You are on page 1of 868

‫تَألِيفُ‬

‫شيْخِ العَلّمةِ‬
‫فَضَيلةِ ال ّ‬
‫صلَ بِنَ عَبدِ ال َعزِيزِ آل ُمبَارَك‬
‫َفيْ َ‬
‫ت ‪1376‬هـ رَ ِح َمهُ الُ‬

‫الزء الثالث‬
‫من سورة الكهف إل سورة فصلت‬

‫الدرس السادس والمسون بعد الائة‬


‫[ سورة الكهف ]‬
‫الزء الثالث‬ ‫‪2‬‬

‫مكية ‪ ،‬وهي مائة وإحدى عشر آية‬


‫روى م سلم وغيه عن أ ب الدرداء عن ال نب قال ‪ « :‬من حفظ ع شر‬
‫آيات من أول سورة الكهف عصم من الدجال » ‪ .‬وعن أب سعيد عن النب‬
‫أنه قال ‪ « :‬من قرأ سورة الكهف ف يوم المعة أضاء له من النور ما بينه‬
‫وبي المعتي » ‪ .‬رواه الاكم وصححه ‪.‬‬
‫بسم ال الرحن الرحيم‬
‫جعَل لّ هُ ِعوَجَا (‪)1‬‬
‫﴿ الْحَ ْم ُد لِلّ هِ اّلذِي أَنزَلَ عَلَى عَ ْبدِ ِه الْكِتَا بَ َولَ مْ يَ ْ‬
‫قَيّما لّيُنذِ َر َبأْسا َشدِيدا مِن ّل ُدنْ ُه َويَُبشّ َر الْ ُمؤْمِنِيَ اّلذِي َن َيعْمَلُو نَ ال صّالِحَاتِ‬
‫خذَ اللّ هُ‬
‫أَنّ َلهُ مْ َأجْرا حَ سَنا (‪ )2‬مَاكِثِيَ فِي هِ َأبَدا (‪ )3‬وَيُنذِ َر الّذِي نَ قَالُوا اتّ َ‬
‫ج مِ نْ َأ ْفوَا ِههِ مْ‬
‫خرُ ُ‬
‫َولَدا (‪ )4‬مّا َلهُم بِ هِ مِ نْ عِلْ ٍم َولَا لِآبَائِهِ مْ كَُبرَ تْ َكلِ َم ًة تَ ْ‬
‫سكَ عَلَى آثَارِهِ مْ إِن لّ ْم ُيؤْمِنُوا‬
‫إِن َيقُولُو َن ِإلّا َكذِبا (‪ )5‬فَ َلعَلّ كَ بَاخِ ٌع ّنفْ َ‬
‫حدِي ثِ أَ سَفا (‪ِ )6‬إنّ ا َجعَلْنَا مَا عَلَى الْأَرْ ضِ زِيَن ًة لّهَا لِنَبْ ُل َوهُ ْم َأّيهُ مْ‬
‫ِب َهذَا الْ َ‬
‫ت أَنّ‬
‫صعِيدا ُجرُزا (‪ )8‬أَ ْم حَ سِبْ َ‬
‫سنُ عَ َملً (‪َ )7‬وِإنّا لَجَا ِعلُو َن مَا عَلَ ْيهَا َ‬
‫َأحْ َ‬
‫ِنـ آيَاتِنَا عَجَبا (‪ِ )9‬إ ْذ أَوَى الْفِتَْي ُة ِإلَى‬
‫ِيمـ كَانُوا م ْ‬
‫ْفـ وَالرّق ِ‬
‫ب الْ َكه ِ‬
‫َصـحَا َ‬
‫أ ْ‬
‫اْلكَهْ فِ َفقَالُوا َربّنَا آتِنَا مِن ّلدُن كَ َرحْ َم ًة َوهَيّ ْئ لَنَا مِ ْن َأمْرِنَا َرشَدا (‪)10‬‬
‫ض َربْنَا عَلَى آذَاِنهِ مْ فِي الْ َكهْ فِ سِنِيَ َعدَدا (‪ )11‬ثُمّ بَعَثْنَاهُ ْم لَِنعْلَ مَ أَيّ‬
‫فَ َ‬
‫حقّ ِإّنهُ مْ‬
‫ح ْزبَيْ نِ َأحْ صَى لِمَا لَبِثُوا َأمَدا (‪ )12‬نَحْ ُن نَقُ صّ َعلَيْ كَ نََبَأهُم بِالْ َ‬
‫الْ ِ‬
‫فِتَْيةٌ آمَنُوا ِب َرّبهِ مْ وَ ِز ْدنَاهُ مْ ُهدًى (‪ )13‬وَ َربَطْنَا َعلَى قُلُوبِهِ مْ ِإ ْذ قَامُوا َفقَالُوا‬
‫‪3‬‬ ‫توفيق الرحن ف دروس القرآن‬

‫ض لَن ّندْ ُعوَ مِن دُونِ ِه ِإلَها لَ َق ْد قُلْنَا إِذا شَطَطا (‬


‫ت وَاْلأَرْ ِ‬
‫َربّنَا َربّ ال سّمَاوَا ِ‬
‫خذُوا مِن دُونِ هِ آِل َهةً ّل ْولَا َيأْتُو نَ َعلَيْهِم بِ سُلْطَا ٍن بَيّ نٍ‬
‫‪َ )14‬ه ُؤلَاء َق ْومُنَا اتّ َ‬
‫فَمَ ْن أَظْلَ ُم مِمّ ِن افَْترَى َعلَى اللّ هِ َكذِبا (‪َ )15‬وِإذِ اعَْت َزلْتُمُوهُ مْ َومَا َيعُْبدُو نَ‬
‫ش ْر لَ ُكمْ َرّبكُم مّن رّحته ويُهَّي ْئ لَكُم مّ ْن َأ ْمرِكُم‬
‫ِإلّا ال ّلهَ َف ْأوُوا ِإلَى الْ َكهْفِ يَن ُ‬
‫ت الْيَمِيِ وَِإذَا‬
‫س ِإذَا طَ َلعَت ّتزَاوَرُ عَن َك ْه ِفهِمْ ذَا َ‬
‫ّم ْرفَقا (‪ )16‬وََترَى الشّمْ َ‬
‫ت اللّ هِ مَن‬
‫ك مِ نْ آيَا ِ‬
‫ج َوةٍ مّنْ هُ َذلِ َ‬
‫ت الشّمَالِ َوهُ ْم فِي فَ ْ‬
‫ضهُ مْ ذَا َ‬
‫َغرَبَت ّتقْرِ ُ‬
‫ج َد لَ هُ َولِيّا ّم ْرشِدا (‪ )17‬وَتَحْ سَُب ُهمْ‬
‫َي ْهدِ اللّ ُه َف ُهوَ الْ ُمهَْتدِ َومَن يُضْ ِل ْل فَلَن تَ ِ‬
‫َاسـطٌ‬
‫َاتـ الشّمَالِ وَكَلْبُهُم ب ِ‬
‫َاتـ الْيَمِيِ َوذ َ‬
‫ُمـ ذ َ‬
‫ُمـ ُرقُودٌ َوُنقَلُّبه ْ‬
‫َأْيقَاظا َوه ْ‬
‫ت مِ ْنهُمْ ُرعْبا (‬
‫ت مِ ْنهُ ْم ِفرَارا َولَمُلِئْ َ‬
‫ذِرَاعَيْهِ بِاْلوَصِي ِد لَوِ اطّ َلعْتَ عَلَ ْيهِمْ َل َولّيْ َ‬
‫‪ )18‬وَ َك َذلِ كَ َبعَثْنَاهُ مْ لِيَتَ سَاءلُوا بَيَْنهُ مْ قَالَ قَاِئلٌ مّ ْنهُ مْ كَ مْ لَبِثْتُ ْم قَالُوا لَبِثْنَا‬
‫َيوْما َأوْ َبعْ ضَ َيوْ ٍم قَالُوا َرّبكُ مْ أَ ْعلَ ُم بِمَا لَبِثْتُ مْ فَابْعَثُوا َأ َحدَكُم بِوَ ِر ِقكُ مْ هَذِ هِ‬
‫ّفـ َولَا‬
‫ْهـ وَلْيَتَلَط ْ‬
‫ْقـ مّن ُ‬
‫ِإلَى الْ َمدِينَ ِة فَلْيَن ُظ ْر َأيّه َا أَزْك َى َطعَاما فَلَْيأْتِك ُم ِبرِز ٍ‬
‫ش ِعرَنّ ِبكُ مْ َأحَدا (‪ِ )19‬إّنهُ ْم إِن يَ ْظ َهرُوا عَلَ ْيكُ مْ َي ْرجُمُوكُ مْ َأوْ ُيعِيدُوكُ مْ‬
‫ُي ْ‬
‫فِي مِلِّتهِ ْم َولَن ُتفْلِحُوا إِذا َأبَدا (‪ )20‬وَ َك َذلِ كَ أَعَْثرْنَا َعلَ ْيهِ ْم لَِيعْلَمُوا أَنّ‬
‫ب فِيهَا ِإذْ يَتَنَازَعُو َن بَيَْنهُ مْ َأ ْم َرهُ ْم َفقَالُوا‬
‫وَ ْع َد اللّ ِه حَقّ َوأَنّ ال سّا َع َة لَا َريْ َ‬
‫خذَنّ‬
‫ابْنُوا عَلَيْهِم بُنْيَانا ّربّهُ مْ أَعْلَ مُ بِهِ مْ قَالَ اّلذِي نَ غَلَبُوا عَلَى َأ ْمرِهِ ْم لَنَتّ ِ‬
‫ْسـةٌ‬
‫ُونـ خَم َ‬
‫ُمـ َويَقُول َ‬
‫ُمـ كَلُْبه ْ‬
‫سـَيقُولُونَ ثَلَاَثةٌ رّاِب ُعه ْ‬
‫ّسـجِدا (‪َ )21‬‬
‫عَلَيْهِم م ْ‬
‫ب َوَيقُولُونَ سَ ْب َعةٌ َوثَامُِنهُمْ كَلُْبهُمْ قُل ّربّي أَعْلَمُ‬
‫سَا ِدسُ ُهمْ كَلُْبهُمْ َرجْما بِاْلغَيْ ِ‬
‫الزء الثالث‬ ‫‪4‬‬

‫ت فِيهِم‬
‫ِب ِعدِّتهِم مّا َيعْلَ ُمهُ ْم ِإلّا قَلِي ٌل فَلَا تُمَا ِر فِيهِ ْم ِإلّا ِمرَاء ظَاهِرا وَلَا تَ سْتَفْ ِ‬
‫شيْ ٍء إِنّي فَا ِع ٌل َذلِ كَ غَدا (‪ِ )23‬إلّا أَن َيشَاءَ‬
‫مّ ْنهُ ْم َأحَدا (‪َ )22‬ولَا َتقُوَلنّ ِل َ‬
‫ت َوقُلْ عَ سَى أَن َي ْهدِيَ نِ َربّ ي ِلَأ ْقرَ بَ مِ نْ َهذَا‬
‫اللّ ُه وَاذْكُر ّربّ كَ ِإذَا نَ سِي َ‬
‫ي وَا ْزدَادُوا تِ سْعا (‪ُ )25‬قلِ‬
‫ث مَِئةٍ سِنِ َ‬
‫َرشَدا (‪َ )24‬ولَبِثُوا فِي َك ْه ِفهِ مْ ثَلَا َ‬
‫ص ْر بِ ِه َوأَسْ ِم ْع مَا َلهُم مّن‬
‫ض َأبْ ِ‬
‫ب السّمَاوَاتِ وَالْأَرْ ِ‬
‫ال ّلهُ أَعْ َل ُم بِمَا لَبِثُوا َلهُ غَيْ ُ‬
‫شرِ ُك فِي ُحكْ ِمهِ َأحَدا (‪. ﴾ )26‬‬
‫دُونِ ِه مِن َوِليّ َولَا ُي ْ‬

‫***‬
‫‪5‬‬ ‫توفيق الرحن ف دروس القرآن‬

‫َمـ‬
‫َابـ َول ْ‬
‫ِهـ الْكِت َ‬
‫ّهـ اّلذِي أَنزَلَ عَلَى عَ ْبد ِ‬
‫قوله عـز وجـل ‪ ﴿ :‬الْحَ ْم ُد لِل ِ‬
‫ي اّلذِينَ‬
‫جعَل ّلهُ ِعوَجَا (‪ )1‬قَيّما لّيُنذِرَ َبأْسا َشدِيدا مِن ّلدُنْ ُه َويَُبشّ َر الْ ُمؤْمِنِ َ‬
‫يَ ْ‬
‫َيعْمَلُو نَ ال صّالِحَاتِ أَنّ َلهُ مْ َأجْرا حَ سَنا (‪ )2‬مَاكِثِيَ فِي ِه َأبَدا (‪َ )3‬ويُنذِرَ‬
‫خذَ ال ّل ُه َولَدا (‪ )4‬مّا َلهُم ِب ِه ِمنْ عِ ْلمٍ َولَا لِآبَاِئ ِهمْ كَُب َرتْ كَلِ َمةً‬
‫اّلذِي َن قَالُوا اتّ َ‬
‫ك بَاخِ ٌع ّنفْ سَكَ عَلَى‬
‫ج مِ ْن َأفْوَاهِهِ ْم إِن َيقُولُو َن ِإلّا َكذِبا (‪ )5‬فَ َلعَلّ َ‬
‫خرُ ُ‬
‫تَ ْ‬
‫حدِيثِ َأسَفا (‪ِ )6‬إنّا جَعَلْنَا مَا عَلَى اْلأَرْضِ زِيَنةً‬
‫آثَا ِر ِهمْ إِن ّل ْم ُيؤْمِنُوا ِب َهذَا الْ َ‬
‫صعِيدا ُجرُزا (‬
‫ّلهَا لِنَبْ ُلوَهُ مْ َأّيهُ مْ أَحْ سَنُ َعمَلً ( ‪ )7‬وَِإنّا لَجَاعِلُو نَ مَا عَلَ ْيهَا َ‬
‫‪. ﴾ )8‬‬
‫جعَل لّ ُه ِعوَجَا * َقيّما ﴾ ‪ ،‬يقول ‪ :‬أنزل‬ ‫عن ابن عباس ‪ :‬قوله ‪ ﴿ :‬وَلَ ْم يَ ْ‬
‫َ ِعوَجََا ﴾ ‪ .‬وقال قتادة ‪ :‬معناه ‪:‬‬ ‫َ يَجْعََل لّه ُ‬ ‫الكتاب عدلً قيما ‪ ﴿ ،‬وَلَم ْ‬
‫ب وَلَ ْم يَجْعَل لّ ُه ِعوَجَا ﴾ ول كن جعله ﴿ َقيّما‬ ‫﴿ أَنزَ َل عَلَى َعبْدِ ِه اْلكِتَا َ‬
‫ّليُنذِ َر َبأْسا شَدِيدا ﴾ ‪ .‬قال بن إسحاق ‪ :‬عاجل عقوبة ف الدنيا ‪ ،‬وعذابًا ف‬
‫الخرة ﴿ مِن لّ ُدنْهُ ﴾ ‪ .‬أي ‪ :‬من عند ربك الذي بعثك رسولً ‪.‬‬
‫﴿ َوُيبَشّ َر الْ ُم ْؤمِنِيَ الّذِي َن َيعْمَلُو نَ ال صّالِحَاتِ َأنّ َلهُ مْ أَجْرا حَ سَنا مَا ِكثِيَ‬
‫فِي هِ َأبَدا ﴾ أي ‪ :‬ف دار خلد ل يوتون فيه ‪ ،‬الذين صدقوك با جئت به عن‬
‫ّهَ وَلَدا ﴾ ‪ ،‬يعنَ ‪:‬‬ ‫ِينَ قَالُوا اتّخَذَ الل ُ‬
‫ال وعملوا باَ أمرتمَ ‪َ ﴿ ،‬ويُنذِ َر الّذ َ‬
‫خرُ جُ‬‫قريشا ف قولم ‪ :‬إنا نعبد اللئكة وهن بنات ال ‪َ ﴿ .‬كبُرَ تْ كَلِ َم ًة تَ ْ‬
‫مِنْ أَ ْفوَاهِهِمْ ﴾ قولم ‪ :‬إن اللئكة بنات ال ﴿ إِن َيقُولُونَ إِلّا كَذِبا ﴾ ‪.‬‬
‫الزء الثالث‬ ‫‪6‬‬

‫ك بَا ِخ ٌع ّنفْ سَكَ ﴾ قات ُل نفسك ‪ ﴿ ،‬عَلَى آثَا ِرهِ مْ إِن‬ ‫وعن قتادة ‪ ﴿ :‬فََلعَلّ َ‬
‫لّ ْم ُي ْؤمِنُوا ِبهَذَا الْحَدِي ثِ أَ سَفا ﴾ ‪ ،‬قال ‪ :‬حزنا علي هم ‪ .‬قال ا بن إ سحاق ‪:‬‬
‫يعاتبه على حزنه عليهم ‪ ،‬حي فاته ما كان يرجو منهم ‪ ،‬أي ‪ :‬ل تفعل ‪.‬‬
‫س ُن عَ َملً ﴾ اختبارًا‬ ‫﴿ ِإنّا َجعَ ْلنَا مَا عَلَى الْأَرْضِ زِيَنةً ّلهَا ِلنَبُْل َوهُمْ أَّيهُمْ أَحْ َ‬
‫لم ‪ ،‬أيهم أتبع لمري وأعمل بطاعت ‪ .‬وقال قتادة ‪ :‬ذكر لنا أن نب ال‬
‫كان يقول ‪ « :‬إن الدنيَا خضرة حلوة ‪ ،‬وإن ال مسَتخلفكم فيهَا ‪ ،‬فناظَر‬
‫كيف تعملون ‪ ،‬فاتقوا الدنيا واتقوا النساء » ‪.‬‬
‫صعِيدا ُجرُزا ﴾ ‪ ،‬يعن ‪:‬‬ ‫وعن ابن إسحاق ‪َ ﴿ :‬وإِنّا لَجَاعِلُو َن مَا عََلْيهَا َ‬
‫الرض إن ما علي ها لفان وبائد ‪ ،‬وإن الر جع إلّ ‪ ،‬فل تأس ول يز نك ما‬
‫ستسمع وترى فيها ‪.‬‬
‫قال ا بن كث ي ‪ :‬و قد ذ كر م مد بن إ سحاق سبب نزول هذه ال سورة‬
‫الكرية ‪ ،‬فقال ‪ :‬حدثن شيخ من أهل مصر قدم علينا منذ بضع وأربعي سنة‬
‫عن عكرمة ‪ ،‬عن ابن عباس قال ‪ :‬بعثت قريش النضر بن الارث ‪ ،‬وعقبة بن‬
‫أب ُمعَيط ‪ ،‬إل أحبار يهود بالدينة ‪ ،‬فقالوا لم ‪ :‬سلوهم عن ممد ‪ ،‬وصفوا‬
‫ل م صفته ‪ ،‬وأخبوهم بقوله ؛ فإن م أهل الكتاب الول ‪ ،‬وعند هم ما ليس‬
‫عند نا من علم ال نبياء ‪ .‬فخر جا ح ت قد ما الدي نة ‪ ،‬ف سألوا أحبار يهود عن‬
‫ر سول ال ‪ ،‬وو صفوا ل م أمره وب عض قوله ‪ ،‬وقال ‪ :‬إن كم أ هل التوراة ‪،‬‬
‫وقد جئناكم لتخبونا عن صاحبنا هذا ‪ .‬قال ‪ :‬فقالوا لم ‪ :‬سلوه عن ثلث‬
‫نأمركم بن ‪ ،‬فإن أخبكم ِبهِ نّ ‪ :‬فهو نب مرسل ‪ ،‬وإل ‪ :‬فهو رجل ُمَتقَول‬
‫‪7‬‬ ‫توفيق الرحن ف دروس القرآن‬

‫قروا فيه رأيكم ‪ :‬سلوه عن فتية ذهبوا ف الدهر الول ‪ ،‬ما كان من أمرهم ؟‬
‫فإنم قد كان لم حديث عجيب ‪ .‬وسلوه عن رجل طوّاف بلغ ف مشارق‬
‫الرض ومغارب ا ‪ ،‬ما كان نبَأه ؟ و سلوه عن الروح ‪ ،‬ما هو ؟ فإن أ خبكم‬
‫بذلك فهو نب فاتبعوه ‪ ،‬وإن ل يبكم فإنه رجل متقول ‪ ،‬فاصنعوا ف أمره‬
‫ما بدا لكم ‪.‬‬
‫فأقبل النضر ‪ ،‬وعقبة حت قدما على قريش ‪ ،‬فقال ‪ :‬يا معشر قريش ‪ ،‬قد‬
‫جئنا كم بف صل ما بين كم وب ي م مد ‪ ،‬قد أمر نا أحبار يهود أن ن سأله عن‬
‫أمور ‪ ،‬فأخَبوهم باَ ‪ ،‬فجاءوا رسَول ال فقالوا ‪ :‬يَا ممَد ‪ ،‬أخبنَا ‪:‬‬
‫فسألوه عما أمروهم به ‪ ،‬فقال لم رسول ال ‪ « :‬أخبكم غدًا عما سألتم‬
‫عنَه » ‪ .‬ول يسَتثن ‪ ،‬فانصَرفوا عنَه ‪ ،‬ومكَث رسَول ال خسَ عشرة‬
‫ليلة ‪ ،‬ل يُحدث ال ف ذلك وحيًا ‪ ،‬ول يأت يه جب يل عل يه ال سلم ‪ ،‬ح ت‬
‫أرجف أهل مكة وقالوا ‪ :‬وعدنا ممد غدًا ‪ ،‬واليوم خ سَ عشرةَ قد أصبحنا‬
‫في ها ‪ ،‬ل يُخب نا بش يء م ا سألناه ع نه ‪ .‬وح ت أحز نَ ر سول ال مك ثُ‬
‫الوحي عنه ‪ ،‬وشق عليه ما يتكلم به أهل مكة ‪ ،‬ث جاءه جبيل عليه السلم‬
‫من عند ال عز وجل بسورة أصحاب الكهف ‪ ،‬فيها معاتبته إياه على حزنه‬
‫عليهم ‪ ،‬و َخبَر ما سألوه عنه من أمر الفتية والرجل الطواف ‪ ،‬وقول ال عز‬
‫ح مِ نْ َأمْرِ َربّي َومَا أُوتِيتُ ْم مِ َن اْلعِلْمِ‬
‫ك عَ نِ الرّو حِ قُلِ الرّو ُ‬
‫سأَلُونَ َ‬
‫وجل ‪َ ﴿ :‬ويَ ْ‬
‫إِل قَلِيل ﴾ ‪.‬‬
‫الزء الثالث‬ ‫‪8‬‬

‫ف وَال ّرقِي مِ كَانُوا‬


‫ت أَنّ أَ صْحَابَ اْلكَهْ ِ‬
‫قوله عز و جل ‪ ﴿ :‬أَ ْم حَ سِبْ َ‬
‫مِ نْ آيَاتِنَا َعجَبا (‪ِ )9‬إذْ َأوَى اْلفِتَْيةُ ِإلَى اْلكَهْ فِ َفقَالُوا َربّنَا آتِنَا مِن ّلدُن كَ‬
‫ضرَبْنَا عَلَى آذَاِنهِ ْم فِي الْ َكهْ فِ‬
‫َرحْ َم ًة َوهَيّ ْئ لَنَا مِ ْن َأمْرِنَا َرشَدا (‪ )10‬فَ َ‬
‫ح ْزبَيْ ِن أَحْ صَى لِمَا لَبِثُوا َأمَدا (‬
‫سِنِيَ َعدَدا (‪ )11‬ثُمّ َبعَثْنَاهُ ْم لَِنعْلَ َم أَيّ الْ ِ‬
‫‪. ﴾ )12‬‬
‫ف وَالرّقِي مِ كَانُوا مِ ْن آيَاِتنَا‬
‫ب الْ َكهْ ِ‬
‫صحَا َ‬ ‫سبْتَ َأنّ أَ ْ‬ ‫عن ماهد ‪ ﴿ :‬أَ مْ حَ ِ‬
‫عَجَبا ﴾ ‪ ،‬يقول ‪ :‬قد كان من آيات نا ما هو أع جب من ذلك ‪ .‬وقال ا بن‬
‫عباس ‪ :‬الرقيم وادٍ دون فلسطي وهو قريب من أيلة ‪ .‬وعن سعيد بن جبي‬
‫قال ‪ :‬الرق يم لوح من حجارة كتبوا ف يه ق صص أ صحاب الكهف ث وضعوه‬
‫على باب الكهف ‪.‬‬
‫ْنَأَحْصََى لِمَا َلِبثُوا‬ ‫َمَأَيّ الْحِ ْزَبي ِ‬‫ُمَِلَنعْل َ‬
‫وعَن قتادة قوله ‪ ﴿ :‬ثُمّ بَ َعْثنَاه ْ‬
‫َأمَدا ﴾ ‪ ،‬يقول ‪ :‬مَا كان لواحَد مَن الفريقيَ علم ‪ ،‬ل لكفارهَم ‪ ،‬ول‬
‫لؤمنيهم ‪ .‬وعن ماهد ‪َ ﴿ :‬أمَدا ﴾ ‪ ،‬قال ‪ :‬عددًا ‪.‬‬
‫قال ابن كثي ‪ :‬هذا إخبار من ال تعال عن قصة أصحاب الكهف على‬
‫سبيل الجال والختصار ‪ ،‬ث بسطها بعد ذلك ‪.‬‬
‫ك نََبأَهُم بِالْحَقّ إِّنهُ ْم فِتَْيةٌ آمَنُوا‬
‫قوله عز و جل ‪ ﴿ :‬نَحْ ُن َنقُ صّ عَ َليْ َ‬
‫ِب َرّبهِ مْ وَ ِز ْدنَاهُ ْم ُهدًى (‪ )13‬وَ َربَطْنَا عَلَى قُلُوِبهِ ْم ِإذْ قَامُوا َفقَالُوا َربّنَا َربّ‬
‫ِهـ ِإلَها َل َقدْ قُلْن َا إِذا شَطَطا (‪)14‬‬
‫ْضـ لَن ّندْ ُعوَ م ِن دُون ِ‬
‫السـمَاوَاتِ وَالْأَر ِ‬
‫ّ‬
‫‪9‬‬ ‫توفيق الرحن ف دروس القرآن‬

‫خذُوا مِن دُونِ هِ آِل َهةً ّل ْولَا َيأْتُو نَ َعلَيْهِم بِ سُلْطَا ٍن بَيّ ٍن فَمَ نْ‬
‫َه ُؤلَاء َق ْومُنَا اتّ َ‬
‫أَظْلَ ُم مِمّ ِن افَْترَى عَلَى اللّ هِ َكذِبا (‪َ )15‬وِإذِ اعَْت َزلْتُمُوهُ مْ وَمَا َيعُْبدُو َن ِإلّا‬
‫ش ْر لَكُ مْ َرّبكُم مّن رّحته ويُهَّيئْ لَكُم مّ ْن َأ ْمرِكُم‬
‫اللّ َه َفأْوُوا ِإلَى الْ َكهْ فِ يَن ُ‬
‫ّم ْرفَقا (‪. ﴾ )16‬‬
‫قال ابن إسحاق ‪ :‬مرج أهل النيل ‪ ،‬وعظمت فيهم الطايا ‪ ،‬وطغت‬
‫فيهم اللوك حت عبدوا الصنام ‪ ،‬وذبوا للطواغيت ‪ ،‬وفيهم بقايا على دين‬
‫السَيح متمسَّكي بعبادة ال وتوحيده ‪ ،‬فكان منَ فعَل ذلك مَن ملوكهَم‬
‫ملك من الروم يقال له دقينوس ‪ ،‬وكان قد عبد الصنام ‪ ،‬وذبح للطواغيت ‪،‬‬
‫وقتل من خالفه ف ذلك ‪.‬‬
‫وقال ماهد ‪ :‬كان أصحاب الكهف أبناء عظماء مدينتهم وأهل سوقهم ‪،‬‬
‫فخرجوا فاجتمعوا وراء الدينة على غي ميعاد ‪ ،‬فقال رجل منهم هو أسنّهم ‪:‬‬
‫إ ن ل جد ف نف سي شيئًا ما أ ظن أن أحدًا يده ‪ ،‬قالوا ‪ :‬ماذا ت د ؟ قال ‪:‬‬
‫أجد ف نفسي أن رب رب السماوات والرض ‪ ،‬وقالوا ‪ :‬نن ند ‪ ،‬فقاموا‬
‫جيعًا ‪َ ﴿ :‬فقَالُوا َربّنَا رَبّ ال سّمَاوَاتِ وَاْلأَرْ ضِ لَن نّ ْد ُعوَ مِن دُونِ هِ إِلَها َلقَدْ‬
‫ُقلْنَا إِذا شَطَطا ﴾ فاجتمعوا أن يدخلوا الكهَف وعلى مدينتهَم إذ ذاك جبار‬
‫ي وَازْدَادُوا تِسَْعا‬ ‫َنِ َ‬
‫َ ِمَئةٍ س ِ‬ ‫يقال له دقينوس ‪ ،‬فلبثوا فَ الكهَف ﴿ ثَلَاث َ‬
‫﴾ رقداء ‪.‬‬
‫الزء الثالث‬ ‫‪10‬‬

‫و عن قتادة ‪ ﴿ :‬وَ َربَطْنَا عَلَى ُقلُوبِهِ مْ ﴾ ‪ .‬يقول ‪ :‬باليان ‪ ﴿ ،‬إِذْ قَامُوا‬


‫ِهَ إِلَها َلقَدْ قُلْنَا إِذا‬
‫ْضَ لَن نّ ْد ُع َو مِن دُون ِ‬
‫السَمَاوَاتِ وَاْلأَر ِ‬
‫َفقَالُوا َربّنَا رَبّ ّ‬
‫شَطَطا ﴾ يقول ‪ :‬كذبًا ‪ .‬وقال ا بن ز يد ‪ :‬الش طط ال طأ من القول ‪ .‬وقال‬
‫ابن كثي ‪ ﴿ :‬شَطَطا ﴾ ‪ ،‬أي ‪ :‬باطلً ‪ ،‬وكذبًا ‪ ،‬وبتانًا ‪.‬‬
‫وقوله تعال ‪ ﴿ :‬وُي َهيّئْ لَكَُم مّن َْ َأمْرِكَُم مّرْفَقا ﴾ ‪ ،‬قال البغوي ‪:‬‬
‫﴿ ويُ َهّيئْ َلكُم ﴾ ‪ :‬يسهّل لكم ‪ ﴿ ،‬مّنْ َأمْرِكُم مّرْفَقا ﴾ ‪ ،‬أي ‪ :‬ما يعود إليه‬
‫يُسْرُكم ورفقكم ‪.‬‬
‫س ِإذَا طَ َلعَت ّتزَاوَرُ عَن َك ْه ِفهِ مْ ذَا تَ‬
‫قوله عز وجل ‪َ ﴿ :‬وتَرَى الشّمْ َ‬
‫ج َو ٍة مّنْ هُ ذَلِ كَ مِ نْ‬
‫ضهُ مْ ذَا تَ الشّمَا ِل َوهُ ْم فِي فَ ْ‬
‫الْيَمِيِ وَِإذَا َغرَبَت ّت ْقرِ ُ‬
‫ج َد لَ ُه وَلِيّا ّمرْشِدا (‬
‫ت اللّ ِه مَن َيهْ ِد اللّ هُ َفهُ َو الْ ُمهْتَ ِد َومَن يُضْ ِللْ فَلَن تَ ِ‬
‫آيَا ِ‬
‫ـ ُه ْم َأيْقَاظا وَهُم ْـ ُرقُودٌ َوُنقَلُّبهُم ْـ ذَاتَـ الْيَمِيِ َوذَاتَـ الشّمَالِ‬
‫‪َ )17‬وتَحْسَُب‬
‫ُمـ ِفرَارا‬
‫ْتـ مِ ْنه ْ‬
‫ِمـ َلوَلّي َ‬
‫ْتـ عَ َل ْيه ْ‬
‫ْهـ بِاْلوَصـِيدِ لَوِ اطّ َلع َ‬
‫ط ذِرَاعَي ِ‬
‫َاسـ ٌ‬
‫وَكَلْبُهُم ب ِ‬
‫ت مِ ْن ُهمْ رُعْبا (‪. ﴾ )18‬‬
‫َولَمُلِئْ َ‬
‫عن ا بن عباس ‪َ ﴿ :‬وتَرَى الشّمْ سَ ِإذَا طَلَعَت تّزَاوَ ُر عَن َك ْه ِفهِ مْ ذَا تَ‬
‫ض ُه مْ ذَا تَ الشّمَالِ ﴾ ‪ ،‬يقول ‪ :‬تيل عن كهفهم يينًا‬ ‫اْليَمِيِ َوإِذَا َغ َربَت ّتقْرِ ُ‬
‫وشالً ‪ ،‬وقال ‪ :‬لو أن الش مس تطلع علي هم لحرقت هم ‪ ،‬ولو أن م ل ينقلبون‬
‫ُمَ‬
‫ضه ْ‬ ‫لكلتهَم الرض ‪ .‬وعَن سَعيد بَن جَبي قال ‪َ ﴿ :‬وإِذَا غَرَب َت ّتقْرِ ُ‬
‫﴾ تتركهم ﴿ ذَاتَ الشّمَالِ ﴾ ‪.‬‬
‫‪11‬‬ ‫توفيق الرحن ف دروس القرآن‬

‫ج َو ٍة ّمنْ هُ ﴾ ‪ .‬يقول ‪ :‬ف فضاء من الك هف‬


‫و عن قتادة ‪َ ﴿ :‬وهُ مْ فِي فَ ْ‬
‫ك مِ ْن آيَا تِ اللّ هِ ﴾ ‪ ،‬قال ا بن قتي بة ‪ :‬كان كهف هم م ستقبل بنات‬
‫‪ ﴿ .‬ذَلِ َ‬
‫ن عش ‪ .‬وقال ا بن كث ي ‪َ ﴿ :‬وإِذَا غَرَبَت ّتقْرِ ُ‬
‫ضهُ مْ ذَا تَ الشّمَالِ ﴾ ‪ ،‬أي ‪:‬‬
‫تدخل إل غارهم من شال بابه ‪.‬‬
‫ُمَ رُقُودٌ ﴾ ‪ .‬قيَل ‪ :‬إن أعينهَم‬ ‫وقوله تعال ‪َ ﴿ :‬وتَح َ‬
‫ْسَُبهُمْ َأْيقَاظا َوه ْ‬
‫كانت مفتحة ‪َ ﴿ ،‬ونُقَّلُبهُمْ ذَاتَ اْليَمِيِ َوذَاتَ الشّمَالِ وَكَ ْلُبهُم بَاسِطٌ ذِرَاعَيْ ِه‬
‫بِاْلوَ صِيدِ ﴾ ‪ ،‬قال ابن عباس يقول ‪ :‬بالفناء ‪ .‬وقال ابن جريج ‪ :‬يرس عليهم‬
‫ت ِمْنهُ مْ ُرعْبا ﴾ ‪ ،‬أي‬ ‫الباب ‪َ ﴿ ،‬لوِ اطَّلعْ تَ عََلْيهِ مْ َلوَلّيْ تَ ِمْنهُ مْ ِفرَارا وَلَمُِلئْ َ‬
‫‪ :‬أنه تعال ألقى عليهم الهابة فل يقدر أحد أن يدنو منهم ‪.‬‬
‫ك َبعَثْنَاهُ ْم لِيَتَسَاءلُوا بَيَْنهُ ْم قَا َل قَائِ ٌل مّ ْنهُمْ كَمْ‬
‫قوله عز وجل ‪ ﴿ :‬وَ َكذَلِ َ‬
‫ُمـ فَابْعَثُوا‬
‫َمـ بِمَا لَبِثْت ْ‬
‫ُمـ أَعْل ُ‬
‫ْمـ قَالُوا َربّك ْ‬
‫ْضـ َيو ٍ‬
‫ُمـ قَالُوا لَبِثْنَا َيوْما أَ ْو َبع َ‬
‫لَبِثْت ْ‬
‫َأ َحدَكُم ِبوَ ِرقِكُ مْ َهذِ ِه إِلَى الْ َمدِيَنةِ فَلْيَن ُظرْ َأيّهَا أَزْكَى َطعَاما فَلَْي ْأتِكُم ِبرِزْ قٍ‬
‫ُمـ‬
‫ُمـ إِن يَ ْظ َهرُوا عَلَ ْيك ْ‬
‫ُمـ أَحَدا (‪ِ )19‬إّنه ْ‬
‫ش ِعرَن ّ بِك ْ‬
‫ّفـ َولَا ُي ْ‬
‫ْهـ وَلْيَتَلَط ْ‬
‫مّن ُ‬
‫ِكـ‬
‫ِمـ وَلَن تُفْلِحُوا إِذا َأبَدا (‪ )20‬وَ َكذَل َ‬
‫ُمـ فِي مِلِّته ْ‬
‫ُمـ َأوْ ُيعِيدُوك ْ‬
‫َي ْرجُمُوك ْ‬
‫ْبـ فِيهَا ِإذْ‬
‫ّهـ حَقّ وَأَنّ السـّا َعةَ لَا َري َ‬
‫ِمـ لَِيعْلَمُوا أَنّ وَ ْعدَ الل ِ‬
‫أَعَْثرْنَا عَلَ ْيه ْ‬
‫يَتَنَازَعُو َن بَيَْنهُ مْ َأ ْم َرهُ ْم َفقَالُوا ابْنُوا عَلَ ْيهِم بُنْيَانا ّرّبهُ ْم أَعْلَ ُم ِبهِ ْم قَا َل الّذِي نَ‬
‫خذَنّ عَلَ ْيهِم ّمسْجِدا (‪. ﴾ )21‬‬
‫غَلَبُوا عَلَى َأ ْمرِ ِهمْ لَنَتّ ِ‬
‫الزء الثالث‬ ‫‪12‬‬

‫عن عكر مة قال ‪ :‬كان أ صحاب الك هف أبناء ملوك الروم ‪ ،‬رزق هم ال‬
‫السَلم ‪ ،‬فتعوذوا بدينهَم ‪ ،‬واعتزلوا قومهَم ‪ ،‬حتَ انتهوا إل الكهَف ‪،‬‬
‫فضرب ال على سعهم فلبثوا دهرًا طويلً ‪ ،‬ح ت هل كت أمت هم وجاءت أ مة‬
‫مسَلمة وكان ملكهَم مسَلمًا فاختلفوا فَ الروح ‪ ،‬والسَد ‪ .‬فقال قائل ‪:‬‬
‫يب عث الروح وال سد جيعًا ‪ ،‬وقال قائل ‪ :‬يب عث الروح فأ ما ال سد فتأكله‬
‫الرض فل يكون شيئًا ‪ ،‬فش قّ على ملكهم اختلفهم ‪ ،‬فانطلق فلبس السوح‬
‫وجلس على الرماد ‪ ،‬ثَ دعَا ال تعال ‪ :‬أي رب قَد ترى اختلف هؤلء‬
‫فابعث لم آية تبي لم ‪ ،‬فبعث ال أصحاب الكهف ‪ ،‬فبعثوا أحدهم يشتري‬
‫لم طعامًا ‪ ،‬فدخل السوق فجعل ينكر الوجوه ويعرف الطرق ‪ ،‬ويرى اليان‬
‫بالدي نة ظاهرًا ‪ ،‬فانطلق و هو م ستخف ح ت أ تى رجلً يشتري م نه طعامًا ‪،‬‬
‫فلما نظر الرجل إل الوَرِ قِ أنكرها فقال له الفت ‪ :‬أليس ملككم فلن قال ‪:‬‬
‫بل ملك نا فلن ‪ ،‬فلم يزل ذلك بينه ما ح ت رف عه إل اللك ‪ ،‬ف سأله فأ خبه‬
‫الفت خب أصحابه ‪ ،‬فبعث اللك ف الناس فجمعهم فقال ‪ :‬إنكم قد اختلفتم‬
‫ف الروح والسد ‪ ،‬وإن ال قد بعث لكم آية ‪ ،‬فهذا رجل من قوم فلن ‪-‬‬
‫يع ن ملك هم الذي م ضى ‪ -‬فقال الف ت ‪ :‬انطلقوا ب إل أ صحاب ‪ ،‬فر كب‬
‫اللك ور كب م عه الناس ح ت انتهوا إل ك هف ‪ ،‬فقال الف ت ‪ :‬دعو ن أد خل‬
‫إل أ صحاب ‪ ،‬فل ما أب صرهم ضرب على أذ نه وعلى آذان م ‪ ،‬فل ما ا ستبطئوه‬
‫دخل اللك ودخل الناس معه ‪ ،‬فإذا أجساد ل ينكرون منها شيئًا غي أنا ل‬
‫أرواح فيها ‪ ،‬فقال اللك ‪ :‬هذه آية بعثها ال لكم ‪.‬‬
‫‪13‬‬ ‫توفيق الرحن ف دروس القرآن‬

‫ّسَجِدا‬
‫ِمََلَنتّخِذَنّ عََليْهِم م ْ‬ ‫وقوله تعال ‪ ﴿ :‬قَالَ الّذ َ‬
‫ِينَ غََلبُوا عَلَى َأمْ ِره ْ‬
‫﴾ ‪ .‬قال ابن كثي ‪ :‬حكى ابن جرير ف القائلي ذلك قولي ‪ :‬أحدها ‪ :‬إنم‬
‫السلمون منهم ‪ .‬والثان ‪ :‬أهل الشرك منهم ‪ ،‬فال أعلم ‪ .‬والظاهر أن الذين‬
‫قالوا ذلك هم أصحاب الكلمة والنفوذ ‪ .‬ولكن هل هم ممودون أم ل ؟ فيه‬
‫نظر ؛ لن النب قال ‪ « :‬لعن ال اليهود ‪ ،‬والنصارى ‪ ،‬اتذوا قبور أنبيائهم‬
‫وصاليهم مساجد » ‪ .‬يذر ما فعلوا ‪ .‬انتهى ‪.‬‬
‫ْسـةٌ‬
‫ُونـ خَم َ‬
‫ُمـ َوَيقُول َ‬
‫ُمـ كَلُْبه ْ‬
‫سـيَقُولُو َن ثَلَاثَةٌ رّابِ ُعه ْ‬
‫قوله عـز وجـل ‪َ ﴿ :‬‬
‫ب َوَيقُولُونَ سَ ْب َعةٌ َوثَامُِنهُمْ كَلُْبهُمْ قُل ّربّي أَعْلَمُ‬
‫سَا ِدسُ ُهمْ كَلُْبهُمْ َرجْما بِاْلغَيْ ِ‬
‫ت فِيهِم‬
‫ِب ِعدِّتهِم مّا َيعْلَ ُمهُ ْم ِإلّا قَلِي ٌل فَلَا تُمَا ِر فِيهِ ْم ِإلّا ِمرَاء ظَاهِرا وَلَا تَ سْتَفْ ِ‬
‫شيْ ٍء إِنّي فَا ِع ٌل َذلِكَ غَدا ( ‪ِ )23‬إلّا أَن َيشَاءَ‬
‫مّ ْنهُمْ َأحَدا (‪ )22‬وَلَا َتقُوَلنّ ِل َ‬
‫ت َوقُلْ عَ سَى أَن َي ْهدِيَ نِ َربّ ي ِلَأ ْقرَ بَ مِ نْ َهذَا‬
‫اللّ ُه وَاذْكُر ّربّ كَ ِإذَا نَ سِي َ‬
‫ي وَا ْزدَادُوا تِ سْعا ( ‪ُ )25‬قلِ‬
‫ث مَِئةٍ سِنِ َ‬
‫َرشَدا (‪َ )24‬ولَبِثُوا فِي َك ْه ِفهِ مْ ثَلَا َ‬
‫ص ْر بِ ِه َوأَسْ ِم ْع مَا َلهُم مّن‬
‫ض َأبْ ِ‬
‫ب السّمَاوَاتِ وَالْأَرْ ِ‬
‫ال ّلهُ أَعْ َل ُم بِمَا لَبِثُوا َلهُ غَيْ ُ‬
‫شرِ ُك فِي ُحكْ ِمهِ َأحَدا (‪. ﴾ )26‬‬
‫دُونِ ِه مِن َوِليّ َولَا ُي ْ‬
‫عن قتادة ‪ ﴿ :‬مّ ا َيعَْل ُمهُ مْ إِلّا قَلِيلٌ ﴾ ‪ ،‬يقول ‪ :‬قل يل من الناس ‪ .‬و عن ا بن‬
‫عباس ‪ ﴿ :‬مّا َيعْلَ ُمهُمْ إِلّا َقلِيلٌ ﴾ ‪ ،‬قال ‪ :‬أنا من القليل ‪ ،‬كانوا سبعة ‪ ﴿ .‬فَلَا‬
‫تُمَارِ فِيهِم َْإِلّا ِمرَاء ظَاهِرا ﴾ ‪ ،‬يقول ‪ :‬إلّ باَ قَد أظهرنَا لك مَن أمرهَم ‪.‬‬
‫وقال قتادة ‪ ،‬أي ‪ :‬حسَبك مَا قصَصنا عليَك مَن شأنمَ وعَن ابَن عباس‬
‫الزء الثالث‬ ‫‪14‬‬

‫سَتفْتِ فِيهِم ّمْنهُ مْ أَحَدا ﴾ ‪ ،‬قال ‪ :‬هم أهل الكتاب ‪ .‬وعن أب‬ ‫‪ ﴿ :‬وَلَا تَ ْ‬
‫ك غَدا * إِلّا أَن يَشَاءَ اللّ هُ‬
‫شيْءٍ ِإنّي فَاعِلٌ ذَلِ َ‬
‫العالية ف قوله ‪ ﴿ :‬وَلَا َتقُولَنّ لِ َ‬
‫وَاذْكُر ّربّكَ إِذَا نَسِيتَ ﴾ ث ذكرت فاستثن ‪.‬‬
‫ب مِ ْن هَذَا َرشَدا ﴾ ‪،‬‬
‫وقوله تعال ‪ ﴿ :‬وَقُ ْل عَ سَى أَن َيهْ ِديَ نِ َربّ ي ِلأَقْرَ َ‬
‫قال ا بن كث ي ‪ :‬أي ‪ :‬إذا سئُلت عن ش يء ل تعل مه فا سأل ال تعال ف يه ‪،‬‬
‫وتوجه إليه ف أن يوفقك للصواب والرشد ف ذلك ‪ .‬وعن ماهد ‪ ﴿ :‬وََلبِثُوا‬
‫ي وَازْدَادُوا تِ سْعا ﴾ ‪ ،‬قال ‪ :‬عدد ما لبثوا ‪ .‬و عن‬
‫ث ِمَئةٍ ِسنِ َ‬
‫فِي َك ْه ِفهِ مْ ثَلَا َ‬
‫قتادة ‪ ﴿ :‬أَبْصِ ْر بِ ِه َوأَ سْمِعْ ﴾ ‪ ،‬فل أحد أبصر من ال ول أسع تبارك وتعال‬
‫‪.‬‬

‫***‬
‫‪15‬‬ ‫توفيق الرحن ف دروس القرآن‬

‫الدرس السابع والمسون بعد الائة‬

‫ج َد مِن‬
‫ك لَا مَُب ّدلَ ِلكَلِمَاتِ ِه َولَن تَ ِ‬
‫﴿ وَاْت ُل مَا أُوحِ يَ ِإلَيْ كَ مِن كِتَا بِ َربّ َ‬
‫سكَ َم َع اّلذِينَ َيدْعُو نَ َرّبهُم بِاْل َغدَا ِة وَاْل َعشِيّ‬
‫دُونِهِ مُلَْتحَدا (‪ )27‬وَا صِْب ْر َنفْ َ‬
‫ُيرِيدُو نَ َو ْجهَ هُ َولَا َت ْعدُ عَيْنَا كَ عَ ْنهُ ْم ُترِيدُ زِيَنةَ الْحَيَا ِة ال ّدنْيَا َولَا تُطِ ْع مَ نْ‬
‫حقّ مِن‬
‫أَ ْغفَلْنَا قَلْبَ هُ عَن ذِ ْكرِنَا وَاتّبَ َع َهوَا ُه وَكَا َن َأمْرُ ُه ُفرُطا (‪َ )28‬وقُ ِل الْ َ‬
‫ّرّبكُ مْ فَمَن شَاء فَلُْيؤْمِن وَمَن شَاء فَلَْيكْ ُفرْ إِنّ ا أَعَْتدْنَا لِلظّالِمِيَ نَارا َأحَا طَ‬
‫ْسـ‬
‫ُوهـ بِئ َ‬
‫َسـَتغِيثُوا ُيغَاثُوا بِمَاء كَالْ ُم ْه ِل َيشْوِي الْ ُوج َ‬
‫سـرَادِ ُقهَا َوإِن ي ْ‬
‫ِمـ ُ‬
‫ِبه ْ‬
‫ت ِإنّ ا لَا‬
‫شرَا بُ وَ سَاءتْ ُم ْرتَفَقا (‪ )29‬إِنّ اّلذِي نَ آمَنُوا وَعَمِلُوا ال صّالِحَا ِ‬
‫ال ّ‬
‫جرِي مِن‬
‫ك َلهُ ْم جَنّا تُ َعدْ ٍن تَ ْ‬
‫نُضِي عُ أَ ْجرَ مَ ْن َأحْ سَنَ َعمَلً (‪ُ )30‬أ ْولَئِ َ‬
‫تَحِْتهِ مُ اْلَأنْهَا ُر يُحَ ّلوْ َن فِيهَا مِ ْن أَ سَاوِ َر مِن َذهَ بٍ َويَلْبَ سُو َن ثِيَابا خُضْرا مّن‬
‫ت ُمرَْتفَقا (‬
‫ب وَحَ سُنَ ْ‬
‫ق مّتّكِئِيَ فِيهَا عَلَى الْأَرَائِ كِ ِنعْ َم الّثوَا ُ‬
‫س َوإِ سْتَ ْبرَ ٍ‬
‫سُندُ ٍ‬
‫َابـ‬
‫ِنـ أَعْن ٍ‬
‫ْنـ م ْ‬
‫ْنـ جَعَلْن َا ِلَأحَ ِدهِم َا جَنّتَي ِ‬
‫ِبـ لَه ُم مّثَلً ّرجُلَي ِ‬
‫ضر ْ‬‫‪ )31‬وَا ْ‬
‫ت أُكُ َلهَا َولَ مْ‬
‫خ ٍل َوجَعَلْنَا بَيَْنهُمَا زَرْعا (‪ )32‬كِلْتَا الْجَنّتَيْ نِ آتَ ْ‬
‫َوحَ َففْنَاهُمَا بِنَ ْ‬
‫جرْنَا خِلَاَلهُمَا َنهَرا (‪ )33‬وَكَا َن لَ هُ ثَ َم ٌر َفقَا َل لِ صَاحِِبهِ‬
‫تَظْلِ ْم مِنْ هُ شَيْئا َوفَ ّ‬
‫َوهُ َو يُحَاوِرُ ُه أَنَا أَكَْثرُ مِن كَ مَالً َوأَ َع ّز نَفَرا (‪َ )34‬و َدخَ َل جَنّتَ ُه وَ ُهوَ ظَالِ مٌ‬
‫سهِ قَالَ مَا أَظُنّ أَن تَبِي َد َهذِ هِ َأبَدا ( ‪ )35‬وَمَا أَظُنّ ال سّا َع َة قَائِ َمةً َولَئِن‬
‫لَّنفْ ِ‬
‫ّردِدتّ ِإلَى َربّي َلأَ ِجدَ ّن خَيْرا مّ ْنهَا مُنقَلَبا (‪ )36‬قَا َل َلهُ صَاحُِبهُ َو ُهوَ يُحَاوِ ُرهُ‬
‫الزء الثالث‬ ‫‪16‬‬

‫ب ُثمّ مِن نّ ْطفَ ٍة ُثمّ َسوّاكَ َرجُلً (‪ّ )37‬لكِنّا‬


‫ت بِالّذِي خَلَقَ كَ مِن ُترَا ٍ‬
‫أَ َك َفرْ َ‬
‫ك قُلْ تَ مَا‬
‫ت جَنّتَ َ‬
‫ُهوَ اللّ هُ َربّي َولَا ُأشْرِ ُك ِبرَبّي َأحَدا (‪َ )38‬وَلوْلَا ِإ ْذ َدخَلْ َ‬
‫شَاء اللّ هُ لَا ُق ّوةَ ِإلّا بِاللّ ِه إِن ُترَ ِن َأنَا َأ َق ّل مِن كَ مَالً َو َولَدا (‪َ )39‬فعَ سَى َربّي‬
‫صعِيدا‬
‫ك َويُرْ ِسلَ َعلَ ْيهَا حُسْبَانا مّنَ السّمَا ِء فَتُصْبِحَ َ‬
‫أَن ُي ْؤتِيَ ِن خَيْرا مّن جَنّتِ َ‬
‫ط بِثَ َمرِهِ‬
‫ح مَاؤُهَا َغوْرا فَلَن تَسْتَطِي َع لَهُ طَلَبا (‪ )41‬وَُأحِي َ‬
‫َزلَقا (‪َ )40‬أوْ يُصْبِ َ‬
‫َفأَ صْبَحَ يُقَلّ بُ َكفّيْ هِ عَلَى مَا أَنفَ قَ فِيهَا وَهِ يَ خَاوَِيةٌ عَلَى ُعرُو ِشهَا َوَيقُولُ يَا‬
‫صرُونَ ُه مِن دُو ِن اللّ هِ‬
‫لَيْتَنِي لَ مْ ُأ ْشرِ كْ ِب َربّي َأحَدا (‪َ )42‬ولَ مْ َتكُن لّ ُه فَِئةٌ يَن ُ‬
‫حقّ ُهوَ خَ ْي ٌر ثَوَابا َوخَيْرٌ ُعقْبا (‬
‫َومَا كَا َن مُنتَصِرا (‪ )43‬هُنَالِكَ اْلوَلَايَ ُة لِلّ ِه الْ َ‬
‫ط بِ هِ‬
‫ضرِ بْ َلهُم مَّث َل الْحَيَاةِ ال ّدنْيَا كَمَاء أَن َزلْنَا ُه مِ نَ ال سّمَا ِء فَاخْتَلَ َ‬
‫‪ )44‬وَا ْ‬
‫ّهـ عَلَى ُك ّل َشيْءٍ‬
‫َانـ الل ُ‬
‫َاحـ وَك َ‬
‫ُوهـ ال ّري ُ‬
‫ح َهشِيما تَذْر ُ‬
‫َصـبَ َ‬
‫ْضـ َفأ ْ‬
‫َاتـ اْلأَر ِ‬
‫نَب ُ‬
‫ت خَ ْيرٌ‬
‫ّمقَْتدِرا (‪ )45‬الْمَالُ وَالْبَنُو نَ زِيَن ُة الْحَيَاةِ الدّنْيَا وَالْبَاقِيَا تُ ال صّالِحَا ُ‬
‫ـرُ الْجِبَالَ وََترَى اْلأَرْضَـبَارِ َزةً‬
‫عِندَ َربّكَـَثوَابا َوخَ ْيرٌ َأمَلً (‪ )46‬وََيوْمَـنُسَّي‬
‫صـفّا ّلقَدْ‬
‫ّكـ َ‬
‫ُمـ َأحَدا (‪ )47‬وَ ُعرِضُوا عَلَى َرب َ‬
‫َمـ ُنغَادِ ْر مِ ْنه ْ‬
‫ُمـ فَل ْ‬
‫َو َحشَ ْرنَاه ْ‬
‫ج َعلَ لَكُم ّموْعِدا (‪)48‬‬
‫جِئْتُمُونَا كَمَا خَ َلقْنَاكُ ْم َأوّ َل َم ّرةٍ َبلْ زَعَ ْمتُ ْم َألّن نّ ْ‬
‫شفِقِيَ مِمّ ا فِي ِه َويَقُولُو َن يَا َويْلَتَنَا مَالِ‬
‫ج ِرمِيَ ُم ْ‬
‫َووُضِ َع اْلكِتَا بُ فََترَى الْمُ ْ‬
‫يةً إِلّا أَحْصـَاهَا َووَ َجدُوا مَـا َعمِلُوا‬
‫ي ًة َولَا كَِب َ‬
‫صـغِ َ‬
‫َابـ لَا ُيغَادِرُ َ‬
‫َهذَا اْلكِت ِ‬
‫حَاضِرا َولَا يَظْ ِلمُ َرّبكَ َأحَدا (‪. ﴾ )49‬‬
‫‪17‬‬ ‫توفيق الرحن ف دروس القرآن‬

‫***‬
‫الزء الثالث‬ ‫‪18‬‬

‫ّكـ لَا مَُبدّلَ‬


‫َابـ َرب َ‬
‫ْكـ مِن كِت ِ‬
‫ِيـ ِإلَي َ‬
‫قوله عـز وجـل ‪ ﴿ :‬وَاْتلُ مَا أُوح َ‬
‫سكَ َمعَ اّلذِينَ َيدْعُونَ‬
‫ج َد مِن دُونِ ِه مُلْتَحَدا (‪ )27‬وَاصِْب ْر َنفْ َ‬
‫ِلكَلِمَاتِ ِه َولَن تَ ِ‬
‫َرّبهُم بِالْ َغدَا ِة وَاْل َعشِيّ يُرِيدُو َن وَ ْجهَ ُه وَلَا َتعْدُ عَيْنَا كَ عَ ْنهُ مْ ُترِيدُ زِيَن َة الْحَيَاةِ‬
‫الدّنْيَا وَلَا تُطِ ْع مَ نْ أَ ْغفَلْنَا قَلْبَ هُ عَن ذِ ْكرِنَا وَاتّبَ عَ هَوَا هُ وَكَا َن َأ ْمرُ هُ ُفرُطا (‬
‫حقّ مِن ّربّكُ ْم فَمَن شَاء فَلُْي ْؤمِن وَمَن شَاء فَلَْيكْ ُف ْر ِإنّا أَعَْت ْدنَا‬
‫‪َ )28‬و ُقلِ الْ َ‬
‫لِلظّالِمِيَ نَارا َأحَا طَ ِبهِ مْ سُرَا ِدقُهَا وَإِن يَ سْتَغِيثُوا ُيغَاثُوا بِمَاء كَالْ ُم ْه ِل َيشْوِي‬
‫شرَابُ َوسَاءتْ ُم ْرتَفَقا (‪. ﴾ )29‬‬
‫س ال ّ‬
‫اْلوُجُوهَ بِئْ َ‬
‫عن ماهد ‪ ﴿ :‬مُ ْلتَحَدا ﴾ ‪ ،‬قال ‪ :‬ملجأ ‪.‬‬
‫وقوله تعال ‪ ﴿ :‬وَا ْ‬
‫صبِ ْر َنفْ سَكَ مَ عَ الّذِي نَ يَ ْدعُو نَ َربّهُم بِالْغَدَاةِ وَاْلعَشِيّ‬
‫يُرِيدُونََ وَ ْجهَهَُ وَلَا َتعْ ُد عَْينَاكََ َعْنهُم َْ ﴾ ‪ .‬قال ابَن عباس ‪ :‬ل تاورهَم إل‬
‫غيهَم ‪ .‬وعَن سَعد بَن أبَ وقاص قال ‪ ( :‬كنَا مَع النَب سَتة ‪ ،‬فقال‬
‫َ ‪ ،‬وابَن‬ ‫الشركون لل نب اطرد هؤلء ل يترئون علينَا ‪ ،‬قال ‪ :‬وكنَت أن ا‬
‫م سعود ‪ ،‬ور جل من هذ يل ‪ ،‬وبلل ‪ ،‬ورجلن ‪ ،‬فو قع ف ن فس ر سول ال‬
‫مَا شاء ال أن يقَع فحدث نفسَه ‪ ،‬فأنزل ال عَز وجَل ‪ ﴿ :‬وَل تَطْ ُردِ‬
‫الّذِي َن يَ ْدعُونَ َرّبهُ ْم بِاْلغَدَاةِ وَاْلعَشِ ّي يُرِيدُونَ وَ ْجهَهُ ﴾ ‪ .‬رواه مسلم ‪.‬‬
‫وقوله تعال ‪ ﴿ :‬وَلَا تُطِ ْع مَ نْ َأ ْغفَلْنَا قَ ْلبَ ُه عَن ذِ ْكرِنَا وَاّتبَ َع َهوَا هُ وَكَا نَ‬
‫َأمْ ُرهُ فُرُطا ﴾ ‪ .‬قال ماهد ‪ :‬ضياعًا ‪.‬‬
‫‪19‬‬ ‫توفيق الرحن ف دروس القرآن‬

‫وقوله تعال ‪ ﴿ :‬وَقُ ِل الْحَق ّ م ِن ّرّبك ْ‬


‫ُمَ فَم َن شَاء َف ْلُيؤْم ِن وَم َن شَاء‬
‫َد ‪ .‬كقوله ‪:‬‬
‫َد والوعيَ‬ ‫َف ْليَ ْكفُرْ ﴾ ‪ .‬قال البغوي ‪ :‬هذا على طريَ‬
‫َق التهديَ‬
‫﴿ اعْمَلُوا مَا ِشْئتُمْ ﴾ ‪.‬‬
‫ط ِبهِمْ سُرَادُِقهَا ﴾‬
‫وعن ابن عباس ف قوله ﴿ ِإنّا أَ ْعتَ ْدنَا لِلظّاِلمِيَ نَارا أَحَا َ‬
‫َسَتَغِيثُوا ُيغَاثُوا بِمَاء كَاْل ُمهْلِ ﴾ ‪ ،‬قال ‪ :‬هَو‬ ‫قال ‪ :‬حائط مَن نار ‪َ ﴿ ،‬وإِن ي ْ‬
‫ماء غل يظ م ثل درد يّ الز يت ‪ .‬وقال الضحاك ‪ :‬ماء جه نم أ سود ‪ .‬و هي ‪:‬‬
‫سوداء ‪ .‬وشجرها أسود ‪ ،‬وأهلها سود ‪ .‬وقال سعيد بن جبي ‪ :‬الهل هو ‪:‬‬
‫سقَى مِن‬ ‫الذي قد انتهى حره ‪ .‬وعن أب أمامة عن النب ف قوله ‪َ ﴿ :‬ويُ ْ‬
‫مّاء صَدِيدٍ يتجرّ عه ﴾ ‪ ،‬قال ‪ « :‬يقرّب إل يه فيتكر هه ‪ ،‬فإذا قرّب م نه شوى‬
‫وجهَه ووقعَت فروة رأسَه ‪ ،‬فإذا شرب قطَع أمعاءه ‪ ،‬يقول ال ‪َ ﴿ :‬وإِن‬
‫َابَ ﴾ ‪ .‬رواه ابَن‬ ‫ْسَ الشّر ُ‬‫ُوهَ ِبئ َ‬
‫شوِي اْلوُج َ‬ ‫َسََتغِيثُوا ُيغَاثُوا بِمَاء كَالْ ُمهْ ِل يَ ْ‬
‫ي ْ‬
‫جرير ‪.‬‬
‫وعن ماهد ‪َ ﴿ :‬وسَاءتْ ُم ْرَتفَقا ﴾ ‪ ،‬قال ‪ :‬متمعًا ‪.‬‬
‫وقال ابن كثي ‪ ﴿ :‬وَ سَاء ْ‬
‫ت مُ ْرَتفَقا ﴾ أي ‪ :‬وساءت النار نز ًل و َمقِيل ‪،‬‬
‫ستَقَرّا‬
‫ت مُ ْ‬
‫ومتمعًا ‪ ،‬وموضعًا للرتفاق ‪ .‬كما ف الية الخرى ‪ِ ﴿ :‬إّنهَا سَاءَ ْ‬
‫َو ُمقَامًا ﴾ ‪.‬‬
‫قوله عز وجل ‪ ﴿ :‬إِنّ اّلذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصّالِحَاتِ ِإنّا لَا نُضِي ُع َأ ْجرَ‬
‫ِمـ‬
‫حِته ُ‬
‫جرِي م ِن تَ ْ‬
‫ْنـ تَ ْ‬
‫ّاتـ َعد ٍ‬
‫ُمـ جَن ُ‬
‫ِكـ َله ْ‬
‫ْسـنَ عَ َملً (‪ )30‬أُ ْولَئ َ‬
‫َنـ َأح َ‬
‫م ْ‬
‫الزء الثالث‬ ‫‪20‬‬

‫َبـ َويَلْبَسـُونَ ثِيَابا خُضْرا مّنـ‬


‫ِنـ أَسـَاوِ َر م ِن ذَه ٍ‬
‫ْنـ فِيه َا م ْ‬
‫اْلأَْنهَارُ يُحَ ّلو َ‬
‫ت ُمرَْتفَقا (‬
‫ب وَحَ سُنَ ْ‬
‫ق مّتّكِئِيَ فِيهَا عَلَى الْأَرَائِ كِ ِنعْ َم الّثوَا ُ‬
‫س َوإِ سْتَ ْبرَ ٍ‬
‫سُندُ ٍ‬
‫‪. ﴾ )31‬‬
‫لا ذكر تعال حال الشقياء ‪ ،‬ثن بذكر السعداء ‪ ،‬الذين آمنوا بال ورسله‬
‫وعملوا با أمروهم به ‪.‬‬
‫قال ا بن كث ي ‪ :‬والرائك ‪ :‬ج ع أري كة ‪ ،‬و هي ال سرر ت ت الَجَلة ‪،‬‬
‫والجلة كما يعرفه الناس ف زماننا هذا ‪ :‬بالبشخانة ‪ .‬وال أعلم ‪.‬‬
‫ب َلهُم مّثَلً ّرجُلَ ْي ِن جَعَلْنَا ِلأَ َحدِهِمَا جَنّتَ ْي ِن ِمنْ‬
‫ضرِ ْ‬
‫قوله عز وجل ‪ ﴿ :‬وَا ْ‬
‫خلٍ َو َجعَلْنَا بَيَْنهُمَا زَرْعا (‪ )32‬كِلْتَا الْجَنّتَيْ نِ آتَ تْ‬
‫أَعْنَا بٍ وَ َحفَفْنَاهُمَا بَِن ْ‬
‫ج ْرنَا خِلَاَلهُمَا َنهَرا ( ‪ )33‬وَكَا نَ لَ هُ ثَ َم ٌر َفقَالَ‬
‫أُكُ َلهَا َولَ ْم تَظْلِ ْم مِنْ ُه شَيْئا َوفَ ّ‬
‫لِصَاحِِبهِ َو ُهوَ يُحَاوِرُهُ َأنَا أَكَْث ُر مِنكَ مَالً َوأَ َع ّز َنفَرا (‪َ )34‬و َدخَ َل جَنّتَ ُه وَ ُهوَ‬
‫س ِه قَا َل مَا أَظُنّ أَن تَبِيدَ هَذِ ِه َأبَدا (‪ )35‬وَمَا أَظُنّ ال سّا َع َة قَائِ َمةً‬
‫ظَالِ ٌم لَّنفْ ِ‬
‫َولَئِن ّردِدتّ ِإلَى َربّ ي َلأَ ِجدَنّ خَيْرا مّنْهَا مُنقَلَبا (‪ )36‬قَالَ لَ هُ صَاحِبُ ُه َوهُوَ‬
‫ك مِن تُرَا بٍ ثُمّ مِن نّ ْط َفةٍ ثُمّ سَوّاكَ َرجُلً (‬
‫يُحَاوِرُ ُه أَ َكفَرْ تَ بِاّلذِي خَ َلقَ َ‬
‫ت جَنّتَكَ‬
‫‪ّ )37‬لكِنّا هُ َو اللّهُ َربّي وَلَا أُ ْشرِ ُك ِب َربّي َأحَدا (‪ )38‬وََل ْولَا ِإذْ َدخَلْ َ‬
‫ت مَا شَاء اللّ ُه لَا ُق ّوةَ ِإلّا بِاللّ هِ إِن ُترَ ِن أَنَا َأ َقلّ مِن كَ مَالً َو َولَدا (‪)39‬‬
‫قُلْ َ‬
‫َفعَ سَى َربّ ي أَن ُي ْؤتِيَ ِن خَيْرا مّ ن جَنّتِ كَ وَُيرْ ِسلَ عَلَيْهَا حُ سْبَانا مّ َن ال سّمَاءِ‬
‫ح مَاؤُهَا َغوْرا فَلَن تَ سْتَطِي َع لَ هُ طَلَبا (‬
‫صعِيدا َزلَقا (‪َ )40‬أوْ يُ صْبِ َ‬
‫فَتُ صِْبحَ َ‬
‫‪21‬‬ ‫توفيق الرحن ف دروس القرآن‬

‫ح ُيقَلّ بُ َكفّيْ هِ عَلَى مَا أَنفَ َق فِيهَا وَهِ َي خَا ِوَيةٌ عَلَى‬
‫ط بِثَ َمرِهِ َفأَصْبَ َ‬
‫‪َ )41‬وأُحِي َ‬
‫ُعرُوشِهَا َوَيقُولُ يَا لَيْتَنِي لَم ْـُأ ْشرِك ْـِب َربّيـَأحَدا (‪ )42‬وَلَم ْـتَكُن لّهُـ فَِئةٌ‬
‫حقّ ُهوَ‬
‫صرُوَنهُ مِن دُونِ اللّ ِه َومَا كَا َن مُنتَصِرا (‪ )43‬هُنَالِكَ اْلوَلَايَ ُة لِلّ ِه الْ َ‬
‫يَن ُ‬
‫خَ ْي ٌر ثَوَابا َوخَيْرٌ ُعقْبا (‪. ﴾ )44‬‬
‫لاَ ذكَر سَبحانه وتعال الكافريَن السَتكبين والؤمنيَ السَتضعفي ‪،‬‬
‫ضرب ل م مثلً بذ ين الرجل ي ؛ قال قتادة ف قوله ‪َ ﴿ :‬فقَالَ لِ صَا ِحبِ ِه َوهُوَ‬
‫يُحَا ِورُهَُأَنَا أَ ْكثَ ُر مِنكََ مَالً َوَأعَ ّز َنفَرا ﴾ تلك وال أمنيَة الفا جر كثرة الال‬
‫وعزة النفر ‪ ﴿ ،‬وَدَ َخلَ َجّنتَ هُ َو ُه َو ظَالِ مٌ ّلَنفْ سِهِ قَالَ مَا َأظُنّ أَن َتبِي َد هَذِ هِ َأبَدا‬
‫َومَا َأظُنّ السّا َعةَ قَائِ َمةً ﴾ ‪ ،‬كفور لنعم ربه ‪ ،‬مكذب بلقائه متمن على ال ‪.‬‬
‫وقوله تعال ‪ ﴿ :‬قَالَ لَ هُ صَا ِحبُ ُه َو ُهوَ يُحَاوِرُ هُ ﴾ أي ‪ :‬يادله ﴿ أَ َكفَرْ تَ‬
‫ب ثُمّ مِن نّ ْط َف ٍة ثُمّ َسوّاكَ رَ ُجلً ّل ِكنّا ُهوَ اللّ هُ َربّي وَلَا‬
‫ك مِن تُرَا ٍ‬
‫بِالّذِي خََلقَ َ‬
‫ُأشْ ِر ُك بِ َربّي أَحَدا ﴾ ‪.‬‬
‫قال البغوي ‪ :‬وأصله ‪ ( :‬لكن إنا ) فحذفت المزة طلبًا للتخفيف لكثرة‬
‫استعمالا ‪ ،‬ث أدغمت إحدى النوني ف الخرى ‪.‬‬
‫وقال ابن كثي ‪ّ ﴿ :‬لكِنّا ُهوَ اللّهُ َربّي ﴾ أي ‪ :‬لكن أنا ل أقول بقالتك ‪،‬‬
‫بل أعترف ل بالوحدانية والربوبية ‪ ﴿ ،‬وَلَا ُأشْرِ كُ بِ َربّي أَحَدا ﴾ ‪ ،‬أي ‪ :‬بل‬
‫هو ال العبود وحده ل شريك له ‪.‬‬
‫الزء الثالث‬ ‫‪22‬‬

‫قوله تعال ‪ ﴿ :‬وََلوْلَا ِإذْ دَ َخلْتَ َجّنتَكَ ُقلْ َ‬


‫ت مَا شَاء اللّهُ لَا ُق ّوةَ إِلّا بِاللّهِ إِن‬
‫ك مَالً َووَلَدا ﴾ ‪ ،‬أي ‪ :‬فتكبّت وتعظمت عل يّ ‪ :‬قال بعض‬ ‫تُرَ نِ َأنَا أَقَ ّل مِن َ‬
‫السلف ‪ :‬من أعجبه شيء من حاله ‪ ،‬أو ماله ‪ ،‬أو ولده فليقل ‪ :‬ما شاء ال ل‬
‫ِكَ ﴾ ‪ ،‬أي ‪ :‬فَ‬ ‫َنَ َخيْرا مّنَ َجنّت َ‬ ‫قوة إل بال ‪َ ﴿ .‬فعَسََى َربّيَ أَن ُي ْؤِتي ِ‬
‫صبِحَ‬
‫صعِيدا زَلَقا َأ ْو يُ ْ‬
‫صبِحَ َ‬ ‫سبَانا مّ َن ال سّمَاءِ َفتُ ْ‬
‫الخرة ‪َ ﴿ ،‬ويُرْ سِ َل عََلْيهَا حُ ْ‬
‫سبَانا ﴾ ‪ :‬عذابًا ‪﴿ ،‬‬ ‫ستَطِيعَ لَ ُه طَلَبا ﴾ ‪ .‬قال قتادة ‪ ﴿ :‬حُ ْ‬ ‫مَا ُؤهَا َغوْرا َفلَن تَ ْ‬
‫صبِ َح مَاؤُهَا‬
‫صعِيدا زَلَقا ﴾ ‪ ،‬قال ا بن عباس ‪ :‬م ثل الزر ‪َ ﴿ ،‬أوْ يُ ْ‬ ‫صبِحَ َ‬ ‫َفتُ ْ‬
‫ستَطِيعَ لَهُ طَلَبا ﴾ ‪.‬‬‫َغوْرا ﴾ ‪ ،‬قال قتادة ‪ :‬ذاهبًا قد غار ف الرض ‪َ ﴿ ،‬فلَن تَ ْ‬
‫صبَ َح ُيقَلّ بُ َك ّفيْ ِه عَلَى مَا أَنفَ قَ فِيهَا ﴾ ‪ ،‬متل ّهفًا على ما‬ ‫﴿ َوأُحِي طَ ِبثَمَرِ هِ َفأَ ْ‬
‫فاته وهو ﴿ َيقُولُ يَا َلْيتَنِي لَ مْ ُأشْرِ ْك بِ َربّي أَحَدا ﴾ ‪ .‬وعن ماهد ف قول‬
‫ال عز وجل ‪ ﴿ :‬وََل ْم تَكُن لّهُ ِفَئ ٌة يَنصُرُونَ ُه مِن دُونِ اللّهِ ﴾ ‪ ،‬قال ‪ :‬عشيته ‪،‬‬
‫﴿ َومَا كَا َن مُنَتصِرا ﴾ ‪ ،‬قال قتادة ‪ :‬متعنًا ‪.‬‬
‫وقوله تعال ‪ُ ﴿ :‬هنَالِكَ اْلوَلَاَيةُ ِللّ ِه الْحَقّ ﴾ ‪.‬‬
‫قال ا بن كث ي ‪ :‬أي ‪ :‬هنالك كل أ حد مؤمن ‪ ،‬أو كا فر ير جع إل ال ‪،‬‬
‫وإل موالته والضوع له إذا وقع العذاب ‪ .‬كقوله ‪ ﴿ :‬فََلمّا َرَأوْا َبأْ َسنَا قَالُوا‬
‫آ َمنّا بِاللّ ِه وَحْ َدهُ وَكَفَ ْرنَا بِمَا ُكنّا بِ ِه مُشْرِكِيَ ﴾ ‪ ﴿ .‬هُوَ َخْي ٌر َثوَابا ﴾ ‪ ،‬أي ‪:‬‬
‫جزاء ‪ ﴿ .‬وَ َخيْرٌ عُقْبًا ﴾ ‪ ،‬أي ‪ :‬العمال التَ تكون ل عَز وجَل ‪ ،‬ثواباَ‬
‫خي ‪ ،‬وعاقبتها حيدة رشيدة ‪.‬‬
‫‪23‬‬ ‫توفيق الرحن ف دروس القرآن‬

‫ض ِربْ َلهُم مَّث َل الْحَيَاةِ ال ّدنْيَا كَمَاء أَن َزلْنَاهُ ِمنَ السّمَاءِ‬
‫قوله عز وجل ‪ ﴿ :‬وَا ْ‬
‫ح وَكَا َن اللّ هُ عَلَى ُكلّ‬
‫ح َهشِيما َتذْرُو ُه ال ّريَا ُ‬
‫ض َفأَ صَْب َ‬
‫ت الْأَرْ ِ‬
‫ط بِ هِ نَبَا ُ‬
‫فَاخْتَلَ َ‬
‫ت ال صّالِحَاتُ‬
‫َشيْ ٍء ّمقْتَدِرا (‪ )45‬الْمَا ُل وَالْبَنُو نَ زِيَنةُ الْحَيَا ِة ال ّدنْيَا وَالْبَاقِيَا ُ‬
‫ك ثَوَابا َوخَيْ ٌر َأمَلً (‪ )46‬وََيوْ مَ نُ سَّيرُ الْجِبَالَ وََترَى اْلأَرْ ضَ‬
‫خَ ْيرٌ عِندَ َربّ َ‬
‫صفّا‬
‫ش ْرنَاهُ ْم فَلَ ْم ُنغَادِ ْر مِ ْنهُ مْ أَحَدا (‪ )47‬وَ ُعرِضُوا عَلَى َربّ كَ َ‬
‫بَارِ َز ًة وَ َح َ‬
‫ج َع َل لَكُم مّوْعِدا (‬
‫ّل َقدْ جِئْتُمُونَا كَمَا خَلَقْنَاكُ مْ َأ ّولَ َم ّر ٍة َبلْ َزعَمْتُ ْم َألّن نّ ْ‬
‫ج ِرمِيَ ُمشْ ِفقِيَ مِمّا فِي ِه َويَقُولُو نَ يَا َويْلَتَنَا‬
‫‪َ )48‬ووُضِ َع الْكِتَا بُ فََترَى الْمُ ْ‬
‫ي ًة ِإلّا أَحْ صَاهَا َووَ َجدُوا مَا َعمِلُوا‬
‫ي ًة َولَا كَبِ َ‬
‫صغِ َ‬
‫ب لَا ُيغَادِرُ َ‬
‫مَالِ َهذَا الْكِتَا ِ‬
‫حَاضِرا َولَا يَظْ ِلمُ َرّبكَ َأحَدا (‪. ﴾ )49‬‬
‫ت ال صّالِحَاتُ ﴾ ‪ ،‬قال ‪ :‬هي ذكر ال ‪.‬‬ ‫عن ابن عباس قوله ‪ ﴿ :‬وَالْبَاِقيَا ُ‬
‫قول ‪ :‬ل إله إل ال ‪ ،‬وال أكَب ‪ ،‬وسَبحان ال ‪ ،‬وال مد ل ‪ ،‬وتبارك ال ‪،‬‬
‫ول حول ول قوة إل بال ‪ ،‬وأسَتغفر ال ‪ ،‬وصَلى ال على رسَول ال ‪.‬‬
‫والصيام ‪ ،‬والصلة ‪ ،‬والج ‪ ،‬والصدقة ‪ ،‬والعتق ‪ ،‬والهاد ‪ ،‬والصلة ‪ ،‬وجيع‬
‫أعمال السنات ‪ .‬وه ّن الباقيات الصالات ‪ ،‬الت تبقى لهلها ف النة ‪ ،‬ما‬
‫دامت السماوات والرض ‪.‬‬
‫وعن ماهد ‪َ ﴿ :‬وتَرَى الْأَرْ ضَ بَارِ َزةً ﴾ ‪ ،‬ل حجر فيها ول غيابة ‪ ،‬ول‬
‫ش جر ‪ ،‬ول بناء ‪ ،‬ول جبال في ها ‪ .‬و عن قتادة ‪ :‬قوله ‪ ﴿ :‬مَا ِل هَذَا الْ ِكتَا بِ‬
‫صَغِ َيةً وَلَا َكبِ َيةً إِلّا أَحْصََاهَا ﴾ ‪ ،‬اشتكَى القوم كمَا تسَمعون‬‫لَا ُيغَا ِدرُ َ‬
‫الزء الثالث‬ ‫‪24‬‬

‫الحصاء ‪ ،‬ول يشتك أحد ظلمًا ‪ ،‬فإياكم والحقّرات من الذنوب فإنا تتمع‬
‫على صاحبها حت تلكه ‪ .‬ذكر لنا أن نب ال كان يضرب لا مثلً يقول ‪:‬‬
‫« كم ثل قوم انطلقوا ي سيون ح ت نزلوا بفلة من الرض ‪ ،‬وح ضر صنيع‬
‫القوم ‪ ،‬فانطلق كل رجل يتطب ‪ ،‬فجعل الرجل ييء بالعود وييء الخر‬
‫بالعود ‪ ،‬حتَ جعوا سَوادًا كثيًا وأجّجوا نارًا ‪ .‬فإن الذنَب الصَغي يتمَع‬
‫على صاحبه حت يهلكه » ‪.‬‬

‫***‬
‫‪25‬‬ ‫توفيق الرحن ف دروس القرآن‬

‫الدرس الثامن والمسون بعد الائة‬

‫جنّ‬
‫جدُوا إِلّا ِإبْلِي سَ كَا نَ مِ َن الْ ِ‬
‫جدُوا لِآدَ َم فَ سَ َ‬
‫﴿ َوإِ ْذ قُلْنَا لِلْمَلَائِ َكةِ ا سْ ُ‬
‫خذُونَ ُه َوذُ ّريّتَهُ َأ ْولِيَاء مِن دُونِي وَهُ ْم َلكُمْ َع ُدوّ بِئْسَ‬
‫سقَ عَنْ َأ ْمرِ َربّ ِه َأفَتَتّ ِ‬
‫َففَ َ‬
‫ْقـ‬
‫ْضـ َولَا خَل َ‬
‫السـمَاوَاتِ وَالْأَر ِ‬
‫ْقـ ّ‬‫ُمـ خَل َ‬
‫لِلظّالِمِيَ َب َدلً (‪ )50‬مَا َأ ْشهَدّته ْ‬
‫خذَ الْمُضِلّيَ عَضُدا (‪ )51‬وََيوْ مَ يَقُو ُل نَادُوا ُشرَكَائِ يَ‬
‫ت مُتّ ِ‬
‫سهِ ْم َومَا كُن ُ‬
‫أَنفُ ِ‬
‫اّلذِينَ َزعَمْتُمْ َفدَ َع ْوهُمْ فَلَ ْم يَسْتَجِيبُوا َلهُمْ َو َجعَلْنَا بَيَْنهُم ّم ْوبِقا (‪ )52‬وَ َرأَى‬
‫صرِفا (‪ )53‬وََل َقدْ‬
‫جدُوا عَ ْنهَا مَ ْ‬
‫ج ِرمُو َن النّارَ فَظَنّوا َأنّهُم ّموَا ِقعُوهَا َولَ مْ يَ ِ‬
‫الْمُ ْ‬
‫ص ّرفْنَا فِي َهذَا اْلقُرْآ ِن لِلنّا سِ مِن ُك ّل مََثلٍ وَكَا َن الْإِن سَانُ أَكَْث َر َشيْءٍ جَ َدلً‬
‫َ‬
‫س أَن ُيؤْمِنُوا ِإ ْذ جَاءهُ مُ اْلهُدَى َويَ سَْتغْ ِفرُوا َرّبهُ ْم ِإلّا أَن‬
‫(‪َ )54‬ومَا مَنَ َع النّا َ‬
‫َت ْأتَِيهُ مْ سُّنةُ اْلأَ ّولِيَ َأ ْو َيأْتَِيهُ ُم الْ َعذَا بُ قُُبلً (‪ )55‬وَمَا ُنرْ ِسلُ الْ ُمرْ سَلِيَ إِلّا‬
‫ـ الْحَقّـ‬
‫ـ َكفَرُوا بِالْبَا ِطلِ لُِي ْدحِضُوا بِه ِ‬
‫ـ وَيُجَا ِدلُ اّلذِين َ‬
‫ـ وَمُنذِرِين َ‬
‫شرِين َ‬
‫مَُب ّ‬
‫خذُوا آيَاتِي وَمَا أُنذِرُوا ُهزُوا (‪ )56‬وَمَ ْن أَظْلَ ُم مِمّ ن ذُ ّكرَ بِآيَا تِ َربّ هِ‬
‫وَاتّ َ‬
‫َفأَ ْعرَ ضَ عَ ْنهَا َونَ سِ َي مَا َق ّدمَ تْ َيدَا هُ ِإنّا جَعَلْنَا عَلَى قُلُوِبهِ مْ أَكِّن ًة أَن َيفْ َقهُو هُ‬
‫َوفِي آذَاِنهِمْ َوقْرا َوإِن َتدْ ُعهُ ْم إِلَى اْل ُهدَى فَلَن َيهَْتدُوا إِذا أَبَدا (‪ )57‬وَ َربّكَ‬
‫جلَ َلهُ مُ اْل َعذَا بَ بَل لّهُم‬
‫اْلغَفُو ُر ذُو الرّحْ َم ِة َلوْ ُيؤَا ِخذُهُم بِمَا كَ سَبُوا َلعَ ّ‬
‫جدُوا مِن دُونِ هِ َم ْوئِلً (‪َ )58‬وتِلْ كَ اْل ُقرَى َأهْ َلكْنَاهُ ْم لَمّ ا َظلَمُوا‬
‫ّموْ ِعدٌ لّن يَ ِ‬
‫َوجَعَلْنَا لِ َمهْ ِلكِهِم مّوْعِدا (‪. ﴾ )59‬‬
‫***‬
‫الزء الثالث‬ ‫‪26‬‬

‫جدُوا ِإلّا إِبْلِيسَ‬


‫جدُوا لِآدَ َم فَسَ َ‬
‫قوله عز وجل ‪َ ﴿ :‬وإِ ْذ قُلْنَا لِلْمَلَائِ َكةِ اسْ ُ‬
‫خذُونَ ُه َوذُ ّريّتَ ُه َأوْلِيَاء مِن دُونِي َوهُ مْ‬
‫سقَ عَ ْن أَ ْمرِ َربّ هِ َأفَتَتّ ِ‬
‫جنّ َففَ َ‬
‫كَا َن مِ َن الْ ِ‬
‫ت وَاْلأَرْضِ‬
‫س لِلظّالِمِيَ َبدَلً (‪ )50‬مَا أَ ْشهَدّتهُمْ خَلْ َق السّمَاوَا ِ‬
‫َلكُمْ َع ُد ّو بِئْ َ‬
‫خذَ الْمُضِلّيَ عَضُدا (‪. ﴾ )51‬‬
‫سهِ ْم َومَا كُنتُ مُتّ ِ‬
‫َولَا خَ ْل َق أَن ُف ِ‬
‫قال ابن كثي ‪ :‬يقول تعال منبهًا بن آدم على عداوة إبليس لم ولبيهم‬
‫من قبل هم ‪ ،‬ومقرعًا ل ن اتب عه من هم وخالف خال قه وموله و هو الذي أنشأه‬
‫وابتدأه بألطافه ورزقه غذاه ‪ ،‬ث بعد هذا كله وإل إبليس وعادى ال ‪ ،‬فقال‬
‫ِنَ‬
‫َانَ م َ‬
‫ِيسَ ك َ‬‫َسَجَدُوا إِلّا إِبْل َ‬
‫َمَ ف َ‬
‫جدُوا لِآد َ‬‫اسَ ُ‬
‫تعال ‪َ ﴿ :‬وإِذْ قُلْنَا لِ ْلمَلَاِئ َكةِ ْ‬
‫الْجِنّ ﴾ ‪ ،‬أي ‪ :‬خا نه أ صله ‪ ،‬فإ نه خلق من مارج من نار ‪ ،‬وأ صل خلق‬
‫اللئكة من نور كما ثبت ف صحيح مسلم عن عائشة رضي ال عنها ‪ ،‬عن‬
‫رسول ال أنه قال ‪ « :‬خلقت اللئكة من نور ‪ ،‬وخلق إبليس من مارج‬
‫من نار ‪ ،‬وخلق آدم ما وصف لكم » ‪ .‬فعند الاجة نضح كل وعاء با فيه‬
‫وخا نه الط بع ع ند الا جة ‪ ،‬وذلك أ نه قد تو سّم بأفعال اللئ كة وتش به ب م‬
‫وتعبّد وتنسك فلهذا دخل ف خطابم وعصى بالخالفة ‪ .‬انتهى ‪.‬‬
‫و عن ما هد ف قول ال تعال ‪َ ﴿ :‬ففَ سَ َق عَ نْ َأمْرِ َربّ هِ ﴾ ‪ ،‬قال ‪ :‬ع صى‬
‫خذُونَهُ َوذُ ّرّيتَهُ َأوِْليَاء مِن دُونِي ﴾ ‪ ،‬قال ‪ :‬ذريته هم‬
‫ف السجود لدم ‪ ﴿ ،‬أََفتَتّ ِ‬
‫الشياط ي ‪ .‬قال قتادة ‪ :‬و هم يتوالدون ك ما يتوالد ب نو آدم ‪ ﴿ .‬وَهُ مْ َلكُ مْ‬
‫ْسَلِلظّالِمِيَ بَدَ ًل ﴾ بئسَما اسَتبدلوا بعبادة ربمَ إذ أطاعوا إبليَس‬ ‫عَ ُد ّو ِبئ َ‬
‫‪27‬‬ ‫توفيق الرحن ف دروس القرآن‬

‫سهِ ْم وَمَا كُن تُ‬


‫ض وَلَا خَ ْل قَ أَنفُ ِ‬
‫ت وَالْأَرْ ِ‬
‫‪ ﴿ .‬مَا َأشْهَدّتهُ مْ خَلْ َق ال سّمَاوَا ِ‬
‫ي َعضُدا ﴾ ‪ ،‬قال ‪ :‬أعوانًا ‪.‬‬ ‫ُمتّخِذَ الْ ُمضِلّ َ‬
‫وقال ابن كثي ‪ :‬يقول تعال ‪ :‬أنا الستقل بلق الشياء كلها ‪ ،‬ومدبرها‬
‫ومقدرها وَحْدي ‪ ،‬ليس معي ف ذلك شريك ول وزير ‪ ،‬ول مشي ‪.‬‬
‫قوله عز و جل ‪َ ﴿ :‬ويَوْ َم يَقُولُ نَادُوا شُرَكَائِ يَ اّلذِي نَ زَعَمْتُ مْ فَدَ َع ْوهُ مْ‬
‫ج ِرمُو نَ النّا َر فَظَنّوا‬
‫فَلَ ْم يَ سْتَجِيبُوا َلهُ مْ َو َجعَلْنَا بَيَْنهُم ّم ْوبِقا (‪ )52‬وَ َرأَى الْمُ ْ‬
‫صرِفا (‪. ﴾ )53‬‬
‫جدُوا عَ ْنهَا مَ ْ‬
‫َأّنهُم ّموَا ِقعُوهَا َوَلمْ يَ ِ‬
‫وعَن ابَن عباس ‪ ﴿ :‬وَ َجعَلْن َا َبيْنَه ُم ّم ْوبِقا ﴾ ‪ ،‬قال ‪ :‬مهلك ًا ‪ .‬وقال‬
‫السن جعل بينهم عداوة يوم القيامة ‪.‬‬
‫ُونَ النّارَ فَ َظنّوا َأنّه ُم ّموَاِقعُوه َا ﴾ ‪ ،‬قال‬ ‫وقوله تعال ‪ ﴿ :‬وَ َرأَى الْمُ ْ‬
‫ج ِرم َ‬
‫قتادة ‪ :‬علموا ‪.‬‬
‫وقال ابن كثي ‪ :‬أي ‪ :‬إنم لا عاينوا جهنم ح ي جيء با تقاد بسبعي‬
‫ألف زمام ‪ ،‬مَع كَل زمام سَبعون ألف ملك ‪ ،‬فإذا رأى الجرمون النار ‪،‬‬
‫تققوا ل مالة أنمَ مواقعوهَا ‪ ،‬ليكون ذلك مَن باب تعجيَل المَ والزن‬
‫لمَ ‪ ،‬فإن توقَع العذاب والوف منَه قبَل وقوعَه عذاب ناجَز ‪ .‬وقوله ‪:‬‬
‫جدُوا َعْنهَا مَ صْرِفا ﴾ ‪ ،‬أي ‪ :‬ليس لم طريق يعدل بم عنها ‪ ،‬ول‬
‫﴿ وَلَ ْم يَ ِ‬
‫بد لم منها ‪.‬‬
‫الزء الثالث‬ ‫‪28‬‬

‫ص ّرفْنَا فِي َهذَا اْل ُقرْآ ِن لِلنّا سِ مِن ُكلّ مََثلٍ‬


‫قوله عز و جل ‪َ ﴿ :‬ولَ َقدْ َ‬
‫وَكَا نَ اْلإِن سَانُ أَكَْث َر َشيْءٍ جَ َدلً (‪ )54‬وَمَا مَنَ َع النّا سَ أَن ُي ْؤمِنُوا ِإذْ جَاءهُ مُ‬
‫ب قُبُلً (‬
‫اْلهُدَى َويَ سَْتغْ ِفرُوا َرّبهُ ْم ِإلّا أَن َتأْتَِيهُ مْ سُّن ُة الَْأ ّولِيَ َأوْ َي ْأتَِيهُ مُ اْل َعذَا ُ‬
‫ِينـ َك َفرُوا‬
‫ِينـ َويُجَادِ ُل الّذ َ‬
‫ِينـ َومُنذِر َ‬
‫ْسـلِيَ إِلّا مَُبشّر َ‬
‫ْسـ ُل الْ ُمر َ‬
‫‪ )55‬وَمَا ُنر ِ‬
‫خذُوا آيَاتِي َومَا أُنذِرُوا ُهزُوا (‪. ﴾ )56‬‬
‫ح ّق وَاتّ َ‬
‫بِالْبَا ِطلِ لُِيدْحِضُوا ِبهِ الْ َ‬
‫َانَ الْإِنسََانُ أَ ْكثَ َر َشيْءٍ جَدَلً ﴾ ‪ ،‬قال ‪:‬‬
‫قال ابَن زيَد فَ قوله ‪ ﴿ :‬وَك َ‬
‫الدل ‪ :‬الصومة ‪ .‬خصومة القوم لنبيائهم وردّهم عليهم ماجاءوا به ‪ .‬وف‬
‫الصَحيحي عَن علي بَن أبَ طالب رضَي ال عنَه أن رسَول طرقَه ‪،‬‬
‫وفاط مة ب نت ر سول ال ليلة فقال ‪ « :‬أل ت صليان » ؟ فقلت ‪ :‬يا ر سول‬
‫ال إن ا أنف سنا ب يد ال ‪ ،‬فإذا شاء أن يبعث نا بعث نا ‪ ،‬فان صرف ح ي قلت ذلك‬
‫ول يُرجع إلّ شيئًا ‪ ،‬ث سعته وهو مولّ يضرب فخذه ويقول ‪ ﴿ « :‬وَكَا نَ‬
‫الْإِنسَانُ أَ ْكثَ َر َشيْءٍ جَدَلً ﴾ » ‪.‬‬
‫وقوله تعال ‪ ﴿ :‬وَمَا َمنَ َع النّا سَ أَن ُي ْؤمِنُوا ِإذْ جَاءهُ مُ الْهُدَى َويَ ْ‬
‫ستَ ْغفِرُوا‬
‫َرّبهُ مْ إِلّا أَن َتأِْتَيهُ مْ ُسّنةُ اْلَأوّلِيَ ﴾ ‪ ،‬أي ‪ :‬ف إهلك هم إن ل يؤمنوا ‪َ ﴿ ،‬أوْ‬
‫َي ْأتَِيهُ ُم اْلعَذَا بُ ُقُبلً ﴾ ‪ ،‬قال ابن عباس ‪ :‬عيانًا ‪ .‬وقال ماهد ‪ :‬فجأة ‪ ،‬أي ‪:‬‬
‫ما منعهم من اليان إلّ طلبهم أن يشاهدوا العذاب الذي وعدوا به عيانًا ‪.‬‬
‫‪29‬‬ ‫توفيق الرحن ف دروس القرآن‬

‫وقوله تعال ‪ ﴿ :‬وَمَا نُرْسَِ ُل الْمُرْسَلِ‬


‫َيَ إِلّا ُمبَشّرِينََ َومُنذِرِينََ ﴾ ‪ ،‬أي ‪:‬‬
‫ق بل العذاب ‪َ ﴿ ،‬ويُجَا ِد ُل الّذِي نَ َكفَرُوا بِاْلبَاطِلِ ِليُ ْد ِحضُوا بِ ِه الْحَقّ وَاتّخَذُوا‬
‫آيَاتِي َومَا أُنذِرُوا ُهزُوا ﴾ ‪.‬‬
‫قوله عز و جل ‪َ ﴿ :‬ومَ ْن أَظْلَ مُ مِمّ ن ذُ ّكرَ بِآيَا تِ َربّ هِ َفأَ ْعرَ ضَ عَنْهَا‬
‫ت َيدَا ُه ِإنّا َجعَلْنَا عَلَى قُلُوِبهِ ْم أَكِّن ًة أَن يَ ْف َقهُو هُ َوفِي آذَاِنهِ مْ‬
‫سيَ مَا َق ّدمَ ْ‬
‫َونَ ِ‬
‫ّكـ اْلغَفُو ُر ذُو‬
‫ُمـ ِإلَى اْلهُدَى فَلَن يَهَْتدُوا إِذا َأبَدا (‪ )57‬وَ َرب َ‬
‫َوقْرا َوإِن تَدْ ُعه ْ‬
‫َابـ بَل لّهُم ّموْ ِعدٌ لّن‬
‫ُمـ اْل َعذ َ‬
‫جلَ َله ُ‬
‫َسـبُوا َلعَ ّ‬
‫الرّحْ َم ِة َلوْ ُيؤَا ِخذُهُم بِمَا ك َ‬
‫جدُوا مِن دُونِ هِ مَ ْوئِلً (‪ )58‬وَتِلْ كَ اْلقُرَى َأهْلَكْنَاهُ مْ لَمّ ا ظَلَمُوا وَ َجعَلْنَا‬
‫يَ ِ‬
‫لِ َمهْ ِل ِكهِم ّموْعِدا (‪. ﴾ )59‬‬
‫وعن قتادة ف قوله ‪َ ﴿ :‬ونَ سِ َي مَا قَ ّدمَ تْ يَدَا هُ ﴾ ‪ ،‬أي ‪ :‬نسي ما سلف‬
‫من الذنوب وعن ابن عباس قوله ‪ ﴿ :‬لّن َيجِدُوا مِن دُونِ ِه َموِْئلً ﴾ ‪ ،‬يقول ‪:‬‬
‫ملجأ ‪ .‬وعن ماهد ‪ :‬قوله ‪ ﴿ :‬لِ َمهِْل ِكهِم ّم ْوعِدا ﴾ ‪ ،‬قال ‪ :‬أجلً ‪.‬‬

‫***‬
‫الزء الثالث‬ ‫‪30‬‬

‫الدرس التاسع والمسون بعد الائة‬

‫ح َريْ ِن َأوْ َأمْضِ يَ‬


‫ح حَتّ ى َأبْلُ َغ مَجْ َم َع الْبَ ْ‬
‫﴿ وَِإ ْذ قَا َل مُو سَى ِلفَتَا هُ لَا أَْبرَ ُ‬
‫حرِ‬
‫خذَ سَبِي َلهُ فِي الْبَ ْ‬
‫جمَ َع بَيِْنهِمَا نَ سِيَا حُوَتهُمَا فَاتّ َ‬
‫ُحقُبا (‪ )60‬فَلَمّا بَلَغَا مَ ْ‬
‫سَرَبا (‪ )61‬فَلَمّ ا جَاوَزَا قَالَ ِلفَتَا هُ آتِنَا َغدَاءنَا َل َقدْ َلقِينَا مِن سَ َف ِرنَا َهذَا‬
‫ت وَمَا‬
‫ت الْحُو َ‬
‫خ َرةِ َفِإنّ ي نَ سِي ُ‬
‫ت ِإذْ َأ َويْنَا ِإلَى ال صّ ْ‬
‫نَ صَبا (‪ )62‬قَالَ أَ َرَأيْ َ‬
‫حرِ َعجَبا (‪ )63‬قَالَ‬
‫خذَ سَبِي َلهُ فِي الْبَ ْ‬
‫أَن سَانِي ُه ِإلّا الشّيْطَا ُن أَ ْن َأذْ ُكرَ هُ وَاتّ َ‬
‫َذلِ كَ مَا كُنّا نَبْ ِغ فَا ْرتَدّا عَلَى آثَا ِرهِمَا قَ صَصا (‪َ )64‬ف َوجَدَا عَبْدا مّ نْ عِبَا ِدنَا‬
‫آتَيْنَا هُ َرحْ َم ًة مِ نْ عِندِنَا وَعَلّمْنَا ُه مِن ّل ُدنّ ا عِلْما (‪ )65‬قَا َل لَ هُ مُو سَى َهلْ‬
‫ك لَن تَ سْتَطِيعَ مَعِ يَ‬
‫َأتِّبعُ كَ عَلَى أَن ُتعَلّمَ نِ مِمّا ُعلّمْ تَ ُرشْدا (‪ )66‬قَا َل ِإنّ َ‬
‫ج ُدنِي‬
‫ط بِ هِ خُبْرا (‪ )68‬قَالَ سَتَ ِ‬
‫ح ْ‬
‫ف تَ صِْبرُ عَلَى مَا لَ مْ تُ ِ‬
‫صَبْرا (‪ )67‬وَكَيْ َ‬
‫ك َأمْرا (‪ )69‬قَالَ َفإِ نِ اتَّبعْتَنِي فَلَا تَ سَْألْنِي‬
‫إِن شَاء اللّ هُ صَابِرا َولَا أَعْ صِي لَ َ‬
‫ك مِنْ ُه ذِكْرا (‪ )70‬فَانطَلَقَا حَتّ ى ِإذَا َركِبَا فِي‬
‫ث لَ َ‬
‫عَن شَيْ ٍء حَتّ ى ُأحْدِ َ‬
‫ت شَيْئا إِمْرا (‪ )71‬قَالَ‬
‫ق َأهْلَهَا َل َقدْ جِئْ َ‬
‫سفِينَ ِة َخرَقَهَا قَالَ َأ َخ َرقْتَهَا لُِتغْرِ َ‬
‫ال ّ‬
‫ت وَلَا‬
‫َألَ مْ َأ ُقلْ إِنّ كَ لَن تَ سْتَطِي َع َمعِ يَ صَبْرا (‪ )72‬قَالَ لَا تُؤَاخِ ْذنِي بِمَا نَ سِي ُ‬
‫َهـ قَالَ‬
‫ِنـ َأ ْمرِي عُسـْرا (‪ )73‬فَانطَلَقَا حَتّىـ ِإذَا َلقِيَا غُلَاما َفقَتَل ُ‬
‫ُت ْرهِقْنِي م ْ‬
‫س ّل َقدْ جِئْ تَ شَيْئا ّنكْرا (‪ )74‬قَا َل َألَ ْم َأقُل لّ كَ‬
‫ت َنفْسا زَكِّي ًة ِبغَ ْيرِ َنفْ ٍ‬
‫َأقَتَلْ َ‬
‫ـَلُْتكَ عَن شَيْ ٍء َب ْعدَهَا فَلَا‬
‫ـْرا (‪ )75‬قَالَ إِن سَأ‬
‫ـَطِي َع مَعِي صَب‬
‫ِإنّكَـلَن تَس ْت‬
‫ت مِن لّ ُدنّ ي ُعذْرا (‪ )76‬فَانطَلَقَا حَتّ ى ِإذَا َأتَيَا َأ ْهلَ َقرَْيةٍ‬
‫تُ صَاحِبْنِي َقدْ بَ َلغْ َ‬
‫‪31‬‬ ‫توفيق الرحن ف دروس القرآن‬

‫اسْتَ ْطعَمَا َأهْ َلهَا َفَأبَوْا أَن يُضَّيفُوهُمَا َف َوجَدَا فِيهَا ِجدَارا ُيرِيدُ أَ ْن يَنقَضّ َفَأقَامَهُ‬
‫ِكـ‬
‫َاقـ بَيْن ِي َوبَيْن َ‬
‫ْهـ َأجْرا (‪ )77‬قَالَ َهذَا ِفر ُ‬
‫ْتـ َعلَي ِ‬
‫خذ َ‬‫ْتـ لَاتّ َ‬
‫قَالَ َلوْ شِئ َ‬
‫َتـ‬
‫السـفِيَنةُ َفكَان ْ‬
‫صـبْرا (‪َ )78‬أمّاـ ّ‬
‫ْهـ َ‬
‫َسـتَطِع عّلَي ِ‬
‫َمـ ت ْ‬
‫ك بَِتأْوِيلِ مَا ل ْ‬
‫سـُأنَبّئُ َ‬
‫َ‬
‫ك َيأْ ُخذُ‬
‫ح ِر َفأَرَدتّ أَ ْن أَعِيبَهَا وَكَا َن وَرَاءهُم مّلِ ٌ‬
‫ي َيعْمَلُو َن فِي الْبَ ْ‬
‫لِمَ سَاكِ َ‬
‫خشِينَا أَن ُيرْ ِه َقهُمَا‬
‫ُكلّ سَفِيَنةٍ غَصْبا (‪َ )79‬وَأمّا اْلغُلَا ُم َفكَا َن َأبَوَا ُه ُمؤْمِنَيْنِ فَ َ‬
‫ُطغْيَانا وَ ُكفْرا (‪َ )80‬فأَ َر ْدنَا أَن يُ ْب ِدَلهُمَا َرّبهُمَا خَيْرا مّنْ هُ زَكَا ًة َوَأقْرَ بَ ُرحْما‬
‫ن ّلهُمَا‬
‫جدَا ُر َفكَا نَ ِلغُلَامَيْ نِ يَتِيمَيْ ِن فِي الْ َمدِينَ ِة وَكَا َن تَحْتَ هُ كَ ٌ‬
‫(‪َ )81‬وَأمّا الْ ِ‬
‫نهُمَا‬
‫خ ِرجَا كَ َ‬
‫ك أَ ْن يَبْلُغَا َأشُ ّدهُمَا َويَ سْتَ ْ‬
‫وَكَا َن َأبُوهُمَا صَالِحا َفأَرَادَ َربّ َ‬
‫صبْرا (‬
‫ك َومَا َفعَلْتُ هُ عَ نْ َأ ْمرِي َذلِ كَ َت ْأوِي ُل مَا لَ ْم تَ سْطِع عّلَيْ هِ َ‬
‫َرحْ َم ًة مّن ّربّ َ‬
‫‪. ﴾ )82‬‬

‫***‬
‫الزء الثالث‬ ‫‪32‬‬

‫جمَ عَ‬
‫ح حَتّ ى َأبْلُ َغ مَ ْ‬
‫قوله عز و جل ‪َ ﴿ :‬وِإذْ قَالَ مُو سَى ِلفَتَا ُه لَا َأْبرَ ُ‬
‫خذَ‬
‫ح َريْنِ َأ ْو أَمْضِ َي حُقُبا (‪ )60‬فَلَمّا بَ َلغَا مَجْ َم َع بَيِْنهِمَا نَسِيَا حُوَتهُمَا فَاتّ َ‬
‫الْبَ ْ‬
‫حرِ سَرَبا (‪ )61‬فَلَمّا جَاوَزَا قَا َل ِلفَتَاهُ آتِنَا َغدَاءنَا َل َقدْ َلقِينَا مِن‬
‫سَبِي َل ُه فِي الْبَ ْ‬
‫خ َر ِة َفِإنّيـ نَسـِيتُ‬
‫الصـ ْ‬
‫ْتـ ِإ ْذ أَ َويْنَا ِإلَى ّ‬
‫سـَفرِنَا هَذَا نَصـَبا (‪ )62‬قَا َل أَ َرأَي َ‬
‫َ‬
‫حرِ عَجَبا (‬
‫خذَ سَبِي َلهُ فِي الْبَ ْ‬
‫ت وَمَا أَنسَانِي ُه ِإلّا الشّيْطَا ُن أَ ْن َأذْ ُكرَهُ وَاتّ َ‬
‫الْحُو َ‬
‫ك مَا كُنّا نَبْ ِغ فَا ْرتَدّا عَلَى آثَا ِرهِمَا قَ صَصا (‪َ )64‬ف َوجَدَا عَبْدا‬
‫‪ )63‬قَالَ َذلِ َ‬
‫ّمنْ عِبَا ِدنَا آتَيْنَاهُ َرحْ َم ًة ِمنْ عِندِنَا وَعَلّمْنَا ُه مِن ّل ُدنّا عِلْما (‪. ﴾ )65‬‬
‫ح َريْ نِ ﴾ ‪ .‬والبحران ‪ :‬بر فارس‬
‫عن قتادة قوله ‪َ ﴿ :‬حتّى َأبْلُ غَ مَجْمَ عَ الْبَ ْ‬
‫والروم ‪ ،‬وب ر الروم م ا يلي الغرب ‪ ،‬وب ر فارس م ا يلي الشرق ‪ .‬و عن ا بن‬
‫عباس ‪ :‬قوله ‪َ ﴿ :‬أوْ َأمْضِ يَ ُحقُبا ﴾ ‪ ،‬قال ‪ :‬دهرًا ‪ .‬وقال عبد ال بن عمر ‪:‬‬
‫لقُب ثانون سنة ‪.‬‬ ‫وا ُ‬
‫حرِ َسرَبا ﴾ وحلق بيده ‪ .‬و عن‬
‫وقال ا بن عباس ‪ ﴿ :‬فَاتّخَذَ َسبِيلَهُ فِي الْبَ ْ‬
‫ماهد ‪ :‬قوله ‪ ﴿ :‬فِي اْلبَحْ ِر عَجَبا ﴾ ‪ ،‬قال ‪ :‬موسى يعجب من أثر الوت‬
‫ف البحر ودوراته الت غاب فيها ‪ ،‬فوجدا عندها خطرًا ‪.‬‬
‫قوله عز وجل ‪ ﴿ :‬قَا َل لَهُ مُوسَى هَ ْل َأتِّبعُكَ عَلَى أَن تُعَلّمَ ِن مِمّا عُلّمْتَ‬
‫ف تَ صِْبرُ عَلَى مَا‬
‫ُرشْدا (‪ )66‬قَالَ ِإنّ كَ لَن تَ سْتَطِي َع َمعِ يَ صَبْرا (‪ )67‬وَكَيْ َ‬
‫ج ُدنِي إِن شَاء اللّ هُ صَابِرا َولَا أَعْ صِي لَ كَ‬
‫ط بِ ِه خُبْرا (‪ )68‬قَالَ سَتَ ِ‬
‫لَ ْم تُحِ ْ‬
‫‪33‬‬ ‫توفيق الرحن ف دروس القرآن‬

‫ك مِنْ هُ‬
‫ث لَ َ‬
‫َأمْرا (‪ )69‬قَالَ َفإِ نِ اتَّبعْتَنِي فَلَا تَ سَْألْنِي عَن شَيْ ٍء حَتّ ى ُأحْدِ َ‬
‫ذِكْرا (‪. ﴾ )70‬‬
‫ْهَ‬
‫َكَ ِمن ُ‬
‫ِثَ ل َ‬
‫َسَأَلْنِي عَن َشيْءٍ َحتّىَأُ ْحد َ‬
‫عَن ابَن عباس ‪ :‬قال ﴿ َفلَا ت ْ‬
‫ذِكْرا﴾ يعن ‪ :‬عن شيء أصنعه حت أبي لك شأنه ‪.‬‬
‫السـفِيَنةِ َخ َرقَهَا قَالَ‬
‫قوله عـز وجـل ‪ ﴿ :‬فَانطَلَقَا حَتّىـ ِإذَا رَكِبَا فِي ّ‬
‫ّكـ لَن‬
‫َمـ َأقُ ْل ِإن َ‬
‫ْتـ شَيْئا ِإمْرا (‪ )71‬قَا َل َأل ْ‬
‫ِقـ َأهْلَهَا َلقَ ْد جِئ َ‬
‫َأ َخرَقْتَهَا لُِت ْغر َ‬
‫ت َولَا ُت ْرهِقْنِي مِ نْ‬
‫تَ سْتَطِيعَ مَعِ يَ صَبْرا (‪ )72‬قَا َل لَا ُتؤَا ِخذْنِي بِمَا نَ سِي ُ‬
‫َأ ْمرِي ُعسْرا (‪. ﴾ )73‬‬
‫َ َشيْئا ِإمْرا ﴾ ‪ ،‬أي ‪ :‬عجبا ‪ ،‬إن قومًَا‬ ‫عَن قتادة قوله ‪َ ﴿ :‬لقَدْ ِجئْت َ‬
‫لّجوا سفينتهم فخرقتها كأحوج ما تكون إليها ؟ ! ولكن عَلِم من ذلك ما‬
‫ل يعلم نَب ال موسَى ‪ .‬ذلك مَن علم ال الذي آتاه ‪ ،‬وقَد قال لنَب ال‬
‫سأَْلنِي عَن َشيْءٍ َحتّى أُحْدِ ثَ لَ كَ‬
‫موسى عليه السلم ‪َ ﴿ :‬فإِ نِ اّتبَ ْعَتنِي فَلَا تَ ْ‬
‫ِمنْهُ ذِكْرا ﴾ ‪.‬‬
‫ت َنفْسا‬
‫قوله عز وجل ‪ ﴿ :‬فَانطَلَقَا حَتّى ِإذَا َلقِيَا غُلَاما َفقَتَلَ ُه قَا َل َأقَتَلْ َ‬
‫ّكـ لَن‬
‫ّكـ ِإن َ‬
‫َمـ أَقُل ل َ‬
‫ْتـ شَيْئا نّكْرا (‪ )74‬قَا َل َأل ْ‬
‫ْسـ ّلقَ ْد جِئ َ‬
‫َزكِّيةً ِبغَ ْي ِر نَف ٍ‬
‫تَسْتَطِيعَ مَعِي صَبْرا (‪ )75‬قَا َل إِن سََألُْتكَ عَن َشيْ ٍء َبعْ َدهَا فَلَا تُصَاحِبْنِي َقدْ‬
‫ت مِن ّل ُدنّي ُعذْرا (‪. ﴾ )76‬‬
‫بَ َلغْ َ‬
‫الزء الثالث‬ ‫‪34‬‬

‫قال سعيد بن جبي ‪ :‬و جد خ ضر غلمانًا يلعبون ‪ ،‬فأ خذ غلمًا ظريفًا‬


‫ْتَ َشيْئا ّنكْرا ﴾ ‪،‬‬
‫فأضجعَه ثَ ذبهَ بالسَكي ‪ .‬وعَن قتادة ‪ّ ﴿ :‬لقَدْ ِجئ َ‬
‫والن كر أ شد من ال مر ‪ .‬و عن أبّ بن ك عب عن ال نب قال ‪ « :‬رح ة ال‬
‫علينا ‪ ،‬وعلى موسى ‪ ،‬لو لبث مع صاحبه لبصر العجب ‪ ،‬ولكنه قال ‪﴿ :‬‬
‫ك عَن َشيْ ٍء َبعْدَهَا فَلَا تُ صَا ِحْبنِي قَ ْد بََلغْ تَ مِن لّ ُدنّ ي عُذْرا ﴾ » ‪.‬‬
‫إِن َسأَلْتُ َ‬
‫رواه ابن جرير ‪.‬‬
‫قوله عز وجل ‪ ﴿ :‬فَانطَ َلقَا حَتّى ِإذَا َأتَيَا أَ ْه َل َقرَْيةٍ ا سْتَ ْطعَمَا َأهْ َلهَا فََأَبوْا‬
‫ْتـ‬
‫َهـ قَالَ َل ْو شِئ َ‬
‫َنـ يَنقَض ّ فََأقَام ُ‬
‫أَن يُضَّيفُوهُم َا َف َوجَدَا فِيه َا ِجدَارا ُيرِي ُد أ ْ‬
‫ق بَيْنِي َوبَيْنِكَ سَُأنَبُّئكَ بَِت ْأوِي ِل مَا لَمْ‬
‫خذْتَ عَلَيْ ِه َأجْرا (‪ )77‬قَا َل هَذَا ِفرَا ُ‬
‫لَاتّ َ‬
‫حرِ‬
‫ي َيعْمَلُو َن فِي الْبَ ْ‬
‫ت لِمَ سَاكِ َ‬
‫سفِينَ ُة َفكَانَ ْ‬
‫تَ سْتَطِع عّلَيْ هِ صَبْرا (‪َ )78‬أمّا ال ّ‬
‫ك َيأْ ُخذُ ُكلّ َسفِينَةٍ غَ صْبا (‪َ )79‬وَأمّا‬
‫َفأَرَدتّ أَ ْن أَعِيَبهَا وَكَا نَ وَرَاءهُم مّلِ ٌ‬
‫خشِينَا أَن ُي ْر ِهقَهُمَا ُطغْيَانا وَ ُكفْرا (‪َ )80‬فأَ َر ْدنَا‬
‫اْلغُلَا ُم َفكَا َن أََبوَا ُه مُ ْؤمِنَيْ نِ فَ َ‬
‫جدَا ُر فَكَا نَ‬
‫أَن يُ ْب ِدلَهُمَا َرّبهُمَا خَيْرا مّنْ هُ زَكَا ًة َوأَ ْقرَ بَ ُرحْما (‪َ )81‬وَأمّ ا الْ ِ‬
‫ن ّلهُمَا وَكَا نَ َأبُوهُمَا صَالِحا‬
‫ِلغُلَامَيْ ِن يَتِيمَيْ ِن فِي الْ َمدِيَنةِ وَكَا َن تَحْتَ هُ كَ ٌ‬
‫ك وَمَا َفعَلْتُ هُ‬
‫نهُمَا َرحْ َم ًة مّن ّربّ َ‬
‫خ ِرجَا كَ َ‬
‫َفأَرَادَ َربّ كَ أَ ْن يَبْ ُلغَا َأ ُشدّهُمَا َويَ سْتَ ْ‬
‫صبْرا (‪. ﴾ )82‬‬
‫َعنْ َأ ْمرِي َذِلكَ َت ْأوِي ُل مَا َل ْم َتسْطِع عّلَ ْيهِ َ‬
‫عن سعيد بن جبي قال ‪ :‬قلت ل بن عباس ‪ :‬أن نوفًا البكال يز عم أن‬
‫موسى صاحب الضر عليه السلم ليس هو موسى صاحب بن إسرائيل ‪،‬‬
‫‪35‬‬ ‫توفيق الرحن ف دروس القرآن‬

‫قال ابن عباس ‪ :‬كذب عدو ال ‪ ،‬حدثنا أُبّ بن كعب رضي ال عنه أنه سع‬
‫ر سول ال يقول ‪ « :‬إن مو سى قام خطيبًا ف ب ن إ سرائيل ف سئل ‪ :‬أي‬
‫الناس أعلم ؟ قال ‪ :‬أنا ‪ .‬فعتب ال عليه إذ ل يردّ العلم إليه ‪ ،‬فأوحى ال إليه‬
‫ب وكيف ل‬ ‫أن ل عبدًا بجمعِ البحرينِ ‪ ،‬هو أعلم منك ‪ .‬قال موسى ‪ :‬يا ر ّ‬
‫به ؟ قال ‪ :‬تأخذ معك حوتًا ‪ ،‬فتجعلهُ بكتل فحيثما فقدت الوت فهو ثَمّ ‪.‬‬
‫فأخذ حوتًا فجعله بك تل ‪ ،‬ثُمّ انطلق ‪ ،‬وانطلق معه فتاه يوشع بن نون عليه‬
‫ال سلم ح ت إذا أت يا ال صخرة وض عا رؤو سهما فنا ما ‪ ،‬واضطرب الوت ف‬
‫حرِ َسرَبا ﴾ ‪،‬‬ ‫الكتل ‪ ،‬فخرج منه فسقط ف البحر ‪ ﴿ ،‬فَاتّخَذَ َسبِيلَهُ فِي الْبَ ْ‬
‫وأمسك ال عن الوت جرية الاء فصار عليه مثل الطاق ‪ ،‬فلما استيقظ نسي‬
‫صاحبه أن يبه بالوت فانطلقا يومهما وليلتهما ‪ ،‬حت إذا كان من الغداة ‪،‬‬
‫﴿ قَالَ ﴾ موسى ‪ِ ﴿ :‬ل َفتَا ُه آِتنَا غَدَاءنَا َلقَدْ َلقِينَا مِن َسفَ ِرنَا هَذَا نَ صَبا ﴾ ول‬
‫ي د مو سى النَ صَب ح ت جاوز الكان الذي أمره ال به ‪ ﴿ ،‬قَالَ ﴾ له فتاه‬
‫شيْطَانُ‬
‫ت َومَا أَنسَانِيهُ إِلّا ال ّ‬‫‪ ﴿ :‬أَ َرَأيْتَ إِذْ َأوَْينَا إِلَى الصّخْ َرةِ فَِإنّي نَسِيتُ الْحُو َ‬
‫سَبِيلَهُ ف ِي اْلبَحْ ِر عَجَبا ﴾ ‪ ،‬قال ‪ :‬فكان للحوت سَربًا‬ ‫خ َذ َ‬‫َهَ وَاتّ َ‬
‫َنَ أَذْ ُكر ُ‬
‫أ ْ‬
‫ْغَ فَا ْرتَدّا عَلَى آثَا ِرهِم َا‬
‫ِكَ م َا ُكنّاَ َنب ِ‬‫ولوسَى وفتاه عجب ًا ‪ .‬فقال ‪ ﴿ :‬ذَل َ‬
‫قَ صَصا ﴾ ‪ ،‬قال ‪ :‬فرجع يق صّان أثره ا حت انته يا إل الصخرة ‪ .‬فإذا رجل‬
‫مسجّي بثوب ‪ ،‬فسلم عليه موسى ‪ .‬فقال الضر ‪ :‬وأنّى بأرضك السلم ‪.‬‬
‫فقال ‪ :‬أ نا مو سى ‪ .‬فقال ‪ :‬مو سى ب ن إ سرائيل ؟ قال ‪ :‬ن عم ‪ .‬قال ‪ :‬أتي تك‬
‫َْرا ﴾ ‪ ،‬يَا‬ ‫َطِي َع َمعِيََ صَب‬ ‫لتعلّمنَ ﴿ مِمّاَ عُلّمْتََ ُرشْدا * قَالَ إِنّكََلَن تَس ْتَ‬
‫الزء الثالث‬ ‫‪36‬‬

‫موسى إن على علم من علم ال علّمنيه ل تعلمه أنت ‪ .‬وأنت على علم من‬
‫علم ال علّمكه ال ل أعلمه ‪ .‬فقال موسى ‪َ ﴿ :‬ستَجِ ُدنِي إِن شَاء اللّ هُ صَابِرا‬
‫وَلَا َأعْ صِي لَكَ َأمْرا ﴾ ‪ ،‬قال له الضر ‪ ﴿ :‬فَإِنِ اّتبَ ْعَتنِي َفلَا تَسْأَْلنِي عَن َشيْءٍ‬
‫ك ِمنْهُ ذِكْرا * فَانطََلقَا ﴾ ‪ ،‬يشِيان عَلى ساحِل البحر ‪ ،‬فمرّت‬ ‫َحتّى أُحْدِثَ لَ َ‬
‫سفينة فكلّموهم أن يملوهم فعرفوا الضر فحملوهم بغي نول ‪ ،‬فلما ركبا‬
‫ف السفينة ل يفجأ إل والضر قد قلع لوحًا من ألواح السفينة بالقدّوم ‪ ،‬فقال‬
‫له موسى ‪ :‬قد حلونا بغي نول فعمدت إل سفينتهم فخرقتها ﴿ ِلُتغْرِقَ َأهَْلهَا‬
‫صبْرا * قَالَ‬ ‫ستَطِيعَ َم ِعيَ َ‬ ‫َلقَدْ ِجئْتَ َشيْئا ِإمْرا ﴾ ؟ ! ﴿ قَالَ أَلَمْ أَقُلْ ِإنّكَ لَن تَ ْ‬
‫لَا ُتؤَاخِ ْذنِي بِمَا نَسِيتُ وَلَا ُت ْرهِ ْقنِي مِنْ َأمْرِي عُسْرا ﴾ ‪.‬‬
‫قال ‪ :‬وقال رسَول ال ‪ « :‬فكانَت الول مَن موسَى نسَيانًا » ‪ .‬قال ‪:‬‬
‫وجاء عصفور فوقع على حرف السفينة فنقر ف البحر نقرة أو نقرتي ‪ .‬فقال‬
‫له الضر ‪ :‬ما علمي وعلمك ف علم ال إل ‪ :‬مثل ما نقص هذا العصفور من‬
‫هذا البحر ‪ .‬ث خرجا من السفينة ‪ .‬فبينما ها يشيان على الساحل إذ أبصر‬
‫الضر غلمًا يلعب مع الغلمان ‪ ،‬فأخ َذ الضر رأسه فاقتلعه بيده فقتلهُ ‪ ،‬فقال‬
‫ْتَ َشيْئا ّنكْرا ﴾ ؟ !‬ ‫ْسَّلقَدْ ِجئ َ‬ ‫ْتَ َنفْسَا زَ ِكّيةً ِب َغيْ ِر َنف ٍ‬
‫لهَ موسَى ‪ ﴿ :‬أََقتَل َ‬ ‫ُ‬
‫صبْرا ﴾ ؟ قال ‪ :‬وهذه أشد من‬ ‫ستَطِي َع َمعِي َ‬ ‫﴿ قَالَ أَلَمْ أَقُل لّكَ ِإنّكَ لَن تَ ْ‬
‫الول ‪ ﴿ ،‬قَالَ إِن َسأَْلتُكَ عَن َشيْءٍ بَعْ َدهَا فَلَا تُ صَا ِحْبنِي َق ْد بََلغْ تَ مِن لّ ُدنّي‬
‫َتَ ْطعَمَا أَهْلَهََا َفَأبَوْا أَن‬
‫عُذْرا ﴾ ‪ ﴿ ،‬فَانطَلَقََا َحتّىَ إِذَا َأتَيََا َأهْلَ َق ْرَيةٍ اس ْ‬
‫ضيّفُوهُمَا َف َوجَدَا فِيهَا جِدَارا يُرِيدُ أَ نْ يَن َقضّ ﴾ ‪ ،‬أي ‪ :‬مائلً ‪ .‬فقال الضر‬ ‫ُي َ‬
‫‪37‬‬ ‫توفيق الرحن ف دروس القرآن‬

‫َهَ ﴾ فقال موسَى ‪ :‬قوم آتيناهَم فلم يطعمونَا ول يضيّفونَا ؟‬ ‫بيده ﴿ َفأَقَام ُ‬
‫ق َبيْنِي َوبَْينِ كَ َسُأَنبّئُكَ‬
‫ت عََليْ هِ أَجْرا * قَا َل هَذَا فِرَا ُ‬
‫! ﴿ َل ْو ِشئْ تَ لَاتّخَذْ َ‬
‫صبْرا ﴾ ‪ .‬فقال رسول ال ‪ « :‬وددنا أن موسى‬ ‫ستَطِع عَّليْهِ َ‬
‫ِبَتأْوِي ِل مَا لَ ْم تَ ْ‬
‫كان صب حت يقص ال علينا من خبها » ‪ .‬قال سعيد بن جبي ‪ :‬كان ابن‬
‫عباس ‪ :‬يقرأ ( وكان أمامهم ملك يأخذ كل سفينة صالة غصبًا ) ‪ ،‬وكان‬
‫يقرأ ‪ ( :‬وأما الغلم كان كافرًا وكان أبواه مؤمني ) راوه البخاري وف رواية‬
‫‪ ( :‬وف أصل الصخرة عي يقال لا ‪ :‬الياة ‪ .‬ل يصيب من ماءها شيء إل‬
‫َحيِيَ فأصاب الوت من ماء تلك العي فتحرّك وانسلّ من الكتل فدخل البحر‬
‫)‪.‬‬
‫وف رواية ‪ ( :‬فرجعا فوجدا خضرًا على طنفسة خضراء ‪ ،‬على كبد البحر ؛‬
‫وفيها ) ‪ .‬قال سعيد ‪ :‬وجد غلمانًا يلعبون فأخذ غلمّا كافرًا ظريفًا فأضجعه‬
‫ت َنفْ سا زَ ِكّيةً ﴾ ل تع مل ال بث ؟ وفي ها‬
‫ث ذب ه بال سكي فقال ‪ ﴿ :‬أََقتَلْ َ‬
‫كانت الول نسيانًا ‪ ،‬والثانية ‪ :‬شرطًا ‪ .‬والثالثة ‪ :‬عمدًا ‪ .‬وعن ابن عباس ف‬
‫قوله ‪ ﴿ :‬وَكَانَ َأبُوهُمَا صَالِحا ﴾ ‪ ،‬قال ‪ُ :‬حفِظَا بصلح أبيهما ‪.‬‬

‫***‬
‫الزء الثالث‬ ‫‪38‬‬

‫الدرس الستون بعد الائة‬

‫سأَلُونَكَ عَن ذِي اْلقَ ْرنَيْ ِن ُقلْ َسأَتْلُو عَلَيْكُم مّنْ ُه ذِكْرا (‪ِ )83‬إنّ ا‬
‫﴿ َويَ ْ‬
‫ض وَآتَيْنَا هُ مِن ُكلّ َشيْءٍ سَبَبا (‪َ )84‬فَأتْبَ عَ سَبَبا (‪)85‬‬
‫َمكّنّ ا لَ ُه فِي اْلأَرْ ِ‬
‫ب فِي عَيْ نٍ حَمَِئةٍ َووَ َجدَ عِندَهَا‬
‫س َوجَدَهَا َت ْغرُ ُ‬
‫حَتّ ى ِإذَا بَلَ َغ َمغْرِ بَ الشّمْ ِ‬
‫خ َذ فِيهِ ْم حُ سْنا (‪ )86‬قَالَ‬
‫ب َوإِمّا أَن تَتّ ِ‬
‫َقوْما قُلْنَا يَا ذَا اْل َقرْنَيْ نِ ِإمّا أَن ُتعَذّ َ‬
‫سوْفَ نُ َع ّذبُ هُ ُثمّ ُي َر ّد إِلَى َربّ ِه فَُيعَ ّذبُ هُ َعذَابا نّكْرا (‪َ )87‬وَأمّا‬
‫َأمّا مَن ظَلَ مَ فَ َ‬
‫مَ نْ آمَ َن وَعَ ِملَ صَالِحا فَلَ هُ َجزَاء الْحُ سْنَى وَ سََنقُو ُل لَ هُ مِ ْن َأمْرِنَا يُ سْرا (‬
‫‪ُ )88‬ثمّ َأتْبَ عَ سَبَبا (‪ )89‬حَتّى ِإذَا بَلَ َغ مَطْ ِل َع الشّمْ سِ َوجَ َدهَا تَطْلُ عُ عَلَى‬
‫جعَل ّلهُم مّن دُوِنهَا سِتْرا (‪َ )90‬ك َذلِكَ َو َقدْ َأحَطْنَا بِمَا َل َديْ ِه خُبْرا‬
‫َقوْ ٍم لّمْ َن ْ‬
‫(‪ُ )91‬ثمّ َأتْبَعَ سَبَبا (‪ )92‬حَتّى ِإذَا بَلَ َغ بَيْنَ السّ ّدْينِ َوجَ َد مِن دُونِهِمَا َقوْما‬
‫ج َومَ ْأجُو جَ‬
‫لّا يَكَادُو نَ َي ْفقَهُو نَ َق ْولً (‪ )93‬قَالُوا يَا ذَا اْل َقرْنَيْ نِ إِنّ َيأْجُو َ‬
‫ج َع َل بَيْنَنَا وَبَيَْن ُهمْ َسدّا‬
‫ك َخرْجا عَلَى أَن تَ ْ‬
‫ج َع ُل لَ َ‬
‫ض َفهَ ْل نَ ْ‬
‫سدُو َن فِي اْلأَرْ ِ‬
‫ُم ْف ِ‬
‫(‪ )94‬قَالَ مَا َمكّنّي فِي هِ َربّي خَ ْي ٌر َفأَعِينُونِي ِب ُقوّ ٍة َأجْ َع ْل بَيَْنكُ مْ َوبَيَْنهُ مْ َردْما‬
‫حدِيدِ حَتّ ى ِإذَا سَاوَى بَيْ نَ ال صّ َدفَ ْينِ قَالَ انفُخُوا حَتّ ى‬
‫(‪ )95‬آتُونِي ُزَبرَ الْ َ‬
‫ِإذَا َجعَلَ ُه نَارا قَالَ آتُونِي أُ ْفرِ غْ عَلَيْ هِ قِطْرا (‪ )96‬فَمَا ا سْطَاعُوا أَن يَ ْظهَرُو هُ‬
‫وَمَا ا سْتَطَاعُوا لَ هُ َنقْبا (‪ )97‬قَا َل هَذَا َرحْ َمةٌ مّ ن ّربّ ي َفِإذَا جَاء وَ ْعدُ َربّ ي‬
‫ج فِي‬
‫ضهُ مْ َي ْومَئِ ٍذ يَمُو ُ‬
‫َجعَلَ هُ دَكّاء وَكَا َن وَ ْعدُ َربّ ي َحقّا (‪َ )98‬وَترَكْنَا َبعْ َ‬
‫ّمـ يَ ْومَِئذٍ‬
‫ُمـ جَمْعا (‪ )99‬وَ َعرَضْنَا َجهَن َ‬
‫ِخـ فِي الصـّو ِر فَجَ َمعْنَاه ْ‬
‫ْضـ َوُنف َ‬
‫َبع ٍ‬
‫‪39‬‬ ‫توفيق الرحن ف دروس القرآن‬

‫ت أَعْيُُنهُ مْ فِي ِغطَاء عَن ذِ ْكرِي وَكَانُوا‬


‫لّ ْلكَا ِفرِي نَ َعرْضا (‪ )100‬الّذِي نَ كَانَ ْ‬
‫خذُوا عِبَادِي مِن‬
‫ب اّلذِي نَ َك َفرُوا أَن يَتّ ِ‬
‫لَا يَ سْتَطِيعُونَ سَمْعا (‪َ )101‬أفَحَ سِ َ‬
‫ُمـ‬
‫ِينـ ُنزُلً (‪ُ )102‬قلْ َه ْل نُنَبُّئك ْ‬
‫ّمـ لِ ْلكَا ِفر َ‬
‫دُون ِي َأ ْولِيَاء ِإنّاـ أَعَْتدْن َا جَهَن َ‬
‫ُمـ‬
‫سـعْيُ ُه ْم ف ِي الْحَيَاةِ ال ّدنْي َا َوه ْ‬
‫ض ّل َ‬
‫ِينـ َ‬
‫ْسـرِينَ أَ ْعمَالً (‪ )103‬اّلذ َ‬
‫بِالَْأخ َ‬
‫يَحْ سَبُو َن َأّنهُ ْم يُحْ سِنُونَ صُنْعا (‪ )104‬أُولَئِ كَ اّلذِي نَ َك َفرُوا بِآيَا تِ َرّبهِ مْ‬
‫ِكـ‬
‫ْمـ الْقِيَامَ ِة وَزْنا (‪َ )105‬ذل َ‬
‫ُمـ َيو َ‬
‫ِيمـ َله ْ‬
‫ُمـ فَلَا ُنق ُ‬
‫َتـ أَعْمَاُله ْ‬
‫ِهـ فَحَِبط ْ‬
‫َوِلقَائ ِ‬
‫خذُوا آيَاتِي وَرُ سُلِي هُزُوا (‪ )106‬إِنّ اّلذِي نَ‬
‫َجزَا ُؤهُ مْ جَهَنّ مُ بِمَا َكفَرُوا وَاتّ َ‬
‫ْسـ ُنزُلً (‪)107‬‬
‫ـ اْل ِف ْردَو ِ‬
‫ُمـ جَنّات ُ‬
‫َتـ َله ْ‬
‫آمَنُوا وَعَمِلُوا الصـّالِحَاتِ كَان ْ‬
‫ح ُر ِمدَادا ّلكَلِمَاتِ‬
‫خَالِدِي َن فِيهَا لَا يَ ْبغُونَ عَ ْنهَا ِحوَلً (‪ )108‬قُل ّلوْ كَا َن الْبَ ْ‬
‫حرُ قَ ْب َل أَن تَن َفدَ كَ ِلمَاتُ َربّي َوَلوْ جِئْنَا بِمِثْلِ ِه َمدَدا (‪ُ )109‬قلْ‬
‫َربّي لََنفِ َد الْبَ ْ‬
‫ِإنّمَا أَنَا َبشَ ٌر مّثْ ُلكُ مْ يُوحَى ِإَليّ َأنّمَا ِإلَ ُهكُ مْ ِإلَ هٌ وَا ِح ٌد فَمَن كَا َن َيرْجُو ِلقَاء‬
‫َرّب ِه فَلَْيعْ َملْ عَ َملً صَالِحا وَلَا ُيشْرِ ْك ِبعِبَا َدةِ َرّبهِ أَحَدا (‪. ﴾ )110‬‬

‫***‬
‫الزء الثالث‬ ‫‪40‬‬

‫سَألُونَكَ عَن ذِي الْ َق ْرنَيْ نِ ُقلْ سََأتْلُو عَلَيْكُم مّنْ هُ‬
‫قوله عز وجل ‪ ﴿ :‬وَيَ ْ‬
‫ذِكْرا (‪ِ )83‬إنّا َمكّنّا لَ ُه فِي اْلأَرْضِ وَآتَيْنَاهُ مِن ُك ّل شَيْءٍ سَبَبا ( ‪َ )84‬فَأتْبَ عَ‬
‫ب فِي عَيْ نٍ حَمَِئةٍ‬
‫س َوجَدَهَا َتغْرُ ُ‬
‫ب الشّمْ ِ‬
‫سَبَبا (‪ )85‬حَتّ ى ِإذَا بَلَ َغ َمغْرِ َ‬
‫خذَ فِيهِ مْ‬
‫َووَ َجدَ عِندَهَا قَوْما قُلْنَا يَا ذَا الْ َق ْرنَيْ ِن ِإمّ ا أَن ُت َعذّ بَ َوِإمّ ا أَن تَتّ ِ‬
‫ف ُن َعذّبُ ُه ُثمّ ُي َردّ ِإلَى َربّ هِ فَُي َعذّبُ هُ َعذَابا‬
‫حُ سْنا (‪ )86‬قَا َل َأمّا مَن ظَلَ َم فَ سَوْ َ‬
‫ّنكْرا (‪ )87‬وََأمّا مَنْ آمَ َن وَ َع ِملَ صَالِحا فَلَ ُه َجزَاء الْحُسْنَى وَسََنقُولُ لَهُ مِنْ‬
‫َأ ْمرِنَا ُيسْرا (‪. ﴾ )88‬‬
‫َبَبا ﴾ ‪ ،‬يقول ‪:‬‬
‫َ مَِن كُ ّل َشيْ ٍء س َ‬
‫عَن ابَن عباس قوله ‪ ﴿ :‬وَآتَْينَاه ُ‬
‫علمًا ‪َ ﴿ ،‬فأَْتبَعَ َسبَبا ﴾ ‪ ،‬يعن ‪ :‬بالسبب النل ‪ .‬وقال ماهد ‪ :‬منلً وطريقًا‬
‫ما بي الشرق ‪ ،‬والغرب ‪.‬‬
‫قال ابـن كثيـ ‪ :‬يسَر ال له السَباب ‪ .‬أي ‪ :‬الطرق ‪ ،‬والوسَائل إل فتَح‬
‫القاليم وكسر العداء ‪ .‬وقال وهب بن منبه ‪ :‬سخّر ال له النور ‪ ،‬والظلمة‬
‫عليَ رضَي ال عنَه ‪ :‬سَخّر له‬
‫فجعلهمَا جندًا مَن جنوده ‪ .‬ورُوي عَن ّ‬
‫السحاب ‪ ،‬ومدت له السباب ‪ ،‬وبسط له النور ‪ ،‬وأحب ال وأحبه ‪.‬‬
‫قال بعض الفسرين ‪ :‬والسبب ف اللغة ‪ :‬اليل ‪ ،‬والراد ها هنا ‪ :‬كل ما‬
‫يتوصّل به إل القصود من علم أو قدرة أو آلة ‪.‬‬
‫‪41‬‬ ‫توفيق الرحن ف دروس القرآن‬

‫ْنَ‬ ‫وقال البخاري ‪ :‬باب قول ال تعال ‪َ ﴿ :‬وي ْ‬


‫َسَأَلُونَكَ ع َن ذِي الْقَ ْرَني ِ‬
‫﴾ إل قوله ‪َ ﴿ :‬سبَبا ﴾ ‪ ،‬قال الافظ ‪ :‬ف إيراد الصنف ترجة ذي القرني‬
‫قبل إبراهيم إشارة إل توهي قول من زعم أنه السكندر اليونان ‪.‬‬
‫إل أن قال ‪ :‬والذي يظهَر أن السَكندر لقَب بذي القرنيَ تشبهًا بَه‬
‫لسَعة ملكَه ‪ ،‬والذي يقوي أن ذي القرنيَ مَن العرب كثرة مَا ذكروه فَ‬
‫أشعارهم ‪ .‬وقال الربيع بن ضبيع ‪ ،‬والصعب ‪ :‬ذو القرني عمّر ملكه ألفي‬
‫وأمسى بعد ذلك رميمًا ‪.‬‬
‫وعن ابن عباس ‪َ ﴿ :‬وجَ َدهَا َتغْرُبُ فِي َعيْنٍ َح ِمَئةٍ ﴾ ‪ ،‬قال ‪ :‬ف طي أسود ‪.‬‬
‫قال ا بن كث ي ‪ :‬وقوله ‪ ﴿ :‬وَ َجدَهَا َتغْرُ بُ فِي َعيْ نٍ حَ ِمَئةٍ ﴾ ‪ ،‬أي ‪ :‬رأوا‬
‫الش مس ف منظره تغرب ف الب حر الح يط ‪ ،‬وهذا شأن كل من انت هى إل‬
‫ساحله يراها كأن ا تغرب فيه ‪ ،‬وهي ل تفارق الفلك الرا بع الذي هي مثبتة‬
‫ف يه ل تفار قه ‪ .‬والَ ِمئَة ‪ :‬مشت قة على إحدى القراءت ي من المأة ‪ .‬و هو ‪:‬‬
‫الطي ‪ .‬أي ‪ :‬طي أملس ‪.‬‬
‫وعن ابن عباس ‪ :‬وجدها تغرب ف عي حامية ‪ .‬أي ‪ :‬حارة ‪ ،‬ول منافاة‬
‫بيَ معنييهَا ‪ ،‬إذ قَد تكون حارة لجاورتاَ وضَح الشمَس عنَد غروباَ ‪،‬‬
‫وملقاتا الشعاع بل حائل ‪ ،‬وحئة ف ماء ‪ ،‬وطي ‪ ،‬أسود ‪.‬‬
‫ف ُنعَ ّذبُهُ ﴾ ‪ ،‬قال ‪ :‬هو القتل ‪.‬‬
‫سوْ َ‬
‫وعن قتادة ف قوله ‪َ ﴿ :‬أمّا مَن ظَلَمَ فَ َ‬
‫وقوله ‪ ﴿ :‬ثُمّ ُيرَدّ إِلَى َربّ هِ َفُيعَ ّذبُ ُه عَذَابا ّنكْرا ﴾ ‪ ،‬يقول ‪ :‬ث ير جع إل ال‬
‫الزء الثالث‬ ‫‪42‬‬

‫تعال بعد قتله فيعذبه عذابًا عظيمًا ‪ .‬وعن ماهد قوله ‪ ﴿:‬مِنْ َأمْ ِرنَا يُسْرا ﴾ ‪،‬‬
‫قال ‪ :‬معروفًا ‪.‬‬
‫قال البغوي ‪ :‬أي ‪ :‬تلي له القول وتعامله باليسر ‪.‬‬
‫قوله عز و جل ‪ ﴿ :‬ثُمّ أَتْبَ عَ سَبَبا (‪ )89‬حَتّ ى ِإذَا بَلَ َغ مَطْلِ َع الشّمْ سِ‬
‫ك َوقَدْ‬
‫جعَل لّهُم مّن دُونِهَا سِتْرا (‪َ )90‬ك َذلِ َ‬
‫َوجَ َدهَا تَطْ ُل عُ عَلَى َقوْ مٍ لّ ْم نَ ْ‬
‫َأحَطْنَا بِمَا َل َديْ ِه خُبْرا (‪. ﴾ )91‬‬
‫قوله عز وجل ‪ ﴿ :‬ثُمّ َأتْبَ عَ َسبَبا ﴾ منازل الرض ومعالها ‪َ ﴿ ،‬حتّى ِإذَا‬
‫جعَل ّلهُم مّن دُوِنهَا سِتْرا ﴾ ‪.‬‬
‫بََل َغ مَطْلِعَ الشّ ْمسِ َوجَ َدهَا تَطْلُ ُع عَلَى َق ْومٍ لّ ْم نَ ْ‬
‫قال ا بن جر ير ‪ :‬وذلك أرض هم ل ج بل في ها ول ش جر ول تت مل بناء‬
‫فيسكنوا البيوت ‪ ،‬وإنا يغورون ف الياه أو يسربون ف السراب ‪.‬‬
‫وقوله تعال ‪ ﴿ :‬كَذَلِ كَ ﴾ ‪ ،‬أي ‪ :‬ك ما ح كم ف القوم الذ ين هم ع ند‬
‫مغرب الشمس حكم ف هؤلء ‪ ﴿ ،‬وَقَدْ أَحَ ْطنَا بِمَا َل َديْهِ ُخبْرا ﴾ ‪.‬‬
‫قال البغوي ‪ :‬يعن ‪ :‬با عنده ومعه من الند والعدة واللت ﴿ ُخبْرا ﴾‬
‫أي ‪ :‬علمًا ‪.‬‬

‫قوله عز وجل ‪ ﴿ :‬ثُمّ َأتْبَ عَ سَبَبا (‪ )92‬حَتّى ِإذَا بَلَ َغ بَيْ َن ال سّ ّدْينِ َوجَدَ‬
‫مِن دُونِهِمَا قَوْما لّا يَكَادُو َن يَ ْف َقهُو َن َقوْلً (‪ )93‬قَالُوا يَا ذَا اْل َقرْنَيْ نِ إِنّ‬
‫َكـ َخرْجا عَلَى أَن‬
‫ج َعلُ ل َ‬
‫ْضـ َفهَ ْل نَ ْ‬
‫ْسـدُو َن فِي اْلأَر ِ‬
‫ُوجـ ُمف ِ‬
‫ُوجـ َومَ ْأج َ‬
‫َي ْأج َ‬
‫‪43‬‬ ‫توفيق الرحن ف دروس القرآن‬

‫ج َع َل بَيْنَنَا َوبَيَْنهُ مْ َسدّا (‪ )94‬قَا َل مَا َمكّنّي فِي هِ َربّي خَ ْيرٌ َفأَعِينُونِي ِب ُقوّةٍ‬
‫تَ ْ‬
‫حدِي ِد حَتّ ى ِإذَا سَاوَى بَيْ نَ‬
‫َأ ْجعَ ْل بَيَْنكُ ْم َوبَيَْنهُ مْ َردْما (‪ )95‬آتُونِي ُزَب َر الْ َ‬
‫الصّ َدفَ ْينِ قَالَ انفُخُوا حَتّى ِإذَا َجعَلَهُ نَارا قَالَ آتُونِي ُأ ْفرِغْ عَلَيْ ِه قِطْرا (‪)96‬‬
‫فَمَا اسْطَاعُوا أَن يَ ْظهَرُوهُ وَمَا اسْتَطَاعُوا َل ُه َنقْبا (‪. ﴾ )97‬‬
‫و عن قتادة ف قوله ‪ ﴿ :‬بَيْ َن ال سّ ّديْنِ ﴾ ‪ ،‬قال ‪ :‬ه ا جبلن ‪ .‬قال أ بو‬
‫عبيدة ‪ :‬السدّ إذا كان بلق ال فهو بضم السي ‪ ،‬وإذا كان من عمل العباد‬
‫فهو بالفتح ‪ .‬قال بعض الفسرين ‪ :‬والردم أكب من السد ‪.‬‬
‫وقال ابن كثي ف ( البداية والنهاية ) ‪ :‬أما السد فقد تقدم أن ذا القرني‬
‫بناه من الد يد ‪ ،‬والنحاس ‪ ،‬و ساوى به البال ال صم ‪ ،‬الشامات الطوال ‪.‬‬
‫فل يعرف على وجه الرض بناء أجلّ منه ول أنفع للخلق منه ف أمر دنياهم‬
‫ت ال سدّ قال ‪ « :‬وك يف رأي ته‬
‫‪ .‬قال البخاري ‪ :‬وقال ر جل لل نب ‪ :‬رأي ُ‬
‫حبّرِ ‪ .‬فقال ‪ « :‬رأي ته » ‪ .‬و عن قتادة قال ‪ :‬ذ كر‬ ‫» ؟ قال ‪ :‬م ثل ‪ :‬البُرْ ِد الُ َ‬
‫ل نا أن رجلً قال ‪ :‬يا نب ال ‪ :‬قد رأ يت سد يأجوج ومأجوج ‪ .‬قال ‪« :‬‬
‫حبّر طريقة سوداء ‪ ،‬وطري قة حراء ‪ .‬قال ‪ « :‬قد‬ ‫انعْته » قال ‪ :‬كأنه البُ ْردُ الُ َ‬
‫رأيته » ‪ .‬وعن الضحاك ف قوله ‪َ ﴿ :‬بيْ َن الصّدََفيْنِ ﴾ ‪ ،‬يعن ‪ :‬البلي ‪ .‬وها‬
‫من ِقبَل أرمينية ‪ ،‬وأذريبيجان ‪.‬‬
‫قال ابن كثي ‪ :‬وقد بعث الليفة الواثق ف دولته بعض أمرائه ‪ ،‬وجهز‬
‫معه جيشًا سريًا ‪ .‬لينظروا إل السد ويعاينوه وينعتوه له إذا رجعوا ‪ ،‬فتوصلّوا‬
‫الزء الثالث‬ ‫‪44‬‬

‫من بلد إل بلد ومن ملُك إل ملك حت وصلوا إليه ورأوا بناءه من الديد‬
‫ومن النحاس ‪ ،‬وذكروا أنم رأوا فيه بابًا عظيمًا وعليه أقفال عظيمة ‪ ،‬ورأوا‬
‫بقية اللب والعمل ف برج هناك ‪ ،‬وأن عنده حرسًا من اللوك التاخة له ‪ ،‬وأنه‬
‫عال منيَف ‪ ،‬شاهَق ل يُسَتطاع ول مَا حوله مَن البال ‪ .‬ثَ رجعوا إل‬
‫بلدهم وكانت غيبتهم أكثر من سنتي ‪ ،‬وشاهدوا أهوالً وعجائب ‪ .‬انتهى‬
‫‪.‬‬
‫قلت ‪ :‬ول يشكَل على ذلك أن الدول التأخرة ل تكتشفَه ‪ ،‬فإناَ وإن‬
‫أعطيت ما أعطيت من القوة واللة ‪ ،‬فلم يبلغوا معشار ما أوت ذو القرني ‪،‬‬
‫فإن ال يسَّر له السَباب والوسَائل لفتَح الدائن والقاليَم ‪ ،‬وأطال عمره‬
‫وو سّع مل كه وك سر أعداءه ‪ ،‬و سخر له النور والظل مة ‪ ،‬فجعله ما جندًا من‬
‫جنوده ‪ .‬وكان إذا انت هى إل ب ر أو ما ضة ب ن سفنًا من ألواح صغار أمثال‬
‫النعال ‪ ،‬فنظمها ث جعل فيها جيع من معه من تلك المم والنود ‪ ،‬فإذا قطع‬
‫النار والبحار فتقها ث دفع إل كل إنسان لوحًا فل يكرثه حله ‪ ،‬وكان إذا‬
‫البحر الامد ألقى عليه ما يذيبه فخاضه ‪ ،‬وإذا أراد أن يمد الاء ألقى عليه‬
‫ما يمده فمشي فوقه ‪ ،‬وبعث النور والظلمة على ما يريد بسب حاجته ‪،‬‬
‫َاهَ م ِن كُلّ‬
‫وذلك مدد مَن ال تعال ‪ ،‬ويشهَد لذلك قوله تعال ‪ ﴿ :‬وَآَتيْن ُ‬
‫َشيْ ٍء َسبَبا ﴾ ‪.‬‬
‫قال و هب بن من به ‪ :‬ما ب ي ال صدفي مائة فر سخ ‪ ،‬فل ما أن شأ ف عمله‬
‫حفر له أساسًا حت بلغ الاء ‪ ،‬ث جعل عرضه خسي فرسخًا ‪ ،‬وجعل حشوه‬
‫‪45‬‬ ‫توفيق الرحن ف دروس القرآن‬

‫الصخور ‪ ،‬وطينه النحاس يذاب ث يصبّ عليه ‪ ،‬فصار كأنه عرق من جبل‬
‫تت الرض ‪ ،‬ث عله وشرفه بِ ُزبَ ِر الديد والنحاس الذاب ‪.‬‬
‫وعن ابن جريج ‪َ ﴿ :‬فمَا ا سْطَاعُوا أَن يَ ْظهَرُو هُ ﴾ ‪ ،‬قال ‪ :‬يعلوه ‪َ ﴿ ،‬ومَا‬
‫ا سْتَطَاعُوا لَ ُه َنقْبا ﴾ ‪ ،‬أي ‪ :‬ينقبوه من أسفله ‪ .‬قال وهب بن منبه ‪ :‬وهو ف‬
‫منقطَع أرض الترك ماَ يلي مشرق الشمَس ‪ُ ،‬بعْ ُد مَا بينهمَا مائة فرسَخ ‪،‬‬
‫حبّر من صفرة النحاس‬ ‫وجعل خلله عرقًا من ناس أصغر ‪ ،‬فصار كأنه ُبرْ ٌد مُ َ‬
‫وحرته وسواد الديد ‪.‬‬
‫قال ا بن كث ي ‪ :‬وقوله ‪ ﴿ :‬وَجَ َد مِن دُوِنهِمَا َقوْما لّا يَكَادُو َن َي ْفقَهُو نَ‬
‫َقوْلً ﴾ ‪ ،‬أي ‪ :‬لستعجام كلمهم وبعدهم عن الناس ‪.‬‬
‫وقال البغوي ‪ :‬أي ‪ :‬ل يفقهون كلم غيهََم ‪ .‬قال ابََن عباس ‪ :‬ل‬
‫يفقهون كلم أحد ول يفهم الناس كلمهم ‪ .‬وقال ف جامع البيان ﴿ وَ َج َد‬
‫مِن دُوِنهِمَا َقوْما لّا َيكَادُو َن َيفْ َقهُو نَ َقوْلً ﴾ يعن ‪ :‬لعجمهم وقله فطانتهم ‪،‬‬
‫ل يفهمون كلم أحد ‪ ،‬ومن قرأ بضم الياء وكسر القاف ‪ ،‬أي ‪ :‬ل يفهمون‬
‫السامع لغرابة ألسنتهم ‪.‬‬
‫قوله عز و جل ‪ ﴿ :‬قَا َل هَذَا َرحْ َمةٌ مّ ن ّربّ ي َفِإذَا جَاء وَ ْعدُ َربّ ي َجعَلَ هُ‬
‫ج فِي َبعْ ضٍ‬
‫دَكّاء وَكَا نَ وَ ْعدُ َربّ ي َحقّا (‪َ )98‬وَترَكْنَا َبعْضَهُ مْ َي ْومَئِ ٍذ يَمُو ُ‬
‫ج َمعْنَاهُ مْ جَمْعا (‪ )99‬وَ َعرَضْنَا جَهَنّ َم يَ ْومَِئذٍ لّ ْلكَافِرِي نَ‬
‫خ فِي ال صّو ِر فَ َ‬
‫َوُنفِ َ‬
‫الزء الثالث‬ ‫‪46‬‬

‫ُمـ فِي غِطَاء عَن ذِ ْكرِي وَكَانُوا لَا‬


‫َتـ أَعْيُُنه ْ‬
‫ِينـ كَان ْ‬
‫َعرْضا (‪ )100‬اّلذ َ‬
‫َيسْتَطِيعُونَ سَمْعا (‪. ﴾ )101‬‬
‫روى ا بن جر ير وغيه عن أ ب هريرة عن نب ال قال ‪ « :‬إن يأجوج‬
‫ومأجوج يفرونَه كَل يوم حتَ إذا كادوا يرون شعاع الشمَس قال الذي‬
‫عليهم ارجعوا فتحفرونه غدًا فيعيده ال وهو كهيئته حت إذا جاء الوقت قال‬
‫‪ :‬إن شاء ال فيحفرونه ‪ ،‬ويرجون على الناس فينشفون الياه ويتحصن الناس‬
‫فَ حصَونم ‪ ،‬فيمون بسَهامهم إل السَماء فيجَع كهيئة الدم فيقولون ‪:‬‬
‫قهر نا أ هل الرض وعلو نا أ هل ال سماء ‪ .‬فيب عث ال علي هم نغفًا ف أقفائ هم‬
‫فتقتلهَم » ‪ .‬فقال ر سول ال ‪ « :‬والذي نفَس م مد بيده إن دواب الرض‬
‫لتسمن وتشكر من لومهم » ‪.‬‬
‫وعن زينب بنت جحش رضي ال عنها قالت ‪ :‬استيقظ النب من نومه‬
‫وهَو ممّر وجهَه وهَو يقول ‪ « :‬ل إله إل ال ‪ ،‬ويَل للعرب مَن شَر قَد‬
‫اقترب ‪ ،‬فتح اليوم من ردم يأجوج ومأجوج مثل هذه ‪ .‬وحلّق بأصبعه البام‬
‫والت تليها » ‪ ،‬فقلت ‪ :‬يا رسول ال أفنهلك وفينا الصالون ؟ قال ‪ « :‬نعم‬
‫لبَثُ » ‪ .‬متفق عليه ‪.‬‬
‫إذا َكثُ َر ا َ‬
‫وف رواية ‪ :‬وعقد وهب تسعي ‪ .‬قال الافظ العسقلن ‪ :‬وعقد التسعي‬
‫أن يعل طرف السبابة اليمن ف أصلها ويضمها ضمًا مكمًا بيث تنطوي‬
‫عقدتا ها ح ت ت صي م ثل ال ية الطوّ قة ‪ .‬وقال ‪ :‬الراد بالردم ال سد الذي بناه‬
‫ذو القرني ‪.‬‬
‫‪47‬‬ ‫توفيق الرحن ف دروس القرآن‬

‫قوله تعال ‪َ ﴿ :‬وتَرَ ْكنَا َب ْع َ‬


‫ضهُ ْم َيوْ َمئِ ٍذ يَمُوجُ فِي َبعْضٍ ﴾ ‪ ،‬قال السدي ‪:‬‬
‫ذاك ح ي يرجون على الناس ‪ ،‬أي ‪ :‬ف زمان عي سى ق بل يوم القيا مة وب عد‬
‫ج َوهُم مّن كُلّ‬
‫ت َيأْجُوجُ َومَأْجُو ُ‬
‫الدجال ‪ ،‬كما قال تعال ‪َ ﴿ :‬حتّى إِذَا ُفتِحَ ْ‬
‫حقّ ﴾ ‪.‬‬ ‫ب اْل َوعْدُ الْ َ‬
‫ب يَنسِلُونَ * وَا ْقتَرَ َ‬
‫حَدَ ٍ‬
‫وقوله تعال ‪َ ﴿ :‬وُنفِخَ فِي الصّورِ َفجَ َم ْعنَاهُمْ َجمْعا ﴾ أي ‪ :‬يوم القيامة ‪،‬‬
‫ضنَا َج َهنّ َم َيوْ َمئِذٍ لّ ْلكَافِرِي َن َعرْضا * الّذِينَ كَانَتْ َأ ْعيُُنهُمْ فِي غِطَاء عَن‬
‫﴿ وَعَ َر ْ‬
‫سَمْعا ﴾ ‪ ،‬أي ‪ :‬تعاموا ‪ ،‬وتصَاموا ‪ ،‬وتغافلوا‬ ‫َسَتَطِيعُونَ َ‬ ‫ذِكْرِي وَكَانُوا لَا ي ْ‬
‫عن قبول الق ‪ ،‬واستماع القرآن ‪ .‬كما قال تعال ‪ ﴿ :‬صُ ّم ُبكْ مٌ عُمْ يٌ َفهُ مْ‬
‫َل َي ْعقِلُونَ ﴾ ‪ .‬وف رواية الصحيحي ‪ :‬إن ال تعال يقول ‪ :‬يا آدم ‪ .‬فيقول ‪:‬‬
‫لبيك وسعديك ‪ ،‬فيقول ‪ :‬ابعث بعث النار ؛ فيقول ‪ :‬ما بعث النار ؟ فيقول‬
‫‪ :‬من كل ألف تسعمائة وتسعة وتسعون إل النار وواحد إل النة ‪ ،‬فحينئذٍ‬
‫يشيب الصغي وتضع كل ذات حل حلها ‪ ،‬فقالوا ‪ :‬يا رسول ال وأيّنا ذلك‬
‫الوا حد ؟ فقال ‪ « :‬إن في كم أمّت ي ما كان تا ف ش يء إ ّل كثّرتاه ‪ :‬يأجوج‬
‫ومأجوج » ‪.‬‬
‫خذُوا ِعبَادِي مِن دُونِي‬
‫قوله عز وجل ‪َ ﴿ :‬أفَحَ سِبَ اّلذِي نَ َك َفرُوا أَن يَتّ ِ‬
‫سرِينَ‬
‫َأ ْولِيَاء ِإنّ ا أَ ْعَتدْنَا جَهَنّ َم لِلْكَا ِفرِي َن ُنزُلً (‪ُ )102‬ق ْل َهلْ نُنَبُّئكُ مْ بِاْلأَخْ َ‬
‫ضلّ َسعْيُ ُه ْم فِي الْحَيَا ِة ال ّدنْيَا َوهُ مْ يَحْ سَبُو َن َأنّهُ مْ‬
‫أَ ْعمَالً (‪ )103‬اّلذِي نَ َ‬
‫حبِطَ تْ‬
‫يُحْ سِنُونَ صُنْعا (‪ )104‬أُولَئِ كَ اّلذِي نَ َك َفرُوا بِآيَا تِ َرّبهِ مْ َوِلقَائِ هِ فَ َ‬
‫الزء الثالث‬ ‫‪48‬‬

‫ك جَزَاؤُهُ ْم َجهَنّ ُم بِمَا‬


‫أَ ْعمَاُلهُ ْم فَلَا ُنقِي مُ َلهُ ْم َيوْ َم اْلقِيَا َمةِ وَزْنا (‪َ )105‬ذلِ َ‬
‫ـ آمَنُوا وَعَمِلُوا‬
‫ـلِي ُهزُوا (‪ )106‬إِنّـ اّلذِين َ‬
‫خذُوا آيَاتِـي وَرُس ُ‬
‫َك َفرُوا وَاتّ َ‬
‫س ُنزُلً (‪ )107‬خَاِلدِينَ فِيهَا لَا يَ ْبغُونَ‬
‫الصّالِحَاتِ كَانَتْ َلهُمْ جَنّاتُ اْل ِفرْ َدوْ ِ‬
‫عَ ْنهَا ِحوَلً (‪. ﴾ )108‬‬
‫خذُوا ِعبَادِي مِن‬ ‫ب الّذِي نَ َكفَرُوا أَن َيتّ ِ‬ ‫س َ‬ ‫عن ابن جريج ف قوله ‪ ﴿ :‬أَفَحَ ِ‬
‫دُونِي َأوِْليَاء ﴾ ‪ ،‬قال ‪ :‬يعن ‪ :‬من يعبد السيح ابن مري واللئكة ‪ ،‬وهم عباد‬
‫ال ول يكونوا للكفار أولياء ‪ .‬عن م صعب بن سعد قال ‪ :‬قلت ل سعد ‪ :‬يا‬
‫أبت ﴿ هَلْ نَُنّبئُكُ ْم بِاْلأَخْسَرِينَ َأعْمَالً ﴾ أهم الرورية ؟ فقال ‪ :‬ل ‪ .‬ولكنهم‬
‫أصحاب الصوامع ‪ ،‬ولكن الرورية قوم زاغوا فأزاغ ال قلوبم ‪ .‬وف رواية‬
‫‪ :‬ولكن الرورية الذين ﴿ يَنقُضُو َن َعهْدَ اللّ ِه مِن َبعْ ِد مِيثَاقِ هِ َوَيقْ َطعُو نَ مَا َأمَرَ‬
‫ك هُ ُم الْخَا سِرُونَ ﴾ ‪ ،‬فكان‬ ‫اللّ ُه بِ هِ أَن يُو صَ َل َوُيفْ سِدُونَ فِي الَرْ ضِ أُولََئِ َ‬
‫سعد يسمّيهم ‪ :‬الفاسقي ‪.‬‬
‫و عن علي بن أ ب طالب أن ا بن الكواء سأله عن قول ال عز و جل ‪:‬‬
‫سرِينَ أَعْمَالً ﴾ ؟ فقال ‪ :‬أنت وأصحابك ‪ .‬وعن أب‬ ‫﴿ هَ ْل ُننَّبُئكُ ْم بِاْلأَخْ َ‬
‫هريرة عن رسول ال أنه قال ‪ « :‬يأت الرجل العظيم السمي يوم القيامة ل‬
‫يزن ع ند ال جناج بعو ضة ‪ - ،‬وقال ‪ :‬اقرأوا إن شئ تم ‪َ ﴿ : -‬فلَا ُنقِي مُ َلهُ مْ‬
‫َيوْ َم اْلقِيَا َم ِة وَزْنا ﴾ » ‪ .‬مت فق عل يه ‪ .‬و ف ال صحيحي أيضًا ‪ :‬إذا سألتم ال‬
‫‪49‬‬ ‫توفيق الرحن ف دروس القرآن‬

‫ال نة فا سألوه الفردوس ‪ ،‬فإن ا أعلى ال نة وأو سط ال نة ‪ ،‬وم نه تفجّر أنار‬


‫النة ‪.‬‬
‫قال ابن كثي ‪ :‬وقوله تعال ‪ ﴿ :‬نُزُلً ﴾ ‪ ،‬أي ‪ :‬ضيافة ‪ ﴿ ،‬خَالِدِينَ فِيهَا‬
‫لَا َيْبغُو َن َعنْهَا ِحوَلً ﴾ ‪ ،‬قال ابن عباس ‪ :‬ل يريدون أن يتحوّلوا عنها ‪ ،‬كما‬
‫ينتقل الرجل من دار إذا ل توافقه إل دار أخرى ‪.‬‬
‫حرُ‬
‫ح ُر ِمدَادا لّكَلِمَا تِ َربّ ي لََن ِفدَ الْبَ ْ‬
‫قوله عز و جل ‪ ﴿ :‬قُل ّلوْ كَا نَ الْبَ ْ‬
‫شرٌ‬
‫قَ ْب َل أَن تَنفَدَ كَ ِلمَا تُ َربّ ي َوَلوْ جِئْنَا بِمِثْلِ هِ َمدَدا (‪ُ )109‬ق ْل ِإنّمَا أَنَا َب َ‬
‫مّثْ ُلكُ ْم يُوحَى إَِليّ َأنّمَا ِإَلهُكُ ْم ِإلَ هٌ وَاحِ ٌد فَمَن كَا َن َيرْجُو ِلقَاء َربّ هِ فَلَْيعْ َملْ‬
‫شرِ ْك ِبعِبَا َدةِ َرّبهِ َأحَدا (‪. ﴾ )110‬‬
‫عَمَلً صَالِحا َولَا ُي ْ‬
‫َاتَ َربّيَ ﴾ إذًا ‪:‬‬
‫ح ُر مِدَادا ّلكَلِم ِ‬
‫َانَ اْلبَ ْ‬
‫عَن قتادة ‪ :‬قوله ‪ ﴿ :‬قُل ّلوْ ك َ‬
‫﴿ َلَنفِدَ ﴾ ماء البحر ‪َ ﴿ ،‬قبْلَ أَن تَنفَدَ َكلِمَاتُ ﴾ ال وحكمه ‪.‬‬
‫وقوله تعال ‪ ﴿ :‬وََلوْ ِجْئنَا بِ ِمثْلِ ِه مَدَدا ﴾ ‪.‬‬
‫قال ا بن كث ي ‪ :‬أي ‪ :‬ب ثل الب حر ‪ ،‬آ خر ث آ خر ‪ .‬وهل مّ جرّا بور تدّه‬
‫ويكتب با لا نفدت كلمات ال كما قال تعال ‪ ﴿ :‬وََلوْ َأنّمَا فِي اْلأَرْضِ مِن‬
‫ح ٍر مّا َنفِدَ تْ كَلِمَا تُ اللّ هِ ِإنّ اللّ هَ‬
‫ح ُر يَمُدّ ُه مِن َبعْدِ هِ َسْب َعةُ َأبْ ُ‬
‫ج َرةٍ أَقْلَا ٌم وَالْبَ ْ‬
‫شَ َ‬
‫عَزِيزٌ َحكِيمٌ ﴾ ‪.‬‬
‫وقوله تعال ‪ ﴿ :‬قُلْ ِإنّمَا أَنَا بَشَ ٌر ّمثُْلكُ مْ ﴾ ‪ ،‬أي ‪ :‬فإ ن ل أعلم الغ يب‬
‫إل ما أطلع ن ال عل يه من خب أ صحاب الك هف وذي القرن ي وغ ي ذلك‬
‫الزء الثالث‬ ‫‪50‬‬

‫‪ ﴿ .‬يُوحَى إِلَيّ أَنّمَا إَِل ُهكُ مْ إِلَ ٌه وَاحِدٌ ﴾ ‪ ،‬قال ابن عباس ‪ :‬علّم ال رسوله‬
‫التواضع لئل يزهو على خلقه ‪ ،‬فأمره ال أن يقرّ فيقول ‪ :‬أنا آدم يّ مثلكم إل‬
‫ت بالوحي ‪ ،‬وأكرمن ال به ﴿ َفمَن كَا َن يَرْجُو ِلقَاء َربّ هِ فَ ْلَيعْمَلْ‬ ‫صصْ ُ‬ ‫أن خُ ّ‬
‫عَ َملً صَالِحا وَلَا يُشْ ِركْ ِب ِعبَا َدةِ َربّهِ أَحَدا ﴾ ‪.‬‬
‫قال ا بن جر ير ‪ :‬ف من ياف ر به يوم لقائه ويراق به على معا صيه وير جو‬
‫ثوا به على طاع ته ‪ ﴿ ،‬فَ ْلَيعْمَلْ عَ َملً صَالِحا ﴾ ‪ ،‬يقول ‪ :‬فليخلص له العبادة‬
‫وليفرد له الربوبية ‪.‬‬
‫وعن سعيد بن جبي ‪َ ﴿ :‬فمَن كَا نَ َيرْجُو ِلقَاء َربّ هِ ﴾ ‪ ،‬قال ‪ :‬ثواب ربه‬
‫‪.‬‬
‫قال البغوي ‪ :‬فالرجاء يكون بعن الوف والمل جيعًا ‪.‬‬
‫وقوله تعال ‪ ﴿ :‬وَلَا يُشْرِكْ ِب ِعبَا َدةِ َربّهِ أَحَدا ﴾ ‪ ،‬قال سفيان ‪ :‬ل يرائي ‪.‬‬
‫و عن أ ب هريرة عن ال نب يرو يه عن ال عز و جل أ نه قال ‪ « :‬أ نا خ ي‬
‫الشركاء ‪ ،‬فمَن عمَل عملً أشرك فيَه غيي فأنَا بريَء منَه هَو والذي‬
‫أشرك » ‪ .‬رواه أحد ‪.‬‬

‫***‬
‫‪51‬‬ ‫توفيق الرحن ف دروس القرآن‬

‫الدرس الادي والستون بعد الائة‬


‫[ سورة مري عليها السلم ]‬
‫مكية ‪ ،‬وهي ثان وتسعون آية‬
‫بسم ال الرحن الرحيم‬
‫﴿ كهي عص (‪ )1‬ذِ ْكرُ َرحْ َمةِ َربّ كَ َع ْبدَ هُ زَ َك ِريّ ا (‪ِ )2‬إذْ نَادَى َربّ هُ ِندَاء‬
‫َخفِيّا (‪ )3‬قَالَ رَبّ ِإنّ ي َوهَ نَ اْلعَظْ ُم مِنّ ي وَاشَْتعَ َل الرّأْ سُ شَيْبا وَلَ مْ أَكُن‬
‫ت ا ْمرَأَتِي‬
‫ت الْ َموَالِ يَ مِن وَرَائِي وَكَانَ ِ‬
‫ِبدُعَائِ كَ رَبّ شَقِيّا (‪َ )4‬وِإنّ ي خِفْ ُ‬
‫ك وَلِيّا (‪َ )5‬ي ِرثُنِي َويَرِ ثُ مِ نْ آ ِل َي ْعقُو بَ وَا ْجعَلْ هُ‬
‫ب لِي مِن ّلدُن َ‬
‫عَاقِرا َفهَ ْ‬
‫جعَل لّهُ مِن قَ ْبلُ‬
‫شرُكَ ِبغُلَا ٍم اسْ ُمهُ يَحْيَى لَمْ نَ ْ‬
‫َربّ رَضِيّا (‪ )6‬يَا زَ َك ِريّا إِنّا نَُب ّ‬
‫سَمِيّا (‪ )7‬قَالَ رَبّ َأنّ ى َيكُو نُ لِي غُلَا ٌم وَكَانَ تِ ا ْم َرأَتِي عَاقِرا َوقَ ْد بَ َلغْ تُ‬
‫ك هُوَ عَلَيّ هَيّ ٌن َوقَ ْد خَ َلقْتُ كَ مِن‬
‫ك قَالَ َربّ َ‬
‫مِ نَ اْلكِبَرِ عِتِيّا (‪ )8‬قَالَ َك َذلِ َ‬
‫قَ ْب ُل َولَ ْم تَ كُ شَيْئا (‪ )9‬قَالَ رَبّ اجْعَل لّي آَي ًة قَالَ آيَتُ كَ َألّا تُكَلّ مَ النّا سَ‬
‫حرَا بِ َفَأوْحَى ِإلَيْهِ مْ أَن‬
‫خرَ جَ عَلَى َق ْومِ ِه مِ نَ الْ ِم ْ‬
‫ث لَيَالٍ َسوِيّا (‪ )10‬فَ َ‬
‫ثَلَا َ‬
‫حكْمَ صَبِيّا‬
‫سَبّحُوا ُبكْ َر ًة وَ َعشِيّا (‪ )11‬يَا يَحْيَى ُخذِ اْلكِتَابَ ِب ُق ّوةٍ وَآتَيْنَاهُ الْ ُ‬
‫َمـ يَكُن‬
‫ْهـ وَل ْ‬
‫َانـ َتقِيّا (‪َ )13‬وَبرّا ِبوَاِلدَي ِ‬
‫(‪َ )12‬وحَنَانا مّنـ ّلدُنّاـ وَزَكَاةً وَك َ‬
‫ث حَيّا (‬
‫جَبّارا عَ صِيّا (‪ )14‬وَ سَلَامٌ عَ َليْ هِ َيوْ َم ُولِ َد َويَوْ َم يَمُو تُ وََيوْ َم يُ ْبعَ ُ‬
‫‪. ﴾ )15‬‬
‫***‬
‫الزء الثالث‬ ‫‪52‬‬

‫قوله عز وجل ‪ ﴿ :‬كهيعص (‪ )1‬ذِ ْكرُ َرحْ َمةِ َربّ كَ َع ْبدَ هُ َز َكرِيّا (‪ِ )2‬إذْ‬
‫نَادَى َربّ ُه ِندَاء َخفِيّا (‪ )3‬قَالَ رَبّ ِإنّ ي َوهَ نَ اْلعَظْ مُ مِنّ ي وَاشَْتعَ َل الرّأْ سُ‬
‫ت الْ َموَالِ يَ مِن وَرَائِي‬
‫شَيْبا وَلَ ْم أَكُن ِبدُعَائِ كَ رَبّ شَقِيّا (‪َ )4‬وِإنّ ي خِفْ ُ‬
‫ث مِ نْ آلِ‬
‫ب لِي مِن ّلدُن كَ وَلِيّا (‪َ )5‬يرِثُنِي َويَرِ ُ‬
‫ت ا ْمرَأَتِي عَاقِرا َفهَ ْ‬
‫وَكَانَ ِ‬
‫َي ْعقُوبَ وَاجْعَ ْلهُ َربّ رَضِيّا (‪. ﴾ )6‬‬
‫عن قتادة قوله ‪ ﴿ :‬إِ ْذ نَادَى َربّهُ نِدَاء َخ ِفيّا ﴾ ‪ ،‬أي ‪ :‬سرًا ‪ ،‬وإن ال يعلم‬
‫القلب النقي ويسمع الصوت الفي ‪ ﴿ ،‬قَالَ رَبّ ِإنّي َوهَ َن اْلعَظْ ُم ِمنّي ﴾ ‪،‬‬
‫أي ‪ :‬ضعف ‪ ﴿ ،‬وَا ْشتَعَلَ ال ّرأْ سُ َشيْبا وَلَ مْ أَكُن بِ ُدعَائِ كَ رَبّ َش ِقيّا ﴾ ‪ ،‬قال‬
‫ا بن جر يج يقول ‪ :‬قد ك نت تعرف ن الجا بة في ما م ضى ‪َ ﴿ ،‬وإِنّ ي ِخفْ تُ‬
‫ِيَ مِن وَرَائِي ﴾ ‪ ،‬قال ابَن عباس ‪ :‬يعنَ بالوال ‪ :‬الكللة الولياء أن‬ ‫الْ َموَال َ‬
‫يرثوه ‪ ،‬فوهب ال له يي ‪ .‬قال قتادة ‪ :‬هم العصبة ‪.‬‬
‫ُوبَ ﴾ ‪ ،‬قال ماهَد ‪ :‬كان‬ ‫ِنَ آ ِل َيعْق َ‬ ‫ِثَ م ْ‬ ‫وقوله تعال ‪ ﴿ :‬يَ ِرثُنِي َويَر ُ‬
‫وراث ته علمًا ‪ ،‬وكان زكر يا من ذر ية يعقوب ‪ .‬وقال ال سن ‪ :‬يرث نبو ته‬
‫وعلمه ‪.‬‬
‫قال البغوي ‪ :‬وقال الزجاج ‪ :‬والول أن يمَل على مياث غيَ الال ‪،‬‬
‫والع ن ‪ :‬أ نه خاف تضي يع ب ن ع مه د ين ال وتغي ي أحكا مه ‪ ،‬على ما كان‬
‫شاهد من بن إسرائيل من تبديل الدين وقتل النبياء ‪ ،‬فسأل ربه ولدًا صالًا‬
‫‪53‬‬ ‫توفيق الرحن ف دروس القرآن‬

‫يأمنه على أمته ويرث نبوته وعمله ‪ ،‬لئل يضيع الدين ‪ ،‬وهذا معن قول عطاء‬
‫عن ابن عباس رضي ال عنهما ‪.‬‬
‫وقوله ‪ ﴿ :‬وَا ْجعَلْهُ رَبّ رَ ِ‬
‫ضيّا ﴾ ‪.‬‬
‫قال ابن كثي ‪ :‬أي ‪ :‬مرضيًا عندك وعند خلقك ‪ ،‬تبه وتببه إل خلقك‬
‫ف دينه وخلقه ‪.‬‬
‫جعَل لّ هُ‬
‫شرُ َك ِبغُلَا ٍم ا سْ ُم ُه يَحْيَى لَ ْم نَ ْ‬
‫قوله عز وجل ‪ ﴿ :‬يَا َز َك ِريّا ِإنّا نَُب ّ‬
‫ت ا ْمرََأتِي عَاقِرا َوقَدْ‬
‫مِن قَ ْبلُ سَمِيّا (‪ )7‬قَالَ َربّ َأنّى َيكُو ُن لِي ُغلَا ٌم وَكَانَ ِ‬
‫ك هُوَ عَ َليّ هَيّ نٌ َو َقدْ خَلَقْتُ كَ‬
‫ك قَالَ َربّ َ‬
‫بَ َلغْ تُ مِ نَ اْلكَِبرِ عِتِيّا (‪ )8‬قَالَ َك َذلِ َ‬
‫ّمـ‬
‫ُكـ َألّا تُكَل َ‬
‫َكـ شَيْئا (‪ )9‬قَالَ رَبّ اجْعَل لّي آَي ًة قَالَ آيَت َ‬
‫َمـ ت ُ‬
‫مِن قَ ْبلُ َول ْ‬
‫حرَابِ َفَأوْحَى ِإلَ ْي ِهمْ‬
‫خرَجَ عَلَى َقوْ ِم ِه ِمنَ الْمِ ْ‬
‫النّاسَ ثَلَاثَ لَيَالٍ َس ِويّا (‪ )10‬فَ َ‬
‫أَن سَبّحُوا ُب ْك َرةً وَ َعشِيّا (‪. ﴾ )11‬‬
‫حيَى ﴾ ‪ ،‬عبد أحياه‬ ‫عن قتادة قوله ‪ ﴿ :‬يَا زَكَ ِريّا ِإنّا ُنبَشّرُ َك ِبغُلَا ٍم اسْمُهُ َي ْ‬
‫جعَل لّ ُه مِن َقبْلُ سَ ِميّا ﴾ ‪ ،‬قال ‪ :‬ل يسمّ قبله أحد بذا‬ ‫ال لليان ‪ ﴿ ،‬لَ ْم َن ْ‬
‫السَم ‪ .‬وقال ابَن عباس ‪ :‬ل تلد العواقَر مثله ولدًا قَط ‪ .‬وقال ماهَد ‪:‬‬
‫﴿ ِعتِيّا ﴾ ‪ ،‬يع ن ‪ :‬تول الع ظم ‪ .‬و عن ا بن عباس ﴿ َثلَا ثَ َليَالٍ َسوِيّا‬
‫﴾ ‪ ،‬قال ‪ :‬اعتقل لسانه من غي مرض ‪ .‬قال قتادة ‪ :‬وإنا عوقب بذلك لنه‬
‫سأل آ ية بعد ما شافه ته اللئ كة مشاف هة ‪ ،‬أ خذ بل سانه ح ت ما كان ي فض‬
‫الكلم إلّ أومأ إياء ‪.‬‬
‫الزء الثالث‬ ‫‪54‬‬

‫وقال ا بن ز يد ف قوله ‪ ﴿:‬قَا َل آَيتُ كَ أَلّا ُتكَلّ َم النّا سَ ثَلَا ثَ َليَالٍ َس ِويّا‬
‫﴾ ‪ ،‬وأ نت صحيح ‪ .‬قال ‪ :‬فح بس ل سانه فكان ل ي ستطيع أن يكلم أحدًا ‪،‬‬
‫حرَا بِ ﴾ ‪،‬‬
‫ج عَلَى َق ْومِ هِ مِ َن الْمِ ْ‬
‫و هو ف ذلك ي سبّح ويقرأ التوراة ‪َ ﴿ ،‬فخَ َر َ‬
‫شيّا ﴾ وهو ل‬ ‫قال ‪ :‬الحراب مصلّه ‪َ ﴿ ،‬فَأوْحَى إَِلْيهِ مْ أَن َسبّحُوا بُكْ َر ًة َوعَ ِ‬
‫يكلمهم ‪.‬‬
‫حكْ مَ صَبِيّا (‬
‫قوله عز وجل ‪ ﴿ :‬يَا يَحْيَى ُخذِ اْلكِتَا بَ ِب ُق ّوةٍ وَآتَيْنَا ُه الْ ُ‬
‫‪َ )12‬وحَنَانا مّن ّل ُدنّا وَزَكَاةً وَكَانَ َتقِيّا (‪ )13‬وََبرّا ِبوَالِ َديْ ِه وَلَمْ َيكُن جَبّارا‬
‫ث حَيّا (‪. ﴾ )15‬‬
‫ت َويَوْ َم يُ ْبعَ ُ‬
‫عَصِيّا (‪َ )14‬وسَلَامٌ عَلَ ْي ِه َيوْمَ وُِلدَ وََيوْ َم يَمُو ُ‬
‫عن ماهد ‪ ﴿ :‬خُذِ الْ ِكتَا بَ ِب ُق ّوةٍ ﴾ ‪ ،‬قال ‪ :‬بدّ ‪ .‬وقال ابن زيد ‪ :‬القوة‬
‫أن ي مل ما أمره ال به ‪ ،‬ويا نب ف يه ما ناه ال ‪ .‬قال ا بن جبي وقوله ‪:‬‬
‫صِبيّا ﴾ ‪ ،‬يقول تعال ذكره ‪ :‬وأعطيناه الفهم بكتاب‬ ‫حكْ مَ َ‬‫﴿ وَآتَْينَا ُه الْ ُ‬
‫ال ف حال صباه قبل بلوغه أسنان الرجال ‪.‬‬
‫وقوله ‪ ﴿ :‬وَ َحنَانا مّن لّ ُدنّا ﴾ ‪ ،‬يقول تعال ذكره ‪ :‬ورحة منا به ومبة‬
‫له آتيناه الكم صبيّا ‪ .‬وعن ابن عباس قوله ‪ ﴿ :‬وَ َحنَانا مّن لّ ُدنّا ﴾ ‪ ،‬يقول‬
‫‪ :‬ورحة من عندنا ‪ .‬وقال الضحاك ‪ :‬رحة من عندنا ل يلك عطاءها أحد‬
‫غينا ‪ .‬وعن ماهد قوله ‪َ ﴿ :‬و َحنَانا مّن لّ ُدنّا ﴾ ‪ ،‬قال ‪ :‬تع ّطفًا من ربه عليه‬
‫‪ .‬وعن قتادة قوله ‪ ﴿ :‬وَزَكَاةً ﴾ ‪ ،‬قال ‪ :‬الزكاة ‪ :‬الع مل الصال ‪ .‬وعن ابن‬
‫عباس ‪ ﴿ :‬وَزَكَا ًة وَكَا َن َت ِقيّا ﴾ ‪ ،‬قال ‪ُ :‬طهّرَ فلم يع مل بذ نب ‪ .‬وقال ا بن‬
‫‪55‬‬ ‫توفيق الرحن ف دروس القرآن‬

‫عط ية ‪ :‬أو حش ما يكون اللق ف ثل ثة موا طن ‪ :‬يوم يولد فيى نف سه ف‬


‫مشر عظيم ؛ قال ‪ :‬فأكرم ال فيها يي بن زكريا فخ صّه بالسلم عليه فقال‬
‫ت َوَيوْ َم ُيْبعَ ثُ َحيّا ﴾ ‪ .‬وقال ال سن ‪:‬‬
‫‪ ﴿ :‬وَ سَلَا ٌم عََليْ هِ َيوْ مَ وُلِ َد َوَيوْ َم يَمُو ُ‬
‫إن عيسى ويي التقيا ‪ ،‬فقال له عيسى ‪ :‬استغفر ل أنت خي من ‪ ،‬فقال له‬
‫الخر ‪ :‬استغفر ل أنت خي من ‪ ،‬فقال له عيسى ‪ :‬أنت خي من ‪ ،‬سلّمتُ‬
‫على نفسي وسلم ال عليك ‪ ،‬فعرف وال فضلهما ‪.‬‬
‫قال ا بن كث ي ‪ :‬وقوله ‪َ ﴿ :‬وبَرّا ِبوَالِ َديْ هِ وَلَ ْم يَكُن َجبّارا عَ ِ‬
‫صيّا ﴾ ‪ ،‬ل ا‬
‫ذ كر تعال طاع ته لر به ‪ ،‬وأ نه خل قه ذا رح ة وزكاة ‪ ،‬وت قى ع طف بذ كر‬
‫طاع ته لوالد يه وبره ب ما ‪ ،‬ومانب ته عقوقه ما قولً وفعلً ‪ ،‬أمرًا ونعيًا ‪ ،‬ولذا‬
‫صيّا ﴾ ‪ ،‬ث قال بعد هذه الوصاف الميلة جزاء‬ ‫قال ‪ ﴿ :‬وَلَ ْم َيكُن َجبّارا عَ ِ‬
‫ت َوَي ْومَ ُيْبعَثُ َحيّا ﴾ ‪.‬‬
‫له على ذلك ‪َ ﴿ :‬وسَلَا ٌم عََليْهِ َي ْو َم وُلِ َد َوَي ْومَ يَمُو ُ‬

‫***‬
‫الزء الثالث‬ ‫‪56‬‬

‫الدرس الثان والستون بعد الائة‬

‫﴿ وَاذْ ُك ْر فِي اْلكِتَا بِ َم ْريَ َم ِإذِ انتََبذَ تْ مِ نْ َأهْلِهَا مَكَانا َشرْقِيّا (‪)16‬‬
‫خذَ تْ مِن دُوِنهِ مْ حِجَابا َفأَرْ سَلْنَا ِإلَيْهَا رُوحَنَا فَتَمَّث َل لَهَا َبشَرا َسوِيّا (‬
‫فَاتّ َ‬
‫ُنتـ َتقِيّا (‪ )18‬قَالَ ِإنّمَا أَنَا‬
‫ِنكـ إِن ك َ‬
‫َتـ إِنّيـ أَعُو ُذ بِال ّرحْمَن م َ‬
‫‪ )17‬قَال ْ‬
‫ت َأنّ ى يَكُو ُن لِي غُلَا ٌم َولَ مْ‬
‫ب لَ كِ غُلَاما زَكِيّا (‪ )19‬قَالَ ْ‬
‫رَ سُولُ َربّ كِ ِلَأهَ َ‬
‫يَمْسَـسْنِي َبشَ ٌر َولَم ْـ أَكُـَبغِيّا (‪ )20‬قَالَ َك َذلِكِـ قَالَ َربّكِـ هُوَ عَلَيّ هَيّنٌـ‬
‫حمَلَتْ ُه فَانتََبذَ تْ‬
‫س وَرَحْ َم ًة مّنّا وَكَا َن َأمْرا ّمقْضِيّا (‪ )21‬فَ َ‬
‫جعَلَ هُ آَيةً لِلنّا ِ‬
‫َولِنَ ْ‬
‫ت يَا لَيْتَنِي‬
‫ع النّخْ َلةِ قَالَ ْ‬
‫ض إِلَى جِذْ ِ‬
‫بِ هِ َمكَانا قَ صِيّا (‪َ )22‬فَأجَاءهَا الْمَخَا ُ‬
‫حزَنِي َقدْ‬
‫ت نَ سْيا مّن سِيّا (‪ )23‬فَنَادَاهَا مِن تَحْتِهَا َألّا تَ ْ‬
‫مِتّ قَ ْبلَ َهذَا وَكُن ُ‬
‫ع النّخْ َل ِة تُ سَاقِطْ عَ َليْ كِ‬
‫جذْ ِ‬
‫ك بِ ِ‬
‫َج َعلَ َربّ كِ تَحْتَ كِ َسرِيّا (‪َ )24‬و ُهزّي ِإلَيْ ِ‬
‫ِنـ الَْبشَ ِر َأحَدا‬
‫ُرطَبا جَنِيّا (‪ )25‬فَكُلِي وَا ْشرَب ِي َوقَرّي عَيْنا َفِإمّاـ تَ َريِن ّ م َ‬
‫ت بِ هِ‬
‫صوْما فَلَ ْن أُكَلّ مَ الَْيوْ َم إِن سِيّا (‪َ )26‬فأَتَ ْ‬
‫َفقُولِي ِإنّ ي َنذَرْ تُ لِل ّرحْمَ نِ َ‬
‫ت هَارُو نَ مَا‬
‫ت شَيْئا َفرِيّا (‪ )27‬يَا أُخْ َ‬
‫حمِلُ ُه قَالُوا يَا َم ْريَ ُم لَ َق ْد جِئْ ِ‬
‫َق ْومَهَا تَ ْ‬
‫ت ِإلَيْ هِ قَالُوا كَيْ فَ‬
‫ك َبغِيّا (‪َ )28‬فأَشَارَ ْ‬
‫ت ُأمّ ِ‬
‫كَا َن َأبُو كِ ا ْم َرأَ َسوْ ٍء َومَا كَانَ ْ‬
‫ُنكَلّ مُ مَن كَا َن فِي الْ َم ْهدِ صَبِيّا (‪ )29‬قَالَ ِإنّ ي َع ْبدُ اللّ هِ آتَانِ يَ اْلكِتَا بَ‬
‫ت َوَأوْصَانِي بِالصّلَاةِ وَالزّكَاةِ‬
‫َوجَعَلَنِي نَبِيّا (‪َ )30‬وجَعَلَنِي مُبَارَكا َأْينَ مَا كُن ُ‬
‫جعَلْنِي جَبّارا َشقِيّا (‪ )32‬وَال سّلَامُ‬
‫مَا ُدمْ تُ حَيّا (‪ )31‬وََبرّا ِبوَالِ َدتِي َولَ ْم يَ ْ‬
‫ث حَيّا (‪َ )33‬ذلِ كَ عِي سَى ابْ نُ َم ْريَ مَ‬
‫عَ َليّ َيوْ َم ُولِدتّ َوَيوْ َم َأمُو تُ َوَيوْ َم أُْبعَ ُ‬
‫‪57‬‬ ‫توفيق الرحن ف دروس القرآن‬

‫خذَ مِن َولَدٍ سُبْحَاَنهُ‬


‫حقّ الّذِي فِي هِ يَمَْترُو نَ (‪ )34‬مَا كَا َن لِلّ ِه أَن يَتّ ِ‬
‫َق ْولَ الْ َ‬
‫ِإذَا قَضَى َأمْرا َفإِنّمَا َيقُولُ لَ هُ كُن فََيكُو نُ (‪َ )35‬وإِنّ اللّهَـ َربّيـ وَ َرّبكُ مْ‬
‫ـَقِيمٌ (‪ )36‬فَاخْتَلَفَـ اْلأَ ْحزَابُـ مِن بَيِْنهِم ْـ َف َويْلٌ‬
‫ط مّس ْت‬
‫فَاعُْبدُوهُـ َهذَا صِـرَا ٌ‬
‫ص ْر يَوْ َم َيأْتُونَنَا‬
‫لّ ّلذِي نَ َك َفرُوا مِن ّمشْ َهدِ يَوْ مٍ عَظِي مٍ ( ‪ )37‬أَ سْ ِم ْع ِبهِ مْ َوَأبْ ِ‬
‫س َر ِة ِإذْ قُضِ يَ‬
‫َلكِ نِ الظّالِمُو َن الَْيوْ َم فِي ضَلَا ٍل مّبِيٍ (‪ )38‬وَأَنذِ ْرهُ ْم َيوْ مَ الْحَ ْ‬
‫ض وَمَنْ عَلَ ْيهَا‬
‫ث الْأَرْ َ‬
‫اْلأَ ْم ُر وَهُمْ فِي َغفْ َل ٍة وَهُمْ لَا يُ ْؤمِنُونَ (‪ِ )39‬إنّا نَحْ ُن َنرِ ُ‬
‫َوِإلَيْنَا ُيرْ َجعُونَ (‪. ﴾ )40‬‬

‫***‬
‫الزء الثالث‬ ‫‪58‬‬

‫قوله عز وجل ‪ ﴿ :‬وَاذْ ُك ْر فِي الْكِتَابِ َم ْريَ َم ِإذِ انتََبذَتْ مِ ْن أَهْ ِلهَا مَكَانا‬
‫خذَ تْ مِن دُوِنهِ مْ حِجَابا َفأَرْ سَلْنَا ِإلَيْهَا رُوحَنَا فََتمَّثلَ لَهَا‬
‫َش ْرقِيّا (‪ )16‬فَاتّ َ‬
‫ت َتقِيّا ( ‪ )18‬قَالَ‬
‫ت إِنّي أَعُوذُ بِالرّحْمَن مِنكَ إِن كُن َ‬
‫َبشَرا سَ ِويّا (‪ )17‬قَالَ ْ‬
‫ت أَنّى َيكُونُ لِي غُلَامٌ‬
‫ب لَكِ غُلَاما زَكِيّا (‪ )19‬قَالَ ْ‬
‫ك ِلأَهَ َ‬
‫ِإنّمَا َأنَا رَسُولُ َربّ ِ‬
‫ك هُوَ عَ َليّ هَيّ نٌ‬
‫سسْنِي َبشَ ٌر َولَ ْم أَ ُك َبغِيّا (‪ )20‬قَالَ َك َذلِ كِ قَالَ َربّ ِ‬
‫َولَ مْ يَمْ َ‬
‫س وَ َرحْ َمةً مّنّا وَكَانَ َأمْرا ّمقْضِيّا (‪. ﴾ )21‬‬
‫جعَ َلهُ آَيةً لِلنّا ِ‬
‫َولِنَ ْ‬
‫َابَ مَ ْريَمََإِ ِذ انتَبَذَت َْ ﴾ ‪ ،‬أي ‪:‬‬ ‫عَن قتادة فَ قوله ‪ ﴿ :‬وَاذْكُرْ فِي الْ ِكت ِ‬
‫انفردت ‪ ﴿ ،‬مِ نْ َأهِْلهَا ﴾ ‪ ،‬قال السدي ‪ :‬خرجت مري إل جانب الحراب‬
‫ت مِنْ َأهِْلهَا َمكَانا شَرِْقيّا ﴾ ف شرقي‬ ‫ليض أصابا ‪ ،‬وهو قوله ‪ ﴿ :‬إِ ِذ انَتبَذَ ْ‬
‫ت مِن دُوِنهِ مْ ِحجَابا َفأَرْ سَ ْلنَا إَِليْهَا رُوحَنَا َفتَ َمثّلَ لَهَا‬ ‫الحراب ‪ ﴿ ،‬فَاتّخَذَ ْ‬
‫سَِويّا ﴾ ‪ ،‬قال وهَب بَن منبَه ‪ :‬أرسَل ال جبيَل إل مريَ ‪ ،‬وقال‬ ‫بَشَرا َ‬
‫السدي ‪ :‬فلما طهرت من حيضها إذا هي برجل معها قالت ‪ِ ﴿ :‬إنّي أَعُوذُ‬
‫﴾ بال ‪ ﴿ ،‬مِن كَ إِن كُن تَ َت ِقيّا ﴾ ‪ ،‬قال ابن زيد ‪ :‬قد عَِلمَ تْ أن الّتقَى ذو‬
‫ك غُلَاما زَ ِكيّا قَالَتْ َأنّى يَكُونُ‬ ‫نية ‪ ﴿ ،‬قَالَ ِإنّمَا أَنَا رَسُولُ َربّكِ ِلَأهَبَ لَ ِ‬
‫سنِي بَشَ ٌر وَلَ مْ أَ كُ بَ ِغيّا ﴾ ‪ ،‬قال جب يل ‪ ﴿ :‬كَذَلِ كِ قَالَ‬ ‫لِي غُلَا ٌم وَلَ ْم يَمْ سَ ْ‬
‫ك ُهوَ عَلَيّ َهيّ نٌ ﴾ وإن ل ي كن لك ب عل ول يو جد م نك فاح شة ‪ ،‬فإ نه‬ ‫َربّ ِ‬
‫جعَلَ ُه آَيةً لِلنّا سِ ﴾ ‪ ،‬أي ‪ :‬علمة على‬ ‫على ما يشاء قادر ‪ ،‬ولذا قال ‪ ﴿ :‬وَِلنَ ْ‬
‫ضيّا ﴾ ل ير ّد ول‬ ‫قدرة ال ‪ ﴿ ،‬وَرَ ْح َم ًة ّمنّ ا ﴾ للمؤمن ي ‪ ﴿ ،‬وَكَا نَ َأمْرا ّم ْق ِ‬
‫‪59‬‬ ‫توفيق الرحن ف دروس القرآن‬

‫صنَتْ فَ ْرجَهَا َفَنفَخْنَا فِيهَا مِن رّوحِنَا‬


‫يبدل ‪ .‬و قد قال تعال ‪ ﴿ :‬وَالّتِي أَحْ َ‬
‫وَ َج َع ْلنَاهَا وَابَْنهَا آَيةً لّ ْلعَالَمِيَ ﴾ ‪ .‬قال وهب بن منبه ‪ :‬لا أرسل ال جبيل‬
‫إل مري نفخ ف جيب درعها حت وصلت النفخة إل الرحم فاشتملت ‪.‬‬
‫قوله عز و جل ‪ ﴿ :‬فَحَمَلَتْ ُه فَانتَبَذَ تْ بِ ِه َمكَانا قَ صِيّا (‪َ )22‬فَأجَاءهَا‬
‫ت نَسْيا مّنسِيّا‬
‫ع النّخْ َلةِ قَالَتْ يَا لَيْتَنِي مِتّ قَ ْبلَ هَذَا وَكُن ُ‬
‫ض ِإلَى جِذْ ِ‬
‫الْمَخَا ُ‬
‫حزَنِي َقدْ َج َعلَ َربّ كِ تَحْتَ كِ َسرِيّا ( ‪)24‬‬
‫(‪ )23‬فَنَادَاهَا مِن تَحْتِهَا َألّا تَ ْ‬
‫ع النّخْ َل ِة تُ سَاقِطْ عَ َليْ كِ رُطَبا جَنِيّا (‪َ )25‬فكُلِي وَا ْش َربِي‬
‫جذْ ِ‬
‫ك بِ ِ‬
‫َو ُهزّي ِإلَيْ ِ‬
‫صوْما فَلَنْ‬
‫شرِ َأحَدا َفقُولِي ِإنّي نَذَ ْرتُ لِل ّرحْمَنِ َ‬
‫َو َقرّي عَيْنا فَِإمّا َترَِينّ ِمنَ الَْب َ‬
‫أُكَ ّل َم الْيَوْ َم إِنسِيّا (‪. ﴾ )26‬‬
‫صيّا ﴾ ‪ ،‬قال ‪ :‬مكانًا نائيًا ‪ .‬وعن‬‫ت بِ ِه َمكَانا قَ ِ‬
‫عن ابن عباس ‪ ﴿ :‬فَانتَبَذَ ْ‬
‫قتادة ‪َ ﴿ :‬فأَجَاءهَا الْ َمخَا ضُ إِلَى ِجذْ عِ النّخَْلةِ ﴾ ‪ ،‬قال ‪ :‬اضطرّها إل جذع‬
‫النخلة ‪ .‬وقال ال سدي ‪ ﴿ :‬قَالَ تْ ﴾ و هي تطلق ا ستحياء من الناس ‪ ﴿ :‬يَا‬
‫سيّا ﴾ ‪ ،‬قال قتادة تقول ‪ :‬ل أعرف ول‬ ‫ت نَ سْيا مّن ِ‬‫َلْيتَنِي مِتّ َقبْ َل هَذَا وَكُن ُ‬
‫حِتهَا ﴾ ‪ ،‬قال ‪ :‬عيسى ناداها‬ ‫يدري من أنا ‪ .‬وقال ابن زيد ‪َ ﴿ :‬فنَادَاهَا مِن تَ ْ‬
‫حتَ كِ سَ ِريّا ﴾ ‪ ،‬قال الباء بن عازب ‪ :‬هو ‪:‬‬ ‫‪ ﴿ :‬أَلّا َتحْ َزنِي َقدْ َجعَلَ َربّ كِ تَ ْ‬
‫الدول ‪ .‬وقال ابن عباس ‪ :‬وهو ‪ :‬نر عيسى ‪ .‬وقال سعيد بن جبي ‪ :‬هو ‪:‬‬
‫الدول ‪ .‬النهَر الصَغي ‪ ،‬وهَو بالنبطيَة سَري ‪ .‬وعَن ابَن عباس ‪﴿ :‬‬
‫ع النّخَْلةِ ﴾ ‪ ،‬قال ‪ :‬كان جذعًا ياب سًا ‪ ،‬فقال ‪ :‬هُزّ يه ﴿‬ ‫جذْ ِ‬‫َوهُزّي إَِليْ كِ بِ ِ‬
‫الزء الثالث‬ ‫‪60‬‬

‫ْكَ ُرطَبا َجِنيّا ﴾ ‪ ،‬قال عمرو بَن ميمون ‪ :‬مَا مَن شيَء خيَ‬
‫ط عََلي ِ‬
‫تُسََاقِ ْ‬
‫للنفساء من التمر ‪ ،‬والرطب ‪.‬‬
‫وقوله تعال ‪َ ﴿ :‬فكُلِي وَاشْرَب ِي وََقرّي َعيْنا فَِإمّاَ تَ َريِنّ م َ‬
‫ِنَ الْبَشَرِ أَحَدا‬
‫سيّا ﴾ ‪ ،‬قال الضحاك ‪:‬‬
‫صوْما َفلَ نْ أُكَلّ مَ الَْيوْ مَ إِن ِ‬
‫َفقُولِي ِإنّي نَذَرْ تُ لِلرّحْ َم نِ َ‬
‫كان من بن إسرائيل من إذا اجتهد صام من الكلم كما يصوم من الطعام ‪،‬‬
‫إلّ من ذِ ْكرِ ال ‪.‬‬
‫ت شَيْئا‬
‫حمِلُ ُه قَالُوا يَا َم ْريَ ُم َلقَ ْد جِئْ ِ‬
‫قوله عز وجل ‪َ ﴿ :‬فَأتَتْ بِهِ َق ْو َمهَا تَ ْ‬
‫ت هَارُو نَ مَا كَا َن َأبُو ِك ا ْمرَأَ َسوْءٍ وَمَا كَانَ تْ ُأمّ كِ َبغِيّا (‬
‫َف ِريّا (‪ )27‬يَا أُخْ َ‬
‫ف ُنكَلّ مُ مَن كَا َن فِي الْ َمهْدِ صَبِيّا (‪ )29‬قَالَ‬
‫ت ِإلَيْ ِه قَالُوا كَيْ َ‬
‫‪َ )28‬فَأشَارَ ْ‬
‫ب وَ َجعَلَنِي نَبِيّا (‪ )30‬وَ َجعَلَنِي مُبَارَكا َأيْ َن مَا‬
‫ِإنّ ي عَ ْب ُد اللّ هِ آتَانِ َي الْكِتَا َ‬
‫ت َوأَوْ صَانِي بِال صّلَا ِة وَالزّكَاةِ مَا ُدمْ تُ حَيّا (‪ )31‬وََبرّا ِبوَالِدَتِي َولَ مْ‬
‫كُن ُ‬
‫جعَلْنِي جَبّارا َشقِيّا (‪ )32‬وَال سّلَامُ عَلَيّ َيوْ َم ُولِدتّ َوَيوْ َم َأمُو تُ َوَيوْ مَ‬
‫يَ ْ‬
‫ث حَيّا (‪َ )33‬ذلِ كَ عِي سَى ابْ ُن َمرْيَ َم َقوْ َل الْحَقّ اّلذِي فِي هِ يَمَْترُو نَ (‬
‫ُأْبعَ ُ‬
‫لَهُ‬ ‫خ َذ مِن وََلدٍ سُبْحَاَن ُه ِإذَا قَضَى َأمْرا َفِإنّمَا َيقُولُ‬
‫‪ )34‬مَا كَا َن لِلّهِ أَن يَتّ ِ‬
‫صرَاطٌ مّ سَْتقِيمٌ (‬
‫كُن فََيكُو نُ (‪ )35‬وَإِنّ اللّ هَ َربّ ي وَ َرّبكُ مْ فَاعُْبدُو ُه َهذَا ِ‬
‫‪. ﴾ )36‬‬
‫ْتَ‬
‫ْتَ شَيْئا فَ ِريّا ﴾ ‪ ،‬قال ‪ :‬عظيم ًا ‪ ﴿ ،‬ي َا أُخ َ‬
‫عَن قتادة ‪َ ﴿ :‬لقَدْ ِجئ ِ‬
‫ك َبغِيّا ﴾ ‪ ،‬قال ‪ :‬كانت من‬
‫هَارُو َن مَا كَا نَ َأبُو ِك امْ َرأَ َسوْ ٍء َومَا كَانَ تْ ُأمّ ِ‬
‫‪61‬‬ ‫توفيق الرحن ف دروس القرآن‬

‫أهَل بيَت يُعرفون بالصَلح ول يُعرفون بالفسَاد ‪ ،‬قال ‪ :‬وكان مَن بنَ‬
‫إسرائيل رجل صال يسمى هارون ‪ ،‬فشبّهوها به ‪ ،‬يعن ‪ :‬ف الصلح ‪ .‬وعن‬
‫الغية بن شع بة قال ‪ :‬بعث ن ر سول ال إل أ هل نران فقالوا ل ‪ :‬أل ستم‬
‫تقرءون ﴿ يَا أُخْتَ هَارُونَ ﴾ ؟ قلت ‪ :‬بلى ‪ ،‬وقد علمتم ما كان بي عيسى‬
‫‪ ،‬ومو سى ‪ ،‬فرج عت إل ر سول ال فأ خبته فقال ‪ « :‬أل أ خبتم أن م‬
‫كانوا يسمّون بأنبيائهم والصالي قبلهم » ‪ .‬رواه مسلم وغيه ‪.‬‬
‫ْهَ ﴾ ‪ ،‬يقول ‪ :‬أشارت إليَه أن‬ ‫َتَإَِلي ِ‬
‫وعَن وهَب بَن منبَه ‪َ ﴿ :‬فَأشَار ْ‬
‫صِبيّا ﴾ ‪ ،‬فأجابم عيسى‬ ‫ف ُنكَلّ ُم مَن كَا نَ فِي الْ َمهْدِ َ‬ ‫كلّموه ‪ ﴿ ،‬قَالُوا َكيْ َ‬
‫ب وَ َجعََلنِي نَِبيّا ﴾ الية ‪ .‬وقال‬ ‫عنها فقال لم ‪ِ ﴿ :‬إنّي َعبْدُ اللّ ِه آتَانِ َي اْلكِتَا َ‬
‫عكر مة ‪ ﴿ :‬آتَانِ َي اْلكِتَا بَ ﴾ ق ضى أن يؤتي ن الكتاب ‪ .‬و عن ما هد ‪﴿ :‬‬
‫وَ َج َعَلنِي ُمبَارَكا َأيْ َن مَا كُنتُ ﴾ ‪ ،‬قال ‪ :‬مقامًا ‪ .‬وقال سفيان ‪ :‬معلمًا للغي ‪.‬‬
‫وقال قتادة ‪ :‬ذ كر ل نا أ نه كان يقول ‪ :‬سلون فإن قل ب ل ي ‪ ،‬وإ ن صغي ف‬
‫نف سي ‪ ،‬م ا أعطاه ال من التوا ضع ‪ .‬وقال ب عض ال سلف ‪ :‬ل ت د عاقّا إلّ‬
‫وجدته جبارًا شقيًا ‪ ،‬ول تد سيّئ اللكة إل وجدته متالً فخورًا ‪.‬‬
‫ك عِيسَى ابْنُ َم ْريَمَ َقوْ َل الْحَقّ الّذِي فِي ِه يَ ْمتَرُونَ ﴾‬ ‫وعن قتادة قوله ‪ ﴿ :‬ذَلِ َ‬
‫امترت اليهود والنصَارى ‪ ،‬فأمَا اليهود فزعموا أنَه سَاحر كذاب ‪ ،‬وأمَا‬
‫النصارى فزعموا أنه ابن ال ‪ ،‬وثالث وثلثة ‪ ،‬وإله ‪ ،‬وكذبوا كلهم ‪ ،‬ولكنه‬
‫عبد ال ورسوله ‪ ،‬وكلمته وروحه ‪.‬‬
‫الزء الثالث‬ ‫‪62‬‬

‫ف اْلأَ ْحزَابُ مِن بَيِْنهِ ْم َف َويْ ٌل لّ ّلذِينَ َك َفرُوا مِن‬


‫قوله عز وجل ‪ ﴿ :‬فَاخْتَلَ َ‬
‫ص ْر يَوْ َم َيأْتُونَنَا لَكِ ِن الظّالِمُونَ الَْيوْ مَ‬
‫ش َهدِ َيوْ مٍ عَظِيمٍ (‪ )37‬أَ سْ ِم ْع ِبهِمْ َوَأبْ ِ‬
‫ّم ْ‬
‫س َرةِ ِإ ْذ قُضِ َي الَْأ ْمرُ َوهُ ْم فِي َغفْ َلةٍ‬
‫فِي ضَلَا ٍل مّبِيٍ (‪ )38‬وَأَنذِ ْرهُ مْ َيوْ مَ الْحَ ْ‬
‫ض َومَ نْ عَلَ ْيهَا َوِإلَيْنَا ُي ْرجَعُو نَ (‬
‫ث الْأَرْ َ‬
‫َوهُ مْ لَا يُ ْؤمِنُو نَ (‪ِ )39‬إنّا نَحْ ُن َنرِ ُ‬
‫‪. ﴾ )40‬‬
‫قال قتادة ‪ :‬ذكر لنا أنه لا رفع ابن مري انتخبت بنو إسرائيل أربعة من‬
‫فقهائ هم فقالوا للول ‪ :‬ما تقول ف عي سى ؟ قال ‪ :‬هو ال ه بط إل الرض‬
‫فخلق ما خلق وأح يا ما أح يا ‪ ،‬ث صعد إل ال سماء ‪ ،‬فتاب عه على ذلك ناس‬
‫من الناس فكانت اليعقوبية من النصارى ‪ .‬وقال الثلثة الخرون ‪ :‬نشهد أنك‬
‫كاذب ؛ فقالوا للثان ‪ :‬ما تقول ف عيسى ؟ قال ‪ :‬هو ابن ال ‪ ،‬فتابعه على‬
‫ذلك ناس من الناس فكانت النسطورية من النصارى ‪ .‬وقال الثنان الخران‬
‫‪ :‬نش هد إ نك كاذب ؛ فقالوا للثالث ‪ :‬ما تقول ف عي سى ؟ قال ‪ :‬هو إله ‪،‬‬
‫وأ مه إله ‪ ،‬وال إله ‪ ،‬فتاب عه على ذلك ناس من الناس فكا نت ال سرائيلية من‬
‫النصارى ‪ .‬فقال الرابع ‪ :‬أشهد أنك كاذب ‪ ،‬ولكنه عبد ال ورسوله ‪ ،‬هو‬
‫كلمة ال وروحه ‪ ،‬فاختتم القوم فقال الرء السلم ‪ :‬أنشدكم ال ما تعلمون‬
‫ِمَ الطعام ؟ قالوا ‪:‬‬
‫َمَ الطعام ‪ ،‬وأن ال تبارك وتعال يُ ْطع ُ‬
‫أن عيسَى كان يَ ْطع ُ‬
‫اللهم نعم ‪ ،‬قال ‪ :‬ما تعلمون أن عيسى كان ينام ؟ قالوا ‪ :‬اللهم نعم ‪ ،‬قال ‪:‬‬
‫فخصمهم السلم ‪.‬‬
‫‪63‬‬ ‫توفيق الرحن ف دروس القرآن‬

‫وقوله تعال ‪ ﴿ :‬أَ سْمِ ْع ِبهِ ْم َوَأبْ صِ ْر َيوْ مَ َي ْأتُونَنَا َلكِ نِ الظّالِمُو نَ اْلَيوْ مَ فِي‬
‫ضلَا ٍل ّمبِيٍ ﴾ ‪ ،‬أي ‪ :‬ما أ سعهم وأب صرهم يوم القيا مة ‪ .‬قال قتادة ‪ :‬سعوا‬ ‫َ‬
‫حي ل ينفعهم السمع ‪ ،‬وأبصروا حي ل ينفعهم البصر وقال ابن زيد ‪ :‬هذا‬
‫ف القيامة ‪ ،‬فأما ف الدنيا فل كانت على أبصارهم غشاوة وف آذانم وقرًا ‪.‬‬
‫وعن أب سعيد قال ‪ :‬قال رسول ال ‪ « :‬إذا دخل أهل النة النة وأهل‬
‫النار النار ‪ ،‬ياء بالوت كأنه كبش أملح ‪ ،‬فيوقف بي النة والنار فيقال ‪ :‬يا‬
‫أ هل ال نة هل تعرفون هذا ؟ قال ‪ :‬فيشرئبّون وينظرون ويقولون ‪ :‬ن عم هذا‬
‫َل تعرفون هذا ؟ قال ‪ :‬فيشرئبّون‬ ‫َل النار هَ‬ ‫َا أهَ‬ ‫الوت ‪ ،‬قال ‪ :‬فيقال ‪ :‬يَ‬
‫وينظرون ويقولون ‪ :‬ن عم هذا الوت ‪ ،‬قال ‪ :‬فيؤ تى به فيُذ بح ‪ ،‬قال ويقال ‪:‬‬
‫يا أهل النة خلود ول موت ‪ ،‬ويا أهل النار خلود ول موت ‪ ،‬ث قرأ رسول‬
‫ال ‪َ ﴿ :‬وأَن ِذ ْرهُمْ َيوْ َم الْحَسْ َرةِ إِذْ ُقضِ َي الَْأمْ ُر َوهُمْ فِي غَفَْل ٍة َوهُمْ لَا ُي ْؤ ِمنُونَ‬
‫﴾ وأشار بيده ث قال ‪ « :‬أهل الدنيا ف غفلة الدنيا » رواه أحد وغيه ‪.‬‬
‫وكتب عمر بن عبد العزيز لبعض عماله ‪ ( :‬أما بعد فإن ال كتب على‬
‫خل قه ح ي خلق هم الوت فج عل م صيهم إل يه ‪ ،‬وقال في ما أنزل ف كتا به‬
‫ال صادق الذي حف ظه بعل مه وأش هد ملئك ته على حف ظه ‪ ،‬أ نه يرث الرض‬
‫ومن عليها وإليه ترجعون ) ‪.‬‬

‫***‬
‫الزء الثالث‬ ‫‪64‬‬

‫الدرس الثالث والستون بعد الائة‬

‫صدّيقا نّبِيّا (‪ِ )41‬إ ْذ قَا َل ِلأَبِي هِ يَا‬


‫ب ِإْبرَاهِي مَ ِإنّ هُ كَا نَ ِ‬
‫﴿ وَاذْ ُكرْ فِي الْكِتَا ِ‬
‫ت ِإنّي‬
‫ك شَيْئا (‪ )42‬يَا أَبَ ِ‬
‫ص ُر َولَا ُيغْنِي عَن َ‬
‫َأبَ تِ لِ مَ َتعُْبدُ مَا لَا يَ سْ َم ُع وَلَا يُبْ ِ‬
‫صرَاطا َسوِيّا (‪ )43‬يَا َأبَ تِ‬
‫َق ْد جَاءنِي مِ َن اْلعِلْ مِ مَا لَ مْ َي ْأتِ كَ فَاتِّبعْنِي َأ ْهدِ كَ ِ‬
‫ت ِإنّي َأخَافُ‬
‫لَا تَعُْب ِد الشّيْطَا َن إِنّ الشّيْطَانَ كَانَ لِل ّرحْمَنِ َعصِيّا (‪ )44‬يَا أَبَ ِ‬
‫ب مّ نَ الرّحْمَن فََتكُو َن لِلشّيْطَا ِن َولِيّا (‪ )45‬قَا َل أَرَاغِ بٌ‬
‫سكَ َعذَا ٌ‬
‫أَن يَمَ ّ‬
‫ج ْرنِي مَلِيّا (‪ )46‬قَالَ‬
‫ك وَاهْ ُ‬
‫أَن تَ عَ نْ آِلهَتِي يَا ِإبْراهِي مُ لَئِن لّ مْ تَنتَ ِه َلأَرْجُمَنّ َ‬
‫سَلَامٌ عَلَيْ كَ سََأسْتَ ْغ ِفرُ لَ كَ َربّ ي ِإنّ هُ كَا َن بِي َحفِيّا (‪َ )47‬وأَعَْت ِزلُكُ ْم وَمَا‬
‫َتدْعُو َن مِن دُو ِن اللّ ِه َوأَدْعُو َربّي عَ سَى َألّا أَكُو َن ِبدُعَاء َربّي َشقِيّا (‪)48‬‬
‫فَلَمّا اعَْت َزَلهُ مْ َومَا َيعُْبدُو َن مِن دُو ِن اللّ هِ َوهَبْنَا لَ ُه إِ سْحَاقَ وََي ْعقُو بَ وَكُلّا‬
‫صدْقٍ عَلِيّا (‬
‫َجعَلْنَا نَبِيّا (‪ )49‬وَ َوهَبْنَا َلهُم مّن ّرحْمَتِنَا َوجَعَلْنَا َلهُ ْم لِ سَانَ ِ‬
‫ب مُو سَى إِنّ هُ كَا َن مُخْلَصا وَكَا نَ رَ سُو ًل نّبِيّا ( ‪)51‬‬
‫‪ )50‬وَاذْ ُكرْ فِي الْكِتَا ِ‬
‫ب الطّورِ اْلأَيْمَ ِن َو َقرّبْنَا ُه نَجِيّا (‪َ )52‬ووَهَبْنَا لَ هُ مِن ّرحْمَتِنَا‬
‫َونَا َديْنَا هُ مِن جَانِ ِ‬
‫ق الْوَ ْعدِ‬
‫َأخَا ُه هَارُونَ نَبِيّا (‪ )53‬وَاذْ ُك ْر فِي الْكِتَابِ إِسْمَاعِي َل إِنّهُ كَانَ صَادِ َ‬
‫وَكَا نَ رَ سُو ًل نّبِيّا (‪ )54‬وَكَا َن َيأْ ُم ُر أَهْلَ هُ بِال صّلَا ِة وَالزّكَاةِ وَكَا نَ عِندَ َربّ هِ‬
‫َمرْضِيّا (‪ )55‬وَاذْ ُك ْر فِي الْكِتَابِـِإدْرِيسَـِإنّهُـ كَانَـ صِـدّيقا نّبِيّا ( ‪)56‬‬
‫وَ َر َفعْنَا ُه مَكَانا عَلِيّا (‪ُ )57‬أ ْولَئِ كَ اّلذِي نَ َأْنعَ مَ اللّ هُ عَلَيْهِم مّ َن النّبِيّيَ مِن‬
‫ح َومِن ذُ ّرّيةِ ِإْبرَاهِي َم وَإِ ْسرَائِيلَ َومِمّ ْن َهدَيْنَا‬
‫ذُ ّرّيةِ آدَ َم َومِمّ ْن حَمَلْنَا مَ عَ نُو ٍ‬
‫‪65‬‬ ‫توفيق الرحن ف دروس القرآن‬

‫وَاجْتَبَيْنَا إِذَا تُتْلَى َعلَ ْيهِ مْ آيَا تُ ال ّرحْمَن خَرّوا سُجّدا َوبُكِيّا (‪ )58‬فَخَلَ فَ‬
‫سوْفَ يَ ْل َقوْ نَ غَيّا (‬
‫ت فَ َ‬
‫شهَوَا ِ‬
‫ف أَضَاعُوا ال صّلَاةَ وَاتّبَعُوا ال ّ‬
‫مِن َبعْ ِدهِ ْم خَلْ ٌ‬
‫ب وَآمَنَ وَعَ ِملَ صَالِحا َفُأوْلَئِكَ َي ْدخُلُو َن الْجَّن َة َولَا يُظْلَمُونَ‬
‫‪ِ )59‬إلّا مَن تَا َ‬
‫ب ِإنّ هُ كَا َن وَ ْعدُ هُ‬
‫شَيْئا (‪ )60‬جَنّا تِ َعدْ ٍن الّتِي وَ َعدَ ال ّرحْمَ نُ عِبَادَ ُه بِالْغَيْ ِ‬
‫َم ْأتِيّا (‪ )61‬لَا يَ سْ َمعُونَ فِيهَا َلغْوا ِإلّا سَلَاما َوَلهُ مْ رِ ْز ُقهُ مْ فِيهَا ُبكْ َر ًة وَ َعشِيّا‬
‫(‪ )62‬تِلْكَ الْجَّن ُة الّتِي نُورِثُ مِنْ عِبَا ِدنَا مَن كَانَ َتقِيّا ( ‪ )63‬وَمَا نَتََنزّ ُل ِإلّا‬
‫ك َومَا كَا نَ َربّ كَ نَ سِيّا (‬
‫ِبَأمْرِ َربّ كَ لَ ُه مَا بَيْ َن َأيْدِينَا َومَا خَ ْلفَنَا َومَا بَيْ َن َذلِ َ‬
‫ض َومَا بَيَْنهُمَا فَاعُْبدْهُ وَاصْطَِب ْر ِلعِبَا َدتِهِ َهلْ تَعْلَمُ‬
‫ت وَاْلأَرْ ِ‬
‫‪َ )64‬ربّ السّمَاوَا ِ‬
‫َل ُه سَمِيّا (‪﴾ )65‬‬

‫***‬
‫الزء الثالث‬ ‫‪66‬‬

‫صدّيقا نّبِيّا (‬
‫قوله عز وجل ‪ ﴿ :‬وَاذْ ُك ْر فِي الْكِتَا بِ ِإْبرَاهِي مَ ِإنّ هُ كَا نَ ِ‬
‫ص ُر َولَا ُيغْنِي عَن كَ‬
‫ت لِ َم َتعُْبدُ مَا لَا يَ سْمَ ُع َولَا يُبْ ِ‬
‫‪ِ )41‬إ ْذ قَا َل ِلأَبِي هِ يَا َأبَ ِ‬
‫ك فَاتِّبعْنِي َأ ْهدِ كَ‬
‫ت ِإنّ ي َقدْ جَاءنِي مِ نَ اْلعِلْ مِ مَا لَ مْ َي ْأتِ َ‬
‫شَيْئا (‪ )42‬يَا َأبَ ِ‬
‫ت لَا َتعْبُ ِد الشّيْطَا َن إِنّ الشّيْطَا نَ كَا نَ لِلرّحْمَ نِ‬
‫صرَاطا َسوِيّا (‪ )43‬يَا َأبَ ِ‬
‫ِ‬
‫ب مّ نَ ال ّرحْمَن فََتكُو نَ‬
‫سكَ َعذَا ٌ‬
‫ت ِإنّ ي َأخَا فُ أَن يَمَ ّ‬
‫عَ صِيّا (‪ )44‬يَا أَبَ ِ‬
‫ب أَن تَ عَ نْ آِلهَتِي يَا ِإبْراهِي ُم لَئِن لّ مْ تَنتَ هِ‬
‫لِلشّيْطَا نِ َولِيّا (‪ )45‬قَا َل أَرَاغِ ٌ‬
‫جرْنِي مَلِيّا (‪ )46‬قَالَ سَلَامٌ عَلَيْ كَ َسأَسَْت ْغفِ ُر لَ كَ َربّ ي إِنّ هُ‬
‫َلأَ ْرجُمَنّ كَ وَاهْ ُ‬
‫كَا َن بِي حَفِيّا (‪َ )47‬وأَعَْت ِزلُكُمْ وَمَا تَدْعُو َن مِن دُو ِن اللّهِ َوَأدْعُو َربّي عَسَى‬
‫َألّا أَكُو َن ِبدُعَاء َربّي َشقِيّا (‪. ﴾ )48‬‬
‫قال البغوي ‪ :‬الصَديق ‪ :‬الكثيَ الصَدق القائم عليَه وعَن السَن ‪:‬‬
‫ج ْرنِي مَِليّا ﴾ ‪ ،‬قال طويلً ‪ .‬قال ابن إسحاق يقول ‪ :‬دهرًا والدهر‬ ‫﴿ وَاهْ ُ‬
‫اللي وعن ابن عباس [ قوله ] ‪ِ ﴿ :‬إنّهُ كَا َن بِي َح ِفيّا ﴾ ‪ ،‬يقول ‪ :‬لطيفًا ‪.‬‬
‫قال ا بن جر ير ‪ :‬وقوله ‪َ ﴿ :‬وأَ ْعتَزُِلكُ ْم وَمَا تَ ْدعُو َن مِن دُو نِ اللّ هِ ﴾ ‪،‬‬
‫يقول ‪ :‬وأجتنبكم وما تدعون من دون ال من الوثان والصنام ‪َ ﴿ ،‬وأَ ْدعُو‬
‫َربّي ﴾ ‪ ،‬يقول ‪ :‬وأدعو رب بإخلص العبادة له وإفراده بالربوبية ‪ ﴿ ،‬عَ سَى‬
‫ُونَ بِ ُدعَاء َربّيَ َش ِقيّا ﴾ ‪ ،‬يقول ‪ :‬عسَى أن ل أشقَى بدعاء ربَ ‪،‬‬
‫أَلّا أَك َ‬
‫ولكن ييب دعاء رب ‪ ،‬ويعطن ما أسأله ‪.‬‬
‫‪67‬‬ ‫توفيق الرحن ف دروس القرآن‬

‫قوله عز وجل ‪ ﴿ :‬فَلَمّا اعَْت َزَلهُ ْم وَمَا َيعُْبدُو َن مِن دُو ِن اللّ هِ َوهَبْنَا لَ هُ‬
‫ب وَكُلّا َجعَلْنَا نَبِيّا (‪ )49‬وَ َوهَبْنَا لَهُم مّ ن ّرحْمَتِنَا َوجَعَلْنَا‬
‫ق َوَي ْعقُو َ‬
‫إِ سْحَا َ‬
‫صدْقٍ عَلِيّا (‪. ﴾ )50‬‬
‫َل ُهمْ ِلسَانَ ِ‬
‫ق عَِليّا ﴾ ‪ ،‬يقول ‪ :‬الثناء‬
‫عن ابن عباس قوله ‪ ﴿ :‬وَ َجعَ ْلنَا َلهُ مْ لِ سَانَ صِ ْد ٍ‬
‫السن ‪.‬‬
‫قوله عز وجل ‪ ﴿ :‬وَاذْ ُك ْر فِي اْلكِتَا بِ مُو سَى ِإنّ هُ كَا َن مُخْلَصا وَكَا نَ‬
‫رَ سُو ًل نّبِيّا (‪ )51‬وَنَا َديْنَا ُه مِن جَانِ بِ الطّو ِر الَْأيْمَ ِن وَ َق ّربْنَا هُ نَجِيّا ( ‪)52‬‬
‫َووَهَبْنَا َلهُ مِن ّرحْمَتِنَا أَخَاهُ هَارُو َن نَبِيّا (‪. ﴾ )53‬‬
‫قال البغوي ‪ ﴿ :‬مُخْلَصا ﴾ ‪ ،‬أي ‪ :‬متارًا اختاره ال عز وجل ‪.‬‬
‫وقوله تعال ‪َ ﴿ :‬ونَا َدْينَا ُه مِن جَانِبِ الطّورِ الَْأيْمَ نِ ﴾ ‪ ،‬أي ‪ :‬جانبه الين‬
‫من موسى حي ذهب يبتغي من تلك النار جذوة ‪.‬‬
‫جيّا ﴾ ‪ ،‬قال ‪ُ :‬أ ْدنِيَ حت سع صريف القلم‬‫وعن ابن عباس ‪ ﴿ :‬وَقَ ّرْبنَا ُه نَ ِ‬
‫‪َ ﴿ .‬ووَ َهْبنَا لَ ُه مِن رّحْ َمِتنَا أَخَاهُ هَارُو َن َنِبيّا ﴾ ‪ ،‬قال ‪ :‬كان هارون أكب من‬
‫موسى ‪ ،‬ولكن أراد وهب له نبوته ‪.‬‬
‫ق اْلوَ ْعدِ‬
‫قوله عز وجل ‪ ﴿ :‬وَاذْ ُك ْر فِي الْكِتَابِ إِسْمَاعِي َل ِإنّ هُ كَانَ صَادِ َ‬
‫وَكَا نَ رَ سُو ًل نّبِيّا (‪ )54‬وَكَا َن َيأْ ُم ُر أَهْلَ هُ بِال صّلَا ِة وَالزّكَاةِ وَكَا نَ عِندَ َربّ هِ‬
‫َمرْضِيّا (‪. ﴾ )55‬‬
‫الزء الثالث‬ ‫‪68‬‬

‫ق اْلوَعْدِ ﴾ ‪ ،‬قال ‪ :‬ل َيعِ ْد شيئًا إ ّل‬


‫عن ماهد ف قوله ‪ِ ﴿ :‬إنّ هُ كَا نَ صَا ِد َ‬
‫و ف به ‪ .‬قال ب عض ال سلف ‪ :‬إن ا ق يل له ‪ :‬صادق الو عد ل نه قال لب يه ‪:‬‬
‫ستجدن إن شاء ال من الصابرين ‪ .‬فصدق ف ذلك ‪ .‬وقد قال النب ‪« :‬‬
‫آية النافق ثلث ‪ :‬إذا حدث كذب ‪ ،‬وإذا وعد أخلف ‪ ،‬وإذا اؤتن خان » ‪.‬‬
‫صدّيقا نّبِيّا (‬
‫س ِإنّ هُ كَا نَ ِ‬
‫قوله عز و جل ‪ ﴿ :‬وَاذْ ُك ْر فِي اْلكِتَا بِ ِإدْرِي َ‬
‫‪ )56‬وَ َر َفعْنَا ُه مَكَانا عَلِيّا (‪ُ )57‬أ ْولَئِ كَ اّلذِي نَ َأْنعَ مَ اللّ هُ عَلَيْهِم مّ َن النّبِيّيَ‬
‫ِسـرَائِيلَ‬
‫ِيمـ َوإ ْ‬
‫ُوحـ وَم ِن ذُ ّريّ ِة ِإْبرَاه َ‬
‫َعـ ن ٍ‬
‫ّنـ حَمَلْن َا م َ‬
‫َمـ وَمِم ْ‬
‫م ِن ذُ ّريّةِ آد َ‬
‫َومِمّ ْن َه َديْنَا وَاجْتَبَيْنَا ِإذَا تُتْلَى عَلَ ْيهِ مْ آيَا تُ ال ّرحْمَن َخرّوا سُجّدا َوُبكِيّا (‬
‫‪. ﴾ )58‬‬
‫َاهَ مَكَانا عَِليّا ﴾ ‪ ،‬قال ‪ :‬السَماء الرابعَة ‪ .‬وفَ‬
‫عَن ماهَد ‪ ﴿ :‬وَرََف ْعن ُ‬
‫حد يث العراج ف ال صحيحي أ نه ل ا عرج به إل ال سماء قال ‪ « :‬أت يت‬
‫على إدريس ف السماء الرابعة » ‪ .‬وعن العمش عن إبراهيم قال ‪ :‬قرأ عمر‬
‫ابن الطاب سورة مري فسجد فقال ‪ ( :‬هذا السجود فأين البكي ؟ ) ‪.‬‬
‫ف مِن َب ْع ِدهِ ْم خَلْ فٌ أَضَاعُوا ال صّلَا َة وَاتَّبعُوا‬
‫قوله عز و جل ‪ ﴿ :‬فَخَلَ َ‬
‫ب وَآمَ َن وَعَ ِملَ صَالِحا‬
‫سوْفَ يَ ْل َقوْ نَ غَيّا (‪ِ )59‬إلّا مَن تَا َ‬
‫شهَوَا تِ فَ َ‬
‫ال ّ‬
‫ك َيدْخُلُو نَ الْجَّن َة َولَا يُظْلَمُو نَ شَيْئا (‪ )60‬جَنّا تِ َعدْ ٍن الّتِي وَ َعدَ‬
‫َفُأوْلَئِ َ‬
‫ب ِإنّ هُ كَا َن وَ ْعدُ ُه مَ ْأتِيّا (‪ )61‬لَا يَ سْ َمعُونَ فِيهَا َلغْوا ِإلّا‬
‫الرّحْمَ نُ عِبَادَ ُه بِاْلغَيْ ِ‬
‫ث مِ نْ‬
‫ك الْجَّنةُ الّتِي نُورِ ُ‬
‫سَلَاما َولَهُ مْ رِ ْز ُقهُ مْ فِيهَا بُ ْك َرةً وَ َعشِيّا (‪ )62‬تِلْ َ‬
‫‪69‬‬ ‫توفيق الرحن ف دروس القرآن‬

‫عِبَادِنَا مَن كَا نَ تَقِيّا (‪ )63‬وَمَا نَتََن ّزلُ ِإلّا ِبَأ ْمرِ َربّ كَ لَ هُ مَا بَيْ نَ َأْيدِينَا َومَا‬
‫ت وَاْلأَرْ ضِ‬
‫ك َومَا كَا نَ َربّ كَ نَ سِيّا (‪َ )64‬ربّ ال سّمَاوَا ِ‬
‫خَ ْلفَنَا َومَا بَيْ َن َذلِ َ‬
‫َومَا بَيَْنهُمَا فَاعُْب ْدهُ وَاصْطَِب ْر ِلعِبَا َدِتهِ َه ْل َتعْلَ ُم َلهُ سَمِيّا (‪. ﴾ )65‬‬
‫عَن ابَن مسَعود أنَه قيَل له ‪ :‬إن ال يكثَر ذكَر الصَلة فَ القرآن ‪:‬‬
‫صلَاِتهِمْ دَائِمُو نَ ﴾ و ﴿‬ ‫﴿ الّذِي َن هُ ْم عَن صَلَاِتهِمْ سَاهُونَ ﴾ و﴿ عَلَى َ‬
‫لِتهِ ْم يُحَاِفظُو نَ ﴾ فقال ابن مسعود رضي ال عنه ‪ :‬على مواقيتها ‪،‬‬ ‫صَ‬‫عَلَى َ‬
‫قالوا ‪ :‬ما كنا نرى ذلك إل على الترك ‪ ،‬قال ‪ ( :‬ذاك الكفر ) ‪.‬‬
‫ف مِن َبعْ ِدهِ مْ خَلْ فٌ أَضَاعُوا ال صّلَا َة وَاّتَبعُوا‬‫و عن ما هد قوله ‪َ ﴿ :‬فخََل َ‬
‫ف يَ ْل َقوْ َن َغيّا ﴾ ‪ ،‬قال ‪ :‬عند قيام الساعة ‪ ،‬وذهاب صال أمة‬ ‫سوْ َ‬
‫ش َهوَاتِ فَ َ‬
‫ال ّ‬
‫ممد ‪ ،‬ينو بعضهم على بعض ف الزقّة ‪ .‬وعن أب عبيدة عن أبيه عبد‬
‫ف يَ ْل َقوْ َن َغيّا ﴾ ‪ ،‬قال ‪ :‬ن ر ف جه نم‬ ‫سوْ َ‬
‫ال أ نه قال ف هذه ال ية ‪ ﴿ :‬فَ َ‬
‫خبيث الطعم ‪ ،‬بعيد القعر ‪ ،‬يعذّب فيه الذين يتّبعون الشهوات ‪.‬‬
‫جّنةَ‬
‫ك يَدْ ُخلُو َن الْ َ‬ ‫وقوله تعال ‪ ﴿ :‬إِلّا مَن تَا َ‬
‫ب وَآمَ َن َوعَمِلَ صَالِحا َفُأوَْلئِ َ‬
‫ت عَدْ ٍن اّلتِي َوعَدَ الرّ ْحمَ نُ عِبَادَهُ بِالْ َغيْ بِ ﴾ ‪ ،‬يعن ‪:‬‬
‫وَلَا يُظَْلمُو َن َشيْئا * َجنّا ِ‬
‫ُهَ َمأِْتيّا ﴾ ‪ ،‬أي ‪ :‬العباد صَائرون إل مَا‬ ‫َانَ َوعْد ُ‬
‫ّهَ ك َ‬
‫أنمَ ل يروهَا ‪ِ ﴿ ،‬إن ُ‬
‫وعدهم ال ‪ ،‬ووعده آت ل مالة ‪ .‬وعن قتادة ‪ :‬قوله ‪ ﴿ :‬وََلهُ مْ رِزُْقهُ مْ فِيهَا‬
‫ُبكْ َر ًة َوعَشِيّا ﴾ ‪ ،‬فيها ساعتان ‪ :‬بكرة وعش يّ ‪ ،‬فإن ذلك لم لبس ث ليل ‪،‬‬
‫إناَ هَو ‪ :‬ضوء ‪ ،‬ونور ‪ ،‬وقال ‪ :‬كانَت العرب إذا أصَاب أحدهَم الغداء‬
‫الزء الثالث‬ ‫‪70‬‬

‫والعشاء يجَب له ‪ ،‬فأخَبهم ال أن لمَ فَ النَة بكرة وعشيًا قدر ذلك‬


‫ث مِ نْ عِبَا ِدنَا مَن كَا نَ‬ ‫جّنةُ اّلتِي نُورِ ُ‬ ‫ك الْ َ‬ ‫الغداء والعشاء ‪ .‬وقوله تعال ‪ ﴿ :‬تِلْ َ‬
‫َت ِقيّا ﴾ قال ابَن جريَر ‪ :‬يقول ‪ :‬مَن كان بكرة وعشيًَا قدر ذلك الغداء‬
‫والعشاء ذا اتقاء عذاب ال ‪ ،‬بأداء فرائضَه واجتناب معاصَيه ‪ .‬وعَن ابَن‬
‫عباس ‪ :‬أن ممدًا قال لبائيل ‪ « :‬ما ينعك أن تزورنا أكثر ما تزورنا » ؟‬
‫فنلت هذه الية ‪َ ﴿ :‬ومَا َنَتنَزّلُ إِلّا ِبَأمْرِ َربّ كَ لَ ُه مَا َبيْ نَ َأيْدِينَا َومَا خَ ْل َفنَا َومَا‬
‫ك نَ سِيّا ﴾ ‪ .‬قال ‪ :‬هذا الواب لحمد ‪ .‬رواه ابن‬ ‫ك َومَا كَا نَ َربّ َ‬
‫َبيْ نَ ذَلِ َ‬
‫ْنَ أَيْدِينَا ﴾ مَن أمَر‬ ‫َهَ مَا َبي َ‬ ‫جريَر وغيه ‪ .‬وقال سَعيد بَن جَبي ‪ ﴿ :‬ل ُ‬
‫الخرة ‪َ ﴿ ،‬ومَا َخ ْلفَنَا ﴾ ما مضى من الدنيا ‪ .‬وعن ماهد ﴿ َومَا كَانَ َربّكَ‬
‫سيّا ﴾ قال ‪ :‬ما ن سيك ر بك ‪ .‬و عن قتادة ‪ :‬قوله ‪ ﴿ :‬هَ ْل َتعْلَ مُ لَ هُ سَ ِميّا‬ ‫نَ ِ‬
‫﴾ ‪ ،‬ل سيّ ل ول عدل له ‪ ،‬كل خلقه يقوله ويعترف ‪ :‬ال خالقه ‪ ،‬ويعرف‬
‫ذلك ث يقرأ هذه ال ية ‪ ﴿ :‬ولئن سألتهم من خلق هم ليقولن ال ﴾ ‪ .‬و عن‬
‫ما هد ف هذه ال ية ‪ ﴿ :‬هَ ْل َتعْلَ مُ لَ هُ سَ ِميّا ﴾ ‪ ،‬قال ‪ :‬هل تعلم له شبيهًا ؟‬
‫هل تعلم له مثلً تبارك وتعال ؟ ‪.‬‬

‫***‬
‫‪71‬‬ ‫توفيق الرحن ف دروس القرآن‬

‫الدرس الرابع والستون بعد الائة‬

‫َجـ حَيّا (‪ )66‬أَ َولَا َيذْ ُكرُ‬


‫ف ُأخْر ُ‬
‫َسـوْ َ‬
‫﴿ َويَقُو ُل الْإِنسـَا ُن َأئِذَا مَا مِتّ ل َ‬
‫ُمـ‬
‫ش َرّنه ْ‬
‫حُ‬‫ّكـ لَنَ ْ‬
‫َكـ شَيْئا (‪َ )67‬فوَ َرب َ‬
‫َمـ ي ُ‬
‫َاهـ مِن قَ ْب ُل َول ْ‬
‫اْلإِنسـَا ُن أَنّاـ خَلَقْن ُ‬
‫ض َرّنهُمْ َحوْ َل َجهَنّ َم جِثِيّا (‪ُ )68‬ثمّ لَنَنِ َعنّ مِن ُك ّل شِي َعةٍ‬
‫وَالشّيَا ِطيَ ُثمّ لَنُحْ ِ‬
‫َأّيهُ مْ أَ َشدّ عَلَى ال ّرحْمَ نِ عِتِيّا (‪ )69‬ثُمّ لَنَحْ ُن أَعْلَ مُ بِاّلذِي نَ هُ ْم َأوْلَى بِهَا‬
‫صِلِيّا (‪ )70‬وَإِن مّنكُ ْم ِإلّا وَارِدُهَا كَا نَ عَلَى َربّ كَ حَتْما ّمقْضِيّا (‪ )71‬ثُمّ‬
‫نُنَجّ ي اّلذِي نَ اّتقَوا ّونَذَ ُر الظّالِمِيَ فِيهَا جِثِيّا (‪ )72‬وَِإذَا تُتْلَى عَلَ ْيهِ مْ آيَاتُنَا‬
‫بَيّنَا تٍ قَالَ اّلذِي نَ َك َفرُوا لِ ّلذِي نَ آمَنُوا أَيّ الْ َفرِيقَيْ ِن خَ ْيرٌ ّمقَاما وََأحْ سَ ُن َن ِديّا‬
‫س ُن َأثَاثا وَ ِرئْيا (‪ُ )74‬قلْ مَن‬
‫(‪ )73‬وَكَ مْ َأهْ َلكْنَا قَبْلَهُم مّ ن َقرْ نٍ هُ مْ َأحْ َ‬
‫كَا َن فِي الضّلَاَلةِ فَلْيَ ْم ُد ْد لَ هُ الرّحْمَ ُن َمدّا حَتّ ى ِإذَا َرأَوْا مَا يُو َعدُو َن ِإمّ ا‬
‫ف جُندا (‪)75‬‬
‫ضعَ ُ‬
‫اْلعَذَا بَ َوِإمّ ا ال سّا َع َة فَ سََيعْلَمُونَ مَ ْن هُ َو َشرّ ّمكَانا وَأَ ْ‬
‫ك َثوَابا‬
‫ت خَ ْيرٌ عِندَ َربّ َ‬
‫َوَيزِيدُ اللّ ُه الّذِي نَ اهَْتدَوْا هُدًى وَالْبَاقِيَا تُ ال صّالِحَا ُ‬
‫َوخَ ْيرٌ ّم َردّا (‪َ )76‬أ َف َرأَيْ تَ اّلذِي َك َفرَ بِآيَاتِنَا َوقَالَ َلأُوتَيَنّ مَالً َو َولَدا (‪)77‬‬
‫ب مَا َيقُولُ‬
‫سـنَكْتُ ُ‬
‫َنـ َعهْدا (‪ )78‬كَلّا َ‬
‫خذَ عِندَ الرّحْم ِ‬
‫َمـ اتّ َ‬
‫ْبـ أ ِ‬
‫َعـ اْلغَي َ‬
‫أَاطّل َ‬
‫خذُوا‬
‫َونَ ُم ّد لَ ُه مِنَ اْل َعذَابِ َمدّا (‪َ )79‬وَنرِثُ ُه مَا َيقُولُ وََي ْأتِينَا َفرْدا (‪ )80‬وَاتّ َ‬
‫ِمـ‬
‫سـيَ ْك ُفرُو َن ِبعِبَا َدِته ْ‬
‫ُمـ ِعزّا (‪ )81‬كَلّا َ‬
‫ّهـ آِل َهةً لّيَكُونُوا َله ْ‬
‫ُونـ الل ِ‬
‫م ِن د ِ‬
‫ضدّا (‪َ )82‬ألَ مْ َت َر َأنّ ا أَرْ سَلْنَا الشّيَاطِيَ عَلَى اْلكَا ِفرِي نَ‬
‫َويَكُونُو نَ عَلَ ْيهِ مْ ِ‬
‫شرُ‬
‫حُ‬‫ْمـ نَ ْ‬
‫ُمـ َعدّا (‪ )84‬يَو َ‬
‫ِمـ ِإنّمَا َنعُ ّد َله ْ‬
‫جلْ عَلَ ْيه ْ‬
‫ُمـ أَزّا (‪ )83‬فَلَا َتعْ َ‬
‫َتؤُ ّزه ْ‬
‫الزء الثالث‬ ‫‪72‬‬

‫ج ِرمِيَ ِإلَى َجهَنّ مَ وِرْدا (‪)86‬‬


‫ق الْمُ ْ‬
‫الْمُّتقِيَ ِإلَى ال ّرحْمَ ِن َوفْدا (‪ )85‬وَنَ سُو ُ‬
‫خذَ‬
‫َنـ َعهْدا (‪َ )87‬وقَالُوا اتّ َ‬
‫خذَ عِن َد ال ّرحْم ِ‬
‫َنـ اتّ َ‬
‫شفَا َعةَ ِإلّا م ِ‬
‫ُونـ ال ّ‬
‫لَا يَمْ ِلك َ‬
‫ت يََتفَ ّطرْ َن مِنْهُ‬
‫الرّحْ َمنُ َولَدا (‪َ )88‬ل َقدْ جِئُْتمْ شَيْئا ِإدّا (‪ )89‬تَكَادُ السّمَاوَا ُ‬
‫خ ّر الْجِبَالُ َهدّا (‪ )90‬أَن دَ َعوْا لِل ّرحْمَ نِ َولَدا (‪ )91‬وَمَا‬
‫ض وَتَ ِ‬
‫شقّ اْلأَرْ ُ‬
‫َوتَن َ‬
‫ت وَاْلأَرْ ضِ إِلّا‬
‫خذَ َولَدا (‪ )92‬إِن ُك ّل مَن فِي ال سّمَاوَا ِ‬
‫يَنَبغِي لِلرّحْمَ نِ أَن يَتّ ِ‬
‫آتِي ال ّرحْمَنِ عَبْدا (‪َ )93‬ل َقدْ َأحْصَا ُهمْ وَ َعدّهُمْ َعدّا (‪ )94‬وَكُّلهُمْ آتِيهِ َيوْمَ‬
‫ُمـ‬
‫ج َع ُل َله ُ‬
‫سـيَ ْ‬
‫ِينـ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصـّالِحَاتِ َ‬
‫اْلقِيَا َمةِ َفرْدا (‪ )95‬إِن ّ اّلذ َ‬
‫شرَ بِ هِ الْمُّتقِيَ َوتُنذِ َر بِ ِه َقوْما‬
‫ك لِتَُب ّ‬
‫س ْرنَا ُه بِلِ سَانِ َ‬
‫الرّحْمَ نُ ُودّا (‪َ )96‬فِإنّمَا يَ ّ‬
‫س مِ ْنهُم مّ نْ أَ َحدٍ َأ ْو تَ سْ َمعُ‬
‫ّلدّا (‪ )97‬وَكَ مْ َأهْ َلكْنَا قَبْ َلهُم مّن َقرْ نٍ هَ ْل تُحِ ّ‬
‫َل ُهمْ رِكْزا (‪. ﴾ )98‬‬

‫***‬
‫‪73‬‬ ‫توفيق الرحن ف دروس القرآن‬

‫ف أُ ْخرَ جُ حَيّا (‬
‫سوْ َ‬
‫قوله عز و جل ‪ ﴿ :‬وََيقُو ُل الْإِن سَا ُن أَِئذَا مَا مِتّ لَ َ‬
‫‪َ )66‬أ َولَا َيذْ ُكرُ اْلإِن سَا ُن أَنّا خَلَقْنَا ُه مِن قَ ْب ُل َولَ ْم يَ كُ شَيْئا ( ‪َ )67‬فوَرَبّ كَ‬
‫ض َرنّهُ مْ َحوْ َل َجهَنّ مَ جِثِيّا (‪ )68‬ثُمّ لَنَنِعَنّ‬
‫ش َرّنهُ ْم وَالشّيَاطِيَ ثُمّ لَنُحْ ِ‬
‫حُ‬‫لَنَ ْ‬
‫مِن ُك ّل شِي َع ٍة َأيّهُمْ أَ َشدّ عَلَى ال ّرحْمَنِ عِتِيّا (‪ُ )69‬ثمّ لَنَحْ ُن أَعْلَمُ بِاّلذِي َن هُمْ‬
‫َأ ْولَى ِبهَا صِلِيّا (‪ )70‬وَإِن مّنكُ ْم ِإلّا وَارِ ُدهَا كَانَ عَلَى َربّكَ حَتْما ّمقْضِيّا (‬
‫ي فِيهَا جِثِيّا (‪. ﴾ )72‬‬
‫‪ُ )71‬ث ّم نُنَجّي اّلذِي َن اتّقَوا ّوَنذَرُ الظّالِمِ َ‬
‫ف الصحيح عن النب أنه قال ‪ « :‬يقول ال تعال ‪ :‬كذبن ابن آدم ول‬
‫يكَن له ذلك ‪ ،‬وآذانَ ول يكَن له ذلك ‪ ،‬فأمَا تكذيبَه إياي فقوله ‪ :‬لن‬
‫يعيد ن ك ما بدأ ن ول يس أول اللق بأهون عل يّ من إعاد ته ‪ ،‬وأ ما أذاه إياي‬
‫فقوله ‪ :‬إن با ولدًا وأنا الحد الصمد الذي ل يلد ول يولد ول يكن له كفوًا‬
‫أحد » ‪.‬‬
‫حضِ َرّنهُ مْ َحوْلَ َج َهنّ مَ ِجِثيّا ﴾ ‪ ،‬يع ن ‪:‬‬ ‫و عن ا بن عباس قوله ‪ ﴿ :‬ثُمّ َلنُ ْ‬
‫القعود ‪ ،‬وهو مثل قوله ‪َ ﴿ :‬وتَرَى كُلّ ُأ ّمةٍ جَاِثَيةً ﴾ ‪ ﴿ .‬ثُمّ َلنَ ِنعَنّ مِن كُلّ‬
‫شِي َعةٍ َأّيهُ مْ َأشَدّ عَلَى الرّ ْحمَ ِن عِِتيّا ﴾ ‪ ،‬يقول ‪ :‬أي هم أ شد للرح ن مع صية ‪.‬‬
‫وهي ‪ :‬معصيته ف الشرك ‪ .‬وقال أبو الحوص ‪ :‬نبدأ بالكب فالكب جرمًا ‪.‬‬
‫وقوله تعال ‪ ﴿ :‬ثُمّ َلنَ ْ‬
‫حنُ أَعَْل ُم بِالّذِي َن هُمْ َأوْلَى ِبهَا صِِليّا ﴾ ‪.‬‬
‫قال البغوي ‪ :‬أي ‪ :‬أحَق بدخول النار ‪ ،‬يقال ‪ :‬صَلى يصَلى صَليّا إذا‬
‫دخل النار وقاسى حرّها ‪.‬‬
‫الزء الثالث‬ ‫‪74‬‬

‫وقال ا بن كث ي ‪ :‬ث ها ه نا لع طف ال ب على ال ب ‪ ،‬والراد ‪ :‬أ نه تعال‬


‫أعلم ب ن ي ستحق من العباد أن ي صلى بنار جه نم ويلد في ها ‪ ،‬وب ن ي ستحق‬
‫تضعيف العذاب ‪.‬‬
‫ّكَ َحتْما‬ ‫َانَ عَلَى َرب َ‬‫ُمَإِلّا وَارِدُهَا ك َ‬
‫وعَن ابَن عباس قوله ‪َ ﴿ :‬وإِن مّنك ْ‬
‫ضيّا ﴾ ‪ ،‬يعن ‪ :‬الب والفاجر ‪ .‬وعن ابن مسعود ‪َ ﴿ :‬وإِن مّنكُمْ إِلّا وَارِ ُدهَا‬ ‫ّم ْق ِ‬
‫﴾ ‪ ،‬قال ‪ :‬داخلها ‪ .‬وعنه قال ‪ :‬قال رسول ال ‪ « :‬يردها الناس كلهم ث‬
‫يَ صْدُرون عنها بأعمالم » ‪ .‬رواه أحد وغيه ‪ .‬وف الصحيحي عن النب‬
‫قال ‪ « :‬ل يوت لحَد مَن السَلمي ثلثَة مَن الولد تسَه النار إ ّل تَحِلّه‬
‫القسم » ‪.‬‬
‫وعن أب سعيد الدري قال ‪ :‬سعت رسول ال يقول ‪ « :‬يوضع الصراط‬
‫ب ي ظهري جه نم عل يه ح سك كح سك ال سعدان ‪ ،‬ث ي ستجيز الناس فناج‬
‫ج ومت بس ومكدس في ها ح ت إذا فرغ ال من‬ ‫م سلّم ‪ ،‬ومروح به ‪ ،‬ث نا ٍ‬
‫القضاء بي العباد تفقد الؤمنون رجا ًل كانوا معهم ف الدنيا ‪:‬يصلون صلتم‪،‬‬
‫ويزكون زكاتم ‪ ،‬ويصومون صيامهم ‪ ،‬ويجون حجهم ‪ ،‬ويغزون غزوهم ‪،‬‬
‫فيقولون ‪ :‬أي ربنا من عبادك كانوا معنا ف الدنيا يصلون صلتنا ‪ ،‬ويزكون‬
‫زكاتنا ‪ ،‬ويصومون صومنا ‪ ،‬ويجون حجنا ‪ ،‬ويغزون غزونا ‪ ،‬ل نراهم ! ‪.‬‬
‫فيقول ‪ :‬اذهبوا إل النار فمَن وجدتَ فيهَا منهَم فأخرجوه ‪ .‬فيجدونمَ قَد‬
‫أخذت م النار على قدر أعمال م ‪ ،‬فمن هم من أخذ ته النار إل قدم يه ‪ ،‬ومن هم‬
‫من أخذته النار إل نصف ساقيه ‪ ،‬ومنهم من أخذته إل ركبتيه ‪ ،‬ومنهم من‬
‫‪75‬‬ ‫توفيق الرحن ف دروس القرآن‬

‫أخذتَه إل ثدييَه ‪ ،‬ومنهَم مَن أخذتَه إل عنقَه ‪ ،‬ول تغَش الوجوه ‪.‬‬
‫فيستخرجونم منها ‪ ،‬فيطرحون ف ماء الياة ‪ .‬قيل وما ماء الياة يا رسول‬
‫ال ؟ قال ‪ « :‬غسل أهل النة فينبتون كما تنبت الزرعة ف غثاء السيل ‪ .‬ث‬
‫تشفع النبياء ف كل من كان يشهد أن ل إله إل ال مل صًا ‪ ،‬فيستخرجونم‬
‫من ها ‪ ،‬ث يتح نن ال برحته على من في ها ف ما يترك فيها عبدًا ف قلبه مثقال‬
‫ذرة من اليان إل أخرجه منها » ‪ .‬رواه ابن جرير ‪.‬‬
‫وعن حفصة قالت ‪ :‬قال رسول ال ‪ « :‬إن لرجو أن ل يدخل النار‬
‫إن شاء ال أحَد شهَد بدرًا والديبيَة » ‪ ،‬قالت فقلت ‪ :‬أليَس ال يقول‬
‫ُمَإِلّا وَارِدُهَا ﴾ ‪ .‬قالت ‪ :‬فسَمعته يقول ‪ ﴿ « :‬ثُمّ ُننَجّيَ‬‫‪َ ﴿ :‬وإِن مّنك ْ‬
‫الّذِي َن اّتقَوا ّونَذَرُ الظّالِمِيَ فِيهَا ِجِثيّا ﴾ » ‪ .‬رواه أحد وغيه ‪.‬‬
‫قوله عـز وجـل ‪ ﴿ :‬وَِإذَا تُتْلَى عَلَ ْيهِم ْـ آيَاتُنَا بَيّنَاتٍـ قَالَ اّلذِينَـ َك َفرُوا‬
‫َمـ َأهْ َلكْنَا‬
‫ْسـنُ نَ ِديّا (‪ )73‬وَك ْ‬
‫ْنـ خَ ْيرٌ ّمقَاما وََأح َ‬
‫ِينـ آمَنُوا أَيّ اْل َفرِيقَي ِ‬
‫لِ ّلذ َ‬
‫سنُ أَثَاثا وَ ِرئْيا (‪ُ )74‬ق ْل مَن كَا نَ فِي الضّلَالَةِ‬
‫قَبْلَهُم مّ ن َقرْ نٍ هُ مْ َأحْ َ‬
‫ب وَِإمّا ال سّا َعةَ‬
‫فَلْيَ ْم ُد ْد لَ ُه ال ّرحْمَ ُن َمدّا حَتّى ِإذَا َرَأوْا مَا يُو َعدُو َن ِإمّا اْلعَذَا َ‬
‫ضعَفُ جُندا (‪َ )75‬وَيزِيدُ اللّ ُه الّذِينَ اهَْتدَوْا‬
‫فَسََيعْلَمُو َن مَنْ ُهوَ شَ ّر ّمكَانا َوأَ ْ‬
‫ك ثَوَابا َوخَيْ ٌر ّم َردّا (‪. ﴾ )76‬‬
‫ت خَيْرٌ عِندَ َرّب َ‬
‫ُهدًى وَالْبَاقِيَاتُ الصّالِحَا ُ‬
‫عن ابن عباس ‪َ ﴿ :‬وإِذَا تُتْلَى عََلْيهِ مْ آيَاُتنَا َبّينَا تٍ قَا َل الّذِي نَ َكفَرُوا لِلّذِي َن‬
‫َ ُن نَ ِديّا ﴾ ‪ ،‬قال ‪ :‬القام السَكن ‪،‬‬ ‫َ َخْي ٌر ّمقَاما َوأَحْس َ‬ ‫آ َمنُوا أَيَّ اْلفَرِي َقيْن ِ‬
‫الزء الثالث‬ ‫‪76‬‬

‫والند يّ ‪ :‬الجلس ‪ ،‬والنع مة ‪ ،‬والبه جة ‪ .‬قال قتادة ‪ :‬رأوا أ صحاب ر سول‬


‫ال ف عيشهم خشونة ‪ ،‬وفيهم قشافة فعرض أهل الشرك با تسمعون ‪﴿ ،‬‬
‫وَكَ مْ َأهَْلكْنَا َقْبلَهُم مّ ن قَرْ نٍ هُ مْ أَحْ سَنُ َأثَاثا وَ ِرئْيا ﴾ ‪ ،‬قال ‪ :‬أك ثر متاعًا‬
‫وأحسن منلة ومستقرًا ‪ ،‬فأهلك أموالم وأفسد صورهم عليهم تبارك وتعال‬
‫‪ .‬وقال ابن عباس ‪ :‬الرئ ّي ‪ :‬النظر السن ‪.‬‬
‫وعن ماهد قوله ‪ ﴿ :‬فِي الضّلَاَلةِ َف ْليَمْدُدْ لَ هُ الرّ ْحمَ نُ مَدّا ﴾ ‪ ،‬فليدعه ال‬
‫ف طغيانه ‪.‬‬
‫وقوله تعال ‪َ ﴿ :‬حتّى ِإذَا َرَأوْا مَا يُوعَدُونَ ِإمّا الْعَذَابَ َوِإمّا ﴾ ‪ ،‬أي ‪ :‬ف‬
‫َسََيعْلَمُو َن ﴾ عنَد ذلك ‪،‬‬
‫الدنيَا ‪َ ﴿ ،‬وِإمّاَ السَّا َعةَ ﴾ فيدخلون النار ‪ ﴿ ،‬ف َ‬
‫ضعَ فُ جُندا ﴾ أهم ‪ ،‬أم الؤمنون ؟ ﴿ َويَزِيدُ اللّ هُ‬ ‫﴿ مَ ْن ُهوَ َش ّر ّمكَانا َوأَ ْ‬
‫َ‬‫َ ا ْهتَ َدوْا هُدًى ﴾ ‪ ،‬أي ‪ :‬إيانًَا ويقينًَا على يقينهَم ﴿ وَاْلبَاقِيَات ُ‬ ‫الّذِين َ‬
‫َى‬ ‫َالة الت َ تبقَ‬ ‫َع العمال الصَ‬ ‫الص َّالِحَاتُ ﴾ أي ‪ :‬الذكار ‪ ،‬وجيَ‬
‫لصاحبها ‪َ ﴿ ،‬خيْ ٌر عِندَ َربّكَ َثوَابا َو َخيْ ٌر مّ َردّا ﴾ ‪ ،‬أي ‪ :‬عاقبة ‪ ،‬ومرجعًا ‪.‬‬
‫ت الّذِي َك َف َر بِآيَاتِنَا َوقَا َل َلأُوتََينّ مَا ًل وَ َولَدا (‬
‫قوله عز وجل ‪َ ﴿ :‬أفَ َرَأيْ َ‬
‫مَا‬ ‫خذَ عِن َد الرّحْمَ نِ َعهْدا (‪ )78‬كَلّا سَنَكْتُبُ‬
‫ب أَ ِم اتّ َ‬
‫‪ )77‬أَطّ َل َع الْغَيْ َ‬
‫ب َمدّا (‪ )79‬وََن ِرثُ هُ مَا يَقُو ُل َويَ ْأتِينَا َفرْدا (‪)80‬‬
‫َيقُو ُل وَنَ ُم ّد لَ هُ مِ َن الْ َعذَا ِ‬
‫﴾‪.‬‬
‫‪77‬‬ ‫توفيق الرحن ف دروس القرآن‬

‫ل قينًا وكان ل‬ ‫ف ال صحيحي عن خباب بن الرت قال ‪ ( :‬ك نت رج ً‬


‫على العاص بن وائل دين ‪ ،‬فأتيته أتقاضاه منه فقال ‪ :‬ل وال ل أقضيك حت‬
‫تك فر بحمد فقلت ‪ :‬ل و ال ل أكفر بحمد حت توت ث تُب عث قال ‪:‬‬
‫َمَ مال وولد فأعطيتَك ‪ ،‬فأنزل ال ‪:‬‬ ‫متَ ثَ بعثَت جئتنَ ول ث ّ‬ ‫فإنَ إذا ّ‬
‫﴿ أَفَ َرَأيْ تَ الّذِي َكفَ َر بِآيَاِتنَا وَقَالَ َلأُوَتيَنّ مَالً َووَلَدا إل قوله ‪َ ﴿ :‬ويَ ْأتِينَا‬
‫َفرْدا ﴾ ‪.‬‬
‫وقوله تعال ‪َ ﴿ :‬أطّلَ َع اْل َغيْبَ أَمِ اتّخَذَ عِندَ الرّحْمَ ِن َعهْدا * َكلّا ﴾ ‪ ،‬قال‬
‫البغوي ‪ :‬ر ّد عليه ‪ ،‬يعن ‪ :‬ل يفعل ذلك ‪.‬‬
‫وقال ابن كثي ‪ :‬وقوله ‪َ ﴿ :‬كلّا ﴾ ‪ ،‬هي حرف ردع لا قبلها ‪ ،‬وتأكيد‬
‫لا بعدها ‪.‬‬
‫وعن ماهد قوله ‪َ ﴿ :‬ونَ ِرثُ ُه مَا َيقُولُ ﴾ ماله وولده ‪َ ﴿ ،‬ويَ ْأتِينَا َفرْدا ﴾ ‪،‬‬
‫قال قتادة ‪ :‬ل مال له ول ولد ‪.‬‬
‫خذُوا مِن دُو ِن اللّهِ آِل َه ًة لَّيكُونُوا َلهُمْ ِعزّا (‪)81‬‬
‫قوله عز وجل ‪ ﴿ :‬وَاتّ َ‬
‫ضدّا (‪َ )82‬ألَ مْ َت َر َأنّ ا أَرْ سَلْنَا‬
‫كَلّا سَيَ ْك ُفرُو َن ِبعِبَا َدِتهِ مْ وََيكُونُو نَ عَلَ ْيهِ مْ ِ‬
‫جلْ عَلَ ْيهِ مْ ِإنّمَا َنعُ ّد َلهُ مْ‬
‫الشّيَاطِيَ َعلَى الْكَا ِفرِي َن تَؤُ ّزهُ مْ أَزّا (‪ )83‬فَلَا َتعْ َ‬
‫ج ِرمِيَ‬
‫ق الْمُ ْ‬
‫شرُ الْمُّتقِيَ ِإلَى الرّحْمَ ِن َوفْدا ( ‪ )85‬وَنَسُو ُ‬
‫حُ‬‫َعدّا (‪ )84‬يَوْ َم َن ْ‬
‫خذَ عِندَ الرّحْمَنِ َعهْدا‬
‫شفَا َعةَ ِإلّا مَ ِن اتّ َ‬
‫ِإلَى َجهَنّمَ وِرْدا (‪ )86‬لَا يَمْ ِلكُونَ ال ّ‬
‫(‪. ﴾ )87‬‬
‫الزء الثالث‬ ‫‪78‬‬

‫ضدّا ﴾ ‪ ،‬قال ‪ :‬أعداء ‪.‬‬


‫َ ِ‬
‫َ عََلْيهِم ْ‬
‫قال الضحاك فَ قوله ‪َ ﴿ :‬وَيكُونُون َ‬
‫وقال ماهد ‪ :‬عدنا عليهم ناصمهم ونكذبم ‪.‬‬
‫وقوله تعال ‪ ﴿ :‬أَلَ ْم تَرَ َأنّ ا أَرْ سَ ْلنَا ال ّ‬
‫شيَاطِيَ عَلَى اْلكَافِرِي َن َتؤُزّهُ مْ أَزّا‬
‫﴾ ‪ ،‬قال ابَن عباس إغراء فَ الشرك ‪ .‬وقال ابَن زيَد ‪ :‬تشليهَم أشلء على‬
‫معاصي ال ‪.‬‬
‫و عن ا بن عباس قوله ‪ ﴿ :‬إِنّمَا َنعُدّ َلهُ ْم عَدّا ﴾ ‪ ،‬يقول ‪ :‬أنفا سهم ال ت‬
‫يتنف سون ف الدن يا ‪ ،‬ف هي معدودة وآجال م ‪ .‬و عن علي ف قوله ‪َ ﴿ :‬يوْ مَ‬
‫ش ُر الْ ُمّتقِيَ إِلَى الرّحْمَ ِن وَفْدا ﴾ ‪ ،‬قال ‪ ( :‬أ ما وال ما ي شر الو فد على‬ ‫نَحْ ُ‬
‫أرجل هم ول ي ساق سوقًا ‪ ،‬لكن هم يؤتون ِبنُو قٍ ل ير اللئق مثل ها ‪ ،‬علي ها‬
‫رحال الذهب ‪ ،‬وأزمتها الزبرجد ‪ ،‬فيكبون عليها حت يضربوا أبواب النة )‬
‫‪.‬‬
‫وعن ابن عباس قوله ‪َ ﴿ :‬ونَسُوقُ الْ ُمجْ ِرمِيَ إِلَى َج َهنّ َم وِرْدا ﴾ ‪ ،‬يقول ‪:‬‬
‫شفَا َعةَ إِلّا مَ ِن اتّخَ َذ عِندَ الرّحْ َم ِن َعهْدا ﴾ ‪ ،‬قال ‪:‬‬
‫عطاشًا ‪ ﴿ ،‬لَا يَمِْلكُو نَ ال ّ‬
‫العهَد شهادة أن ل ال إلّ ال ‪ ،‬ويتبّرأ إل ال مَن الول ول يرجَو إلّ ال ‪.‬‬
‫قال ابن جريج ‪ :‬الؤمنون يومئ ٍذ بعضهم لبعض شفعاء ‪.‬‬
‫ُمـ شَيْئا‬
‫َنـ َولَدا (‪َ )88‬ل َقدْ جِئْت ْ‬
‫خ َذ الرّحْم ُ‬
‫قوله عـز وجـل ‪ ﴿ :‬وَقَالُوا اتّ َ‬
‫خ ّر الْجِبَا ُل َهدّا (‬
‫ض َوتَ ِ‬
‫ت يََتفَ ّطرْ َن مِنْ ُه َوتَنشَقّ اْلأَرْ ُ‬
‫ِإدّا (‪ )89‬تَكَادُ السّمَاوَا ُ‬
‫خ َذ َولَدا (‬
‫َنـ أَن يَتّ ِ‬
‫َنـ َولَدا (‪ )91‬وَمَا يَنبَغِي لِلرّحْم ِ‬
‫‪ )90‬أَن دَ َعوْا لِلرّحْم ِ‬
‫‪79‬‬ ‫توفيق الرحن ف دروس القرآن‬

‫ض ِإلّا آتِي الرّحْمَ نِ عَبْدا (‪َ )93‬ل َقدْ‬


‫‪ )92‬إِن ُك ّل مَن فِي ال سّمَاوَاتِ وَاْلأَرْ ِ‬
‫َأحْصَا ُهمْ وَ َع ّد ُهمْ َعدّا (‪ )94‬وَكُ ّلهُمْ آتِي ِه َيوْ َم الْقِيَامَ ِة َفرْدا (‪. ﴾ )95‬‬
‫عن ا بن عباس قوله ‪َ ﴿ :‬لقَدْ ِجْئتُ ْم َشيْئا إِدّا ﴾ ‪ ،‬يقول ‪ :‬ل قد جئ تم شيئًا‬
‫ت َيتَفَطّرْ نَ ِمنْ ُه َوتَنشَقّ‬
‫عظيمًا ‪ ،‬و هو الن كر من القول ‪ ﴿ ،‬تَكَا ُد ال سّمَاوَا ُ‬
‫َ وَلَدا ﴾ ‪ ،‬قال ‪ :‬إن الشرك‬ ‫جبَا ُل هَدّا * أَن َد َعوْا لِلرّ ْحمَن ِ‬
‫خ ّر الْ ِ‬
‫َ َوتَ ِ‬
‫اْلأَرْض ُ‬
‫فز عت م نه ال سماوات والرض والبال وج يع اللئق إ ّل الثقل ي ‪ ،‬وكادت‬
‫أن تزول م نه لعظ مة ال ‪ ،‬وك ما ل ين فع مع الشرك إح سان الشرك كذلك‬
‫نر جو أن يغ فر ال ذنوب الوحّد ين ؛ وقال ر سول ال ‪ « :‬لقّنوا موتا كم‬
‫شهادة أن ل إله إل ال ‪ ،‬ف من قال ا عند مو ته وج بت له ال نة » ‪ .‬قالوا ‪ :‬يا‬
‫رسَول ال فمَن قالاَ فَ صَحته ؟ قال ‪ « :‬تلك أوجَب وأوجَب ‪ - .‬ثَ‬
‫قال ‪ : -‬والذي نفسَي بيده لو جيَء بالسَماوات والرض ومَا فيهَن ومَا‬
‫بينهنّ وما تتهن ‪ ،‬فوضعن ف كفة اليزان ‪ ،‬ووضعت شهادة أن ل أله إلّ ال‬
‫ف الكفة الخرى لرجحت بن » ‪.‬‬
‫وقوله تعال ‪َ ﴿ :‬ومَا يَنَبغِي لِلرّ ْحمَ نِ أَن َيتّخِ َذ وَلَدا ﴾ ‪ ،‬أي ‪ :‬ما يليق به‬
‫اتاذ الولد ‪ ﴿ ،‬إِن كُ ّل مَن فِي السّمَاوَاتِ وَاْلأَرْضِ إِلّا آتِي الرّحْ َم ِن َعبْدا ﴾ ‪،‬‬
‫أي ‪ :‬اللق كل هم عبيده ‪َ ﴿ ،‬لقَدْ أَحْ صَاهُمْ وَعَ ّدهُ ْم عَدّا * وَكُّلهُ ْم آتِي ِه َيوْ مَ‬
‫اْل ِقيَا َمةِ فَرْدا ﴾ ‪.‬‬
‫قال ا بن جر ير ‪ :‬يقول ‪ :‬وج يع خل قه سوف يرد عل يه يوم تقوم ال ساعة‬
‫وحيدًا ل ناصر له من ال ول دافع عنه ‪.‬‬
‫الزء الثالث‬ ‫‪80‬‬

‫ج َعلُ َلهُ مُ‬


‫قوله عز و جل ‪ ﴿ :‬إِنّ اّلذِي نَ آمَنُوا وَعَمِلُوا ال صّالِحَاتِ سَيَ ْ‬
‫شرَ بِ هِ الْمُّتقِيَ َوتُنذِ َر بِ ِه َقوْما‬
‫ك لِتَُب ّ‬
‫س ْرنَا ُه بِلِ سَانِ َ‬
‫الرّحْمَ نُ ُودّا (‪َ )96‬فِإنّمَا يَ ّ‬
‫س مِ ْنهُم مّ نْ َأ َحدٍ َأ ْو تَ سْمَعُ‬
‫ّلدّا (‪ )97‬وَكَ مْ َأهْ َلكْنَا قَبْ َلهُم مّن َقرْ نٍ َه ْل تُحِ ّ‬
‫َل ُهمْ رِكْزا (‪. ﴾ )98‬‬
‫جعَلُ َلهُ مُ الرّحْمَ ُن ُودّا ﴾ ‪ ،‬قال ‪ :‬م بة ف‬
‫عن ما هد ف قوله ‪َ ﴿ :‬سيَ ْ‬
‫السلمي ف الدنيا ‪ .‬وقال ابن عباس ‪ :‬يبّهم ويبّبهم ‪ .‬يعن ‪ :‬إل الؤمني ‪.‬‬
‫وقوله تعال ‪ ﴿ :‬فَِإنّمَا يَ سّ ْرنَاهُ ﴾ ‪ ،‬أي ‪ :‬سهلنا القرآن ﴿ بِلِ سَانِكَ ﴾ يا‬
‫ِهَ َقوْما لّدّا ﴾ ‪ ،‬قال قتادة ‪ :‬أي جدالً‬
‫ِهَ الْ ُمّتقِيَ َوتُنذِ َر ب ِ‬
‫ممَد ‪ِ ﴿ ،‬لتُبَشّرَ ب ِ‬
‫بالباطل ‪ ،‬ذوي لدد ‪ ،‬وخصومة ‪.‬‬
‫وقوله تعال ‪ ﴿ :‬وَكَ مْ َأهَْل ْكنَا َقبَْلهُم مّن قَرْ ٍن هَ ْل تُحِ ّ‬
‫س ِمْنهُم مّ نْ أَحَدٍ َأوْ‬
‫تَسْ َمعُ َلهُمْ رِكْزا ﴾ ‪ ،‬قال قتادة ‪ :‬هل ترى عينًا أو تسمع صوتًا ؟ ‪.‬‬

‫***‬
‫‪81‬‬ ‫توفيق الرحن ف دروس القرآن‬

‫الدرس الامس والستون بعد الائة‬


‫[ طه ]‬
‫مكية ‪ ،‬وهي مائة وخس وثلثون آية‬
‫بسم ال الرحن الرحيم‬
‫خشَى (‬
‫ك الْ ُقرْآ َن لَِتشْقَى (‪ِ )2‬إلّا َتذْ ِك َرةً لّمَن يَ ْ‬
‫﴿ طه (‪ )1‬مَا أَنزَلْنَا عَلَيْ َ‬
‫ل مّمّ ْن خَلَ قَ اْلأَرْ ضَ وَال سّمَاوَاتِ اْلعُلَى (‪ )4‬ال ّرحْمَ نُ عَلَى الْ َعرْ شِ‬
‫‪ )3‬تَنِي ً‬
‫ح تَ‬
‫ض وَمَا بَيَْنهُمَا وَمَا تَ ْ‬
‫ت وَمَا فِي اْلأَرْ ِ‬
‫ا سَْتوَى (‪ )5‬لَ هُ مَا فِي ال سّمَاوَا ِ‬
‫سرّ َوأَ ْخفَى (‪ )7‬اللّ ُه لَا ِإلَ هَ ِإلّا ُهوَ‬
‫ج َهرْ بِاْلقَ ْولِ َفِإنّ ُه َيعْلَ مُ ال ّ‬
‫الّثرَى (‪َ )6‬وإِن تَ ْ‬
‫ث مُو سَى (‪ِ )9‬إذْ َرأَى نَارا َفقَالَ‬
‫لَ هُ اْلأَ سْمَاء الْحُ سْنَى (‪ )8‬وَ َه ْل َأتَا كَ حَدِي ُ‬
‫س َأوْ َأ ِجدُ عَلَى النّارِ‬
‫ت نَارا ّلعَلّي آتِيكُم مّنْهَا ِبقَبَ ٍ‬
‫ِلَأهْلِ هِ ا ْمكُثُوا ِإنّ ي آنَ سْ ُ‬
‫ُهدًى (‪ )10‬فَلَمّا أَتَاهَا نُودِي يَا مُو سَى (‪ِ )11‬إنّي أَنَا َربّ كَ فَاخْلَ ْع َنعْلَيْ كَ‬
‫ك فَا سْتَمِ ْع لِمَا يُوحَى (‪)13‬‬
‫ك بِاْلوَا ِد الْ ُمقَدّ سِ ُطوًى (‪َ )12‬وأَنَا اخَْترْتُ َ‬
‫ِإنّ َ‬
‫ِإنّنِي َأنَا اللّ ُه لَا ِإلَ َه ِإلّا َأنَا فَاعُْبدْنِي َوأَقِ مِ ال صّلَا َة ِلذِ ْكرِي (‪ )14‬إِنّ ال سّا َعةَ‬
‫ص ّدنّكَ عَ ْنهَا مَنْ‬
‫ل يَ ُ‬
‫س بِمَا تَسْعَى (‪ )15‬فَ َ‬
‫جزَى ُكلّ َنفْ ٍ‬
‫ءَاتَِي ٌة أَكَادُ ُأخْفِيهَا لِتُ ْ‬
‫ك يَا مُو سَى (‪)17‬‬
‫َل ُيؤْمِ ُن بِهَا وَاتّبَ َع هَوَا ُه فََت ْردَى (‪ )16‬وَمَا تِلْ كَ بِيَمِينِ َ‬
‫قَالَ هِ يَ عَ صَايَ َأَتوَ ّكأُ عَلَ ْيهَا َوَأهُشّ ِبهَا عَلَى غَنَمِي َولِ َي فِيهَا مَآرِ بُ ُأ ْخرَى‬
‫سعَى (‪ )20‬قَالَ‬
‫(‪ )18‬قَالَ َأْلقِهَا يَا مُو سَى (‪َ )19‬فَألْقَاهَا َفِإذَا هِ َي حَّيةٌ تَ ْ‬
‫يَتهَا اْلأُولَى (‪ )21‬وَاضْمُ مْ َيدَ كَ إِلَى جَنَاحِ كَ‬
‫ُخذْهَا َولَا تَخَ فْ سَُنعِيدُهَا سِ َ‬
‫الزء الثالث‬ ‫‪82‬‬

