ْنهُم مّن يَنتَ ِظ ُر َومَا َبدّلُوا تَ ْبدِيلً ( )23لِيَ ْ
569 توفيق الرحن ف دروس القرآن
ص ْد ِقهِ ْم َويُ َعذّ بَ الْمُنَا ِفقِيَ إِن شَاء َأوْ يَتُو بَ عَلَ ْيهِ مْ إِنّ اللّ هَ كَا نَ
ي بِ ِ
ال صّادِقِ َ
َغفُورا ّرحِيما (. ﴾ )24
قال ا بن إ سحاق :حدّث ن يز يد بن رومان قال :ث أق بل على الؤمن ي
سَنةٌ لّمَن كَا نَ يَرْجُو اللّ َه فقال َ ﴿ :لقَدْ كَا نَ َلكُ مْ فِي رَ سُولِ اللّ هِ أُ ْس َوةٌ حَ َ
ْمَ الْآخِرَ ﴾ أن ل يرغبوا بأنفسَهم عَن نفسَه ول عَن مكان هَو بَه ، وَاْلَيو َ
َ َكثِيا ﴾ ،يقول :وأكثَر ذكَر ال فَ الوف والشدة ﴿ وَذَ َكرَ اللّه َ
والرخاء .
َابَ قَالُوا هَذَا مَاُونَ اْلأَحْز َوعَن ابَن عباس قوله ﴿ :وَلَمّاَ َرأَى الْ ُم ْؤ ِمن َ
ص َدقَ اللّ هُ وَرَ سُولُهُ ﴾ ،قال :ذلك أن ال قال لم ف َوعَ َدنَا اللّ ُه وَرَ سُولُهُ وَ َ
جّن َة وَلَمّا َي ْأتِكُم ّمثَ ُل الّذِينَ َخَل ْواْ مِن
سْبتُمْ أَن تَ ْدخُلُواْ الْ َ
سورة البقرة ﴿ :أَمْ حَ ِ
سْتهُ ُم اْلبَأْ سَاء وَالضّرّاء وَزُلْزِلُواْ َحتّى َيقُولَ الرّ سُو ُل وَالّذِي نَ آمَنُواْ َمعَ هُ َقبِْلكُم مّ ّ
مَتَى نَ صْرُ اللّ هِ أَل إِنّ نَ صْرَ اللّ هِ َقرِي بٌ ﴾ ،قال :فل ما م سّهم البلء ح يث
رابطوا الحزاب فَ الندق ،تأوّل الؤمنون ذلك ول يزدهَم ذلك إل إيانًا
وتسليمًا .
وقال ابـن إسـحاق :حدّث ن يزيَد بن رومان ﴿ :مِنََ الْ ُم ْؤ ِمنِيَ رِجَالٌ
صدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللّ َه عََليْ هِ ﴾ ،أي :فوال با عاهدوه عليه َ ﴿ ،ف ِمْنهُم مّن
َ
حبَهُ ﴾ ،أي :فزع من عمله ورجع إل ربه ،كمن استشهد يوم بدر َقضَى نَ ْ
ويوم أحد َ ﴿ ،و ِمْنهُم مّن يَنتَ ِظرُ ﴾ ما وعد ال من نصره والشهادة على ما
الزء الثالث 570
مضى عليه الصحابة ﴿ َومَا بَدّلُوا َتبْدِيلً ﴾ ،قال قتادة :يقول :ما شكّوا ما
ي بِ صِدِْقهِمْ
جزِ يَ اللّ ُه ال صّادِِق َ
تردّدوا ف دين هم ول ا ستبدلوا به غيه ِ ﴿ ،ليَ ْ
ب الْ ُمنَاِفقِيَ إِن شَاء َأ ْو يَتُو بَ عََلْيهِ مْ ﴾ ،يقول :إن شاء أخرجهم منَوُيعَذّ َ
النفاق إل اليان ِ ﴿ ،إنّ اللّهَ كَانَ َغفُورا رّحِيما ﴾ .
قوله عز وجل ﴿ :وَ َردّ ال ّلهُ اّلذِينَ َك َفرُوا ِبغَيْ ِظهِ ْم َلمْ يَنَالُوا خَيْرا وَ َكفَى
اللّ هُ الْ ُم ْؤمِنِيَ الْقِتَالَ وَكَا َن اللّ هُ َق ِويّا َعزِيزا ( )25وَأَنزَ َل الّذِي نَ ظَاهَرُوهُم
ب َفرِيقا َتقْتُلُو نَ
ف فِي قُلُوبِهِ ُم الرّعْ َ
ب مِن صَيَاصِي ِهمْ َو َقذَ َ
مّ ْن أَ ْه ِل الْكِتَا ِ
ّمـ
ُمـ َوأَرْضا ل ْ
ُمـ َوَأمْوَاَله ْ
ُمـ َودِيَا َره ْ
ضه ُْمـ أَرْ َ
ْسـرُو َن َفرِيقا (َ )26وَأوْرََثك ْ
َوَتأ ِ
تَ َطؤُوهَا وَكَا َن ال ّلهُ عَلَى ُكلّ َشيْ ٍء َقدِيرا (. ﴾ )27
عن قتادة :قوله ﴿ :وَ َردّ اللّ ُه الّذِي نَ َكفَرُوا ِب َغيْ ِظهِ مْ لَ ْم َينَالُوا َخيْرا ﴾ ،
وذلك يوم أبَ سَفيان والحزاب ،ردّ ال أبَا سَفيان وأصَحابه بغيظهَم ،
﴿ لَ ْم َينَالُوا َخيْرا وَ َكفَى اللّ ُه الْ ُم ْؤ ِمنِيَ اْل ِقتَالَ ﴾ بالنود من عنده والريح
ال ت ب عث علي هم .و عن أ ب سعيد الدري قال ُ :حبِ سْنا يوم الندق عن
ال صلة فلم ن صلّ الظ هر ،ول الع صر ،ول الغرب ،ول العشاء ،ح ت كان
بعد العشاء بو يّ ُكفِينَا وأنزل ال ﴿ :وَ َكفَى اللّ ُه الْ ُم ْؤمِنِيَ اْل ِقتَا َل وَكَا نَ اللّ هُ
َق ِويّا عَزِيزا ﴾ فأ مر ر سول ال بللً فأقام ال صلة و صلّى الظ هر فأح سن
صلتا كما كان يصلّيها ف وقتها ،ث صلى العصر كذلك ،ث صلى الغرب
571 توفيق الرحن ف دروس القرآن
كذلك ،ث صلى العشاء كذلك ،جعل لكل صلة إقامة وذلك قبل أن تنل
صلة الوف ﴿ ،فَإنْ ِخ ْفتُمْ َفرِجَالً َأوْ رُ ْكبَانا ﴾ .رواه ابن جرير .
قال ا بن كث ي :ور جع ر سول ال إل الدي نة مؤيدًا من صورًا ،وو ضع
الناس السلح .فبينما رسول ال يغتسل من وعثاء تلك الرابطة ف بيت أم
سَلمة رضَي ال عنهَا ،إذ تبدّى له جبيَل عليَه الصَلة والسَلم معتجرًا
بعما مة من إ ستبق ،على بغلة علي ها قطي فة من ديباج ،فقال له :وض عت
السَلح يَا رسَول ال ؟ قال « :نعَم » .قال :ل كن اللئ كة ل ت ضع
أسلحتها ،وهذا الن رجوعي من طلب القوم .ث قال :إن ال تبارك وتعال
يأمرك أن تنهض إل بن قريظة .
صيَاصِيهِمْ ﴾ وقوله تعال َ ﴿ :وأَن َز َل الّذِينَ ظَاهَرُوهُم مّنْ َأهْ ِل الْ ِكتَا ِ
ب مِن َ
أي :ح صونم ،و هم :ب نو قري ظة ﴿ ،وَقَذَ فَ فِي ُقلُوبِهِ مُ ال ّرعْ بَ فَرِيقا
َت ْقتُلُونََ َوتَأْسَِرُونَ فَرِيقا ﴾ ،قال ابَن إسَحاق :حدّثنَ يزيَد بَن رومان :
﴿ فَرِيقا َتقْتُلُو نَ َوَتأْ سِرُونَ فَرِيقا ﴾ ،أي :ق تل الرجال و سب الذراري ،
ضهُ ْم َو ِديَا َرهُ ْم َوَأمْوَاَلهُ ْم َوأَرْضا لّ ْم تَ َطؤُوهَا وَكَا نَ
والنساء َ ﴿ ،وَأوْ َرثَكُ مْ أَرْ َ
ض ُه مْ
اللّ ُه عَلَى كُلّ شَيْءٍ قَدِيرا ﴾ ،قال ا بن ز يد ف قوله َ ﴿ :وأَوْ َرَثكُ مْ أَرْ َ
ُمَ ﴾ ،قال :قريظَة والنضيَ أهَل الكتاب َ ﴿ ،وأَرْضا لّم َْ تَ َطؤُوهَا َو ِديَا َره ْ
﴾ يومئذٍ قال :خبي .وقال ال سن :هي :الروم ،وفارس ،و ما ف تح ال
عليهم .
الزء الثالث 572
(َ )36وِإذْ َتقُو ُل لِ ّلذِي َأْنعَ مَ اللّ هُ َعلَيْ ِه َوأَْنعَمْ تَ عَلَيْ هِ َأمْ سِكْ عَلَيْ كَ َز ْوجَ كَ
س وَاللّ هُ َأ َحقّ أَن
خشَى النّا َ
سكَ مَا اللّ ُه مُ ْبدِي هِ وَتَ ْ
خفِي فِي َنفْ ِ
وَاتّ ِق اللّ هَ َوتُ ْ
خشَا هُ فَلَمّا قَضَى َزْيدٌ مّ ْنهَا وَطَرا َزوّجْنَا َكهَا لِكَ ْي لَا َيكُو نَ عَلَى الْ ُمؤْمِنِيَ
تَ ْ
ضوْا مِ ْنهُنّ وَطَرا وَكَا َن َأمْ ُر اللّ هِ َم ْفعُولً (
ج فِي أَ ْزوَا جِ َأدْعِيَاِئهِ ْم ِإذَا قَ َ
َحرَ ٌ
ض اللّ ُه لَ هُ سُّنةَ اللّ هِ فِي الّذِي نَ
)37مّا كَا نَ عَلَى النّبِيّ مِ نْ َحرَ جٍ فِيمَا َفرَ َ
خَ َلوْا مِن قَ ْب ُل وَكَا َن َأ ْمرُ اللّ ِه َقدَرا ّم ْقدُورا ( )38الّذِي َن يُبَ ّلغُو نَ رِ سَالَاتِ
شوْ َن أَحَدا ِإلّا اللّ هَ وَ َكفَى بِاللّ هِ حَ سِيبا ( )39مّا كَا نَ
خَش ْونَ ُه َولَا يَ ْ
خَاللّ هِ َويَ ْ
ح ّمدٌ أَبَا َأ َحدٍ مّ ن ّرجَاِلكُ مْ َولَكِن رّ سُولَ اللّ ِه وَخَاتَ َم النّبِيّيَ وَكَا َن اللّ هُ
مُ َ
ِب ُكلّ َشيْءٍ عَلِيما (. ﴾ )40
***
575 توفيق الرحن ف دروس القرآن
قوله عز و جل ﴿ :يَا َأيّهَا النّبِيّ قُل ّلأَزْوَاجِ كَ إِن كُنتُنّ ُترِدْ َن الْحَيَاةَ
الدّنْيَا وَزِينََتهَا فََتعَالَيْ نَ أُمَّت ْعكُنّ َوأُ َسرّ ْح ُكنّ َسرَاحا جَمِيلً ( )28وَإِن كُنُتنّ
ت مِنكُنّ أَجْرا
ُت ِردْ َن اللّ َه وَرَ سُوَلهُ وَالدّا َر الْآ ِخ َرةَ َفإِنّ اللّ هَ أَ َع ّد لِلْمُحْ سِنَا ِ
عَظِيما (. ﴾ )29
روى البخاري وغيه عن عائشة رضي ال عنها أن رسول ال جاءها
حي أمره ال تعال أن يي أزواجه قالت :فبدأ ب رسول ال فقال « :
إ ن ذا كر لك أمرًا فل عل يك أن ل ت ستعجلي ح ت ت ستأمري أبو يك » و قد
علم أن أبوي ل يكونا يأمران بفراقه ،قالت :ث قال « :إن ال تعال قال :
﴿ يَا َأّيهَا الّنِبيّ قُلْ ِلأَ ْزوَاجِ كَ ﴾ » إل تام اليتي ،فقلت له :ففي أي هذا
أسَتأمر أبوي ؟ فإنَ أريَد ال تعال ورسَوله والدار الخرة ؛ وفَ روايَة :
( خيّرنا رسول ال فلم يعدّها علينا شيئًا ) .
وروى مسلم وغيه عن جابر رضي ال عنه قال :أقبل أبو بكر رضي ال
ع نه ي ستأذن على ر سول ال والناس ببا به جلُوس ،وال نب جالس ،فلم
يؤذن له ،ث أقبل عمر رضي ال عنه فاستأذن فلم يؤذن له ،ث أذن لب بكر
وعمر رضي ال عنهما فدخل والنب جالس وحوله نساؤه وهو ساكت
،فقال عمر رضي ال عنه :لكلمن النب لعله يضحك ،فقال عمر :يا
رسول ال لو رأيت ابنة زيد -امرأة عمر -سألتن النفقة آنفًا فوجأت عنقها
،فض حك ال نب ح ت بدت نواجذه وقال « :هن حول ي سألنن النف قة »
الزء الثالث 576
بكمه ّن وتصيصهنّ دون سائر النساء ،بأن من يأت منه نّ بفاحشة مبيّنة .
قال ابن عباس رضي ال عنهما :وهو النشوز وسوء الُلُق ،وعلى كل تقدير
فهو شرط ،والشرط ل يقتضي الوقوع ،كقوله تعال ﴿ :وََلقَدْ أُوحِيَ إَِليْكَ
حبَطَنّ عَ َملُ كَ ﴾ فلما كانت مساننّ َوإِلَى الّذِي َن مِ نْ َقبْلِ كَ َلئِ نْ َأشْرَكْ تَ َليَ ْ
رفيعة ناسب أن يعل الذنب لو وقع منه نّ مغلّظًا ،صيانة لناب ّن وحجاب نّ
َفَ لَهَاش ٍة ّمَبّينَ ٍة ُيضَاع ْ
ْتَ مِنكُنّ ِبفَاحِ َ الرفيَع ،ولذا قال تعال ﴿ :مَن َيأ ِ
ض ْعفَيْ نِ ﴾ .قال مالك عن زيد بن أسلم ُ ﴿ :يضَاعَ فْ َلهَا اْلعَذَا بُ اْلعَذَا بُ ِ
ض ْع َفيْ نِ ﴾ ،قال :ف الدن يا والخرة ﴿ ،وَكَا نَ ذَلِ كَ عَلَى اللّ ِه يَ سِيا ﴾ ، ِ
أي :سهلً هّينًا .
ث ذكر عدله وفضله ف قوله َ ﴿ :ومَن َي ْقنُتْ مِنكُنّ ِللّ ِه وَرَسُولِهِ ﴾ ،أي :
تطع ال ورسوله وتستجب ّ ﴿ ،نؤِْتهَا أَجْ َرهَا مَ ّرَتيْ ِن َوَأعْتَ ْدنَا َلهَا ِرزْقا كَرِيا
﴾ ،أي :ف النة ،فإنن ف منازل رسول ال ف أعلى عّليّن فوق منازل
جيع اللئق ،ف الوسيلة الت هي أقرب منازل النة إل العرش .
قوله عز وجل ﴿ :يَا نِ سَاء النّبِيّ لَسُْتنّ َكأَ َحدٍ مّنَ النّسَاء إِ ِن اتّقَيُْتنّ فَلَا
ْنـ قَ ْولً ّم ْعرُوفا ()32
َضـ َوقُل َ
ِهـ مَر ٌ
َعـ اّلذِي فِي قَلْب ِ
ْنـ بِاْلقَ ْولِ فَيَ ْطم َ
ضع َتَخْ َ
َو َقرْ َن فِي بُيُوِتكُنّ وَلَا تََبرّجْ َن تََبرّ جَ الْجَاهِلِّيةِ اْلأُولَى َوَأقِمْ َن ال صّلَاةَ وَآتِيَ
الزّكَاةَ َوأَ ِطعْنَـ اللّهَـ وَرَ سُوَلهُ ِإنّمَا ُيرِي ُد اللّهُـلُِيذْهِ بَ عَنكُمُـ ال ّرجْسَـَأهْلَ
الزء الثالث 578
ت اللّ هِ
ت َويُ َطهّرَكُ ْم تَ ْطهِيا ( )33وَاذْ ُكرْ نَ مَا يُتْلَى فِي بُيُوِتكُنّ مِ نْ آيَا ِ
الْبَيْ ِ
حكْ َمةِ إِ ّن ال ّلهَ كَا َن لَطِيفا خَبِيا (. ﴾ )34
وَالْ ِ
قال البغوي ﴿ :يَا نِسََاء الّنبِيّ لَس ْتُ
َنّ َكأَحَ ٍد مّنََ النّسََاء ﴾ ،قال ابَن
عباس :ير يد ل يس قدرك ّن عندي م ثل قدر غيك نّ من الن ساء ال صالات ،
أنتّ أكرم عل ّي وثوابك ّن أع ظم لد يّ ﴿ ،إِ ِن اّتقَْيتُنّ ﴾ ال أَ َط ْعتُنّه ﴿ ،فَلَا
َعَ
ّقنَ الكلم َ ﴿ ،فيَطْم َ ْنَ بِاْلقَوْلِ ﴾ ،ل تُلِنّ بالقول للرجال ول ترق ّ ضع َ
خَتَ ْ
الّذِي فِي َق ْلبِ ِه مَرَضٌ ﴾ ،أي :فجور ،وشهوة .والرأة مندوبة إل الغلظة ف
ْنَ َقوْ ًل ّمعْرُوفا
القابلة إذا خاطبَت الجانَب لقطَع الطماع معهَم ﴿ .وَُقل َ
﴾ يوجبه الدين والسلم بتصريح وبيان من غي خضوع .
ْنَ قال ابـن كثيـ :وقوله تعال ﴿ :وَقَر َ
ْنَ فِي ُبيُوِتكُنّ ﴾ ،أي :إِل َزم َ
بيوتك نّ فل تر جن لغ ي حا جة .و عن قتادة ﴿ :وَلَا تَبَرّجْ َن تَبَرّ جَ الْجَاهِِلّيةِ
اْلأُولَى ﴾ ،أي :إذا خرجتّ من بيوت كن ؛ قال :كا نت ل نّ مش ية وتك سّر
وتغنّج ،يعن بذلك :الاهليّة الول فنهاهنّ ال عن ذلك .وقال ابن زيد ف
ّجَ الْجَاهِِلّي ِة اْلأُولَى ﴾ ،يقول :التَ كانَت قبَل ْنَ َتبَر َ
قوله ﴿ :وَلَا َتبَرّج َ
السلم ؛ قال :وف السلم جاهليّة .وقال مقاتل :والتبّج أنا تلقي المار
على رأ سها ول تشدّه فيواري :قلئد ها ،وقرط ها ،وعنق ها ،ويبدوا ذلك
كله منها وذلك التبج ،ث عمّت نساء الؤمني ف التبّج .
579 توفيق الرحن ف دروس القرآن
وقوله تعال َ ﴿ :وأَقِمْ َن ال صّلَا َة وَآتِيَ الزّكَاةَ َوَأطِعْ نَ اللّ َه وَرَ سُولَهُ ِإنّمَا
ب عَنكُ مُ الرّجْ سَ َأهْ َل اْلبَيْ تِ َويُ َطهّرَ ُك ْم تَ ْطهِيا ﴾ ،قال قتادة
يُرِيدُ اللّ هُ ِليُ ْذهِ َ
:فهم أهل بيت طهّرهم ال من السوء وخصّهم برحة منه .
قال ا بن كث ي :وقوله تعال ِ ﴿ :إنّمَا يُرِيدُ اللّ هُ ِليُ ْذهِ َ
ب عَنكُ مُ الرّجْ سَ
ت َويُ َطهّرَكُ ْم تَ ْطهِيا ﴾ نص ف دخول أزواج النب ف أهل البيت َأهْ َل اْلبَيْ ِ
ها هنا ،لن نّ سبب نزول هذه الية .وروى مسلم وغيه عن عائشة رضي
ال عنها قالت :خرج النب ذات غداة وعليه مرط مرحل من شعر أسود
فجاء ال سن ر ضي ال ع نه فأدخله م عه ،ث جاء ال سي فأدخله م عه ،ث
جاءت فاط مة ر ضي ال عن ها فأدخل ها م عه ،ث جَاءَ عل يّ ر ضي ال ع نه
ب َعنْكُ مْ الرّجْ سَ
فأدخله معه ،ث قال رسول ال ِ ﴿ :إنّمَا يُرِيدُ اللّ هُ ِليُ ْذهِ َ
ت َويُ َطهّرَكُ ْم تَ ْطهِيًا ﴾ .و عن ز يد بن أر قم ر ضي ال ع نه قال : َأهْ َل اْلبَيْ ِ
( قام فينا رسول ال يومًا خطيبًا باء يدعى خّا ،بي مكة والدينة ،فحمد
ال تعال وأثن عليه ووعظ وذكّر ث قال « :أما بعد أل أيها الناس ،فإنا أنا
ب شر يو شك أن يأتي ن ر سول ر ب فأج يب ،وأنا تارك في كم ثقل ي :أوّل ما
كتاب ال تعال فيه الدى والنور فخذوا بكتاب ال واستمسكوا به » فحثّ
على كتاب ال عز وجل ورغّب فيه ،ث قال « :وأهل بيت ،أذكّركم ال
ف أهل بيت ،أذكّركم ال ف أهل بيت » ثلثًا ؛ فقال له حصي :ومن أهل
بيته يا زيد ؟ أليس نساؤه من أهل بيته ؟ قال :نساؤه من أهل بيته ،ولكن
أهل بيته من حُرِ َم الصدقة بعده .قال :ومن هم ؟ قال :هم آل عل يّ ،وآل
الزء الثالث 580
قوله عز وجل ﴿ :وَمَا كَا َن لِ ُمؤْمِ نٍ َولَا ُم ْؤمِنَ ٍة ِإذَا قَضَى اللّ ُه وَرَ سُوُلهُ
ضلّ
َأمْرا أَن َيكُو َن َلهُ مُ الْخَِي َر ُة مِ نْ َأ ْمرِهِ ْم وَمَن َيعْ صِ اللّ هَ وَرَ سُوَل ُه َفقَدْ َ
ضَلَا ًل مّبِينا (. ﴾ )36
قال البغوي :نزلت ف زينب بنت جحش السدية ،وأخيها عبد ال بن
جحش ،وأمها أميمة بنت عبد الطلب عمة النب ،خطب النب لوله
زيد بن حارثة ،وكان رسول ال اشترى زيدًا ف الاهلية بعكاظ فأعتقه
وتبنّاه ،فلما خطب رسول ال زينب رضيت وظنّت أنه يطبها لنفسه ،
فلما علمت أنه يطبها لزيد أبت وقالت :أنا ابنة عمتك يا رسول ال فل
أرضاه لنفسي ،وكانت بيضاء جيلة فيها حدة ،وكذلك كره أخوها ذلك ،
َ ﴾ ،يعنَ :عبَد ال بَن َانَ لِ ُم ْؤمِن ٍ
فأنزل ال عَز وجَل ﴿ :وَمََا ك َ
ج حش ﴿ ،وَلَا ُم ْؤ ِمَنةٍ ﴾ ،يع ن :أخ ته زي نب ِ ﴿ ،إذَا قَضَى اللّ ُه وَرَ سُولُهُ
َأمْرا ﴾ ،أي :إذا أراد ال ورسَوله أمرًا وهَو :نكاح زينَب لزيَد ﴿ ،أَن
خيَ َر ُة مِ نْ َأمْ ِرهِ مْ ﴾ ،قال :والية الختيار ؛ والعن :أن يريد َيكُو نَ َلهُ ُم الْ ِ
غ ي ما أراد ال أو يت نع م ا أ مر ال ور سوله به .قال ا بن كث ي :فهذه ال ية
عا مة ف ج يع المور ،وذلك أ نه إذا ح كم ال ور سوله بش يء فل يس ل حد
مالفتَه ،ول اختيار لحَد هَا هنَا ،ول رأي ،ول قول .كمَا قال تبارك
ُمَ ثُمّ لَج َر َبيَْنه ْ
ُوكَ فِيمَا شَ َ
حكّم َ ُونَ َحّتىَ يُ َ
ّكَ َل ُيؤْ ِمن َ
وتعال َ ﴿ :فلَ وَ َرب َ
ت َويُسَلّمُوْا تَسْلِيما ﴾ .وف الديث « : ضيْ َ
جدُواْ فِي أَنفُسِهِمْ حَرَجا مّمّا َق َ يَ ِ
الزء الثالث 582
يقول :إذا طلقوهن ؛ وكان رسول ال تبنّى زيد بن حارثة ﴿ ،وَكَانَ َأمْرُ
اللّ ِه َم ْفعُولً ﴾ .
قال البغوي :أي :كان قضاء ال ماضيًا وحكمَه نافذًا وقَد قضَى فَ
زينب أن يتزوجها رسول ال .
وقوله تعال ﴿ :مّا كَانَ عَلَى الّنبِ ّي مِنْ َحرَجٍ فِيمَا َف َرضَ اللّهُ لَهُ ﴾ .
قال ا بن كث ي :أي :في ما أ حل ال له وأمره به من تزو يج زي نب ال ت
طلق ها ز يد بن حار ثة ُ ﴿ .سّنةَ اللّ هِ فِي الّذِي نَ َخَلوْا مِ نْ َقبْلُ ﴾ ،أي :هذا
ح كم ال تعال ف ال نبياء قبله ،ل ي كن ليأمر هم بش يء وعلي هم ف ذلك
حَرج ،وهذا َر ّد على مَ ْن َتوَهّم مِن النافقي نق صًا ف تزويه امرأة زيد موله
ّهَ َقدَرًا َمقْدُورًا ﴾ ،أي :
َانَ َأمْرُ الل ِ
ودَعيَه ،الذي كان قَد تبناه ﴿ .وَك َ
وكان أمره الذي يقدّره كائنًا ل مالة ،وواقعًا ل م يد ع نه ول معدل ،ف ما
شاء كان ،وما ل يشأ ل يكن .
وقوله تعال ﴿ :الّذِي َن ُيبَّلغُونَ ِرسَالَاتِ اللّهِ ﴾ .
قال البغوي :يعنَ :س ن
َّة ال فَ النَبياء الذيَن يبلغون رسَالت ال ،
َ ﴾ أي :ل يشون قالة الناس َ أَحَدًا إِل اللّه َ
شوْن َ
َهَ وَل يَخْ َ
ش ْون ُ
﴿ َويَخْ َ
ولئمتهم فيما أحلّ ال لم وفرض عليهم ﴿ وَ َكفَى بِاللّ هِ حَ سِيبًا ﴾ ،حافظًا
لعمال خلقه وماسبهم .
585 توفيق الرحن ف دروس القرآن
ث إن رسول ال لا تزوج زينب قال الناس :إن ممدًا تزوج امرأة ابنه،
حمّدٌ َأبَا أَحَ ٍد مِنْ ِرجَاِلكُمْ ﴾ ،يعن :زيد فأنزل ال عز وجل ﴿ :مَا كَا َن مُ َ
بن حار ثة ,أي :ل يس أ با أ حد من رجال كم الذ ين ل يلد هم فيحرم عل يه
نكاح زوجته بعد فراقه إياها ﴿ .وََلكِنْ رَسُولَ اللّ ِه وَخَاتَ َم النِّبيّيَ ﴾ ختم ال
به النبوة .و عن ا بن عباس :أن ال تعال ل ا ح كم أن ل نب بعده ل يع طه
ولدا ذكرا ي صي رجلً ﴿ ،وَكَا نَ اللّ ُه ِبكُ ّل َشيْءٍ عَلِيمًا ﴾ .و عن جابر بن
عبد ال قال :قال رسول ال « :مثلي ومثل النبياء كمثل رجل بن دارًا
فأكملها وأحسنها ،إل موضع لبنة ،فكان من دخلها فنظر إليها قال :ما
أح سنها إ ّل مو ضع هذه اللبنَة ،فإن موضَع اللب نة خ تم ب النَبياء علي هم
الصلة والسلم » .متفق عليه .
***
الزء الثالث 586
﴿ يَا أَيّهَا الّذِي نَ آمَنُوا اذْ ُكرُوا اللّ َه ذِكْرا كَثِيا ( )41وَ سَبّحُوهُ ُب ْك َرةً
خ ِرجَكُم مّ َن الظّلُمَا تِ
َوأَ صِيلً ( )42هُ َو الّذِي يُ صَلّي عَلَ ْيكُ مْ َومَلَاِئكَتُ ُه لِيُ ْ
ِإلَى النّورِ وَكَا َن بِالْمُ ْؤمِنِيَ َرحِيما ( )43تَحِيُّت ُه ْم َيوْ َم يَ ْلقَ ْوَنهُ سَلَا ٌم َوأَ َعدّ َل ُهمْ
َأجْرا َكرِيا ( )44يَا َأيّهَا النّبِيّ ِإنّ ا أَرْ سَلْنَا َك شَاهِدا َومُبَشّرا َوَنذِيرا ()45
شرِ الْ ُم ْؤمِنِيَ ِبأَنّ َلهُم مّ َن اللّهِ
َودَاعِيا ِإلَى اللّهِ ِبِإ ْذنِ ِه وَسِرَاجا مّنِيا (َ )46وَب ّ
ع َأذَاهُ ْم َوتَوَ ّكلْ عَلَى
فَضْلً كَبِيا ( )47وَلَا تُطِ ِع الْكَا ِفرِي نَ وَالْمُنَافِقِيَ وَدَ ْ
اللّ ِه وَ َكفَى بِاللّ ِه وَكِيلً ( )48يَا أَّيهَا الّذِي نَ آمَنُوا ِإذَا نَكَحْتُ مُ الْ ُم ْؤمِنَا تِ ُثمّ
ِنـ ِع ّدةٍ تَعَْتدّونَهَا
ُمـ عَلَ ْيهِنّ م ْ
طَ ّلقْتُمُوهُنّ مِن قَ ْب ِل أَن تَمَسـّو ُهنّ فَمَا لَك ْ
فَمَّتعُوهُنّ وَ سَ ّرحُو ُهنّ َسرَاحا جَمِيلً ( )49يَا أَيّهَا النّبِيّ إِنّ ا َأحْلَلْنَا لَ كَ
ت يَمِينُ كَ مِمّ ا َأفَاء اللّ هُ عَلَيْ كَ
ت أُجُو َرهُنّ وَمَا مَ َلكَ ْ
ك اللّاتِي آتَيْ َ
أَ ْزوَاجَ َ
ت خَالَاتِ كَ اللّاتِي هَا َجرْ نَ
ت خَالِ كَ َوبَنَا ِ
ك َوبَنَا تِ عَمّاتِ كَ َوبَنَا ِ
َوبَنَا تِ عَمّ َ
حهَا
سهَا لِلنّبِيّ إِ ْن أَرَادَ النّبِيّ أَن يَ سْتَنكِ َ
ت َنفْ َ
َمعَ كَ وَامْ َرَأةً ّم ْؤمَِنةً إِن َوهَبَ ْ
صةً لّكَ مِن دُو ِن الْ ُم ْؤمِنِيَ َقدْ عَ ِلمْنَا مَا َفرَضْنَا عَلَ ْيهِمْ فِي أَ ْزوَا ِجهِ ْم َومَا
خَالِ َ
ت َأيْمَاُنهُ مْ ِلكَيْلَا َيكُو نَ عَلَيْ كَ َحرَ جٌ وَكَا نَ اللّ هُ َغفُورا ّرحِيما ()50
مَ َلكَ ْ
ت فَلَا
ت مِمّ نْ َعزَلْ َ
ك مَن َتشَاء َومَ ِن ابْتَغَيْ َ
ُت ْرجِي مَن َتشَاء مِ ْن ُهنّ َوُتؤْوِي إِلَيْ َ
حزَنّ َوَيرْضَيْ َن بِمَا آَتيَْتهُنّ
ك َأدْنَى أَن َت َق ّر أَعْيُُنهُنّ َولَا يَ ْ
ك َذلِ َ
جُنَا حَ عَلَيْ َ
ح ّل لَكَ
كُ ّل ُهنّ وَاللّ ُه َيعْلَمُ مَا فِي قُلُوبِكُ ْم وَكَا َن اللّهُ عَلِيما حَلِيما ( )51لَا يَ ِ
587 توفيق الرحن ف دروس القرآن
***
الزء الثالث 588
قوله عز وجل ﴿ :يَا أَّيهَا الّذِي نَ آمَنُوا اذْ ُكرُوا اللّ َه ذِكْرا كَثِيا ()41
خ ِر َجكُم
وَ سَبّحُو ُه ُبكْ َر ًة َوأَ صِيلً (ُ )42هوَ اّلذِي يُ صَلّي عَلَ ْيكُ ْم وَمَلَائِكَتُ هُ لِيُ ْ
ت ِإلَى النّو ِر وَكَا َن بِالْ ُم ْؤمِنِيَ َرحِيما ( )43تَحِيُّتهُ مْ َيوْ َم يَ ْل َقوْنَ هُ
مّ َن الظّلُمَا ِ
سَلَا ٌم َوأَ َعدّ َل ُهمْ َأجْرا َكرِيا (. ﴾ )44
عـن ابـن عباس فـ قوله ﴿ :اذْ ُكرُوا الل َ
ّهَ ذِكْرا َكثِيا ﴾ ،يقول :ل
يفرض على عباده فري ضة إل ج عل ل ا جزاء معلومًا ،ث عذر أهل ها ف حال
عذر غيَ الذكَر ،فإن ال ل يعَل له حدًا ينتهَي إليَه ،ول يعذر أحدًا فَ
َه إل مغلوبًَا على عقله .قال ﴿ :فَاذْكُرُواْ اللّهََ ِقيَاما وَُقعُودا َوعَلَى تركَ
ُجنُوِبكُ مْ ﴾ بالل يل والنهار ،ف الب والب حر ،و ف ال سفر وال ضر ،والغ ن
والفقَر ،والسَقم والصَحة ،والسَّر والعلنيَة ،وعلى كَل حال .فقال :
﴿ وَسَبّحُو ُه ُبكْ َرةً َوأَصِيلً ﴾ ،فإذا فعلتم ذلك صلّى عليكم هو وملئكته
.قال ال عز وجل ُ ﴿ :هوَ الّذِي ُيصَلّي عََليْكُ ْم َومَلَاِئ َكتُهُ ﴾ .
قال ا بن كث ي :وقوله تعال ُ ﴿ :هوَ الّذِي يُ صَلّي عََلْيكُ ْم َومَلِئكَتُ هُ ﴾ ،
هذا تييج إل الذكر .أي :إنه سبحانه يذكركم فاذكروه أنتم ،كقوله عز
ُمَ آيَاتِنَا َويُزَكّيكُم َْ
ُمََيتْلُو عََلْيك ْ
ُمَ رَسَُول ِمْنك ْ وجَل ﴿ :كَمَا أَرْسََْلنَا فِيك ْ
حكْ َم َة َوُيعَلّ ُمكُ ْم مَا لَ ْم َتكُونُوا َتعَْلمُو نَ * فَاذْكُرُونِي
ب وَالْ ِ
َوُيعَلّ ُمكُ ُم اْلكِتَا َ
أَذْ ُكرْكُ مْ وَا ْشكُرُوا لِي وَل تَ ْكفُرُو نِ ﴾ .وقال ال نب « :يقول ال تعال :
مَنْ ذكرن ف نفسه ذكرته ف نفسي ،ومَنْ ذكرن ف مَل ذكرته ف مل خي
589 توفيق الرحن ف دروس القرآن
منَه » ( .والصَلة مَن ال تعال ثناؤه على العبَد عنَد اللئكَة ) .حكاه
البخاري عن أب العالية .ورواه أبو جعفر الرازي عن الربيع بن أنس عنه ؛
وقال غيه ( :الصلة من ال عز وجل الرحة ) ؛ وقد يقال :ل منافاة بي
القولي .وال أعلم .انتهى .
وقال ابن زيد ف قوله ُ ﴿ :هوَ الّذِي يُ صَلّي عََلْيكُ ْم َومَلَاِئ َكتُ هُ ِليُخْ ِر َجكُم
مّ نَ الظّلُمَا تِ إِلَى النّورِ ﴾ ،قال :من الضللة إل الدى .و عن قتادة قوله
حّيُتهُ ْم َيوْ َم يَ ْل َق ْونَ هُ سَلَامٌ ﴾ ،قال :تيّة أ هل ال نة :ال سلم ﴿ َوَأعَدّ
﴿ :تَ ِ
َلهُمْ أَجْرا كَرِيا ﴾ ،أي :النة .
قال ابن كثي :وقوله ﴿ :تَ ِ
حّيُتهُ ْم َيوْ َم يَ ْل َق ْونَ هُ سَلَامٌ ﴾ الظاهر أن الراد
حّيُتهُ مْ ﴾ ،أي :من ال تعال َ ﴿ .يوْ َم يَ ْل َق ْونَ هُ َسلَامٌ -وال أعلم ﴿ : -تَ ِ
﴾ ،أي :يسلّم عليهم ،كما قال عز وجل ﴿ :سَلَامٌ َقوْ ًل مِن رّبّ رّحِي مٍ
﴾ .قال :و قد ي ستدلّ لقول قتادة بقوله تعال َ ﴿ :د ْعوَاهُ مْ فِيهَا ُسبْحَانَكَ
ب اْلعَالَمِيَ ﴾ . حمْدُ ِللّهِ رَ ّ
حّيُتهُمْ فِيهَا َسلَ ٌم وَآ ِخرُ َد ْعوَاهُمْ َأنِ الْ َ
الّلهُ ّم َوتَ ِ
قوله عز و جل ﴿ :يَا َأيّهَا النّبِيّ ِإنّ ا أَرْ سَلْنَاكَ شَاهِدا وَمَُبشّرا َوَنذِيرا (
شرِ الْ ُم ْؤمِنِيَ ِبأَنّ لَهُم
َ )45ودَاعِيا ِإلَى اللّ هِ ِبِإ ْذنِ ِه وَ سِرَاجا مّنِيا (َ )46وَب ّ
ُمـ
َعـ َأذَاه ْ
ِينـ وَالْمُنَافِقِيَ َود ْ
ِعـ اْلكَا ِفر َ
ّهـ فَضْلً كَبِيا ( )47وَلَا تُط ِ
ّنـ الل ِ
م َ
َوَتوَكّلْ عَلَى ال ّلهِ وَ َكفَى بِاللّ ِه وَكِيلً (. ﴾ )48
الزء الثالث 590
ْسَْلنَاكَ شَاهِدا ﴾ على أمتَك بالبلغ عَن قتادة ﴿ :ي َا َأيّه َا الّنبِي ّ ِإنّاَ أَر َ
َ ﴾ إل ﴿ َو ُمبَشّرا ﴾ بالنَة َ ﴿ ،ونَذِيرا ﴾ بالنار ﴿ ،وَدَاعِيا إِلَى اللّه ِ
شهادة أن ل إله إل ال ﴿ ،بِِإ ْذنِ هِ ﴾ .قال ا بن جر ير :بأمره ﴿ ،وَ ِسرَاجا
ضلً
ّمنِيا ﴾ ،يقول :وضياء لل قه َ ﴿ ،وبَشّ ِر الْ ُم ْؤمِنِيَ ِبأَنّ لَهُم مّ نَ اللّ هِ َف ْ
َكبِيا * وَلَا تُطِ ِع الْكَافِرِي َن وَالْ ُمنَافِقِيَ وَدَعْ أَذَاهُمْ ﴾ ،قال قتادة :أي :اصب
على أذاهم َ ﴿ ،وَتوَكّ ْل عَلَى اللّ ِه وَ َكفَى بِاللّهِ وَكِيلً ﴾ .
َاتـ ثُمّ
ُمـ الْ ُم ْؤمِن ِ
ِينـ آمَنُوا إِذَا نَكَحْت ُ
قوله عـز وجـل ﴿ :يَا َأيّهَا اّلذ َ
ِنـ ِع ّدةٍ تَعَْتدّونَهَا
ُمـ عَلَ ْيهِنّ م ْ
طَ ّلقْتُمُوهُنّ مِن قَ ْب ِل أَن تَمَسـّو ُهنّ فَمَا لَك ْ
فَمَّتعُوهُ ّن َوسَ ّرحُو ُهنّ َسرَاحا جَمِيلً (. ﴾ )49
ت ثُمّ
حتُ ُم الْ ُم ْؤ ِمنَا ِ
عن ا بن عباس قوله ﴿ :يَا أَيّهَا الّذِي نَ آ َمنُوا إِذَا نَكَ ْ
طَّل ْقتُمُوهُنّ مِنْ َقبْلِ أَ ْن تَمَسّوهُنّ فَمَا َلكُ ْم عََلْيهِنّ مِ ْن عِ ّد ٍة َتعْتَدّوَنهَا ﴾ فهذا ف
الرجل يتزوّج الرأة ،ث يطلّقها من قبل أن ي سّها ،فإذا طلّقها واحدة بانت
م نه ،ول عدّة علي ها تتزوج من شاءت ،ث قرأ َ ﴿ :ف َمّتعُوهُنّ وَ سَرّحُوهُنّ
سَرَاحًا جَمِيلً ﴾ ،يقول :إن كان سّى لا صداقًا ،فليس لا إل النصف ،
فإن ل يكن سّى لا صداقًا ،متّعها على قدر عسره ويسره ،وهو :السراح
الميل ؛ قال أكثر أهل العلم :إذا قال :كل امرأة أنكحها فهي طالق فنكح
ل يقع الطلق .ورُوي عن ابن مسعود :أنه يقع .وقال ابن عباس :كذبوا
على ابن مسعود ،إن كان قالا فزلّة من عال ؛ ف الرجل يقول :إن تزوجت
591 توفيق الرحن ف دروس القرآن
آَتْيتَهُنّ كُّلهُنّ ﴾ ،قال :إذا علمن أن هذا جاء من ال كان أطيب لنفسهن
وأقلّ لزننّ ﴿ ،وَاللّهُ يَعَْل ُم مَا فِي ُقلُوبِكُمْ ﴾ .
قال البغوي :من أ مر الن ساء وال يل إل بعضه نّ ﴿ ،وَكَا نَ اللّ ُه عَلِيما
حَلِيما ﴾ .
ك النّسَاء مِن َبعْ ُد وَلَا أَن َتبَدّ َل ِبهِنّ مِنْ
وعن ابن عباس قوله ﴿ :لَا يَحِلّ لَ َ
ت يَمِينُكَ ﴾ .قال ( :نى رسول ال سُنهُنّ إِلّا مَا َمَلكَ ْ
جبَكَ حُ ْ
ج وََلوْ َأعْ َ
أَ ْزوَا ٍ
أن يتزوج بعد نسائه الول شيئًا ) .قال قتادة :وه ّن التسع اللت اخترن
ال ورسوله .قال ابن جرير :ول دللة على نسخ حكم إحدى اليتي حكم
الخرى .وعن قتادة ﴿ :وَكَا نَ اللّ ُه عَلَى كُ ّل َشيْءٍ رّقِيبا ﴾ ،أي :حفيظًا
.
قوله عز و جل ﴿ :يَا أَيّهَا الّذِي نَ آمَنُوا لَا َتدْخُلُوا بُيُو تَ النّبِيّ ِإلّا أَن
ُي ْؤذَنَ َلكُمْ ِإلَى َطعَامٍ غَ ْي َر نَا ِظرِي َن ِإنَا ُه َولَكِنْ ِإذَا دُعِيتُمْ فَا ْدخُلُوا َفإِذَا َطعِمْتُمْ
َسـتَحْيِي
َانـيُ ْؤذِي النّبِيّ فَي ْ
ُمـ ك َ
ِيثـ إِنّ َذلِك ْ
حد ٍ ي لِ َ
ُسـَتأِْنسِ َ
فَانَتشِرُوا َولَا م ْ
حقّ َوِإذَا َسأَلْتُمُو ُهنّ مَتَاعا فَا ْسأَلُوهُ ّن مِن وَرَاء
مِنكُمْ وَاللّ ُه لَا يَسْتَحْيِي مِنَ الْ َ
ب َذلِكُ ْم أَ ْط َه ُر ِلقُلُوبِكُ مْ َوقُلُوِب ِهنّ َومَا كَا َن َلكُ مْ أَن ُت ْؤذُوا رَ سُو َل اللّ هِ
حِجَا ٍ
َولَا أَن تَنكِحُوا أَ ْزوَاجَ ُه مِن َبعْدِ هِ َأبَدا إِنّ َذلِكُ مْ كَا نَ عِندَ اللّ هِ عَظِيما ()53
خفُوهُـ َفإِنّ اللّهَـ كَانَـِبكُ ّل شَيْءٍ عَلِيما ( )54لّا جُنَاحَـ
إِن تُ ْبدُوا شَيْئا َأ ْو تُ ْ
عَلَ ْيهِنّ فِي آبَائِهِنّ وَلَا أَبْنَاِئهِنّ َولَا ِإخْوَانِهِنّ وَلَا أَبْنَاء ِإخْوَاِنهِنّ َولَا َأبْنَاء
الزء الثالث 594
ممد وعلى آل ممد ،كما باركت على إبراهيم وعلى آلبراهيم إنك حيد
م يد » .مت فق عل يه .والل فظ للبخاري .و عن أ ب طل حة الن صاري ر ضي
اللّ ُه عنه أن رسول اللّ هِ جاء ذات يو ٍم وَال سّرو ُر يُرَى ف وجهِ هِ فقالوا :يا
رسول اللّ هِ إنا لنرى ال سّرورَ ف وجهك ! فقال « :إن هُ أتان اللك فقال :يا
م مد أ ما يُرض يك أن ر بك عز و جل يقول :إ نه ل يُ صلّي عل يك أحدٌ من
ُأمّتك إل صلّيت عليهِ عشرًا ،ول يسلم عليك أحدٌ من ُأمّتك إل سلّمتُ عليه
عَشرًا ؟ -قال : -بلى » .رواه أحد وغيه .
***
597 توفيق الرحن ف دروس القرآن
﴿ إِنّ اّلذِي نَ ُي ْؤذُو نَ اللّ هَ وَرَ سُولَ ُه َلعََنهُ مُ اللّ ُه فِي ال ّدنْيَا وَالْآ ِخ َر ِة وَأَ َعدّ
َاتـ ِبغَ ْيرِ م َا
ُونـ الْ ُم ْؤمِنِي َ وَالْ ُم ْؤمِن ِ
ِينـ ُي ْؤذ َ
ُمـ َعذَابا ّمهِينا ( )57وَاّلذ َ
َله ْ
اكْتَ سَبُوا َفقَ ِد احْتَمَلُوا ُبهْتَانا وَِإثْما مّبِينا ( )58يَا َأيّهَا النّبِيّ قُل ّلأَ ْزوَاجِ كَ
ي ُي ْدنِيَ عَلَ ْي ِه ّن مِن جَلَابِيِب ِهنّ َذِلكَ َأ ْدنَى أَن ُيعْ َر ْفنَ فَلَا
َوبَنَاِتكَ َوِنسَاء الْمُ ْؤمِنِ َ
ُي ْؤذَيْ َن وَكَا نَ اللّ هُ َغفُورا ّرحِيما ( )59لَئِن لّ ْم يَنتَ هِ الْمُنَا ِفقُو َن وَاّلذِي َن فِي
قُلُوِبهِم ّمرَ ضٌ وَالْ ُم ْرجِفُو نَ فِي الْ َمدِيَن ِة لَُنغْ ِريَنّ كَ ِبهِ مْ ُثمّ لَا يُجَاوِرُونَ كَ فِيهَا
ِإلّا قَلِيلً ( )60مَ ْلعُونِيَ َأيْنَمَا ُثقِفُوا ُأ ِخذُوا َوقُتّلُوا َتقْتِيلً ( )61سُّنةَ اللّ ِه فِي
ج َد لِ سُنّ ِة اللّ هِ تَ ْبدِيلً ( )62يَ سَْأُلكَ النّا سُ عَ نِ
اّلذِي َن خَلَوْا مِن قَ ْب ُل َولَن تَ ِ
السّا َعةِ ُق ْل ِإنّمَا ِعلْ ُمهَا عِندَ اللّ ِه وَمَا ُيدْرِيكَ َل َعلّ السّا َعةَ تَكُونُ َقرِيبا ()63
جدُو نَ
إِنّ اللّ هَ َلعَ َن الْكَافِرِي َن َوأَ َعدّ َلهُ مْ َسعِيا ( )64خَاِلدِي نَ فِيهَا َأبَدا لّا يَ ِ
ب وُجُو ُههُ ْم فِي النّا ِر َيقُولُو َن يَا لَيْتَنَا أَ َطعْنَا
َولِيّا َولَا نَ صِيا (َ )65يوْ َم ُتقَلّ ُ
اللّ هَ َوأَ َطعْنَا الرّ سُولَا (َ )66وقَالُوا َربّنَا ِإنّ ا أَ َطعْنَا سَا َدتَنَا وَكَُبرَاءنَا َفأَضَلّونَا
ض ْعفَيْ ِن مِ َن اْلعَذَا بِ وَاْلعَنْهُ مْ َلعْنا َكبِيا ( )68يَا
ال سّبِيلَا (َ )67ربّنَا آِتهِ مْ ِ
َأّيهَا اّلذِي نَ آمَنُوا لَا َتكُونُوا كَاّلذِي نَ آ َذوْا مُو سَى فََبرّأَ هُ اللّ هُ مِمّا قَالُوا وَكَا نَ
عِندَ اللّ ِه َوجِيها ( )69يَا أَّيهَا الّذِي نَ آمَنُوا اّتقُوا اللّ هَ َوقُولُوا َق ْولً سَدِيدا (
ح َلكُ مْ أَ ْعمَالَكُ ْم َويَ ْغ ِفرْ َلكُ ْم ُذنُوبَكُ مْ َومَن يُطِ عْ اللّ هَ وَرَ سُولَ ُه َف َقدْ
)70يُ صْلِ ْ
ض وَالْجِبَالِ
ت وَاْلأَرْ ِ
فَا َز َفوْزا َعظِيما (ِ )71إنّا َعرَضْنَا اْلأَمَانَةَ عَلَى ال سّمَاوَا ِ
الزء الثالث 598
حمِلَْنهَا َوأَ ْش َفقْ نَ مِ ْنهَا َوحَمَ َلهَا اْلإِن سَا ُن ِإنّ هُ كَا نَ ظَلُوما َجهُولً (
َفَأبَيْ نَ أَن يَ ْ
ت َويَتُو بَ
شرِكَا ِ
ب اللّ ُه الْمُنَافِقِيَ وَالْمُنَافِقَا تِ وَالْ ُمشْرِ ِكيَ وَالْ ُم ْ
)72لُِي َعذّ َ
ت وَكَانَ ال ّلهُ َغفُورا ّرحِيما (. ﴾ )73
ي وَالْ ُم ْؤمِنَا ِ
ال ّلهُ عَلَى الْ ُم ْؤمِنِ َ
***
599 توفيق الرحن ف دروس القرآن
قوله عز وجل ﴿ :إِنّ اّلذِي نَ ُي ْؤذُو نَ اللّ هَ وَرَ سُولَ ُه َلعََنهُ مُ اللّ ُه فِي ال ّدنْيَا
وَالْآ ِخرَ ِة َوأَ َعدّ َلهُ مْ َعذَابا ّمهِينا ( )57وَالّذِي َن ُيؤْذُو َن الْ ُم ْؤمِنِيَ وَالْ ُمؤْمِنَا تِ
ِبغَ ْيرِ مَا اكَْتسَبُوا َف َقدِ احْتَمَلُوا ُبهْتَانا َوإِثْما مّبِينا (. ﴾ )58
قال عكرمة ﴿ :الّذِي َن ُيؤْذُو نَ اللّ هَ وَرَ سُولَهُ ﴾ ،هم :أصحاب القادير
.وقال قتادة :سبحان ال ما زال أناس من جهلة ب ن آدم ح ت تعاطوا أذى
ربم .وف الصحيحي عن أب هريرة قال :قال رسول ال « :يقول اللّ هُ
سبّ الدهر وأنا الدهر ،أُقَلّ بُ ليله وناره » . عز وجل :يؤذين ابن آدم ،يَ ُ
وعن عبد ال بن مغفل قال :قال رسول ال [ ال ] ،ال ف أصحاب ل
حبّ ي أحبّ هم ،و من أبغضهم فببغ ضي تتخذو هم غرضًا بعدي ف من أَ َحبّهُم َفبِ ُ
أبغضهم ،ومن آذاهم فقد آذان ،ومن آذان فقد آذى ال ،ومن آذى ال
يوشَ كَ أن يأخذه » .و عن عائ شة قالت :قال ر سول ال ل صحابه « :
أ يّ الر با أر ب ع ند ال » ؟ قالوا :ال ور سوله أعلم ،قال « :أر ب الر با
ُونَ
ِينَ ُيؤْذ َ
عنَد ال اسَتحلل عرض امرئ مسَلم - ،ثَ قرأ ﴿ : -وَالّذ َ
سبُوا َفقَدِ ا ْحتَمَلُوا ُبهْتَانا َوإِثْما ّمبِينا ﴾ »
ت ِبغَيْرِ مَا ا ْكتَ َ
الْ ُم ْؤ ِمنِيَ وَالْ ُم ْؤمِنَا ِ
.قال قتادة :فإياكم وأذى الؤمن ،فإن ال يوطه ويغضب له .
ك َونِ سَاء الْمُ ْؤمِنِيَ
قوله عز وجل ﴿ :يَا َأيّهَا النِّبيّ قُل ّلأَزْوَاجِ كَ َوبَنَاتِ َ
ك َأدْنَى أَن يُ ْع َرفْ نَ فَلَا ُيؤْ َذيْ نَ وَكَا َن اللّ هُ
ُي ْدنِيَ عَلَ ْيهِنّ مِن جَلَابِيِبهِنّ َذلِ َ
َضـ
ِينـ فِي قُلُوبِهِم ّمر ٌ
ُونـ وَاّلذ َ
َهـ الْمُنَا ِفق َ
ّمـ يَنت ِ
َغفُورا ّرحِيما ( )59لَئِن ل ْ
الزء الثالث 600
وَالْ ُمرْ ِجفُو َن فِي الْ َمدِيَنةِ لَُن ْغ ِريَنّكَ ِبهِ ْم ُثمّ لَا يُجَاوِرُونَكَ فِيهَا ِإلّا قَلِيلً ()60
مَ ْلعُونِيَ َأيْنَمَا ُث ِقفُوا أُ ِخذُوا َوقُتّلُوا تَقْتِيلً ( )61سُّنةَ اللّ ِه فِي اّلذِينَ خَلَوْا مِن
ج َد ِلسُّنةِ ال ّلهِ تَ ْبدِيلً (. ﴾ )62
قَ ْب ُل َولَن تَ ِ
ِكَ َونِسََاءِكَ َوَبنَات َ عَن ابَن عباس قوله ﴿ :يَا َأيّهَا النّبِيّ قُل ّلأَ ْزوَاج َ
الْ ُم ْؤ ِمنِيَ يُ ْدنِيَ عََلْيهِنّ مِن َجلَابِيِبهِنّ ﴾ ،أمر ال نساء الؤمني إذا خرجن من
بيوت ن ف حا جة أن يغط ي وجوهه نّ من فوق رؤو سه ّن باللب يب ويبد ين
عينًَا واحدة .وقال قتادة :أخَذ ال عليهَن إذا خرجَن أن يقنعَن على
الواجب ﴿ ،ذَلِ كَ أَ ْدنَى أَن ُيعْرَفْ نَ فَلَا ُيؤْ َذيْ نَ ﴾ ،وقد كانت الملوكة إذا
مرّت تناولوها باليذاء ،فنهى ال الرائر يتشبهن بالماء .