‫ك مِ نْ آيَاتِنَا الْكُ ْبرَى (‬


‫ج بَيْضَاء مِ نْ غَ ْيرِ سُوءٍ آَيةً ُأ ْخرَى (‪ )22‬لُِن ِريَ َ‬
‫خرُ ْ‬
‫تَ ْ‬
‫صدْرِي (‪)25‬‬
‫ح لِي َ‬
‫‪ )23‬ا ْذهَ بْ إِلَى ِفرْ َعوْ َن ِإنّ هُ َطغَى (‪ )24‬قَالَ َربّ ا ْشرَ ْ‬
‫سرْ لِي َأ ْمرِي (‪ )26‬وَاحْ ُللْ ُع ْق َدةً مّ ن لّ سَانِي (‪َ )27‬ي ْفقَهُوا َق ْولِي (‪)28‬‬
‫َويَ ّ‬
‫وَا ْجعَل لّي وَزِيرا مّنْ َأهْلِي (‪ )29‬هَارُو َن َأخِي (‪ )30‬ا ْش ُددْ بِ ِه أَزْرِي (‪)31‬‬
‫حكَ كَثِيا (‪َ )33‬وَنذْ ُكرَ كَ كَثِيا (‪)34‬‬
‫َوأَ ْشرِكْ ُه فِي َأ ْمرِي (‪ )32‬كَ يْ نُ سَبّ َ‬
‫ت بِنَا بَ صِيا (‪ )35‬قَالَ َق ْد أُوتِي تَ ُسؤَْلكَ يَا مُو سَى (‪َ )36‬وَلقَدْ‬
‫ِإنّ كَ كُن َ‬
‫ك مَا يُوحَى (‪ )38‬أَ ِن اقْ ِذفِيهِ‬
‫ك َم ّرةً ُأ ْخرَى (‪ِ )37‬إذْ َأوْحَيْنَا ِإلَى ُأمّ َ‬
‫مَنَنّا عَلَيْ َ‬
‫فِي التّابُو تِ فَا ْق ِذفِي ِه فِي الَْيمّ فَلْيُ ْلقِ ِه الْيَمّ بِال سّا ِح ِل َيأْ ُخذْ هُ َعدُ ّو لّي وَ َع ُدوّ لّ هُ‬
‫ك فََتقُولُ‬
‫َوَألْقَيْتُ عَلَيْكَ مَحَّب ًة مّنّي وَلِتُصْنَعَ عَلَى عَيْنِي (‪ِ )39‬إ ْذ تَ ْمشِي ُأخْتُ َ‬
‫حزَ نَ‬
‫َه ْل َأدُّلكُ مْ عَلَى مَن َي ْكفُلُ ُه َفرَ َجعْنَا َك ِإلَى ُأمّ كَ كَ يْ َت َقرّ عَيْنُهَا َولَا تَ ْ‬
‫ي فِي َأهْ ِل َمدْيَ َن ُثمّ‬
‫ت َنفْسا فَنَجّيْنَا َك مِ َن الْ َغمّ وَفَتَنّا َك فُتُونا فَلَبِثْتَ سِنِ َ‬
‫َوقَتَلْ َ‬
‫ب أَن تَ‬
‫جِئْ تَ َعلَى َقدَ ٍر يَا مُو سَى (‪ )40‬وَا صْطََنعُْتكَ لَِنفْ سِي (‪ )41‬اذْهَ ْ‬
‫َوأَخُو َك بِآيَاتِي َولَا تَنِيَا فِي ذِ ْكرِي (‪ )42‬ا ْذهَبَا ِإلَى ِفرْ َعوْ َن إِنّ هُ َطغَى (‪)43‬‬
‫َافـ أَن‬
‫ّهـ يََتذَ ّكرُ َأوْ َيخْشَى (‪ )44‬قَالَا َربّنَا ِإنّنَا نَخ ُ‬
‫َهـ َقوْ ًل لّيّنا لّعَل ُ‬
‫َفقُولَا ل ُ‬
‫َي ْفرُ طَ عَلَيْنَا أَ ْو أَن يَطْغَى (‪ )45‬قَا َل لَا تَخَافَا ِإنّنِي َم َعكُمَا أَ سْمَ ُع َوأَرَى (‬
‫ك َفأَرْ ِسلْ مَعَنَا بَنِي إِ سْرَائِيلَ َولَا ُت َعذّْبهُ مْ َقدْ‬
‫‪َ )46‬ف ْأتِيَا ُه َفقُولَا ِإنّا رَ سُولَا َربّ َ‬
‫ك وَالسّلَامُ عَلَى مَنِ اتّبَ َع اْلهُدَى (‪ِ )47‬إنّا َقدْ أُوحِيَ ِإلَيْنَا‬
‫جِئْنَاكَ بِآَيةٍ مّن ّربّ َ‬
‫ب َوتَ َولّى (‪ )48‬قَالَ فَمَن ّرّبكُمَا يَا مُو سَى (‪)49‬‬
‫أَنّ اْلعَذَا بَ عَلَى مَن َكذّ َ‬
‫‪83‬‬ ‫توفيق الرحن ف دروس القرآن‬

‫قَالَ َربّنَا الّذِي أَعْطَى ُك ّل شَيْ ٍء خَ ْلقَ هُ ُثمّ هَدَى (‪ )50‬قَالَ فَمَا بَا ُل الْ ُقرُو نِ‬
‫ضلّ َربّي َولَا يَن سَى (‪)52‬‬
‫اْلأُولَى (‪ )51‬قَالَ عِلْ ُمهَا عِندَ َربّي فِي كِتَا بٍ لّا يَ ِ‬
‫ض َمهْدا وَسَ َلكَ َلكُمْ فِيهَا سُبُلً وَأَنزَ َل مِنَ السّمَا ِء مَاءً‬
‫اّلذِي َج َعلَ َلكُمُ اْلأَرْ َ‬
‫َفَأخْ َرجْنَا بِ ِه أَ ْزوَاجا مّ ن نّبَا تٍ شَتّ ى (‪ )53‬كُلُوا وَارْ َعوْا َأنْعَامَكُ ْم إِنّ فِي‬
‫ُمـ َومِنْهَا‬
‫ُمـ َوفِيهَا ُنعِيدُك ْ‬
‫َاتـ ّلُأ ْولِي النّهَى (‪ )54‬مِنْهَا خَ َلقْنَاك ْ‬
‫ِكـ لَآي ٍ‬
‫َذل َ‬
‫خ ِر ُجكُ ْم تَا َرةً ُأ ْخرَى (‪. ﴾ )55‬‬
‫نُ ْ‬

‫***‬
‫الزء الثالث‬ ‫‪84‬‬

‫ك الْ ُقرْآ َن لَِتشْقَى (‪ِ )2‬إلّا‬


‫قوله عز و جل ‪ ﴿ :‬طه (‪ )1‬مَا أَنزَلْنَا عَلَيْ َ‬
‫ض وَال سّمَاوَاتِ اْلعُلَى (‪)4‬‬
‫ل مّمّ ْن خَلَ قَ اْلأَرْ َ‬
‫َتذْ ِك َرةً لّمَن يَخْشَى (‪ )3‬تَنِي ً‬
‫ض وَمَا‬
‫الرّحْمَ نُ عَلَى اْل َعرْ شِ ا سَْتوَى (‪ )5‬لَ هُ مَا فِي ال سّمَاوَاتِ َومَا فِي الْأَرْ ِ‬
‫س ّر وََأ ْخفَى (‪)7‬‬
‫ج َه ْر بِاْل َقوْ ِل َفإِنّهُ يَعْلَ ُم ال ّ‬
‫ت الّثرَى (‪ )6‬وَإِن تَ ْ‬
‫بَيَْنهُمَا َومَا تَحْ َ‬
‫حسْنَى (‪. ﴾ )8‬‬
‫ال ّلهُ لَا ِإلَ َه ِإلّا ُهوَ َلهُ اْلَأسْمَاء الْ ُ‬
‫ك اْلقُرْآ نَ ِلتَشْقَى ﴾ ‪،‬‬
‫عن ا بن عباس قوله تعال ‪ ﴿ :‬طه * مَا أَنزَلْنَا عََليْ َ‬
‫فإن قومه قالوا ‪ :‬لقد شقي هذا الرجل بربه فأنزل ال تعال ذكره ﴿ طه ﴾ ‪،‬‬
‫ك اْلقُرْآ نَ ِلتَشْقَى ﴾ ‪ .‬وقال قتادة ‪ ﴿ :‬مَا‬ ‫يع ن ‪ :‬يا ر جل ‪ ﴿ ،‬مَا أَنزَْلنَا عََليْ َ‬
‫ك الْقُرْآ نَ ِلتَشْقَى ﴾ ‪ ،‬ل وال ما جعله شقاء ‪ ،‬ول كن جعله رح ة‬ ‫أَنزَلْنَا عََليْ َ‬
‫ونورًا ودليلً إل النَة ‪ ﴿ ،‬إِلّا تَذْ ِك َرةً لّم َن َيخْش َى ﴾ وأن ال أنزل كتابَه‬
‫وبعث رسله رحة رحم ال با العباد ‪ ،‬ليتذكر ذاكر وينتفع رجل با سع من‬
‫كتاب ال وهَو ذاكرًا له ‪ ،‬أنزل ال فيَه حلله وحرامَه ‪ .‬فقال ‪ ﴿ :‬تَنِيلً‬
‫ش ا ْستَوَى ﴾ ‪.‬‬ ‫ض وَالسّمَاوَاتِ اْلعُلَى * الرّحْ َم ُن عَلَى اْلعَ ْر ِ‬‫مّمّنْ خََل َق الْأَ ْر َ‬
‫قال ابن جرير ‪ :‬يقول تعال ذكره ‪ :‬الرحن على عرشه ارتفع وعل ‪.‬‬
‫ت الثّرَى ﴾ ‪،‬‬ ‫ت َومَا فِي اْلأَرْ ضِ َومَا َبْيَنهُمَا َومَا تَحْ َ‬
‫﴿ لَ ُه مَا فِي ال سّمَاوَا ِ‬
‫ج َه ْر بِاْلقَوْلِ‬
‫قال م مد بن ك عب ‪ :‬أي ‪ :‬ما ت ت الرض ال سابعة ‪َ ﴿ .‬وإِن تَ ْ‬
‫فَِإنّ ُه َيعْلَ ُم ال سّ ّر َوأَ ْخفَى ﴾ ‪ ،‬قال ابن عباس ‪ :‬السر ‪ :‬ما علمته أنت ‪ ،‬وأخفى‬
‫‪85‬‬ ‫توفيق الرحن ف دروس القرآن‬

‫ما قذف ال ف قل بك م ا ل تعلم ‪ .‬و ف روا ية ‪ :‬ال سر ما أ س ّر الن سان ف‬


‫نفسه ‪ ،‬وأخفى ما ل يعلمه النسان ما هو كائن ‪.‬‬
‫سنَى ﴾ ‪.‬‬‫﴿ اللّهُ لَا إِلَهَ إِلّا هُوَ لَ ُه اْلأَسْمَاء الْحُ ْ‬
‫قال ابن كثي ‪ :‬أي ‪ :‬الذي أنزل عليك القرآن هو ال الذي ل إله إلّ هو‬
‫ذو الساء السن ‪ ،‬والصفات العُلى ‪.‬‬
‫ث مُو سَى (‪ِ )9‬إذْ َرأَى نَارا َفقَالَ‬
‫قوله عز و جل ‪ ﴿ :‬وَ َه ْل أَتَا َك َحدِي ُ‬
‫س َأوْ َأ ِجدُ عَلَى النّارِ‬
‫ت نَارا ّلعَلّي آتِيكُم مّنْهَا ِبقَبَ ٍ‬
‫ِلَأهْلِ هِ ا ْمكُثُوا ِإنّ ي آنَ سْ ُ‬
‫ك فَاخْلَ ْع َنعْلَيْ كَ‬
‫ُهدًى (‪ )10‬فَلَمّا َأتَاهَا نُودِي يَا مُو سَى ( ‪ِ )11‬إنّي َأنَا َربّ َ‬
‫ك فَا سْتَمِ ْع لِمَا يُوحَى ( ‪)13‬‬
‫ِإنّ كَ بِالْوَادِ الْ ُم َقدّ سِ ُطوًى (‪ )12‬وَأَنَا اخَْت ْرتُ َ‬
‫ِإنّنِي َأنَا اللّ ُه لَا ِإلَ َه ِإلّا َأنَا فَاعُْبدْنِي َوأَقِ مِ ال صّلَا َة ِلذِ ْكرِي (‪ )14‬إِنّ ال سّا َعةَ‬
‫ص ّدنّكَ عَ ْنهَا مَنْ‬
‫ل يَ ُ‬
‫س بِمَا تَسْعَى (‪ )15‬فَ َ‬
‫جزَى ُك ّل َنفْ ٍ‬
‫ءَاتَِي ٌة أَكَادُ ُأخْفِيهَا لِتُ ْ‬
‫َل ُيؤْ ِمنُ بِهَا وَاتّبَ َع َهوَا ُه فََت ْردَى (‪. ﴾ )16‬‬
‫َ مُوسََى ﴾ ‪ ،‬أي ‪ :‬وقَد أتاك ‪،‬‬ ‫قال البغوي ‪َ ﴿ :‬وهَلْ َأتَاك َ‬
‫َ َحدِيث ُ‬
‫استفهام بعن ‪ :‬التقرير ‪ ،‬وقال ف جامع البيان ‪ :‬فيه تعظيم لشأن الديث ‪،‬‬
‫وتبيي على أنه إنا عرفه بالوحي ‪.‬‬
‫قال ابن عباس ‪ :‬لا قضى موسى الجل سار بأهله فضل الطريق ‪ ،‬وكان‬
‫ف الشتاء ورفعت لم نار ‪ ،‬فلما رآها ظن أنا نار وكانت من نور ال ‪ :‬قال‬
‫لهله امكثوا إنَ آنسَت نارا لعلي آتيكَم منهَا بقبَس أو أجَد على النار‬
‫الزء الثالث‬ ‫‪86‬‬

‫هدًى ‪ ،‬يقول ‪ :‬من يدل على الطر يق ‪ .‬وقال و هب بن من به ‪ :‬خرج مو سى‬


‫نوها ‪ ،‬فإذا هي شجر من العليق ؛ وبعض أهل الكتاب يقول ‪ :‬ف عوسجة ‪،‬‬
‫فل ما د نا ‪ ،‬استأخرت عنه ‪ ،‬فل ما رأى ا ستئخارها ر جع عن ها ‪ ،‬وأو جس ف‬
‫نفسه منها خيفة ‪ ،‬فلما أراد الرجعة دنت منه ث كلمه من الشجرة ‪ ،‬فلما سع‬
‫ال صوت ا ستأنس ‪ ،‬قال ال تبارك وتعال له ‪ ﴿ :‬يَا مُو سَى * ِإنّ ي أَنَا َربّ كَ‬
‫س ُطوًى ﴾ قال قتادة ‪ :‬كانتا من جلد حار ‪،‬‬ ‫ك بِاْلوَا ِد الْ ُمقَدّ ِ‬
‫فَاخْلَ ْع َنعَْليْ كَ ِإنّ َ‬
‫فق يل له ‪ :‬اخلعه ما ‪ .‬وقال ال سن ‪ :‬كان تا من ب قر ‪ ،‬ل كن إن ا أراد ال أن‬
‫يبا شر بقدميه بر كة الرض ‪ ،‬وكان قد قدّس مرت ي ‪ .‬وقال ماهد ‪ :‬طوى ‪:‬‬
‫اسم الوادي ‪.‬‬
‫َاسَمِعْ لِمَا‬ ‫وقوله تعال ‪َ ﴿ :‬وأَنَا ا ْختَ ْرت َ‬
‫ُكَ ﴾ ‪ ،‬أي ‪ :‬اصَطفيتك ‪ ﴿ ،‬ف ْتَ‬
‫يُوحَى ِإنّنِي َأنَا اللّ هُ لَا إِلَ هَ إِلّا َأنَا فَا ْعبُ ْدنِي َوأَقِ ِم ال صّلَاةَ لِذِكْرِي ﴾ ‪ ،‬قال ماهد‬
‫‪ :‬إذا صلى ذكر ربه وف الديث الصحيح عن النب ‪ « :‬إذا رقد أحدكم‬
‫عن ال صلة أو غ فل عن ها ‪ ،‬في صلها إذا ذكر ها فإن ال تعال قال ‪َ ﴿ :‬وأَقِ مِ‬
‫الصّلَاةَ لِذِ ْكرِي ﴾ » ‪ .‬وعن ابن عباس قوله ‪ِ ﴿ :‬إنّ السّا َعةَ ءَاِتَيةٌ أَكَادُ أُ ْخفِيهَا‬
‫﴾ ‪ ،‬يقول ‪ :‬ل أظهر عليها أحدًا غيي ‪ .‬وف مصحف عبد ال ابن مسعود‬
‫أكاد أخفيها من نفسي ‪ ،‬فكيف يعلمها ملوق ؟ وقيل ‪ :‬أخفيها فل أقول هي‬
‫‪ :‬آتية ‪.‬‬
‫‪87‬‬ ‫توفيق الرحن ف دروس القرآن‬

‫سعَى ﴾ ‪ ،‬أي ‪ :‬ب ا تع مل من خ ي و شر ‪،‬‬ ‫س بِمَا تَ ْ‬


‫﴿ ِلتُجْزَى كُ ّل َنفْ ٍ‬
‫ل يَ صُ ّدنّكَ َعنْهَا ﴾ ‪ ،‬أي ‪ :‬عن الت صديق بال ساعة ‪ ﴿ ،‬مَ نْ َل ُيؤْمِ نُ‬
‫﴿ َف َ‬
‫ِبهَا وَاّتبَ َع َهوَاهُ َفتَرْدَى ﴾ فتهلك ‪.‬‬
‫ك بِيَمِينِ كَ يَا مُو سَى (‪ )17‬قَا َل هِ يَ عَ صَايَ‬
‫قوله عز وجل ‪ ﴿ :‬وَمَا تِلْ َ‬
‫ب ُأخْرَى (‪ )18‬قَا َل َألْ ِقهَا‬
‫َأَتوَكّأُ عَ َل ْيهَا َوأَهُشّ ِبهَا عَلَى غَنَمِي وَلِيَ فِيهَا مَآرِ ُ‬
‫سعَى ( ‪ )20‬قَالَ ُخذْهَا وَلَا تَخَ فْ‬
‫يَا مُو سَى (‪َ )19‬فأَْلقَاهَا َفِإذَا هِ يَ حَيّ ٌة تَ ْ‬
‫ج بَيْضَاء مِ نْ‬
‫خرُ ْ‬
‫ك تَ ْ‬
‫سَُنعِيدُهَا سِيََتهَا اْلأُولَى (‪ )21‬وَاضْمُ ْم َيدَ كَ إِلَى جَنَاحِ َ‬
‫غَ ْيرِ سُوءٍ آَي ًة ُأخْرَى (‪ )22‬لُِنرَِيكَ ِمنْ آيَاتِنَا اْلكُبْرَى (‪. ﴾ )23‬‬
‫قال البغوي ‪ :‬قوله عز و جل ‪ ﴿ :‬وَمَا تِلْ َ‬
‫ك ِبيَمِينِ كَ يَا مُو سَى ﴾ ؟‬
‫سؤال تقرير ‪ ،‬والكمة ف هذا السؤال تنبيهه وتوقيفه على أنا عصا ‪ ،‬حت‬
‫إذا قلبها حية علم أنا معجزة عظيمة ‪.‬‬
‫وقوله تعال ‪ ﴿ :‬قَالَ هِ َي عَصَايَ َأَتوَكُّأ عََلْيهَا َوأَ ُهشّ ِبهَا عَلَى َغنَمِي ﴾ ‪،‬‬
‫قال السدي يقول ‪ :‬أضرب با الشجر للغنم فيقع الورق ‪.‬‬
‫و عن ا بن عباس ف قوله ‪ ﴿ :‬وَلِ يَ فِيهَا مَآرِ بُ أُ ْخرَى ﴾ ‪ ،‬قال ‪ :‬حوائج‬
‫سعَى قَالَ‬ ‫أخرى قد علمتها ‪ ﴿ ،‬قَالَ أَْل ِقهَا يَا مُو سَى َفأَْلقَاهَا فَإِذَا هِ يَ َحّيةٌ تَ ْ‬
‫ف َسُنعِي ُدهَا سِ َيتَهَا اْلأُولَى ﴾ ‪ ،‬أي ‪ :‬عصا كما كانت ‪.‬‬ ‫خُ ْذهَا وَلَا تَخَ ْ‬
‫وعَن ماهَد قوله ‪ ﴿ :‬وَاضْمُم َْ يَدَكََإِلَى َجنَاحِكََ ﴾ ‪ ،‬قال كفّه تتَ‬
‫ج َبْيضَاء مِ ْن َغيْرِ سُوءٍ ﴾ ‪ ،‬قال ‪ :‬من غ ي برص ﴿ ِلنُ ِريَ كَ‬ ‫خرُ ْ‬
‫عضده ‪ ﴿ ،‬تَ ْ‬
‫الزء الثالث‬ ‫‪88‬‬

‫مِ ْن آيَاتِنَا اْل ُكبْرَى ﴾ ‪ .‬قال ا بن جر ير ‪ :‬كي نر يك من أدلّت نا ال كبى على‬


‫عظيم سلطاننا وقدرتنا ‪.‬‬
‫ب ِإلَى ِفرْ َعوْ نَ إِنّ هُ َطغَى (‪ )24‬قَالَ َربّ ا ْشرَ حْ‬
‫قوله عز وجل ‪ ﴿ :‬اذْهَ ْ‬
‫سرْ لِي َأ ْمرِي ( ‪ )26‬وَاحْ ُللْ ُع ْقدَ ًة مّن لّ سَانِي ( ‪)27‬‬
‫صدْرِي (‪َ )25‬ويَ ّ‬
‫لِي َ‬
‫َي ْفقَهُوا َق ْولِي (‪ )28‬وَا ْجعَل لّي وَزِيرا مّ نْ َأهْلِي ( ‪ )29‬هَارُو َن َأخِي ( ‪)30‬‬
‫حكَ كَثِيا ( ‪)33‬‬
‫ا ْشدُ ْد بِ ِه أَزْرِي (‪ )31‬وََأ ْشرِكْ ُه فِي َأ ْمرِي ( ‪ )32‬كَ يْ نُ سَبّ َ‬
‫ت بِنَا بَصِيا (‪. ﴾ )35‬‬
‫َوَنذْ ُكرَكَ كَثِيا (‪ِ )34‬إنّكَ كُن َ‬
‫قال ماهَد فَ قوله ‪ ﴿ :‬وَاحْلُ ْل ُعقْ َدةً مّنَلّسََانِي ﴾ ‪ ،‬قال ‪ :‬لمرة نار‬
‫أدخلها ف فيه عن أمر امرأة فرعون ‪ ،‬تردّ به فرعون حي أخذ بلحيته ‪.‬‬
‫وعن ابن عباس قوله ‪ ﴿ :‬اشْ ُد ْد بِهِ أَزْرِي ﴾ ‪ ،‬يقول ‪ :‬اشدد به ظهري ‪.‬‬
‫وقوله ‪َ ﴿ :‬وَأشْرِكْهُ فِي َأمْرِي ﴾ ‪.‬‬
‫قال البغوي ‪ :‬يع ن ‪ :‬ف النبوة وتبل يغ الر سالة ‪ ﴿ ،‬كَ يْ نُ سَبّحَكَ َكثِيا‬
‫َونَذْكُرَ كَ َكثِيا ِإنّ كَ كُن تَ بِنَا بَ صِيا ﴾ ‪ ،‬قال ا بن جر ير ‪ :‬يقول ‪ِ ﴿ :‬إنّ كَ‬
‫كُنتَ ِبنَا َبصِيا ﴾ ‪ ،‬ل يفى عليك من أفعالنا شيء ‪.‬‬
‫ك يَا مُو سَى (‪ )36‬وََل َقدْ مَنَنّ ا‬
‫قوله عز و جل ‪ ﴿ :‬قَا َل َقدْ أُوتِي تَ ُس ْؤلَ َ‬
‫ك مَا يُوحَى (‪ )38‬أَ نِ اقْ ِذفِي هِ فِي‬
‫عَلَيْ كَ َم ّر ًة أُ ْخرَى (‪ِ )37‬إذْ َأوْحَيْنَا ِإلَى ُأمّ َ‬
‫التّابُو تِ فَاقْ ِذفِي هِ فِي الْيَمّ فَلْيُ ْلقِ هِ الْيَمّ بِال سّا ِحلِ َي ْأخُذْ هُ َع ُد ّو لّي وَ َع ُدوّ لّ هُ‬
‫ك فََتقُولُ‬
‫َوَألْقَيْتُ عَلَيْكَ مَحَّب ًة مّنّي وَلِتُصْنَعَ عَلَى عَيْنِي (‪ِ )39‬إ ْذ تَ ْمشِي ُأخْتُ َ‬
‫‪89‬‬ ‫توفيق الرحن ف دروس القرآن‬

‫حزَ نَ‬
‫َه ْل َأدُّلكُ مْ عَلَى مَن َي ْكفُلُ ُه َفرَ َجعْنَا َك ِإلَى ُأمّ كَ كَ يْ َت َقرّ عَيْنُهَا َولَا تَ ْ‬
‫ي فِي َأهْ ِل َمدْيَ َن ُثمّ‬
‫ت َنفْسا فَنَجّيْنَا َك مِ َن الْ َغمّ وَفَتَنّا َك فُتُونا فَلَبِثْتَ سِنِ َ‬
‫َوقَتَلْ َ‬
‫جِئْتَ َعلَى َقدَ ٍر يَا مُوسَى (‪. ﴾ )40‬‬
‫قال البغوي ‪ ﴿ :‬إِذْ َأوْ َحْينَا إِلَى ُأمّ كَ ﴾ وحي إلام ‪ ﴿ ،‬مَا يُوحَى ﴾ ما‬
‫يلهم ؛ ث ف سّر ذلك اللام وعدّد نعمة عليه فقال ‪ ﴿ :‬أَ نِ اقْذِفِي هِ فِي التّابُو ِ‬
‫ت‬
‫فَا ْقذِفِي هِ فِي اْليَمّ ﴾ ‪ ،‬يعن ‪ :‬نر النيل ‪ ،‬قال ابن إسحاق ‪ :‬لا ولدت موسى‬
‫أمه أرضعته ‪ ،‬حت إذا أمر فرعون بقتل الغلمان من سنته تلك ‪ ،‬عمدت إليه‬
‫فصنعت به ما أمرها ال تعال ‪ ،‬جعلته ف تابوت صغي ومهّدت له فيه ‪ ،‬ث‬
‫عمدت إل الن يل فقذف ته ف يه ‪ ،‬وأ صبح فرعون ف ملس له ‪ ،‬كان يلس على‬
‫شف ي الن يل كل غداة ‪ ،‬فبين ما هو جالس إذ م ّر النيل بالتابوت ‪ ،‬فقذف به ‪،‬‬
‫وآسية ابنة مزا حم امرأته جالسة إل جنبه ‪ ،‬فقال ‪ :‬إن هذا الشيء ف البحر‬
‫فائتون به ‪ ،‬فخرج إليه أعوانه حت جاءوا به ‪ ،‬ففتح التابوت فإذا فيه صب ف‬
‫مهده ‪ ،‬فألقى ال عليه مبته وعطف عليه نفسه ‪.‬‬
‫صنَ َع عَلَى َعْينِي ﴾ ‪ ،‬قال ‪ :‬هو غذاؤه ‪ .‬قال ابن‬ ‫وعن قتادة قوله ‪ ﴿ :‬وَِلتُ ْ‬
‫إ سحاق ‪ ﴿ :‬قالت ﴾ ‪ ،‬يع ن ‪ :‬أم مو سى ‪ ﴿ ،‬لخ ته ق صّيه ﴾ فانظري ما‬
‫يفعلون به ‪،‬فخرجت ف ذلك ﴿ فبصرت به عن جنب وهم ل يشعرون ﴾ ‪،‬‬
‫وقَد احتاج إل الرضاع والتمَس الثدي ‪ ،‬وجعوا له الراضَع حيَ ألقَى ال‬
‫مبتهم عليه ‪ ،‬فل يؤتى بامرأة فيقبل ثديها فيمضهم ذلك ‪ ،‬فيؤتى برضع بعد‬
‫الزء الثالث‬ ‫‪90‬‬

‫به‬ ‫مرضع فل يقبل شيئًا منهم ‪ ،‬فقالت لم أخته حي رأت من وُ ْجدِهم‬


‫ت َيكْفُلُونَهُ َلكُ ْم َوهُمْ لَهُ نَاصِحُونَ‬
‫وحرصهم عليه ‪ ﴿ :‬هَلْ َأدُّلكُ ْم عَلَى أَهْ ِل َبيْ ٍ‬
‫﴾ ؟ أي ‪ :‬لنل ته عند كم وحر صكم على م سرة اللك ؟ قالوا ‪ :‬ها ت فأ تت‬
‫أمه فأخبتا فانطلقت معها حت أتتهم ‪ ،‬فناولوها إياه فلما وضعته ف حجرها‬
‫حزَنَ‬
‫أخذ ثديها ‪ ،‬وسرّوا بذلك منه وردّه ال إل أمه ‪ ﴿ ،‬كَ ْي َتقَ ّر َعيُْنهَا وَلَا تَ ْ‬
‫﴾ فبلغ ل طف ال ل ا وله أن ر ّد علي ها ولد ها ‪ ،‬وع طف علي ها ن فع فرعون‬
‫وأهل بيته ‪ ،‬مع المَنَة من القتل الذي يُتخوف على غيه ‪.‬‬
‫وعَن عبَد ال بَن عمَر قال ‪ :‬سَعت رسَول ال يقول ‪ « :‬إناَ قتَل‬
‫ْتَ َنفْسَا‬
‫موسَى الذي قَت َل مَن آل فرعون خطَأ ‪ ،‬فقال ال له ‪ ﴿ :‬وََقتَل َ‬
‫جْينَاكَ مِنَ الْغَمّ وََفَتنّاكَ ُفتُونا ﴾ » ‪ .‬قال ابن كثي ‪َ ﴿ :‬فنَ ّ‬
‫جْينَا َك مِ َن اْلغَمّ ﴾‬ ‫َفنَ ّ‬
‫‪ ،‬و هو ما ح صل له ب سبب عزم آل فرعون على قتله ‪ ،‬فف ّر من هم هاربًا ح ت‬
‫ورد ماء مدين ‪.‬‬
‫و عن ا بن عباس قوله ‪ ﴿ :‬وََفتَنّا كَ ُفتُونا ﴾ ‪ ،‬يقول ‪ :‬اخ تبناك اختبارًا ﴿‬
‫ت عَلَى َقدَ ٍر يَا مُو سَى ﴾ ‪ ،‬قال ابن عباس‬
‫َفَلبِثْ تَ ِسنِيَ فِي َأهْلِ مَ ْديَ َن ثُمّ ِجئْ َ‬
‫يقول ‪ :‬لقد جئت ليمقات يا موسى ‪ .‬وقال قتادة ‪ :‬قدر الرسالة والنبوة ‪.‬‬
‫ت وََأخُو كَ‬
‫قوله عز و جل ‪ ﴿ :‬وَا صْطََنعُْتكَ لَِنفْ سِي (‪ )41‬اذْهَ بْ أَن َ‬
‫بِآيَاتِي َولَا تَنِيَا فِي ذِ ْكرِي (‪ )42‬اذْهَبَا إِلَى ِفرْ َعوْ َن ِإنّ هُ َطغَى (‪َ )43‬فقُولَا لَ هُ‬
‫ف أَن َيفْرُ طَ عَلَيْنَا‬
‫َق ْولً لّيّنا ّلعَلّ ُه يََتذَ ّكرُ َأ ْو يَخْشَى (‪ )44‬قَالَا َربّنَا ِإنّنَا نَخَا ُ‬
‫‪91‬‬ ‫توفيق الرحن ف دروس القرآن‬

‫َاهـ‬
‫َسـَم ُع َوأَرَى (‪َ )46‬فأْتِي ُ‬
‫َأوْ أَن يَطْغَى (‪ )45‬قَالَ لَا تَخَافَا ِإنّنِي َمعَكُمَا أ ْ‬
‫َفقُولَا إِنّا رَ سُولَا َربّ كَ َفأَرْ ِس ْل َمعَنَا بَنِي إِ ْسرَائِي َل َولَا ُتعَ ّذْبهُ مْ قَ ْد جِئْنَا َك بِآيَةٍ‬
‫مّن ّربّكَ وَالسّلَامُ عَلَى مَنِ اتّبَ َع اْلهُدَى (‪ِ )47‬إنّا َق ْد أُوحِ َي إِلَيْنَا أَنّ الْ َعذَابَ‬
‫عَلَى مَن َك ّذبَ َوتَ َولّى (‪. ﴾ )48‬‬
‫قال ابـن كثيـ ‪ :‬وقوله ‪ ﴿ :‬و ْ‬
‫َاصَ َطَنعْتُكَ ِلَنفْسَِي ﴾ ‪ ،‬أي ‪ :‬اصَطفيتك‬
‫واجتبيتك رسولً ‪ِ ﴿ ،‬لَنفْسِي ﴾ ‪ ،‬أي ‪ :‬كما أريد ‪ ،‬وأشاء ‪ .‬وعن ابن عباس‬
‫قوله ‪ ﴿ :‬وَلَا َتنِيَا فِي ذِكْرِي ﴾ ل تبطئا ‪ .‬وقال ماهَد ‪ :‬ل تضعفَا ‪ .‬وقال‬
‫ابن زيد ‪ :‬الوان هو الغافل الفرط ‪ .‬وعن السدي ‪َ ﴿ :‬فقُولَا لَهُ َقوْلً ّليّنا ﴾ ‪،‬‬
‫قال ‪َ :‬كنّياه ‪.‬‬
‫وعن ابن عباس قوله ‪ّ ﴿ :‬لعَلّ ُه َيتَذَكّرُ َأ ْو يَخْشَى ﴾ ‪ ،‬يقول ‪ :‬هل يتذكر‬
‫َأ ْو يَخْشَى ‪.‬‬
‫وقال ابن كثي ‪ :‬أي ‪ :‬لعله يرجع عما هو فيه من الضلل واللكة ‪﴿ .‬‬
‫َأ ْو يَخْشَى ﴾ ‪ ،‬أي ‪ :‬يوجد طاعة من خشية ربه ‪.‬‬
‫قال البغوي ‪ :‬فإن قيَل ‪ :‬كيَف قال ‪ّ ﴿ :‬لعَل ُ‬
‫ّهَ َيتَذَكّرُ ﴾ وقَد سَبق فَ‬
‫علمه أنه ل يتذكّر ول يُ سْلِم ؟ قيل ‪ :‬معناه اذهبا على رجاء منكما وطمع ‪،‬‬
‫وقضاء ال وراء أمركما ‪.‬‬
‫ط عََليْنَا َأوْ أَن يَطْغَى ﴾ ‪،‬‬
‫وقال ابن زيد ف قوله ‪ ﴿ :‬إِّننَا نَخَا فُ أَن َيفْرُ َ‬
‫ط ﴾ ويعجل ‪،‬‬ ‫قال ‪ :‬ناف أن يعجل علينا إذ نبلّغه كلمك وأمرك ‪َ ﴿ ،‬يفْرُ َ‬
‫الزء الثالث‬ ‫‪92‬‬

‫َسَمَ ُع َوأَرَى ﴾ ‪ .‬وقال ابَن جريَر ‪﴿ :‬‬


‫وقرأ ‪ ﴿ :‬لَا تَخَاف َا ِإنّن ِي َم َعكُم َا أ ْ‬
‫وَال سّلَامُ عَلَى مَ نِ اّتبَ عَ اْلهُدَى ﴾ ‪ ،‬يقول ‪ :‬والسلمة لن اتبع هدى ال ‪ ،‬وهو‬
‫ب َوَتوَلّى ﴾ عن طاعة‬
‫ب عَلَى مَن كَذّ َ‬
‫بيانه ‪ .‬وعن قتادة قوله ‪َ ﴿ :‬أنّ الْعَذَا َ‬
‫ال ‪.‬‬
‫قوله عز و جل ‪ ﴿ :‬قَا َل فَمَن ّرّبكُمَا يَا مُو سَى (‪ )49‬قَالَ َربّنَا اّلذِي‬
‫أَعْطَى ُكلّ َشيْ ٍء خَ ْلقَ هُ ثُمّ َهدَى (‪ )50‬قَا َل فَمَا بَا ُل الْ ُقرُو ِن اْلأُولَى (‪)51‬‬
‫ضلّ َربّ ي َولَا يَن سَى (‪ )52‬اّلذِي َج َعلَ‬
‫ب لّا يَ ِ‬
‫قَالَ عِلْمُهَا عِندَ َربّ ي فِي كِتَا ٍ‬
‫ك لَكُمْ فِيهَا سُبُلً وَأَنزَ َل مِ َن السّمَا ِء مَا ًء َفأَ ْخرَجْنَا بِهِ‬
‫ض َمهْدا وَسَلَ َ‬
‫َلكُمُ اْلأَرْ َ‬
‫ت شَتّ ى (‪ )53‬كُلُوا وَارْ َعوْا َأْنعَا َمكُ مْ إِنّ فِي َذلِ كَ لَآيَا تٍ‬
‫أَ ْزوَاجا مّ ن نّبَا ٍ‬
‫ُمـ تَا َرةً‬
‫خ ِرجُك ْ‬
‫ُمـ َومِنْهَا نُ ْ‬
‫ُمـ َوفِيهَا ُنعِيدُك ْ‬
‫ّلُأوْلِي النّهَى (‪ )54‬مِنْهَا خَ َلقْنَاك ْ‬
‫ُأ ْخرَى (‪. ﴾ )55‬‬
‫عن ا بن عباس ‪ :‬قوله ‪َ ﴿ :‬أعْطَى كُ ّل َشيْءٍ خَ ْلقَ ُه ثُمّ هَدَى ﴾ ‪ ،‬يقول ‪:‬‬
‫خلق لكل شيء زوجه ث هداه لنحه ومطعمه ومشربه ومسكنه ومولده ‪.‬‬
‫وقوله تعال ‪ ﴿ :‬قَالَ فَمَا بَا ُل اْلقُر ِ‬
‫ُونَ اْلأُولَى ﴾ ‪ ،‬أي ‪ :‬مَا بالمَ عبدوا‬
‫غي ال ‪ ﴿ ،‬قَا َل عِ ْل ُمهَا عِندَ َربّي فِي ِكتَا بٍ لّا َيضِلّ َربّي وَلَا يَن سَى ﴾ ‪ .‬قال‬
‫ابن عباس ‪ :‬ل يطئ رب ول ينسى ‪.‬‬
‫قال ا بن كث ي ‪ :‬ل ا أ خبه مو سى أن ر به الذي أر سله ‪ ،‬هو الذي خلق‬
‫ورزق وقدّر فهدى ‪ ،‬شرع يت ّج بالقرون الول ‪ ،‬أي ‪ :‬الذين ل يعبدوا ال ‪،‬‬
‫‪93‬‬ ‫توفيق الرحن ف دروس القرآن‬

‫أي ‪ :‬فما بالم إذا كان المر كذلك ل يعبدوا ربك بل عبدوا غيه ؟ فقال له‬
‫موسَى فَ جواب ذلك ‪ :‬هَم وإن ل يعبدوه فإن عملهَم عنَد ال مضبوط‬
‫عليهم ‪ ،‬سيجزيهم بعملهم ‪.‬‬
‫وقوله تعال ‪َ ﴿ :‬فأَخْ َر ْجنَا بِهِ أَ ْزوَاجا ﴾ ‪.‬‬
‫قال البغوي ‪ :‬أصَنافًا ﴿ مّنَّنب ٍ‬
‫َاتَ َشتّىَ ﴾ متلف اللوان ‪ ،‬والطعوم ‪،‬‬
‫والنافع ‪ ﴿ ،‬كُلُوا وَا ْر َعوْا َأْنعَامَكُ مْ ِإنّ فِي ذَلِ كَ لَآيَا تٍ ّلأُوْلِي الّنهَى ﴾ لذوي‬
‫ُمَ َو ِمنْه َا‬
‫ُمَ وَفِيه َا ُنعِيدُك ْ‬
‫العقول ‪ِ ﴿ ،‬منْه َا ﴾ ‪ ،‬أي ‪ :‬الرض ‪َ ﴿ ،‬خَل ْقنَاك ْ‬
‫خرِ ُجكُ ْم تَا َرةً أُخْرَى ﴾ يوم البعث ‪.‬‬ ‫نُ ْ‬

‫***‬
‫الزء الثالث‬ ‫‪94‬‬

‫الدرس السادس والستون بعد الائة‬

‫خ ِرجَنَا مِ نْ‬
‫﴿ وََل َقدْ أَ َريْنَا هُ آيَاتِنَا كُ ّلهَا َف َكذّ بَ َوَأبَى (‪ )56‬قَالَ َأجِئْتَنَا لِتُ ْ‬
‫ح ٍر مّثْلِ ِه فَا ْج َعلْ بَيْنَنَا وَبَيْنَ كَ‬
‫ك بِ سِ ْ‬
‫حرِ َك يَا مُو سَى (‪ )57‬فَلََن ْأتِيَنّ َ‬
‫أَرْضِنَا بِ سِ ْ‬
‫ت مَكَانا ُسوًى (‪ )58‬قَالَ َموْ ِعدُكُ مْ َيوْ ُم الزّيَنةِ‬
‫َموْعِدا لّا نُخْ ِلفُ هُ نَحْ ُن َولَا أَن َ‬
‫جمَ عَ كَ ْيدَ ُه ُثمّ َأتَى (‪)60‬‬
‫شرَ النّا سُ ضُحًى (‪ )59‬فََتوَلّى ِفرْ َعوْ ُن فَ َ‬
‫حَ‬‫َوأَن يُ ْ‬
‫قَالَ لَهُم مّو سَى وَيْ َلكُ ْم لَا َتفَْترُوا عَلَى اللّ هِ َكذِبا فَيُ سْحَِت ُكمْ بِ َعذَا بٍ َو َقدْ‬
‫جوَى (‪ )62‬قَالُوا‬
‫خَا بَ مَ نِ افَْترَى (‪ )61‬فَتَنَازَعُوا َأ ْمرَهُم بَيَْنهُ ْم َوأَ سَرّوا النّ ْ‬
‫ح ِرهِمَا َوَيذْهَبَا‬
‫خ ِرجَاكُم مّ ْن أَرْضِكُم بِ سِ ْ‬
‫إِ ْن َهذَا نِ لَ سَا ِحرَا ِن ُيرِيدَا نِ أَن يُ ْ‬
‫ح الَْيوْ َم مَنِ‬
‫صفّا َو َقدْ َأفْلَ َ‬
‫بِ َطرِيقَتِكُمُ الْمُثْلَى (‪َ )63‬فَأجْ ِمعُوا كَ ْيدَكُمْ ُثمّ ائْتُوا َ‬
‫ا سَْتعْلَى (‪ )64‬قَالُوا يَا مُو سَى ِإمّا أَن تُ ْلقِ يَ َوِإمّا أَن ّنكُو َن َأوّ َل مَ ْن َألْقَى (‬
‫سعَى‬
‫ح ِر ِهمْ َأّنهَا َت ْ‬
‫‪ )65‬قَالَ َب ْل َألْقُوا َفِإذَا حِبَاُلهُ ْم وَعِصِّي ُه ْم يُخَّي ُل ِإلَيْ ِه مِن سِ ْ‬
‫ك أَنتَ اْلأَعْلَى‬
‫ف ِإنّ َ‬
‫سهِ خِي َفةً مّوسَى (‪ )67‬قُلْنَا لَا تَخَ ْ‬
‫س فِي َنفْ ِ‬
‫(‪َ )66‬فَأوْجَ َ‬
‫ف مَا صََنعُوا ِإنّمَا صََنعُوا كَ ْيدُ سَا ِحرٍ َولَا ُيفْلِحُ‬
‫(‪َ )68‬وَألْ ِق مَا فِي يَمِينِكَ تَ ْلقَ ْ‬
‫ح َرةُ سُجّدا قَالُوا آمَنّ ا بِرَبّ هَارُو نَ‬
‫ث أَتَى (‪َ )69‬فُألْقِ يَ ال سّ َ‬
‫ال سّا ِحرُ حَيْ ُ‬
‫َومُو سَى (‪ )70‬قَالَ آمَنتُ ْم لَ هُ قَ ْب َل أَ نْ آ َذ َن َلكُ مْ إِنّ هُ َلكَبِيُكُ ُم اّلذِي عَلّ َمكُ مُ‬
‫ف َولَأُ صَلّبَّنكُ ْم فِي ُجذُو عِ‬
‫ح َر فَ َلُأقَ ّطعَنّ أَْي ِديَكُ ْم َوأَرْجُلَكُم مّ ْن خِلَا ٍ‬
‫ال سّ ْ‬
‫خ ِل َولَتَعْلَ ُمنّ َأيّنَا َأ َشدّ َعذَابا َوَأبْقَى (‪ )71‬قَالُوا لَن نّ ْؤِثرَ كَ عَلَى مَا جَاءنَا‬
‫النّ ْ‬
‫ض ِإنّمَا َتقْضِي َهذِ ِه الْحَيَاةَ ال ّدنْيَا‬
‫ت قَا ٍ‬
‫مِنَ الْبَيّنَاتِ وَاّلذِي فَ َط َرنَا فَاقْضِ مَا أَن َ‬
‫‪95‬‬ ‫توفيق الرحن ف دروس القرآن‬

‫ح ِر وَاللّ هُ‬
‫(‪ِ )72‬إنّا آمَنّا ِب َربّنَا لَِي ْغفِ َر لَنَا خَطَايَانَا وَمَا أَ ْكرَهْتَنَا عَلَيْ ِه مِ نَ ال سّ ْ‬
‫جرِما فَإِنّ لَ ُه جَهَنّ مَ لَا يَمُو تُ فِيهَا َولَا‬
‫خَ ْي ٌر وََأْبقَى (‪ِ )73‬إنّ ُه مَن َيأْ تِ َربّ هُ مُ ْ‬
‫ح ي (‪َ )74‬ومَ نْ َي ْأتِ ِه ُمؤْمِنا َقدْ عَ ِم َل ال صّالِحَاتِ َفُأوْلَئِ كَ لَهُ ُم الدّ َرجَا تُ‬
‫يَ ْ‬
‫جرِي مِن تَحْتِهَا الَْأْنهَا ُر خَاِلدِينَـ فِيهَا َو َذلِكَـ‬
‫اْلعُلَى (‪ )75‬جَنّاتُـ َعدْنٍـتَ ْ‬
‫َجزَاء مَن َتزَكّى (‪. ﴾ )76‬‬

‫***‬
‫الزء الثالث‬ ‫‪96‬‬

‫قوله عز و جل ‪َ ﴿ :‬ولَ َقدْ أَ َريْنَا هُ آيَاتِنَا كُلّهَا فَ َكذّ بَ َوأَبَى (‪ )56‬قَالَ‬


‫ح ٍر مّثْلِ هِ‬
‫حرِ َك يَا مُو سَى (‪ )57‬فَلََن ْأتِيَنّ كَ بِ سِ ْ‬
‫خرِجَنَا مِ نْ أَرْضِنَا بِ سِ ْ‬
‫َأجِئْتَنَا لُِت ْ‬
‫ت َمكَانا ُسوًى (‪ )58‬قَالَ‬
‫فَاجْ َع ْل بَيْنَنَا َوبَيْنَ كَ َموْعِدا لّا نُخْ ِلفُ هُ نَحْ ُن َولَا أَن َ‬
‫ضحًى (‪. ﴾ )59‬‬
‫ش َر النّاسُ ُ‬
‫حَ‬‫َموْ ِعدُ ُكمْ َيوْ ُم الزّيَن ِة وَأَن يُ ْ‬
‫عن ماهد ف قوله ‪َ ﴿ :‬مكَانا ُسوًى ﴾ ‪ ،‬قال ‪ :‬منصفًا بينهم ‪ .‬وعن ابن‬
‫ضحًى ﴾ فإنه يوم‬
‫ش َر النّا سُ ُ‬
‫عباس قوله ‪ ﴿ :‬قَا َل َموْعِدُكُ ْم َيوْ مُ الزّينَ ِة َوأَن يُحْ َ‬
‫زينة يتمع الناس إليه ويشر الناس له ‪.‬‬
‫قوله عز وجل ‪ ﴿ :‬فََت َولّى ِفرْ َعوْ ُن فَجَ َم عَ كَ ْيدَ ُه ُثمّ َأتَى (‪ )60‬قَا َل َلهُم‬
‫ب مَ نِ‬
‫ب وَ َق ْد خَا َ‬
‫سحَِتكُ ْم ِبعَذَا ٍ‬
‫مّو سَى َويْلَكُ مْ لَا تَفَْترُوا عَلَى اللّ هِ َكذِبا فَيُ ْ‬
‫جوَى (‪ )62‬قَالُوا إِ نْ هَذَا نِ‬
‫افَْترَى (‪ )61‬فَتَنَازَعُوا أَ ْم َرهُم بَيَْنهُ مْ َوأَ َسرّوا النّ ْ‬
‫ح ِرهِمَا َوَيذْهَبَا بِ َطرِيقَتِكُ مُ‬
‫خ ِرجَاكُم مّ نْ أَرْضِكُم بِ سِ ْ‬
‫لَ سَا ِحرَا ِن ُيرِيدَا ِن أَن يُ ْ‬
‫ح الْيَوْ َم مَ نِ ا سَْتعْلَى (‬
‫صفّا َوقَ ْد َأفْلَ َ‬
‫الْمُثْلَى (‪َ )63‬فأَجْ ِمعُوا كَ ْيدَكُ ْم ُثمّ ائْتُوا َ‬
‫‪. ﴾ )64‬‬

‫َابَ ﴾ ‪ ،‬يقول ‪ :‬فيهلككَم ‪ .‬وقال‬


‫حَتكُ ْم ِبعَذ ٍ‬
‫ُسَ ِ‬
‫عَن ابَن عباس قوله ‪َ ﴿ :‬في ْ‬
‫قتادة ‪ :‬يستأصلكم ‪.‬‬
‫وقوله تعال ‪َ ﴿ :‬فَتنَا َزعُوا َأمْرَهُم بَْيَنهُ ْم َوأَ سَرّوا النّ ْ‬
‫جوَى ﴾ ‪ ،‬قال قتادة ‪:‬‬
‫قال السحرة بينهم ‪ :‬إن كان هذا ساحرًا فإنا سنغلبه ‪ ،‬وإن كان من السماء‬
‫‪97‬‬ ‫توفيق الرحن ف دروس القرآن‬

‫فله أمَر ‪ .‬وقال وهَب بن من به ‪ :‬ج ع كَل ساحر حباله وع صيّه ‪ ،‬وخرج‬
‫مو سى م عه أخوه يت كئ على ع صاه ‪ ،‬ح ت أ تى الج مع ‪ ،‬وفرعون ف مل سه‬
‫م عه أشراف أ هل ملك ته قد ا ستكف له الناس ‪ ،‬فقال مو سى لل سحرة ح ي‬
‫ب مَ نِ‬
‫حَتكُمْ بِعَذَابٍ وََقدْ خَا َ‬
‫جاءهم ‪َ ﴿ :‬ويَْلكُمْ لَا َت ْفتَرُوا عَلَى اللّهِ كَذِبا َفيُسْ ِ‬
‫ا ْفتَرَى ﴾ ‪ ،‬فتراود السحرة بينهم ‪ ،‬وقال بعضهم لبعض ‪ :‬ما هذا بقول ساحر‬
‫‪.‬‬
‫وقال ابن كثي ‪ :‬وقوله ‪َ ﴿ :‬ويَ ْذهَبَا بِطَرِي َقتِكُ ُم الْ ُمثْلَى ﴾ ‪ ،‬أي ‪ :‬ويستبدّا‬
‫بذه الطريقة وهي ‪ :‬السحر ‪ .‬وقال ابن عباس ‪ :‬يعن ‪ :‬ملكهم الذي هم فيه‬
‫والعيش ‪ .‬وقال علي بن أب طالب ‪ :‬يصرفان وجوه الناس إليهما ‪.‬‬
‫صَفّا ﴾ ‪ ،‬أي ‪:‬‬ ‫قال ابـن كثيـ ‪ :‬وقوله ‪َ ﴿ :‬فأَجْ ِمعُوا َكيْدَك ْ‬
‫ُمَ ثُمّ اْئتُوا َ‬
‫اجتمعوا كلكم صفًا واحدًا ‪ ،‬وألقوا ما ف أيدكم مرة واحدة لتبهروا البصار‬
‫وتغلبوا هذا وأخاه ‪ ﴿ ،‬وَقَدْ أَفْلَحَ الَْي ْومَ مَ ِن ا ْسَتعْلَى ﴾ منا ومنه ‪.‬‬
‫قوله عز وجل ‪ ﴿ :‬قَالُوا يَا مُو سَى ِإمّا أَن تُ ْلقِ َي َوإِمّا أَن نّكُو نَ أَ ّولَ مَ نْ‬
‫حرِ ِه ْم أَّنهَا‬
‫َأْلقَى (‪ )65‬قَا َل َبلْ َأْلقُوا فَِإذَا حِبَاُلهُمْ وَعِصِّي ُهمْ ُيخَّيلُ ِإلَيْهِ مِن سِ ْ‬
‫ف ِإنّ كَ أَن تَ‬
‫سهِ خِي َفةً مّو سَى (‪ )67‬قُلْنَا لَا تَخَ ْ‬
‫س فِي َنفْ ِ‬
‫سعَى (‪َ )66‬فَأوْجَ َ‬
‫تَ ْ‬
‫اْلأَعْلَى (‪َ )68‬وَألْ قِ مَا فِي يَمِينِ كَ تَ ْلقَ فْ مَا صََنعُوا ِإنّمَا صََنعُوا كَ ْيدُ سَا ِحرٍ‬
‫ث َأتَى (‪. ﴾ )69‬‬
‫ح السّا ِحرُ حَيْ ُ‬
‫َولَا ُيفْلِ ُ‬
‫الزء الثالث‬ ‫‪98‬‬

‫عن ال سدي قال ‪ :‬قالوا ‪ :‬يا مو سى إ ما أن تل قي وإ ما أن نكون أول من‬


‫ألقَى قال ‪ :‬بَل ألقوا ‪ ،‬فألقوا حبالمَ وعصَيهم وكانوا بضعَة وثلثيَ ألف‬
‫رجل ليس منهم رجل إ ّل ومعه حبل وعصا ‪ .‬وعن وهب بن منبه قال ‪﴿ :‬‬
‫َنَأَلْقَى * قَا َل بَلْ أَْلقُوا‬
‫ُونََأوّلَ م ْ‬
‫ِيَ َوِإمّاَأَن ّنك َ‬
‫قَالُوا يَا مُوسََى ِإمّاَأَن تُ ْلق َ‬
‫﴾ فكان أول ما اختطفوا بسحرهم بصر موسى ‪ ،‬وبصر فرعون ‪ ،‬ث أبصار‬
‫الناس بعد ‪ ،‬ث ألقى كل رجل منهم ما ف يده من العصي والبال ‪ ،‬فإذا هي‬
‫حيّات كأمثال البال ‪ ،‬قد ملت الوادي يركب بعضها بعضًا ‪.‬‬
‫ْسَهِ خِي َفةً مّوسََى ﴾ ‪ ،‬لاَ رأى مَا ألقوا مَن البال‬ ‫َسَ فِي َنف ِ‬ ‫﴿ َفَأوْج َ‬
‫والع صي خيّل إل يه أن ا ت سعى ‪ ،‬فأو حى ال أن ‪ :‬ألق ما ف يي نك تل قف ما‬
‫صنعوا إن ا صنعوا ك يد ساحر ول يفلح ال ساحر ح يث أ تى ‪ .‬وفرح مو سى‬
‫فأل قى ع صاه من يده ‪ ،‬فا ستعرضت ل ا ألقوا من حبال م وع صيّهم ‪ ،‬و هي ‪:‬‬
‫حيات ف عي فرعون وأعي الناس تسعى ‪ ،‬فجعلت تلقفها حية ‪ ،‬حية حت‬
‫ما يُرى بالوادي قليل ول كثي ما ألقوا ‪ ،‬ث أخذها موسى فإذا هي عصا ف‬
‫يده ك ما كا نت ‪ ،‬وو قع ال سحرة سجّدًا قالوا ‪ :‬آم نا برب هارون ومو سى ‪،‬‬
‫لو كان هذا سحرًا ما غلبنا ‪.‬‬
‫وقال ا بن عباس ف قوله ‪ ﴿ :‬وَلَا ُيفْلِ ُح ال سّا ِحرُ َحيْ ثُ أَتَى ﴾ ل ي سعد‬
‫حيث كان ‪.‬‬
‫‪99‬‬ ‫توفيق الرحن ف دروس القرآن‬

‫ُونـ‬
‫سـجّدا قَالُوا آمَنّاـ ِبرَبّ هَار َ‬
‫ح َرةُ ُ‬
‫السـ َ‬
‫ِيـ ّ‬‫قوله عـز وجـل ‪َ ﴿ :‬فأُْلق َ‬
‫َومُو سَى (‪ )70‬قَالَ آمَنتُ ْم لَ هُ قَ ْب َل أَ نْ آ َذ َن َلكُ مْ إِنّ هُ َلكَبِيُكُ ُم اّلذِي عَلّ َمكُ مُ‬
‫ف َولَأُ صَلّبَّنكُ ْم فِي ُجذُو عِ‬
‫ح َر فَ َلُأقَ ّطعَنّ أَْي ِديَكُ ْم َوأَرْجُلَكُم مّ ْن خِلَا ٍ‬
‫ال سّ ْ‬
‫خ ِل َولَتَعْلَ ُمنّ َأيّنَا َأ َشدّ َعذَابا َوَأبْقَى (‪ )71‬قَالُوا لَن نّ ْؤِثرَ كَ عَلَى مَا جَاءنَا‬
‫النّ ْ‬
‫ض ِإنّمَا َتقْضِي َهذِ ِه الْحَيَاةَ ال ّدنْيَا‬
‫ت قَا ٍ‬
‫مِنَ الْبَيّنَاتِ وَاّلذِي فَ َط َرنَا فَاقْضِ مَا أَن َ‬
‫ح ِر وَاللّ هُ‬
‫(‪ِ )72‬إنّا آمَنّا ِب َربّنَا لَِي ْغفِ َر لَنَا خَطَايَانَا وَمَا أَ ْكرَهْتَنَا عَلَيْ ِه مِ نَ ال سّ ْ‬
‫جرِما فَإِنّ لَ ُه جَهَنّ مَ لَا يَمُو تُ فِيهَا َولَا‬
‫خَ ْي ٌر وََأْبقَى (‪ِ )73‬إنّ ُه مَن َيأْ تِ َربّ هُ مُ ْ‬
‫ح ي (‪َ )74‬ومَ نْ َي ْأتِ ِه ُمؤْمِنا َقدْ عَ ِم َل ال صّالِحَاتِ َفُأوْلَئِ كَ لَهُ ُم الدّ َرجَا تُ‬
‫يَ ْ‬
‫جرِي مِن تَحْتِهَا الَْأْنهَا ُر خَاِلدِينَـ فِيهَا َو َذلِكَـ‬
‫اْلعُلَى (‪ )75‬جَنّاتُـ َعدْنٍـتَ ْ‬
‫َجزَاء مَن َتزَكّى (‪. ﴾ )76‬‬
‫قال و هب بن من به ‪ :‬ل ا قالت ال سحرة ‪ ﴿ :‬آ َمنّ ا بِرَبّ هَارُو َن َومُو سَى‬
‫﴾ ‪ ،‬قال لم فرعون وأسف ورأى الغلبة البيّنة ‪ ﴿ :‬آمَنتُمْ لَهُ َقبْلَ أَنْ آذَنَ َلكُ ْم‬
‫حرَ ﴾ ‪ ،‬أي ‪ :‬لعظيم السحار الذي علّمكم ‪.‬‬ ‫ِإنّ هُ َل َكبِيُكُ ُم الّذِي عَلّ َمكُ ُم ال سّ ْ‬
‫َافَ‬
‫ّنَ ِخل ٍ‬ ‫ُمَ َوأَرْ ُجلَكُم م ْ‬ ‫وعَن السَدي ‪ :‬قال فرعون ‪َ ﴿ :‬فَلأُقَ ّطعَنّ َأيْ ِديَك ْ‬
‫ع النّخْلِ ﴾ فقتل هم وقطّع هم ‪ ،‬ك ما قال ع بد ال بن‬ ‫وََلأُ صَّلبَّنكُمْ فِي ُجذُو ِ‬
‫صبْرا َوَتوَفّنَا مُ سْلِ ِميَ‬
‫غ عََليْنَا َ‬
‫عباس ر ضي ال ع نه ح ي قالوا ‪َ ﴿ :‬ربّنَا أَفْرِ ْ‬
‫﴾ وقال ‪ :‬كانوا أول النهار سحرة ‪ ،‬وف آخر النهار شهداء ‪.‬‬
‫الزء الثالث‬ ‫‪100‬‬

‫ت وَالّذِي‬
‫و عن و هب بن من به ‪ ﴿ :‬لَن ّن ْؤثِرَ كَ عَلَى مَا جَاءنَا مِ َن اْلَبيّنَا ِ‬
‫َاضَ ﴾ اصَنع مَا بدا لك‬ ‫َنتَ ق ٍ‬ ‫ْضَ مَا أ َ‬
‫فَ َطرَنَا ﴾ ‪ ،‬أي ‪ :‬على ال ‪ ﴿ ،‬فَاق ِ‬
‫حيَاةَ ال ّدْنيَا ﴾ ‪ ،‬أي ‪ :‬ليس لك سلطان إ َل فيها ث‬ ‫‪ِ ﴿ ،‬إنّمَا َت ْقضِي هَذِ ِه الْ َ‬
‫ل سلطان لك بعد ‪ .‬وقال ابن زيد ف قوله ‪َ ﴿ :‬ومَا أَكْ َر ْهتَنَا عََليْ ِه مِ َن السّحْرِ‬
‫﴾ ‪ ،‬قال ‪ :‬أمرهَم بتعلّم السَحر ‪ ،‬قال ‪ :‬تركوا كتاب ال وأمروا قومهَم‬
‫بتعليم السحر ‪ .‬وعن ابن إسحاق ‪ ﴿ :‬وَاللّ هُ َخيْرٌ َوأَْبقَى ﴾ خي منك ثوابًا ‪،‬‬
‫وأبقى عذابًا ‪.‬‬
‫و عن أ ب سعيد ر ضي ال عنه ‪ :‬أن ر سول ال خ طب فأ تى على هذه‬
‫جرِما فَِإنّ لَ هُ َج َهنّ مَ لَا يَمُوتُ فِيهَا وَلَا يَحْي ﴾ ‪،‬‬
‫الية ‪ِ ﴿ :‬إنّهُ مَن َيأْ تِ َربّ ُه مُ ْ‬
‫قال النب ‪ « :‬أما أهلها الذين هم أهلها فل يوتون فيها ول ييون ‪ ،‬وأما‬
‫الذ ين لي سوا من أهل ها فإن النار ت سّهم ث يقوم الشفعاء فيشفعون ‪ ،‬فتج عل‬
‫الضبائر فيؤتى ب م نرًا يقال له الياة أو اليوان ‪ ،‬فينبتون ك ما ينبت الع شب‬
‫ف حيل السيل » ‪ .‬رواه ابن أب حات ‪ .‬وعن عبادة بن الصامت عن النب‬
‫قال ‪ « :‬النة مائة درجة ‪ ،‬ما بي كل درجتي كما بي السماء والرض ‪،‬‬
‫والفردوس أعل ها در جة ‪ .‬ومن ها ترج النار الرب عة ‪ ،‬والعرش فوق ها فإذا‬
‫سَألتم ال فاسَألوه الفردوس » رواه أحدَ وغيه ‪ .‬وفَ الصَحيحي ‪ « :‬إن‬
‫أهَل علّييَ ليون مَن فوقهَم كمَا ترون الكوكَب الغابر فَ أفَق السَماء‬
‫لتفاضل ما بينهم » ‪ ،‬قالوا ‪ :‬يا رسول ال تلك منازل النبياء ؟ قال ‪ « :‬بلى‬
‫والذي نفسي بيده رجال آمنوا بال وصدّقوا الرسلي » ‪.‬‬
‫‪101‬‬ ‫توفيق الرحن ف دروس القرآن‬

‫***‬
‫الزء الثالث‬ ‫‪102‬‬

‫الدرس السابع والستون بعد الائة‬

‫ضرِب ْـَلهُ مْ َطرِيقا فِي‬


‫﴿ َولَ َقدْ َأ ْوحَيْنَا إِلَى مُوسـَى أَ ْن أَ ْسرِ ِبعِبَادِي فَا ْ‬
‫ِهـ‬
‫ْنـ بِجُنُود ِ‬
‫ُمـ ِفرْ َعو ُ‬
‫َافـ دَرَكا وَلَا تَخْشَى (‪َ )77‬فأَتَْب َعه ْ‬
‫ح ِر يَبَسـا لّا تَخ ُ‬
‫الْبَ ْ‬
‫ض ّل ِفرْ َعوْ نُ َق ْومَ هُ وَمَا َهدَى (‪ )79‬يَا‬
‫َف َغشَِيهُم مّ نَ الَْيمّ مَا َغشَِيهُ مْ (‪ )78‬وَأَ َ‬
‫ب الطّورِ اْلَأيْمَ نَ‬
‫بَنِي إِ ْسرَائِي َل َقدْ أَنَيْنَاكُم مّ نْ َعدُوّكُ ْم وَوَا َع ْدنَاكُ ْم جَانِ َ‬
‫َوَنزّلْنَا عَلَ ْيكُمُـ الْمَنّ وَالسّـْلوَى (‪ )80‬كُلُوا مِن طَيّبَاتِـ مَا رَ َزقْنَاكُم ْـ َولَا‬
‫حلّ عَلَ ْيكُ مْ غَضَبِي وَمَن يَحْ ِللْ عَلَيْ هِ غَضَبِي َف َقدْ َهوَى (‪)81‬‬
‫تَ ْط َغوْا فِي هِ فَيَ ِ‬
‫َوِإنّ ي َلغَفّا ٌر لّمَن تَا بَ وَآمَ َن وَعَ ِملَ صَالِحا ثُمّ اهَْتدَى (‪ )82‬وَمَا أَعْجَلَ كَ‬
‫ت ِإلَيْ كَ رَبّ‬
‫ك يَا مُو سَى (‪ )83‬قَا َل هُ مْ أُولَاء عَلَى أََثرِي وَعَجِلْ ُ‬
‫عَن َقوْمِ َ‬
‫ك مِن َب ْعدِ َك وَأَضَ ّلهُ ُم ال سّا ِمرِيّ (‪)85‬‬
‫لَِترْضَى (‪ )84‬قَالَ َفِإنّا َقدْ فَتَنّا َق ْومَ َ‬
‫َف َرجَ َع مُو سَى ِإلَى َقوْمِ هِ غَضْبَا َن أَ سِفا قَالَ يَا َقوْ ِم َألَ ْم َي ِعدْكُ مْ َربّكُ ْم وَعْدا‬
‫ب مّ ن ّربّكُ مْ‬
‫حلّ عَلَ ْيكُ مْ غَضَ ٌ‬
‫حَ سَنا َأفَطَالَ عَلَ ْيكُ ُم الْ َع ْهدُ َأ ْم أَرَدتّ ْم أَن يَ ِ‬
‫َفَأخْلَفْتُم مّوْ ِعدِي (‪ )86‬قَالُوا مَا أَخْ َلفْنَا َموْ ِعدَ َك بِمَ ْلكِنَا َوَلكِنّا حُمّلْنَا أَوْزَارا‬
‫ج َلهُ مْ ِعجْلً‬
‫مّن زِيَنةِ اْلقَوْ ِم َف َق َذفْنَاهَا َف َكذَلِ كَ أَْلقَى ال سّا ِمرِيّ (‪َ )87‬فأَ ْخرَ َ‬
‫جَ سَدا لَ هُ ُخوَارٌ َفقَالُوا َهذَا ِإَل ُهكُ مْ َوِإلَ هُ مُو سَى فَنَ سِيَ (‪َ )88‬أفَلَا َي َروْ َن َألّا‬
‫ضرّا َولَا َنفْعا (‪َ )89‬وَلقَ ْد قَا َل َلهُمْ هَارُونُ‬
‫ك َلهُمْ َ‬
‫َي ْرجِ ُع ِإلَ ْيهِمْ قَ ْولً َولَا يَ ْملِ ُ‬
‫مِن قَ ْب ُل يَا َقوْ ِم ِإنّمَا فُتِنتُم بِ هِ َوإِنّ َرّبكُ ُم ال ّرحْمَ ُن فَاتّبِعُونِي َوأَطِيعُوا َأ ْمرِي (‬
‫‪ )90‬قَالُوا لَن نّ ْبرَ حَ عَلَيْ هِ عَا ِكفِيَ حَتّ ى َيرْجِ َع إِلَيْنَا مُو سَى (‪ )91‬قَالَ يَا‬
‫‪103‬‬ ‫توفيق الرحن ف دروس القرآن‬

‫ت َأمْرِي (‪)93‬‬
‫ك ِإذْ َرأَيَْتهُ مْ ضَلّوا (‪َ )92‬ألّا تَتِّبعَ نِ َأ َفعَ صَيْ َ‬
‫هَارُو نُ مَا مََنعَ َ‬
‫ت بَيْ نَ‬
‫ت أَن تَقُولَ َف ّرقْ َ‬
‫قَالَ يَا ابْ َن أُمّ لَا َت ْأخُ ْذ بِلِحْيَتِي َولَا ِبرَأْ سِي ِإنّي َخشِي ُ‬
‫ك يَا سَامِرِيّ (‪ )95‬قَالَ‬
‫ب َق ْولِي (‪ )94‬قَا َل فَمَا خَطْبُ َ‬
‫بَنِي إِ ْسرَائِي َل وَلَ ْم َترْقُ ْ‬
‫ضةً مّ نْ َأَثرِ الرّ سُو ِل فَنََب ْذتُهَا وَ َك َذلِ كَ‬
‫ت قَبْ َ‬
‫صرُوا بِ هِ َفقَبَضْ ُ‬
‫ت بِمَا لَ ْم يَبْ ُ‬
‫صرْ ُ‬
‫بَ ُ‬
‫ك فِي الْحَيَا ِة أَن َتقُولَ لَا مِسَاسَ‬
‫ب َفإِنّ لَ َ‬
‫ت لِي َنفْسِي (‪ )96‬قَالَ فَاذْهَ ْ‬
‫سَ ّولَ ْ‬
‫ْهـ عَاكِفا‬
‫ْتـ عَلَي ِ‬
‫ِكـ اّلذِي َظل َ‬
‫َهـ وَان ُظ ْر ِإلَى ِإلَه َ‬
‫ّنـ تُخْ َلف ُ‬
‫َكـ َموْعِدا ل ْ‬
‫َوإِنّ ل َ‬
‫سفَّنهُ فِي الَْيمّ نَسْفا (‪ِ )97‬إنّمَا ِإَلهُكُمُ اللّهُ اّلذِي لَا ِإلَهَ ِإلّا ُهوَ‬
‫ح ّرقَنّ ُه ُثمّ لَنَن ِ‬
‫لّنُ َ‬
‫َوسِعَ ُك ّل شَيْءٍ عِلْما (‪. ﴾ )98‬‬

‫***‬
‫الزء الثالث‬ ‫‪104‬‬

‫ضرِ بْ‬
‫قوله عز و جل ‪ ﴿ :‬وََل َقدْ َأ ْوحَيْنَا ِإلَى مُو سَى أَ ْن أَ ْسرِ ِبعِبَادِي فَا ْ‬
‫ُمـ‬
‫َافـ دَرَكا َولَا تَخْش َى (‪َ )77‬فَأتَْبعَه ْ‬
‫ح ِر يَبَسـا لّا تَخ ُ‬
‫ُمـ َطرِيقا ف ِي الْبَ ْ‬
‫َله ْ‬
‫ض ّل ِفرْ َعوْ ُن َقوْمَ ُه َومَا‬
‫جنُودِهِ َف َغشَِيهُم مّ َن الْيَمّ مَا َغشَِيهُمْ (‪َ )78‬وأَ َ‬
‫ِفرْ َعوْنُ بِ ُ‬
‫َهدَى (‪. ﴾ )79‬‬
‫عن ما هد قوله ‪ ﴿ :‬يَبَ سا ﴾ ‪ ،‬قال ‪ :‬ياب سًا ‪ .‬و عن ا بن عباس ف قوله‬
‫‪ ﴿ :‬ل تاف دركًا ول تشى ﴾ ‪ ،‬يقول ‪ :‬ل تاف من آل فرعون دركًا ‪،‬‬
‫ول تشى من البحر غرقًا ‪.‬‬
‫شيَهُ ْم َوأَضَلّ فِ ْر َعوْ نُ‬
‫شيَهُم مّ َن اْليَمّ مَا غَ ِ‬
‫جنُودِ هِ َفغَ ِ‬
‫﴿ َفَأتَْب َعهُ مْ ِف ْر َعوْ نُ بِ ُ‬
‫َق ْومَ ُه َومَا هَدَى ﴾ ‪.‬‬
‫قال البغوي ‪ :‬وهذا تكذيب لفرعون ف قوله ‪ ﴿ :‬وَمَا َأهْدِيكُ مْ إِلّا َسبِيلَ‬
‫ال ّرشَادِ ﴾ ‪.‬‬
‫قوله عز وجل ‪ ﴿ :‬يَا بَنِي إِ ْسرَائِي َل َقدْ أَنَيْنَاكُم مّنْ َع ُدوّكُمْ َووَا َعدْنَاكُمْ‬
‫ب الطّو ِر اْلأَيْمَ نَ وََن ّزلْنَا عَلَ ْيكُ ُم الْ َمنّ وَال سّلْوَى (‪ )80‬كُلُوا مِن طَيّبَا تِ‬
‫جَانِ َ‬
‫حلّ عَلَ ْيكُ مْ غَضَبِي وَمَن يَحْ ِللْ عَلَيْ هِ غَضَبِي‬
‫مَا رَ َزقْنَاكُ مْ َولَا تَ ْط َغوْا فِي ِه فَيَ ِ‬
‫ب وَآمَ َن وَعَ ِملَ صَالِحا ثُمّ اهَْتدَى (‬
‫َف َقدْ َهوَى (‪َ )81‬وِإنّ ي َل َغفّا ٌر لّمَن تَا َ‬
‫‪. ﴾ )82‬‬
‫عن ابن عباس قوله ‪ ﴿ :‬وَلَا تَ ْط َغوْا فِي هِ ﴾ ‪ ،‬يقول ‪ :‬ول تظلموا ‪َ ﴿ ،‬ومَن‬
‫حلِ ْل عََليْ ِه َغضَبِي َف َق ْد َهوَى ﴾ ‪ ،‬يقول ‪ :‬ف قد ش قي ‪َ ﴿ ،‬وِإنّ ي َل َغفّارٌ لّمَن‬
‫يَ ْ‬
‫‪105‬‬ ‫توفيق الرحن ف دروس القرآن‬

‫تَابَ ﴾ من الشرك ‪ ﴿ ،‬وَآمَ نَ ﴾ ‪ ،‬يقول ‪ :‬وعد ال ‪َ ﴿ ،‬وعَمِلَ صَالِحا ﴾ ‪،‬‬


‫يقول ‪ :‬أد يّ فرائ ضي ‪ ﴿ ،‬ثُمّ ا ْهتَدَى ﴾ ‪ ،‬قال قتادة ‪ :‬ث لزم ال سلم ح ت‬
‫يوت عليه ‪.‬‬
‫قوله عز و جل ‪ ﴿ :‬وَمَا أَ ْعجَلَ كَ عَن َق ْومِ كَ يَا مُو سَى (‪ )83‬قَالَ هُ مْ‬
‫ت إِلَيْ كَ َربّ لَِترْضَى (‪ )84‬قَالَ َفِإنّا قَ ْد فَتَنّا َق ْومَ كَ‬
‫أُولَاء عَلَى َأَثرِي وَ َعجِلْ ُ‬
‫مِن َب ْعدِ َك َوأَضَ ّلهُ ُم ال سّا ِمرِيّ (‪َ )85‬فرَجَ َع مُو سَى إِلَى َق ْومِ هِ غَضْبَا َن أَ سِفا‬
‫قَالَ يَا َقوْ ِم َألَ ْم َي ِعدْكُ مْ َربّكُ ْم وَعْدا حَ سَنا َأفَطَالَ عَلَ ْيكُ مُ اْلعَ ْه ُد أَ ْم أَرَدتّ ْم أَن‬
‫حلّ َعلَ ْيكُم ْـ غَضَبٌـ مّنـ ّرّبكُم ْـ َفَأخْلَفْتُم مّوْ ِعدِي (‪ )86‬قَالُوا مَا َأخْلَفْنَا‬
‫يَ ِ‬
‫ك َألْقَى‬
‫َموْ ِعدَ َك بِمَ ْلكِنَا َولَكِنّا حُمّلْنَا أَوْزَارا مّن زِيَنةِ اْلقَوْ ِم َفقَ َذفْنَاهَا َف َكذَلِ َ‬
‫ل جَ سَدا لَ هُ ُخوَا ٌر َفقَالُوا َهذَا ِإَلهُكُ مْ َوِإلَ هُ‬
‫ج َلهُ مْ ِعجْ ً‬
‫ال سّامِرِيّ (‪َ )87‬فأَ ْخرَ َ‬
‫ضرّا وَلَا‬
‫مُوسَى فَنَسِيَ (‪َ )88‬أفَلَا َيرَوْ َن َألّا َيرْجِ ُع ِإلَيْهِمْ َقوْ ًل َولَا يَمْلِكُ َلهُمْ َ‬
‫َنفْعا (‪. ﴾ )89‬‬
‫قال ابـن إسـحاق ‪ :‬وعَد ال موسَى حيَ أهلك فرعون وقومَه ‪ ،‬ونّاه‬
‫لثِيَ َليَْل ًة َوأَتْ َم ْمنَاهَا ِبعَشْرٍ َفتَمّ مِيقَا تُ َربّ هِ أَ ْربَعِيَ َليَْلةً ﴾ تلقاه‬
‫وقو مه ‪َ ﴿ :‬ث َ‬
‫فيها با شاء فاستخلف موسى هارون ف بن إسرائيل ومعه السامري ‪ ،‬يسي‬
‫بمَ على أثَر موسَى ليلحقهَم بَه ‪ ،‬فلمَا كلّم ال موسَى قال له ‪ ﴿ :‬وَمَا‬
‫ك يَا مُو سَى * قَا َل هُ مْ أُولَاء عَلَى َأثَرِي َوعَجِلْ تُ إَِليْ كَ رَبّ‬ ‫َأعْجَلَ كَ عَن َق ْومِ َ‬
‫الزء الثالث‬ ‫‪106‬‬

‫ِلتَرْضَى * قَالَ فَِإنّا قَدْ َفَتنّا َق ْومَ كَ مِن َبعْدِ َك َوأَضَّلهُ ُم ال سّامِرِيّ َفرَجَ َع مُو سَى‬
‫ضبَانَ َأسِفا ﴾ ‪ ،‬قال ابن عباس يقول ‪ :‬حزينًا ‪.‬‬ ‫إِلَى َق ْومِهِ َغ ْ‬
‫﴿ قَا َل يَا َق ْومِ أَلَ ْم َيعِدْكُمْ َرّبكُ ْم َوعْدا حَسَنا ﴾ ‪.‬‬
‫قال البغوي ‪ :‬صَدقًا ‪ ،‬أن يعطيكَم التوارة ‪ ﴿ ،‬أَفَطَا َل عََلْيكُم ُ‬
‫َ اْل َعهْدُ‬
‫ُمَ‬
‫َبَ مّنَ ّرّبك ْ‬ ‫ُمَ غَض ٌ‬ ‫ّمَأَن َيحِ ّل عََلْيك ْ‬ ‫َمَ أَرَدت ْ‬
‫﴾ مدة مفارقتَ إياكَم ‪ ﴿ ،‬أ ْ‬
‫َفأَ ْخَلفْتُم ّم ْوعِدِي * قَالُوا مَا أَخَْل ْفنَا َم ْوعِدَ َك بِمَ ْل ِكنَا ﴾ ‪ ،‬قال ابن كثي ‪ :‬أي ‪:‬‬
‫عن قدرتنا واختيارنا ‪.‬‬
‫﴿ وََلكِنّا ُحمّ ْلنَا َأوْزَارا مّن زِيَنةِ اْل َق ْومِ َفقَذَ ْفنَاهَا َفكَذَلِكَ أَْلقَى السّامِرِيّ ﴾ ‪.‬‬
‫وعن ابن عباس ‪ ﴿ :‬وََل ِكنّا حُمّ ْلنَا َأوْزَارا مّن زِيَن ِة اْلقَوْ مِ ﴾ ‪ ،‬فهو ما كان مع‬
‫بن إسرائيل من حليّ آل فرعون ‪ ،‬يقول ‪ :‬خطؤنا ما أصبنا من حل ّي عدوّنا ‪،‬‬
‫وقال قتادة ‪ :‬كان ال و قت لو سى ثلث ي ليلة ث أتّم ها بع شر ‪ ،‬فل ما م ضت‬
‫الثلثون قال عدو ال السامريّ ‪ :‬إنا أصابكم الذي أصابكم عقوبة بالل يّ ‪،‬‬
‫الذي كان معكَم ‪ ،‬فهلّموا ‪ ،‬وكانَت حليّاَ اسَتعاروها مَن آل فرعون ‪،‬‬
‫ف ساروا و هي مع هم فقدفو ها إل يه ف صوّرها صورة بقرة ‪ ،‬وكان قد صرّ ف‬
‫عمامته أو ف ثوبه قبضة من أثر فرس جبائيل ‪ ،‬فقذفها مع الليّ والصورة ‪.‬‬
‫جلً جَ سَدا لَ هُ ُخوَارٌ ﴾ فج عل يور خوار البقرة فقال‬ ‫﴿ َفأَخْ َر جَ َلهُ ْم عِ ْ‬
‫‪ ﴿ :‬هَذَا إَِل ُهكُ ْم َوإِلَ هُ مُو سَى ﴾ ‪ ،‬و ف روا ية ‪ :‬فقالوا هذا إل كم وإله مو سى‬
‫ول كن موسَى نسَي ربَه عندكَم ‪ ،‬قال ال ‪ ﴿ :‬أَفَلَا يَ َروْنََأَلّا يَرْجِعَُإَِلْيهِم َْ‬
‫ضرّا وَلَا َنفْعا ﴾ ؟ ‪.‬‬ ‫﴾ ذلك العجل الذي اتذوه ‪َ ﴿ ،‬قوْلً وَلَا يَ ْملِكُ َلهُمْ َ‬
‫‪107‬‬ ‫توفيق الرحن ف دروس القرآن‬

‫قال ابن كثي ‪ :‬وحاصل ما اعتذر به هؤلء الهلة أنم تورّعوا عن زينة‬
‫القوم ‪ ،‬فألقو ها وعبدوا الع جل ‪ ،‬فتورّعوا عن الق ي وفعلوا ال مر ال كبي ‪،‬‬
‫ك ما قال ا بن ع مر ‪ :‬انظروا إل أ هل العراق ‪ ،‬قتلوا ا بن ب نت ر سول ال‬
‫وهم يسألون عن دم البعوضة ‪.‬‬
‫قوله عز وجل ‪ ﴿ :‬وََل َقدْ قَالَ َلهُ ْم هَارُو ُن مِن قَ ْبلُ يَا َقوْ ِم إِنّمَا فُتِنتُم بِ هِ‬
‫َوإِنّ َرّبكُ ُم ال ّرحْمَ ُن فَاتّبِعُونِي َوأَطِيعُوا َأ ْمرِي (‪ )90‬قَالُوا لَن نّ ْبرَ حَ عَلَيْ هِ‬
‫عَا ِكفِيَ حَتّى َيرْجِ َع ِإلَيْنَا مُو سَى (‪ )91‬قَالَ يَا هَارُو ُن مَا مََنعَ كَ ِإذْ َرَأيَْتهُ مْ‬
‫ت َأمْرِي ( ‪ )93‬قَا َل يَا ابْنَ أُمّ لَا َتأْ ُخذْ بِ ِلحْيَتِي‬
‫ضَلّوا (‪َ )92‬ألّا تَتِّبعَنِ َأ َفعَصَيْ َ‬
‫ب َق ْولِي (‬
‫ت بَيْنَ بَنِي إِ ْسرَائِي َل وَلَمْ َت ْرقُ ْ‬
‫َولَا ِب َرأْسِي ِإنّي َخشِيتُ أَن َتقُو َل َف ّرقْ َ‬
‫‪. ﴾ )94‬‬
‫قال ا بن عباس ‪ :‬ل ا قال القوم ‪ ﴿ :‬لَن نّبْ َر َ‬
‫ح عََليْ ِه عَاكِفِيَ َحتّ ى يَ ْرجِ عَ‬
‫إَِلْينَا مُو سَى ﴾ ‪ ،‬أقام هارون فيمن تبعه من السلمي من ل يفتت ‪ ،‬وأقام من‬
‫يعبد العجل على عبادة العجل ‪ ،‬وتوف هارون إن سار بن معه من السلمي‬
‫ت َبيْ َن َبنِي إِ سْرَائِي َل وَلَ ْم تَرْقُ بْ َقوْلِي ﴾ وكان له‬
‫أن يقول له موسى ‪َ ﴿ :‬فرّقْ َ‬
‫هائبًا مطيعًا ‪.‬‬
‫ص ْرتُ بِمَا‬
‫ك يَا سَامِرِيّ (‪ )95‬قَالَ بَ ُ‬
‫قوله عز وجل ‪ ﴿ :‬قَا َل فَمَا خَطْبُ َ‬
‫ضةً مّ ْن َأَثرِ الرّ سُو ِل فَنََب ْذتُهَا وَ َكذَلِ كَ َس ّولَتْ لِي‬
‫ت قَبْ َ‬
‫صرُوا بِ ِه َفقَبَضْ ُ‬
‫لَ ْم يَبْ ُ‬
‫س َوإِنّ لَ كَ‬
‫ب َفإِنّ لَ كَ فِي الْحَيَا ِة أَن َتقُولَ لَا مِ سَا َ‬
‫َنفْ سِي (‪ )96‬قَالَ فَاذْهَ ْ‬
‫الزء الثالث‬ ‫‪108‬‬

‫ح ّرقَنّ ُه ثُمّ‬
‫َموْعِدا لّ نْ تُخْ َلفَ هُ وَان ُظرْ ِإلَى ِإَلهِ كَ اّلذِي ظَلْ تَ عَلَيْ هِ عَاكِفا لّنُ َ‬
‫سفَّنهُ فِي الْيَمّ نَ سْفا (‪ِ )97‬إنّمَا إَِل ُهكُ ُم اللّ هُ اّلذِي لَا إِلَ َه إِلّا هُ َو وَ سِعَ ُكلّ‬
‫لَنَن ِ‬
‫َشيْءٍ عِلْما (‪. ﴾ )98‬‬
‫ك يَا سَامِرِيّ ﴾ ‪ ،‬قال ‪ :‬ما أمرك ؟ ما‬ ‫قال ابن زيد ف قوله ‪َ ﴿ :‬فمَا خَ ْطبُ َ‬
‫َمَ‬
‫ت بِمَا ل ْ‬ ‫َصَرْ ُ‬
‫شأنَك ؟ مَا هذا الذي أدخلك فيمَا دخلت فيَه ؟ ﴿ قَا َل ب ُ‬
‫ض ًة مّ نْ َأثَرِ‬
‫َيبْصُرُوا بِهِ ﴾ ‪ .‬قال قتادة ‪ :‬يعن ‪ :‬فرس جبيل ‪َ ﴿ ،‬ف َقبَضْتُ َقْب َ‬
‫ك َسوَّلتْ لِي َنفْسِي ﴾ ‪ ،‬قال ابن زيد ‪ :‬كذلك حدثتن‬ ‫ال ّرسُولِ َفَنبَ ْذُتهَا وَكَذَلِ َ‬
‫ي عظيما من عظماء بن إسرائيل من‬ ‫نفسي ‪ .‬وقال قتادة ‪ :‬كان وال السامر ُ‬
‫قبيلة يقال لا سامرة ‪ ،‬ولك نّ عدو ال نافق بعدما قطع البحر مع بن إسرائيل‬
‫‪.‬‬
‫َسََنتْهُ‬
‫سَوّلَتْ لِي َنفْسَِي ﴾ ‪ ،‬أي ‪ :‬ح ّ‬ ‫وقال ابـن كثيـ ‪ ﴿ :‬وَكَذَل َ‬
‫ِكَ َ‬
‫حيَاةِ أَن َتقُولَ لَا مِ سَاسَ ﴾ ‪،‬‬
‫وأعجبها إذ ذاك ‪ ﴿ ،‬قَالَ فَا ْذهَبْ فَِإنّ لَكَ فِي الْ َ‬
‫أي ‪ :‬ك ما أخذت وم سست ما ل ي كن لك أخذه وم سه من أ ثر الر سول ‪،‬‬
‫تاسَ الناس ول‬
‫فعقوبتَك فَ الدنيَا ‪ ﴿ ،‬أَن َتقُولَ لَا مِسََاسَ ﴾ ‪ ،‬أي ‪ :‬ل ّ‬
‫خَلفَ هُ ﴾ ‪ ،‬أي‬
‫ك َم ْوعِدا ﴾ ‪ ،‬أي ‪ :‬يوم القيامة ‪ ﴿ ،‬لّ ْن تُ ْ‬ ‫ي سّونك ‪َ ﴿ ،‬وِإنّ لَ َ‬
‫‪ :‬ل ييد لك عنه ‪.‬‬
‫سفَنّهُ‬ ‫وقوله ‪ ﴿ :‬وَانظُرْ إِلَى إَِلهِ َ‬
‫ك الّذِي ظَلْ تَ عََليْ هِ عَاكِفا ّلنُحَرَّقنّ ُه ثُمّ َلنَن ِ‬
‫فِي اْليَمّ نَسْفا ﴾ ‪ .‬قال ابن عباس ‪ :‬فحرّقه ث ذرّاه ف اليمّ ‪.‬‬
‫‪109‬‬ ‫توفيق الرحن ف دروس القرآن‬

‫وقال ابن جرير ‪ :‬وقوله ‪ِ ﴿ :‬إنّمَا إَِل ُهكُمُ اللّ ُه الّذِي لَا إِلَهَ إِلّا ُهوَ َوسِعَ كُلّ‬
‫َشيْ ٍء عِلْما ﴾ ‪ ،‬يقول ‪ :‬مَا لكَم أيهَا القوم معبود إلّ الذي له عبادة جيَع‬
‫َسَعَ كُلّ‬
‫اللق ‪ ،‬ل تصَلح العبادة لغيه ‪ ،‬ول تنبغَي أن تكون إلّ له ‪ ﴿ ،‬و ِ‬
‫َشيْ ٍء عِلْما ﴾ ‪ ،‬يقول ‪ :‬احتاط بكَل شيَء علمًا وعلمَه ‪ ،‬فل يفَى عليَه‬
‫شيء ول يضيق عليه علم جيع ذلك ‪.‬‬

‫***‬
‫الزء الثالث‬ ‫‪110‬‬

‫الدرس الثامن والستون بعد الائة‬

‫﴿ َكذَلِ كَ نَقُ صّ عَ َليْ كَ مِ ْن أَنبَاء مَا َقدْ سََبقَ وَ َقدْ آتَيْنَا َك مِن ّل ُدنّ ا ذِكْرا (‬
‫‪ )99‬مَ نْ أَ ْعرَ ضَ عَنْ هُ َفِإنّ ُه يَحْ ِم ُل َيوْ َم اْلقِيَا َمةِ وِزْرا ( ‪ )100‬خَالِدِي َن فِي هِ‬
‫شرُ‬
‫حُ‬‫َخـ ف ِي الصـّورِ َونَ ْ‬
‫ْمـ يُنف ُ‬
‫ْمـ الْقِيَامَ ِة حِمْلً (‪َ )101‬يو َ‬
‫ُمـ يَو َ‬
‫وَسـَاء َله ْ‬
‫ج ِرمِيَ َي ْومَئِذٍ زُرْقا (‪ )102‬يَتَخَافَتُو َن بَيَْنهُ مْ إِن لّبِثْتُ ْم ِإلّا َعشْرا ( ‪)103‬‬
‫الْمُ ْ‬
‫نَحْ ُن أَعْلَ ُم بِمَا َيقُولُو َن ِإ ْذ يَقُولُ َأمْثَ ُلهُ مْ َطرِيقَ ًة إِن لّبِثْتُ ْم ِإلّا َيوْما (‪)104‬‬
‫َنسـُفهَا َربّيـ نَسـْفا (‪ )105‬فََيذَرُه َا قَاعا‬
‫َنـ الْجِبَا ِل َفقُ ْل ي ِ‬
‫َسـَألُونَكَ ع ِ‬
‫َوي ْ‬
‫صفْصَفا (‪ )106‬لَا َترَى فِيهَا ِعوَجا َولَا َأمْتا ( ‪ )107‬يَ ْومَِئذٍ يَتِّبعُونَ الدّاعِيَ‬
‫َ‬
‫صوَاتُ لِل ّرحْمَنِ فَلَا تَسْمَ ُع ِإلّا هَمْسا (‪ )108‬يَ ْومَِئذٍ‬
‫ج لَهُ َو َخشَعَت اْلأَ ْ‬
‫لَا ِعوَ َ‬
‫ضيَ َل ُه قَ ْولً (‪َ )109‬يعْ َلمُ مَا بَ ْينَ‬
‫شفَا َعةُ ِإلّا َم ْن َأذِنَ َل ُه ال ّرحْ َمنُ وَرَ ِ‬
‫لّا تَنفَعُ ال ّ‬
‫ت الْ ُوجُو ُه لِلْحَيّ‬
‫َأْيدِيهِ مْ وَمَا خَ ْل َفهُ مْ َولَا يُحِيطُو َن بِ هِ عِلْما (‪ )110‬وَعَنَ ِ‬
‫اْلقَيّو ِم َوقَ ْد خَا بَ مَ نْ حَ َملَ ظُلْما (‪َ )111‬ومَن َيعْ َملْ مِ نَ ال صّالِحَاتِ َوهُوَ‬
‫َاهـ ُقرْآنا َعرَبِيّا‬
‫ِكـ أَن َزلْن ُ‬
‫َافـ ظُلْما َولَا هَضْما (‪ )112‬وَ َكذَل َ‬
‫ِنـ فَلَا يَخ ُ‬
‫ُم ْؤم ٌ‬
‫حدِ ثُ َلهُ مْ ذِكْرا (‪ )113‬فََتعَالَى‬
‫ص ّرفْنَا فِي ِه مِ َن الْوَعِي ِد َلعَ ّلهُ مْ يَتّقُو نَ َأ ْو يُ ْ‬
‫وَ َ‬
‫جلْ بِاْلقُرْآ ِن مِن قَ ْب ِل أَن يُقْضَى ِإلَيْ كَ وَحْيُ ُه وَقُل‬
‫ك الْحَقّ َولَا َتعْ َ‬
‫اللّ ُه الْمَلِ ُ‬
‫ّربّ ِز ْدنِي ِعلْما (‪. ﴾ )114‬‬

‫***‬
‫‪111‬‬ ‫توفيق الرحن ف دروس القرآن‬

‫ك َنقُصّ عَلَيْكَ مِ ْن أَنبَاء مَا َقدْ سََب َق َوقَدْ آتَيْنَاكَ‬


‫قوله عز وجل ‪َ ﴿ :‬ك َذلِ َ‬
‫مِن ّلدُنّا ذِكْرا (‪ )99‬مَ ْن أَ ْعرَ ضَ عَنْ ُه َفِإنّ ُه يَحْ ِم ُل َيوْ َم الْقِيَامَ ِة وِزْرا ( ‪)100‬‬
‫خ فِي ال صّورِ‬
‫خَالِدِي َن فِي ِه وَ سَاء لَهُ مْ َيوْ َم اْلقِيَا َم ِة حِمْلً (‪َ )101‬يوْ َم يُنفَ ُ‬
‫ج ِرمِيَ يَ ْومَِئذٍ زُرْقا (‪ )102‬يَتَخَافَتُو َن بَيَْنهُ ْم إِن لّبِثْتُ ْم إِلّا َعشْرا‬
‫شرُ الْ ُم ْ‬
‫حُ‬‫َونَ ْ‬
‫(‪ )103‬نَحْ ُن أَعْلَ ُم بِمَا َيقُولُو َن ِإ ْذ يَقُولُ َأمْثَ ُلهُ مْ َطرِي َقةً إِن لّبِثْتُ ْم ِإلّا َيوْما (‬
‫‪. ﴾ )104‬‬
‫يقول تعال لنبيه ممد كما قصصنا عليك خب موسى ‪ ،‬كذلك نقص‬
‫عليك من الخبار الاضية كما وقعت ‪ ﴿ :‬وََق ْد آتَْينَا َك مِن لّ ُدنّا ﴾ ‪ ،‬من عندنا‬
‫ض َعنْ هُ فَِإنّ هُ َيحْمِ ُل َيوْ َم اْلقِيَا َمةِ‬
‫‪ ﴿ ،‬ذِكْرا ﴾ ‪ ،‬و هو ‪ :‬القرآن ‪ ﴿ ،‬مَ نْ َأعْرَ َ‬
‫وِزْرا ﴾ ‪ ،‬قال ما هد ‪ :‬إثًا ‪ ﴿ ،‬خَالِدِي نَ فِي هِ ﴾ ‪ ،‬أي ‪ :‬مقيم ي ف عذاب‬
‫الوزر ‪ ﴿ ،‬وَ سَاء َلهُ ْم َيوْ مَ اْل ِقيَامَةِ ِح ْملً ﴾ ‪ ،‬أي ‪ :‬بئسما حلوا على أنفسهم‬
‫من الث ‪.‬‬
‫﴿ َيوْ َم يُنفَ خُ فِي ال صّو ِر َونَحْشُ ُر الْ ُمجْ ِرمِيَ َي ْومَئِذٍ ُزرْقا * َيتَخَاَفتُو َن بَْيَنهُ مْ‬
‫حنُ‬‫إِن ّلبِْثتُمْ إِلّا عَشْرا ﴾ ‪ ،‬قال ابن عباس ‪َ ﴿ :‬يتَخَاَفتُونَ ﴾ يتساررون ‪ ﴿ ،‬نَ ْ‬
‫َأعْلَ ُم بِمَا يَقُولُو نَ إِ ْذ َيقُولُ َأ ْمثَُلهُ ْم طَرِي َقةً إِن ّلبِْثتُ مْ إِلّا َيوْما ﴾ ‪ ،‬أي ‪ :‬ف الدنيا‬
‫‪ .‬قاله ابن جرير ‪.‬‬
‫قال البغوي ‪ :‬ق صر ذلك ف أعين هم ف ج نب ما ا ستقبلهم من أهوال يوم‬
‫القيامة ‪ .‬وقيل ‪ :‬نسوا مقدار لبسهم لشدة ما أهّهم ‪.‬‬
‫الزء الثالث‬ ‫‪112‬‬

‫و عن شع بة ف قوله ‪ِ ﴿ :‬إ ْذ َيقُولُ َأ ْمثَُلهُ ْم طَرِي َقةً ﴾ ‪ ،‬يقول ‪ :‬أعلم هم ف‬


‫أنفسهم ‪ ﴿ ،‬إِن ّلِبْثتُمْ إِلّا َيوْما ﴾ ‪ .‬وقيل ‪ :‬الراد ‪ :‬مدة مكثهم ف القبور ‪.‬‬
‫س ُفهَا َربّ ي نَ سْفا (‬
‫سَألُونَكَ عَ ِن الْجِبَالِ َف ُقلْ يَن ِ‬
‫قوله عز و جل ‪ ﴿ :‬وَيَ ْ‬
‫صفْصَفا (‪ )106‬لَا َترَى فِيهَا ِعوَجا َولَا َأمْتا (‪)107‬‬
‫‪ )105‬فََيذَرُهَا قَاعا َ‬
‫ت لِلرّحْمَ ِن فَلَا تَسْمَ ُع ِإلّا‬
‫صوَا ُ‬
‫شعَت الْأَ ْ‬
‫َي ْومَئِ ٍذ يَتِّبعُونَ الدّاعِ َي لَا ِعوَجَ لَ ُه وَ َخ َ‬
‫شفَا َعةُ ِإلّا مَ ْن َأذِ َن لَ ُه الرّحْمَ ُن وَرَضِ يَ لَ هُ‬
‫هَمْ سا (‪ )108‬يَ ْومَِئذٍ لّا تَنفَ ُع ال ّ‬
‫َق ْولً (‪َ )109‬يعْلَمُ مَا بَيْنَ َأْيدِيهِمْ وَمَا خَلْ َفهُمْ َولَا يُحِيطُونَ بِهِ عِلْما (‪)110‬‬
‫حيّ اْلقَيّو ِم َو َقدْ خَا بَ مَ ْن حَ َملَ ظُلْما (‪ )111‬وَمَن َيعْ َملْ‬
‫وَعَنَ تِ اْلوُجُو هُ لِلْ َ‬
‫ِم َن الصّالِحَاتِ َوهُ َو ُمؤْ ِم ٌن فَلَا يَخَافُ ظُلْما َولَا هَضْما (‪. ﴾ )112‬‬
‫ص ْفصَفا ﴾ ‪ ،‬يقول ‪ :‬مستويًا ل نبات فيه ‪،‬‬ ‫عن ابن عباس قوله ‪ ﴿ :‬قَاعا َ‬
‫﴿ لَا تَرَى فِيهَا ِعوَجا وَلَا َأمْتا ﴾ ‪ ،‬يقول ‪ :‬واديًا ‪ ﴿ ،‬ول أمتًا ﴾ ‪ ،‬يقول ‪:‬‬
‫رابية ‪.‬‬
‫صوَاتُ لِلرّحْمَنِ ﴾ يقول‬ ‫شعَت اْلأَ ْ‬
‫﴿ َي ْومَئِ ٍذ َيّتبِعُونَ الدّاعِيَ لَا ِعوَجَ لَ ُه وَخَ َ‬
‫‪ :‬سكنت ‪َ ﴿ ،‬فلَا تَسْمَعُ إِلّا هَمْسا ﴾ ‪ ،‬قال ‪ :‬وطء القدام ‪.‬‬
‫شفَا َعةُ إِلّا مَنْ أَذِنَ لَهُ الرّحْمَ ُن ﴾ أن يشفع ‪ ﴿ ،‬وَ َرضِيَ‬ ‫﴿ َي ْومَئِذٍ لّا تَنفَعُ ال ّ‬
‫لَهُ َقوْلً * َيعْلَمُ مَا َبيْنَ َأيْدِيهِ ْم َومَا خَ ْل َفهُ ْم وَلَا يُحِيطُو َن بِهِ عِلْما ﴾ ‪ ،‬قال قتادة‬
‫‪َ ﴿ :‬يعْلَ ُم مَا َبيْنَ َأيْدِيهِمْ ﴾ من أمر الساعة ‪َ ﴿ ،‬ومَا َخ ْل َفهُمْ ﴾ من أمر الدنيا‬
‫‪.‬‬
‫‪113‬‬ ‫توفيق الرحن ف دروس القرآن‬

‫ّومَ ﴾ ‪ ،‬قال ابَن عباس ‪ :‬ذلّت ‪ ﴿ ،‬وَقَ ْد‬


‫ُوهَ لِ ْلحَي ّ اْلقَي ِ‬
‫َتَ اْلوُج ُ‬
‫﴿ َوعَن ِ‬
‫َنَ حَ َم َل ظُلْما ﴾ ‪ ،‬قال ‪ :‬خسَر مَن أشرك بال ‪ .‬وفَ الديَث‬ ‫َابَ م ْ‬
‫خ َ‬
‫الصحيح عن النب ‪ « :‬الظلم ظلمات يوم القيامة » ‪.‬‬
‫وقوله تعال ‪ ﴿ :‬وَمَن يَعْ َم ْل مِ َن ال صّالِحَاتِ وَ ُه َو ُم ْؤمِ نٌ فَلَا يَخَا ُ‬
‫ف ظُلْما‬
‫وَلَا َهضْما ﴾ ‪ ،‬قال قتادة ‪ ﴿ :‬ظُلْما ﴾ أن يزاد فَ سَيئاته ول يهضَم مَن‬
‫حسناته ‪ .‬وعن عبد ال بن عمرو رضي ال عنهما قال ‪ :‬قال رسول ال ‪:‬‬
‫« إن ال سيخلّص رجلً من أمت على رؤوس اللئق يوم القيامة فينشر عليه‬
‫ت سعة وت سعي سجلً كل سجل م ثل م ّد الب صر ث يقول ‪ :‬أتن كر من هذا‬
‫شيئًا ؟ أظل مك َكتَب ت الافظون ؟ فيقول ‪ :‬ل يارب ‪ ،‬فيقول ‪ :‬أَفَلَ كَ عذر ؟‬
‫قال ‪ :‬ل يارب ‪ ،‬فيقول ‪ :‬بلى إ ّن لك عندنا حسنة وإنه ل ظلم عليك اليوم ‪،‬‬
‫فتُخرج بطاقة فيها ‪ :‬أشهد أن ل إله إل ال ‪ ،‬وأشهد أن ممدًا عبده ورسوله‬
‫َع هذه‬ ‫َة مَ‬ ‫َا هذه البطاقَ‬‫َك ‪ ،‬فيقول ‪ :‬يارب ومَ‬ ‫َر وزنَ‬ ‫فيقول ‪ :‬احضَ‬
‫السَجّلت ؟ فيقول ‪ :‬أنَك ل تُظلم ‪ .‬قال ‪ :‬فتوضَع السَجلّت فَ كف ّة‬
‫والبطاقة ف كفّة فطاشت السجلّت وثقلت البطاقة ‪ ،‬فل يثقل مع اسم ال‬
‫شيء » ‪ .‬رواه الترمذي ‪ ،‬وابن ماجة ‪.‬‬
‫وعَن أنَس رضَي ال عنَه ‪ :‬قال ‪ :‬قال رسَول ال ‪ « :‬إذا كان يوم‬
‫ض فيأتون آدم فيقولون اش فع إل ربّ ك » ‪،‬‬‫القيا مة ماج النّاس بعض هم ف بع ٍ‬
‫ِسَ الْمؤمنون يوم القيامَة حتَ يهموا بذلك‬
‫جل ُ‬‫‪ -‬وفَ روايَة ‪ -‬قال ‪ « :‬يَ ْ‬
‫فيقولون لو استشفعنا إل ربنا فيينا من مكاننا ‪ ،‬فيأتون آدم فيقولون ‪ :‬أنت‬
‫الزء الثالث‬ ‫‪114‬‬

‫آدم أبَو الناس ‪ ،‬خلقَك ال بيده وأسَكنك جنتَه وأسَجد لك ملئكتَه ‪،‬‬
‫وعلمك أساء كل شيء ‪ ،‬اشفع لنا عند ربك حت يرينا من مكاننا هذا ‪.‬‬
‫فيقول ‪ :‬لست ُهنَاكم ‪ .‬ويذكر خطيئته الت أصاب ‪ :‬أكله من الشّجرة وقد‬
‫ب بع ثه ال إل أ هل الرض ‪ ،‬فيأتون نوحًا‬ ‫ن ي عن ها ول كن ائتوا نوحًا أول ن ٍ‬
‫فيقول ‪ :‬ل ست ُهنَا كم ويذ كر خطيئ ته ال ت أ صاب ‪ :‬سؤاله ر به بغ ي علم ‪.‬‬
‫ول كن ائتوا إبراه يم خل يل الرح ن ‪ .‬قال ‪ :‬فيأتون إبراه يم فيقول ‪ :‬إ ن ل ست‬
‫ُهنَاكم ويذكر ثلث كذبا تٍ كذبنّ ولكن ائتوا موسى عبدًا آتَاه ال التوراة‬
‫وكل مه وقر به نيّ ا ‪ .‬قال ‪ :‬فيأتون مو سى فيقول ‪ :‬إ ن ل ست ُهنَا كم ويذ كر‬
‫خطيئَت هُ الّت أَ صَاب قتله النّفس ولكن ائتوا عيسى عبد ال ورسوله وروح ال‬
‫ت ُهنَاكُم ولكن ائتوا مُحَمدًا عبدًا‬‫س ُ‬ ‫وكلِمت هُ ‪ ،‬قال ‪ :‬فيأتون عيسى فيقول ‪ :‬لَ ْ‬
‫غفر اللّ هُ له ما تقدّم من ذنبه وما تأخّر ‪ .‬قال ‪ :‬فيأتون فأستأذن على رب ف‬
‫داره فيؤذن ل عليه ‪ .‬فإذا رأيتُ ُه وقعت ساجدًا فيدعن ما شَاء اللّ هُ أن يدعن‬
‫ثّ يقول ‪ :‬ار فع م مد ‪ ،‬و قل ت سمع ‪ ،‬واش فع تش فع ‪ ،‬و سل تع طه ‪ .‬قال ‪:‬‬
‫فأرفع رأسي فأثن على رب بثناءٍ وتميد ُيعَلّمُني ِه ‪ ،‬ثّ أشفع َفَيحُدّ ل حَدّا ‪،‬‬
‫فأخرج فأخرجهم م َن النّا ِر َوأُدْ ِخُلهُم النّة ‪ .‬ثّ أعود الثّانية فأستأذن على رب‬
‫ف داره فيؤذن ل عليه فإذا رأيته وقعت ساجدًا فيدعن ما شاء اللّ هُ أن يدعن‬
‫ثّ يقول ‪ :‬ارفع مُحَمّ ُد وقل تسمع ‪ ،‬واشفع تشفع ‪ ،‬وسل تعطه ‪ .‬قال فأرفع‬
‫حدّ ل حدّا‬ ‫رأسَي فأثنَ على ربَ بثنا ٍء وتميَد يُعلّمنيَه ‪ .‬قال ثّ أشفَع في ُ‬
‫فأخرج فأخرجهم من النار وأدخلهم النّة ‪ .‬حت ما يبقى ف النّارِ إِل من قد‬
‫‪115‬‬ ‫توفيق الرحن ف دروس القرآن‬

‫حب سه القرآ نُ ‪ .‬أَ يْ ‪ :‬و جب عل يه اللود ‪ -‬ثّ تل هذه ال ية ‪ ﴿ :‬عَ سَى أَ نْ‬
‫َهَ‬
‫القامَ الحمود الذِي وُعِد ُ‬
‫ُ‬ ‫حمُودًا ﴾ ‪ -‬قال ‪ :‬وهذا‬
‫ّكَ َمقَام ًا مَ ْ‬
‫َكَ َرب َ‬
‫َيْبعَث َ‬
‫نبيكم » ‪ .‬متفق عليه وعن جابر رضي ال عنه قال ‪ :‬قال رسول ال ‪« :‬‬
‫يرج من النار قوم بالشفاعة كأنم الثعارير » قلنا ‪ :‬ما الثعارير ؟ قال ‪ « :‬إنه‬
‫الضغاب يس » ‪ .‬مت فق عل يه ‪ .‬و عن عثمان بن عفان ر ضي ال ع نه قال ‪ :‬قال‬
‫رسول ال ‪ « :‬يشفع يوم القيامة ثلثة ‪ :‬النبياء ث العلماء ث الشهداء » ‪.‬‬
‫رواه ابن ماجة ‪.‬‬
‫ص ّرفْنَا فِي هِ مِ َن الْوَعِيدِ‬
‫قوله عز وجل ‪ ﴿ :‬وَ َكذَلِ كَ أَن َزلْنَا ُه ُقرْآنا َع َربِيّا وَ َ‬
‫حدِ ثُ لَهُ مْ ذِكْرا (‪ )113‬فََتعَالَى اللّ هُ الْمَلِ كُ الْحَقّ َولَا‬
‫َلعَ ّلهُ ْم يَّتقُو نَ َأ ْو يُ ْ‬
‫ك َوحْيُ ُه َوقُل ّربّ ِز ْدنِي عِلْما ( ‪)114‬‬
‫ج ْل بِاْل ُقرْآ ِن مِن قَ ْب ِل أَن ُيقْضَى ِإلَيْ َ‬
‫َتعْ َ‬
‫﴾‪.‬‬
‫قال البغوي ‪ ﴿ :‬وَكَذَلِكَ ﴾ ‪ ،‬أي ‪ :‬كما بينا ف هذه السورة ‪ ﴿ ،‬أَنزَْلنَاهُ‬
‫﴾ ‪ ،‬يعن ‪ :‬أنزلنا هذا الكتاب ‪ُ ﴿ ،‬قرْآنا َع َربِيّا ﴾ ‪ ،‬أي ‪ :‬بلسان العرب ‪﴿ ،‬‬
‫صرّ ْفنَا فِي ِه مِ َن اْل َوعِيدِ َلعَّل ُه ْم يَّتقُو نَ َأ ْو يُحْدِ ثُ َلهُ مْ ذِكْرا ﴾ عبة وع ظة ‪.‬‬
‫وَ َ‬
‫قال قتادة ‪َ ﴿ :‬لعَّلهُ ْم َيتّقُونََ ﴾ ما حذروا بَه من أمَر ال وعقابَه ووقائعَه‬
‫ُمَ ﴾ القرآن ‪ ﴿ ،‬ذِكْرا ﴾ ‪ ،‬أي ‪ :‬حدًا ‪،‬‬ ‫ِثَ َله ْ‬‫بالمَم قبلهَم ‪َ ﴿ ،‬أوْ ُيحْد ُ‬
‫وورعًا ‪.‬‬
‫الزء الثالث‬ ‫‪116‬‬

‫ِكَ الْحَق ّ ﴾ ‪ ،‬أي ‪ :‬عمّاَ يصَفه بَه‬ ‫وقوله تعال ‪َ ﴿ :‬فَتعَالَى الل ُ‬
‫ّهَ الْمَل ُ‬
‫ُهَ ﴾ ‪ ،‬قال‬
‫ْكَ وَ ْحي ُ‬
‫ْآنَ مِن َقبْلِ أَن يُقْضَى إَِلي َ‬
‫ج ْل بِاْلقُر ِ‬
‫الشركون ‪ ﴿ .‬وَلَا َتعْ َ‬
‫ماهد ‪ :‬ل َتتْلُه على أحد حت نبيّنه لك ‪ ﴿ ،‬وَقُل رّبّ زِ ْدنِي عِلْما ﴾ ‪.‬‬
‫قال ابن جرير ‪ :‬يقول تعال ذكره ‪ ﴿ :‬وَقُل ﴾ يا ممد ‪ ﴿ :‬رّبّ زِ ْدنِي‬
‫عِلْما ﴾ صحيحًا إل ما علّمتن أمره بسألته من فوائد العلم ما ل يعلم ‪ .‬قال‬
‫ابن عيينة ‪ :‬ول يزل ف زيادة حت توفّاه ال عز وجل ‪ .‬وف الديث الذي‬
‫رواه الترمذي وغيه أنه كان يقول ‪ « :‬اللهم انفع ن با علّمتن ‪ ،‬وعلم ن‬
‫ما ينفع ن ‪ ،‬وارزق ن علمًا ينفع ن ‪ ،‬وزد ن علمًا ال مد ل على كل حال‬
‫وأعوذ بال من‬
‫حال أهل النار » ‪.‬‬

‫***‬
‫‪117‬‬ ‫توفيق الرحن ف دروس القرآن‬

‫الدرس التاسع والستون بعد الائة‬

‫ج ْد لَ هُ َعزْما (‪ )115‬وَِإذْ‬
‫س َي وَلَ مْ نَ ِ‬
‫﴿ َولَ َقدْ َع ِهدْنَا ِإلَى آ َد َم مِن قَ ْب ُل فَنَ ِ‬
‫س أَبَى (‪َ )116‬فقُلْنَا يَا آدَ مُ‬
‫جدُوا ِإلّا ِإبْلِي َ‬
‫جدُوا لِآدَ َم فَ سَ َ‬
‫قُلْنَا لِلْمَلَائِ َكةِ ا سْ ُ‬
‫خ ِرجَنّكُمَا مِ نَ الْجَّن ِة فََتشْقَى (‪ )117‬إِنّ‬
‫ك َوِلزَ ْوجِ كَ فَلَا يُ ْ‬
‫إِنّ هَذَا َع ُدوّ لّ َ‬
‫ع فِيهَا َولَا َت ْعرَى (‪ )118‬وََأنّ كَ لَا تَظْ َمأُ فِيهَا َولَا تَضْحَى (‬
‫لَ كَ َألّا تَجُو َ‬
‫ج َر ِة الْخُ ْلدِ‬
‫س إِلَيْ ِه الشّيْطَا ُن قَالَ يَا آدَ ُم َه ْل َأدُلّ كَ عَلَى شَ َ‬
‫‪َ )119‬فوَ سْوَ َ‬
‫صفَانِ‬
‫َومُلْ كٍ لّا يَبْلَى (‪َ )120‬فأَكَلَا مِنْهَا فََبدَ تْ َلهُمَا َسوْآتُهُمَا وَ َطفِقَا يَخْ ِ‬
‫ق الْجَّنةِ وَعَصَى آدَمُ َربّ ُه َفغَوَى (‪ُ )121‬ثمّ اجْتَبَاهُ َربّهُ فَتَابَ‬
‫عَلَ ْيهِمَا مِن وَرَ ِ‬
‫عَلَيْ هِ َو َهدَى (‪ )122‬قَالَ اهْبِطَا مِنْهَا جَمِيعا َبعْضُكُ ْم لَِبعْ ضٍ َعدُ ّو َفِإمّ ا‬
‫َنـ‬
‫ض ّل وَلَا َيشْقَى (‪ )123‬وَم ْ‬
‫َايـ فَلَا يَ ِ‬
‫َعـ ُهد َ‬
‫َنـ اتّب َ‬
‫َي ْأتِيَنّكُم مّنّيـ ُهدًى فَم ِ‬
‫ْمـ الْقِيَامَ ِة أَعْمَى (‬
‫ُهـ يَو َ‬
‫شر ُ‬‫حُ‬
‫شةً ضَنكا َونَ ْ‬
‫َهـ َمعِي َ‬
‫َضـ عَن ذِ ْكرِي َفإِنّ ل ُ‬
‫أَ ْعر َ‬
‫ت بَ صِيا ( ‪ )125‬قَالَ َك َذلِ كَ‬
‫ش ْرتَنِي أَ ْعمَى َوقَدْ كُن ُ‬
‫‪ )124‬قَالَ َربّ لِ مَ َح َ‬
‫جزِي مَ نْ‬
‫َأتَتْ كَ آيَاتُنَا فَنَ سِيَتهَا وَ َكذَلِ كَ الَْيوْ َم تُن سَى (‪ )126‬وَ َكذَلِ كَ نَ ْ‬
‫ب الْآ ِخ َرةِ َأشَ ّد َوأَْبقَى (‪َ )127‬أفَلَمْ َي ْهدِ‬
‫أَ ْسرَفَ َولَمْ ُي ْؤمِن بِآيَاتِ َربّ ِه َولَ َعذَا ُ‬
‫ك لَآيَاتٍ‬
‫َلهُمْ كَمْ َأهْ َلكْنَا قَبْ َلهُم مّ َن الْ ُقرُونِ يَ ْمشُو َن فِي مَسَاكِِن ِهمْ إِنّ فِي َذلِ َ‬
‫ّلُأوْلِي الّنهَى (‪ )128‬وََل ْولَا كَ ِل َمةٌ سََبقَتْ مِن ّربّكَ َلكَا َن ِلزَاما َوَأجَ ٌل مُسَمّى‬
‫ع الشّمْ سِ‬
‫ك قَ ْبلَ طُلُو ِ‬
‫ح ْمدِ َربّ َ‬
‫ح بِ َ‬
‫(‪ )129‬فَا صِْبرْ عَلَى مَا َيقُولُو َن وَ سَبّ ْ‬
‫ح وَأَ ْطرَا فَ الّنهَا ِر لَعَلّ كَ َترْضَى (‪)130‬‬
‫َوقَ ْبلَ ُغرُوِبهَا َومِ نْ آنَاء اللّ ْي ِل فَ سَبّ ْ‬
‫الزء الثالث‬ ‫‪118‬‬

‫َولَا تَ ُمدّنّ َعيْنَيْ كَ ِإلَى مَا مَّتعْنَا بِ هِ أَ ْزوَاجا مّ ْنهُ مْ َز ْه َرةَ الْحَيَا ِة الدّنيَا لَِنفْتَِنهُ مْ‬
‫ك خَيْ ٌر َوأَْبقَى (‪ )131‬وَْأ ُمرْ َأهْلَ كَ بِال صّلَاةِ وَا صْطَِبرْ عَلَ ْيهَا لَا‬
‫فِي ِه وَرِزْ قُ َربّ َ‬
‫ك وَاْلعَاقَِب ُة لِلّتقْوَى (‪َ )132‬وقَالُوا َل ْولَا َيأْتِينَا بِآيَةٍ‬
‫نَ سَْأُلكَ رِزْقا نّحْ نُ َنرْ ُزقُ َ‬
‫ف اْلأُولَى (‪ )133‬وََل ْو أَنّا َأهْ َلكْنَاهُم‬
‫مّن ّربّ هِ َأ َولَ مْ َت ْأِتهِم بَيَّن ُة مَا فِي ال صّحُ ِ‬
‫ك مِن قَ ْبلِ أَن‬
‫ت ِإلَيْنَا َرسُولً فَنَتِّبعَ آيَاتِ َ‬
‫ب مّن قَبْلِ ِه َلقَالُوا َربّنَا َل ْولَا أَرْسَلْ َ‬
‫ِب َعذَا ٍ‬
‫صحَابُ‬
‫ص فََترَبّ صُوا فَ سََتعْلَمُو َن مَ ْن أَ ْ‬
‫خزَى (‪ُ )134‬قلْ ُك ّل مَّترَبّ ٌ‬
‫ّن ِذلّ َونَ ْ‬
‫ي َومَ ِن اهْتَدَى (‪. ﴾ )135‬‬
‫ط السّوِ ّ‬
‫صرَا ِ‬
‫ال ّ‬

‫***‬
‫‪119‬‬ ‫توفيق الرحن ف دروس القرآن‬

‫جدْ لَ هُ‬
‫سيَ َولَ ْم نَ ِ‬
‫قوله عز و جل ‪َ ﴿ :‬وَلقَدْ َع ِهدْنَا إِلَى آدَ َم مِن قَ ْبلُ فَنَ ِ‬
‫س أَبَى (‬
‫جدُوا ِإلّا ِإبْلِي َ‬
‫جدُوا لِآدَ َم فَ سَ َ‬
‫َعزْما (‪ )115‬وَِإ ْذ قُلْنَا لِلْمَلَائِ َكةِ ا سْ ُ‬
‫خ ِرجَنّكُمَا مِ نَ الْجَّنةِ‬
‫ك َولِ َز ْوجِ كَ فَلَا يُ ْ‬
‫‪َ )116‬فقُلْنَا يَا آ َد ُم إِنّ هَذَا َع ُدوّ لّ َ‬
‫ك لَا تَظْ َمأُ‬
‫ع فِيهَا َولَا َت ْعرَى (‪ )118‬وََأنّ َ‬
‫ك َألّا تَجُو َ‬
‫فََتشْقَى (‪ )117‬إِنّ لَ َ‬
‫س إِلَيْ هِ الشّيْطَا ُن قَالَ يَا آ َد ُم َه ْل َأدُلّ كَ عَلَى‬
‫فِيهَا َولَا تَضْحَى (‪َ )119‬فوَ سْوَ َ‬
‫سـوْآتُهُمَا‬
‫َتـ َلهُم َا َ‬
‫ْكـ لّا يَبْلَى (‪َ )120‬فأَكَلَا مِنْه َا فََبد ْ‬
‫ج َر ِة الْخُ ْلدِ َومُل ٍ‬
‫شَ َ‬
‫صفَانِ عَ َل ْيهِمَا مِن وَرَ قِ الْجَّن ِة وَعَصَى آ َد مُ َربّ هُ َف َغوَى (‪ُ )121‬ثمّ‬
‫وَ َط ِفقَا يَخْ ِ‬
‫اجْتَبَاهُ َرّب ُه فَتَابَ عَلَ ْي ِه َوهَدَى (‪. ﴾ )122‬‬
‫سيَ ﴾ ‪ ،‬يقول‬ ‫عن ابن عباس ف قوله ‪ ﴿ :‬وََلقَ ْد َعهِ ْدنَا إِلَى آدَمَ مِن َقبْلُ َفنَ ِ‬
‫‪ :‬فترك ‪ ﴿ ،‬وَلَ ْم نَجِدْ لَ ُه عَزْما ﴾ ‪ ،‬يقول ‪ :‬حفظًا ‪ .‬قال ا بن ز يد ‪ :‬العزم‬
‫الحافظة على ما أمره ال تبارك وتعال بفظه والتمسك به ‪ ،‬قال له ‪ ﴿ :‬يَا‬
‫شقَى ﴾ فقرأ حت‬ ‫جّنةِ َفتَ ْ‬
‫خرِ َجّنكُمَا مِ َن الْ َ‬
‫ك وَلِ َز ْوجِكَ فَلَا يُ ْ‬
‫آدَمُ ِإنّ هَذَا عَ ُدوّ لّ َ‬
‫بلغ ‪ ﴿ :‬لَا تَظْ َمأُ فِيهَا وَلَا َتضْحَى ﴾ وقرأ ح ت بلغ ‪َ ﴿ :‬ومُلْ كٍ لّا َيبْلَى ﴾ ‪،‬‬
‫قال ‪ :‬فن سي ما ع هد إل يه ف ذلك ‪ .‬قال ‪ :‬وهذا ع هد ال إل يه ‪ .‬قال ‪ :‬ولو‬
‫كان له عزم مَا أطاع عدوه الذي حسَده وأبَ أن يسَجد له ‪ ،‬وعصَى ال‬
‫الذي كّر مه وشر فه وأ مر ملئك ته ف سجدوا له ‪ .‬و عن ا بن عباس قال ‪ :‬إن ا‬
‫سّي ‪ :‬النسان لنه عهد إليه فنسي ‪ .‬وعن سعيد بن جبي قال ‪ :‬أهبط إل‬
‫الزء الثالث‬ ‫‪120‬‬

‫آدم ثور أحر ‪ ،‬فكان يرث عليه ويسح العرق من جبينه ‪ ،‬فهو الذي قال ال‬
‫شقَى ﴾ ‪.‬‬
‫جّنةِ َفتَ ْ‬
‫خرِ َجّنكُمَا مِ َن الْ َ‬
‫‪ ﴿ :‬فَلَا يُ ْ‬
‫وقوله تعال ‪ِ ﴿ :‬إنّ لَكَ أَلّا تَجُوعَ فِيهَا وَلَا َتعْرَى َوَأنّكَ لَا تَظْ َمأُ فِيهَا وَلَا‬
‫َتضْحَى ﴾ ‪ .‬قال ابن عباس ‪ :‬يقول ‪ :‬ل يصيبك فيها عطش ‪ ،‬ول حر ‪.‬‬
‫ج َر ِة الْخُلْدِ ﴾ ‪.‬‬
‫﴿ َف َو ْسوَسَ إَِليْهِ الشّيْطَانُ قَا َل يَا آ َدمُ هَلْ َأدُلّكَ عَلَى شَ َ‬
‫قال البغوي ‪ :‬يعن ‪ :‬على شجرة إن أكلت منها بقيت ملدًا ؟ ﴿ َومُلْ كٍ‬
‫َتََلهُمَا سََوْآُتهُمَا َو َطفِقَا‬ ‫لّا َيبْلَى ﴾ ل يبيَد ول يفنَ ؟ ﴿ َفأَكَلَا ِمنْهَا َفبَد ْ‬
‫جّنةِ ﴾ ‪ ،‬قال السَدي ‪ :‬أقبل يغطيان عليهمَا‬ ‫َقَ الْ َ‬
‫ْصَفَا ِن عََلْيهِمَا مِن وَر ِ‬
‫يَخ ِ‬
‫ب عََليْ ِه َوهَدَى ﴾‬ ‫بورق التي ‪َ ﴿ ،‬وعَصَى آدَمُ َربّهُ َف َغوَى * ثُمّ ا ْجَتبَاهُ َربّهُ َفتَا َ‬
‫وفقه للتوبة ‪.‬‬
‫ضكُ ْم لَِبعْ ضٍ َع ُد ّو فَِإمّ ا‬
‫قوله عز و جل ‪ ﴿ :‬قَا َل اهْبِطَا مِنْهَا جَمِيعا بَعْ ُ‬
‫َنـ‬
‫ض ّل وَلَا َيشْقَى (‪ )123‬وَم ْ‬
‫َايـ فَلَا يَ ِ‬
‫َعـ ُهد َ‬
‫َنـ اتّب َ‬
‫َي ْأتِيَنّكُم مّنّيـ ُهدًى فَم ِ‬
‫ْمـ الْقِيَامَ ِة أَعْمَى (‬
‫ُهـ يَو َ‬
‫شر ُ‬‫حُ‬
‫شةً ضَنكا َونَ ْ‬
‫َهـ َمعِي َ‬
‫َضـ عَن ذِ ْكرِي َفإِنّ ل ُ‬
‫أَ ْعر َ‬
‫ت بَ صِيا (‪ )125‬قَالَ َك َذلِ كَ‬
‫ش ْرتَنِي أَعْمَى َوقَدْ كُن ُ‬
‫‪ )124‬قَالَ َربّ لِ مَ َح َ‬
‫جزِي مَن ْـ‬
‫َأتَتْكَـ آيَاتُنَا فَنَسـِيَتهَا وَ َك َذلِكَـ الَْيوْمَـتُنسـَى (‪ )126‬وَ َكذَلِكَـنَ ْ‬
‫ب الْآ ِخ َرةِ َأشَ ّد َوأَْبقَى (‪. ﴾ )127‬‬
‫َأ ْسرَفَ َوَلمْ ُي ْؤمِن بِآيَاتِ َربّ ِه َولَ َعذَا ُ‬
‫وعن ابن عباس قال ‪ :‬تضمّن ال لن قرأ القرآن واتّبع ما فيه أن ل يضل‬
‫ف الدن يا ول يش قى ف الخرة ‪ ،‬ث تل هذه ال ية ‪ ﴿ :‬فَمَ ِن اّتبَ َع هُدَا يَ َفلَا‬
‫‪121‬‬ ‫توفيق الرحن ف دروس القرآن‬

‫شةً ضَنكا ﴾ ‪ ،‬يقول ‪:‬‬


‫ض عَن ذِكْرِي فَإِنّ لَ ُه َمعِي َ‬ ‫َيضِ ّل وَلَا يَشْقَى َومَ نْ َأعْرَ َ‬
‫شةً ضَنكا ﴾ ‪ ،‬قال ‪ :‬الكسب البيث‬ ‫الشقاء ‪ .‬وعن الضحاك ‪ ﴿ :‬فَِإنّ لَ ُه َمعِي َ‬
‫‪ .‬وقال سعيد بن جبي ‪ :‬يسلبه القناعة حت ل يشبع ‪ .‬وعن ابن عباس قال ‪:‬‬
‫كل مال أعطي العبد ق ّل أو كثر ‪ ،‬فلم يتق فيه ‪ ،‬فل خي فيه وهو الضنك ف‬
‫العيشة ‪ ،‬وإن أقوامًا أعرضوا عن الق وكانوا أُول سعة من الدنيا مكثرين ‪،‬‬
‫فكانَت معيشتهَم ضنكًَا ‪ ،‬وذلك أنمَ يرون أن ال ليَس بخلف لمَ‬
‫معايشهم ‪ ،‬من سوء ظنهم بال ‪.‬‬
‫وقوله تعال ‪َ ﴿ :‬ونَحْ ُ‬
‫شرُ ُه َيوْ َم الْ ِقيَا َمةِ َأعْمَى ﴾ ‪ ،‬قال ابن عباس ‪ :‬أعمى‬
‫ت بَصِيا * قَالَ كَذَلِكَ َأتَتْكَ‬
‫البصر ‪ ﴿ ،‬قَالَ رَبّ لِمَ حَشَ ْرَتنِي َأعْمَى وَقَدْ كُن ُ‬
‫ك اْلَيوْ مَ تُن سَى ﴾ ‪ .‬قال ماهد ف قوله ‪ ﴿ :‬كَذَلِ كَ َأَتتْ كَ‬ ‫آيَاُتنَا َفنَ سِيَتهَا وَكَذَلِ َ‬
‫ك اْلَيوْ مَ تُن سَى ﴾ ‪ ،‬وكذلك‬ ‫آيَاتُنَا َفنَ سِيَتهَا ﴾ ‪ ،‬قال ‪ :‬فتركت ها ‪ ﴿ ،‬وَكَذَلِ َ‬
‫اليوم تترك ف النار ‪ .‬قال قتادة ‪ :‬نُسُوا من الي ول ُينْسَوا من العذاب ‪.‬‬
‫ف وَلَ ْم ُي ْؤمِن بِآيَاتِ َربّهِ ﴾ ‪.‬‬
‫جزِي مَنْ َأسْرَ َ‬ ‫وقوله تعال ‪ ﴿ :‬وَكَذَلِ َ‬
‫ك نَ ْ‬
‫قال البغوي ‪ :‬أي ‪ :‬وكمَا جزينَا مَن أعرض عَن القرآن ‪ ،‬كذلك‬
‫َابَ‬
‫ّهَ وََلعَذ ُ‬
‫َاتَ َرب ِ‬
‫َمَ ُيؤْمِن بِآي ِ‬
‫َسَرَفَ ﴾ أشرك ‪ ﴿ ،‬وَل ْ‬
‫َنَ أ ْ‬
‫جزِي م ْ‬
‫﴿ نَ ْ‬
‫الْآ ِخ َرةِ َأشَدّ ﴾ ما نعذّبم به ف الدنيا والقب ‪َ ﴿ ،‬وَأْبقَى ﴾ ‪ ،‬وأدوم ‪.‬‬
‫قوله عز وجل ‪َ ﴿ :‬أفَلَمْ يَ ْه ِد َلهُمْ كَ ْم َأهْلَكْنَا قَبْ َلهُم مّ َن الْ ُقرُو ِن يَ ْمشُونَ‬
‫ت ّلأُ ْولِي الّنهَى (‪َ )128‬وَلوْلَا كَلِ َمةٌ سََبقَتْ‬
‫ك لَآيَا ٍ‬
‫فِي مَ سَاكِِن ِهمْ إِنّ فِي َذلِ َ‬
‫الزء الثالث‬ ‫‪122‬‬

‫مِن ّربّ كَ َلكَا َن ِلزَاما َوأَ َج ٌل مُ سَمّى (‪ )129‬فَا صِْبرْ عَلَى مَا َيقُولُو َن وَ سَبّحْ‬
‫َسـبّحْ‬
‫ِنـ آنَاء اللّ ْيلِ ف َ‬
‫ْسـ َوقَبْلَ ُغرُوبِه َا َوم ْ‬
‫ُوعـ الشّم ِ‬
‫ّكـ قَ ْبلَ طُل ِ‬
‫ح ْمدِ َرب َ‬
‫بِ َ‬
‫ك َترْضَى (‪. ﴾ )130‬‬
‫َوأَ ْطرَافَ الّنهَا ِر َلعَلّ َ‬
‫يقول تعال ‪ ﴿ :‬أَفََل ْم َيهْدِ َلهُ مْ ﴾ يبيّن لم القرآن ‪ ﴿ ،‬كَ مْ َأهَْل ْكنَا َقبَْلهُم‬
‫ُونَ ف ِي مَسََاكِِنهِمْ ﴾ كديار عاد ‪ ،‬وثود ‪ ،‬وقوم لوط ‪،‬‬ ‫ُونَ يَمْش َ‬
‫ّنَ اْلقُر ِ‬
‫م َ‬
‫وأ صحاب مد ين وغي هم ‪ ﴿ ،‬إِنّ فِي ذَلِ كَ لَآيَا تٍ ّلُأوْلِي النّهَى ﴾ لذوي‬
‫العقول ‪ .‬قال ابن عباس ‪ ﴿ :‬لذوي النهي ﴾ ‪ ،‬يقول ‪ :‬التقى ‪.‬‬
‫َانَلِزَاما َوأَجَلٌ‬
‫ّكََلك َ‬
‫ت مِن ّرب َ‬ ‫سَقَ ْ‬
‫وعَن ماهَد قوله ‪ ﴿ :‬وََلوْلَا كَِل َم ٌة ََب‬
‫مُسَمّى ﴾ الجل السمى ‪ :‬الدنيا ‪.‬‬
‫قال ا بن جر ير ‪ :‬ومع ن الكلم ‪ :‬ولول كل مة سبقت من ر بك وأ جل‬
‫مسمّى لكان لزامًا ‪.‬‬
‫قال البغوي ‪ :‬والكل مة ال كم بتأخ ي العذاب عن هم وأ جل م سمى و هو‬
‫القيامة ‪َ ﴿ ،‬لكَا نَ لِزَاما ﴾ ‪ ،‬أي ‪ :‬لكان لزمًا لم ف الدنيا كما لزم القرون‬
‫الاضية ‪.‬‬
‫س وََقبْلَ‬
‫حمْدِ َربّ كَ َقبْلَ طُلُو عِ الشّمْ ِ‬
‫صبِ ْر عَلَى مَا َيقُولُو َن وَ َسبّ ْح بِ َ‬
‫﴿ فَا ْ‬
‫غُرُوبِهَا ﴾ ‪ ،‬قال ا بن عباس ‪ :‬ال صلة الكتو بة ‪ .‬قال البغوي ‪َ ﴿ :‬ومِ نْ آنَاء‬
‫سبّحْ ﴾ ‪ ،‬يع ن ‪ :‬صلة الغرب ‪ ،‬والعشاء ‪ .‬قال ا بن‬ ‫الّليْلِ ﴾ ساعاته ‪ ﴿ ،‬فَ َ‬
‫ف الّنهَارِ ﴾ ‪ ،‬يعن ‪ :‬صلة الظهر ‪ ،‬وسّي‬
‫عباس ‪ :‬يريد أول الليل ‪َ ﴿ ،‬وَأطْرَا َ‬
‫‪123‬‬ ‫توفيق الرحن ف دروس القرآن‬

‫وقت الظهر أطراف النهار لنه وقته عند الزوال ‪ ،‬وهو طرف النصف الول‬
‫انتهاء ‪ ،‬وطرف النصف الخر ابتداء ‪ .‬انتهى ‪.‬‬
‫وقيل ‪ :‬التسبيح ها هنا ممول على التنويه والجلل ‪ ،‬والصواب أن الية‬
‫عا مة ل صلة الكتو بة و صلة التطوع ‪ ،‬والت سبيح ‪ ،‬والتحم يد ‪ ،‬والتهل يل ‪،‬‬
‫والتكبي ‪.‬‬
‫وقوله تعال ‪َ ﴿ :‬لعَلّ َ‬
‫ك تَرْضَى ﴾ ‪ .‬قال ا بن ز يد ‪ :‬تر ضى ما يثي بك ال‬
‫على ذلك ‪ .‬وف الصحيحي عن جرير بن عبد ال البجلي رضي ال عنه قال‬
‫‪ :‬ك نا جلو سًا ع ند ر سول ال فن ظر إل الق مر ليلة البدر فقال ‪ « :‬إن كم‬
‫سترون ربكم كما ترون هذا القمر ‪ ،‬ل تضامون ف رؤيته ‪ ،‬فإن استطعتم أن‬
‫ل تغلبوا على صلة قبل طلوع الش مس وقبل غروب ا فافعلوا » ‪ .‬ث قرأ هذه‬
‫الية ‪.‬‬
‫ك ِإلَى مَا مَّتعْنَا بِهِ أَ ْزوَاجا مّ ْنهُمْ َزهْ َرةَ‬
‫قوله عز وجل ‪َ ﴿ :‬ولَا تَ ُمدّنّ عَيْنَيْ َ‬
‫َكـ‬
‫ّكـ خَ ْي ٌر وََأبْقَى (‪ )131‬وَْأ ُمرْ َأهْل َ‬
‫ْقـ َرب َ‬
‫ِيهـ وَرِز ُ‬
‫ُمـ ف ِ‬
‫الْحَيَا ِة الدّنيَا لَِنفْتَِنه ْ‬
‫َسـأَُلكَ رِزْقا نّحْنُـَنرْ ُزقُكَـ وَالْعَاقِبَ ُة لِلّت ْقوَى (‬
‫ِالصـلَاةِ وَاص ْـطَِبرْ عَلَيْهَا لَا ن ْ‬
‫ب ّ‬
‫‪. ﴾ )132‬‬
‫حيَاةِ الدّني َا ﴾ ‪ ،‬أي ‪ :‬زينَة الياة الدنيَا ‪،‬‬ ‫عَن قتادة قوله ‪َ ﴿ :‬زهْ َر َة الْ َ‬
‫﴿ ِلَنفِْتَنهُ مْ فِي هِ ﴾ ‪ ،‬قال ‪ :‬لنبتليهم فيه ‪ ﴿ ،‬وَرِزْ قُ َربّ كَ َخْي ٌر َوأَْبقَى ﴾ ما‬
‫متّعنا به هؤلء من هذه الدنيا وكان هشام بن عروة إذا رأى ما عند السلطي‬
‫الزء الثالث‬ ‫‪124‬‬

‫د خل داره فقال ‪ ﴿ :‬وَلَا تَ ُمدّنّ َعيَْنيْ كَ إِلَى مَا َمتّعْنَا بِ هِ أَ ْزوَاجا ّمْنهُ مْ َزهْ َرةَ‬
‫ِالصَلَاةِ‬
‫َكَ ب ّ‬ ‫ّكَ َخيْ ٌر َوَأبْقَى * َوْأمُرْ َأهْل َ‬ ‫ْقَ َرب َ‬ ‫ِيهَ وَرِز ُ‬
‫ُمَ ف ِ‬‫حيَاةِ الدّنيَا ِلَنفِْتَنه ْ‬
‫الْ َ‬
‫ك وَاْلعَاِقَبةُ لِلّت ْقوَى ﴾ ث ينادي ‪:‬‬ ‫ح ُن نَ ْرزُقُ َ‬
‫سأَلُكَ رِزْقا نّ ْ‬ ‫وَا صْ َطبِ ْر عََليْهَا لَا نَ ْ‬
‫الصلة ‪ ،‬الصلة يرحكم ال ‪ .‬و عن زيد بن ثا بت قال ‪ :‬سعت ر سول ال‬
‫‪.‬‬
‫يقول ‪ « :‬من كانت الدنيا هّه فرّق ال عليه أمره وجعل فقره بي عينيه ‪،‬‬
‫ل يأته من الدنيا إل ما كتب له ‪ ،‬ومن كانت الخرة نيته جع له أمره وجعل‬
‫غناه ف قلبه ‪ ،‬وأتته الدنيا وهي راغمة » ‪ .‬رواه ابن ماجة ‪.‬‬
‫قوله عز وجل ‪َ ﴿ :‬وقَالُوا َل ْولَا َي ْأتِينَا بِآَي ٍة مّن ّربّ ِه َأوَلَ مْ َت ْأِتهِم بَيَّنةُ مَا فِي‬
‫ب مّن قَبْلِ ِه َلقَالُوا َربّنَا لَ ْولَا‬
‫ف اْلأُولَى (‪ )133‬وََل ْو أَنّا أَهْ َلكْنَاهُم بِ َعذَا ٍ‬
‫ال صّحُ ِ‬
‫خزَى (‪ُ )134‬قلْ ُكلّ‬
‫ك مِن قَ ْب ِل أَن نّ ِذ ّل وَنَ ْ‬
‫أَرْ سَلْتَ ِإلَيْنَا رَ سُولً فَنَتّبِ عَ آيَاتِ َ‬
‫ي وَمَ نِ اهَْتدَى (‬
‫سوِ ّ‬
‫ط ال ّ‬
‫صرَا ِ‬
‫ب ال ّ‬
‫صحَا ُ‬
‫مَّت َربّ صٌ فََترَبّ صُوا فَ سََتعْلَمُو َن مَ نْ أَ ْ‬
‫‪. ﴾ )135‬‬
‫يقول تعال ‪ ﴿ :‬وَقَالُوا ﴾ ‪ ،‬يعن ‪ :‬الشركي ‪َ ﴿ ،‬لوْلَا َي ْأتِينَا بِآَي ٍة مّن ّربّ هِ‬
‫ف اْلأُولَى ﴾ ‪،‬‬ ‫﴾ ‪ ،‬أي ‪ :‬بآ ية يقترحون ا ‪َ ﴿ ،‬أوَلَ ْم َتأْتِهِم َبيَّن ُة مَا فِي ال صّحُ ِ‬
‫يع ن ‪ :‬بيان ما في ها و هو القرآن ‪ ،‬ك ما قال تعال ‪ ﴿ :‬وَقَالُوا َلوْلَا أُنزِ َل عََليْ هِ‬
‫ت عِندَ اللّ ِه َوِإنّمَا أَنَا نَذِي ٌر ّمبِيٌ * َأوَلَ ْم َي ْكفِهِ مْ َأنّا‬
‫آيَا تٌ مّن ّربّ هِ قُلْ ِإنّمَا الْآيَا ُ‬
‫‪125‬‬ ‫توفيق الرحن ف دروس القرآن‬

‫ْمَ‬
‫ِكَ لَ َرحْ َم ًة وَذِ ْكرَى ِل َقو ٍ‬
‫ِمَ إِن ّ ف ِي ذَل َ‬ ‫َابَ ُيتْلَى عََلْيه ْ‬
‫ْكَ الْ ِكت َ‬‫أَنزَلْن َا عََلي َ‬
‫ُي ْؤ ِمنُونَ ﴾ ‪.‬‬
‫﴿ وََلوْ أَنّا أَهَْل ْكنَاهُم ِبعَذَا بٍ مّن َقبْلِ هِ َلقَالُوا َرّبنَا َلوْلَا أَرْ سَ ْلتَ إَِليْنَا رَ سُولً‬
‫ك مِن َقبْلِ أَن نّ ِذ ّل َونَخْزَى ﴾ ‪ ،‬أي ‪ :‬قالوا ذلك حي رأوا العذاب‬ ‫َفَنّتبِ َع آيَاتِ َ‬
‫يوم القيامة ‪ .‬وعن أب سعيد الدري عن النب قال ‪ « :‬يتج على ال يوم‬
‫القيامَة ثلثَة ‪ :‬الالك فَ الفترة ‪ ،‬والغلوب على عقله ‪ ،‬والصَب الصَغي ‪.‬‬
‫فيقول الغلوب على عقله ‪ :‬ل تعَل ل عقلً أنتفَع بَه ‪ ،‬ويقول الالك فَ‬
‫الفترة ‪ :‬ل يأت ن ر سول ول نب ولو أتا ن لك ر سول أو نب لك نت أطوع‬
‫خل قك لك وقرأ ‪َ ﴿ :‬لوْلَا أَرْ سَ ْلتَ إَِليْنَا رَ سُولً ﴾ ‪ ،‬ويقول ال صب ال صغي ‪:‬‬
‫كنَت صَغيًا ل أعقَل ‪ .‬قال ‪ :‬فترفَع لمَ نار ‪ ،‬ويقال لمَ ‪ :‬رِدُوهَا قال ‪:‬‬
‫َفيَ ِردُها من كان ف علم ال أنه سعيد ‪ ،‬وتلكّأ عنها من كان ف علم ال أنه‬
‫شقي ‪ ،‬فيقول ‪ :‬إياي عصيتم فكيف برسلي لو أتتكم » ؟ رواه ابن جرير ‪.‬‬
‫وقوله تعال ‪ ﴿ :‬قُلْ ُك ّل ّمتَ َربّ صٌ ﴾ ‪ ،‬وذلك أن الشركي قالوا ‪ :‬نتربص‬
‫بح مد حوادث الد هر ‪ ،‬فقال ال سبحانه ‪ ﴿ :‬قُلْ ﴾ ل م يا م مد ‪ ﴿ :‬كُلّ‬
‫سوِيّ‬
‫ب ال صّرَاطِ ال ّ‬ ‫ّمتَ َربّ صٌ ﴾ منا ومنكم ‪َ ﴿ ،‬فتَ َربّ صُوا فَ َ‬
‫سَتعْلَمُو َن مَ نْ أَ صْحَا ُ‬
‫﴾ ‪ ،‬أي ‪ :‬الطريق الستقيم نن أم أنتم ‪َ ﴿ ،‬ومَ ِن اهْتَدَى ﴾ إل الق وسبيل‬
‫ب مَ نْ أَضَلّ‬
‫ف َيعْلَمُو نَ حِيَ يَ َروْ َن الْعَذَا َ‬
‫الرشاد ‪ ،‬كما قال تعال ‪ ﴿ :‬وَ َسوْ َ‬
‫َسبِيلً ﴾ ‪.‬‬
‫***‬
‫الزء الثالث‬ ‫‪126‬‬

‫الدرس السبعون بعد الائة‬


‫[ سورة النبياء عليهم الصلة والسلم ]‬
‫مكية ‪ ،‬وهي مائة واثنتا عشرة آية‬
‫عن عبد ال بن مسعود قال ‪ ( :‬بن إسرائيل ‪ ،‬والكهف ‪ ،‬ومري ‪ ،‬وطه ‪،‬‬
‫والنبياء هنّ من العتاق الول ‪ ،‬وهنّ من تلدي ) ‪ .‬رواه البخاري ‪.‬‬
‫بسم ال الرحن الرحيم‬
‫﴿ اقَْترَ بَ لِلنّا سِ حِ سَاُبهُ ْم َوهُ مْ فِي َغفْلَ ٍة ّم ْعرِضُو نَ (‪ )1‬مَا َي ْأتِيهِم مّن‬
‫ث إِلّا ا سْتَ َمعُو ُه َوهُ مْ يَ ْلعَبُو نَ (‪ )2‬لَاهِيَ ًة قُلُوبُهُ ْم َوأَ َسرّواْ‬
‫حدَ ٍ‬
‫ذِ ْك ٍر مّن ّرّبهِم مّ ْ‬
‫ـ‬
‫حرَ َوأَنتُم ْ‬
‫ـْ‬‫ـ الس ّ‬
‫ـ َأفََت ْأتُون َ‬
‫ش ٌر مّثْلُكُم ْ‬
‫ـ ظَلَمُوْا َهلْ َهذَا ِإلّا َب َ‬
‫جوَى اّلذِين َ‬
‫النّ ْ‬
‫السـمِيعُ‬
‫ْضـ َوهُ َو ّ‬
‫السـمَاء وَالَر ِ‬
‫َمـ اْلقَ ْولَ فِي ّ‬
‫ْصـرُونَ (‪ )3‬قَالَ َربّيـ يَعْل ُ‬
‫تُب ِ‬
‫ث َأحْلَ ٍم َبلِ افَْترَا هُ بَ ْل ُهوَ شَا ِعرٌ فَلَْي ْأتِنَا بِآَيةٍ كَمَا‬
‫ضغَا ُ‬
‫اْلعَلِي مُ (‪َ )4‬بلْ قَالُوْا أَ ْ‬
‫ت قَبْ َلهُم مّن َق ْريَ ٍة َأهْلَكْنَاهَا َأ َفهُ ْم ُيؤْمِنُو نَ (‪)6‬‬
‫أُرْ سِ َل الَ ّولُو نَ (‪ )5‬مَا آمََن ْ‬
‫وَمَا أَرْ سَلْنَا قَبْلَ كَ ِإلّ ِرجَا ًل نّوحِي ِإلَ ْيهِ ْم فَا سَْألُوْا َأهْ َل الذّكْ ِر إِن كُنتُ مْ لَ‬
‫َتعْلَمُونَ (‪ )7‬وَمَا َجعَلْنَاهُ ْم جَ سَدا لّا َيأْكُلُونَ ال ّطعَا َم َومَا كَانُوا خَاِلدِينَ (‪)8‬‬
‫س ِرفِيَ (‪َ )9‬ل َقدْ أَن َزلْنَا‬
‫ص َدقْنَا ُهمُ اْلوَ ْعدَ َفأَنَيْنَاهُ ْم وَمَن ّنشَاء َوأَهْ َلكْنَا الْمُ ْ‬
‫ُثمّ َ‬
‫ِإلَ ْيكُ مْ كِتَابا فِي ِه ذِ ْكرُكُ مْ َأفَلَا تَ ْعقِلُو نَ (‪ )10‬وَكَ مْ قَ صَمْنَا مِن َقرَْيةٍ كَانَ تْ‬
‫شأْنَا َب ْعدَهَا َقوْما آ َخرِي نَ (‪ )11‬فَلَمّ ا َأحَ سّوا َبأْ سَنَا ِإذَا هُم مّنْهَا‬
‫ظَالِ َم ًة َوأَن َ‬
‫َيرْكُضُو نَ (‪ )12‬لَا َترْكُضُوا وَا ْر ِجعُوا إِلَى مَا ُأتْ ِرفْتُ مْ فِي هِ َومَ سَاكِِن ُكمْ َلعَ ّلكُ مْ‬
‫‪127‬‬ ‫توفيق الرحن ف دروس القرآن‬

‫تُ سَْألُونَ (‪ )13‬قَالُوا يَا وَيْلَنَا ِإنّا كُنّا ظَالِمِيَ (‪ )14‬فَمَا زَالَت تّلْ كَ دَ ْعوَاهُ مْ‬
‫حَتّ ى َجعَلْنَاهُ ْم حَ صِيدا خَا ِمدِي نَ (‪ )15‬وَمَا خَلَقْنَا ال سّمَاء وَاْلأَرْ ضَ وَمَا‬
‫َاهـ مِن لّ ُدنّاـ إِن كُنّاـ‬
‫خ ْذن ُ‬
‫خ َذ َلهْوا لّاتّ َ‬
‫بَيَْنهُمَا لَاعِبِيَ (‪ )16‬لَ ْو أَ َردْنَا أَن نّتّ ِ‬
‫فَاعِلِيَ (‪َ )17‬ب ْل َنقْذِ فُ بِالْحَقّ عَلَى الْبَا ِط ِل فََيدْ َمغُ ُه َفإِذَا هُوَ زَاهِ ٌق وََلكُ مُ‬
‫ض وَمَ نْ عِندَ ُه لَا‬
‫صفُونَ (‪ )18‬وَلَ ُه مَن فِي ال سّمَاوَاتِ وَاْلأَرْ ِ‬
‫اْلوَْي ُل مِمّ ا تَ ِ‬
‫سرُونَ (‪ )19‬يُ سَبّحُو َن اللّ ْيلَ وَالّنهَا َر لَا‬
‫حِ‬‫يَ سْتَكِْبرُونَ عَ نْ ِعبَا َدتِ ِه َولَا يَ سْتَ ْ‬
‫َانـ‬
‫ُونـ (‪ )21‬لَوْ ك َ‬
‫شر َ‬ ‫ُمـ يُن ِ‬
‫ْضـ ه ْ‬
‫ّنـ اْلأَر ِ‬
‫خذُوا آِل َهةً م َ‬
‫َمـ اتّ َ‬
‫ُونـ (‪ )20‬أ ِ‬
‫َيفُْتر َ‬
‫صفُونَ (‪ )22‬لَا‬
‫س َدتَا فَ سُبْحَا َن اللّ هِ َربّ الْ َعرْ شِ عَمّا يَ ِ‬
‫فِيهِمَا آِل َهةٌ ِإلّا اللّ ُه َلفَ َ‬
‫خذُوا مِن دُونِ هِ آِل َهةً ُق ْل هَاتُوا‬
‫سأَلُونَ (‪ )23‬أَ ِم اتّ َ‬
‫يُ سَْألُ عَمّ ا َي ْف َعلُ َوهُ ْم يُ ْ‬
‫ُب ْرهَاَنكُ مْ َهذَا ذِ ْكرُ مَن ّمعِ يَ َوذِ ْكرُ مَن قَبْلِي َبلْ أَكَْث ُرهُ ْم لَا َيعْلَمُو نَ الْحَقّ‬
‫َفهُم ّم ْعرِضُو نَ (‪َ )24‬ومَا أَرْ سَلْنَا مِن قَبْلِ كَ مِن رّ سُو ٍل ِإلّا نُوحِي ِإلَيْ هِ َأنّ ُه لَا‬
‫سـبْحَاَنهُ َبلْ عِبَادٌ‬
‫َنـ َولَدا ُ‬
‫خ َذ ال ّرحْم ُ‬
‫ُونـ (‪َ )25‬وقَالُوا اتّ َ‬
‫َهـ ِإلّا أَن َا فَاعُْبد ِ‬
‫ِإل َ‬
‫ّم ْكرَمُو نَ (‪ )26‬لَا يَ سِْبقُوَنهُ بِاْلقَ ْولِ َوهُم بَِأ ْمرِ ِه َيعْمَلُو نَ (‪َ )27‬يعْلَ مُ مَا بَيْ نَ‬
‫شفَعُو َن ِإلّا لِمَ نِ ا ْرتَضَى َوهُم مّ نْ َخشْيَتِ هِ ُمشْ ِفقُو نَ‬
‫َأْيدِيهِ مْ َومَا خَ ْل َفهُ مْ َولَا َي ْ‬
‫جزِي‬
‫ك نَ ْ‬
‫جزِي ِه َجهَنّ مَ َكذَلِ َ‬
‫(‪َ )28‬ومَن َيقُ ْل مِ ْنهُ ْم ِإنّي ِإلَ ٌه مّن دُونِ ِه َف َذلِ كَ نَ ْ‬
‫الظّالِمِيَ (‪. ﴾ )29‬‬

‫***‬
‫الزء الثالث‬ ‫‪128‬‬

‫قوله عز وجل ‪ ﴿ :‬اقَْترَبَ لِلنّاسِ حِسَاُبهُ ْم وَ ُهمْ فِي َغفْ َل ٍة ّمعْرِضُونَ (‪)1‬‬
‫ث إِلّا ا سْتَ َمعُو ُه َوهُ مْ يَ ْلعَبُو نَ (‪ )2‬لَاهَِيةً‬
‫حدَ ٍ‬
‫مَا َي ْأتِيهِم مّ ن ذِ ْك ٍر مّ ن ّربّهِم مّ ْ‬
‫ُونـ‬
‫ُمـ َأفَتَ ْأت َ‬
‫شرٌ مّثْلُك ْ‬
‫ِينـ ظَلَمُوْا َهلْ َهذَا ِإلّا َب َ‬
‫جوَى اّلذ َ‬
‫َسـرّواْ النّ ْ‬
‫ُمـ َوأ َ‬
‫قُلُوُبه ْ‬
‫ض َوهُوَ‬
‫صرُونَ (‪ )3‬قَالَ َربّي يَعْلَ مُ اْلقَ ْولَ فِي ال سّمَاء وَالَرْ ِ‬
‫ح َر َوأَنتُ مْ تُبْ ِ‬
‫ال سّ ْ‬
‫ل ٍم َب ِل افْتَرَا ُه َبلْ هُ َو شَا ِع ٌر فَلَْي ْأتِنَا‬
‫ضغَا ثُ أَحْ َ‬
‫ال سّمِي ُع الْعَلِي مُ (‪َ )4‬ب ْل قَالُواْ أَ ْ‬
‫ت قَبْلَهُم مّ ن َق ْرَيةٍ َأهْلَكْنَاهَا أَ َفهُ مْ‬
‫بِآيَةٍ كَمَا أُرْ ِسلَ ا َلوّلُو نَ (‪ )5‬مَا آمََن ْ‬
‫ُي ْؤمِنُونَ (‪. ﴾ )6‬‬
‫‪َ ﴿ :‬وهُ مْ فِي َغفَْل ٍة ّمعْرِضُو نَ ﴾ ‪ ،‬قال ‪ :‬ف‬ ‫عن أ ب سعيد عن ال نب‬
‫الدنيا ‪.‬‬
‫وقوله تعال ‪ ﴿ :‬مَا يَ ْأتِيهِم مّن ذِكْ ٍر مّن ّرّبهِم مّحْدَ ثٍ إِلّا ا ْستَ َمعُو ُه َوهُ مْ‬
‫يَ ْل َعبُونَ لَا ِهَيةً ُقلُوُبهُمْ ﴾ ‪ ،‬أي ‪ :‬غافلة ‪.‬‬
‫قال ابن جرير ‪ :‬يقول تعال ذكره ‪ :‬ما يدث ال من تنيل شيء من هذا‬
‫القرآن للناس ويذكَر هم به ويعظ هم ‪ ﴿ :‬إِلّا ا ْستَ َمعُوهُ َوهُ مْ َي ْلعَبُو نَ * لَا ِهَيةً‬
‫َثَ‬
‫حد ٍ‬ ‫ُمَ ﴾ ‪ .‬وعَن قتادة قوله ‪ ﴿ :‬مَا َي ْأتِيهِم مّنَ ذِكْ ٍر مّنَ ّربّهِم مّ ْ‬ ‫ُقلُوبُه ْ‬
‫﴾ الية ‪ ،‬يقول ‪ :‬ما ينل عليهم من شيء من القرآن ‪ ﴿ :‬إِلّا ا ْستَ َمعُو ُه َوهُ مْ‬
‫يَ ْل َعبُو نَ ﴾ ‪ .‬وقال ا بن عباس ‪ :‬ما ل كم ت سألون أ هل الكتاب ع ما بأيدي هم ‪،‬‬
‫وقد حرّفوه ‪ ،‬وبدّلوه ‪ ،‬وزادوا فيه ‪ ،‬ونقصوا منه ‪ ،‬وكتابكم أحدث الكتب‬
‫شبْ ؟ !‬‫بال تقرؤونه مضًا ل يُ َ‬
‫‪129‬‬ ‫توفيق الرحن ف دروس القرآن‬

‫ُمَ‬
‫ِينَ ظَلَمُوْا هَ ْل هَذَا إِلّا بَشَ ٌر ّمثُْلك ْ‬
‫جوَى الّذ َ‬ ‫وقوله تعال ‪َ ﴿ :‬وأ َ‬
‫َسَرّوْا النّ ْ‬
‫ح َر َوأَنتُ ْم ُتبْ صِرُونَ ﴾ ‪ ،‬قال ابن زيد ‪ :‬قاله أهل الكفر لنبيهم لا‬ ‫أََفَتأْتُو َن ال سّ ْ‬
‫جاء به من عند ال ‪ ،‬زعموا أنه ساحر وأن ما جاء به من سحر قالوا ‪ :‬أتأتون‬
‫ال سحر وأن تم تب صرون ؟ ﴿ قال ﴾ ‪ ،‬أي ‪ :‬م مد ‪ ،‬و ف قراءة ‪ { :‬قل َربّ ي‬
‫َيعْلَ ُم اْل َقوْلَ فِي ال سّمَاء وَالَرْ ضِ } ‪ ،‬ل ي فى عل يه خافية ‪ ،‬وهو الذي أنزل‬
‫هذا القرآن ‪َ ﴿ ،‬و ُهوَ السّمِيعُ ﴾ لقوال اللق ‪ ﴿ ،‬اْلعَلِي ُم ﴾ بأحوالم ‪.‬‬
‫ضغَا ثُ أَ ْحلَ ٍم بَ ِل ا ْفتَرَا هُ بَ ْل ُه َو شَاعِرٌ فَ ْلَي ْأتِنَا بِآَيةٍ كَمَا أُرْ سِلَ‬
‫﴿ بَلْ قَالُواْ أَ ْ‬
‫ُونَ ﴾ عَن ابَن عباس قوله ‪ ﴿ :‬أضغاث أحلم ﴾ ‪ ،‬قال ‪ :‬مشتبهَة ‪.‬‬ ‫ا َلوّل َ‬
‫وعن قتادة قوله ‪ ﴿ :‬أضغاث أحلم ﴾ ‪ ،‬أي ‪ :‬فعل حال ‪ ،‬إنا هي رؤيا رآها‬
‫‪ ﴿ ،‬بل افتراه بل هو شاعر ﴾ كل هذا قد كان منهم ‪.‬‬
‫قال البغوي ‪ :‬يع ن ‪ :‬أن الشرك ي اقت سموا القول ف يه وفي ما يقوله فقال‬
‫بعضهم ‪ :‬أضغاث أحلم ‪ ،‬وقال بعضهم ‪ :‬بل هو فرية ‪ ،‬وقال بعضهم ‪ :‬بل‬
‫ممد شاعر ‪ ،‬وما جاءكم به شعر ‪ ،‬فليأتنا بآية إن كان صادقًا كما أرسل‬
‫الولون ؛ قال ال تعال ميبًا لم ‪ ﴿ :‬مَا آ َمنَ تْ َقْبَلهُم مّن قَ ْرَيةٍ َأهَْل ْكنَاهَا أََفهُ مْ‬
‫﴾ الرسل إذا جاؤوا قومهم بالبينات فلم يؤمنوا ل ينظروا ‪.‬‬
‫قوله عز و جل ‪ ﴿ :‬وَمَا أَرْ سَلْنَا قَبْلَ كَ ِإلّ ِرجَالً نّوحِي ِإلَ ْيهِ ْم فَا ْسَألُواْ‬
‫َأ ْهلَ الذّ ْكرِ إِن كُنتُ ْم لَ َتعْلَمُو نَ (‪ )7‬وَمَا َجعَلْنَاهُ ْم جَ سَدا لّا َيأْكُلُو نَ ال ّطعَا مَ‬
‫الزء الثالث‬ ‫‪130‬‬

‫ص َدقْنَاهُ ُم الْوَ ْع َد َفأَنَيْنَاهُ مْ َومَن ّنشَاء َوَأهْلَكْنَا‬


‫َومَا كَانُوا خَاِلدِي نَ (‪ُ )8‬ثمّ َ‬
‫س ِرفِيَ (‪. ﴾ )9‬‬
‫الْ ُم ْ‬
‫عن قتادة قوله ‪ ﴿ :‬فَا ْسأَلُواْ َأهْلَ الذّكْرِ إِن كُنتُ مْ َل َتعْلَمُو نَ ﴾ ‪ ،‬يقول ‪:‬‬
‫فاسألوا أهل التوراة والنيل ‪.‬‬
‫قال ابن جرير ‪ :‬أراه أنا يقول ‪ :‬يبوكم أن الرسل كانوا رجالً يأكلون‬
‫الطعام ويشون ف السواق ‪.‬‬
‫وقال الضحاك ف قوله ‪ ﴿ :‬وَمَا َجعَ ْلنَاهُ مْ جَ سَدا لّا َيأْكُلُو نَ ال ّطعَا مَ ﴾ ‪،‬‬
‫يقول ‪ :‬ل أجعلهم جسدًا ل يأكلون الطعام ‪.‬‬
‫قال ا بن كث ي ‪ :‬أي ‪ :‬قد كانوا بشرًا من الب شر يأكلون ويشربون م ثل‬
‫ِينَ ﴾ ‪ ،‬أي ‪ :‬ل بدّ لمَ مَن‬
‫الناس ‪ .‬وعَن قتادة قوله ‪ ﴿ :‬وَمَا كَانُوا خَالِد َ‬
‫الوت ‪ ﴿ .‬ثُمَّ صََدَ ْقنَاهُ ُم اْلوَعْدَ ﴾ ‪ ،‬بإناء الؤمنيَ وإهلك الكذّبيَ‬
‫﴿ َفأَ َنيْنَاهُ ْم َومَن نّشَاء َوأَهَْل ْكنَا الْمُسْرِفِيَ ﴾ ‪.‬‬
‫قوله عز و جل ‪َ ﴿ :‬ل َقدْ أَن َزلْنَا إِلَ ْيكُ مْ كِتَابا فِي هِ ذِ ْكرُكُ مْ َأفَلَا تَ ْعقِلُو نَ (‬
‫شأْنَا بَ ْع َدهَا َقوْما آ َخرِي نَ (‪)11‬‬
‫‪ )10‬وَكَ ْم قَ صَمْنَا مِن َق ْرَيةٍ كَانَ تْ ظَالِ َم ًة َوأَن َ‬
‫فَلَمّا َأحَسّوا َبأْسَنَا ِإذَا هُم مّ ْنهَا َيرْكُضُونَ (‪ )12‬لَا َترْكُضُوا وَا ْرجِعُوا ِإلَى مَا‬
‫سَألُونَ (‪ )13‬قَالُوا يَا وَيْلَنَا ِإنّا كُنّا ظَالِمِيَ (‬
‫ُأْت ِرفْتُ ْم فِيهِ َومَسَاكِنِ ُك ْم َلعَلّكُمْ تُ ْ‬
‫‪ )14‬فَمَا زَالَت تّ ْلكَ دَ ْعوَاهُ ْم حَتّى َجعَلْنَا ُهمْ حَصِيدا خَامِدِينَ (‪. ﴾ )15‬‬
‫‪131‬‬ ‫توفيق الرحن ف دروس القرآن‬

‫عن ابن عباس ف قوله ‪َ ﴿ :‬لقَدْ أَنزَْلنَا إَِليْكُ مْ ِكتَابا فِي هِ ذِكْرُكُ مْ ﴾ ‪ ،‬يقول‬
‫ت ظَالِ َمةً ﴾ ‪،‬‬
‫‪ :‬شرفكم ‪ ﴿ ،‬أََفلَا َتعْقِلُونَ ﴾ ؟ ‪ ﴿ ،‬وَكَمْ َقصَ ْمنَا مِن َق ْرَيةٍ كَانَ ْ‬
‫قال ماهد ‪ :‬أهلكناها ‪َ ﴿ ،‬وأَنشَ ْأنَا بَعْ َدهَا َقوْما آخَرِينَ ﴾ ‪.‬‬
‫َ ﴾ ‪ ،‬قال قتادة‬ ‫َ فِيه ِ‬‫﴿ لَا تَرْ ُكضُوا ﴾ ل تفرّوا ‪ ﴿ ،‬وَارْ ِجعُوا إِلَى مََا ُأتْرِ ْفتُم ْ‬
‫سأَلُونَ ﴾ من دنياكم‬ ‫يقول ‪ :‬ارجعوا إل دنياكم الت أترفتم فيها ‪َ ﴿ ،‬لعَّلكُ ْم تُ ْ‬
‫شيئًا ‪ ،‬اسَتهزاء بمَ ‪ ﴿ ،‬قَالُوا يَا َويْلَنَا ِإنّاَ ُكنّاَ ظَالِمِيَ * فَمَا زَالَت تّلْكََ‬
‫َد ْعوَاهُ مْ َحتّ ى َجعَ ْلنَاهُ مْ حَ صِيدا خَامِدِي نَ ﴾ ‪ ،‬قال قتادة ‪ :‬فل ما رأوا العذاب‬
‫وعاينوه ل ي كن ل م م ي إ ّل قول م ‪ :‬ياويل نا إ نا ك نا ظال ي ‪ ،‬ح ت دمرّ ال‬
‫عليهم وأهلكهم ‪.‬‬
‫ض َومَا بَيَْنهُمَا لَاعِبِيَ (‪)16‬‬
‫قوله عز وجل ‪َ ﴿ :‬ومَا خَ َلقْنَا السّمَاء وَاْلأَرْ َ‬
‫خ ْذنَا هُ مِن لّ ُدنّ ا إِن كُنّ ا فَاعِلِيَ (‪َ )17‬ب ْل َنقْذِ فُ‬
‫خ َذ َلهْوا لّاتّ َ‬
‫َلوْ أَ َردْنَا أَن نّتّ ِ‬
‫صفُونَ (‪)18‬‬
‫بِالْحَقّ عَلَى الْبَا ِط ِل فََيدْ َمغُ هُ َفِإذَا ُهوَ زَاهِ ٌق َولَكُ مُ اْلوَْي ُل مِمّ ا تَ ِ‬
‫ض وَمَ نْ عِندَ ُه لَا يَ سْتَكِْبرُونَ عَ نْ ِعبَا َدتِ ِه َولَا‬
‫ت وَاْلأَرْ ِ‬
‫َولَ ُه مَن فِي ال سّمَاوَا ِ‬
‫سرُونَ (‪ُ )19‬يسَبّحُو َن اللّ ْيلَ وَالّنهَا َر لَا َيفُْترُونَ (‪. ﴾ )20‬‬
‫حِ‬‫َيسْتَ ْ‬
‫عن قتادة قوله ‪ ﴿ :‬وَمَا خََلقْنَا ال سّمَاء وَالْأَرْ ضَ وَمَا بَْيَنهُمَا لَا ِعبِيَ ﴾ ‪،‬‬
‫يقول ‪ :‬ما خلقناه ا عبثًا ول باطلً ‪ .‬و عن ما هد ف قوله ‪َ ﴿ :‬لوْ أَ َردْنَا أَن‬
‫ّنتّخِذَ َلهْوا ﴾ ‪ ،‬قال ‪ :‬زو جة ‪ ﴿ ،‬لّاتّخَ ْذنَا ُه مِن لّ ُدنّ ا ﴾ ‪ ،‬من عند نا ‪ ،‬و ما‬
‫خلق نا ج نة ‪ ،‬ول نارًا ‪ ،‬ول موتًا ‪ ،‬ول بعثًا ‪ .‬و عن قتادة قوله ‪َ ﴿ :‬لوْ أَ َردْنَا‬
‫الزء الثالث‬ ‫‪132‬‬

‫خذَ َلهْوا ﴾ اليَة ‪ ،‬أي ‪ :‬أن ذلك ل يكون ول ينبغَي ‪ .‬وقوله ‪ ﴿ :‬إِن‬ ‫أَن نّتّ ِ‬
‫ُكنّ ا فَاعِلِيَ ﴾ ‪ ،‬يقول ‪ :‬ما ك نا فاعل ي ‪ .‬وق يل ‪ :‬إن ك نا م ن يف عل ذلك‬
‫ف بِالْحَقّ‬
‫لتذناه من لدنا ‪ ،‬ولكنا ل نفعله لنه ل يليق بالربوبية ‪ ﴿ ،‬بَ ْل َنقْذِ ُ‬
‫عَلَى اْلبَاطِلِ َفيَ ْد َمغُ هُ فَإِذَا ُهوَ زَاهِ قٌ ﴾ ‪ ،‬أي ‪ :‬فبطل كذبم با نبي من الق ؛‬
‫صفُونَ ﴾ ال ب ا ل يل يق به من‬ ‫ث أوعد هم فقال ‪ ﴿ :‬وََلكُ ُم الْ َويْ ُل مِمّ ا تَ ِ‬
‫الصاحبة ‪ ،‬والولد ‪ ،‬والشريك ‪.‬‬
‫ت وَالْأَرْ ضِ ﴾ خَ ْلقًا ‪ ،‬وملكًا ‪ ،‬وعبيدًا ‪َ ﴿ ،‬ومَ نْ‬ ‫﴿ وَلَ ُه مَن فِي ال سّمَاوَا ِ‬
‫ستَحْسِرُونَ ﴾ ‪ ،‬قال قتادة ‪ :‬ل يعيون ‪.‬‬ ‫عِندَ هُ لَا يَ سَْت ْكبِرُو َن عَ نْ ِعبَا َدتِ هِ وَلَا يَ ْ‬
‫وقال ابن زيد ‪ :‬ل يلّون ‪ ﴿ ،‬يُسَبّحُونَ الّليْ َل وَالّنهَارَ لَا َي ْفتُرُونَ ﴾ ‪ ،‬قال قتادة‬
‫‪ :‬يقول ‪ :‬اللئكة الذين هم عند الرحن ل يستكبون عن عبادته ول يسأمون‬
‫في ها ؛ وذ كر ل نا ‪ :‬أن نب ال بين ما هو جالس مع أ صحابه إذ قال ‪« :‬‬
‫ت سمعون ما أ سع » ؟ قالوا ‪ :‬ما ن سمع من ش يء يا نب ال ‪ .‬قال ‪ « :‬أ ن‬
‫ل سع أط يط ال سماء ‪ ،‬و ما تلم أن تئط ‪ ،‬ول يس في ها مو ضع را حة إل وف يه‬
‫ملك ساجد أو قائم » ‪.‬‬
‫شرُو نَ (‪َ )21‬لوْ‬
‫خذُوا آِل َهةً مّ نَ اْلأَرْ ضِ هُ مْ يُن ِ‬
‫قوله عز وجل ‪ ﴿ :‬أَ ِم اتّ َ‬
‫صفُونَ (‬
‫س َدتَا فَ سُبْحَانَ اللّ هِ َربّ اْل َعرْ شِ عَمّا يَ ِ‬
‫كَا َن فِيهِمَا آِل َهةٌ إِلّا اللّ هُ َلفَ َ‬
‫خذُوا مِن دُونِ هِ آِل َه ًة ُقلْ‬
‫سأَلُ َعمّا َيفْ َع ُل وَهُ ْم يُ سَْألُونَ (‪ )23‬أَ ِم اتّ َ‬
‫‪ )22‬لَا يُ ْ‬
‫هَاتُوا ُب ْرهَاَنكُ ْم َهذَا ذِ ْك ُر مَن ّمعِ يَ َوذِ ْكرُ مَن قَبْلِي بَ ْل أَكَْث ُرهُ ْم لَا َيعْلَمُو نَ‬
‫‪133‬‬ ‫توفيق الرحن ف دروس القرآن‬

‫ك مِن رّ سُولٍ ِإلّا نُوحِي ِإلَيْ هِ‬


‫حقّ َفهُم ّم ْعرِضُو نَ (‪ )24‬وَمَا أَرْ سَلْنَا مِن قَبْلِ َ‬
‫الْ َ‬
‫َأّنهُ لَا ِإلَ َه ِإلّا َأنَا فَاعُْبدُونِ (‪. ﴾ )25‬‬
‫ض هُ ْم يُنشِرُو نَ ﴾ ‪،‬‬ ‫قال ا بن ز يد ف قوله ‪ ﴿ :‬أَ مِ اتّخَذُوا آِل َهةً مّ َن الْأَرْ ِ‬
‫يقول ‪ :‬أ ف آلت هم أ حد ي يي ؟ ﴿ َلوْ كَا نَ فِيهِمَا آِل َهةٌ إِلّا اللّ هُ َلفَ سَ َدتَا ﴾ ‪،‬‬
‫كما قال تعال ‪ ﴿ :‬مَا اتّخَذَ اللّ ُه مِن وَلَ ٍد َومَا كَا َن َمعَهُ مِنْ إِلَهٍ إِذا لّ َذهَبَ كُلّ‬
‫صفُونَ * عَالِ ِم اْلغَيْبِ‬ ‫ضهُ ْم عَلَى َبعْضٍ ُسبْحَانَ اللّهِ عَمّا يَ ِ‬ ‫إِلَهٍ بِمَا َخلَ َق وََلعَلَا َبعْ ُ‬
‫شهَا َدةِ َفَتعَالَى عَمّا يُشْرِكُونَ ﴾ ‪.‬‬ ‫وَال ّ‬
‫ُسَأَلُونَ ﴾ ل يُسَأل‬ ‫ُمَ ي ْ‬ ‫ُسَأَلُ عَمّاَ َي ْفعَ ُل َوه ْ‬
‫وقال الضحاك فَ قوله ‪ ﴿ :‬لَا ي ْ‬
‫الالق عما يقضي ف خلقه ‪ ،‬واللق مسئولون عن أعمالم ‪.‬‬
‫وقال البغوي ‪ ﴿ :‬أَ مِ اتّخَذُوا مِن دُونِ هِ آِل َهةً ﴾ ‪ ،‬استفهام إنكار وتوبيخ ‪.‬‬
‫﴿ قُ ْل هَاتُوا بُ ْرهَانَكُ ْم هَذَا ذِكْ ُر مَن ّمعِ يَ َوذِكْ ُر مَن َقبْلِي ﴾ ‪ ،‬قال ابن جريج‬
‫‪ :‬حد يث مَن م عي وحد يث من قبلي ‪ .‬و عن قتادة قوله ‪ ﴿ :‬هَذَا ذِ ْك ُر مَن‬
‫ّمعِ يَ ﴾ ‪ ،‬يقول ‪ :‬هذا القرآن فيه ذكر اللل والرام ‪َ ﴿ ،‬وذِكْ ُر مَن َقبْلِي ﴾‬
‫‪ ،‬يقول ‪ :‬ذكر أعمال المم السالفة ‪ ،‬وما صنع ال بم وإل ما صاروا ‪﴿ ،‬‬
‫بَلْ أَ ْكثَ ُرهُمْ لَا َيعْلَمُو َن الْحَقّ َفهُم ّمعْرِضُونَ ﴾ عن كتاب ال ‪َ ﴿ ،‬ومَا أَرْسَ ْلنَا‬
‫ك مِن رّ سُولٍ إِلّا نُوحِي إِلَيْ هِ َأنّ هُ لَا إِلَ هَ إِلّا أَنَا فَا ْعبُدُو نِ ﴾ به أرسلت‬
‫مِن َقبْلِ َ‬
‫الرسل بالخلص والتوحيد ‪.‬‬
‫الزء الثالث‬ ‫‪134‬‬

‫ـبْحَانَ ُه َبلْ عِبَادٌ‬


‫ـ َولَدا س ُ‬
‫خذَ الرّحْمَن ُ‬
‫قوله عـز وجـل ‪َ ﴿ :‬وقَالُوا اتّ َ‬
‫ّم ْكرَمُو نَ (‪ )26‬لَا يَ سِْبقُوَنهُ بِاْلقَ ْولِ َوهُم بَِأ ْمرِ ِه َيعْمَلُو نَ (‪َ )27‬يعْلَ مُ مَا بَيْ نَ‬
‫شفَعُو َن ِإلّا لِمَ نِ ا ْرتَضَى َوهُم مّ نْ َخشْيَتِ هِ ُمشْ ِفقُو نَ‬
‫َأْيدِيهِ مْ َومَا خَ ْل َفهُ مْ َولَا َي ْ‬
‫جزِي‬
‫ك نَ ْ‬
‫جزِي ِه َجهَنّ مَ َكذَلِ َ‬
‫(‪َ )28‬ومَن َيقُ ْل مِ ْنهُ ْم ِإنّي ِإلَ ٌه مّن دُونِ ِه َف َذلِ كَ نَ ْ‬
‫الظّالِمِيَ (‪. ﴾ )29‬‬
‫َ * لَا‬
‫َبْحَانَ ُه بَ ْل ِعبَا ٌد ّمكْ َرمُون َ‬ ‫قوله ‪ ﴿ :‬وَقَالُوا اتّخَذَ الرّ ْحمَن ُ‬
‫َ وَلَدا س ُ‬
‫سِبقُونَ ُه بِاْل َقوْلِ َوهُم ِبَأمْ ِرهِ َيعْ َملُونَ ﴾ ‪.‬‬
‫يَ ْ‬
‫قال البغوي ‪ :‬نزلت ف خزاعة حيث قالوا ‪ :‬اللئكة بنات ال ‪.‬‬
‫وقوله تعال ‪َ ﴿ :‬يعْلَ ُم مَا َبيْ نَ َأيْدِيهِ ْم وَمَا خَ ْل َفهُ ْم وَلَا يَ ْ‬
‫ش َفعُو نَ إِلّا ِلمَ نِ‬
‫ا ْرَتضَى ﴾ ‪ ،‬قال ماهد ‪ :‬لن رضي ال عنه ‪ .‬وقال ابن عباس ‪ :‬الذي ارتضى‬
‫لم شهادة أن ل إله إلّ ال ‪.‬‬
‫ش ِفقُونَ ﴾ ‪ ،‬أي ‪ :‬خائفون أن يعصوه‬ ‫وقوله تعال ‪َ ﴿ :‬وهُم مّ نْ خَ ْ‬
‫شَيتِهِ مُ ْ‬
‫ك نَجْزِي هِ‬
‫ويالفوا أمره فيعذب م ‪ ﴿ ،‬وَمَن َيقُ ْل ِمنْهُ مْ ِإنّ ي إِلَ ٌه مّ ن دُونِ هِ َفذَلِ َ‬
‫ك نَجْزِي الظّاِلمِيَ ﴾ ‪.‬‬
‫َج َهنّمَ َكذَلِ َ‬
‫قال ابن جرير ‪ :‬يقول تعال ذكره ‪َ ﴿ :‬ومَن َيقُلْ ﴾ من اللئكة ‪ِ ﴿ :‬إنّي‬
‫جزِيهَِ َج َهنّمََ كَذَلِكََ‬
‫إِلَهٌَ مّنَ دُونِهَِ فَذَلِكََ ﴾ الذي يقول ذلك منهَم ‪ ﴿ :‬نَ ْ‬
‫جزِي الظّالِ ِميَ ﴾ ‪.‬‬ ‫نَ ْ‬
‫‪135‬‬ ‫توفيق الرحن ف دروس القرآن‬

‫قال البغوي ‪ :‬الواضعي اللية والعبادة ف غي موضعهما ‪ .‬وقال ابن كثي‬


‫‪َ ﴿ :‬ومَن َيقُ ْل ِمْنهُ مْ ِإنّي إِلَ ٌه مّن دُونِ هِ ﴾ ‪ ،‬أي ‪ :‬من ادعى منهم أنه إله من‬
‫جزِي الظّالِ ِميَ ﴾ أي‬ ‫ك نَ ْ‬‫ك َنجْزِيهِ َج َهنّمَ كَذَلِ َ‬
‫دون ال ‪ .‬أي ‪ :‬مع ال ﴿ فَذَلِ َ‬
‫‪ :‬كَل مَن قال ذلك ‪ ،‬وهذا شرط ‪ ،‬والشرط ل يلزم وقوعَه ‪ ،‬كقوله ‪﴿ :‬‬
‫حبَطَنّ‬
‫إِن كَانَ لِلرّ ْحمَ ِن وَلَدٌ َفَأنَا َأوّ ُل اْلعَابِدِينَ ﴾ ‪ ،‬وقوله ‪َ ﴿ :‬لئِنْ َأشْرَكْتَ َليَ ْ‬
‫ك وََلتَكُونَنّ مِنَ الْخَاسِرِينَ ﴾ ‪.‬‬ ‫عَ َملُ َ‬

‫***‬
‫الزء الثالث‬ ‫‪136‬‬

‫الدرس الادي والسبعون بعد الائة‬

‫﴿ َأوَلَ ْم َيرَ اّلذِي نَ َك َفرُوا أَنّ ال سّمَاوَاتِ وَالْأَرْ ضَ كَانَتَا َرتْقا َففََتقْنَاهُمَا‬
‫ْضـ‬
‫ُونـ (‪َ )30‬وجَعَلْنَا فِي اْلأَر ِ‬
‫َوجَعَلْنَا مِنَـ الْمَاء ُك ّل َشيْ ٍء حَيّ َأفَلَا يُ ْؤمِن َ‬
‫ُونـ (‪)31‬‬
‫ُمـ َيهْتَد َ‬
‫ل َلعَلّه ْ‬
‫سـبُ ً‬
‫ِمـ وَ َجعَلْنَا فِيهَا فِجَاجا ُ‬
‫َاسـ َي أَن تَمِيدَ ِبه ْ‬
‫َرو ِ‬
‫حفُوظا َوهُ مْ عَ نْ آيَاِتهَا مُ ْعرِضُو نَ (‪ )32‬وَ ُهوَ اّلذِي‬
‫َوجَعَلْنَا ال سّمَاء َسقْفا مّ ْ‬
‫ـَحُونَ (‪ )33‬وَمَا‬
‫خَلَقَـ اللّ ْي َل وَالّنهَا َر وَالشّمْسَـ وَاْلقَ َمرَ ُك ّل فِي فَلَكٍـ يَس ْب‬
‫ك الْخُ ْلدَ َأ َفإِن مّتّ َفهُ ُم الْخَاِلدُو نَ (‪ُ )34‬ك ّل َنفْ سٍ‬
‫ش ٍر مّ ن قَبْلِ َ‬
‫َجعَلْنَا لَِب َ‬
‫شرّ وَالْخَ ْيرِ فِتَْن ًة َوإِلَيْنَا ُت ْرجَعُو نَ (‪َ )35‬وِإذَا رَآ كَ‬
‫ت َونَبْلُوكُم بِال ّ‬
‫ذَائِ َق ُة الْمَوْ ِ‬
‫خذُونَ كَ ِإلّا ُهزُوا َأهَذَا اّلذِي يَذْ ُكرُ آِلهََتكُ ْم وَهُم ِبذِ ْكرِ‬
‫اّلذِي نَ َك َفرُوا إِن يَتّ ِ‬
‫جلٍ َسأُرِي ُكمْ آيَاتِي فَلَا‬
‫الرّحْمَ ِن هُ مْ كَا ِفرُو نَ (‪ )36‬خُلِ قَ اْلإِن سَا ُن مِ نْ عَ َ‬
‫ُمـ صـَا ِدقِيَ (‪َ )38‬لوْ‬
‫ُونـ مَتَى هَذَا اْلوَ ْعدُ إِن كُنت ْ‬
‫َسـَتعْجِلُونِ (‪َ )37‬وَيقُول َ‬
‫ت ْ‬
‫َيعْلَ مُ اّلذِي نَ َك َفرُوا حِيَ لَا َي ُكفّو نَ عَن ُوجُو ِههِ ُم النّا َر َولَا عَن ُظهُورِهِ ْم وَلَا‬
‫صرُونَ (‪َ )39‬بلْ َت ْأتِيهِم َبغْتَ ًة فَتَ ْبهَُتهُ مْ فَلَا يَ سْتَطِيعُونَ َردّهَا َولَا هُ مْ‬
‫هُ مْ يُن َ‬
‫خرُوا مِ ْنهُم‬
‫ق بِالّذِي نَ سَ ِ‬
‫يُن َظرُو نَ (‪َ )40‬وَلقَ ِد ا سُْت ْهزِئَ ِبرُ ُسلٍ مّن قَبْلِ كَ َفحَا َ‬
‫مّ ا كَانُوا بِ ِه يَ سَْت ْه ِزئُون (‪ُ )41‬قلْ مَن َيكْ َلؤُكُم بِاللّ ْيلِ وَالّنهَا ِر مِ نَ الرّحْمَ نِ‬
‫َب ْل هُ مْ عَن ذِ ْكرِ َربّهِم ّمعْرِضُو نَ (‪ )42‬أَ ْم َلهُ مْ آِل َه ٌة تَمَْنعُهُم مّ ن دُونِنَا لَا‬
‫حبُونَ (‪َ )43‬بلْ مَّتعْنَا َه ُؤلَاء‬
‫ُصـ َ‬
‫ُسـِهمْ َولَا هُم مّنّاـ ي ْ‬
‫َصـرَ أَنف ِ‬
‫َسـتَطِيعُونَ ن ْ‬
‫ي ْ‬
‫صهَا مِ نْ‬
‫ض نَنقُ ُ‬
‫وَآبَاءهُ مْ حَتّ ى طَالَ َعلَ ْيهِ مُ اْلعُ ُمرُ َأفَلَا يَ َروْ َن َأنّ ا َنأْتِي اْلأَرْ َ‬
‫‪137‬‬ ‫توفيق الرحن ف دروس القرآن‬

‫أَ ْطرَافِهَا َأ َفهُ ُم الْغَالِبُو نَ (‪ُ )44‬قلْ ِإنّمَا أُنذِرُكُم بِاْلوَحْ يِ َولَا يَ سْ َم ُع ال صّمّ‬
‫ح ٌة مّ نْ َعذَا بِ َربّ كَ لََيقُوُلنّ يَا‬
‫الدّعَاء ِإذَا مَا يُنذَرُو نَ (‪َ )45‬ولَئِن مّ سّ ْت ُهمْ َنفْ َ‬
‫ط لَِيوْ ِم الْقِيَامَ ِة فَلَا تُظْلَ مُ‬
‫َويْلَنَا ِإنّا كُنّا ظَالِمِيَ (‪َ )46‬ونَضَ ُع الْ َموَازِي نَ اْلقِ سْ َ‬
‫َنفْ سٌ شَيْئا وَإِن كَا َن مِ ْثقَالَ حَّب ٍة مّ ْن َخرْ َدلٍ َأتَيْنَا بِهَا وَكَفَى بِنَا حَا سِبِيَ (‬
‫‪. ﴾ )47‬‬

‫***‬
‫الزء الثالث‬ ‫‪138‬‬

‫قوله عز وجل ‪َ ﴿ :‬أوَلَ مْ َي َر الّذِي نَ َك َفرُوا أَنّ ال سّمَاوَاتِ وَالْأَرْ ضَ كَانَتَا‬


‫َرتْقا َففََتقْنَاهُمَا وَ َجعَلْنَا مِ َن الْمَاء ُك ّل شَيْ ٍء َحيّ َأفَلَا ُيؤْمِنُو نَ (‪َ )30‬وجَعَلْنَا‬
‫ل لَعَ ّلهُ مْ يَهَْتدُو نَ (‬
‫فِي اْلأَرْ ضِ َروَا ِسيَ أَن تَمِيدَ ِبهِ مْ َو َجعَلْنَا فِيهَا ِفجَاجا سُبُ ً‬
‫حفُوظا وَهُ مْ عَ نْ آيَاتِهَا مُ ْعرِضُو نَ (‪َ )32‬و ُهوَ‬
‫‪َ )31‬وجَعَلْنَا ال سّمَاء سَقْفا مّ ْ‬
‫س وَاْلقَ َمرَ ُك ّل فِي فَلَكٍ َيسْبَحُونَ (‪﴾ )33‬‬
‫اّلذِي خَ َلقَ اللّ ْيلَ وَالّنهَا َر وَالشّمْ َ‬
‫‪.‬‬
‫ت وَالْأَرْ ضَ‬
‫عن ا بن عباس قوله ‪َ ﴿ :‬أوَلَ ْم يَ َر الّذِي نَ َكفَرُوا أَنّ ال سّمَاوَا ِ‬
‫كَانَتَا َرتْقا ﴾ ‪ ،‬يقول ‪ :‬ملت صقتي ‪َ ﴿ ،‬ف َفَت ْقنَاهُمَا ﴾ ‪ ،‬فر فع ال سماء وو ضع‬
‫الرض ‪ .‬وقال ما هد ‪ :‬ففتق هن سبع ساوات بعض هن فوق ب عض ‪ ،‬و سبع‬
‫أرض ي بعض هن ت ت ب عض ‪ .‬وقال عط ية ‪ :‬كا نت ال سماء رتقًا ل ت طر ‪،‬‬
‫والرض رتقًا ل تن بت ‪ ،‬فف تق ال سماء بال طر وف تق الرض بالنبات ‪ ،‬وج عل‬
‫من الاء كل شيءٍ حيّ ﴿ أَفَلَا ُي ْؤ ِمنُو نَ ﴾ ‪ .‬قال قتادة ‪ :‬كُ ّل شيءٍ حيّ خلق‬
‫من الاء ‪.‬‬
‫قال ابن جرير ‪ :‬وقوله ‪ ﴿ :‬أَفَلَا ُي ْؤ ِمنُونَ ﴾ ‪ ،‬يقول ‪ :‬أفل يصدقون بذلك‬
‫ويقرّون بألوهية من فعل ذلك ‪ ،‬ويفردونه بالعبادة ؟‬
‫َاسَيَ ﴾ ‪ ،‬أي ‪ :‬جبالً ‪ ﴿ ،‬أَن‬ ‫وقوله تعال ‪ ﴿ :‬وَ َجعَلْنَا فِي اْلأَر ِ‬
‫ْضَ َرو ِ‬
‫تَمِي َد ِبهِ ْم وَ َج َع ْلنَا فِيهَا ِفجَاجا ُسُبلً ﴾ بي البال ‪َ ﴿ ،‬لعَّلهُ ْم َي ْهتَدُونَ ﴾ ‪.‬‬
‫‪139‬‬ ‫توفيق الرحن ف دروس القرآن‬

‫قال ابـن جريـر ‪ :‬يقول تعال ذكره ‪ :‬جعلنَا هذه الفجاج فَ الرض‬
‫ليهتدوا إل السي فيها ‪.‬‬
‫وقوله تعال ‪ ﴿ :‬وَ َجعَلْنَا ال سّمَاء َسقْفا مّ ْ‬
‫حفُوظا ﴾ ‪ ،‬قال قتادة ‪ :‬سقفًا‬
‫مرفوعًا وموجًا مكفوفًا ‪َ ﴿ ،‬وهُ ْم عَ ْن آيَاتِهَا ُمعْرِضُو نَ ﴾ ‪ ،‬قال ما هد ‪:‬‬
‫الشمس ‪ ،‬والقمر ‪ ،‬والنجوم آيات السماء ‪ ﴿ ،‬وَ ُه َو الّذِي َخلَ قَ الّليْ َل وَالّنهَارَ‬
‫سبَحُونَ ﴾ ‪ ،‬قال ماهد ‪ :‬فلك كهيئة حديدة‬ ‫ك يَ ْ‬
‫س وَالْقَ َمرَ كُلّ فِي فَلَ ٍ‬
‫وَالشّمْ َ‬
‫الرحى ‪ ﴿ ،‬يَسْبَحُونَ ﴾ يرون ‪.‬‬
‫شرٍ مّ ن قَبْلِ كَ الْخُ ْل َد َأفَإِن مّتّ َفهُ مُ‬
‫قوله عز و جل ‪ ﴿ :‬وَمَا َجعَلْنَا لَِب َ‬
‫شرّ وَالْخَ ْيرِ فِتَْن ًة َوِإلَيْنَا‬
‫ت وَنَبْلُوكُم بِال ّ‬
‫الْخَالِدُونَ (‪ُ )34‬ك ّل َنفْسٍ ذَاِئقَ ُة الْ َموْ ِ‬
‫ُت ْرجَعُونَ (‪. ﴾ )35‬‬
‫قال ا بن جر ير ‪ :‬يقول تعال ذكره ل نبيه م مد ‪ :‬و ما خلّد نا أحدًا من‬
‫بن آدم يا ممد قبلك ف الدنيا فنخلّدك فيها ‪ ،‬ول بدّ لك من أن توت كما‬
‫ُونَ ﴾ ؟ يقول ‪ :‬فهؤلء الشركون‬
‫ُمَ الْخَالِد َ‬
‫مات مَن قبلك ﴿ أَفَإِن مّتّ َفه ُ‬
‫بربم هم الالدون ف الدنيا بعدك ؟ ل ما ذلك ‪ .‬قيل ‪ :‬نزلت هذه الية حي‬
‫قالوا ‪ :‬نتربَص بحمَد ريَب النون ‪ ،‬وفَ هذه اليَة دللة ظاهرة على أن‬
‫الضر عليه السلم ميت ‪ ،‬لن ال ل يعل اللد ف الدنيا لحد من بن آدم‬
‫‪.‬‬
‫الزء الثالث‬ ‫‪140‬‬

‫خيْرِ ِفْتَنةً َوإِلَْينَا تُ ْر َجعُونَ ﴾ ‪،‬‬


‫ت َونَبْلُوكُم بِالشّ ّر وَالْ َ‬
‫﴿ كُ ّل َنفْسٍ ذَاِئ َقةُ الْ َموْ ِ‬
‫قال ابَن عباس يقول ‪ :‬نبتليكَم ‪ :‬بالشدّة ‪ ،‬والرخاء ‪ ،‬والسَقم ‪ ،‬والغنَ ‪،‬‬
‫والفقَر ‪ ،‬واللل ‪ ،‬والرام ‪ ،‬والطاعَة ‪ ،‬والعصَية ‪ ،‬والدى ‪ ،‬والضلل ‪.‬‬
‫وقال ابن زيد ‪ :‬نبلوهم با يبون وبا يكرهون نتبهم بذلك ‪ ،‬لننظر كيف‬
‫شكرهم فيما يبون ‪ ،‬وكيف صبهم فيما يكرهون ‪.‬‬
‫خذُونَ كَ ِإلّا ُهزُوا َأهَذَا‬
‫قوله عز وجل ‪ ﴿ :‬وَِإذَا رَآ َك اّلذِي نَ َك َفرُوا إِن يَتّ ِ‬
‫اّلذِي َيذْ ُكرُ آِلهَتَكُ ْم وَهُم بِذِ ْك ِر الرّحْمَ ِن هُ مْ كَا ِفرُو نَ (‪ )36‬خُلِ قَ اْلإِن سَانُ‬
‫جلٍ َسأُرِي ُكمْ آيَاتِي فَلَا تَسَْتعْجِلُونِ (‪َ )37‬وَيقُولُو َن مَتَى هَذَا اْلوَ ْعدُ إِن‬
‫مِنْ عَ َ‬
‫كُنتُ مْ صَادِقِيَ (‪ )38‬لَ ْو َيعْلَ مُ اّلذِي نَ َك َفرُوا حِيَ لَا َيكُفّو نَ عَن ُوجُوهِهِ مُ‬
‫صرُونَ (‪َ )39‬بلْ َت ْأتِيهِم َبغْتَ ًة فَتَ ْبهَُتهُ مْ فَلَا‬
‫النّارَ وَلَا عَن ُظهُو ِرهِ ْم َولَا هُ مْ يُن َ‬
‫يَ سْتَطِيعُونَ َردّهَا َولَا هُ ْم يُن َظرُو نَ (‪َ )40‬وَلقَ ِد ا سُْت ْهزِئَ ِبرُ ُسلٍ مّ ن قَبْلِ كَ‬
‫خرُوا مِ ْنهُم مّا كَانُوا ِب ِه َيسْتَ ْه ِزئُون (‪. ﴾ )41‬‬
‫فَحَاقَ بِاّلذِي َن سَ ِ‬
‫َد هؤلء الشركون ‪ ﴿ ،‬إِن‬
‫َا ممَ‬ ‫يقول تعال ‪َ ﴿ :‬وإِذَا رَآكَ‬
‫ََ ﴾ ‪ ،‬يَ‬
‫َيتّخِذُونَ كَ إِلّا هُزُوا ﴾ ‪ ،‬سخريًا ‪ .‬يقول بعضهم لبعض ‪َ ﴿ :‬أهَذَا الّذِي يَذْكُ ُر‬
‫آِل َهَتكُمْ ﴾ ‪ ،‬يعيبها ؟ ﴿ َوهُم بِذِ ْكرِ الرّ ْحمَ ِن هُمْ كَافِرُونَ ﴾ ‪ ،‬كما قال تعال‬
‫‪َ ﴿ :‬وهُمْ َي ْكفُرُونَ بِالرّحْمََنِ ﴾ ‪.‬‬
‫وقوله تعال ‪ ﴿ :‬خُلِ َق الْإِن سَانُ مِ ْن عَجَلٍ ﴾ ‪ .‬قال سعيد بن جبي ‪ :‬ل ا‬
‫دخلت الروح ف رأس آدم وعينيه نظر إل ثار النة ‪ ،‬فلما دخلت ف جوفه‬
‫‪141‬‬ ‫توفيق الرحن ف دروس القرآن‬

‫جلً إل ثار النة‬


‫اشتهى الطعام ‪ ،‬فوثب قائمًا قبل أن تبلغ الروح إل رجليه عَ ِ‬
‫جلُونِ ﴾ ‪.‬‬
‫ستَعْ ِ‬
‫فوقع ‪َ ﴿ ،‬سأُرِيكُ ْم آيَاتِي َفلَا تَ ْ‬
‫قال البغوي ‪ :‬هذا خطاب للمشركيَ ‪ ،‬كانوا يسَتعجلون بالعذاب ﴿‬
‫َوَيقُولُو نَ مَتَى هَذَا اْل َوعْدُ إِن كُنتُ مْ صَادِِقيَ ﴾ ‪ ،‬قال ال تعال ‪َ ﴿ :‬ل ْو َيعْلَ ُم‬
‫الّذِي نَ َكفَرُوا حِيَ لَا يَ ُكفّو نَ ﴾ ل يدفعون ‪ ﴿ ،‬عَن وُجُو ِههِ ُم النّا َر وَلَا عَن‬
‫ُظهُو ِرهِ ْم وَلَا هُمْ يُنصَرُونَ ﴾ ‪ ،‬يُمنعون من العذاب ‪ ،‬أي ‪ :‬لو علموا لا أقاموا‬
‫عن كفّهم ولا استعجلوا ‪ ﴿ ،‬بَ ْل َت ْأتِيهِم ﴾ ‪ ،‬أي ‪ :‬النار ‪َ ﴿ ،‬ب ْغَتةً َفَتْب َهُتهُمْ فَلَا‬
‫ئ بِرُ سُ ٍل مّ ن‬ ‫ستَطِيعُونَ رَدّهَا وَلَا هُ ْم يُنظَرُو نَ ﴾ يهلون ‪ ﴿ ،‬وََلقَ ِد ا ْسُتهْزِ َ‬
‫يَ ْ‬
‫خرُوا ِمنْهُم مّا كَانُوا بِ هِ‬ ‫ق بِالّذِي نَ سَ ِ‬
‫َقبْلِ كَ ﴾ ‪ ،‬فاصب كما صبوا ‪َ ﴿ ،‬فحَا َ‬
‫سَتهْ ِزئُون ﴾ ‪ ،‬أي ‪ :‬نزل بم العذاب الذي كانوا يستبعدون وقوعه ‪.‬‬ ‫يَ ْ‬

‫قوله عز وجل ‪ُ ﴿ :‬قلْ مَن َيكْلَؤُكُم بِاللّ ْي ِل وَالّنهَارِ مِ َن ال ّرحْمَ نِ بَ ْل هُ مْ‬


‫عَن ذِ ْكرِ َرّبهِم ّم ْعرِضُونَ (‪ )42‬أَ ْم َلهُمْ آِل َهةٌ تَمَْن ُعهُم مّن دُونِنَا لَا يَسْتَطِيعُونَ‬
‫س ِهمْ َولَا هُم مّنّ ا يُ صْحَبُونَ (‪َ )43‬ب ْل مَّتعْنَا َهؤُلَاء وَآبَاءهُ ْم حَتّ ى‬
‫ص َر أَنفُ ِ‬
‫نَ ْ‬
‫ض نَنقُ صُهَا مِ نْ أَ ْطرَافِهَا َأ َفهُ مُ‬
‫طَالَ عَلَ ْيهِ ُم الْعُ ُم ُر َأفَلَا َي َروْ نَ أَنّ ا نَأْتِي اْلأَرْ َ‬
‫صمّ الدّعَاء ِإذَا مَا‬
‫اْلغَالِبُو نَ (‪ُ )44‬ق ْل ِإنّمَا أُنذِرُكُم بِالْ َوحْ ِي َولَا يَ سْمَ ُع ال ّ‬
‫ح ٌة مّ نْ َعذَا بِ َربّ كَ لََيقُوُلنّ يَا َويْلَنَا ِإنّا ُكنّا‬
‫يُنذَرُو نَ (‪َ )45‬ولَئِن مّ سّ ْت ُهمْ َنفْ َ‬
‫ظَالِ ِميَ (‪. ﴾ )46‬‬
‫الزء الثالث‬ ‫‪142‬‬

‫قال ابن عباس ف قوله ‪ ﴿ :‬قُ ْل مَن يَكَْلؤُكُم بِالّليْ ِل وَالنّهَا ِر مِنَ الرّ ْحمَ نِ ﴾‬
‫قال ‪ :‬يرسكم ‪ ﴿ ،‬بَ ْل هُ ْم عَن ذِكْرِ َرّبهِم ّمعْرِضُو نَ أَ مْ َلهُ مْ آِل َه ٌة تَ ْمَنعُهُم مّن‬
‫حبُونَ ﴾ يأرون ‪ .‬أي ‪:‬‬ ‫سهِ ْم وَلَا هُم ّمنّ ا يُ صْ َ‬ ‫ستَطِيعُونَ نَ صْرَ أَنفُ ِ‬ ‫دُونِنَا لَا يَ ْ‬
‫اللة ل يستطيعون نصر أنفسهم فكيف ينصرون عابديهم ‪.‬‬
‫ِمَ اْلعُمُرُ‬
‫ُمَ َحتّىَ طَا َل عََلْيه ُ‬ ‫﴿ بَ ْل َمّتعْنَا َهؤُلَاء ﴾ فَ الدنيَا ‪ ﴿ ،‬وَآبَاءه ْ‬
‫صهَا مِ نْ َأطْرَاِفهَا ﴾ ‪ ،‬قال ابن‬ ‫﴾ فاغترّوا ‪ ﴿ ،‬أَفَلَا يَ َروْ نَ َأنّا َنأْتِي الْأَرْ ضَ نَنقُ ُ‬
‫عباس ‪ :‬ترب القر ية ح ت يكون العمران ف ناح ية ‪ ﴿ ،‬أََفهُ ُم الْغَاِلبُو نَ ﴾ أم‬
‫نن ؟‬
‫ْيَ ﴾ ‪ ،‬أي ‪ :‬بذا القرآن‬ ‫وعَن قتادة قوله ‪ ﴿ :‬قُلْ ِإنّم َا أُنذِرُك ُم بِاْلوَح ِ‬
‫‪ ﴿ ،‬وَلَا يَ سْمَ ُع ال صّمّ ال ّدعَاء ِإذَا مَا يُنذَرُو نَ ﴾ ‪ ،‬يقول ‪ :‬إن الكافر قد صمّ‬
‫ح ٌة مّنْ‬
‫ستْهُ ْم َنفْ َ‬
‫عن كتاب ال ‪ ،‬ل يسمعه ول يشفع به ول يعقله ‪ ﴿ ،‬وََلئِن مّ ّ‬
‫عَذَابِ َربّكَ ﴾ ‪ ،‬يقول ‪ :‬عقوبة ‪َ ﴿ ،‬ليَقُولُنّ يَا َويَْلنَا ِإنّا ُكنّا ظَالِ ِميَ ﴾ ندموا‬
‫حي ل ينفعهم الندم ‪.‬‬
‫ط لَِيوْ ِم اْلقِيَا َمةِ فَلَا تُظْلَ ُم َنفْ سٌ‬
‫قوله عز وجل ‪َ ﴿ :‬ونَضَ ُع الْ َموَازِي َن الْقِسْ َ‬
‫شَيْئا وَإِن كَا َن مِ ْثقَا َل حَّبةٍ ّم ْن خَ ْر َدلٍ َأتَيْنَا بِهَا وَ َكفَى بِنَا حَاسِبِيَ (‪. ﴾ )47‬‬
‫عن عائشة رضي ال عنها ‪ ( :‬أن رجلً من أصحاب رسول ال جلس‬
‫بي يديه فقال ‪ :‬يا رسول ال إن ل ملوكي يكذبونن ويونونن ويعصونن ‪،‬‬
‫وأضربم وأشتمهم ‪ ،‬فكيف أنا منهم ؟ فقال له رسول ال ‪ « :‬يسب ما‬
‫‪143‬‬ ‫توفيق الرحن ف دروس القرآن‬

‫خانوك ‪ ،‬وما عصوك ‪ ،‬وكذبوك ‪ ،‬وعقابك إياهم ‪ ،‬فإن كان عقابك إياهم‬
‫بقدر ذنوبمَ كان كفافًا ل لك ول عليَك ‪ ،‬وإن كان عقابَك إياهَم دون‬
‫ص لم منك‬ ‫ذنوبم كان فضلً لك ‪ ،‬وإن كان عقابك إياهم فوق ذنوبم اقت ّ‬
‫الفضَل الذي بق يَ ِقبَلَكََ » ‪ .‬فجعَل الر جل يبكَى ب ي يدي ر سول ال‬
‫﴿‬ ‫ويهتف ‪ ،‬فقال رسول ال صلى ال ‪ « :‬ما له ل يقرأ كتاب ال ‪:‬‬
‫َوَنضَ ُع الْ َموَازِي َن اْلقِ سْطَ ِلَيوْ ِم اْلقِيَا َمةِ فَلَا تُ ْظلَ ُم َنفْ سٌ َشيْئا َوإِن كَا نَ ِمْثقَالَ َحّبةٍ‬
‫مّ نْ خَ ْردَلٍ َأَتيْنَا ِبهَا وَكَفَى بِنَا حَا سِبِيَ ﴾ » ؟ فقال الرجل ‪ :‬يا رسول ال ما‬
‫أجد شيئًا خيًا من فراق هؤلء ‪- ،‬يعن ‪ :‬عبيده ‪ ، -‬إن أشهدكم أنم أحرار‬
‫كلهم ) ‪ .‬رواه أحد ‪.‬‬

‫***‬
‫الزء الثالث‬ ‫‪144‬‬

‫الدرس الثان والسبعون بعد الائة‬

‫َانـ وَضِيَاء َوذِكْرا لّلْمُّتقِيَ (‪)48‬‬


‫ُونـ اْل ُف ْرق َ‬
‫﴿ َولَ َقدْ آتَيْنَا مُوسـَى وَهَار َ‬
‫ش ِفقُو نَ (‪ )49‬وَ َهذَا ذِ ْكرٌ‬
‫ب َوهُم مّ نَ ال سّا َعةِ ُم ْ‬
‫شوْ نَ َرّبهُم بِاْلغَيْ ِ‬
‫خَ‬‫اّلذِي َن يَ ْ‬
‫مّبَارَ ٌك أَن َزلْنَا ُه َأفَأَنتُ ْم لَ ُه مُن ِكرُو نَ (‪َ )50‬وَلقَدْ آتَيْنَا ِإْبرَاهِي مَ ُر ْشدَ ُه مِن قَ ْبلُ‬
‫وَكُنّا بِه عَالِ ِميَ (‪ِ )51‬إذْ قَالَ ِلَأبِي هِ وَ َق ْومِ هِ مَا َهذِ ِه التّمَاثِي ُل الّتِي أَنتُ مْ َلهَا‬
‫عَا ِكفُو نَ (‪ )52‬قَالُوا َوجَ ْدنَا آبَاءنَا َلهَا عَاِبدِي نَ ( ‪ )53‬قَا َل َلقَدْ كُنتُ ْم أَنتُ مْ‬
‫حقّ أَ ْم أَن تَ مِ َن اللّاعِِبيَ (‬
‫وَآبَاؤُكُ ْم فِي ضَلَا ٍل مّبِيٍ (‪ )54‬قَالُوا َأجِئْتَنَا بِالْ َ‬
‫‪ )55‬قَالَ بَل ّرّبكُمْ َربّ السّمَاوَاتِ وَاْلأَرْضِ اّلذِي فَ َطرَ ُهنّ وََأنَا عَلَى َذِلكُم‬
‫مّ نَ الشّا ِهدِي نَ (‪ )56‬وَتَاللّ ِه لَأَكِيدَنّ أَ صْنَا َمكُم َبعْ َد أَن ُتوَلّوا ُم ْدبِرِي نَ ( ‪)57‬‬
‫جعَ َلهُ ْم جُذَاذا ِإلّا كَبِيا ّلهُ مْ َلعَ ّلهُ مْ ِإلَيْ هِ يَ ْر ِجعُو نَ (‪ )58‬قَالُوا مَن َف َعلَ َهذَا‬
‫فَ َ‬
‫بِآلِهَتِنَا ِإنّ ُه لَمِ َن الظّالِمِيَ (‪ )59‬قَالُوا سَ ِمعْنَا فَتًى َيذْ ُكرُهُ ْم ُيقَالُ لَهُ ِإْبرَاهِيمُ (‬
‫ش َهدُو نَ ( ‪ )61‬قَالُوا أَأَن تَ‬
‫‪ )60‬قَالُوا َفأْتُوا بِ هِ عَلَى أَ ْعيُ نِ النّا سِ َلعَ ّلهُ مْ َي ْ‬
‫يهُمْ َهذَا فَا ْسَألُوهُ ْم إِن‬
‫َفعَلْ تَ هَذَا بِآِلهَتِنَا يَا إِْبرَاهِيمُ (‪ )62‬قَا َل َبلْ َفعَلَ هُ كَبِ ُ‬
‫س ِهمْ َفقَالُوا إِّنكُمْ أَنتُمُ الظّالِمُونَ (‪)64‬‬
‫كَانُوا يَن ِطقُونَ (‪َ )63‬ف َرجَعُوا ِإلَى أَنفُ ِ‬
‫ُونـ (‪ )65‬قَالَ‬
‫ْتـ م َا َهؤُلَاء يَن ِطق َ‬
‫ُوسـِهمْ َل َقدْ عَلِم َ‬
‫ثُم ّ نُكِسـُوا عَلَى ُرؤ ِ‬
‫ضرّكُمْ (‪ )66‬أُفّ ّلكُمْ َولِمَا‬
‫َأفََتعُْبدُو َن مِن دُو ِن اللّهِ مَا لَا يَن َفعُكُمْ شَيْئا َولَا يَ ُ‬
‫صرُوا آِلهََتكُ مْ إِن‬
‫َتعُْبدُو َن مِن دُو ِن اللّ هِ َأفَلَا تَ ْعقِلُو نَ (‪ )67‬قَالُوا َح ّرقُو هُ وَان ُ‬
‫كُنتُ مْ فَاعِلِيَ (‪ )68‬قُلْنَا يَا نَارُ كُونِي َبرْدا وَ سَلَاما عَلَى ِإْبرَاهِي مَ ( ‪)69‬‬
‫‪145‬‬ ‫توفيق الرحن ف دروس القرآن‬

‫سرِينَ (‪ )70‬وَنَجّ ْينَا هُ َولُوطا ِإلَى اْلأَرْ ضِ‬


‫جعَلْنَاهُ مُ اْلأَخْ َ‬
‫َوأَرَادُوا بِ هِ كَيْدا َف َ‬
‫ب نَافِ َل ًة وَكُلّا‬
‫ق َويَ ْعقُو َ‬
‫الّتِي بَارَكْنَا فِيهَا لِ ْلعَالَمِيَ (‪َ )71‬ووَهَبْنَا لَ هُ إِ سْحَا َ‬
‫حيَ (‪َ )72‬وجَعَلْنَاهُ مْ َأئِ ّمةً يَ ْهدُو نَ ِبَأ ْمرِنَا وََأوْحَيْنَا ِإلَ ْيهِ ْم ِفعْلَ‬
‫َجعَلْنَا صَالِ ِ‬
‫الْخَ ْيرَاتِ وَِإقَا َم الصّلَا ِة َوإِيتَاء الزّكَا ِة وَكَانُوا لَنَا عَابِدِينَ (‪ )73‬وَلُوطا آتَيْنَاهُ‬
‫ث ِإنّ ُهمْ كَانُوا َقوْمَ‬
‫ُحكْما وَعِلْما َونَجّيْنَاهُ ِمنَ اْل َقرَْيةِ الّتِي كَانَت ّتعْ َم ُل الْخَبَائِ َ‬
‫سَوْ ٍء فَا ِسقِيَ (‪َ )74‬وَأدْخَلْنَا ُه فِي َرحْمَتِنَا ِإنّ ُه مِ َن الصّالِحِيَ (‪َ )75‬ونُوحا ِإذْ‬
‫ِيمـ (‪)76‬‬
‫ْبـ اْلعَظ ِ‬
‫ِنـ اْل َكر ِ‬
‫َهـ م َ‬
‫َاهـ َوَأهْل ُ‬
‫َهـ فَنَجّيْن ُ‬
‫َاسـتَجَبْنَا ل ُ‬
‫نَادَى مِن قَ ْبلُ ف ْ‬
‫صرْنَا ُه مِ نَ اْلقَوْ ِم اّلذِي نَ َك ّذبُوا بِآيَاتِنَا ِإنّهُ مْ كَانُوا َقوْ مَ َسوْ ٍء َفأَ ْغ َرقْنَاهُ مْ‬
‫َونَ َ‬
‫َأجْ َمعِيَ (‪. ﴾ )77‬‬

‫***‬
‫الزء الثالث‬ ‫‪146‬‬

‫َانـ وَضِيَاء َوذِكْرا‬


‫ُونـ اْل ُف ْرق َ‬
‫قوله عـز وجـل ‪َ ﴿ :‬وَلقَدْ آتَيْنَا مُوسـَى َوهَار َ‬
‫ب وَهُم مّ نَ ال سّا َع ِة ُمشْ ِفقُو نَ (‬
‫شوْ نَ َربّهُم بِالْغَيْ ِ‬
‫خَ‬‫لّلْمُّتقِيَ (‪ )48‬اّلذِي نَ يَ ْ‬
‫‪َ )49‬و َهذَا ذِ ْكرٌ مّبَارَ ٌك أَن َزلْنَا ُه َأ َفأَنُتمْ لَ ُه مُنكِرُونَ (‪. ﴾ )50‬‬
‫عن قتادة قوله ‪ ﴿ :‬وََلقَ ْد آَتيْنَا مُو سَى َوهَارُو َن اْلفُرْقَا نَ ﴾ ‪ ،‬التوراة حللا‬
‫وحرامها ‪ ،‬فرق ال بي الق والباطل ‪ .‬وقال ابن زيد ‪ :‬الفرقان الق ‪ ،‬آتاه‬
‫ال مو سى ‪ ،‬وهارون فرّق بينه ما وب ي فرعون ‪ ،‬وق ضى بين هم بال ق ‪ ،‬وقرأ‬
‫‪َ ﴿ :‬ومَا أَنزَْلنَا عَلَى عَبْ ِدنَا َي ْومَ اْلفُرْقَانِ ﴾ ‪ ،‬قال ‪ :‬يوم بدر ‪.‬‬
‫وقوله تعال ‪ ﴿ :‬وَ ِ‬
‫ضيَاء وَذِكْرا لّلْ ُمّتقِيَ ﴾ ‪ ،‬أي ‪ :‬تذكيًا لم وعظة ؛ ث‬
‫شوْنَ َرّبهُم بِاْل َغيْبِ ﴾ ‪ ،‬أي ‪ :‬يافونه ول يروه ‪،‬‬ ‫وصفهم فقال ‪ ﴿ :‬الّذِينَ يَخْ َ‬
‫شفِقُونَ ﴾ ‪ ،‬أي ‪ :‬خائفون وجلون ‪َ ﴿ ،‬وهَذَا ﴾ ‪ ،‬يعن‬ ‫﴿ وَهُم مّ َن السّا َع ِة مُ ْ‬
‫‪ :‬القرآن ‪ ﴿ ،‬ذِ ْك ٌر ّمبَارَ كٌ أَنزَْلنَا هُ أَفَأَنتُ مْ لَ ُه مُنكِرُو نَ ﴾ و هو ف غا ية اللء‬
‫والظهور ؟‬
‫قال البغوي ‪ :‬وهذا استفهام توبيخ وتعيي ‪.‬‬
‫قوله عز وجل ‪َ ﴿ :‬ولَ َقدْ آتَيْنَا ِإْبرَاهِي مَ ُرشْدَهُ مِن قَ ْب ُل وَكُنّا بِه عَالِ ِميَ (‬
‫‪ِ )51‬إ ْذ قَا َل ِلأَبِي هِ وَ َق ْومِ ِه مَا َهذِ هِ التّمَاثِيلُ الّتِي أَنتُ ْم لَهَا عَا ِكفُو نَ (‪)52‬‬
‫قَالُوا وَ َجدْنَا آبَاءنَا لَهَا عَابِدِينَـ (‪ )53‬قَالَ َل َقدْ كُنتُم ْـأَنتُم ْـ وَآبَاؤُكُم ْـ فِي‬
‫ضَلَا ٍل مّبِيٍ (‪ )54‬قَالُوا َأجِئْتَنَا بِالْحَقّ أَ ْم أَن تَ مِ نَ اللّاعِبِيَ (‪ )55‬قَا َل بَل‬
‫‪147‬‬ ‫توفيق الرحن ف دروس القرآن‬

‫ض اّلذِي فَ َط َر ُهنّ وََأنَا عَلَى َذلِكُم مّ َن الشّا ِهدِينَ‬


‫ّرّبكُمْ َربّ السّمَاوَاتِ وَاْلأَرْ ِ‬
‫(‪َ )56‬وتَال ّل ِه لَأَكِيدَ ّن أَصْنَا َمكُم َبعْ َد أَن ُتوَلّوا ُم ْدبِرِينَ (‪. ﴾ )57‬‬
‫عن ماهد قوله ‪ ﴿ :‬وََلقَدْ آتَْينَا ِإبْرَاهِي مَ ُرشْدَ ُه مِن َقبْلُ ﴾ ‪ ،‬قال ‪ :‬هديناه‬
‫صغيًا ‪.‬‬
‫وقوله تعال ‪ ﴿ :‬وَ ُكنّ ا بِه عَالِمِيَ ﴾ أي ‪ :‬أ نه أ هل للهدا ية والنبوة ﴿ إِذْ‬
‫قَالَ ِلأَبِيهَِ وََق ْومِهَِ مَا هَذِ هِ التّمَاثِيلُ ﴾ ‪ ،‬يع ن ‪ :‬الصَنام ‪ ﴿ ،‬الّتِي أَنتُم َْلَهَا‬
‫عَا ِكفُونَ ﴾ أي ‪ :‬على عبادتا مقيمون ؟ ﴿ قَالُوا وَجَ ْدنَا آبَاءنَا َلهَا عَابِدِي نَ ﴾‬
‫فاقتدينا بم ﴿ قَالَ ﴾ إبراهيم ‪َ ﴿ :‬لقَدْ كُنتُمْ أَنتُ ْم وَآبَاؤُكُمْ فِي ضَلَا ٍل ّمبِيٍ ﴾‬
‫بعبادتكم إياها ‪ ﴿ ،‬قَالُوا أَ ِجْئتَنَا بِالْحَقّ أَ مْ أَن تَ مِ نَ اللّا ِعبِيَ ﴾ يعنون ‪ :‬أجادٌ‬
‫ض الّذِي‬‫ت وَالْأَرْ ِ‬‫أنت فيما تقول ‪ ،‬أم لعب ؟ ﴿ قَا َل بَل ّرّبكُمْ رَبّ السّمَاوَا ِ‬
‫فَ َط َرهُنّ ﴾ خلقهن ‪َ ﴿ ،‬وَأنَا عَلَى ذَِلكُم مّ نَ الشّاهِدِي نَ ﴾ ‪ ،‬أنه ل إله إل ال‬
‫الذي ل يستحق العبادة غيه ‪.‬‬
‫صنَا َمكُم َبعْدَ أَن ُتوَلّوا مُ ْدبِرِي نَ ﴾ ‪ ،‬قال ما هد ‪ :‬إن ا‬ ‫﴿ َوتَاللّ هِ َلأَكِيدَنّ أَ ْ‬
‫قال إبراهيم هذا سرّا من قومه ‪ ،‬ول يسمع ذلك إلّ رجل واحد فأفشاه عليه‬
‫‪.‬‬
‫جعَ َلهُ ْم ُجذَاذا ِإلّا كَبِيا ّلهُ ْم َلعَ ّلهُ ْم ِإلَيْ ِه َيرْ ِجعُو نَ (‬
‫قوله عز وجل ‪ ﴿ :‬فَ َ‬
‫‪ )58‬قَالُوا مَن َف َعلَ َهذَا بِآِلهَتِنَا ِإنّ هُ لَمِ َن الظّالِمِيَ (‪ )59‬قَالُوا سَ ِمعْنَا فَتًى‬
‫ُمـ‬
‫ّاسـ َلعَ ّله ْ‬
‫ُنـ الن ِ‬
‫ِهـ عَلَى أَ ْعي ِ‬
‫ِيمـ (‪ )60‬قَالُوا َف ْأتُوا ب ِ‬
‫َهـ ِإبْرَاه ُ‬
‫ُمـ ُيقَا ُل ل ُ‬
‫َيذْ ُك ُره ْ‬
‫الزء الثالث‬ ‫‪148‬‬

‫ش َهدُونَـ (‪ )61‬قَالُوا أَأَنتَـ َفعَلْتَـ َهذَا بِآِلهَتِنَا يَا ِإبْرَاهِيمُـ (‪ )62‬قَا َل َبلْ‬
‫َي ْ‬
‫س ِهمْ‬
‫يهُ مْ َهذَا فَا سَْألُو ُهمْ إِن كَانُوا يَن ِطقُو نَ (‪َ )63‬ف َرجَعُوا ِإلَى أَنفُ ِ‬
‫َفعَلَ هُ كَبِ ُ‬
‫ت مَا‬
‫َفقَالُوا ِإّنكُ مْ أَنتُ ُم الظّالِمُو نَ (‪ُ )64‬ثمّ ُنكِ سُوا عَلَى ُرؤُو ِسهِ ْم َلقَدْ عَ ِلمْ َ‬
‫َه ُؤلَاء يَن ِطقُو نَ (‪ )65‬قَالَ َأفََتعُْبدُو نَ مِن دُو نِ اللّ هِ مَا لَا يَن َف ُعكُ مْ شَيْئا َولَا‬
‫ف ّل ُكمْ َولِمَا َتعُْبدُونَ مِن دُونِ ال ّل ِه َأفَلَا َتعْقِلُونَ (‪. ﴾ )67‬‬
‫ضرّ ُكمْ (‪ )66‬أُ ّ‬
‫يَ ُ‬
‫قال السَدي ‪ :‬إن إبراهيَم قال له أبوه ‪ :‬يَا إبراهيَم إن لنَا عيدًا ‪ ،‬لو قَد‬
‫خرجت معنا إليه قد أعجبك ديننا ‪ ،‬فلما كان يوم العيد فخرجوا إليه ‪ ،‬خرج‬
‫معهم إبراهيم ‪ ،‬فلما كان ببعض الطريق ألقى نفسه وقال ‪ :‬إن سقيم ‪ ،‬يقول‬
‫‪ :‬أشتكي رجلي ‪ ،‬فلما مضوا نادى ف آخرهم ‪ ،‬وقد بقي ضعفاء الناس ‪﴿ ،‬‬
‫صنَا َمكُم َبعْدَ أَن ُتوَلّوا مُ ْدبِرِي نَ ﴾ ‪ .‬فسمعوها منه ‪ ،‬ث رجع‬ ‫َوتَاللّ هِ َلأَكِي َدنّ أَ ْ‬
‫إبراه يم إل ب يت الل ة ‪ ،‬فإذا هن ف ب و عظ يم ‪ ،‬م ستقبل باب الب هو صنم‬
‫عظيم ‪ ،‬إل جنبه أصغر منه بعضها إل بعض ‪ ،‬كل صنم يليه أصغر منه حت‬
‫بلغوا باب البهو ‪ ،‬وإذا هم قد جعلوا طعامًا فوضعوه بي أيدي اللة ‪ ،‬قالوا ‪:‬‬
‫إذا كان ح ي نر جع رجع نا و قد برّ كت الل ة ف طعام نا فأكل نا ‪ ،‬فل ما ن ظر‬
‫إليهم إبراهيم وإل ما بي أيديهم من الطعام قال ‪ ﴿ :‬أَلَا َتأْكُلُونَ ﴾ ؟ فلما ل‬
‫ضرْبا بِاْليَمِيِ ﴾ فأخذ‬ ‫غ عََلْيهِ مْ َ‬
‫تبه قال ‪ ﴿ :‬مَا َلكُ مْ لَا تَن ِطقُو نَ ﴾ ؟ ﴿ فَرَا َ‬
‫فأس حديد فنقر كل صنم ف حافتيه ث علّق الفأس ف عنق الصنم الكب ث‬
‫خرج ‪ ،‬فلمَا جاء القوم إل طعامهَم نظروا إل آلتهَم ﴿ قَالُوا مَن َفعَ َل هَذَا‬
‫‪149‬‬ ‫توفيق الرحن ف دروس القرآن‬

‫بِآِل َهتِنَا ِإنّ هُ لَمِ نَ الظّالِمِيَ * قَالُوا سَ ِم ْعنَا فَتًى يَذْكُ ُرهُ ْم ُيقَالُ لَ هُ ِإبْرَاهِي مُ ﴾ ‪،‬‬
‫ُونَ ﴾ ‪ ،‬قال ‪ :‬كادهَم بذلك لعلهَم‬ ‫ْهَ يَ ْر ِجع َ‬ ‫ُمَ إَِلي ِ‬
‫وعَن قتادة ‪َ ﴿ :‬لعَّله ْ‬
‫يتذكرون أو يبصرون ‪.‬‬
‫وعن ابن إسحاق قوله ‪ ﴿ :‬سَ ِم ْعنَا َفتًى يَذْكُ ُرهُ ْم ُيقَالُ لَهُ ِإبْرَاهِيمُ ﴾ سعناه‬
‫ي سبّها ويعيب ها وي ستهزئ ب ا ‪ ،‬ل ن سمع أحدًا يقول ذلك غيه ‪ ،‬و هو الذي‬
‫شهَدُونَ ﴾ ‪،‬‬ ‫نظن أنه صنع هذا با ‪ ﴿ ،‬قَالُوا َف ْأتُوا بِ ِه عَلَى أَ ْعيُ ِن النّاسِ َلعَّلهُمْ يَ ْ‬
‫قال ابن إسحاق ‪ :‬بََلغَ ما فعل إبراهيم بآلة قومه نرود وأشراف قومه ‪ ،‬فقالوا‬
‫شهَدُو نَ ﴾ ‪ ،‬أي ‪ :‬ما يصنع به ‪ ،‬ولا‬ ‫‪َ ﴿ :‬فأْتُوا بِ ِه عَلَى َأعْيُ ِن النّا سِ َل َعّلهُ ْم يَ ْ‬
‫أت به واجتمع له قومه عند ملكهم نرود ‪ ﴿ ،‬قَالُوا َأأَنتَ َفعَلْتَ هَذَا بِآِل َهتِنَا يَا‬
‫ِإبْرَاهِي مُ * قَا َل بَلْ َفعَلَ هُ َكبِيُهُ ْم هَذَا فَا ْسأَلُوهُمْ إِن كَانُوا يَن ِطقُو نَ ﴾ ‪ ،‬غضب‬
‫من أن يعبدوا معه هذه الصغار وهو أكب فكسرهّن ‪ .‬وعن قتادة قوله ‪ ﴿ :‬بَلْ‬
‫ُونَ ﴾ ‪ ،‬وهَي هذه الطَة التَ‬
‫َاسَأَلُوهُمْ إِن كَانُوا يَن ِطق َ‬
‫ُمَ هَذَا ف ْ‬
‫َهَ َكبِيُه ْ‬
‫َفعَل ُ‬
‫كادهم با ‪.‬‬
‫قال ابـن إ سحاق ‪َ ﴿ :‬فرَ َجعُوا إِلَى أَنفُ سِهِمْ َفقَالُوا ِإنّكُ مْ أَنتُ مُ الظّالِمُو نَ‬
‫﴾ قال ‪ :‬ارعووا ورجعوا عنه فيما ادعوا عليه من كسرهّن إل أنفسهم فيما‬
‫بينهم ‪ .‬فقالوا ‪ :‬لقد ظلمناه وما نراه إل كما قال ‪ ،‬ث قالوا ‪َ ﴿ :‬لقَ ْد عَلِمْ تَ‬
‫مَا َهؤُلَاء يَن ِطقُو نَ ﴾ ‪ ،‬أي ‪ :‬ل تتكلم فتخب نا من صنع هذا ب ا و ما تب طش‬
‫باليدي فن صدقك ‪ ،‬يقول ال ‪ ﴿ :‬ثُمّ ُنكِ سُوا عَلَى ُرؤُو سِهِمْ ﴾ ف ال جة‬
‫عليهم لبراهيم حي جادلم ‪ .‬فقال عند ذلك إبراهيم ‪ -‬حي ظهرت الجّة‬
‫الزء الثالث‬ ‫‪150‬‬

‫ت مَا َهؤُلَاء يَن ِطقُو نَ ﴾ ‪ ﴿ -‬قَالَ أََفتَ ْعبُدُو َن مِن‬‫علي هم بقول م ‪َ ﴿ :‬لقَ ْد عَلِمْ َ‬
‫دُو نِ اللّ ِه مَا لَا يَنفَ ُعكُ ْم َشيْئا وَلَا َيضُرّكُ مْ * أُفّ ّلكُ ْم وَلِمَا َتعْبُدُو نَ مِن دُو نِ‬
‫اللّهِ أَفَلَا تَ ْعقِلُونَ ﴾ ؟ ‪.‬‬
‫صرُوا آِلهَتَكُ ْم إِن كُنتُ ْم فَاعِلِيَ (‪)68‬‬
‫قوله عز وجل ‪ ﴿ :‬قَالُوا َحرّقُوهُ وَان ُ‬
‫ِهـ كَيْدا‬
‫ِيمـ (‪َ )69‬وأَرَادُوا ب ِ‬
‫َسـلَاما عَلَى ِإْبرَاه َ‬
‫قُلْن َا ي َا نَارُ كُونِـي َبرْدا و َ‬
‫سرِينَ (‪. ﴾ )70‬‬
‫جعَلْنَا ُهمُ اْلأَ ْخ َ‬
‫فَ َ‬
‫قال ابـن إسـحاق ‪ :‬أجعَ نرود وقومَه فَ إبراهيَم ‪ ﴿ ،‬فقَالُوا حَرّقُوهَُ‬
‫وَان صُرُوا آِل َهتَكُ مْ إِن كُنتُ مْ فَاعِلِيَ ﴾ ‪ ،‬أي ‪ :‬ل تن صروها م نه إلّ بالتحر يق‬
‫بالنار إن كن تم نا صريها ‪ .‬و عن ال سدي قال ‪ :‬قالوا ‪ :‬ابنوا له بنيانًا فألقوه ف‬
‫الح يم ‪ ،‬فحب سوه ف ب يت وجعوا له حطبًا ‪ ،‬ح ت إن كان الط ي لت مر ب ا‬
‫فتحترق من شدّة وهجها فعمدوا إليه فرفعوه على رأس البنيان ‪ ،‬فرفع إبراهيم‬
‫رأ سه إل ال سماء وقال ‪ :‬الل هم أ نت الوا حد ف ال سماء ‪ ،‬وأ نا الوا حد ف‬
‫الرض ‪ ،‬ليَس فَ الرض أحَد يعبدك غيي ‪ ،‬حسَب ال ونعَم الوكيَل ‪.‬‬
‫فقذفوه ف النار فقال ‪ ﴿ :‬يَا نَارُ كُونِي بَرْدا وَ سَلَاما عَلَى ِإبْرَاهِي مَ ﴾ ‪ .‬قال‬
‫أبو العالية ‪ :‬السلم ل يؤذيه بردها ‪ ،‬ولول أنه قال ‪ ﴿ :‬وَسَلَاما ﴾ لكان البد‬
‫أشدّ عل يه من ال ر ‪ .‬وقال ك عب الحبار ‪ :‬ما أحر قت النار من إبراه يم إلّ‬
‫وثا قه ‪ .‬و عن أ ب هريرة قال ‪ :‬إن أح سن ش يء قاله أ بو إبراه يم ل ا ر فع ع نه‬
‫‪151‬‬ ‫توفيق الرحن ف دروس القرآن‬

‫الطبق وهو ف النار ‪ ،‬وجده ترشح جبينه فقال عند ذلك ‪ :‬نعم الرب ربك يا‬
‫إبراهيم ‪.‬‬
‫قال ا بن ي سار ‪ :‬فقال نرود لبراه يم ‪ :‬إ ن مقرّب إل إل ك قربانًا ‪ ،‬لِمَا‬
‫رأيت من قدرته وعزته فيما صنع بك ‪ ،‬حيث أبيت إلّ عبادته وتوحيده ‪ ،‬إن‬
‫مقرّب له أرب عة آلف بقرة ‪ .‬فقال له إبراه يم ‪ :‬إذًا ل يقبل ها م نك ما ك نت‬
‫على دينَك حتَ تفارقَه إل دينَ ‪ ،‬فقال ‪ :‬ل أسَتطيع ترك ملّتَ وملكَي ‪،‬‬
‫ولكن سوف أذبها ‪ ،‬فذبها له نرود ث كف عن إبراهيم ومنعه ال منه ‪.‬‬
‫ض الّتِي بَارَكْنَا فِيهَا لِ ْلعَالَ ِميَ‬
‫قوله عز وجل ‪َ ﴿ :‬ونَجّيْنَا ُه َولُوطا ِإلَى الْأَرْ ِ‬
‫ُوبـ نَافِ َل ًة وَكُلّا َجعَلْن َا صـَالِحِيَ (‪)72‬‬
‫ِسـحَاقَ وََي ْعق َ‬
‫َهـ إ ْ‬
‫(‪َ )71‬ووَهَبْن َا ل ُ‬
‫ت َوإِقَا مَ ال صّلَاةِ‬
‫َوجَعَلْنَاهُ ْم أَئِ ّم ًة َي ْهدُو نَ ِبَأ ْمرِنَا َوأَ ْوحَيْنَا ِإلَ ْيهِ مْ ِف ْعلَ الْخَ ْيرَا ِ‬
‫َوإِيتَاء الزّكَاةِ وَكَانُوا لَنَا عَاِبدِينَ (‪. ﴾ )73‬‬
‫جْينَا ُه وَلُوطا إِلَى اْلأَرْ ضِ الّتِي بَارَ ْكنَا فِيهَا لِ ْلعَالَ ِميَ ﴾ ‪،‬‬
‫عن قتادة ‪َ ﴿ :‬ونَ ّ‬
‫كانَا بأرض العراق فأنيَا إل أرض الشام ‪ ،‬وكان يقال للشام ‪ :‬عماد دار‬
‫الجرة ‪ .‬وما نقص من الرض زيد ف الشام ‪ ،‬وما نقص من الشام زيد ف‬
‫فلسطي ‪ .‬وكان يقال ‪ :‬هي ‪ :‬أرض الحشر والنشر ‪ ،‬وبا ممع الناس ‪ ،‬وبا‬
‫ينل عيسى ابن مري ‪ ،‬وبا يهلك ال شيخ الضللة الكذاب الدجال ‪.‬‬
‫ب نَافَِلةً ﴾ ‪ ،‬قال عطية‬ ‫ق َوَيعْقُو َ‬ ‫وعن عطاء ف قوله ‪َ ﴿ :‬و َو َهبْنَا لَ هُ إِ سْحَا َ‬
‫‪ ﴿ :‬وَكُلّا َجعَ ْلنَا صَاِلحِيَ ﴾ ‪.‬‬
‫الزء الثالث‬ ‫‪152‬‬

‫قال ابـن كثيـ ‪ :‬أي ‪ :‬الميَع أهَل خيَ وصَلح ‪ .‬وقال ابَن عباس ‪:‬‬
‫ب ﴾ ابن ابن ‪ ﴿ ،‬نَافَِلةً ﴾ ‪.‬‬
‫﴿ َو َوهَْبنَا لَهُ ِإسْحَاقَ ﴾ ولدًا ‪َ ﴿ ،‬وَي ْعقُو َ‬
‫قال ابن كثي ‪ :‬يعن ‪ :‬أن يعقوب ولد إسحاق ‪ ،‬كما قال ‪َ ﴿ :‬فبَشّ ْرنَاهَا‬
‫ق َيعْقُوبَ ﴾ ‪.‬‬ ‫ق َومِن وَرَاء ِإسْحَا َ‬ ‫بِِإسْحَا َ‬
‫وعن قتادة قوله ‪ ﴿ :‬وَ َجعَ ْلنَاهُ مْ أَئِ ّم ًة َيهْدُو َن ِبَأمْرِنَا ﴾ ‪ ،‬جعل هم ال أئ مة‬
‫ت َوإِقَا مَ ال صّلَا ِة َوإِيتَاء‬
‫خيْرَا ِ‬
‫يُقتدى ب م ف أ مر ال ‪َ ﴿ ،‬وَأوْ َحيْنَا إَِلْيهِ مْ ِفعْ َل الْ َ‬
‫الزّكَا ِة وَكَانُوا َلنَا عَابِدِينَ ﴾ ‪.‬‬
‫قال ابن كثي ‪ :‬أي ‪ :‬فاعلي لا يأمرون الناس به ‪.‬‬
‫قوله عز وجل ‪َ ﴿ :‬ولُوطا آتَيْنَا هُ ُحكْما وَعِلْما َونَجّيْنَا هُ مِ نَ اْل َقرَْيةِ الّتِي‬
‫ث ِإّنهُ مْ كَانُوا َقوْ مَ َسوْ ٍء فَا سِقِيَ (‪َ )74‬وَأدْخَلْنَا ُه فِي‬
‫كَانَت تّعْ َم ُل الْخَبَائِ َ‬
‫َرحْمَتِنَا ِإّنهُ ِم َن الصّالِحِيَ (‪. ﴾ )75‬‬
‫قال البغوي ‪ ﴿ :‬وَلُوطا آَتيْن ُ‬
‫َاهَ ُحكْما ﴾ ‪ ،‬يعنَ ‪ :‬الفصَل بيَ الصَوم‬
‫خبَائِ ثَ ﴾ ‪ ،‬يعن ‪:‬‬ ‫جْينَا ُه مِ َن اْلقَ ْرَيةِ اّلتِي كَانَت ّتعْمَ ُل الْ َ‬
‫بالق ‪َ ﴿ ،‬وعِلْما َونَ ّ‬
‫سدومًا ‪ .‬وكان أهل ها يأتون الذكران ف أدبار هم ‪ِ ﴿ ،‬إّنهُ مْ كَانُوا َقوْ مَ َسوْءٍ‬
‫حيَ ﴾ ‪.‬‬ ‫فَا ِسقِيَ * َوأَدْخَ ْلنَاهُ فِي رَحْ َمِتنَا ِإنّهُ مِنَ الصّالِ ِ‬
‫قوله عز وجل ‪ ﴿ :‬وَنُوحا ِإذْ نَادَى مِن قَ ْبلُ فَا سْتَجَبْنَا لَ هُ فَنَجّيْنَا هُ َوَأهْلَ هُ‬
‫ص ْرنَاهُ مِ نَ اْل َقوْ ِم الّذِي نَ َك ّذبُوا بِآيَاتِنَا ِإّنهُ مْ‬
‫ب الْعَظِي مِ (‪ )76‬وَنَ َ‬
‫مِ َن الْ َكرْ ِ‬
‫كَانُوا َقوْ َم سَوْ ٍء َفأَ ْغ َرقْنَاهُ ْم أَجْ َمعِيَ (‪. ﴾ )77‬‬
‫‪153‬‬ ‫توفيق الرحن ف دروس القرآن‬

‫قال البغوي ‪َ ﴿ :‬ونُوحا ِإ ْذ نَادَى ﴾ دعَا ‪ ﴿ ،‬مِن َقبْلُ ﴾ ‪ ،‬يعنَ ‪ :‬مَن‬


‫ب اْلعَظِي مِ ﴾ ‪،‬‬
‫جْينَا هُ َوَأهْلَ ُه مِ َن اْلكَرْ ِ‬
‫جْبنَا لَ هُ َفنَ ّ‬
‫ق بل إبراه يم ولوط ‪ ﴿ ،‬فَا ْستَ َ‬
‫قال ابن عباس ‪ :‬من الغرق وتكذيب قومه ؛ وقيل ‪ :‬لنه كان أطول النبياء‬
‫عمرًا ‪ ،‬وأشدّ هم بلء ‪ .‬والكرب أ شد ال غم ‪َ ﴿ ،‬ونَ صَ ْرنَاهُ ﴾ منعناه ‪ ﴿ ،‬مِ نَ‬
‫اْل َقوْ ِم الّذِي نَ كَ ّذبُوا بِآيَاتِنَا ﴾ أن ي صلوا إل يه ب سوء ‪ .‬وقال أ بو عبيدة ‪ :‬يع ن‬
‫على القوم ‪ِ ﴿ :‬إّنهُمْ كَانُوا َق ْو َم َسوْءٍ َفَأغْرَ ْقنَاهُمْ أَجْ َمعِيَ ﴾ ‪.‬‬

‫***‬
‫الزء الثالث‬ ‫‪154‬‬

‫الدرس الثالث والسبعون بعد الائة‬

‫ت فِي هِ غَنَ مُ اْل َقوْ مِ‬


‫حرْ ثِ ِإ ْذ َنفَشَ ْ‬
‫حكُمَا ِن فِي الْ َ‬
‫﴿ َودَاوُو َد وَ سُلَيْمَا َن ِإذْ َي ْ‬
‫حكْ ِمهِ مْ شَا ِهدِي نَ (‪َ )78‬ففَهّمْنَاهَا سُلَيْمَا َن وَكُلّا آتَيْنَا ُحكْما وَعِلْما‬
‫وَكُنّا لِ ُ‬
‫حنَ وَالطّ ْيرَ وَكُنّ ا فَاعِلِيَ (‪ )79‬وَعَلّمْنَا هُ‬
‫خ ْرنَا مَ َع دَاوُودَ الْجِبَالَ يُ سَبّ ْ‬
‫وَ سَ ّ‬
‫ُونـ (‪)80‬‬
‫ُمـ شَا ِكر َ‬
‫ْسـ ُكمْ َف َه ْل أَنت ْ‬
‫ْصـَنكُم مّنـ َبأ ِ‬
‫ُمـ لِتُح ِ‬
‫ُوسـ ّلك ْ‬
‫صـْنعَ َة لَب ٍ‬
‫َ‬
‫ض الّتِي بَارَكْنَا فِيهَا وَكُنّ ا‬
‫جرِي ِبَأمْرِ هِ ِإلَى اْلأَرْ ِ‬
‫ص َفةً تَ ْ‬
‫َولِ سُلَيْمَا َن الرّي حَ عَا ِ‬
‫ِب ُكلّ َشيْءٍ عَالِمِيَ (‪َ )81‬ومِ َن الشّيَاطِيِ مَن َيغُو صُو َن لَ ُه وََيعْمَلُو نَ عَمَلً‬
‫ضرّ‬
‫ك وَكُنّا َلهُ مْ حَافِظِيَ (‪ )82‬وََأيّو بَ ِإ ْذ نَادَى َربّ ُه َأنّي مَ سّنِ َي ال ّ‬
‫دُو نَ َذلِ َ‬
‫ض ّر وَآتَيْنَا هُ‬
‫ت أَ ْرحَ مُ الرّاحِمِيَ (‪ )83‬فَا سْتَجَبْنَا لَ ُه َف َكشَفْنَا مَا بِ ِه مِن ُ‬
‫َوأَن َ‬
‫َأهْلَ هُ َومِثْلَهُم ّم َعهُ مْ َرحْ َم ًة مّ نْ عِندِنَا َوذِ ْكرَى لِ ْلعَاِبدِي نَ (‪َ )84‬وإِ سْمَاعِيلَ‬
‫َوِإدْرِي سَ َوذَا اْلكِ ْفلِ ُك ّل مّ نَ ال صّاِبرِينَ (‪ )85‬وََأ ْدخَلْنَاهُ مْ فِي َرحْمَتِنَا إِّنهُم‬
‫ب ُمغَاضِبا فَظَنّ أَن لّن نّ ْقدِرَ عَلَيْ هِ‬
‫مّ َن ال صّالِحِيَ (‪َ )86‬وذَا النّو ِن إِذ ذّهَ َ‬
‫ت مِ َن الظّالِمِيَ (‬
‫ت أَن لّا ِإلَ َه ِإلّا أَن تَ سُبْحَاَنكَ إِنّي كُن ُ‬
‫فَنَادَى فِي الظّلُمَا ِ‬
‫‪ )87‬فَا سْتَجَبْنَا لَ ُه َونَجّيْنَا ُه مِ َن الْ َغمّ وَ َك َذلِ كَ نُنجِي الْ ُم ْؤمِنِيَ (‪ )88‬وَزَ َك ِريّا‬
‫ِإ ْذ نَادَى َربّ هُ رَبّ لَا تَذَرْنِي َفرْدا َوأَن تَ خَيْ ُر الْوَا ِرثِيَ (‪ )89‬فَا سْتَجَبْنَا لَ هُ‬
‫َووَهَبْنَا لَ هُ يَحْيَى وَأَ صْلَحْنَا لَ هُ َز ْوجَ هُ ِإّنهُ مْ كَانُوا يُ سَارِعُونَ فِي الْخَ ْيرَا تِ‬
‫ت َف ْرجَهَا‬
‫ْصـنَ ْ‬
‫َوَيدْعُونَنَا َرغَبا وَ َرهَبا وَكَانُوا لَنَا خَا ِشعِيَ (‪ )90‬وَالّتِي َأح َ‬
‫فََنفَخْنَا فِيهَا مِن رّوحِنَا وَ َجعَلْنَاهَا وَابَْنهَا آَي ًة لّ ْلعَالَ ِميَ (‪ )91‬إِنّ َهذِ هِ ُأمُّتكُ مْ‬
‫‪155‬‬ ‫توفيق الرحن ف دروس القرآن‬

‫ُمـ ُك ّل ِإلَيْنَا‬
‫ُونـ (‪َ )92‬وَتقَطّعُوا َأ ْمرَهُم بَيَْنه ْ‬
‫ُمـ فَاعُْبد ِ‬
‫ُأ ّمةً وَاحِ َد ًة وَأَنَا َرّبك ْ‬
‫ت َوهُ َو ُمؤْ ِم ٌن فَلَا ُك ْفرَا َن ِلسَعِْي ِه وَِإنّا‬
‫رَا ِجعُونَ (‪ )93‬فَمَن يَعْ َم ْل ِمنَ الصّالِحَا ِ‬
‫َلهُ كَاتِبُونَ (‪. ﴾ )94‬‬

‫***‬
‫الزء الثالث‬ ‫‪156‬‬

‫ْثـ ِإذْ‬
‫حر ِ‬‫َانـ فِي الْ َ‬
‫حكُم ِ‬
‫َسـلَيْمَا َن ِإ ْذ يَ ْ‬
‫قوله عـز وجـل ‪َ ﴿ :‬ودَاوُو َد و ُ‬
‫حكْ ِمهِ مْ شَاهِدِي نَ (‪َ )78‬ف َفهّمْنَاهَا سُلَيْمَانَ‬
‫ت فِي هِ غَنَ ُم الْ َقوْ مِ وَكُنّ ا لِ ُ‬
‫َن َفشَ ْ‬
‫ح َن وَالطّ ْيرَ وَكُنّ ا‬
‫خرْنَا مَ َع دَاوُودَ الْجِبَالَ يُ سَبّ ْ‬
‫وَكُلّا آتَيْنَا حُكْما وَعِلْما وَ سَ ّ‬
‫س ّلكُ مْ لُِتحْ صَِنكُم مّ ن َبأْ ِسكُ ْم َف َهلْ أَنتُ مْ‬
‫فَاعِلِيَ (‪ )79‬وَعَلّمْنَا هُ صَ ْن َعةَ لَبُو ٍ‬
‫شَا ِكرُونَ (‪. ﴾ )80‬‬
‫عن ماهد ف قول ال ‪ ﴿ :‬إِذْ نَفَشَ تْ فِي هِ َغنَ مُ الْ َقوْ مِ ﴾ ‪ ،‬قال ‪ :‬أعطاهم‬
‫داود رقاب الغنَم بالرث ‪ ،‬وحكَم سَليمان بزة الغنَم ‪ ،‬وألباناَ لهَل‬
‫الرث ‪ ،‬وعليهَم رعايتهَا على أهَل الرث ‪ ،‬ويرث لمَ أهَل الغنَم حتَ‬
‫يكون ل م الرث كهيئة يوم أُ كل ‪ ،‬ث يدفعو نه إل أهله ويأخذون غنم هم ‪.‬‬
‫وقال شريح ‪ :‬كان النفش ليلً ‪.‬‬
‫وقال ال سن ‪ :‬كان ال كم ب ا ق ضى به سليمان ول يع نف ال داود ف‬
‫حكمه ‪ .‬وف الصحيحي عن النب قال ‪ « :‬إذا اجتهد الاكم فأصاب فله‬
‫أجران ‪ ،‬وإذا اجتهد فأخطأ فله أجر » ‪.‬‬
‫َبّحْ َن وَال ّطيْرَ ﴾ ‪ ،‬قال‬
‫جبَا َل يُس َ‬
‫َ دَاوُو َد الْ ِ‬ ‫وقوله تعال ‪ ﴿ :‬وَس َ‬
‫َخّ ْرنَا مَع َ‬
‫وهب ‪ :‬كانت البال تاوبه بالتسبيح وكذلك الطي ‪ ﴿ .‬وَ ُكنّا فَاعِِليَ ﴾ ‪،‬‬
‫أي ‪ :‬ما ذكرهن ‪ :‬التفهيم وإيتاء الكم والتسخي ‪.‬‬
‫وقوله تعال ‪َ ﴿ :‬وعَلّ ْمنَا هُ َ‬
‫صْن َعةَ َلبُو سٍ ّلكُ مْ ﴾ ‪ ،‬أي ‪ :‬الدروع قال قتادة‬
‫‪ :‬كانت قبل داود صفائح ‪ ،‬وكان أول من صنع اللق وسرد داود ‪.‬‬
‫‪157‬‬ ‫توفيق الرحن ف دروس القرآن‬

‫جرِي ِبأَ ْمرِ هِ ِإلَى اْلأَرْ ضِ‬


‫ص َف ًة تَ ْ‬
‫قوله عز و جل ‪َ ﴿ :‬ولِ سُلَيْمَا َن الرّي حَ عَا ِ‬
‫ي مَن َيغُوصُونَ‬
‫الّتِي بَارَكْنَا فِيهَا وَكُنّا بِ ُك ّل شَيْءٍ عَالِ ِميَ (‪ )81‬وَ ِمنَ الشّيَاطِ ِ‬
‫ل دُونَ ذَِلكَ وَكُنّا َل ُهمْ حَافِظِيَ (‪. ﴾ )82‬‬
‫َل ُه وََيعْمَلُونَ عَ َم ً‬
‫قال قتادة ‪ :‬ورث ال سَليمان داود ‪ ،‬فورثَه نبوتَه وملكَه ‪ ،‬وزاده على‬
‫ذلك أن سخر له الر يح والشياط ي ‪ .‬وقال ا بن ز يد ف قوله ‪ ﴿ :‬وَلِ سَُليْمَانَ‬
‫ص َف ًة تَجْرِي بَِأمْرِ هِ ﴾ ‪ ،‬قال ‪ :‬عا صفة شديدة ‪َ ﴿ ،‬تجْرِي ِبَأمْرِ هِ إِلَى‬
‫الرّي َح عَا ِ‬
‫اْلأَرْ ضِ الّتِي بَارَكْنَا فِيهَا ﴾ ‪ ،‬قال ‪ :‬الشام ‪ .‬قال البغوي ‪ :‬وذلك أن ا كا نت‬
‫ترى بسليمان وأصحابه حيث شاء سليمان ‪ ،‬ث يعود إل منله بالشام ‪.‬‬
‫ت أَ ْرحَ مُ‬
‫ضرّ َوأَن َ‬
‫قوله عز وجل ‪َ ﴿ :‬وأَيّو بَ ِإ ْذ نَادَى َربّ ُه َأنّي مَ سِّنيَ ال ّ‬
‫ض ّر وَآتَيْنَا هُ أَهْلَ هُ َومِثْلَهُم‬
‫شفْنَا مَا بِ هِ مِن ُ‬
‫الرّاحِمِيَ (‪ )83‬فَا سْتَجَبْنَا لَ هُ َف َك َ‬
‫ّم َعهُمْ َرحْ َم ًة ّمنْ عِن ِدنَا َوذِ ْكرَى لِ ْلعَاِبدِينَ (‪. ﴾ )84‬‬
‫قال يزيـد بـن ميسـرة ‪ :‬لاَ ابتلى ال أيوب عليَه السَلم بذهاب الهَل‬
‫والال والولد ‪ ،‬قال ‪ :‬أحدك رب الرباب الذي أح سنت إلّ أعطيت ن الال ‪،‬‬
‫والولد ‪ ،‬فلم ي بق من قل ب شع بة إلّ قد دخله ذلك ‪ ،‬فأخذت ذلك كله م ن‬
‫وفرّغت قلب ‪ ،‬فليس يول بين وبينك شيء ‪ ،‬لو يعلم عدوي إبليس بالذي‬
‫صنعت حسدن ‪.‬‬
‫وقال السـن ‪ :‬قال إبليَس ‪ :‬يَا رب سَلّطن على جسَده ‪ ،‬فإن أصَابه‬
‫الضر فيه أطاعن وعصاك ‪ ،‬قال ‪ :‬تسلط على جسده ‪ ،‬فأتاه فنفخ فيه نفخة‬
‫الزء الثالث‬ ‫‪158‬‬

‫فرح من لدن قرنه إل قدمه ‪ ،‬قال فأصابه البلء بعد البلء حت حُمل فوُضع‬
‫على مزبلة كنا سة لب ن إ سرائيل ‪ ،‬فلم ي بق له مال ‪ ،‬ول ولد ‪ ،‬ول صديق ‪،‬‬
‫ول أحد يَقربُه غي زوجته ‪ ،‬صبت معه بصدق وكانت تأتيه بطعام ‪ ،‬وتمد‬
‫ال معه إذا حد ‪ ،‬وأيوب على ذلك ل يف تر عن ذ كر ال ‪ ،‬والتحميد والثناء‬
‫على ال ‪ ،‬والصَب على مَا ابتله ال ؛ قال ‪ :‬وم ّر بَه رجلن ‪ ،‬ول وال مَا‬
‫على ظهَر الرض يومئذٍ أكرم على ال مَن أيوب ‪ ،‬فقال أحَد الرجليَ‬
‫ل صاحبه ‪ :‬لو كان ل ف هذا حا جة ما بلغ به هذا ‪ ،‬فلم ي سمع أيوب شيئًا‬
‫كان أشد عليه من هذه الكلمة ‪.‬‬
‫وقال ابن عباس ‪ :‬لا مسّه الشيطان بنص ٍ‬
‫ب وعذاب ‪ ،‬أنساه ال الدعاء أن‬
‫يدعوه فيكشف ما به من ض ّر ‪ ،‬غي أنه كان يذكر ال كثيًا ول يزيده البلء‬
‫ف ال إ ّل رغبة وحسن إيان ‪ ،‬فلما انتهى الجل وقضى ال أنه كاشف ما به‬
‫مَن ضرّ ‪ ،‬أذن له فَ الدعاء ويسَّره له ‪ ،‬وكان قبَل ذلك يقول ال تبارك‬
‫وتعال ‪ ( :‬ل ينبغي لعبدي أيوب أن يدعون ث ل أستجيب له ) ‪ ،‬فلما دعا‬
‫استجيب له وأبدَلَه بكل شيء ذهب له ضعفي ‪ ،‬ردّ إليه أهله ومثلهم معهم ‪،‬‬
‫وأثن عليه فقال ‪ِ ﴿ :‬إنّا وَجَ ْدنَاهُ صَابِرا ِنعْ َم اْلعَبْدُ ِإنّهُ َأوّابٌ ﴾ ‪.‬‬
‫وف خب وهب بن منبه ‪ :‬فركض برجله وانفجرت له عي ‪ ،‬فدخل فيها‬
‫فاغتسل ‪ ،‬فأذهب ال عنه كل ما كان به من البلء ‪ ،‬ث خرج فجلس وأقبلت‬
‫امرأته تلتمسه ف مضجعه فلم تده ‪ ،‬فقامت كالوالة متلدّدة ‪ ،‬ث قالت ‪ :‬يا‬
‫عبد ال هل لك علم بالرجل البتلى الذي كان ها هنا ؟ قال ‪ :‬ل ‪ ،‬ث تب سّم‬
‫‪159‬‬ ‫توفيق الرحن ف دروس القرآن‬

‫فعرفته بضحكه فاعتنقته ‪ .‬وف الديث الصحيح عن النب قال ‪ « :‬لا عاف‬
‫ال أيوب أمطر عليه جرادًا من ذهب ‪ ،‬فجعل يأخذ منه بيده ويعله ف ثوبه‬
‫فقيل له ‪ :‬يا أيوب أما تشبع ؟قال ‪ :‬يا رب ومن يشبع من رحتك » ؟ ‪.‬‬
‫وعن ماهد ف قوله ‪ ﴿ :‬وَآَتْينَا هُ أَهْلَ ُه َو ِمثَْلهُم ّم َعهُ مْ ﴾ ‪ ،‬قال ‪ :‬قيل له ‪:‬‬
‫إن شئت أحيينا هم لك ‪ ،‬وإن شئت كانوا لك ف الخرة وتع طى مثل هم ف‬
‫الدنيا ‪ ،‬فاختار أن يكونوا ف الخرة ومثلهم ف الدنيا ‪ .‬وعن ممد بن كعب‬
‫ِينَ ﴾ ‪ ،‬قال ‪ :‬أيّمَا‬
‫ّنَ عِندِنَا َوذِكْرَى ِل ْلعَابِد َ‬ ‫القرظَي فَ قوله ‪َ ﴿ :‬رحْ َم ًة م ْ‬
‫مؤمن أصابه بلء فذكر ما أصاب أيوب فليقل ‪ :‬قد أصاب من هو خي منا ‪،‬‬
‫نبيًا من النبياء ‪.‬‬
‫قوله عز وجل ‪َ ﴿ :‬وإِسْمَاعِيلَ َوِإدْرِيسَ َوذَا اْلكِ ْفلِ ُك ّل مّنَ الصّابِرِينَ (‬
‫‪َ )85‬وَأدْخَلْنَاهُ ْم فِي َرحْمَتِنَا ِإّنهُم ّمنَ الصّالِحِيَ (‪. ﴾ )86‬‬
‫عن ماهد ف قوله ‪ ﴿ :‬وَذَا الْ ِكفْلِ ﴾ ‪ ،‬قال ‪ :‬رجل صال غي نب تكفل‬
‫لنب قومه أن يكفيه أمر قومه ‪ ،‬ويقيمه لم ويقضي بينهم بالعدل ففعل ذلك‬
‫فسمّي ذا الكفل ‪.‬‬
‫ب ُمغَاضِبا فَ َظنّ أَن لّن ّنقْدِرَ عَ َليْ هِ‬
‫قوله عز وجل ‪َ ﴿ :‬وذَا النّو نِ إِذ ّذهَ َ‬
‫ت مِ َن الظّالِمِيَ (‬
‫ت أَن لّا ِإلَ َه ِإلّا أَن تَ سُبْحَاَنكَ إِنّي كُن ُ‬
‫فَنَادَى فِي الظّلُمَا ِ‬
‫‪ )87‬فَاسْتَجَبْنَا لَ ُه َونَجّيْنَاهُ ِم َن الْ َغ ّم وَ َكذَِلكَ نُنجِي الْ ُم ْؤمِنِيَ (‪. ﴾ )88‬‬
‫الزء الثالث‬ ‫‪160‬‬

‫قال وهب بن منبه ‪ :‬إن يونس بن مت كان عبدًا صالًا ‪ ،‬وكان ف ُخُلقٍه‬
‫ضيق ‪ ،‬فلما حلت عليه أثقال النبوة ‪ ،‬ولا أثقال ل يملها إلّ قليل ‪ ،‬تف سّخ‬
‫تتها تف سّخ الربع تت المل ‪ ،‬فقذفها بي يديه وخرج هاربًا منها ‪ ،‬يقول‬
‫حكْمِ‬‫صِبرْ لِ ُ‬
‫صبَرَ ُأوْلُوا اْلعَزْمِ مِنَ الرّسُلِ ﴾ ‪ ﴿ ،‬فَا ْ‬
‫صبِرْ كَمَا َ‬
‫ال لنبيه ‪ ﴿ :‬فَا ْ‬
‫ك وَلَا َتكُن َكصَا ِحبِ الْحُوتِ ﴾ ‪.‬‬‫َربّ َ‬
‫وعن سعيد بن جبي عن ابن عباس قال ‪ :‬بعثه ال ‪ -‬يعن ‪ :‬يونس ‪ -‬إل‬
‫أهل قريته ‪ ،‬فردّوا عليه ما جاءهم به وامتنعوا منه ‪ ،‬فلما فعلوا ذلك أوحى ال‬
‫إليه ‪ :‬أن مرسل عليهم العذاب ف يوم كذا وكذا ‪ ،‬فاخرج من بي أظهرهم‬
‫فأعلم قو مه الذي وعده ال من عذا به إيا هم ‪ .‬فقالوا ‪ :‬ارمقوه فإن خرج من‬
‫بيَ أظهركَم فهَو وال كائن مَا وعدكَم ‪ ،‬فلمَا كانَت الليلة التَ وُعدوا‬
‫بالعذاب ف صبحها أدل ورآه القوم فخرجوا من القرية إل براز من أرضهم ‪،‬‬
‫وفرّقوا بي كل دابة وولدها ث عجّوا إل ال فاستقالوه فأقالم ‪ ،‬وانتظر يونس‬
‫ال ب عن القر ية وأهل ها ح ت مرّ به مارٌ فقال ‪ :‬ما ف عل أ هل القر ية ؟ قال ‪:‬‬
‫فعلوا أن نبيهم خرج من ب ي أظهر هم ‪ ،‬عرفوا أ نه صدقهم ما وعد هم من‬
‫العذاب ‪ ،‬فخرجوا من قريت هم إل براز من الرض ‪ ،‬ث فرقوا ب ي كل ذات‬
‫ولد وولدها ‪ ،‬وعجّوا إل ال وتابوا إليه فقبل منهم وأخّر عنهم العذاب ‪ ،‬قال‬
‫‪ :‬فقال يونس عند ذلك ‪ -‬وغضب ‪ : -‬وال ل أرجع إليهم كذّابًا أبدًا ‪،‬‬
‫وعدتم العذاب ف يوم ث رُدّ عنهم ‪ ،‬ومضى على وجهه مغاضبًا ‪.‬‬
‫‪161‬‬ ‫توفيق الرحن ف دروس القرآن‬

‫وف رواية ‪ :‬فخرج يونس لينتظر العذاب فلم ير شيئًا ‪ ،‬قال ‪ :‬جرّبوا عليّ‬
‫كذبًا ‪ ،‬فذهب مغاضبًا لربه حت أتى البحر ‪.‬‬
‫و عن ا بن عباس ‪َ ﴿ :‬فظَنّ أَن لّن ّنقْدِ َر عََليْ هِ ﴾ ‪ ،‬يقول ‪ :‬ظن أن لن نق ضي‬
‫عليَه عقوبَة ‪ ،‬ول بلء ‪ ،‬وعقوبتَه أخَذ النون إياه ‪ .‬قال السَن ‪ :‬وكان له‬
‫سلف من عبادة وت سبيح ‪ ،‬فتدار كه ال ب ا فلم يد عه للشيطان ‪ .‬و عن قتادة‬
‫‪َ ﴿ :‬فنَادَى فِي الظّلُمَاتَِ ﴾ ‪ ،‬قال ‪ :‬ظلمَة بطَن الوت ‪ ،‬وظلمَة البحَر ‪،‬‬
‫وظلمَة الليَل ‪ .‬وقال ابَن عباس ‪ ﴿ :‬نَادَى فِي الظُّلمَاتَِأَن لّا إِلَهََإِلّا أَنتََ‬
‫ت مِ نَ الظّالِ ِميَ ﴾ ‪ ،‬معترفًا بذنبه من خطيئته ‪ .‬وعن سعد‬ ‫ُسبْحَانَكَ ِإنّي كُن ُ‬
‫بن أ ب وقاص ر ضي ال ع نه قال ‪ :‬سعت ر سول ال يقول ‪ « :‬ا سم ال‬
‫الذي إذا دعي به أجاب وإذا سئل به أع طى ‪ ،‬دعوة يونس بن م ت » ‪ ،‬قال‬
‫فقلت ‪ :‬يا رسول ال هي ليونس بن مت خاصة أم لماعة السلمي ؟ قال ‪:‬‬
‫« هي ليونس بن مت خاصة ‪ ،‬وللمؤمني عامة ‪ .‬إذا دَعوا با أل تسمع قول‬
‫ال تبارك وتعال ‪َ ﴿ :‬فنَادَى فِي الظّلُمَا تِ أَن لّا إِلَ هَ إِلّا أَن تَ ُسبْحَانَكَ ِإنّ ي‬
‫ِكَ نُنج ِي‬
‫ِنَ اْلغَم ّ وَكَذَل َ‬
‫َاهَ م َ‬ ‫جْين ُ‬ ‫َهَ َونَ ّ‬
‫جْبنَا ل ُ‬
‫َاسَتَ َ‬
‫ِنَ الظّاِلمِي َ * ف ْ‬
‫ُنتَ م َ‬
‫ك ُ‬
‫الْ ُم ْؤ ِمنِيَ ﴾ » ‪ .‬رواه ا بن جر ير ‪ .‬و ف الد يث ال صحيح عن ال نب قال ‪:‬‬
‫« من قال ‪ :‬أنا خي من يونس بن مت فقد كذب » ‪.‬‬
‫قوله عز وجل ‪ ﴿ :‬وَزَ َك ِريّ ا ِإذْ نَادَى َربّ هُ رَبّ لَا َتذَرْنِي َفرْدا وَأَن تَ خَ ْيرُ‬
‫اْلوَا ِرثِيَ (‪ )89‬فَاسْتَجَبْنَا لَ ُه َووَهَبْنَا لَ ُه يَحْيَى َوأَصْلَحْنَا لَهُ َز ْوجَهُ ِإّنهُمْ كَانُوا‬
‫يُ سَارِعُو َن فِي الْخَ ْيرَا تِ َوَيدْعُونَنَا َرغَبا وَرَهَبا وَكَانُوا لَنَا خَا ِشعِيَ (‪)90‬‬
‫الزء الثالث‬ ‫‪162‬‬

‫ت َف ْر َجهَا فََنفَخْنَا فِيهَا مِن رّوحِنَا وَ َجعَلْنَاهَا وَابَْنهَا آَي ًة لّ ْلعَالَمِيَ‬


‫وَالّتِي أَحْصَنَ ْ‬
‫(‪. ﴾ )91‬‬
‫َهَ ﴾ ‪ ،‬كانَت عاقرًا فجعلهَا ال‬ ‫َهَ َزوْج ُ‬ ‫حنَا ل ُ‬
‫َصَلَ ْ‬
‫عَن قتادة قوله ‪َ ﴿ :‬وأ ْ‬
‫ولودًا ‪َ ﴿ ،‬و َو َهبْنَا لَ هُ ﴾ من ها ‪ ﴿ :‬يَحْيَى ﴾ ‪ .‬وقال عطاء ‪ :‬كان ف خلق ها‬
‫شيء فأصحلها ال ‪.‬‬
‫ت َويَ ْدعُونَنَا َرغَبا‬
‫خيْرَا ِ‬
‫و عن ا بن جر يج أن م ‪ ﴿ :‬كَانُوا يُ سَا ِرعُونَ فِي الْ َ‬
‫وَ َرهَبا ﴾ ‪ ،‬قال ‪َ ﴿ :‬رغَبا ﴾ ف رحة ال ‪ ﴿ ،‬وَ َرهَبا ﴾ من عذاب ال ‪.‬‬
‫وقوله تعال ‪ ﴿ :‬وَكَانُوا َلنَا خَا ِشعِيَ ﴾ ‪ ،‬أي ‪ :‬متواضعي ‪ .‬قال قتادة ‪:‬‬
‫ذللً لمر ال ‪ .‬وقال ماهد ‪ :‬الشوع هو ‪ :‬الوف اللزم ف القلب ‪ .‬وقوله‬
‫خنَا فِيهَا مِن رّو ِحنَا وَ َجعَ ْلنَاهَا وَاْبَنهَا آَيةً‬
‫صَنتْ َفرْ َجهَا َفَنفَ ْ‬‫تعال ‪ ﴿ :‬وَالّتِي أَحْ َ‬
‫لّ ْلعَالَمِيَ ﴾ ‪ ،‬يعن ‪ :‬مري عليها السلم ‪ ،‬حفظت فرجها من الرام ‪ ،‬وأمر‬
‫ال جبيل فنفخ ف جيب درعها فدخلت ف فرجها فحملت بعيسى ‪ ،‬فكان‬
‫من أم بل أب ‪ِ ﴿ ،‬إنّمَا َأمْ ُرهُ إِذَا أَرَا َد َشيْئا َأ ْن َيقُولَ لَهُ كُنْ َفيَكُونُ ﴾ ‪.‬‬
‫قوله عز و جل ‪ ﴿ :‬إِنّ َهذِ ِه ُأمّتُكُ مْ ُأ ّمةً وَا ِح َد ًة وَأَنَا َرّبكُ مْ فَاعُْبدُو نِ (‬
‫ِنـ‬
‫ُونـ (‪ )93‬فَم َن َيعْ َم ْل م َ‬
‫ُمـ ُك ّل ِإلَيْن َا رَا ِجع َ‬
‫‪َ )92‬وَتقَطّعُوا َأ ْمرَه ُم بَيَْنه ْ‬
‫سعِْيهِ َوِإنّا َلهُ كَاتِبُونَ (‪. ﴾ )94‬‬
‫ت وَ ُهوَ ُم ْؤ ِمنٌ فَلَا ُك ْفرَانَ ِل َ‬
‫الصّالِحَا ِ‬

‫عن ابن عباس قوله ‪ُ ﴿ :‬أمُّتكُ مْ ُأ ّم ًة وَاحِ َدةً ﴾ ‪ ،‬يقول ‪ :‬دينكم دين واحد‬
‫‪ .‬وقوله تعال ‪َ ﴿ :‬وَتقَ ّطعُوا َأمْ َرهُم َبيَْنهُمْ ﴾ ‪ ،‬قال البغوي ‪ :‬أي ‪ :‬اختلفوا ف‬
‫‪163‬‬ ‫توفيق الرحن ف دروس القرآن‬

‫الدين فصاروا فرقًا وأحزابًا ‪ُ ﴿ ،‬كلّ إِلَْينَا رَا ِجعُو نَ ﴾ فنجزيهم بأعمالم ‪﴿ ،‬‬
‫س ْعيِهِ َوِإنّا لَ هُ كَاتِبُو نَ ﴾ ‪،‬‬
‫ت َو ُهوَ ُم ْؤمِ نٌ فَلَا ُك ْفرَا نَ لِ َ‬
‫َفمَن َيعْمَ ْل مِ َن ال صّالِحَا ِ‬
‫أي ‪ :‬لعمله حافظون ‪.‬‬

‫***‬
‫الزء الثالث‬ ‫‪164‬‬

‫الدرس الرابع والسبعون بعد الائة‬


‫﴿ َوحَرَا مٌ عَلَى َق ْرَيةٍ َأهْ َلكْنَاهَا َأنّهُ مْ لَا يَ ْر ِجعُو نَ (‪ )95‬حَتّ ى ِإذَا فُتِحَ تْ‬
‫حقّ‬
‫ج َوهُم مّن ُك ّل حَدَ بٍ يَن سِلُونَ (‪ )96‬وَاقَْترَ بَ اْلوَ ْعدُ الْ َ‬
‫ج َومَ ْأجُو ُ‬
‫َي ْأجُو ُ‬
‫ص ٌة َأبْ صَارُ اّلذِي نَ َك َفرُوا يَا َويْلَنَا َقدْ كُنّا فِي َغفْ َل ٍة مّ ْن َهذَا َبلْ‬
‫َفِإذَا هِ َي شَاخِ َ‬
‫ب َجهَنّ َم أَنتُ مْ َلهَا‬
‫كُنّا ظَالِ ِميَ (‪ِ )97‬إّنكُ ْم َومَا َتعْبُدُو َن مِن دُو ِن اللّ ِه حَ صَ ُ‬
‫وَا ِردُو نَ (‪ )98‬لَوْ كَا َن هَ ُؤلَاء آِل َهةً مّ ا وَ َردُوهَا وَ ُك ّل فِيهَا خَالِدُو نَ (‪)99‬‬
‫ت لَهُم مّنّ ا‬
‫ي َوهُ مْ فِيهَا لَا يَ سْ َمعُونَ (‪ )100‬إِنّ اّلذِي نَ سَبَقَ ْ‬
‫َلهُ ْم فِيهَا َزفِ ٌ‬
‫سهَا َوهُ مْ فِي مَا‬
‫الْحُ سْنَى ُأ ْولَئِ كَ عَنْهَا مُ ْب َعدُو نَ (‪ )101‬لَا يَ سْ َمعُونَ حَ سِي َ‬
‫ُمـ‬
‫َعـ الْأَكَْب ُر َوتَتَ َلقّاه ُ‬
‫ُمـ اْل َفز ُ‬
‫ح ُزنُه ُ‬
‫ُونـ (‪ )102‬لَا يَ ْ‬
‫ُسـهُ ْم خَاِلد َ‬
‫َتـ أَنف ُ‬
‫اشَْته ْ‬
‫الْمَلَائِ َكةُ هَذَا يَ ْومُكُ ُم الّذِي كُنتُ ْم تُو َعدُونَ (‪َ )103‬يوْ َم نَ ْطوِي السّمَاء كَ َطيّ‬
‫ج ّل لِ ْلكُتُ بِ كَمَا َب َدأْنَا َأوّ َل خَلْ ٍق ّنعِيدُ هُ وَعْدا عَلَيْنَا ِإنّ ا كُنّ ا فَاعِلِيَ (‬
‫ال سّ ِ‬
‫ِيـ‬
‫ْضـ َي ِرثُهَا عِبَاد َ‬
‫‪َ )104‬وَلقَدْ كَتَبْنَا فِي ال ّزبُو ِر مِن َب ْعدِ الذّ ْكرِ أَنّ اْلأَر َ‬
‫ال صّالِحُونَ (‪ )105‬إِنّ فِي َهذَا لَبَلَاغا ّلقَوْ مٍ عَابِدِي نَ (‪ )106‬وَمَا أَرْ سَلْنَاكَ‬
‫ِإلّا َرحْ َم ًة لّ ْلعَالَمِيَ (‪ُ )107‬ق ْل ِإنّمَا يُوحَى إِلَيّ َأنّمَا ِإلَ ُهكُ مْ ِإلَ هٌ وَاحِ ٌد َف َهلْ‬
‫أَنتُم مّسْلِمُونَ (‪َ )108‬فإِن َتوَّلوْا َف ُقلْ آذَنتُكُمْ عَلَى سَوَاء َوإِنْ َأدْرِي َأ َقرِيبٌ‬
‫ج ْهرَ مِ َن الْ َقوْ ِل َويَعْلَ ُم مَا َتكْتُمُو نَ (‬
‫أَم َبعِيدٌ مّا تُو َعدُو نَ (‪ِ )109‬إنّ ُه َيعْلَ ُم الْ َ‬
‫‪َ )110‬وإِ ْن َأدْرِي َلعَلّ هُ فِتَْن ٌة ّلكُ مْ وَمَتَا عٌ إِلَى حِيٍ (‪ )111‬قَالَ َربّ احْكُم‬
‫صفُونَ (‪. ﴾ )112‬‬
‫حقّ وَ َربّنَا ال ّرحْ َمنُ الْ ُمسَْتعَانُ عَلَى مَا تَ ِ‬
‫بِالْ َ‬
‫‪165‬‬ ‫توفيق الرحن ف دروس القرآن‬

‫قوله عز وجل ‪َ ﴿ :‬و َحرَامٌ عَلَى َقرَْي ٍة أَهْ َلكْنَاهَا َأّنهُمْ لَا َيرْ ِجعُونَ (‪ )95‬حَتّى‬
‫ج وَ َم ْأجُو جُ وَهُم مّ ن ُك ّل حَدَ بٍ يَن سِلُونَ (‪ )96‬وَاقَْترَ بَ‬
‫ت َي ْأجُو ُ‬
‫ِإذَا فُِتحَ ْ‬
‫صةٌ َأبْصَا ُر الّذِينَ َك َفرُوا يَا وَيْلَنَا َقدْ كُنّا فِي َغفْ َلةٍ‬
‫حقّ َفإِذَا هِ َي شَاخِ َ‬
‫اْلوَ ْعدُ الْ َ‬
‫ّم ْن هَذَا َبلْ كُنّا ظَالِ ِميَ (‪. ﴾ )97‬‬
‫ُمَ لَا‬
‫َامَ عَلَى َق ْرَيةٍ َأهَْل ْكنَاهَا َأّنه ْ‬
‫عَن ابَن عباس فَ قوله تعال ‪ ﴿ :‬وَحَر ٌ‬
‫يَ ْر ِجعُونَ ﴾ ‪ ،‬قال ‪ :‬ل يرجعون إل الدنيا قبل يوم القيامة ‪.‬‬
‫ج َو َمأْجُو جُ ﴾ ‪ ،‬قال ‪:‬‬ ‫ت َيأْجُو ُ‬ ‫وعن ا بن جريج قوله ‪َ ﴿ :‬حتّى إِذَا ُفتِحَ ْ‬
‫أمتان مَن وراء ردم ذي القرنيَ ‪ .‬وقال عمرو البكال ‪ :‬إن ال جزأ النفَس‬
‫عشرة أجزاء ‪ ،‬فت سعة من هم ‪ :‬يأجوج ومأجوج ‪ ،‬و سائر ال نس جزء ‪ .‬وقال‬
‫ج َوهُم مّن كُلّ َحدَ بٍ‬ ‫ج َو َمأْجُو ُ‬‫ت َيأْجُو ُ‬‫ابن زيد ف قوله ‪َ ﴿ :‬حتّى إِذَا ُفتِحَ ْ‬
‫ب اْل َوعْ ُد الْحَقّ ﴾ ‪ ،‬قال‬ ‫يَن سِلُونَ ﴾ ‪ ،‬قال ‪ :‬هذا مبتدأ يوم القيامة ‪ ﴿ ،‬وَاقْتَرَ َ‬
‫صةٌ َأبْصَارُ الّذِينَ َكفَرُوا ﴾ ‪ ،‬فل‬ ‫‪ :‬اقترب يوم القيامة منهم ‪ ﴿ ،‬فَِإذَا هِيَ شَاخِ َ‬
‫تكاد تطرف من شدة ذلك اليوم يقولون ‪ ﴿ :‬يَا َويْلَنَا قَدْ ُكنّ ا فِي َغفَْلةٍ مّ نْ‬
‫هَذَا بَلْ ُكنّا ظَالِ ِميَ ﴾ ‪.‬‬
‫وعن النواس بن سعان الكلب قال ‪ :‬ذكر رسول ال الدجال ذات يوم‬
‫فخفض فيه ورفع حت ظنناه ف ناحية النخل فقال ‪ « :‬غي الدجال أخوفن‬
‫علي كم فإن يرج وأنا فيكم فإنا حجي جه دونكم ‪ ،‬وإن يرج ول ست في كم‬
‫ف كل امرئ حج يج نف سه ‪ ،‬وال خليف ت على كل م سلم ‪ .‬وإ نه شاب ج عد‬
‫الزء الثالث‬ ‫‪166‬‬

‫ق طط ‪ ،‬عي نه طاف ية وإ نه يرج خلة ب ي الشام والعراق فعاث يينًا وشالً يا‬
‫عباد اثبتوا » قلنا ‪ :‬يا رسول ال ما ُلْبثُه ف الرض ؟ قال ‪ « :‬أربعون يومًا ‪،‬‬
‫يوم كسنة ‪ ،‬ويوم كشهر ‪ ،‬ويوم كجمعة ‪ ،‬وسائر أيامه كأيامكم » ‪ ،‬قلنا ‪:‬‬
‫يا رسول ال فذاك اليوم الذي هو كسنة أيكفينا فيه صلة يوم وليلة ؟ قال ‪:‬‬
‫« ل ‪ ،‬اقدروا له قدره » ‪ ،‬قلنا ‪ :‬يا رسول ال فما إسراعه ف الرض ؟ قال ‪:‬‬
‫« كالغ يث اشتدت به الر يح ‪ ،‬قال ‪ :‬فيم ّر بال يّ فيدعو هم في ستجيبون له ‪،‬‬
‫فيأمر السماء فتمطر والرض فتنبت ‪ ،‬وتروح عليهم سارحتهم وهي أطول ما‬
‫باليَ فيدعوهَم‬
‫ّ‬ ‫كانَت ذرى ‪ ،‬وأمدّه خواصَر ‪ ،‬وأسَبغه ضروعًا ‪ ،‬ويرَ‬
‫فيدّون عليه قوله ‪ ،‬فتتبعه أموالم فيصبحون محلي ليس لم من أموالم شيء‬
‫‪ ،‬ويرّ بالربة فيقول لا ‪ :‬أخرجي كنوزك ‪ ،‬فتتبعه كنوزها كيعاسيب النحل‬
‫‪ .‬قال ‪ :‬ويأمر برجل فيُقتل فيضربه بالسيف فيقطعه جزلتي رمية الغرض ‪ ،‬ث‬
‫يدعوه فيق بل إل يه ‪ ،‬فبين ما هم على ذلك إذ ب عث ال عز و جل ال سيح بن‬
‫مري ‪ ،‬فينل عند النارة البيضاء شرقي دمشق بي مهرودتي واضعًا يديه على‬
‫أجنحة ملكي ‪ ،‬فيتبعه فيدركه فيقتله عند باب لدّ الشرقي ‪ ،‬قال ‪ :‬فبينما هم‬
‫كذلك إذ أو حى ال عز و جل إل عي سى بن مر ي عل يه ال سلم ‪ :‬إ ن قد‬
‫أخر جت عبادًا من عبادي ل يدان ل حد بقتال م ‪ ،‬فحرّز عبادي إل الطور ‪،‬‬
‫فيب عث ال عز و جل يأجوج ومأجوج ‪ ،‬ك ما قال تعال ‪ ﴿ :‬وَهُم مّ ن كُلّ‬
‫ب يَنسِلُونَ ﴾ ‪.‬‬
‫حَدَ ٍ‬
‫‪167‬‬ ‫توفيق الرحن ف دروس القرآن‬

‫في غب عي سى وأ صحابه إل ال عز و جل ‪ ،‬في سل ال علي هم نغفًا ف‬


‫رقاب م في صبحون مو تى كن فس واحدة ‪ ،‬فيهبط عي سى وأ صحابه فل يدون‬
‫ف الرض بيتًا إل قد مله َزهَ ُم ُه ْم وَنتَُنهُ مْ ‪ ،‬فيغب عيسى وأصحابه إل ال‬
‫عز وجل ‪ ،‬فيسل ال عليهم طيًا كأعناق البخت فتحملهم فتطرحهم حيث‬
‫شاء ال ‪ ،‬قال ‪ :‬ويرسَل ال مطرًا ل يكَن منَه بيَت مدر ول وبر أربعيَ‬
‫يومًا ‪ ،‬فيغسل به الرض حت يتركها كالزلقة ‪ ،‬ويقال للرض ‪ :‬أنبت ثرك ‪،‬‬
‫و ُردّي برك تك ‪ .‬قال ‪ :‬فيومئذٍ يأ كل الن فر من الرما نة في ستظلّون بقحف ها ‪،‬‬
‫ويبارك ف الرسل حت أن اللقحة من البل لتكفي الفئام من الناس ‪ ،‬واللقحة‬
‫من البقر تكفي الفخذ ‪ ،‬والشاة من الغنم تكفي أهل البيت ‪ ،‬قال ‪ :‬فبينما هم‬
‫على ذلك إذ ب عث ال عز و جل ريًا طيّ بة فتأخذ هم ت ت آباط هم فتق بض‬
‫روح كَل مسَلم – أو قال ‪ :‬مؤمَن ‪ -‬ويبقَى شرار الناس يتهارجون تارج‬
‫الُمُر وعليهم تقوم الساعة » ‪ .‬رواه مسلم وغيه ‪.‬‬
‫وعن أب سعيد قال ‪ :‬قال رسول ال ‪ « :‬ليحجّن هذا البيت وليعتمر نّ‬
‫بعد خروج يأجوج ومأجوج » ‪ .‬رواه البخاري وغيه ‪.‬‬
‫وقال كعـب الحبار ‪ :‬فبينمَا الناس كذلك ‪ -‬يعنَ ‪ :‬بعَد هلك يأجوج‬
‫ومأجوج ‪ ، -‬إذ أتاهم الصريخ أن ذا السويقتي يريده ‪ ،‬قال ‪ :‬فيبعث عيسى‬
‫ا بن مر ي طلي عة سبعمائة ‪ ،‬ح ت إذ كانوا بب عض الطر يق ب عث ال ريًا يانيّة‬
‫طيبة ‪ ،‬فيقبض فيها روح كل مؤمن ‪ ،‬ث يبقى عجاج الناس فيتسافدون كما‬
‫تتسافد البهائم ‪ ،‬فمثل الساعة كمثل رجل يطيف حول فرسه مت تضع ‪.‬‬
‫الزء الثالث‬ ‫‪168‬‬

‫قوله عز وجل ‪ِ ﴿ :‬إنّكُ مْ َومَا َتعُْبدُو نَ مِن دُو نِ اللّ هِ حَ صَبُ َجهَنّ مَ أَنتُ مْ‬
‫لَهَا وَا ِردُو نَ (‪َ )98‬لوْ كَا َن هَ ُؤلَاء آِل َهةً مّ ا وَ َردُوهَا وَ ُك ّل فِيهَا خَاِلدُو نَ (‬
‫ت َلهُم مّنّا‬
‫ي َوهُمْ فِيهَا لَا يَسْ َمعُونَ (‪ )100‬إِنّ اّلذِينَ سََبقَ ْ‬
‫‪َ )99‬لهُ ْم فِيهَا َزفِ ٌ‬
‫سهَا َوهُ مْ فِي مَا‬
‫الْحُ سْنَى ُأ ْولَئِ كَ عَنْهَا مُ ْب َعدُو نَ (‪ )101‬لَا يَ سْ َمعُونَ حَ سِي َ‬
‫ُمـ‬
‫َعـ الْأَكَْب ُر َوتَتَ َلقّاه ُ‬
‫ُمـ اْل َفز ُ‬
‫ح ُزنُه ُ‬
‫ُونـ (‪ )102‬لَا يَ ْ‬
‫ُسـهُ ْم خَاِلد َ‬
‫َتـ أَنف ُ‬
‫اشَْته ْ‬
‫الْمَلَائِ َكةُ هَذَا يَ ْومُكُ ُم الّذِي كُنتُ ْم تُو َعدُونَ (‪َ )103‬يوْ َم نَ ْطوِي السّمَاء كَ َطيّ‬
‫ج ّل لِ ْلكُتُ بِ كَمَا َب َدأْنَا َأوّ َل خَلْ ٍق ّنعِيدُ هُ وَعْدا عَلَيْنَا ِإنّ ا كُنّ ا فَاعِلِيَ (‬
‫ال سّ ِ‬
‫‪. ﴾ )104‬‬
‫عن ا بن عباس ‪ِ ﴿ :‬إنّكُ ْم وَمَا َت ْعبُدُو نَ مِن دُو نِ اللّ هِ حَ صَبُ َج َهنّ مَ ﴾ ‪،‬‬
‫يقول ‪ :‬وقود ها ‪ .‬وقال الضحاك ‪ :‬يُر مى ب م في ها ‪ .‬وقال ا بن ز يد ف قوله‬
‫‪َ ﴿ :‬لوْ كَا نَ َهؤُلَاء آِل َه ًة مّ ا وَ َردُوهَا وَكُلّ فِيهَا خَاِلدُو نَ ﴾ ‪ ،‬قال ‪ :‬العا بد ‪،‬‬
‫والعبود ‪ .‬وقال السن البصري ‪ :‬ث استثن فقال ‪ِ ﴿ :‬إنّ الّذِي نَ َسَبقَتْ َلهُم‬
‫ك َعنْهَا ُمبْعَدُو نَ ﴾ ‪ ،‬ف قد عُبدت اللئ كة من دون ال ‪،‬‬ ‫سنَى ُأوَْلئِ َ‬ ‫ّمنّ ا الْحُ ْ‬
‫وعزير ‪ ،‬وعيسى من دون ال ‪ .‬وقال ابن إسحاق ‪ :‬جلس رسول ال فيما‬
‫بلغن يومًا مع الوليد بن الغية فجاء النضر بن الارث حت جلس معهم ‪،‬‬
‫وفَ الجلس غيَ واحَد مَن رجال قريَش ‪ ،‬فتكلّم رسَول ال فعرض له‬
‫النضر بن الارث وكلّمه رسول ال حت ألمه ث تل عليه وعليهم ‪﴿ :‬‬
‫صبُ َج َهنّ مَ أَنتُ مْ لَهَا وَا ِردُو نَ * َلوْ كَا نَ‬
‫ِإّنكُ ْم وَمَا َت ْعبُدُو َن مِن دُو نِ اللّ هِ حَ َ‬
‫‪169‬‬ ‫توفيق الرحن ف دروس القرآن‬

‫ُمَ فِيهَا لَا‬ ‫ُونَ ﴾ إل قوله ‪َ ﴿ :‬وه ْ‬ ‫َهؤُلَاء آِل َهةً مّاَ وَرَدُوهَا وَكُلّ فِيهَا خَالِد َ‬
‫يَ سْ َمعُونَ ﴾ ‪ ،‬ث قام ر سول ال وأق بل ع بد ال بن ال ّزَبعْرى ح ت جلس ‪،‬‬
‫فقال الول يد بن الغية لع بد ال بن ال ّزَبعْرى ‪ :‬وال ما قام الن ضر بن الارث‬
‫لبن عبد الطلب آنفًا وما قعد ‪ ،‬وقد زعم أنا وما نعبد من آلتنا هذه حصب‬
‫جه نم ‪ ،‬فقال ع بد ال بن الزبعري ‪ :‬أ ما وال لو وجد ته ل صمته ‪ ،‬ف سلوا‬
‫ممدًا ‪ :‬أ كل من عُ بد من دون ال ف جه نم مع من عبده ؟ فن حن نع بد‬
‫اللئ كة ‪ ،‬واليهود تع بد عُزَيرًا ‪ ،‬والن صارى تع بد ال سيح عي سى ا بن مر ي ‪،‬‬
‫فعجب الوليد بن الغية ومن كان ف الجلس من قول عبد ال بن ال ّزَبعْرى ‪،‬‬
‫واحتجَ ‪ ،‬فذكَر ذلك لرسَول ال مَن قول ابَن‬ ‫ّ‬ ‫ورأوا أنَه قاتَد خاصَم‬
‫ال ّزَبعْرى ‪ ،‬فقال ر سول ال ‪ « :‬ن عم كل من أ حب أن يُع بد من دون ال‬
‫فهو مع من عبد ‪ ،‬إنا يعبدون الشياطي ومن أمرهم بعبادتم » ؟ فأنزل عز‬
‫سنَى أُوَلئِ كَ َعنْهَا ُمبْعَدُو نَ ﴾ إل‬ ‫و جل ‪ ﴿ :‬إِنّ الّذِي نَ َسَب َقتْ َلهُ ْم ِمنّ ا الْحُ ْ‬
‫‪ ﴿ :‬خالِدُو نَ ﴾ ‪ ،‬أي ‪ :‬عيسى ابن مري ‪ ،‬وعُزير ‪ ،‬ومن عبدوا من الحبار‬
‫والرهبان الذ ين مضوا على طا عة ال ‪ ،‬فاتذهم مَ ْن َبعْ َدهُ مْ من أ هل الضللة‬
‫أربابًا من دون ال ‪ ،‬فأنزل ال فيما ذكروا أنم يعبدون اللئكة وأنا بنات ال‬
‫سِبقُونَ ُه بِاْلقَوْلِ‬
‫‪ ﴿ :‬وَقَالُوا اتّخَذَ الرّ ْحمَ ُن وَلَدًا ُسبْحَانَ ُه بَ ْل عِبَادٌ مُكْ َرمُونَ * لَا يَ ْ‬
‫ش َفعُو نَ إِلّا ِلمَ نِ‬
‫وَهُم ِبَأمْرِ هِ َيعْمَلُو نَ * َيعْلَ ُم مَا َبيْ نَ َأيْدِيهِ ْم وَمَا خَ ْل َفهُ ْم وَلَا يَ ْ‬
‫شفِقُو نَ * َومَن َيقُلْ ِمْنهُ مْ ِإنّي إِلَ ٌه مّن دُونِ هِ فَذَلِ كَ‬ ‫شَيتِ ِه مُ ْ‬
‫ا ْرَتضَى َوهُم مّ نْ خَ ْ‬
‫جزِي الظّالِمِيَ ﴾ ‪.‬‬ ‫ك نَ ْ‬‫جزِيهِ َج َهنّمَ كَذَلِ َ‬ ‫نَ ْ‬
‫الزء الثالث‬ ‫‪170‬‬

‫وقوله تعال ‪َ ﴿ :‬يوْمَ نَ ْطوِي السّمَاء كَ َطيّ السّجِلّ لِ ْل ُكتُبِ ﴾ ‪ ،‬قال ابن عباس‬
‫‪ :‬يقول ‪ :‬كطي الصحف ‪ .‬وروى البخاري وغيه عن النب ‪ « :‬يقبض‬
‫ال الرض ويطوي السماء بيمينه ‪ ،‬ث يقول ‪ :‬أنا اللك ‪ ،‬أين ملوك الرض ؟‬
‫ضتُهُ َي ْومَ‬
‫» وقد قال ال تعال ‪َ ﴿ :‬ومَا قَ َدرُوا اللّهَ َحقّ قَدْ ِر ِه وَالْأَ ْرضُ َجمِيعا َقْب َ‬
‫ت ِبيَمِينِ ِه ُسبْحَانَ ُه َوتَعَالَى عَمّا يُشْرِكُونَ ﴾ ‪.‬‬ ‫اْل ِقيَا َم ِة وَالسّماوَاتُ مَ ْط ِويّا ٌ‬
‫قوله عز و جل ‪َ ﴿ :‬وَل َقدْ كَتَبْنَا فِي ال ّزبُو ِر مِن َبعْ ِد الذّ ْك ِر أَنّ الْأَرْ ضَ‬
‫َي ِرثُهَا عِبَادِ يَ ال صّالِحُونَ (‪ )105‬إِنّ فِي َهذَا لَبَلَاغا لّ َقوْ مٍ عَابِدِي نَ (‪)106‬‬
‫َومَا أَ ْرسَلْنَا َك ِإلّا َرحْ َمةً لّلْعَالَمِيَ (‪. ﴾ )107‬‬
‫عن ماهد ف قوله ‪ ﴿ :‬ال ّزبُورِ ﴾ قال ‪ :‬الكتاب ‪ ﴿ ،‬مِن َبعْدِ الذّكْرِ ﴾ ‪،‬‬
‫قال ‪ :‬أم الكتاب عند ال ‪ .‬وقال ابن زيد ‪ :‬الزبور ‪ :‬الكتب الت أنزلت على‬
‫النَبياء ‪ ،‬والذكَر ‪ :‬أم الكتاب الذي تكتَب فيَه الشياء قبَل ذلك ‪ ﴿ ،‬أَنّ‬
‫ي ال صّالِحُونَ ﴾ ‪ ،‬قال ‪ :‬ال نة ‪ ،‬وقرأ قول ال ج ّل ثناؤه‬ ‫ض يَ ِرثُهَا ِعبَادِ َ‬‫اْلأَرْ َ‬
‫جّنةِ‬
‫ِنَ الْ َ‬
‫ْضَ نََتَب ّوأُ م َ‬
‫َهَ َوَأوْ َرثَنَا اْلأَر َ‬
‫صَدََقنَا َوعْد ُ‬
‫ّهَ الّذِي َ‬ ‫‪ ﴿ :‬وَقَالُوا الْحَ ْمدُ لِل ِ‬
‫ث نَشَاء َفِنعْمَ أَجْ ُر اْلعَامِلِيَ ﴾ ‪.‬‬
‫َحيْ ُ‬
‫وعن ابن عباس ف قوله ‪َ ﴿ :‬ومَا أَ ْرسَ ْلنَاكَ إِلّا َرحْ َمةً لّ ْلعَاَلمِيَ ﴾ ‪ ،‬قال تت‬
‫الرحة لن آمن به ف الدنيا والخرة ‪ ،‬ومن ل يؤمن به عوف ما أصاب المم‬
‫قبل ‪.‬‬
‫‪171‬‬ ‫توفيق الرحن ف دروس القرآن‬

‫قوله عز وجل ‪ُ ﴿ :‬قلْ ِإنّمَا يُوحَى ِإلَيّ َأنّمَا ِإَل ُهكُ ْم ِإلَ ٌه وَا ِحدٌ َف َه ْل أَنتُم‬
‫ب أَم‬
‫مّ سْلِمُونَ (‪َ )108‬فإِن َتوَّلوْا َف ُقلْ آذَنتُكُ مْ عَلَى سَوَاء َوإِ ْن َأدْرِي َأ َقرِي ٌ‬
‫ج ْه َر مِ نَ اْلقَ ْولِ َوَيعْلَ مُ مَا تَكْتُمُو نَ (‬
‫َبعِيدٌ مّ ا تُو َعدُو نَ (‪ِ )109‬إنّ هُ َيعْلَ مُ الْ َ‬
‫‪َ )110‬وإِ ْن َأدْرِي َلعَلّ هُ فِتَْن ٌة ّلكُ مْ وَمَتَا عٌ إِلَى حِيٍ (‪ )111‬قَالَ َربّ احْكُم‬
‫صفُونَ (‪. ﴾ )112‬‬
‫حقّ وَ َربّنَا ال ّرحْ َمنُ الْ ُمسَْتعَانُ عَلَى مَا تَ ِ‬
‫بِالْ َ‬
‫عن ا بن جر يج ‪َ ﴿ :‬وإِ نْ أَدْرِي أَقَرِي بٌ أَم َبعِي ٌد مّ ا تُوعَدُو نَ ﴾ ‪ ،‬قال ‪:‬‬
‫الجل ‪ .‬وعن ابن عباس ‪َ ﴿ :‬وإِ نْ أَدْرِي َلعَلّ هُ ِفْتَنةٌ ّلكُ ْم َو َمتَا عٌ إِلَى ِحيٍ ﴾ ‪،‬‬
‫يقول ‪ :‬ل عل ما أقرب ل كم من العذاب وال ساعة ‪ :‬أن يؤ خر عن كم لدت كم‬
‫‪َ ﴿ ،‬و َمتَا عٌ إِلَى حِيٍ ﴾ في صي قول ذلك ل كم فت نة ﴿ قَالَ رَبّ احْكُم‬
‫حقّ ﴾ ‪ ،‬قال ‪ :‬ل يكم بالق إلّ ال ولكن إنا استعجل بذلك ف الدنيا‬ ‫بِالْ َ‬
‫يسأل ربّه على قومه ‪.‬‬
‫صفُونَ‬ ‫وقال ا بن كث ي ‪ :‬وقوله ‪ ﴿ :‬وَ َربّنَا الرّحْ َم ُن الْمُ ْ‬
‫ستَعَا ُن عَلَى مَا تَ ِ‬
‫﴾ أي ‪ :‬على مَا يقولون ويفترون مَن الكذب ‪ .‬وقال البغوي ‪ :‬فإن قيَل ‪:‬‬
‫كيف قال ‪ ﴿ :‬ا ْحكُم بِالْحَقّ ﴾ وال ل ي كم إ ّل بال ق ؟ ! ق يل ‪ :‬الق ها‬
‫هنَا بعنَ ‪ :‬العذاب ‪ ،‬لنَه اسَتعجل العذاب لقومَه فعُذّبوا يوم بدر ‪ ،‬نظيه‬
‫حيَ ﴾ ‪.‬‬‫قوله تعال ‪َ ﴿ :‬رّبنَا ا ْفتَ ْح َبيَْننَا َوبَيْنَ َق ْو ِمنَا بِالْحَ ّق َوأَنتَ َخْي ُر الْفَاتِ ِ‬

‫***‬
‫الزء الثالث‬ ‫‪172‬‬

‫الدرس الامس والسبعون بعد الائة‬

‫[ سورة الج ]‬
‫مكية ‪ ،‬وقيل ‪ :‬مدنية ‪ ،‬وهي ثان وسبعون آية‬
‫قال البغوي ‪ :‬سورة الج مكية ‪ ،‬إلّ ‪َ ﴿ :‬ومِ َن النّا سِ مَن َي ْعبُدُ اللّ َه عَلَى‬
‫حَرْفٍ ﴾ اليتي ‪ ،‬أو إل ‪ ﴿ :‬هَذَانِ َخصْمَانِ ﴾ الست آيات ‪ ،‬فمدنيّات ‪.‬‬
‫بسم ال الرحن الرحيم‬
‫﴿ يَا َأيّهَا النّا سُ اّتقُوا َربّكُ ْم إِنّ َزْلزََلةَ ال سّا َعةِ شَيْءٌ َعظِي مٌ (‪َ )1‬يوْ مَ‬
‫َاتـ حَ ْم ٍل حَمْلَهَا‬
‫َعـ ُك ّل ذ ِ‬
‫َتـ َوتَض ُ‬
‫ضع ْ‬‫ضعَةٍ عَمّاـ أَرْ َ‬
‫َت َروْنَهَا َتذْ َهلُ ُك ّل ُمرْ ِ‬
‫َوَترَى النّا سَ ُسكَارَى َومَا هُم بِ سُكَارَى َولَ ِكنّ َعذَا بَ اللّ هِ َشدِيدٌ (‪ )2‬وَمِ نَ‬
‫النّاسِ مَن يُجَادِ ُل فِي اللّهِ ِبغَ ْيرِ عِلْ ٍم َويَتّبِعُ ُك ّل شَيْطَانٍ ّمرِيدٍ (‪ )3‬كُِتبَ عَلَيْهِ‬
‫س إِن‬
‫ب ال سّعِيِ (‪ )4‬يَا َأيّهَا النّا ُ‬
‫َأنّ هُ مَن َتوَلّا هُ َفَأنّ هُ يُضِلّ ُه َويَ ْهدِي ِه ِإلَى َعذَا ِ‬
‫ب ثُمّ مِن نّ ْطفَ ٍة ُثمّ مِنْ عَ َل َقةٍ‬
‫ث َفإِنّا خَلَقْنَاكُم مّن ُترَا ٍ‬
‫ب مّنَ الَْبعْ ِ‬
‫كُنتُمْ فِي َريْ ٍ‬
‫ض َغةٍ مّخَ ّل َق ٍة وَغَ ْي ِر مُخَ ّل َقةٍ لّنُبَيّ َن َلكُ ْم َونُ ِق ّر فِي اْلأَرْحَا ِم مَا َنشَاء ِإلَى‬
‫ُثمّ مِن مّ ْ‬
‫ل ُث ّم لِتَبْ ُلغُوا أَ ُشدّ ُكمْ َومِنكُم مّن يَُت َوفّى َومِنكُم‬
‫خ ِرجُ ُكمْ ِطفْ ً‬
‫َأ َجلٍ ّمسَمّى ثُ ّم نُ ْ‬
‫ض هَامِ َدةً‬
‫مّن ُيرَ ّد ِإلَى أَ ْرذَ ِل اْلعُ ُمرِ ِلكَيْلَا َيعْلَ مَ مِن َبعْدِ عِلْ ٍم شَيْئا وََترَى اْلأَرْ َ‬
‫ج َبهِيجٍ (‪َ )5‬ذلِكَ‬
‫ت مِن ُكلّ َزوْ ٍ‬
‫ت َوأَنبَتَ ْ‬
‫َفِإذَا أَنزَلْنَا عَلَ ْيهَا الْمَاء اهَْتزّتْ وَ َربَ ْ‬
‫ِبأَنّ اللّ َه ُهوَ الْحَقّ َوَأنّ هُ ُيحْيِي الْمَوْتَى وََأنّ هُ عَلَى ُك ّل شَيْ ٍء َقدِيرٌ (‪َ )6‬وأَنّ‬
‫س مَن‬
‫ب فِيهَا َوأَنّ اللّ َه يَ ْبعَثُ مَن فِي اْلقُبُورِ (‪ )7‬وَمِ َن النّا ِ‬
‫السّا َعةَ آتَِي ٌة لّا َريْ َ‬
‫‪173‬‬ ‫توفيق الرحن ف دروس القرآن‬

‫ضلّ‬
‫ب مّنِيٍ (‪ )8‬ثَانِ يَ عِ ْطفِ هِ لِيُ ِ‬
‫يُجَا ِدلُ فِي اللّ ِه ِبغَيْرِ عِلْ ٍم وَلَا هُدًى َولَا كِتَا ٍ‬
‫حرِي قِ (‪)9‬‬
‫ب الْ َ‬
‫عَن سَبِي ِل اللّ ِه لَ هُ فِي ال ّدنْيَا ِخزْ يٌ وَُنذِيقُ هُ يَوْ َم اْلقِيَا َمةِ َعذَا َ‬
‫س بِظَلّا ٍم لّ ْلعَبِيدِ (‪. ﴾ )10‬‬
‫َذِلكَ بِمَا َق ّدمَتْ َيدَا َك وَأَ ّن ال ّلهَ لَيْ َ‬

‫***‬
‫الزء الثالث‬ ‫‪174‬‬

‫س اتّقُوا َرّب ُكمْ إِنّ َزْل َزَلةَ السّا َع ِة َشيْءٌ عَظِيمٌ‬


‫قوله عز وجل ‪ ﴿ :‬يَا َأيّهَا النّا ُ‬
‫ت وَتَضَ عُ ُك ّل ذَا تِ حَ ْملٍ‬
‫ضعَ ْ‬
‫ضعَةٍ َعمّ ا أَرْ َ‬
‫(‪َ )1‬يوْ َم َت َر ْونَهَا َت ْذهَلُ ُك ّل ُمرْ ِ‬
‫حَمْ َلهَا وََترَى النّا سَ سُكَارَى وَمَا هُم بِ سُكَارَى وََل ِكنّ َعذَا بَ اللّ ِه شَدِيدٌ (‬
‫‪. ﴾ )2‬‬
‫روى ابن جرير وغيه عن أب هريرة قال ‪ :‬قال رسول ال ‪ « :‬إن ال‬
‫لاَ فرغ مَن خلق السَماوات والرض خلق الصَور فأعطاه إسَرافيل ‪ ،‬فهَو‬
‫واضعه على فيه شاخص ببصره إل العرش ينتظر مت يؤمر » ‪ .‬قال أبو هريرة‬
‫‪ :‬يا ر سول ال و ما ال صور ؟ قال ‪ « :‬قرن » ‪ .‬قال ‪ :‬فك يف هو ؟ قال ‪« :‬‬
‫قرن عظيم ينفخ فيه ثلث نفخات ‪ :‬الول ‪ :‬نفخة الفزع ‪ ،‬والثانية ‪ :‬نفخة‬
‫الصعق ‪ ،‬والثالثة ‪ :‬نفخة القيام لرب العالي ‪ .‬يأمر ال إسرافيل بالنفخة الول‬
‫‪ .‬فيقول ‪ :‬ان فخ نف خة الفزع ‪ ،‬فيفزع أ هل ال سماوات وأ هل الرض إل من‬
‫شاء ال ‪ ،‬ويأمره فيمدّ ها ويطوّل ا ول يف تر ‪ ،‬و هي ال ت يقول ال تعال ‪﴿ :‬‬
‫ح ًة وَاحِ َدةً مّ ا لَهَا مِن َفوَا قٍ ﴾ فت سي البال فتكون‬
‫صيْ َ‬
‫وَمَا يَن ُظ ُر َهؤُلَاء إِلّا َ‬
‫ُفَ‬
‫ْمَ تَرْج ُ‬
‫وترجَ الرض رجّاَ ‪ ،‬وهَي التَ يقول ال تعال ‪َ ﴿ :‬يو َ‬ ‫ّ‬ ‫سَرابًا ‪،‬‬
‫ُوبَ َيوْ َمئِ ٍذ وَا ِج َفةٌ ﴾ فتكون الرض كالسَفينة‬
‫الرّا ِج َفةُ * َتْتبَعُه َا الرّادَِفةُ * ُقل ٌ‬
‫الوثقَة فَ البحَر تضرباَ المواج تكفَأ بأهلهَا ‪ ،‬وكالقنديَل العلّق بالعرش‬
‫ترجحه الرواح فتميد الناس على ظهرها ‪ ،‬فتذهل الراضع وتضع الوامل ‪،‬‬
‫ويش يب الولدان ‪ ،‬وتط ي الشياط ي هار بة ح ت تأ ت القطار فتلقّا ها اللئ كة‬
‫‪175‬‬ ‫توفيق الرحن ف دروس القرآن‬

‫فتضرب وجوهها فترجع ‪ ،‬ويولّي الناس مدبرين ينادي بعضهم بعضًا ‪ ،‬وهي‬
‫الت يقول ال تعال ‪َ ﴿ :‬يوْ َم التّنَادِ * َيوْ مَ ُتوَلّو َن مُ ْدبِرِي َن مَا َلكُم مّ نَ اللّ هِ مِ نْ‬
‫عَاصِ ٍم ﴾ ‪ ،‬فبينما هم على ذلك إذا انصدعت الرض من قطر إل قطر ورأوا‬
‫أمرًا عظيمًا ‪ ،‬فأخذهم لذلك من الكرب ما ال أعلم به ‪ ،‬ث نظروا إل السماء‬
‫فإذا هي كال هل ث خ سف ش سها وقمر ها وانتثرت نوم ها ‪ ،‬ث كُش طت‬
‫عنهم ؛ قال رسول ال ‪ « :‬والموات ل يعلمون بشيء من ذلك » ‪ .‬قال‬
‫ت َومَن فِي‬ ‫أبو هريرة ‪ :‬فمن استثن ال حي يقول ‪َ ﴿ :‬ف َفزِعَ مَن فِي السّمَاوَا ِ‬
‫اْلأَرْ ضِ إِلّا مَن شَاء اللّ هُ ﴾ ؟ قال ‪ « :‬أولئك الشهداء ‪ ،‬وإن ا ي صل الفزع إل‬
‫الحياء ‪ ،‬أولئك أحياء عند ربم يرزقون ‪ ،‬ووقاهم ال شر ذلك اليوم وآمنهم‬
‫‪ ،‬وهو عذاب ال يبعثه على شرار خلقه ‪ ،‬وهو الذي يقول ‪ ﴿ :‬يَا َأّيهَا النّاسُ‬
‫ض َعةٍ عَمّا‬‫اّتقُوا َرّبكُ مْ ِإنّ زَْلزََلةَ ال سّا َعةِ َشيْ ٌء عَظِي مٌ * َيوْمَ تَ َر ْوَنهَا تَ ْذهَلُ كُ ّل ُمرْ ِ‬
‫سَكَارَى وَمَا هُم‬ ‫ّاسَ ُ‬‫َاتَ َحمْلٍ َحمْلَهَا َوتَرَى الن َ‬ ‫َعَ كُلّ ذ ِ‬ ‫َتَ َوَتض ُ‬ ‫ضع ْ‬ ‫أَرْ َ‬
‫سكَارَى وََلكِنّ عَذَا بَ اللّ ِه شَدِيدٌ ﴾ » ‪ .‬وعن ابن مسعود قال ‪ :‬قال رسول‬ ‫بِ ُ‬
‫ال ‪ « :‬إن ال يبعث يوم القيامة مناديًا ‪ :‬يا آدم إن ال يأمرك أن تبعث بعثًا‬
‫من ذريتك إل النار ‪ ،‬فيقول آدم ‪ :‬يا رب مَ نْ هم ‪ .‬فيقال له ‪ :‬من كل مائة‬
‫ت سعة وت سعون » ‪ .‬فقال ر جل من القوم ‪ :‬من هذا النا جي م نا ب عد هذا يا‬
‫ر سول ال ؟ قال ‪ « :‬هل تدرون ؟ ما أن تم ف الناس إل كالشا مة ف صدر‬
‫البعي » ‪ .‬رواه أحد ‪.‬‬
‫الزء الثالث‬ ‫‪176‬‬

‫وفَ الصَحيحي عَن أبَ سَعيد قال ‪ :‬قال النَب ‪ « :‬يقول ال تعال يوم‬
‫القيا مة ‪ :‬يا آدم ‪ .‬فيقول ‪ :‬لبيّك رب نا و سعديك ‪ ،‬فينادى ب صوت ‪ :‬إن ال‬
‫يأمرك أن ترج من ذريتك بعثًا إل النار ‪ ،‬قال ‪ :‬يا رب وما بعث النار ؟ قال‬
‫‪ :‬من كل ألف ‪ -‬أراه قال ‪ -‬تسع مائة وتسعة وتسعي ‪ ،‬فحينئذٍ تضع الامل‬
‫سكَارَى وَلَكِنّ‬
‫حلها ‪ ،‬ويش يب الول يد ‪َ ﴿ ،‬وتَرَى النّا سَ ُسكَارَى َومَا هُم بِ ُ‬
‫عَذَا بَ اللّ ِه شَدِيدٌ ﴾ فش قّ ذلك على الناس حت تغيّرت وجوههم ‪ ،‬قال النب‬
‫‪ « :‬من يأجوج ومأجوج تسعمائة وتسعة وتسعي ‪ ،‬ومنكم واحد ‪ .‬أنتم‬
‫ف الناس كالشعرة ال سوداء ف ج نب الثور الب يض ‪ ،‬أو كالشعرة البيضاء ف‬
‫جنب الثور السود ‪ ،‬إن لرجو أن تكونوا ربع أهل النة » ‪ .‬فكبّرنا ث قال‬
‫‪ « :‬ثلث أهل النة » ‪ .‬فكبنا ث قال ‪ « :‬شطر أهل النة » ‪ .‬فكبنا ‪.‬‬
‫س مَن ُيجَا ِدلُ فِي اللّ ِه ِبغَ ْيرِ عِلْ مٍ َويَتّبِ عُ ُكلّ‬
‫قوله عز وجل ‪َ ﴿ :‬ومِ َن النّا ِ‬
‫شَيْطَا ٍن ّمرِيدٍ (‪ )3‬كُتِ بَ عَلَيْ هِ أَنّ ُه مَن َت َولّا ُه َفأَنّ هُ يُضِلّ هُ َوَيهْدِي هِ ِإلَى َعذَا بِ‬
‫سعِيِ (‪. ﴾ )4‬‬
‫ال ّ‬
‫قال ماهد ‪َ ﴿ :‬توَلّا هُ ﴾ اتبعه ‪ .‬وعن قتادة ‪ُ ﴿ :‬كتِ بَ عََليْ هِ أَنّ هُ مَن َتوَلّا هُ‬
‫﴾ ‪ ،‬قال ‪ :‬كتب على الشيطان أنه من اتبع الشيطان من خلق ال ‪.‬‬
‫ب مّ نَ الَْبعْ ثِ َفِإنّ ا‬
‫قوله عز و جل ‪ ﴿ :‬يَا أَيّهَا النّا سُ إِن كُنتُ ْم فِي َريْ ٍ‬
‫ضغَ ٍة مّخَ ّل َقةٍ وَغَ ْيرِ‬
‫ب ثُمّ مِن نّ ْطفَ ٍة ثُمّ مِ نْ عَ َل َق ٍة ثُمّ مِن مّ ْ‬
‫خَ َلقْنَاكُم مّ ن ُترَا ٍ‬
‫خ ِر ُجكُ مْ‬
‫مُخَ ّل َق ٍة لّنُبَيّ نَ لَكُ مْ َوُن ِقرّ فِي اْلأَ ْرحَا ِم مَا َنشَاء ِإلَى َأ َجلٍ مّ سَمّى ُثمّ نُ ْ‬
‫‪177‬‬ ‫توفيق الرحن ف دروس القرآن‬

‫ل ُثمّ لِتَبْ ُلغُوا أَ ُشدّكُ ْم َومِنكُم مّن يَُت َوفّى َومِنكُم مّن ُي َردّ ِإلَى أَ ْر َذلِ اْلعُ ُمرِ‬
‫ِطفْ ً‬
‫ض هَامِ َد ًة َفإِذَا أَن َزلْنَا عَلَيْهَا الْمَاء‬
‫ِلكَيْلَا َيعْلَ مَ مِن َبعْدِ عِلْ ٍم شَيْئا وََترَى اْلأَرْ َ‬
‫ت مِن ُكلّ َزوْ جٍ بَهِي جٍ (‪َ )5‬ذلِ كَ ِبأَنّ اللّ َه ُهوَ الْحَقّ‬
‫ت وَأَنبَتَ ْ‬
‫ت وَ َربَ ْ‬
‫اهَْتزّ ْ‬
‫َوَأنّ ُه يُحْيِي الْ َم ْوتَى َوَأنّ هُ عَلَى ُك ّل شَيْ ٍء َقدِيرٌ (‪َ )6‬وأَنّ ال سّا َعةَ آتَِيةٌ لّا َريْ بَ‬
‫ث مَن فِي الْقُبُورِ (‪. ﴾ )7‬‬
‫فِيهَا وَأَ ّن ال ّلهَ يَ ْبعَ ُ‬
‫خّل َقةٍ ﴾ ‪ ،‬قال ‪ :‬تامّة وغي تامّة‬ ‫خّل َقةٍ َو َغيْ ِر مُ َ‬
‫عن قتادة ف قول ال ‪ ﴿ :‬مّ َ‬
‫‪ .‬قال ابن جرير ‪ :‬الخلقة الصورة خلقًا تامًا ‪ ،‬وغي الخلّقة أسقط قبل تام‬
‫سمّى‬‫خلقه ‪ .‬وقال ابن زيد ف قوله ‪َ ﴿ :‬وُنقِرّ فِي الْأَ ْرحَا ِم مَا نَشَاء إِلَى أَجَ ٍل مّ َ‬
‫﴾ ‪ ،‬قال ‪ :‬الجل السمى ‪ :‬إقامته ف الرحم حت يرج ‪.‬‬
‫وعَن ابَن جر يج فَ قوله ‪َ ﴿ :‬وتَرَى الْأَرْضََ هَامِ َدةً ﴾ ‪ ،‬قال ‪ :‬ل نبات‬
‫َتَ ﴾ ‪ ،‬قال قتادة ‪ :‬حسَنت‬ ‫ّتَ وَ َرب ْ‬ ‫فيهَا ‪ ﴿ ،‬فَِإذَا أَنزَلْنَا عََليْهَا الْمَاء اهْتَز ْ‬
‫ج َبهِي جٍ ﴾ ‪ ،‬قال ‪ :‬حسن ‪.‬‬ ‫ت مِن كُلّ َز ْو ٍ‬ ‫وعرف الغيث ف ربوها ‪َ ﴿ ،‬وأَنَبتَ ْ‬
‫ْجَ ﴾ مَن كَل نوع ‪ .‬قال ابـن كثيـ ‪:‬‬
‫وقال ابَن جريَر ‪ ﴿ :‬فَ كُلّ َزو ٍ‬
‫ج َبهِي جٍ ﴾ ‪ ،‬أي ‪ :‬ح سن الن ظر ‪ ،‬ط يب الر يح ‪.‬‬
‫﴿ َوأَنَبتَ تْ مِن كُلّ َزوْ ٍ‬
‫حقّ ﴾ ‪،‬‬ ‫قال البغوي ‪ :‬فهذا دليل آخر على البعث ‪ ﴿ .‬ذَلِ َ‬
‫ك ِبأَنّ اللّ َه ُهوَ الْ َ‬
‫أي ‪ :‬لتعلموا أن ال هو ال ق ‪َ ﴿ ،‬وَأنّ هُ يُحْيِي الْ َموْتَى َوأَنّ ُه عَلَى كُ ّل َشيْءٍ‬
‫ث مَن فِي الْ ُقبُورِ ﴾ ‪.‬‬ ‫َقدِيرٌ * َوَأنّ السّا َعةَ آِتَيةٌ لّا َرْيبَ فِيهَا َوَأنّ اللّ َه َيْبعَ ُ‬
‫الزء الثالث‬ ‫‪178‬‬

‫س مَن يُجَادِ ُل فِي اللّ هِ ِبغَ ْيرِ عِلْ مٍ َولَا ُهدًى‬


‫قوله عز وجل ‪ ﴿ :‬وَمِ نَ النّا ِ‬
‫ضلّ عَن سَبِيلِ اللّ ِه لَ هُ فِي ال ّدنْيَا ِخزْ يٌ‬
‫ب مّنِيٍ (‪ )8‬ثَانِ يَ عِ ْطفِ هِ لِيُ ِ‬
‫َولَا كِتَا ٍ‬
‫حرِي قِ (‪َ )9‬ذلِ كَ بِمَا َق ّدمَ تْ َيدَا َك وَأَنّ اللّ هَ‬
‫َوُنذِيقُ هُ َيوْ َم الْقِيَا َمةِ َعذَا بَ الْ َ‬
‫س بِظَلّا ٍم لّ ْلعَبِيدِ (‪. ﴾ )10‬‬
‫لَيْ َ‬
‫قال البغوي ‪َ ﴿ :‬ومِ َن النّا ِ‬
‫س مَن ُيجَادِلُ فِي اللّ ِه ِب َغيْ ِر عِلْ ٍم وَلَا هُدًى وَلَا‬
‫ِكتَا بٍ ّمنِيٍ * ثَانِ َي عِ ْطفِ هِ ﴾ ‪ ،‬متبخترًا لت كبه ‪ ،‬وقال ا بن كث ي ‪ :‬ل ا ذ كر‬
‫س مَن يُجَادِلُ فِي‬ ‫تعال حال الضلّل الهال القلد ين ف قوله ‪َ ﴿ :‬ومِ َن النّا ِ‬
‫اللّ ِه ِب َغيْ ِر عِلْ ٍم َوَيّتبِعُ كُ ّل َشيْطَا ٍن مّرِيدٍ ﴾ ذكر ف هذه حال الدعاة إل الضلل‬
‫س مَن يُجَادِلُ فِي اللّ هِ بِ َغيْ ِر عِ ْل مٍ‬
‫من رؤوس الكفر والبدع فقال ‪َ ﴿ :‬ومِ َن النّا ِ‬
‫وَلَا هُدًى وَلَا ِكتَا بٍ ّمنِيٍ ﴾ ‪ ،‬أي ‪ :‬بل ع قل صحيح ول ن قل صريح ‪ ،‬بل‬
‫ي َونُذِيقُ هُ‬
‫بجرد الوى ‪ ﴿ ،‬ثَانِ يَ عِ ْطفِ هِ ِلُيضِلّ عَن َسبِيلِ اللّ هِ لَ هُ فِي ال ّدْنيَا ِخزْ ٌ‬
‫ك بِمَا قَ ّدمَ تْ يَدَا َك َوأَنّ اللّ هَ َليْ سَ بِظَلّا مٍ‬ ‫ب الْحَرِي قِ * ذَلِ َ‬ ‫َيوْ َم اْلقِيَا َم ِة عَذَا َ‬
‫لّ ْلعَبِيدِ ﴾ ‪ ،‬وقال ا بن ز يد ‪ ﴿ :‬ثَانِ يَ عِ ْطفِ هِ ِلُيضِلّ عَن َسبِيلِ اللّ هِ ﴾ ‪ ،‬قال ‪:‬‬
‫لويًا رأسه معرضًا موليًا ل يريد أن يسمع ما قيل له ‪ ،‬وقرأ ‪َ ﴿ :‬وإِذَا قِيلَ َلهُمْ‬
‫َصَدّونَ وَه ُم‬ ‫ُمَ ي ُ‬ ‫ُوسَهُ ْم وَ َرَأيَْته ْ‬
‫ّهَ َل ّووْا ُرؤ َ‬ ‫ُمَ رَسَُولُ الل ِ‬ ‫َسََتغْفِرْ َلك ْ‬
‫َتعَاَلوْا ي ْ‬
‫سَتكْبِرا ﴾ ‪.‬‬ ‫سَتكْبِرُونَ ﴾ ‪َ ﴿ ،‬وإِذَا ُتتْلَى عََليْهِ آيَاُتنَا وَلّى مُ ْ‬ ‫مّ ْ‬

‫***‬
‫‪179‬‬ ‫توفيق الرحن ف دروس القرآن‬

‫الدرس السادس والسبعون بعد الائة‬

‫س مَن َيعُْبدُ اللّ هَ عَلَى َحرْ فٍ َفإِ ْن أَ صَاَبهُ خَ ْيرٌ اطْ َمأَنّ بِ هِ َوإِ نْ‬
‫﴿ َومِ َن النّا ِ‬
‫سرَانُ‬
‫سرَ الدّنْيَا وَالْآ ِخرَ َة َذلِ كَ هُ َو الْخُ ْ‬
‫أَ صَابَتْ ُه فِتَْنةٌ انقَلَ بَ عَلَى َو ْجهِ هِ خَ ِ‬
‫ضرّ ُه وَمَا لَا يَن َفعُ ُه َذلِكَ ُهوَ الضّلَالُ‬
‫الْمُبِيُ (‪َ )11‬يدْعُو مِن دُونِ اللّهِ مَا لَا يَ ُ‬
‫س الْ َعشِيُ (‬
‫ض ّرهُ َأ ْق َربُ مِن ّنفْ ِعهِ لَبِئْسَ الْ َم ْولَى َولَبِئْ َ‬
‫الَْبعِيدُ (‪َ )12‬يدْعُو لَمَن َ‬
‫جرِي مِن‬
‫ت تَ ْ‬
‫ت جَنّا ٍ‬
‫‪ )13‬إِنّ اللّ هَ ُي ْدخِ ُل الّذِي نَ آمَنُوا وَعَمِلُوا ال صّالِحَا ِ‬
‫ص َرهُ اللّ هُ‬
‫تَحِْتهَا الَْأْنهَا ُر إِنّ اللّ هَ َي ْف َعلُ مَا يُرِيدُ (‪ )14‬مَن كَا َن يَ ُظنّ أَن لّن يَن ُ‬
‫فِي ال ّدنْيَا وَالْآخِ َر ِة فَلْيَ ْم ُد ْد بِ سَبَبٍ إِلَى ال سّمَاء ُثمّ لِيَقْ َط ْع فَلْيَن ُظ ْر هَ ْل ُيذْهَِبنّ‬
‫ت بَيّنَاتٍ َوأَنّ اللّ َه َي ْهدِي مَن ُيرِيدُ‬
‫ك أَن َزلْنَاهُ آيَا ٍ‬
‫كَ ْيدُ ُه مَا يَغِيظُ (‪ )15‬وَ َكذَلِ َ‬
‫(‪ )16‬إِنّ اّلذِينَـ آمَنُوا وَالّذِينَـ هَادُوا وَال صّابِئِيَ وَالنّصـَارَى وَالْ َمجُوسَـ‬
‫وَالّذِي َن أَ ْشرَكُوا إِنّ اللّ هَ َيفْ صِ ُل بَيَْنهُ ْم َيوْ َم اْلقِيَا َمةِ إِنّ اللّ هَ عَلَى ُكلّ َشيْءٍ‬
‫ت َومَن فِي اْلأَرْ ضِ‬
‫جدُ لَ هُ مَن فِي ال سّمَاوَا ِ‬
‫َشهِيدٌ (‪َ )17‬ألَ ْم َترَ أَنّ اللّ هَ يَ سْ ُ‬
‫ي مّ نَ النّا سِ‬
‫جرُ وَالدّوَابّ وَكَثِ ٌ‬
‫وَالشّمْ سُ وَاْلقَ َمرُ وَالنّجُو ُم وَالْجِبَالُ وَالشّ َ‬
‫ي َحقّ عَلَيْ ِه الْ َعذَا بُ َومَن ُيهِ ِن اللّ هُ فَمَا لَ ُه مِن مّ ْكرِ مٍ إِنّ اللّ َه يَ ْف َعلُ مَا‬
‫وَكَثِ ٌ‬
‫َيشَاءُ (‪َ )18‬هذَا ِن خَ صْمَا ِن اخْتَ صَمُوا فِي َرّبهِ مْ فَاّلذِي نَ َك َفرُوا قُ ّطعَ تْ َلهُ مْ‬
‫صهَ ُر بِ هِ مَا فِي‬
‫ب مِن َفوْ قِ ُرؤُو ِسهِ ُم الْحَمِي مُ (‪ )19‬يُ ْ‬
‫ثِيَا بٌ مّ ن نّارٍ يُ صَ ّ‬
‫بُطُوِنهِ مْ وَالْجُلُودُ (‪ )20‬وَلَهُم ّمقَامِ ُع مِ ْن حَدِيدٍ ( ‪ )21‬كُلّمَا أَرَادُوا أَن‬
‫حرِي قِ (‪ )22‬إِنّ اللّ هَ‬
‫ب الْ َ‬
‫خ ُرجُوا مِنْهَا مِ نْ غَمّ أُعِيدُوا فِيهَا َوذُوقُوا َعذَا َ‬
‫يَ ْ‬
‫الزء الثالث‬ ‫‪180‬‬

‫جرِي مِن تَحْتِهَا الَْأْنهَارُ‬


‫ّاتـ تَ ْ‬
‫ت جَن ٍ‬
‫ِينـ آ َمنُوا وَعَمِلُوا الصـّالِحَا ِ‬
‫ُي ْدخِ ُل الّذ َ‬
‫ب َولُ ْؤلُؤا وَلِبَا سُ ُه ْم فِيهَا َحرِيرٌ (‪ )23‬وَ ُهدُوا‬
‫يُحَ ّلوْ َن فِيهَا مِ ْن أَ سَاوِ َر مِن َذهَ ٍ‬
‫حمِيدِ (‪. ﴾ )24‬‬
‫صرَاطِ الْ َ‬
‫ب ِمنَ اْل َقوْ ِل وَ ُهدُوا ِإلَى ِ‬
‫ِإلَى الطّيّ ِ‬

‫***‬
‫‪181‬‬ ‫توفيق الرحن ف دروس القرآن‬

‫س مَن َيعُْبدُ ال ّلهَ عَلَى َحرْفٍ َفإِ ْن أَصَاَبهُ خَ ْيرٌ‬


‫قوله عز وجل ‪َ ﴿ :‬ومِ َن النّا ِ‬
‫ا ْط َمأَنّ بِ ِه َوإِ ْن أَصَابَ ْت ُه فِتَْنةٌ انقَلَبَ عَلَى َو ْجهِهِ َخسِ َر ال ّدنْيَا وَالْآخِ َر َة َذلِكَ ُهوَ‬
‫ضرّ هُ َومَا لَا يَن َفعُ هُ َذلِ كَ‬
‫سرَا ُن الْمُبِيُ (‪َ )11‬يدْعُو مِن دُو ِن اللّ ِه مَا لَا يَ ُ‬
‫الْخُ ْ‬
‫ضرّ هُ َأ ْقرَ بُ مِن ّنفْعِ هِ لَبِئْ سَ الْ َم ْولَى‬
‫ُهوَ الضّلَالُ الَْبعِيدُ (‪َ )12‬يدْعُو لَمَن َ‬
‫س الْ َعشِيُ (‪. ﴾ )13‬‬
‫َولَبِئْ َ‬
‫عن ما هد قوله ‪ ﴿ :‬عَلَى حَرْ فٍ ﴾ ‪ ،‬قال ‪ :‬على شك ‪ ﴿ ،‬فَإِ نْ أَ صَابَهُ‬
‫َ أَصََاَبتْهُ ِفْتَنةٌ ﴾ عذاب ومصَيبة ‪،‬‬
‫َخيْرٌ ﴾ رخاء وعافيَة اسَتقر ‪َ ﴿ ،‬وإِن ْ‬
‫﴿ انقَلَبَ ﴾ ارتد ‪ ﴿ ،‬عَلَى وَ ْجهِهِ ﴾ كافرًا ‪ .‬وقال ابن زيد ‪ :‬هذا النافق‬
‫إن صلحت له دنياه أقام على العبادة ‪ ،‬وإن فسدت عليه دنياه وتغيّرت انقلب‬
‫‪ ،‬ول يق يم على العبادة إل ل ا صلح من دنياه ‪ ،‬وإذا أ صابته شدّة أو فت نة أو‬
‫اختبار أو ضيق ترك دينه ورجع إل الكفر ‪.‬‬
‫َر ماله ‪ ،‬وكثرت‬
‫ََابَهُ َخيْرٌ ﴾ ‪ ،‬يقول ‪ :‬كثَ‬ ‫وقال قتادة ‪ ﴿ :‬فَإِنَ‬
‫َْ أَصَ‬
‫ماشي ته ﴿ اطْ َمأَنّ ﴾ وقال ‪ :‬ل ي صبن ف دي ن هذا م نذ دخل ته إل خ ي ‪﴿ ،‬‬
‫َوإِ نْ أَ صَاَبتْهُ ِفْتنَةٌ ﴾ ‪ ،‬يقول ‪ :‬وإن ذ هب ماله ‪ ،‬وذه بت ماشي ته ‪ ﴿ ،‬انقَلَ بَ‬
‫سرَ ال ّدْنيَا وَالْآخِ َرةَ ﴾ ‪.‬‬
‫عَلَى وَ ْجهِهِ خَ ِ‬
‫وقال ابن زيد ف قوله ‪ ﴿ :‬يَ ْدعُو مِن دُونِ اللّ ِه مَا لَا َيضُ ّر ُه َومَا لَا يَن َفعُهُ ﴾‬
‫ضرّهُ ﴾ ‪ ،‬أي‬
‫ك ُهوَ الضّلَا ُل اْلَبعِيدُ ﴾ ‪ ﴿ .‬يَ ْدعُو لَمَن َ‬ ‫يكفر بعد إيانه ‪ ﴿ ،‬ذَلِ َ‬
‫س اْلعَشِيُ ﴾ ‪ ،‬قال ابن زيد‬ ‫ب مِن ّن ْفعِهِ َلِبئْسَ الْ َموْلَى وََلبِئْ َ‬‫‪ :‬ف الدنيا ‪ ﴿ ،‬أَقْرَ ُ‬
‫الزء الثالث‬ ‫‪182‬‬

‫‪ :‬العشي هو ‪ :‬العاشر الصاحب ‪ .‬وقال ماهد ‪ :‬هو الوثن ‪ .‬قال ابن كثي ‪:‬‬
‫يعن ‪ :‬بئس هذا الذي دعاه من دون ال مول يعن ‪ :‬وليًا وناصرًا ‪ ﴿ ،‬وََلِبئْسَ‬
‫اْلعَشِيُ ﴾ وهو الخالط والعاشر ‪.‬‬
‫ِينـ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصـّالِحَاتِ‬
‫ّهـ يُ ْد ِخلُ اّلذ َ‬
‫قوله عـز وجـل ‪ ﴿ :‬إِنّ الل َ‬
‫حِتهَا اْلَأنْهَا ُر إِنّ اللّ َه َيفْ َع ُل مَا ُيرِيدُ (‪ )14‬مَن كَا َن يَ ُظنّ‬
‫جرِي مِن تَ ْ‬
‫جَنّا تٍ تَ ْ‬
‫ب ِإلَى ال سّمَاء ُثمّ لَِيقْطَ عْ‬
‫ص َرهُ اللّ هُ فِي ال ّدنْيَا وَالْآ ِخرَ ِة فَلْيَ ْم ُد ْد بِ سَبَ ٍ‬
‫أَن لّن يَن ُ‬
‫فَلْيَن ُظ ْر َه ْل يُ ْذهَِبنّ كَ ْيدُ هُ مَا َيغِي ظُ (‪ )15‬وَ َكذَلِ كَ أَن َزلْنَا هُ آيَا تٍ بَيّنَا تٍ َوأَنّ‬
‫ال ّلهَ َي ْهدِي مَن ُيرِيدُ (‪. ﴾ )16‬‬
‫سبَبٍ ﴾ ‪،‬‬
‫قال قتادة ‪ :‬من كان ي ظن أن لن ين صر ال نبيه ﴿ فَ ْليَمْ ُد ْد بِ َ‬
‫يقول ‪ :‬ب بل إل ال سماء الب يت ‪ ﴿ ،‬ثُمّ ِلَيقْطَ عْ ﴾ ‪ ،‬يقول ‪ :‬ث ليخت نق ‪،‬‬
‫﴿ فَ ْليَنظُ ْر هَ ْل يُ ْذ ِهبَنّ َكيْ ُدهُ مَا َيغِيظُ ﴾ ؟‬
‫وقال البغوي ‪ ﴿ :‬وَكَذَلِ كَ ﴾ ‪ ،‬أي ‪ :‬م ثل ذلك ‪ .‬يع ن ‪ :‬ما تقدم من‬
‫ت َوَأنّ اللّ َه َيهْدِي‬
‫آيات القرآن ‪ ﴿ ،‬أَنزَْلنَاهُ ﴾ ‪ ،‬يعن ‪ :‬القرآن ‪ ﴿ ،‬آيَاتٍ َبّينَا ٍ‬
‫مَن يُرِيدُ ﴾ ‪.‬‬
‫ي وَالنّ صَارَى‬
‫قوله عز وجل ‪ ﴿ :‬إِنّ اّلذِي نَ آمَنُوا وَاّلذِي َن هَادُوا وَال صّابِئِ َ‬
‫صلُ بَيَْنهُ ْم يَوْ َم اْلقِيَا َمةِ إِنّ اللّ هَ عَلَى‬
‫وَالْمَجُو سَ وَاّلذِي نَ أَ ْشرَكُوا إِنّ اللّ َه َيفْ ِ‬
‫ُك ّل َشيْ ٍء شَهِيدٌ (‪. ﴾ )17‬‬
‫‪183‬‬ ‫توفيق الرحن ف دروس القرآن‬

‫ي ب تعال عن أ هل هذه الديان الختل فة من الؤمن ي و من سواهم ‪ ،‬أ نه‬


‫يكم بينهم بالعدل فيدخل النة من آمن به وأطاعه ‪ ،‬ويدخل النار من كفر‬
‫َر‬
‫َس والقمَ‬ ‫َابئون ‪ :‬قوم يعبدون الشمَ‬ ‫َاه ‪ .‬قال قتادة ‪ :‬الصَ‬ ‫َه وعصَ‬ ‫بَ‬
‫َ َأشْرَكُوا ﴾ يعبدون الوثان ؛ والديان سَتة ‪ :‬خسَة‬ ‫والنيان ‪ ﴿ ،‬وَالّذِين َ‬
‫للشيطان ‪ ،‬وواحد للرحن ‪.‬‬
‫ج ُد لَهُ مَن فِي السّمَاوَاتِ َومَن فِي‬
‫قوله عز وجل ‪ ﴿ :‬أَلَ ْم َترَ أَنّ اللّهَ يَسْ ُ‬
‫ج ُر وَال ّدوَابّ وَكَثِيٌ مّ نَ‬
‫س وَاْلقَ َم ُر وَالنّجُو ُم وَالْجِبَا ُل وَالشّ َ‬
‫ض وَالشّمْ ُ‬
‫اْلأَرْ ِ‬
‫ب َومَن ُي ِهنِ ال ّلهُ َفمَا َل ُه مِن ّم ْكرِ ٍم إِنّ ال ّل َه َيفْ َعلُ‬
‫ي َحقّ عَلَ ْي ِه اْلعَذَا ُ‬
‫النّاسِ وَكَثِ ٌ‬
‫مَا َيشَاءُ (‪. ﴾ )18‬‬
‫هذه ال ية كقوله تعال ‪َ ﴿ :‬أوَ َل ْم يَ َر ْواْ إِلَى مَا خََل قَ اللّ ُه مِن َشيْ ٍء يََت َفيُّأ‬
‫ِظلَلُ ُه عَ ِن اْليَمِيِ وَالْشّمَآئِلِ سُجّدا لِلّ هِ وَهُ مْ دَا ِخرُو نَ ﴾ ‪ .‬وقال أبو العالية ‪:‬‬
‫ما ف ال سماء ن م ول ش س ول ق مر إلّ ي قع ساجدًا ح ي يغ يب ‪ ،‬ث ل‬
‫ينصرف حت يؤذن له ‪ .‬وف الصحيحي عن أب ذر رضي ال عنه قال ‪ :‬قال‬
‫ل رسول ال ‪ « :‬أتدري أين تذهب هذه الشمس » ؟ قلت ‪ :‬ال ورسوله‬
‫أعلم ‪ .‬قال ‪ « :‬فإن ا تذ هب فت سجد ت ت العرش ‪ ،‬ث ت ستأمر فيو شك أن‬
‫يقال لا ‪ :‬ارجعي من حيث جئت » ‪.‬‬
‫وقوله تعال ‪ ﴿ :‬وَ َكثِيٌ مّ َن النّا سِ ﴾ ‪ ،‬قال ما هد ‪ :‬الؤمنون ‪ ﴿ ،‬وَ َكثِيٌ‬
‫حَقّ عََليْ ِه الْعَذَابُ ﴾ ‪ ،‬قال البغوي ‪ :‬وهم الكفار لكفرهم وتركهم السجود ‪،‬‬
‫الزء الثالث‬ ‫‪184‬‬

‫وهم مع كفرهم يسجد ظالهم ل عز وجل ‪َ ﴿ :‬ومَن ُيهِ نِ اللّ هُ فَمَا لَ ُه مِن‬
‫ّمكْ ِرمٍ ﴾ ‪ ،‬أي ‪ :‬من يذلّه ال فل يكرمه أحد ﴿ ِإنّ اللّ َه َي ْفعَ ُل مَا يَشَاءُ ﴾ ‪.‬‬
‫قوله عز و جل ‪ ﴿ :‬هَذَا ِن خَ صْمَانِ اخْتَ صَمُوا فِي َرّبهِ مْ فَالّذِي نَ َك َفرُوا‬
‫صهَ ُر بِهِ‬
‫ب مِن َفوْقِ ُرؤُو ِس ِهمُ الْحَمِيمُ (‪ )19‬يُ ْ‬
‫ت َلهُمْ ثِيَابٌ مّن نّارٍ يُصَ ّ‬
‫قُ ّطعَ ْ‬
‫مَا فِي بُطُونِهِ ْم وَالْجُلُودُ (‪ )20‬وََلهُم ّمقَامِ ُع مِ ْن حَدِيدٍ (‪ )21‬كُلّمَا أَرَادُوا‬
‫حرِيقِ (‪ )22‬إِنّ اللّهَ‬
‫خ ُرجُوا مِ ْنهَا مِنْ َغمّ أُعِيدُوا فِيهَا َوذُوقُوا َعذَابَ الْ َ‬
‫أَن يَ ْ‬
‫جرِي مِن تَحْتِهَا الَْأْنهَارُ‬
‫ّاتـ تَ ْ‬
‫ت جَن ٍ‬
‫ِينـ آ َمنُوا وَعَمِلُوا الصـّالِحَا ِ‬
‫ُي ْدخِ ُل الّذ َ‬
‫ب َولُ ْؤلُؤا وَلِبَا ُس ُهمْ فِيهَا َحرِيرٌ ( ‪ )23‬وَ ُهدُوا‬
‫يُحَ ّلوْ َن فِيهَا مِ نْ أَ سَاوِ َر مِن َذهَ ٍ‬
‫حمِيدِ (‪. ﴾ )24‬‬
‫صرَاطِ الْ َ‬
‫ب ِمنَ اْل َقوْ ِل وَ ُهدُوا ِإلَى ِ‬
‫ِإلَى الطّيّ ِ‬
‫قال عطاء‪:‬نزلت هؤلء اليات ‪ ﴿:‬هَذَا نِ خَ صْمَانِ ا ْختَ صَمُوا فِي َرّبهِ مْ ﴾‬
‫ف الذ ين تبارزوا يوم بدر ‪ :‬حزة ‪ ،‬وعلي ‪ ،‬و عبيدة بن الارث ‪ ،‬وعت بة بن‬
‫صرَاطِ‬
‫ربيعة ‪ ،‬وشيبة بن ربيعة ‪ ،‬والوليد بن عتبة ‪ .‬إل قوله ‪َ ﴿ :‬وهُدُوا إِلَى ِ‬
‫حمِيدِ ﴾ ‪.‬‬
‫الْ َ‬
‫وقال ما هد ‪ :‬هم الكافرون والؤمنون ‪ ،‬اخت صموا ف رب م ‪ ﴿ ،‬فَالّذِي نَ‬
‫ب مّن نّارٍ ﴾ ‪ ،‬قال ‪ :‬الكافر قُطّعت له ثياب من نار ‪،‬‬
‫َكفَرُوا قُ ّطعَ تْ َل ُه ْم ثِيَا ٌ‬
‫والؤ من يدخله ال جنات تري من تت ها النار ‪ .‬وروى ا بن جر ير وغيه‬
‫عن أ ب هريرة عن ال نب قال ‪ « :‬إن الح يم ي صبّ على رؤو سهم فين فذ‬
‫المجمة حت يلص إل جوفه ‪ ،‬فيسلت ما ف جوفه حت يبلغ قدميه ‪ ،‬وهو‬
‫‪185‬‬ ‫توفيق الرحن ف دروس القرآن‬

‫ال صّهر ‪ ،‬ث يعاد ك ما كان » ‪ .‬وروى ا بن جر ير عن أ ب ظبيان قال ‪ :‬النار‬


‫سَوداء مظلمَة ل يضيَء ليبهَا ول جرهَا ‪ ،‬ثَ قرأ ‪ ﴿ :‬كُلّمَا أَرَادُوا أَن‬
‫خرُجُوا ِمنْهَا مِ ْن غَمّ ُأعِيدُوا فِيهَا ﴾ ‪ ،‬و قد ذ كر أن م ياولون الروج من‬ ‫يَ ْ‬
‫النار حيَ تيَش جهنَم فتلقَي مَن فيهَا إل أعلى أبواباَ فييدون الروج‬
‫فتعيدهم الزان فيها بالقامع ‪ ،‬ويقولون لم إذا ضربوهم ‪ ﴿ :‬وَذُوقُوا عَذَا بَ‬
‫حرِيقِ ﴾ ‪.‬‬ ‫الْ َ‬
‫ولاَ ذكَر تعال حال أعدائه فَ النار ‪ ،‬ذكَر حال أوليائه فَ النَة فقال‬
‫حِتهَا‬
‫جرِي مِن تَ ْ‬ ‫ت تَ ْ‬
‫‪ ﴿ :‬إِنّ اللّ َه يُدْ ِخ ُل الّذِي نَ آمَنُوا َوعَ ِملُوا ال صّالِحَاتِ َجنّا ٍ‬
‫حّلوْنَ فِيهَا مِ نْ أَسَاوِ َر مِن َذهَبٍ وَُلؤْلُؤا وَِلبَا ُسهُمْ فِيهَا َحرِيرٌ ﴾ ‪ .‬وف‬ ‫اْلأَْنهَا ُر يُ َ‬
‫الصحيح ‪ « :‬ل تلبسوا الرير فإنه من لبسه ف الدنيا ل يلبسه ف الخرة » ‪.‬‬
‫وورد فَ الديَث الخَر ‪ « :‬الذهَب والريَر حرام على ذكور أمتَ حَل‬
‫لناثهم » ‪.‬‬
‫ِنَ اْلقَوْلِ ﴾ ‪ ،‬قال ‪:‬‬ ‫وقال ابـن زيـد فـ قوله ‪َ ﴿ :‬وهُدُوا إِلَى ال ّطي ِ‬
‫ّبَ م َ‬
‫هُدُوا إل الكلم الطيَب ‪ :‬ل إله إلّ ال ‪ ،‬وال أكَب ‪ ،‬والمَد ل ‪ .‬قال ال‬
‫ب وَاْلعَمَ ُل ال صّالِحُ َيرَْفعُ هُ ﴾ ‪َ ﴿ .‬وهُدُوا إِلَى‬
‫صعَ ُد الْكَلِ مُ ال ّطيّ ُ‬
‫تعال ‪ ﴿ :‬إَِليْ ِه يَ ْ‬
‫ط الْحَمِيدِ ﴾ ‪ ،‬قال البغوي ‪ :‬إل دين ال وهو السلم ‪.‬‬ ‫صرَا ِ‬
‫ِ‬

‫***‬
‫الزء الثالث‬ ‫‪186‬‬

‫الدرس السابع والسبعون بعد الائة‬

‫حرَا ِم الّذِي‬
‫ج ِد الْ َ‬
‫صدّونَ عَن سَبِيلِ اللّ ِه وَالْمَ سْ ِ‬
‫﴿ إِنّ الّذِي نَ َك َفرُوا َويَ ُ‬
‫ف فِي هِ وَالْبَا ِد َومَن ُي ِردْ فِي ِه ِبإِلْحَا ٍد بِظُلْ مٍ ُن ِذقْ هُ مِ نْ‬
‫َجعَلْنَا هُ لِلنّا سِ سَوَاء الْعَاكِ ُ‬
‫شرِ ْك بِي شَيْئا‬
‫ت أَن لّا ُت ْ‬
‫ب َألِي مٍ (‪ )25‬وَِإ ْذ َبوّأْنَا لِِإْبرَاهِي َم َمكَا نَ الْبَيْ ِ‬
‫َعذَا ٍ‬
‫وَ َط ّه ْر بَيْتِ يَ لِلطّاِئفِيَ وَاْلقَائِمِيَ وَالرّكّ ِع ال سّجُودِ (‪َ )26‬وَأذّن فِي النّا سِ‬
‫ِيقـ (‪)27‬‬
‫ُوكـ ِرجَا ًل وَعَلَى ُكلّ ضَامِ ٍر َي ْأتِي َ م ِن ُك ّل فَج ّ عَم ٍ‬
‫بِالْحَج ّ َي ْأت َ‬
‫ش َهدُوا مَنَافِ َع َلهُ مْ َوَيذْ ُكرُوا ا ْسمَ اللّ ِه فِي َأيّا ٍم ّمعْلُومَا تٍ عَلَى مَا َر َزقَهُم‬
‫لَِي ْ‬
‫ِسـ الْ َفقِيَ (‪ )28‬ثُم ّ لَْيقْضُوا‬
‫َامـ َفكُلُوا مِنْه َا وَأَ ْطعِمُوا الْبَائ َ‬
‫مّنـ َبهِي َمةِ اْلأَْنع ِ‬
‫ت الْعَتِي قِ (‪َ )29‬ذلِ كَ وَمَن ُيعَظّ مْ‬
‫َتفََثهُ ْم وَلْيُوفُوا نُذُو َرهُ مْ وَلْيَ ّط ّوفُوا بِالْبَيْ ِ‬
‫ت َلكُ مُ اْلَأنْعَا ُم ِإلّا مَا يُتْلَى عَلَ ْيكُ مْ‬
‫ت اللّ هِ َفهُ َو خَ ْيرٌ لّ هُ عِندَ َربّ هِ َوُأحِلّ ْ‬
‫ُح ُرمَا ِ‬
‫ّهـ َغ ْيرَ‬
‫َانـ وَاجْتَنِبُوا َقوْ َل الزّورِ (‪ )30‬حُنَفَاء لِل ِ‬
‫ِنـ اْلأَ ْوث ِ‬
‫ْسـ م َ‬
‫فَاجْتَنِبُوا ال ّرج َ‬
‫شرِكِيَ بِ ِه وَمَن ُيشْرِ ْك بِاللّ هِ َف َكأَنّمَا َخرّ مِ نَ ال سّمَاء فََتخْ َطفُ هُ الطّ ْيرُ أَوْ‬
‫ُم ْ‬
‫ح فِي مَكَا نٍ سَحِيقٍ (‪َ )31‬ذلِ كَ َومَن ُيعَظّ مْ شَعَائِ َر اللّ هِ فَِإّنهَا‬
‫َت ْهوِي بِ هِ الرّي ُ‬
‫حلّهَا ِإلَى‬
‫مِن َتقْوَى اْلقُلُو بِ (‪ )32‬لَكُ ْم فِيهَا مَنَافِ ُع إِلَى أَ َجلٍ مّ سَمّى ثُمّ مَ ِ‬
‫الْبَيْ تِ اْلعَتِي قِ (‪َ )33‬ولِ ُك ّل ُأمّ ٍة َجعَلْنَا مَن سَكا لَِيذْ ُكرُوا ا سْ َم اللّ هِ عَلَى مَا‬
‫َر َزقَهُم مّ ن َبهِي َم ِة الَْأْنعَا ِم َفإَِل ُهكُ مْ ِإلَ ٌه وَا ِحدٌ فَلَ ُه أَ سْلِمُوا َوَبشّ ِر الْمُخْبِتِيَ (‬
‫ُمـ وَالصـّاِبرِينَ عَلَى مَا أَصـَاَب ُهمْ‬
‫َتـ قُلُوُبه ْ‬
‫ّهـ وَجِل ْ‬
‫ِينـ ِإذَا ذُ ِك َر الل ُ‬
‫‪ )34‬اّلذ َ‬
‫وَالْ ُمقِيمِي ال صّلَاةِ َومِمّ ا رَ َزقْنَاهُ ْم يُنفِقُو نَ (‪ )35‬وَالُْبدْ َن جَعَلْنَاهَا لَكُم مّ ن‬
‫‪187‬‬ ‫توفيق الرحن ف دروس القرآن‬

‫ف َفإِذَا وَجَبَ تْ‬


‫صوَا ّ‬
‫َشعَاِئرِ اللّ ِه لَكُ ْم فِيهَا خَ ْيرٌ فَاذْ ُكرُوا ا ْس َم اللّ هِ عَلَيْهَا َ‬
‫خ ْرنَاهَا َلكُ مْ َلعَ ّلكُ مْ‬
‫جُنُوبُهَا َفكُلُوا مِنْهَا َوأَ ْطعِمُوا اْلقَانِ َع وَالْ ُمعَْترّ َك َذلِ كَ سَ ّ‬
‫شكُرُو نَ (‪ )36‬لَن يَنَالَ اللّ َه لُحُومُهَا َولَا ِدمَا ُؤهَا وََلكِن يَنَالُ هُ الّتقْوَى مِنكُ مْ‬
‫َت ْ‬
‫خ َرهَا َلكُ ْم لِتُكَّبرُوا اللّ هَ عَلَى مَا هَدَاكُ ْم َوَبشّ ِر الْمُحْ سِنِيَ (‪)37‬‬
‫َك َذلِ كَ سَ ّ‬
‫﴾‪.‬‬

‫***‬
‫الزء الثالث‬ ‫‪188‬‬

‫جدِ‬
‫صدّونَ عَن سَبِي ِل اللّهِ وَالْمَسْ ِ‬
‫قوله عز وجل ‪ ﴿ :‬إِنّ الّذِينَ َك َفرُوا َويَ ُ‬
‫حرَا ِم الّذِي َجعَلْنَا ُه لِلنّا سِ َسوَاء اْلعَاكِ فُ فِي هِ وَالْبَا ِد وَمَن ُيرِ ْد فِي هِ بِِإلْحَادٍ‬
‫الْ َ‬
‫بِظُ ْل ٍم ُنذِ ْق ُه ِمنْ َعذَابٍ َألِيمٍ (‪. ﴾ )25‬‬
‫عن ابن عباس قوله ‪َ ﴿ :‬سوَاء اْلعَاكِ فُ فِي ِه وَاْلبَادِ ﴾ ‪ ،‬يقول ‪ :‬ينل أهل‬
‫مكة وغيهم ف السجد الرام ‪ .‬وعن ماهد وعطاء ‪َ ﴿ :‬سوَاء اْلعَاكِ فُ فِي هِ‬
‫وَاْلبَادِ ﴾ ها ف حرمته سواء ‪ .‬وعن ماهد ‪َ ﴿ :‬ومَن يُ ِردْ فِي ِه بِإِلْحَا ٍد بِظُلْمٍ ﴾‬
‫‪ ،‬قال ‪ :‬يعمل فيه عملً سيئًا ‪ ﴿ ،‬نُذِقْ ُه مِ ْن عَذَا بٍ أَلِي مٍ ﴾ ‪ ،‬قال الضحاك ‪:‬‬
‫إن الرجل ليه ّم بالطيئة بكة وهو ف بلد آخر ‪ ،‬ول يعملها فتكتب عليه ‪.‬‬
‫ت أَن لّا ُتشِْكْ بِي شَيْئا‬
‫قوله عز وجل ‪َ ﴿ :‬وإِ ْذ َبوّْأنَا ِلِإبْرَاهِي َم َمكَا َن الْبَيْ ِ‬
‫ي وَاْلقَائِمِيَ وَالرّكّ ِع السّجُودِ (‪. ﴾ )26‬‬
‫وَ َط ّه ْر بَيِْتيَ لِلطّاِئفِ َ‬
‫قال البغوي ‪ :‬قوله تعال ‪َ ﴿ :‬وإِ ْذ َب ّوأْنَا لِِإْبرَاهِي َم َمكَا َن الَْبيْ تِ ﴾ ‪ ،‬أي ‪:‬‬
‫وطأنا ‪ .‬قال ابن عباس ‪ :‬جعلنا ‪ ،‬وقيل ‪ :‬بيّنّا ‪.‬‬
‫و عن ما هد ف قوله ‪َ ﴿ :‬و َطهّ ْر َبْيتِ يَ ﴾ ‪ ،‬قال ‪ :‬من الشرك ‪ .‬و عن عطاء‬
‫ف قوله ‪َ ﴿ :‬و َطهّ ْر َبيْتِ يَ لِلطّاِئفِيَ وَاْلقَائِ ِميَ ﴾ ‪ ،‬قال ‪ :‬القائمون ف الصلة ‪.‬‬
‫وقال ا بن ز يد ‪ :‬القائم ‪ :‬الرا كع ‪ .‬وال ساجد هو ‪ :‬ال صلي ‪ ،‬والطائف هو ‪:‬‬
‫الذي يطوف به ‪ .‬قال ا بن كث ي ‪ :‬هذا ف يه تقر يع وتوب يخ ل ن ع بد غ ي ال‬
‫وأشرك بَه ‪ ،‬فَ البقعَة التَ أسَّست مَن أول يوم على توحيَد ال وعبادتَه‬
‫وحده ل شريك له ‪.‬‬
‫‪189‬‬ ‫توفيق الرحن ف دروس القرآن‬

‫ُوكـ ِرجَا ًل وَعَلَى ُكلّ‬


‫ّاسـ بِالْحَجّ َي ْأت َ‬
‫قوله عـز وجـل ‪َ ﴿ :‬وَأذّن فِي الن ِ‬
‫ش َهدُوا مَنَافِ َع َلهُ مْ َوَيذْ ُكرُوا ا ْسمَ‬
‫ضَا ِم ٍر َيأْتِيَ مِن ُك ّل فَجّ َعمِي قٍ (‪ )27‬لَِي ْ‬
‫اللّهِ فِي َأيّا ٍم ّمعْلُومَاتٍ َعلَى مَا رَ َز َقهُم مّن َبهِي َمةِ اْلأَْنعَا ِم فَكُلُوا مِ ْنهَا وَأَ ْطعِمُوا‬
‫س الْ َفقِيَ (‪ )28‬ثُمّ لَْيقْضُوا َتفََثهُ ْم َولْيُوفُوا ُنذُو َرهُ ْم َولْيَطّ ّوفُوا بِالْبَيْ تِ‬
‫الْبَائِ َ‬
‫اْلعَتِيقِ (‪. ﴾ )29‬‬
‫قال ا بن عباس ‪ ( :‬ل ا فرغ إبراه يم من بناء الب يت ق يل له ‪َ ﴿ :‬وأَذّن فِي‬
‫س بِالْحَجّ ﴾ ‪ ،‬قال ‪ :‬يارب و ما يبلغ صوت ؟ قال ‪ :‬أذن وعل يّ البلغ ‪،‬‬ ‫النّا ِ‬
‫حجّوا ‪ .‬قال‬ ‫فنادي إبراهيم ‪ :‬أيها الناس كتب عليكم الج إل البيت العتيق ف ُ‬
‫‪ :‬فسمعه ما بي السماء والرض ‪ ،‬أفل ترى الناس ييئون من أقصى الرض‬
‫يُلَبون ) ؟ وفَ روايَة ‪ ( :‬فأسَع مَن فَ أصَلبَ الرجال وأرحام النسَاء ‪،‬‬
‫فأجا به من آ من م ن سبق ف علم ال أن ي جّ إل يوم القيا مة ‪ :‬لبيّك الل هم‬
‫لبيّك ) ‪.‬‬
‫﴿ يأْتُو كَ رِجَالً ﴾ ‪ ،‬قال ‪ :‬على أرجل هم ‪َ ﴿ ،‬وعَلَى كُلّ ضَامِرٍ ﴾ ‪ ،‬قال‬
‫شهَدُوا َمنَافِ عَ‬
‫‪ :‬البل ‪ ﴿ ،‬يَ ْأتِيَ مِن كُلّ َفجّ عَمِي قٍ ﴾ ‪ ،‬قال ‪ :‬بعيد ‪ِ ﴿ ،‬ليَ ْ‬
‫َلهُ مْ ﴾ ‪ ،‬قال ‪ :‬هي ال سواق ‪ .‬وقال ما هد ‪ :‬التجارة ‪ ،‬و ما ير ضي ال من‬
‫أ مر الدن يا والخرة ‪َ ﴿ ،‬ويَذْكُرُوا ا سْمَ اللّ هِ فِي َأيّا مٍ ّمعْلُومَا تٍ ﴾ ‪ ،‬قال ا بن‬
‫عباس ‪ :‬يعنَ أيام التشريَق ‪ ﴿ ،‬عَلَى مَا رَزَقَهُم مّنََبهِي َم ِة اْلأَْنعَامَِ ﴾ ‪ ،‬قال‬
‫الضحاك ‪ :‬يعن ‪ :‬البدن ‪َ ﴿ ،‬فكُلُوا ِمْنهَا ﴾ ‪ ،‬قال ماهد ‪ :‬هي ‪ :‬رخصة ‪ ،‬إن‬
‫الزء الثالث‬ ‫‪190‬‬

‫س اْلفَقِيَ ﴾ ‪ ،‬قال ابن عباس ‪:‬‬ ‫شاء أكل وإن شاء ل يأكل ‪َ ﴿ ،‬وَأ ْطعِمُوا اْلبَائِ َ‬
‫يعن ‪ :‬الزمن الفقي ‪.‬‬
‫﴿ ثُمّ ْلَيقْضُوا َت َفَثهُ مْ ﴾ ‪ ،‬قال ابن عمر ‪ :‬التفث ‪ :‬الناسك كلّها ‪ .‬وقال‬
‫ا بن عباس ‪ :‬الت فث ‪ :‬حلق الرأس وأ خذ من الشارب ي ‪ ،‬ون تف ال بط وحلق‬
‫العا نة ‪ ،‬و قص الظفار ‪ ،‬وال خذ من العارض ي ‪ ،‬ور مي المار ‪ ،‬والو قف‬
‫بعرفة ‪ ،‬والزدل فة ‪ ﴿ ،‬وَْليُوفُوا نُذُو َرهُ مْ ﴾ ‪ ،‬قال ‪ :‬نو ما نذروا من البدن ‪.‬‬
‫الجَ والدي ‪ ،‬ومَا نذر النسَان مَن شيَء يكون فَ‬ ‫وقال ماهَد ‪ :‬نذر ّ‬
‫ت اْلعَتِي قِ ﴾ ‪ ،‬قال قتادة ‪ :‬ع تق من البابرة ‪ .‬وقال‬ ‫ال ج ‪ ﴿ ،‬وَْليَ ّطوّفُوا بِاْلبَيْ ِ‬
‫ت الْ َعتِي قِ‬
‫ا بن ز يد ‪ :‬العت يق القد ي ‪ .‬و عن عطاء ف قوله ‪ ﴿ :‬وَْليَ ّطوّفُوا بِاْلبَيْ ِ‬
‫﴾ ‪ ،‬قال ‪ :‬طواف يوم النحر ‪.‬‬
‫ك وَمَن ُيعَظّ ْم ُحرُمَا تِ اللّ هِ َف ُهوَ خَ ْي ٌر لّ هُ عِندَ َربّ هِ‬
‫قوله عز وجل ‪َ ﴿ :‬ذلِ َ‬
‫َانـ‬
‫ِنـ اْلأَ ْوث ِ‬
‫ْسـ م َ‬
‫ُمـ فَاجْتَنِبُوا الرّج َ‬
‫َامـ ِإلّا مَا يُتْلَى عَلَ ْيك ْ‬
‫ُمـ اْلأَْنع ُ‬
‫ّتـ َلك ُ‬
‫َوأُحِل ْ‬
‫شرِ ْك بِاللّ هِ‬
‫شرِكِيَ بِ هِ وَمَن ُي ْ‬
‫وَاجْتَنِبُوا قَ ْولَ الزّورِ (‪ )30‬حَُنفَاء لِلّ هِ غَ ْي َر ُم ْ‬
‫ح فِي َمكَانٍ سَحِيقٍ (‬
‫َف َكأَنّمَا َخرّ مِ َن السّمَاء فََتخْ َطفُهُ الطّ ْي ُر أَ ْو َتهْوِي بِهِ الرّي ُ‬
‫‪. ﴾ )31‬‬
‫قال ماهد ف قوله ‪ ﴿ :‬ذَلِ َ‬
‫ك َومَن ُيعَظّ مْ حُ ُرمَا تِ اللّ هِ ﴾ ‪ ،‬قال ‪ :‬الرمة‬
‫مكة ‪ ،‬والج ‪ ،‬والعمرة ‪ ،‬وما نى ال عنه من معاصيه كلها ‪.‬‬
‫‪191‬‬ ‫توفيق الرحن ف دروس القرآن‬

‫وقوله تعال ‪َ ﴿ :‬وأُحِلّ تْ َلكُ ُم الَْأْنعَا مُ إِلّا مَا ُيتْلَى عََلْيكُ مْ ﴾ ‪ ،‬قال قتادة ‪:‬‬
‫َانَ‬
‫ِنَ اْلَأوْث ِ‬ ‫ْسَ م َ‬‫إ ّل اليتَة ‪ ،‬ومَا ل يذكَر اسَم ال عليَه ‪ ﴿ ،‬فَا ْجَتِنبُوا الرّج َ‬
‫وَا ْجَتنِبُوا َق ْولَ الزّورِ ﴾ ‪ ،‬قال ابَن عباس ‪ :‬يقول تعال ذكره ‪ :‬واجتنبوا طاعَة‬
‫الشيطان فَ عبادة الوثان ‪ .‬وعَن ماهَد قوله ‪َ ﴿ :‬ق ْولَ الزّورِ ﴾ ‪ ،‬قال ‪:‬‬
‫َ غَيْرَ‬ ‫الكذب ‪ .‬وعَن ابَن عباس قوله ‪ ﴿ :‬وَا ْجتَِنبُوا َقوْلَ الزّورِ * ُحَنفَاء لِلّه ِ‬
‫مُشْرِ ِكيَ بِهِ ﴾ ‪ ،‬يعن ‪ :‬الفتراء على ال والتكذيب ‪ .‬وعن ابن مسعود قال ‪:‬‬
‫س مِ َن اْلَأوْثَا نِ وَا ْجَتِنبُوا‬
‫تعدل شهادة الزور بالشرك ‪ ،‬وقرأ ‪ ﴿ :‬فَا ْجَتِنبُوا الرّجْ َ‬
‫َقوْلَ الزّورِ ﴾ ‪ .‬و عن قتادة ‪َ ﴿ :‬ف َكَأنّمَا َخ ّر مِ َن ال سّمَاء ﴾ ‪ ،‬قال ‪ :‬هذا م ثل‬
‫خ َطفُ هُ ال ّطيْرُ َأوْ‬
‫ضر به ال ل ن أشرك بال ف بعده من الدى وهل كه ‪َ ﴿ ،‬فتَ ْ‬
‫َت ْهوِي بِهِ الرّيحُ فِي َمكَانٍ سَحِيقٍ ﴾ ‪ ،‬قال ماهد ‪ :‬بعيد ‪.‬‬
‫ك َومَن ُيعَظّمْ َشعَاِئرَ اللّ ِه َفإِّنهَا مِن َتقْوَى اْلقُلُوبِ‬
‫قوله عز وجل ‪َ ﴿ :‬ذلِ َ‬
‫ت اْلعَتِيقِ (‪)33‬‬
‫(‪َ )32‬ل ُكمْ فِيهَا مَنَافِ ُع ِإلَى َأجَ ٍل ّمسَمّى ُث ّم مَحِ ّلهَا إِلَى الْبَيْ ِ‬
‫﴾‪.‬‬
‫قال م مد بن أ ب مو سى ‪ :‬الوقوف بعر فة من شعائر ال ‪ ،‬وال مع من‬
‫شعائر ال ‪ ،‬ورمَي المار مَن شعائر ال ‪ ،‬والبدن مَن شعائر ال ‪ ،‬ومَن‬
‫يعظّمها فإنا من شعائر ال ‪.‬‬
‫ف قوله ‪َ ﴿ :‬ومَن ُيعَظّ ْم َشعَائِرَ اللّ هِ ﴾ فمن يعظمها ‪ ﴿ ،‬فَِإّنهَا مِن َت ْقوَى‬
‫اْلقُلُو بِ ﴾ ‪ .‬و عن ا بن عباس ف قوله ‪ ﴿ :‬وَمَن ُيعَظّ ْم َشعَائِرَ اللّ هِ فَِإنّهَا مِن‬
‫الزء الثالث‬ ‫‪192‬‬

‫َت ْقوَى الْقُلُوبِ ﴾ ‪ ،‬قال ‪ :‬استعظامها ‪ ،‬واستحسانا ‪ ،‬واستمساكها ‪َ ﴿ ،‬لكُ ْم‬


‫فِيهَا َمنَافِ عُ إِلَى أَجَلٍ مّ سَمّى ﴾ ‪ ،‬قال ‪ :‬ما ل يُ سَ ّم بُدْنًا ‪ .‬و عن عطاء ‪﴿ :‬‬
‫سمّى ﴾ ‪ ،‬قال هو ‪ :‬ركوب البدن ‪ ،‬وشرب لبنها‬ ‫َلكُمْ فِيهَا َمنَافِ عُ إِلَى أَجَ ٍل مّ َ‬
‫إن احتاج ‪ ﴿ ،‬ثُمّ مَحِّلهَا إِلَى اْلَبيْ تِ اْل َعتِي قِ ﴾ إل مكة ‪ .‬وف الصحيحي أن‬
‫ل ي سوق بد نة قال ‪ « :‬اركب ها » ‪ .‬قال ‪ :‬إن ا بد نة ‪،‬‬ ‫ر سول ال رأى رج ً‬
‫قال ‪ « :‬اركبها ويك » ‪ ،‬ف الثانية ‪ ،‬أو ف الثالثة ‪ .‬وف حديث آخر عند‬
‫جْئتَ إليها » ‪.‬‬
‫مسلم قال ‪ « :‬اركبها بالعروف إذا لُ ِ‬
‫قوله عز وجل ‪ ﴿ :‬وَِل ُكلّ ُأ ّمةٍ َجعَلْنَا مَن سَكا لَِيذْ ُكرُوا ا سْ َم اللّ هِ عَلَى مَا‬
‫َر َزقَهُم مّ ن َبهِي َم ِة الَْأْنعَا ِم َفإَِل ُهكُ مْ ِإلَ ٌه وَا ِحدٌ فَلَ ُه أَ سْلِمُوا َوَبشّ ِر الْمُخْبِتِيَ (‬
‫ت قُلُوُبهُ ْم وَال صّاِبرِينَ عَلَى مَا أَ صَاَب ُهمْ‬
‫‪ )34‬اّلذِي نَ ِإذَا ذُ ِك َر اللّ ُه وَجِلَ ْ‬
‫وَالْ ُمقِيمِي الصّلَاةِ َومِمّا رَ َزقْنَاهُ ْم يُنفِقُونَ (‪. ﴾ )35‬‬
‫عَن ماهَد ‪ ﴿ :‬وَِلكُلّ ُأ ّمةٍ َجعَلْنََا مَنسََكا ﴾ ‪ ،‬قال ‪ :‬إهراق الدماء ‪،‬‬
‫﴿ ِليَذْكُرُوا ا سْمَ اللّ هِ ﴾ علي ها ‪ ﴿ ،‬فَإَِل ُهكُ مْ إِلَ هٌ وَاحِدٌ فَلَ هُ أَ سْلِمُوا َوبَشّرِ‬
‫خبِتِيَ ﴾ الطمئني إل ال ‪.‬‬ ‫الْ ُم ْ‬
‫وقال ابن زيد ف قوله ‪ ﴿ :‬الّذِينَ ِإذَا ذُكِرَ اللّ ُه وَ ِجلَتْ قُلُوُبهُمْ ﴾ ‪ ،‬قال ‪:‬‬
‫ل تق سوا قلوب م ‪ ﴿ ،‬وَال صّابِرِي َن عَلَى مَا أَ صَابَهُمْ ﴾ من شدة ف أ مر ال‬
‫ونال م من مكروه ف جن به ‪ ﴿ ،‬وَالْ ُمقِيمِي ال صّلَا ِة ﴾ الفرو ضة ‪َ ﴿ ،‬ومِمّ ا‬
‫‪193‬‬ ‫توفيق الرحن ف دروس القرآن‬

‫َرزَ ْقنَاهُ مْ ﴾ من الموال ‪ ﴿ ،‬يُن ِفقُو نَ ﴾ ف الوا جب علي هم إنفاق ها ف يه ‪ ،‬ف‬


‫زكاة ونفقة عيال ‪ ،‬ومن وجبت عليه نفقته ‪ ،‬وف سبيل ال ‪.‬‬
‫قوله عز وجل ‪ ﴿ :‬وَالُْبدْ نَ َجعَلْنَاهَا لَكُم مّن َشعَاِئرِ اللّ هِ لَكُ مْ فِيهَا خَ ْيرٌ‬
‫ف َفإِذَا وَجَبَ تْ جُنُوُبهَا َفكُلُوا مِ ْنهَا َوأَ ْطعِمُوا‬
‫صوَا ّ‬
‫فَاذْ ُكرُوا ا سْ َم اللّ هِ عَلَ ْيهَا َ‬
‫ش ُكرُو نَ (‪ )36‬لَن يَنَا َل اللّ هَ‬
‫خ ْرنَاهَا لَكُ مْ َلعَ ّلكُ مْ َت ْ‬
‫اْلقَانِ عَ وَالْ ُمعَْترّ َكذَلِ كَ سَ ّ‬
‫خرَهَا لَكُ مْ لُِتكَّبرُوا‬
‫لُحُو ُمهَا وَلَا دِمَاؤُهَا َولَكِن يَنَالُ هُ الّت ْقوَى مِنكُ مْ َك َذلِ كَ سَ ّ‬
‫حسِنِيَ (‪. ﴾ )37‬‬
‫شرِ الْ ُم ْ‬
‫ال ّلهَ عَلَى مَا َهدَا ُك ْم وََب ّ‬
‫قال عطاء ‪ ﴿ :‬وَاْلبُدْ نَ َجعَ ْلنَاهَا لَكُم مّ ن َشعَائِرِ اللّ هِ ﴾ ‪ ،‬قال ‪ :‬البقرة ‪،‬‬
‫والبعيَ ‪ .‬وقال ماهَد ‪ :‬إناَ البدن مَن البَل ‪ ،‬ويشهَد له قوله ‪ « :‬مَن‬
‫اغت سل يوم المعة ث راح ف الساعة الول ‪ ،‬فكأنا قرّب بدنة ‪ ،‬ومن راح‬
‫ف الساعة الثانية فكأنا قرَب بقرة » ‪ .‬الديث ‪.‬‬
‫و عن ما هد ف قول ال ‪َ ﴿ :‬لكُ مْ فِيهَا َخْيرٌ ﴾ ‪ ،‬قال ‪ :‬أ جر ومنا فع ف‬
‫صوَافّ ﴾ ‪،‬‬ ‫البدن ‪ .‬و عن ا بن عباس ف قوله ‪ ﴿ :‬فَاذْكُرُوا ا سْمَ اللّ ِه عََليْهَا َ‬
‫قال ‪ :‬ال أكب ‪ ،‬ال أكب ‪ ،‬اللهم منك ولك قيامها على ثلث أرجل ‪ ،‬فقيل‬
‫ل بن عباس ‪ :‬ما ن صنع بلود ها ؟ قال ‪ :‬ت صدقوا ب ا وا ستمتعوا ب ا ‪ .‬و عن‬
‫َتَ ُجنُوبُه َا ﴾ سَقطت إل الرض ‪َ ﴿ ،‬فكُلُوا ِمنْه َا‬ ‫ماهَد ‪ ﴿ :‬فَِإذَا وَ َجب ْ‬
‫َوَأ ْطعِمُوا اْلقَانِ َع وَالْ ُم ْعتَرّ ﴾ ‪ ،‬قال ابن عباس يقول ‪ :‬يأكل منها ويطعم ‪ .‬وقال‬
‫السن ‪ :‬القانع ‪ :‬الذي يقنع إليك ويسألك ‪ .‬والعتر ‪ :‬الذي يتعرض لك ول‬
‫الزء الثالث‬ ‫‪194‬‬

‫يسَألك ‪ .‬وقال زيَد بَن أسَلم ‪ :‬القانَع ‪ :‬السَكي الذي يطوف ‪ .‬والعترّ ‪:‬‬
‫الصديق ‪ .‬والضعيف ‪ :‬الذي يزور ‪ .‬وقال ابنه ‪ :‬القانع ‪ :‬السكي الذي يعتر‬
‫للقوم للحمهَم وليَس بسَكي ‪ ،‬ول تكون له ذبيحَة ‪ ،‬ييَء إل القوم مَن‬
‫أجَل لمهَم ‪ .‬والبائس الفقيَ ‪ :‬هَو ‪ :‬القانَع ‪ .‬وفَ الديَث الصَحيح أن‬
‫رسول ال قال ‪ « :‬إن كنت نيتكم عن ادخار لوم الضاحي فوق ثلث‬
‫‪ ،‬فكلوا وادخروا ما بدا لكم » ‪ .‬وف رواية ‪ « :‬فكلوا وأطعموا وتصدقوا »‬
‫‪.‬‬
‫وعن إبراهيم ف قول ال ‪ ﴿ :‬لَن َينَالَ اللّهَ لُحُو ُمهَا وَلَا ِدمَا ُؤهَا وَلَكِن َينَالُهُ‬
‫الّتقْوَى مِنكُ مْ ﴾ ‪ ،‬قال ‪ :‬ما أريد به وجه ال ‪ .‬قال البغوي ‪ :‬وذلك أن أهل‬
‫الاهليَة كانوا إذا تروا البدن لطخوا الكعبَة بدمائهَا قربَة إل ال فأنزل ال‬
‫هذه ال ية ‪ ﴿ :‬لَن يَنَالَ اللّ هَ ُلحُومُهَا وَلَا ِدمَاؤُهَا وَلَكِن َينَالُ هُ الّتقْوَى مِنكُ مْ‬
‫كَذَلِ كَ َسخّ َرهَا َلكُ مْ ِلتُ َكبّرُوا اللّ َه عَلَى مَا هَدَاكُ مْ ﴾ ‪ ،‬أرشدكم لعال دينه ‪،‬‬
‫سنِيَ ﴾ ‪.‬‬ ‫ومناسك حجه ‪َ ﴿ ،‬وبَشّ ِر الْمُحْ ِ‬

‫***‬
‫‪195‬‬ ‫توفيق الرحن ف دروس القرآن‬

‫الدرس الثامن والسبعون بعد الائة‬

‫﴿ إِنّ اللّ َه ُيدَافِ عُ عَ ِن اّلذِي نَ آمَنُوا إِنّ اللّ هَ لَا يُحِبّ ُك ّل َخوّا نٍ َكفُورٍ (‬
‫صرِ ِهمْ لَ َقدِيرٌ ( ‪)39‬‬
‫‪ُ )38‬أذِ َن لِ ّلذِي َن ُيقَاتَلُو نَ ِبَأّنهُ مْ ظُ ِلمُوا َوإِنّ اللّ هَ عَلَى نَ ْ‬
‫اّلذِي نَ ُأ ْخرِجُوا مِن ِديَارِهِ ْم ِبغَ ْيرِ َحقّ ِإلّا أَن َيقُولُوا َربّنَا اللّ ُه َولَ ْولَا َدفْ عُ اللّ هِ‬
‫ت َومَ سَا ِجدُ ُيذْ َك ُر فِيهَا‬
‫صوَامِ ُع َوبِيَ ٌع وَ صَ َلوَا ٌ‬
‫س َبعْضَهُم بَِبعْ ضٍ ّل ُه ّدمَ تْ َ‬
‫النّا َ‬
‫ص ُرهُ إِنّ اللّ هَ َل َقوِيّ َعزِيزٌ (‪ )40‬الّذِي نَ‬
‫صرَ ّن اللّ هُ مَن يَن ُ‬
‫ا ْسمُ اللّ هِ َكثِيا وَلَيَن ُ‬
‫ف َوَنهَوْا‬
‫ض َأقَامُوا الصّلَاةَ وَآَتوُا الزّكَاةَ َوَأ َمرُوا بِالْ َم ْعرُو ِ‬
‫إِن ّمكّنّاهُمْ فِي الْأَرْ ِ‬
‫ت قَبْ َلهُ مْ قَوْ مُ‬
‫عَ ِن الْمُنكَ ِر َولِلّ هِ عَاقَِبةُ اْلأُمُورِ (‪ )41‬وَإِن ُي َكذّبُو َك َف َقدْ َك ّذبَ ْ‬
‫ب َمدْيَ نَ‬
‫صحَا ُ‬
‫ح وَعَا ٌد وَثَمُودُ (‪َ )42‬و َقوْ ُم ِإْبرَاهِي َم َوقَوْ ُم لُو طٍ ( ‪َ )43‬وأَ ْ‬
‫نُو ٍ‬
‫وَ ُكذّبَـ مُوسـَى فََأمْلَيْتُـلِ ْلكَا ِفرِينَـثُمّ َأ َخذُْتهُم ْـ َفكَيْفَـ كَانَـَنكِيِ (‪)44‬‬
‫َف َكأَيّن مّن َق ْريَ ٍة َأهْلَكْنَاهَا َوهِ يَ ظَالِ َمةٌ َفهِيَ خَا ِوَيةٌ عَلَى ُعرُو ِشهَا َوبِ ْئ ٍر مّعَطّ َلةٍ‬
‫ض فََتكُو َن َلهُ ْم قُلُو بٌ َي ْعقِلُو َن ِبهَا‬
‫َوقَ صْ ٍر ّمشِيدٍ (‪َ )45‬أفَلَ ْم يَ سِيُوا فِي اْلأَرْ ِ‬
‫َأوْ آذَا ٌن يَ سْ َمعُو َن ِبهَا َفإِّنهَا لَا َتعْمَى الَْأبْ صَا ُر َولَكِن َتعْمَى الْقُلُو بُ الّتِي فِي‬
‫ف اللّ هُ وَ ْعدَ ُه َوإِنّ يَوْما‬
‫ب َولَن يُخْلِ َ‬
‫صدُورِ (‪َ )46‬ويَ سَْتعْجِلُوَنكَ بِاْلعَذَا ِ‬
‫ال ّ‬
‫ت َلهَا وَهِ يَ‬
‫عِندَ َربّ كَ َكَألْ فِ سََن ٍة مّمّا َت ُعدّو نَ (‪ )47‬وَ َكَأيّن مّن َقرَْيةٍ أَمْلَيْ ُ‬
‫س إِنّمَا َأنَا َلكُ ْم َنذِيرٌ‬
‫ظَالِ َم ٌة ُثمّ َأ َخذُْتهَا َوِإلَيّ الْمَ صِيُ (‪ُ )48‬قلْ يَا َأيّهَا النّا ُ‬
‫ت َلهُم ّم ْغفِ َر ٌة وَرِزْقٌ َكرِيٌ ( ‪)50‬‬
‫مّبِيٌ (‪ )49‬فَالّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصّالِحَا ِ‬
‫ب الْجَحِي مِ (‪ )51‬وَمَا‬
‫صحَا ُ‬
‫ك أَ ْ‬
‫وَالّذِي نَ َس َعوْا فِي آيَاتِنَا ُمعَا ِجزِي َن أُ ْولَئِ َ‬
‫الزء الثالث‬ ‫‪196‬‬

‫أَرْ سَلْنَا مِن قَبْلِ كَ مِن رّ سُو ٍل َولَا نَِبيّ ِإلّا ِإذَا تَمَنّى َأْلقَى الشّيْطَا ُن فِي ُأمْنِيّتِ هِ‬
‫حكِمُ اللّهُ آيَاتِهِ وَاللّهُ عَلِيمٌ َحكِيمٌ (‪)52‬‬
‫خ اللّ ُه مَا يُ ْلقِي الشّيْطَانُ ُثمّ يُ ْ‬
‫فَيَنسَ ُ‬
‫ج َع َل مَا يُ ْلقِي الشّيْطَا ُن فِتَْن ًة لّ ّلذِينَ فِي قُلُوبِهِم ّمرَضٌ وَالْقَاسَِيةِ قُلُوُبهُمْ وَإِنّ‬
‫لِيَ ْ‬
‫ق َبعِيدٍ (‪َ )53‬ولَِيعْلَ َم اّلذِي نَ أُوتُوا الْعِلْ َم أَنّ ُه الْحَقّ مِن‬
‫الظّالِمِيَ لَفِي ِشقَا ٍ‬
‫صرَاطٍ‬
‫ت لَ ُه قُلُوُبهُ ْم وَإِنّ اللّ هَ َلهَادِ اّلذِي نَ آمَنُوا ِإلَى ِ‬
‫ّربّ كَ فَُي ْؤمِنُوا بِ هِ فَتُخْبِ َ‬
‫مّسْتَقِيمٍ (‪ )54‬وَلَا َيزَالُ اّلذِينَ َكفَرُوا فِي ِم ْريَ ٍة مّنْ ُه حَتّى تَ ْأتَِيهُ ُم السّا َعةُ َبغَْتةً‬
‫حكُ ُم بَيَْنهُ مْ فَاّلذِي نَ‬
‫ك َيوْمَِئ ٍذ لّلّ ِه يَ ْ‬
‫َأوْ يَ ْأتَِيهُ مْ َعذَا بُ َيوْ مٍ َعقِي مٍ (‪ )55‬الْمُلْ ُ‬
‫آمَنُوا وَعَمِلُوا ال صّالِحَاتِ فِي جَنّا تِ الّنعِي مِ (‪ )56‬وَالّذِي نَ َك َفرُوا وَ َكذّبُوا‬
‫ك َلهُ مْ َعذَا بٌ ّمهِيٌ (‪ )57‬وَاّلذِي نَ هَاجَرُوا فِي سَبِي ِل اللّ ِه ثُمّ‬
‫بِآيَاتِنَا َفأُ ْولَئِ َ‬
‫قُتِلُوا َأ ْو مَاتُوا لََيرْ ُزقَّنهُ مُ اللّ هُ ِرزْقا حَ سَنا َوإِنّ اللّ هَ َل ُهوَ خَيْ ُر الرّا ِزقِيَ (‪)58‬‬
‫ض ْونَ ُه َوإِنّ اللّ هَ لَعَلِي ٌم حَلِي مٌ (‪َ )59‬ذلِ كَ َومَ نْ عَاقَ بَ‬
‫ل َيرْ َ‬
‫لَُي ْدخِلَنّهُم ّمدْخَ ً‬
‫صرَّنهُ اللّ ُه إِنّ اللّ َه َلعَ ُفوّ َغفُورٌ ( ‪)60‬‬
‫بِمِ ْث ِل مَا عُوقِ بَ بِ ِه ثُمّ ُبغِ يَ عَلَيْ هِ لَيَن ُ‬
‫ج الّنهَا َر فِي اللّ ْيلِ َوأَنّ اللّ هَ سَمِيعٌ‬
‫ج اللّ ْي َل فِي الّنهَا ِر وَيُولِ ُ‬
‫ك ِبأَنّ اللّ هَ يُولِ ُ‬
‫َذلِ َ‬
‫حقّ َوأَنّ مَا َيدْعُو َن مِن دُونِ ِه ُهوَ الْبَا ِطلُ‬
‫ك ِبأَنّ اللّ هَ ُه َو الْ َ‬
‫بَ صِيٌ (‪َ )61‬ذلِ َ‬
‫َوأَ ّن اللّ َه ُهوَ اْلعَلِ ّي الْكَبِيُ (‪. ﴾ )62‬‬

‫***‬
‫‪197‬‬ ‫توفيق الرحن ف دروس القرآن‬

‫حبّ ُكلّ‬
‫قوله عز وجل ‪ ﴿ :‬إِنّ اللّهَ ُيدَافِ عُ عَ ِن الّذِينَ آ َمنُوا إِنّ اللّ َه لَا يُ ِ‬
‫ص ِرهِمْ‬
‫َخوّا نٍ َكفُورٍ (‪ُ )38‬أذِ نَ لِ ّلذِي نَ ُيقَاتَلُو َن ِبأَّنهُ مْ ظُلِمُوا وَإِنّ اللّ هَ عَلَى نَ ْ‬
‫َل َقدِيرٌ (‪ )39‬اّلذِي نَ ُأ ْخرِجُوا مِن ِديَارِهِ ْم ِبغَ ْيرِ حَقّ ِإلّا أَن َيقُولُوا َربّنَا اللّ هُ‬
‫َوَلوْلَا َدفْعُـ اللّهِـ النّاسَـَبعْضَهُم بَِبعْضٍـّل ُهدّمَت ْـ صَـوَامِ ُع َوبِيَعٌـ وَصَـَلوَاتٌ‬
‫ص ُر ُه إِنّ اللّ َه َلقَوِيّ‬
‫صرَ ّن اللّ ُه مَن يَن ُ‬
‫َومَسَا ِجدُ ُيذْ َكرُ فِيهَا اسْ ُم اللّهِ كَثِيا َولَيَن ُ‬
‫الصـلَا َة وَآَتوُا الزّكَاةَ‬
‫ْضـ َأقَامُوا ّ‬
‫ُمـ ف ِي اْلأَر ِ‬
‫ِينـ إِن مّكّنّاه ْ‬
‫َعزِيزٌ (‪ )40‬الّذ َ‬
‫ف َونَ َهوْا َعنِ الْمُن َكرِ َولِ ّلهِ عَاقَِبةُ اْلأُمُورِ (‪. ﴾ )41‬‬
‫َوَأمَرُوا بِالْ َمعْرُو ِ‬
‫قال ابـن عباس ‪ :‬لاَ أخرج النَب مَن مكَة قال أبَو بكَر ‪ :‬أخرجوا‬
‫نبيهم ‪ ،‬إ نا ل وإ نا إل يه راجعون ‪ ،‬ليهل كن ‪ .‬قال ا بن عباس ‪ :‬فأنزل ال عز‬
‫وجل ‪ ﴿ :‬أُذِ نَ لِلّذِي َن ُيقَاتَلُو َن بَِأّنهُ ْم ظُِلمُوا َوِإنّ اللّ َه عَلَى نَ صْ ِرهِمْ َلقَدِيرٌ ﴾ ‪،‬‬
‫قال أبو بكر رضي ال عنه ‪ :‬فعرفت أنه سيكون قتال ‪ .‬رواه ابن جرير وغيه‬
‫؛ زاد أحد ‪ :‬قال ابن عباس ‪ :‬وهي أول آية نزلت ف القتال ‪.‬‬
‫وروى ابن جريج أيضًا عن ابن عباس قوله ‪ ﴿ :‬أُذِ نَ ِللّذِي نَ يُقَاتَلُو َن ِبأَّنهُ مْ‬
‫ظُلِمُوا َوإِنّ اللّ َه عَلَى نَ صْ ِرهِمْ َلقَدِيرٌ ﴾ ‪ ،‬يع ن ‪ :‬ممدًا وأ صحابه إذ أخرجوا‬
‫من مكة إل الدينة ‪ ،‬يقول ال ‪َ ﴿ :‬وِإنّ اللّ َه عَلَى نَ صْ ِرهِمْ َلقَدِيرٌ ﴾ وقد فعل‬
‫‪.‬‬
‫س َب ْعضَهُم ِببَعْ ضٍ ﴾ ‪ ،‬دفع‬ ‫وعن ابن جريج قوله ‪ ﴿ :‬وََلوْلَا دَفْ عُ اللّ ِه النّا َ‬
‫الشركي بالسلمي ‪ .‬وقال ابن زيد ‪ :‬لول القتال والهاد لدّمت صوامع قال‬
‫الزء الثالث‬ ‫‪198‬‬

‫َعَ ﴾ ‪ ،‬قال ‪ :‬وكنائس ‪ .‬وقال الضحاك ‪:‬‬ ‫ماهَد ‪ :‬صَوامع الرهبان ‪َ ﴿ ،‬وِبي ٌ‬
‫البيع ‪ :‬بيع النصارى ‪ .‬وعن قتادة‪ ﴿:‬وَصََلوَاتٌ ﴾ كنائس اليهود ﴿ َومَسَاجِدُ‬
‫يُذْ َكرُ فِيهَا ا سْمُ اللّ هِ َكثِيا ﴾ ‪ ،‬قال ‪ :‬الساجد ‪ :‬مساجد السلمي ‪ ﴿ ،‬يُذْكَرُ‬
‫فِيهَا اسْمُ اللّهِ َكثِيا ﴾ ‪.‬‬
‫قال البغوي ‪ :‬ومعن الية ‪ :‬ولول دفع ال الناس بعضهم ببعض ‪ ،‬لدم ف‬
‫شري عة كل نب مكان صلتم ‪ ،‬لدم ف ز من مو سى الكنائس ‪ ،‬و ف ز من‬
‫عي سى البيع والصوامع ‪ ،‬و ف زمن م مد ال ساجد ‪ ﴿ .‬وََليَن صُ َرنّ اللّ ُه مَن‬
‫ي عَزِيزٌ ﴾ ‪.‬‬‫يَنصُ ُرهُ ﴾ ‪ ،‬يعن ‪ :‬ينصر دينه ونبيه ‪ ﴿ ،‬إِنّ اللّهَ َل َقوِ ّ‬
‫وعن أب العالية ف قوله ‪ ﴿ :‬الّذِي نَ إِن ّمكّنّاهُ مْ فِي الْأَرْ ضِ أَقَامُوا ال صّلَاةَ‬
‫َ الْمُنكَرِ ﴾ ‪ ،‬قال ‪ :‬كان أمرهَم‬ ‫َ َوَن َهوْا عَن ِ‬
‫وَآَتوُا الزّكَا َة َوَأمَرُوا بِالْ َمعْرُوف ِ‬
‫بالعروف أنم دعوا إل الخلص ل وحده ل شريك له ‪ ،‬ونيهم عن النكر‬
‫أن م نوا عن عبادة الوثان وعبادة الشيطان ‪ .‬وقال ز يد بن أ سلم ‪ ﴿ :‬وَِللّ هِ‬
‫عَاِقَبةُ الُْأمُورِ ﴾ ‪ ،‬وعند ال ثواب ما صنعوا ‪ .‬وقال عمر بن عبد العزيز ‪ :‬أل‬
‫أنبئكَم باَ لكَم على الوال ‪ ،‬وباَ للوال عليكَم ؟ إن لكَم على الوال أن‬
‫يأخذ كم بقوق ال علي كم ‪ ،‬وأن يأ خذ لبعض كم من ب عض ‪ ،‬وأن يهدي كم‬
‫لل ت هي أقوم ما ا ستطاع ‪ ،‬وإن علي كم الطا عة غ ي البزوزة ‪ ،‬ول ال ستكثر‬
‫با ‪ ،‬ول الخالف سرّها علنيتها ‪.‬‬
‫‪199‬‬ ‫توفيق الرحن ف دروس القرآن‬

‫ح وَعَادٌ‬
‫ت قَبْ َلهُ ْم قَوْ ُم نُو ٍ‬
‫قوله عز و جل ‪َ ﴿ :‬وإِن ُي َكذّبُو َك َف َقدْ َكذّبَ ْ‬
‫ب َمدْيَ َن وَ ُكذّ بَ‬
‫صحَا ُ‬
‫َوثَمُودُ (‪َ )42‬و َقوْ ُم إِْبرَاهِي َم َوقَوْ ُم لُو طٍ (‪ )43‬وَأَ ْ‬
‫ت لِ ْلكَا ِفرِي َن ثُمّ َأ َخذُْتهُ مْ َفكَيْ فَ كَا َن َنكِيِ (‪َ )44‬ف َكأَيّ ن مّ ن‬
‫مُو سَى فََأمْلَيْ ُ‬
‫َصـرٍ‬
‫ِيـ خَا ِوَيةٌ عَلَى ُعرُوشِهَا وَبِ ْئ ٍر ّمعَطّلَ ٍة َوق ْ‬
‫ِيـ ظَالِ َم ٌة َفه َ‬
‫َق ْرَيةٍ َأهْلَكْنَاهَا وَه َ‬
‫ب َيعْقِلُو َن بِهَا َأوْ‬
‫ض فََتكُو نَ لَهُ ْم قُلُو ٌ‬
‫ّمشِيدٍ (‪َ )45‬أفَلَ مْ يَ سِيُوا فِي الْأَرْ ِ‬
‫ب الّتِي فِي‬
‫آذَا ٌن يَ سْ َمعُو َن بِهَا َفإِنّهَا لَا َتعْمَى اْلأَبْ صَا ُر وَلَكِن َتعْمَى اْلقُلُو ُ‬
‫صدُورِ (‪. ﴾ )46‬‬
‫ال ّ‬
‫قال البغوي ‪َ ﴿ :‬فكَيْ فَ كَا َن نَكِيِ ﴾ ‪ ،‬يع ن ‪ :‬إنكاري ‪ .‬أي ‪ :‬ك يف‬
‫أنكرت عليهم ما فعلوا من التكذيب بالعذاب واللك ‪ ،‬يوف به من يالف‬
‫النب ويكذبه ‪.‬‬
‫قوله تعال ‪َ ﴿ :‬فكََأيّ ن مّ ن قَ ْرَيةٍ َأهَْل ْكنَاهَا َوهِ َي ظَالِ َمةٌ َفهِ يَ خَا ِوَيةٌ عَلَى‬
‫عُرُوشِهَََا ﴾ ‪ ،‬قال الضحاك ‪ :‬خواؤهََا ‪ :‬خراباََ و ﴿ عُرُوشِهَََا‬
‫﴾ سَقوفها ‪َ ﴿ ،‬وبِئْرٍ ّمعَطَّلةٍ ﴾ ‪ ،‬قال ‪ :‬ل أهَل لاَ ‪ .‬وقال قتادة ‪ :‬عطلهَا‬
‫أهلها ‪ ،‬تركوها ‪ .‬وعن عكرمة ف قوله ‪ ﴿ :‬وَقَصْ ٍر مّشِيدٍ ﴾ ‪ ،‬قال ‪ :‬مصّص‬
‫‪ .‬وقال قتادة ‪ :‬كان أهله سدّوه وحصّنوه فهلكوا وتركوه ‪.‬‬
‫وقوله تعال ‪ ﴿ :‬أَفََل ْم يَسِيُوا فِي اْلأَرْضِ َفتَكُونَ َلهُمْ ُقلُو ٌ‬
‫ب َيعْقِلُو َن ِبهَا َأوْ‬
‫آذَا نٌ يَ سْ َمعُو َن بِهَا ﴾ فيع تبون ‪ ﴿ ،‬فَِإنّهَا لَا َتعْمَى اْلأَبْ صَا ُر وَلَكِن َتعْمَى‬
‫الزء الثالث‬ ‫‪200‬‬

‫ب الّتِي فِي ال صّدُورِ ﴾ ‪ ،‬قال قتادة ‪ :‬البصر الظاهر بُ ْل َغ ٌة و ُمْتعَ ٌة ‪ ،‬وبصر‬


‫اْلقُلُو ُ‬
‫القلب هو البصر النافع ‪ ،‬وما أحسن ما قاله بعض الشعراء ‪:‬‬
‫ْبَ وال ِكبَرُ‬
‫نادى بَه الناعيان الشَي ُ‬ ‫يا من ي صيخ إل دا عي الشقاء و قد‬
‫(‬
‫(‬

‫ف رأسك الواعيان السمع والبصرُ‬ ‫إن ك نت ل ت سمع الذكرى فف يم ترى‬


‫(‬

‫(‬

‫ل َيهْدِه الاديان العيََ والثََر‬ ‫ل يس ال صم ول الع مى سوى ر جل‬


‫(‬

‫(‬

‫العلى ول النيان الش مس والق مر‬ ‫ل الد هر يب قى ول الدن يا ول الفلك‬


‫(‬
‫(‬

‫ََا الثاويان البدو والضرُ‬


‫فراقهَ‬ ‫ليحلن عَن الدنيَا وإن كرهَا‬
‫(‬ ‫(‬

‫ف اللّ ُه وَ ْعدَ هُ َوإِنّ‬


‫قوله عز وجل ‪َ ﴿ :‬ويَ سَْتعْجِلُوَنكَ بِاْلعَذَا بِ وَلَن يُخْلِ َ‬
‫ت لَهَا‬
‫َيوْما عِندَ َربّ كَ َكأَلْ فِ سََنةٍ مّمّ ا َت ُعدّو نَ (‪ )47‬وَ َكَأيّ ن مّ ن َقرَْيةٍ أَمْلَيْ ُ‬
‫َوهِيَ ظَالِ َم ٌة ُثمّ َأ َخذُْتهَا َوِإلَ ّي الْمَصِيُ (‪. ﴾ )48‬‬
‫قال ا بن عباس ‪ :‬مقدار ال ساب يوم القيا مة ألف سنة ‪ .‬و عن أ ب هريرة‬
‫أن رسول ال قال ‪ « :‬يدخل فقراء السلمي النة قبل الغنياء بنصف يوم‬
‫خسمائة عام » ‪ .‬رواه ابن أب حات وغيه ‪.‬‬
‫قوله عز و جل ‪ُ ﴿ :‬ق ْل يَا َأيّهَا النّا سُ ِإنّمَا أَنَا لَكُ ْم َنذِيرٌ مّبِيٌ (‪)49‬‬
‫ت لَهُم ّم ْغفِ َر ٌة وَرِزْ قٌ َكرِيٌ (‪ )50‬وَالّذِي نَ‬
‫فَالّذِي نَ آمَنُوا وَعَمِلُوا ال صّالِحَا ِ‬
‫ك أَصْحَابُ الْجَحِيمِ (‪. ﴾ )51‬‬
‫َسعَوْا فِي آيَاتِنَا ُمعَا ِجزِي َن ُأوْلَِئ َ‬
‫‪201‬‬ ‫توفيق الرحن ف دروس القرآن‬

‫قال ابن جريج قوله ‪ ﴿ :‬فَالّذِي نَ آ َمنُوا َوعَمِلُوا ال صّالِحَاتِ َلهُم ّم ْغفِ َرةٌ وَ ِرزْ قٌ‬
‫َك ِريٌ ﴾ قال ‪ :‬النة ‪ .‬وعن ابن عباس ‪ ﴿:‬وَالّذِي َن َس َعوْا فِي آيَاتِنَا ُمعَاجِزِينَ ﴾‬
‫قال ‪ :‬مشاقي ‪ .‬وقال ماهد ‪ :‬يثبّطون الناس عن متابعة النب ‪ .‬وقال قتادة‬
‫‪ :‬كذبوا بآيات ال فظنوا أنمََ يعجزون ال ‪ ،‬ولن يعجزوه ‪ُ ﴿ ،‬أوَْلئِكَََ‬
‫ب الْجَحِيم ﴾ ‪.‬‬
‫صحَا ُ‬
‫أَ ْ‬
‫ك مِن رّ سُو ٍل َولَا نَبِيّ ِإلّا ِإذَا‬
‫قوله عز و جل ‪ ﴿ :‬وَمَا أَرْ سَلْنَا مِن قَبْلِ َ‬
‫حكِ مُ اللّ هُ‬
‫خ اللّ ُه مَا يُ ْلقِي الشّيْطَا ُن ثُمّ يُ ْ‬
‫سُ‬‫تَمَنّى َألْقَى الشّيْطَا ُن فِي ُأمْنِيّتِ هِ فَيَن َ‬
‫ج َع َل مَا يُلْقِي الشّيْطَا ُن فِتَْن ًة لّ ّلذِي نَ فِي‬
‫آيَاتِ ِه وَاللّ هُ َعلِي ٌم حَكِي مٌ (‪ )52‬لِيَ ْ‬
‫ق َبعِيدٍ (‪ )53‬وَلَِيعْلَمَ‬
‫قُلُوِبهِم ّمرَضٌ وَاْلقَاسَِيةِ قُلُوبُهُ ْم وَإِنّ الظّالِمِيَ َلفِي ِشقَا ٍ‬
‫ت لَهُ قُلُوُبهُ ْم َوإِنّ اللّهَ‬
‫حقّ مِن ّربّكَ فَُي ْؤمِنُوا بِهِ فَُتخْبِ َ‬
‫اّلذِي َن أُوتُوا الْعِلْ َم َأنّ ُه الْ َ‬
‫ط ّمسَْتقِيمٍ (‪. ﴾ )54‬‬
‫صرَا ٍ‬
‫َلهَادِ اّلذِينَ آمَنُوا ِإلَى ِ‬
‫عن ممد بن كعب القرظي ‪ ،‬وممد بن قيس قال ‪ :‬جلس رسول ال‬
‫ف ناد من أندية قريش كثي أهله ‪ ،‬تن يومئذٍ أن ل يأتيه من ال شيء فينفروا‬
‫ع نه ‪ ,‬فأنزل ال عل يه ‪ ﴿ :‬وَالنّجْ مِ إِذَا َهوَى * مَا ضَلّ صَا ِحبُكُ ْم وَمَا َغوَى‬
‫ت وَاْلعُزّى * َو َمنَاةَ الثّاِلَثةَ‬
‫﴾ فقرأها رسول ال حت إذا بلغ ‪ ﴿ :‬أَفَ َرَأيْتُمُ اللّا َ‬
‫َق العلى ‪ ،‬وإن‬ ‫َا الشيطان كلمتيَ ‪ :‬تلك الغرانيَ‬ ‫َى عليهَ‬
‫اْلأُخْرَى ﴾ ألقَ‬
‫شفاعته ّن لترجى ؛ فتكلّم با ‪ .‬ث مضى فقرأ السورة كلّها ‪ ،‬فسجد ف آخر‬
‫ال سورة ‪ ،‬و سجد القوم جيعًا م عه ‪ ،‬ور فع الول يد بن الغية ترابًا إل جبه ته‬
‫الزء الثالث‬ ‫‪202‬‬

‫فسجد عليه ‪ ،‬وكان شيخًا كبيًا ل يقدر على السجود ‪ ،‬فرضوا با تكلم به‬
‫وقالوا ‪ :‬قد عرفنا أن ال ييي وييت ‪ ،‬وهو الذي يلق ويرزق ‪ ،‬ولكن آلتنا‬
‫هذه تشفع لنا عنده ‪ ،‬إذ جعلت لا نصيبًا ‪ ،‬فنحن معك ‪ ،‬قال ‪ :‬فلما أمسى‬
‫أتاه جبيل عليه السلم ‪ ،‬فعرض عليه السورة ‪ ،‬فلما بلغ الكلمتي اللتي ألقى‬
‫الشيطان عل يه قال ‪ :‬ما جئ تك بات ي ‪ ،‬فقال ر سول ال ‪ « :‬افْتَ َريْ تُ على‬
‫ال ‪ ،‬وقل تُ على ال ما ل َيقُ ْل » ‪ .‬فأوحى ال إليه ‪َ ﴿ :‬وإِ نْ كَادُوا َليَ ْفِتنُونَ كَ‬
‫ي عََليْنَا غَيْرَ هُ ﴾ إل قوله ‪ ﴿ :‬ثُمّ ل تَجِدُ لَ كَ‬ ‫عَ ِن الّذِي َأوْ َحيْنَا إِلَيْ كَ ِلَت ْفتَرِ َ‬
‫عََلْينَا نَ صِيًا ﴾ ‪ .‬فما زال مغمومًا مهمومًا ح ت نزلت عل يه ‪َ ﴿ :‬ومَا أَرْ سَ ْلنَا‬
‫شيْطَانُ فِي ُأ ْمِنيّتِهِ َفَينْسَخُ اللّهُ‬
‫ك مِنْ رَسُو ٍل وَل َنِبيّ إِل إِذَا تَ َمنّى أَْلقَى ال ّ‬ ‫مِنْ َقبْلِ َ‬
‫حكِمُ اللّ ُه آيَاتِهِ وَاللّ ُه عَلِيمٌ َحكِيمٌ ﴾ ‪ .‬قال ‪ :‬فسمع من‬ ‫مَا يُ ْلقِي الشّيْطَا ُن ثُمّ يُ ْ‬
‫كان من الهاجرين بأرض البشة أن أهل مكة قد أسلموا كلهم ‪ ،‬فرجعوا إل‬
‫عشائرهم وقالوا ‪ :‬هم أح بّ إلينا ‪ ،‬فوجدوا القوم قد ارتكسوا حي نسخ ال‬
‫ما ألقى الشيطان ‪ .‬رواه ابن جرير وغيه ‪.‬‬
‫قوله عز و جل ‪ ﴿ :‬وَل َيزَالُ اّلذِي نَ َك َفرُوا فِي ِم ْريَ ٍة مّنْ هُ حَتّ ى َتأْتَِيهُ مُ‬
‫حكُ مُ‬
‫ال سّا َعةُ َبغَْتةً َأ ْو يَ ْأتَِيهُ مْ َعذَا بُ َيوْ مٍ َعقِي مٍ (‪ )55‬الْمُلْ كُ يَ ْومَِئذٍ لّلّ ِه يَ ْ‬
‫بَيَْنهُ مْ فَاّلذِي نَ آمَنُوا وَ َعمِلُوا ال صّالِحَاتِ فِي جَنّا تِ الّنعِي مِ (‪ )56‬وَاّلذِي نَ‬
‫ك َل ُهمْ َعذَابٌ ّمهِيٌ (‪. ﴾ )57‬‬
‫َك َفرُوا وَ َك ّذبُوا بِآيَاتِنَا َفأُ ْولَئِ َ‬
‫‪203‬‬ ‫توفيق الرحن ف دروس القرآن‬

‫عن سعيد بن جبي ‪ ﴿ :‬وَل يَزَا ُل الّذِي نَ َكفَرُوا فِي ِم ْرَيةٍ ّمنْهُ ﴾ من قوله ‪:‬‬
‫تلك الغران يق العلى ‪ ،‬وإن شفاعت هن ترت ى ‪ .‬و عن ا بن جر يج ‪ ﴿ :‬وَل يَزَالُ‬
‫الّذِينَ َكفَرُوا فِي ِم ْرَيةٍ ّمنْهُ ﴾ ‪ ،‬قال ‪ :‬من القرآن ‪َ ﴿ ،‬حتّى َتأِْتَيهُ ُم السّاعَ ُة َب ْغَتةً‬
‫َأ ْو َيأِْتَيهُ ْم عَذَابُ َي ْو ٍم عَقِيمٍ ﴾ ‪ ،‬قال ماهد ‪ :‬يوم بدر ‪.‬‬
‫وقوله تعال ‪ ﴿ :‬الْمُلْك ُ‬
‫َ َي ْومَئِذٍ ﴾ ‪ ،‬قال البغوي ‪ :‬يعنَ ‪ :‬يوم القيامَة‬
‫حكُ ُم َبْيَنهُ مْ ﴾ ‪ ،‬ث بي الكم فقال تعال‬
‫﴿ لّلّ هِ ﴾ من غي منازع ‪ ﴿ ،‬يَ ْ‬
‫ِينَ َكفَرُوا‬
‫ِيمَ * وَالّذ َ‬
‫ّاتَ الّنع ِ‬
‫ِينَ آ َمنُوا َوعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ فِي َجن ِ‬
‫‪ ﴿ :‬فَالّذ َ‬
‫وَكَ ّذبُوا بِآيَاِتنَا َفُأوَْلئِكَ َلهُمْ عَذَابٌ ّمهِيٌ ﴾ ‪.‬‬
‫قوله عز و جل ‪ ﴿ :‬وَاّلذِي نَ هَا َجرُوا فِي سَبِي ِل اللّ هِ ثُمّ قُتِلُوا أَ ْو مَاتُوا‬
‫ّهـَل ُهوَ خَ ْيرُ الرّا ِزقِيَ (‪ )58‬لَُي ْدخِلَنّهُم‬
‫لََيرْ ُزقَّنهُمُـ اللّهُـ رِزْقا حَسـَنا َوإِنّ الل َ‬
‫ب بِمِ ْث ِل مَا‬
‫ك وَمَ نْ عَاقَ َ‬
‫ض ْونَ ُه َوإِنّ اللّ هَ َلعَلِي مٌ حَلِي مٌ (‪َ )59‬ذلِ َ‬
‫ّم ْدخَلً يَرْ َ‬
‫ك ِبأَنّ‬
‫ص َرّنهُ اللّ ُه إِنّ اللّ َه َل َعفُوّ َغفُورٌ (‪َ )60‬ذلِ َ‬
‫ب بِ ِه ثُمّ بُغِ يَ عَلَيْ ِه لَيَن ُ‬
‫عُوقِ َ‬
‫ج اللّ ْيلَ فِي الّنهَارِ وَيُولِ جُ الّنهَا َر فِي اللّ ْيلِ َوأَنّ اللّ هَ سَمِي ٌع بَ صِيٌ (‬
‫اللّ هَ يُولِ ُ‬
‫حقّ َوأَنّ مَا َيدْعُو َن مِن دُونِ ِه ُهوَ الْبَا ِطلُ وَأَنّ اللّهَ‬
‫ك ِبأَنّ اللّ هَ ُه َو الْ َ‬
‫‪َ )61‬ذلِ َ‬
‫ُهوَ اْلعَ ِليّ الْكَبِيُ (‪. ﴾ )62‬‬
‫ك َومَ ْن عَاقَ بَ بِ ِمثْ ِل مَا عُوقِ بَ بِ هِ ﴾ ‪ ،‬قال ‪ :‬هم‬
‫عن ابن جريج ‪ ﴿ :‬ذَلِ َ‬
‫الشركون بغوا على رسول ال فوعده ال أن ينصره ‪ ،‬وقال ‪ :‬ف القصاص‬
‫الزء الثالث‬ ‫‪204‬‬

‫أيضًا ‪ .‬قال البغوي ‪ :‬والعقاب الوّل بع ن ‪ :‬الزاء ‪ ﴿ .‬إِنّ اللّ هَ َل َع ُفوّ َغفُورٌ‬
‫﴾ عفا عن مساوئ الؤمني ‪ ،‬وغفر لم ذنوبم ‪.‬‬
‫﴿ ذَلِكَ ﴾ يعن ‪ :‬ذلك النصر ‪ ﴿ ،‬بَِأنّ اللّهَ ﴾ القادر على ما يشاء ‪ ،‬فمن‬
‫قدر ته أ نه ‪ ﴿ :‬يُولِ جُ الّليْلَ فِي النّهَا ِر َويُولِ جُ الّنهَارَ فِي الّليْ ِل َوأَنّ اللّ هَ سَمِيعٌ‬
‫ك ِبَأنّ اللّ َه ُه َو الْحَقّ َوَأنّ مَا يَ ْدعُو َن مِن دُونِ هِ ُه َو الْبَاطِ ُل َوأَنّ اللّ هَ‬
‫بَ صِيٌ * ذَلِ َ‬
‫ُه َو الْعَِليّ ﴾ العال على كل شيء ‪ ﴿ ،‬اْل َكبِيُ ﴾ العظيم الذي كل شيء دونه‬
‫‪ .‬قال ابن كثي ‪ :‬فكل شيء تت قهره وسلطانه وعظمته ‪ ،‬ل إله إل هو ‪،‬‬
‫ول رب سواه ‪ .‬لنه ‪ :‬العظيم الذي ل أعظم منه ‪ ،‬العلي الذي ل أعلى منه ‪.‬‬
‫الكبي ‪ :‬الذي ل أكب منه ‪ ،‬تعال وتقدّس وتنّه عزّ وج ّل عما يقول الظالون‬
‫العتدون علوّا كبيًا ‪.‬‬

‫***‬
‫‪205‬‬ ‫توفيق الرحن ف دروس القرآن‬

‫الدرس التاسع والسبعون بعد الائة‬

‫ض ّر ًة إِنّ اللّ هَ‬


‫ض مُخْ َ‬
‫ح الْأَرْ ُ‬
‫﴿ َألَ ْم َترَ أَنّ اللّ َه أَن َزلَ مِ َن ال سّمَا ِء مَا ًء فَتُ صِْب ُ‬
‫ض وَإِنّ اللّهَ َل ُهوَ اْلغَِنيّ‬
‫ت َومَا فِي اْلأَرْ ِ‬
‫ف خَبِيٌ (‪ )63‬لَهُ مَا فِي السّمَاوَا ِ‬
‫لَطِي ٌ‬
‫جرِي فِي‬
‫ك تَ ْ‬
‫ض وَاْلفُلْ َ‬
‫خ َر لَكُم مّا فِي اْلأَرْ ِ‬
‫الْحَمِيدُ (‪َ )64‬ألَ مْ َت َر أَنّ اللّ هَ سَ ّ‬
‫سكُ ال سّمَاء أَن َتقَ عَ عَلَى اْلأَرْ ضِ إِلّا بِِإ ْذنِ هِ إِنّ اللّ هَ بِالنّا سِ‬
‫ح ِر ِبأَ ْمرِ ِه وَيُمْ ِ‬
‫الْبَ ْ‬
‫َل َرؤُوفٌ ّرحِيمٌ (‪ )65‬وَ ُهوَ اّلذِي أَحْيَاكُ ْم ُثمّ يُمِيُتكُ ْم ُثمّ يُحْيِيكُ ْم إِنّ اْلإِنسَانَ‬
‫َل َكفُورٌ (‪ِ )66‬ل ُكلّ ُأ ّمةٍ َجعَلْنَا مَن سَكا هُ ْم نَا سِكُوهُ فَلَا يُنَازِعُنّ كَ فِي الَْأ ْمرِ‬
‫ّهـ‬
‫ُوكـ َف ُقلِ الل ُ‬
‫ّسـَتقِيمٍ (‪َ )67‬وإِن جَا َدل َ‬
‫ّكـ َلعَلَى ُهدًى م ْ‬
‫ّكـ ِإن َ‬
‫ْعـ ِإلَى َرب َ‬
‫وَاد ُ‬
‫حكُ مُ بَيَْنكُ مْ َيوْ َم اْلقِيَا َمةِ فِيمَا كُنتُ ْم فِي هِ‬
‫أَعْلَ ُم بِمَا َتعْمَلُو نَ (‪ )68‬اللّهُـيَ ْ‬
‫ض إِنّ َذلِ كَ فِي‬
‫تَخْتَ ِلفُو نَ (‪َ )69‬ألَ مْ َتعْلَ مْ أَنّ اللّ هَ يَعْلَ ُم مَا فِي ال سّمَاء وَالْأَرْ ِ‬
‫كِتَابٍ إِنّ َذلِكَ َعلَى اللّ ِه يَسِيٌ (‪ )70‬وََيعُْبدُو َن مِن دُو ِن اللّهِ مَا لَمْ يَُن ّزلْ بِهِ‬
‫س لَهُم بِ هِ عِلْ ٌم وَمَا لِلظّالِمِيَ مِن نّ صِيٍ (‪ )71‬وَِإذَا تُتْلَى‬
‫سُلْطَانا وَمَا لَيْ َ‬
‫ف فِي ُوجُو ِه الّذِي نَ َك َفرُوا الْمُن َكرَ َيكَادُو َن يَ سْطُونَ‬
‫عَلَ ْيهِ مْ آيَاتُنَا بَيّنَا تٍ تَ ْعرِ ُ‬
‫بِالّذِي َن يَتْلُو نَ عَ َل ْيهِ مْ آيَاتِنَا ُق ْل َأفَُأنَبّئُكُم ِبشَ ّر مّ ن َذلِكُ ُم النّارُ وَ َعدَهَا اللّ هُ‬
‫ضرِ بَ مََث ٌل فَا سْتَ ِمعُوا لَ هُ‬
‫س الْمَ صِيُ (‪ )72‬يَا أَّيهَا النّا سُ ُ‬
‫اّلذِي نَ َك َفرُوا وَبِئْ َ‬
‫َهـ َوإِن‬
‫ّهـ لَن يَخْ ُلقُوا ُذبَابا وََلوِ اجْتَ َمعُوا ل ُ‬
‫ُونـ الل ِ‬
‫ُونـ مِن د ِ‬
‫ِينـ تَدْع َ‬
‫إِنّ اّلذ َ‬
‫ضعُفَ الطّالِبُ وَالْمَطْلُوبُ (‪ )73‬مَا‬
‫يَسْلُ ْب ُهمُ ال ّذبَابُ شَيْئا لّا يَسْتَن ِقذُو ُه مِنْهُ َ‬
‫َقدَرُوا اللّ َه َحقّ َقدْرِ ِه إِنّ اللّ َه َلقَوِيّ َعزِيزٌ (‪ )74‬اللّ ُه يَ صْ َطفِي مِ نَ الْمَلَاِئكَةِ‬
‫الزء الثالث‬ ‫‪206‬‬

‫ل َومِ نَ النّا سِ إِنّ اللّ هَ سَمِي ٌع بَ صِيٌ (‪َ )75‬يعْلَ مُ مَا بَيْ نَ َأْيدِيهِ مْ وَمَا‬
‫رُ سُ ً‬
‫جدُوا‬
‫خَ ْل َفهُ ْم َوإِلَى اللّ ِه ُترْجَ ُع المُورُ (‪ )76‬يَا َأّيهَا الّذِينَ آمَنُوا ارْ َكعُوا وَاسْ ُ‬
‫وَاعُْبدُوا َرّبكُ ْم وَا ْفعَلُوا الْخَ ْي َر َلعَلّكُ مْ ُتفْلِحُو نَ (‪َ )77‬وجَا ِهدُوا فِي اللّ ِه َحقّ‬
‫ج مّ ّلةَ َأبِيكُمْ ِإْبرَاهِيمَ‬
‫ِجهَا ِدهِ ُهوَ اجْتَبَاكُ ْم َومَا جَ َعلَ عَلَ ْيكُ ْم فِي الدّي ِن مِ ْن حَرَ ٍ‬
‫ي مِن قَ ْب ُل وَفِي َهذَا لَِيكُو َن الرّ سُولُ َشهِيدا عَ َل ْيكُ مْ‬
‫ُهوَ سَمّا ُكمُ الْمُ سْلِم َ‬
‫صمُوا بِاللّ هِ‬
‫س َفأَقِيمُوا ال صّلَا َة وَآتُوا الزّكَا َة وَاعْتَ ِ‬
‫َوتَكُونُوا شُ َهدَاء عَلَى النّا ِ‬
‫ُهوَ َم ْولَاكُ ْم فَِن ْعمَ الْ َم ْولَى وَِن ْعمَ النّصِيُ (‪. ﴾ )78‬‬

‫***‬
‫‪207‬‬ ‫توفيق الرحن ف دروس القرآن‬

‫ح اْلأَرْ ضُ‬
‫قوله عز وجل ‪ ﴿ :‬أَلَ ْم َترَ أَنّ اللّ هَ أَنزَ َل مِ نَ ال سّمَا ِء مَا ًء فَتُ صْبِ ُ‬
‫ت وَمَا فِي اْلأَرْ ضِ‬
‫ف خَبِيٌ (‪ )63‬لَ هُ مَا فِي ال سّمَاوَا ِ‬
‫ض ّر ًة إِنّ اللّ هَ لَطِي ٌ‬
‫مُخْ َ‬
‫خ َر لَكُم مّا فِي الْأَرْ ضِ‬
‫َوإِنّ اللّ َه َلهُ َو الْغَِنيّ الْحَمِيدُ (‪َ )64‬ألَ ْم َترَ أَنّ اللّ هَ سَ ّ‬
‫ض ِإلّا‬
‫ك ال سّمَاء أَن َتقَ عَ عَلَى اْلأَرْ ِ‬
‫ح ِر ِبَأ ْمرِ هِ وَيُمْ سِ ُ‬
‫جرِي فِي الْبَ ْ‬
‫ك تَ ْ‬
‫وَالْفُلْ َ‬
‫ِبِإذِْن ِه إِنّ ال ّل َه بِالنّاسِ لَ َرؤُوفٌ ّرحِيمٌ (‪َ )65‬وهُ َو اّلذِي َأحْيَا ُك ْم ُثمّ يُمِيُت ُك ْم ُثمّ‬
‫يُحْيِي ُك ْم إِنّ اْلإِنسَا َن َلكَفُورٌ (‪. ﴾ )66‬‬
‫فَ هذه اليات الدالة الواضحَة على قدرتَه وعظيَم سَلطانه ‪ ،‬وأنَه ل‬
‫ي ستحق العبادة سواه ‪ .‬قال ا بن كث ي ‪ :‬وقوله ‪َ ﴿ :‬و ُهوَ الّذِي أَ ْحيَاكُ ْم ثُمّ‬
‫حيِيكُمْ إِنّ الْإِنسَانَ َل َكفُورٌ ﴾ ‪ ،‬كقوله ‪ ﴿ :‬وكيف تكفرون بال‬ ‫يُمِيُتكُ ْم ثُمّ يُ ْ‬
‫حيِيكُ مْ ث إل يه ترجعون ﴾ ‪ ،‬ومع ن‬
‫وكن تم أمواتًا فأَ ْحيَاكُ ْم ثُمّ يُمِيُتكُ ْم ثُمّ يُ ْ‬
‫الكلم ‪ :‬كيَف تعلون ل أندادًا وتعبدون معَه غيه ‪ ،‬وهَو السَتقل باللق‬
‫والرزق والتصرّف ؟‬
‫قوله عز وجل ‪ ﴿ :‬لِ ُك ّل أُ ّم ٍة جَعَلْنَا مَنسَكا هُمْ نَا ِسكُو ُه فَلَا يُنَازِعُنّكَ فِي‬
‫ك َلعَلَى ُهدًى مّ سْتَقِيمٍ (‪ )67‬وَإِن جَادَلُو َك َف ُقلِ‬
‫ع ِإلَى َربّ كَ إِنّ َ‬
‫اْلأَ ْم ِر وَادْ ُ‬
‫حكُ مُ بَيَْنكُ ْم َيوْ َم اْلقِيَا َمةِ فِيمَا كُنتُ ْم فِي هِ‬
‫اللّ ُه أَعْلَ ُم بِمَا َتعْمَلُو نَ (‪ )68‬اللّ هُ يَ ْ‬
‫تَخْتَ ِلفُونَ (‪. ﴾ )69‬‬
‫الزء الثالث‬ ‫‪208‬‬

‫عن ابن عباس قوله ‪ِ ﴿ :‬لكُلّ ُأمّةٍ َج َع ْلنَا مَن سَكا هُ ْم نَا ِسكُوهُ ﴾ ‪ ،‬يقول ‪:‬‬
‫عيدًا ‪ .‬وقال ما هد ‪ :‬إهراق دم الدي ‪ .‬وقال البغوي ‪َ ﴿ :‬فلَا ُينَا ِزعُنّ كَ فِي‬
‫اْلَأمْرِ ﴾ ‪ ،‬يعن ‪ :‬ف أمر الذبائح ؛ نزلت ف بديل بن ورقاء ‪ ،‬وبشر بن سفيان‬
‫‪ ،‬ويز يد بن خن يس ‪ ،‬قالوا ل صحاب ال نب ‪ :‬ما ل كم تأكلون م ا تقتلون‬
‫بأيديكم ول تأكلون ما قتله ال ؟‬
‫وقال ابن كثي ‪ :‬وقوله ‪َ ﴿ :‬وإِن جَادَلُوكَ َفقُلِ اللّهُ أَعَْل ُم بِمَا َتعْمَلُونَ ﴾ ‪،‬‬
‫كقوله ‪َ ﴿ :‬وإِن كَ ّذبُو كَ َفقُل لّي عَ َملِي وََلكُ مْ عَ َمُلكُ مْ أَنتُ ْم بَرِيئُو َن مِمّا َأعْمَلُ‬
‫َوَأنَ ْا بَرِي ٌء مّمّا َتعْمَلُونَ ﴾ ‪.‬‬
‫ض إِنّ‬
‫قوله عز وجل ‪ ﴿ :‬أَلَ مْ َتعْلَ ْم أَنّ اللّ َه َيعْلَ ُم مَا فِي ال سّمَاء وَاْلأَرْ ِ‬
‫ب إِ ّن َذلِكَ عَلَى ال ّلهِ َيسِيٌ (‪. ﴾ )70‬‬
‫َذِلكَ فِي كِتَا ٍ‬
‫قال عبدة بن أ ب لبا بة ‪ :‬علم ال ما هو خالق ‪ ،‬و ما اللق عاملون ‪ ،‬ث‬
‫كتبه ‪.‬‬
‫قوله عز وجل ‪َ ﴿ :‬ويَعُْبدُو َن مِن دُو ِن اللّ هِ مَا لَ مْ يَُن ّزلْ بِ هِ سُلْطَانا وَمَا‬
‫س لَهُم بِ هِ عِلْ ٌم وَمَا لِلظّالِمِيَ مِن نّ صِيٍ ( ‪َ )71‬وِإذَا تُتْلَى عَلَ ْيهِ مْ آيَاتُنَا‬
‫لَيْ َ‬
‫ف فِي ُوجُو ِه الّذِينَ َك َفرُوا الْمُن َكرَ َيكَادُو َن يَسْطُو َن بِالّذِينَ يَتْلُونَ‬
‫بَيّنَاتٍ َت ْعرِ ُ‬
‫ش ّر مّ ن َذلِكُ ُم النّا ُر وَ َعدَهَا اللّ هُ اّلذِي نَ َك َفرُوا‬
‫عَلَ ْيهِ مْ آيَاتِنَا ُق ْل َأ َفأُنَبّئُكُم ِب َ‬
‫س الْمَصِيُ (‪. ﴾ )72‬‬
‫َوبِئْ َ‬
‫عن ابن عباس ‪ :‬قوله ‪َ ﴿ :‬يكَادُو َن يَسْطُونَ ﴾ ‪ ،‬يقول ‪ :‬يبطشون ‪.‬‬
‫‪209‬‬ ‫توفيق الرحن ف دروس القرآن‬

‫وقوله تعال ‪ ﴿ :‬قُلْ أََفُأَنبُّئكُم بِشَ ّر مّن ذَِلكُ مُ النّارُ ﴾ ‪ ،‬قال البغوي ‪ :‬يعن‬
‫‪ :‬بشرّ لكم وأكره إليكم من هذا القرآن الذي تسمعون ؟ النار ‪ ،‬يعن ‪ :‬هي‬
‫‪ ﴿ :‬النّا ُر َوعَ َدهَا اللّ ُه الّذِينَ َكفَرُوا َوِبئْسَ الْمَصِيُ ﴾ ‪ .‬وقال ابن كثي ‪ :‬أي ‪:‬‬
‫النار وعذابا ونكالا ‪ ،‬أشد وأشقى ‪ ،‬وأطم ‪ ،‬وأعظم ما توفون به أولياء ال‬
‫الؤمني ف الدنيا ‪ ،‬وعذاب الخرة على صنيعكم هذا أعظم ما تنالون منهم ‪،‬‬
‫إن نلتم بزعمكم وإرادتكم ‪.‬‬
‫ب مََثلٌ فَا سْتَ ِمعُوا لَ هُ إِنّ اّلذِي نَ‬
‫ضرِ َ‬
‫قوله عز و جل ‪ ﴿ :‬يَا َأيّهَا النّا سُ ُ‬
‫َتدْعُو َن مِن دُو ِن اللّ ِه لَن َيخْ ُلقُوا ُذبَابا َولَ ِو اجْتَ َمعُوا لَ ُه َوإِن يَ سْلُبْ ُه ُم ال ّذبَا بُ‬
‫ف الطّالِ بُ وَالْمَطْلُو بُ (‪ )73‬مَا َقدَرُوا اللّ هَ َحقّ‬
‫ضعُ َ‬
‫شَيْئا لّا يَ سْتَن ِقذُوهُ مِنْ هُ َ‬
‫َقدْ ِر ِه إِ ّن اللّ َه َلقَوِيّ َعزِيزٌ (‪. ﴾ )74‬‬
‫ِبَ‬
‫ُفَ الطّال ُ‬
‫ضع َ‬‫قال ابـن زيـد ‪ :‬هذا مثَل ضربَه ال للتهَم وقرأ ‪َ ﴿ :‬‬
‫وَالْمَ ْطلُو بُ * مَا قَدَرُوا اللّ هَ حَقّ َقدْرِ هِ ﴾ ‪ ،‬ح ي يعبدون من دون ال ما ل‬
‫ينتصَف مَن الذباب ول يتنَع منَه ‪ .‬وقال ابَن عباس ‪ :‬الطالب ‪ :‬الصَنم ‪.‬‬
‫والطلوب ‪ :‬الذباب ‪ ،‬وقال ‪ :‬كانوا يطلون الصَنام بالزعفران ‪ ،‬فإذا جَف‬
‫جاء الذباب فاستلب منه ‪.‬‬
‫ل َومِ َن النّا سِ إِنّ اللّ هَ‬
‫قوله عز وجل ‪ ﴿ :‬اللّ ُه يَ صْ َطفِي مِ نَ الْمَلَاِئكَةِ رُ سُ ً‬
‫سَمِي ٌع بَ صِيٌ (‪َ )75‬يعْلَ مُ مَا بَيْ نَ َأْيدِيهِ مْ وَمَا خَلْ َفهُ مْ َوِإلَى اللّ ِه ُترْجَ ُع المُورُ‬
‫(‪. ﴾ )76‬‬
‫الزء الثالث‬ ‫‪210‬‬

‫قال البغوي ‪ ﴿ :‬اللّهَُيَص َْ َطفِي ﴾ ‪ ،‬يعنَ ‪ :‬يتار ﴿ مِنََ الْ َملَاِئكَةِ رُسَُلً‬
‫﴾ وهم ‪ :‬جبيل ‪،‬وميكائيل ‪ ،‬وإسرافيل ‪ ،‬وعزرائيل‪،‬وغيهم ‪َ ﴿ .‬ومِ َن النّا ِ‬
‫س‬
‫ل ‪ ،‬مثَل ‪ :‬إبراهيَم ‪ ،‬وموسَى ‪ ،‬وعيسَى ‪،‬‬ ‫﴾ يعنَ ‪ :‬يتار مَن الناس رسَ ً‬
‫وممد وغيهم من النبياء عليهم السلم ‪ ،‬نزلت حي قال الشركون ‪﴿ :‬‬
‫َأأُنزِ َل عََليْ هِ الذّ ْكرُ مِن َبْينِنَا ﴾ ؟ فأ خب أن الختيار إل يه يتار من يشاء من‬
‫خلقه ‪.‬‬
‫جدُوا وَاعُْبدُوا‬
‫َاسـ ُ‬
‫ِينـ آمَنُوا ارْ َكعُوا و ْ‬
‫قوله عـز وجـل ‪ ﴿ :‬يَا أَيّهَا الّذ َ‬
‫َرّب ُكمْ وَافْعَلُوا الْخَ ْي َر َلعَلّ ُك ْم ُتفْلِحُونَ (‪. ﴾ )77‬‬
‫قال البغوي ‪ ﴿ :‬يَا َأّيهَا الّذِي نَ آ َمنُوا ارْكَعُوا وَا سْجُدُوا ﴾ ‪ ،‬يعن ‪ :‬صلّوا‬
‫ُمَ ﴾ ‪ ،‬أي ‪:‬‬
‫لن الصَلة ل تكون إلّ بالركوع والسَجود ‪ ﴿ ،‬وَا ْعبُدُوا َربّك ْ‬
‫خيْرَ ﴾ ‪ ،‬قال ابَن عباس ‪ :‬صَلة الرحَم ‪ ،‬ومكارم‬ ‫وحّدوه ‪ ﴿ ،‬وَافْعَلُوا الْ َ‬
‫الخلق ‪َ ﴿ .‬لعَّلكُ ْم ُتفْلِحُو نَ ﴾ ‪ ،‬ل كي ‪ :‬ت سعدوا وتفوزوا بال نة ‪ .‬وروى‬
‫أبَو داود عَن خالد بَن معدان رحهَ ال أن رسَول ال قال ‪ « :‬فضّلت‬
‫سورة الجّ على سائر القرآن بسجدتي » ‪ .‬وعن أب الهم ‪ :‬أن عمر سجد‬
‫سجدتي ف الج وهو بالابية وقال ‪ ( :‬إن هذه فضلت بسجدتي ) ‪.‬‬
‫قوله عز وجل ‪ ﴿ :‬وَجَاهِدُوا فِي اللّ ِه حَقّ ِجهَادِ ِه هُ َو اجْتَبَاكُمْ َومَا جَ َعلَ‬
‫ي مِن‬
‫عَلَ ْيكُ مْ فِي الدّي نِ مِ نْ َحرَ جٍ مّ ّل َة َأبِيكُ ْم ِإْبرَاهِي َم هُوَ سَمّا ُك ُم الْمُ سْلِم َ‬
‫قَ ْب ُل وَفِي َهذَا لَِيكُو َن الرّ سُولُ َشهِيدا عَلَ ْيكُ مْ َوتَكُونُوا ُش َهدَاء عَلَى النّا سِ‬
‫‪211‬‬ ‫توفيق الرحن ف دروس القرآن‬

‫َفَأقِيمُوا الصّلَا َة وَآتُوا الزّكَا َة وَاعْتَصِمُوا بِاللّ ِه ُهوَ َم ْولَاكُمْ فَِنعْ َم الْ َموْلَى َوِنعْمَ‬
‫النّصِيُ (‪. ﴾ )78‬‬
‫قال ا بن عباس ف قوله ‪ ﴿ :‬وَجَاهِدُوا فِي اللّ هِ حَقّ ِجهَادِ هِ ﴾ ‪ ،‬ل تافوا‬
‫ُمَ ﴾ ‪ ،‬قال ‪:‬‬ ‫فَ ال لومَة لئم ‪ .‬وقال ابَن زيَد فَ قوله ‪ُ ﴿ :‬هوَ ا ْجَتبَاك ْ‬
‫هداكم ‪ .‬وعن ابن عباس ف قوله ‪َ ﴿ :‬ومَا َجعَ َل عََلْيكُ مْ فِي الدّي ِن مِ نْ َحرَ جٍ‬
‫﴾ ‪ ،‬قال ‪ :‬الرج ‪ :‬الضيَق ‪ ،‬فجعَل ال الكفارات مرجًا مَن ذلك ‪ .‬وقال‬
‫مقاتل ‪ :‬يعن ‪ :‬الرخص عند الضرورات ‪ :‬كقصر الصلة ف السفر ‪ ،‬والتيمم‬
‫عنَد فقَد الاء ‪ ،‬وأكَل اليتَة عنَد الضرورة ‪ ،‬والفطار بالسَفر والرض ‪،‬‬
‫والصلة قاعدًا عند العجز عن القيام ؛ وقال ‪ « :‬بعثت بالنيفية السمحة‬
‫»‪.‬‬
‫وقوله تعال ‪ ﴿ :‬مّّلةَ َأبِيكُ مْ ِإبْرَاهِي مَ ﴾ ‪ ،‬أي ‪ :‬اتّبعوا ملة أبيكم إبراهيم ‪،‬‬
‫وهي عبادة ال وحده ل شريك له ‪ ،‬كما قال تعال ‪ ﴿ :‬ثُمّ َأوْ َحْينَا إَِليْ كَ أَ نِ‬
‫اّتبِعْ مِّلةَ ِإبْرَاهِيمَ َحنِيفا َومَا كَا َن مِ َن الْمُشْرِكِيَ ﴾ ‪.‬‬
‫وقوله تعال ‪ُ ﴿ :‬هوَ سَمّاكُ ُم الْمُ سْلِم َ‬
‫ي مِن َقبْ ُل وَفِي هَذَا ﴾ ‪ ،‬قال ماهد‬
‫‪ :‬ال ساكم السلمي من قبل ف الكتب التقدمة ‪ ﴿ ،‬وَفِي هَذَا ﴾ ‪ ،‬يعن ‪:‬‬
‫َلِميَ مَِن َقبْلُ ﴾ ‪ ،‬قال ‪ :‬ال‬ ‫َمّاكُمُ الْمُس ْ‬‫القرآن ‪ .‬وعَن قتادة ‪ُ ﴿ :‬ه َو س َ‬
‫ساكم السلمي من قبل ‪ ﴿ .‬وف هذا ِلَيكُونَ ال ّرسُولُ َشهِيدا عََلْيكُ ْم ﴾ ‪ ،‬بأنه‬
‫بلّغكم ‪َ ﴿ ،‬وَتكُونُوا ُشهَدَاء عَلَى النّا سِ ﴾ أن رسلهم قد بلّغتهم ‪َ ﴿ ،‬فأَقِيمُوا‬
‫ال صّلَا َة وَآتُوا الزّكَاةَ وَا ْعتَ صِمُوا بِاللّ هِ ﴾ أي ‪ :‬استعينوا به وتوكّلوا عليه ﴿ ُهوَ‬
‫الزء الثالث‬ ‫‪212‬‬

‫ّصَيُ ﴾ ‪ .‬قال‬
‫ْمَ الن ِ‬
‫ْمَ الْ َموْلَى َوِنع َ‬
‫ُمَ ﴾ يفظكَم وينصَركم ‪َ ﴿ ،‬فِنع َ‬
‫َموْلَاك ْ‬
‫وهيب بن الورد ‪ :‬ويقول ال تعال ‪ ( :‬ابن آدم اذكرن إذا غضب تَ ‪ ،‬أذكرك‬
‫إذا غضب تُ ‪ ،‬فل أمقك فيمن أمق ‪ ،‬وإذا ظُلِمْ تَ فاصب وارض بنصرت فإن‬
‫نصرت لك خي من نصرتك لنفسك ) ‪ .‬رواه ابن أب حات ‪ .‬وال أعلم وهو‬
‫الستعان ‪.‬‬

‫***‬
‫‪213‬‬ ‫توفيق الرحن ف دروس القرآن‬

‫الدرس الثمانون بعد الائة‬


‫[ سورة الؤمنون ]‬
‫وهي مائة وثان عشرة آية‬
‫بسم ال الرحن الرحيم‬
‫ح الْ ُمؤْمِنُونَ (‪ )1‬اّلذِينَ هُ ْم فِي صَلَاتِ ِه ْم خَاشِعُونَ (‪ )2‬وَاّلذِينَ‬
‫﴿ َقدْ َأفْلَ َ‬
‫هُ مْ عَ ِن اللّ ْغوِ ُم ْعرِضُو نَ (‪ )3‬وَالّذِي َن هُ ْم لِلزّكَا ِة فَاعِلُو نَ (‪ )4‬وَالّذِي َن هُ مْ‬
‫ت َأيْمَانُهُ ْم َفإِّنهُ مْ غَ ْيرُ‬
‫ِل ُفرُو ِجهِ ْم حَافِظُو نَ (‪ِ )5‬إلّا عَلَى أَ ْزوَا ِجهِ ْم أوْ مَا مَلَكَ ْ‬
‫مَلُومِيَ (‪ )6‬فَمَ نِ ابْتَغَى وَرَاء َذلِ كَ َفُأوْلَئِ كَ هُ ُم الْعَادُو نَ (‪ )7‬وَاّلذِي َن هُ مْ‬
‫ِلَأمَانَاِتهِ ْم وَ َع ْهدِهِ مْ رَاعُو نَ (‪ )8‬وَاّلذِي نَ هُ مْ َعلَى صَ َلوَاِت ِهمْ ُيحَافِظُو نَ (‪)9‬‬
‫س هُ مْ فِيهَا خَالِدُو نَ (‪)11‬‬
‫ُأ ْولَئِ كَ هُ مُ اْلوَا ِرثُو نَ (‪ )10‬الّذِي َن َيرِثُو َن اْلفِ ْر َدوْ َ‬
‫َوَلقَ ْد خَ َلقْنَا اْلإِن سَانَ مِن سُلَاَلةٍ مّ ن طِيٍ (‪ )12‬ثُمّ جَعَلْنَا هُ نُ ْط َفةً فِي َقرَارٍ‬
‫ض َغةَ‬
‫ض َغةً َفخَ َلقْنَا الْمُ ْ‬
‫ّمكِيٍ (‪ )13‬ثُمّ خَ َلقْنَا النّ ْط َفةَ عَ َلقَ ًة فَخَ َلقْنَا الْعَ َل َقةَ مُ ْ‬
‫ْسـنُ‬
‫ّهـ َأح َ‬
‫َكـ الل ُ‬
‫َاهـ خَلْقا آ َخ َر فَتَبَار َ‬
‫شأْن ُ‬
‫َامـ لَحْما ثُمّ أَن َ‬
‫َسـْونَا اْلعِظ َ‬
‫عِظَاما َفك َ‬
‫الْخَالِقِيَ (‪ )14‬ثُمّ إِّنكُم ْـَبعْ َد َذلِ كَ لَمَيّتُو نَ (‪ )15‬ثُمّ ِإنّكُ مْ َيوْمَـ اْلقِيَا َمةِ‬
‫تُ ْبعَثُو نَ (‪ )16‬وََل َقدْ خَ َلقْنَا َف ْوقَكُ مْ سَبْعَ َطرَائِقَ َومَا كُنّا عَ ِن الْخَلْ قِ غَافِلِيَ (‬
‫ب بِ هِ‬
‫ض وَِإنّا عَلَى َذهَا ٍ‬
‫‪َ )17‬وأَن َزلْنَا مِ َن ال سّمَاءِ مَا ًء ِب َقدَ ٍر َفأَ ْسكَنّا ُه فِي اْلأَرْ ِ‬
‫ب لّكُ ْم فِيهَا َفوَاكِ هُ‬
‫َلقَادِرُو نَ (‪َ )18‬فأَنشَ ْأنَا َلكُم بِ هِ جَنّا تٍ مّن نّخِي ٍل َوأَعْنَا ٍ‬
‫ت بِال ّدهْ نِ‬
‫خرُ جُ مِن طُورِ سَيْنَاء تَنبُ ُ‬
‫ج َر ًة تَ ْ‬
‫ي ٌة وَمِنْهَا َتأْكُلُو نَ (‪ )19‬وَشَ َ‬
‫كَِث َ‬
‫الزء الثالث‬ ‫‪214‬‬

‫وَ صِ ْب ٍغ لّلْآكِلِيَ (‪ )20‬وَإِنّ َلكُ مْ فِي اْلَأنْعَا ِم َلعِ ْب َرةً نّسقِيكُم مّمّا فِي بُطُوِنهَا‬
‫ك تُحْ َملُونَ‬
‫ي ٌة َومِ ْنهَا َتأْكُلُونَ (‪ )21‬وَعَلَ ْيهَا وَعَلَى اْلفُلْ ِ‬
‫َولَكُ ْم فِيهَا مَنَافِ عُ كَثِ َ‬
‫(‪. ﴾ )22‬‬

‫***‬
‫‪215‬‬ ‫توفيق الرحن ف دروس القرآن‬

‫ح الْ ُم ْؤمِنُو نَ (‪ )1‬الّذِي نَ هُ مْ فِي صَلَاِت ِهمْ‬


‫قوله عز و جل ‪َ ﴿ :‬قدْ َأفْلَ َ‬
‫ُمـ لِلزّكَاةِ‬
‫ِينـ ه ْ‬
‫ُونـ (‪ )3‬وَاّلذ َ‬
‫َنـ اللّ ْغوِ مُ ْعرِض َ‬
‫ُمـ ع ِ‬
‫ِينـ ه ْ‬
‫ُونـ (‪ )2‬وَالّذ َ‬
‫خَا ِشع َ‬
‫فَاعِلُو نَ (‪ )4‬وَالّذِي َن هُ ْم لِ ُفرُو ِجهِ ْم حَافِظُو نَ (‪ِ )5‬إلّا عَلَى أَ ْزوَا ِجهِ مْ أ ْو مَا‬
‫ك هُ مُ‬
‫ت َأيْمَاُنهُ مْ َفِإّنهُ مْ غَ ْي ُر مَلُومِيَ (‪ )6‬فَمَ نِ ابَْتغَى وَرَاء َذلِ كَ َفُأوْلَئِ َ‬
‫مَ َلكَ ْ‬
‫اْلعَادُو نَ (‪ )7‬وَاّلذِي نَ هُ مْ ِلَأمَانَاِتهِ ْم وَ َع ْهدِهِ مْ رَاعُو نَ (‪ )8‬وَاّلذِي نَ هُ مْ َعلَى‬
‫ك هُمُ اْلوَا ِرثُونَ (‪ )10‬اّلذِي َن َيرِثُونَ اْل ِف ْردَوْسَ‬
‫صَ َلوَاِتهِ ْم يُحَافِظُونَ (‪ُ )9‬أ ْولَئِ َ‬
‫ُهمْ فِيهَا خَاِلدُونَ (‪. ﴾ )11‬‬
‫سئلت عائشة رضي ال عنها ‪ :‬كيف كان خُُلقُ رسول ال ؟ قالت ‪( :‬‬
‫ُونَ ﴾ حتَ‬
‫َحَ الْ ُم ْؤ ِمن َ‬
‫ُقَ رسَول ال القرآن ‪ ،‬فقرأت ‪ ﴿ :‬قَدْ أَفْل َ‬ ‫كان خُل ُ‬
‫انتهت إل ‪ ﴿ :‬وَالّذِي َن هُ ْم عَلَى صََلوَاِتهِمْ يُحَافِظُو نَ ﴾ ‪ ،‬قالت ‪ :‬هكذا كان‬
‫خُلُ قُ رسول ال ) ‪ .‬رواه النسائي ‪ .‬وعن أب سعيد الدري مرفوعًا قال ‪:‬‬
‫« خلق ال النة لبنةً من ذهب ولبنةً من فضّة وغرسها ‪ ،‬وقال لا ‪ :‬تكلّمي ‪،‬‬
‫فقالت ‪ :‬قَد أفلح الؤمنون ‪ ،‬فدخلتهَا اللئكَة فقالت ‪ :‬طوبَ لك منل‬
‫اللوك » ‪.‬‬
‫و عن ال سن ف قوله ‪ ﴿ :‬الّذِي َن هُ مْ فِي صَلَاِتهِمْ خَا ِشعُو نَ ﴾ ‪ ،‬قال ‪:‬‬
‫لنَاح ‪ .‬وعن‬‫كان خشوعهم ف قلوبم ‪ ،‬فغضّوا بذلك البصر ‪ ،‬وخفضوا به ا َ‬
‫ابن عباس قوله ‪ ﴿ :‬وَالّذِي َن هُ ْم عَنِ الّل ْغ ِو ُمعْرِضُونَ ﴾ ‪ ،‬يقول ‪ :‬الباطل ‪.‬‬
‫الزء الثالث‬ ‫‪216‬‬

‫َ ﴾ ‪ ،‬قال البغوي ‪ :‬أي ‪:‬‬


‫ُمَ لِلزّكَاةِ فَاعِلُون َ‬ ‫وقوله تعال ‪ ﴿ :‬وَالّذ َ‬
‫ِينَ ه ْ‬
‫ِمَ‬
‫ُمَِلفُرُو ِجه ْ‬‫ِينَ ه ْ‬‫للزكاة الواجبَة مؤدّون ‪ .‬وعَن ابَن عباس قوله ‪ ﴿ :‬وَالّذ َ‬
‫حَافِظُو نَ * إِلّا عَلَى أَ ْزوَا ِجهِ ْم أ ْو مَا مََلكَ تْ َأيْمَاُنهُ مْ فَِإّنهُ ْم َغيْ ُر مَلُومِيَ ﴾ ‪،‬‬
‫يقول ‪ :‬رضي ال لم إتيانم أزواجهم وما ملكت أيانم ‪َ ﴿ ،‬فمَ ِن ابَْتغَى وَرَاء‬
‫ك هُ ُم اْلعَادُونَ ﴾ ‪ ،‬قال ابن زيد ‪ :‬الذين يتعدّون اللل إل الرام‬ ‫ذَلِكَ َفُأوَْلئِ َ‬
‫‪.‬‬
‫وقوله تعال ‪ ﴿ :‬وَالّذِي َن هُ مْ ِلَأمَانَاتِهِ ْم َو َعهْدِهِ مْ رَاعُو نَ ﴾ ‪ ،‬حافظون ‪ .‬قال‬
‫البغوي ‪ :‬أي ‪ :‬يفظون ما اؤتنوا عل يه ‪ ،‬والعقود ال ت عاقدوا الناس علي ها ‪،‬‬
‫يقومون بالوفاء باَ ؛ والمانات تتلف فتكون بيَ ال تعال وبيَ العباد ‪:‬‬
‫كال صلة ‪ ،‬وال صيام ‪ ،‬والعبادات ال ت أوجب ها ال عل يه ‪ ،‬وتكون من العب يد‬
‫كالودائع وال صانع ‪ ،‬فعلى الع بد الوفاء بميع ها ‪ .‬و عن م سروق ‪ ﴿ :‬وَالّذِي نَ‬
‫ُونَ ﴾ ‪ ،‬قال ‪ :‬على ميقاتاَ ‪ .‬وقال قتادة ‪ :‬على‬ ‫صََلوَاِتهِ ْم يُحَافِظ َ‬
‫ُمَ عَلَى َ‬
‫ه ْ‬
‫مواقيتهَا وركوعهَا وسَجودها ‪ .‬وفَ الديَث عَن النَب أنَه قال ‪« :‬‬
‫ا ستقيموا ولن ت صوا ‪ ،‬واعلموا أن خ ي أعمال كم ال صلة ‪ ،‬ول يا فظ على‬
‫الوضوء إل مؤمن » ‪ .‬وعن أب هريرة قال ‪ :‬قال رسول ال ‪ « :‬ما منكم‬
‫من أحدٍ إل وله منلن ‪ :‬منل ف ال نة ‪ ،‬ومنل ف النار ‪ ،‬وإن مات ود خل‬
‫ُونَ ﴾ » ‪.‬‬ ‫ُمَ اْلوَارِث َ‬
‫ِكَ ه ُ‬
‫النار ورث أهَل النَة منله ‪ ،‬فذلك قوله ‪ُ ﴿ :‬أوَْلئ َ‬
‫رواه ابن جرير ‪ ،‬وابن أب حات ‪.‬‬
‫‪217‬‬ ‫توفيق الرحن ف دروس القرآن‬

‫وقوله تعال ‪ ﴿ :‬الّذِي نَ َي ِرثُو نَ اْلفِرْ َدوْ َ‬


‫س هُ مْ فِيهَا خَالِدُو نَ ﴾ ‪ ،‬قال قتادة‬
‫‪ :‬ق تل حارثة بن سراقة يوم بدر فقالت أمه ‪ :‬يا ر سول ال إن كان اب ن من‬
‫أهل النة ل أبك عليه ‪ ،‬وإن كان من أهل النار بالغت ف البكاء ‪ ،‬قال ‪« :‬‬
‫يا أم حارثة إنا جنات ف عدن ‪ ،‬وإن ابنك قد أصاب الفردوس العلى من‬
‫النة » ‪.‬‬
‫قوله عز و جل ‪ ﴿ :‬وََل َقدْ خَ َلقْنَا الْإِن سَا َن مِن سُلَالَ ٍة مّ ن طِيٍ (‪ )12‬ثُمّ‬
‫َاهـنُ ْطفَ ًة فِي َقرَا ٍر ّمكِيٍ (‪ )13‬ثُمّ خَلَقْنَا النّ ْط َفةَ عَ َلقَ ًة فَخَ َلقْنَا اْلعَ َلقَةَ‬
‫َجعَلْن ُ‬
‫س ْونَا الْعِظَا َم لَحْما ثُمّ أَنشَ ْأنَا ُه خَلْقا آ َخرَ‬
‫ض َغةَ عِظَاما َفكَ َ‬
‫ض َغةً َفخَ َلقْنَا الْمُ ْ‬
‫مُ ْ‬
‫سنُ الْخَاِلقِيَ (‪. ﴾ )14‬‬
‫فَتَبَارَ َك ال ّلهُ َأ ْح َ‬
‫عن قتادة ف قوله ‪ ﴿ :‬مِن سُلَاَلةٍ مّن طِيٍ ﴾ ‪ ،‬قال ‪ :‬استُلّ آدم من طي ‪،‬‬
‫وخُلقت ذريته من ماء مهي ؛ وقال النب ‪ « :‬إ نّ أحدكم يمع خلقه ف‬
‫بطن أمه أربعي يومًا نطفة ‪ ،‬ث يكون علق ًة مثل ذلك ‪ ،‬ث يكون مضغ ًة مثل‬
‫ذلك ‪ ،‬ث ير سل إل يه اللك فين فخ ف يه الروح ويؤ مر بأر بع كلمات ‪ :‬بك تب‬
‫رزقه وأجله ‪ ،‬وعمله ‪ ،‬وشقيّ ‪ ،‬أو سعيد » ‪ .‬الديث متفق عليه ‪.‬‬
‫َاهَ خَلْقا آ َخرَ ﴾ ‪ ،‬قال ‪ :‬نفَخ الروح‬ ‫شأْن ُ‬
‫وعَن أبَ العاليَة ‪ ﴿ :‬ثُم ّ أَن َ‬
‫فيها ‪َ ﴿ ،‬فَتبَارَكَ اللّهُ أَحْسَ ُن الْخَاِلقِيَ ﴾ ‪ ،‬قال ماهد ‪ :‬يصنعون ويصنع ال ‪،‬‬
‫ش ْأنَا هُ خَلْقا آ َخرَ ﴾ ‪ ،‬يعن ‪:‬‬
‫وال خي الصانعي ‪ .‬وعن ابن عباس ‪ ﴿ :‬ثُمّ أَن َ‬
‫الزء الثالث‬ ‫‪218‬‬

‫ننقله من حال إل حال ‪ ،‬إل أن خرج طفلً ‪ ،‬ث نشأ صغيًا ‪ ،‬ث احتلم ‪ ،‬ث‬
‫صار شابّا ‪ ،‬ث كهلً ‪ ،‬ث شيخًا ‪ ،‬ث هرمًا ‪.‬‬
‫ك لَمَيّتُو نَ (‪ )15‬ثُمّ إِّنكُ ْم يَوْ مَ‬
‫قوله عز و جل ‪ ﴿ :‬ثُمّ ِإّنكُ مْ َب ْعدَ َذلِ َ‬
‫اْلقِيَا َمةِ تُ ْبعَثُو نَ (‪ )16‬وََل َقدْ خَ َلقْنَا َف ْو َقكُ مْ سَبْعَ َطرَائِ قَ َومَا كُنّا عَ نِ الْخَلْ قِ‬
‫غَافِ ِليَ (‪. ﴾ )17‬‬
‫قال ابن زيد ف قول ال ‪ ﴿ :‬وََلقَدْ خََل ْقنَا َفوَْقكُ مْ َسبْعَ طَرَائِ قَ ﴾ ‪ ،‬قال ‪:‬‬
‫َمَ م َا فِي‬‫ّهَ َيعْل ُ‬
‫َمَ َترَ أَنّ الل َ‬ ‫الطرائق ‪ :‬السَماوات ‪ .‬وقَد قال تعال ‪ ﴿ :‬أَل ْ‬
‫سةٍ‬
‫جوَى ثَلَاَثةٍ إِلّا ُهوَ رَابِ ُعهُ ْم وَلَا خَمْ َ‬ ‫السّمَاوَاتِ َومَا فِي الْأَرْضِ مَا يَكُو ُن مِن نّ ْ‬
‫ك وَلَا أَ ْكثَرَ إِلّا هُ َو َم َعهُ مْ َأيْ نَ مَا كَانُوا ثُمّ‬
‫إِلّا ُهوَ سَا ِد ُسهُ ْم وَلَا َأدْنَى مِن ذَلِ َ‬
‫ُيَنبُّئهُم بِمَا عَ ِملُوا َي ْومَ اْل ِقيَا َمةِ ِإنّ اللّهَ بِكُ ّل َشيْءٍ عَلِيمٌ ﴾ ‪.‬‬
‫ّامَ ثُمّ‬
‫سَةِ َأي ٍ‬
‫ْضَ فِي ِّت‬
‫السَمَاوَاتِ وَاْلأَر َ‬
‫َقَ ّ‬‫وقال تعال ‪ُ ﴿ :‬ه َو الّذِي خَل َ‬
‫ج ِمنْهَا وَمَا يَنِلُ مِ نَ‬
‫ا سَْتوَى عَلَى اْلعَرْ شِ َيعَْل ُم مَا يَلِ جُ فِي الْأَرْ ضِ وَمَا يَخْ ُر ُ‬
‫السّمَاء َومَا َيعْرُجُ فِيهَا َو ُهوَ َم َعكُمْ َأيْ َن مَا كُنتُ ْم وَاللّ ُه بِمَا َتعْمَلُو َن َبصِيٌ ﴾ ‪.‬‬
‫َمَ‬
‫ّهَ رِزْقُهَا َوَيعْل ُ‬ ‫وقال تعال ‪ ﴿ :‬وَمَا مِن دَآّبةٍ فِي الَر ِ‬
‫ْضَ إِ ّل عَلَى الل ِ‬
‫سَتقَ ّرهَا َومُسَْتوْ َد َعهَا كُلّ فِي ِكتَابٍ ّمبِيٍ ﴾ ‪.‬‬
‫مُ ْ‬

‫قوله عز و جل ‪ ﴿ :‬وَأَنزَلْنَا مِ نَ ال سّمَا ِء مَا ًء ِب َقدَرٍ فَأَ ْسكَنّاهُ فِي اْلأَرْ ضِ‬
‫ّاتـ مّنـنّخِيلٍ‬
‫ِهـ جَن ٍ‬
‫شأْنَا لَكُم ب ِ‬
‫ُونـ (‪َ )18‬فأَن َ‬
‫ِهـ َلقَادِر َ‬
‫َابـ ب ِ‬
‫َوِإنّاـ عَلَى َذه ٍ‬
‫‪219‬‬ ‫توفيق الرحن ف دروس القرآن‬

‫خرُ جُ مِن‬
‫ج َرةً َت ْ‬
‫ي ٌة َومِنْهَا تَأْكُلُو نَ (‪َ )19‬وشَ َ‬
‫َوأَعْنَا بٍ ّلكُ ْم فِيهَا َفوَاكِ هُ َكثِ َ‬
‫ت بِالدّ ْهنِ وَصِبْ ٍغ لّلْآكِلِيَ (‪. ﴾ )20‬‬
‫طُورِ سَيْنَاء تَنبُ ُ‬
‫عن ابن عباس ف قوله ‪ ﴿ :‬مِن طُورِ َسيْنَاء ﴾ ‪ ،‬قال ‪ :‬البل الذي نودي‬
‫ت بِال ّدهْنِ ﴾ ‪ ،‬يقول ‪ :‬هو ‪ :‬الزيت يؤكل ويدّهن به ‪.‬‬
‫منه موسى ‪ ﴿ ،‬تَنبُ ُ‬
‫َصَبْغٍ لّلْآكِلِيَ ﴾ ‪ ،‬قال ‪ :‬هذا الزيتون صَبغ‬
‫وقال ابَن زيَد فَ قوله ‪ ﴿ :‬و ِ‬
‫للكل ي ‪ ،‬يأتدمون به وي صطبغون به ‪ .‬قال ا بن كث ي ‪ :‬وطور َسيْنَاء هو ‪:‬‬
‫طور سيني وهو ‪ :‬البل الذي كلّم ال عليه موسى بن عمران عليه السلم ‪،‬‬
‫وما حوله من البال الت فيها شجر الزيتون ‪.‬‬
‫قوله عز وجل ‪َ ﴿ :‬وإِنّ َلكُ ْم فِي اْلأَْنعَا ِم لَعِ ْب َر ًة نّسقِيكُم مّمّا فِي بُطُوِنهَا‬
‫ك تُحْ َملُونَ‬
‫ي ٌة َومِ ْنهَا َتأْكُلُونَ (‪ )21‬وَعَلَ ْيهَا وَعَلَى اْلفُلْ ِ‬
‫َولَكُ ْم فِيهَا مَنَافِ عُ كَثِ َ‬
‫(‪. ﴾ )22‬‬
‫قال ابن كثي ‪ :‬يذكر تعال ما جعل للقه ف النعام من النافع ‪ ،‬وذلك‬
‫أنم يشربون من ألبانا الارجة من بي فرث ودم ‪ ،‬ويأكلون من ُلحْمَانِها ‪،‬‬
‫حمّلونا‬ ‫ويلبسون من أصوافها ‪ ،‬وأوبارها وأشعارها ‪ ،‬ويركبون ظهورها ‪ ،‬ويُ َ‬
‫الحال الثقال إل البلد النائ ية عن هم ؛ ك ما قال تعال ‪َ ﴿ :‬وتَحْمِلُ َأْثقَالَكُ مْ‬
‫إِلَى بَلَدٍ لّ ْم َتكُونُوْا بَاِلغِيهِ إِلّ بِشِ ّق الَن ُفسِ ِإنّ َرّبكُمْ لَ َرؤُوفٌ رّحِيمٌ ﴾ ‪.‬‬

‫***‬
‫الزء الثالث‬ ‫‪220‬‬

‫الدرس الادي والثمانون بعد الائة‬

‫﴿ َولَ َق ْد أَرْ سَلْنَا نُوحا ِإلَى َقوْمِ ِه َفقَا َل يَا قَوْ مِ اعُْبدُوا اللّ َه مَا لَكُم مّ ْن ِإلَ هٍ‬
‫غَ ْيرُ ُه َأفَلَا تَّتقُو نَ (‪َ )23‬فقَا َل الْمَ َلأُ اّلذِي نَ َكفَرُوا مِن َق ْومِ هِ مَا َهذَا ِإلّا َبشَرٌ‬
‫ضلَ عَلَ ْيكُ مْ َولَ ْو شَاء اللّ هُ َلأَنزَ َل مَلَاِئكَ ًة مّ ا سَ ِمعْنَا ِبهَذَا‬
‫مّثْ ُلكُ ْم ُيرِي ُد أَن يَتَفَ ّ‬
‫فِي آبَائِنَا الَْأ ّولِيَ (‪ )24‬إِ ْن هُ َو ِإلّا َر ُجلٌ بِ ِه جِّنةٌ فََت َربّ صُوا بِ هِ حَتّ ى حِيٍ (‬
‫صرْنِي بِمَا َك ّذبُو نِ (‪َ )26‬فأَ ْوحَيْنَا إِلَيْ هِ أَ نِ ا صَْن ِع الْفُلْ كَ‬
‫‪ )25‬قَالَ رَبّ ان ُ‬
‫ك فِيهَا مِن ُكلّ َزوْجَيْ نِ‬
‫ِبأَعْيُنِنَا َووَحْيِنَا َفِإذَا جَاء َأ ْمرُنَا وَفَا َر التّنّو ُر فَا سْلُ ْ‬
‫ك ِإلّا مَن سَبَقَ عَ َليْ ِه الْ َقوْ ُل مِ ْنهُ ْم وَلَا تُخَاطِبْنِي فِي الّذِي نَ ظَ َلمُوا‬
‫اثْنَيْ ِن َوأَهْلَ َ‬
‫ك َفقُ ِل الْحَ ْمدُ‬
‫ت َومَن ّمعَ كَ َعلَى اْلفُلْ ِ‬
‫ِإّنهُم ّم ْغرَقُو نَ (‪َ )27‬فإِذَا ا سَْت َويْتَ أَن َ‬
‫لِلّ هِ اّلذِي نَجّانَا مِ َن الْ َقوْ ِم الظّالِمِيَ (‪ )28‬وَقُل رّبّ أَن ِزلْنِي مُنَ ًل مّبَارَكا‬
‫ك لَآيَا تٍ َوإِن كُنّا لَمُبْتَلِيَ (‪ُ )30‬ثمّ‬
‫نلِيَ (‪ )29‬إِنّ فِي َذلِ َ‬
‫َوأَن تَ خَ ْي ُر الْمُ ِ‬
‫شأْنَا مِن َبعْ ِدهِ ْم َقرْنا آ َخرِي نَ (‪َ )31‬فأَرْ سَلْنَا فِيهِ مْ رَ سُولً مِ ْنهُ مْ أَ نِ اعُْبدُوا‬
‫أَن َ‬
‫اللّ هَ مَا لَكُم مّ نْ ِإلَ هٍ غَ ْيرُ هُ َأفَلَا تَّتقُو نَ (‪َ )32‬وقَالَ الْمَ َلُأ مِن َق ْومِ ِه اّلذِي نَ‬
‫ُمـ ف ِي الْحَيَا ِة ال ّدنْي َا مَا هَذَا إِلّا َبشَرٌ‬
‫َك َفرُوا وَ َك ّذبُوا بِلِقَاء الْآ ِخ َرةِ َوَأْترَفْنَاه ْ‬
‫ش َربُو نَ (‪َ )33‬ولَئِ نْ أَ َطعْتُم‬
‫ب مِمّ ا َت ْ‬
‫شرَ ُ‬
‫مّثْ ُلكُ مْ َيأْ ُك ُل مِمّ ا َتأْكُلُو َن مِنْ هُ َوَي ْ‬
‫َبشَرا مِثْ َلكُ مْ ِإّنكُ ْم إِذا لّخَا ِسرُونَ (‪َ )34‬أيَ ِعدُكُ مْ َأّنكُ ْم ِإذَا مِتّ مْ وَكُنتُ مْ ُترَابا‬
‫ت لِمَا تُو َعدُو نَ (‪ )36‬إِ ْن هِ يَ‬
‫ت هَ ْيهَا َ‬
‫خرَجُو نَ (‪ )35‬هَ ْيهَا َ‬
‫وَعِظَاما َأّنكُم مّ ْ‬
‫ِإلّا حَيَاتُنَا ال ّدنْيَا نَمُو تُ َونَحْيَا وَمَا نَحْ ُن بِمَ ْبعُوثِيَ (‪ )37‬إِ ْن هُ َو ِإلّا َر ُجلٌ‬
‫‪221‬‬ ‫توفيق الرحن ف دروس القرآن‬

‫صرْنِي بِمَا‬
‫افَْترَى عَلَى اللّ هِ َكذِبا وَمَا نَحْ ُن لَ هُ بِ ُم ْؤمِنِيَ (‪ )38‬قَالَ رَبّ ان ُ‬
‫حةُ‬
‫الصـيْ َ‬
‫ُمـ ّ‬‫ح ّن نَادِمِيَ (‪َ )40‬فَأخَ َذْته ُ‬
‫ُصـبِ ُ‬
‫ُونـ (‪ )39‬قَالَ عَمّاـ قَلِيلٍ لَي ْ‬
‫َك ّذب ِ‬
‫شأْنَا مِن َب ْعدِهِ مْ‬
‫جعَلْنَاهُ مْ غُثَاء فَُبعْدا لّ ْلقَوْ ِم الظّالِمِيَ (‪ )41‬ثُمّ أَن َ‬
‫بِالْحَقّ فَ َ‬
‫ُقرُونا آ َخرِي نَ (‪ )42‬مَا تَ سِْبقُ مِ ْن ُأ ّمةٍ َأجَلَهَا وَمَا يَ سَْتأْ ِخرُونَ (‪ )43‬ثُمّ‬
‫أَرْسَـلْنَا رُسُـلَنَا تَ ْترَا ُك ّل مَا جَاء ُأ ّمةً رّسـُوُلهَا َك ّذبُوهُـ َفَأتْبَعْنَا بَعْضَهُم بَعْضا‬
‫ث فَُبعْدا لّ َقوْ ٍم لّا ُي ْؤمِنُونَ (‪. ﴾ )44‬‬
‫َوجَعَلْنَا ُهمْ َأحَادِي َ‬

‫***‬
‫الزء الثالث‬ ‫‪222‬‬

‫قوله عز و جل ‪َ ﴿ :‬وَلقَ ْد أَرْ سَلْنَا نُوحا ِإلَى َق ْومِ هِ َفقَالَ يَا َقوْ مِ اعُْبدُوا‬
‫اللّ هَ مَا لَكُم مّ نْ ِإلَ هٍ غَ ْيرُ هُ َأفَلَا تَّتقُو نَ (‪َ )23‬فقَالَ الْمَ َلُأ الّذِي نَ َكفَرُوا مِن‬
‫ّهـ َلأَنزَلَ‬
‫ُمـ وََل ْو شَاء الل ُ‬
‫ُمـ ُيرِي ُد أَن يََتفَضّلَ عَلَ ْيك ْ‬
‫ش ٌر مّثْ ُلك ْ‬
‫ِهـ مَا َهذَا ِإلّا َب َ‬
‫َق ْوم ِ‬
‫ِهـ جِّنةٌ‬
‫ِنـ هُ َو ِإلّا َر ُجلٌ ب ِ‬
‫سـِمعْنَا ِب َهذَا فِي آبَائِنَا الَْأوّلِيَ (‪ )24‬إ ْ‬
‫مَلَائِ َكةً مّاـ َ‬
‫فََت َربّصُوا ِبهِ حَتّى حِيٍ (‪. ﴾ )25‬‬
‫ّهَ‬
‫ْمَ ا ْعبُدُوا الل َ‬
‫ِهَ َفقَا َل يَا َقو ِ‬ ‫قال البغوي ‪ ﴿ :‬وََلقَدْ أَر َ‬
‫ْسَْلنَا نُوحا إِلَى َق ْوم ِ‬
‫﴾ وحده ‪ ﴿ ،‬مَا لَكُم مّ نْ إِلَ ٍه َغيْرُ هُ ﴾ معبود سواه ‪ ﴿ ،‬أََفلَا َتتّقُو نَ ﴾ أفل‬
‫تافون عقوبته إذا عبدت غيه ؟‬
‫ُمَ يُرِيدُ أَن‬
‫ش ٌر ّمثُْلك ْ‬ ‫ِهَ م َا هَذَا إِلّا بَ َ‬
‫ِينَ َكفَرُوا م ِن َق ْوم ِ‬
‫﴿ َفقَا َل الْمََلُأ الّذ َ‬
‫َيَتفَضّ َل عََلْيكُمْ ﴾ ‪ ،‬يعن ‪ :‬يتشرّف بأن يكون له الفضل عليكم فيصي متبوعًا‬
‫وأن تم له ت بع ‪ ﴿ ،‬وََلوْ شَاء اللّ هُ ﴾ أن ل يُع بد سواه ‪َ ﴿ ،‬لأَنزَ َل مَلَاِئ َكةً ﴾ ‪،‬‬
‫يعن ‪ :‬بإبلغ الوحي ‪ ﴿ ،‬مّا سَ ِم ْعنَا ِبهَذَا ﴾ الذي يدعونا إليه نوح ‪ ﴿ ،‬فِي‬
‫َ ِم ْعنَا ِبهَذَا ﴾ ‪ ،‬أي ‪ :‬بإرسَال بشَر‬ ‫آبَائِنََا اْلَأوّلِيََ ﴾ وقيَل ‪ ﴿ :‬مّاَ س َ‬
‫رسولً ‪ ﴿ ،‬إِ ْن ُهوَ إِلّا َرجُ ٌل بِ هِ ِجّنةٌ ﴾ ‪ ،‬يعن ‪ :‬جنون ‪َ ﴿ ،‬فتَ َربّ صُوا بِ هِ َحتّى‬
‫حِيٍ ﴾ ‪ ،‬يعن ‪ :‬إل أن يوت فتستريوا منه ‪.‬‬
‫ص ْرنِي بِمَا َك ّذبُونِ (‪َ )26‬فَأوْحَيْنَا إِلَيْ ِه أَنِ‬
‫قوله عز وجل ‪ ﴿ :‬قَالَ َربّ ان ُ‬
‫ك فِيهَا مِن ُكلّ‬
‫اصْنَ ِع اْلفُلْكَ ِبأَعْيُنِنَا وَ َوحْيِنَا َفإِذَا جَاء َأ ْم ُرنَا َوفَارَ التّنّو ُر فَاسْلُ ْ‬
‫َز ْوجَيْ نِ اثْنَيْ ِن وََأهْلَ كَ ِإلّا مَن سََبقَ عَلَيْ هِ اْل َقوْ ُل مِ ْنهُ ْم َولَا تُخَاطِبْنِي فِي اّلذِي نَ‬
‫‪223‬‬ ‫توفيق الرحن ف دروس القرآن‬

‫ك َفقُلِ‬
‫ت َومَن ّمعَ كَ َعلَى اْلفُلْ ِ‬
‫ظَلَمُوا ِإّنهُم ّم ْغ َرقُو نَ (‪َ )27‬فإِذَا ا سَْت َويْتَ أَن َ‬
‫الْحَ ْم ُد لِلّ ِه اّلذِي نَجّانَا مِ َن الْ َقوْ ِم الظّالِمِيَ (‪ )28‬وَقُل رّبّ أَن ِزلْنِي مُنَلً‬
‫ت وَإِن كُنّ ا لَمُبْتَلِيَ (‬
‫نلِيَ (‪ )29‬إِنّ فِي َذلِ كَ لَآيَا ٍ‬
‫ت خَ ْيرُ الْمُ ِ‬
‫مّبَارَكا وَأَن َ‬
‫‪. ﴾ )30‬‬
‫عن ماهد ف قوله ‪ ﴿ :‬مُنَ ًل ّمبَارَكا ﴾ ‪ ،‬قال لنوح حي نزل من السفينة‬
‫‪.‬‬
‫قال ابن كثي ‪ :‬قوله ‪ِ﴿ :‬إنّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ ﴾ ‪ ،‬أي ‪ :‬أن ف هذا الصنيع‬
‫و هو إناء الؤمن ي وإهلك الكافر ين ‪ ﴿ ،‬لَآيَا تٍ ﴾ ‪ ،‬أي ‪ :‬ل جج ودللت‬
‫واضحات على صدق النبياء فيما جاءوا به عن ال تعال ‪ ،‬وأنه تعال فاعل‬
‫لاَ يشاء ‪ ،‬قادر على كَل شيَء ‪ ،‬عليَم بكَل شيَء ‪ .‬وقوله ‪َ ﴿ :‬وإِن ُكنّاَ‬
‫لَ ُمْبتَِليَ ﴾ ‪ ،‬أي ‪ :‬لختبين للعباد بإرسال الرسلي ‪.‬‬
‫شأْنَا مِن َب ْعدِهِ ْم َقرْنا آ َخرِي نَ (‪َ )31‬فأَرْ سَلْنَا‬
‫قوله عز و جل ‪ ﴿ :‬ثُمّ أَن َ‬
‫فِيهِ مْ رَ سُولً مِ ْنهُ مْ أَ نِ اعُْبدُوا اللّ هَ مَا َلكُم مّ ْن إِلَ هٍ غَ ْيرُ ُه َأفَلَا تَّتقُو نَ (‪)32‬‬
‫ُمـ ف ِي‬
‫ِينـ َك َفرُوا وَ َك ّذبُوا بِ ِلقَاء الْآ ِخ َر ِة وََأْت َرفْنَاه ْ‬
‫ِهـ اّلذ َ‬
‫َوقَا َل الْمَ َلأُ م ِن َق ْوم ِ‬
‫الْحَيَا ِة ال ّدنْيَا مَا هَذَا إِلّا َبشَ ٌر مّثْ ُلكُ مْ َيأْ ُكلُ مِمّ ا َتأْكُلُو َن مِنْ هُ َوَيشْرَ بُ مِمّ ا‬
‫ش َربُونَ (‪َ )33‬ولَِئنْ أَ َطعْتُم َبشَرا مِثْ َلكُ ْم ِإنّ ُك ْم إِذا لّخَاسِرُونَ (‪َ )34‬أَيعِدُ ُكمْ‬
‫َت ْ‬
‫خ َرجُو نَ (‪ )35‬هَ ْيهَا تَ هَ ْيهَا تَ‬
‫َأّنكُ مْ ِإذَا مِتّ مْ وَكُنتُ ْم ُترَابا وَعِظَاما َأنّكُم مّ ْ‬
‫لِمَا تُو َعدُونَ (‪ )36‬إِ ْن هِيَ ِإلّا حَيَاتُنَا ال ّدنْيَا نَمُوتُ َونَحْيَا َومَا نَحْ ُن بِمَ ْبعُوثِيَ‬
‫الزء الثالث‬ ‫‪224‬‬

‫(‪ )37‬إِ ْن ُهوَ ِإلّا َرجُ ٌل افَْترَى عَلَى اللّهِ َكذِبا وَمَا نَحْنُ لَ ُه بِ ُم ْؤمِنِيَ (‪﴾ )38‬‬
‫‪.‬‬
‫ت هَْيهَاتَ ﴾ ‪ ،‬يقول ‪ :‬بعيد ‪ ،‬بعيد ‪.‬‬
‫عن ابن عباس ف قوله ‪َ ﴿ :‬هْيهَا َ‬
‫قال ابن جرير ‪ :‬وهذا خب من ال ج ّل ثناؤه عن قول الل من ثود أنم‬
‫ت َهيْهَا تَ ﴾ ‪ ،‬أي ‪ :‬بعيد ما توعدون ‪ ،‬أيها القوم من أنكم‬
‫قالوا ‪َ ﴿ :‬هْيهَا َ‬
‫بعد موت كم وم صيكم ترابًا وعظامًا مرَجون أحياء من قبور كم ‪ ،‬يقولون ‪:‬‬
‫ذلك غي كائن ‪.‬‬
‫وقال ا بن ز يد ف قوله ‪ ﴿ :‬إِ ْن هِ يَ إِلّا َحيَاتُنَا ال ّدنْيَا نَمُو ُ‬
‫ت َونَحْيَا وَمَا‬
‫ْنَ بِ َمْبعُوثِي َ ﴾ ‪ ،‬قال يقول ‪ :‬ليَس آخرة ول بعَث ‪ ،‬يكفرون بالبعَث‬ ‫نَح ُ‬
‫يقولون ‪ :‬إن ا هي حيات نا هذه ث نوت ول ن يا ‪ ،‬يوت هؤلء وي يا هؤلء ‪،‬‬
‫يقولون ‪ :‬إنا الناس كالزرع يُح صد هذا وين بت هذا ‪ ،‬يقولون ‪ :‬يوت هؤلء‬
‫ويأت آخرون ‪ ﴿ ،‬وَقَا َل الّذِي نَ َكفَرُوا هَ ْل نَدُّلكُ ْم عَلَى رَجُلٍ يَُنّبئُكُ مْ إِذَا مُزّ ْقتُ مْ‬
‫كُ ّل مُ َمزّ قٍ ِإّنكُ مْ َلفِي َخلْ قٍ جَدِيدٍ ﴾ ‪َ ﴿ ،‬زعَ َم الّذِي نَ َكفَرُوا أَن لّن ُيْب َعثُوا قُلْ‬
‫ك عَلَى اللّ ِه يَسِيٌ ﴾ ‪.‬‬ ‫بَلَى وَ َربّي َلُتْب َعثُنّ ثُمّ َلُتَنّبؤُ ّن بِمَا عَمِ ْلتُ ْم َوذَلِ َ‬
‫ص ْرنِي بِمَا َك ّذبُو نِ (‪ )39‬قَالَ عَمّا قَلِيلٍ‬
‫قوله عز وجل ‪ ﴿ :‬قَالَ َربّ ان ُ‬
‫ُمـ غُثَاء فَُبعْدا‬
‫جعَلْنَاه ْ‬
‫ح ُة بِالْحَقّ فَ َ‬
‫الصـيْ َ‬
‫ُمـ ّ‬‫ح ّن نَا ِدمِيَ (‪َ )40‬فأَ َخذَْته ُ‬
‫ُصـبِ ُ‬
‫لَي ْ‬
‫لّ ْل َقوْ ِم الظّالِمِيَ (‪. ﴾ )41‬‬
‫‪225‬‬ ‫توفيق الرحن ف دروس القرآن‬

‫قال ابن عباس يقول ‪ :‬جُعلوا كالشيء اليت البال من الشجر ‪ .‬وقال ماهد‬
‫‪ :‬غثاء كالرميم الامد الذي يتمل السيل ‪ ،‬أولئك ثود ‪.‬‬
‫شأْنَا مِن َب ْعدِهِ ْم ُقرُونا آ َخرِي نَ (‪ )42‬مَا تَ سْبِقُ‬
‫قوله عز وجل ‪ُ ﴿ :‬ثمّ أَن َ‬
‫مِ نْ ُأ ّمةٍ َأجَلَهَا وَمَا يَ سْتَ ْأ ِخرُونَ (‪ )43‬ثُمّ أَرْ سَلْنَا رُ سُلَنَا تَ ْترَا كُلّمَا جَاء ُأ ّمةً‬
‫ْمـلّا‬
‫ِيثـ فَُبعْدا ّلقَو ٍ‬
‫ُمـ َأحَاد َ‬
‫ُوهـ َفأَتَْبعْنَا َبعْضَهُم َبعْضا َو َجعَلْنَاه ْ‬
‫رّسـُوُلهَا َك ّذب ُ‬
‫ُي ْؤمِنُونَ (‪. ﴾ )44‬‬
‫عن ا بن عباس قوله ‪ ﴿ :‬ثُمّ أَرْ سَ ْلنَا رُ سَُلنَا َتتْرَا ﴾ ‪ ،‬يقول ‪ :‬يت بع بعض ها‬
‫بعضًا ‪.‬‬
‫وقوله تعال ‪ ﴿ :‬كُ ّل مَا جَاء ُأ ّمةً رّسَُوُلهَا كَ ّذبُوهَُ َفَأْتبَعْنَا َبعْضَهُم َبعْضا‬
‫﴾ أي ‪ :‬أهلكنا هم ‪ ﴿ ،‬وَ َجعَ ْلنَاهُ مْ أَحَادِي ثَ ﴾ ‪ ،‬أي ‪ :‬ق صصًا يتحدّث ب م‬
‫من بعد هم ‪َ ﴿ ،‬فُبعْدا ّل َقوْ مٍ لّا ُي ْؤ ِمنُو نَ ﴾ ‪ ،‬أي ‪ :‬فأب عد ال قومًا ل يؤمنون‬
‫بال ول يصدّقون رسله ‪.‬‬

‫***‬
‫الزء الثالث‬ ‫‪226‬‬

‫الدرس الثان والثمانون بعد الائة‬

‫﴿ ثُمّ أَرْ سَلْنَا مُو سَى َوأَخَا هُ هَارُو نَ بِآيَاتِنَا وَ سُلْطَا ٍن مّبِيٍ (‪ِ )45‬إلَى‬
‫ش َريْ نِ‬
‫ِفرْ َعوْ نَ َومَلَئِ ِه فَا سَْتكْبَرُوا وَكَانُوا قَوْما عَالِيَ (‪َ )46‬فقَالُوا َأُنؤْمِ نُ لَِب َ‬
‫مِثْلِنَا َو َقوْ ُمهُمَا لَنَا عَاِبدُو نَ (‪ )47‬فَ َك ّذبُوهُمَا َفكَانُوا مِ َن الْ ُمهْلَكِيَ ( ‪)48‬‬
‫ب َلعَ ّلهُ مْ َيهَْتدُو نَ (‪ )49‬وَ َجعَلْنَا ابْ نَ مَ ْريَ َم َوأُمّ هُ آَيةً‬
‫َوَلقَدْ آتَيْنَا مُو سَى اْلكِتَا َ‬
‫ِنـ‬
‫ّسـلُ كُلُوا م َ‬
‫َاتـ َقرَا ٍر وَ َمعِيٍ (‪ )50‬يَا أَيّهَا الر ُ‬
‫وَآ َويْنَاهُمَا ِإلَى َرْب َو ٍة ذ ِ‬
‫ت وَا ْعمَلُوا صَالِحا ِإنّي بِمَا َتعْمَلُو نَ عَلِي مٌ (‪ )51‬وَإِنّ هَذِهِ ُأمُّتكُ ْم أُ ّمةً‬
‫الطّيّبَا ِ‬
‫وَا ِح َد ًة وََأنَا َرّبكُ مْ فَاّتقُو نِ (‪ )52‬فََتقَ ّطعُوا َأمْ َرهُم بَيَْنهُ مْ ُزبُرا ُك ّل ِحزْ بٍ بِمَا‬
‫َل َديْهِ مْ َف ِرحُو نَ (‪َ )53‬فذَ ْرهُ ْم فِي غَ ْم َرِتهِ مْ حَتّى حِيٍ ( ‪َ )54‬أيَحْ سَبُو َن َأنّمَا‬
‫نُ ِم ّدهُم بِ ِه مِن مّالٍ وَبَنِيَ (‪ )55‬نُسَارِعُ لَهُمْ فِي الْخَ ْيرَاتِ بَل لّا َيشْ ُعرُو نَ (‬
‫شفِقُونَ (‪ )57‬وَاّلذِي َن هُم بِآيَاتِ َربّ ِهمْ‬
‫‪ )56‬إِ ّن اّلذِي َن هُم ّمنْ َخشَْيةِ َرّبهِم ّم ْ‬
‫شرِكُو نَ ( ‪ )59‬وَاّلذِي َن ُيؤْتُو نَ مَا آتَوا‬
‫ُي ْؤمِنُو نَ (‪ )58‬وَاّلذِي َن هُم ِب َربّهِ ْم لَا ُي ْ‬
‫ِكـ يُسـَارِعُو َن ف ِي‬
‫ُونـ (‪ُ )60‬أ ْولَئ َ‬
‫ِمـ رَا ِجع َ‬
‫ُمـ ِإلَى َرّبه ْ‬
‫ُمـ َوجِ َلةٌ َأّنه ْ‬
‫ّوقُلُوُبه ْ‬
‫ف َنفْسا ِإلّا وُسْ َعهَا َوَلدَيْنَا كِتَابٌ‬
‫ت َوهُ ْم َلهَا سَاِبقُونَ (‪ )61‬وَلَا نُكَلّ ُ‬
‫الْخَ ْيرَا ِ‬
‫يَنطِ ُق بِالْحَقّ َوهُ مْ لَا يُظْلَمُو نَ (‪َ )62‬بلْ قُلُوُبهُ ْم فِي َغ ْم َرةٍ مّ ْن َهذَا َوَلهُ مْ‬
‫أَ ْعمَا ٌل مِن دُو ِن َذلِ كَ هُ مْ لَهَا عَامِلُو نَ (‪ )63‬حَتّ ى ِإذَا َأخَذْنَا مُ ْت َرفِيهِم‬
‫صرُونَ (‪)65‬‬
‫جأَرُوا الَْيوْ َم ِإنّكُم مّنّا لَا تُن َ‬
‫جأَرُونَ (‪ )64‬لَا تَ ْ‬
‫ب ِإذَا ُهمْ يَ ْ‬
‫بِالْ َعذَا ِ‬
‫ُمـ تَنكِصـُونَ (‪)66‬‬
‫ـ عَلَى أَ ْعقَاِبك ْ‬
‫ـ َفكُنتُم ْ‬
‫ـ آيَاتِـي تُتْلَى عَلَ ْيكُم ْ‬
‫َقدْ كَانَت ْ‬
‫‪227‬‬ ‫توفيق الرحن ف دروس القرآن‬

‫جرُو نَ (‪َ )67‬أفَلَ مْ َي ّدّبرُوا اْل َقوْ َل أَ ْم جَاءهُم مّا لَ مْ‬


‫مُ سَْتكِْبرِي َن بِ هِ سَامِرا َتهْ ُ‬
‫َيأْتِ آبَاءهُمُ اْلَأوّلِيَ (‪ )68‬أَ ْم لَ ْم َيعْ ِرفُوا رَسُوَلهُ ْم َفهُ ْم لَهُ مُن ِكرُونَ ( ‪ )69‬أَمْ‬
‫حقّ كَا ِرهُو نَ (‪َ )70‬وَلوِ اتّبَ عَ‬
‫حقّ َوأَكَْثرُهُ مْ لِلْ َ‬
‫َيقُولُو َن بِ ِه جِّنةٌ َب ْل جَاءهُم بِالْ َ‬
‫حقّ َأهْوَاءهُ ْم َلفَسَ َدتِ السّمَاوَاتُ وَاْلأَرْضُ وَمَن فِيهِنّ َبلْ أَتَيْنَاهُم ِبذِ ْكرِهِمْ‬
‫الْ َ‬
‫خرَاجُ َربّكَ خَ ْي ٌر َوهُوَ‬
‫سَألُ ُه ْم خَرْجا فَ َ‬
‫َفهُمْ عَن ذِ ْكرِهِم مّ ْعرِضُونَ (‪ )71‬أَ ْم تَ ْ‬
‫صرَاطٍ مّ سَْتقِيمٍ ( ‪ )73‬وَإِنّ الّذِي نَ‬
‫خَ ْيرُ الرّا ِزقِيَ (‪َ )72‬وِإنّ كَ لََتدْعُوهُ مْ ِإلَى ِ‬
‫ط لَنَاكِبُو نَ (‪َ )74‬وَلوْ َرحِمْنَاهُ ْم وَ َكشَفْنَا مَا‬
‫صرَا ِ‬
‫لَا يُ ْؤمِنُو َن بِالْآخِ َرةِ عَ نِ ال ّ‬
‫ض ّر لّلَجّوا فِي ُطغْيَاِنهِ ْم َيعْ َمهُونَ (‪ )75‬وََل َقدْ َأ َخذْنَاهُم بِاْل َعذَابِ َفمَا‬
‫ِبهِم مّن ُ‬
‫ضرّعُو نَ (‪ )76‬حَتّى ِإذَا فَتَحْنَا َعلَ ْيهِم بَابا ذَا َعذَا بٍ‬
‫ا سْتَكَانُوا ِلرَّبهِ مْ َومَا يَتَ َ‬
‫َشدِي ٍد ِإذَا ُهمْ فِي ِه مُبْ ِلسُونَ (‪. ﴾ )77‬‬

‫***‬
‫الزء الثالث‬ ‫‪228‬‬

‫قوله عز وجل ‪ُ ﴿ :‬ثمّ أَرْسَلْنَا مُوسَى َوَأخَاهُ هَارُو َن بِآيَاتِنَا وَسُلْطَانٍ مِّبيٍ‬
‫(‪ِ )45‬إلَى ِفرْ َعوْ نَ َومَلَئِ ِه فَا سْتَكَْبرُوا وَكَانُوا قَوْما عَالِيَ (‪َ )46‬فقَالُوا َأُنؤْمِ نُ‬
‫ش َريْنِ مِثْلِنَا َوقَ ْو ُمهُمَا لَنَا عَابِدُونَ (‪َ )47‬ف َكذّبُوهُمَا فَكَانُوا مِنَ الْ ُمهْ َلكِيَ (‬
‫لَِب َ‬
‫‪. ﴾ )48‬‬
‫قال البغوي ‪ ﴿ :‬ثُمّ أَرْ سَ ْلنَا مُو سَى َوأَخَا هُ هَارُو َن بِآيَاتِنَا وَ سُلْطَانٍ مّبِيٍ‬
‫ِهَ‬
‫ْنَ َومََلئ ِ‬
‫﴾ ‪ ،‬يعنَ ‪ :‬بجّة بينَة مَن اليَد والعصَا وغيهاَ ‪ ﴿ ،‬إِلَى ِف ْرعَو َ‬
‫َتَ ْكبَرُوا ﴾ تعظّموا عَن اليان ‪ ﴿ ،‬وَكَانُوا َقوْما عَالِيََ ﴾ متكبّريَن‬ ‫فَاس ْ‬
‫قاهرين غيهم بالظلم ‪.‬‬
‫﴿ َفقَالُوا ﴾ ‪ ،‬يعن ‪ :‬فرعون وقومه ‪َ ﴿ ،‬أُن ْؤمِ نُ ِلبَشَ َريْ ِن ِمثِْلنَا ﴾ ‪ ،‬يعن ‪:‬‬
‫َ ﴾ ‪ ،‬مطيعون متذللون ‪،‬‬ ‫موسَى ‪ ،‬وهارون ‪ ﴿ ،‬وََق ْو ُمهُمََا لَنََا عَابِدُون َ‬
‫ِنَ الْ ُمهَْلكِي َ ﴾ بالغرق ‪ .‬وقال ابَن زيَد ‪ :‬قال‬ ‫﴿ َفكَ ّذبُوهُم َا َفكَانُوا م َ‬
‫فرعون ‪َ ﴿ :‬أُن ْؤمِ نُ ِلبَشَ َريْ نِ مِثِْلنَا وََق ْومُهُمَا َلنَا عَابِدُو نَ ﴾ نذهب نرفعهم فوقنا‬
‫ونكون تت هم ‪ ،‬ون ن اليوم فوق هم و هم تت نا ‪ ،‬ك يف ن صنع ذلك ؟ وذلك‬
‫حي أتوهم بالرسالة ‪ ،‬وقرأ ‪َ ﴿ :‬وتَكُونَ َلكُمَا اْل ِكبْ ِريَاء فِي الَ ْرضِ ﴾ ‪ ،‬قال ‪:‬‬
‫العلو ف الرض ‪.‬‬
‫قوله عز وجل ﴿ َوَلقَدْ آتَيْنَا مُوسَى اْلكِتَابَ َلعَ ّلهُمْ َيهَْتدُونَ (‪ )49‬وَ َجعَلْنَا‬
‫ت َقرَا ٍر َو َمعِيٍ (‪. ﴾ )50‬‬
‫اْبنَ َم ْرَيمَ َوُأمّهُ آَي ًة وَآوَيْنَاهُمَا ِإلَى َرْب َو ٍة ذَا ِ‬
‫‪229‬‬ ‫توفيق الرحن ف دروس القرآن‬

‫عن قتادة ف قوله ‪ ﴿ :‬وَ َج َعلْنَا ابْ َن مَ ْريَ َم َوُأمّ ُه آَيةً ﴾ ‪ ،‬قال ‪ :‬ولد ته من‬
‫غي أب هو له ‪ ،‬ولذلك وجدت الية ‪ ،‬وقد ذكر مري وابنها ‪ .‬وقوله تعال ‪:‬‬
‫﴿ وَآوَْينَاهُمَا إِلَى َرْب َوةٍ ذَاتِ قَرَا ٍر َو َمعِيٍ ﴾ ‪ ،‬قال ابن عباس ‪ :‬الربوة ‪ :‬الكان‬
‫الرتفع ‪ ،‬وهو أحسن ما يكون فيه النبات ‪.‬‬
‫وقوله ‪ ﴿ :‬ذَا تِ قَرَارٍ ﴾ ‪ ،‬يقول ‪ :‬ذات خصب ‪َ ﴿ ،‬و َمعِيٍ ﴾ ‪ ،‬يع ن ‪:‬‬
‫ماء ظاهرًا ‪ .‬وقال الضحاك ‪ ،‬وقتادة ‪ ﴿ :‬إِلَى َرْب َوةٍ ذَا تِ َقرَا ٍر َو َمعِيٍ ﴾ هو ‪:‬‬
‫بيت القدس ‪.‬‬
‫ت وَاعْمَلُوا صَالِحا‬
‫قوله عز و جل ‪ ﴿ :‬يَا أَيّهَا الرّ ُسلُ كُلُوا مِ نَ الطّيّبَا ِ‬
‫ِإنّي بِمَا َتعْمَلُونَ عَلِيمٌ (‪ )51‬وَإِنّ هَذِهِ ُأمُّتكُ ْم أُ ّم ًة وَا ِح َدةً َوَأنَا َرّبكُ ْم فَاّتقُونِ‬
‫(‪. ﴾ )52‬‬
‫َاتَ ﴾ ‪ ،‬يعنَ ‪ :‬اللل ‪ .‬وعَن ابَن‬ ‫قال الضحاك ‪ ﴿ :‬كُلُوا م َ‬
‫ِنَ ال ّطّيب ِ‬
‫جريج ‪َ ﴿ :‬وإِ ّن هَ ِذهِ ُأ ّمُتكُمْ ُأ ّم ًة وَاحِ َدةً ﴾ ‪ ،‬قال ‪ :‬اللة ‪ ،‬والدين ‪.‬‬
‫قوله عز و جل ‪ ﴿ :‬فََتقَ ّطعُوا َأ ْمرَهُم بَيَْنهُ مْ ُزبُرا ُك ّل حِزْ بٍ بِمَا َل َديْهِ مْ‬
‫َف ِرحُو نَ (‪َ )53‬فذَرْهُ ْم فِي َغ ْم َرتِهِ مْ حَتّى حِيٍ (‪َ )54‬أيَحْ سَبُو َن َأنّمَا نُ ِمدّهُم‬
‫(‬ ‫ت بَل لّا َيشْ ُعرُو نَ‬
‫بِ ِه مِن مّا ٍل َوبَنِيَ (‪ )55‬نُ سَارِعُ لَهُ ْم فِي الْخَ ْيرَا ِ‬
‫‪. ﴾ )56‬‬
‫عن ماهد ‪َ ﴿ :‬فَتقَ ّطعُوا َأمْ َرهُم َبيَْنهُمْ ُزبُرا ﴾ ‪ ،‬قال ‪ :‬كتبهم فرّقوها قطعًا‬
‫ب بِمَا لَ َدْيهِمْ‬
‫‪ .‬وقال ابن زيد ف قوله ‪َ ﴿ :‬فَتقَ ّطعُوا َأمْ َرهُم َبْيَنهُمْ ُزبُرا كُلّ ِحزْ ٍ‬
‫الزء الثالث‬ ‫‪230‬‬

‫َفرِحُو نَ ﴾ ‪ ،‬قال ‪ :‬هذا ما اختلفوا ف يه من الديان والك تب ‪ ،‬كلّ معجبون‬


‫برأي هم ‪ ،‬ليس أهل هوى إ ّل وهم معجبون برأيهم وهواهم و صاحبهم الذي‬
‫اخترق ذلك لم ‪ .‬وعن ماهد ‪ ﴿ :‬فَ َذ ْرهُمْ فِي غَ ْم َرِتهِمْ َحتّى حِيٍ ﴾ ‪ ،‬قال ‪:‬‬
‫ف ضللم ‪.‬‬
‫وقوله تعال ‪َ ﴿ :‬حتّىَََ حِيٍََ ﴾ ‪ ،‬قال البغوي ‪ :‬إل أن يوتوا ‪.‬‬
‫سبُونَ َأنّمَا نُمِ ّدهُم بِ ِه مِن مّا ٍل َوبَنِيَ ﴾ ‪ ،‬ما نعطيهم ونعله مددًا‬
‫﴿ َأيَحْ َ‬
‫خيْرَاتِ ﴾ ‪ ،‬أي ‪ :‬نعجل‬ ‫لم من الال والبني ف الدنيا ‪ ﴿ ،‬نُسَا ِرعُ َل ُهمْ فِي الْ َ‬
‫شعُرُو نَ‬
‫ل م ف اليات ونقدّم ها ثوابًا لعمال م لرضات نا عن هم ‪ ﴿ ،‬بَل لّا يَ ْ‬
‫﴾ أن ذلك استدراج لم ‪.‬‬
‫شفِقُونَـ (‪)57‬‬
‫قوله عـز وجـل ‪ ﴿ :‬إِنّ اّلذِينَـ هُم مّن ْـ َخشَْيةِ َربّهِم ّم ْ‬
‫وَالّذِي نَ هُم بِآيَا تِ َرّبهِ مْ ُي ْؤمِنُو نَ (‪ )58‬وَالّذِي نَ هُم ِبرَّبهِ مْ لَا ُيشْرِكُو نَ (‬
‫‪ )59‬وَالّذِي َن ُيؤْتُو َن مَا آتَوا ّوقُلُوبُهُ ْم َوجِلَ ٌة َأّنهُ مْ ِإلَى َرّبهِ مْ رَا ِجعُو نَ (‪)60‬‬
‫ك ُيسَارِعُو َن فِي الْخَ ْيرَاتِ َو ُهمْ َلهَا سَاِبقُونَ (‪. ﴾ )61‬‬
‫ُأ ْولَئِ َ‬
‫عن السن أنه كان يقول ‪ :‬أن الؤمن جَمَ عَ إحسانًا وشفقة ‪ ،‬وإن النافق‬
‫شفِقُونَ ﴾ إل ‪:‬‬
‫شَيةِ َرّبهِم مّ ْ‬
‫جَمَعَ إساءة وأمنًا ث تل ‪ِ ﴿ :‬إنّ الّذِينَ هُم مّنْ خَ ْ‬
‫﴿ وّقُلُوُبهُ ْم وَ ِجَلةٌ َأنّهُ مْ إِلَى َرّبهِ مْ رَا ِجعُو نَ ﴾ ‪ .‬و عن عائ شة أن ا قالت ‪ :‬يا‬
‫رسَول ال ‪ ،‬الذيَن يؤتون مَا آتوا وقلوبمَ وجِلة ‪ ،‬أهَو ‪ :‬الرجَل يزنَ ‪،‬‬
‫‪231‬‬ ‫توفيق الرحن ف دروس القرآن‬

‫ويسرق ‪ ،‬ويشرب المر ؟ قال ‪ « :‬ل يا ابنة أب بكر ‪ ،‬ولكن الرجل يصوم‬
‫ويصلّي ويتصدّق وياف أن ل يُقبل منه » ‪ .‬رواه ابن جرير وغيه ‪.‬‬
‫وقوله تعال ‪ُ ﴿ :‬أوَْلئِ كَ يُ سَا ِرعُونَ فِي الْ َ‬
‫خيْرَا تِ ﴾ ‪ ،‬أي ‪ :‬يبادرون إل‬
‫العمال الصالات ‪ ﴿ ،‬وَهُ مْ َلهَا ﴾ ‪ ،‬أي ‪ :‬إليها ‪ ﴿ ،‬سَاِبقُونَ ﴾ ‪ ،‬قال ابن‬
‫عباس ‪ :‬سبقت لم من ال السعادة ‪.‬‬
‫ب يَنطِ قُ‬
‫قوله عز و جل ‪ ﴿ :‬وَلَا نُكَلّ فُ َنفْ سا ِإلّا وُ ْسعَهَا وََل َديْنَا كِتَا ٌ‬
‫بِالْحَقّ َوهُ مْ لَا يُظْلَمُو نَ (‪َ )62‬بلْ قُلُوُبهُ مْ فِي َغ ْم َرةٍ مّ نْ هَذَا وََلهُ ْم أَعْمَالٌ‬
‫مِن دُونِ َذِلكَ ُه ْم َلهَا عَامِلُونَ (‪. ﴾ )63‬‬
‫ِقَ بِالْحَق ّ ﴾ ‪ ،‬يعنَ ‪ :‬كتاب‬ ‫قال ابـن كثيـ ‪ ﴿ :‬وَلَ َديْن َا ِكت ٌ‬
‫َابَ يَنط ُ‬
‫العمال ‪َ ﴿ ،‬وهُ مْ لَا يُ ْظلَمُو نَ بَلْ ُقلُوُبهُ مْ فِي غَ ْم َرةٍ مّ ْن هَذَا ﴾ ‪ ،‬قال ماهد ‪:‬‬
‫ك هُمْ َلهَا عَامِلُونَ ﴾ ‪،‬‬
‫ف عمى من هذا القرآن ‪ ﴿ ،‬وََلهُمْ َأعْمَا ٌل مِن دُونِ ذَلِ َ‬
‫قال ‪ :‬الطايا ‪.‬‬
‫جأَرُونَ (‬
‫ب ِإذَا ُهمْ يَ ْ‬
‫قوله عز وجل ‪ ﴿ :‬حَتّى ِإذَا َأخَ ْذنَا مُ ْت َرفِيهِم بِالْ َعذَا ِ‬
‫َتـ آيَاتِي تُتْلَى‬
‫ُنصـرُونَ (‪َ )65‬قدْ كَان ْ‬
‫ْمـِإنّكُم مّنّاـ لَا ت َ‬
‫جأَرُوا الْيَو َ‬
‫‪ )64‬لَا تَ ْ‬
‫جرُو نَ‬
‫عَلَ ْيكُمْ َفكُنتُمْ َعلَى أَ ْعقَابِكُ ْم تَنكِ صُونَ (‪ )66‬مُسْتَكِْبرِينَ بِ هِ سَامِرا َتهْ ُ‬
‫(‪. ﴾ )67‬‬
‫ُونَ ﴾ ‪ ،‬يقول ‪:‬‬
‫جأَر َ‬ ‫قال ابـن زيـد ‪ :‬الترفون ‪ :‬العظماء ‪ ﴿ .‬إِذَا ه ْ‬
‫ُمَ يَ ْ‬
‫فإذا أخذناهَم بالعذاب جأروا ‪ ،‬يقول ‪ :‬ضجّوا واسَتغاثوا ماَ حلّ بمَ مَن‬
‫الزء الثالث‬ ‫‪232‬‬

‫جأَرُوا الَْيوْ مَ ِإّنكُم ّمنّا لَا تُن صَرُونَ ﴾ ‪ ،‬قال الربيع ‪ :‬ل تزعوا‬ ‫عذابنا ‪ ﴿ ،‬لَا تَ ْ‬
‫الن حي ح ّل بكم العذاب إنه ل ينفعكم ‪ ،‬فلو كان هذا الزع َقبْل نَ َف َعكُ مْ‬
‫‪.‬‬
‫﴿ قَدْ كَانَ تْ آيَاتِي تُتْلَى عََلْيكُ مْ َفكُنتُ ْم عَلَى أَ ْعقَاِبكُ مْ تَنكِ صُونَ ﴾ ‪ ،‬قال‬
‫ِهَ ﴾ ‪ ،‬يقول ‪ :‬مسَتكبين برم‬ ‫ُسَ ْكبِرِي َن ب ِ‬
‫ابَن عباس يقول ‪ :‬تُ ْدبِرون ‪ ﴿ ،‬م ْتَ‬
‫الب يت ل نه ل يظ هر علي نا ف يه أ حد ‪ ﴿ ،‬سَامِرا ﴾ ‪ ،‬يقول ‪ :‬ي سمرون حول‬
‫جرُو نَ ﴾ ‪ ،‬قال ‪ :‬يهجرون ذ كر ال وال ق ‪ ،‬وقال ا بن ز يد ‪:‬‬ ‫الب يت ‪َ ﴿ ،‬تهْ ُ‬
‫كانوا يسمرون ليلهم ويلعبون ويتكلّمون بالشعر والكهانة ‪ ،‬وبا ل يدرون ‪.‬‬
‫جرُونَ ﴾ ‪ ،‬قال ‪ :‬بالقول السيّئ ف القرآن ‪.‬‬ ‫وعن ماهد ‪َ ﴿ :‬تهْ ُ‬
‫قوله عز وجل ‪َ ﴿ :‬أفَلَ ْم َي ّدبّرُوا اْلقَ ْولَ أَ ْم جَاءهُم مّا لَ مْ َيأْ تِ آبَاءهُ مُ‬
‫اْلأَ ّولِيَ (‪ )68‬أَ ْم لَ ْم َيعْ ِرفُوا رَ سُوَلهُ ْم َفهُ ْم لَ هُ مُن ِكرُو نَ (‪ )69‬أَ ْم َيقُولُو َن بِ هِ‬
‫َعـ الْحَقّ‬
‫ُونـ (‪ )70‬وََلوِ اتّب َ‬
‫ُمـ لِلْحَقّ كَا ِره َ‬
‫جِّنةٌ بَ ْل جَاءهُم بِالْحَقّ َوأَكَْث ُره ْ‬
‫ض َومَن فِي ِهنّ َب ْل َأتَيْنَاهُم ِبذِ ْك ِرهِ ْم َفهُ مْ‬
‫ت وَاْلأَرْ ُ‬
‫ت ال سّمَاوَا ُ‬
‫سدَ ِ‬
‫َأ ْهوَاءهُ مْ َلفَ َ‬
‫خرَاجُ َربّ كَ خَ ْي ٌر َوهُ َو خَ ْيرُ‬
‫سَألُ ُه ْم خَرْجا فَ َ‬
‫عَن ذِ ْك ِرهِم ّم ْعرِضُو نَ (‪ )71‬أَ ْم تَ ْ‬
‫الرّا ِزقِيَ (‪. ﴾ )72‬‬
‫قال البغوي ‪ ﴿ :‬أَفَلَ ْم يَ ّدبّرُوا ﴾ ‪ ،‬يعن ‪ :‬يتدّبروا ‪ ﴿ ،‬اْل َقوْلَ ﴾ ‪ ،‬يعن ‪:‬‬
‫ما جاءهم من القول وهو ‪ :‬القرآن ‪ .‬فيعرفوا ما فيه من الدللت على صدق‬
‫ت آبَاءهُمُ اْلَأوّلِيَ ﴾ ؟ فأنكروا ‪ ،‬يريد أنا قد‬
‫ممد ‪ ﴿ ،‬أَمْ جَاءهُم مّا لَ ْم َيأْ ِ‬
‫‪233‬‬ ‫توفيق الرحن ف دروس القرآن‬

‫بعثنا من قلبهم رسلً إل قومهم ‪ ،‬كذلك بعثنا ممدًا إليهم ؛ وقيل ‪ ( :‬أم )‬
‫بعن ‪ ( :‬بل ) ‪ .‬يعن ‪ :‬بل جاءهم ما ل يأت آباءهم الولي ‪ ،‬فلذلك أنكروا‬
‫‪.‬‬
‫﴿ أَ مْ َل ْم َيعْرِفُوا رَ سُوَلهُمْ ﴾ ممدًا ‪َ ﴿ ،‬فهُ مْ لَ ُه مُنكِرُو نَ ﴾ ‪ ،‬قال ابن‬
‫عباس ‪ :‬أليس قد عرفوا ممدًا صغيًا وكبيًا ‪ ،‬وعرفوا نسبه وصدقه وأمانته‬
‫ووفائه بالعهود ؟ وهذا على سَبيل التوبيَخ لمَ على العراض عنَه ‪ ،‬بعدمَا‬
‫عرفوه بالصدق والمانة ‪.‬‬
‫﴿ أَ ْم َيقُولُو َن بِ هِ ِجّنةٌ ﴾ ؟ جنون ‪ ،‬وليس كذلك ﴿ بَلْ جَاءهُم بِالْحَقّ ﴾‬
‫يعن ‪ :‬بالصدق والقول الذي ل تفى صحته وحسنه على عاقل ﴿ َوأَ ْكثَ ُرهُ مْ‬
‫ِللْحَقّ كَا ِرهُونَ ﴾ ‪.‬‬
‫ت وَالْأَرْ ضُ‬ ‫وقوله تعال ‪ ﴿ :‬وََل ِو اتّبَ َع الْحَقّ َأ ْهوَاءهُ مْ َلفَ سَدَ ِ‬
‫ت ال سّمَاوَا ُ‬
‫َومَن فِيهِنّ ﴾ ‪ ،‬قال ماهد وغيه ‪ :‬الق ‪ :‬هو ال ‪ .‬قال ابن كثي ‪ :‬والراد ‪:‬‬
‫لو أجاب م ال إل ما ف أنف سهم من الوى ‪ ،‬وشرع المور على و فق ذلك‬
‫ْضَ وَمَن فِيهِنّ ﴾ ‪ ،‬أي ‪ :‬لفسَاد أهوائهَم‬ ‫السَمَاوَاتُ وَاْلأَر ُ‬
‫َسَدَتِ ّ‬ ‫‪َ ﴿ :‬لف َ‬
‫واختلفها ‪ ،‬كما أخب عنهم ف قولم ‪َ ﴿ :‬وْلَا نُزّ َل هَذَا اْلقُرْآنُ عَلَى رَ ُج ٍل مّنَ‬
‫ّكَ ﴾ ‪ ،‬وقال تعال‬ ‫ْسَمُونَ رَحْ َمةَ َرب َ‬ ‫ِيمَ ﴾ ثَ قال ‪َ ﴿ :‬أهُم ََْيق ِ‬ ‫اْلقَ ْرَيتَيْنَِ عَظ ٍ‬
‫شَيةَ الِنفَا قِ‬
‫سكْتُمْ خَ ْ‬ ‫‪ ﴿ :‬قُل ّلوْ أَنتُ ْم تَ ْمِلكُو نَ َخزَآئِ نَ رَحْ َمةِ َربّ ي إِذا ّلَأمْ َ‬
‫وَكَانَ النسَانُ َقتُورا ﴾ ‪.‬‬
‫الزء الثالث‬ ‫‪234‬‬

‫وقوله تعال ‪ ﴿ :‬بَلْ َأَتيْنَاهُم بِذِكْ ِره ْ‬


‫ِمَ ﴾ قال ابَن عباس ‪ :‬أي ‪ :‬باَ فيَه‬
‫فخرهم وشرفهم ‪ .‬يعن ‪ :‬القرآن ‪َ ﴿ ،‬ف ُه ْم عَن ذِكْ ِرهِم ّمعْرِضُونَ ﴾ ‪.‬‬
‫وقوله تعال ‪ ﴿ :‬أَم ْ‬
‫َ تَس َْأَُلهُمْ َخرْجا َفخَرَاج َُ َربّك ََ َخيْ ٌر َو ُهوَ َخيْرُ‬
‫الرّازِقِيَ ﴾ ‪ ،‬كقوله تعال ‪ُ ﴿ :‬ق ْل مَا سَأَْلُتكُم مّنْ أَ ْجرٍ َف ُهوَ َلكُمْ إِنْ أَجْرِيَ إِلّا‬
‫عَلَى اللّهِ ﴾ ‪.‬‬
‫وقوله تعال ‪ ﴿ :‬أَ مْ تَ سْأَُلهُمْ أَجْرا َفهُم مّن ّمغْرَ ٍم ّمْثقَلُو نَ ﴾ ‪ .‬قال البغوي‬
‫َسَأَُلهُمْ ﴾ على مَا جئتَهَم بَه ﴿ خَرْجا ﴾ أجرًا و ُج ْعلً ‪﴿ ،‬‬
‫َمَ ت ْ‬‫‪﴿:‬أ ْ‬
‫َفخَرَا جُ َربّ كَ َخيْرٌ ﴾ يع ن ‪ :‬ما يعط يك ال من رز قه وثوا به خ ي ‪َ ﴿ ،‬و ُهوَ‬
‫َخيْرُ الرّازِقِيَ ﴾ ‪.‬‬
‫صرَاطٍ مّ سْتَقِيمٍ (‪َ )73‬وإِنّ‬
‫ك لََتدْعُوهُ ْم ِإلَى ِ‬
‫قوله عز و جل ‪َ ﴿ :‬وإِنّ َ‬
‫ُمـ‬
‫ُونـ (‪َ )74‬وَلوْ َرحِمْنَاه ْ‬
‫ط لَنَاكِب َ‬
‫الصـرَا ِ‬
‫َنـ ّ‬‫ُونـ بِالْآخِ َرةِ ع ِ‬
‫ِينـ لَا ُي ْؤمِن َ‬
‫اّلذ َ‬
‫ض ّر لّلَجّوا فِي ُطغْيَاِنهِ مْ َيعْ َمهُو نَ (‪ )75‬وََل َقدْ َأ َخذْنَاهُم‬
‫شفْنَا مَا ِبهِم مّن ُ‬
‫وَ َك َ‬
‫ضرّعُو نَ (‪ )76‬حَتّى ِإذَا فَتَحْنَا عَلَ ْيهِم‬
‫ب فَمَا ا سَْتكَانُوا ِل َربّهِ ْم وَمَا يَتَ َ‬
‫بِالْ َعذَا ِ‬
‫ب شَدِيدٍ ِإذَا ُه ْم فِيهِ مُبْ ِلسُونَ (‪. ﴾ )77‬‬
‫بَابا ذَا َعذَا ٍ‬
‫الصَرَا ِ‬
‫ط‬ ‫َنَ ّ‬ ‫ُونَ بِالْآخِ َر ِة ع ِ‬
‫ِينَلَا ُي ْؤمِن َ‬
‫عَن ابَن عباس قوله ‪َ ﴿ :‬وإِنّ الّذ َ‬
‫َلنَا ِكبُو نَ ﴾ ‪ ،‬يقول ‪ :‬عن ال ق عادلون ‪ .‬و عن ا بن جر يج ف قوله ‪ ﴿ :‬وََلوْ‬
‫شفْنَا مَا بِهِم مّ ن ضُرّ ﴾ ‪ ،‬قال ‪ :‬الوع ‪ ﴿ .‬وََلقَدْ َأخَ ْذنَاهُم‬ ‫َرحِ ْمنَاهُ ْم وَكَ َ‬
‫َ وَمََا‬ ‫ََتكَانُوا ِل َرّبهِم ْ‬
‫َ ﴾ ‪ ،‬قال ‪ :‬الوع ‪ ،‬والدب ‪ ﴿ ،‬فَمََا اس ْ‬ ‫بِاْلعَذَاب ِ‬
‫‪235‬‬ ‫توفيق الرحن ف دروس القرآن‬

‫َيَتضَ ّرعُو نَ ﴾ ‪ ،‬قال ال سن ‪ :‬إذا أ صاب الناس من ِقبَ ِل الشيطان بلء ‪ ،‬فإن ا‬
‫هَي نقمَة فل تسَتقبلوا نقمَة ال بالميَة ‪ ،‬ولكَن اسَتقبلوها بالسَتغفار‬
‫وتضرّعوا إل ال ‪.‬‬
‫وقوله تعال ‪َ ﴿ :‬حتّ ى إِذَا َفتَحْنَا عََليْهِم بَابا ذَا عَذَا بٍ شَدِيدٍ ِإذَا هُ مْ فِي هِ‬
‫ُمبْلِ سُونَ ﴾ ‪ .‬قال ابن كثي ‪ :‬أي ‪ :‬حت إذا جاءهم أمر ال وجاءتم الساعة‬
‫بغتة ‪ ،‬فأخذهم من عذاب ال ما ل يكونوا يتسبون ‪ ،‬فعند ذلك ُأبْلِ سُوا من‬
‫كل خي ‪ ،‬وأيسوا من كل رحة ‪ ،‬وانقطعت آمالم ورجاؤهم ‪.‬‬

‫***‬
‫الزء الثالث‬ ‫‪236‬‬

‫الدرس الثالث والثمانون بعد الائة‬

‫ل مّا َتشْ ُكرُو نَ (‬


‫شَأ لَكُ مُ ال سّ ْم َع وَاْلأَبْ صَارَ وَالَْأفِْئ َدةَ قَلِي ً‬
‫﴿ َوهُ َو الّذِي أَن َ‬
‫شرُونَ (‪َ )79‬وهُ َو اّلذِي يُحْيِي‬
‫حَ‬‫ض َوإِلَيْهِ تُ ْ‬
‫‪َ )78‬وهُ َو اّلذِي ذَ َرأَكُ ْم فِي الْأَرْ ِ‬
‫ف اللّ ْيلِ وَالّنهَا ِر َأفَلَا َت ْعقِلُو نَ (‪َ )80‬بلْ قَالُوا مِ ْثلَ مَا قَالَ‬
‫ت وَلَ هُ اخْتِلَا ُ‬
‫َويُمِي ُ‬
‫اْلأَ ّولُو نَ (‪ )81‬قَالُوا أَِئذَا مِتْنَا وَكُنّ ا تُرَابا وَعِظَاما َأئِنّ ا لَمَ ْبعُوثُو نَ (‪َ )82‬ل َقدْ‬
‫ي اْلأَ ّولِيَ (‪ )83‬قُل لّمَ نِ‬
‫وُ ِع ْدنَا نَحْ ُن وَآبَاؤُنَا َهذَا مِن قَ ْب ُل إِ ْن َهذَا ِإلّا أَ سَاطِ ُ‬
‫ض وَمَن فِيهَا إِن كُنتُ ْم َتعْلَمُو نَ (‪ )84‬سَيَقُولُو َن لِلّ هِ ُقلْ َأفَلَا َتذَ ّكرُو نَ (‬
‫اْلأَرْ ُ‬
‫ش الْعَظِي مِ (‪ )86‬سََيقُولُونَ‬
‫‪ُ )85‬ق ْل مَن ّربّ ال سّمَاوَاتِ ال سّبْ ِع وَ َربّ اْل َعرْ ِ‬
‫ي َولَا‬
‫ُوتـ ُك ّل َشيْ ٍء وَ ُهوَ ُيجِ ُ‬
‫ِهـ مَلَك ُ‬
‫ُونـ (‪ُ )87‬ق ْل مَن بَِيد ِ‬
‫ّهـ ُقلْ َأفَلَا تَتّق َ‬
‫لِل ِ‬
‫حرُونَ (‪)89‬‬
‫يُجَارُ عَلَيْ ِه إِن كُنتُ مْ َتعْلَمُو نَ (‪ )88‬سََيقُولُونَ لِلّ هِ ُقلْ َفَأنّى تُ سْ َ‬
‫خ َذ اللّهُ مِن َولَ ٍد َومَا كَا َن َمعَهُ‬
‫حقّ َوِإّنهُ ْم َلكَا ِذبُونَ (‪ )90‬مَا اتّ َ‬
‫َب ْل َأتَيْنَاهُم بِالْ َ‬
‫ضهُ مْ عَلَى بَعْ ضٍ سُبْحَا َن اللّ هِ‬
‫مِ نْ ِإلَ ٍه إِذا ّلذَهَ بَ ُك ّل ِإلَ هٍ بِمَا خَلَ قَ َوَلعَلَا َبعْ ُ‬
‫شرِكُو نَ (‪ )92‬قُل‬
‫شهَا َد ِة فََتعَالَى عَمّا ُي ْ‬
‫ب وَال ّ‬
‫صفُونَ (‪ )91‬عَالِ مِ اْلغَيْ ِ‬
‫عَمّا يَ ِ‬
‫جعَلْنِي فِي اْلقَوْ ِم الظّالِمِيَ (‪)94‬‬
‫ّربّ ِإمّا ُت ِريَنّي مَا يُو َعدُونَ (‪َ )93‬ربّ فَلَا تَ ْ‬
‫سنُ السّيَّئةَ‬
‫َوِإنّا عَلَى أَن ّنرِيَكَ مَا َنعِ ُدهُمْ َلقَادِرُونَ (‪ )95‬ا ْدفَ ْع بِالّتِي هِ َي أَحْ َ‬
‫ت الشّيَا ِطيِ (‬
‫صفُونَ (‪َ )96‬وقُل ّربّ أَعُوذُ بِ كَ مِ نْ هَ َمزَا ِ‬
‫نَحْ ُن أَعْلَ ُم بِمَا يَ ِ‬
‫ضرُو نِ (‪ )98‬حَتّ ى ِإذَا جَاء َأ َحدَهُ مُ الْ َموْ تُ‬
‫‪َ )97‬وأَعُوذُ بِ كَ رَبّ أَن يَحْ ُ‬
‫قَالَ َربّ ا ْر ِجعُونِ (‪َ )99‬لعَلّي أَ ْع َملُ صَالِحا فِيمَا َترَكْتُ كَلّا إِّنهَا كَلِ َم ٌة ُهوَ‬
‫‪237‬‬ ‫توفيق الرحن ف دروس القرآن‬

‫خ فِي ال صّو ِر فَلَا‬


‫خ ِإلَى َيوْ مِ يُبْعَثُو نَ (‪َ )100‬فِإذَا ُنفِ َ‬
‫قَائِ ُلهَا َومِن وَرَائِهِم َبرْزَ ٌ‬
‫ك هُ مُ‬
‫ت َموَازِينُ ُه َفأُ ْولَئِ َ‬
‫أَن سَابَ بَيَْنهُ ْم َيوْمَِئ ٍذ وَلَا يَتَ سَاءلُونَ (‪ )101‬فَمَن ثَقُلَ ْ‬
‫س ُهمْ فِي‬
‫ت َموَازِينُ ُه َفأُ ْولَئِ كَ اّلذِي َن خَ سِرُوا أَنفُ َ‬
‫الْ ُمفْلِحُو نَ (‪ )102‬وَمَ ْن خَفّ ْ‬
‫ح ُوجُو َههُ مُ النّا ُر وَهُ مْ فِيهَا كَالِحُو نَ (‪)104‬‬
‫َجهَنّ َم خَاِلدُو نَ (‪ )103‬تَ ْلفَ ُ‬
‫َألَ ْم تَكُ نْ آيَاتِي تُتْلَى عَلَ ْيكُ مْ َفكُنتُم بِهَا تُ َك ّذبُو نَ (‪ )105‬قَالُوا َربّنَا غَلَبَ تْ‬
‫عَلَيْنَا شِ ْقوَتُنَا وَكُنّ ا َقوْما ضَالّيَ (‪َ )106‬ربّنَا َأخْ ِرجْنَا مِنْهَا َفإِ نْ ُعدْنَا َفِإنّ ا‬
‫ظَالِمُو نَ (‪ )107‬قَالَ اخْ سَؤُوا فِيهَا َولَا ُتكَلّمُو نِ (‪ِ )108‬إنّ هُ كَا َن َفرِي ٌق مّ نْ‬
‫ت خَ ْيرُ الرّاحِمِيَ (‪)109‬‬
‫عِبَادِي َيقُولُو نَ َربّنَا آمَنّا فَا ْغ ِفرْ لَنَا وَارْحَمْنَا َوأَن َ‬
‫حكُونَ (‪)110‬‬
‫سوْ ُكمْ ذِ ْكرِي وَكُنتُم مّ ْنهُ ْم تَضْ َ‬
‫خ ِريّا حَتّى أَن َ‬
‫خ ْذتُمُوهُمْ سِ ْ‬
‫فَاتّ َ‬
‫ِإنّي َج َزيْتُهُ مُ الَْيوْ َم بِمَا صََبرُوا َأّنهُ مْ هُ مُ اْلفَاِئزُو نَ (‪ )111‬قَالَ كَ ْم لَبِثْتُ ْم فِي‬
‫ض َيوْ مٍ فَا ْسأَ ْل الْعَادّي نَ (‬
‫اْلأَرْ ضِ َع َددَ سِنِيَ (‪ )112‬قَالُوا لَبِثْنَا َيوْما َأوْ َبعْ َ‬
‫ل ّل ْو أَّنكُ مْ كُنتُ مْ َتعْلَمُو نَ (‪َ )114‬أفَحَ سِبُْت ْم َأنّمَا‬
‫‪ )113‬قَالَ إِن لّبِثْتُ ْم ِإلّا قَلِي ً‬
‫حقّ لَا‬
‫خَ َلقْنَاكُ مْ َعبَثا َوَأنّكُ مْ إِلَيْنَا لَا ُت ْرجَعُو نَ (‪ )115‬فََتعَالَى اللّ ُه الْمَلِ كُ الْ َ‬
‫ع مَ َع اللّهِ ِإلَها آ َخ َر لَا ُب ْرهَانَ‬
‫ِإلَ َه ِإلّا ُهوَ َربّ اْل َعرْشِ اْل َكرِيِ (‪َ )116‬ومَن َيدْ ُ‬
‫ح الْكَافِرُو نَ (‪َ )117‬وقُل ّربّ ا ْغ ِفرْ‬
‫لَ ُه بِ ِه َفِإنّمَا حِ سَاُبهُ عِندَ َربّ هِ ِإنّ هُ لَا ُيفْلِ ُ‬
‫ت خَ ْيرُ الرّاحِ ِميَ (‪. ﴾ )118‬‬
‫وَا ْرحَ ْم َوأَن َ‬
‫***‬
‫الزء الثالث‬ ‫‪238‬‬

‫السـمْ َع وَالَْأبْصـَارَ وَاْلأَفِْئ َدةَ‬


‫ُمـ ّ‬‫شأَ َلك ُ‬
‫قوله عـز وجـل ‪ ﴿ :‬وَ ُهوَ اّلذِي أَن َ‬
‫شرُو نَ (‬
‫حَ‬‫ض َوِإلَيْ ِه تُ ْ‬
‫ل مّا َتشْ ُكرُو نَ (‪ )78‬وَ ُهوَ اّلذِي ذَ َرأَكُ مْ فِي اْلأَرْ ِ‬
‫قَلِي ً‬
‫ف اللّ ْيلِ وَالّنهَا ِر َأفَلَا َت ْعقِلُو نَ (‬
‫ت َولَ هُ اخْتِلَا ُ‬
‫‪َ )79‬وهُ َو اّلذِي يُحْيِي َويُمِي ُ‬
‫‪َ )80‬ب ْل قَالُوا مِ ْث َل مَا قَالَ اْلَأوّلُونَ ( ‪ )81‬قَالُوا أَِئذَا مِتْنَا وَكُنّا تُرَابا وَعِظَاما‬
‫َأئِنّ ا لَمَ ْبعُوثُو نَ (‪َ )82‬لقَ ْد وُ ِعدْنَا نَحْ ُن وَآبَاؤُنَا هَذَا مِن قَ ْبلُ إِ ْن هَذَا إِلّا‬
‫ي الَْأ ّولِيَ (‪. ﴾ )83‬‬
‫َأسَاطِ ُ‬
‫السَمْعَ ﴾ ‪ ،‬أي ‪ :‬أنشَأ لكَم‬
‫ُمَ ّ‬‫قال البغوي ‪َ ﴿ :‬وهُ َو الّذِي أَنشَأَ َلك ُ‬
‫ال ساع ‪ ﴿ ،‬وَالَْأبْ صَا َر وَاْلأَفْئِ َدةَ ﴾ ‪ ،‬لت سمعوا وتب صروا وتعقلوا ‪َ ﴿ ،‬قلِيلً مّ ا‬
‫شكُرُو نَ ﴾ أي ‪ :‬ل تشكروا هذه النعم ‪َ ﴿ .‬وهُ َو الّذِي َذ َرأَكُ مْ ﴾ خلقكم ‪،‬‬ ‫تَ ْ‬
‫ت وَلَ هُ‬
‫﴿ فِي اْلأَرْ ضِ َوإَِليْ ِه تُحْشَرُو َن ﴾ تبعثون ‪َ ﴿ ،‬وهُ َو الّذِي يُحْيِي َويُمِي ُ‬
‫ا ْختِلَافَُ الّليْلِ وَالّنهَارِ ﴾ ‪ ،‬أي ‪ :‬تدبيَ الليَل والنهار فَ الزيادة والنقصَان ‪.‬‬
‫قال الفرّاء ‪ :‬جعله ما متلف ي يتعاقبان ويتلفان ف ال سواد والبياض ‪ ﴿ ،‬أَفَلَا‬
‫َت ْعقِلُونَ ﴾ ما ترون من صنعه فتعتبون ؟‬
‫﴿ بَلْ قَالُوا ِمثْلَ مَََا قَا َل اْلأَوّلُونَََ ﴾ ‪ ،‬أي ‪ :‬كذّبوا كمََا كذب‬
‫الوّلون ‪ ﴿ ،‬قَالُوا َأئِذَا ِمْتنَا وَ ُكنّا تُرَابا َوعِظَاما َأِئنّا لَ َمْبعُوثُونَ ﴾ لحشورون ؟‬
‫قالوا ذلك على طريَق الِنكار والتعجّب ‪َ ﴿ .‬لقَ ْد ُوعِدْنَا نَحْنَُ وَآبَاؤُنَا هَذَا‬
‫﴾ الو عد ‪ ﴿ ،‬مِن َقبْلُ ﴾ أي ‪َ :‬وعَ َد آباء نا قوم زعموا أن م ر سل ال ‪ ،‬فلم‬
‫نر له حقيقة ‪ِ ﴿ ،‬إ ْن هَذَا إِلّا َأسَاطِيُ اْلَأوّلِيَ ﴾ أكاذيب الولي ‪.‬‬
‫‪239‬‬ ‫توفيق الرحن ف دروس القرآن‬

‫ض وَمَن فِيهَا إِن كُنتُ ْم َتعْلَمُو نَ (‪)84‬‬


‫قوله عز وجل ‪ ﴿ :‬قُل لّمَ ِن اْلأَرْ ُ‬
‫سَيَقُولُو َن لِلّ ِه ُق ْل َأفَلَا َتذَ ّكرُو نَ (‪ُ )85‬ق ْل مَن ّربّ ال سّمَاوَاتِ ال سّبْ ِع وَ َربّ‬
‫ِهـ‬
‫ُونـ (‪ُ )87‬ق ْل مَن بَِيد ِ‬
‫ّهـ ُقلْ َأفَلَا تَّتق َ‬
‫سـَيقُولُونَ لِل ِ‬
‫ِيمـ (‪َ )86‬‬
‫ْشـ اْلعَظ ِ‬
‫اْلعَر ِ‬
‫ـ (‪)88‬‬
‫ـ َتعْلَمُون َ‬
‫ـ إِن كُنتُم ْ‬
‫ي َولَا يُجَارُ عَلَيْه ِ‬
‫ـ ُك ّل َشيْ ٍء وَ ُهوَ ُيجِ ُ‬
‫مَ َلكُوت ُ‬
‫حقّ َوِإّنهُ ْم َلكَا ِذبُونَ (‬
‫حرُونَ (‪َ )89‬ب ْل َأتَيْنَاهُم بِالْ َ‬
‫سََيقُولُونَ لِلّ ِه ُق ْل َفأَنّى تُسْ َ‬
‫خذَ اللّ هُ مِن َوَلدٍ وَمَا كَا َن َمعَ ُه مِ ْن ِإلَ هٍ إِذا ّلذَهَ بَ ُكلّ ِإلَ ٍه بِمَا‬
‫‪ )90‬مَا اتّ َ‬
‫صفُونَ (‪ )91‬عَالِ مِ اْلغَيْ بِ‬
‫ضهُ مْ عَلَى َبعْ ضٍ سُبْحَا َن اللّ هِ َعمّا يَ ِ‬
‫خَلَ َق وََلعَلَا َبعْ ُ‬
‫شرِكُونَ (‪. ﴾ )92‬‬
‫شهَا َدةِ فََتعَالَى عَمّا ُي ْ‬
‫وَال ّ‬
‫قال البغوي ‪ ﴿ :‬قُل ﴾ يا م مد ميبًا ل م ‪ ﴿ :‬لّ َم ِن اْلأَرْ ُ‬
‫ض وَمَن فِيهَا‬
‫﴾ من اللق ‪ ﴿ ،‬إِن كُنتُ ْم َتعْلَمُو نَ ﴾ خالق ها ومالك ها ‪َ ﴿ ،‬سيَقُولُونَ لِلّ ِه‬
‫﴾ ول بدّ لمَ مَن ذلك ‪ ،‬لنمَ يقرّون أناَ ملوقَة ‪ ،‬فقَل لمَ إذا أقرّوا‬
‫ُونَ ﴾ ؟ فتعلمون أن مَن قدر على خلق الرض ومَن‬ ‫بذلك ‪ ﴿ ،‬أَفَلَا تَذَكّر َ‬
‫فيها ابتداء يقدر على إحيائهم بعد الوت ؟‬
‫سبْ ِع وَرَبّ اْلعَرْ شِ اْلعَظِي مِ * َسَيقُولُونَ لِلّ هِ قُلْ‬
‫﴿ قُ ْل مَن رّبّ ال سّمَاوَاتِ ال ّ‬
‫أَفَلَا تَّتقُو نَ ﴾ ؟ قال ا بن كث ي ‪ :‬أي ‪ :‬إذا كن تم تعرفون بأ نه رب ال سماوات‬
‫ورب العرش العظ يم ‪ ،‬أفل تافون عقا به وتذرون عذا به ف عبادت كم م عه‬
‫غيه وإشراككم به ؟‬
‫الزء الثالث‬ ‫‪240‬‬

‫ُوتَ كُ ّل َشيْءٍ ﴾ ‪ ،‬قال البغوي ‪ :‬اللكوت اللك ‪،‬‬


‫ِهَ مََلك ُ‬
‫﴿ قُ ْل مَن ِبيَد ِ‬
‫والتاء ف يه للمبال غة ‪َ ﴿ .‬وهُ َو يُجِيُ ﴾ ‪ ،‬أي ‪ :‬يؤمّن من يشاء ‪ ﴿ ،‬وَلَا يُجَارُ‬
‫عََليْهِ ﴾ ؟ ‪ ،‬أي ‪ :‬ل يؤمّن عليه ‪.‬‬
‫﴿ إِن كُنتُ مْ َتعَْلمُو نَ * َسَيقُولُونَ لِلّ هِ ﴾ ‪ .‬قال ا بن كث ي ‪ :‬أي سيعترفون أن‬
‫السَيد العظيَم الذي ييَ ول يار عليَه هَو ‪ :‬ال تعال وحده ل شريَك له‬
‫حرُونَ ﴾ ؟ أي ‪ :‬فكيف تذهب عقولكم ف عبادتكم معه‬ ‫‪ ﴿ ،‬قُلْ َفَأنّى تُ سْ َ‬
‫غيه ‪ ،‬مع اعترافكم وعلمكم بذلك ؟‬
‫ث قال تعال ‪ ﴿ :‬بَلْ َأتَْينَاهُم بِالْحَقّ ﴾ ‪ ،‬وهو الِعلم بأنه ل إله إل ال ‪،‬‬
‫وأقمنا الدلّة الصحيحة الواضحة القاطعة على ذلك ‪َ ﴿ ،‬وِإّنهُمْ َلكَا ِذبُونَ ﴾ ‪،‬‬
‫أي ‪ :‬ف عبادتم مع ال غيه ‪ ،‬ول دليل لم على ذلك ‪.‬‬
‫وقوله تعال ‪ ﴿ :‬مَا اتّ َ‬
‫خذَ اللّ ُه مِن وَلَ ٍد وَمَا كَا نَ َمعَ هُ مِ نْ إِلَ هٍ إِذا لّ َذهَ بَ‬
‫كُلّ إِلَ ٍه بِمَا خَلَ قَ ﴾ ‪ ،‬أي ‪ :‬تفرّد با خلقه فلم يرض أن يضاف خلقه وإنعامه‬
‫ضهُ مْ‬
‫إل غيه ‪ ،‬وم نع الِله ال خر عن ال ستيلء على ما خلق ‪ ﴿ ،‬وََلعَلَا بَ ْع ُ‬
‫عَلَى َبعْ ضٍ ﴾ ‪ ،‬أي ‪ :‬طلب بعض هم مغال بة ب عض ‪ ،‬كف عل ملوك الدن يا في ما‬
‫َحَانَ اللّهَِ عَمّاَيَصَِفُو َن * عَالِمَِ الْ َغيْبَِ‬
‫بينهَم ؛ ثَ نزّه نفسَه فقال ‪ ﴿ :‬سُبْ‬
‫شهَا َدةِ َفَتعَالَى عَمّا يُشْرِكُونَ ﴾ ‪.‬‬
‫وَال ّ‬
‫قوله عز وجـل ‪ ﴿ :‬قُل رّبّ ِإمّاـُترِيَنّيـ مَا يُو َعدُو نَ (‪ )93‬رَبّ فَلَا‬
‫جعَلْنِي فِي اْلقَوْ مِ الظّالِمِيَ (‪َ )94‬وِإنّا عَلَى أَن ّن ِريَ كَ مَا َن ِعدُهُ مْ َلقَادِرُو نَ (‬
‫تَ ْ‬
‫‪241‬‬ ‫توفيق الرحن ف دروس القرآن‬

‫صفُونَ (‪َ )96‬وقُل ّربّ‬


‫سنُ السّيَّئ َة نَحْنُ أَعْلَمُ بِمَا يَ ِ‬
‫‪ )95‬ا ْدفَ ْع بِالّتِي هِ َي أَحْ َ‬
‫ضرُو نِ (‬
‫ت الشّيَاطِيِ (‪ )97‬وَأَعُو ُذ بِ كَ رَبّ أَن يَحْ ُ‬
‫أَعُو ُذ بِ كَ مِ نْ هَ َمزَا ِ‬
‫‪ )98‬حَتّىـِإذَا جَاء َأ َحدَهُ مُ الْ َموْ تُ قَالَ رَبّ ا ْرجِعُو نِ (‪َ )99‬لعَلّي أَعْ َملُ‬
‫صَالِحا فِيمَا َترَكْ تُ كَلّا ِإنّهَا كَلِ َم ٌة ُهوَ قَائِلُهَا َومِن وَرَائِهِم َبرْزَ خٌ ِإلَى َيوْ مِ‬
‫يُ ْبعَثُونَ (‪. ﴾ )100‬‬
‫قال البغوي ‪ :‬قوله تعال ‪ ﴿ :‬قُل رّبّ ِإمّا تُ ِرَينّي ﴾ ‪ ،‬أي ‪ :‬إن أريتن ﴿‬
‫جعَ ْلنِي‬
‫مَا يُوعَدُو نَ ﴾ ‪ ،‬أي ‪ :‬ما أوعدتم من العذاب ‪ ،‬أي ‪ :‬يا ر بّ ﴿ َفلَا تَ ْ‬
‫ك مَا‬ ‫فِي اْلقَوْ مِ الظّالِمِيَ ﴾ ‪ ،‬أي ‪ :‬ل تلكن بلكهم ‪َ ﴿ ،‬وإِنّا عَلَى أَن نّ ِريَ َ‬
‫َنعِ ُدهُ مْ ﴾ من العذاب لم ‪َ ﴿ ،‬لقَادِرُو نَ ﴾ ‪ .‬وعن ماهد ف قوله ‪ ﴿ :‬ادَْف عْ‬
‫سيَّئةَ ﴾ ‪ ،‬قال ‪:‬أعرض عن أذاهم إيّاك ‪ .‬قال السن ‪ :‬وال‬ ‫بِاّلتِي ِهيَ َأحْسَنُ ال ّ‬
‫ل يصيبها صاحبها حت يكظم غيظًا ‪ ،‬ويصفح عما يكره ‪.‬‬
‫شيَاطِيِ‬ ‫وقال ا بن ز يد ف قوله ‪ ﴿ :‬وَقُل رّبّ أَعُو ُذ بِ َ‬
‫ك مِ ْن هَ َمزَا تِ ال ّ‬
‫حضُرُونِ ﴾ ف شيء‬
‫﴾ َخْن ُقهُمُ الناس فذلك هزاتم ‪َ ﴿ ،‬وَأعُو ُذ بِكَ رَبّ أَن َي ْ‬
‫من أمري ‪ .‬وقال ابن عباس ‪ :‬هزات الشياطي ‪ :‬نزعاتم ‪.‬‬
‫وقوله تعال ‪َ ﴿ :‬حتّى إِذَا جَاء أَ َح َدهُ مُ الْ َموْ تُ قَالَ رَبّ ارْ ِجعُو نِ * َلعَلّي‬
‫ْتَ ﴾ ‪ ،‬قال قتادة ‪ :‬مَا تن ّى أن يرجَع إل أهله‬‫َأعْمَلُ صََالِحا فِيم َا تَرَك ُ‬
‫وعشيته ‪ ،‬ول ليجمع الدنيا ويقضي الشهوات ‪ ،‬ولكن تنّى أن يرجع فيعمل‬
‫بطاعة ال ‪َ ،‬فرَحِمَ ال امرءًا عمل فيما يتمنّاه الكافر إذا رأى العذاب ‪.‬‬
‫الزء الثالث‬ ‫‪242‬‬

‫وقوله تعال ‪ ﴿ :‬كَلّا ِإنّهَا َكلِ َم ٌة ُهوَ قَائِلُهَا وَمِن وَرَائِهِم بَرْ َز خٌ إِلَى َيوْ مِ‬
‫ُيْبعَثُونَ ﴾ ‪ .‬قال البغوي ‪ ﴿ :‬كَلّا ﴾ كلمة ردع وزجر ‪ ،‬أي ‪ :‬ل يرجع إليها‬
‫﴿ إِّنهَا ﴾ يعن ‪ :‬سؤاله الرجعة ‪ ﴿ ،‬كَِل َم ٌة ُهوَ قَائُِلهَا ﴾ ول ينالا ‪َ ﴿ ،‬ومِن‬
‫وَرَاِئهِم بَرْ َز خٌ ﴾ ‪ ،‬أي ‪ :‬أمامهم وبي أيديهم حاجز ﴿ إِلَى َيوْ ِم ُيبْ َعثُو نَ ﴾ ‪.‬‬
‫وقال الضحاك ‪ :‬البزخ ‪ :‬ما بي الوت إل البعث ‪.‬‬
‫خ فِي ال صّو ِر فَلَا أَن سَابَ بَيَْنهُ ْم َيوْمَِئ ٍذ وَلَا‬
‫قوله عز و جل ‪َ ﴿ :‬فإِذَا ُنفِ َ‬
‫ك هُمُ الْ ُمفْلِحُونَ (‪َ )102‬ومَنْ‬
‫ت َموَازِينُ ُه َفأُ ْولَئِ َ‬
‫يَتَسَاءلُونَ (‪ )101‬فَمَن ثَقُلَ ْ‬
‫سهُ ْم فِي جَهَنّ مَ خَالِدُو نَ (‪)103‬‬
‫سرُوا أَنفُ َ‬
‫ت َموَازِينُ هُ َفُأوْلَئِ كَ اّلذِي نَ خَ ِ‬
‫َخفّ ْ‬
‫ُنـ آيَاتِي تُتْلَى‬
‫َمـ َتك ْ‬
‫ُونـ (‪َ )104‬أل ْ‬
‫ُمـ فِيهَا كَالِح َ‬
‫ُمـ النّا ُر َوه ْ‬
‫َحـ ُوجُو َهه ُ‬
‫تَ ْلف ُ‬
‫عَلَ ْيكُ ْم َفكُنتُم بِهَا ُت َكذّبُو نَ (‪ )105‬قَالُوا َربّنَا غَلَبَ تْ َعلَيْنَا ِش ْقوَتُنَا وَكُنّ ا‬
‫َقوْما ضَالّيَ (‪َ )106‬ربّنَا َأخْ ِرجْنَا مِ ْنهَا َفإِ نْ ُع ْدنَا َفِإنّا ظَالِمُو نَ (‪ )107‬قَالَ‬
‫اخْ سَؤُوا فِيهَا َولَا ُتكَلّمُو نِ (‪ِ )108‬إنّ هُ كَا َن َفرِي ٌق مّ نْ عِبَادِي َيقُولُو نَ َربّنَا‬
‫خ ِريّا‬
‫خ ْذتُمُوهُ مْ سِ ْ‬
‫ت خَ ْيرُ الرّاحِ ِميَ (‪ )109‬فَاتّ َ‬
‫آمَنّا فَا ْغفِ ْر لَنَا وَارْحَمْنَا َوأَن َ‬
‫حكُو نَ (‪ِ )110‬إنّ ي َج َزيْتُهُ مُ الَْيوْ مَ‬
‫سوْكُ ْم ذِ ْكرِي وَكُنتُم مّ ْنهُ ْم تَضْ َ‬
‫حَتّ ى أَن َ‬
‫بِمَا صََبرُوا َأّن ُهمْ ُهمُ اْلفَاِئزُونَ (‪. ﴾ )111‬‬
‫قال ا بن م سعود ‪ :‬إذا كان يوم القيا مة ج ع ال الول ي والخر ين ‪ ،‬ث‬
‫نادى مناد ‪ :‬أل من كان له مظلمة فليجيء فليأخذ حقّه ‪ ،‬قال ‪ :‬فيفرح الرء‬
‫أن يكون له القََ على والده أو ولده أو زوجتََه ‪ ،‬وإن كان صََغيًا ‪،‬‬
‫‪243‬‬ ‫توفيق الرحن ف دروس القرآن‬

‫ِخَ فِي الصَّورِ فَلَا‬


‫ومصَداق ذلك فَ كتاب ال ‪ ،‬قال ال تعال ‪ ﴿ :‬فَِإذَا نُف َ‬
‫ب َبيَْنهُ ْم َي ْومَئِ ٍذ وَلَا َيتَسَاءلُونَ ﴾ ‪ .‬رواه ابن أب حات ‪ .‬وقال ابن عباس ‪:‬‬
‫أَنسَا َ‬
‫( إن للقيامَة أحوا ًل ومواطَن ‪ ،‬ففَي مواطَن يشت ّد عليهَم الوف فيشغلهَم‬
‫عظم المر عن التساؤل فل يتساءلون ‪ ،‬وف مواطن يفيقون إفاقة فيتساءلون )‬
‫‪.‬‬
‫وقوله تعال ‪ ﴿ :‬فَمَن َثقُلَتْ َموَازِينُهُ َفُأوَْلئِكَ هُ ُم الْ ُمفِْلحُونَ * َومَنْ َخفّتْ‬
‫سهُمْ فِي َج َهنّ مَ خَالِدُو نَ * تَ ْلفَ ُح وُجُو َههُ ُم‬
‫سرُوا أَنفُ َ‬
‫َموَازِينُ هُ َفُأوَْلئِ كَ الّذِي نَ خَ ِ‬
‫ُونَ ﴾ ‪ ،‬قال ابَن عباس يقول ‪ :‬عابسَون ‪ .‬وقال ابَن‬ ‫ُمَ فِيهَا كَاِلح َ‬ ‫النّا ُر َوه ْ‬
‫مسعود ‪ :‬أل تر إل الرأس الشيط بالنار وقد قلصت شفتاه وبدت أسنانه ؟‬
‫وقوله تعال ‪ ﴿ :‬أَلَ ْم َتكُ ْن آيَاتِي ُتتْلَى عََلْيكُ مْ َفكُنتُم بِهَا ُتكَ ّذبُو نَ * قَالُوا‬
‫َرّبنَا غََلبَ تْ عََلْينَا ِش ْق َوتُنَا وَكُنّا َقوْما ضَالّيَ * َرّبنَا أَ ْخرِ ْجنَا ِمْنهَا فَإِ نْ عُ ْدنَا فَِإنّا‬
‫ظَالِمُونََ ﴾ ‪ ،‬قال ابَن جريَج ‪ :‬بلغنَا أن أهَل النار نادوا خزنَة جهنَم ‪﴿ :‬‬
‫ف َعنّا َيوْما مّ َن اْلعَذَا بِ ﴾ ‪ ،‬فلم ييبوهم ما شاء ال ‪ ،‬فلما‬ ‫خفّ ْ‬‫ا ْدعُوا َربّكُ ْم يُ َ‬
‫ضلَالٍ ﴾ ‪،‬‬ ‫أجابو هم ب عد ح ي قالوا ‪ ﴿ :‬فَا ْدعُوا وَمَا ُدعَاء اْلكَافِرِي نَ إِلّا فِي َ‬
‫قال ‪ :‬ث نادوا ‪ ﴿ :‬يَا مَالِ كُ ِلَيقْ ضِ عََلْينَا َربّ كَ ﴾ فسكت عنهم مالك خازن‬
‫جهنم أربعي سنة ‪ ،‬ث أجابم فقال ‪ِ ﴿ :‬إّنكُم مّاكِثُونَ ﴾ ‪ ،‬ث نادى الشقياء‬
‫ت عََليْنَا ِش ْقوَتُنَا وَ ُكنّ ا َقوْما ضَالّيَ * َربّنَا أَ ْخرِجْنَا‬ ‫رب م فقالوا ‪َ ﴿ :‬ربّنَا غََلبَ ْ‬
‫ِمْنهَا فَإِ نْ عُ ْدنَا فَِإنّا ظَالِمُو نَ ﴾ ‪ ،‬فسكت عنهم مثل مقدار الدنيا ‪ ،‬ث أجابم‬
‫سؤُوا فِيهَا وَلَا ُتكَلّمُونِ ﴾ ‪.‬‬ ‫بعد ذلك تبارك وتعال ‪ ﴿ :‬اخْ َ‬
‫الزء الثالث‬ ‫‪244‬‬