وعن عكرمة ف قوله َ ﴿:لئِن لّ ْم يَنتَ ِه الْ ُمنَاِفقُونَ وَالّذِينَ فِي قُلُوِبهِم مّ َرضٌ ﴾
ُونَ ف ِي الْمَدِيَنةِ ﴾ ،قال قتادة :الرجاف : قال :هَم الزناة ﴿ .وَالْ ُمرْ ِجف َ
ِمَ ﴾ ،أي : ّكَ ِبه ْ
الكذب .وكانوا يقولون :أتاكَم عدد وعدّه َ ﴿ .لُنغْ ِرَين َ
لنحملنّك عليهم ،لنحرّشك بم ﴿ ،ثُمّ لَا يُجَاوِرُونَكَ فِيهَا إِلّا قَلِيلً ﴾ أي :
بالدن ية ﴿ ،مَ ْلعُونِيَ ﴾ على كل حال َ ﴿ ،أْينَمَا ُث ِقفُوا أُ ِخذُوا وَُقتّلُوا َت ْقتِيلً
﴾ إذا هم أظهروا النفاق ﴿ ُسّنةَ اللّهِ فِي الّذِينَ خََلوْا مِن َقبْلُ ﴾ يقول :هكذا
سّنةِ اللّهِ َتبْدِيلً ﴾ . سنة ال فيهم إذا أذهبوا النفاق ﴿ وَلَن تَجِدَ لِ ُ
ك النّا سُ عَ ِن ال سّا َعةِ ُق ْل ِإنّمَا عِلْ ُمهَا عِندَ اللّ هِ
قوله عز وجل ﴿ :يَ سَْألُ َ
ك َل َعلّ السّا َعةَ تَكُو ُن َقرِيبا ( )63إِنّ اللّ َه َلعَنَ اْلكَا ِفرِينَ َوأَ َع ّد َلهُمْ
َومَا ُيدْرِي َ
601 توفيق الرحن ف دروس القرآن
قوله عز وجل ﴿ :يَا أَّيهَا الّذِي نَ آمَنُوا ل َتكُونُوا كَالّذِي نَ آ َذوْا مُو سَى
فََب ّرأَ ُه اللّ ُه مِمّا قَالُوا وَكَا نَ عِندَ اللّ هِ َوجِيها ( )69يَا َأّيهَا اّلذِي نَ آمَنُوا اتّقُوا
اللّ هَ َوقُولُوا َق ْولً َسدِيدا ( )70يُ صْلِحْ لَكُ مْ أَ ْعمَالَكُ مْ َوَيغْ ِف ْر لَكُ ْم ُذنُوبَكُ مْ
َومَن يُ ِطعْ ال ّل َه وَ َرسُولَ ُه َف َقدْ فَا َز َفوْزا َعظِيما (. ﴾ )71
عن أب هريرة رضي ال عنه قال :قال رسول ال « :إن موسى كان
َرجُلًا حِييّا ستيًا ،ل يرى من جلده شيء استحياء منه فآذاه من آذاه من بن
إ سرائيل فقالوا :ما ي ستتر هذا الت ستر إل من ع يب ف جلده ،إ ما برص ،
وإما أدرة ،وإما آفة ،وإن ال عز و جل أراد أن يبئه ما قالوا ،فخل يومًا
وحده فخلع ِثيَابَهُ على الجر ث اغتسل ،فلما فرغ أقبل على ثيابه ليأخذها ،
وإن الجر عدا بثوبه ،فأخذ موسى عصاه وطلب الجر فجعل يقول :ثوب
حجر ثوب حجر ،حت انتهى إل مل من بن إسرائيل فرأوه عريانًا أحسن ما
خلق ال عز وجل ،وأبرأه ما يقولون ،وقام الجر فأخذ ثوبه فلبسه وطفق
بالجر ضربًا بعصاه ،فوال إن بالجر لندبًا من أثر ضربه ثلثًا ،أو أربعًا ،
ِينَ آ َمنُوا لَا تَكُونُوا
أو خسًَا - ،قال : -ذلك قوله تعال ﴿ :ي َا أَيّه َا الّذ َ
كَالّذِينَ آ َذوْا مُوسَى َفبَ ّرَأهُ اللّ ُه مِمّا قَالُوا وَكَا َن ِعنْدَ اللّ ِه وَجِيهًا ﴾ » .
وعن علي بن أب طالب رضي ال عنه ف قوله َ ﴿ :فبَ ّرأَهُ اللّ ُه مِمّا قَالُوا ﴾
قال :صعد مو سى وهارون ال بل ،فمات هارون عل يه ال سلم ،فقال ب نو
إسرائيل لوسى عليه السلم :أنت قتلته .كان ألي لنا منك ،وأشدّ حياء ،
603 توفيق الرحن ف دروس القرآن
ضيّعتها عوقبت ،قال :أ يْ ر بّ حلتها با فيها ،قال :فما مكث ف النة
إل قدر ما بي العصر إل غروب الشمس حت عمل بالعصية ،فأُخرج منها )
.
وعن الضحاك ف قوله ﴿ :وَحَ َمَلهَا الْإِنسَانُ ﴾ ،قال :آدم ِ ﴿ ،إنّهُ كَانَ
ظَلُوما َجهُولً ﴾ ،قال ﴿ :ظَلُوما ﴾ لنفسَه َ ﴿ ،جهُولً ﴾ فيمَا احتمَل
َاتَ
ّهَ الْ ُمنَاِفقِيَ وَالْ ُمنَاِفق ِ
ّبَ الل ُ
فيمَا بينَه وبيَ ربَه .وعَن قتادة ِ ﴿ :لُيعَذ َ
ّهَ عَلَى
ُوبَ الل ُ
َاتَ ﴾ هذان اللذان خاناهَا َ ﴿ ،وَيت َ وَالْمُشْرِكِي َ وَالْمُشْرِك ِ
الْ ُم ْؤ ِمنِيَ وَالْ ُم ْؤ ِمنَاتَِ ﴾ هذان اللذان أدّياهَا ﴿ ،وَكَانََ اللّهَُ غَفُورا رّحِيما
﴾ وعن عبد ال بن عمرو رضي ال عنهما أن رسول ال قال « :أربعٌ إذا
كنّ ف يك فل عل يك ما فا تك من الدن يا :ح فظ أمانةٍ ،وَ صِدقُ حدي ثٍ ،
وَحسن خليق ٍة وعفةٌ طعمة » .رواه المام أحد .
***
605 توفيق الرحن ف دروس القرآن
ت وَمَا فِي
قوله عز و جل ﴿ :الْحَ ْمدُ لِلّ هِ اّلذِي لَ هُ مَا فِي ال سّمَاوَا ِ
ج فِي
حكِي ُم الْخَبِيُ (َ )1يعْلَ مُ مَا يَلِ ُ
ض وَلَ ُه الْحَ ْمدُ فِي الْآ ِخ َرةِ َوهُ َو الْ َ
اْلأَرْ ِ
ج مِ ْنهَا َومَا يَنِ ُل مِ َن ال سّمَا ِء َومَا َيعْرُ جُ فِيهَا َو ُهوَ الرّحِي مُ
خرُ ُ
ض َومَا يَ ْ
اْلأَرْ ِ
اْلغَفُورُ (. ﴾ )2
قال ابن كثي :يب تعال عن نفسه الكرية أن له المد الطلق ف الدنيا
والخرة ،لنه النعم التفضّل على أهل الدنيا والخرة ،الالك لميع ذلك ،
حمْدُ الاكم ف جيع ذلك ،كما قال تعال َ ﴿ :و ُهوَ اللّ هُ ل إِلَ هَ إِل ُهوَ لَ ُه الْ َ
حكْ ُم َوإَِليْ هِ تُرْ َجعُو نَ ﴾ ،ولذا قال تعال ها ه نا فِي الولَى وَال ِخ َرةِ وَلَ ُه الْ ُ
ت َومَا فِي الرْ ضِ ﴾ ،أي :الميع ﴿ :الْحَمْدُ ِللّ ِه الّذِي لَ ُه مَا فِي ال سّ َموَا ِ
ملكَه وعَبيده وتتَ تصَرفه وقهره ،كمَا قال تعال َ ﴿ :وإِنّ لَنَا لَل ِخ َرةَ
حمْدُ فِي الخِ َرةِ ﴾ ،ف هو العبود وَالولَى ﴾ ؛ ث قال عز و جل ﴿ :وَلَ ُه الْ َ
َ ﴾ ،أي : حكِيم ُ أبدًا ،الحمود على طول الدى .وقوله تعال َ ﴿ :و ُه َو الْ َ
خبِيُ ﴾ الذي ل ت فى عل يه خاف ية ، ف أقواله وأفعاله وشر عه وقدره ﴿ ،الْ َ
ول يغيب عنه شيء .
قوله عز و جل َ ﴿ :وقَالَ اّلذِي نَ َكفَرُوا لَا َتأْتِينَا ال سّا َعةُ ُقلْ بَلَى وَ َربّ ي
ب لَا َي ْعزُبُ عَ ْنهُ مِ ْثقَا ُل ذَ ّر ٍة فِي السّمَاوَاتِ َولَا فِي اْلأَرْضِ
لََت ْأتِيَنّ ُكمْ عَاِلمِ اْلغَيْ ِ
جزِ يَ اّلذِي نَ آمَنُوا
ب مّبِيٍ ( )3لِيَ ْ
ص َغ ُر مِن َذلِ كَ َولَا أَكَْب ُر ِإلّا فِي كِتَا ٍ
َولَا أَ ْ
ك لَهُم مّ ْغ ِف َرةٌ وَرِ ْز قٌ َكرِيٌ ( )4وَالّذِي نَ َس َعوْا فِي
ت ُأوْلَئِ َ
وَعَ ِملُوا ال صّالِحَا ِ
607 توفيق الرحن ف دروس القرآن
ي الّذِي نَ آ َمنُوا َوعَمِلُوا ال صّالِحَاتِ ُأوْلَئِ كَ لَهُم ّم ْغفِ َرةٌ َورِزْ قٌ تعال ِ ﴿ :ليَجْزِ َ
َك ِريٌ ﴾ .
﴿ وَالّذِي نَ َس َعوْا فِي آيَاِتنَا ُمعَاجِزِي نَ ﴾ ،أي :سعوا ف الصدّ عن سبيل ال
ب مّن رّجْزٍ أَلِي مٌ ﴾ ،أي :لينعم تعال وتكذيب رسله ُ ﴿ ،أوَْلئِ كَ َلهُ ْم عَذَا ٌ
ال سعداء من الؤمن ي ويعذّب الشقياء من الكافر ين ،ك ما قال عز و جل
جّنةِ هُ ُم اْلفَائِزُو نَ
ب الْ َ
صحَا ُ جّنةِ أَ ْ
ب الْ َ
ب النّا ِر َوأَ صْحَا ُصحَا ُ سَتوِي أَ ْ
﴿ :لَا يَ ْ
سدِينَ فِي جعَ ُل الّذِي نَ آ َمنُوا َوعَمِلُوا ال صّالِحَاتِ كَالْ ُمفْ ِ ﴾ وقال تعال ﴿ :أَ ْم نَ ْ
جعَ ُل الْ ُمّتقِيَ كَاْلفُجّارِ ﴾ . اْلأَ ْرضِ َأ ْم نَ ْ
ك ُهوَ وقوله تعال َ ﴿ :ويَرَى الّذِي نَ أُوتُوا اْلعِلْ َم الّذِي أُنزِلَ إَِليْ َ
ك مِن ّربّ َ
الْحَقّ ﴾ ،هذه حكمة أخرى معطوفة على الت قبلها ،وهي :أن الؤمني با
أنزل على الرسَل إذا شاهدوا قيام السَاعة ومازاة البرار والفجار ،بالذي
كانوا قَد علموه مَن كتَب ال تعال فَ الدنيَا ،رأوه حينئذٍ عيَ اليقيَ
ُسَلُ َربّنَا بِالْحَقّ ﴾ ،ويقال أيضًا َاءتَ ر ُ
ويقولون يومئ ٍذ أيضًا َ ﴿ :لقَدْ ج ْ
ق الْمُرْ َسلُونَ ﴾ َ ﴿ ،لقَدْ َلِبثْتُ مْ فِي ِكتَا بِ ﴿ :هَذَا مَا َوعَدَ الرّ ْحمَ ُن وَ صَ َد َ
اللّ هِ إِلَى َيوْ ِم اْلبَعْ ثِ َف َهذَا َيوْ ُم الَْبعْ ثِ ﴾ َ ﴿ ،ويَرَى الّذِي نَ أُوتُوا الْعِ ْل َم الّذِي
حمِيدِ ﴾ ﴿ ، صَرَاطِ اْلعَزِي ِز الْ َ
ّكَ ُهوَ الْحَقّ َوَيهْدِي إِلَى ِ
ْكَ مِن ّرب َ أُنزِلَ إَِلي َ
اْلعَزِيزِ ﴾
609 توفيق الرحن ف دروس القرآن
هَو :النيَع الناب الذي ل يغلب ول يانَع ،بَل قَد قهَر كَل شيَء
وغلبه ﴿ ،الْحَمِيدِ ﴾ ف جيع أقواله وأفعاله وشرعه ،وقدره ،وهو الحمود
ف ذلك كله ج ّل وعل .
َ ﴾ ،يعنَ : وقال البغوي :قوله تعال َ ﴿ :ويَرَى الّذِين َ
َ أُوتُوا اْلعِلْم َ
مؤمن أهل الكتاب عبد ال بن سلم وأصحابه .وقال قتادة :هم أصحاب
ك مِن ّربّ كَ ﴾ ،يعن :القرآن ﴿ ،هُ َو الْحَقّ ﴾ ، ممد ﴿ الّذِي أُنزِلَ إَِليْ َ
ط اْلعَزِيزِ
يعن :أنه من عند ال َ ﴿ ،وَيهْدِي ﴾ ،يعن :القرآن ﴿ ،إِلَى صِرَا ِ
حمِي ِد ﴾ وهو :الِسلم . الْ َ
قوله عز وجل ﴿ :وَقَالَ اّلذِينَ َك َفرُوا هَ ْل َن ُدلّ ُكمْ عَلَى َر ُج ٍل يُنَبُّئكُ ْم ِإذَا
ق ِإّنكُ ْم لَفِي خَلْ قٍ َجدِيدٍ (َ )7أفْتَرَى عَلَى اللّ هِ َكذِبا أَم بِ هِ
ُم ّزقْتُ مْ ُك ّل مُ َمزّ ٍ
َمـ
َابـ وَالضّلَالِ الَْبعِيدِ (َ )8أفَل ْ
ُونـ بِالْآ ِخ َر ِة فِي اْل َعذ ِ
ِينـ لَا ُي ْؤمِن َ
جِّنةٌ بَ ِل اّلذ َ
شأْ نَخْ سِفْ
ض إِن ّن َ
َي َروْا ِإلَى مَا بَيْ َن َأيْدِيهِ ْم وَمَا خَ ْلفَهُم مّ نَ ال سّمَا ِء وَاْلأَرْ ِ
ك لَآَيةً لّ ُكلّ عَ ْبدٍ
ض َأوْ نُ سْقِطْ عَلَ ْيهِ مْ كِ سَفا مّ َن ال سّمَا ِء إِنّ فِي َذلِ َ
ِبهِ ُم الْأَرْ َ
مّنِيبٍ (. ﴾ )9
قال ابن كثي :هذا إخبار من ال عز وجل عن استبعاد الكفرة اللحدين
ِينَ
قيامَ السَاعة ،واسَتهزائهم بالرسَول فَ إخباره بذلك ﴿ ،وَقَا َل الّذ َ َ
َكفَرُوا هَ ْل نَدُّلكُ ْم عَلَى رَ ُج ٍل ُينَّبئُكُ مْ إِذَا مُزّ ْقتُ مْ كُ ّل مُمَزّ قٍ ﴾ ،أي :تفرّقت
أجسادكم ف الرض وذهبت فيها كل مذهب وتزقت كل مزق ﴿ ِإنّكُمْ ﴾
الزء الثالث 610
ْقَ جَدِيدٍ ﴾ ،أي :تعودون أحياء ترزقون أي :بعَد هذا الال ﴿ لَف ِي َخل ٍ
بعد ذلك ،وهو ف هذا الخبار ل يلو أمره من ق سمي :إما أن يكون قد
تعمّد الفتراء على ال تعال أ نه قد أو حى إل يه ذلك ،أو أ نه ل يتعمّد ل كن
َلبَ سَ عليه كما يَ ْلبِ سُ على العتوه والجنون ،ولذا قالوا ﴿ :أَ ْفتَرَى عَلَى اللّ هِ
كَ ِذبًا أَ ْم بِ هِ ِجّنةٌ ﴾ ؟ قال ال عز وجل رادّا عليهم ﴿ :بَ ِل الّذِي َن ل ُي ْؤمِنُو نَ
بِال ِخ َرةِ فِي اْلعَذَا بِ وَالضّل ِل اْلَبعِيدِ ﴾ ،أي :ل يس ال مر ك ما زعموا ول
ك ما ذهبوا إل يه ،بل م مد هو ال صادق البارّ الرا شد الذي جاء بال ق ،
وهم :الكذبة الهلة الغنياء ﴿ ،فِي اْلعَذَا بِ ﴾ ،أي :الكفر الفضي بم
إل عذاب ال تعال ﴿ ،وَالضّل ِل اْلبَعِيدِ ﴾ من الق ف الدنيا .
ث قال منبهًا على قدرته ف خلق السماوات والرض فقال تعال ﴿ :أَفََلمْ
يَ َروْا إِلَى مَا َبيْ نَ َأيْدِيهِ مْ وَمَا خَ ْل َفهُ ْم مِ َن ال سّمَا ِء وَالرْ ضِ ﴾ ،أي :حيث ما
توجّهوا وذهبوا فالسماء مطلّة عليهم ،والرض تتهم ،كما قال عز وجل :
﴿ وَالسّمَا َء َبَنْينَاهَا ِبأَيْ ٍد َوِإنّا لَمُو ِسعُونَ * وَال ْرضَ َف َر ْشنَاهَا َفِنعْمَ الْمَاهِدُونَ
﴾ .قال ع بد بن ح يد :أخب نا ع بد الرزاق عن َمعْمَر عن قتادة ﴿ :أَفَلَ مْ
يَ َروْا إِلَى مَا بَيْ نَ َأيْدِيهِ ْم َومَا خَ ْل َفهُ ْم مِ َن ال سّمَاءِ وَالرْ ضِ ﴾ ،قال :إنك إن
نظرت عن يي نك أو عن شالك ،أو من ب ي يد يك أو من خل فك ،رأ يت
السماء والرض .
ط عََلْيهِ مْ كِ سَفا مّ نَ
سقِ ْ وقوله تعال ﴿ :إِن نّشَ ْأ نَخْ سِ ْ
ف ِبهِ ُم اْلأَرْ ضَ َأ ْو نُ ْ
ال سّمَاءِ ﴾ أي :لو شئ نا لفعل نا ب م ذلك لظلم هم وقدرت نا علي هم ،ول كن
611 توفيق الرحن ف دروس القرآن
نؤخّر ذلك للم نا وعفو نا ؛ ث قال ﴿ :إِنّ فِي ذَلِ كَ لَآَيةً ّلكُ ّل َعبْ ٍد ّمنِي بٍ
﴾ قال مع مر عن قتادة :من يب :تائب .وقال سفيان عن قتادة :الن يب :
الق بل إل ال تعال .أي :أن ف الن ظر إل خلق ال سماوات والرض لدللة
لكَل عبَد فطَن لبيَب رجّاع إل ال ،على قدرة ال على بعَث الجسَاد
َا
َماوات ف َ ارتفاعهَ َن قدر على خلق هذه السَ ووقوع العاد ،لن مَ
واتساعها ،وهذه الرضيي ف انفاضها وأطوالا وأعراضها ،إنه لقادر على
إعادة الج سام ون شر الرم يم من العظام ،ك ما قال تعال َ ﴿ :أوَلَيْ سَ الّذِي
خلُ َق ِمثَْلهُم بَلَى ﴾ .
ض ِبقَادِ ٍر عَلَى أَ ْن يَ ْ
ت وَالْأَ ْر َ
خَلَقَ السّمَاوَا ِ
س وََلكِنّ وقال تعال َ ﴿ :لخَلْ ُق ال سّمَاوَا ِ
ت وَالْأَرْ ضِ أَكْبَرُ مِ نْ خَ ْل ِق النّا ِ
أَ ْكثَ َر النّاسِ لَا َيعَْلمُونَ ﴾ .
***
الزء الثالث 612
َهـ
ل يَا جِبَا ُل َأوّبِي َمع ُ
ضًقوله عـز وجـل ﴿ :وََل َقدْ آَتيْنَا دَاوُو َد مِنّاـ فَ ْ
س ْردِ وَاعْمَلُوا
ت َو َقدّرْ فِي ال ّ
حدِيدَ ( )10أَ نِ اعْ َملْ سَابِغَا ٍ
وَالطّ ْيرَ َوَألَنّا لَ هُ الْ َ
صَالِحا ِإنّي بِمَا َتعْمَلُونَ بَصِيٌ (. ﴾ )11
عن ابن عباس قوله ﴿ :يَا ِجبَالُ َأ ّوبِي َمعَهُ ﴾ ،يقول :سبّحي معه .
قال ابن كثي :التأويب ف اللغة هو :الترجيع ،فأمرت البال والطي أن
ترجّع معه بأصواتا .وعن قتادة َ ﴿ :وأََلنّا لَ ُه الْحَدِيدَ ﴾ ،يسخّر له الديد
بغي نار ﴿ ،أَ نِ اعْمَلْ سَاِبغَاتٍ ﴾ دروع ،وكان أول من صنعها داود ،إنا
كان قبل ذلك صفائح ﴿ .وَقَدّرْ فِي ال سّرْدِ ﴾ ،قال :كان يعلها بغي نار
ول يقرعها بديد ث يسردها .والسرد :السامي الت ف الِلَ قِ .وعن ماهد
فَ قوله ﴿ :وَقَدّرْ فِي السَّرْدِ ﴾ ،قال :ل تصَغر السَمار وتعظَم اللقَة
فتسلس ،ول تعظم السمار وتصغر اللقة فيفصم السمار .
قوله عز وجل ﴿ :وَلِسُلَيْمَا َن الرّيحَ ُغدُ ّوهَا َش ْهرٌ وَ َروَا ُحهَا َش ْهرٌ َوأَسَلْنَا
غ مِ ْنهُ مْ عَ نْ
جنّ مَن يَعْ َم ُل بَيْ نَ َي َديْ هِ ِبِإذْ نِ َربّ هِ َومَن َيزِ ْ
لَ هُ َعيْ َن الْقِ ْط ِر َومِ نَ الْ ِ
سعِيِ (َ )12يعْمَلُو نَ لَ هُ مَا َيشَا ُء مِن مّحَارِي بَ
َأ ْمرِنَا ُن ِذقْ هُ مِ نْ َعذَا بِ ال ّ
جوَا بِ َو ُقدُورٍ رّا سِيَاتٍ اعْمَلُوا آ َل دَاوُودَ ُشكْرا وَقَلِيلٌ
َوتَمَاثِي َل َوجِفَا نٍ كَالْ َ
شكُورُ (. ﴾ )13
ّمنْ عِبَادِيَ ال ّ
قال ابن زيد ف قوله ﴿ :وَلِسَُليْمَانَ الرّيحَ غُ ُدوّهَا َشهْ ٌر وَ َروَا ُحهَا َشهْرٌ ﴾
قال :كان له مركب من خشب ،وكان فيه ألف ركن ،ف كل ركن ألف
الزء الثالث 614
سنة على عصاه وهم ل يشعرون بوته ،وهم مسخّرون تلك السنة يعملون
دائبي .
قوله عز و جل َ ﴿ :لقَدْ كَا َن لِ سََبإٍ فِي مَ سْكَِن ِهمْ آَي ٌة جَنّتَا نِ عَن يَمِيٍ
َوشِمَالٍ كُلُوا مِن رّزْقِـ َرّبكُم ْـ وَا ْشكُرُوا لَهُـبَ ْلدَةٌ َطيَّبةٌ وَرَبّ َغفُورٌ ()15
َفأَ ْعرَضُوا َفأَرْ سَلْنَا عَلَ ْيهِ مْ سَ ْيلَ اْل َعرِ ِم َوبَ ّدلْنَاهُم بِجَنَّت ْيهِ مْ جَنّتَيْ ِن ذَوَاتَى أُ ُكلٍ
ك جَ َزيْنَاهُم بِمَا َك َفرُوا َو َهلْ
ط وََأْثلٍ َوشَيْ ٍء مّ ن ِسدْرٍ قَلِيلٍ (َ )16ذلِ َ
خَ ْم ٍ
نُجَازِي ِإلّا اْلكَفُورَ (. ﴾ )17
عن ا بن عباس قال :إن رجل ي سأل ر سول ال عن سبأ ،ما هو
أرجل ،أم امرأة ،أم أرض ؟ قال « :بل هو رجل ولد له عشرة ،فسكن
اليمن منهم ستة ،والشام منهم أربعة .فأما اليمانيون :فمذحج ،وكندة ،
والزد ،والشعريون ،وأنار ،وحِمْيَر .وأمَا الشاميَة :فلخَم ،وجذام ،
وعاملة ،وغسان » .رواه أحد وغيه .
س َكنِهِ ْم آَيةٌ َجّنتَا نِ عَن يَ ِميٍ وقال قتادة ف قوله َ ﴿ :لقَدْ كَا نَ لِ َ
سبَإٍ فِي مَ ْ
َوشِمَالٍ ﴾ ،قال :كانَت جنتان بيَ جبليَ ،فكانَت الرأة ترج مكتلهَا
على رأسها فتمشي بي جبلي فيمتلئ مكتلها وما م سّت يدها ،فلما طغوا
بعث ال عليهم دابة يقال لا :جرذ ،فنقبت عليهم ففرّقتهم فما بقي لم إل
أثل وشيء من سدر قليل .وقال الغية بن حكيم :لا ملكت بلقيس جعل
قومهَا يقتتلون على ماء واديهَم ،قال :فجعلت تنهاهَم فل يطيعوناَ ،
617 توفيق الرحن ف دروس القرآن
فتركت ملكها وانطلقت إل قصر لا وتركتهم ،فلما كثر الشر بينهم وندموا
لترجعنَ أو
ّ أتوهَا ،فأرادوهَا على أن ترجَع إل ملكهَا فأبَت ،فقالوا :
لنقتلنك ،فقالت :إنكم ل تطيعونن ،وليست لكم عقول ،ول تطيعون ،
قالوا :فإنا نطيعك ،وإنا ل ند فينا خيًا بعدك ،فجاءت قال :فسدّت ما
بي البلي فحبست الاء من وراء السد ،وجعلت له أبوابًا بعضها فوق بعض
وب نت من دو نه بر كة ضخ مة ،فجعلت في ها اث ن ع شر مرجًا على عدّة
أنارهَم ،فلمَا جاء الطَر احتبَس السَيل مَن وراء السَد ،فأمرت بالباب
العلى ففُتح فجرى ماؤه ف البكة ،وأمرت بالبعر فألقي فيها فجعل بعض
البعر يرج أسرع من بعض ،فلم تزل تضيق تلك النار ،وترسل البعر ف
الاء حت خرج جيعًا معًا ،فكانت تقسمه بينهم على ذلك ،حت كان من
شأن سليمان وشأنا ما كان .
وقال البغوي :والعرم -جع عرمة -وهي :السكر الذي يبس به الاء
.قال قتادة :ل ا ترك القوم أ مر ال ب عث ال علي هم جرذًا ي سمى ( :اللد )
فنقبه من أسفله حت غرّق به جنتيهم ،وخرب به أرضهم عقوبة بأعمالم .
وقال ا بن عباس :أبدل م ال مكان جنت هم ﴿ َجّنَتيْ نِ َذوَاتَى أُكُلٍ خَ ْم طٍ ﴾ ،
والمط :الراك .قال قتادة :وأكله بريرة .
وقوله تعال ﴿ :ذَلِ كَ جَ َزْينَاهُم بِمَا َكفَرُوا َوهَلْ ُنجَازِي إِلّا الْ َكفُورَ ﴾ ؟
قال مقاتل :هل يكافأ بعمله السيّئ إل الكفور ل ف نعمه ؟
الزء الثالث 618
قال ابن كثي :وقوله َ ﴿ :و َشيْءٍ مِ نْ ِسدْرٍ قَلِيلٍ ﴾ ،لا كان أجو َد هذه
الشجار البدل با هو ال سّدْر قال َ ﴿ :وشَيْ ٍء مِ نْ سِدْرٍ َقلِيلٍ ﴾ ،فهذا الذي
صار أمر تينك النتي إليه ،بعد الثمار النضيجة ،والناظر السنة ،والظلل
العميقة ،والنار الارية ،تبدّلت إل شجر الراك ،والطرفاء ،والسّدْر ذي
الشوك الكثيَ ،والثمَر القليَل ،وذلك بسَبب كفرهَم وشركهَم بال ،
ِكَ
وتكذيبهَم القَ وعدولمَ عنَه إل الباطَل ،ولذا قال تعال ﴿ :ذَل َ
جَ َزْينَاهُمْ بِمَا َكفَرُوا َوهَ ْل نُجَازِي إِل اْل َكفُورَ ﴾ .
قوله عز و جل ﴿ :وَ َجعَلْنَا بَيَْنهُ ْم َوبَيْ َن الْ ُقرَى الّتِي بَارَكْنَا فِيهَا ُقرًى
ظَا ِه َر ًة وَ َقدّ ْرنَا فِيهَا ال سّ ْيرَ سِيُوا فِيهَا لَيَالِ َي وََأيّاما آمِنِيَ (َ )18فقَالُوا َربّنَا
جعَلْنَاهُمْ َأحَادِيثَ َو َم ّزقْنَاهُمْ ُك ّل مُ َمزّقٍ
سهُ ْم فَ َ
بَا ِع ْد بَيْ َن أَ ْسفَا ِرنَا وَظَ َلمُوا أَنفُ َ
ت لّ ُكلّ صَبّا ٍر َشكُورٍ (. ﴾ )19
إِ ّن فِي َذِلكَ لَآيَا ٍ
عن ما هد ﴿ :اْلقُرَى الّتِي بَارَكْنَا فِيهَا ﴾ ،قال :الشام .وقال ال سن
ف قوله ﴿ :وَ َجعَ ْلنَا َبْيَنهُ ْم َوَبيْ َن اْلقُرَى اّلتِي بَارَ ْكنَا فِيهَا قُرًى ظَاهِ َرةً ﴾ ،قال
:قرى متواصلة ؛ كان أحدهم يغدو فيَقيل ف قرية ،ويروح فيأوي إل قرية
أخرى .وعن ماهد قوله ﴿ :قُرًى ظَاهِ َرةً ﴾ ،قال :السروات .
وقوله تعال ﴿ :وَقَدّ ْرنَا فِيهَا ال ّ
سيْرَ ﴾ .
قال البغوي :أي :قدّر نا م سيهم ف الغدوّ والرواح على قدر ن صف يوم ،
فإذا ساروا ن صف يوم و صلوا إل قر ية ذات مياه وأشجار ﴿ ،سِيُوا فِيهَا
619 توفيق الرحن ف دروس القرآن
ِيَ َوَأيّاما آ ِمنِيَ ﴾ ،قال قتادة :ل يالفون ظلمًا ول جوعًا َ ﴿ ،فقَالُوا َليَال َ
ُسَهُمْ ﴾ ،قال ابَن عباس :فإنمَ بطروا َسَفَا ِرنَا َوظَلَمُوا أَنف َ
ْنَ أ ْ
َربّنَا بَاعِ ْد َبي َ
عيش هم وقالوا :لو كان ج ن جنات نا أب عد م ا هي ،كان أجدر أن نشته يه ،
ط َوأَثْلٍفمُزّقوا بي الشام ،وسبأ .وبُدّلوا بنتيهم َ ﴿ :جّنتَيْنِ َذوَاتَى أُكُلٍ خَمْ ٍ
جعَ ْلنَاهُ مْ َأحَادِي ثَ َو َمزّ ْقنَاهُ مْ كُلّ
َو َشيْءٍ مّ ن سِدْرٍ قَلِيلٍ ﴾ .عن قتادة َ ﴿ :ف َ
مُ َمزّ قٍ ﴾ ،قال :قال عا مر الش عب :أ ما غ سان :ف قد لقوا بالشام ،وأ ما
النصَار :فلحقوا بيثرب ،وأمَا خزاعَة :فلحقوا بتهامَة ،وأمَا الزد :
فلحقوا بعمان فمزّقهم ال كل مزّق ؛ وقال العشي ميمون بن قيس :
ومأرب عفََا عليهََا العرم وفََ ذاك للمؤتََ أسََوة
( (
َم
َم إذ قسَ
َعة ماؤهَ
على سَ فأروى الزروع وأعناباَََ
( (
صدّقَ عَلَ ْيهِ ْم ِإبْلِي سُ ظَنّ ُه فَاتَّبعُو ُه ِإلّا َفرِيقا مّ نَ الْ ُم ْؤمِنِيَ ()20
﴿ وََل َقدْ َ
َومَا كَا َن لَهُ عَلَ ْيهِم مّن سُلْطَا ٍن ِإلّا لَِنعْلَ َم مَن يُ ْؤمِ ُن بِالْآخِ َر ِة مِمّ ْن ُهوَ مِ ْنهَا فِي
َشكّ وَ َربّ كَ عَلَى ُك ّل َشيْ ٍء حَفِي ظٌ (ُ )21قلِ ادْعُوا اّلذِي نَ زَ َعمْتُم مّن دُو نِ
ض َومَا َلهُمْ فِيهِمَا مِن
اللّ ِه لَا يَمْ ِلكُو َن مِ ْثقَا َل ذَ ّر ٍة فِي السّمَاوَاتِ َولَا فِي الْأَرْ ِ
ِشرْ ٍك َومَا لَ هُ مِ ْنهُم مّن َظهِيٍ (َ )22ولَا تَنفَ ُع الشّفَا َعةُ عِندَ ُه ِإلّا لِمَ ْن َأذِ نَ لَ هُ
ُمـ قَالُوا الْحَقّ وَ ُهوَ اْلعَلِيّ
ِمـ قَالُوا مَاذَا قَالَ َربّك ْ
ّعـ عَن قُلُوِبه ْ
حَتّىـ ِإذَا ُفز َ
ض ُق ِل اللّهُ َوِإنّا َأوْ ِإيّاكُمْ
اْلكَبِيُ (ُ )23ق ْل مَن َيرْ ُز ُقكُم مّنَ السّمَاوَاتِ وَالْأَرْ ِ
سأَلُ
ضلَا ٍل مّبِيٍ ( )24قُل لّا تُ سَْألُونَ عَمّا أَ ْج َرمْنَا َولَا نُ ْ
َلعَلَى ُهدًى َأ ْو فِي َ
ح بَيْنَنَا بِالْحَقّ َو ُهوَ اْلفَتّا حُ
جمَ ُع بَيْنَنَا َربّنَا ثُمّ َيفْتَ ُ
عَمّ ا َتعْمَلُو نَ (ُ )25قلْ يَ ْ
حقْتُم بِهِـ شُرَكَاء كَلّا َب ْل هُ َو اللّهُـ اْلعَزِيزُ
اْلعَلِيمُـ (ُ )26ق ْل أَرُونِي اّلذِينَـَألْ َ
ّاسـ َبشِيا َوَنذِيرا َولَكِن ّ أَكَْثرَ
ْسـلْنَا َك ِإلّا كَا ّف ًة لّلن ِ
ِيمـ ( )27وَم َا أَر َ
حك ُ الْ َ
س لَا َيعْلَمُو نَ ( )28وََيقُولُو َن مَتَى َهذَا الْوَ ْع ُد إِن كُنتُ مْ صَا ِدقِيَ ()29
النّا ِ
قُل لّكُم مّيعَا ُد يَوْ ٍم لّا تَ سَْتأْ ِخرُونَ َعنْ هُ سَا َعةً وَلَا تَ سَْتقْ ِدمُونَ (َ )30وقَالَ
ـ وََلوْ تَرَى ِإذِ
ـ َي َديْه ِ
ْآنـ وَلَا بِاّلذِي بَيْن َ
ـ ِبهَذَا الْ ُقر ِ
ـ َك َفرُوا لَن نّ ْؤمِن َ
اّلذِين َ
ضهُ ْم ِإلَى بَعْ ضٍ اْل َقوْ َل َيقُولُ اّلذِي نَ
الظّالِمُو َن مَ ْوقُوفُو نَ عِندَ َرّبهِ مْ َي ْرجِ ُع َبعْ ُ
ِينـ
ُمـ َلكُنّاـ ُم ْؤمِنِي َ ( )31قَالَ اّلذ َ
اسـَتكَْبرُوا لَ ْولَا أَنت ْ
ِينـ ْ
ض ِعفُوا لِ ّلذ َ
اسـتُ ْ
ْ
ص َد ْدنَا ُكمْ عَ ِن الْ ُهدَى بَ ْع َد ِإذْ جَاءكُم َبلْ
ضعِفُوا َأنَحْ نُ َ
ا سْتَكَْبرُوا لِ ّلذِي َن ا سْتُ ْ
621 توفيق الرحن ف دروس القرآن
***
الزء الثالث 622
النصاف ف الجاج ،كما يقول القائل للخر :أحدنا كاذب ،وهو يعلم
أنه صادق ،وصاحبه كاذب .
جمَ ُع َبيْنَنَا َربّنَا يوم القيامة ثُمّ َيفْتَ ُح َبْينَنَا ﴾ ،أي : وعن قتادة ﴿ :قُ ْل يَ ْ
ِيمَ ﴾ ،يقول :
ّاحَ اْلعَل ُ يقضَي بيننَا .وعَن ابَن عباس قوله َ ﴿ :و ُهوَ اْل َفت ُ
ح ْقتُم بِ ِه شُرَكَاء ﴾ . القاضي ﴿ قُلْ أَرُونِي الّذِينَ أَلْ َ
قال البغوي :أي :أعلمو ن الذ ين ألقتمو هم به ،أي :بال ،شركاء
ف العبادة معه هل يلقون ؟ وهل يرزقون ؟ ﴿ كَل ﴾ ل يلقون ول يرزقون
حكِيمَُ ﴾ فَ تدبيه ،بَ ْل ُهوَ اللّهَُ ﴿ الْعَزِيزُ ﴾ الغالب على أمره ﴿ ،الْ َ
للقه ؛ فأن يكون له شريك ف ملكه ؟ وعن قتادة قوله َ ﴿ :ومَا أَرْ سَ ْلنَاكَ
إِل كَاّفةً لِلنّا سِ ﴾ ،قال :أر سل ال ممدًا إل العرب ،والع جم ،فأكرمُ هم
على ال أطوعُهَم له .ذُكِر لنَا أن نَب ال قال « :أنَا سَابق العرب ،
وصهيب سابق الروم ،وبلل سابق البشة ،وسلمان سابق فارس » .
قوله عز و جل َ ﴿ :وَيقُولُو َن مَتَى َهذَا الْوَ ْع ُد إِن كُنتُ مْ صَا ِدقِيَ ()29
قُل لّكُم مّيعَا ُد يَوْ ٍم لّا تَ سَْتأْ ِخرُونَ َعنْ هُ سَا َعةً وَلَا تَ سَْتقْ ِدمُونَ (َ )30وقَالَ
ـ وََلوْ تَرَى ِإذِ
ـ َي َديْه ِ
ْآنـ وَلَا بِاّلذِي بَيْن َ
ـ ِبهَذَا الْ ُقر ِ
ـ َك َفرُوا لَن نّ ْؤمِن َ
اّلذِين َ
ضهُ ْم ِإلَى بَعْ ضٍ اْل َقوْ َل َيقُولُ اّلذِي نَ
الظّالِمُو َن مَ ْوقُوفُو نَ عِندَ َرّبهِ مْ َي ْرجِ ُع َبعْ ُ
ِينـ
ُمـ َلكُنّاـ ُم ْؤمِنِي َ ( )31قَالَ اّلذ َ
اسـَتكَْبرُوا لَ ْولَا أَنت ْ
ِينـ ْ
ض ِعفُوا لِ ّلذ َ
اسـتُ ْ
ْ
ص َد ْدنَا ُكمْ عَ ِن الْ ُهدَى بَ ْع َد ِإذْ جَاءكُم َبلْ
ضعِفُوا َأنَحْ نُ َ
ا سْتَكَْبرُوا لِ ّلذِي َن ا سْتُ ْ
627 توفيق الرحن ف دروس القرآن
ب النّارِ
ول ضرًا َ ﴿ ,ونَقُولُ لِلّذِي َن ظَلَمُوا ﴾ وهم الشركون ﴿ ،ذُوقُوا عَذَا َ
اّلتِي كُنتُم ِبهَا ُتكَ ّذبُونَ ﴾ ،أي :يقال لم ذلك تقريعًا وتوبيخًا .
***
631 توفيق الرحن ف دروس القرآن
صدّكُمْ
﴿ َوإِذَا تُتْلَى َعلَ ْيهِ مْ آيَاتُنَا بَيّنَا تٍ قَالُوا مَا َهذَا ِإلّا َرجُ ٌل ُيرِي ُد أَن يَ ُ
عَمّ ا كَا َن َيعْبُدُ آبَاؤُكُ ْم وَقَالُوا مَا هَذَا إِلّا ِإفْ كٌ ّمفَْترًى َوقَا َل الّذِي نَ َك َفرُوا
ح ٌر مّبِيٌ ( )43وَمَا آتَيْنَاهُم مّ ن كُتُ بٍ
لِلْحَقّ لَمّ ا جَاءهُ مْ إِ ْن َهذَا ِإلّا سِ ْ
ك مِن ّنذِيرٍ ( )44وَ َكذّ بَ اّلذِي َن مِن قَبْ ِلهِ مْ
َيدْرُ سُوَنهَا َومَا أَرْ سَلْنَا ِإلَ ْيهِ مْ قَبْلَ َ
َومَا بَ َلغُوا ِم ْعشَا َر مَا آتَيْنَاهُ ْم فَ َك ّذبُوا رُسُلِي َفكَيْفَ كَانَ َنكِيِ (ُ )45ق ْل ِإنّمَا
أَعِ ُظكُم بِوَاحِ َد ٍة أَن تَقُومُوا لِلّ ِه مَثْنَى َو ُفرَادَى ُثمّ تََت َف ّكرُوا مَا بِ صَاحِِبكُم مّن
جِّنةٍ إِ ْن ُهوَ ِإلّا َنذِيرٌ ّلكُم بَيْ َن يَدَ يْ َعذَا بٍ َشدِيدٍ (ُ )46قلْ مَا سََألُْتكُم مّ نْ
َأ ْجرٍ َف ُهوَ َلكُ مْ إِ ْن َأ ْجرِ يَ ِإلّا عَلَى اللّ هِ َو ُهوَ عَلَى ُك ّل َشيْ ٍء شَهِيدٌ (ُ )47قلْ
ئ الْبَا ِطلُ
حقّ وَمَا يُبْدِ ُ
حقّ َعلّا ُم الْغُيُو بِ (ُ )48قلْ جَاء الْ َ
ف بِالْ َ
إِنّ َربّي يَ ْقذِ ُ
ت فَبِمَا
ضلّ عَلَى نَفْ سِي َوإِ ِن اهْتَ َديْ ُ
وَمَا ُيعِيدُ (ُ )49ق ْل إِن ضَلَلْ تُ فَِإنّمَا أَ ِ
ْتـ
ِيبـ ( )50وََل ْو َترَى ِإذْ َفزِعُوا فَلَا َفو َ
سـمِي ٌع َقر ٌ
ّهـ َ
يُوح ِي إِلَي ّ َربّيـ ِإن ُ
َوأُ ِخذُوا مِن ّمكَانٍ َقرِيبٍ (َ )51وقَالُوا آمَنّا بِهِ وََأنّى لَهُمُ التّنَاوُشُ مِن َمكَانٍ
َبعِيدٍ (َ )52وقَدْ َك َفرُوا بِ ِه مِن قَ ْبلُ َوَيقْ ِذفُو َن بِاْلغَيْ بِ مِن مّكَا ٍن َبعِيدٍ ()53
َوحِيلَ بَيَْنهُ ْم َوبَيْ َن مَا َيشْتَهُو نَ َكمَا ُف ِعلَ ِبَأشْيَا ِعهِم مّن قَ ْب ُل ِإنّهُ مْ كَانُوا فِي
َشكّ ّمرِيبٍ (. ﴾ )54
***
الزء الثالث 632
وعن قتادة :قوله ُ ﴿ :ق ْل مَا سَأَْلُتكُم مّ نْ أَجْرٍ ﴾ ،أي :جعل َ ﴿ ،ف ُه َو
َلكُ مْ ﴾ ،يقول :ل أسألكم على الِسلم جعلً ﴿ ،إِ نْ أَجْرِ يَ إِلّا عَلَى اللّ هِ
َو ُهوَ عَلَى كُ ّل َشيْ ٍء َشهِيدٌ ﴾ .
ف بِالْحَقّ ﴾ بالوحي ﴿ ،عَل ُم اْلغُيُو بِ ﴾ ،قال ابن ﴿ قُلْ ِإنّ َربّي َيقْذِ ُ
َ بِالْحَقَّ ﴾ ،أي : كثيَ :وقوله عَز وجَل ُ ﴿ :قلْ إِنَّ َربّيَ َيقْذِف ُ
ح مِ نْ َأمْرِ ِه عَلَى
بالوحي ﴿ ،عَل مُ اْل ُغيُو بِ ﴾ ،كقوله تعال ﴿ :يُ ْلقِي الرّو َ
مَن يَشَا ُء مِ ْن ِعبَادِ هِ ﴾ ،أي :يرسل اللك على من يشاء من عباده من أهل
الرض ،وهَو علم الغيوب فل تفَى عليَه خافيَة فَ السَماوات ول فَ
الرض .
وقوله تبارك وتعال ﴿ :قُلْ جَاء الْحَقّ وَمَا يُبْدِ ُ
ئ اْلبَاطِلُ وَمَا ُيعِيدُ ﴾ ،
أي :جاء ال ق من ال والشرع العظ يم ،وذ هب البا طل وز هق واضمحلّ ،
ِقَ ﴾ ،ُهَ َفإِذَا ُهوَ زَاه ٌ
ِفَ بِالْحَقّ عَلَى اْلبَاطِلِ َفيَ ْد َمغ ُ
كقوله تعال ﴿ :بَ ْل َنقْذ ُ
ولذا ل ا د خل ر سول ال ال سجد الرام يوم الفتح ،وو جد تلك الصنام
من صوبة حول الكع بة ،ج عل يط عن ال صنم من ها ب س ّن قو سه ويقرأ ﴿ :وَقُلْ
جَاء الْحَقّ وَ َزهَ َق اْلبَاطِلُ إِنّ اْلبَاطِلَ كَا نَ َزهُوقا ﴾ ﴿ ،قُلْ جَاء الْحَقّ وَمَا
ئ اْلبَاطِ ُل َومَا ُيعِيدُ ﴾ .
ُيبْدِ ُ
وقوله تعال ﴿ :قُلْ إِن ضََللْ تُ فَِإنّمَا أَضِ ّل عَلَى َنفْ سِي ﴾ ،قال البغوي :
وذلك أن كفار مكَة كانوا يقولون له :إنَك قَد ضللت حيَ تركَت ديَن
ضلَلْ تُ فَِإنّمَا أَضِ ّل عَلَى َنفْ سِي ﴾ ،أي :
آبائك ،فقال ال تعال ﴿ :قُلْ إِن َ
635 توفيق الرحن ف دروس القرآن
إث ضللت على نفسي َ ﴿ ،وإِ نِ ا ْهتَ َديْ تُ َفبِمَا يُوحِي إَِليّ َربّي ﴾ من القرآن
والكمة ِ ﴿ ،إنّهُ سَمِيعٌ َقرِيبٌ ﴾ .
َانـ
ْتـ وَُأ ِخذُوا مِن ّمك ٍ
قوله عـز وجـل ﴿ :وََلوْ تَرَى ِإذْ َفزِعُوا فَلَا َفو َ
َقرِي بٍ (َ )51وقَالُوا آمَنّا بِ هِ وََأنّى لَهُ مُ التّنَاوُ شُ مِن َمكَا ٍن َبعِيدٍ (َ )52و َقدْ
ب مِن ّمكَانٍ بَعِيدٍ (َ )53وحِيلَ بَيَْنهُ ْم َوبَيْنَ
َك َفرُوا بِ ِه مِن قَ ْب ُل وََي ْق ِذفُونَ بِاْلغَيْ ِ
مَا َيشَْتهُو نَ كَمَا فُ ِع َل ِبأَشْيَا ِعهِم مّن قَ ْبلُ ِإّنهُ مْ كَانُوا فِي َشكّ ّمرِي بٍ ()54
﴾.
عن قتادة عن ال سن قوله ﴿ :وََل ْو تَرَى إِذْ فَ ِزعُوا ﴾ ،قال :فزعوا يوم
القيامَة حيَ خرجوا مَن قبورهَم .وقال قتادة ﴿ :وََل ْو تَرَى إِذْ َف ِزعُوا فَلَا
ت َوأُخِذُوا مِن ّمكَانٍ َقرِيبٍ ﴾ حي عاينوا عذاب ال .قال البغوي :وف
َفوْ َ
الية حذف تقديره :لرأيت أمرًا تعتب به .
و عن ما هد :قوله ﴿ :وَقَالُوا آ َمنّ ا بِ هِ ﴾ ،قالوا :آم نا بال .وقال ا بن
جريـر :يقول تعال ذكره :وقال هؤلء الشركون حيَ عاينوا عذاب ال
﴿ :آمَنّا بِهِ ﴾ ،يعن :آمنا بال وبكتابه ورسوله .
و عن ا بن عباس َ ﴿ :وأَنّ ى َلهُ ُم الّتنَاوُ شُ ﴾ ،قال :ي سألون الرَدّ ول يس
بيَ َر ّد .وعَن سَعيد َ ﴿ :وأَنّىََلهُمَُ الّتنَاوُشَُ ﴾ ،قال :التناول .وعَن
ماهَد :قوله ﴿ :مِن مَكَانٍََبعِيدٍ ﴾ مَن الخرة إل الدنيَا .وعَن قتادة :
﴿ وَقَدْ َكفَرُوا بِهِ مِن َقبْلُ ﴾ ،أي :باليان ف الدنيا .
الزء الثالث 636
ب مِن ّمكَا ٍن َبعِيدٍ ﴾ ،أي :يرجون بالظ ّن يقولون :ل ﴿ َوَيقْذِفُو َن بِاْلغَيْ ِ
بعث ول جنّة ول نار .وعن ماهد ف قوله َ ﴿ :وَيقْذِفُو نَ بِاْل َغيْ بِ مِن ّمكَا نٍ
َبعِيدٍ ﴾ ،قال :قول م :ساحر ،بل هو كا هن ،بل هو شا عر ﴿ .وَحِيلَ
شَتهُو نَ ﴾ ،قال :من مال أو ولد أو زهرة ﴿ ،كَمَا ُفعِلَ َبْيَنهُ ْم َوَبيْ َن مَا يَ ْ
ِبَأشْيَاعِهِم مّ ن َقبْلُ ﴾ ،قال البغوي :يع ن :بنظرائ هم و من كان على م ثل
حالمَ مَن الكفار ،أي :ل يقبَل منهَم الِيان والتوبَة فَ وقَت اليأس ،
﴿ ِإّنهُم َْ كَانُوا فِي شَكّ ﴾ من البعَث ونزول العذاب ب م ﴿ ،مّرِي بٍ
﴾ مو قع ل م الري بة والته مة .قال قتادة :إيا كم وال شك والري بة ،فإن من
مات على شك بُعث عليه ،ومن مات على يقي بُعث عليه .
***
637 توفيق الرحن ف دروس القرآن
***
639 توفيق الرحن ف دروس القرآن
ـ جَا ِعلِ
ت وَاْلأَرْض ِ
ـمَاوَا ِ
ـ فَا ِط ِر الس ّ
قوله عـز وجـل ﴿ :الْحَ ْم ُد لِلّه ِ
ع َيزِي ُد فِي الْخَلْ ِق مَا َيشَا ُء إِنّ
ح ٍة مّثْنَى َوثُلَاثَ وَ ُربَا َ
ل أُولِي أَجْنِ َ
الْمَلَائِ َكةِ رُسُ ً
سكَ َلهَا
اللّهَ عَلَى ُك ّل شَيْ ٍء َقدِيرٌ ( )1مَا َيفْتَحِ اللّهُ لِلنّاسِ مِن ّرحْ َم ٍة فَلَا مُمْ ِ
حكِيمُ (. ﴾ )2
ك فَلَا ُم ْرسِ َل َلهُ مِن َبعْ ِد ِه َوهُ َو الْ َعزِي ُز الْ َ
س ْ
َومَا يُ ْم ِ
قال ابن عباس ﴿ :فَاطِ ِر ال سّمَاوَا ِ
ت وَالْأَرْ ضِ ﴾ ،أي :بديع السماوات
َ فاطَر السَماوات والرض حتَ أتانَ والرض ؛ وقال :كنَت ل أدري م ا
أعرابيّان يتصمان ف بئر ،فقال أحدها لصاحبه :أنا فَطَرتا ،أي :بدأتا .
ث وَ ُربَا عَ ﴾ ،قال قتادة : ح ٍة ّمثْنَى َوثُلَا َ
﴿ جَاعِ ِل الْمَلَاِئ َكةِ رُسَُلً أُولِي أَ ْجنِ َ
بعض هم له جناحان وبعض هم ثل ثة وبعض هم أرب عة ﴿ .يَزِيدُ فِي الْخَلْ ِق مَا
يَشَاءُ ﴾ ،قال السدي :يزيد ف أجنحتهم ما يشاء ؛ وف الديث أن رسول
َّمائة جناح ،بيَ كَل ال رأى جبيَل عليَه السَلم ليلة السَراء وله س ت
س مِن جناحي كما بي الشرق والغرب .وعن قتادة ﴿ :مَا َي ْفتَ حِ اللّ هُ لِلنّا ِ
رّحْ َمةٍ ﴾ ،أي :من خي ﴿ ،فَلَا مُمْ سِكَ َلهَا ﴾ فل يستطيع أحد حبسها ،
﴿ وَمَا يُمْ سِكْ فَلَا مُرْ سِلَ لَ ُه مِن بَعْدِ هِ ﴾ و ف ال صحيحي أن ر سول ال
كان يقول دبر كل صلة مكتو بة « :ل إله إل ال وحده ل شر يك له ،له
اللك وله المد وهو على كل شيء قدير .اللهم ل مانع لا أعطيت ،ول
معطي لا منعت ول ينفع ذا ال ّد منك الد » .
الزء الثالث 640
قوله عز و جل ﴿ :يَا أَيّهَا النّا سُ اذْ ُكرُوا ِنعْمَ تَ اللّ هِ عَلَ ْيكُ مْ هَ ْل مِ نْ
ض لَا إِلَهَ ِإلّا ُهوَ َفَأنّى تُ ْؤ َفكُونَ ()3
خَالِقٍ غَ ْيرُ اللّهِ َيرْ ُز ُقكُم مّنَ السّمَاءِ وَاْلأَرْ ِ
ك وَِإلَى اللّ هِ ُت ْرجَ عُ المُورُ ( )4يَا
َوإِن يُ َك ّذبُو َك َف َقدْ ُك ّذبَ تْ رُ ُس ٌل مّ ن قَبْلِ َ
َأيّهَا النّا سُ إِنّ وَ ْعدَ اللّ ِه حَقّ فَلَا َت ُغ ّرنّكُ ُم الْحَيَاةُ الدّنْيَا َولَا َي ُغ ّرنّكُم بِاللّ هِ
خذُوهُ َعدُوّا إِنّمَا َيدْعُو ِح ْزبَ ُه لَِيكُونُوا
اْلغَرُورُ ( )5إِنّ الشّيْطَا َن َلكُمْ َع ُد ّو فَاتّ ِ
ب َشدِي ٌد وَاّلذِي نَ آمَنُوا
مِ نْ أَ صْحَابِ ال سّعِيِ ( )6الّذِي نَ َك َفرُوا َلهُ مْ َعذَا ٌ
ت لَهُم ّم ْغ ِف َرةٌ َوأَ ْجرٌ كَبِيٌ (َ )7أفَمَن ُزيّ َن لَ هُ سُوءُ َعمَلِ هِ
وَعَ ِملُوا ال صّالِحَا ِ
سكَ
ب َنفْ ُ
ض ّل مَن َيشَا ُء َوَي ْهدِي مَن َيشَا ُء فَلَا َت ْذهَ ْ
َفرَآ ُه حَ سَنا َفإِنّ اللّ هَ يُ ِ
سرَاتٍ إِنّ ال ّلهَ عَلِي ٌم بِمَا يَصَْنعُونَ (. ﴾ )8
عَلَ ْي ِهمْ َح َ
عن قتادة َ ﴿ :وإِن ُيكَ ّذبُو كَ َفقَدْ كُ ّذبَ تْ رُ سُ ٌل مّن َقبْلِ كَ ﴾ ،يعزي نبيّه
ك ما ت سمعون .و عن ا بن عباس ف قوله ﴿ :وَلَا َيغُ ّرنّكُم بِاللّ ِه اْلغَرُورُ ﴾ ،
شيْطَا نَ َلكُ ْم عَ ُدوّ فَاتّخِذُو هُ عَ ُدوّا
يقول:الشيطان .و عن قتادة قوله ﴿:إِنّ ال ّ
﴾ فإنه ح ّق على كل مسلم عداوته ،وعداوته أن يعاديه بطاعة ال ِ ﴿ ،إنّمَا
سعِيِ ﴾ ،أي : ب ال ّ يَدْعُو حِ ْزبَ هُ ﴾ وحز به أولياؤه ِ ﴿ ،ليَكُونُوا مِ نْ أَ صْحَا ِ
ليسوقهم إل النار فهذه عداوته .
وقوله تعال ﴿ :أَفَمَن ُزيّ نَ لَ هُ سُوءُ عَ َملِ هِ فَرَآ هُ حَ سَنا ﴾ ،قال السن :
َسَرَاتٍ ﴾ ،أي :ل
ِمَ ح َْسَكَ عََلْيه ْ
َبَ َنف ُ
الشيطان زي ّن لمَ َ ﴿ .فلَا تَ ْذه ْ
يزنك ذلك عليهم ﴿ ،فَِإنّ اللّ َه ُيضِلّ مَن يَشَاءُ َوَيهْدِي مَن يَشَاءُ ﴾ .وقال
641 توفيق الرحن ف دروس القرآن
ابَن كثيَ ﴿ :أَفَمَن ُزيّنََلَهَُ سَُو ُء عَمَلِهَِ َفرَآهَُ حَسََنا ﴾ ،يعنَ :الكفار
والفجّار يعملون أعمالً سيّئة ،وهم ف ذلك يعتقدون ويسبون أنم يسنون
صنعًا ،أي :أفمن كان هكذا قد أضلّه ال ،ألك فيه حيلة ؟ ل حيلة لك فيه
ّهَ يُضِ ّل م َن يَشَا ُء َوَيهْدِي م َن يَشَاءُ ﴾ ،أي :بقَدَرِه كان
﴿ ،فَإِن ّ الل َ
ب َنفْ سُكَ عََلْيهِ مْ حَ سَرَاتٍ ﴾ ،أي :ل تأسف على ذلك ذلك َ ﴿ ،فلَا تَ ْذهَ ْ
فإن ال حك يم ف قدره ،إن ا يُض ّل ويَهدي من يَهدي ،ل ا له ف ذلك من
الجّة البال غة والعلم التام ،ولذا قال تعال ﴿ :إِنّ اللّ َه عَلِي مٌ بِمَا يَ صَْنعُونَ
﴾.
سقْنَاهُ ِإلَى
ح فَتُثِيُ سَحَابا فَ ُ
قوله عز وجل ﴿ :وَاللّ هُ اّلذِي أَرْ َسلَ ال ّريَا َ
ض بَ ْع َد مَ ْوتِهَا َك َذلِ كَ الّنشُورُ ( )9مَن كَا َن ُيرِيدُ
ت َفأَحْيَيْنَا بِ هِ اْلأَرْ َ
بَ َل ٍد مّيّ ٍ
ح َيرْ َفعُ هُ
ب وَالْعَ َم ُل ال صّالِ ُ
ص َعدُ اْلكَلِ ُم الطّيّ ُ
اْلعِ ّز َة فَلِلّ ِه اْلعِ ّز ُة جَمِيعا ِإلَيْ ِه يَ ْ
ب َشدِيدٌ َو َمكْ ُر ُأوْلَئِ كَ ُهوَ يَبُورُ ()10
وَالّذِي َن يَ ْم ُكرُو نَ ال سّيّئَاتِ َلهُ مْ َعذَا ٌ
ب ثُمّ مِن نّ ْطفَ ٍة ُثمّ َجعَلَكُ ْم أَ ْزوَاجا َومَا تَحْ ِم ُل مِ ْن أُنثَى
وَاللّ ُه خَ َلقَكُم مّن ُترَا ٍ
ص مِنْ عُ ُم ِرهِ إِلّا فِي كِتَابٍ إِنّ
َولَا تَضَ ُع ِإلّا ِبعِلْمِ ِه َومَا يُعَ ّم ُر مِن ّمعَ ّمرٍ وَلَا يُنقَ ُ
حرَا نِ َهذَا َعذْ بٌ ُفرَا تٌ سَائِغٌ
َذلِ كَ عَلَى اللّ هِ يَ سِيٌ ( )11وَمَا يَ سَْتوِي الْبَ ْ
خ ِرجُونَ حِلَْيةً
ح ُأجَا جٌ وَمِن ُك ّل تَأْكُلُو َن لَحْما َطرِيّا وَتَ سْتَ ْ
َشرَابُ هُ وَ َهذَا مِلْ ٌ
ش ُكرُو نَ (
تَلْبَ سُوَنهَا َوَترَى اْلفُلْ كَ فِي هِ َموَا ِخ َر لِتَبَْتغُوا مِن فَضْلِ ِه وََلعَ ّلكُ مْ َت ْ
س وَالْقَ َمرَ
خ َر الشّمْ َ
ج الّنهَا َر فِي اللّ ْيلِ وَ سَ ّ
ج اللّ ْيلَ فِي الّنهَارِ َويُولِ ُ
)12يُولِ ُ
الزء الثالث 642
َ الذي ل
َ ﴾ ،يقول تعال ذكره :له اللك التام ّ وقوله ﴿ :لَه ُ
َ الْمُلْك ُ
شيء إل وهو ف ملكه وسلطانه .
وقوله ﴿ :وَالّذِي َن تَ ْدعُو َن مِن دُونِ ِه مَا يَ ْمِلكُو نَ مِن قِطْمِيٍ ﴾ ،يقول
تعال ذكره :والذيَن تعبدون -أيهَا الناس -مَن دون ربكَم -الذي هذه
ال صفة ال ت ذكر ها ف هذه اليات صفته ﴿ -مَا يَمِْلكُو نَ مِن ِقطْمِيٍ ﴾ ،
يقول :ما يلكون قشر نواة فما فوقها .وعن قتادة :قوله ﴿ :إِن تَ ْدعُوهُ مْ
لَا يَ سْ َمعُوا ُدعَاءكُ ْم وََلوْ سَ ِمعُوا مَا ا ْستَجَابُوا َلكُ مْ ﴾ ،أي :ما قبلوا ذلك
شرْ ِككُ مْ ﴾ إيا هم ول عن كم ول نفعو كم ف يه َ ﴿ ،ويَوْ َم اْلقِيَا َمةِ يَ ْكفُرُو نَ بِ ِ
ُكَ ِمثْلُ َخبِيٍ ﴾ ،وال هَو البَي أنَه يرضون ول يقرّون بَه ﴿ .وَلَا يَُنّبئ َ
سيكون هذا منهم يوم القيامة .انتهى .
وقد قال تعال َ ﴿ :ومَنْ أَضَ ّل مِمّن يَ ْدعُو مِن دُونِ اللّ ِه مَن لّا يَ ْ
ستَجِيبُ لَهُ
إِلَى يَو مِ اْل ِقيَا َمةِ َوهُ مْ عَن ُدعَاِئهِ مْ غَاِفلُو نَ * َوإِذَا حُشِ َر النّا سُ كَانُوا َلهُ مْ َأعْدَاء
ِينَ َزعَمْتُم مّنَ ِينَ ﴾ ،وقال تعال ﴿ :قُلِ ا ْدعُوا الّذ َ ِمَ كَاِفر َ وَكَانُوا ِب ِعبَا َدِته ْ
ت وَلَا فِي اْلأَرْ ضِ َومَا َلهُ مْ فِيهِمَا دُو نِ اللّ هِ لَا يَ ْمِلكُو َن ِمثْقَالَ ذَ ّرةٍ فِي ال سّمَاوَا ِ
شفَا َعةُ عِندَهُ إِلّا لِمَنْ أَذِنَ لَهُ ﴾ ، مِن شِرْكٍ َومَا لَ ُه ِمْنهُم مّن َظهِيٍ * وَلَا تَنفَعُ ال ّ
ش ُرهُ مْ جَمِيعا ثُمّ َيقُولُ لِلْ َملَاِئكَةِ َأ َهؤُلَاء ِإيّاكُ مْ كَانُوا
وقال تعال َ ﴿ :وَيوْ مَ يَحْ ُ
ُونَ الْجِنّ َنتَ وَِليّنَا مِن دُونِهِم بَلْ كَانُوا َي ْعبُد َ سَحَانَكَ أ َ ُونَ * قَالُوا ُبْ َي ْعبُد َ
أَ ْكثَرُهُم بِهِم ّم ْؤمِنُو نَ ﴾ ،وقال تعال َ ﴿ :وإِذْ قَالَ اللّ ُه يَا عِي سَى ابْ َن مَ ْريَ مَ
س اتّخِذُونِي َوأُمّ يَ إِلَ َهَيْ ِن مِن دُو نِ اللّ هِ قَالَ ُسبْحَانَكَ مَا َأأَن تَ قُل تَ لِلنّا ِ
645 توفيق الرحن ف دروس القرآن
َيكُو نُ لِي أَ نْ أَقُو َل مَا َليْ سَ لِي بِحَقّ ﴾ ،وقال تعال َ ﴿ :وَيوْ َم نَحْشُ ُرهُ ْم
جَمِيعا ثُمّ َنقُولُ لِلّذِي نَ َأشْرَكُوْا َمكَانَكُ مْ أَنتُ ْم َوشُرَكَآؤُكُ مْ فَ َزيّلْنَا َبْينَهُ ْم وَقَالَ
شُرَكَآ ُؤهُم مّا كُنتُمْ ِإيّانَا َت ْعبُدُونَ * َف َكفَى بِاللّ ِه َشهِيدا َبيَْننَا َوبَْيَنكُمْ إِن ُكنّا عَنْ
ِعبَا َدِتكُ مْ َلغَافِلِيَ ﴾ ،وقال تعال َ ﴿ :ويَوْ َم يَحْشُ ُرهُ ْم َومَا َي ْعبُدُو َن مِن دُو نِ
ك مَاسبِيلَ * قَالُوا ُسبْحَانَ َ اللّهِ َفَيقُولُ َأأَنتُمْ أَضَْل ْلتُ ْم ِعبَادِي َهؤُلَاء أَ ْم هُمْ ضَلّوا ال ّ
ك مِ نْ َأوْلِيَاء وَلَكِن ّمتّ ْعَتهُ ْم وَآبَاءهُ مْ َحتّ ى كَا َن يَنبَغِي لَنَا أَن ّنتّخِ َذ مِن دُونِ َ
نَسُوا الذّ ْك َر وَكَانُوا َقوْما بُورا ﴾ .
***
الزء الثالث 646
﴿ يَا أَّيهَا النّا سُ أَنتُ مُ اْلفُ َقرَاء ِإلَى اللّ هِ وَاللّ ُه هُ َو الْغَِنيّ الْحَمِيدُ ( )15إِن
شأْ ُي ْذهِبْكُمْ َوَيأْتِ بِخَلْ ٍق جَدِيدٍ (َ )16ومَا َذلِكَ عَلَى اللّ ِه ِبعَزِيزٍ ( )17وَلَا
َي َ
ْهـ شَيْ ٌء َوَلوْ
ْعـ مُ ْثقَ َلةٌ ِإلَى حِمْلِهَا لَا يُحْ َم ْل مِن ُ
َتزِ ُر وَازِ َرةٌ وِزْ َر ُأ ْخرَى َوإِن َتد ُ
ب َوَأقَامُوا ال صّلَاةَ َومَن
شوْ نَ َرّبهُم بِالغَيْ ِ
خَكَا َن ذَا ُقرْبَى إِنّمَا تُنذِرُ اّلذِي نَ يَ ْ
َتزَكّ ى َفِإنّمَا يََتزَكّ ى لَِنفْ سِ ِه َوإِلَى اللّ هِ الْمَ صِيُ ( )18وَمَا يَ سْتَوِي الْأَعْمَى
حرُورُ ()21
َاتـ َولَا النّورُ (َ )20ولَا ال ّظ ّل وَلَا الْ َ
َصـيُ ( )19وَلَا الظّلُم ُ
وَالْب ِ
َومَا يَ سَْتوِي اْلأَحْيَاء َولَا اْلأَ ْموَا تُ إِنّ اللّ هَ يُ سْمِ ُع مَن َيشَا ُء وَمَا أَن تَ بِمُ سْمِعٍ
مّنـ فِي اْلقُبُورِ ( )22إِن ْـأَنتَـِإلّا َنذِيرٌ (ِ )23إنّاـ أَرْسَـلْنَا َك بِالْحَقّ َبشِيا
ب الّذِي نَ
َوَنذِيرا َوإِن مّ نْ ُأ ّمةٍ ِإلّا خلَا فِيهَا َنذِيرٌ (َ )24وإِن يُ َك ّذبُو َك َف َقدْ َكذّ َ
مِن قَبْ ِلهِم ْـ جَاءْتهُم ْـ رُسُـُلهُم بِالْبَيّنَاتِـ وَبِال ّزُبرِ َوبِالْكِتَابِـ الْمُنِيِ ( )25ثُمّ
َأ َخذْتُـ اّلذِينَـ َك َفرُوا َفكَيْفَـ كَانَـنَكِيِ (َ )26ألَم ْـَت َر أَنّ اللّهَـأَن َزلَ مِنَـ
ال سّمَا ِء مَا ًء َفَأخْ َرجْنَا بِ ِه ثَ َمرَا تٍ مّخْتَلِفا َألْوَانُهَا َومِ نَ الْجِبَا ِل جُ َد ٌد بِي ضٌ
ف َألْوَانُهَا وَ َغرَابِي بُ سُودٌ (َ )27ومِنَ النّاسِ وَال ّدوَابّ وَاْلَأنْعَا مِ
َوحُ ْمرٌ مّخْتَلِ ٌ
ك إِنّمَا يَخْشَى اللّ َه مِ نْ عِبَادِ ِه اْلعُلَمَاء إِنّ اللّ هَ َعزِيزٌ
مُخْتَلِ فٌ أَْلوَانُ هُ َك َذلِ َ
الصـلَاةَ َوأَن َفقُوا مِمّاـ
ّهـ َوَأقَامُوا ّ
َابـ الل ِ
ُونـ كِت َ
ِينـ يَتْل َ
َغفُورٌ ( )28إِنّ اّلذ َ
ُمـ
ُمـ ُأجُورَه ْ
ُونـ تِجَا َر ًة لّن تَبُورَ ( )29لُِيوَفَّيه ْ
سـرّا وَعَلَانَِيةً يَ ْرج َ
ُمـ ِ
َر َزقْنَاه ْ
ك مِنَ اْلكِتَابِ
َوَيزِي َدهُم مّن فَضْلِ ِه ِإنّهُ َغفُو ٌر شَكُورٌ ( )30وَاّلذِي َأ ْوحَيْنَا ِإلَيْ َ
647 توفيق الرحن ف دروس القرآن
***
الزء الثالث 648
قوله عز وجل ﴿ :يَا أَّيهَا النّا سُ أَنتُ ُم الْ ُف َقرَاء ِإلَى اللّ هِ وَاللّ هُ ُهوَ اْلغَنِيّ
شأْ ُي ْذهِبْكُ ْم وََيأْ تِ بِخَلْ ٍق َجدِيدٍ ( )16وَمَا َذلِ كَ عَلَى
الْحَمِيدُ ( )15إِن َي َ
ْعـ مُ ْثقَ َلةٌ ِإلَى حِمْلِهَا لَا
ّهـ ِب َعزِيزٍ ( )17وَلَا َتزِرُ وَازِ َر ٌة وِزْ َر ُأخْرَى َوإِن َتد ُ
الل ِ
شوْ نَ َرّبهُم بِالغَيْ بِ
خَح َملْ مِنْ ُه شَيْ ٌء َوَلوْ كَا نَ ذَا ُق ْربَى ِإنّمَا تُنذِ ُر الّذِي نَ يَ ْ
يُ ْ
س ِه وَِإلَى اللّ ِه الْمَصِيُ ( )18وَمَا
َوَأقَامُوا الصّلَاةَ وَمَن َتزَكّى َفإِنّمَا يََتزَكّى لَِنفْ ِ
يَ سَْتوِي اْلأَعْمَى وَالْبَ صِيُ (َ )19ولَا الظّلُمَا تُ َولَا النّورُ ( )20وَلَا الظّ ّل َولَا
حرُورُ ( )21وَمَا يَ سَْتوِي اْلأَحْيَاء َولَا اْلأَ ْموَا تُ إِنّ اللّ هَ يُ سْمِ ُع مَن َيشَاءُ
الْ َ
ت ِإلّا َنذِيرٌ (ِ )23إنّا أَرْ سَلْنَاكَ
سمِ ٍع مّن فِي الْقُبُورِ ( )22إِ ْن أَن َ
ت بِمُ ْ
َومَا أَن َ
حقّ َبشِيا َونَذِيرا َوإِن مّ ْن ُأ ّمةٍ ِإلّا خلَا فِيهَا َنذِيرٌ (َ )24وإِن يُ َك ّذبُو َك َف َقدْ
بِالْ َ
ب الْمُنِيِ (
ت َوبِال ّزبُ ِر َوبِالْكِتَا ِ
َكذّبَ اّلذِينَ مِن قَبْ ِلهِ ْم جَاءْتهُمْ رُسُ ُلهُم بِالْبَيّنَا ِ
ت اّلذِينَ َك َفرُوا َفكَيْفَ كَا َن َنكِيِ (. ﴾ )26
ُ )25ث ّم أَ َخذْ ُ
عن ا بن عباس :قوله ﴿ :وَلَا تَزِ ُر وَازِ َرٌة وِزْرَ أُ ْخرَى َوإِن تَدْ عُ ُمْثقََلةٌ إِلَى
حِمِْلهَا لَا ُيحْمَ ْل ِمنْ ُه َشيْءٌ وََلوْ كَا نَ ذَا ُق ْربَى ﴾ ،يقول :يكون عليه وزر ل
يد أحدًا يمل عنه من وزره شيئًا .وعن قتادة :قوله َ ﴿ :ومَن تَزَكّى فَِإنّمَا
َيتَزَكّى ِلنَفْسِهِ ﴾ ،أي :من يعمل صالًا فإنا يعمله لنفسه .
ت وَلَا النّورُ * وقوله تعال َ ﴿ :ومَا يَ ْ
سَتوِي اْلأَعْمَى وَالْبَ صِيُ * وَلَا الظّلُمَا ُ
سَتوِي اْلأَ ْحيَاء وَلَا اْلَأ ْموَا تُ ﴾ ،قال ا بن ز يد :
حرُورُ * وَمَا يَ ْ
وَلَا الظّ ّل وَلَا الْ َ
هذا م ثل ضر به ال ،فالؤ من ب صي ف د ين ال ،والكا فر أع مى ،ك ما ل
649 توفيق الرحن ف دروس القرآن
قوله عز و جل ﴿ :أَلَ مْ َت َر أَنّ اللّ َه أَن َزلَ مِ نَ ال سّمَا ِء مَا ًء َفَأ ْخرَجْنَا بِ هِ
ِفـ َأْلوَانُهَا
ِيضـ وَحُ ْم ٌر مّخْتَل ٌ
ِنـ الْجِبَا ِل جُ َد ٌد ب ٌ
َاتـ مّخْتَلِفا َألْوَانُهَا وَم َ
ثَ َمر ٍ
ف َأْلوَانُ هُ َك َذلِ كَ
وَ َغرَابِي بُ سُودٌ (َ )27ومِ نَ النّا سِ وَال ّدوَابّ وَاْلَأنْعَا ِم مُخْتَلِ ٌ
خشَى ال ّلهَ ِمنْ عِبَا ِدهِ اْلعُلَمَاء إِ ّن ال ّلهَ َعزِيزٌ َغفُورٌ (. ﴾ )28
ِإنّمَا يَ ْ
عن قتادة ف قوله ﴿ :أَلَ ْم تَرَ أَنّ اللّ هَ أَنزَ َل مِ َن ال سّمَا ِء مَاءً َفأَ ْخرَجْنَا بِ هِ
جبَالِ ُجدَدٌ ختَلِفا أَْلوَانُهَا ﴾ أح ر ،وأخ ضر ،وأ صفر َ ﴿ .ومِ َن الْ ِ ثَ َمرَا تٍ مّ ْ
ِفَأَْلوَانُهَا ﴾ ،أي :جبال ختَل ٌ ِيضَ ﴾ ،أي :طرائق بيَض ﴿ ،وَحُ ْم ٌر مّ ْ ب ٌ
حر وبيض ﴿ ،وَغَرَابِي بُ سُودٌ ﴾ هو :السود .يعن :لونه كما اختلف
ألوان هذه اختلف ألوان الناس ،والدواب ،والنعام كذلك .
وعن ابن عباس :قوله ِ ﴿ :إنّمَا يَخْشَى اللّ َه مِ ْن ِعبَادِ ِه اْلعُلَمَاء ﴾ ،قال :
الذ ين يعلمون أن ال على كل ش يء قد ير .وقال قتادة :كان يقال :ك فى
بالرهبة علمًا .وقال ابن مسعود :ليس العلم عن كثرة الديث ،ولكن العلم
عن كثرة الشية .وقال سعيد ابن جبي :الشية :هي الت تول بينك وبي
مع صية ال عز و جل .وقال ا بن عباس :العال بالرح ن من عباده ،من ل
يشرك بَه شيئًا ،وأحلّ حلله وحرّم حرامَه ،وحفَظ وصَيّته ،وأيقَن أنَه
ملقيه وماسب بعمله .
651 توفيق الرحن ف دروس القرآن
قوله عز وجل ﴿ :إِنّ الّذِي نَ يَتْلُو نَ كِتَا بَ اللّ هِ وََأقَامُوا ال صّلَاةَ َوأَن َفقُوا
مِمّ ا رَ َزقْنَاهُ مْ ِسرّا وَعَلَانَِيةً َي ْرجُو َن تِجَا َر ًة لّن تَبُورَ ( )29لُِي َوفَّيهُ ْم ُأجُو َرهُ مْ
َوَيزِي َدهُم مّن فَضْ ِل ِه ِإّنهُ َغفُو ٌر شَكُورٌ (. ﴾ )30
عن قتادة قال :كان مطرف إذا مرّ بذه الية ِ ﴿ :إنّ الّذِي َن يَتْلُونَ ِكتَابَ
اللّ هِ ﴾ ،يقول :هذه آية القرّاء ﴿ ِلُيوَّفَيهُ مْ أُجُو َرهُ ْم َويَزِي َدهُم مّن َفضْلِ هِ ﴾ .
وعن قتادة ِ ﴿ :إنّ ُه َغفُو ٌر َشكُورٌ ﴾ إنه غفور لذنوبم ،شكور لسناتم .
صدّقا
حقّ مُ َ
ك مِ نَ اْلكِتَا بِ هُ َو الْ َ
قوله عز وجل ﴿ :وَاّلذِي َأوْحَيْنَا ِإلَيْ َ
ب الّذِي نَ
ي بَ صِيٌ ( )31ثُمّ أَوْ َرثْنَا الْكِتَا َ
لّمَا بَيْ نَ يَ َديْ ِه إِنّ اللّ َه ِبعِبَادِ هِ لَخَِب ٌ
ُمـ سـَاِبقٌ
َصـٌد َومِ ْنه ْ
ْسـِه َومِنْهُم ّمقْت ِ
ِمـلَّنف ِ
ُمـ ظَال ٌ
ِنـ عِبَادِنَا فَمِ ْنه ْ
اصـ َطفَيْنَا م ْ
ْ
ضلُ اْلكَبِيُ ( )32جَنّا تُ َعدْ ٍن َي ْدخُلُوَنهَا
ت ِبإِذْ ِن اللّ هِ َذلِ كَ ُهوَ اْلفَ ْ
بِالْخَ ْيرَا ِ
ب َولُ ْؤلُؤا وَلِبَا سُ ُه ْم فِيهَا َحرِيرٌ (َ )33وقَالُوا
يُحَ ّلوْ َن فِيهَا مِ ْن أَ سَاوِ َر مِن َذهَ ٍ
َنـ إِنّ َربّنَا َل َغفُو ٌر َشكُورٌ ( )34اّلذِي
حز ََبـ عَنّاـ الْ َ
ّهـ اّلذِي َأ ْذه َ
الْحَ ْم ُد لِل ِ
ب َولَا يَمَ سّنَا فِيهَا ُلغُو بٌ (
َأحَلّنَا دَا َر الْ ُمقَا َمةِ مِن فَضْلِ هِ لَا يَمَ سّنَا فِيهَا نَ صَ ٌ
. ﴾ )35
عن قتادة :قوله ﴿ :وَالّذِي َأوْ َحيْنَا إَِليْ كَ مِ َن اْل ِكتَا بِ ُه َو الْحَقّ مُ صَدّقا
لّمَا بَيْ َن يَ َديْهِ ﴾ الكتب الت خلت قبله .
وعَن ابَن عباس :قوله ﴿ :ثُمّ َأوْ َرثْنَا اْلكِتَابََ ﴾ إل قوله ﴿ :اْل َفضْلُ
اْلكَبِيُ ﴾ هم :أمّة ممد ،ورّثهم ال كل كتاب أنزله .وقال ابن مسعود
الزء الثالث 652
ُنعَ ّمرْكُم مّا يََتذَ ّكرُ فِي ِه مَن َتذَ ّك َر وَجَاءكُ ُم النّذِيرُ َفذُوقُوا فَمَا لِلظّالِمِيَ مِن
نّصِيٍ (. ﴾ )37
ََ لَا يُقْضََى عََلْيهِم َْ نَارُ َج َهنّم َ
َ َكفَرُوا َلهُم ْ
عَن قتادة ﴿ :وَالّذِين َ
ف َعنْهُم مّ نْ
خفّ ُ
﴾ بالوت ﴿ َفيَمُوتُوا ﴾ لن م لو ماتوا ل ستراحوا ﴿ وَلَا يُ َ
عَذَاِبهَا ﴾ .وروى ابن جرير وغيه عن أب سعيد قال :قال رسول ال :
« أما أهل النار الذين هم أهلها ،فإنم ل يوتون فيها ول ييون ،لكن ناسًا
-أو كما قال -تصيبهم النار بذنوبم -أو قال :بطاياهم -فيميتهم إماتة
حت إذا صاروا فحمًا أذن ف الشفاعة ،فجيء بم ضبائر ضبائر ،فبثّوا على
أهل النة فقال :يا أهل النة :أفيضوا عليهم ،فيَنبتون كما تنبت البة ف
ح يل ال سيل » .فقال ر جل من القوم :حينئذٍ كأ نّ ر سول ال قد كان
بالبادية .
َصَ َطرِخُونَ ﴾ ،أي :يصَيحون فيهَا يقولون : قوله تعال َ ﴿ :وه ْ
ُمَ ي ْ
﴿ َربّن َا أَخْ ِرجْن َا َنعْمَلْ صََالِحا َغيْ َر الّذِي ُكنّاَ َنعْمَلُ ﴾ فيقول ال لمَ
توبيخًا َ ﴿ :أوَلَ ْم ُنعَمّرْكُم مّا َيتَذَكّرُ فِي ِه مَن تَذَكّ َر وَجَاءكُ ُم النّذِيرُ فَذُوقُوا َفمَا
لِلظّالِمِيَ مِن نّ صِيٍ ﴾ ،قال ا بن عباس :الع مر الذي أعذر ال إل ا بن آدم
أربعون سنة .قال م سروق :إذا بلغ أحد كم أربع ي سنة فليأ خذ حذره من
ال .وعَن أبَ هريرة قال :قال رسَول ال « :أَعْ َذ َر ال عَز وجَل إل
امرئ أخّر عمره حت بلغ ستّي سنة » .رواه البخاري وغيه ،وقال قتادة :
اعلموا أن طول العمَر حجّة ،فنعوذ بال أن نعيّرَ بطول العمَر ،قَد نزلت
الزء الثالث 654
هذه الية َ ﴿ :أوَلَ ْم ُنعَمّرْكُم مّا يَتَذَكّرُ فِي ِه مَن تَذَكّرَ ﴾ وإ ّن فيهم لبن ثان
عشرة سنة .وقال ابن زيد ف قوله َ ﴿ :وجَاءكُ ُم النّذِيرُ ﴾ ،قال :النذير :
النبّ ،وقرأ ﴿ :هَذَا نَذِي ٌر مّنَ النّذُ ِر اْلأُولَى ﴾ .
قال ابن كثي :وقوله تعال ﴿ :فَذُوقُوا فَمَا لِلظّاِلمِيَ مِن نّ صِيٍ ﴾ ،أي
:ذوقوا عذاب النار جزاء على مالفتكم للنبياء ف مدّة أعماركم ،فما لكم
اليوم ناصر ينقذكم .
***
655 توفيق الرحن ف دروس القرآن
صدُورِ (
ت ال ّ
ض ِإنّ هُ َعلِي مٌ ِبذَا ِ
ت وَاْلأَرْ ِ
ب ال سّمَاوَا ِ
﴿ إِنّ اللّ هَ عَالِ مُ غَيْ ِ
ض فَمَن َك َف َر َفعَلَيْ هِ ُك ْفرُ ُه َولَا َيزِيدُ
ف فِي الْأَرْ ِ
ُ )38هوَ اّلذِي َجعَ َلكُ مْ خَلَائِ َ
اْلكَا ِفرِينَ ُك ْفرُهُمْ عِندَ َرّبهِمْ ِإلّا َمقْتا َولَا َيزِيدُ اْلكَا ِفرِينَ ُك ْفرُهُ ْم إِلّا خَسَارا (
ُ )39ق ْل أَ َرأَيْتُ مْ ُشرَكَاءكُ ُم اّلذِي نَ َتدْعُو َن مِن دُو نِ اللّ ِه أَرُونِي مَاذَا خَ َلقُوا
ت أَ مْ آتَيْنَاهُ مْ كِتَابا َفهُ مْ عَلَى بَيَّن ٍة مّنْ هُ
ض أَ ْم َلهُ مْ شِرْ ٌك فِي ال سّمَاوَا ِ
مِ نَ اْلأَرْ ِ
ـكُ
ـ يُمْس ِ
ـ َبعْضُهُـم بَعْضا ِإلّا ُغرُورا ( )40إِنّـ اللّه َ
َب ْل إِن يَ ِع ُد الظّالِمُون َ
سكَهُمَا مِ ْن َأحَ ٍد مّن َبعْدِهِ ِإنّهُ
ض أَن َتزُولَا وَلَئِن زَالَتَا إِ ْن َأمْ َ
ت وَاْلأَرْ َ
السّمَاوَا ِ
ُمـ نَذِيرٌ
ِمـ لَئِن جَاءه ْ
ّهـ جَ ْهدَ أَيْمَاِنه ْ
ْسـمُوا بِالل ِ
َانـ حَلِيما َغفُورا (َ )41وَأق َ
ك َ
لَّيكُوُننّ أَ ْهدَى مِ ْن ِإحْدَى الُْأمَمِ فَلَمّا جَاءهُ ْم َنذِي ٌر مّا زَا َدهُمْ ِإلّا ُنفُورا ()42
ض َو َمكْ َر ال سّيّ ِئ َولَا يَحِي ُق الْ َمكْ ُر ال سّيّ ُئ ِإلّا ِبأَهْلِ هِ َفهَلْ
ا سْتِكْبَارا فِي الْأَرْ ِ
ج َد لِ سُنّتِ اللّ هِ
ل وَلَن تَ ِ
ت اللّ هِ تَ ْبدِي ً
ج َد لِ سُنّ ِ
ت الَْأوّلِيَ فَلَن تَ ِ
يَن ُظرُو َن ِإلّا سُنّ َ
ض فَيَن ُظرُوا كَيْ فَ كَا نَ عَاقِبَ ُة الّذِي َن مِن
حوِيلً (َ )43أ َولَ مْ يَ سِيُوا فِي الْأَرْ ِ
تَ ْ
جزَهُ مِن شَيْ ٍء فِي السّمَاوَاتِ
قَبْ ِلهِ ْم وَكَانُوا َأشَ ّد مِ ْنهُمْ ُق ّوةً وَمَا كَانَ اللّ ُه لُِيعْ ِ
ّاسـ بِمَا
ّهـ الن َ
َانـ عَلِيما َقدِيرا ( )44وََل ْو يُؤَاخِ ُذ الل ُ
ّهـ ك َ
ْضـ ِإن ُ
َولَا فِي اْلأَر ِ
كَ سَبُوا مَا َترَ كَ عَلَى َظ ْهرِهَا مِن دَابّ ٍة َولَكِن ُيؤَ ّخ ُرهُ مْ ِإلَى َأ َجلٍ مّ سَمّى َفِإذَا
جَاء َأجَلُ ُه ْم َفإِنّ ال ّلهَ كَانَ بِعِبَا ِدهِ بَصِيا (. ﴾ )45
***
الزء الثالث 656
قبل عمل الليل ،حجابه النور ،أو النار ،لو كشفه لحرقت ُسبُحات وجهه
ما انتهى إليه بصره من خلقه » .
ُمـ َنذِيرٌ
ِمـ لَئِن جَاءه ْ
ّهـ َج ْهدَ َأيْمَانِه ْ
ْسـمُوا بِالل ِ
قوله عـز وجـل َ ﴿ :وأَق َ
لَّيكُوُننّ أَ ْهدَى مِ ْن ِإحْدَى الُْأمَمِ فَلَمّا جَاءهُ ْم َنذِي ٌر مّا زَا َدهُمْ ِإلّا ُنفُورا ()42
ض َو َمكْ َر ال سّيّ ِئ َولَا يَحِي ُق الْ َمكْ ُر ال سّيّ ُئ ِإلّا ِبأَهْلِ هِ َفهَلْ
ا سْتِكْبَارا فِي الْأَرْ ِ
ت اللّ هِ
ج َد لِ سُنّ ِ
ل َولَن تَ ِ
ت اللّ هِ تَبْدِي ً
جدَ لِ سُنّ ِ
يَن ُظرُو َن ِإلّا ُسنّ اْلأَ ّولِيَ فَلَن تَ ِ
حوِيلً (. ﴾ )43
تَ ْ
قال البغوي :قوله تعال َ ﴿ :وأَقْسََمُوا بِاللّهَِ َجهْدَ َأيْمَاِنهِم َْ ﴾ ،يعنَ :
كفار م كة ل ا بلغ هم أن أ هل الكتاب كذبوا ر سلهم قالوا :ل عن ال اليهود
والنصارى أتتهم الرسل فكذبوهم ،وأقسموا بال وقالوا :لو أتانا رسول ال
لنكو نن أهدى دينًا من هم ،وذلك ق بل مبعَث ال نب ،فل ما بُ عث م مد
كذبوه فأنزل ال عز وجل ﴿ َوأَقْسَمُوا بِاللّهِ َجهْدَ َأيْمَاِنهِمْ َلئِن جَاءهُ ْم نَذِيرٌ ﴾
رسول ّ ﴿ ،لَيكُونُنّ َأهْدَى مِنْ إِ ْحدَى الُْأمَمِ ﴾ ،يعن :من اليهود والنصارى
ُمَ إِلّا ُنفُورا ﴾ ،أي :مَا ُمَ نَذِيرٌ ﴾ ممَد ﴿ ،مّاَ زَا َده ْ ﴿ وَلَمّاَ جَاءه ْ
َصَبَ
ْضَ ﴾ ن َ اسَِتكْبَارا ف ِي اْلأَر ِ زادهَم ميئه إلّ تباعدًا عَن الدى ْ ﴿ .
سّيئِ ﴾ ،يعن :العمل ( استكبارا ) على البدل من ( النفور ) َ ﴿ .و َمكْ َر ال ّ
القب يح ،أض يف ال كر إل صفته ؛ قال الكل ب :هو اجتماع هم على الشرك
سيّئُ ﴾ ،أي :ل يل ول ييط الكر وقتل النب ﴿ .وَل يَحِي ُق الْ َمكْ ُر ال ّ
659 توفيق الرحن ف دروس القرآن
ال سيئ ﴿ ،إِل ِبأَهْلِ هِ ﴾ فقتلوا يوم بدر .وقال ا بن عباس :عاق بة الشرك ل
تل إل بن أشرك .والعن :إن وبال مكرهم راجع عليهم َ ﴿ ،فهَ ْل َينْظُرُونَ
إِل ُسّن َة الوّلِيَ ﴾ إل أن ينل بم العذاب كما نزل بن مضى من الكفار ؟
قال ابن كثي :وقال ممد بن كعب القُ َرظِي :ثلث من فعلهن ل ينجُ حت
ينل به من :مكر ،أو بغي ،أو نكث .وتصديقها ف كتاب ال ﴿ :وَل
سكُمْ ﴾ ﴿ ،فَمَ نْ
سّيئُ إِل ِبأَهْلِ هِ ﴾ ِ ﴿ .إنّمَا َبغُْيكُ مْ عَلَى َأْنفُ ِ
يَحِي ُق الْ َمكْ ُر ال ّ
ث عَلَى َنفْسِهِ ﴾ .
َن َكثَ فَِإنّمَا َيْنكُ ُ
حوِيلً ﴾
سّنتِ اللّ ِه َت ْ وقوله تعال ﴿ :فَلَن َتجِدَ لِ ُ
سّنتِ اللّ ِه َتبْدِيلً وَلَن تَجِدَ لِ ُ
قال بعضهَم :والتبديَل :تغييَ الصَورة مَع بقاء الادة ،والتحويَل :نقَل
الشيء من مكان إل مكان آخر .قال ابن كثي :وقوله عز وجل َ ﴿ :ف َهلْ
سَ َة الوّلِيَ ﴾ ،يعنَ :عقوبَة ال لمَ على تكذيبهَم رسَله ُونَإِل ُّن
َينْظُر َ
سّنةِ اللّ هِ تَبْدِيل ﴾ ،أي :ل تغي ول تبدل ، ومالفتهم أمره ﴿ ،فَلَ ْن َتجِدَ لِ ُ
حوِيلً ﴾ ،سّنةِ اللّ ِه تَ ْ
بل هي جارية كذلك ف كل مكذب ﴿ ،وَلَ ْن تَجِدَ لِ ُ
أي َ ﴿ :وإِذَا أَرَادَ اللّ ُه ِب َقوْ مٍ سُوءًا فَل مَرَدّ لَ هُ ﴾ ،ول يكشف ذلك عنهم ،
ويوله عنهم أحد .وال أعلم .
ض فَيَن ُظرُوا كَيْ فَ كَا نَ عَاقَِبةُ
قوله عز وجل ﴿ :أَ َولَ ْم يَ سِيُوا فِي اْلأَرْ ِ
جزَ هُ مِن شَيْ ٍء فِي
اّلذِي َن مِن قَبْ ِلهِ ْم وَكَانُوا َأشَ ّد مِ ْنهُ مْ ُق ّوةً وَمَا كَا نَ اللّ ُه لُِيعْ ِ
ّهـ
َانـ عَلِيما َقدِيرا ( )44وََل ْو يُؤَاخِ ُذ الل ُ
ّهـ ك َ
ْضـ إِن ُ
ت وَلَا فِي اْلأَر ِ
السـمَاوَا ِ
ّ
الزء الثالث 660
النّا سَ بِمَا كَ سَبُوا مَا َترَ كَ عَلَى َظ ْهرِهَا مِن دَاّبةٍ َولَكِن ُيؤَ ّخرُهُ ْم إِلَى أَ َجلٍ
ّمسَمّى َفإِذَا جَاء َأجَ ُلهُ ْم َفإِنّ ال ّلهَ كَا َن ِبعِبَا ِد ِه بَصِيا (. ﴾ )45
عن قتادة ﴿ :وَكَانُوا َأشَ ّد مِْنهُ مْ ُق ّوةً ﴾ ي بكم :أ نه أع طى القوم ما ل
جزَ هُ ﴾ .قال البغوي :أي :ليفوت ع نه ﴿
يعط كم ﴿ .وَمَا كَا نَ اللّ هُ ِلُيعْ ِ
ت وَل فِي الرْ ضِ ِإنّ هُ كَا َن عَلِيمًا قَدِيرًا ﴾ ﴿ ،وََلوْ مِ ْن َشيْءٍ فِي ال سّ َموَا ِ
سبُوا ﴾ من الرائم ﴿ ،مَا تَرَ َك عَلَى َظهْرِهَا ﴾ ، ُيؤَاخِذُ اللّ ُه النّا سَ بِمَا كَ َ
يعن :على ظهر الرض كناية عن غي مذكور ﴿ ،مِنْ دَاّبةٍ ﴾ كما كان ف
زمان نوح ،أهلك ال ما على ظهر الرض إل من كان ف سفينة نوح .
﴿ وََلكِ ْن ُيؤَخّ ُرهُ مْ إِلَى أَ َج ٍل مُ سَمّى فَإِذَا جَاءَ أَجَُلهُ مْ فَِإنّ اللّ هَ كَا نَ بِ ِعبَادِ هِ
بَصِيًا ﴾ ،قال ابن عباس رضي ال عنهما :يريد أهل طاعته وأهل معصيته .
وقال ابن كثي ﴿ :وَلَكِ ْن ُيؤَخّ ُرهُ مْ إِلَى أَجَ ٍل مُ سَمّى ﴾ أي :ولكن ُينْظرهُم
إل يوم القيامَة ،فيحاسَبهم يومئذٍ ،ويوفَ كَل عامَل بعمله ،فيجازي
بالثواب أهلَ الطاعَة ،وبالعقاب أهَل العصَية ،ولذا قال تبارك تعال :
﴿ فَإِذَا جَاءَ أَجَُلهُمْ فَِإنّ اللّهَ كَانَ بِ ِعبَا ِد ِه َبصِيًا ﴾ .
***
661 توفيق الرحن ف دروس القرآن
***
663 توفيق الرحن ف دروس القرآن
ْسـلِيَ ( )3عَلَى
ِنـ الْ ُمر َ
ّكـ لَم َ
ِيمـ (ِ )2إن َ
ْآنـ الْحَك ِ
﴿ يـس ( )1وَالْ ُقر ِ
صرَاطٍ مّ سَْتقِيمٍ ( )4تَنِيلَ اْل َعزِي ِز ال ّرحِي مِ ( )5لِتُنذِرَ َقوْما مّ ا أُنذِرَ آبَا ُؤهُ مْ
ِ
ُونـ (ِ )7إنّاـ
ُمـ لَا ُي ْؤمِن َ
ِمـ َفه ْ
ُونـ (َ )6ل َقدْ حَقّ اْل َقوْلُ عَلَى أَكَْث ِره ْ
ُمـ غَافِل َ
َفه ْ
للً َفهِ َي ِإلَى ا َل ْذقَا ِن َفهُم ّمقْ َمحُو نَ (َ )8وجَعَلْنَا مِن
َجعَلْنَا فِي أَعْنَاقِهِ مْ أَ ْغ َ
صرُونَ ( )9وَ َسوَاء
بَيْنِ َأْيدِيهِمْ َسدّا َومِ ْن خَ ْلفِهِمْ سَدّا َفأَ ْغشَيْنَاهُ ْم َفهُ ْم لَ يُبْ ِ
عَلَ ْيهِ ْم َأأَنذَ ْرتَهُ مْ أَ ْم لَ ْم تُنذِرْهُ مْ َل ُيؤْمِنُو نَ (ِ )10إنّمَا تُنذِرُ مَ نِ اتّبَ َع الذّ ْكرَ
ْنـ
ْهـ بِ َم ْغ ِفرَ ٍة َوأَ ْجرٍ َكرِي ٍ (ِ )11إنّاـ نَح ُ
ْبـ فََبشّر ُ
ِيـ ال ّرحْم َن بِاْلغَي ِ
َو َخش َ
ب مَا َق ّدمُوا وَآثَا َرهُمْ وَ ُك ّل شَيْ ٍء أحْصَيْنَاهُ فِي ِإمَا ٍم مُِبيٍ
نُحْيِي الْ َموْتَى َوَنكْتُ ُ
(. ﴾ )12
سمٌ ،ك ما عن قتادة ﴿ :وَالْقُرْآ نِ الْ َ
حكِي مِ * ِإنّ كَ لَمِ َن الْمُرْ سَلِيَ ﴾ قَ َ
ّسََتقِيمٍ ﴾ أي :على
صَرَاطٍ م ْ
ي عَلَى ِْسَِل َ
ِنَ الْ ُمر َ
ّكَ َلم َ
تسَمعون ِ ﴿ ،إن َ
السَلم ﴿ تَنِي َل اْلعَزِيزِ الرّحِيمَِ ﴾ ،قال البغوي :قرأ ابَن عامَر ،وحزة ،
والك سائي ،وح فص ( :تن يل ) بن صب اللم كأ نه قال :نزل تنيلً .وقرأ
الخرون :بالرفع ،أي :هو تنيل العزيز الرحيم .
قال ا بن كث ي :وقوله تعال ِ ﴿ :لتُنذِرَ َقوْما مّ ا أُنذِ َر آبَا ُؤهُ مْ َفهُ ْم غَافِلُو نَ
﴾ يعن بم :العرب ؛ فإنه ما أتاهم من نذير من قبله .وذكرهم وحدهم ل
ين في مَ ْن عدا هم ،ك ما أن ذ كر ب عض الفراد ل ين في العموم .و قد تقدم
الزء الثالث 664
ذكَر اليات والحاديَث التواترة الدالة على عموم بعثتَه عنَد قوله تعال
﴿ :قُ ْل يَا َأّيهَا النّاسُ إِنّي َرسُولُ اللّهِ إَِليْكُمْ َجمِيعًا ﴾ .
وقال البغوي َ ﴿ :لقَدْ حَقّ اْلقَوْلُ ﴾ ،و جب العذاب ﴿ ،عَلَى أَ ْكثَ ِرهِ مْ
َ عَلَى َ كَِل َمةُ الْعَذَاب ِ َ َحقّت ْ َ ﴾ ،هذا كقوله ﴿ :وَلَكِن ْ َ ل ُي ْؤ ِمنُون َ
َفهُم ْ
اْلكَافِرِي نَ ﴾ .و عن قتادة :قوله ِ ﴿ :إنّ ا َجعَلْنَا فِي َأعْنَاِقهِ مْ َأ ْغلَلً َفهِ يَ إِلَى
الَذْقَانِ َفهُم ّمقْمَحُونَ ﴾ ،أي :فهم مضلّلون عن كل خي ﴿ ،وَ َج َع ْلنَا مِن
شيْنَاهُمْ َفهُمَْبيْنِ َأيْدِيهِمْ سَدّا َومِنْ خَ ْل ِفهِمْ سَدّا ﴾ ،قال :ضللت َ ﴿ ،فَأغْ َ
َل ُيبْصِرُونَ ﴾ هدى ول ينتفعون به .وعن عكرمة قال :قال أبو جهل :لئن
رأيَت ممدًا لفعلنَّ ولفعلنَّ ،فأنزلت ِ ﴿ :إنّاَ َجعَلْنَا فِي َأعْنَاِقهِم َْ ﴾ إل
ْصَرُونَ ﴾ قال :فكانوا يقولون :هذا ممَد فيقول :أيَن ُمَ َل ُيب ِ
﴿ َفه ْ
هو ،أين هو ؟ ل يبصر .
وقوله تعال ﴿ :وَ َسوَاء عََلْيهِ مْ َأأَنذَ ْرَتهُ مْ أَ مْ َل ْم تُنذِ ْرهُ مْ َل ُيؤْ ِمنُو نَ * ِإنّمَا
تُنذِ ُر مَ ِن اتّبَ عَ الذّكْ َر وَخَشِ يَ الرّحْمَن بِاْلغَيْ بِ َفبَشّرْ هُ بِ َم ْغفِ َر ٍة َوأَجْرٍ َك ِريٍ ﴾ ،
ح ُن نُحْيِي
قال قتادة :واتباع الذ كر :اتباع القرآن .وقوله تعال ِ ﴿ :إنّاَنَ ْ
ب مَا قَ ّدمُوا ﴾ ،قال قتادة :مِ ْن عَمَلٍ .و عن ما هد ﴿ :مَا الْ َموْتَى َوَنكْتُ ُ
َق ّدمُوا ﴾ أعمالم وآثارهم ،قال :خُطاهم بأرجلهم .وعن جابر بن عبد ال
رضي ال عنهما قال :خلت البقاع حول السجد فأراد بنو سلمة أن ينتقلوا
قُرب السجد فبلغ ذلك رسول ال فقال « :يا بن سلمة دِياركم ُت ْكتَ بْ
آثَارُكُمْ » .رواه مسلم وغيه .وعن جرير بن عبد ال البجلي رضي ال عنه
665 توفيق الرحن ف دروس القرآن
:تسألون على هذا أجرًا ؟ قالوا :ل .فأقبل على قومه :فَ ﴿ قَالَ يَا َقوْ ِم
سأَُلكُمْ أَجْرا َوهُم ّم ْهتَدُو نَ ﴾ فلما قال ذلك ي * اّتبِعُوا مَن ّل يَ ْ اّتبِعُوا الْ ُمرْ سَِل َ
قالوا له :وأنت مالف لديننا ومتابع دين هؤلء الرسل ومؤمن بإلهم ؟ فقال
َ ﴿ :ومَا لِي لَ َأعْبُ ُد الّذِي َفطَ َرنِي َوإَِليْ ِه تُرْ َجعُونَ ﴾ ؟ .
وقال ا بن إ سحاق في ما بل غه :نادا هم بلف ما هم عل يه من عبادة
الصنام ،وأظهر لم دينه وعبادة ربه ،وأخبهم أنه ل يلك نفعه ول ضره
خ ُذ مِ نْ دُونِ هِغيه ،فقال َ ﴿ :ومَا لِ يَ ل َأ ْعبُ ُد الّذِي فَطَ َرنِي َوإِلَيْ ِه تُرْ َجعُو نَ َأأَتّ ِ
آِل َهةً ﴾ ؟ ث عاب ا ،فقال ﴿ :إِ نْ يُ ِردْ نِ الرّ ْحمَ نُ بِضُرّ ﴾ وشدة ﴿ ،ل ُتغْ نِ
ت بِ َرّبكُ مْ ﴾ الذي كفر ت به ، َعنّ ي َشفَا َعُتهُ ْم َشْيئًا وَل ُيْنقِذُو نِ * ِإنّ ي آمَن ُ
َاسََمعُونِ ﴾ ،قال :فوثبوا وثبَة رجَل واحَد فقتلوه ،واسَتضعفوه ﴿ف ْ
جّنةَ ﴾ ،قال ابن لضعفه وسقمه ،ول يكن أحد يدفع عنه ﴿ ،قِيلَ ادْخُ ِل الْ َ
مسعود :قال ال له :ادخل النة ،فدخلها حيّا يرزق فيها ،قد أذهب ال
صبَها ،فل ما أف ضى إل رح ة ال وجن ته وكرام ته ع نه سقم الدن يا وحزن ا ونَ َ
﴿ ،قَا َل يَا َليْ تَ َق ْومِي َيعْلَمُو نَ * بِمَا َغفَرَ لِي َربّي وَ َجعََلنِي مِ َن الْ ُمكْ َر ِميَ
﴾ ،قال قتادة :فل تلقى الؤمن إل ناصحًا ول تلقاه غاشّا .
قوله عز وجل َ ﴿ :ومَا أَن َزلْنَا عَلَى َق ْومِ هِ مِن بَ ْعدِ ِه مِ نْ جُندٍ مّ َن ال سّمَاءِ
ح ًة وَا ِح َدةً َفِإذَا هُ مْ خَامِدُو نَ ()29
ت ِإلّ صَيْ َ
نلِيَ ( )28إِن كَانَ ْ
َومَا كُنّا مُ ِ
س َرةً عَلَى الْعِبَادِ مَا َيأْتِيهِم مّن رّسُو ٍل إِلّ كَانُوا بِهِ يَسَْت ْهزِئُون (َ )30ألَمْ
يَا حَ ْ
الزء الثالث 668
َي َروْا كَ ْم َأهْلَكْنَا قَبْ َلهُم مّ نْ اْل ُقرُو ِن َأّنهُ ْم ِإلَ ْيهِ ْم لَ َي ْرجِعُو نَ (َ )31وإِن ُكلّ
ضرُونَ (. ﴾ )32
لّمّا جَمِي ٌع ّل َديْنَا مُحْ َ
قال ابن إسحاق فيما بلغه عن ابن مسعود قال :غضب ال له -يعن لذا
الؤمن لستضعافه إياه -غضبة ل ُتبْ قِ من القوم شيئًا ،فعجّل لم النقمة با
استحلوا منه ،وقال َ ﴿ :ومَا أَنزْلنَا عَلَى َق ْومِ ِه مِ ْن َبعْدِ ِه مِ نْ ُجنْ ٍد مِ َن ال سّمَاءِ
َومَا ُكنّا مُنلِيَ ﴾ ،يقول :ما كاثرناهم بالموع ،أي :المر أيسر علينا
ح ًة وَاحِ َدةً َفإِذَا هُ مْ خَامِدُو نَ ﴾ فأهلك ال صيْ َ من ذلك ﴿ ،إِ نْ كَانَ تْ إِل َ
ذلك اللك وأهل أنطاكية ،فبادوا عن وجه الرض ،فلم تبق منهم باقية .
ََر ًة عَلَى اْل ِعبَادِ ﴾ ،أي :يَا حسَرة العباد على وعَن قتادة ﴿ :يَاحَس ْ
أنفسها على ما ضيعت من أمر ال وفرطّت ف جنب ال ﴿ ،مَا َي ْأتِيهِم مّن
َسََتهْ ِزئُون ﴾ ،قال ماهَد :كانَت حسَرة عليهَم ِهَ ي ْ
رّسَُولٍ إِلّ كَانُوا ب ِ
استهزاؤهم بالرسل .وعن قتادة ﴿ :أَلَ ْم َي َروْا كَ مْ َأهَْل ْكنَا َقبَْلهُم مّ ْن اْلقُرُو نِ
َأّنهُ مْ إَِلْيهِ مْ َل َيرْ ِجعُو نَ ﴾ ،قال :عاد ،وثود ،وقارون ،وقرون ب ي ذلك
حضَرُونَ ﴾ ،أي :يوم القيامة . كثيًا َ ﴿ ،وإِن كُلّ لّمّا جَمِيعٌ لّ َدْينَا مُ ْ
***
669 توفيق الرحن ف دروس القرآن
***
الزء الثالث 670
قوله عز وجل ﴿ :وَآَيةٌ ّلهُ ْم َأنّا حَمَلْنَا ذُ ّريَّتهُ مْ فِي اْلفُلْ كِ الْ َمشْحُو نِ (
صرِيخَ
شأْ ُن ْغ ِر ْقهُ ْم فَلَا َ
َ )41وخَ َلقْنَا لَهُم مّ ن مّثْلِ هِ مَا يَرْكَبُو نَ ( )42وَإِن ّن َ
َل ُهمْ َولَا ُه ْم يُنقَذُونَ (ِ )43إلّا َرحْ َم ًة مّنّا وَمَتَاعا إِلَى حِيٍ (. ﴾ )44
قال البغوي :والراد بالذر ية :الباء ،والجداد .وا سم الذر ية ي قع على
ك الْمَشْحُو نِ ﴾ ،أي :الملوء ، الباء ك ما ي قع على الولد ﴿ .فِي اْلفُلْ ِ
وأراد سفينة نوح ،وهؤلء من نسل من حُمل مع نوح ،وكانوا ف أصلبم
.وعن سعيد بن جبي عن ابن عباس قال :تدرون ما َ ﴿ :وخََل ْقنَا َلهُم مّن
ّمثْلِ ِه مَا يَرْ َكبُو نَ ﴾ ؟ قلنا :ل ،قال :هي السفن جُعلت لم من بعد سفينة
شأْ نُغْرِ ْق ُه مْ َفلَا
نوح على مثل ها .وقال ال سدي :أل ترى أ نه قال َ ﴿ :وإِن نّ َ
ُونَ ﴾ ؟ قال قتادة :أي :ل مغيَث لمَ ﴿ ،إِل ُمَ يُنقَذ َ
ُمَ وَلَا ه ْ
صَرِيخَ َله َْ
َرحْ َم ًة ّمنّا َومَتَاعا إِلَى ِحيٍ ﴾ ،أي :إل الوت .
قال البغوي :يعن :إل أن يرحهم ويتّعهم على حي آجالم .
قوله عز و جل ﴿ :وَِإذَا قِي َل َلهُ مُ اّتقُوا مَا بَيْ نَ أَْيدِيكُ مْ وَمَا خَ ْل َفكُ مْ
َلعَ ّلكُ مْ ُت ْرحَمُو نَ ( )45وَمَا َتأْتِيهِم مّ نْ آَي ٍة مّ نْ آيَا تِ َرّبهِ مْ ِإلّا كَانُوا عَنْهَا
ِينـ َك َفرُوا
ّهـ قَا َل اّلذ َ
ُمـ الل ُ
ُمـأَن ِفقُوا مِمّاـ رَ َز َقك ْ
ُم ْعرِضِيَ (َ )46وِإذَا قِي َل َله ْ
لِ ّلذِي نَ آمَنُوا َأنُ ْطعِ مُ مَن لّ ْو َيشَاءُ اللّ هُ أَ ْطعَمَ هُ إِ ْن أَنتُ ْم إِلّا فِي ضَلَالٍ مّبِيٍ (
. ﴾ )47
الزء الثالث 674
قال البغوي َ ﴿ :وإِذَا قِيلَ َلهُ ُم اّتقُوا مَا َبيْنَ أَيْدِيكُمْ َومَا خَ ْل َفكُمْ ﴾ ،قال ابن
ُمَ
ُمَ ﴾ يعنَ :الخرة فاعملوا لاَ ﴿ وَمَا خَ ْل َفك ْ ْنََأيْدِيك ْ
عباس ﴿ :مَا َبي َ
ُمَ
ْنََأيْدِيك ْ
﴾ يعنَ :الدنيَا فاحذروهَا ،ول تغترّوا باَ .وقيَل ﴿ :مَا َبي َ
﴾ وقائع ال في من كان قبل كم من ال مم ﴿ وَمَا َخ ْلفَكُ مْ ﴾ عذاب الخرة ،
وهو قول قتادة ،ومقاتل َ ﴿ .لعَّلكُ ْم تُ ْرحَمُو َن ﴾ والواب مذوف تقديره :
إذا قيل لم هذا أعرضوا عن دليله ما بعده َ ﴿ .ومَا َت ْأتِيهِم مّ ْن آَي ٍة مّ ْن آيَا تِ
َرّبهِمْ ﴾ أي :دللة على صدق ممد ﴿ ،إِل كَانُوا َعْنهَا ُمعْرِضِيَ ﴾ .