‫وقوله تعال ‪ِ ﴿ :‬إنّ هُ كَا نَ َفرِي ٌق مّ ْن عِبَادِي َيقُولُو نَ َربّنَا آ َمنّ ا فَا ْغفِرْ لَنَا‬
‫سوْكُمْ ذِكْرِي‬ ‫خ ْذتُمُوهُ مْ ِسخْ ِريّا َحتّى أَن َ‬ ‫وَارْ َح ْمنَا َوأَن تَ َخيْرُ الرّاحِ ِميَ * فَاتّ َ‬
‫صبَرُوا َأنّهُ ْم هُ ُم اْلفَائِزُو نَ‬ ‫حكُو نَ * ِإنّ ي جَ َزْيُتهُ مُ اْلَيوْ َم بِمَا َ‬ ‫وَكُنتُم ّمْنهُ ْم َتضْ َ‬
‫حكُونَ * َوِإذَا‬ ‫﴾ كقوله تعال ‪ِ ﴿ :‬إنّ الّذِينَ أَجْ َرمُوا كَانُواْ مِ َن الّذِينَ آ َمنُوا َيضْ َ‬
‫مَرّوْا ِبهِ ْم َيتَغَامَزُونَ * َوإِذَا انقََلبُواْ إِلَى َأهِْلهِمُ انقََلبُواْ َف ِكهِيَ * َوإِذَا َرَأوْهُمْ قَالُوا‬
‫إِنّ هَؤُلَاء َلضَالّو نَ * وَمَا أُرْ سِلُوا عََلْيهِ مْ حَافِظِيَ * فَاْلَيوْ مَ الّذِي نَ آ َمنُواْ مِ نَ‬
‫ّبَ اْل ُكفّارُ م َا كَانُوا‬ ‫ُونَ * هَ ْل ُثو َ‬ ‫ِكَ يَنظُر َ‬ ‫ُونَ * عَلَى الْأَرَائ ِ‬ ‫حك َ‬ ‫اْل ُكفّارِ َيضْ َ‬
‫َي ْفعَلُونَ ﴾ ‪.‬‬
‫قوله عز وجل ‪ ﴿ :‬قَالَ كَ ْم لَبِثْتُ مْ فِي اْلأَرْ ضِ َع َددَ سِنِيَ (‪ )112‬قَالُوا‬
‫ل ّلوْ‬
‫لَبِثْنَا َيوْما َأوْ َبعْ ضَ َيوْ ٍم فَا سَْألْ اْلعَادّي نَ (‪ )113‬قَالَ إِن لّبِثْتُ مْ ِإلّا قَلِي ً‬
‫َأّنكُ مْ كُنتُ ْم َتعْلَمُو نَ (‪َ )114‬أفَحَ سِبُْت ْم َأنّمَا خَلَقْنَاكُ مْ َعبَثا َوَأنّكُ ْم ِإلَيْنَا لَا‬
‫حقّ لَا ِإلَ َه ِإلّا هُوَ َربّ اْل َعرْ شِ اْل َكرِيِ‬
‫ُت ْرجَعُو نَ (‪ )115‬فََتعَالَى اللّ ُه الْمَلِ كُ الْ َ‬
‫(‪. ﴾ )116‬‬
‫قال البغوي ‪ ﴿ :‬قَالَ كَ مْ َلِبثْتُ مْ فِي الْأَرْ ضِ ﴾ ‪ ،‬أي ‪ :‬ف الدن يا ‪ ،‬و ف‬
‫القبور ‪ ﴿ ،‬عَدَدَ ِسنِيَ * قَالُوا َلِبثْنَا َيوْما َأ ْو َبعْضَ َيوْمٍ ﴾ ‪ ،‬نسوا مدة لبثهم ف‬
‫الدنيا ِلعِظَ مِ ما هم بصدده من العذاب ‪ ﴿ ،‬فَا ْسأَ ْل اْلعَادّي َن ﴾ اللئكة الذين‬
‫يفظون أعمال بن آدم ويصونا عليهم ‪ ﴿ ،‬قَالَ إِن ّلِبثْتُمْ ﴾ ‪ ،‬أي ‪ :‬ما لبثتم‬
‫سْبتُمْ َأنّمَا خََل ْقنَاكُ ْم َعبَثا‬
‫ف الدن يا ﴿ إِلّا َقلِيلً ّلوْ َأّنكُ مْ كُنتُ ْم َتعْلَمُو نَ * أََفحَ ِ‬
‫‪245‬‬ ‫توفيق الرحن ف دروس القرآن‬

‫﴾ أي ‪ :‬لعبًا وباطًل ل لك مة ‪َ ﴿ ،‬وَأنّكُ مْ إَِليْنَا لَا ُترْ َجعُو نَ ﴾ ‪ ،‬ف الخرة‬


‫ب الْإِنسَانُ أَن ُيتْرَكَ سُدًى ﴾ ؟ ﴿ َفَتعَالَى‬ ‫س ُ‬
‫للجزاء ؟ كما قال تعال ‪َ ﴿ :‬أيَحْ َ‬
‫اللّ ُه الْمَلِكُ الْحَقّ ﴾ ‪ .‬قال ابن كثي ‪ :‬أي تقدّس أن يلق شيئًا عبثًا فإنه اللك‬
‫ال ّق النه عن ذلك ‪ ﴿ ،‬لَا إِلَهَ إِلّا ُهوَ رَبّ اْلعَرْشِ اْلكَ ِريِ ﴾ فذكر العرش لنه‬
‫سقف جيع الخلوقات ‪ ،‬ووصفه بأنه كري ‪ .‬أي ‪ :‬حسن النظر ب ّي الشكل‬
‫‪.‬‬
‫ع مَ َع اللّ ِه ِإلَها آ َخ َر لَا ُب ْرهَا َن لَ هُ بِ ِه َفإِنّمَا‬
‫قوله عز و جل ‪ ﴿ :‬وَمَن َيدْ ُ‬
‫حِسـَاُبهُ عِندَ َربّهِـِإنّهُـلَا ُيفْلِحُـ الْكَافِرُونَـ (‪ )117‬وَقُل رّبّ ا ْغ ِف ْر وَا ْرحَم ْـ‬
‫َوأَنتَ خَ ْي ُر الرّاحِمِيَ (‪. ﴾ )118‬‬
‫قال البغوي ‪َ ﴿ :‬ومَن يَدْعُ مَعَ اللّهِ إِلَها آ َخرَ لَا بُ ْرهَانَ لَ ُه بِهِ ﴾ ‪ ،‬أي ‪ :‬ل‬
‫حجّة له بَه ول بينَة ‪ ،‬لنَه ل حجّة فَ دعوى الشرك ‪ ﴿ ،‬فَِإنّمَا حِسََابُ ُه‬
‫ّهَ ﴾ يازيَه بعمله ‪ ،‬كمَا قال تعال ‪ ﴿ :‬ثُمّ إِنّ عََليْنَا‬ ‫﴾ جزاؤه ﴿ عِندَ َرب ِ‬
‫حِ سَاَبهُمْ ﴾ ‪ِ ﴿ ،‬إنّ هُ لَا ُيفْلِ ُح اْلكَافِرُو نَ ﴾ ل ي سعد من ج حد وكذب ‪،‬‬
‫ب ا ْغفِ ْر وَارْحَ ْم َوأَنتَ َخيْرُ الرّاحِمِيَ ﴾ ‪.‬‬
‫﴿ وَقُل رّ ّ‬

‫***‬
‫الزء الثالث‬ ‫‪246‬‬

‫الدرس الرابع والثمانون بعد الائة‬


‫[ سورة النور ]‬
‫مدنية ‪ ،‬وهي أربع وستون آية‬

‫بسم ال الرحن الرحيم‬


‫﴿ سُو َرةٌ أَنزَلْنَاهَا َو َفرَضْنَاهَا وَأَنزَلْنَا فِيهَا آيَاتٍ بَيّنَاتٍ ّلعَ ّلكُمْ َتذَ ّكرُونَ (‬
‫‪ )1‬الزّانَِيةُ وَالزّانِي فَاجْ ِلدُوا ُك ّل وَاحِ ٍد مّ ْنهُمَا مَِئ َة جَلْ َد ٍة َولَا َتأْ ُخذْكُم ِبهِمَا‬
‫شهَدْ َعذَاَبهُمَا‬
‫َرْأ َفةٌ فِي دِي نِ اللّ هِ إِن كُنتُ مْ ُت ْؤمِنُو َن بِاللّ ِه وَالَْيوْ ِم الْآ ِخرِ َولَْي ْ‬
‫ِحـ إلّا زَانَِيةً َأ ْو ُمشْرِ َك ًة وَالزّانَِي ُة لَا‬
‫ّنـ الْ ُم ْؤمِنِي َ (‪ )2‬الزّان ِي لَا يَنك ُ‬
‫طَاِئ َفةٌ م َ‬
‫شرِ ٌك َوحُرّ َم َذلِ كَ عَلَى الْ ُم ْؤمِنِيَ (‪ )3‬وَالّذِي َن َيرْمُو نَ‬
‫حهَا ِإلّا زَا نٍ أَ ْو ُم ْ‬
‫يَنكِ ُ‬
‫الْمُحْ صَنَاتِ ثُمّ لَ ْم َي ْأتُوا ِبأَ ْرَبعَ ِة ُشهَدَاء فَاجْ ِلدُوهُ مْ ثَمَانِيَ جَلْ َد ًة َولَا َتقْبَلُوا‬
‫ك هُ ُم الْفَا ِسقُونَ (‪ِ )4‬إلّا الّذِي َن تَابُوا مِن َب ْعدِ َذلِ كَ‬
‫َلهُ ْم َشهَا َدةً أَبَدا َوُأوْلَئِ َ‬
‫َوأَصْلَحُوا َفإِنّ اللّهَ َغفُورٌ ّرحِيمٌ (‪ )5‬وَالّذِينَ َي ْرمُو َن أَ ْزوَا َجهُمْ َولَمْ َيكُن ّلهُمْ‬
‫شهَا َد ُة َأحَ ِدهِ ْم أَ ْربَ ُع َشهَادَاتٍ بِاللّ ِه ِإنّهُ لَمِ َن الصّادِقِيَ (‬
‫س ُهمْ َف َ‬
‫ُش َهدَاء ِإلّا أَنفُ ُ‬
‫ت اللّ هِ عَلَيْ هِ إِن كَا نَ مِ َن الْكَاذِبِيَ وََيدْ َرأُ (‪ )7‬عَنْهَا‬
‫سةُ أَنّ َلعْنَ َ‬
‫‪ )6‬وَالْخَامِ َ‬
‫ت بِاللّهِ ِإنّ ُه لَمِ َن اْلكَا ِذبِيَ (‪ )8‬وَالْخَامِسَ َة أَنّ‬
‫شهَ َد أَ ْربَ عَ شَهَادَا ٍ‬
‫ب أَ ْن َت ْ‬
‫اْلعَذَا َ‬
‫ُمـ‬
‫ّهـ عَلَ ْيك ْ‬
‫ض ُل الل ِ‬
‫ِنـ الصـّا ِدقِيَ (‪َ )9‬وَلوْلَا فَ ْ‬
‫َانـ م َ‬
‫ّهـ َعلَيْهَا إِن ك َ‬
‫َبـ الل ِ‬
‫غَض َ‬
‫ب حَكِيمٌ (‪. ﴾ )10‬‬
‫وَ َرحْمَُت ُه وَأَ ّن ال ّلهَ َتوّا ٌ‬
‫‪247‬‬ ‫توفيق الرحن ف دروس القرآن‬

‫***‬
‫الزء الثالث‬ ‫‪248‬‬

‫قوله عز وجل ‪ ﴿ :‬سُو َر ٌة أَنزَلْنَاهَا َوفَرَضْنَاهَا َوأَنزَلْنَا فِيهَا آيَا تٍ بَيّنَا تٍ‬
‫ّلعَ ّلكُ ْم َتذَ ّكرُو نَ (‪ )1‬الزّانَِيةُ وَالزّانِي فَاجْ ِلدُوا ُك ّل وَا ِحدٍ مّ ْنهُمَا مَِئ َة جَلْ َدةٍ‬
‫َولَا َت ْأخُذْكُم ِبهِمَا َرْأ َفةٌ فِي دِي ِن اللّ ِه إِن كُنتُ ْم ُت ْؤمِنُو نَ بِاللّ ِه وَالَْيوْ ِم الْآ ِخرِ‬
‫ِحـ إلّا زَانَِيةً َأوْ‬
‫ّنـ الْمُ ْؤمِنِي َ (‪ )2‬الزّان ِي لَا يَنك ُ‬
‫شهَدْ َعذَابَهُم َا طَائِ َف ٌة م َ‬
‫َولَْي ْ‬
‫شرِ ٌك وَ ُحرّ َم َذلِ كَ عَلَى الْ ُم ْؤمِنِيَ (‬
‫حهَا ِإلّا زَا ٍن َأوْ ُم ْ‬
‫شرِ َكةً وَالزّانَِيةُ لَا يَنكِ ُ‬
‫ُم ْ‬
‫‪. ﴾ )3‬‬
‫قال ابن كثي ‪ :‬يقول تعال ‪ :‬هذه ﴿ سُو َرةٌ أَنزَْلنَاهَا ﴾ ‪ ،‬وفيه تنبيه على‬
‫ضنَاهَا ﴾ ‪ ،‬يقول ‪ :‬بّينّا ها ‪.‬‬ ‫العتناء ب ا ‪ .‬و عن ا بن عباس ف قوله ‪ ﴿ :‬وَفَ َر ْ‬
‫ت َبيّنَا تٍ ﴾ ‪ ،‬قال ‪ :‬اللل ‪ ،‬والرام ‪،‬‬ ‫وعن ابن جريج ‪َ ﴿ :‬وأَنزَْلنَا فِيهَا آيَا ٍ‬
‫والدود ‪ّ ﴿ ،‬لعَّلكُ ْم تَذَكّرُو نَ * الزّاِنَي ُة وَالزّانِي فَا ْجلِدُوا كُ ّل وَاحِ ٍد ّمْنهُمَا ِمَئةَ‬
‫جَلْ َد ٍة وَلَا َتأْخُذْكُم ِبهِمَا َرأَْفةٌ فِي دِي نِ اللّ هِ ﴾ ‪ ،‬قال عطاء ‪ :‬يقام حدًا ل ول‬
‫يعطّل ‪ ،‬وليَس بالقتَل ‪ .‬وقال عمران ‪ :‬قلت لبَ ملز ‪ ﴿ :‬الزّانَِي ُة وَالزّانِي‬
‫ْمَ الْآخِرِ ﴾ إنَا لنرحهَم أن يلد‬ ‫فَاجْلِدُوا كُ ّل وَاحِ ٍد ّمْنهُمَا ﴾ إل ‪ ﴿ :‬وَاْليَو ِ‬
‫الرجل حدّا أو تقطع يده ‪ ،‬قال ‪ :‬إنا ذاك أنه ليس للسلطان إذا رفعوا إليه أن‬
‫يدعهم رحة لم حت يقيم الدّ ‪.‬‬
‫وقوله تعال ‪ ﴿ :‬وَْليَ ْ‬
‫شهَ ْد عَذَاَبهُمَا طَاِئ َفةٌ مّ َن الْ ُم ْؤ ِمنِيَ ﴾ ‪ ،‬قال الزهري ‪:‬‬
‫الطائفة الثلثة فصاعدًا ‪ .‬وعن ابن عباس ‪ :‬أن عمر قام فحمد ال وأثن عليه‬
‫ث قال ‪ ( :‬أما بعد أيها الناس ‪ ،‬فإن ال تعال بعث ممدًا بالق وأنزل عليه‬
‫‪249‬‬ ‫توفيق الرحن ف دروس القرآن‬

‫الكتاب ‪ ،‬فكان فيمَا أنزل عليَه آيَة الرجَم ‪ ،‬فقرأناهَا ووعيناهَا ‪ ،‬ورجَم‬
‫رسَول ال ورجنَا بعده فأخشَى إن طال بالناس زمان أن يقول قائل ‪ :‬ل‬
‫ن د الر جم ف كتاب ال ‪ ،‬فيضلّوا بترك فري ضة قد أنزل ا ال ‪ ،‬فالر جم ف‬
‫كتاب ال ح قّ على من زن إذا أُحْ صِنَ من الرجال والنساء إذا قامت البيّنة ‪،‬‬
‫لبَلُ أو العتراف ) ‪ .‬متفق عليه ‪ .‬وف الصحيحي أيضًا ف حديث‬ ‫أو كان ا َ‬
‫العسيفي ‪ ،‬فقال رسول ال ‪ « :‬والذي نفسي بيده لقضيّ بينكما بكتاب‬
‫ال ‪ :‬الوليدة والغ نم رَدّ عل يك ‪ ،‬وعلى اب نك مائة جلدة وتغر يب عام ‪ ،‬وا غد‬
‫يَا أنيَس إل امرأة هذا ‪ ،‬فإن اعترفَت فارجهَا » ‪ ،‬فغدا عليهمَا فاعترفَت‬
‫َ ‪ .‬وعَن زيَد بَن ثابَت رضَي ال عنَه قال ‪ :‬كنَا نقرأ ‪ ( :‬والشيَخ‬ ‫فرجه ا‬
‫والشي خة إذا زن يا فارجوه ا الب تة ) ‪ .‬رواه الن سائي وغيه ‪ .‬قال ا بن كث ي ‪:‬‬
‫آ ية الر جم كا نت مكتو بة ‪ ،‬فن سخ تلوت ا وب قي حكم ها معمولً به ‪ .‬وال‬
‫أعلم ‪.‬‬
‫وقوله تعال ‪ ﴿ :‬الزّانِي لَا يَنكِ حُ إلّا زَاِنَيةً َأ ْو مُشْرِ َك ًة وَالزّانَِيةُ لَا يَنكِ ُ‬
‫حهَا إِلّا‬
‫ك عَلَى الْ ُم ْؤمِنِيَ ﴾ ‪ ،‬قال عبد ال بن عمرو كانت‬ ‫شرِ كٌ وَ ُحرّ مَ ذَلِ َ‬ ‫زَا نٍ َأوْ مُ ْ‬
‫امرأة يقال لا ‪ :‬أم مهزول وكانت تسافح ‪ ،‬فأراد رجل من أصحاب رسول‬
‫ِحَ إلّا زَاِنَيةً َأوْ‬
‫ال أن يتزوّجهَا ‪ ،‬فأنزل ال عَز وجَل ‪ ﴿ :‬الزّان ِي لَا يَنك ُ‬
‫ك عَلَى الْ ُم ْؤ ِمنِيَ ﴾ ‪.‬‬ ‫شرِ كٌ َوحُرّ مَ ذَلِ َ‬ ‫حهَا إِلّا زَا نٍ َأوْ مُ ْ‬ ‫مُشْرِ َك ًة وَالزّاِنيَةُ لَا يَنكِ ُ‬
‫رواه النسَائي ‪ .‬وفَ روايَة الِمام أحدَ ‪ :‬فاسَتأذن رسَول ال فقرأ ‪﴿ :‬‬
‫شرِكٌ َوحُرّمَ‬ ‫حهَا إِلّا زَانٍ َأوْ مُ ْ‬
‫الزّانِي لَا يَنكِحُ إلّا زَاِنَيةً َأوْ مُشْرِ َك ًة وَالزّاِنيَةُ لَا يَنكِ ُ‬
‫الزء الثالث‬ ‫‪250‬‬

‫ك عَلَى الْ ُم ْؤ ِمنِيَ ﴾ ‪ .‬وعن ابن عمر أن رسول ال قال ‪ « :‬ثلثة حرّم‬
‫ذَلِ َ‬
‫ال عليهَم الن ّة ‪ :‬مدمَن المَر ‪ ،‬والعاق لوالديَه ‪ ،‬والذي يقرّ فَ أهله‬
‫البث » ‪ .‬رواه أحد ‪ .‬وف رواية ‪ « :‬والديّوث » ‪.‬‬
‫َمـ يَ ْأتُوا ِبأَ ْربَ َعةِ‬
‫ت ثُمّ ل ْ‬
‫ْصـنَا ِ‬
‫ُونـ الْمُح َ‬
‫ِينـ َي ْرم َ‬
‫قوله عـز وجـل ‪ ﴿ :‬وَالّذ َ‬
‫ُمـ‬
‫ِكـ ه ُ‬
‫ُمـ شَهَا َدةً َأبَدا َوأُ ْولَئ َ‬
‫ُمـ ثَمَانِيَ جَ ْلدَ ًة َولَا َتقْبَلُوا َله ْ‬
‫ُش َهدَاء فَاجْلِدُوه ْ‬
‫اْلفَا ِسقُونَ (‪ِ )4‬إلّا اّلذِينَ تَابُوا مِن بَ ْع ِد َذلِكَ َوأَ صْ َلحُوا َفإِنّ اللّ هَ َغفُورٌ ّرحِي مٌ‬
‫(‪. ﴾ )5‬‬
‫قال ا بن كث ي ‪ :‬الح صنة هي ‪ :‬الرة البال غة العفي فة ‪ .‬وقال الش عب ف‬
‫القاذف إذا تاب وعلم منه خي ‪ :‬أن شهادته جائزة ‪ ،‬وإن ل يتب فهو خليع‬
‫ل توز شهادتَه ‪ ،‬وتوبتُه إكذابُه نفسََه ‪ .‬وقال الضحاك ‪ :‬إذا تاب وأصَلح‬
‫قبلت شهادته ‪.‬‬
‫قوله عز و جل ‪ ﴿ :‬وَاّلذِي نَ َي ْرمُو َن أَ ْزوَا َجهُ مْ َولَ ْم يَكُن ّلهُ ْم ُشهَدَاء ِإلّا‬
‫ِنـ الصـّا ِدقِيَ ( ‪)6‬‬
‫ّهـ لَم َ‬
‫ّهـ ِإن ُ‬
‫َاتـ بِالل ِ‬
‫َعـ َشهَاد ٍ‬
‫ِمـ أَ ْرب ُ‬
‫شهَا َد ُة أَ َح ِده ْ‬
‫ُسـهُ ْم َف َ‬
‫أَنف ُ‬
‫ِنـ اْلكَا ِذبِيَ وََيدْ َرأُ (‪ )7‬عَنْهَا‬
‫َانـ م َ‬
‫ْهـ إِن ك َ‬
‫ّهـ عَلَي ِ‬
‫َتـ الل ِ‬
‫ِسـُة أَنّ َلعْن َ‬
‫وَالْخَام َ‬
‫ت بِاللّهِ ِإنّ ُه لَمِ َن اْلكَا ِذبِيَ (‪ )8‬وَالْخَامِسَ َة أَنّ‬
‫شهَ َد أَ ْربَ عَ شَهَادَا ٍ‬
‫ب أَ ْن َت ْ‬
‫اْلعَذَا َ‬
‫ُمـ‬
‫ّهـ عَلَ ْيك ْ‬
‫ض ُل الل ِ‬
‫ِنـ الصـّا ِدقِيَ (‪َ )9‬وَلوْلَا فَ ْ‬
‫َانـ م َ‬
‫ّهـ َعلَيْهَا إِن ك َ‬
‫َبـ الل ِ‬
‫غَض َ‬
‫ب حَكِيمٌ (‪. ﴾ )10‬‬
‫وَ َرحْمَُت ُه وَأَ ّن ال ّلهَ َتوّا ٌ‬
‫‪251‬‬ ‫توفيق الرحن ف دروس القرآن‬

‫شهَدَ ﴾ ‪ ،‬أي ‪ :‬يدفَع عنهَا الدّ‬


‫َنَ تَ ْ‬ ‫قوله ‪َ ﴿ :‬ويَدْ َرأُ عَنْه َا اْلعَذ َ‬
‫َابَ أ ْ‬
‫صنَاتِ ثُمّ‬ ‫شهادتا ‪ .‬وعن ابن عباس قال ‪ :‬لا نزلت ‪ ﴿ :‬وَالّذِي َن يَ ْرمُو نَ الْ ُمحْ َ‬
‫ُمَ َشهَا َدةً َأبَدا‬
‫ُمَ ثَمَانِي َ جَلْ َد ًة وَلَا َتقْبَلُوا َله ْ‬
‫َمَ َيأْتُوا ِبأَ ْرَب َعةِ ُشهَدَاء فَا ْجلِدُوه ْ‬
‫ل ْ‬
‫﴾ ‪ ،‬قال سعد بن عبادة وهو سيّد النصار رضي ال عنه ‪ :‬أهكذا أنزلت يا‬
‫رسول ال ؟ فقال رسول ال ‪ « :‬يا معشر النصار أل تسمعون ما يقول‬
‫سيّدكم » ؟ فقالوا ‪ :‬يا ر سول ال ل تل مه فإ نه ر جل غيور ‪ ،‬وال ما تزوج‬
‫امرأة قطّ إل بكرًا ‪ ،‬وما طلّق امرأة قطّ فاجترأ رجل منا أن يتزوّجها من شدة‬
‫غي ته ‪ ،‬فقال سعد ‪ :‬وال يا ر سول ال إ ن لعلم أن ا ل ق وأن ا من ال ‪،‬‬
‫ولك ن قد تعجّ بت ‪ ،‬إ ن لوجدت لكاعًا قد تفخّذ ها ر جل ل ي كن ل أن‬
‫أهيّجه ول أحرّكه حت آت بأربعة شهداء ‪ ،‬فوال إن ل آت بم حت يقضي‬
‫حاجته !‬
‫قال ‪ :‬ف ما لبثوا إلّ ي سيًا ح ت جاء هلل بن أم ية ‪ ،‬و هو أ حد الثل ثة الذ ين‬
‫تيب عليهم ‪ ،‬فجاء من أرضه عشاء فوجد عند أهله رجلً ‪ ،‬فرأى بعينه وسع‬
‫بأذنيه فلم يهيّ جه حت أصبح ‪ ،‬فغدا على رسول ال فقال ‪ :‬يا ر سول ال‬
‫إ ن جئت أهلي عشاء فوجدت عند ها رجلً فرأيَت بعي ن و سعت بأذ ن ‪،‬‬
‫فكره ر سول ال ما جاء به واشتدّ عل يه واجتم عت الن صار وقالوا ‪ :‬قد‬
‫ابتُلينَا باَ قال سَعد بَن عبادة ‪ ،‬الن يضرب رسَول ال هلل بَن أميَة‬
‫ويبطل شهادته ف الناس ‪ ،‬فقال هلل ‪ :‬وال إن لرجو أن يعل ال ل منها‬
‫مرجًا ‪ ،‬وقال هلل ‪ :‬يا ر سول ال فإ ن قد أرى ما اشتدّ عل يك م ا جئت‬
‫الزء الثالث‬ ‫‪252‬‬

‫به ‪ ،‬وال يعلم إ ن ل صادق ‪ ،‬فوال إن ر سول ال ير يد أن يأ مر بضر به إذ‬


‫أنزل ال على ر سوله الو حي ‪ ،‬وكان إذا أنزل عل يه الو حي عرفوا ذلك ف‬
‫تربّد وجهه ‪ .‬يعن ‪ :‬فأمسكوا عنه حت فرغ من الوحي فنلت ‪ ﴿ :‬وَالّذِي نَ‬
‫ِمَأَ ْربَعَُ‬
‫شهَا َدةُ أَ َح ِده ْ‬
‫َمَيَكُن ّلهُم َْ ُشهَدَاء إِلّا أَنفُسَُهُمْ فَ َ‬
‫ُمَ وَل ْ‬
‫ُونَأَ ْزوَا َجه ْ‬
‫يَ ْرم َ‬
‫ت بِاللّ هِ ﴾ الية ‪ ،‬فَ سُرّيَ عن رسول ال فقال ‪ « :‬أبشر يا هلل ‪،‬‬ ‫َشهَادَا ٍ‬
‫فقد جعل ال لك فرجًا ومرجًا » ‪ .‬فقال هلل ‪ :‬قد كنت أرجو ذلك من‬
‫ربَ عَز وجَل ‪ ،‬فقال رسَول ال ‪ « :‬أرسَلوا إليهَا » ‪ .‬فأرسَلوا إليهَا‬
‫فجاءت فتل ها ر سول ال عليه ما ‪ ،‬فذكّره ا وأخبه ا أن عذاب الخرة‬
‫أشدّ من عذاب الدنيا ‪ ،‬فقال هلل ‪ :‬وال يا رسول ال لقد صدقت عليهما‬
‫فقالت ‪ :‬كذب ‪ ،‬فقال رسول ال ‪ « :‬ل ِعنُوا بينهما » فقيل للل ‪ :‬اشهد‬
‫‪ ،‬فشهد أربع شهادات بال إنه لن الصادقي ‪ ،‬فلما كان الامسة قيل له ‪« :‬‬
‫يَا هلل اتَّق ال ‪ ،‬فإن عذاب الدنيَا أهون مَن عذاب الخرة ‪ ،‬وإن هذه‬
‫الوجِبة الت توجب عليك العذاب » ‪ .‬فقال ‪ :‬وال ل يعذّبن ال عليها كما‬
‫ل يلدن عليها ‪ ،‬فشهد ف الامسة أ نّ لعنة ال عليه إن كان من الكاذبي ؛‬
‫ث قيل للمرأة ‪ « :‬اشهدي » ‪ .‬فشهدت أربع شهادات بال إنه لن الكاذبي ‪،‬‬
‫وقيل لا عند الامسة ‪ « :‬اتّق ال فإن عذاب الدنيا أهون من عذاب الخرة ‪،‬‬
‫وإن هذه الوجِبَة التَ توجَب عليَك العذاب » ‪ .‬فتلكّأت سَاعة وه ّت‬
‫بالعتراف ث قالت ‪ :‬وال ل أفضح قومي ‪ ،‬فشهدت ف الامسة أن غضب‬
‫ال عليها إن كان من الصادقي ‪ ،‬ففرّق رسول ال بينهما ‪ ،‬وقضى أنه ل‬
‫‪253‬‬ ‫توفيق الرحن ف دروس القرآن‬

‫يُ ْدعَى ولدها لب ول يُ ْرمَى ولدها ‪ ،‬ومن رماها أو رمى ولدها فعليه الدّ ‪،‬‬
‫وقضى أن ل بيت عليه ول قوت لا من أجل أنما يتفرقان من غي طلق ول‬
‫متوفّى عنها ‪ ،‬وقال ‪ :‬إن جاءت به أصيهب أو حش الساقي فهو ‪ :‬للل ‪،‬‬
‫وإن جاءت به أورق جعدًا جاليًا خدل الساقي سابغ الليتي ‪ ،‬فهو ‪ :‬للذي‬
‫رم يت به ‪ ،‬فجاءت به أورق جعدًا ‪ ،‬خدل ال ساقي ‪ ،‬سابغ الليت ي ‪ .‬فقال‬
‫رسول ال ‪ « :‬لول اليان لكان ل ولا شأن » ‪ .‬قال عكرمة ‪ :‬فكان بعد‬
‫ذلك أميًا على مصر ‪ ،‬وكان يدعى لمّه ول يدعى لب ‪ .‬رواه أحد وغيه‬
‫‪.‬‬
‫وف الصحيحي من حديث ابن عمر قال ‪ :‬يا رسول ال مال ؟ قال ‪« :‬‬
‫ل مال لك إن ك نت صدقت علي ها ‪ ،‬ف هو ب ا ا ستحللت من فرج ها ‪ ،‬وإن‬
‫كنت كذبت عليها فهو أبعد لك منها » ‪.‬‬
‫وقوله تعال ‪ ﴿ :‬وََلوْلَا َفضْلُ اللّ ِه عََلْيكُمْ َورَحْ َمتُ ُه َوَأنّ اللّ َه َتوّابٌ َحكِيمٌ ﴾‬
‫قال البغوي ‪ :‬جواب ( لول ) مذوف ‪ .‬يعنَ ‪ :‬لعاجلكَم بالعقوبَة ‪ ،‬ولكنَه‬
‫ستر علي كم ور فع عن كم الدّ باللعان ﴿ َوأَنّ اللّ َه َتوّا بٌ ﴾ يعود على من‬
‫يرجع عن العاصي بالرحة ‪َ ﴿ ،‬حكِيمٌ ﴾ فيما فرض من الدود ‪.‬‬
‫وقال ابن كثي ‪ :‬ث ذكر تعال رأفته بلقه ولطفه بم فيما شرع لم من‬
‫الفرج والخرج مَن شدة مَا يكون بمَ مَن الضيَق ‪ ،‬فقال تعال ‪ ﴿ :‬وََلوْلَا‬
‫َفضْلُ اللّ ِه عََليْكُ ْم وَرَ ْح َمتُهُ ﴾ أي ‪ :‬لرجتم ولشق عليكم كثي من أموركم ‪،‬‬
‫الزء الثالث‬ ‫‪254‬‬

‫﴿ َوأَنّ اللّ َه َتوّا بٌ ﴾ ‪ ،‬أي ‪ :‬على عبادة ‪ ،‬وإن كان ذلك بعد اللف واليان‬
‫الغلّظة ‪َ ﴿ ،‬حكِيمٌ ﴾ فيما يشرعه ويأمر به ‪ ،‬وفيما ينهى عنه ‪.‬‬
‫***‬
‫‪255‬‬ ‫توفيق الرحن ف دروس القرآن‬

‫الدرس الامس والثمانون بعد الائة‬

‫﴿ إِنّ اّلذِي نَ جَاؤُوا بِالِْإفْ كِ عُ صَْبةٌ مّنكُ ْم لَا َتحْ سَبُوهُ شَرّا لّكُم َبلْ ُهوَ‬
‫ب مِنَ اْلِإثْمِ وَالّذِي َتوَلّى كِ ْبرَهُ مِ ْنهُمْ لَهُ‬
‫خَ ْي ٌر لّكُ ْم ِلكُ ّل ا ْمرِئٍ مّ ْنهُم مّا اكْتَسَ َ‬
‫س ِهمْ‬
‫ت ِبأَنفُ ِ‬
‫َعذَا بٌ عَظِي مٌ (‪َ )11‬ل ْولَا ِإذْ سَ ِمعْتُمُوهُ َظنّ الْ ُم ْؤمِنُو نَ وَالْ ُمؤْمِنَا ُ‬
‫َمـ‬
‫ْهـ ِبأَرَْب َعةِ ُش َهدَاء َفِإ ْذ ل ْ‬
‫ْكـ مّبِيٌ (‪ )12‬لَ ْولَا جَاؤُوا عَلَي ِ‬
‫خَيْرا َوقَالُوا َهذَا ِإف ٌ‬
‫ّهـ‬
‫ضلُ الل ِ‬
‫ُونـ (‪ )13‬وََل ْولَا فَ ْ‬
‫ُمـ اْلكَا ِذب َ‬
‫ّهـ ه ُ‬
‫ِكـ عِن َد الل ِ‬
‫شهَدَاء َفأُ ْولَئ َ‬
‫َي ْأتُوا بِال ّ‬
‫س ُكمْ فِي مَا َأفَضْتُ مْ فِي هِ َعذَا بٌ َعظِي مٌ‬
‫عَلَ ْيكُ ْم وَ َرحْمَتُ هُ فِي ال ّدنْيَا وَالْآ ِخرَ ِة لَمَ ّ‬
‫ْمـ‬
‫ِهـ عِل ٌ‬
‫ْسـ لَكُم ب ِ‬
‫ُونـ ِبَأ ْفوَاهِكُم مّاـ لَي َ‬
‫ْسـنَِت ُكمْ َوَتقُول َ‬
‫َهـ ِبَأل ِ‬
‫(‪ِ )14‬إ ْذ تَ َلقّ ْون ُ‬
‫سـِمعْتُمُوهُ قُلْتُم مّاـ‬
‫ِيمـ (‪ )15‬وََل ْولَا ِإذْ َ‬
‫ّهـ عَظ ٌ‬
‫ْسـبُوَنهُ هَيّنا وَ ُهوَ عِن َد الل ِ‬
‫َوتَح َ‬
‫َيكُو ُن لَنَا أَن نّتَكَلّ َم ِبهَذَا سُبْحَاَنكَ َهذَا ُبهْتَا نٌ عَظِي مٌ (‪َ )16‬يعِ ُظكُ ُم اللّ هُ أَن‬
‫َتعُودُوا لِمِثْلِ ِه أَبَدا إِن كُنتُم ّمؤْمِنِيَ (‪َ )17‬ويُبَيّ ُن اللّ ُه لَكُ ُم الْآيَا تِ وَاللّ هُ‬
‫عَلِيمٌ َحكِيمٌ (‪ )18‬إِنّ اّلذِينَ يُحِبّو َن أَن َتشِي َع اْلفَا ِحشَ ُة فِي اّلذِينَ آمَنُوا َلهُمْ‬
‫ب َألِي ٌم فِي ال ّدنْيَا وَالْآ ِخ َرةِ وَاللّ هُ يَعْلَ مُ َوأَنتُ مْ لَا َتعْلَمُو نَ (‪ )19‬وََل ْولَا‬
‫َعذَا ٌ‬
‫ض ُل اللّهِ عَ َل ْيكُ ْم وَ َرحْمَتُهُ َوأَنّ اللّه َرؤُوفٌ َرحِيمٌ (‪ )20‬يَا َأّيهَا الّذِينَ آمَنُوا‬
‫فَ ْ‬
‫حشَاء‬
‫ت الشّيْطَانِ فَِإنّ ُه َيأْ ُم ُر بِاْلفَ ْ‬
‫لَا تَتِّبعُوا خُ ُطوَاتِ الشّيْطَانِ َومَن يَتّبِ ْع خُطُوَا ِ‬
‫ض ُل اللّهِ عَلَ ْيكُ ْم وَرَحْمَتُ ُه مَا زَكَا مِنكُم مّنْ َأحَ ٍد َأبَدا َولَ ِكنّ‬
‫وَالْمُنكَ ِر َولَ ْولَا فَ ْ‬
‫ضلِ مِنكُ مْ‬
‫اللّ هَ ُيزَكّي مَن َيشَا ُء وَاللّ هُ سَمِيعٌ عَلِي مٌ (‪َ )21‬ولَا َي ْأتَ ِل ُأوْلُوا اْلفَ ْ‬
‫ّهـ‬
‫سـبِيلِ الل ِ‬
‫ِينـ فِي َ‬
‫َالسـَعةِ أَن ُي ْؤتُوا أُ ْولِي اْلقُرْبَى وَالْمَسـَاكِيَ وَالْ ُمهَا ِجر َ‬
‫و ّ‬
‫الزء الثالث‬ ‫‪256‬‬

‫صفَحُوا أَلَا تُحِبّو َن أَن َي ْغفِ َر اللّ هُ لَكُ ْم وَاللّ هُ َغفُورٌ ّرحِي مٌ (‪)22‬‬
‫َولَْيعْفُوا َولْيَ ْ‬
‫ت ُلعِنُوا فِي الدّنْيَا وَالْآ ِخ َرةِ‬
‫ت اْلغَافِلَا تِ الْمُ ْؤمِنَا ِ‬
‫إِنّ اّلذِي َن َيرْمُو نَ الْ ُمحْ صَنَا ِ‬
‫ش َهدُ عَلَ ْيهِ ْم َألْسِنَُت ُهمْ َوَأيْدِيهِمْ وَأَ ْرجُ ُلهُم بِمَا‬
‫َوَلهُمْ َعذَابٌ عَظِيمٌ (‪َ )23‬يوْ َم َت ْ‬
‫حقّ َوَيعْلَمُو َن أَنّ اللّ َه ُهوَ‬
‫كَانُوا َيعْمَلُو نَ (‪َ )24‬ي ْومَئِ ٍذ ُيوَفّيهِ ُم اللّ ُه دِينَهُ مُ الْ َ‬
‫ت وَالطّيّبَا تُ‬
‫ت لِلْخَبِيثِيَ وَالْخَبِيثُو نَ لِ ْلخَبِيثَا ِ‬
‫الْحَقّ الْمُبِيُ (‪ )25‬الْخَبِيثَا ُ‬
‫ك مَُبرّؤُو نَ مِمّا يَقُولُو نَ َلهُم ّم ْغفِ َر ٌة وَرِزْ قٌ‬
‫ت ُأوْلَئِ َ‬
‫لِلطّيِّبيَ وَالطّيّبُو َن لِلطّيّبَا ِ‬
‫َكرِيٌ (‪. ﴾ )26‬‬

‫***‬
‫‪257‬‬ ‫توفيق الرحن ف دروس القرآن‬

‫قوله عز و جل ‪ ﴿ :‬إِنّ الّذِي نَ جَاؤُوا بِالِْإفْ كِ عُ صَْبةٌ مّنكُ مْ لَا تَحْ سَبُوهُ‬
‫ب مِ نَ اْلِإثْ ِم وَاّلذِي‬
‫َشرّا لّكُم َب ْل هُ َو خَ ْيرٌ ّلكُ مْ ِل ُكلّ ا ْمرِئٍ مّنْهُم مّ ا اكْتَ سَ َ‬
‫َت َولّى كِ ْبرَ ُه مِ ْنهُ ْم لَ هُ َعذَا بٌ عَظِي مٌ (‪ )11‬لَ ْولَا ِإذْ سَ ِمعْتُمُوهُ ظَنّ الْ ُم ْؤمِنُو نَ‬
‫وَالْ ُمؤْمِنَاتُـبِأَنفُسِـهِ ْم خَيْرا َوقَالُوا َهذَا ِإفْكٌـ مّبِيٌ (‪َ )12‬ل ْولَا جَاؤُوا عَلَيْهِـ‬
‫ُونـ (‬
‫ُمـ اْلكَا ِذب َ‬
‫ّهـ ه ُ‬
‫ِكـ عِن َد الل ِ‬
‫ش َهدَاء َفُأوْلَئ َ‬
‫َمـ يَ ْأتُوا بِال ّ‬
‫ِبأَ ْرَبعَ ِة ُشهَدَاء َفِإذْ ل ْ‬
‫‪. ﴾ )13‬‬
‫قال الزهري ‪ :‬أخبن سعيد بن السيب ‪ ،‬وعروة بن الزبي ‪ ،‬وعلقمة بن‬
‫أ ب وقاص ‪ ،‬وع بد ال بن ع بد ال بن عت بة بن م سعود عن حد يث عائ شة‬
‫زوج ال نب ح ي قال ل ا أ هل الِ فك ما قالوا فبّأ ها ال تعال وكل هم قد‬
‫حدّثن بطائفة من حديثها ‪ ،‬وبعضهم كان أوعى لديثها من بعض وأثبت له‬
‫اقتصاصًا ‪ ،‬وقد وعيت عن كل رجل منهم الديث الذي حدّثن عن عائشة‬
‫وبعض حديثهم ي صدّق بعضًا ؛ ذكروا أن عائ شة ر ضي ال عن ها زوج ال نب‬
‫قالت ‪ :‬كان ر سول ال إذا أراد أن يرج ل سفر أقرع ب ي ن سائه فأيه نّ‬
‫خرج سهمها خرج ب ا ر سول ال م عه ‪ .‬قالت عائ شة ر ضي ال عن ها ‪:‬‬
‫فأقرع بيننا ف غزوة غزا ها ‪ ،‬فخرج في ها سهمي ‪ ،‬وخر جت مع ر سول ال‬
‫وذلك بعد ما أنزل الجاب ‪ ،‬فأنا أُ ْحمَلُ ف هودجي ‪ ،‬وأنزل فيه ‪ ،‬فسرنا‬
‫حت إذا فرغ رسول ال من غزوته تلك وقفل ودنونا من الدينة ‪ ،‬آذن ليلة‬
‫بالرح يل ‪ ،‬فق مت ح ي آذن بالرح يل فمش يت ح ت جاوزت ال يش ‪ ،‬فل ما‬
‫الزء الثالث‬ ‫‪258‬‬

‫قضيَت شأنَ أقبلت إل رحلي فلمسَت صَدري ‪ ،‬فإذا عق ٌد باَ مَن جزع‬
‫ظفار قد انقطع ‪ ،‬فرجعت فالتمست عقدي فحبسن ابتغاؤه ‪ ،‬وأقبل الرهط‬
‫الذيَن يرحّلوننَ فاحتملوا هودجَي فرحّلوه على بعيي الذي كنَت أركَب‬
‫وهَم يسَبون أنَ فيَه ‪ .‬قالت ‪ :‬وكان النسَاء إذ ذاك خفاف ًا ل يثقلن ول‬
‫يغشه ّن الل حم إن ا يأكلن العل قة من الطعام ‪ .‬فلم ي ستنكر القوم خفّة الودج‬
‫حيَ رفعوه وحلوه ‪ ،‬وكنَت جاريَة حديثَة السَ ّن فبعثوا المَل وسَاروا ‪،‬‬
‫ووجدت عقدي ب عد ما ا ستمر ال يش ‪ ،‬فجئت منازل م ول يس ب ا داع ول‬
‫ميَب ‪ ،‬فتيمّمَت منل الذي كنَت فيَه ‪ ،‬وظننَت أن القوم سَيفقدونن‬
‫ل فبينا أنا جالسة ف منل غلبتن عيناي فنمت ‪ ،‬وكان صفوان بن‬ ‫فيجعون إ ّ‬
‫العطّل ال سلمّي ث الذكوانّ قد عرس من وراء ال يش ‪ ،‬فأدل فأ صبح ع ند‬
‫منل ‪ ،‬فرأى سواد إنسان نائم ‪ ،‬فأتان فعرفن حي رآن ‪ ،‬وقد كان قد رآن‬
‫قبَل الجاب ‪ ،‬فاسَتيقظت باسَترجاعه حيَ عرفنَ ‪ ،‬فخمرت وجهَي‬
‫بلباب ‪ ،‬وال ما كلّمن كلمة ول سعت منه كلمة غي استرجاعه حي أناخ‬
‫راحلته فوطئ على يديها فركبتها ‪ ،‬فانطلق يقود ب الراحلة حت أتينا اليش‬
‫بعدما نزلوا موغرين ف نر الظهية ‪ ،‬فهلك من هلك ف شأن ‪ ،‬وكان الذي‬
‫تولّى كبه عبد ال بن أبّ ابن سلول ‪ ،‬فقدمنا الدينة فاشتكيت حي قدمناها‬
‫شهرًا والناس يفيضون ف قول أهل الِفك ول أشعر بشيء من ذلك ‪ ،‬ويريبن‬
‫ف وجعي أن ل أرى من رسول ال اللطف الذي أرى منه حي أشتكي‬
‫إن ا يد خل ر سول ال في سلّم ث يقول ‪ « :‬ك يف تي كم » ؟ فذاك الذي‬
‫‪259‬‬ ‫توفيق الرحن ف دروس القرآن‬

‫يريبن ول أشعر بالشر حت خرجت بعد ما نقهت ‪ ،‬وخرجت مع أم مسطح‬


‫ِقبَ َل الناصَع وهَو متبّزنَا ‪ ،‬ول نرج إل ليلً إل ليَل وذلك قبَل أن نتخَذ‬
‫الك نف قريبًا من بيوت نا وأمر نا أ مر العرب ا ُلوَل ف التنّه ف البّ ية ‪ ،‬وك نا‬
‫نتأذى بالكنف أن نتّخذها ف بيوتنا ‪ ،‬وانطلقت أنا وأم مسطح وهي بنت أب‬
‫ر هم بن الطلب بن عبد مناف ‪ ،‬وأمها ب نت صخر بن عا مر خالة أ ب ب كر‬
‫الصديق ‪ ،‬وابنها مسطح بن أثاثة بن عباد بن الطلب ‪ ،‬فأقبلت أنا وابنة أب‬
‫رهم أم مسطح ِقبَ َل بيت حي فرغنا من شأننا ‪ ،‬فعثرت أم مسطح ف مرطها‬
‫ل شهد بدرًا ؟‬ ‫فقالت ‪ :‬تعس مسطح ‪ ،‬فقلت لا ‪ :‬بئس ما قلت ‪ ،‬تسبّي رج ً‬
‫! فقالت ‪ :‬أي هنتاه أل تسَمعي مَا قال ؟ قلت ‪ :‬ماذا ؟ قالت ‪ :‬فأخَبتن‬
‫بقول أهل الِ فك ‪ ،‬فازددت مرضًا إل مرضي ‪ ،‬فل ما رجعت إل بيت دخل‬
‫عل يّ رسول ال فسلّم ث قال ‪ « :‬كيف تيكم » ؟ فقلت له ‪ :‬أتأذن ل أن‬
‫آ ت أبو يّ ؟ قالت ‪ :‬وأ نا حينئذٍ أر يد أن أتيقّن ال ب من ِقبَِلهِ ما ‪ ،‬فأذن ل‬
‫أبويَ فقلت لمَي ‪ :‬يَا أمّتاه ماذا يتحدّث الناس بَه ؟‬
‫ّ‬ ‫رسَول ال فجئت‬
‫فقالت ‪ :‬أي بنيّة هوّن عليك فوال لقلّما كانت امرأة ق طّ وضيئة عند رجل‬
‫يبّها ولا ضرائر إل أكثرن عليها‪ ،‬قالت ‪ :‬فقلت ‪ :‬سبحان ال ‪ ،‬وقد تدّث‬
‫الناس ب ا ؟ فبك يت تلك الليلة ح ت أ صبحت ل ير قأ ل د مع ‪ ،‬ول أكت حل‬
‫بنوم ث أ صبحت أب كي ‪ ،‬قالت ‪ :‬فد عا ر سول ال عل ّي ا بن أ ب طالب ‪،‬‬
‫وأ سامة بن ز يد ح ي ا ستلبث الو حي ي سألما وي ستشيها ف فراق أهله ‪،‬‬
‫قالت ‪ :‬فأ ما أ سامة بن ز يد فأشار على ر سول ال بالذي يعلم من براءة‬
‫الزء الثالث‬ ‫‪260‬‬

‫أهله ‪ ،‬وبالذي يعلم ف نفسه لم من الودّ فقال أ سامة ‪ :‬يا رسول ال َأهْلُك‬
‫ول نعلم إل خيًا ‪ .‬وأما علي بن أب طالب فقال ‪ :‬يا رسول ال ل يضيّق ال‬
‫عليك ‪ ،‬والنساء سواها كثي وإن تسأل الارية تصدقك الب ‪ .‬قالت ‪ :‬فدعا‬
‫ر سول ال بريرة فقال ‪ « :‬أ يْ بريرة ‪ ،‬هل رأ يت من ش يء يري بك من‬
‫عائشَة » ؟ فقالت له بريرة ‪ :‬والذي بعثَك بالقَ إن رأيَت منهَا أمرًا قَد‬
‫أغمصه عليها أكثر من أنا جارية حديثة السن ‪ ،‬تنام عن عجي أهلها ‪ ،‬فتأت‬
‫الداجن فتأكله ‪ ،‬فقام رسول ال من يومه فاستعذر من عبد ال بن أبّ بن‬
‫سلول ‪ .‬قالت ‪ :‬فقال رسول ال وهو على النب ‪ « :‬يا معشر السلمي ‪،‬‬
‫من يعذرن من رجل قد بلغن أذاه ف أهلي ؟ فوال ما علمت على أهلي إل‬
‫خيًا ‪ ،‬ول قد ذكروا رجلً ما عل مت عل يه إل خيًا ‪ ،‬و ما كان يد خل على‬
‫أهلي إل م عي » ‪ .‬فقام سعد بن معاذ الن صاري ر ضي ال ع نه فقال ‪ :‬أ نا‬
‫أعذرك م نه يا ر سول ال ‪ ،‬إن كان من الوس ضرب نا عن قه ‪ ،‬وإن كان من‬
‫إخوان نا من الزرج أمرت نا ففعل نا أمرك ‪ .‬قالت ‪ :‬فقام سعد بن عبادة و هو ‪:‬‬
‫سيد الزرج وكان رجلً صالًا ولكن احتملته الميّة فقال لسعد بن معاذ ‪:‬‬
‫كذبَت ‪ ،‬لعمَر ال ل تقتله ول تقدر على قتله ‪ ،‬ولو كان مَن رهطَك مَا‬
‫أحب بت أن يُق تل ؛ فقام أ سيد بن حض ي و هو ا بن عم سعد بن معاذ ‪ ،‬فقال‬
‫لسَعد بَن عبادة ‪ :‬كذبَت لعمَر ال ‪ ،‬لنقتلن ّه ‪ ،‬فإنَك منافَق تادل عَن‬
‫النافق ي ‪ ،‬فتثاور اليان الوس والزرج ح ت هّوا أن يقتتلوا ور سول ال‬
‫على النب فلم يزل رسول ال يفّضهم حت سكتوا ‪ .‬وسكت رسول ال‬
‫‪261‬‬ ‫توفيق الرحن ف دروس القرآن‬

‫‪ ،‬قالت ‪ :‬وبك يت يو مي ذلك ل ير قأ ل د مع ول أكت حل بنوم ‪ ،‬وأبواي‬


‫يظنّان أن البكاء فالِقٌ كبدي ‪ ،‬قالت ‪ :‬فبينما ها جالسان عندي وأنا أبكي إذ‬
‫استأذنت عليّ امرأة من النصار فأذنت لا ‪ ،‬فجلست تبكي معي ‪ ،‬فبينا نن‬
‫على ذلك إذ دخَل علينَا رسَول ال ثَ جلس ‪ ،‬قالت ‪ :‬ول يلس عندي‬
‫منذ قيل ما قيل وقد لبث شهرًا ل يوحى إليه ف شأن شيء قالت ‪ :‬فتشهّد‬
‫ر سول ال ح ي جلس ث قال ‪ « :‬أ ما ب عد يا عائ شة فإ نه قد بلغ ن ع نك‬
‫كذا وكذا ‪ ،‬فإن كنَت بريئة فسَيبّئك ال ‪ ،‬وإن كنَت ألمَت بذنَب‬
‫فاستغفري ال وتوب إليه ‪ ،‬فإن العبد إذا اعترف بذنبه وتاب تاب ال عليه »‬
‫‪ .‬قالت ‪ :‬فل ما ق ضى ر سول ال مقال ته ‪ ،‬قلص دم عي ح ت ما أ حس م نه‬
‫قطرة ‪ ،‬فقلت لبَ ‪ :‬أجَب عنّي رسَول ال ‪ ،‬فقال ‪ :‬وال مَا أدري مَا‬
‫أقول لر سول ال ‪ ،‬فقلت ل مي ‪ :‬أج يب ر سول ال ‪ ،‬فقالت ‪ :‬وال ما‬
‫أدري ما أقول لرسول ال ‪ ،‬قالت ‪ :‬فقلت وأنا جارية حديثة السن ل أقرأ‬
‫كثيًا من القرآن ‪ :‬وال لقد علم تُ ‪ ،‬لقد سعتم بذا الديث حت استقرّ ف‬
‫أنفسَكم وصَدّقتم بَه ‪ ،‬فلئن قلت لكَم ‪ :‬إنَ بريئة وال يعلم أنَ بريئة ل‬
‫ت صدّقون ‪ ،‬ولئن اعتر فت بأ مر وال يعلم أ ن م نه بريئة لت صدُّقنّي ‪ ،‬فوال ما‬
‫سَتعَانُ‬
‫صبْرٌ َجمِيلٌ وَاللّ ُه الْمُ ْ‬
‫أجد ل ولكم َمَثلً إل كما قال أبو يوسف ‪ ﴿ :‬فَ َ‬
‫عَلَى مَا تَ صِفُونَ ﴾ ‪ ،‬قالت ‪ :‬ث توّلت فاضطج عت على فرا شي ‪ .‬قالت ‪:‬‬
‫وأنا وال أعلم حينئذٍ أن بريئة ‪ ،‬وأن ال تعال مبّئي بباءت ‪ ،‬ولكن وال ما‬
‫كنت أظن أن ينل ف شأن وح يٌ يُتلى ولَشَأن كان أحقر ف نفسي من أن‬
‫الزء الثالث‬ ‫‪262‬‬

‫يُتكلّم فّ بأ مر يُتلى ول كن ك نت أر جو أن يرى ر سول ال ف النوم رؤ يا‬


‫يبّئن ال ب ا ‪ ،‬قالت ‪ :‬فوال ما رام ر سول ال مل سه ول خرج من أ هل‬
‫البيَت أحَد ‪ ،‬حتَ أنزل ال تعال على نَبيّه فأخذه مَا كان يأخذه مَن‬
‫البحاء عند الو حي ‪ ،‬ح ت أنه ليتحدّر منه مثل الُمان من العرق ‪ ،‬وهو ف‬
‫يوم شا تٍ من ثِقَلِ القول الذي أنزل عليه ‪ ،‬قالت ‪ :‬ف سُرّي عن رسول ال‬
‫وهو يضحك ‪ ،‬فكان أول كلمة تكلّم با أن قال ‪ « :‬أبشري يا عائشة ‪ ،‬أما‬
‫ال عزّ وجَل فقَد برّأك » ‪ .‬قالت ‪ :‬فقالت ل أمَي ‪ :‬قومَي إليَه ‪ ،‬فقلت ‪:‬‬
‫وال ل أقوم إليه ‪ ،‬ول أحد إل ال عزّ وجل ‪ ،‬هو الذي أنزل براءت ‪ ،‬وأنزل‬
‫صَبةٌ مّنكُمْ ﴾ العشر اليات كلها‬ ‫ك عُ ْ‬ ‫ال عزّ وجل ‪ِ ﴿ :‬إنّ الّذِينَ جَاؤُوا بِالْإِفْ ِ‬
‫‪ ،‬فل ما أنزل ال هذا ف براء ت ‪ ،‬قال أ بو ب كر ر ضي ال ع نه ‪ -‬وكان ين فق‬
‫على مسطح بن أثاثة لقرابته منه وفقره ‪ : -‬وال ل أنفق عليه شيئًا أبدًا بعد‬
‫س َعةِ‬
‫الذي قال لعائ شة ‪ ،‬فأنزل ال تعال ‪ ﴿ :‬وَلَا َي ْأتَلِ ُأوْلُوا الْ َفضْ ِل مِنكُ ْم وَال ّ‬
‫حبّونَ أَن َيغْفِرَ اللّهُ َلكُمْ وَاللّ ُه َغفُورٌ‬‫أَن ُيؤْتُوا ُأوْلِي اْلقُ ْربَى ﴾ إل قوله ‪ ﴿ :‬أَلَا تُ ِ‬
‫رّحِي مٌ ﴾ فقال أ بو ب كر ‪ :‬بلى وال إ ن ل حب أن يغ فر ال ل ‪ ،‬فر جع إل‬
‫م سطح النف قة ال ت كان ين فق عل يه ‪ ،‬وقال ‪ :‬وال ل أنزع ها م نه أبدًا ‪ .‬قالت‬
‫عائ شة ‪ :‬وكان ر سول ال ي سأل زي نب ب نت ج حش زوج ال نب عن‬
‫أمري ‪ ،‬فقال ‪ « :‬يا زينب ماذا علمت أو رأيت » ؟ فقالت ‪ :‬يا رسول ال‬
‫اح ن سعي وب صري ‪ ،‬وال ما عل مت إل خيًا ‪ ،‬قالت عائ شة ‪ :‬و هي ال ت‬
‫كانت تسامين من أزواج النب فعصمها ال تعال بالورع وطفقت أختها‬
‫‪263‬‬ ‫توفيق الرحن ف دروس القرآن‬

‫حنة بنت جحش تارب لا ‪ ،‬فهلكت فيمن هلك ‪ .‬متفق عليه ‪ .‬وعند أهل‬
‫ال سنن قالت ‪ ( :‬ل ا نزل عذري قام ر سول ال فذ كر ذلك وتل القرآن ‪،‬‬
‫فلما نزل أمر برجلي وامرأة فضُربوا حدّهم ) ‪.‬‬
‫وع ند أ ب داود ‪ ( :‬ح سان بن ثا بت ‪ ،‬وم سطح بن أثا ثة ‪ ،‬وح نة ب نت‬
‫جحش ) ‪.‬‬
‫وقوله تعال ‪ ﴿ :‬وَالّذِي َتوَلّى ِكبْرَ ُه ِمنْهُمْ لَ ُه عَذَا ٌ‬
‫ب عَظِيمٌ ﴾ ‪ ،‬أي ‪ :‬النار‬
‫ف الخرة ‪ .‬قال ابن عباس ‪ ( :‬الذين افتروا على عائشة عبد ال بن أبّ وهو‬
‫الذي تولّى كبه ‪ ،‬وح سان ‪ ،‬وم سطح ‪ ،‬وح نة ب نت ج حش ) ‪ .‬وقال ا بن‬
‫زيد ‪ :‬أما الذي تول كبه فعبد ال بن أبّ ابن سلول البيث ‪ ،‬هو الذي ابتدأ‬
‫هذا الكلم وقال ‪ :‬امرأة نبيكم باتت مع رجل حت أصبحت ث جاء يقود با‬
‫‪ .‬وعن ممد بن إسحاق عن أبيه عن بعض رجال لبن النجار ‪ :‬أن أبا أيوب‬
‫خالد بن زيد قالت له امرأته أم أيوب ‪ :‬أما تسمع ما يقول الناس ف عائشة ؟‬
‫قال ‪ :‬بلى وذلك الكذب ‪ ،‬أكنَت فاعلة ذلك يَا أم أيوب ؟ قالت ‪ :‬ل وال‬
‫ما كنت لفعله ‪ ،‬قال ‪ :‬فعائشة وال خي منك ‪ .‬قال ‪ :‬فلما أنزل ال القرآن‬
‫ذكر ال من قال الفاحشة ما قال من أهل الفك ‪ِ ﴿ :‬إنّ الّذِينَ جَاؤُوا بِالْإِفْكِ‬
‫صَب ٌة مّنكُمْ ﴾ وذلك من حسان وأصحابه الذين قالوا ما قالوا ‪ ،‬ث قال ‪﴿ :‬‬ ‫عُ ْ‬
‫سهِمْ َخيْرا وَقَالُوا هَذَا إِفْ كٌ‬
‫ت ِبأَنفُ ِ‬
‫َلوْلَا إِذْ سَ ِم ْعتُمُوهُ ظَنّ الْ ُمؤْ ِمنُو نَ وَالْ ُم ْؤ ِمنَا ُ‬
‫ّمبِيٌ ﴾ كما قال أبو أيوب وصاحبته ) ‪ .‬رواه ابن جرير ‪.‬‬
‫الزء الثالث‬ ‫‪264‬‬

‫وقوله تعال ‪َ ﴿ :‬لوْلَا جَاؤُوا عََليْه ِ‬


‫َ ِبأَ ْرَب َعةِ ُشهَدَاء ﴾ ‪ ،‬قال ابَن كثيَ ‪:‬‬
‫﴿ َلوْلَا ﴾ ‪ ،‬أي ‪ :‬هلّ ‪ ﴿ ،‬جَاؤُوا عََليْ ِه ِبأَ ْربَ َع ِة ُشهَدَاء ﴾ ‪ ،‬يشهدون على‬
‫شهَدَاء َفُأوَْلئِ كَ عِندَ اللّ ِه هُ ُم الْكَا ِذبُو نَ‬
‫صحة ما جاءوا به ﴿ فَِإذْ لَ ْم يَ ْأتُوا بِال ّ‬
‫﴾ أي ‪ :‬ف حكم ال كاذبون فاجرون ‪.‬‬
‫ضلُ اللّ هِ عَلَ ْيكُ مْ وَ َرحْمَتُ هُ فِي الدّنْيَا وَالْآ ِخرَةِ‬
‫قوله عز وجل ‪ ﴿ :‬وََل ْولَا فَ ْ‬
‫سكُ ْم فِي مَا أَفَضُْتمْ فِيهِ َعذَابٌ عَظِيمٌ (‪ِ )14‬إذْ تَ َل ّقوَْنهُ ِبَألْسِنَِتكُ ْم َوتَقُولُونَ‬
‫لَ َم ّ‬
‫س َلكُم بِ هِ عِلْ مٌ َوتَحْ سَبُوَنهُ هَيّنا َوهُوَ عِن َد اللّ هِ عَظِي مٌ (‪)15‬‬
‫ِبَأفْوَاهِكُم مّا لَيْ َ‬
‫َوَلوْلَا ِإذْ سَ ِمعْتُمُو ُه قُلْتُم مّ ا َيكُو نُ لَنَا أَن نَّتكَلّ َم ِب َهذَا سُبْحَاَنكَ َهذَا ُبهْتَا نٌ‬
‫ِهـ َأبَدا إِن كُنتُم مّ ْؤمِنِيَ (‪)17‬‬
‫ّهـ أَن َتعُودُوا لِمِثْل ِ‬
‫ُمـ الل ُ‬
‫ِيمـ (‪َ )16‬يعِ ُظك ُ‬
‫عَظ ٌ‬
‫َويُبَّينُ ال ّل ُه لَ ُكمُ الْآيَاتِ وَال ّلهُ عَلِيمٌ َحكِيمٌ (‪. ﴾ )18‬‬
‫قال ابن زيد ف قوله ‪ ﴿ :‬وََلوْلَا َفضْلُ اللّ ِه عََليْكُ ْم وَرَ ْح َمتُ هُ ﴾ هذا للذين‬
‫ضتُ مْ فِي هِ عَذَا بٌ عَظِي مٌ ﴾ ‪.‬‬
‫سكُمْ فِي مَا أََف ْ‬
‫تكلّموا فتشهروا ذلك الكلم ﴿ لَمَ ّ‬
‫وعن ماهد ‪ِ ﴿ :‬إ ْذ تََل ّقوْنَ ُه ِبأَلْسَِنِتكُمْ ﴾ ‪ ،‬قال ‪ :‬تروونه بعضكم عن بعض ‪.‬‬
‫قوله عز وجل ‪ ﴿ :‬إِنّ اّلذِي َن يُحِبّو َن أَن َتشِي َع اْلفَا ِحشَ ُة فِي اّلذِينَ آمَنُوا‬
‫ب أَلِي ٌم فِي الدّنْيَا وَالْآ ِخ َرةِ وَاللّهُ َيعْلَمُ َوأَنتُمْ لَا تَعْلَمُونَ (‪َ )19‬وَلوْلَا‬
‫َلهُمْ َعذَا ٌ‬
‫ض ُل اللّهِ عَ َل ْيكُ ْم وَ َرحْمَتُهُ َوأَنّ اللّه َرؤُوفٌ َرحِيمٌ (‪ )20‬يَا َأّيهَا الّذِينَ آمَنُوا‬
‫فَ ْ‬
‫حشَاء‬
‫ت الشّيْطَانِ فَِإنّ ُه َيأْ ُم ُر بِاْلفَ ْ‬
‫لَا تَتِّبعُوا خُ ُطوَاتِ الشّيْطَانِ َومَن يَتّبِ ْع خُطُوَا ِ‬
‫‪265‬‬ ‫توفيق الرحن ف دروس القرآن‬

‫ض ُل اللّهِ عَلَ ْيكُ ْم وَرَحْمَتُ ُه مَا زَكَا مِنكُم مّنْ َأحَ ٍد َأبَدا َولَ ِكنّ‬
‫وَالْمُنكَ ِر َولَ ْولَا فَ ْ‬
‫ال ّلهَ ُيزَكّي مَن َيشَا ُء وَال ّلهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ (‪. ﴾ )21‬‬
‫عن ابن عباس قوله ‪ ﴿ :‬وََلوْلَا َفضْلُ اللّهِ عََلْيكُ ْم وَرَ ْح َمتُهُ مَا زَكَا مِنكُم مّ ْن‬
‫أَ َحدٍ َأبَدا ﴾ ‪ ،‬يقول ‪ :‬ما اهتدى من كم من اللئق لش يء من ال ي ين فع به‬
‫نفسه ‪ ،‬ول يتق شيئًا من الشر يدفعه عن نفسه ‪ .‬قال ابن زيد ‪ :‬كل شيء ف‬
‫القرآن من ز كى أو تز كى ف هو ال سلم ؛ وقال مقا تل ‪ ﴿ :‬مَا زَكَى ﴾ ما‬
‫صلح ؛ وقال ابن قتيبة ‪ :‬ما طهر ‪.‬‬
‫قال البغوي ‪ :‬وال ية على العموم ع ند ب عض الف سرين ‪ .‬قالوا ‪ :‬أ خب ال‬
‫أنه لول فضله ورحته بالعصمة ما صلح مسلم ‪.‬‬
‫سعَ ِة أَن ُيؤْتُوا ُأ ْولِي‬
‫ض ِل مِنكُ ْم وَال ّ‬
‫قوله عز وجل ‪َ ﴿ :‬ولَا َيأَْت ِل أُ ْولُوا الْفَ ْ‬
‫َصـفَحُوا َألَا‬
‫ّهـ َولَْيعْفُوا َولْي ْ‬
‫سـبِي ِل الل ِ‬
‫ِينـ فِي َ‬
‫ي وَالْ ُمهَا ِجر َ‬
‫اْلقُرْبَى وَالْمَسـَا ِك َ‬
‫تُحِبّو َن أَن َي ْغفِ َر ال ّلهُ َلكُ ْم وَال ّلهُ َغفُورٌ ّرحِيمٌ (‪. ﴾ )22‬‬
‫س َعةِ ﴾ إل آ خر‬
‫عن ا بن عباس قوله ‪ ﴿ :‬وَلَا يَ ْأتَلِ ُأوْلُوا اْلفَضْ ِل مِنكُ ْم وَال ّ‬
‫ال ية ‪ .‬قال ‪ :‬كان ناس من أ صحاب ر سول ال قد رموا عائ شة بالقب يح‬
‫وأفشوا ذلك وتكلّموا به ‪ ،‬فأق سم ناس من أ صحاب ر سول ال في هم أ بو‬
‫بكَر أن ل يتصَدّق على رجَل تكلّم بشيَء مَن هذا ول يصَله ‪ ،‬فقال ‪ :‬ل‬
‫يقسم أولوا الفضل منكم والسعة أن يصلوا أرحامهم وأن يعطوهم من أموالم‬
‫كالذي كانوا يفعلون قبل ذلك ‪ ،‬فأمر ال أن يغفر لم ‪ ،‬وأن يعفو عنهم ‪.‬‬
‫الزء الثالث‬ ‫‪266‬‬

‫قوله عز و جل ‪ ﴿ :‬إِنّ الّذِي َن َيرْمُو َن الْمُحْ صَنَاتِ اْلغَافِلَا تِ الْ ُم ْؤمِنَا تِ‬
‫ِمـ‬
‫ش َهدُ عَلَ ْيه ْ‬
‫ْمـ َت ْ‬
‫ِيمـ (‪َ )23‬يو َ‬
‫َابـ عَظ ٌ‬
‫ُمـ َعذ ٌ‬
‫ُلعِنُوا فِي ال ّدنْيَا وَالْآ ِخ َر ِة وََله ْ‬
‫َألْ سِنَُت ُهمْ وََأْيدِيهِ ْم َوأَرْجُلُهُم بِمَا كَانُوا َيعْمَلُو نَ (‪َ )24‬ي ْومَئِ ٍذ ُيوَفّيهِ ُم اللّ هُ‬
‫حقّ الْمُبِيُ (‪ )25‬الْخَبِيثَا تُ لِ ْلخَبِيثِيَ‬
‫حقّ َويَعْلَمُو َن أَنّ اللّ َه ُهوَ الْ َ‬
‫دِيَنهُ مُ الْ َ‬
‫ك مَُب ّرؤُونَ‬
‫ت ُأوْلَئِ َ‬
‫وَالْخَبِيثُو َن لِلْخَبِيثَاتِ وَالطّيّبَاتُ لِلطّيِّبيَ وَالطّيّبُو َن لِلطّيّبَا ِ‬
‫مِمّا َيقُولُونَ َلهُم مّ ْغ ِف َرةٌ وَرِ ْزقٌ َكرِيٌ (‪. ﴾ )26‬‬
‫قال ابن جرير ف قوله تعال ‪ِ ﴿ :‬إنّ الّذِي َن يَ ْرمُو َن الْمُحْ َ‬
‫صنَاتِ اْلغَافِلَا تِ‬
‫صنَاتِ ﴾‬ ‫الْ ُم ْؤ ِمنَا تِ ﴾ يقول تعال ذكره‪ :‬إن الذين يرمون بالفاحشة ﴿ الْمُحْ َ‬
‫يعن ‪ :‬العفيفات ﴿ اْلغَافِلَاتِ ﴾ عن الفواحش ‪ ﴿ ،‬الْ ُم ْؤمِنَاتِ ﴾ بال ورسوله‬
‫وما جاء به من عند ال ‪ُ ﴿ ،‬لعِنُوا فِي ال ّدْنيَا وَالْآ ِخ َرةِ ﴾ ‪ ،‬يقول ‪ :‬أُبعدوا من‬
‫رحة ال ف الدنيا والخرة ‪ ﴿ ،‬وََلهُ ْم عَذَا بٌ عَظِي مٌ ﴾ وذلك عذاب جهنم ‪.‬‬
‫و عن جع فر بن برقان قال ‪ :‬سألت ميمونًا قلت ‪ :‬الذي ذ كر ال ‪ ﴿ :‬إِنّ‬
‫صنَاتِ ثُمّ َل ْم يَ ْأتُوا ِبأَ ْربَ َع ِة ُشهَدَاء ﴾ إل قوله ‪ ﴿ :‬إِلّا الّذِي نَ‬
‫الّذِي َن يَ ْرمُو نَ الْ ُمحْ َ‬
‫تَابُوا مِن َبعْدِ ذَلِكَ َوأَصْلَحُوا فَِإنّ اللّ َه َغفُورٌ رّحِيمٌ ﴾ فجعله ف هذه الية توبة‬
‫صنَاتِ اْلغَافِلَا تِ الْ ُم ْؤ ِمنَا تِ‬
‫‪ ،‬وقال ف الخرى ‪ ﴿ :‬إِنّ الّذِي َن يَ ْرمُو نَ الْ ُمحْ َ‬
‫ب عَظِي مٌ ﴾ ‪ ،‬قال ميمون ‪ :‬أ ما الول فع سى أن‬ ‫﴾ إل قوله ‪ ﴿ :‬وََلهُ ْم عَذَا ٌ‬
‫تكون قد قار فت ‪ ،‬وأ ما هذه ف هي ال ت ل تقارف شيئًا من ذلك ‪ .‬وقال ا بن‬
‫زيد ‪ :‬هذا ف عائشة ‪ ،‬ومن صنع اليوم ف السلمات فله ما قال ال ‪.‬‬
‫‪267‬‬ ‫توفيق الرحن ف دروس القرآن‬

‫سَنُتهُمْ َوأَيْدِيهِ ْم َوأَرْ ُجُلهُم بِمَا كَانُوا‬ ‫وقوله تعال ‪َ ﴿ :‬يوْ مَ تَ ْ‬


‫شهَ ُد عََلْيهِ مْ أَلْ ِ‬
‫َيعْمَلُو نَ ﴾ ‪ ،‬قال قتادة ‪ :‬ابَن آدم ‪ ،‬وال إن عليَك لشهودًا غيَ متهمَة مَن‬
‫بد نك ‪ ،‬فراقب هم وا تق ال ف سرك وعلني تك ‪ ،‬فإ نه ل ي فى عل يه خاف ية ‪.‬‬
‫الظل مة عنده ضوء ‪ ،‬وال س ّر عنده علن ية ‪ ،‬ف من ا ستطاع أن يوت و هو بال‬
‫حَسَنُ الظنّ فليفعل ‪ ،‬ول قوة إلّ بال ‪.‬‬
‫وعن ابن عباس ف قوله ‪َ ﴿ :‬يوْ َمئِ ٍذ ُيوَفّيهِ مُ اللّ هُ دِيَنهُ ُم الْحَقّ ﴾ ‪ ،‬يقول ‪:‬‬
‫حسابم ‪.‬‬
‫وقال البغوي ‪ :‬جزاؤهم الواجب ‪ ،‬وقيل ‪ :‬حسابم العدل ‪َ ﴿ ،‬وَيعْلَمُو نَ َأنّ‬
‫اللّ َه ُه َو الْحَقّ الْ ُمبِيُ ﴾ يبي لم حقيقة ما كان بَعدهم ف الدنيا ‪ .‬قال عبد‬
‫ال بن عباس ر ضي ال عنه ما ‪ :‬وذلك أن ع بد ال بن أبّ كان يش كّ ف‬
‫الدين ‪ ،‬فيعلم يوم القيامة أن ال هو الق البي ‪.‬‬
‫خبِيثَا تِ ﴾ ‪،‬‬
‫خبِيثُو نَ لِ ْل َ‬
‫خبِيثِيَ وَالْ َ‬
‫خبِيثَا تُ ِللْ َ‬
‫و عن ا بن عباس قوله ‪ ﴿ :‬الْ َ‬
‫يقول ‪ :‬البَيثات مَن القول للخَبيثي مَن الرجال ‪ ،‬والبَيثون مَن الرجال‬
‫لل خبيثات من القول ‪ .‬وقوله ‪ ﴿ :‬وَال ّطيّبَا تُ لِل ّطّيبِيَ ﴾ ‪ ،‬يقول ‪ :‬ال ّطيّبَا تُ‬
‫من القول لِل ّطّيبِيَ من الرجال ‪ ،‬والطيّبون من الرجال للطيّبات من القول ‪:‬‬
‫نزلت ف الذين قالوا ف زوجة النب ما قالوا من البهتان ) ‪ .‬وقال ابن زيد ‪:‬‬
‫نزلت ف عائ شة ح ي رما ها النا فق بالبهتان والفر ية ‪ ،‬فبأ ها ال من ذلك ؛‬
‫وكان عبد ال بن أبّ هو خبيثًا ‪ ،‬وكان هو أول بأن تكون له البيثة ويكون‬
‫لاَ ‪ ،‬وكان رسَول ال طيبًا ‪ ،‬وكان أول أن تكون له الطيّبَة ‪ ،‬وكانَت‬
‫الزء الثالث‬ ‫‪268‬‬

‫ُونَ مِمّاَ‬
‫ِكَ ُمبَ ّرؤ َ‬
‫عائشَة الطيّبَة ‪ ،‬وكان أول أن يكون لاَ الطيّب ﴿ ُأوْلَئ َ‬
‫َيقُولُونَ ﴾ قال ها هنا ‪ :‬بُرّئت عائشة ﴿ َلهُم ّم ْغفِ َرةٌ وَرِ ْزقٌ كَ ِريٌ ﴾ ‪.‬‬

‫***‬
‫‪269‬‬ ‫توفيق الرحن ف دروس القرآن‬

‫الدرس السادس والثمانون بعد الائة‬

‫َسـَت ْأِنسُوا‬
‫ُمـ حَتّىـ ت ْ‬
‫ِينـ آمَنُوا لَا تَ ْدخُلُوا بُيُوتا غَ ْي َر بُيُوِتك ْ‬
‫﴿ يَا َأيّهَا اّلذ َ‬
‫جدُوا‬
‫َوتُ سَلّمُوا عَلَى أَهْ ِلهَا َذلِكُ ْم خَ ْيرٌ ّلكُ ْم َلعَلّكُ ْم َتذَ ّكرُو نَ (‪َ )27‬فإِن لّ مْ تَ ِ‬
‫فِيهَا َأحَدا فَلَا َت ْدخُلُوهَا حَتّى ُي ْؤذَ َن َلكُ مْ َوإِن قِيلَ لَكُ مُ ا ْرجِعُوا فَا ْر ِجعُوا ُهوَ‬
‫ح أَن َتدْخُلُوا‬
‫أَزْكَى َلكُ ْم وَاللّ ُه بِمَا َتعْمَلُو نَ عَلِي مٌ (‪ )28‬لّيْ سَ عَلَ ْيكُ ْم جُنَا ٌ‬
‫ع ّلكُمْ وَاللّ ُه يَعْلَمُ مَا تُ ْبدُو َن َومَا َتكْتُمُونَ (‪)29‬‬
‫بُيُوتا غَ ْي َر مَسْكُوَن ٍة فِيهَا مَتَا ٌ‬
‫حفَظُوا ُفرُوجَهُ مْ ذَلِ كَ أَزْكَى َلهُ مْ إِنّ‬
‫قُل لّلْ ُم ْؤمِنِيَ َيغُضّوا مِ ْن َأبْ صَارِ ِه ْم وَيَ ْ‬
‫ِنـ َأبْصـَا ِرهِنّ‬
‫ْنـ م ْ‬
‫َاتـ يَغْضُض َ‬
‫َصـَنعُونَ (‪ )30‬وَقُل لّلْ ُم ْؤمِن ِ‬
‫ي بِمَا ي ْ‬
‫ّهـ خَبِ ٌ‬
‫الل َ‬
‫ضرِبْ َن بِخُ ُم ِرهِنّ‬
‫حفَظْ نَ ُفرُوجَهُنّ وَلَا يُ ْبدِي نَ زِينََتهُنّ ِإلّا مَا َظ َه َر مِنْهَا َولْيَ ْ‬
‫َويَ ْ‬
‫عَلَى جُيُوبِ ِهنّ َولَا يُ ْبدِي نَ زِينََت ُهنّ إِلّا لُِبعُولَِتهِنّ أَوْ آبَاِئهِنّ َأوْ آبَاء ُبعُولَِت ِهنّ أَوْ‬
‫َأبْنَاِئهِنّ أَ ْو َأبْنَاء ُبعُولَتِهِنّ أَ ْو ِإخْوَانِهِنّ أَ ْو بَنِي ِإ ْخوَاِنهِنّ َأوْ بَنِي أَ َخوَاِتهِنّ َأوْ‬
‫ت َأيْمَاُنهُنّ أَ ِو التّاِبعِيَ غَ ْي ِر ُأ ْولِي اْلإِ ْرَبةِ مِ َن ال ّرجَالِ أَوِ‬
‫نِ سَائِ ِه ّن أَ ْو مَا مَ َلكَ ْ‬
‫ضرِبْنَ بِأَ ْرجُ ِل ِهنّ لُِيعْلَمَ مَا‬
‫ال ّط ْفلِ اّلذِي َن لَمْ يَ ْظ َهرُوا عَلَى َعوْرَاتِ النّسَاء وَلَا يَ ْ‬
‫خفِيَ مِن زِينَِت ِهنّ وَتُوبُوا ِإلَى اللّ هِ جَمِيعا َأيّهَا الْمُ ْؤمِنُو نَ لَعَ ّلكُ مْ ُتفْلِحُو نَ (‬
‫يُ ْ‬
‫ي مِ نْ عِبَادِكُ ْم َوإِمَائِكُ ْم إِن َيكُونُوا‬
‫حَ‬‫‪َ )31‬وأَنكِحُوا اْلَأيَامَى مِنكُ ْم وَال صّالِ ِ‬
‫ف الّذِي نَ لَا‬
‫ُف َقرَاء يُغِْنهِ مُ اللّ ُه مِن فَضْلِ ِه وَاللّ هُ وَا سِعٌ عَلِي مٌ (‪َ )32‬ولْيَ سَْتعْفِ ِ‬
‫ب مِمّ ا‬
‫جدُو َن نِكَاحا حَتّ ى ُيغْنَِيهُ ْم اللّ هُ مِن فَضْلِ هِ وَالّذِي نَ يَبَْتغُو َن الْكِتَا َ‬
‫يَ ِ‬
‫ت َأيْمَانُكُ ْم َفكَاتِبُوهُمْ إِنْ عَلِمْتُ ْم فِيهِمْ خَيْرا وَآتُوهُم مّن مّالِ اللّهِ اّلذِي‬
‫مَ َلكَ ْ‬
‫الزء الثالث‬ ‫‪270‬‬

‫َضـ‬
‫ْنـ تَحَصـّنا لّتَبَْتغُوا َعر َ‬
‫ِنـ أَ َرد َ‬
‫ُمـ عَلَى الِْبغَاء إ ْ‬
‫ُمـ َولَا ُت ْكرِهُوا فَتَيَاتِك ْ‬
‫آتَاك ْ‬
‫الْحَيَا ِة ال ّدنْيَا َومَن ُي ْكرِه ّهنّ َفإِنّ اللّ هَ مِن َبعْ ِد إِ ْكرَا ِه ِهنّ َغفُورٌ ّرحِي مٌ (‪)33‬‬
‫ل مّ نَ اّلذِي نَ خَ َلوْا مِن قَبْ ِلكُ ْم َومَوْعِ َظةً‬
‫ت وَمَثَ ً‬
‫ت مّبَيّنَا ٍ‬
‫َوَلقَ ْد أَن َزلْنَا ِإلَيْكُ مْ آيَا ٍ‬
‫لّلْمُّت ِقيَ (‪. ﴾ )34‬‬

‫***‬
‫‪271‬‬ ‫توفيق الرحن ف دروس القرآن‬

‫قوله عـز وجـل ‪ ﴿ :‬يَا َأيّهَا اّلذِينَـ آمَنُوا لَا َت ْدخُلُوا بُيُوتا غَ ْي َر بُيُوِتكُم ْـ‬
‫حَتّى تَسَْت ْأِنسُوا َوتُسَلّمُوا عَلَى َأهْ ِلهَا َذِلكُ ْم خَ ْيرٌ ّلكُمْ َلعَ ّلكُ ْم َتذَ ّكرُونَ (‪)27‬‬
‫ُمـ‬
‫ُمـ َوإِن قِيلَ َلك ُ‬
‫َنـ لَك ْ‬
‫جدُوا فِيهَا أَحَدا فَلَا َتدْخُلُوهَا حَتّىـ ُيؤْذ َ‬
‫ّمـ تَ ِ‬
‫َفإِن ل ْ‬
‫ا ْر ِجعُوا فَا ْر ِجعُوا هُ َو أَزْكَى َلكُمْ وَاللّ ُه بِمَا َتعْمَلُو نَ عَلِيمٌ (‪ )28‬لّيْسَ عَلَ ْيكُ مْ‬
‫ع ّلكُ ْم وَاللّ ُه َيعْلَ ُم مَا تُ ْبدُو نَ‬
‫ح أَن تَ ْدخُلُوا بُيُوتا غَ ْي َر مَ سْكُونَ ٍة فِيهَا مَتَا ٌ‬
‫جُنَا ٌ‬
‫َومَا َتكْتُمُونَ (‪. ﴾ )29‬‬
‫عن ا بن عباس قوله ‪ ﴿ :‬يَا أَيّهَا الّذِي نَ آ َمنُوا لَا تَدْخُلُوا ُبيُوتا َغيْ َر ُبيُوِتكُ مْ‬
‫ستَ ْأنِسُوا َوتُسَلّمُوا عَلَى َأهِْلهَا ﴾ ‪ ،‬قال ‪ :‬الستئناس ‪ :‬الستئذان ‪ .‬وعن‬ ‫َحتّى تَ ْ‬
‫سَتأْنِسُوا َوتُ سَلّمُوا ﴾ ‪ .‬وعن أب موسى قال ‪ :‬سعت النب‬ ‫قتادة ‪َ ﴿ :‬حتّى تَ ْ‬
‫يقول ‪ « :‬إذا اسَتأذن أحدكَم ثلثًَا فلم يؤذن له فلينصَرف » ‪ .‬رواه‬
‫البخاري ‪ .‬وعن جابر قال ‪ ( :‬أتيت النب ف ّديْ نٍ كان على أب ‪ ،‬فدققت‬
‫الباب فقال ‪ « :‬من ذا » ؟ فقلت ‪ :‬أنا ‪ ،‬قال ‪ « :‬أنا ‪ ،‬أنا ! كأنه كرهه » ‪.‬‬
‫رواه الماعَة ‪ .‬قال ابـن كثيـ ‪ :‬وإناَ كره ذلك لن هذه اللفظَة ل يُعرف‬
‫صاحبها حت يفصح باسه ‪.‬‬
‫وعن عدي بن ثابت أن امرأة من النصار قالت ‪ :‬يا رسول ال إن أكون ف‬
‫منل على الال ال ت ل أ حب أن يرا ن أ حد علي ها ‪ ،‬ل والد ول ولد ‪ ،‬وإ نه‬
‫ل يزال يدخَل علّي رجَل مَن أهلي وأنَا على تلك الال ‪ ،‬قال ‪ :‬فنلت‬
‫‪ ﴿ :‬يَا َأيّهَا الّذِي نَ آ َمنُوا لَا تَدْ ُخلُوا ُبيُوتا ﴾ ال ية ‪ .‬رواه ا بن جر ير ‪ .‬وقال‬
‫الزء الثالث‬ ‫‪272‬‬

‫ابن مسعود ‪ :‬وعليكم أن تستأذنوا على أمهاتكم ‪ ،‬وأخواتكم ‪ .‬وعن زينب‬


‫امرأة ا بن م سعود قالت ‪ :‬كان ع بد ال إذا جاء من حاج ته فانت هى إل الباب‬
‫تنحنح وبزق ‪ ،‬كراهية أن يهجم منا على أمر يكرهه ‪.‬‬
‫وقوله تعال ‪ّ ﴿ :‬ليْ سَ عََلْيكُ مْ ُجنَا حٌ أَن تَدْ ُخلُوا ُبيُوتا َغيْ َر مَ ْ‬
‫سكُوَنةٍ فِيهَا‬
‫َمتَاعٌ ّلكُمْ ﴾ ‪ ،‬قال ماهد ‪ :‬هي ‪ :‬البيوت الت ينلا السفر ل يسكنها أحد ‪.‬‬
‫قال ا بن جر ير ‪ :‬إن ال ع مّ بقوله ‪ّ ﴿ :‬ليْ سَ عََلْيكُ مْ ُجنَا حٌ أَن تَدْ ُخلُوا ُبيُوتا‬
‫سكُوَنةٍ فِيهَا مَتَا عٌ ّلكُ مْ ﴾ كل بيت ل ساكن به لنا فيه متاع ‪ ،‬ندخله‬
‫َغيْ َر مَ ْ‬
‫بغي إذن ‪.‬‬
‫حفَظُوا‬
‫ِنـ َأبْصـَا ِرهِ ْم َويَ ْ‬
‫قوله عـز وجـل ‪ ﴿ :‬ق ُل لّلْ ُم ْؤمِنِي َ َيغُضّوا م ْ‬
‫ي بِمَا يَصَْنعُونَ (‪. ﴾ )30‬‬
‫ُفرُو َج ُهمْ َذِلكَ أَزْكَى َلهُ ْم إِ ّن ال ّلهَ خَبِ ٌ‬
‫قال ابن عباس ‪َ ﴿ :‬ي ُغضّوا َأبْ صَا ِرهِمْ ﴾ عما يكره ال ‪ .‬وعن جرير بن‬
‫عبد ال البجلي رضي ال عنه قال ‪ :‬سألت النب عن نظرة الفجأة ‪ ،‬فأمرن‬
‫أن أصرف بصري ‪ .‬رواه مسلم ‪ .‬وعن عبد ال بن بريدة عن أبيه قال ‪ :‬قال‬
‫ر سول ال ‪ « :‬يا علي ل ُتتْب عِ النظرة بالنظرة ‪ ،‬فإن لك الول ول يس لك‬
‫َبي‬ ‫الخرة » ‪ .‬رواه أ بو داود وغيه ‪ .‬وقال النَب ‪ « :‬مَن يكفَل ل م ا‬
‫لي يه و ما ب ي رجل يه أض من له ال نة » ‪ .‬رواه البخاري ‪ .‬و عن أ ب سعيد‬
‫الدري أن رسول ال قال ‪ « :‬ل ينظر الرجل إل عورة الرجل ‪ ،‬ول الرأة‬
‫‪273‬‬ ‫توفيق الرحن ف دروس القرآن‬

‫إل عورة الرأة ‪ ،‬ول يف ضي الر جل إل الر جل ف ثوب وا حد ‪ ،‬ول تف ضي‬


‫الرأة إل الرأة ف ثوب واحد » ‪ .‬رواه البغوي ‪.‬‬
‫وقوله تعال ‪ ﴿ :‬ذَلِ كَ أَزْكَى َلهُ مْ ِإنّ اللّ هَ َخبِيٌ بِمَا يَ صَْنعُونَ ﴾ ف بعض‬
‫الثار ‪ ( :‬إن النظرة سهم من سهام إبل يس م سموم ‪ ،‬يقول ال تعال ‪ :‬من‬
‫تركها مافت أبدلته إيانًا حلوته ف قلبه ) ‪.‬‬
‫حفَظْ نَ‬
‫ت يَغْضُضْ َن مِ نْ َأبْ صَا ِر ِهنّ َويَ ْ‬
‫قوله عز و جل ‪ ﴿ :‬وَقُل لّلْ ُم ْؤمِنَا ِ‬
‫خ ُم ِرهِنّ عَلَى‬
‫ْنـ بِ ُ‬
‫ضرِب َ‬
‫ِينـ زِينََتهُنّ ِإلّا م َا َظ َهرَ مِنْه َا َولْيَ ْ‬
‫ُفرُو َجهُنّ َولَا يُ ْبد َ‬
‫ِينـ زِينََتهُن ّ ِإلّا لُِبعُولَِتهِن ّ أَوْ آبَاِئهِن ّ َأوْ آبَاء ُبعُولَتِهِن ّ أَوْ‬
‫جُيُوبِهِن ّ وَلَا يُ ْبد َ‬
‫َأبْنَاِئهِنّ أَ ْو َأبْنَاء ُبعُولَتِهِنّ أَ ْو ِإخْوَانِهِنّ أَ ْو بَنِي ِإ ْخوَاِنهِنّ َأوْ بَنِي أَ َخوَاِتهِنّ َأوْ‬
‫ت َأيْمَاُنهُنّ أَ ِو التّاِبعِيَ غَ ْي ِر ُأ ْولِي اْلإِ ْرَبةِ مِ َن ال ّرجَالِ أَوِ‬
‫نِ سَائِ ِه ّن أَ ْو مَا مَ َلكَ ْ‬
‫ضرِبْنَ بِأَ ْرجُ ِل ِهنّ لُِيعْلَمَ مَا‬
‫ال ّط ْفلِ اّلذِي َن لَمْ يَ ْظ َهرُوا عَلَى َعوْرَاتِ النّسَاء وَلَا يَ ْ‬
‫خفِيَ مِن زِينَِت ِهنّ وَتُوبُوا ِإلَى اللّ هِ جَمِيعا َأيّهَا الْمُ ْؤمِنُو نَ لَعَ ّلكُ مْ ُتفْلِحُو نَ (‬
‫يُ ْ‬
‫‪. ﴾ )31‬‬
‫عن ابن مسعود ‪ ﴿ :‬وَلَا ُيبْدِي نَ زِيَنَتهُنّ إِلّا مَا َظهَ َر ِمْنهَا ﴾ ‪ ،‬قال ‪ :‬الثياب‬
‫‪ .‬وقال ا بن عباس ‪ :‬الك حل ‪ ،‬والا ت ‪ .‬وقال عطاء ‪ :‬الكفّان والو جه ‪ .‬وقال‬
‫ال سن ‪ :‬الو جه ‪ ،‬والثياب ‪ .‬قال البغوي ‪ :‬ف ما كان من الزي نة الظاهرة جاز‬
‫للرجل الجنب النظر إليه إذا ل يف فتنة ‪ .‬وعن عائشة قالت ‪ :‬لا نزلت هذه‬
‫خمُ ِرهِنّ عَلَى ُجيُوِبهِنّ ﴾ ‪ ،‬شققن البد ما يلي الواشي‬
‫الية ‪ ﴿ :‬وَْلَيضْ ِربْ َن بِ ُ‬
‫الزء الثالث‬ ‫‪274‬‬

‫﴿‬ ‫فاختمرن بَه ‪ .‬رواه ابَن جريَر وغيه وقال سَعيد بَن جَبي ‪:‬‬
‫وَْلَيضْ ِربْ نَ ﴾ وليشددن ‪ ﴿ ،‬بِخُ ُم ِرهِنّ عَلَى ُجيُوِبهِنّ ﴾ ‪ ،‬يع ن ‪ :‬على الن حر‬
‫ِينَ زِيَنتَهُنّ إِلّا‬
‫والصَدر فل يرى منَه شيَء ‪ .‬وعَن ابَن عباس ‪ ﴿ :‬وَلَا ُيبْد َ‬
‫ِلُبعُولَِتهِنّ ﴾ إل قوله ‪َ ﴿ :‬عوْرَا تِ النّ سَاء ﴾ ‪ ،‬قال ‪ :‬الزينة الت يبدينها لؤلء‬
‫‪ :‬قرطا ها ‪ ،‬وقلدت ا ‪ ،‬و سوارها ‪ ،‬فأ ما خلخال ا ‪ ،‬ومعضدا ها ‪ ،‬ونرا ها ‪،‬‬
‫وشعرهَا فإنَه ل تبديَه إلّ لزوجهَا ‪ .‬وقال قتادة ‪ :‬تبدي لؤلء الرأس ‪ .‬قال‬
‫بعض السلف ‪ :‬ل يذكر العم والال وها من مارمهن لئلّ يصفوهن لبنيهم ‪.‬‬
‫وقال ال سن الب صري ‪ :‬إن ما ك سائر الحارم ف جواز الن ظر ‪ ،‬و قد يُذ كر‬
‫البعض لينبّه على الملة ‪ .‬وهذا أظهر ‪.‬‬
‫هنَ السَلمات ‪ ،‬ل تبديَه‬ ‫وعَن ابَن عباس ‪َ ﴿ :‬أوْ نِسََاِئهِنّ ﴾ ‪ ،‬قال ‪ّ :‬‬
‫ليهود ية ول ن صرانية ‪ ،‬و هو ‪ :‬الن حر ‪ ،‬والقرط ‪ ،‬والوشاح ‪ ،‬و ما ل ي ّل أن‬
‫يراه إلّ مرم ‪ .‬وعَن ابَن جريَج قوله ‪َ ﴿ :‬أ ْو نِسََائِهِنّ ﴾ ‪ ،‬قال ‪ :‬بلغنَ أن‬
‫نساء السلمي ل يل لسلمة أن ترى مشركة عريتها إلّ أن تكون أمة لا ‪،‬‬
‫فذلك قوله ‪َ ﴿ :‬أوْ مَا مََلكَ تْ َأيْمَاُنهُنّ ﴾ ‪ .‬قال ابن كثي ‪ :‬وقال الكثرون ‪:‬‬
‫بل يوز أن تظهر زينتها على رقيقها من الرجال والنساء واستدلوا بالديث‬
‫الذي رواه أبو داود عن أنس أن النب أتى فاطمة بعبد قد وهبه لا ‪ ،‬قال ‪:‬‬
‫وعلى فاطمة ثوب إذا قنعت به رأسها ل يبلغ رجليها ‪ ،‬وإذا غطّت به رجليها‬
‫ل يبلغ رأسها ‪ ،‬فلما رأى النب ما تلقى قال ‪ « :‬إنه ليس عليك بأس إنا‬
‫هو أبوك وغلمك » ‪.‬‬
‫‪275‬‬ ‫توفيق الرحن ف دروس القرآن‬

‫وقال البغوي ‪ :‬قوله تعال ‪َ ﴿ :‬أ ْو مَا مََلكَ تْ َأيْمَاُنهُنّ ﴾ ‪ ،‬اختلفوا في ها‬
‫فقال قوم ‪ :‬عبَد الرأة مرم لاَ فيجوز له الدخول عليهَا إذا كان عفيفًَا ‪،‬‬
‫وينظر إل بدن مولته إلّ ما بي السرة والركبة كالحارم ‪ ،‬وهو ظاهر القرآن‬
‫‪.‬‬
‫وعن ابن عباس قوله ‪َ ﴿ :‬أوِ التّابِعِيَ َغيْرِ ُأوْلِي الْإِ ْرَبةِ مِ نَ الرّجَالِ ﴾ ‪ ،‬قال‬
‫‪ :‬كان الرجل يتبع الرجل ف الزمان الول ول يغار عليه ‪ ،‬ول ترهب الرأة‬
‫أن تضع خارها عنده ‪ ،‬وهو الحق الذي ل حاجة له ف النساء ‪.‬‬
‫وقوله تعال ‪َ ﴿ :‬أوِ ال ّطفْلِ الّذِي نَ َل ْم يَ ْظهَرُوا عَلَى َعوْرَاتِ النّسَاء ﴾ ‪ ،‬قال‬
‫ماهد ‪ :‬ل يدروا ما ت من الصغر قبل اللم ‪.‬‬
‫وقوله تعال ‪ ﴿ :‬وَلَا َيضْ ِربْ َن ِبأَرْ ُجِلهِنّ ِلُيعْلَ َم مَا ُي ْ‬
‫خفِيَ مِن زِيَنِتهِنّ ﴾ ‪،‬‬
‫قال ابن عباس ‪ :‬هو أن تقرع اللخال بالخر عند الرجال ويكون ف رجليها‬
‫خل خل فتحرك هن ع ند الرجال ‪ ،‬فن هى ال سبحانه وتعال عن ذلك ‪ ،‬ل نه‬
‫من عمل الشيطان ‪.‬‬
‫قال ابـن كث ي ‪ :‬وقوله تعال ‪َ ﴿ :‬وتُوبُوا إِلَى اللّ هِ جَمِيعا َأيّهَا الْ ُم ْؤمِنُو نَ‬
‫ُونَ ﴾ ‪ ،‬أي ‪ :‬افعلوا مَا أمركَم بَه مَن هذه الصَفات الميلة‬
‫ُمَ ُتفِْلح َ‬
‫َلعَّلك ْ‬
‫والخلق الليلة ‪ ،‬واتركوا ما كان عليه أهل الاهلية من الخلق والصفات‬
‫الرذيلة ‪ ،‬فإن الفلح كل الفلح ف فعل ما أمر ال به ورسوله ‪ ،‬وترك ما نيا‬
‫عنه ‪ .‬وال تعال هو الستعان ‪.‬‬
‫الزء الثالث‬ ‫‪276‬‬

‫ي مِ نْ عِبَادِكُ مْ‬
‫حَ‬‫قوله عز و جل ‪ ﴿ :‬وَأَنكِحُوا الَْأيَامَى مِنكُ مْ وَال صّالِ ِ‬
‫َوِإمَائِكُ ْم إِن يَكُونُوا ُف َقرَاء ُيغْنِهِ مُ اللّ ُه مِن فَضْلِ ِه وَاللّ ُه وَا سِعٌ عَلِي مٌ (‪)32‬‬
‫جدُو نَ ِنكَاحا حَتّ ى يُغْنَِيهُ مْ اللّ ُه مِن فَضْلِ ِه وَاّلذِي نَ‬
‫ف الّذِي نَ لَا يَ ِ‬
‫َولْيَ سَْتعْفِ ِ‬
‫ِمـ خَيْرا‬
‫ُمـ فِيه ْ‬
‫ِنـ عَ ِلمْت ْ‬
‫ُمـ إ ْ‬
‫ُمـ َفكَاتِبُوه ْ‬
‫َتـ َأيْمَانُك ْ‬
‫َابـ مِمّاـ مَ َلك ْ‬
‫ُونـ اْلكِت َ‬
‫يَبَْتغ َ‬
‫وَآتُوهُم مّن مّالِ اللّ ِه الّذِي آتَاكُ ْم َولَا ُتكْ ِرهُوا فَتَيَاتِكُ مْ عَلَى الْبِغَاء إِ نْ أَ َردْ نَ‬
‫تَحَصّنا لّتَبَْتغُوا َعرَضَ الْحَيَا ِة الدّنْيَا وَمَن يُ ْكرِه ّه ّن َفإِنّ ال ّلهَ مِن َب ْعدِ إِ ْكرَا ِه ِهنّ‬
‫ل مّ َن الّذِي َن خَ َلوْا‬
‫َغفُورٌ ّرحِي مٌ (‪ )33‬وََل َقدْ أَن َزلْنَا ِإلَ ْيكُ مْ آيَا تٍ مّبَيّنَا تٍ َومَثَ ً‬
‫مِن قَبْ ِلكُ ْم َومَوْعِ َظ ًة لّلْمُّتقِيَ (‪. ﴾ )34‬‬
‫قال ابـن زيـد فـ قوله ‪َ ﴿ :‬وأَنكِحُوا اْلَأيَامَى مِنك ْ‬
‫ُمَ ﴾ ‪ ،‬قال ‪ :‬أيامَى‬
‫الن ساء الل ت ل يس ل ن أزواج ‪ .‬و عن ا بن عباس قوله ‪َ ﴿ :‬وأَنكِحُوا اْلأَيَامَى‬
‫ي مِ ْن عِبَادِكُ ْم َوِإمَاِئكُ مْ ﴾ قال ‪ :‬أ مر ال سبحانه بالنكاح‬ ‫ح َ‬‫مِنكُ ْم وَال صّالِ ِ‬
‫ورغّبهم فيه وأمرهم أن يزوّجوا أحرارهم وعبيدهم ‪ ،‬ووعدهم ف ذلك الغن‬
‫فقال ‪ ﴿ :‬إِن َيكُونُوا ُف َقرَاء ُي ْغِنهِمُ اللّ ُه مِن َفضْلِهِ ﴾ ‪.‬‬
‫ف الّذِينَ لَا يَجِدُو َن نِكَاحا َحتّى ُي ْغنَِيهُمْ‬ ‫قال ابن كثي وقوله ‪ ﴿ :‬وَْليَ ْ‬
‫ستَ ْعفِ ِ‬
‫اللّ ُه مِن َفضْلِهِ ﴾ هذا أمر من ال تعال لن ل يد تزويًا بالتعفّف عن الرام ‪.‬‬
‫وقوله تعال ‪ ﴿ :‬وَالّذِي َن َيبَْتغُو َن الْ ِكتَا َ‬
‫ب مِمّ ا مََلكَ تْ َأيْمَاُنكُ مْ َفكَاتِبُوهُ مْ‬
‫إِ ْن عَلِ ْمتُ مْ فِيهِ مْ َخيْرا وَآتُوهُم مّ ن مّالِ اللّ ِه الّذِي آتَاكُ مْ ﴾ ‪ ،‬قال البغوي ‪:‬‬
‫سبب نزول هذه الية ما روي أن غلمًا لويطب بن عبد العزّى سأل موله‬
‫‪277‬‬ ‫توفيق الرحن ف دروس القرآن‬

‫أن يكاتبه فأب عليه ‪ ،‬فأنزل ال هذه الية ‪ .‬فكاتبه حويطب على مائة دينار ‪،‬‬
‫ووهب له منها عشرين دينارًا ‪.‬‬
‫وعن ابن عباس قوله ‪َ ﴿ :‬فكَاِتبُوهُمْ إِ ْن عَلِ ْمتُمْ فِيهِمْ َخيْرا ﴾ ‪ ،‬يقول ‪ :‬إن‬
‫علمتم لم حيلة ول تلقون مئونتهم على السلمي ‪ .‬وعن أب هريرة أن رسول‬
‫حقَ على ال عونمَ ‪ :‬الكاتَب الذي يريَد الداء ‪،‬‬ ‫ال قال ‪ « :‬ثلثَة ّ‬
‫والناكح يريد العفاف ‪ ،‬والجاهد ف سبيل ال » ‪ .‬رواه البغوي ‪.‬‬
‫وقوله تعال ‪ ﴿ :‬وَلَا ُتكْ ِرهُوا َفَتيَاِتكُ ْم عَلَى الِْبغَاء إِ نْ أَرَدْ َن تَحَ صّنا ّلتَْبَتغُوا‬
‫حيَاةِ ال ّدنْيَا َومَن ُيكْرِههّنّ فَِإنّ اللّ َه مِن َبعْدِ إِكْرَاهِهِنّ َغفُورٌ رّحِيمٌ ﴾ ‪.‬‬
‫ض الْ َ‬
‫عَرَ َ‬
‫قال ابن كثي ‪ :‬كان أهل الاهلية إذا كان لحدهم أمة أرسلها تزن وجعل‬
‫عليها ضريبة يأخذها منها كل وقت ‪ ،‬فلما جاء السلم نى ال الؤمني عن‬
‫ذلك ‪ ،‬وكان سبب نزول هذه الية الكرية فيما ذكر غي واحد من الفسرين‬
‫من السلف واللف ‪ ،‬ف شأن عبد ال بن أبّ بن سلول ‪ ،‬فإنه كان له إماء‬
‫فكان يكرههن على البغاء طلبًا لراجه ّن ورغبة ف أولده نّ ورياسة منه فيما‬
‫يز عم ‪ .‬قال ‪ :‬وقوله تعال ‪ ﴿ :‬إِ نْ أَرَدْ َن تَحَ صّنا ﴾ هذا خرج مرج الغالب‬
‫فل مفهوم له ‪.‬‬
‫وقوله تعال ‪َ ﴿ :‬ومَن ُيكْرِههّنّ فَِإنّ اللّ َه مِن َبعْدِ إِكْرَا ِههِنّ غَفُورٌ رّحِيمٌ ﴾‬
‫أي ‪ :‬لنَّ قال ابَن عباس ‪ :‬فإن فعلتَم ﴿ فَإِنّ اللّهََ ﴾ لنَ ﴿ َغفُورٌ رّحِيمٌَ‬
‫﴾ وإث هن على من أكرهه نّ ‪ .‬قال ا بن كث ي ‪ :‬ول ا ف صّل تبارك وتعال هذه‬
‫الزء الثالث‬ ‫‪278‬‬

‫ت ّمَبيّنَا تٍ ﴾ يع ن ‪:‬‬ ‫الحكام وبيّن ها ‪ ،‬قال تعال ‪ ﴿ :‬وََلقَدْ أَنزَلْنَا إَِليْكُ ْم آيَا ٍ‬
‫القرآن فيه آيات واضحات مفسّرات ‪َ ﴿ ،‬و َمَثلً مّ َن الّذِينَ خََلوْا مِن َقبِْلكُمْ ﴾‬
‫أي ‪ :‬خبًا عن المم الاضية وما حل بم ف مالفتهم أوامر ال تعال ‪ ،‬كما‬
‫جعَ ْلنَاهُ مْ سَلَفا َومََثلً لِلْآ ِخرِي نَ ﴾ ‪ ،‬أي ‪ :‬زاجرًا عن ارتكاب‬ ‫قال تعال ‪َ ﴿ :‬ف َ‬
‫الآثَ والحارم ‪َ ﴿ ،‬و َم ْوعِ َظةً لّلْ ُمّتقِيَ ﴾ ‪ ،‬أي ‪ :‬لنَ اتقَى ال وخافَه ‪ .‬قال‬
‫علي بن أ ب طالب ر ضي ال ع نه ف صفة القرآن ‪ ( :‬ف يه ح كم ما بين كم ‪،‬‬
‫وخب ما قبلكم ‪ ،‬ونبأ ما بعدكم ‪ ،‬وهو الفصل ليس بالزل ‪ ،‬من تركه من‬
‫جبّار قصمه ال ‪ ،‬ومن ابتغى الدى من غيه أضله ال ) ‪.‬‬

‫***‬
‫‪279‬‬ ‫توفيق الرحن ف دروس القرآن‬

‫الدرس السابع والثمانون بعد الائة‬

‫ِصـبَاحٌ‬
‫شكَا ٍة فِيه َا م ْ‬
‫ِهـ كَ ِم ْ‬
‫ْضـ مََث ُل نُور ِ‬
‫السـمَاوَاتِ وَاْلأَر ِ‬
‫ّهـ نُو ُر ّ‬
‫﴿ الل ُ‬
‫ج َرةٍ مّبَارَ َكةٍ‬
‫ب دُرّيّ يُو َقدُ مِن شَ َ‬
‫ح فِي ُزجَاجَ ٍة ال ّزجَا َجةُ َكأَّنهَا َكوْكَ ٌ‬
‫الْمِ صْبَا ُ‬
‫سسْ ُه نَا ٌر نّورٌ َعلَى‬
‫َزيْتُوِنةٍ لّا شَ ْرقِّيةٍ َولَا َغ ْربِيّ ٍة َيكَادُ َزيْتُهَا يُضِي ُء َوَلوْ لَ مْ تَمْ َ‬
‫س وَاللّ ُه بِ ُك ّل شَيْءٍ‬
‫ضرِبُ اللّهُ اْلَأمْثَالَ لِلنّا ِ‬
‫نُو ٍر َيهْدِي اللّ ُه لِنُورِهِ مَن َيشَا ُء وَيَ ْ‬
‫ح لَ ُه فِيهَا‬
‫عَلِي مٌ (‪ )35‬فِي بُيُو تٍ َأذِ َن اللّ هُ أَن ُت ْرفَ َع َويُذْ َك َر فِيهَا ا سْ ُمهُ يُ سَبّ ُ‬
‫بِالْ ُغ ُدوّ وَالْآ صَالِ (‪ِ )36‬رجَالٌ لّا تُ ْلهِيهِ مْ تِجَا َر ٌة َولَا بَيْ عٌ عَن ذِ ْك ِر اللّ ِه َوإِقَا مِ‬
‫ُوبـ وَاْلأَبْصـَارُ (‪)37‬‬
‫ِيهـ الْقُل ُ‬
‫ّبـ ف ِ‬
‫ُونـ َيوْما تََتقَل ُ‬
‫الصـلَا ِة َوإِيتَاء الزّكَا ِة يَخَاف َ‬
‫ّ‬
‫ق مَن َيشَاءُ‬
‫س َن مَا عَمِلُوا َويَزِيدَهُم مّ ن فَضْلِ ِه وَاللّ هُ َيرْزُ ُ‬
‫ج ِزَيهُ ُم اللّ هُ َأحْ َ‬
‫لِيَ ْ‬
‫سرَابٍ ِبقِي َعةٍ يَحْ سَُب ُه الظّمْآ نُ‬
‫ِبغَ ْيرِ حِ سَابٍ (‪ )38‬وَالّذِي نَ َك َفرُوا أَ ْعمَاُلهُ مْ كَ َ‬
‫جدْ ُه شَيْئا وَ َوجَ َد اللّ هَ عِندَ هُ َف َوفّا ُه حِ سَاَبهُ وَاللّ هُ‬
‫مَاء حَتّ ى ِإذَا جَاء ُه لَ مْ يَ ِ‬
‫ح ٍر لّجّيّ َي ْغشَا هُ َموْ جٌ مّ ن َف ْوقِ هِ‬
‫ت فِي بَ ْ‬
‫سَرِي ُع الْحِ سَابِ (‪َ )39‬أوْ كَظُلُمَا ٍ‬
‫ت َبعْضُهَا َفوْ قَ بَعْ ضٍ إِذَا أَ ْخرَ جَ َيدَ هُ لَ مْ َيكَدْ‬
‫ج مّن َف ْوقِ هِ سَحَابٌ ظُلُمَا ٌ‬
‫َموْ ٌ‬
‫ج َعلِ اللّ ُه لَ ُه نُورا فَمَا َلهُ مِن نّورٍ ( ‪َ )40‬ألَ ْم َترَ أَ ّن اللّهَ ُيسَبّحُ‬
‫َيرَاهَا َومَن لّ ْم يَ ْ‬
‫حهُ‬
‫لَ ُه مَن فِي السّمَاوَاتِ وَاْلأَرْضِ وَالطّ ْيرُ صَافّاتٍ ُك ّل قَدْ عَلِمَ صَلَاَت ُه وَتَسْبِي َ‬
‫ض َوِإلَى اللّ هِ‬
‫وَاللّ هُ عَلِي ٌم بِمَا َيفْعَلُو نَ (‪ )41‬وَلِلّ ِه مُلْ كُ ال سّمَاوَاتِ وَالْأَرْ ِ‬
‫الْمَصِيُ (‪. ﴾ )42‬‬
‫***‬
‫الزء الثالث‬ ‫‪280‬‬

‫شكَاةٍ‬
‫قوله عز و جل ‪ ﴿ :‬اللّ ُه نُورُ ال سّمَاوَاتِ وَاْلأَرْ ضِ مََثلُ نُورِ هِ كَ ِم ْ‬
‫ب دُرّيّ يُو َقدُ مِن‬
‫ح فِي ُزجَاجَ ٍة الزّجَا َجةُ َكأَنّهَا َكوْكَ ٌ‬
‫فِيهَا مِ صْبَاحٌ الْمِ صْبَا ُ‬
‫سهُ‬
‫سْ‬‫ج َر ٍة مّبَارَ َكةٍ َزيْتُوِنةٍ لّا شَ ْرقِّيةٍ وَلَا َغ ْربِّيةٍ َيكَادُ َزيُْتهَا يُضِي ُء َولَ ْو لَ مْ تَمْ َ‬
‫شَ َ‬
‫ضرِ بُ اللّ هُ اْلَأمْثَالَ لِلنّا سِ‬
‫نَا ٌر نّورٌ عَلَى نُو ٍر َيهْدِي اللّ ُه لِنُورِ هِ مَن َيشَا ُء وَيَ ْ‬
‫وَاللّ ُه ِبكُ ّل شَيْءٍ عَلِيمٌ (‪. ﴾ )35‬‬
‫ْضَ ﴾ ‪ ،‬يقول ‪ :‬ال‬ ‫السَمَاوَاتِ وَاْلأَر ِ‬
‫ّهَ نُورُ ّ‬
‫عَن ابَن عباس قوله ‪ ﴿ :‬الل ُ‬
‫سبحانه هادي أهل السماوات والرض ‪َ ﴿ ،‬مثَلُ نُورِ هِ ﴾ مثل هداه ف قلب‬
‫صبَاحٌ ﴾ ‪،‬‬ ‫شكَاةٍ ﴾ ‪ ،‬قال ‪ :‬الشكاة كوّة الب يت ‪ ﴿ ،‬فِيهَا مِ ْ‬ ‫الؤ من ‪ ﴿ ،‬كَمِ ْ‬
‫قال ال سدي ‪ :‬هو ال سراج ‪ ،‬وقال أبّ بن ك عب ‪ :‬ال صباح ‪ :‬النور ‪ .‬و هو ‪:‬‬
‫صبَاحُ فِي زُجَا َجةٍ ﴾ و هي نظ ي‬ ‫القرآن ‪ ،‬واليان الذي ف صدره ‪ ﴿ ،‬الْمِ ْ‬
‫َبَ دُرّيّ ﴾ مضيَء ‪ ﴿ ،‬يُوقَ ُد مِن‬ ‫قلب الؤمَن ‪ ﴿ ،‬الزّجَا َجةُ َكَأنّهَا َكوْك ٌ‬
‫ج َر ٍة ّمبَارَ َكةٍ َزْيتُوِنةٍ لّا َشرِْقّيةٍ وَلَا غَ ْرِبّيةٍ ﴾ ‪ ،‬قال ابَن عباس ‪ :‬هَي شجرة‬
‫شَ َ‬
‫وسط الشجر ليست من الشرق ول من الغرب ‪ .‬وقال عكرمة ل يسترها من‬
‫الشمَس جبَل ول واد إذا طلعَت وإذا غربَت ‪ .‬وقال ماهَد ‪ :‬إذا طلعَت‬
‫الشمس أصابتها ‪ ،‬وإذا غربت أصابتها ‪.‬‬
‫َسْ ُه نَارٌ ﴾ ‪ ،‬قال البغوي ‪َ ﴿ :‬يكَادُ‬
‫َ تَمْس َ‬
‫﴿ َيكَادُ َزْيتُهََا ُيضِيءُ وََلوْ لَم ْ‬
‫َزْيتُهَا ﴾ دهن ها ﴿ ُيضِيءُ ﴾ من صفائه ‪ ﴿ ،‬وََلوْ َل ْم تَمْ سَسْ ُه نَارٌ ﴾ ‪ ،‬أي ‪:‬‬
‫قبَل أن تصَيبه النار ‪ ﴿ .‬نّو ٌر عَلَى نُورٍ ﴾ ‪ ،‬يعنَ ‪ :‬نور الصَباح على نور‬
‫‪281‬‬ ‫توفيق الرحن ف دروس القرآن‬

‫الزجاجة ‪ .‬قال أبّ بن كعب ‪ :‬هذا مثل الؤمن ‪ ،‬فالشكاة نفسه ‪ ،‬والزجاجة‬
‫صدره ‪ ،‬وال صباح ما ج عل ال ف قل به من اليان والقرآن ‪ ﴿ ،‬يُوقَ ُد مِن‬
‫ج َر ٍة ّمبَارَ َكةٍ ﴾ وهي ‪ :‬الخلص ل وحده ‪.‬‬
‫شَ َ‬
‫ـدي ف ـ قوله تعال ‪ ﴿ :‬نّو ٌر عَلَى نُورٍ ﴾ قال ‪ :‬نور النار ‪،‬‬
‫وقال السـ‬
‫ونور الز يت ‪ ،‬حي اجتمعا أضاءا ول يضيء واحد بغ ي صاحبه كذلك نور‬
‫القرآن ‪ ،‬ونور اليان حي اجتمعا ‪ ،‬فل يكون واحد منهما إلّ بصاحبه ‪.‬‬
‫س وَاللّ ُه ِبكُ ّل شَيْءٍ‬
‫﴿ َيهْدِي اللّ هُ ِلنُورِ ِه مَن يَشَا ُء َوَيضْرِ بُ اللّ ُه اْلأَ ْمثَالَ لِلنّا ِ‬
‫عَلِي مٌ ﴾ ‪ .‬قال ا بن كث ي ‪ :‬أي ‪ :‬هو أعلم ب ن ي ستحق الدا ية م ن ي ستحق‬
‫الضلل ‪ .‬وعَن أبَ سَعيد الدري قال ‪ :‬قال رسَول ال ‪ « :‬القلوب‬
‫أربعة ‪ :‬قلب أجرد فيه مثل السراج يزهر ‪ ،‬وقلب أغلف مربوط على غلفه ‪،‬‬
‫وقلب منكوس ‪ ،‬وقلب مصفّح ‪ .‬فأما القلب الجرد ‪ :‬فقلب الؤمن سراجه‬
‫فيه نور ‪ .‬وأما القلب الغلف ‪ :‬فقلب الكافر ‪ ،‬وأما القلب النكوس ‪ :‬فقلب‬
‫النافق عَرَ فَ ث أنكر ‪ ،‬وأما القلب الصفّح ‪ :‬فقلب فيه كمثل القرحة يدّها‬
‫الدم والقيح ‪ ،‬فأي الَدّتي غلبت على الخرى غلبت عليه » ‪ .‬رواه أحد ‪.‬‬
‫ت َأذِ َن اللّ هُ أَن ُت ْرفَ عَ وَُيذْ َكرَ فِيهَا ا سْ ُمهُ‬
‫قوله عز و جل ‪ ﴿ :‬فِي بُيُو ٍ‬
‫ح لَ ُه فِيهَا بِاْلغُ ُد ّو وَالْآ صَالِ (‪ِ )36‬رجَا ٌل لّا تُ ْلهِيهِ ْم تِجَا َرةٌ وَلَا بَيْ عٌ عَن‬
‫يُ سَبّ ُ‬
‫ُوبـ‬
‫ِيهـ الْقُل ُ‬
‫ّبـ ف ِ‬
‫ُونـ َيوْما تَتَقَل ُ‬
‫الصـلَا ِة َوإِيتَاء الزّكَا ِة يَخَاف َ‬
‫َامـ ّ‬
‫ّهـ وَِإق ِ‬
‫ذِ ْك ِر الل ِ‬
‫الزء الثالث‬ ‫‪282‬‬

‫سنَ مَا عَمِلُوا َويَزِيدَهُم مّن فَضْلِ ِه وَاللّ هُ‬


‫ج ِزَيهُ مُ اللّ هُ َأحْ َ‬
‫وَالَْأبْ صَارُ (‪ )37‬لِيَ ْ‬
‫ق مَن َيشَا ُء ِبغَ ْي ِر ِحسَابٍ (‪. ﴾ )38‬‬
‫َيرْزُ ُ‬
‫عن ما هد ف قوله ‪ ﴿ :‬فِي ُبيُو تٍ أَذِ نَ اللّ هُ أَن تُرْفَ عَ ﴾ ‪ ،‬قال ‪ :‬م ساجد‬
‫تب ن ‪ .‬وقال ا بن عباس ف قوله ‪ ﴿ :‬فِي ُبيُو تٍ أَذِ نَ اللّ هُ أَن ُترْفَ عَ ﴾ و هي ‪:‬‬
‫ال ساجد ‪ ،‬كره ون ى عن الل غو في ها ‪ ،‬ث قال ‪َ ﴿ :‬ويُذْكَرَ فِيهَا ا سْمُهُ ﴾ ‪،‬‬
‫يقول ‪ :‬يُتلى فيها كتابه ‪ .‬وعن السن ف هذه الية ‪ ﴿ :‬فِي ُبيُو تٍ َأذِ نَ اللّ هُ‬
‫سبّحُ لَ هُ فِيهَا بِاْلغُ ُد ّو وَالْآ صَالِ * ِرجَالٌ لّا تُ ْلهِيهِ مْ‬
‫أَن تُرْفَ َع َويُذْكَرَ فِيهَا ا سْمُ ُه يُ َ‬
‫تِجَا َرةٌ وَلَا َبيْ ٌع عَن ذِ ْكرِ اللّ ِه َوإِقَا مِ ال صّلَا ِة َوإِيتَاء الزّكَاةِ َيخَافُو َن َيوْما َتَتقَلّ بُ‬
‫فِيهَِ اْلقُلُوبَُ وَاْلَأبْصََارُ ﴾ ‪ ،‬قال ‪ :‬هَم قوم فَ تارتمَ وبيوعهَم ل تلهيهَم‬
‫تاراتم ول بيوعهم عن ذكر ال ‪.‬‬
‫وقوله تعال ‪ِ ﴿ :‬ليَ ْ‬
‫ج ِزَيهُ مُ اللّ هُ أَحْ سَنَ مَا عَمِلُوا َويَزِي َدهُم مّن َفضْلِ هِ وَاللّ هُ‬
‫ق مَن يَشَاءُ ِب َغيْرِ حِ سَابٍ ﴾ ‪ .‬روى الن سائي عن أ ساء ب نت يز يد بن‬
‫يَ ْرزُ ُ‬
‫السَكن قالت ‪ :‬قال رسَول ال ‪ « :‬إذا جعَ ال الوليَ والخريَن يوم‬
‫القيامة ‪ ،‬جاء مناد فنادى بصوت يُسمع اللئق ‪ :‬سيعلم أهل المع من أول‬
‫بالكرم ‪ ،‬لي قم الذ ين ل تلهي هم تارة ول ب يع عن ذ كر ال ‪ ،‬فيقومون و هم‬
‫قليل ‪ ،‬ث ياسَب سائر اللئق » ‪.‬‬
‫ْسـُبهُ‬
‫ب ِبقِي َع ٍة يَح َ‬
‫َسـرَا ٍ‬
‫ُمـ ك َ‬
‫ِينـ َك َفرُوا أَعْمَاُله ْ‬
‫قوله عـز وجـل ‪ ﴿ :‬وَاّلذ َ‬
‫جدْ هُ شَيْئا وَ َو َجدَ اللّ هَ عِندَ هُ َف َوفّا ُه حِ سَاَبهُ‬
‫الظّمْآ نُ مَاء حَتّ ى ِإذَا جَاء ُه لَ مْ يَ ِ‬
‫‪283‬‬ ‫توفيق الرحن ف دروس القرآن‬

‫ج مّ ن‬
‫ح ٍر لّجّيّ َي ْغشَا هُ َموْ ٌ‬
‫وَاللّ هُ َسرِي ُع الْحِ سَابِ (‪َ )39‬أوْ كَظُلُمَا تٍ فِي بَ ْ‬
‫ج َيدَ ُه لَ مْ‬
‫ق َبعْ ضٍ ِإذَا أَ ْخرَ َ‬
‫ضهَا َفوْ َ‬
‫َف ْوقِ ِه َموْ جٌ مّن َف ْوقِ هِ سَحَابٌ ُظلُمَا تٌ َبعْ ُ‬
‫ج َعلِ ال ّل ُه َلهُ نُورا فَمَا َل ُه مِن نّورٍ (‪. ﴾ )40‬‬
‫َي َكدْ َيرَاهَا وَمَن لّ ْم يَ ْ‬
‫قال ابـن كثيـ ‪ :‬هذان مثلن ضربمَا ال تعال لنوعَي الكفار ‪ ،‬كمَا‬
‫ضرب للمنافق ي ف أول البقرة مثل ي ناريًا ومائيًا ‪ ،‬ك ما ضرب ل ا يقرّ ف‬
‫القلوب من الدى والعلم ف سورة الرعد مثلي مائيًا وناريًا ؛ فأما الول من‬
‫هذين الثلي فهو للكفار الدعاة إل كفرهم ‪ ،‬الذين يسبون أنم على شيء‬
‫من العمال والعتقادات ‪ ،‬ولي سوا ف ن فس ال مر على ش يء ‪ ،‬وهذا الثال‬
‫مثال لذوي ال هل الركّب ‪ ،‬فأ ما أ صحاب ال هل الب سيط و هم الطما طم‬
‫الغشام القلّدون لئ مة الك فر ‪ ،‬ال صم الب كم الذ ين ل يعقلون فمثل هم ك ما‬
‫جيّ ﴾ ‪ .‬انتهى ملخصًا ‪.‬‬ ‫قال تعال ‪َ ﴿ :‬أوْ كَظُُلمَاتٍ فِي َبحْرٍ لّ ّ‬
‫وقال أبّ بن ك عب ‪ :‬ث ضرب ال مثلً آ خر فقال ‪ ﴿ :‬وَالّذِي نَ َكفَرُوا‬
‫ب ِبقِي َعةٍ ﴾ ‪ ،‬قال ‪ :‬وكذلك الكا فر ي يء يوم القيا مة و هو‬ ‫َأعْمَاُلهُ مْ كَ سَرَا ٍ‬
‫يسَب أن له عنَد ال خيًا ‪ ،‬فل يدَ فيدخله النار ‪ .‬وعَن ابَن عباس قوله‬
‫ج مّن َفوْقِهِ سَحَابٌ‬
‫ج مّن َفوْقِ ِه َموْ ٌ‬
‫جيّ َيغْشَا ُه َموْ ٌ‬‫حرٍ لّ ّ‬
‫‪َ ﴿ :‬أوْ كَ ُظلُمَاتٍ فِي بَ ْ‬
‫﴾ إل قوله ‪ ﴿ :‬م ِن نّورٍ ﴾ ‪ ،‬قال ‪ :‬يعنَ بالظلمات ‪ :‬العمال ‪ .‬وبالبحَر‬
‫ِهَ‬
‫ْجَ مّنَ َفوْق ِ‬
‫ِهَ َمو ٌ‬
‫ْجَ مّنَ َفوْق ِ‬ ‫َاهَ َمو ٌ‬
‫اللجّي ‪ :‬قلب النسَان ‪ .‬قال ‪َ ﴿ :‬يغْش ُ‬
‫ق َبعْ ضٍ ﴾ ‪ ،‬يعن بذلك ‪ :‬الغشاوة‬ ‫ضهَا َفوْ َ‬‫ت َب ْع ُ‬
‫سَحَابٌ ﴾ ‪ ،‬قال ‪ ﴿ :‬ظُُلمَا ٌ‬
‫الزء الثالث‬ ‫‪284‬‬

‫ّهَ عَلَى‬
‫َمَ الل ُ‬
‫التَ على القلب والسَمع والبصَر ‪ ،‬وهَو كقوله تعال ‪َ ﴿ :‬خت َ‬
‫ُقلُوبِه ْم َوعَلَى سَ ْم ِعهِ ْم َوعَلَى َأبْ صَارِهِ ْم غِشَا َوةٌ وََلهُ ْم عَذَا بٌ عظِي مٌ ﴾ ‪ .‬وعن‬
‫جيّ َيغْشَا ُه َموْ جٌ ﴾ الية ‪،‬‬
‫حرٍ لّ ّ‬
‫أب بن كعب ف قوله ‪َ ﴿ :‬أوْ كَ ُظلُمَا تٍ فِي بَ ْ‬
‫قال ‪ :‬ضرب مثلً آ خر للكا فر ‪ ،‬ف هو يتقلّب ف خ س من الظلم ‪ :‬فكل مه‬
‫ظلمَة ‪ ،‬وعمله ظلمَة ‪ ،‬ومدخله ظلمَة ‪ ،‬ومرجَه ظلمَة ‪ ،‬ومصَيه إل‬
‫الظلمات يوم القيامة إل النار ‪.‬‬
‫وقوله تعال ‪ ﴿ :‬وَمَن لّ ْم يَ ْ‬
‫جعَلِ اللّ هُ لَ هُ نُورا فَمَا لَ ُه مِن نّورٍ ﴾ ‪ ،‬كقوله‬
‫ل هَادِيَ لَ ُه َويَذَ ُرهُمْ فِي ُطغْيَاِنهِ ْم َيعْ َمهُونَ ﴾ ‪.‬‬
‫تعال ‪ ﴿ :‬مَن ُيضْلِلِ اللّهُ َف َ‬
‫ح لَهُ مَن فِي السّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ‬
‫قوله عز وجل ‪َ ﴿ :‬ألَمْ َت َر أَنّ اللّ َه يُسَبّ ُ‬
‫ح ُه وَاللّهُ عَلِي ٌم بِمَا يَ ْفعَلُونَ (‪)41‬‬
‫وَالطّ ْيرُ صَافّاتٍ ُك ّل َقدْ عَلِمَ صَلَاَتهُ َوتَسْبِي َ‬
‫ض وَِإلَى ال ّلهِ الْمَصِيُ (‪. ﴾ )42‬‬
‫ت وَاْلأَرْ ِ‬
‫َولِ ّلهِ مُ ْلكُ السّمَاوَا ِ‬
‫ت وَالْأَرْضِ ﴾‬ ‫قال ابن كثي ‪ :‬يب تعال أنه ‪ ﴿:‬يُ َ‬
‫سبّحُ لَ ُه مَن فِي السّمَاوَا ِ‬
‫أي ‪ :‬من اللئ كة ‪ ،‬والنا سي ‪ ،‬والا ّن ‪ ،‬واليوان ح ت الماد ‪ ،‬ك ما قال‬
‫ض َومَن فِيهِنّ َوإِن مّن شَيْءٍ إِلّ‬
‫ت وَاْلأَرْ ِ‬
‫سبّحُ لَ ُه مَن فِي ال سّمَاوَا ِ‬ ‫تعال ‪ ﴿ :‬يُ َ‬
‫حهُمْ ِإنّهُ كَانَ حَلِيما َغفُورا ﴾ ‪.‬‬
‫سبّ ُح بِحَ ْم َدهِ وَلََكِن ّل َت ْف َقهُو َن تَسْبِي َ‬
‫يُ َ‬
‫وقوله تعال ‪ ﴿ :‬وَال ّطيْرُ صَافّاتٍ ﴾ ‪ ،‬أي ‪ :‬ف حال طيان ا ت سبّح رب ا‬
‫وتعبده بت سبيح ألم ها وأرشد ها إل يه ‪ ،‬و هو يعلم ما هي فاعلة ‪ ،‬ولذا قال‬
‫سبِيحَهُ ﴾ ‪ ،‬أي ‪ :‬كل قد أرشده إل طريقته‬‫تعال ‪ ﴿ :‬كُلّ قَ ْد عَِل مَ صَلَاتَ ُه َوتَ ْ‬
‫‪285‬‬ ‫توفيق الرحن ف دروس القرآن‬

‫ومسلكه ف عبادة ال عز وجل ؛ ث أخب أنه عال بميع ذلك ل يفى عليه‬
‫من ذلك شيء ‪ ،‬ولذا قال ‪ ﴿ :‬وَاللّ ُه عَلِي ٌم بِمَا َي ْفعَلُونَ ﴾ ‪.‬‬
‫ث أخب تعال أن له ملك السماوات والرض فهو الاكم التصرف ‪ ،‬الله‬
‫العبود الذي ل تنبغَي العبادة إلّ له ول معقّب لكمَه ﴿ َوإِلَى اللّهَِ الْمَ صِيُ‬
‫﴾ أي ‪ :‬يوم القيا مة ‪ .‬فيح كم ف يه ب ا شاء ليجزي الذ ين أ ساءوا ب ا عملوا ‪،‬‬
‫ويزي الذيَن أحسَنوا بالسَن ‪ ،‬فهَو الالق الالك الله الكَم فَ الدنيَا‬
‫والخرة ‪ ،‬وله المد ف الول والخرة ‪ ،‬وله الكم وإليه ترجعون ‪.‬‬

‫***‬
‫الزء الثالث‬ ‫‪286‬‬

‫الدرس الثامن والثمانون بعد الائة‬

‫جعَلُ هُ رُكَاما فََترَى‬


‫ف بَيْنَ ُه ثُمّ يَ ْ‬
‫﴿ َألَ مْ َت َر أَنّ اللّ َه ُيزْجِي سَحَابا ثُمّ ُي َؤلّ ُ‬
‫ج مِ ْن خِلَالِ ِه وَيَُن ّزلُ مِ َن ال سّمَا ِء مِن جِبَا ٍل فِيهَا مِن َبرَ ٍد فَيُ صِيبُ‬
‫خرُ ُ‬
‫ق يَ ْ‬
‫اْلوَدْ َ‬
‫ب بِاْلَأبْ صَارِ ( ‪)43‬‬
‫بِ ِه مَن َيشَا ُء َويَ صْ ِر ُفهُ عَن مّن َيشَا ُء يَكَادُ سَنَا َبرْقِ ِه يَ ْذهَ ُ‬
‫ب اللّهُ اللّ ْيلَ وَالّنهَا َر إِنّ فِي َذلِكَ َلعِ ْب َرةً لُّأ ْولِي الَْأبْصَارِ ( ‪ )44‬وَاللّهُ خَلَقَ‬
‫ُيقَلّ ُ‬
‫ُك ّل دَابّ ٍة مِن مّاء فَ ِم ْنهُم مّن يَ ْمشِي عَلَى بَطْنِهِ َومِ ْنهُم مّن يَ ْمشِي عَلَى ِرجْلَيْنِ‬
‫َومِ ْنهُم مّن يَ ْمشِي عَلَى أَ ْربَ ٍع يَخْ ُلقُ ال ّلهُ مَا َيشَا ُء إِنّ اللّهَ عَلَى ُك ّل شَيْ ٍء َقدِيرٌ‬
‫ط مّ سَْتقِيمٍ (‬
‫صرَا ٍ‬
‫(‪َ )45‬ل َقدْ أَن َزلْنَا آيَا تٍ مّبَيّنَا تٍ وَاللّ هُ َي ْهدِي مَن َيشَا ُء ِإلَى ِ‬
‫‪َ )46‬وَيقُولُو نَ آمَنّ ا بِاللّ هِ َوبِالرّ سُو ِل َوأَ َطعْنَا ثُمّ يَتَ َولّى َفرِي ٌق مّنْهُم مّ ن َب ْعدِ‬
‫حكُمَ بَيَْنهُمْ‬
‫ك بِالْ ُم ْؤمِنِيَ (‪َ )47‬وِإذَا دُعُوا ِإلَى اللّهِ وَرَسُوِل ِه لِيَ ْ‬
‫َذلِكَ َومَا ُأ ْولَئِ َ‬
‫ِإذَا َفرِي قٌ مّنْهُم مّ ْعرِضُو نَ (‪َ )48‬وإِن يَكُن ّلهُ ُم الْحَقّ َي ْأتُوا ِإلَيْ ِه ُمذْعِنِيَ (‬
‫ِمـ‬
‫ّهـ عَلَ ْيه ْ‬
‫ِيفـ الل ُ‬
‫ُونـ أَن يَح َ‬
‫َمـ يَخَاف َ‬
‫َمـ ا ْرتَابُوا أ ْ‬
‫َضـ أ ِ‬
‫‪ )49‬أَفِي قُلُوبِهِم ّمر ٌ‬
‫وَرَ سُولُ ُه َبلْ ُأ ْولَئِ كَ هُ مُ الظّالِمُو نَ (‪ِ )50‬إنّمَا كَا َن َق ْولَ الْ ُم ْؤمِنِيَ ِإذَا دُعُوا‬
‫ُمـ‬
‫ِكـ ه ُ‬
‫سـِمعْنَا َوأَ َطعْنَا وَُأ ْولَئ َ‬
‫ُمـ أَن َيقُولُوا َ‬
‫ُمـ بَيَْنه ْ‬
‫حك َ‬‫ّهـ وَرَسـُوِلهِ لِيَ ْ‬
‫ِإلَى الل ِ‬
‫ك هُ مُ‬
‫ش اللّ َه وَيَّتقْ هِ َفُأ ْولَئِ َ‬
‫الْ ُمفْلِحُو نَ (‪ )51‬وَمَن يُطِ ِع اللّ هَ وَرَ سُوَلهُ وَيَخْ َ‬
‫خ ُرجُنّ قُل لّا‬
‫اْلفَاِئزُو نَ (‪ )52‬وََأقْ سَمُوا بِاللّ ِه َجهْ َد َأيْمَانِهِ ْم لَئِ نْ َأ َمرَْتهُ ْم لَيَ ْ‬
‫ّهـ‬
‫ُونـ (‪ُ )53‬قلْ أَطِيعُوا الل َ‬
‫ي بِمَا َتعْمَل َ‬
‫ّهـ خَبِ ٌ‬
‫ْسـمُوا طَا َع ٌة ّمعْرُوفَ ٌة إِنّ الل َ‬
‫ُتق ِ‬
‫َوأَطِيعُوا الرّ سُولَ َفإِن َتوَلّوا َفِإنّمَا عَلَيْ هِ مَا حُ ّم َل وَعَلَيْكُم مّ ا حُمّلْتُ ْم َوإِن‬
‫‪287‬‬ ‫توفيق الرحن ف دروس القرآن‬

‫غ الْمُبِيُ (‪ )54‬وَ َعدَ اللّ هُ اّلذِي نَ‬


‫تُطِيعُو هُ َتهَْتدُوا وَمَا عَلَى الرّ سُو ِل إِلّا الْبَلَا ُ‬
‫خلَفَ‬
‫ت لَيَ سْتَخْ ِلفَّنهُم فِي اْلأَرْ ضِ كَمَا ا سْتَ ْ‬
‫آمَنُوا مِنكُ مْ وَعَ ِملُوا ال صّالِحَا ِ‬
‫اّلذِي نَ مِن قَبْ ِلهِ مْ َولَيُ َمكَّننّ َلهُ مْ دِيَنهُ ُم الّذِي ا ْرتَضَى لَهُ مْ َولَيَُبدّلَّنهُم مّن َب ْعدِ‬
‫ك َفأُ ْولَئِكَ هُمُ‬
‫شرِكُونَ بِي شَيْئا َومَن َك َف َر َبعْ َد َذلِ َ‬
‫َخ ْوفِهِمْ أَمْنا َيعْبُدُونَنِي لَا ُي ْ‬
‫ُمـ‬
‫الصـلَا َة وَآتُوا الزّكَاةَ وَأَطِيعُوا الرّسـُو َل َلعَلّك ْ‬
‫َاسـقُونَ (‪ )55‬وََأقِيمُوا ّ‬
‫اْلف ِ‬
‫ض وَ َم ْأوَاهُ مُ النّارُ‬
‫جزِي َن فِي اْلأَرْ ِ‬
‫ُت ْرحَمُو نَ (‪ )56‬لَا تَحْ سََبنّ اّلذِي نَ َك َفرُوا ُمعْ ِ‬
‫س الْمَصِيُ (‪. ﴾ )57‬‬
‫َولَبِئْ َ‬

‫***‬
‫الزء الثالث‬ ‫‪288‬‬

‫جعَلُهُ‬
‫قوله عز وجل ‪َ ﴿ :‬ألَ ْم َترَ أَنّ اللّهَ ُي ْزجِي سَحَابا ُثمّ ُي َؤلّفُ بَيْنَ ُه ُثمّ يَ ْ‬
‫ج مِ نْ خِلَالِ ِه وَيَُن ّزلُ مِ نَ ال سّمَا ِء مِن جِبَالٍ فِيهَا مِن‬
‫خرُ ُ‬
‫ق يَ ْ‬
‫ُركَاما فََترَى اْلوَدْ َ‬
‫ص ِرفُهُ عَن مّ ن َيشَا ُء َيكَادُ سَنَا َبرْقِ هِ َي ْذهَ بُ‬
‫ب بِ هِ مَن َيشَا ُء َويَ ْ‬
‫َب َردٍ فَيُ صِي ُ‬
‫ك َلعِ ْبرَ ًة ّلأُ ْولِي اْلأَبْصَارِ (‬
‫بِالَْأبْصَارِ (‪ُ )43‬يقَلّبُ اللّهُ اللّ ْي َل وَالّنهَا َر إِنّ فِي َذلِ َ‬
‫‪. ﴾ )44‬‬
‫قال ا بن كث ي ‪ :‬يذ كر تعال أ نه ي سوق ال سحاب بقدرته أول ما ينشئها‬
‫َهَ ﴾ ‪ ،‬أي ‪ :‬يمعَه بعَد‬ ‫ّفَ َبْين ُ‬
‫وهَي ضعيفَة وهَو الزجاء ‪ ﴿ ،‬ثُم ّ ُيؤَل ُ‬
‫جعَلُ هُ رُكَاما ﴾ ‪ ،‬أي ‪ :‬متراكمًا ير كب بع ضه بعضًا ‪﴿ ،‬‬ ‫تفر قه ‪ ﴿ ،‬ثُمّ يَ ْ‬
‫ج مِ نْ خِلَالِ هِ ﴾ ‪ ،‬أي ‪ :‬من خلله ‪.‬‬ ‫خرُ ُ‬ ‫َفتَرَى الْوَدْ قَ ﴾ ‪ ،‬أي ‪ :‬ال طر ‪ ﴿ ،‬يَ ْ‬
‫قال عب يد بن عم ي اللي ثي ‪ :‬يبعث ال الثية فتق مّ الرض قمّ ا ‪ ،‬ث يبعث ال‬
‫الناشئة فتن شئ ال سحاب ‪ .‬ث يب عث ال الؤلّف بي نه ‪ ،‬ث يب عث ال اللوا قح‬
‫ج مِ نْ خِلَالِهِ‬
‫خرُ ُ‬
‫ق يَ ْ‬
‫فتلقّح السحاب ‪ .‬وقال ابن زيد ف قوله ‪َ ﴿ :‬فتَرَى الْوَدْ َ‬
‫﴾ ‪ ،‬قال ‪ :‬الودق القطر ‪.‬‬
‫وقوله تعال ‪َ ﴿ :‬ويُنَزّلُ مِ َن ال سّمَا ِء مِن ِجبَالٍ فِيهَا مِن َبرَدٍ َفيُ صِيبُ بِ هِ مَن‬
‫يَشَا ُء َويَصْرِفُ ُه عَن مّن يَشَاءُ ﴾ ‪ ،‬قال ابن عباس ‪ :‬أخب ال تعال أن ف السماء‬
‫جبالً من بَ َردٍ ﴿ َيكَادُ َسنَا بَرْقِ ِه يَ ْذهَبُ بِاْلَأبْصَارِ ﴾ ‪ ،‬قال ‪ :‬ضوء برقه يذهب‬
‫بالبصار ‪.‬‬
‫‪289‬‬ ‫توفيق الرحن ف دروس القرآن‬

‫وقوله تعال ﴿ ُيقَلّبُ اللّهُ الّليْ َل وَالنّهَارَ ِإنّ فِي ذَلِكَ َل ِعبْ َرةً ّلُأوْلِي الَْأبْصَارِ ﴾‬
‫كقوله تعال ‪ ﴿ :‬يُولِ جُ الّليْلَ فِي الّنهَا ِر َويُولِ ُج الّنهَارَ فِي الّليْلِ ﴾ ‪ .‬و عن أ ب‬
‫هريرة قال ‪ :‬قال ر سول ال ‪ « :‬قال ال تعال ‪ :‬يؤذي ن ا بن آدم ‪ ،‬ي سبّ‬
‫الدهر وأنا الدهر ‪ ،‬بيدي المر أقلب الليل والنهار » ‪ .‬رواه البغوي وغيه ‪.‬‬
‫قوله عز وجل ‪ ﴿ :‬وَاللّ ُه خَلَ قَ ُك ّل دَاّب ٍة مِن مّاء َفمِ ْنهُم مّن يَ ْمشِي عَلَى‬
‫بَطْنِهِ َومِ ْنهُم مّن يَ ْمشِي عَلَى ِرجْلَيْ ِن َومِنْهُم مّن يَ ْمشِي عَلَى أَ ْربَ عٍ يَخْلُ ُق اللّ هُ‬
‫ت وَاللّ هُ‬
‫ت مّبَيّنَا ٍ‬
‫مَا َيشَا ُء إِنّ اللّ هَ عَلَى ُكلّ َشيْ ٍء َقدِيرٌ (‪َ )45‬لقَ ْد أَن َزلْنَا آيَا ٍ‬
‫صرَاطٍ ّمسَْتقِيمٍ (‪. ﴾ )46‬‬
‫َي ْهدِي مَن َيشَا ُء ِإلَى ِ‬
‫قال ا بن كث ي ‪ :‬يذكّر تعال قدر ته التا مة ‪ ،‬و سلطانه العظ يم ‪ ،‬ف خل قه‬
‫أنواع الخلوقات ‪ ،‬على اختلف أشكالا وألوانا ‪ ،‬وحركاتا وسكناتا ‪ ،‬من‬
‫ماء وا حد ‪ ،‬فمنهم من ي شي على بط نه ‪ :‬كالية و ما شاكل ها ‪ ،‬ومنهم من‬
‫يشَي على رجليَ ‪ :‬كالنسَان ‪ ،‬والطيَ ‪ ،‬ومنهَم مَن يشَي على أربَع ‪:‬‬
‫خلُ قُ اللّ ُه مَا يَشَاءُ إِنّ اللّ َه عَلَى‬
‫كالنعام و سائر اليوانات ‪ ،‬ولذا قال ‪ ﴿ :‬يَ ْ‬
‫كُ ّل َشيْءٍ قَدِيرٌ ﴾ ‪ .‬قال البغوي ‪ :‬ول يذكر من يشي على أكثر من أربع ‪،‬‬
‫مثل حشرات الرض لنا ف الصورة كالت على الربع ‪ ،‬وقيل ‪ :‬إن ف قوله‬
‫تعال ‪ ﴿ :‬يَخُْلقُ اللّ ُه مَا يَشَاءُ ﴾ تنبيهًا على سائر القسام ‪.‬‬
‫وقوله تعال ‪َ ﴿ :‬لقَدْ أَنزَلْنَا آيَا تٍ مَّبّينَا تٍ ﴾ ‪ ،‬أي ‪ :‬واضحات تدلّ على‬
‫ستَقِيمٍ ﴾ ‪.‬‬
‫ط مّ ْ‬
‫صرَا ٍ‬
‫طريق الق ﴿ وَاللّ ُه َيهْدِي مَن يَشَاءُ إِلَى ِ‬
‫الزء الثالث‬ ‫‪290‬‬

‫قوله عز وجل ‪ ﴿ :‬وََيقُولُونَ آمَنّا بِال ّلهِ َوبِال ّرسُولِ َوأَ َطعْنَا ثُ ّم يََتوَلّى َفرِيقٌ‬
‫مّ ْنهُم مّن َبعْ ِد َذلِكَ وَمَا ُأوْلَئِكَ بِالْ ُمؤْمِنِيَ (‪ )47‬وَِإذَا ُدعُوا ِإلَى اللّهِ وَرَسُوِلهِ‬
‫حقّ َي ْأتُوا ِإلَيْهِ‬
‫حكُمَ بَيَْنهُ ْم ِإذَا َفرِي ٌق مّ ْنهُم ّم ْعرِضُونَ (‪ )48‬وَإِن َيكُن ّلهُمُ الْ َ‬
‫لِيَ ْ‬
‫ُمذْعِنِيَ (‪ )49‬أَفِي قُلُوبِهِم ّمرَ ضٌ أَ مِ ا ْرتَابُوا أَ ْم يَخَافُو َن أَن يَحِي فَ اللّ هُ‬
‫ك هُ ُم الظّالِمُو نَ (‪ِ )50‬إنّمَا كَا َن َقوْلَ الْ ُم ْؤمِنِيَ ِإذَا‬
‫عَلَ ْيهِ ْم وَرَ سُوُلهُ َب ْل ُأوْلَئِ َ‬
‫ك هُ مُ‬
‫حكُ َم بَيَْنهُ ْم أَن يَقُولُوا سَ ِمعْنَا َوأَ َطعْنَا َوأُ ْولَئِ َ‬
‫دُعُوا إِلَى اللّ هِ وَرَ سُولِ ِه لِيَ ْ‬
‫ك هُ مُ‬
‫ش اللّ َه وَيَّتقْ هِ َفُأ ْولَئِ َ‬
‫الْ ُمفْلِحُو نَ (‪ )51‬وَمَن يُطِ ِع اللّ هَ وَرَ سُوَلهُ وَيَخْ َ‬
‫اْلفَاِئزُونَ (‪. ﴾ )52‬‬
‫قال ابن كثي ‪ :‬يب تعال عن صفات النافقي ‪ ،‬الذين يُظهرون خلف‬
‫مَا يبطنون ‪ ،‬يقولون قو ًل بألسَنتهم ‪ :‬آمنَا بال وبالرسَول وأطعنَا ‪ ﴿ ،‬ثُمّ‬
‫َيَتوَلّى فَرِي ٌق ّمْنهُم مّن َبعْدِ ذَلِكَ ﴾ ‪ ،‬أي ‪ :‬يالفون أقوالم بأعمالم ‪ ،‬فيقولون‬
‫ك بِالْ ُم ْؤمِنِيَ ﴾ ‪.‬‬
‫ما ل يفعلون ‪ ،‬ولذا قال تعال ‪َ ﴿ :‬ومَا ُأوَْلئِ َ‬
‫وقوله تعال ‪َ ﴿ :‬وإِذَا ُدعُوا إِلَى اللّ ِه وَرَ سُولِهِ ِليَ ْ‬
‫حكُ َم َبيَْنهُ مْ إِذَا فَرِي ٌق ّمنْهُم‬
‫ُونَ ﴾ ‪ ،‬أي ‪ :‬إذا طُلبوا إل اتباع الدى فيمَا أنزل ال على رسَوله ‪،‬‬ ‫ّمعْرِض َ‬
‫أعرضوا عنه واستكبوا ف أنفسهم عن اتباعه ‪ ،‬كقوله تعال ‪ ﴿ :‬أَلَ ْم َترَ إِلَى‬
‫ك يُرِيدُو نَ أَن‬ ‫ك وَمَا أُنزِ َل مِن َقبْلِ َ‬ ‫الّذِي َن يَ ْزعُمُو نَ أَّنهُ مْ آ َمنُوْا بِمَا أُنزِلَ إَِليْ َ‬
‫شيْطَا نُ أَن ُيضِّلهُ مْ‬ ‫ت وَقَدْ ُأمِرُواْ أَن َي ْكفُرُوْا بِ هِ َويُرِيدُ ال ّ‬
‫َيتَحَاكَمُواْ إِلَى الطّاغُو ِ‬
‫ْتَ‬
‫ّهَ َوإِلَى الرّسَُولِ َرَأي َ‬ ‫ُمَ َتعَاَلوْاْ إِلَى م َا أَنزَلَ الل ُ‬ ‫ضلَ ًل َبعِيدا * َوإِذَا قِيلَ َله ْ‬ ‫َ‬
‫‪291‬‬ ‫توفيق الرحن ف دروس القرآن‬

‫الْ ُمنَاِفقِيَ يَ صُدّونَ عَن كَ صُدُودا ﴾ ‪ .‬وف الطبان عن سرة مرفوعًا ‪ « :‬من‬
‫دُعي إل سلطان فلم يب فهو ظال ل حق له » ‪.‬‬
‫وقوله تعال ‪َ ﴿ :‬وإِن يَكُن ّلهُ ُم الْحَقّ َيأْتُوا إَِليْ هِ مُ ْذ ِعنِيَ ﴾ ‪ ،‬أي ‪ :‬وإذا‬
‫كا نت الكو مة ل م ل علي هم جاءوا سامعي مطيع ي ‪ ،‬وإذا كا نت علي هم‬
‫أعرضوا ‪ ،‬ولذا قال تعال ‪ ﴿ :‬أَفِي ُقلُوبِهِم مّرَ ضٌ أَ مِ ا ْرتَابُوا أَ مْ َيخَافُو نَ أَن‬
‫يَحِيفَ اللّ ُه عََلْيهِ ْم وَرَسُولُ ُه بَلْ ُأوَْلئِكَ هُمُ الظّالِمُونَ * ِإنّمَا كَانَ َقوْلَ الْ ُمؤْ ِمنِيَ‬
‫حكُ َم َبيَْنهُ مْ أَن َيقُولُوا سَ ِم ْعنَا َوأَ َط ْعنَا َوُأوَْلئِ كَ هُ مُ‬
‫إِذَا ُدعُوا إِلَى اللّ ِه وَرَ سُولِهِ ِليَ ْ‬
‫الْ ُمفِْلحُو نَ ﴾ ‪ .‬قال قتادة ‪ :‬ذكر لنا أن عبادة بن الصامت وكان عقبيًا بدريًا‬
‫أحد نقباء النصار ‪ ،‬أنه لا حضره الوت قال لبن أخيه جنادة بن أب أمية ‪:‬‬
‫أل أنبئك باذا عليك وباذا لك ؟ قال ‪ :‬بلى قال ‪ :‬فإن عليك السمع والطاعة‬
‫فَ عسَرك ويسَرك ومنشطَك ومكرهَك وأثرة عليَك ‪ ،‬وعليَك أن تقيَم‬
‫لسانك بالعدل ‪ ،‬وأن ل تنازع المر أهله ‪ ،‬إلّ أن يأمروك بعصية ال بواحًا ‪،‬‬
‫فما أُمرت به من شيء يالف كتاب ال فاتبع كتاب ال » ‪.‬‬
‫وقوله تعال ‪ ﴿ :‬وَمَن يُ ِط عِ اللّ َه وَرَ سُولَ ُه َويَخْ شَ اللّ َه َوَيتّقْ هِ َفُأوَْلئِ َ‬
‫ك هُ مُ‬
‫اْلفَائِزُونَ ﴾ ‪ .‬قال قتادة ‪ :‬يطيع ال ورسوله فيما أمراه به ‪ ،‬ويترك ما نياه عنه‬
‫ويشى ال فيما مضي من ذنوبه ‪ ،‬وَيتّقْ ِه فيما يستقبل ‪.‬‬
‫خ ُر ُجنّ‬
‫قوله عز وجل ‪ ﴿ :‬وََأقْ سَمُوا بِاللّ ِه َجهْ َد َأيْمَاِنهِ مْ لَئِ ْن َأ َمرَْتهُ مْ لَيَ ْ‬
‫ي بِمَا َتعْمَلُونَ (‪ُ )53‬ق ْل أَطِيعُوا اللّهَ‬
‫قُل لّا ُتقْسِمُوا طَا َع ٌة ّم ْعرُو َفةٌ إِنّ اللّهَ خَبِ ٌ‬
‫الزء الثالث‬ ‫‪292‬‬

‫َوأَطِيعُوا الرّ سُولَ َفإِن َتوَلّوا َفِإنّمَا عَلَيْ هِ مَا حُ ّم َل وَعَلَيْكُم مّ ا حُمّلْتُ ْم َوإِن‬
‫غ الْمُِبيُ (‪. ﴾ )54‬‬
‫تُطِيعُوهُ َتهَْتدُوا َومَا عَلَى ال ّرسُو ِل إِلّا الْبَلَا ُ‬
‫قال البغوي قوله تعال ‪َ ﴿ :‬وأَقْ سَمُوا بِاللّ هِ َجهْدَ َأيْمَاِنهِ مْ ﴾ َجهْ َد اليم ي‬
‫خرُ ُجنّ ﴾ وذلك‬ ‫أن يلف بال ‪ ،‬ول حلف فوق اللف بال ﴿ َلئِنْ َأمَ ْرَتهُمْ َليَ ْ‬
‫أن النافقيَ كانوا يقولون لرسَول ال ‪ :‬أينمَا كنَت نكَن معَك ‪ ،‬لئن‬
‫خرجت خرجنا ‪ ،‬وإن أقمت أقمنا ‪ ،‬وإن أمرتنا بالهاد جاهدنا ‪ ،‬فقال تعال‬
‫‪ ﴿ :‬قُلْ ﴾ لم ‪ ﴿ :‬لّا ُتقْ سِمُوا ﴾ ‪ ،‬ل تلفوا ‪ ،‬وقد تّ الكلم ؛ ث قال ‪﴿ :‬‬
‫طَا َعةٌ ّمعْرُوَفةٌ ﴾ يعنَ ‪ :‬هذه طاعَة بالقول وباللسَان دون العتقاد ‪ ،‬وهَي‬
‫معرو فة ‪ :‬يع ن ‪ :‬أم ٌر عرف من كم أن كم تكذبون ‪ ،‬وتقولون ما ل تفعلون ‪،‬‬
‫هذا معن قول ماهد ‪ِ ﴿ .‬إنّ اللّ هَ َخبِ ٌي بِمَا َتعْمَلُو نَ * قُلْ َأطِيعُوا اللّ َه َوأَطِيعُوا‬
‫الرّ سُولَ فَإِن َتوَلّوا ﴾ ‪ ،‬يعن ‪ :‬تولّوا عن طاعة ال ورسوله ‪ ﴿ ،‬فَِإنّمَا عََليْ ِه مَا‬
‫حُمّلَ ﴾ ‪ ،‬يعنَ ‪ :‬على الرسَول مَا كُلّف وأمَر بَه مَن تبليَغ الرسَالة ‪﴿ ،‬‬
‫َوعََليْكُم مّ ا حُمّ ْلتُ مْ ﴾ من الجا بة والطا عة ‪َ ﴿ ،‬وإِن تُطِيعُو ُه ﴾ تتدوا و ما‬
‫على الرسول إل البلغ البي ‪.‬‬
‫قوله عز و جل ‪ ﴿ :‬وَ َعدَ اللّ هُ اّلذِي نَ آمَنُوا مِنكُ مْ وَعَمِلُوا ال صّالِحَاتِ‬
‫ف اّلذِي َن مِن قَبْ ِلهِ ْم َولَيُ َمكّنَنّ لَهُ مْ‬
‫لَيَ سْتَخْ ِلفَّنهُم فِي الْأَرْ ضِ كَمَا ا سْتَخْلَ َ‬
‫ِمـ َأمْنا َيعُْبدُونَن ِي لَا‬
‫ُمـ َولَيَُبدّلَنّهُم مّنـ َبعْ ِد َخوْ ِفه ْ‬
‫ُمـ الّذِي ا ْرتَض َى َله ْ‬
‫دِيَنه ُ‬
‫َاسـقُونَ (‪)55‬‬
‫ُمـ اْلف ِ‬
‫ِكـ ه ُ‬
‫ِكـ َفأُ ْولَئ َ‬
‫ُونـ ب ِي شَيْئا وَم َن َك َف َر َبعْ َد َذل َ‬
‫شرِك َ‬
‫ُي ْ‬
‫‪293‬‬ ‫توفيق الرحن ف دروس القرآن‬

‫ُونـ (‪ )56‬لَا‬
‫ُمـ ُترْحَم َ‬
‫الصـلَا َة وَآتُوا الزّكَاةَ وَأَطِيعُوا الرّسـُولَ لَعَ ّلك ْ‬
‫َوَأقِيمُوا ّ‬
‫س الْمَ صِيُ (‬
‫ض َو َمأْوَاهُ ُم النّا ُر َولَبِئْ َ‬
‫جزِي نَ فِي الْأَرْ ِ‬
‫تَحْ سََب ّن اّلذِي نَ َك َفرُوا ُمعْ ِ‬
‫‪. ﴾ )57‬‬
‫عن أ ب العال ية قوله ﴿ َوعَدَ اللّ ُه الّذِي نَ آ َمنُوا مِنكُ ْم َوعَمِلُوا ال صّالِحَاتِ‬
‫﴾ الية ‪ .‬قال ‪ :‬مكث النب عشر سني خائفًا يدعو إل ال سرًا وعلنية ‪،‬‬
‫ث أ مر بالجرة إل الدي نة ‪ ،‬فم كث ب ا هو وأ صحابه خائف ي ي صبحون ف‬
‫ال سلح وي سون ف يه ‪ ،‬فقال ر جل ‪ :‬ما يأ ت علي نا يوم نأ من ف يه ون ضع ع نا‬
‫السلح ؟ فقال النب ‪ « :‬ل تصبون إلّ يسيًا حت يلس الرجل منكم ف‬
‫الل العظيَم متبيًا ليَس فيَه حديدة » ‪ ،‬فأنزل ال هذه اليَة ‪َ ﴿ :‬وعَدَ اللّهَُ‬
‫ِكَ ﴾ ‪ ،‬قال ‪ :‬يقول ‪:‬‬ ‫ُمَ ﴾ إل قوله ‪ ﴿ :‬وَمَن َكفَ َر َبعْدَ ذَل َ‬ ‫ِينَ آمَنُوا مِنك ْ‬
‫الّذ َ‬
‫ك هُ ُم اْلفَا ِسقُونَ ﴾ وليس يعن الكفر بال ؛‬ ‫من كفر بذه النعمة ‪َ ﴿ ،‬فُأوَْلئِ َ‬
‫قال ‪ :‬فأظهره ال على جزيرة العرب فآمنوا ثَ تبّروا فغيَّر ال مَا بمَ ‪،‬‬
‫وكفروا بذه النعمة فأدخل ال عليهم الوف الذي كان رفعه عنهم ‪.‬‬
‫قال ابن كثي ‪ :‬فالصحابة رضي ال عنهم لا كانوا أقوم الناس بعد النب‬
‫بأوامر ال عز وجل وأطوعهم ل ‪ ،‬كان نصرهم بسبهم ‪ ،‬أظهروا كلمة‬
‫ال ف الشارق والغارب ‪ ،‬وأيّد هم تأييدًا عظيما ‪ ،‬وحكموا ف سائر البلد‬
‫والعباد ‪ ،‬ولا قصّر الناس بعدهم ف بعض الوامر ‪ ،‬نقص ظهورهم بسبهم ‪،‬‬
‫ولكن قد ثبت ف الصحيحي من غي وجه عن رسول ال أنه قال ‪ « :‬ل‬
‫الزء الثالث‬ ‫‪294‬‬

‫تزال طائفة من أمت ظاهرين على الق ل يضرّهم من خذلم ول من خالفهم‬


‫إل يوم القيامة » ‪ .‬وف رواية ‪ « :‬حت يأت أمر ال وهم على ذلك » ‪.‬‬

‫***‬
‫‪295‬‬ ‫توفيق الرحن ف دروس القرآن‬

‫الدرس التاسع والثمانون بعد الائة‬

‫ت َأيْمَانُكُ مْ وَالّذِي نَ لَ مْ‬


‫﴿ يَا َأيّهَا اّلذِي نَ آمَنُوا لِيَ سَْت ْأذِنكُ ُم اّلذِي نَ مَلَكَ ْ‬
‫ضعُو َن ثِيَاَبكُم‬
‫ج ِر وَحِيَ تَ َ‬
‫ث َمرّاتٍ مِن قَ ْبلِ صَلَاةِ اْلفَ ْ‬
‫يَبْ ُلغُوا الْحُلُ َم مِنكُ ْم ثَلَا َ‬
‫ت لّكُ ْم لَيْ سَ عَلَ ْيكُ مْ َولَا‬
‫ي ِة وَمِن َب ْعدِ صَلَاةِ اْل ِعشَاء ثَلَا ثُ َعوْرَا ٍ‬
‫مّ َن الظّهِ َ‬
‫ضكُ مْ عَلَى َبعْ ضٍ َك َذلِ كَ يُبَيّ نُ اللّ هُ‬
‫ح َبعْ َد ُهنّ َطوّافُو نَ عَلَ ْيكُم بَعْ ُ‬
‫عَلَ ْيهِ ْم جُنَا ٌ‬
‫ُمـ‬
‫ُمـ الْحُل َ‬
‫َغـ اْلأَ ْطفَالُ مِنك ُ‬
‫ِيمـ (‪ )58‬وَِإذَا بَل َ‬
‫ِيمـ َحك ٌ‬
‫ّهـ عَل ٌ‬
‫َاتـ وَالل ُ‬
‫ُمـ الْآي ِ‬
‫َلك ُ‬
‫ك يُبَيّ ُن اللّ هُ لَكُ مْ آيَاتِ ِه وَاللّ هُ‬
‫فَلْيَ سَْتأْ ِذنُوا كَمَا ا سَْتأْذَ َن اّلذِي نَ مِن قَبْ ِلهِ مْ َك َذلِ َ‬
‫عَلِي ٌم حَكِي مٌ (‪ )59‬وَاْلقَوَا ِع ُد مِ نَ النّ سَاء اللّاتِي لَا َيرْجُو َن ِنكَاحا فَلَيْ سَ‬
‫ت ِبزِيَن ٍة وَأَن يَ سْتَ ْع ِففْ َن خَ ْيرٌ ّل ُهنّ‬
‫ضعْ نَ ثِيَاَب ُهنّ غَ ْي َر مُتََبرّجَا ٍ‬
‫ح أَن يَ َ‬
‫عَلَ ْي ِهنّ جُنَا ٌ‬
‫ج َحرَ جٌ‬
‫ج َولَا عَلَى الْأَ ْعرَ ِ‬
‫وَاللّ هُ سَمِيعٌ عَلِي مٌ (‪ )60‬لَيْ سَ عَلَى اْلأَعْمَى َحرَ ٌ‬
‫سكُ ْم أَن َتأْكُلُوا مِن بُيُوتِكُ ْم أَ ْو بُيُو تِ‬
‫ج َولَا عَلَى أَنفُ ِ‬
‫َولَا عَلَى الْ َمرِي ضِ َحرَ ٌ‬
‫ت أَ َخوَاِتكُ مْ َأ ْو بُيُو تِ‬
‫ت ِإخْوَانِكُ ْم َأوْ بُيُو ِ‬
‫آبَاِئكُ مْ َأ ْو بُيُو تِ ُأ ّمهَاِتكُ مْ َأ ْو بُيُو ِ‬
‫ت َأخْوَاِلكُ مْ َأوْ بُيُو تِ خَالَاِتكُ ْم َأوْ مَا‬
‫أَ ْعمَا ِمكُ مْ َأوْ بُيُو تِ عَمّاتِكُ ْم أَ ْو بُيُو ِ‬
‫صدِيقِ ُكمْ لَيْ سَ عَ َل ْيكُ مْ جُنَا حٌ أَن َتأْكُلُوا جَمِيعا َأ ْو أَشْتَاتا‬
‫مَ َلكْتُم ّمفَاتِحَ ُه َأوْ َ‬
‫ّهـ مُبَارَ َكةً طَيَّبةً‬
‫ّنـ عِن ِد الل ِ‬
‫ُسـ ُكمْ َتحِّيةً م ْ‬
‫َسـلّمُوا عَلَى أَنف ِ‬
‫َفِإذَا َدخَلْتُم بُيُوتا ف َ‬
‫ك يُبَيّ ُن اللّ ُه لَكُ ُم الْآيَا تِ َلعَ ّلكُ ْم تَ ْعقِلُون (‪ِ )61‬إنّمَا الْ ُم ْؤمِنُو نَ اّلذِي نَ‬
‫َك َذلِ َ‬
‫َمـ َيذْهَبُوا حَتّىـ‬
‫ِعـ ل ْ‬
‫َهـ عَلَى َأ ْمرٍ جَام ٍ‬
‫ّهـ وَرَسـُولِ ِه َوإِذَا كَانُوا َمع ُ‬
‫آمَنُوا بِالل ِ‬
‫الزء الثالث‬ ‫‪296‬‬

‫ك الّذِي نَ ُي ْؤمِنُو نَ بِاللّ هِ وَرَ سُوِلهِ َفِإذَا‬


‫يَ سَْت ْأذِنُوهُ إِنّ اّلذِي َن يَ سَْتأْ ِذنُوَنكَ ُأ ْولَئِ َ‬
‫ت مِ ْنهُ ْم وَا سْتَ ْغ ِفرْ َلهُ ُم اللّ َه إِنّ اللّ هَ‬
‫ض َشأِْنهِ ْم َف ْأذَن لّمَن شِئْ َ‬
‫ا سَْت ْأ َذنُو َك لَِبعْ ِ‬
‫جعَلُوا دُعَاء الرّسـُو ِل بَيَْنكُم ْـ َكدُعَاء َبعْضِكُم َبعْضا‬
‫َغفُورٌ ّرحِيمٌـ (‪ )62‬لَا تَ ْ‬
‫حذَ ِر اّلذِي نَ يُخَاِلفُو نَ عَ نْ َأ ْمرِ هِ‬
‫َق ْد َيعْلَ مُ اللّ ُه اّلذِي َن يَتَ سَلّلُو َن مِنكُ ْم لِوَاذا فَلْيَ ْ‬
‫ب َألِي مٌ (‪َ )63‬ألَا إِنّ لِلّ هِ مَا فِي ال سّمَاوَاتِ‬
‫أَن تُ صِيَبهُ ْم فِتَْن ٌة أَ ْو يُ صِيَبهُمْ َعذَا ٌ‬
‫ض َق ْد َيعْلَ ُم مَا أَنتُ مْ عَلَيْ ِه َويَوْ َم ُي ْرجَعُو نَ إِلَيْ ِه فَيُنَبُّئهُم بِمَا َعمِلُوا وَاللّ هُ‬
‫وَالْأَرْ ِ‬
‫ِب ُكلّ َشيْءٍ عَلِيمٌ (‪. ﴾ )64‬‬

‫***‬
‫‪297‬‬ ‫توفيق الرحن ف دروس القرآن‬

‫َتـ‬
‫ِينـ مَ َلك ْ‬
‫َسـَتأْذِنكُ ُم الّذ َ‬
‫ِينـ آمَنُوا لِي ْ‬
‫قوله عـز وجـل ‪ ﴿ :‬يَا أَيّهَا الّذ َ‬
‫جرِ‬
‫ت مِن قَ ْبلِ صَلَاةِ اْلفَ ْ‬
‫َأيْمَانُكُ مْ وَاّلذِي نَ لَ ْم يَبْ ُلغُوا الْحُلُ مَ مِنكُ مْ ثَلَا ثَ َمرّا ٍ‬
‫يةِ وَمِن َب ْعدِ صَلَا ِة الْ ِعشَاء ثَلَا ثُ َعوْرَا تٍ‬
‫ضعُو َن ثِيَابَكُم مّ َن ال ّظهِ َ‬
‫َوحِيَ تَ َ‬
‫ّلكُ مْ لَيْ سَ َعلَ ْيكُ ْم َولَا عَلَ ْيهِ ْم جُنَا حٌ َب ْعدَهُنّ َطوّافُو نَ عَ َليْكُم َبعْضُكُ مْ عَلَى‬
‫ك يُبَيّ ُن اللّ ُه لَكُ ُم الْآيَا تِ وَاللّ هُ عَلِي مٌ َحكِي مٌ (‪َ )58‬وِإذَا بَلَ غَ‬
‫َبعْ ضٍ َك َذلِ َ‬
‫اْلأَ ْطفَالُ مِنكُ ُم الْحُلُ َم فَلْيَ سَْتأْ ِذنُوا كَمَا ا سَْتأْذَ َن اّلذِي َن مِن قَبْ ِلهِ مْ َك َذلِ كَ يُبَيّ نُ‬
‫ال ّلهُ َل ُكمْ آيَاِتهِ وَال ّلهُ عَلِيمٌ َحكِيمٌ (‪. ﴾ )59‬‬
‫سَتأْذِنكُ ُم الّذِي َن مََلكَتْ أَيْمَاُنكُمْ ﴾ ‪ ،‬يقول ‪:‬‬
‫عن ابن عباس ف قوله ‪ِ ﴿ :‬ليَ ْ‬
‫إذا خل الر جل بأهله ب عد صلة العشاء فل يد خل عل يه خادم ول صب إلّ‬
‫بإذن حت يصلي الغداة ‪ ،‬فإذا خل بأهله عند صلة الظهر فمثل ذلك ‪.‬‬
‫وقوله تعال ‪َ ﴿ :‬ليْ سَ عََلْيكُ ْم وَلَا عََلْيهِ مْ ُجنَا ٌ‬
‫ح َبعْ َدهُنّ ﴾ ‪ ،‬أي ‪ :‬ب عد‬
‫هذه الحوال الثلث ‪َ ﴿ ،‬طوّافُونَ ﴾ ‪.‬‬
‫قال ف جا مع البيان ‪ :‬أي هم ‪ :‬طوّافون ‪ ﴿ ،‬عََليْكُم ﴾ ا ستئناف يبي‬
‫العذر ف ترك الستئذان ‪َ ﴿ ،‬ب ْعضُكُمْ ﴾ طائف ‪ ﴿ ،‬عَلَى َبعْضٍ ﴾ أو تقديره‬
‫‪ :‬يطوف بعض كم على ب عض ‪ ،‬أو فيكثرون التردّد لوائج كم ‪ ،‬فيفت قر في هم‬
‫ما ل يفت قر ف غي هم ﴿ كَذَلِ كَ ﴾ ‪َ ،‬مثَلُ ذلك ال تبيي ﴿ ُيبَيّ نُ اللّ هُ َلكُ مُ‬
‫الْآيَاتِ وَاللّ ُه عَلِيمٌ ﴾ بأحوالكم ‪َ ﴿ ،‬حكِيمٌ ﴾ فيما أمركم ‪.‬‬
‫الزء الثالث‬ ‫‪298‬‬

‫َ ﴾ ‪ ،‬أي ‪:‬‬
‫َ الْحُلُم َ‬ ‫وقال البغوي ‪ :‬قوله تعال ‪َ ﴿ :‬وإِذَا بَلَغ َ‬
‫َ اْلأَ ْطفَا ُل مِنكُم ُ‬
‫َسَأْ ِذنُوا ﴾ ‪ ،‬أي ‪ :‬يسَتأذنون فَ‬ ‫الحتلم ‪ ،‬يريَد الحرار البالغيَ ‪ ﴿ ،‬فَ ْلي َْت‬
‫جيع الوقات ف الدخول علي كم ‪ ﴿ ،‬كَمَا ا سَْتأْ َذ َن الّذِي َن مِن َقبِْلهِ مْ ﴾ من‬
‫ك ُيَبيّ نُ اللّ هُ َلكُ ْم آيَاتِ هِ ﴾ ‪ ﴿ ،‬وَاللّ ُه عَلِي ٌم ﴾ بأمور‬
‫الحرار والكبار ‪ ﴿ ،‬كَذَلِ َ‬
‫خل قه ‪َ ﴿ ،‬حكِي مٌ ﴾ في ما دب ّر ل م ‪ ،‬قال ‪ :‬و سئل حذي فة ‪ :‬أي ستأذن الر جل‬
‫على والدته ؟ قال ‪ :‬نعم ‪ ،‬إن ل يفعل رأى منها ما يكره ‪.‬‬
‫قوله عز وجل ‪ ﴿ :‬وَاْلقَوَا ِعدُ مِ َن النّ سَاء اللّاتِي لَا َي ْرجُو َن ِنكَاحا فَلَيْ سَ‬
‫ت ِبزِيَن ٍة وَأَن يَ سْتَ ْع ِففْ َن خَ ْيرٌ ّل ُهنّ‬
‫ضعْ نَ ثِيَاَب ُهنّ غَ ْي َر مُتََبرّجَا ٍ‬
‫ح أَن يَ َ‬
‫عَلَ ْي ِهنّ جُنَا ٌ‬
‫وَاللّ ُه سَمِيعٌ عَلِيمٌ (‪. ﴾ )60‬‬
‫قال البغوي ‪ :‬قوله تعال ‪ ﴿ :‬وَاْل َقوَاعِدُ ﴾ ‪ ،‬يعن ‪ :‬اللّاتِي قعدن عن الولد‬
‫وال يض من ال ِكبَر ‪ ﴿ ،‬اللّاتِي لَا يَ ْرجُو َن ِنكَاحا ﴾ ‪ ،‬أي ‪ :‬ل يردن الرجال‬
‫ضعْ َن ِثيَابَهُنّ ﴾ عند الرجال ‪ .‬يعن ‪:‬‬
‫ل ِكبَرِه نّ ‪ ﴿ ،‬فََليْ سَ عََلْيهِنّ ُجنَا حٌ أَن َي َ‬
‫ْنَ بعَض ِثيَاَبهُنّ وهَي اللباب والرداء الذي فوق الثياب والقناع الذي‬ ‫ضع َ‬ ‫َي َ‬
‫فوق المار ‪ .‬والتبّج هو ‪ :‬أن تظهر الرأة من ماسنها ما ينبغي لا أن تستره‬
‫سَتعْ ِففْنَ َخيْرٌ ّلهُنّ ﴾ ‪ ،‬قال ‪ :‬تَرْ كُ ذلك ‪ ،‬يع ن ‪:‬‬
‫‪ .‬و عن الش عب ‪َ ﴿ :‬وأَن يَ ْ‬
‫ترك وضع الثياب ‪.‬‬
‫ج وَلَا عَلَى اْلأَ ْعرَ جِ َحرَ جٌ َولَا‬
‫قوله عز وجل ‪ ﴿ :‬لَيْ سَ عَلَى الْأَ ْعمَى حَرَ ٌ‬
‫ُوتـ‬
‫ُمـ أَ ْو بُي ِ‬
‫ُسـكُ ْم أَن َتأْكُلُوا مِن بُيُوتِك ْ‬
‫َجـ َولَا عَلَى أَنف ِ‬
‫ِيضـ َحر ٌ‬
‫عَلَى الْ َمر ِ‬
‫‪299‬‬ ‫توفيق الرحن ف دروس القرآن‬

‫ت أَ َخوَاِتكُ مْ َأ ْو بُيُو تِ‬


‫ت ِإخْوَانِكُ ْم َأوْ بُيُو ِ‬
‫آبَاِئكُ مْ َأ ْو بُيُو تِ ُأ ّمهَاِتكُ مْ َأ ْو بُيُو ِ‬
‫ت َأخْوَاِلكُ مْ َأوْ بُيُو تِ خَالَاِتكُ ْم َأوْ مَا‬
‫أَ ْعمَا ِمكُ مْ َأوْ بُيُو تِ عَمّاتِكُ ْم أَ ْو بُيُو ِ‬
‫صدِيقِ ُكمْ لَيْ سَ عَ َل ْيكُ مْ جُنَا حٌ أَن َتأْكُلُوا جَمِيعا َأ ْو أَشْتَاتا‬
‫مَ َلكْتُم ّمفَاتِحَ ُه َأوْ َ‬
‫ّهـ مُبَارَ َكةً طَيَّبةً‬
‫ّنـ عِن ِد الل ِ‬
‫ُسـ ُكمْ َتحِّيةً م ْ‬
‫َسـلّمُوا عَلَى أَنف ِ‬
‫َفِإذَا َدخَلْتُم بُيُوتا ف َ‬
‫ت َلعَلّ ُك ْم تَ ْعقِلُون (‪. ﴾ )61‬‬
‫َك َذِلكَ يُبَّي ُن ال ّلهُ َلكُ ُم الْآيَا ِ‬
‫قال ماهد ‪ :‬كان الرجل يذهب بالعمى أو بالعرج أو بالريض إل بيت‬
‫أب يه أو أخ يه ‪ ،‬أو ب عض من سى ال ف هذه ال ية ‪ ،‬فكان الزم ن يتحرّجون‬
‫مَن ذلك يقولون ‪ :‬إناَ يذهبون بنَا إل بيوت عشيتمَ ‪ ،‬فنلت هذه اليَة‬
‫رخصة لم ‪.‬‬
‫قال ابن كثي ‪ :‬وقوله تعال ﴿ وَلَا عَلَى أَنفُسِكُمْ أَن َتأْكُلُوا مِن ُبيُوتِكُمْ ﴾‬
‫إنا ذكر هذا وهو معلوم ‪ ،‬ليعطف عليه غيه ف اللفظ ‪ ،‬وليساوي به ما بعد‬
‫ف الكم ‪ ،‬وتضمّن هذا بيوت البناء لنه ل ينصّ عليه ‪ ،‬ولذا استدلّ به من‬
‫ذهب إل أن مال الولد بنلة مال أبيه ‪ ،‬وقد جاء ف السند والسنن من غي‬
‫وجه عن رسول ال أنه قال ‪ « :‬أنت ومالك لبيك » ‪.‬‬
‫وقوله تعال ‪َ ﴿ :‬ليْ سَ عََلْيكُ مْ ُجنَا حٌ أَن َتأْكُلُوا جَمِيعا َأوْ َأشْتَاتا ﴾ ‪ ،‬قال‬
‫ا بن عباس ‪ ( :‬كانوا يأنفون ويتحرّجون أن يأ كل الر جل الطعام وحده ح ت‬
‫س عََلْيكُ مْ ُجنَا حٌ أَن َتأْكُلُوا‬
‫يكون م عه غيه ‪ ،‬فرخّص ال ل م فقال ‪َ ﴿ :‬ليْ َ‬
‫جَمِيعا َأوْ َأ ْشتَاتا ﴾ ‪ .‬قال ابن كثي ‪ :‬فهذه رخصة من ال تعال ف أن يأكل‬
‫الزء الثالث‬ ‫‪300‬‬

‫الر جل وحده و مع الما عة ‪ ،‬وإن كان ال كل مع الما عة أبرك وأف ضل ‪.‬‬


‫ك ما رواه المام أح د ‪ :‬أن رجلً قال لل نب ‪ :‬إنا نأ كل ول نش بع ! قال ‪:‬‬
‫« لعل كم تأكلون متفرّقيَ ‪ ،‬اجتمعوا على طعام كم واذكروا ا سم ال يبارك‬
‫لكم فيه » ‪.‬‬
‫ّنَ عِندِ‬
‫حّيةً م ْ‬
‫ُسَكُمْ تَ ِ‬ ‫وقوله تعال ‪ ﴿ :‬فَِإذَا دَخَلْتُم بُيُوتا ف َ‬
‫َسَلّمُوا عَلَى أَنف ِ‬
‫ك ُيبَيّنُ اللّهُ َلكُمُ الْآيَاتِ َلعَّلكُ ْم َت ْعقِلُون ﴾ ‪ .‬قال قتادة ‪:‬‬
‫اللّ ِه ُمبَارَ َكةً َطّيَبةً كَذَلِ َ‬
‫إذا دخلت على أهلك ف سلّم علي هم ‪ ،‬وإذا دخلت بيتًا ل يس ف يه أ حد ف قل ‪:‬‬
‫ال سلم علي نا وعلى عباد ال ال صالي ‪ ،‬فإ نه كان يؤ مر بذلك ‪ ،‬وحدث نا أن‬
‫اللئكة تردّ عليه ‪.‬‬
‫قوله عز وجل ‪ِ ﴿ :‬إنّمَا الْ ُمؤْمِنُو َن الّذِي نَ آمَنُوا بِاللّ هِ وَرَ سُولِ ِه َوإِذَا كَانُوا‬
‫ك ُأوْلَئِ كَ‬
‫َمعَ هُ عَلَى َأمْ ٍر جَامِ ٍع لَ ْم َيذْهَبُوا حَتّى يَ سَْت ْأذِنُوهُ إِنّ الّذِي َن يَ سَْت ْأ ِذنُونَ َ‬
‫اّلذِي َن يُ ْؤمِنُو نَ بِاللّ هِ وَرَ سُوِل ِه َفإِذَا ا سَْت ْأذَنُو َك لَِبعْ ضِ َش ْأنِهِ ْم َفأْذَن لّمَن شِئْ تَ‬
‫مِ ْن ُهمْ وَاسْتَ ْغ ِفرْ َل ُهمُ ال ّل َه إِ ّن اللّهَ َغفُورٌ ّرحِيمٌ (‪. ﴾ )62‬‬
‫قال ابن زيد ‪ :‬المر الامع حي يكونوا معه ف جاعة الرب أو جعة ‪،‬‬
‫قال ‪ :‬والمعة من المر الامع ‪ ،‬ل ينبغي لحد أن يرج إذا قعد المام على‬
‫النب يوم الم عة ‪ ،‬إلّ بإذن سلطان ‪ ،‬إذا كان حيث يراه أو يقدر عليه ‪ ،‬ول‬
‫يرج إلّ بإذن ‪ ،‬وإذا كان ح يث ل يراه ول يقدر عل يه ول ي صل إل يه ‪ ،‬فال‬
‫أول بالعذر ‪.‬‬
‫‪301‬‬ ‫توفيق الرحن ف دروس القرآن‬

‫وروى أبَو داود وغيه عَن أبَ هريرة قال ‪ :‬قال رسَول ال ‪ « :‬إذا‬
‫انتهى أحدكم إل الجلس فليسلّم ‪ ،‬فإذا أراد أن يقوم فليسلّم فليست الول‬
‫بأحق من الخرة » ‪.‬‬
‫ُمـ َكدُعَاء َبعْضِكُم‬
‫جعَلُوا دُعَاء الرّسـُو ِل بَيَْنك ْ‬
‫قوله عـز وجـل ‪ ﴿ :‬لَا تَ ْ‬
‫حذَرِ اّلذِينَ ُيخَاِلفُو نَ عَنْ‬
‫َبعْضا َق ْد َيعْلَمُ اللّهُ اّلذِينَ يَتَسَلّلُونَ مِنكُ ْم ِلوَاذا فَلَْي ْ‬
‫َأ ْم ِرهِ أَن تُصِيَب ُه ْم فِتَْنةٌ َأ ْو يُصِيَبهُمْ َعذَابٌ َألِيمٌ (‪. ﴾ )63‬‬
‫قال ا بن عباس ‪ :‬كانوا يقولون ‪ :‬يا م مد ‪ ،‬يا أ با القا سم ‪ ،‬فنها هم ال‬
‫عن ذلك إعظامًا لنبيّه ‪ ،‬قال ‪ :‬فقولوا ‪ :‬يا نبّ ال ‪ ،‬يا رسول ال ‪ .‬وقال قتادة‬
‫ف قوله ‪ ﴿ :‬قَ ْد َيعَْل مُ اللّ ُه الّذِي نَ يَتَ سَلّلُونَ مِنكُ مْ ِلوَاذا ﴾ ‪ ،‬يع ن ‪ِ :‬لوَاذا عن‬
‫نب ال وعن كتابه ‪.‬‬
‫وقوله تعال ‪َ ﴿ :‬ف ْليَحْذَ ِر الّذِي َن يُخَاِلفُو نَ عَ نْ َأمْرِ هِ أَن تُ صِيبَهُمْ ِفْتَنةٌ ﴾ ‪ ،‬قال‬
‫ابن كثي ‪ :‬أي ‪ :‬ف قلوبم من كفر أو نفاق أو بدعة ‪َ ﴿ ،‬أوْ يُ صِيَبهُ ْم عَذَا بٌ‬
‫أَلِيمٌ ﴾ ‪ ،‬أي ‪ :‬ف الدنيا بقتل ‪ ،‬أو حدّ ‪ ،‬أو حبس ‪ ،‬أو نو ذلك ‪.‬‬
‫ض َقدْ َيعْلَ ُم مَا‬
‫ت وَاْلأَرْ ِ‬
‫قوله عز و جل ‪ ﴿ :‬أَلَا إِنّ لِلّ هِ مَا فِي ال سّمَاوَا ِ‬
‫أَنتُ مْ عَلَيْ ِه وََيوْ َم ُي ْر َجعُو نَ ِإلَيْ ِه فَيُنَبّئُهُم بِمَا عَمِلُوا وَاللّ ُه بِ ُك ّل شَيْءٍ عَلِي مٌ (‬
‫‪. ﴾ )64‬‬
‫قال ابن كثي ‪ ( :‬قد ) للتحقيق كما قال قبلها ‪ ﴿ :‬قَ ْد َيعْلَ مُ اللّ هُ الّذِي نَ‬
‫َيتَسَلّلُونَ مِنكُ مْ ِلوَاذا ﴾ ‪ .‬قال ابن جرير ‪َ ﴿ :‬وَيوْ َم يُرْ َجعُو نَ إَِليْ هِ ﴾ ‪ ،‬يقول ‪:‬‬
‫الزء الثالث‬ ‫‪302‬‬

‫ويوم يرجَع إل ال الذيَن يالفون عَن أمره ‪َ ﴿ ،‬فُيَنبّئُهَُم ﴾ ‪ ،‬يقول ‪:‬‬


‫فيخبهم حينئذٍ ﴿ بِمَا عَ ِملُوا ﴾ ف الدنيا ث يازيهم على ما أسلفوا فيها من‬
‫خلفهم ﴿ وَاللّ ُه بِكُ ّل َشيْ ٍء عَلِيمٌ ﴾ ‪.‬‬

‫***‬
‫‪303‬‬ ‫توفيق الرحن ف دروس القرآن‬

‫الدرس التسعون بعد الائة‬


‫[ سورة الفرقان ]‬
‫مكية ‪ ،‬وهي سبع وسبعون آية‬
‫بسم ال الرحن الرحيم‬
‫ُونـ لِ ْلعَالَمِي َ َنذِيرا (‪)1‬‬
‫ِهـ لِيَك َ‬
‫َانـ َعلَى َع ْبد ِ‬
‫َكـ اّلذِي َن ّزلَ اْلفُ ْرق َ‬
‫﴿ تَبَار َ‬
‫خ ْذ َولَدا وَلَ ْم يَكُن لّ ُه َشرِي كٌ فِي‬
‫ض َولَ ْم يَتّ ِ‬
‫ت وَاْلأَرْ ِ‬
‫ك ال سّمَاوَا ِ‬
‫اّلذِي لَ ُه مُلْ ُ‬
‫ِهـ آِل َه ًة لّا‬
‫خذُوا م ِن دُون ِ‬
‫َهـ َت ْقدِيرا (‪ )2‬وَاتّ َ‬
‫َقـ ُك ّل شَيْ ٍء َف َقدّر ُ‬
‫ْكـ وَخَل َ‬
‫الْمُل ِ‬
‫ضرّا وَلَا نَفْعا َولَا‬
‫ُسـهِمْ َ‬
‫ـ ِلأَنف ِ‬
‫ـ َولَا يَمْ ِلكُون َ‬
‫ـ يُخْ َلقُون َ‬
‫ـ شَيْئا وَهُم ْ‬
‫يَخْ ُلقُون َ‬
‫يَمْ ِلكُو َن َموْتا َولَا حَيَا ًة َولَا ُنشُورا (‪َ )3‬وقَا َل الّذِي نَ َك َفرُوا إِ ْن َهذَا ِإلّا ِإفْ كٌ‬
‫افَْترَاهُ َوأَعَانَهُ عَلَيْ ِه َقوْ مٌ آ َخرُونَ َف َقدْ جَاؤُوا ظُلْما وَزُورا (‪َ )4‬وقَالُوا أَسَاطِيُ‬
‫اْلأَ ّولِيَ اكْتَتَبَهَا َفهِ َي تُمْلَى عَلَيْ ِه بُ ْك َرةً وَأَ صِيلً (‪ُ )5‬قلْ أَن َزلَ ُه الّذِي َيعْلَ مُ‬
‫ض إِنّ هُ كَا نَ َغفُورا ّرحِيما (‪َ )6‬وقَالُوا مَا ِل هَذَا‬
‫ت وَاْلأَرْ ِ‬
‫س ّر فِي ال سّمَاوَا ِ‬
‫ال ّ‬
‫ك فََيكُو َن َمعَ هُ‬
‫ق َل ْولَا أُن ِزلَ إِلَيْ ِه مَلَ ٌ‬
‫الرّ سُو ِل َيأْ ُكلُ ال ّطعَا َم وَيَ ْمشِي فِي الْأَ ْسوَا ِ‬
‫ن َأوْ تَكُو ُن لَ ُه جَّنةٌ َيأْ ُك ُل مِ ْنهَا َوقَا َل الظّالِمُو نَ إِن‬
‫َنذِيرا (‪َ )7‬أوْ يُلْقَى ِإلَيْ هِ كَ ٌ‬
‫ض َربُوا لَكَـ اْلأَمْثَالَ فَضَلّوا فَلَا‬
‫ل مّس ْـحُورا (‪ )8‬ان ُظرْ كَيْفَـ َ‬
‫تَتِّبعُونَـِإلّا َرجُ ً‬
‫ك خَيْرا مّن ذَلِ كَ جَنّا تٍ‬
‫يَ سْتَطِيعُونَ سَبِيلً (‪ )9‬تَبَارَ َك اّلذِي إِن شَاء جَ َع َل لَ َ‬
‫ّكـ قُصـُورا (‪َ )10‬بلْ َك ّذبُوا بِالسـّا َعةِ‬
‫جرِي مِن تَحْتِهَا اْلأَْنهَارُ وَيَجْعَل ل َ‬
‫تَ ْ‬
‫َوأَعَْت ْدنَا لِمَن َكذّ بَ بِال سّا َعةِ سَعِيا (‪ِ )11‬إذَا َرَأْتهُم مّن ّمكَا نٍ َبعِيدٍ سَ ِمعُوا‬
‫الزء الثالث‬ ‫‪304‬‬

‫ِكـ‬
‫لَهَا َتغَيّظا وَ َزفِيا (‪ )12‬وَِإذَا ُأْلقُوا مِنْهَا َمكَانا ضَيّقا ُم َقرّنِيَ َد َعوْا هُنَال َ‬
‫ـ ثُبُورا وَاحِدا وَادْعُوا ثُبُورا كَثِيا (‪ُ )14‬قلْ‬
‫ثُبُورا (‪ )13‬لَا تَدْعُوا الَْيوْمــ َ‬
‫ت َلهُ مْ َجزَاء وَمَ صِيا (‬
‫ك خَ ْيرٌ أَ ْم جَّن ُة الْخُ ْلدِ الّتِي وُ ِع َد الْمُّتقُو نَ كَانَ ْ‬
‫َأ َذلِ َ‬
‫‪َ )15‬لهُ مْ فِيهَا مَا َيشَاؤُو َن خَاِلدِي نَ كَا نَ عَلَى َربّ كَ وَعْدا مَ سْؤُولً (‪)16‬‬
‫شرُهُمْ وَمَا يَعُْبدُونَ مِن دُونِ اللّ ِه فََيقُولُ َأأَنتُمْ أَضْلَلْتُمْ عِبَادِي َهؤُلَاء‬
‫حُ‬‫َوَيوْمَ يَ ْ‬
‫خذَ مِن‬
‫أَ ْم هُ مْ ضَلّوا ال سّبِيلَ (‪ )17‬قَالُوا سُبْحَاَنكَ مَا كَا َن يَنَبغِي لَنَا أَن نّتّ ِ‬
‫ك مِ نْ َأ ْولِيَاء َولَكِن مّّتعَْتهُ ْم وَآبَاءهُ مْ حَتّ ى نَ سُوا الذّ ْكرَ وَكَانُوا قَوْما‬
‫دُونِ َ‬
‫صرْفا َولَا نَ صْرا وَمَن‬
‫بُورا (‪َ )18‬ف َقدْ َكذّبُوكُم بِمَا َتقُولُو نَ فَمَا تَ سْتَطِيعُونَ َ‬
‫ي ِإلّا‬
‫ك مِ َن الْ ُمرْ سَلِ َ‬
‫يَظْلِم مّنكُ مْ ُن ِذقْ هُ َعذَابا كَبِيا (‪ )19‬وَ ما أَرْ سَلْنَا قَبْلَ َ‬
‫ض فِتَْنةً‬
‫ق وَ َجعَلْنَا َبعْضَكُ ْم لَِبعْ ٍ‬
‫ِإّنهُ مْ لَيَأْكُلُو نَ ال ّطعَا َم َويَ ْمشُو َن فِي الْأَ ْسوَا ِ‬
‫َأتَ صِْبرُونَ وَكَا نَ َربّ كَ بَ صِيا (‪َ )20‬وقَا َل الّذِي نَ لَا َيرْجُو نَ ِلقَاءنَا َل ْولَا أُنزِلَ‬
‫س ِهمْ وَعََتوْ ُعُتوّا كَبِيا (‬
‫عَلَيْنَا الْمَلَائِ َكةُ َأ ْو َنرَى َربّنَا َل َقدِ ا سْتَكَْبرُوا فِي أَنفُ ِ‬
‫ـ حِجْرا‬
‫ج ِرمِيَـ َوَيقُولُون َ‬
‫شرَى َي ْومَئِ ٍذ لّلْمُ ْ‬
‫ـ الْمَلَائِ َكةَ لَا ُب ْ‬
‫ـ َيرَوْن َ‬
‫‪َ )21‬يوْم َ‬
‫جعَلْنَا ُه هَبَاء مّنثُورا (‪)23‬‬
‫حجُورا (‪َ )22‬و َقدِمْنَا ِإلَى مَا َعمِلُوا مِ نْ َع َم ٍل فَ َ‬
‫مّ ْ‬
‫ّقـ‬
‫شق ُ‬‫ْمـ َت َ‬
‫ْسـنُ َمقِيلً (‪َ )24‬وَيو َ‬
‫ّسـتَ َقرّا َوَأح َ‬
‫َصـحَابُ الْجَّن ِة َيوْمَِئ ٍذ خَ ْيرٌ م ْ‬
‫أ ْ‬
‫ك َيوْمَِئ ٍذ الْحَقّ لِلرّحْمَ نِ‬
‫ال سّمَاء بِاْلغَمَا ِم َوُنزّلَ الْمَلَاِئكَ ُة تَنِيلً (‪ )25‬الْمُلْ ُ‬
‫وَكَا نَ َيوْما عَلَى الْكَا ِفرِي نَ عَ سِيا (‪ )26‬وََيوْ مَ يَعَضّ الظّالِ مُ عَلَى يَ َديْ ِه َيقُولُ‬
‫خ ْذ فُلَانا‬
‫خذْ تُ مَ َع الرّ سُولِ سَبِيلً (‪ )27‬يَا وَيْلَتَى لَيْتَنِي لَ مْ أَتّ ِ‬
‫يَا لَيْتَنِي اتّ َ‬
‫‪305‬‬ ‫توفيق الرحن ف دروس القرآن‬

‫خَلِيلً (‪َ )28‬ل َقدْ أَضَلّنِي عَ ِن الذّ ْكرِ َب ْعدَ ِإ ْذ جَاءنِي وَكَا نَ الشّيْطَا ُن لِ ْلإِن سَانِ‬
‫خذُوا َهذَا الْ ُقرْآ َن َمهْجُورا‬
‫َخذُولً (‪َ )29‬وقَا َل الرّ سُولُ يَا َربّ إِنّ قَ ْومِي اتّ َ‬
‫ج ِرمِيَ وَكَفَى ِب َربّ كَ هَادِيا‬
‫(‪ )30‬وَ َك َذلِ كَ َجعَلْنَا ِلكُ ّل نَبِيّ َع ُدوّا مّ نَ الْمُ ْ‬
‫ْآنـ جُمْ َلةً وَا ِح َدةً‬
‫ْهـ اْلقُر ُ‬
‫ِينـ َك َفرُوا َل ْولَا ُنزّلَ عَلَي ِ‬
‫َونَصـِيا (‪َ )31‬وقَا َل الّذ َ‬
‫ك لِنُثَبّ تَ بِ هِ ُفؤَادَ َك وَ َرتّلْنَا ُه َترْتِيلً (‪َ )32‬ولَا َي ْأتُونَ كَ بِمََث ٍل ِإلّا جِئْنَا كَ‬
‫َك َذلِ َ‬
‫شرُو نَ عَلَى وُجُو ِههِ مْ ِإلَى َجهَنّ مَ‬
‫حَ‬‫بِالْحَقّ َوَأحْ سَ َن َتفْ سِيا (‪ )33‬الّذِي نَ يُ ْ‬
‫ض ّل سَبِيلً (‪. ﴾ )34‬‬
‫ك َشرّ ّمكَانا َوأَ َ‬
‫ُأ ْولَئِ َ‬

‫***‬
‫الزء الثالث‬ ‫‪306‬‬

‫قوله عز وجل ‪ ﴿ :‬تَبَارَ َك اّلذِي َن ّزلَ اْل ُفرْقَانَ عَلَى عَ ْب ِد ِه لَِيكُو َن لِ ْلعَالَمِيَ‬
‫خ ْذ َولَدا وََل ْم يَكُن لّهُ‬
‫ض َولَ ْم يَتّ ِ‬
‫ت وَاْلأَرْ ِ‬
‫ك السّمَاوَا ِ‬
‫َنذِيرا (‪ )1‬اّلذِي َل ُه مُلْ ُ‬
‫خذُوا مِن دُونِهِ‬
‫ك فِي الْمُ ْلكِ َوخَ َلقَ ُكلّ َشيْ ٍء َفقَدّ َر ُه َت ْقدِيرا (‪ )2‬وَاتّ َ‬
‫َشرِي ٌ‬
‫ضرّا َولَا َنفْعا َولَا‬
‫س ِهمْ َ‬
‫آِل َه ًة لّا يَخْ ُلقُو َن شَيْئا َو ُهمْ يُخْ َلقُو َن َولَا يَمْ ِلكُونَ ِلأَن ُف ِ‬
‫يَمْ ِلكُو َن مَوْتا َولَا حَيَاةً وَلَا ُنشُورا (‪. ﴾ )3‬‬
‫قال ا بن ز يد ف قوله ‪ ﴿ :‬تَبَارَ َك الّذِي نَزّ َل اْلفُرْقَا َن عَلَى عَبْدِ هِ ِليَكُو نَ‬
‫ِل ْلعَالَمِيَ نَذِيرا ﴾ ‪ ،‬قال ‪ :‬النب ‪ :‬النذير ‪ ،‬وقرأ ‪َ ﴿ :‬وإِن مّ نْ ُأ ّمةٍ إِلّا خلَا فِيهَا‬
‫نَذِيرٌ ﴾ وقرأ ‪َ ﴿ :‬ومَا أَهَْل ْكنَا مِن قَ ْرَيةٍ إِلّا َلهَا مُنذِرُونَ ﴾ ‪ .‬قال ‪ :‬رسل ‪ .‬قال‬
‫‪ :‬النذرون ‪ :‬الر سل ‪ ،‬قال ‪ :‬وكان نذيرًا واح ًد بلغ ما ب ي الشرق والغرب ‪،‬‬
‫ذو القرن ي ‪ ،‬ث بلغ ال سدّين ‪ ،‬وكان نذيرًا ول أ سع أحدًا ب ق أ نه كان نبيًا‬
‫‪َ ﴿ .‬وأُوحِيَ إِلَيّ هَذَا اْلقُرْآنُ لُنذِرَكُم بِ ِه َومَن بََلغَ ﴾ ‪ ،‬قال ‪ :‬من بلغه القرآن‬
‫من اللق فر سول ال نذيره وقرأ ‪ ﴿ :‬يَا َأيّهَا النّا سُ ِإنّ ي رَ سُولُ اللّ هِ إَِلْيكُ مْ‬
‫جَمِيعا ﴾ ‪ ،‬وقال ‪ :‬ل ير سل ال ر سولً إل الناس عا مة إلّ نوحًا بدأ به ‪،‬‬
‫فكان رسول أهل الرض كلهم ‪ ،‬وممد ختم به ‪.‬‬
‫قال البغوي ‪َ ﴿ :‬تبَارَ كَ ﴾ تفا عل ‪ ،‬من الب كة ‪ ﴿ ،‬الّذِي نَزّ َل اْلفُرْقَا نَ ﴾ ‪،‬‬
‫أي ‪ :‬القرآن ‪ ﴿ ،‬عَلَى عَبْدِ هِ ﴾ ممد ‪ِ ﴿ ،‬ليَكُو نَ لِ ْلعَالَ ِميَ نَذِيرا ﴾ ‪ ،‬أي‬
‫ض وَلَ ْم َيتّخِ ْذ وَلَدا وَلَ مْ‬
‫ت وَالْأَرْ ِ‬
‫ك ال سّمَاوَا ِ‬
‫‪ :‬ال ّن ‪ ،‬والنس ‪ ﴿ .‬الّذِي لَ ُه ُملْ ُ‬
‫ك وَ َخلَ قَ كُ ّل َشيْءٍ ﴾ ‪ ،‬ما يطلق عليه صفة الخلوق‬ ‫َيكُن لّ ُه شَرِي كٌ فِي الْ ُملْ ِ‬
‫‪307‬‬ ‫توفيق الرحن ف دروس القرآن‬

‫َ َتقْدِيرا ﴾ فسَوّاه وهيّأه لاَ يصَلح له ‪ ،‬ل خلل فيَه ول‬ ‫‪َ ﴿ .‬فقَدّرَه ُ‬
‫تفاوت ‪ ﴿ ،‬وَاتّخَذُوا ﴾ ‪ ،‬يعن ‪ :‬عبدة الوثان ‪ ﴿ ،‬مِن دُونِ هِ آِل َهةً ﴾ ‪ ،‬يعن‬
‫سهِمْ ضَرّا وَلَا‬
‫خَلقُو نَ وَلَا يَ ْمِلكُو نَ ِلأَنفُ ِ‬
‫‪ :‬الصنام ‪ ﴿ ،‬لّا َيخُْلقُو َن َشيْئا َوهُ ْم يُ ْ‬
‫َنفْعا ﴾ ‪ ،‬أي ‪ :‬دفع ضرّ ول جلب نفع ‪ ﴿ ،‬وَلَا يَمِْلكُو نَ َموْتا وَلَا َحيَاةً ﴾ ‪،‬‬
‫أي ‪ :‬إماتة وإحياء ‪ ﴿ ،‬وَلَا نُشُورا ﴾ ‪ ،‬أي ‪ :‬بعثًا بعد الوت ‪.‬‬
‫قوله عز و جل ‪ ﴿ :‬وَقَالَ اّلذِي نَ َك َفرُوا إِ نْ هَذَا إِلّا ِإفْ كٌ افَْترَا هُ وَأَعَانَ هُ‬
‫ي اْلأَ ّولِيَ‬
‫ُونـ َفقَ ْد جَاؤُوا ُظلْما وَزُورا (‪َ )4‬وقَالُوا أَسـَاطِ ُ‬
‫ْمـ آ َخر َ‬
‫ْهـ َقو ٌ‬
‫عَلَي ِ‬
‫سرّ فِي‬
‫اكْتَتََبهَا َفهِ َي تُمْلَى عَلَيْ هِ ُب ْك َرةً َوأَ صِيلً (‪ُ )5‬قلْ أَن َزلَ هُ اّلذِي َيعْلَ ُم ال ّ‬
‫ض ِإّنهُ كَانَ َغفُورا ّرحِيما (‪. ﴾ )6‬‬
‫السّمَاوَاتِ وَالْأَرْ ِ‬
‫ت وَالْأَرْضِ ﴾ ‪،‬‬
‫عن ابن جريج ‪ ﴿ :‬قُلْ أَنزَلَ ُه الّذِي َيعْلَ ُم السّرّ فِي السّمَاوَا ِ‬
‫قال ‪ :‬ما يُس ّر أهل الرض وأهل السماء ‪.‬‬

‫قوله عز و جل ‪ ﴿ :‬وَقَالُوا مَالِ هَذَا الرّ سُولِ َيأْ ُكلُ ال ّطعَا َم َويَمْشِي فِي‬
‫ن أَوْ‬
‫ك فََيكُو نَ َمعَ ُه َنذِيرا (‪ )7‬أَ ْو يُلْقَى إِلَيْ هِ َك ٌ‬
‫ق َلوْلَا أُن ِزلَ ِإلَيْ ِه مَلَ ٌ‬
‫اْلأَ سْوَا ِ‬
‫ل مّ سْحُورا (‪)8‬‬
‫َتكُو ُن لَ ُه جَنّ ٌة َيأْ ُكلُ مِ ْنهَا َوقَالَ الظّالِمُو َن إِن تَتِّبعُو َن ِإلّا َرجُ ً‬
‫َكـ‬
‫سـبِيلً (‪ )9‬تَبَار َ‬
‫َسـتَطِيعُونَ َ‬
‫َكـ اْلأَمْثَالَ فَضَلّوا فَلَا ي ْ‬
‫ض َربُوا ل َ‬
‫ْفـ َ‬
‫ان ُظرْ كَي َ‬
‫جرِي مِن تَحْتِهَا اْلَأنْهَارُ‬
‫ّاتـ َت ْ‬
‫ِكـ جَن ٍ‬
‫َكـ خَيْرا مّنـ َذل َ‬
‫اّلذِي إِن شَاء جَ َع َل ل َ‬
‫ك قُصُورا (‪. ﴾ )10‬‬
‫جعَل ّل َ‬
‫َويَ ْ‬
‫الزء الثالث‬ ‫‪308‬‬

‫َكَ اْلَأمْثَالَ ﴾ ‪،‬‬


‫ض َربُوا ل َ‬ ‫قال البغوي ‪ ﴿ :‬ان ُظرْ ﴾ يَا ممَد ‪َ ﴿ :‬كي َ‬
‫ْفَ َ‬
‫يع ن ‪ :‬الشباه ‪ .‬فقالوا ‪ :‬م سحور متاج وغيه ‪َ ﴿ ،‬فضَلّوا ﴾ عن ال ق ‪﴿ ،‬‬
‫ستَطِيعُونَ َسبِيلً ﴾ إل الدى ومرجًا عن الضللة ‪ .‬و عن ما هد قوله‬ ‫َفلَا يَ ْ‬
‫ت تَجْرِي مِن‬‫‪َ ﴿ :‬تبَارَ َك الّذِي إِن شَاء َجعَلَ لَ كَ َخيْرا ﴾ م ا قالوا ‪َ ﴿ :‬جنّا ٍ‬
‫ّكَ قُصَُورا ﴾ ‪ ،‬قال ‪ :‬بيوتًا مبنيّة مشيّدة ‪ .‬وروى‬ ‫حتِهَا الَْأْنهَارُ َويَجْعَل ل َ‬
‫تَ ْ‬
‫البغوي وغيه عن أب أمامة عن النب قال ‪ « :‬عرض عل يّ رب ليجعل ل‬
‫بطحاء م كة ذهبًا فقلت ‪ :‬ل يا رب ‪ ،‬ول كن أش بع يومًا وأجوع يومًا ‪ ،‬فإذا‬
‫جعت تضرعت إليك وذكرتك ‪ ،‬وإذا شبعت حدتك وشكرتك » ‪.‬‬
‫ب بِال سّا َعةِ‬
‫قوله عز و جل ‪َ ﴿ :‬بلْ َك ّذبُوا بِال سّا َعةِ َوأَعَْتدْنَا لِمَن َكذّ َ‬
‫َسعِيا (‪ِ )11‬إذَا َرأَْتهُم مّن ّمكَا ٍن َبعِيدٍ سَ ِمعُوا َلهَا َتغَيّظا وَ َزفِيا (‪ )12‬وَِإذَا‬
‫ْمـ‬
‫ِكـ ثُبُورا (‪ )13‬لَا تَدْعُوا الَْيو َ‬
‫ُأْلقُوا مِنْه َا مَكَانا ضَيّقا ُمقَ ّرنِي َ دَ َعوْا هُنَال َ‬
‫ثُبُورا وَاحِدا وَادْعُوا ثُبُورا كَثِيا (‪ُ )14‬قلْ َأ َذلِكَـ خَ ْيرٌ أَم ْـ جَنّ ُة الْخُ ْلدِ الّتِي‬
‫ت َل ُهمْ َجزَاء وَمَصِيا (‪َ )15‬ل ُهمْ فِيهَا مَا َيشَاؤُو َن خَاِلدِينَ‬
‫وُ ِع َد الْمُّتقُونَ كَانَ ْ‬
‫سؤُولً (‪. ﴾ )16‬‬
‫ك وَعْدا َم ْ‬
‫كَانَ عَلَى َرّب َ‬
‫قال الضحاك ‪ :‬الثُبور ‪ :‬اللك ‪ .‬وعن ابن عباس ف قوله ‪َ ﴿ :‬لهُ مْ فِيهَا‬
‫سؤُولً ﴾ ‪ ،‬قال ‪ :‬فسألوا الذي‬
‫مَا يَشَاؤُو نَ خَالِدِي نَ كَا نَ عَلَى َربّ كَ َوعْدا مَ ْ‬
‫وعدهم وتنجزوه ‪ .‬قال البغوي ‪ :‬وذلك أن الؤمني سألوا ربم ف الدنيا حي‬
‫‪309‬‬ ‫توفيق الرحن ف دروس القرآن‬

‫قالوا ‪ :‬رب نا وآت نا ما وعدت نا على ر سلك ‪ ،‬يقول ‪ :‬كان أع طى ال الؤمن ي‬


‫جنة اللد وعدًا وعدهم على طاعتهم إياه ف الدنيا ومسألتهم إياه ‪.‬‬
‫شرُهُ ْم وَمَا َيعُْبدُو َن مِن دُو ِن اللّ ِه فََيقُولُ‬
‫حُ‬‫قوله عز و جل ‪ ﴿ :‬وََيوْ َم َي ْ‬
‫ك مَا‬
‫َأأَنتُ مْ أَضْلَلْتُ مْ عِبَادِي َهؤُلَاء أَ مْ هُ مْ ضَلّوا ال سّبِيلَ (‪ )17‬قَالُوا سُبْحَانَ َ‬
‫خ َذ مِن دُونِ كَ مِ نْ َأ ْولِيَاء َوَلكِن مّتّعَْتهُ ْم وَآبَاءهُ ْم حَتّى‬
‫كَا َن يَنَبغِي لَنَا أَن نّتّ ِ‬
‫ـ فَمَـا‬
‫نَسـُوا الذّكْ َر وَكَانُوا َقوْما بُورا (‪َ )18‬فقَدْ َك ّذبُوكُـم بِمَـا تَقُولُون َ‬
‫صرْفا َولَا نَصْرا َومَن يَظْلِم مّن ُكمْ ُن ِذقْهُ َعذَابا كَبِيا (‪. ﴾ )19‬‬
‫َتسْتَطِيعُونَ َ‬
‫عن ماهد ف قوله ‪َ ﴿ :‬وَيوْ مَ يَحْشُ ُرهُ ْم َومَا َي ْعبُدُو نَ مِن دُو نِ اللّ هِ َفَيقُولُ‬
‫َأأَنتُ مْ أَضَْل ْلتُ ْم ِعبَادِي َهؤُلَاء ﴾ ؟ قال ‪ :‬عيسى ‪ ،‬وعزير ‪ ،‬واللئكة ‪ .‬وعن ابن‬
‫عباس قوله ‪ ﴿ :‬وَكَانُوا َقوْما بُورا ﴾ ‪ ،‬يقول ‪ :‬هلكَى ‪ .‬وقال السَن ‪ :‬ل‬
‫خي فيهم ‪.‬‬
‫وعن ماهد ‪َ ﴿ :‬فقَدْ كَ ّذبُوكُم بِمَا َتقُولُو نَ ﴾ ‪ ،‬قال ‪ :‬عيسى ‪ ،‬وعزير ‪،‬‬
‫ستَطِيعُونَ صَرْفا وَلَا نَ صْرا ﴾ ‪ ،‬قال ‪:‬‬ ‫واللئ كة يكذّبون الشرك ي ﴿ فَمَا تَ ْ‬
‫الشركون ‪ .‬قال ابن جريج ‪ :‬ل يستطيعون صرف العذاب عنهم ‪ ،‬ول نصر‬
‫ْهَ عَذَابا َكبِيا ﴾ ‪،‬‬ ‫أنفسَهم ‪ ﴿ ،‬وَمَن يَظْلِم مّنكُم َْ ﴾ ‪ ،‬قال ‪ :‬يشرك ﴿ نُذِق ُ‬
‫وهذه ال ية كقوله تعال ‪َ ﴿ :‬وَيوْ َم نَحْشُ ُرهُ مْ َجمِيعا ثُمّ َنقُولُ ِللّذِي نَ َأشْرَكُواْ‬
‫َمكَانَكُ مْ أَنتُ ْم َوشُرَكَآؤُكُ مْ فَ َزيّ ْلنَا َبْيَنهُ مْ وَقَا َل شُرَكَآ ُؤهُم مّا كُنتُ مْ ِإيّانَا َت ْعبُدُو نَ‬
‫* َفكَفَى بِاللّ ِه َشهِيدا َبْينَنَا َوبَْيَنكُ مْ إِن ُكنّا عَ ْن ِعبَا َدتِكُ مْ َلغَافِلِيَ * ُهنَالِ كَ َتبْلُو‬
‫الزء الثالث‬ ‫‪310‬‬

‫ت وَ ُردّواْ إِلَى اللّ ِه َموْ َلهُ ُم الْحَقّ وَضَ ّل َعنْهُم مّ ا كَانُواْ‬


‫س مّ ا أَ سَْلفَ ْ‬
‫كُ ّل َنفْ ٍ‬
‫َي ْفتَرُونَ ﴾ ‪.‬‬
‫ي ِإلّا ِإّنهُ مْ لََيأْكُلُو نَ‬
‫ك مِ َن الْ ُمرْ سَلِ َ‬
‫قوله عز و جل ‪ ﴿ :‬وَ ما أَرْ سَلْنَا قَبْلَ َ‬
‫ق َو َجعَلْنَا َبعْضَكُ ْم لَِبعْ ضٍ فِتَْن ًة َأتَ صِْبرُو َن وَكَا نَ‬
‫ال ّطعَا مَ وَيَ ْمشُو َن فِي اْلأَ ْسوَا ِ‬
‫ك بَصِيا (‪َ )20‬وقَا َل الّذِينَ لَا َيرْجُونَ ِلقَاءنَا َل ْولَا أُنزِلَ عَلَيْنَا الْمَلَائِ َكةُ َأوْ‬
‫َربّ َ‬
‫ْنـ‬
‫ْمـ َي َرو َ‬
‫ُسـهِ ْم وَعََتوْ عُُتوّا كَبِيا (‪َ )21‬يو َ‬
‫اسـَتكْبَرُوا فِي أَنف ِ‬
‫َنرَى َربّنَا َلقَ ِد ْ‬
‫ي َويَقُولُونَ حِجْرا مّحْجُورا (‪َ )22‬و َقدِمْنَا‬
‫ج ِرمِ َ‬
‫شرَى َي ْومَئِ ٍذ لّلْمُ ْ‬
‫الْمَلَائِ َكةَ لَا ُب ْ‬
‫ب الْجَّنةِ َي ْومَِئذٍ‬
‫صحَا ُ‬
‫جعَلْنَا ُه هَبَاء مّنثُورا (‪ )23‬أَ ْ‬
‫ِإلَى مَا َعمِلُوا مِ نْ َع َم ٍل فَ َ‬
‫س ُن َمقِيلً (‪. ﴾ )24‬‬
‫خَ ْي ٌر ّمسْتَ َقرّا َوَأحْ َ‬
‫قال ابن عباس ‪ :‬لا عيّر الشركون رسول ال وقالوا ‪ :‬ما لذا الرسول‬
‫يأ كل الطعام وي شي ف ال سواق ؟ أنزل ال عز و جل هذه ال ية ‪ ،‬أي ‪ :‬ما‬
‫كنت بدعًا من الرسل ‪ ،‬وهم كانوا بشرًا يأكلون الطعام ويشون ف السواق‬
‫‪.‬‬
‫﴿ وَ َجعَ ْلنَا َب ْعضَكُمْ ِلَبعْضٍ ِفْتَنةً ﴾ ‪ ،‬قال ابن عباس ‪ :‬أي ‪ :‬جعلت بعضكم‬
‫َ تسَمعون منهَم وترون مَن خلفهَم وتتبعوا‬‫بلء لبعَض ‪ ،‬لتصَبوا على م ا‬
‫الدى ‪.‬‬
‫قال ابن كثي ‪ ﴿ :‬وَكَا نَ َربّ َ‬
‫ك بَ صِيا ﴾ ‪ ،‬أي ‪ :‬بن يستحقّ أن يوحى‬
‫جعَلُ رِسََاَلتَهُ ﴾ ‪ ،‬وقوله تعال‬
‫إليَه ‪ ،‬كمَا قال تعال ‪ ﴿ :‬اللّهََُأعْلَمَُ َحيْثَُيَ ْ‬
‫‪311‬‬ ‫توفيق الرحن ف دروس القرآن‬

‫‪ ﴿ :‬وَقَا َل الّذِي نَ لَا يَرْجُونَ ِلقَاءنَا َلوْلَا أُنزِ َل عََلْينَا الْمَلَاِئ َكةُ ﴾ أي ‪ :‬فتخبنا أن‬
‫سهِمْ‬
‫ممدًا صادق ‪َ ﴿ ،‬أ ْو نَرَى َربّنَا ﴾ فيخبنا بذلك ﴿ َلقَدِ ا ْسَتكْبَرُوا فِي أَنفُ ِ‬
‫َو َعَتوْ ُعُتوّا َكبِيا َيوْ َم يَ َروْنَ الْمَلَاِئ َكةَ ﴾ عند الوت ويوم القيامة ‪ ﴿ ،‬لَا بُشْرَى‬
‫حجُورا ﴾ ‪ .‬قال ابن كثي ‪ :‬أي ‪ :‬وتقول‬
‫َي ْو َمئِذٍ لّلْ ُمجْ ِرمِيَ َوَيقُولُونَ ِحجْرا مّ ْ‬
‫اللئكة للكافرين ‪ :‬حرام مرّم عليكم الفلح اليوم ‪.‬‬
‫وقوله تعال ‪ ﴿ :‬وَقَ ِد ْمنَا إِلَى مَا عَمِلُوا مِ ْن عَ َملٍ فَ َ‬
‫جعَ ْلنَا هُ َهبَاء مّنثُورا ﴾ ‪،‬‬
‫َا قال تعال ‪ّ ﴿ :‬مثَلُ الّذِين ََ َكفَرُوْا بِ َرّبهِم ْ‬
‫َ‬ ‫أي ‪ :‬باطلً ل ثواب له ‪ ،‬كمَ‬
‫سبُوْا عَلَى‬‫ت بِهِ الرّيحُ فِي َيوْمٍ عَاصِفٍ ّل َيقْدِرُونَ ِممّا كَ َ‬ ‫َأعْمَاُلهُمْ كَ َرمَا ٍد اشْتَدّ ْ‬
‫جّنةِ‬
‫ب الْ َ‬
‫صحَا ُ‬ ‫ضلَلُ اْلَبعِيدُ ﴾ ‪ .‬و عن ا بن عباس قوله ‪ ﴿ :‬أَ ْ‬ ‫ك ُهوَ ال ّ‬ ‫َشيْءٍ ذَلِ َ‬
‫ْسَ ُن َمقِيلً ﴾ ‪ ،‬يقول ‪ :‬قالوا فَ الغرف فَ النَة ‪،‬‬ ‫ّسَقَرّا َوأَح َ‬‫َي ْو َمئِذٍ َخيْ ٌر م ْتَ‬
‫وكان حسابم أن عُرضوا على ربم عرضة واحدة ‪ ،‬وذلك الساب اليسي ‪،‬‬
‫ف يُحَا َسبُ حِ سَابا‬ ‫سوْ َ‬
‫و هو م ثل قوله ‪َ ﴿ :‬فأَمّ ا مَ نْ أُوتِ يَ ِكتَابَ هُ ِبيَمِينِ هِ * فَ َ‬
‫يَسِيا * َويَنقَِلبُ إِلَى َأهْلِ ِه مَسْرُورا ﴾ ‪.‬‬
‫شقّ ُق ال سّمَاء بِالْغَمَا ِم َونُ ّزلَ الْمَلَائِ َك ُة تَنِيلً (‬
‫قوله عز وجل ‪ ﴿ :‬وََيوْ َم َت َ‬
‫حقّ لِلرّحْمَ ِن وَكَا َن يَوْما عَلَى اْلكَا ِفرِي نَ عَ سِيا (‪)26‬‬
‫‪ )25‬الْمُلْ كُ يَ ْومَِئذٍ الْ َ‬
‫خذْ تُ مَ َع الرّ سُولِ سَبِيلً (‬
‫َوَيوْ َم َيعَضّ الظّالِ مُ َعلَى َي َديْ هِ َيقُو ُل يَا لَيْتَنِي اتّ َ‬
‫خ ْذ فُلَانا خَلِيلً (‪َ )28‬لقَ ْد أَضَلّنِي عَ ِن الذّ ْك ِر َبعْدَ‬
‫‪ )27‬يَا َويْلَتَى لَيْتَنِي لَ مْ أَتّ ِ‬
‫ِإ ْذ جَاءنِي وَكَا َن الشّيْطَانُ لِلْإِنسَانِ َخذُولً (‪. ﴾ )29‬‬
‫الزء الثالث‬ ‫‪312‬‬

‫قال ابن عباس ‪ :‬تَ َ‬


‫شقّ قُ ال سّمَاء الدنيا فيننل أهلها ‪ ،‬وهم أكثر من ف‬
‫الرض من الن والنس ‪ ،‬ث تشقّق السماء الثانية فينل أهلها ‪ ،‬وهم أكثر‬
‫شقّ ُق ال سّمَاء‬
‫م ن ف ال سماء الدن يا و من ال ّن وال نس ‪ ،‬ث كذلك ح ت تَ َ‬
‫َ ‪ ،‬ثَ ينل‬ ‫السَابعة ‪ ،‬وأهَل كَل سَاء يزيدون على أهَل السَماء التَ قبله ا‬
‫السَمَاء‬
‫ّقَ ّ‬ ‫شق ُ‬ ‫ْمَ تَ َ‬
‫الكروبيّون ‪ ،‬ثَ حلة العرش ‪ .‬وعَن ماهَد قوله ‪َ ﴿ :‬وَيو َ‬
‫بِاْلغَمَا مِ ﴾ ‪ ،‬قال ‪ :‬هو الذي قال ‪ ﴿ :‬فِي ظُلَ ٍل مّ َن اْلغَمَا مِ ﴾ الذي يأت ال‬
‫فيه يوم القيامة ‪.‬‬
‫ْهَ ﴾ إل قوله ‪:‬‬ ‫ِمَ عَلَى يَ َدي ِ‬
‫ْمَ َيعَضّ الظّال ُ‬ ‫وعَن ابَن عباس قوله ‪َ ﴿ :‬ويَو َ‬
‫﴿ فُلَانا َخلِيلً ﴾ قال ‪ :‬هو أبّ بن خلف كان يضر النب فزجره عقبة‬
‫بن أب ميعط ‪ .‬قال ابن كثي ‪ :‬وسواء كان سبب نزولا ف عقبة بن أب ميعط‬
‫أو غيه مَن الشقياء ‪ ،‬فإناَ عامَة ف كَل ظال ‪ ،‬كمَا قال تعال ‪َ ﴿ :‬يوْمََ‬
‫ب وُجُو ُههُمْ فِي النّا ِر َيقُولُونَ يَا َلْيَتنَا َأ َطعْنَا اللّ َه َوَأطَ ْعنَا ال ّرسُولَا ﴾ ‪.‬‬
‫ُتقَّل ُ‬
‫خذُوا َهذَا الْ ُقرْآ نَ‬
‫قوله عز وجل ‪ ﴿ :‬وَقَالَ الرّ سُولُ يَا َربّ إِنّ َق ْومِي اتّ َ‬
‫ج ِرمِيَ وَ َكفَى ِب َربّ كَ‬
‫َمهْجُورا (‪ )30‬وَ َك َذلِ كَ َجعَلْنَا ِلكُ ّل نَِبيّ َع ُدوّا مّ نَ الْمُ ْ‬
‫هَادِيا وَنَصـِيا (‪َ )31‬وقَا َل الّذِينَـ َك َفرُوا لَ ْولَا ُن ّزلَ عَلَيْهِـ اْلقُرْآنُـ جُمْ َلةً‬
‫ت بِ هِ ُفؤَادَ كَ وَ َرتّلْنَا ُه َترْتِيلً (‪ )32‬وَلَا َيأْتُونَ كَ بِمََثلٍ ِإلّا‬
‫ك لِنُثَبّ َ‬
‫وَا ِح َدةً َك َذلِ َ‬
‫شرُو نَ عَلَى وُجُو ِههِ ْم ِإلَى‬
‫حَ‬‫جِئْنَا كَ بِالْحَقّ َوأَحْ سَ َن َتفْ سِيا (‪ )33‬الّذِي َن يُ ْ‬
‫ض ّل سَبِيلً (‪. ﴾ )34‬‬
‫ك َشرّ ّمكَانا َوأَ َ‬
‫َجهَّنمَ ُأ ْولَئِ َ‬
‫‪313‬‬ ‫توفيق الرحن ف دروس القرآن‬

‫قال ابن زيد ف قول ال ‪ ﴿ :‬وَقَالَ الرّسُو ُل يَا رَبّ ِإنّ َق ْومِي اتّخَذُوا هَذَا‬
‫َ َمهْجُورا ﴾ ‪ ،‬ل يرون أن يسَمعوه ‪ ،‬وإن دُعوا إل ال قالوا ‪ :‬ل ‪،‬‬ ‫اْلقُرْآن َ‬
‫وقرأ ‪َ ﴿ :‬وهُ ْم َيْن َهوْ نَ َعنْ ُه َوَينَْأوْ َن عَنْ هُ ﴾ ‪ ،‬قال ‪ :‬ينهون عنه وَيبْعُدون عنه ‪.‬‬
‫ج ِرمِيَ ﴾ ‪ ،‬قال ‪:‬‬
‫وقال ابن عباس ‪ ﴿ :‬وَكَذَلِكَ َجعَ ْلنَا ِلكُ ّل َنبِيّ عَ ُدوّا مّ َن الْمُ ْ‬
‫يوطّن ممدًا أنه جاعل له عدوًا من الجرمي كما جعل لن قبله ‪.‬‬
‫ْآنَ جُ ْمَل ًة وَاحِ َدةً‬
‫ْهَ اْلقُر ُ‬ ‫وقوله تعال ‪ ﴿ :‬وَقَا َل الّذ َ‬
‫ِينَ َكفَرُوا َلوْلَا نُزّ َل عََلي ِ‬
‫ت بِ هِ ُفؤَادَ كَ وَ َرتّ ْلنَا هُ َت ْرتِيلً ﴾ ‪ ،‬قال ا بن عباس ‪ :‬كان ال ينل‬ ‫كَذَلِ كَ ِلُنثَبّ َ‬
‫عل يه ال ية ‪ ،‬فإذا علم ها نب ال نزلت عل يه آ ية أخرى ‪ ،‬ليعلّ مه الكتاب عن‬
‫ظهر قلب ويثبّت به فؤاده ‪ .‬وعن السن ف قوله ‪ ﴿ :‬وَ َرتّ ْلنَا ُه تَ ْرتِيلً ﴾ ‪ ،‬قال‬
‫‪ :‬كان ينل آ ية ف آيت ي وآيات ‪ ،‬جوابًا ل م إذا سألوا عن ش يء ‪ ،‬أنزله ال‬
‫جوابًا لم وردًا عن الشيء فيما يتكلّمون به ‪ ،‬وكان بي أوله وآخره نو من‬
‫عشرين سنة ‪.‬‬
‫َاكَ بِاْلحَق ّ ﴾ ‪ ،‬قال ‪:‬‬ ‫َكَ بِ َمثَلٍ إِلّا ِجْئن َ‬
‫وعَن ابَن جريَج ‪ ﴿ :‬وَلَا يَ ْأتُون َ‬
‫ْسَنَ‬
‫الكتاب باَ تردّ بَه مَا جاءوا بَه مَن المثال التَ جاءوا باَ ﴿ َوأَح َ‬
‫َتفْسِيا ﴾ قال ابن عباس ‪ :‬يقول أحسن تفصيلً ‪.‬‬
‫وقوله تعال ‪ ﴿ :‬الّذِينََيُحْ َ‬
‫شرُونََ عَلَى وُجُو ِههِم َْإِلَى َج َهنّمََُأوَْلئِكََ َشرّ‬
‫ّمكَانا َوأَضَلّ َسبِيلً ﴾ ف ال صحيح عن أ نس أن رجلً قال ‪ :‬يا ر سول ال‬
‫ك يف ي شر الكا فر على وج هه يوم القيا مة ؟ فقال ‪ « :‬إن الذي أمشاه على‬
‫رجليه قادر أن يشيه على وجهه يوم القيامة » ‪.‬‬
‫الزء الثالث‬ ‫‪314‬‬

‫الدرس الادي والتسعون بعد الائة‬

‫﴿ َولَ َقدْ آتَيْنَا مُو سَى الْكِتَا بَ َو َجعَلْنَا مَعَ هُ َأخَا هُ هَارُو نَ وَزِيرا (‪)35‬‬
‫َفقُلْنَا ا ْذهَبَا ِإلَى اْلقَوْ ِم الّذِي نَ َك ّذبُوا بِآيَاتِنَا َف َد ّمرْنَاهُ مْ َت ْدمِيا (‪َ )36‬و َقوْ مَ‬
‫ح لّمّ ا َكذّبُوا الرّ ُس َل أَ ْغ َرقْنَاهُ مْ َو َجعَلْنَاهُ مْ لِلنّا سِ آَيةً وَأَعَْتدْنَا لِلظّالِمِيَ‬
‫نُو ٍ‬
‫ب الرّسّ َو ُقرُونا بَيْ َن َذلِكَ كَثِيا (‬
‫َعذَابا َألِيما (‪ )37‬وَعَادا َوثَمُو َد َوأَصْحَا َ‬
‫ض َربْنَا لَ ُه الَْأمْثَا َل وَكُلّا تَّب ْرنَا تَتْبِيا ( ‪َ )39‬وَلقَ ْد َأتَوْا عَلَى اْل َقرَْيةِ‬
‫‪ )38‬وَكُلّا َ‬
‫سوْ ِء َأفَلَ مْ َيكُونُوا َيرَ ْوَنهَا َبلْ كَانُوا لَا َيرْجُو َن ُنشُورا (‬
‫ت مَ َط َر ال ّ‬
‫الّتِي ُأمْ ِطرَ ْ‬
‫خذُونَكَ ِإلّا ُهزُوا َأهَذَا الّذِي َبعَثَ اللّهُ رَسُولً ( ‪)41‬‬
‫‪َ )40‬وِإذَا َرَأوْ َك إِن يَتّ ِ‬
‫ف يَعْلَمُو َن حِيَ َي َروْ نَ‬
‫إِن كَا َد لَيُضِلّنَا عَ نْ آِلهَتِنَا َل ْولَا أَن صََب ْرنَا عَلَ ْيهَا وَ َسوْ َ‬
‫ت َتكُو نُ‬
‫خ َذ ِإلَهَ ُه َهوَا هُ َأ َفأَن َ‬
‫ت مَ نِ اتّ َ‬
‫ضلّ سَبِيلً (‪ )42‬أَ َرَأيْ َ‬
‫ب مَ ْن أَ َ‬
‫اْلعَذَا َ‬
‫ب أَنّ أَكَْث َرهُ مْ يَ سْ َمعُونَ َأ ْو َيعْقِلُو َن إِ نْ هُ مْ ِإلّا‬
‫س ُ‬
‫عَلَيْ ِه وَكِيلً (‪ )43‬أَ ْم تَحْ َ‬
‫ف َم ّد ال ّظلّ َوَلوْ‬
‫ضلّ سَبِيلً (‪َ )44‬ألَ مْ َت َر ِإلَى َربّ كَ كَيْ َ‬
‫كَاْلَأنْعَا ِم َبلْ هُ ْم أَ َ‬
‫جعَلَ هُ سَاكِنا ثُمّ َجعَلْنَا الشّمْ سَ عَلَيْ ِه َدلِيلً (‪ )45‬ثُمّ قَبَضْنَا ُه ِإلَيْنَا‬
‫شَاء لَ َ‬
‫قَبْضا يَ سِيا (‪ )46‬وَ ُهوَ اّلذِي جَ َعلَ لَكُ ُم اللّ ْيلَ لِبَاسا وَالّنوْ مَ سُبَاتا َوجَ َعلَ‬
‫ح ُبشْرا بَيْ َن َيدَيْ َرحْمَتِ ِه َوأَن َزلْنَا‬
‫الّنهَارَ ُنشُورا (‪َ )47‬وهُ َو اّلذِي أَرْ َس َل ال ّريَا َ‬
‫سقِيَ ُه مِمّا خَ َلقْنَا َأنْعَاما‬
‫مِ نَ ال سّمَا ِء مَاءً َطهُورا (‪ )48‬لِنُحْيِ َي بِ ِه بَ ْل َدةً مّيْتا َونُ ْ‬
‫س ِإلّا‬
‫ص ّرفْنَاهُ بَيَْنهُ ْم لَِيذّ ّكرُوا َفأَبَى أَكَْث ُر النّا ِ‬
‫َوَأنَا سِيّ كَثِيا (‪َ )49‬وَلقَدْ َ‬
‫ُكفُورا (‪َ )50‬وَلوْ شِئْنَا لَبَعَثْنَا فِي ُك ّل َق ْرَيةٍ َنذِيرا ( ‪ )51‬فَلَا تُ ِط عِ اْلكَا ِفرِي نَ‬
‫‪315‬‬ ‫توفيق الرحن ف دروس القرآن‬

‫حرَيْ ِن َهذَا َعذْ بٌ‬


‫ج الْبَ ْ‬
‫َوجَا ِهدْهُم بِ ِه ِجهَادا كَبِيا (‪َ )52‬وهُ َو اّلذِي َمرَ َ‬
‫ح أُجَا جٌ َو َجعَ َل بَيَْنهُمَا َبرْزَخا َوحِجْرا مّحْجُورا (‪َ )53‬وهُوَ‬
‫ُفرَا تٌ َو َهذَا مِلْ ٌ‬
‫ك َقدِيرا (‪)54‬‬
‫صهْرا وَكَا نَ َربّ َ‬
‫جعَلَ هُ نَ سَبا وَ ِ‬
‫اّلذِي خَلَ قَ مِ نَ الْمَاء َبشَرا فَ َ‬
‫ض ّرهُ مْ وَكَا َن الْكَافِرُ عَلَى َربّ هِ‬
‫َوَيعْبُدُو َن مِن دُو ِن اللّ ِه مَا لَا يَنفَ ُعهُ مْ َولَا يَ ُ‬
‫َظهِيا (‪َ )55‬ومَا أَرْ سَلْنَا َك ِإلّا مَُبشّرا َونَذِيرا ( ‪ُ )56‬ق ْل مَا أَ ْسأَُلكُمْ عَلَيْ ِه مِ نْ‬
‫حيّ الّذِي لَا‬
‫خ َذ ِإلَى َربّ هِ سَبِيلً (‪َ )57‬وَتوَكّلْ عَلَى الْ َ‬
‫َأ ْجرٍ ِإلّا مَن شَاء أَن يَتّ ِ‬
‫ح بِحَ ْمدِ ِه وَكَفَى بِ هِ بِ ُذنُو بِ عِبَادِ هِ خَبِيا (‪ )58‬الّذِي خَلَ قَ‬
‫يَمُو تُ وَ سَبّ ْ‬
‫سـّت ِة أَيّامٍـثُمّ اس ْـتَوَى عَلَى الْ َعرْشِـ‬
‫ْضـ وَمَا بَيَْنهُمَا فِي ِ‬
‫ت وَاْلأَر َ‬
‫السـمَاوَا ِ‬
‫ّ‬
‫جدُوا لِلرّحْمَ نِ قَالُوا َومَا‬
‫الرّحْمَ نُ فَا ْسَألْ بِ ِه خَبِيا (‪ )59‬وَِإذَا قِي َل َلهُ مُ ا سْ ُ‬
‫جدُ لِمَا َت ْأمُ ُرنَا وَزَادَ ُه ْم ُنفُورا (‪. ﴾ )60‬‬
‫الرّحْ َم ُن َأَنسْ ُ‬

‫***‬
‫الزء الثالث‬ ‫‪316‬‬

‫ب وَ َجعَلْنَا َمعَ هُ أَخَا هُ هَارُو نَ‬


‫قوله عز وجل ‪ ﴿ :‬وََل َقدْ آتَ ْينَا مُو سَى اْلكِتَا َ‬
‫وَزِيرا (‪َ )35‬فقُلْنَا ا ْذهَبَا ِإلَى اْلقَوْ ِم الّذِي نَ َك ّذبُوا بِآيَاتِنَا َف َد ّمرْنَاهُ مْ َت ْدمِيا (‬
‫ح لّمّا َكذّبُوا الرّ ُسلَ أَ ْغ َرقْنَاهُ مْ َوجَعَلْنَاهُ ْم لِلنّا سِ آَيةً َوأَعَْت ْدنَا‬
‫‪َ )36‬و َقوْ َم نُو ٍ‬
‫لِلظّالِمِيَ َعذَابا َألِيما (‪ )37‬وَعَادا َوثَمُو َد َوأَ صْحَابَ الرّ سّ َو ُقرُونا بَيْ نَ‬
‫ض َربْنَا لَ ُه الَْأمْثَا َل وَكُلّا تَّب ْرنَا تَتْبِيا ( ‪ )39‬وََل َقدْ َأَتوْا‬
‫َذلِكَ كَثِيا (‪ )38‬وَكُلّا َ‬
‫َمـ َيكُونُوا َي َروْنَه َا َبلْ كَانُوا لَا‬
‫السـوْ ِء َأفَل ْ‬
‫َتـ مَ َط َر ّ‬
‫عَلَى اْلقَ ْرَيةِ الّت ِي ُأمْ ِطر ْ‬
‫َي ْرجُو َن ُنشُورا (‪. ﴾ )40‬‬
‫عن ا بن عباس قوله ‪َ ﴿ :‬وأَ صْحَابَ الرّ سّ ﴾ ‪ ،‬قال ‪ :‬بئر كا نت ت سمى‬
‫الرّس ‪ .‬وقال قتادة ‪ :‬الرّس ‪ :‬قريَة مَن اليمامَة يقال لاَ ‪ :‬الفلج ‪ ﴿ ،‬وَكُلّا‬
‫ض َرْبنَا لَ ُه اْلَأمْثَالَ ﴾ ‪ ،‬قال ‪ :‬كل قد أعذر ال إليه ث انتقم منه ‪ ﴿ ،‬وَكُلّا َتبّ ْرنَا‬
‫َ‬
‫َتْتبِيا ﴾ ‪ ،‬قال البغوي ‪ :‬يعن ‪ :‬أهلكنا إهلكًا ‪.‬‬
‫ك ِإلّا ُهزُوا َأ َهذَا اّلذِي َبعَ ثَ‬
‫خذُونَ َ‬
‫قوله عز وجل ‪ ﴿ :‬وَِإذَا َرأَوْ َك إِن يَتّ ِ‬
‫اللّ هُ رَ سُولً (‪ )41‬إِن كَادَ لَيُضِلّنَا عَ نْ آِلهَتِنَا َلوْلَا أَن صََب ْرنَا َعلَ ْيهَا وَ سَوْفَ‬
‫خذَ ِإَلهَ هُ‬
‫ت مَ ِن اتّ َ‬
‫ضلّ سَبِيلً (‪ )42‬أَ َرأَيْ َ‬
‫ب مَ ْن أَ َ‬
‫َيعْلَمُو نَ حِيَ َيرَوْ نَ اْل َعذَا َ‬
‫ب أَنّ أَكَْثرَهُ مْ يَ سْ َمعُو َن َأوْ‬
‫س ُ‬
‫ت َتكُو نُ َعلَيْ هِ وَكِيلً (‪ )43‬أَ ْم تَحْ َ‬
‫َهوَا ُه َأ َفأَن َ‬
‫ض ّل سَبِيلً (‪. ﴾ )44‬‬
‫َي ْعقِلُو َن إِ ْن ُهمْ ِإلّا كَاْلَأنْعَا ِم َب ْل هُ ْم أَ َ‬
‫صبَ ْرنَا عََلْيهَا ﴾‬
‫عن ابن جريج قوله ‪ ﴿ :‬إِن كَادَ َلُيضِّلنَا عَنْ آِل َهِتنَا َلوْلَا أَن َ‬
‫قال ‪ :‬ثبت نا علي ها ‪ ،‬قال البغوي ‪ :‬يع ن ‪ :‬لو ل ن صب علي ها ل صرفنا عن ها ‪.‬‬
‫‪317‬‬ ‫توفيق الرحن ف دروس القرآن‬

‫ُمَ وَقَا َل‬


‫جبُوا أَن جَاءهُم مّنذِ ٌر ّمْنه ْ‬ ‫انتهَى ‪ .‬وهذه اليَة كقوله تعال ‪َ ﴿ :‬وعَ ِ‬
‫شيْءٌ عُجَابٌ‬ ‫اْلكَافِرُو َن هَذَا سَا ِحرٌ كَذّابٌ * أَ َجعَ َل الْآِل َهةَ إِلَها وَاحِدا ِإنّ هَذَا لَ َ‬
‫شيْ ٌء يُرَادُ ﴾ ‪.‬‬ ‫صبِرُوا عَلَى آِل َهِتكُمْ إِ ّن هَذَا لَ َ‬
‫* وَانطََل َق الْمََلأُ مِْنهُمْ َأنِ امْشُوا وَا ْ‬
‫وقوله تعال ‪ ﴿ :‬أَ َرَأيْ تَ مَ ِن اتّخَذَ إَِلهَ ُه َهوَا هُ أََفأَن تَ َتكُو ُن عََليْ ِه وَكِيلً‬
‫﴾ قال ابن عباس ‪ :‬أرأيت من ترك عبادة ال وخالفه ‪ ،‬ث هوى حجرًا فعبده‬
‫ما حاله عنده ؟ وقال ا بن كث ي ‪ ﴿ :‬أَ َرَأيْ تَ مَ ِن اتّخَذَ إَِلهَ ُه َهوَا هُ ﴾ ‪ ،‬أي ‪:‬‬
‫مه ما ا ستحسن من ش يء ورآه ح سنًا ف هوى نف سه ‪ ،‬كان دي نه ومذه به ‪،‬‬
‫كما قال تعال ‪ ﴿ :‬أََفمَن ُزيّنَ لَ ُه سُو ُء عَمَلِهِ َفرَآهُ حَسَنا ﴾ ‪.‬‬
‫جعَلَ هُ‬
‫ف َمدّ ال ّظ ّل َولَ ْو شَاء لَ َ‬
‫قوله عز و جل ‪َ ﴿ :‬ألَ ْم َترَ ِإلَى َربّ كَ كَيْ َ‬
‫سَاكِنا ُثمّ جَعَلْنَا الشّمْ سَ عَلَيْ هِ َدلِيلً (‪ُ )45‬ثمّ قَبَضْنَا هُ ِإلَيْنَا قَبْضا يَ سِيا (‬
‫‪َ )46‬وهُ َو اّلذِي َجعَ َل َلكُ مُ اللّ ْي َل لِبَاسا وَالّنوْ مَ سُبَاتا وَ َج َعلَ الّنهَارَ ُنشُورا (‬
‫‪. ﴾ )47‬‬
‫ف مَدّ الظّلّ ﴾ ‪ ،‬يقول ‪ :‬ما‬ ‫عن ابن عباس قوله ‪ ﴿ :‬أَلَ ْم تَرَ إِلَى َربّ كَ َكيْ َ‬
‫ج َعلَهُ سَاكِنا ﴾ ‪ ،‬يقول ‪:‬‬
‫بي طلوع الفجر إل طلوع الشمس ‪ ﴿ ،‬وََل ْو شَاء لَ َ‬
‫س عََليْ هِ دَلِيلً ﴾ ‪ ،‬يقول ‪ :‬طلوع الش مس ‪ .‬وقال‬ ‫دائمًا ‪ ﴿ ،‬ثُمّ َجعَلْنَا الشّمْ َ‬
‫ضنَا هُ إَِليْنَا َقبْضا يَ سِيا ﴾ ‪ ،‬قال ‪ :‬حوى الش مس‬ ‫ما هد ‪ :‬تو يه ‪ ﴿ ،‬ثُمّ َقَب ْ‬
‫الظلّ ‪.‬‬
‫الزء الثالث‬ ‫‪318‬‬

‫َترًا‬ ‫وقوله تعال ‪َ ﴿ :‬و ُهوَ الّذِي َجعَلَ َلكُمَُ الّليْلَ ِلبَاسَ‬
‫َا ﴾ ‪ ،‬أي ‪ :‬سَ‬
‫تستترون به ‪ ﴿ ،‬وَالّنوْمَ ُسبَاتا ﴾ راحة لبدانكم ‪ ﴿ ،‬وَ َجعَ َل الّنهَا َر نُشُورا ﴾‬
‫تنتشرون فيه لشغالكم ‪.‬‬
‫ح ُبشْرا بَيْ َن يَدَ يْ َرحْمَتِ هِ‬
‫قوله عز و جل ‪َ ﴿ :‬و ُهوَ اّلذِي أَرْ َسلَ ال ّريَا َ‬
‫َوأَن َزلْنَا مِ َن السّمَا ِء مَاءً َطهُورا (‪ )48‬لِنُحْيِيَ بِهِ بَ ْل َد ًة مّيْتا َونُسْقَِيهُ مِمّا خَ َلقْنَا‬
‫ص ّرفْنَا ُه بَيَْنهُ ْم لَِيذّ ّكرُوا َفأَبَى أَكَْثرُ النّا سِ‬
‫َأْنعَاما َوَأنَا ِسيّ كَثِيا (‪َ )49‬وَلقَدْ َ‬
‫ِإلّا ُكفُورا (‪. ﴾ )50‬‬
‫قال ابن عباس ‪ :‬ما عام بأكثر مطر من عام ‪ ،‬ولكن ال يصرفه بي خلقه‬
‫ث قرأ ‪ ﴿ :‬وََلقَدْ صَرّ ْفنَاهُ َبْيَنهُ مْ ِليَذّكّرُوا ﴾ ‪ .‬و عن عكر مة ‪َ ﴿ :‬فأَبَى أَ ْكثَرُ‬
‫النّاسِ إِلّا ُكفُورا ﴾ ‪ ،‬قال ‪ :‬قولم ف النواء ‪.‬‬
‫قوله عز و جل ‪َ ﴿ :‬ولَ ْو شِئْنَا لََبعَثْنَا فِي ُك ّل َق ْرَيةٍ َنذِيرا (‪ )51‬فَلَا تُ ِط عِ‬
‫حرَيْ نِ َهذَا‬
‫ج الْبَ ْ‬
‫اْلكَا ِفرِي نَ َوجَا ِهدْهُم بِ ِه ِجهَادا كَبِيا (‪ )52‬وَ ُهوَ اّلذِي مَرَ َ‬
‫حجُورا (‪)53‬‬
‫ح ُأجَاجٌ َو َجعَ َل بَيَْنهُمَا َبرْزَخا َوحِجْرا مّ ْ‬
‫َعذْبٌ ُفرَاتٌ وَ َهذَا مِلْ ٌ‬
‫صهْرا وَكَا نَ َربّ كَ قَدِيرا (‬
‫جعَلَ ُه نَ سَبا وَ ِ‬
‫َوهُ َو اّلذِي خَلَ َق مِ َن الْمَاء َبشَرا فَ َ‬
‫ض ّرهُ مْ وَكَا َن الْكَافِرُ عَلَى‬
‫‪َ )54‬وَيعْبُدُو َن مِن دُو ِن اللّ ِه مَا لَا يَنفَ ُعهُ مْ َولَا يَ ُ‬
‫َرّبهِ َظهِيا (‪. ﴾ )55‬‬
‫ِهَ ﴾ ‪ ،‬قال ‪:‬‬
‫ِينَ وَجَاهِدْهُم ب ِ‬ ‫قال ابـن عباس قوله ‪َ ﴿ :‬فلَا تُط ِ‬
‫ِعَ اْلكَافِر َ‬
‫بالقرآن ‪.‬‬
‫‪319‬‬ ‫توفيق الرحن ف دروس القرآن‬

‫ج اْلبَحْ َريْ نِ ﴾ أفاض أحدها على الخر ‪﴿ ،‬‬ ‫وعن ماهد ف قوله ‪ ﴿ :‬مَرَ َ‬
‫حجُورا‬ ‫ْحَُأجَاجٌَ وَ َجعَ َل َبيَْنهُمَا بَرْزَخا وَحِجْرا مّ ْ‬
‫َاتَ َوهَذَا ِمل ٌ‬
‫ْبَ ُفر ٌ‬
‫هَذَا عَذ ٌ‬
‫﴾ ‪ ،‬قال ‪ :‬ل يتلط البحر بالعذب ‪ .‬وعن السن ف قوله ‪ ﴿ :‬وَ َجعَ َل َبيَْنهُمَا‬
‫حجُورا ﴾ ‪ ،‬قال ‪ :‬هذا اليبس ‪.‬‬ ‫بَ ْرزَخا وَ ِحجْرا مّ ْ‬
‫وقوله تعال ‪َ ﴿ :‬و ُهوَ الّذِي خَلَ َق مِ َن الْمَاء ﴾ ‪ ،‬أي ‪ :‬الن طف ‪ ﴿ ،‬بَشَرا‬
‫صهْرا ﴾ وهو اللطة الت تشبه القرابة ‪﴿ ،‬‬ ‫جعَلَ ُه نَسَبا ﴾ وهو القرابة ‪ ﴿ ،‬وَ ِ‬
‫َف َ‬
‫وَكَا نَ َربّ كَ قَدِيرا ﴾‪ .‬وعن السن ف قوله ﴿ وَكَا َن الْكَاِف ُر عَلَى َربّ ِه َظهِيا‬
‫﴾ قال ‪ :‬عونًا للشيطان على ر به على العا صي ‪ .‬وقال ا بن ز يد ‪ :‬والظه ي ‪:‬‬
‫العوين ‪ ،‬وقرأ قول ال ‪َ ﴿ :‬فلَا َتكُونَ ّن َظهِيا لّ ْلكَاِفرِينَ ﴾ ‪.‬‬
‫قوله عز وجل ‪ ﴿ :‬وَمَا أَرْسَلْنَا َك ِإلّا مَُبشّرا َوَنذِيرا (‪ُ )56‬قلْ مَا أَ ْسَألُ ُكمْ‬
‫حيّ‬
‫خذَ إِلَى َربّهِ سَبِيلً (‪َ )57‬وَتوَكّلْ عَلَى الْ َ‬
‫عَلَيْ ِه مِ ْن َأجْ ٍر ِإلّا مَن شَاء أَن يَتّ ِ‬
‫ح ِبحَ ْمدِ هِ وَكَفَى بِ ِه ِبذُنُو بِ ِعبَادِ ِه خَبِيا (‪ )58‬اّلذِي‬
‫ت وَ سَبّ ْ‬
‫اّلذِي لَا يَمُو ُ‬
‫ض َومَا بَيَْنهُمَا فِي سِّتةِ أَيّا مٍ ثُمّ ا سْتَوَى عَلَى الْ َعرْ شِ‬
‫ت وَاْلأَرْ َ‬
‫خَلَ قَ ال سّمَاوَا ِ‬
‫جدُوا لِلرّحْمَ نِ قَالُوا َومَا‬
‫الرّحْمَ نُ فَا ْسَألْ بِ ِه خَبِيا (‪ )59‬وَِإذَا قِي َل َلهُ مُ ا سْ ُ‬
‫جدُ لِمَا َت ْأمُ ُرنَا وَزَادَ ُه ْم ُنفُورا (‪. ﴾ )60‬‬
‫الرّحْ َم ُن َأَنسْ ُ‬
‫قال البغوي ‪ :‬قوله ‪ ﴿ :‬وَمَا أَرْ سَ ْلنَاكَ إِلّا ُمبَشّرا َونَذِيرا * قُ ْل مَا أَ ْسأَلُكُمْ‬
‫عََليْ هِ ﴾ ‪ ،‬أي ‪ :‬على تبليغ الوحي ‪ ﴿ ،‬مِ نْ أَجْرٍ ﴾ فتقولوا ‪ :‬إنا يطلب ممد‬
‫خذَ إِلَى َربّ هِ َسبِيلً ﴾ هذا من الستثناء النقطع‬
‫أموالنا ‪ ﴿ ،‬إِلّا مَن شَاء أَن َيتّ ِ‬
‫الزء الثالث‬ ‫‪320‬‬

‫والع ن ‪ :‬ل أ سألكم لنف سي أجرًا ‪ ،‬ول كن ل أم نع من إنفاق الال ف طلب‬


‫مرضاة ال واتاذ السبيل إل جنته ‪.‬‬
‫ت وَ َسبّحْ بِحَمْدِ ِه وَ َكفَى‬ ‫وقوله تعال ‪َ ﴿ :‬وَتوَكّلْ عَلَى الْ َ‬
‫حيّ الّذِي لَا يَمُو ُ‬
‫َقَ‬
‫ِهَ َخبِيا ﴾ ‪ ،‬عال ًا بصَغيها وكبيهَا ‪ ﴿ ،‬الّذِي خَل َ‬ ‫ُوبَ عِبَاد ِ‬
‫ِهَ بِ ُذن ِ‬
‫ب ِ‬
‫ض َومَا َبيَْنهُمَا فِي ِسّتةِ َأيّا ٍم ثُمّ ا سَْتوَى عَلَى اْلعَرْ شِ الرّحْمَ نُ‬
‫ال سّمَاوَاتِ وَاْلأَرْ َ‬
‫فَا ْسأَ ْل بِهِ َخبِيا ﴾ ‪ ،‬قال ماهد ف قوله ‪ ﴿ :‬فَا ْسأَ ْل بِهِ َخبِيا ﴾ ‪ ،‬ما أخبتك‬
‫من شيء فهو كما أخبتك ‪.‬‬
‫وقال ا بن جر ير ‪ :‬يقول ‪ :‬فا سأل يا م مد بالرح ن خبيًا بل قه ‪ ،‬فإ نه‬
‫خالق كل شيء ول يفى عليه ما خلق ‪.‬‬
‫وقوله تعال ‪َ ﴿ :‬وإِذَا قِيلَ َلهُ ُم ا سْجُدُوا لِلرّحْمَ نِ قَالُوا وَمَا الرّحْ َم نُ ﴾ ‪،‬‬
‫أي ‪ :‬ل نعرفَه ول ُنقّ ُر بَه ‪ ،‬وكانوا ينكرون أن يسَمّى ال باسَه الرحنَ ‪.‬‬
‫ُمَ ﴾ ذلك ﴿‬
‫جدُ لِم َا تَ ْأمُرُن َا ﴾ أي ‪ :‬لجرد قولك ؟ ﴿ وَزَا َده ْ‬
‫َسَ ُ‬
‫﴿ َأن ْ‬
‫ُنفُورا ﴾ عن الدين واليان ‪ .‬قال ابن كثي ‪ :‬فأما الؤمني فإنم يعبدون ال‬
‫الذي هو الرحن الرحيم ‪ ،‬ويفردونه بالِلية ويسجدون له ‪.‬‬

‫***‬
‫‪321‬‬ ‫توفيق الرحن ف دروس القرآن‬

‫الدرس الثان والتسعون بعد الائة‬

‫﴿ تَبَارَ َك الّذِي جَ َع َل فِي السّمَاء ُبرُوجا َوجَ َعلَ فِيهَا ِسرَاجا َوقَمَرا مّنِيا‬
‫(‪َ )61‬وهُ َو اّلذِي َجعَ َل اللّ ْيلَ وَالّنهَا َر خِ ْلفَ ًة لّ َم ْن أَرَادَ أَن َيذّ ّكرَ َأ ْو أَرَادَ‬
‫ض هَوْنا َوِإذَا‬
‫ُشكُورا (‪ )62‬وَعِبَادُ الرّحْ َم ِن الّذِينَ يَ ْمشُونَ َعلَى اْلأَرْ ِ‬
‫خَاطََب ُهمُ الْجَاهِلُونَ قَالُوا سَلَاما (‪ )63‬وَالّذِينَ يَبِيتُو َن ِل َربّ ِه ْم سُجّدا َوقِيَاما (‬
‫ب َجهَنّ َم إِنّ َعذَابَهَا كَانَ َغرَاما (‬
‫صرِفْ عَنّا َعذَا َ‬
‫‪ )64‬وَالّذِينَ َيقُولُونَ َربّنَا ا ْ‬
‫س ِرفُوا وََلمْ‬
‫‪ِ )65‬إّنهَا سَاءتْ ُمسَْت َقرّا َومُقَاما (‪ )66‬وَاّلذِي َن ِإذَا أَن َفقُوا َلمْ ُي ْ‬
‫ك َقوَاما (‪ )67‬وَاّلذِي َن لَا َيدْعُو َن مَ َع اللّ ِه ِإلَها آ َخ َر وَلَا‬
‫َيقُْترُوا وَكَانَ بَ ْي َن َذلِ َ‬
‫ك يَ ْلقَ أَثَاما‬
‫ح ّق َولَا َي ْزنُو َن َومَن َي ْفعَ ْل َذلِ َ‬
‫س الّتِي َحرّمَ ال ّل ُه ِإلّا بِالْ َ‬
‫َيقْتُلُونَ الّنفْ َ‬
‫ف َلهُ اْل َعذَابُ َيوْ َم اْلقِيَا َمةِ َويَخْ ُل ْد فِيهِ ُمهَانا (‪ِ )69‬إلّا مَن تَابَ‬
‫(‪ )68‬يُضَاعَ ْ‬
‫وَآ َم َن وَعَ ِملَ عَ َملً صَالِحا َفأُ ْولَِئكَ يَُب ّدلُ ال ّلهُ سَيّئَاِتهِ ْم َحسَنَاتٍ وَكَا َن ال ّلهُ‬
‫ب ِإلَى اللّ ِه مَتَابا (‬
‫َغفُورا ّرحِيما (‪َ )70‬ومَن تَابَ وَعَ ِملَ صَالِحا َفِإنّ ُه يَتُو ُ‬
‫‪ )71‬وَالّذِينَ لَا َيشْ َهدُونَ الزّورَ َوِإذَا َمرّوا بِال ّل ْغوِ َمرّوا ِكرَاما (‪ )72‬وَاّلذِينَ‬
‫خرّوا عَلَ ْيهَا صُمّا وَعُمْيَانا (‪ )73‬وَاّلذِينَ‬
‫ِإذَا ذُ ّكرُوا بِآيَاتِ َرّبهِ ْم َلمْ يَ ِ‬
‫ي ِإمَاما (‬
‫ب لَنَا ِمنْ أَ ْزوَاجِنَا وَذُ ّريّاتِنَا ُق ّرةَ أَ ْعُينٍ وَاجْعَلْنَا لِلْمُّتقِ َ‬
‫َيقُولُونَ َربّنَا هَ ْ‬
‫ج َزوْنَ اْل ُغرْ َف َة بِمَا صََبرُوا َويُلَ ّقوْ َن فِيهَا تَحِّي ًة َوسَلَاما (‪)75‬‬
‫ك يُ ْ‬
‫‪ُ )74‬أ ْولَئِ َ‬
‫ت ُمسَْت َقرّا َومُقَاما (‪ُ )76‬قلْ مَا َيعْبَُأ ِبكُمْ َربّي َل ْولَا‬
‫خَالِدِينَ فِيهَا حَسُنَ ْ‬
‫سوْفَ َيكُونُ ِلزَاما (‪. ﴾ )77‬‬
‫دُعَاؤُ ُكمْ َف َقدْ َك ّذبْتُ ْم َف َ‬
‫الزء الثالث‬ ‫‪322‬‬

‫قوله عز وجل ‪ ﴿ :‬تَبَارَ َك الّذِي جَ َع َل فِي السّمَاء ُبرُوجا َوجَ َعلَ فِيهَا‬
‫ِسرَاجا َوقَمَرا مّنِيا (‪َ )61‬وهُ َو اّلذِي َجعَ َل اللّ ْيلَ وَالّنهَا َر خِ ْلفَ ًة لّ َم ْن أَرَادَ‬
‫أَن َيذّ ّكرَ َأ ْو أَرَادَ ُشكُورا (‪. ﴾ )62‬‬
‫قال قتادة ‪ :‬البوج ‪ :‬النجوم ‪ .‬وعَن ماهَد قوله ‪َ ﴿ :‬و ُهوَ الّذِي َجعَلَ‬
‫َنَأَرَا َد‬
‫الّليْ َل وَالنّهَارَ خِ ْل َفةً ﴾ ‪ ،‬قال ‪ :‬هذا يلف هذا وهذا يلف هذا ‪ ﴿ ،‬لّم ْ‬
‫أَن يَذّكّرَ ﴾ ذاك آية له ‪َ ﴿ ،‬أوْ أَرَا َد ُشكُورا ﴾ ‪ ،‬قال ‪ :‬شكر نعمة ربه عليه‬
‫فيهما ‪.‬‬
‫قوله عز و جل ‪ ﴿ :‬وَعِبَادُ الرّحْمَ ِن الّذِي نَ يَ ْمشُو نَ عَلَى اْلأَرْ ضِ هَوْنا‬
‫َوِإذَا خَاطََبهُ مُ الْجَاهِلُو َن قَالُوا سَلَاما (‪ )63‬وَالّذِي نَ يَبِيتُو َن ِل َربّهِ مْ سُجّدا‬
‫صرِفْ عَنّا َعذَابَ َجهَنّ َم إِنّ َعذَاَبهَا كَانَ‬
‫َوقِيَاما (‪ )64‬وَاّلذِينَ َيقُولُونَ َربّنَا ا ْ‬
‫ـ َقرّا َومُقَاما ( ‪ )66‬وَالّذِينَـِإذَا أَن َفقُوا لَم ْـ‬
‫َغرَاما (‪ِ )65‬إنّهَا سـَاءتْ مُس َْت‬
‫س ِرفُوا وََلمْ يَقُْترُوا وَكَا َن بَ ْينَ َذِلكَ َقوَاما ( ‪. ﴾ )67‬‬
‫ُي ْ‬
‫ض َهوْنا ﴾ ‪ ،‬قال ‪ :‬بالوقار ‪ ،‬والسكينة‬ ‫عن ماهد ‪ ﴿ :‬يَمْشُو َن عَلَى اْلأَرْ ِ‬
‫‪ .‬وعن ابن عباس قوله ‪ ﴿ :‬يَمْشُونَ عَلَى الْأَرْضِ هَوْنا ﴾ ‪ ،‬بالطاعة والعفاف‬
‫والتواضََع ‪ .‬وقال ابََن زيََد ‪ :‬ل يتكبّرون على الناس ول يتجبّرون ول‬
‫ُونَ‬
‫ِينَ لَا ُيرِيد َ‬
‫ج َعلُهَا لِلّذ َ‬
‫ْكَ الدّا ُر الْآ ِخ َرةُ نَ ْ‬
‫يفسَدون ‪ ،‬وقرأ قول ال ‪ ﴿ :‬تِل َ‬
‫ض وَلَا فَسَادا وَاْلعَاِقَبةُ ِللْ ُمّتقِيَ ﴾ ‪.‬‬
‫عُُلوّا فِي الْأَ ْر ِ‬
‫‪323‬‬ ‫توفيق الرحن ف دروس القرآن‬

‫وعن السن ‪َ ﴿ :‬وإِذَا خَاطََبهُمُ الْجَاهِلُونَ قَالُوا َسلَاما ﴾ ‪ ،‬قال ‪ :‬حلماء ‪،‬‬
‫وإن جُهل عليهم ل يهلوا ‪.‬‬
‫وقوله تعال ‪َ ﴿ :‬ربّنَا ا صْرِ ْ‬
‫ف َعنّ ا عَذَا بَ َج َهنّ مَ إِنّ عَذَابَهَا كَا نَ غَرَاما‬
‫﴾ قال البغوي ‪ :‬يعن ‪ :‬مُِلحّا دائمًا لزمًا غي مفارق من عُذّب به من الكفار‬
‫سَتقَرّا َومُقَاما ﴾ ‪ ،‬يعن ‪ :‬بئس موضع قرار وإقامة ‪.‬‬ ‫ت مُ ْ‬ ‫‪ِ ﴿ ،‬إنّهَا سَاء ْ‬
‫وعن ابن عباس قوله ‪ ﴿ :‬وَالّذِي نَ إِذَا أَن َفقُوا لَ ْم يُ سْرِفُوا وَلَ ْم َيقْتُرُوا وَكَا نَ‬
‫َبيْ نَ ذَلِ كَ َقوَاما ﴾ ‪ ،‬قال ‪ :‬هم الؤمنون ل ي سرفون فينفقوا ف مع صية ال ‪،‬‬
‫ول يقترون فيمنعون حقوق ال ‪ .‬وعن إبراهيم قوله ‪ ﴿ :‬وَالّذِينَ إِذَا أَن َفقُوا لَمْ‬
‫يُ سْرِفُوا وَلَ ْم َي ْقتُرُوا ﴾ ‪ ،‬قال ‪ :‬ل ييع هم ول يعري هم ‪ ،‬ول ين فق نف قة يقول‬
‫الناس ‪ :‬قد أسرف ‪ .‬وروى المام أحد عن أب الدرداء عن النب قال ‪« :‬‬
‫جعَلْ‬
‫من ف قه الر جل ق صده ف معيش ته » وهذه ال ية كقوله تعال ‪ ﴿ :‬وَ َل تَ ْ‬
‫ك وَ َل َتبْسُ ْطهَا كُ ّل اْلبَسْطِ َفَتقْعُ َد َملُوما مّحْسُورا ﴾ ‪.‬‬ ‫يَ َد َك َمغْلُوَلةً إِلَى ُعنُقِ َ‬
‫ِكَ َقوَاما ﴾ ‪ ،‬أي ‪ :‬وسَطًا عدلً ‪ ،‬وقرئ ‪:‬‬
‫ْنَ ذَل َ‬ ‫وقوله تعال ‪ ﴿ :‬وَك َ‬
‫َانَ َبي َ‬
‫بكسر القاف ‪ ،‬وهو ما تقام به الاجة ‪.‬‬
‫قوله عز وجـل ‪ ﴿ :‬وَاّلذِي نَ لَا يَدْعُو َن مَعَـ اللّهِـِإلَها آ َخرَ وَلَا يَقْتُلُو نَ‬
‫ك يَلْقَ َأثَاما (‪)68‬‬
‫حقّ َولَا َيزْنُو َن وَمَن َيفْ َع ْل َذلِ َ‬
‫الّنفْسَ الّتِي حَرّ َم اللّهُ ِإلّا بِالْ َ‬
‫ف لَ هُ اْل َعذَا بُ َيوْ َم اْلقِيَا َمةِ َويَخْ ُل ْد فِي هِ ُمهَانا (‪ِ )69‬إلّا مَن تَا بَ وَآمَ نَ‬
‫يُضَاعَ ْ‬
‫الزء الثالث‬ ‫‪324‬‬

‫ك يَُبدّلُ اللّ هُ سَيّئَاِت ِهمْ حَ سَنَاتٍ وَكَا نَ اللّ هُ َغفُورا‬


‫وَعَ ِملَ عَمَلً صَالِحا َفأُ ْولَئِ َ‬
‫ب وَعَ ِملَ صَالِحا َفإِّنهُ يَتُوبُ ِإلَى ال ّلهِ مَتَابا (‪. ﴾ )71‬‬
‫ّرحِيما (‪ )70‬وَمَن تَا َ‬
‫عن ابن مسعود قال ‪ ( :‬سئل رسول ال ‪ :‬أي الذنب أكب ؟ قال ‪« :‬‬
‫أن تعَل ل ندًا وهَو خلقَك » ‪ ،‬قال ‪ :‬ثَ أي ؟ قال ‪ « :‬أن تقتَل ولدك‬
‫خش ية أن يُطْع َم م عك » ‪ ،‬قال ‪ :‬ث أي ؟ قال ‪ « :‬تزا ن حليلة جارك » قال‬
‫ّهَ إِلَها آخَرَ‬
‫َعَ الل ِ‬
‫ُونَ م َ‬
‫ِينَ لَا يَ ْدع َ‬
‫عبَد ال ‪ :‬وأنزل ال تصَديق ذلك ﴿ وَالّذ َ‬
‫﴾ الية ) ‪ .‬رواه أحد وغيه ‪ .‬وف ال صحيحي عن ال نب قال ‪ « :‬ل يلّ‬
‫دم امرئ م سلم ‪ ،‬يش هد أن ل إله إلّ ال وأن ر سول ال إ ّل بإحدى ثلث ‪:‬‬
‫الثيّب الزا ن ‪ ،‬والن فس بالن فس ‪ ،‬والتارك لدي نه الفارق للجما عة » ‪ .‬وقال‬
‫لقمان لبنه ‪ :‬يا بن إيّاك والزنا ‪ ،‬فإن أوله مافة وآخره ندامة ‪.‬‬
‫ب َيوْ مَ‬ ‫وقوله تعال ‪ ﴿ :‬وَمَن يَ ْفعَلْ ذَلِ َ‬
‫ك يَلْ قَ َأثَاما * يُضَاعَ فْ لَ ُه اْلعَذَا ُ‬
‫اْل ِقيَا َم ِة َويَخُْلدْ فِي ِه ُمهَانا ﴾ ‪ ،‬قال أ بو عبيدة ‪ :‬الثام العقو بة ؛ وقال ما هد ‪:‬‬
‫الثام واد فَ جهنَم ‪ .‬قرأ ابَن كثيَ وحفَص فيَه ‪ :‬بإشباع الكسَرة ‪ ،‬وقرأ‬
‫الباقون ‪ :‬بغي إشباع كنظائرها ‪.‬‬
‫ك ُيبَدّلُ‬ ‫وقوله تعال ‪ ﴿ :‬إِلّا مَن تَا َ‬
‫ب وَآمَ َن َوعَمِ َل عَ َملً صَالِحا َفُأوَْلئِ َ‬
‫ك ُيبَدّلُ اللّ هُ َسيّئَاِتهِ ْم‬
‫سنَاتٍ ﴾ ‪ ،‬قال ا بن عباس ‪َ ﴿ :‬فُأوْلَئِ َ‬
‫اللّ هُ َسّيئَاتِهِمْ حَ َ‬
‫سنَاتٍ ﴾ بالشرك إيانًا ‪ ،‬وبالق تل إم ساكًا ‪ ،‬وبالز نا إح صانًا ‪ .‬وقال سعيد‬ ‫حَ َ‬
‫ا بن ال سيب ‪ :‬ت صي سيئاتم ح سنات ل م يوم القيا مة ‪ ﴿ .‬وَمَن تَا بَ َوعَمِلَ‬
‫‪325‬‬ ‫توفيق الرحن ف دروس القرآن‬

‫صَالِحا فَِإنّ ُه َيتُو بُ إِلَى اللّ ِه َمتَابا ﴾ ‪ ،‬أي ‪ :‬رجوعًا ‪ .‬قال ا بن كث ي ‪ :‬أي ‪:‬‬
‫فإن ال يقبل توبته ‪ ،‬كما قال تعال ‪َ ﴿ :‬ومَن َيعْمَلْ سُوءا َأ ْو يَظِْل ْم َنفْ سَهُ ثُمّ‬
‫سَت ْغفِرِ اللّ َه يَجِدِ اللّ َه َغفُورا رّحِيما ﴾ ‪.‬‬
‫يَ ْ‬
‫ُونـ الزّو َر َوإِذَا مَرّوا بِال ّلغْ ِو َمرّوا‬
‫ش َهد َ‬
‫ِينـ لَا َي ْ‬
‫قوله عـز وجـل ‪ ﴿ :‬وَاّلذ َ‬
‫خرّوا عَلَ ْيهَا صُمّا وَعُمْيَانا‬
‫ِكرَاما (‪ )72‬وَالّذِي َن ِإذَا ذُ ّكرُوا بِآيَاتِ َرّبهِمْ لَمْ َي ِ‬
‫ب لَنَا مِ نْ أَ ْزوَاجِنَا َوذُ ّريّاتِنَا ُق ّرةَ أَعْيُ ٍن وَا ْجعَلْنَا‬
‫(‪ )73‬وَالّذِي َن َيقُولُو نَ َربّنَا هَ ْ‬
‫ج َزوْ َن الْ ُغ ْر َفةَ بِمَا صََبرُوا َويُ َل ّقوْ َن فِيهَا تَحِّيةً‬
‫ك يُ ْ‬
‫لِلْمُّتقِيَ ِإمَاما (‪ )74‬أُ ْولَئِ َ‬
‫ت ُمسَْت َقرّا َومُقَاما (‪. ﴾ )76‬‬
‫َوسَلَاما (‪ )75‬خَالِدِينَ فِيهَا حَسُنَ ْ‬
‫قال ا بن جر ير ف قوله ‪ ﴿ :‬وَالّذِي نَ لَا يَ ْ‬
‫شهَدُو نَ الزّورَ ﴾ ‪ ،‬ل يشهدون‬
‫شيئًا من البا طل ‪ ،‬ل شركًا ول غناء ول كذبًا ول غيه ‪ ،‬قال ‪ :‬والل غو ف‬
‫كلم العرب هو كل كلم أو فعل باطل ل حقيقة له ‪ ،‬أو ما يُستقبح ‪ .‬وقال‬
‫ابن كثي ‪ :‬أي ‪ :‬ل يضرون الزور ‪ ،‬وإذا اتفق مرورهم به مرّوا ول يتدنّسوا‬
‫منه بشيء ‪ ،‬ولذا قال ‪َ ﴿ :‬وإِذَا َمرّوا بِالّل ْغ ِو مَرّوا كِرَاما ﴾ ‪.‬‬
‫وقوله تعال ‪ ﴿ :‬وَالّذِي نَ ِإذَا ذُكّرُوا بِآيَا تِ َرّبهِ مْ لَ ْم يَ ِ‬
‫خرّوا عََليْهَا صُمّا‬
‫َوعُ ْميَانا ﴾ ‪ ،‬قال البغوي ‪ ﴿ :‬وَالّذِي نَ إِذَا ذُكّرُوا بِآيَا تِ َرّبهِ مْ لَ مْ يَخِرّوا ﴾ ل‬
‫صَمّا َوعُ ْميَانا ﴾ كأنمَ صَمّ عمَي ‪ ،‬بَل‬ ‫يقعوا ول يسَقطوا عليهَا ‪ُ ﴿ ،‬‬
‫يسمعون ما يذكرون به فيفهمونه ويرون الق فيه فيتبعونه ؛ قال القتيب ‪ :‬ل‬
‫يتغافلوا عنها كأنم صمّ ل يسمعوها وعمي ل يروها ‪.‬‬
‫الزء الثالث‬ ‫‪326‬‬