ِينَ
ّهَ ﴾ أعطاكَم ال ﴿ قَا َل الّذ َ ُمَ الل ُ
ُمَأَن ِفقُوا مِمّاَ رَزََقك ْ
﴿ َوإِذَا قِيلَ َله ْ
َكفَرُوا لِلّذِينَ آ َمنُوا َأنُ ْطعِمُ ﴾ أنرزق ﴿ مَن ّل ْو يَشَاءُ اللّهُ أَ ْطعَمَهُ ﴾ ؟ وذلك أن
الؤمني قالوا لكفار مكة :أنفقوا على الساكي ما زعمتم من أموالكم أنه ل
وهو ما جعلوه ل من حروثهم وأنعامهم ،قالوا َ ﴿ :أنُ ْطعِ مُ ﴾ أنرزق ﴿ مَن
ّل ْو يَشَاءُ اللّ هُ َأطْعَمَ هُ ﴾ رزقه ث ل يرزقه مع قدرته عليه ،فنحن نوافق مشيئة
ال فل نط عم من ل يطع مه ال ،وهذا إن ا يتم سّك به البخلء يقولون :ل
نع طي من حر مه ال ؛ وهذا الذي يزعمون با طل لن ال أغ ن ب عض اللق
خلً ،وأمر الغنّ بالنفاق ل وأفقر بعضهم ابتلء ،فمنع الدنيا من الفقي ل بُ ْ
حاجةً إل ماله ولكن ليبلو الغنّ بالفقي فيما أمر وفرض له ف مال الغنّ ،ول
اعتراض على مشيئة ال وحكمه ف خلقه ﴿ ،إِنْ أَنتُمْ إِلّا فِي ضَلَا ٍل ّمبِيٍ ﴾ ،
675 توفيق الرحن ف دروس القرآن
يقول الكفار للمؤمني :ما أنتم إل ف خطأ بيّن ف اتباعكم ممدًا وترك ما
نن عليه .انتهى .وال أعلم .
***
الزء الثالث 676
ُونـ ِإلّا
ُمـ صـَادِقِيَ ( )48مَا يَن ُظر َ
ُونـ مَتَى َهذَا اْلوَ ْعدُ إِن كُنت ْ
﴿ َويَقُول َ
ح ًة وَا ِح َدةً َت ْأخُ ُذهُ ْم َوهُ ْم يَخِصّمُونَ ( )49فَلَا يَسْتَطِيعُو َن َتوْصَِيةً وَلَا إِلَى
صَيْ َ
ث ِإلَى َرّبهِ مْ
خ فِي ال صّو ِر َفِإذَا هُم مّ َن الَْأ ْجدَا ِ
َأهْ ِلهِ مْ يَ ْر ِجعُو نَ ( )50وَُنفِ َ
يَن سِلُونَ ( )51قَالُوا يَا َويْلَنَا مَن َبعَثَنَا مِن ّم ْر َقدِنَا َهذَا مَا وَ َع َد ال ّرحْمَ نُ
ح ًة وَا ِحدَ ًة َفِإذَا هُ مْ جَمِي ٌع ّلدَيْنَا
ت ِإلّا صَ ْي َ
ق الْ ُمرْ سَلُونَ ( )52إِن كَانَ ْ
صدَ َ
وَ َ
ج َزوْ َن ِإلّا مَا كُنتُ ْم َتعْمَلُونَ
س شَيْئا َولَا تُ ْ
ضرُونَ ( )53فَالْيَوْ َم لَا تُظْلَمُ نَفْ ٌ
مُحْ َ
ب الْجَّنةِ الَْيوْ َم فِي ُش ُغلٍ فَا ِكهُو نَ ( )55هُ مْ وَأَ ْزوَا ُجهُ مْ فِي
صحَا َ
( )54إِنّ أَ ْ
ك مُّتكِؤُو نَ (َ )56لهُ ْم فِيهَا فَا ِك َهةٌ َوَلهُم مّا َيدّعُو نَ ()57
ظِلَالٍ عَلَى الْأَرَائِ ِ
ج ِرمُو نَ (َ )59ألَ مْ
سَلَا ٌم َق ْولً مِن ّربّ ّرحِي مٍ ( )58وَامْتَازُوا الْيَوْ َم َأيّهَا الْمُ ْ
أَ ْع َه ْد ِإلَيْكُ مْ يَا بَنِي آ َد َم أَن لّا َتعُْبدُوا الشّيْطَا َن ِإنّ ُه َلكُ مْ َع ُد ّو مّبِيٌ ()60
ض ّل مِنكُ ْم جِبِلّا كَثِيا َأفَلَمْ
صرَاطٌ مّ سَْتقِيمٌ ( )61وََل َقدْ أَ َ
َوأَ نْ اعُْبدُونِي َهذَا ِ
َتكُونُوا َتعْقِلُو نَ ( )62هَذِ هِ َجهَنّ ُم الّتِي كُنتُ ْم تُو َعدُو نَ ( )63ا صْ َلوْهَا الْيَوْ مَ
ش َهدُ
بِمَا كُنتُ ْم َتكْ ُفرُونَ ( )64الْيَوْ َم نَخْتِمُ َعلَى َأ ْفوَا ِههِمْ َوُتكَلّمُنَا َأيْدِيهِمْ وََت ْ
أَ ْرجُ ُلهُ ْم بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ (َ )65وَلوْ َنشَاء لَطَمَ سْنَا َعلَى أَعْيُِنهِمْ فَا سْتََبقُوا
ِمـ فَمَا
َسـخْنَا ُهمْ َعلَى َمكَانَِته ْ
ْصـرُونَ ( )66وََل ْو َنشَاء لَم َ
الصـرَاطَ فََأنّىـ يُب ِ
ّ
ـَطَاعُوا مُضِيّا وَلَا يَ ْر ِجعُونَـ (َ )67ومَن ْـُنعَ ّمرْهُـنُنَكّس ْـهُ فِي الْخَلْقِـأَفَلَا
اس ْت
ش ْعرَ َومَا يَنَبغِي لَ هُ إِ ْن هُ َو ِإلّا ذِ ْك ٌر َوقُرْآ ٌن مّبِيٌ
َي ْعقِلُو نَ (َ )68ومَا عَلّ ْمنَا ُه ال ّ
677 توفيق الرحن ف دروس القرآن
حقّ الْ َقوْلُ عَلَى الْكَا ِفرِي نَ ( )70أَ َولَ ْم َيرَوْا أَنّا
( )69لِيُنذِ َر مَن كَا نَ حَيّا َويَ ِ
ت َأْيدِينَا َأنْعَاما َفهُ مْ َلهَا مَالِكُو نَ (َ )71وذَلّلْنَاهَا َلهُ مْ
خَ َلقْنَا َلهُ مْ مِمّا عَمِلَ ْ
ِبـ َأفَلَا
ِعـ َو َمشَار ُ
ُمـ فِيهَا مَنَاف ُ
ُونـ ( )72وََله ْ
ُمـ َومِنْهَا َيأْكُل َ
فَمِنْهَا رَكُوُبه ْ
ُنصـرُونَ ( )74لَا
ُمـ ي َ
ّهـ آِل َهةً َلعَ ّله ْ
ُونـ الل ِ
خذُوا مِن د ِ
ُونـ ( )73وَاتّ َ
شكُر َ
َي ْ
حزُن كَ َق ْوُلهُ ْم ِإنّا
ضرُو نَ ( )75فَلَا يَ ْ
صرَ ُهمْ َوهُ مْ َلهُ مْ جُن ٌد مّحْ َ
يَ سْتَطِيعُونَ نَ ْ
سرّو َن َومَا ُيعْلِنُونَ (َ )76أ َولَ ْم َيرَ اْلإِنسَا ُن َأنّا خَ َلقْنَا ُه مِن نّ ْط َف ٍة َفإِذَا
َنعْ َلمُ مَا ُي ِ
سيَ خَ ْلقَ ُه قَا َل مَ ْن يُحْيِي اْلعِظَا مَ
ل َونَ ِ
ب لَنَا مَثَ ً
ضرَ َ
ُهوَ خَ صِيمٌ مِّبيٌ ( )77وَ َ
شأَهَا َأوّ َل َم ّرةٍ َو ُهوَ ِب ُكلّ خَلْ قٍ عَلِي مٌ (
َوهِ يَ َرمِي مٌ (ُ )78قلْ يُحْيِيهَا اّلذِي أَن َ
ضرِ نَارا َفإِذَا أَنتُم مّنْهُ تُوقِدُونَ ()80
ج ِر اْلأَخْ َ
)79اّلذِي َج َعلَ َلكُم مّنَ الشّ َ
خلُ َق مِثْلَهُم بَلَى
ض ِبقَادِرٍ عَلَى أَ ْن يَ ْ
س الّذِي خَلَ َق ال سّمَاوَاتِ وَالْأَرْ َ
َأ َولَيْ َ
َوهُ َو الْخَلّا قُ اْلعَلِي مُ (ِ )81إنّمَا َأ ْمرُ ُه ِإذَا أَرَادَ شَيْئا أَ ْن َيقُولَ لَ هُ كُ ْن فََيكُو نُ
(َ )82فسُبْحَا َن اّلذِي بَِي ِد ِه مَلَكُوتُ ُك ّل َشيْءٍ وَِإلَ ْيهِ ُت ْرجَعُونَ (. ﴾ )83
***
الزء الثالث 678
قوله عز وجل َ ﴿ :ويَقُولُو َن مَتَى َهذَا اْلوَ ْعدُ إِن كُنتُمْ صَا ِدقِيَ ( )48مَا
حةً وَاحِ َد ًة َتأْ ُخذُهُ ْم وَهُ مْ يَخِ صّمُونَ ( )49فَلَا يَ سْتَطِيعُونَ
يَن ُظرُو َن ِإلّا صَ ْي َ
َتوْصَِي ًة وَلَا إِلَى أَهْ ِل ِهمْ َي ْرجِعُونَ (. ﴾ )50
قال البغوي َ ﴿ :ويَقُولُونََ مَتَى هَذَا الْ َوعْدُ ﴾ ،أي :القيامَة ،والبعَث
﴿ .إِنْ ُكْنتُمْ صَادِقِيَ ﴾ .قال ال تعال ﴿ :مَا َينْظُرُونَ ﴾ ،أي :ينتظرون
ح ًة وَاحِ َدةً ﴾ قال ابَن عباس :يريَد النفخَة الول َ ﴿ ،تأْخُ ُذهُم َْ ََ ﴿ إِل صَيْ
َوهُم َْيَخِصَّمُونَ ﴾ ،يعنَ :يتصَمون فَ أمَر الدنيَا مَن البيَع والشراء ،
ويتكلمون ف الجالس والسواق .قال :ورُوينا أن النب قال « :لتقوم نّ
الساعة وقد نشر الرجلن ثوبما بينهما ،فل يتبايعانه ول يطويناه ،ولتقوم نّ
ال ساعة و قد ر فع الر جل أكل ته إل ف يه فل يَ ْطعَمُ ها » .و عن قتادة ﴿ :فَلَا
ستَطِيعُونَ َتوْ صَِيةً ﴾ ،أي :في ما ف أيدي هم ﴿ ،وَلَا إِلَى َأهِْلهِ ْم َيرْ ِجعُو نَ
يَ ْ
﴾ قال :أعلجوا عن ذلك .
خ فِي ال صّورِ َفِإذَا هُم مّ نَ اْلأَ ْجدَا ثِ ِإلَى َرّبهِ مْ
قوله عز وجل َ ﴿ :ونُفِ َ
يَن سِلُونَ ( )51قَالُوا يَا َويْلَنَا مَن َبعَثَنَا مِن ّم ْر َقدِنَا َهذَا مَا وَ َع َد ال ّرحْمَ نُ
ح ًة وَا ِحدَ ًة َفِإذَا هُ مْ جَمِي ٌع ّلدَيْنَا
ت ِإلّا صَ ْي َ
ق الْ ُمرْ سَلُونَ ( )52إِن كَانَ ْ
صدَ َ
وَ َ
ج َزوْ َن ِإلّا مَا كُنتُ ْم َتعْمَلُونَ
س شَيْئا َولَا تُ ْ
ضرُونَ ( )53فَالْيَوْ َم لَا تُظْلَمُ نَفْ ٌ
مُحْ َ
(. ﴾ )54
679 توفيق الرحن ف دروس القرآن
قال البغوي َ ﴿ :ونُفِخَ فِي ال صّورِ ﴾ وهي النفخة الخية نفخة البعث ،
وبي النفختي أربعون سنة .
و عن قتادة ﴿ :فَِإذَا هُم مّ َن الْأَجْدَا ثِ ﴾ ،أي :القبور ﴿ .إِلَى َرّبهِ مْ
يَن سِلُونَ ﴾ ،يقول :يرجون ﴿ ،قَالُوا يَا َويْلَنَا مَن َب َعثَنَا مِن مّرَْقدِنَا ﴾ ،
قال :هذا قول أهَل الضللة والرقدة مَا بيَ النفختيَ ﴿ ،هَذَا م َا َوعَدَ
ق الْ ُمرْ سَلُونَ ﴾ ،قال :أهل الدى ﴿ ،هَذَا مَا َوعَدَ الرّ ْحمَ نُ الرّحْمَ ُن وَ صَ َد َ
ق الْمُرْ سَلُونَ ﴾ .قال البغوي :وقال أهل العان :إن الكفار إذا عاينوا وَ صَ َد َ
جهنم وأنواع عذابا ،صار عذاب القب ف جنبها كالنوم ،فقالوا يا ويلنا من
بعثنا من مرقدنا .
َة
ح ًة وَاحِ َدةً ﴾ ،يعنَ :النفخَ وقوله تعال ﴿ :إِن كَانَتَْ إِلّا ص َ
َيْ َ
حضَرُو نَ * فَاْلَيوْ مَ لَا تُظَْل ُم َنفْ سٌ َشيْئا وَلَا
الخية ﴿ فَإِذَا هُ مْ َجمِي عٌ لّ َديْنَا مُ ْ
ج َز ْونَ إِلّا مَا كُنتُ ْم َتعْمَلُونَ ﴾ .
تُ ْ
قوله عز و جل ﴿ :إِنّ أَ صْحَابَ الْجَّن ِة الْيَوْ َم فِي شُ ُغ ٍل فَا ِكهُو نَ ()55
هُم ْـ َوأَ ْزوَاجُهُم ْـ فِي ِظلَالٍ عَلَى الْأَرَائِكِـ مُّت ِكؤُونَـ (َ )56لهُم ْـ فِيهَا فَا ِكهَةٌ
َوَلهُم مّا َيدّعُونَ ( )57سَلَا ٌم َق ْولً مِن ّربّ ّرحِيمٍ (. ﴾ )58
جّن ِة اْلَيوْمَ فِي ُشغُلٍ فَا ِكهُونَ ﴾ ،قال : عن ابن عباس ﴿ :إِنّ أَصْحَا َ
ب الْ َ
افتضاض البكار ﴿ ،هُ ْم َوأَ ْزوَا ُجهُ مْ فِي ظِلَالٍ عَلَى الَرَائِ كِ ُمّت ِكؤُو نَ ﴾ ،
قال :هي ال سّرُر ف الِجال َ ﴿ ،لهُ مْ فِيهَا فَا ِك َهةٌ وََلهُم مّا يَ ّدعُو نَ ﴾ ،قال
الزء الثالث 680
البغوي :يتمنون ويشتهون ﴿ .سَلمٌ َقوْل مِ نْ رَبّ رَحِي مٍ ﴾ ،أي :ي سلم
ال علي هم ﴿ َقوْلً ﴾ ،أي :يقول ال ل م قولً .ث روى ب سنده عن جابر
بن عبد ال قال :قال رسول ال « :بينا أهل النة ف نعيمهم ،إذ سطع لم
ب تبارك وتعال قد أشرف عليهم من فوقهم نور ،فرفعوا رؤوسهم ،فإذا الر ّ
فقال :ال سلم علي كم يا أ هل ال نة ،فذلك قوله ﴿ :سَلمٌ َقوْ ًل مِن رّبّ
رّحِيمٍ ﴾ فينظر إليهم وينظرون إليه ،فل يلتفتون إل شيء من النعيم ما داموا
ينظرون إليه ،حت يتجب عنهم فيبقى نوره وبركته عليهم ف ديارهم » .
َمـ أَ ْع َهدْ
ُونـ (َ )59أل ْ
ج ِرم َ
ْمـ أَيّهَا الْمُ ْ
قوله عـز وجـل ﴿ :وَامْتَازُوا الَْيو َ
ِإلَ ْيكُ مْ يَا بَنِي آ َد َم أَن لّا تَعُْبدُوا الشّيْطَا َن ِإنّ هُ َلكُ مْ َع ُد ّو مّبِيٌ ( َ )60وأَ نْ
َمـ
ُمـ جِبِلّا كَثِيا َأفَل ْ
ض ّل مِنك ْ
ّسـَتقِيمٌ (َ )61وَلقَ ْد أَ َ
صـرَاطٌ م ْ
اعُْبدُونِي َهذَا ِ
َتكُونُوا َتعْقِلُو نَ ( )62هَذِ هِ َجهَنّ ُم الّتِي كُنتُ ْم تُو َعدُو نَ ( )63ا صْ َلوْهَا الْيَوْ مَ
ش َهدُ
بِمَا كُنتُ ْم َتكْ ُفرُونَ ( )64الْيَوْ َم نَخْتِمُ َعلَى َأ ْفوَا ِههِمْ َوُتكَلّمُنَا َأيْدِيهِمْ وََت ْ
أَ ْرجُ ُل ُهمْ بِمَا كَانُوا يَ ْكسِبُونَ (. ﴾ )65
عَن أبَ هريرة أن رسَول ال قال « :إذا كان يوم القيامَة ،أمَر ال
جهنم فيخرج منها عُنق ساطع مظلم ،ث يقول ﴿ :أَلَ مْ َأ ْعهَدْ إِلَْيكُ ْم يَا َبنِي
آدَ مَ أَ ْن ل َتعْبُدُوا الشّيْطَا نَ ﴾ ال ية ،إل قوله ﴿ :هَذِ هِ َج َهنّ ُم الّتِي ُكْنتُ مْ
ُونَ ﴾ فيتميَز الناس ويثون ، ج ِرم َ
ْمَ َأيّهَا الْمُ ْ
ُونَ ﴾ ﴿ ،وَا ْمتَازُوا اْلَيو َ
تُوعَد َ
و هي قول ال َ ﴿ :وتَرَى كُلّ ُأ ّمةٍ جَاِثَيةً ﴾ » الية .رواه ا بن جرير .وقوله
681 توفيق الرحن ف دروس القرآن
تعال ﴿ :أَلَ مْ َأعْهَدْ إَِلْيكُ ْم يَا بَنِي آدَ مَ ﴾ قال البغوي :أل آمركم يا بن آدم
شيْطَا نَ ﴾ ،أي :ل تطيعوا الشيطان ف مع صية ال ؟ ﴿ ﴿ :أَن لّا َت ْعبُدُوا ال ّ
ِإنّهُ َلكُ ْم عَ ُدوّ ّمبِيٌ ﴾ ظاهر العداوة ﴿ َوَأنْ ا ْعبُدُونِي ﴾ أطيعون ووحّدون ﴿
سَتقِيمٌ ﴾ ﴿ .وََلقَدْ أَضَ ّل مِنكُ مْ ِجبِلّا َكثِيا ﴾ أي :خلقًا كثيًا ط مّ ْهَذَا صِرَا ٌ
﴿ ،أَفَلَ ْم َتكُونُوا َت ْعقِلُو نَ ﴾ ما أتاكم من هلك المم الالية بطاعة إبليس ؟
ويقال ل م ل ا دنوا من النار ﴿ :هَذِ هِ َج َهنّ مُ الّتِي كُنتُ ْم تُوعَدُو نَ ﴾ ب ا ف
ختِ مُ
الدن يا ﴿ ،ا صَْل ْوهَا ﴾ :ادخلو ها ﴿ الَْيوْ َم بِمَا كُنتُ ْم َت ْكفُرُو نَ * الَْيوْ مَ َن ْ
سبُونَ ﴾ هذا شهَدُ أَ ْرجُُلهُ ْم بِمَا كَانُوا يَكْ ِ عَلَى أَ ْفوَا ِههِ ْم َوُتكَلّمُنَا أَيْدِيهِ ْم َوتَ ْ
ح ي ين كر الكفار كفر هم وتكذيب هم الر سل بقول م :ما ك نا مشرك ي ،
فيختم على أفواههم وتشهد عليهم جوارحهم .انتهى .
وروى مسلم وغيه ف حديث أب هريرة ( الطويل ) « :ث يلقى الثالث
فيقول :ما أنت ؟ فيقول :أنا عبدك آمنت بك وبنبيّك وبكتابك ،وصمت
َ اسَتطاع ،قال :فيقال له :أل نبعَث وصَلّيت وتصَدّقت ،ويثنَ بيَ م ا
عليك شاهدًا ؟ فيف كر ف نف سه :من الذي يش هد عليه ؟ فيخ تم على ف يه ،
ويقال لفخذه :انط قي قال :فتن طق فخذه ول مه وعظا مه ب ا كان يع مل ،
وذلك النافق ليعذر من نفسه ،وذلك الذي يسخط ال تعال عليه » .
صرَاطَ
قوله عز و جل َ ﴿ :ولَ ْو َنشَاء لَ َطمَ سْنَا عَلَى أَعْيُِنهِ ْم فَا سْتََبقُوا ال ّ
صرُونَ ( )66وََل ْو َنشَاء لَمَ سَخْنَا ُهمْ َعلَى َمكَانَِتهِ ْم فَمَا ا سْتَطَاعُوا
َفَأنّ ى يُبْ ِ
الزء الثالث 682
وقوله تعال ﴿:إِنْ ُهوَ إِلّا ذِ ْك ٌر وَقُرْآنٌ ّمبِيٌ ﴾ قال البغوي ﴿ إِ ْن ُهوَ ﴾ .
يع ن :القرآن ﴿ ،إِلّا ذِ ْك ٌر ﴾ موع ظة ﴿ ،وَقُرْآ ٌن ّمبِيٌ ﴾ ف :الفرائض ،
والدود ،والحكام ِ ﴿ .ليُنذِ َر مَن كَا نَ َحيّا ﴾ ،يعن :مؤمنًا حي القلب
لن الكا فر كال يت ف أ نه ل يتدبر ول يتف كر َ ﴿ .ويَحِقّ اْلقَوْلُ ﴾ وت ب
ِينَ ﴾ ،قال ابَن كثيَ :أي :هَو رحةَ حجَة العذاب ﴿ ،عَلَى الْكَاِفر َ
للمؤمني وحجة على الكافرين .
ت َأْيدِينَا َأنْعَاما
قوله عز و جل ﴿ :أَ َولَ مْ َي َروْا َأنّ ا خَ َلقْنَا َلهُ مْ مِمّ ا َعمِلَ ْ
َفهُ مْ َلهَا مَاِلكُو نَ (َ )71و َذلّلْنَاهَا َلهُ مْ فَمِ ْنهَا َركُوُبهُ مْ َومِ ْنهَا َيأْكُلُو نَ ()72
خذُوا مِن دُو ِن اللّ هِ
َوَلهُ ْم فِيهَا مَنَافِ ُع َو َمشَارِ بُ َأفَلَا َيشْ ُكرُو نَ ( )73وَاتّ َ
ضرُونَ
ص َرهُ ْم وَهُمْ َلهُ ْم جُندٌ مّحْ َ
صرُونَ ( )74لَا يَسْتَطِيعُونَ نَ ْ
آِل َه ًة َلعَلّهُمْ يُن َ
سرّو َن َومَا ُيعْلِنُونَ (. ﴾ )76
ك َقوُْل ُهمْ ِإنّا َنعْ َل ُم مَا ُي ِ
حزُن َ
( )75فَلَا يَ ْ
قال البغوي َ ﴿ :أوَلَ مْ َي َروْا َأنّ ا خََلقْنَا َلهُ ْم مِمّ ا عَ ِملَ تْ َأيْدِينَا ﴾ تولي نا
خل قه بإبداع نا من غ ي إعا نة أ حد َ ﴿ ،أْنعَامًا َفهُ مْ لَهَا مَاِلكُو نَ ﴾ ضابطون
قاهرون ،أي :ل يلق النعام وحشيَة نافرة مَن بنَ آدم ل يقدرون على
ضبطها ،بل هي مسخرة لم ،وهي قوله ﴿ :وَذَلّ ْلنَاهَا َلهُمْ ﴾ سخرناها لم
ُونَ
ُمَ ﴾ ،أي :مَا يركبون وهَي البَل َ ﴿ ،و ِمنْهَا َيأْكُل َ ﴿ فَ ِمنْهَا رَكُوُبه ْ
﴾ لمان ا ﴿ .وََلهُ مْ فِيهَا َمنَافِ عُ ﴾ ،أي :من أ صوافها وأوبار ها ون سلها
شكُرُو نَ ﴾ رب هذه الن عم ؟ وقال ا بن جرير َومَشَارِب من ألبان ا ﴿ ،أَفَل يَ ْ
الزء الثالث 684
قوله عز و جل َ ﴿ :أ َولَ مْ َي َر الْإِن سَا ُن َأنّ ا خَ َلقْنَا ُه مِن نّ ْط َفةٍ َفِإذَا ُهوَ خَ صِيمٌ
حيِي اْلعِظَا َم َوهِ يَ َرمِي مٌ
ل وَنَ سِ َي خَ ْلقَ هُ قَالَ مَ نْ يُ ْ
ضرَ بَ لَنَا مََث ً
مّبِيٌ ( )77وَ َ
(ُ )78ق ْل يُحْيِيهَا اّلذِي أَنشََأهَا أَ ّولَ مَ ّر ٍة َوهُ َو بِ ُك ّل خَلْ قٍ عَلِي مٌ ( )79الّذِي
ضرِ نَارا َفإِذَا أَنتُم مّنْ هُ تُوقِدُو نَ ( )80أَ َولَيْ سَ
ج ِر اْلأَخْ َ
َج َعلَ لَكُم مّ نَ الشّ َ
ُقـ مِثْلَه ُم بَلَى َو ُهوَ
َنـ يَخْل َ
ْضـ ِبقَادِرٍ عَلَى أ ْ
ت وَاْلأَر َ
السـمَاوَا ِ
َقـ ّاّلذِي خَل َ
ق الْعَلِيمُ (ِ )81إنّمَا أَ ْم ُرهُ ِإذَا أَرَا َد شَيْئا أَنْ يَقُو َل لَهُ ُكنْ فََيكُونُ ()82
الْخَلّا ُ
َفسُبْحَا َن اّلذِي بَِي ِد ِه مَلَكُوتُ ُك ّل َشيْءٍ وَِإلَ ْيهِ ُت ْرجَعُونَ (. ﴾ )83
قال ماهد وغيه :جاء أبّ بن خلف -لعنه ال -إل رسول ال وف
يده عظم رميم ،وهو يفته ويذروه ف الواء وهو يقول :يا ممد أتزعم أن
ال يبعث هذا ؟ قال « :نعم .ييتك ال تعال ث يبعثك ،ث يشرك إل
النار » ،ونزلت هذه اليات من آ خر سورة يس َ ﴿ :أوَلَ مْ َي َر الْإِن سَانُ َأنّ ا
خََل ْقنَاهُ مِن نّ ْط َفةٍ ﴾ إل آخرهن .
وقوله تعال ﴿ :فَِإذَا ُهوَ خَ صِي ٌم ّمبِيٌ ﴾ ،قال البغوي :جدل بالبا طل
بي الصومة ،يعن :إنه ملوق من نطفة ،ث ياصم .فكيف ل يتفكر ف
َهَ ﴾ بدء َسَيَ َخ ْلق َُبَلَنَا َمَثلً َون ِ
بدوّ خلقَه حتَ يدع الصَومة ! ﴿ وَضَر َ
حيِيهَا الّذِي ِيمَ ﴾ باليَة ؟ ﴿ ُق ْل يُ ْ
ِيَ َرم ٌ
َامَ َوه َ َنَ يُحْيِي اْلعِظ َ أمره ﴿ قا َل م ْ
شأَهَا َأوّ َل مَ ّر ٍة َو ُهوَ ِبكُلّ خَ ْل ٍق عَلِي مٌ * الّذِي َجعَلَ َلكُم مّ نَ الشّجَ ِر اْلأَ ْخضَرِ
أَن َ
نَارا ﴾ .قال ا بن عباس :ه ا شجرتان يقال لحداه ا :الرخ .والخرى :
الزء الثالث 686
العفار ،فمَن أراد منهَم النار قطَع منهمَا غصَني مثَل السَواكي وهاَ
خضراوان يقطر منهما الاء فيسحق الرخ على العفار فتخرج منهما النار بإذن
ال عَز وجَل ؛ تقول العرب :فَ كَل شجَر نار ،واسَتمجد الرخ
والعفار ﴿ ،فَإِذَا َأْنتُ ْم ِمنْ هُ تُوقِدُو نَ ﴾ ،أي :تقدحون ،وتوقدون النار من
ذلك الش جر .ث ذ كر ما هو أع ظم من خلق الن سان ،فقال َ ﴿ :أوََليْ سَ
ت وَالرْضَ بِقَادِر عَلَى أَنْ َيخْلُ َق ِمثَْلهُ ْم بَلَى ﴾ ،أي :قل الّذِي خَلَ َق السّمَاوَا ِ
:بلى ،هو قادر على ذلك َ ﴿ ،وهُ َو الْخَل قُ ﴾ يلق خلقًا ب عد خلق ﴿ ،
اْلعَلِيم ﴾ بميع ما خلق ِ ﴿ .إنّمَا َأمْرُ هُ إِذَا أَرَا َد َشْيئًا أَ نْ َيقُولَ لَ هُ كُ نْ َفَيكُو نُ
سبْحَانَ الّذِي ِبيَدِ ِه مََلكُو تُ ﴾ ملك ﴿ ،كُلّ شَيْ ٍء َوإَِليْ هِ تُ ْر َجعُو نَ ﴾ . * فَ ُ
و عن حذي فة ر ضي ال ع نه قال ( :قُ مت مع ر سولِ ال ذات ليلة فقرأ
ت وكان إذا رفع رأسه من الركوع قال « :سع السبعَ الطوال ف سبع ركعا ٍ
ت ،وال كبياءِ اللّ ُه ل ن حده -ث قال : -ال مد ل ذي اللكو تِ وال بو ِ
والعظ مة » ؛ وكان ركو عه م ثل قيا مه ،و سجوده م ثل ركو عه ،فان صرف
وقد كادت تنكَسِرُ رجلي ) .رواه أحد .وف حديث عوف بن مالك عند
أب داود ( :ث ركع بقدر قيامه ،يقول ف ركوعه « :سبحان ذي اللكوت
والبوت ،والكبياء والعظمة » ؛ ث سجد بقدر قيامه ،ث قال ف سجوده
م ثل ذلك ) .و عن مع قل بن ي سار قال :قال ر سول ال « :اقرأوا على
موتاكم سورة يس » .رواه البغوي وغيه .وال أعلم .
687 توفيق الرحن ف دروس القرآن
***
الزء الثالث 688
بِمَيِّتيَ (ِ )58إلّا َموْتَتَنَا اْلأُولَى َومَا َنحْ ُن بِ ُم َعذّبِيَ ( )59إِنّ َهذَا َل ُهوَ اْلفَوْزُ
ج َرةُ
اْلعَظِي مُ ( )60لِمِ ْث ِل هَذَا فَلَْيعْ َملْ اْلعَامِلُو نَ (َ )61أ َذلِ كَ خَ ْي ٌر ّنزُ ًل أَ ْم شَ َ
صلِ
ج فِي أَ ْ
خرُ ُ
ج َرةٌ تَ ْ
ال ّزقّو مِ (ِ )62إنّا َجعَلْنَاهَا فِتَْنةً لّلظّالِمِيَ (ِ )63إنّهَا شَ َ
الْجَحِي مِ ( )64طَ ْلعُهَا َكَأنّ هُ ُرؤُو سُ الشّيَاطِيِ (َ )65فإِّنهُ مْ لَآكِلُو َن مِنْهَا
شوْبا مّ نْ حَمِي مٍ (ُ )67ثمّ
فَمَاِلؤُو َن مِ ْنهَا الْبُطُو نَ (ُ )66ثمّ إِنّ َلهُ مْ عَلَ ْيهَا َل َ
إِنّ َم ْرجِ َعهُ مْ َلِإلَى الْجَحِي مِ (ِ )68إّنهُ ْم َأْلفَوْا آبَاءهُ مْ ضَالّيَ (َ )69فهُ مْ عَلَى
آثَا ِر ِهمْ ُي ْهرَعُونَ (. ﴾ )70
***
691 توفيق الرحن ف دروس القرآن
ـ َزجْرا ()2
صـفّا ( )1فَالزّاجِرَات ِ
قوله عـز وجـل ﴿ :وَالصـّافّاتِ َ
ت وَاْلأَرْ ضِ وَمَا
فَالتّالِيَا تِ ذِكْرا ( )3إِنّ ِإَلهَكُ ْم َلوَا ِحدٌ ( )4رَبّ ال سّمَاوَا ِ
بَيَْنهُمَا وَ َربّ الْ َمشَارِقِ (. ﴾ )5
عن قتادة ﴿ :وَال صّافّاتِ َ
صفّا ﴾ ،قال :قسم ،أقسم ال بلق ث خلق
ت ﴾ اللئكَة صَفوفًا فَ السَماء .وعَن ماهَد فَ قوله : ﴿ وَالصَّافّا ِ
﴿ فَالزّا ِجرَا تِ زَجْرا ﴾ ،قال :اللئ كة ﴿ ،فَالتّاِليَا تِ ذِكْرا ﴾ ،قال :
اللئكة .وعن قتادة ﴿ :إِنّ إَِل َهكُ مْ َلوَاحِدٌ ﴾ وقع القسم على هذا ِ ﴿ ،إنّ
إَِل َهكُمْ َلوَاحِدٌ ﴾ ﴿ .رَبّ السّمَاوَاتِ وَاْلأَرْضِ َومَا َبْينَهُمَا وَرَبّ الْمَشَارِقِ ﴾
قال :مشارق الشمس ف الشتاء والصيف .
قوله عز وجل ِ ﴿ :إنّا َزيّنّا ال سّمَاء الدّنْيَا ِبزِيَنةٍ اْل َكوَاكِ بِ ( )6وَ ِحفْظا
مّ ن ُك ّل شَيْطَا نٍ مّا ِردٍ ( )7لَا يَ سّ ّمعُونَ ِإلَى الْمَ َلِإ الْأَعْلَى َويُ ْق َذفُو نَ مِن ُكلّ
ف الْخَ ْط َفةَ َفَأتَْبعَ هُ
جَانِ بٍ ( )8دُحُورا َوَلهُ مْ َعذَا بٌ وَا صِبٌ (ِ )9إلّا مَ ْن خَطِ َ
ب ثَاقِبٌ (. ﴾ )10
ِشهَا ٌ
عن قتادة قوله ﴿ :وَ ِحفْظا مّ ن كُ ّل َشيْطَا ٍن مّارِدٍ * لَا يَ سّ ّمعُونَ إِلَى الْمَلَِإ
اْلأَعْلَى ﴾ ،قال ُ :مِنعُوهَا َ ﴿ ،ويُقْذَفُو نَ مِن كُلّ جَانِ بٍ دُحُورا ﴾ قذفًا ،
صبٌ ﴾ أي :دائم ﴿ ،إِلّا مَ نْ خَ ِط فَ ب وَا ِقذفًا بالش هب ﴿ ،وََلهُ ْم عَذَا ٌ
ب ثَاقِ بٌ ﴾ من نار ،وثقوبه :ضوءه .قال ابن عباس : الْخَ ْط َفةَ َفَأْتبَعَ ُه ِشهَا ٌ
ل يقتلون بشهاب ول يوتون ،ولكنهم ترقهم من غي قتل وتلل وترح .
الزء الثالث 692
قوله عز وجل ﴿ :فَا سَْتفِْتهِ ْم َأهُ مْ أَ َشدّ خَلْقا أَم مّ ْن خَلَقْنَا ِإنّا خَ َلقْنَاهُم مّن
خرُونَ ( )12وَِإذَا ذُ ّكرُوا لَا َيذْ ُكرُو نَ (
ت َويَ سْ َ
جبْ َ
طِيٍ لّازِ بٍ (َ )11بلْ عَ ِ
حرٌ مِّبيٌ ()15
خرُونَ (َ )14وقَالُوا إِ ْن َهذَا ِإلّا سِ ْ
َ )13وِإذَا َرَأوْا آَي ًة يَ سَْتسْ ِ
َأِئذَا مِتْنَا وَكُنّ ا ُترَابا وَعِظَاما َأئِنّ ا لَ َم ْبعُوثُو نَ (َ )16أوَآبَاؤُنَا الَْأوّلُو نَ ()17
ُق ْل َنعَ مْ َوأَنتُ ْم دَا ِخرُو نَ (َ )18فإِنّمَا هِ يَ َز ْج َرةٌ وَاحِ َد ٌة َفِإذَا هُ ْم يَن ُظرُو نَ (
صلِ اّلذِي كُنتُ مْ بِ هِ
َ )19وقَالُوا يَا وَيْلَنَا َهذَا َيوْ مُ الدّي نِ ( )20هَذَا يَوْ ُم اْلفَ ْ
شرُوا الّذِي نَ ظَ َلمُوا َوأَزْوَاجَهُ مْ َومَا كَانُوا َيعُْبدُو نَ ()22
ُت َكذّبُو نَ ( )21ا ْح ُ
صرَاطِ الْجَحِي مِ (َ )23و ِقفُوهُ ْم إِّنهُم مّ سْئُولُونَ
مِن دُو نِ اللّ ِه فَا ْهدُوهُ ْم ِإلَى ِ
صرُونَ (َ )25ب ْل هُ ُم الَْيوْمَ ُمسْتَسْلِمُونَ (. ﴾ )26
( )24مَا لَ ُكمْ لَا تَنَا َ
قال ابـن جريـر ﴿ :ف ْ
َاسََت ْفتِهِمْ ﴾ ،يقول تعال ذكره لنَبيه ممَد :
فاستفت يا ممد هؤلء الشركي الذين ينكرون البعث بعد المات ،والنشور
بعَد البلء ،يقول :فسَلهم َ ﴿ :أهُم ََْأشَدّ َخلْقا ﴾ ،يقول :أخلقهَم أشدّ
خلقًا أم من عددنا خلقه من :اللئكة ،والشياطي ،والسماوات والرض ؟
وعن ابن عباس قوله ِ ﴿ :إنّا َخَلقْنَاهُم مّن طِيٍ لّازِ بٍ ﴾ ،قال :هو الطي
الر اليد اللزق .
خرُونَ ﴾ ،قال :عجَب ممَد عليَه َسَ َ
ْتَ َوي ْ
جب َوعَن قتادة ﴿ :بَ ْل عَ ِ
السلم من هذا القرآن حي أعطيه وسخر منه أهل الضللة َ ﴿ .وإِذَا ذُكّرُوا
َسَتَسْخِرُونَ
ُونَ ﴾ أي :ل ينتفعون ول يبصَرون ﴿ َوإِذَا َرَأوْا آَي ًة ي ْ لَا يَذْ ُكر َ
693 توفيق الرحن ف دروس القرآن
قال ابـن جريـر :يقول تعال ذكره ﴿ :لِ ِمثْ ِل هَذَا ﴾ الذي أعطيَت
هؤلء الؤمنيَ مَن الكرامَة فَ الخرة َ ﴿ ،ف ْلَيعْمَلْ ﴾ فَ الدنيَا لنفسَهم
﴿ اْلعَامِلُونَ ﴾ ليدركوا ما أدرك هؤلء بطاعة ربم .
ج َرةُ الزّقّو مِ ﴾ ؟ ح ت بلغ ﴿ :فِي و عن قتادة َ ﴿ :أذَلِ كَ َخْي ٌر نّزُلً أَ ْم شَ َ
جحِي مِ ﴾ ،قال :لا ذكر شجرة الزقوم افتت الظلمة فقالوا :ينبّئكم أَ صْ ِل الْ َ
صَاحبكم هذا أن فَ النار شجرة ،والنار تأكَل الشجرة ،فأنزل ال مَا
جحِي مِ ﴾ ،غُذّيت بالنار ومنها ج َرٌة تَخْ ُر جُ فِي أَ صْ ِل الْ َ
تسمعون ِ ﴿ :إّنهَا شَ َ
خُلقت ﴿ ،طَ ْل ُعهَا َكَأنّهُ ُرؤُوسُ الشّيَاطِيِ ﴾ شبّهه بذلك ﴿ ،فَِإّنهُمْ لَآ ِكلُونَ
شوْبا مّ نْ حَمِي مٍ ﴾ ،قال ابن ِمْنهَا فَمَاِلؤُو نَ ِمْنهَا الْبُطُو نَ * ثُمّ ِإنّ َلهُ ْم عََلْيهَا لَ َ
عباس :يعن :شرب الميم على الزقوم ،وقال السدي :الشوب :اللط .
وهو :الزج .
ِيمَ ﴾ فهَم فَ عناء جح ِ وعَن قتادة :قوله ﴿ :ثُمّ إِنّ مَرْ ِج َعهُم َْلَإِلَى الْ َ
وعذاب من نار جهنم وتل هذه الية ﴿ :يَطُوفُو َن بَْيَنهَا َوَبيْنَ َحمِيمٍ آنٍ ﴾ .
[ وقوله ] ﴿ ِإنّهُ مْ أَْل َفوْا آبَاءهُ مْ ضَالّيَ * َفهُ ْم عَلَى آثَا ِرهِ ْم ُيهْ َرعُو نَ ﴾ ،قال
ماهد :أي :يسرعون إسراعًا ف ذلك .
***
699 توفيق الرحن ف دروس القرآن
جزِي
ت ال ّر ْؤيَا ِإنّا َك َذلِ كَ نَ ْ
ص ّدقْ َ
َ )103ونَا َديْنَا ُه أَ ْن يَا ِإْبرَاهِي مُ (َ )104قدْ َ
الْمُحْسِنِيَ ( )105إِنّ هَذَا َلهُ َو الْبَلَاء الْمُِبيُ (َ )106وفَ َديْنَا ُه بِ ِذبْحٍ عَظِيمٍ (
ِيمـ ()109
سـلَامٌ عَلَى ِإْبرَاه َ
ِينـ (َ )108
ْهـ فِي الْآ ِخر َ
َ )107وَترَكْنَا عَلَي ِ
شرْنَا هُ
جزِي الْ ُمحْ سِِنيَ (ِ )110إنّ هُ مِ نْ عِبَادِنَا الْ ُمؤْمِِنيَ (َ )111وَب ّ
ك نَ ْ
َك َذلِ َ
ق وَمِن
ِسـحَا َ
ْهـ وَعَلَى إ ْ
حيَ (َ )112وبَارَكْنَا عَلَي ِ
ّنـ الصـّالِ ِ
ق نَبِيّا م َ
ِسـحَا َ
ِبإ ْ
سهِ مُبِيٌ (. ﴾ )113
سنٌ وَظَاِلمٌ لّنَ ْف ِ
حِذُ ّريِّتهِمَا مُ ْ
***
701 توفيق الرحن ف دروس القرآن
« سام ،وحام ،ويافث » .قال قتادة :فالناس كلهم من ذرية نوح .وعن
ا بن عباس قوله َ ﴿ :وتَرَكْنَا عََليْ هِ فِي الْآخِرِي نَ ﴾ ،يقول :يُذْ َكرُ ب ي ﴿ ،
سنِيَ ﴾ .
جزِي الْمُحْ ِ
ك نَ ْ
سَلَا ٌم عَلَى نُوحٍ فِي الْعَالَ ِميَ * ِإنّا كَذَلِ َ
قال مقاتَل :جزاه ال بإحسَانه الثناء السَن فَ العاليَ .وعَن قتادة
﴿ :ثُمّ َأغْرَقْنَا الْآخَرِي نَ ﴾ ،قال :أناه ال و من م عه ف ال سفينة وأغرق
بقيّة قومه .
قوله عز و جل َ ﴿ :وإِنّ مِن شِيعَتِ هِ َلِإْبرَاهِي مَ (ِ )83إذْ جَاء َربّ ُه ِبقَلْ بٍ
سَلِيمٍ (ِ )84إذْ قَالَ ِلَأبِي ِه َوقَ ْومِ هِ مَاذَا َتعُْبدُو نَ (َ )85أِئفْكا آِلهَ ًة دُو نَ اللّ هِ
ُترِيدُو نَ ( )86فَمَا ظَنّكُم ِبرَبّ اْلعَالَمِيَ ( )87فَنَ َظرَ نَ ْظ َرةً فِي النّجُو مِ (
غ ِإلَى آِلهَِتهِ مْ
َ )88فقَا َل ِإنّ ي سَقِيمٌ ( )89فََتوَّلوْا َعنْ ُه ُمدِْبرِي نَ (َ )90فرَا َ
ضرْبا بِالْيَمِيِ
َفقَا َل َألَا َتأْكُلُونَ ( )91مَا لَكُ ْم لَا تَن ِطقُونَ (َ )92فرَاغَ عَلَ ْيهِمْ َ
ّهـ
ُونـ ( )95وَالل ُ
ُونـ م َا تَنْحِت َ
ّونـ ( )94قَالَ َأَتعْبُد َ
ْهـ َي ِزف َ
(َ )93فَأقْبَلُوا ِإلَي ِ
خَ َلقَكُ مْ وَمَا َتعْمَلُو نَ ( )96قَالُوا ابْنُوا لَ هُ بُنْيَانا َفَألْقُو ُه فِي الْجَحِي مِ ()97
جعَلْنَا ُهمُ اْلَأسْفَلِيَ (. ﴾ )98
َفأَرَادُوا بِهِ كَيْدا فَ َ
عن ا بن عباس :قوله َ ﴿ :وإِنّ مِن شِي َعتِ هِ لَِإبْرَاهِي مَ ﴾ ،يقول من أ هل
دينه .وقال ماهد :على منهاجه وسنّته .وعن قتادة ﴿ :إِذْ جَاء َربّ ُه ِبقَلْ بٍ
سَلِيمٍ ﴾ والِ من الشرك ﴿ ،إِذْ قَالَ ِلأَبِي ِه وََق ْومِ هِ مَاذَا َت ْعبُدُو نَ * َأِئفْكا آِل َهةً
دُونَ اللّ ِه تُرِيدُونَ * فَمَا ظَّنكُم بِرَبّ اْلعَالَمِيَ ﴾ ،قال ابن كثي :أنكر عليهم
703 توفيق الرحن ف دروس القرآن
عبادة ال صنام والنداد ،ولذا قال َ ﴿ :أئِفْكا آِل َهةً دُو نَ اللّ ِه تُرِيدُو نَ * فَمَا
َظنّكُم بِرَبّ الْعَالَمِيَ ﴾ ،قال قتادة :يع ن :ما ظن كم أ نه فا عل ب كم إذا
لقيتموه وقد عبدت معه غيه ؟
وقال البغوي :وقوله تعال َ ﴿:فنَظَ َر نَظْ َرةً فِي النّجُومِ * َفقَالَ ِإنّي َسقِيمٌ ﴾
قال ابن عباس :كان قومه يتعاطون علم النجوم فعاملهم من حيث كانوا لئل
ينكروا عليه ،وذلك أنه أراد أن يكايدهم ف أصنامهم ليلزمهم الجّة ف أنا
غي معبودة ،وكان لم من الغد عيد وممع ،وكانوا يدخلون على أصنامهم
ويفرشون لم الفراش ،ويضعون بي أيديهم الطعام قبل خروجهم إل عيدهم
زعموا ال تبك عل يه ،فإذا ان صرفوا من عيد هم أكلوه ،فقالوا لبراه يم :أل
ترج غدًا معنا إل عيدنا ؟ فنظر إل النجوم فقال :إن سقيم .قال ابن عباس
:مطعون ،وكانوا يفرّون من الطاعون فرارًا عظيمًا َ ﴿ .فَتوَّلوْا َعنْ ُه مُ ْدبِرِي نَ
﴾ إل عيد هم ،فد خل إبراه يم على ال صنام فك سرها ،ك ما قال ال تعال
﴿ :فَرَا غَ إِلَى آِل َهِتهِ مْ ﴾ مال إليها ميلة ف خفية فقال استهزاء با ﴿ :أَل
َتأْكُلُو نَ ﴾ ،يعن :الطعام الذي بي أيديكم ﴿ ،مَا َلكُ ْم ل َتنْ ِطقُو نَ * فَرَا غَ
ضرْبًا بِالْيَمِيِ ﴾ ،أي :كان يضربمَ بيده اليمنَ لناَ أقوى على ِمَ َ
عََلْيه ْ
الع مل من الشمال َ ﴿ ،فأَ ْقبَلُوا إَِليْ ِه يَزِفّو نَ ﴾ ي سرعون ،وذلك أن م أ خبوا
بصنيع إبراهيم بآلتهم فأسرعوا إليه ليأخذوه .
حتُو َن ﴾ بأيديكم . قال لم إبراهيم على وجه الجاج َ ﴿ :أَت ْعبُدُو َن مَا َتنْ ِ
الزء الثالث 704
﴿ وَاللّ هُ خََل َقكُ ْم َومَا َتعْمَلُو نَ ﴾ بأيديكم من ال صنام ﴿ ،قَالُوا اْبنُوا لَ ُه
ُبْنيَانًا َفأَْلقُو هُ فِي الْجَحِي مِ ﴾ ،قال مقاتل :بنوا له حائطًا من الجر طوله ف
السَماء ثلثون ذراع ًا ،وعرضَه عشرون ذراع ًا ،وملوه مَن الطَب ،
ِهَ َكيْدًا ﴾ شرّا ،وهَو :أن وأوقدوا فيَه النار فطرحوه فيهَا َ ﴿ .فأَرَادُوا ب ِ
جعَ ْلنَاهُمَُ ال سْفَِليَ ﴾ ،أي :القهور ين ح يث سَلّم ال تعال يرقوه َ ﴿ ،ف َ
إبراهيم وردّ كيدهم .انتهى ملخصًا .
وعن أب هريرة أن رسول ال قال « :ل يكذب إبراهيم عليه الصلة
وال سلم غ ي ثلث كذبات :اثنت ي ف ذات ال تعال قوله ﴿ :إِنّ ي َسقِيمٌ
﴾ وقوله ﴿ :بَلْ َفعَلَهُ َكبِ ُيهُ ْم هَذَا ﴾ ،وقوله ف سارة :هي أخت » .متفق
عليه .
ب إِلَى َربّي سََيهْدِينِ (َ )99ربّ هَ بْ
قوله عز وجل َ ﴿ :وقَالَ ِإنّي ذَاهِ ٌ
َهـ
َغـ َمع ُ
ِيمـ ( )101فَلَمّاـ بَل َ
َامـ حَل ٍ
َاهـ ِبغُل ٍ
شرْن ُ
حيَ ( )100فََب ّ
ِنـ الصـّالِ ِ
لِي م َ
سعْ َي قَا َل يَا بَُنيّ ِإنّي أَرَى فِي الْمَنَا ِم َأنّي َأ ْذبَحُ كَ فَان ُظرْ مَاذَا َترَى قَا َل يَا
ال ّ
ج ُدنِي إِن شَاء اللّ ُه مِ نَ ال صّاِبرِينَ ( )102فَلَمّا أَ سْلَمَا
ت افْ َع ْل مَا ُت ْؤمَرُ سَتَ ِ
َأبَ ِ
ت الرّ ْؤيَا ِإنّا
صدّقْ َ
َوتَلّ ُه لِلْجَِبيِ (َ )103ونَا َديْنَا ُه أَ ْن يَا ِإْبرَاهِي مُ (َ )104قدْ َ
ـِنيَ ( )105إِنّـ َهذَا َل ُهوَ الْبَلَاء الْمُبِيُـ ()106
جزِي الْمُحْس ِ
ـ نَ ْ
َك َذلِك َ
َو َفدَيْنَا ُه بِ ِذبْ حٍ َعظِي مٍ (َ )107وَترَكْنَا عَلَيْ هِ فِي الْآ ِخرِي نَ ( )108سَلَامٌ عَلَى
جزِي الْ ُمحْ سِِنيَ (ِ )110إنّ هُ مِ نْ عِبَادِنَا الْ ُمؤْمِِنيَ
ك نَ ْ
ِإْبرَاهِي مَ (َ )109ك َذلِ َ
705 توفيق الرحن ف دروس القرآن
جبِيِ ﴾ ،أي :وكبّه ِلفِيه وأخذ جبينه على الرض .وعن قتادة َ ﴿ :وتَلّهُ لِ ْل َ
صدّ ْقتَ ال ّر ْؤيَا ﴾ حت بلغ ﴿ :وَفَ َدْينَاهُ الشفرة ﴿ َونَا َدْينَاهُ أَنْ يَا ِإبْرَاهِيمُ * قَدْ َ
بِ ِذبْ ٍح عَظِيمٍ ﴾ .
سنِيَ ﴾ ،قال ابن كثي :أي :
جزِي الْمُحْ ِ وقوله تعال ِ ﴿ :إنّا كَذَلِ َ
ك نَ ْ
هكذا ن صرف ع من أطاع نا الكاره والشدائد ،ون عل ل م من أمر هم فرجًا
الليَ
ّ ومرج ًا ﴿ ،إِن ّ هَذَا َل ُه َو اْلبَلَاء الْ ُمبِي ُ ﴾ ،أي :الختبار الواضَح
حيث أمر بذبح ولده فسارع إل ذلك .
وقوله تعال ﴿ :وَفَ َدْينَا هُ بِ ِذبْ ٍح عَظِي مٍ ﴾ ،قال ماهد :سّاه عظيمًا لنه
متقبّل .قال ابن عباس :الكبش الذي ذبه إبراهيم هو الذي قرّبه ابن آدم .
وقال ابن زيد ف قوله َ ﴿ :وتَرَ ْكنَا عََليْ هِ فِي الْآ ِخرِي نَ ﴾ ،قال :سأل إبراهيم
ِينَ ﴾ ،قال :فترك ال عليَه صَْدقٍ فِي الْآخِر َ
فقال ﴿ :وَاجْعَل لّي لِسََانَ ِ
الثناء ال سن ف الخِر ين ،ك ما ترك الل سان ال سوء على فرعون وأشبا هه ،
كذلك ترك اللسان الصدق والثناء الصال على هؤلء .
ِنَ عِبَادِن َا
ّهَ م ْ ْسَنِيَ * ِإن ُ
ِكَ َنجْزِي الْ ُمح ِ
ِيمَ * كَذَل َ
سَلَا ٌم عَلَى ِإبْرَاه َ
﴿ َ
ق َنبِيّا مّنََ الصَّالِحِيَ ﴾ .قال ابَن كثيَ :لاَ الْ ُم ْؤ ِمنِيَ * َوبَشّ ْرنَاهَُبِإِس َْحَا َ
تقدّمت البشارة بالذبيح وهو :إساعيل .عطف بذكر البشارة بأخيه إسحاق
،وقَد ذكرت فَ سَورت هود ،والجَر .وقوله تعال َ ﴿ :وبَارَكْنَا عََليْهَِ
ق وَمِن ذُ ّرّيِتهِمَا ُمحْ سِنٌ وَظَالِ مٌ ّلَنفْ سِ ِه ُمبِيٌ ﴾ ،كقوله تعال َوعَلَى إِ سْحَا َ
707 توفيق الرحن ف دروس القرآن
ِنـ
ُونـ (َ )114ونَجّيْنَاهُمَا َو َقوْ َمهُمَا م َ
﴿ َولَ َق ْد مَنَنّاـ عَلَى مُوسـَى وَهَار َ
صرْنَاهُ ْم َفكَانُوا هُ مُ اْلغَالِبِيَ ( )116وَآتَيْنَاهُمَا
اْلكَرْ بِ اْلعَظِي مِ (َ )115ونَ َ
ط الْمُ سَْتقِيمَ (َ )118وَترَكْنَا
صرَا َ
ب الْمُ سْتَِبيَ (َ )117و َهدَيْنَاهُمَا ال ّ
اْلكِتَا َ
عَلَ ْيهِمَا فِي الْآ ِخرِي نَ ( )119سَلَامٌ عَلَى مُو سَى وَهَارُو نَ (ِ )120إنّا َك َذلِ كَ
جزِي الْمُحْ سِِنيَ (ِ )121إّنهُمَا مِ نْ عِبَادِنَا الْ ُم ْؤمِنِيَ ( )122وَإِنّ ِإلْيَا سَ
نَ ْ
ُونـ َبعْلً
ُونـ (َ )124أَتدْع َ
ِهـ أَلَا تَّتق َ
ْسـِليَ (ِ )123إ ْذ قَا َل ِلقَ ْوم ِ
ِنـ الْ ُمر َ
لَم ْ
َوَتذَرُو َن َأحْ سَ َن الْخَالِقِيَ ( )125اللّ هَ َرّبكُ ْم وَ َربّ آبَاِئكُ ُم الَْأ ّولِيَ ()126
صيَ ( )128وََترَكْنَا
ضرُونَ (ِ )127إلّا عِبَا َد اللّ ِه الْمُخْلَ ِ
َف َكذّبُوهُ َفِإّنهُ ْم لَمُحْ َ
جزِي
ك نَ ْ
عَلَيْ ِه فِي الْآ ِخرِي نَ ( )129سَلَامٌ عَلَى ِإلْ يَا سِيَ (ِ )130إنّا َك َذلِ َ
ِنـ
ِنـ عِبَادِن َا الْ ُم ْؤمِنِي َ (َ )132وإِن ّ لُوطا لّم َ
ّهـ م ْ
ْسـِنيَ (ِ )131إن ُ
الْمُح ِ
الْ ُمرْسَلِيَ (ِ )133إذْ نَجّيْنَا ُه َوأَهْلَ ُه أَجْ َمعِيَ (ِ )134إلّا َعجُوزا فِي اْلغَاِبرِينَ
ّصـبِحِيَ (
ّونـ عَلَيْهِم م ْ
ُمـ لَتَ ُمر َ
ِينـ ( )136وَِإّنك ْ
( )135ثُمّ َدمّرْنَا الْآ َخر َ
س لَمِ َن الْ ُمرْ سَلِيَ (ِ )139إذْ
َ )137وبِاللّ ْي ِل َأفَلَا َت ْعقِلُو نَ (َ )138وإِنّ يُونُ َ
ك الْ َمشْحُو نِ ( )140فَ سَا َهمَ َفكَا َن مِ ْن الْ ُمدْحَضِيَ ()141
َأبَ َق ِإلَى الْفُلْ ِ
حيَ ()143
ت َوهُ َو مُلِي مٌ ( )142فَ َلوْلَا أَنّ هُ كَا َن مِ ْن الْمُ سَبّ ِ
فَالَْتقَمَ هُ الْحُو ُ
ث فِي بَطْنِ هِ ِإلَى َيوْ ِم يُ ْبعَثُو نَ ( )144فَنََب ْذنَا هُ بِالْ َعرَاء وَ ُهوَ سَقِيمٌ ()145
لَلَبِ َ
709 توفيق الرحن ف دروس القرآن
***
الزء الثالث 710
قوله عز وجل َ ﴿ :ولَ َقدْ مَنَنّا عَلَى مُو سَى َوهَارُو نَ (َ )114ونَجّيْنَاهُمَا
ص ْرنَا ُهمْ َفكَانُوا ُهمُ اْلغَالِبِيَ ()116
ب الْعَظِيمِ (َ )115ونَ َ
َو َقوْ َمهُمَا ِمنَ الْ َكرْ ِ
ط الْمُسَْتقِيمَ ()118
صرَا َ
وَآتَيْنَاهُمَا الْكِتَابَ الْمُسْتَبِيَ (َ )117و َهدَيْنَاهُمَا ال ّ
َوَترَكْنَا عَلَ ْيهِمَا فِي الْآ ِخرِي نَ ( )119سَلَامٌ عَلَى مُو سَى َوهَارُو نَ (ِ )120إنّا
حسِِنيَ (ِ )121إنّهُمَا ِمنْ عِبَادِنَا الْ ُم ْؤمِنِيَ (. ﴾ )122
جزِي الْمُ ْ
َك َذِلكَ نَ ْ
ب اْلعَظِي مِ ﴾ أي :من آل جْينَاهُمَا وََق ْو َمهُمَا مِ َن اْلكَرْ ِ
وعن قتادة َ ﴿ :ونَ ّ
سَتبِيَ ﴾ :التوراة َ ﴿ ،وهَ َدْينَاهُمَا ال صّرَاطَ ب الْمُ ْفرعون ﴿ ،وَآَتيْنَاهُمَا اْلكِتَا َ
سَتقِيمَ ﴾ :السلم . الْمُ ْ
قوله عز وجل َ ﴿ :وإِنّ ِإلْيَاسَ لَمِ ْن الْ ُمرْسَلِيَ (ِ )123إذْ قَالَ ِل َقوْمِ ِه َألَا
سنَ الْخَاِلقِيَ ( )125اللّ هَ َرّبكُ مْ
ل وََتذَرُو َن أَحْ َ
تَّتقُو نَ (َ )124أتَدْعُو َن َبعْ ً
ضرُو نَ (ِ )127إلّا عِبَادَ
وَرَبّ آبَاِئكُ مُ اْلأَ ّولِيَ ( )126فَ َك ّذبُو ُه َفإِّنهُ مْ لَ ُمحْ َ
خلَ صِيَ (َ )128وَترَكْنَا عَلَيْ هِ فِي الْآ ِخرِي نَ ( )129سَلَامٌ عَلَى ِإلْ
اللّ هِ الْمُ ْ
ِنـ عِبَادِن َا
ّهـ م ْ
ْسـِنيَ (ِ )131إن ُ
جزِي الْمُح ِ
ِكـ نَ ْ
َاسـيَ (ِ )130إنّاـ َك َذل َ
ي ِ
الْ ُم ْؤمِنِيَ (. ﴾ )132
عن ما هد ف قوله َ ﴿ :أتَ ْدعُو َن َب ْعلً ﴾ ،قال :ربّ ا .وقال ا بن ز يد :
ب عل صنم كانوا يعبدو نه ،كانوا ببعل بك و هم وراء دم شق وكان ب ا الب عل
الذي كانوا يعبدون .وقال ا بن إ سحاق عن و هب بن من به :أن ال ق بض
711 توفيق الرحن ف دروس القرآن
،ثَ رفضَه وخرج عنَه ،ففعَل ذلك اللك فعَل أصَحابه ،عبَد الوثان ،
وصنع ما يصنعون ،فقال إلياس :الله ّم إن بن إسرائيل قد أبوا إل أن يكفروا
بك ،والعبادة لغيك ،فغيّر ما بم من نعمتك ،أو كما قال .
َصَيَ
ّهَ الْ ُمخْل ِ
ُونَ * إِلّا ِعبَادَ الل ِ
حضَر َ
ُمََلمُ ْ وقوله تعال َ ﴿ :فكَ ّذب ُ
ُوهَ فَِإّنه ْ
﴾ ،قال ابَن جريَر يقول :فإنمَ لحضرون فَ عذاب ال فيشهدونَه ،إل
عباد ال الذ ين أخل صهم من العذاب َ ﴿ ،وتَرَكْنَا عََليْ هِ فِي الْآخِرِي نَ ﴾ ،
يقول :وأبقينا عليه الثناء السن ف الخرين من المم بعده .وعن السدي :
﴿ سَلَا ٌم عَلَى إِ ْل يَاسِيَ ﴾ قال :إلياس .
قوله عز وجل َ ﴿ :وإِنّ لُوطا لّمِ نَ الْ ُمرْ سَلِيَ (ِ )133إذْ نَجّيْنَا ُه َوأَهْلَ هُ
ِينـ (
ِينـ ( )135ثُمّ َدمّرْنَا الْآ َخر َ
َأجْ َمعِيَ (ِ )134إلّا عَجُوزا فِي الْغَابِر َ
ُونـ (
حيَ ( )137وَبِاللّ ْيلِ َأفَلَا تَ ْعقِل َ
ّصـبِ ِ
ّونـ عَ َليْه ِم م ْ
ُمـ لَتَ ُمر َ
َ )136وِإنّك ْ
. )138
َحِيَ ﴾ ،قال :نعَم وال ،
عَن قتادة َ ﴿ :وِإّنكُم ََْلتَمُرّونََ عََليْهِم مّص ْبِ
صباح ومساء يطؤونا وطأ .من أخذ من الدينة إل الشام ،أخذ على سدوم
قرية قوم لوط .
وقال ابـن زيـد فـ قوله ﴿ :أَفَلَا َت ْعقِل َ
ُونَ ﴾ ،قال :أفل تفتكرون مَا
أصابم ف معاصي ال أن يصيبكم ما أصابم ؟ .
713 توفيق الرحن ف دروس القرآن
َقـ ِإلَى
ْسـلِيَ (ِ )139إذْ َأب َ
ِنـ الْ ُمر َ
ُسـ لَم َ
قوله عـز وجـل َ ﴿ :وإِنّ يُون َ
اْلفُلْ كِ الْ َمشْحُو نِ ( )140فَ سَا َهمَ َفكَا َن مِ ْن الْ ُمدْحَضِيَ ( )141فَالَْتقَمَ هُ
ث فِي
حيَ ( )143لَلَبِ َ
ت وَ ُهوَ مُلِي مٌ ( )142فَ َلوْلَا أَنّ هُ كَا َن مِ ْن الْمُ سَبّ ِ
الْحُو ُ
بَطْنِ هِ ِإلَى َيوْ مِ يُبْعَثُو نَ ( )144فَنََب ْذنَا ُه بِاْل َعرَاء َوهُوَ سَقِيمٌ ( )145وَأَنبَتْنَا
ف َأوْ َيزِيدُو نَ ()147
ج َر ًة مّن يَقْ ِطيٍ (َ )146وأَرْ سَلْنَاهُ ِإلَى مَِئ ِة َألْ ٍ
عَلَيْ ِه شَ َ
فَآمَنُوا فَمَّتعْنَا ُه ْم إِلَى حِيٍ (. ﴾ )148
ك الْمَشْحُو نِ ﴾ ك نا ندث أ نه :الو قر
عن قتادة ف قوله ﴿ :إِلَى الْفُلْ ِ
﴿ .فَ سَاهَمَ َفكَا َن مِ ْن الْمُ ْد َحضِيَ ﴾ ،قال :فاحتبست السفينة فعلم القوم
أناَ احتبسَت مَن حدث أحدثوه ،فتسَاهوا فقرع يونَس فرمَي بنفسَه ،
ت َوهُ َو مُلِي مٌ ﴾ أي :ف ضعة .قال ابن زيد :والليم : ﴿ فَاْلَتقَمَ ُه الْحُو ُ
الذنب .
وعن ابن عباس قولهَ ﴿ :فكَا َن مِ ْن الْمُدْ َحضِيَ ﴾ يقول :من القروعي .
ْسَلِيَ ﴾ ،أي :مَن
ِنَ الْمُر َ
ُسَلَم َ
وقال البغوي :وقوله تعال َ ﴿ :وإِنّ يُون َ
ك الْمَشْحُو نِ ﴾ ،يعن :هرب .قال ابن جلة رسل ال ﴿ ،إِذْ َأبَ قَ إِلَى اْلفُلْ ِ
عباس ،ووهب :كان يونس وعد قومه العذاب ،فلما تأخر عنهم العذاب
خرج كالتواري منهم ،فقصد البحر فركب السفينة ،فاحتبست السفينة .
فقال اللحون :ها هنا عبد أبق من سيده ،فاقترعوا ثلثًا ،فوقعت القرعة
على يونس ،فقال يونس :أنا البق ،وزج نفسه ف الاء .
الزء الثالث 714
وقال ابن كثي ﴿ :فَسَاهَمَ ﴾ أي :قارع ﴿ َفكَا َن مِ َن الْ ُمدْ َحضِيَ ﴾ ،
أي :الغلوبيَ .وذلك أن السَفينة تََلعّبَت باَ المواج مَن كَل جانَب ،
وأشرفوا على الغرق ،ف ساهوا على من ت قع عل يه القر عة يل قى ف الب حر ،
لتخف بم السفينة ،فوقعت القرعة على نب ال يونس عليه الصلة والسلم
ثلث مرات ،و هم يضنون به أن يل قى من بين هم ،فتجرد من ثيا به ليل قي
نفسه وهم يأبون عليه ذلك .وأمر ال تعال حوتا من البحر الخضر أن يشق
البحار ،وأن يلتقَم يونَس عليَه السَلم ،فل َيهْشِ مُ له لمًا ول يك سر له
عظمًا ،فجاء ذلك الوت وأل قى يو نس نف سه ،فالتق مه الوت وذ هب به
فطاف به البحار كلّها ،ول ا ا ستق ّر يو نس ف ب طن الوت ،ح سب أنه قد
مات ث حرّك رأ سه ورجل يه وأطرا فه فإذا هو ح يّ ،فقام ف صلّى ف ب طن
الوت ،وكان من جلة دعائه :يا ر بّ اتذت لك م سجدًا ف مو ضع ل
حيَ ﴾ كان سبّ ِ
يبلغه أحد من الناس .وعن قتادة ﴿ :فََلوْلَا َأنّ هُ كَا َن مِ ْن الْمُ َ
كثي الصلة ف الرخاء فنجّاه ال بذلك .قال :وقد كان يقال ف الكمة :
ع وُجِ َد ُمّتكِأً .وعن أنس ص ِر َ
أن العمل الصال يرفع صاحبه إذا ما َعثَرَ ،فإذا ُ
مرفوعًا « :أن يونس النبّ حي بدا له أن يدعو ال بالكلمات حي ناداه وهو
ف بطن الوت فقال :اللهم ل إله إل أنت سبحانك إن كنت من الظالي ،
ب هذا صوت ضع يف فأقبلت الدعوة ت ت العرش ،فقالت اللئ كة :يا ر ّ
معروف ف بلد غريبة ،قال :أما تعرفون ذلك ؟ قالوا :يا رب ومن هو ؟
قال :ذلك عبدي يونَس .قالوا :عبدك يونَس الذي ل يزل يُرفَع له عمَل
715 توفيق الرحن ف دروس القرآن
***
الزء الثالث 716
***
الزء الثالث 718
جّن ِة نَ سَبا ﴾ ،قال ما هد :قال كفار قر يش : ﴾ ﴿ .وَ َجعَلُوا َبيْنَ هُ َوَبيْ نَ الْ ِ
أمهاتنَ ؟ فقالوا بنات سَروات
ّ اللئكَة بنات ال فسَأل أبَو بكَر :مَن
حضَرُو َن ﴾ إن ا ستحضر ال ساب . جّنةُ ِإّنهُ مْ لَ ُم ْ
ال نّ ﴿ ،وََلقَ ْد عَلِمَ تِ الْ ِ
حضَرُونَ ﴾ :لعذبون .وقال السدي :إن هؤلء الذين قالوا هذا ﴿ ،لَمُ ْ
قال ابن كث ي :وقوله جلّت عظم ته ُ ﴿ :سبْحَانَ اللّ ِه عَمّا يَ ِ
صفُونَ ﴾ ،
أي :تعال وتقدّس وتنّه عَن أن يكون له ولد ،وعمَا يصَفه بَه الظالون
اللحدون علوّا كبيًا .
وقوله تعال ﴿ :إِلّا ِعبَادَ اللّ ِه الْمُ ْ
خلَ صِيَ ﴾ ا ستثناء منق طع ،و هو من
َصَفُونَ ﴾ عائدًا على
مثبَت إل أن يكون الضميَ فَ قوله تعال ﴿ :عَمّاَ ي ِ
الناس جيعهم ،ث استثن منهم الخلَصي ،وهم :التّبعون للحقّ النل .
قوله عز وجل َ ﴿ :فإِّنكُ مْ َومَا َتعُْبدُو نَ ( )161مَا أَنتُ مْ عَلَيْ ِه ِبفَاتِنِيَ (
جحِيمِ ( )163وَمَا مِنّا ِإلّا لَ ُه َمقَا ٌم ّمعْلُومٌ ()164
ِ )162إلّا مَ ْن هُوَ صَالِ الْ َ
َوِإنّ ا لَنَحْ ُن ال صّافّونَ (َ )165وِإنّ ا لَنَحْ ُن الْمُ سَبّحُونَ ( )166وَإِ نْ كَانُوا
لََيقُولُو نَ ( )167لَ ْو أَنّ عِندَنَا ذِكْرا مّ ْن الَْأ ّولِيَ (َ )168لكُنّ ا عِبَادَ اللّ هِ
ف يَعْلَمُونَ (. ﴾ )170
سوْ َ
صيَ ( )169فَ َك َفرُوا ِبهِ َف َ
الْمُخْلَ ِ
عن ابن عباس قوله ﴿:مَا أَنتُ ْم عََليْ ِه ِبفَاتِنِيَ * إِلّا مَنْ هُوَ صَالِ الْجَحِيمِ ﴾
يقول :ما أنتم بفاتني على أوثانكم أحدًا إل من قد سبق له أنه صال الحيم
.وقال ال سن :ما أن تم عل يه بضلّ ي إل من كان ف علم ال أ نه سيصلى
الزء الثالث 720
الح يم .و عن ال سدي ف قوله ﴿ :وَمَا مِنّ ا إِلّا لَ ُه َمقَا مٌ ّمعْلُو مٌ ﴾ ،قال
اللئ كة .و عن عائ شة قالت :قال نبّ ال « :ما ف ساء الدن يا مو ضع
قدم إل عل يه ملك ساجد ،أو قائم فذلك قول اللئ كة ﴿ :وَمَا ِمنّ ا إِلّا لَ هُ
سبّحُونَ ﴾ » .رواه ابن َمقَا ٌم ّمعْلُو مٌ * َوإِنّا َلنَحْ ُن ال صّافّونَ * َوِإنّا َلنَحْ ُن الْمُ َ
جرير .
وعن قتادة قوله َ ﴿ :وإِ نْ كَانُوا َلَيقُولُو نَ * َلوْ َأنّ عِن َدنَا ذِكْرا مّ ْن اْلَأوّلِيَ
خلَصِيَ ﴾ ،قال :قد قالت هذه المة ذاك قبل أن يبعث * َلكُنّا ِعبَادَ اللّ ِه الْمُ ْ
م مد :لو كان عند نا ذ كر من الوّل ي ،لك نا عباد ال الخلَ صي ،فل ما
ف َيعْلَمُو نَ ﴾ ،وقال ابن عباس :ل ا جاء سوْ َجاء هم م مد كفروا به ﴿ .فَ َ
الشركون مَن أهَل مكَة ذكَر الوّليَ وعلم الخريَن كفروا بالكتاب ،
ف َيعَْلمُو نَ ﴾ يقول :قد جاء كم م مد بذلك فكفروا بالقرآن ، سوْ َ﴿ فَ َ
وبا جاء به ممد .
قوله عز وجل َ ﴿ :ولَ َقدْ سََبقَتْ كَ ِلمَتُنَا لِعِبَا ِدنَا الْ ُمرْ سَلِيَ (ِ )171إنّهُ مْ
َلهُ ُم الْمَن صُورُونَ (َ )172وإِنّ جُندَنَا َلهُ ُم اْلغَالِبُو نَ ( )173فََتوَلّ عَ ْنهُ مْ
صرُونَ (َ )175أفَِب َعذَابِنَا َيسَْتعْجِلُونَ
ف يُبْ ِ
سوْ َ
حَتّى حِيٍ (َ )174وَأبْصِ ْر ُهمْ َف َ
ـَاحُ الْمُنذَرِينَـ (َ )177وَتوَلّ عَ ْنهُم ْـ
(َ )176فِإذَا َن َزلَ بِسـَاحَِت ِهمْ فَسـَاء صَب
صرُونَ (. ﴾ )179
سوْفَ يُبْ ِ
حَتّى حِيٍ (َ )178وَأبْصِ ْر َف َ
721 توفيق الرحن ف دروس القرآن
ُمَ
ُمَ َله ُ
ْسَلِيَ * ِإّنه ْ سََبقَتْ كَلِ َمتُن َا ِل ِعبَادِن َا الْمُر َ
عَن قتادة ﴿ :وََلقَ ْد َ
الْمَن صُورُونَ * َوإِنّ جُندَنَا َلهُ ُم الْغَاِلبُو نَ ﴾ ،قال :سبق هذا من ال ل م أن
ينصرهم .وعن السدي ف قوله ﴿ :وََلقَدْ َسَب َقتْ كَِل َمُتنَا ِل ِعبَا ِدنَا الْمُرْ سَِليَ *
ِإّنهُ مْ َلهُ ُم الْمَن صُورُونَ ﴾ ،يقول :بالجج َ ﴿ .فَتوَلّ َعْنهُ مْ َحتّى حِيٍ ﴾ ،
قال :حت يوم بدر .
ْصَرُونَ ﴾ ،يقول :
ف ُيب ِ
َسَوْ َ وقال ابـن زيـد فـ قوله َ ﴿ :وأَب ِ
ْصَْرهُمْ ف َ
أنظرهم فسوف يبصرون ما لم بعد اليوم ،يقول :يبصرون يوم القيامة ما
ْصَْرهُمْ )
ضيّعوا مَن أمَر ال ،وكفرهَم بال ورسَوله وكتابَه ؛ قال ( :فأب ِ
ْصَرْ ) واحَد .وقال البغوي َ ﴿ :وأَب ِ
ْصَ ْرهُمْ ﴾ إذا نزل بمَ العذاب ( وَأب ِ
ف ُيبْ صِرُونَ ﴾ ،فقالوا :مت هذا العذاب ؟ فقال ال عز وجل : سوْ َ ﴿ ،فَ َ
ح الْمُنذَرِي نَ ﴾ ،قال
صبَا ُ
سَتعْجِلُونَ * فَإِذَا نَ َز َل بِ سَا َحِتهِمْ فَ سَاء َ
﴿ أَفَِبعَذَابِنَا يَ ْ
:وذكر قول النب حي صبّح أهل خيب « :ال أكب ،خربت خيب ،إنا
إذا نزلنا بساحة قوم فساء صباح النذرين » .ث كرّر ما ذكر تأكيدًا لوعيد
العذاب ،فقال َ ﴿ :وَتوَ ّل َعنْهُ مْ َحتّ ى حِيٍ * َوأَبْ صِرْ ﴾ العذاب إذا نزل ب م
ف ُيبْصِرُونَ ﴾ . سوْ َ ﴿ :فَ َ
َصـفُونَ ()180
ّكـ رَبّ الْ ِع ّزةِ عَمّاـ ي ِ
سـبْحَانَ َرب َ
قوله عـز وجـل ُ ﴿ :
ب الْعَالَمِيَ (. ﴾ )182
َوسَلَامٌ عَلَى الْ ُم ْرسَلِيَ ( )181وَالْحَ ْم ُد لِ ّلهِ َر ّ
الزء الثالث 722
***
723 توفيق الرحن ف دروس القرآن
َهـ
ّابـ ( )19وَ َش َددْن َا مُلْك ُ
ّهـ َأو ٌ
حشُو َرةً ُك ّل ل ُ
َاقـ ( )18وَالطّ ْيرَ مَ ْ
وَالِْإ ْشر ِ
سوّرُوا
ص ِم ِإذْ تَ َ
صلَ الْخِطَا بِ (َ )20و َهلْ َأتَا كَ نَبَُأ الْخَ ْ
وَآتَيْنَا ُه الْحِكْ َم َة َوفَ ْ
ف خَ صْمَانِ
ع مِ ْنهُ مْ قَالُوا لَا تَخَ ْ
حرَا بَ (ِ )21إذْ َدخَلُوا عَلَى دَاوُودَ َف َفزِ َ
الْمِ ْ
ط وَا ْهدِنَا ِإلَى سَوَاء
بَغَى بَعْضُنَا عَلَى َبعْ ضٍ فَاحْكُم بَيْنَنَا بِالْحَقّ َولَا ُتشْطِ ْ
ج ٌة وَا ِح َدةٌ َفقَالَ
ج ًة َولِيَ َنعْ َ
سعُونَ َنعْ َ
الصّرَاطِ ( )22إِ ّن هَذَا أَخِي لَ ُه تِسْ ٌع َوتِ ْ
ك بِ سُؤَا ِل َنعْجَتِ كَ ِإلَى
أَ ْكفِلْنِيهَا وَ َعزّنِي فِي الْخِطَا بِ ( )23قَالَ َل َقدْ ظَلَمَ َ
ضهُ مْ عَلَى َبعْ ضٍ ِإلّا اّلذِي نَ آمَنُوا
ِنعَاجِ ِه َوإِنّ كَثِيا مّ نْ الْخُلَطَاء لَيَبْغِي َبعْ ُ
ت َوقَلِيلٌ مّا هُ ْم وَ َظنّ دَاوُو ُد أَنّمَا فَتَنّا ُه فَا سْتَ ْغ َفرَ َربّ هُ َو َخرّ
وَعَ ِملُوا ال صّالِحَا ِ
سنَ مَآ بٍ (
رَاكِعا وََأنَا بَ (َ )24ف َغ َفرْنَا لَ ُه َذلِ كَ َوإِنّ لَ هُ عِندَنَا َل ُزلْفَى َوحُ ْ
حقّ َولَا
ض فَا ْحكُم بَيْ نَ النّا سِ بِالْ َ
)25يَا دَاوُودُ إِنّا َجعَلْنَا َك خَلِيفَ ًة فِي الْأَرْ ِ
تَتّبِ ِع اْلهَوَى فَيُضِلّ كَ عَن سَبِيلِ اللّ هِ إِنّ اّلذِي نَ يَضِلّو نَ عَن سَبِيلِ اللّ ِه َلهُ مْ
ب َشدِيدٌ بِمَا نَ سُوا َيوْ َم الْحِ سَابِ ( )26وَمَا خَلَقْنَا ال سّمَاء وَاْلأَرْ ضَ
َعذَا ٌ
ل َذلِكَ َظنّ اّلذِينَ َكفَرُوا َف َوْيلٌ لّ ّلذِينَ َك َفرُوا مِنَ النّارِ ()27
َومَا بَيَْنهُمَا بَاطِ ً
ج َعلُ
ض أَ مْ نَ ْ
سدِينَ فِي الْأَرْ ِ
ج َع ُل الّذِي نَ آمَنُوا وَعَمِلُوا ال صّالِحَاتِ كَالْ ُمفْ ِ
أَ ْم نَ ْ
ك مُبَارَ ٌك لَّيدّّبرُوا آيَاتِ ِه َولِيََتذَكّرَ
الْمُّتقِيَ كَاْلفُجّارِ ( )28كِتَا بٌ أَنزَلْنَا ُه ِإلَيْ َ
ُأ ْولُوا اْلَألْبَابِ (. ﴾ )29
***
725 توفيق الرحن ف دروس القرآن
قوله عز و جل ﴿ :ص وَاْلقُرْآ ِن ذِي الذّ ْكرِ (َ )1ب ِل الّذِي نَ َك َفرُوا فِي
ت حِيَ مَنَاصٍ (
ِع ّزةٍ َو ِشقَاقٍ ( )2كَ ْم َأهْلَكْنَا مِن قَبْ ِلهِم مّن َقرْنٍ فَنَا َدوْا َولَا َ
)3وَ َعجِبُوا أَن جَاءهُم مّنذِرٌ مّ ْنهُ ْم َوقَالَ اْلكَا ِفرُو َن َهذَا سَا ِحرٌ َكذّا بٌ ()4
َأ َجعَ َل الْآِلهَ َة ِإلَها وَاحِدا إِنّ َهذَا َلشَيْءٌ عُجَا بٌ ( )5وَانطَلَ َق الْمَ َلأُ مِ ْنهُ مْ أَ نِ
ا ْمشُوا وَا صِْبرُوا عَلَى آِلهَتِكُ ْم إِنّ هَذَا َلشَيْ ٌء ُيرَادُ ( )6مَا سَ ِمعْنَا ِب َهذَا فِي
الْمِ ّل ِة الْآخِ َر ِة إِ ْن َهذَا ِإلّا اخْتِلَا قٌ (َ )7أأُن ِزلَ عَلَيْ ِه الذّ ْك ُر مِن بَيْنِنَا َبلْ هُ ْم فِي
َشكّ مّن ذِ ْكرِي َب ْل لَمّا َيذُوقُوا َعذَا بِ ( )8أَ مْ عِن َدهُ مْ َخزَائِ نُ َرحْ َمةِ َربّ كَ
ض َومَا بَيَْنهُمَا فَلَْيرَْتقُوا
ك ال سّمَاوَاتِ وَالْأَرْ ِ
اْلعَزِيزِ اْلوَهّا بِ ( )9أَ ْم َلهُم مّلْ ُ
فِي اْلَأسْبَابِ ( )10جُندٌ مّا هُنَاِلكَ مَ ْهزُو ٌم ّمنَ اْلأَ ْحزَابِ (. ﴾ )11
عن ابن عباس ﴿ :ص وَالْقُرْآنِ ذِي الذّكْرِ ﴾ ذي الشرف .وعن قتادة :
﴿ ذِي الذّكْرِ ﴾ ،أي :مَا ذكَر فيَه .قال ابَن كثيَ :ول منافاة بيَ
القول ي ،فإ نه كتاب شر يف مشت مل على التذك ي ،والعذار ،والنذار .
وعن قتادة ﴿ :بَ ِل الّذِي نَ َكفَرُوا فِي عِ ّز ٍة َوشِقَاقٍ ﴾ ،أي :ف حيّة وفراق ؛
قال :ها هنا وقع القَسَم .
وقوله تعال ﴿:كَمْ َأهَْل ْكنَا مِن َقبِْلهِم مّن قَرْنٍ َفنَا َدوْا وَلَاتَ حِيَ مَنَاصٍ ﴾
ط القوم .وقال قتادة :نادى
ضبِ َ
قال ا بن عباس :ل يس ب ي تَ َروّ ول فرار ُ ،
القوم على غ ي ح ي نداء ،وأرادوا التو بة ح ي عاينوا عذاب ال ،فلم يق بل
منهم ذلك .
الزء الثالث 726
عن ابن عباس ﴿ :وَفِ ْر َعوْ نُ ذُو اْلَأوْتَادِ ﴾ ،قال :كانت ملعب يلعب
له تت ها .وقال ما هد :كان ي ّد الر جل م ستلقيًا على الرض ث يشدّ يد يه
ّبَ
ورجليَه ورأسَه على الرض بالوتاد .وعَن قتادة ﴿ :إِن كُلّ إِلّا َكذ َ
الرّ سُلَ َفحَقّ ِعقَا بِ ﴾ ،قال :هؤلء كلّ هم قد كذّبوا الر سل فح ّق علي هم
ح ًة وَاحِ َدةً ﴾ ،يعن :أمة ممد ﴿ ،مّا صيْ َ
العذاب َ ﴿ ،ومَا يَن ُظ ُر َهؤُلَاء إِلّا َ
َلهَا مِن َفوَاقٍ ﴾ ،يعن :الساعة ما لا من رجوع ول ارتداد ﴿ ،وَقَالُوا َرّبنَا
عَجّل ّلنَا ِق ّطنَا ﴾ ،أي :نصيبنا ،حظّنا من العذاب قبل يوم القيامة ،قال :
قد قال ذلك أبَو ج هل :الل هم إن كان ما يقول م مد حقّاَ فأم طر علينَا
حجارة من السماء ،أو ائتنا بعذاب أليم .
وقوله تعال ﴿ :ا ْ
صبِ ْر عَلَى مَا َيقُولُو نَ وَاذْكُرْ عَبْدَنَا دَاوُودَ ذَا اْلَأيْدِ ِإنّ هُ
َأوّا بٌ ﴾ ،يقول تعال :ا صب يا م مد على ما يقول قو مك ،فإن الرف عة
والعاقبة لك ،كما كانت للرسل قبلك .وعن ماهد قوله ﴿ :ذَا اْلأَيْدِ ﴾ ،
قال :ذا القوة ف طاعة ال ِ ﴿ ،إنّ هُ َأوّا بٌ ﴾ إنه رجاع عن الذنوب .وقال
حنَُسَبّ ْ
َهَ ي َ
جبَا َل َمع ُ
سَخّ ْرنَا الْ ِ
قتادة :كان مطيعًا ل كثيَ الصَلة ِ ﴿ .إنّاَ َ
َ
َ ﴾ ،قال :يسَبّحن مَع داود إذا سَبّح بالعشي ّ بِاْلعَشِيَّ وَالْإِشْرَاق ِ
ّابَ ﴾ ،أي : ّهَ َأو ٌ والشراق ﴿ ،وَال ّطيْ َر َمحْشُو َرةً ﴾ مسَخرة ﴿ ،كُلّ ل ُ
﴿ َوشَدَدْنَا مُ ْلكَ هُ ﴾ ،قال ا بن كث ي :أي :جعل نا له ملكًا مط يع .
كاملً من ج يع ما يتاج إل يه اللوك .وقال ال سدي :كان ير سه كل يوم
الزء الثالث 730
خطَابِ
حكْ َمةَ ﴾ ،قال :النبوة ﴿ ،وَفَصْلَ الْ ِ
وليلة أربعة الف ﴿ ،وَآَتْينَا ُه الْ ِ
﴾ ،قال ماهد :إصابة القضاء وفهمه .
حرَا بَ ()21
سوّرُوا الْمِ ْ
ص ِم ِإ ْذ تَ َ
قوله عز وجل ﴿ :وَ َه ْل َأتَا َك نََبأُ الْخَ ْ
ف خَ صْمَانِ بَغَى َبعْضُنَا عَلَى
ع مِ ْنهُ ْم قَالُوا لَا تَخَ ْ
ِإ ْذ دَخَلُوا عَلَى دَاوُو َد َففَزِ َ
صرَاطِ ( )22إِنّ
حقّ َولَا ُتشْطِ طْ وَا ْهدِنَا ِإلَى َسوَاء ال ّ
َبعْ ضٍ فَاحْكُم بَيْنَنَا بِالْ َ
جةٌ وَاحِ َد ٌة َفقَالَ أَ ْكفِلْنِيهَا وَ َع ّزنِي
جةً َولِ َي َنعْ َ
سعُو َن َنعْ َ
َهذَا َأخِي لَ هُ تِ سْ ٌع َوتِ ْ
ك ِإلَى ِنعَاجِ ِه وَإِنّ كَثِيا
فِي الْخِطَا بِ ( )23قَالَ َل َقدْ ظَلَمَ كَ بِ سُؤَا ِل َنعْجَتِ َ
ضهُ مْ عَلَى َبعْ ضٍ ِإلّا اّلذِي نَ آمَنُوا وَعَمِلُوا ال صّالِحَاتِ
مّ نْ الْخُلَطَاء لَيَبْغِي َبعْ ُ
َوقَلِيلٌ مّا هُ مْ وَ َظنّ دَاوُو ُد َأنّمَا فَتَنّا ُه فَا سَْتغْ َفرَ َربّ ُه وَ َخرّ رَاكِعا َوَأنَا بَ ()24
سنَ مَآ بٍ ( )25يَا دَاوُو ُد ِإنّ ا
َف َغ َفرْنَا لَ ُه َذلِ كَ َوإِنّ لَ هُ عِندَنَا َل ُزلْفَى َوحُ ْ
حقّ َولَا تَتّبِ ِع الْ َهوَى فَيُضِلّكَ
ض فَا ْحكُم بَيْ َن النّاسِ بِالْ َ
َجعَلْنَا َك خَلِي َفةً فِي الْأَرْ ِ
عَن سَبِي ِل اللّ ِه إِنّ الّذِينَ يَضِلّونَ عَن سَبِي ِل اللّ ِه َلهُمْ َعذَابٌ َشدِي ٌد بِمَا نَسُوا
حسَابِ (. ﴾ )26
َيوْ َم الْ ِ
سَوَاءَ ﴾ ،أي :ل تلَ ﴿ ،وَاهْدِنََا إِلَى َ عَن قتادة ﴿ :وَلَا تُشْطِط ْ
ال صّرَاطِ ﴾ إل عدله وخيه .وعن وهب بن منبه ﴿ :إِنّ هَذَا َأخِي ﴾ ،أي
ج ٌة وَاحِ َدةٌ َفقَالَ أَ ْكفِ ْلنِيه َا
ِيَ َنعْ َ
ج ًة وَل َ
ِسَعُو َن َنعْ َ
ِسٌَع َوت ْ
َهَ ت ْ :على دينَ ﴿ ل ُ
﴾ قال ا بن ز يد :أعطني ها ،طلق ها ل أنكح ها و خل سبيلها ﴿ وَعَزّنِي فِي
الْخِطَابِ ﴾ قال :قهرن .وعن ابن عباس قوله َ ﴿ :وهَلْ َأتَاكَ َنَبأُ الْخَصْمِ ِإذْ
731 توفيق الرحن ف دروس القرآن
َابَ ﴾ ،قال :إن داود قال :يارب قَد أعطيَت إبراهيَم ، َسَوّرُوا الْ ِمحْر َ
ت َ
وإ سحاق ،ويعقوب من الذ كر ما لوددت أ نك أعطيت ن مثله ،قال :إ ن
ابتليت هم ب ا ل أبتلك به ،فإن شئت ابتلي تك ب ثل ما ابتليت هم به ،وأعطي تك
كما أعطيتهم .قال :نعم .قال له :اعمل حت أرى بلءك ،فكان ما شاء
ال أن يكون ،وطال ذلك عليه فكاد أن ينساه ،فبينا هو ف مرابه إذ وقعت
عل يه حا مة من ذ هب فأراد أن يأخذ ها ،فطارت إل كوة الحراب فذ هب
ليأخذ ها فطارت ،فاطلع من الكوة فرأى امرأة تغت سل فنل نب ال من
الحراب ،فأرسل إليها فجاءته ،فسألا عن زوجها وعن شأنا ،فأخبته :
أن زوجها غائب ،فكتب إل أمي تلك ال سّرية أن ُي َؤمّره على السرايا ليهلك
زوجها ،ففعل ،فكان يُصاب أصحابه وينجو ،وربا نُصروا ،وإن ال عزّ
وج ّل ل ا رأى الذي و قع ف يه داود ،أراد أن ي ستنقذه ; فبين ما داود ذات يوم
ف مرابه ،إذ تسوّر عليه الصمان من قبل وجهه ،فلما رآها وهو يقرأ فزع
و سكت .وقال :ل قد ا ستضعفت ف مل كي ح ت إن الناس يت سوّرون عل يّ
ضنَا عَلَى َبعْ ضٍ ﴾ ،ول يكن مراب ،قال له ﴿ :ل تَخَ فْ خَ صْمَا ِن َبغَى َبعْ ُ
ل نا بد من أن نأت يك ،فا سع م نا .قال أحده ا ﴿ :إِنّ هَذَا أَخِي لَ ُه تِ سْعٌ
ج ٌة وَاحِ َدةٌ َفقَالَ أَ ْكفِ ْلنِيهَا ﴾ ،ير يد أن
جةً ﴾ أن ثى ﴿ ،وَلِ يَ َنعْ َ
َوتِ سْعُونَ َنعْ َ
يتمم با مائة ،ويتركن ليس ل شيء َ ﴿ .وعَ ّزنِي فِي الْخِطَا بِ ﴾ ،قال :
إن دعوت ودعا كان أكثر ،وإن بطشت وبطش كان أشد من ،فذلك قوله
َ ﴿ :وعَزّنِي فِي الْخِطَا بِ ﴾ ،قال له داود :أ نت ك نت أحوج إل نعج تك
الزء الثالث 732
ب أَن َزلْنَاهُ ِإلَيْكَ مُبَارَ ٌك لَّي ّدبّرُوا آيَاتِهِ َولِيََتذَ ّكرَ أُ ْولُوا الَْألْبَابِ ()29
)28كِتَا ٌ
﴾.
عن ابن عباس َ ﴿ :ومَا َخَلقْنَا ال سّمَاء وَاْلأَرْ ضَ َومَا َبيَْنهُمَا بَا ِطلً ﴾ ،قال
ك ظَنّ الّذِي نَ َكفَرُوا َف َويْلٌ لّلّذِي نَ َكفَرُوا مِ نَ :ل لثواب ول لعقاب ﴿ .ذَلِ َ
النّارِ ﴾ .وقال مقاتل :قال كفار قريش للمؤمني :إنا نعطى ف الخرة من
جعَ ُل الّذِي نَ آ َمنُوا َوعَمِلُوا
ال ي م ثل ما تعطون ،فنلت هذه ال ية ﴿ :أَ مْ َن ْ
جعَ ُل الْ ُمّتقِيَ كَاْلفُجّارِ ﴾ ؟
الصّالِحَاتِ كَالْ ُمفْسِدِينَ فِي اْلأَ ْرضِ َأ ْم نَ ْ
قال ابن كثي :ولّا كان القرآن يرشد إل القاصد الصحيحة ،والآخذ
ِهَ
َكَّليَ ّدبّرُوا آيَات ِ
ْكَ ُمبَار ٌ
َاهَإَِلي َ
َابَأَنزَْلن ُ
العقليَة الصَرية ،قال تعال ِ ﴿ :كت ٌ
وَِلَيتَذَكّرَ ُأوْلُوا اْلأَلْبَابِ ﴾ ،أي :ذوو العقول .قال السن البصري :وال ما
تَ َدبّرُه بفظ حروفه وإضاعة حدوده ،حت إن أحدهم ليقول :قرأت القرآن
كلّه ،ما يرى له القرآن ف خلق ول عمل .
***
الزء الثالث 734
﴿ َووَهَبْنَا لِدَاوُودَ سُلَيْمَانَ نِعْ مَ اْلعَ ْبدُ ِإنّ هُ أَوّا بٌ (ِ )30إذْ ُعرِ ضَ َعلَيْ هِ
ت حُبّ الْخَ ْيرِ عَن ذِ ْكرِ
بِالْ َعشِيّ ال صّافِنَاتُ الْجِيَادُ (َ )31فقَا َل ِإنّ ي أَحْبَبْ ُ
َربّ ي حَتّ ى َتوَارَ تْ بِالْحِجَا بِ (ُ )32ردّوهَا عَلَيّ فَ َطفِ قَ مَ سْحا بِال سّوقِ
وَالْأَعْنَا قِ ( )33وََل َقدْ فَتَنّ ا سُلَيْمَا َن َوأَْلقَيْنَا عَلَى ُكرْ سِّي ِه جَ سَدا ثُمّ َأنَا بَ (
ب لِي مُلْكا لّا يَنَبغِي ِلَأحَ ٍد مّ ْن َب ْعدِي ِإنّ كَ أَن تَ
)34قَالَ َربّ ا ْغ ِف ْر لِي َوهَ ْ
ث أَ صَابَ ()36
جرِي ِبَأ ْمرِ هِ ُرخَاء حَيْ ُ
خ ْرنَا لَ ُه الرّي حَ تَ ْ
اْلوَهّا بُ ( )35فَ سَ ّ
صفَادِ ()38
وَالشّيَاطِيَ ُك ّل بَنّاء وَ َغوّا صٍ ( )37وَآ َخرِي َن ُم َقرّنِيَ فِي اْلأَ ْ
ك ِبغَ ْيرِ حِسـَابٍ ( )39وَإِنّ لَهُـ عِندَنَا َلزُلْفَى
َهذَا عَطَاؤُنَا فَامْنُن ْـَأ ْو َأمْسِـ ْ
َو ُحسْ َن مَآبٍ (. ﴾ )40
***
735 توفيق الرحن ف دروس القرآن
قوله عز وجل ﴿ :وَ َوهَبْنَا ِلدَاوُودَ سُلَيْمَا َن ِنعْ مَ اْلعَ ْبدُ ِإنّ هُ َأوّا بٌ ()30
ت حُبّ
ِإذْ ُعرِ ضَ عَلَيْ هِ بِاْلعَشِيّ ال صّافِنَاتُ الْجِيَادُ (َ )31فقَالَ ِإنّ ي أَحْبَبْ ُ
الْخَ ْيرِ عَن ذِ ْكرِ َربّيـ حَتّىـَتوَارَت ْـبِالْحِجَابِـ (ُ )32ردّوهَا عَلَيّ فَ َطفِ قَ
ق وَاْلأَعْنَاقِ (. ﴾ )33
َمسْحا بِالسّو ِ
عن ا بن عباس ِ ﴿ :نعْ َم اْلعَبْدُ ِإنّ هُ َأوّا بٌ ﴾ ،قال :الوّاب :ال سبّح .
وقال قتادة :كان مطيعًا ل كث ي ال صلة .و عن قتادة ِ ﴿ :إ ْذ عُرِ ضَ عََليْ هِ
جيَادُ ﴾ ،يعن :اليل .قال ابن زيد :والصفن أن تقوم شيّ الصّاِفنَاتُ الْ ِ
بِاْلعَ ِ
على ثلث وترفَع رجلً واحدة حتَ يكون طرف الافَر على الرض .قال
البغوي :والياد :اليار السراع .واحدها :جواد .وقال ابن عباس رضي
ال عنهما :يريد اليل السوابق .
قوله تعال َ ﴿ :فقَالَ ِإنّي أَ ْحَببْ تُ ُحبّ الْ َ
خيْرِ ﴾ ،أي :آثرت حب الي
وأراد بالي اليل ،و سّيت اليل خيًا لنه معقود بنواصيها الي :الجر ،
خيْرِ ﴾ ،يعنَ :الال ،فهَي اليَل التَ والغنَم .قال مقاتَل ﴿ :حُبّ الْ َ
عرضت عليه ﴿ ،عَن ذِكْرِ َربّي ﴾ يعن :الصلة ،وهي صلة العصر ﴿ ،
حجَا بِ ﴾ أي :توارت الش مس بالجاب ،أي :ا ستترت ت بِالْ ِ
َحتّ ى َتوَارَ ْ
با يجبها عن البصار ﴿ ،رُدّوهَا عََليّ ﴾ أي :ردّوا اليل عليّ ،فردّوها ،
ق وَالَْأ ْعنَا قِ ﴾ .انتهى .قال إبراهيم التيمي :كانت
﴿ فَ َطفِ َق مَ سْحا بِال سّو ِ
اليل الت شغلت سليمان عليه الصلة والسلم عشرين ألف فرس فعقرها .
الزء الثالث 736
الناس أربعيَ يوم ًا .فأنكَر الناس أحكامَه ،فاجتمَع قرّاء بنَ إسَرائيل
وعلماؤهم ،فجاءوا حت دخلوا على نسائه فقالوا :إنا قد أنكرنا هذا ،فإن
كان سليمان قد ذ هب عقله ،وأنكر نا أحكا مه .قال :فب كى الن ساء ع ند
ذلك ،قال :فأقبلوا يشون حتَ أتوه ،فأحدقوا بَه ،ثَ نشروا التوراة ،
فقرأوا ،فطار من بي أيديهم حت وقع على شرفته والات معه ،ث طار حت
ذهب إل البحر ،فوقع الات منه ف البحر ،فابتلعه حوت من حيتان البحر .
قال :وأقبل سليمان ف حالته الت كان فيها حت انتهى إل صياد من صيّادي
البحر ،وهو جائع ،وقد اشتدّ جوعه ،فاستطعمه من صيدهم ،قال :إن
أنا سليمان ،فقام إليه بعضهم فضربه بعصا فشجّه ،فجعل يغسل دمه وهو
على شاطئ البحر ،فلم الصيّادون صاحبهم الذي ضر به ،فقالوا :بئس ما
صنعت حيث ضربته ،قال :إنه زعم أنه سليمان ،فأعطوه سكتي ما قد
ط الب حر ، مذر عند هم ،ول يشغله ما كان به من الضرر ،ح ت قام إل ش ّ
فش ّق بطونما فجعل يغسل ،فوجد خاته ف بطن إحداها ،فأخذه فلبسه ،
فردّ ال عليه باؤه وملكه ،وجاءت الطي حت حامت عليه ،فعرف القوم أنه
سليمان ،فقام القوم يعتذرون ما صنعوا ،فقال :ما أحدكم على عذركم ،
ول ألومكم على ما كان منكم ،كان هذا المر ل ب ّد منه .قال :فجاء حت
أتى ملكه ،فأرسل إل الشيطان فجيء به ،وسخّر له الريح والشياطي يومئذٍ
،ول ت كن سُخّرت له ق بل ذلك ،و هو قوله َ ﴿ :وهَ بْ لِي مُلْكًا ل يَْنبَغِي
ل َح ٍد مِ ْن َبعْدِي ِإنّ كَ َأنْ تَ اْل َوهّا بُ ﴾ ،قال :وبعث إل الشيطان فأت به ،
الزء الثالث 738
فأمر به فجُعل ف صندوق من حديد ،ث أطبق عليه فأقفل عليه بقفل ،وختم
عليه باته ،ث أمر به ،فألقي ف البحر ،فهو فيه حت تقوم الساعة .
وقوله تعال ﴿ :ثُمّ َأنَا بَ ﴾ ،قال البغوي :أي :ر جع إل مل كه ب عد
أربعي يومًا فلما رجع ﴿ ،قَالَ رَبّ ا ْغفِرْ لِي َوهَ بْ لِي ُم ْلكًا ل َيْنبَغِي لحَدٍ
ت اْلوَهّا بُ ﴾ .وعن أب هريرة رضي ال عنه عن النب مِ ْن َبعْدِي ِإنّ كَ َأنْ َ
قال « :إن عفريتًا من ال نّ تفلّت عل ّي البارحة -أو كلمة نوها -ليقطع
عل ّي الصلة ،فأمكنن ال تبارك وتعال منه ،وأردت أن أربطه إل سارية من
سَواري السَجد حتَ تصَبحوا وتنظروا إليَه كلّكَم ،فذكرت قول أخَي
سليمان عل يه ال سلم ﴿ :رَبّ ا ْغفِرْ لِي َوهَ بْ لِي مُلْكًا ل َيْنبَغِي ل َح ٍد مِ نْ
َبعْدِي ﴾ .قال روح :فردّه خا سئًا » .مت فق عل يه .و ف روا ية أح د من
حديث أب سعيد « :ولول دعوة أخي سليمان لصبح مربوطًا بسارية من
سواري السجد يتلعب به صبيان الدينة ،فمن استطاع منكم أن ل يول
بينه وبي القبلة أحد فليفعل » .
ّنَ َبعْدِي وقال الضحاك فـ قوله َ ﴿ :وه ْ
َبَ لِي ُملْكا لّا يَنبَغ ِي ِلأَحَ ٍد م ْ
﴾ فإنه دعا يوم دعا ول يكن ف ملكه الريح وكل بنّاء وغوّاص من الشياطي
،فدعا ربه عند توبته واستغفاره ،فوهب ال له ما سأل فت مّ ملكه .وعن
جرِي ِبأَمْرِهِ رُخَاء َحيْثُ أَصَابَ ﴾ قال :سريعة
سخّ ْرنَا لَهُ الرّي َح تَ ْقتادة ﴿ :فَ َ
طيّ بة ،لي ست بعا صفة ول بطيئة .وقال ا بن ز يد :الرخاء الليّ نة .و عن ا بن
َ
َ ُرخَاء ﴾ قال :يعنَ بالرخاء الطيعَة ﴿ َحيْث ُ جرِي ِبأَمْرِه ِ عباس ﴿ :تَ ْ
739 توفيق الرحن ف دروس القرآن
شيَاطِيَ ُك ّل
أَصَابَ ﴾ يقول :حيث أراد .انتهى عليها .وعن قتادة ﴿ :وَال ّ
َبنّاء َوغَوّا صٍ ﴾ قال :يعملون له ما يشاء من مار يب وتاث يل ﴿ َو َغوّا صٍ
صفَادِ ﴾ ،قال : ﴾ يستخرجون الل يّ من الب حر ﴿ وَآخَرِي َن ُمقَ ّرنِيَ فِي اْلأَ ْ
مردة الشياطي ف الغلل .
ك ِب َغيْرِ حِ سَابٍ ﴾ ، وعن السن ف قوله ﴿ :هَذَا عَطَا ُؤنَا فَا ْمنُ نْ َأوْ َأمْ سِ ْ
قال :الُلك الذي أعطيناك ،فأ عط ما شئت وام نع ما شئت ،فل يس عل يك
س َن مَآبٍ ﴾ . تبعة ول حساب َ ﴿ .وِإنّ لَ ُه عِن َدنَا لَزُْلفَى وَحُ ْ
قال ا بن كث ي :ل ا ذ كر تبارك وتعال ما أع طى سليمان عل يه ال صلة
والسلم ف الدنيا ،نبّه تعال على أنه ذو حظ عظيم عند ال يوم القيامة أيضًا
فقال تعال َ ﴿ :وإِنّ لَ ُه عِن َدنَا لَزُْلفَى وَحُ سْ َن مَآ بٍ ﴾ ،أي :ف الدار الخرة
.
***
الزء الثالث 740
ب وَ َعذَابٍ
ب ِإذْ نَادَى َرّبهُ َأنّي َمسِّنيَ الشّيْطَانُ بِنُصْ ٍ
﴿ وَاذْ ُكرْ عَ ْب َدنَا َأيّو َ
سلٌ بَا ِر ٌد وَ َشرَا بٌ ( )42وَ َوهَبْنَا لَ ُه َأهْلَ هُ
ك َهذَا ُمغْتَ َ
ض ِبرِجْلِ َ
( )41ارْكُ ْ
ضغْثا
َومِثْلَهُم ّم َعهُم ْـ َرحْ َم ًة مّنّاـ َوذِ ْكرَى ِلُأ ْولِي اْلَألْبَابِـ ( )43وَ ُخذْ بِيَدِكَـ ِ
ث ِإنّا وَ َج ْدنَا هُ صَابِرا ِنعْ مَ اْلعَ ْبدُ ِإنّ ُه َأوّا بٌ ( )44وَاذْ ُكرْ
ضرِب بّ هِ َولَا تَحَْن ْ
فَا ْ
ُوبـ أُ ْولِي اْلأَْيدِي وَاْلأَبْصـَارِ (ِ )45إنّاـ
ق َويَ ْعق َ
ِسـحَا َ
ِيمـ وَإ ْ
عِبَادَنَـا إْبرَاه َ
ُصـ َطفَ ْينَ
ِنـ الْم ْ
ُمـ عِندَنَا لَم َ
ِصـٍة ذِ ْكرَى الدّارِ ( )46وَِإّنه ْ
َصـنَاهُم بِخَال َ
َأخْل ْ
اْلأَخْيَارِ ( )47وَاذْ ُك ْر إِ سْمَاعِي َل وَالْيَ سَ َع َوذَا اْل ِكفْ ِل وَ ُكلّ مّ نْ اْلأَخْيَارِ ()48
حةً ّلهُمُ اْلَأبْوَابُ
س َن مَآبٍ ( )49جَنّاتِ َعدْ ٍن ّمفَتّ َ
َهذَا ذِ ْك ٌر َوإِنّ لِ ْلمُّتقِيَ لَحُ ْ
ُمـ
َابـ ( )51وَعِندَه ْ
ي ٍة َو َشر ٍ
ُونـ فِيهَا ِبفَا ِكهَةٍ كَثِ َ
( )50مُّتكِئِيَ فِيهَا َيدْع َ
صرَاتُ ال ّطرْ فِ أَْترَا بٌ (َ )52هذَا مَا تُو َعدُو َن لَِيوْ ِم الْحِ سَابِ ( )53إِنّ
قَا ِ
ش ّر مَآ بٍ ( )55جَهَنّ مَ
َهذَا َلرِ ْزقُنَا مَا لَ هُ مِن ّنفَادٍ (َ )54هذَا َوإِنّ لِلطّاغِيَ َل َ
س الْ ِمهَادُ ( )56هَذَا فَلَْيذُوقُو ُه حَمِي ٌم وَغَ سّاقٌ ( )57وَآ َخرُ
يَ صْ َلوَْنهَا فَبِئْ َ
مِن َشكْلِ هِ أَزْوَا جٌ (َ )58هذَا َفوْ جٌ ّمقْتَحِ مٌ ّم َعكُ مْ لَا َمرْحَبا ِبهِ مْ ِإّنهُ مْ صَالُوا
س اْل َقرَارُ (
النّارِ ( )59قَالُوا َبلْ أَنتُ ْم لَا َم ْرحَبا ِبكُ مْ أَنتُ ْم َق ّدمْتُمُو ُه لَنَا فَبِئْ َ
ضعْفا فِي النّارِ (َ )61وقَالُوا مَا
)60قَالُوا َربّنَا مَن َقدّ َم لَنَا َهذَا َف ِزدْهُ َعذَابا ِ
خ ِريّا أَمْ زَاغَتْ
خ ْذنَاهُمْ سِ ْ
لَنَا لَا َنرَى ِرجَالً كُنّا َن ُع ّدهُم مّنَ اْلأَ ْشرَارِ (َ )62أتّ َ
ص ُم َأهْ ِل النّارِ (ُ )64قلْ ِإنّمَا أَنَا
عَ ْنهُ مُ اْلَأبْ صَارُ ( )63إِنّ َذلِ كَ لَحَقّ تَخَا ُ
741 توفيق الرحن ف دروس القرآن
ض َومَا
ت وَاْلأَرْ ِ
مُنذِ ٌر َومَا مِنْ ِإلَهٍ ِإلّا اللّ ُه الْوَا ِحدُ اْل َقهّارُ (َ )65ربّ السّمَاوَا ِ
ُونـ (
ْهـ ُم ْعرِض َ
ُمـ عَن ُ
ِيمـ ( )67أَنت ْ
بَيَْنهُمَا اْل َعزِيزُ اْل َغفّارُ (ُ )66قلْ ُهوَ نَبَأٌ َعظ ٌ
)68مَا كَا َن لِي مِ نْ عِلْ ٍم بِالْمَ َلِإ الْأَعْلَى ِإذْ يَخَْت صِمُونَ ( )69إِن يُوحَى ِإلَيّ
ِإلّا َأنّمَا َأنَا َنذِي ٌر مّبِيٌ (ِ )70إ ْذ قَالَ َربّ كَ لِلْمَلَاِئكَ ِة ِإنّي خَالِ قٌ َبشَرا مِن ِطيٍ
جدَ
ت فِي ِه مِن رّوحِي َف َقعُوا لَ هُ سَا ِجدِينَ ( )72فَ سَ َ
(َ )71فِإذَا َسوّيُْت ُه وََنفَخْ ُ
س ا سْتَكَْب َر وَكَا نَ مِ ْن الْكَافِرِي نَ (
الْمَلَائِ َكةُ كُ ّلهُ مْ َأجْ َمعُو نَ (ِ )73إلّا ِإبْلِي َ
ت أَ مْ
ت بَِيدَيّ أَ سَْتكَْبرْ َ
ج َد لِمَا خَ َلقْ ُ
ك أَن تَ سْ ُ
س مَا مََنعَ َ
)74قَالَ يَا ِإبْلِي ُ
ت مِ نَ اْلعَالِيَ ( )75قَالَ َأنَا خَ ْي ٌر مّنْ هُ خَ َلقْتَنِي مِن نّارٍ َوخَ َلقْتَ ُه مِن طِيٍ (
كُن َ
ج مِ ْنهَا َفِإنّ كَ َرجِي مٌ ( )77وَإِنّ عَلَيْ كَ َلعْنَتِي ِإلَى َيوْ ِم الدّي نِ
)76قَالَ فَاخْرُ ْ
ك مِ نَ الْمُن َظرِي نَ (
( )78قَالَ َربّ َفأَنظِ ْرنِي ِإلَى َيوْ ِم يُ ْبعَثُو نَ ( )79قَالَ َفِإنّ َ
ت الْ َمعْلُو مِ ( )81قَا َل فَِبعِ ّزتِ كَ َلأُ ْغ ِويَنّهُ ْم أَجْ َمعِيَ ()82
ِ )80إلَى َيوْ ِم الْ َوقْ ِ
صيَ ( )83قَالَ فَالْحَقّ وَالْحَقّ َأقُولُ (َ )84لَأمْلَأَنّ
ِإلّا عِبَادَ َك مِ ْنهُ ُم الْمُخْلَ ِ
ك مِ ْنهُ مْ َأجْ َمعِيَ (ُ )85ق ْل مَا أَ ْسأَُلكُمْ عَلَيْ ِه مِ ْن أَ ْجرٍ
ك وَمِمّن تَِبعَ َ
َجهَنّ مَ مِن َ
َومَا أَنَا مِ نَ الْمَُتكَ ّلفِيَ ( )86إِ ْن ُهوَ ِإلّا ذِ ْك ٌر لّ ْلعَالَمِيَ (َ )87ولََتعْلَ ُمنّ نََبأَ هُ
َب ْعدَ حِيٍ (. ﴾ )88
***
الزء الثالث 742
َسـنِيَ
ّهـ َأنّيـ م ّ
ّوبـ ِإذْ نَادَى َرب ُ
قوله عـز وجـل ﴿ :وَاذْ ُكرْ عَ ْبدَن َا َأي َ
ك َهذَا ُمغْتَ سَ ٌل بَا ِردٌ َو َشرَا بٌ
ض ِب ِرجْلِ َ
ب وَ َعذَا بٍ ( )41ارْكُ ْ
الشّيْطَا نُ بِنُ صْ ٍ
(َ )42ووَهَبْنَا لَ هُ َأهْلَ هُ َومِثْلَهُم ّم َعهُ مْ َرحْ َم ًة مّنّ ا َوذِ ْكرَى لُِأ ْولِي الَْألْبَا بِ (
ث إِنّا وَ َج ْدنَا هُ صَابِرا ِنعْ َم اْلعَبْدُ
ضرِب بّ هِ َولَا تَحَْن ْ
ضغْثا فَا ْ
َ )43وخُ ْذ بَِيدِ كَ ِ
ِإّنهُ َأوّابٌ (. ﴾ )44
صبٍ َوعَذَا بٍ ﴾ ، عن قتادة ﴿ :وَاذْ ُك ْر َعبْ َدنَا َأيّو بَ ﴾ حت بلغ ِ ﴿ :بنُ ْ
ذهاب الال وال هل والضرّ الذي أ صابه ف ج سده .قال :ابتلي سبع سني
وأشهرًا مُلقى على كُناسة لبن إسرائيل تتلف الدوا بّ ف جسده ،ففرّج ال
ك هَذَا ُم ْغتَسَ ٌل بَارِدٌ
ض بِرِ ْجلِ َ عنه وعظّم له الجر وأحسن عليه الثناء ﴿ .ارْكُ ْ
َن َوشَرَاب ٌَ ﴾ ،قال :ضرب برجله الرض فإذا عينان تنبعان ،فشرب مَ
إحداها ،واغتسل من الخرى ؛ قال وهب :فأذهب ال عنه كل ما كان به
من البلء .