‫وقوله تعال ‪ ﴿ :‬وَالّذِي َن َيقُولُو نَ َرّبنَا هَ بْ َلنَا مِ نْ أَ ْزوَا ِجنَا َوذُ ّريّاتِنَا ُق ّرةَ َأ ْعيُ نٍ‬
‫وَا ْجعَلْنَا لِ ْل ُمّتقِيَ ِإمَاما ﴾ ‪ ،‬عن ا بن عباس قوله ‪ ﴿ :‬هَ بْ لَنَا مِ نْ أَ ْزوَاجِنَا‬
‫َوذُ ّريّاتِنَا ُق ّرةَ َأ ْعيُنٍ ﴾ ‪ ،‬يعنون ‪ :‬من يعمل لك بالطاعة َفُتقِ ّر ِبهِ ْم أعينًا ف الدنيا‬
‫والخرة ‪ ﴿ ،‬وَا ْجعَلْن َا لِلْ ُمّتقِي َ ِإمَاما ﴾ ‪ ،‬يقول ‪ :‬أئمَة يُقتدى بنَا ‪ .‬وقال‬
‫ماهد ‪ :‬أئمة نقتدي بن قبلنا ‪ ،‬ونكون أئمة لن بعدنا ‪.‬‬
‫وقوله تعال ‪ُ ﴿ :‬أوَْلئِ َ‬
‫ك يُجْ َزوْنَ اْلغُرَْفةَ ﴾ ‪ ،‬أي ‪ :‬الدرجة العالية ‪ .‬وهي ‪:‬‬
‫صبَرُوا ﴾ على أمر ال تعال طاعته ‪َ ﴿ ،‬ويَُل ّقوْ َن‬ ‫الفردوس أعل النة ‪ ﴿ ،‬بِمَا َ‬
‫لِئ َكةُ يَ ْدخُلُو نَ عََليْهِم مّ ن كُلّ‬ ‫حّي ًة وَ سَلَاما ﴾ ك ما قال تعال ‪ ﴿ :‬وَالَ َ‬ ‫فِيهَا تَ ِ‬
‫ِينَ فِيهَا‬‫ْمَ ُعقْبَى الدّارِ ﴾ ‪ ﴿ ،‬خَاِلد َ‬ ‫صَ ْرتُمْ َفِنع َ‬
‫ل ٌم عََليْكُم بِمَا َبَ‬‫سَ َ‬
‫َابَ * َ‬ ‫ب ٍ‬
‫ُسَقَرّا َومُقَاما ﴾ ‪ ،‬أي ‪ :‬موضَع قرار وإقامَة ‪ ،‬كمَا قال تعال ‪:‬‬ ‫َسَتْ م َْت‬ ‫ح َُن‬
‫س نُزُلً *‬ ‫ت اْلفِرْ َدوْ ِ‬
‫﴿ ِإنّ الّذِي نَ آ َمنُوا َوعَمِلُوا ال صّالِحَاتِ كَانَ تْ َلهُ مْ َجنّا ُ‬
‫خَالِدِينَ فِيهَا لَا يَْبغُونَ َعْنهَا ِحوَلً ﴾ ‪.‬‬
‫ُمـ‬
‫ُمـ َفقَدْ َك ّذبْت ْ‬
‫ُمـ َربّيـ َلوْلَا دُعَاؤُك ْ‬
‫قوله عـز وجـل ‪ُ ﴿ :‬ق ْل مَا َيعَْبأُ بِك ْ‬
‫ف يَكُو ُن ِلزَاما (‪. ﴾ )77‬‬
‫سوْ َ‬
‫َف َ‬
‫قال ا بن كث ي ‪ :‬أي ‪ :‬ل يبال ول يكترث ب كم إذا ل تعبدوه ‪ ،‬فإ نه إن ا‬
‫خلق اللق ليعبدوه ويوحّدوه ‪ .‬وقال الضحاك فََ قوله ‪َ ﴿ :‬فقَدْ َك ّذبْتُمَ ْ‬
‫َ‬
‫ف َيكُو نُ لِزَاما ﴾ ‪ ،‬الكفار كذّبوا ر سول ال وب ا جاء به من ع ند‬ ‫سوْ َ‬
‫فَ َ‬
‫سوْفَ‬‫ف َيكُو نُ ِلزَاما ﴾ ‪ ،‬وهو يوم بدر ‪ .‬وعن ابن عباس ‪ ﴿ :‬فَ َ‬
‫سوْ َ‬
‫ال ﴿ فَ َ‬
‫‪327‬‬ ‫توفيق الرحن ف دروس القرآن‬

‫ف َيكُونَُ‬
‫َيكُونَُلِزَاما ﴾ ‪ ،‬قال ‪ :‬موتًا ‪ .‬وقال السَن البصَري ‪ ﴿ :‬فَسََوْ َ‬
‫ف يَكُو نُ ِلزَاما ﴾ ‪،‬‬ ‫ِلزَاما ﴾ ‪ ،‬أي ‪ :‬يوم القيامة ‪ .‬وقال ابن كثي ‪ ﴿ :‬فَ َ‬
‫سوْ َ‬
‫أي ‪ :‬فسَوف يكون تكذيبكَم لزام ًا لكَم ‪ .‬يعنَ ‪ :‬مقتضي ًا لعذابكَم ‪،‬‬
‫وهلككم ‪ ،‬ودماركم ف الدنيا والخرة ‪.‬‬

‫***‬
‫الزء الثالث‬ ‫‪328‬‬

‫الدرس الثالث والتسعون بعد الائة‬


‫[ سورة الشعراء ]‬
‫مكية ‪ ،‬وهي مائتان وسبع وعشرون آية‬
‫بسم ال الرحن الرحيم‬
‫ك َألّا‬
‫ك بَاخِ ٌع ّنفْ سَ َ‬
‫﴿ طسم (‪ )1‬تِلْ كَ آيَا تُ اْلكِتَا بِ الْمُبِيِ ( ‪َ )2‬لعَلّ َ‬
‫ت أَعْنَا ُقهُمْ َلهَا‬
‫َيكُونُوا ُمؤْمِنِيَ (‪ )3‬إِن ّنشَ ْأ نَُنزّلْ عَلَ ْيهِم مّن السّمَاء آَي ًة فَظَلّ ْ‬
‫حدَ ثٍ ِإلّا كَانُوا عَنْ هُ‬
‫ضعِيَ (‪ )4‬وَمَا َيأْتِيهِم مّ ن ذِ ْكرٍ مّ َن الرّحْمَ ِن مُ ْ‬
‫خَا ِ‬
‫ُم ْعرِضِيَ (‪َ )5‬فقَدْ َك ّذبُوا فَ سََي ْأتِيهِ ْم أَنبَاء مَا كَانُوا بِ ِه يَ سْتَ ْه ِزئُون ( ‪ )6‬أَ َولَ مْ‬
‫ك لَآَيةً‬
‫َي َروْا ِإلَى الْأَرْ ضِ كَ مْ أَنبَتْنَا فِيهَا مِن ُكلّ َزوْ جٍ َكرِيٍ (‪ )7‬إِنّ فِي َذلِ َ‬
‫َومَا كَا َن أَكَْث ُرهُم ّمؤْمِنِيَ (‪َ )8‬وإِنّ َربّكَ َل ُهوَ اْلعَزِيزُ ال ّرحِيمُ ( ‪ )9‬وَِإ ْذ نَادَى‬
‫ك مُوسَى أَ ِن ائْتِ اْل َقوْمَ الظّالِمِيَ (‪َ )10‬قوْمَ ِفرْعَوْ َن َألَا يَّتقُونَ (‪ )11‬قَالَ‬
‫َرّب َ‬
‫رَبّ ِإنّيـَأخَافُـأَن ُيكَ ّذبُونِـ (‪ )12‬وَيَضِيقُـ صَـدْرِي َولَا يَنطَلِقُـلِسـَانِي‬
‫ف أَن َيقْتُلُو نِ ( ‪ )14‬قَالَ‬
‫ب َفأَخَا ُ‬
‫َفأَرْ ِس ْل إِلَى هَارُو نَ (‪ )13‬وََلهُ مْ عَ َليّ ذَن ٌ‬
‫كَلّا فَاذْهَبَا بِآيَاتِنَا ِإنّا َمعَكُم مّ سْتَ ِمعُونَ (‪َ )15‬فأْتِيَا ِفرْ َعوْ نَ َفقُولَا ِإنّا رَ سُولُ‬
‫َربّ الْعَالَمِيَ (‪ )16‬أَ ْن أَرْ ِسلْ َمعَنَا بَنِي إِ ْسرَائِيلَ ( ‪ )17‬قَا َل َألَ ْم ُنرَبّ كَ فِينَا‬
‫ت وَأَن تَ‬
‫ك الّتِي َفعَلْ َ‬
‫ت َفعْلَتَ َ‬
‫ت فِينَا مِ نْ عُ ُمرِ كَ سِنِيَ (‪َ )18‬و َفعَلْ َ‬
‫َولِيدا َولَبِثْ َ‬
‫ت مِنكُ مْ‬
‫مِ نَ اْلكَا ِفرِي نَ (‪ )19‬قَالَ َفعَلُْتهَا إِذا َوأَنَا مِ نَ الضّالّيَ ( ‪َ )20‬ف َفرَرْ ُ‬
‫ب لِي َربّي ُحكْما َو َجعَلَنِي ِمنَ الْ ُمرْسَلِيَ (‪ )21‬وَتِ ْلكَ ِنعْ َمةٌ‬
‫لَمّا ِخفُْتكُمْ َف َوهَ َ‬
‫‪329‬‬ ‫توفيق الرحن ف دروس القرآن‬

‫تَمُّنهَا عَ َليّ أَ نْ عَبّدتّ بَنِي إِ ْسرَائِيلَ (‪ )22‬قَالَ ِفرْ َعوْ ُن َومَا َربّ اْلعَالَ ِميَ (‬
‫ت وَاْلأَرْ ضِ وَمَا بَيَْنهُمَا إن كُنتُم مّوقِنِيَ ( ‪ )24‬قَالَ‬
‫‪ )23‬قَالَ َربّ ال سّمَاوَا ِ‬
‫لِمَ ْن َحوْلَ هُ أَلَا تَ سْتَ ِمعُونَ (‪ )25‬قَالَ َرّبكُ مْ وَ َربّ آبَائِكُ مُ اْلأَ ّولِيَ ( ‪ )26‬قَالَ‬
‫ِقـ‬
‫شر ِ‬‫ُونـ (‪ )27‬قَالَ رَب ّ الْ َم ْ‬
‫ُمـ لَ َمجْن ٌ‬
‫ْسـلَ ِإلَ ْيك ْ‬
‫إِن ّ رَسـُولَ ُكمُ اّلذِي أُر ِ‬
‫ت ِإلَها غَ ْيرِي‬
‫خذْ َ‬
‫وَالْ َمغْرِ بِ َومَا بَيَْنهُمَا إِن كُنتُ ْم َت ْعقِلُو نَ (‪ )28‬قَالَ لَئِ ِن اتّ َ‬
‫شيْءٍ مّبِيٍ ( ‪ )30‬قَالَ‬
‫ك ِب َ‬
‫ك مِ َن الْمَ سْجُونِيَ (‪ )29‬قَا َل أَ َوَلوْ جِئْتُ َ‬
‫َلَأجْعَلَنّ َ‬
‫ت مِ نَ ال صّا ِدقِيَ (‪َ )31‬فأَْلقَى عَ صَا ُه َفِإذَا هِ يَ ُثعْبَا نٌ مّبِيٌ (‬
‫َفأْ تِ بِ ِه إِن كُن َ‬
‫ع َيدَ ُه َفِإذَا هِ َي بَيْضَاء لِلنّا ِظرِي نَ ( ‪ )33‬قَالَ لِلْمَ َلِإ َحوْلَ هُ إِنّ هَذَا‬
‫‪َ )32‬وَنزَ َ‬
‫ح ِر ِه فَمَاذَا َت ْأ ُمرُونَ (‬
‫ضكُم بِسِ ْ‬
‫خ ِرجَكُم مّ ْن أَرْ ِ‬
‫لَسَا ِحرٌ عَلِيمٌ (‪ُ )34‬يرِي ُد أَن يُ ْ‬
‫‪ )35‬قَالُوا أَرْجِ هِ َوأَخَا هُ وَابْعَ ثْ فِي الْ َمدَائِ نِ حَاشِرِي نَ ( ‪َ )36‬يأْتُو َك ِب ُكلّ‬
‫ح َر ُة لِمِيقَا تِ يَوْ ٍم ّمعْلُو مٍ ( ‪َ )38‬وقِيلَ لِلنّا سِ‬
‫سَحّارٍ عَلِي مٍ (‪ )37‬فَجُ ِم َع ال سّ َ‬
‫ح َر َة إِن كَانُوا هُ مُ اْلغَالِبِيَ ( ‪)40‬‬
‫َه ْل أَنتُم مّجَْت ِمعُو نَ (‪َ )39‬لعَلّنَا نَتّبِ ُع ال سّ َ‬
‫ح َر ُة قَالُوا لِ ِفرْ َعوْ نَ َأِئنّ لَنَا َلأَجْرا إِن كُنّا نَحْ ُن اْلغَالِبِيَ (‪)41‬‬
‫فَلَمّا جَاء ال سّ َ‬
‫قَالَ َنعَ مْ َوِإنّكُ مْ إِذا لّمِ نَ الْ ُم َق ّربِيَ (‪ )42‬قَا َل لَهُم مّو سَى َأْلقُوا مَا أَنتُم‬
‫ح ُن اْلغَالِبُونَ‬
‫مّ ْلقُونَ (‪َ )43‬فَألْ َقوْا حِبَالَ ُه ْم وَعِصِّي ُهمْ َوقَالُوا ِب ِع ّزةِ ِفرْ َعوْ َن ِإنّا لَنَ ْ‬
‫ح َرةُ‬
‫(‪َ )44‬فَألْقَى مُوسَى عَصَا ُه َفِإذَا هِ َي تَ ْلقَفُ مَا َي ْأفِكُونَ ( ‪َ )45‬فُألْقِيَ السّ َ‬
‫سَا ِجدِينَ (‪ )46‬قَالُوا آمَنّا ِبرَبّ اْلعَالَ ِميَ ( ‪َ )47‬ربّ مُوسَى َوهَارُونَ ( ‪)48‬‬
‫سوْفَ‬
‫ح َر فَلَ َ‬
‫قَالَ آمَنتُ ْم لَ ُه قَ ْبلَ أَنْ آذَ َن لَكُ ْم ِإنّ ُه لَكَبِيُكُمُ اّلذِي عَلّ َمكُ ُم السّ ْ‬
‫الزء الثالث‬ ‫‪330‬‬

‫ف َولَأُ صَلّبَّنكُ ْم َأجْ َمعِيَ ( ‪)49‬‬


‫َتعْلَمُو نَ َلُأقَ ّطعَنّ أَْي ِديَكُ ْم َوأَرْجُلَكُم مّ ْن خِلَا ٍ‬
‫قَالُوا لَا ضَ ْي َر ِإنّا ِإلَى َربّنَا مُنقَلِبُو نَ (‪ِ )50‬إنّا نَطْ َم ُع أَن َيغْ ِف َر لَنَا َربّنَا خَطَايَانَا‬
‫أَن كُنّ ا َأوّ َل الْ ُمؤْمِنِيَ (‪ )51‬وََأ ْوحَيْنَا ِإلَى مُو سَى أَ ْن أَ ْسرِ ِبعِبَادِي ِإنّكُم‬
‫ِينـ ( ‪ )53‬إِنّ هَ ُؤلَاء‬
‫ِنـ حَا ِشر َ‬
‫ْنـ فِي الْ َمدَائ ِ‬
‫ْسـلَ ِفرْ َعو ُ‬
‫ُونـ (‪َ )52‬فأَر َ‬
‫مّتَّبع َ‬
‫ش ْرذِ َم ٌة قَلِيلُو نَ (‪ )54‬وَِإّنهُ مْ لَنَا لَغَائِظُو نَ ( ‪َ )55‬وِإنّ ا لَجَمِي ٌع حَاذِرُو نَ (‬
‫َل ِ‬
‫ت وَعُيُو نٍ ( ‪ )57‬وَكُنُوزٍ َو َمقَا مٍ َكرِيٍ ( ‪)58‬‬
‫‪َ )56‬فَأخْ َرجْنَاهُم مّ ن جَنّا ٍ‬
‫شرِقِيَ ( ‪ )60‬فَلَمّا َترَاءى‬
‫َك َذلِ كَ َوَأوْرَثْنَاهَا بَنِي إِ ْسرَائِيلَ (‪َ )59‬فَأتَْبعُوهُم ّم ْ‬
‫الْجَ ْمعَا نِ قَالَ أَ صْحَابُ مُو سَى ِإنّا لَ ُمدْرَكُو نَ (‪ )61‬قَالَ كَلّا إِنّ َمعِ يَ َربّي‬
‫ح َر فَانفَلَ قَ َفكَا نَ‬
‫ضرِب بّعَ صَا َك الْبَ ْ‬
‫سََي ْهدِينِ (‪َ )62‬فأَ ْوحَيْنَا ِإلَى مُو سَى أَ نِ ا ْ‬
‫ُك ّل ِفرْ قٍ كَالطّ ْو ِد الْعَظِي مِ (‪َ )63‬وأَ ْزلَفْنَا َثمّ الْآ َخرِي نَ ( ‪ )64‬وَأَنَيْنَا مُو سَى‬
‫ك لَآَي ًة وَمَا‬
‫َومَن ّمعَ هُ َأجْ َمعِيَ (‪ُ )65‬ثمّ أَ ْغ َرقْنَا الْآ َخرِي نَ ( ‪ )66‬إِنّ فِي َذلِ َ‬
‫ك َلهُ َو الْ َعزِي ُز الرّحِيمُ (‪. ﴾ )68‬‬
‫كَا َن أَكَْث ُرهُم ّم ْؤمِنِيَ (‪ )67‬وَإِنّ َرّب َ‬

‫***‬
‫‪331‬‬ ‫توفيق الرحن ف دروس القرآن‬

‫قوله عز و جل ‪ ﴿ :‬ط سم (‪ )1‬تِلْ كَ آيَا تُ اْلكِتَا بِ الْمُبِيِ ( ‪َ )2‬لعَلّ كَ‬


‫سكَ َألّا َيكُونُوا ُم ْؤمِنِيَ (‪ )3‬إِن ّنشَ ْأ نَُنزّلْ عَلَ ْيهِم مّن ال سّمَاء آَيةً‬
‫بَاخِ عٌ نّفْ َ‬
‫حدَ ثٍ‬
‫ضعِيَ (‪َ )4‬ومَا َي ْأتِيهِم مّن ذِ ْك ٍر مّ نَ ال ّرحْمَ نِ مُ ْ‬
‫فَظَلّ تْ أَعْنَاقُهُ مْ لَهَا خَا ِ‬
‫ِهـ‬
‫َسـَيأْتِي ِهمْ أَنبَاء م َا كَانُوا ب ِ‬
‫ْهـ ُم ْعرِضِي َ (‪َ )5‬فقَدْ َك ّذبُوا ف َ‬
‫ِإلّا كَانُوا َعن ُ‬
‫يَ سَْت ْهزِئُون (‪َ )6‬أ َولَ ْم َيرَوْا إِلَى اْلأَرْ ضِ كَ ْم أَنبَتْنَا فِيهَا مِن ُكلّ َزوْ جٍ َكرِيٍ (‬
‫ك َلهُ َو الْ َعزِيزُ‬
‫‪ )7‬إِنّ فِي َذلِ كَ لَآَيةً َومَا كَا َن أَكَْث ُرهُم ّم ْؤمِنِيَ ( ‪ )8‬وَإِنّ َربّ َ‬
‫الرّحِيمُ (‪. ﴾ )9‬‬
‫قال ابن عباس ‪ ﴿ :‬بَاخِ عٌ نّفْ سَكَ ﴾ ‪ ،‬قاتل نفسك ‪ .‬وقال قتادة ‪ :‬لعلك‬
‫من الرص على إيانم مرج نفسك من جسدك ‪.‬‬
‫وقوله تعال ‪ ﴿ :‬إِن نّ َ‬
‫ش ْأ ُننَزّ ْل عََليْهِم مّ ن ال سّمَاء آَيةً فَ َظلّ تْ َأعْنَاُقهُ مْ لَهَا‬
‫ضعِيَ ﴾ ‪ ،‬قال قتادة ‪ :‬لو شاء ال لنّل آيَة يذلّون باَ ‪ ،‬فل يلوي أحَد‬
‫خَا ِ‬
‫عن قه إل مع صية ال ‪ .‬وقال ا بن كث ي ‪ :‬أي ‪ :‬لو نشاء لنزل نا آ ية تضطرّ هم‬
‫إل الِيان قهرًا ‪ ،‬ولكَن ل نفعَل ذلك لنَا ل نريَد مَن أحَد إل الِيان‬
‫الختياري ‪.‬‬
‫وقوله تعال ‪َ ﴿ :‬ومَا َيأْتِيهِم مّ ن ذِ ْك ٍر مّ نَ الرّحْ َم ِن مُحْدَ ثٍ إِلّا كَانُوا َعنْ هُ‬
‫ُمعْرِضِيَ ﴾ ‪ ،‬قال البغوي ‪ :‬أي ‪ :‬مُ ْ‬
‫حدَ ثٌ إنزاله ‪ ،‬ف هو مدث ف التن يل ‪.‬‬
‫قال الكل ب ‪ :‬كل ما نزل ش يء من القرآن ب عد ش يء فهو أحدث من الول ‪.‬‬
‫الزء الثالث‬ ‫‪332‬‬

‫سَي ْأتِيهِمْ أَنبَاء ﴾ ‪ ،‬أي ‪ :‬أخبار وعواقب ‪ ﴿ ،‬مَا‬


‫وقوله تعال ‪َ ﴿ :‬فقَدْ كَ ّذبُوا فَ َ‬
‫سَتهْ ِزئُون ﴾ ‪.‬‬
‫كَانُوا بِ ِه يَ ْ‬
‫وقوله تعال ‪َ ﴿:‬أوَلَ ْم يَ َروْا إِلَى اْلأَرْضِ كَمْ أَنَبتْنَا فِيهَا مِن كُلّ َزوْجٍ كَ ِريٍ ﴾‬
‫أي ‪ :‬ح سن ‪ .‬قال الش عب ‪ :‬الناس من نبات الرض ‪ ،‬ف من د خل ال نة ف هو‬
‫كري ‪ ،‬ومن دخل النار فهو لئيم ‪.‬‬
‫وقوله تعال ‪ ﴿ :‬إِنّ فِي ذَلِ كَ ﴾ ‪ ،‬أي ‪ :‬دللة على قدرة الالق وتوحيده‬
‫بالعبادة ‪ ﴿ ،‬وَمَا كَا نَ أَ ْكثَرُهُم ّم ْؤمِنِيَ * َوإِنّ َربّ كَ َل ُه َو الْعَزِيزُ الرّحِي مُ ﴾ ‪،‬‬
‫قال أبو العالية ‪ ﴿ :‬اْلعَزِيزُ ﴾ ف نقمته وانتصاره من خالف أمره وعبد غيه ‪.‬‬
‫وقال سعيد بن جبي ‪ ﴿ :‬الرّحِيمُ ﴾ بن تاب إليه وأناب ‪.‬‬
‫ت الْ َقوْ َم الظّالِ ِميَ (‪)10‬‬
‫ك مُوسَى أَ ِن ائْ ِ‬
‫قوله عز وجل ‪َ ﴿ :‬وِإذْ نَادَى َربّ َ‬
‫َقوْ َم ِفرْ َعوْ َن َألَا يَّتقُونَ (‪ )11‬قَالَ َربّ ِإنّي َأخَافُ أَن ُي َكذّبُونِ (‪ )12‬وَيَضِيقُ‬
‫َنبـ‬
‫ُمـ عَلَيّ ذ ٌ‬
‫ُونـ (‪ )13‬وََله ْ‬
‫ْسـلْ إِلَى هَار َ‬
‫ِقـ لِسـَانِي َفأَر ِ‬
‫صـدْرِي َولَا يَنطَل ُ‬
‫َ‬
‫ف أَن َيقْتُلُو نِ (‪ )14‬قَالَ كَلّا فَاذْهَبَا بِآيَاتِنَا ِإنّا َمعَكُم مّ سْتَ ِمعُونَ (‪)15‬‬
‫َفَأخَا ُ‬
‫َف ْأتِيَا ِفرْ َعوْنَـ َفقُولَا ِإنّاـ رَسـُولُ رَبّ اْلعَالَمِيَ (‪ )16‬أَن ْـأَرْسِـلْ َمعَنَا بَنِي‬
‫ِإ ْسرَائِيلَ (‪. ﴾ )17‬‬
‫قال البغوي ‪ :‬أي ‪ :‬إل فلسطي ‪ ،‬ول تستعبدهم وكان فرعون استعبدهم‬
‫أربعمائة سنة ‪ ،‬وكانوا ف ستّمائة ألف وثلثي ألفًا ‪ ،‬فانطلق موسى إل مصر‬
‫‪333‬‬ ‫توفيق الرحن ف دروس القرآن‬

‫وهارون باَ فأخَبه بذلك ‪ ،‬وصَاحت أمّهمَا وقالت ‪ :‬إن فرعون يطلبَك‬
‫ليقتلك ‪ ،‬فلو ذهبتما إليه قتلكما ‪ ،‬فلم يتنعا لقولا وذهب إل باب فرعون ‪.‬‬
‫ت فِينَا مِ نْ ُع ُمرِ كَ‬
‫قوله عز و جل ‪ ﴿ :‬قَا َل َألَ ْم ُنرَبّ كَ فِينَا َولِيدا َولَبِثْ َ‬
‫ت مِ نَ اْلكَا ِفرِي نَ (‪ )19‬قَالَ‬
‫ت وَأَن َ‬
‫ك الّتِي َفعَلْ َ‬
‫ت َفعْلَتَ َ‬
‫سِنِيَ (‪َ )18‬و َفعَلْ َ‬
‫ب لِي َربّي‬
‫ت مِن ُكمْ لَمّا ِخفُْتكُمْ َف َوهَ َ‬
‫َفعَلُْتهَا إِذا َوأَنَا ِمنَ الضّالّيَ (‪َ )20‬ف َفرَرْ ُ‬
‫ك نِعْ َم ٌة تَمُّنهَا عَ َليّ أَ نْ عَبّدتّ بَنِي‬
‫ُحكْما َو َجعَلَنِي مِ نَ الْ ُمرْ سَلِيَ (‪ )21‬وَتِلْ َ‬
‫إِ ْسرَائِيلَ (‪ )22‬قَا َل ِفرْ َعوْ نُ وَمَا رَبّ اْلعَالَمِيَ (‪ )23‬قَالَ رَبّ ال سّمَاوَاتِ‬
‫ض َومَا بَيَْنهُمَا إن كُنتُم مّوقِِنيَ (‪ )24‬قَالَ لِمَ ْن َحوْلَ هُ أَلَا تَ سْتَ ِمعُونَ (‬
‫وَالْأَرْ ِ‬
‫‪ )25‬قَالَ َرّبكُ مْ وَ َربّ آبَائِكُ مُ اْلأَ ّولِيَ (‪ )26‬قَالَ إِنّ رَ سُولَ ُكمُ اّلذِي أُرْ ِسلَ‬
‫ق وَالْ َم ْغرِ بِ وَمَا بَيَْنهُمَا إِن كُنتُ مْ‬
‫شرِ ِ‬
‫ِإلَ ْيكُ مْ لَ َمجْنُو نٌ (‪ )27‬قَالَ رَبّ الْ َم ْ‬
‫ت ِإلَها غَ ْيرِي َلأَ ْجعَلَنّكَ مِنَ الْمَسْجُونِيَ (‪)29‬‬
‫خذْ َ‬
‫َت ْعقِلُونَ (‪ )28‬قَالَ لَئِنِ اتّ َ‬
‫ت مِ نَ ال صّا ِدقِيَ (‬
‫ت بِ ِه إِن كُن َ‬
‫قَالَ َأ َولَ ْو جِئْتُ كَ ِبشَيْ ٍء مّبِيٍ (‪ )30‬قَالَ َفأْ ِ‬
‫ع َيدَ ُه َفِإذَا هِ يَ بَيْضَاء‬
‫‪َ )31‬فَألْقَى عَ صَا ُه َفإِذَا هِ َي ُثعْبَا ٌن مّبِيٌ (‪َ )32‬وَنزَ َ‬
‫لِلنّا ِظرِينَ (‪. ﴾ )33‬‬
‫ت مِ َن اْلكَافِرِينَ ﴾‬ ‫قال ابن زيد ف قوله ‪ ﴿:‬وََفعَلْتَ َفعَْلتَ َ‬
‫ك الّتِي َفعَلْتَ َوأَن َ‬
‫قال ‪ :‬ربّيناك فينَا وليدًا فهذا الذي كافأتنَا أن قتلت منَا نفسًَا وكفرت‬
‫نعمتنا ؟ ﴿ قَالَ َفعَ ْلُتهَا إِذا َوَأنَا مِ َن الضّالّيَ ﴾ ‪ ،‬قال ماهد ‪ :‬من الاهلي ‪.‬‬
‫وعن السدي ‪َ ﴿ :‬ف َوهَ بَ لِي َربّي ُحكْما ﴾ والكم ‪ :‬النبوّة ‪ .‬وعن ماهد ‪:‬‬
‫الزء الثالث‬ ‫‪334‬‬

‫﴿ تَ ُمّنهَا عََليّ أَ نْ َعبّدتّ َبنِي إِ سْرَائِيلَ ﴾ ‪ ،‬قال ‪ :‬قهرتم واستعملتهم ‪ .‬وعن‬


‫ك ِنعْ َمةٌ تَ ُمنّهَا عَلَيّ أَ نْ عَبّدتّ بَنِي إِ سْرَائِي َل ﴾ وربيت ن قبلُ‬
‫ال سدي ‪َ ﴿ :‬وتِلْ َ‬
‫وليدًا !‬
‫قال ابن كثي ‪ :‬أي ‪ :‬وما أحسنت إلّ وربّيتن مقابل ما أسأت إل بن‬
‫ق رعي تك ‪،‬‬ ‫إ سرائيل ‪ ،‬فجعلت هم عبيدًا وخدمًا ت صرفهم ف أعمالك ومشا ّ‬
‫أَفيَفي إحسانك إل رجل واحد منهم با أسأت إل مموعهم ؟ أي ‪ :‬ليس ما‬
‫ذكرته شيئًا بالنسبة إل ما فعلت بم ‪.‬‬
‫﴿ قَالَ ِف ْر َعوْنُ َومَا رَبّ اْلعَالَمِيَ ﴾ ‪ .‬يقول ‪ :‬أيّ شيء رب العالي الذي‬
‫ض وَمَا بَْيَنهُمَا إن كُنتُم‬ ‫ت وَالْأَرْ ِ‬ ‫تز عم أ نك ر سوله ؟ ﴿ قَالَ رَبّ ال سّمَاوَا ِ‬
‫مّوِقنِيَ ﴾ أ نه خالق ها ‪ .‬أي ‪ :‬إن كا نت ل كم قلوب موق نة تدلّ كم على أن‬
‫ستَ ِمعُونَ ﴾ ‪ ،‬أي ‪ :‬أل‬ ‫فرعون وغيه ل يلقون ذلك ‪ ﴿ ،‬قَالَ ِلمَ نْ َحوْلَهُ أَلَا تَ ْ‬
‫تعجبون من هذا ف زع مه أن ل كم إلًا غيي ؟ ﴿ قَالَ َرّبكُ مْ وَرَبّ آبَاِئكُ مُ‬
‫اْلَأوّلِيَ ﴾ الذين كانوا قبل فرعون وزمانه ‪ ﴿ ،‬قَالَ ِإنّ رَ سُوَلكُ ُم الّذِي أُرْ سِلَ‬
‫جنُو نٌ ﴾ ‪ ،‬أي ‪ :‬ليس له عقل ؛ فزاد موسى ف البيان ‪ ﴿ :‬قَالَ رَبّ‬ ‫إَِلْيكُ مْ لَمَ ْ‬
‫ب َومَا َبْينَهُمَا إِن كُنتُ ْم َت ْعقِلُونَ ﴾ ‪.‬‬
‫ش ِرقِ وَالْ َمغْرِ ِ‬
‫الْمَ ْ‬
‫فلمَا رأى فرعون الجَّة لزمتَه وانقطعَت حجّتَه ‪ ،‬عدل إل قوتَه‬
‫سجُونِيَ * قَالَ َأوَلَوْ‬
‫وسلطانه ﴿ قَالَ َلئِ ِن اتّخَذْتَ إِلَها غَيْرِي َلأَ ْجعََلنّكَ مِ َن الْمَ ْ‬
‫ت بِهِ‬ ‫شيْءٍ ّمبِيٍ ﴾ ‪ ،‬أي ‪ :‬أتسجنن وإن أتيتك بجّة بيّنة ‪ ﴿ ،‬قَالَ َفأْ ِ‬ ‫ك بِ َ‬
‫ِجئْتُ َ‬
‫‪335‬‬ ‫توفيق الرحن ف دروس القرآن‬

‫ت مِ َن ال صّادِقِيَ * َفأَْلقَى عَ صَاهُ فَِإذَا هِ َي ُثعْبَا نٌ مّبِيٌ ﴾ ‪ ،‬يقول ‪ :‬مبي‬


‫إِن كُن َ‬
‫له خلق حيّة ‪.‬‬
‫وقوله ‪َ ﴿ :‬ونَ َز َ‬
‫ع يَ َدهُ فَإِذَا ِهيَ َبْيضَاء لِلنّاظِرِينَ ﴾ لن ينظر إليها ويراها ‪.‬‬
‫قوله عز و جل ‪ ﴿ :‬قَا َل لِلْمَ َلِإ حَ ْولَ ُه إِنّ َهذَا لَ سَا ِحرٌ َعلِي مٌ (‪ُ )34‬يرِيدُ‬
‫ح ِرهِ فَمَاذَا تَ ْأ ُمرُو نَ (‪ )35‬قَالُوا أَرْجِ هِ َوأَخَا هُ‬
‫خ ِرجَكُم مّ نْ أَرْضِكُم بِ سِ ْ‬
‫أَن يُ ْ‬
‫ث فِي الْ َمدَائِ نِ حَاشِرِي نَ (‪َ )36‬يأْتُو َك ِب ُكلّ سَحّارٍ عَلِي مٍ (‪ )37‬فَجُ ِم عَ‬
‫وَابْعَ ْ‬
‫ح َرةُ لِمِيقَا تِ يَوْ ٍم ّمعْلُو مٍ (‪َ )38‬وقِي َل لِلنّا سِ َه ْل أَنتُم مّجَْت ِمعُو نَ (‪)39‬‬
‫ال سّ َ‬
‫ح َر ُة قَالُوا‬
‫ح َر َة إِن كَانُوا هُ مُ اْلغَالِبِيَ (‪ )40‬فَلَمّ ا جَاء ال سّ َ‬
‫َلعَلّنَا نَتّبِ ُع ال سّ َ‬
‫ِل ِفرْ َعوْ نَ َأِئنّ لَنَا َلأَجْرا إِن كُنّا نَحْ ُن اْلغَالِبِيَ (‪ )41‬قَا َل َنعَ ْم َوإِّنكُ ْم إِذا لّمِ نَ‬
‫الْ ُم َقرّبِيَ (‪ )42‬قَالَ َلهُم مّو سَى َألْقُوا مَا أَنتُم مّ ْلقُو نَ (‪َ )43‬فأَْل َقوْا حِبَاَلهُ مْ‬
‫وَعِ صِّي ُهمْ َوقَالُوا ِب ِع ّزةِ ِفرْ َعوْ نَ إِنّا لَنَحْ نُ اْلغَالِبُو نَ (‪َ )44‬فَألْقَى مُو سَى عَ صَاهُ‬
‫ح َرةُ سَا ِجدِينَ (‪ )46‬قَالُوا آمَنّا‬
‫ف مَا َي ْأفِكُو نَ (‪َ )45‬فُألْقِ يَ ال سّ َ‬
‫َفِإذَا هِ يَ تَ ْلقَ ُ‬
‫ِب َربّ اْلعَالَمِيَ (‪َ )47‬ربّ مُوسَى َوهَارُونَ (‪ )48‬قَالَ آمَنتُ ْم لَ ُه قَ ْبلَ أَنْ آ َذنَ‬
‫ف تَعْلَمُو َن َلأُقَ ّط َعنّ َأيْ ِدَيكُ مْ‬
‫سوْ َ‬
‫حرَ فَلَ َ‬
‫َلكُ ْم إِنّ هُ َلكَبِيُكُ ُم اّلذِي َعلّ َمكُ مُ ال سّ ْ‬
‫َوأَ ْرجُلَكُم مّ ْن خِلَا فٍ وََلأُ صَلّبَّن ُكمْ َأجْ َمعِيَ (‪ )49‬قَالُوا لَا ضَ ْي َر ِإنّ ا ِإلَى َربّنَا‬
‫مُنقَلِبُو نَ (‪ِ )50‬إنّ ا نَطْمَ ُع أَن َي ْغ ِفرَ لَنَا َربّنَا خَطَايَانَا أَن كُنّ ا َأ ّولَ الْ ُم ْؤمِنِيَ (‬
‫‪. ﴾ )51‬‬
‫الزء الثالث‬ ‫‪336‬‬

‫َ غلب وانقلب صَاغرًا عدل إل‬ ‫كان فرعون لعنَه ال وقحًا جريئًا ‪ ،‬فلم ا‬
‫السَحْرَ ﴾ ‪ ،‬وهذه‬ ‫ُمَ ّ‬ ‫ُمَ الّذِي عَلّ َمك ُ‬‫ّهَ َل َكبِيُك ُ‬ ‫الكابرة والعناد فقال ‪ِ ﴿ :‬إن ُ‬
‫مكابرة يعلم كل أ حد بطلن ا ‪ ،‬فإن م ل يتمعوا بوسى ق بل ذلك اليوم ‪ ،‬ث‬
‫ضْيرَ ﴾ ‪ ،‬أي ‪ :‬ل‬ ‫توعّدهم بقطع اليدي والرجل وال صَلب ‪ .‬فقالوا ‪ ﴿ :‬لَا َ‬
‫يضرّ نا ذلك ول نبال به ‪ِ ﴿ :‬إنّ ا إِلَى َربّنَا مُنقَِلبُو نَ ﴾ ‪ ،‬أي ‪ :‬الر جع إل ال‬
‫َعَ أَن َي ْغفِرَ لَنَا َربّنَا‬
‫عزّ وجلّ ‪ ،‬ول يفَى عليَه مَا فعلت بنَا ‪ِ ﴿ ،‬إنّاَ نَطْم ُ‬
‫خَطَايَانَا أَن ُكنّا َأوّ َل الْ ُم ْؤ ِمنِيَ ﴾ ‪ ،‬أي ‪ :‬بسبب أنّا بادرنا قومنا من القبط إل‬
‫اليان بال وتصديق رسله ‪ ،‬فقتلهم كلّهم ‪.‬‬
‫ل مِن َقوْ مِ فِ ْرعَو نَ َأتَذَ ُر مُو سَى وََق ْومَ هُ ِليُفْ سِدُواْ فِي الَرْ ضِ‬ ‫﴿ وَقَا َل الْ َم ُ‬
‫حيَِي نِ سَاءهُ ْم َوِإنّا َفوَْقهُ مْ قَا ِهرُو نَ‬ ‫ستَ ْ‬‫َويَذَرَ َك وَآِل َهتَ كَ قَالَ َسنُ َقتّلُ َأبْنَاءهُ ْم َونَ ْ‬
‫صبِرُواْ إِنّ الَرْضَ لِلّ ِه يُو ِرُثهَا مَن يَشَا ُء مِنْ‬
‫* قَا َل مُوسَى ِل َق ْومِهِ اسَْتعِينُوا بِاللّ ِه وَا ْ‬
‫ِعبَادِهَِ وَاْلعَاِقبَةُ لِ ْل ُمّتقِيَ * قَالُواْ أُوذِينَا مِن َقبْلِ أَن َتأْتِينَا وَمِن َبعْ ِد مَا ِجْئتَنَا‬
‫ستَخِْل َفكُمْ فِي الَرْ ضِ َفيَنظُرَ َكيْ فَ‬ ‫ك عَ ُدوّكُ ْم َويَ ْ‬ ‫قَا َل عَ سَى َرّبكُ مْ أَن ُيهْلِ َ‬
‫َتعْمَلُونَ ﴾ ‪.‬‬
‫قوله عز وجل ‪َ ﴿ :‬وأَ ْوحَيْنَا إِلَى مُو سَى أَ ْن أَ ْسرِ ِبعِبَادِي ِإنّكُم مّتَّبعُو نَ (‬
‫ش ْرذِ َمةٌ قَلِيلُو نَ‬
‫‪َ )52‬فأَرْ َسلَ ِفرْ َعوْ ُن فِي الْ َمدَائِ ِن حَا ِشرِي نَ (‪ )53‬إِنّ َهؤُلَاء َل ِ‬
‫جمِي ٌع حَاذِرُو نَ (‪َ )56‬فَأخْ َرجْنَاهُم‬
‫(‪َ )54‬وِإنّهُ مْ لَنَا َلغَائِظُو نَ (‪َ )55‬وِإنّ ا لَ َ‬
‫ك َوأَوْ َرثْنَاهَا بَنِي‬
‫مّن جَنّا تٍ وَعُيُو نٍ (‪ )57‬وَكُنُوزٍ َو َمقَا مٍ َكرِيٍ (‪َ )58‬ك َذلِ َ‬
‫‪337‬‬ ‫توفيق الرحن ف دروس القرآن‬

‫ش ِرقِيَ (‪ )60‬فَلَمّا َترَاءى الْجَ ْمعَانِ قَالَ أَصْحَابُ‬


‫إِ ْسرَائِيلَ (‪َ )59‬فَأتَْبعُوهُم ّم ْ‬
‫مُو سَى إِنّا لَ ُمدْرَكُو نَ (‪ )61‬قَالَ كَلّا إِنّ مَعِ يَ َربّي سََيهْدِينِ (‪َ )62‬فَأوْحَيْنَا‬
‫ح َر فَانفَلَقَ َفكَانَ ُك ّل ِفرْقٍ كَالطّ ْو ِد الْعَظِيمِ‬
‫ضرِب ّبعَصَا َك الْبَ ْ‬
‫ِإلَى مُوسَى أَنِ ا ْ‬
‫(‪َ )63‬وأَ ْزلَفْنَا َثمّ الْآ َخرِينَ (‪ )64‬وَأَنَيْنَا مُوسَى َومَن ّمعَهُ أَجْ َمعِيَ (‪ُ )65‬ثمّ‬
‫أَ ْغ َرقْنَا الْآ َخرِي نَ (‪ )66‬إِنّ فِي َذلِ كَ لَآَيةً وَمَا كَا َن أَكَْثرُهُم ّمؤْمِنِيَ (‪)67‬‬
‫َوإِنّ َرّبكَ َل ُهوَ اْلعَزِيزُ ال ّرحِيمُ (‪. ﴾ )68‬‬
‫قال ا بن كث ي ‪ :‬ل ا طال مقام مو سى عليه ال سلم ببلد م صر ‪ ،‬وأقام ب ا‬
‫ح جج ال وبراهي نه على فرعون وملئه ‪ ،‬و هم مع ذلك يكابرون ويعاندون ‪،‬‬
‫ل يبق لم إل العذاب والنكال ‪ ،‬فأمر ال تعال موسى عليه السلم أن يرج‬
‫ببن إسرائيل ليلً من مصر ‪ ،‬وأن يضي بم حيث يؤمر ‪ ،‬ففعل موسى عليه‬
‫السلم ما أمره به ربه عز وجل ‪.‬‬
‫وقوله تعال ‪َ ﴿ :‬فأَرْسَلَ ِف ْر َعوْنُ فِي الْمَدَائِنِ حَا ِشرِينَ ﴾ ليجمعوا له الند‬
‫شرْ ِذ َم ٌة ﴾ طائفَة ‪،‬‬ ‫وقال ‪ ﴿ :‬إِنَّ َهؤُلَاء ﴾ ‪ ،‬يعنَ ‪ :‬بنَ إسَرائيل ‪ ﴿ ،‬لَ ِ‬
‫ُونَ ﴾ ‪ ،‬قال أبَو عَبيدة ‪ :‬كانوا سَتمائة ألف وسَبعي ألفًا ‪﴿ ،‬‬ ‫﴿ قَلِيل َ‬
‫َوِإّنهُ مْ َلنَا َلغَائِظُو نَ ﴾ ‪ ،‬أي ‪ :‬كل وقت يصل إلينا منهم ما يغيظنا ‪َ ﴿ ،‬وإِنّا‬
‫َلجَمِي عٌ حَاذِرُو نَ ﴾ ‪ ،‬أي ‪ :‬مستعدّون ‪ ،‬وإن أريد أن أهلكهم ‪ ،‬فخرجوا ف‬
‫طلب هم ‪ ،‬قال ال تعال ‪َ ﴿ :‬فأَ ْخرَ ْجنَاهُم مّ ن َجنّا تٍ ﴾ ‪ ،‬أي ‪ :‬ب ساتي ‪﴿ ،‬‬
‫ك َوَأوْ َرْثنَاهَا بَنِي إِ سْرَائِيلَ * َفَأْتبَعُوهُم‬
‫َو ُعيُو نٍ * وَكُنُو ٍز َو َمقَا مٍ كَرِيٍ * كَذَلِ َ‬
‫الزء الثالث‬ ‫‪338‬‬

‫مّشْرِقِي َ ﴾ ‪ ،‬أي ‪ :‬لقوهَم فَ وقَت إشراق الشمَس ‪ ﴿ ،‬فََلمّاَ َترَاءى‬


‫ب مُو سَى ِإنّا‬
‫ج ْمعَا نِ ﴾ ‪ ،‬أي ‪ :‬تقابلً ورأى بعضهم بعضًا ‪ ﴿ ،‬قَالَ أَ صْحَا ُ‬ ‫الْ َ‬
‫َ ﴾ ‪ ،‬أي ‪ :‬سَيدركنا قوم فرعون ول طاقَة لنَا بمَ ‪ ﴿ ،‬قَالَ‬ ‫لَ ُمدْرَكُون َ‬
‫ِيَ َربّيَ‬
‫﴾ موسَى ثقَة بوعَد ال إياه ﴿ كَلّا ﴾ لن يدركونَا ‪ ﴿ ،‬إِن ّ َمع َ‬
‫َنَ اضْرِب‬‫سَيَهْدِينِ ﴾ يدلّنَ على طريَق النجاة ‪َ ﴿ .‬فَأوْ َحيْنَا إِلَى مُوسََى أ ِ‬‫َ‬
‫﴿ فَانفَلَ قَ ﴾ ‪ ،‬أي ‪ :‬انش قّ ‪َ ﴿ ،‬فكَا نَ كُلّ‬ ‫حرَ ﴾ فضر به ‪،‬‬
‫ّبعَ صَاكَ الْبَ ْ‬
‫ِفرْ قٍ كَال ّطوْدِ الْعَظِي مِ ﴾ ‪ ،‬أي ‪ :‬كالبل الكبي ‪ .‬قال ابن عباس ‪ :‬صار البحر‬
‫اثن عشر طريقًا لكل سبط طريق ‪.‬‬
‫وقوله تعال ‪َ ﴿ :‬وأَزَْلفْنَا ثَمّ ﴾ ‪ ،‬أي ‪ :‬قرّبنَا هنالك ‪ ﴿ ،‬الْآخَر َ‬
‫ِينَ ﴾ ‪،‬‬
‫قال قتادة ‪ :‬هَم قوم فرعون قرّبمَ ال حتَ أغرقهَم فَ البحَر ‪َ ﴿ ،‬وأَنَيْنَا‬
‫مُوسََى وَمَن ّمعَهَُأَجْ َمعِيَ * ثُمّ َأغْرَقْنَا الْآ َخرِينََ ﴾ ‪ ،‬قال السَدي ‪ :‬ودنَا‬
‫فرعون وأصحابه من البحر بعد ما قطع موسى ببن إسرائيل البحر ‪ ،‬فلما نظر‬
‫فرعون إل الب حر منفلقًا قال ‪ :‬أل ترون الب حر فرق م ن ؟ قد تفتّح ل ح ت‬
‫أدرك أعدائي فأقتلهم ‪ ،‬فذلك قول ال ‪َ ﴿ :‬وأَزَْل ْفنَا ثَمّ الْآ َخرِي نَ ﴾ ‪ ،‬يقول ‪:‬‬
‫قرّبنا ثَ ّم الخرين ‪ ،‬هم آل فرعون ‪ ،‬فلما قام فرعون على الطرق وأبت خيله‬
‫أن تقت حم ‪ ،‬فنل جبائ يل عل يه ال سلم على ماذيا نة ‪ ،‬فتشامّت ال صنُ ر يح‬
‫الاذيانة ‪ ،‬فاقتحمت ف أثرها ‪ ،‬حت إذا ه ّم أولم أن يرج ودخل آخرهم ‪،‬‬
‫أ مر الب حر أن يأخذ هم ‪ ،‬فالت طم علي هم ‪ ،‬وتفرّد جب يل بقلة من م قل الب حر‬
‫فج عل يد سّها ف ف يه ‪ .‬وقال ب كر بن ع بد ال ‪ :‬أق بل فرعون ‪ ،‬فل ما أشرف‬
‫‪339‬‬ ‫توفيق الرحن ف دروس القرآن‬

‫على الاء قال أ صحاب مو سى ‪ :‬يا مكلّم ال إن القوم يتبعون نا ف الطر يق ‪،‬‬
‫فاضرب بعصاك البحر فأخلطه ‪ ،‬فأراد موسى أن يفعل فأوحى ال إليه ‪ :‬أن‬
‫اترك البحَر رهوًا إنمَ جنَد مغرقون ‪ ،‬إناَ أمكَر بمَ فإذا سَلكوا طريقكَم‬
‫أغرقت هم ‪ ،‬قال ‪ :‬فل ما انت هى فرعون إل و سط الب حر أو حى ال إل الب حر ‪:‬‬
‫خذ عبدي الظال وعبادي الظلمة ‪ ،‬فتغطمطت تلك الفرق من المواج كأنا‬
‫ّهَ ل‬
‫َنتََأن ُ‬
‫البال وضرب بعضهَا بعضًا ‪ ،‬فلمَا إذا أدركَه الغرق ﴿ قَالَ آم ُ‬
‫َِ ِميَ ﴾ ‪ ،‬فقيَل له ‪:‬‬ ‫إِلََِهَ إِ ّل الّذِي آ َمنَت َْبِهَِبَنُو إِس َْرَائِي َل َوَأنَاْ مِنََ الْمُس ْل‬
‫ك ِببَ َدنِ كَ‬
‫صيْتَ َقبْ ُل وَكُن تَ مِ َن الْ ُمفْ سِدِينَ * فَاْلَيوْ َم ُننَجّي َ‬ ‫﴿ آل َن وَقَ ْد عَ َ‬
‫ك آَيةً َوإِنّ َكثِيا مّ َن النّاسِ عَ ْن آيَاِتنَا َلغَافِلُونَ ﴾ ‪.‬‬ ‫ِلَتكُونَ لِمَنْ خَ ْلفَ َ‬
‫وقوله تعال ‪ ﴿ :‬إِنَّ فَِي ذَلِكَََ ﴾ ‪ ،‬أي ‪ :‬إناء الؤمنيََ وإهلك‬
‫الكافر ين ﴿ لَآَي ًة وَمَا كَا نَ أَ ْكثَرُهُم ّم ْؤمِنِيَ * َوإِنّ َربّ كَ َل ُهوَ اْلعَزِيزُ الرّحِي مُ‬
‫﴾‪.‬‬

‫***‬
‫الزء الثالث‬ ‫‪340‬‬

‫الدرس الرابع والتسعون بعد الائة‬

‫﴿ وَاْتلُ عَلَ ْيهِ ْم نََبأَ ِإْبرَاهِي مَ (‪ِ )69‬إ ْذ قَا َل ِلأَبِي هِ وَ َق ْومِ ِه مَا َتعُْبدُو نَ (‪)70‬‬
‫قَالُوا نَعُْب ُد أَصْنَاما فَنَ َظ ّل َلهَا عَا ِكفِيَ (‪ )71‬قَالَ َه ْل يَسْ َمعُوَن ُكمْ ِإ ْذ تَدْعُونَ (‬
‫ضرّو نَ (‪ )73‬قَالُوا َبلْ َوجَ ْدنَا آبَاءنَا َك َذلِ كَ َي ْفعَلُو نَ‬
‫‪َ )72‬أوْ يَن َفعُوَنكُ ْم أَ ْو يَ ُ‬
‫(‪ )74‬قَالَ َأ َف َرأَيْتُم مّ ا كُنتُ ْم َتعُْبدُو نَ (‪ )75‬أَنتُ مْ وَآبَاؤُكُ مُ اْلأَ ْق َدمُو نَ (‪)76‬‬
‫ِينـ (‪)78‬‬
‫ُمـ َعدُ ّو لّي ِإلّا رَبّ اْلعَالَمِي َ (‪ )77‬الّذِي خَلَقَن ِي َف ُهوَ َي ْهد ِ‬
‫َفِإّنه ْ‬
‫سقِيِ (‪َ )79‬وِإذَا َمرِضْ تُ َفهُ َو َيشْفِيِ (‪ )80‬وَالّذِي‬
‫وَالّذِي هُ َو يُ ْطعِمُنِي َويَ ْ‬
‫يُمِيتُنِي ثُمّ ُيحْيِيِ (‪ )81‬وَالّذِي أَطْ َم ُع أَن َي ْغفِ َر لِي خَطِيئَتِي َيوْ َم الدّينِ (‪)82‬‬
‫ق فِي‬
‫صدْ ٍ‬
‫حقْنِي بِالصّالِحِيَ (‪ )83‬وَا ْجعَل لّي لِسَانَ ِ‬
‫ب لِي ُحكْما َوَألْ ِ‬
‫َربّ هَ ْ‬
‫الْآ ِخرِي نَ (‪ )84‬وَا ْجعَلْنِي مِن وَ َرثَ ِة جَّنةِ الّنعِي مِ (‪ )85‬وَا ْغ ِف ْر ِلأَبِي ِإنّ هُ كَا نَ‬
‫خ ِزنِي َيوْ مَ يُبْعَثُو نَ (‪ )87‬يَوْ َم لَا يَنفَ ُع مَا ٌل وَلَا بَنُو نَ‬
‫مِ َن الضّالّيَ (‪ )86‬وَلَا تُ ْ‬
‫ت الْجَّنةُ لِلْ ُمّتقِيَ (‪)90‬‬
‫(‪ِ )88‬إلّا مَ ْن أَتَى اللّ َه ِبقَلْ بٍ سَلِيمٍ (‪ )89‬وَأُ ْزِلفَ ِ‬
‫جحِي ُم لِ ْلغَاوِي نَ (‪َ )91‬وقِيلَ َلهُ مْ َأيْ َن مَا كُنتُ مْ َتعُْبدُو نَ (‪ )92‬مِن‬
‫َوُبرّزَ تِ الْ َ‬
‫صرُونَ (‪َ )93‬فكُ ْبكِبُوا فِيهَا هُ مْ وَالْغَاوُو نَ (‬
‫صرُوَنكُ ْم َأوْ يَنتَ ِ‬
‫دُو نِ اللّ ِه َهلْ يَن ُ‬
‫س َأجْ َمعُو نَ (‪ )95‬قَالُوا وَهُ ْم فِيهَا يَخْتَ صِمُونَ (‪ )96‬تَاللّ هِ‬
‫‪َ )94‬وجُنُو ُد ِإبْلِي َ‬
‫سوّيكُم ِب َربّ اْلعَالَمِيَ (‪ )98‬وَمَا أَضَلّنَا‬
‫إِن كُنّا َلفِي ضَلَا ٍل مّبِيٍ (‪ِ )97‬إذْ نُ َ‬
‫صدِي ٍق حَمِي مٍ (‪)101‬‬
‫ج ِرمُو نَ (‪ )99‬فَمَا لَنَا مِن شَا ِفعِيَ (‪ )100‬وَلَا َ‬
‫ِإلّا الْمُ ْ‬
‫‪341‬‬ ‫توفيق الرحن ف دروس القرآن‬

‫فَ َل ْو أَنّ لَنَا َك ّر ًة فََنكُو َن مِ َن الْمُ ْؤمِنِيَ (‪ )102‬إِنّ فِي َذلِ كَ لَآَيةً وَمَا كَا نَ‬
‫أَكَْث ُرهُم ّم ْؤمِنِيَ (‪َ )103‬وإِنّ َرّبكَ َل ُهوَ اْلعَزِيزُ ال ّرحِيمُ (‪. ﴾ )104‬‬

‫***‬
‫الزء الثالث‬ ‫‪342‬‬

‫قوله عز وجل ‪ ﴿ :‬وَاْتلُ عَلَ ْيهِ مْ نََبَأ ِإبْرَاهِي مَ (‪ِ )69‬إذْ قَالَ ِلَأبِي ِه َوقَ ْومِ هِ‬
‫مَا تَعُْبدُو نَ (‪ )70‬قَالُوا نَعُْب ُد أَ صْنَاما فَنَ َظ ّل لَهَا عَا ِكفِيَ ( ‪ )71‬قَالَ َهلْ‬
‫ضرّو نَ ( ‪ )73‬قَالُوا َبلْ‬
‫يَ سْ َمعُوَن ُكمْ ِإ ْذ َتدْعُو نَ (‪ )72‬أَ ْو يَن َفعُونَكُ ْم أَ ْو يَ ُ‬
‫ك َي ْفعَلُونَ (‪. ﴾ )74‬‬
‫َوجَ ْدنَا آبَاءنَا َك َذلِ َ‬
‫قال البغوي ‪ :‬قوله ‪ ﴿ :‬وَاتْ ُل عََلْيهِ ْم َنَبأَ ِإبْرَاهِي مَ * ِإذْ قَالَ ِلَأبِي هِ وََقوْمِ هِ مَا‬
‫صنَاما َفنَ َظلّ َلهَا عَا ِكفِيَ ﴾ ‪،‬‬
‫ي شيء تعبدون ‪ ﴿ ،‬قَالُوا َن ْعبُدُ أَ ْ‬ ‫َت ْعبُدُو نَ ﴾ ‪ ،‬أ ّ‬
‫يعن ‪ :‬نقيم على عبادتا ‪ .‬قال ‪ ﴿ :‬هَ ْل يَ سْ َمعُونَكُمْ ﴾ ‪ ،‬أي ‪ :‬هل يسمعون‬
‫دعاء كم إذ تدعون ‪ .‬قال ا بن عباس ‪ :‬ي سمعون ل كم أو ينفعو كم أو يضرون‬
‫ك َيفْعَلُو نَ ﴾ ‪ ،‬معناه ‪ :‬أنا‬ ‫إن تركتم عبادتا ‪ ﴿ ،‬قَالُوا بَ ْل وَ َج ْدنَا آبَاءنَا كَذَلِ َ‬
‫ل تسمع قولً ‪ ،‬ول تلب نفعًا ‪ ،‬ول تدفع ضرًا ‪ ،‬لكن اقتدينا بآبائنا ‪ .‬وفيه‬
‫إبطال التقليد ف الدين ‪ .‬انتهى ملخصًا ‪.‬‬
‫قوله عز وجل ‪ ﴿ :‬قَا َل َأفَ َرَأيْتُم مّا كُنتُ ْم َتعُْبدُو نَ (‪ )75‬أَنتُ مْ وَآبَاؤُكُ مُ‬
‫اْلأَ ْق َدمُو نَ (‪َ )76‬فِإّنهُ مْ َع ُدوّ لّي ِإلّا َربّ اْلعَالَ ِميَ ( ‪ )77‬الّذِي خَلَقَنِي َفهُوَ‬
‫شفِيِ (‬
‫ت َف ُهوَ َي ْ‬
‫َي ْهدِينِ (‪ )78‬وَاّلذِي ُهوَ يُ ْطعِمُنِي وََيسْقِيِ (‪ )79‬وَِإذَا َمرِضْ ُ‬
‫‪ )80‬وَالّذِي يُمِيتُنِي ُثمّ يُحِْييِ (‪ )81‬وَاّلذِي أَ ْطمَ ُع أَن يَ ْغ ِفرَ لِي خَطِيئَتِي يَوْمَ‬
‫حقْنِي بِال صّالِحِيَ ( ‪ )83‬وَاجْعَل لّي‬
‫ب لِي ُحكْما َوَألْ ِ‬
‫الدّي نِ (‪َ )82‬ربّ هَ ْ‬
‫ق فِي الْآ ِخرِي نَ (‪ )84‬وَا ْجعَلْنِي مِن وَ َرثَ ِة جَّنةِ الّنعِي مِ ( ‪)85‬‬
‫صدْ ٍ‬
‫لِ سَانَ ِ‬
‫‪343‬‬ ‫توفيق الرحن ف دروس القرآن‬

‫خ ِزنِي َيوْمَ يُبْعَثُونَ (‪ )87‬يَوْ َم لَا‬


‫وَا ْغ ِفرْ ِلَأبِي ِإنّهُ كَانَ مِنَ الضّالّيَ (‪ )86‬وَلَا تُ ْ‬
‫ب سَلِيمٍ (‪. ﴾ )89‬‬
‫يَنفَ ُع مَا ٌل َولَا بَنُونَ (‪ِ )88‬إلّا َم ْن َأتَى اللّ َه ِبقَلْ ٍ‬
‫قال ابن جرير ‪ :‬ومعن الكلم ‪ :‬أفرأيتم كل معبود لكم ولبائكم ‪ ،‬فإن‬
‫َ‬
‫منَه بريَء ل أعبده ‪ ﴿ ،‬إِلّا رَبَّ الْعَالَمِيََ * الّذِي َخَلقَنَِي َف ُهوَ َيهْدِين ِ‬
‫﴾ للصَواب مَن القول والعمَل ويسَددن للرشاد ‪ ﴿ ،‬وَالّذِي ُهوَ يُ ْطعِمُنِي‬
‫َقِيِ ﴾ ‪ ،‬يقول ‪ :‬والذي يغذونَ بالطعام والشراب ويرزقنَ الرزاق‬ ‫َويَس ْ‬
‫شفِيِ ﴾ ‪ ،‬يقول ‪ :‬وإذا سقم ج سمي واعتلّ ف هو‬ ‫‪َ ﴿ .‬وإِذَا مَرِضْ تُ َف ُهوَ يَ ْ‬
‫حيِيِ ﴾ ‪ ،‬يقول ‪ :‬والذي يتن إذا شاء‬ ‫يبئه ويعافيه ‪ ﴿ ،‬وَالّذِي يُمِيتُنِي ثُمّ يُ ْ‬
‫ث ييين إذا أراد بعد مات ‪ ﴿ .‬وَالّذِي َأطْمَ عُ أَن َي ْغفِرَ لِي خَطِيئَتِي َيوْ مَ الدّي نِ‬
‫﴾ ‪ ،‬فربّي هذا الذي بيده نفعَي وضرّي ‪ ،‬وله هذه القدرة والسَلطان ‪ ،‬وله‬
‫الدنيا والخرة ‪ ،‬ل الذي ل يسمع إذا دعي ول ينفع ول يضر ‪ .‬انتهى ‪.‬‬
‫َة حدود ال‬ ‫َن عباس ‪ :‬معرفَ‬ ‫َْ لِي ُحكْما ﴾ ‪ ،‬قال ابَ‬ ‫﴿ رَبَّ هَبَ‬
‫ح ْقنِي بِالصّالِحِيَ ﴾قال ابن كثي ‪ :‬أي ‪ :‬اجعلن مع الصالي‬ ‫وأحكامه ﴿ َوأَلْ ِ‬
‫ف الدن يا والخرة ‪ ،‬ك ما قال ال نب ع ند الحتضار ‪ « :‬الل هم ف الرف يق‬
‫العلى » ‪.‬‬
‫و عن عكر مة قوله ‪ ﴿ :‬وَاجْعَل لّي لِ سَانَ صِ ْدقٍ فِي الْآخِرِي نَ ﴾ ‪ .‬وقوله‬
‫‪ ﴿ :‬وَآتَْينَاهُ أَ ْجرَهُ فِي ال ّدْنيَا ﴾ ‪ ،‬قال ‪ :‬إن ال فضله باللّة حي اتذه خليلً ‪،‬‬
‫فسأل ال فقال ‪ ﴿ :‬وَا ْجعَل لّي لِسَانَ صِ ْدقٍ فِي الْآ ِخرِينَ ﴾ ‪ ،‬حت ل تكذّبن‬
‫الزء الثالث‬ ‫‪344‬‬

‫المم ‪ ،‬فأعطاه ال ذلك ‪ ،‬فإن اليهود آمنت بوسى ‪ ،‬وكفرت بعيسى ‪ ،‬وإن‬
‫الن صارى آم نت بعي سى وكفرت بح مد علي هم ال صلة وال سلم ‪ ،‬وكلّ هم‬
‫يتولّى إبراهيم ‪ .‬قالت اليهود ‪ :‬وهو خليل ال وهو منا ‪ ،‬فقطع ال وليتهم‬
‫م نه ب عد ما أقرّوا له بالنبوة وآمنوا به فقال ‪ ﴿ :‬مَا كَا نَ ِإبْرَاهِي ُم َيهُو ِديّا وَلَ‬
‫نَ صْرَاِنيّا وَلَكِن كَا نَ َحنِيفا مّ سْلِما َومَا كَا نَ مِ َن الْمُشْرِ ِكيَ ﴾ ث ألق وليته‬
‫س بِِإبْرَاهِي مَ َللّذِي نَ اّتَبعُو هُ َوهَ َذَا الّنبِيّ وَالّذِي نَ‬
‫ب كم فقال ‪ ﴿ :‬إِنّ َأوْلَى النّا ِ‬
‫ّهَ وَلِيّ الْ ُم ْؤ ِمنِيَ ﴾ فهذا خيه الذي عجّل له ‪ ،‬وهَي السَنة إذ‬ ‫آ َمنُوْا وَالل ُ‬
‫سَنةً ﴾ ‪ ،‬وهو ‪ :‬اللسان الصدق الذي سأل ربه‬ ‫يقول ‪ ﴿ :‬وَآَتيْنَاهُ فِي الْ ّدْنيَا حَ َ‬
‫‪.‬‬
‫وقوله ‪ ﴿ :‬وَا ْجعَلْنِي مِن َو َرَثةِ َجّنةِ الّنع ِ‬
‫ِيمَ ﴾ ‪ ،‬قال البغوي ‪ :‬أي ‪ :‬منَ‬
‫تع طه ج نة النع يم ‪ .‬وقال ا بن كث ي ‪ :‬أي ‪ :‬أن عم عل يّ ف الدن يا ببقاء الذ كر‬
‫الميل بعدي ‪ ،‬وف الخرة بأن تعلن من ورثة جنة النعيم ‪.‬‬
‫وقوله ‪ ﴿ :‬وَاغْفِرْ ِلأَبِي ِإنّ هُ كَا نَ مِ َن الضّالّيَ ﴾ ‪ ،‬وهذا م ا ر جع ع نه‬
‫إبراهيم عليه السلم ‪ ،‬كما قال تعال ‪َ ﴿ :‬ومَا كَا َن ا سِْت ْغفَارُ ِإبْرَاهِي مَ ِلَأبِي هِ إِ ّل‬
‫عَن ّم ْوعِ َدةٍ َوعَدَهَا ِإيّا هُ فََلمّ ا َتبَيّ نَ لَ هُ َأنّ ُه عَ ُدوّ لِلّ ِه َتبَ ّرَأ ِمنْ هُ إِنّ ِإبْرَاهِي َم لوّا هٌ‬
‫حَلِيمٌ ﴾ ‪.‬‬
‫ُونَ ﴾ ‪ ،‬أي ‪ :‬أَجِرْنَ مَن الزي يوم‬ ‫وقوله ‪ ﴿ :‬وَلَا ُتخْزِن ِي َيو َ‬
‫ْمَ ُيبْ َعث َ‬
‫القيامة ‪َ ﴿ ،‬يوْ مَ لَا يَنفَ ُع مَا ٌل وَلَا َبنُو نَ * إِلّا مَ نْ َأتَى اللّ َه ِبقَلْ بٍ سَلِيمٍ ﴾ ‪ ،‬قال‬
‫‪345‬‬ ‫توفيق الرحن ف دروس القرآن‬

‫قتادة ‪ :‬سليم من الشرك ‪ .‬وقال ماهد ‪ :‬ليس فيه شك ف الق ؛ وف الدعاء‬


‫الأثور ‪ ( :‬اللهم إن أسألك قلبًا سليمًا ولسانًا صادقًا ونفسًا مطمئنّة ) ‪.‬‬
‫ِيمـ‬
‫جح ُ‬ ‫َتـ الْ َ‬
‫َتـ الْجَّن ُة لِلْمُّتقِيَ (‪َ )90‬وُبرّز ِ‬
‫قوله عـز وجـل ‪َ ﴿ :‬وأُزِْلف ِ‬
‫لِ ْلغَاوِي نَ (‪َ )91‬وقِي َل َلهُ مْ َأيْ نَ مَا كُنتُ ْم َتعْبُدُو نَ (‪ )92‬مِن دُو نِ اللّ هِ َهلْ‬
‫صرُونَ (‪َ )93‬فكُ ْبكِبُوا فِيهَا هُ مْ وَالْغَاوُو نَ (‪ )94‬وَجُنُودُ‬
‫صرُوَنكُ ْم َأوْ يَنتَ ِ‬
‫يَن ُ‬
‫ِإبْلِي سَ َأجْ َمعُو نَ (‪ )95‬قَالُوا وَهُ ْم فِيهَا يَخْتَ صِمُونَ (‪ )96‬تَاللّ ِه إِن كُنّا َلفِي‬
‫ـوّيكُم ِبرَبّـ الْعَالَمِيَـ (‪ )98‬وَمَـا أَضَلّنَـا إِلّا‬
‫ضَلَا ٍل مّبِيٍـ (‪ِ )97‬إ ْذ نُس َ‬
‫صدِيقٍ حَمِي مٍ (‪)101‬‬
‫ج ِرمُو نَ (‪ )99‬فَمَا لَنَا مِن شَا ِفعِيَ (‪َ )100‬ولَا َ‬
‫الْمُ ْ‬
‫فَ َل ْو أَنّ لَنَا َك ّر ًة فََنكُو َن مِ َن الْمُ ْؤمِنِيَ (‪ )102‬إِنّ فِي َذلِ كَ لَآَيةً وَمَا كَا نَ‬
‫أَكَْث ُرهُم ّم ْؤمِنِيَ (‪َ )103‬وإِنّ َرّبكَ َل ُهوَ اْلعَزِيزُ ال ّرحِيمُ (‪. ﴾ )104‬‬
‫يقول تعال ‪َ ﴿ :‬وأُزِْلفَ تِ الْ َ‬
‫جّنةُ ﴾ ‪ ،‬أي ‪ :‬قرّبت وأدليت ‪ ﴿ ،‬لِ ْل ُمّتقِيَ *‬
‫جحِي مُ ﴾ ‪ ،‬أي ‪ :‬أظهرت ‪ ﴿ ،‬لِ ْلغَاوِي نَ * وَقِيلَ َلهُ مْ َأيْ َن مَا كُنتُ مْ‬
‫ت الْ َ‬
‫َوبُرّزَ ِ‬
‫َت ْعبُدُو نَ * مِن دُو نِ اللّ ِه هَ ْل يَن صُرُوَنكُمْ َأوْ يَنتَ صِرُونَ ﴾ ؟ قال ابن كثي ‪ :‬أي‬
‫‪ :‬لي ست الل ة ال ت عبدتو ها من دون ال من تلك ال صنام والنداد تغ ن‬
‫عنكم اليوم شيئًا ‪ ،‬ول تدفع عن أنفسها ‪ ،‬فإنكم وإياها اليوم حصب جهنم‬
‫أنتهم لا واردون ‪.‬‬
‫وقوله تعال ‪َ ﴿ :‬ف ُكبْ ِكبُوا فِيهَا هُ ْم وَالْغَاوُو نَ * وَ ُجنُودُ ِإبْلِي سَ أَ ْج َمعُو نَ ﴾‬
‫ختَ صِمُونَ * تَاللّ هِ‬
‫قال الزجاج ‪ :‬طرح بعضهم على بعض ﴿ قَالُوا َوهُ مْ فِيهَا يَ ْ‬
‫الزء الثالث‬ ‫‪346‬‬

‫سوّيكُم بِرَبّ اْلعَالَمِيَ ﴾ ‪ ،‬أي ‪ :‬نعدل كم به‬ ‫إِن ُكنّ ا لَفِي ضَلَا ٍل ّمبِيٍ * إِ ْذ نُ َ‬
‫فنعبدكم معه ‪َ ﴿ ،‬ومَا أَضَّلنَا إِلّا الْمُجْ ِرمُونَ ﴾ ‪ ،‬قال الكلب ‪ :‬إل أوّلونا الذين‬
‫اقتدي نا ب م ‪ ﴿ ،‬فَمَا لَنَا مِن شَاِفعِيَ * وَلَا صَدِيقٍ حَمِي مٍ ﴾ ‪ ،‬أي ‪ :‬قر يب ‪.‬‬
‫قال قتادة ‪ :‬يعلمون وال أن الصَديق إذا كان صَالًا نفَع ‪ ،‬وأن الميَم إذا‬
‫كان صالًا نفع ‪ .‬وعن جابر بن عبد ال قال ‪ :‬سعنا رسول ال يقول ‪« :‬‬
‫إن الر جل ليقولن ف ال نة ‪ :‬ما ف عل صديقي فلن ؟ و صديقه ف الح يم ‪،‬‬
‫فيقول ال تعال ‪ :‬أخرجوا له صديقه إل النة ‪ ،‬فيقول من ب قي ‪ ﴿ :‬فَمَا َلنَا‬
‫صدِيقٍ حَمِي مٍ ﴾ ‪ .‬رواه البغوي ‪ ﴿ .‬فََلوْ أَنّ لَنَا َك ّرةً ﴾ ‪،‬‬ ‫مِن شَاِفعِيَ * وَلَا َ‬
‫أي ‪ :‬رج عة إل الدن يا ‪َ ﴿ ،‬فنَكُو نَ مِ َن الْ ُم ْؤ ِمنِيَ ﴾ لن م يشفعون وتنفع هم‬
‫الشفاعة ‪ ،‬وأما الكفار فل تنفعهم شفاعة الشافعي ‪.‬‬
‫وقوله تعال ‪ِ ﴿ :‬إنّ فِي ذَلِكَ لَآَي ًة َومَا كَانَ أَ ْكثَ ُرهُم ّم ْؤ ِمنِيَ ﴾ قال ابن‬
‫كثي ‪ :‬أي ‪ :‬أن ف ماجّة إبراهيم لقومه وإقامة الجج عليهم ف التوحيد ‪،‬‬
‫ل ية واض حة جليلة على أ نه ل إله إل ال ‪ ﴿ ،‬وَمَا كَا نَ أَ ْكثَرُهُم ّمؤْ ِمنِيَ *‬
‫َوِإنّ َربّكَ َل ُه َو اْلعَزِيزُ الرّحِيمُ ﴾ ‪ .‬قال البغوي ‪ ﴿ :‬الْعَزِيزُ ﴾ ‪ :‬الذي ل ُيغَْلبُ‬
‫‪ ،‬فال عزيز وهو ف وصف عزّته رحيم ‪.‬‬

‫***‬
‫‪347‬‬ ‫توفيق الرحن ف دروس القرآن‬

‫الدرس الامس والتسعون بعد الائة‬

‫ح أَل‬
‫ت َقوْ ُم نُو حٍ الْ ُمرْ سَلِيَ (‪ِ )105‬إ ْذ قَا َل َلهُ مْ َأخُوهُ ْم نُو ٌ‬
‫﴿ َك ّذبَ ْ‬
‫تَّتقُو نَ (‪ِ )106‬إنّي لَكُ مْ رَ سُولٌ َأمِيٌ (‪ )107‬فَاّتقُوا اللّ َه َوأَطِيعُو نِ (‪)108‬‬
‫َومَا أَ ْسأَُلكُمْ عَلَيْ ِه مِ ْن أَ ْج ٍر إِ ْن َأ ْجرِ يَ إِل عَلَى َربّ اْلعَالَمِيَ (‪ )109‬فَاّتقُوا‬
‫ك وَاتَّبعَ كَ الَ ْر َذلُو نَ (‪ )111‬قَالَ َومَا‬
‫اللّ َه َوأَطِيعُو نِ (‪ )110‬قَالُوا َأُنؤْمِ ُن لَ َ‬
‫عِلْمِي بِمَا كَانُوا َيعْمَلُو نَ (‪ )112‬إِ ْن حِ سَاُب ُهمْ ِإلّا عَلَى َربّ ي َل ْو َتشْ ُعرُو نَ (‬
‫‪ )113‬وَمَا أَنَا بِطَا ِر ِد الْ ُمؤْمِنِيَ (‪ )114‬إِ ْن أَنَا ِإلّا َنذِي ٌر مّبِيٌ (‪ )115‬قَالُوا‬
‫ح لَتَكُونَنّ مِ نَ الْ َم ْرجُومِيَ (‪ )116‬قَالَ رَبّ إِنّ َقوْمِي‬
‫لَئِن لّ مْ تَنتَ ِه يَا نُو ُ‬
‫ح بَيْنِي َوبَيَْنهُ مْ فَتْحا َونَجّنِي َومَن ّمعِي مِ نَ الْ ُم ْؤمِنِيَ (‬
‫َك ّذبُو نِ (‪ )117‬فَافْتَ ْ‬
‫‪َ )118‬فأَنَيْنَاهُـ وَمَن ّمعَهُـ فِي اْلفُلْكِـ الْ َمشْحُونِـ (‪ )119‬ثُمّ أَ ْغ َرقْنَا َبعْدُ‬
‫ك لَآَي ًة وَمَا كَا َن أَكَْثرُهُم ّمؤْمِنِيَ (‪َ )121‬وإِنّ‬
‫الْبَاقِيَ (‪ )120‬إِنّ فِي َذلِ َ‬
‫ْسـلِيَ (‪ِ )123‬إ ْذ قَالَ‬
‫َتـ عَادٌ الْ ُمر َ‬
‫ِيمـ (‪َ )122‬ك ّذب ْ‬
‫ّكـ َلهُ َو الْ َعزِي ُز الرّح ُ‬
‫َرب َ‬
‫َلهُ مْ َأخُوهُ مْ هُودٌ َألَا تَتّقُو نَ (‪ِ )124‬إنّ ي َلكُ مْ رَ سُو ٌل َأمِيٌ (‪ )125‬فَاتّقُوا‬
‫اللّ هَ َوأَطِيعُو نِ (‪ )126‬وَمَا أَ ْسأَُلكُمْ عَلَيْ ِه مِ ْن أَ ْج ٍر إِ ْن أَ ْجرِ يَ إِلّا عَلَى رَبّ‬
‫خذُو نَ مَ صَانِعَ‬
‫اْلعَالَمِيَ (‪َ )127‬أتَبْنُو نَ بِ ُكلّ رِي عٍ آَي ًة َتعْبَثُو نَ (‪ )128‬وَتَتّ ِ‬
‫َلعَ ّلكُ ْم تَخْ ُلدُو نَ (‪َ )129‬وِإذَا بَ َطشْتُم بَ َطشْتُ ْم جَبّارِي نَ (‪ )130‬فَاّتقُوا اللّ هَ‬
‫َوأَطِيعُو نِ (‪ )131‬وَاتّقُوا اّلذِي َأ َمدّكُم بِمَا َتعْلَمُو نَ (‪َ )132‬أ َمدّكُم ِبَأنْعَا مٍ‬
‫ب َيوْمٍ عَظِيمٍ‬
‫ت وَعُيُونٍ (‪ِ )134‬إنّي أَخَافُ عَلَ ْي ُكمْ َعذَا َ‬
‫َوبَنِيَ (‪َ )133‬وجَنّا ٍ‬
‫الزء الثالث‬ ‫‪348‬‬

‫ت أَ ْم لَ مْ تَكُن مّ َن الْوَاعِظِيَ (‪ )136‬إِ نْ‬


‫(‪ )135‬قَالُوا َسوَاء عَلَيْنَا َأوَعَظْ َ‬
‫َهذَا ِإلّا خُ ُلقُ اْلأَ ّولِيَ (‪َ )137‬ومَا نَحْ ُن بِ ُم َع ّذبِيَ (‪َ )138‬ف َكذّبُو ُه َفأَهْ َلكْنَاهُمْ‬
‫ك َلهُ َو الْ َعزِيزُ‬
‫ك لَآَي ًة وَمَا كَا َن أَكَْثرُهُم ّم ْؤمِنِيَ ( ‪ )139‬وَإِنّ َربّ َ‬
‫إِنّ فِي َذلِ َ‬
‫الرّحِي مُ (‪َ )140‬ك ّذبَ تْ ثَمُو ُد الْ ُمرْ سَلِيَ (‪ِ )141‬إ ْذ قَا َل َلهُ مْ َأخُوهُ مْ صَالِحٌ‬
‫َألَا تَّتقُو نَ (‪ِ )142‬إنّ ي لَكُ مْ رَ سُولٌ َأمِيٌ (‪ )143‬فَاتّقُوا اللّ َه َوأَطِيعُو نِ (‬
‫‪َ )144‬ومَا أَ ْسأَُلكُمْ عَلَيْ ِه مِ ْن أَ ْج ٍر إِ ْن أَ ْجرِ يَ إِلّا عَلَى َربّ اْلعَالَ ِميَ (‪)145‬‬
‫َأتُ ْترَكُو نَ فِي مَا هَاهُنَا آمِنِيَ (‪ )146‬فِي جَنّا تٍ وَعُيُو نٍ (‪ )147‬وَزُرُو عٍ‬
‫حتُو نَ مِ َن الْجِبَا ِل بُيُوتا فَارِهِيَ (‪)149‬‬
‫خلٍ طَ ْلعُهَا هَضِي مٌ (‪ )148‬وَتَنْ ِ‬
‫َونَ ْ‬
‫ِينـ‬
‫ُسـ ِرفِيَ (‪ )151‬الّذ َ‬
‫ُونـ (‪َ )150‬ولَا تُطِيعُوا َأ ْمرَ الْم ْ‬
‫ّهـ َوأَطِيع ِ‬
‫فَاتّقُوا الل َ‬
‫حرِينَ (‬
‫ت مِنَ الْمُسَ ّ‬
‫ض وَلَا يُصْلِحُونَ (‪ )152‬قَالُوا إِنّمَا أَن َ‬
‫سدُو َن فِي اْلأَرْ ِ‬
‫ُيفْ ِ‬
‫ت مِ نَ ال صّا ِدقِيَ (‪ )154‬قَالَ‬
‫ش ٌر مّثْلُنَا َفأْ تِ بِآَيةٍ إِن كُن َ‬
‫ت ِإلّا َب َ‬
‫‪ )153‬مَا أَن َ‬
‫ب َولَكُ ْم ِشرْ بُ َيوْ ٍم ّمعْلُو مٍ (‪ )155‬وَلَا تَمَ سّوهَا بِ سُوءٍ‬
‫َهذِ ِه نَاقَ ٌة لّهَا ِشرْ ٌ‬
‫ب َيوْ مٍ عَظِي مٍ (‪َ )156‬فعَ َقرُوهَا َفأَ صَْبحُوا نَادِمِيَ (‪)157‬‬
‫فََي ْأخُذَكُ مْ َعذَا ُ‬
‫ك لَآَيةً وَمَا كَا َن أَكَْثرُهُم ّم ْؤمِنِيَ (‪َ )158‬وإِنّ‬
‫ب إِنّ فِي َذلِ َ‬
‫َفَأخَ َذهُ مُ اْل َعذَا ُ‬
‫ك َلهُ َو الْ َعزِي ُز الرّحِي مُ (‪َ )159‬ك ّذبَ تْ قَوْ ُم لُو طٍ الْ ُمرْ سَلِيَ (‪ِ )160‬إذْ‬
‫َربّ َ‬
‫ط َألَا تَّتقُو نَ (‪ِ )161‬إنّ ي لَكُ مْ رَ سُولٌ َأمِيٌ (‪)162‬‬
‫قَالَ َلهُ مْ َأخُوهُ مْ لُو ٌ‬
‫ي ِإلّا َعلَى‬
‫فَاتّقُوا اللّ َه َوأَطِيعُو نِ (‪ )163‬وَمَا أَ ْسَألُ ُكمْ عَلَيْ ِه مِ نْ َأ ْجرٍ إِ ْن أَ ْجرِ َ‬
‫رَبّ الْعَالَمِيَ (‪َ )164‬أتَ ْأتُو َن الذّ ْكرَا َن مِ نَ اْلعَالَمِيَ (‪ )165‬وََتذَرُو َن مَا‬
‫‪349‬‬ ‫توفيق الرحن ف دروس القرآن‬

‫خَلَ َق لَكُ مْ َربّكُ ْم مِ نْ أَ ْزوَاجِكُم َبلْ أَنتُ ْم قَوْ مٌ عَادُو نَ (‪ )166‬قَالُوا لَئِن لّ مْ‬
‫خ َرجِيَ (‪ )167‬قَا َل ِإنّي ِلعَمَ ِلكُم مّ نَ اْلقَالِيَ (‬
‫ط لََتكُوَننّ مِ َن الْمُ ْ‬
‫تَنتَ هِ يَا لُو ُ‬
‫‪ )168‬رَبّ َنجّنِي وََأهْلِي مِمّ ا َيعْمَلُو نَ (‪ )169‬فَنَجّيْنَا ُه َوأَهْلَ ُه َأجْ َمعِيَ (‬
‫‪ِ )170‬إلّا عَجُوزا فِي اْلغَاِبرِينَ (‪ُ )171‬ثمّ َد ّمرْنَا الْآ َخرِينَ (‪َ )172‬وَأمْ َطرْنَا‬
‫َانـ‬
‫ِكـ لَآَي ًة وَمَا ك َ‬
‫ِينـ (‪ )173‬إِنّ فِي َذل َ‬
‫عَلَيْهِم مّطَرا فَسـَاء مَ َط ُر الْمُنذَر َ‬
‫ّبـ‬
‫ِيمـ (‪َ )175‬كذ َ‬
‫ّكـ َل ُهوَ اْلعَزِيزُ ال ّرح ُ‬
‫أَكَْثرُهُم ّم ْؤمِنِيَ (‪َ )174‬وإِنّ َرب َ‬
‫ب َألَا تَّتقُو نَ (‪)177‬‬
‫ب الَْأْيكَ ِة الْ ُمرْ سَلِيَ (‪ِ )176‬إذْ قَالَ َلهُ مْ ُشعَيْ ٌ‬
‫صحَا ُ‬
‫أَ ْ‬
‫ِإنّ ي لَكُ مْ رَ سُولٌ َأمِيٌ (‪ )178‬فَاتّقُوا اللّ َه َوأَطِيعُو نِ (‪ )179‬وَمَا أَ ْسَألُ ُكمْ‬
‫عَلَيْهِـ مِن ْـَأجْ ٍر إِن ْـَأجْرِيَـِإلّا عَلَى رَبّ اْلعَالَمِيَ (‪َ )180‬أ ْوفُوا اْلكَ ْيلَ َولَا‬
‫ُسـَتقِيمِ (‪َ )182‬ولَا‬
‫س الْم ْ‬
‫ِسـطَا ِ‬
‫ْسـرِينَ (‪ )181‬وَ ِزنُوا بِاْلق ْ‬
‫ِنـ الْمُخ ِ‬
‫َتكُونُوا م َ‬
‫ض ُمفْسِدِينَ (‪ )183‬وَاّتقُوا اّلذِي‬
‫س أَشْيَاءهُمْ َولَا َتعَْثوْا فِي اْلأَرْ ِ‬
‫تَبْخَسُوا النّا َ‬
‫حرِينَ (‪)185‬‬
‫ت مِ نَ الْمُ سَ ّ‬
‫خَ َلقَكُ ْم وَالْجِبِ ّل َة الَْأ ّولِيَ (‪ )184‬قَالُوا إِنّمَا أَن َ‬
‫ك لَمِ َن الْكَاذِبِيَ (‪َ )186‬فأَ ْسقِطْ عَلَيْنَا‬
‫شرٌ مّثْلُنَا َوإِن نّظُنّ َ‬
‫ت ِإلّا َب َ‬
‫وَمَا أَن َ‬
‫ت مِ َن ال صّا ِدقِيَ (‪ )187‬قَالَ َربّيـأَعْلَ ُم بِمَا‬
‫كِ سَفا مّ نَ ال سّمَا ِء إِن كُن َ‬
‫ب َيوْ مٍ‬
‫َتعْمَلُو نَ (‪َ )188‬ف َكذّبُو هُ َفَأخَ َذهُ مْ َعذَا بُ يَوْ ِم الظّ ّل ِة إِنّ هُ كَا نَ َعذَا َ‬
‫عَظِي مٍ (‪ )189‬إِنّ فِي َذلِ كَ لَآَيةً وَمَا كَا َن أَكَْثرُهُم ّمؤْمِنِيَ (‪َ )190‬وإِنّ‬
‫ك َلهُ َو الْ َعزِي ُز الرّحِيمُ (‪. ﴾ )191‬‬
‫َرّب َ‬
‫***‬
‫الزء الثالث‬ ‫‪350‬‬

‫ح الْ ُمرْ سَلِيَ (‪ِ )105‬إذْ قَالَ َلهُ مْ‬


‫ت قَوْ ُم نُو ٍ‬
‫قوله عز و جل ‪َ ﴿ :‬ك ّذبَ ْ‬
‫ح َألَا تَّتقُو نَ (‪ِ )106‬إنّ ي َلكُ مْ رَ سُو ٌل َأمِيٌ (‪ )107‬فَاّتقُوا اللّ هَ‬
‫َأخُوهُ ْم نُو ٌ‬
‫ِيـ ِإلّا َعلَى رَبّ‬
‫ِنـ أَ ْجر َ‬
‫ِنـ َأ ْجرٍ إ ْ‬
‫ْهـ م ْ‬
‫َسـَألُ ُكمْ عَلَي ِ‬
‫ُونـ (‪ )108‬وَمَا أ ْ‬
‫َوأَطِيع ِ‬
‫اْلعَالَمِيَ (‪ )109‬فَاّتقُوا اللّهَـ َوأَطِيعُونِـ (‪ )110‬قَالُوا َأُنؤْمِنُـلَكَـ وَاتَّبعَكَـ‬
‫اْلأَ ْرذَلُونَ (‪ )111‬قَالَ َومَا عِلْمِي بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ (‪ )112‬إِ ْن حِسَاُبهُ ْم ِإلّا‬
‫شعُرُو نَ (‪ )113‬وَمَا أَنَا بِطَا ِردِ الْ ُم ْؤمِنِيَ (‪ )114‬إِ ْن أَنَا ِإلّا‬
‫عَلَى َربّ ي لَ ْو َت ْ‬
‫ح لَتَكُونَنّ مِنَ الْ َم ْرجُومِيَ (‪)116‬‬
‫َنذِي ٌر مّبِيٌ (‪ )115‬قَالُوا لَئِن لّمْ تَنتَ ِه يَا نُو ُ‬
‫ح بَيْنِي َوبَيَْنهُ مْ فَتْحا َونَجّنِي وَمَن‬
‫قَالَ رَبّ إِنّ َقوْمِي َك ّذبُو نِ (‪ )117‬فَافْتَ ْ‬
‫ك الْ َمشْحُو نِ (‪)119‬‬
‫ّمعِي مِ نَ الْ ُم ْؤمِنِيَ (‪َ )118‬فأَنَيْنَا ُه وَمَن ّمعَ ُه فِي اْلفُلْ ِ‬
‫ك لَآَي ًة وَمَا كَا َن أَكَْث ُرهُم ّم ْؤمِنِيَ (‬
‫ُثمّ أَ ْغ َرقْنَا َبعْ ُد الْبَاقِيَ (‪ )120‬إِنّ فِي َذلِ َ‬
‫‪َ )121‬وإِنّ َرّبكَ َل ُهوَ اْلعَزِيزُ ال ّرحِيمُ (‪. ﴾ )122‬‬
‫ق يل للحسن الب صري ‪ :‬يا أبا سعيد أرأيت قوله ‪ ﴿ :‬كَ ّذبَ تْ َقوْ ُم نُو حٍ‬
‫ت ثَمُو ُد الْمُرْ َسلِيَ ﴾‬
‫الْ ُمرْسَلِيَ ﴾ و ﴿ كَ ّذبَتْ عَادٌ الْمُرْسَلِيَ ﴾ ‪ ،‬و ﴿ كَ ّذبَ ْ‬
‫وإن ا أر سل إلي هم ر سول وا حد ؟ ! قال ‪ :‬إن الخِر جاء ب ا جاء به الوّل ‪،‬‬
‫فإذا كذّبوا واحدًا فقد كذّبوا الرسل أجعي ‪.‬‬
‫وقوله تعال ‪ ﴿ :‬إِذْ قَالَ َلهُ مْ أَخُوهُ ْم نُو حٌ أَلَا َتتّقُو نَ ﴾ ؟ قال البغوي ‪:‬‬
‫أخوهم ف النسب ل ف الدين ‪.‬‬
‫‪351‬‬ ‫توفيق الرحن ف دروس القرآن‬

‫وقوله تعال ‪ ﴿ :‬قَالُوا أَُن ْؤمِ نُ لَ َ‬


‫ك وَاّتَبعَكَ اْلأَرْذَلُونَ ﴾ ‪ ،‬يعنون ‪ :‬السفلة ‪،‬‬
‫ُونَ ﴾ ‪ .‬قال البغوي ‪ :‬أي ‪ :‬مَا أعلم‬
‫﴿ قَا َل وَم َا عِلْم ِي بِم َا كَانُوا َيعْمَل َ‬
‫أعمال م وصنائعهم ‪ ،‬ول يس عل يّ من دناءة مكاسبهم وأحوال م ش يء ‪ ،‬إن ا‬
‫َُبهُمْ ﴾ مَا‬
‫كلّفَت أن أدعوهَم إل ال ول منهَم ظاهَر أمرهَم ﴿ إِن َْ حِسَا‬
‫َ ﴾ لو تعلمون ذلك مَا ِعبْتموهَم‬ ‫شعُرُون َ‬ ‫حسَابم ﴿ إِلّا عَلَى َربّيَ َل ْو تَ ْ‬
‫بصنائعهم ‪ .‬قال الزجاج ‪ :‬الصناعات ل تضرّ ف الديانات ‪ .‬وعن ابن جريج‬
‫شعُرُو نَ ﴾ ‪ ،‬قال ‪ :‬هو أعلم ب ا ف‬ ‫قوله ‪ ﴿ :‬إِ نْ حِ سَاُبهُمْ إِلّا عَلَى َربّ ي َل ْو تَ ْ‬
‫نفوسهم ‪ .‬وعن قتادة ف قوله ‪ ﴿ :‬فَا ْفتَ ْح َبْينِي َوَبْيَنهُمْ َفتْحا ﴾ ‪ ،‬قال ‪ :‬فاقض‬
‫بين وبينهم قضاء ‪.‬‬
‫وقوله تعال ‪َ ﴿ :‬فأَ َنيْنَا ُه وَمَن ّمعَ هُ فِي الْفُلْ ِ‬
‫ك الْمَشْحُو نِ ﴾ ‪ ،‬قال ا بن‬
‫عباس ‪ :‬يعن ‪ :‬الوقر ‪ .‬قال البغوي ‪ :‬الوقر الملوء من الناس والطي واليوان‬
‫كل ها ‪ ﴿ .‬ثُمّ َأغْرَقْنَا َبعْ ُد اْلبَاقِيَ ﴾ ‪ ،‬أي ‪ :‬أغرق نا ب عد إناء نوح وأهله من‬
‫بقي من قومه ﴿ ِإنّ فِي ذَلِ كَ لَآَيةً َومَا كَا نَ أَكْثَ ُرهُم ّم ْؤمِنِيَ * َوِإنّ َربّ كَ َل ُهوَ‬
‫اْلعَزِيزُ الرّحِيمُ ﴾ ‪.‬‬
‫قوله عز وجل ‪َ ﴿ :‬ك ّذبَ تْ عَا ٌد الْ ُمرْ سَلِيَ (‪ِ )123‬إ ْذ قَا َل َلهُ مْ َأخُوهُ مْ‬
‫هُودٌ َألَا تَّتقُو نَ (‪ِ )124‬إنّي َلكُ مْ رَ سُو ٌل َأمِيٌ (‪ )125‬فَاتّقُوا اللّ هَ َوأَطِيعُو نِ‬
‫(‪َ )126‬ومَا أَ ْسأَُلكُمْ عَلَيْ ِه مِ ْن أَ ْج ٍر إِ ْن َأ ْجرِيَ إِلّا عَلَى َربّ الْعَالَمِيَ (‪)127‬‬
‫خذُو نَ مَ صَانِعَ لَعَ ّلكُ ْم تَخْ ُلدُو نَ (‬
‫َأتَبْنُو َن ِبكُلّ رِي عٍ آَي ًة َتعْبَثُو نَ (‪ )128‬وَتَتّ ِ‬
‫الزء الثالث‬ ‫‪352‬‬

‫‪َ )129‬وِإذَا بَ َطشْتُم بَ َطشْتُ ْم جَبّارِي نَ (‪ )130‬فَاّتقُوا اللّ هَ َوأَطِيعُو نِ (‪)131‬‬


‫َامـ َوبَنِيَ (‪)133‬‬
‫ُونـ (‪َ )132‬أمَدّكُم بَِأْنع ٍ‬
‫وَاتّقُوا اّلذِي َأ َمدّكُم بِمَا َتعْلَم َ‬
‫ت وَعُيُونٍ (‪ِ )134‬إنّي َأخَافُ عَلَ ْيكُمْ َعذَابَ َيوْمٍ َعظِيمٍ (‪ )135‬قَالُوا‬
‫َوجَنّا ٍ‬
‫ت أَ ْم لَ مْ تَكُن مّ َن الْوَاعِظِيَ (‪ )136‬إِ ْن هَذَا إِلّا خُلُ قُ‬
‫َسوَاء عَلَيْنَا َأوَعَظْ َ‬
‫اْلأَ ّولِيَ (‪ )137‬وَمَا نَحْ ُن بِ ُمعَ ّذبِيَ (‪َ )138‬ف َكذّبُوهُ َفَأهْلَكْنَاهُ ْم إِنّ فِي َذلِكَ‬
‫ِيمـ (‬
‫ّكـ َلهُ َو الْ َعزِي ُز الرّح ُ‬
‫َانـ أَكَْثرُهُم ّمؤْمِنِيَ (‪ )139‬وَإِنّ َرب َ‬
‫لَآيَ ًة وَمَا ك َ‬
‫‪. ﴾ )140‬‬
‫ُونَ ﴾ ‪ ،‬قال ‪ :‬بكَل‬ ‫ِيعَ آَيةً َت ْعَبث َ‬
‫ُونَ ِبكُلّ ر ٍ‬
‫عَن ابَن عباس قوله ‪َ ﴿ :‬أتَْبن َ‬
‫طر يق ‪ ،‬وقال ‪ :‬ال ية عا مة ‪ ﴿ .‬تَ ْعَبثُو نَ ﴾ ‪ ،‬قال ‪ :‬تلعبون ‪ .‬و عن قتادة ف‬
‫قوله ‪ ﴿ :‬مَ صَانِعَ ﴾ ‪ ،‬قال ‪ :‬مآ خذ للماء ‪ .‬وعن ابن عباس قوله ‪َ ﴿ :‬لعَّلكُ مْ‬
‫خلُدُونَ ﴾ ‪ ،‬يقول ‪ :‬كأنكم تلدون ‪.‬‬ ‫تَ ْ‬
‫وقوله ‪َ ﴿ :‬وإِذَا بَطَشْتُم ﴾ ‪ ،‬قال البغوي ‪ :‬أخذ ت و سطوت ‪ ﴿ ،‬بَطَ ْ‬
‫شتُ مْ‬
‫َجبّارِي َن ﴾ قتلً بال سيف وضربًا بال سوط ‪ ،‬والبار الذي يق تل ويضرب على‬
‫الغضب ‪.‬‬
‫وقوله تعال ‪ ﴿ :‬قَالُوا َسوَاء عََلْينَا َأ َوعَظْ تَ أَ مْ لَ ْم َتكُن مّ َن اْلوَاعِ ِظيَ * إِ نْ‬
‫هَذَا إِلّا خُُل ُق اْلَأوّلِيَ * وَمَا نَحْ ُن بِ ُمعَ ّذبِيَ ﴾ ‪ ،‬عن ا بن عباس قوله ‪ ﴿ :‬إِ ْن‬
‫ُقَ اْلَأوّلِيَ ﴾ ‪ .‬يقول ‪ :‬ديَن الوليَ ‪ .‬وقال قتادة ‪ :‬هكذا خلقَة‬ ‫هَذَا إِلّا خُل ُ‬
‫الول ي ‪ ،‬وهكذا كانوا ييون ويوتون ‪ .‬و عن أ ب الدرداء ر ضي ال ع نه أ نه‬
‫‪353‬‬ ‫توفيق الرحن ف دروس القرآن‬

‫ل ا رأى ما أحدث ال سلمون ف الغو طة من البنيان ون صب الش جر ‪ ،‬قام ف‬


‫مسجدهم فنادى ‪ ( :‬يا أهل دمشق ‪ ،‬فاجتمعوا إليه فحمد ال وأثن عليه ث‬
‫قال ‪ :‬أل ت ستحيون ‪ ،‬أل ت ستحيون ؟ تمعون ما ل تأكلون ‪ ،‬وتبنون ما ل‬
‫تسَكنون ‪ ،‬وتأملون مَا ل تدركون ! إنَه قَد كانَت قبلكَم قرون يمعون‬
‫فيوعون ‪ ،‬ويبنون فيوثقون ‪ ،‬ويأملون فيطيلون ‪ ،‬فأصََبح أملهََم غرورًا ‪،‬‬
‫وأ صبح جع هم بورًا ‪ ،‬وأ صبحت م ساكنهم قبورًا ‪ ،‬أل أن عادًا ما ب ي عدن‬
‫وعمان خيلً وركابًا ‪ ،‬ف من يشتري م ن مياث عاد بدره ي ) ؟ ‪ .‬رواه ا بن‬
‫أب حات ‪.‬‬
‫ت ثَمُودُ الْ ُمرْ سَلِيَ (‪ِ )141‬إ ْذ قَا َل َلهُمْ َأخُوهُ مْ‬
‫قوله عز وجل ‪َ ﴿ :‬ك ّذبَ ْ‬
‫ح َألَا تَّتقُونَ (‪ِ )142‬إنّي َلكُمْ رَسُو ٌل َأمِيٌ (‪ )143‬فَاتّقُوا اللّ َه َوأَطِيعُونِ‬
‫صَالِ ٌ‬
‫(‪َ )144‬ومَا أَ ْسأَُلكُمْ عَلَيْ ِه مِ ْن أَ ْج ٍر إِ ْن َأ ْجرِيَ إِلّا عَلَى َربّ الْعَالَمِيَ (‪)145‬‬
‫َأتُ ْترَكُو نَ فِي مَا هَاهُنَا آمِنِيَ (‪ )146‬فِي جَنّا تٍ وَعُيُو نٍ (‪ )147‬وَزُرُو عٍ‬
‫حتُو نَ مِ َن الْجِبَا ِل بُيُوتا فَارِهِيَ (‪)149‬‬
‫خلٍ طَ ْلعُهَا هَضِي مٌ (‪ )148‬وَتَنْ ِ‬
‫َونَ ْ‬
‫ِينـ‬
‫ُسـ ِرفِيَ (‪ )151‬الّذ َ‬
‫ُونـ (‪َ )150‬ولَا تُطِيعُوا َأ ْمرَ الْم ْ‬
‫ّهـ َوأَطِيع ِ‬
‫فَاتّقُوا الل َ‬
‫حرِينَ (‬
‫ت مِنَ الْمُسَ ّ‬
‫ض وَلَا يُصْلِحُونَ (‪ )152‬قَالُوا إِنّمَا أَن َ‬
‫سدُو َن فِي اْلأَرْ ِ‬
‫ُيفْ ِ‬
‫ت مِ نَ ال صّا ِدقِيَ (‪ )154‬قَالَ‬
‫ش ٌر مّثْلُنَا َفأْ تِ بِآَيةٍ إِن كُن َ‬
‫ت ِإلّا َب َ‬
‫‪ )153‬مَا أَن َ‬
‫ب َولَكُ ْم ِشرْ بُ َيوْ ٍم ّمعْلُو مٍ (‪ )155‬وَلَا تَمَ سّوهَا بِ سُوءٍ‬
‫َهذِ ِه نَاقَ ٌة لّهَا ِشرْ ٌ‬
‫ب َيوْ مٍ عَظِي مٍ (‪َ )156‬فعَ َقرُوهَا َفأَ صَْبحُوا نَادِمِيَ (‪)157‬‬
‫فََي ْأخُذَكُ مْ َعذَا ُ‬
‫الزء الثالث‬ ‫‪354‬‬

‫ك لَآَيةً وَمَا كَا َن أَكَْثرُهُم ّم ْؤمِنِيَ (‪َ )158‬وإِنّ‬


‫ب إِنّ فِي َذلِ َ‬
‫َفَأخَ َذهُ مُ اْل َعذَا ُ‬
‫ك َلهُ َو الْ َعزِي ُز الرّحِيمُ (‪. ﴾ )159‬‬
‫َرّب َ‬
‫عَن ابَن عباس ‪ :‬قوله ‪َ ﴿ :‬ونَخْ ٍل طَ ْلعُهَا َهضِيمٌَ ﴾ ‪ ،‬يقول ‪ :‬أينَع وبلغ‬
‫فهو هضيم ‪ .‬وقال عكرمة ‪ :‬الضيم ‪ :‬الرطب اللّي ‪.‬‬
‫جبَا ِل ُبيُوتا فَا ِرهِي َ ﴾ ‪ ،‬قال أبَو صَال ‪:‬‬
‫ِنَ الْ ِ‬
‫ُونَ م َ‬
‫حت َ‬‫وقوله ‪َ ﴿ :‬وتَنْ ِ‬
‫جبَا ِل ُبيُوتا‬
‫حتُو نَ مِ َن الْ ِ‬
‫حاذق ي بنحت ها ‪ .‬و عن ا بن عباس ف قوله ‪َ ﴿ :‬وَتنْ ِ‬
‫فَا ِرهِيَ ﴾ ‪ ،‬يقول ‪ :‬أشرين ‪.‬‬
‫وقوله تعال ‪ ﴿ :‬قَالُوا إِنّمَا أَن تَ مِنََ الْمُ سَحّرِينَ ﴾ ‪ ،‬قال ما هد ‪ :‬مَن‬
‫ِنَ الصَّادِِق َ‬
‫ي‬ ‫ُنتَ م َ‬
‫ْتَ بِآَيةٍ إِن ك َ‬ ‫َنتَإِلّا بَشَ ٌر ّمثْلُنَا َفأ ِ‬
‫السَحورين ‪ ﴿ ،‬مَا أ َ‬
‫﴾ واقترحوا لمَ ناقَة عَشَرَا َء مَن هذه الصَخرة ‪ ،‬فقام نَبّ ال صَال عليَه‬
‫السلم فصلّى ث دعا ال عز وجل ‪ ،‬فانفطرت تلك الصخرة عن ناقة عشراء‬
‫ب َيوْ مٍ‬
‫ب وََلكُ مْ ِشرْ ُ‬ ‫فآ من بعض هم وك فر أكثر هم ﴿ قَا َل هَذِ هِ نَاَقةٌ لّهَا ِشرْ ٌ‬
‫ّمعْلُومٍ ﴾ يعن ‪ :‬تَ ِردُ ماءكم يومًا ‪ ،‬ويومًا تردونه أنتم ‪ ﴿ .‬وَلَا تَمَسّوهَا بِسُوءٍ‬
‫صبَحُوا نَا ِدمِيَ * َفأَ َخ َذهُ مُ الْعَذَا بُ‬ ‫ب َيوْ مٍ عَظِي مٍ * َف َعقَرُوهَا َفأَ ْ‬ ‫َفَيأْخُذَكُ ْم عَذَا ُ‬
‫﴾ ‪ ،‬رجفت ب م أرض هم وأخذت م الصيحة من فوق هم فأ صبحوا ف ديارهم‬
‫جاثي ﴿ ِإنّ فِي ذَلِ كَ لَآَي ًة َومَا كَا نَ أَ ْكثَ ُرهُم ّمؤْ ِمنِيَ * َوإِنّ َربّ كَ َل ُه َو الْعَزِيزُ‬
‫الرّحِيمُ ﴾ ‪.‬‬
‫‪355‬‬ ‫توفيق الرحن ف دروس القرآن‬

‫ط الْ ُمرْسَلِيَ (‪ِ )160‬إذْ قَالَ َلهُ ْم َأخُوهُمْ‬


‫ت قَوْ ُم لُو ٍ‬
‫قوله عز وجل ‪َ ﴿ :‬ك ّذبَ ْ‬
‫لُو طٌ َألَا تَتّقُو نَ (‪ِ )161‬إنّي َلكُ مْ رَ سُو ٌل َأمِيٌ (‪ )162‬فَاتّقُوا اللّ هَ َوأَطِيعُو نِ‬
‫(‪َ )163‬ومَا أَ ْسأَُلكُمْ عَلَيْ ِه مِ ْن أَ ْج ٍر إِ ْن َأ ْجرِيَ إِلّا عَلَى َربّ الْعَالَمِيَ (‪)164‬‬
‫َأَتأْتُو َن الذّ ْكرَا نَ مِ نَ اْلعَالَمِيَ (‪َ )165‬وَتذَرُو َن مَا خَلَ قَ َلكُ مْ َرّبكُ مْ مِ نْ‬
‫أَ ْزوَا ِجكُم َبلْ أَنتُ ْم َقوْمٌ عَادُونَ (‪ )166‬قَالُوا لَئِن لّمْ تَنتَ ِه يَا لُوطُ لََتكُوَننّ مِنَ‬
‫خ َرجِيَ (‪ )167‬قَالَ ِإنّي ِلعَمَ ِلكُم مّ نَ اْلقَالِيَ (‪َ )168‬ربّ نَجّنِي وََأهْلِي‬
‫الْمُ ْ‬
‫َهـ َأجْ َمعِي َ (‪ِ )170‬إلّا َعجُوزا ف ِي‬
‫َاهـ َوَأهْل ُ‬
‫ُونـ (‪ )169‬فَنَجّيْن ُ‬
‫مِمّاـ َيعْمَل َ‬
‫اْلغَاِبرِي نَ (‪ )171‬ثُمّ َد ّمرْنَا الْآ َخرِي نَ (‪َ )172‬وَأمْ َطرْنَا عَلَيْهِم مّطَرا فَ سَاء‬
‫ك لَآَي ًة وَمَا كَا َن أَكَْث ُرهُم ّم ْؤمِنِيَ (‪)174‬‬
‫مَ َط ُر الْمُنذَرِي نَ (‪ )173‬إِنّ فِي َذلِ َ‬
‫َوإِنّ َرّبكَ َل ُهوَ اْلعَزِيزُ ال ّرحِيمُ (‪. ﴾ )175‬‬
‫قال ابـن كثيـ ‪ :‬لاَ ناهَم نب ال عن ارتكاب الفواحَش ‪ ،‬وغشيانمَ‬
‫الذكور ‪ ،‬وأرشدهم إل إتيان نسائهم اللت خلقهنّ ال لم ‪ ،‬ما كان جوابم‬
‫إل أن ‪ ﴿ :‬قَالُوا َلئِن لّ ْم تَنتَ هِ يَا لُو طُ َلَتكُونَنّ مِ َن الْ ُمخْ َرجِيَ ﴾ ‪ ،‬أي ‪ :‬ننفيك‬
‫من بي أظهرنا ‪ ،‬فلما رأى أنم ل يرتدعون عما هم فيه وأنم مستمرّون على‬
‫ضللتهم تبّأ منهم و ﴿ قَالَ إِنّي ِلعَمَِلكُم مّ َن اْلقَالِيَ ﴾ ‪ ،‬أي ‪ :‬البغِضي ل‬
‫جنِي‬
‫أحبّه ول أرضى به ‪ ،‬وإن بريء منكم ث دعا ال عليهم فقال ‪ ﴿ :‬رَبّ نَ ّ‬
‫جْينَا ُه َوَأهْلَ هُ أَجْ َمعِيَ ﴾ ‪ ،‬أي ‪:‬‬
‫َوَأهْلِي ِممّا َيعْمَلُو نَ ﴾ ‪ ،‬قال ال تعال ‪َ ﴿ :‬فنَ ّ‬
‫الزء الثالث‬ ‫‪356‬‬

‫كلّهم ‪ ﴿ ،‬إِلّا َعجُوزا فِي اْلغَابِرِي نَ ﴾ وهي امرأته وكانت عجوز سوء بقيت‬
‫فهلكت مع من بقي من قومها ‪ ،‬كما أخب ال عنهم ف سورة هود وغيها ‪.‬‬
‫ب الَْأْيكَ ِة الْ ُمرْ سَلِيَ (‪ِ )176‬إ ْذ قَالَ‬
‫صحَا ُ‬
‫قوله عز و جل ‪َ ﴿ :‬كذّ بَ أَ ْ‬
‫ب َألَا تَّتقُو نَ (‪ِ )177‬إنّ ي َلكُ مْ رَ سُو ٌل َأمِيٌ (‪ )178‬فَاتّقُوا اللّ هَ‬
‫َلهُ ْم ُشعَيْ ٌ‬
‫ِيـ ِإلّا َعلَى رَبّ‬
‫ِنـ أَ ْجر َ‬
‫ِنـ َأ ْجرٍ إ ْ‬
‫ْهـ م ْ‬
‫َسـَألُ ُكمْ عَلَي ِ‬
‫ُونـ (‪ )179‬وَمَا أ ْ‬
‫َوأَطِيع ِ‬
‫ْسـرِينَ (‪ )181‬وَ ِزنُوا‬
‫ِنـ الْ ُمخ ِ‬
‫اْلعَالَمِي َ (‪ )180‬أَ ْوفُوا الْكَ ْي َل َولَا تَكُونُوا م َ‬
‫بِالْقِ سْطَاسِ الْمُ سَْتقِيمِ (‪ )182‬وَلَا تَبْخَ سُوا النّا سَ َأشْيَاءهُ ْم َولَا َتعْثَوْا فِي‬
‫ُمـ وَالْجِبِ ّلةَ اْلأَ ّولِي َ (‪)184‬‬
‫ْسـدِينَ (‪ )183‬وَاتّقُوا اّلذِي خَ َلقَك ْ‬
‫ْضـ ُمف ِ‬
‫اْلأَر ِ‬
‫ش ٌر مّثْلُنَا َوإِن نّظُنّ كَ‬
‫حرِينَ (‪ )185‬وَمَا أَن تَ ِإلّا َب َ‬
‫ت مِ َن الْمُ سَ ّ‬
‫قَالُوا إِنّمَا أَن َ‬
‫ِنـ‬
‫ُنتـ م َ‬
‫السـمَا ِء إِن ك َ‬
‫ّنـ ّ‬‫َسـقِطْ عَلَيْنَا كِسـَفا م َ‬
‫ِنـ الْكَاذِبِيَ (‪َ )186‬فأ ْ‬
‫لَم َ‬
‫ال صّا ِدقِيَ (‪ )187‬قَالَ َربّ ي أَعْلَ ُم بِمَا َتعْمَلُو نَ (‪َ )188‬ف َكذّبُو ُه َفأَ َخ َذهُ مْ‬
‫ك لَآَي ًة وَمَا‬
‫ب َيوْ مٍ عَظِي مٍ (‪ )189‬إِنّ فِي َذلِ َ‬
‫َعذَا بُ َيوْ ِم الظّ ّلةِ إِنّ هُ كَا نَ َعذَا َ‬
‫ك َلهُ َو الْ َعزِي ُز الرّحِيمُ (‪. ﴾ )191‬‬
‫كَا َن أَكَْث ُرهُم ّم ْؤمِنِيَ (‪ )190‬وَإِنّ َرّب َ‬
‫قال ابن عباس قوله ‪ ﴿ :‬كَذّ بَ أَ صْحَا ُ‬
‫ب اْلَأيْ َكةِ ﴾ ‪ ،‬قال ‪ :‬أهل مدين ‪،‬‬
‫والي كة ‪ :‬اللت قى من الش جر ‪ .‬قال ا بن ز يد ‪ :‬الي كة ‪ :‬الش جر ؛ ب عث ال‬
‫شعيب ًا إل قومَه مَن أهَل مديَن وإل أهَل الباديَة ‪ .‬وعَن ماهَد قوله ‪:‬‬
‫جبِّل َة الَْأوّلِيَ ﴾ ‪ ،‬قال ‪ :‬الليقة ‪.‬‬
‫﴿ وَالْ ِ‬
‫‪357‬‬ ‫توفيق الرحن ف دروس القرآن‬

‫وقال البغوي ‪ :‬قوله ‪ ﴿ :‬قَالُوا ِإنّمَا أَن تَ مِ َن الْمُ سَحّرِينَ * وَمَا أَن تَ إِلّا‬
‫ط عََليْنَا كِ سَفا مّ َن ال سّمَاءِ إِن‬
‫بَشَ ٌر ّمثْلُنَا َوإِن نّ ُظنّ كَ لَمِ نَ الْكَا ِذبِيَ * َفأَ سْقِ ْ‬
‫ت مِ َن الصّادِقِيَ * قَالَ َربّي َأعْلَ ُم بِمَا َتعْ َملُونَ ﴾ من نقصان الكيل والوزن‬ ‫كُن َ‬
‫‪ ،‬وهو مازيكم بأعمالكم وليس العذاب إلّ ‪ ،‬وما عل ّي إل الدعوة ‪ ،‬فكذّبوه‬
‫فأخذهم عذاب يوم الظلّة ‪ِ ﴿ ،‬إنّهُ كَا َن عَذَابَ َيوْ ٍم عَظِيمٍ ﴾ ‪ .‬قال ابن جريج‬
‫‪ :‬لا أنزل ال عليهم أول العذاب أخذهم منه حرّ شديد ‪ ،‬فرفع ال لم غمامة‬
‫‪ ،‬فخرج إليها طائفة منهم ليستظلّوا با ‪ ،‬فأصابم منها روح ‪ ،‬وبرد ‪ ،‬وريح‬
‫طيّبة ‪ ،‬فصبّ ال عليهم من فوقهم من تلك الغمامة عذابًا ‪ ،‬فذلك قوله ‪﴿ :‬‬
‫ب َي ْومِ الظّّلةِ ﴾ ‪.‬‬ ‫عَذَا ُ‬
‫وقوله تعال ‪ِ ﴿ :‬إنّ فِي ذَلِ كَ لَآَي ًة َومَا كَا نَ أَ ْكثَ ُرهُم ّم ْؤ ِمنِيَ * َوِإنّ َربّ كَ‬
‫َل ُه َو اْلعَزِيزُ الرّحِي مُ ﴾ ‪ ،‬أي ‪ ﴿ :‬الْعَزِيزُ ﴾ ف انتقامه من الظالي ‪ ﴿ ،‬الرّحِي مُ‬
‫﴾ بعباده الؤمني ‪.‬‬

‫***‬
‫الزء الثالث‬ ‫‪358‬‬

‫الدرس السادس والتسعون بعد الائة‬

‫ح اْلأَمِيُ (‪ )193‬عَلَى‬
‫﴿ َوإِنّ ُه لَتَنِيلُ َربّ الْعَالَمِيَ (‪َ )192‬نزَ َل بِهِ الرّو ُ‬
‫ك لِتَكُو َن مِ نَ الْمُنذِرِي نَ (‪ )194‬بِلِ سَانٍ َع َربِيّ مّبِيٍ (‪َ )195‬وِإنّ ُه لَفِي‬
‫قَلْبِ َ‬
‫ُزُب ِر الَْأ ّولِيَ (‪ )196‬أَ َولَ مْ يَكُن ّلهُ مْ آَيةً أَن َيعْلَمَ هُ عُ َلمَاء بَنِي إِ سْرَائِيلَ (‬
‫جمِيَ (‪َ )198‬ف َق َرأَ هُ عَلَيْهِم مّ ا كَانُوا بِ هِ‬
‫‪َ )197‬وَلوْ َن ّزلْنَا هُ عَلَى َبعْ ضِ اْلأَعْ َ‬
‫ج ِرمِيَ (‪ )200‬لَا يُ ْؤمِنُو نَ بِ هِ‬
‫ب الْمُ ْ‬
‫ُم ْؤمِنِيَ (‪َ )199‬ك َذلِ كَ سَلَكْنَا ُه فِي قُلُو ِ‬
‫شعُرُو نَ (‪)202‬‬
‫ب اْلأَلِي مَ (‪ )201‬فََيأْتِيَهُم َبغَْتةً َوهُ مْ لَا َي ْ‬
‫حَتّ ى َيرَوُا اْل َعذَا َ‬
‫ت إِن‬
‫فََيقُولُوا َه ْل نَحْ ُن مُن َظرُونَ (‪َ )203‬أفَبِ َعذَابِنَا يَسْتَعْجِلُونَ (‪َ )204‬أفَ َرَأيْ َ‬
‫مّّتعْنَاهُمْ سِنِيَ (‪ُ )205‬ثمّ جَاءهُم مّا كَانُوا يُو َعدُونَ (‪ )206‬مَا أَغْنَى عَ ْنهُم‬
‫مّاـ كَانُوا يُمَّتعُونَـ (‪ )207‬وَمَا أَهْ َلكْنَا مِن َق ْريَ ٍة ِإلّا لَهَا مُنذِرُو نَ (‪)208‬‬
‫ت بِهِ الشّيَاطِيُ (‪َ )210‬ومَا يَنَبغِي‬
‫ذِ ْكرَى َومَا كُنّا ظَالِمِيَ (‪ )209‬وَمَا تََن ّزلَ ْ‬
‫َلهُ مْ َومَا يَ سْتَطِيعُونَ (‪ِ )211‬إّنهُ مْ عَ ِن ال سّمْ ِع لَ َم ْعزُولُو نَ (‪ )212‬فَلَا َتدْ عُ‬
‫يتَ كَ اْلأَ ْق َربِيَ (‬
‫مَ َع اللّ هِ إِلَها آ َخ َر فََتكُو نَ مِ َن الْ ُمعَ ّذبِيَ (‪ )213‬وَأَنذِرْ َعشِ َ‬
‫صوْكَ‬
‫ك مِ نَ الْ ُم ْؤمِنِيَ (‪َ )215‬فإِ نْ عَ َ‬
‫‪ )214‬وَا ْخفِ ضْ جَنَاحَ كَ لِمَ نِ اتَّبعَ َ‬
‫َف ُقلْ ِإنّيـَبرِي ٌء مّمّاـَتعْمَلُونَـ (‪ )216‬وََتوَ ّكلْ عَلَى اْل َعزِي ِز ال ّرحِيمِـ (‪)217‬‬
‫ّهـ ُهوَ‬
‫َكـ فِي السـّا ِجدِينَ (‪ِ )219‬إن ُ‬
‫ُومـ (‪ )218‬وََتقَلّب َ‬
‫َاكـ حِيَ َتق ُ‬
‫اّلذِي َير َ‬
‫ال سّمِي ُع اْلعَلِي مُ (‪َ )220‬هلْ ُأنَبُّئكُ مْ عَلَى مَن تََن ّزلُ الشّيَاطِيُ (‪ )221‬تََن ّزلُ‬
‫ُونـ (‪)223‬‬
‫ُمـ كَاذِب َ‬
‫السـمْ َع َوأَكَْثرُه ْ‬
‫ُونـ ّ‬
‫ِيمـ (‪ )222‬يُ ْلق َ‬
‫ّاكـ أَث ٍ‬
‫عَلَى ُك ّل َأف ٍ‬
‫‪359‬‬ ‫توفيق الرحن ف دروس القرآن‬

‫ُونـ (‬
‫ُمـ فِي ُكلّ وَادٍ يَهِيم َ‬
‫َمـ َترَ َأّنه ْ‬
‫ُونـ (‪َ )224‬أل ْ‬
‫ُمـ اْلغَاو َ‬
‫ش َعرَاء يَتِّبعُه ُ‬
‫وَال ّ‬
‫ـ آمَنُوا وَعَمِلُوا‬
‫ـ (‪ِ )226‬إلّا الّذِين َ‬
‫ـ مَـا لَا َيفْعَلُون َ‬
‫ـ يَقُولُون َ‬
‫‪َ )225‬وَأنّهُم ْ‬
‫صرُوا مِن َب ْعدِ مَا ظُ ِلمُوا وَ سَيَعْ َلمُ اّلذِي نَ‬
‫ت وَذَ َكرُوا اللّ هَ كَثِيا وَانتَ َ‬
‫ال صّالِحَا ِ‬
‫ب يَنقَلِبُونَ (‪. ﴾ )227‬‬
‫ي مُنقَلَ ٍ‬
‫ظَلَمُوا أَ ّ‬

‫***‬
‫الزء الثالث‬ ‫‪360‬‬

‫قوله عز و جل ‪َ ﴿ :‬وإِنّ هُ لَتَنِيلُ رَبّ الْعَالَمِيَ (‪َ )192‬نزَ َل بِ هِ الرّو حُ‬


‫ك لِتَكُو َن مِ نَ الْمُنذِرِي نَ (‪ )194‬بِلِ سَانٍ َعرَِبيّ مّبِيٍ‬
‫اْلأَمِيُ (‪ )193‬عَلَى قَلْبِ َ‬
‫(‪َ )195‬وِإنّ هُ َلفِي ُزُبرِ اْلَأوّلِيَ (‪َ )196‬أ َولَ مْ َيكُن ّلهُ مْ آَيةً أَن َيعْلَمَ هُ عُلَمَاء‬
‫بَنِي إِ ْسرَائِيلَ (‪. ﴾ )197‬‬
‫عن قتادة ‪َ ﴿ :‬وِإنّ هُ َلتَنِيلُ رَبّ اْلعَالَمِيَ ﴾ ‪ ،‬قال ‪ :‬هذا القرآن ‪ ﴿ ،‬نَ َزلَ‬
‫ح اْلَأمِيُ ﴾ ‪ ،‬قال ‪ :‬جبيل ‪.‬‬ ‫بِهِ الرّو ُ‬
‫وقوله تعال ‪َ ﴿ :‬وِإنّ هُ لَفِي ُزبُ ِر اْلَأوّلِيَ ﴾ ‪ ،‬أي ‪ :‬ذ كر إنزال القرآن على‬
‫ممد موجود ف كتب الولي الأثورة عن أنبيائهم ‪َ ﴿ .‬أوَلَ ْم يَكُن ّلهُ ْم آَيةً أَن‬
‫َيعْلَمَهَُ عَُلمَاء بَنِي إِس َْرَائِيلَ ﴾ ‪ ،‬قال ماهَد ‪ :‬عبَد ال بَن سَلم وغيه مَن‬
‫علمائهم ‪.‬‬
‫َهـ‬
‫ْضـ اْلأَعْجَمِيَ (‪َ )198‬فقَ َرأ ُ‬
‫َاهـ عَلَى بَع ِ‬
‫قوله عـز وجـل ‪َ ﴿ :‬ولَ ْو َنزّلْن ُ‬
‫جرِمِيَ (‬
‫عَلَ ْيهِم مّا كَانُوا بِ هِ ُم ْؤمِنِيَ (‪َ )199‬ك َذلِ كَ سَ َلكْنَاهُ فِي قُلُو بِ الْ ُم ْ‬
‫ب الَْألِي مَ (‪ )201‬فََيأْتَِيهُم َبغَْت ًة وَهُ مْ لَا‬
‫‪ )200‬لَا يُ ْؤمِنُو نَ بِ ِه حَتّى َي َروُا الْ َعذَا َ‬
‫ش ُعرُونَ (‪ )202‬فََيقُولُوا َه ْل نَحْ ُن مُن َظرُونَ (‪َ )203‬أفَِب َعذَابِنَا يَسَْتعْجِلُونَ (‬
‫َي ْ‬
‫‪َ )204‬أ َف َرأَيْ تَ إِن مّّتعْنَاهُ مْ سِنِيَ (‪ )205‬ثُمّ جَاءهُم مّ ا كَانُوا يُو َعدُو نَ (‬
‫‪ )206‬مَا أَغْنَى عَ ْنهُم مّا كَانُوا يُ َمّتعُونَ (‪َ )207‬ومَا َأهْ َلكْنَا مِن َق ْرَيةٍ ِإلّا َلهَا‬
‫مُنذِرُونَ (‪ )208‬ذِ ْكرَى َومَا كُنّا ظَالِمِيَ (‪. ﴾ )209‬‬
‫‪361‬‬ ‫توفيق الرحن ف دروس القرآن‬

‫قال ا بن كث ي ‪ :‬ث قال تعال م بًا عن شدة ك فر قر يش وعناد هم لذا‬


‫القرآن ‪ :‬أنه لو نزل على رجل من العاجم من ل يدري من العربية كلمة ‪،‬‬
‫وأنزل عليه هذا الكتاب ببيانه وفصاحته ل يؤمنون به ‪ ،‬ولذا قال ‪ ﴿ :‬نَزّْلنَا هُ‬
‫جمِيَ * َف َق َرأَ ُه عََليْهِم مّ ا كَانُوا بِ ِه ُم ْؤمِنِيَ * كَذَلِ كَ سََل ْكنَاهُ‬ ‫ض اْلأَعْ َ‬‫عَلَى َبعْ ِ‬
‫﴾ ‪ ،‬قال ابن عباس ‪ :‬أدخلنا الشرك والتكذيب ف قلوب الجرمي ‪.‬‬
‫شعُرُونَ *‬ ‫ب الْأَلِيمَ * َفيَ ْأِتيَهُم َبغَْت ًة َوهُمْ لَا يَ ْ‬
‫﴿ لَا ُي ْؤمِنُو َن بِهِ َحتّى يَ َروُا اْلعَذَا َ‬
‫َفَيقُولُوا هَ ْل نَحْ ُن مُنظَرُو نَ ﴾ ‪ .‬قال البغوي ‪ :‬أي ‪ :‬لنؤمن ونصدّق ‪ .‬يتمنّون‬
‫الرجعة والنظرة ‪ .‬قال مقاتل ‪ :‬لا أوعدهم النب بالعذاب قالوا ‪ :‬إل مت‬
‫سَتعْجِلُونَ‬
‫توعد نا بالعذاب وم ت هذا العذاب ؟ قال ال تعال ‪ ﴿ :‬أَفَِبعَذَابِنَا يَ ْ‬
‫﴾؟‪.‬‬
‫وقوله تعال ‪ ﴿ :‬أَفَ َرَأيْتَ إِن ّمّت ْعنَاهُمْ ِسنِيَ * ثُمّ جَاءهُم مّا كَانُوا يُوعَدُونَ‬
‫* مَا َأغْنَى َعْنهُم مّا كَانُوا يُ َمّتعُو نَ ﴾ ‪ .‬قال البغوي ‪ :‬والعن ‪ :‬أنم وإن طال‬
‫تتّعهَم بنعيَم الدنيَا ‪ ،‬فإذا أتاهَم العذاب ل يغَن عنهَم طول التمتّع شيئًا ‪،‬‬
‫قطَ ‪ .‬قال ابـن كثيـ ‪ :‬وفَ الديَث‬
‫ويكونون كأنمَ ل يكونوا فَ نعيَم ّ‬
‫ال صحيح ‪ « :‬يؤ تى بالكا فر فيغ مس ف النار غم سة ث يقال له ‪ :‬هل رأ يت‬
‫خيًا ق طّ ؟ هل رأ يت نعيمًا ق طّ ؟ فيقول ‪ :‬ل وال يا رب ‪ .‬ويؤ تى بأ شد‬
‫الناس بؤ سًا كان ف الدن يا ‪ ،‬في صبغ ف ال نة صبغة ث يقال له ‪ :‬هل رأ يت‬
‫بؤسًا قط ؟ فيقول ‪ :‬ل وال يا رب » ‪ ،‬أي ‪ :‬ما كأ ّن شيئًا كان ‪.‬‬
‫الزء الثالث‬ ‫‪362‬‬

‫ث قال تعال م بًا عن عدله ف خل قه ‪ ﴿ :‬وَمَا َأهَْلكْنَا مِن َق ْرَيةٍ إِلّا لَهَا‬
‫مُنذِرُونََ * ذِكْرَى ﴾ ‪ .‬قال البغوي ‪ :‬أي ‪ :‬رسَل ينذرونمَ تذكرة ‪ .‬قيَل ‪:‬‬
‫ملّ ها ر فع ‪ .‬أي ‪ :‬تلك ذكرى و ما ك نا ظال ي ف تعذيب هم ‪ ،‬ح يث قدّم نا‬
‫الجّة عليهم وأعذرنا إليهم ‪.‬‬
‫ت بِ ِه الشّيَا ِطيُ (‪َ )210‬ومَا يَنَبغِي َلهُ ْم َومَا‬
‫قوله عز وجل ‪ ﴿ :‬وَمَا تََن ّزلَ ْ‬
‫ع مَ َع اللّ هِ‬
‫يَ سْتَطِيعُونَ (‪ِ )211‬إنّهُ مْ عَ ِن ال سّ ْم ِع لَ َم ْعزُولُو نَ (‪ )212‬فَلَا َتدْ ُ‬
‫ك الَْأ ْقرَبِيَ (‪)214‬‬
‫يتَ َ‬
‫ِإلَها آ َخ َر فََتكُو نَ مِ نَ الْ ُم َع ّذبِيَ (‪ )213‬وَأَنذِرْ َعشِ َ‬
‫صوْ َك َفقُ ْل ِإنّي‬
‫ك مِ نَ الْ ُم ْؤمِنِيَ (‪َ )215‬فإِ نْ عَ َ‬
‫ض جَنَاحَ كَ لِمَ ِن اتَّبعَ َ‬
‫وَا ْخفِ ْ‬
‫َبرِي ٌء مّمّا َتعْمَلُونَ (‪َ )216‬وَتوَكّلْ عَلَى اْلعَزِيزِ الرّحِيمِ (‪ )217‬اّلذِي َيرَا كَ‬
‫ك فِي السّا ِجدِينَ (‪ِ )219‬إنّ هُ ُهوَ السّمِي ُع اْلعَلِيمُ (‬
‫حِيَ َتقُو مُ (‪ )218‬وََتقَلّبَ َ‬
‫ّاكـ‬
‫ُمـ عَلَى مَن تََنزّ ُل الشّيَاطِيُ (‪ )221‬تََنزّلُ عَلَى ُك ّل َأف ٍ‬
‫‪َ )220‬ه ْل أُنَبُّئك ْ‬
‫َأثِيمٍ (‪ )222‬يُ ْلقُو َن السّمْ َع َوأَكَْثرُ ُهمْ كَاذِبُونَ (‪. ﴾ )223‬‬
‫شيَاطِيُ ﴾ ‪ ،‬قال ‪ :‬هذا القرآن ‪.‬‬
‫عن قتادة ف قوله ‪َ ﴿ :‬ومَا َتنَزَّلتْ بِهِ ال ّ‬
‫وف قوله ‪ِ ﴿ :‬إّنهُ ْم عَنِ السّمْعِ لَ َمعْزُولُونَ ﴾ ‪ ،‬قال ‪ :‬عن سع السماء ‪.‬‬
‫وقوله تعال ‪َ ﴿ :‬فلَا تَدْ ُ‬
‫ع مَ عَ اللّ هِ إِلَها آ َخرَ َفتَكُو َن مِ َن الْ ُمعَ ّذبِيَ ﴾ ‪ ,‬قال‬
‫ا بن عباس ر ضي ال عنه ما ‪ :‬يذّر به غيه يقول ‪ :‬أ نت أكرم اللق عل يّ ‪،‬‬
‫ولو اتذت إلًا غيي لعذّبتك ‪ .‬وعن أب هريرة رضي ال عنه قال ‪ :‬لا نزلت‬
‫فعمَ‬
‫َكَ اْلأَقْ َربِيَ ﴾ دعَا رسَول ال قريشًا ّ‬
‫هذه اليَة ‪َ ﴿ :‬وأَنذِ ْر عَشِيَت َ‬
‫‪363‬‬ ‫توفيق الرحن ف دروس القرآن‬

‫وخ صّ فقال ‪ « :‬يا مع شر قر يش أنقذوا أنف سكم من النار ‪ ،‬يا مع شر ب ن‬


‫كعب أنقذوا أنفسكم من النار ‪ ،‬يا معشر بن هاشم أنقذوا أنفسكم من النار‬
‫يا مع شر ب ن ع بد الطّلب أنقذوا أنف سكم من النار ‪ ،‬يا فاط مة ب نت م مد‬
‫أنقذي نف سك من النار ‪ ،‬فإ ن وال ل أملك ل كم من ال شيئًا ‪ ،‬إل أن ل كم‬
‫رحِمًا سأبُلّها ببللا » ‪ .‬رواه مسلم وغيه ‪.‬‬
‫وقال ابن زيد ف قوله ‪ ﴿ :‬وَا ْخ ِفضْ َجنَاحَكَ ِلمَ ِن اّتَبعَ َ‬
‫ك مِ َن الْ ُم ْؤ ِمنِيَ ﴾‬
‫يقول ‪ :‬لِنْ لم ‪.‬‬
‫وقوله تعال ‪ ﴿ :‬فَإِ ْن عَ َ‬
‫ص ْوكَ َفقُلْ إِنّي بَرِي ٌء مّمّا َتعْمَلُو نَ ﴾ ‪ ،‬أي ‪ :‬من‬
‫الشرك والعاصي ‪ .‬وروى ابن عساكر ف ترجة عبد الواحد الدمشقي قال ‪:‬‬
‫رأيت أبا الدرداء رضي ال عنه يدّث الناس ويفتيهم ‪ ،‬وولده إل جنبه وأهل‬
‫بيته جلوس ف جانب السجد يتحدّثون ‪ ،‬فقيل له ‪ :‬ما بال الناس يرغبون فيما‬
‫عندك من العلم ‪ ،‬وأهل بيتك جلوس لهي ؟ فقال ‪ :‬لن سعت رسول ال‬
‫يقول ‪ « :‬أز هد الناس ف الدن يا ال نبياء ‪ ،‬وأشدّ هم علي هم القربون » ‪،‬‬
‫َكَ اْلأَقْ َربِيََ‬
‫وذلك فيمَا أنزل ال عزّ وجلّ قال ال تعال ‪َ ﴿ :‬وأَنذِ ْر عَشِ َيت َ‬
‫﴾ إل قوله ‪َ ﴿ :‬فقُلْ ِإنّي بَرِي ٌء مّمّا َتعْمَلُونَ ﴾ ‪.‬‬
‫ُومَ *‬
‫َاكَ حِيَ َتق ُ‬ ‫وقوله تعال ‪َ ﴿ :‬وَتوَكّ ْل عَلَى اْلعَزِيزِ الرّح ِ‬
‫ِيمَ * الّذِي يَر َ‬
‫َوَتقَّلبَ كَ فِي ال سّاجِدِينَ ﴾ ‪ ،‬أي ‪ :‬ال صلّي ‪ .‬قال عكر مة ‪ :‬قائمًا ‪ ،‬و ساجدًا‬
‫وراكعًا ‪ ،‬وجال سًا ‪ .‬وقال قتادة ‪ :‬يراك وحدك ويراك ف المع ‪ .‬وقوله تعال‬
‫‪ِ ﴿ :‬إنّ ُه ُهوَ ال سّمِيعُ الْعَلِي مُ ﴾ ‪ ،‬أي ‪ :‬السميع لقوال عباده ‪ ،‬العليم بركاتم‬
‫الزء الثالث‬ ‫‪364‬‬

‫وسكناتم ‪ ،‬كما قال تعال ‪َ ﴿ :‬ومَا تَكُو نُ فِي َشأْ نٍ َومَا َتتْلُو ِمنْ هُ مِن قُرْآ نٍ‬
‫ب عَن‬ ‫وَ َل َتعْمَلُو نَ مِ ْن عَمَلٍ إِلّ ُكنّا عََلْيكُ ْم ُشهُودا إِ ْذ ُتفِيضُو نَ فِي ِه َومَا َيعْزُ ُ‬
‫ك وَل أَ ْكبَرَ‬‫صغَ َر مِن ذَلِ َ‬ ‫ك مِن ّمْثقَالِ َذ ّرةٍ فِي الَرْ ضِ وَلَ فِي ال سّمَاء وَلَ أَ ْ‬ ‫ّربّ َ‬
‫إِلّ فِي ِكتَابٍ ّمبِيٍ ﴾ ‪.‬‬
‫وقوله تعال ‪ ﴿ :‬هَلْ ُأَنبُّئك ْ‬
‫ُمَ عَلَى م َن َتنَزّلُ الشّيَاطِي ُ ﴾ ؟ هذا جواب‬
‫قول الشركيَ ‪ :‬إن الشياطيَ يلقون القرآن على لسَان ممَد ‪ ،‬فقال تعال‬
‫ستَطِيعُونَ ﴾ ‪ ،‬ث أخب‬
‫شيَاطِيُ * َومَا يَنَبغِي َلهُ ْم َومَا يَ ْ‬ ‫ت بِ هِ ال ّ‬‫‪َ ﴿ :‬ومَا َتنَزّلَ ْ‬
‫أنم إنا ينلون على من يشاكلهم ويشابهم من الكهان الكذبة فقال ‪ ﴿ :‬هَلْ‬
‫شيَاطِيُ * َتنَزّ ُل عَلَى كُلّ أَفّا كٍ َأثِي مٍ ﴾ ‪ ،‬أي ‪ :‬كذاب‬
‫ُأَنبُّئكُ ْم عَلَى مَن َتنَزّلُ ال ّ‬
‫فاجَر ‪ .‬قال قتادة ‪ :‬هَم ‪ :‬الكهنَة ‪ ،‬تسَترق النّ السَمع ثَ يأتون بَه إل‬
‫أوليائهم من الِنس ‪.‬‬
‫ُونَ ﴾ ‪ ،‬قالت عائشَة ‪:‬‬
‫ُمَ كَا ِذب َ‬
‫السَمْعَ َوأَ ْكثَ ُره ْ‬ ‫وقوله تعال ‪ ﴿ :‬يُ ْلق َ‬
‫ُونَ ّ‬
‫الشياطي تسترق السمع ‪ ،‬فتجيء بكلمة حق فيقذفها ف أذن وليّه ‪ ،‬ويزيد‬
‫فيها أكثر من مائة كذبة ‪.‬‬
‫شعَرَاء يَتِّب ُعهُ مُ اْلغَاوُو نَ (‪َ )224‬ألَ ْم َترَ َأّنهُ ْم فِي‬
‫قوله عز وجل ‪ ﴿ :‬وَال ّ‬
‫ُك ّل وَادٍ َيهِيمُو نَ (‪َ )225‬وَأنّهُ مْ َيقُولُو َن مَا لَا َي ْفعَلُو نَ (‪ِ )226‬إلّا الّذِي نَ‬
‫صرُوا مِن َب ْعدِ مَا ظُ ِلمُوا‬
‫ت َوذَ َكرُوا اللّ هَ كَثِيا وَانتَ َ‬
‫آمَنُوا وَعَمِلُوا ال صّالِحَا ِ‬
‫ب يَنقَلِبُونَ (‪. ﴾ )227‬‬
‫َوسََيعْلَ ُم الّذِينَ ظَلَمُوا أَيّ مُنقَلَ ٍ‬
‫‪365‬‬ ‫توفيق الرحن ف دروس القرآن‬

‫قال ا بن جر ير ‪ :‬يقول تعال ذكره ‪ ﴿ :‬وَال ّ‬


‫شعَرَاء يَّتِب ُعهُ مُ ﴾ ‪ ،‬أ هل الغ يّ‬
‫ل أ هل الرشاد والدى ‪ .‬وقال ما هد ‪ :‬يتبع هم الشياط ي ‪ .‬و عن ا بن عباس‬
‫‪ ﴿ :‬أَلَ ْم تَرَ َأّنهُ مْ فِي كُ ّل وَا ٍد َيهِيمُو نَ ﴾ ‪ ،‬يقول ‪ :‬ف كل ل غو يوضون ‪.‬‬
‫وقال قتادة ‪ :‬يدحون قومًا بباطل ‪ ،‬ويشتمون قومًا بباطل ‪.‬‬
‫ُونَ ﴾ ‪ ،‬قال البغوي ‪ :‬أي ‪:‬‬
‫ُونَ مَا لَا َيفْعَل َ‬ ‫وقوله تعال ‪َ ﴿ :‬وَأّنه ْ‬
‫ُمَ َيقُول َ‬
‫يكذبون ف شعر هم ‪ ،‬يقولون ‪ :‬فعل نا وفعل نا و هم َكذَ بة ‪ .‬و عن ا بن عباس‬
‫ت وَذَكَرُوا اللّ هَ َكثِيا ﴾ ف كلم هم ‪،‬‬
‫‪ ﴿ :‬إِلّا الّذِي نَ آ َمنُوا َوعَمِلُوا ال صّالِحَا ِ‬
‫َصَرُوا مِن َبعْ ِد مَا ظُلِمُوا ﴾ ‪ ،‬قال ‪ :‬يردّون على الكفار الذيَن كانوا‬ ‫﴿ وَانت َ‬
‫يهجون الؤمن ي ‪ .‬وروى البغوي عن ك عب بن مالك أ نه قال لل نب ‪ :‬إن‬
‫ال قد أنزل ف الش عر ما أنزل ‪ ،‬فقال ال نب ‪ « :‬إن الؤ من يا هد ب سيفه‬
‫ولسانه ‪ ،‬والذي نفسي بيده لكأن ما ترمونم به نضح النبل » ‪ .‬وعن أنس‬
‫أن النب دخل مكة ف عمرة القضاء وابن رواحة يشي بي يديه ويقول ‪:‬‬
‫َََم على تنيله‬
‫اليوم نضربكَ‬ ‫خلّوا بنَ الكفار عَن سَبيله‬
‫(‬ ‫(‬

‫َن خليله‬
‫َل عَ‬
‫َل الليَ‬
‫ويذهَ‬ ‫ضرب ًا يزيَل المام عَن مقيله‬
‫(‬ ‫(‬

‫فقال له عمر ‪ :‬يا ابن رواحة بي يدي رسول ال ‪ ،‬وف حرم ال تقول‬
‫الشعر ؟ ! فقال النب ‪ « :‬خ ّل عنه يا عمر ‪ ،‬فلهي أسرع فيهم من نضح‬
‫الن بل » ‪ .‬قال ا بن كث ي ‪ :‬وقوله تعال ‪ ﴿ :‬وَ َسيَعَْل ُم الّذِي َن ظَلَمُوا أَيّ مُنقَلَ بٍ‬
‫يَنقَِلبُو نَ ﴾ ‪ ،‬كقوله تعال ‪َ ﴿ :‬يوْ مَ لَا يَنفَ عُ الظّالِمِيَ َمعْذِ َرُتهُ ْم وََلهُ مُ الّلعَْنةُ‬
‫الزء الثالث‬ ‫‪366‬‬

‫وََلهُ مْ سُوءُ الدّارِ ﴾ ‪ .‬وف الصحيح أن رسول ال قال ‪ « :‬إياكم والظلم ‪،‬‬
‫فإن الظلم ظلمات يوم القيامَة » ‪ .‬قال قتادة بَن دعامَة فَ قوله تعال ‪﴿ :‬‬
‫ب يَنقَِلبُو نَ ﴾ ‪ ،‬يعن ‪ :‬من الشعراء وغيهم ‪.‬‬ ‫وَ َسَيعْلَ ُم الّذِي َن ظَلَمُوا أَيّ مُنقَلَ ٍ‬
‫وعن عائشة رضي ال عنها قالت ‪ :‬كتب أب ف وصيّته سطرين ‪ ( :‬بسم ال‬
‫الرحن الرحيم ‪ ،‬هذا ما أوصى به أبو بكر بن أب قحافة عند خروجه من‬
‫الدنيَا ‪ ،‬حيَ يؤمَن الكافَر ‪ ،‬وينتهَي الفاجَر ‪ ،‬ويصَدق الكاذب ‪ ،‬إنَ‬
‫ا ستخلفت علي كم ع مر بن الطاب فإن يعدل فذاك ظنّي به ورجائي ف يه ‪،‬‬
‫َ‬
‫َ ظَلَمُوا أَيَّ مُنقَلَب ٍ‬
‫ََيعْلَ ُم الّذِين َ‬
‫وإن يرؤ يبدّل فل أعلم الغيَب ﴿ وَس َ‬
‫يَنقَِلبُونَ ﴾ ‪ .‬رواه ابن أب حات ‪ .‬وال أعلم ‪.‬‬

‫***‬
‫‪367‬‬ ‫توفيق الرحن ف دروس القرآن‬

‫الدرس السابع والتسعون بعد الائة‬


‫[ سورة النمل ]‬
‫مكية ‪ ،‬وهي ثلث وتسعون آية‬
‫بسم ال الرحن الرحيم‬
‫ت الْ ُقرْآ ِن وَكِتَابٍ مِّبيٍ (‪ )1‬هُدًى َوُبشْرَى لِلْ ُم ْؤمِنِيَ (‬
‫﴿ طس تِلْكَ آيَا ُ‬
‫‪ )2‬اّلذِي نَ ُيقِيمُو نَ ال صّلَا َة َويُ ْؤتُو َن الزّكَا َة وَهُم بِالْآ ِخرَ ِة هُ ْم يُوقِنُو نَ (‪ )3‬إِنّ‬
‫اّلذِي َن لَا ُي ْؤمِنُو َن بِالْآخِ َرةِ َزيّنّا لَهُ ْم أَعْمَاَلهُ ْم َفهُ مْ َيعْ َمهُو نَ (‪ )4‬أُ ْولَئِ كَ اّلذِي نَ‬
‫ك لَتُ َلقّى الْ ُقرْآنَ‬
‫ب َوهُ ْم فِي الْآ ِخ َرةِ هُ ُم الَْأخْسَرُونَ (‪َ )5‬وِإنّ َ‬
‫َلهُمْ سُو ُء الْ َعذَا ِ‬
‫ت نَارا سَآتِيكُم‬
‫مِن ّلدُ نْ َحكِي مٍ عَلِي مٍ (‪ِ )6‬إ ْذ قَا َل مُو سَى لَِأهْلِ ِه ِإنّ ي آنَ سْ ُ‬
‫س ّلعَلّكُ ْم تَ صْطَلُونَ (‪ )7‬فَلَمّا جَاءهَا نُودِ يَ‬
‫شهَا بٍ قَبَ ٍ‬
‫مّ ْنهَا بِخََب ٍر َأوْ آتِيكُم ِب ِ‬
‫ب الْعَالَمِيَ (‪ )8‬يَا مُوسَى‬
‫أَن بُورِ َك مَن فِي النّا ِر َو َمنْ َحوَْلهَا َوسُبْحَا َن اللّهِ َر ّ‬
‫حكِيمُ (‪َ )9‬وَألْقِ عَصَا َك فَ َلمّا رَآهَا َتهَْتزّ َكَأنّهَا جَا ّن َولّى‬
‫ِإّنهُ َأنَا ال ّلهُ اْل َعزِي ُز الْ َ‬
‫ف َلدَيّ الْ ُمرْسَلُونَ (‪ِ )10‬إلّا‬
‫ف ِإنّي لَا يَخَا ُ‬
‫ب يَا مُوسَى لَا تَخَ ْ‬
‫ُم ْدبِرا وََلمْ ُي َعقّ ْ‬
‫مَن ظَلَ َم ُثمّ َب ّدلَ حُ سْنا َب ْعدَ سُو ٍء َفِإنّي َغفُورٌ ّرحِي مٌ (‪َ )11‬وَأدْ ِخلْ يَدَ َك فِي‬
‫ت ِإلَى ِفرْ َعوْ َن َو َقوْمِ ِه ِإّنهُ مْ‬
‫خرُ جْ بَيْضَاء مِ نْ غَ ْيرِ سُو ٍء فِي تِ سْعِ آيَا ٍ‬
‫ك تَ ْ‬
‫جَيْبِ َ‬
‫حرٌ مِّبيٌ (‬
‫ص َرةً قَالُوا هَذَا سِ ْ‬
‫كَانُوا َقوْما فَا ِسقِيَ (‪ )12‬فَلَمّا جَاءْت ُهمْ آيَاتُنَا مُبْ ِ‬
‫س ُهمْ ظُلْما وَعُ ُلوّا فَان ُظرْ كَيْ فَ كَا نَ عَاقَِبةُ‬
‫حدُوا ِبهَا وَا سْتَ ْيقَنَ ْتهَا أَنفُ ُ‬
‫‪َ )13‬وجَ َ‬
‫سدِينَ (‪. ﴾ )14‬‬
‫الْ ُم ْف ِ‬
‫الزء الثالث‬ ‫‪368‬‬

‫قوله عز و جل ‪ ﴿ :‬طس تِلْ كَ آيَا تُ اْل ُقرْآ نِ وَكِتَا بٍ مّبِيٍ (‪ )1‬هُدًى‬


‫شرَى لِلْ ُم ْؤمِنِيَ (‪ )2‬اّلذِي نَ ُيقِيمُو نَ ال صّلَا َة َويُ ْؤتُو َن الزّكَا َة وَهُم بِالْآ ِخرَةِ‬
‫َوُب ْ‬
‫ُمـ‬
‫ُمـ َفه ْ‬
‫ُمـ أَعْمَاَله ْ‬
‫ُونـ بِالْآخِ َرةِ َزيّنّاـ َله ْ‬
‫ِينـ لَا ُيؤْمِن َ‬
‫ُونـ (‪ )3‬إِنّ اّلذ َ‬
‫ُمـ يُوقِن َ‬
‫ه ْ‬
‫ُمـ‬
‫ُمـ ف ِي الْآخِ َر ِة ه ُ‬
‫َابـ َوه ْ‬
‫ُمـ سـُوءُ اْل َعذ ِ‬
‫ِينـ َله ْ‬
‫ِكـ اّلذ َ‬
‫ُونـ (‪ )4‬أُ ْولَئ َ‬
‫َيعْ َمه َ‬
‫ك لَتُ َلقّى الْ ُقرْآ َن مِن ّلدُنْ َحكِيمٍ َعلِيمٍ (‪. ﴾ )6‬‬
‫سرُونَ (‪َ )5‬وِإنّ َ‬
‫اْلأَ ْخ َ‬
‫َ ﴾ ‪ ،‬أي ‪ :‬هذه آيات‬ ‫قال ابـن كثيـ ‪ :‬وقوله تعال ‪ ﴿ :‬تِلْك َ‬
‫َ آيَات ُ‬
‫ب ّمبِيٍ ﴾ أي ‪ :‬بيّن واضح ‪ ﴿ ،‬هُدًى َوبُشْرَى لِ ْل ُم ْؤ ِمنِيَ‬ ‫﴿ اْلقُرْآ نِ وَ ِكتَا ٍ‬
‫﴾ ‪ ،‬أي ‪ :‬إن ا ت صل الدا ية والبشارة من القرآن ل ن آ من به واتب عه و صدّقه‬
‫وع مل ب ا ف يه ‪ ،‬وأقام ال صلة الكتو بة وآ تى الزكاة الفرو ضة ‪ ،‬وأي قن بالدار‬
‫الخرة والبعَث بعَد الوت ‪ ،‬والزاء على العمال خيهَا وشرّهَا ‪ ،‬والنَة‬
‫َ لَا‬
‫َ آ َمنُوا هُدًى َو ِشفَاء وَالّذِين َ‬ ‫والنار ‪ ،‬كمَا قال تعال ‪ُ ﴿ :‬ق ْل ُهوَ ِللّذِين َ‬
‫ك يُنَا َدوْ َن مِن ّمكَا ٍن َبعِيدٍ ﴾ ‪.‬‬
‫ُي ْؤ ِمنُونَ فِي آذَاِنهِ ْم وَقْرٌ وَ ُه َو عََلْيهِ ْم عَمًى ُأوَْلئِ َ‬
‫وقال تعال ‪ِ ﴿ :‬لُتبَشّ َر بِ ِه الْ ُمتّقِيَ َوتُنذِ َر بِ هِ َقوْما لّدّا ﴾ ‪ ،‬ولذا قال تعال ها‬
‫ُونَ بِالْآخِ َرةِ ﴾ ‪ ،‬أي ‪ :‬يكذّبون باَ ويسَتبعدون‬ ‫ِينَلَا ُي ْؤمِن َ‬ ‫هنَا ‪ ﴿ :‬إِنّ الّذ َ‬
‫سنّا لم ما هم فيه‬ ‫وقوعها ﴿ َزيّنّا َلهُ مْ َأعْمَاَلهُ مْ َفهُ ْم َيعْ َمهُو نَ ﴾ ‪ ،‬أي ‪ :‬ح ّ‬
‫ومدد نا ل م ف غيّ هم ‪ ،‬ف هم يتيهون ف ضلل م ‪ ،‬وكان هذا جزاء على ما‬
‫ُمَ َوأَبْصََارَهُمْ‬
‫ّبَ أَ ْفئِ َدَته ْ‬
‫كذّبوا مَن الدار الخرة ‪ ،‬كمَا قال تعال ‪َ ﴿ :‬ونُقَل ُ‬
‫كَمَا لَ ْم ُي ْؤمِنُواْ بِهِ َأوّ َل مَ ّر ٍة َونَذَ ُرهُمْ فِي طُ ْغيَاِنهِمْ يَعْ َمهُونَ ﴾ ‪،‬‬
‫‪369‬‬ ‫توفيق الرحن ف دروس القرآن‬

‫ك الّذِي نَ َلهُ مْ سُوءُ اْلعَذَا بِ ﴾ ‪ ،‬أي ‪ :‬ف الدنيا والخرة ‪َ ﴿ ،‬وهُ مْ فِي‬
‫﴿ ُأوْلَئِ َ‬
‫الْآ ِخ َرةِ هُ ُم اْلأَخْسَرُونَ ﴾ ‪ ،‬أي ‪ :‬ليس يسر أنفسهم وأهليهم سواهم من أهل‬
‫الشر ‪.‬‬
‫ْآنَ ﴾ ‪ ،‬أي ‪ :‬تؤتَى القرآن ‪ ﴿ ،‬مِن‬ ‫وقوله تعال ‪َ ﴿ :‬وِإن َ‬
‫ّكََلتَُلقّىَ اْلقُر َ‬
‫لّدُ نْ َحكِي ٍم عَلِي مٍ ﴾ ‪ ،‬أي ‪ :‬وحيًا من ع ند ال الك يم ف أمره ون يه العل يم‬
‫بالمور كلها فخبه هو الصدق وحكمه هو العدل كما قال تعال‪َ ﴿ :‬وتَمّتْ‬
‫كَِل َمتُ َربّكَ صِدْقا َوعَدْلً ّل مُبَدّلِ ِلكَلِمَاتِ ِه َوهُوَ السّمِي ُع اْلعَلِيمُ ﴾ ‪.‬‬
‫قوله عز وجل ‪ِ ﴿ :‬إذْ قَالَ مُو سَى لَِأهْلِ هِ ِإنّي آنَ سْتُ نَارا سَآتِيكُم مّ ْنهَا‬
‫ي أَن‬
‫س ّلعَلّكُ مْ تَ صْطَلُونَ (‪ )7‬فَلَمّا جَاءهَا نُودِ َ‬
‫شهَا بٍ قَبَ ٍ‬
‫بِخََب ٍر َأوْ آتِيكُم ِب ِ‬
‫بُورِ َك مَن فِي النّا ِر َومَ نْ َحوَْلهَا وَ سُبْحَا َن اللّ هِ َربّ الْعَالَمِيَ ( ‪ )8‬يَا مُو سَى‬
‫حكِيمُ (‪َ )9‬وَألْقِ عَصَا َك فَ َلمّا رَآهَا َتهَْتزّ َكَأنّهَا جَا ّن َولّى‬
‫ِإّنهُ َأنَا ال ّلهُ اْل َعزِي ُز الْ َ‬
‫ف َلدَيّ الْ ُمرْسَلُونَ (‪ِ )10‬إلّا‬
‫ف ِإنّي لَا يَخَا ُ‬
‫ب يَا مُوسَى لَا تَخَ ْ‬
‫ُم ْدبِرا وََلمْ ُي َعقّ ْ‬
‫مَن ظَلَ َم ُثمّ َب ّدلَ حُ سْنا َب ْعدَ سُو ٍء َفِإنّي َغفُورٌ ّرحِي مٌ (‪َ )11‬وَأدْ ِخلْ يَدَ َك فِي‬
‫ت ِإلَى ِفرْ َعوْ َن َو َقوْمِ ِه ِإّنهُ مْ‬
‫خرُ جْ بَيْضَاء مِ نْ غَ ْيرِ سُو ٍء فِي تِ سْعِ آيَا ٍ‬
‫ك تَ ْ‬
‫جَيْبِ َ‬
‫حرٌ مِّبيٌ (‬
‫ص َرةً قَالُوا هَذَا سِ ْ‬
‫كَانُوا َقوْما فَا ِسقِيَ (‪ )12‬فَلَمّا جَاءْت ُهمْ آيَاتُنَا مُبْ ِ‬
‫س ُهمْ ظُلْما وَعُ ُلوّا فَان ُظرْ كَيْ فَ كَا نَ عَاقَِبةُ‬
‫حدُوا ِبهَا وَا سْتَ ْيقَنَ ْتهَا أَنفُ ُ‬
‫‪َ )13‬وجَ َ‬
‫سدِينَ (‪. ﴾ )14‬‬
‫الْ ُم ْف ِ‬
‫الزء الثالث‬ ‫‪370‬‬

‫قال ا بن كث ي ‪ :‬يقول تعال لر سوله م مد مذ ّكرًا له ما كان من أ مر‬


‫موسى عليه السلم ‪ ،‬كيف اصطفاه ال وكلّمه وناجاه ‪ ،‬وأعطاه من اليات‬
‫العظيمَة الباهرة ‪ ،‬والدلّة القاهرة ‪ ،‬وابتعثَه إل فرعون ومله ‪ ،‬فجحدوا باَ‬
‫وكفروا واسَتكبوا عَن إتباعَه والنقياد له ‪ ،‬فقال تعال ‪ِ ﴿ :‬إذْ قَا َل مُوسََى‬
‫ِلَأهْلِ هِ ﴾ ‪ ،‬أي ‪ :‬اذكر حي سار موسى بأهله فأضلّ الطريق ‪ ،‬وذلك ف ليل‬
‫وظلم ‪ .‬فآنسوا من جانب الطور نارًا ‪ ،‬أي ‪ :‬رأى نارًا تأجّج وتضطرم فقال‬
‫خبَرٍ ﴾ ‪ ،‬أي ‪ :‬عن الطريق ‪َ ﴿ ،‬أوْ‬ ‫ت نَارا سَآتِيكُم ّمْنهَا ِب َ‬
‫لهله ‪ ﴿ :‬إِنّي آنَسْ ُ‬
‫شهَا بٍ َقبَ سٍ ّلعَّلكُ ْم تَ صْطَلُونَ ﴾ ‪ ،‬أي ‪ :‬ت ستدفئون به ‪ ،‬وكان ك ما‬ ‫آتِيكُم بِ ِ‬
‫قال ‪ ،‬فإنه رجع منها بب عظيم ‪ ،‬واقتبس منها نورًا عظيمًا ‪ ،‬ولذا قال تعال‬
‫‪ ﴿ :‬فَلَمّ ا جَاءهَا نُودِ يَ أَن بُورِ َك مَن فِي النّا ِر َومَ نْ َحوْلَهَا ﴾ ‪ ،‬أي ‪ :‬فل ما‬
‫أتا ها ورأى منظرًا هائلً عظيمًا ‪ ،‬ح يث انت هى إلي ها والنار تضطرم ف شجرة‬
‫خضراء ل تزداد النار إل توقّدًا ‪ ،‬ول تزداد الشجرة إل خضرة ونضرة ث ر فع‬
‫رأسه فإذا نورها متّصل بعنان السماء ‪ .‬قال ابن عباس وغيه ‪ :‬ل تكن نارًا ‪،‬‬
‫وإنا كانت نورًا يتوهّج ‪ - .‬وف رواية عن ابن عباس ‪ :‬نور رب العالي ‪-‬‬
‫فوقف موسى متعجبًا ما رأى ‪ .‬فنودي أن بورك من ف النار ‪ .‬قال ابن عباس‬
‫َ َحوْلَهََا ﴾ ‪ ،‬أي ‪ :‬مَن اللئكَة ‪ .‬قاله ابَن عباس ‪،‬‬ ‫‪ :‬تقدّس ‪َ ﴿ ،‬ومَن ْ‬
‫وعكرمة ‪ ،‬وسعيد بن جبي ‪ ،‬والسن ‪ ،‬وقتادة ‪ .‬وقال ابن أب حات ‪ :‬حدثنا‬
‫يونس بن حبيب ‪ ،‬حدثنا أبو داود وهو الطيالسي ‪ ،‬حدثنا شعبة والسعودي‬
‫عن عمرو بن مرة سع أبا عبيدة يدّث عن أب موسى رضي ال عنه قال ‪:‬‬
‫‪371‬‬ ‫توفيق الرحن ف دروس القرآن‬

‫قال رسَول ال ‪ « :‬إن ال ل ينام ول ينبغَي له أن ينام ‪ ،‬يفَض القسَط‬


‫ويرف عه ‪ ،‬يُر فع إل يه ع مل الل يل ق بل النهار ‪ ،‬وع مل النهار ق بل الل يل ‪ -‬زاد‬
‫السعودي ‪ -‬وحجابه النور أو النار ‪ ،‬لو كشفه لحرقت سُبُحَاتُ وجهه كل‬
‫ش يء أدر كه ب صره » ‪ ،‬ث قرأ أ بو عبيدة ‪ ﴿ :‬أَن بُورِ كَ مَن فِي النّارِ َومَ نْ‬
‫َحوَْلهَا ﴾ وأصل الديث مرج ف صحيح مسلم من حديث عمرو بن مرة ‪.‬‬
‫وقوله تعال ‪ ﴿ :‬وَ سُبْحَانَ اللّ هِ رَبّ اْلعَالَمِيَ ﴾ ‪ ،‬أي ‪ :‬الذي يف عل ما‬
‫يشاء ‪ ،‬ول يشبه به شيء من ملوقاته ‪ ،‬ول ييط به شيء من مصنوعاته ‪،‬‬
‫وهو العلي العظيم الباين لميع الخلوقات ول يكتنفه الرض والسماوات ‪،‬‬
‫بل هو الحد الصمد النّه عن ماثلة الحدَثات ‪.‬‬
‫وقوله تعال ‪ ﴿ :‬يَا مُو سَى ِإنّ هُ أَنَا اللّ ُه اْلعَزِي ُز الْ َ‬
‫حكِي مُ ﴾ أعل مه أن الذي‬
‫ياطبَه ويناجيَه هَو ربَه ﴿ الْعَزِيزُ ﴾ الذي عزّ كَل شيَء وقهره وغلبَه‬
‫حكِي مُ ﴾ ف أقواله وأفعاله ‪ ،‬ث أمره أن يلقي عصاه من يده ليظهر له‬ ‫﴿ الْ َ‬
‫دليلً واضحًا على أنه الفاعل الختار القادر على كل شيء ‪ ،‬فلما ألقى موسى‬
‫تلك العصَا مَن يده انقلبَت فَ الال حيّة عظيمَة هائلة ‪ ،‬فَ غايَة ال ِكبْر‬
‫وسرعة الركة مع ذلك ‪ ،‬ولذا قال تعال ‪َ ﴿ :‬فلَمّا رَآهَا َت ْهتَزّ َكَأنّهَا جَانّ ﴾‬
‫والانَ ‪ :‬ضرب مَن اليّات أسَرعه حركَة وأكثره اضطرابًا ‪ ،‬فلمَا عايَن‬ ‫ّ‬
‫موسى ذلك ‪ ﴿ :‬وَلّى مُ ْدبِرا وَلَ ْم ُي َعقّ بْ ﴾ ‪ ،‬أي ‪ :‬ل يلتفت من شدّة فَرَقِه ‪،‬‬
‫﴿ يَا مُو سَى لَا َتخَ فْ ِإنّ ي لَا يَخَا فُ لَدَيّ الْمُرْ سَلُونَ ﴾ ‪ ،‬أي ‪ :‬ل ت ف م ا‬
‫ترى فإنَ أريَد أن أصَطفيك رسَو ًل وأجعلك نبيًا وجيهًا ‪ .‬وقوله تعال ‪:‬‬
‫الزء الثالث‬ ‫‪372‬‬

‫﴿ إِلّا مَن ظََل َم ثُمّ بَدّلَ حُسْنا َبعْدَ سُوءٍ فَِإنّي غَفُورٌ رّحِيمٌ ﴾ ‪ ،‬هذا استثناء‬
‫منقطع ‪ ،‬وفيه بشارة عظيمة للبشر ‪ ،‬وذلك أنه من كان على عمل سيّء ث‬
‫أقلع عنه ورجع وتاب وأناب فإن ال يتوب عليه ‪ ،‬كما قال تعال ‪َ ﴿ :‬وِإنّي‬
‫َنَ َوعَمِلَ صََالِحا ثُمّ ا ْهتَدَى ﴾ وقال تعال ‪ ﴿ :‬وَمَن‬ ‫َابَ وَآم َ‬ ‫َل َغفّارٌ لّمَن ت َ‬
‫جدِ اللّ َه َغفُورا رّحِيما ﴾ ‪.‬‬
‫ستَ ْغفِرِ اللّ َه يَ ِ‬
‫َيعْمَ ْل سُوءا َأوْ يَظْلِ ْم َنفْسَ ُه ثُ ّم يَ ْ‬
‫ِنَ َغيْ ِر سَُوءٍ‬
‫ُجَ َبْيضَاء م ْ‬
‫خر ْ‬‫ِكَ تَ ْ‬ ‫وقوله تعال ‪َ ﴿ :‬وأَدْ ِخ ْل يَد َ‬
‫َكَ فِي َجْيب َ‬
‫﴾ هذه آ ية أخرى ودل يل با هر على قدرة ال الفا عل الختار ‪ ،‬و صدق من‬
‫جعل له معجزة وذلك أن ال تعال أمره أن يدخل يده ف جيب درعه ‪ ،‬فإذا‬
‫أدخل ها وأخرج ها خر جت بيضاء ساطعة كأن ا قط عة ق مر ‪ ،‬ل ا لعان تتلل‬
‫كالبق الاطف ‪.‬‬
‫وقوله تعال ‪ ﴿ :‬فِي تِ سْ ِع آيَا تٍ ﴾ ‪ ،‬أي ‪ :‬هاتان ثنتان من ت سع آيات‬
‫ُمَ كَانُوا َقوْما‬
‫ِهَإِّنه ْ‬
‫ْنَ وََقوْم ِ‬
‫وأجعلهنَ برهانًا لك ‪ ﴿ ،‬إِلَى فِ ْر َعو َ‬
‫ّ‬ ‫بنَ‬
‫أؤيّدك ّ‬
‫فَا ِسقِيَ ﴾ ‪.‬‬
‫وقوله تعال ‪ ﴿ :‬فََلمّا جَاءْتهُ ْم آيَاُتنَا ُمبْصِ َرةً ﴾ ‪ ،‬أي ‪ :‬بيّنة واضحة ظاهرة‬
‫ح ٌر ّمبِيٌَ ﴾ وأرادوا معارضتَه بسَحرهم فغلبوا وانقلبوا‬ ‫َْ‬ ‫﴿ قَالُوا هَذَا س ِ‬
‫َاسَتَْي َقنَْتهَا‬
‫صَاغرين ‪ ﴿ ،‬وَ َجحَدُوا بِه َا ﴾ ‪ ،‬أي ‪ :‬فَ ظاهَر أمرهَم ‪ ﴿ ،‬و ْ‬
‫سهُمْ ﴾ ‪ ،‬أي ‪ :‬علموا ف أنفسهم أنا حق من عند ال ‪ ،‬ولكن جحدوها‬ ‫أَنفُ ُ‬
‫وعاندو ها وكابرو ها ‪ ﴿ ،‬ظُلْما وَعُُلوّا ﴾ ‪ ،‬أي ‪ :‬ظلمًا من أنف سهم سجية‬
‫ملعونة ‪ ﴿ .‬وَعُُلوّا ﴾ ‪ ،‬أي ‪ :‬استكبارًا عن إتباع الق ‪ ،‬ولذا قال تعال ‪﴿ :‬‬
‫‪373‬‬ ‫توفيق الرحن ف دروس القرآن‬

‫فَان ُظرْ َكيْ فَ كَا َن عَاِقَبةُ الْ ُمفْ سِدِينَ ﴾ ‪ ،‬أي ‪ :‬انظر يا ممد كيف كان عاقبة‬
‫أمرهَم ‪ ،‬فَ إهلك ال إياهَم وإغراقهَم عَن آخرهَم فَ صَبيحة واحدة ؛‬
‫وفحوى الكلم يقول ‪ :‬احذروا أي ها الكذّبون لح مد ‪ ،‬الاحدون ب ا جاء‬
‫به من ربه أن يصيبكم ما أصابم ‪.‬‬

‫***‬
‫الزء الثالث‬ ‫‪374‬‬

‫الدرس الثامن والتسعون بعد الائة‬

‫ح ْمدُ لِلّ ِه الّذِي فَضّلَنَا عَلَى‬


‫﴿ َولَ َقدْ آتَيْنَا دَاوُو َد وَ سُلَيْمَانَ عِلْما َوقَالَا الْ َ‬
‫ي مّ نْ عِبَادِ هِ الْ ُم ْؤمِنِيَ (‪ )15‬وَوَرِ ثَ سُلَيْمَانُ دَاوُو َد َوقَالَ يَا َأّيهَا النّا سُ‬
‫كَِث ٍ‬
‫ضلُ الْمُبِيُ (‪)16‬‬
‫عُلّمْنَا مَنطِ قَ الطّ ْي ِر َوأُوتِينَا مِن ُك ّل شَيْ ٍء إِنّ َهذَا َل ُهوَ اْلفَ ْ‬
‫جنّ وَاْلإِنسِ وَالطّ ْيرِ َفهُ ْم يُوزَعُونَ (‪ )17‬حَتّى‬
‫َو ُحشِ َر لِسُلَيْمَا َن جُنُودُ ُه مِنَ الْ ِ‬
‫َتـ نَمْ َل ٌة يَا َأيّهَا النّ ْم ُل ادْخُلُوا مَسـَاكِنَ ُك ْم لَا‬
‫ِإذَا َأَتوْا عَلَى وَادِي النّ ْم ِل قَال ْ‬
‫سمَ ضَاحِكا مّ ن‬
‫شعُرُو نَ (‪ )18‬فَتَبَ ّ‬
‫يَحْ ِطمَّنكُ مْ سُلَيْمَا ُن َوجُنُودُ هُ وَهُ مْ لَا َي ْ‬
‫َق ْولِهَا َوقَالَ َربّ َأوْزِعْنِي أَ ْن َأ ْشكُ َر ِنعْمَتَ كَ الّتِي َأْنعَمْ تَ عَ َليّ وَعَلَى وَاِلدَيّ‬
‫ك فِي عِبَادِ َك ال صّالِحِيَ (‪)19‬‬
‫َوأَ ْن أَ ْع َملَ صَالِحا َترْضَا ُه وََأ ْدخِلْنِي ِب َرحْمَتِ َ‬
‫َوَتفَ ّقدَ الطّ ْي َر َفقَا َل مَا لِ يَ لَا أَرَى اْل ُهدْ ُه َد أَ مْ كَا َن مِ َن الْغَائِبِيَ (‪َ )20‬لأُ َع ّذبَنّ هُ‬
‫َعذَابا َشدِيدا أَ ْو َلأَ ْذبَحَنّ ُه َأوْ لََي ْأتِيَنّ ي بِ سُلْطَا ٍن مّبِيٍ (‪ )21‬فَ َمكَ ثَ غَ ْي َر َبعِيدٍ‬
‫ك مِن سََبإٍ بِنََبٍإ َيقِيٍ (‪ِ )22‬إنّي وَجَدتّ‬
‫ط بِ ِه وَجِئْتُ َ‬
‫َفقَا َل َأحَط تُ بِمَا لَ ْم تُحِ ْ‬
‫ا ْمرََأ ًة تَمْ ِل ُكهُم ْـ وَأُوتِيَت ْـ مِن ُك ّل شَيْ ٍء َولَهَا َعرْشٌـ عَظِيمٌـ (‪ )23‬وَجَدتّهَا‬
‫س مِن دُو ِن اللّ هِ وَ َزيّ نَ َلهُ مُ الشّيْطَا ُن أَعْمَاَلهُ مْ‬
‫جدُو َن لِلشّمْ ِ‬
‫َو َقوْمَهَا يَ سْ ُ‬
‫خرِ جُ‬
‫جدُوا لِلّ هِ اّلذِي يُ ْ‬
‫ص ّدهُمْ عَ ِن ال سّبِيلِ َفهُ ْم لَا َيهَْتدُو نَ (‪َ )24‬ألّا يَ سْ ُ‬
‫فَ َ‬
‫خفُو َن َومَا ُتعْلِنُو نَ (‪ )25‬اللّ ُه لَا‬
‫ض وََيعْلَ ُم مَا تُ ْ‬
‫ت وَاْلأَرْ ِ‬
‫ب َء فِي السّمَاوَا ِ‬
‫الْخَ ْ‬
‫ت مِ نَ‬
‫ت أَ مْ كُن َ‬
‫ص َدقْ َ‬
‫ِإلَ َه ِإلّا ُهوَ رَبّ اْل َعرْ شِ اْلعَظِي مِ (‪ )26‬قَالَ سَنَن ُظ ُر أَ َ‬
‫اْلكَا ِذبِيَ (‪ )27‬اذْهَب ّبكِتَابِي َهذَا َفَألْقِ ْه ِإلَيْهِ ْم ثُمّ َتوَلّ عَ ْنهُ ْم فَان ُظ ْر مَاذَا‬
‫‪375‬‬ ‫توفيق الرحن ف دروس القرآن‬

‫ت يَا َأيّهَا الَ َلأُ ِإنّ ي ُأْلقِ َي إِلَيّ كِتَا بٌ َكرِيٌ (‪ِ )29‬إنّ هُ‬
‫َي ْرجِعُو نَ (‪ )28‬قَالَ ْ‬
‫سمِ اللّ هِ الرّحْمَ نِ ال ّرحِي مِ (‪َ )30‬ألّا َتعْلُوا عَلَيّ وَْأتُونِي‬
‫مِن سُلَيْمَا َن وَِإنّ ُه بِ ْ‬
‫ت قَا ِط َع ًة أَمْرا حَتّى‬
‫ت يَا َأّيهَا الَ َلُأ َأفْتُونِي فِي َأ ْمرِي مَا كُن ُ‬
‫مُسْلِمِيَ (‪ )31‬قَالَ ْ‬
‫ـ‬
‫ـ شَدِيدٍ وَالَْأ ْمرُ ِإلَيْك ِ‬
‫ـ أُ ْولُوا ُق ّوةٍ َوأُولُوا َبأْس ٍ‬
‫ـ (‪ )32‬قَالُوا نَحْن ُ‬
‫ش َهدُون ِ‬
‫َت ْ‬
‫ْسـدُوهَا‬
‫ُوكـ ِإذَا َدخَلُوا َق ْريَ ًة َأف َ‬
‫َتـ إِنّ الْمُل َ‬
‫ِينـ (‪ )33‬قَال ْ‬
‫فَان ُظرِي مَاذَا َت ْأمُر َ‬
‫َوجَعَلُوا أَ ِع ّز َة َأهْلِهَا َأ ِذّلةً وَ َك َذلِ كَ َي ْفعَلُو نَ (‪ )34‬وَِإنّ ي ُمرْ سِلَ ٌة ِإلَيْهِم ِب َه ِديّةٍ‬
‫فَنَا ِظ َر ٌة بِ َم َيرْجِ ُع الْ ُمرْ سَلُونَ (‪ )35‬فَلَمّ ا جَاء سُلَيْمَا َن قَالَ َأتُ ِمدّونَ نِ بِمَالٍ‬
‫فَمَا آتَانِ َي ال ّلهُ خَ ْي ٌر مّمّا آتَاكُم َبلْ أَنتُم ِبهَ ِديِّتكُ ْم َتفْ َرحُونَ (‪ )36‬ا ْرجِعْ إِلَ ْي ِهمْ‬
‫خ ِرجَنّهُم مّ ْنهَا َأ ِذلّ ًة وَ ُهمْ صَا ِغرُونَ (‪)37‬‬
‫فَلََن ْأتِيَّن ُهمْ بِجُنُو ٍد لّا قَِب َل َلهُم ِبهَا َولَنُ ْ‬
‫قَالَ يَا أَيّهَا الَ َلُأ َأيّكُ مْ َي ْأتِينِي ِب َعرْشِهَا قَ ْب َل أَن َيأْتُونِي مُ سْلِمِيَ (‪ )38‬قَالَ‬
‫ك َوإِنّي عَلَيْ ِه َلقَوِيّ‬
‫ك بِ هِ قَ ْب َل أَن َتقُو َم مِن ّمقَامِ َ‬
‫جنّ َأنَا آتِي َ‬
‫ت مّ نَ الْ ِ‬
‫ِعفْري ٌ‬
‫ك بِ ِه قَ ْبلَ أَن َي ْرَتدّ ِإلَيْكَ‬
‫َأمِيٌ (‪ )39‬قَالَ اّلذِي عِندَهُ عِ ْلمٌ ّمنَ اْلكِتَابِ َأنَا آتِي َ‬
‫ضلِ َربّ ي لِيَبْ ُلوَنِي َأَأشْ ُكرُ أَ مْ‬
‫ك فَلَمّ ا رَآ ُه مُ سَْت ِقرّا عِندَ ُه قَا َل َهذَا مِن فَ ْ‬
‫َط ْرفُ َ‬
‫سهِ وَمَن َك َفرَ َفإِنّ َربّ ي غَنِيّ َكرِيٌ (‪)40‬‬
‫أَ ْك ُفرُ وَمَن شَ َكرَ َفِإنّمَا َيشْ ُكرُ لَِنفْ ِ‬
‫قَالَ َن ّكرُوا لَهَا َع ْرشَهَا نَن ُظرْ َأَتهَْتدِي أَ ْم َتكُو نُ مِ َن الّذِي نَ لَا َيهَْتدُو نَ (‪)41‬‬
‫ك قَالَتْ َكَأنّهُ ُه َو وَأُوتِينَا اْلعِلْ َم مِن قَبْ ِلهَا وَكُنّا‬
‫فَلَمّا جَاءتْ قِي َل َأهَ َكذَا َع ْرشُ ِ‬
‫صدّهَا مَا كَانَت ّتعْبُ ُد مِن دُو ِن اللّ ِه ِإنّهَا كَانَ تْ مِن َقوْ مٍ‬
‫مُ سْلِمِيَ (‪ )42‬وَ َ‬
‫شفَ تْ عَن‬
‫ج ًة وَ َك َ‬
‫ح فَلَمّا َرأَتْ هُ حَ سِبَتْ ُه لُ ّ‬
‫صرْ َ‬
‫كَا ِفرِي نَ (‪ )43‬قِي َل َلهَا ا ْدخُلِي ال ّ‬
‫الزء الثالث‬ ‫‪376‬‬

‫ح مّ َم ّردٌ مّنـ َقوَارِي َر قَالَت ْـ رَبّ ِإنّيـ ظَلَمْتُـَنفْسـِي‬


‫سـَاقَ ْيهَا قَالَ ِإنّهُـ صَـرْ ٌ‬
‫ب اْلعَالَمِيَ (‪. ﴾ )44‬‬
‫ت مَ َع سُلَيْمَا َن لِ ّلهِ َر ّ‬
‫َوأَسْلَ ْم ُ‬

‫***‬
‫‪377‬‬ ‫توفيق الرحن ف دروس القرآن‬

‫قوله عز و جل ‪َ ﴿ :‬ولَ َقدْ آتَيْنَا دَاوُو َد وَ سُلَيْمَانَ عِلْما َوقَالَا الْحَ ْم ُد لِلّ هِ‬
‫اّلذِي فَضّلَنَا عَلَى كَثِيٍ مّ نْ عِبَادِ ِه الْ ُمؤْمِنِيَ (‪َ )15‬ووَرِ ثَ سُلَيْمَا ُن دَاوُودَ‬
‫َوقَا َل يَا َأيّهَا النّا سُ عُلّمْنَا مَنطِ َق الطّ ْيرِ َوأُوتِينَا مِن ُك ّل َشيْ ٍء إِنّ َهذَا َل ُهوَ‬
‫ضلُ الْمُبِيُ (‪. ﴾ )16‬‬
‫اْلفَ ْ‬
‫قال البغوي ‪ :‬قوله عز و جل ‪ ﴿ :‬وََلقَ ْد آَتيْنَا دَاوُو َد وَ سَُليْمَانَ عِلْما ﴾ ‪،‬‬
‫يع ن ‪ :‬علم القضاء ومن طق الط ي والدواب ‪ ،‬وت سخي الشياط ي ‪ ،‬وتسَبيح‬
‫ّهَ الّذِي َفضّلَنَا ﴾ ‪ ،‬بالنبوة ‪ ،‬والكتاب ‪ ،‬وتسَخي‬ ‫البال ‪ ﴿ ،‬وَقَالَا الْحَ ْمدُ لِل ِ‬
‫ِثَ‬
‫ِهَ الْ ُمؤْ ِمنِيَ * َووَر َ‬
‫ّنَ عِبَاد ِ‬
‫والنَ والنَس ‪ ﴿ ،‬عَلَى َكثِ ٍي م ْ‬ ‫ّ‬ ‫الشياطيَ ‪،‬‬
‫سََليْمَانُ دَاوُو َد ﴾ ‪ ،‬نبوتَه وعلمَه وملكَه دون سَائر أولده ‪ ،‬وكان لداود‬ ‫ُ‬
‫تسعة عشر ابنًا ‪ ،‬وأعطى سليمان ما أعطى داود ‪ :‬اللك ‪ ،‬وزيد له ‪ :‬تسخي‬
‫الر يح ‪ ،‬وت سخي الشياط ي ‪ .‬وقال مقا تل ‪ :‬كان سليمان أع ظم ملكًا من‬
‫داود وأقضى منه ‪ ،‬وكان داود أش ّد تعبّدًا من سليمان ‪ ،‬وكان سليمان شاكرًا‬
‫لنعم ال تعال ‪.‬‬
‫﴿ وَقَا َل يَا َأيّهَا النّا سُ عُلّمْنَا مَنطِ قَ ال ّطيْرِ ﴾ ‪ ،‬سّى صوت الط ي من طق‬
‫لصول الفهم منه كما يُفهم من كلم الناس ‪ .‬روي عن كعب قال ‪ :‬صاح‬
‫ورشان عند سليمان عليه السلم فقال ‪ :‬أتدرون ما يقول ‪ :‬قالوا ‪ :‬ل ‪ ،‬قال ‪:‬‬
‫فإنَه يقول ‪ :‬لِدُوا للموت ‪ ،‬وابنوا للخراب ‪ .‬وصَاح طاووس فقال ‪ :‬أتدرون‬
‫مَا يقول ‪ :‬قالوا ‪ :‬ل ‪ ،‬قال ‪ :‬فإنَه يقول ‪ :‬كمَا تَديَن تُدان ‪ .‬وصَاح صَرد‬
‫الزء الثالث‬ ‫‪378‬‬

‫فقال ‪ :‬أتدرون مَا يقول ‪ :‬قالوا ‪ :‬ل ‪ ،‬قال ‪ :‬فإنَه يقول ‪ :‬اسَتغفروا ال يَا‬
‫مذنَبي ‪ .‬وهدرت حامَة فقال ‪ :‬أتدرون مَا تقول ‪ :‬قالوا ‪ :‬ل ‪ ،‬قال ‪ :‬فإناَ‬
‫تقول ‪ :‬سبحان ر ب العلى ملء سائه وأر ضه ‪ .‬قال ‪ :‬والغراب يد عو على‬
‫العشا ‪ .‬والدأة تقول ‪ :‬كل شيء هالك إل ال ‪ .‬والقطاة تقول ‪ :‬من سكت‬
‫سلم ‪ .‬والضفدعة تقول ‪ :‬سبحان الذكور بكل لسان ‪.‬‬
‫وقوله ‪َ ﴿ :‬وأُوتِينَا مِن كُ ّل َشيْءٍ ﴾ ‪ ،‬قال البغوي ‪ :‬من كل ش يء يؤتاه‬
‫النَبياء واللوك ‪ ﴿ ،‬إِن ّ هَذَا َل ُه َو الْ َفضْ ُل الْ ُمبِي ُ ﴾ ‪ ،‬وقال ابَن كثيَ ‪﴿ :‬‬
‫َوأُوتِينَا مِن كُ ّل َشيْءٍ ﴾ ‪ ،‬أي ‪ :‬ما يتاج إليه اللك ‪ ﴿ ،‬إِنّ هَذَا َل ُه َو الْ َفضْلُ‬
‫الْ ُمبِيُ ﴾ ‪ ،‬أي ‪ :‬الظاهر البيّن ل علينا ‪.‬‬
‫س وَالطّ ْيرِ‬
‫شرَ لِ سُلَيْمَانَ جُنُودُ هُ مِ َن الْجِنّ وَاْلإِن ِ‬
‫قوله عز و جل ‪ ﴿ :‬وَ ُح ِ‬
‫َتـ نَمْ َل ٌة يَا َأيّهَا‬
‫ُونـ (‪ )17‬حَتّىـ ِإذَا َأتَوْا عَلَى وَادِي النّ ْملِ قَال ْ‬
‫ُمـ يُوزَع َ‬
‫َفه ْ‬
‫ش ُعرُو نَ (‬
‫النّ ْم ُل ادْخُلُوا مَ سَاكَِن ُكمْ لَا يَحْطِمَّنكُ مْ سُلَيْمَانُ وَجُنُودُ هُ وَهُ ْم لَا َي ْ‬
‫ك الّتِي‬
‫سمَ ضَاحِكا مّ ن َقوْلِهَا َوقَالَ رَبّ َأوْزِعْنِي أَ ْن َأشْ ُك َر نِعْمَتَ َ‬
‫‪ )18‬فَتَبَ ّ‬
‫َأْنعَمْتَ عَ َليّ وَعَلَى وَاِلدَيّ وَأَنْ أَعْ َملَ صَالِحا َترْضَا ُه َوأَ ْدخِلْنِي ِبرَحْمَتِكَ فِي‬
‫عِبَادِكَ الصّالِحِيَ (‪. ﴾ )19‬‬
‫شرَ لِ سَُليْمَانَ ُجنُودُ ُه مِ َن الْجِنّ وَالْإِن سِ وَال ّطيْرِ‬
‫عن قتادة ف قوله ‪ ﴿ :‬وَحُ ِ‬
‫َفهُ ْم يُو َزعُونَ ﴾ ‪ ،‬قال ‪ :‬يردّ أولم على آخرهم ‪.‬‬
‫‪379‬‬ ‫توفيق الرحن ف دروس القرآن‬

‫قوله عز وجل ‪َ ﴿ :‬وتَ َف ّقدَ الطّ ْيرَ فَقَالَ مَا لِ َي لَا أَرَى اْلهُ ْد ُهدَ أَمْ كَانَ مِنَ‬
‫اْلغَائِبِيَ (‪َ )20‬لأُ َعذّبَنّ هُ َعذَابا َشدِيدا َأ ْو َلأَ ْذبَحَنّ ُه َأوْ لَيَ ْأتِيَنّي بِ سُلْطَا ٍن مّبِيٍ (‬
‫ك مِن سََبٍإ بِنََبإٍ‬
‫ط بِ هِ َوجِئْتُ َ‬
‫ح ْ‬
‫ت بِمَا لَ ْم تُ ِ‬
‫‪ )21‬فَ َمكَ ثَ َغ ْيرَ َبعِيدٍ فَقَالَ َأحَط ُ‬
‫ت مِن ُك ّل َشيْ ٍء وَلَهَا َعرْ شٌ‬
‫َيقِيٍ (‪ِ )22‬إنّ ي وَجَدتّ ا ْمرََأ ًة تَمْ ِل ُكهُ ْم َوأُوتِيَ ْ‬
‫س مِن دُو ِن اللّ ِه وَ َزيّ نَ َلهُ مُ‬
‫جدُو َن لِلشّمْ ِ‬
‫عَظِي مٌ (‪َ )23‬وجَدّتهَا َو َقوْ َمهَا يَ سْ ُ‬
‫جدُوا‬
‫ص ّدهُمْ عَ ِن ال سّبِيلِ َفهُ مْ لَا يَهَْتدُو نَ (‪َ )24‬ألّا يَ سْ ُ‬
‫الشّيْطَا ُن أَعْمَاَلهُ ْم فَ َ‬
‫خفُو نَ وَمَا‬
‫ض وََيعْلَ مُ مَا تُ ْ‬
‫ت وَاْلأَرْ ِ‬
‫ج الْخَبْ َء فِي ال سّمَاوَا ِ‬
‫خرِ ُ‬
‫لِلّ ِه الّذِي يُ ْ‬
‫ش الْعَظِيمِ (‪. ﴾ )26‬‬
‫ب الْ َعرْ ِ‬
‫ُتعْلِنُونَ (‪ )25‬ال ّلهُ لَا ِإلَ َه ِإلّا ُهوَ َر ّ‬
‫قال ابن زيد ‪ :‬نزل سليمان بواد فسأل الِنس عن مائِهِ فقالوا ‪ :‬ما نعلم له‬
‫ماء ‪ ،‬فإن يكن أحد من جنودك يعلم له ماء فال نّ ‪ ،‬فدعا ال نّ فسألم فقالوا‬
‫‪ :‬ما نعلم له ماء ‪ ،‬وإن يكن أحد من جنودك يعلم له ماء فالطي ‪ ،‬فدعا الطي‬
‫فسألم فقالوا ‪ :‬ما نعلم له ماء ‪ ،‬وإن يكن أحد من جنودك يعلمه فالدهد ‪،‬‬
‫فلم يده ‪ ،‬قال ‪ :‬فذاك أوّل ما فقد الدهد ‪.‬‬
‫وعن ماهد ‪َ ﴿ :‬لأُعَ ّذَبنّ ُه عَذَابا شَدِيدا ﴾ ‪ ،‬قال ‪ :‬نتف ريشه كله ‪َ ﴿ ،‬أوْ‬
‫حنّهُ َأوْ َليَ ْأِتيَنّي بِسُلْطَا ٍن ّمبِيٍ ﴾ ‪ ،‬قال وهب بن منبه ‪ :‬أي ‪ :‬بجّة ‪ .‬عذر‬
‫َلأَ ْذبَ َ‬
‫له ف غيب ته ‪ ﴿ ،‬فَ َمكَ ثَ َغيْ َر َبعِيدٍ ﴾ ث جاء الد هد ‪ ،‬فقال له سليمان ‪ :‬ما‬
‫خلّ فك ؟ فقال أح طت ب ا ل ت ط به ‪ .‬قال البغوي ‪ :‬يقول ‪ :‬عل مت ما ل‬
‫الزء الثالث‬ ‫‪380‬‬

‫تعلم ‪ ،‬وجئتك من سبأ بنبأ يقي ‪ .‬قال ابن كثي ‪ :‬أي ‪ :‬بب صدق حق يقي‬
‫وسبأ هم ِح ْميَر ‪ .‬وهم ‪ :‬ملوك اليمن ‪.‬‬
‫﴿ ِإنّي وَجَدتّ امْ َرَأ ًة تَمِْل ُكهُمْ ﴾ ‪ ،‬قال السن ‪ :‬هي بلقيس بنت شراحيل‬
‫ملكة سبأ ‪َ ﴿ ،‬وأُوِتيَ تْ مِن كُ ّل َشيْءٍ ﴾ ‪ ،‬يعن ‪ :‬من كل أمر الدنيا ﴿ وََلهَا‬
‫ش عَظِي مٌ ﴾ ‪ ،‬قال ا بن عباس ‪ :‬سرير كر ي ‪ .‬قال ‪ :‬ح سن ال صنعة ‪ .‬قال‬ ‫عَرْ ٌ‬
‫ابن كثي ‪ :‬سرير تلس عليه عظيم هائل ‪ ،‬مزخرف بالذهب وأنواع الواهر‬
‫والللئ ‪.‬‬
‫س مِن دُو نِ اللّ هِ وَ َزيّ نَ َلهُ مُ الشّيْطَا نُ‬
‫﴿ وَجَدّتهَا وََقوْ َمهَا يَ سْجُدُونَ لِلشّمْ ِ‬
‫سبِيلِ ﴾ ‪ ،‬أي ‪ :‬طريق الق فهم ل يهتدون ‪ ﴿ ،‬أَلّا‬ ‫َأعْمَاَلهُ مْ فَ صَ ّدهُ ْم عَ ِن ال ّ‬
‫خفُو نَ‬ ‫ض َويَعَْل ُم مَا تُ ْ‬‫خبْءَ فِي ال سّمَاوَاتِ وَاْلأَرْ ِ‬‫ج الْ َ‬‫يَ سْجُدُوا لِلّ ِه الّذِي يُخْ ِر ُ‬
‫َومَا ُتعِْلنُونَ ﴾ ‪ ،‬قال ابن عباس ‪ :‬يعلم كل خبيئة ف السماء والرض ‪.‬‬
‫قال ا بن جر ير ‪ :‬قوله ‪ ﴿ :‬اللّ هُ لَا إِلَ هَ إِلّا ُهوَ رَبّ الْعَرْ ِ‬
‫ش الْعَظِي مِ ﴾ ‪ ،‬يقول‬
‫تعال ذكره ‪ :‬ال الذي ل ت صلح العبادة إل له ‪ ،‬ل إله إل هو ل معبود سواه‬
‫تصلح له العبادة ‪ ،‬فأخلصوا له العبادة وأفردوه بالطاعة ‪ ،‬ول تشركوا به شيئًا‬
‫‪ ﴿ ،‬رَبّ اْلعَرْ شِ الْعَظِي مِ ﴾ ‪ ،‬يع ن ‪ :‬بذلك مالك العرش العظ يم ‪ ،‬الذي كل‬
‫عرش وإن عَظُمَ فدونه ل يشبهه عرش ملكة سبأ ول غيه ‪.‬‬
‫وقال ابن زيد ف قوله ‪ ﴿ :‬أَحَط تُ بِمَا لَ ْم تُحِ ْ‬
‫ط بِ هِ ﴾ إل قوله ‪ ﴿ :‬اللّ هُ‬
‫ش اْلعَظِيمِ ﴾ هذا كله كلم الدهد ‪.‬‬
‫ب الْعَ ْر ِ‬
‫لَا إِلَهَ إِلّا ُهوَ رَ ّ‬
‫‪381‬‬ ‫توفيق الرحن ف دروس القرآن‬

‫ت مِ َن الْكَاذِبِيَ (‪)27‬‬
‫ت أَ مْ كُن َ‬
‫ص َدقْ َ‬
‫قوله عز وجل ‪ ﴿ :‬قَالَ سَنَن ُظ ُر أَ َ‬
‫اذْهَب ّبكِتَابِي هَذَا َفأَْلقِ ْه ِإلَيْهِ مْ ثُمّ َتوَلّ عَ ْنهُ مْ فَان ُظرْ مَاذَا َي ْرجِعُو نَ (‪)28‬‬
‫سمِ‬
‫ت يَا َأّيهَا الَ َلأُ ِإنّي ُأْلقِ َي إَِليّ كِتَابٌ َكرِيٌ (‪ِ )29‬إنّ ُه مِن سُلَيْمَا َن َوِإنّ ُه بِ ْ‬
‫قَالَ ْ‬
‫ت يَا‬
‫اللّ هِ الرّحْمَ ِن الرّحِي مِ (‪َ )30‬ألّا َتعْلُوا عَ َليّ َوأْتُونِي مُ سْلِمِيَ (‪ )31‬قَالَ ْ‬
‫ش َهدُو نِ (‪ )32‬قَالُوا‬
‫َأيّهَا الَ َلُأ َأفْتُونِي فِي َأ ْمرِي مَا كُن تُ قَا ِط َع ًة َأمْرا حَتّ ى َت ْ‬
‫س َشدِيدٍ وَاْلأَ ْمرُ إِلَيْ كِ فَان ُظرِي مَاذَا َت ْأ ُمرِي نَ (‪)33‬‬
‫نَحْ ُن ُأ ْولُوا ُق ّو ٍة وَأُولُوا بَأْ ٍ‬
‫ـدُوهَا وَ َجعَلُوا أَ ِع ّز َة أَهْلِهَـا أَ ِذّلةً‬
‫ـ ِإذَا َدخَلُوا َق ْريَ ًة َأفْس َ‬
‫ـ إِنّـ الْمُلُوك َ‬
‫قَالَت ْ‬
‫ِعـ‬
‫ِمـ َيرْج ُ‬
‫ْسـَلةٌ ِإلَيْه ِم ِب َه ِديّ ٍة فَنَا ِظ َرةٌ ب َ‬
‫ُونـ (‪َ )34‬وِإنّيـ ُمر ِ‬
‫ِكـ َيفْعَل َ‬
‫وَ َك َذل َ‬
‫الْ ُمرْ سَلُونَ (‪ )35‬فَلَمّا جَاء سُلَيْمَا َن قَا َل َأتُ ِمدّونَ ِن بِمَا ٍل فَمَا آتَانِ َي اللّ هُ خَ ْيرٌ‬
‫جنُو ٍد لّا‬
‫مّمّا آتَاكُم َبلْ أَنتُم ِب َه ِديّتِكُمْ َت ْفرَحُونَ (‪ )36‬ا ْرجِعْ إِلَ ْيهِمْ فَلََن ْأتِيَّنهُمْ بِ ُ‬
‫خ ِرجَّنهُم مّ ْنهَا َأ ِذلّ ًة َوهُمْ صَا ِغرُونَ (‪. ﴾ )37‬‬
‫قَِب َل َلهُم ِبهَا َولَنُ ْ‬
‫قال البغوي ‪ :‬فلمَا فرغ الدهَد مَن كلمَه قال سَليمان للهدهَد ‪:‬‬
‫﴿ َسنَنظُرُ أَ صَدَ ْقتَ ﴾ فيما أخبت ‪ ﴿ ،‬أَ مْ كُن تَ مِ َن الْكَا ِذبِيَ ﴾ فدلّهم‬
‫الدهد على الاء ‪ ،‬فاحتفروا الركايا وروى الناس والدواب ‪ ،‬ث كتب سليمان‬
‫الكتاب وختمه باته ‪ ،‬فقال للهدهد ‪ ﴿ :‬ا ْذهَب ّب ِكتَابِي هَذَا َفأَْلقِ هْ إِلَْيهِ ْم ثُمّ‬
‫َتوَ ّل َعْنهُ مْ ﴾ تن حّ عنهم فكن قريبًا منهم ‪ ﴿ ،‬فَان ُظ ْر مَاذَا يَرْ ِجعُو نَ ﴾ يردّون‬
‫من الواب ‪ ،‬فأخذ الدهد الكتاب فأتى به بلقيس ‪ ،‬وكانت بأرض يقال لا‬
‫‪ :‬مأرب من صنعاء على ثلثة أيام ‪ ،‬فوافاها ف قصرها وقد غلّقت البواب ‪،‬‬
‫الزء الثالث‬ ‫‪382‬‬

‫وكا نت إذا رقدت غلّ قت البواب وأخذت الفات يح فوضعت ها ت ت رأ سها ‪،‬‬
‫فأتا ها الد هد و هي نائ مة م ستلقية على قفا ها ‪ ،‬فأل قى الكتاب على نر ها ‪.‬‬
‫هذا قول قتادة ‪ .‬وقال ابن منبه ‪ ،‬وابن زيد ‪ :‬كانت لا كوّة مستقبلة الشمس‬
‫ت قع الش مس في ها ح ي تطلع ‪ ،‬فإذا نظرت إلي ها سجدت ل ا ‪ ،‬فجاء الد هد‬
‫الكوّة ف سدّها بنا حه فارتف عت الش مس ول تعلم ‪ ،‬فل ما ا ستبطأت الش مس‬
‫قامت تنظر فرمى بالصحيفة إليها ‪ ،‬فأخذت بلقيس الكتاب وكانت قارئة ‪،‬‬
‫فلمَا رأت الاتَ ارتعدت وخضعَت ‪ ،‬لن ملك سَليمان كان فَ خاتهَ ‪،‬‬
‫وعر فت أن الذي أر سل الكتاب إلي ها أع ظم ُملْكًا ‪ ،‬فقرأت الكتاب وتأخّر‬
‫الد هد غ ي بع يد ‪ ،‬فجاءت ح ت قعدت على سرير ملك ها وج عت الل من‬
‫قوم ها فجاءوا وأخذوا مال سهم ‪ ﴿ ،‬قَالَ تْ ﴾ ل م بلق يس ‪ ﴿ :‬يَا َأيّهَا الََلأُ‬
‫﴾ و هم أشراف الناس و كباؤهم ‪ِ ﴿ ،‬إنّ ي أُْلقِ يَ إِلَيّ ِكتَا بٌ كَرِيٌ ﴾ ق يل ‪:‬‬
‫سّته كريًا ل نه كان م ص ّدرًا بب سم ال الرح ن الرح يم ‪ ،‬ث بيّ نت الكتاب‬
‫فقالت ‪ِ ﴿ :‬إنّ هُ مِن سَُليْمَانَ ﴾ وبيّ نت الكتوب فقالت ‪َ ﴿ :‬وِإنّ ُه بِ سْمِ اللّ هِ‬
‫الرّحْمَ نِ الرّحِي مِ * أَلّا َتعْلُوا عََليّ َوْأتُونِي مُ سِْلمِيَ ﴾ ‪ ،‬قال ابن عباس ‪ :‬أي ‪:‬‬
‫ل تتكبّروا عليّ وائتون مسلمي ‪ ،‬مؤمني طائعي ‪ .‬انتهى ملخصًا ‪.‬‬
‫وقوله تعال ‪ ﴿ :‬قَال ْ‬
‫َتَ يَا أَيّهَا الََلأُ أَ ْفتُونِي فِي َأمْرِي ﴾ ‪ ،‬أي ‪ :‬أشيوا‬
‫َ ﴾ أي ‪:‬‬ ‫شهَدُون ِ‬
‫َ قَا ِط َعةً َأمْرا َحتّىَ تَ ْ‬
‫َ فيمَا عرض ل ﴿ مََا كُنت ُ‬ ‫علي ّ‬
‫ْسَ شَدِيدٍ ﴾ وهذا تعريَض منهَم‬ ‫ْنَ ُأوْلُوا ُق ّو ٍة َوأُولُوا َبأ ٍ‬
‫تضرون ﴿ قَالُوا َنح ُ‬
‫بالقتال إن أمرتم بذلك ‪ ،‬ث قالوا ‪ ﴿ :‬وَاْلَأمْرُ إَِليْكِ ﴾ ف القتال ‪ ﴿ ،‬فَانظُرِي‬
‫‪383‬‬ ‫توفيق الرحن ف دروس القرآن‬

‫﴾ من الرأي ﴿ مَاذَا َت ْأمُرِي نَ ﴾ فنمتثل أمرك ونطيعه ‪ .‬قال السن ‪ :‬فوضعوا‬


‫أمر هم إل عجلة تضطرب ثديا ها ‪ ﴿ ،‬قَالَ تْ إِنّ الْمُلُو كَ ِإذَا دَ َخلُوا َق ْرَيةً ﴾ ‪،‬‬
‫ْسَدُوهَا ﴾ خرّبوهَا ‪ ﴿ ،‬وَ َجعَلُوا َأعِ ّزةَ َأهْلِه َا أَذِّلةً‬
‫أي ‪ :‬دخلوهَا عنوة ﴿ أَف َ‬
‫﴾ تذّرهم سي سليمان ودخوله بلدهم ‪.‬‬
‫قال ال تعال ‪ ﴿ :‬وَكَذَلِ َ‬
‫ك َي ْفعَلُو نَ ﴾ ‪ ،‬ث عدلت إل ال صالة والهادنة‬
‫فقالت ‪َ ﴿ :‬وِإنّ ي ُمرْ سَِلةٌ إَِليْهِم ِبهَ ِدّيةٍ َفنَاظِ َرةٌ بِ َم يَرْ ِج ُع الْ ُمرْ سَلُونَ ﴾ ‪ ،‬قال‬
‫قتادة ‪ :‬ما كان أعقلها ف إسلمها وشركها ‪ ،‬علمت أن الدية تقع موقعًا من‬
‫الناس ‪ ﴿ ،‬فََلمّا جَاء ُسَليْمَانَ قَالَ َأتُمِدّونَ نِ بِمَالٍ فَمَا آتَانِ يَ اللّ هُ ﴾ من النبوة‬
‫والدين والكمة واللك ‪َ ﴿ ،‬خيْ ٌر مّمّا آتَاكُم بَلْ أَنتُم ِبهَ ِدّيتِكُ ْم َتفْ َرحُونَ ﴾ ‪.‬‬
‫ِمَ ﴾ بالديَة ‪،‬‬ ‫ثـ قال للمنذر بـن عمرو أميـ الوفـد ‪ ﴿ :‬ارْج ْ‬
‫ِعَ إَِلْيه ْ‬
‫خرِ َجنّه ُم ّمنْه َا ﴾ ‪ ،‬أي ‪ :‬مَن‬
‫جنُودٍ لّا ِقبَلَ لَه ُم بِه َا وََلنُ ْ‬
‫ُمَ بِ ُ‬
‫﴿ فََلَن ْأتَِيّنه ْ‬
‫بلدهم ‪ ﴿ ،‬أَذِّل ًة َوهُمْ صَاغِرُونَ ﴾ إن ل يأتون مسلمي ‪ .‬قال وهب بن منبه‬
‫‪ :‬فلما رجعت رسل بلقيس إليها من عند سليمان قالت ‪ :‬قد عرفت وال ما‬
‫هذا بلك وما لنا به طاقة ‪ ،‬فبعثت إل سليمان أن قادمة عليك بلوك قومي‬
‫حت أنظر ما أمرك وما تدعو إليه من دينك ‪ ،‬ث أمرت بعرشها فجعل ف آخر‬
‫سبعة أبيات بعضها ف بعض ‪ ،‬ف آخر قصر من سبعة قصور لا ‪ ،‬ث أغلقت‬
‫دونه البواب ووكّلت به حرا سًا يفظونه ‪ ،‬ث قالت لن خلّفت على سلطانا‬
‫‪ :‬احتفظ با ِقَبلَكَ ‪ ،‬وسرير ملكي ل يلص إليه أحد ول يقربه حت آتيك ‪.‬‬
‫الزء الثالث‬ ‫‪384‬‬

‫قوله عز وجل ‪ ﴿ :‬قَا َل يَا َأيّهَا الَ َلأُ َأّيكُ مْ َي ْأتِينِي بِ َع ْرشِهَا قَ ْب َل أَن َيأْتُونِي‬
‫جنّ أَنَا آتِيكَ بِ ِه قَ ْبلَ أَن َتقُو َم مِن ّمقَامِكَ‬
‫مُسْلِ ِميَ (‪ )38‬قَالَ ِعفْري تٌ مّ َن الْ ِ‬
‫ك بِ هِ‬
‫َوِإنّي عَلَيْ ِه َلقَوِيّ َأمِيٌ (‪ )39‬قَالَ اّلذِي عِندَ هُ عِلْ مٌ مّ نَ اْلكِتَا بِ َأنَا آتِي َ‬
‫ضلِ َربّ ي‬
‫قَ ْب َل أَن َيرَْت ّد إِلَيْ كَ َط ْرفُ كَ فَلَمّ ا رَآ ُه مُ سْتَ ِقرّا عِندَ هُ قَالَ َهذَا مِن فَ ْ‬
‫لِيَبْ ُل َونِي َأَأشْ ُك ُر أَ ْم أَ ْك ُف ُر وَمَن َشكَ َر َفِإنّمَا َيشْ ُكرُ لِنَفْ سِ ِه َومَن َك َفرَ َفإِنّ َربّي‬
‫غَِنيّ َكرِيٌ (‪. ﴾ )40‬‬
‫قال قتادة ‪ :‬لا بلغ سليمان أنا جائية ‪ ،‬وكان قد ذُكر له عرشها فأعجبه‬
‫وقد علم نب ال أنم مت أسلموا ترم أموالم ودماؤهم فقال ‪ ﴿ :‬يَا َأّيهَا الََلُأ‬
‫َأّيكُ ْم َي ْأتِينِي بِعَ ْر ِشهَا َقبْلَ أَن َيأْتُونِي مُسِْلمِيَ * قَا َل ِعفْريتٌ مّ َن الْجِنّ ﴾ ‪ ،‬قال‬
‫ك بِ هِ َقبْلَ أَن َتقُو َم مِن ّمقَامِ كَ ﴾ ‪،‬‬
‫البغوي ‪ :‬و هو الارد القوي ‪ ﴿ :‬أَنَا آتِي َ‬
‫قال ا بن عباس ‪ :‬يع ن ‪ :‬ق بل أن تقوم من مل سك ﴿ َوِإنّ ي عََليْ هِ َل َقوِيّ َأمِيٌ‬
‫﴾ أي ‪ :‬قو يّ على حله أم ي على ما ف يه من الو هر ‪ ،‬فقال سليمان عل يه‬
‫ال سلم ‪ :‬أر يد أع جل من ذلك ‪ ﴿ ،‬قَا َل الّذِي عِندَ ُه عِلْ ٌم مّ َن اْل ِكتَا بِ ﴾ ‪،‬‬
‫وهو آصف كاتب سليمان ‪ -‬قال قتادة ‪ : -‬كان مؤمنًا من الِنس ‪َ ﴿ :‬أنَا‬
‫آتِي كَ بِ هِ َقبْلَ أَن يَ ْرتَدّ إَِليْ كَ طَرْفُ كَ ﴾ ‪ ،‬قال ماهد ‪ :‬يعن ‪ :‬إدامة النظر حت‬
‫يرت ّد الطرف خاسَئًا ‪ ،‬قال سَليمان ‪ :‬هات فسَجد وقال ‪ :‬يَا ذا اللل‬
‫والكرام ‪ ،‬يا إلنا وإله كل شيء إلًا واحدًا ‪ ،‬ل إله إل أنت ‪ ،‬ائتن بعرشها ‪.‬‬
‫قال الكلب ‪ :‬فغار عرشها تت الرض حت نبع عند كرسيّ سليمان ‪.‬‬
‫‪385‬‬ ‫توفيق الرحن ف دروس القرآن‬

‫َهَ قَا َل هَذَا م ِن َفضْلِ َربّيَ ِلَيبُْلوَن ِي َأأَ ْشكُ ُر‬


‫ُسََتقِرّا عِند ُ‬
‫َآهَ م ْ‬
‫﴿ فََلمّاَ ر ُ‬
‫﴾ نعمه ﴿ أَ مْ أَ ْكفُرُ ﴾ فل أشكرها ‪َ ﴿ ،‬ومَن َشكَرَ فَِإنّمَا يَشْكُرُ ِلنَفْ سِهِ ﴾ ‪،‬‬
‫أي ‪ :‬يعود ن فع شكره إل يه ‪ ﴿ ،‬وَمَن َكفَرَ فَإِنّ َربّ ي غَنِيّ ﴾ عن شكره ‪﴿ ،‬‬
‫َك ِريٌ ﴾ ‪ .‬قال ابن كثي ‪ :‬أي كري ف نفسه وإن ل يعبده أحد ‪ ،‬فإن عظمته‬
‫ليست مفتقرة إل ح ّد ‪ .‬وهذا كما قال موسى ‪ ﴿ :‬إِن َت ْكفُرُواْ أَنتُ ْم َومَن فِي‬
‫الَ ْرضِ جَمِيعا فَِإنّ اللّهَ َلغَِنيّ حَمِيدٌ ﴾ ‪.‬‬
‫وقال ابن جرير ‪ :‬وقوله ‪ ﴿ :‬قَا َل الّذِي عِندَ ُه عِلْ ٌم مّ نَ الْ ِكتَا بِ ﴾ ‪ ،‬يقول‬
‫جل ثناؤه ‪ :‬قال الذي عنده علم من الكتاب ‪ .‬وقال ابن عباس ‪ :‬هو ‪ :‬آصف‬
‫كا تب سليمان ‪ .‬قال أك ثر الف سرين ‪ :‬وكان صدّيقًا يعلم ا سم ال الع ظم‬
‫الذي إذا دعي به أجاب ‪ ،‬وإذا سئل به أعطى ‪.‬‬
‫ُونـ‬
‫َمـ تَك ُ‬
‫قوله عـز وجـل ‪ ﴿ :‬قَالَ َن ّكرُوا لَه َا َع ْرشَه َا نَن ُظ ْر َأتَهَْتدِي أ ْ‬
‫ك قَالَ تْ َكَأنّ هُ‬
‫ت قِيلَ َأ َهكَذَا َع ْرشُ ِ‬
‫مِ َن الّذِي نَ لَا َيهْتَدُو نَ (‪ )41‬فَلَمّ ا جَاء ْ‬
‫ص ّدهَا مَا كَانَت ّتعُْبدُ‬
‫ُهوَ َوأُوتِينَا اْلعِلْ َم مِن قَبْلِهَا وَكُنّ ا مُ سْلِ ِميَ (‪ )42‬وَ َ‬
‫صرْحَ‬
‫ت مِن قَوْ مٍ كَا ِفرِي نَ (‪ )43‬قِي َل لَهَا ا ْدخُلِي ال ّ‬
‫مِن دُو نِ اللّ ِه ِإنّهَا كَانَ ْ‬
‫ح مّ َم ّر ٌد مّن َقوَارِيرَ‬
‫صرْ ٌ‬
‫شفَتْ عَن سَاقَيْهَا قَا َل ِإنّهُ َ‬
‫جةً وَ َك َ‬
‫فَلَمّا َرَأتْهُ حَسِبَ ْت ُه لُ ّ‬
‫ت مَ عَ سُلَيْمَا َن لِلّ هِ رَبّ اْلعَالَمِيَ (‬
‫ت َنفْ سِي وَأَ سْلَ ْم ُ‬
‫قَالَ تْ رَبّ ِإنّ ي ظَ َلمْ ُ‬
‫‪. ﴾ )44‬‬
‫الزء الثالث‬ ‫‪386‬‬

‫عن ا بن عباس ‪ :‬فل ما أت ته ﴿ قَا َل َنكّرُوا لَهَا عَ ْرشَهَا ﴾ ‪ ،‬قال ‪ :‬وتنك ي‬


‫العرش أنه زيد فيه ونقص لينظر ف عقلها ‪ ،‬فوُجدت ثابتة العقل ‪ .‬وعن قتادة‬
‫ّهَ ُهوَ ﴾ ‪ ،‬قال ‪ :‬شبّهتَه‬ ‫َتَ كََأن ُ‬
‫ُكَ قَال ْ‬
‫َاءتَ قِيلَ َأهَكَذَا عَ ْرش ِ‬
‫‪ ﴿ :‬فَلَمّاَ ج ْ‬
‫وكانت قد تركته خلفها ‪ .‬قال عكرمة ‪ :‬كانت حكيمة ل تقل ‪ :‬نعم ‪ ،‬خوفًا‬
‫من أن تكذب ‪ ،‬ول تقل ‪ :‬ل ‪ ،‬خوفًا من التكذيب ‪ ﴿ ،‬قَاَلتْ َكَأنّهُ ُهوَ ﴾ ‪.‬‬
‫قال البغوي ‪ :‬فعرف سليمان كمال عقلها حيث ل تقرّ ول تنكر ‪.‬‬
‫قال ابن كثي ‪ :‬وقوله ‪َ ﴿ :‬وأُوتِينَا الْعِ ْل َم مِن َقبِْلهَا وَ ُكنّا مُ ْ‬
‫سلِمِيَ ﴾ ‪ ،‬قال‬
‫ماهد ‪ :‬يقوله سليمان ‪ ﴿ .‬وَ صَ ّدهَا مَا كَانَت ّتعْبُ ُد مِن دُو نِ اللّ هِ ﴾ ‪ ،‬قال ‪،‬‬
‫البغوي ‪ :‬أي صدّها عبادة الشمس عن التوحيد وعبادة ال ‪.‬‬
‫﴿ ِإنّهَا كَانَ تْ مِن َقوْ مٍ كَاِفرِي نَ ﴾ ‪ ،‬قال و هب بن من به ‪ :‬أ مر سليمان‬
‫بالصرح ‪ ،‬وقد عملته له الشياطي من زجاج كأنه الاء بياضًا ‪ ،‬ث أرسل الاء‬
‫تتَه ‪ ،‬ثَ و ضع له فيَه سَريره فجلس عليَه ‪ ،‬وعكفَت عليَه الطيَ والنَّ‬
‫والِ نس ‪ ،‬ث قال ‪ ﴿ :‬ادْخُلِي ال صّ ْرحَ ﴾ ليي ها ملكًا هو أ عز من ملك ها‬
‫ت عَن‬ ‫شفَ ْ‬ ‫ج ًة وَكَ َ‬
‫سبَتْهُ لُ ّ‬
‫و سلطانًا هو أع ظم من سلطانا ‪َ ﴿ ،‬فلَمّ ا َرَأتْ هُ حَ ِ‬
‫ح مّمَرّ ٌد مّن‬
‫سَاَقْيهَا ﴾ ل تش كّ أنه ماء توضه ‪ ،‬قيل لا ‪ :‬ادخلي ﴿ ِإنّ هُ صَ ْر ٌ‬
‫َقوَارِيرَ ﴾ فل ما وق فت على سليمان دعا ها إل عبادة ال وعاب ا ف عبادت ا‬
‫الشمس من دون ال ‪ ،‬فقالت بقول الزنادقة ‪ ،‬فوقع سليمان ساجدًا إعظامًا لا‬
‫قالت وسجد معه الناس ‪ ،‬وسقط ف يديها حي رأت سليمان صنع ما صنع ‪،‬‬
‫فلما رفع سليمان رأسه قال ‪ :‬وي ك ماذا قلت ؟ قال ‪ :‬وأُن سَِيتْ ما قالت ‪،‬‬
‫‪387‬‬ ‫توفيق الرحن ف دروس القرآن‬

‫ّهَ رَبّ‬
‫سََليْمَانَ لِل ِ‬
‫َعَ ُ‬
‫تم َ‬
‫َسَلَ ْم ُ‬
‫ْتَ َنفْسَِي َوأ ْ‬
‫َتَ رَبّ ِإنّيَ ظَلَم ُ‬
‫فََ ﴿ قَال ْ‬
‫اْلعَالَمِيَ ﴾ وأسلمت فحسن إسلمها ‪ .‬وعن عكرمة قال ‪ :‬لا تزوج سليمان‬
‫قطَ ‪ ،‬قال سَليمان للشياطيَ ‪ :‬انظروا مَا‬ ‫بلقيَس قالت ‪ :‬ل تسَّن حديدة ّ‬
‫يذهب الشعر ‪ ،‬قالوا ‪ :‬النورة ‪ ،‬فكان أول من صنع النورة ‪ .‬وال أعلم ‪.‬‬

‫***‬
‫الزء الثالث‬ ‫‪388‬‬

‫الدرس التاسع والتسعون بعد الائة‬

‫﴿ َولَ َق ْد أَرْسَلْنَا ِإلَى ثَمُو َد أَخَاهُمْ صَالِحا أَنِ اعُْبدُوا اللّ َه َفِإذَا هُ ْم َفرِيقَانِ‬
‫َسـَنةِ َل ْولَا‬
‫ِالسـيَّئةِ قَ ْب َل الْح َ‬
‫َسـَتعْجِلُونَ ب ّ‬
‫ِمـ ت ْ‬
‫ْمـ ل َ‬
‫َصـمُونَ (‪ )45‬قَالَ يَا قَو ِ‬
‫يَخْت ِ‬
‫ك قَالَ‬
‫ك وَبِمَن مّعَ َ‬
‫تَ سْتَ ْغ ِفرُو َن اللّ َه َلعَلّكُ ْم ُترْحَمُو نَ (‪ )46‬قَالُوا اطّّيرْنَا بِ َ‬
‫طَاِئرُكُ مْ عِندَ اللّ ِه َبلْ أَنتُ مْ َقوْ ٌم ُتفْتَنُو نَ (‪ )47‬وَكَا نَ فِي الْ َمدِينَ ِة تِ سْ َعةُ َرهْ طٍ‬
‫ض وَلَا يُ صْلِحُونَ (‪ )48‬قَالُوا تَقَا سَمُوا بِاللّ ِه لَنُبَيّتَنّ هُ َوَأهْلَ هُ‬
‫سدُو َن فِي اْلأَرْ ِ‬
‫ُيفْ ِ‬
‫ك أَهْلِ ِه َوإِنّا لَ صَا ِدقُونَ (‪ )49‬وَ َم َكرُوا مَكْرا‬
‫ُثمّ لََنقُوَلنّ ِل َولِيّ ِه مَا َش ِهدْنَا َمهْلِ َ‬
‫ش ُعرُو نَ (‪ )50‬فَان ُظرْ َكيْ فَ كَا نَ عَاقَِبةُ َم ْكرِهِ مْ أَنّ ا‬
‫َومَ َكرْنَا َمكْرا وَهُ ْم لَا َي ْ‬
‫َد ّم ْرنَاهُ مْ وَ َق ْومَهُ مْ َأجْ َمعِيَ (‪ )51‬فَتِلْ كَ بُيُوتُهُ مْ خَا ِوَيةً بِمَا ظَلَمُوا إِنّ فِي‬
‫ُونـ (‪)53‬‬
‫ْمـَيعْلَمُونَـ (‪ )52‬وَأَنَيْنَا اّلذِينَـ آمَنُوا وَكَانُوا يَّتق َ‬
‫ِكـلَآَيةً ّل َقو ٍ‬
‫َذل َ‬
‫صرُونَ (‪َ )54‬أئِنّكُ مْ لََت ْأتُو نَ‬
‫شةَ َوأَنتُ ْم تُبْ ِ‬
‫َولُوطا ِإ ْذ قَا َل ِلقَ ْومِ ِه َأَتأْتُو نَ اْلفَا ِح َ‬
‫جهَلُونَ (‪ )55‬فَمَا كَا َن َجوَابَ‬
‫الرّجَا َل َشهْ َو ًة مّن دُو ِن النّسَاء َبلْ أَنتُ ْم َقوْ ٌم تَ ْ‬
‫َق ْومِ هِ ِإلّا أَن قَالُوا َأخْ ِرجُوا آ َل لُو طٍ مّن َق ْريَِتكُ مْ ِإّنهُ ْم ُأنَا سٌ يَتَ َط ّهرُو نَ (‪)56‬‬
‫َفأَنَيْنَا ُه وََأهْلَ هُ ِإلّا ا ْم َرأَتَ هُ قَدّ ْرنَاهَا مِ نَ اْلغَاِبرِي نَ (‪َ )57‬وَأمْ َطرْنَا عَلَيْهِم مّطَرا‬
‫فَسَاء مَ َطرُ الْمُنذَرِينَ (‪ُ )58‬ق ِل الْحَ ْم ُد لِلّهِ وَسَلَامٌ عَلَى عِبَادِهِ اّلذِي َن اصْ َطفَى‬
‫ض َوأَنزَ َل لَكُم مّنَ‬
‫آللّ ُه خَ ْيرٌ أَمّا ُيشْرِكُونَ (‪َ )59‬أمّ ْن خَلَقَ السّمَاوَاتِ وَالْأَرْ َ‬
‫جرَهَا َأإِلَهٌ‬
‫ج ٍة مّا كَا َن لَكُمْ أَن تُنبِتُوا شَ َ‬
‫السّمَا ِء مَاء َفأَنبَتْنَا بِهِ َحدَائِقَ ذَاتَ بَهْ َ‬
‫ض َقرَارا َو َجعَ َل خِلَالَهَا‬
‫مّ َع اللّ هِ بَ ْل هُ ْم َقوْ ٌم َي ْعدِلُو نَ (‪َ )60‬أمّ ن َج َعلَ اْلأَرْ َ‬
‫‪389‬‬ ‫توفيق الرحن ف دروس القرآن‬

‫ّهـ َبلْ‬
‫ّعـ الل ِ‬
‫َهـ م َ‬
‫ْنـ حَاجِزا أَِإل ٌ‬
‫ح َري ِ‬
‫ْنـ الْبَ ْ‬
‫َاسـيَ َوجَ َع َل بَي َ‬
‫َأْنهَارا وَ َج َعلَ لَهَا َرو ِ‬
‫ف ال سّوءَ‬
‫ب الْمُضْ َط ّر ِإذَا دَعَا هُ وََي ْكشِ ُ‬
‫أَكَْث ُرهُ ْم لَا َيعْلَمُو نَ (‪َ )61‬أمّ ن يُجِي ُ‬
‫ل مّا َتذَكّرُو نَ (‪َ )62‬أمّن َي ْهدِيكُ مْ‬
‫ض َأإِلَ هٌ مّ َع اللّ ِه قَلِي ً‬
‫جعَ ُلكُ ْم خُ َلفَاء اْلأَرْ ِ‬
‫َويَ ْ‬
‫ح ُبشْرا بَيْ نَ َيدَ يْ َرحْمَتِ هِ َأِإلَ هٌ مّ عَ‬
‫ح ِر َومَن ُيرْ سِ ُل الرّيَا َ‬
‫فِي ظُلُمَا تِ الَْب ّر وَالْبَ ْ‬
‫اللّ ِه َتعَالَى اللّهُ عَمّا ُيشْرِكُونَ (‪َ )63‬أمّن يَ ْب َدأُ الْخَلْ َق ُثمّ يُعِيدُهُ َومَن َيرْ ُزقُكُم‬
‫ض َأإَِلهٌ مّ َع اللّهِ ُقلْ هَاتُوا ُب ْرهَاَنكُمْ إِن كُنتُمْ صَادِقِيَ (‪)64‬‬
‫ّمنَ السّمَا ِء وَالْأَرْ ِ‬
‫شعُرُو َن َأيّا نَ‬
‫ب ِإلّا اللّ ُه وَمَا َي ْ‬
‫ض اْلغَيْ َ‬
‫قُل لّا َيعْلَ مُ مَن فِي ال سّمَاوَاتِ وَالْأَرْ ِ‬
‫يُ ْبعَثُو نَ (‪َ )65‬بلِ ادّارَ كَ عِلْ ُمهُ ْم فِي الْآ ِخ َرةِ َب ْل هُ مْ فِي شَكّ مّنْهَا َبلْ هُم‬
‫مّ ْنهَا عَمِونَ (‪. ﴾ )66‬‬

‫***‬
‫الزء الثالث‬ ‫‪390‬‬

‫قوله عز و جل ‪َ ﴿ :‬وَل َقدْ أَرْ سَلْنَا ِإلَى ثَمُو َد أَخَاهُ مْ صَالِحا أَ نِ اعُْبدُوا‬
‫ختَ صِمُونَ (‪ )45‬قَالَ يَا قَوْ ِم لِ َم تَ سَْتعْجِلُونَ بِال سّيَّئةِ‬
‫اللّ هَ َفِإذَا هُ ْم َفرِيقَا نِ يَ ْ‬
‫قَ ْب َل الْحَ سََن ِة َلوْلَا تَ سَْتغْ ِفرُونَ اللّ هَ َلعَ ّلكُ مْ ُت ْرحَمُو نَ (‪ )46‬قَالُوا اطّّيرْنَا بِ كَ‬
‫َوبِمَن مّ َعكَ قَالَ طَاِئرُكُمْ عِن َد ال ّلهِ َب ْل أَنتُ ْم َقوْ ٌم ُتفْتَنُونَ (‪. ﴾ )47‬‬
‫ختَ صِمُونَ ﴾ قول مؤ من ‪ ،‬وكا فر ‪،‬‬ ‫عن ما هد ف قول ال ‪ ﴿ :‬فَرِيقَا نِ يَ ْ‬
‫سيَّئةِ َقبْلَ‬
‫سَتعْجِلُونَ بِال ّ‬
‫قولم صال مرسل ؟ ليس برسل ‪ ﴿ :‬قَا َل يَا َقوْ مِ لِ مَ تَ ْ‬
‫سَنةِ ﴾ ؟ قال ماهد ‪ :‬بالعذاب قبل العافية ‪.‬‬ ‫الْحَ َ‬
‫قال ابن كثي ‪ :‬أي ‪ :‬ل تدعون بضور العذاب ول تطلبون من ال رحته‬
‫ك َوبِمَن‬‫سَتغْفِرُونَ اللّهَ َلعَّلكُ ْم تُرْ َحمُونَ * قَالُوا اطّيّ ْرنَا بِ َ‬
‫؟ ولذا قال ‪َ ﴿ :‬لوْلَا تَ ْ‬
‫ّمعَ كَ ﴾ ‪ ،‬أي ‪ :‬ما رأينا على وجهك ووجوه من اتّبعك خيًا ‪ .‬قال ماهد ‪:‬‬
‫تشاءموا ب م ‪ ﴿ ،‬قَا َل طَائِرُكُ ْم عِندَ اللّ هِ ﴾ ‪ ،‬قال ا بن عباس ‪ :‬الشؤم أتا كم‬
‫من عند ال لكفركم ‪ ﴿ ،‬بَلْ أَنتُمْ َق ْو ٌم ُتفَْتنُونَ ﴾ تتبون بالي والشر ‪.‬‬
‫سدُونَ فِي الْأَرْ ضِ‬
‫ط ُيفْ ِ‬
‫س َعةُ َرهْ ٍ‬
‫قوله عز وجل ‪ ﴿ :‬وَكَا نَ فِي الْ َمدِيَنةِ تِ ْ‬
‫َولَا يُ صْلِحُونَ (‪ )48‬قَالُوا َتقَا سَمُوا بِاللّ هِ لَنُبَيّتَنّ هُ َوَأهْلَ ُه ثُمّ لَنَقُولَنّ لِ َولِيّ ِه مَا‬
‫ك أَهْلِ ِه وَِإنّا لَ صَا ِدقُونَ (‪ )49‬وَ َم َكرُوا مَكْرا َومَ َك ْرنَا َمكْرا وَهُ مْ‬
‫َش ِهدْنَا مَهْلِ َ‬
‫لَا َيشْ ُعرُو نَ (‪ )50‬فَان ُظرْ كَيْ فَ كَا نَ عَاقَِب ُة مَ ْك ِرهِ ْم َأنّ ا َد ّمرْنَاهُ ْم َوقَ ْو َمهُ مْ‬
‫ْمـ‬
‫ِكـ لَآَيةً ّل َقو ٍ‬
‫ُمـ خَا ِوَيةً بِمَا ظَلَمُوا إِنّ فِي ذَل َ‬
‫ْكـ بُيُوُته ْ‬
‫َأجْ َمعِيَ (‪ )51‬فَتِل َ‬
‫َيعْلَمُونَ (‪َ )52‬وأَنَيْنَا اّلذِينَ آمَنُوا وَكَانُوا يَّتقُونَ (‪. ﴾ )53‬‬
‫‪391‬‬ ‫توفيق الرحن ف دروس القرآن‬

‫عَن ابَن عباس قوله ‪ ﴿ :‬وَكَانََ فِي الْمَدِيَنةِ تِس ََْعةُ َرهْطٍَُيفْسَِدُونَ فِي‬
‫اْلأَرْ ضِ وَلَا يُ صِْلحُونَ ﴾ هم الذين عقروا الناقة ‪ ،‬وقالوا حي عقروها ‪ :‬نبيّت‬
‫صالًا وأهله فنقتلهم ث نقول لولياء صال ‪ .‬ما شهدنا من هذا شيئًا وما لنا‬
‫به علم ‪ ،‬فدمّرهم ال أجعي ‪.‬‬
‫و عن ا بن إ سحاق ‪ :‬قال الت سعة الذ ين عقروا النا قة ‪ :‬هل مّ فلنق تل صالًا‬
‫فإن كان صادقًا ‪ ،‬يعن ‪ :‬فيما وعدهم من العذاب بعد الثلث عجّلناه قبله ‪،‬‬
‫وإن كان كاذبًا نكون قد ألقناه بناق ته ‪ ،‬فأتوه ليلً ل يبيّتوه ف أهله فدمغت هم‬
‫اللئ كة بالجارة ‪ ،‬فل ما أبطأوا على أ صحابم ‪ ،‬أتوا منل صال فوجدو هم‬
‫مشدوخي قد رُضخوا بالجارة ‪.‬‬
‫وقال ا بن ز يد ف وقوله ‪َ ﴿ :‬و َمكَرُوا َمكْرا ﴾ ‪ ،‬قال ‪ :‬احتالوا لمر هم‬
‫واحتال ال ل م ‪ ،‬مكروا بصال مكرًا ‪ ،‬ومكرنا ب م مكرًا ‪ ،‬و هم ل يشعرون‬
‫بكرنا ‪ ،‬وشعرنا بكرهم ‪.‬‬
‫﴿ فَانظُرْ َكيْفَ كَا َن عَاِقبَ ُة َمكْ ِرهِمْ َأنّا َدمّ ْرنَاهُ ْم وََق ْو َمهُمْ أَجْ َمعِيَ ﴾ ‪ ،‬قال‬
‫ماهد ‪ :‬تقا سوا وتالفوا على إهل كه ‪ ،‬فلم ي صلوا إليه ح ت هلكوا وقوم هم‬
‫ُمَ خَا ِوَيةً بِمَا ظََلمُوا ﴾ ‪ ،‬أي ‪ :‬بظلمهَم وكفرهَم‬ ‫ْكَُبيُوتُه ْ‬
‫أجعيَ ‪َ ﴿ .‬فتِل َ‬
‫‪ ﴿ ،‬إِنّ فِي ذَلِ كَ لَآَيةً ﴾ ل عبة ‪ّ ﴿ ،‬ل َقوْ ٍم َيعْلَمُو نَ * َوأَ َنيْنَا الّذِي نَ آ َمنُوا‬
‫وَكَانُوا َيّتقُونَ ﴾ ‪.‬‬
‫الزء الثالث‬ ‫‪392‬‬

‫صرُونَ‬
‫قوله عز وجل ‪َ ﴿ :‬ولُوطا ِإذْ قَالَ ِل َقوْمِ ِه أََت ْأتُو َن اْلفَا ِحشَ َة َوأَنتُ ْم تُبْ ِ‬
‫جهَلُو نَ (‬
‫(‪َ )54‬أئِّنكُ ْم لََتأْتُو َن ال ّرجَا َل شَ ْه َوةً مّن دُو نِ النّ سَاء َبلْ أَنتُ ْم قَوْ ٌم َت ْ‬
‫ب َقوْمِ هِ ِإلّا أَن قَالُوا أَ ْخ ِرجُوا آ َل لُو طٍ مّن َق ْريَتِكُ مْ ِإّنهُ مْ‬
‫‪ )55‬فَمَا كَا َن َجوَا َ‬
‫ُأنَا سٌ يَتَ َط ّهرُو نَ (‪َ )56‬فأَنَيْنَا هُ َوأَهْلَ ُه ِإلّا امْ َرَأتَ ُه َقدّ ْرنَاهَا مِ َن الْغَابِرِي نَ (‪)57‬‬
‫َوَأمْ َطرْنَا عَلَ ْيهِم مّطَرا َفسَاء مَ َطرُ الْمُنذَرِينَ (‪. ﴾ )58‬‬
‫عن ا بن عباس ف قوله ‪ِ ﴿ :‬إّنهُ مْ ُأنَا سٌ يَتَ َطهّرُو نَ ﴾ ‪ ،‬قال ‪ :‬من الرجال‬
‫أدبارهنَ ‪ .‬وقال ماهَد ‪ :‬مَن أدبار الرجال ‪ ،‬وأدبار النسَاء ‪،‬‬ ‫ّ‬ ‫والنسَاء فَ‬
‫استهزاء بم ‪ .‬قال قتادة ‪ :‬عابوهم بغي عيب ‪ .‬أي ‪ :‬وال إنم يتطهّرون من‬
‫أعمال السوء ‪.‬‬
‫﴿ َفأَنَْينَاهُ َوَأهْلَهُ إِلّا امْ َرَأتَهُ َقدّ ْرنَاهَا ﴾ ‪.‬‬
‫قال البغوي ‪ :‬قضينا علي ها وجعلناها بتقديرنا ﴿ مِ َن الْغَابِرِي نَ ﴾ ‪ ،‬أي ‪:‬‬
‫الباق ي ف العذاب ‪َ ﴿ ،‬وَأمْطَرْنَا عََليْهِم مّطَرا ﴾ و هو ‪ :‬الجارة ‪ ﴿ ،‬فَ سَاء‬
‫مَ َط ُر الْمُنذَرِينَ ﴾ ‪.‬‬
‫قال ا بن كث ي ‪ :‬أي ‪ :‬الذ ين قا مت علي هم الجّة وو صل إلي هم الِنذار‬
‫فخالفوا الرسول وكذّبوه وهّوا بإخراجه من بينهم ‪.‬‬
‫قوله عز و جل ‪ُ ﴿ :‬قلِ الْحَ ْم ُد لِلّ هِ وَ سَلَامٌ عَلَى عِبَادِ هِ اّلذِي نَ ا صْ َطفَى‬
‫ض َوأَنزَ َل لَكُم مّنَ‬
‫آللّ ُه خَ ْيرٌ أَمّا ُيشْرِكُونَ (‪َ )59‬أمّ ْن خَلَقَ السّمَاوَاتِ وَالْأَرْ َ‬
‫جرَهَا َأإِلَهٌ‬
‫ج ٍة مّا كَا َن لَكُمْ أَن تُنبِتُوا شَ َ‬
‫السّمَا ِء مَاء َفأَنبَتْنَا بِهِ َحدَائِقَ ذَاتَ بَهْ َ‬
‫‪393‬‬ ‫توفيق الرحن ف دروس القرآن‬

‫ض َقرَارا َو َجعَ َل خِلَالَهَا‬


‫مّ َع اللّ هِ بَ ْل هُ ْم َقوْ ٌم َي ْعدِلُو نَ (‪َ )60‬أمّ ن َج َعلَ اْلأَرْ َ‬
‫ّهـ َبلْ‬
‫ّعـ الل ِ‬
‫َهـ م َ‬
‫ْنـ حَاجِزا أَِإل ٌ‬
‫ح َري ِ‬
‫ْنـ الْبَ ْ‬
‫َاسـيَ َوجَ َع َل بَي َ‬
‫َأْنهَارا وَ َج َعلَ لَهَا َرو ِ‬
‫ف ال سّوءَ‬
‫ب الْمُضْ َط ّر ِإذَا دَعَا هُ وََي ْكشِ ُ‬
‫أَكَْث ُرهُ ْم لَا َيعْلَمُو نَ (‪َ )61‬أمّ ن يُجِي ُ‬
‫ل مّا َتذَكّرُو نَ (‪َ )62‬أمّن َي ْهدِيكُ مْ‬
‫ض َأإِلَ هٌ مّ َع اللّ ِه قَلِي ً‬
‫جعَ ُلكُ ْم خُ َلفَاء اْلأَرْ ِ‬
‫َويَ ْ‬
‫ح ُبشْرا بَيْ نَ َيدَ يْ َرحْمَتِ هِ َأِإلَ هٌ مّ عَ‬
‫ح ِر َومَن ُيرْ سِ ُل الرّيَا َ‬
‫فِي ظُلُمَا تِ الَْب ّر وَالْبَ ْ‬
‫اللّ ِه َتعَالَى اللّهُ عَمّا ُيشْرِكُونَ (‪َ )63‬أمّن يَ ْب َدأُ الْخَلْ َق ُثمّ يُعِيدُهُ َومَن َيرْ ُزقُكُم‬
‫ض َأإَِلهٌ مّ َع اللّهِ ُقلْ هَاتُوا ُب ْرهَاَنكُمْ إِن كُنتُمْ صَادِقِيَ (‪)64‬‬
‫ّمنَ السّمَا ِء وَالْأَرْ ِ‬
‫شعُرُو َن َأيّا نَ‬
‫ب ِإلّا اللّ ُه وَمَا َي ْ‬
‫ض اْلغَيْ َ‬
‫قُل لّا َيعْلَ مُ مَن فِي ال سّمَاوَاتِ وَالْأَرْ ِ‬
‫يُ ْبعَثُو نَ (‪َ )65‬بلِ ادّارَ كَ عِلْ ُمهُ ْم فِي الْآ ِخ َرةِ َب ْل هُ مْ فِي شَكّ مّنْهَا َبلْ هُم‬
‫مّ ْنهَا عَمِونَ (‪. ﴾ )66‬‬
‫ِينَ‬
‫ِهَ الّذ َ‬
‫َسَلَا ٌم عَلَى عِبَاد ِ‬ ‫قال مقاتـل فـ قوله تعال ‪ ﴿ :‬قُ ِل الْحَ ْمدُ لِل ِ‬
‫ّهَ و َ‬
‫اصْ َطفَى ﴾ هم ‪ :‬النبياء ‪ ،‬والرسلون ‪.‬‬
‫قال ا بن كث ي ‪ :‬وقوله تعال ‪ ﴿ :‬آللّ هُ َخيْرٌ َأمّ ا يُ ْ‬
‫شرِكُو نَ ﴾ ؟ ا ستفهام ‪،‬‬
‫إنكار على الشركي ف عبادتم مع ال آلة أخرى ؛ ث شرع تعال يبيّن أنه‬
‫النفرد باللق والرزق والتدبيََ دون غيه ‪ ،‬فقال تعال ‪َ ﴿ :‬أمّنََْ خَلَقَََ‬
‫السّمَاوَاتِ وَاْلأَرْضَ ﴾ ‪ .‬انتهى ‪ .‬وذكر لنا أن الشيخ ممد بن عبد الوهاب ‪-‬‬
‫رحه ال ‪ -‬م ّر بقوم ف بلد العينية عند قب زيد بن الطاب وهم يقولون ‪ :‬يا‬
‫زيد يا زيد ‪ ،‬فقال لم ‪ :‬ال خي من زيد ‪ ،‬ث م ّر بم مرة أخرى وهم يدعون‬
‫الزء الثالث‬ ‫‪394‬‬

‫زيدًا فقال ‪ :‬ال خي من زيد ‪ ،‬ث م ّر بم الثالثة وهم يدعونم فقال ‪ :‬ال خي‬
‫من زيد ‪ ،‬فقالوا ‪ :‬صدق الشيخ ‪ ،‬وتركوا دعاءه ‪.‬‬
‫وقوله تعال ‪َ ﴿ :‬أمّنْ َخلَقَ السّمَاوَاتِ وَاْلأَ ْرضَ ﴾ ؟‬
‫قال البغوي ‪ :‬معناه آلتكم خي أم الذي خلق السماوات والرض ؟‬
‫وقال ابن كثي ‪َ ﴿ :‬أمّنْ ﴾ ف هذه اليات كلها تقديره ‪ :‬أمن يفعل هذه‬
‫الشياء كمن ل يقدر على شيء منها ؟ هذا معن السياق وإن ل يذكر الخر‬
‫لن ف قوة الكلم ما يرشد إل ذلك ‪.‬‬
‫وقوله تعال ‪َ ﴿ :‬وأَنزَلَ َلكُم مّ َن ال سّمَا ِء مَاء َفأَنَبْتنَا بِ هِ حَدَائِ قَ ﴾ ‪ ،‬أي ‪:‬‬
‫جةٍ ﴾ ‪ ،‬أي ‪ :‬من ظر ح سن ‪ ﴿ ،‬مّ ا كَا نَ َلكُ مْ أَن تُنبِتُوا‬‫ت َبهْ َ‬
‫ب ساتي ﴿ ذَا َ‬
‫ج َرهَا ﴾ ‪ ،‬قال ابن كثي ‪ :‬أي ‪ :‬ل تكونوا تقدرون على إنبات أشجارها ‪،‬‬ ‫شَ َ‬
‫وإن ا يقدر على ذلك الالق الرازق ال ستقلّ بذلك ‪ ،‬النفرد به دون ما سواه‬
‫َ يعترف بَه هؤلء الشركون ‪َ ﴿ ،‬أإِلَهٌَ مّعََ اللّهَِ‬ ‫مَن الصَنام والنداد ‪ ،‬كم ا‬
‫ب أنه الالق الرازق ؟ ‪.‬‬
‫﴾ يعبد وقد تبيّن لم ولكل ذي ل ّ‬
‫وقوله تعال ‪ ﴿ :‬بَ ْل هُ مْ َقوْ ٌم َيعْدِلُو نَ ﴾ ‪ ،‬أي ‪ :‬يعلون ل عدلً ونظيًا ‪،‬‬
‫َ وَ َجعَلَ‬
‫َمَاوَاتِ وَالَرْض َ‬
‫َ الس ّ‬
‫َ الّذِي خَلَق َ‬ ‫كمَا قال تعال ‪ ﴿ :‬الْحَ ْمدُ لِلّه ِ‬
‫ت وَالنّو َر ثُ ّم الّذِينَ َكفَرُواْ بِ َرّبهِم َيعْدِلُونَ ﴾ ‪.‬‬
‫الظُّلمَا ِ‬
‫وقال البغوي ‪ :‬قوله ‪َ ﴿ :‬أمّنَ َجعَ َل الْأَر َ‬
‫ْضَ َقرَارا ﴾ ل تيَد بأهلهَا ‪،‬‬
‫﴿ وَ َجعَلَ ِخلَالَهَا ﴾ وسَطها ‪َ ﴿ ،‬أْنهَارا ﴾ تَطّرِ ُد بالياه ‪ ﴿ ،‬وَ َجعَلَ لَهَا‬
‫‪395‬‬ ‫توفيق الرحن ف دروس القرآن‬

‫َ ﴾ العذب والال ‪،‬‬ ‫ح َريْن ِ‬ ‫َ اْلبَ ْ‬


‫َيَ ﴾ جبا ًل ثوابَت ‪َ ﴿ ،‬و َجعَ َل َبيْن َ‬
‫َروَاس ِ‬
‫﴿ حَاجِزا ﴾ مانعًا لئل يتلط أحدها بالخر ‪َ ﴿ ،‬أإِلَهٌ مّعَ اللّ ِه بَلْ أَ ْكثَ ُرهُمْ‬
‫لَا َيعْلَمُونَ ﴾ توحيد ربم وسلطانه ‪.‬‬
‫وقال ابـن كثيـ ‪ :‬يقول ‪َ ﴿ :‬أمّنَ َجعَ َل اْلأَر َ‬
‫ْضَ قَرَارا ﴾ ‪ ،‬أي ‪ :‬قارّة‬
‫ساكنة ثابتة ل تيد ول تتحرّك بأهلها وترجف بم ‪ ،‬وأنا لو كانت كذلك‬
‫ل ا طاب علي ها الع يش والياة ‪ ،‬بل جعله ما من فضله ورح ته مهادًا ب ساطًا‬
‫ثاب تة ل تتزلزل ول تتحرّك ‪ ،‬ك ما قال تعال ف ال ية الخرى ‪ ﴿ :‬اللّ ُه الّذِي‬
‫َجعَلَ َلكُمُ الْأَ ْرضَ قَرَارا وَالسّمَاء ِبنَاء ﴾ ‪.‬‬
‫وقوله تعال ‪َ ﴿ :‬أمّنَ يُجِيبَُ الْ ُمضْ َطرّ ﴾ ‪ ،‬أي ‪ :‬الكروب الجهود ‪،‬‬
‫ج َعُلكُ مْ خَُلفَاء اْلأَرْ ضِ ﴾ سكّانا يهلك‬‫ف ال سّوءَ َويَ ْ‬
‫﴿ إِذَا َدعَا ُه َويَكْشِ ُ‬
‫قرنًا وينشئ آخر ﴿ َأإِلَ ٌه مّعَ اللّهِ َقلِيلً مّا تَذَكّرُونَ ﴾ ‪ ،‬أي ‪ :‬ما أقلّ تذكّركم‬
‫فيما يرشدكم إل الق ‪ ،‬فلذلك أشركتم بال غيه ف عبادته ‪.‬‬
‫َاتَ اْلبَ ّر وَاْلبَحْرِ‬
‫ُمَ فَِي ظُلُم ِ‬
‫وعَن ابَن جريَج قوله ‪َ ﴿ :‬أمّنَ َيهْدِيك ْ‬
‫﴾ والظلمات فَ الب ‪ :‬ضللة الطريَق ‪ .‬والبحَر ‪ :‬ضللة طريقَه وموجَه ‪.‬‬
‫وقال ابَن جريَر ‪ :‬يقول تعال ذكره ‪ :‬أم مَا تشركون بال خيَ أم الذي‬
‫يهدي كم ف ظلمات الب والب حر إذا ضلل تم فيه ما الطر يق فأظل مت علي كم‬
‫السبل فيهما ؟‬
‫الزء الثالث‬ ‫‪396‬‬

‫حرِ ﴾‬ ‫وقال ابن كثي ‪ :‬يقول تعال ‪َ ﴿:‬أمّن َيهْدِيكُمْ فِي ظُلُمَا ِ‬
‫ت اْلبَ ّر وَالْبَ ْ‬
‫َا قال تعال ‪:‬‬
‫َماوية والرضيَّة ‪ ،‬كمَ‬
‫َن الدلئل السَ‬ ‫أي ‪ :‬با َ خلق مَ‬
‫ت َوبِالنّجْ ِم هُ ْم َي ْهتَدُونَ ﴾ ‪.‬‬
‫﴿ َوعَلمَا ٍ‬
‫ُهَ ﴾ ‪ ،‬أي ‪ :‬بعَد الوت ‪،‬‬ ‫وقوله تعال ‪َ ﴿ :‬أمّنَ َيبْ َدُأ الْخَل َ‬
‫ْقَ ثُم ّ ُيعِيد ُ‬
‫﴿ َومَن يَ ْرزُُقكُم مّ َن ال سّمَاءِ ﴾ بالطر والرض بالنبات ‪َ ﴿ ،‬أإِلَ هٌ مّ عَ اللّ ِه‬
‫قُلْ هَاتُوا ُب ْرهَاَنكُ مْ ﴾ حجّتكم على قولكم أن مع ال إلًا آخر ‪ ﴿ ،‬إِن كُنتُ مْ‬
‫صَادِِقيَ ﴾ ف ذلك ‪ ،‬وقد علم أنه ل حجّة لم ول برهان ‪ ،‬كما قال تعال ‪:‬‬
‫ع مَ عَ اللّ هِ إِلَها آ َخرَ لَا بُ ْرهَا نَ لَ ُه بِ هِ فَِإنّمَا حِ سَابُهُ عِندَ َربّ هِ ِإنّ هُ لَا‬
‫﴿ وَمَن يَدْ ُ‬
‫ُيفْلِ ُح اْلكَافِرُونَ ﴾ ‪.‬‬
‫ض اْلغَْيبَ إِلّا اللّهُ ﴾ ‪.‬‬ ‫وقوله تعال ‪ ﴿:‬قُل لّا َيعَْل ُم مَن فِي السّمَاوَا ِ‬
‫ت وَالْأَ ْر ِ‬
‫عن و قت‬ ‫قال البغوي ‪ :‬نزلت ف الشرك ي ح يث سألوا ر سول ال‬
‫شعُرُونَ َأيّانَ ﴾ ‪ ،‬مت ﴿ يُْب َعثُونَ ﴾ ‪.‬‬
‫قيام الساعة ‪َ ﴿ .‬ومَا يَ ْ‬
‫وقال ابن كثي ‪ :‬يقول تعال آمرًا رسوله أن يقول معلّمًا لميع اللق‬
‫أنه ل يعلم أحد من أهل السماوات والرض الغيب إل ال عز وجل ‪.‬‬
‫وقوله تعال ‪َ ﴿ :‬ومَا يَ ْ‬
‫شعُرُونَ َأيّانَ ُيْبعَثُونَ ﴾ ‪ ،‬أي ‪ :‬وما يشعر اللئق‬
‫الساكنون ف السماوات والرض بوقت الساعة ‪ ،‬كما قال تعال ‪َ ﴿ :‬ثقُلَ ْ‬
‫ت‬
‫فِي ال سّمَاوَاتِ وَالَرْ ضِ َل َتأْتِيكُ مْ إِ ّل َبغَْتةً ﴾ ‪ .‬وعن عائ شة ر ضي ال عن ها‬
‫قالت ‪ :‬من زعم أنه يعلم ‪ -‬تعن النب ‪ -‬ما يكون ف غد ‪ ،‬فقد أعظم على‬
‫‪397‬‬ ‫توفيق الرحن ف دروس القرآن‬

‫ال الفر ية ‪ ،‬لن ال تعال يقول ‪ ﴿ :‬قُل لّا َيعْلَ ُم مَن فِي ال سّمَاوَاتِ وَاْلأَرْ ضِ‬
‫اْل َغيْبَ إِلّا اللّهُ ﴾ ‪ .‬رواه ابن أب حات ‪.‬‬
‫ُمَ فِي الْآخِ َرةِ ﴾ ‪ ،‬أي ‪ :‬غاب ‪ ﴿ ،‬بَلْ‬ ‫وقوله تعال ‪ ﴿ :‬بَلِ ادّار َ‬
‫َكَ عِلْ ُمه ْ‬
‫هُ مْ فِي شَكّ ّمْنهَا بَ ْل هُم ّمنْهَا عَمِو نَ ﴾ ‪ .‬قال ابن زيد يقول ‪ :‬ض ّل عملهم‬
‫ف الخرة ‪ ،‬وليس لم فيها علم ﴿ بَ ْل هُم ّمنْهَا عَمِونَ ﴾ ‪.‬‬
‫قال ابن كثي ‪ :‬أي ‪ :‬ف عماية وجهل كبي ف أمرها وشأنا ‪.‬‬

‫***‬
‫الزء الثالث‬ ‫‪398‬‬

‫الدرس الائتان‬

‫خ َرجُو نَ (‪َ )67‬لقَدْ‬


‫﴿ َوقَالَ اّلذِي نَ َك َفرُوا َأئِذَا كُنّا تُرَابا وَآبَا ُؤنَا َأئِنّا لَمُ ْ‬
‫ي اْلأَ ّولِيَ (‪ُ )68‬قلْ‬
‫ِنـ هَذَا إِلّا أَسـَاطِ ُ‬
‫ْنـ وَآبَاؤُنَا مِن قَ ْب ُل إ ْ‬
‫وُ ِعدْنَا َهذَا نَح ُ‬
‫حزَ نْ‬
‫جرِمِيَ (‪َ )69‬ولَا تَ ْ‬
‫ض فَان ُظرُوا كَيْ فَ كَا نَ عَاقَِبةُ الْ ُم ْ‬
‫سِيُوا فِي اْلأَرْ ِ‬
‫عَلَ ْيهِ ْم وَلَا تَكُن فِي ضَيْ ٍق مّمّا يَ ْم ُكرُو نَ (‪َ )70‬وَيقُولُو َن مَتَى هَذَا اْلوَ ْعدُ إِن‬
‫ض اّلذِي تَسْتَعْجِلُونَ‬
‫ف لَكُم َبعْ ُ‬
‫كُنتُمْ صَادِقِيَ (‪ُ )71‬قلْ عَسَى أَن َيكُونَ َردِ َ‬
‫ش ُكرُو نَ (‪)73‬‬
‫ضلٍ عَلَى النّا سِ َوَلكِنّ أَكَْث َرهُ ْم لَا َي ْ‬
‫(‪َ )72‬وإِنّ َربّ كَ َلذُو فَ ْ‬
‫صدُو ُرهُ ْم وَمَا ُيعْلِنُو نَ (‪ )74‬وَمَا مِ نْ غَائَِبةٍ فِي‬
‫َوإِنّ َربّ كَ لََيعْلَ مُ مَا تُكِنّ ُ‬
‫ب مّبِيٍ (‪ )75‬إِنّ َهذَا اْلقُرْآ َن َيقُ صّ عَلَى بَنِي‬
‫ض ِإلّا فِي كِتَا ٍ‬
‫ال سّمَاء وَالْأَرْ ِ‬
‫إِ ْسرَائِي َل أَكَْثرَ اّلذِي هُمْ فِيهِ يَخْتَ ِلفُو نَ (‪ )76‬وَِإنّ ُه َلهُدًى وَ َرحْ َمةٌ لّلْ ُم ْؤمِنِيَ (‬
‫حكْمِ هِ وَ ُهوَ اْل َعزِيزُ اْلعَلِي مُ (‪ )78‬فََتوَ ّكلْ عَلَى‬
‫‪ )77‬إِنّ َربّ كَ يَقْضِي بَيْنَهُم بِ ُ‬
‫صمّ‬
‫ك لَا تُ سْمِ ُع الْ َموْتَى َولَا تُ سْ ِم ُع ال ّ‬
‫حقّ الْمُِبيِ (‪ِ )79‬إنّ َ‬
‫اللّ ِه ِإنّ كَ عَلَى الْ َ‬
‫الدّعَاء ِإذَا َولّوْا ُم ْدِبرِينَـ (‪ )80‬وَمَا أَنتَـِبهَادِي الْعُمْيِـ عَن ضَلَالَِتهِم ْـإِن‬
‫تُ سْمِعُ إِلّا مَن ُي ْؤمِ ُن بِآيَاتِنَا فَهُم مّ سْلِمُونَ ( ‪َ )81‬وِإذَا َوقَ َع الْ َقوْلُ عَلَ ْيهِ مْ‬
‫ض ُتكَلّ ُمهُ مْ أَنّ النّا سَ كَانُوا بِآيَاتِنَا لَا يُوقِنُو نَ (‬
‫َأ ْخرَجْنَا َلهُ ْم دَاّبةً مّ َن الْأَرْ ِ‬
‫ب بِآيَاتِنَا َفهُ مْ يُوزَعُو نَ (‬
‫ش ُر مِن ُك ّل ُأمّ ٍة َفوْجا مّمّ ن يُ َكذّ ُ‬
‫حُ‬‫‪َ )82‬وَيوْ َم نَ ْ‬
‫‪ )83‬حَتّى ِإذَا جَاؤُوا قَالَ أَ َك ّذبْتُم بِآيَاتِي َولَ مْ تُحِيطُوا ِبهَا عِلْما َأمّاذَا كُنتُ مْ‬
‫َتعْمَلُو نَ (‪ )84‬وَ َوقَ عَ اْل َقوْلُ عَلَيْهِم بِمَا ظَلَمُوا َفهُ مْ لَا يَن ِطقُو نَ (‪َ )85‬ألَ مْ‬
‫‪399‬‬ ‫توفيق الرحن ف دروس القرآن‬

‫ك لَآيَا تٍ لّ َقوْ مٍ‬


‫سكُنُوا فِي هِ وَالّنهَا َر مُبْ صِرا إِنّ فِي َذلِ َ‬
‫َي َروْا َأنّا جَعَلْنَا اللّ ْيلَ لِيَ ْ‬
‫ت وَمَن فِي‬
‫ع مَن فِي ال سّمَاوَا ِ‬
‫خ فِي ال صّورِ فَ َفزِ َ‬
‫ُي ْؤمِنُو نَ (‪ )86‬وََيوْ َم يُنفَ ُ‬
‫ض ِإلّا مَن شَاء اللّ ُه وَ ُكلّ َأَتوْ ُه دَا ِخرِي نَ (‪َ )87‬وَترَى الْجِبَالَ تَحْ سَُبهَا‬
‫اْلأَرْ ِ‬
‫ي بِمَا‬
‫جَامِ َد ًة وَهِ يَ تَ ُم ّر َم ّر ال سّحَابِ صُنْعَ اللّ ِه الّذِي َأتْقَ نَ ُك ّل شَيْ ٍء ِإنّ هُ خَبِ ٌ‬
‫ع يَ ْومَِئذٍ آ ِمنُونَ (‬
‫حسََنةِ فَ َلهُ خَيْ ٌر مّ ْنهَا وَهُم مّن َفزَ ٍ‬
‫َت ْفعَلُونَ (‪ )88‬مَن جَاء بِالْ َ‬
‫ج َزوْ َن ِإلّا مَا كُنتُ مْ‬
‫ت وُجُوهُهُ مْ فِي النّارِ َه ْل تُ ْ‬
‫‪َ )89‬ومَن جَاء بِال سّيَّئ ِة فَكُبّ ْ‬
‫ت أَ ْن أَعُْبدَ َربّ َهذِ ِه الْبَ ْل َدةِ اّلذِي َح ّرمَهَا َولَ هُ ُكلّ‬
‫َتعْمَلُو نَ (‪ِ )90‬إنّمَا أُ ِمرْ ُ‬
‫ت أَ ْن أَكُو نَ مِ َن الْمُ سْلِمِيَ (‪َ )91‬وأَ ْن َأتْلُ َو الْ ُقرْآ َن فَمَ ِن اهَْتدَى‬
‫َشيْ ٍء وَُأ ِمرْ ُ‬
‫ض ّل َفقُ ْل ِإنّمَا َأنَا مِ َن الْمُنذِرِينَ (‪َ )92‬و ُقلِ الْحَ ْمدُ‬
‫سهِ وَمَن َ‬
‫َفِإنّمَا َيهَْتدِي لِنَفْ ِ‬
‫لِ ّل ِه سَُيرِيكُمْ آيَاِتهِ فََت ْع ِرفُوَنهَا َومَا َرّبكَ ِبغَافِلٍ َعمّا َتعْمَلُونَ (‪. ﴾ )93‬‬

‫***‬
‫الزء الثالث‬ ‫‪400‬‬

‫ِينـ َك َفرُوا َأِئذَا كُنّاـ ُترَابا وَآبَاؤُن َا َأئِنّاـ‬


‫قوله عـز وجـل ‪َ ﴿ :‬وقَا َل اّلذ َ‬
‫خرَجُو نَ (‪َ )67‬لقَ ْد وُ ِع ْدنَا َهذَا نَحْ ُن وَآبَا ُؤنَا مِن قَ ْبلُ إِ ْن هَذَا إِلّا أَ سَاطِيُ‬
‫لَ ُم ْ‬
‫ج ِرمِيَ (‬
‫ض فَان ُظرُوا كَيْ فَ كَا نَ عَاقَِبةُ الْ ُم ْ‬
‫اْلأَ ّولِيَ (‪ُ )68‬قلْ سِيُوا فِي اْلأَرْ ِ‬
‫حزَ نْ عَلَ ْيهِ مْ َولَا تَكُن فِي ضَيْ قٍ مّمّ ا يَ ْمكُرُو نَ (‪َ )70‬وَيقُولُو نَ‬
‫‪َ )69‬ولَا تَ ْ‬
‫ف لَكُم‬
‫مَتَى هَذَا اْلوَ ْعدُ إِن كُنتُ مْ صَا ِدقِيَ (‪ُ )71‬قلْ عَ سَى أَن َيكُو نَ َردِ َ‬
‫ّاسـ َوَلكِنّ‬
‫ضلٍ عَلَى الن ِ‬
‫ّكـ لَذُو فَ ْ‬
‫َسـتَعْجِلُونَ (‪ )72‬وَإِنّ َرب َ‬
‫ْضـ الّذِي ت ْ‬
‫َبع ُ‬
‫صدُو ُر ُهمْ َومَا ُيعْلِنُونَ (‬
‫ك لََيعْلَ ُم مَا ُت ِكنّ ُ‬
‫أَكَْث َر ُهمْ لَا َيشْ ُكرُونَ (‪ )73‬وَإِنّ َرّب َ‬
‫ض ِإلّا فِي كِتَابٍ مّبِيٍ (‪. ﴾ )75‬‬
‫‪َ )74‬ومَا ِمنْ غَائَِبةٍ فِي السّمَاء وَالْأَرْ ِ‬
‫يقول تعال م بًا عن منكري البعث من الشركي ‪ :‬أنم استبعدوا إعادة‬
‫الج ساد ب عد ذهاب ا فقالوا ‪ ﴿ :‬أَئِذَا ُكنّ ا تُرَابا وَآبَاؤُنَا َأِئنّ ا لَ ُمخْ َرجُو نَ * َلقَ ْد‬
‫ُوعِدْنَا هَذَا َنحْ ُن وَآبَاؤُنَا مِن َقبْلُ ﴾ ‪ ،‬أي ‪ :‬ما زل نا ن سمع هذا ن ن وآباؤ نا‬
‫ول نرى له حقيقة وقوعًا ‪.‬‬
‫﴿ إِ ْن هَذَا إِلّا أَ سَاطِ ُي الَْأوّلِيَ ﴾ أحاديثهم وأكاذيب هم ال ت كتبوها ‪ ،‬قال‬
‫ال تعال ميبًا لمَ ‪ُ ﴿ :‬قلْ ﴾ لمَيَا ممَد لؤلء ‪ ﴿ :‬سَِيُوا فِي الْأَرْضَِ‬
‫ج ِرمِيَ ﴾ ‪ ،‬أي ‪ :‬الكذّبي للرسل وبا جاءوهم‬ ‫فَان ُظرُوا َكيْ فَ كَا نَ عَاِقَب ُة الْمُ ْ‬
‫به ك يف حلّت ب م نق مة ال ‪ ،‬ث قال تعال م سّليًا ل نبيّه ‪ ﴿ :‬وَلَا تَحْزَ نْ‬
‫ضيْ ٍق مّمّ ا يَ ْمكُرُو نَ ﴾ ‪ ،‬أي ‪ :‬ف كيدك وردّ ما جئت‬ ‫عََلْيهِ ْم وَلَا تَكُن فِي َ‬
‫به ‪ ،‬فإن ال مؤيدك ومظهر دينك ‪.‬‬
‫‪401‬‬ ‫توفيق الرحن ف دروس القرآن‬

‫﴿ َوَيقُولُو َن َمتَى هَذَا اْلوَعْدُ إِن كُنتُمْ صَادِقِيَ * قُ ْل عَسَى أَن َيكُونَ رَدِفَ‬
‫سَتعْجِلُونَ ﴾ ‪ .‬قال ابن عباس ‪ :‬يقول ‪ :‬اقترب لكم ‪.‬‬ ‫َلكُم َب ْعضُ الّذِي تَ ْ‬
‫﴿ َوإِنّ َربّكَ لَذُو َفضْ ٍل عَلَى النّاسِ ﴾ بإنعامه عليهم وتأخي العذاب عنهم‬
‫مع ظلمهم لنفسهم ﴿ وََلكِنّ أَ ْكثَ َرهُمْ لَا يَشْكُرُونَ * َوإِنّ َربّكَ َلَيعْلَمُ مَا ُتكِنّ‬
‫صدُو ُرهُ ْم َومَا ُيعِْلنُونَ ﴾ ‪ ،‬فإنه يعلم السرائر كما يعلم الظواهر ‪.‬‬ ‫ُ‬
‫َابَ مّبِيٍ ﴾ ‪ ،‬أي ‪:‬‬ ‫ْضَإِلّا فِي ِكت ٍ‬ ‫السَمَاء وَاْلأَر ِ‬
‫ِنَ غَائَِبةٍ فِي ّ‬
‫﴿ وَمَا م ْ‬
‫مكتوب ف اللوح الحفوظ ‪ ،‬كما قال تعال ‪ ﴿ :‬أَلَمْ تَعَْلمْ َأنّ اللّ َه َيعْلَ ُم مَا فِي‬
‫ك عَلَى اللّ ِه يَسِيٌ ﴾ ‪.‬‬ ‫السّمَاء وَاْلأَ ْرضِ ِإنّ ذَلِكَ فِي ِكتَابٍ ِإنّ ذَلِ َ‬
‫قوله عز وجل ‪ ﴿ :‬إِنّ َهذَا اْلقُرْآ َن َيقُ صّ َعلَى بَنِي إِ ْسرَائِي َل أَكَْثرَ اّلذِي‬
‫ك َيقْضِي‬
‫هُمْ فِيهِ يَخْتَ ِلفُونَ (‪ )76‬وَِإنّهُ َل ُهدًى وَ َرحْ َم ٌة لّلْ ُم ْؤمِنِيَ (‪ )77‬إِنّ َربّ َ‬
‫حكْمِ هِ َوهُ َو اْلعَزِيزُ اْلعَلِي مُ (‪ )78‬فََتوَ ّكلْ َعلَى اللّ هِ ِإنّ كَ عَلَى الْحَقّ‬
‫بَيْنَهُم بِ ُ‬
‫الصـ ّم الدّعَاء ِإذَا وَّلوْا‬
‫ُسـ ِم ُع ّ‬
‫ُسـمِ ُع الْ َموْت َى َولَا ت ْ‬
‫ّكـ لَا ت ْ‬
‫الْمُبِي ِ (‪ِ )79‬إن َ‬
‫ُم ْدبِرِي نَ (‪ )80‬وَمَا أَن تَ ِبهَادِي اْلعُمْ يِ عَن ضَلَالَتِهِ مْ إِن تُ سْمِ ُع ِإلّا مَن ُيؤْمِ نُ‬
‫بِآيَاتِنَا َفهُم ّمسْلِمُونَ (‪. ﴾ )81‬‬
‫يقول تعال ‪ ﴿ :‬إِنّ هَذَا اْلقُرْآ نَ َيقُ ّ‬
‫ص عَلَى بَنِي إِ سْرَائِيلَ ﴾ ‪ ،‬و هم أ هل‬
‫ختَِلفُونَ ﴾ من أمر‬‫الكتاب التوراة والِنيل ليبيّن لم ‪ ﴿ :‬أَ ْكثَ َر الّذِي هُمْ فِي ِه يَ ْ‬
‫الدين ‪ .‬قال الكلب ‪ :‬إن أهل الكتاب اختلفوا فيما بينهم فصاروا أحزابًا يطعن‬
‫بعضهم على بعض ‪ ،‬فنل القرآن ببيان ما اختلفوا فيه ‪َ ﴿ .‬وِإنّ هُ ﴾ ‪ ،‬يعن ‪:‬‬
‫الزء الثالث‬ ‫‪402‬‬

‫حكْمِ ِه ﴾ الق ‪،‬‬ ‫القرآن ﴿ َلهُدًى وَرَ ْح َمةٌ لّلْ ُم ْؤ ِمنِيَ * ِإنّ َربّكَ َي ْقضِي بَْيَنهُم ِب ُ‬
‫﴿ وَ ُه َو اْلعَزِيزُ ﴾ فل يردّ أمره ‪ ﴿ ،‬اْلعَلِي ُم ﴾ بأحوال م ‪َ ﴿ ،‬فَتوَكّ ْل عَلَى اللّ هِ‬
‫﴾ فَ جيَع أمورك وبلّغ رسَالة ربَك ‪ِ ﴿ ،‬إنّكََ عَلَى الْحَقّ الْ ُمبِيِ ﴾ وإن‬
‫خالفك من خالفك ‪.‬‬
‫﴿ ِإنّكَ لَا تُسْ ِم ُع الْ َم ْوتَى وَلَا تُسْمِ ُع الصّمّ ال ّدعَاء ِإذَا وَّلوْا مُ ْدبِرِينَ ﴾ ‪ ،‬قال‬
‫‪ ،‬قتادة ‪ :‬الصمّ ‪ :‬إذا ولّى مدبرًا ث ناديته ل يسمع ‪ ،‬كذلك الكافر ل يسمع‬
‫ما يُدعى إليه من الِيان ‪.‬‬
‫قال البغوي ‪ :‬ومعن الية ‪ :‬أنم لفرط إعراضهم عما يُ ْد َعوْن إليه كاليت‬
‫الذي ل سَبيل إل إسَاعه ‪ ،‬والصَمّ الذي ل يسَمع ‪ ﴿ ،‬وَمَا أَنتََ ِبهَادِي‬
‫ِمَ ﴾ ‪ ،‬أي ‪ :‬مَا أنَت برشَد مَن أعمَى ال قلبَه عَن‬ ‫ضلَاَلِته ْ‬
‫ْيَ عَن َ‬
‫اْلعُم ِ‬
‫الِيان ﴿ إِن تُ سْمِعُ ﴾ ما ت سمع ‪ ﴿ ،‬إِلّا مَن ُي ْؤمِ نُ بِآيَاتِنَا فَهُم مّ سْلِمُونَ‬
‫﴾ ملصون فيه مصدّقون بكتبه ورسله ‪.‬‬
‫قوله عز وجل ‪ ﴿ :‬وَِإذَا َوقَ َع الْ َقوْلُ عَلَ ْيهِمْ َأ ْخرَجْنَا َلهُ ْم دَاّب ًة مّنَ اْلأَرْضِ‬
‫ُتكَلّ ُم ُهمْ أَ ّن النّاسَ كَانُوا بِآيَاتِنَا لَا يُوقِنُونَ (‪. ﴾ )82‬‬
‫قال ابن عباس ‪ :‬تاطبهم ‪ .‬قال ابن عمر ‪ :‬وذلك حي ل يؤمر بعروف‬
‫ِمَ ﴾ ‪،‬‬
‫َعَ اْلقَوْ ُل عََلْيه ْ‬
‫ول يُنهَى عَن منكَر ‪ .‬وعَن قتادة ‪ :‬قوله ‪َ ﴿ :‬وإِذَا وَق َ‬
‫يقول ‪ :‬إذا وجَب القول عليهَم ‪ ،‬والقول ‪ :‬الغضَب ‪ ﴿ .‬أَخْ َرجْنَا ﴾ دابَة‬
‫ذات ز غب ور يش ‪ ،‬ول ا أر بع قوائم ترج من ب عض أود ية تا مة ‪ .‬و عن‬
‫‪403‬‬ ‫توفيق الرحن ف دروس القرآن‬

‫حذي فة بن أ سيد الغفاري قال ‪ :‬أشرف علي نا ر سول ال من غر فة ون ن‬


‫نتذا كر أ مر ال ساعة فقال ‪ « :‬ل تقوم ال ساعة ح ت تروا ع شر آيات ‪ :‬طلوع‬
‫الشمَس مَن مغرباَ ‪ ،‬والدخان ‪ ،‬والدابَة ‪ ،‬وخروج يأجوج ومأجوج ‪،‬‬
‫وخروج عيسى ابن مري عليه السلم ‪ ،‬والدجال ‪ ،‬وثلثة خسوف ‪ :‬خسف‬
‫بالغرب ‪ ،‬وخ سف بالشرق ‪ ،‬وخ سف بزيرة العرب ؛ ونار ترج من ق عر‬
‫عدن ت سوق الناس تبيت مع هم ح يث باتوا ‪ ،‬وتق يل مع هم ح يث قالوا » ‪.‬‬
‫رواه أحد وغيه ‪.‬‬
‫وعَن أبَ هريرة أن رسَول ال قال ‪ « :‬ل تقوم السَاعة حتَ تطلع‬
‫الش مس من مغرب ا ‪ ،‬فإذا طل عت فرآ ها الناس آمنوا أجعون ‪ ،‬فذلك ح ي ل‬
‫ينفع نف سًا إيانا ل تكن آمنت من قبل ‪ ،‬ولتقوم نّ الساعة وقد نشر الرجلن‬
‫ثوبما بينهما فل يتبايعانه ول يطويانه ‪ ،‬ولتقوم ّن الساعة وقد انصرف الرجل‬
‫بلب لقحته فل يطعمه ‪ ،‬ولتقوم ّن الساعة وهو يليط حوضه فل يسقي فيه ‪،‬‬
‫ولتقومنَ السَاعة وقَد رفَع أحدكَم أكلتَه إل فيَه فل يطعمهَا » ‪ .‬رواه‬
‫ّ‬
‫البخاري ‪ .‬قال الط يب ‪ :‬اليات أمارات ال ساعة ‪ ،‬إ ما على قرب ا ‪ ،‬وإ ما على‬
‫حصَولا ‪ .‬فمـن الول ‪ :‬الدجال ‪ ،‬ونزول عيسَى ‪ ،‬ويأجوج ومأجوج ‪،‬‬
‫وال سف ‪ .‬و من الثا ن ‪ :‬الدخان ‪ ،‬وطلوع الش مس من مغرب ا ‪ ،‬وخروج‬
‫الدابة ‪ ،‬والنار الت تشر الناس ‪.‬‬
‫الزء الثالث‬ ‫‪404‬‬