وعَن قتادة َ ﴿ :ووَ َهبْنَا لَهََُأهْلَهَُ َو ِمثْلَهُم ّم َعهُم َْ ﴾ ،قال :قال السَن
فأحياهم ال بأعيانم وزادّهم مثلهم ﴿ َرحْ َم ًة ّمنّا َوذِكْرَى ِلُأوْلِي اْلأَْلبَابِ ﴾ .
وعَن ماهَد :قيَل له :إن شئت أحييناهَم لك ،وإن شئت كانوا لك فَ
الخرة ،وتعطى مثلهم ف الدين ،فاختار أن يكونوا ف الخرة .ومثلهم ف
حنَ ثْ ﴾ ،قال : ضرِب بّ ِه وَلَا تَ ْ
ضغْثا فَا ْ
الد ين .و عن قتادة ﴿ :وَخُ ْذ ِبيَدِ كَ ِ
كا نت امرأ ته قد عَرَ ضت له بأ مر ،وأراد ها إبل يس على ش يء ،فقال :لو
743 توفيق الرحن ف دروس القرآن
َ عليهَا الزع -فحلف نَب ال :لِئن ال تكلمَت بكذا وكذا ،وإناَ حله ا
شفاه ليجلِدنّهَا مائة جلدة قال :فأمَر بغصَن فيَه تسَعة وتسَعون قضيبًا ،
والصل تكملة الِائَة ،فضربا ضربة واحدة ،فأبرّ نبّ ال ،و َخفّ فَ ال عن
أ َمتِهِ ،وال رحيم .
قال ابن كثي :وهذا من الفرج والخرج لن اتقى ال تعال وأناب إليه ،
ولذا قال جل وعل ِ ﴿ :إنّا وَ َج ْدنَاهُ صَابِرًا ِنعْ َم اْلعَبْدُ ِإنّهُ َأوّابٌ ﴾ .
ُوبـ ُأ ْولِي
ِسـحَاقَ وََي ْعق َ
ِيمـ َوإ ْ
قوله عـز وجـل ﴿ :وَاذْ ُكرْ عِبَادَنَا إْبرَاه َ
صةٍ ذِ ْكرَى الدّارِ (َ )46وِإنّهُ مْ
اْلأَْيدِي وَاْلأَبْ صَارِ (ِ )45إنّ ا أَخْلَ صْنَاهُم بِخَالِ َ
عِندَنَا لَمِ نَ الْمُ صْ َطفَ ْينَ اْلَأخْيَارِ ( )47وَاذْ ُك ْر إِ سْمَاعِي َل وَالْيَ سَ َع َوذَا اْل ِكفْلِ
س َن مَآ بٍ ( )49جَنّا تِ
وَ ُك ّل مّ نْ اْلأَخْيَارِ ( )48هَذَا ذِ ْكرٌ َوإِنّ لِلْمُّتقِيَ لَحُ ْ
يةٍ
حةً لّهُ مُ اْلأَْبوَا بُ ( )50مُّتكِئِيَ فِيهَا َيدْعُو نَ فِيهَا ِبفَا ِكهَةٍ كَثِ َ
َعدْ ٍن ّمفَتّ َ
ت ال ّطرْ فِ أَْترَا بٌ (َ )52هذَا مَا تُو َعدُو نَ
صرَا ُ
َو َشرَا بٍ ( )51وَعِن َدهُ مْ قَا ِ
حسَابِ ( )53إِ ّن َهذَا َلرِ ْزقُنَا مَا َلهُ مِن نّفَادٍ (. ﴾ )54
لَِيوْ ِم الْ ِ
عن ابن عباس قوله ُ ﴿ :أوْلِي الَْأيْدِي وَاْلأَبْصَارِ ﴾ ،يقول :أول القوة ف
العبادة ﴿ وَالَْأبْ صَارِ ﴾ ،يقول :الفقه ف الدين .وقال ماهد ﴿ :الَْأيْدِي ﴾
القوة ف أ مر ال ﴿ ،وَاْلأَبْ صَارِ ﴾ العقول .وقال ال سدي ﴿ :اْلأَيْدِي ﴾ :
القوة ف طا عة ال ﴿ ،وَاْلأَبْ صَارِ ﴾ :الب صر بعقول م .و عن قتادة ِ ﴿ :إنّ ا
الزء الثالث 744
يوقعوا أنفسهم ف النار خوفًا من تلك القامع فقالت القادة ﴿ :لَا مَرْحَبا ِبهِ ْم
َ صََالُوا النّارِ ﴾ ،أي :داخلوهَا كمَا ﴾ ،يعنَ :بالتباع ِ ﴿ ،إّنهُم ْ
ُمَ
ُمَ أَنت ْ ُمَ لَا مَرْحَبا ِبك ْ صَلينا ﴿ ،قَالُوا ﴾ ،فقال التباع للقادة ﴿ :بَلْ أَنت ْ
ُوهَ لَنَا ﴾ ،يقول التباع للقادة :أنتَم بدأتَ بالكفَر قبلنَا وشرعتَم َق ّدمْتُم ُ
ْسَ الْقَرَارُ ﴾ ،أي :فبئس دار القرار جهنَم ﴿ .قَالُوا وسَننتموه لنَا ﴿ َفِبئ َ
﴾ يع ن :التباع َ ﴿ :ربّنَا مَن قَدّ مَ لَنَا هَذَا ﴾ ،أي :شرعه وسنّه لنا ﴿ :
ضعْفا فِي النّارِ ﴾ ،أي :ضعّف عليه العذاب .قال ابن مسعود َفزِدْ هُ عَذَابا ِ
:يعن :حيّات ،وأفاعي .
وقالوا و هم ف النار ﴿ :مَا لَنَا لَا نَرَى رِجَالً ُكنّ ا َنعُدّهُم ﴾ ف الدن يا
َ اْلأَشْرَارِ ﴾ ،يعنون :فقراء الؤمنيَ .ثَ ذكروا أنمَ كانوا ﴿ مّن َ
خ ْذنَاهُ مْ ِسخْ ِريّا ﴾ ؟ قال الفراء :هذا من يسخرون من هؤلء فقالوا َ ﴿ :أتّ َ
ال ستفهام الذي معناه التوب يخ والتعجّب ﴿ أَ مْ زَاغَ تْ ﴾ أي مالت ﴿ عَْنهُ مُ
اْلأَبْ صَارُ ﴾؟ وماز ال ية :ما ل نا ل نرى هؤلء الذ ين اتّخذنا هم سخريّا ل
يدخلوا معنا النار ؟ أم دخلوها فزاغت عنهم أبصارنا فلم نرهم حي دخلوا ؟
صمُ َأهْلِ النّارِ ﴾ ،أي :تاصم أهل النار ف النار لقّ . ﴿ إِنّ ذَلِكَ َلحَ ّق تَخَا ُ
﴿ قُلْ ﴾ يا ممد لشركي مكّة ِ ﴿ :إنّمَا َأنَا مُنذِرٌ ﴾ موّف َ ﴿ ،ومَا مِ نْ إِلَهٍ
إِلّا اللّ ُه اْلوَا ِح ُد الْ َقهّارُ * رَبّ السّمَاوَاتِ وَاْلأَرْضِ َومَا َبْينَهُمَا اْلعَزِي ُز اْل َغفّارُ ﴾ .
انتهى ملخصًا .
747 توفيق الرحن ف دروس القرآن
انتهى .وعن قتادة :قوله ﴿ :مَا كَا نَ لِي مِ ْن عِ ْل ٍم بِالْمَلَِإ اْلأَعْلَى ﴾ ،قال :
هم اللئكة ،كانت خصومتهم ف شأن آدم ح ي قال ربك للملئ كة ﴿ :
ِإنّي خَالِ ٌق بَشَرا مِن طِيٍ ﴾ حت بلغ ﴿ :سَاجِدِينَ ﴾ ،وحي قال ِ ﴿ :إنّي
سفِكُ ال ّدمَاء ﴾ ففي هذا اختصم جَاعِلٌ فِي الَ ْرضِ خَلِي َفةً ﴾ حت بلغ َ ﴿ :ويَ ْ
الل العلى .و ف حد يث معاذ الطو يل ع ند الِمام أح د قال -يع ن ر سول
ال « : -إن قمت من الليل فصلّيت ما قدّر ل ،فنعست ف صلت حت
استيقظت ،فإذا أنا بربّي ع ّز وجلّ ف أحسن صورة ،فقال :يا ممد أتدري
َ ثلثًا ،فرأيتَه
فيمََ يتصَم الل العلى ؟ قلت :ل أدري يَا ربَّ ؟ أعاده ا
و ضع كفّه ب ي كت في ح ت وجدت برد أنامله ب ي صدري ،فتجلّى ل كلّ
فيمَ يتصَم الل العلى ؟ قلت :فَ شيَء وعرفَت ،فقال :يَا ممَد َ
الكفّارات .قال :ومََا الكفارات ؟ قلت :نقََل القدام إل الماعات ،
واللوس ف الساجد بعد الصلوات » .الديث .
قال ابن كثي :وليس هذا الختصام هو الختصام الذكور ف القرآن ،
فإن هذا قد فُسّر ،وأما الختصام الذي ف القرآن ،فقد فُسّر بعد هذا ،وهو
قوله ِ ﴿ :إذْ قَالَ َربّ كَ لِلْ َملَاِئ َكةِ ﴾ إل آ خر الق صة .و عن ا بن ع مر قال :
( خلق ال أرب عة بيده :العرش ،وعدن ،والقلم ،وآدم .ث قال لكلّ ش يء
ُمَ
ِكََلأُ ْغ ِويَّنه ْ
:كَن فكان ) .رواه ابَن جريَر .وعَن قتادة قال َ ﴿ :فِبعِ ّزت َ
حقّ
أَ ْج َمعِيَ ﴾ ،قال :علم عدوّ ال أنه ليست له عزّة .وعن ماهد ﴿ :فَالْ َ
وَالْحَقّ أَقُولُ ﴾ ،يقول ال :ال ّق منّي وأقول ال قّ .قال ا بن كث ي :وهذه
749 توفيق الرحن ف دروس القرآن
***
الزء الثالث 750
ُمـ
ُمـ وَلَا َتزِرُ وَازِ َر ٌة وِزْ َر ُأخْرَى ثُم ّ ِإلَى َربّك ُم ّم ْرجِ ُعك ْ
َهـ َلك ْ
شكُرُوا َيرْض ُ
َت ْ
س الْإِن سَانَ
فَيُنَبُّئكُم بِمَا كُنتُ ْم َتعْمَلُو َن ِإنّ هُ عَلِي مٌ ِبذَا تِ ال صّدُورِ ( )7وَِإذَا مَ ّ
سيَ مَا كَا َن َيدْعُو إِلَيْ هِ مِن
ضرّ دَعَا َربّ ُه مُنِيبا ِإلَيْ هِ ُثمّ ِإذَا َخوّلَ هُ ِنعْ َم ًة مّنْ ُه نَ ِ
ُ
ّكـ مِن ْـ
ل ِإن َ
ضلّ عَن سَـبِي ِلهِ ُق ْل تَمَتّع ْـبِ ُك ْفرِكَـ قَلِي ً
قَ ْب ُل وَ َج َعلَ لِلّهِـأَندَادا لّيُ ِ
حذَ ُر الْآ ِخ َرةَ
ب النّارِ (َ )8أمّ ْن ُهوَ قَانِ تٌ آنَاء اللّ ْيلِ سَاجِدا َوقَائِما يَ ْ
صحَا ِ
أَ ْ
َوَيرْجُو َرحْ َمةَ َربّ ِه ُقلْ َه ْل يَ سْتَوِي الّذِي نَ َيعْلَمُو َن وَاّلذِي َن لَا َيعْلَمُو َن ِإنّمَا
ـ
ـ لِلّذِين َ
ـ آمَنُوا اّتقُوا َرّبكُم ْ
ـ (ُ )9قلْ يَـا عِبَادِ اّلذِين َ
يََتذَ ّك ُر أُ ْولُوا الَْألْبَاب ِ
َأحْ سَنُوا فِي َهذِ هِ الدّنْيَا حَ سَنَ ٌة َوأَرْ ضُ اللّ ِه وَا ِسعَ ٌة ِإنّمَا ُي َوفّ ى ال صّاِبرُونَ
ت أَ ْن أَعُْب َد اللّ َه مُخْلِصا لّ هُ الدّي نَ (
َأ ْجرَهُم ِبغَ ْيرِ حِ سَابٍ (ُ )10قلْ ِإنّي ُأمِرْ ُ
ت ِلأَ ْن أَكُو َن َأوّ َل الْمُ سْلِ ِميَ (ُ )12قلْ ِإنّ ي أَخَا فُ إِ نْ عَ صَيْتُ
َ )11وُأمِرْ ُ
ب َيوْ مٍ عَظِي مٍ (ُ )13قلِ اللّ هَ أَ ْعُبدُ مُخْلِصا لّ ُه دِينِي ( )14فَاعُْبدُوا
َربّي َعذَا َ
سرُوا أَنفُ سَ ُه ْم وََأهْلِيهِ ْم يَوْ مَ
مَا شِئْتُم مّن دُونِ هِ ُق ْل إِنّ الْخَا ِسرِي َن الّذِي َن خَ ِ
سرَا ُن الْمُبِيُ ( )15لَهُم مّ ن َف ْو ِقهِ مْ ظُ َل ٌل مّ َن النّارِ
اْلقِيَا َمةِ َألَا َذلِ كَ ُه َو الْخُ ْ
ف اللّ ُه بِ هِ عِبَادَ هُ يَا ِعبَا ِد فَاتّقُو نِ ( )16وَاّلذِي نَ
خوّ ُ
ك يُ َ
َومِن تَحِْتهِ مْ ظُ َل ٌل َذلِ َ
شرْ عِبَادِ (
شرَى فََب ّ
ُمـ الُْب ْ
ّهـ َله ُ
ُوتـ أَن َيعُْبدُوهَا وََأنَابُوا ِإلَى الل ِ
اجْتَنَبُوا الطّاغ َ
)17اّلذِي َن يَ سْتَ ِمعُو َن اْلقَ ْولَ فَيَتِّبعُو َن أَحْ سََن ُه أُ ْولَئِ كَ اّلذِي َن هَدَاهُ ُم اللّ هُ
ت تُنقِذُ
ك هُ ْم أُ ْولُوا الَْألْبَا بِ (َ )18أفَمَ ْن َحقّ عَلَيْ هِ كَلِ َم ُة الْ َعذَا بِ َأ َفأَن َ
َوُأوْلَئِ َ
الزء الثالث 752
ف مّبْنِّيةٌ
ف مّن َف ْوقِهَا ُغرَ ٌ
مَن فِي النّارِ ( )19لَكِنِ اّلذِينَ اّتقَوْا َرّبهُمْ َلهُمْ ُغرَ ٌ
ف ال ّلهُ الْمِيعَادَ (. ﴾ )20
جرِي مِن تَحِْتهَا اْلأَْنهَارُ وَ ْعدَ ال ّلهِ لَا يُخْلِ ُ
تَ ْ
***
753 توفيق الرحن ف دروس القرآن
ُمَ إِلّا
ِهَ َأوِْليَاء مَا َنعْبُ ُده ْ
ِينَ اتّخَذُوا مِن دُون ِ
وعَن قتادة :قوله ﴿ :وَالّذ َ
ّهَ زُلْفَى ﴾ ،قالوا :مَا نعبَد هؤلء ﴿ ،إِلّا ِلُيقَ ّربُونَا ﴾ إل ِلُيقَ ّربُونَا إِلَى الل ِ
ليشفعوا لنَا عنَد ال .قال ابَن كثيَ :وهذه الشبهَة هَي التَ اعتمدهَا
ُونَ
ُمَ فِي بُط ِ خُل ُقك ْ
الشركون فَ قديَ الدهَر وحديثَه .وعَن قتادة ﴿ :يَ ْ
ُأ ّمهَاتِكُ مْ خَلْقا مِن َبعْدِ َخلْ قٍ ﴾ نطفة ،ث علقة ،ث مضغة ،ث عظامًا ،ث
لمًا ،ث أنبت الشعر ؛ أطوار اللق ف ظلمات ثلث :الشيمة ،والرحم ،
والبطن .
﴿ ذَِلكُ مُ اللّ هُ َربّكُمْ لَ ُه الْ ُملْ كُ لَا إِلَهَ إِلّا ُهوَ َفَأنّى تُصْرَفُونَ ﴾ قال ابن كثي
:أي :هذا الذي خلق السَماوات والرض ومَا بينهمَا ،وخلقكَم وخلق
ك ﴾ والتصرّف ف ج يع ذلك ﴿ ،لَا إِلَ هَ إِلّا آباءكم ،هو الر بّ ﴿ لَ ُه الْمُلْ ُ
ُهوَ ﴾ ،أي :الذي ل تنبغي العبادة إل له وحده ل شريك له َ ﴿ ،فَأنّى
ُتصْرَفُونَ ﴾ فكيف تعبدون معه غيه ؟ أين يُذهب بعقولكم ؟
وقوله تعال ﴿ :إِن َتكْفُرُوا فَِإنّ اللّ َه غَِنيّ عَنكُ ْم وَلَا يَرْضَى ِلعِبَادِهِ اْل ُكفْرَ ﴾
شكُرُوا يَرْضَ هُ َلكُ مْ ﴾ ،قال السدي :
أي :ل يبّه ،ول يأمر به َ ﴿ ،وإِن تَ ْ
إن تطيعوا يرضه لكم .وقال ابن كثي :أي :يبّه لكم ،ويزدكم من فضله
﴿ وَلَا َتزِ ُر وَازِ َرةٌ وِزْرَ أُ ْخرَى ﴾ ،قال السدي :ل يؤخذ أحد بذنب أحد .
وقال ابن كثي :أي :ل تمل نفس عن نفس شيئًا ،بل كل مطالب بأمر
نفسه ﴿ .ثُمّ إِلَى َرّبكُم مّ ْر ِجعُكُ مْ َفُينَّبُئكُم بِمَا كُنتُ ْم َتعْمَلُو نَ ِإنّ ُه عَلِي ٌم بِذَا تِ
الصّدُورِ ﴾ ،أي :فل تفى عليه خافية .
755 توفيق الرحن ف دروس القرآن
يقول عزّ وجلّ :أمَّن هذه صَفته كمَن أشرك بال وجعَل له أندادًا ؟ ل
يستوون عند ال .
وقوله تعال ﴿ :قُ ْل هَ ْل يَ ْ
سَتوِي الّذِي نَ يَعَْلمُو َن وَالّذِي نَ لَا َيعْلَمُو نَ ﴾ أي
﴿ :هل ي ستوي هذا والذي قبله م ن ج عل ل أندادًا ليضلّ عن سبيله ؟
ِإنّمَا َيتَذَكّرُ ُأوْلُوا اْلأَلْبَابِ ﴾ .
قوله عز وجل ُ ﴿ :قلْ يَا عِبَادِ اّلذِي نَ آمَنُوا اّتقُوا َرّبكُ ْم لِ ّلذِي َن َأحْ سَنُوا
ض اللّ هِ وَا سِ َعةٌ إِنّمَا ُيوَفّى ال صّاِبرُو َن َأجْ َرهُم ِبغَ ْيرِ
فِي هَذِ ِه ال ّدنْيَا حَ سََنةٌ َوأَرْ ُ
حِسَابٍ (ُ )10ق ْل ِإنّي ُأ ِمرْتُ أَ ْن أَعُْبدَ اللّهَ مُخْلِصا لّ ُه الدّي نَ (َ )11وُأمِرْ تُ
ب َيوْمٍ
ِلأَنْ أَكُونَ َأ ّولَ الْمُسْلِمِيَ (ُ )12قلْ ِإنّي أَخَافُ إِنْ عَصَيْتُ َربّي َعذَا َ
عَظِي مٍ (ُ )13ق ِل اللّ َه أَعُْب ُد مُخْلِ صا لّ هُ دِينِي ( )14فَاعُْبدُوا مَا شِئْتُم مّ ن
سهُ ْم َوأَهْلِيهِمْ َيوْ َم اْلقِيَا َمةِ َألَا َذلِكَ
سرُوا أَنفُ َ
دُونِ ِه ُقلْ إِنّ الْخَا ِسرِينَ اّلذِينَ خَ ِ
سرَا ُن الْمُبِيُ (َ )15لهُم مّن َف ْو ِقهِ مْ ظُ َل ٌل مّ َن النّا ِر َومِن تَحِْتهِ مْ ظُ َللٌ
ُهوَ الْخُ ْ
ف ال ّلهُ ِبهِ عِبَا َد ُه يَا عِبَا ِد فَاتّقُونِ (. ﴾ )16
خوّ ُ
َذِلكَ يُ َ
سَنةٌ ﴾ ،يعن : قال مقاتل ف قوله ﴿ :لِلّذِي نَ أَحْ َ
سنُوا فِي هَذِ هِ ال ّدْنيَا حَ َ
النة .
قلت :وهذه اليَة كقوله تعال ﴿ :مَن َْ عَمِلَ صََالِحا مّنَ ذَكَرٍ َأوْ أُنثَى
َنِ مََا كَانُواْ
َ أَ ْجرَهَُم ِبأَحْس َ
ج ِزَيّنهُم ْ
َ َحيَا ًة طَّيَبةً وََلنَ ْ
حِيَينّه ُ
َ فََلنُ ْ
َو ُهوَ ُمؤْمِن ٌ
َيعْمَلُونَ ﴾.
757 توفيق الرحن ف دروس القرآن
وعن ماهد قوله َ ﴿ :وأَ ْرضُ اللّ ِه وَا ِسعَةٌ ﴾ فهاجروا واعتزلوا الوثان .
ُمَ ِب َغيْرِ حِسََابٍ ﴾ ل وال مَا وعَن قتادة ِ ﴿ :إنّمَا ُيوَفّىَ الصَّابِرُونَ أَ ْج َره ْ
خلِ صا لّ هُ الدّي نَ
هنا كم مكيال ول ميزان ﴿ ،قُلْ ِإنّ ي ُأمِرْ تُ أَ نْ َأ ْعبُدَ اللّ َه مُ ْ
﴾ ،قال البغوي :ملصًا له التوحيد ل أشرك به شيئًا َ ﴿ .وُأمِرْتُ لنْ أَكُونَ
َصَْيتُ َربّيَ ِنَ ع َ
َافَ إ ْ
ُسَِلمِيَ ﴾ مَن هذه المَة ﴿ .قُلْ ِإنّيَ أَخ ُ َأوّ َل الْم ْ
ب َيوْ مٍ عَظِي مٍ ﴾ وهذا ح ي د عي إل د ين آبائه . ﴾ وعبدت غيه ﴿ ،عَذَا َ
﴿ قُلِ اللّ هَ َأعْبُ ُد ُمخْلِ صًا لَ هُ دِينِي فَا ْعبُدُوا مَا ِشْئتُ ْم مِ نْ دُونِ هِ ﴾ أ مر توب يخ
وتد يد ،وقال ا بن كث ي :يقول تعال :قل يا م مد -وأ نت ر سول ال -
صيْتُ َربّي عَذَا بَ َيوْ ٍم عَظِي مٍ ﴾ ،وهو يوم القيامة - ِ ﴿ :إنّي أَخَا فُ إِ ْن عَ َ
وهذا شَرْط – ومعناه :التعريض بغيه بطريق الول والحرى .
ُسَهُمْ
َسَرُوا َأنْف َ
ِينَ خ ِ َاسَرِينَ الّذ َ وعَن ابَن عباس قوله ﴿ :قُلْ إِن ّ الْخ ِ
َوَأهْلِيهِ ْم َيوْ َم اْلقِيَا َمةِ ﴾ ،قال :هم :الكفار الذ ين خلقهم ال للنار ،وخلق
النار لم ،فزالت عنهم الدنيا وحرمت عليهم النة .وقال ابن زيد :هؤلء
أ هل النار ،خ سروا أنف سهم ف الدن يا وخ سروا ال هل ،فلم يدوا ف النار
سرَا ُن الْ ُمبِيُ ﴾ .أهلً وقد كان لم ف الدنيا أهل ﴿ .أَلَا ذَلِكَ هُ َو الْخُ ْ
َ ظَُللٌ
حِتهِم ْ
ّنَ النّارِ وَمَِن تَ ْ وقوله تعال ﴿ :لَهَُم مّنَ َفوِْقه ْ
ِمَ ظُلَ ٌل م َ
﴾ كقوله تعال َ ﴿ :لهُم مّن َج َهنّمَ ِمهَا ٌد َومِن َفوِْقهِ ْم َغوَاشٍ ﴾ [ ،وكقوله ]
خوّ فُ اللّ ُه بِ ِه ِعبَادَ هُ يَا ِعبَادِ فَاّتقُو نِ ﴾ ،قال ابن كثي :أي :إنا
ك يُ َ
﴿ ذَلِ َ
الزء الثالث 758
***
الزء الثالث 760
ض ثُمّ
﴿ َألَ مْ تَ َر أَنّ اللّ هَ أَنزَ َل مِ َن ال سّمَا ِء مَا ًء فَ سَ َل َكهُ يَنَابِي َع فِي اْلأَرْ ِ
جعَلُ هُ حُطَاما إِنّ
ص َفرّا ُثمّ يَ ْ
ج فََترَا هُ مُ ْ
ج بِ هِ زَرْعا مّخْتَلِفا َألْوَانُ ُه ُثمّ َيهِي ُ
خرِ ُ
يُ ْ
صدْ َر ُه لِ ْلإِ سْلَا ِم َف ُهوَ
ح اللّ هُ َ
فِي ذَلِ كَ لَذِ ْكرَى ِلأُ ْولِي الَْألْبَا بِ (َ )21أفَمَن َشرَ َ
عَلَى نُو ٍر مّن ّربّ ِه َفوَْي ٌل لّ ْلقَا سَِيةِ قُلُوُبهُم مّن ذِ ْكرِ اللّ ِه ُأوْلَئِكَ فِي ضَلَا ٍل مُبِيٍ
ْهـ جُلُودُ
ِيـ َت ْقشَ ِع ّر مِن ُ
ِيثـ كِتَابا مَّتشَابِها مّثَان َ
حد ِ ْسـنَ الْ َ
ّهـ َن ّزلَ َأح َ
( )22الل ُ
ك ُهدَى
شوْ نَ َرّبهُ ْم ُثمّ تَلِيُ جُلُو ُدهُ ْم َوقُلُوُبهُ ْم ِإلَى ذِ ْكرِ اللّ ِه َذلِ َ
خَاّلذِي َن يَ ْ
اللّ هِ َي ْهدِي بِ ِه مَ نْ َيشَا ُء َومَن يُضْ ِل ْل اللّ ُه فَمَا لَ هُ مِ ْن هَادٍ (َ )23أفَمَن يَّتقِي
ب َيوْ َم الْقِيَامَ ِة َوقِيلَ لِلظّالِمِيَ ذُوقُوا مَا كُنتُ ْم َتكْ سِبُونَ (
ِبوَ ْجهِ هِ سُو َء اْلعَذَا ِ
شعُرُو نَ ()25
ب مِ ْن حَيْ ثُ لَا َي ْ
َ )24كذّ بَ اّلذِي نَ مِن قَبْ ِلهِ ْم َفَأتَاهُ مْ اْل َعذَا ُ
َابـ الْآ ِخ َرةِ أَكَْب ُر َلوْ كَانُوا
ْيـ ف ِي الْحَيَا ِة ال ّدنْي َا َولَ َعذ ُ
خز َّهـ الْ ِ
ُمـ الل ُ
َفَأذَا َقه ُ
ُمـ
ْآنـ مِن ُك ّل مََث ٍل ّلعَلّه ْ
ّاسـ فِي َهذَا اْل ُقر ِ
ض َربْنَا لِلن ِ
ُونـ (َ )26وَلقَدْ َ
َيعْلَم َ
ضرَبَ اللّهُ
ج ّلعَلّهُ ْم يَّتقُونَ (َ )28
يََتذَ ّكرُونَ ( )27قُرآنا َع َربِيّا غَ ْي َر ذِي ِعوَ ٍ
ل فِي ِه شُرَكَاء مَُتشَاكِ سُو َن وَ َرجُلً سَلَما ّلرَ ُجلٍ هَ ْل يَ سَْت ِويَا ِن مَثَلً
مَثَلً ّرجُ ً
ت َوِإنّهُم مّيّتُو نَ (ُ )30ثمّ
ك مَيّ ٌ
الْحَ ْم ُد لِلّ ِه َبلْ أَكَْثرُهُ ْم لَا َيعْلَمُو نَ (ِ )29إنّ َ
صمُونَ (. ﴾ )31
ِإّنكُ ْم َيوْمَ اْلقِيَا َمةِ عِندَ َرّبكُ ْم تَخْتَ ِ
***
761 توفيق الرحن ف دروس القرآن
قوله عز وجل َ ﴿ :ألَ ْم َترَ أَنّ اللّ هَ أَن َزلَ مِ نَ ال سّمَا ِء مَا ًء فَ سَ َلكَ ُه يَنَابِي عَ
صفَرّا ثُمّ
ج فََترَا هُ مُ ْ
خرِ جُ بِ هِ زَرْعا مّخْتَلِفا أَْلوَانُ ُه ثُمّ َيهِي ُ
ض ثُمّ يُ ْ
فِي اْلأَرْ ِ
ح اللّ هُ
ك َلذِ ْكرَى ِلأُ ْولِي اْلأَلْبَا بِ (َ )21أفَمَن َشرَ َ
جعَلُ ُه حُطَاما إِنّ فِي َذلِ َ
يَ ْ
صدْ َر ُه لِ ْلإِ سْلَامِ َفهُوَ عَلَى نُو ٍر مّ ن ّربّ هِ َف َوْيلٌ لّ ْلقَا سِيَ ِة قُلُوبُهُم مّ ن ذِ ْك ِر اللّ هِ
َ
ضلَا ٍل مُبِيٍ (. ﴾ )22
ك فِي َ
ُأ ْولَئِ َ
قال البغوي ﴿ :أَلَ ْم تَرَ أَنّ اللّ هَ أَنزَلَ مِ َن ال سّمَا ِء مَاءً فَ سََلكَهُ ﴾ أد خل
ذلك الاء َ ﴿ ،ينَابِي َع ﴾ عيونًا وركايا فِي الرْضِ .قال الشعب :كل ماء ف
ختَِلفًا أَْلوَانُهُ ﴾ أحر ،وأصفر ، ج بِهِ زَ ْرعًا مُ ْ
خرِ ُ
الرض فمن السماء ﴿ .ثُمّ يُ ْ
وأخضر ﴿ .ثُمّ َيهِيجُ ﴾ ييبس ﴿ َفتَرَاه ﴾ بعد خضرته ونضرته ﴿ مُصْفَرّا ثُمّ
ج َعلُهَُ حُطَامًا ﴾ فتاتًا متكسَرًا ﴿ ،إِنّ فِي ذَلِكََلَذِ ْكرَى لولِي الْلبَابَِ يَ ْ
صدْ َرهُ لِل سْلمِ ﴾ وسعه لقبول الق َ ﴿ ،ف ُه َو عَلَى ﴾ ﴿ .أَفَمَ ْن َشرَ حَ اللّ هُ َ
نُو ٍر مِ نْ َربّ هِ ﴾ ك من ق سى ال قلبه َ ﴿ .ف َويْلٌ لّ ْلقَا ِسَيةِ قُلُوبُهُم مّ ن ذِ ْكرِ اللّ هِ
ضلَا ٍل ُمبِيٍ ﴾ ،قال مالك بن دينار :ما ضرب عبد بعقوبة أعظم ُأوَْلئِكَ فِي َ
من قسوة القلب ،وما غضب ال عز وجل على قوم إل نزع منهم الرحة .
وعَن عبَد ال بَن مسَعود قال :قال رسَول ال « :أفمَن شرح ال
صدره للِسلم فهو على نور من ربه » .قلنا :يا رسول ال كيف انشراح
صدره ؟ قال « :إذا دخل النور القلب انشرح وانفسح » ! قلنا :يا رسول
الزء الثالث 762
ال ومَا علمَة ذلك ؟ قال « :النابَة إل دار اللود ،والتجافَ عَن دار
الغرور ،والتأهّب للموت قبل نزول الوت » .رواه البغوي وغيه .
ِيـ
ِيثـ كِتَابا مَّتشَابِها مّثَان َ
حد ِ ْسـنَ الْ َ
ّهـ َنزّ َل أَح َ
قوله عـز وجـل ﴿ :الل ُ
شوْ نَ َرّبهُ ْم ُثمّ تَ ِليُ جُلُو ُدهُ ْم َوقُلُوُبهُ مْ ِإلَى ذِ ْكرِ
خَشعِ ّر مِنْ هُ جُلُودُ اّلذِي َن يَ ْ
َت ْق َ
اللّ ِه َذلِ كَ ُهدَى اللّ هِ َي ْهدِي بِ هِ مَ نْ َيشَا ُء َومَن يُضْ ِللْ اللّ ُه فَمَا لَ هُ مِ نْ هَادٍ (
ب َيوْ َم اْلقِيَا َمةِ َوقِي َل لِلظّالِ ِميَ ذُوقُوا مَا
َ )23أفَمَن يَّتقِي ِبوَ ْجهِ هِ سُوءَ اْل َعذَا ِ
ب مِ ْن حَيْ ثُ لَا
كُنتُ ْم تَكْ سِبُونَ (َ )24كذّ بَ اّلذِي نَ مِن قَبْ ِلهِ ْم َفَأتَاهُ مْ اْل َعذَا ُ
ي فِي الْحَيَا ِة ال ّدنْيَا َوَلعَذَابُ الْآ ِخ َرةِ أَكَْبرُ
خزْ َ
ش ُعرُونَ (َ )25فَأذَا َقهُمُ اللّهُ الْ ِ
َي ْ
َلوْ كَانُوا َيعْلَمُونَ (. ﴾ )26
عن قتادة قوله ﴿ :اللّ ُه َنزّلَ أَحْ سَ َن الْحَدِي ثِ ِكتَابا ّمتَشَابِها ﴾ الية تشبه
ال ية ،والرف يش به الرف .وقال سعيد بن جبي :يش به بع ضه بعضًا ،
ويصَدق بعضَه بعضًا ،ويد ّل بعضَه على بعَض .وعَن ابَن عباس قوله :
﴿ ّمثَانِ يَ ﴾ قال :كتاب ال مثا ن ،ث ن ف يه ال مر مرارًا .وقال قتادة :
َ
ثنَ ال فيَه :الفرائض والقضاء والدود .وقال ابَن زيَد ّ ﴿ :مثَانِي َ
﴾ مردد ،ردّد ذ كر مو سى ف القرآن ،و صال ،وهود ،وال نبياء .وقال
شوْ نَ َرّبهُ مْ
شعِ ّر ِمنْ هُ ُجلُو ُد الّذِي نَ يَخْ َ
مع مر :تل قتادة -رح ه ال َ ﴿ : -تقْ َ
ثُمّ تَلِيُ ُجلُو ُدهُم َْ وَُقلُوُبهُم َْإِلَى ذِكْرِ اللّهَِ ﴾ ،قال :هذا نعَت أولياء ال ،
نعت هم ال عز و جل بأن تقشعرّ جلود هم ،وتب كي أعين هم ،وتطمئ نّ قلوب م
763 توفيق الرحن ف دروس القرآن
وقال ابن كثي :ويقول تعال ﴿ :وََلقَدْ ضَ َرْبنَا لِلنّاسِ فِي هَذَا اْلقُرْآنِ مِن
َ
َ يَتَذَكّرُون َ كُ ّل َمثَلٍ ﴾ ،أي :بيّنَّا للناس فيَه بضرب المثال ّ ﴿ ،لعَّلهُم ْ
﴾ فإن ال ثل يقرّب الع ن إل الذهان .وقوله ج ّل وعل ﴿ :قُرآنا عَ َرِبيّا َغيْرَ
ذِي ِعوَجٍ ﴾ أي :هو قرآن بلسان عربّ مبي ،ل اعوجاج فيه ول انراف ،
ول َلبْس .بل هو بيان ووضوح وبرهان ؛ وإنا جعله ال تعال كذلك وأنزله
بذلك ّ ﴿ ،لعَّلهُ ْم َيّتقُونَ ﴾ ،أي :يذرون ما فيه من الوعيد ويعملون با فيه
من الوعد .
وعن قتادة :قوله ﴿ :ضَرَبَ اللّ ُه َمَثلً رّ ُجلً فِي ِه شُرَكَاء ُمتَشَاكِسُونَ ﴾ ،
قال :هذا الشرك يتناز عه الشياط ي ﴿ .وَ َر ُجلً سَلَما لّرَجُلٍ ﴾ ،قال :هو
الؤ من أخلص الدعوة ل والعبادة .وقال ا بن ز يد :أرأ يت الر جل الذي ف يه
شركاء متشاك سون ؟ كل هم سيّئ اللق ،ل يس من هم وا حد إل تلقاه آخذًا
بطرف من مال لستخدامه أسوأهم والذي ل يلكه إل واحد ،فإنا هذا مثل
ضربه ال لؤلء الذين يعبدون اللة وجعلوا لا ف أعناقهم حقوقًا ،فضربه
ل الْحَمْدُ لِلّ ِه بَلْ أَ ْكثَ ُرهُ مْ
سَتوِيَانِ مََث ً
ل ل م وللذي يعبده وحده ﴿ هَلْ يَ ْ ال مث ً
لَا َيعْلَمُونََ ﴾ .قال البغوي :وهذا اسَتفهام إنكار ،أي :ل يسَتويان .ثَ
قال ﴿ :الْحَ ْمدُ لِلّ هِ ﴾ ،أي :ل ال مد كلّه دون غيه من العبود ين ﴿ بَلْ
أَ ْكثَ ُرهُمْ لَا َيعْلَمُو َن ﴾ ما يصيون إليه .
َتموت َ ﴿ ،وِإنّهَُم ّمّيتُون ََ ﴾ ،أي : َ َميّت ٌَ ﴾ أي :سَ ﴿ ِإنّك َ
ختَصِمُونَ ﴾ ،قال ابن عباس سيموتون ﴿ ،ثُمّ ِإّنكُ ْم َيوْمَ اْل ِقيَا َم ِة عِندَ َرّبكُ ْم تَ ْ
765 توفيق الرحن ف دروس القرآن
:يعن :الح ّق والبطل ،والظال والظلوم .قال ابن كثي :وقوله تعال ﴿ :
ت َوِإنّهُم ّميّتُو نَ ﴾ ،هذه الية من اليات الت استشهد با الصدّيق ِإنّ كَ َميّ ٌ
رضي ال عنه عند موت رسول ال ،حت تقق الناس موته ،مع قوله عزّ
وجل َ ﴿ :ومَا مُحَمّدٌ إِلّ رَ سُولٌ قَدْ َخلَ تْ مِن َقبْلِ هِ الرّ سُلُ أَفَإِن مّا تَ َأوْ ُقتِلَ
جزِي اللّهُ ب عََل َى عَ ِقَبيْهِ فَلَن يَضُرّ اللّ َه َشيْئا َوسَيَ ْ
انقََلبْتُ ْم عَلَى أَ ْعقَابِكُ ْم َومَن يَنقَلِ ْ
الشّاكِرِينَ ﴾ .
***
الزء الثالث 766
س فِي
ق ِإ ْذ جَاء هُ أَلَيْ َ
﴿ فَمَ ْن أَظْلَ ُم مِمّن َكذَ بَ عَلَى اللّ هِ وَ َكذّ بَ بِال صّدْ ِ
ق بِ هِ ُأ ْولَئِ كَ هُ مُ
صدّ َ
ق وَ َ
صدْ ِ
َجهَنّ َم مَ ْثوًى لّ ْلكَا ِفرِي نَ ( )32وَاّلذِي جَاء بِال ّ
ك جَزَاء الْمُحْ سِِنيَ ()34
الْمُّتقُو نَ ( )33لَهُم مّ ا َيشَاءُو نَ عِندَ َربّهِ ْم َذلِ َ
ج ِزَيهُ مْ َأ ْجرَهُم ِبَأحْ سَ ِن الّذِي كَانُوا
لُِي َكفّ َر اللّ هُ َع ْنهُ ْم أَ سْ َوأَ اّلذِي عَمِلُوا وَيَ ْ
خوّفُونَ كَ بِالّذِي َن مِن دُونِ ِه وَمَن
س اللّ هُ بِكَا فٍ عَ ْبدَ ُه َويُ َ
َيعْمَلُو نَ (َ )35ألَيْ َ
ض ّل َألَيْ سَ اللّ هُ
يُضْ ِل ِل اللّ ُه فَمَا لَ هُ مِ ْن هَادٍ (َ )36ومَن َي ْهدِ اللّ ُه فَمَا لَ ُه مِن مّ ِ
ض لََيقُوُلنّ
ِب َعزِي ٍز ذِي انِتقَا مٍ ( )37وَلَئِن َسَألَْتهُم مّ ْن خَلَ َق ال سّمَاوَاتِ وَالْأَرْ َ
ض ّر هَ ْل هُنّ
اللّ هُ ُق ْل َأ َفرََأيْتُم مّ ا َتدْعُو َن مِن دُو نِ اللّ هِ إِ ْن أَرَا َدنِ َي اللّ ُه بِ ُ
سكَاتُ َرحْمَتِ ِه ُقلْ حَسِْبيَ اللّهُ
ضرّهِ أَ ْو أَرَادَنِي ِب َرحْ َمةٍ َه ْل ُهنّ مُمْ ِ
كَا ِشفَاتُ ُ
عَلَيْ هِ يََتوَ ّك ُل الْمَُتوَكّلُو نَ (ُ )38ق ْل يَا َقوْ مِ اعْمَلُوا عَلَى مَكَانَتِكُ ْم إِنّي عَامِلٌ
ب ّمقِي مٌ (
حلّ عَلَيْ هِ َعذَا ٌ
خزِي ِه َويَ ِ
ف َتعْلَمُو نَ ( )39مَن َي ْأتِي هِ َعذَا بٌ يُ ْ
فَ سَوْ َ
ضلّ
حقّ فَمَ ِن اهَْتدَى فَلَِنفْ سِ ِه َومَن َ
ِ )40إنّا أَن َزلْنَا عَلَيْ كَ اْلكِتَا بَ لِلنّا سِ بِالْ َ
س حِيَ
ضلّ عَلَيْهَا وَمَا أَن تَ عَلَيْهِم ِبوَكِيلٍ ( )41اللّ ُه يََتوَفّ ى اْلأَنفُ َ
َفِإنّمَا يَ ِ
ت وَُيرْ سِلُ
سكُ الّتِي قَضَى عَلَ ْيهَا الْ َموْ َ
ت فِي مَنَا ِمهَا فَيُمْ ِ
َم ْوتِهَا وَالّتِي لَ ْم تَمُ ْ
اْلأُ ْخرَى ِإلَى َأ َجلٍ مُسَـمّى إِنّ فِي ذَلِكَـلَآيَاتٍـّلقَوْمٍـيََتفَ ّكرُونَـ ( )42أَمِـ
خذُوا مِن دُو ِن اللّ هِ ُش َفعَاء ُق ْل َأوََلوْ كَانُوا لَا يَمْ ِلكُو َن شَيْئا َولَا َي ْعقِلُو نَ (
اتّ َ
ض ُثمّ ِإلَيْ ِه ُترْ َجعُو نَ
ك ال سّمَاوَاتِ وَاْلأَرْ ِ
شفَا َع ُة جَمِيعا لّ هُ مُلْ ُ
)43قُل لّلّ هِ ال ّ
767 توفيق الرحن ف دروس القرآن
***
الزء الثالث 768
ق ِإذْ
ب بِالصّدْ ِ
قوله عز وجل ﴿ :فَ َم ْن أَظْ َل ُم مِمّن َكذَبَ عَلَى اللّ ِه وَ َكذّ َ
صدّقَ
ق وَ َ
صدْ ِ
جَاء ُه َألَيْ سَ فِي َجهَنّ َم مَ ْثوًى لّ ْلكَا ِفرِي نَ ( )32وَالّذِي جَاء بِال ّ
ِكـ َجزَاء
ِمـ َذل َ
ُونـ عِندَ َرّبه ْ
ُونـ ( )33لَهُم مّاـ َيشَاء َ
ُمـ الْمُّتق َ
ِكـ ه ُ
ِهـ ُأ ْولَئ َ
بِ
ج ِزيَهُم ْـَأ ْجرَهُم
ـِيَ ( )34لُِي َكفّ َر اللّهُـ عَ ْنهُم ْـأَس ْـوََأ اّلذِي َعمِلُوا َويَ ْ
الْمُحْسِن
س ِن الّذِي كَانُوا يَعْمَلُونَ (. ﴾ )35
ِبَأحْ َ
ّهَ
َبَ عَلَى الل ِ
َمَ مِمّنَ كَذ َ قال البغوي :قوله عـز وجـل ﴿ :فَم ْ
َنَ َأظْل ُ
ب بِالصّ ْدقِ ﴾ بالقرآن ﴿ إِذْ جَاء ُه ﴾ فزعم أن له ولدًا ،أو شريكًا ﴿ ،وَكَذّ َ
ِينَ ﴾ ؟ اسَتفهام بعنَ ّمَ َمْثوًى ﴾ منل ومقام ﴿ ،لّ ْلكَافِر َ ْسَ فِي َج َهن َ أََلي َ
التقر ير .و عن قتادة ﴿ :وَالّذِي جَاء بِال صّ ْدقِ ﴾ ،قال :هذا ر سول ال
ِهَ ﴾ الؤمنون .وقال ماهَد :هَم أهَل القرآن قب ِ َصَّد َ
جاء بالقرآن ﴿ ،و َ
ييئون به يوم القيامة يقولون :هذا الذي أعطيتمونا فاتبعنا ما فيه .وعن ابن
عباس ُ ﴿ :أوَْلئِكَ هُ ُم الْ ُمّتقُونَ ﴾ ،يقول :اتقوا الشرك .وقال ابن زيد ﴿ :
ق بِ هِ ُأوَْلئِ كَ هُ ُم الْ ُمّتقُو نَ ﴾ أل م ذنوب ؟ أي : ق وَ صَ ّد َ وَالّذِي جَاء بِال صّ ْد ِ
سنِيَ * ِلُيكَفّرَ
ر بّ ،ن عم ﴿ ،لَهُم مّ ا يَشَاءُو َن عِندَ َرّبهِ مْ ذَلِ كَ َجزَاء الْمُحْ ِ
س ِن الّذِي كَانُوا َيعْمَلُو نَ ﴾ج ِزَيهُ مْ أَ ْج َرهُم ِبأَحْ َ
اللّ ُه عَْنهُمْ أَ ْس َوأَ الّذِي عَ ِملُوا َويَ ْ
.وقرأ ِ ﴿ :إنّمَا الْ ُم ْؤ ِمنُو نَ الّذِي نَ إِذَا ذُكِرَ اللّ ُه وَ ِجلَ تْ قُلُوُبهُ مْ ﴾ إل أن بلغ
َ
َ ﴿ :ومَ ْغفِ َرةٌ ﴾ لئل ييأس مَن له الذنوب أن ل يكونوا منهَم ﴿ ،وَرِزْق ٌ
سلِمَاتِ ﴾ إل آخر الية . سلِمِيَ وَالْمُ ْ َك ِريٌ ﴾ ،وقرأ ِ ﴿ :إنّ الْمُ ْ
769 توفيق الرحن ف دروس القرآن
سبُوا ﴾ ،أي :مساوئ أعمالم من الشرك والظلم بأولياء ال ﴿ ،وَحَا قَ كَ َ
سَتهْ ِزئُون ﴾ .
ِبهِم مّا كَانُوا بِ ِه يَ ْ
ض ّر دَعَانَا ُثمّ ِإذَا َخوّلْنَا ُه ِنعْ َمةً مّنّا
س اْلإِنسَانَ ُ
قوله عز وجل َ ﴿ :فإِذَا مَ ّ
قَالَ ِإنّمَا أُوتِيتُ هُ عَلَى عِلْ ٍم َب ْل هِ يَ فِتَْن ٌة َولَكِنّ أَكَْث َرهُ مْ لَا َيعْلَمُو نَ (َ )49قدْ
قَالَهَا اّلذِي نَ مِن قَبْ ِلهِ مْ فَمَا أَغْنَى عَ ْنهُم مّ ا كَانُوا َيكْ سِبُونَ (َ )50فأَ صَاَب ُهمْ
ت مَا كَسَبُوا وَاّلذِينَ َظلَمُوا ِمنْ َه ُؤلَاء سَيُصِيُبهُ ْم سَيّئَاتُ مَا كَسَبُوا َومَا
سَيّئَا ُ
ق لِمَن َيشَا ُء َويَ ْقدِ ُر إِنّ
ط الرّزْ َ
جزِينَ ( )51أَ َولَمْ َيعْلَمُوا أَنّ اللّهَ يَبْسُ ُ
هُم بِ ُمعْ ِ
ت ّلقَوْ ٍم ُي ْؤمِنُونَ (. ﴾ )52
فِي ذَِلكَ لَآيَا ٍ
عن قتادة :قوله ﴿ :ثُمّ إِذَا َخوّْلنَا ُه ِنعْ َم ًة ّمنّ ا قَالَ ِإنّمَا أُوتِيتُ ُه عَلَى عِ ْل ٍم
َب عندي ﴿ ،بَ ْل هِي ََ ِفْتَنةٌ ﴾ ،أي :بلء ﴿ ،وَلَكِنَّ ﴾ أي :على خَ
أَ ْكثَ َرهُ مْ لَا يَعَْلمُو نَ ﴾ .و عن ال سدي َ ﴿ :قدْ قَالَهَا الّذِي نَ مِن َقبِْلهِ مْ ﴾ ،
المم الاضية ﴿ ،وَالّذِي َن ظَلَمُوا مِ ْن َهؤُلَاء ﴾ ،قال :من أمة ممد .
وقوله تعال َ ﴿ :أوَلَ مْ يَعَْلمُوا أَنّ اللّ هَ يَبْ سُطُ الرّزْ قَ لِمَن يَشَا ُء َوَيقْدِرُ إِنّ
فِي ذَلِ كَ لَآيَا تٍ ّل َقوْ مٍ ُي ْؤ ِمنُو نَ ﴾ ،قال ابن جرير :يقول تعال ذكره َ :أوَلَم
يعلم -يا م مد -هؤلء الذ ين كشف نا ضرّ هم فقالوا :إن ا أوتيناه على علم
منَا ،أن الشدّة والرخاء والسَعة والضيَق والبلء بيَد ال دون ك ّل مَن
سواه ؟ ﴿ َيبْ سُطُ الرّزْ قَ لِمَن يَشَاءُ ﴾ ،فيو سعه عل يه َ ﴿ ،ويَقْدِرُ ﴾ ذلك
على من يشاء من عباده فيضيّقه ،وأن ذلك من حجج ال على عباده ليعتبوا
773 توفيق الرحن ف دروس القرآن
به ويتذكّروا ويعلموا أن الرغ بة إل يه والره بة دون الل ة والنداد ؟ ﴿ إِنّ فِي
ذَلِكَ لَآيَاتٍ ّل َق ْو ٍم ُي ْؤمِنُونَ ﴾ .
***
الزء الثالث 774
ي الّذِينَ أَ ْسرَفُوا عَلَى أَنفُسِ ِه ْم لَا َتقْنَطُوا مِن ّرحْ َمةِ اللّهِ إِنّ
﴿ ُقلْ يَا عِبَادِ َ
اللّهَـَيغْ ِف ُر ال ّذنُوبَـ جَمِيعا ِإنّهُـ ُهوَ اْلغَفُو ُر ال ّرحِيمُـ ( )53وََأنِيبُوا ِإلَى َرّبكُم ْـ
سنَ
صرُونَ ( )54وَاتِّبعُوا أَحْ َ
َوأَسْلِمُوا لَهُ مِن قَ ْبلِ أَن َي ْأتِيَكُمُ اْل َعذَابُ ُثمّ لَا تُن َ
ش ُعرُو نَ
ب َبغْتَ ًة َوأَنتُ ْم لَا َت ْ
مَا أُن ِزلَ ِإلَ ْيكُم مّن ّربّكُم مّن قَ ْب ِل أَن يَ ْأتَِيكُ ُم ال َعذَا ُ
ب اللّ ِه َوإِن كُن تُ
ت فِي جَن ِ
سرَتَى علَى مَا َفرّط ُ
س يَا حَ ْ
( )55أَن َتقُو َل نَفْ ٌ
ت مِ َن الْمُّتقِيَ ()57
لَمِ َن ال سّا ِخرِينَ (َ )56أوْ تَقُو َل َلوْ أَنّ اللّ هَ َهدَانِي لَكُن ُ
َأوْ تَقُو َل حِيَ َترَى اْل َعذَابَ َل ْو أَنّ لِي َك ّر ًة َفأَكُونَ مِ َن الْمُحْسِنِيَ ( )58بَلَى
ت وَكُنتَ مِنَ اْلكَا ِفرِينَ ( )59وََيوْمَ
ت ِبهَا وَاسَْتكَْبرْ َ
َق ْد جَاءتْكَ آيَاتِي فَ َك ّذبْ َ
سوَ ّد ٌة َألَيْسَ فِي َجهَنّ َم مَ ْثوًى
اْلقِيَا َمةِ َترَى الّذِينَ َك َذبُواْ َعلَى اللّهِ ُوجُو ُههُم مّ ْ
سهُ ُم ال سّو ُء وَلَا
لّلْمَُتكَّبرِي نَ ( )60وَيُنَجّ ي اللّ هُ اّلذِي نَ اّتقَوا بِ َمفَا َزِتهِ ْم لَا يَمَ ّ
ح َزنُو نَ ( )61اللّ ُه خَالِ قُ ُك ّل َشيْءٍ وَ ُهوَ عَلَى ُكلّ َشيْ ٍء وَكِيلٌ ()62
هُ ْم يَ ْ
ُمـ
ِكـ ه ُ
ّهـ أُ ْولَئ َ
َاتـ الل ِ
ِينـ َك َفرُوا بِآي ِ
ْضـ وَاّلذ َ
السـمَاوَاتِ وَالْأَر ِ
َهـ َمقَالِيدُ ّ
لُ
الْخَا ِسرُونَ (ُ )63ق ْل َأفَغَ ْي َر اللّ هِ َت ْأ ُمرُونّ ي أَعُْبدُ َأيّهَا الْجَاهِلُو نَ (َ )64وَلقَدْ
أُوحِ يَ إِلَيْ كَ وَِإلَى اّلذِي نَ مِ ْن قَبْلِ كَ لَئِ نْ َأ ْشرَكْ تَ لَيَحْبَ َطنّ عَ َملُ كَ َولَتَكُونَنّ
مِ نَ الْخَا ِسرِينَ (َ )65بلِ اللّ َه فَاعُْبدْ وَكُن مّ نْ الشّا ِكرِي نَ (َ )66ومَا َقدَرُوا
ض جَمِيعا قَبْضَتُ ُه َيوْ َم اْلقِيَا َمةِ وَال سّماوَاتُ مَ ْط ِويّا تٌ
اللّ َه حَقّ َقدْرِ ِه وَاْلأَرْ ُ
ص ِعقَ مَن فِي
خ فِي الصّو ِر فَ َ
شرِكُونَ (َ )67وُنفِ َ
بِيَمِينِهِ سُبْحَاَنهُ َوَتعَالَى َعمّا ُي ْ
775 توفيق الرحن ف دروس القرآن
***
الزء الثالث 776
ت بِهَا
ك آيَاتِي َفكَ ّذبْ َ
صنف آ خر ؛ يقول ال ردّا لقول م ﴿ :بَلَى قَدْ جَاءتْ َ
ت مِ َن اْلكَافِرِينَ ﴾ .
ت وَكُن َ
وَا ْستَ ْكبَرْ َ
وقال ابن زيد ف قوله َ ﴿ :ويُنَجّي اللّ ُه الّذِي َن اّتقَوا بِ َمفَا َزِتهِ مْ ﴾ ،قال :
ِينَ
ِنَ َأوْزَا ِر الّذ َ
بأعمالمَ ،والخرون يملون أوزارهَم يوم القيامَة ﴿ َوم ْ
ُيضِلّوَنهُم ِبغَيْ ِر عِ ْلمٍ أَلَ سَاء مَا يَ ِزرُونَ ﴾ .
قوله عز و جل ﴿ :اللّهُـ خَالِ قُ ُك ّل شَيْ ٍء َوهُوَ عَلَى ُك ّل شَيْ ٍء وَكِيلٌ (
ك هُ مُ
ت اللّ ِه أُ ْولَئِ َ
ض وَاّلذِي نَ َك َفرُوا بِآيَا ِ
)62لَ هُ َمقَالِيدُ ال سّمَاوَاتِ وَالْأَرْ ِ
الْخَا ِسرُونَ (ُ )63ق ْل َأفَغَ ْي َر اللّ هِ َت ْأ ُمرُونّ ي أَعُْبدُ َأيّهَا الْجَاهِلُو نَ (َ )64وَلقَدْ
أُوحِ يَ إِلَيْ كَ وَِإلَى اّلذِي نَ مِ ْن قَبْلِ كَ لَئِ نْ َأ ْشرَكْ تَ لَيَحْبَ َطنّ عَ َملُ كَ َولَتَكُونَنّ
مِ نَ الْخَا ِسرِينَ (َ )65بلِ اللّ َه فَاعُْبدْ وَكُن مّ نْ الشّا ِكرِي نَ (َ )66ومَا َقدَرُوا
ض جَمِيعا قَبْضَتُ ُه َيوْ َم اْلقِيَا َمةِ وَال سّماوَاتُ مَ ْط ِويّا تٌ
اللّ َه حَقّ َقدْرِ ِه وَاْلأَرْ ُ
بِيَمِيِن ِه سُبْحَاَنهُ َوَتعَالَى َعمّا ُيشْرِكُونَ (. ﴾ )67
قال البغوي ﴿ :اللّ هُ خَاِل قُ كُ ّل َشيْ ٍء َو ُهوَ عَلَى كُ ّل َشيْءٍ وَكِيلٌ ﴾ أي :
السَمَاوَاتَِهَ َمقَالِيدُ ّ الشياء كلهَا موكولة إليَه ،فهَو القائم بفظهَا ﴿ ،ل ُ
ِينَ َكفَرُوا
ْضَ ﴾ ،أي :مفاتيَح خزائن السَماوات والرض ﴿ .وَالّذ َ وَاْلأَر ِ
بِآيَا تِ اللّ هِ ُأوْلَئِ كَ هُ ُم الْخَا سِرُونَ ﴾ ﴿ .قُلْ أََف َغيْرَ اللّ ِه َت ْأمُرُونّ ي َأ ْعبُدُ َأيّهَا
الْجَاهِلُو نَ ﴾ قال مقاتل :وذلك أن كفار قريش دعوه إل دين آبائه ﴿ وََلقَدْ
حبَطَ ّن عَ َملُكَ ﴾ أي :الذي أُو ِحيَ إَِليْكَ َوإِلَى الّذِي َن مِنْ َقبْلِكَ َلئِنْ َأشْرَ ْكتَ َليَ ْ
779 توفيق الرحن ف دروس القرآن
عملته قبل الشرك ،وهذا خطاب مع رسول ال والراد من غيه .وقيل :
هذا أدب مَن ال لنَبيّه وتديَد لغيه لن ال تعال عصَمه مَن الشرك
ِينَ ﴾ ، ِنَ الشّاكِر َ ُنَ م َ ّهَ فَاعْبُ ْد وَك ْ
َاسَرِينَ * بَلِ الل َِنَ الْخ ِ ﴿ وََلتَكُونَنّ م َ
لنعامه عليك َ ﴿ .ومَا قَدَرُوا اللّهَ حَقّ قَدْرِهِ ﴾ ،ما عظّموه حقّ عظمته حي
ضتُ هُ َيوْ مَ
أشركوا به غيه .ث أخب عن عظمته فقال ﴿ :وَالرْ ضُ جَمِيعًا َقْب َ
ت ِبيَمِينِ هِ ُسبْحَانَ ُه َوتَعَالَى عَمّا يُشْرِكُو نَ ﴾ .انتهى ت مَ ْط ِويّا ٌ اْل ِقيَا َم ِة وَال سّماوَا ُ
ملخصًا .
« وعن أب هريرة رضي ال عنه قال :سعت رسول ال يقول :
يقبض ال تعال الرض ويطوي السماء بيمينه ث يقول :أنا اللك .أين ملوك
الرض ؟ » .متفق عليه .
وعن ابن مسعود رضي ال عنه قال :جاء حب من الحبار إل رسول ال
فقال :يا م مد إ نا ن د أن ال عز و جل ي عل ال سماوات على إ صبع ،
والرضيَ على إصَبع ،والشجَر على إصَبع ،والاء والثرى على إصَبع ،
و سائر اللق على إ صبع ،فيقول :أ نا اللك .فض حك ال نب ح ت بدت
نواجذه تصديقًا لقول الب ث قرأ رسول ال َ ﴿ « :ومَا قَدَرُوا اللّهَ حَقّ َقدْرِهِ
ت ِبيَمِينِهِ ُسبْحَانَ ُه َوَتعَالَى
ت مَ ْط ِويّا ٌ
وَاْلأَرْضُ جَمِيعا َقْبضَتُهُ َي ْومَ اْل ِقيَامَ ِة وَالسّماوَا ُ
عَمّا يُشْرِكُو َن ﴾ » .متفق عليه .
الزء الثالث 780
قال ابن كثي :قال ابن عباس :يشهدون على المم بأنم بلّغوهم رسالت
شهَدَاءِ ﴾ ،أي :الشهداء مَن اللئكَة ،والفظَة على ال إليهَم ﴿ ،وَال ّ
أعمال العباد من خي وشر ﴿ وَُقضِ َي َبيَْنهُم بِالْحَقّ ﴾ أي :بالعدل ﴿ َوهُمْ لَا
ت َوهُوَ َأعْلَ ُم بِمَا َي ْفعَلُو نَ ﴾ ،قال عطاء
س مّا عَمِلَ ْ
يُ ْظلَمُو نَ * َووُّفيَ تْ كُ ّل َنفْ ٍ
:يريد أن عال بأفعالم ل أحتاج إل كاتب ول إل شاهد .
ّمـ ُزمَرا حَتّىـ ِإذَا
ِينـ َك َفرُوا ِإلَى َجهَن َ
قوله عـز وجـل ﴿ :وَسـِيقَ اّلذ َ
ت َأْبوَابُهَا َوقَا َل َلهُ ْم َخزَنَتُهَا َألَ مْ يَ ْأِتكُ مْ رُ ُسلٌ مّنكُ مْ يَتْلُو نَ
جَاؤُوهَا فُتِحَ ْ
عَلَ ْيكُ مْ آيَا تِ َرّبكُ ْم َويُنذِرُونَكُ ْم ِلقَاء يَ ْومِكُ مْ َهذَا قَالُوا بَلَى َولَكِ ْن َحقّ تْ
كَ ِل َمةُ اْل َعذَا بِ عَلَى اْلكَا ِفرِي نَ ( )71قِي َل ادْخُلُوا َأْبوَا بَ َجهَنّ مَ خَالِدِي نَ فِيهَا
س مَ ْثوَى الْمَُتكَّبرِينَ ( )72وَسِيقَ اّلذِينَ اّتقَوْا َرّبهُمْ ِإلَى الْجَّنةِ ُزمَرا حَتّى
فَبِئْ َ
ت َأْبوَاُبهَا َوقَالَ لَهُ ْم خَ َزنَُتهَا سَلَامٌ عَلَ ْيكُمْ طِبْتُ ْم فَادْخُلُوهَا
ِإذَا جَاؤُوهَا َوفُتِحَ ْ
ض نَتََبوّأُ
ص َدقَنَا وَ ْعدَ ُه وََأوْ َرثَنَا اْلأَرْ َ
خَالِدِي نَ (َ )73وقَالُوا الْحَ ْم ُد لِلّ هِ اّلذِي َ
ث َنشَاء فَِنعْ مَ َأ ْجرُ اْلعَامِلِيَ ( )74وََترَى الْمَلَاِئكَ َة حَافّيَ مِ نْ
مِ َن الْجَّنةِ حَيْ ُ
ش يُ سَبّحُونَ ِبحَ ْمدِ َرّبهِ ْم َوقُضِ َي بَيْنَهُم بِالْحَقّ وَقِي َل الْحَ ْم ُد لِلّ هِ
َحوْ ِل الْ َعرْ ِ
ب الْعَالَمِيَ (. ﴾ )75
َر ّ
ّمَ ُزمَرا ﴾ ،قال : ِينَ َكفَرُوا إِلَى َج َهن َ
عَن قتادة :قوله ﴿ :وَسَِيقَ الّذ َ
َتََأْبوَابُهَا ﴾ ،قال ابَن كثيَ :أي : جاعات َ ﴿ ،حتّىَإِذَا جَاؤُوهَا ُفتِح ْ
بجرّد و صولم إلي ها فت حت ل م أبواب ا سريعًا ﴿ ،وَقَالَ َلهُ مْ َخ َزَنتُهَا ﴾ -
783 توفيق الرحن ف دروس القرآن
على وجه التقريع والتوبيخ ﴿ : -أَلَ ْم يَ ْأِتكُ مْ رُ سُ ٌل مّنكُ ْم َيتْلُو نَ عََلْيكُ ْم آيَا ِ
ت
َرّبكُ ْم َويُنذِرُوَنكُ مْ ِلقَاء َي ْو ِمكُ ْم هَذَا قَالُوا بَلَى وََلكِ نْ َحقّ تْ كَِل َم ُة اْلعَذَا بِ عَلَى
اْلكَافِرِينَ ﴾ .
جّنةِ ُزمَرا ﴾ ،فَ الصَحيحي مَن ُمَ إِلَى الْ َ ِينَ اّت َقوْا َرّبه ْ
﴿ وَسَِي َق الّذ َ
حديَث جريَر قال :قال رسَول ال « :أول زمرة يدخلون النَة على
صورة القمر ليلة البدر ،والذين يلونم على أضواء كوكب درّيّ ،ل يبولون
ول يتغوّطون ول يتمخّطون ،أمشاطهَم الذهَب ،ورشحهَم السَك ،
ومامر هم الِلوة ،وأزواج هم الور الع ي ،أخلق هم خلق ر جل وا حد على
صورة أبيهم آدم ستّون ذراعًا ف السماء » .
وقوله تعال َ ﴿ :حتّى إِذَا جَاؤُوهَا وَُفتِ َ
حتْ َأْبوَاُبهَا وَقَالَ َلهُمْ َخ َزَنُتهَا سَلَامٌ
عََلْيكُ ْم ِطْبتُمْ فَادْخُلُوهَا خَالِدِينَ ﴾ .عن أنس رضي ال عنه قال :قال رسول
ال « :أ نا أول شف يع ،وأ نا أول من يقرع باب النّة » .رواه م سلم .
وعن عل يّ بن أب طالب رضي ال عنه قوله ﴿ :وَ سِي َق الّذِي َن اّت َقوْا َرّبهُ مْ إِلَى
جّنةِ ُزمَرا ﴾ حت إذا انتهوا إل بابا إذا هم بشجرة يرج من أصلها عينان ، الْ َ
فعمدوا إل إحداه ا فشربوا من ها كأن ا أمروا ب ا ،فخرج ما ف بطون م من
قذر أو أذى أو قذى ،ث عمدوا إل الخرى فتوضأوا من ها كأن ا أمروا ب ا ،
فجرت عليهَم نضرة النعيَم ،فلن تشعَث رؤوسَهم بعدهَا أبدًا ،ولن تبلى
ثيابم بعدها ،ث دخلوا النة فتلقّتهم الولدان كأنم اللؤلؤ الكنون فيقولون :
أبشر .أعدّ ال لك كذا ،وأعد لك كذا ،وكذا ،ث ينظر إل تأسيس بنيانه
الزء الثالث 784
:جندل اللؤلؤ الحر ،والصفر ،والخضر يتلل كأنه البق ،فلول أن ال
قضى أن ل يذهب بصره لذهب ،ث يأت بعضهم إل بعض أزواجه فيقول :
أبشري .قد قدم فلن ا بن فلن ،في سمّيه با سه وا سم أب يه .فتقول :أ نت
رأيته ،أ نت رأي ته ؟ ! في ستخفّها الفرح ح ت تقوم فتجلس على أُ ْسكُفّة باب ا
فيدخل فيتكئ على سريره ويقرأ هذه الية ﴿ :الْحَ ْمدُ لِلّ ِه الّذِي هَدَانَا ِلهََذَا
َومَا ُكنّا ِلَنهْتَدِ يَ َلوْل أَ نْ هَدَانَا اللّ هُ َلقَدْ جَاء تْ رُ سُلُ َرّبنَا بِالْحَقّ ﴾ وعن
ماهد :قوله ِ ﴿ :طْبتُمْ ﴾ ،قال :كنتم طيّبي ف طاعة ال .
وقال ابن زيد ف قوله َ ﴿ :وَأوْرََثنَا الْأَرْ ضَ ﴾ ،قال :أرض النّة ،وقرأ
ي ال صّالِحُونَ ﴾ ،و عن ال سدي َ ﴿ :نتََب ّوأُ مِ َن ﴿ :أَنّ اْلأَرْ ضَ يَ ِرثُهَا ِعبَادِ َ
َ نَشَاء ﴾ ،ننل منهَا حيَث نشاء .وعَن قتادة َ ﴿ :وتَرَى جّنةِ َحيْث ُ الْ َ
حمْدِ َرّبهِ ْم وَُقضِ يَ َبْيَنهُم ﴾ ،أيسبّحُونَ بِ َ ش يُ َ الْمَلَائِ َكةَ حَافّيَ مِ نْ َحوْ ِل اْلعَرْ ِ
حمْدُ لِلّهَِ رَبّ اْلعَالَمِيَ ﴾ قال :فتَح أو :بيَ اللئق ﴿ ،بِاْلحَقّ وَقِي َل الْ َ
ت وَالَرْضَ ﴾ ،وختم اللق بالمد فقال ﴿ :الْحَمْدُ ِللّ ِه الّذِي خَلَ َق السّمَاوَا ِ
ب اْلعَالَمِيَ ﴾ .
ضيَ َبْيَنهُم بِاْلحَ ّق وَقِي َل الْحَمْدُ لِلّهِ رَ ّبالمد فقال ﴿ :وَُق ِ
***
785 توفيق الرحن ف دروس القرآن
***
الزء الثالث 788
قوله عز وجل ﴿ :حم ( )1تَنِيلُ الْكِتَا بِ مِ َن اللّ ِه الْ َعزِيزِ اْلعَلِي مِ ()2
ْهـ
َهـ ِإلّا ُه َو إِلَي ِ
َابـ ذِي ال ّط ْولِ لَا ِإل َ
ْبـ َشدِيدِ اْل ِعق ِ
ّنبـ َوقَاِب ِل التّو ِ
غَا ِف ِر الذ ِ
الْمَ صِيُ ( )3مَا يُجَادِ ُل فِي آيَا تِ اللّ ِه ِإلّا اّلذِي نَ َك َفرُوا فَلَا يَ ْغرُرْ َك َتقَلّبُهُ مْ
ب مِن َبعْ ِدهِ ْم وَهَمّ تْ ُكلّ
ت قَبْ َلهُ ْم َقوْ ُم نُو حٍ وَالَْأ ْحزَا ُ
فِي الْبِلَادِ (َ )4ك ّذبَ ْ
حقّ َفأَ َخ ْذتُهُ ْم فَكَيْفَ
ُأ ّمةٍ ِبرَسُوِلهِ ْم لَِيأْ ُخذُوهُ َوجَا َدلُوا بِالْبَا ِط ِل لُِيدْحِضُوا بِهِ الْ َ
كَانَـ ِعقَابِـ ( )5وَ َكذَلِكَـ َحقّت ْـ كَلِمَتُـ َربّكَـ عَلَى اّلذِينَـ َك َفرُوا أَّنهُم ْـ
ب النّارِ (. ﴾ )6
صحَا ُ
أَ ْ
عن أ ب إ سحاق قال :جاء ر جل إل ع مر فقال :إ ن قتلت ف هل ل من
ب مِ نَ اللّ ِه
توبة ؟ قال :نعم ،اعمل ل تيأس .ث قرأ ﴿ :حم * تَنِي ُل اْلكِتَا ِ
ب وَقَابِ ِل الّتوْ بِ ﴾ .وعن ابن عباس قوله ﴿ :ذِي اْلعَزِي ِز اْلعَلِي ِم * غَافِرِ الذّن ِ
ال ّطوْلِ ﴾ يقول :ذي السعة والغن .وقال ثابت البنان :كنت مع مصعب بن
الزبي ف سواد الكوفة ،فدخلت حائطًا أصلي ركعتي ،فافتتحت حم الؤمن
ح ت بل غت ﴿ :لَا إِلَ هَ إِلّا ُهوَ إَِليْ ِه الْمَ صِيُ ﴾ ،فإذا ر جل خل في على بغلة
شهباء ،عل يه مقطعات ين ية فقال :إذا قلت ﴿ :غَافِرِ الذّن بِ ﴾ ،ف قل :يا
غافر الذنب اغفر ل ذنب ،وإذا قلت ﴿ :وَقَابِ ِل الّتوْ بِ ﴾ ،فقل :يا قابل
َابَ ﴾ ،فقَل :يَا شديَد التوب اقبَل توبتَ ،وإذا قلت ﴿ :شَدِي ِد اْل ِعق ِ
العقاب ل تعاقبن .قال :فالتفت فلم أر أحدًا .
789 توفيق الرحن ف دروس القرآن
ْكَ
ِينَ َكفَرُوا فَلَا َيغْرُر َ
ّهَإِلّا الّذ َ وقوله تعال ﴿ :مَا يُجَادِلُ فِي آي ِ
َاتَ الل ِ
َتقَّلُبهُ مْ فِي الْبِلَادِ ﴾ قال قتادة :أسفارهم فيها وميئهم وذهابم ﴿ ،كَ ّذبَ ْ
ت
ب مِن َبعْ ِدهِ مْ ﴾ قال :الكفار َ ﴿ .وهَمّ تْ كُلّ ُأ ّمةٍ ح وَالْأَ ْحزَا ُ
َقبَْلهُ مْ َقوْ مُ نُو ٍ
بِرَسُوِلهِمْ ِليَأْخُذُوهُ ﴾ ليقتلوه ﴿ وَجَادَلُوا بِاْلبَاطِلِ ِليُ ْد ِحضُوا بِ ِه الْحَقّ َفأَخَ ْذُتهُمْ
َف َكيْفَ كَانَ ِعقَابِ ﴾ قال :شديدُ وال ﴿ وَكَذَلِكَ َح ّقتْ كَلِ َمتُ َربّكَ ﴾ .
قال البغوي :يعنَ :كمَا حقَت كلمَة العذاب على المَم الكذبَة ،
ب النّارِ ﴾ .
حقت عَلَى الّذِينَ َك َفرُوا من قومك َ ﴿ ،أّنهُمْ أَصْحَا ُ
ش وَمَ نْ َح ْولَ هُ يُ سَبّحُو َن بِحَ ْمدِ
قوله عز وجل ﴿ :اّلذِي َن يَحْمِلُو نَ اْل َعرْ َ
َرّبهِ مْ وَُي ْؤمِنُو َن بِ هِ َويَ سَْتغْ ِفرُونَ لِ ّلذِي نَ آ َمنُوا َربّنَا وَ ِسعْتَ ُك ّل شَيْءٍ ّرحْ َمةً
وَعِلْما فَا ْغ ِفرْ لِلّذِي َن تَابُوا وَاتّبَعُوا سَبِي َلكَ َو ِقهِ مْ َعذَا بَ الْجَحِي مِ (َ )7ربّنَا
ح مِ نْ آبَائِهِ ْم َوأَ ْزوَاجِهِ مْ
َوَأدْخِ ْلهُ ْم جَنّا تِ َعدْ ٍن الّتِي وَعَدتّهُم وَمَن صَ َل َ
حكِي مُ (َ )8وقِهِ ُم ال سّيّئَاتِ َومَن تَ ِق ال سّيّئَاتِ
ت اْل َعزِيزُ الْ َ
َوذُ ّريّاِتهِ ْم ِإنّ كَ أَن َ
َي ْومَئِ ٍذ َف َقدْ َرحِمَْت ُه َوذَِلكَ هُ َو الْ َفوْزُ اْلعَظِيمُ (. ﴾ )9
قال البغوي :قوله عز وجل ﴿ :الّذِي َن يَحْ ِملُو َن اْلعَرْ َ
ش َومَ نْ َحوْلَ هُ ﴾ ،
حلة العرش والطائفون به وهم :الكروبيون ،وهم :سادة اللئكة .قال ابن
عباس :حلة العرش ما ب ي ك عب أحد هم إل أ سفل قدم يه م سية خ سمائة
عام ،ويروى أن أقدامهَم فَ توم الرضيَ ،والرضون والسَماوات إل
حجز هم ،و هم يقولون :سبحان ذي العزة وال بوت ،سبحان ذي اللك
الزء الثالث 790
كانوا أمواتًا ف أصلب آبائهم ،فأحياهم ال ف الدنيا ،ث أماتم الوتة الت
ل بد منها ،ث أحياهم للبعث يوم القيامة ،فهما :حياتان وموتتان .
ج مّ ن سَبِيلٍ ﴾ ،قال :ف هل إل كرة إل الدن يا ؟ قال ﴿ َفهَلْ إِلَى خُرُو ٍ
البغوي :أي :من خروج من النار فنصلح أعمالنا ونعمل بطاعتك ؟ قال ال
تعال ﴿ :ذَِلكُم ِبَأنّهُ إِذَا ُدعِيَ اللّ ُه وَحْدَهُ َكفَ ْرتُمْ ﴾ ،وفيه متروك استغن عنه
لدللة الظاهر عليه ،مازه فأجيبوا :أن ل سبيل إل ذلك .
قوله عز و جل ﴿ هُ َو الّذِي ُيرِيكُ مْ آيَاتِ هِ َويَُن ّزلُ لَكُم مّ نَ ال سّمَاءِ رِزْقا
وَمَا يََتذَ ّكرُ ِإلّا مَن يُنِي بُ ( )13فَادْعُوا اللّ هَ مُخْلِ صِيَ لَ هُ الدّي نَ َوَلوْ َكرِ هَ
ح مِ ْن َأمْرِ هِ عَلَى مَن
اْلكَا ِفرُو نَ (َ )14رفِي ُع الدّرَجَا تِ ذُو اْل َعرْ شِ يُ ْلقِي الرّو َ
خفَى عَلَى اللّ هِ
َيشَا ُء مِ نْ عِبَادِ هِ لِيُنذِ َر َيوْ َم التّلَا قِ (َ )15يوْ َم هُم بَارِزُو نَ لَا يَ ْ
جزَى ُكلّ
مِ ْنهُ مْ َشيْ ٌء لّمَ ِن الْمُلْ كُ الَْيوْ َم لِلّ هِ اْلوَاحِ ِد الْ َقهّارِ ( )16الْيَوْ َم تُ ْ
ت لَا ظُلْمَ الَْيوْ َم إِنّ اللّهَ َسرِيعُ الْحِسَابِ ( )17وَأَنذِ ْرهُمْ َيوْمَ
َنفْسٍ بِمَا كَسَبَ ْ
ب لَدَى الْحَنَا ِجرِ كَاظِ ِميَ مَا لِلظّالِمِيَ مِ ْن حَمِي ٍم وَلَا شَفِي عٍ
الْآ ِزفَ ِة ِإذِ اْلقُلُو ُ
صدُورُ ( )19وَاللّ هُ َيقْضِي
يُطَا عُ (َ )18يعْلَ مُ خَائِنَ َة اْلأَعْيُ نِ وَمَا تُخْفِي ال ّ
بِالْحَقّ وَاّلذِينَـيَدْعُونَـ مِن دُونِهِـلَا َيقْضُونَـِبشَيْ ٍء إِنّ اللّهَـ هُ َو السّـمِيعُ
الْبَصِيُ (. ﴾ )20
عن السدي ﴿ :إِلّا مَن ُينِيبُ ﴾ ،قال :من يقبل إل طاعة ال .
الزء الثالث 792
***
الزء الثالث 794
﴿ َولَ َق ْد أَرْ سَلْنَا مُو سَى بِآيَاتِنَا وَ سُلْطَا ٍن مّبِيٍ (ِ )23إلَى ِفرْ َعوْ َن وَهَامَا نَ
َوقَارُو َن َفقَالُوا سَا ِحرٌ َكذّا بٌ ( )24فَلَمّ ا جَاءهُم بِالْحَقّ مِ نْ عِندِنَا قَالُوا
اقْتُلُوا َأبْنَاء الّذِي نَ آمَنُوا َمعَ ُه وَا سْتَحْيُوا نِ سَاء ُهمْ وَمَا كَ ْي ُد الْكَافِرِي َن ِإلّا فِي
ف أَن
ضَلَالٍ (َ )25وقَالَ ِفرْ َعوْ نُ ذَرُونِي َأقْتُ ْل مُو سَى َولْيَدْ عُ َربّ ُه ِإنّ ي َأخَا ُ
ض الْفَ سَادَ (َ )26وقَا َل مُو سَى إِنّي ُعذْ تُ
يَُب ّدلَ دِيَنكُ مْ َأ ْو أَن يُ ْظ ِهرَ فِي الْأَرْ ِ
ْمـ الْحِسـَابِ (َ )27وقَالَ َر ُجلٌ
ِنـ بَِيو ِ
ِب َربّيـ وَ َربّكُم مّنـ ُك ّل مَُتكَّبرٍ لّا يُ ْؤم ُ
ل أَن َيقُولَ َربّ يَ اللّ هُ َو َقدْ
ّم ْؤمِ نٌ مّ نْ آ ِل ِفرْ َعوْ َن يَكْتُ مُ إِيَانَ هُ أََتقْتُلُو نَ َرجُ ً
جَاءكُم بِالْبَيّنَا تِ مِن ّرّبكُ ْم َوإِن يَ كُ كَاذِبا َفعَلَيْ هِ َك ِذبُ ُه وَإِن يَ كُ صَادِقا
ض الّذِي َيعِدُكُ مْ إِنّ اللّ هَ لَا َيهْدِي مَ ْن هُ َو مُ سْرِفٌ َكذّا بٌ ( )28
يُ صِ ْبكُم َبعْ ُ
س اللّ هِ إِ نْ
ص ُرنَا مِن َبأْ ِ
ض فَمَن يَن ُ
ك الْيَوْ مَ ظَا ِهرِي نَ فِي الْأَرْ ِ
يَا َقوْ ِم َلكُ ُم الْمُلْ ُ
جَاءنَا قَالَ ِفرْ َعوْ ُن مَا أُرِيكُ ْم ِإلّا مَا أَرَى َومَا َأ ْهدِيكُمْ ِإلّا سَبِي َل ال ّرشَادِ ()29
َوقَا َل الّذِي آمَ َن يَا َقوْ ِم ِإنّ ي َأخَا فُ عَ َليْكُم مّ ْثلَ َيوْ ِم اْلأَ ْحزَا بِ ( )30مِ ْثلَ
َدأْبِ َقوْ ِم نُوحٍ وَعَا ٍد َوثَمُو َد وَاّلذِي َن مِن بَ ْع ِدهِ ْم َومَا اللّ ُه ُيرِيدُ ظُلْما لّ ْلعِبَادِ (
)31وَيَا َقوْ ِم ِإنّ ي َأخَا فُ َعلَ ْيكُ ْم َيوْ مَ التّنَادِ ( )32يَوْ َم ُت َولّو َن ُم ْدبِرِي نَ مَا
ص ٍم َومَن يُضْ ِل ِل اللّ ُه فَمَا لَ ُه مِ ْن هَادٍ ( )33وََل َقدْ جَاء ُكمْ
َلكُم مّنَ ال ّلهِ ِمنْ عَا ِ
يُو سُفُ مِن قَ ْبلُ بِالْبَيّنَا تِ فَمَا ِزلْتُ ْم فِي شَكّ مّمّا جَاءكُم بِ هِ حَتّى ِإذَا هَلَ كَ
سرِفٌ
ضلّ اللّ هُ مَ ْن ُهوَ مُ ْ
ك يُ ِ
ث اللّ هُ مِن َبعْدِ هِ رَ سُولً َك َذلِ َ
قُلْتُ ْم لَن يَ ْبعَ َ
795 توفيق الرحن ف دروس القرآن
***
797 توفيق الرحن ف دروس القرآن
قوله عز وجل ﴿ :وََل َقدْ أَ ْرسَلْنَا مُوسَى بِآيَاتِنَا وَسُلْطَانٍ مِّبيٍ (ِ )23إلَى
حقّ مِنْ
ِفرْ َعوْنَ َوهَامَانَ َوقَارُو َن َفقَالُوا سَاحِرٌ َكذّابٌ ( )24فَلَمّا جَاءهُم بِالْ َ
َاسـتَحْيُوا نِسـَاء ُهمْ وَم َا َك ْيدُ
َهـ و ْ
ِينـ آمَنُوا مَع ُ
عِندِن َا قَالُوا اقْتُلُوا َأبْنَاء اّلذ َ
ضلَالٍ (َ )25وقَالَ ِفرْ َعوْ ُن ذَرُونِي َأقْتُ ْل مُو سَى َولَْيدْ عُ َربّ هُ
اْلكَا ِفرِي َن ِإلّا فِي َ
ِإنّيـأَخَافُـأَن يَُب ّدلَ دِيَنكُم ْـَأ ْو أَن يُ ْظ ِهرَ فِي الْأَرْضِـ الْفَسـَادَ (َ )26وقَالَ
حسَابِ ()27
ت ِب َربّي وَ َربّكُم مّن ُك ّل مَُتكَبّ ٍر لّا ُي ْؤ ِمنُ بَِيوْ ِم الْ ِ
مُوسَى إِنّي ُعذْ ُ
﴾.
عن قتادة ِ ﴿ :إنّ ي أَخَا فُ أَن ُيبَدّلَ دِيَنكُ مْ ﴾ ،أي :أمر كم الذي أن تم
ض اْلفَ سَادَ ﴾ ،والفساد عنده أن يعمل بطاعة عليه َ ﴿ ،أوْ أَن يُ ْظهِرَ فِي اْلأَرْ ِ
ال .
َهـ
ُمـ إِيَان ُ
ْنـ يَكْت ُ
ّنـ آ ِل ِفرْ َعو َ
ِنـ م ْ
قوله عـز وجـل َ ﴿ :وقَالَ َرجُ ٌل ّمؤْم ٌ
ل أَن َيقُولَ َربّ يَ اللّ هُ َو َقدْ جَاءكُم بِالْبَيّنَا تِ مِن ّرّبكُ ْم َوإِن يَ كُ
َأَتقْتُلُو نَ َرجُ ً
كَاذِبا َفعَلَيْ هِ َك ِذبُ ُه َوإِن يَ كُ صَادِقا يُ صِ ْبكُم َبعْ ضُ اّلذِي َي ِعدُكُ ْم إِنّ اللّ َه لَا
ك الْيَوْ مَ ظَا ِهرِي نَ فِي
سرِفٌ َكذّا بٌ ( )28يَا قَوْ ِم َلكُ مُ الْمُلْ ُ
َي ْهدِي مَ ْن هُ َو مُ ْ
س اللّ ِه إِ ْن جَاءنَا قَالَ ِفرْعَوْ ُن مَا أُرِيكُ ْم ِإلّا مَا أَرَى
ص ُرنَا مِن َبأْ ِ
ض فَمَن يَن ُ
اْلأَرْ ِ
وَمَا َأ ْهدِيكُ ْم ِإلّا سَبِيلَ ال ّرشَادِ (َ )29وقَا َل الّذِي آمَ َن يَا َقوْ ِم ِإنّ ي َأخَا فُ
ح وَعَا ٍد َوثَمُو َد وَاّلذِي نَ
عَلَيْكُم مّ ْثلَ يَوْ ِم اْلأَ ْحزَا بِ ( )30مِ ْثلَ َدأْ بِ َقوْ ِم نُو ٍ
الزء الثالث 798
مِن َبعْ ِدهِ ْم َومَا اللّهُ ُيرِيدُ ُظلْما لّ ْلعِبَادِ ( )31وَيَا َقوْمِ إِنّي َأخَافُ عَلَ ْيكُمْ َيوْمَ
صمٍ وَمَن يُضْ ِللِ اللّهُ
التّنَادِ (َ )32يوْ َم ُتوَلّو َن ُمدِْبرِي َن مَا َلكُم مّ َن اللّ ِه مِنْ عَا ِ
ف مِن قَ ْب ُل بِالْبَيّنَا تِ فَمَا ِزلْتُ ْم فِي
فَمَا لَ هُ مِ ْن هَادٍ ( )33وََل َقدْ جَاءكُ ْم يُو سُ ُ
شَكّ مّمّ ا جَاءكُم بِ ِه حَتّ ى ِإذَا هَلَ كَ قُلْتُ ْم لَن يَ ْبعَ ثَ اللّ هُ مِن َب ْعدِ هِ رَ سُولً
سرِفٌ ّم ْرتَا بٌ ( )34الّذِي نَ يُجَا ِدلُو َن فِي آيَا تِ
ض ّل اللّ ُه مَ نْ هُ َو مُ ْ
َك َذلِ كَ يُ ِ
ك يَطْبَ عُ
اللّ ِه ِبغَ ْيرِ سُلْطَانٍ َأتَاهُ مْ كَُب َر َمقْتا عِندَ اللّ هِ وَعِن َد الّذِي نَ آمَنُوا َكذَلِ َ
ال ّلهُ عَلَى ُكلّ قَلْبِ مُتَكَّب ٍر جَبّارٍ (. ﴾ )35
عن ال سدي ﴿ :وَقَالَ رَ ُج ٌل ّم ْؤمِ ٌن مّ نْ آلِ فِ ْر َعوْ نَ ﴾ قال :هو ا بن عم
َاتَ م ِن
ّهَ وَقَدْ جَاءك ُم بِالَْبّين ِ
ّيَ الل ُ
ُونَ رَ ُجلً أَن َيقُولَ َرب َ
فرعون َ ﴿ :أَتقْتُل َ
ّرّبكُمْ ﴾ قال ابن إسحاق :بعصاه وبيده .وعن عبد ال بن عمرو بن العاص
قال :بينا رسول ال يصلي بفناء الكعبة ،إذ أقبل عقبة بن أب معيط فأخذ
بنكب رسول ال ولوى ثوبه ف عنقه فخنقه خنقًا شديدًا ،فأقبل أبو بكر
رضي ال عنه فأخذه بنكبيه ودفعه عن النب ث قال َ ﴿ :أتَ ْقتُلُو نَ رَ ُجلً أَن
ت مِن ّرّبكُمْ ﴾ ؟ رواه البخاري . َيقُولَ َرّبيَ اللّ ُه وََقدْ جَاءكُم بِاْلَبيّنَا ِ
وقوله ِ ﴿ :إنّ ي أَخَا ُ
ف عََليْكُ ْم َيوْ َم الّتنَادِ ﴾ ،أي :يوم القيا مة .و ف
حد يث ال صور « :فتذ هل الرا ضع ،وت ضع الوا مل ،وتش يب الولدان ،
وتط ي الشياط ي هار بة ح ت تأ ت الفطار فتتلقا ها اللئ كة فتضرب وجوه ها
799 توفيق الرحن ف دروس القرآن
فترجَع ،ويول الناس مدبريَن ينادي بعضهَم بعضًا ،وهَو الذي يقول ال
َ ﴿ :يوْ َم التّنَا ِد َي ْو َم ُتوَلّو َن مُ ْدبِرِي َن مَا َلكُم مّنَ اللّ ِه مِ ْن عَاصِمٍ ﴾ .
ف مِن َقبْلُ ﴾ ،قال مو سى :مِن و عن ال سدي ﴿ :وََلقَدْ جَاءكُ ْم يُو سُ ُ
َقبْلُ ﴾ بالبيّنات ،قال البغوي :يع ن قوله َ ﴿ :أأَ ْربَا بٌ مَّتفَرّقُو نَ َخْيرٌ أَ مِ اللّ هُ
اْلوَاحِ ُد اْلقَهّارُ ﴾ ﴿ ،فَمَا زِْلتُمْ فِي شَكّ مِمّا جَاءَكُ ْم بِهِ ﴾ ،قال ابن عباس :
من عبادة ال وحده ل شريك له َ ﴿ ،حتّى إِذَا هَلَ كَ ﴾ ،مات ﴿ ،قُ ْلتُ مْ لَ نْ
ُسَِرفٌ ﴾ مشرك َنَ ُه َو م ْ ِكَُيضِلّ اللّهَُ م ِْنَبَعْدِهَِ رَسَُولً كَذَل َ َيْبعَث ََ اللّهَُ م ْ
﴿ مُ ْرتَا بٌ ﴾ شاك ﴿ .الّذِي َن يُجَادِلُو نَ فِي آيَا تِ اللّ هِ ﴾ ،قال الزجاج :
هذا تفسَي للمسَرف الرتاب .يعنَ ﴿ :الّذِينََُيجَادِلُونََ فِي آيَاتَِ اللّهَِ
﴾ أي :ف إبطالا بالتكذيب ﴿ ِبغَيْرِ ُسلْطَانٍ ﴾ حجة ﴿ َأتَاهُم ﴾ من ال ﴿
َكبُ َر َم ْقتًا ﴾ أي :كب ذلك الدال مقتًا ﴿ ِعنْدَ اللّ ِه َو ِعنْ َد الّذِينَ آ َمنُوا كَذَلِكَ
ب ُمَتكَبّرٍ َجبّارٍ ﴾ ،قال قتادة :آية البابرة القتل بغي يَ ْطبَ عُ اللّ ُه عَلَى كُلّ قَلْ ِ
حق .
صرْحا ّلعَلّي َأبْلُ غُ
قوله عز و جل ﴿ :وَقَالَ ِفرْ َعوْ ُن يَا هَامَا ُن ابْ نِ لِي َ
ت َفأَطّلِ َع إِلَى إِلَ هِ مُو سَى َوإِنّي َلأَظُنّ هُ كَاذِبا
اْلأَ سْبَابَ ( )36أَ سْبَابَ ال سّمَاوَا ِ
صدّ عَ ِن السّبِي ِل َومَا كَ ْيدُ ِفرْ َعوْنَ إِلّا فِي
وَ َك َذلِكَ ُزيّنَ لِ ِفرْ َعوْنَ سُوءُ عَمَلِهِ وَ ُ
تَبَابٍ (. ﴾ )37
الزء الثالث 800
عن قتادة ﴿ :وَقَالَ ِف ْرعَوْ نُ يَا هَامَا نُ ابْ نِ لِي صَرْحا ﴾ ،وكان أول من
السَمَاوَاتِ ﴾ أي :
َسََابَ ّ َسََابَ أ ْب ُغَ الْأ ْب
بنَ بذا الج ّر وطبخَه ﴿ ّلعَلّي َأبْل ُ
أبواب السماوات ﴿ َفَأطّلِعَ إِلَى إِلَهِ مُوسَى َوِإنّي َلَأظُنّهُ كَاذِبا ﴾ قال ابن جرير
:يقول :وإن لظن موسى كاذبًا فيما يقول ويدعي من أن له ف السماء ربًا
أرسله إلينا ﴿ .وَكَذَلِ كَ ُزيّ نَ ِلفِ ْر َعوْ نَ سُو ُء عَمَلِ هِ وَ صُ ّد عَ ِن ال سّبِيلِ ﴾ ،قال
قتادة :ف عل ذلك به ،ز ين له سوء عمله و صد عن ال سبيل ﴿ ،وَمَا َكيْدُ
ِف ْر َعوْنَ إِلّا فِي َتبَابٍ ﴾ ،أي :ف ضلل وخسار .
قوله عز وجل ﴿ :وَقَالَ اّلذِي آمَ َن يَا قَوْ ِم اتِّبعُونِ َأ ْهدِكُمْ سَبِيلَ ال ّرشَادِ
ع َوإِنّ الْآ ِخ َرةَ هِ َي دَا ُر الْ َقرَارِ (
( )38يَا َقوْ مِ إِنّمَا َهذِ هِ الْحَيَا ُة ال ّدنْيَا مَتَا ٌ
جزَى ِإلّا مِثْ َلهَا َومَنْ عَ ِملَ صَالِحا مّن ذَ َك ٍر َأوْ أُنثَى
َ )39منْ عَ ِملَ سَيَّئ ًة فَلَا يُ ْ
َوهُ َو ُمؤْ ِم ٌن َفأُ ْولَِئكَ َيدْخُلُو َن الْجَّنةَ ُيرْ َزقُو َن فِيهَا ِبغَ ْيرِ ِحسَابٍ ( )40وَيَا َقوْمِ
مَا لِي َأدْعُوكُ مْ ِإلَى النّجَاةِ وََتدْعُونَنِي ِإلَى النّارِ (َ )41تدْعُونَنِي ِلأَ ْك ُفرَ بِاللّ هِ
س لِي بِهِ عِلْ ٌم وََأنَا َأدْعُوكُ ْم إِلَى اْل َعزِي ِز الْ َغفّارِ ( )42لَا َجرَمَ
َوأُ ْشرِكَ بِهِ مَا لَيْ َ
س لَ هُ دَ ْع َو ٌة فِي ال ّدنْيَا َولَا فِي الْآخِ َر ِة َوأَنّ َم َردّنَا ِإلَى
َأنّمَا َتدْعُونَنِي ِإلَيْ ِه لَيْ َ
ي هُ ْم أَ صْحَابُ النّارِ ( )43فَ سََتذْ ُكرُو َن مَا َأقُو ُل َلكُ مْ
سرِفِ َ
اللّ هِ َوأَنّ الْمُ ْ
ت مَا
ي بِاْلعِبَادِ (َ )44ف َوقَا هُ اللّ هُ سَيّئَا ِ
ض أَ ْمرِي ِإلَى اللّ هِ إِنّ اللّ هَ بَ صِ ٌ
َوُأفَوّ ُ
ق بِآلِ ِفرْ َعوْ نَ سُو ُء اْل َعذَا بِ ( )45النّا ُر يُ ْعرَضُو نَ عَلَيْهَا ُغ ُدوّا
َم َكرُوا َوحَا َ
وَ َعشِيّا َويَوْ َم َتقُومُ السّا َعةُ َأ ْدخِلُوا آ َل ِفرْ َعوْنَ َأ َشدّ اْل َعذَابِ (. ﴾ )46
801 توفيق الرحن ف دروس القرآن
عن قتادة َ ﴿ :وإِنّ الْآخِ َر َة هِ يَ دَا ُر اْلقَرَارِ ﴾ ،ا ستقرت ال نة بأهل ها ،
جزَى إِلّا مِثْلَهَا َومَن َْ عَمِلَ َئَةً فَل يُ ْ واسَتقرّت النار بأهلهَا ﴿ .مَن َْ عَمِ َل سَّي
جّنةَ يُ ْرزَقُو نَ فِيهَا ِبغَيْرِصَالِحا مّن ذَ َكرٍ َأوْ أُنثَى َو ُه َو ُمؤْمِ نٌ َفُأوَْلئِ كَ يَ ْدخُلُو نَ الْ َ
حِ سَابٍ ﴾ ،قال قتادة :ل وال ما هنا كم مكيال ول ميزان .و عن ما هد
ُمَإِلَى النّجَاةِ ﴾ ،قال :اليان بال َ ﴿ ،وتَ ْدعُونَنِي قوله ﴿ :مَا لِي َأ ْدعُوك ْ
إِلَى النّارِ ﴾ ؟ قال ابن زيد :هذا مؤمن آل فرعون يدعونه إل دينهم والقامة
معهم ﴿ ،تَ ْدعُوَننِي ِلأَكْفُ َر بِاللّ ِه َوأُشْرِ َك بِ ِه مَا َليْ سَ لِي بِ ِه عِلْ ٌم َوَأنَا أَ ْدعُوكُ مْ
إِلَى الْعَزِيزِ الْ َغفّارِ ﴾ ﴿ .لَا َجرَ مَ َأنّمَا تَ ْدعُونَنِي إَِليْ هِ َليْ سَ لَ هُ َد ْع َوةٌ فِي ال ّدنْيَا
سرِفِيَ وَلَا فِي الْآخِ َرةِ ﴾ ،قال قتادة :أي :ل ين فع ول ب ضر َ ﴿ :وأَنّ الْمُ ْ
ب النّارِ ﴾ ،أي :الشركون .وقال ابن وهب :قال ابن زيد ف صحَا ُ هُ مْ أَ ْ
ستَذْ ُكرُونَ مَا أَقُولُ َلكُ مْ ﴾ ،فقلت له :أو ذلك ف الخرة ؟ قال قوله ﴿ :فَ َ
:نعم .وعن السدي َ ﴿ :وأَُفوّضُ َأمْرِي إِلَى اللّهِ ﴾ ،قال :أجعل أمري إل
ت مَا َمكَرُوا ال ِ ﴿ ،إنّ اللّ َه بَصِ ٌي بِاْلعِبَادِ ﴾ .وعن قتادة َ ﴿ :فوَقَاهُ اللّهُ َسيّئَا ِ
َاقَ بِآلِ ﴾ ،قال :كان قبطي ًا مَن قوم فرعون ،فنجَا مَع موسَى ﴿ وَح َ
ِف ْر َعوْ نَ سُوءُ اْلعَذَا بِ ﴾ قال ال سدي :قوم فرعون ﴿ :النّا ُر ُيعْرَضُو َن عََليْهَا
شيّا ﴾ قال :بلغنَ أن أرواح قوم فرعون فَ أجواف طيَ سَود غُ ُدوّا َوعَ ِ
تعرض على النار غدوًا وعشيًا حت تقوم الساعة ﴿ َوَيوْ مَ تَقُو مُ ال سّا َعةُ أَدْ ِخلُوا
آلَ ِف ْر َعوْ نَ َأشَ ّد اْلعَذَا بِ ﴾ قال ا بن عباس :ير يد ألوان العذاب ،غ ي الذي
كانوا يعذبون به منذ أغرقوا .
الزء الثالث 802
ـ
ضعَفَاء لِ ّلذِين َ
ـ فِـي النّارِ فََيقُولُ ال ّ
قوله عـز وجـل ﴿ وَِإ ْذ يَتَحَاجّون َ
ا سَْتكَْبرُوا إِنّا كُنّا لَكُ مْ تَبَعا َف َه ْل أَنتُم ّمغْنُو نَ عَنّا نَ صِيبا مّ َن النّارِ ( )47قَالَ
اّلذِينَ اسَْتكَْبرُوا إِنّا ُك ّل فِيهَا إِنّ اللّهَ َق ْد حَكَ َم بَيْ َن الْعِبَادِ (َ )48وقَالَ اّلذِينَ
خفّفْ عَنّا َيوْما مّنَ اْل َعذَابِ ( )49قَالُوا
خ َزَنةِ َجهَنّمَ ادْعُوا َرّبكُمْ يُ َ
فِي النّا ِر لِ َ
ـ دُعَاء
َاتـ قَالُوا بَلَى قَالُوا فَادْعُوا وَمَ ا
ُسـلُكُم بِالْبَيّن ِ
ُمـ ر ُ
َكـ َت ْأتِيك ْ
َمـ ت ُ
َأ َول ْ
ضلَالٍ (. ﴾ )50
اْلكَا ِفرِي َن ِإلّا فِي َ
قال البغوي َ ﴿ :وإِ ْذ َيتَحَاجّونَ فِي النّارِ ﴾ ،أي :اذكر يا ممد لقومك
إذ يتصمون .يعن :أهل النار ف النار َ ﴿ ،فَيقُو ُل الضّ َعفَاءُ لِلّذِي نَ ا ْسَتكْبَرُوا
ِإنّا ُكنّا َلكُ ْم َتَبعًا ﴾ ،ف الدنيا َ ﴿ ،فهَلْ أَْنتُ ْم ُم ْغنُو َن عَنّا نَ صِيبًا مِ َن النّارِ ﴾ ،
قال ا بن كث ي :أي :ق سطًا تتحملو نه ع نا ﴿ .قَا َل الّذِي نَ ا سَْت ْكبَرُوا ِإنّ ا كُلّ
فِيهَا ِإنّ اللّهَ َقدْ َحكَ َم َبيْ َن الْ ِعبَادِ ﴾ ،أي :قسم بيننا العذاب بقدر ما يستحقه
كل منا .
قال البغوي ﴿ :وَقَا َل الّذ َ
ِينَ ف ِي النّارِ ﴾ حيَ اشتَد عليهَم العذاب
ف َعنّا َي ْومًا مِ َن اْلعَذَابِ ﴾ ﴿ .قَالُوا ﴾ خفّ ْ
خ َزَنةِ َج َهنّمَ ا ْدعُوا َرّبكُ ْم يُ َ
﴿ لِ َ
،يعن :خزنة جهنم لم ﴿ َأوَ َل ْم تَكُ َت ْأتِيكُمْ رُسُُلكُ ْم بِاْلَبّينَاتِ قَالُوا بَلَى قَالُوا
فَا ْدعُوا ﴾ أن تم إذًا رب كم أي :إ نا ل ند عو ل كم ،لن م علموا أ نه ل ي فف
عنهم العذاب ،قال ال تعال َ ﴿ :ومَا ُدعَا ُء اْلكَافِرِي نَ إِل فِي ضَللٍ ﴾ ،أي
:يبطل ويضل ول ينفعهم .
803 توفيق الرحن ف دروس القرآن
***
الزء الثالث 804
يَ سَْتهْ ِزئُون ( )83فَلَمّا َرَأوْا َبأْ سَنَا قَالُوا آمَنّا بِاللّ ِه وَ ْحدَ ُه وَ َك َفرْنَا بِمَا كُنّا بِ هِ
ت اللّ هِ الّتِي َقدْ
شرِكِيَ ( )84فَلَ ْم يَ كُ يَن َف ُعهُ ْم إِيَاُنهُ ْم لَمّا َرَأوْا َبأْ سَنَا سُنّ َ
ُم ْ
ت فِي عِبَا ِدهِ َو َخسِ َر هُنَالِكَ اْلكَا ِفرُونَ (. ﴾ )85
خَلَ ْ
***
807 توفيق الرحن ف دروس القرآن
َسََتوِي
ّهَ عَلَى كُ ّل َشيْءٍ قَدِيرٌ ﴾ .ثَ قال تعال ﴿ :وَم َا ي ْ الْ َموْت َى بَلَى ِإن ُ
ت وَل الْمُسَِيءُ َقلِيل م َا ِينَ آ َمنُوا َوعَمِلُوا الصَّالِحَا ِ
َصَ ُي وَالّذ َ
العْم َى وَاْلب ِ
َتتَذَكّرُو نَ ﴾ ،أي :ما أقل ما يتذكر كثي من الناس .ث قال تعال ِ ﴿ :إنّ
ال سّا َعةَ لِتَيةٌ ﴾ ،أي :لكائنة وواقعة ﴿ ،ل َريْ بَ فِيهَا وََلكِنّ أَ ْكثَ َر النّا سِ ل
ُي ْؤ ِمنُونَ ﴾ .
ِينـ
ُمـ إِنّ اّلذ َ
ب لَك ْ
ج ْ
َسـتَ ِ
ُمـ ادْعُونِي أ ْ
قوله عـز وجـل َ ﴿ :وقَالَ َربّك ُ
يَ سْتَكِْبرُونَ عَ نْ ِعبَادَتِي سََيدْخُلُو َن َجهَنّ مَ دَا ِخرِي نَ ( )60اللّ هُ اّلذِي َج َعلَ
س َولَ ِكنّ
ضلٍ عَلَى النّا ِ
سكُنُوا فِي ِه وَالّنهَا َر مُبْصِرا إِنّ اللّ َه لَذُو فَ ْ
َلكُمُ اللّ ْي َل لِتَ ْ
ش ُكرُو نَ (َ )61ذِلكُ ُم اللّ هُ َرّبكُ مْ خَالِ قُ ُك ّل شَيْ ٍء لّا ِإلَ َه ِإلّا
س لَا َي ْ
أَكَْث َر النّا ِ
حدُو نَ (
ت اللّ ِه يَجْ َ
ُهوَ َفَأنّى تُ ْؤ َفكُو نَ (َ )62ك َذلِ كَ ُي ْؤفَ كُ اّلذِي نَ كَانُوا بِآيَا ِ
سنَ
صوّرَ ُك ْم َفأَحْ َ
ض َقرَارا وَال سّمَاء بِنَاء وَ َ
)63اللّ هُ اّلذِي َج َعلَ َلكُ مُ اْلأَرْ َ
صوَرَ ُك ْم وَرَ َزقَكُم مّنَ الطّيّبَاتِ ذَِلكُ ُم اللّهُ َربّكُ ْم فَتَبَارَكَ اللّهُ َربّ اْلعَالَ ِميَ (
ُ
ح ْمدُ لِلّ هِ رَبّ
ُ )64هوَ الْحَيّ لَا ِإلَ هَ ِإلّا ُه َو فَادْعُو هُ مُخْلِ صِيَ لَ هُ الدّي نَ الْ َ
اْلعَالَمِيَ (ُ )65ق ْل ِإنّ ي ُنهِي تُ أَ نْ أَ ْعُبدَ اّلذِي َن َتدْعُو نَ مِن دُو نِ اللّ هِ لَمّ ا
ت مِن ّربّ ي َوأُ ِمرْ تُ أَ ْن أُ سْ ِلمَ ِلرَبّ الْعَالَمِيَ (ُ )66هوَ اّلذِي
جَاءنِ يَ الْبَيّنَا ُ
ل ُثمّ لِتَبْ ُلغُوا
خ ِر ُجكُ مْ ِطفْ ً
ب ُثمّ مِن نّ ْطفَ ٍة ُثمّ مِ نْ عَ َل َق ٍة ُثمّ يُ ْ
خَ َلقَكُم مّن ُترَا ٍ
ل مّسَمّى
َأ ُشدّكُمْ ُثمّ لَِتكُونُوا شُيُوخا وَمِنكُم مّن يَُتوَفّى مِن قَ ْبلُ وَلِتَبْ ُلغُوا َأجَ ً
809 توفيق الرحن ف دروس القرآن
َأشُدّكُ ْم ثُمّ ِلَتكُونُوا شُيُوخا ﴾ ،أي :هو الذي يقلبكم ف هذه الطوار كلها
وحده ل شريك له ،وعن أمره وتدبيه وتقديره يكون ذلك كله .