‫وعَن عبَد ال بَن عمرو أنَه سَع رسَول ال يقول ‪ « :‬إن أول اليات‬
‫خروجًا طلوع الشمَس مَن مغرباَ ‪ ،‬وخروج الدابَة على الناس ضحَى ‪،‬‬
‫وأيّتهما كانت قبل صاحبتها ‪ ،‬فالخرى على أثرها قريبًا » ‪ .‬رواه مسلم ‪.‬‬
‫قال الا فظ ا بن ح جر ‪ ( :‬فالذي يترجّح من مموع الخبار أن خروج‬
‫الدجال أوّل اليات العظام الؤذ نة بتغي ي الحوال العا مة ف مع ظم الرض ‪،‬‬
‫وينتهي ذلك بوت عيسى ابن مري ‪ ،‬وأن طلوع الشمس من الغرب هو أوّل‬
‫اليات العظام الؤذِنَة بتغييَ الحوال العلويَة ‪ ،‬وينتهَي ذلك بقيام السَاعة ‪،‬‬
‫ولعلّ خروج الدا بة ي قع ف ذلك اليوم الذي تطلع ف يه الش مس من الغرب ‪.‬‬
‫قال ‪ :‬والكمة ف ذلك أن عند طلوع الشمس من الغرب يغلق باب التوبة ‪،‬‬
‫فتخرج الدابة تيّز الؤمن من الكافر ‪ ،‬تكميلً للمقصود من إغلق باب التوبة‬
‫‪ ،‬وأوّل اليات الؤذِنة بقيام الساعة النار الت تشر الناس ) ‪ .‬انتهى ‪.‬‬
‫وقال عبد ال بن عمرو ‪ ( :‬ل تلبثون بعد يأجوج ومأجوج إل قليلً حت‬
‫تطلع الشمس من مغربا ‪ ،‬فيناديهم مناد ‪ :‬يا أيها الذين آمنوا قد قبل منكم ‪،‬‬
‫و يا أي ها الذ ين كفروا قد أغلق عن كم باب التو بة ‪ ،‬وجفّت القلم وطوت‬
‫الصحف ) ‪ .‬رواه نعيم ‪ ،‬وحاد ‪.‬‬
‫وع ند م سلم من حد يث ع بد ال بن عمرو رف عه ‪ « :‬يرج الدجال من‬
‫أمت ‪ -‬الديث وفيه ‪ : -‬فبعث ال عيسى ابن مري فيطلبه فيهلكه ‪ ،‬ث يكث‬
‫الناس سبع سني ‪ ،‬ث ير سل ال ريًا باردة من ِقبَلِ الشام ‪ ،‬فل يب قى على‬
‫وجه الرض أحد ف قلبه مثقال حبة من خي أو إيان إل قبضته ‪ -‬وفيه ‪: -‬‬
‫‪405‬‬ ‫توفيق الرحن ف دروس القرآن‬

‫فيب قى شرار الناس ف خِفّة الط ي ‪ ،‬وأحلم ال سباع ‪ ،‬ل يعرفون معروفًا ول‬
‫ينكرون منكرًا ‪ .‬فيتمثّل ل م الشيطان فيأمر هم بعبادة الوثان ‪ ،‬ث يُن فخ ف‬
‫ال صور » ‪ .‬وروى أح د وغيه من حد يث أ نس ‪ « :‬إن أمام الدجال سنون‬
‫خداعات يكذب فيها الصادق ‪ ،‬ويصدق فيها الكاذب ‪ ،‬ويون فيها المي ‪،‬‬
‫ويؤت ن في ها الائن ‪ ،‬ويتكلّم في ها الرويب ضة » ‪ .‬و ف حد يث أ ب هريرة ع ند‬
‫ابن ماجة قيل ‪ :‬وما الرويبضة ؟ قال ‪ « :‬الرجل التافه يتكلّم ف أمره العامّة »‬
‫‪.‬‬
‫و عن ع بد ال بن ع مر ر ضي ال عنه ما قال ‪ :‬ك نا قعودًا ع ند ال نب‬
‫فذكر الفت فأكثر ف ذكرها حت ذكر فتنة الحلس ‪ .‬قال قائل ‪ :‬وما فتنة‬
‫الحلس ؟ قال ‪ « :‬هي هَرَ بٌ و َحرْ بٌ ؛ ث فت نة ال سرّاء دَ َخنُ ها من ت ت‬
‫َق َدمَ يْ رجل من أهل بيت يزعم أنه منّي وليس منّي ‪ ،‬إنا أوليائي التقون ‪ ،‬ث‬
‫ضلَ عٍ ث فتنة ال ّدهَيْمَاء ل تدع أحدًا من‬
‫يصطلح الناس على رجل َكوَرِ كٍ على ِ‬
‫هذه ال مة إل لطم ته لط مة ‪ .‬فإذا ق يل ‪ :‬انق ضت تادت ي صبح الر جل في ها‬
‫مؤمنًا ‪ ،‬وي سي كافرًا ‪ .‬ح ت ي صي الناس إل ف سطاطي ‪ :‬ف سطاط إيان ل‬
‫نفاق فيه ‪ ،‬وفسطاط نفاق ل إيان فيه ‪ ،‬فإذا كان ذاكم فانتظروا الدجال من‬
‫يومه أو من غده » ‪ .‬رواه أبو داود ‪ .‬ولحد من حديث عبد ال بن عمرو ‪:‬‬
‫« ل تقوم الساعة حت يأخذ ال شريطته من أهل الرض ‪ ،‬فيبقى عجاج ل‬
‫يعرفون معروف ًا ول يُنكرون منكرًا » ‪ .‬وله مَن حديَث أنَس ‪ « :‬ل تقوم‬
‫الساعة حت ل يقال ف الرض ‪ :‬ل إله إل ال » ‪.‬‬
‫الزء الثالث‬ ‫‪406‬‬

‫ش ُر مِن ُك ّل ُأ ّمةٍ َفوْجا مّمّن يُ َكذّ بُ بِآيَاتِنَا‬


‫حُ‬‫قوله عز وجل ‪ ﴿ :‬وََيوْ َم نَ ْ‬
‫َفهُ مْ يُوزَعُو نَ (‪ )83‬حَتّ ى ِإذَا جَاؤُوا قَا َل أَ َكذّبْتُم بِآيَاتِي وَلَ مْ تُحِيطُوا بِهَا‬
‫ُمـ لَا‬
‫َعـ اْلقَ ْولُ عَلَيْهِم بِمَا َظلَمُوا َفه ْ‬
‫ُونـ (‪ )84‬وَ َوق َ‬
‫ُمـ َتعْمَل َ‬
‫عِلْما َأمّاذَا كُنت ْ‬
‫يَن ِطقُو نَ (‪َ )85‬ألَ مْ َي َروْا َأنّا َجعَلْنَا اللّ ْيلَ لِيَ سْكُنُوا فِي ِه وَالّنهَارَ مُبْ صِرا إِنّ فِي‬
‫َذِلكَ لَآيَاتٍ ّل َقوْ ٍم ُيؤْمِنُونَ (‪. ﴾ )86‬‬
‫ش ُر مِن كُلّ ُأ ّمةٍ َفوْجا ﴾ ‪ ،‬قال ‪ :‬زمرة ‪،‬‬ ‫ْمَ نَحْ ُ‬
‫عَن ماهَد قوله ‪َ ﴿ :‬ويَو َ‬
‫ب بِآيَاتِنَا َفهُ ْم يُو َزعُو نَ ﴾ ‪ ،‬قال ‪ :‬ي بس أوّلمَ على‬ ‫زمرة ‪ ﴿ ،‬مّمّ ن يُكَذّ ُ‬
‫ُونَ ﴾ يُدفعون ‪ .‬قال البغوي ‪:‬‬ ‫ُمَ يُو َزع َ‬‫آخرهَم ‪ .‬وقال ابَن عباس ‪َ ﴿ :‬فه ْ‬
‫ي بس أول م على آخر هم ح ت يتمعوا ‪ ،‬ث ي ساقون إل النار ‪َ ﴿ ،‬حتّ ى إِذَا‬
‫جَاؤُوا ﴾ يوم القيامة ‪ ﴿ ،‬قَالَ ﴾ ال لم ‪ ﴿ :‬أَكَ ّذْبتُم بِآيَاتِي وَلَ ْم ُتحِيطُوا ِبهَا‬
‫عِلْما ﴾ ول تعرفوها حق معرفتها ‪َ ﴿ ،‬أمّاذَا كُنتُ ْم َتعْمَلُونَ ﴾ ؟‬
‫قال ا بن كث ي ‪ :‬أي ‪ :‬في سئلون عن اعتقاد هم وأعمال م ﴿ َووَقَ َع الْ َقوْلُ‬
‫ُونَ ﴾ ‪ ،‬قال قتادة ‪:‬‬ ‫ُمَلَا يَن ِطق َ‬ ‫﴾ وجَب العذاب ‪ ﴿ ،‬عََليْهِم بِمَا ظَلَمُوا َفه ْ‬
‫سكُنُوا فِي ِه وَالنّهَارَ‬
‫كيف ينطقون ول حجّة لم ؟ ﴿ أَلَمْ يَ َروْا َأنّا َجعَ ْلنَا الّليْلَ ِليَ ْ‬
‫ُمْبصِرا ِإنّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ ّل َق ْومٍ ُي ْؤ ِمنُونَ ﴾ يصدّقون فيعتبون ‪.‬‬
‫ع مَن فِي ال سّمَاوَاتِ‬
‫خ فِي ال صّورِ َف َفزِ َ‬
‫قوله عز و جل ‪ ﴿ :‬وََيوْ َم يُنفَ ُ‬
‫ض ِإلّا مَن شَاء اللّ هُ وَ ُكلّ َأَتوْ ُه دَا ِخرِي نَ (‪َ )87‬وَترَى الْجِبَالَ‬
‫وَمَن فِي اْلأَرْ ِ‬
‫صنْ َع اللّ هِ اّلذِي َأْتقَ نَ ُك ّل َشيْءٍ إِنّ هُ‬
‫تَحْ سَُبهَا جَا ِم َدةً َوهِ َي تَ ُم ّر َمرّ ال سّحَابِ ُ‬
‫‪407‬‬ ‫توفيق الرحن ف دروس القرآن‬

‫ي بِمَا َت ْفعَلُو نَ (‪ )88‬مَن جَاء بِالْحَ سََنةِ فَلَ هُ خَيْ ٌر مّنْهَا وَهُم مّ ن َفزَ عٍ‬
‫خَبِ ٌ‬
‫ُمـ ف ِي النّا ِر َهلْ‬
‫ّتـ ُوجُو ُهه ْ‬
‫ِالسـيَّئةِ َفكُب ْ‬
‫ُونـ (‪ )89‬وَم َن جَاء ب ّ‬
‫َي ْومَئِذٍ آمِن َ‬
‫ج َزوْ َن ِإلّا مَا كُنُتمْ َتعْمَلُونَ (‪. ﴾ )90‬‬
‫تُ ْ‬
‫عن أ ب هريرة أ نه قال ‪ :‬يا ر سول ال ما ال صور ؟ قال ‪ « :‬قرن » ‪ .‬قال ‪:‬‬
‫وك يف هو ؟ قال ‪ « :‬قرن عظ يم ‪ ،‬ين فخ ف يه ثلث نفخات ‪ :‬الول نف خة‬
‫الفزع ‪ ،‬والثانية ‪ :‬نفخة الصعق ‪ ،‬والثالثة ‪ :‬نفخة القيام ل رب العالي ؛ يأمر‬
‫ال إسَرافيل بالنفخَة الول فيقول ‪ :‬انفَخ نفخَة الفزع ‪ ،‬فيفزع أهَل‬
‫ال سماوات وأ هل الرض إل من شاء ال ‪ ،‬ويأمره ال في مد ب ا ويطوّل ا فل‬
‫ح ًة وَاحِ َد ًة مّ ا لَهَا مِن‬ ‫صيْ َ‬‫يف تر و هي ال ت يقول ال ‪ ﴿ :‬وَمَا يَنظُ ُر َهؤُلَاء إِلّا َ‬
‫ج الرض بأهلها رجّا وهي الت‬ ‫َفوَاقٍ ﴾ فيسيّر ال البال فتكون سرابًا ‪ ،‬وتر ّ‬
‫ُوبَ َي ْومَئِ ٍذ وَا ِج َفةٌ‬
‫ُفَ الرّا ِج َفةُ * َتْتَبعُه َا الرّادَِفةُ * قُل ٌ‬
‫ْمَ تَرْج ُ‬
‫يقول ال ‪َ ﴿ :‬يو َ‬
‫﴾ فتكون الرض كالسفينة الوثقة ف البحر تضربا المواج تكفأ بأهلها ‪ ،‬أو‬
‫كالقنديَل العلّق بالوتَر تؤرجحَه الرياح فتميَد الناس على ظهرهَا فتذهَل‬
‫الراضع ‪ ،‬وتضع الوامل ‪ ،‬وتشيب الولدان ‪ ،‬وتطي الشياطي هاربة حت تأت‬
‫القطار فتتلقاهَا اللئكَة فتضرب وجوههَا فترجَع ‪ ،‬ويول الناس مدبريَن‬
‫ينادي بعضهم بعضا وهو الذي يقول ال ‪َ ﴿ :‬يوْ َم الّتنَا ِد َيوْمَ ُتوَلّونَ مُ ْدِبرِي َن مَا‬
‫َلكُم مّ نَ اللّ ِه مِ ْن عَاصِمٍ ﴾ ‪ ،‬فبينا هم على ذلك إذ تصدعت الرض من قطر‬
‫إل قطَر ‪ ،‬فرأوا أمرًا عظيمًا فأخذهَم لذلك مَن الكرب مَا ال أعلم بَه ثَ‬
‫نظروا إل ال سماء فإذا هي كال هل ‪ ،‬ث خُ سف ش سها وقمر ها ‪ ،‬وانتثرت‬
‫الزء الثالث‬ ‫‪408‬‬

‫نومهَا ثَ كُشطَت عنهَم » ‪ ،‬قال رسَول ال ‪ « :‬والموات ل يعلمون‬


‫بشيء من ذلك » فقال أبو هريرة ‪ :‬يا رسول ال فمن استثن ال حي يقول‬
‫ت َومَن فِي اْلأَرْ ضِ إِلّا مَن شَاء اللّ هُ ﴾ ‪ ،‬قال ‪« :‬‬
‫ع مَن فِي ال سّمَاوَا ِ‬ ‫‪َ ﴿ :‬ففَزِ َ‬
‫أولئك الشهداء ‪ ،‬وإناَ يصَل الفزع إل الحياء ‪ ،‬أولئك أحياء عنَد ربمَ‬
‫يُرزقون ‪ ،‬وقاهَم ال فزع ذلك اليوم وآمنهَم ‪ ،‬وهَو عذاب ال يبعثَه على‬
‫شرار خلقه » ‪ .‬رواه ابن جرير ‪.‬‬
‫ِينَ ﴾ يقول ‪ :‬صَاغرين‬ ‫ْهَ دَاخِر َ‬‫وعَن ابَن عباس ‪ :‬قوله ‪ ﴿ :‬وَكُلّ َأتَو ُ‬
‫سُبهَا جَامِ َدةً ﴾ يقول ‪ :‬قائمة ‪.‬‬ ‫جبَا َل تَحْ َ‬
‫﴿ َوتَرَى الْ ِ‬
‫قال ابن جرير ‪ :‬وإنا قيل ‪َ ﴿ :‬وهِ يَ تَ ُم ّر مَ ّر ال سّحَابِ ﴾ لن ا تمع ث‬
‫صنْعَ اللّ ِه‬
‫تسي فيحسب رائيها لكثرتا أنا واقفة ‪ ،‬وهي تسي سيًا حثيثًا ‪ُ ﴿ ،‬‬
‫الّذِي َأْتقَ نَ كُ ّل َشيْءٍ ﴾ ‪ ،‬قال ا بن عباس يقول ‪ :‬أح كم كل ش يء ‪ِ ﴿ ،‬إنّ هُ‬
‫َخبِيٌ بِمَا َت ْفعَلُونَ ﴾ فيجازيكم عليه ‪.‬‬
‫سَنةِ ﴾ ‪ ،‬يقول ‪ :‬من جاء بل‬ ‫وعن ا بن عباس ف قوله ‪ ﴿ :‬مَن جَاء بِالْحَ َ‬
‫إله إل ال ﴿ َفلَ هُ َخْي ٌر ّمنْهَا ﴾ ‪ ،‬قال ‪ :‬فمن ها ي صل ال ي إل يه ﴿ وَمَن جَاء‬
‫سيَّئةِ ﴾ و هو الشرك ﴿ َف ُكبّ تْ وُجُو ُههُ مْ فِي النّارِ ﴾ ‪ .‬وقال ا بن ز يد ف‬ ‫بِال ّ‬
‫َهَ َخيْ ٌر ّمنْه َا ﴾ ‪ ،‬قال ‪ :‬أعطاه ال بالواحدة‬ ‫َسََنةِ فَل ُ‬
‫قوله ‪ ﴿ :‬م َن جَاء بِالْح َ‬
‫عشرًا فصاعدًا ‪ .‬قال البغوي ‪ :‬وهذا حسن ‪.‬‬
‫‪409‬‬ ‫توفيق الرحن ف دروس القرآن‬

‫ت أَ ْن أَعُْبدَ َربّ َهذِ هِ الْبَ ْل َدةِ اّلذِي َح ّرمَهَا‬


‫قوله عز وجل ‪ِ ﴿ :‬إنّمَا ُأمِرْ ُ‬
‫ت أَ ْن أَكُونَ مِنَ الْمُسْلِمِيَ (‪ )91‬وَأَ ْن َأتْلُ َو الْ ُقرْآ َن فَمَنِ‬
‫َولَهُ ُك ّل شَيْ ٍء َوُأمِرْ ُ‬
‫ض ّل َفقُ ْل ِإنّمَا َأنَا مِ َن الْمُنذِرِينَ (‪َ )92‬و ُقلِ‬
‫سهِ وَمَن َ‬
‫اهَْتدَى َفِإنّمَا َيهَْتدِي لِنَفْ ِ‬
‫(‬ ‫الْحَ ْم ُد لِلّ هِ سَيُرِيكُمْ آيَاتِ ِه فََت ْعرِفُونَهَا وَمَا َربّ كَ ِبغَا ِفلٍ عَمّ ا َتعْمَلُو نَ‬
‫‪. ﴾ )93‬‬
‫عن ما هد قوله ‪َ ﴿ :‬سيُرِيكُ ْم آيَاتِ هِ َفَتعْرِفُونَهَا ﴾ ‪ ،‬قال ‪ :‬ف أنف سكم ‪،‬‬
‫و ف ال سماء والرض والرزق ‪ .‬وقال ابن كث ي ‪ ﴿ :‬وَقُ ِل الْحَمْدُ لِلّ هِ َسيُرِيكُمْ‬
‫آيَاتِ هِ َفَتعْرِفُونَهَا ﴾ ‪ ،‬أي ‪ :‬ل ال مد الذي ل يعذّب أحدًا إل ب عد قيام الجّة‬
‫عل يه والِنذار إل يه ‪ ،‬ولذا قال تعال ‪َ ﴿ :‬سيُرِيكُ ْم آيَاتِ هِ َفَتعْرِفُونَهَا ﴾ ‪ ،‬ك ما‬
‫سهِمْ َحتّ ى َيتََبيّ نَ َلهُ مْ َأنّ هُ‬
‫قال تعال ‪َ ﴿ :‬سنُرِيهِ ْم آيَاتِنَا فِي الْآفَا قِ وَفِي أَنفُ ِ‬
‫الْحَقّ ﴾ ‪.‬‬
‫وقوله تعال ‪ ﴿ :‬وَمَا َربّ َ‬
‫ك ِبغَافِ ٍل عَمّ ا َتعْمَلُو نَ ﴾ ‪ ،‬أي ‪ :‬بل هو شه يد‬
‫على كل ش يء ‪ .‬و قد ذ كر عن الِمام أح د رح ه ال أ نه كان ين شد هذ ين‬
‫البيتي ‪:‬‬
‫تقل خلو تُ ولكن قل عل ّي رقي بُ‬ ‫إذا ما خلوت الد هر يومًا فل‬
‫(‬
‫(‬

‫يغيبَ‬
‫ُ‬ ‫ول أن مَا يفَى عليَه‬ ‫ب ال يغفَل سَاعة‬
‫ول تسَ ّ‬
‫(‬ ‫(‬

‫***‬
‫الزء الثالث‬ ‫‪410‬‬

‫الدرس الول بعد الائتي‬


‫[ سورة القصص ]‬
‫مكية ‪ ،‬وهي ثان وثانون آية‬
‫بسم ال الرحن الرحيم‬
‫ك مِن نَّبِإ مُوسَى‬
‫﴿ طسم (‪ )1‬تِلْكَ آيَاتُ اْلكِتَابِ الْمُِبيِ (‪ )2‬نَتْلُوا عَلَيْ َ‬
‫ض َو َجعَ َل َأهْلَهَا‬
‫حقّ ِلقَوْ ٍم ُي ْؤمِنُو نَ (‪ )3‬إِنّ ِفرْ َعوْ نَ عَلَا فِي الْأَرْ ِ‬
‫َو ِفرْ َعوْ نَ بِالْ َ‬
‫حيِي نِ سَاء ُهمْ إِنّ هُ كَا َن مِ نَ‬
‫ح َأبْنَاءهُ مْ َويَ سْتَ ْ‬
‫ضعِفُ طَاِئ َفةً مّ ْنهُ ْم ُي َذبّ ُ‬
‫شِيَعا يَ سْتَ ْ‬
‫جعَ َلهُ مْ‬
‫ض وَنَ ْ‬
‫سدِينَ (‪َ )4‬وُنرِي ُد أَن نّ ُمنّ عَلَى اّلذِي َن ا سْتُضْ ِعفُوا فِي اْلأَرْ ِ‬
‫الْ ُمفْ ِ‬
‫ض وَُنرِي ِفرْ َعوْ َن وَهَامَا نَ‬
‫جعَ َلهُ ُم الْوَا ِرثِيَ (‪ )5‬وَنُ َمكّ نَ َلهُ ْم فِي اْلأَرْ ِ‬
‫َأئِ ّم ًة وَنَ ْ‬
‫ضعِي هِ‬
‫حذَرُو نَ (‪ )6‬وََأ ْوحَيْنَا ِإلَى أُمّ مُو سَى أَ ْن أَرْ ِ‬
‫َوجُنُو َدهُمَا مِ ْنهُم مّا كَانُوا يَ ْ‬
‫حزَنِي إِنّ ا رَادّو ُه ِإلَيْ كِ‬
‫َفِإذَا ِخفْ تِ َعلَيْ ِه َفأَْلقِي ِه فِي الْيَمّ َولَا َتخَافِي َولَا تَ ْ‬
‫َوجَاعِلُو هُ مِ نَ الْ ُمرْ سَلِيَ (‪ )7‬فَالَْتقَطَ هُ آ ُل ِفرْ َعوْ َن لَِيكُو َن َلهُ مْ َعدُوّا وَ َحزَنا‬
‫ت ِفرْ َعوْ نَ‬
‫ت ا ْمرَأَ ُ‬
‫إِنّ ِفرْ َعوْ َن وَهَامَا َن وَجُنُودَهُمَا كَانُوا خَاطِئِيَ (‪َ )8‬وقَالَ ِ‬
‫ُمـ لَا‬
‫َهـ َولَدا وَه ْ‬
‫خذ ُ‬‫ُوهـ عَسـَى أَن يَنفَعَنَا أَ ْو نَتّ ِ‬
‫َكـ لَا َتقْتُل ُ‬
‫ْنـ لّي َول َ‬
‫ّتـ عَي ٍ‬
‫ُقر ُ‬
‫ت لَتُ ْبدِي بِ هِ َل ْولَا أَن‬
‫ح ُفؤَادُ أُمّ مُو سَى فَارِغا إِن كَادَ ْ‬
‫ش ُعرُو نَ (‪ )9‬وَأَ صْبَ َ‬
‫َي ْ‬
‫ت بِهِ‬
‫صرَ ْ‬
‫ت ِلُأخْتِ ِه قُصّيهِ فَبَ ُ‬
‫ّربَطْنَا عَلَى قَلِْبهَا لَِتكُونَ مِ َن الْ ُمؤْمِِنيَ (‪َ )10‬وقَالَ ْ‬
‫ش ُعرُو نَ (‪ )11‬وَ َح ّرمْنَا عَلَيْ هِ الْ َمرَاضِ َع مِن قَ ْبلُ َفقَالَ تْ‬
‫ب َوهُ ْم لَا َي ْ‬
‫عَن جُنُ ٍ‬
‫‪411‬‬ ‫توفيق الرحن ف دروس القرآن‬

‫ت َيكْفُلُونَ ُه َلكُ ْم َوهُ ْم لَ هُ نَا صِحُونَ (‪َ )12‬ف َر َددْنَا هُ‬


‫َه ْل َأدُّلكُ مْ عَلَى َأهْ ِل بَيْ ٍ‬
‫حزَ َن َولَِتعْلَ َم أَنّ وَ ْعدَ اللّ ِه َحقّ َولَ ِكنّ أَكَْثرَهُ ْم لَا‬
‫ِإلَى ُأمّهِ كَ ْي َت َقرّ َعيُْنهَا َولَا تَ ْ‬
‫َيعْلَمُونَ (‪. ﴾ )13‬‬

‫***‬
‫الزء الثالث‬ ‫‪412‬‬

‫ب الْمُبِيِ (‪ )2‬نَتْلُوا‬
‫قوله عز و جل ‪ ﴿ :‬ط سم (‪ )1‬تِلْ كَ آيَا تُ اْلكِتَا ِ‬
‫حقّ ِل َقوْ مٍ يُ ْؤمِنُو نَ (‪ )3‬إِنّ ِفرْ َعوْ نَ عَلَا فِي‬
‫عَلَيْ كَ مِن نَّبإِ مُو سَى وَ ِفرْ َعوْ َن بِالْ َ‬
‫ح َأبْنَاءهُ مْ َويَ سْتَحْيِي‬
‫ضعِفُ طَائِ َف ًة مّ ْنهُ ْم ُيذَبّ ُ‬
‫ض وَ َج َعلَ َأهْ َلهَا شِيَعا يَ سْتَ ْ‬
‫اْلأَرْ ِ‬
‫سدِينَ (‪َ )4‬وُنرِي ُد أَن نّ ُمنّ عَلَى اّلذِي َن ا سْتُضْ ِعفُوا‬
‫نِ سَاء ُهمْ ِإنّ هُ كَا َن مِ َن الْ ُمفْ ِ‬
‫جعَ َلهُ مُ اْلوَا ِرثِيَ (‪ )5‬وَنُ َمكّ َن َلهُ ْم فِي اْلأَرْ ضِ‬
‫جعَ َلهُ ْم َأئِ ّمةً َونَ ْ‬
‫ض َونَ ْ‬
‫فِي اْلأَرْ ِ‬
‫حذَرُونَ (‪. ﴾ )6‬‬
‫َوُنرِي ِفرْ َعوْ َن َوهَامَانَ َوجُنُو َدهُمَا مِ ْنهُم مّا كَانُوا يَ ْ‬
‫عن ماهد ‪ ﴿ :‬وَ َجعَلَ َأهَْلهَا ِشيَعا ﴾ ‪ ،‬أي ‪ :‬فِرَقًا ‪ :‬يذبّح طائفة منهم ‪،‬‬
‫وي ستحيي طائ فة ‪ ،‬ويعذّب طائ فة ‪ ،‬وي ستعبد طائ فة ‪ .‬قال ال عز و جل ‪:‬‬
‫حيِي نِ سَاءهُمْ ِإنّ هُ كَا َن مِ َن الْ ُمفْ سِدِينَ ﴾ ‪ ،‬قال‬
‫﴿ يُ َذبّ حُ َأْبنَاءهُ ْم َويَ سْتَ ْ‬
‫ال سدي ‪ :‬كان من شأن فرعون أ نه رأى رؤ يا ف منا مه ‪ :‬أن نارًا أقبلت من‬
‫ب يت القدس ح ت اشتملت على بيوت م صر ‪ ،‬فأحر قت الق بط وتر كت ب ن‬
‫إسَرائيل ‪ ،‬وأحرقَت بيوت مصَر ‪ ،‬فدعَا السَحرة ‪ ،‬والكهنَة ‪ ،‬والعافَة ‪،‬‬
‫والازة ‪ ،‬فسَألم عَن رؤياه فقالوا له ‪ :‬يرج مَن هذه البلد الذي جاء بنَو‬
‫إ سرائيل م نه ‪ -‬يعنون ب يت القدس ‪ -‬ر جل يكون على وج هه هلك م صر ‪،‬‬
‫فأ مر بب ن إ سرائيل أن ل يولد ل م غلم إل ذبوه ‪ ،‬ول تولد ل م جار ية إل‬
‫تر كت ‪ ،‬وقال للق بط ‪ :‬انظروا ملوك كم الذ ين يعلمون خارجًا فأدخلو هم‬
‫ُونَ تلك العمال القذرة ‪ ،‬فجعَل بنَ إسَرائيل فَ‬ ‫واجعلوا بنَ إسَرائيل يَل َ‬
‫أعمال غلمانم وأدخلوا غلمانم ‪ ،‬فذلك حي يقول ‪ ﴿ :‬إِنّ ِف ْرعَوْ نَ عَلَا فِي‬
‫‪413‬‬ ‫توفيق الرحن ف دروس القرآن‬

‫اْلأَرْ ضِ َو َجعَلَ أَهَْلهَا ِشيَعا ﴾ ‪ ،‬يعن ‪ :‬بن إسرائيل حي جعلهم ف العمال‬


‫القذرة ‪.‬‬
‫ضعِفُوا فِي الْأَرْضِ ﴾‬ ‫وعن قتادة ‪ :‬قوله ‪َ ﴿ :‬ونُرِيدُ أَن نّ ُمنّ عَلَى الّذِي َن اسُْت ْ‬
‫َ‬
‫جعََلهُم ُ‬
‫َ َأئِ ّمةً ﴾ أي ‪ :‬ولة المور ﴿ َونَ ْ‬ ‫جعََلهُم ْ‬
‫قال ‪ :‬بنَو إسَرائيل ﴿ َونَ ْ‬
‫ُمَ فِي‬
‫ّنَ َله ْ‬‫اْلوَا ِرثِيَ ﴾ أي ‪ :‬يرثون الرض بعَد فرعون وقومَه ‪َ ﴿ ،‬ونُ َمك َ‬
‫اْلأَرْ ضِ َونُرِي فِ ْر َعوْ َن َوهَامَا َن وَ ُجنُو َدهُمَا ِمْنهُم مّا كَانُوا يَحْ َذرُو َن ﴾ شيئًا ما‬
‫حذر القوم ‪ .‬قال ‪ :‬وذكَر لنَا أن حازيًا حزأ لعدو ال فرعون ‪ ،‬فقال ‪ :‬يولد‬
‫ف هذا العام غلم من ب ن إ سرائيل ي سلبك مل كك فتتّ بع أبناء هم ذلك العام‬
‫بقتل أبناءهم ‪ ،‬ويستحيي نساءهم حذرًا ما قال له الازي ‪.‬‬
‫ضعِي هِ فَِإذَا ِخفْ تِ عَلَيْ هِ‬
‫قوله عز وجل ‪َ ﴿ :‬وأَ ْوحَيْنَا إِلَى ُأمّ مُو سَى أَ ْن أَ ْر ِ‬
‫ِنـ‬
‫ُوهـ م َ‬
‫ْكـ وَجَاعِل ُ‬
‫ّوهـ ِإلَي ِ‬
‫حزَنِي ِإنّاـ رَاد ُ‬
‫ِيهـ فِي الْيَمّ َولَا تَخَافِي َولَا تَ ْ‬
‫َفَألْق ِ‬
‫الْ ُمرْ سَلِيَ (‪ )7‬فَالَْتقَطَ هُ آ ُل ِفرْ َعوْ َن لَِيكُو َن َلهُ مْ َعدُوّا وَ َحزَنا إِنّ ِفرْ َعوْ نَ‬
‫ت ا ْمرَأَتُ ِفرْعَوْ َن ُقرّتُ عَيْنٍ لّي‬
‫َوهَامَا َن وَجُنُودَهُمَا كَانُوا خَاطِِئيَ (‪َ )8‬وقَالَ ِ‬
‫ُونـ (‪)9‬‬
‫ش ُعر َ‬
‫ُمـ لَا َي ْ‬
‫َهـ َولَدا َوه ْ‬
‫خذ ُ‬‫ُوهـ عَسـَى أَن يَن َفعَن َا َأوْ نَتّ ِ‬
‫َكـ لَا َتقْتُل ُ‬
‫َول َ‬
‫ح ُفؤَادُ أُمّ مُو سَى فَارِغا إِن كَادَ تْ لَتُ ْبدِي بِ هِ َل ْولَا أَن ّربَطْنَا عَلَى قَلِْبهَا‬
‫َوأَ صْبَ َ‬
‫ب وَهُ مْ‬
‫ص َرتْ بِ هِ عَن جُنُ ٍ‬
‫ت ِلأُخْتِ هِ قُ صّي ِه فَبَ ُ‬
‫لَِتكُو نَ مِ َن الْ ُمؤْمِنِيَ (‪َ )10‬وقَالَ ْ‬
‫لَا َيشْ ُعرُونَ (‪. ﴾ )11‬‬
‫الزء الثالث‬ ‫‪414‬‬

‫عن قتادة ‪ :‬قوله ‪َ ﴿ :‬وَأوْ َحْينَا إِلَى ُأمّ مُوسَى ﴾ ‪ ،‬قال ‪ :‬قذف ف نفسها ‪.‬‬
‫قال السدي ‪ :‬أمر فرعون أن يذبح مَ ْن وُلِ َد ببن إسرائيل سنة ويُتركوا سنة ‪،‬‬
‫فلمَا كان فَ السَنة التَيُذبون فيهَا حلت بوسَى ‪ ،‬فلمَا أرادت وضعَه‬
‫ت عََليْهِ َفأَلْقِيهِ فِي‬
‫ضعِيهِ فَإِذَا ِخفْ ِ‬
‫حزنت من شأنه ‪ ،‬فأوحى ال إليها ‪ ﴿:‬أَنْ أَرْ ِ‬
‫اْليَمّ ﴾ و هو الن يل ‪ ﴿ ،‬وَلَا َتخَافِي وَلَا تَحْزَنِي ﴾ ‪ ،‬قال ا بن ز يد ‪ :‬ل تا ف‬
‫عل يه الب حر ‪ ،‬ول تز ن بفرا قه ‪ِ ﴿ ،‬إنّ ا رَادّو هُ إَِليْ كِ وَجَاعِلُو هُ مِ َن الْمُرْ سَِليَ‬
‫ْكَ ﴾ وباعثوه رسَولً إل هذا‬ ‫ّوهَ إَِلي ِ‬
‫﴾ ‪ ،‬قال ابَن إسَحاق ‪ِ ﴿ :‬إنّاَ رَاد ُ‬
‫الطاغية ‪ ،‬وجاعل هلكه وناة بن إسرائيل ما هم فيه على يديه ‪.‬‬
‫قال ا بن كث ي ‪ :‬كا نت دار أم مو سى على حا فة الن يل ‪ ،‬فاتّخذت تابوتًا‬
‫ومهّدت فيه مهدًا ‪ ،‬وجعلت ترضع ولدها ‪ ،‬فإذا دخل عليها أحد من تافه‬
‫ذهبت فوضعته ف ذلك التابوت وسيّرته ف البحر وربطته ببل عندها ‪ ،‬فلما‬
‫كان ذات يوم دخَل عليهَا مَن تافَه فذهبَت فوضعتَه فَ ذلك التابوت ‪،‬‬
‫وأرسلته ف البحر وذهلت أن تربطه ‪ ،‬فذهب مع الاء واحتمله ‪ ،‬حت مرّ به‬
‫على دار فرعون ‪ ،‬فالتق طه الواري فاحتمل نه فذه ب به إل امرأة فرعون ول‬
‫يدريَن مَا فيَه ‪ ،‬فلمَا كشفَت عنَه إذا هَو غلم مَن أحسَن اللق وأجله‬
‫وأحله وأباه ‪ ،‬فأو قع ال مب ته ف قلب ها ح ي نظرت إل يه ‪ ،‬وذلك ل سعادتا‬
‫و ما أراد ال من كرامت ها وشقاوة بعل ها ‪ ،‬ولذا قال ‪ ﴿ :‬فَاْلَتقَطَ هُ آلُ فِ ْر َعوْ نَ‬
‫ِلَيكُونَ َلهُ ْم عَ ُدوّا وَحَزَنا ﴾ ‪.‬‬
‫‪415‬‬ ‫توفيق الرحن ف دروس القرآن‬

‫قال قتادة ‪ ﴿ :‬عَ ُدوّا ﴾ لم ف دينهم ‪ ﴿ ،‬وَ َحزَنا ﴾ لا يأتيهم ‪ِ ﴿ ،‬إنّ‬


‫ِف ْر َعوْ َن َوهَامَا َن وَ ُجنُو َدهُمَا كَانُوا خَا ِطئِيَ ﴾ ‪.‬‬
‫قال البغوي ‪ :‬عاصي آثي ‪.‬‬
‫قال ا بن جر ير ‪ :‬فلذلك كان ل م مو سى عدوّا وَ َحزَنًا ‪ .‬و عن م مد بن‬
‫ت َعيْ نٍ لّي وَلَ كَ لَا َت ْقتُلُو هُ عَ سَى أَن‬
‫ق يس قال ‪ :‬قالت امرأت فرعون ﴿ قُرّ ُ‬
‫ك أمّا ل فل ‪ .‬قال ممد‬ ‫يَن َفعَنَا َأ ْو َنتّخِذَ هُ وَلَدا ﴾ ‪ ،‬قال فرعون ‪ :‬قرّة عي ل ِ‬
‫بن ق يس ‪ :‬قال ر سول ال ‪ « :‬لو قال فرعون ‪ :‬قرّة ع ي ل ولك ‪ ،‬لكان‬
‫شعُرُو نَ ﴾ ‪ ،‬قال ‪ :‬وهم ل يشعرون‬ ‫لما جيعًا » ‪ .‬وعن قتادة ‪َ ﴿ :‬وهُ مْ لَا يَ ْ‬
‫أن هلكتهم على يديه وف زمانه ‪.‬‬
‫صبَحَ ُفؤَادُ أُمّ مُو سَى فَارِغا ﴾ ‪ ،‬قال ‪:‬‬ ‫و عن ا بن عباس ف قوله ‪َ ﴿ :‬وأَ ْ‬
‫فارغًا من كل شيء إل من ذكر موسى ‪ ﴿ ،‬إِن كَادَتْ َلُتبْدِي بِهِ ﴾ أن تقول‬
‫‪ :‬يا ابناه ‪َ ﴿ ،‬لوْلَا أَن ّربَ ْطنَا عَلَى قَ ْلِبهَا ﴾ ‪.‬‬
‫قال البغوي ‪ :‬بالع صمة ‪ ،‬وال صب ‪ ،‬والت ثبيت ‪ِ ﴿ .‬لتَكُو نَ مِ َن الْ ُم ْؤ ِمنِيَ‬
‫﴾ الصدّقي لوعد ال حي قال لا ‪ِ ﴿ :‬إنّا رَادّوهُ إَِليْكِ ﴾ ‪.‬‬
‫وعن ابن عباس ‪ ﴿ :‬وَقَالَ تْ ِلأُ ْختِ هِ قُ صّيهِ ﴾ ‪ ،‬أي ‪ :‬قُ صّي أثره واطلبيه ‪،‬‬
‫هل تسَمعي له ذكرًا ‪ ،‬أح يّ ابنَ ‪ ،‬أو قد أكل ته دوابَّ الب حر وحيتا نه ؟‬
‫ونسيت الذي كان ال وعدها ‪.‬‬
‫الزء الثالث‬ ‫‪416‬‬

‫شعُرُونَ ﴾ ‪ ،‬وقال ماهد‬ ‫وقوله تعال ‪َ ﴿ :‬فبَ صُرَ ْ‬


‫ت بِ ِه عَن ُجنُبٍ َوهُمْ لَا يَ ْ‬
‫‪ :‬عن ُبعْدٍ ‪ .‬قال قتادة ‪ :‬وهم ل يشعرون أنا أخته ‪ ،‬قال ‪ :‬جعلت تنظر إليه‬
‫كأنا ل تريده ‪.‬‬
‫ت َهلْ َأ ُدّلكُ مْ‬
‫قوله عز وجل ‪ ﴿ :‬وَ َح ّرمْنَا عَلَيْ هِ الْ َمرَاضِ َع مِن قَ ْبلُ َفقَالَ ْ‬
‫صحُونَ (‪َ )12‬فرَ َد ْدنَا ُه ِإلَى ُأمّ هِ كَ يْ‬
‫ت َي ْكفُلُونَ هُ َلكُ مْ َوهُ مْ لَ هُ نَا ِ‬
‫عَلَى َأ ْهلِ بَيْ ٍ‬
‫حزَ َن َولَِتعْلَ مَ أَنّ وَ ْع َد اللّ ِه َحقّ َوَلكِنّ أَكَْث َرهُ ْم لَا َيعْلَمُو نَ (‬
‫َت َقرّ عَيُْنهَا َولَا تَ ْ‬
‫‪. ﴾ )13‬‬
‫عن ماهد ف قوله ‪ ﴿ :‬وَحَ ّر ْمنَا عََليْ ِه الْمَرَاضِ َع مِن َقبْلُ ﴾ ‪ ،‬قال ‪ :‬ل يقبل‬
‫ثدي امرأة ح ت ير جع إل أ مه ‪ .‬وقال ال سدي ‪ :‬أرادوا الرضعات فلم يأ خذ‬
‫من أحد من النساء ‪ ،‬وجعل النساء يطلب ذلك لينلن عند فرعون ف الرضاع‬
‫‪ ،‬فأبَ أن يأخَذ ‪ ،‬فذلك قوله ‪َ ﴿ :‬وحَ ّرمْنَا عََليْهَِ الْ َمرَاضِعََ مِن َقبْلُ َفقَالَت َْ‬
‫﴾ أخته ‪ ﴿ :‬هَلْ أَدُّلكُ ْم عَلَى أَهْ ِل َبيْ تٍ َي ْكفُلُونَ هُ َلكُ ْم َوهُ مْ لَ ُه نَا صِحُونَ ﴾ ؟‬
‫فلما جاءت أمه أخذ منها ‪ .‬قال ابن جريج ‪ :‬فعلقوها حي قالت ‪َ ﴿ :‬وهُ مْ‬
‫صحُونَ ﴾ ‪ ،‬قالوا ‪ :‬قد عرفته ‪ ،‬قالت ‪ :‬إنا أردت هم للملك ناصحون‬ ‫لَ ُه نَا ِ‬
‫‪.‬‬
‫قال البغوي ‪ :‬وقيل ‪ :‬لا قالت ‪ :‬هل أدلكم على أهل بيت ؟ قالوا لا ‪:‬‬
‫مَنْ ؟ قالت ‪ :‬أمي ‪ ،‬قالوا ‪ :‬ولمك ابن ؟ قالت ‪ :‬نعم هارون ‪ ،‬وكان هارون‬
‫ولد ف سنة ل يُقتل فيها الولدان ‪ ،‬قالوا ‪ :‬صدقت ‪.‬‬
‫‪417‬‬ ‫توفيق الرحن ف دروس القرآن‬

‫وقال ابن كثي ‪ :‬فلما رأتم حائرين فيمن يرضعه قالت ‪ :‬هل أدلّكم على‬
‫أهل بيت يكفلونه لكم وهم له ناصحون ؟ قال ابن عباس ‪ :‬فلما قالت ذلك‬
‫أخذوها ‪ ،‬وشكّوا ف أمرها ‪ .‬وقالوا لا ‪ :‬وما يدريك بنصحهم له وشفقتهم‬
‫عليه ؟ فقالت لم ‪ :‬نصحهم له وشفقتهم عليه رغبتهم ف سرور اللك ورجاء‬
‫منفعته ‪ ،‬فأرسلوها ‪ ،‬فلما قالت لم ذلك وخلصت من أذاهم ذهبوا معها إل‬
‫منل م فدخلو ها به على أ مه فأعط ته ثدي ها فالتق مه ‪ ،‬ففرحوا بذلك فرحًا‬
‫شديدًا ‪ ،‬وذهب البشي إل امرأة اللك فاستدعت أم موسى ‪ ،‬وأحسنت إليها‬
‫وأعطت ها عطاء جزيلً ‪ ،‬و هي ل تعرف أن ا أ مه ف القي قة ‪ ،‬ول كن لكو نه‬
‫وافق ثديها ‪ .‬ث سألتها آسية أن تقيم عندها فترضعه فأبت عليها وقالت ‪ :‬إن‬
‫ل بعلً وأولدًا ول أقدر على القام عندك ‪ ،‬ول كن إن أحب بت أن أرض عه ف‬
‫بيتَ فعلت ‪ ،‬فأجابتهَا امرأة فرعون إل ذلك ‪ ،‬وأجرت عليَه النفقَة ‪،‬‬
‫وال صلت ‪ ،‬والك ساوي ‪ ،‬والِح سان الز يل ‪ ،‬فرج عت أم مو سى بولد ها‬
‫راض ية مرضيّة ‪ ،‬قد أبدل ا ال ب عد خوف ها أمنًا ف ع ّز وجاه ‪ ،‬ورزق دار ؛‬
‫ولذا جاء ف الديث ‪ « :‬مثل الذي يعمل ويتسب ف صنعته الي ‪ ،‬كمثل‬
‫أم مو سى تر ضع ولد ها وتأ خذ أجر ها » ؛ ول ي كن ب ي الشدّة والفرج إل‬
‫القليل ‪ ،‬يوم وليلة أو نوه وال أعلم ؛ فسبحان من بيده المر ‪ ،‬ما شاء كان‬
‫و ما ل ي شأ ل ي كن ‪ ،‬الذي ي عل ل ن ألقاه ب عد كل هم فرجًا ‪ ،‬وب عد كل‬
‫ضيق مرجًا ؛ ولذا قال تعال ‪ ﴿ :‬فَ َردَ ْدنَا هُ إِلَى ُأمّ هِ كَ يْ َتقَ ّر َعْينُهَا ﴾ ‪ ،‬أي ‪:‬‬
‫به ‪ ﴿ ،‬وَلَا تَحْزَ نَ ﴾ ‪ ،‬أي ‪ :‬عل يه ‪ ﴿ ،‬وَِلتَعَْل مَ أَنّ َوعْدَ اللّ هِ حَقّ ﴾ ‪ ،‬أي ‪:‬‬
‫الزء الثالث‬ ‫‪418‬‬

‫فيما وعدها من ردّه إليها وجعله من الرسلي ‪ ،‬فحينئذٍ تقّقت بردّه إليها أنه‬
‫كائن من رسول الرسلي ‪ ،‬فعاملته ف تربيته ما ينبغي له طبعًا وشرعًا ‪.‬‬
‫قوله تعال ‪ ﴿ :‬وَلَكِنّ أَ ْكثَ َرهُ مْ لَا َيعْلَمُو نَ ﴾ ‪ ،‬أي ‪ :‬حكم ال ف أفعاله ‪،‬‬
‫وعواقبها الحمودة الت هو الحمود عليها ف الدنيا والخرة ‪ ،‬فربا يقع المر‬
‫كريه ًا إل النفوس وعاقبتَه ممودة فَ نفَس المَر ‪ ،‬كمَا قال تعال ‪﴿ :‬‬
‫حبّواْ َشيْئا َو ُه َو شَرّ ّلكُ مْ‬
‫َوعَ سَى أَن تَكْ َرهُواْ َشيْئا َوهُوَ َخيْرٌ ّلكُ مْ َوعَ سَى أَن تُ ِ‬
‫َ َخيْرا َكثِيا‬ ‫َ فِيه ِ‬ ‫جعَلَ اللّه ُ‬
‫﴾ ‪ ،‬وقال تعال ‪َ ﴿ :‬فعَسََى أَن َتكْ َرهُوْا َشيْئا َويَ ْ‬
‫﴾ ‪ .‬انتهى ‪ .‬وال أعلم ‪.‬‬

‫***‬
‫‪419‬‬ ‫توفيق الرحن ف دروس القرآن‬

‫الدرس الثان بعد الائتي‬

‫جزِي‬
‫ِكـ نَ ْ‬
‫َاهـ حُكْما وَعِلْما وَ َكذَل َ‬
‫َاسـتَوَى آتَيْن ُ‬
‫ّهـ و ْ‬
‫َغـ أَ ُشد ُ‬
‫﴿ َولَمّاـ بَل َ‬
‫ّنـ َأهْلِه َا َف َوجَ َد فِيه َا‬
‫ْسـنِيَ (‪َ )14‬و َدخَ َل الْ َمدِيَنةَ عَلَى حِي ِ َغفْ َلةٍ م ْ‬
‫الْمُح ِ‬
‫َرجُلَيْ نِ َيقْتَتِلَا نِ َهذَا مِن شِيعَتِ ِه َوهَذَا مِ نْ َع ُدوّ ِه فَا سْتَغَاثَ ُه الّذِي مِن شِيعَتِ هِ‬
‫عَلَى اّلذِي ِمنْ َعدُ ّوهِ َفوَ َكزَ ُه مُوسَى َفقَضَى عَلَيْ ِه قَالَ َهذَا ِمنْ عَ َم ِل الشّيْطَانِ‬
‫ض ّل مّبِيٌ (‪ )15‬قَالَ رَبّ ِإنّ ي ظَ َلمْ تُ نَفْ سِي فَا ْغفِ ْر لِي َف َغ َفرَ لَ هُ‬
‫ِإنّ هُ َع ُدوّ مّ ِ‬
‫ِإنّ هُ ُهوَ اْل َغفُو ُر الرّحِي مُ (‪ )16‬قَالَ رَبّ بِمَا َأْنعَمْ تَ عَلَيّ فَلَ نْ أَكُو نَ َظهِيا‬
‫ص َرهُ‬
‫اسـتَن َ‬
‫ّبـ َفِإذَا الّذِي ْ‬
‫ح فِي الْ َمدِيَن ِة خَائِفا يََت َرق ُ‬
‫َصـبَ َ‬
‫ج ِرمِيَ (‪َ )17‬فأ ْ‬
‫لّلْ ُم ْ‬
‫صرِ ُخهُ قَالَ لَ ُه مُو سَى ِإنّ كَ َل َغوِيّ مّبِيٌ (‪ )18‬فَلَمّا أَ ْن أَرَادَ أَن‬
‫س يَ سْتَ ْ‬
‫بِالَْأمْ ِ‬
‫ت َنفْسا‬
‫ش بِاّلذِي ُهوَ َعدُ ّو ّلهُمَا قَالَ يَا مُوسَى َأُترِي ُد أَن تَقْتُلَنِي كَمَا قَتَلْ َ‬
‫يَبْطِ َ‬
‫بِالَْأمْسِـ إِن ُترِي ُد ِإلّا أَن َتكُونَـ جَبّارا فِي اْلأَرْضِـ وَمَا ُترِي ُد أَن تَكُونَـ مِنَـ‬
‫سعَى قَا َل يَا مُو سَى إِنّ‬
‫الْمُ صْلِحِيَ (‪َ )19‬وجَاء َرجُ ٌل مّ ْن َأقْ صَى الْ َمدِيَنةِ يَ ْ‬
‫خرَ جَ‬
‫ك لَِيقْتُلُو كَ فَا ْخرُ جْ ِإنّ ي لَ كَ مِ َن النّا صِحِيَ (‪ )20‬فَ َ‬
‫الْمَ َلَأ َيأْتَ ِمرُو َن بِ َ‬
‫ب قَالَ رَبّ نَجّنِي مِ نَ اْلقَوْ ِم الظّالِمِيَ (‪َ )21‬ولَمّ ا تَ َوجّ هَ‬
‫مِنْهَا خَائِفا يََترَقّ ُ‬
‫تِ ْلقَاء َمدْيَ َن قَالَ عَ سَى َربّ ي أَن َيهْ ِديَنِي َسوَاء ال سّبِيلِ (‪ )22‬وَلَمّ ا وَ َر َد مَاء‬
‫سقُونَ َووَ َج َد مِن دُوِنهِ ُم امْرَأتَيْ نِ تَذُودَا نِ‬
‫س يَ ْ‬
‫َم ْديَ نَ وَ َجدَ عَلَيْ ِه ُأ ّمةً مّ نَ النّا ِ‬
‫صدِ َر الرّعَاء َوَأبُونَا شَيْ خٌ كَبِيٌ (‪)23‬‬
‫سقِي حَتّى يُ ْ‬
‫قَالَ مَا خَطُْبكُمَا قَالَتَا لَا نَ ْ‬
‫ت ِإلَ ّي ِمنْ خَ ْي ٍر َفقِيٌ (‬
‫سقَى َلهُمَا ثُ ّم َتوَلّى ِإلَى ال ّظ ّل َفقَالَ َربّ ِإنّي لِمَا أَن َزلْ َ‬
‫َف َ‬
‫الزء الثالث‬ ‫‪420‬‬

‫ج ِزيَ كَ‬
‫ت إِنّ َأبِي يَدْعُو َك لِيَ ْ‬
‫‪ )24‬فَجَاءتْ ُه ِإحْدَاهُمَا تَ ْمشِي عَلَى ا سْتِحْيَاء قَالَ ْ‬
‫ت مِ نَ‬
‫جوْ َ‬
‫ف نَ َ‬
‫ص قَالَ لَا تَخَ ْ‬
‫ت لَنَا فَلَمّا جَاء ُه َوقَ صّ عَلَيْ ِه الْقَ صَ َ‬
‫َأ ْجرَ مَا سَقَيْ َ‬
‫َنـ‬
‫اسـتَ ْأ ِجرْ ُه إِنّ خَ ْيرَ م ِ‬
‫َتـ ْ‬
‫َتـ إِ ْحدَاهُمَا يَا َأب ِ‬
‫ْمـ الظّالِمِيَ (‪ )25‬قَال ْ‬
‫اْلقَو ِ‬
‫َكـ ِإحْدَى ابْنَتَيّ‬
‫َنـأُنكِح َ‬
‫اسـَت ْأجَ ْرتَ اْل َقوِيّ اْلَأمِيُ (‪ )26‬قَا َل ِإنّيـ أُرِيدُ أ ْ‬
‫ْ‬
‫ج َفإِ ْن َأتْمَمْتَ َعشْرا فَ ِمنْ عِندِ َك َومَا أُرِيدُ‬
‫هَاتَيْنِ عَلَى أَن َتأْ ُج َرنِي ثَمَانِ َي حِجَ ٍ‬
‫ك بَيْنِي‬
‫حيَ (‪ )27‬قَالَ َذلِ َ‬
‫ج ُدنِي إِن شَاء اللّ هُ مِ نَ ال صّالِ ِ‬
‫أَ ْن أَ ُشقّ َعلَيْ كَ سَتَ ِ‬
‫ت فَلَا ُع ْدوَا نَ عَلَيّ وَاللّ هُ عَلَى مَا نَقُولُ وَكِيلٌ (‬
‫ك َأيّمَا اْلَأجَلَيْ ِن قَضَيْ ُ‬
‫َوبَيْنَ َ‬
‫‪. ﴾ )28‬‬

‫***‬
‫‪421‬‬ ‫توفيق الرحن ف دروس القرآن‬

‫َاهـ ُحكْما وَعِلْما‬


‫َاسـَتوَى آتَيْن ُ‬
‫ّهـ و ْ‬
‫َغـ َأ ُشد ُ‬
‫قوله عـز وجـل ‪َ ﴿ :‬ولَمّاـ بَل َ‬
‫جزِي الْمُحْ سِنِيَ (‪َ )14‬و َدخَ َل الْ َمدِيَنةَ عَلَى حِيِ َغفْ َلةٍ مّ نْ َأهْ ِلهَا‬
‫وَ َك َذلِ كَ نَ ْ‬
‫َف َوجَ َد فِيهَا َرجُلَيْ ِن َيقْتَتِلَا ِن َهذَا مِن شِيعَتِ هِ َو َهذَا مِ نْ َع ُدوّ ِه فَا سَْتغَاَثهُ اّلذِي‬
‫مِن شِيعَتِ هِ عَلَى الّذِي مِ نْ َعدُوّ ِه َفوَ َكزَ هُ مُو سَى َفقَضَى عَلَيْ ِه قَا َل َهذَا مِ نْ‬
‫ْتـ َنفْسـِي‬
‫ضلّ مّبِيٌ (‪ )15‬قَالَ رَبّ ِإنّيـ ظَ َلم ُ‬
‫ّهـ َع ُد ّو مّ ِ‬
‫َانـ ِإن ُ‬
‫عَ َم ِل الشّيْط ِ‬
‫فَا ْغ ِفرْ لِي َفغَ َف َر لَ هُ إِنّ هُ ُهوَ اْل َغفُو ُر ال ّرحِي مُ (‪ )16‬قَالَ رَبّ بِمَا َأنْعَمْ تَ عَلَيّ‬
‫ج ِرمِيَ (‪َ )17‬فأَ صْبَحَ فِي الْ َمدِيَن ِة خَائِفا يََت َرقّ بُ فَِإذَا‬
‫فَلَ ْن أَكُو نَ َظهِيا لّلْمُ ْ‬
‫ص ِر ُخهُ قَالَ لَ ُه مُو سَى ِإنّ كَ َل َغوِيّ مّبِيٌ (‪)18‬‬
‫س يَ سْتَ ْ‬
‫ص َر ُه بِاْلَأمْ ِ‬
‫اّلذِي ا سْتَن َ‬
‫ش بِاّلذِي ُهوَ َعدُ ّو ّلهُمَا قَالَ يَا مُو سَى َأُترِي ُد أَن َتقْتُلَنِي‬
‫فَلَمّا أَ ْن أَرَادَ أَن يَبْطِ َ‬
‫ض َومَا ُترِيدُ‬
‫س إِن ُترِي ُد ِإلّا أَن َتكُو َن جَبّارا فِي اْلأَرْ ِ‬
‫ت َنفْسا بِاْلأَمْ ِ‬
‫َكمَا قَتَ ْل َ‬
‫أَن َتكُو َن ِمنَ الْمُصْ ِلحِيَ (‪. ﴾ )19‬‬
‫قال ابن إسحاق ‪ :‬لا بلغ موسى أشده واستوى آتاه ال حكمًا وعلمًا ‪،‬‬
‫فكانت له من بن إسرائيل شيعة يسمعون منه ويطيعونه ويتمعون إليه ‪ ،‬فلما‬
‫استند رأ يه وعرف ما هو عليه من ال ق ‪ ،‬رأى فراق فرعون وقومه على ما‬
‫هم عليه حقًا ف دينه ‪ ،‬فتكلّم وعادى ‪ ،‬وأنكر حت ذُكر ذلك منه ‪ ،‬وحت‬
‫أخافوه وخافهَم ‪ ،‬حتَ كان ل يدخَل قريَة فرعون إل خائفًا مسَتخفيًا ‪،‬‬
‫فدخلها يومًا ﴿ عَلَى حِيِ َغفَْل ٍة مّ نْ َأهِْلهَا َفوَجَدَ فِيهَا رَجَُليْ ِن َيقَْتتِلَا نِ هَذَا مِن‬
‫شِي َعتِ هِ ﴾ م سلم ‪ ،‬وهذا من أ هل د ين فرعون كا فر ‪ ﴿ ،‬فَا ْستَغَاثَ ُه الّذِي مِن‬
‫الزء الثالث‬ ‫‪422‬‬

‫شِي َعتِهِ عَلَى الّذِي مِ ْن عَ ُد ّوهِ ﴾ وكان موسى قد أوت بسطة ف اللق وشدّة ف‬
‫البطش ‪ ،‬فغضب بعدوّها فنازعه ‪َ ﴿ ،‬فوَ َكزَ هُ مُو سَى ﴾ وكزه قتله منها وهو‬
‫ّهَ عَ ُد ّو مّضِ ّل ّمبِيٌ ﴾ ‪.‬‬
‫َانَِإن ُ‬
‫شيْط ِ‬ ‫ِنَ عَمَلِ ال ّ‬
‫ل يريَد قتله ‪ ،‬فقال ‪ ﴿ :‬هَذَا م ْ‬
‫و عن ما هد ‪َ ﴿ :‬فوَكَزَ ُه مُو سَى ﴾ ‪ ،‬قال ‪ :‬بم يع كفّه ‪ ﴿ ،‬قَالَ رَبّ ِإنّ ي‬
‫ت َنفْسِي فَا ْغفِرْ لِي َف َغفَرَ لَهُ ِإنّهُ ُه َو اْلغَفُورُ الرّحِيمُ ﴾ ‪ ،‬قال قتادة ‪ :‬عرف‬
‫ظَلَمْ ُ‬
‫َهَ ﴾ ‪ ﴿ ،‬قَالَ رَبّ بِم َا‬ ‫ْتَ َنفْسَِي فَاغْفِرْ لِي َف َغفَرَ ل ُ‬
‫الخرج فقال ‪ ﴿ :‬ظَلَم ُ‬
‫َأْنعَ ْمتَ عََليّ ﴾ ‪.‬‬
‫قال ابـن كثيـ ‪ :‬أي ‪ :‬باَ جعلت ل مَن الاه والعَز والنعمَة ‪َ ﴿ ،‬فلَن َْ‬
‫ج ِرمِي َ ﴾ ‪ ،‬أي ‪ :‬الكافريَن بَك‬
‫ُونَ َظهِيا ﴾ ‪ ،‬أي ‪ :‬معين ًا ‪ ﴿ ،‬لّلْمُ ْ‬
‫أَك َ‬
‫الخالفي لمرك ‪.‬‬
‫وعن ابن عباس قال ‪ :‬أت فرعون فقيل له ‪ :‬إن بن إسرائيل قد قتلوا رجلً‬
‫من آل فرعون ‪ ،‬فخذ لنا بقّنا ول ترخص لم ف ذلك ‪ ،‬قال ‪ :‬ابغون قاتله‬
‫و من يش هد عل يه ‪ ،‬ل ي ستقيم أن نق ضي بغ ي بي نة ول ث بت فاطلبوا ذلك ‪،‬‬
‫فبينمَا هَم يطوفون ل يدون شيئًا ‪ ،‬إذ م ّر موسَى مَن الغَد فرأى ذلك‬
‫ال سرائيلي يقا تل فرعونيًا ‪ ،‬فا ستغاثه ال سرائيليّ على الفرعونّ ‪ ،‬ف صادف‬
‫موسى وقد ندم على ما كان منه بالمس وكره الذي رأى ‪ ،‬فغضب موسى‬
‫فم ّد يده وهو يريد أن يبطش بالفرعونّ ‪ ،‬فقال للسرائيلي لِمَا فعل بالمس‬
‫واليوم ‪ِ ﴿ :‬إنّ كَ َل َغوِيّ ّمبِيٌ ﴾ فنظر السرائيليّ إل موسى بعد ما قال هذا ‪،‬‬
‫فإذا هَو غضبان كغضبَه بالمَس ‪ ،‬فخاف السَرائيليّ أن يكون إياه أراد‬
‫‪423‬‬ ‫توفيق الرحن ف دروس القرآن‬

‫ت َنفْسا بِاْلأَمْسِ إِن تُرِيدُ‬


‫فحاجّه فقال ‪ ﴿ :‬يَا مُوسَى َأتُرِيدُ أَن َت ْقتَُلنِي كَمَا َقتَلْ َ‬
‫إِلّا أَن َتكُونَ َجبّارا فِي اْلأَ ْرضِ َومَا تُرِيدُ أَن تَكُونَ مِ َن الْ ُمصِْلحِيَ ﴾ ‪.‬‬
‫ْضَ ﴾ هكذا تقتَل‬ ‫ُونَ َجبّارا فِي اْلأَر ِ‬
‫وعَن قتادة ‪ ﴿ :‬إِن تُرِيدُ إِلّا أَن َتك َ‬
‫النفس بغي نفس ‪ .‬وعن ابن إسحاق ﴿ َومَا تُرِيدُ أَن َتكُونَ مِ َن الْمُصْلِحِيَ ﴾‬
‫أي ‪ :‬ما هكذا يكون الصلح ‪.‬‬
‫سعَى قَالَ يَا مُو سَى‬
‫قوله عز وجل ‪ ﴿ :‬وَجَاء َر ُجلٌ مّ نْ أَقْ صَى الْ َمدِينَ ِة يَ ْ‬
‫خرَجَ‬
‫صحِيَ (‪ )20‬فَ َ‬
‫ج ِإنّي لَكَ مِ َن النّا ِ‬
‫ك لَِيقْتُلُو َك فَاخْرُ ْ‬
‫إِنّ الْمَ َلَأ يَ ْأتَ ِمرُونَ بِ َ‬
‫ب قَالَ رَبّ نَجّنِي مِ نَ اْلقَوْ ِم الظّالِمِيَ (‪َ )21‬ولَمّ ا تَ َوجّ هَ‬
‫مِنْهَا خَائِفا يََترَقّ ُ‬
‫تِ ْلقَاء َمدَْي َن قَالَ َعسَى َربّي أَن َيهْ ِديَنِي َسوَاء السّبِيلِ (‪. ﴾ )22‬‬
‫قال ابن عباس ‪ :‬انطلق الفرعونّ الذي كان يقاتل السرائيلي بالمس إل‬
‫قومه ‪ ،‬فأخبهم با سع من السرائيليّ حي يقول ‪َ ﴿ :‬أتُرِيدُ أَن َت ْقتَُلنِي كَمَا‬
‫ت َنفْسا بِاْلَأمْسِ ﴾ ؟ فأرسل فرعون الذّباحي بقتل موسى فأخذوا الطريق‬ ‫َقتَلْ َ‬
‫العظم وهم ل يافون أن يفوت م ‪ ،‬وكان رجل من شيعة موسى ف أقصى‬
‫الدينة ‪ ،‬فاختصر طريقًا قريبًا حت سبقهم إل موسى فأخبه الب ‪.‬‬
‫ج ِمنْهَا خَائِفا ﴾ من قتله الن فس ‪َ ﴿ ،‬يتَرَقّ بُ ﴾ أن‬ ‫و عن قتادة ‪َ ﴿ :‬فخَ َر َ‬
‫يأخذه الطلب ‪ .‬وقال ابن إسحاق ‪ :‬ذكر ل أنه خرج على وجهه ‪ ﴿ ،‬خَائِفا‬
‫ّبَ ﴾ مَا يدري أي وجَه يسَلك ‪ ،‬وهَو يقول ‪ :‬ربّ ننَ مَن القوم‬ ‫َيتَرَق ُ‬
‫الظالي ‪ ،‬فهيّأ ال الطريق إل مدين ‪ ،‬فخرج من مصر بل زاد ول حذاء ول‬
‫الزء الثالث‬ ‫‪424‬‬

‫ظهر ول درهم ‪ .‬وقال ابن عباس ‪ :‬خرج موسى متو ّجهًا نو مدين ‪ ،‬وليس‬
‫له علم بالطريق ‪ ،‬إل حسن ظنه بربه ‪ ،‬فإنه قال ‪ ﴿ :‬عَ سَى َربّي أَن َيهْ ِديَنِي‬
‫سبِيلِ ﴾ ‪.‬‬
‫َسوَاء ال ّ‬
‫ّاسـ‬
‫ّنـ الن ِ‬
‫ْهـ ُأمّ ًة م َ‬
‫َنـ َو َجدَ عَلَي ِ‬
‫قوله عـز وجـل ‪َ ﴿ :‬ولَمّاـ وَ َردَ مَاء َم ْدي َ‬
‫سقُو َن َووَ َج َد مِن دُونِهِ مُ ا ْمرَأتَيْ ِن َتذُودَا نِ قَالَ مَا خَطُْبكُمَا قَالَتَا لَا نَ سْقِي‬
‫يَ ْ‬
‫سقَى َلهُمَا ُثمّ َتوَلّى ِإلَى ال ّظلّ‬
‫صدِ َر الرّعَاء وََأبُونَا شَيْ خٌ كَبِيٌ (‪ )23‬فَ َ‬
‫حَتّى يُ ْ‬
‫َفقَالَ َربّ إِنّي لِمَا أَن َزلْ تَ ِإَليّ مِ ْن خَ ْيرٍ َفقِيٌ (‪ )24‬فَجَاءتْ ُه ِإحْدَاهُمَا تَ ْمشِي‬
‫ت لَنَا فَلَمّا جَاء هُ‬
‫ج ِزيَ كَ َأ ْجرَ مَا سَقَيْ َ‬
‫عَلَى ا سْتِحْيَاء قَالَ تْ إِنّ َأبِي َيدْعُو َك لِيَ ْ‬
‫ت ِمنَ اْل َقوْمِ الظّالِمِيَ (‪. ﴾ )25‬‬
‫جوْ َ‬
‫ف نَ َ‬
‫ص قَالَ لَا تَخَ ْ‬
‫َوقَصّ عَلَ ْي ِه الْقَصَ َ‬
‫قال سعيد بن جبي ‪ :‬خرج مو سى من م صر إل مد ين وبين ها وبين ها‬
‫مسية ثان ‪ ،‬ول يكن له طعام إل ورق الشجر ‪ ،‬وخرج فما وصل إليها حت‬
‫وقع خفّ قدمه ‪.‬‬
‫ِمَ‬
‫َسَقُونَ َووَجَدَ مِن دُوِنه ُ‬
‫ّاسَ ي ْ‬
‫ّنَ الن ِ‬ ‫وقوله تعال ‪ ﴿ :‬وَ َج َد عََلي ِ‬
‫ْهَ ُأ ّم ًة م َ‬
‫امْرَأَتيْ ِن تَذُودَا نِ ﴾ ‪ ،‬قال أبو مالك ‪ :‬تبسان غنمهما عن الناس حت يفرغوا‬
‫ويلوا لم البئر ‪.‬‬
‫﴿ قَا َل مَا خَ ْطُبكُمَا ﴾ ؟ قال ا بن إ سحاق ‪ :‬و جد ل ما رح ة ودخلت‬
‫فيهما خشية لا رأى من ضعفهما ‪ ،‬وغلبة الناس على الاء دونما ؟ فقال لم‬
‫سقِي َحتّ ى يُ صْدِرَ ال ّرعَاء‬
‫‪ :‬ما خطبك ما ؟ أي ‪ :‬ما شأنك ما ؟ ﴿ قَالَتَا لَا نَ ْ‬
‫‪425‬‬ ‫توفيق الرحن ف دروس القرآن‬

‫﴾ امرأتان ل نستطيع أن نزاحم الرجال ‪َ ﴿ ،‬وَأبُونَا َشيْ خٌ َكبِيٌ ﴾ ل يقدر أن‬


‫ي سّ ذلك من نف سه ول ي سقي ماشي ته ‪ ،‬ون ن ننت ظر الناس ح ت إذا فرغوا‬
‫أسقينا ث انصرفنا ‪.‬‬
‫وقوله تعال ‪ ﴿ :‬فَ َ‬
‫سقَى َلهُمَا ﴾ ‪ ،‬قال ابن عباس ‪ :‬فجعل يغرف ف الدلو‬
‫ماء كثيًا ‪ ،‬حت كانتا أول الرعاء ريّا ‪ ،‬فانصرفتا إل أبيهما بغنمهما ‪ .‬قال ‪:‬‬
‫وانصرف موسى إل شجرة فاستظلّ بظلها ‪َ ﴿ ،‬فقَالَ رَبّ ِإنّي لِمَا أَنزَلْتَ إَِليّ‬
‫ِنَ َخيْرٍ َفقِيٌ ﴾ ‪ ،‬ومَا يسَأل ال إل أكلة ‪ ،‬وبرد الاء ‪ ،‬وإن خضرة البقَل‬ ‫م ْ‬
‫لتُرى ف بطنه من الزال ‪.‬‬
‫و عن ا بن إ سحاق ‪ ﴿ :‬فَجَاءتْ هُ ِإحْدَاهُمَا تَمْشِي عَلَى ا ْستِ ْ‬
‫حيَاء ﴾ قال ‪:‬‬
‫واضعَة يدهَا على جبينهَا ‪ .‬قال السَدي ‪ :‬لاَ رجعَت الاريتان إل أبيهمَا‬
‫سريعًا سألما فأ خبتاه خب مو سى ‪ ،‬فأر سل إل يه إحداه ا فأت ته ت شي على‬
‫استحياء وهو يُستحى منه ‪ ﴿ ،‬قَالَتْ ِإنّ َأبِي يَ ْدعُوكَ ِلَيجْ ِزيَكَ أَ ْج َر مَا َس َقيْتَ‬
‫َلنَا ﴾ فقام معها فمشت بي يديه فضربتها الريح فنظر إل عجيزتا ‪ ،‬فقال لا‬
‫مو سى ‪ :‬إم شي خل في ودلّي ن على الطر يق إن أخطأت ‪ ،‬فل ما جاء الش يخ‬
‫ت مِ َن اْل َقوْ مِ الظّالِمِيَ ﴾ ‪ ،‬قال‬ ‫جوْ َ‬ ‫ف نَ َ‬‫﴿ وَقَ صّ عََليْ ِه اْلقَ صَصَ قَالَ لَا َتخَ ْ‬
‫ا بن عباس يقول ‪ :‬ل يس لفرعون ول قو مه علي نا سلطان ول سنا ف ملك ته ‪.‬‬

‫َنـ‬
‫اسـَتأْ ِج ْر ُه إِنّ خَيْ َر م ِ‬
‫َتـ ْ‬
‫َتـ ِإ ْحدَاهُمَا يَا َأب ِ‬
‫قوله عـز وجـل ‪ ﴿ :‬قَال ْ‬
‫َكـ ِإحْدَى ابْنَتَيّ‬
‫َنـأُنكِح َ‬
‫اسـَت ْأجَ ْرتَ اْل َقوِيّ اْلَأمِيُ (‪ )26‬قَا َل ِإنّيـ أُرِيدُ أ ْ‬
‫ْ‬
‫الزء الثالث‬ ‫‪426‬‬

‫ج َفإِ ْن َأتْمَمْتَ َعشْرا فَ ِمنْ عِندِ َك َومَا أُرِيدُ‬


‫هَاتَيْنِ عَلَى أَن َتأْ ُج َرنِي ثَمَانِ َي حِجَ ٍ‬
‫ك بَيْنِي‬
‫حيَ (‪ )27‬قَالَ َذلِ َ‬
‫ج ُدنِي إِن شَاء اللّ هُ مِ نَ ال صّالِ ِ‬
‫أَ ْن أَ ُشقّ َعلَيْ كَ سَتَ ِ‬
‫ت فَلَا ُع ْدوَا نَ عَلَيّ وَاللّ هُ عَلَى مَا نَقُولُ وَكِيلٌ (‬
‫ك َأيّمَا اْلَأجَلَيْ ِن قَضَيْ ُ‬
‫َوبَيْنَ َ‬
‫‪. ﴾ )28‬‬
‫َنَ‬
‫اسََتأْجِ ْرهُ إِن ّ َخيْرَ م ِ‬
‫َتَ ْ‬
‫َتَ إِحْدَاهُم َا ي َا َأب ِ‬
‫عَن ابَن عباس ‪ ﴿ :‬قَال ْ‬
‫ت الْ َقوِيّ اْلأَمِيُ ﴾ ‪ ،‬قال ‪ :‬فأحفظته الغية أن قال ‪ :‬وما يدريك ما‬ ‫ا ْستَأْ َجرْ َ‬
‫قوّته وأمانته ؟ قالت ‪ :‬أما قوّته ‪ :‬فما رأيت من حي سقى لنا ‪ ،‬ل أر رجلً‬
‫قَط أقوى ف ذلك السَقي منَه ‪ ،‬وأمَا أمانتَه ‪ :‬فإنَه ن ظر حيَ أقبلت إليَه‬
‫وشخصت له ‪ ،‬فلما علم إن امرأة صوّب رأسه فلم يرفعه ول ينظر إلّ حت‬
‫بلّغته رسالتك ‪ ،‬ث قال ‪ :‬امشي خلفي وانعت ل الطريق ‪ ،‬ول يفعل ذلك إل‬
‫ي عن أبيها وصدّقها وظنّ به الذي قالت ‪.‬‬ ‫وهو أمي ‪ ،‬فَسُرّ َ‬
‫وقال ا بن ز يد ‪ ﴿ :‬قَالَ ﴾ له ‪ِ ﴿ :‬إنّيَأُرِيدُ أَ نْ أُنكِحَ كَ إِ ْحدَى ابَْنتَيّ‬
‫ت عَشْرا فَ ِم ْن عِندِ َك َومَا أُرِي ُد‬
‫هَاَتيْ ِن عَلَى أَن َتأْجُ َرنِي ثَمَانِ يَ ِحجَ جٍ فَإِ نْ َأتْمَمْ َ‬
‫أَ نْ َأشُقّ عََليْ كَ َستَجِ ُدنِي إِن شَاء اللّ ُه مِ َن ال صّالِحِيَ ﴾ ‪ ،‬قال ‪ :‬وأيّتهما تريد‬
‫أن تنكح ن ؟ قال ‪ :‬ال ت دع تك ‪ ،‬قال ‪ :‬ل أل و هي بريئة م ا د خل نف سك‬
‫عليها ‪ ،‬فقال ‪ :‬هي عندك كذلك فزوّجه ‪.‬‬
‫وقال ابن إسحاق ‪ ﴿ :‬قَالَ ﴾ موسى ‪ ﴿ :‬ذَلِ َ‬
‫ك َبيْنِي َوَبْينَكَ َأيّمَا اْلأَجََليْنِ‬
‫ضيْ تُ فَلَا عُ ْدوَا َن عَلَيّ ﴾ ‪ ،‬قال ‪ :‬ن عم ‪ ﴿ .‬وَاللّ ُه عَلَى مَا َنقُولُ وَكِيلٌ ﴾ ‪،‬‬
‫َق َ‬
‫‪427‬‬ ‫توفيق الرحن ف دروس القرآن‬

‫فزوّجه وأقام معه يكفيه ويعمل له ف رعاية غنمه وما يتاج إليه منه ‪ .‬وقوله ‪:‬‬
‫ضيْ تُ َفلَا عُ ْدوَا َن عَلَيّ ﴾ ‪ ،‬أي ‪ :‬ل ظلم عل ّي بأن أطال بَ‬
‫﴿ أَيّمَا اْلأَجََليْ نِ َق َ‬
‫بأك ثر منه ما ‪ .‬قال ا بن عباس ‪ :‬ق ضى أكثره ا وأطيبه ما ‪ ،‬إن ر سول ال إذا‬
‫قال فعل ‪ ﴿ .‬وَاللّ ُه عَلَى مَا َنقُو ُل وَكِيلٌ ﴾ ‪ ،‬قال ابن عباس ‪ :‬شهيد ‪ .‬وروى‬
‫ابن ماجة ف سننه عن النب قال ‪ « :‬إن موسى آجر نفسه ثان سني ‪ ،‬أو‬
‫عشر سني على عفّة فرجه ‪ ،‬وطعام بطنه » ‪ .‬وال أعلم ‪.‬‬

‫***‬
‫الزء الثالث‬ ‫‪428‬‬

‫الدرس الثالث بعد الائتي‬

‫ب الطّو ِر نَارا قَالَ‬


‫س مِن جَانِ ِ‬
‫﴿ فَلَمّا قَضَى مُوسَىالَْأ َجلَ وَسَا َر ِبَأهْلِهِ آنَ َ‬
‫ت نَارا لّعَلّي آتِيكُم مّنْهَا بِخََب ٍر َأ ْو جَ ْذ َوةٍ مِ َن النّارِ‬
‫ِلَأهْلِ ِه امْكُثُوا ِإنّيـ آنَ سْ ُ‬
‫َنـ فِي‬
‫َصـطَلُونَ (‪ )29‬فَلَمّاـ أَتَاهَا نُودِي مِن شَا ِطئِ اْلوَادِي الَْأيْم ِ‬
‫ُمـ ت ْ‬
‫َلعَ ّلك ْ‬
‫ج َر ِة أَن يَا مُو سَى ِإنّي أَنَا اللّ هُ َربّ اْلعَالَ ِميَ (‪)30‬‬
‫الُْبقْ َع ِة الْمُبَارَ َكةِ مِ َن الشّ َ‬
‫ب يَا مُوسَى‬
‫َوأَ ْن َألْقِ عَصَا َك فَلَمّا رَآهَا َتهْتَزّ َكَأّنهَا جَانّ َولّى ُم ْدبِرا وَلَمْ ُي َعقّ ْ‬
‫ج بَيْضَاء‬
‫خرُ ْ‬
‫ك َيدَ َك فِي جَيْبِكَ تَ ْ‬
‫ك مِنَ الْآمِنِيَ (‪ )31‬اسْلُ ْ‬
‫ف ِإنّ َ‬
‫َأقِْبلْ وَلَا تَخَ ْ‬
‫ب َفذَانِ كَ ُب ْرهَانَا ِن مِن ّربّ كَ‬
‫مِ نْ غَ ْيرِ سُوءٍ وَاضْمُ ْم ِإلَيْ كَ جَنَاحَ كَ مِ َن الرّهْ ِ‬
‫ت مِ ْنهُ مْ‬
‫ِإلَى ِفرْ َعوْ نَ َومَلَئِ ِه ِإّنهُ مْ كَانُوا َقوْما فَا سِقِيَ (‪ )32‬قَالَ َربّ ِإنّي قَتَ ْل ُ‬
‫ف أَن َيقْتُلُو نِ (‪ )33‬وََأخِي هَارُو نُ ُهوَ أَفْ صَحُ مِنّي لِ سَانا َفأَرْ سِ ْلهُ‬
‫َنفْسا َفَأخَا ُ‬
‫َكـ‬
‫ضد َ‬‫شدّ عَ ُ‬
‫سـَن ُ‬
‫ُونـ (‪ )34‬قَا َل َ‬
‫َافـ أَن ُيكَ ّذب ِ‬
‫ُصـّدقُنِي ِإنّيـ َأخ ُ‬
‫ِيـ ِردْءا ي َ‬
‫َمع َ‬
‫ج َع ُل َلكُمَا سُلْطَانا فَلَا يَ صِلُو َن ِإلَ ْيكُمَا بِآيَاتِنَا أَنتُمَا َومَ ِن اتَّبعَكُمَا‬
‫ك وَنَ ْ‬
‫ِبَأخِي َ‬
‫حرٌ‬
‫ت قَالُوا مَا َهذَا ِإلّا سِ ْ‬
‫اْلغَالِبُو نَ (‪ )35‬فَلَمّ ا جَاءهُم مّو سَى بِآيَاتِنَا بَيّنَا ٍ‬
‫ّمفَْترًى َومَا سَ ِمعْنَا ِبهَذَا فِي آبَائِنَا اْلأَ ّولِيَ (‪َ )36‬وقَالَ مُوسَى َربّي أَعْلَ ُم بِمَن‬
‫ح الظّالِمُو نَ (‬
‫جَاء بِاْل ُهدَى مِ نْ عِندِ ِه وَمَن َتكُو ُن لَ هُ عَاقِبَ ُة الدّا ِر ِإنّ ُه لَا ُيفْلِ ُ‬
‫ت َلكُم مّ ْن إِلَ هٍ غَ ْيرِي َفَأ ْوقِ ْد لِي يَا‬
‫‪َ )37‬وقَا َل ِفرْ َعوْ ُن يَا َأيّهَا الْمَ َلُأ مَا عَلِ ْم ُ‬
‫صرْحا ّلعَلّي أَطّ ِل ُع ِإلَى ِإلَ ِه مُو سَى وَِإنّي لَأَظُنّ هُ‬
‫هَامَا نُ عَلَى الطّيِ فَاجْعَل لّي َ‬
‫‪429‬‬ ‫توفيق الرحن ف دروس القرآن‬

‫حقّ وَظَنّوا َأنّ ُهمْ‬


‫ِم َن الْكَا ِذبِيَ (‪ )38‬وَاسَْتكْبَ َر ُهوَ َوجُنُو ُد ُه فِي اْلأَرْضِ بِغَ ْي ِر الْ َ‬
‫ِإلَيْنَا لَا ُيرْ َجعُونَ (‪َ )39‬فَأخَ ْذنَاهُ َوجُنُودَ ُه فَنََبذْنَاهُ ْم فِي الَْيمّ فَان ُظرْ كَيْفَ كَانَ‬
‫ْمـ اْلقِيَامَ ِة لَا‬
‫ُونـ إِلَى النّا ِر َويَو َ‬
‫ُمـ َأئِ ّمةً يَدْع َ‬
‫عَاقَِب ُة الظّالِمِي َ (‪ )40‬وَ َجعَلْنَاه ْ‬
‫ّنـ‬
‫ْمـ اْلقِيَا َم ِة ه ُم م َ‬
‫ِهـ ال ّدنْي َا لَعَْن ًة وََيو َ‬
‫ُمـ ف ِي َهذ ِ‬
‫ُنصـرُونَ (‪ )41‬وََأتَْبعْنَاه ْ‬
‫ي َ‬
‫الْ َمقْبُوحِيَ (‪. ﴾ )42‬‬

‫***‬
‫الزء الثالث‬ ‫‪430‬‬

‫س مِن‬
‫قوله عز و جل ‪ ﴿ :‬فَلَمّ ا قَضَى مُو سَى الَْأ َجلَ وَ سَا َر ِبأَهْلِ هِ آنَ َ‬
‫ت نَارا ّلعَلّي آتِيكُم مّ ْنهَا بِخََبرٍ‬
‫ب الطّو ِر نَارا قَالَ ِلَأهْلِ ِه امْكُثُوا ِإنّي آنَ سْ ُ‬
‫جَانِ ِ‬
‫َصـطَلُونَ (‪ )29‬فَلَمّاـ َأتَاهَا نُودِي مِن شَا ِطئِ‬
‫ُمـ ت ْ‬
‫ِنـ النّا ِر لَعَ ّلك ْ‬
‫َأوْ جَ ْذ َوةٍ م َ‬
‫ج َرةِ أَن يَا مُو سَى ِإنّ ي أَنَا اللّ هُ‬
‫اْلوَادِي اْلَأيْمَ نِ فِي الْبُ ْق َعةِ الْمُبَارَ َك ِة مِ نَ الشّ َ‬
‫َربّ اْلعَالَ ِميَ (‪َ )30‬وأَ ْن َألْ قِ عَ صَا َك فَلَمّا رَآهَا َتهْتَزّ َكَأّنهَا جَانّ َولّى ُم ْدبِرا‬
‫ك مِنَ الْآمِنِيَ (‪ )31‬اسْ ُلكْ يَدَ َك فِي‬
‫ف ِإنّ َ‬
‫َولَمْ ُي َعقّ بْ يَا مُوسَى َأقِْب ْل وَلَا تَخَ ْ‬
‫ـ‬
‫ـ مِن َ‬
‫ـ جَنَاحَك َ‬
‫ـ إِلَيْك َ‬
‫ـ غَ ْي ِر سـُو ٍء وَاضْمُم ْ‬
‫ـ بَيْضَاء مِن ْ‬
‫خرُج ْ‬
‫ـ َت ْ‬
‫جَيْبِك َ‬
‫ب َفذَانِكَ بُ ْرهَانَانِ مِن ّربّكَ ِإلَى ِفرْ َعوْنَ َومَلَئِ ِه ِإّنهُمْ كَانُوا َقوْما فَاسِقِيَ‬
‫الرّهْ ِ‬
‫(‪. ﴾ )32‬‬
‫عن قتادة ‪ ﴿ :‬فََلمّا َقضَى مُو سَى اْلأَجَلَ ﴾ ‪ ،‬قال ‪ :‬حدث ابن عباس قال‬
‫‪ :‬رعى نبّ ال أكثرها وأطيبها ‪.‬‬
‫وقوله تعال ‪َ ﴿ :‬وسَا َر ِبأَهْلِهِ ﴾ ‪.‬‬
‫قال ا بن كث ي ‪ :‬قالوا ‪ :‬لن مو سى قد اشتاق إل بلده وأهله فعزم على‬
‫زيارت م ف خف ية من فرعون وقو مه ‪ ،‬فتحمّ ل بأهله و ما كان م عه من الغ نم‬
‫الت وهبها له صهره ‪ ،‬فسلك بم ف ليلة مطية باردة ‪ ،‬فنل منلً فجعل كل‬
‫ما أورى زنده ل يضيء شيئًا ‪ ،‬فتعجّب من ذلك ‪ ،‬فبينما هو كذلك ﴿ آنَسَ‬
‫ِهَ‬
‫ِبَ الطّو ِر نَارا ﴾ أي ‪ :‬رأى نارًا تضيَء على بعَد ‪ ﴿ ،‬قَالَ ِلَأهْل ِ‬‫م ِن جَان ِ‬
‫خبَرٍ ﴾‬‫ت نَارا ﴾ أي‪ :‬حت أذهب إليها ﴿ ّلعَلّي آتِيكُم ّمْنهَا ِب َ‬
‫س ُ‬
‫ا ْمكُثُوا ِإنّي آنَ ْ‬
‫‪431‬‬ ‫توفيق الرحن ف دروس القرآن‬

‫ِنَ النّارِ ﴾ ‪ ،‬أي ‪ :‬قطعَة‬ ‫وذلك لنَه قَد أضَل الطريَق ‪َ ﴿ ،‬أوْ َج ْذ َوةٍ م َ‬
‫منها ‪َ ﴿ ،‬لعَّلكُ ْم تَصْ َطلُونَ ﴾ ‪ ،‬أي ‪ :‬تستدفئون با من البد ‪ .‬قال ال تعال ‪:‬‬
‫﴿ فَلَمّا َأتَاهَا نُودِي مِن شَا ِطئِ اْلوَادِي اْلأَيْمَنِ ﴾ ‪ ،‬أي ‪ :‬من جانب الوادي ما‬
‫ت بِجَانِ بِ‬
‫يلي البل عن يينه من ناحية الغرب كما قال تعال ‪َ ﴿ :‬ومَا كُن َ‬
‫ضيْن َا إِلَى مُوسََى الَْأمْرَ ﴾ ‪ ،‬والنار وجدهَا تضطرم فَ شجرة‬ ‫اْلغَ ْربِي ّ إِذْ َق َ‬
‫خضراء ف ل ف ال بل م ا يلي الوادي ‪ ،‬فو قف باهتًا ف أمر ها فناداه ر به ‪،‬‬
‫ج َرةِ أَن يَا مُو سَى‬
‫﴿ مِن شَا ِطئِ اْلوَادِي اْلأَيْمَ نِ فِي اْلُبقْ َع ِة الْ ُمبَارَ َكةِ مِ نَ الشّ َ‬
‫ِإنّ ي أَنَا اللّ هُ رَبّ اْلعَالَمِيَ ﴾ أي ‪ :‬الذي ياط بك ويكّل مك هو رب العال ي‬
‫الفعال لاَ يشاء ‪ ،‬ل إله غيه ول رب سَواه ‪ ،‬تعال وتقدّس وتنّه عَن ماثلة‬
‫الخلوقات ف ذاته وصفاته وأقواله وأفعاله سبحانه ‪.‬‬
‫وقوله ‪َ ﴿ :‬وأَنْ أَلْ ِق عَصَاكَ ﴾ ‪ ،‬أي ‪ :‬الت ف يدك ‪ ،‬كما قرّره على ذلك‬
‫ك ِبيَمِينِ كَ يَا مُو سَى * قَا َل هِ َي عَ صَايَ ﴾ ‪ ،‬والعن‬ ‫ف قوله تعال ‪َ ﴿ :‬ومَا تِلْ َ‬
‫سعَى ﴾ وقال‬ ‫‪ :‬أما هذه عصاك الت تعرفها ألقها ‪َ ﴿ ،‬فأَْلقَاهَا َفإِذَا هِ يَ َحّيةٌ تَ ْ‬
‫‪ :‬ها هنا ‪ ﴿ .‬فََلمّا رَآهَا َتهْتَزّ ﴾ ‪ ،‬أي ‪ :‬تضطرب ‪َ ﴿ ،‬كَأّنهَا جَانّ ﴾ ‪ ،‬أي ‪:‬‬
‫ف حركتها السريعة مع عظم خلقتها ‪ ﴿ ،‬وَلّى مُ ْدبِرا وَلَ ْم ُي َعقّ بْ ﴾ ‪ ،‬أي ‪:‬‬
‫ول ي كن يلت فت ‪ ،‬لن ط بع البشر ية ين فر من ذلك ‪ ،‬فل ما قال ال له ‪ ﴿ :‬يَا‬
‫ك مِ َن الْآمِنِيَ ﴾ رجع فوقف ف مقامه الول ‪.‬‬ ‫مُوسَى أَ ْقبِ ْل وَلَا تَخَفْ ِإنّ َ‬
‫ج َبْيضَاء مِ ْن َغيْرِ سُوءٍ‬ ‫ث قال ال تعال ﴿ ا سْلُ ْ‬
‫ك يَدَ كَ فِي َجيْبِ كَ َتخْ ُر ْ‬
‫﴾ أي ‪ :‬إذا أدخلت يدك ف جيب درعك ث أخرجتها فإنا ترج تلل كأنا‬
‫الزء الثالث‬ ‫‪432‬‬

‫قط عة ق مر ف لعان البق ‪ ،‬ولذا قال ‪ ﴿ :‬مِ نْ غَيْرِ سُوءٍ ﴾ ‪ ،‬أي ‪ :‬من غ ي‬
‫برص ‪ .‬انتهى ملخصًا ‪.‬‬
‫وقوله تعال ‪ ﴿ :‬وَاضْمُ مْ إَِليْ كَ َجنَاحَ َ‬
‫ك مِ نَ ال ّرهْ بِ ﴾ ‪ ،‬قال ا بن ز يد ‪:‬‬
‫ك بُ ْرهَانَانِ مِن ّربّكَ ﴾ ‪ ،‬قال‬
‫ما دخله من الفَرَقِ من اليّة والوف ‪َ ﴿ ،‬فذَانِ َ‬
‫السدي ‪ :‬العصا ‪ ،‬واليد ‪.‬‬
‫قال ابن جرير يقول ‪ :‬آياتان وحجّتان ‪ ﴿ ،‬إِلَى ِف ْر َعوْ نَ َومََلئِ هِ ﴾ ‪ ،‬يقول‬
‫‪ :‬إل فرعون وأشراف قومَه ‪ ،‬حجّة عليهَم ودللة على حقيقَة نبوّتَك يَا‬
‫موسى ‪ِ ﴿ ،‬إنّهُمْ كَانُوا َقوْما فَا ِسقِيَ ﴾ ‪.‬‬
‫ف أَن يَقْتُلُونِ (‬
‫قوله عز وجل ‪ ﴿ :‬قَالَ َربّ ِإنّي قَتَلْتُ مِ ْنهُ ْم َنفْسا َفأَخَا ُ‬
‫ص ّدقُنِي ِإنّي‬
‫ح مِنّي لِ سَانا َفأَرْ سِلْ ُه َمعِ يَ ِردْءا يُ َ‬
‫‪َ )33‬وأَخِي هَارُو ُن هُ َو َأفْ صَ ُ‬
‫ج َعلُ َلكُمَا سُلْطَانا‬
‫ضدَ َك ِبَأخِي كَ َونَ ْ‬
‫شدّ عَ ُ‬
‫ف أَن يُ َك ّذبُو نِ (‪ )34‬قَالَ سََن ُ‬
‫َأخَا ُ‬
‫فَلَا يَ صِلُونَ ِإلَ ْيكُمَا بِآيَاتِنَا أَنتُمَا َومَ نِ اتَّبعَكُمَا الْغَالِبُو نَ (‪ )35‬فَلَمّ ا جَاءهُم‬
‫ح ٌر ّمفَْترًى َومَا سَ ِمعْنَا ِب َهذَا فِي آبَائِنَا‬
‫مّوسَى بِآيَاتِنَا بَيّنَاتٍ قَالُوا مَا هَذَا إِلّا سِ ْ‬
‫اْلأَ ّولِيَ (‪َ )36‬وقَالَ مُو سَى َربّ ي أَعْلَ ُم بِمَن جَاء بِاْلهُدَى مِ نْ عِندِ هِ وَمَن‬
‫َتكُو ُن َلهُ عَاقَِبةُ الدّا ِر ِإّنهُ لَا يُفْلِحُ الظّالِمُونَ (‪. ﴾ )37‬‬
‫عن ابن إ سحاق ‪َ ﴿ :‬وأَخِي هَارُو نُ هُوَ أَفْ صَ ُح ِمنّي لِ سَانا َفأَرْ سِلْ ُه َمعِ يَ‬
‫ُصَدُّقنِي ﴾ ‪ ،‬أي ‪ :‬يَبيّن لمَ عنّ مَا أكلّمهَم بَه ‪ .‬وعَن ماهَد ‪:‬‬ ‫ِردْءا ي َ‬
‫﴿ َفأَرْ سِلْ ُه َمعِ يَ ِردْءا يُ صَدُّقنِي ﴾ ‪ ،‬قال ‪ :‬عونًا ‪ .‬وقال ا بن ز يد ‪ :‬لن‬
‫‪433‬‬ ‫توفيق الرحن ف دروس القرآن‬

‫جعَلُ‬
‫الثن ي أحرى أن يُ صَدّقا من وا حد ‪ ﴿ ،‬قَالَ َسنَشُ ّد َعضُدَ كَ بِأَخِي كَ َونَ ْ‬
‫َلكُمَا سُ ْلطَانا ﴾ ‪ ،‬قال ماهد ‪ :‬حجّة ‪ ﴿ ،‬فَلَا َيصِلُونَ إَِلْيكُمَا بِآيَاِتنَا ﴾ ‪.‬‬
‫قال البغوي ‪ :‬أي ‪ :‬ل يصلون إليكما بقتل ول سوء ‪ ،‬لكان آياتنا ‪.‬‬
‫َاتَ‬
‫ُونَ * فََلمّاَ جَاءهُم مّوسََى بِآيَاتِنَا َبّين ٍ‬
‫َنَ اّتَبعَكُمَا اْلغَاِلب َ‬‫﴿ أَنتُمَا َوم ِ‬
‫ح ٌر ّمفْتَرًى ﴾ ‪.‬‬
‫﴾ واضحات ‪ ﴿ ،‬قَالُوا مَا هَذَا إِلّا سِ ْ‬
‫قال ابـن كثيـ ‪ :‬أي ‪ :‬مفتعَل مصَنوع ‪ ﴿ ،‬وَمَا َ‬
‫سَِمعْنَا ِبهَذَا ﴾ الذي‬
‫تدعونا إليه ‪ ﴿ ،‬فِي آبَاِئنَا اْلَأوّلِيَ * وَقَالَ مُو سَى َربّي َأعْلَ ُم بِمَن جَاء بِاْلهُدَى‬
‫مِ ْن عِندِهِ ﴾ وسيفصل بين وبينكم ولذا قال‪َ ﴿:‬ومَن َتكُونُ لَهُ عَاقَِبةُ الدّارِ ﴾‬
‫أي ‪ :‬العقب الحمودة ف الدنيا والخرة ‪ِ ﴿ ،‬إنّهُ لَا ُيفِْلحُ الظّالِمُونَ ﴾ ‪.‬‬
‫ت لَكُم مّ ْن ِإلَ هٍ‬
‫قوله عز و جل ‪ ﴿ :‬وَقَالَ ِفرْ َعوْ نُ يَا َأيّهَا الْمَ َلُأ مَا عَ ِلمْ ُ‬
‫صرْحا ّلعَلّي َأطّلِ ُع ِإلَى ِإلَ هِ‬
‫غَ ْيرِي َفَأ ْوقِ ْد لِي يَا هَامَا نُ عَلَى الطّيِ فَا ْجعَل لّي َ‬
‫مُو سَى َوإِنّ ي َلأَظُنّ ُه مِ نَ الْكَا ِذبِيَ (‪ )38‬وَا سَْتكْبَ َر ُهوَ َوجُنُودُ هُ فِي اْلأَرْ ضِ‬
‫ِبغَ ْيرِ الْحَقّ وَظَنّوا َأّنهُ مْ ِإلَيْنَا لَا ُي ْر َجعُو نَ (‪َ )39‬فَأخَ ْذنَا ُه وَجُنُودَ ُه فَنََبذْنَاهُ مْ‬
‫فِي الَْيمّ فَان ُظرْ كَيْفَ كَانَ عَاقَِب ُة الظّالِمِيَ (‪َ )40‬وجَعَلْنَاهُمْ َأئِ ّمةً يَدْعُو َن ِإلَى‬
‫صرُونَ (‪َ )41‬وَأتْبَعْنَاهُ ْم فِي َهذِ هِ ال ّدنْيَا َلعَْنةً َوَيوْ مَ‬
‫النّارِ وََيوْ َم الْقِيَامَ ِة لَا يُن َ‬
‫اْلقِيَا َمةِ هُم ّمنَ الْ َمقْبُوحِيَ (‪. ﴾ )42‬‬
‫قال ا بن كث ي ‪ :‬أ مر فرعون وزيره هامان أن يو قد له على الط ي ‪ ،‬يع ن‬
‫يتّ خذ له آجُرّا لبناء ال صرح ‪ ،‬و هو القصر الن يف الرف يع العال ‪ ،‬ك ما قال ف‬
‫الزء الثالث‬ ‫‪434‬‬

‫صرْحا ّلعَلّي َأبْلُ ُغ اْلأَ ْسبَابَ *‬


‫الية الخرى ‪ ﴿ :‬وَقَالَ ِف ْر َعوْ ُن يَا هَامَا ُن ابْنِ لِي َ‬
‫ب ال سّمَاوَاتِ َفَأطّلِ عَ إِلَى إِلَ ِه مُو سَى َوِإنّ ي َلأَ ُظنّ هُ كَاذِبا وَكَذَلِ كَ ُزيّ نَ‬
‫أَ سْبَا َ‬
‫ص ّد عَ ِن ال سّبِي ِل وَمَا َكيْدُ فِ ْر َعوْ نَ إِلّا فِي تَبَا بٍ ﴾ ‪،‬‬ ‫ِلفِ ْر َعوْ نَ سُو ُء عَمَلِ ِه وَ ُ‬
‫وذلك لن فرعون بن هذا الصرح الذي ل يُر ف الدنيا بناء أعلى منه ‪ ،‬وإنا‬
‫أراد بذا أن يظهَر لرعيتّه تكذيَب موسَى فيمَا يزعمَه مَن دعوى إله غيَ‬
‫فرعون ‪ ،‬ولذا قال ‪َ ﴿ :‬وِإنّي َلأَ ُظنّ ُه مِ نَ الْكَا ِذبِيَ ﴾ ‪ ،‬أي ‪ :‬ف قوله ‪ :‬أن ثَ مّ‬
‫ربّا غيي ‪.‬‬
‫وقوله تعال ‪ ﴿ :‬وَا سَْت ْكبَ َر ُهوَ وَ ُجنُودُ هُ فِي الْأَرْ ِ‬
‫ض ِبغَيْرِ الْحَقّ َوظَنّوا َأّنهُ مْ‬
‫َ ﴾ ‪ ،‬أي ‪ :‬طغوا وتبّروا وأكثروا فَ الرض الفسَاد ‪،‬‬ ‫إَِليْنََا لَا ُيرْ َجعُون َ‬
‫ط عَذَا بٍ * إِنّ‬ ‫ب عََلْيهِ مْ َربّ كَ َسوْ َ‬ ‫واعتقدوا أ نه ل قيا مة ول َمعَاد ‪ ﴿ ،‬فَ صَ ّ‬
‫َربّ كَ َلبِالْمِرْ صَادِ﴾ ‪ ،‬ولذا قال تعال ‪ :‬ها هنا ‪َ ﴿ :‬فأَخَ ْذنَا ُه وَ ُجنُودَ هُ َفَنبَ ْذنَاهُ مْ‬
‫فِي اْليَمّ ﴾ ‪ ،‬أي ‪ :‬أغرقناهم ف البحر ف صبيحة واحدة فلم يبق منهم أحد‬
‫ُونَ إِلَى النّارِ‬ ‫ُمَ َأئِ ّمةً يَ ْدع َ‬ ‫َانَ عَاِقَبةُ الظّالِمِيَ * وَ َجعَ ْلنَاه ْ‬
‫ْفَ ك َ‬
‫‪ ﴿ .‬فَانظُرْ َكي َ‬
‫﴾ لن سلك وراءهم وأخذ بطريقتهم ف تكذيب الرسل وتعطيل الصانع ‪﴿ ،‬‬
‫َوَيوْ َم اْلقِيَا َمةِ لَا يُن صَرُونَ ﴾ ‪ ،‬أي ‪ :‬فاجتمع عليهم خزي الدنيا موصولً بذلّ‬
‫الخرة كما قال تعال ‪َ ﴿ :‬أهَْل ْكنَاهُمْ َفلَا نَاصِرَ َل ُهمْ ﴾ ‪.‬‬
‫ِهَ ال ّدنْي َا َل ْعَنةً ﴾ ‪ ،‬أي ‪ :‬وشرع ال‬ ‫وقوله تعال ‪َ ﴿ :‬وَأتَْب ْعنَاه ْ‬
‫ُمَ ف ِي هَذ ِ‬
‫لعنت هم ولع نة ملك هم فرعون على أل سنة الؤمن ي من عباده ‪َ ﴿ ،‬وَيوْ مَ اْل ِقيَا َم ِة‬
‫هُم مّ َن الْ َم ْقبُوحِيَ ﴾ ‪ ،‬قال البغوي ‪ ﴿ :‬مّ َن الْ َم ْقبُوحِيَ ﴾ اللعوني ‪ .‬وقال‬
‫‪435‬‬ ‫توفيق الرحن ف دروس القرآن‬

‫ابن عباس من الشوّهي بسواد الوجوه وزرقة العيون ‪ .‬وقال قتادة ‪ :‬لعنوا ف‬
‫الدن يا والخرة ‪ ،‬قال ‪ :‬هو كقوله ‪َ ﴿ :‬وُأْتبِعُواْ فِي هَ َ ِذهِ َل ْعَنةً َوَيوْ مَ اْل ِقيَامَةِ‬
‫ِبْئسَ الرّفْ ُد الْمَرْفُودُ ﴾ ‪.‬‬

‫***‬
‫الزء الثالث‬ ‫‪436‬‬

‫الدرس الرابع بعد الائتي‬

‫ب مِن َب ْعدِ مَا َأهْلَكْنَا اْل ُقرُو َن اْلأُولَى بَ صَائِرَ‬


‫﴿ َولَ َقدْ آتَيْنَا مُو سَى الْكِتَا َ‬
‫ب اْلغَ ْربِيّ ِإذْ‬
‫ت بِجَانِ ِ‬
‫س وَ ُهدًى وَرَحْ َم ًة ّلعَ ّلهُ ْم يََتذَ ّكرُو نَ (‪ )43‬وَمَا كُن َ‬
‫لِلنّا ِ‬
‫شأْنَا ُقرُونا‬
‫ت مِ َن الشّاهِدِي نَ (‪ )44‬وََلكِنّا أَن َ‬
‫قَضَيْنَا ِإلَى مُو سَى اْلأَ ْم َر وَمَا كُن َ‬
‫ت ثَاوِيا فِي َأ ْهلِ مَ ْديَ َن تَتْلُو عَلَ ْيهِمْ آيَاتِنَا وََلكِنّا‬
‫فَتَطَاوَلَ عَ َل ْيهِمُ اْلعُ ُم ُر وَمَا كُن َ‬
‫ت بِجَانِبِ الطّو ِر ِإذْ نَا َديْنَا َوَلكِن ّرحْ َمةً مّن ّربّكَ‬
‫كُنّا ُمرْسِلِيَ (‪ )45‬وَمَا كُن َ‬
‫ك َلعَلّهُ ْم يََتذَ ّكرُو نَ (‪َ )46‬وَلوْلَا أَن‬
‫لِتُنذِ َر َقوْما مّ ا َأتَاهُم مّ ن ّنذِي ٍر مّ ن قَبْلِ َ‬
‫ت ِإلَيْنَا رَ سُولً‬
‫تُ صِيَبهُم مّ صِيَبةٌ بِمَا َق ّدمَ تْ َأْيدِيهِ ْم فََيقُولُوا َربّنَا َل ْولَا أَرْ سَلْ َ‬
‫حقّ مِ نْ عِن ِدنَا قَالُوا‬
‫ك وََنكُو َن مِ َن الْ ُمؤْمِنِيَ (‪ )47‬فَلَمّا جَاءهُمُ الْ َ‬
‫فَنَتِّب عَ آيَاتِ َ‬
‫َل ْولَا أُوتِ َي مِ ْثلَ مَا أُوتِ يَ مُو سَى َأ َولَ مْ َي ْكفُرُوا بِمَا أُوتِ يَ مُو سَى مِن قَ ْب ُل قَالُوا‬
‫حرَانِ تَظَا َهرَا َوقَالُوا ِإنّاـِب ُكلّ كَافِرُونَـ (‪ُ )48‬قلْ َف ْأتُوا بِكِتَابٍـ مّن ْـ عِندِ‬
‫سِـ ْ‬
‫اللّ ِه ُهوَ َأ ْهدَى مِ ْنهُمَا َأتِّبعْ هُ إِن كُنتُ مْ صَادِقِيَ (‪َ )49‬فإِن لّ مْ يَ سْتَجِيبُوا لَ كَ‬
‫ض ّل مِمّ نِ اتّبَ َع َهوَا هُ ِبغَ ْيرِ هُدًى مّ نَ اللّ هِ‬
‫فَاعْلَ ْم َأنّمَا يَتِّبعُو نَ أَ ْهوَاءهُ ْم َومَ ْن أَ َ‬
‫ُمـ‬
‫ُمـ الْ َقوْ َل َلعَ ّله ْ‬
‫َصـلْنَا َله ُ‬
‫ْمـ الظّالِمِيَ (‪َ )50‬وَلقَ ْد و ّ‬
‫ّهـ لَا َيهْدِي الْ َقو َ‬
‫إِنّ الل َ‬
‫ب مِن قَبْلِ ِه هُم بِ هِ يُ ْؤمِنُو نَ (‪ )52‬وَِإذَا‬
‫يََتذَ ّكرُو نَ (‪ )51‬الّذِي نَ آتَيْنَاهُ مُ اْلكِتَا َ‬
‫حقّ مِن ّربّنَا ِإنّا ُكنّا مِن قَبْلِ هِ مُ سْلِ ِميَ (‪)53‬‬
‫يُتْلَى عَلَ ْيهِ ْم قَالُوا آمَنّا بِ هِ ِإنّ هُ الْ َ‬
‫ك ُيؤَْتوْ نَ أَ ْجرَهُم ّمرّتَيْ ِن بِمَا صََبرُوا َويَدْ َرؤُو نَ بِالْحَ سََنةِ ال سّيَّئ َة وَمِمّ ا‬
‫ُأ ْولَئِ َ‬
‫‪437‬‬ ‫توفيق الرحن ف دروس القرآن‬

‫َر َزقْنَاهُ ْم يُنفِقُو نَ (‪ )54‬وَِإذَا سَ ِمعُوا اللّ ْغوَ أَ ْعرَضُوا عَنْ ُه وَقَالُوا لَنَا أَعْمَالُنَا‬
‫َولَ ُك ْم أَعْمَالُ ُك ْم سَلَامٌ عَلَ ْي ُكمْ لَا نَبَْتغِي الْجَاهِلِيَ (‪. ﴾ )55‬‬
‫ب مِن َب ْعدِ مَا َأهْلَكْنَا اْل ُقرُونَ‬
‫قوله عز وجل ‪َ ﴿ :‬ولَ َقدْ آتَيْنَا مُوسَى الْكِتَا َ‬
‫ُنتـ‬
‫ُونـ (‪ )43‬وَمَا ك َ‬
‫ُمـ يََتذَ ّكر َ‬
‫ّاسـ َو ُهدًى وَ َرحْ َم ًة لّعَ ّله ْ‬
‫اْلأُولَى بَصـَاِئرَ لِلن ِ‬
‫ب الْ َغ ْربِيّ ِإذْ قَضَيْنَا ِإلَى مُو سَى اْلَأمْ َر وَمَا كُن تَ مِ َن الشّا ِهدِي نَ (‪)44‬‬
‫بِجَانِ ِ‬
‫ت ثَاوِيا فِي َأهْ ِل َمدَْينَ تَتْلُو‬
‫شأْنَا ُقرُونا فَتَطَا َولَ عَلَ ْيهِ ُم الْعُ ُم ُر َومَا كُن َ‬
‫َولَكِنّا أَن َ‬
‫ت بِجَانِ بِ الطّو ِر ِإذْ نَا َديْنَا‬
‫عَلَ ْيهِ مْ آيَاتِنَا َوَلكِنّ ا كُنّ ا ُمرْ سِ ِليَ (‪ )45‬وَمَا كُن َ‬
‫ِكـَلعَ ّلهُم ْـ‬
‫ّكـلِتُنذِ َر َقوْما مّاـَأتَاهُم مّنـّنذِي ٍر مّنـ قَبْل َ‬
‫َولَكِن ّرحْ َم ًة مّنـ ّرب َ‬
‫يََتذَ ّكرُونَ (‪. ﴾ )46‬‬
‫قال البغوي ‪ :‬قوله تعال ‪ ﴿ :‬وََلقَ ْد آَتيْن َا مُوسََى اْلكِت َ‬
‫َابَ م ِن َبعْ ِد م َا‬
‫َأهَْلكْنَا اْلقُرُو نَ الْأُولَى ﴾ ‪ ،‬يع ن ‪ :‬قوم نوح ‪ ،‬وعادًا ‪ ،‬وثود وغيهم ‪ ،‬كانوا‬
‫ق بل مو سى ‪ ﴿ ،‬بَ صَائِرَ لِلنّا سِ ﴾ ‪ ،‬يع ن ‪ :‬ليب صروا بذلك الكتاب ويهتدوا‬
‫به ﴿ َوهُدًى ﴾ من الضلل ل ن ع مل به ‪ ﴿ ،‬وَ َرحْ َمةً ﴾ ل ن آ من به ‪﴿ ،‬‬
‫ّلعَّلهُمْ يَتَذَكّرُونَ ﴾ با فيه من الواعظ والبصائر ‪.‬‬
‫ب اْلغَ ْربِيّ ﴾ يعن ‪ :‬بانب البل الغرب‬ ‫﴿ َومَا كُن تَ ﴾ يا ممد ﴿ بِجَانِ ِ‬
‫‪ .‬قال قتادة ‪ ،‬والسدي ‪ :‬قال ابن عباس ‪ :‬يريد حيث ناجى موسى ربه ‪﴿ ،‬‬
‫إِذْ َقضَْينَا إِلَى مُو سَى اْلأَمْرَ ﴾ يعن ‪ :‬عهدنا إليه وأحكمنا المر معه بالرسالة‬
‫ِينَ ﴾ الاضريَن ذلك القام‬‫ِنَ الشّاهِد َ‬
‫ُنتَ م َ‬
‫إل فرعون وقومَه ‪ ﴿ ،‬وَمَا ك َ‬
‫الزء الثالث‬ ‫‪438‬‬

‫ش ْأنَا ُقرُونا ﴾ خلقنا أمًا من بعد موسى‬ ‫فتذكره من ذات نفسك ‪ ﴿ ،‬وََل ِكنّا أَن َ‬
‫ِمَ اْلعُ ُمرُ ﴾ ‪ ،‬أي ‪ :‬طالت عليهَم الهلة فنسَوا‬ ‫عليَه السَلم ﴿ َفتَطَاوَلَ عََلْيه ُ‬
‫عهد ال وميثاقه وتركوا أمره ‪ ،‬وذلك أن ال تعال قد عهد إل موسى وقومه‬
‫عهودًا ف ممد واليان به ‪ ،‬فلما طال عليهم العمر وخلفت القرون بعد‬
‫القرون نسوا تلك العهود وتركوا الوفاء با ‪.‬‬
‫ُنتَ ثَاوِيا ﴾ مقيمًا فَ أهَل مديَن كمقام موسَى وشعيَب‬ ‫﴿ وَمَا ك َ‬
‫فيهم ‪ ﴿ ،‬تَتْلُو عََلْيهِ ْم آيَاِتنَا ﴾ تذّكرهم بالوعد والوعيد ‪ .‬قال مقاتل يقول ‪:‬‬
‫ل تشهَد أهَل مد ين فتقرأ على أهَل مد ين ‪ ،‬فتقرأ على أ هل م كة خبهم‬
‫﴿ وَلَ ِكنّا ُكنّا ُمرْسِِليَ ﴾ أي ‪ :‬أرسلناك رسولً ‪ ،‬وأنزلنا عليك كتابًا فيه هذه‬
‫الخبار فتتلوها عليهم ‪ ،‬ولول ذلك لا علمتها ول تبهم با ‪َ ﴿ ،‬ومَا كُن تَ‬
‫بِجَانِبِ الطّورِ ﴾ بناحية البل الذي كلّم ال عليه موسى ‪ِ ﴿ ،‬إ ْذ نَا َدْينَا وََلكِن‬
‫رّحْ َم ًة مّن ّربّ كَ ﴾ قال ابن كثي ‪ :‬أي ‪ :‬ما كنت مشاهدًا لشيء من ذلك ‪،‬‬
‫ولكن ال تعال أوحاه إليك وأخبك به رحة منه بك وبالعباد بإرسالك إليهم‬
‫﴿ ِلتُنذِرَ َقوْما مّا َأتَاهُم مّن نّذِي ٍر مّن َقبْلِكَ َلعَّلهُ ْم َيتَذَكّرُونَ ﴾ ‪.‬‬
‫ت َأْيدِيهِ مْ فََيقُولُوا‬
‫قوله عز وجل ‪َ ﴿ :‬ولَ ْولَا أَن تُ صِيَبهُم مّ صِيَب ٌة بِمَا َقدّمَ ْ‬
‫ك َونَكُو َن مِ َن الْ ُمؤْمِنِيَ (‪ )47‬فَلَمّا‬
‫ت ِإلَيْنَا رَسُولً فَنَتِّب عَ آيَاتِ َ‬
‫َربّنَا َل ْولَا أَرْ سَلْ َ‬
‫حقّ مِ نْ عِندِنَا قَالُوا َل ْولَا أُوتِ يَ مِ ْث َل مَا أُوتِ َي مُو سَى َأ َولَ ْم يَ ْك ُفرُوا‬
‫جَاءهُ مُ الْ َ‬
‫حرَانِ تَظَا َهرَا َوقَالُوا ِإنّ ا بِ ُكلّ كَافِرُو نَ (‬
‫بِمَا أُوتِ يَ مُو سَى مِن قَ ْب ُل قَالُوا سِ ْ‬
‫‪439‬‬ ‫توفيق الرحن ف دروس القرآن‬

‫ب مّ نْ عِندِ اللّ هِ هُ َو َأهْدَى مِ ْنهُمَا َأتِّبعْ هُ إِن كُنتُ مْ صَا ِدقِيَ‬


‫‪ُ )48‬ق ْل َفأْتُوا ِبكِتَا ٍ‬
‫ض ّل مِمّ نِ‬
‫ك فَاعْلَ ْم أَنّمَا يَتِّبعُو نَ َأ ْهوَاءهُ ْم وَمَ ْن أَ َ‬
‫(‪َ )49‬فإِن لّ مْ يَ سْتَجِيبُوا لَ َ‬
‫اتّبَ َع َهوَا ُه ِبغَ ْيرِ ُهدًى مّ َن اللّ هِ إِنّ اللّ هَ لَا َيهْدِي الْ َقوْ َم الظّالِمِيَ (‪َ )50‬وَلقَدْ‬
‫وَصّلْنَا َل ُهمُ اْلقَ ْولَ َلعَ ّل ُهمْ يََتذَ ّكرُونَ (‪. ﴾ )51‬‬
‫قال البغوي ‪ ﴿ :‬وََلوْلَا أَن تُصَِيَبهُم مّصَِيَبةٌ ﴾ عقوبَة ونقمَة ‪ ﴿ ،‬بِم َا‬
‫َق ّدمَ تْ َأيْدِيهِ مْ ﴾ من الكفر والعصية ﴿ َفَيقُولُوا َرّبنَا َلوْلَا ﴾ هلّ ﴿ أَرْ سَ ْل َ‬
‫ت‬
‫ك َوَنكُو َن مِ نَ الْ ُمؤْ ِمنِيَ ﴾ ‪ .‬وجواب ( لول ) مذوف‬ ‫إَِلْينَا رَ سُولً َفَنّتبِ َع آيَاتِ َ‬
‫‪ :‬أي ‪ :‬لعاجلناهم بالعقوبة ‪،‬‬
‫يع ن ‪ :‬لول أن م يتجّون بترك الرسال إلي هم لعاجلناهم بالعقوبة بكفر هم ؛‬
‫وقيل ‪ :‬معناه لَمَا بعثناك إليهم رسولً ‪ ،‬ولكن بعثناك إليهم لئل يكون للناس‬
‫على ال حجة بعد الرسل ‪.‬‬
‫﴿ فََلمّا جَاءهُ ُم الْحَقّ مِ ْن عِن ِدنَا ﴾ ‪ ،‬يعن ‪ :‬ممد ‪ ﴿ ،‬قَالُوا َلوْلَا أُوتِ يَ‬
‫ِمثْ َل مَا أُوتِ َي مُوسَى ﴾ من اليات ‪ ،‬قال ال تعال ‪َ ﴿ :‬أوَلَمْ يَ ْكفُرُوا بِمَا أُوتِيَ‬
‫حرَا ِن تَظَاهَرَا وَقَالُوا ِإنّا ِبكُلّ كَافِرُونَ ﴾ ‪ .‬قال ماهد ‪:‬‬ ‫مُوسَى مِن َقبْلُ قَالُوا سِ ْ‬
‫يهود تأمر قريشًا أن تسأل ممدًا مثل ما أوت موسى ‪ ،‬يقول ال لحمد ‪:‬‬
‫قل ‪ :‬لقريش يقولوا لم ‪َ ﴿ :‬أوَلَ ْم يَ ْكفُرُوا بِمَا أُوتِ َي مُوسَى مِن َقبْلُ ﴾ ‪.‬‬
‫حرَا ِن تَظَاهَرَا ﴾ ‪ ،‬قالت ذلك أعداء ال‬ ‫َْ‬
‫وعَن قتادة ‪ :‬قوله ‪ ﴿ :‬قَالُوا س ِ‬
‫َ‬ ‫اليهود للنيَل والفرقان ‪ .‬وعَن الضحاك ‪ ﴿ :‬وَقَالُوا ِإنّاَ ِبكُلّ كَافِرُون َ‬
‫الزء الثالث‬ ‫‪440‬‬

‫﴾ يعنون ‪ :‬الن يل والفرقان ‪ .‬وقال ا بن كث ي ‪ :‬يقول تعال م بًا عن القوم‬


‫الذين لو عذّبم قبل قيام الجّة عليهم لحتجّوا بأنم ل يأتم رسول ‪ ،‬أنم لا‬
‫جاءهم الق من عنده على لسان ممد ‪ ،‬على وجه التعنّت والعناد ‪﴿ ،‬‬
‫َلوْلَا أُوتِ َي ِمثْ َل مَا أُوتِ يَ مُو سَى ﴾ يعنون وال أعلم ‪ :‬من اليات الكثية ‪﴿ .‬‬
‫َأوَلَ ْم َي ْكفُرُوا بِمَا أُوتِ يَ مُو سَى مِن َقبْلُ ﴾ ؟ أي ‪ :‬أو ل يكفر البشر با أوت‬
‫سَحْرَانِ تَظَا َهرَا ﴾ ‪ ،‬أي ‪:‬‬
‫موسَى مَن تلك اليات العظيمَة ؟ وقالوا ‪ِ ﴿ :‬‬
‫تعاو نا ‪ ﴿ ،‬وَقَالُوا ِإنّا بِكُلّ كَاِفرُو نَ ﴾ ‪ ،‬أي ‪ :‬بكل منه ما كافرون ؛ ولشدّة‬
‫التلزم والتصَاحب والقاربَة بيَ موسَى وهارون ‪ ،‬دلّ ذكَر أحدهاَ على‬
‫الخر ‪ .‬قال ‪ :‬وأما من قرأ ‪ { :‬سحران تظاهرا } ‪ ،‬فعن ابن عباس ‪ :‬يعنون‬
‫‪ :‬التوراة ‪ ،‬والقرآن ‪ .‬انتهى ملخصًا ‪.‬‬
‫وقوله تعال ‪ ﴿ :‬قُلْ َف ْأتُوا ِب ِكتَا بٍ مّ ْن عِندِ اللّ ِه ُهوَ َأهْدَى ِمْنهُمَا َأّتبِعْ هُ إِن‬
‫كُنتُمْ صَادِِقيَ ﴾ ‪ ،‬قال ابن زيد ‪ :‬هو أهدى من هذين الكتابي الذي بعث به‬
‫موسى والذي بعث به ممد ‪.‬‬
‫وقوله تعال ‪ ﴿ :‬فَإِن لّ ْم يَ ْ‬
‫ستَجِيبُوا لَ كَ ﴾ ‪ ،‬قال ابن كثي ‪ :‬أي ‪ :‬فإن ل‬
‫ييبوك عما قلت لم ول يتّبعوا الق ﴿ فَاعْلَمْ َأنّمَا َيّتبِعُونَ َأ ْهوَاءهُمْ ﴾ أي بل‬
‫دليل ول حجّة ﴿ َومَ نْ أَضَ ّل مِمّ ِن اتّبَ َع َهوَا ُه ِب َغيْ ِر هُدًى مّ نَ اللّ هِ ﴾ أي ‪ :‬بغي‬
‫حجّة مأخوذة من كتاب ال ‪ِ ﴿ ،‬إنّ اللّهَ لَا َيهْدِي اْل َق ْومَ الظّالِ ِميَ ﴾ ‪.‬‬
‫‪441‬‬ ‫توفيق الرحن ف دروس القرآن‬

‫وعن قتادة ‪ ﴿ :‬وََلقَ ْد وَصّ ْلنَا َلهُ ُم اْل َقوْلَ ﴾ ‪ ،‬قال ‪ :‬وصلّ ال لم القول ف‬
‫هذا القرآن ي بهم ‪ :‬ك يف صنع ب ن م ضى وك يف هو صانع ‪َ ﴿ .‬لعَّل ُه مْ‬
‫َيتَذَكّرُونَ ﴾ ‪.‬‬
‫ب مِن قَبْلِ هِ هُم بِ ِه ُيؤْمِنُو نَ (‬
‫قوله عز و جل ‪ ﴿ :‬اّلذِي نَ آتَيْنَاهُ مُ اْلكِتَا َ‬
‫‪َ )52‬وِإذَا يُتْلَى عَلَ ْيهِ ْم قَالُوا آمَنّ ا بِ ِه إِنّ هُ الْحَقّ مِن ّربّنَا ِإنّ ا كُنّ ا مِن قَبْلِ هِ‬
‫مُ سْلِ ِميَ (‪ )53‬أُ ْولَئِ كَ ُي ْؤتَوْ َن َأجْ َرهُم ّم ّرتَيْ نِ بِمَا صََبرُوا وََيدْ َرؤُو َن بِالْحَ سََنةِ‬
‫ال سّيَّئ َة َومِمّا رَ َزقْنَاهُ مْ يُن ِفقُو نَ (‪ )54‬وَِإذَا سَ ِمعُوا اللّ ْغوَ أَ ْعرَضُوا عَنْ ُه وَقَالُوا‬
‫لَنَا أَعْمَالُنَا َولَ ُك ْم أَعْمَالُ ُك ْم سَلَامٌ عَلَ ْي ُكمْ لَا نَبَْتغِي الْجَاهِلِيَ (‪. ﴾ )55‬‬
‫ِهَ ﴾ إل قوله ﴿‬
‫َابَ م ِن َقْبل ِ‬
‫ُمَ اْل ِكت َ‬
‫ِينَ آَتْينَاه ُ‬
‫عَن ماهَد قوله ‪ ﴿ :‬الّذ َ‬
‫الْجَاهِلِيَ ﴾ قال هم ‪ :‬م سلمة أ هل الكتاب ‪ .‬و ف ال صحيح عن أ ب مو سى‬
‫رضي ال عنه قال ‪ :‬قال رسول ال ‪ « :‬ثلثة يؤتون أجرهم مرتي ‪ :‬رجل‬
‫من أ هل الكتاب آ من ب نبيّه ث آ من ب ‪ ،‬وع بد ملوك أدّى حق ال وح قّ‬
‫مواليه ‪ ،‬ورجل كانت له أمة فأدّبا فأحسن تأديبها ث أعتقها فتزوّجها » ‪.‬‬
‫وقال ا بن إ سحاق ‪ :‬ث قدم على ر سول ال و هو ب كة عشرون رجلً‬
‫أو قريب من ذلك من النصارى ‪ ،‬حي بلغهم خبه من البشة ‪ ،‬فوجدوه ف‬
‫السجد فجلسوا إليه وكلّموه وسألوه ‪ ،‬ورجال من قريش ف أنديتهم حول‬
‫الكع بة ‪ ،‬فل ما فرغوا من م سألة ر سول ال ع ما أرادوا ‪ ،‬دعا هم إل ال‬
‫تعال وتل علي هم القرآن ‪ ،‬فل ما سعوا القرآن فا ضت أعين هم من الد مع ‪ ،‬ث‬
‫الزء الثالث‬ ‫‪442‬‬

‫استجابوا ل وآمنوا به وصدّقوه وعرفوا منه ما كان يوصف لم ف كتابم من‬


‫أمره ‪ ،‬فلما قاموا عنه اعترضهم أبو جهل بن هشام ف نفر من قريش فقالوا‬
‫لم ‪ :‬خيّبكم ال من ركب ‪ ،‬بعثكم مَنْ وراءكم مِنْ أهل دينكم ترتادون لم‬
‫لتأتوهم بب الرجل فلم تطمئ نّ مالسكم عنده حت فارقتم دينكم وصدّقتموه‬
‫في ما قال ؟ ! ما نعلم ركبًا أح ق من كم ‪ ،‬أو ك ما قالوا ل م ‪ .‬فقالوا ل م ‪:‬‬
‫سلم عليكم ل ناهلكم ‪ ،‬لنا ما نن عليه ولكم ما أنتم عليه ‪ ،‬ل نَأْ ُل أنفسنا‬
‫خيًا ‪ ،‬إل أن قال ‪ :‬ويقال ‪ :‬وال أعلم أن فيهََََم نزلت هذه اليات ‪:‬‬
‫ب مِن َقبْلِ ِه هُم بِ ِه ُي ْؤ ِمنُونَ ﴾ إل قوله ‪ ﴿ :‬لَا َنبَْتغِي‬
‫﴿ الّذِي َن آَتْينَاهُ ُم الْ ِكتَا َ‬
‫الْجَاهِِليَ ﴾ ‪.‬‬

‫***‬
‫‪443‬‬ ‫توفيق الرحن ف دروس القرآن‬

‫الدرس الامس بعد الائتي‬

‫﴿ ِإنّكَـ لَا َتهْدِي مَن ْـَأحْبَبْتَـ َولَكِنّ اللّهَـَيهْدِي مَن َيشَاءُ وَ ُهوَ أَعْلَمُـ‬
‫بِالْ ُمهَْتدِينَـ (‪َ )56‬وقَالُوا إِن نّتّبِعِـ اْلهُدَى َمعَكَـنُتَخَطّف ْـ مِن ْـأَرْضِنَا أَ َولَم ْـ‬
‫نُ َمكّ ن ّلهُ ْم حَرَما آمِنا يُجْبَى إِلَيْ هِ ثَ َمرَا تُ ُك ّل شَيْءٍ ِرزْقا مِن ّل ُدنّ ا َوَلكِنّ‬
‫أَكَْث َرهُ مْ لَا يَعْلَمُو نَ (‪ )57‬وَكَ مْ َأهْ َلكْنَا مِن َق ْرَيةٍ بَ ِطرَ تْ َمعِيشَتَهَا فَتِلْ كَ‬
‫ل وَكُنّ ا نَحْ ُن الْوَا ِرثِيَ (‪ )58‬وَمَا‬
‫سكَن مّ ن َبعْ ِدهِ ْم ِإلّا قَلِي ً‬
‫مَ سَاكُِن ُه ْم لَ مْ تُ ْ‬
‫ك الْ ُقرَى حَتّى يَ ْبعَ ثَ فِي ُأمّهَا رَ سُولً يَتْلُو عَلَ ْيهِ مْ آيَاتِنَا َومَا‬
‫ك ُمهْلِ َ‬
‫كَا نَ َربّ َ‬
‫كُنّ ا ُمهْلِكِي الْ ُقرَى إِلّا وََأهْلُهَا ظَالِمُو نَ (‪ )59‬وَمَا أُوتِيتُم مّ ن شَيْ ٍء فَمَتَا عُ‬
‫الْحَيَا ِة ال ّدنْيَا وَزِينَتُهَا وَمَا عِن َد اللّ ِه خَيْ ٌر َوأَبْقَى َأفَلَا َتعْقِلُو نَ (‪َ )60‬أفَمَن‬
‫ع الْحَيَاةِ ال ّدنْيَا ُثمّ هُ َو َيوْ مَ‬
‫وَ َع ْدنَا هُ وَعْدا حَ سَنا َفهُ َو لَاقِي هِ كَمَن مّّتعْنَا هُ مَتَا َ‬
‫ضرِينَ (‪َ )61‬وَيوْمَ يُنَادِيهِ ْم فََيقُولُ أَيْ َن شُرَكَائِ َي اّلذِينَ كُنتُمْ‬
‫اْلقِيَا َمةِ مِ َن الْمُحْ َ‬
‫ِينـ أَ ْغ َويْنَا‬
‫ِمـ اْل َقوْلُ َربّنَا َه ُؤلَاء اّلذ َ‬
‫ِينـ حَقّ عَلَ ْيه ُ‬
‫ُونـ (‪ )62‬قَا َل الّذ َ‬
‫َتزْعُم َ‬
‫ك مَا كَانُوا ِإيّانَا َيعُْبدُو نَ ( ‪َ )63‬وقِي َل ادْعُوا‬
‫أَ ْغ َويْنَاهُ مْ كَمَا َغ َويْنَا تََب ّرْأنَا ِإلَيْ َ‬
‫ُمـ كَانُوا‬
‫َابـ َلوْ أَّنه ْ‬
‫ُمـ وَ َرَأوُا الْ َعذ َ‬
‫َسـتَجِيبُوا َله ْ‬
‫َمـ ي ْ‬
‫ُمـ فَل ْ‬
‫ُمـ َفدَ َع ْوه ْ‬
‫ُشرَكَاءك ْ‬
‫َيهَْتدُو نَ (‪َ )64‬وَيوْ َم يُنَادِيهِ ْم فََيقُولُ مَاذَا َأجَبْتُ ُم الْ ُمرْ سَلِيَ (‪َ )65‬فعَمِيَ تْ‬
‫ب وَآمَ نَ وَ َع ِملَ‬
‫عَلَ ْيهِ مُ اْلأَنبَاء َي ْومَئِ ٍذ َفهُ مْ لَا يَتَ سَاءلُونَ (‪َ )66‬فأَمّ ا مَن تَا َ‬
‫حيَ (‪ )67‬وَ َربّ كَ يَخْلُ ُق مَا َيشَا ُء َويَخْتَارُ‬
‫صَالِحا فَعَ سَى أَن يَكُو نَ مِ نَ الْ ُمفْلِ ِ‬
‫شرِكُو نَ (‪ )68‬وَ َربّ كَ َيعْلَ مُ‬
‫مَا كَا َن َلهُ مُ الْخَِي َرةُ سُبْحَا َن اللّ ِه َوتَعَالَى َعمّا ُي ْ‬
‫الزء الثالث‬ ‫‪444‬‬

‫صدُورُ ُه ْم وَمَا ُيعْلِنُو نَ (‪ )69‬وَ ُهوَ اللّ ُه لَا ِإلَ هَ ِإلّا ُهوَ لَ ُه الْحَ ْم ُد فِي‬
‫مَا تُ ِكنّ ُ‬
‫حكْ ُم َوإِلَيْ ِه ُترْ َجعُو نَ (‪ُ )70‬ق ْل أَ َرأَيْتُ ْم إِن جَ َع َل اللّ هُ‬
‫اْلأُولَى وَالْآخِ َر ِة َولَ ُه الْ ُ‬
‫عَلَ ْيكُ مُ اللّ ْيلَ َس ْرمَدا إِلَى يَوْ ِم الْقِيَامَ ِة مَ ْن ِإلَ هٌ غَ ْي ُر اللّ هِ َي ْأتِيكُم بِضِيَاء َأفَلَا‬
‫ْمـ‬
‫سـْرمَدا ِإلَى َيو ِ‬
‫ُمـ الّنهَا َر َ‬
‫ّهـ عَلَ ْيك ُ‬
‫ُمـ إِن َج َعلَ الل ُ‬
‫َسـَمعُونَ (‪ُ )71‬ق ْل أَ َرأَيْت ْ‬
‫ت ْ‬
‫صرُونَ (‪ )72‬وَمِن‬
‫اْلقِيَا َمةِ مَ نْ ِإلَ هٌ غَ ْي ُر اللّ ِه َيأْتِيكُم بِلَ ْيلٍ تَ سْكُنُو َن فِي ِه َأفَلَا تُبْ ِ‬
‫سكُنُوا فِي ِه َولِتَبَْتغُوا مِن فَضْلِ ِه وََلعَ ّلكُ مْ‬
‫ّرحْمَتِ ِه َجعَ َل َلكُ ُم اللّ ْيلَ وَالّنهَا َر لِتَ ْ‬
‫شكُرُو نَ (‪َ )73‬وَيوْ مَ يُنَادِيهِ ْم فََيقُولُ أَيْ َن شُرَكَائِ َي اّلذِي نَ كُنتُ ْم َتزْعُمُو نَ (‬
‫َت ْ‬
‫حقّ لِلّ هِ‬
‫‪َ )74‬وَنزَعْنَا مِن ُك ّل ُأمّ ٍة َشهِيدا َفقُلْنَا هَاتُوا ُب ْرهَاَنكُ ْم َفعَلِمُوا أَنّ الْ َ‬
‫ضلّ عَ ْنهُم مّا كَانُوا َيفَْترُونَ (‪. ﴾ )75‬‬
‫وَ َ‬

‫***‬
‫‪445‬‬ ‫توفيق الرحن ف دروس القرآن‬

‫ت َوَلكِنّ اللّ هَ َي ْهدِي مَن‬


‫ك لَا َت ْهدِي مَ ْن أَحْبَبْ َ‬
‫قوله عز و جل ‪ِ ﴿ :‬إنّ َ‬
‫َيشَا ُء َوهُ َو أَعْ َلمُ بِالْ ُمهَْتدِينَ (‪. ﴾ )56‬‬
‫عن سعيد بن ال سيب عن أب يه قال ‪ :‬ل ا حضرت أ با طالب الوفاة جاءه‬
‫رسول ال فوجد عنده أبا جهل بن هشام ‪ ،‬وعبد ال بن أب أمية بن الغية‬
‫‪ ،‬فقال رسول ال ‪ « :‬يا عمّ قل ‪ :‬ل إله إل ال ‪ ،‬كلمة أشهد لك با عند‬
‫ال » ‪ ،‬فقال أبو جهل ‪ ،‬وعبد ال بن أب أمية ‪ :‬يا أبا طالب أترغب عن ملّة‬
‫عبد الطلب ؟ فلم يزل رسول ال يعرضها عليه ويعيد له تلك القالة ‪ ،‬حت‬
‫قال أبو طالب آخر ما كلّمهم ‪ :‬هو على ملة عبد الطلب ‪ ،‬وأب أن يقول ‪:‬‬
‫ل إله إل ال ‪ ،‬فقال رسول ال ‪ « :‬وال لستغفرنّ لك ما ل ُأنْه عنك » ‪،‬‬
‫شرِكِيَ وََلوْ كَانُواْ‬
‫سَتغْفِرُواْ لِلْمُ ْ‬ ‫فأنزل ال ‪ ﴿ :‬مَا كَا نَ لِلنِّبيّ وَالّذِي نَ آ َمنُواْ أَن يَ ْ‬
‫ّكَ لَا‬
‫ُأوْلِي ُقرْب َى ﴾ ‪ ،‬وأنزل ال فَ أبَ طالب فقال لرسَول ال ‪ِ ﴿ :‬إن َ‬
‫َتهْدِي مَ نْ أَ ْحَببْ تَ وََلكِنّ اللّ َه َيهْدِي مَن يَشَاءُ َو ُهوَ َأعْلَ ُم بِالْ ُم ْهتَدِي نَ ﴾ » ‪.‬‬
‫رواه ابن جرير وغيه ‪.‬‬
‫ف مِ نْ أَ ْرضِنَا‬
‫قوله عز و جل ‪ ﴿ :‬وَقَالُوا إِن نّتّبِ ِع الْ ُهدَى مَعَ كَ نُتَخَطّ ْ‬
‫َأ َولَ مْ نُ َمكّ ن ّلهُ ْم َحرَما آمِنا ُيجْبَى ِإلَيْ هِ ثَ َمرَا تُ ُك ّل شَيْءٍ رِزْقا مِن ّل ُدنّاـ‬
‫ت َمعِيشَتَهَا‬
‫َولَكِنّ أَكَْث َرهُ ْم لَا َيعْلَمُو نَ (‪ )57‬وَكَ مْ َأهْ َلكْنَا مِن َق ْرَيةٍ بَ ِطرَ ْ‬
‫ل وَكُنّا نَحْ ُن الْوَا ِرثِيَ (‪)58‬‬
‫سكَن مّن َبعْ ِدهِ ْم ِإلّا قَلِي ً‬
‫فَتِلْ كَ مَ سَاكُِن ُه ْم لَ مْ تُ ْ‬
‫الزء الثالث‬ ‫‪446‬‬

‫ك الْ ُقرَى حَتّى يَ ْبعَ ثَ فِي ُأمّهَا رَ سُولً يَتْلُو عَلَ ْيهِ مْ آيَاتِنَا‬
‫ك ُمهْلِ َ‬
‫َومَا كَا نَ َربّ َ‬
‫َومَا كُنّا ُمهْ ِلكِي الْ ُقرَى إِلّا وََأهْ ُلهَا ظَالِمُونَ (‪. ﴾ )59‬‬
‫ف مِ نْ أَرْضِنَا ﴾ ‪،‬‬ ‫ك ُنتَخَطّ ْ‬ ‫عن ا بن عباس قوله ‪ ﴿ :‬إِن ّنّتبِ ِع اْلهُدَى َمعَ َ‬
‫قال ‪ :‬هم أناس من قر يش قالوا لح مد ‪ :‬إن نتّب عك يتخطّف نا الناس فقال ال‬
‫جبَى إَِليْهِ ثَ َمرَاتُ كُ ّل َشيْءٍ ﴾ ‪ ،‬قال قتادة ‪:‬‬ ‫‪َ ﴿ :‬أوَلَ ْم نُ َمكّن ّل ُهمْ َحرَما آمِنا يُ ْ‬
‫يقول ‪ :‬أو ل يكونوا آمن ي ف حرم هم ل ُيغْ َزوْ نَ ف يه ول يافون ‪ُ ﴿ ،‬يجْبَى‬
‫إَِليْ ِه ثَمَرَا تُ كُ ّل َشيْءٍ ﴾ ‪ ،‬قال ا بن عباس ‪ :‬ثرات الرض ‪ .‬قال ا بن كث ي ‪:‬‬
‫أي ‪ :‬مَن سَائر الثمار ماَ حوله مَن الطائف وغيه ‪ ،‬وكذلك التاجَر‬
‫والمتعة ﴿ رِزْقا مِن لّ ُدنّا ﴾ ‪ ،‬أي ‪ :‬من عندنا ‪ ﴿ ،‬وََلكِنّ أَكْثَ َرهُمْ لَا يَعَْلمُونَ‬
‫﴾ ولذا قالوا ما قالوا ‪.‬‬
‫ت َمعِيشَتَهَا ﴾ ‪،‬‬ ‫وقال ا بن ز يد ف قوله ‪ ﴿ :‬وَكَ مْ أَهَْلكْنَا مِن قَ ْرَي ٍة بَطِرَ ْ‬
‫قال ‪ :‬البطر ‪ :‬أشر أهل الغفلة ‪ ،‬وأهل الباطل ‪ ،‬والركوب لعاصي ال ؛ وقال‬
‫ك مَسَا ِكنُهُمْ َل ْم تُسْكَن مّن َبعْ ِدهِمْ إِلّا قَلِيلً ﴾‬ ‫‪ :‬ذلك البطر ف النعمة ‪َ ﴿ .‬فتِلْ َ‬
‫‪ ،‬يقول ‪ :‬فتلك دور القوم الذيَن أهلكناهَم خربَت فلم يعمَر منهَا إل‬
‫ح ُن اْلوَا ِرثِيَ ﴾ ‪.‬‬
‫أقلّها ‪ ﴿ ،‬وَ ُكنّا نَ ْ‬
‫ك الْقُرَى َحتّى َيْبعَثَ فِي ُأ ّمهَا رَسُولً ﴾ ‪.‬‬ ‫ك ُمهْلِ َ‬
‫وعن قتادة ﴿ َومَا كَانَ َربّ َ‬
‫وأم القرى ‪ :‬مكة ‪ ،‬وبعث ال إليهم رسولً ممدًا ‪.‬‬
‫قال البغوي ‪ :‬وخ ّ‬
‫ص ال مّ ببع ثة الر سول في ها ‪ ،‬لن الر سول يب عث إل‬
‫الشراف ‪ ،‬والشراف يسكنون الدائن والواضع الت هي أ مّ ما حولا ‪ .‬وعن‬
‫‪447‬‬ ‫توفيق الرحن ف دروس القرآن‬

‫ا بن عباس ‪ ﴿ :‬وَمَا ُكنّ ا ُمهْلِكِي اْلقُرَى إِلّا َوَأهْلُهَا ظَالِمُو نَ ﴾ ‪ ،‬قال ال ‪ :‬ل‬
‫يهلك قرية بإيان ‪ ،‬ولكنه يهلك القرى بظلم إذا ظَلَمَ أهلها ‪.‬‬
‫ع الْحَيَاةِ ال ّدنْيَا وَزِينَتُهَا‬
‫قوله عز و جل ‪ ﴿ :‬وَمَا أُوتِيتُم مّ ن َشيْ ٍء فَمَتَا ُ‬
‫َومَا عِندَ اللّ هِ خَيْ ٌر َوأَْبقَى َأفَلَا َت ْعقِلُو نَ (‪َ )60‬أفَمَن وَ َع ْدنَا ُه وَعْدا حَ سَنا َف ُهوَ‬
‫ضرِي نَ (‬
‫لَاقِي هِ كَمَن مّّتعْنَا ُه مَتَا عَ الْحَيَا ِة الدّنْيَا ثُمّ ُهوَ َيوْ َم الْقِيَا َمةِ مِ نَ الْ ُمحْ َ‬
‫‪. ﴾ )61‬‬
‫عن قتادة قوله ‪ ﴿ :‬أَفَمَن َوعَ ْدنَا ُه َوعْدا حَ سَنا َف ُهوَ لَاقِي هِ ﴾ ‪ ،‬قال ‪ :‬هو‬
‫الؤمن سع كتاب ال فصدّق به وآمن با وعد ال فيه ‪ ﴿ ،‬كَمَن ّمتّ ْعنَاهُ َمتَاعَ‬
‫حيَاةِ ال ّدنْيَا ﴾ و هو هذا الكا فر ل يس وال كالؤ من ‪ ﴿ ،‬ثُمّ ُه َو َيوْ مَ اْل ِقيَامَةِ‬ ‫الْ َ‬
‫حضَرِينَ ﴾ أي ‪ :‬ف عذاب ال ‪ .‬وقال ماهد ‪ :‬أهل النار أُ ْحضِرُوها ‪.‬‬ ‫مِ َن الْ ُم ْ‬
‫قوله عـز وجـل ‪ ﴿ :‬وََيوْمَـيُنَادِيهِم ْـ فََيقُو ُل َأيْنَـ ُشرَكَائِيَـ اّلذِينَـ كُنتُم ْـ‬
‫ِينـ أَ ْغ َويْنَا‬
‫ِمـ اْل َقوْلُ َربّنَا َه ُؤلَاء اّلذ َ‬
‫ِينـ حَقّ عَلَ ْيه ُ‬
‫ُونـ (‪ )62‬قَا َل الّذ َ‬
‫َتزْعُم َ‬
‫ك مَا كَانُوا ِإيّانَا َيعُْبدُو نَ ( ‪َ )63‬وقِي َل ادْعُوا‬
‫أَ ْغ َويْنَاهُ مْ كَمَا َغ َويْنَا تََب ّرْأنَا ِإلَيْ َ‬
‫ُمـ كَانُوا‬
‫َابـ َلوْ أَّنه ْ‬
‫ُمـ وَ َرَأوُا الْ َعذ َ‬
‫َسـتَجِيبُوا َله ْ‬
‫َمـ ي ْ‬
‫ُمـ فَل ْ‬
‫ُمـ َفدَ َع ْوه ْ‬
‫ُشرَكَاءك ْ‬
‫َيهَْتدُونَ (‪. ﴾ )64‬‬
‫قال البغوي ‪ :‬قوله تعال ‪َ ﴿ :‬وَيوْ مَ ُينَادِيهِ مْ َفَيقُولُ َأيْ نَ ُشرَكَائِ َي الّذِي نَ‬
‫كُنتُ ْم تَ ْزعُمُو نَ ﴾ ف الدن يا أن م شركائي ‪ ﴿ ،‬قَا َل الّذِي نَ حَقّ عََلْيهِ ُم اْل َقوْلُ‬
‫﴾ وجب عليهم العذاب ‪ ،‬وهم رؤوس الضللة ‪َ ﴿ .‬رّبنَا َهؤُلَاء الّذِي نَ َأ ْغ َويْنَا‬
‫الزء الثالث‬ ‫‪448‬‬

‫َ كَمََا َغ َويْنََا‬ ‫َ وهَم التباع ‪َ ﴿ ،‬أ ْغ َويْنَاهُم ْ‬ ‫﴾ أي ‪ :‬دعوناهَم إل الغي ّ‬


‫﴾ أضللناهم كما ضللنا ‪َ ﴿ ،‬تبَ ّرْأنَا إَِليْكَ ﴾ منهم ﴿ مَا كَانُوا ِإيّانَا َي ْعبُدُونَ ﴾‬
‫‪ .‬بريء بعضهم من بعض وصاروا أعداء ‪ ،‬كما قال تعال ‪ ﴿ :‬الْأَخِلّاء َيوْ َمئِذٍ‬
‫ض عَ ُدوّ ﴾ ‪.‬‬ ‫ضهُمْ ِلبَ ْع ٍ‬
‫َب ْع ُ‬
‫ُمَ ﴾‪ ،‬أي ‪ :‬الصَنام لنخلّصَكم‬ ‫﴿ وَقِيلَ ﴾ للكفار ‪ ﴿ :‬ا ْدعُوا شُرَكَاءك ْ‬
‫ُمَ ﴾ ل ييبوهَم ‪َ ﴿ ،‬و َرَأوُا‬ ‫َسَتَجِيبُوا َله ْ‬
‫َمَ ي ْ‬
‫ُمَ فَل ْ‬
‫مَن العذاب ‪ ﴿ ،‬فَ َد َع ْوه ْ‬
‫اْلعَذَا بَ َلوْ َأّنهُ مْ كَانُوا َي ْهتَدُو نَ ﴾ ‪ .‬وجواب ( لو ) مذوف على تقد ير ‪ :‬لو‬
‫أنم كانوا يهتدون ف الدنيا ما رأوا العذاب ‪.‬‬
‫وقال ا بن كث ي ‪ :‬يقول تعال م بًا ع ما يوبّخ به الكفار الشرك ي يوم‬
‫القيامة حيث يناديهم ﴿ َفَيقُولُ َأيْ َن شُرَكَائِ َي الّذِينَ كُنتُ ْم تَ ْزعُمُونَ ﴾ ؟ يعن ‪:‬‬
‫اللة الت كنتم تعبدونا ف الدار الدنيا من الصنام والنداد ‪ ،‬هل ينصرونكم‬
‫أو تن صرونه ؟ وهذا على سبيل التقر يع والتهد يد ‪ ،‬ك ما قال تعال ‪ ﴿ :‬وََلقَدْ‬
‫ِجئْتُمُونَا ُفرَادَى كَمَا َخَل ْقنَاكُ مْ َأوّ َل مَ ّر ٍة َوتَرَ ْكتُم مّا َخوّْلنَاكُ ْم وَرَاء ُظهُورِكُ مْ‬
‫َومَا نَرَى َم َعكُ ْم ُش َفعَاءكُ ُم الّذِي نَ َزعَ ْمتُ مْ َأّنهُ مْ فِيكُ ْم شُرَكَاء َلقَد ّتقَطّ َع َبْينَكُ مْ‬
‫وَضَ ّل عَنكُم مّا كُنتُ ْم تَ ْزعُمُونَ ﴾ ‪.‬‬
‫قوله عز و جل ‪ ﴿ :‬وََيوْ َم يُنَادِيهِ مْ فََيقُو ُل مَاذَا أَجَبْتُ مُ الْ ُمرْ سَلِيَ (‪)65‬‬
‫َفعَمِيَ تْ عَلَ ْيهِ مُ اْلأَنبَاء َي ْومَئِ ٍذ َفهُ ْم لَا يَتَ سَاءلُونَ (‪َ )66‬فأَمّ ا مَن تَا بَ وَآمَ نَ‬
‫حيَ (‪. ﴾ )67‬‬
‫وَعَ ِملَ صَالِحا َف َعسَى أَن َيكُو َن ِمنَ الْ ُمفْلِ ِ‬
‫‪449‬‬ ‫توفيق الرحن ف دروس القرآن‬

‫قال ابن كثي ‪ :‬النداء الول عن سؤال التوحيد ‪ ،‬وهذا فيه إثبات النبوّات‬
‫ماذا كان جوابكم للمرسلي إليكم ؟ وكيف كان حالكم معهم ؟ وهذا كما‬
‫يسأل العبد ف قبه ‪ :‬مَنْ ربّك ؟ ومن نبيّك ؟ وما دينك ؟ فأما الؤمن فيشهد‬
‫‪ :‬أن ل إله إل ال ‪ ،‬وأن ممدًا عبده ورسَوله ‪ ،‬وأمَا الكافَر فيقول ‪ :‬هاه ‪،‬‬
‫هاه ل أدري ‪ ،‬ولذا ل جواب له يوم القيا مة ‪ ،‬لن من كان ف هذه أع مى‬
‫فهَو فَ الخرة أعمَى وأضَل سَبيلً ‪ ،‬ولذا قال تعال ‪َ ﴿ :‬فعَ ِميَت َْ عََلْيهِمَُ‬
‫ت عََلْيهِ ُم ﴾ الجج‬ ‫اْلأَنبَاء َي ْومَئِذٍ َفهُ مْ لَا َيتَ سَاءلُونَ ﴾ ‪ ،‬قال ماهد ‪َ ﴿ :‬فعَ ِميَ ْ‬
‫فهم ل يتساءلون بالنساب ‪.‬‬
‫قال البغوي ‪َ ﴿ :‬فهُمََْ لَا َيتَسَََاءلُونَ ﴾ ‪ :‬ل ييبون ‪ .‬وقال قتادة ل‬
‫يتجّون ‪ .‬وقيل ‪ :‬يسكتون ل يسأل بعضهم بعضًا ‪ .‬وقوله ‪َ ﴿ :‬فَأمّا مَن تَا َ‬
‫ب‬
‫حيَ ﴾‬ ‫وَآمَ َن َوعَمِلَ صَالِحا ﴾ ‪ ،‬أي ‪ :‬ف الدنيا ﴿ َفعَسَى أَن َيكُو َن مِ َن الْ ُمفْلِ ِ‬
‫أي ‪ :‬يوم القامَة ‪ .‬و ( عسَى ) مَن ال موجِبَة ‪ ،‬فإن هذا واقَع بفضَل ال‬
‫ومنّته ل مالة ‪.‬‬
‫قوله عز وجل ‪ ﴿ :‬وَ َربّ كَ يَخْلُ ُق مَا َيشَا ُء َويَخْتَا ُر مَا كَا َن َلهُ ُم الْخَِي َرةُ‬
‫صدُو ُرهُ ْم َومَا‬
‫سُبْحَا َن ال ّلهِ َوَتعَالَى َعمّا ُيشْرِكُونَ (‪ )68‬وَ َرّبكَ َيعْ َلمُ مَا تُ ِكنّ ُ‬
‫َهـ‬
‫ح ْمدُ فِي اْلأُولَى وَالْآ ِخ َرةِ َول ُ‬
‫َهـ الْ َ‬
‫َهـ ِإلّا هُ َو ل ُ‬
‫ّهـ لَا إِل َ‬
‫ُونـ (‪َ )69‬وهُ َو الل ُ‬
‫ُيعْلِن َ‬
‫ح ْكمُ َوِإلَيْ ِه ُترْ َجعُونَ (‪. ﴾ )70‬‬
‫الْ ُ‬
‫الزء الثالث‬ ‫‪450‬‬

‫قال ابن كثي ‪ :‬يب ال تعال ‪ :‬أنه النفرد باللق والختيار ‪ ،‬وأنه ليس له‬
‫ختَا ُر‬‫ُقَ مَا يَشَا ُء َويَ ْ‬
‫ّكَ َيخْل ُ‬ ‫فَ ذلك منازع ول معقَب ‪ .‬قال تعال ‪ ﴿ :‬وَ َرب َ‬
‫﴾ أي ‪ :‬ما يشاء ‪ ،‬فما شاء كان وما ل يشأ ل يكن ‪ ،‬فالمور كلها خيها‬
‫خيَ َرةُ ﴾ ‪ ،‬ن في على‬ ‫وشر ها بيده ومرجع ها إل يه ‪ .‬وقوله ‪ ﴿ :‬مَا كَا نَ َلهُ ُم الْ ِ‬
‫أ صح القول ي ‪ ،‬كقوله تعال ‪ ﴿ :‬وَمَا كَا نَ لِ ُم ْؤمِ ٍن وَلَا ُم ْؤ ِمَنةٍ ِإذَا قَضَى اللّ هُ‬
‫خيَ َر ُة مِنْ َأمْ ِرهِمْ ﴾ ‪.‬‬
‫وَ َرسُولُهُ َأمْرا أَن َيكُونَ َلهُ ُم الْ ِ‬
‫إل أن قال ‪ :‬ولذا قال ‪ُ ﴿ :‬سبْحَانَ اللّ ِه َوَتعَالَى عَمّا يُشْرِكُو نَ ﴾ ‪ ،‬أي ‪:‬‬
‫من الصنام ‪ ،‬والنداد الت ل تلق ول تتار شيئًا ‪ ،‬ث قال تعال ‪ ﴿ :‬وَ َربّ كَ‬
‫َيعْلَ ُم مَا ُتكِنّ صُدُو ُرهُ ْم وَمَا ُيعِْلنُو نَ * َو ُهوَ اللّ هُ لَا إِلَ هَ إِلّا ُهوَ ﴾ ‪ ،‬أي ‪ :‬هو‬
‫النفرد باللوهيَة فل معبود سَواه ‪ ،‬كمَا ل رب يلق مَا يشاء ويتار سَواه‬
‫‪ ﴿ .‬لَ ُه الْحَ ْمدُ فِي اْلأُولَى وَالْآ ِخ َرةِ ﴾ ‪ ،‬أي ‪ :‬ف ج يع ما يفعله هو الحمود‬
‫حكْ مُ ﴾ ‪ ،‬أي ‪ :‬الذي ل معقّب له‬ ‫عل يه بعدله وحكم ته ورح ته ‪ ﴿ ،‬وَلَ ُه الْ ُ‬
‫لقهره وغلب ته وحكم ته ورح ته ‪َ ﴿ ،‬وإِلَيْ ِه تُرْ َجعُو نَ ﴾ ‪ ،‬أي ‪ :‬جيع كم يوم‬
‫القيامة فيجزى كل عامل بعمله ‪.‬‬
‫قوله عز و جل ‪ُ ﴿ :‬قلْ أَ َرَأيْتُ ْم إِن جَ َع َل اللّ هُ عَلَ ْيكُ ُم اللّيْلَ سَ ْرمَدا ِإلَى‬
‫َيوْ ِم الْقِيَا َمةِ مَ ْن إِلَهٌ غَ ْي ُر اللّهِ َي ْأتِيكُم بِضِيَاء َأفَلَا تَسْ َمعُونَ ( ‪ُ )71‬قلْ أَ َرَأيْتُمْ إِن‬
‫َج َعلَ اللّهُ عَلَ ْيكُمُ الّنهَارَ سَ ْرمَدا ِإلَى َيوْ ِم اْلقِيَا َمةِ مَنْ ِإلَهٌ غَ ْي ُر اللّ ِه َيأْتِيكُم بِلَ ْيلٍ‬
‫‪451‬‬ ‫توفيق الرحن ف دروس القرآن‬

‫ُمـ اللّ ْيلَ وَالّنهَارَ‬


‫ِهـ جَ َع َل لَك ُ‬
‫ْصـرُونَ (‪ )72‬وَمِن ّرحْمَت ِ‬
‫ِيهـ َأفَلَا تُب ِ‬
‫َسـكُنُو َن ف ِ‬
‫ت ْ‬
‫شكُرُونَ (‪. ﴾ )73‬‬
‫سكُنُوا فِيهِ َولِتَبَْتغُوا مِن فَضْ ِل ِه َولَعَ ّل ُكمْ َت ْ‬
‫لَِت ْ‬
‫قال فـ جامـع البيان ‪ :‬ختَم الول بقوله ‪ ﴿ :‬أَفَلَا ت ْ‬
‫َسََمعُو َن ﴾ والثانيَة‬
‫بقوله ‪ ﴿ :‬أَفَلَا ُتْبصِرُونَ ﴾ لناسبة قوة السامعة بالليل وقوة الباصرة بالنهار ‪.‬‬
‫قوله عـز وجـل ‪َ ﴿ :‬ويَوْمَـيُنَادِيهِم ْـ فََيقُولُ َأيْنَـ ُشرَكَائِيَـ اّلذِين َـ كُنتُم ْـ‬
‫َتزْعُمُو نَ (‪ )74‬وََنزَعْنَا مِن ُكلّ ُأ ّمةٍ َشهِيدا َفقُلْنَا هَاتُوا ُبرْهَانَكُ مْ َفعَلِمُوا أَنّ‬
‫ضلّ عَ ْنهُم مّا كَانُوا َيفَْترُونَ (‪. ﴾ )75‬‬
‫ح ّق لِ ّلهِ وَ َ‬
‫الْ َ‬
‫قال ابن كثي ‪ :‬وهذا أيضًا نداء ثان على سبيل التوبيخ والتقريع لن عبد‬
‫مع ال إلًا آ خر ‪ ،‬ينادي هم الرب تعال على رؤوس الشهاد ‪َ ﴿ :‬فَيقُولُ أَيْ َن‬
‫شُرَكَائِ يَ الّذِي نَ كُنتُ ْم تَ ْزعُمُو نَ ﴾ ‪ ،‬أي ‪ :‬ف دار الدن يا ‪َ ﴿ ،‬ونَ َزعْنَا مِن كُلّ‬
‫ُأ ّم ٍة َشهِيدا ﴾ ‪ ،‬قال ماهد ‪ :‬يعن ‪ :‬رسولً ‪َ ﴿ ،‬فقُ ْلنَا هَاتُوا بُ ْرهَاَنكُمْ ﴾ ‪ ،‬أي‬
‫حقّ لِلّهِ ﴾ ‪ ،‬أي‬ ‫‪ :‬على صحة ما ادّعيتموه من أن ل شركاء ‪َ ﴿ .‬فعَلِمُوا َأنّ الْ َ‬
‫‪ :‬ل إله غيه ‪ ،‬فلم ينطقوا ول يُحْرُو جوابًا ‪ ﴿ ،‬وَضَ ّل َعْنهُم مّا كَانُوا َيفْتَرُونَ‬
‫﴾ ‪ .‬أي ‪ :‬ذهبوا فلم ينفعوهم ‪.‬‬

‫***‬
‫الزء الثالث‬ ‫‪452‬‬

‫الدرس السادس بعد الائتي‬

‫﴿ إِنّ قَارُونَ كَا َن مِن َقوْ ِم مُوسَى فََبغَى َعلَ ْيهِمْ وَآتَيْنَا ُه مِنَ الْكُنُو ِز مَا إِنّ‬
‫َمفَاتِحَ هُ لَتَنُو ُء بِاْلعُ صَْبةِ أُولِي اْلقُ ّو ِة ِإذْ قَالَ لَ ُه َق ْومُ هُ لَا َتفْرَ حْ إِنّ اللّ َه لَا يُحِبّ‬
‫ك مِ نَ‬
‫اْلفَ ِرحِيَ (‪ )76‬وَابْتَ ِغ فِيمَا آتَا َك اللّ هُ الدّارَ الْآ ِخ َرةَ وَلَا تَن سَ نَ صِيبَ َ‬
‫ض إِنّ اللّ َه لَا‬
‫سنَ اللّ هُ ِإلَيْ كَ َولَا تَ ْب غِ اْلفَ سَا َد فِي اْلأَرْ ِ‬
‫الدّنْيَا وََأحْ سِن َكمَا َأحْ َ‬
‫سدِينَ (‪ )77‬قَا َل ِإنّمَا أُوتِيتُ هُ عَلَى عِلْ مٍ عِندِي أَ َولَ ْم َيعْلَ مْ أَنّ اللّ هَ‬
‫حبّ الْ ُمفْ ِ‬
‫يُ ِ‬
‫سأَلُ‬
‫ك مِن قَبْلِ ِه مِ نَ ال ُقرُو ِن مَ نْ ُه َو أَ َش ّد مِنْ ُه ُق ّوةً َوأَكَْث ُر جَمْعا َولَا يُ ْ‬
‫َق ْد أَهْلَ َ‬
‫ِينـ‬
‫ِهـ قَا َل الّذ َ‬
‫ِهـ فِي زِينَت ِ‬
‫َجـ عَلَى َق ْوم ِ‬
‫خر َ‬‫ُونـ (‪ )78‬فَ َ‬
‫ج ِرم َ‬
‫ِمـ الْ ُم ْ‬
‫عَن ُذنُوِبه ُ‬
‫ت لَنَا مِ ْث َل مَا أُوتِ َي قَارُو ُن ِإنّ هُ َلذُو حَظّ عَظِي مٍ (‬
‫ُيرِيدُو نَ الْحَيَا َة الدّنيَا يَا لَيْ َ‬
‫َنـ وَ َع ِملَ‬
‫َنـ آم َ‬
‫ّهـ خَ ْيرٌ لّم ْ‬
‫َابـ الل ِ‬
‫ُمـ َثو ُ‬
‫ْمـ َويْ َلك ْ‬
‫ِينـ أُوتُوا اْلعِل َ‬
‫‪َ )79‬وقَا َل الّذ َ‬
‫ض فَمَا كَا نَ‬
‫سفْنَا بِ هِ َوِبدَارِ هِ اْلأَرْ َ‬
‫صَالِحا وَلَا يُلَقّاهَا ِإلّا ال صّاِبرُونَ (‪ )80‬فَخَ َ‬
‫صرِينَ (‪ )81‬وَأَ صْبَحَ‬
‫صرُونَ ُه مِن دُو ِن اللّ هِ وَمَا كَا َن مِ َن الُنتَ ِ‬
‫لَ هُ مِن فَِئ ٍة يَن ُ‬
‫ق لِمَن َيشَا ُء مِ نْ‬
‫ط الرّ ْز َ‬
‫اّلذِي نَ تَمَّنوْا مَكَانَ هُ بِاْلأَمْ سِ َيقُولُو نَ َوْيكَأَنّ اللّ هَ يَبْ سُ ُ‬
‫ح الْكَا ِفرُو نَ (‬
‫عِبَادِ ِه َويَ ْقدِ ُر َلوْلَا أَن ّمنّ اللّ هُ َعلَيْنَا َلخَ سَفَ بِنَا َويْ َكَأنّ ُه لَا ُيفْلِ ُ‬
‫ْضـ وَلَا‬
‫ُونـ عُ ُلوّا فِي اْلأَر ِ‬
‫ِينـ لَا ُيرِيد َ‬
‫جعَلُهَا لِ ّلذ َ‬
‫ْكـ الدّارُ الْآ ِخ َر ُة نَ ْ‬
‫‪ )82‬تِل َ‬
‫فَ سَادا وَاْلعَاقَِبةُ لِلْمُّتقِيَ (‪ )83‬مَن جَاء بِالْحَ سََن ِة فَلَ ُه خَ ْيرٌ مّنْهَا وَمَن جَاء‬
‫ت ِإلّا مَا كَانُوا َيعْمَلُو نَ (‪ )84‬إِنّ‬
‫جزَى الّذِي نَ َعمِلُوا ال سّيّئَا ِ‬
‫بِال سّيَّئةِ فَلَا يُ ْ‬
‫اّلذِي َفرَ ضَ عَ َليْ كَ اْلقُرْآ نَ لَرَادّ َك ِإلَى مَعَادٍ قُل ّربّي أَ ْعلَ مُ مَن جَاء بِاْلهُدَى‬
‫‪453‬‬ ‫توفيق الرحن ف دروس القرآن‬

‫ب ِإلّا‬
‫ت َت ْرجُو أَن يُ ْلقَى ِإلَيْ كَ اْلكِتَا ُ‬
‫َومَ ْن هُ َو فِي ضَلَالٍ مّبِيٍ (‪ )85‬وَمَا كُن َ‬
‫صدّّنكَ عَ نْ آيَا تِ‬
‫ك فَلَا َتكُونَنّ َظهِيا لّ ْلكَا ِفرِي نَ (‪ )86‬وَلَا يَ ُ‬
‫َرحْ َم ًة مّ ن ّربّ َ‬
‫شرِ ِكيَ (‪)87‬‬
‫ك َولَا َتكُوَننّ مِ نَ الْ ُم ْ‬
‫ك وَادْ عُ إِلَى َربّ َ‬
‫ت ِإلَيْ َ‬
‫اللّ هِ َب ْعدَ ِإ ْذ أُنزِلَ ْ‬
‫َهـ‬
‫َهـ ل ُ‬
‫ِكـ ِإلّا َو ْجه ُ‬
‫َهـ ِإلّا هُوَ ُك ّل شَيْ ٍء هَال ٌ‬
‫ّهـ ِإلَها آ َخرَ لَا ِإل َ‬
‫َعـ الل ِ‬
‫ْعـ م َ‬
‫َولَا َتد ُ‬
‫ح ْكمُ َوِإلَيْ ِه ُترْ َجعُونَ (‪. ﴾ )88‬‬
‫الْ ُ‬

‫***‬
‫الزء الثالث‬ ‫‪454‬‬

‫قوله عز وجل ‪ ﴿ :‬إِنّ قَارُو نَ كَا َن مِن َقوْ مِ مُو سَى فََبغَى عَلَ ْيهِ ْم وَآتَيْنَا هُ‬
‫مِنَ اْلكُنُو ِز مَا إِنّ َمفَاتِحَ ُه لَتَنُوءُ بِاْلعُصَْب ِة أُولِي اْلقُ ّو ِة ِإذْ قَالَ لَهُ َق ْومُهُ لَا َتفْرَحْ‬
‫إِنّ اللّهَ لَا يُحِبّ اْل َفرِحِيَ (‪ )76‬وَابْتَ ِغ فِيمَا آتَا َك اللّهُ الدّارَ الْآ ِخ َرةَ وَلَا تَنسَ‬
‫سنَ اللّ ُه ِإلَيْكَ َولَا تَ ْب ِغ اْلفَسَا َد فِي الْأَرْضِ‬
‫نَصِيَبكَ ِمنَ الدّنْيَا َوأَ ْحسِن َكمَا َأحْ َ‬
‫إِنّ اللّ هَ لَا يُحِبّ الْ ُمفْ سِدِينَ (‪ )77‬قَا َل ِإنّمَا أُوتِيتُ هُ عَلَى عِلْ مٍ عِندِي َأ َولَ مْ‬
‫ك مِن قَبْلِ ِه مِ َن القُرُو ِن مَ نْ ُهوَ َأ َشدّ مِنْ هُ ُق ّو ًة وَأَكَْثرُ‬
‫َيعْلَ ْم أَنّ اللّ َه َقدْ َأهْلَ َ‬
‫ج ِرمُونَ (‪. ﴾ )78‬‬
‫سَألُ عَن ُذنُوبِ ِهمُ الْ ُم ْ‬
‫جَمْعا َولَا ُي ْ‬
‫عن قتادة ‪ِ ﴿ :‬إنّ قَارُو نَ كَا نَ مِن َقوْ ِم مُو سَى ﴾ كنا ندث أنه كان ابن‬
‫عمه أخي أبيه ‪ ،‬وكان يسمى النور من حسن صوته بالتوراة ‪ ،‬ولكن عدو ال‬
‫نافق كما نافق السامريّ فأهلكه البغي ‪ ،‬إنا بغى عليهم بكثرة ماله ‪.‬‬
‫صَبةِ أُولِي‬
‫و عن ما هد ‪ ﴿ :‬وَآتَْينَا ُه مِ َن اْلكُنُو ِز مَا إِنّ َمفَاتِحَ هُ َلتَنُو ُء بِاْلعُ ْ‬
‫اْل ُقوّةِ ﴾ قال ‪ :‬مفا تح من جلود كمفا تح العيدان ‪ .‬و عن ا بن عباس ف قوله‬
‫صَبةِ ﴾ ‪ ،‬قال ‪ :‬لتثقل بالعصبة ‪ .‬قال قتادة ‪ :‬ذكر لنا أن العصبة‬ ‫‪َ ﴿ :‬لتَنُو ُء بِاْلعُ ْ‬
‫ما بي العشرة إل الربعي ‪.‬‬
‫و عن ما هد ف قوله ‪ ﴿ :‬لَا َتفْ َر حْ إِنّ اللّ هَ لَا يُحِبّ اْلفَرِحِيَ ﴾ ‪ ،‬قال ‪:‬‬
‫التبذّخي الشِرين البَطِرين ‪ ،‬الذين ل يشكرون ال على ما أعطاهم ‪ .‬وقال ‪:‬‬
‫هو ‪ :‬فرح البغي ‪.‬‬
‫‪455‬‬ ‫توفيق الرحن ف دروس القرآن‬

‫ك مِ نَ ال ّدْنيَا ﴾ ‪ ،‬قال ‪ :‬أن تعمل فيها‬ ‫وعن ابن عباس ‪ ﴿ :‬وَلَا تَنسَ نَصِيبَ َ‬
‫ِنَ ال ّدنْيَا ﴾ ‪ ،‬قال ‪ :‬طلب‬ ‫كم َ‬ ‫َنسَ نَصَِيبَ َ‬‫لخرتَك ‪ .‬وعَن قتادة ‪ ﴿ :‬وَلَا ت َ‬
‫اللل ‪ .‬قال ابَن كثيَ ‪ :‬وقوله ‪ ﴿ :‬وَاْبتَغَِ فِيمَا آتَاكََ اللّهَُ الدّا َر الْآخِ َر َة وَلَا‬
‫ِنَ ال ّدنْيَا ﴾ ‪ ،‬أي ‪ :‬اسَتعمل مَا وهبَك ال مَن هذا الال‬ ‫َنسَ نَصَِيبَكَ م َ‬ ‫ت َ‬
‫الز يل ‪ ،‬والنع مة الطائلة ف طا عة ر بك ‪ ،‬والتقرّب إل يه بأنواع القربات ال ت‬
‫يصل لك با الثواب ف الدنيا والخرة ‪ ﴿ .‬وَلَا تَن سَ نَ صِيبَكَ مِ نَ ال ّدْنيَا ﴾ ‪،‬‬
‫أي ‪ :‬م ا أباح ال في ها من الآ كل والشارب والل بس وال ساكن والنا كح ‪،‬‬
‫فإن لربك عليك حقًا ‪ ،‬ولنفسك عليك حقًا ‪ ،‬ولهلك عليك حقًا ‪ ،‬ول َزوْرِك‬
‫عل يك حقًا ‪ ،‬فآت كل ذي حق ح قه ﴿ َوأَحْ سِن كَمَا َأحْ سَنَ اللّ هُ إَِليْ كَ‬
‫﴾ أي ‪ :‬أحسن إل خلقه كما أحسن هو إليك ﴿ وَلَا َتبْ ِغ اْلفَ سَادَ فِي الْأَرْضِ‬
‫﴾ أي ‪ :‬ل تكن هتك با أنت فيه أن تفسد به ف الرض وتسيء إل خلق‬
‫ب الْ ُمفْسِدِينَ ﴾ ‪.‬‬
‫ح ّ‬
‫ال ‪ِ ﴿ ،‬إنّ اللّهَ لَا يُ ِ‬
‫وقال ابن زيد ف قوله ‪ ﴿ :‬قَالَ ِإنّمَا أُوتِيتُ هُ عَلَى عِ ْل ٍم عِندِي ﴾ ‪ ،‬قال ‪ :‬لول‬
‫رضا ال عن ومعرفته بفضلي ما أعطان هذا ‪ .‬وقرأ ‪َ ﴿ :‬أوَلَ ْم َيعْلَمْ َأنّ اللّهَ َق ْد‬
‫ك مِن َقبْلِ ِه مِ َن القُرُو نِ مَ ْن ُهوَ َأشَ ّد ِمنْ هُ ُقوّ ًة َوأَ ْكثَرُ جَمْعا ﴾ الية ‪ .‬وعن‬
‫َأهْلَ َ‬
‫ف الْ ُمجْ ِرمُونَ‬ ‫ج ِرمُونَ ﴾ كقوله ‪ُ ﴿ :‬يعْرَ ُ‬ ‫سأَ ُل عَن ُذنُوِبهِ ُم الْمُ ْ‬
‫ماهد ‪ ﴿ :‬وَلَا يُ ْ‬
‫بِ سِيمَاهُمْ ﴾ ‪ ،‬زرقًا سود الوجوه ‪ ،‬واللئ كة ل ت سأل عن هم قد عرفت هم ‪.‬‬
‫وقال السن ‪ :‬ل يسألون سؤال استعلم وإنا يسألون سؤال تقريع وتوبيخ ‪.‬‬
‫الزء الثالث‬ ‫‪456‬‬

‫خرَجَـ عَلَى قَ ْومِهِـ فِي زِينَتِهِـ قَالَ اّلذِينَـُيرِيدُونَـ‬


‫قوله عـز وجـل ‪َ ﴿ :‬ف َ‬
‫ت لَنَا مِ ْث َل مَا أُوتِ َي قَارُو ُن إِّنهُ َلذُو حَظّ عَظِيمٍ (‪َ )79‬وقَالَ‬
‫الْحَيَا َة الدّنيَا يَا لَيْ َ‬
‫ب اللّ ِه خَ ْيرٌ لّ َمنْ آ َم َن وَعَ ِملَ صَالِحا َولَا يُ َلقّاهَا‬
‫اّلذِي َن أُوتُوا الْعِ ْل َم َويْلَ ُكمْ َثوَا ُ‬
‫صرُوَنهُ‬
‫ض فَمَا كَا َن لَ ُه مِن فَِئةٍ يَن ُ‬
‫سفْنَا بِ ِه وَِبدَارِ ِه الْأَرْ َ‬
‫ِإلّا الصّاِبرُونَ (‪ )80‬فَخَ َ‬
‫ح الّذِي َن تَمَّنوْا َمكَانَ هُ‬
‫صرِينَ (‪َ )81‬وأَ صَْب َ‬
‫مِن دُو نِ اللّ ِه وَمَا كَا َن مِ َن الُنتَ ِ‬
‫ق لِمَن َيشَا ُء مِ نْ عِبَادِ هِ َوَيقْدِ ُر َل ْولَا‬
‫ط الرّزْ َ‬
‫بِالَْأمْ سِ َيقُولُو َن َويْ َكأَنّ اللّ َه يَبْ سُ ُ‬
‫ح الْكَافِرُونَ (‪. ﴾ )82‬‬
‫ف بِنَا وَْي َكأَّنهُ لَا ُيفْلِ ُ‬
‫خسَ َ‬
‫أَن ّمنّ ال ّلهُ عَلَيْنَا لَ َ‬
‫ج عَلَى َق ْومِ هِ فِي زِيَنتِ هِ ﴾ ‪ ،‬قال ‪ :‬على براذين بيض‬ ‫خرَ َ‬‫عن ماهد ‪ ﴿ :‬فَ َ‬
‫ِهَ‬
‫َسَْفنَا ب ِ‬
‫عليهَا سَروج الرجوان عليهَم العصَفرات ‪ .‬وعَن قتادة ‪َ ﴿ :‬فخ َ‬
‫َوبِدَارِ هِ الْأَرْ ضَ ﴾ ‪ ( .‬ذُ كر ل نا أ نه ي سف به كل يوم قا مة ‪ ،‬وأ نه يتجل جل‬
‫فيها ل يبلغ قعرها إل يوم القيامة ) ‪.‬‬
‫﴿ فَمَا كَانَ لَ ُه مِن ِفَئ ٍة يَنصُرُونَهُ ﴾ ‪ ،‬أي ‪ :‬جند ينصرونه ‪ ،‬وما عنده منعة‬
‫صبَ َح الّذِي َن تَ َمّنوْا َمكَانَ ُه بِاْلأَمْ سِ َيقُولُو نَ َوْي َكأَنّ ﴾ ‪،‬‬
‫يتنع با من ال ‪َ ﴿ ،‬وأَ ْ‬
‫قال ‪ :‬أل تر ‪ .‬وقال ماهد ‪ :‬أل تعلم ‪ .‬وقال ابن كثي ‪ :‬قال بعضهم ‪ :‬معناه‬
‫ويلك اعلم وقواه ‪ .‬وقال ‪ :‬فلما خسف به أصبحوا يقولون ‪َ ﴿ :‬وْيكََأنّ اللّ هَ‬
‫ِهَ َوَيقْدِرُ ﴾ ‪ ،‬أي ‪ :‬ليَس الال بدا ّل على‬
‫ِنَ ِعبَاد ِ‬
‫ْقَلِمَن يَشَا ُء م ْ‬
‫ْسَطُ الرّز َ‬
‫َيب ُ‬
‫رضى ال عن صاحبه ‪ ،‬فإن ال يعطي وينع ويضيّق ويوسّع ‪ ،‬يفض ويرفع ‪،‬‬
‫وله الك مة التامّة والجّة البال غة ‪ .‬وهذا ك ما ف الد يث الرفوع عن ا بن‬
‫‪457‬‬ ‫توفيق الرحن ف دروس القرآن‬

‫مسعود ‪ ( :‬إن ال قسم بينكم أخلقكم كما قسم أرزاقكم ‪ ،‬وإن ال يعطي‬
‫الال من يبّ ومن ل يبّ ‪ ،‬ول يعطي اليان إل من يبّ ) ‪.‬‬
‫ف ِبنَا ﴾ ‪ ،‬أي ‪ :‬لول لطف ال بنا وإحسانه‬ ‫﴿ َلوْلَا أَن مّنّ اللّ ُه عََلْينَا لَخَسَ َ‬
‫إلي نا ل سف ب نا ك ما خ سف به ‪ ،‬لن ودد نا أن نكون مثله ‪َ ﴿ .‬وْيكََأنّ هُ لَا‬
‫ُيفْلِ ُح اْلكَافِرُونَ ﴾ ‪ ،‬يعنون ‪ :‬أنه كان كافرًا ول يفلح الكافرون عند ال ل ف‬
‫الدنيا ول ف الخرة ‪.‬‬
‫جعَلُهَا لِ ّلذِي نَ لَا ُيرِيدُو نَ عُ ُلوّا‬
‫قوله عز و جل ‪ ﴿ :‬تِلْ كَ الدّا ُر الْآ ِخ َرةُ نَ ْ‬
‫ض َولَا فَ سَادا وَالْعَاقَِبةُ لِلْمُّتقِيَ (‪ )83‬مَن جَاء بِالْحَ سََن ِة فَلَ ُه خَ ْيرٌ‬
‫فِي اْلأَرْ ِ‬
‫ت ِإلّا م َا كَانُوا‬
‫السـيّئَا ِ‬
‫ِينـ َعمِلُوا ّ‬
‫جزَى الّذ َ‬
‫ِالسـيَّئةِ فَلَا يُ ْ‬
‫مّنْه َا وَم َن جَاء ب ّ‬
‫َيعْمَلُونَ (‪. ﴾ )84‬‬
‫ج َعلُهَا لِلّذِي نَ لَا ُيرِيدُو نَ عُُلوّا‬
‫عن م سلم البط ي ‪ ﴿ :‬تِلْ كَ الدّا ُر الْآ ِخ َرةُ نَ ْ‬
‫ض وَلَا فَ سَادا ﴾ قال ‪ :‬العلوّ ‪ :‬التكب ف الرض بغي الق ‪ ،‬والفساد‬ ‫فِي اْلأَرْ ِ‬
‫‪ :‬ال خذ بغ ي ال ق ‪ .‬و عن ا بن جر يج قوله ‪ ﴿ :‬لِلّذِي نَ لَا يُرِيدُو نَ عُُلوّا فِي‬
‫اْلأَرْ ضِ ﴾ قال ‪ :‬تعظيمًا وتبّرًا ﴿ وَلَا فَ سَادا ﴾ عملً بالعاصي ‪ .‬وعن قتادة‬
‫‪ ﴿ :‬وَالْعَاِقَبةُ لِلْ ُمّتقِيَ ﴾ أي ‪ :‬النة للمتقي ‪.‬‬
‫وقوله تعال ‪ ﴿ :‬مَن جَاء بِالْحَ َ‬
‫سَنةِ فَلَهُ َخْي ٌر ّمنْهَا ﴾ ‪.‬‬
‫الزء الثالث‬ ‫‪458‬‬

‫قال ابـن كثيـ ‪ :‬أي ‪ :‬ثواب ال خيَ مَن حسَنة العبَد ‪ ،‬فكيَف وال‬
‫سّيَئةِ َفلَا‬
‫يضاعفه أضعافًا كثية ؟ وهذا مقام الفضل ؛ ث قال ‪َ ﴿ :‬ومَن جَاء بِال ّ‬
‫جزَى الّذِي َن عَمِلُوا السّّيئَاتِ إِلّا مَا كَانُوا يَعْ َملُونَ ﴾ وهذا مقام العدل ‪.‬‬
‫يُ ْ‬
‫قوله عز وجل ‪ ﴿ :‬إِنّ اّلذِي َفرَ ضَ عَلَيْ كَ اْلقُرْآ َن َلرَادّ َك ِإلَى مَعَادٍ قُل‬
‫ت َترْجُو‬
‫ّربّي أَعْلَ مُ مَن جَاء بِاْل ُهدَى َومَ نْ ُهوَ فِي ضَلَالٍ مِّبيٍ (‪َ )85‬ومَا كُن َ‬
‫ك فَلَا تَكُونَنّ َظهِيا لّ ْلكَا ِفرِي نَ (‬
‫أَن يُلْقَى ِإلَيْ كَ الْكِتَا بُ ِإلّا َرحْ َمةً مّ ن ّربّ َ‬
‫ك َولَا‬
‫ع ِإلَى َربّ َ‬
‫ت ِإلَيْ كَ وَادْ ُ‬
‫ت اللّ هِ بَ ْع َد ِإذْ أُنزِلَ ْ‬
‫صدّّنكَ عَ نْ آيَا ِ‬
‫‪َ )86‬ولَا يَ ُ‬
‫شرِكِيَ (‪َ )87‬ولَا َتدْ عُ مَ َع اللّ ِه ِإلَها آ َخرَ لَا ِإلَ هَ ِإلّا هُوَ ُكلّ‬
‫َتكُونَنّ مِ َن الْ ُم ْ‬
‫ح ْكمُ َوِإلَيْ ِه ُترْ َجعُونَ (‪. ﴾ )88‬‬
‫َشيْ ٍء هَاِلكٌ ِإلّا َو ْجهَ ُه َلهُ الْ ُ‬
‫ك الْقُرْآنَ َلرَادّكَ إِلَى َمعَادٍ ﴾ ‪،‬‬ ‫عن ماهد ف قوله ‪ ﴿ :‬إِنّ الّذِي فَرَضَ عََليْ َ‬
‫قال ‪ :‬إل النَة ‪ .‬وقال السَن ‪ :‬أي وال إن له لعادًا يبعثَه ال يوم القيامَة‬
‫ويدخله النة ‪.‬‬
‫ك الْقُرْآ نَ َلرَادّ كَ إِلَى َمعَادٍ ﴾ ‪،‬‬
‫و عن ا بن عباس ‪ ﴿ :‬إِنّ الّذِي فَرَ ضَ عََليْ َ‬
‫يقول ‪ :‬لرادّك إل ال نة ‪ ،‬ث سائلك عن القرآن ؛ وع نه ﴿ لَرَادّ كَ إِلَى َمعَادٍ‬
‫﴾ قال ‪ :‬إل مكة ‪.‬‬
‫قال ا بن كث ي ‪ :‬وو جه ال مع ب ي هذه القوال أن ا بن عباس ف سرّ ذلك‬
‫تارة برجوعَه إل مكَة ‪ ،‬وهَو الفتَح الذي هَو عنَد ابَن عباس أمارة على‬
‫اقتراب أ جل ال نب ‪ ،‬إل أن قال ‪ :‬ولذا ف سّر ا بن عباس تارة أخرى قوله ‪:‬‬
‫‪459‬‬ ‫توفيق الرحن ف دروس القرآن‬

‫ّكَ إِلَى َمعَادٍ ﴾ بالوت ‪ ،‬وتارة بيوم القيامَة الذي هَو بعَد الوت ‪،‬‬
‫﴿ لَرَاد َ‬
‫وتارة بالنة الت هي جزاؤه ومصيه على أداء رسالة ال وإبلغها إل الثقلي‬
‫النس والن ‪.‬‬
‫َنَ جَا َء بِاْلهُدَى ﴾ ‪ ،‬أي ‪ :‬يعلم مَن‬ ‫وقال البغوي ‪ ﴿ :‬قُلْ َربّيَ َأعْل ُ‬
‫َمَ م ْ‬
‫جاء بالدى ‪ ،‬وهذا جواب لكفار م كة ل ا قالوا لل نب ‪ :‬إ نك ل في ضلل‬
‫مبي ‪ ،‬فقال ال عز و جل‪ ﴿ :‬قُل ﴾ ل م ‪ّ ﴿ :‬ربّ ي أَعَْل ُم مَن جَاء بِاْلهُدَى‬
‫﴾ يع ن ‪ :‬نف سه ‪َ ﴿ ،‬ومَ ْن ُهوَ فِي ضَل ٍل ُمبِيٍ ﴾ ‪ ،‬يع ن ‪ :‬الشرك ي ‪ .‬وال‬
‫أعلم بالفريقي ‪.‬‬
‫قوله تعال ‪َ ﴿ :‬ومَا كُن تَ َترْجُو أَن يُ ْلقَى إَِليْ كَ اْلكِتَا بُ ﴾ ‪ ،‬أي ‪ :‬يوحى‬
‫ّكَ ﴾ ‪ ،‬قال الفراء ‪ :‬هذا مَن السَتثناء‬ ‫إليَك القرآن ‪ ﴿ ،‬إِل رَحْ َم ًة مّنَ ّرب َ‬
‫النقطَع معناه ‪ :‬لكَن ربَك رحكَ فأعطاك القرآن ‪ ﴿ ،‬فَل تَكُونَنّ َظهِيا‬
‫لّ ْلكَافِرِي نَ ﴾ ‪ ،‬أي ‪ :‬معينا ل م على دين هم ‪ .‬وقال مقا تل ‪ :‬وذلك ح ي دُ عي‬
‫إل دين آبائه ‪ ،‬فذكّره ال نعمه وناه عن مظاهرهم على ما هم عليه ‪ ﴿ ،‬وَل‬
‫ك عَنْ آيَاتِ اللّهِ ﴾ ‪ ،‬يعن ‪ :‬القرآن ‪َ ﴿ ،‬بعْدَ ِإذْ أُنزِلَتْ إَِليْكَ وَادْعُ إِلَى‬
‫يَصُ ّدنّ َ‬
‫شرِكِيَ ﴾ ‪ ،‬قال ابَن‬ ‫ِنَ الْمُ ْ‬
‫ّكَ ﴾ إل معرفتَه وتوحيده ﴿ وَل َتكُونَنّ م َ‬ ‫َرب َ‬
‫عباس رضي ال عنهما ‪ :‬الطاب ف الظاهر للنب ‪ ،‬والراد به أهل دينه ‪،‬‬
‫أي ‪ :‬ل تظاهروا الكافرين ول توافقوهم ‪.‬‬
‫وقال ابن كثي ‪ :‬وقوله ‪ ﴿ :‬وَلَا تَدْ ُ‬
‫ع مَ عَ اللّ هِ إِلَها آخَرَ لَا إِلَ هَ إِلّا ُهوَ ﴾ ‪،‬‬
‫أي ‪ :‬ل تليق العبادة إلّ له ول تنبغي اللية إلّ لعظمته ‪.‬‬
‫الزء الثالث‬ ‫‪460‬‬

‫وقوله ‪ ﴿ :‬كُ ّل َشيْ ٍء هَالِ كٌ إِلّا وَ ْجهَ هُ ﴾ ‪ ،‬إخبار بأ نه الدائم ‪ ،‬ث البا قي‬
‫َ‬
‫اليَ القيوم الذي توت اللئق ول يوت ‪ ،‬كمَا قال تعال ‪ ﴿ :‬كُ ّل مَن ْ‬
‫جلَا ِل وَالْإِكْرَا مِ ﴾ فعبّر بالوجه عن الذات‬
‫عََلْيهَا فَا نٍ * َوَيبْقَى َوجْ هُ َربّ كَ ذُو الْ َ‬
‫َهَ ﴾ ‪ ،‬أي ‪ :‬إ ّل إياه ‪.‬‬
‫ِكَ إِلّا وَ ْجه ُ‬
‫وهكذا قوله هَا هنَا ‪ ﴿ :‬كُ ّل َشيْءٍ هَال ٌ‬
‫ْمَ ﴾ ‪ ،‬أي ‪ :‬اللك والتصَرّف ول معق ّب لكمَه ‪.‬‬ ‫حك ُ‬ ‫َهَ الْ ُ‬
‫وقوله ‪ ﴿ :‬ل ُ‬
‫﴿ َوإَِليْهِ تُ ْر َجعُونَ ﴾ ‪ ،‬أي ‪ :‬يوم معادكم فيجزيكم بأعمالكم ‪.‬‬

‫***‬
‫‪461‬‬ ‫توفيق الرحن ف دروس القرآن‬

‫الدرس السابع بعد الائتي‬


‫[ سورة العنكبوت ]‬
‫مكية ‪ ،‬وهي تسع وستون آية‬
‫بسم ال الرحن الرحيم‬
‫ب النّاسُ أَن يُ ْترَكُوا أَن َيقُولُوا آمَنّا وَهُ ْم لَا ُيفْتَنُونَ (‪)2‬‬
‫﴿ آل (‪ )1‬أَحَسِ َ‬
‫ص َدقُوا وَلََيعْلَ َمنّ اْلكَا ِذبِيَ (‬
‫َوَلقَ ْد فَتَنّا اّلذِي َن مِن قَبْ ِلهِ ْم فَلََيعْلَ َمنّ اللّ ُه الّذِي نَ َ‬
‫حكُمُو نَ (‪)4‬‬
‫ت أَن يَ سْبِقُونَا سَاء مَا يَ ْ‬
‫ب اّلذِي نَ يَعْمَلُو َن ال سّيّئَا ِ‬
‫‪ )3‬أَ ْم حَ سِ َ‬
‫مَن كَا َن َيرْجُو ِلقَاء اللّ ِه َفإِنّ َأ َجلَ اللّ ِه لَآ تٍ َو ُهوَ ال سّمِي ُع الْعَلِي مُ (‪ )5‬وَمَن‬
‫جَا َه َد َفإِنّمَا يُجَا ِهدُ لَِنفْ سِ ِه إِنّ اللّ َه َلغَنِيّ عَ ِن اْلعَالَمِيَ (‪ )6‬وَاّلذِي نَ آمَنُوا‬
‫سنَ اّلذِي كَانُوا‬
‫ج ِزيَّنهُ ْم َأحْ َ‬
‫ت لَُنكَ ّفرَنّ عَ ْنهُ مْ سَيّئَاتِ ِه ْم وَلَنَ ْ‬
‫وَعَ ِملُوا ال صّالِحَا ِ‬
‫شرِ َك بِي مَا‬
‫َيعْمَلُو نَ (‪ )7‬وَوَ صّيْنَا اْلإِن سَانَ بِوَالِ َديْ ِه حُ سْنا َوإِن جَا َهدَا َك لُِت ْ‬
‫س لَ كَ بِ هِ عِلْ ٌم فَلَا تُ ِطعْهُمَا ِإلَيّ َمرْ ِجعُكُ ْم َفأُنَبُّئكُم بِمَا كُنتُ ْم َتعْمَلُو نَ ( ‪)8‬‬
‫لَيْ َ‬
‫ت لَُندْخِلَّنهُ مْ فِي ال صّالِحِيَ (‪َ )9‬ومِ نَ النّا سِ‬
‫وَالّذِي نَ آمَنُوا وَعَمِلُوا ال صّالِحَا ِ‬
‫ب اللّ ِه َولَئِن‬
‫ي فِي اللّ هِ َج َعلَ فِتَْن َة النّا سِ َك َعذَا ِ‬
‫مَن َيقُولُ آمَنّا بِاللّ ِه َفِإذَا أُوذِ َ‬
‫صدُورِ‬
‫س اللّ هُ ِبأَعْلَ مَ بِمَا فِي ُ‬
‫ك لََيقُوُلنّ ِإنّا كُنّا َمعَكُ ْم َأوَلَيْ َ‬
‫ص ٌر مّن ّربّ َ‬
‫جَاء نَ ْ‬
‫اْلعَالَمِيَ (‪َ )10‬ولََيعْلَمَنّ اللّ هُ اّلذِي نَ آمَنُوا وَلََيعْلَمَنّ الْمُنَافِقِيَ (‪َ )11‬وقَالَ‬
‫ح ِملْ خَطَايَاكُ مْ وَمَا هُم بِحَامِلِيَ‬
‫اّلذِي نَ َك َفرُوا لِ ّلذِي نَ آمَنُوا اتِّبعُوا سَبِيلَنَا وَلْنَ ْ‬
‫الزء الثالث‬ ‫‪462‬‬

‫حمِ ُلنّ َأثْقَالَهُ مْ وََأْثقَالً مّ عَ‬


‫مِ ْن خَطَايَاهُم مّن َشيْ ٍء ِإنّهُ مْ لَكَاذِبُو نَ (‪ )12‬وَلَيَ ْ‬
‫َأْثقَاِلهِ ْم َولَُيسَْأُلنّ َيوْ َم اْلقِيَا َمةِ عَمّا كَانُوا يَفَْترُونَ (‪. ﴾ )13‬‬

‫***‬
‫‪463‬‬ ‫توفيق الرحن ف دروس القرآن‬

‫س أَن يُ ْترَكُوا أَن َيقُولُوا آ َمنّ ا‬


‫قوله عز و جل ‪ ﴿ :‬آل (‪َ )1‬أحَ سِبَ النّا ُ‬
‫ص َدقُوا‬
‫َوهُ مْ لَا يُفْتَنُو نَ (‪ )2‬وََل َقدْ فَتَنّا اّلذِي نَ مِن قَبْ ِلهِ مْ فَلََيعْلَ َمنّ اللّ هُ اّلذِي نَ َ‬
‫َولََيعْلَ َمنّ اْلكَا ِذبِيَ (‪ )3‬أَ ْم حَ سِبَ اّلذِي َن َيعْمَلُو نَ ال سّيّئَاتِ أَن يَ سِْبقُونَا سَاء‬
‫ت وَ ُهوَ ال سّمِيعُ‬
‫حكُمُو نَ (‪ )4‬مَن كَا َن َيرْجُو ِلقَاء اللّ ِه َفإِنّ أَ َج َل اللّ ِه لَآ ٍ‬
‫مَا يَ ْ‬
‫اْلعَلِي مُ (‪َ )5‬ومَن جَاهَ َد َفإِنّمَا يُجَاهِ ُد لَِنفْ سِ ِه إِنّ اللّ هَ َلغَِنيّ عَ ِن اْلعَالَمِيَ (‪)6‬‬
‫سنَ‬
‫ج ِزيَّنهُ ْم َأحْ َ‬
‫ت لَُنكَ ّفرَنّ عَ ْنهُمْ سَيّئَاتِ ِه ْم وَلَنَ ْ‬
‫وَالّذِينَ آمَنُوا وَ َعمِلُوا الصّالِحَا ِ‬
‫اّلذِي كَانُوا َيعْمَلُونَ (‪. ﴾ )7‬‬
‫َنَ ُيتْرَكُوا‬
‫الناسَ ‪ ﴿ ،‬أ ْ‬
‫ُ‬ ‫ّاسَ ﴾ َأظَنّ‬
‫ب الن ُ‬ ‫قال البغوي ‪ ﴿ :‬ال * أَح ِ‬
‫َسَ َ‬
‫﴾ بغي اختبار ول ابتلء ‪ ﴿ ،‬أَ ْن َيقُولُوا ﴾ ‪ ،‬أي ‪ :‬بأن يقولوا ‪ ﴿ ،‬آ َمنّا َوهُ ْم‬
‫ل ُي ْفتَنُونَ ﴾ ل يبتلون ف أموالم وأنفسهم ؟ كل لنختبنم ليبّي الخلص من‬
‫النافق ‪ ،‬والصادق من الكاذب ‪ .‬وعن ماهد ‪ ﴿ :‬وََلقَدْ َفتَنّا الّذِي َن مِن َقْبِلهِ مْ‬
‫﴾ قال ‪ :‬ابتلينا الذين من قبلهم ‪ .‬وف الديث الصحيح ‪ « :‬أشد الناس بلء‬
‫ال نبياء ‪ ،‬ثم ال صالون ‪ ،‬ث الم ثل ‪ ،‬فالم ثل ‪ ،‬يبتلى الر جل على ح سب‬
‫دينه ‪ ،‬فإن كان ف دينه صلبة زيد له ف البلء » ‪.‬‬
‫وقوله تعال ‪َ ﴿ :‬فَليَعَْلمَنّ اللّ ُه الّذِينَ صَدَقُوا وََليَعَْلمَ ّن اْلكَا ِذبِيَ ﴾ ‪.‬‬
‫وليظهرنَ ال‬
‫ّ‬ ‫قال البغوي ‪ :‬وال أعلم بمَ قبَل الختبار ‪ .‬ومعنَ اليَة ‪:‬‬
‫الصادقي من الكاذبي حت يُوجِدَ معلومَه ‪ ،‬وعن قتادة قوله ‪ ﴿ :‬أَ مْ حَ ِ‬
‫سبَ‬
‫الزء الثالث‬ ‫‪464‬‬

‫سِبقُونَا ﴾ ‪ ،‬قال ماهد ‪:‬‬


‫الّذِي َن َيعْمَلُو َن ال سّّيئَاتِ ﴾ أي ‪ :‬أهل الشرك ﴿ أَن يَ ْ‬
‫حكُمُونَ ﴾ ‪.‬‬
‫أن يعجزونا ‪ ﴿ ،‬سَاء مَا يَ ْ‬
‫قال ابن كثي ‪ :‬بئس ما يظنون ‪ ﴿ .‬مَن كَا َن يَرْجُو ِلقَاء اللّ هِ ﴾ ‪ ،‬أي ‪:‬‬
‫ف الدار الخرة وع مل ال صالات ‪ ،‬ورَجَا ما ع ند ال من الثواب الز يل ‪،‬‬
‫فإن ال سَيحقق له ‪ .‬رجاءه ويوفّيَه عمله كاملً موّفرًا ‪ ،‬فإن ذلك كائن ل‬
‫مالة ل نه سيع الدعاء ب صي ب كل الكائنات ‪ ،‬ولذا قال تعال ‪ ﴿ :‬مَن كَا نَ‬
‫يَ ْرجُو ِلقَاء اللّهِ َفِإنّ أَجَلَ اللّهِ لَآتٍ وَ ُهوَ السّمِي ُع اْلعَلِيمُ ﴾ ‪.‬‬
‫وقوله تعال ‪َ ﴿ :‬ومَن جَاهَدَ َفِإنّمَا يُجَاهِدُ ِلَنفْ سِهِ ﴾ كقوله تعال ‪ ﴿ :‬مَ نْ‬
‫عَمِلَ صَالِحا فَِلَنفْ سِهِ ﴾ ‪ ،‬أي ‪ :‬مَ ْن عَمِلَ صَالِحا فإنا يعود نفع عمله على‬
‫نفسه ‪ ،‬فإن ال تعال غن عن أفعال العباد ‪ ،‬ولو كانوا كلهم على أتقى قلب‬
‫رجَل منهَم مَا زاد ذلك فَ ملكَه شيئًا ‪ ،‬ولذا قال تعال ‪ ﴿ :‬وَمَن جَاهَدَ‬
‫فَِإنّمَا يُجَاهِدُ ِلَنفْ سِهِ ِإنّ اللّ هَ َل َغِنيّ عَ ِن اْلعَالَمِيَ ﴾ ‪ .‬قال السن البصري ‪ :‬أن‬
‫الرجل ليجاهد ‪ ،‬وما ضرب يومًا من الدهر بسيف ‪.‬‬
‫ث أ خب تعال أ نه مع غناه عن اللئق جيع هم و مع برّه وإح سانه ب م ‪،‬‬
‫يازي الذين آمنوا وعملوا الصالات أحسن الزاء ‪ ،‬وهو ‪ :‬أنه يكفّر عنهم‬
‫أسَوأ الذي عملوا ‪ ،‬ويزيهَم أجرهَم بأحسَن الذي كانوا يعملون ‪ .‬فيقبَل‬
‫القليل من السنات ويثب عليها الواحدة بعشر أمثالا إل سبعمائة ضعف ‪،‬‬
‫ويزي على ال سيّئة بثل ها أو يع فو وي صفح ‪ ،‬ك ما قال تعال ‪ ﴿ :‬إِنّ اللّ هَ لَ‬
‫سَنةً ُيضَا ِعفْهَا َويُؤْ تِ مِن لّ ُدنْ هُ أَجْرا عَظِيما ﴾ ‪،‬‬
‫يَ ْظلِ ُم ِمْثقَالَ ذَ ّرةٍ َوإِن تَ كُ حَ َ‬
‫‪465‬‬ ‫توفيق الرحن ف دروس القرآن‬

‫وقال ها ه نا ‪ ﴿ :‬وَالّذِي نَ آ َمنُوا وَعَ ِملُوا ال صّالِحَاتِ َلُنكَفّرَنّ َعْنهُ مْ سَّيئَاِتهِمْ‬


‫س َن الّذِي كَانُوا َيعْمَلُونَ ﴾ ‪.‬‬ ‫ج ِزيَّنهُمْ أَحْ َ‬
‫وََلنَ ْ‬
‫َاكـ‬
‫ْهـ حُسـْنا َوإِن جَا َهد َ‬
‫َصـيْنَا اْلإِنسـَا َن بِوَالِ َدي ِ‬
‫قوله عـز وجـل ‪ ﴿ :‬وَو ّ‬
‫شرِكَ بِي مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْ ٌم فَلَا تُ ِط ْعهُمَا ِإَليّ َمرْ ِجعُكُ ْم َفُأنَبّئُكُم بِمَا كُنتُ مْ‬
‫لُِت ْ‬
‫َتعْمَلُو نَ (‪ )8‬وَاّلذِي نَ آمَنُوا وَعَمِلُوا ال صّالِحَاتِ لَُن ْدخِلَّنهُ مْ فِي ال صّالِحِيَ (‬
‫‪. ﴾ )9‬‬
‫صيْنَا الْإِن سَا َن ِبوَالِ َديْ هِ حُ سْنا ﴾ إل قوله ‪َ ﴿ :‬فُأنَّبئُكُم‬ ‫عن قتادة ‪َ ﴿ :‬ووَ ّ‬
‫بِمَا كُنتُ ْم َتعْمَلُونَ ﴾ ‪ ،‬قال ‪ :‬نزلت ف سعد بن أب وقاص لا هاجر قالت أمه‬
‫‪ :‬وال ل يُ ِظلّ ن ب يت ح ت ير جع ‪ ،‬فأنزل ال ف ذلك أن ي سن إليه ما ول‬
‫يطيعهما ف الشرك ‪ .‬وروى مسلم وغيه عن مصعب بن سعد عن أبيه قال ‪:‬‬
‫نزلت ف أربع آيات ‪ ،‬فذكر قصته وقال ‪ :‬قالت أم سعد ‪ :‬أليس ال قد أمرك‬
‫بالب ؟ وال ل َأ ْطعَمَُ طعامًا ول أشرب شرابًا حتَ أموت أو تكفَر ‪ .‬قال ‪:‬‬
‫َصَْينَا الْإِنسََانَ‬
‫فكانوا إذا أرادوا أن يطعموهَا شجروا فاهَا ‪ ،‬فنلت ‪َ ﴿ :‬وو ّ‬
‫ك بِ هِ عِ ْل مٌ فَلَا تُ ِط ْعهُمَا إَِليّ‬
‫ِبوَالِ َديْ هِ حُ سْنا َوإِن جَاهَدَا كَ ِلتُشْرِ َك بِي مَا َليْ سَ لَ َ‬
‫مَ ْر ِج ُعكُمْ َفأَُنّبئُكُم بِمَا كُنتُ ْم َتعْمَلُونَ ﴾ ‪.‬‬
‫قال البغوي ‪ :‬ث إنا مكثت يومًا وليلة ل تأكل ول تشرب ول تستظل ‪،‬‬
‫فأصبحت قد جهدت ‪ ،‬ث مكثت يومًا آخر وليلة ل تأكل ول تشرب ‪ ،‬فجاء‬
‫سعد إلي ها فقال ‪ :‬يا أماه لو كا نت لك مائة ن فس فخر جت نف سًا نف سًا ما‬
‫الزء الثالث‬ ‫‪466‬‬

‫تركت دين فكلي ‪ ،‬وإن شئت فل تأكلي ‪ ،‬فلما أيست منه أكلت وشربت‬
‫فأنزل ال تعال هذه ال ية ‪ ،‬وأمره ‪ :‬بالب بوالد يه والح سان إليه ما ‪ ،‬وأن ل‬
‫يطيعهما ف الشرك ‪ ،‬فذلك قوله عز وجل ‪َ ﴿ :‬وإِ نْ جَاهَدَا كَ ِلتُشْرِ كَ بِي مَا‬
‫ك بِ هِ عِلْ مٌ فَل تُ ِط ْعهُمَا ﴾ ‪ .‬جاء ف الديث ‪ « :‬ل طاعة لخلوق ف‬ ‫َليْ سَ لَ َ‬
‫معصية ال الالق » ‪.‬‬
‫ث أوعد بالصي إليه فقال ‪ ﴿ :‬إِلَيّ مَ ْر ِجعُكُمْ َفُأَنبُّئكُ ْم بِمَا ُكْنتُ ْم َتعْمَلُونَ ﴾‬
‫أخبكم بصال أعمالكم وسيئها فأجازيكم عليها ‪.‬‬
‫وقوله تعال ‪ ﴿ :‬وَالّذِينَ آ َمنُوا َوعَمِلُوا الصّالِحَاتِ َلنُدْ ِخَلّنهُمْ فِي الصّالِحِيَ‬
‫﴾ ‪ ،‬أي ‪ :‬ف زمرة ال صالي ‪ .‬وهم ‪ :‬ال نبياء ‪ ،‬والولياء ‪ .‬قال ابن جر ير ‪:‬‬
‫ّهَ َورَسَُولِهِ َوعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ ﴾ ‪،‬‬
‫ِينَ آ ِمنُوا بِالل ِ‬
‫يقول تعال ذكره ‪ ﴿ :‬وَالّذ َ‬
‫وذاك أن يؤدّوا فرائض ال ويتنبوا مارمه ‪َ ﴿ ،‬لنُ ْدخَِلّنهُ مْ فِي ال صّالِحِيَ ﴾ ف‬
‫مدخل الصالي ‪ .‬وذلك ‪ :‬النة ‪.‬‬
‫س مَن َيقُولُ آمَنّا بِاللّ ِه َفِإذَا أُوذِ يَ فِي اللّ هِ‬
‫قوله عز وجل ‪ ﴿ :‬وَمِ نَ النّا ِ‬
‫صرٌ مّن ّربّكَ لََيقُوُلنّ ِإنّا كُنّا َمعَكُمْ‬
‫ب اللّ ِه َولَئِن جَاء نَ ْ‬
‫َج َعلَ فِتَْن َة النّاسِ َك َعذَا ِ‬
‫صدُو ِر اْلعَالَمِيَ ( ‪ )10‬وَلََيعْلَ َمنّ اللّ هُ اّلذِي نَ آمَنُوا‬
‫َأ َولَيْ سَ اللّ ُه بِأَعْلَ َم بِمَا فِي ُ‬
‫َولََيعْلَ َمنّ الْمُنَا ِفقِيَ (‪. ﴾ )11‬‬
‫عن ا بن عباس قوله ‪َ ﴿ :‬ومِ َن النّا ِ‬
‫س مَن َيقُولُ آ َمنّ ا بِاللّ هِ فَإِذَا أُوذِ يَ فِي‬
‫اللّهِ َجعَلَ ِفتَْن َة النّاسِ َكعَذَابِ اللّهِ ﴾ ‪ ،‬قال ‪ :‬أن يرتدّ عن دين ال إذا أوذي ف‬
‫‪467‬‬ ‫توفيق الرحن ف دروس القرآن‬

‫ال ‪ .‬وعن ماهد قوله ‪ ﴿:‬فَِإذَا أُوذِيَ فِي اللّهِ َجعَلَ ِفْتَن َة النّاسِ َكعَذَابِ اللّهِ ﴾‬
‫إل قوله ‪ ﴿ :‬وََليَعَْلمَنَّ الْ ُمنَاِفقِيََ ﴾ ‪ ،‬قال ‪ :‬أناس يؤمنون بألسَنتهم ‪ ،‬فإذا‬
‫أصَابم بلء مَن ال أو مصَيبة فَ أنفسَهم افتتنوا ‪ ،‬فجعلوا ذلك فَ الدنيَا‬
‫كعذاب ال ف الخرة ‪.‬‬
‫سـبِيلَنَا‬
‫ِينـ آمَنُوا اتِّبعُوا َ‬
‫ِينـ َكفَرُوا لِ ّلذ َ‬
‫قوله عـز وجـل ‪َ ﴿ :‬وقَالَ اّلذ َ‬
‫َولْنَحْ ِم ْل خَطَايَاكُمْ َومَا هُم بِحَامِ ِليَ مِنْ خَطَايَاهُم مّن شَيْ ٍء ِإّنهُمْ َلكَاذِبُونَ (‬
‫‪َ )12‬ولَيَحْمِ ُلنّ َأْثقَاَلهُ ْم َوأَْثقَا ًل مّ َع َأْثقَاِلهِ ْم َولَيُ سَْأُلنّ َيوْ َم الْقِيَا َمةِ َعمّا كَانُوا‬
‫َيفَْترُونَ (‪. ﴾ )13‬‬
‫ُمَ ﴾ ‪ ،‬قال ‪ :‬قول‬ ‫سَبِيَلنَا وَْلنَحْ ِملْ خَطَايَاك ْ‬
‫عَن ماهَد قوله ‪ ﴿ :‬اّتِبعُوا َ‬
‫كفار قر يش ب كة ل ن آ من من هم ‪ ،‬يقول ‪ :‬قالوا ‪ :‬ل نب عث ن ن ول أن تم ‪،‬‬
‫فاتّبعونا إن كان عليكم شيء فهو علينا ‪.‬‬
‫وعَن قتادة ‪ ﴿ :‬وََليَحْ ِملُنّ َأثْقَاَلهُم َْ ﴾ ‪ ،‬أي ‪ :‬أوزارهَم ‪َ ﴿ ،‬وأَْثقَالً مّعََ‬
‫َأْثقَاِلهِمْ ﴾ ‪ ،‬يقول ‪ :‬أوزار من أضلّوا ‪ .‬وف الصحيح عن النب قال ‪ « :‬من‬
‫دعَا إل هدى كان له مَن الجَر مثَل أجور مَن تبعَه ل ينقَص ذلك مَن‬
‫أجورهم شيئًا ‪ ،‬ومن دعا إل ضللة كان عليه من الث مثل آثام من تبعه ل‬
‫ينقص ذلك من آثامهم شيئًا » ‪.‬‬
‫ُونَ ﴾ ‪ ،‬سَؤال‬
‫ْمَ الْ ِقيَا َمةِ عَمّاَ كَانُوا َيفْتَر َ‬ ‫وقوله تعال ‪ ﴿ :‬وََلي ْ‬
‫ُسَأَلُنّ َيو َ‬
‫توبيخ وتقريع ‪.‬‬
‫الزء الثالث‬ ‫‪468‬‬

‫***‬
‫‪469‬‬ ‫توفيق الرحن ف دروس القرآن‬

‫الدرس الثامن بعد الائتي‬

‫سيَ عَاما‬
‫ث فِيهِ ْم أَلْ فَ سََنةٍ ِإلّا خَمْ ِ‬
‫﴿ َولَ َق ْد أَرْ سَلْنَا نُوحا ِإلَى َق ْومِ ِه فَلَبِ َ‬
‫سفِيَنةِ َوجَعَلْنَاهَا‬
‫ب ال ّ‬
‫صحَا َ‬
‫َفَأخَ َذهُ مُ الطّوفَا ُن َوهُمْ ظَالِمُونَ (‪َ )14‬فأَنَيْنَاهُ َوأَ ْ‬
‫آَي ًة لّ ْلعَالَمِيَ (‪ )15‬وَِإْبرَاهِي مَ ِإ ْذ قَا َل ِلقَ ْومِ هِ اعُْبدُوا اللّ هَ وَاّتقُو ُه َذلِكُ مْ خَ ْيرٌ‬
‫ّلكُ ْم إِن كُنتُ ْم َتعْلَمُو نَ (‪ِ )16‬إنّمَا تَعُْبدُو َن مِن دُو ِن اللّ ِه َأوْثَانا َوتَخْ ُلقُو نَ‬
‫ِإفْكا إِنّ اّلذِي نَ َتعُْبدُو َن مِن دُو ِن اللّ هِ لَا يَمْ ِلكُو َن لَكُ مْ ِرزْقا فَابْتَغُوا عِندَ اللّ هِ‬
‫ق وَاعُْبدُو ُه وَا ْشكُرُوا لَ هُ ِإلَيْ ِه ُترْ َجعُو نَ (‪ )17‬وَإِن ُت َكذّبُوا َف َقدْ َكذّ بَ‬
‫الرّزْ َ‬
‫غ الْمُِبيُ (‪َ )18‬أ َولَ مْ َي َروْا كَيْ فَ‬
‫ُأمَ ٌم مّن قَبْ ِلكُ مْ َومَا عَلَى الرّ سُولِ ِإلّا الْبَلَا ُ‬
‫يُ ْبدِئُ اللّ هُ الْخَلْ قَ ثُمّ ُيعِيدُ ُه إِنّ َذلِ كَ عَلَى اللّ هِ يَ سِيٌ ( ‪ُ )19‬قلْ سِيُوا فِي‬
‫شَأةَ الْآ ِخ َرةَ إِنّ اللّ هَ عَلَى‬
‫شئُ الّن ْ‬
‫ف َب َدأَ الْخَلْ َق ثُمّ اللّ هُ يُن ِ‬
‫ض فَان ُظرُوا كَيْ َ‬
‫اْلأَرْ ِ‬
‫ُك ّل َشيْ ٍء َقدِيرٌ (‪ُ )20‬يعَذّبُ مَن َيشَا ُء َوَيرْحَمُـ مَن َيشَا ُء َوإِلَيْهِـتُقْلَبُونَـ (‬
‫جزِي َن فِي اْلأَرْ ضِ وَلَا فِي ال سّمَاء وَمَا لَكُم مّن دُو نِ اللّ هِ‬
‫‪َ )21‬ومَا أَنتُم بِ ُمعْ ِ‬
‫ك يَئِسُوا مِن‬
‫ت اللّهِ َوِلقَائِهِ ُأ ْولَئِ َ‬
‫مِن وَِليّ وَلَا نَصِيٍ (‪ )22‬وَاّلذِينَ َك َفرُوا بِآيَا ِ‬
‫ك َلهُ مْ َعذَا بٌ َألِي مٌ (‪ )23‬فَمَا كَا َن َجوَا بَ َق ْومِ هِ ِإلّا أَن قَالُوا‬
‫ّرحْمَتِي َوأُ ْولَئِ َ‬
‫ك لَآيَا تٍ لّ َقوْ ٍم ُي ْؤمِنُو نَ (‬
‫اقْتُلُو ُه َأوْ َح ّرقُو هُ َفأَنَا ُه اللّ ُه مِ َن النّا ِر إِنّ فِي َذلِ َ‬
‫خ ْذتُم مّن دُو ِن اللّ هِ َأ ْوثَانا ّم َو ّدةَ بَيِْنكُ مْ فِي الْحَيَاةِ الدّنْيَا‬
‫‪َ )24‬وقَا َل ِإنّمَا اتّ َ‬
‫ثُمّ َيوْ َم اْلقِيَا َمةِ يَ ْك ُفرُ َبعْضُكُم بَِبعْ ضٍ َويَ ْلعَ ُن َبعْضُكُم َبعْضا َو َمأْوَاكُ ُم النّارُ‬
‫صرِينَ (‪ )25‬فَآمَ َن لَ ُه لُوطٌ َوقَا َل ِإنّي ُمهَا ِجرٌ ِإلَى َربّي إِنّ ُه هُوَ‬
‫َومَا َلكُم مّن نّا ِ‬
‫الزء الثالث‬ ‫‪470‬‬

‫ب وَ َجعَلْنَا فِي ذُ ّريّتِ هِ النُّب ّوةَ‬


‫ق َويَ ْعقُو َ‬
‫حكِي مُ (‪َ )26‬ووَهَبْنَا لَ هُ إِ سْحَا َ‬
‫اْلعَزِيزُ الْ َ‬
‫ب وَآتَيْنَا هُ َأ ْجرَ هُ فِي ال ّدنْيَا َوِإنّ ُه فِي الْآ ِخ َرةِ لَمِ َن ال صّالِحِيَ (‪)27‬‬
‫وَالْكِتَا َ‬
‫شةَ مَا سَبَ َقكُم بِهَا مِ ْن َأحَ ٍد مّ نَ‬
‫َولُوطا ِإ ْذ قَا َل ِلقَ ْومِ ِه ِإنّكُ ْم لََتأْتُو نَ اْلفَا ِح َ‬
‫اْلعَالَمِيَ (‪َ )28‬أئِنّكُ ْم لََتأْتُو نَ الرّجَالَ َوَتقْطَعُو َن ال سّبِي َل َوتَ ْأتُو َن فِي نَادِيكُ مُ‬
‫ت مِ نَ‬
‫الْمُن َكرَ فَمَا كَا َن َجوَا بَ قَ ْومِ هِ ِإلّا أَن قَالُوا ائْتِنَا ِبعَذَا بِ اللّ هِ إِن كُن َ‬
‫ْسـدِينَ (‪َ )30‬ولَمّاـ‬
‫ْمـ الْ ُمف ِ‬
‫انصـرْنِي عَلَى اْلقَو ِ‬
‫الصـّادِقِيَ (‪ )29‬قَالَ رَب ّ ُ‬
‫شرَى قَالُوا ِإنّا ُمهْ ِلكُو َأ ْهلِ هَذِ هِ اْل َقرَْيةِ إِنّ َأهْلَهَا‬
‫جَاء تْ رُ سُلُنَا ِإْبرَاهِي َم بِالُْب ْ‬
‫كَانُوا ظَالِمِيَ (‪ )31‬قَالَ إِنّ فِيهَا لُوطا قَالُوا نَحْ ُن أَعْلَ ُم بِمَن فِيهَا لَنُنَجّيَنّ هُ‬
‫ت مِ نَ اْلغَاِبرِي نَ (‪َ )32‬ولَمّ ا أَن جَاء تْ رُ سُلُنَا لُوطا‬
‫َوَأهْلَ ُه ِإلّا ا ْمرََأتَ هُ كَانَ ْ‬
‫حزَ ْن ِإنّا مَُنجّو َك َوأَهْلَ كَ‬
‫ف َولَا تَ ْ‬
‫ق ِبهِ مْ ذَرْعا َوقَالُوا لَا تَخَ ْ‬
‫سِي َء ِبهِ ْم وَضَا َ‬
‫نلُونَ عَلَى َأ ْهلِ َهذِ ِه اْلقَ ْرَيةِ ِرجْزا‬
‫ت ِمنَ اْلغَاِبرِينَ (‪ِ )33‬إنّا مُ ِ‬
‫ِإلّا ا ْم َرأَتَكَ كَانَ ْ‬
‫ّمنَ السّمَا ِء بِمَا كَانُوا َي ْفسُقُونَ (‪َ )34‬وَلقَد ّترَكْنَا مِ ْنهَا آَي ًة بَيَّنةً ّل َقوْ ٍم َي ْعقِلُونَ‬
‫ْمـ‬
‫ّهـ وَا ْرجُوا الْيَو َ‬
‫ْمـ اعُْبدُوا الل َ‬
‫ُمـ شُعَيْبا َفقَالَ يَا َقو ِ‬
‫َنـ َأخَاه ْ‬
‫(‪َ )35‬وِإلَى َمدْي َ‬
‫ُمـ الرّ ْج َفةُ‬
‫ُوهـ َفأَ َخ َذتْه ُ‬
‫ْسـدِينَ (‪َ )36‬ف َكذّب ُ‬
‫ْضـ ُمف ِ‬
‫الْآ ِخرَ وَلَا تَعَْثوْا ف ِي اْلأَر ِ‬
‫ّنـ لَكُم مّنـ‬
‫ِمـ جَاثِمِيَ (‪ )37‬وَعَادا َوثَمُو َد وَقَد تّبَي َ‬
‫َصـبَحُوا فِي دَا ِره ْ‬
‫َفأ ْ‬
‫السـبِيلِ وَكَانُوا‬
‫َنـ ّ‬‫َصـّدهُمْ ع ِ‬
‫ُمـ ف َ‬
‫َانـ أَعْمَاَله ْ‬
‫ُمـ الشّيْط ُ‬
‫ّنـ َله ُ‬
‫مّسـَاكِِن ِه ْم وَ َزي َ‬
‫صرِينَ (‪َ )38‬وقَارُو َن َو ِفرْ َعوْ َن َوهَامَا َن َولَ َقدْ جَاءهُم مّو سَى بِالْبَيّنَا تِ‬
‫مُ سْتَبْ ِ‬
‫ض وَمَا كَانُوا سَاِبقِيَ (‪َ )39‬فكُلّا َأ َخذْنَا بِذَنبِهِ فَ ِم ْنهُم مّنْ‬
‫فَاسْتَكَْبرُوا فِي اْلأَرْ ِ‬
‫‪471‬‬ ‫توفيق الرحن ف دروس القرآن‬

‫سفْنَا بِهِ اْلأَرْضَ‬


‫ح ُة َومِنْهُم مّنْ خَ َ‬
‫أَرْسَلْنَا عَلَيْ ِه حَاصِبا وَمِ ْنهُم مّ ْن َأخَ َذتْهُ الصّيْ َ‬
‫َومِ ْنهُم مّ نْ أَ ْغ َرقْنَا َومَا كَا َن اللّ هُ لِيَظْلِ َمهُ ْم َولَكِن كَانُوا أَنفُ سَ ُه ْم يَظْلِمُو نَ (‬
‫‪. ﴾ )40‬‬

‫***‬
‫الزء الثالث‬ ‫‪472‬‬

‫ث فِيهِ مْ َألْ فَ سَنَةٍ‬


‫قوله عز وجل ‪ ﴿ :‬وََل َقدْ أَرْ سَلْنَا نُوحا ِإلَى َقوْمِ ِه فَلَبِ َ‬
‫ِإلّا خَمْ سِيَ عَاما َفَأ َخذَهُ ُم الطّوفَا ُن َوهُ مْ ظَالِمُو نَ (‪َ )14‬فأَنَيْنَا ُه وَأَ صْحَابَ‬
‫سفِينَ ِة َوجَعَلْنَاهَا آَي ًة لّ ْلعَالَمِيَ (‪. ﴾ )15‬‬
‫ال ّ‬
‫عن ابن عباس قال ‪ :‬بعث نوح وهو لربعي سنة ‪ ،‬بث ف قومه ألف سنة‬
‫إلّ خسي عامًا ‪ ،‬وعاش بعد الطوفان ستي عامًا ‪ ،‬حت كثر الناس وفشوا ‪.‬‬
‫وعن ماهد قال ‪ :‬قال ل ابن عمر ‪ :‬كم لبث نوح ف قومه ؟ قال ‪ :‬قلت ‪:‬‬
‫ألف سنة إلّ خسي عامًا ‪ ،‬قال ‪ :‬فإن الناس ل يزالوا ف نقصان من أعمارهم‬
‫وأحلمهم وأخلقهم إل يومك هذا ‪.‬‬
‫سفِيَنةِ وَ َجعَ ْلنَاهَا آَيةً لّ ْلعَالَمِيَ ﴾ ‪،‬‬ ‫وقوله تعال ‪َ ﴿ :‬فأَ َنيْنَا ُه َوأَ صْحَا َ‬
‫ب ال ّ‬
‫قال قتادة ‪ :‬أبقاها ال آية للناس بأعلى الوديّ ‪.‬‬
‫وقال ا بن كث ي ‪ :‬أو نوع ها ‪ ،‬وهذا من باب التدر يج من الش خص إل‬
‫النس ‪ ،‬كقوله تعال ‪ ﴿ :‬وََلقَدْ َزّينّا السّمَاء ال ّدْنيَا بِمَصَابِي َح وَ َج َع ْلنَاهَا رُجُوما‬
‫شيَاطِيِ ﴾ ‪ ،‬أي ‪ :‬وجعل نا نوع ها رجومًا ‪ ،‬فإن ال ت ير مى ب ا لي ست هي‬ ‫لّل ّ‬
‫زينة للسماء ‪.‬‬
‫قوله عز و جل ‪ ﴿ :‬وَِإْبرَاهِي مَ ِإ ْذ قَا َل ِلقَ ْومِ هِ اعُْبدُوا اللّ هَ وَاّتقُو ُه َذلِكُ مْ‬
‫ّهـ َأ ْوثَانا‬
‫ُونـ الل ِ‬
‫ُونـ م ِن د ِ‬
‫ُونـ (‪ِ )16‬إنّم َا َتعُْبد َ‬
‫ُمـ تَعْلَم َ‬
‫ُمـ إِن كُنت ْ‬
‫خَ ْي ٌر لّك ْ‬
‫َوتَخْ ُلقُونَ ِإفْكا إِنّ اّلذِينَ تَعُْبدُونَ مِن دُونِ اللّ ِه لَا يَمْ ِلكُونَ لَكُمْ رِزْقا فَابَْتغُوا‬
‫‪473‬‬ ‫توفيق الرحن ف دروس القرآن‬

‫ق وَاعُْبدُو ُه وَاشْ ُكرُوا لَ ُه ِإلَيْ ِه ُترْ َجعُو نَ (‪ )17‬وَإِن ُت َكذّبُوا َف َقدْ‬


‫عِندَ اللّ ِه الرّزْ َ‬
‫غ الْمُبِيُ (‪. ﴾ )18‬‬
‫ب أُ َم ٌم مّن قَبْ ِل ُكمْ َومَا عَلَى الرّسُولِ ِإلّا الْبَلَا ُ‬
‫َك ّذ َ‬
‫قال البغوي ‪ :‬قوله تعال ‪َ ﴿ :‬وِإبْرَاهِيَم ﴾ ‪ ،‬أي ‪ :‬وأرسَلنا إبراهيَم ‪،‬‬
‫﴿ إِذْ قَالَ ِل َقوْمِ هِ ا ْعبُدُوا اللّ َه وَاّتقُو هُ ﴾ أطيعوه ‪ ،‬وخافوه ‪ ﴿ ،‬ذَِلكُ مْ َخْي ٌر‬
‫َلكُ مْ إِ نْ ُكْنتُ مْ تَعَْلمُو نَ * ِإنّمَا َت ْعبُدُو َن مِ نْ دُو نِ اللّ هِ َأ ْوثَانًا ﴾ أ صنامًا ‪﴿ ،‬‬
‫ُونَإِفْكًا ﴾ تقولون كذبًا ‪ .‬قال مقاتَل ‪ :‬تصَنعون أصَنامًا بأيدكَم‬ ‫خُلق َ‬ ‫َوتَ ْ‬
‫فتسمّونا آلة ‪ِ ﴿ ،‬إنّ الّذِي َن َت ْعبُدُونَ مِنْ دُونِ اللّ ِه ل يَمِْلكُونَ َلكُمْ ِرزْقًا ﴾ ل‬
‫ُوهَ‬
‫ْقَ وَا ْعبُد ُ‬ ‫ّهَ الرّز َ‬
‫يقدرون أن يرزقوكَم ﴿ فَاْبَتغُوا ﴾ فاطلبوا ‪ِ ﴿ ،‬عنْدَ الل ِ‬
‫وَاشْكُرُوا لَ هُ إَِليْ هِ ُترْ َجعُو نَ * َوإِن ُتكَ ّذبُوا َفقَدْ كَذّ بَ ُأمَ ٌم مّن َقبِْلكُ مْ ﴾ مثل ‪:‬‬
‫عاد ‪ ،‬وثود وغيهم فأهلكوا ‪َ ﴿ ،‬ومَا عَلَى ال ّرسُولِ إِلّا اْلبَلَاغُ الْ ُمبِيُ ﴾ ‪.‬‬
‫ئ اللّهُ الْخَلْ َق ُثمّ ُيعِيدُهُ إِنّ َذلِكَ‬
‫قوله عز وجل ‪َ ﴿ :‬أوَلَ ْم َيرَوْا كَيْفَ يُبْدِ ُ‬
‫ف َبدََأ الْخَلْ َق ثُمّ‬
‫ض فَان ُظرُوا كَيْ َ‬
‫عَلَى اللّ هِ يَ سِيٌ (‪ُ )19‬قلْ سِيُوا فِي الْأَرْ ِ‬
‫ّهـ عَلَى ُك ّل َشيْ ٍء َقدِيرٌ (‪ُ )20‬ي َعذّب ُ مَن‬
‫ّهـ يُنشِ ُئ الّنشَْأ َة الْآ ِخ َرةَ إِنّ الل َ‬
‫الل ُ‬
‫جزِي نَ فِي اْلأَرْ ضِ‬
‫َيشَا ُء َويَ ْرحَ ُم مَن َيشَا ُء َوِإلَيْ هِ تُقْلَبُو نَ (‪َ )21‬ومَا أَنتُم بِ ُمعْ ِ‬
‫َولَا فِي ال سّمَاء وَمَا لَكُم مّ ن دُو ِن اللّ ِه مِن َولِيّ َولَا نَ صِيٍ (‪ )22‬وَاّلذِي نَ‬
‫ب َألِيمٌ‬
‫َك َفرُوا بِآيَاتِ اللّهِ وَِلقَائِهِ أُ ْولَئِكَ يَئِسُوا مِن ّرحْمَتِي َوُأوْلَئِكَ َلهُمْ َعذَا ٌ‬
‫(‪. ﴾ )23‬‬
‫الزء الثالث‬ ‫‪474‬‬

‫ُهَ‬
‫ْقَ ثُمّ ُيعِيد ُ‬ ‫خل َ‬‫ّهَ الْ َ‬
‫ْفَ ُيبْدِئُ الل ُ‬
‫َمَ يَ َروْا َكي َ‬
‫عَن قتادة فَ قوله ‪َ ﴿ :‬أوَل ْ‬
‫ك عَلَى اللّ ِه يَ سِيٌ * قُلْ سِيُوا فِي اْلأَرْ ضِ‬ ‫﴾ بالب عث ب عد الوت ‪ ﴿ .‬إِنّ ذَلِ َ‬
‫شئُ‬ ‫ف بَ َدَأ الْخَلْ قَ ﴾ خلق ال سماوات ‪ ،‬والرض ‪ ﴿ ،‬ثُمّ اللّ ُه يُن ِ‬ ‫فَان ُظرُوا َكيْ َ‬
‫النّشَْأ َة الْآخِ َرةَ ﴾ ‪ ،‬أي ‪ :‬البعث بعد الوت ‪ .‬وعن ابن عباس قوله ‪ ﴿ :‬ثُمّ اللّهُ‬
‫شئُ النّشَْأ َة الْآخِ َرةَ ﴾ ‪ ،‬قال ‪ :‬هي ‪ :‬الياة بعد الوت ‪ ،‬وهو ‪ :‬النشور ‪.‬‬ ‫يُن ِ‬
‫قال البغوي ‪ :‬فكمَا ل يتعذّر عليَه إحداثهَا مبتدئًا ‪ ،‬ل يتعذّر عليَه‬
‫إنشاؤها معيدًا ‪ ﴿ ،‬إِنّ اللّ َه عَلَى كُ ّل َشيْءٍ َقدِيرٌ * ُيعَذّبُ مَن يَشَاءُ َويَرْحَ ُم مَن‬
‫يَشَا ُء َوإَِليْهِ ُتقَْلبُونَ ﴾ تُ َردّون ‪.‬‬
‫وقال ابن زيد ف قوله‪َ ﴿:‬ومَا أَنتُم بِ ُم ْعجِزِينَ فِي الْأَرْ ِ‬
‫ض وَلَا فِي السّمَاء ﴾‬
‫قال ‪ :‬ل يعجزه أهَل الرضيَ فَ الرضيَ ‪ ،‬ول أهَل السَماوات فَ‬
‫السماوات إن عصوه ‪َ ﴿ ،‬ومَا َلكُم مّن دُونِ اللّ ِه مِن وَِليّ وَلَا َنصِيٍ ﴾ ‪.‬‬
‫قال البغوي ‪ :‬أي ‪ ﴿ :‬مِن وَلِيّ ﴾ ينع كم م ن ﴿ وَلَا نَ صِيٍ ﴾ ين صركم‬
‫من عذاب ‪.‬‬
‫ِهَ ﴾ ‪ ،‬أي ‪ :‬بالقرآن‬
‫ّهَ وَِلقَائ ِ‬
‫َاتَ الل ِ‬ ‫وقوله تعال ‪ ﴿ :‬وَالّذ َ‬
‫ِينَ َكفَرُوا بِآي ِ‬
‫والبعث ‪ُ ﴿ ،‬أوْلَئِكَ َيئِسُوا مِن رّحْ َمتِي ﴾ أي ‪ :‬ل نصيب لم فيها ﴿ َوُأوَْلئِكَ‬
‫َلهُ ْم عَذَابٌ أَلِيمٌ ﴾ ‪ ،‬موجع ‪ :‬وهو عذاب النار ‪.‬‬
‫قوله عز وجل ‪ ﴿ :‬فَمَا كَا َن جَوَا بَ قَ ْومِ ِه ِإلّا أَن قَالُوا اقْتُلُو ُه َأوْ َح ّرقُو هُ‬
‫ك لَآيَا تٍ ّل َقوْ ٍم ُي ْؤمِنُو نَ (‪َ )24‬وقَالَ ِإنّمَا‬
‫َفأَنَا ُه اللّ ُه مِ نَ النّا ِر إِنّ فِي َذلِ َ‬
‫‪475‬‬ ‫توفيق الرحن ف دروس القرآن‬

‫خذْتُم مّ ن دُو ِن اللّ هِ َأ ْوثَانا ّم َو ّدةَ بَيِْنكُ مْ فِي الْحَيَاةِ الدّنْيَا ثُمّ َيوْ َم الْقِيَامَةِ‬
‫اتّ َ‬
‫ض َويَ ْلعَ نُ َبعْضُكُم بَعْضا َومَ ْأوَاكُ مُ النّا ُر وَمَا لَكُم مّ ن‬
‫َي ْكفُ ُر َبعْضُكُم بَِبعْ ٍ‬
‫ّهـ هُ َو الْ َعزِيزُ‬
‫ُوطـ َوقَالَ ِإنّيـ ُمهَا ِجرٌ ِإلَى َربّيـ ِإن ُ‬
‫َهـ ل ٌ‬
‫َنـ ل ُ‬
‫ّاصـرِينَ (‪ )25‬فَآم َ‬
‫ن ِ‬
‫ِهـ النُّب ّوةَ‬
‫ُوبـ َو َجعَلْن َا فِي ذُ ّريّت ِ‬
‫ق َويَ ْعق َ‬
‫ِسـحَا َ‬
‫َهـ إ ْ‬
‫ِيمـ (‪ )26‬وَ َوهَبْنَا ل ُ‬
‫حك ُ‬ ‫الْ َ‬
‫(‬ ‫ب وَآتَيْنَا هُ َأ ْجرَ هُ فِي ال ّدنْيَا َوِإنّ ُه فِي الْآ ِخ َرةِ لَمِ َن ال صّالِحِيَ‬
‫وَالْكِتَا َ‬
‫‪. ﴾ )27‬‬
‫و عن قتادة قوله ‪ ﴿ :‬فَمَا كَا نَ َجوَا بَ َق ْومِ هِ ﴾ قوم إبراه يم ‪ ﴿ ،‬إِلّا أَن‬
‫قَالُوا اقْتُلُوهُ َأوْ َحرّقُو هُ َفأَنَاهُ اللّ ُه مِ َن النّارِ ﴾ ‪ ،‬قال كعب ‪ :‬ما حرقت منه إل‬
‫وثاقه ‪ِ ﴿ ،‬إنّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ ّل َقوْ ٍم ُي ْؤمِنُونَ ﴾ ‪.‬‬
‫و عن قتادة ‪ ﴿ :‬وَقَالَ ِإنّمَا اتّخَذْتُم مّ ن دُو نِ اللّ هِ َأ ْوثَانا ّموَ ّد َة َبيِْنكُ مْ فِي‬
‫َنَ َبعْضُك ُم َبعْضا‬ ‫ْضَ َويَ ْلع ُ‬‫ْمَ اْل ِقيَا َمةِ َي ْكفُ ُر َبعْضُك ُم ِببَع ٍ‬
‫حيَاةِ ال ّدنْي َا ثُمّ َيو َ‬
‫الْ َ‬
‫صرِينَ ﴾ ‪ ،‬قال ‪ :‬صارت كل خلّة ف الدن يا‬ ‫َو َم ْأوَاكُ ُم النّا ُر وَمَا لَكُم مّ ن نّا ِ‬
‫عداوة على أهلها يوم القيامة إل خلّة التّقي ‪.‬‬
‫وعن ابن عباس قوله ‪ ﴿ :‬فَآمَ نَ لَ هُ لُو طٌ ﴾ ‪ ،‬قال ‪ :‬صدّقه لوط ‪ ﴿ ،‬وَقَالَ‬
‫ِإنّي ُمهَاجِرٌ إِلَى َربّ ي ﴾ ‪ ،‬قال ‪ :‬هو إبراه يم ‪ .‬وقال قتادة ‪ :‬هاجرا جيعًا من‬
‫كوثى ‪ .‬وهي من ثواد الكوفة إل الشام ‪.‬‬
‫وقوله تعال ‪َ ﴿ :‬و َو َهبْنَا لَهَُإِس َْحَا َ‬
‫ق َوَيعْقُوبََ وَ َجعَلْنَا فِي ذُ ّرّيتِهَِ الّنُبوّةَ‬
‫حيَ ﴾ ‪ .‬عن قتادة‬
‫وَاْلكِتَابَ وَآَتْينَاهُ َأجْ َرهُ فِي ال ّدْنيَا َوِإنّهُ فِي الْآ ِخ َرةِ لَ ِم َن الصّالِ ِ‬
‫الزء الثالث‬ ‫‪476‬‬

‫َهَ ف ِي ال ّدنْي َا ﴾ ‪ ،‬قال ‪ :‬عافيَة وعملً صَالًا وثناء‬


‫َاهَ َأجْر ُ‬
‫قوله ‪ ﴿ :‬وَآَتْين ُ‬
‫حسنًا ‪ ،‬فلست بِلَ قٍ أحدًا من الل إل يرضى إبراهيم ويتوله ‪َ ﴿ .‬وإِنّ هُ فِي‬
‫حيَ ﴾ ‪.‬‬ ‫الْآ ِخ َرةِ لَ ِم َن الصّالِ ِ‬
‫شةَ م َا‬
‫ُونـ اْلفَا ِح َ‬
‫ُمـ لََت ْأت َ‬
‫ِهـ ِإنّك ْ‬
‫قوله عـز وجـل ‪َ ﴿ :‬ولُوطا ِإذْ قَالَ ِل َقوْم ِ‬
‫سَبَ َقكُم بِهَا مِ ْن َأحَ ٍد مّ َن الْعَالَمِيَ (‪َ )28‬أئِّنكُ مْ لََت ْأتُو َن ال ّرجَا َل وََتقْ َطعُو نَ‬
‫ب َقوْمِ هِ ِإلّا أَن قَالُوا ائْتِنَا‬
‫ال سّبِي َل َوتَ ْأتُو َن فِي نَادِيكُ مُ الْمُن َكرَ فَمَا كَا َن َجوَا َ‬
‫ص ْرنِي عَلَى الْ َقوْ مِ‬
‫ت مِ نَ ال صّا ِدقِيَ (‪ )29‬قَالَ رَبّ ان ُ‬
‫ِب َعذَا بِ اللّ ِه إِن كُن َ‬
‫سدِينَ (‪. ﴾ )30‬‬
‫الْ ُم ْف ِ‬
‫ش َة مَا َسبَ َقكُم ِبهَا مِ ْن‬
‫عن عمرو بن دينار ف قوله ‪ِ ﴿ :‬إّنكُ مْ َلَت ْأتُو َن اْلفَاحِ َ‬
‫أَ َح ٍد مّ َن اْلعَالَمِيَ ﴾ ‪ ،‬قال ‪ :‬ما نزل ذ كر على ذ كر ح ت كان قوم لوط ‪.‬‬
‫وعن أم هانئ قالت ‪ :‬سألت النب عن قوله ‪َ ﴿ :‬وَتأْتُونَ فِي نَادِيكُ ُم الْمُنكَرَ‬
‫﴾ ‪ ،‬قال ‪ « :‬كانوا يذفون أهل الطريق ويسخرون منهم » ‪ .‬رواه ابن جرير‬
‫وغيه ‪.‬‬
‫شرَى قَالُوا ِإنّاـ‬
‫ِيمـ بِالْبُ ْ‬
‫ُسـلُنَا ِإْبرَاه َ‬
‫َاءتـ ر ُ‬
‫قوله عـز وجـل ‪َ ﴿ :‬ولَمّاـ ج ْ‬
‫ُمهْلِكُو َأ ْهلِ َهذِ هِ اْلقَ ْرَيةِ إِنّ َأهْلَهَا كَانُوا ظَالِمِيَ (‪ )31‬قَالَ إِنّ فِيهَا لُوطا‬
‫قَالُوا نَحْ نُ أَعْلَ مُ بِمَن فِيهَا لَنُنَجّيَنّ ُه وََأهْلَ هُ ِإلّا ا ْم َرأَتَ هُ كَانَ تْ مِ َن الْغَاِبرِي نَ (‬
‫‪. ﴾ )32‬‬
‫‪477‬‬ ‫توفيق الرحن ف دروس القرآن‬

‫عن ابن عباس قوله ‪ ﴿ :‬وَلَمّا جَاء تْ رُ سُُلنَا ِإبْرَاهِي َم بِاْلبُشْرَى ﴾ إل قوله‬
‫‪ ﴿ :‬نَحْ نُ َأعْلَ ُم بِمَن فِيهَا ﴾ ‪ ،‬قال ‪ :‬فجادل إبراهيم اللئكة ف قوم لوط أن‬
‫يتركوا ‪ ،‬قال ‪ :‬فقال ‪ :‬أرأيتَم إن كان فيهَا عشَر أبيات مَن السَلمي‬
‫أتتركونمَ ؟ فقالت اللئكَة ‪ :‬ليَس فيهَا عشَر أبيات ‪ ،‬ول خسَة ‪ ،‬ول‬
‫أربعة ‪ ،‬ول ثلثة ‪ ،‬ول اثنان ‪ .‬قال ‪ :‬فحزن على لوط وأهل بيته فَ ﴿ قَالَ‬
‫ت مِ نَ‬‫جَينّ ُه َوَأهْلَ هُ إِلّا امْ َرَأتَ هُ كَانَ ْ‬
‫إِنّ فِيهَا لُوطا قَالُوا نَحْ نُ أَعَْل ُم بِمَن فِيهَا َلنُنَ ّ‬
‫حلِي مٌ َأوّا هٌ‬
‫اْلغَابِرِي نَ ﴾ فذلك قوله ‪ ﴿ :‬يُجَادِلُنَا فِي َقوْ مِ لُو طٍ * إِنّ ِإبْرَاهِي مَ لَ َ‬
‫ّمنِي بٌ ﴾ ‪ ،‬فقالت اللئ كة ‪ :‬يا إبراه يم أعرض عن هذا ‪ ،‬إ نه قد جاء أ مر‬
‫ربك ‪ ،‬وإنم آتيهم عذاب غي مردود ‪.‬‬
‫قوله عز وجل ‪َ ﴿ :‬ولَمّا أَن جَاء تْ رُ سُلُنَا لُوطا سِي َء ِبهِ مْ وَضَا قَ بِهِ مْ‬
‫حزَ ْن ِإنّا مُنَجّو َك َوأَهْلَ كَ إِلّا ا ْم َرَأتَ كَ كَانَ تْ مِ نَ‬
‫ف َولَا تَ ْ‬
‫ذَرْعا َوقَالُوا لَا تَخَ ْ‬
‫نلُونَ عَلَى َأ ْهلِ َهذِهِ اْل َقرَْيةِ ِرجْزا مّنَ السّمَا ِء بِمَا كَانُوا‬
‫اْلغَاِبرِينَ (‪ِ )33‬إنّا مُ ِ‬
‫سقُونَ (‪َ )34‬وَلقَد ّترَكْنَا مِ ْنهَا آَيةً بَيَّن ًة ّلقَوْ ٍم َي ْعقِلُونَ (‪. ﴾ )35‬‬
‫َي ْف ُ‬
‫عن قتادة قوله ‪ ﴿ :‬وَلَمّ ا أَن جَاء تْ رُ سُُلنَا لُوطا سِي َء ِبهِ ْم وَضَا قَ ِبهِ مْ‬
‫ذَرْعا ﴾ ‪ ،‬قال ‪ :‬بالضيافة مافة عليهم ما يعلم من شر قومه ‪.‬‬
‫و عن ما هد قوله ‪ ﴿ :‬وَلَقَد تّرَكْنَا ِمنْهَا آَي ًة َبيَّنةً ﴾ ‪ ،‬قال ‪ :‬عبة ‪ .‬وقال‬
‫ابن عباس ‪ :‬الية البيّنة هي آثار منازلم الربة ‪.‬‬
‫الزء الثالث‬ ‫‪478‬‬

‫قوله عز و جل ‪ ﴿ :‬وَِإلَى َم ْديَ نَ َأخَاهُ مْ ُشعَيْبا َفقَا َل يَا َقوْ مِ اعُْبدُوا اللّ هَ‬
‫ض ُمفْ سِدِينَ (‪ )36‬فَ َك ّذبُو ُه َفأَ َخ َذتْهُ مُ‬
‫وَا ْرجُوا الَْيوْ َم الْآ ِخرَ َولَا َتعَْثوْا فِي اْلأَرْ ِ‬
‫الرّ ْج َفةُ َفأَصْبَحُوا فِي دَا ِرهِ ْم جَاثِ ِميَ (‪. ﴾ )37‬‬
‫قال ا بن كث ي ‪ :‬وقوله ‪ ﴿ :‬وَلَا َت ْعثَوْا فِي اْلأَرْ ضِ ُمفْ سِدِينَ ﴾ نا هم عن‬
‫الع بث ف الرض بالف ساد ‪ .‬و هو ‪ :‬ال سعي في ها والب غي على أهل ها ‪ ،‬وذلك‬
‫أن م كانوا ينق صون الكيال واليزان ‪ ،‬ويقطعون الطر يق على الناس ‪ ،‬هذا مع‬
‫كفر هم بال ور سوله ‪ ،‬فأهلك هم ال برج فة عظي مة زلزلت علي هم بلد هم ‪،‬‬
‫وصَيحة أخرجَت القلوب مَن حناجرهَا ‪ ،‬وعذاب يوم الظلّة الذي أزهَق‬
‫الرواح من مستقرّها ‪ ،‬إنه كان عذاب يوم عظيم ‪.‬‬
‫قوله عز و جل ‪ ﴿ :‬وَعَادا َوثَمُودَ وَقَد تّبَيّ نَ لَكُم مّ ن مّ سَاكِِن ِهمْ وَزَيّ نَ‬
‫صرِينَ (‪)38‬‬
‫ُسـتَبْ ِ‬
‫السـبِي ِل وَكَانُوا م ْ‬
‫َنـ ّ‬‫َصـدّ ُهمْ ع ِ‬
‫ُمـ ف َ‬
‫َانـ أَعْمَاَله ْ‬
‫ُمـ الشّيْط ُ‬
‫َله ُ‬
‫َوقَارُو َن َو ِفرْ َعوْ نَ َوهَامَا َن َولَ َقدْ جَاءهُم مّو سَى بِالْبَيّنَا تِ فَا سْتَكَْبرُوا فِي‬
‫ض وَمَا كَانُوا سَاِبقِيَ (‪َ )39‬فكُلّا َأ َخذْنَا بِذَنبِ هِ فَ ِم ْنهُم مّ نْ أَرْ سَلْنَا عَلَيْ هِ‬
‫اْلأَرْ ِ‬
‫ض َومِنْهُم مّ نْ‬
‫سفْنَا بِ ِه الْأَرْ َ‬
‫حةُ َومِ ْنهُم مّ ْن خَ َ‬
‫حَا صِبا َومِ ْنهُم مّ نْ َأ َخذَتْ هُ ال صّ ْي َ‬
‫س ُهمْ يَظْ ِلمُونَ (‪. ﴾ )40‬‬
‫أَ ْغ َرقْنَا وَمَا كَانَ ال ّل ُه لِيَظْلِ َم ُه ْم وََلكِن كَانُوا أَنفُ َ‬
‫قال البغوي ‪َ ﴿ :‬وعَادا َوثَمُودَ ﴾ ‪ ،‬أي ‪ :‬وأهلكنَا عادًا وثود ‪ .‬وعَن‬
‫قتادة وكانوا متب صّرين ف ضللتهم ‪ ،‬معجبي ب ا ‪ .‬قال الفراء ‪ :‬كانوا عقلء‬
‫ذوي بصائر ‪.‬‬
‫‪479‬‬ ‫توفيق الرحن ف دروس القرآن‬

‫وقوله تعال ‪ ﴿ :‬وَقَارُو نَ وَفِ ْر َعوْ َن َوهَامَا نَ وََلقَدْ جَاءهُم مّو سَى بِاْلبَّينَا تِ‬
‫ض وَمَا كَانُوا سَابِقِيَ ﴾ أي ‪ :‬فائت ي من عذاب نا ﴿ َفكُلّا‬ ‫فَا ْسَتكْبَرُوا فِي الْأَرْ ِ‬
‫أَ َخ ْذنَا بِذَنبِ هِ فَ ِمْنهُم مّ نْ أَرْ سَ ْلنَا عََليْ هِ حَا صِبا ﴾ وهم عاد ﴿ َو ِمْنهُم مّ نْ أَخَ َذتْ هُ‬
‫س ْفنَا بِ هِ الْأَرْ ضَ ﴾ و هو قارون‬ ‫حةُ ﴾ يع ن ‪ :‬ثود ‪َ ﴿ ،‬و ِمنْهُم مّ نْ خَ َ‬ ‫صيْ َ‬‫ال ّ‬
‫وأصحابه ‪َ ﴿ ،‬و ِمْنهُم مّ نْ َأغْرَ ْقنَا ﴾ وهم فرعون وهامان وجنودها ‪َ ﴿ ،‬ومَا‬
‫سهُ ْم يَظْلِمُونَ ﴾ ‪.‬‬
‫كَانَ اللّهُ ِليَظْلِ َمهُمْ وَلَكِن كَانُوا أَنفُ َ‬

‫***‬
‫الزء الثالث‬ ‫‪480‬‬

‫الدرس التاسع بعد الائتي‬

‫خذَتْ بَيْتا‬
‫خذُوا مِن دُو ِن اللّ ِه َأوْلِيَاء َكمََثلِ اْلعَنكَبُوتِ اتّ َ‬
‫﴿ مََثلُ اّلذِي َن اتّ َ‬
‫ت َلوْ كَانُوا َيعْلَمُونَ (‪ )41‬إِنّ اللّ َه َيعْلَ ُم مَا‬
‫ت اْلعَنكَبُو ِ‬
‫ت لَبَيْ ُ‬
‫َوإِنّ أَ ْوهَنَ الْبُيُو ِ‬
‫ْكـ اْلَأمْثَالُ‬
‫ِيمـ (‪ )42‬وَتِل َ‬
‫حك ُ‬ ‫ِهـ م ِن َشيْ ٍء َوهُ َو الْ َعزِي ُز الْ َ‬
‫ُونـ م ِن دُون ِ‬
‫َيدْع َ‬
‫ض ِرُبهَا لِلنّاسِ َومَا َي ْعقِ ُلهَا ِإلّا اْلعَالِمُونَ (‪ )43‬خَلَقَ اللّهُ السّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ‬
‫نَ ْ‬
‫ك لَآَيةً لّ ْل ُمؤْمِنِيَ (‪ )44‬اتْ ُل مَا أُوحِ َي إِلَيْ كَ مِ نَ الْكِتَا بِ‬
‫بِالْحَقّ إِنّ فِي َذلِ َ‬
‫حشَاء وَالْمُن َكرِ وََلذِ ْكرُ اللّهِ أَكَْب ُر وَاللّهُ‬
‫َوَأقِمِ الصّلَاةَ إِنّ الصّلَاةَ تَ ْنهَى عَنِ اْلفَ ْ‬
‫س ُن ِإلّا‬
‫َيعْلَ ُم مَا تَ صَْنعُونَ (‪َ )45‬ولَا تُجَا ِدلُوا أَ ْه َل الْكِتَا بِ ِإلّا بِالّتِي هِ يَ َأحْ َ‬
‫ُمـ َوِإَلهُن َا‬
‫ُمـ َوقُولُوا آمَنّاـ بِاّلذِي أُن ِزلَ ِإلَيْن َا وَأُنزِ َل ِإلَيْك ْ‬
‫ِينـ ظَ َلمُوا مِ ْنه ْ‬
‫اّلذ َ‬
‫ك الْكِتَا بَ‬
‫َوِإلَ ُهكُ مْ وَا ِح ٌد وَنَحْ ُن لَ هُ مُ سْلِمُونَ (‪ )46‬وَ َكذَلِ كَ أَن َزلْنَا ِإلَيْ َ‬
‫حدُ‬
‫فَالّذِي نَ آتَيْنَاهُ ُم الْكِتَا بَ ُي ْؤمِنُو َن بِ ِه وَمِ نْ َه ُؤلَاء مَن ُي ْؤمِ نُ بِ هِ وَمَا يَجْ َ‬
‫ت تَتْلُو مِن قَبْلِ هِ مِن كِتَا بٍ َولَا َتخُطّ هُ‬
‫بِآيَاتِنَا ِإلّا اْلكَا ِفرُو نَ (‪ )47‬وَمَا كُن َ‬
‫صدُورِ اّلذِي نَ‬
‫ك إِذا لّا ْرتَا بَ الْمُ ْبطِلُو نَ (‪َ )48‬ب ْل هُوَ آيَا تٌ بَيّنَا تٌ فِي ُ‬
‫بِيَمِينِ َ‬
‫ْهـ‬
‫ُونـ (‪َ )49‬وقَالُوا َل ْولَا أُن ِزلَ عَلَي ِ‬
‫حدُ بِآيَاتِنَا ِإلّا الظّالِم َ‬
‫جَ‬‫ْمـ وَمَا يَ ْ‬
‫أُوتُوا اْلعِل َ‬
‫ت مّ ن ّربّ هِ ُق ْل ِإنّمَا الْآيَا تُ عِن َد اللّ ِه َوإِنّمَا أَنَا َنذِي ٌر مّبِيٌ (‪َ )50‬أ َولَ مْ‬
‫آيَا ٌ‬
‫َي ْكفِهِ مْ أَنّا أَن َزلْنَا عَلَيْ كَ اْلكِتَا بَ يُتْلَى عَلَ ْيهِ ْم إِنّ فِي َذلِ كَ َل َرحْ َمةً َوذِ ْكرَى‬
‫َمـ مَا فِي‬
‫ُمـ شَهِيدا َيعْل ُ‬
‫ّهـ بَيْنِي َوبَيْنَك ْ‬
‫ُونـ (‪ُ )51‬قلْ كَفَى بِالل ِ‬
‫ْمـ يُ ْؤمِن َ‬
‫ِل َقو ٍ‬
‫‪481‬‬ ‫توفيق الرحن ف دروس القرآن‬

‫ُمـ‬
‫ِكـ ه ُ‬
‫ّهـ ُأ ْولَئ َ‬
‫ِينـ آمَنُوا بِالْبَا ِطلِ وَ َك َفرُوا بِالل ِ‬
‫ْضـ وَالّذ َ‬
‫ت وَاْلأَر ِ‬
‫السـمَاوَا ِ‬
‫ّ‬
‫الْخَاسِرُونَ (‪. ﴾ )52‬‬

‫***‬
‫الزء الثالث‬ ‫‪482‬‬

‫ّهـ َأوْلِيَاء َكمََثلِ‬


‫ُونـ الل ِ‬
‫خذُوا م ِن د ِ‬
‫ِينـ اتّ َ‬
‫قوله عـز وجـل ‪ ﴿ :‬مََثلُ اّلذ َ‬
‫ُوتـ َلوْ كَانُوا‬
‫ْتـ اْلعَنكَب ِ‬
‫ُوتـ لَبَي ُ‬
‫َنـ الْبُي ِ‬
‫َتـ بَيْتا وَإِنّ أَ ْوه َ‬
‫خذ ْ‬‫ُوتـ اتّ َ‬
‫اْلعَنكَب ِ‬
‫َيعْلَمُو نَ (‪ )41‬إِنّ اللّ َه َيعْلَ مُ مَا َيدْعُو نَ مِن دُونِ ِه مِن شَيْ ٍء َوهُ َو الْ َعزِيزُ‬
‫ض ِرُبهَا لِلنّا سِ َومَا َي ْعقِ ُلهَا ِإلّا الْعَالِمُو نَ (‪)43‬‬
‫حكِي مُ (‪َ )42‬وتِلْ كَ اْلأَمْثَالُ نَ ْ‬
‫الْ َ‬
‫ح ّق إِ ّن فِي َذِلكَ لَآَيةً لّلْ ُم ْؤمِنِيَ (‪. ﴾ )44‬‬
‫ض بِالْ َ‬
‫ت وَاْلأَرْ َ‬
‫خَ َلقَ ال ّل ُه السّمَاوَا ِ‬
‫ّهََأوِْليَاء كَ َمثَ ِل‬
‫ُونَ الل ِ‬
‫ِينَ اتّخَذُوا مِن د ِ‬
‫عَن ابَن عباس قوله ‪َ ﴿ :‬مثَلُ الّذ َ‬
‫ت َبيْتا ﴾ إل آخر الية ‪ ،‬قال ‪ :‬ذلك مثل ضربه ال لن عبد‬ ‫ت اتّخَذَ ْ‬
‫اْلعَن َكبُو ِ‬
‫غيه ‪ .‬وقال قتادة ‪ :‬هذا مثل ضربه للمشرك ‪ ،‬مثل إله الذي يدعوه من دون‬
‫ال كمثل بيت العنكبوت ‪ :‬واهن ضعيف ل ينفعه ‪ .‬وقال ابن زيد ‪ :‬ل يغن‬
‫أولياؤهم عنهم شيئًا ‪ ،‬كما ل يغن العنكبوت بيتها هذا ‪.‬‬
‫قال ابن كثي ‪ :‬ث قال تعال متوعدًا لن عبد غيه وأشرك به ‪ :‬أنه تعال‬
‫يعلم مَا هَم عليَه مَن العمال ‪ ،‬ويعلم مَا يشركون بَه مَن النداد ‪،‬‬
‫ك اْلأَ ْمثَا ُل َنضْ ِرُبهَا‬
‫وسيجزيهم وصفهم إنه حكيم عليم ‪ ،‬ث قال تعال ‪َ ﴿ :‬وتِلْ َ‬
‫س َومَا َي ْعقُِلهَا إِلّا اْلعَالِمُو نَ ﴾ ‪ ،‬أي ‪ :‬وما يفهمها ويتدبّرها إل الراسخون‬ ‫لِلنّا ِ‬
‫ْكَ‬
‫فَ العلم التضلّعون منَه ‪ .‬وعَن جابر أن النَب تل هذه اليَة ‪َ ﴿ :‬وتِل َ‬
‫س َومَا َي ْعقُِلهَا إِلّا اْلعَالِمُونَ ﴾ ‪ ،‬قال ‪ « :‬العال من ل يغفل‬
‫اْلَأمْثَا ُل َنضْ ِرُبهَا لِلنّا ِ‬
‫عن ال فعمل بطاعته واجتنب سخطه » ‪ .‬رواه البغوي ‪ .‬وعن عمرو بن مرة‬
‫‪483‬‬ ‫توفيق الرحن ف دروس القرآن‬

‫قال ‪ :‬ما مررت بآية من كتاب ال ل أعرفها إل أحزنن لن سعت ال تعال‬


‫س َومَا يَ ْعقُِلهَا إِلّا اْلعَالِمُونَ ﴾ ‪.‬‬
‫ك اْلَأمْثَا ُل َنضْ ِرُبهَا لِلنّا ِ‬
‫يقول ‪َ ﴿ :‬وتِلْ َ‬
‫وقوله تعال ‪َ ﴿ :‬خلَقَ اللّهُ السّمَاوَاتِ وَاْلأَ ْرضَ بِالْحَقّ ﴾ ‪.‬‬
‫قال البغوي ‪ :‬أي ‪ :‬للحَق وإظهار القَ ‪ ﴿ ،‬إِنَّ فَِي ذَلِك َ‬
‫َ ﴾ فَ‬
‫خلقها ‪ ﴿ ،‬لَآَيةً ﴾ لدللة ‪ ﴿ ،‬لّلْ ُم ْؤ ِمنِيَ ﴾ على قدرته وتوحيده ‪.‬‬
‫ب َوأَقِ مِ ال صّلَا َة إِنّ‬
‫قوله عز و جل ‪ ﴿ :‬اتْ ُل مَا أُوحِ َي ِإلَيْ كَ مِ نَ اْلكِتَا ِ‬
‫َمـ م َا‬
‫ّهـ َيعْل ُ‬
‫ّهـ أَكَْبرُ وَالل ُ‬
‫حشَاء وَالْمُن َك ِر وََلذِ ْكرُ الل ِ‬
‫َنـ اْلفَ ْ‬
‫الصـلَاةَ تَنْه َى ع ِ‬
‫ّ‬
‫تَصَْنعُونَ (‪. ﴾ )45‬‬
‫عن ابن عباس قوله ‪ ﴿ :‬إِنّ الصّلَاةَ َتْنهَى عَ ِن اْلفَحْشَاء وَالْمُنكَرِ ﴾ ‪ ،‬يقول‬
‫‪ :‬ف الصلة منتهى ومزدجر عن معاصي ال ؛ وقال ‪ :‬من ل تنهه صلته عن‬
‫الفحشاء والنكر ل يزدد بصلته من ال إل بعدًا ‪.‬‬
‫وعن عبد ال بن ربيعة قال ‪ :‬قال عبد ال بن عباس ‪ :‬هل تدري ما قوله‬
‫َ أَكْبَرُ ﴾ ‪ ،‬قال ‪ :‬قلت ‪ :‬نعَم ‪ ،‬التسَبيح ‪ ،‬والتحميَد ‪،‬‬ ‫‪ ﴿ :‬وَلَذِكْرُ اللّه ِ‬
‫والت كبي ف ال صلة ‪ ،‬وقراءة القرآن ون و ذلك ‪ ،‬قال ‪ :‬ل قد قلت قولً عجبًا‬
‫وما هو كذلك ‪ ،‬ولكنه إنا يقول ‪ :‬ذكر ال إياكم عند ما أمر به أو نى عنه‬
‫إذا ذكرتوه ‪ ،‬أ كب من ذكر كم إياه ‪ .‬و عن ا بن عون ف قول ال ‪ ﴿ :‬إِنّ‬
‫ال صّلَاةَ تَنْهَى عَ ِن اْلفَحْشَاء وَالْمُنكَرِ ﴾ والذي أ نت ف يه من ذ كر ال أ كب ‪.‬‬
‫الزء الثالث‬ ‫‪484‬‬

‫وعن ابن عباس ف قوله ‪ ﴿ :‬وَلَذِ ْكرُ اللّ هِ أَ ْكبَرُ ﴾ ‪ ،‬قال ‪ :‬ل ا وجهان ‪ :‬ذ كر‬
‫ال أكب ما سواه ‪ ،‬وذكر ال إياكم أكب من ذكركم إياه ‪.‬‬
‫قال شيـخ السـلم ابـن تيميـة ‪ :‬والصَحيح أن الصَلة فيه ا‬
‫َ مقصَودان‬
‫عظيمان أحدها أعظم من الخر ‪ ،‬ولا فيها من ذكر ال أكب من نيها عن‬
‫صَنعُونَ ﴾ ‪ .‬فيجازيكم ‪.‬‬
‫الفحشاء والنكر ‪ ﴿ ،‬وَاللّ ُه َيعْلَ ُم مَا َت ْ‬
‫سنُ ِإلّا‬
‫ب ِإلّا بِالّتِي هِ َي أَحْ َ‬
‫قوله عز و جل ‪ ﴿ :‬وَلَا تُجَادِلُوا َأ ْهلَ اْلكِتَا ِ‬
‫ُمـ َوِإَلهُن َا‬
‫ُمـ َوقُولُوا آمَنّاـ بِاّلذِي أُن ِزلَ ِإلَيْن َا وَأُنزِ َل ِإلَيْك ْ‬
‫ِينـ ظَ َلمُوا مِ ْنه ْ‬
‫اّلذ َ‬
‫ك الْكِتَا بَ‬
‫َوِإلَ ُهكُ مْ وَا ِح ٌد وَنَحْ ُن لَ هُ مُ سْلِمُونَ (‪ )46‬وَ َكذَلِ كَ أَن َزلْنَا ِإلَيْ َ‬
‫حدُ‬
‫فَالّذِي نَ آتَيْنَاهُ ُم الْكِتَا بَ ُي ْؤمِنُو َن بِ ِه وَمِ نْ َه ُؤلَاء مَن ُي ْؤمِ نُ بِ هِ وَمَا يَجْ َ‬
‫ت تَتْلُو مِن قَبْلِ هِ مِن كِتَا بٍ َولَا َتخُطّ هُ‬
‫بِآيَاتِنَا ِإلّا اْلكَا ِفرُو نَ (‪ )47‬وَمَا كُن َ‬
‫صدُورِ اّلذِي نَ‬
‫ك إِذا لّا ْرتَا بَ الْمُ ْبطِلُو نَ (‪َ )48‬ب ْل هُوَ آيَا تٌ بَيّنَا تٌ فِي ُ‬
‫بِيَمِينِ َ‬
‫حدُ بِآيَاتِنَا ِإلّا الظّالِمُونَ (‪. ﴾ )49‬‬
‫جَ‬‫أُوتُوا اْلعِ ْلمَ َومَا يَ ْ‬
‫قال ابن زيد ف قوله ‪ ﴿:‬وَلَا ُتجَادِلُوا أَهْ َل اْل ِكتَابِ إِلّا بِالّتِي هِيَ أَحْ َ‬
‫سنُ ﴾‬
‫قال ‪ :‬ليست بنسوخة ‪ .‬انتهى ‪ .‬وهذه الية كقوله تعال ‪ ﴿ :‬ادْ عُ إِلِى سَبِيلِ‬
‫سَنةِ وَجَادِْلهُم بِاّلتِي ِهيَ َأحْسَنُ ﴾ ‪.‬‬
‫حكْ َم ِة وَالْ َم ْوعِ َظ ِة الْحَ َ‬
‫ك بِالْ ِ‬
‫َربّ َ‬
‫قال ابن كثي ‪ :‬وقوله تعال ‪ ﴿ :‬إِلّا الّذِي َن ظَلَمُوا ِمْنهُ مْ ﴾ ‪ ،‬أي ‪ :‬حادوا‬
‫عن و جه ال ق ‪ ،‬وعموا عن وا ضح الجّة ‪ ،‬وعاندوا وكابروا فحينئذٍ ينت قل‬
‫من الدال إل اللد ‪ .‬و عن سعيد ‪ ﴿ :‬وَلَا تُجَادِلُوا َأهْ َل اْلكِتَا بِ إِلّا بِالّتِي‬
‫‪485‬‬ ‫توفيق الرحن ف دروس القرآن‬

‫هِ يَ َأحْ سَنُ * إِلّا الّذِي َن ظَلَمُوا ِمنْهُ مْ ﴾ ‪ ،‬قال ‪ :‬أ هل الرب من ل ع هد له‬
‫جادله بالسَيف ‪ .‬وعَن أبَ هريرة قال ‪ :‬كان أهَل الكتاب يقرءون التوراة‬
‫بالعبانيَة فيفسَّرونا بالعربيَة لهَل السَلم ‪ ،‬فقال رسَول ال ‪ « :‬ل‬
‫ت صدّقوا أ هل الكتاب ول تكذّبو هم وقولوا ‪ :‬آم نا بالذي أنزل إلي نا ‪ ،‬وأنزل‬
‫إليكم ‪ ،‬وإلنا وإلكم واحد ‪ ،‬ونن له مسلمون » ‪ .‬رواه ابن جرير وغيه ‪.‬‬
‫وقوله تعال ‪ ﴿ :‬وَكَذَلِكَ أَنزَْلنَا إَِليْكَ اْلكِتَابَ ﴾ ‪.‬‬
‫قال البغوي ‪ :‬وكذلك يع ن ك ما أنزل نا إلي هم الكتاب ‪ ﴿ :‬أَنزَلْنَا إَِليْ كَ‬
‫ِهَ ﴾ ‪ ،‬يعنَ ‪ :‬مؤمنَ أهَل‬ ‫ُونَ ب ِ‬
‫َابَ ُي ْؤ ِمن َ‬‫ُمَ اْل ِكت َ‬
‫ِينَ آَتْينَاه ُ‬
‫َابَ فَالّذ َ‬
‫اْلكِت َ‬
‫الكتاب ‪َ ﴿ ،‬ومِ نْ َهؤُلَاء ﴾ ‪ ،‬يع ن ‪ :‬أ هل م كة ‪ ﴿ :‬مَن ُي ْؤمِ نُ بِ هِ ﴾ و هم‬
‫ُونَ ﴾ وذلك أن اليهود‬ ‫جحَ ُد بِآيَاتِنَا إِلّا اْلكَافِر َ‬
‫مؤمنَو أهَل مكَة ‪ ﴿ ،‬وَمَا يَ ْ‬
‫َ فجحدوا ‪ .‬وقال قتادة ‪:‬‬ ‫وأهَل مكَة عرفوا أن ممدًا نَبّ ‪ ،‬والقرآن حق ّ‬
‫الحود إنا يكون بعد العرفة ‪.‬‬
‫ت َتتْلُو ﴾ يا م مد ﴿ مِن َقبْلِ ِه مِن ِكتَا بٍ وَلَا َتخُطّ ُه ِبيَمِينِ كَ‬ ‫﴿ وَمَا كُن َ‬
‫ب الْ ُمبْطِلُو نَ ﴾ ‪،‬‬‫﴾ يعن ‪ :‬ل تكن تقرأ ول تكتب قبل الوحي ‪ ﴿ ،‬إِذا لّا ْرتَا َ‬
‫قال قتادة ‪ :‬إذًا لقالوا إنا هذا شيء تعلّمه ممد وكتبه ‪.‬‬
‫وقال ال سن ف قوله ‪ ﴿ :‬بَلْ هُ َو آيَا ٌ‬
‫ت َبيّنَا تٌ فِي صُدُو ِر الّذِي نَ أُوتُوا‬
‫ت َبّينَا تٌ فِي صُدُو ِر الّذِي نَ أُوتُوا اْلعِلْ مَ ﴾ ‪ ،‬يع ن‬
‫اْلعِلْ مَ ﴾ القرآن ‪ ﴿ ،‬آيَا ٌ‬
‫الؤمني ‪.‬‬
‫قال ابن كثي ‪ :‬ولذا جاء ف صفة هذه المة ‪ :‬أناجيلهم ف صدورهم ‪.‬‬
‫الزء الثالث‬ ‫‪486‬‬

‫ت مّن ّربّ ِه ُقلْ ِإنّمَا الْآيَاتُ‬


‫قوله عز وجل ‪َ ﴿ :‬وقَالُوا َلوْلَا أُن ِزلَ َعلَيْهِ آيَا ٌ‬
‫ك الْكِتَا بَ‬
‫عِندَ اللّ ِه َوإِنّمَا أَنَا َنذِي ٌر مّبِيٌ (‪ )50‬أَ َولَ ْم َيكْ ِفهِ ْم َأنّ ا أَن َزلْنَا عَلَيْ َ‬
‫ك َلرَحْ َم ًة َوذِ ْكرَى ِل َقوْمٍ يُ ْؤمِنُونَ (‪ُ )51‬قلْ َكفَى بِاللّهِ‬
‫يُتْلَى عَلَ ْيهِ ْم إِنّ فِي َذلِ َ‬
‫ت وَاْلأَرْ ضِ وَاّلذِي نَ آمَنُوا بِالْبَا ِطلِ‬
‫بَيْنِي َوبَيَْنكُ مْ َشهِيدا َيعْلَ ُم مَا فِي ال سّمَاوَا ِ‬
‫وَ َك َفرُوا بِال ّلهِ أُ ْولَِئكَ ُهمُ الْخَا ِسرُونَ (‪. ﴾ )52‬‬
‫قال ا بن كث ي ‪ :‬يقول تعال م بًا عن الشرك ي ف تعنّت هم وطلب هم ﴿‬
‫ت ﴾ يعنون ‪ :‬ترشد هم إل أن ممدًا ر سول ال ك ما أ تى صال بناق ته ‪،‬‬ ‫آيَا ٌ‬
‫ت عِندَ اللّ هِ ﴾ أي ‪ :‬إنا أمر‬
‫قال ال تعال ‪ُ ﴿ :‬قلْ ﴾ يا ممد ‪ِ ﴿ :‬إنّمَا الْآيَا ُ‬
‫ذلك إل ال ‪.‬‬
‫وقوله ‪َ ﴿ :‬وإِنّمَا َأنَا نَذِي ٌر ّمبِيٌ ﴾ أي ‪ :‬إنا بعثت نذيرًا لكم ‪ ،‬بيّن النذارة‬
‫فعل يّ أن أبلغكم ر سالة ال تعال ‪ ،‬و ﴿ مَن َيهْدِ اللّ هُ َف ُهوَ الْ ُم ْهتَ ِد َومَن ُيضْلِلْ‬
‫َفلَن تَجِدَ لَهُ وَلِيّا مّ ْرشِدا ﴾ ‪.‬‬
‫ث قال تعال مبيّنًا كثرة جهلهم وسخافة عقلهم حيث طلبوا آيات تدلّهم‬
‫على صدق ممد فيما جاءهم ‪ ،‬وقد جاءهم بالكتاب العزيز الذي ل يأتيه‬
‫البا طل من ب ي يد يه ول من خل فه ‪ ،‬الذي هو أع ظم من كل معجزة ‪ ،‬إذ‬
‫عجزت الفصحاء والبلغاء عن معارضته‪ ،‬بل عن معارضة عشر سور من مثله‪،‬‬
‫بل عن معار ضة سورة م نه ‪ ،‬فقال تعال ‪َ ﴿ :‬أوَلَ ْم يَ ْك ِفهِ مْ َأنّ ا أَنزَلْنَا عََليْ كَ‬
‫ب يُتْلَى عََلْيهِمْ ﴾ أي ‪ :‬أو ل يكفهم أنا أنزلنا عليك هذا الكتاب العظيم‬ ‫اْلكِتَا َ‬
‫‪487‬‬ ‫توفيق الرحن ف دروس القرآن‬

‫‪ ،‬الذي فيه خب ما قبلهم ‪ ،‬ونبأ ما بعدهم ‪ ،‬وحكم ما بينهم ‪ ،‬وأنت رجل‬


‫أمّ يّ ل تقرأ ول تك تب ‪ ،‬ول تالط أحدًا من أ هل الكتاب ‪ ،‬فجئت هم بأخبار‬
‫ما ف الصحف الول ببيان الصواب ما اختلفوا فيه وبالق الواضح ؟ انتهى‬
‫ملخ صًا ‪ .‬وذكر الديث التفق عليه عن أب هريرة رضي ال عنه قال ‪ :‬قال‬
‫رسول ال ‪ «:‬ما من النبياء إل قد أعطي من اليات ما مثله آمن عليه البشر‪،‬‬
‫وإن ا كان الذي أوتي ته وحيًا أوحاه ال إلّ ‪ ،‬فأرجوا أن أكون أكثر هم تابعًا‬
‫يوم القيامة » ‪.‬‬
‫وقال البغوي ‪ ﴿ :‬إِنّ فِي ذَلِ كَ ﴾ ف إنزال القرآن ‪ ﴿ :‬لَ َرحْ َم ًة وَذِ ْكرَى‬
‫ِل َقوْ ٍم ُي ْؤمِنُو نَ ﴾ ‪ ،‬أي ‪ :‬تذكيًا وعظة لن آمن وعمل با ‪ ﴿ ،‬قُلْ َكفَى بِاللّ ِه‬
‫َبيْنِي َوَبْينَكُ ْم َشهِيدا ﴾ ‪ ،‬أنّ ر سوله وهذا القرآن كتا به ‪َ ﴿ ،‬يعْلَ مُ مَا فِي‬
‫ِينَ آ َمنُوا بِاْلبَاطِلِ ﴾ ‪ ،‬قال ابَن عباس ‪ :‬بغيَ ال ‪.‬‬ ‫ْضَ وَالّذ َ‬
‫ت وَاْلأَر ِ‬
‫السَمَاوَا ِ‬
‫ّ‬
‫وقال قتادة ‪ :‬بعبادة الشيطان ‪ ﴿ ،‬وَ َكفَرُوا بِاللّهِ ُأوَْلئِكَ هُ ُم الْخَا ِسرُونَ ﴾ ‪.‬‬
‫قال ابن كثي ‪ :‬ف يوم القيامة سيجزيهم على ما فعلوا ويقابلهم على ما‬
‫صنعوا ف تكذيبهم بالق واتباعهم الباطل ‪ ،‬كذّبوا برسل ال مع قيام الدلّة‬
‫على صدقهم ‪ ،‬وآمنوا بالطواغ يت والوثان بل دل يل ‪ ،‬ف سيجزيهم على ذلك‬
‫إنه حكيم عليم ‪.‬‬

‫***‬
‫الزء الثالث‬ ‫‪488‬‬

‫الدرس العاشر بعد الائتي‬

‫ب َولَيَ ْأتِيَّنهُم‬
‫ب وََل ْولَا َأجَ ٌل مّسَمّى لَجَاءهُ ُم الْ َعذَا ُ‬
‫﴿ َويَسْتَعْجِلُوَنكَ بِالْ َعذَا ِ‬
‫ّمـ لَ ُمحِي َطةٌ‬
‫َابـ َوإِنّ َجهَن َ‬
‫ك بِاْل َعذ ِ‬
‫َسـَتعْجِلُونَ َ‬
‫ُونـ (‪ )53‬ي ْ‬
‫ش ُعر َ‬
‫ُمـ لَا َي ْ‬
‫َبغَْتةً َوه ْ‬
‫ت أَ ْرجُ ِلهِ مْ‬
‫بِالْكَافِرِي نَ (‪ )54‬يَوْ َم َي ْغشَاهُ مُ اْل َعذَا بُ مِن َف ْوقِهِ ْم وَمِن تَحْ ِ‬
‫ي الّذِي نَ آمَنُوا إِنّ أَرْضِي‬
‫َوَيقُولُ ذُوقُوا مَا كُنتُ ْم َتعْمَلُو نَ (‪ )55‬يَا عِبَادِ َ‬
‫ت ثُمّ ِإلَيْنَا ُت ْرجَعُو نَ (‬
‫وَا ِس َعةٌ َفِإيّا يَ فَاعُْبدُو نِ (‪ُ )56‬ك ّل َنفْ سٍ ذَاِئقَ ُة الْ َموْ ِ‬
‫جرِي مِن‬
‫ت لَنَُبوّئَّنهُم مّ َن الْجَّنةِ ُغرَفا تَ ْ‬
‫‪ )57‬وَالّذِي نَ آمَنُوا وَعَمِلُوا ال صّالِحَا ِ‬
‫تَحْتِهَا الَْأْنهَا ُر خَالِدِي نَ فِيهَا نِعْ َم أَ ْجرُ اْلعَامِلِيَ (‪ )58‬اّلذِي نَ صََبرُوا وَعَلَى‬
‫َرّبهِ ْم يََتوَكّلُو نَ (‪ )59‬وَ َكَأيّن مِن دَاّبةٍ لَا تَحْ ِملُ رِ ْز َقهَا اللّ ُه َيرْ ُزقُهَا َوِإيّاكُ مْ‬
‫ْضـ‬
‫السـمَاوَاتِ وَالْأَر َ‬
‫َقـ ّ‬‫ّنـ خَل َ‬
‫سـأَلَْتهُم م ْ‬
‫ِيمـ (‪ )60‬وَلَئِن َ‬
‫السـمِي ُع اْلعَل ُ‬
‫َوهُ َو ّ‬
‫ط الرّزْ قَ‬
‫س وَالْقَ َم َر لََيقُوُلنّ اللّ ُه َفأَنّى ُيؤْ َفكُو نَ (‪ )61‬اللّ هُ يَبْ سُ ُ‬
‫خ َر الشّمْ َ‬
‫وَ سَ ّ‬
‫لِمَن َيشَا ُء مِ نْ عِبَادِ ِه َويَ ْقدِ ُر لَ هُ إِنّ اللّ هَ ِب ُكلّ َشيْءٍ عَلِي مٌ (‪ )62‬وَلَئِن َسأَلَْتهُم‬
‫ض مِن َبعْ ِد َموْتِهَا لََيقُولُنّ اللّ ُه ُقلِ‬
‫مّ ن ّنزّ َل مِ نَ ال سّمَا ِء مَا ًء َفأَحْيَا بِ ِه الْأَرْ َ‬
‫ِهـ الْحَيَاةُ ال ّدنْيَا ِإلّا لَ ْهوٌ‬
‫ُونـ (‪ )63‬وَمَا َهذ ِ‬
‫ُمـ لَا َي ْعقِل َ‬
‫ّهـ َبلْ أَكَْثرُه ْ‬
‫الْحَ ْم ُد لِل ِ‬
‫ب َوإِنّ الدّا َر الْآ ِخ َرةَ َلهِ يَ الْحََيوَا نُ َلوْ كَانُوا يَعْلَمُو نَ (‪َ )64‬فِإذَا رَ ِكبُوا‬
‫َوَلعِ ٌ‬
‫ُمـ‬
‫ُمـ إِلَى الَْب ّر ِإذَا ه ْ‬
‫ّينـ فَلَمّاـ نَجّاه ْ‬
‫َهـ الد َ‬
‫يل ُ‬‫ِصـ َ‬
‫ّهـ مُخْل ِ‬
‫ْكـ دَ َعوُا الل َ‬
‫فِي اْلفُل ِ‬
‫سوْفَ يَعْلَمُونَ (‪ )66‬أَ َولَمْ‬
‫شرِكُونَ (‪ )65‬لِيَ ْك ُفرُوا بِمَا آتَيْنَاهُ ْم وَلِيَتَ َمّتعُوا فَ َ‬
‫ُي ْ‬
‫س مِ ْن حَ ْوِلهِ مْ أَفَبِالْبَا ِطلِ ُي ْؤمِنُو نَ‬
‫ف النّا ُ‬
‫خطّ ُ‬
‫َي َروْا َأنّ ا جَعَلْنَا َحرَما آمِنا وَيُتَ َ‬
‫‪489‬‬ ‫توفيق الرحن ف دروس القرآن‬

‫َوبِِنعْ َمةِ اللّهِ َي ْك ُفرُونَ (‪َ )67‬ومَنْ أَظْلَ ُم مِمّ ِن افَْترَى عَلَى اللّهِ َكذِبا أَوْ َكذّبَ‬
‫بِالْحَقّ لَمّ ا جَاء ُه َألَيْ سَ فِي َجهَنّ َم مَ ْثوًى لّ ْلكَا ِفرِي نَ (‪ )68‬وَالّذِي َن جَا َهدُوا‬
‫حسِنِيَ (‪. ﴾ )69‬‬
‫فِينَا لََن ْهدِيَّن ُهمْ سُبُلَنَا َوإِنّ ال ّلهَ لَ َم َع الْمُ ْ‬

‫***‬
‫الزء الثالث‬ ‫‪490‬‬

‫ك بِاْل َعذَا بِ َوَلوْلَا أَ َج ٌل مّ سَمّى لَجَاءهُ مُ‬


‫قوله عز وجل ‪ ﴿ :‬وَيَ سَْتعْجِلُونَ َ‬
‫ش ُعرُو نَ (‪ )53‬يَ سْتَعْجِلُوَنكَ بِالْ َعذَا بِ َوإِنّ‬
‫ب وَلََي ْأتِيَّنهُم َبغَْت ًة وَهُ ْم لَا َي ْ‬
‫اْلعَذَا ُ‬
‫ب مِن َف ْوقِ ِهمْ َومِن تَحْتِ‬
‫َجهَنّ َم لَمُحِي َط ٌة بِالْكَافِرِينَ (‪ )54‬يَوْ َم َي ْغشَاهُمُ اْل َعذَا ُ‬
‫أَ ْرجُ ِل ِهمْ َوَيقُولُ ذُوقُوا مَا كُنُت ْم َتعْمَلُونَ (‪. ﴾ )55‬‬
‫قال ابن كثي ‪ :‬يقول تعال مبًا عن جهل الشركي ف استعجالم عذاب‬
‫ال أن يقَع بمَ ‪ ،‬وبأس ال أن ي َل عليهَم ‪ ،‬كمَا قال تعال ‪َ ﴿ :‬وإِذْ قَالُواْ‬
‫الّلهُمّ إِن كَا نَ هََذَا ُه َو الْحَقّ مِ ْن عِندِ كَ َفَأمْطِ ْر عََلْينَا حِجَا َر ًة مّ َن ال سّمَاءِ َأوِ‬
‫ب وََلوْلَا أَ َجلٌ‬ ‫ك بِاْلعَذَا ِ‬
‫سَتعْجِلُونَ َ‬‫اْئتِنَا ِبعَذَا بٍ أَلِي مٍ ﴾ ‪ ،‬وقال ها ه نا ‪َ ﴿ :‬ويَ ْ‬
‫مّسَمّى لَجَاءهُ ُم اْلعَذَابُ ﴾ ‪ ،‬أي ‪ :‬لول ما حتّم ال من تأخي العذاب إل يوم‬
‫القيامة ‪ ،‬لاءهم العذاب قريبًا سريعًا كما استعجلوه ‪ ،‬ث قال ‪ ﴿ :‬وََليَ ْأِتيَّنهُم‬
‫َابَ َوإِنّ‬
‫ك بِاْلعَذ ِ‬ ‫َسََتعْجِلُونَ َ‬
‫ُونَ * ي ْ‬ ‫شعُر َ‬ ‫ُمَ لَا يَ ْ‬
‫َب ْغَتةً ﴾ ‪ ،‬أي ‪ :‬فجأة ‪َ ﴿ ،‬وه ْ‬
‫َج َهنّ مَ َلمُحِي َط ٌة بِاْلكَافِرِي نَ ﴾ ‪ ،‬أي ‪ :‬ي ستعجلون العذاب ‪ ،‬و هو وا قع ب م ل‬
‫ب مِن َفوِْقهِ ْم َومِن تَحْ تِ أَرْ ُجِلهِ ْم َوَيقُولُ ذُوقُوا‬ ‫مالة ‪َ ﴿ .‬يوْ مَ َيغْشَاهُ ُم اْلعَذَا ُ‬
‫مَا كُنتُ ْم َتعْمَلُونَ ﴾ ‪.‬‬
‫قال ابـن جريـر ‪ :‬يقول ج ّل ثناؤه ‪ :‬ويقول ال لمَ ﴿ ذُوقُوا م َا كُنت ْ‬
‫ُمَ‬
‫َتعْمَلُونَ ﴾ ف الدنيا من معاصي ال وما يسخطه فيها ‪.‬‬
‫ي الّذِي نَ آ َمنُوا إِنّ أَرْضِي وَا سِ َع ٌة َفإِيّا يَ‬
‫قوله عز و جل ‪ ﴿ :‬يَا عِبَادِ َ‬
‫ت ثُمّ إِلَيْنَا ُت ْرجَعُو نَ (‪ )57‬وَالّذِي نَ‬
‫س ذَاِئ َقةُ الْ َموْ ِ‬
‫فَاعُْبدُو نِ (‪ُ )56‬ك ّل َنفْ ٍ‬
‫‪491‬‬ ‫توفيق الرحن ف دروس القرآن‬

‫جرِي مِن َتحِْتهَا اْلَأْنهَارُ‬


‫آمَنُوا وَعَمِلُوا ال صّالِحَاتِ لَنَُب ّوئَّنهُم مّ نَ الْجَّنةِ ُغرَفا تَ ْ‬
‫خَالِدِي َن فِيهَا نِعْ مَ َأ ْجرُ اْلعَامِلِيَ (‪ )58‬الّذِي نَ صََبرُوا وَعَلَى َرّبهِ مْ يََتوَكّلُو نَ (‬
‫ح ِملُ رِ ْزقَهَا اللّهُـَيرْ ُزقُهَا َوإِيّاكُم ْـ َو ُهوَ السّـمِيعُ‬
‫‪ )59‬وَ َكَأيّنـ م ِن دَاّب ٍة لَا تَ ْ‬
‫اْلعَلِيمُ (‪. ﴾ )60‬‬
‫قال البغوي‪ ﴿:‬يَا ِعبَادِ َ‬
‫ي الّذِينَ آ َمنُوا إِنّ أَرْضِي وَا ِس َعةٌ فَِإيّايَ فَاعْبُدُونِ ﴾ ‪.‬‬
‫قال مقا تل والكل ب ‪ :‬نزلت ف ضعفاء م سلمي م كة ‪ ،‬يقول ‪ :‬إن كن تم ف‬
‫ضيق بكة من إظهار اليان فاخرجوا منها إل أرض الدينة ‪ ﴿ ،‬إِنّ أَ ْرضِي ﴾‬
‫َاسََعةٌ‬
‫َاسََعةٌ ﴾ آمنَة ‪ .‬قال ماهَد ‪ ﴿ :‬إِنّ أَرْضِي و ِ‬ ‫يعنَ ‪ :‬الدينَة ‪ ﴿ ،‬و ِ‬
‫﴾ فهاجروا وجاهدوا فيهَا ‪ .‬وقال سَعيد بَن جَبي ‪ :‬إذا عُمَل فَ الرض‬
‫بالعاصَي فاخرجوا منهَا ‪ ،‬فإن أرضَي واسَعة ‪ .‬وقال عطاء ‪ :‬إذا أُمرتَ‬
‫بالعاصي فاهربوا فإن أرضي واسعة ‪ ،‬وكذلك يب على كل من كان ف بلد‬
‫َ بالعاصَي ول يكنَه تغييَ ذلك ‪ ،‬أن يها جر إل حيَث تتهيّأ له‬ ‫يُعمَل فيه ا‬
‫العبادة ‪ .‬انتهى ‪.‬‬
‫حمِلُ ِرزْقَهَا اللّ هُ‬
‫و عن أ ب ملز ف هذه اليَة ‪ ﴿ :‬وَ َكَأيّنَ مِن دَاّبةٍ لَا تَ ْ‬
‫يَ ْرزُُقهَا َوإِيّاكُ مْ ﴾ ‪ ،‬قال ‪ :‬من الدواب ما ل يستطيع أن يدّخر لغد ‪ ،‬فوقف‬
‫رزقَه كَل يوم حتَ يوت ‪ .‬وعَن أبَ هريرة مرفوعًا ‪ « :‬سَافروا تربوا ‪،‬‬
‫وصوموا تصحّوا ‪ ،‬واغزوا تغنموا » ‪ .‬رواه أحد ‪ .‬وروى البغوي بسنده عن‬
‫ا بن م سعود عن ال نب أ نه قال ‪ « :‬أي ها الناس ل يس من ش يء يقرّب كم إل‬
‫الزء الثالث‬ ‫‪492‬‬

‫ال نة ويباعد كم من النار إل و قد أمرت كم به ‪ ،‬ول يس من ش يء يقرب كم إل‬


‫النار ويباعدكم عن النة إل وقد نيتكم عنه ‪ ،‬وإن الروح المي قد نفث ف‬
‫روعي ‪ :‬إنه ليس من نفس توت حت تستوف رزقها ‪ ،‬فاتقّوا ال وأجِلوا ف‬
‫الطلب ‪ ،‬ول يملن كم ا ستبطاء الرزق أن تطلبوه بعا صي ال ‪ ،‬فإ نه ل يدرك‬
‫ما عند ال إل بطاعته » ‪.‬‬
‫خرَ‬
‫ض وَ سَ ّ‬
‫قوله عز وجل ‪ ﴿ :‬وَلَئِن سََألَْتهُم مّ ْن خَلَ قَ ال سّمَاوَاتِ وَالْأَرْ َ‬
‫ق لِمَن‬
‫س وَاْلقَ َمرَ لََيقُولُنّ اللّ ُه َفأَنّ ى ُي ْؤفَكُو نَ (‪ )61‬اللّ ُه يَبْ سُطُ الرّزْ َ‬
‫الشّمْ َ‬
‫َيشَا ُء مِ نْ عِبَادِ هِ َوَيقْدِ ُر لَ هُ إِنّ اللّ هَ بِ ُك ّل شَيْءٍ عَلِي مٌ (‪َ )62‬ولَئِن َسَألَْتهُم مّن‬
‫ض مِن َب ْعدِ َم ْوِتهَا لََيقُوُلنّ اللّ هُ ُقلِ الْحَ ْمدُ‬
‫ّن ّزلَ مِ َن ال سّمَا ِء مَا ًء َفَأحْيَا بِ هِ اْلأَرْ َ‬
‫ب َوإِنّ‬
‫لِلّ هِ َب ْل أَكَْثرُهُ مْ لَا يَ ْعقِلُو نَ (‪َ )63‬ومَا هَذِ هِ الْحَيَا ُة ال ّدنْيَا ِإلّا َل ْهوٌ َوَلعِ ٌ‬
‫الدّا َر الْآ ِخ َرةَ َل ِهيَ الْحََيوَا ُن لَوْ كَانُوا َيعْلَمُونَ (‪. ﴾ )64‬‬
‫قال ابن كثي ‪ :‬يقول تعال مقرّرًا أنه ل إله إل هو ‪ ،‬لن الشركي الذين‬
‫يعبدون معَه غيه ‪ ،‬معترفون بأنَه السَتقلّ بلق السَماوات والرض ‪،‬‬
‫والش مس والق مر ‪ ،‬وت سخي الليل والنهار ‪ ،‬وأ نه الالق الرازق لعباده ومقدرّ‬
‫آجالم واختلفها واختلف أرزاقهم ‪ ،‬ففاوت بينهم ‪ ،‬فمنهم الغنّ والفقي ‪،‬‬
‫ل من هم ‪ ،‬ومَ نْ ي ستحق الغ ن م ن ي ستحق الف قر ‪،‬‬‫و هو العل يم ب ا ي صلح ُك ّ‬
‫فذ كر أ نه ال ستقلّ بلق الشياء التفرد بتدبي ها ‪ ،‬فإذا كان ال مر كذلك فلم‬
‫يُعبد غيه ول يتوكل على غيه ؟ فكما أنه الواحد ف ملكه فليكن الواحد ف‬
‫‪493‬‬ ‫توفيق الرحن ف دروس القرآن‬

‫عباد ته ؛ وكثيًا ما يقرّر تعال مقام الل ية بالعتراف بتوح يد الربوب ية ‪ ،‬و قد‬
‫كان الشركون يعترفون بذلك ‪ ،‬ك ما يقولون ف تلبيت هم ‪ :‬لبيّك ل شر يك‬
‫لك ‪ ،‬إل شريكًا هو لك ‪ ،‬تلكه وما ملك ‪ .‬انتهى ‪.‬‬
‫ب َوإِنّ الدّا َر الْآخِ َرةَ‬ ‫وقوله تعال ‪ ﴿ :‬وَمَا هَذِ هِ الْ َ‬
‫حيَاةُ ال ّدنْيَا إِلّا َل ْه ٌو وََلعِ ٌ‬
‫حَيوَا نُ ﴾ ‪ ،‬قال ما هد ‪ :‬ل موت في ها ‪ .‬قال ا بن كث ي ‪ :‬وقوله تعال‬ ‫َلهِ َي الْ َ‬
‫‪َ ﴿ :‬لوْ كَانُوا يَعَْلمُونَ ﴾ ‪ ،‬أي ‪ :‬لثروا ما يبقى على ما يفن ‪.‬‬
‫ي لَ ُه الدّي نَ‬
‫صَ‬‫قوله عز وجل ‪َ ﴿ :‬فإِذَا رَكِبُوا فِي اْلفُلْ كِ َد َعوُا اللّ هَ مُخْلِ ِ‬
‫شرِكُونَ (‪ )65‬لَِي ْكفُرُوا بِمَا آتَيْنَاهُمْ َولِيَتَمَّتعُوا‬
‫فَلَمّا نَجّاهُمْ ِإلَى الَْبرّ ِإذَا هُ ْم ُي ْ‬
‫س مِ نْ‬
‫ف النّا ُ‬
‫ف َيعْلَمُو نَ (‪ )66‬أَ َولَ مْ َي َروْا َأنّا َجعَلْنَا َحرَما آمِنا َويُتَخَطّ ُ‬
‫سوْ َ‬
‫فَ َ‬
‫ّنـ‬
‫َمـ مِم ِ‬
‫َنـ أَظْل ُ‬
‫ُونـ (‪ )67‬وَم ْ‬
‫ّهـ َي ْكفُر َ‬
‫ُونـ َوبِِنعْ َمةِ الل ِ‬
‫ِمـ َأفَبِالْبَا ِطلِ ُي ْؤمِن َ‬
‫َحوِْله ْ‬
‫س فِي جَهَنّ مَ مَ ْثوًى‬
‫ب بِالْحَقّ لَمّ ا جَاء ُه َألَيْ َ‬
‫افَْترَى عَلَى اللّ هِ َكذِبا َأوْ َكذّ َ‬
‫َعـ‬
‫ّهـ لَم َ‬
‫سـبُلَنَا َوإِن ّ الل َ‬
‫ُمـ ُ‬
‫ِينـ جَاهَدُوا فِين َا لََن ْه ِديَنّه ْ‬
‫ِينـ (‪ )68‬وَاّلذ َ‬
‫لّ ْلكَا ِفر َ‬
‫حسِِنيَ (‪. ﴾ )69‬‬
‫الْمُ ْ‬
‫ذكر ابن إسحاق عن عكرمة بن أب جهل أنه لا فتح رسول ال مكة‬
‫ذ هب فارًا من ها ‪ ،‬فل ما ر كب ف الب حر ليذ هب إل الب شة اضطر بت ب م‬
‫السفينة فقال أهلها ‪ :‬يا قوم أخلصوا لربكم الدعاء ‪ ،‬فإنه ل ينجي ها هنا إل‬
‫هو ‪ ،‬فقال عكرمة ‪ :‬وال لئن كان ل ينجي ف البحر غيه فإنه ل ينجي ف‬
‫الزء الثالث‬ ‫‪494‬‬

‫البّ أيضًا غيه ‪ .‬الل هم لك عل يّ عهد لئن خر جت لذهبّ فلضع نّ يدي ف‬


‫يد ممد ‪ ،‬فلجدنّه رؤوفًا رحيمًا ‪ ،‬فكان كذلك ‪.‬‬
‫وقال عكرمة ‪ :‬كان أهل الاهلية إذا ركبوا البحر حلوا معهم الصنام ‪،‬‬
‫فإذا اشتدت بم الريح ألقوها ف البحر ‪.‬‬
‫وقال عكرمة ‪ :‬كان أهل الاهلية إذا ركبوا البحر حلوا معهم الصنام ‪،‬‬
‫فإذا اشتدت بم الريح ألقوها ف البحر ‪.‬‬
‫ُونَ * ِلَيكْفُرُوا بِمَا‬
‫ُمَيُشْرِك َ‬ ‫وقوله تعال ‪ ﴿ :‬فََلمّاَ َنجّاه ْ‬
‫ُمَإِلَى الْبَرّ ِإذَا ه ْ‬
‫ُونَ ﴾ ‪ ،‬أي ‪ :‬ل فائدة لمَ فَ الشراك إل‬ ‫ف َيعْلَم َ‬ ‫َسَوْ َ‬
‫ُمَ وَِلَيتَ َمّتعُوا ف َ‬
‫آَتْينَاه ْ‬
‫الكفر والتمتّع با يتمتّعون به ف العاجلة ‪ ،‬من غي نصيب ف الخرة ‪.‬‬
‫ف النّا سُ‬
‫و عن قتادة ف قوله ‪َ ﴿ :‬أوَلَ مْ َي َروْا َأنّ ا َجعَلْنَا َحرَما آمِنا َوُيتَخَطّ ُ‬
‫مِ نْ َحوِْلهِ مْ ﴾ ‪ ،‬قال ‪ :‬كان ل م ف ذلك آ ية ‪ :‬إن الناس يغزون ويتخطفون‬
‫َم آمنون ‪ ﴿ .‬أََفبِاْلبَاطِ ِل ُي ْؤ ِمنُونََ ﴾ ‪ ،‬أي ‪ :‬بالشرك ‪َ ﴿ ،‬وِبِنعْ َمةِ اللّهَِ‬ ‫وهَ‬
‫َي ْكفُرُونَ ﴾ يحدون ؟ ‪.‬‬
‫وقوله تعال ‪َ ﴿ :‬ومَ نْ َأظْلَ ُم مِمّ ِن ا ْفتَرَى عَلَى اللّ هِ كَذِبا َأوْ كَذّ َ‬
‫ب بِالْحَقّ‬
‫َ ﴾ ‪ ،‬أي ‪ :‬ل أحَد أشدّ عقوبَة منَ كذب على ال أو كذّب‬ ‫لَمّاَ جَاءه ُ‬
‫بكتا به ‪ ،‬فالول مفت ٍر والثا ن مكذّب ‪ ﴿ ،‬أََليْ سَ فِي َج َهنّ مَ َمْثوًى لّ ْلكَافِرِي نَ‬
‫﴾‪.‬‬
‫سنِيَ ﴾ ‪.‬‬ ‫﴿ وَالّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا َلَنهْ ِديَّنهُ ْم ُسبَُلنَا َوإِنّ اللّهَ لَ َم َع الْمُحْ ِ‬
‫‪495‬‬ ‫توفيق الرحن ف دروس القرآن‬

‫قال ا بن كث ي ‪ ﴿ :‬وَالّذِي نَ جَاهَدُوا فِينَا ﴾ ‪ ،‬يع ن ‪ :‬الر سول وأ صحابه‬


‫سَبَُلنَا ﴾ ‪ ،‬أي ‪ :‬طريقنَا فَ الدنيَا‬
‫ُمَ ُ‬
‫وأتباعَه إل يوم الديَن ‪َ ﴿ ،‬لَنهْ ِديَّنه ْ‬
‫والخرة ‪ .‬وقال ال سن ‪ :‬أف ضل الهاد مال فة الوى ‪ .‬قال البغوي ‪َ ﴿ :‬وإِنّ‬
‫سنِيَ ﴾ بالن صر والعو نة ف دنيا هم ‪ ،‬وبالثواب والغفرة ف‬ ‫اللّ هَ لَمَ َع الْمُحْ ِ‬
‫عقابم ‪.‬‬

‫***‬
‫الزء الثالث‬ ‫‪496‬‬

‫الدرس الادي عشر بعد الائتي‬


‫[ سورة الروم ]‬
‫مكية ‪ ،‬وهي ستون آية‬
‫بسم ال الرحن الرحيم‬
‫ِمـ‬
‫ْضـ وَهُم مّنـ بَ ْعدِ غَلَِبه ْ‬
‫ّومـ (‪ )2‬فِي َأدْنَى الْأَر ِ‬
‫َتـ الر ُ‬
‫﴿ آل (‪ )1‬غُلِب ِ‬
‫ي لِلّ ِه الَْأ ْمرُ مِن قَ ْب ُل وَمِن َبعْ ُد َويَ ْومَِئذٍ َي ْفرَ حُ‬
‫سَيَغْلِبُونَ (‪ )3‬فِي بِضْ عِ سِنِ َ‬
‫صرُ مَن َيشَا ُء َو ُهوَ اْلعَزِيزُ ال ّرحِيمُ (‪ )5‬وَ ْعدَ اللّهِ‬
‫صرِ اللّهِ يَن ُ‬
‫الْ ُم ْؤمِنُونَ (‪ )4‬بِنَ ْ‬
‫س لَا َيعْلَمُو نَ (‪َ )6‬يعْلَمُو نَ ظَاهِرا مّ نَ‬
‫ف اللّ ُه وَ ْعدَ ُه وََل ِكنّ أَكَْث َر النّا ِ‬
‫لَا يُخْلِ ُ‬
‫الْحَيَا ِة ال ّدنْيَا وَ ُهمْ َع ِن الْآ ِخرَ ِة هُمْ غَافِلُونَ (‪ )7‬أَ َولَ ْم يََتفَ ّكرُوا فِي أَن ُفسِ ِهمْ مَا‬
‫ح ّق َوأَ َجلٍ ّمسَمّى َوإِنّ كَثِيا‬
‫ض َومَا بَيَْنهُمَا إِلّا بِالْ َ‬
‫ت وَاْلأَرْ َ‬
‫خَ َلقَ ال ّل ُه السّمَاوَا ِ‬
‫ض فَيَن ُظرُوا كَيْفَ‬
‫س بِ ِلقَاء َربّهِ ْم لَكَا ِفرُونَ (‪ )8‬أَ َولَمْ يَسِيُوا فِي الْأَرْ ِ‬
‫مّ َن النّا ِ‬
‫ض وَعَ َمرُوهَا‬
‫كَا نَ عَاقَِبةُ اّلذِي نَ مِن قَبْ ِلهِ مْ كَانُوا َأشَ ّد مِ ْنهُ ْم ُق ّوةً َوَأثَارُوا اْلأَرْ َ‬
‫ت فَمَا كَا نَ اللّ هُ لِيَظْ ِل َمهُ مْ وََلكِن‬
‫أَكَْث َر مِمّا عَ َمرُوهَا َوجَاءْتهُ مْ رُ سُلُهُم بِالْبَيّنَا ِ‬
‫س ُهمْ يَظْ ِلمُونَ (‪ُ )9‬ثمّ كَانَ عَاقَِبةَ اّلذِي َن أَسَاؤُوا السّوأَى أَن َك ّذبُوا‬
‫كَانُوا أَنفُ َ‬
‫بِآيَا تِ اللّ ِه وَكَانُوا ِبهَا يَ سَْت ْهزِئُون (‪ )10‬اللّ هُ يَ ْب َدأُ الْخَلْ َق ُثمّ يُعِيدُ ُه ُثمّ ِإلَيْ هِ‬
‫ج ِرمُو نَ (‪ )12‬وَلَ ْم يَكُن ّلهُم‬
‫س الْمُ ْ‬
‫ُت ْرجَعُو نَ (‪َ )11‬وَيوْ مَ تَقُو ُم ال سّا َع ُة يُبْلِ ُ‬
‫شرَكَائِهِ مْ كَا ِفرِي نَ (‪َ )13‬وَيوْ َم َتقُو ُم ال سّا َعةُ‬
‫مّ ن ُشرَكَاِئهِ ْم ُشفَعَاء وَكَانُوا ِب ُ‬
‫ضةٍ‬
‫َي ْومَئِ ٍذ يََت َفرّقُو نَ (‪َ )14‬فأَمّا اّلذِي نَ آمَنُوا وَعَمِلُوا ال صّالِحَاتِ َفهُ ْم فِي َروْ َ‬
‫‪497‬‬ ‫توفيق الرحن ف دروس القرآن‬

‫يُحَْبرُو نَ (‪َ )15‬وَأمّا اّلذِي نَ َكفَرُوا وَ َك ّذبُوا بِآيَاتِنَا َوِلقَاء الْآ ِخ َر ِة َفأُ ْولَئِ كَ فِي‬
‫ي تُصِْبحُونَ (‪)17‬‬
‫ي تُ ْمسُو َن وَحِ َ‬
‫ضرُونَ (‪َ )16‬فسُبْحَا َن اللّ ِه حِ َ‬
‫اْلعَذَابِ مُحْ َ‬
‫خرِ جُ‬
‫ض وَ َعشِيّا َوحِيَ تُ ْظ ِهرُو نَ (‪ )18‬يُ ْ‬
‫ت وَاْلأَرْ ِ‬
‫َولَ ُه الْحَ ْمدُ فِي ال سّمَاوَا ِ‬
‫ت مِ نَ الْحَيّ وَيُحْيِي اْلأَرْ ضَ بَ ْع َد مَ ْوتِهَا‬
‫ج الْمَيّ َ‬
‫خرِ ُ‬
‫ت َويُ ْ‬
‫الْحَيّ مِ َن الْمَيّ ِ‬
‫خ َرجُونَ (‪. ﴾ )19‬‬
‫ك تُ ْ‬
‫وَ َك َذلِ َ‬

‫***‬
‫الزء الثالث‬ ‫‪498‬‬

‫ض وَهُم مّن‬
‫قوله عز وجل ‪ ﴿ :‬آل (‪ )1‬غُلِبَتِ الرّومُ (‪ )2‬فِي أَ ْدنَى الْأَرْ ِ‬
‫ي لِلّ ِه الَْأ ْمرُ مِن قَ ْب ُل وَمِن َبعْ ُد َويَ ْومَِئذٍ‬
‫َب ْعدِ غَلَِبهِمْ سََيغْلِبُونَ (‪ )3‬فِي بِضْعِ سِنِ َ‬
‫ص ُر مَن َيشَا ُء َو ُهوَ اْلعَزِيزُ ال ّرحِي مُ (‪)5‬‬
‫ص ِر اللّ هِ يَن ُ‬
‫ح الْ ُمؤْمِنُو نَ (‪ )4‬بِنَ ْ‬
‫َي ْفرَ ُ‬
‫س لَا َيعْلَمُو نَ (‪َ )6‬يعْلَمُو نَ‬
‫ف اللّ هُ وَ ْعدَ هُ َوَلكِنّ أَكَْثرَ النّا ِ‬
‫وَ ْع َد اللّ هِ لَا يُخْلِ ُ‬
‫ظَاهِرا ّم َن الْحَيَاةِ ال ّدنْيَا َوهُمْ َع ِن الْآ ِخ َرةِ ُهمْ غَافِلُونَ (‪. ﴾ )7‬‬
‫قال ابن عباس ‪:‬كان السلمون يبون أن تغلب الروم لنم أهل الكتاب‪،‬‬
‫وكان الشركون يبون أن تغلب فارس لنمَ أهَل أوثان ‪ ،‬قال فذكروا ذلك‬
‫لب بكر ‪ ،‬فذكره أبو بكر للنب فقال ‪ « :‬أما إنم َسيُهْ َزمُون » ‪ ،‬فذكر‬
‫ذلك أبَو بكَر للمشركيَ قال ‪ :‬فقالوا ‪ :‬أفنجعَل بيننَا وبينكَم أجلً ؟ فإن‬
‫غلبوا كان لك كذا ‪ ،‬وكذا ‪ ،‬وإن غلبنا كان لنا كذا ‪ ،‬وكذا ‪ ،‬قال ‪ :‬فجعلوا‬
‫بينه وبينهم أجلً خس سني ‪ ،‬قال ‪ :‬فمضت فلم يغلبوا ‪ ،‬قال ‪ :‬فذكر ذلك‬
‫أبو بكر للنب فقال له ‪ « :‬أفل جعلته دون العشر » ؟ قال سعيد ‪ :‬والبضع‬
‫‪ :‬ما دون العشر ‪ .‬قال ‪ :‬فغُلِ بَ الروم ث غََلبَ تْ ‪ ،‬قال فذلك قوله ‪ ﴿ :‬آل *‬
‫ض َوهُم مّن َبعْدِ غََلِبهِ ْم َسَيغِْلبُونَ * فِي ِبضْ ِع ِسنِيَ‬ ‫غُِلَبتِ الرّومُ * فِي أَ ْدنَى الْأَ ْر ِ‬
‫﴾ ‪ ،‬قال ‪ :‬الب ضع ‪ :‬ما دون الع شر ‪ِ ﴿ ،‬للّ ِه اْلأَمْرُ مِن َقبْ ُل وَمِن بَعْ ُد َوَي ْو َمئِذٍ‬
‫ح الْ ُم ْؤمِنُو نَ * ِبنَ صْرِ اللّ هِ ﴾ ‪ ،‬قال سفيان ‪ :‬فبلغ ن أن م غلبوا يوم بدر ‪.‬‬ ‫َيفْ َر ُ‬
‫وعند الترمذي من حديث آخر ‪ « :‬وذلك قبل تري الرهان » ‪.‬‬
‫‪499‬‬ ‫توفيق الرحن ف دروس القرآن‬

‫ّاسَ لَا‬
‫َهَ وََلكِنّ أَكْثَ َر الن ِ‬
‫ّهَ َوعْد ُ‬
‫ِفَ الل ُ‬ ‫وقوله تعال ‪َ ﴿ :‬وعْدَ الل ِ‬
‫ّهَ لَا يُخْل ُ‬
‫حيَاةِ ال ّدْنيَا َوهُ ْم عَ ِن الْآخِ َر ِة هُ ْم غَافِلُو نَ ﴾ ‪،‬‬
‫َيعْلَمُو نَ * َيعْلَمُو َن ظَاهِرا مّ َن الْ َ‬
‫حيَاةِ ال ّدنْيَا ﴾ ‪ ،‬يع ن ‪ :‬الكفار يعرفون‬ ‫عن ا بن عباس قوله ‪ ﴿ :‬ظَاهِرا مّ َن الْ َ‬
‫عمران الدنيا ‪ ،‬وهم ف أمر الدين جهّال ‪.‬‬
‫قوله عز وجل ‪َ ﴿ :‬أوَلَ ْم يََتفَ ّكرُوا فِي أَنفُ سِ ِه ْم مَا خَلَ قَ اللّ هُ ال سّمَاوَاتِ‬
‫س بِ ِلقَاء‬
‫ض وَمَا بَيَْنهُمَا ِإلّا بِالْحَقّ َوَأجَ ٍل مّ سَمّى َوإِنّ كَثِيا مّ َن النّا ِ‬
‫وَالْأَرْ َ‬
‫ض فَيَن ُظرُوا كَيْ فَ كَا نَ عَاقَِبةُ‬
‫َرّبهِ ْم َلكَا ِفرُو نَ (‪ )8‬أَ َولَ ْم يَ سِيُوا فِي اْلأَرْ ِ‬
‫ض وَعَ َمرُوهَا أَكَْث َر مِمّ ا‬
‫اّلذِي نَ مِن قَبْ ِلهِ مْ كَانُوا َأشَ ّد مِ ْنهُ ْم قُ ّو ًة َوأَثَارُوا اْلأَرْ َ‬
‫ت فَمَا كَا نَ اللّ ُه لِيَظْلِ َمهُ مْ وَلَكِن كَانُوا‬
‫عَ َمرُوهَا وَجَاءْتهُ مْ رُ سُ ُلهُم بِالْبَيّنَا ِ‬
‫ِينـ أَسـَاؤُوا السـّوأَى أَن َك ّذبُوا‬
‫َانـ عَاقَِب َة الّذ َ‬
‫ُونـ (‪ )9‬ثُمّ ك َ‬
‫ُسـهُ ْم يَظْلِم َ‬
‫أَنف َ‬
‫بِآيَاتِ ال ّل ِه وَكَانُوا ِبهَا َيسَْت ْهزِئُون (‪. ﴾ )10‬‬
‫قال ابـن كثيـ ‪ :‬يقول تعال منبّهًا على التفكّر فَ ملوقاتَه الدالّة على‬
‫َمَ‬
‫وجوده وانفراده بلقهَا ‪ ،‬وأنَه ل إله غيه ول رب سَواه ‪ ،‬فقال ‪َ ﴿ :‬أوَل ْ‬
‫سهِمْ ﴾ ‪ ،‬يعن به ‪ :‬النظر ‪ ،‬والتدبّر ‪ ،‬والتأمّل للق ال الشياء‬ ‫َيَتفَكّرُوا فِي أَنفُ ِ‬
‫من العال العلوي ‪ ،‬والسفلي ‪ ،‬وما بينهما من الخلوقات التنوّعة ‪ ،‬والجناس‬
‫الختلفة ‪ ،‬فيعلموا أنا ما خُلقت سدى ‪ ،‬ول باطلً ‪ ،‬بل بالق ‪ .‬وأنا مؤجّلة‬
‫إل أ جل م سمّى ‪ .‬و هو ‪ :‬يوم القيا مة ‪ ،‬ولذا قال تعال ‪َ ﴿ :‬وإِنّ َكثِيا مّ نَ‬
‫النّاسِ بِِلقَاء َرّبهِمْ َلكَافِرُونَ ﴾ ‪.‬‬
‫الزء الثالث‬ ‫‪500‬‬

‫ث نبّههم على صدق رسله فيما جاءوا عنه ‪ ،‬با أيّدهم به من العجزات‬
‫والدلئل الواضحات ‪ ،‬من إهلك من ك فر ب م ‪ ،‬وناة من صدّقهم ‪ ،‬فقال‬
‫تعال ‪َ ﴿ :‬أوَلَ ْم يَ سِيُوا فِي الْأَرْ ضِ ﴾ ‪ ،‬أي ‪ :‬بأفهام هم وعقول م ونظر هم‬
‫و ساع أخبار الاضي ي ؟ ولذا قال ‪َ ﴿ :‬فيَنظُرُوا َكيْ فَ كَا َن عَاِقَبةُ الّذِي َن مِن‬
‫َقبِْلهِمْ كَانُوا َأشَ ّد مِْنهُمْ ُق ّوةً ﴾ ‪ ،‬أي ‪ :‬كانت المم الاضية ‪ ،‬والقرون السالفة‬
‫أش ّد من كم قوّة ‪ ،‬أي ها البعوث إلي هم م مد ‪ ،‬وأك ثر أموالً وأولدًا ‪ ،‬و ما‬
‫أوتيتم معشار ما أوتوا ‪ ،‬ومكّنوا ف الدنيا تكينًا ل تبلغوا إليه ‪ ،‬وعمروا فيها‬
‫عمارًا طوالً فعمروها أكثر منكم واستغلّوها أكثر من استغللكم ‪ ،‬ومع هذا‬
‫فلما جاءتم رسلهم بالبيّنات وفرحوا با أوتوا ‪ ،‬أخذهم ال بذنوبم وما كان‬
‫لم من ال من واق ‪ ،‬ول حالت أموالم وأولدهم بينهم وبن بأس ال ‪ ،‬ول‬
‫دفعوا عن هم مثقال ذرّة ‪ ،‬و ما كان ال ليظلم هم في ما أح ّل ب م من العذاب‬
‫والنكال ‪.‬‬
‫سهُ ْم يَظِْلمُو نَ ﴾ ‪ ،‬أي ‪ :‬وإنا أوتوا من أنفسهم حيث‬ ‫﴿ وََلكِن كَانُوا أَنفُ َ‬
‫كذّبوا بآيات ال واسَتهزؤوا باَ ‪ ،‬ومَا ذاك إل بسَبب ذنوبمَ السَالفة‬
‫وتكذيبهم التقدّم ‪ ،‬ولذا قال تعال ‪ ﴿ :‬ثُمّ كَا َن عَاِقبَ َة الّذِي نَ أَ سَاؤُوا ال سّوأَى‬
‫سَتهْ ِزئُون ﴾ ‪.‬‬
‫أَن كَ ّذبُوا بِآيَاتِ اللّ ِه وَكَانُوا ِبهَا يَ ْ‬
‫قوله عز و حل ‪ ﴿ :‬اللّ هُ يَ ْب َدأُ الْخَلْ َق ثُمّ يُعِيدُ هُ ثُمّ ِإلَيْ ِه ُترْ َجعُو نَ (‪)11‬‬
‫ج ِرمُو نَ (‪ )12‬وَلَ ْم يَكُن لّهُم مّ ن ُشرَكَائِهِ مْ‬
‫س الْمُ ْ‬
‫َوَيوْ مَ تَقُو ُم ال سّا َع ُة يُبْلِ ُ‬
‫‪501‬‬ ‫توفيق الرحن ف دروس القرآن‬

‫ُش َفعَاء وَكَانُوا ِبشُرَكَاِئهِ مْ كَا ِفرِي نَ (‪ )13‬وََيوْ َم َتقُو ُم ال سّا َعةُ َي ْومَِئذٍ يََت َف ّرقُو نَ‬
‫ضةٍ يُحَْبرُو نَ (‪)15‬‬
‫(‪َ )14‬فَأمّا اّلذِي نَ آمَنُوا وَعَمِلُوا ال صّالِحَاتِ َفهُ مْ فِي َروْ َ‬
‫َابـ‬
‫ِكـ ف ِي الْ َعذ ِ‬
‫ِينـ َكفَرُوا وَ َك ّذبُوا بِآيَاتِن َا َولِقَاء الْآ ِخ َرةِ َفُأوْلَئ َ‬
‫َوَأمّاـ الّذ َ‬
‫ضرُو نَ (‪ )16‬فَ سُبْحَا َن اللّ ِه حِيَ تُمْ سُو َن وَحِيَ تُ صِْبحُونَ (‪َ )17‬ولَ هُ‬
‫مُحْ َ‬
‫حيّ‬
‫ج الْ َ‬
‫خرِ ُ‬
‫ض وَ َعشِيّا وَحِيَ تُ ْظ ِهرُو نَ (‪ )18‬يُ ْ‬
‫الْحَ ْم ُد فِي ال سّمَاوَاتِ وَالْأَرْ ِ‬
‫ض َب ْعدَ َم ْوتِهَا وَ َكذَلِ كَ‬
‫خرِ جُ الْمَيّ تَ مِ َن الْحَيّ َويُحْيِي الْأَرْ َ‬
‫ت َويُ ْ‬
‫مِ َن الْمَيّ ِ‬
‫خ َرجُونَ (‪. ﴾ )19‬‬
‫تُ ْ‬
‫يقول تعال ‪ ﴿ :‬اللّ هُ يَبْ َدُأ الْخَ ْل َق ثُمّ ُيعِيدُ هُ ﴾ ‪ ،‬أي ‪ :‬ك ما هو قادر على‬
‫ُونَ ﴾ ‪ ،‬أي ‪ :‬يوم القيامَة‬ ‫ْهَُترْ َجع َ‬‫بداءتَه فهَو قادر على إعادتَه ‪ ﴿ ،‬ثُمّ إَِلي ِ‬
‫ِسَ‬
‫ُومَ السَّاعَ ُة ُيبْل ُ‬
‫ْمَ َتق ُ‬
‫فيجازي كَل عامَل بعمله ‪ ،‬ثَ قال تعال ‪َ ﴿ :‬ويَو َ‬
‫ُونَ ﴾ ‪ ،‬قال ابَن عباس ‪ :‬ييأس الجرمون ‪ .‬وقال ماهَد ‪ :‬يفتضَح‬ ‫الْ ُمجْ ِرم َ‬
‫الجرمون ‪ .‬و ف روا ية ‪ :‬يكتئب الجرمون ﴿ وَلَ مْ يَكُن لّهُم مّ ن ُشرَكَاِئهِ مْ‬
‫ُش َفعَاء ﴾ أي ‪ :‬ما شف عت فيهم اللة ال ت كانوا يعبدون ا من دون ال تعال‬
‫بل كفروا بم ‪.‬‬
‫ث قال تعال ‪َ ﴿ :‬ويَوْ مَ َتقُو ُم ال سّا َعةُ َيوْ َمئِ ٍذ َيتَفَرّقُو نَ ﴾ ‪ ،‬قال قتادة ‪ :‬هي‬
‫ِينَ آ َمنُوا‬
‫وال الفرقَة التَ ل اجتماع بعدهَا ‪ ،‬ولذا قال تعال ‪َ ﴿ :‬فَأمّاَ الّذ َ‬
‫ُونَ ﴾ ‪ ،‬قال ماهَد ‪ :‬ينعمون ‪،‬‬ ‫حبَر َ‬‫ض ٍة يُ ْ‬
‫ُمَ ف ِي َروْ َ‬
‫َوعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ َفه ْ‬
‫الزء الثالث‬ ‫‪502‬‬

‫﴿ َوَأمّاَ الّذِينََ َكفَرُوا وَكَ ّذبُوا بِآيَاتِنَا وَِلقَاء الْآخِ َرةِ َفأُوَْلئِكََ فِي اْلعَذَابَِ‬
‫ضرُونَ ﴾ ‪.‬‬ ‫حَ‬‫مُ ْ‬
‫وقوله تعال ‪ ﴿ :‬فَ ُ‬
‫سبْحَانَ اللّهِ ِحيَ تُمْسُونَ وَ ِحيَ تُصْبِحُونَ * وَلَ ُه الْحَ ْمدُ‬
‫ض َوعَشِيّا وَحِيَ تُ ْظهِرُو نَ ﴾ ‪ ،‬هذا ت سبيح م نه تعال‬
‫فِي ال سّمَاوَاتِ وَاْلأَرْ ِ‬
‫لنفسه القدّسة ‪ ،‬وإرشاد لعباده إل تسبيحه وتميده ف هذا الوقات التعاقبة‬
‫سبْحَانَ اللّهِ حِيَ‬
‫‪ .‬قال ابن عباس ‪ :‬جعت هاتان الياتان مواقيت الصلة ﴿ فَ ُ‬
‫شيّا‬
‫صبِحُونَ ﴾ الفجر ‪َ ﴿ ،‬وعَ ِ‬‫تُمْسُونَ ﴾ قال ‪ :‬الغرب والعشاء ‪ ﴿ .‬وَحِيَ تُ ْ‬
‫ي تُ ْظهِرُونَ ﴾ الظهر ‪.‬‬
‫﴾ العصر ‪َ ﴿ ،‬وحِ َ‬
‫حيّ ﴾ ‪،‬‬
‫ج الْ َميّ تَ مِ نَ الْ َ‬
‫خرِ ُ‬
‫حيّ مِ َن الْ َميّ تِ َويُ ْ‬
‫ج الْ َ‬ ‫وقوله تعال ‪ ﴿ :‬يُ ْ‬
‫خرِ ُ‬
‫قال ا بن م سعود ‪ :‬ويرج النط فة من الر جل مي تة و هو ح يّ ‪ ،‬ويرج الر جل‬
‫منها حيّا وهي ميتة ‪.‬‬
‫ك تُخْ َرجُونَ ﴾ ‪ ،‬كقوله‬ ‫وقوله تعال ‪َ ﴿ :‬ويُ ْ‬
‫حيِي اْلأَ ْرضَ بَعْ َد َم ْوِتهَا وَكَذَلِ َ‬
‫ك تَرَى اْلأَرْ ضَ خَا ِش َعةً فَِإذَا أَنزَْلنَا عََلْيهَا الْمَاء ا ْهتَزّ تْ‬
‫تعال ‪َ ﴿ :‬ومِ ْن آيَاتِ هِ َأنّ َ‬
‫حيِي الْ َموْتَى ِإنّهُ عَلَى كُ ّل َشيْءٍ َقدِيرٌ ﴾ ‪.‬‬ ‫وَ َرَبتْ إِ ّن الّذِي أَ ْحيَاهَا لَمُ ْ‬

‫***‬
‫‪503‬‬ ‫توفيق الرحن ف دروس القرآن‬

‫الدرس الثان عشر بعد الائتي‬

‫شرُو نَ (‪)20‬‬
‫ش ٌر تَنَت ِ‬
‫ب ثُمّ إِذَا أَنتُم َب َ‬
‫﴿ َومِ نْ آيَاتِ ِه أَ نْ خَ َلقَكُم مّ ن ُترَا ٍ‬
‫َومِ نْ آيَاتِ هِ أَ ْن خَلَ َق لَكُم مّ نْ أَنفُ سِ ُكمْ أَ ْزوَاجا لّتَ سْكُنُوا ِإلَ ْيهَا َوجَ َع َل بَيْنَكُم‬
‫ت ّلقَوْ ٍم يََت َف ّكرُو نَ (‪َ )21‬ومِ نْ آيَاتِ هِ خَلْ قُ‬
‫ك لَآيَا ٍ‬
‫ّم َو ّدةً وَ َرحْ َمةً إِنّ فِي َذلِ َ‬
‫ف َألْ سِنَِتكُ ْم َوأَْلوَاِنكُ ْم إِنّ فِي َذلِ كَ لَآيَا تٍ‬
‫ض وَاخْتِلَا ُ‬
‫ال سّمَاوَاتِ وَالْأَرْ ِ‬
‫لّ ْلعَالِ ِميَ (‪ )22‬وَمِ نْ آيَاتِ ِه مَنَامُكُم بِاللّ ْيلِ وَالّنهَا ِر وَابِْتغَاؤُكُم مّن فَضْلِ ِه إِنّ‬
‫ق َخوْفا وَطَمَعا‬
‫ت ّلقَوْ ٍم يَسْ َمعُونَ (‪َ )23‬ومِنْ آيَاتِهِ ُيرِيكُ ُم الْبَرْ َ‬
‫فِي ذَلِكَ لَآيَا ٍ‬
‫ت ّلقَوْمٍ‬
‫ك لَآيَا ٍ‬
‫ض َب ْعدَ َم ْوتِهَا إِنّ فِي َذلِ َ‬
‫َويَُنزّ ُل مِ َن السّمَا ِء مَا ًء فَيُحْيِي بِهِ اْلأَرْ َ‬
‫ض ِبَأمْرِ ِه ثُمّ ِإذَا دَعَاكُ مْ‬
‫َي ْعقِلُو نَ (‪ )24‬وَمِ نْ آيَاتِ ِه أَن َتقُو َم ال سّمَاء وَاْلأَرْ ُ‬
‫خ ُرجُو نَ (‪ )25‬وَلَ ُه مَن فِي ال سّمَاوَاتِ وَاْلأَرْ ضِ‬
‫ض ِإذَا أَنتُ مْ تَ ْ‬
‫دَ ْع َو ًة مّ نَ اْلأَرْ ِ‬
‫ُك ّل لّ هُ قَانِتُو نَ (‪َ )26‬وهُ َو اّلذِي يَ ْب َدأُ الْخَلْ قَ ُثمّ ُيعِيدُ ُه َوهُ َو أَ ْهوَ نُ عَلَيْ ِه َولَ هُ‬
‫ضرَ بَ‬
‫حكِي مُ (‪َ )27‬‬
‫ض َوهُ َو اْلعَزِيزُ الْ َ‬
‫الْمََث ُل الْأَعْلَى فِي ال سّمَاوَاتِ وَالْأَرْ ِ‬
‫ت َأيْمَاُنكُم مّن شُرَكَاء فِي مَا‬
‫ل مِ ْن أَنفُ سِ ُكمْ هَل ّلكُم مّن مّا مَلَكَ ْ‬
‫َلكُم مّثَ ً‬
‫َر َزقْنَاكُ مْ َفأَنتُم ْـ فِيهِـ سَـوَاء تَخَافُوَنهُ مْ كَخِيفَِتكُم ْـأَنفُسَـ ُكمْ َك َذلِكَـُنفَصّـلُ‬
‫الْآيَا تِ ِل َقوْ مٍ يَ ْعقِلُو نَ (‪َ )28‬ب ِل اتّبَ عَ اّلذِي نَ ظَلَمُوا َأ ْهوَاءهُم بِغَ ْيرِ عِلْ ٍم فَمَن‬
‫صرِينَ (‪َ )29‬فَأقِ مْ َوجْهَ كَ لِلدّي نِ حَنِيفا‬
‫ضلّ اللّ ُه َومَا َلهُم مّن نّا ِ‬
‫َي ْهدِي مَ ْن أَ َ‬
‫ك الدّي ُن الْقَيّ مُ‬
‫فِ ْط َر َة اللّ هِ الّتِي فَ َط َر النّا سَ عَلَيْهَا لَا تَ ْبدِيلَ لِخَلْ ِق اللّ هِ َذلِ َ‬
‫س لَا َيعْلَمُو نَ (‪ )30‬مُنِيِبيَ ِإلَيْ ِه وَاّتقُو ُه َوَأقِيمُوا ال صّلَا َة َولَا‬
‫َولَ ِكنّ أَكَْثرَ النّا ِ‬
‫الزء الثالث‬ ‫‪504‬‬

‫ُمـ وَكَانُوا شِيَعا ُكلّ‬


‫ِينـ َف ّرقُوا دِيَنه ْ‬
‫ِنـ الّذ َ‬
‫شرِكِي َ (‪ )31‬م َ‬
‫ِنـ الْ ُم ْ‬
‫َتكُونُوا م َ‬
‫ب بِمَا َلدَْي ِهمْ َف ِرحُونَ (‪. ﴾ )32‬‬
‫ِحزْ ٍ‬

‫***‬
‫‪505‬‬ ‫توفيق الرحن ف دروس القرآن‬

‫شرٌ‬
‫وقوله عز وجل ‪َ ﴿ :‬ومِ نْ آيَاتِ ِه أَ ْن خَ َلقَكُم مّن ُترَا بٍ ُثمّ ِإذَا أَنتُم َب َ‬
‫سكُنُوا إِلَ ْيهَا‬
‫سكُ ْم أَ ْزوَاجا لّتَ ْ‬
‫شرُونَ (‪ )20‬وَمِنْ آيَاتِ ِه أَ ْن خَلَقَ َلكُم مّ ْن أَنفُ ِ‬
‫تَنَت ِ‬
‫َوجَ َع َل بَيَْنكُم ّم َو ّدةً وَ َرحْ َم ًة إِنّ فِي َذلِ كَ لَآيَا تٍ ّل َقوْ ٍم يََت َفكّرُو نَ (‪ )21‬وَمِ نْ‬
‫ف َألْ سِنَِت ُكمْ َوَألْوَانِكُ مْ إِنّ فِي َذلِ كَ‬
‫ض وَاخْتِلَا ُ‬
‫ت وَاْلأَرْ ِ‬
‫آيَاتِ هِ خَلْ ُق ال سّمَاوَا ِ‬
‫لَآيَاتٍـلّ ْلعَالِمِيَ (‪ )22‬وَمِ نْ آيَاتِهِـ مَنَامُكُم بِاللّ ْي ِل وَالّنهَارِ وَابِْتغَاؤُكُم مّنـ‬
‫فَضْ ِل ِه إِ ّن فِي َذِلكَ لَآيَاتٍ ّل َقوْ ٍم َيسْ َمعُونَ (‪. ﴾ )23‬‬
‫عن قتادة ‪َ ﴿ :‬ومِ ْن آيَاتِهِ أَنْ خََل َقكُم مّن تُرَابٍ ﴾ ‪ ،‬خلق آدم عليه السلم‬
‫من تراب ‪ ﴿ :‬ثُمّ إِذَا أَنتُم بَشَ ٌر تَنتَشِرُونَ ﴾ ‪ ،‬يعن ‪ :‬ذريته ‪َ ﴿ .‬ومِ ْن آيَاتِهِ أَنْ‬
‫سكُمْ أَ ْزوَاجا ﴾ ‪ ،‬خلق ها ل كم من ضلع من أضل عه ‪،‬‬ ‫خَلَ قَ لَكُم مّ نْ أَنفُ ِ‬
‫﴿ وَ َجعَ َل َبْينَكُم ّموَ ّدةً وَ َرحْ َمةً ﴾ ‪ ،‬قال البغوي ‪ :‬وجعَل بيَ الزوجيَ‬
‫الوّدة والرح ة ‪ ،‬فه ما يتوادّان ويتراحان ‪ ،‬و ما ش يء أ حب إل أحده ا من‬
‫ال خر من غ ي َرحِ ٍم بينه ما ‪ ﴿ :‬إِنّ فِي ذَلِ كَ لَآيَا تٍ ّل َقوْ مٍ َيَت َفكّرُو نَ ﴾ ف‬
‫عظمة ال وقدرته ‪.‬‬
‫ْسََنتِكُمْ‬
‫َافَ أَل ِ‬
‫ْضَ وَا ْختِل ُ‬
‫السَمَاوَاتِ وَاْلأَر ِ‬
‫ْقَ ّ‬‫ِهَ َخل ُ‬ ‫قوله ‪َ ﴿ :‬وم ْ‬
‫ِنَ آيَات ِ‬
‫ُمَ ﴾ ‪ ،‬يعنَ ‪ :‬اختلف اللغات مَن العربيَة والعجميَة وغيهاَ ‪:‬‬ ‫َوأَْلوَاِنك ْ‬
‫﴿ َوأَْلوَاِنكُ مْ ﴾ ‪ ،‬أبيض ‪ ،‬وأسود ‪ ،‬وأحر وأنتم ولد رجل واحد وامرأة‬
‫َاتَ لّ ْلعَالِمِيَ ﴾ ‪ ،‬قرأ حفَص بكسَر اللم ‪:‬‬ ‫ِكَ لَآي ٍ‬ ‫واحدة ‪ ﴿ ،‬إِنّ فِي ذَل َ‬
‫ِهَ ﴾ ‪ ،‬أي ‪:‬‬
‫ِهَ َمنَامُكُم بِالّليْ ِل وَالنّهَا ِر وَاْبتِغَاؤُكُم مّنَ َفضْل ِ‬
‫ِنَ آيَات ِ‬
‫﴿ َوم ْ‬
‫الزء الثالث‬ ‫‪506‬‬

‫ت صرّفكم ف طلب العي شة ‪ ﴿ :‬إِنّ فِي ذَلِ كَ لَآيَا تٍ ّل َقوْ ٍم يَ سْ َمعُونَ ﴾ ساع‬
‫نذير واعتبار ‪.‬‬
‫ق َخوْفا وَطَمَعا َويَُنزّ ُل مِ نَ‬
‫قوله عز و جل ‪َ ﴿ :‬ومِ نْ آيَاتِ ِه ُيرِيكُ ُم الَْبرْ َ‬
‫ت ّلقَوْ ٍم َيعْقِلُو نَ (‬
‫حيِي بِ هِ اْلأَرْ ضَ بَ ْع َد مَ ْوِتهَا إِنّ فِي َذلِ كَ لَآيَا ٍ‬
‫ال سّمَا ِء مَا ًء فَيُ ْ‬
‫‪َ )24‬ومِ نْ آيَاتِ هِ أَن َتقُو َم ال سّمَاء وَاْلأَرْ ضُ بَِأ ْمرِ هِ ثُمّ ِإذَا دَعَاكُ مْ دَ ْع َوةً مّ نَ‬
‫ت وَاْلأَرْ ضِ ُك ّل لّ هُ‬
‫خ ُرجُو نَ (‪َ )25‬ولَ هُ مَن فِي ال سّمَاوَا ِ‬
‫ض ِإذَا أَنتُ ْم تَ ْ‬
‫اْلأَرْ ِ‬
‫قَانِتُو نَ (‪َ )26‬وهُ َو اّلذِي يَ ْب َدأُ الْخَلْ َق ثُمّ ُيعِيدُ هُ َو ُهوَ َأ ْهوَ نُ عَلَيْ هِ وَلَ هُ الْمََثلُ‬
‫ض وَ ُهوَ اْل َعزِي ُز الْحَكِيمُ (‪. ﴾ )27‬‬
‫اْلأَعْلَى فِي السّمَاوَاتِ وَاْلأَرْ ِ‬
‫ِهَ ﴾ الدالة على عظمتَه أنَه‬ ‫قال ابـن كثيـ ‪ :‬يقول تعال ‪َ ﴿ :‬وم ْ‬
‫ِنَ آيَات ِ‬
‫‪ ﴿ :‬يُرِيكُ ُم اْلبَرْ قَ َخوْفا َوطَمَعا ﴾ ‪ ،‬أي ‪ :‬تارة تافون م ا يدث بعده من‬
‫أمطار مزع جة و صواعق مقل قة ‪ ،‬وتارة ترجون ومي ضه ‪ .‬و ما يأ ت بعده من‬
‫ِهَ‬
‫السَمَا ِء مَاءً َفيُحْيِي ب ِ‬
‫ِنَ ّ‬ ‫الطَر الحتاج إليَه ؛ ولذا قال تعال ‪َ ﴿ :‬وُينَزّ ُل م َ‬
‫اْلأَرْضَ َبعْ َد َم ْوِتهَا ﴾ ‪ ،‬وف ذلك عبة ودللة واضحة على العاد وقيام الساعة‬
‫؛ ولذا قال ‪ِ ﴿ :‬إنّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ ّل َق ْومٍ َي ْعقِلُونَ ﴾ ‪.‬‬
‫وعن قتادة ‪َ ﴿ :‬ومِ نْ آيَاتِ هِ أَن َتقُو مَ ال سّمَاء وَاْلأَرْ ضُ ِبَأمْرِ هِ ﴾ قامتا بأمره‬
‫من غي عَمَدٍ ‪ ﴿ :‬ثُمّ إِذَا َدعَاكُمْ َد ْع َوةً مّ َن اْلأَرْضِ إِذَا أَنتُ ْم تَخْ ُرجُونَ ﴾ ‪ ،‬قال‬
‫‪ :‬دعاهم فخرجوا من الرض ‪ .‬وقال ابن عباس ‪ :‬من القبور ‪ .‬قال ابن كثي‬
‫‪ :‬ث قال تعال ‪َ ﴿ :‬ومِ ْن آيَاتِ هِ أَن َتقُو مَ ال سّمَاء وَاْلأَرْ ضُ بَِأمْرِ هِ ﴾ ‪ ،‬كقوله‬
‫‪507‬‬ ‫توفيق الرحن ف دروس القرآن‬

‫ك ال سّمَاء أَن َتقَ َع عَلَى اْلأَرْ ضِ إِلّا بِِإ ْذنِ هِ ﴾ وقوله ‪ ﴿ :‬إِنّ‬ ‫تعال ‪َ ﴿ :‬ويُمْ سِ ُ‬
‫ت وَالْأَرْ ضَ أَن تَزُو َل ﴾ ؛ وكان عمر بن الطاب رضي‬ ‫ك ال سّمَاوَا ِ‬ ‫اللّ َه يُمْ سِ ُ‬
‫ال عنه إذا اجتهد ف اليمي قال ‪ :‬والذي تقوم السماء والرض بأمره ‪ ،‬أي ‪:‬‬
‫قائ مة ثاب تة بأمره ل ا وت سخيه إيا ها ‪ ،‬ث إذا كان يوم القيا مة بدّلت الرض‬
‫غ ي الرض وال سماوات ‪ ،‬وخر جت الموات من قبور ها أحياء بأمره تعال‬
‫ودعائه إياهم ‪ ،‬ولذا قال تعال ‪ ﴿ :‬ثُمّ إِذَا َدعَاكُ مْ َدعْ َو ًة مّ َن اْلأَرْ ضِ إِذَا أَنتُ مْ‬
‫خرُجُو نَ ﴾ ‪ ،‬وعن ابن عباس قوله ‪َ ﴿ :‬ومِ ْن آيَاتِ هِ أَن َتقُو َم ال سّمَاء وَالْأَرْ ضُ‬ ‫تَ ْ‬
‫ِبَأمْرِ هِ ﴾ إل ‪ُ ﴿ :‬كلّ لّ هُ قَاِنتُو نَ ﴾ يقول ‪ :‬مطيعون ‪ ،‬يع ن ‪ :‬الياة والنشور‬
‫والوت وهم عاصون له فيما سوى ذلك من العبادة ‪.‬‬
‫﴿ َو ُهوَ الّذِي َيبْ َدُأ الْخَلْ َق ثُمّ يُعِيدُ ُه َوهُوَ َأ ْهوَ ُن عََليْهِ ﴾ ‪ ،‬يقول ‪ :‬كل شيء‬
‫عليَه هيّن ‪ .‬وقال عكرمَة ‪ :‬تعجّب الكفار مَن إحياء ال الوتَى فنلت ‪:‬‬
‫﴿ َو ُهوَ الّذِي َيبْ َدُأ الْخَلْ َق ثُمّ يُعِيدُ ُه َوهُوَ َأ ْهوَ ُن عََليْ هِ ﴾ إعادة اللق أهون‬
‫عل يه من ابتدائه ‪ .‬عن ما هد قوله ‪َ ﴿ :‬و ُهوَ َأ ْهوَ نُ عََليْ هِ ﴾ ‪ ،‬قال ‪ :‬العادة‬
‫أهون عل يه من البداءة ‪ ،‬والبداءة عل يه هيّن ‪ .‬و عن ا بن عباس قوله ‪ ﴿ :‬وَلَ هُ‬
‫َهَ الْ َمثَلُ‬
‫الْ َمثَ ُل اْلأَعْلَى ﴾ ‪ ،‬يقول ‪ :‬ليَس كمثله شيَء ‪ .‬وعَن قتادة ‪ ﴿ :‬وَل ُ‬
‫اْلأَعْلَى ﴾ ف السماوات والرض ‪ ،‬قال َمثَلُ هُ إنه ل إله إلّ هو ول رب غيه‬
‫حكِيمُ ﴾ ‪.‬‬
‫‪َ ﴿ .‬وهُ َو اْلعَزِي ُز الْ َ‬
‫الزء الثالث‬ ‫‪508‬‬

‫س ُكمْ هَل لّكُم مّ ن مّ ا‬


‫ل مِ ْن أَنفُ ِ‬
‫ب لَكُم مَّث ً‬
‫ضرَ َ‬
‫قوله عز و جل ‪َ ﴿ :‬‬
‫ت َأيْمَانُكُم مّ ن شُرَكَاء فِي مَا رَ َزقْنَاكُ ْم َفأَنتُ مْ فِي هِ َسوَاء تَخَافُونَهُ مْ‬
‫مَ َلكَ ْ‬
‫صلُ الْآيَاتِ ِل َقوْ ٍم يَ ْعقِلُونَ (‪َ )28‬بلِ اتّبَ َع اّلذِينَ‬
‫ك ُنفَ ّ‬
‫سكُمْ َك َذلِ َ‬
‫َكخِيفَِتكُ ْم أَن ُف َ‬
‫صرِينَ (‬
‫ضلّ اللّ هُ وَمَا لَهُم مّن نّا ِ‬
‫ظَلَمُوا َأ ْهوَاءهُم بِغَ ْيرِ عِلْ ٍم فَمَن َي ْهدِي مَ نْ أَ َ‬
‫‪َ )29‬فَأقِ مْ َوجْهَ كَ لِلدّي نِ حَنِيفا فِ ْط َرةَ اللّ هِ الّتِي فَ َط َر النّا سَ عَلَ ْيهَا لَا تَ ْبدِيلَ‬
‫س لَا َيعْلَمُونَ (‪ )30‬مُنِيبِيَ ِإلَيْهِ‬
‫ك الدّي ُن الْقَيّمُ َولَ ِكنّ أَكَْث َر النّا ِ‬
‫لِخَلْ ِق اللّهِ َذلِ َ‬
‫شرِكِيَ (‪ )31‬مِ َن الّذِي نَ َف ّرقُوا‬
‫وَاتّقُو هُ َوَأقِيمُوا ال صّلَاةَ َولَا َتكُونُوا مِ نَ الْ ُم ْ‬
‫دِيَن ُهمْ وَكَانُوا شِيَعا ُك ّل حِ ْزبٍ بِمَا َل َديْ ِه ْم َفرِحُونَ (‪. ﴾ )32‬‬
‫قال ا بن كث ي ‪ :‬هذا م ثل ضر به ال تعال للمشرك ي به ‪ ،‬العابد ين م عه‬
‫غيه ‪ ،‬الاعلي له شركاء من خلقه ‪ ،‬وهم مع ذلك معترفون أن شركاءه من‬
‫الصَنام والنداد عبيَد له ملك له ‪ ،‬كمَا كانوا يقولون ‪ :‬لبيّك ل شريَك‬
‫لك ‪ ،‬إلّ شريكًا هو لك ‪ ،‬تل كه و ما ملك ؛ فقال تعال ‪ ﴿ :‬ضَرَ بَ لَكُم‬
‫سكُمْ ﴾ ‪ ،‬أي ‪ :‬تشهدونه وتفهمونه ‪ ﴿ ،‬مِ نْ أَنفُ سِكُ ْم هَل ّلكُم‬ ‫ّمَثلً مِ نْ أَنفُ ِ‬
‫مّن مّا مََلكَ تْ َأيْمَانُكُم مّن شُرَكَاء فِي مَا َرزَ ْقنَاكُ مْ َفأَنتُ مْ فِي هِ َسوَاء ﴾ ‪ ،‬أي ‪:‬‬
‫أيرضى أحدكم أن يكون عبده شريكًا له ف ماله ؟ فهو وهو فيه على السواء‬
‫َكُمْ ﴾ ‪ ،‬أي ‪ :‬تافون أن يقاسَوكم‬ ‫َ أَنفُس َ‬
‫َ َكخِيفَِتكُم ْ‬
‫‪ ﴿ .‬تَخَافُوَنهُم ْ‬
‫الموال ‪ .‬قال أ بو ملز ‪ :‬إن ملو كك ل ياف أن يقا سك مالك ول يس له ‪،‬‬
‫‪509‬‬ ‫توفيق الرحن ف دروس القرآن‬

‫كذلك ال ل شريك له ‪ ،‬والعن ‪ :‬أن أحدكم يأنف من ذلك فكيف تعلون‬


‫ل النداد من خلقه ؟‬
‫﴿ كَذَلِكَ نُفَصّلُ الْآيَاتِ ِل َقوْمٍ َي ْعقِلُونَ ﴾ ‪ ،‬قال البغوي ‪ :‬ينظرون إل هذه‬
‫ِينَ ظَلَمُوا ﴾ أشركوا بال ‪ ﴿ ،‬أهواءهَم‬ ‫َعَ الّذ َ‬
‫الدلئل بعقولمَ ‪ ﴿ .‬بَلِ اّتب َ‬
‫﴾ ف الشرك ‪ِ ﴿ ،‬بغَيْ ِر عِ ْل مٍ ﴾ جهلً ب ا ك تب علي هم ‪َ ﴿ ،‬فمَ ْن َيهْدِي مَ نْ‬
‫أَضَلّ اللّ هُ ﴾ ‪ ،‬أي ‪ :‬أضله ال ‪ ﴿ ،‬وَمَا َل ُه ْم مِ ْن نَا صِرِينَ ﴾ مانع ي ينعون م‬
‫من عذاب ال عز و جل ‪ .‬وقوله تعال ‪َ ﴿ :‬فأَقِ ْم وَ ْجهَ كَ لِلدّي ِن حنيفًا ﴾ ‪،‬‬
‫أي ‪ :‬أخلص دينك ل حنيفًا ‪ ،‬مائلً إل التوحيد مستقيمًا عليه ‪.‬‬
‫ّاسَ عََليْهَا ﴾ قال ‪:‬‬ ‫قال ابـن زيـد فـ قوله ‪ ﴿ :‬فِطْ َرةَ الل ِ‬
‫ّهَ الّتِي فَ َط َر الن َ‬
‫السلم مُذ خلقهم ال من آدم جيعًا يقرّون بذلك ‪ ،‬وقرأ ‪َ ﴿ :‬وإِذْ أَخَذَ َربّ َ‬
‫ك‬
‫ستُ بِ َرّبكُ مْ قَالُواْ‬
‫سهِمْ أَلَ ْ‬
‫مِن َبنِي آدَ مَ مِن ظُهُو ِرهِ مْ ذُ ّرّيتَهُ ْم َوَأ ْشهَ َدهُ ْم عَلَى أَنفُ ِ‬
‫بَلَى َشهِدْنَا ﴾ ‪ ،‬قال ‪ :‬فهذا قول ال ‪ ﴿ :‬كَا َن النّا سُ ُأمّ ًة وَاحِ َدةً َفَبعَ ثَ اللّ هُ‬
‫الّنبِيّيَ ﴾ بعد ‪ .‬وعن يزيد بن أب مري قال ‪ ( :‬م ّر عمر بعاذ بن جبل فقال ‪:‬‬
‫وهنَ النجيات ‪ :‬الخلص وهَو ‪:‬‬ ‫ّ‬ ‫مَا قوام هذه المَة ؟ قال معاذ ‪ :‬ثلث‬
‫ّاسَ عََليْهَا ﴾ ‪ ،‬والصَلة وهَي ‪ :‬اللّة ‪،‬‬ ‫ّهَ الّتِي فَطَ َر الن َ‬ ‫الفطرة ‪ِ ﴿ ،‬فطْ َرةَ الل ِ‬
‫والطاعة وهي ‪ :‬العصمة ‪ .‬فقال عمر ‪ :‬صدقت ) ‪.‬‬
‫وقوله تعال ‪ ﴿ :‬لَا َتبْدِيلَ لِ َ‬
‫خلْ قِ اللّ هِ ﴾ ‪ ،‬قال ما هد ‪ :‬لد ين ال ‪ .‬وقال‬
‫البخاري قوله ‪ ﴿ :‬لَا َتبْدِيلَ ِلخَلْ قِ اللّ هِ ﴾ دين ال خلق الولي دين الولي ‪،‬‬
‫الدين والفطرة السلم ‪ .‬ث ذكر حديث أب هريرة قال ‪ :‬قال رسول ال ‪:‬‬
‫الزء الثالث‬ ‫‪510‬‬

‫« مَا مَن مولود يولد إلّ على الفطرة ‪ ،‬فأبواه يهوّدانَه ‪ ،‬أو ينصَّرانه ‪ ،‬أو‬
‫يجّسانه ‪ ،‬كما تنتج البهيمة بيمة جعاء هل ت سّون فيها من جدعاء ؟ ‪ -‬ث‬
‫خلْ قِ اللّ هِ ذَلِ كَ الدّي نُ‬
‫يقول ‪ ﴿ : -‬فِ ْط َرةَ اللّ هِ الّتِي َفطَ َر النّا سَ عََلْيهَا لَا َتبْدِيلَ لِ َ‬
‫اْل َقيّمُ ﴾ » ‪.‬‬
‫قال البغوي ‪ :‬فمَن حلَ الفطرة على الديَن قال ‪ :‬معناه ل تبديَل لديَن‬
‫ال‪ ،‬وهو خب بعن النهي ‪ ،‬أي ‪ :‬ل تبدلوا دين ال ‪ .‬قال ماهد ‪ ،‬وإبراهيم ‪:‬‬
‫معنَ اليَة ‪ :‬الزموا فطرة ال ‪ .‬أي ‪ :‬ديَن ال ‪ ،‬واتبعوه ول تبدلوا التوحيَد‬
‫بالشرك ﴿ ذَلِكَ الدّي ُن الْ َقيّمُ ﴾ الستقيم ﴿ وََلكِنّ أَ ْكثَ َر النّاسِ ل َيعْلَمُونَ ﴾ ‪.‬‬
‫َ‬
‫َلَاةَ وَلَا َتكُونُوا مِن َ‬
‫َ َوأَقِيمُوا الص ّ‬ ‫وقوله تعال ‪ُ ﴿ :‬منِيبِيََإَِليْه ِ‬
‫َ وَاّتقُوه ُ‬
‫َكَ ﴾ أنَت يَا ممَد ومَن‬ ‫ِمَ َو ْجه َ‬
‫شرِكِي َ ﴾ ‪ ،‬يقول تعال ‪َ ﴿ :‬فأَق ْ‬ ‫الْمُ ْ‬
‫اتبعك ‪ُ ﴿ ،‬منِيبِيَ إِلَيْ هِ ﴾ ‪ ،‬أي ‪ :‬راجعي إليه ‪ ﴿ ،‬وَاّتقُو ُه َوأَقِيمُوا ال صّلَاةَ وَلَا‬
‫َتكُونُوا مِ نَ الْمُشْرِكِيَ ﴾ بل كونوا من الوحدين الصلّي الطائعي ‪ .‬قال ابن‬
‫جرير ‪ ﴿ :‬وَلَا َتكُونُوا مِ َن الْمُشْرِ ِكيَ ﴾ ‪ ،‬يقول ‪ :‬ول تكونوا من أهل الشرك‬
‫بال ‪ ،‬بتضييعكَم فرائضَه ‪ ،‬وركوبكَم معاصَيه ‪ ،‬وخلفكَم الديَن الذي‬
‫دعاكم إليه ‪.‬‬
‫وقوله ‪ ﴿ :‬مِ َن الّذِي نَ َفرّقُوا دِيَنهُ ْم وَكَانُوا شِيَعا ﴾ ‪ ،‬يقول ‪ :‬ول تكونوا‬
‫مَن الشركيَ الذيَن بدّلوا دينهَم وخالفوه ‪ ﴿ ،‬وَكَانُوا ِشيَعا ﴾ ‪ ،‬يقول ‪:‬‬
‫وكانوا أحزابًا فِرقًا كاليهود ‪ ،‬والنصارى ‪.‬‬
‫‪511‬‬ ‫توفيق الرحن ف دروس القرآن‬

‫وقوله ‪ ﴿ :‬كُلّ حِزْ ٍ‬


‫ب بِمَا َل َدْيهِ مْ َفرِحُو نَ ﴾ ‪ ،‬يقول ‪ :‬كل طائفة وفرقة‬
‫من هؤلء الذ ين فارقوا دين هم ال ق ‪ ،‬فأحدثوا البدع ال ت أحدثوا ‪ ﴿ ،‬بِمَا‬
‫لَ َدْيهِ مْ فَ ِرحُو نَ ﴾ ‪ ،‬يقول ‪ :‬ب ا هم به متم سّكون من الذ هب ‪َ ﴿ ،‬فرِحُو نَ‬
‫﴾ مسرورون ‪ ،‬يسبون أن الصواب معهم دون غيهم ‪ .‬انتهى ملخصًا ‪.‬‬
‫وقال ا بن كث ي ‪ :‬فأ هل الديان قبل نا اختلفوا في ما بين هم على آراء وملل‬
‫باطلة ‪ ،‬وكل فرقة منهم تزعم أنم على شيء ‪ ،‬وهذه المة أيضًا اختلفوا فيما‬
‫بينهَم على نلَ كلهَا ضللة إل واحدة ‪ ،‬وهَم ‪ :‬أهَل السَنة والماعَة ‪،‬‬
‫التم سكون بكتاب ال و سنة ر سوله ‪ ،‬وب ا كان عل يه ال صدر الول من‬
‫ال صحابة والتابع ي ‪ ،‬وأئ مة ال سلمي ف قد ي الد هر وحدي ثه ‪ .‬ك ما رواه‬
‫الاكم ف مستدركه أنه سئل عن الفرقة الناجية منهم ‪ ،‬فقال ‪ « :‬من كان‬
‫على ما أنا عليه اليوم وأصحاب » ‪.‬‬

‫***‬
‫الزء الثالث‬ ‫‪512‬‬

‫الدرس الثالث عشر بعد الائتي‬

‫ض ّر دَ َعوْا َرّبهُم مّنِيِبيَ ِإلَيْ ِه ُثمّ ِإذَا َأذَا َقهُم مّنْ هُ َرحْ َمةً‬
‫س النّا سَ ُ‬
‫﴿ َوإِذَا مَ ّ‬
‫سوْفَ‬
‫ِإذَا َفرِي ٌق مّ ْنهُم ِبرَّبهِ ْم ُيشْرِكُو نَ (‪ )33‬لِيَ ْك ُفرُوا بِمَا آتَيْنَاهُ ْم فَتَمَّتعُوا فَ َ‬
‫شرِكُو نَ (‬
‫َتعْلَمُو نَ (‪ )34‬أَ ْم أَن َزلْنَا عَلَ ْيهِ مْ سُلْطَانا َفهُ َو يََتكَلّ ُم بِمَا كَانُوا بِ ِه ُي ْ‬
‫َتـ‬
‫سـيَّئةٌ بِمَا َق ّدم ْ‬
‫ُصـْب ُهمْ َ‬
‫ّاسـ َرحْ َم ًة َفرِحُوا بِهَا َوإِن ت ِ‬
‫‪َ )35‬وِإذَا َأ َذقْنَا الن َ‬
‫ق لِمَن َيشَاءُ‬
‫ط الرّ ْز َ‬
‫َأْيدِيهِ مْ ِإذَا هُ ْم َيقْنَطُو نَ (‪َ )36‬أ َولَ ْم َيرَوْا أَنّ اللّ َه يَبْ سُ ُ‬
‫ّهـ‬
‫َآتـ ذَا اْلقُرْبَى حَق ُ‬
‫ُونـ (‪ )37‬ف ِ‬
‫ْمـ ُي ْؤمِن َ‬
‫َاتـ لّ َقو ٍ‬
‫ِكـ لَآي ٍ‬
‫َوَيقْدِ ُر إِنّ فِي َذل َ‬
‫ي وَابْ نَ ال سّبِيلِ َذلِ كَ خَ ْي ٌر لّ ّلذِي َن ُيرِيدُو َن َوجْ َه اللّ هِ َوُأوْلَئِ كَ هُ مُ‬
‫وَالْمِ سْكِ َ‬
‫الْ ُمفْلِحُونَ (‪ )38‬وَمَا آتَيْتُم مّن رّبا لَّيرُْب َو فِي َأمْوَالِ النّاسِ فَلَا َيرْبُو عِن َد اللّهِ‬
‫ض ِعفُو نَ (‪ )39‬اللّ هُ‬
‫ك هُ ُم الْمُ ْ‬
‫وَمَا آتَيْتُم مّ ن زَكَا ٍة ُترِيدُو نَ َوجْ هَ اللّ هِ َفُأوْلَئِ َ‬
‫اّلذِي خَ َلقَ ُك ْم ُثمّ رَ َز َق ُكمْ ُث ّم يُمِيُت ُكمْ ُث ّم يُحْيِي ُكمْ َه ْل مِن ُشرَكَاِئكُم مّن يَ ْف َعلُ‬
‫مِن َذلِكُم مّن شَيْءٍ سُبْحَاَنهُ َوَتعَالَى عَمّا ُيشْرِكُو نَ (‪َ )40‬ظ َهرَ اْلفَ سَادُ فِي‬
‫ت َأيْدِي النّاسِـلُِيذِيقَهُم َبعْضَـ اّلذِي عَمِلُوا َلعَ ّلهُم ْـ‬
‫ـَ ْ‬
‫ح ِر بِمَا كَسَب‬
‫الَْبرّ وَالْبَ ْ‬
‫ض فَان ُظرُوا كَيْ فَ كَا نَ عَاقِبَ ُة اّلذِي َن مِن‬
‫َي ْرجِعُو نَ (‪ُ )41‬قلْ سِيُوا فِي الْأَرْ ِ‬
‫شرِكِيَ (‪َ )42‬فَأقِ مْ َوجْهَ كَ لِلدّي نِ اْلقَيّ مِ مِن قَ ْبلِ أَن‬
‫قَ ْبلُ كَا َن أَكَْثرُهُم ّم ْ‬
‫صدّعُونَ (‪ )43‬مَن َك َفرَ َفعَلَيْ هِ ُك ْفرُ هُ‬
‫َي ْأتِ يَ َيوْ مٌ لّا َم َردّ لَ هُ مِ نَ اللّ ِه َيوْمَِئذٍ يَ ّ‬
‫ي اّلذِي نَ آمَنُوا وَعَمِلُوا‬
‫جزِ َ‬
‫س ِهمْ يَ ْم َهدُو نَ (‪ )44‬لِيَ ْ‬
‫َومَ نْ عَ ِملَ صَالِحا فَ ِلأَنفُ ِ‬
‫ب الْكَا ِفرِينَ (‪. ﴾ )45‬‬
‫ح ّ‬
‫ت مِن فَضْ ِل ِه ِإنّ ُه لَا يُ ِ‬
‫الصّالِحَا ِ‬
‫‪513‬‬ ‫توفيق الرحن ف دروس القرآن‬

‫***‬
‫الزء الثالث‬ ‫‪514‬‬

‫ض ّر دَ َعوْا َرّبهُم مّنِيِبيَ ِإلَيْ هِ ُثمّ ِإذَا‬


‫قوله عز وجل ‪َ ﴿ :‬وِإذَا مَ سّ النّا سَ ُ‬
‫ُونـ (‪ )33‬لَِي ْكفُرُوا بِمَا‬
‫شرِك َ‬
‫ِمـ ُي ْ‬
‫ِيقـ مّنْهُم ِب َرّبه ْ‬
‫ْهـ َرحْ َم ًة ِإذَا َفر ٌ‬
‫َأذَاقَهُم مّن ُ‬
‫ف َتعْلَمُو نَ (‪ )34‬أَ ْم أَن َزلْنَا عَلَ ْيهِ مْ سُلْطَانا َفهُ َو يََتكَلّ مُ‬
‫آتَيْنَاهُ ْم فَتَمَّتعُوا فَ سَوْ َ‬
‫ّاسـ َرحْ َمةً َف ِرحُوا بِه َا َوإِن‬
‫ُونـ (‪ )35‬وَِإذَا َأ َذقْن َا الن َ‬
‫شرِك َ‬
‫ِهـ ُي ْ‬
‫بِم َا كَانُوا ب ِ‬
‫ت َأْيدِيهِ ْم ِإذَا هُ ْم َيقْنَطُو نَ (‪َ )36‬أ َولَ مْ َي َروْا أَنّ اللّ هَ‬
‫تُ صِ ْبهُمْ سَيّئَ ٌة بِمَا َق ّدمَ ْ‬
‫ت ّلقَوْ ٍم ُي ْؤمِنُونَ (‪. ﴾ )37‬‬
‫ك لَآيَا ٍ‬
‫ق لِمَن َيشَا ُء وََي ْقدِرُ إِ ّن فِي َذلِ َ‬
‫ط الرّزْ َ‬
‫يَ ْبسُ ُ‬
‫قال ابن كثي ‪ :‬يقول تعال مبًا عن الناس إنم ف حال الضطرار يدعون‬
‫ال وحده ل شريك له ‪ ،‬وأنه إذا أسبغ عليهم النعم إذا فريق منهم ف حالة‬
‫الختيار يشركون بال ‪ ،‬ويعبدون معَه غيه ‪ .‬وقوله تعال ‪ِ ﴿ :‬لَي ْكفُرُوا بِم َا‬
‫آَتْينَاهُم َْ ﴾ ‪ ،‬هَي ‪ :‬لم العاقبَة عنَد بعضهَم ‪ ،‬ولم التعليَل عنَد آخريَن ‪،‬‬
‫ف َتعْلَمُو نَ‬
‫سوْ َ‬ ‫ولكن ها تعل يل لتقي يض ال ل م ذلك ث توعّد هم بقوله ‪ ﴿ :‬فَ َ‬
‫﴾ قال بعضهم ‪ :‬وال لو توعّدن حارس درب لف تُ منه ‪ ،‬فكيف والتوعّد‬
‫ها هنا هو الذي يقول للشيء ‪ :‬كن فيكون ؟ ‪.‬‬
‫ث قال تعال ‪ :‬منكرًا عن الشرك ي في ما اختلفوا ف يه من عبادة غيه بل‬
‫سَلْطَانا ﴾ ‪ ،‬أي ‪ :‬حجّة‬
‫ِمَ ُ‬
‫َمَأَنزَلْنَا عََلْيه ْ‬
‫دليَل ول حجّة ول برهان ‪ ﴿ ،‬أ ْ‬
‫‪َ ﴿ ،‬ف ُهوَ َيَتكَلّ مُ ﴾ أي ‪ :‬ل ين طق ب ا كانوا به يشركون ؟ وهذا ا ستفهام‬
‫إنكار أي ‪ :‬ل يكن لم شيء من ذلك ‪.‬‬
‫‪515‬‬ ‫توفيق الرحن ف دروس القرآن‬

‫ث قال تعال ‪َ ﴿ :‬وإِذَا أَذَ ْقنَا النّا سَ رَحْ َمةً َفرِحُوا ِبهَا َوإِن تُ ِ‬
‫صْبهُمْ َسيَّئ ٌة بِمَا‬
‫َق ّدمَ تْ َأيْدِيهِ مْ إِذَا هُ ْم َي ْقنَطُو نَ ﴾ ‪ ،‬هذا إنكار على النسان من حيث هو ‪،‬‬
‫إل من عصمه ال ووفّقه ‪ ،‬فإن النسان إذا أصابته نعمة بطر وقال ‪:‬‬
‫سّيئَاتُ َعنّ ي ِإنّ هُ َلفَرِ حٌ فَخُورٌ ﴾ ‪ ،‬أي ‪ :‬يفرح ف نف سه ويف خر‬ ‫ب ال ّ‬
‫﴿ َذهَ َ‬
‫على غيه ‪ ،‬وإذا أصابته شدّة قنط وأيس أن يصل له بعد ذلك خي بالكّليّة ‪،‬‬
‫صبَرُواْ وَعَ ِملُواْ ال صّالِحَاتِ ﴾ ‪ ،‬أي ‪ :‬صبوا ف‬
‫قال ال تعال ‪ ﴿ :‬إِ ّل الّذِي نَ َ‬
‫الضرّاء وعملوا الصَالات فَ الرخاء ‪ ،‬كمَا ثبَت فَ الصَحيح ‪ « :‬عجبًا‬
‫للمؤمَن ‪ ،‬ل يقضَي ال له قضاء إل كان خيًا له ‪ ،‬إن أصَابته سَرّاء شكَر‬
‫فكان خيًا له ‪ ،‬وإن أصابته ضراء صب فكان خيًا له » ‪.‬‬
‫وقوله تعال ‪َ ﴿ :‬أوَلَ ْم يَ َروْا أَنّ اللّ َه َيبْ سُطُ الرّزْ قَ لِمَن يَشَا ُء َوَيقْدِرُ ﴾ ‪،‬‬
‫أي ‪ :‬هو الت صرّف الفا عل لذلك بكم ته وعدله ‪ ،‬فيو سّع على قوم ويضيّق‬
‫على آخرين ‪ِ ﴿ ،‬إنّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ ّل َق ْو ٍم ُيؤْ ِمنُونَ ﴾ ‪.‬‬
‫ي وَابْ نَ ال سّبِي ِل َذلِ كَ‬
‫سكِ َ‬
‫ت ذَا اْل ُقرْبَى حَقّ هُ وَالْمِ ْ‬
‫قوله عز وجل ‪ ﴿ :‬فَآ ِ‬
‫خَ ْي ٌر لّ ّلذِي نَ يُرِيدُو َن َوجْ َه اللّ هِ َوأُ ْولَئِ كَ هُ مُ الْ ُمفْلِحُو نَ (‪ )38‬وَمَا آتَيْتُم مّن‬
‫رّبا لَّيرُْب َو فِي َأ ْموَالِ النّا سِ فَلَا َيرْبُو عِن َد اللّ ِه وَمَا آَتيْتُم مّ ن زَكَا ٍة ُترِيدُو نَ‬
‫ضعِفُونَ (‪. ﴾ )39‬‬
‫َوجْ َه ال ّلهِ َفُأوْلَِئكَ هُ ُم الْمُ ْ‬
‫الزء الثالث‬ ‫‪516‬‬

‫سبِيلِ ﴾ ‪ ،‬قال ‪:‬‬ ‫ي وَابْ َن ال ّ‬ ‫سكِ َ‬ ‫عن السن ‪ ﴿ :‬فَآ تِ ذَا الْقُ ْربَى َحقّ ُه وَالْمِ ْ‬
‫هو أن توفّي هم حقّ هم إن كان عندك ي سر ‪ ،‬وإن ل ي كن عندك ﴿ فَقُل ّلهُ مْ‬
‫َقوْ ًل ّميْسُورا ﴾ قل لم الي ‪.‬‬
‫وعن ابن عباس قوله ‪َ ﴿ :‬ومَا آَتْيتُم مّن رّبا ّليَ ْرُبوَ فِي َأ ْموَا ِل النّاسِ فَلَا يَ ْربُو‬
‫عِندَ اللّ هِ ﴾ ‪ ،‬قال ‪ :‬هو ما يعطي الناس بينهم بعضهم بعضًا ‪ ،‬يعطي الرجل‬
‫الر جل العطيّة ير يد أن يع طي أك ثر من ها ‪ .‬وقال ما هد ‪ :‬هي الدا يا ‪ ،‬وقال‬
‫الضحاك ف قوله ‪ ﴿ :‬وَمَا آَتيْتُم مّ ن رّبا ّليَ ْرُبوَ فِي َأ ْموَا ِل النّا سِ ﴾ ف هو ما‬
‫يتعاطى الناس بينهم ويتهادون ‪ ،‬يعطي الرجل العطيّة ليصيب منه أفضل منها ‪،‬‬
‫ستَ ْكثِرُ ﴾ فهذا للنب خاصة ‪ ،‬ل‬ ‫وهذا للناس عامة ‪ ،‬وأما قوله ‪ ﴿ :‬وَلَا تَ ْمنُن تَ ْ‬
‫يكن له أن يعطي إل ل ‪ ،‬ول يكن يعطي ليعطى أكثر منه ‪ .‬وقال ابن عباس‬
‫قوله ‪َ ﴿ :‬ومَا آَتْيتُم مّن رّبا ّليَ ْرُبوَ فِي َأ ْموَا ِل النّاسِ فَلَا يَ ْربُو عِندَ اللّهِ ﴾ ‪ ،‬قال ‪:‬‬
‫هي ‪ :‬ال بة ‪ ،‬ي هب الش يء ير يد أن يثاب عل يه أف ضل منه ‪ ،‬فذلك الذي ‪ :‬ل‬
‫يربو عند ال ل يؤجر فيه صاحبه ‪ ،‬ول إث عليه ﴿ َومَا آَتْيتُم مّن زَكَاةٍ ﴾ ‪.‬‬
‫ضعِفُو نَ ﴾ ‪ ،‬قال‬ ‫ك هُ ُم الْ ُم ْ‬‫قال ‪ :‬هي ‪ :‬الصدقة ‪ ﴿ ،‬تُرِيدُو نَ وَجْ هَ اللّ هِ َفُأوْلَئِ َ‬
‫قتادة ‪ :‬هذا الذي يقبله ال ويضعفه لم عشر أمثالا وأكثر من ذلك ‪.‬‬
‫قوله عز وجل ‪ ﴿ :‬اللّ ُه الّذِي خَ َلقَكُمْ ُثمّ رَ َز َقكُمْ ُثمّ يُمِيُتكُ ْم ُثمّ ُيحْيِيكُمْ‬
‫سـبْحَاَن ُه وََتعَالَى عَمّاـ‬
‫َه ْل مِن ُشرَكَائِكُم مّنـ يَ ْف َعلُ مِن َذلِكُم مّنـ َشيْ ٍء ُ‬
‫ّاسـ‬
‫ت َأْيدِي الن ِ‬
‫َسـبَ ْ‬
‫ح ِر بِمَا ك َ‬
‫ُونـ (‪َ )40‬ظ َه َر الْفَسـَادُ فِي الَْب ّر وَالْبَ ْ‬
‫شرِك َ‬
‫ُي ْ‬
‫‪517‬‬ ‫توفيق الرحن ف دروس القرآن‬

‫ض الّذِي َعمِلُوا َلعَ ّلهُ مْ َي ْر ِجعُو نَ (‪ُ )41‬قلْ سِيُوا فِي اْلأَرْ ضِ‬
‫لُِيذِيقَهُم َبعْ َ‬
‫شرِكِيَ (‪. ﴾ )42‬‬
‫فَان ُظرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقَِبةُ اّلذِي َن مِن قَ ْبلُ كَا َن أَكَْث ُرهُم ّم ْ‬
‫حيِيكُمْ ﴾‬‫عن قتادة ‪ :‬قوله ‪ ﴿:‬اللّ ُه الّذِي خََل َقكُ ْم ثُمّ َرزََقكُمْ ثُمّ يُمِيُتكُ ْم ثُمّ يُ ْ‬
‫للبعث بعد الوت ﴿ هَ ْل مِن ُشرَكَائِكُم مّن َي ْفعَ ُل مِن ذَِلكُم مّن َشيْءٍ ﴾ ؟ ل‬
‫شرِكُو َن ﴾ سبّح نفسه إذا قيل عليه البهتان ‪.‬‬ ‫وال ‪ُ ﴿ ،‬سبْحَانَهُ َوَتعَالَى عَمّا يُ ْ‬
‫سبَتْ َأيْدِي‬
‫ح ِر بِمَا كَ َ‬ ‫وعن السن ‪ :‬ف قوله ‪َ ﴿ :‬ظهَ َر اْلفَسَادُ فِي اْلبَ ّر وَاْلبَ ْ‬
‫النّاسِ ﴾ ‪ ،‬قال ‪ :‬أفسدهم ال بذنوبم ف بر الرض وبرّها بأعمالم البيثة ‪،‬‬
‫﴿ ِليُذِي َقهُم َبعْضَ الّذِي عَ ِملُوا َلعَّلهُ ْم َيرْ ِجعُونَ ﴾ ‪ ،‬وقال قتادة ‪ :‬لعل رجعًا أن‬
‫يرجع ‪ ،‬لع ّل تائبًا أن يتوب ‪ ،‬لع ّل مستعتبًا أن يستعتب ‪ .‬وقوله تعال ‪ ﴿ :‬قُلْ‬
‫سِيُوا فِي اْلأَ ْرضِ فَان ُظرُوا َكيْفَ كَانَ عَاِقَب ُة الّذِينَ مِن َقبْلُ ﴾ ‪.‬‬
‫قال البغوي ‪ :‬لتروا منازلمَ ومسَاكنهم خاويَة ‪ ﴿ ،‬كَان َ‬
‫َ أَ ْكثَرُهَُم‬
‫مّشْرِ ِكيَ ﴾ فأهلكوا بكفرهم ‪.‬‬
‫قوله عز و جل ‪َ ﴿ :‬فأَقِ ْم وَ ْجهَ كَ لِلدّي ِن اْلقَيّ ِم مِن قَ ْب ِل أَن َيأْتِ يَ يَوْ ٌم لّا‬
‫صدّعُونَ (‪ )43‬مَن َك َفرَ َفعَلَيْ هِ ُك ْفرُ هُ َومَ نْ عَ ِملَ‬
‫َم َردّ لَ ُه مِ نَ اللّ هِ يَ ْومَِئذٍ يَ ّ‬
‫جزِ يَ اّلذِي نَ آمَنُوا وَعَمِلُوا ال صّالِحَاتِ‬
‫س ِهمْ يَ ْم َهدُو نَ (‪ )44‬لِيَ ْ‬
‫صَالِحا فَ ِلأَنفُ ِ‬
‫ب اْلكَا ِفرِينَ (‪. ﴾ )45‬‬
‫مِن فَضْ ِلهِ ِإّنهُ لَا يُحِ ّ‬
‫الزء الثالث‬ ‫‪518‬‬

‫عن قتادة ‪ :‬قوله ‪َ ﴿ :‬فأَقِ ْم وَ ْجهَ كَ لِلدّي ِن اْل َقيّ مِ ﴾ الِسلم ‪ ﴿ ،‬مِن َقبْ ِل‬
‫أَن يَ ْأتِ يَ َيوْ مٌ لّا مَرَدّ لَ ُه مِ نَ اللّ ِه َي ْو َمئِ ٍذ يَ صّ ّدعُونَ ﴾ فريق ف النة ‪ ،‬وفريق ف‬
‫السعي ‪.‬‬
‫ُسَهِمْ‬
‫َنَ عَمِلَ صََالِحا َفِلأَنف ِ‬
‫ُهَ َوم ْ‬ ‫وقوله تعال ‪ ﴿ :‬م َن َكفَرَ َفعََلي ِ‬
‫ْهَ ُكفْر ُ‬
‫يَ ْمهَدُونَ ﴾ ‪.‬‬
‫قال ابن جرير ‪ :‬يقول تعال ذكره ‪ :‬من كفر بال فعليه أوزار كفره وآثام‬
‫جحوده نعَم ربَه ‪َ ﴿ ،‬ومَن َْ عَمِلَ صََالِحا َفِلأَنفُسَِهِ ْم يَ ْمهَدُونََ ﴾ ‪ ،‬يقول ‪:‬‬
‫فلنفسهم يستعدّون ويسوّون الضجع ليسلموا من عقاب ربم ولينجوا من‬
‫عذابه ‪.‬‬
‫ت مِن َفضْلِهِ ﴾ ‪.‬‬ ‫ي الّذِينَ آ َمنُوا َوعَمِلُوا الصّالِحَا ِ‬
‫﴿ ِليَجْ ِز َ‬
‫قال ا بن كث ي ‪ :‬أي ‪ :‬يازي هم مازاة الف ضل ‪ ،‬ال سنة بع شر أمثال ا إل‬
‫سبعمائة ض عف إل ما يشاء ال ‪ِ ﴿ .‬إنّ هُ لَا يُحِبّ اْلكَافِرِي نَ ﴾ و مع هذا هو‬
‫العادل فيهم الذي ل يور ‪.‬‬

‫***‬
‫‪519‬‬ ‫توفيق الرحن ف دروس القرآن‬

‫الدرس الرابع عشر بعد الائتي‬

‫جرِيَ‬
‫شرَاتٍ َولُِيذِي َقكُم مّن ّرحْمَتِ ِه َولِتَ ْ‬
‫﴿ وَمِنْ آيَاتِ ِه أَن ُيرْ ِسلَ الرّيَاحَ مَُب ّ‬
‫ك ِبأَ ْمرِ ِه وَلِتَبَْتغُوا مِن فَضْلِ هِ َوَلعَلّكُ مْ َتشْ ُكرُو نَ (‪ )46‬وََل َقدْ أَرْ سَلْنَا مِن‬
‫اْلفُلْ ُ‬
‫ت فَانَتقَمْنَا مِنَ اّلذِينَ َأ ْجرَمُوا وَكَانَ‬
‫ل ِإلَى َقوْ ِمهِ ْم فَجَاؤُوهُم بِالْبَيّنَا ِ‬
‫قَبْلِكَ رُسُ ً‬
‫سـحَابا‬
‫ي َ‬‫َاحـ فَتُثِ ُ‬
‫ْسـلُ الرّي َ‬
‫ّهـ اّلذِي ُير ِ‬
‫َصـُر الْ ُمؤْمِنِيَ (‪ )47‬الل ُ‬
‫َحقّا َعلَيْنَا ن ْ‬
‫ج مِ نْ‬
‫خرُ ُ‬
‫ق يَ ْ‬
‫جعَلُ هُ كِ سَفا فََترَى الْ َودْ َ‬
‫ف َيشَا ُء َويَ ْ‬
‫فَيَبْ سُ ُط ُه فِي ال سّمَاء كَيْ َ‬
‫شرُونَ (‪َ )48‬وإِن‬
‫ب بِ ِه مَن َيشَا ُء مِ نْ عِبَادِ ِه ِإذَا هُ ْم يَ سْتَ ْب ِ‬
‫خِلَالِ هِ َفِإذَا أَ صَا َ‬
‫ِسـيَ (‪ )49‬فَان ُظ ْر ِإلَى آثَارِ‬
‫ِهـ لَمُ ْبل ِ‬
‫كَانُوا م ِن قَ ْب ِل أَن يَُنزّلَ عَلَيْه ِم مّنـ قَبْل ِ‬
‫ك لَمُحْيِي الْ َموْتَى َو ُهوَ‬
‫ض َب ْعدَ َم ْوِتهَا إِنّ َذلِ َ‬
‫ف يُحْيِي الْأَرْ َ‬
‫َرحْمَ تِ اللّ هِ كَيْ َ‬
‫ص َفرّا لّظَلّوا مِن بَ ْعدِ هِ‬
‫عَلَى ُك ّل َشيْ ٍء َقدِيرٌ (‪ )50‬وَلَئِ ْن أَرْ سَلْنَا رِيا َف َرأَوْ ُه مُ ْ‬
‫صمّ الدّعَاء ِإذَا َوّلوْا‬
‫ك لَا تُ سْ ِمعُ الْ َموْتَى َولَا تُ سْمِ ُع ال ّ‬
‫َي ْكفُرُو نَ (‪َ )51‬فِإنّ َ‬
‫ُم ْدبِرِي نَ (‪ )52‬وَمَا أَن تَ ِبهَادِي اْلعُمْ يِ عَن ضَلَالَتِهِ مْ إِن تُ سْمِ ُع ِإلّا مَن ُيؤْمِ نُ‬
‫ضعْ فٍ ُثمّ َج َعلَ مِن َب ْعدِ‬
‫بِآيَاتِنَا َفهُم مّ سْلِمُونَ (‪ )53‬اللّ ُه الّذِي خَ َلقَكُم مّن َ‬
‫خلُ قُ مَا َيشَا ُء َو ُهوَ اْلعَلِي مُ‬
‫ضعْفا َوشَيَْبةً يَ ْ‬
‫ضعْ فٍ ُق ّو ًة ثُمّ َجعَ َل مِن بَ ْع ِد قُ ّوةٍ َ‬
‫َ‬
‫ُونـ مَا لَبِثُوا غَ ْي َر سـَا َعةٍ‬
‫ج ِرم َ‬
‫ْسـُم الْمُ ْ‬
‫ُومـ السـّا َع ُة ُيق ِ‬
‫ْمـ تَق ُ‬
‫اْلقَدِيرُ (‪َ )54‬وَيو َ‬
‫َك َذلِ كَ كَانُوا ُي ْؤفَكُو نَ (‪َ )55‬وقَالَ اّلذِي َن أُوتُوا اْلعِلْ َم وَاْلإِيَا نَ لَ َق ْد لَبِثْتُ مْ فِي‬
‫ث َولَكِّنكُمْ كُنتُ ْم لَا تَعْلَمُونَ (‪)56‬‬
‫ث َف َهذَا َيوْمُ الَْبعْ ِ‬
‫ب اللّ ِه ِإلَى َيوْمِ الَْبعْ ِ‬
‫كِتَا ِ‬
‫ض َربْنَا‬
‫فََي ْومَِئذٍ لّا يَنفَ ُع الّذِي نَ ظَ َلمُوا َم ْعذِرَُتهُ ْم َولَا هُ ْم يُ سَْتعْتَبُونَ (‪ )57‬وََل َقدْ َ‬
‫الزء الثالث‬ ‫‪520‬‬

‫لِلنّا سِ فِي َهذَا اْلقُرْآ ِن مِن ُك ّل مََثلٍ وَلَئِن جِئْتَهُم بِآَيةٍ لََيقُوَلنّ اّلذِي نَ َك َفرُوا‬
‫ب الّذِي َن لَا َيعْلَمُونَ (‬
‫ك يَطْبَ ُع اللّ هُ عَلَى قُلُو ِ‬
‫إِ ْن أَنتُمْ ِإلّا مُبْطِلُونَ (‪َ )58‬ك َذلِ َ‬
‫خفّّنكَ اّلذِي َن لَا يُوقِنُونَ (‪. ﴾ )60‬‬
‫‪ )59‬فَاصِْب ْر إِ ّن وَ ْعدَ ال ّل ِه حَ ّق َولَا َيسْتَ ِ‬

‫***‬
‫‪521‬‬ ‫توفيق الرحن ف دروس القرآن‬

‫ت َولِيُذِيقَكُم مّن‬
‫شرَا ٍ‬
‫قوله عز وجل ‪ ﴿ :‬وَمِنْ آيَاتِ ِه أَن ُيرْ ِسلَ ال ّريَاحَ مَُب ّ‬
‫ش ُكرُو نَ (‪)46‬‬
‫ك ِبأَ ْمرِ ِه َولِتَبَْتغُوا مِن فَضْلِ ِه وََلعَ ّلكُ مْ َت ْ‬
‫جرِ يَ اْلفُلْ ُ‬
‫ّرحْمَتِ هِ وَلِتَ ْ‬
‫ل ِإلَى َق ْومِهِ ْم فَجَاؤُوهُم بِالْبَيّنَا تِ فَانَتقَمْنَا مِ نَ‬
‫َوَلقَ ْد أَرْ سَلْنَا مِن قَبْلِ كَ رُ سُ ً‬
‫صرُ الْ ُم ْؤمِنِيَ (‪. ﴾ )47‬‬
‫اّلذِي َن أَ ْج َرمُوا وَكَانَ َحقّا عَلَيْنَا نَ ْ‬
‫قال ا بن كث ي ‪ :‬يذ كر تعال نع مه على خل قه ف إر ساله الرياح مبشّرات‬
‫ب ي يدي رح ته بج يء الغ يث عقب ها ‪ ،‬ولذا قال تعال ‪ ﴿ :‬وَِليُذِي َقكُ ْم مِ ْن‬
‫ِيَ‬
‫جر َ‬ ‫ِهَ ﴾ ‪ ،‬أي ‪ :‬الطَر الذي ينله فيحيَي بَه البلد والعباد ‪ ﴿ ،‬وَِلتَ ْ‬ ‫َرحْ َمت ِ‬
‫ِهَ ﴾ ‪ ،‬أي ‪ :‬فَ‬ ‫ِنَ َفضْل ِ‬
‫ِهَ ﴾ ‪ ،‬أي ‪ :‬فَ البحَر ‪ ﴿ ،‬وَِلتَْبَتغُوا م ْ‬ ‫ْكَ ِبَأمْر ِ‬
‫اْلفُل ُ‬
‫التجارات ‪ ،‬والعايَش ‪ .‬والسَي مَن إقليَم إل إقليَم ‪ ،‬وقطَر إل قطَر ‪.‬‬
‫شكُرُو نَ ﴾ ‪ ،‬أي ‪ :‬تشكرون ال على ما أنعم به عليكم من‬ ‫﴿ وََلعَّلكُ ْم تَ ْ‬
‫النعم الظاهرة والباطنة الت ل تعد ول تصى ‪.‬‬
‫ثـ قال تعال ‪ ﴿ :‬وََلقَدْ أَرْسَ ْل‬
‫َنَا مِن َقبْلِكََ رُسَُلً إِلَى َق ْو ِمهِم َْ فَجَاؤُوهُم‬
‫بِاْلَبيّنَا تِ فَانَتقَ ْمنَا مِ َن الّذِي نَ أَ ْج َرمُوا ﴾ هذه تسلية من ال تعال لعبده ورسوله‬
‫م مد بأ نه وإن كذّ به كث ي من قو مه و من الناس ‪ ،‬ف قد كُذّ بت الر سل‬
‫التقدّمون مع ما جاءوا أمهم به من الدلئل الواضحات ‪ ،‬ولكن انتقم ال من‬
‫كذّبم وخالفهم وأنى الؤمني بم ﴿ وَكَا نَ َحقّا عََلْينَا نَ صْ ُر الْ ُم ْؤمِنِيَ ﴾ ‪،‬‬
‫أي ‪ :‬هَو حَق أوجبَه على نفسَه الكريةَ تكرّمًا وتفضلً ‪ ،‬كقوله تعال ‪:‬‬
‫﴿ َكتَبَ َرّبكُ ْم عَلَى َنفْسِهِ الرّ ْح َمةَ ﴾ ‪.‬‬
‫الزء الثالث‬ ‫‪522‬‬

‫قوله عز و جل ‪ ﴿ :‬اللّ ُه الّذِي ُيرْ ِسلُ الرّيَا حَ فَتُثِيُ سَحَابا فَيَبْ سُ ُطهُ فِي‬
‫ج مِ نْ خِلَالِ هِ َفِإذَا‬
‫خرُ ُ‬
‫ق يَ ْ‬
‫جعَلُ هُ كِ سَفا فََترَى الْ َودْ َ‬
‫ف َيشَا ُء َويَ ْ‬
‫ال سّمَاء كَيْ َ‬
‫شرُونَ (‪َ )48‬وإِن كَانُوا مِن قَ ْبلِ‬
‫ب بِ ِه مَن َيشَاءُ مِنْ عِبَادِ ِه ِإذَا هُ ْم يَ سْتَ ْب ِ‬
‫أَصَا َ‬
‫أَن يَُن ّزلَ عَلَ ْيهِم مّن قَبْلِ هِ لَمُ ْبلِ سِيَ (‪ )49‬فَان ُظرْ ِإلَى آثَارِ َرحْمَ تِ اللّ هِ كَيْ فَ‬
‫ض َب ْعدَ مَ ْوِتهَا إِنّ َذلِ كَ لَ ُمحْيِي الْ َموْتَى َوهُوَ عَلَى ُك ّل شَيْ ٍء َقدِيرٌ‬
‫يُحْيِي اْلأَرْ َ‬
‫ص َفرّا لّظَلّوا مِن بَ ْعدِهِ َيكْ ُفرُونَ (‪َ )51‬فإِنّكَ‬
‫(‪َ )50‬ولَئِ ْن أَرْسَلْنَا رِيا َفرََأوْ ُه مُ ْ‬
‫لَا تُ سْمِ ُع الْ َم ْوتَى َولَا تُ سْمِ ُع ال صّ ّم الدّعَاء ِإذَا وَّلوْا ُم ْدبِرِي نَ (‪َ )52‬ومَا أَن تَ‬
‫ضلَالَِتهِ ْم إِن تُ سْ ِم ُع ِإلّا مَن ُيؤْمِ ُن بِآيَاتِنَا َفهُم مّ سْلِمُونَ (‬
‫ِبهَادِي اْلعُمْ يِ عَن َ‬
‫‪. ﴾ )53‬‬
‫قال عبيد بن عمي ‪ :‬الرياح أربع ‪ :‬يبعث ال ريًا فتق مّ الرض قمًا ‪ ،‬ث‬
‫يب عث ال الر يح الثان ية فتث ي سحابًا فيجعله ف ال سماء ك سفًا ‪ ،‬ث يب عث ال‬
‫الريح الثالثة فيؤلّف بي نه فيجعله ركامًا ‪ ،‬ث يب عث ال الريح الراب عة فتمطر ‪.‬‬
‫جعَلُ هُ كِ سَفا ﴾‪ ،‬أي ‪ :‬قطعًا ‪َ ﴿ ،‬فتَرَى اْلوَدْ قَ ﴾ ‪ ،‬قال‬
‫و عن قتادة ‪َ ﴿ :‬ويَ ْ‬
‫ج مِ نْ ِخلَالِ هِ ﴾ ‪ ،‬قال ابن كثي ‪ :‬أي ‪ :‬فترى الطر‬
‫ماهد ‪ :‬القطر ‪ ﴿ ،‬يَخْ ُر ُ‬
‫ب بِ ِه مَ ْن‬
‫وهو القطر يرج من بي ذلك السحاب ‪ .‬وقوله تعال ‪ ﴿ :‬فَِإذَا أَصَا َ‬
‫يَشَا ُء مِ ْن ِعبَادِ هِ إِذَا هُ مْ يَ سَْتبْشِرُونَ * َوإِن كَانُوا مِن َقبْلِ أَن ُينَزّ َل عََليْهِم مّ ن‬
‫َقبْلِ هِ لَ ُمبْلِ سِيَ ﴾ ‪ ،‬قال قتادة ‪ :‬قانط ي ‪ .‬قال ف جا مع البيان ‪َ ﴿ :‬وإِن كَانُوا‬
‫مِن َقبْلِ أَن ُينَزّ َل عََليْهِم ﴾ ال طر ‪ ﴿ ،‬مّ ن َقبْلِ هِ ﴾ تكر ير للتأك يد ‪ ،‬ومع ن‬
‫‪523‬‬ ‫توفيق الرحن ف دروس القرآن‬

‫سيَ‬
‫التأك يد ‪ :‬الدللة على بُ عد عهد هم بال طر وا ستحكام بأ سهم ‪َ ﴿ ،‬ل ُمبْلِ ِ‬
‫﴾ آي سي ‪ .‬وقوله تعال ‪ ﴿ :‬فَان ُظرْ إِلَى آثَارِ رَحْمَ تِ اللّ هِ ﴾ ‪ ،‬قال البغوي ‪:‬‬
‫أراد برح ة ال ال طر ‪ ،‬أي ‪ :‬ان ظر إل ح سن تأثيه ف الرض ‪ ،‬قال مقا تل ‪:‬‬
‫حيِي اْلأَرْضَ َبعْ َد َم ْوِتهَا‬
‫ف يُ ْ‬
‫أثر رحة ال ‪ .‬أي ‪ :‬أثر نعمته وهو النبت ‪َ ﴿ ،‬كيْ َ‬
‫إِنّ ذَلِ كَ لَ ُمحْيِي الْ َموْتَى َو ُهوَ عَلَى كُ ّل َشيْءٍ قَدِيرٌ ﴾ ‪ ﴿ .‬وََلئِ نْ أَرْ سَ ْلنَا رِيا‬
‫﴾ ‪ ،‬باردة مضرّة فأف سدت الزرع ‪ ﴿ ،‬فَ َرَأوْ ُه مُ صْفَرّا ﴾ ‪ ،‬أي ‪ :‬رأوا الن بت‬
‫والزرع م صفرًا ب عد الضرة ‪ ﴿ ،‬لّ َظلّوا ﴾ ل صاروا ‪ ﴿ ،‬مِن َبعْدِ هِ ﴾ ‪ ،‬أي ‪:‬‬
‫من ب عد ا صفرار الزرع ‪ ﴿ ،‬يَ ْكفُرُو نَ ﴾ ‪ ،‬يحدون ما سلف من النع مة ‪.‬‬
‫و عن قتادة قوله ‪ ﴿ :‬فَِإنّ كَ لَا تُ سْمِعُ الْ َموْتَى ﴾ هذا م ثل ضر به ال للكا فر ‪،‬‬
‫فك ما ل ي سمع ال يت الدعاء كذلك ل ي سمع الكا فر ‪ ﴿ ،‬وَلَا تُ سْمِ ُع ال صّمّ‬
‫َ ﴾ ‪ ،‬يقول ‪ :‬لو أن أصَمّ ولّى مدبرّا ثَ ناديتَه ل‬ ‫ال ّدعَاء إِذَا وَّلوْا مُ ْدبِرِين َ‬
‫يسمع ‪ ،‬كذلك الكافر ل يسمع ول ينتفع با يسمع ‪ .‬وقال ف جامع البيان ‪:‬‬
‫الص ّم القبل ربا يفطن من الكلم بعونة مشاهدة القرائن شيئًا منه ‪ ،‬بلف‬
‫ضلَاَلِتهِ مْ ﴾ ‪ ،‬والكا فر ك من ل‬ ‫ت ِبهَادِي اْلعُمْ يِ عَن َ‬‫الدبر ‪ ﴿ .‬وَمَا أَن َ‬
‫عيَ له يضلّ الطريَق ‪ ،‬وليَس بوسَع أحَد أن ينع عنَه العمَى ويعله‬
‫بصيًا ‪ ﴿ ،‬إِن تُ سْمِعُ إِلّا مَن ُي ْؤمِ نُ بِآيَاِتنَا ﴾ ما ينفع الساع إل لن علم ال‬
‫أنه يصدّق بآياته وما طبع على قلبه ﴿ َفهُم مّسِْلمُونَ ﴾ منقادون لا تأمرهم ‪.‬‬
‫الزء الثالث‬ ‫‪524‬‬

‫ضعْ فٍ ثُمّ َج َعلَ مِن َب ْعدِ‬


‫قوله عز و جل ‪ ﴿ :‬اللّ ُه الّذِي خَ َلقَكُم مّ ن َ‬
‫خلُ قُ مَا َيشَا ُء َو ُهوَ اْلعَلِي مُ‬
‫ضعْفا َوشَيَْبةً يَ ْ‬
‫ضعْ فٍ ُق ّو ًة ثُمّ َجعَ َل مِن بَ ْع ِد قُ ّوةٍ َ‬
‫َ‬
‫اْلقَدِيرُ (‪. ﴾ )54‬‬
‫قال البغوي ‪ :‬قوله تعال ‪ ﴿ :‬اللّ ُه الّذِي َخَل َقكُ مْ مِ نْ َ‬
‫ضعْ فٍ ﴾ ‪ ،‬قرئ ‪:‬‬
‫ب ضم الضاد ‪ ،‬وفتح ها ‪ .‬فال ضم ل غة ‪ :‬قر يش ‪ .‬والف تح ل غة ‪ :‬ت يم ‪ .‬قال ا بن‬
‫حجـر فـ ( فتـح الباري ) ‪ :‬فالمهور ‪ :‬بالضَم ‪ .‬وقرأ عاصَم ‪ ،‬وحزة ‪:‬‬
‫بالفتح ‪ .‬وقال الليل ‪ :‬الضعف بالضم ما كان ف السد ‪ ،‬والفتح ما كان ف‬
‫ضعْ فٍ ﴾ ‪ ،‬أي ‪ :‬من‬ ‫الع قل ‪ .‬و عن قتادة قوله ‪ ﴿ :‬اللّ ُه الّذِي خََل َقكُ ْم مِ نْ َ‬
‫ضعْفا َو َشيَْبةً‬
‫ضعْ فٍ ُق ّوةً ثُمّ َجعَ َل مِن َبعْدِ ُق ّوةٍ َ‬‫نط فة ‪ ﴿ ،‬ثُمّ َجعَ َل مِن َبعْدِ َ‬
‫﴾ ‪ :‬الش مط ‪ ﴿ ،‬يَخْلُ ُق مَا يَشَاءُ ﴾ ‪ ،‬قال البغوي ‪ :‬من الض عف ‪ ،‬والقوة ‪،‬‬
‫والشباب ‪ ،‬والشي بة ‪ ﴿ ،‬وَ ُه َو اْلعَلِي ُم ﴾ بتدب ي خل قه ‪ ﴿ ،‬اْلقَدِيرُ ﴾ على ما‬
‫يشاء ‪.‬‬
‫ج ِرمُو َن مَا لَبِثُوا غَ ْيرَ‬
‫قوله عز و جل ‪َ ﴿ :‬وَيوْ َم َتقُو ُم ال سّا َعةُ ُيقْ سِ ُم الْمُ ْ‬
‫سَا َعةٍ َك َذلِ كَ كَانُوا ُي ْؤفَكُو نَ (‪َ )55‬وقَا َل الّذِي َن أُوتُوا اْلعِلْ مَ وَالْإِيَا نَ لَ َقدْ‬
‫ث َولَكِّنكُ مْ كُنتُ ْم لَا‬
‫ث َف َهذَا َيوْ مُ الَْبعْ ِ‬
‫ب اللّ ِه ِإلَى َيوْ مِ الَْبعْ ِ‬
‫لَبِثْتُ ْم فِي كِتَا ِ‬
‫َتعْلَمُو نَ (‪ )56‬فََيوْمَِئ ٍذ لّا يَنفَ ُع اّلذِي نَ ظَلَمُوا مَ ْعذِ َرُتهُ مْ َولَا هُ مْ يُ سَْتعْتَبُونَ (‬
‫‪. ﴾ )57‬‬
‫‪525‬‬ ‫توفيق الرحن ف دروس القرآن‬

‫عن قتادة ‪َ ﴿ :‬وَيوْ َم َتقُو مُ ال سّا َعةُ ُيقْ سِمُ الْ ُمجْ ِرمُو َن مَا َلِبثُوا َغيْرَ سَا َع ٍة‬
‫ُونَ ﴾ ‪ ،‬أي ‪ :‬يكذّبوك فَ الدنيَا ‪ ،‬وإناَ يعنَ بقوله ‪:‬‬ ‫ِكَ كَانُوا ُيؤَْفك َ‬
‫كَذَل َ‬
‫ُيؤَْفكُونَ ﴾ عن الصدق ويصدّون عنه إل الكذب ‪.‬‬
‫قال ا بن كث ي ‪ :‬ي ب تعال عن ج هل الكفار ف الدن يا والخرة ‪ ،‬ف في‬
‫الدنيا فعلوا ما فعلوا من عبادة الوثان ‪ ،‬وف الخرة يكون منهم جهل عظيم‬
‫أيض ًا ‪ ،‬فمنَه إقسَامهم بال أنمَ مَا لبثوا غيَ سَاعة واحدة فَ الدنيَا ‪،‬‬
‫ومقصَودهم بذلك عدم قيام الج ّة عليهَم ‪ ،‬وأنمَ ل ينتظروا حتَ يُعذَر‬
‫ِينَ أُوتُوا‬
‫ِكَ كَانٌوا ُيؤَْفكُون ﴾ ‪ ﴿ ،‬وَقَا َل الّذ َ‬ ‫إليهَم ‪ ،‬قال ال تعال ‪ ﴿ :‬كَذَل َ‬
‫اْلعِلْ َم وَاليَا نَ َلقَدْ َلِبثْتُ مْ فِي ِكتَا بِ اللّ هِ إِلَى َيوْ ِم الَْبعْ ثِ ﴾ ‪ ،‬أي ‪ :‬فيد عليهم‬
‫الؤمنون العلماء ف الخرة ‪ ،‬كما أقاموا عليهم حجة ال ف الدنيا ‪ ،‬فيقولون‬
‫لم حي يلفون ما لبثوا غي ساعة ‪َ ﴿ :‬لقَدْ َلِبثْتُ مْ فِي ِكتَا بِ اللّ هِ ﴾ ‪ ،‬أي ‪:‬‬
‫ف كتاب العمال ‪ ﴿ ،‬إِلَى َيوْمِ اْلَبعْثِ ﴾ ‪ ،‬أي ‪ :‬من يوم خلقتم إل أن بعثتم‬
‫‪ ﴿ ،‬وَلَ ِكّنكُ مْ ُكْنتُ ْم ل َتعْلَمُو نَ ﴾ ‪ .‬قال ال تعال ‪َ ﴿ :‬فَيوْ َمئِذٍ ﴾ ‪ ،‬أي ‪ :‬يوم‬
‫َ ﴾ ‪ ،‬أي ‪ :‬اعتذارهَم عمَا‬ ‫ِينَ ظَلَمُوا َمعْذِ َرُتهُم ْ‬
‫َعَ الّذ َ‬‫القيامَة ‪ ﴿ ،‬ل َينْف ُ‬
‫سَتعَْتبُونَ ﴾ ‪ ،‬أي ‪ :‬ول هم يرجعون إل الدنيا ‪ ،‬كما قال‬ ‫فعلوا ‪ ﴿ ،‬وَل هُ ْم يُ ْ‬
‫ستَ ْعِتبُوا فَمَا هُ ْم مِ َن الْ ُم ْعَتبِيَ ﴾ ‪.‬‬
‫تعال ‪َ ﴿ :‬وإِ ْن يَ ْ‬
‫ض َربْنَا لِلنّا سِ فِي َهذَا الْ ُقرْآ ِن مِن ُك ّل مََثلٍ‬
‫قوله عز و جل ‪ ﴿ :‬وََل َقدْ َ‬
‫َولَئِن جِئْتَهُم بِآيَ ٍة لََيقُولَنّ الّذِي نَ َك َفرُوا إِ ْن أَنتُ ْم ِإلّا مُبْطِلُو نَ (‪َ )58‬ك َذلِ كَ‬
‫الزء الثالث‬ ‫‪526‬‬

‫يَطَْب ُع اللّ هُ عَلَى قُلُو بِ اّلذِي نَ لَا َيعْلَمُو نَ (‪ )59‬فَا صِْب ْر إِنّ وَ ْع َد اللّ ِه حَقّ َولَا‬
‫خفّّنكَ اّلذِي َن لَا يُوقِنُونَ (‪. ﴾ )60‬‬
‫َيسْتَ ِ‬
‫قال ا بن كث ي ‪ :‬يقول تعال ‪ ﴿ :‬وََلقَدْ ضَ َربْنَا لِلنّا سِ فِي هَذَا اْلقُرْآ نِ مِ نْ‬
‫كُ ّل َمثَلٍ ﴾ ‪ ،‬أي ‪ :‬قد بّينّا لم الق ووضّحناه لم ‪ ،‬وضربنا لم فيه المثال‬
‫لي تبيّنوا ال ق ويتّبعوه ‪ ﴿ ،‬وََلئِ نْ ِجْئَتهُ ْم بِآَيةٍ َلَيقُولَنّ الّذِي نَ َكفَرُوا إِ نْ َأْنتُ مْ إِل‬
‫ي آية كانت ‪ ،‬سواء كانت باقتراحهم أو غيه ل‬ ‫ُمبْطِلُونَ ﴾ ‪ ،‬أي ‪ :‬لو رأوا أ ّ‬
‫يؤمنون ب ا ويعتقدون أن ا سحر وبا طل ‪ ،‬ك ما قالوا ف انشقاق الق مر ونوه‬
‫ك ل ُي ْؤمِنُو نَ * وََلوْ جَا َءْتهُمْ‬ ‫كما قال تعال ‪ ﴿ :‬الّذِي نَ َحقّ تْ عََلْيهِ مْ كَِل َمةُ َربّ َ‬
‫ك يَ ْطبَعُ اللّهُ‬‫كُ ّل آَيةٍ َحتّى يَ َروُا اْلعَذَابَ اللِيمَ ﴾ ‪ ،‬ولذا قال ها هنا ‪ ﴿ :‬كَذَلِ َ‬
‫صبِرْ ِإنّ َوعْدَ اللّ هِ حَقّ ﴾ ‪ ،‬أي ‪ :‬اصب على‬ ‫ب الّذِي َن ل َيعْلَمُو نَ * فَا ْ‬
‫عَلَى قُلُو ِ‬
‫مالفتهَم وعنادهَم ‪ ،‬فإن ال تعال منجَز لك مَا وعدك مَن نصَره إياك‬
‫خ ّفنّكَ‬
‫ستَ ِ‬ ‫عليهم ‪ ،‬وجعله العاقبة لك ولن اتبعك ف الدنيا والخرة ‪ ﴿ ،‬وَل يَ ْ‬
‫الّذِي نَ ل يُوِقنُو نَ ﴾ ‪ ،‬أي ‪ :‬بل اثبت على ما بعثك ال به فإنه الق الذي ل‬
‫مرية فيه ‪ ،‬ول تعدل عنه وليس فيما سواه هدى يتبع ‪ ،‬بل الق كله منحصر‬
‫فيه ‪ .‬قال سعيد عن قتادة ‪ :‬نادى رجل من الوارج عليًا رضي ال عنه وهو‬
‫ِنَ‬
‫ِكَ َلئ ْ‬
‫ِنَ َقبْل َ‬ ‫ِينَ م ْ‬‫ْكَ َوإِلَى الّذ َ‬
‫ِيَ إَِلي َ‬ ‫فَ صَلة الغداة فقال ‪ ﴿ :‬وََلقَدْ أُوح َ‬
‫ك وََلَتكُونَنّ مِ َن الْخَا ِسرِينَ ﴾ ‪ ،‬فأنصت له عل يّ حت‬ ‫حبَطَنّ عَمَلُ َ‬
‫َأشْرَكْ تَ َليَ ْ‬
‫‪527‬‬ ‫توفيق الرحن ف دروس القرآن‬

‫َرْ إِنّ َوعْدَ اللّهَِ حَقّ وَلَا‬


‫فهَم مَا قال ‪ ،‬فأجابَه وهَو فَ الصَلة ‪ ﴿ :‬فَاص ِْب‬
‫خ ّفنّكَ الّذِينَ لَا يُوِقنُونَ ﴾ ‪.‬‬
‫ستَ ِ‬
‫يَ ْ‬

‫***‬
‫الزء الثالث‬ ‫‪528‬‬

‫الدرس الامس عشر بعد الائتي‬


‫[ سورة لقمان ]‬
‫مكية ‪ ،‬وهي أربع وثلثون آية‬
‫بسم ال الرحن الرحيم‬
‫حكِي مِ (‪ )2‬هُدًى وَ َرحْ َمةً لّلْ ُمحْ سِِنيَ (‬
‫ب الْ َ‬
‫﴿ آل (‪ )1‬تِلْ كَ آيَا تُ اْلكِتَا ِ‬
‫‪ )3‬اّلذِي َن ُيقِيمُو نَ ال صّلَاةَ َوُيؤْتُو َن الزّكَا َة وَهُم بِالْآ ِخ َرةِ هُ ْم يُوقِنُو نَ (‪)4‬‬
‫ك هُ ُم الْ ُمفْلِحُو نَ (‪َ )5‬ومِ َن النّا سِ مَن‬
‫ُأ ْولَئِ كَ عَلَى ُهدًى مّ ن ّرّبهِ مْ َوُأوْلَئِ َ‬
‫خ َذهَا ُهزُوا أُولَئِكَ‬
‫ضلّ عَن سَبِي ِل اللّ هِ بِغَ ْيرِ عِلْمٍ َويَتّ ِ‬
‫حدِي ثِ لِيُ ِ‬
‫َيشَْترِي لَ ْهوَ الْ َ‬
‫ب ّمهِيٌ (‪ )6‬وَِإذَا تُتْلَى عَلَيْ هِ آيَاتُنَا َولّى مُ سْتَكْبِرا َكأَن لّ مْ يَ سْ َم ْعهَا‬
‫َلهُ مْ َعذَا ٌ‬
‫ِينـ آمَنُوا وَعَمِلُوا‬
‫ِيمـ (‪ )7‬إِنّ اّلذ َ‬
‫َابـ َأل ٍ‬
‫ْهـ ِبعَذ ٍ‬
‫شر ُ‬‫ْهـ وَقْرا فََب ّ‬
‫َكأَنّ فِي ُأذُنَي ِ‬
‫ت َلهُ ْم جَنّا تُ الّنعِي مِ (‪ )8‬خَالِدِي نَ فِيهَا وَ ْعدَ اللّ هِ َحقّا َو ُهوَ اْلعَزِيزُ‬
‫ال صّالِحَا ِ‬
‫ت بِغَ ْيرِ َع َمدٍ َت َروَْنهَا َوَأْلقَى فِي الْأَرْ ضِ َروَا سِيَ‬
‫حكِي مُ (‪ )9‬خَلَ قَ ال سّمَاوَا ِ‬
‫الْ َ‬
‫أَن تَمِي َد ِبكُمْ َوبَثّ فِيهَا مِن ُك ّل دَاّبةٍ َوأَن َزلْنَا مِ َن السّمَا ِء مَا ًء َفأَنبَتْنَا فِيهَا مِن‬
‫ُكلّ َزوْ جٍ َكرِيٍ (‪ )10‬هَذَا خَلْ قُ اللّ هِ َفأَرُونِي مَاذَا خَلَ َق الّذِي َن مِن دُونِ هِ َبلِ‬
‫حكْ َمةَ أَ نِ ا ْش ُكرْ لِلّ هِ‬
‫الظّالِمُو َن فِي ضَلَالٍ مّبِيٍ (‪ )11‬وََل َقدْ آَتيْنَا ُلقْمَا َن الْ ِ‬
‫سهِ وَمَن َك َف َر َفإِنّ اللّ هَ غَنِيّ حَمِيدٌ (‪َ )12‬وِإذْ‬
‫ش ُكرُ لَِنفْ ِ‬
‫ش ُكرْ َفِإنّمَا َي ْ‬
‫وَمَن َي ْ‬
‫شرْ َك لَظُلْ مٌ َعظِي مٌ (‬
‫شرِ كْ بِاللّ ِه إِنّ ال ّ‬
‫قَالَ ُلقْمَا نُ لِابْنِ ِه وَ ُهوَ َيعِظُ هُ يَا بَُنيّ لَا ُت ْ‬
‫‪َ )13‬ووَصّيْنَا اْلإِنسَا َن ِبوَاِلدَْي ِه حَمَلَ ْتهُ ُأ ّمهُ وَهْنا عَلَى وَ ْهنٍ وَفِصَالُ ُه فِي عَامَيْنِ‬
‫‪529‬‬ ‫توفيق الرحن ف دروس القرآن‬

‫ك ِإلَيّ الْمَصِيُ (‪ )14‬وَإِن جَا َهدَاكَ عَلى أَن ُتشْرِ َك بِي‬


‫أَ ِن اشْ ُك ْر لِي َولِوَالِ َديْ َ‬
‫ك بِ هِ عِلْ مٌ فَلَا تُ ِط ْعهُمَا وَ صَاحِ ْبهُمَا فِي ال ّدنْيَا َم ْعرُوفا وَاتّبِ عْ سَبِيلَ‬
‫س لَ َ‬
‫مَا لَيْ َ‬
‫مَ ْن َأنَابَ ِإَليّ ُثمّ إَِليّ مَ ْر ِجعُكُمْ َفُأنَبُّئكُم بِمَا كُنتُ ْم َتعْمَلُونَ (‪ )15‬يَا بُنَيّ ِإّنهَا‬
‫ت أَ ْو فِي‬
‫خ َر ٍة َأوْ فِي ال سّمَاوَا ِ‬
‫ك مِ ْثقَالَ حَبّ ٍة مّ ْن َخرْ َدلٍ فَتَكُن فِي صَ ْ‬
‫إِن تَ ُ‬
‫ت بِهَا اللّ ُه إِنّ اللّ َه لَطِي فٌ خَبِيٌ (‪ )16‬يَا بُنَيّ َأقِ مِ ال صّلَا َة َوأْ ُمرْ‬
‫ض َيأْ ِ‬
‫اْلأَرْ ِ‬
‫ك إِ ّن ذَِلكَ مِنْ َع ْزمِ اْلُأمُورِ‬
‫ف وَاْنهَ َع ِن الْمُن َك ِر وَاصِْبرْ عَلَى مَا أَصَابَ َ‬
‫بِالْ َمعْرُو ِ‬
‫ش فِي اْلأَرْ ضِ مَرَحا إِنّ اللّ هَ لَا يُحِبّ‬
‫س َولَا تَمْ ِ‬
‫صعّ ْر َخدّ َك لِلنّا ِ‬
‫(‪َ )17‬ولَا تُ َ‬
‫صوِْتكَ إِنّ أَن َكرَ‬
‫ض مِن َ‬
‫ك وَاغْضُ ْ‬
‫صدْ فِي َمشْيِ َ‬
‫ُك ّل مُخْتَا ٍل فَخُورٍ (‪ )18‬وَاقْ ِ‬
‫ص ْوتُ الْحَ ِميِ (‪. ﴾ )19‬‬
‫صوَاتِ لَ َ‬
‫اْلأَ ْ‬

‫***‬
‫الزء الثالث‬ ‫‪530‬‬

‫حكِيمِـ (‪ُ )2‬هدًى‬


‫َاتـ الْكِتَابِـ الْ َ‬
‫ْكـ آي ُ‬
‫قوله عـز وجـل ‪ ﴿ :‬آل (‪ )1‬تِل َ‬
‫وَ َرحْ َمةً لّلْمُحْ سِنِيَ (‪ )3‬الّذِي َن ُيقِيمُو َن ال صّلَاةَ َوُيؤْتُو نَ الزّكَاةَ َوهُم بِالْآ ِخ َرةِ‬
‫هُ مْ يُوقِنُو نَ (‪ )4‬أُ ْولَئِ كَ عَلَى ُهدًى مّ ن ّرّبهِ مْ َوُأوْلَئِ كَ هُ ُم الْ ُمفْلِحُو نَ (‪)5‬‬
‫ْمـ‬
‫ّهـ ِبغَ ْيرِ عِل ٍ‬
‫سـبِي ِل الل ِ‬
‫ضلّ عَن َ‬
‫ِيثـ لِيُ ِ‬
‫حد ِ‬ ‫ّاسـ مَن َيشَْترِي َل ْهوَ الْ َ‬
‫ِنـ الن ِ‬
‫َوم َ‬
‫ب ّمهِيٌ (‪َ )6‬وِإذَا تُتْلَى عَلَيْ هِ آيَاتُنَا َولّى‬
‫خذَهَا ُهزُوا أُولَئِ كَ َلهُ مْ َعذَا ٌ‬
‫َويَتّ ِ‬
‫مُ سْتَكْبِرا َكأَن لّ مْ يَ سْ َم ْعهَا َكأَنّ فِي ُأ ُذنَيْ ِه َوقْرا فََبشّرْ هُ ِب َعذَا بٍ َألِي مٍ (‪ )7‬إِنّ‬
‫اّلذِي نَ آمَنُوا وَعَمِلُوا ال صّالِحَاتِ َلهُ ْم جَنّا تُ الّنعِي مِ (‪ )8‬خَالِدِي َن فِيهَا وَ ْعدَ‬
‫حكِيمُ (‪. ﴾ )9‬‬
‫ال ّلهِ َحقّا َو ُهوَ اْلعَزِيزُ الْ َ‬
‫شتَرِي َل ْه َو الْحَدِي ثِ ﴾ ال ية ‪ ،‬قال‬ ‫قال البغوي ‪َ ﴿ ( :‬ومِ َن النّا ِ‬
‫س مَ ْن يَ ْ‬
‫الكلب ‪ ،‬ومقاتل ‪ :‬نزلت ف النضر بن الارث بن كلدة ‪ ،‬وكان يتّجر فيأت‬
‫َم ‪ ،‬فيحدّث با َ قريشًَا ‪ ،‬ويقول ‪ :‬إن ممدًا‬ ‫الية ويشتري أخبار العجَ‬
‫يدّثكم بديث ‪ :‬عاد ‪ ،‬وثود ‪ .‬وأنا أحدّثكم بديث ‪ :‬رستم ‪ ،‬واسفنديار ‪،‬‬
‫وأخبار الكا سرة ‪ ،‬في ستمعون حدي ثه ويتركون ا ستماع القرآن ‪ ،‬فأنزل ال‬
‫هذه ال ية ‪ .‬وروى ا بن جر ير وغيه عن أ ب أما مة مرفوعًا ‪ « :‬ل يلّ تعل يم‬
‫الغنّيات ول بيعه نّ ‪ ،‬ول شراؤه نّ ‪ ،‬وثنه نّ حرام » ؛ وقد نزل تصديق ذلك‬
‫شتَرِي َل ْه َو الْحَدِي ثِ ﴾ ) إل آخر الية ‪.‬‬
‫س مَ ْن يَ ْ‬
‫ف كتاب ال ‪َ ﴿ :‬ومِ َن النّا ِ‬
‫وقال قتادة ‪ :‬ب سب الرء من الضللة أن يتار حد يث البا طل على حد يث‬
‫‪531‬‬ ‫توفيق الرحن ف دروس القرآن‬

‫س مَ نْ‬
‫الق ‪ ،‬وما يضرّ على ما ينفع ‪ .‬وعن ابن عباس ف قوله ‪َ ﴿ :‬ومِ نَ النّا ِ‬
‫شتَرِي َل ْه َو الْحَدِيثِ ﴾ ‪ ،‬قال ‪ :‬هو ‪ :‬الغناء ونوه ‪.‬‬
‫يَ ْ‬
‫َسََم ْعهَا‬
‫ّمَ ي ْ‬
‫ُسَتَ ْكبِرا َكأَن ل ْ‬ ‫وقوله تعال ‪َ ﴿ :‬وإِذَا ُتتْلَى عََلي ِ‬
‫ْهَ آيَاتُنَا وَلّى م ْ‬
‫َكَأنّ فِي أُ ُذَنيْهِ وَقْرا ﴾ ‪.‬‬
‫وقال ا بن كث ي ‪ :‬أي ‪ :‬هذا الق بل على ‪ :‬الل هو ‪ ،‬والل عب ‪ ،‬والطرب إذا‬
‫تل يت عل يه اليات القرآن ية ‪ ،‬ولّى عن ها وأعرض وأدبر وتَ صَامم و ما به من‬
‫صمم ‪ ،‬كأنّه ما سعها ل نه يتأذّى ب سماعها إذ ل انتفاع له ب ا ول أرب له‬
‫في ها ‪َ ﴿ :‬فبَشّرْ ُه ِبعَذَا بٍ أَلِي مٍ ﴾ ‪ ،‬أي ‪ :‬يوم القيا مة يؤل ه ك ما تأل ب سماع‬
‫كتاب ال وآياته ‪ِ ﴿ :‬إنّ الّذِي نَ آ َمنُوا َوعَمِلُوا ال صّالِحَاتِ َلهُ مْ َجنّا تُ الّنعِي مِ *‬
‫حكِيمُ ﴾ ‪.‬‬ ‫خَالِدِينَ فِيهَا وَعْدَ اللّهِ َحقّا َوهُ َو اْلعَزِي ُز الْ َ‬
‫ت بِغَ ْيرِ َع َمدٍ َت َروَْنهَا َوأَْلقَى فِي اْلأَرْضِ‬
‫قوله عز وجل ‪ ﴿ :‬خَلَقَ السّمَاوَا ِ‬
‫َروَا ِسيَ أَن تَمِي َد ِبكُ مْ َوبَثّ فِيهَا مِن ُك ّل دَاّبةٍ َوأَن َزلْنَا مِ َن ال سّمَا ِء مَا ًء َفأَنبَتْنَا‬
‫فِيهَا مِن ُكلّ َزوْ جٍ َكرِيٍ (‪ )10‬هَذَا خَلْ قُ اللّ هِ َفأَرُونِي مَاذَا خَلَ َق الّذِي نَ مِن‬
‫دُونِ ِه َبلِ الظّالِمُونَ فِي ضَلَالٍ مِّبيٍ (‪. ﴾ )11‬‬
‫قال البغوي ‪ ﴿ :‬هَذَا ﴾ ‪ ،‬يع ن الذي ذكرت م ا تعاينون ‪َ ﴿ :‬خلْ قُ اللّ هِ‬
‫ِهَ ﴾ مَن آلتكَم التَ تعبدوناَ ‪ ﴿ ،‬بَلِ‬
‫ِينَ مِن دُون ِ‬
‫َقَ الّذ َ‬
‫َفأَرُونِي مَاذَا خَل َ‬
‫ضلَا ٍل ّمبِيٍ ﴾ ‪.‬‬
‫الظّالِمُونَ فِي َ‬
‫الزء الثالث‬ ‫‪532‬‬

‫ش ُكرْ‬
‫حكْ َم َة أَ ِن اشْ ُك ْر لِلّ ِه وَمَن َي ْ‬
‫قوله عز وجل ‪َ ﴿ :‬وَلقَدْ آتَيْنَا ُلقْمَانَ الْ ِ‬
‫سهِ وَمَن َك َفرَ َفإِنّ اللّ هَ غَنِيّ حَمِيدٌ (‪َ )12‬وِإذْ قَالَ ُلقْمَا نُ‬
‫َفِإنّمَا َيشْ ُك ُر لَِنفْ ِ‬
‫شرْ َك لَظُلْمٌ َعظِيمٌ (‪َ )13‬ووَصّيْنَا‬
‫شرِكْ بِاللّ ِه إِنّ ال ّ‬
‫لِابْنِهِ وَ ُهوَ َيعِظُهُ يَا بَُنيّ لَا ُت ْ‬
‫اْلإِنسَا َن بِوَالِ َديْهِ حَمَلَتْ ُه ُأمّهُ َوهْنا َعلَى َوهْنٍ َوفِصَاُل ُه فِي عَامَيْنِ أَنِ ا ْشكُ ْر لِي‬
‫س لَ كَ‬
‫شرِ َك بِي مَا لَيْ َ‬
‫َوِلوَاِلدَيْ كَ ِإَليّ الْمَ صِيُ (‪َ )14‬وإِن جَا َهدَا كَ عَلى أَن ُت ْ‬
‫ب ِإلَيّ‬
‫بِ هِ عِلْ ٌم فَلَا تُ ِط ْعهُمَا وَ صَاحِ ْبهُمَا فِي الدّنْيَا مَ ْعرُوفا وَاتّبِ عْ سَبِي َل مَ نْ َأنَا َ‬
‫ُثمّ ِإلَيّ مَ ْر ِجعُكُ ْم َفأُنَبُّئكُم بِمَا كُنتُ ْم َتعْمَلُونَ ( ‪ )15‬يَا بُنَيّ ِإّنهَا إِن تَكُ مِ ْثقَالَ‬
‫ض َيأْ تِ ِبهَا‬
‫خ َر ٍة أَ ْو فِي ال سّمَاوَاتِ َأ ْو فِي الْأَرْ ِ‬
‫صْ‬‫حَّبةٍ مّ ْن َخ ْردَ ٍل فَتَكُن فِي َ‬
‫ف وَانْهَ عَنِ‬
‫ف خَبِيٌ (‪ )16‬يَا بُنَيّ َأقِمِ الصّلَاةَ َوْأمُ ْر بِالْ َمعْرُو ِ‬
‫اللّهُ إِنّ اللّهَ لَطِي ٌ‬
‫صعّرْ‬
‫ك مِ نْ َعزْ ِم اْلأُمُورِ (‪ )17‬وَلَا تُ َ‬
‫الْمُن َكرِ وَا صِْبرْ عَلَى مَا أَ صَاَبكَ إِنّ َذلِ َ‬
‫ض َمرَحا إِنّ اللّ هَ لَا يُحِبّ ُك ّل مُخْتَالٍ فَخُورٍ‬
‫ش فِي الْأَرْ ِ‬
‫َخدّ َك لِلنّا سِ َولَا تَمْ ِ‬
‫صوْتُ‬
‫ت لَ َ‬
‫صوَا ِ‬
‫ك إِنّ أَن َكرَ اْلأَ ْ‬
‫ص ْوتِ َ‬
‫ض مِن َ‬
‫(‪ )18‬وَاقْ صِ ْد فِي َمشْيِ كَ وَاغْضُ ْ‬
‫الْحَ ِميِ (‪. ﴾ )19‬‬
‫حكْ َمةَ ﴾ قال ‪ :‬الف قه والع قل ‪،‬‬
‫عن ما هد قوله ‪ ﴿ :‬وََلقَ ْد آتَيْنَا ُلقْمَا نَ الْ ِ‬
‫وال صابة ف القول من غ ي نبوّة ‪ ،‬وقال عمرو بن ق يس ‪ :‬كان لقمان عبدًا‬
‫أسود غليظ الشفتي مصفّح القدمي ‪ ،‬فأتاه رجل وهو ف ملس أناس يدّثهم‬
‫فقال له ‪ :‬ألست الذي كنت ترعى معي الغنم ؟ قال ‪ :‬ن عم ‪ ،‬قال ‪ :‬ف ما بلغ‬
‫بَك مَا أرى ؟ قال ‪ :‬صَدق الديَث ‪ ،‬والصَمت عمَا ل يعنينَ ‪ .‬وفَ‬
‫‪533‬‬ ‫توفيق الرحن ف دروس القرآن‬

‫ال صحيحي عن ا بن م سعود ر ضي ال ع نه قال ‪ :‬ل ا نزلت ‪ ﴿ :‬الّذِي نَ آ َمنُواْ‬


‫وَلَ ْم يَ ْلبِ سُواْ إِيَاَنهُم بِظُ ْل مٍ ﴾ ‪ ،‬قلنا ‪ :‬يا رسول ال أيّنا ل يظلم نفسه ؟ قال ‪:‬‬
‫« ليس كما تقولون ‪ ،‬ل يلبسوا إيانم بظلم ‪ ،‬بشرك ‪ ،‬أول تسمعوا إل قول‬
‫لقمان ‪ :‬يا بنّ ل تشرك بال إن الشرك بال لظلم عظيم » ‪.‬‬
‫وقوله تعال ‪َ ﴿ :‬ووَ ّ‬
‫صْينَا الْإِن سَا َن ِبوَالِ َديْ هِ حَ َمَلتْ هُ ُأمّ ُه َوهْنا عَلَى َوهْ نٍ ﴾ ‪،‬‬
‫قال ابن عباس ‪ :‬شدّة بعد شدّة وخلقًا بعد خلق ‪.‬‬
‫وقوله تعال ‪ ﴿ :‬وَفِ صَالُهُ فِي عَا َميْ نِ ﴾ ‪ ،‬أي ‪ :‬فطامه ف حولي ‪ ﴿ ،‬أَ نِ‬
‫ا ْشكُرْ لِي ﴾ بالتوحيد ‪ ﴿ ،‬وَِلوَالِ َديْ كَ ﴾ بالبّ ‪ ﴿ ،‬إَِليّ الْمَ صِيُ ﴾ فأجازيك‬
‫على عملك ‪ .‬قال سفيان بن عيينة ‪ :‬من صلّى الصلوات المس فقد شكر‬
‫ال ‪ ،‬ومن دعا لوالديه ف أدبار الصلوات فقد شكرها ‪.‬‬
‫قال ابن جرير ‪ :‬فإن قال لنا قائل ‪ :‬ما وجه اعتراض هذا الكلم بي الب‬
‫عن وصيت لقمان ابنه ؟ قيل ‪ :‬ذلك أيضًا وإن كان خبًا من ال تعال ذكره‬
‫عن وصيته عباده به ‪ ،‬وأنه إنا أوصى به لقمان ابنه فكان معن الكلم ‪ ( :‬وإذ‬
‫ن ل تُشرك بِال إن الشّرك لظلم عظيم ‪ ،‬ول‬ ‫قال لقمانُ لبنه وهو َيعِظُهُ ‪ :‬يا بُ ّ‬
‫تطع ف الشرك به والديك ‪ ،‬وصاحبهما ف الدنيا معروفًا ‪ ،‬فإن ال وصّى بما‬
‫؛ وا ستؤنف الكلم على و جه ال ب من ال ‪ ،‬وف يه هذا الع ن ‪ ،‬فذلك و جه‬
‫اعتراض ذلك بي البين عن وصيته ‪ .‬انتهى ‪.‬‬
‫وعن قتادة ‪ :‬قوله ‪ ﴿ :‬يَا بَُنيّ ِإّنهَا إِن تَ كُ مِْثقَالَ َحّب ٍة مّ نْ َخرْدَلٍ ﴾ ‪ ،‬من‬
‫خ َرةٍ ﴾ ‪ ،‬أي ‪ :‬جبل ‪َ ﴿ ،‬أوْ فِي ال سّمَاوَاتِ َأوْ‬ ‫خي ‪ ،‬وشر ‪َ ﴿ ،‬فَتكُن فِي صَ ْ‬
‫الزء الثالث‬ ‫‪534‬‬

‫ِيفَ‬
‫ِيفَ َخبِيٌ ﴾ ‪ ،‬أي ‪ ﴿ :‬لَط ٌ‬ ‫ّهَ َلط ٌ‬ ‫ّهَ إِن ّ الل َ‬
‫ْتَ بِه َا الل ُ‬
‫ْضَ َيأ ِ‬
‫ف ِي الْأَر ِ‬
‫﴾ باستخراجها ‪َ ﴿ ،‬خبِيٌ ﴾ بستقرّها ‪.‬‬
‫ف وَانْ هَ عَ نِ‬‫وعن ابن جريج ف قوله ‪ ﴿ :‬يَا ُبنَيّ أَِق ِم ال صّلَا َة َوْأمُ ْر بِالْ َمعْرُو ِ‬
‫ك مِ ْن عَزْ مِ‬‫صبِ ْر عَلَى مَا أَ صَابَكَ ﴾ من الذى ف ذلك ‪ِ ﴿ :‬إنّ ذَلِ َ‬ ‫الْمُنكَ ِر وَا ْ‬
‫اْلُأمُورِ ﴾ ‪ ،‬قال ‪ :‬إن ذلك ما عزم ال عليه من المور ‪ ،‬يقول ‪ :‬ما أمر ال به‬
‫من المور ‪.‬‬
‫ّاسَ ﴾ ‪ ،‬يقول ‪ :‬ول تتكبّر‬ ‫ّكَ لِلن ِ‬ ‫ُصَعّرْ خَد َ‬ ‫وعَن ابَن عباس ‪ ﴿ :‬وَلَا ت َ‬
‫فتحقّر عباد ال وتعرض عنهم بوجهك إذا كلّموك ‪ .‬وعن الضحاك ف قوله ‪:‬‬
‫حبّ كُلّ‬ ‫﴿ وَلَا تَمْ شِ فِي اْلأَرْ ضِ َمرَحا ﴾ ‪ ،‬قال ‪ :‬باليلء ‪ِ ﴿ ،‬إنّ اللّ هَ لَا يُ ِ‬
‫ختَالٍ ﴾ متكَب ‪َ ﴿ ،‬فخُورٍ ﴾ ‪ .‬قال ‪:‬‬ ‫ختَالٍ فَخُورٍ ﴾ ‪ ،‬قال ماهَد ‪ ﴿ :‬مُ ْ‬ ‫مُ ْ‬
‫يعدّد ما أعطى ال وهو ل يشكر ال ‪.‬‬
‫ص ْوتِكَ ﴾ ‪،‬‬ ‫ض مِن َ‬ ‫شيِكَ ﴾ ‪ ،‬قال ‪ :‬التواضع ‪ ﴿ ،‬وَا ْغضُ ْ‬ ‫﴿ وَاقْصِدْ فِي مَ ْ‬
‫صوْتُ الْحَمِيِ‬ ‫صوَاتِ لَ َ‬ ‫قال قتادة ‪ :‬أمره بالقت صاد ف صوته ﴿ إِنّ أَنكَ َر اْلأَ ْ‬
‫﴾ أوّله زفي ‪ ،‬وآخره شهيق ‪.‬‬
‫وقد روي عن لقمان من الكم والواعظ أشياء كثية فمنها قوله ‪ :‬إن‬
‫ال إذا استودع شيئًا حفظه ‪.‬‬
‫وقال ‪ :‬يا ب ّ‬
‫ن إن الكمة أجلست الساكي مالس اللوك ‪.‬‬
‫وقال ‪ :‬الصمت حكم وقليل فاعله ‪.‬‬
‫‪535‬‬ ‫توفيق الرحن ف دروس القرآن‬

‫وقال ‪ :‬يا بنّ إذا أتيت نادي قوم فارمهم بسهم السلم ‪ -‬يعن ‪ :‬السلم ‪-‬‬
‫ث اجلس ف ناحيتهم ‪ ،‬ول تنطق حت تراهم قد نطقوا ‪ ،‬فإن أفاضوا ف ذكر‬
‫ال فَأ ِجلْ سهمك معهم ‪ ،‬وإن أفاضوا ف غي ذلك فتحوّل عنهم إل غيهم ‪.‬‬
‫الربعيَ ‪ :‬كان لقمان عبدًا حبشي ًا فدفَع موله إليَه شاة وقال ‪:‬‬
‫ّ‬ ‫وقال خالد‬
‫اذبها وائتن بأطيب مضغتي منها ‪ .‬فأتاه باللسان ‪ ،‬والقلب ‪ ،‬ث دفع إليه شاة‬
‫أخرى وقال ‪ :‬اذبها وائتن بأخبث مضغتي منها ‪ ،‬فأتاه باللسان ‪ ،‬والقلب ‪،‬‬
‫فسأله موله فقال ‪ :‬ليس شيء أطيب منهما إذا طابا ‪ ،‬ول أخبث منهما إذا‬
‫خب ثا ‪ .‬و عن ع مر مول غفرة قال ‪ :‬و قف ر جل على لقمان الك يم فقال ‪:‬‬
‫أنَت لقمان ‪ ،‬أنَت عبَد بنَ السَحاس ؟ قال ‪ :‬نعَم ‪ ،‬قال ‪ :‬أنَت راعَي‬
‫الغ نم ؟ قال ‪ :‬ن عم ‪ ،‬قال ‪ :‬أ نت ال سود ؟ قال ‪ :‬أ ما سوادي فظا هر ‪ ،‬ف ما‬
‫الذي يعجبَك مَن أمري ؟ قال وطَء الناس بسَاطك ‪ ،‬وغشيهَم بابَك ‪،‬‬
‫ورضاهَم بقولك ! قال ‪ :‬يَا ابَن أخَي إن صَغيت إل مَا أقول لك كنَت‬
‫كذلك ‪ ،‬قال لقمان ‪ :‬غَضّي بصري ‪ ،‬وكَفيّ لسان ‪ ،‬وعفَة طعمت ‪ ،‬وحفظ‬
‫فرجَي ‪ ،‬وقول بصَدقي ‪ ،‬ووفائي بعهدي ‪ ،‬وتكرمتَ ضيفَي ‪ ،‬وحفظَي‬
‫جاري ‪ ،‬وتركي ما ل يعنين ‪ ،‬فذلك الذي صيّن إل ما ترى ‪ .‬وال أعلم ‪.‬‬

‫***‬
‫الزء الثالث‬ ‫‪536‬‬

‫الدرس السادس عشر بعد الائتي‬

‫ض َوأَسْبَغَ‬
‫ت َومَا فِي اْلأَرْ ِ‬
‫خرَ َلكُم مّا فِي السّمَاوَا ِ‬
‫﴿ َألَمْ َت َروْا أَنّ اللّهَ سَ ّ‬
‫عَلَ ْيكُ مْ ِنعَمَ هُ ظَاهِ َر ًة َوبَاطَِن ًة َومِ نَ النّا سِ مَن يُجَا ِدلُ فِي اللّ ِه ِبغَيْرِ عِلْ ٍم وَلَا‬
‫ب مّنِيٍ (‪ )20‬وَِإذَا قِي َل َلهُ مُ اتِّبعُوا مَا أَنزَ َل اللّ ُه قَالُوا َب ْل نَتّبِ عُ‬
‫ُهدًى َولَا كِتَا ٍ‬
‫مَا َوجَ ْدنَا عَلَيْهِ آبَاءنَا أَ َوَلوْ كَا َن الشّيْطَا ُن يَدْعُوهُ ْم ِإلَى َعذَابِ السّعِيِ (‪)21‬‬
‫ك بِالْ ُع ْروَ ِة الْ ُوْثقَى َوِإلَى‬
‫سنٌ َف َقدِ اسْتَ ْمسَ َ‬
‫َومَن يُسْ ِل ْم وَ ْجهَ ُه ِإلَى اللّهِ َو ُهوَ مُحْ ِ‬
‫حزُن كَ ُك ْفرُ هُ ِإلَيْنَا َمرْ ِج ُعهُ مْ فَنُنَبُّئهُم‬
‫اللّ هِ عَاقَِبةُ اْلُأمُورِ (‪ )22‬وَمَن َك َف َر فَلَا يَ ْ‬
‫ل ُثمّ نَضْ َط ّرهُ مْ‬
‫صدُورِ (‪ )23‬نُمَّت ُعهُ ْم قَلِي ً‬
‫ت ال ّ‬
‫بِمَا َعمِلُوا إِنّ اللّ هَ َعلِي مٌ ِبذَا ِ‬
‫ض لََيقُوُلنّ‬
‫ت وَاْلأَرْ َ‬
‫ِإلَى َعذَا بٍ غَلِي ظٍ (‪َ )24‬ولَئِن َسأَلَْتهُم مّنْ خَلَقَ ال سّمَاوَا ِ‬
‫ح ْمدُ لِلّ هِ َب ْل أَكَْث ُرهُ مْ لَا َيعْلَمُو نَ (‪ )25‬لِلّ ِه مَا فِي ال سّمَاوَاتِ‬
‫اللّ ُه ُقلِ الْ َ‬
‫ج َرةٍ‬
‫ض مِن شَ َ‬
‫ض إِنّ اللّ هَ ُهوَ اْلغَنِيّ الْحَمِيدُ (‪َ )26‬وَلوْ َأنّمَا فِي الْأَرْ ِ‬
‫وَالْأَرْ ِ‬
‫ت اللّ ِه إِنّ اللّهَ َعزِيزٌ‬
‫ح ٍر مّا َن ِفدَتْ كَلِمَا ُ‬
‫ح ُر يَ ُمدّ ُه مِن َب ْعدِهِ سَ ْب َعةُ َأبْ ُ‬
‫َأقْلَا ٌم وَالْبَ ْ‬
‫َحكِيمٌ (‪ )27‬مّا خَ ْلقُكُ ْم وَلَا بَعُْثكُمْ ِإلّا كََنفْسٍ وَاحِ َد ٍة إِنّ اللّهَ سَمِي ٌع بَصِيٌ (‬
‫خرَ‬
‫ج الّنهَا َر فِي اللّ ْي ِل وَ سَ ّ‬
‫ج اللّ ْي َل فِي الّنهَا ِر َويُولِ ُ‬
‫‪َ )28‬ألَ مْ َت َر أَنّ اللّ َه يُولِ ُ‬
‫جرِي إِلَى َأ َجلٍ مّ سَمّى َوأَنّ اللّ هَ بِمَا َتعْمَلُو َن خَبِيٌ (‬
‫س وَاْلقَ َمرَ ُك ّل يَ ْ‬
‫الشّمْ َ‬
‫حقّ َوأَنّ مَا َيدْعُو َن مِن دُونِ هِ الْبَا ِط ُل َوأَنّ اللّ هَ ُهوَ‬
‫‪َ )29‬ذلِ كَ ِبأَنّ اللّ َه ُهوَ الْ َ‬
‫ت اللّ ِه لُِي ِريَكُم‬
‫ح ِر بِِنعْمَ ِ‬
‫جرِي فِي الْبَ ْ‬
‫اْلعَلِيّ اْلكَبِيُ (‪َ )30‬ألَ مْ َت َر أَنّ اْلفُلْ كَ تَ ْ‬
‫مّ نْ آيَاتِ ِه إِنّ فِي َذلِ كَ لَآيَا تٍ ّل ُكلّ صَبّا ٍر شَكُورٍ (‪َ )31‬وِإذَا َغشَِيهُم مّوْ جٌ‬
‫‪537‬‬ ‫توفيق الرحن ف دروس القرآن‬

‫صدٌ‬
‫ي لَ هُ الدّي نَ فَلَمّا نَجّاهُ مْ ِإلَى الَْبرّ فَمِ ْنهُم ّمقْتَ ِ‬
‫كَالظّ َل ِل دَ َعوُا اللّ َه مُخْلِ صِ َ‬
‫ُمـ‬
‫ّاسـ اّتقُوا َربّك ْ‬
‫ح ُد بِآيَاتِنَا إِلّا ُك ّل خَتّارٍ َكفُورٍ (‪ )32‬يَا َأيّه َا الن ُ‬
‫وَمَا يَجْ َ‬
‫جزِي وَاِلدٌ عَن َوَلدِ ِه َولَا َموْلُودٌ ُهوَ جَازٍ عَن وَاِلدِ هِ شَيْئا‬
‫شوْا َيوْما لّا يَ ْ‬
‫وَا ْخ َ‬
‫إِنّ وَ ْعدَ اللّ ِه َحقّ فَلَا َت ُغ ّرنّكُ ُم الْحَيَاةُ ال ّدنْيَا َولَا َي ُغ ّرنّكُم بِاللّ هِ اْلغَرُورُ (‪)33‬‬
‫إِنّ اللّ هَ عِندَ هُ عِلْ مُ ال سّا َع ِة َويَُنزّلُ اْلغَيْ ثَ وََيعْلَ ُم مَا فِي اْلأَ ْرحَا ِم َومَا َتدْرِي‬
‫ض تَمُو تُ إِنّ اللّ هَ عَلِي مٌ‬
‫س ِبأَيّ أَرْ ٍ‬
‫س مّاذَا تَكْ سِبُ غَدا وَمَا َتدْرِي َنفْ ٌ‬
‫َنفْ ٌ‬
‫خَبِيٌ (‪. ﴾ )34‬‬

‫***‬
‫الزء الثالث‬ ‫‪538‬‬

‫خ َر َلكُم مّا فِي ال سّمَاوَاتِ وَمَا‬


‫قوله عز وجل ‪َ ﴿ :‬ألَ ْم َترَوْا أَنّ اللّ هَ سَ ّ‬
‫ض َوأَ سْبَغَ عَلَ ْيكُ مْ ِنعَمَ هُ ظَاهِ َر ًة َوبَاطَِن ًة َومِ نَ النّا سِ مَن يُجَادِ ُل فِي‬
‫فِي اْلأَرْ ِ‬
‫اللّ هِ ِبغَ ْيرِ عِلْ ٍم َولَا ُهدًى َولَا كِتَا بٍ مّنِيٍ (‪َ )20‬وِإذَا قِي َل َلهُ ُم اتّبِعُوا مَا أَن َزلَ‬
‫اللّ ُه قَالُوا َب ْل نَتّبِ ُع مَا وَ َجدْنَا عَلَيْ هِ آبَاءنَا َأوََلوْ كَا َن الشّيْطَا ُن َيدْعُوهُ مْ ِإلَى‬
‫ْسـنٌ َف َقدِ‬
‫ّهـ وَ ُه َو مُح ِ‬
‫َهـ ِإلَى الل ِ‬
‫ُسـِلمْ َوجْه ُ‬
‫السـعِيِ (‪ )21‬وَم َن ي ْ‬
‫َابـ ّ‬
‫َعذ ِ‬
‫ـ عَاقَِبةُ اْلأُمُورِ (‪ )22‬وَمَـن َك َف َر فَلَا‬
‫سكَ بِالْ ُع ْر َوةِ اْلوُثْقَـى َوإِلَى اللّه ِ‬
‫ـتَ ْم َ‬
‫اس ْ‬
‫صدُورِ‬
‫حزُنكَ ُك ْفرُ ُه ِإلَيْنَا َم ْرجِ ُعهُمْ فَنُنَبُّئهُم بِمَا عَمِلُوا إِنّ اللّهَ عَلِي ٌم ِبذَاتِ ال ّ‬
‫يَ ْ‬
‫ل ُثمّ نَضْ َط ّر ُهمْ ِإلَى َعذَابٍ غَلِيظٍ (‪. ﴾ )24‬‬
‫(‪ )23‬نُمَّت ُع ُهمْ قَلِي ً‬
‫قال ف جامع البيان ‪ ﴿ :‬أَلَ ْم تَ َروْا َأنّ اللّهَ سَخّرَ َلكُم مّا فِي السّمَاوَاتِ ﴾‬
‫َسَبَغَ ﴾ أوفَ‬ ‫ْضَ ﴾ ‪َ ﴿ ،‬وأ ْ‬ ‫بأن جعله أسَباب منافعكَم ‪ ﴿ ،‬وَمَا فِي اْلأَر ِ‬
‫وأتّ ﴿ عََلْيكُ ْم ِنعَمَ ُه ظَاهِ َرةً ﴾ م سوسة و ما تعرفو نه ‪َ ﴿ ،‬وبَاطَِن ًة ﴾ معقولة‬
‫س مَن يُجَادِلُ فِي اللّ ِه ِبغَيْ ِر عِ ْل ٍم وَلَا‬
‫وما ل تعرفونه ‪ .‬وعن قتادة ‪َ ﴿ :‬ومِ نَ النّا ِ‬
‫ب ّمنِيٍ ﴾ ليس معه من ال برهان ول كتاب ‪.‬‬ ‫هُدًى وَلَا ِكتَا ٍ‬
‫قال البغوي ‪ :‬نزلت ف الن ضر بن الارث ‪ ،‬وأبّ بن خلف ‪ ،‬وأم ية بن‬
‫خلف وأشباه هم ‪ ،‬كانوا يادلون ال نب ف ال و ف صفاته بغ ي علم ‪﴿ .‬‬
‫َوإِذَا قِيلَ َلهُ مُ اّتِبعُوا مَا أَنزَلَ اللّ هُ قَالُوا بَ ْل َنّتبِ ُع مَا وَجَ ْدنَا عََليْ ِه آبَاءنَا ﴾ ‪ ،‬قال‬
‫سعِيِ ﴾ وجواب‬ ‫ب ال ّ‬ ‫شيْطَا نُ يَ ْدعُوهُ مْ إِلَى عَذَا ِ‬ ‫ال عز وجل ‪َ ﴿ :‬أوََلوْ كَا نَ ال ّ‬
‫‪539‬‬ ‫توفيق الرحن ف دروس القرآن‬

‫َ ‪ :‬يتبعون الشيطان‬
‫َم فيتبعونََه ‪ .‬يعنَ‬ ‫( لو ) مذوف ‪ ،‬ومازه ‪ :‬يدعوهَ‬
‫سعِيِ ﴾ ‪.‬‬
‫شيْطَانُ يَ ْدعُوهُمْ إِلَى عَذَابِ ال ّ‬
‫وإن ﴿ كَانَ ال ّ‬
‫قوله تعال ‪ ﴿ :‬وَمَن يُ سْلِ ْم وَ ْجهَ هُ إِلَى اللّ هِ ﴾ ‪ ،‬يع ن ‪ :‬ل ‪ ،‬أي ‪ :‬يلص‬
‫َه ل ‪ ،‬ويفوّض أمره إل ال ‪َ ﴿ ،‬و ُهوَ مُحْسَِنٌ ﴾ ف َ عمله ‪َ ﴿ ،‬ف َق ِد‬ ‫دينَ‬
‫ك بِاْلعُ ْر َوةِ الْ ُوثْقَى ﴾ ‪ ،‬أي ‪ :‬اعتصَم بالعهَد الوثَق الذي ل ياف‬ ‫اسََمْسَ َ‬
‫ْت‬
‫انقطاعه ﴿ َوإِلَى اللّ ِه عَاِقبَ ُة اْلأُمُورِ * َومَن َكفَرَ فَلَا يَحْزُنكَ ُك ْفرُهُ إَِليْنَا َمرْ ِج ُعهُمْ‬
‫َفُنَنبُّئهُم بِمَا عَ ِملُوا ِإنّ اللّ َه عَلِي ٌم بِذَا تِ ال صّدُورِ ﴾ ‪ ﴿ .‬نُ َمّت ُعهُ مْ َقلِيلً ﴾ ‪ ،‬أي‬
‫‪ :‬نهلهم ليتمتّعوا بنع يم الدن يا قليلً إل انقضاء آجال م ﴿ ثُمّ َنضْطَ ّرهُ مْ ﴾ ث‬
‫ظ ﴾ وهو ‪ :‬عذاب النار ‪.‬‬ ‫ب غَلِي ٍ‬ ‫نلجئهم ونردّهم ف الخرة ‪ ﴿ ،‬إِلَى عَذَا ٍ‬
‫ض لََيقُوُلنّ‬
‫ت وَاْلأَرْ َ‬
‫قوله عز وجل ‪َ ﴿ :‬ولَئِن َسَألَْتهُم مّ نْ خَلَ َق ال سّمَاوَا ِ‬
‫ح ْمدُ لِلّ هِ َب ْل أَكَْث ُرهُ مْ لَا َيعْلَمُو نَ (‪ )25‬لِلّ ِه مَا فِي ال سّمَاوَاتِ‬
‫اللّ ُه ُقلِ الْ َ‬
‫ج َرةٍ‬
‫ض مِن شَ َ‬
‫ض إِنّ اللّ هَ ُهوَ اْلغَنِيّ الْحَمِيدُ (‪َ )26‬وَلوْ َأنّمَا فِي الْأَرْ ِ‬
‫وَالْأَرْ ِ‬
‫ت اللّ ِه إِنّ اللّهَ َعزِيزٌ‬
‫ح ٍر مّا َن ِفدَتْ كَلِمَا ُ‬
‫ح ُر يَ ُمدّ ُه مِن َب ْعدِهِ سَ ْب َعةُ َأبْ ُ‬
‫َأقْلَا ٌم وَالْبَ ْ‬
‫َحكِيمٌ (‪ )27‬مّا خَ ْلقُكُ ْم وَلَا بَعُْثكُمْ ِإلّا كََنفْسٍ وَاحِ َد ٍة إِنّ اللّهَ سَمِي ٌع بَصِيٌ (‬
‫‪. ﴾ )28‬‬
‫قال ا بن كث ي ‪ :‬يقول تعال م بًا عن هؤلء الشرك ي ‪ :‬أن م يعرفون أن‬
‫خالقَ السَماوات والرض وحدَه ل شريَك له ‪ ،‬ومَع هذا يعبدون معَه‬ ‫ُ‬ ‫ال‬
‫شركاء يعترفون أنا َخلْقٌ له وملك له ‪ ،‬ولذا قال تعال ‪ ﴿ :‬وََلئِنْ سَأَْلَتهُ ْم مَنْ‬
‫الزء الثالث‬ ‫‪540‬‬

‫ت وَالرْضَ َلَيقُولُنّ اللّهُ ُق ِل الْحَمْدُ ِللّهِ ﴾ ‪ ،‬أي ‪ :‬إذ قامت عليكم‬


‫خَلَ َق السّ َموَا ِ‬
‫الجة باعترافكم ‪ ﴿ ،‬بَلْ أَكْثَ ُرهُ ْم ل َيعْلَمُونَ ﴾ ‪.‬‬
‫ث قال تعال ‪ِ ﴿ :‬للّ ِه مَا فِي ال سّمَاوَا ِ‬
‫ت وَاْلأَرْ ضِ ﴾ ‪ ،‬أي ‪ :‬هو خل قه‬
‫وملكه ‪ِ ﴿ ،‬إنّ اللّ َه ُهوَ اْل َغنِيّ الْحَمِيدُ ﴾ ‪ ،‬أي ‪ ﴿ :‬اْلغَِنيّ ﴾ عما سواه وكل‬
‫ش يء فق ي إل يه ‪ ﴿ ،‬الْحَمِيدُ ﴾ ف ج يع ما خلق ‪ ،‬له ال مد ف ال سماوات‬
‫والرض على مَا خلق وشرع ‪ ،‬وهَو الحمود فَ المور كلهَا ‪ .‬وعَن أبَ‬
‫رجاء قال ‪ :‬سألت السن عن هذه الية ‪ ﴿ :‬وََلوْ َأنّمَا فِي اْلأَرْ ضِ مِن شَجَ َرةٍ‬
‫أَقْلَا مٌ ﴾ ‪ ،‬قال ‪ :‬لو جعل شجر الرض أقلمًا ‪ ،‬وجعل البحور مدادًا ‪ ،‬وقال‬
‫إنَ مَن أمري كذا ‪ ،‬ومَن أمري كذا ‪ ،‬لنفَد ماء البحور وتكسَرتّ‬ ‫ال ‪ّ :‬‬
‫القلم ‪ .‬وقال قتادة ‪ :‬قال الشركون ‪ :‬إنا هذا كلم يوشك أن ينفد ‪ ،‬قال ‪:‬‬
‫لو كان شجر ال ّب أقلمًا ومع البحر سبعة أبر ‪ ،‬ما كان لتنفد عجائب رب‬
‫وحكمته وخلقه وعلمه ‪.‬‬
‫وعن ماهد قوله ‪ ﴿ :‬مّا َخ ْل ُقكُ ْم وَلَا َب ْعثُكُ مْ إِلّا َكَنفْ سٍ وَاحِ َدةٍ ﴾ ‪ ،‬يقول‬
‫‪ :‬كن فيكون للقليل والكثي ‪.‬‬
‫قال ابن جرير ‪ :‬وقوله ‪ِ ﴿ :‬إنّ اللّ هَ سَمِي ٌع بَ صِيٌ ﴾ ‪ ،‬يقول تعال ذكره ‪:‬‬
‫سَمِيعٌ ﴾ لاَ يقول هؤلء الشركون ويفترون على ربمَ ‪ ،‬مَن‬
‫ّهَ َ‬
‫﴿ إِنّ الل َ‬
‫ادعائهم له الشركاء والنداد وغي ذلك من كلمهم وكلم غيهم ‪َ ﴿ ،‬بصِيٌ‬
‫﴾ با يعلمونه وغيهم من العمال ‪ ،‬وهو مازيهم على ذلك جزاءهم ‪.‬‬
‫‪541‬‬ ‫توفيق الرحن ف دروس القرآن‬

‫ج الّنهَارَ‬
‫ج اللّ ْي َل فِي الّنهَا ِر َويُولِ ُ‬
‫قوله عز وجل ‪َ ﴿ :‬ألَ مْ َت َر أَنّ اللّ َه يُولِ ُ‬
‫جرِي إِلَى َأ َجلٍ مّ سَمّى َوأَنّ اللّ هَ بِمَا‬
‫س وَاْلقَ َمرَ ُك ّل يَ ْ‬
‫خ َر الشّمْ َ‬
‫فِي اللّ ْي ِل وَ سَ ّ‬
‫َتعْمَلُو َن خَبِيٌ (‪َ )29‬ذلِ كَ ِبأَنّ اللّ َه ُهوَ الْحَقّ َوأَنّ مَا َيدْعُو َن مِن دُونِ هِ‬
‫حرِ‬
‫جرِي فِي الْبَ ْ‬
‫الْبَا ِطلُ وَأَنّ اللّ هَ ُهوَ اْلعَ ِليّ اْلكَبِيُ (‪َ )30‬ألَ مْ َت َر أَنّ اْلفُلْ كَ تَ ْ‬
‫ك لَآيَا تٍ لّ ُكلّ صَبّا ٍر َشكُورٍ (‪)31‬‬
‫ت اللّ هِ لُِي ِرَيكُم مّ نْ آيَاتِ ِه إِنّ فِي َذلِ َ‬
‫بِِنعْمَ ِ‬
‫ي لَ هُ الدّي نَ فَلَمّ ا نَجّاهُ مْ ِإلَى‬
‫َوِإذَا َغشِيَهُم ّموْ جٌ كَالظّ َل ِل دَ َعوُا اللّ َه مُخْلِ صِ َ‬
‫ح ُد بِآيَاتِنَا ِإلّا ُك ّل خَتّارٍ َكفُورٍ (‪. ﴾ )32‬‬
‫جَ‬‫صدٌ َومَا يَ ْ‬
‫الَْبرّ َفمِ ْنهُم ّمقْتَ ِ‬
‫عن قتادة قوله ‪ ﴿ :‬أَلَ ْم تَرَ َأنّ اللّ َه يُولِ جُ الّليْلَ فِي الّنهَارِ ﴾ ‪ ،‬نقصان الليل‬
‫ِجَ الّنهَارَ ف ِي الّليْلِ ﴾ ‪ ،‬نقصَان النهار فَ زيادة‬ ‫فَ زيادة النهار ‪َ ﴿ ،‬ويُول ُ‬
‫ّسَمّى ﴾ ‪ ،‬يقول ‪:‬‬
‫جرِي إِلَى أَ َج ٍل م َ‬ ‫ْسَ وَاْلقَمَرَ كُ ّل يَ ْ‬‫َسَخّرَ الشّم َ‬ ‫الليَل ﴿ و َ‬
‫لذلك كله وقت معلوم ل ياوزه ول يعدوه ‪.‬‬
‫وقوله تعال ‪ ﴿ :‬أَلَ ْم تَرَ أَنّ الْفُلْ َ‬
‫ك َتجْرِي فِي اْلبَحْ ِر ِبِنعْمَ تِ اللّ هِ ِليُ ِريَكُم‬
‫صبّا ٍر َشكُورٍ ﴾ ‪ .‬عن مغية قال ‪ :‬الصب‬‫مّ ْن آيَاتِ هِ إِنّ فِي ذَلِ كَ لَآيَا تٍ ّلكُلّ َ‬
‫نصف اليان ‪ ،‬والشكر نصف اليان ‪ ،‬واليقي اليان كله ‪ ،‬أل تر إل قوله‬
‫َاتَ‬
‫ْضَ آي ٌ‬
‫صَبّا ٍر َشكُورٍ ﴾ ‪ ﴿ ،‬وَفِي الْأَر ِ‬
‫َاتَّلكُلّ َ‬
‫ِكَ لَآي ٍ‬ ‫‪ ﴿ :‬إِنّ فِي ذَل َ‬
‫ك لَيةً لّلْمُؤ ِمنِيَ ﴾ ‪.‬‬
‫لّلْمُوِقنِيَ ﴾ ‪ ﴿ ،‬إِنّ فِي ذَلِ َ‬
‫الزء الثالث‬ ‫‪542‬‬

‫خلِ صِيَ لَ هُ الدّي نَ‬ ‫وقوله تعال ‪َ ﴿ :‬وإِذَا غَ ِ‬


‫شيَهُم ّموْ جٌ كَالظّلَلِ َد َعوُا اللّ َه مُ ْ‬
‫جحَ ُد بِآيَاتِنَا إِلّا كُلّ َختّارٍ َكفُورٍ‬
‫َفلَمّ ا نَجّاهُم َْإِلَى الْبَرّ َف ِمنْهُم ّم ْقتَصٌَِد وَمَا يَ ْ‬
‫﴾ قال قتادة ‪ :‬التّار ‪ :‬الغدّار ‪ ،‬كل غدّار بذمّته كفور بربه ‪.‬‬
‫قال البغوي ‪ :‬والتَر ‪ :‬أسَوأ الغدر ‪ :‬قال بعضهَم ‪ :‬وإناَ قال هَا هنَا‬
‫‪ ﴿ :‬فَ ِمْنهُم ّمقْتَصِدٌ ﴾ وقد قال فيما قبل ‪ِ ﴿ :‬إذَا هُ ْم يُشْرِكُونَ ﴾ لنه ذكر‬
‫ها هنا الوج وعظمته ‪ ،‬ول مالة يبقى لثله أثر ف اليار ‪ ،‬فيخفض شيئًا من‬
‫غل ّو الكفر والظلم ‪ ،‬وينجر بعض النزجار ‪.‬‬
‫جزِي‬
‫شوْا َيوْما لّا يَ ْ‬
‫قوله عز و جل ‪ ﴿ :‬يَا أَيّهَا النّا سُ اّتقُوا َرّبكُ ْم وَا ْخ َ‬
‫وَالِدٌ عَن َولَدِ ِه َولَا َموْلُودٌ ُهوَ جَازٍ عَن وَالِدِ ِه شَيْئا إِنّ وَ ْع َد اللّ ِه حَقّ فَلَا‬
‫َت ُغرّّنكُ ُم الْحَيَاةُ الدّنْيَا َولَا َي ُغرّنّكُم بِاللّ ِه اْلغَرُورُ (‪ )33‬إِنّ اللّ هَ عِندَ هُ عِلْ مُ‬
‫س مّاذَا َتكْ سِبُ‬
‫ث َوَيعْلَ مُ مَا فِي اْلأَرْحَا مِ وَمَا َتدْرِي نَفْ ٌ‬
‫ال سّا َع ِة وَيَُن ّزلُ اْلغَيْ َ‬
‫ت إِنّ ال ّلهَ عَلِي ٌم خَبِيٌ (‪. ﴾ )34‬‬
‫س ِبأَيّ أَرْضٍ تَمُو ُ‬
‫غَدا َومَا َتدْرِي َنفْ ٌ‬
‫ّهَ اْلغَرُورُ ﴾ ذاكَم الشيطان ‪ .‬وعَن‬
‫عَن قتادة قوله ‪ ﴿ :‬وَلَا َيغُ ّرنّكُم بِالل ِ‬
‫ماهد ‪ِ ﴿ :‬إنّ اللّ َه عِن َدهُ عِلْمُ السّا َعةِ ﴾ ‪ ،‬قال ‪ :‬جاء رجل إل النب فقال ‪:‬‬
‫إن امرأتَ حبلى فأخَبن ماذا تلد ؟ وبلدنَا ملَ جدبَة فأخَبن متَ ينل‬
‫ت مت ولدت فأخبن مت أموت ؟ فأنزل ال ‪ِ ﴿ :‬إنّ اللّ هَ‬ ‫الغيث ؟ وقد علم ُ‬
‫عِندَ هُ عِ ْل ُم ال سّاعَ ِة َوُينَزّ ُل اْلغَيْ ثَ ﴾ إل آ خر ال سورة ) ‪ .‬رواه ا بن جر ير ‪.‬‬
‫وروى البخاري وغيه عَن ابَن عمَر قال ‪ :‬قال رسَول ال ‪ « :‬مفاتَح‬
‫‪543‬‬ ‫توفيق الرحن ف دروس القرآن‬

‫الغيب خ س ل يعلمه نّ إل ال ‪ ﴿ :‬إِنّ اللّ هَ عِندَ هُ عِ ْل ُم ال سّا َع ِة َوُينَزّ ُل اْلغَيْ َ‬


‫ث‬
‫ب غَدا َومَا تَدْرِي َنفْسٌ ِبأَيّ‬ ‫س مّاذَا َتكْسِ ُ‬ ‫َوَيعْلَ ُم مَا فِي الْأَ ْرحَامِ َومَا تَدْرِي َنفْ ٌ‬
‫ض تَمُوتُ ِإنّ اللّ َه عَلِيمٌ َخبِيٌ ﴾ » ‪.‬‬ ‫أَ ْر ٍ‬

‫***‬
‫الزء الثالث‬ ‫‪544‬‬

‫الدرس السابع عشر بعد الائتي‬


‫[ سورة السجدة ]‬
‫مكية ‪ ،‬وهي ثلثون آية‬
‫يقرأ ف الف جر يوم‬ ‫ف ال صحيحي عن أ ب هريرة قال ‪ ( :‬كان ال نب‬
‫المعة ‪ :‬آل تنيل السجدة ‪ ،‬وهل أتى على النسان ) ‪.‬‬
‫بسم ال الرحن الرحيم‬
‫ب فِي ِه مِن ّربّ اْلعَالَمِيَ (‪ )2‬أَ ْم َيقُولُو نَ‬
‫ب لَا َريْ َ‬
‫﴿ آل (‪ )1‬تَنِيلُ الْكِتَا ِ‬
‫ك َلعَ ّلهُ مْ‬
‫حقّ مِن ّربّ كَ لِتُنذِ َر َقوْما مّا َأتَاهُم مّن ّنذِي ٍر مّن قَبْلِ َ‬
‫افَْترَا هُ َب ْل هُ َو الْ َ‬
‫ض َومَا بَيَْنهُمَا فِي سِّتةِ َأيّا مٍ‬
‫َيهَْتدُو نَ (‪ )3‬اللّ ُه الّذِي خَلَ َق ال سّمَاوَاتِ وَالْأَرْ َ‬
‫ش مَا لَكُم مّن دُونِهِ مِن َوِليّ وَلَا شَفِي ٍع َأفَلَا تََتذَ ّكرُونَ (‬
‫ُثمّ اسَْتوَى عَلَى اْل َعرْ ِ‬
‫ج ِإلَيْ ِه فِي َيوْ مٍ كَا َن ِم ْقدَارُ هُ‬
‫ض ُثمّ يَ ْعرُ ُ‬
‫‪ُ )4‬ي َدبّ ُر اْلأَ ْمرَ مِ َن ال سّمَا ِء ِإلَى اْلأَرْ ِ‬
‫شهَا َدةِ اْل َعزِي ُز ال ّرحِي مُ (‪)6‬‬
‫َألْ فَ سَنَ ٍة مّمّا َتعُدّو نَ (‪َ )5‬ذلِ كَ عَالِ مُ اْلغَيْ بِ وَال ّ‬
‫اّلذِي َأحْ سَنَ ُك ّل َشيْءٍ خَلَقَ هُ وََب َدأَ خَلْ قَ اْلإِن سَا ِن مِن طِيٍ (‪ )7‬ثُمّ َج َعلَ‬
‫خ فِي ِه مِن رّوحِهِ َو َجعَ َل َلكُمُ‬
‫نَسْلَ ُه مِن سُلَاَلةٍ مّن مّاء ّمهِيٍ (‪ُ )8‬ثمّ َسوّا ُه َونَفَ َ‬
‫ش ُكرُونَـ (‪َ )9‬وقَالُوا َأِئذَا ضَلَلْنَا فِي‬
‫ل مّاـَت ْ‬
‫السّـمْ َع وَالَْأبْصـَارَ وَاْلأَفِْئ َدةَ قَلِي ً‬
‫ض َأئِنّا َلفِي خَلْ قٍ َجدِي ٍد َبلْ هُم بِ ِلقَاء َرّبهِ مْ كَافِرُو نَ (‪ُ )10‬قلْ يََت َوفّاكُم‬
‫اْلأَرْ ِ‬
‫مّلَ كُ الْ َموْ تِ اّلذِي وُ ّك َل ِبكُ ْم ثُمّ ِإلَى َرّبكُ مْ ُت ْرجَعُو نَ (‪ )11‬وََل ْو َترَى ِإذِ‬
‫صرْنَا وَ سَ ِمعْنَا فَا ْرجِعْنَا َنعْ َملْ‬
‫ج ِرمُو َن نَاكِ سُو ُرؤُو ِس ِهمْ عِندَ َرّبهِ مْ َربّنَا أَبْ َ‬
‫الْمُ ْ‬
‫‪545‬‬ ‫توفيق الرحن ف دروس القرآن‬

‫س ُهدَاهَا َوَلكِ ْن َحقّ اْلقَ ْولُ‬


‫صَالِحا ِإنّا مُوقِنُونَ (‪َ )12‬وَلوْ شِئْنَا لَآتَيْنَا ُكلّ َنفْ ٍ‬
‫س َأجْ َمعِيَ (‪َ )13‬فذُوقُوا بِمَا نَ سِيتُ ْم ِلقَاء‬
‫مِنّي َلَأمْلَأَنّ جَهَنّ مَ مِ نَ الْجِّن ِة وَالنّا ِ‬
‫ب الْخُ ْلدِ بِمَا كُنُتمْ َتعْمَلُونَ (‪ِ )14‬إنّمَا‬
‫َي ْومِكُ ْم َهذَا ِإنّا َنسِينَا ُكمْ َوذُوقُوا َعذَا َ‬
‫ُي ْؤمِ ُن بِآيَاتِنَا اّلذِي َن ِإذَا ذُ ّكرُوا ِبهَا َخرّوا سُجّدا وَسَبّحُوا بِحَ ْمدِ َرّبهِمْ َوهُمْ لَا‬
‫ُمـ خَوْفا‬
‫ُونـ َرّبه ْ‬
‫ِعـ َيدْع َ‬
‫َنـ الْمَضَاج ِ‬
‫ُمـ ع ِ‬
‫َسـتَكِْبرُونَ (‪ )15‬تَتَجَافَى جُنُوبُه ْ‬
‫ي ْ‬
‫وَ َطمَعا َومِمّ ا َر َزقْنَاهُ مْ يُن ِفقُو نَ (‪ )16‬فَلَا َتعْلَ ُم َنفْ سٌ مّا ُأخْفِ يَ َلهُم مّن ُق ّرةِ‬
‫أَعْيُ ٍن جَزَاء بِمَا كَانُوا َيعْمَلُو نَ (‪َ )17‬أفَمَن كَا َن ُم ْؤمِنا َكمَن كَا نَ فَا سِقا لّا‬
‫ت الْ َمأْوَى‬
‫ت فَ َلهُ مْ جَنّا ُ‬
‫يَ سَْتوُونَ (‪َ )18‬أمّ ا الّذِي نَ آمَنُوا وَعَمِلُوا ال صّالِحَا ِ‬
‫سقُوا فَ َم ْأوَاهُ ُم النّارُ كُلّمَا أَرَادُوا‬
‫ُن ُزلً بِمَا كَانُوا َيعْمَلُونَ (‪ )19‬وََأمّا الّذِي َن فَ َ‬
‫خ ُرجُوا مِنْهَا أُعِيدُوا فِيهَا َوقِي َل َلهُ ْم ذُوقُوا َعذَا بَ النّا ِر الّذِي كُنتُم بِ هِ‬
‫أَن يَ ْ‬
‫ُت َكذّبُو نَ (‪ )20‬وَلَُنذِيقَنّهُ مْ مِ نَ اْلعَذَا بِ اْلَأدْنَى دُو َن اْلعَذَا بِ اْلأَكَْب ِر لَعَ ّلهُ مْ‬
‫َي ْرجِعُو نَ (‪ )21‬وَمَ نْ أَظْلَ ُم مِمّ ن ذُ ّك َر بِآيَا تِ َربّ ِه ثُمّ أَ ْعرَ ضَ َعنْهَا إِنّ ا مِ نَ‬
‫ج ِرمِيَ مُنَتقِمُو نَ (‪َ )22‬وَلقَدْ آتَيْنَا مُو سَى اْلكِتَا بَ فَلَا َتكُن فِي ِم ْرَيةٍ مّن‬
‫الْمُ ْ‬
‫ّلقَائِ ِه وَ َجعَلْنَا هُ ُهدًى لّبَنِي إِ سْرَائِيلَ (‪ )23‬وَ َجعَلْنَا مِ ْنهُ ْم أَئِ ّم ًة َي ْهدُو َن ِبأَ ْم ِرنَا‬
‫صلُ بَيَْنهُ مْ َيوْ مَ‬
‫لَمّ ا صََبرُوا وَكَانُوا بِآيَاتِنَا يُوقِنُو نَ (‪ )24‬إِنّ َربّ كَ هُ َو َيفْ ِ‬
‫اْلقِيَا َمةِ فِيمَا كَانُوا فِي ِه يَخْتَ ِلفُو نَ (‪ )25‬أَ َولَ ْم َيهْ ِد َلهُ مْ كَ ْم َأهْلَكْنَا مِن قَبْ ِلهِم‬
‫ت َأفَلَا يَ سْ َمعُونَ (‪)26‬‬
‫مّ َن الْ ُقرُو نِ يَ ْمشُو َن فِي مَ سَاكِِن ِهمْ إِنّ فِي َذلِ كَ لَآيَا ٍ‬
‫خرِ جُ بِ هِ زَرْعا َتأْ ُك ُل مِنْ هُ‬
‫جرُ ِز فَُن ْ‬
‫ق الْمَاء ِإلَى اْلأَرْ ضِ الْ ُ‬
‫َأ َولَ ْم َيرَوْا أَنّ ا نَ سُو ُ‬
‫الزء الثالث‬ ‫‪546‬‬

‫ح إِن كُنتُ مْ‬


‫صرُونَ (‪ )27‬وََيقُولُو َن مَتَى َهذَا اْلفَتْ ُ‬
‫سهُ ْم َأفَلَا يُبْ ِ‬
‫َأْنعَا ُمهُ ْم َوأَنفُ ُ‬
‫ح لَا يَنفَ ُع اّلذِينَ َك َفرُوا إِيَانُهُمْ وَلَا هُ ْم يُن َظرُونَ (‬
‫صَا ِدقِيَ (‪ُ )28‬ق ْل َيوْمَ اْلفَتْ ِ‬
‫‪َ )29‬فأَ ْعرِضْ عَ ْن ُه ْم وَانتَ ِظ ْر ِإّنهُم مّنتَ ِظرُونَ (‪. ﴾ )30‬‬

‫***‬
‫‪547‬‬ ‫توفيق الرحن ف دروس القرآن‬

‫ب فِي ِه مِن ّربّ اْلعَالَمِيَ‬


‫ب لَا َريْ َ‬
‫قوله عز وجل ‪ ﴿ :‬آل (‪ )1‬تَنِيلُ الْكِتَا ِ‬
‫ك لِتُنذِ َر َقوْما مّا َأتَاهُم مّن ّنذِيرٍ‬
‫حقّ مِن ّربّ َ‬
‫(‪ )2‬أَ ْم َيقُولُو َن افَْترَا ُه َبلْ ُهوَ الْ َ‬
‫مّن قَبْ ِلكَ َلعَ ّل ُهمْ َيهَْتدُونَ (‪. ﴾ )3‬‬
‫عن قتادة قوله ‪ ﴿ :‬آل * تَنِي ُل الْ ِكتَا بِ لَا َريْ بَ فِي هِ ﴾ ل شك فيه ‪ ،‬وإنا‬
‫مع ن الكلم ‪ :‬أن هذا القرآن الذي أنزل على م مد ل شك ف يه أ نه من ع ند‬
‫ال ‪ ،‬ول يس بش عر ول سجع كا هن ‪ ،‬ول هو م ا ترّ صه م مد ‪ ،‬وإن ا‬
‫كذّب ج ّل ثناؤه بذلك قول الذين ﴿ قَالُوا أَ سَاطِ ُي الَْأوّلِيَ ا ْكتََتَبهَا َفهِ يَ تُ ْملَى‬
‫ك ا ْفتَرَا هُ َوَأعَانَ هُ‬
‫عََليْ ِه ُبكْ َرةً َوأَ صِيلً ﴾ ‪ ،‬وقول الذ ين قالوا ‪ ﴿ :‬إِ ْن هَذَا إِلّا إِفْ ٌ‬
‫عََليْهِ َق ْومٌ آخَرُونَ ﴾ ‪.‬‬
‫وقوله تعال ‪ ﴿ :‬أَ ْم َيقُولُو َن افْتَرَا هُ بَ ْل ُه َو الْحَقّ مِن ّربّ كَ ِلتُنذِرَ َقوْما مّ ا‬
‫َأتَاهُم مّ ن نّذِي ٍر مّ ن َقبْلِ كَ َلعَّل ُه ْم َي ْهتَدُو نَ ﴾ ‪ ،‬قال قتادة ‪ :‬كانوا أمّة أمّ ية ل‬
‫يأتم نذير قبل ممد ‪.‬‬
‫ض َومَا بَيَْنهُمَا فِي‬
‫ت وَاْلأَرْ َ‬
‫قوله عز وجل ‪ ﴿ :‬اللّ هُ اّلذِي خَلَ َق ال سّمَاوَا ِ‬
‫ش مَا َلكُم مّن دُونِ ِه مِن َولِيّ َولَا َشفِي ٍع َأفَلَا‬
‫سِّتةِ أَيّا ٍم ُثمّ ا سَْتوَى عَلَى اْل َعرْ ِ‬
‫ض ثُمّ يَ ْعرُجُ ِإلَيْ ِه فِي َيوْمٍ كَانَ‬
‫تََتذَ ّكرُونَ (‪ُ )4‬ي َدبّ ُر اْلأَ ْمرَ مِنَ السّمَا ِء ِإلَى اْلأَرْ ِ‬
‫شهَا َدةِ اْل َعزِيزُ‬
‫ِم ْقدَارُهُـَألْفَـ سَـَن ٍة مّمّاـتَ ُعدّونَـ (‪َ )5‬ذلِكَـ عَالِمُـ اْلغَيْبِـ وَال ّ‬
‫سنَ ُك ّل شَيْ ٍء خَ َلقَ هُ وََب َدأَ خَلْ قَ اْلإِن سَا ِن مِن ِطيٍ (‪)7‬‬
‫الرّحِي مُ (‪ )6‬اّلذِي َأحْ َ‬
‫الزء الثالث‬ ‫‪548‬‬

‫خ فِي ِه مِن رّوحِ هِ‬


‫ُثمّ جَ َع َل نَ سْلَ ُه مِن سُلَاَلةٍ مّن مّاء ّمهِيٍ (‪ُ )8‬ثمّ َسوّا ُه َونَفَ َ‬
‫ل مّا َتشْ ُكرُونَ (‪. ﴾ )9‬‬
‫َوجَ َع َل لَ ُك ُم السّ ْم َع وَاْلأَبْصَا َر وَاْلَأفِْئدَ َة قَلِي ً‬
‫ض وَمَا َبيَْنهُمَا فِي‬
‫عن قتادة قوله ‪ ﴿ :‬اللّ ُه الّذِي خََل َق ال سّمَاوَاتِ وَاْلأَرْ َ‬
‫ِسّتةِ َأيّا ٍم ثُمّ ا ْستَوَى عَلَى الْعَرْشِ ﴾ ف اليوم السابع ‪ ﴿ ،‬مَا َلكُم مّن دُونِ ِه مِن‬
‫وَِل ّي وَلَا َشفِيعٍ ﴾ ‪.‬‬
‫قال ا بن كث ي ‪ :‬أي ‪ :‬بل هو الالك لز مة المور ‪ ،‬الالق لك ّل ش يء ‪،‬‬
‫الدبّر لك ّل ش يء ‪ ،‬القادر على ك ّل ش يء ‪ ،‬فل ولّ لل قه سواه ‪ ،‬ول شف يع‬
‫إل من ب عد إذ نه ﴿ أَفَل َتتَذَكّرُو نَ ﴾ ‪ ،‬يع ن ‪ :‬أي ها العابدون غيه التوكّلون‬
‫على مَن عداه ‪ ،‬تعال وتقدس وتنّه أن يكون له ‪ :‬نظيَ ‪ ،‬أو شريَك ‪ ،‬أو‬
‫ب سواه ‪.‬‬ ‫وزير ‪ ،‬أو نديد ‪ ،‬أو عديل ‪ .‬ل إله إل هو ول ر ّ‬
‫وقوله تعال ‪ ﴿ :‬يُ َدبّ ُر اْلَأمْ َر مِ َن ال سّمَاءِ إِلَى اْلأَرْ ِ‬
‫ض ثُمّ َيعْ ُر جُ إَِليْ هِ فِي َيوْ مٍ‬
‫كَانَ ِمقْدَارُهُ أَلْفَ َسَنةٍ مّمّا َتعُدّونَ ﴾ ‪ ،‬قال ماهد ‪ :‬يعن بذلك ‪ :‬نزول المر‬
‫مَن السَماء إل الرض ‪ ،‬ومَن الرض إل السَماء فَ يوم واحَد ‪ ،‬وذلك‬
‫مقداره ألف سنة لن ما بي السماء إل الرض مسية خسمائة عام ‪.‬‬
‫َ * الّذِي‬
‫شهَا َد ِة اْلعَزِيزُ الرّحِيم ُ‬
‫َ وَال ّ‬
‫َ الْ َغيْب ِ‬ ‫وقوله تعال ‪ ﴿ :‬ذَلِك َ‬
‫َ عَالِم ُ‬
‫سنَ كُ ّل َشيْءٍ خََلقَ هُ ﴾ ‪ ،‬قال ما هد ‪ :‬أت قن كل ش يء خل قه ‪ .‬وقال ا بن‬ ‫أَحْ َ‬
‫عباس ‪ :‬أتقنه وأحكمه ‪ .‬وعن قتادة ‪َ ﴿ :‬وبَ َدأَ خَلْ َق الْإِن سَانِ مِن طِيٍ ﴾ وهو‬
‫‪549‬‬ ‫توفيق الرحن ف دروس القرآن‬

‫سلَ ُه مِن سُلَاَل ٍة مّن مّاء ّمهِيٍ ﴾ والسللة هي ‪ :‬الاء‬


‫خلق آدم ‪ ﴿ ،‬ثُمّ َجعَ َل نَ ْ‬
‫الهي الضعيف ‪ ،‬قال ماهد ‪ :‬نطفة الرجل ‪.‬‬
‫وقوله تعال ‪ ﴿ :‬ثُ ّم َسوّاهُ ﴾ ‪.‬‬
‫قال البغوي ‪ :‬ث سوّى خل قه ﴿ َوَنفَ خَ فِي ِه مِن رّوحِ هِ ﴾ ‪ .‬ث عاد إل ذرّيتّه‬
‫السَمْ َع وَاْلَأبْصََا َر وَاْلأَفْئِ َدةَ‬
‫ُمَ ﴾ بعَد أن كنتَم نطفًا ﴿ ّ‬
‫فقال ‪ ﴿ :‬وَ َجعَلَ َلك ُ‬
‫شكُرُونَ ﴾ ‪ ،‬يعن ‪ :‬ل تشكرون رب هذه النعم فتوحّدونه ‪.‬‬ ‫َقلِيلً مّا تَ ْ‬
‫ض َأئِنّا لَفِي خَلْ ٍق َجدِيدٍ‬
‫قوله عز وجل ‪ ﴿ :‬وَقَالُوا أَِئذَا ضَلَلْنَا فِي اْلأَرْ ِ‬
‫ك الْ َموْ تِ اّلذِي وُ ّكلَ‬
‫َب ْل هُم بِ ِلقَاء َرّبهِ مْ كَا ِفرُو نَ (‪ُ )10‬ق ْل يََتوَفّاكُم مّلَ ُ‬
‫ج ِرمُونَ نَاكِسُو ُرؤُوسِ ِهمْ‬
‫ِبكُ ْم ثُمّ إِلَى َربّكُ ْم ُترْ َجعُونَ (‪ )11‬وََل ْو َترَى ِإذِ الْ ُم ْ‬
‫صرْنَا وَسَ ِمعْنَا فَارْ ِجعْنَا َنعْ َملْ صَالِحا ِإنّا مُوقِنُونَ (‪ )12‬وََلوْ‬
‫عِندَ َربّهِمْ َربّنَا َأبْ َ‬
‫س هُدَاهَا َوَلكِ نْ َحقّ اْلقَ ْولُ مِنّي َلَأمْ َلأَنّ َجهَنّ مَ مِ نَ الْجِّنةِ‬
‫شِئْنَا لَآتَيْنَا ُك ّل نَفْ ٍ‬
‫س َأجْ َمعِيَ (‪َ )13‬فذُوقُوا بِمَا نَ سِيُتمْ ِلقَاء َيوْ ِمكُ مْ َهذَا ِإنّ ا نَ سِينَا ُكمْ‬
‫وَالنّا ِ‬
‫َوذُوقُوا َعذَا بَ الْخُ ْل ِد بِمَا كُنتُ ْم َتعْمَلُو نَ (‪ِ )14‬إنّمَا يُ ْؤمِ نُ بِآيَاتِنَا اّلذِي َن ِإذَا‬
‫ح ْمدِ َربّهِ ْم وَهُ ْم لَا يَ سَْتكْبِرُونَ (‪)15‬‬
‫ذُ ّكرُوا بِهَا َخرّوا سُجّدا وَ سَبّحُوا بِ َ‬
‫تَتَجَافَى جُنُوبُهُ مْ عَ ِن الْمَضَاجِ ِع َيدْعُو نَ َرّبهُ مْ َخوْفا وَطَمَعا َومِمّ ا رَ َزقْنَاهُ مْ‬
‫يُن ِفقُو نَ (‪ )16‬فَلَا َتعْلَ مُ َنفْ سٌ مّ ا ُأ ْخفِ يَ لَهُم مّ ن ُق ّرةِ أَعْيُ ٍن َجزَاء بِمَا كَانُوا‬
‫َيعْمَلُونَ (‪. ﴾ )17‬‬
‫الزء الثالث‬ ‫‪550‬‬

‫ضلَلْنَا فِي الْأَرْ ضِ ﴾ ‪ ،‬يقول ‪ :‬أئذا هلك نا ‪ .‬و عن‬ ‫عن ما هد ‪َ ﴿ :‬أئِذَا َ‬
‫ضلَ ْلنَا فِي الْأَرْ ضِ َأئِنّا َلفِي خَلْ قٍ جَدِيدٍ ﴾ ‪ ،‬قال ‪ :‬قالوا‬ ‫قتادة ‪ ﴿ :‬وَقَالُوا َأئِذَا َ‬
‫‪ :‬أئذا كنا عظامًا ورفاتًا أئنا لبعوثون خلقًا جديدًا ؟ وقال الضحاك ‪ :‬يكفرون‬
‫بالبعث ‪.‬‬
‫ت الّذِي وُكّ َل بِكُ مْ ﴾ قال ‪ :‬ملك‬ ‫ك الْ َموْ ِ‬ ‫وعن قتادة ‪ُ ﴿ :‬ق ْل يََتوَفّاكُم مّلَ ُ‬
‫الوت يتوفا كم وم عه أعوان من اللئ كة ‪ .‬وقال ما هد ‪ :‬طو يت له الرض‬
‫فجعلت له مثَل الطسَت يتناول منهَا حيَث شاء ‪ .‬وقال ابَن زيَد فَ قوله‬
‫ِمَ ﴾ ‪ ،‬قال ‪ :‬قَد‬
‫ُوسَهِ ْم عِندَ َرّبه ْ‬
‫ُونَ نَاكِسَُو ُرؤ ِ‬ ‫﴿ وََلوْ تَرَى إِ ِذ الْ ُمجْ ِرم َ‬
‫س هُدَاهَا ﴾ ‪ ،‬قال‬
‫حزنوا واستحيوا ‪ .‬وعن قتادة ‪ ﴿ :‬وََلوْ شِْئنَا لَآَتْينَا كُ ّل َنفْ ٍ‬
‫‪ :‬لو شاء ال لدى الناس جيعًا ‪ ،‬لو شاء ال لنزل عليهَم مَن السَماء آيَة‬
‫فظّلت أعناقهم لا خاضعي ‪ ﴿ .‬وَلَكِ نْ حَقّ اْلقَوْ ُل ِمنّي ﴾ ح ّق القول عليهم‬
‫‪.‬‬
‫وقوله تعال ‪ ﴿ :‬فَذُوقُوا بِمَا نَسِيتُمْ ِلقَاء َي ْومِكُ ْم هَذَا ِإنّا نَسِينَاكُمْ ﴾ ‪ ،‬قال‬
‫ا بن عباس ‪ :‬تركنا كم ‪ .‬وقال قتادة ‪ :‬نُ سوا من كل خ ي ‪ ،‬وأ ما ال شر فلم‬
‫ُينْ سَوْا م نه ‪ .‬و عن أ نس بن مالك ‪ :‬إن هذه ال ية ‪َ ﴿ :‬تتَجَافَى ُجنُوُبهُ مْ عَ نِ‬
‫الْ َمضَاجِ عِ ﴾ نزلت ف انتظار ال صلة ال ت تد عى القمّة ‪ .‬و عن ما هد قوله‬
‫‪َ ﴿ :‬تتَجَافَى ُجنُوُبهُ ْم عَ ِن الْ َمضَاجِعِ ﴾ يقومون يصلّون من الليل ‪ .‬وقال ابن‬
‫عباس ‪َ ﴿ :‬تتَجَافَى ﴾ لذ كر ال ‪ ،‬كل ما ا ستيقظوا ذكروا ال تعال ‪ ،‬إ ما ف‬
‫الصَلة ‪ ،‬وإمَا فَ قيام ‪ ،‬أو فَ قعود ‪ ،‬أو على جنوبمَ ‪ ،‬ثَ يذكرون ال ‪.‬‬
‫‪551‬‬ ‫توفيق الرحن ف دروس القرآن‬

‫وروى المام أحد وغيه من حديث معاذ بن جبل أن النب قال له ‪« :‬‬
‫أل أدلّك على أبواب الي ؟ الصوم ُجنّة ‪ ،‬والصدقة تطفئ الطيئة كما يطفئ‬
‫الاء النار ‪ ،‬وصلة الرجل ف جوف الليل ‪ - ،‬ث قرأ ‪ ﴿ : -‬تَتَجَافَى ُجنُوُبهُ مْ‬
‫عَ ِن الْ َمضَاجِ ِع يَ ْدعُو نَ َرّبهُ مْ َخوْفا َوطَمَعا َومِمّ ا رَزَ ْقنَاهُ ْم يُن ِفقُو نَ * فَلَا َتعَْل مُ‬
‫س مّ ا أُ ْخفِ يَ لَهُم مّ ن ُق ّرةِ َأ ْعيُ نٍ َجزَاء بِمَا كَانُوا يَعْ َملُو نَ ﴾ » ‪ .‬و عن أ ب‬ ‫َنفْ ٌ‬
‫هريرة عن رسول ال قال ‪ « :‬قال ال تعال ‪ :‬أعددت لعبادي الصالي ما‬
‫ل عيٌ رأت ‪ ،‬ول أذ نٌ سعت ‪ ،‬ول خَ َطرَ على قلب بشر » ‪ .‬قال أبو هريرة‬
‫س مّا أُ ْخفِ يَ َلهُم مّن ُق ّرةِ أَ ْعيُ نٍ ﴾ ‪ .‬متفق‬ ‫‪ :‬اقرؤوا إن شئتم ‪َ ﴿ :‬فلَا َتعْلَ ُم َنفْ ٌ‬
‫عليه ‪.‬‬
‫قوله عز و جل ‪َ ﴿ :‬أفَمَن كَا نَ ُم ْؤمِنا كَمَن كَا َن فَا سِقا لّا يَ سَْتوُونَ (‬
‫‪َ )18‬أمّاـ اّلذِينَـ آمَنُوا وَ َعمِلُوا الصـّالِحَاتِ فَ َلهُم ْـ جَنّاتُـ الْ َم ْأوَى ُن ُزلً بِمَا‬
‫ُمـ النّارُ كُلّمَا أَرَادُوا أَن‬
‫َسـقُوا َف َمأْوَاه ُ‬
‫ِينـ ف َ‬
‫ُونـ (‪َ )19‬وَأمّاـ اّلذ َ‬
‫كَانُوا َيعْمَل َ‬
‫ِهـ‬
‫َابـ النّا ِر الّذِي كُنتُم ب ِ‬
‫ُمـ ذُوقُوا َعذ َ‬
‫خ ُرجُوا مِنْهَا أُعِيدُوا فِيهَا وَقِي َل َله ْ‬
‫يَ ْ‬
‫ُت َكذّبُو نَ (‪ )20‬وَلَُنذِيقَنّهُ مْ مِ نَ اْلعَذَا بِ اْلَأدْنَى دُو َن اْلعَذَا بِ اْلأَكَْب ِر لَعَ ّلهُ مْ‬
‫َي ْرجِعُو نَ (‪ )21‬وَمَ نْ أَظْلَ ُم مِمّ ن ذُ ّك َر بِآيَا تِ َربّ ِه ثُمّ أَ ْعرَ ضَ َعنْهَا إِنّ ا مِ نَ‬
‫ي مُنَتقِمُونَ (‪. ﴾ )22‬‬
‫ج ِرمِ َ‬
‫الْمُ ْ‬
‫عم ا بن عباس ‪ ﴿ :‬وََلنُذِيقَّنهُ ْم مِ َن اْلعَذَا بِ الْأَدْنَى ﴾ ‪ ،‬يقول ‪ :‬م صائب‬
‫الدنيَا وأسَقامها وبلؤهَا ماَ يبتلي ال بَه العباد حتَ يتوبوا ‪ .‬وعَن ماهَد‬
‫الزء الثالث‬ ‫‪552‬‬

‫ب اْلأَ ْكبَ ِر ﴾ يوم القيا مة ‪َ ﴿ ،‬ل َعّلهُ ْم يَ ْر ِجعُو نَ ﴾ ‪ ،‬قال أ بو‬


‫‪ ﴿ :‬دُو نَ اْلعَذَا ِ‬
‫العالية ‪ :‬يتوبون ‪.‬‬
‫قال ا بن كث ي ‪ :‬وقوله تعال ‪َ ﴿ :‬ومَ نْ َأظْلَ ُم مِمّ نْ ذُكّ َر بِآيَا تِ َربّ ِه ثُمّ‬
‫َأعْرَ ضَ َعْنهَا ﴾ ‪ ،‬أي ‪ :‬ل أظلم من ذَكّرَه ال بآياته وبيّنها له ‪ ،‬ث بعد ذلك‬
‫تركها وجحدها وأعرض عنها وتناساها كأنه ل يعرفها ‪ .‬قال قتادة ‪ :‬إياكم‬
‫والعراض عن ذ كر ال ‪ ،‬قال ‪ :‬من أعرض عن ذكره ف قد اغترّ أ كب الغرة‬
‫وأعوز أ شد ال َعوَز ‪ ،‬وع ظم من أع ظم الذنوب ‪ ،‬ولذا قال تعال متهدّدًا ل ن‬
‫ج ِرمِيَ ُمْنتَقِمُو نَ ﴾ ‪ ،‬أي ‪ :‬سأنتقم م ن ف عل ذلك‬
‫ف عل ذلك ‪ِ ﴿ :‬إنّ ا مِ َن الْمُ ْ‬
‫أش ّد النتقام ‪.‬‬
‫ب فَلَا تَكُن فِي مِ ْرَيةٍ مّ ن‬
‫قوله عز و جل ‪َ ﴿ :‬وَل َقدْ آتَيْنَا مُو سَى اْلكِتَا َ‬
‫ّلقَائِ ِه وَ َجعَلْنَا هُ ُهدًى لّبَنِي إِ سْرَائِيلَ (‪ )23‬وَ َجعَلْنَا مِ ْنهُ ْم أَئِ ّم ًة َي ْهدُو َن ِبأَ ْم ِرنَا‬
‫صلُ بَيَْنهُ مْ َيوْ مَ‬
‫لَمّ ا صََبرُوا وَكَانُوا بِآيَاتِنَا يُوقِنُو نَ (‪ )24‬إِنّ َربّ كَ هُ َو َيفْ ِ‬
‫اْلقِيَا َمةِ فِيمَا كَانُوا فِي ِه يَخْتَ ِلفُونَ (‪. ﴾ )25‬‬
‫عن ا بن عباس قال ‪ :‬قال نبّ ال ‪ « :‬أُرِي تُ ليلة أُ سْ ِريَ ب مو سى بن‬
‫ت عيسى مَربُوعَ‬ ‫عمران رَ ُجلً آدم طوالً أجعد كأن هُ من رجا ِل َشنُو َءةَ ‪ ،‬ورأيْ ُ‬
‫الَلْق إل الُمرة والبيا ضِ َسبْطَ الرأ سِ ‪ ،‬ورأيْ تُ ماِلكًا خازن النّارِ ‪ ،‬والدّجّالَ‬
‫فِي آيا تٍ » أرَاهنّ الُ إيّا هُ ‪ ﴿ .‬فَل َتكُ نْ فِي مِ ْرَي ٍة مِ نْ لِقائِ هِ ﴾ ‪ ،‬أنه قد رأى‬
‫مو سى ‪ ،‬ول قي مو سى ليلة أُ سري به ‪ .‬رواه ا بن جر ير وغيه ‪ .‬و عن قتادة‬
‫‪553‬‬ ‫توفيق الرحن ف دروس القرآن‬

‫‪ ﴿ :‬وَ َجعَلْ نا ِمْنهُ مْ أئ ّم ًة يَهدُو نَ بأمْرِ نا ﴾ ‪ ،‬قال ‪ :‬رؤ ساء ف ال ي ‪ ﴿ .‬لَمّ ا‬


‫صَبوا وكانُوا بآياتِ نا يُوِقنُو نَ ﴾ ‪ ،‬قال ب عض العلماء ‪ :‬بال صب واليق ي تُنال‬
‫المامة ف الدين ‪.‬‬
‫قوله عز و جل ‪َ ﴿ :‬أ َولَ ْم َيهْ ِد َلهُ مْ كَ ْم َأهْلَكْنَا مِن قَبْلِهِم مّ َن الْ ُقرُو نِ‬
‫يَ ْمشُونَ فِي مَسَاكِِن ِه ْم إِنّ فِي َذلِكَ لَآيَاتٍ َأفَلَا يَسْ َمعُونَ (‪ )26‬أَ َولَ ْم َيرَوْا أَنّا‬
‫ـ‬
‫ْهـ َأنْعَامُهُم ْ‬
‫ـ زَرْعا َتأْ ُكلُ مِن ُ‬
‫ِجـ بِه ِ‬
‫خر ُ‬‫جرُ ِز فَنُ ْ‬
‫ْضـ الْ ُ‬
‫ق الْمَاء إِلَى اْلأَر ِ‬
‫نَسـُو ُ‬
‫ح إِن كُنتُ مْ صَا ِدقِيَ (‬
‫صرُونَ (‪َ )27‬وَيقُولُو َن مَتَى هَذَا اْلفَتْ ُ‬
‫س ُهمْ َأفَلَا يُبْ ِ‬
‫َوأَنفُ ُ‬
‫ح لَا يَنفَ ُع اّلذِي نَ َك َفرُوا إِيَانُهُ مْ وَلَا هُ ْم يُن َظرُو نَ (‪)29‬‬
‫‪ُ )28‬ق ْل َيوْ مَ اْلفَتْ ِ‬
‫َفأَ ْعرِضْ عَ ْن ُه ْم وَانتَ ِظ ْر ِإّنهُم مّنتَ ِظرُونَ (‪. ﴾ )30‬‬
‫عن ابن عباس ‪َ ﴿ :‬أوَلَ مْ َيهْدِ َلهُ مْ ﴾ أو ل يتبيّن لم ‪ ﴿ ،‬كَ مْ َأهَْلكْنَا مِن‬
‫َقبِْلهِم مّ َن الْقُرُونِ ﴾ ‪ ،‬قال قتادة ‪ :‬عاد وثود ‪ ،‬وأنم إليهم ل يرجعون ؟ ‪.‬‬
‫ج بِ هِ‬
‫خرِ ُ‬
‫جرُزِ َفنُ ْ‬
‫ض الْ ُ‬ ‫وقوله تعال ‪َ ﴿ :‬أوَلَ مْ َي َروْا َأنّا نَ سُو ُ‬
‫ق الْمَاء إِلَى اْلأَرْ ِ‬
‫ْصَرُونَ ﴾ ؟ قال قتادة ‪ :‬الُرُز ‪:‬‬
‫ُسَهُمْ أَفَلَا يُب ِ‬
‫ُمَ َوأَنف ُ‬
‫ْهَ َأنْعَا ُمه ْ‬
‫َزرْعا َتأْكُ ُل ِمن ُ‬
‫الغبّرة ‪ .‬وقال ا بن عباس ‪ :‬الُرُز ‪ :‬ال ت ل ت طر إل مطرًا ل يغ ن عن ها شيئًا ‪،‬‬
‫إل مايأتيها من السيول ‪.‬‬
‫َرُون‬
‫َ ﴾ ‪ ،‬أي ‪ :‬متَ ُتنْص َ‬ ‫وقوله تعال ‪َ ﴿ :‬وَيقُولُون َ‬
‫َ مَتََى هَذَا اْل َفتْح ُ‬
‫علي نا ﴿ إِن كُنتُ مْ صَادِقِيَ ﴾ ؟ ﴿ ُقلْ ﴾ ل م يا م مد ‪َ ﴿ :‬يوْ مَ الْ َفتْ حِ ﴾ ‪،‬‬
‫أي ‪ :‬إذا ح ّل بكم العذاب ‪ ﴿ ،‬لَا يَنفَ ُع الّذِي نَ َكفَرُوا إِيَاُنهُ ْم وَلَا هُ ْم يُنظَرُو نَ‬
‫الزء الثالث‬ ‫‪554‬‬

‫* َفأَعْرِ ضْ عَْنهُ مْ ﴾ ول تبال بكلم هم ‪ ﴿ ،‬وَانتَظِرْ ﴾ مو عد الن صر ﴿ إِنّهُم‬


‫مّنتَظِرُونَ ﴾ حوادث الزمان عليك ‪ ،‬وسترى عاقبة صبك ‪ .‬قال تعال ‪ ﴿ :‬أَمْ‬
‫ص بِهِ َريْبَ الْ َمنُونِ * قُ ْل َت َربّصُوا فَِإنّي َمعَكُم مّ َن الْ ُمتَ َرّبصِيَ‬
‫َيقُولُونَ شَاعِ ٌر ّنتَ َربّ ُ‬
‫ِمَ ُقلْ‬
‫ِينَ َخَلوْْا مِن َقبِْله ْ‬‫ّامَ الّذ َ‬
‫ُونَإِ ّل ِمثْلَ َأي ِ‬
‫﴾ ‪ ،‬وقال تعال ‪َ ﴿ :‬فهَلْ يَنتَظِر َ‬
‫فَانتَظِرُواْ ِإنّي َم َعكُم مّنَ الْمُنتَظِرِينَ * ثُ ّم ُننَجّي ُرسَُلنَا وَالّذِينَ آ َمنُواْ كَذَلِكَ َحقّا‬
‫عََلْينَا نُنجِ الْ ُم ْؤ ِمنِيَ ﴾ ‪.‬‬

‫***‬
‫‪555‬‬ ‫توفيق الرحن ف دروس القرآن‬

‫الدرس الثامن عشر بعد الائتي‬


‫[ سورة الحزاب ]‬
‫مدنية ‪ ،‬وهي ثلث وسبعون آية‬
‫عن زر قال ‪ ( :‬قال أبّ بن كعب ‪ :‬كم تعدّون سورة الحزاب ؟ قلت ‪:‬‬
‫ثلثًا وسبعي آية ‪ ،‬قال ‪ :‬فوالذي يلف به أبّ بن كعب ‪ ،‬إن كانت لتعدل‬
‫سورة البقرة وأطول ‪ ،‬ول قد قرأ نا من ها ‪ :‬آ ية الر جم ‪ :‬الش يخ ‪ ،‬والشي خة إذا‬
‫زنيا فارجوها ) ‪.‬‬
‫بسم ال الرحن الرحيم‬
‫﴿ يَا َأيّهَا النّبِيّ اتّ قِ اللّ هَ َولَا تُ ِط ِع الْكَا ِفرِي نَ وَالْمُنَا ِفقِيَ إِنّ اللّ هَ كَا نَ‬
‫ك إِنّ اللّ هَ كَا َن بِمَا َتعْمَلُونَ‬
‫ك مِن ّربّ َ‬
‫عَلِيما حَكِيما (‪ )1‬وَاتّبِ ْع مَا يُوحَى ِإلَيْ َ‬
‫خَبِيا (‪ )2‬وََتوَ ّكلْ عَلَى اللّ ِه وَ َكفَى بِاللّهِ وَكِيلً (‪ )3‬مّا جَ َعلَ اللّ ُه ِلرَ ُجلٍ مّن‬
‫قَلْبَيْ ِن فِي َج ْوفِ ِه وَمَا َجعَ َل أَ ْزوَا َجكُ ُم اللّائِي تُظَاهِرُو َن مِ ْنهُنّ ُأ ّمهَاِتكُ ْم وَمَا‬
‫َج َعلَ َأدْعِيَاءكُ ْم َأبْنَاءكُ مْ َذِلكُ مْ َق ْولُكُم ِبَأ ْفوَاهِكُ مْ وَاللّ هُ َيقُو ُل الْحَقّ َو ُهوَ‬
‫ّمـ َتعْلَمُوا‬
‫ّهـ َفإِن ل ْ‬
‫ْسـطُ عِندَ الل ِ‬
‫ِمـ هُ َو َأق َ‬
‫ُمـ لِآبَاِئه ْ‬
‫السـبِيلَ (‪ )4‬ادْعُوه ْ‬
‫َي ْهدِي ّ‬
‫ح فِيمَا َأخْطَ ْأتُم بِهِ‬
‫آبَاءهُ ْم َفإِ ْخوَاُنكُ ْم فِي الدّي ِن وَ َموَالِيكُمْ َولَيْسَ عَلَ ْيكُمْ جُنَا ٌ‬
‫ّهـ َغفُورا ّرحِيما (‪ )5‬النّبِي ّ َأوْلَى‬
‫َانـ الل ُ‬
‫ُمـ وَك َ‬
‫َتـ قُلُوُبك ْ‬
‫َولَك ِن مّاـ َتعَ ّمد ْ‬
‫ضهُ ْم َأوْلَى بِبَعْضٍ‬
‫س ِهمْ َوأَ ْزوَاجُهُ ُأ ّمهَاُتهُمْ َوأُ ْولُو اْلأَرْحَا ِم َبعْ ُ‬
‫بِالْ ُمؤْمِنِيَ مِ ْن أَنفُ ِ‬
‫ب اللّ ِه مِ َن الْمُ ْؤمِنِيَ وَالْ ُمهَا ِجرِي َن ِإلّا أَن َتفْعَلُوا ِإلَى َأوْلِيَائِكُم ّم ْعرُوفا‬
‫فِي كِتَا ِ‬
‫الزء الثالث‬ ‫‪556‬‬

‫ب مَ سْطُورا (‪َ )6‬وِإذْ َأ َخذْنَا مِ َن النّبِيّيَ مِيثَا َقهُ ْم َومِن كَ‬


‫كَا َن َذلِ كَ فِي اْلكِتَا ِ‬
‫ح َوإِْبرَاهِيمَ وَمُوسَى وَعِيسَى ابْ ِن َم ْريَ َم َوأَ َخذْنَا مِ ْنهُم مّيثَاقا غَلِيظا (‬
‫َومِن نّو ٍ‬
‫ص ْدقِ ِه ْم وَأَ َع ّد لِ ْلكَا ِفرِينَ َعذَابا َألِيما (‪. ﴾ )8‬‬
‫سأَ َل الصّا ِدقِيَ عَن ِ‬
‫‪ )7‬لَِي ْ‬

‫***‬
‫‪557‬‬ ‫توفيق الرحن ف دروس القرآن‬

‫قوله عز وجل ‪ ﴿ :‬يَا أَّيهَا النّبِيّ اتّ قِ اللّ َه َولَا تُطِ عِ اْلكَا ِفرِي َن وَالْمُنَا ِفقِيَ‬
‫ك إِنّ اللّهَ كَانَ‬
‫ك مِن ّربّ َ‬
‫إِنّ اللّهَ كَانَ عَلِيما حَكِيما (‪ )1‬وَاتّبِ ْع مَا يُوحَى ِإلَيْ َ‬
‫بِمَا َتعْمَلُونَ خَبِيا (‪ )2‬وََتوَ ّكلْ عَلَى ال ّل ِه وَ َكفَى بِال ّلهِ وَكِيلً (‪. ﴾ )3‬‬
‫قال ا بن كث ي ‪ :‬هذا ت نبيه بالعلى على الد ن ‪ ،‬فإ نه تعال إذا كان يأ مر‬
‫عبده ورسوله بذا ‪ ،‬فَلن يأتر مَ نْ دونه بذلك بطريق الول والحرى ؛ وقد‬
‫قال طَلْق بَن حَبيب ‪ :‬التقوى أن تعمَل بطاعَة ال على نور مَن ال ترجَو‬
‫ثواب ال ‪ ،‬وأن تترك معصية ال على نور من ال مافة عذاب ال ‪.‬‬
‫َ ﴾ ‪ ،‬أي ‪ :‬هذا‬ ‫َ مَِن ّربّك َ‬ ‫َ مََا يُوحََى إَِليْك َ‬ ‫وعَن قتادة ‪ ﴿ :‬وَاّتبِع ْ‬
‫القرآن ‪ ﴿ ،‬إِنّ اللّ هَ كَا نَ بِمَا َتعْمَلُو نَ َخبِيا * َوَتوَكّ ْل عَلَى اللّ ِه وَكَفَى بِاللّ هِ‬
‫وَكِيلً ﴾ ‪ .‬قال البغوي ‪ :‬حافظًا لك ‪.‬‬
‫قوله عز و جل ‪ ﴿ :‬مّ ا جَ َعلَ اللّ هُ ِل َرجُ ٍل مّ ن قَلْبَيْ ِن فِي َجوْفِ هِ وَمَا جَ َعلَ‬
‫أَ ْزوَا َجكُمُـ اللّائِي تُظَا ِهرُونَـ مِ ْنهُنّ ُأ ّمهَاِتكُم ْـ وَمَا َجعَ َل َأدْعِيَاءكُم ْـَأبْنَاءكُم ْـ‬
‫حقّ وَ ُهوَ َي ْهدِي ال سّبِيلَ (‪ )4‬ادْعُوهُ مْ‬
‫َذِلكُ مْ َق ْولُكُم ِبَأفْوَاهِكُ ْم وَاللّ ُه َيقُولُ الْ َ‬
‫لِآبَاِئهِ ْم ُهوَ َأقْ سَطُ عِندَ اللّ هِ َفإِن لّ مْ تَعْلَمُوا آبَاءهُ مْ َفِإخْوَاُنكُ مْ فِي الدّي نِ‬
‫َو َموَالِيكُ مْ َولَيْ سَ عَلَ ْيكُ مْ جُنَا حٌ فِيمَا َأخْطَ ْأتُم بِ ِه َولَكِن مّا َتعَ ّمدَ تْ قُلُوبُكُ مْ‬
‫وَكَا َن اللّهُ َغفُورا ّرحِيما (‪. ﴾ )5‬‬
‫قال ا بن كثيـ ‪ :‬يقول تعال ‪ :‬موطئًا قبَل الق صود العنويَّ أمرًا معروفًا‬
‫سيًا و هو أ نه ك ما ل يكون للش خص الوا حد قلبان ف جو فه ‪ ،‬ول ت صي‬
‫ح ّ‬
‫الزء الثالث‬ ‫‪558‬‬

‫زوجته الت يظاهر منها بقوله ‪ :‬أنت عََليّ كظهر أمي أمّا له ‪ ،‬كذلك ل يصي‬
‫الدّع يّ ولدًا للرجل إذا تبنّاه فدعاه ابنًا له ‪ ،‬فقال ‪ ﴿ :‬مَا َجعَلَ اللّ هُ لِ َرجُ ٍل مِ نْ‬
‫َق ْلبَيْ نِ فِي َجوْفِ ِه وَمَا َجعَلَ أَ ْزوَا َجكُ ُم اللئِي تُظَاهِرُو نَ ِمْنهُنّ ُأ ّمهَاِتكُ مْ ﴾ ‪،‬‬
‫كقوله عز وجل ‪ ﴿ :‬مَا هُنّ ُأمّهَاِتهِمْ ِإنْ ُأ ّمهَاُتهُمْ إِل اللئِي وَلَ ْدَنهُ ْم ﴾ الية ‪.‬‬
‫قوله تعال ‪َ ﴿ :‬ومَا َجعَلَ َأ ْدعِيَاءَكُ مْ َأبْنَاءَكُ مْ ﴾ هذا هو القصود بالنفي ‪،‬‬
‫فإنا نزلت ف شأن زيد بن حارثة رضي ال عنه مول النب ‪ ،‬كان النب‬
‫قد تبنّاه ق بل النبوّة فكان يقال له ‪ :‬ز يد بن م مد ‪ ،‬فأراد ال أن يق طع هذا‬
‫اللاق وهذه النسبة بقوله تعال ‪َ ﴿ :‬ومَا َجعَلَ َأ ْدعِيَاءَكُ مْ َأبْنَاءَكُ مْ ﴾ ‪ ،‬كما‬
‫قال تعال ف أثناء ال سورة ‪ ﴿ :‬مَا كَا َن مُحَمّدٌ أَبَا أَحَ ٍد مِ نْ رِجَاِلكُ ْم وََلكِ نْ‬
‫رَ سُولَ اللّ ِه َوخَاتَ َم الّنبِيّيَ وَكَا نَ اللّ ُه ِبكُ ّل شَيْ ٍء عَلِيمًا ﴾ وقال ها ه نا ‪:‬‬
‫﴿ ذَِلكُم َْ َقوُْلكُم َِْبأَ ْفوَاهِكُم َْ ﴾ ‪ ،‬يعنَ ‪ :‬تبنّيكَم لمَ قولً ل يقتضَي أن‬
‫يكون ابنًا حقيقيّا ‪ ،‬فإنه ملوق من صلب رجل آخر ‪ ،‬فما يكن أن يكون له‬
‫أبوان كما ل يكن أن يكون للبشر الواحد قلبان ‪ ﴿ ،‬وَاللّ هُ يَقُو ُل الْحَقّ َو ُهوَ‬
‫سبِيلَ ﴾ ‪ .‬انتهى ‪.‬‬ ‫َيهْدِي ال ّ‬
‫وعن قتادة ‪ ﴿ :‬ا ْدعُوهُم لبائهِ ْم ُهوَ أقْسَطُ ِعنْدَ اللّهِ فإنْ لَ ْم َتعْلَمُوا آبا َءهُمْ‬
‫فإ ْخوَاُنكُ مْ فِي الدّي ِن َو َموَالِيكُ مْ ﴾ ‪ ،‬فإن ل تعلموا من أبوه فإن ا هو أخوك‬
‫ومولك ‪ ﴿ .‬وَلَيْ سَ عَلْيكُ مْ جُنا حٌ فِي ما أخْط ْأتُ ْم بِ هِ ﴾ ‪ ،‬يقول ‪ :‬إذا دعوت‬
‫الر جل لغ ي أبيه وأنت ترى أنه كذلك ‪ ﴿ ،‬وََلكِن مّا َتعَمّدَ تْ ُقلُوبُكُ مْ ﴾ ‪،‬‬
‫يقول ال ‪ :‬ل تدعه لغي أبيه متعمدًا ‪ ،‬أما الطأ فل يؤاخذكم ال به ‪ ،‬ولكن‬
‫‪559‬‬ ‫توفيق الرحن ف دروس القرآن‬

‫يؤاخذكم با تعمّدت قلوبكم ‪ .‬قال ماهد ‪ :‬فالعمد ما أُت بعد البيان والنهي‬
‫ف هذا وغيه ‪ .‬وعن أب بكرة رضي ال عنه قال ‪ :‬سعت رسول ال يقول‬
‫‪ « :‬من ادّ عى إل غ ي أب يه و هو يعل مه فال نة عل يه حرام » ‪ .‬رواه البغوي‬
‫وغيه ‪.‬‬
‫س ِهمْ َوأَ ْزوَاجُ هُ ُأ ّمهَاُتهُ مْ‬
‫قوله عز وجل ‪ ﴿ :‬النّبِيّ َأوْلَى بِالْ ُمؤْمِِنيَ مِ نْ أَنفُ ِ‬
‫ض فِي كِتَابِ ال ّلهِ ِمنَ الْ ُم ْؤمِنِيَ وَالْ ُمهَا ِجرِينَ‬
‫َوُأوْلُو اْلأَ ْرحَا ِم َبعْضُ ُهمْ َأ ْولَى بَِبعْ ٍ‬
‫(‬ ‫ب مَ سْطُورا‬
‫ِإلّا أَن َت ْفعَلُوا إِلَى أَ ْولِيَاِئكُم ّم ْعرُوفا كَا َن َذلِ كَ فِي الْكِتَا ِ‬
‫‪. ﴾ )6‬‬
‫قال ا بن ز يد ‪ ﴿ :‬النّ ّ‬
‫ب أوْلَى با ُل ْؤ ِمنِيَ مِ نْ أنفُ سهِمْ ﴾ ك ما أ نت أول‬
‫بعبدك ما قضى فيهم من أمر جاز كما كلما قضيت على عبدك جاز ‪ .‬وعن‬
‫أ ب هريرة أن ر سول ال قال ‪ « :‬ما من مؤ من إل وأ نا أول الناس به ف‬
‫سهِمْ ﴾ ‪،‬‬ ‫الدنيا والخرة ‪ ،‬اقرؤوا إن شئتم ‪ ﴿ :‬النِّبيّ َأوْلَى بِالْ ُم ْؤمِنِيَ مِ نْ أَْنفُ ِ‬
‫فأيّما مؤمن ترك مالً فليثه عصبة مَ ْن كانوا ‪ ،‬وإن ترك َدْينًا أو ضَياعًا فليأتن‬
‫فأ نا موله » ‪ .‬رواه البخاري وغيه ‪ .‬و عن قتادة ‪ ﴿ :‬النّبِيّ َأوْلَى بِالْ ُم ْؤ ِمنِيَ‬
‫سهِ ْم َوأَ ْزوَاجُ هُ ُأ ّمهَاُتهُ مْ ﴾ يعظّ م بذلك حقّه نّ ‪ ،‬و ف ب عض القراءة ‪:‬‬ ‫مِ نْ َأْنفُ ِ‬
‫و هو ‪ :‬أب ل م ‪ .‬قال ا بن ز يد ف قوله ‪ ﴿ :‬وأ ْزوَاجُ هُ ُأمّهاُتهُ مْ ﴾ مرّمات‬
‫عليهم ‪ .‬وعن قتادة ‪ ﴿ :‬وأُولُوا الرْحا ِم َب ْعضُهُ ْم أوْل بَِب ْعضٍ ف كتاب اللّ ِه مِنَ‬
‫ا ُلؤْمِنيَ والُها ِجرِي نَ ﴾ ‪ ،‬ل بث ال سلمون زمانًا يتوارثون بالجرة ‪ ،‬والعرا ب‬
‫الزء الثالث‬ ‫‪560‬‬

‫السَلم ل يرث مَن الهاجريَن شيئًا ‪ ،‬فأنزل ال هذه اليَة فخلط الؤمنيَ‬
‫بعضهم ببعض فصارت الواريث باللل ‪.‬‬
‫َ َمعْرُوفا ﴾ ‪ ،‬قال‬ ‫وعـن ماهـد قوله ‪ ﴿ :‬إل أن ْ‬
‫َ َت ْفعَلُوا إل أوْلِيائِكُم ْ‬
‫حلفاؤكم الذين وال بينهم النب من الهاجرين والنصار إمساك بالعروف‬
‫أنَ تَ ْفعَلُوا إل‬
‫والعقَل والنصَر بينهَم ‪ .‬قال ابَن كثيَ وقوله تعال ‪ ﴿ :‬إل ْ‬
‫أوْلِيائِكُ ْم َمعْرُوفا ﴾ ‪ ،‬أي ‪ :‬ذهب الياث ‪ ،‬وبقي ‪ :‬النصر ‪ ،‬وال ّب ‪ ،‬والصلة ‪،‬‬
‫والحسان ‪ ،‬والوصيّة ‪.‬‬
‫قوله عز و جل ‪َ ﴿ :‬وإِ ْذ َأخَذْنَا مِ نَ النّبِيّيَ مِيثَاقَهُ مْ وَمِن كَ وَمِن نّو حٍ‬
‫َوِإبْرَاهِي َم َومُو سَى وَعِي سَى ابْ نِ َم ْريَ مَ َوَأخَ ْذنَا مِ ْنهُم مّيثَاقا غَلِيظا (‪ )7‬لِيَ سَْألَ‬
‫ص ْد ِقهِ ْم َوأَ َعدّ لِ ْلكَا ِفرِينَ َعذَابا َألِيما (‪. ﴾ )8‬‬
‫الصّادِقِيَ عَن ِ‬
‫عن ماهد ‪َ ﴿ :‬وإِذْ أَخَ ْذنَا مِ َن الّنبِيّيَ مِيثَاَقهُ ْم َومِنكَ َومِن نّوحٍ ﴾ ‪ ،‬قال ‪:‬‬
‫ِنَ الّنِبيّيَ‬
‫فَ ظهَر آدم ‪ .‬وقال البغوي ‪ :‬قوله عَز وجَل ‪َ ﴿ :‬وإِذْ أَ َخذْنَا م َ‬
‫مِيثَاَقهُ مْ ﴾ على الوفاء ب ا حلوا ‪ ،‬وأن ي صدّق بعض هم بعضًا ويبشّر بعض هم‬
‫بب عض ‪ .‬قال مقا تل ‪ :‬أ خذ ميثاق هم على أن يعبدوا ال ويدعوا إل عبادة ال‬
‫ح َوِإبْرَاهِي مَ‬
‫وي صدّق بعض هم بعضًا وين صحوا لقوم هم ‪َ ﴿ ،‬ومِن كَ وَمِن نّو ٍ‬
‫ص هؤلء الم سة بالذ كر من ب ي ال نبيّي‬ ‫َومُو سَى َوعِي سَى ابْ نِ َم ْريَ مَ ﴾ خ ّ‬
‫لنم أصحاب الكتب والشرائع وأول العزم من الرسل انتهى ‪.‬‬
‫‪561‬‬ ‫توفيق الرحن ف دروس القرآن‬

‫قال ا بن كث ي ‪ :‬فبدأ ف هذه ال ية بالا ت لشر فه صلوات ال عل يه ‪ ،‬ث‬


‫رتّب هم ب سب وجود هم صلوات ال علي هم ‪ .‬وقال ف قوله ‪َ ﴿ :‬شرَ عَ لَكُم‬
‫صيْنَا بِ هِ ِإبْرَاهِي مَ‬
‫ك وَمَا وَ ّ‬
‫مّ نَ الدّي ِن مَا وَ صّى بِ هِ نُوحا وَالّذِي َأوْ َحيْنَا إِلَيْ َ‬
‫َومُو سَى َوعِي سَى أَ نْ أَقِيمُوا الدّي َن وَلَا َتَتفَرّقُوا فِي هِ ﴾ ‪ ،‬فذكر الطرفي والوسط‬
‫الفا تح و من بينه ما على الترت يب ‪ .‬و عن ا بن عباس قوله ‪َ ﴿ :‬وأَ َخذْنَا ِمنْهُم‬
‫َسَأَلَ‬
‫مّيثَاقا غَلِيظا ﴾ ‪ ،‬قال ‪ :‬اليثاق الغليَظ العهَد ‪ .‬وعَن ماهَد ‪ِ ﴿ :‬لي ْ‬
‫صدِْقهِمْ ﴾ ‪ ،‬قال ‪ :‬الرسل الؤدّين البلغّي ‪.‬‬ ‫ي عَن ِ‬ ‫الصّادِقِ َ‬
‫قال ابـن كثيـ ‪ :‬وقوله تعال ‪َ ﴿ :‬وأَعَدّ لِ ْلكَاِفرِينََ عَذَابا أَلِيما ﴾ ‪ ،‬أي ‪:‬‬
‫موجعًا ‪ .‬فنحن نشهد أن الرسل قد بلّغوا رسالت ربم ونصحوا المم ‪ ،‬وإن‬
‫كذّب م من كذّب م من الهلة والعاند ين ‪ ،‬ف ما جاءت به الر سل هو ال ق ‪،‬‬
‫ومن خالفهم فهو على الضلل ‪ ،‬كما يقول أهل النة ‪َ ﴿ :‬لقَدْ جَاء تْ رُ سُلُ‬
‫َرّبنَا بِالْحَقّ ﴾ ‪.‬‬

‫***‬
‫الزء الثالث‬ ‫‪562‬‬

‫الدرس التاسع عشر بعد الائتي‬

‫ُمـ جُنُودٌ‬
‫ُمـ ِإ ْذ جَاءتْك ْ‬
‫ّهـ عَلَ ْيك ْ‬
‫ِينـ آمَنُوا اذْ ُكرُوا ِنعْ َمةَ الل ِ‬
‫﴿ يَا أَيّهَا الّذ َ‬
‫َفأَرْسَلْنَا عَلَ ْيهِمْ رِيا َوجُنُودا لّ ْم َترَ ْوهَا وَكَا َن اللّهُ بِمَا َتعْمَلُونَ بَصِيا (‪ِ )9‬إذْ‬
‫جَاؤُوكُم مّن َف ْوقِكُ مْ َومِ نْ أَ ْسفَ َل مِنكُ ْم َوِإذْ زَا َغ تْ اْلَأبْ صَارُ َوبَ َلغَ تِ اْلقُلُو بُ‬
‫الْحَنَاجِ َر َوتَظُنّو َن بِاللّهِ الظّنُونَا (‪ )10‬هُنَالِكَ ابْتُلِ َي الْ ُمؤْمِنُو َن وَ ُزْل ِزلُوا ِزلْزَالً‬
‫ض مّا وَ َعدَنَا اللّ هُ‬
‫َشدِيدا (‪َ )11‬وِإذْ َيقُو ُل الْمُنَا ِفقُو نَ وَاّلذِي نَ فِي قُلُوِبهِم ّمرَ ٌ‬
‫ب لَا ُمقَا َم لَكُ مْ‬
‫وَرَ سُوُلهُ ِإلّا ُغرُورا (‪َ )12‬وِإذْ قَالَت طّاِئفَ ٌة مّ ْنهُ مْ يَا أَ ْه َل يَ ْثرِ َ‬
‫فَا ْرجِعُوا َويَ سَْتأْذِ ُن َفرِي قٌ مّ ْنهُ مُ النِّبيّ َيقُولُو َن إِنّ بُيُوتَنَا َعوْ َر ٌة وَمَا هِ َي ِبعَوْ َرةٍ‬
‫إِن ُيرِيدُو َن ِإلّا ِفرَارا (‪َ )13‬وَلوْ ُدخِلَ تْ عَلَ ْيهِم مّ نْ َأقْطَا ِرهَا ُثمّ سُئِلُوا اْلفِتَْنةَ‬
‫لَآتَوْهَا وَمَا تَلَبّثُوا بِهَا ِإلّا يَ سِيا (‪ )14‬وََل َقدْ كَانُوا عَا َهدُوا اللّ هَ مِن قَ ْب ُل لَا‬
‫ُمـ اْل ِفرَارُ إِن‬
‫َسـؤُولً (‪ )15‬قُل لّن يَن َفعَك ُ‬
‫ّهـ م ْ‬
‫َانـ َع ْه ُد الل ِ‬
‫ّونـ الَْأ ْدبَارَ وَك َ‬
‫ُي َول َ‬
‫ت أَ ِو الْقَ ْت ِل َوإِذا لّا تُمَّتعُو َن إِلّا قَلِيلً (‪ُ )16‬ق ْل مَن ذَا الّذِي‬
‫َفرَ ْرتُم مّ َن الْ َموْ ِ‬
‫جدُو َن َلهُم‬
‫َيعْ صِمُكُم مّ َن اللّ هِ إِ ْن أَرَادَ ِبكُ مْ سُوءا َأ ْو أَرَا َد ِبكُ مْ َرحْ َمةً َولَا يَ ِ‬
‫مّن دُو نِ اللّ هِ َولِيّا وَلَا نَ صِيا (‪َ )17‬قدْ َيعْلَ مُ اللّ هُ الْ ُم َع ّوقِيَ مِنكُ ْم وَاْلقَائِلِيَ‬
‫حةً عَ َل ْيكُ ْم َفإِذَا جَاء‬
‫س ِإلّا قَلِيلً (‪ )18‬أَشِ ّ‬
‫ِلِإخْوَاِنهِ مْ هَ ُلمّ ِإلَيْنَا َولَا َي ْأتُو َن الَْبأْ َ‬
‫خوْ فُ َرَأيَْتهُ ْم يَن ُظرُو نَ ِإلَيْ كَ َتدُو ُر أَعْيُُنهُ مْ كَاّلذِي ُي ْغشَى عَلَيْ هِ مِ َن الْ َموْ تِ‬
‫الْ َ‬
‫حةً عَلَى الْخَ ْيرِ أُ ْولَئِكَـ لَم ْـ‬
‫خوْفُـ سَـَلقُوكُم ِبَألْسِـنَ ٍة ِحدَادٍ أَشِ ّ‬
‫َفِإذَا َذهَبَـ الْ َ‬
‫ط اللّ هُ أَ ْعمَاَلهُ مْ وَكَا َن َذلِ كَ َعلَى اللّ هِ يَ سِيا (‪ )19‬يَحْ سَبُونَ‬
‫ُي ْؤمِنُوا فََأحْبَ َ‬
‫‪563‬‬ ‫توفيق الرحن ف دروس القرآن‬

‫اْلأَ ْحزَا بَ لَ مْ َي ْذهَبُوا َوإِن َيأْ تِ اْلأَ ْحزَا بُ َي َودّوا لَ ْو َأّنهُم بَادُو َن فِي اْلأَ ْعرَا بِ‬
‫ـلُونَ عَن ْـأَنبَاِئكُم ْـ َولَوْ كَانُوا فِيكُم مّاـ قَاتَلُوا ِإلّا قَلِيلً (‪َ )20‬ل َقدْ كَانَـ‬
‫يَس َْأ‬
‫َلكُ مْ فِي رَ سُولِ اللّ هِ أُ ْس َوةٌ حَ سََنةٌ لّمَن كَا َن َي ْرجُو اللّ َه وَالَْيوْ َم الْآ ِخرَ َوذَ َكرَ‬
‫اللّ هَ كَثِيا (‪َ )21‬ولَمّ ا َرأَى الْ ُمؤْمِنُو َن اْلأَ ْحزَا بَ قَالُوا هَذَا مَا وَ َعدَنَا اللّ هُ‬
‫وَرَسـُوُلهُ وَصَـدَقَ اللّهُـ وَرَسـُولُ ُه وَمَا زَا َدهُم ْـِإلّا إِيَانا َوتَس ْـلِيما (‪ )22‬مِنَـ‬
‫ص َدقُوا مَا عَاهَدُوا اللّ هَ عَلَيْ ِه فَمِ ْنهُم مّن قَضَى نَحْبَ ُه َومِ ْنهُم‬
‫الْ ُم ْؤمِنِيَ ِرجَالٌ َ‬
‫ص ْد ِق ِهمْ َوُيعَذّ بَ‬
‫ي بِ ِ‬
‫ي اللّ هُ ال صّادِقِ َ‬
‫جزِ َ‬
‫مّن يَنتَ ِظرُ وَمَا بَ ّدلُوا تَ ْبدِيلً (‪ )23‬لِيَ ْ‬
‫الْمُنَا ِفقِيَ إِن شَاء َأوْ يَتُو بَ عَلَ ْيهِ مْ إِنّ اللّ هَ كَا نَ َغفُورا ّرحِيما (‪ )24‬وَ َردّ‬
‫اللّ هُ اّلذِي نَ َك َفرُوا ِبغَيْ ِظهِ ْم لَ مْ يَنَالُوا خَيْرا وَ َكفَى اللّ ُه الْ ُمؤْمِنِيَ اْلقِتَا َل وَكَا نَ‬
‫َابـ م ِن‬
‫ّنـ َأهْ ِل الْكِت ِ‬
‫ِينـ ظَا َهرُوه ُم م ْ‬
‫ّهـ َقوِيّا َعزِيزا (‪ )25‬وَأَنزَ َل الّذ َ‬
‫الل ُ‬
‫ب َفرِيقا َتقْتُلُو َن َوَتأْ ِسرُو َن َفرِيقا (‪)26‬‬
‫صَيَاصِي ِهمْ َو َقذَ فَ فِي قُلُوِبهِ مُ الرّعْ َ‬
‫ضهُ ْم َودِيَا َرهُ ْم َوأَ ْموَاَلهُ مْ َوأَرْضا لّ مْ تَ َطؤُوهَا وَكَا َن اللّ هُ عَلَى‬
‫َوَأوْرََثكُ مْ أَرْ َ‬
‫ُك ّل َشيْ ٍء َقدِيرا (‪. ﴾ )27‬‬

‫***‬
‫الزء الثالث‬ ‫‪564‬‬

‫قوله عز و جل ‪ ﴿ :‬يَا َأيّهَا الّذِي نَ آ َمنُوا اذْ ُكرُوا نِعْ َم َة اللّ هِ َعلَ ْيكُ ْم ِإذْ‬
‫ّهـ بِمَا‬
‫َانـ الل ُ‬
‫ّمـ َت َروْهَا وَك َ‬
‫ِمـ رِيا َوجُنُودا ل ْ‬
‫ْسـلْنَا عَلَ ْيه ْ‬
‫ُمـ جُنُودٌ َفأَر َ‬
‫جَاءتْك ْ‬
‫َتعْمَلُو نَ بَ صِيا (‪ِ )9‬إذْ جَاؤُوكُم مّن َف ْوقِكُ ْم َومِ نْ أَ سْ َفلَ مِنكُ ْم َوِإذْ زَا َغ تْ‬
‫ب الْحَنَا ِج َر َوتَظُنّو َن بِاللّ ِه الظّنُونَا (‪ )10‬هُنَالِ كَ ابْتُلِ يَ‬
‫ت اْلقُلُو ُ‬
‫اْلأَبْ صَارُ َوبَ َلغَ ِ‬
‫الْ ُم ْؤمِنُو َن وَ ُزْلزِلُوا ِزْلزَا ًل َشدِيدا (‪. ﴾ )11‬‬
‫قال ابن إسحاق ‪ :‬حدثن يزيد بن رومان ف قول ال ‪ ﴿ :‬يَا أَّيهَا الّذِي نَ‬
‫آ َمنُوا اذْكُرُوا ِنعْ َمةَ اللّ ِه عََلْيكُ مْ ِإذْ جَاءْتكُ مْ ُجنُودٌ َفأَرْ سَ ْلنَا عََلْيهِ مْ رِيا وَ ُجنُودا‬
‫لّمْ تَ َر ْوهَا ﴾ ‪ .‬والنود ‪ :‬قريش ‪ ،‬وغطفان ‪ ،‬وبنو قريظة ‪ ،‬وكانت النود الت‬
‫أرسل ال عليهم مع الريح اللئكة‪ .‬وعن ماهد‪ ﴿:‬إذْ جاءُوكُمْ مِنْ َفوِْقكُمْ ﴾‬
‫قال ‪ :‬عيينة بن بدر ف أهل ند ‪َ ﴿ ،‬ومِ نْ أَ ْسفَلَ مِنكُ مْ ﴾ ‪ ،‬قال أبو سفيان‬
‫ت البْ صَارُ ﴾ شخصت ‪.‬‬ ‫قال ‪ :‬وواجهتهم قريظة ‪ .‬وعن قتادة ‪َ ﴿ :‬وإِذْ زَاغَ ِ‬
‫حنَاجِرَ ﴾ ‪ ،‬قال ‪ :‬مَن الفزع ‪ .‬وعَن‬ ‫ُوبَ الْ َ‬
‫َتَ اْلقُل ُ‬ ‫وعَن عكرمَة ‪َ ﴿ :‬وبََلغ ِ‬
‫السن ‪َ ﴿ :‬وتَ ُظنّو نَ بِاللّ هِ ال ّظنُونَا ﴾ ‪ ،‬قال ‪ :‬ظنونًا متلفة ؛ ظ ّن النافقون أن‬
‫ممدًا وأصَحابه يسَتأصلون ‪ ،‬وأيقَن الؤمنون أن مَا وعدهَم ال حَق أنَه‬
‫سيظهره على الدين كله ولو كره الشركون ‪.‬‬
‫حصُوا ‪.‬‬‫ك ابْتُِل َي الْ ُم ْؤ ِمنُونَ ﴾ ‪ ،‬قال ‪ُ :‬م ّ‬ ‫وعن ماهد قوله ‪ ﴿ :‬هُنَالِ َ‬
‫‪565‬‬ ‫توفيق الرحن ف دروس القرآن‬

‫َ ﴾ أي ‪ :‬عنَد ذلك اخُتبِرَ‬


‫َ الْ ُم ْؤ ِمنُون َ‬ ‫وقال البغوي ‪ُ ﴿ :‬هنَالِك َ‬
‫َ اْبتُلِي َ‬
‫الؤمنون بالصَر والقتال ‪ ،‬ليتَبيّن الخلص مَن النافَق ‪ ﴿ .‬وَزُلْزِلُوا زِلْزَالً‬
‫شَدِيدا ﴾ حُرّكُوا حركة شديدة ‪.‬‬
‫ض مّ ا‬
‫قوله عز و جل ‪َ ﴿ :‬وإِ ْذ َيقُولُ الْمُنَا ِفقُو نَ وَاّلذِي نَ فِي قُلُوبِهِم ّمرَ ٌ‬
‫ب لَا‬
‫وَ َع َدنَا اللّ هُ وَرَسُوُلهُ ِإلّا ُغرُورا (‪ )12‬وَِإ ْذ قَالَت طّاِئ َفةٌ مّ ْنهُمْ يَا َأ ْهلَ يَ ْثرِ َ‬
‫ُمقَا َم لَكُ ْم فَارْ ِجعُوا وَيَ سَْت ْأذِنُ َفرِي قٌ مّ ْنهُ ُم النّبِيّ َيقُولُو نَ إِنّ بُيُوتَنَا َعوْ َر ٌة َومَا‬
‫هِ َي ِبعَوْ َر ٍة إِن ُيرِيدُو َن ِإلّا ِفرَارا (‪ )13‬وََل ْو دُخِلَ تْ عَلَيْهِم مّ نْ َأقْطَارِهَا ثُمّ‬
‫سُئِلُوا الْفِتَْن َة لَآَتوْهَا َومَا تَلَبّثُوا ِبهَا ِإلّا يَ سِيا (‪ )14‬وََل َقدْ كَانُوا عَا َهدُوا اللّ هَ‬
‫سؤُولً (‪ )15‬قُل لّن يَنفَ َعكُ مُ‬
‫مِن قَ ْب ُل لَا ُي َولّو نَ اْلَأدْبَا َر وَكَا نَ َع ْه ُد اللّ هِ مَ ْ‬
‫اْلفِرَا ُر إِن َفرَ ْرتُم مّنَ الْ َموْتِ َأوِ اْلقَ ْتلِ َوإِذا لّا تُمَّتعُو َن ِإلّا قَلِيلً (‪ُ )16‬قلْ مَن‬
‫ُمـ َرحْ َم ًة وَلَا‬
‫ُمـ سـُوءا َأوْ أَرَادَ ِبك ْ‬
‫ِنـ أَرَا َد بِك ْ‬
‫ّهـ إ ْ‬
‫ّنـ الل ِ‬
‫ْصـُمكُم م َ‬
‫ذَا الّذِي َيع ِ‬
‫جدُو َن َلهُم مّن دُو ِن ال ّلهِ َولِيّا َولَا نَصِيا (‪. ﴾ )17‬‬
‫يَ ِ‬
‫ِينَ فِي ُقلُوبِهِم مّرَضٌَ مّاَ‬
‫عَن قتادة قوله ‪َ ﴿ :‬وإِ ْذ َيقُو ُل الْ ُمنَاِفقُونََ وَالّذ َ‬
‫َوعَدَنَا اللّ ُه وَرَ سُولُهُ إِلّا غُرُورا ﴾ ‪ ،‬قال ‪ :‬قال ذلك أناس من النافق ي ‪ :‬قد‬
‫كان م مد يعد نا ف تح فارس والروم ‪ ،‬و قد ح صرنا ها ه نا ح ت ما ي ستيطع‬
‫أحدنا أن يبز لاجته ‪ ﴿ ،‬مّا َوعَ َدنَا اللّ ُه َو َرسُولُهُ إِلّا غُرُورا ﴾ ‪.‬‬
‫وقوله تعال ‪َ ﴿ :‬وإِذْ قَالَت طّائِ َف ٌة ّمْنه ْ‬
‫ُمَ ﴾ ‪ ،‬قال البغوي ‪ :‬وهَم ‪ :‬أوس‬
‫بن قيظي وأصحابه ‪ :‬يا أهل يثرب ‪ -‬يعن ‪ :‬الدينة ‪ .‬قال أبو عبيدة ‪ :‬يثرب‬
‫الزء الثالث‬ ‫‪566‬‬

‫اسم أرض ‪ ،‬ومدينة الرسول ف ناحية منها ‪ .‬وف بعض الخبار أن النب‬
‫نى أن تسمّى الدينة يثرب ‪ ،‬وقال ‪ « :‬هي طابة » ‪ ،‬كأنه كره هذا اللفظ‬
‫‪ -‬ل مقام لكم فارجعوا إل منازلكم ‪ ،‬ويستأذن فريق منهم النب يقولون ‪ :‬إن‬
‫بيوتنا عورة ‪ .‬قال ابن عباس قالوا ‪ :‬بيوتنا مليّة نشى عليها السرق ‪َ ﴿ .‬ومَا‬
‫ِهيَ ِب َعوْ َرةٍ إِن يُرِيدُونَ إِلّا ِفرَارا ﴾ ‪.‬‬
‫وعن قتادة ‪ ﴿ :‬وََلوْ دُ ِخلَ تْ عََلْيهِم مّ نْ أَقْطَا ِرهَا ﴾ ‪ ،‬أي ‪ :‬لو دخل علهم‬
‫من نوا حي الدي نة ‪ ﴿ ،‬ثُمّ ُسئِلُوا اْلفِْتَنةَ ﴾ ‪ ،‬أي ‪ :‬الشرك ‪ ﴿ ،‬لَآَتوْهَا ﴾ ‪،‬‬
‫يقول ‪ :‬لعطوها ‪َ ﴿ ،‬ومَا تََلّبثُوا ِبهَا إِلّا يَ سِيا ﴾ ‪ ،‬يقول ‪ :‬إل أعطوه طيّبة‬
‫به أنفسهم ما يتبسونه ‪ ﴿ ،‬وََلقَدْ كَانُوا عَاهَدُوا اللّ هَ مِن َقبْلُ لَا ُيوَلّو نَ الْأَ ْدبَارَ‬
‫سؤُولً ﴾ ‪ ،‬قال ‪ :‬كان أناس غابوا عن وقعة بدر ورأوا ما‬ ‫وَكَا نَ عَهْدُ اللّ ِه مَ ْ‬
‫أعطى ال أصحاب بدر من الكرامة ‪ ،‬والفضيلة فقالوا ‪ :‬لئن أشهدنا ال تعال‬
‫قتا ًل لنقاتل نّ ‪ ،‬ف ساق ال ذلك إلي هم ح ت كان ف ناح ية الدي نة ‪ ﴿ .‬قُل لّن‬
‫يَن َفعَكُ ُم اْلفِرَارُ إِن َفرَ ْرتُم مّ َن الْ َموْ تِ َأوِ اْل َقتْ ِل َوإِذا لّا تُ َمّتعُو نَ إِلّا َقلِيلً ﴾ وإنا‬
‫الدنيا كلها قليل ‪.‬‬
‫وقوله تعال ‪ ﴿ :‬قُ ْل مَن ذَا الّذِي َيعْصِ ُمكُم مّنَ اللّهِ ﴾ ‪.‬‬
‫ُمَ‬
‫ُمَ سَُوءا َأوْ أَرَا َد ِبك ْ‬ ‫قال البغوي ‪ :‬ينعكَم مَن عذابَه ﴿ إ ْ‬
‫ِنَأَرَا َد ِبك ْ‬
‫جدُونَ َلهُم مّن دُونِ اللّ ِه وَِليّا وَلَا نَصِيا ﴾ ‪.‬‬
‫َرحْ َم ًة وَلَا يَ ِ‬
‫قال ابن كثي ‪ :‬أي ‪ :‬ليس لم ول لغيهم من دون ال مي ول مغيث ‪.‬‬
‫‪567‬‬ ‫توفيق الرحن ف دروس القرآن‬

‫قوله عز و جل ‪َ ﴿ :‬قدْ َيعْلَ مُ اللّ هُ الْ ُم َع ّوقِيَ مِنكُ ْم وَاْلقَائِلِيَ ِلِإخْوَانِهِ مْ‬
‫خوْ فُ‬
‫حةً عَلَ ْيكُ مْ َفِإذَا جَاء الْ َ‬
‫س ِإلّا قَلِيلً (‪َ )18‬أشِ ّ‬
‫هَلُمّ إِلَيْنَا َولَا َيأْتُو َن الْبَأْ َ‬
‫َرَأيَْتهُ ْم يَن ُظرُو َن ِإلَيْ كَ َتدُورُ أَ ْعيُُنهُ مْ كَالّذِي ُيغْشَى عَ َليْ ِه مِ َن الْ َموْ تِ َفِإذَا‬
‫ك لَ ْم يُ ْؤمِنُوا‬
‫حةً عَلَى الْخَ ْي ِر أُ ْولَئِ َ‬
‫خوْ فُ سَ َلقُوكُم ِبأَلْ سِنَ ٍة ِحدَا ٍد أَشِ ّ‬
‫َذهَ بَ الْ َ‬
‫ط اللّ ُه أَعْمَاَلهُ مْ وَكَا َن َذلِ كَ عَلَى اللّ ِه يَ سِيا (‪ )19‬يَحْ سَبُونَ اْلَأحْزَا بَ‬
‫َفَأحْبَ َ‬
‫سأَلُونَ‬
‫ب يَ ْ‬
‫ب َيوَدّوا َلوْ أَنّهُم بَادُو نَ فِي اْلأَ ْعرَا ِ‬
‫لَ ْم يَ ْذهَبُوا َوإِن َيأْ تِ اْلأَ ْحزَا ُ‬
‫َعنْ أَنبَائِ ُكمْ َوَلوْ كَانُوا فِيكُم مّا قَاتَلُوا ِإلّا قَلِيلً (‪. ﴾ )20‬‬
‫و عن قتادة ‪ :‬قوله ‪ ﴿ :‬قَ ْد َيعْلَ مُ اللّ ُه الْ ُم َعوّقِيَ مِنكُ مْ وَاْلقَائِلِيَ لِِإ ْخوَاِنهِ ْم‬
‫هَلُمّ إَِليْنَا ﴾ ‪ ،‬قال ‪ :‬هؤلء ناس مَن النافقيَ كانوا يقولون لخوانمَ ‪ :‬مَا‬
‫َ للتهمهَم أبَو سَفيان‬ ‫ممَد وأصَحابه إل آكلة رأس ‪ ،‬ولو كانوا لمً ا‬
‫وأصحابه ‪ ،‬دعوا هذا الرجل فإنه هالك ‪ .‬قال ابن إسحاق ‪ :‬حدّثنا يزيد بن‬
‫رومان ‪ ﴿ :‬قَدْ يَعَْلمُ اللّ ُه الْ ُم َعوّقِيَ مِنكُمْ ﴾ ‪ ،‬أي ‪ :‬أهل النفاق ‪ ﴿ ،‬وَاْلقَائِلِيَ‬
‫ْسَ إِلّا َقلِيلً ﴾ أي ‪ :‬إل دفع ًا وتعذيرًا‬ ‫ُونَ الَْبأ َ‬
‫ِمَ هَلُم ّ إَِليْن َا وَلَا َي ْأت َ‬ ‫لِِإ ْخوَاِنه ْ‬
‫َ ﴾ ‪ ،‬أي ‪ :‬للضغَن الذي فَ أنفسَهم ‪َ ﴿ ،‬فإِذَا جَاء‬ ‫ح ًة عََلْيكُم ْ‬‫﴿ َأشِ ّ‬
‫ك تَدُورُ َأعُْيُنهُ مْ كَالّذِي ُيغْشَى عََليْ ِه مِ َن الْ َموْ تِ‬ ‫خوْ فُ َرأَْيَتهُ ْم يَنظُرُو نَ إَِليْ َ‬‫الْ َ‬
‫سنَةٍ ِحدَادٍ‬ ‫خوْ فُ سََلقُوكُم بِأَلْ ِ‬ ‫ب الْ َ‬
‫﴾ ‪ ،‬أي ‪ :‬إعظامًا وفَرَقًا م نه ‪ ﴿ ،‬فَِإذَا َذهَ َ‬
‫﴾ ‪ ،‬قال قتادة ‪ :‬أما عند القسمة فأش ّح قوم وأسوأ مقاسة ‪ ،‬أعطونا فإنا قد‬
‫شهدنا معكم ‪ ،‬وأما عند البأس فأجب قوم ‪ ،‬وأخذله للحق ‪.‬‬
‫الزء الثالث‬ ‫‪568‬‬

‫قال ا بن كث ي ‪ :‬أي ‪ :‬ل يس في هم خ ي ‪ ،‬قد جعوا ال ب والكذب وقلّة‬


‫الب ‪ ،‬فهم كما قال ف أمثالم الشاعر ‪:‬‬
‫وف الرب أمثال النساء العوارك‬ ‫أ ف ال سلم أعيار جفاء وغل ظة‬
‫(‬ ‫(‬

‫ولذا قال تعال ‪ُ ﴿ :‬أوَْلئِ كَ لَ ْم ُيؤْ ِمنُوا َفأَ ْحبَ طَ اللّ هُ َأعْمَاَلهُ ْم وَكَا نَ ذَلِ كَ‬
‫عَلَى اللّ ِه يَسِيا ﴾ ‪.‬‬
‫َ يَ ْذ َهبُوا ﴾ ‪ ،‬قال البغوي ‪﴿ :‬‬
‫َ لَم ْ‬ ‫وقوله تعال ‪ ﴿ :‬يَحْس َ‬
‫َبُونَ اْلأَحْزَاب َ‬
‫َابَ ﴾ ‪ ،‬يعنَ ‪ :‬قريشًا ‪،‬‬ ‫ْسَُونَ ﴾ ‪ ،‬يعنَ ‪ :‬هؤلء النافقيَ ‪ ﴿ ،‬الحْز َ‬ ‫يَح َب‬
‫وغطفان ‪ ،‬واليهود ‪ ﴿ ،‬لَ ْم يَ ْذ َهبُوا ﴾ ل ينصرفوا عن قتالم جبنًا وَفرَقًا ‪ ،‬وقد‬
‫انصرفوا ‪َ ﴿ ،‬وإِ ْن يَأْتِ الحْزَابُ ﴾ ‪ ،‬أي ‪ :‬يرجعوا إليهم للقتال بعد الذهاب‬
‫‪َ ﴿ ،‬يوَدّوا َلوْ َأّنهُ ْم بَادُونَ فِي العْرَابِ ﴾ ‪ ،‬أي ‪ :‬يتمنّوا لو كانوا ف بادية مع‬
‫سأَلُو َن عَ نْ َأْنبَائِكُ مْ ﴾ أخبار كم و ما آل‬
‫العراب من الوف وال ب ‪ ﴿ ،‬يَ ْ‬
‫إل يه أمر كم ‪ ﴿ ،‬وََلوْ كَانُوا ﴾ ‪ ،‬يع ن ‪ :‬هؤلء النافق ي ﴿ فِيكُ مْ مَا قَاتَلُوا إِل‬
‫ل يقيمون به عذرهم فيقولون ‪ :‬قد قاتلنا ‪.‬‬ ‫َقلِيل ﴾ تعذيرًا ‪ ،‬أي ‪ :‬يقاتلون قلي ً‬
‫قوله عز وجل ‪ ﴿ :‬لَ َقدْ كَا َن َلكُ ْم فِي رَسُو ِل اللّهِ أُسْ َو ٌة حَسََنةٌ لّمَن كَانَ‬
‫ُونـ‬
‫ّهـ كَثِيا (‪َ )21‬ولَمّاـ َرأَى الْ ُم ْؤمِن َ‬
‫ْمـ الْآ ِخرَ َوذَ َك َر الل َ‬
‫ّهـ وَالَْيو َ‬
‫َيرْج ُو الل َ‬
‫ق اللّ ُه وَرَسُوُلهُ َومَا زَا َدهُمْ‬
‫صدَ َ‬
‫اْلأَ ْحزَابَ قَالُوا هَذَا مَا وَ َعدَنَا اللّ ُه وَرَسُوُلهُ وَ َ‬
‫ص َدقُوا مَا عَا َهدُوا اللّ هَ عَلَيْ هِ‬
‫ِإلّا إِيَانا َوتَ سْلِيما (‪ )22‬مِ نَ الْ ُم ْؤمِنِيَ ِرجَالٌ َ‬
‫ي اللّهُ‬
‫جزِ َ‬
‫فَمِ ْنهُم مّن قَضَى نَحْبَ ُه وَمِ ْنهُم مّن يَنتَ ِظ ُر َومَا َبدّلُوا تَ ْبدِيلً (‪ )23‬لِيَ ْ‬
‫‪569‬‬ ‫توفيق الرحن ف دروس القرآن‬