وقوله تعال َ ﴿ :ومِنكُم مّن يَُتوَفّى مِن َقبْلُ ﴾ ،قال البغوي :من قبل أن
ُسَمّى ﴾ ،وقتًا معلومًا يصَي شيخًا ﴿ ،وَِلَتبُْلغُوا ﴾ ،جيعًا ﴿ ،أَجَل م َ
مدودًا ل تاوزو نه ،ير يد أ جل الياة إل الوت ﴿ ،وََلعَّلكُ ْم َت ْعقِلُو نَ ﴾ ،
أي :لكي تعقلوا توحيد ربكم وقدرته .
قال ابن كثي :ث قال تعال ُ ﴿ :هوَ الّذِي يُ ْ
حيِي َويُمِي تُ ﴾ ،أي :هو
التفرد بذلك ،ل يقدر على ذلك أحد سواه ﴿ ،فَإِذَا َقضَى َأمْرًا فَِإنّمَا َيقُولُ
لَهُ كُنْ َفَيكُونُ ﴾ أي :ل يالف ول يانع ،بل ما شاء كان ل مالة .
قوله عـز وجـل َ ﴿ :ألَم ْـَت َر ِإلَى الّذِينَـيُجَادِلُونَـ فِي آيَاتِـ اللّهِـأَنّىـ
َسـوْفَ
ُسـلَنَا ف َ
ِهـ ر ُ
ْسـلْنَا ب ِ
َابـ َوبِمَا أَر َ
ِينـ َك ّذبُوا بِاْلكِت ِ
ُصـَرفُونَ ( )69اّلذ َ
ي ْ
ُسـحَبُونَ ( )71فِي
َالسـلَا ِسلُ ي ْ
ِمـ و ّ
ُونـ (ِ )70إذِ اْلأَغْلَا ُل فِي أَعْنَاقِه ْ
َيعْلَم َ
شرِكُو نَ (
جرُونَ (ُ )72ثمّ قِيلَ َلهُ ْم َأيْ َن مَا كُنتُ ْم ُت ْ
الْحَمِي ِم ثُمّ فِي النّا ِر يُ سْ َ
)73مِن دُو نِ اللّ هِ قَالُوا ضَلّوا عَنّا بَل لّ ْم نَكُن ّندْعُو مِن قَ ْبلُ شَيْئا َك َذلِ كَ
حقّ
ض ِبغَ ْيرِ الْ َ
ض ّل اللّ ُه الْكَافِرِي نَ (َ )74ذِلكُم بِمَا كُنتُ ْم َتفْ َرحُو َن فِي اْلأَرْ ِ
يُ ِ
س مَ ْثوَى
ب جَهَنّ مَ خَالِدِي َن فِيهَا فَبِئْ َ
َوبِمَا كُنتُ ْم تَ ْمرَحُو نَ ( )75ادْخُلُوا َأبْوَا َ
الْمَُتكَّبرِينَ (. ﴾ )76
811 توفيق الرحن ف دروس القرآن
قال ابن زيد ف قوله ﴿ :أَلَ ْم تَرَ إِلَى الّذِي َن يُجَادِلُو نَ فِي آيَا تِ اللّ هِ َأنّى
يُصْرَفُونَ ﴾ قال :عن الق ،قال :هؤلء الشركون .وعن ماهد ف قوله :
﴿ يُسْجَرُونَ ﴾ ،قال :يوقد بم النار .
وقوله تعال ﴿ :ثُمّ قِيلَ َلهُ مْ َأيْ َن مَا كُنتُ ْم تُشْرِكُو نَ * مِن دُو نِ اللّ هِ قَالُوا
ك ُيضِلّ اللّ ُه اْلكَافِرِينَ ﴾ .
ضلّوا َعنّا بَل لّ ْم َنكُن نّ ْدعُو مِن َقبْ ُل َشيْئا كَذَلِ َ
َ
قال ابن جرير يقول :ث قيل :أين الذين كنتم تشركون بعبادتكم إياها
من دون ال من آلتكم وأوثانكم ،حت يغيثوكم فينقذوكم ما أنتم فيه من
البلء والعذاب ؟ فإن العبود يغيَث مَن عبَد وخدمَه ،وإناَ يقال هذا لمَ
توبيخا وتقريعًا على ما كان منهم ف الدنيا من الكفر بال وطاعة الشيطان ،
فأجاب السَاكي عنَد ذلك فقالوا ﴿ :ضَلّوْا عَنّاَ ﴾ ،يقول :عدلوا عنَا ،
فأخذوا غ ي طريق نا ،وتركو نا ف هذا البلء ،بل ما ضلوا ع نا ،ولك نا ل
نكن ندعوا من قبل ف الدنيا شيئًا .أي :ل نكن نعبد شيئًا ؛ يقول ال تعال
ك ُيضِلّ اللّ ُه اْلكَافِرِي نَ ﴾ ،يقول :ك ما أ ضل هؤلء الذ ين
ذكره ﴿ :كَذَلِ َ
ضل عن هم ف جه نم ما كانوا يعبدون ف الدن يا ،من دون ال من الل ة
والوثان آلت هم وأوثان م ،كذلك ي ضل ال أ هل الك فر به ع نه و عن رح ته
وعبادته ،فل يرحهم فينجيهم من النار ،ول يغيثهم فيخفف عنهم ما هم
فيه من البلء .
الزء الثالث 812
و عن ما هد ﴿ :ذَلِكُم بِمَا كُنتُ ْم َتفْ َرحُو نَ فِي الْأَرْ ضِ ِب َغيْ ِر الْحَقّ َوبِمَا
َ
َ َج َهنّم َ
َ ﴾ ،قال :تبطرون وتأشرون ﴿ ،ا ْدخُلُوا أَْبوَاب َ َ تَ ْمرَحُون َ كُنتُم ْ
س َمْثوَى الْ ُمَت َكبّرِينَ ﴾ .
خَالِدِينَ فِيهَا َفبِْئ َ
ك َبعْ ضَ اّلذِي
قوله عز و جل ﴿ :فَا صِْبرْ إِنّ وَ ْع َد اللّ ِه حَقّ َفِإمّ ا ُن ِريَنّ َ
ك مِ ْنهُم
ل مّن قَبْلِ َ
ك َفإِلَيْنَا ُي ْرجَعُونَ ( )77وََل َقدْ أَرْسَلْنَا رُسُ ً
َن ِعدُهُ ْم َأوْ نََت َوفّيَنّ َ
ك َومَا كَا َن ِلرَ سُو ٍل أَ ْن َي ْأتِ يَ
ك َومِ ْنهُم مّن لّ مْ َنقْ صُصْ عَلَيْ َ
مّن قَ صَصْنَا عَلَيْ َ
ك الْمُبْطِلُونَ (
حقّ وَخَسِ َر هُنَالِ َ
بِآيَ ٍة ِإلّا ِبِإذْ ِن اللّهِ فَِإذَا جَاء َأ ْمرُ اللّ ِه قُضِ َي بِالْ َ
)78اللّ ُه الّذِي َجعَ َل َلكُ مُ اْلأَْنعَا َم لَِترْكَبُوا مِ ْنهَا َومِ ْنهَا َتأْكُلُو نَ (َ )79ولَكُ مْ
ْكـ
صـدُورِ ُكمْ وَعَلَيْه َا وَعَلَى اْلفُل ِ
ِعـ َولِتَبْ ُلغُوا عَلَيْه َا حَا َجةً ف ِي ُ
فِيه َا مَنَاف ُ
حمَلُو نَ ( )80وَُيرِيكُ مْ آيَاتِ ِه َفأَيّ آيَا تِ اللّ هِ تُن ِكرُو نَ (َ )81أفَلَ مْ يَ سِيُوا
تُ ْ
ض فَيَن ُظرُوا كَيْ فَ كَا نَ عَاقَِبةُ اّلذِي َن مِن قَبْ ِلهِ مْ كَانُوا أَكَْث َر مِ ْنهُ مْ
فِي اْلأَرْ ِ
ض فَمَا أَ ْغنَى عَ ْنهُم مّا كَانُوا يَكْ سِبُونَ ( )82فَلَمّا
َوأَ َش ّد ُقوّ ًة وَآثَارا فِي اْلأَرْ ِ
ق ِبهِم مّا كَانُوا
جَاءْتهُ مْ رُ سُ ُلهُم بِالْبَيّنَا تِ َف ِرحُوا بِمَا عِن َدهُم مّ َن الْعِلْ ِم َوحَا َ
بِ هِ يَ سْتَ ْه ِزئُون ( )83فَلَمّا َرَأوْا َبأْ سَنَا قَالُوا آمَنّا بِاللّ ِه وَ ْحدَ ُه وَ َك َفرْنَا بِمَا كُنّا
ت اللّ هِ الّتِي
شرِكِيَ ( )84فَلَ ْم يَ كُ يَن َف ُعهُ ْم إِيَاُنهُ ْم لَمّا َرَأوْا َبأْ سَنَا سُنّ َ
بِ هِ ُم ْ
سرَ هُنَاِلكَ الْكَا ِفرُونَ (. ﴾ )85
ت فِي عِبَا ِد ِه وَ َخ ِ
َق ْد خَلَ ْ
813 توفيق الرحن ف دروس القرآن
ِعنْ َدهُ ْم مِ َن اْلعِلْ مِ .قال ماهد :هو قولم :نن أعلم ،لن نبعث ولن نعذب
.سي ذلك :علمًا على ما يدعونه ويزعمونه ،وهو ف القيقة :جهل ﴿ .
سَتهْ ِزئُونَ ﴾ .
ق ِبهِ ْم مَا كَانُوا بِ ِه يَ ْ
وَحَا َ
﴿ فََلمّا َرَأوْا َبأْسَنَا قَالُوا آمَنّا بِاللّ ِه وَ ْحدَهُ وَ َكفَ ْرنَا بِمَا ُكنّا بِ ِه مُشْرِكِيَ ﴾ ،
يع ن :تبأ نا م ا ك نا نعدل بال ﴿ .فََل ْم يَ كُ َيْن َف ُعهُ مْ إِيَاُنهُ مْ لَمّ ا َرَأوْا َبأْ َسنَا
﴾ عذاب نا ُ ﴿ ،سّنةَ اللّ ِه الّتِي َقدْ خَلَ تْ فِي عِبَادِ هِ ﴾ ،وتلك ال سنة أن م إذا
َسَرَ
عاينوا عذاب ال آمنوا ول ينفعهَم إيانمَ عنَد معاينَة العذاب ﴿ .وَخ ِ
ُهنَالِ كَ الْكَافِرُو نَ ﴾ ،بذهاب نعيم الدارين ،قال الزجاج :الكافر خاسر ف
كل وقت ،ولكنهم تبي لم خسرانم إذا رأوا العذاب .
***
815 توفيق الرحن ف دروس القرآن
ِإلّا اللّ هَ قَالُوا َلوْ شَاء َربّنَا لَأَنزَ َل مَلَاِئ َكةً َفِإنّ ا بِمَا أُرْ سِلْتُ ْم بِ هِ كَافِرُو نَ ()14
ض ِبغَ ْيرِ الْحَقّ َوقَالُوا مَ ْن أَ َش ّد مِنّ ا قُ ّو ًة َأوَلَ مْ
َفَأمّ ا عَادٌ فَا سَْتكَْبرُوا فِي اْلأَرْ ِ
حدُو نَ (
َي َروْا أَنّ اللّ َه اّلذِي خَ َل َقهُ مْ ُهوَ أَ َشدّ مِ ْنهُ مْ ُق ّوةً وَكَانُوا بِآيَاتِنَا يَجْ َ
خزْيِ
ب الْ ِ
صرْصَرا فِي أَيّامٍ نّحِسَاتٍ لُّنذِي َقهُمْ َعذَا َ
َ )15فأَرْسَلْنَا عَلَ ْيهِمْ رِيا َ
صرُونَ (َ )16وَأمّا ثَمُودُ
فِي الْحَيَا ِة الدّنْيَا وََل َعذَا بُ الْآ ِخ َر ِة أَ ْخزَى وَهُ مْ لَا يُن َ
َف َه َديْنَاهُ مْ فَا سْتَحَبّوا الْعَمَى عَلَى الْ ُهدَى َفأَ َخذَْتهُ مْ صَا ِع َقةُ اْلعَذَا بِ اْلهُو نِ
بِمَا كَانُوا يَ ْكسِبُونَ (َ )17ونَجّيْنَا الّذِينَ آمَنُوا وَكَانُوا يَّتقُونَ (. ﴾ )18
***
817 توفيق الرحن ف دروس القرآن
قل يا أبا الوليد أسع » قال :يا ابن أخي إنا تريدُ با جئتَ به من هذا المر
مالً جعنا لك من أموالنا حت تكون أكثرنا مالً ،وإن كنت تريد به شرفًا
سودناك علي نا ح ت ل نق طع أمرًا دو نك ،وإن ك نت تر يد به ملكًا ملكناك
علينا ،وإن كان هذا الذي يأتيك َرِئيّا تراه ل تستطيع رده عن نفسك ،طلبنا
لك الطباء ،وبذل نا ف يه أموال نا ح ت نبئك م نه ،فإ نه رب ا غلب التا بع على
الر جل ح ت يُدَاوَى م نه -أو ك ما قال له -ح ت إذا فرغ عت بة ور سول ال
يسَتمع منَه قال « :أفرغَت يَا أبَا الوليَد » ؟ قال :نعَم .قال « :
فا ستمع م ن » .قال :أف عل .قال « :ب سم ال الرح ن الرح يم ﴿ حم *
ت آيَاتُ هُ ُقرْآنًا عَ َرِبيّا ِل َقوْ ٍم َيعْلَمُو نَ *
تَني ٌل مِ نَ الرّحْ َم نِ الرّحِي مِ * ِكتَا بٌ فُ صَّل ْ
بَشِيًا َونَذِيرًا َفَأعْرَ ضَ أَكْثَ ُرهُ مْ َفهُ مْ ل يَ سْ َمعُونَ ﴾ » ،ث مضى رسول ال
فيها وهو يقرؤها عليه ،فلما سع عتبة أنصت لا ،وألقى يديه خلف ظهره
معتمدًا عليهمَا يسَتمع منَه ،حتَ انتهَى رسَول ال إل السَجدة منهَا
فسجد ث قال « :قد سعت يا أبا الوليد ما سعت فأنت وذاك » .
فقام عت بة إل أ صحابه فقال بعض هم لب عض :نلف بال ل قد جاء كم أ با
الوليد بغي الوجه الذي ذهب به .فلما جلس إليهم قالوا :ما وراءك يا أبا
الول يد ؟ قال :ورائي أ ن سعت قولً وال ما سعت مثله قط ،وال ما هو
بالسحر ،ول بالشعر ،ول بالكهانة ،يا معشر قريش ،أطيعون واجعلوها
ب ،خلوا ب ي الر جل وب ي ما هو ف يه فاعتزلوه ،فوال ليكونَنّ لقوله الذي
سعت نبأ ،فإن تصبه العرب فقد كفيتموه بغيكم ،وإن يظهر على العرب
819 توفيق الرحن ف دروس القرآن
فمُ ْلكُ هُ ملككم ،وعزه عزكم ،وكنتم أسعد الناس به .قالوا :سحرك وال
يا أبا الوليد بلسانه ! قال :هذا رأيي ،فاصنعوا ما بدا لكم .
وف رواية البغوي من حديث جابر رضي ال عنه ( :قال عتبة :ولكن
أتيته وقصصت عليه القصة فأجابن بشيء ،وال ما هو بشعر ،ول كهانة ،
َ
َ َأعْرَضُوا َفقُلْ أَنذَ ْرتُكُم ْ
ول سَحر ،وقرأ السَورة إل قوله تعال ﴿ :فَإِن ْ
صَا ِع َق ًة ّمثْلَ صَاعِ َق ِة عَا ٍد َوثَمُودَ ﴾ فأمسكت بفيه وناشدته بالرحم أن يكف ،
وقد علمتم أن ممدًا إذا قال شيئًا ل يكذب ،فخفت أن ينل بكم العذاب )
.
وقوله تعال ﴿ :تَنِي ٌل مّ نَ الرّحْمَ نِ الرّحِي مِ ِكتَا بٌ فُ صَّل ْ
ت آيَاتُ هُ ﴾ ،قال
ال سدي :بي نت آيا ته .و عن ما هد ف قوله ُ ﴿ :قلُوبُنَا فِي أَكِّنةٍ ﴾ ،قال :
عليها أغطية كالعبة للنبل ﴿ ،وَفِي آذَاِننَا وَقْرٌ ﴾ ،قال السدي :صمم .
و عن قتادة قوله َ ﴿ :و َويْلٌ لِ ْلمُشْرِكِيَ الّذِي َن ل ُي ْؤتُو نَ الزّكَاةَ ﴾ ،قال :
ل يقرّون باَ ،وكان يقال :إن الزكاة قنطرة السَلم ،فمَن قطعهَا ناَ ،
و من تلف عن ها هلك ،و قد كان أهل الردّة بعد نبّ ال قالوا :أما الصلة
فنصَلّي ،وأمَا الزكاة فوال ل نغصَب أموالنَا .فقال أبَو بكَر ( :وال ل
أفرق ب ي ش يء ج ع ال بي نه ،وال لو منعو ن عقالً م ا فرض ال ور سوله
شرِكِيَ الّذِي َن ل ُيؤْتُو نَ الزّكَاةَ ﴾
لقاتلناهم عليه ) .وعن السدي ﴿ َو َويْلٌ ِللْمُ ْ
أي :ل يدينون بالزكاة ،وقال :لو زكوا و هم مشركون ل ينفع هم .و عن
الزء الثالث 820
ُونَ
ُمَ أَ ْج ٌر َغيْ ُر مَ ْمن ٍ
ِينَ آ َمنُوا َوعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ َله ْ
ابَن عباس ﴿ :إِن ّ الّذ َ
﴾ يقول :غي منقصوص .
قوله عز وجل ُ ﴿ :ق ْل َأئِنّكُ ْم لََتكْ ُفرُو َن بِاّلذِي خَلَ قَ اْلأَرْ ضَ فِي َي ْومَيْ نِ
جعَلُو َن لَ ُه أَندَادا َذلِ كَ َربّ الْعَالَمِيَ (َ )9وجَ َع َل فِيهَا َروَا سِ َي مِن فَ ْو ِقهَا
َوتَ ْ
َوبَارَ َك فِيهَا َوقَدّ َر فِيهَا َأ ْقوَاتَهَا فِي أَ ْرَب َعةِ َأيّا مٍ سَوَاء لّل سّائِلِيَ ( )10ثُمّ
ض ِائْتِيَا َطوْعا أَوْ َكرْها قَالَتَا
اسَْتوَى إِلَى السّمَاء وَهِ َي ُدخَانٌ فَقَالَ َلهَا َولِلْأَرْ ِ
َأتَيْنَا طَائِعِيَ (َ )11فقَضَا ُهنّ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ فِي يَ ْومَيْنِ َوَأوْحَى فِي ُكلّ سَمَاء
ك َتقْدِيرُ اْلعَزِيزِ اْلعَلِي مِ (
ح َوحِفْظا َذلِ َ
َأ ْمرَهَا وَ َزيّنّ ا ال سّمَاء ال ّدنْيَا بِمَ صَابِي َ
. ﴾ )12
قال ابن عباس :خلق ال الرض ف يومي ،ث خلق السماء ،ث استوى
إل السماء فسواهن ف يومي آخرين ،ث دحى الرض ،ودحيها أن أخرج
منها الاء والرعى ،وخلق البال والرمال ،والماد والكام ف يومي آخرين
ض َبعْدَ ذَلِ كَ دَحَاهَا ﴾ .وعن قتادة َ ﴿ :سوَاءً
،فذلك قوله تعال ﴿ :وَالْأَرْ َ
لِلسّائِلِيَ ﴾ ،قال :من سأل فهو كما قال ال .
وقوله تعال ﴿ :ثُمّ ا ْستَوَى إِلَى ال سّمَا ِء َوهِ يَ دُخَا نٌ َفقَالَ لَهَا وَلِلرْ ضِ
ِاْئتِي َا َطوْع ًا َأوْ كَرْه ًا ﴾ ،قال البغوي :أي :ائتيَا مَا آمركمَا ،أي :
افعله ﴿ ،قَاَلتَا َأَتيْنَا طَاِئعِيَ ﴾ .وعن ماهد ف قوله َ ﴿ :وَأوْحَى فِي كُلّ
سَمَاء َأمْرَهَا ﴾ قال :ما أ مر ال به وأراده .و عن ال سدي ﴿ وَ َزّينّ ا ال سّمَاء
821 توفيق الرحن ف دروس القرآن
ال ّدْنيَا بِمَ صَابِيحَ ﴾ قال :ث زين السماء بالكواكب فجعلها زينة ﴿ َو ِحفْظا
ك َتقْدِي ُر الْعَزِي ِز الْعَلِيمِ ﴾ .
﴾ من الشياطي ﴿ ذَلِ َ
قوله عز وجل َ ﴿ :فإِ ْن أَ ْعرَضُوا َف ُقلْ أَنذَ ْرتُكُ مْ صَا ِع َقةً مّ ْثلَ صَا ِع َقةِ عَادٍ
َوثَمُودَ (ِ )13إ ْذ جَاءْتهُ مُ الرّ سُ ُل مِن بَيْ ِن َأيْدِيهِ مْ َومِ نْ خَ ْل ِفهِ ْم َألّا َتعُْبدُوا ِإلّا
اللّ َه قَالُوا َل ْو شَاء َربّنَا َلأَنزَ َل مَلَاِئ َكةً َفِإنّا بِمَا أُرْ سِلُْتمْ بِ هِ كَا ِفرُو نَ (َ )14فَأمّا
حقّ َوقَالُوا مَنْ َأ َشدّ مِنّا ُق ّو ًة أَ َولَ ْم َيرَوْا أَنّ
ض ِبغَ ْيرِ الْ َ
عَا ٌد فَاسَْتكْبَرُوا فِي اْلأَرْ ِ
ـ ()15
حدُون َ
ـ ُق ّوةً وَكَانُوا بِآيَاتِنَـا َيجْ َ
ـ ُهوَ َأ َشدّ مِ ْنهُم ْ
ـ الّذِي خَ َلقَهُم ْ
اللّه َ
ي فِي
خزْ ِ
ب الْ ِ
صرْصَرا فِي أَيّا مٍ نّحِ سَاتٍ لُّنذِي َقهُ مْ َعذَا َ
َفأَرْ سَلْنَا عَلَ ْيهِ مْ رِيا َ
ُنصـرُونَ (َ )16وَأمّاـ ثَمُودُ
ُمـ لَا ي َ
َابـ الْآ ِخ َرةِ َأ ْخزَى َوه ْ
الْحَيَا ِة ال ّدنْيَا َوَلعَذ ُ
ب اْلهُونِ بِمَا
َف َه َديْنَاهُ ْم فَاسْتَحَبّوا الْعَمَى عَلَى اْل ُهدَى َفَأخَ َذْتهُمْ صَا ِع َقةُ اْل َعذَا ِ
كَانُوا َي ْكسِبُونَ ( )17وَنَجّ ْينَا اّلذِينَ آمَنُوا وَكَانُوا يَّتقُونَ (. ﴾ )18
عن قتادة ف قوله ﴿ :صَاعِ َق ًة ّمثْلَ صَا ِع َقةِ عَا ٍد َوثَمُودَ ﴾ ،قال :يقول :
أنذرتكَم وقيعَة مثَل :وقيعَة عاد وثود ،قال :عذاب مثَل :عذاب عاد
وثود ِ ﴿ .إذْ جَا َءْتهُمُ الرّسُ ُل مِ ْن َبيْنِ َأيْدِيهِمْ َومِنْ خَ ْل ِفهِمْ ﴾ ،قال ابن عباس
:الرسل الت كانت قبل هود والرسل الذين كانوا بعده ،بعث ال قبله رسلً
،وبعث من بعده رسلً .
وعن ماهد ف قوله َ ﴿ :فأَرْ سَ ْلنَا عََلْيهِ مْ رِيا صَرْصَرا ﴾ ،قال :شديدة
﴿ :فِي َأيّا ٍم نّحِ سَاتٍ ﴾ مشائم .قال قتادة ﴿ :فِي َأيّا مٍ نّحِ سَاتٍ ﴾ وال
الزء الثالث 822
كانت مشئومات على القوم َ ﴿ .وأَمّا ثَمُودُ َفهَ َدْينَاهُ ْم ﴾ بينا لم سبيل الي
حبّوا اْلعَمَى عَلَى اْلهُدَى ﴾ ،قال ابن زيد :استحبّوا الضللة والشر ﴿ ،فَا ْستَ َ
ب الْهُو نِ ﴾ ،قال :
على الدى .و عن ال سدي َ ﴿ :فأَخَ َذْتهُ مْ صَاعِ َق ُة اْلعَذَا ِ
جْينَا الّذِينَ آ َمنُوا وَكَانُوا َيتّقُونَ ﴾ .
سبُو َن َونَ ّ
الوان ﴿ ،بِمَا كَانُوا َيكْ ِ
***
823 توفيق الرحن ف دروس القرآن
( )30نَحْ ُن أَ ْولِيَاؤُكُ مْ فِي الْحَيَاةِ ال ّدنْيَا وَفِي الْآ ِخ َرةِ َوَلكُ مْ فِيهَا مَا َتشَْتهِي
أَن ُفسُ ُكمْ َوَلكُ ْم فِيهَا مَا تَدّعُونَ (ُ )31ن ُزلً ّمنْ َغفُورٍ ّرحِيمٍ (. ﴾ )32
***
825 توفيق الرحن ف دروس القرآن
عنكنَ كنَت أجادل » .رواه مسَلم ّ لكنَ وسَحقًا يعمَل ،فيقول :بعدًا ّ
وغيه .و عن حك يم بن معاو ية عن أب يه عن ال نب قال « :تيئون يوم
القيامة على أفواهكم الفدام ،وإن أول ما يتكلم من الدمي فخذه وكفه » .
رواه ابن جرير وغيه .
وعن ال سدي ﴿ :وَمَا كُنتُ ْم تَ سَْتتِرُونَ ﴾ ،أي :تسخفون منها .و عن
شهَدَ
قتادة ﴿ :وَمَا كُنتُ ْم تَ سَْتتِرُونَ ﴾ ،يقول :و ما كن تم تظنون ﴿ ،أَ نْ يَ ْ
عََلْيكُ مْ سَ ْم ُعكُ ْم وَل َأبْ صَارُكُمْ ﴾ حت بلغ َ ﴿ :كثِيًا مِمّا َتعْمَلُو نَ ﴾ .وال
إن عليك يا ابن آدم لشهودًا غي متهمة من بدنك ،فراقبهم واتق ال ف سر
أمرك وعلنيتك ،فإنه ل يفى عليه خافية ،الظلمة عنده ضوء ،والسر عنده
علنية ،فمن استطاع أن يوت وهو بال حسن الظنّ فليفعل ول قوّة إل بال
.وعن عبد ال بن مسعود قال :إن لستتر بأستار الكعبة ،إذ دخل ثلثة نفر
:ثقفي ،وختناه قرشيان ،قليل فقه قلوبما كثي شحوم بطونما ،فتحدثوا
بين هم بد يث فقال أحد هم :أترى ال ي سمع ما قل نا ؟ فقال ال خر :إ نه
ي سمع إذا رفعنا ،ول ي سمع إذا خفض نا .وقال ال خر :إذا كان ي سمع منه
شيئًا فهو يسمعه كله .قال :فأتيت رسول ال فذكرت ذلك له ،فنلت
شهَ َد عََلْيكُ مْ سَ ْم ُعكُ ْم وَلَا َأبْ صَارُكُمْ
هذه ال ية ﴿ :وَمَا كُنتُ ْم تَ سَْتتِرُونَ أَ نْ يَ ْ
ستَ ْعِتبُوا فَمَا هُم مّ َن الْ ُم ْعتَبِيَ ﴾ .رواه ا بن ﴾ ،فقرأ ح ت بلغ َ ﴿ :وإِن يَ ْ
جرير وغيه .
827 توفيق الرحن ف دروس القرآن
ُمَ
ُمَ الّذِي َظنَنتُم بِ َرّبك ْ
ُمَ َظنّك ُوعَن معمَر قال :تل السَن ﴿ :وَذَِلك ْ
ُمَ ﴾ فقال :إناَ عمَل الناس على قدر ظنونمَ بربمَ ،فأمَا الؤمَن أَ ْردَاك ْ
فأح سن بال ال ظن ،فأح سن الع مل .وأ ما الكا فر ،والنا فق فأ ساء ال ظن ،
وظنَ مُرْدٍ .قال :
ظنَ منَج ّ ، فأسَاءا العمَل .وعَن قتادة :الظَن ظنان ّ :
﴿ الّذِينََيَ ُظنّونَََأنّهُم َْ مُلقُو َرّبهِم َْ ﴾ قال ِ ﴿:إنّيَ َظنَنْتََُأنّيَ مُلقٍَ
َبِيَهْ ﴾ وهذا الظنَّ النجَي ظنًا يقينًا .وقال ﴿ :وَذَِلكُم َْ َظنّكُمَُ الّذِي حِسَا
َظَننْتُ ْم بِ َرّبكُ مْ أَرْدَاكُ مْ ﴾ ،هذا ظ ّن مُ ْردٍ .وقال الكافرون ﴿ :إِ نْ نَظُنّ إِل
سَتيْ ِقنِيَ ﴾ ؛ وذُ كر ل نا أن نبّ ال كان يقول -ويروي ح ُن بِمُ ْ َظنّ ا وَمَا نَ ْ
ذلك عن ربه َ « : -عبْدِي غي ظنّه بِي ،وأنا َمعَ هُ إذَا دَعانِي » .قوله تعال
صبِرُوا فَالنّا ُر َمْثوًى َلهُ ْم َوإِنْ يَسَْت ْعِتبُوا فَمَا هُ ْم مِ َن الْ ُمعَْتبِيَ ﴾ ،قال
﴿ :فَإِ ْن يَ ْ
َى ﴿ ،فَمَا هُم مّنََ َعِْتبُوا ﴾ ،يسَترضوا ويطلبوا العت ب البغوي َ ﴿ :وإِن يَس َْت
الْ ُم ْعَتبِيَ ﴾ ،الرضيي .والعتب :الذي قبل أعتابه وأجيب إل ما سأل .
قوله عز و جل َ ﴿ :وقَيّضْنَا َلهُ مْ ُق َرنَاء َفزَيّنُوا لَهُم مّ ا بَيْ نَ َأْيدِيهِ مْ وَمَا
جنّ وَاْلإِن سِ
ت مِن قَبْ ِلهِم مّ نَ الْ ِ
خَ ْل َفهُ ْم َوحَقّ عَلَ ْيهِ ُم الْ َقوْ ُل فِي ُأمَ مٍ َق ْد خَلَ ْ
ْآنـ
َسـَمعُوا ِل َهذَا الْ ُقر ِ
ِينـ َك َفرُوا لَا ت ْ
َاسـرِينَ (َ )25وقَالَ اّلذ َ
ُمـ كَانُوا خ ِ
ِإّنه ْ
ـ َك َفرُوا َعذَابا َشدِيدا
ـ ( )26فَلَُنذِيقَنّـ الّذِين َ
ـ َتغْلِبُون َ
ـ َلعَلّكُم ْ
وَالْ َغوْا فِيه ِ
ج ِزيَّنهُم ْـأَس ْـَوأَ اّلذِي كَانُوا َيعْمَلُونَـ (َ )27ذلِكَـ جَزَاء أَ ْعدَاء اللّهِـ النّارُ
َولَنَ ْ
حدُو نَ (َ )28وقَالَ اّلذِي نَ
جََلهُ ْم فِيهَا دَارُ الْخُ ْل ِد َجزَاء بِمَا كَانُوا بِآيَاتِنَا يَ ْ
الزء الثالث 828
ت َأقْدَامِنَا
جعَ ْلهُمَا تَحْ َ
س نَ ْ
َك َفرُوا َربّنَا أَرِنَا اّلذَيْ ِن أَضَلّانَا مِ َن الْجِنّ وَاْلإِن ِ
لَِيكُونَا ِم َن الَْأ ْسفَلِيَ (. ﴾ )29
عن ما هد ﴿ :وََقّيضْنَا َلهُ مْ ُق َرنَاء ﴾ قال :شياط ي َ ﴿ ،ف َزّينُوا لَهُم مّ ا
َبيْ نَ َأيْدِيهِ مْ ﴾ ،قال السدي :من أمر الدنيا َ ﴿ ،ومَا َخ ْل َفهُ مْ ﴾ ،من أمر
ت مِن الخرة ﴿ ،وَحَقّ عََلْيهِ ُم اْل َقوْلُ ﴾ ،قال :العذاب ﴿ ،فِي ُأمَمٍ قَدْ َخلَ ْ
َقبِْلهِم مّ َن الْجِنّ وَالْإِنسِ ِإّنهُمْ كَانُوا خَاسِرِينَ ﴾ ،وعن ابن عباس قوله ﴿ :لَا
تَ سْ َمعُوا ِلهَذَا الْقُرْآ نِ وَاْل َغوْا فِي هِ َلعَّلكُ ْم َتغِْلبُو نَ ﴾ ،قال :هذا قول الشرك ي
َسَ َمعُوا ِلهَذَا
قالوا :ل تتبعوا هذا القرآن والوا عنَه .وعَن ماهَد ﴿ :لَا ت ْ
اْلقُرْآ نِ وَاْل َغوْا فِي هِ ﴾ ،قال :الكاء والت صفي وتل يط من القول على ر سول
ال إذا قرأ قريش تفعله .
ج ِزَيّنهُ مْ أَ ْس َوَأ الّذِي كَانُوا َيعْمَلُو نَ
﴿ فََلنُذِيقَنّ الّذِي نَ َكفَرُوا عَذَابا شَدِيدا وََلنَ ْ
﴾ قال البغوي :و هو :الشرك بال .و عن علي ر ضي ال ع نه ف قوله ﴿ :
َربّنَا أَرِنَا الّ َذيْ نِ أَضَلنَا مِ َن الْجِنّ وَالنْ سِ ﴾ قال :إبل يس ،وا بن آدم الذي
حتَ أَقْدَامِنَا ِلَيكُونَا مِ َن السْفَِليَ ﴾ ،قال ابن عباس : جعَ ْلهُمَا تَ ْ
قتل أخاه ﴿ َن ْ
ليكونا أشد عذابًا منًا .
قوله عز وجل ﴿ :إِنّ اّلذِي نَ قَالُوا َربّنَا اللّ هُ ُثمّ ا سَْتقَامُوا تَتََن ّزلُ عَلَ ْيهِ مُ
حزَنُوا َوَأْبشِرُوا بِالْجَّنةِ الّتِي كُنتُ مْ تُو َعدُو نَ ()30
الْمَلَائِ َكةُ أَلّا تَخَافُوا َولَا َت ْ
829 توفيق الرحن ف دروس القرآن
سكُمْ
نَحْ ُن أَ ْولِيَاؤُكُمْ فِي الْحَيَاةِ ال ّدنْيَا وَفِي الْآ ِخ َرةِ َوَلكُمْ فِيهَا مَا َتشَْتهِي أَنفُ ُ
َولَ ُك ْم فِيهَا مَا َتدّعُونَ (ُ )31نزُ ًل ّمنْ َغفُورٍ ّرحِيمٍ (. ﴾ )32
عن أنس بن مالك أن رسول ال قرأ ﴿ :إِنّ الّذِي نَ قَالُوا َربّنَا اللّ ُه ثُمّ
ا ْستَقَامُوا ﴾ ،قال :قد قال ا الناس ث ك فر أكثر هم ،ف من مات علي ها ف هو
منَ اسَتقام .وقال عكرمَة :اسَتقاموا على شهادة أن ل إله إل ال .وعَن
ما هد ﴿ :إِنّ الّذِي نَ قَالُوا َربّنَا اللّ ُه ثُمّ ا ْستَقَامُوا ﴾ ،قال :أ سلموا ث ل
يشركوا به ح ت لقوا به .و عن الزهري قال :تل ع مر رضي ال عنه على
َقَامُوا ﴾ ،قال :اسَتقاموا وال النَب ﴿ ،إِنّ الّذِينََ قَالُوا َربّنَا اللّهَُثُمّ اس َْت
بطاعته ،ول يروغوا روغان الثعالب .وقال قتادة :استقاموا على طاعة ال .
وكان السن إذا تلها قال :اللهم فأنت ربّنا فارزقنا الستقامة .وعن ماهد
ح َزنُوا ﴾ قال : ﴿ :تََتنَزّ ُل عََلْيهِ ُم الْ َملَائِ َكةُ ﴾ عند الوت ﴿ ،أَلّا تَخَافُوا وَلَا تَ ْ
﴿ أَلّا َتخَافُوا ﴾ ما َتقْ ُدمُون عليه من أمر الخرة ﴿ ،وَلَا َتحْ َزنُوا ﴾ ،على ما
جّن ِة الّتِي كُنتُ مْ خلّف تم من دنيا كم فإ نا نلف كم ف ذلك كلّه ﴿ َوأَبْشِرُوا بِالْ َ
تُوعَدُونَ ﴾ .
حيَاةِ ال ّدْنيَا ﴾ ،نن الفظة الذين وعن السدي ﴿ :نَحْنُ َأوِْليَاؤُكُمْ فِي الْ َ
شَتهِي كنا معكم ف الدنيا ،ونن أولياؤكم ف الخرة ﴿ ،وَلَكُ مْ فِيهَا مَا تَ ْ
سكُ ْم وََلكُ مْ فِيهَا مَا تَ ّدعُو نَ ﴾ ،قال ابن كثي :أي :مهما طلبتم وجدت أَنفُ ُ
وحضر بي أيديكم كما اخترت ﴿ ،نُزُ ًل مّ ْن َغفُورٍ رّحِي مٍ ﴾ ،أي :ضيافة
وعطاء وإنعامًا من غفور لذنوبكم ﴿ ،رّحِي مٍ ﴾ ،بكم .وف الصحيح عن
الزء الثالث 830
أنس بن مالك رضي ال عنه قال :قال رسول ال « :من أح بّ لقاء ال
أح بّ ال لقاءه ،و من كره لقاء ال كره ال لقاءه » .قل نا :يا ر سول ال
كلنَا نكره الوت ! قال « :ليَس ذلك كراهيَة الوت ،ولكَن الؤمَن إذا
حضر جاءه البشي من ال تعال با هو صائر إليه ،فليس شيء أحبّ إليه من
أن يكون قد لقي ال تعال فأح بّ ال لقاءه -قال : -وإن الفاجر أو الكافر
إذا حضر جاءه با هو صائر إليه من الشر أو ما يلقى من الشرّ فكره لقاء ال
فكره ال لقاءه » .رواه أحد وغيه .
***
831 توفيق الرحن ف دروس القرآن
س ُن قَ ْولً مّمّ ن دَعَا ِإلَى اللّ هِ وَ َع ِملَ صَالِحا َوقَا َل ِإنّنِي مِ نَ
﴿ وَمَ ْن أَحْ َ
س ُن َفإِذَا
الْمُسْلِ ِميَ ( )33وَلَا تَسْتَوِي الْحَسََنةُ َولَا السّيَّئةُ ا ْدفَ ْع بِالّتِي هِ َي َأحْ َ
ك وَبَيْنَهُ َعدَاوَةٌ َكَأنّهُ َوِليّ حَمِيمٌ ( )34وَمَا يُ َلقّاهَا ِإلّا اّلذِينَ صََبرُوا
اّلذِي بَيْنَ َ
غ فَاسَْتعِذْ
ك مِ َن الشّيْطَا ِن َنزْ ٌ
نغَنّ َ
َومَا يُ َلقّاهَا إِلّا ذُو حَظّ عَظِيمٍ (َ )35وِإمّا يَ َ
ْسـ
ِهـ اللّ ْيلُ وَالّنهَا ُر وَالشّم ُ
ِنـ آيَات ِ
ِيمـ ( )36وَم ْ
السـمِي ُع الْعَل ُ
ّهـ ُهوَ ّ
ّهـ إِن ُ
بِالل ِ
جدُوا لِلّ ِه الّذِي خَلَ َق ُهنّ إِن كُنُتمْ
س َولَا لِ ْلقَ َم ِر وَاسْ ُ
جدُوا لِلشّمْ ِ
وَالْقَ َم ُر لَا َتسْ ُ
ِإيّا هُ َتعُْبدُو نَ (َ )37فإِ نِ ا سَْتكْبَرُوا فَاّلذِي نَ عِندَ َربّ كَ يُ سَبّحُو َن لَ هُ بِاللّ ْيلِ
ض خَا ِش َعةً َفِإذَا
سَأمُونَ (َ )38ومِ نْ آيَاتِ هِ َأنّ كَ َترَى الْأَرْ َ
وَالنّهَا ِر َوهُ ْم لَا يَ ْ
ت إِنّ الّذِي َأحْيَاهَا لَ ُمحْيِي الْ َم ْوتَى ِإنّ هُ عَلَى
أَنزَلْنَا عَلَ ْيهَا الْمَاء اهَْتزّ تْ وَ َربَ ْ
خ َفوْ نَ عَلَيْنَا َأفَمَن
حدُو نَ فِي آيَاتِنَا لَا يَ ْ
ُك ّل َشيْ ٍء َقدِيرٌ ( )39إِنّ اّلذِي نَ يُلْ ِ
يُلْقَى فِي النّا ِر خَ ْيرٌ أَم مّ ن َيأْتِي آمِنا َيوْ َم الْقِيَامَةِ اعْمَلُوا مَا شِئْتُ مْ ِإنّ ُه بِمَا
َتعْمَلُو َن بَصِيٌ ( )40إِنّ اّلذِينَ َك َفرُوا بِالذّ ْك ِر لَمّا جَاءهُمْ َوِإنّ ُه َلكِتَابٌ َعزِيزٌ
( )41لَا يَ ْأتِي هِ الْبَا ِط ُل مِن بَيْ ِن َيدَيْ ِه وَلَا مِ نْ خَ ْلفِ هِ تَنِيلٌ مّ ْن َحكِي ٍم حَمِيدٍ (
ك إِنّ َربّ كَ َلذُو َم ْغ ِفرَ ٍة َوذُو
)42مَا يُقَالُ لَ كَ ِإلّا مَا َقدْ قِي َل لِلرّ سُ ِل مِن قَبْلِ َ
ُهـ
ُصـلَتْ آيَات ُ
جمِيّا لّقَالُوا لَ ْولَا ف ّ
َاهـ ُقرْآنا أَعْ َ
ِيمـ (َ )43وَلوْ َجعَلْن ُ
َابـ َأل ٍ
ِعق ٍ
جمِيّ وَ َع َربِيّ ُق ْل هُ َو لِ ّلذِي نَ آمَنُوا ُهدًى وَ ِشفَاء وَاّلذِي َن لَا ُيؤْمِنُو َن فِي
َأأَعْ َ
ك يُنَادَوْ َن مِن مّكَا ٍن بَعِيدٍ ( )44وََل َقدْ
آذَاِنهِ مْ َو ْقرٌ َو ُهوَ عَلَ ْيهِ مْ عَمًى ُأ ْولَئِ َ
الزء الثالث 832
***
833 توفيق الرحن ف دروس القرآن
ج ِميّ َوعَ َربِيّ ﴾ ،نن أعجمي .وقال السدي :يقول :بينت آياته َ ﴿ ،أأَعْ َ
قوم عرب ما ل نا وللعج مة ؟ ﴿ قُ ْل ُهوَ لِلّذِي نَ آ َمنُوا هُدًى َو ِشفَاء ﴾ ،قال :
ِمَ وَقْرٌ ﴾ ،قال :صَمم َ ﴿ ،وهُوَ ُونَ فِي آذَاِنه ْ
ِينَلَا ُي ْؤ ِمن َ
القرآن ﴿ ،وَالّذ َ
ك ُينَا َدوْ نَ مِن ّمكَا نٍ
عََلْيهِ ْم عَمًى ﴾ ،قال :عم يت قلوب م عنده ُ ﴿ ،أوْلَئِ َ
َبعِيدٍ ﴾ .قال ماهد :بعيد من قلوبم .
قال البغوي ﴿ :وََلقَدْ آتَيْنَا مُو سَى الْ ِكتَا بَ فَا ْختُلِ فَ فِي هِ ﴾ ،فم صدق
ومكذب ،كما اختلف قومك ف كتابك ﴿ وََلوْل كَلِ َمةٌ َسَب َقتْ مِنْ َربّكَ ﴾
ُمَ ﴾ ،لفزغ مَن ِيَ َبْينَه ْ
فَ تأخيَ العذاب عَن الكذبيَ بالقرآن َ ﴿ ،لقُض َ
عذاب م وع جل إهلك هم ﴿ َوِإّنهُ مْ لَفِي شَكّ ِمنْ هُ مُرِي بٍ ﴾ .وقوله تعال
﴿ :مَ ْن عَمِلَ صَاِلحًا فَِلَنفْ سِهِ ﴾ قال ا بن كث ي :أي :إن ا يعود ن فع ذلك
على نف سه ﴿ َومَ نْ أَ سَاءَ َفعََليْهَا ﴾ أي :إن ا ير جع وبال ذلك عل يه ﴿ وَمَا
ك بِظَلمٍ لِ ْل َعبِيدِ ﴾ .
َربّ َ
ج مِن ثَ َمرَا تٍ مّ نْ
خرُ ُ
قوله عز و جل ِ ﴿ :إلَيْ ِه ُيرَدّ عِلْ ُم ال سّا َع ِة وَمَا تَ ْ
ح ِملُ مِ نْ أُنثَى َولَا تَضَ ُع ِإلّا ِبعِلْمِ ِه َويَوْ َم يُنَادِيهِ مْ َأيْ نَ ُشرَكَائِي
أَكْمَا ِمهَا وَمَا تَ ْ
ضلّ عَ ْنهُم مّ ا كَانُوا يَدْعُو َن مِن قَ ْبلُ
قَالُوا آ َذنّا َك مَا مِنّا مِن َشهِيدٍ ( )47وَ َ
سهُ
سأَ ُم الْإِنسَا ُن مِن دُعَاء الْخَ ْي ِر وَإِن مّ ّ
وَظَنّوا مَا َلهُم مّن مّحِيصٍ ( )48لَا يَ ْ
َسـْتهُ
ضرّاء م ّ
َاهـ َرحْ َمةً مّنّاـ مِن بَ ْعدِ َ
ِنـ َأ َذقْن ُ
ُوطـ ( )49وَلَئ ْ
ُوسـ قَن ٌ
شرّ فََيؤ ٌ
ال ّ
ت ِإلَى َربّي إِنّ لِي عِندَ هُ
لََيقُوَلنّ هَذَا لِي َومَا أَ ُظنّ ال سّا َع َة قَائِ َم ًة َولَئِن ّر ِجعْ ُ
الزء الثالث 838
لَلْحُ سْنَى فَلَنُنَبّئَنّ الّذِي نَ َكفَرُوا بِمَا َعمِلُوا َولَُنذِيقَنّهُم مّ نْ َعذَا بٍ غَلِي ظٍ (
ش ّر َفذُو
ض وَنَأى بِجَانِبِ ِه َوإِذَا مَ سّ ُه ال ّ
َ )50وِإذَا َأنْعَمْنَا َعلَى اْلإِن سَانِ أَ ْعرَ َ
ضلّ
دُعَاء َعرِي ضٍ (ُ )51قلْ أَ َرَأيْتُ ْم إِن كَا َن مِ نْ عِندِ اللّ هِ ُثمّ َك َف ْرتُم بِ هِ مَ نْ أَ َ
س ِهمْ حَتّى
ق َوفِي أَنفُ ِ
ق َبعِيدٍ ( )52سَُنرِي ِهمْ آيَاتِنَا فِي الْآفَا ِ
مِمّ ْن ُهوَ فِي شِقَا ٍ
ك َأنّ هُ عَلَى ُكلّ َشيْ ٍء َشهِيدٌ (َ )53ألَا
ف ِبرَبّ َ
يَتَبَيّ نَ َلهُ مْ َأنّ ُه الْحَقّ َأوَلَ ْم َيكْ ِ
ِإّنهُ ْم فِي ِم ْرَيةٍ مّن ّلقَاء َرّب ِهمْ أَلَا إِّن ُه بِ ُك ّل شَيْ ٍء مّحِيطٌ (. ﴾ )54
***
839 توفيق الرحن ف دروس القرآن
ت مّ نْ
ج مِن ثَ َمرَا ٍ
خرُ ُ
قوله عز و جل ِ ﴿ :إلَيْ ِه ُي َردّ عِلْ مُ ال سّا َعةِ وَمَا تَ ْ
ح ِملُ مِ نْ أُنثَى َولَا تَضَ ُع ِإلّا ِبعِلْمِ ِه َويَوْ َم يُنَادِيهِ مْ َأيْ نَ ُشرَكَائِي
أَكْمَا ِمهَا وَمَا تَ ْ
ضلّ عَ ْنهُم مّ ا كَانُوا يَدْعُو َن مِن قَ ْبلُ
قَالُوا آ َذنّا َك مَا مِنّا مِن َشهِيدٍ ( )47وَ َ
وَظَنّوا مَا َلهُم مّن مّحِيصٍ (. ﴾ )48
قال البغوي :يقول :يرد إليَه علم السَاعة كمَا يرد إليَه علم الثمار
والنتاج .
ّاكَ ﴾ .قال ابَن
ْنَ شُرَكَائِي قَالُوا آ َذن َ
ِمََأي َ وقوله تعال َ ﴿ :وَيو َ
ْمَ ُينَادِيه ْ
عباس :يقول :أعلمناك .وقال السَدي :قالوا :أطعناك ﴿ ،م َا ِمنّاَ م ِن
ض ّل عَنْهُم مّاَ كَانُوا يَ ْدعُونََ مِن َقبْلُ
َشهِيدٍ ﴾ ،على أن لك شريكًا ﴿ ،وَ َ
َو َظنّوا مَا َلهُم مّن مّحِيصٍ ﴾ ،استيقنوا أنه ليس لم ملجأ .
شرّ
سهُ ال ّ
قوله عز و جل ﴿ :لَا يَ سْأَ ُم اْلإِن سَانُ مِن دُعَاء الْخَ ْي ِر َوإِن مّ ّ
ضرّاء مَسّ ْت ُه لََيقُوَلنّ هَذَا
س قَنُوطٌ ( )49وَلَئِنْ َأ َذقْنَاهُ َرحْ َمةً مّنّا مِن بَ ْعدِ َ
فََيؤُو ٌ
ت ِإلَى َربّ ي إِنّ لِي عِندَ هُ لَ ْلحُ سْنَى
لِي وَمَا أَظُنّ ال سّا َع َة قَائِ َم ًة َولَئِن ّر ِجعْ ُ
فَلَنُنَبّئَنّ اّلذِي نَ َك َفرُوا بِمَا عَمِلُوا َولَُنذِيقَنّهُم مّ نْ َعذَا بٍ َغلِي ظٍ ( )50وَِإذَا
ض َونَأى بِجَانِبِ ِه َوِإذَا مَ سّ ُه الشّ ّر َفذُو دُعَاء َعرِي ضٍ
َأْنعَمْنَا عَلَى اْلإِن سَا ِن أَ ْعرَ َ
ض ّل مِمّ ْن هُ َو فِي
(ُ )51ق ْل أَ َرأَيْتُ ْم إِن كَا َن مِ نْ عِندِ اللّ ِه ثُمّ َك َف ْرتُم بِ هِ مَ ْن أَ َ
سهِ ْم حَتّى يَتَبَّي َن َلهُ ْم َأّنهُ
ق َوفِي أَن ُف ِ
ِشقَاقٍ بَعِيدٍ ( )52سَُنرِي ِهمْ آيَاتِنَا فِي الْآفَا ِ
الزء الثالث 840
ف ِبرَبّ كَ َأنّ هُ عَلَى ُكلّ َشيْ ٍء َشهِيدٌ (َ )53ألَا ِإنّهُ ْم فِي ِم ْريَةٍ
الْحَقّ َأوَلَ مْ َيكْ ِ
مّن ّلقَاء َرّب ِهمْ أَلَا إِّن ُه بِ ُك ّل شَيْ ٍء مّحِيطٌ (. ﴾ )54
قال ا بن ز يد ف قوله ﴿ :لَا يَ ْ
سَأمُ الْإِن سَانُ ﴾ ،قال :ل ي ل ﴿ مِن
ُوطَ ﴾ ،قال السَدي :قانَط مَن ُوسَ َقن ٌ
ّسَهُ الشّرّ َفَيؤ ٌ خْي ِر َوإِن م ّ ُدعَاء الْ َ
ستْهُ َلَيقُولَنّ هَذَا لِي ﴾ ،قال ضرّاء مَ ّالي ﴿ ،وََلئِ نْ أَذَ ْقنَا هُ رَ ْح َم ًة ّمنّا مِن َبعْدِ َ
ماهَد :أي :بعملي ،وأنَا مقوق بذا ﴿ ،وَمَا َأظُنّ السَّا َعةَ قَائِ َم ًة وََلئِن
سنَى ﴾ قال السدي يقول :غنً ﴿ َفَلُننَّبئَنّ رّ ِجعْتُ إِلَى َربّي ِإنّ لِي عِندَهُ َللْحُ ْ
ِيظَ * َوإِذَا َأْنعَمْنَا عَلَىَابَ غَل ٍ
ّنَ عَذ ٍ ِينَ َكفَرُوا بِمَا عَمِلُوا وََلنُذِي َقنّهُم م ْ الّذ َ
ض َونَأى بِجَاِنبِهِ ﴾ قال السدي :يقول ﴿ َأعْرَضَ ﴾ صد بوجهه الْإِنسَانِ َأعْرَ َ
﴿ َونَأى بِجَاِنبِهِ ﴾ يقول :تباعد ﴿ َوإِذَا مَسّهُ الشّرّ فَذُو ُدعَاء عَرِيضٍ ﴾ .
يقول ابن كثي :وقوله تعال ﴿ :قُلْ أَ َرَأْيتُمْ إِن كَانَ ﴾ أي :هذا القرآن
﴿ مِ ْن عِندِ اللّ ِه ثُمّ َكفَ ْرتُم بِ هِ مَ نْ أَضَلّ مِمّ ْن ُهوَ فِي ِشقَا قٍ بَعِيدٍ ﴾ ،خلف
للحق ،بعيد عنه .
َ ﴾ ،قال قتادة :يعنَ :وقائع ال فَ سَنُرِيهِ ْم آيَاتِنََا فَِي الْآفَاق ِ
﴿ َ
حقّ َأوَلَ مْ يَكْ فِ
سهِ ْم ﴾ يوم بدر ﴿ َحتّى َيَتبَيّ نَ َلهُ مْ َأنّ هُ الْ َ المم ﴿ ،وَفِي أَنفُ ِ
بِ َربّ كَ َأنّ ُه عَلَى كُ ّل َشيْ ٍء َشهِيدٌ ﴾ قال مقاتل :أو ل يكف بر بك شاهدًا أن
القرآن من ال ؟ ﴿ أَلَا ِإّنهُ مْ فِي مِ ْرَي ٍة مّن ّلقَاء َرّبهِ مْ ﴾ ف شك من البعث ﴿
أَلَا ِإنّ هُ بِكُ ّل َشيْءٍ مّحِي طٌ ﴾ فل ي فى عل يه خاف ية ول يعجزه ش يء سبحانه
وتعال .
841 توفيق الرحن ف دروس القرآن
َََََََََ
انتهى الزء الثالث بمد ال ،
ويليه الزء الرابع
َََََََََ
الزء الثالث 842
فهرس الوضوعات
الزء الثالث
الصفحة الوضوع
2 الدرس السادس والمسون بعد الائة
2 ] سورة الكهف [
5 اليات 8 - 1 :
8 اليات 12 - 9 :
8،9 اليات 16 - 13 :
10 اليتان 18 ، 17 :
11 اليات 21 - 19 :
13 اليات 26 - 22 :
15 الدرس السابع والمسون بعد الائة
17 اليات 29 - 27 :
18 ، 19 اليتان 31 ، 30 :
19 ، 20 اليات 44 - 32 :
22 اليات 49 - 45 :
24 الدرس الثامن والمسون بعد الائة
25 اليتان 51 ، 50 :
26 اليتان 53 ، 52 :
843 توفيق الرحن ف دروس القرآن
***