‫ص ْد ِقهِ ْم َويُ َعذّ بَ الْمُنَا ِفقِيَ إِن شَاء َأوْ يَتُو بَ عَلَ ْيهِ مْ إِنّ اللّ هَ كَا نَ‬
‫ي بِ ِ‬
‫ال صّادِقِ َ‬
‫َغفُورا ّرحِيما (‪. ﴾ )24‬‬
‫قال ا بن إ سحاق ‪ :‬حدّث ن يز يد بن رومان قال ‪ :‬ث أق بل على الؤمن ي‬
‫سَنةٌ لّمَن كَا نَ يَرْجُو اللّ َه‬ ‫فقال ‪َ ﴿ :‬لقَدْ كَا نَ َلكُ مْ فِي رَ سُولِ اللّ هِ أُ ْس َوةٌ حَ َ‬
‫ْمَ الْآخِرَ ﴾ أن ل يرغبوا بأنفسَهم عَن نفسَه ول عَن مكان هَو بَه ‪،‬‬ ‫وَاْلَيو َ‬
‫َ َكثِيا ﴾ ‪ ،‬يقول ‪ :‬وأكثَر ذكَر ال فَ الوف والشدة‬ ‫﴿ وَذَ َكرَ اللّه َ‬
‫والرخاء ‪.‬‬
‫َابَ قَالُوا هَذَا مَا‬‫ُونَ اْلأَحْز َ‬‫وعَن ابَن عباس قوله ‪ ﴿ :‬وَلَمّاَ َرأَى الْ ُم ْؤ ِمن َ‬
‫ص َدقَ اللّ هُ وَرَ سُولُهُ ﴾ ‪ ،‬قال ‪ :‬ذلك أن ال قال لم ف‬ ‫َوعَ َدنَا اللّ ُه وَرَ سُولُهُ وَ َ‬
‫جّن َة وَلَمّا َي ْأتِكُم ّمثَ ُل الّذِينَ َخَل ْواْ مِن‬
‫سْبتُمْ أَن تَ ْدخُلُواْ الْ َ‬
‫سورة البقرة ‪ ﴿ :‬أَمْ حَ ِ‬
‫سْتهُ ُم اْلبَأْ سَاء وَالضّرّاء وَزُلْزِلُواْ َحتّى َيقُولَ الرّ سُو ُل وَالّذِي نَ آمَنُواْ َمعَ هُ‬ ‫َقبِْلكُم مّ ّ‬
‫مَتَى نَ صْرُ اللّ هِ أَل إِنّ نَ صْرَ اللّ هِ َقرِي بٌ ﴾ ‪ ،‬قال ‪ :‬فل ما م سّهم البلء ح يث‬
‫رابطوا الحزاب فَ الندق ‪ ،‬تأوّل الؤمنون ذلك ول يزدهَم ذلك إل إيانًا‬
‫وتسليمًا ‪.‬‬
‫وقال ابـن إسـحاق ‪ :‬حدّث ن يزيَد بن رومان ‪ ﴿ :‬مِنََ الْ ُم ْؤ ِمنِيَ رِجَالٌ‬
‫صدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللّ َه عََليْ هِ ﴾ ‪ ،‬أي ‪ :‬فوال با عاهدوه عليه ‪َ ﴿ ،‬ف ِمْنهُم مّن‬
‫َ‬
‫حبَهُ ﴾ ‪ ،‬أي ‪ :‬فزع من عمله ورجع إل ربه ‪ ،‬كمن استشهد يوم بدر‬ ‫َقضَى نَ ْ‬
‫ويوم أحد ‪َ ﴿ ،‬و ِمْنهُم مّن يَنتَ ِظرُ ﴾ ما وعد ال من نصره والشهادة على ما‬
‫الزء الثالث‬ ‫‪570‬‬

‫مضى عليه الصحابة ﴿ َومَا بَدّلُوا َتبْدِيلً ﴾ ‪ ،‬قال قتادة ‪ :‬يقول ‪ :‬ما شكّوا ما‬
‫ي بِ صِدِْقهِمْ‬
‫جزِ يَ اللّ ُه ال صّادِِق َ‬
‫تردّدوا ف دين هم ول ا ستبدلوا به غيه ‪ِ ﴿ ،‬ليَ ْ‬
‫ب الْ ُمنَاِفقِيَ إِن شَاء َأ ْو يَتُو بَ عََلْيهِ مْ ﴾ ‪ ،‬يقول ‪ :‬إن شاء أخرجهم من‬‫َوُيعَذّ َ‬
‫النفاق إل اليان ‪ِ ﴿ ،‬إنّ اللّهَ كَانَ َغفُورا رّحِيما ﴾ ‪.‬‬
‫قوله عز وجل ‪ ﴿ :‬وَ َردّ ال ّلهُ اّلذِينَ َك َفرُوا ِبغَيْ ِظهِ ْم َلمْ يَنَالُوا خَيْرا وَ َكفَى‬
‫اللّ هُ الْ ُم ْؤمِنِيَ الْقِتَالَ وَكَا َن اللّ هُ َق ِويّا َعزِيزا (‪ )25‬وَأَنزَ َل الّذِي نَ ظَاهَرُوهُم‬
‫ب َفرِيقا َتقْتُلُو نَ‬
‫ف فِي قُلُوبِهِ ُم الرّعْ َ‬
‫ب مِن صَيَاصِي ِهمْ َو َقذَ َ‬
‫مّ ْن أَ ْه ِل الْكِتَا ِ‬
‫ّمـ‬
‫ُمـ َوأَرْضا ل ْ‬
‫ُمـ َوَأمْوَاَله ْ‬
‫ُمـ َودِيَا َره ْ‬
‫ضه ْ‬‫ُمـ أَرْ َ‬
‫ْسـرُو َن َفرِيقا (‪َ )26‬وَأوْرََثك ْ‬
‫َوَتأ ِ‬
‫تَ َطؤُوهَا وَكَا َن ال ّلهُ عَلَى ُكلّ َشيْ ٍء َقدِيرا (‪. ﴾ )27‬‬
‫عن قتادة ‪ :‬قوله ‪ ﴿ :‬وَ َردّ اللّ ُه الّذِي نَ َكفَرُوا ِب َغيْ ِظهِ مْ لَ ْم َينَالُوا َخيْرا ﴾ ‪،‬‬
‫وذلك يوم أبَ سَفيان والحزاب ‪ ،‬ردّ ال أبَا سَفيان وأصَحابه بغيظهَم ‪،‬‬
‫﴿ لَ ْم َينَالُوا َخيْرا وَ َكفَى اللّ ُه الْ ُم ْؤ ِمنِيَ اْل ِقتَالَ ﴾ بالنود من عنده والريح‬
‫ال ت ب عث علي هم ‪ .‬و عن أ ب سعيد الدري قال ‪ُ :‬حبِ سْنا يوم الندق عن‬
‫ال صلة فلم ن صلّ الظ هر ‪ ،‬ول الع صر ‪ ،‬ول الغرب ‪ ،‬ول العشاء ‪ ،‬ح ت كان‬
‫بعد العشاء بو يّ ُكفِينَا وأنزل ال ‪ ﴿ :‬وَ َكفَى اللّ ُه الْ ُم ْؤمِنِيَ اْل ِقتَا َل وَكَا نَ اللّ هُ‬
‫َق ِويّا عَزِيزا ﴾ فأ مر ر سول ال بللً فأقام ال صلة و صلّى الظ هر فأح سن‬
‫صلتا كما كان يصلّيها ف وقتها ‪ ،‬ث صلى العصر كذلك‪ ،‬ث صلى الغرب‬
‫‪571‬‬ ‫توفيق الرحن ف دروس القرآن‬

‫كذلك‪ ،‬ث صلى العشاء كذلك ‪ ،‬جعل لكل صلة إقامة وذلك قبل أن تنل‬
‫صلة الوف ‪ ﴿ ،‬فَإنْ ِخ ْفتُمْ َفرِجَالً َأوْ رُ ْكبَانا ﴾ ‪ .‬رواه ابن جرير ‪.‬‬
‫قال ا بن كث ي ‪ :‬ور جع ر سول ال إل الدي نة مؤيدًا من صورًا ‪ ،‬وو ضع‬
‫الناس السلح ‪ .‬فبينما رسول ال يغتسل من وعثاء تلك الرابطة ف بيت أم‬
‫سَلمة رضَي ال عنهَا ‪ ،‬إذ تبدّى له جبيَل عليَه الصَلة والسَلم معتجرًا‬
‫بعما مة من إ ستبق ‪ ،‬على بغلة علي ها قطي فة من ديباج ‪ ،‬فقال له ‪ :‬وض عت‬
‫السَلح يَا رسَول ال ؟ قال ‪ « :‬نعَم » ‪ .‬قال ‪ :‬ل كن اللئ كة ل ت ضع‬
‫أسلحتها ‪ ،‬وهذا الن رجوعي من طلب القوم ‪ .‬ث قال ‪ :‬إن ال تبارك وتعال‬
‫يأمرك أن تنهض إل بن قريظة ‪.‬‬
‫صيَاصِيهِمْ ﴾‬ ‫وقوله تعال ‪َ ﴿ :‬وأَن َز َل الّذِينَ ظَاهَرُوهُم مّنْ َأهْ ِل الْ ِكتَا ِ‬
‫ب مِن َ‬
‫أي ‪ :‬ح صونم ‪ ،‬و هم ‪ :‬ب نو قري ظة ‪ ﴿ ،‬وَقَذَ فَ فِي ُقلُوبِهِ مُ ال ّرعْ بَ فَرِيقا‬
‫َت ْقتُلُونََ َوتَأْسَِرُونَ فَرِيقا ﴾ ‪ ،‬قال ابَن إسَحاق ‪ :‬حدّثنَ يزيَد بَن رومان ‪:‬‬
‫﴿ فَرِيقا َتقْتُلُو نَ َوَتأْ سِرُونَ فَرِيقا ﴾ ‪ ،‬أي ‪ :‬ق تل الرجال و سب الذراري ‪،‬‬
‫ضهُ ْم َو ِديَا َرهُ ْم َوَأمْوَاَلهُ ْم َوأَرْضا لّ ْم تَ َطؤُوهَا وَكَا نَ‬
‫والنساء ‪َ ﴿ ،‬وَأوْ َرثَكُ مْ أَرْ َ‬
‫ض ُه مْ‬
‫اللّ ُه عَلَى كُلّ شَيْءٍ قَدِيرا ﴾ ‪ ،‬قال ا بن ز يد ف قوله ‪َ ﴿ :‬وأَوْ َرَثكُ مْ أَرْ َ‬
‫ُمَ ﴾ ‪ ،‬قال ‪ :‬قريظَة والنضيَ أهَل الكتاب ‪َ ﴿ ،‬وأَرْضا لّم َْ تَ َطؤُوهَا‬ ‫َو ِديَا َره ْ‬
‫﴾ يومئذٍ قال ‪ :‬خبي ‪ .‬وقال ال سن ‪ :‬هي ‪ :‬الروم ‪ ،‬وفارس ‪ ،‬و ما ف تح ال‬
‫عليهم ‪.‬‬
‫الزء الثالث‬ ‫‪572‬‬

‫وقال ا بن جر ير ‪ :‬يوز أن يكون الم يع مرادًا ‪ ﴿ ،‬وَكَا نَ اللّ ُه عَلَى كُلّ‬


‫َشيْءٍ قَدِيرا ﴾ ‪.‬‬
‫***‬
‫‪573‬‬ ‫توفيق الرحن ف دروس القرآن‬

‫الدرس العشرون بعد الائتي‬

‫ك إِن كُنتُنّ ُترِدْ نَ الْحَيَا َة الدّنْيَا وَزِينَتَهَا‬


‫﴿ يَا َأيّهَا النّبِيّ قُل ّلأَزْوَاجِ َ‬
‫ّهـ‬
‫ْنـ الل َ‬
‫سـرَاحا جَمِيلً (‪َ )28‬وإِن كُنتُنّ ُت ِرد َ‬
‫ُسـرّ ْح ُكنّ َ‬
‫ْنـُأمَّت ْعكُنّ َوأ َ‬
‫فََتعَالَي َ‬
‫وَرَ سُوَلهُ وَالدّا َر الْآ ِخ َرةَ َفإِنّ اللّ َه أَ َع ّد لِلْمُحْ سِنَاتِ مِن ُكنّ أَجْرا عَظِيما (‪)29‬‬
‫ض ْعفَيْ نِ‬
‫ت مِنكُنّ ِبفَا ِحشَ ٍة مّبَيَّن ٍة يُضَاعَ فْ َلهَا اْل َعذَا بُ ِ‬
‫يَا نِ سَاء النِّبيّ مَن َيأْ ِ‬
‫وَكَا َن َذلِ كَ عَلَى اللّ ِه يَ سِيا (‪ )30‬وَمَن َيقْنُ تْ مِنكُنّ لِلّ هِ وَرَ سُوِلهِ َوَتعْ َملْ‬
‫صَالِحا نّ ْؤتِهَا َأ ْجرَهَا َم ّرتَيْ ِن وَأَعَْتدْنَا لَهَا رِزْقا َكرِيا (‪ )31‬يَا نِ سَاء النّبِيّ‬
‫ضعْ َن بِاْل َقوْ ِل فَيَطْمَ َع اّلذِي فِي قَلْبِهِ‬
‫لَسُْتنّ َكأَ َح ٍد مّنَ النّسَاء إِنِ اّتقَيُْتنّ فَلَا تَخْ َ‬
‫ّجـ‬
‫ْنـ تََبر َ‬
‫ْنـ ف ِي بُيُوِتكُن ّ َولَا تََب ّرج َ‬
‫ْنـ َق ْولً ّم ْعرُوفا (‪َ )32‬و َقر َ‬
‫َضـ َوقُل َ‬
‫َمر ٌ‬
‫الْجَاهِلِّيةِ اْلأُولَى َوأَقِمْ نَ ال صّلَاةَ وَآتِيَ الزّكَا َة َوأَ ِطعْ نَ اللّ هَ وَرَ سُولَ ُه ِإنّمَا ُيرِيدُ‬
‫ت وَيُ َط ّهرَكُ ْم تَ ْطهِيا (‪ )33‬وَاذْ ُكرْنَ مَا‬
‫س َأ ْهلَ الْبَيْ ِ‬
‫اللّ ُه لُِيذْهِبَ عَنكُ ُم ال ّرجْ َ‬
‫حكْ َمةِ إِنّ اللّ هَ كَا َن لَطِيفا خَبِيا (‪)34‬‬
‫يُتْلَى فِي بُيُوِت ُكنّ مِ نْ آيَا تِ اللّ هِ وَالْ ِ‬
‫َاتـ‬
‫َاتـ وَاْلقَانِتِيَ وَاْلقَانِت ِ‬
‫ت وَالْ ُم ْؤمِنِيَ وَالْ ُم ْؤمِن ِ‬
‫ُسـلِمَا ِ‬
‫ي وَالْم ْ‬
‫ُسـلِ ِم َ‬
‫إِنّ الْم ْ‬
‫ي وَال صّا ِدقَاتِ وَال صّابِرِينَ وَال صّاِبرَاتِ وَالْخَا ِشعِيَ وَالْخَاشِعَا تِ‬
‫وَال صّادِقِ َ‬
‫ت وَالْحَافِظِيَ ُفرُو َجهُ مْ‬
‫ي وَال صّائِمَا ِ‬
‫ت وَال صّائِمِ َ‬
‫ص ّدقَا ِ‬
‫ي وَالْمُتَ َ‬
‫ص ّدقِ َ‬
‫وَالْمُتَ َ‬
‫ت أَ َعدّ اللّ هُ َلهُم ّمغْ ِف َر ًة وََأجْرا‬
‫ت وَالذّا ِكرِي َن اللّ هَ كَثِيا وَالذّا ِكرَا ِ‬
‫وَالْحَافِظَا ِ‬
‫عَظِيما (‪ )35‬وَمَا كَا َن لِ ُم ْؤمِ نٍ َولَا ُم ْؤمَِنةٍ ِإذَا قَضَى اللّ ُه وَرَ سُوُل ُه أَمْرا أَن‬
‫ضلّ ضَلَا ًل مّبِينا‬
‫َيكُو َن َلهُمُ الْخَِي َر ُة مِ ْن َأ ْمرِهِ ْم َومَن َيعْصِ اللّهَ وَرَسُولَ ُه َفقَدْ َ‬
‫الزء الثالث‬ ‫‪574‬‬

‫(‪َ )36‬وِإذْ َتقُو ُل لِ ّلذِي َأْنعَ مَ اللّ هُ َعلَيْ ِه َوأَْنعَمْ تَ عَلَيْ هِ َأمْ سِكْ عَلَيْ كَ َز ْوجَ كَ‬
‫س وَاللّ هُ َأ َحقّ أَن‬
‫خشَى النّا َ‬
‫سكَ مَا اللّ ُه مُ ْبدِي هِ وَتَ ْ‬
‫خفِي فِي َنفْ ِ‬
‫وَاتّ ِق اللّ هَ َوتُ ْ‬
‫خشَا هُ فَلَمّا قَضَى َزْيدٌ مّ ْنهَا وَطَرا َزوّجْنَا َكهَا لِكَ ْي لَا َيكُو نَ عَلَى الْ ُمؤْمِنِيَ‬
‫تَ ْ‬
‫ضوْا مِ ْنهُنّ وَطَرا وَكَا َن َأمْ ُر اللّ هِ َم ْفعُولً (‬
‫ج فِي أَ ْزوَا جِ َأدْعِيَاِئهِ ْم ِإذَا قَ َ‬
‫َحرَ ٌ‬
‫ض اللّ ُه لَ هُ سُّنةَ اللّ هِ فِي الّذِي نَ‬
‫‪ )37‬مّا كَا نَ عَلَى النّبِيّ مِ نْ َحرَ جٍ فِيمَا َفرَ َ‬
‫خَ َلوْا مِن قَ ْب ُل وَكَا َن َأ ْمرُ اللّ ِه َقدَرا ّم ْقدُورا (‪ )38‬الّذِي َن يُبَ ّلغُو نَ رِ سَالَاتِ‬
‫شوْ َن أَحَدا ِإلّا اللّ هَ وَ َكفَى بِاللّ هِ حَ سِيبا (‪ )39‬مّا كَا نَ‬
‫خَ‬‫ش ْونَ ُه َولَا يَ ْ‬
‫خَ‬‫اللّ هِ َويَ ْ‬
‫ح ّمدٌ أَبَا َأ َحدٍ مّ ن ّرجَاِلكُ مْ َولَكِن رّ سُولَ اللّ ِه وَخَاتَ َم النّبِيّيَ وَكَا َن اللّ هُ‬
‫مُ َ‬
‫ِب ُكلّ َشيْءٍ عَلِيما (‪. ﴾ )40‬‬

‫***‬
‫‪575‬‬ ‫توفيق الرحن ف دروس القرآن‬

‫قوله عز و جل ‪ ﴿ :‬يَا َأيّهَا النّبِيّ قُل ّلأَزْوَاجِ كَ إِن كُنتُنّ ُترِدْ َن الْحَيَاةَ‬
‫الدّنْيَا وَزِينََتهَا فََتعَالَيْ نَ أُمَّت ْعكُنّ َوأُ َسرّ ْح ُكنّ َسرَاحا جَمِيلً (‪ )28‬وَإِن كُنُتنّ‬
‫ت مِنكُنّ أَجْرا‬
‫ُت ِردْ َن اللّ َه وَرَ سُوَلهُ وَالدّا َر الْآ ِخ َرةَ َفإِنّ اللّ هَ أَ َع ّد لِلْمُحْ سِنَا ِ‬
‫عَظِيما (‪. ﴾ )29‬‬
‫روى البخاري وغيه عن عائشة رضي ال عنها أن رسول ال جاءها‬
‫حي أمره ال تعال أن يي أزواجه قالت ‪ :‬فبدأ ب رسول ال فقال ‪« :‬‬
‫إ ن ذا كر لك أمرًا فل عل يك أن ل ت ستعجلي ح ت ت ستأمري أبو يك » و قد‬
‫علم أن أبوي ل يكونا يأمران بفراقه ‪ ،‬قالت ‪ :‬ث قال ‪ « :‬إن ال تعال قال ‪:‬‬
‫﴿ يَا َأّيهَا الّنِبيّ قُلْ ِلأَ ْزوَاجِ كَ ﴾ » إل تام اليتي ‪ ،‬فقلت له ‪ :‬ففي أي هذا‬
‫أسَتأمر أبوي ؟ فإنَ أريَد ال تعال ورسَوله والدار الخرة ؛ وفَ روايَة ‪:‬‬
‫( خيّرنا رسول ال فلم يعدّها علينا شيئًا ) ‪.‬‬
‫وروى مسلم وغيه عن جابر رضي ال عنه قال ‪ :‬أقبل أبو بكر رضي ال‬
‫ع نه ي ستأذن على ر سول ال والناس ببا به جلُوس ‪ ،‬وال نب جالس ‪ ،‬فلم‬
‫يؤذن له ‪ ،‬ث أقبل عمر رضي ال عنه فاستأذن فلم يؤذن له ‪ ،‬ث أذن لب بكر‬
‫وعمر رضي ال عنهما فدخل والنب جالس وحوله نساؤه وهو ساكت‬
‫‪ ،‬فقال عمر رضي ال عنه ‪ :‬لكلمن النب لعله يضحك ‪ ،‬فقال عمر ‪ :‬يا‬
‫رسول ال لو رأيت ابنة زيد ‪ -‬امرأة عمر ‪ -‬سألتن النفقة آنفًا فوجأت عنقها‬
‫‪ ،‬فض حك ال نب ح ت بدت نواجذه وقال ‪ « :‬هن حول ي سألنن النف قة »‬
‫الزء الثالث‬ ‫‪576‬‬

‫فقام أ بو ب كر إل عائ شة ليضرب ا ‪ ،‬وقام ع مر إل حف صة كله ا يقولن ‪:‬‬


‫تسألن النب ما ليس عنده ؟ فنهاها رسول ال ‪ ،‬فقلن ‪ :‬ول ل نسأل‬
‫رسَول ال بعَد هذا الجلس مَا ليَس عنده ؛ قال ‪ :‬وأنزل ال عَز وجَل‬
‫اليار ‪ ،‬فبدأ بعائشة رضي ال عنها ‪ .‬الديث ‪.‬‬
‫َن ال على ذلك فقال ‪:‬‬ ‫َوله شكرهَ‬ ‫َا اخترن ال ورسَ‬ ‫قال قتادة ‪ :‬فلمَ‬
‫جبَ كَ‬
‫ج وََلوْ أَعْ َ‬
‫ك النّ سَاء مِن َبعْ ُد وَلَا أَن َتبَدّ َل ِبهِنّ مِ نْ أَ ْزوَا ٍ‬
‫﴿ لَا يَحِلّ لَ َ‬
‫سُنهُنّ ﴾ فقصره ال عليهن ‪ .‬قال عكرمة ‪ :‬وكان تته يومئذٍ تسع نسوة ‪:‬‬ ‫حُ ْ‬
‫خس من قُرَيش ‪ :‬عائشة ‪ ،‬وحفصة ‪ ،‬وأم حبيبة بنت أب سفيان ‪ ،‬وسودة‬
‫بنت زمعة ‪ ،‬وأم سلمة بنت أب أمية ‪ ،‬وكانت تته ‪ :‬صفية ابنة حيي اليبية‪،‬‬
‫وميمونة بنت الارث الللية ‪ ،‬وزينب بنت جحش السدية ‪ ،‬وجويرية بنت‬
‫الارث من ب ن ال صطلق ‪ .‬وقال ا بن ز يد ‪ :‬فاخترن ال ور سوله ‪ ،‬إل امرأة‬
‫واحدة جويرة ذهبت ‪.‬‬
‫شةٍ مّبَيَّنةٍ يُضَاعَفْ‬
‫قوله عز وجل ‪ ﴿ :‬يَا نِسَاء النّبِيّ مَن َيأْتِ مِن ُكنّ ِبفَا ِح َ‬
‫ضعْفَيْ ِن وَكَا نَ ذَلِ كَ عَلَى اللّ ِه يَ سِيا (‪ )30‬وَمَن َيقْنُ تْ مِن ُكنّ‬
‫َلهَا اْل َعذَا بُ ِ‬
‫لِلّ هِ وَرَ سُولِ ِه َوتَعْ َملْ صَالِحا ّن ْؤتِهَا َأ ْجرَهَا َم ّرتَيْ نِ وَأَعَْتدْنَا لَهَا رِزْقا َكرِيا (‬
‫‪. ﴾ )31‬‬
‫قال ابن كثي ‪ :‬يقول تعال واعظًا نساء النب اللت اخترن ال ورسوله‬
‫والدار الخرة ‪ ،‬واسَتقراره ّن تتَ رسَول ال ‪ ،‬فناسَب أن يبَهنّ‬
‫‪577‬‬ ‫توفيق الرحن ف دروس القرآن‬

‫بكمه ّن وتصيصهنّ دون سائر النساء ‪ ،‬بأن من يأت منه نّ بفاحشة مبيّنة ‪.‬‬
‫قال ابن عباس رضي ال عنهما ‪ :‬وهو النشوز وسوء الُلُق ‪ ،‬وعلى كل تقدير‬
‫فهو شرط ‪ ،‬والشرط ل يقتضي الوقوع ‪ ،‬كقوله تعال ‪ ﴿ :‬وََلقَدْ أُوحِيَ إَِليْكَ‬
‫حبَطَنّ عَ َملُ كَ ﴾ فلما كانت مساننّ‬ ‫َوإِلَى الّذِي َن مِ نْ َقبْلِ كَ َلئِ نْ َأشْرَكْ تَ َليَ ْ‬
‫رفيعة ناسب أن يعل الذنب لو وقع منه نّ مغلّظًا ‪ ،‬صيانة لناب ّن وحجاب نّ‬
‫َفَ لَهَا‬‫ش ٍة ّمَبّينَ ٍة ُيضَاع ْ‬
‫ْتَ مِنكُنّ ِبفَاحِ َ‬ ‫الرفيَع ‪ ،‬ولذا قال تعال ‪ ﴿ :‬مَن َيأ ِ‬
‫ض ْعفَيْ نِ ﴾ ‪ .‬قال مالك عن زيد بن أسلم ‪ُ ﴿ :‬يضَاعَ فْ َلهَا اْلعَذَا بُ‬ ‫اْلعَذَا بُ ِ‬
‫ض ْع َفيْ نِ ﴾ ‪ ،‬قال ‪ :‬ف الدن يا والخرة ‪ ﴿ ،‬وَكَا نَ ذَلِ كَ عَلَى اللّ ِه يَ سِيا ﴾ ‪،‬‬ ‫ِ‬
‫أي ‪ :‬سهلً هّينًا ‪.‬‬
‫ث ذكر عدله وفضله ف قوله ‪َ ﴿ :‬ومَن َي ْقنُتْ مِنكُنّ ِللّ ِه وَرَسُولِهِ ﴾ ‪ ،‬أي ‪:‬‬
‫تطع ال ورسوله وتستجب ‪ّ ﴿ ،‬نؤِْتهَا أَجْ َرهَا مَ ّرَتيْ ِن َوَأعْتَ ْدنَا َلهَا ِرزْقا كَرِيا‬
‫﴾ ‪ ،‬أي ‪ :‬ف النة ‪ ،‬فإنن ف منازل رسول ال ف أعلى عّليّن فوق منازل‬
‫جيع اللئق ‪ ،‬ف الوسيلة الت هي أقرب منازل النة إل العرش ‪.‬‬
‫قوله عز وجل ‪ ﴿ :‬يَا نِ سَاء النّبِيّ لَسُْتنّ َكأَ َحدٍ مّنَ النّسَاء إِ ِن اتّقَيُْتنّ فَلَا‬
‫ْنـ قَ ْولً ّم ْعرُوفا (‪)32‬‬
‫َضـ َوقُل َ‬
‫ِهـ مَر ٌ‬
‫َعـ اّلذِي فِي قَلْب ِ‬
‫ْنـ بِاْلقَ ْولِ فَيَ ْطم َ‬
‫ضع َ‬‫تَخْ َ‬
‫َو َقرْ َن فِي بُيُوِتكُنّ وَلَا تََبرّجْ َن تََبرّ جَ الْجَاهِلِّيةِ اْلأُولَى َوَأقِمْ َن ال صّلَاةَ وَآتِيَ‬
‫الزّكَاةَ َوأَ ِطعْنَـ اللّهَـ وَرَ سُوَلهُ ِإنّمَا ُيرِي ُد اللّهُـلُِيذْهِ بَ عَنكُمُـ ال ّرجْسَـَأهْلَ‬
‫الزء الثالث‬ ‫‪578‬‬

‫ت اللّ هِ‬
‫ت َويُ َطهّرَكُ ْم تَ ْطهِيا (‪ )33‬وَاذْ ُكرْ نَ مَا يُتْلَى فِي بُيُوِتكُنّ مِ نْ آيَا ِ‬
‫الْبَيْ ِ‬
‫حكْ َمةِ إِ ّن ال ّلهَ كَا َن لَطِيفا خَبِيا (‪. ﴾ )34‬‬
‫وَالْ ِ‬
‫قال البغوي ‪ ﴿ :‬يَا نِسََاء الّنبِيّ لَس ْتُ‬
‫َنّ َكأَحَ ٍد مّنََ النّسََاء ﴾ ‪ ،‬قال ابَن‬
‫عباس ‪ :‬ير يد ل يس قدرك ّن عندي م ثل قدر غيك نّ من الن ساء ال صالات ‪،‬‬
‫أنتّ أكرم عل ّي وثوابك ّن أع ظم لد يّ ‪ ﴿ ،‬إِ ِن اّتقَْيتُنّ ﴾ ال أَ َط ْعتُنّه ‪ ﴿ ،‬فَلَا‬
‫َعَ‬
‫ّقنَ الكلم ‪َ ﴿ ،‬فيَطْم َ‬ ‫ْنَ بِاْلقَوْلِ ﴾ ‪ ،‬ل تُلِنّ بالقول للرجال ول ترق ّ‬ ‫ضع َ‬
‫خَ‬‫تَ ْ‬
‫الّذِي فِي َق ْلبِ ِه مَرَضٌ ﴾ ‪ ،‬أي ‪ :‬فجور ‪ ،‬وشهوة ‪ .‬والرأة مندوبة إل الغلظة ف‬
‫ْنَ َقوْ ًل ّمعْرُوفا‬
‫القابلة إذا خاطبَت الجانَب لقطَع الطماع معهَم ‪ ﴿ .‬وَُقل َ‬
‫﴾ يوجبه الدين والسلم بتصريح وبيان من غي خضوع ‪.‬‬
‫ْنَ‬ ‫قال ابـن كثيـ ‪ :‬وقوله تعال ‪ ﴿ :‬وَقَر َ‬
‫ْنَ فِي ُبيُوِتكُنّ ﴾ ‪ ،‬أي ‪ :‬إِل َزم َ‬
‫بيوتك نّ فل تر جن لغ ي حا جة ‪ .‬و عن قتادة ‪ ﴿ :‬وَلَا تَبَرّجْ َن تَبَرّ جَ الْجَاهِِلّيةِ‬
‫اْلأُولَى ﴾ ‪ ،‬أي ‪ :‬إذا خرجتّ من بيوت كن ؛ قال ‪ :‬كا نت ل نّ مش ية وتك سّر‬
‫وتغنّج ‪ ،‬يعن بذلك ‪ :‬الاهليّة الول فنهاهنّ ال عن ذلك ‪ .‬وقال ابن زيد ف‬
‫ّجَ الْجَاهِِلّي ِة اْلأُولَى ﴾ ‪ ،‬يقول ‪ :‬التَ كانَت قبَل‬ ‫ْنَ َتبَر َ‬
‫قوله ‪ ﴿ :‬وَلَا َتبَرّج َ‬
‫السلم ؛ قال ‪ :‬وف السلم جاهليّة ‪ .‬وقال مقاتل ‪ :‬والتبّج أنا تلقي المار‬
‫على رأ سها ول تشدّه فيواري ‪ :‬قلئد ها ‪ ،‬وقرط ها ‪ ،‬وعنق ها ‪ ،‬ويبدوا ذلك‬
‫كله منها وذلك التبج ‪ ،‬ث عمّت نساء الؤمني ف التبّج ‪.‬‬
‫‪579‬‬ ‫توفيق الرحن ف دروس القرآن‬

‫وقوله تعال ‪َ ﴿ :‬وأَقِمْ َن ال صّلَا َة وَآتِيَ الزّكَاةَ َوَأطِعْ نَ اللّ َه وَرَ سُولَهُ ِإنّمَا‬
‫ب عَنكُ مُ الرّجْ سَ َأهْ َل اْلبَيْ تِ َويُ َطهّرَ ُك ْم تَ ْطهِيا ﴾ ‪ ،‬قال قتادة‬
‫يُرِيدُ اللّ هُ ِليُ ْذهِ َ‬
‫‪ :‬فهم أهل بيت طهّرهم ال من السوء وخصّهم برحة منه ‪.‬‬
‫قال ا بن كث ي ‪ :‬وقوله تعال ‪ِ ﴿ :‬إنّمَا يُرِيدُ اللّ هُ ِليُ ْذهِ َ‬
‫ب عَنكُ مُ الرّجْ سَ‬
‫ت َويُ َطهّرَكُ ْم تَ ْطهِيا ﴾ نص ف دخول أزواج النب ف أهل البيت‬ ‫َأهْ َل اْلبَيْ ِ‬
‫ها هنا ‪ ،‬لن نّ سبب نزول هذه الية ‪ .‬وروى مسلم وغيه عن عائشة رضي‬
‫ال عنها قالت ‪ :‬خرج النب ذات غداة وعليه مرط مرحل من شعر أسود‬
‫فجاء ال سن ر ضي ال ع نه فأدخله م عه ‪ ،‬ث جاء ال سي فأدخله م عه ‪ ،‬ث‬
‫جاءت فاط مة ر ضي ال عن ها فأدخل ها م عه ‪ ،‬ث جَاءَ عل يّ ر ضي ال ع نه‬
‫ب َعنْكُ مْ الرّجْ سَ‬
‫فأدخله معه ‪ ،‬ث قال رسول ال ‪ِ ﴿ :‬إنّمَا يُرِيدُ اللّ هُ ِليُ ْذهِ َ‬
‫ت َويُ َطهّرَكُ ْم تَ ْطهِيًا ﴾ ‪ .‬و عن ز يد بن أر قم ر ضي ال ع نه قال ‪:‬‬ ‫َأهْ َل اْلبَيْ ِ‬
‫( قام فينا رسول ال يومًا خطيبًا باء يدعى خّا ‪ ،‬بي مكة والدينة ‪ ،‬فحمد‬
‫ال تعال وأثن عليه ووعظ وذكّر ث قال ‪ « :‬أما بعد أل أيها الناس ‪ ،‬فإنا أنا‬
‫ب شر يو شك أن يأتي ن ر سول ر ب فأج يب ‪ ،‬وأنا تارك في كم ثقل ي ‪ :‬أوّل ما‬
‫كتاب ال تعال فيه الدى والنور فخذوا بكتاب ال واستمسكوا به » فحثّ‬
‫على كتاب ال عز وجل ورغّب فيه ‪ ،‬ث قال ‪ « :‬وأهل بيت ‪ ،‬أذكّركم ال‬
‫ف أهل بيت ‪ ،‬أذكّركم ال ف أهل بيت » ثلثًا ؛ فقال له حصي ‪ :‬ومن أهل‬
‫بيته يا زيد ؟ أليس نساؤه من أهل بيته ؟ قال ‪ :‬نساؤه من أهل بيته ‪ ،‬ولكن‬
‫أهل بيته من حُرِ َم الصدقة بعده ‪ .‬قال ‪ :‬ومن هم ؟ قال ‪ :‬هم آل عل يّ ‪ ،‬وآل‬
‫الزء الثالث‬ ‫‪580‬‬

‫عق يل ‪ ،‬وآل جع فر ‪ ،‬وآل عباس ر ضي ال عن هم ‪ .‬قال ‪ :‬كل هؤلء ُحرِ مَ‬


‫الصدقة بعده ؟ قال ‪ :‬نعم ) رواه مسلم ‪.‬‬
‫وعَن قتادة فَ قوله ‪ ﴿ :‬وَاذْكُرْنََ مَا ُيتْلَى فِي ُبيُوِتكُنّ مِن َْ آيَاتَِ اللّهَِ‬
‫َّة ‪ .‬قال ‪ :‬يَ ْمتَنّ عليهَن‬ ‫حكْ َمةِ إِنّ اللّهََ كَانََلَطِيفا َخبِيا ﴾ ‪ ،‬أي ‪ :‬الس ن‬ ‫وَالْ ِ‬
‫بذلك ‪ ﴿ .‬إِنّ اللّهَ كَانَ َلطِيفا َخبِيا ﴾ ‪.‬‬
‫َاتـ‬
‫ُسـلِمَاتِ وَالْ ُمؤْمِنِيَ وَالْ ُم ْؤمِن ِ‬
‫ي وَالْم ْ‬
‫ُسـلِ ِم َ‬
‫قوله عـز وجـل ‪ ﴿ :‬إِنّ الْم ْ‬
‫ي وَالصـّادِقَاتِ وَالصـّاِبرِي َن وَالصـّابِرَاتِ‬
‫َاتـ وَالصـّا ِدقِ َ‬
‫وَالْقَانِتِي َ وَاْلقَانِت ِ‬
‫ت وَالص ـّائِ ِميَ‬
‫ـ ّدقَا ِ‬
‫ي وَالْمُتَص َ‬
‫ـ ّدقِ َ‬
‫وَالْخَا ِشعِيَـ وَالْخَا ِشعَات ـِ وَالْمُتَص َ‬
‫ّهـ كَثِيا‬
‫ِينـ الل َ‬
‫َاتـ وَالذّا ِكر َ‬
‫ُمـ وَالْحَافِظ ِ‬
‫ت وَالْحَافِظِي َ ُفرُوجَه ْ‬
‫وَالصـّائِمَا ِ‬
‫ت أَ َعدّ ال ّلهُ لَهُم ّمغْ ِف َرةً َوَأجْرا عَظِيما (‪. ﴾ )35‬‬
‫وَالذّا ِكرَا ِ‬
‫عن قتادة قال ‪ ( :‬دخل نسا ٌء على نساء النب فقلن ‪ :‬قد ذكركنّ ال ف‬
‫القرآن ول نُذ كر بش يء ! أ ما في نا ما يُذ كر ؟ فأنزل ال تبارك وتعال ‪﴿ :‬‬
‫ت وَالْ ُمؤْ ِمنِيَ وَالْ ُم ْؤ ِمنَاتِ وَاْلقَانِتِيَ وَالْقَاِنتَاتِ ﴾ ) أي‬
‫ي وَالْمُسِْلمَا ِ‬
‫ِإنّ الْمُسْلِ ِم َ‬
‫َ ﴾ ‪ ،‬أي ‪ :‬الائفيَ‬ ‫‪ :‬الطيعيَ والطيعات ‪ ﴿ ،‬وَالْخَا ِشعِيََ وَالْخَا ِشعَات ِ‬
‫والائفات ‪َ ﴿ ،‬أعَدّ اللّهَُلَهُم ّم ْغفِ َرةً ﴾ ‪ ،‬لذنوبمَ ‪َ ﴿ ،‬وأَجْرا عَظِيما ﴾ ف‬
‫ال نة ‪ .‬و عن ما هد قال ‪ :‬قالت أم سلمة ‪ :‬يا ر سول ال يُذ كر الرجال ول‬
‫ي وَالْمُسْلِمَاتِ ﴾ الية ‪.‬‬ ‫نُذكر ! فنلت ‪ ﴿ :‬إِ ّن الْمُسْلِ ِم َ‬
‫‪581‬‬ ‫توفيق الرحن ف دروس القرآن‬

‫قوله عز وجل ‪ ﴿ :‬وَمَا كَا َن لِ ُمؤْمِ نٍ َولَا ُم ْؤمِنَ ٍة ِإذَا قَضَى اللّ ُه وَرَ سُوُلهُ‬
‫ضلّ‬
‫َأمْرا أَن َيكُو َن َلهُ مُ الْخَِي َر ُة مِ نْ َأ ْمرِهِ ْم وَمَن َيعْ صِ اللّ هَ وَرَ سُوَل ُه َفقَدْ َ‬
‫ضَلَا ًل مّبِينا (‪. ﴾ )36‬‬
‫قال البغوي ‪ :‬نزلت ف زينب بنت جحش السدية ‪ ،‬وأخيها عبد ال بن‬
‫جحش ‪ ،‬وأمها أميمة بنت عبد الطلب عمة النب ‪ ،‬خطب النب لوله‬
‫زيد بن حارثة ‪ ،‬وكان رسول ال اشترى زيدًا ف الاهلية بعكاظ فأعتقه‬
‫وتبنّاه ‪ ،‬فلما خطب رسول ال زينب رضيت وظنّت أنه يطبها لنفسه ‪،‬‬
‫فلما علمت أنه يطبها لزيد أبت وقالت ‪ :‬أنا ابنة عمتك يا رسول ال فل‬
‫أرضاه لنفسي ‪ ،‬وكانت بيضاء جيلة فيها حدة ‪ ،‬وكذلك كره أخوها ذلك ‪،‬‬
‫َ ﴾ ‪ ،‬يعنَ ‪ :‬عبَد ال بَن‬ ‫َانَ لِ ُم ْؤمِن ٍ‬
‫فأنزل ال عَز وجَل ‪ ﴿ :‬وَمََا ك َ‬
‫ج حش ‪ ﴿ ،‬وَلَا ُم ْؤ ِمَنةٍ ﴾ ‪ ،‬يع ن ‪ :‬أخ ته زي نب ‪ِ ﴿ ،‬إذَا قَضَى اللّ ُه وَرَ سُولُهُ‬
‫َأمْرا ﴾ ‪ ،‬أي ‪ :‬إذا أراد ال ورسَوله أمرًا وهَو ‪ :‬نكاح زينَب لزيَد ‪ ﴿ ،‬أَن‬
‫خيَ َر ُة مِ نْ َأمْ ِرهِ مْ ﴾ ‪ ،‬قال ‪ :‬والية الختيار ؛ والعن ‪ :‬أن يريد‬ ‫َيكُو نَ َلهُ ُم الْ ِ‬
‫غ ي ما أراد ال أو يت نع م ا أ مر ال ور سوله به ‪ .‬قال ا بن كث ي ‪ :‬فهذه ال ية‬
‫عا مة ف ج يع المور ‪ ،‬وذلك أ نه إذا ح كم ال ور سوله بش يء فل يس ل حد‬
‫مالفتَه ‪ ،‬ول اختيار لحَد هَا هنَا ‪ ،‬ول رأي ‪ ،‬ول قول ‪ .‬كمَا قال تبارك‬
‫ُمَ ثُمّ لَ‬‫ج َر َبيَْنه ْ‬
‫ُوكَ فِيمَا شَ َ‬
‫حكّم َ‬ ‫ُونَ َحّتىَ يُ َ‬
‫ّكَ َل ُيؤْ ِمن َ‬
‫وتعال ‪َ ﴿ :‬فلَ وَ َرب َ‬
‫ت َويُسَلّمُوْا تَسْلِيما ﴾ ‪ .‬وف الديث ‪« :‬‬ ‫ضيْ َ‬
‫جدُواْ فِي أَنفُسِهِمْ حَرَجا مّمّا َق َ‬ ‫يَ ِ‬
‫الزء الثالث‬ ‫‪582‬‬

‫والذي نف سي بيده ل يؤ من أحد كم ح ت يكون هواه تبعًا ل ا جئت به » ؛‬


‫ولذا شدّد ف خلف ذلك فقال ‪َ ﴿ :‬ومَن َي ْعصِ اللّ َه وَ َرسُولَهُ َفقَدْ ضَلّ ضَلَالً‬
‫ّمبِينا ﴾ ‪ ،‬كقوله تعال ‪َ ﴿ :‬ف ْليَحْ َذ ِر الّذِي َن يُخَاِلفُو َن عَ نْ َأمْرِ هِ أَن تُ صِيَبهُمْ ِفْتَنةٌ‬
‫َأ ْو ُيصِيَبهُ ْم عَذَابٌ أَلِيمٌ ﴾ ‪.‬‬
‫ْهـ‬
‫ْتـ عَلَي ِ‬
‫ْهـ َوأَْنعَم َ‬
‫ّهـ عَلَي ِ‬
‫َمـ الل ُ‬
‫قوله عـز وجـل ‪َ ﴿ :‬وِإذْ َتقُو ُل لِ ّلذِي َأْنع َ‬
‫خشَى‬
‫ك مَا اللّ هُ مُ ْبدِي ِه وَتَ ْ‬
‫خفِي فِي نَفْ سِ َ‬
‫سكْ عَلَيْ كَ َز ْوجَ كَ وَاتّ قِ اللّ هَ َوتُ ْ‬
‫َأمْ ِ‬
‫خشَا هُ فَلَمّا قَضَى َزْيدٌ مّ ْنهَا وَطَرا َزوّجْنَا َكهَا ِلكَ يْ لَا‬
‫س وَاللّ ُه َأحَقّ أَن َت ْ‬
‫النّا َ‬
‫ضوْا مِ ْن ُهنّ وَطَرا وَكَانَ‬
‫ج فِي أَ ْزوَاجِ َأدْعِيَاِئهِ ْم ِإذَا قَ َ‬
‫ي َحرَ ٌ‬
‫َيكُونَ عَلَى الْمُ ْؤمِنِ َ‬
‫ج فِيمَا َفرَ ضَ اللّ هُ لَ هُ سُنّةَ‬
‫َأ ْمرُ اللّ ِه َم ْفعُولً (‪ )37‬مّا كَا نَ عَلَى النِّبيّ مِ ْن َحرَ ٍ‬
‫ِينـ‬
‫ّهـ َقدَرا مّ ْقدُورا (‪ )38‬اّلذ َ‬
‫َانـ َأ ْمرُ الل ِ‬
‫ِينـ خَلَوْا مِن قَ ْبلُ وَك َ‬
‫ّهـ فِي الّذ َ‬
‫الل ِ‬
‫ّهـ‬
‫ّهـ وَكَفَى بِالل ِ‬
‫خشَوْنَـَأحَدا ِإلّا الل َ‬
‫شوْنَهُـ َولَا َي ْ‬
‫خَ‬‫ّهـ َويَ ْ‬
‫ت الل ِ‬
‫يُبَ ّلغُونَـ رِسـَالَا ِ‬
‫حَسِيبا (‪ )39‬مّا كَا َن مُحَ ّم ٌد َأبَا َأحَ ٍد مّن ّرجَالِكُ ْم وََلكِن رّسُو َل اللّهِ َوخَاتَمَ‬
‫ي وَكَا َن ال ّلهُ ِب ُكلّ َشيْءٍ عَلِيما (‪. ﴾ )40‬‬
‫النّبِيّ َ‬
‫عن قتادة ‪َ ﴿ :‬وإِ ْذ َتقُولُ لِلّذِي َأْنعَ مَ اللّ ُه عََليْ هِ ﴾ بال سلم ‪َ ﴿ ،‬وَأْنعَمْ تَ‬
‫خفِي فِي‬ ‫ك وَاتّ قِ اللّ َه َوتُ ْ‬
‫ك عََليْ كَ َزوْجَ َ‬
‫عََليْ ِه ﴾ أعتقه رسول ال ‪َ ﴿ ،‬أمْ سِ ْ‬
‫َنفْ سِكَ مَا اللّ ُه ُمبْدِي هِ ﴾ ‪ ،‬قال ‪ :‬وكان يفي ف نفسه ‪ :‬ودّ أنه طلّقها ‪ .‬قال‬
‫ال سن ‪ :‬ما أنزلت عل يه آ ية كا نت أشدّ عل يه من ها ‪ ،‬قوله ‪َ ﴿ :‬وتُخْفِي فِي‬
‫َنفْسِكَ مَا اللّ ُه ُمبْدِيهِ ﴾ ‪ ،‬ولو كان نب ال كاتًا شيئًا من الوحي لكتمها ‪،‬‬
‫‪583‬‬ ‫توفيق الرحن ف دروس القرآن‬

‫﴿ َوتَخْشَى النّا سَ وَاللّ هُ أَحَقّ أَن تَخْشَا هُ ﴾ ‪ ،‬قال ‪ :‬خ شي نب ال مقالة‬


‫الناس ‪ .‬وقال علي بن ال سي ر ضي ال عنه ما ‪ :‬كان ال تعال أعلم نبيّه‬
‫أن زي نب ستكون من أزوا جه ‪ ،‬فل ما أتاه ز يد يشكو ها قال ‪ ﴿ :‬اتّ قِ اللّ هَ‬
‫ك مَا اللّ ُه ُمبْدِيهِ ﴾ ‪.‬‬
‫خفِي فِي َنفْسِ َ‬
‫ك عََليْكَ َزوْجَكَ ﴾ قال ال ‪َ ﴿ :‬وتُ ْ‬
‫وَأمْسِ ْ‬
‫وعن أنس رضي ال عنه قال ‪ :‬لا انقضت عدة زينب قال رسول ال‬
‫لزيد بن حارثة ‪ « :‬اذهب فاذكرها عليّ » ‪ .‬فانطلق حت أتاها وهي تمّر‬
‫عجينها قال ‪ :‬فلما رأيتها عظمت ف صدري حت ما أستطيع أن أنظر إليها ‪،‬‬
‫وأقول ‪ :‬إن رسول ال ذكرها فولّيتها ظهري ونكصت على عقبّ وقلت‬
‫‪ :‬يا زي نب أبشري ‪ ،‬أر سلن ر سول ال يذكرك ‪ ،‬قالت ‪ :‬ما أ نا ب صانعة‬
‫شيئًا ح ت أؤا مر ر ب عز و جل ‪ ،‬فقامَت إل م سجدها ونزل القرآن وجاء‬
‫رسول ال فدخل عليها بغي إذن ‪.‬‬
‫وروى البخاري وغيه أن زينب بنت جحش رضي ال عنها كانت تفخر‬
‫على أزواج النب فتقول ‪ ( :‬زوجكن أهاليكن ‪ ،‬وزوجن ال تعال من فوق‬
‫سبع ساوات ) ‪.‬‬
‫وقوله تعال ‪َ ﴿ :‬فلَمّا َقضَى َزيْ ٌد ّمنْهَا َوطَرا ﴾ ‪.‬‬
‫قال البغوي ‪ :‬أي ‪ :‬حا جة من نكاح ها ‪َ ﴿ ،‬زوّ ْجنَاكَهَا ﴾ وذ كر قضاء‬
‫الو طر ليعلم أن زو جة التب ن ت ل ب عد الدخول و عن قتادة قوله ‪ِ ﴿ :‬لكَ يْ لَا‬
‫ضوْا ِمْنهُنّ َوطَرا ﴾ ‪،‬‬
‫َيكُو نَ عَلَى الْ ُم ْؤ ِمنِيَ َحرَ جٌ فِي أَ ْزوَا جِ أَ ْد ِعيَاِئهِ مْ إِذَا َق َ‬
‫الزء الثالث‬ ‫‪584‬‬

‫يقول ‪ :‬إذا طلقوهن ؛ وكان رسول ال تبنّى زيد بن حارثة ‪ ﴿ ،‬وَكَانَ َأمْرُ‬
‫اللّ ِه َم ْفعُولً ﴾ ‪.‬‬
‫قال البغوي ‪ :‬أي ‪ :‬كان قضاء ال ماضيًا وحكمَه نافذًا وقَد قضَى فَ‬
‫زينب أن يتزوجها رسول ال ‪.‬‬
‫وقوله تعال ‪ ﴿ :‬مّا كَانَ عَلَى الّنبِ ّي مِنْ َحرَجٍ فِيمَا َف َرضَ اللّهُ لَهُ ﴾ ‪.‬‬
‫قال ا بن كث ي ‪ :‬أي ‪ :‬في ما أ حل ال له وأمره به من تزو يج زي نب ال ت‬
‫طلق ها ز يد بن حار ثة ‪ُ ﴿ .‬سّنةَ اللّ هِ فِي الّذِي نَ َخَلوْا مِ نْ َقبْلُ ﴾ ‪ ،‬أي ‪ :‬هذا‬
‫ح كم ال تعال ف ال نبياء قبله ‪ ،‬ل ي كن ليأمر هم بش يء وعلي هم ف ذلك‬
‫حَرج ‪ ،‬وهذا َر ّد على مَ ْن َتوَهّم مِن النافقي نق صًا ف تزويه امرأة زيد موله‬
‫ّهَ َقدَرًا َمقْدُورًا ﴾ ‪ ،‬أي ‪:‬‬
‫َانَ َأمْرُ الل ِ‬
‫ودَعيَه ‪ ،‬الذي كان قَد تبناه ‪ ﴿ .‬وَك َ‬
‫وكان أمره الذي يقدّره كائنًا ل مالة ‪ ،‬وواقعًا ل م يد ع نه ول معدل ‪ ،‬ف ما‬
‫شاء كان ‪ ،‬وما ل يشأ ل يكن ‪.‬‬
‫وقوله تعال ‪ ﴿ :‬الّذِي َن ُيبَّلغُونَ ِرسَالَاتِ اللّهِ ﴾ ‪.‬‬
‫قال البغوي ‪ :‬يعنَ ‪ :‬س ن‬
‫َّة ال فَ النَبياء الذيَن يبلغون رسَالت ال ‪،‬‬
‫َ ﴾ أي ‪ :‬ل يشون قالة الناس‬ ‫َ أَحَدًا إِل اللّه َ‬
‫شوْن َ‬
‫َهَ وَل يَخْ َ‬
‫ش ْون ُ‬
‫﴿ َويَخْ َ‬
‫ولئمتهم فيما أحلّ ال لم وفرض عليهم ﴿ وَ َكفَى بِاللّ هِ حَ سِيبًا ﴾ ‪ ،‬حافظًا‬
‫لعمال خلقه وماسبهم ‪.‬‬
‫‪585‬‬ ‫توفيق الرحن ف دروس القرآن‬

‫ث إن رسول ال لا تزوج زينب قال الناس‪ :‬إن ممدًا تزوج امرأة ابنه‪،‬‬
‫حمّدٌ َأبَا أَحَ ٍد مِنْ ِرجَاِلكُمْ ﴾ ‪ ،‬يعن ‪ :‬زيد‬ ‫فأنزل ال عز وجل ‪ ﴿ :‬مَا كَا َن مُ َ‬
‫بن حار ثة ‪ ,‬أي ‪ :‬ل يس أ با أ حد من رجال كم الذ ين ل يلد هم فيحرم عل يه‬
‫نكاح زوجته بعد فراقه إياها ‪ ﴿ .‬وََلكِنْ رَسُولَ اللّ ِه وَخَاتَ َم النِّبيّيَ ﴾ ختم ال‬
‫به النبوة ‪ .‬و عن ا بن عباس ‪ :‬أن ال تعال ل ا ح كم أن ل نب بعده ل يع طه‬
‫ولدا ذكرا ي صي رجلً ‪ ﴿ ،‬وَكَا نَ اللّ ُه ِبكُ ّل َشيْءٍ عَلِيمًا ﴾ ‪ .‬و عن جابر بن‬
‫عبد ال قال ‪ :‬قال رسول ال ‪ « :‬مثلي ومثل النبياء كمثل رجل بن دارًا‬
‫فأكملها وأحسنها ‪ ،‬إل موضع لبنة ‪ ،‬فكان من دخلها فنظر إليها قال ‪ :‬ما‬
‫أح سنها إ ّل مو ضع هذه اللبنَة ‪ ،‬فإن موضَع اللب نة خ تم ب النَبياء علي هم‬
‫الصلة والسلم » ‪ .‬متفق عليه ‪.‬‬

‫***‬
‫الزء الثالث‬ ‫‪586‬‬

‫الدرس الادي والعشرون بعد الائتي‬

‫﴿ يَا أَيّهَا الّذِي نَ آمَنُوا اذْ ُكرُوا اللّ َه ذِكْرا كَثِيا (‪ )41‬وَ سَبّحُوهُ ُب ْك َرةً‬
‫خ ِرجَكُم مّ َن الظّلُمَا تِ‬
‫َوأَ صِيلً (‪ )42‬هُ َو الّذِي يُ صَلّي عَلَ ْيكُ مْ َومَلَاِئكَتُ ُه لِيُ ْ‬
‫ِإلَى النّورِ وَكَا َن بِالْمُ ْؤمِنِيَ َرحِيما (‪ )43‬تَحِيُّت ُه ْم َيوْ َم يَ ْلقَ ْوَنهُ سَلَا ٌم َوأَ َعدّ َل ُهمْ‬
‫َأجْرا َكرِيا (‪ )44‬يَا َأيّهَا النّبِيّ ِإنّ ا أَرْ سَلْنَا َك شَاهِدا َومُبَشّرا َوَنذِيرا (‪)45‬‬
‫شرِ الْ ُم ْؤمِنِيَ ِبأَنّ َلهُم مّ َن اللّهِ‬
‫َودَاعِيا ِإلَى اللّهِ ِبِإ ْذنِ ِه وَسِرَاجا مّنِيا (‪َ )46‬وَب ّ‬
‫ع َأذَاهُ ْم َوتَوَ ّكلْ عَلَى‬
‫فَضْلً كَبِيا (‪ )47‬وَلَا تُطِ ِع الْكَا ِفرِي نَ وَالْمُنَافِقِيَ وَدَ ْ‬
‫اللّ ِه وَ َكفَى بِاللّ ِه وَكِيلً (‪ )48‬يَا أَّيهَا الّذِي نَ آمَنُوا ِإذَا نَكَحْتُ مُ الْ ُم ْؤمِنَا تِ ُثمّ‬
‫ِنـ ِع ّدةٍ تَعَْتدّونَهَا‬
‫ُمـ عَلَ ْيهِنّ م ْ‬
‫طَ ّلقْتُمُوهُنّ مِن قَ ْب ِل أَن تَمَسـّو ُهنّ فَمَا لَك ْ‬
‫فَمَّتعُوهُنّ وَ سَ ّرحُو ُهنّ َسرَاحا جَمِيلً (‪ )49‬يَا أَيّهَا النّبِيّ إِنّ ا َأحْلَلْنَا لَ كَ‬
‫ت يَمِينُ كَ مِمّ ا َأفَاء اللّ هُ عَلَيْ كَ‬
‫ت أُجُو َرهُنّ وَمَا مَ َلكَ ْ‬
‫ك اللّاتِي آتَيْ َ‬
‫أَ ْزوَاجَ َ‬
‫ت خَالَاتِ كَ اللّاتِي هَا َجرْ نَ‬
‫ت خَالِ كَ َوبَنَا ِ‬
‫ك َوبَنَا تِ عَمّاتِ كَ َوبَنَا ِ‬
‫َوبَنَا تِ عَمّ َ‬
‫حهَا‬
‫سهَا لِلنّبِيّ إِ ْن أَرَادَ النّبِيّ أَن يَ سْتَنكِ َ‬
‫ت َنفْ َ‬
‫َمعَ كَ وَامْ َرَأةً ّم ْؤمَِنةً إِن َوهَبَ ْ‬
‫صةً لّكَ مِن دُو ِن الْ ُم ْؤمِنِيَ َقدْ عَ ِلمْنَا مَا َفرَضْنَا عَلَ ْيهِمْ فِي أَ ْزوَا ِجهِ ْم َومَا‬
‫خَالِ َ‬
‫ت َأيْمَاُنهُ مْ ِلكَيْلَا َيكُو نَ عَلَيْ كَ َحرَ جٌ وَكَا نَ اللّ هُ َغفُورا ّرحِيما (‪)50‬‬
‫مَ َلكَ ْ‬
‫ت فَلَا‬
‫ت مِمّ نْ َعزَلْ َ‬
‫ك مَن َتشَاء َومَ ِن ابْتَغَيْ َ‬
‫ُت ْرجِي مَن َتشَاء مِ ْن ُهنّ َوُتؤْوِي إِلَيْ َ‬
‫حزَنّ َوَيرْضَيْ َن بِمَا آَتيَْتهُنّ‬
‫ك َأدْنَى أَن َت َق ّر أَعْيُُنهُنّ َولَا يَ ْ‬
‫ك َذلِ َ‬
‫جُنَا حَ عَلَيْ َ‬
‫ح ّل لَكَ‬
‫كُ ّل ُهنّ وَاللّ ُه َيعْلَمُ مَا فِي قُلُوبِكُ ْم وَكَا َن اللّهُ عَلِيما حَلِيما (‪ )51‬لَا يَ ِ‬
‫‪587‬‬ ‫توفيق الرحن ف دروس القرآن‬

‫ج وََل ْو أَعْجَبَ كَ حُ سْنُ ُه ّن ِإلّا مَا‬


‫النّ سَاء مِن َب ْعدُ َولَا أَن تََب ّدلَ ِبهِنّ مِ ْن أَ ْزوَا ٍ‬
‫ت يَمِينُ كَ وَكَا َن اللّ هُ عَلَى ُكلّ َشيْءٍ ّرقِيبا (‪ )52‬يَا أَّيهَا الّذِي نَ آمَنُوا لَا‬
‫مَ َلكَ ْ‬
‫ت النّبِيّ ِإلّا أَن ُي ْؤذَ َن َلكُ ْم إِلَى َطعَا مٍ غَ ْيرَ نَا ِظرِي َن ِإنَا هُ وََلكِ ْن ِإذَا‬
‫َت ْدخُلُوا بُيُو َ‬
‫ث إِنّ ذَِلكُمْ كَانَ‬
‫حدِي ٍ‬
‫ي لِ َ‬
‫شرُوا وَلَا مُسْتَ ْأِنسِ َ‬
‫دُعِيتُ ْم فَادْخُلُوا َفِإذَا َطعِمْتُمْ فَانَت ِ‬
‫حيِي مِنكُ مْ وَاللّ ُه لَا يَ سْتَحْيِي مِ نَ الْحَقّ َوِإذَا سََألْتُمُوهُنّ‬
‫ُي ْؤذِي النّبِيّ فَيَ سْتَ ْ‬
‫ب َذلِكُ مْ أَ ْط َه ُر ِلقُلُوِبكُ مْ َوقُلُوِب ِهنّ َومَا كَا نَ‬
‫مَتَاعا فَا سَْألُو ُهنّ مِن وَرَاء حِجَا ٍ‬
‫َلكُ ْم أَن تُ ْؤذُوا رَ سُولَ اللّ ِه َولَا أَن تَنكِحُوا أَ ْزوَاجَ ُه مِن بَ ْعدِ هِ َأبَدا إِنّ َذِلكُ مْ‬
‫خفُو ُه َفإِنّ اللّ هَ كَا َن ِب ُكلّ‬
‫كَا نَ عِن َد اللّ هِ عَظِيما (‪ )53‬إِن تُ ْبدُوا شَيْئا َأوْ تُ ْ‬
‫َشيْءٍ عَلِيما (‪ )54‬لّا جُنَا حَ عَلَ ْي ِهنّ فِي آبَاِئهِنّ وَلَا أَبْنَاِئهِنّ َولَا ِإ ْخوَاِنهِنّ وَلَا‬
‫ت أَيْمَاُن ُهنّ وَاّتقِيَ‬
‫َأبْنَاء إِ ْخوَاِن ِهنّ َولَا َأبْنَاء أَ َخوَاِت ِهنّ وَلَا نِ سَائِ ِه ّن وَلَا مَا مَلَكَ ْ‬
‫اللّ هَ إِنّ اللّ هَ كَا نَ عَلَى ُك ّل شَيْ ٍء َشهِيدا (‪ )55‬إِنّ اللّ َه َومَلَائِكَتَ ُه يُ صَلّونَ‬
‫عَلَى النِّبيّ يَا َأيّهَا اّلذِينَ آمَنُوا صَلّوا عَلَ ْيهِ وَسَلّمُوا َتسْلِيما (‪. ﴾ )56‬‬

‫***‬
‫الزء الثالث‬ ‫‪588‬‬

‫قوله عز وجل ‪ ﴿ :‬يَا أَّيهَا الّذِي نَ آمَنُوا اذْ ُكرُوا اللّ َه ذِكْرا كَثِيا (‪)41‬‬
‫خ ِر َجكُم‬
‫وَ سَبّحُو ُه ُبكْ َر ًة َوأَ صِيلً (‪ُ )42‬هوَ اّلذِي يُ صَلّي عَلَ ْيكُ ْم وَمَلَائِكَتُ هُ لِيُ ْ‬
‫ت ِإلَى النّو ِر وَكَا َن بِالْ ُم ْؤمِنِيَ َرحِيما (‪ )43‬تَحِيُّتهُ مْ َيوْ َم يَ ْل َقوْنَ هُ‬
‫مّ َن الظّلُمَا ِ‬
‫سَلَا ٌم َوأَ َعدّ َل ُهمْ َأجْرا َكرِيا (‪. ﴾ )44‬‬
‫عـن ابـن عباس فـ قوله ‪ ﴿ :‬اذْ ُكرُوا الل َ‬
‫ّهَ ذِكْرا َكثِيا ﴾ ‪ ،‬يقول ‪ :‬ل‬
‫يفرض على عباده فري ضة إل ج عل ل ا جزاء معلومًا ‪ ،‬ث عذر أهل ها ف حال‬
‫عذر غيَ الذكَر ‪ ،‬فإن ال ل يعَل له حدًا ينتهَي إليَه ‪ ،‬ول يعذر أحدًا فَ‬
‫َه إل مغلوبًَا على عقله ‪ .‬قال ‪ ﴿ :‬فَاذْكُرُواْ اللّهََ ِقيَاما وَُقعُودا َوعَلَى‬ ‫تركَ‬
‫ُجنُوِبكُ مْ ﴾ بالل يل والنهار ‪ ،‬ف الب والب حر ‪ ،‬و ف ال سفر وال ضر ‪ ،‬والغ ن‬
‫والفقَر ‪ ،‬والسَقم والصَحة ‪ ،‬والسَّر والعلنيَة ‪ ،‬وعلى كَل حال ‪ .‬فقال ‪:‬‬
‫﴿ وَسَبّحُو ُه ُبكْ َرةً َوأَصِيلً ﴾ ‪ ،‬فإذا فعلتم ذلك صلّى عليكم هو وملئكته‬
‫‪ .‬قال ال عز وجل ‪ُ ﴿ :‬هوَ الّذِي ُيصَلّي عََليْكُ ْم َومَلَاِئ َكتُهُ ﴾ ‪.‬‬
‫قال ا بن كث ي ‪ :‬وقوله تعال ‪ُ ﴿ :‬هوَ الّذِي يُ صَلّي عََلْيكُ ْم َومَلِئكَتُ هُ ﴾ ‪،‬‬
‫هذا تييج إل الذكر ‪ .‬أي ‪ :‬إنه سبحانه يذكركم فاذكروه أنتم ‪ ،‬كقوله عز‬
‫ُمَ آيَاتِنَا َويُزَكّيكُم َْ‬
‫ُمََيتْلُو عََلْيك ْ‬
‫ُمَ رَسَُول ِمْنك ْ‬ ‫وجَل ‪ ﴿ :‬كَمَا أَرْسََْلنَا فِيك ْ‬
‫حكْ َم َة َوُيعَلّ ُمكُ ْم مَا لَ ْم َتكُونُوا َتعَْلمُو نَ * فَاذْكُرُونِي‬
‫ب وَالْ ِ‬
‫َوُيعَلّ ُمكُ ُم اْلكِتَا َ‬
‫أَذْ ُكرْكُ مْ وَا ْشكُرُوا لِي وَل تَ ْكفُرُو نِ ﴾ ‪ .‬وقال ال نب ‪ « :‬يقول ال تعال ‪:‬‬
‫مَنْ ذكرن ف نفسه ذكرته ف نفسي ‪ ،‬ومَنْ ذكرن ف مَل ذكرته ف مل خي‬
‫‪589‬‬ ‫توفيق الرحن ف دروس القرآن‬

‫منَه » ‪ ( .‬والصَلة مَن ال تعال ثناؤه على العبَد عنَد اللئكَة ) ‪ .‬حكاه‬
‫البخاري عن أب العالية ‪ .‬ورواه أبو جعفر الرازي عن الربيع بن أنس عنه ؛‬
‫وقال غيه ‪ ( :‬الصلة من ال عز وجل الرحة ) ؛ وقد يقال ‪ :‬ل منافاة بي‬
‫القولي ‪ .‬وال أعلم ‪ .‬انتهى ‪.‬‬
‫وقال ابن زيد ف قوله ‪ُ ﴿ :‬هوَ الّذِي يُ صَلّي عََلْيكُ ْم َومَلَاِئ َكتُ هُ ِليُخْ ِر َجكُم‬
‫مّ نَ الظّلُمَا تِ إِلَى النّورِ ﴾ ‪ ،‬قال ‪ :‬من الضللة إل الدى ‪ .‬و عن قتادة قوله‬
‫حّيُتهُ ْم َيوْ َم يَ ْل َق ْونَ هُ سَلَامٌ ﴾ ‪ ،‬قال ‪ :‬تيّة أ هل ال نة ‪ :‬ال سلم ﴿ َوَأعَدّ‬
‫‪ ﴿ :‬تَ ِ‬
‫َلهُمْ أَجْرا كَرِيا ﴾ ‪ ،‬أي ‪ :‬النة ‪.‬‬
‫قال ابن كثي ‪ :‬وقوله ‪ ﴿ :‬تَ ِ‬
‫حّيُتهُ ْم َيوْ َم يَ ْل َق ْونَ هُ سَلَامٌ ﴾ الظاهر أن الراد‬
‫حّيُتهُ مْ ﴾ ‪ ،‬أي ‪ :‬من ال تعال ‪َ ﴿ .‬يوْ َم يَ ْل َق ْونَ هُ َسلَامٌ‬ ‫‪ -‬وال أعلم ‪ ﴿ : -‬تَ ِ‬
‫﴾ ‪ ،‬أي ‪ :‬يسلّم عليهم ‪ ،‬كما قال عز وجل ‪ ﴿ :‬سَلَامٌ َقوْ ًل مِن رّبّ رّحِي مٍ‬
‫﴾ ‪ .‬قال ‪ :‬و قد ي ستدلّ لقول قتادة بقوله تعال ‪َ ﴿ :‬د ْعوَاهُ مْ فِيهَا ُسبْحَانَكَ‬
‫ب اْلعَالَمِيَ ﴾ ‪.‬‬ ‫حمْدُ ِللّهِ رَ ّ‬
‫حّيُتهُمْ فِيهَا َسلَ ٌم وَآ ِخرُ َد ْعوَاهُمْ َأنِ الْ َ‬
‫الّلهُ ّم َوتَ ِ‬
‫قوله عز و جل ‪ ﴿ :‬يَا َأيّهَا النّبِيّ ِإنّ ا أَرْ سَلْنَاكَ شَاهِدا وَمَُبشّرا َوَنذِيرا (‬
‫شرِ الْ ُم ْؤمِنِيَ ِبأَنّ لَهُم‬
‫‪َ )45‬ودَاعِيا ِإلَى اللّ هِ ِبِإ ْذنِ ِه وَ سِرَاجا مّنِيا (‪َ )46‬وَب ّ‬
‫ُمـ‬
‫َعـ َأذَاه ْ‬
‫ِينـ وَالْمُنَافِقِيَ َود ْ‬
‫ِعـ اْلكَا ِفر َ‬
‫ّهـ فَضْلً كَبِيا (‪ )47‬وَلَا تُط ِ‬
‫ّنـ الل ِ‬
‫م َ‬
‫َوَتوَكّلْ عَلَى ال ّلهِ وَ َكفَى بِاللّ ِه وَكِيلً (‪. ﴾ )48‬‬
‫الزء الثالث‬ ‫‪590‬‬

‫ْسَْلنَاكَ شَاهِدا ﴾ على أمتَك بالبلغ‬ ‫عَن قتادة ‪ ﴿ :‬ي َا َأيّه َا الّنبِي ّ ِإنّاَ أَر َ‬
‫َ ﴾ إل‬ ‫﴿ َو ُمبَشّرا ﴾ بالنَة ‪َ ﴿ ،‬ونَذِيرا ﴾ بالنار ‪ ﴿ ،‬وَدَاعِيا إِلَى اللّه ِ‬
‫شهادة أن ل إله إل ال ‪ ﴿ ،‬بِِإ ْذنِ هِ ﴾ ‪ .‬قال ا بن جر ير ‪ :‬بأمره ‪ ﴿ ،‬وَ ِسرَاجا‬
‫ضلً‬
‫ّمنِيا ﴾ ‪ ،‬يقول ‪ :‬وضياء لل قه ‪َ ﴿ ،‬وبَشّ ِر الْ ُم ْؤمِنِيَ ِبأَنّ لَهُم مّ نَ اللّ هِ َف ْ‬
‫َكبِيا * وَلَا تُطِ ِع الْكَافِرِي َن وَالْ ُمنَافِقِيَ وَدَعْ أَذَاهُمْ ﴾ ‪ ،‬قال قتادة ‪ :‬أي ‪ :‬اصب‬
‫على أذاهم ‪َ ﴿ ،‬وَتوَكّ ْل عَلَى اللّ ِه وَ َكفَى بِاللّهِ وَكِيلً ﴾ ‪.‬‬
‫َاتـ ثُمّ‬
‫ُمـ الْ ُم ْؤمِن ِ‬
‫ِينـ آمَنُوا إِذَا نَكَحْت ُ‬
‫قوله عـز وجـل ‪ ﴿ :‬يَا َأيّهَا اّلذ َ‬
‫ِنـ ِع ّدةٍ تَعَْتدّونَهَا‬
‫ُمـ عَلَ ْيهِنّ م ْ‬
‫طَ ّلقْتُمُوهُنّ مِن قَ ْب ِل أَن تَمَسـّو ُهنّ فَمَا لَك ْ‬
‫فَمَّتعُوهُ ّن َوسَ ّرحُو ُهنّ َسرَاحا جَمِيلً (‪. ﴾ )49‬‬
‫ت ثُمّ‬
‫حتُ ُم الْ ُم ْؤ ِمنَا ِ‬
‫عن ا بن عباس قوله ‪ ﴿ :‬يَا أَيّهَا الّذِي نَ آ َمنُوا إِذَا نَكَ ْ‬
‫طَّل ْقتُمُوهُنّ مِنْ َقبْلِ أَ ْن تَمَسّوهُنّ فَمَا َلكُ ْم عََلْيهِنّ مِ ْن عِ ّد ٍة َتعْتَدّوَنهَا ﴾ فهذا ف‬
‫الرجل يتزوّج الرأة ‪ ،‬ث يطلّقها من قبل أن ي سّها ‪ ،‬فإذا طلّقها واحدة بانت‬
‫م نه ‪ ،‬ول عدّة علي ها تتزوج من شاءت ‪ ،‬ث قرأ ‪َ ﴿ :‬ف َمّتعُوهُنّ وَ سَرّحُوهُنّ‬
‫سَرَاحًا جَمِيلً ﴾ ‪ ،‬يقول ‪ :‬إن كان سّى لا صداقًا ‪ ،‬فليس لا إل النصف ‪،‬‬
‫فإن ل يكن سّى لا صداقًا ‪ ،‬متّعها على قدر عسره ويسره ‪ ،‬وهو ‪ :‬السراح‬
‫الميل ؛ قال أكثر أهل العلم ‪ :‬إذا قال ‪ :‬كل امرأة أنكحها فهي طالق فنكح‬
‫ل يقع الطلق ‪ .‬ورُوي عن ابن مسعود ‪ :‬أنه يقع ‪ .‬وقال ابن عباس ‪ :‬كذبوا‬
‫على ابن مسعود ‪ ،‬إن كان قالا فزلّة من عال ؛ ف الرجل يقول ‪ :‬إن تزوجت‬
‫‪591‬‬ ‫توفيق الرحن ف دروس القرآن‬

‫حتُ ُم الْ ُم ْؤ ِمنَاتِ ثُ ّم طَّل ْقتُمُوهُنّ ﴾‬


‫فلنة فهي طالق ‪ ،‬يقول ال تعال ‪ِ ﴿ :‬إذَا َنكَ ْ‬
‫ول يقل ‪ :‬إذا طلّقتموهن ث نكحتموهنّ ‪.‬‬
‫ك اللّاتِي آتَ ْي تَ‬
‫ك أَ ْزوَاجَ َ‬
‫قوله عز وجل ‪ ﴿ :‬يَا َأّيهَا النِّبيّ ِإنّا َأحْلَلْنَا لَ َ‬
‫ك َوبَنَا تِ‬
‫ك َوبَنَا تِ َعمّ َ‬
‫ك مِمّ ا َأفَاء اللّ هُ عَلَيْ َ‬
‫ت يَمِينُ َ‬
‫ُأجُو َرهُنّ وَمَا مَلَكَ ْ‬
‫ك َوبَنَاتِ خَالَاتِكَ اللّاتِي هَاجَرْ َن َمعَكَ وَامْ َرَأةً ّم ْؤمَِنةً إِن‬
‫ك َوبَنَاتِ خَالِ َ‬
‫عَمّاتِ َ‬
‫صةً لّ كَ مِن دُو نِ‬
‫حهَا خَالِ َ‬
‫سهَا لِلنّبِيّ إِ ْن أَرَادَ النّبِيّ أَن يَ سْتَنكِ َ‬
‫ت َنفْ َ‬
‫َوهَبَ ْ‬
‫الْ ُم ْؤمِنِيَ َقدْ عَ ِلمْنَا مَا َفرَضْنَا عَلَ ْيهِمْ فِي أَ ْزوَا ِجهِ ْم َومَا مَ َلكَتْ َأيْمَاُنهُمْ ِلكَيْلَا‬
‫ج وَكَا نَ اللّ هُ َغفُورا ّرحِيما (‪ُ )50‬ت ْرجِي مَن َتشَاء مِ ْن ُهنّ‬
‫َيكُو نَ عَلَيْ كَ َحرَ ٌ‬
‫ت فَلَا جُنَا حَ عَلَيْ كَ َذلِ كَ‬
‫ت مِمّ نْ َع َزلْ َ‬
‫َوُتؤْوِي إِلَيْ كَ مَن َتشَاء َومَ نِ ابَْتغَيْ َ‬
‫حزَنّ َويَرْضَيْ َن بِمَا آتَيَْت ُهنّ كُّل ُهنّ وَاللّهُ َيعْلَمُ مَا فِي‬
‫َأ ْدنَى أَن َتقَ ّر أَعْيُُن ُهنّ وَلَا يَ ْ‬
‫ك النّ سَاء مِن َبعْ ُد َولَا أَن‬
‫ح ّل لَ َ‬
‫قُلُوبِكُ مْ وَكَا َن اللّ هُ عَلِيما حَلِيما (‪ )51‬لَا يَ ِ‬
‫تََب ّدلَ ِب ِهنّ مِ ْن أَ ْزوَا جٍ َوَلوْ أَ ْعجَبَ كَ حُ سُْن ُهنّ ِإلّا مَا مَ َلكَ تْ يَمِينُ كَ وَكَا َن اللّ هُ‬
‫عَلَى ُك ّل َشيْءٍ ّرقِيبا (‪. ﴾ )52‬‬
‫عن ماهد قوله ‪ ﴿ :‬أَ ْزوَاجَ كَ اللّاتِي آَتيْ تَ أُجُو َرهُنّ ﴾ ‪ ،‬قال ‪ :‬صدقات ّن‬
‫‪ .‬وقال ابن زيد ‪ :‬كان كل امرأة آتاها مهرًا فقد أحلها ال له ‪ .‬وعن أم هانئ‬
‫قالت ‪ :‬خطبن النب فاعتذرت له بعذري ‪ ،‬ث أنزل ال عليه ‪ِ ﴿ :‬إنّا أَحَْل ْلنَا‬
‫﴿ اللّاتِي هَا َجرْ نَ‬ ‫لَ كَ أَ ْزوَاجَ كَ اللّاتِي آَتيْ تَ أُجُو َرهُنّ ﴾ إل قوله ‪:‬‬
‫َمعَكَ ﴾ ‪ ،‬قالت ‪ :‬فلم أحلّ له ‪ ،‬ل أهاجر معه كنت من الطلقاء ‪.‬‬
‫الزء الثالث‬ ‫‪592‬‬

‫وقوله تعال ‪ ﴿ :‬وَامْ َرَأةً ّم ْؤ ِمَنةً إِن وَ َهبَ تْ َنفْ َ‬


‫سهَا لِلّنبِيّ إِ نْ أَرَادَ الّنبِيّ أَن‬
‫ك مِن دُونِ الْ ُم ْؤ ِمنِيَ ﴾ ‪.‬‬
‫صةً لّ َ‬
‫حهَا خَاِل َ‬
‫ستَنكِ َ‬
‫يَ ْ‬
‫قال البغوي ‪ :‬وكان النكاح ينع قد ف حقّه بع ن ال بة ‪ ،‬من غ ي ولّ‬
‫ول شهود ول مهَر ‪ ،‬وكان ذلك مَن خصَائصه فَ النكاح ‪ ،‬لقوله تعال‬
‫ك مِن دُو ِن الْ ُم ْؤمِنِيَ ﴾ ‪ ،‬كالزيادة على الر بع ‪ ،‬ووجوب‬ ‫صةً لّ َ‬ ‫‪ ﴿ :‬خَالِ َ‬
‫تيي النساء كان من خصائصه ل مشاركة لحد معه فيه ‪ .‬وعن ماهد قوله‬
‫سهَا لِلّنبِيّ ﴾ بغي صداق ‪ ،‬فلم يكن يفعل‬ ‫‪ ﴿ :‬وَامْ َرأَ ًة ّم ْؤمَِنةً إِن َو َهبَ تْ نَفْ َ‬
‫ذلك وأحلّ ال له خاصة من دون الؤمني ‪.‬‬
‫ضنَا عََلْيهِ مْ فِي أَ ْزوَا ِجهِ مْ ﴾ ‪،‬‬
‫وعن قتادة ف قول ال ‪ ﴿ :‬قَ ْد عَلِ ْمنَا مَا َفرَ ْ‬
‫قال ‪ :‬كان ماَ فرض ال عليهَم أن ل تزوّج امرأة إل بول ّ وصَداق عنَد‬
‫شاهدي عدل ‪ ،‬ول ي ل ل م من الن ساء إل أر بع و ما مل كت أيان م ‪ .‬وقوله‬
‫تعال ‪ِ ﴿ :‬لكَيْلَا َيكُونَ عََليْكَ َحرَجٌ ﴾ ‪.‬‬
‫قال البغوي ‪ :‬وهذا يرجَع إل أول اليَة ‪ ،‬أي ‪ :‬أحللنَا لك أزواجَك ‪،‬‬
‫َ‬
‫َ حَرَج ٌ‬ ‫َ عََليْك َ‬ ‫ومَا ملكَت يينَك ‪ ،‬والوهوبَة لك ‪ِ ﴿ ،‬ل َكيْلَا َيكُون َ‬
‫﴾ وضيق ‪ ﴿ ،‬وَكَانَ اللّ ُه َغفُورًا رَحِيمًا ﴾ ‪ .‬وعن ابن عباس قوله ‪ ﴿ :‬تُ ْرجِي‬
‫مَن تَشَاء ِمْنهُنّ ﴾ ‪ ،‬يقول ‪ :‬تؤخّر ‪ .‬وقال ماهَد ‪ :‬تعزل بغيَ طلق مَن‬
‫ك مَن تَشَاء ﴾ ‪ ،‬قال ‪ :‬تردّها إليك‬ ‫أزواجك ‪ ﴿ ،‬مَن تَشَاء ِمْنهُنّ َوُت ْؤوِي إَِليْ َ‬
‫‪ .‬قال قتادة ‪ :‬فجعله ال ف حلّ من ذلك ‪ ،‬أن يدع من يشاء منه ّن بغي قسم‬
‫ضيْ َن بِمَا‬
‫‪ ،‬وكان نب ال يقسم ‪ ﴿ ،‬ذَلِ كَ أَ ْدنَى أَن َتقَرّ َأعُْيُنهُنّ وَلَا َيحْ َزنّ َويَرْ َ‬
‫‪593‬‬ ‫توفيق الرحن ف دروس القرآن‬

‫آَتْيتَهُنّ كُّلهُنّ ﴾ ‪ ،‬قال ‪ :‬إذا علمن أن هذا جاء من ال كان أطيب لنفسهن‬
‫وأقلّ لزننّ ‪ ﴿ ،‬وَاللّهُ يَعَْل ُم مَا فِي ُقلُوبِكُمْ ﴾ ‪.‬‬
‫قال البغوي ‪ :‬من أ مر الن ساء وال يل إل بعضه نّ ‪ ﴿ ،‬وَكَا نَ اللّ ُه عَلِيما‬
‫حَلِيما ﴾ ‪.‬‬
‫ك النّسَاء مِن َبعْ ُد وَلَا أَن َتبَدّ َل ِبهِنّ مِنْ‬
‫وعن ابن عباس قوله ‪ ﴿ :‬لَا يَحِلّ لَ َ‬
‫ت يَمِينُكَ ﴾ ‪ .‬قال ‪ ( :‬نى رسول ال‬ ‫سُنهُنّ إِلّا مَا َمَلكَ ْ‬
‫جبَكَ حُ ْ‬
‫ج وََلوْ َأعْ َ‬
‫أَ ْزوَا ٍ‬
‫أن يتزوج بعد نسائه الول شيئًا ) ‪ .‬قال قتادة ‪ :‬وه ّن التسع اللت اخترن‬
‫ال ورسوله ‪ .‬قال ابن جرير ‪ :‬ول دللة على نسخ حكم إحدى اليتي حكم‬
‫الخرى ‪ .‬وعن قتادة ‪ ﴿ :‬وَكَا نَ اللّ ُه عَلَى كُ ّل َشيْءٍ رّقِيبا ﴾ ‪ ،‬أي ‪ :‬حفيظًا‬
‫‪.‬‬
‫قوله عز و جل ‪ ﴿ :‬يَا أَيّهَا الّذِي نَ آمَنُوا لَا َتدْخُلُوا بُيُو تَ النّبِيّ ِإلّا أَن‬
‫ُي ْؤذَنَ َلكُمْ ِإلَى َطعَامٍ غَ ْي َر نَا ِظرِي َن ِإنَا ُه َولَكِنْ ِإذَا دُعِيتُمْ فَا ْدخُلُوا َفإِذَا َطعِمْتُمْ‬
‫َسـتَحْيِي‬
‫َانـيُ ْؤذِي النّبِيّ فَي ْ‬
‫ُمـ ك َ‬
‫ِيثـ إِنّ َذلِك ْ‬
‫حد ٍ‬ ‫ي لِ َ‬
‫ُسـَتأِْنسِ َ‬
‫فَانَتشِرُوا َولَا م ْ‬
‫حقّ َوِإذَا َسأَلْتُمُو ُهنّ مَتَاعا فَا ْسأَلُوهُ ّن مِن وَرَاء‬
‫مِنكُمْ وَاللّ ُه لَا يَسْتَحْيِي مِنَ الْ َ‬
‫ب َذلِكُ ْم أَ ْط َه ُر ِلقُلُوبِكُ مْ َوقُلُوِب ِهنّ َومَا كَا َن َلكُ مْ أَن ُت ْؤذُوا رَ سُو َل اللّ هِ‬
‫حِجَا ٍ‬
‫َولَا أَن تَنكِحُوا أَ ْزوَاجَ ُه مِن َبعْدِ هِ َأبَدا إِنّ َذلِكُ مْ كَا نَ عِندَ اللّ هِ عَظِيما (‪)53‬‬
‫خفُوهُـ َفإِنّ اللّهَـ كَانَـِبكُ ّل شَيْءٍ عَلِيما (‪ )54‬لّا جُنَاحَـ‬
‫إِن تُ ْبدُوا شَيْئا َأ ْو تُ ْ‬
‫عَلَ ْيهِنّ فِي آبَائِهِنّ وَلَا أَبْنَاِئهِنّ َولَا ِإخْوَانِهِنّ وَلَا أَبْنَاء ِإخْوَاِنهِنّ َولَا َأبْنَاء‬
‫الزء الثالث‬ ‫‪594‬‬

‫ت َأيْمَاُنهُنّ وَاتّقِيَ اللّ َه إِنّ اللّ هَ كَا نَ عَلَى‬


‫َأخَوَاِتهِنّ َولَا نِ سَاِئ ِهنّ َولَا مَا مَ َلكَ ْ‬
‫ُك ّل َشيْ ٍء شَهِيدا (‪. ﴾ )55‬‬
‫عن ماهد ف قول ال ‪ ﴿ :‬إلَى طَعَامٍ َغيْ َر نَاظِرِي نَ ِإنَاهُ ﴾ ‪ ،‬قال ‪ :‬متحيّني‬
‫نضجه ‪ .‬وف ال صحيحي عن أنس بن مالك رضي اللّ ُه ع نه قال ‪ :‬لّا تزوج‬
‫رسول ال زينب بنت جحش دعا القوم فطعموا ث جلسوا يتحدّثون فإذا‬
‫هو كأنّ ُه َيَتهَّيأُ للقيامِ فلم يقوموا ‪ ،‬فلمّا رأى ذلك قام ‪ ،‬فلمّا قام ‪ ،‬قام من قام‬
‫جلوسَ ثَ إنمَ قاموا‬ ‫ٌ‬ ‫وقعَد ثلث ُة نفَر ‪ ،‬فجاء النب ِي ِليَدخ ُل فإذا القوم‬
‫فانطلقوا ‪ ،‬فجئت فأخبت النب أنم قد انطلقوا ‪ ،‬فجاء حت دخل فذهبت‬
‫أد خل فأل قى الجاب بي ن وبي نه فأنزل ال تعال ‪ ﴿ :‬يَا أَيّهَا الّذِي نَ آ َمنُوا لَا‬
‫ت الّنبِيّ إِلّا أَن ُيؤْذَ نَ َلكُ مْ إِلَى َطعَا مٍ َغيْ َر نَاظِرِي نَ ِإنَا هُ وََلكِ نْ إِذَا‬
‫تَ ْدخُلُوا ُبيُو َ‬
‫ُدعِيتُمْ فَادْخُلُوا فَإِذَا َطعِ ْمتُمْ فَانتَشِرُوا ﴾ الية ‪.‬‬
‫وعَن عمَر بَن الطاب قال ‪ :‬قلت ‪ ( :‬يَا رسَول ال لو حجبَت عَن‬
‫أمهات الؤمن ي ‪ ،‬فإ نه يد خل عل يك الب والفا جر ‪ ،‬فنلت آ ية الجاب ) ‪.‬‬
‫رواه ابن جرير وغيه ‪.‬‬
‫وقال ا بن ز يد ف قوله ‪ ﴿ :‬وَمَا كَا نَ َلكُ مْ أَن ُتؤْذُوا رَ سُولَ اللّ ِه وَل أَن‬
‫تَنكِحُوا أَ ْزوَاجَ ُه مِن َبعْدِ هِ َأبَدا ِإنّ ذَِلكُ مْ كَا نَ عِندَ اللّ ِه عَظِيما ﴾ ‪ ،‬قال ‪ :‬ربا‬
‫بلغ النب أن الرجل يقول ‪ :‬لو أن النب توف تزوّجت فلنة بعده ‪ ،‬قال ‪:‬‬
‫فكان ذلك يؤذي النب ‪ ،‬فنل القرآن ‪َ ﴿ :‬ومَا كَا نَ َلكُ مْ أَن ُتؤْذُوا رَ سُولَ‬
‫اللّهِ ﴾ الية ‪.‬‬
‫‪595‬‬ ‫توفيق الرحن ف دروس القرآن‬

‫وقوله تعال ‪ ﴿ :‬لّا ُجنَا َ‬


‫ح عََلْيهِنّ فِي آبَاِئهِ ّن وَلَا َأبْنَاِئهِنّ ﴾ الية ‪.‬‬
‫قال ابن كثي ‪ :‬لا أمر تبارك وتعال النساء بالجاب من الجانب ‪ ،‬بيّن‬
‫أن هؤلء القارب ل ي ب الحتجاب من هم ‪ ،‬ك ما ا ستثناهم ف سورة النور‬
‫ع ند قوله ‪ ﴿ :‬وَل ُيبْدِي نَ زِينََتهُنّ إِل ِلُبعُولَِتهِنّ َأوْ آبَاِئهِنّ َأ ْو آبَاء ُبعُوَلِتهِنّ َأوْ‬
‫َأْبنَائِهِنّ َأوْ َأْبنَاء ُبعُوَلِتهِنّ َأوْ إِ ْخوَاِنهِنّ َأوْ بَنِي إِ ْخوَاِنهِنّ َأوْ بَنِي أَ َخوَاِتهِنّ َأوْ‬
‫ِنَ الرّجَالِ َأوِ‬
‫َتَ َأيْمَاُنهُنّ َأ ِو التّابِعِيَ َغيْرِ ُأوْلِي الِ ْرَبةِ م َ‬
‫نِسََائِهِنّ َأ ْو مَا َمَلك ْ‬
‫ت النّ سَاء ﴾ ‪ .‬انتهى ‪ .‬قال بعض الفسرين‬ ‫ال ّطفْ ِل الّذِي نَ لَ ْم يَ ْظهَرُوا عَلَى َعوْرَا ِ‬
‫‪ :‬لِم لَمْ يذكر العم والال ؟ لنما يريان مرى الوالدين ‪.‬‬
‫قوله عز وجل ‪ ﴿ :‬إِنّ اللّ َه وَمَلَائِكَتَ هُ يُ صَلّونَ عَلَى النِّبيّ يَا َأيّهَا اّلذِي نَ‬
‫آمَنُوا صَلّوا عَلَ ْي ِه وَسَلّمُوا َتسْلِيما (‪. ﴾ )56‬‬
‫قال أبو العالية ‪ :‬صلة ال تعال ثناؤه عليه عند اللئكة ‪ ،‬وصلة اللئكة‬
‫الدعاء ‪ .‬وقال ا بن عباس ‪ ﴿ :‬يُ صَلّونَ ﴾ ‪ :‬يركعون ‪ .‬وقال سفيان بن عيي نة‬
‫وغيه ‪ :‬صلة الرب ‪ :‬الرحة ‪ ،‬وصلة اللئكة ‪ :‬الستغفار ؛ وقد قال تعال‬
‫‪ ﴿ :‬أُولَ َئِكَ عََلْيهِ مْ صََلوَاتٌ مّن ّرّبهِ ْم وَرَحْ َمةٌ ﴾ ‪ .‬و عن كعب بن عجرة‬
‫قال ‪ :‬ل ا نزلت ‪ ﴿ :‬إِنّ اللّ َه َومَلَاِئكَتَ ُه يُ صَلّونَ عَلَى النّبِيّ يَا َأيّهَا الّذِي نَ آ َمنُوا‬
‫صلّوا عََليْ ِه وَ سَلّمُوا تَ سْلِيما ﴾ قل نا ‪ :‬يا ر سول ال قد علم نا ال سلم عل يك‬ ‫َ‬
‫فكيف الصلة عليك ؟ قال ‪ « :‬قولوا ‪ :‬اللهم صلّ على ممد وعلى آل ممد‬
‫‪ ،‬ك ما صلّيت على إبراه يم وعلى آل إبراه يم إ نك ح يد م يد ‪ ،‬وبارك على‬
‫الزء الثالث‬ ‫‪596‬‬

‫ممد وعلى آل ممد ‪ ،‬كما باركت على إبراهيم وعلى آلبراهيم إنك حيد‬
‫م يد » ‪ .‬مت فق عل يه ‪ .‬والل فظ للبخاري ‪ .‬و عن أ ب طل حة الن صاري ر ضي‬
‫اللّ ُه عنه أن رسول اللّ هِ جاء ذات يو ٍم وَال سّرو ُر يُرَى ف وجهِ هِ فقالوا ‪ :‬يا‬
‫رسول اللّ هِ إنا لنرى ال سّرورَ ف وجهك ! فقال ‪ « :‬إن هُ أتان اللك فقال ‪ :‬يا‬
‫م مد أ ما يُرض يك أن ر بك عز و جل يقول ‪ :‬إ نه ل يُ صلّي عل يك أحدٌ من‬
‫ُأمّتك إل صلّيت عليهِ عشرًا ‪ ،‬ول يسلم عليك أحدٌ من ُأمّتك إل سلّمتُ عليه‬
‫عَشرًا ؟ ‪ -‬قال ‪ : -‬بلى » ‪ .‬رواه أحد وغيه ‪.‬‬

‫***‬
‫‪597‬‬ ‫توفيق الرحن ف دروس القرآن‬

‫الدرس الثان والعشرون بعد الائتي‬

‫﴿ إِنّ اّلذِي نَ ُي ْؤذُو نَ اللّ هَ وَرَ سُولَ ُه َلعََنهُ مُ اللّ ُه فِي ال ّدنْيَا وَالْآ ِخ َر ِة وَأَ َعدّ‬
‫َاتـ ِبغَ ْيرِ م َا‬
‫ُونـ الْ ُم ْؤمِنِي َ وَالْ ُم ْؤمِن ِ‬
‫ِينـ ُي ْؤذ َ‬
‫ُمـ َعذَابا ّمهِينا (‪ )57‬وَاّلذ َ‬
‫َله ْ‬
‫اكْتَ سَبُوا َفقَ ِد احْتَمَلُوا ُبهْتَانا وَِإثْما مّبِينا (‪ )58‬يَا َأيّهَا النّبِيّ قُل ّلأَ ْزوَاجِ كَ‬
‫ي ُي ْدنِيَ عَلَ ْي ِه ّن مِن جَلَابِيِب ِهنّ َذِلكَ َأ ْدنَى أَن ُيعْ َر ْفنَ فَلَا‬
‫َوبَنَاِتكَ َوِنسَاء الْمُ ْؤمِنِ َ‬
‫ُي ْؤذَيْ َن وَكَا نَ اللّ هُ َغفُورا ّرحِيما (‪ )59‬لَئِن لّ ْم يَنتَ هِ الْمُنَا ِفقُو َن وَاّلذِي َن فِي‬
‫قُلُوِبهِم ّمرَ ضٌ وَالْ ُم ْرجِفُو نَ فِي الْ َمدِيَن ِة لَُنغْ ِريَنّ كَ ِبهِ مْ ُثمّ لَا يُجَاوِرُونَ كَ فِيهَا‬
‫ِإلّا قَلِيلً (‪ )60‬مَ ْلعُونِيَ َأيْنَمَا ُثقِفُوا ُأ ِخذُوا َوقُتّلُوا َتقْتِيلً (‪ )61‬سُّنةَ اللّ ِه فِي‬
‫ج َد لِ سُنّ ِة اللّ هِ تَ ْبدِيلً (‪ )62‬يَ سَْأُلكَ النّا سُ عَ نِ‬
‫اّلذِي َن خَلَوْا مِن قَ ْب ُل َولَن تَ ِ‬
‫السّا َعةِ ُق ْل ِإنّمَا ِعلْ ُمهَا عِندَ اللّ ِه وَمَا ُيدْرِيكَ َل َعلّ السّا َعةَ تَكُونُ َقرِيبا (‪)63‬‬
‫جدُو نَ‬
‫إِنّ اللّ هَ َلعَ َن الْكَافِرِي َن َوأَ َعدّ َلهُ مْ َسعِيا (‪ )64‬خَاِلدِي نَ فِيهَا َأبَدا لّا يَ ِ‬
‫ب وُجُو ُههُ ْم فِي النّا ِر َيقُولُو َن يَا لَيْتَنَا أَ َطعْنَا‬
‫َولِيّا َولَا نَ صِيا (‪َ )65‬يوْ َم ُتقَلّ ُ‬
‫اللّ هَ َوأَ َطعْنَا الرّ سُولَا (‪َ )66‬وقَالُوا َربّنَا ِإنّ ا أَ َطعْنَا سَا َدتَنَا وَكَُبرَاءنَا َفأَضَلّونَا‬
‫ض ْعفَيْ ِن مِ َن اْلعَذَا بِ وَاْلعَنْهُ مْ َلعْنا َكبِيا (‪ )68‬يَا‬
‫ال سّبِيلَا (‪َ )67‬ربّنَا آِتهِ مْ ِ‬
‫َأّيهَا اّلذِي نَ آمَنُوا لَا َتكُونُوا كَاّلذِي نَ آ َذوْا مُو سَى فََبرّأَ هُ اللّ هُ مِمّا قَالُوا وَكَا نَ‬
‫عِندَ اللّ ِه َوجِيها (‪ )69‬يَا أَّيهَا الّذِي نَ آمَنُوا اّتقُوا اللّ هَ َوقُولُوا َق ْولً سَدِيدا (‬
‫ح َلكُ مْ أَ ْعمَالَكُ ْم َويَ ْغ ِفرْ َلكُ ْم ُذنُوبَكُ مْ َومَن يُطِ عْ اللّ هَ وَرَ سُولَ ُه َف َقدْ‬
‫‪ )70‬يُ صْلِ ْ‬
‫ض وَالْجِبَالِ‬
‫ت وَاْلأَرْ ِ‬
‫فَا َز َفوْزا َعظِيما (‪ِ )71‬إنّا َعرَضْنَا اْلأَمَانَةَ عَلَى ال سّمَاوَا ِ‬
‫الزء الثالث‬ ‫‪598‬‬

‫حمِلَْنهَا َوأَ ْش َفقْ نَ مِ ْنهَا َوحَمَ َلهَا اْلإِن سَا ُن ِإنّ هُ كَا نَ ظَلُوما َجهُولً (‬
‫َفَأبَيْ نَ أَن يَ ْ‬
‫ت َويَتُو بَ‬
‫شرِكَا ِ‬
‫ب اللّ ُه الْمُنَافِقِيَ وَالْمُنَافِقَا تِ وَالْ ُمشْرِ ِكيَ وَالْ ُم ْ‬
‫‪ )72‬لُِي َعذّ َ‬
‫ت وَكَانَ ال ّلهُ َغفُورا ّرحِيما (‪. ﴾ )73‬‬
‫ي وَالْ ُم ْؤمِنَا ِ‬
‫ال ّلهُ عَلَى الْ ُم ْؤمِنِ َ‬

‫***‬
‫‪599‬‬ ‫توفيق الرحن ف دروس القرآن‬

‫قوله عز وجل ‪ ﴿ :‬إِنّ اّلذِي نَ ُي ْؤذُو نَ اللّ هَ وَرَ سُولَ ُه َلعََنهُ مُ اللّ ُه فِي ال ّدنْيَا‬
‫وَالْآ ِخرَ ِة َوأَ َعدّ َلهُ مْ َعذَابا ّمهِينا (‪ )57‬وَالّذِي َن ُيؤْذُو َن الْ ُم ْؤمِنِيَ وَالْ ُمؤْمِنَا تِ‬
‫ِبغَ ْيرِ مَا اكَْتسَبُوا َف َقدِ احْتَمَلُوا ُبهْتَانا َوإِثْما مّبِينا (‪. ﴾ )58‬‬
‫قال عكرمة ‪ ﴿ :‬الّذِي َن ُيؤْذُو نَ اللّ هَ وَرَ سُولَهُ ﴾ ‪ ،‬هم ‪ :‬أصحاب القادير‬
‫‪ .‬وقال قتادة ‪ :‬سبحان ال ما زال أناس من جهلة ب ن آدم ح ت تعاطوا أذى‬
‫ربم ‪ .‬وف الصحيحي عن أب هريرة قال ‪ :‬قال رسول ال ‪ « :‬يقول اللّ هُ‬
‫سبّ الدهر وأنا الدهر ‪ ،‬أُقَلّ بُ ليله وناره » ‪.‬‬ ‫عز وجل ‪ :‬يؤذين ابن آدم ‪ ،‬يَ ُ‬
‫وعن عبد ال بن مغفل قال ‪ :‬قال رسول ال [ ال ] ‪ ،‬ال ف أصحاب ل‬
‫حبّ ي أحبّ هم ‪ ،‬و من أبغضهم فببغ ضي‬ ‫تتخذو هم غرضًا بعدي ف من أَ َحبّهُم َفبِ ُ‬
‫أبغضهم ‪ ،‬ومن آذاهم فقد آذان ‪ ،‬ومن آذان فقد آذى ال ‪ ،‬ومن آذى ال‬
‫يوشَ كَ أن يأخذه » ‪ .‬و عن عائ شة قالت ‪ :‬قال ر سول ال ل صحابه ‪« :‬‬
‫أ يّ الر با أر ب ع ند ال » ؟ قالوا ‪ :‬ال ور سوله أعلم ‪ ،‬قال ‪ « :‬أر ب الر با‬
‫ُونَ‬
‫ِينَ ُيؤْذ َ‬
‫عنَد ال اسَتحلل عرض امرئ مسَلم ‪ - ،‬ثَ قرأ ‪ ﴿ : -‬وَالّذ َ‬
‫سبُوا َفقَدِ ا ْحتَمَلُوا ُبهْتَانا َوإِثْما ّمبِينا ﴾ »‬
‫ت ِبغَيْرِ مَا ا ْكتَ َ‬
‫الْ ُم ْؤ ِمنِيَ وَالْ ُم ْؤمِنَا ِ‬
‫‪ .‬قال قتادة ‪ :‬فإياكم وأذى الؤمن ‪ ،‬فإن ال يوطه ويغضب له ‪.‬‬
‫ك َونِ سَاء الْمُ ْؤمِنِيَ‬
‫قوله عز وجل ‪ ﴿ :‬يَا َأيّهَا النِّبيّ قُل ّلأَزْوَاجِ كَ َوبَنَاتِ َ‬
‫ك َأدْنَى أَن يُ ْع َرفْ نَ فَلَا ُيؤْ َذيْ نَ وَكَا َن اللّ هُ‬
‫ُي ْدنِيَ عَلَ ْيهِنّ مِن جَلَابِيِبهِنّ َذلِ َ‬
‫َضـ‬
‫ِينـ فِي قُلُوبِهِم ّمر ٌ‬
‫ُونـ وَاّلذ َ‬
‫َهـ الْمُنَا ِفق َ‬
‫ّمـ يَنت ِ‬
‫َغفُورا ّرحِيما (‪ )59‬لَئِن ل ْ‬
‫الزء الثالث‬ ‫‪600‬‬

‫وَالْ ُمرْ ِجفُو َن فِي الْ َمدِيَنةِ لَُن ْغ ِريَنّكَ ِبهِ ْم ُثمّ لَا يُجَاوِرُونَكَ فِيهَا ِإلّا قَلِيلً (‪)60‬‬
‫مَ ْلعُونِيَ َأيْنَمَا ُث ِقفُوا أُ ِخذُوا َوقُتّلُوا تَقْتِيلً (‪ )61‬سُّنةَ اللّ ِه فِي اّلذِينَ خَلَوْا مِن‬
‫ج َد ِلسُّنةِ ال ّلهِ تَ ْبدِيلً (‪. ﴾ )62‬‬
‫قَ ْب ُل َولَن تَ ِ‬
‫ِكَ َونِسََاء‬‫ِكَ َوَبنَات َ‬ ‫عَن ابَن عباس قوله ‪ ﴿ :‬يَا َأيّهَا النّبِيّ قُل ّلأَ ْزوَاج َ‬
‫الْ ُم ْؤ ِمنِيَ يُ ْدنِيَ عََلْيهِنّ مِن َجلَابِيِبهِنّ ﴾ ‪ ،‬أمر ال نساء الؤمني إذا خرجن من‬
‫بيوت ن ف حا جة أن يغط ي وجوهه نّ من فوق رؤو سه ّن باللب يب ويبد ين‬
‫عينًَا واحدة ‪ .‬وقال قتادة ‪ :‬أخَذ ال عليهَن إذا خرجَن أن يقنعَن على‬
‫الواجب ‪ ﴿ ،‬ذَلِ كَ أَ ْدنَى أَن ُيعْرَفْ نَ فَلَا ُيؤْ َذيْ نَ ﴾ ‪ ،‬وقد كانت الملوكة إذا‬
‫مرّت تناولوها باليذاء ‪ ،‬فنهى ال الرائر يتشبهن بالماء ‪.‬‬
‫وعن عكرمة ف قوله ‪َ ﴿:‬لئِن لّ ْم يَنتَ ِه الْ ُمنَاِفقُونَ وَالّذِينَ فِي قُلُوِبهِم مّ َرضٌ ﴾‬
‫ُونَ ف ِي الْمَدِيَنةِ ﴾ ‪ ،‬قال قتادة ‪ :‬الرجاف ‪:‬‬ ‫قال ‪ :‬هَم الزناة ‪ ﴿ .‬وَالْ ُمرْ ِجف َ‬
‫ِمَ ﴾ ‪ ،‬أي ‪:‬‬ ‫ّكَ ِبه ْ‬
‫الكذب ‪ .‬وكانوا يقولون ‪ :‬أتاكَم عدد وعدّه ‪َ ﴿ .‬لُنغْ ِرَين َ‬
‫لنحملنّك عليهم ‪ ،‬لنحرّشك بم ‪ ﴿ ،‬ثُمّ لَا يُجَاوِرُونَكَ فِيهَا إِلّا قَلِيلً ﴾ أي ‪:‬‬
‫بالدن ية ‪ ﴿ ،‬مَ ْلعُونِيَ ﴾ على كل حال ‪َ ﴿ ،‬أْينَمَا ُث ِقفُوا أُ ِخذُوا وَُقتّلُوا َت ْقتِيلً‬
‫﴾ إذا هم أظهروا النفاق ﴿ ُسّنةَ اللّهِ فِي الّذِينَ خََلوْا مِن َقبْلُ ﴾ يقول ‪ :‬هكذا‬
‫سّنةِ اللّهِ َتبْدِيلً ﴾ ‪.‬‬ ‫سنة ال فيهم إذا أذهبوا النفاق ﴿ وَلَن تَجِدَ لِ ُ‬
‫ك النّا سُ عَ ِن ال سّا َعةِ ُق ْل ِإنّمَا عِلْ ُمهَا عِندَ اللّ هِ‬
‫قوله عز وجل ‪ ﴿ :‬يَ سَْألُ َ‬
‫ك َل َعلّ السّا َعةَ تَكُو ُن َقرِيبا (‪ )63‬إِنّ اللّ َه َلعَنَ اْلكَا ِفرِينَ َوأَ َع ّد َلهُمْ‬
‫َومَا ُيدْرِي َ‬
‫‪601‬‬ ‫توفيق الرحن ف دروس القرآن‬

‫جدُو نَ َولِيّا َولَا نَ صِيا (‪ )65‬يَوْ َم ُتقَلّ بُ‬


‫سَعِيا (‪ )64‬خَاِلدِي نَ فِيهَا َأبَدا لّا يَ ِ‬
‫ُوجُو ُههُ ْم فِي النّا ِر يَقُولُو َن يَا لَيْتَنَا أَ َطعْنَا اللّ َه َوأَ َطعْنَا الرّ سُولَا (‪َ )66‬وقَالُوا‬
‫ض ْعفَيْ ِن مِنَ‬
‫َربّنَا ِإنّا أَ َطعْنَا سَا َدتَنَا وَكَُبرَاءنَا َفأَضَلّونَا السّبِيلَا (‪َ )67‬ربّنَا آِتهِمْ ِ‬
‫اْلعَذَابِ وَالْعَ ْن ُهمْ َلعْنا كَبِيا (‪. ﴾ )68‬‬
‫قال ا بن كث ي ‪ :‬يقول تعال م بًا لر سوله أ نه ل علم له بال ساعة وإن‬
‫سأله الناس عن ذلك ‪ ،‬وأرشده أنه ير ّد علمها إل ال عز وجل ‪.‬‬
‫وقال البغوي ‪ ﴿ :‬وَمَا يُ ْدرِيكََ ﴾ ‪ ،‬أي ‪ :‬شيَء يعلمَك أمَر السَاعة ‪،‬‬
‫ومت يكون قيامها ؟ أي ‪ :‬أنت ل تعرفه ‪َ ﴿ ،‬لعَلّ السّا َع َة تَكُون‪َ ،‬قرِيبًا ﴾ ‪.‬‬
‫سأَلُكَ النّا سُ ﴾ يا ممد ﴿ عَ نِ‬ ‫وقال ابن جرير ‪ :‬يقول تعال ذكره ‪ ﴿ :‬يَ ْ‬
‫ال سّا َعةِ ﴾ مت هي قائمة ؟ قل لم ‪ :‬إنا علم الساعة عند ال ل يعلم وقت‬
‫ُونَ َقرِيبا ﴾ ‪ ،‬يقول ‪ :‬ومَا‬ ‫ِيكَ َلعَلّ السَّا َعةَ َتك ُ‬‫قيامهَا غيه ‪ ﴿ ،‬وَم َا يُدْر َ‬
‫يشعرك يا م مد لع ّل قيام ال ساعة يكون م نك قريبًا ‪ ،‬قد قرب و قت قيام ها‬
‫ودنا حيُ ميئها ‪ .‬وقوله تعال ‪ِ ﴿ :‬إنّ اللّهَ َلعَ َن اْلكَافِرِي َن َوَأعَدّ َلهُمْ َسعِيا *‬
‫ب وُجُو ُههُ مْ فِي النّارِ‬ ‫خَالِدِي نَ فِيهَا أَبَدا لّا َيجِدُو نَ وَِليّا وَلَا نَ صِيا * َيوْ مَ تُقَلّ ُ‬
‫َيقُولُو َن يَا َليْتَنَا أَ َطعْنَا اللّ هَ َوأَ َطعْنَا الرّ سُولَا * وَقَالُوا َربّنَا ِإنّ ا َأطَعْنَا سَا َدَتنَا‬
‫وَ ُكبَرَاءنََا ﴾ ‪ ،‬قال قتادة ‪ :‬أي ‪ :‬رؤوسَنا فَ الشرّ والشرك ‪َ ﴿ ،‬فأَضَلّونََا‬
‫ض ْع َفيْ ِن مِ َن اْلعَذَابِ وَاْلعَْنهُمْ َلعْنا َكبِيا ﴾ ‪.‬‬‫سبِيلَا َرّبنَا آِتهِمْ ِ‬‫ال ّ‬
‫الزء الثالث‬ ‫‪602‬‬

‫قوله عز وجل ‪ ﴿ :‬يَا أَّيهَا الّذِي نَ آمَنُوا ل َتكُونُوا كَالّذِي نَ آ َذوْا مُو سَى‬
‫فََب ّرأَ ُه اللّ ُه مِمّا قَالُوا وَكَا نَ عِندَ اللّ هِ َوجِيها (‪ )69‬يَا َأّيهَا اّلذِي نَ آمَنُوا اتّقُوا‬
‫اللّ هَ َوقُولُوا َق ْولً َسدِيدا (‪ )70‬يُ صْلِحْ لَكُ مْ أَ ْعمَالَكُ مْ َوَيغْ ِف ْر لَكُ ْم ُذنُوبَكُ مْ‬
‫َومَن يُ ِطعْ ال ّل َه وَ َرسُولَ ُه َف َقدْ فَا َز َفوْزا َعظِيما (‪. ﴾ )71‬‬
‫عن أب هريرة رضي ال عنه قال ‪ :‬قال رسول ال ‪ « :‬إن موسى كان‬
‫َرجُلًا حِييّا ستيًا ‪ ،‬ل يرى من جلده شيء استحياء منه فآذاه من آذاه من بن‬
‫إ سرائيل فقالوا ‪ :‬ما ي ستتر هذا الت ستر إل من ع يب ف جلده ‪ ،‬إ ما برص ‪،‬‬
‫وإما أدرة ‪ ،‬وإما آفة ‪ ،‬وإن ال عز و جل أراد أن يبئه ما قالوا ‪ ،‬فخل يومًا‬
‫وحده فخلع ِثيَابَهُ على الجر ث اغتسل ‪ ،‬فلما فرغ أقبل على ثيابه ليأخذها ‪،‬‬
‫وإن الجر عدا بثوبه ‪ ،‬فأخذ موسى عصاه وطلب الجر فجعل يقول ‪ :‬ثوب‬
‫حجر ثوب حجر ‪ ،‬حت انتهى إل مل من بن إسرائيل فرأوه عريانًا أحسن ما‬
‫خلق ال عز وجل ‪ ،‬وأبرأه ما يقولون ‪ ،‬وقام الجر فأخذ ثوبه فلبسه وطفق‬
‫بالجر ضربًا بعصاه ‪ ،‬فوال إن بالجر لندبًا من أثر ضربه ثلثًا ‪ ،‬أو أربعًا ‪،‬‬
‫ِينَ آ َمنُوا لَا تَكُونُوا‬
‫أو خسًَا ‪ - ،‬قال ‪ : -‬ذلك قوله تعال ‪ ﴿ :‬ي َا أَيّه َا الّذ َ‬
‫كَالّذِينَ آ َذوْا مُوسَى َفبَ ّرَأهُ اللّ ُه مِمّا قَالُوا وَكَا َن ِعنْدَ اللّ ِه وَجِيهًا ﴾ » ‪.‬‬
‫وعن علي بن أب طالب رضي ال عنه ف قوله ‪َ ﴿ :‬فبَ ّرأَهُ اللّ ُه مِمّا قَالُوا ﴾‬
‫قال ‪ :‬صعد مو سى وهارون ال بل ‪ ،‬فمات هارون عل يه ال سلم ‪ ،‬فقال ب نو‬
‫إسرائيل لوسى عليه السلم ‪ :‬أنت قتلته ‪ .‬كان ألي لنا منك ‪ ،‬وأشدّ حياء ‪،‬‬
‫‪603‬‬ ‫توفيق الرحن ف دروس القرآن‬

‫فآذوه من ذلك ‪ ،‬فأمر ال اللئكة فحملته فمرّوا به على مالس بن إسرائيل‬


‫فتكلّمت بوته ‪.‬‬
‫وف الصحيحي عن ابن مسعود رضي ال عنه قال ‪ :‬قسم رسول ال‬
‫ذات يوم قسمًا فقال رجل من النصار ‪ :‬إن هذه القسمة ما أُرِي َد با وجهُ ال‬
‫فقلت ‪ :‬يا عدوّ ال أ ما ل خبنّ ر سول ال ب ا قلت ‪ ،‬فذكرت ذلك لل نب‬
‫فاحّر وج هه ث قال ‪ « :‬رح ة ال على مو سى ل قد أوذي بأك ثر من هذا‬
‫فصب » ‪.‬‬
‫وقوله تعال ‪ ﴿ :‬يَا أَّيهَا الّذِينَ آ َمنُوا اّتقُوا اللّ َه وَقُولُوا َقوْلً سَدِيدا ﴾ ‪ ،‬أي‬
‫‪ :‬عدلً ‪ .‬قال قتادة ‪ :‬يع ن به ف منط قه وعمله كله ‪ .‬وال سديد ‪ :‬ال صدق ‪.‬‬
‫قال ابن عباس ‪ :‬مَ ْن سَرّه أن يكون أكرم الناس فليتّق ال ‪.‬‬
‫ض وَالْجِبَالِ‬
‫ت وَاْلأَرْ ِ‬
‫قوله عز وجل ‪ِ ﴿ :‬إنّا َعرَضْنَا اْلأَمَانَةَ عَلَى السّمَاوَا ِ‬
‫حمِلَْنهَا َوأَ ْش َفقْ نَ مِ ْنهَا َوحَمَ َلهَا اْلإِن سَا ُن ِإنّ هُ كَا نَ ظَلُوما َجهُولً (‬
‫َفَأبَيْ نَ أَن يَ ْ‬
‫ت َويَتُو بَ‬
‫شرِكَا ِ‬
‫ب اللّ ُه الْمُنَافِقِيَ وَالْمُنَافِقَا تِ وَالْ ُمشْرِ ِكيَ وَالْ ُم ْ‬
‫‪ )72‬لُِي َعذّ َ‬
‫ت وَكَانَ ال ّلهُ َغفُورا ّرحِيما (‪. ﴾ )73‬‬
‫ي وَالْ ُم ْؤمِنَا ِ‬
‫ال ّلهُ عَلَى الْ ُم ْؤمِنِ َ‬
‫قال ابَن عباس ‪ :‬المانَة الفرائض التَ افترضهَا ال على العباد ‪ .‬وقال‬
‫السَمَاوَاتِ‬
‫الضحاك ‪ :‬عَن ابَن عباس فَ قوله ‪ِ ﴿ :‬إنّاَ عَرَضْنَا اْلأَمَاَن َة عَلَى ّ‬
‫جبَالِ َفَأَبيْ نَ أَن يَحْ ِم ْلَنهَا َوَأ ْش َفقْ نَ ِمْنهَا ﴾ ‪ ،‬قال ‪ ( :‬فلما عُرضت‬
‫وَاْلأَرْ ضِ وَالْ ِ‬
‫ب و ما الما نة ؟ قال ‪ :‬ق يل ‪ :‬إن أدّيت ها جُز يت ‪ ،‬وإن‬ ‫على آدم قال ‪ :‬أ يْ ر ّ‬
‫الزء الثالث‬ ‫‪604‬‬

‫ضيّعتها عوقبت ‪ ،‬قال ‪ :‬أ يْ ر بّ حلتها با فيها ‪ ،‬قال ‪ :‬فما مكث ف النة‬
‫إل قدر ما بي العصر إل غروب الشمس حت عمل بالعصية ‪ ،‬فأُخرج منها )‬
‫‪.‬‬
‫وعن الضحاك ف قوله ‪ ﴿ :‬وَحَ َمَلهَا الْإِنسَانُ ﴾ ‪ ،‬قال ‪ :‬آدم ‪ِ ﴿ ،‬إنّهُ كَانَ‬
‫ظَلُوما َجهُولً ﴾ ‪ ،‬قال ‪ ﴿ :‬ظَلُوما ﴾ لنفسَه ‪َ ﴿ ،‬جهُولً ﴾ فيمَا احتمَل‬
‫َاتَ‬
‫ّهَ الْ ُمنَاِفقِيَ وَالْ ُمنَاِفق ِ‬
‫ّبَ الل ُ‬
‫فيمَا بينَه وبيَ ربَه ‪ .‬وعَن قتادة ‪ِ ﴿ :‬لُيعَذ َ‬
‫ّهَ عَلَى‬
‫ُوبَ الل ُ‬
‫َاتَ ﴾ هذان اللذان خاناهَا ‪َ ﴿ ،‬وَيت َ‬ ‫وَالْمُشْرِكِي َ وَالْمُشْرِك ِ‬
‫الْ ُم ْؤ ِمنِيَ وَالْ ُم ْؤ ِمنَاتَِ ﴾ هذان اللذان أدّياهَا ‪ ﴿ ،‬وَكَانََ اللّهَُ غَفُورا رّحِيما‬
‫﴾ وعن عبد ال بن عمرو رضي ال عنهما أن رسول ال قال ‪ « :‬أربعٌ إذا‬
‫كنّ ف يك فل عل يك ما فا تك من الدن يا ‪ :‬ح فظ أمانةٍ ‪ ،‬وَ صِدقُ حدي ثٍ ‪،‬‬
‫وَحسن خليق ٍة وعفةٌ طعمة » ‪ .‬رواه المام أحد ‪.‬‬

‫***‬
‫‪605‬‬ ‫توفيق الرحن ف دروس القرآن‬

‫الدرس الثالث والعشرون بعد الائتي‬


‫[ سورة سبأ ]‬
‫وآياتا أربع وخسون آية‬
‫بسم ال الرحن الرحيم‬
‫ح ْمدُ فِي‬
‫ض َولَهُ الْ َ‬
‫ت وَمَا فِي اْلأَرْ ِ‬
‫﴿ الْحَ ْمدُ لِلّهِ اّلذِي لَهُ مَا فِي السّمَاوَا ِ‬
‫ج مِ ْنهَا‬
‫خرُ ُ‬
‫ض َومَا يَ ْ‬
‫ج فِي الْأَرْ ِ‬
‫حكِي ُم الْخَبِيُ (‪َ )1‬يعْلَ مُ مَا يَلِ ُ‬
‫الْآ ِخ َرةِ َو ُهوَ الْ َ‬
‫ج فِيهَا وَ ُهوَ الرّحِي ُم الْ َغفُورُ (‪َ )2‬وقَا َل الّذِي نَ‬
‫ن ُل مِ نَ ال سّمَا ِء َومَا َيعْرُ ُ‬
‫َومَا يَ ِ‬
‫ب لَا َي ْعزُ بُ عَنْ هُ‬
‫َك َفرُوا لَا تَ ْأتِينَا ال سّا َعةُ ُق ْل بَلَى وَ َربّ ي لََتأْتِيَّنكُ مْ عَالِ ِم الْغَيْ ِ‬
‫ك َولَا أَكَْب ُر ِإلّا‬
‫ص َغرُ مِن َذلِ َ‬
‫ض َولَا أَ ْ‬
‫مِ ْثقَا ُل ذَ ّر ٍة فِي ال سّمَاوَاتِ َولَا فِي اْلأَرْ ِ‬
‫ك لَهُم‬
‫ي اّلذِي نَ آمَنُوا وَعَمِلُوا ال صّالِحَاتِ ُأ ْولَئِ َ‬
‫جزِ َ‬
‫ب مّبِيٍ (‪ )3‬لِيَ ْ‬
‫فِي كِتَا ٍ‬
‫ك َلهُمْ َعذَابٌ‬
‫ّم ْغفِ َر ٌة وَرِزْقٌ َكرِيٌ (‪ )4‬وَالّذِينَ َس َعوْا فِي آيَاتِنَا ُمعَا ِجزِينَ ُأ ْولَئِ َ‬
‫مّن ّر ْجزٍ َألِي مٌ (‪َ )5‬وَيرَى اّلذِي َن أُوتُوا الْعِلْ َم الّذِي أُن ِزلَ ِإلَيْ كَ مِن ّربّ كَ ُهوَ‬
‫ـرَاطِ اْلعَزِيزِ الْحَمِيدِ (‪َ )6‬وقَا َل الّذِينـَ َك َفرُوا َهلْ‬
‫الْحَقّـ َويَ ْهدِي ِإلَى ص ِ‬
‫َن ُدلّكُ مْ عَلَى َرجُ ٍل يُنَبُّئكُ مْ ِإذَا ُم ّزقْتُ مْ ُك ّل مُ َمزّ قٍ إِّنكُ مْ َلفِي خَلْ قٍ َجدِيدٍ (‪)7‬‬
‫َأفَْترَى عَلَى اللّ هِ َكذِبا أَم بِ هِ جِّن ٌة َبلِ اّلذِي َن لَا ُي ْؤمِنُو َن بِالْآخِ َر ِة فِي اْلعَذَا بِ‬
‫وَالضّلَالِ الَْبعِيدِ (‪َ )8‬أفَلَ مْ َي َروْا ِإلَى مَا بَيْ نَ َأْيدِيهِ مْ َومَا خَ ْل َفهُم مّ نَ ال سّمَاءِ‬
‫سقِطْ عَلَ ْيهِ مْ كِ سَفا مّ نَ ال سّمَاءِ‬
‫ض َأوْ نُ ْ‬
‫شأْ َنخْ سِفْ ِبهِ مُ اْلأَرْ َ‬
‫ض إِن ّن َ‬
‫وَالْأَرْ ِ‬
‫إِ ّن فِي َذِلكَ لَآَيةً ّل ُكلّ عَ ْبدٍ مّنِيبٍ (‪. ﴾ )9‬‬
‫الزء الثالث‬ ‫‪606‬‬

‫ت وَمَا فِي‬
‫قوله عز و جل ‪ ﴿ :‬الْحَ ْمدُ لِلّ هِ اّلذِي لَ هُ مَا فِي ال سّمَاوَا ِ‬
‫ج فِي‬
‫حكِي ُم الْخَبِيُ (‪َ )1‬يعْلَ مُ مَا يَلِ ُ‬
‫ض وَلَ ُه الْحَ ْمدُ فِي الْآ ِخ َرةِ َوهُ َو الْ َ‬
‫اْلأَرْ ِ‬
‫ج مِ ْنهَا َومَا يَنِ ُل مِ َن ال سّمَا ِء َومَا َيعْرُ جُ فِيهَا َو ُهوَ الرّحِي مُ‬
‫خرُ ُ‬
‫ض َومَا يَ ْ‬
‫اْلأَرْ ِ‬
‫اْلغَفُورُ (‪. ﴾ )2‬‬
‫قال ابن كثي ‪ :‬يب تعال عن نفسه الكرية أن له المد الطلق ف الدنيا‬
‫والخرة ‪ ،‬لنه النعم التفضّل على أهل الدنيا والخرة ‪ ،‬الالك لميع ذلك ‪،‬‬
‫حمْدُ‬ ‫الاكم ف جيع ذلك ‪ ،‬كما قال تعال ‪َ ﴿ :‬و ُهوَ اللّ هُ ل إِلَ هَ إِل ُهوَ لَ ُه الْ َ‬
‫حكْ ُم َوإَِليْ هِ تُرْ َجعُو نَ ﴾ ‪ ،‬ولذا قال تعال ها ه نا‬ ‫فِي الولَى وَال ِخ َرةِ وَلَ ُه الْ ُ‬
‫ت َومَا فِي الرْ ضِ ﴾ ‪ ،‬أي ‪ :‬الميع‬ ‫‪ ﴿ :‬الْحَمْدُ ِللّ ِه الّذِي لَ ُه مَا فِي ال سّ َموَا ِ‬
‫ملكَه وعَبيده وتتَ تصَرفه وقهره ‪ ،‬كمَا قال تعال ‪َ ﴿ :‬وإِنّ لَنَا لَل ِخ َرةَ‬
‫حمْدُ فِي الخِ َرةِ ﴾ ‪ ،‬ف هو العبود‬ ‫وَالولَى ﴾ ؛ ث قال عز و جل ‪ ﴿ :‬وَلَ ُه الْ َ‬
‫َ ﴾ ‪ ،‬أي ‪:‬‬ ‫حكِيم ُ‬ ‫أبدًا ‪ ،‬الحمود على طول الدى ‪ .‬وقوله تعال ‪َ ﴿ :‬و ُه َو الْ َ‬
‫خبِيُ ﴾ الذي ل ت فى عل يه خاف ية ‪،‬‬ ‫ف أقواله وأفعاله وشر عه وقدره ‪ ﴿ ،‬الْ َ‬
‫ول يغيب عنه شيء ‪.‬‬
‫قوله عز و جل ‪َ ﴿ :‬وقَالَ اّلذِي نَ َكفَرُوا لَا َتأْتِينَا ال سّا َعةُ ُقلْ بَلَى وَ َربّ ي‬
‫ب لَا َي ْعزُبُ عَ ْنهُ مِ ْثقَا ُل ذَ ّر ٍة فِي السّمَاوَاتِ َولَا فِي اْلأَرْضِ‬
‫لََت ْأتِيَنّ ُكمْ عَاِلمِ اْلغَيْ ِ‬
‫جزِ يَ اّلذِي نَ آمَنُوا‬
‫ب مّبِيٍ (‪ )3‬لِيَ ْ‬
‫ص َغ ُر مِن َذلِ كَ َولَا أَكَْب ُر ِإلّا فِي كِتَا ٍ‬
‫َولَا أَ ْ‬
‫ك لَهُم مّ ْغ ِف َرةٌ وَرِ ْز قٌ َكرِيٌ (‪ )4‬وَالّذِي نَ َس َعوْا فِي‬
‫ت ُأوْلَئِ َ‬
‫وَعَ ِملُوا ال صّالِحَا ِ‬
‫‪607‬‬ ‫توفيق الرحن ف دروس القرآن‬

‫ب مّ ن ّر ْجزٍ َألِي مٌ (‪ )5‬وََيرَى الّذِي َن أُوتُوا‬


‫آيَاتِنَا ُمعَا ِجزِي نَ ُأ ْولَئِ كَ َلهُ مْ َعذَا ٌ‬
‫ط الْ َعزِيزِ‬
‫صـرَا ِ‬
‫ّكـ هُ َو الْحَق ّ َويَ ْهدِي إِلَى ِ‬
‫ْكـ م ِن ّرب َ‬
‫ْمـ اّلذِي أُن ِزلَ ِإلَي َ‬
‫اْلعِل َ‬
‫الْحَمِيدِ (‪. ﴾ )6‬‬
‫قال ابن كثي ‪ :‬هذه إحدى اليات الثلث الت ل رابع ل نّ ‪ ،‬ما أمر ال‬
‫َنَ‬
‫تعال رسَول ال أن يقسَم بربَه العظيَم على وقوع العاد لَمّاَ أنكره م ْ‬
‫أنكره من أهل الكفر والعناد ‪ ،‬فإحداهن ف سورة يونس عليه السلم وهي‬
‫ُمَ‬
‫ّهَ َلحَق ّ وَم َا َأنْت ْ‬ ‫َسَتَْنِبئُونَكَ أَحَق ّ ُهوَ قُلْ إِي َو َربّيَ ِإن ُ‬ ‫قوله تعال ‪َ ﴿ :‬وي ْ‬
‫جزِي نَ ﴾ ‪ ،‬والثان ية هذه ‪ ﴿ :‬وَقَا َل الّذِي نَ َكفَرُوا ل َت ْأتِينَا ال سّا َعةُ قُ ْل بَلَى‬ ‫بِ ُمعْ ِ‬
‫وَ َربّي َلَتأِْتَينّكُمْ ﴾ ‪ ،‬والثالثة ف سورة التغابن وهي قوله تعال ‪َ ﴿ :‬زعَ َم الّذِي نَ‬
‫ك عَلَى اللّهِ‬ ‫َكفَرُوا أَنْ لَ ْن ُيْب َعثُوا قُ ْل بَلَى وَ َربّي َلتُْب َعثُنّ ثُمّ َلتَُنّبؤُنّ بِمَا عَ ِم ْلتُ ْم وَذَلِ َ‬
‫يَ سِيٌ ﴾ ‪ ،‬فقال تعال ‪ُ ﴿ :‬ق ْل بَلَى َو َربّي َلَت ْأتَِيّنكُ مْ ﴾ ث وصفه با يؤكّد ذلك‬
‫ويقرّره ‪ ،‬فقال ‪ ﴿ :‬عَالِ ِم اْلغَيْ بِ ل َيعْزُ بُ عَنْ هُ ِمْثقَالُ َذ ّرةٍ فِي ال سّ َموَاتِ وَل‬
‫ك وَل أَكْبَرُ إِل فِي ِكتَابٍ ُمبِيٍ ﴾ ‪.‬‬ ‫صغَ ُر مِنْ ذَلِ َ‬‫فِي ال ْرضِ وَل أَ ْ‬
‫قال ماهد ‪ ،‬وقتادة ‪ ﴿ :‬ل َيعْزُ ُ‬
‫ب َعنْ هُ ﴾ ‪ :‬ل يغيب عنه ‪ .‬أي ‪ :‬الميع‬
‫متدرّج تتَ علمَه فل يفَى عليَه شيَء ‪ ،‬فالعظام وإن تلشَت وتفرّقَت‬
‫وتزّقت ‪ ،‬فهو عال أين ذهبت وأين تفرقت ‪ ،‬ث يعيدها كما بدأها أول مرة‬
‫فإنه بكل شيء عليم ؛ ث بي حكمته ف إعادة البدان ‪ ،‬وقيام الساعة بقوله‬
‫الزء الثالث‬ ‫‪608‬‬

‫ي الّذِي نَ آ َمنُوا َوعَمِلُوا ال صّالِحَاتِ ُأوْلَئِ كَ لَهُم ّم ْغفِ َرةٌ َورِزْ قٌ‬ ‫تعال ‪ِ ﴿ :‬ليَجْزِ َ‬
‫َك ِريٌ ﴾ ‪.‬‬
‫﴿ وَالّذِي نَ َس َعوْا فِي آيَاِتنَا ُمعَاجِزِي نَ ﴾ ‪ ،‬أي ‪ :‬سعوا ف الصدّ عن سبيل ال‬
‫ب مّن رّجْزٍ أَلِي مٌ ﴾ ‪ ،‬أي ‪ :‬لينعم‬ ‫تعال وتكذيب رسله ‪ُ ﴿ ،‬أوَْلئِ كَ َلهُ ْم عَذَا ٌ‬
‫ال سعداء من الؤمن ي ويعذّب الشقياء من الكافر ين ‪ ،‬ك ما قال عز و جل‬
‫جّنةِ هُ ُم اْلفَائِزُو نَ‬
‫ب الْ َ‬
‫صحَا ُ‬ ‫جّنةِ أَ ْ‬
‫ب الْ َ‬
‫ب النّا ِر َوأَ صْحَا ُ‬‫صحَا ُ‬ ‫سَتوِي أَ ْ‬
‫‪ ﴿ :‬لَا يَ ْ‬
‫سدِينَ فِي‬ ‫جعَ ُل الّذِي نَ آ َمنُوا َوعَمِلُوا ال صّالِحَاتِ كَالْ ُمفْ ِ‬ ‫﴾ وقال تعال ‪ ﴿ :‬أَ ْم نَ ْ‬
‫جعَ ُل الْ ُمّتقِيَ كَاْلفُجّارِ ﴾ ‪.‬‬ ‫اْلأَ ْرضِ َأ ْم نَ ْ‬
‫ك ُهوَ‬ ‫وقوله تعال ‪َ ﴿ :‬ويَرَى الّذِي نَ أُوتُوا اْلعِلْ َم الّذِي أُنزِلَ إَِليْ َ‬
‫ك مِن ّربّ َ‬
‫الْحَقّ ﴾ ‪ ،‬هذه حكمة أخرى معطوفة على الت قبلها ‪ ،‬وهي ‪ :‬أن الؤمني با‬
‫أنزل على الرسَل إذا شاهدوا قيام السَاعة ومازاة البرار والفجار ‪ ،‬بالذي‬
‫كانوا قَد علموه مَن كتَب ال تعال فَ الدنيَا ‪ ،‬رأوه حينئذٍ عيَ اليقيَ‬
‫ُسَلُ َربّنَا بِالْحَقّ ﴾ ‪ ،‬ويقال أيضًا‬ ‫َاءتَ ر ُ‬
‫ويقولون يومئ ٍذ أيضًا ‪َ ﴿ :‬لقَدْ ج ْ‬
‫ق الْمُرْ َسلُونَ ﴾ ‪َ ﴿ ،‬لقَدْ َلِبثْتُ مْ فِي ِكتَا بِ‬ ‫‪ ﴿ :‬هَذَا مَا َوعَدَ الرّ ْحمَ ُن وَ صَ َد َ‬
‫اللّ هِ إِلَى َيوْ ِم اْلبَعْ ثِ َف َهذَا َيوْ ُم الَْبعْ ثِ ﴾ ‪َ ﴿ ،‬ويَرَى الّذِي نَ أُوتُوا الْعِ ْل َم الّذِي‬
‫حمِيدِ ﴾ ‪﴿ ،‬‬ ‫صَرَاطِ اْلعَزِي ِز الْ َ‬
‫ّكَ ُهوَ الْحَقّ َوَيهْدِي إِلَى ِ‬
‫ْكَ مِن ّرب َ‬ ‫أُنزِلَ إَِلي َ‬
‫اْلعَزِيزِ ﴾‬
‫‪609‬‬ ‫توفيق الرحن ف دروس القرآن‬

‫هَو ‪ :‬النيَع الناب الذي ل يغلب ول يانَع ‪ ،‬بَل قَد قهَر كَل شيَء‬
‫وغلبه ‪ ﴿ ،‬الْحَمِيدِ ﴾ ف جيع أقواله وأفعاله وشرعه ‪ ،‬وقدره ‪ ،‬وهو الحمود‬
‫ف ذلك كله ج ّل وعل ‪.‬‬
‫َ ﴾ ‪ ،‬يعنَ ‪:‬‬ ‫وقال البغوي ‪ :‬قوله تعال ‪َ ﴿ :‬ويَرَى الّذِين َ‬
‫َ أُوتُوا اْلعِلْم َ‬
‫مؤمن أهل الكتاب عبد ال بن سلم وأصحابه ‪ .‬وقال قتادة ‪ :‬هم أصحاب‬
‫ك مِن ّربّ كَ ﴾ ‪ ،‬يعن ‪ :‬القرآن ‪ ﴿ ،‬هُ َو الْحَقّ ﴾ ‪،‬‬ ‫ممد ﴿ الّذِي أُنزِلَ إَِليْ َ‬
‫ط اْلعَزِيزِ‬
‫يعن ‪ :‬أنه من عند ال ‪َ ﴿ ،‬وَيهْدِي ﴾ ‪ ،‬يعن ‪ :‬القرآن ‪ ﴿ ،‬إِلَى صِرَا ِ‬
‫حمِي ِد ﴾ وهو ‪ :‬الِسلم ‪.‬‬ ‫الْ َ‬
‫قوله عز وجل ‪ ﴿ :‬وَقَالَ اّلذِينَ َك َفرُوا هَ ْل َن ُدلّ ُكمْ عَلَى َر ُج ٍل يُنَبُّئكُ ْم ِإذَا‬
‫ق ِإّنكُ ْم لَفِي خَلْ قٍ َجدِيدٍ (‪َ )7‬أفْتَرَى عَلَى اللّ هِ َكذِبا أَم بِ هِ‬
‫ُم ّزقْتُ مْ ُك ّل مُ َمزّ ٍ‬
‫َمـ‬
‫َابـ وَالضّلَالِ الَْبعِيدِ (‪َ )8‬أفَل ْ‬
‫ُونـ بِالْآ ِخ َر ِة فِي اْل َعذ ِ‬
‫ِينـ لَا ُي ْؤمِن َ‬
‫جِّنةٌ بَ ِل اّلذ َ‬
‫شأْ نَخْ سِفْ‬
‫ض إِن ّن َ‬
‫َي َروْا ِإلَى مَا بَيْ َن َأيْدِيهِ ْم وَمَا خَ ْلفَهُم مّ نَ ال سّمَا ِء وَاْلأَرْ ِ‬
‫ك لَآَيةً لّ ُكلّ عَ ْبدٍ‬
‫ض َأوْ نُ سْقِطْ عَلَ ْيهِ مْ كِ سَفا مّ َن ال سّمَا ِء إِنّ فِي َذلِ َ‬
‫ِبهِ ُم الْأَرْ َ‬
‫مّنِيبٍ (‪. ﴾ )9‬‬
‫قال ابن كثي ‪ :‬هذا إخبار من ال عز وجل عن استبعاد الكفرة اللحدين‬
‫ِينَ‬
‫قيامَ السَاعة ‪ ،‬واسَتهزائهم بالرسَول فَ إخباره بذلك ‪ ﴿ ،‬وَقَا َل الّذ َ‬ ‫َ‬
‫َكفَرُوا هَ ْل نَدُّلكُ ْم عَلَى رَ ُج ٍل ُينَّبئُكُ مْ إِذَا مُزّ ْقتُ مْ كُ ّل مُمَزّ قٍ ﴾ ‪ ،‬أي ‪ :‬تفرّقت‬
‫أجسادكم ف الرض وذهبت فيها كل مذهب وتزقت كل مزق ﴿ ِإنّكُمْ ﴾‬
‫الزء الثالث‬ ‫‪610‬‬

‫ْقَ جَدِيدٍ ﴾ ‪ ،‬أي ‪ :‬تعودون أحياء ترزقون‬ ‫أي ‪ :‬بعَد هذا الال ﴿ لَف ِي َخل ٍ‬
‫بعد ذلك ‪ ،‬وهو ف هذا الخبار ل يلو أمره من ق سمي ‪ :‬إما أن يكون قد‬
‫تعمّد الفتراء على ال تعال أ نه قد أو حى إل يه ذلك ‪ ،‬أو أ نه ل يتعمّد ل كن‬
‫َلبَ سَ عليه كما يَ ْلبِ سُ على العتوه والجنون ‪ ،‬ولذا قالوا ‪ ﴿ :‬أَ ْفتَرَى عَلَى اللّ هِ‬
‫كَ ِذبًا أَ ْم بِ هِ ِجّنةٌ ﴾ ؟ قال ال عز وجل رادّا عليهم ‪ ﴿ :‬بَ ِل الّذِي َن ل ُي ْؤمِنُو نَ‬
‫بِال ِخ َرةِ فِي اْلعَذَا بِ وَالضّل ِل اْلَبعِيدِ ﴾ ‪ ،‬أي ‪ :‬ل يس ال مر ك ما زعموا ول‬
‫ك ما ذهبوا إل يه ‪ ،‬بل م مد هو ال صادق البارّ الرا شد الذي جاء بال ق ‪،‬‬
‫وهم ‪ :‬الكذبة الهلة الغنياء ‪ ﴿ ،‬فِي اْلعَذَا بِ ﴾ ‪ ،‬أي ‪ :‬الكفر الفضي بم‬
‫إل عذاب ال تعال ‪ ﴿ ،‬وَالضّل ِل اْلبَعِيدِ ﴾ من الق ف الدنيا ‪.‬‬
‫ث قال منبهًا على قدرته ف خلق السماوات والرض فقال تعال ‪ ﴿ :‬أَفََلمْ‬
‫يَ َروْا إِلَى مَا َبيْ نَ َأيْدِيهِ مْ وَمَا خَ ْل َفهُ ْم مِ َن ال سّمَا ِء وَالرْ ضِ ﴾ ‪ ،‬أي ‪ :‬حيث ما‬
‫توجّهوا وذهبوا فالسماء مطلّة عليهم ‪ ،‬والرض تتهم ‪ ،‬كما قال عز وجل ‪:‬‬
‫﴿ وَالسّمَا َء َبَنْينَاهَا ِبأَيْ ٍد َوِإنّا لَمُو ِسعُونَ * وَال ْرضَ َف َر ْشنَاهَا َفِنعْمَ الْمَاهِدُونَ‬
‫﴾ ‪ .‬قال ع بد بن ح يد ‪ :‬أخب نا ع بد الرزاق عن َمعْمَر عن قتادة ‪ ﴿ :‬أَفَلَ مْ‬
‫يَ َروْا إِلَى مَا بَيْ نَ َأيْدِيهِ ْم َومَا خَ ْل َفهُ ْم مِ َن ال سّمَاءِ وَالرْ ضِ ﴾ ‪ ،‬قال ‪ :‬إنك إن‬
‫نظرت عن يي نك أو عن شالك ‪ ،‬أو من ب ي يد يك أو من خل فك ‪ ،‬رأ يت‬
‫السماء والرض ‪.‬‬
‫ط عََلْيهِ مْ كِ سَفا مّ نَ‬
‫سقِ ْ‬ ‫وقوله تعال ‪ ﴿ :‬إِن نّشَ ْأ نَخْ سِ ْ‬
‫ف ِبهِ ُم اْلأَرْ ضَ َأ ْو نُ ْ‬
‫ال سّمَاءِ ﴾ أي ‪ :‬لو شئ نا لفعل نا ب م ذلك لظلم هم وقدرت نا علي هم ‪ ،‬ول كن‬
‫‪611‬‬ ‫توفيق الرحن ف دروس القرآن‬

‫نؤخّر ذلك للم نا وعفو نا ؛ ث قال ‪ ﴿ :‬إِنّ فِي ذَلِ كَ لَآَيةً ّلكُ ّل َعبْ ٍد ّمنِي بٍ‬
‫﴾ قال مع مر عن قتادة ‪ :‬من يب ‪ :‬تائب ‪ .‬وقال سفيان عن قتادة ‪ :‬الن يب ‪:‬‬
‫الق بل إل ال تعال ‪ .‬أي ‪ :‬أن ف الن ظر إل خلق ال سماوات والرض لدللة‬
‫لكَل عبَد فطَن لبيَب رجّاع إل ال ‪ ،‬على قدرة ال على بعَث الجسَاد‬
‫َا‬
‫َماوات ف َ ارتفاعهَ‬ ‫َن قدر على خلق هذه السَ‬ ‫ووقوع العاد ‪ ،‬لن مَ‬
‫واتساعها ‪ ،‬وهذه الرضيي ف انفاضها وأطوالا وأعراضها ‪ ،‬إنه لقادر على‬
‫إعادة الج سام ون شر الرم يم من العظام ‪ ،‬ك ما قال تعال ‪َ ﴿ :‬أوَلَيْ سَ الّذِي‬
‫خلُ َق ِمثَْلهُم بَلَى ﴾ ‪.‬‬
‫ض ِبقَادِ ٍر عَلَى أَ ْن يَ ْ‬
‫ت وَالْأَ ْر َ‬
‫خَلَقَ السّمَاوَا ِ‬
‫س وََلكِنّ‬ ‫وقال تعال ‪َ ﴿ :‬لخَلْ ُق ال سّمَاوَا ِ‬
‫ت وَالْأَرْ ضِ أَكْبَرُ مِ نْ خَ ْل ِق النّا ِ‬
‫أَ ْكثَ َر النّاسِ لَا َيعَْلمُونَ ﴾ ‪.‬‬

‫***‬
‫الزء الثالث‬ ‫‪612‬‬

‫الدرس الرابع والعشرون بعد الائتي‬


‫َهـ‬
‫َهـ وَالطّ ْي َر َوأَلَنّاـ ل ُ‬
‫ل يَا جِبَالُ َأوّبِي َمع ُ‬
‫ضً‬‫﴿ وََل َقدْ آَتيْنَا دَاوُودَ مِنّاـ فَ ْ‬
‫سرْ ِد وَاعْمَلُوا صَالِحا ِإنّي بِمَا‬
‫حدِيدَ (‪ )10‬أَ نِ اعْ َملْ سَاِبغَاتٍ وَ َقدّ ْر فِي ال ّ‬
‫الْ َ‬
‫َتعْمَلُو َن بَصِيٌ (‪َ )11‬وِلسُلَيْمَا َن الرّيحَ ُغ ُد ّوهَا َشهْ ٌر وَ َروَا ُحهَا َشهْ ٌر َوأَسَلْنَا َلهُ‬
‫غ مِ ْنهُ مْ عَ نْ‬
‫عَيْ َن الْقِ ْط ِر َومِ نَ الْجِنّ مَن يَعْ َم ُل بَيْ نَ َي َديْ هِ ِبِإذْ نِ َربّ هِ وَمَن َيزِ ْ‬
‫سعِيِ (‪َ )12‬يعْمَلُو نَ لَ هُ مَا َيشَا ُء مِن مّحَارِي بَ‬
‫َأ ْمرِنَا ُن ِذقْ هُ مِ نْ َعذَا بِ ال ّ‬
‫جوَا بِ َو ُقدُورٍ رّا سِيَاتٍ اعْمَلُوا آ َل دَاوُودَ ُشكْرا وَقَلِيلٌ‬
‫َوتَمَاثِي َل َوجِفَا نٍ كَالْ َ‬
‫شكُورُ (‪ )13‬فَلَمّا قَضَيْنَا عَلَيْ ِه الْ َموْ تَ مَا َدّلهُ مْ عَلَى َموْتِ ِه ِإلّا‬
‫مّ نْ عِبَادِ يَ ال ّ‬
‫جنّ أَن ّلوْ كَانُوا َيعْلَمُونَ اْلغَيْ بَ‬
‫ت الْ ِ‬
‫سأََتهُ فَلَمّا َخرّ تَبَيّنَ ِ‬
‫ض َتأْ ُكلُ مِن َ‬
‫دَابّ ُة اْلأَرْ ِ‬
‫سكَنِ ِهمْ آَيةٌ جَنّتَا نِ‬
‫ب الْ ُمهِيِ (‪َ )14‬ل َقدْ كَا َن لِ سََبٍإ فِي مَ ْ‬
‫مَا لَبِثُوا فِي اْلعَذَا ِ‬
‫عَن يَمِيٍ َوشِمَالٍ كُلُوا مِن رّزْ قِ َربّكُ مْ وَا ْش ُكرُوا لَ هُ بَ ْل َدةٌ طَيَّب ٌة وَ َربّ َغفُورٌ‬
‫(‪َ )15‬فأَ ْعرَضُوا َفأَرْسَلْنَا عَلَ ْيهِمْ سَ ْيلَ اْل َعرِ ِم َوبَ ّدلْنَاهُم بِجَنَّت ْيهِمْ جَنّتَيْ ِن ذَوَاتَى‬
‫ك جَ َزيْنَاهُم بِمَا َك َفرُوا‬
‫ط َوَأثْ ٍل َوشَيْ ٍء مّ ن سِدْ ٍر قَلِيلٍ (‪َ )16‬ذلِ َ‬
‫أُ ُك ٍل خَمْ ٍ‬
‫َو َهلْ نُجَازِي ِإلّا اْلكَفُورَ (‪َ )17‬وجَعَلْنَا بَيَْنهُ مْ َوبَيْ نَ اْل ُقرَى الّتِي بَارَكْنَا فِيهَا‬
‫ُقرًى ظَا ِه َرةً َو َقدّرْنَا فِيهَا ال سّ ْيرَ سِيُوا فِيهَا لَيَالِ يَ َوَأيّاما آمِِنيَ (‪َ )18‬فقَالُوا‬
‫ث وَ َم ّزقْنَاهُ مْ ُكلّ‬
‫جعَلْنَاهُ مْ أَحَادِي َ‬
‫سهُ ْم فَ َ‬
‫َربّنَا بَا ِع ْد بَيْ َن أَ ْسفَا ِرنَا وَ َظلَمُوا أَنفُ َ‬
‫ت ّلكُلّ صَبّا ٍر َشكُورٍ (‪. ﴾ )19‬‬
‫ك لَآيَا ٍ‬
‫ق إِ ّن فِي َذلِ َ‬
‫مُ َمزّ ٍ‬
‫‪613‬‬ ‫توفيق الرحن ف دروس القرآن‬

‫َهـ‬
‫ل يَا جِبَا ُل َأوّبِي َمع ُ‬
‫ضً‬‫قوله عـز وجـل ‪ ﴿ :‬وََل َقدْ آَتيْنَا دَاوُو َد مِنّاـ فَ ْ‬
‫س ْردِ وَاعْمَلُوا‬
‫ت َو َقدّرْ فِي ال ّ‬
‫حدِيدَ (‪ )10‬أَ نِ اعْ َملْ سَابِغَا ٍ‬
‫وَالطّ ْيرَ َوَألَنّا لَ هُ الْ َ‬
‫صَالِحا ِإنّي بِمَا َتعْمَلُونَ بَصِيٌ (‪. ﴾ )11‬‬
‫عن ابن عباس قوله ‪ ﴿ :‬يَا ِجبَالُ َأ ّوبِي َمعَهُ ﴾ ‪ ،‬يقول ‪ :‬سبّحي معه ‪.‬‬
‫قال ابن كثي ‪ :‬التأويب ف اللغة هو ‪ :‬الترجيع ‪ ،‬فأمرت البال والطي أن‬
‫ترجّع معه بأصواتا ‪ .‬وعن قتادة ‪َ ﴿ :‬وأََلنّا لَ ُه الْحَدِيدَ ﴾ ‪ ،‬يسخّر له الديد‬
‫بغي نار ‪ ﴿ ،‬أَ نِ اعْمَلْ سَاِبغَاتٍ ﴾ دروع ‪ ،‬وكان أول من صنعها داود ‪ ،‬إنا‬
‫كان قبل ذلك صفائح ‪ ﴿ .‬وَقَدّرْ فِي ال سّرْدِ ﴾ ‪ ،‬قال ‪ :‬كان يعلها بغي نار‬
‫ول يقرعها بديد ث يسردها ‪ .‬والسرد ‪ :‬السامي الت ف الِلَ قِ ‪ .‬وعن ماهد‬
‫فَ قوله ‪ ﴿ :‬وَقَدّرْ فِي السَّرْدِ ﴾ ‪ ،‬قال ‪ :‬ل تصَغر السَمار وتعظَم اللقَة‬
‫فتسلس ‪ ،‬ول تعظم السمار وتصغر اللقة فيفصم السمار ‪.‬‬
‫قوله عز وجل ‪ ﴿ :‬وَلِسُلَيْمَا َن الرّيحَ ُغدُ ّوهَا َش ْهرٌ وَ َروَا ُحهَا َش ْهرٌ َوأَسَلْنَا‬
‫غ مِ ْنهُ مْ عَ نْ‬
‫جنّ مَن يَعْ َم ُل بَيْ نَ َي َديْ هِ ِبِإذْ نِ َربّ هِ َومَن َيزِ ْ‬
‫لَ هُ َعيْ َن الْقِ ْط ِر َومِ نَ الْ ِ‬
‫سعِيِ (‪َ )12‬يعْمَلُو نَ لَ هُ مَا َيشَا ُء مِن مّحَارِي بَ‬
‫َأ ْمرِنَا ُن ِذقْ هُ مِ نْ َعذَا بِ ال ّ‬
‫جوَا بِ َو ُقدُورٍ رّا سِيَاتٍ اعْمَلُوا آ َل دَاوُودَ ُشكْرا وَقَلِيلٌ‬
‫َوتَمَاثِي َل َوجِفَا نٍ كَالْ َ‬
‫شكُورُ (‪. ﴾ )13‬‬
‫ّمنْ عِبَادِيَ ال ّ‬
‫قال ابن زيد ف قوله ‪ ﴿ :‬وَلِسَُليْمَانَ الرّيحَ غُ ُدوّهَا َشهْ ٌر وَ َروَا ُحهَا َشهْرٌ ﴾‬
‫قال ‪ :‬كان له مركب من خشب ‪ ،‬وكان فيه ألف ركن ‪ ،‬ف كل ركن ألف‬
‫الزء الثالث‬ ‫‪614‬‬

‫ب يت تر كب ف يه ال ّن والِ نس ‪ ،‬ت ت كل ر كن ألف شيطان يرفعون ذلك‬


‫الر كب هم والع صار ‪ ،‬فإذا ارت فع أ تت الر يح الرخاء ف سارت به و ساروا‬
‫معه ؛ يَقيل عند قوم بينه وبينهم شهر ‪ ،‬ويسي عند قوم بينه وبينهم شهر ‪،‬‬
‫ول يدري القوم إل وقَد أظلّهَم معَه اليوش والنود ‪ .‬وقال السَن ‪ :‬كان‬
‫يغدو فيَقيل ف إصطخر ‪ ،‬ث يروح منها فيكون رَواحها بكابل ‪.‬‬
‫وعن ابن عباس قوله ‪َ ﴿ :‬وأَ سَ ْلنَا لَ ُه َعيْ َن اْلقِطْرِ ﴾ ‪ ،‬يعن ‪ :‬عي النحاس‬
‫أُسليت ‪ .‬وقال قتادة ‪ :‬كانت بأرض اليمن ‪.‬‬
‫وقوله تعال ‪َ ﴿ :‬ومِ َن الْجِنّ مَن َيعْمَلُ بَيْ َن يَ َديْ ِه بِإِذْ نِ َربّ ِه َومَن يَزِ ْ‬
‫غ ِمنْهُ مْ‬
‫َنَ َأمْرِن َا ﴾ ‪ ،‬قال قتادة ‪ :‬أي ‪ :‬يعدل منهَم عَن أمرنَا ‪ ،‬عمَا أمره بَه‬ ‫ع ْ‬
‫سليمان ‪ ﴿ ،‬نُذِقْ هُ مِ ْن عَذَا بِ ال سّعِيِ ﴾ ‪ ،‬وقيل ‪ :‬إن ال عز وجل وك ّل بم‬
‫ملكًا بيده سوط من نار ‪ ،‬ف من زاغ من هم عن أ مر سليمان ضر به ضر بة‬
‫أحرقته ‪ .‬قال السن ‪ :‬ال نّ ‪ :‬ولد إبليس ‪ ،‬والنس ‪ :‬ولد آدم ‪ ،‬ومن هؤلء‬
‫مؤمنون ‪ ،‬و من هؤلء مؤمنون ‪ ،‬و هم شركاؤ هم ف الثواب والعقاب ‪ ،‬و من‬
‫كان مَن هؤلء وهؤلء مؤمن ًا فهَو ول ّ ال تعال ‪ ،‬ومَن كان مَن هؤلء‬
‫وهؤلء كافرًا فهو شيطان ‪.‬‬
‫وعن ماهد ف قوله ‪َ ﴿ :‬يعْمَلُو نَ لَ ُه مَا يَشَاءُ مِن مّحَارِي بَ ﴾ قال ‪ :‬بنيان‬
‫جوَا بِ ﴾ ‪،‬‬
‫دون القصور ‪َ ﴿ ،‬وتَمَاثِيلَ ﴾ ‪ ،‬قال ‪ :‬من ناس ‪ ﴿ ،‬وَ ِجفَا نٍ كَالْ َ‬
‫ّاسَيَاتٍ ﴾ ‪ ،‬قال قتادة ‪ :‬عظام ثابتات‬ ‫قال السَن ‪ :‬كالياض ‪ ﴿ .‬وَقُدُورٍ ر ِ‬
‫ف الرض ل يزُلن عن أمكنتهنّ ‪.‬‬
‫‪615‬‬ ‫توفيق الرحن ف دروس القرآن‬

‫وقال البغوي ‪َ ﴿ :‬يعْمَلُو نَ لَ ُه مَا يَشَاءُ مِن مّحَارِي بَ ﴾ أي ‪ :‬ال ساجد‬


‫والبن ية الرتف عة ‪َ ﴿ ،‬وتَمَاثِيلَ ﴾ ‪ ،‬أي ‪ :‬صورًا من ناس و صفر ‪ ،‬وش به ‪،‬‬
‫وزجاج ‪ ،‬ورخام ‪ ،‬قال ‪ :‬ولعلّها كانت مباحة ف شريعتهم ‪ ،‬كما أن عيسى‬
‫كان يتّ خذ صورًا من الط ي فين فخ في ها فتكون طيًا بإذن ال ‪َ ﴿ ،‬و ِجفَا نٍ‬
‫جوَا بِ ﴾ ‪ :‬كالياض الت يب‬ ‫﴾ ‪ ،‬أي ‪ :‬قصاع ‪ ،‬واحدتا ‪ :‬جفنة ‪ ﴿ ،‬كَاْل َ‬
‫َاسََاتٍ ﴾ ‪ ،‬ثابتات لاَ قوائم ل‬
‫فيهَا الاء ‪ ،‬واحدتاَ ‪ :‬جابيَة ‪ ﴿ ،‬وَقُدُورٍ ر ِي‬
‫تركَن عَن أماكنهَا لعظمهنَّ ‪ ،‬ول يزلن ول يقلعَن ‪ ،‬وكان يصَعد عليهَا‬
‫َا ‪ :‬اعملوا آل داود‬ ‫َلليم ‪ ﴿ .‬اعْمَلُوا آلَ دَاوُ َد ُشكْرًا ﴾ ‪ ،‬أي ‪ :‬وقلنَ‬ ‫بالسَ‬
‫شكرًا ‪ .‬مازه ‪ :‬اعملوا يا آل داود بطاعة ال ‪ ،‬شكرًا ل على نعمه ‪.‬‬
‫شكُورُ ﴾ ‪ ،‬أي ‪ :‬العا مل بطاع ت شكرًا لنعم ت ‪.‬‬ ‫﴿ وَقَلِي ٌل مِ ْن ِعبَادِ يَ ال ّ‬
‫انتهى ملخصًا ‪.‬‬
‫ت مَا َدّلهُمْ عَلَى َموْتِ ِه ِإلّا دَاّبةُ‬
‫قوله عز وجل ‪ ﴿ :‬فَلَمّا قَضَيْنَا عَلَيْ ِه الْ َموْ َ‬
‫ب مَا‬
‫جنّ أَن ّلوْ كَانُوا َيعْلَمُو نَ اْلغَيْ َ‬
‫ت الْ ِ‬
‫سأََت ُه فَلَمّا َخرّ تَبَيَّن ِ‬
‫ض َتأْ ُكلُ مِن َ‬
‫اْلأَرْ ِ‬
‫لَبِثُوا فِي الْ َعذَابِ الْ ُم ِهيِ (‪. ﴾ )14‬‬
‫سَأتَهُ ﴾ ‪ ،‬يقول ‪ :‬الرض‬
‫عن ابن عباس قوله ‪ ﴿ :‬إِلّا دَاّب ُة الْأَرْضِ َتأْكُ ُل مِن َ‬
‫تأ كل ع صاه ‪ .‬وقال قتادة ‪ :‬كا نت ال ن تبّر الِ نس أن م كانوا يعلمون من‬
‫الغيب أشياء ‪ ،‬وأنم يعلمون ما ف غد ‪ ،‬فابتُلوا بوت سليمان ‪ ،‬فمات فلبث‬
‫الزء الثالث‬ ‫‪616‬‬

‫سنة على عصاه وهم ل يشعرون بوته ‪ ،‬وهم مسخّرون تلك السنة يعملون‬
‫دائبي ‪.‬‬
‫قوله عز و جل ‪َ ﴿ :‬لقَدْ كَا َن لِ سََبإٍ فِي مَ سْكَِن ِهمْ آَي ٌة جَنّتَا نِ عَن يَمِيٍ‬
‫َوشِمَالٍ كُلُوا مِن رّزْقِـ َرّبكُم ْـ وَا ْشكُرُوا لَهُـبَ ْلدَةٌ َطيَّبةٌ وَرَبّ َغفُورٌ (‪)15‬‬
‫َفأَ ْعرَضُوا َفأَرْ سَلْنَا عَلَ ْيهِ مْ سَ ْيلَ اْل َعرِ ِم َوبَ ّدلْنَاهُم بِجَنَّت ْيهِ مْ جَنّتَيْ ِن ذَوَاتَى أُ ُكلٍ‬
‫ك جَ َزيْنَاهُم بِمَا َك َفرُوا َو َهلْ‬
‫ط وََأْثلٍ َوشَيْ ٍء مّ ن ِسدْرٍ قَلِيلٍ (‪َ )16‬ذلِ َ‬
‫خَ ْم ٍ‬
‫نُجَازِي ِإلّا اْلكَفُورَ (‪. ﴾ )17‬‬
‫عن ا بن عباس قال ‪ :‬إن رجل ي سأل ر سول ال عن سبأ ‪ ،‬ما هو‬
‫أرجل ‪ ،‬أم امرأة ‪ ،‬أم أرض ؟ قال ‪ « :‬بل هو رجل ولد له عشرة ‪ ،‬فسكن‬
‫اليمن منهم ستة ‪ ،‬والشام منهم أربعة ‪ .‬فأما اليمانيون ‪ :‬فمذحج ‪ ،‬وكندة ‪،‬‬
‫والزد ‪ ،‬والشعريون ‪ ،‬وأنار ‪ ،‬وحِمْيَر ‪ .‬وأمَا الشاميَة ‪ :‬فلخَم ‪ ،‬وجذام ‪،‬‬
‫وعاملة ‪ ،‬وغسان » ‪ .‬رواه أحد وغيه ‪.‬‬
‫س َكنِهِ ْم آَيةٌ َجّنتَا نِ عَن يَ ِميٍ‬ ‫وقال قتادة ف قوله ‪َ ﴿ :‬لقَدْ كَا نَ لِ َ‬
‫سبَإٍ فِي مَ ْ‬
‫َوشِمَالٍ ﴾ ‪ ،‬قال ‪ :‬كانَت جنتان بيَ جبليَ ‪ ،‬فكانَت الرأة ترج مكتلهَا‬
‫على رأسها فتمشي بي جبلي فيمتلئ مكتلها وما م سّت يدها ‪ ،‬فلما طغوا‬
‫بعث ال عليهم دابة يقال لا ‪ :‬جرذ ‪ ،‬فنقبت عليهم ففرّقتهم فما بقي لم إل‬
‫أثل وشيء من سدر قليل ‪ .‬وقال الغية بن حكيم ‪ :‬لا ملكت بلقيس جعل‬
‫قومهَا يقتتلون على ماء واديهَم ‪ ،‬قال ‪ :‬فجعلت تنهاهَم فل يطيعوناَ ‪،‬‬
‫‪617‬‬ ‫توفيق الرحن ف دروس القرآن‬

‫فتركت ملكها وانطلقت إل قصر لا وتركتهم ‪ ،‬فلما كثر الشر بينهم وندموا‬
‫لترجعنَ أو‬
‫ّ‬ ‫أتوهَا ‪ ،‬فأرادوهَا على أن ترجَع إل ملكهَا فأبَت ‪ ،‬فقالوا ‪:‬‬
‫لنقتلنك ‪ ،‬فقالت ‪ :‬إنكم ل تطيعونن ‪ ،‬وليست لكم عقول ‪ ،‬ول تطيعون ‪،‬‬
‫قالوا ‪ :‬فإنا نطيعك ‪ ،‬وإنا ل ند فينا خيًا بعدك ‪ ،‬فجاءت قال ‪ :‬فسدّت ما‬
‫بي البلي فحبست الاء من وراء السد ‪ ،‬وجعلت له أبوابًا بعضها فوق بعض‬
‫وب نت من دو نه بر كة ضخ مة ‪ ،‬فجعلت في ها اث ن ع شر مرجًا على عدّة‬
‫أنارهَم ‪ ،‬فلمَا جاء الطَر احتبَس السَيل مَن وراء السَد ‪ ،‬فأمرت بالباب‬
‫العلى ففُتح فجرى ماؤه ف البكة ‪ ،‬وأمرت بالبعر فألقي فيها فجعل بعض‬
‫البعر يرج أسرع من بعض ‪ ،‬فلم تزل تضيق تلك النار ‪ ،‬وترسل البعر ف‬
‫الاء حت خرج جيعًا معًا ‪ ،‬فكانت تقسمه بينهم على ذلك ‪ ،‬حت كان من‬
‫شأن سليمان وشأنا ما كان ‪.‬‬
‫وقال البغوي ‪ :‬والعرم ‪ -‬جع عرمة ‪ -‬وهي ‪ :‬السكر الذي يبس به الاء‬
‫‪ .‬قال قتادة ‪ :‬ل ا ترك القوم أ مر ال ب عث ال علي هم جرذًا ي سمى ‪ ( :‬اللد )‬
‫فنقبه من أسفله حت غرّق به جنتيهم ‪ ،‬وخرب به أرضهم عقوبة بأعمالم ‪.‬‬
‫وقال ا بن عباس ‪ :‬أبدل م ال مكان جنت هم ﴿ َجّنَتيْ نِ َذوَاتَى أُكُلٍ خَ ْم طٍ ﴾ ‪،‬‬
‫والمط ‪ :‬الراك ‪ .‬قال قتادة ‪ :‬وأكله بريرة ‪.‬‬
‫وقوله تعال ‪ ﴿ :‬ذَلِ كَ جَ َزْينَاهُم بِمَا َكفَرُوا َوهَلْ ُنجَازِي إِلّا الْ َكفُورَ ﴾ ؟‬
‫قال مقاتل ‪ :‬هل يكافأ بعمله السيّئ إل الكفور ل ف نعمه ؟‬
‫الزء الثالث‬ ‫‪618‬‬

‫قال ابن كثي ‪ :‬وقوله ‪َ ﴿ :‬و َشيْءٍ مِ نْ ِسدْرٍ قَلِيلٍ ﴾ ‪ ،‬لا كان أجو َد هذه‬
‫الشجار البدل با هو ال سّدْر قال ‪َ ﴿ :‬وشَيْ ٍء مِ نْ سِدْرٍ َقلِيلٍ ﴾ ‪ ،‬فهذا الذي‬
‫صار أمر تينك النتي إليه ‪ ،‬بعد الثمار النضيجة ‪ ،‬والناظر السنة ‪ ،‬والظلل‬
‫العميقة ‪ ،‬والنار الارية ‪ ،‬تبدّلت إل شجر الراك ‪ ،‬والطرفاء ‪ ،‬والسّدْر ذي‬
‫الشوك الكثيَ ‪ ،‬والثمَر القليَل ‪ ،‬وذلك بسَبب كفرهَم وشركهَم بال ‪،‬‬
‫ِكَ‬
‫وتكذيبهَم القَ وعدولمَ عنَه إل الباطَل ‪ ،‬ولذا قال تعال ‪ ﴿ :‬ذَل َ‬
‫جَ َزْينَاهُمْ بِمَا َكفَرُوا َوهَ ْل نُجَازِي إِل اْل َكفُورَ ﴾ ‪.‬‬
‫قوله عز و جل ‪ ﴿ :‬وَ َجعَلْنَا بَيَْنهُ ْم َوبَيْ َن الْ ُقرَى الّتِي بَارَكْنَا فِيهَا ُقرًى‬
‫ظَا ِه َر ًة وَ َقدّ ْرنَا فِيهَا ال سّ ْيرَ سِيُوا فِيهَا لَيَالِ َي وََأيّاما آمِنِيَ (‪َ )18‬فقَالُوا َربّنَا‬
‫جعَلْنَاهُمْ َأحَادِيثَ َو َم ّزقْنَاهُمْ ُك ّل مُ َمزّقٍ‬
‫سهُ ْم فَ َ‬
‫بَا ِع ْد بَيْ َن أَ ْسفَا ِرنَا وَظَ َلمُوا أَنفُ َ‬
‫ت لّ ُكلّ صَبّا ٍر َشكُورٍ (‪. ﴾ )19‬‬
‫إِ ّن فِي َذِلكَ لَآيَا ٍ‬
‫عن ما هد ‪ ﴿ :‬اْلقُرَى الّتِي بَارَكْنَا فِيهَا ﴾ ‪ ،‬قال ‪ :‬الشام ‪ .‬وقال ال سن‬
‫ف قوله ‪ ﴿ :‬وَ َجعَ ْلنَا َبْيَنهُ ْم َوَبيْ َن اْلقُرَى اّلتِي بَارَ ْكنَا فِيهَا قُرًى ظَاهِ َرةً ﴾ ‪ ،‬قال‬
‫‪ :‬قرى متواصلة ؛ كان أحدهم يغدو فيَقيل ف قرية ‪ ،‬ويروح فيأوي إل قرية‬
‫أخرى ‪ .‬وعن ماهد قوله ‪ ﴿ :‬قُرًى ظَاهِ َرةً ﴾ ‪ ،‬قال ‪ :‬السروات ‪.‬‬
‫وقوله تعال ‪ ﴿ :‬وَقَدّ ْرنَا فِيهَا ال ّ‬
‫سيْرَ ﴾ ‪.‬‬
‫قال البغوي ‪ :‬أي ‪ :‬قدّر نا م سيهم ف الغدوّ والرواح على قدر ن صف يوم ‪،‬‬
‫فإذا ساروا ن صف يوم و صلوا إل قر ية ذات مياه وأشجار ‪ ﴿ ،‬سِيُوا فِيهَا‬
‫‪619‬‬ ‫توفيق الرحن ف دروس القرآن‬

‫ِيَ َوَأيّاما آ ِمنِيَ ﴾ ‪ ،‬قال قتادة ‪ :‬ل يالفون ظلمًا ول جوعًا ‪َ ﴿ ،‬فقَالُوا‬ ‫َليَال َ‬
‫ُسَهُمْ ﴾ ‪ ،‬قال ابَن عباس ‪ :‬فإنمَ بطروا‬ ‫َسَفَا ِرنَا َوظَلَمُوا أَنف َ‬
‫ْنَ أ ْ‬
‫َربّنَا بَاعِ ْد َبي َ‬
‫عيش هم وقالوا ‪ :‬لو كان ج ن جنات نا أب عد م ا هي ‪ ،‬كان أجدر أن نشته يه ‪،‬‬
‫ط َوأَثْلٍ‬‫فمُزّقوا بي الشام ‪ ،‬وسبأ ‪ .‬وبُدّلوا بنتيهم ‪َ ﴿ :‬جّنتَيْنِ َذوَاتَى أُكُلٍ خَمْ ٍ‬
‫جعَ ْلنَاهُ مْ َأحَادِي ثَ َو َمزّ ْقنَاهُ مْ كُلّ‬
‫َو َشيْءٍ مّ ن سِدْرٍ قَلِيلٍ ﴾ ‪ .‬عن قتادة ‪َ ﴿ :‬ف َ‬
‫مُ َمزّ قٍ ﴾ ‪ ،‬قال ‪ :‬قال عا مر الش عب ‪ :‬أ ما غ سان ‪ :‬ف قد لقوا بالشام ‪ ،‬وأ ما‬
‫النصَار ‪ :‬فلحقوا بيثرب ‪ ،‬وأمَا خزاعَة ‪ :‬فلحقوا بتهامَة ‪ ،‬وأمَا الزد ‪:‬‬
‫فلحقوا بعمان فمزّقهم ال كل مزّق ؛ وقال العشي ميمون بن قيس ‪:‬‬
‫ومأرب عفََا عليهََا العرم‬ ‫وفََ ذاك للمؤتََ أسََوة‬
‫(‬ ‫(‬

‫إذا مََا نأى ماؤهََم ل يرم‬ ‫ََ ِح ْميَرٌ‬


‫ََُ لمَ‬
‫رخام َبنَتْهَ‬
‫(‬ ‫(‬

‫َم‬
‫َم إذ قسَ‬
‫َعة ماؤهَ‬
‫على سَ‬ ‫فأروى الزروع وأعناباَََ‬
‫(‬ ‫(‬

‫ن منَه على شرب طفَل فطَم‬ ‫صََاروا أيادي مََا يقدرو‬


‫(‬ ‫(‬

‫و عن قتادة قوله ‪ ﴿ :‬إِنّ فِي ذَلِ كَ لَآيَا تٍ ّلكُلّ َ‬


‫صبّا ٍر َشكُورٍ ﴾ ‪ ،‬كان‬
‫مطرف يقول ‪ِ :‬نعْ َم العبد الصبّار الشكور ‪ ،‬الذي إذا أعطي شكر ‪ ،‬وإذا ابتلي‬
‫صب ‪ .‬وف الصحيحي عن النب ‪ « :‬عجبًا للمؤمن ‪ ،‬ل يقضي ال تعال له‬
‫قضاء إلّ كان خيًا له ‪ ،‬إن أ صابته سرّاء ش كر فكان خيًا له ‪ ،‬وإن أ صابته‬
‫ضرّاء صب فكان خيًا له ‪ ،‬وليس ذلك لحد إلّ للمؤمن » ‪.‬‬
‫***‬
‫الزء الثالث‬ ‫‪620‬‬

‫الدرس الامس والعشرون بعد الائتي‬

‫صدّقَ عَلَ ْيهِ ْم ِإبْلِي سُ ظَنّ ُه فَاتَّبعُو ُه ِإلّا َفرِيقا مّ نَ الْ ُم ْؤمِنِيَ (‪)20‬‬
‫﴿ وََل َقدْ َ‬
‫َومَا كَا َن لَهُ عَلَ ْيهِم مّن سُلْطَا ٍن ِإلّا لَِنعْلَ َم مَن يُ ْؤمِ ُن بِالْآخِ َر ِة مِمّ ْن ُهوَ مِ ْنهَا فِي‬
‫َشكّ وَ َربّ كَ عَلَى ُك ّل َشيْ ٍء حَفِي ظٌ (‪ُ )21‬قلِ ادْعُوا اّلذِي نَ زَ َعمْتُم مّن دُو نِ‬
‫ض َومَا َلهُمْ فِيهِمَا مِن‬
‫اللّ ِه لَا يَمْ ِلكُو َن مِ ْثقَا َل ذَ ّر ٍة فِي السّمَاوَاتِ َولَا فِي الْأَرْ ِ‬
‫ِشرْ ٍك َومَا لَ هُ مِ ْنهُم مّن َظهِيٍ (‪َ )22‬ولَا تَنفَ ُع الشّفَا َعةُ عِندَ ُه ِإلّا لِمَ ْن َأذِ نَ لَ هُ‬
‫ُمـ قَالُوا الْحَقّ وَ ُهوَ اْلعَلِيّ‬
‫ِمـ قَالُوا مَاذَا قَالَ َربّك ْ‬
‫ّعـ عَن قُلُوِبه ْ‬
‫حَتّىـ ِإذَا ُفز َ‬
‫ض ُق ِل اللّهُ َوِإنّا َأوْ ِإيّاكُمْ‬
‫اْلكَبِيُ (‪ُ )23‬ق ْل مَن َيرْ ُز ُقكُم مّنَ السّمَاوَاتِ وَالْأَرْ ِ‬
‫سأَلُ‬
‫ضلَا ٍل مّبِيٍ (‪ )24‬قُل لّا تُ سَْألُونَ عَمّا أَ ْج َرمْنَا َولَا نُ ْ‬
‫َلعَلَى ُهدًى َأ ْو فِي َ‬
‫ح بَيْنَنَا بِالْحَقّ َو ُهوَ اْلفَتّا حُ‬
‫جمَ ُع بَيْنَنَا َربّنَا ثُمّ َيفْتَ ُ‬
‫عَمّ ا َتعْمَلُو نَ (‪ُ )25‬قلْ يَ ْ‬
‫حقْتُم بِهِـ شُرَكَاء كَلّا َب ْل هُ َو اللّهُـ اْلعَزِيزُ‬
‫اْلعَلِيمُـ (‪ُ )26‬ق ْل أَرُونِي اّلذِينَـَألْ َ‬
‫ّاسـ َبشِيا َوَنذِيرا َولَكِن ّ أَكَْثرَ‬
‫ْسـلْنَا َك ِإلّا كَا ّف ًة لّلن ِ‬
‫ِيمـ (‪ )27‬وَم َا أَر َ‬
‫حك ُ‬ ‫الْ َ‬
‫س لَا َيعْلَمُو نَ (‪ )28‬وََيقُولُو َن مَتَى َهذَا الْوَ ْع ُد إِن كُنتُ مْ صَا ِدقِيَ (‪)29‬‬
‫النّا ِ‬
‫قُل لّكُم مّيعَا ُد يَوْ ٍم لّا تَ سَْتأْ ِخرُونَ َعنْ هُ سَا َعةً وَلَا تَ سَْتقْ ِدمُونَ (‪َ )30‬وقَالَ‬
‫ـ وََلوْ تَرَى ِإذِ‬
‫ـ َي َديْه ِ‬
‫ْآنـ وَلَا بِاّلذِي بَيْن َ‬
‫ـ ِبهَذَا الْ ُقر ِ‬
‫ـ َك َفرُوا لَن نّ ْؤمِن َ‬
‫اّلذِين َ‬
‫ضهُ ْم ِإلَى بَعْ ضٍ اْل َقوْ َل َيقُولُ اّلذِي نَ‬
‫الظّالِمُو َن مَ ْوقُوفُو نَ عِندَ َرّبهِ مْ َي ْرجِ ُع َبعْ ُ‬
‫ِينـ‬
‫ُمـ َلكُنّاـ ُم ْؤمِنِي َ (‪ )31‬قَالَ اّلذ َ‬
‫اسـَتكَْبرُوا لَ ْولَا أَنت ْ‬
‫ِينـ ْ‬
‫ض ِعفُوا لِ ّلذ َ‬
‫اسـتُ ْ‬
‫ْ‬
‫ص َد ْدنَا ُكمْ عَ ِن الْ ُهدَى بَ ْع َد ِإذْ جَاءكُم َبلْ‬
‫ضعِفُوا َأنَحْ نُ َ‬
‫ا سْتَكَْبرُوا لِ ّلذِي َن ا سْتُ ْ‬
‫‪621‬‬ ‫توفيق الرحن ف دروس القرآن‬

‫ضعِفُوا لِ ّلذِينَ اسْتَكَْبرُوا َب ْل مَ ْكرُ اللّ ْيلِ‬


‫ج ِرمِيَ (‪َ )32‬وقَا َل الّذِينَ اسْتُ ْ‬
‫كُنتُم مّ ْ‬
‫ج َع َل لَ ُه أَندَادا َوأَسَرّوا الّندَا َمةَ لَمّا َرَأوُا‬
‫وَالنّهَا ِر ِإذْ َت ْأ ُمرُونَنَا أَن نّ ْك ُفرَ بِاللّ ِه وَنَ ْ‬
‫ج َزوْ نَ إِلّا مَا كَانُوا‬
‫ق اّلذِي نَ َك َفرُوا َهلْ يُ ْ‬
‫ب وَ َجعَلْنَا الْأَغْلَالَ فِي أَعْنَا ِ‬
‫اْلعَذَا َ‬
‫َيعْمَلُونَ (‪ )33‬وَمَا أَرْسَلْنَا فِي َقرَْي ٍة مّن ّنذِيرٍ إِلّا قَا َل مُ ْترَفُوهَا ِإنّا بِمَا أُرْسِلْتُم‬
‫بِهِ كَا ِفرُونَ (‪َ )34‬وقَالُوا نَحْ ُن أَكَْث ُر َأمْوَا ًل َوأَ ْولَادا وَمَا نَحْ ُن بِ ُمعَ ّذبِيَ (‪)35‬‬
‫س لَا َيعْلَمُو نَ (‬
‫ق لِمَن َيشَاءُ وََي ْقدِرُ َوَلكِنّ أَكَْث َر النّا ِ‬
‫ط الرّزْ َ‬
‫ُق ْل إِنّ َربّي يَبْ سُ ُ‬
‫‪ )36‬وَمَا َأ ْموَالُكُ ْم وَلَا أَ ْولَادُكُم بِالّتِي تُ َق ّربُكُ مْ عِندَنَا ُزلْفَى ِإلّا مَ نْ آمَ نَ‬
‫ضعْ فِ بِمَا عَمِلُوا وَهُ ْم فِي الْ ُغ ُرفَا تِ‬
‫وَعَ ِملَ صَالِحا َفأُ ْولَئِ كَ َلهُ مْ َجزَاء ال ّ‬
‫َابـ‬
‫ِكـ فِي اْل َعذ ِ‬
‫ِينـ أُ ْولَئ َ‬
‫َسـَعوْ َن فِي آيَاتِنَا ُمعَا ِجز َ‬
‫ِينـ ي ْ‬
‫ُونـ (‪ )37‬وَاّلذ َ‬
‫آمِن َ‬
‫ق لِمَن َيشَا ُء مِ نْ عِبَادِ هِ َوَيقْدِ ُر لَ هُ‬
‫ط الرّزْ َ‬
‫ضرُو نَ (‪ُ )38‬ق ْل إِنّ َربّي يَبْ سُ ُ‬
‫مُحْ َ‬
‫ش ُرهُ مْ‬
‫حُ‬‫خ ِلفُ هُ َو ُهوَ خَ ْي ُر الرّا ِزقِيَ (‪َ )39‬وَيوْ َم يَ ْ‬
‫وَمَا أَن َفقْتُم مّ ن شَيْ ٍء َف ُهوَ يُ ْ‬
‫جَمِيعا ثُمّ َيقُولُ لِ ْلمَلَاِئ َكةِ َأ َهؤُلَاء ِإيّاكُ مْ كَانُوا يَعُْبدُو نَ (‪ )40‬قَالُوا سُبْحَاَنكَ‬
‫جنّ أَكَْث ُرهُم ِبهِم ّمؤْمِنُو نَ (‪)41‬‬
‫أَن تَ َولِيّنَا مِن دُونِهِم َبلْ كَانُوا َيعُْبدُو َن الْ ِ‬
‫ضرّا َوَنقُولُ لِ ّلذِي نَ ظَ َلمُوا ذُوقُوا‬
‫ض ّنفْعا وَلَا َ‬
‫ضكُ ْم لَِبعْ ٍ‬
‫فَالْيَوْ َم لَا يَمْلِ كُ بَعْ ُ‬
‫َعذَابَ النّا ِر الّتِي كُنتُم ِبهَا ُتكَ ّذبُونَ (‪. ﴾ )42‬‬

‫***‬
‫الزء الثالث‬ ‫‪622‬‬

‫صدّقَ عَلَ ْيهِ ْم ِإبْلِي سُ ظَنّ ُه فَاتّبَعُو هُ ِإلّا َفرِيقا مّ نَ‬


‫قوله عز وجل ‪َ ﴿ :‬ولَ َقدْ َ‬
‫الْ ُم ْؤمِنِيَ (‪ )20‬وَمَا كَا َن لَ هُ عَلَ ْيهِم مّن سُلْطَانٍ ِإلّا لَِنعْلَ َم مَن ُي ْؤمِ ُن بِالْآخِ َرةِ‬
‫ك وَ َربّكَ عَلَى ُك ّل شَيْ ٍء َحفِيظٌ (‪. ﴾ )21‬‬
‫مِ ّم ْن ُهوَ مِ ْنهَا فِي شَ ّ‬
‫ق عََلْيهِ مْ ِإبْلِي سُ َظنّ هُ ﴾ ‪ ،‬قال ‪ :‬ظن ظنًا فاتّبعوا‬ ‫عن ماهد ‪ ﴿ :‬وََلقَدْ صَ ّد َ‬
‫س ظَنّ هُ ﴾ ‪ ،‬قال ‪:‬‬ ‫ق عََلْيهِ مْ ِإبْلِي ُ‬
‫ظنّه ‪ .‬وقال ابن زيد ف قوله ‪ ﴿ :‬وََلقَدْ صَ ّد َ‬
‫عليَ وفضّلتهَم وشرّفتهَم ‪ ،‬ل تدَ أكثرهَم‬ ‫أرأيَت هؤلء الذيَن كرّمتهَم ّ‬
‫شاكرين ‪ ،‬وكان ذلك ظنًا منه بغي علم ‪ ،‬فقال ال ‪ ﴿ :‬فَاّتبَعُو هُ إِلّا فَرِيقا مّ نَ‬
‫الْ ُم ْؤ ِمنِيَ * َومَا كَا نَ لَ ُه عََلْيهِم مّن ُسلْطَانٍ ﴾ ‪ ،‬قال السن ‪ :‬وال ما ضربم‬
‫بعصا ول سيف ول سوط ‪ ،‬إلّ أمانّ وغرورًا دعاهم إليها ‪ .‬وعن قتادة قوله‬
‫‪ ﴿ :‬إِلّا ِلَنعَْل َم مَن ُيؤْمِ ُن بِالْآخِ َر ِة مِمّ ْن ُهوَ ِمْنهَا فِي شَكّ ﴾ ‪ ،‬قال ‪ :‬وإنا كان‬
‫بلء ليعلم ال الكافر من الؤمن ‪.‬‬
‫قال البغوي ‪ :‬وأراد علم الوقوع والظهور ‪ ،‬وقََد كان معلومًَ‬
‫َا عنده‬
‫ك عَلَى كُ ّل َشيْءٍ َحفِيظٌ ﴾ رقيب ‪.‬‬
‫بالغيب ‪ ﴿ ،‬وَ َربّ َ‬
‫قوله عز و جل ‪ُ ﴿ :‬قلِ ادْعُوا اّلذِي نَ زَ َعمْتُم مّ ن دُو ِن اللّ ِه لَا يَمْ ِلكُو نَ‬
‫ض َومَا َلهُ مْ فِيهِمَا مِن ِشرْ كٍ َومَا لَ هُ‬
‫مِ ْثقَا َل ذَ ّر ٍة فِي ال سّمَاوَاتِ َولَا فِي الْأَرْ ِ‬
‫مِ ْنهُم مّن َظهِيٍ (‪ )22‬وَلَا تَنفَ ُع الشّفَا َعةُ عِندَهُ ِإلّا لِمَ ْن َأذِ َن لَ ُه حَتّى ِإذَا ُفزّعَ‬
‫حقّ َو ُهوَ اْلعَلِ ّي الْكَبِيُ (‪. ﴾ )23‬‬
‫عَن قُلُوِبهِ ْم قَالُوا مَاذَا قَالَ َرّب ُكمْ قَالُوا الْ َ‬
‫‪623‬‬ ‫توفيق الرحن ف دروس القرآن‬

‫قال ا بن كث ي ‪َ :‬بيّ ن تبارك وتعال أ نه الله الوا حد ال حد ‪ ،‬الفرد ال صمد ‪،‬‬


‫الذي ل نظي له ول شريك ‪ ،‬بل هو الستقل بالمر وحده ‪ ،‬من غي مشارك‬
‫ول منازع ول معارض ‪ ،‬فقال ‪ ﴿ :‬قُلِ ا ْدعُوا الّذِينَ َزعَ ْمتُ ْم مِنْ دُونِ اللّهِ ﴾ ‪،‬‬
‫أي ‪ :‬من اللة الت عبدت من دونه ‪ ﴿ :‬ل يَ ْمِلكُونَ ِمْثقَالَ َذ ّرةٍ فِي السّ َموَاتِ‬
‫وَل فِي الرْ ضِ ﴾ ‪ ،‬كما قال تبارك وتعال ‪ ﴿ :‬وَالّذِي َن تَ ْدعُو َن مِ نْ دُونِ ِه مَا‬
‫يَ ْمِلكُو َن مِنْ قِطْمِيٍ ﴾ ‪.‬‬
‫ْكَ ﴾ أي ‪ :‬ل يلكون شيئًا‬
‫ِنَ شِر ٍ‬ ‫وقوله تعال ‪ ﴿ :‬وَم َا َله ْ‬
‫ُمَ فِيهِم َا م ْ‬
‫استقللً ول على سبيل الشركة ‪َ ﴿ ،‬ومَا لَ ُه ِمْنهُ ْم مِ ْن َظهِيٍ ﴾ أي ‪ :‬وليس‬
‫ل من هذه النداد من ظه ي ي ستظهر به ف المور ‪ ،‬بل اللق كل هم فقراء‬
‫إل يه ‪ ،‬عب يد لد يه ‪ .‬قال قتادة ف قوله عز و جل ‪ ﴿ :‬وَمَا لَ ُه ِمنْهُ ْم مِ ْن َظهِيٍ‬
‫﴾ من عون يعينه بشيء ‪.‬‬
‫شفَا َعةُ ِعنْدَ هُ إِل ِلمَ نْ أَذِ نَ لَ هُ ﴾ أي ‪ :‬لعظمته‬
‫ث قال تعال ‪ ﴿ :‬وَل َتْنفَ عُ ال ّ‬
‫وجلله وكَبيائه ل يترئ أحَد أن يشفَع عنده تعال ‪ ،‬إل بعَد إذنَه له فَ‬
‫شفَ ُع ِعنْدَ هُ إِل بِإِ ْذنِ هِ ﴾ ‪،‬‬
‫الشفا عة ‪ ،‬ك ما قال عز و جل ‪ ﴿ :‬مَ نْ ذَا الّذِي يَ ْ‬
‫وقال ج ّل وعل ‪ ﴿ :‬وَكَ ْم مِ ْن مَلَ كٍ فِي ال سّ َموَاتِ ل ُت ْغنِي َشفَاعَُتهُ ْم َشْيئًا إِل‬
‫ش َفعُونَ إِل‬‫مِ ْن َبعْدِ أَنْ َيأْذَنَ اللّهُ لِمَ ْن يَشَا ُء َويَرْضَى ﴾ ‪ ،‬وقال تعال ‪ ﴿ :‬وَل يَ ْ‬
‫ش ِفقُونَ ﴾ ‪ .‬ولذا ثبت ف الصحيحي من غي‬ ‫شَيتِ ِه مُ ْ‬
‫لِ َمنِ ا ْرَتضَى َوهُ ْم مِنْ خَ ْ‬
‫وجه عن النب ‪ -‬وهو سيد ولد آدم ‪ ،‬وأكرم شفيع عند ال تعال ‪ -‬أنه‬
‫حي يقوم القام الحمود ليشفع ف اللق كلّهم ‪ ،‬أن يأت لفصل القضاء ‪ ،‬قال‬
‫الزء الثالث‬ ‫‪624‬‬

‫‪ « :‬فأسجد ل تعال ‪ ،‬فيدعن ما شاء ال أن يدعن ‪ ،‬ويفتح علي بحامد ل‬


‫أحصيها الن ‪ ،‬ث يقال ‪ :‬يا ممد ‪ ،‬ارفع رأسك ‪ ،‬وقل تُسمع ‪ ،‬وسل تُعْطَه‬
‫واشفع تشفع » الديث بتمامه ‪.‬‬
‫ُمَ قَالُوا‬
‫ِمَ قَالُوا مَاذَا قَالَ َرّبك ْ‬
‫َنَ قُلُوِبه ْ‬ ‫وقوله تعال ‪َ ﴿ :‬حتّىَ إِذَا فُز َ‬
‫ّعَ ع ْ‬
‫الْحَقّ ﴾ ‪ .‬وهذا أيضًا مقام رفيَع فَ العظمَة ‪ ،‬وهَو ‪ :‬أنَه تعال إذا تكلم‬
‫بالوحي ‪ ،‬فيسمع أهل السماوات كلمه ‪ ،‬أرْعدوا من اليبة حت يلحقهم مثل‬
‫الغشي ‪ .‬قال ابن مسعود رضي ال عنه ومسروق وغيها ‪َ ﴿ :‬حتّى إِذَا فُزّعَ‬
‫َنَ قُلُوبِهِم ﴾ أي ‪ :‬زال الفزع عنهَا ‪ ﴿ .‬قالوا ماذا قال ربكَم ﴾ ؟ سَأل‬ ‫ع ْ‬
‫بعضهم بعضًا ‪ :‬ماذا قال ربكم ؟ فيخب بذلك حلة العرش الذين يلونم ‪ ،‬ث‬
‫الذين يلونم لن تتهم ‪ ،‬حت ينتهي الب إل أهل السماء الدنيا ؟ ولذا قال‬
‫َن غيَ زيادة ول‬ ‫َبوا باَ قال مَ‬
‫تعال ‪ ﴿ :‬قَالُوا الْحَقَّ ﴾ ‪ ،‬أي ‪ :‬أخَ‬
‫نقصَان ‪َ ﴿ ،‬و ُهوَ اْلعَلِي ّ اْلكَبِيُ ﴾ ‪ .‬وروى البغوي وغيه عَن النواس بَن‬
‫سَمْعان قال ‪ :‬قال رسَول ال ‪ « :‬إذا أراد ال أن يوحَي بالمَر تكلم‬ ‫َ‬
‫بالو حي ‪ ،‬فإذا تكلم أخذت ال سماوات م نه رج فة ‪ -‬أو قال ‪ :‬رعدة شديدة‬
‫‪ -‬خوفًا مَن ال تعال ‪ ،‬فإذا سَع بذلك أهَل السَماوات صَعقوا وخروا ل‬
‫سجدًا ‪ ،‬فيكون أول مَ نْ يرفع رأسه جبيل فيكلمه ال من وحيه با أراد ‪ ،‬ث‬
‫يرّ جبيل على اللئكة ‪ ،‬كلما مَ ّر بسماء يسأله ملئكتها ‪ :‬ماذا قال ربنا يا‬
‫جب يل ؟ فيقول جب يل ‪ ﴿ :‬قال ال ّق و هو العلي ال كبي ﴾ ‪ .‬قال ‪ :‬فيقولون‬
‫كلهم مثل ما قال جبيل ‪ ،‬فينتهي جبيل بالوحي حيث أمره ال » ‪ .‬وروى‬
‫‪625‬‬ ‫توفيق الرحن ف دروس القرآن‬

‫البخاري وغيه عن أب هريرة أن نب ال قال ‪ « :‬إذا قضى ال تعال الم َر‬


‫ف ال سماء ‪ ،‬ضر بت اللئ كة بأجنحت ها خُضعانًا لقوله ‪ ،‬كأ نه سلسلة على‬
‫صفوانَ فإذا فزع عن قلوب م قالوا ماذا قال رب كم قالوا للذي قال ‪ ﴿ :‬الْحَقّ‬
‫َو ُهوَ الْعَِل ّي الْ َكبِيُ ﴾ ‪.‬‬
‫ض ُق ِل اللّ هُ‬
‫ت وَاْلأَرْ ِ‬
‫قوله عز و جل ‪ُ ﴿ :‬قلْ مَن َيرْ ُزقُكُم مّ نَ ال سّمَاوَا ِ‬
‫ُسـَألُونَ عَمّاـ‬
‫ُمـ َلعَلَى ُهدًى َأ ْو فِي ضَلَالٍ مّبِيٍ (‪ )24‬قُل لّا ت ْ‬
‫َوِإنّاـ َأ ْو ِإيّاك ْ‬
‫ح بَيْنَنَا‬
‫جمَ ُع بَيْنَنَا َربّنَا ثُمّ َيفْتَ ُ‬
‫َأ ْجرَمْنَا َولَا نُ سَْألُ عَمّ ا َتعْمَلُو نَ (‪ُ )25‬قلْ يَ ْ‬
‫حقْتُم بِهِ ُشرَكَاء كَلّا َبلْ‬
‫حقّ َوهُ َو الْفَتّاحُ اْلعَلِيمُ (‪ُ )26‬قلْ أَرُونِي اّلذِينَ َألْ َ‬
‫بِالْ َ‬
‫س َبشِيا َوَنذِيرا‬
‫حكِي مُ (‪ )27‬وَمَا أَرْ سَلْنَا َك ِإلّا كَا ّفةً لّلنّا ِ‬
‫ُهوَ اللّ هُ اْل َعزِي ُز الْ َ‬
‫س لَا َيعْلَمُونَ (‪. ﴾ )28‬‬
‫َولَ ِك ّن أَكَْثرَ النّا ِ‬
‫عن قتادة ‪ ﴿ :‬قُ ْل مَ ْن يَرْزُُقكُ ْم مِ نَ ال سّمَاوَاتِ وَالرْ ضِ ُقلِ اللّ ُه َوِإنّ ا َأوْ‬
‫ِإيّاكُ مْ َلعَلَى هُدًى َأوْ فِي ضَل ٍل ُمبِيٍ ﴾ ‪ ،‬قال ‪ :‬قد قال ذلك أصحاب ممد‬
‫للمشركي ‪ ،‬وال ما أنا وأنتم على أمر واحد ‪ ،‬إن أحد الفريقي لهتد ‪ .‬وقال‬
‫ْضَ ﴾ ؟‬ ‫ت وَالر ِ‬ ‫السَمَاوَا ِ‬
‫ِنَ ّ‬‫ُمَ م َ‬
‫َنَ يَرْزُُقك ْ‬
‫البغوي ‪ :‬قوله تعال ‪ ﴿ :‬قُ ْل م ْ‬
‫فالرزق من السماوات الطر ‪ ،‬ومن الرض النبات ‪ ﴿ ،‬قل ال ﴾ ‪ ،‬أي ‪ :‬إن‬
‫ل يقولوا ‪ :‬رازق نا ال ‪ ،‬ف قل أ نت ‪ :‬إن رازق كم هو ال ‪َ ﴿ ،‬وِإنّ ا َأوْ ِإيّاكُ مْ‬
‫َلعَلَى هُدًى َأوْ فِي ضَلَا ٍل ّمبِيٍ ﴾ ليس هذا على طريق الشك ولكن على جهة‬
‫الزء الثالث‬ ‫‪626‬‬

‫النصاف ف الجاج ‪ ،‬كما يقول القائل للخر ‪ :‬أحدنا كاذب ‪ ،‬وهو يعلم‬
‫أنه صادق ‪ ،‬وصاحبه كاذب ‪.‬‬
‫جمَ ُع َبيْنَنَا َربّنَا يوم القيامة ثُمّ َيفْتَ ُح َبْينَنَا ﴾ ‪ ،‬أي ‪:‬‬ ‫وعن قتادة ‪ ﴿ :‬قُ ْل يَ ْ‬
‫ِيمَ ﴾ ‪ ،‬يقول ‪:‬‬
‫ّاحَ اْلعَل ُ‬ ‫يقضَي بيننَا ‪ .‬وعَن ابَن عباس قوله ‪َ ﴿ :‬و ُهوَ اْل َفت ُ‬
‫ح ْقتُم بِ ِه شُرَكَاء ﴾ ‪.‬‬ ‫القاضي ﴿ قُلْ أَرُونِي الّذِينَ أَلْ َ‬
‫قال البغوي ‪ :‬أي ‪ :‬أعلمو ن الذ ين ألقتمو هم به ‪ ،‬أي ‪ :‬بال ‪ ،‬شركاء‬
‫ف العبادة معه هل يلقون ؟ وهل يرزقون ؟ ﴿ كَل ﴾ ل يلقون ول يرزقون‬
‫حكِيمَُ ﴾ فَ تدبيه‬ ‫‪ ،‬بَ ْل ُهوَ اللّهَُ ﴿ الْعَزِيزُ ﴾ الغالب على أمره ‪ ﴿ ،‬الْ َ‬
‫للقه ؛ فأن يكون له شريك ف ملكه ؟ وعن قتادة قوله ‪َ ﴿ :‬ومَا أَرْ سَ ْلنَاكَ‬
‫إِل كَاّفةً لِلنّا سِ ﴾ ‪ ،‬قال ‪ :‬أر سل ال ممدًا إل العرب ‪ ،‬والع جم ‪ ،‬فأكرمُ هم‬
‫على ال أطوعُهَم له ‪ .‬ذُكِر لنَا أن نَب ال قال ‪ « :‬أنَا سَابق العرب ‪،‬‬
‫وصهيب سابق الروم ‪ ،‬وبلل سابق البشة ‪ ،‬وسلمان سابق فارس » ‪.‬‬
‫قوله عز و جل ‪َ ﴿ :‬وَيقُولُو َن مَتَى َهذَا الْوَ ْع ُد إِن كُنتُ مْ صَا ِدقِيَ (‪)29‬‬
‫قُل لّكُم مّيعَا ُد يَوْ ٍم لّا تَ سَْتأْ ِخرُونَ َعنْ هُ سَا َعةً وَلَا تَ سَْتقْ ِدمُونَ (‪َ )30‬وقَالَ‬
‫ـ وََلوْ تَرَى ِإذِ‬
‫ـ َي َديْه ِ‬
‫ْآنـ وَلَا بِاّلذِي بَيْن َ‬
‫ـ ِبهَذَا الْ ُقر ِ‬
‫ـ َك َفرُوا لَن نّ ْؤمِن َ‬
‫اّلذِين َ‬
‫ضهُ ْم ِإلَى بَعْ ضٍ اْل َقوْ َل َيقُولُ اّلذِي نَ‬
‫الظّالِمُو َن مَ ْوقُوفُو نَ عِندَ َرّبهِ مْ َي ْرجِ ُع َبعْ ُ‬
‫ِينـ‬
‫ُمـ َلكُنّاـ ُم ْؤمِنِي َ (‪ )31‬قَالَ اّلذ َ‬
‫اسـَتكَْبرُوا لَ ْولَا أَنت ْ‬
‫ِينـ ْ‬
‫ض ِعفُوا لِ ّلذ َ‬
‫اسـتُ ْ‬
‫ْ‬
‫ص َد ْدنَا ُكمْ عَ ِن الْ ُهدَى بَ ْع َد ِإذْ جَاءكُم َبلْ‬
‫ضعِفُوا َأنَحْ نُ َ‬
‫ا سْتَكَْبرُوا لِ ّلذِي َن ا سْتُ ْ‬
‫‪627‬‬ ‫توفيق الرحن ف دروس القرآن‬

‫ضعِفُوا لِ ّلذِينَ اسْتَكَْبرُوا َب ْل مَ ْكرُ اللّ ْيلِ‬


‫ج ِرمِيَ (‪َ )32‬وقَا َل الّذِينَ اسْتُ ْ‬
‫كُنتُم مّ ْ‬
‫ج َع َل لَ ُه أَندَادا َوأَسَرّوا الّندَا َمةَ لَمّا َرَأوُا‬
‫وَالنّهَا ِر ِإذْ َت ْأ ُمرُونَنَا أَن نّ ْك ُفرَ بِاللّ ِه وَنَ ْ‬
‫ج َزوْ نَ إِلّا مَا كَانُوا‬
‫ق اّلذِي نَ َك َفرُوا َهلْ يُ ْ‬
‫ب وَ َجعَلْنَا الْأَغْلَالَ فِي أَعْنَا ِ‬
‫اْلعَذَا َ‬
‫َيعْمَلُونَ (‪. ﴾ )33‬‬
‫عن قتادة قوله ‪ ﴿ :‬لَن ّن ْؤمِ نَ ِبهَذَا اْلقُرْآ ِن وَلَا بِالّذِي َبيْ َن يَ َديْ هِ ﴾ ‪ ،‬قال ‪:‬‬
‫قال الشركون ‪ :‬لن نؤمَن بذا القرآن ول بالذي بيَ يديَه مَن الكتاب‬
‫والنبياء ‪.‬‬
‫وقال ابـن زيـد فـ قوله ‪ ﴿ :‬بَ ْل َمكْرُ الّليْ ِل وَالّنهَارِ إِذْ تَ ْأمُرُونَنَا أَن نّ ْكفُرَ‬
‫َهَأَندَادا ﴾ ‪ ،‬يقول ‪ :‬بَل مكركَم بنَا فَ الليَل والنهار أيهَا‬ ‫جعَلَ ل ُ‬ ‫بِاللّهَِ َونَ ْ‬
‫َهَأَندَادا ﴾ ‪ ،‬قال‬ ‫جعَلَ ل ُ‬ ‫ّهَ َونَ ْ‬‫العظماء الرؤسَاء ‪ ﴿ :‬إِ ْذ َت ْأمُرُونَنَا أَن ّنكْفُ َر بِالل ِ‬
‫ابن كثي ‪ :‬أي ‪ :‬نظراء وآلة معه وتقيموا لنا شبهًا وأشياء من الحال تضلّونا‬
‫َابَ ﴾ ‪ ،‬أي ‪ :‬الميَع مَن السَادة‬ ‫َسَرّوا النّدَا َمةَ لَمّاَ َرَأوُا اْلعَذ َ‬
‫باَ ‪َ ﴿ ،‬وأ َ‬
‫ق الّذِي نَ‬
‫والتباع ‪ ،‬كل ندم على ما سلف منه ‪ ﴿ ،‬وَ َجعَ ْلنَا الَْأغْلَالَ فِي َأ ْعنَا ِ‬
‫َكفَرُوا هَ ْل يُجْ َز ْونَ إِلّا مَا كَانُوا َيعْمَلُونَ ﴾ ‪.‬‬
‫قوله عز وجل ‪ ﴿ :‬وَمَا أَرْسَلْنَا فِي َقرَْي ٍة مّن نّذِيرٍ ِإلّا قَالَ مُ ْترَفُوهَا ِإنّا بِمَا‬
‫ْنـ‬
‫ْنـ أَكَْث ُر َأمْوَا ًل َوأَ ْولَادا وَم َا نَح ُ‬
‫ُونـ (‪َ )34‬وقَالُوا نَح ُ‬
‫ِهـ كَا ِفر َ‬
‫ْسـلْتُم ب ِ‬
‫أُر ِ‬
‫ط الرّزْقَـلِمَن َيشَاءُ وََي ْقدِرُ َوَلكِنّ أَكَْثرَ‬
‫بِ ُم َع ّذبِيَ (‪ُ )35‬ق ْل إِنّ َربّيـيَبْسُـ ُ‬
‫النّاسِ لَا َيعْلَمُونَ (‪َ )36‬ومَا َأ ْموَالُكُ ْم وَلَا أَ ْولَادُكُم بِالّتِي تُ َق ّربُكُمْ عِن َدنَا ُزْلفَى‬
‫الزء الثالث‬ ‫‪628‬‬

‫ف بِمَا َعمِلُوا َوهُ مْ فِي‬


‫ضعْ ِ‬
‫ك َلهُ ْم جَزَاء ال ّ‬
‫ِإلّا مَ نْ آمَ َن وَعَ ِملَ صَالِحا َفُأوْلَئِ َ‬
‫اْلغُ ُرفَاتِـ آمِنُونَـ (‪ )37‬وَاّلذِينَـيَس ْـَعوْ َن فِي آيَاتِنَا ُمعَا ِجزِينَـأُ ْولَئِكَـ فِي‬
‫ق لِمَن َيشَا ُء مِ نْ عِبَادِ هِ‬
‫ط الرّزْ َ‬
‫ضرُو نَ (‪ُ )38‬ق ْل إِنّ َربّ ي يَبْ سُ ُ‬
‫ب مُحْ َ‬
‫اْلعَذَا ِ‬
‫َوَيقْدِ ُر َلهُ َومَا أَن َفقْتُم مّن َشيْ ٍء َف ُهوَ يُخْ ِل ُف ُه وَ ُهوَ خَيْ ُر الرّا ِزقِيَ (‪. ﴾ )39‬‬
‫عن قتادة قوله ‪َ ﴿ :‬ومَا أَرْ َس ْلنَا فِي َق ْرَيةٍ مّن نّذِيرٍ إِلّا قَا َل ُمتْرَفُوهَا ِإنّا بِمَا‬
‫أُ ْرسِ ْلتُم بِهِ كَاِفرُونَ ﴾ ‪ ،‬قال ‪ :‬هم ‪ :‬رؤوسهم وقادتم ف الشر ‪.‬‬
‫وقال ابن زيد ف قوله ‪َ ﴿ :‬ومَا َأ ْموَاُلكُ ْم وَلَا َأوْلَادُكُم بِاّلتِي ُتقَ ّرُبكُمْ عِن َدنَا‬
‫زُْلفَى إِلّا مَ نْ آمَ َن َوعَمِلَ صَالِحا ﴾ ‪ ،‬قال ‪ :‬وهذا قول الشرك ي لر سول ال‬
‫وأصَحابه ‪ ،‬قالوا ‪ :‬لو ل يكَن ال عنّا راضيًا ل يعطنَا هذا ‪ ،‬كمَا قال‬
‫قارون ‪ :‬لول أن ال رضي ب وبال ما أعطان هذا ‪ .‬قال ‪َ ﴿ :‬أوَلَ ْم َيعْلَ مْ َأنّ‬
‫ك مِن َقبْلِ ِه مِ َن القُرُو ِن مَ ْن ُهوَ َأشَدّ ِمنْ هُ ُق ّوةً َوأَ ْكثَرُ َجمْعا ﴾ ‪ ،‬قال‬
‫اللّ هَ َقدْ أَهْلَ َ‬
‫قتادة ‪ :‬ل يع تب الناس بكثرة الال والولد ‪ ،‬ل كن الكا فر قد يع طى الال ور ما‬
‫حُبس عن الؤمن ‪ .‬وعن سعيد بن جبي ﴿ َومَا أَن َف ْقتُم مّن َشيْءٍ َف ُه َو يُخِْلفُهُ ﴾‬
‫قال ‪ :‬ما كان ف غي إسراف ول تقتي ‪ .‬وروى البغوي وغيه من حديث أب‬
‫هريرة أن رسَول ال قال ‪ « :‬مَا مَن يوم يصَبح العباد فيَه إل وملكان‬
‫ينلن ‪ ،‬فيقول أحدها ‪ :‬اللهم أعط منفقًا خلفًا ‪ ،‬ويقول الخر ‪ :‬اللهم أعط‬
‫مسكًا تلفًا » ‪.‬‬
‫‪629‬‬ ‫توفيق الرحن ف دروس القرآن‬

‫شرُهُم ْـ جَمِيعا ثُمّ َيقُو ُل لِلْمَلَائِ َك ِة أَ َه ُؤلَاء‬


‫حُ‬‫قوله عـز وجـل ‪َ ﴿ :‬ويَوْمَـ يَ ْ‬
‫ت َولِيّنَا مِن دُوِنهِم َبلْ كَانُوا‬
‫ك أَن َ‬
‫ِإيّاكُ مْ كَانُوا َيعُْبدُو نَ (‪ )40‬قَالُوا سُبْحَانَ َ‬
‫ك َبعْضُكُ مْ لَِبعْ ضٍ‬
‫جنّ أَكَْثرُهُم ِبهِم ّمؤْمِنُو نَ (‪ )41‬فَالَْيوْ َم لَا يَمْلِ ُ‬
‫َيعُْبدُو نَ الْ ِ‬
‫َابـ النّا ِر الّت ِي كُنت ُم بِه َا‬
‫ِينـ ظَلَمُوا ذُوقُوا َعذ َ‬
‫ضرّا َونَقُو ُل لِ ّلذ َ‬
‫ّنفْعا َولَا َ‬
‫ُت َكذّبُونَ (‪. ﴾ )42‬‬
‫قال ابن جرير ‪ :‬يقول تعال ذكره ‪ :‬ويوم نشر هؤلء الكفار بال جيعًا‬
‫ث نقول للملئكة ‪ :‬أهؤلء كانوا يعبدونكم من دوننا ؟ فتتبأ منهم اللئكة ‪،‬‬
‫قالوا سبحانك رب نا تنيهًا لك و تبئة م ا أضاف إل يك هؤلء من الشركاء‬
‫ت وَِليّنَا مِ نْ دُوِنهِ ْم ﴾ ل نت خذ وليّ ا دو نك ‪ ﴿ ،‬بَلْ كَانُوا‬
‫والنداد ‪َ ﴿ ،‬أنْ َ‬
‫َي ْعبُدُو َن الْجِنّ ﴾ ‪ .‬قال البغوي ‪ :‬فإن قيل ‪ :‬هم كانوا يعبدون اللئكة فكيف‬
‫و جه قوله ‪َ ﴿ :‬ي ْعبُدُو نَ الْجِنّ ﴾ ‪ ،‬ق يل ‪ :‬أراد أن الشياط ي زيّنوا ل م عبادة‬
‫اللئكة ‪ ،‬فهم كانوا يطيعون الشياطي ف عبادة اللئكة ؛ فقوله ‪َ ﴿ :‬ي ْعبُدُونَ‬
‫الْجِنّ ﴾ أي ‪ :‬يطيعون الن ‪ ﴿ ،‬أَكْثَ ُرهُ ْم ِبهِ ْم ُم ْؤ ِمنُو نَ ﴾ ‪ ،‬يعن ‪ :‬مصدقون‬
‫للشياطي ‪.‬‬
‫ْضَ ّنفْعا ﴾ بالشفاعَة ‪،‬‬
‫ُمَِلَبع ٍ‬
‫ضك ْ‬‫ِكَ َبعْ ُ‬ ‫ثـ يقول ال ‪ ﴿ :‬فَاْلَيو َ‬
‫ْمَلَا يَ ْمل ُ‬
‫﴿ وَلَا ضَرّا ﴾ بالعذاب ‪ ،‬يريَد أنمَ عاجزون ل نفَع عندهَم ول ضرّ ‪.‬‬
‫وقال ا بن كث ي ‪ :‬أي ‪ :‬ل ي قع ل كم ن فع م ا كن تم ترجون نف عه من النداد ‪،‬‬
‫والوثان الت ادخرت عبادتا لشدائدكم وكربكم اليوم ‪ ،‬ل يلكون لكم نفعًا‬
‫الزء الثالث‬ ‫‪630‬‬

‫ب النّارِ‬
‫ول ضرًا ‪َ ﴿ ,‬ونَقُولُ لِلّذِي َن ظَلَمُوا ﴾ وهم الشركون ‪ ﴿ ،‬ذُوقُوا عَذَا َ‬
‫اّلتِي كُنتُم ِبهَا ُتكَ ّذبُونَ ﴾ ‪ ،‬أي ‪ :‬يقال لم ذلك تقريعًا وتوبيخًا ‪.‬‬

‫***‬
‫‪631‬‬ ‫توفيق الرحن ف دروس القرآن‬

‫الدرس السادس والعشرون بعد الائتي‬

‫صدّكُمْ‬
‫﴿ َوإِذَا تُتْلَى َعلَ ْيهِ مْ آيَاتُنَا بَيّنَا تٍ قَالُوا مَا َهذَا ِإلّا َرجُ ٌل ُيرِي ُد أَن يَ ُ‬
‫عَمّ ا كَا َن َيعْبُدُ آبَاؤُكُ ْم وَقَالُوا مَا هَذَا إِلّا ِإفْ كٌ ّمفَْترًى َوقَا َل الّذِي نَ َك َفرُوا‬
‫ح ٌر مّبِيٌ (‪ )43‬وَمَا آتَيْنَاهُم مّ ن كُتُ بٍ‬
‫لِلْحَقّ لَمّ ا جَاءهُ مْ إِ ْن َهذَا ِإلّا سِ ْ‬
‫ك مِن ّنذِيرٍ (‪ )44‬وَ َكذّ بَ اّلذِي َن مِن قَبْ ِلهِ مْ‬
‫َيدْرُ سُوَنهَا َومَا أَرْ سَلْنَا ِإلَ ْيهِ مْ قَبْلَ َ‬
‫َومَا بَ َلغُوا ِم ْعشَا َر مَا آتَيْنَاهُ ْم فَ َك ّذبُوا رُسُلِي َفكَيْفَ كَانَ َنكِيِ (‪ُ )45‬ق ْل ِإنّمَا‬
‫أَعِ ُظكُم بِوَاحِ َد ٍة أَن تَقُومُوا لِلّ ِه مَثْنَى َو ُفرَادَى ُثمّ تََت َف ّكرُوا مَا بِ صَاحِِبكُم مّن‬
‫جِّنةٍ إِ ْن ُهوَ ِإلّا َنذِيرٌ ّلكُم بَيْ َن يَدَ يْ َعذَا بٍ َشدِيدٍ (‪ُ )46‬قلْ مَا سََألُْتكُم مّ نْ‬
‫َأ ْجرٍ َف ُهوَ َلكُ مْ إِ ْن َأ ْجرِ يَ ِإلّا عَلَى اللّ هِ َو ُهوَ عَلَى ُك ّل َشيْ ٍء شَهِيدٌ (‪ُ )47‬قلْ‬
‫ئ الْبَا ِطلُ‬
‫حقّ وَمَا يُبْدِ ُ‬
‫حقّ َعلّا ُم الْغُيُو بِ (‪ُ )48‬قلْ جَاء الْ َ‬
‫ف بِالْ َ‬
‫إِنّ َربّي يَ ْقذِ ُ‬
‫ت فَبِمَا‬
‫ضلّ عَلَى نَفْ سِي َوإِ ِن اهْتَ َديْ ُ‬
‫وَمَا ُيعِيدُ (‪ُ )49‬ق ْل إِن ضَلَلْ تُ فَِإنّمَا أَ ِ‬
‫ْتـ‬
‫ِيبـ ( ‪ )50‬وََل ْو َترَى ِإذْ َفزِعُوا فَلَا َفو َ‬
‫سـمِي ٌع َقر ٌ‬
‫ّهـ َ‬
‫يُوح ِي إِلَي ّ َربّيـ ِإن ُ‬
‫َوأُ ِخذُوا مِن ّمكَانٍ َقرِيبٍ (‪َ )51‬وقَالُوا آمَنّا بِهِ وََأنّى لَهُمُ التّنَاوُشُ مِن َمكَانٍ‬
‫َبعِيدٍ (‪َ )52‬وقَدْ َك َفرُوا بِ ِه مِن قَ ْبلُ َوَيقْ ِذفُو َن بِاْلغَيْ بِ مِن مّكَا ٍن َبعِيدٍ (‪)53‬‬
‫َوحِيلَ بَيَْنهُ ْم َوبَيْ َن مَا َيشْتَهُو نَ َكمَا ُف ِعلَ ِبَأشْيَا ِعهِم مّن قَ ْب ُل ِإنّهُ مْ كَانُوا فِي‬
‫َشكّ ّمرِيبٍ (‪. ﴾ )54‬‬

‫***‬
‫الزء الثالث‬ ‫‪632‬‬

‫ت قَالُوا مَا َهذَا ِإلّا َر ُجلٌ‬


‫قوله عز وجل ‪ ﴿ :‬وَِإذَا تُتْلَى عَلَ ْيهِ مْ آيَاتُنَا بَيّنَا ٍ‬
‫ْكـ ّمفْتَرًى‬
‫ُمـ َوقَالُوا مَا َهذَا ِإلّا ِإف ٌ‬
‫َانـ َيعُْبدُ آبَاؤُك ْ‬
‫َصـدّ ُكمْ عَمّاـ ك َ‬
‫ُيرِي ُد أَن ي ُ‬
‫ح ٌر مّبِيٌ (‪ )43‬وَمَا‬
‫َوقَا َل الّذِي نَ َك َفرُوا لِلْحَقّ لَمّ ا جَاءهُ ْم إِ ْن َهذَا ِإلّا سِ ْ‬
‫َكـ مِن ّنذِيرٍ (‪)44‬‬
‫ِمـ قَبْل َ‬
‫ْسـلْنَا إِلَ ْيه ْ‬
‫ُبـ يَدْرُسـُوَنهَا وَمَا أَر َ‬
‫آتَيْنَاهُم مّنـ كُت ٍ‬
‫ب الّذِي َن مِن قَبْ ِلهِ ْم وَمَا بَ َلغُوا ِم ْعشَا َر مَا آتَيْنَاهُ ْم فَ َك ّذبُوا رُ سُلِي َفكَيْفَ‬
‫وَ َكذّ َ‬
‫كَا َن َنكِيِ (‪. ﴾ )45‬‬
‫عن قتادة ‪َ ﴿ :‬ومَا آتَْينَاهُم مّن ُكتُ بٍ يَ ْدرُ سُوَنهَا ﴾ أي ‪ :‬يقرؤونا ﴿ َومَا‬
‫ك مِن نّذِيرٍ ﴾ ما أنزل ال على العرب كتابًا قبل القرآن ول‬ ‫أَرْ سَ ْلنَا إَِليْهِ مْ َقبْلَ َ‬
‫ب الّذِي َن مِن َقبِْلهِمْ َومَا بََلغُوا ِمعْشَارَ مَا‬
‫بعث إليهم نبيّا قبل ممد ‪ ﴿ .‬وَكَذّ َ‬
‫آَتْينَاهُ مْ ﴾ يبكم أنه أعطى القوم ما ل يعطكم من القوة وغي ذلك ‪﴿ ،‬‬
‫َفكَ ّذبُوا ُرسُلِي َف َكيْفَ كَانَ َنكِيِ ﴾ ‪.‬‬
‫َة‬ ‫قال البغوي ‪ :‬أي ‪ :‬إنكاري وتغييي عليهَ‬
‫َم ‪ ،‬يذّر كفار هذه المَ‬
‫عذاب المم الاضية ‪.‬‬
‫ّهـ مَثْن َى‬
‫قوله عـز وجـل ‪ُ ﴿ :‬قلْ ِإنّم َا أَعِظُك ُم ِبوَا ِح َدةٍ أَن َتقُومُوا لِل ِ‬
‫َو ُفرَادَى ثُمّ تََتفَ ّكرُوا مَا بِ صَاحِِبكُم مّ ن جِّن ٍة إِ ْن ُهوَ ِإلّا َنذِيرٌ لّكُم بَيْ َن َيدَ يْ‬
‫ي ِإلّا عَلَى‬
‫ب َشدِيدٍ (‪ُ )46‬ق ْل مَا َسَألْتُكُم مّ نْ َأ ْجرٍ َف ُهوَ لَكُ ْم إِ ْن َأ ْجرِ َ‬
‫َعذَا ٍ‬
‫ّامـ‬
‫ِفـ بِالْحَق ّ عَل ُ‬
‫ّهـ َوهُوَ عَلَى ُك ّل شَيْ ٍء َشهِيدٌ (‪ُ )47‬ق ْل إِن ّ َربّيـ َي ْقذ ُ‬
‫الل ِ‬
‫ُوبـ (‪ُ )48‬ق ْل جَاء الْحَق ّ وَم َا يُ ْبدِئُ الْبَا ِط ُل وَم َا ُيعِيدُ (‪ُ )49‬قلْ إِن‬
‫اْلغُي ِ‬
‫‪633‬‬ ‫توفيق الرحن ف دروس القرآن‬

‫ت فَبِمَا يُوحِي إَِليّ َربّي ِإنّ هُ سَمِيعٌ‬


‫ضلّ عَلَى َنفْسِي َوإِنِ اهَْتدَيْ ُ‬
‫ت َفِإنّمَا أَ ِ‬
‫ضَلَلْ ُ‬
‫َقرِيبٌ (‪. ﴾ )50‬‬
‫عَن قتادة قوله ‪ ﴿ :‬قُلْ ِإنّم َا َأعِظُك ُم ِبوَاحِ َدةٍ ﴾ وتلك الواحدة ‪ ﴿ :‬أَن‬
‫ل ورجلي ‪.‬‬ ‫َتقُومُوا لِلّ ِه َمْثنَى وَفُرَادَى ﴾ رج ً‬
‫وقال ابن كثي ‪ :‬يقول تبارك وتعال ‪ ﴿ :‬قُلْ ﴾ يا ممد لؤلء الكافرين‬
‫الزاعمي أنك منون ‪ِ ﴿ :‬إنّمَا َأعِ ُظكُ مْ ِبوَاحِ َدةٍ ﴾ ‪ ،‬أي ‪ :‬إنا آمركم بواحدة‬
‫وهي ‪ ﴿ :‬أَ ْن َتقُومُوا لِلّ ِه َمْثنَى وَفُرَادَى ثُمّ َتَت َفكّرُوا مَا بِصَا ِحبِكُ ْم مِنْ ِجّنةٍ ﴾ ‪،‬‬
‫َيّة ‪ ،‬فيسَأل‬ ‫أي ‪ :‬تقوموا قيامًا خالصًَا ل ع ّز وج ّل مَن غيَ هوى ول عص ب‬
‫بعض كم بعضًا ‪ :‬هَل بح مد من جنون ؟ فين صح بعضكَم بعضًا ‪ ﴿ ،‬ثُمّ‬
‫َتَتفَكّرُوا ﴾ ‪ ،‬أي ‪ :‬ين ظر الر جل لنف سه ف أ مر م مد ‪ ،‬وي سأل غيه من‬
‫الناس عن شأ نه إن أش كل عل يه ويتفكّر ف ذلك ؛ ولذا قال تعال ‪ ﴿ :‬أَ نْ‬
‫َتقُومُوا لِلّ ِه َمْثنَى وَفُرَادَى ثُمّ تََت َفكّرُوا مَا ِبصَا ِحِبكُمْ مِنْ ِجّنةٍ ﴾ ‪.‬‬
‫ب شَدِيدٍ ﴾ ‪ .‬روى‬ ‫وقوله تعال ‪ ﴿ :‬إِ ْن ُهوَ إِلّا نَذِيرٌ لّكُم َبيْ َن يَدَ ْ‬
‫ي عَذَا ٍ‬
‫المام أحد من حديث بريدة أن رسول ال قال ‪ « :‬إنا مثلي ومثلكم مثل‬
‫قوم خافوا عدوًا يأتي هم ‪ ،‬فبعثوا رجلً يتراءى ل م ‪ ،‬فبين ما هم كذلك أب صر‬
‫العدو ‪ ،‬فأقبل لينذر هم وخشي أن يدر كه العدو ق بل أن ينذر قومه ‪ ،‬فأهوى‬
‫بثوبَه أيهَا الناس أتيتَم ‪ ،‬أيهَا الناس أتيتَم ‪ ،‬ثلث مرات » ؛ وقال ‪« :‬‬
‫بعثت أنا والساعة جيعًا ‪ ،‬إن كادت لتسبقن » ‪.‬‬
‫الزء الثالث‬ ‫‪634‬‬

‫وعن قتادة ‪ :‬قوله ‪ُ ﴿ :‬ق ْل مَا سَأَْلُتكُم مّ نْ أَجْرٍ ﴾ ‪ ،‬أي ‪ :‬جعل ‪َ ﴿ ،‬ف ُه َو‬
‫َلكُ مْ ﴾ ‪ ،‬يقول ‪ :‬ل أسألكم على الِسلم جعلً ‪ ﴿ ،‬إِ نْ أَجْرِ يَ إِلّا عَلَى اللّ هِ‬
‫َو ُهوَ عَلَى كُ ّل َشيْ ٍء َشهِيدٌ ﴾ ‪.‬‬
‫ف بِالْحَقّ ﴾ بالوحي ‪ ﴿ ،‬عَل ُم اْلغُيُو بِ ﴾ ‪ ،‬قال ابن‬ ‫﴿ قُلْ ِإنّ َربّي َيقْذِ ُ‬
‫َ بِالْحَقَّ ﴾ ‪ ،‬أي ‪:‬‬ ‫كثيَ ‪ :‬وقوله عَز وجَل ‪ُ ﴿ :‬قلْ إِنَّ َربّيَ َيقْذِف ُ‬
‫ح مِ نْ َأمْرِ ِه عَلَى‬
‫بالوحي ‪ ﴿ ،‬عَل مُ اْل ُغيُو بِ ﴾ ‪ ،‬كقوله تعال ‪ ﴿ :‬يُ ْلقِي الرّو َ‬
‫مَن يَشَا ُء مِ ْن ِعبَادِ هِ ﴾ ‪ ،‬أي ‪ :‬يرسل اللك على من يشاء من عباده من أهل‬
‫الرض ‪ ،‬وهَو علم الغيوب فل تفَى عليَه خافيَة فَ السَماوات ول فَ‬
‫الرض ‪.‬‬
‫وقوله تبارك وتعال ‪ ﴿ :‬قُلْ جَاء الْحَقّ وَمَا يُبْدِ ُ‬
‫ئ اْلبَاطِلُ وَمَا ُيعِيدُ ﴾ ‪،‬‬
‫أي ‪ :‬جاء ال ق من ال والشرع العظ يم ‪ ،‬وذ هب البا طل وز هق واضمحلّ ‪،‬‬
‫ِقَ ﴾ ‪،‬‬‫ُهَ َفإِذَا ُهوَ زَاه ٌ‬
‫ِفَ بِالْحَقّ عَلَى اْلبَاطِلِ َفيَ ْد َمغ ُ‬
‫كقوله تعال ‪ ﴿ :‬بَ ْل َنقْذ ُ‬
‫ولذا ل ا د خل ر سول ال ال سجد الرام يوم الفتح ‪ ،‬وو جد تلك الصنام‬
‫من صوبة حول الكع بة ‪ ،‬ج عل يط عن ال صنم من ها ب س ّن قو سه ويقرأ ‪ ﴿ :‬وَقُلْ‬
‫جَاء الْحَقّ وَ َزهَ َق اْلبَاطِلُ إِنّ اْلبَاطِلَ كَا نَ َزهُوقا ﴾ ‪ ﴿ ،‬قُلْ جَاء الْحَقّ وَمَا‬
‫ئ اْلبَاطِ ُل َومَا ُيعِيدُ ﴾ ‪.‬‬
‫ُيبْدِ ُ‬
‫وقوله تعال ‪ ﴿ :‬قُلْ إِن ضََللْ تُ فَِإنّمَا أَضِ ّل عَلَى َنفْ سِي ﴾ ‪ ،‬قال البغوي ‪:‬‬
‫وذلك أن كفار مكَة كانوا يقولون له ‪ :‬إنَك قَد ضللت حيَ تركَت ديَن‬
‫ضلَلْ تُ فَِإنّمَا أَضِ ّل عَلَى َنفْ سِي ﴾ ‪ ،‬أي ‪:‬‬
‫آبائك ‪ ،‬فقال ال تعال ‪ ﴿ :‬قُلْ إِن َ‬
‫‪635‬‬ ‫توفيق الرحن ف دروس القرآن‬

‫إث ضللت على نفسي ‪َ ﴿ ،‬وإِ نِ ا ْهتَ َديْ تُ َفبِمَا يُوحِي إَِليّ َربّي ﴾ من القرآن‬
‫والكمة ‪ِ ﴿ ،‬إنّهُ سَمِيعٌ َقرِيبٌ ﴾ ‪.‬‬
‫َانـ‬
‫ْتـ وَُأ ِخذُوا مِن ّمك ٍ‬
‫قوله عـز وجـل ‪ ﴿ :‬وََلوْ تَرَى ِإذْ َفزِعُوا فَلَا َفو َ‬
‫َقرِي بٍ (‪َ )51‬وقَالُوا آمَنّا بِ هِ وََأنّى لَهُ مُ التّنَاوُ شُ مِن َمكَا ٍن َبعِيدٍ (‪َ )52‬و َقدْ‬
‫ب مِن ّمكَانٍ بَعِيدٍ (‪َ )53‬وحِيلَ بَيَْنهُ ْم َوبَيْنَ‬
‫َك َفرُوا بِ ِه مِن قَ ْب ُل وََي ْق ِذفُونَ بِاْلغَيْ ِ‬
‫مَا َيشَْتهُو نَ كَمَا فُ ِع َل ِبأَشْيَا ِعهِم مّن قَ ْبلُ ِإّنهُ مْ كَانُوا فِي َشكّ ّمرِي بٍ (‪)54‬‬
‫﴾‪.‬‬
‫عن قتادة عن ال سن قوله ‪ ﴿ :‬وََل ْو تَرَى إِذْ فَ ِزعُوا ﴾ ‪ ،‬قال ‪ :‬فزعوا يوم‬
‫القيامَة حيَ خرجوا مَن قبورهَم ‪ .‬وقال قتادة ‪ ﴿ :‬وََل ْو تَرَى إِذْ َف ِزعُوا فَلَا‬
‫ت َوأُخِذُوا مِن ّمكَانٍ َقرِيبٍ ﴾ حي عاينوا عذاب ال ‪ .‬قال البغوي ‪ :‬وف‬
‫َفوْ َ‬
‫الية حذف تقديره ‪ :‬لرأيت أمرًا تعتب به ‪.‬‬
‫و عن ما هد ‪ :‬قوله ‪ ﴿ :‬وَقَالُوا آ َمنّ ا بِ هِ ﴾ ‪ ،‬قالوا ‪ :‬آم نا بال ‪ .‬وقال ا بن‬
‫جريـر ‪ :‬يقول تعال ذكره ‪ :‬وقال هؤلء الشركون حيَ عاينوا عذاب ال‬
‫‪ ﴿ :‬آمَنّا بِهِ ﴾ ‪ ،‬يعن ‪ :‬آمنا بال وبكتابه ورسوله ‪.‬‬
‫و عن ا بن عباس ‪َ ﴿ :‬وأَنّ ى َلهُ ُم الّتنَاوُ شُ ﴾ ‪ ،‬قال ‪ :‬ي سألون الرَدّ ول يس‬
‫بيَ َر ّد ‪ .‬وعَن سَعيد ‪َ ﴿ :‬وأَنّىََلهُمَُ الّتنَاوُشَُ ﴾ ‪ ،‬قال ‪ :‬التناول ‪ .‬وعَن‬
‫ماهَد ‪ :‬قوله ‪ ﴿ :‬مِن مَكَانٍََبعِيدٍ ﴾ مَن الخرة إل الدنيَا ‪ .‬وعَن قتادة ‪:‬‬
‫﴿ وَقَدْ َكفَرُوا بِهِ مِن َقبْلُ ﴾ ‪ ،‬أي ‪ :‬باليان ف الدنيا ‪.‬‬
‫الزء الثالث‬ ‫‪636‬‬

‫ب مِن ّمكَا ٍن َبعِيدٍ ﴾ ‪ ،‬أي ‪ :‬يرجون بالظ ّن يقولون ‪ :‬ل‬ ‫﴿ َوَيقْذِفُو َن بِاْلغَيْ ِ‬
‫بعث ول جنّة ول نار ‪ .‬وعن ماهد ف قوله ‪َ ﴿ :‬وَيقْذِفُو نَ بِاْل َغيْ بِ مِن ّمكَا نٍ‬
‫َبعِيدٍ ﴾ ‪ ،‬قال ‪ :‬قول م ‪ :‬ساحر ‪ ،‬بل هو كا هن ‪ ،‬بل هو شا عر ‪ ﴿ .‬وَحِيلَ‬
‫شَتهُو نَ ﴾ ‪ ،‬قال ‪ :‬من مال أو ولد أو زهرة ‪ ﴿ ،‬كَمَا ُفعِلَ‬ ‫َبْيَنهُ ْم َوَبيْ َن مَا يَ ْ‬
‫ِبَأشْيَاعِهِم مّ ن َقبْلُ ﴾ ‪ ،‬قال البغوي ‪ :‬يع ن ‪ :‬بنظرائ هم و من كان على م ثل‬
‫حالمَ مَن الكفار ‪ ،‬أي ‪ :‬ل يقبَل منهَم الِيان والتوبَة فَ وقَت اليأس ‪،‬‬
‫﴿ ِإّنهُم َْ كَانُوا فِي شَكّ ﴾ من البعَث ونزول العذاب ب م ‪ ﴿ ،‬مّرِي بٍ‬
‫﴾ مو قع ل م الري بة والته مة ‪ .‬قال قتادة ‪ :‬إيا كم وال شك والري بة ‪ ،‬فإن من‬
‫مات على شك بُعث عليه ‪ ،‬ومن مات على يقي بُعث عليه ‪.‬‬

‫***‬
‫‪637‬‬ ‫توفيق الرحن ف دروس القرآن‬

‫الدرس السابع والعشرون بعد الائتي‬


‫[ سورة فاطر ]‬
‫وآياتا خس أربعون آية‬

‫بسم ال الرحن الرحيم‬


‫ل أُولِي‬
‫ُسـ ً‬
‫ْضـ جَا ِعلِ الْمَلَائِ َكةِ ر ُ‬
‫ت وَاْلأَر ِ‬
‫السـمَاوَا ِ‬
‫ّهـ فَا ِط ِر ّ‬
‫﴿ الْحَ ْم ُد لِل ِ‬
‫ع َيزِيدُ فِي الْخَلْ قِ مَا َيشَا ُء إِنّ اللّ هَ عَلَى ُك ّل َشيْءٍ‬
‫ث وَ ُربَا َ‬
‫ح ٍة مّثْنَى وَثُلَا َ‬
‫َأجْنِ َ‬
‫ك فَلَا‬
‫سكَ لَهَا وَمَا يُمْ سِ ْ‬
‫َقدِيرٌ (‪ )1‬مَا يَفْتَ حِ اللّ ُه لِلنّا سِ مِن ّرحْ َمةٍ فَلَا مُمْ ِ‬
‫حكِي مُ (‪ )2‬يَا أَيّهَا النّا سُ اذْ ُكرُوا ِنعْمَ تَ‬
‫ُمرْ سِ َل لَ هُ مِن َبعْدِ ِه َوهُ َو الْ َعزِي ُز الْ َ‬
‫ض لَا ِإلَ هَ ِإلّا‬
‫اللّ هِ عَلَ ْيكُ مْ َهلْ مِ نْ خَالِ قٍ غَ ْي ُر اللّ ِه َيرْزُ ُقكُم مّ َن ال سّمَا ِء وَاْلأَرْ ِ‬
‫ُهوَ َفَأنّى ُت ْؤفَكُو نَ (‪ )3‬وَإِن ُي َكذّبُو َك َفقَدْ ُك ّذبَ تْ رُ ُسلٌ مّن قَبْلِ كَ َوِإلَى اللّ هِ‬
‫ُت ْرجَ عُ المُورُ (‪ )4‬يَا أَّيهَا النّا سُ إِنّ وَ ْع َد اللّ هِ َحقّ فَلَا َت ُغرّّنكُ مُ الْحَيَا ُة ال ّدنْيَا‬
‫خذُو هُ َعدُوّا إِنّمَا‬
‫َولَا َي ُغرّنّكُم بِاللّ ِه اْلغَرُورُ (‪ )5‬إِنّ الشّيْطَا َن َلكُ مْ َع ُد ّو فَاتّ ِ‬
‫سعِيِ (‪ )6‬اّلذِي نَ َك َفرُوا َلهُ مْ َعذَا بٌ‬
‫َيدْعُو ِحزْبَ هُ لَِيكُونُوا مِ ْن أَ صْحَابِ ال ّ‬
‫َشدِي ٌد وَاّلذِي نَ آ َمنُوا وَعَمِلُوا ال صّالِحَاتِ لَهُم ّم ْغفِ َر ٌة َوأَ ْجرٌ كَبِيٌ (‪َ )7‬أفَمَن‬
‫ض ّل مَن َيشَاءُ وََي ْهدِي مَن َيشَا ُء فَلَا‬
‫ُزيّنَ لَهُ سُوءُ عَمَلِهِ َفرَآ ُه حَسَنا َفإِنّ اللّهَ يُ ِ‬
‫سرَاتٍ إِنّ اللّ هَ عَلِي ٌم بِمَا يَ صَْنعُونَ (‪ )8‬وَاللّ هُ اّلذِي‬
‫سكَ عَلَ ْيهِ مْ حَ َ‬
‫َت ْذهَ بْ َنفْ ُ‬
‫ض بَ ْعدَ‬
‫ت َفأَحْيَيْنَا بِ هِ اْلأَرْ َ‬
‫سقْنَاهُ ِإلَى بَ َل ٍد مّيّ ٍ‬
‫ح فَتُثِيُ سَحَابا فَ ُ‬
‫أَرْ َسلَ ال ّريَا َ‬
‫ص َعدُ‬
‫ك النّشُورُ (‪ )9‬مَن كَا َن ُيرِيدُ اْل ِع ّزةَ فَلِلّ ِه اْلعِ ّز ُة جَمِيعا ِإلَيْ هِ يَ ْ‬
‫َم ْوتِهَا َك َذلِ َ‬
‫الزء الثالث‬ ‫‪638‬‬

‫ح َيرْ َفعُ هُ وَالّذِي نَ يَ ْم ُكرُو نَ ال سّيّئَاتِ َلهُ مْ َعذَا بٌ‬


‫ب وَاْلعَ َملُ ال صّالِ ُ‬
‫اْلكَلِ ُم الطّيّ ُ‬
‫ك ُهوَ يَبُورُ (‪ )10‬وَاللّهُ خَ َل َقكُم مّن ُترَابٍ ُثمّ مِن نّ ْط َفةٍ ُثمّ‬
‫َشدِي ٌد َومَ ْكرُ ُأ ْولَئِ َ‬
‫َجعَلَكُ ْم أَ ْزوَاجا َومَا تَحْ ِم ُل مِ ْن أُنثَى َولَا تَضَ ُع ِإلّا ِبعِلْمِ ِه وَمَا يُعَ ّم ُر مِن مّعَ ّمرٍ‬
‫َولَا يُنقَ صُ مِ نْ عُ ُمرِ ِه ِإلّا فِي كِتَا بٍ إِنّ ذَلِ كَ عَلَى اللّ ِه يَ سِيٌ (‪ )11‬وَمَا‬
‫ج َومِن ُكلّ‬
‫ح ُأجَا ٌ‬
‫ب ُفرَا تٌ سَائِ ٌغ َشرَابُ ُه َوهَذَا مِ ْل ٌ‬
‫حرَا ِن َهذَا َعذْ ٌ‬
‫يَ سْتَوِي الْبَ ْ‬
‫خ ِرجُو َن حِلَْيةً تَلْبَ سُوَنهَا َوتَرَى الْفُلْ كَ فِي هِ َموَا ِخرَ‬
‫َتأْكُلُو َن لَحْما َط ِريّا َوتَ سْتَ ْ‬
‫شكُرُو نَ (‪ )12‬يُولِ جُ اللّ ْي َل فِي النّهَا ِر َويُولِ جُ‬
‫لِتَبَْتغُوا مِن فَضْلِ هِ َوَلعَلّكُ ْم َت ْ‬
‫جرِي ِلأَ َج ٍل مّسَمّى َذلِكُ ُم اللّهُ‬
‫خرَ الشّمْسَ وَاْلقَ َمرَ ُك ّل يَ ْ‬
‫الّنهَارَ فِي اللّ ْيلِ وَسَ ّ‬
‫ك وَاّلذِي نَ َتدْعُو َن مِن دُونِ ِه مَا يَمْ ِلكُو َن مِن قِطْ ِميٍ (‪ )13‬إِن‬
‫َرّبكُ مْ لَ ُه الْمُلْ ُ‬
‫َتدْعُوهُ مْ لَا يَ سْ َمعُوا دُعَاءكُ ْم وََلوْ سَ ِمعُوا مَا ا سْتَجَابُوا لَكُ ْم َويَوْ َم الْقِيَامَةِ‬
‫ك مِ ْثلُ خَبِيٍ (‪. ﴾ )14‬‬
‫َي ْكفُرُو َن ِبشِرْ ِك ُكمْ َولَا يُنَبُّئ َ‬

‫***‬
‫‪639‬‬ ‫توفيق الرحن ف دروس القرآن‬

‫ـ جَا ِعلِ‬
‫ت وَاْلأَرْض ِ‬
‫ـمَاوَا ِ‬
‫ـ فَا ِط ِر الس ّ‬
‫قوله عـز وجـل ‪ ﴿ :‬الْحَ ْم ُد لِلّه ِ‬
‫ع َيزِي ُد فِي الْخَلْ ِق مَا َيشَا ُء إِنّ‬
‫ح ٍة مّثْنَى َوثُلَاثَ وَ ُربَا َ‬
‫ل أُولِي أَجْنِ َ‬
‫الْمَلَائِ َكةِ رُسُ ً‬
‫سكَ َلهَا‬
‫اللّهَ عَلَى ُك ّل شَيْ ٍء َقدِيرٌ (‪ )1‬مَا َيفْتَحِ اللّهُ لِلنّاسِ مِن ّرحْ َم ٍة فَلَا مُمْ ِ‬
‫حكِيمُ (‪. ﴾ )2‬‬
‫ك فَلَا ُم ْرسِ َل َلهُ مِن َبعْ ِد ِه َوهُ َو الْ َعزِي ُز الْ َ‬
‫س ْ‬
‫َومَا يُ ْم ِ‬
‫قال ابن عباس ‪ ﴿ :‬فَاطِ ِر ال سّمَاوَا ِ‬
‫ت وَالْأَرْ ضِ ﴾ ‪ ،‬أي ‪ :‬بديع السماوات‬
‫َ فاطَر السَماوات والرض حتَ أتانَ‬ ‫والرض ؛ وقال ‪ :‬كنَت ل أدري م ا‬
‫أعرابيّان يتصمان ف بئر ‪ ،‬فقال أحدها لصاحبه ‪ :‬أنا فَطَرتا ‪ ،‬أي ‪ :‬بدأتا ‪.‬‬
‫ث وَ ُربَا عَ ﴾ ‪ ،‬قال قتادة ‪:‬‬ ‫ح ٍة ّمثْنَى َوثُلَا َ‬
‫﴿ جَاعِ ِل الْمَلَاِئ َكةِ رُسَُلً أُولِي أَ ْجنِ َ‬
‫بعض هم له جناحان وبعض هم ثل ثة وبعض هم أرب عة ‪ ﴿ .‬يَزِيدُ فِي الْخَلْ ِق مَا‬
‫يَشَاءُ ﴾ ‪ ،‬قال السدي ‪ :‬يزيد ف أجنحتهم ما يشاء ؛ وف الديث أن رسول‬
‫َّمائة جناح ‪ ،‬بيَ كَل‬ ‫ال رأى جبيَل عليَه السَلم ليلة السَراء وله س ت‬
‫س مِن‬ ‫جناحي كما بي الشرق والغرب ‪ .‬وعن قتادة ‪ ﴿ :‬مَا َي ْفتَ حِ اللّ هُ لِلنّا ِ‬
‫رّحْ َمةٍ ﴾ ‪ ،‬أي ‪ :‬من خي ‪ ﴿ ،‬فَلَا مُمْ سِكَ َلهَا ﴾ فل يستطيع أحد حبسها ‪،‬‬
‫﴿ وَمَا يُمْ سِكْ فَلَا مُرْ سِلَ لَ ُه مِن بَعْدِ هِ ﴾ و ف ال صحيحي أن ر سول ال‬
‫كان يقول دبر كل صلة مكتو بة ‪ « :‬ل إله إل ال وحده ل شر يك له ‪ ،‬له‬
‫اللك وله المد وهو على كل شيء قدير ‪ .‬اللهم ل مانع لا أعطيت ‪ ،‬ول‬
‫معطي لا منعت ول ينفع ذا ال ّد منك الد » ‪.‬‬
‫الزء الثالث‬ ‫‪640‬‬

‫قوله عز و جل ‪ ﴿ :‬يَا أَيّهَا النّا سُ اذْ ُكرُوا ِنعْمَ تَ اللّ هِ عَلَ ْيكُ مْ هَ ْل مِ نْ‬
‫ض لَا إِلَهَ ِإلّا ُهوَ َفَأنّى تُ ْؤ َفكُونَ (‪)3‬‬
‫خَالِقٍ غَ ْيرُ اللّهِ َيرْ ُز ُقكُم مّنَ السّمَاءِ وَاْلأَرْ ِ‬
‫ك وَِإلَى اللّ هِ ُت ْرجَ عُ المُورُ (‪ )4‬يَا‬
‫َوإِن يُ َك ّذبُو َك َف َقدْ ُك ّذبَ تْ رُ ُس ٌل مّ ن قَبْلِ َ‬
‫َأيّهَا النّا سُ إِنّ وَ ْعدَ اللّ ِه حَقّ فَلَا َت ُغ ّرنّكُ ُم الْحَيَاةُ الدّنْيَا َولَا َي ُغ ّرنّكُم بِاللّ هِ‬
‫خذُوهُ َعدُوّا إِنّمَا َيدْعُو ِح ْزبَ ُه لَِيكُونُوا‬
‫اْلغَرُورُ (‪ )5‬إِنّ الشّيْطَا َن َلكُمْ َع ُد ّو فَاتّ ِ‬
‫ب َشدِي ٌد وَاّلذِي نَ آمَنُوا‬
‫مِ نْ أَ صْحَابِ ال سّعِيِ (‪ )6‬الّذِي نَ َك َفرُوا َلهُ مْ َعذَا ٌ‬
‫ت لَهُم ّم ْغ ِف َرةٌ َوأَ ْجرٌ كَبِيٌ (‪َ )7‬أفَمَن ُزيّ َن لَ هُ سُوءُ َعمَلِ هِ‬
‫وَعَ ِملُوا ال صّالِحَا ِ‬
‫سكَ‬
‫ب َنفْ ُ‬
‫ض ّل مَن َيشَا ُء َوَي ْهدِي مَن َيشَا ُء فَلَا َت ْذهَ ْ‬
‫َفرَآ ُه حَ سَنا َفإِنّ اللّ هَ يُ ِ‬
‫سرَاتٍ إِنّ ال ّلهَ عَلِي ٌم بِمَا يَصَْنعُونَ (‪. ﴾ )8‬‬
‫عَلَ ْي ِهمْ َح َ‬
‫عن قتادة ‪َ ﴿ :‬وإِن ُيكَ ّذبُو كَ َفقَدْ كُ ّذبَ تْ رُ سُ ٌل مّن َقبْلِ كَ ﴾ ‪ ،‬يعزي نبيّه‬
‫ك ما ت سمعون ‪ .‬و عن ا بن عباس ف قوله ‪ ﴿ :‬وَلَا َيغُ ّرنّكُم بِاللّ ِه اْلغَرُورُ ﴾ ‪،‬‬
‫شيْطَا نَ َلكُ ْم عَ ُدوّ فَاتّخِذُو هُ عَ ُدوّا‬
‫يقول‪:‬الشيطان ‪ .‬و عن قتادة قوله ‪ ﴿:‬إِنّ ال ّ‬
‫﴾ فإنه ح ّق على كل مسلم عداوته ‪ ،‬وعداوته أن يعاديه بطاعة ال ‪ِ ﴿ ،‬إنّمَا‬
‫سعِيِ ﴾ ‪ ،‬أي ‪:‬‬ ‫ب ال ّ‬ ‫يَدْعُو حِ ْزبَ هُ ﴾ وحز به أولياؤه ‪ِ ﴿ ،‬ليَكُونُوا مِ نْ أَ صْحَا ِ‬
‫ليسوقهم إل النار فهذه عداوته ‪.‬‬
‫وقوله تعال ‪ ﴿ :‬أَفَمَن ُزيّ نَ لَ هُ سُوءُ عَ َملِ هِ فَرَآ هُ حَ سَنا ﴾ ‪ ،‬قال السن ‪:‬‬
‫َسَرَاتٍ ﴾ ‪ ،‬أي ‪ :‬ل‬
‫ِمَ ح َ‬‫ْسَكَ عََلْيه ْ‬
‫َبَ َنف ُ‬
‫الشيطان زي ّن لمَ ‪َ ﴿ .‬فلَا تَ ْذه ْ‬
‫يزنك ذلك عليهم ‪ ﴿ ،‬فَِإنّ اللّ َه ُيضِلّ مَن يَشَاءُ َوَيهْدِي مَن يَشَاءُ ﴾ ‪ .‬وقال‬
‫‪641‬‬ ‫توفيق الرحن ف دروس القرآن‬

‫ابَن كثيَ ‪ ﴿ :‬أَفَمَن ُزيّنََلَهَُ سَُو ُء عَمَلِهَِ َفرَآهَُ حَسََنا ﴾ ‪ ،‬يعنَ ‪ :‬الكفار‬
‫والفجّار يعملون أعمالً سيّئة ‪ ،‬وهم ف ذلك يعتقدون ويسبون أنم يسنون‬
‫صنعًا ‪ ،‬أي ‪ :‬أفمن كان هكذا قد أضلّه ال ‪ ،‬ألك فيه حيلة ؟ ل حيلة لك فيه‬
‫ّهَ يُضِ ّل م َن يَشَا ُء َوَيهْدِي م َن يَشَاءُ ﴾ ‪ ،‬أي ‪ :‬بقَدَرِه كان‬
‫‪ ﴿ ،‬فَإِن ّ الل َ‬
‫ب َنفْ سُكَ عََلْيهِ مْ حَ سَرَاتٍ ﴾ ‪ ،‬أي ‪ :‬ل تأسف على ذلك‬ ‫ذلك ‪َ ﴿ ،‬فلَا تَ ْذهَ ْ‬
‫فإن ال حك يم ف قدره ‪ ،‬إن ا يُض ّل ويَهدي من يَهدي ‪ ،‬ل ا له ف ذلك من‬
‫الجّة البال غة والعلم التام ‪ ،‬ولذا قال تعال ‪ ﴿ :‬إِنّ اللّ َه عَلِي مٌ بِمَا يَ صَْنعُونَ‬
‫﴾‪.‬‬
‫سقْنَاهُ ِإلَى‬
‫ح فَتُثِيُ سَحَابا فَ ُ‬
‫قوله عز وجل ‪ ﴿ :‬وَاللّ هُ اّلذِي أَرْ َسلَ ال ّريَا َ‬
‫ض بَ ْع َد مَ ْوتِهَا َك َذلِ كَ الّنشُورُ (‪ )9‬مَن كَا َن ُيرِيدُ‬
‫ت َفأَحْيَيْنَا بِ هِ اْلأَرْ َ‬
‫بَ َل ٍد مّيّ ٍ‬
‫ح َيرْ َفعُ هُ‬
‫ب وَالْعَ َم ُل ال صّالِ ُ‬
‫ص َعدُ اْلكَلِ ُم الطّيّ ُ‬
‫اْلعِ ّز َة فَلِلّ ِه اْلعِ ّز ُة جَمِيعا ِإلَيْ ِه يَ ْ‬
‫ب َشدِيدٌ َو َمكْ ُر ُأوْلَئِ كَ ُهوَ يَبُورُ (‪)10‬‬
‫وَالّذِي َن يَ ْم ُكرُو نَ ال سّيّئَاتِ َلهُ مْ َعذَا ٌ‬
‫ب ثُمّ مِن نّ ْطفَ ٍة ُثمّ َجعَلَكُ ْم أَ ْزوَاجا َومَا تَحْ ِم ُل مِ ْن أُنثَى‬
‫وَاللّ ُه خَ َلقَكُم مّن ُترَا ٍ‬
‫ص مِنْ عُ ُم ِرهِ إِلّا فِي كِتَابٍ إِنّ‬
‫َولَا تَضَ ُع ِإلّا ِبعِلْمِ ِه َومَا يُعَ ّم ُر مِن ّمعَ ّمرٍ وَلَا يُنقَ ُ‬
‫حرَا نِ َهذَا َعذْ بٌ ُفرَا تٌ سَائِغٌ‬
‫َذلِ كَ عَلَى اللّ هِ يَ سِيٌ (‪ )11‬وَمَا يَ سَْتوِي الْبَ ْ‬
‫خ ِرجُونَ حِلَْيةً‬
‫ح ُأجَا جٌ وَمِن ُك ّل تَأْكُلُو َن لَحْما َطرِيّا وَتَ سْتَ ْ‬
‫َشرَابُ هُ وَ َهذَا مِلْ ٌ‬
‫ش ُكرُو نَ (‬
‫تَلْبَ سُوَنهَا َوَترَى اْلفُلْ كَ فِي هِ َموَا ِخ َر لِتَبَْتغُوا مِن فَضْلِ ِه وََلعَ ّلكُ مْ َت ْ‬
‫س وَالْقَ َمرَ‬
‫خ َر الشّمْ َ‬
‫ج الّنهَا َر فِي اللّ ْيلِ وَ سَ ّ‬
‫ج اللّ ْيلَ فِي الّنهَارِ َويُولِ ُ‬
‫‪ )12‬يُولِ ُ‬
‫الزء الثالث‬ ‫‪642‬‬

‫ك وَاّلذِي نَ َتدْعُو نَ مِن‬


‫جرِي ِلأَ َج ٍل مّ سَمّى َذلِكُ ُم اللّ هُ َربّكُ ْم لَ ُه الْمُلْ ُ‬
‫ُك ّل يَ ْ‬
‫دُونِ هِ مَا يَمْ ِلكُو نَ مِن قِ ْطمِيٍ (‪ )13‬إِن َتدْعُوهُ مْ لَا يَ سْ َمعُوا دُعَاءكُ مْ وََلوْ‬
‫ك مِ ْثلُ‬
‫سَ ِمعُوا مَا ا سْتَجَابُوا لَكُ ْم وََيوْ َم اْلقِيَا َمةِ َي ْكفُرُو َن ِبشِرْ ِككُ مْ َولَا يُنَبّئُ َ‬
‫خَبِيٍ (‪. ﴾ )14‬‬
‫عن قتادة ‪ :‬قوله ‪ ﴿ :‬وَاللّ ُه الّذِي أَرْ سَلَ ال ّريَا حَ َفُتثِيُ سَحَابًا ﴾ ‪ ،‬قال ‪:‬‬
‫ير سل الرياح فت سوق ال سحاب ‪ ،‬فأح يا ال به هذه الرض الي تة بذا الاء ‪،‬‬
‫فكذلك يبعثه يوم القيامة ‪ ﴿ .‬مَنْ كَا َن يُرِي ُد اْلعِ ّزةَ فَِللّ ِه الْعِ ّزةُ َجمِيعًا ﴾ ‪ ،‬يقول‬
‫صعَدُ اْلكَلِ مُ ال ّطيّ بُ وَاْلعَمَ ُل ال صّالِ ُح يَرَْفعُ هُ ﴾ ل‬
‫‪ :‬فليعزز بطا عة ال ﴿ إِلَيْ هِ يَ ْ‬
‫يقبل ال قولً إل بعمل ‪ ،‬مَ نْ قال وأحسن العمل َقبِلَ ال منه ‪ .‬وعن عبد‬
‫ال بن مسعود رضي ال عنه أنه قال ‪ :‬إذا حدّثناكم بديث أتيناكم بتصديق‬
‫ذلك مَن كتاب ال تعال إن العبَد السَلم إذا قال ‪ :‬سَبحان ال وبمده ‪،‬‬
‫وال مد ل ‪ ،‬ول إله إل ال ‪ ،‬وال أ كب ‪ ،‬تبارك ال ‪ ،‬أخذه نّ ملك فجعله نّ‬
‫تت جناحيه ث صعد ب نّ إل السماء ‪ ،‬فل ي ّر ب نّ على جع من اللئكة إل‬
‫ا ستغفروا لقائله نّ ‪ ،‬ح ت ي يء ب ن وج َه الرح ن ‪ ،‬ث قرأ ع بد ال ‪ ﴿ :‬إَِليْ هِ‬
‫ب وَالْعَمَ ُل الصّالِ ُح يَرَْفعُهُ ﴾ ‪ .‬رواه ابن جرير ‪.‬‬ ‫صعَ ُد الْكَِلمُ ال ّطيّ ُ‬
‫َي ْ‬
‫ب شَدِيدٌ ﴾ ‪.‬‬ ‫وقوله تعال ‪ ﴿ :‬وَالّذِي َن يَ ْمكُرُونَ ال ّ‬
‫سّيئَاتِ َلهُ ْم عَذَا ٌ‬
‫قال ابن جرير ‪ :‬يقول تعال ذكره ‪ :‬والذين يكسبون السيّئات لم عذاب‬
‫جهنم ‪.‬‬
‫‪643‬‬ ‫توفيق الرحن ف دروس القرآن‬

‫وقوله ‪َ ﴿ :‬و َمكْرُ ُأوَْلئ َ‬


‫ِكَ ُه َو يَبُورُ ﴾ ‪ ،‬يقول ‪ :‬وعمَل هؤلء الشركيَ‬
‫يبور ‪ ،‬فيبطل فيذهب لنه ل يكن ل فلم ينفع عامله ‪.‬‬
‫و عن قتادة ‪ ﴿ :‬وَاللّ هُ خََلقَكُم مّ ن تُرَا بٍ ﴾ يع ن ‪ :‬آدم ﴿ ثُمّ مِن نّ ْط َفةٍ‬
‫﴾ يعن ‪ :‬ذ ّريّته ‪ ﴿ ،‬ثُمّ َجعََلكُ مْ أَ ْزوَاجا ﴾ فزوّج بعضكم بعضًا ‪ .‬وقال ابن‬
‫ص مِ ْن عُمُرِ هِ إِلّا فِي ِكتَا بٍ ﴾ ‪،‬‬
‫زيد ف قوله ‪َ ﴿ :‬ومَا ُيعَمّ ُر مِن ّمعَمّ ٍر وَلَا يُنقَ ُ‬
‫قال ‪ :‬أل ترى الِنسان يعيش مائة سنة ‪ ،‬وآخر حي يولد ؟‬
‫وقوله تعال ‪َ ﴿ :‬ومَا يَ ْ‬
‫سَتوِي اْلبَحْرَا ِن هَذَا عَذْ بٌ ُفرَا تٌ سَائِ ٌغ شَرَابُهُ َوهَذَا‬
‫مِ ْل حٌ أُجَا جٌ ﴾ قال قتادة ‪ :‬والُجاج ‪ :‬الرّ ﴿ َومِن كُ ّل َتأْكُلُو نَ لَحْما طَ ِريّا ﴾‬
‫خرِجُونَ حِ ْلَي ًة تَ ْلبَ سُوَنهَا ﴾ هذا اللؤلؤ ﴿ َوتَرَى‬
‫ستَ ْ‬
‫أي ‪ :‬منه ما جعيًا ‪َ ﴿ ،‬وتَ ْ‬
‫اْلفُلْ كَ فِي ِه َموَا ِخرَ ﴾ ف يه ال سفن مقبلة ومدبرة بر يح واحدة ؛ ق يل ‪ :‬ن سب‬
‫اللؤلؤ إليهما لنه يكون ف البحر الُجاج عيون عذبة ‪ ،‬فيكون اللؤلؤ من بي‬
‫ذلك ‪.‬‬
‫وعن قتادة ‪ ﴿ :‬يُولِ جُ الّليْلَ فِي الّنهَارِ َويُولِ ُج الّنهَارَ فِي الّليْلِ ﴾ زيادة هذا‬
‫س وَاْلقَ َمرَ كُلّ‬
‫ف نقصان هذا ‪ ،‬ونقصان هذا ف زيادة هذا ‪ ﴿ .‬وَ سَخّرَ الشّمْ َ‬
‫جرِي ِلأَجَ ٍل مّ سَمّى ﴾ لجل معلوم وح ّد ل يقصر دونه ول يتعدّاه ﴿ ذَِلكُ مُ‬ ‫يَ ْ‬
‫اللّهُ َرّبكُمْ لَ ُه الْمُلْكُ ﴾ ‪.‬‬
‫قال ا بن جر ير ‪ :‬وقوله ‪ ﴿ :‬ذَِلكُ مُ اللّ هُ َرّبكُ مْ ﴾ ‪ ،‬يقول ‪ :‬الذي يف عل‬
‫هذه الفعال معبودكم ‪ -‬أيها الناس ‪ -‬الذي ل تصلح العبادة إل له ‪ ،‬وهو ال‬
‫ربكم ‪.‬‬
‫الزء الثالث‬ ‫‪644‬‬

‫َ الذي ل‬
‫َ ﴾ ‪ ،‬يقول تعال ذكره ‪ :‬له اللك التام ّ‬ ‫وقوله ‪ ﴿ :‬لَه ُ‬
‫َ الْمُلْك ُ‬
‫شيء إل وهو ف ملكه وسلطانه ‪.‬‬
‫وقوله ‪ ﴿ :‬وَالّذِي َن تَ ْدعُو َن مِن دُونِ ِه مَا يَ ْمِلكُو نَ مِن قِطْمِيٍ ﴾ ‪ ،‬يقول‬
‫تعال ذكره ‪ :‬والذيَن تعبدون ‪ -‬أيهَا الناس ‪ -‬مَن دون ربكَم ‪ -‬الذي هذه‬
‫ال صفة ال ت ذكر ها ف هذه اليات صفته ‪ ﴿ -‬مَا يَمِْلكُو نَ مِن ِقطْمِيٍ ﴾ ‪،‬‬
‫يقول ‪ :‬ما يلكون قشر نواة فما فوقها ‪ .‬وعن قتادة ‪ :‬قوله ‪ ﴿ :‬إِن تَ ْدعُوهُ مْ‬
‫لَا يَ سْ َمعُوا ُدعَاءكُ ْم وََلوْ سَ ِمعُوا مَا ا ْستَجَابُوا َلكُ مْ ﴾ ‪ ،‬أي ‪ :‬ما قبلوا ذلك‬
‫شرْ ِككُ مْ ﴾ إيا هم ول‬ ‫عن كم ول نفعو كم ف يه ‪َ ﴿ ،‬ويَوْ َم اْلقِيَا َمةِ يَ ْكفُرُو نَ بِ ِ‬
‫ُكَ ِمثْلُ َخبِيٍ ﴾ ‪ ،‬وال هَو البَي أنَه‬ ‫يرضون ول يقرّون بَه ‪ ﴿ .‬وَلَا يَُنّبئ َ‬
‫سيكون هذا منهم يوم القيامة ‪ .‬انتهى ‪.‬‬
‫وقد قال تعال ‪َ ﴿ :‬ومَنْ أَضَ ّل مِمّن يَ ْدعُو مِن دُونِ اللّ ِه مَن لّا يَ ْ‬
‫ستَجِيبُ لَهُ‬
‫إِلَى يَو مِ اْل ِقيَا َمةِ َوهُ مْ عَن ُدعَاِئهِ مْ غَاِفلُو نَ * َوإِذَا حُشِ َر النّا سُ كَانُوا َلهُ مْ َأعْدَاء‬
‫ِينَ َزعَمْتُم مّنَ‬ ‫ِينَ ﴾ ‪ ،‬وقال تعال ‪ ﴿ :‬قُلِ ا ْدعُوا الّذ َ‬ ‫ِمَ كَاِفر َ‬ ‫وَكَانُوا ِب ِعبَا َدِته ْ‬
‫ت وَلَا فِي اْلأَرْ ضِ َومَا َلهُ مْ فِيهِمَا‬ ‫دُو نِ اللّ هِ لَا يَ ْمِلكُو َن ِمثْقَالَ ذَ ّرةٍ فِي ال سّمَاوَا ِ‬
‫شفَا َعةُ عِندَهُ إِلّا لِمَنْ أَذِنَ لَهُ ﴾ ‪،‬‬ ‫مِن شِرْكٍ َومَا لَ ُه ِمْنهُم مّن َظهِيٍ * وَلَا تَنفَعُ ال ّ‬
‫ش ُرهُ مْ جَمِيعا ثُمّ َيقُولُ لِلْ َملَاِئكَةِ َأ َهؤُلَاء ِإيّاكُ مْ كَانُوا‬
‫وقال تعال ‪َ ﴿ :‬وَيوْ مَ يَحْ ُ‬
‫ُونَ الْجِنّ‬ ‫َنتَ وَِليّنَا مِن دُونِهِم بَلْ كَانُوا َي ْعبُد َ‬ ‫سَحَانَكَ أ َ‬ ‫ُونَ * قَالُوا ُبْ‬ ‫َي ْعبُد َ‬
‫أَ ْكثَرُهُم بِهِم ّم ْؤمِنُو نَ ﴾ ‪ ،‬وقال تعال ‪َ ﴿ :‬وإِذْ قَالَ اللّ ُه يَا عِي سَى ابْ َن مَ ْريَ مَ‬
‫س اتّخِذُونِي َوأُمّ يَ إِلَ َهَيْ ِن مِن دُو نِ اللّ هِ قَالَ ُسبْحَانَكَ مَا‬ ‫َأأَن تَ قُل تَ لِلنّا ِ‬
‫‪645‬‬ ‫توفيق الرحن ف دروس القرآن‬

‫َيكُو نُ لِي أَ نْ أَقُو َل مَا َليْ سَ لِي بِحَقّ ﴾ ‪ ،‬وقال تعال ‪َ ﴿ :‬وَيوْ َم نَحْشُ ُرهُ ْم‬
‫جَمِيعا ثُمّ َنقُولُ لِلّذِي نَ َأشْرَكُوْا َمكَانَكُ مْ أَنتُ ْم َوشُرَكَآؤُكُ مْ فَ َزيّلْنَا َبْينَهُ ْم وَقَالَ‬
‫شُرَكَآ ُؤهُم مّا كُنتُمْ ِإيّانَا َت ْعبُدُونَ * َف َكفَى بِاللّ ِه َشهِيدا َبيَْننَا َوبَْيَنكُمْ إِن ُكنّا عَنْ‬
‫ِعبَا َدِتكُ مْ َلغَافِلِيَ ﴾ ‪ ،‬وقال تعال ‪َ ﴿ :‬ويَوْ َم يَحْشُ ُرهُ ْم َومَا َي ْعبُدُو َن مِن دُو نِ‬
‫ك مَا‬‫سبِيلَ * قَالُوا ُسبْحَانَ َ‬ ‫اللّهِ َفَيقُولُ َأأَنتُمْ أَضَْل ْلتُ ْم ِعبَادِي َهؤُلَاء أَ ْم هُمْ ضَلّوا ال ّ‬
‫ك مِ نْ َأوْلِيَاء وَلَكِن ّمتّ ْعَتهُ ْم وَآبَاءهُ مْ َحتّ ى‬ ‫كَا َن يَنبَغِي لَنَا أَن ّنتّخِ َذ مِن دُونِ َ‬
‫نَسُوا الذّ ْك َر وَكَانُوا َقوْما بُورا ﴾ ‪.‬‬

‫***‬
‫الزء الثالث‬ ‫‪646‬‬

‫الدرس الثامن والعشرون بعد الائتي‬

‫﴿ يَا أَّيهَا النّا سُ أَنتُ مُ اْلفُ َقرَاء ِإلَى اللّ هِ وَاللّ ُه هُ َو الْغَِنيّ الْحَمِيدُ (‪ )15‬إِن‬
‫شأْ ُي ْذهِبْكُمْ َوَيأْتِ بِخَلْ ٍق جَدِيدٍ (‪َ )16‬ومَا َذلِكَ عَلَى اللّ ِه ِبعَزِيزٍ (‪ )17‬وَلَا‬
‫َي َ‬
‫ْهـ شَيْ ٌء َوَلوْ‬
‫ْعـ مُ ْثقَ َلةٌ ِإلَى حِمْلِهَا لَا يُحْ َم ْل مِن ُ‬
‫َتزِ ُر وَازِ َرةٌ وِزْ َر ُأ ْخرَى َوإِن َتد ُ‬
‫ب َوَأقَامُوا ال صّلَاةَ َومَن‬
‫شوْ نَ َرّبهُم بِالغَيْ ِ‬
‫خَ‬‫كَا َن ذَا ُقرْبَى إِنّمَا تُنذِرُ اّلذِي نَ يَ ْ‬
‫َتزَكّ ى َفِإنّمَا يََتزَكّ ى لَِنفْ سِ ِه َوإِلَى اللّ هِ الْمَ صِيُ (‪ )18‬وَمَا يَ سْتَوِي الْأَعْمَى‬
‫حرُورُ (‪)21‬‬
‫َاتـ َولَا النّورُ (‪َ )20‬ولَا ال ّظ ّل وَلَا الْ َ‬
‫َصـيُ (‪ )19‬وَلَا الظّلُم ُ‬
‫وَالْب ِ‬
‫َومَا يَ سَْتوِي اْلأَحْيَاء َولَا اْلأَ ْموَا تُ إِنّ اللّ هَ يُ سْمِ ُع مَن َيشَا ُء وَمَا أَن تَ بِمُ سْمِعٍ‬
‫مّنـ فِي اْلقُبُورِ (‪ )22‬إِن ْـأَنتَـِإلّا َنذِيرٌ (‪ِ )23‬إنّاـ أَرْسَـلْنَا َك بِالْحَقّ َبشِيا‬
‫ب الّذِي نَ‬
‫َوَنذِيرا َوإِن مّ نْ ُأ ّمةٍ ِإلّا خلَا فِيهَا َنذِيرٌ (‪َ )24‬وإِن يُ َك ّذبُو َك َف َقدْ َكذّ َ‬
‫مِن قَبْ ِلهِم ْـ جَاءْتهُم ْـ رُسُـُلهُم بِالْبَيّنَاتِـ وَبِال ّزُبرِ َوبِالْكِتَابِـ الْمُنِيِ (‪ )25‬ثُمّ‬
‫َأ َخذْتُـ اّلذِينَـ َك َفرُوا َفكَيْفَـ كَانَـنَكِيِ (‪َ )26‬ألَم ْـَت َر أَنّ اللّهَـأَن َزلَ مِنَـ‬
‫ال سّمَا ِء مَا ًء َفَأخْ َرجْنَا بِ ِه ثَ َمرَا تٍ مّخْتَلِفا َألْوَانُهَا َومِ نَ الْجِبَا ِل جُ َد ٌد بِي ضٌ‬
‫ف َألْوَانُهَا وَ َغرَابِي بُ سُودٌ (‪َ )27‬ومِنَ النّاسِ وَال ّدوَابّ وَاْلَأنْعَا مِ‬
‫َوحُ ْمرٌ مّخْتَلِ ٌ‬
‫ك إِنّمَا يَخْشَى اللّ َه مِ نْ عِبَادِ ِه اْلعُلَمَاء إِنّ اللّ هَ َعزِيزٌ‬
‫مُخْتَلِ فٌ أَْلوَانُ هُ َك َذلِ َ‬
‫الصـلَاةَ َوأَن َفقُوا مِمّاـ‬
‫ّهـ َوَأقَامُوا ّ‬
‫َابـ الل ِ‬
‫ُونـ كِت َ‬
‫ِينـ يَتْل َ‬
‫َغفُورٌ (‪ )28‬إِنّ اّلذ َ‬
‫ُمـ‬
‫ُمـ ُأجُورَه ْ‬
‫ُونـ تِجَا َر ًة لّن تَبُورَ (‪ )29‬لُِيوَفَّيه ْ‬
‫سـرّا وَعَلَانَِيةً يَ ْرج َ‬
‫ُمـ ِ‬
‫َر َزقْنَاه ْ‬
‫ك مِنَ اْلكِتَابِ‬
‫َوَيزِي َدهُم مّن فَضْلِ ِه ِإنّهُ َغفُو ٌر شَكُورٌ (‪ )30‬وَاّلذِي َأ ْوحَيْنَا ِإلَيْ َ‬
‫‪647‬‬ ‫توفيق الرحن ف دروس القرآن‬

‫ي بَ صِيٌ (‪ُ )31‬ثمّ أَوْ َرثْنَا‬


‫صدّقا لّمَا بَيْ نَ َي َديْ ِه إِنّ اللّ هَ ِبعِبَادِ ِه لَخَبِ ٌ‬
‫حقّ مُ َ‬
‫ُهوَ الْ َ‬
‫ص ٌد وَمِ ْنهُمْ‬
‫سهِ وَمِ ْنهُم ّمقْتَ ِ‬
‫ص َطفَيْنَا مِنْ ِعبَا ِدنَا فَمِ ْنهُمْ ظَالِ ٌم لَّنفْ ِ‬
‫ب الّذِي َن ا ْ‬
‫اْلكِتَا َ‬
‫ْنـ‬
‫ّاتـ َعد ٍ‬
‫ضلُ اْلكَبِيُ (‪ )32‬جَن ُ‬
‫ِكـ ُهوَ اْلفَ ْ‬
‫ّهـ َذل َ‬
‫ْنـ الل ِ‬
‫َاتـ ِبِإذ ِ‬
‫سـَاِبقٌ بِالْخَ ْير ِ‬
‫َي ْدخُلُوَنهَا يُحَ ّلوْ َن فِيهَا مِ ْن أَ سَاوِرَ مِن َذهَ بٍ وَُل ْؤلُؤا َولِبَا ُس ُهمْ فِيهَا حَرِيرٌ (‬
‫حزَ َن إِنّ َربّنَا َل َغفُو ٌر َشكُورٌ (‬
‫‪َ )33‬وقَالُوا الْحَ ْم ُد لِلّ هِ اّلذِي أَ ْذهَ بَ عَنّ ا الْ َ‬
‫ب َولَا يَ َمسّنَا فِيهَا‬
‫‪ )34‬اّلذِي َأحَلّنَا دَارَ الْ ُمقَامَ ِة مِن فَضْلِ ِه لَا يَ َمسّنَا فِيهَا نَصَ ٌ‬
‫ُلغُو بٌ (‪ )35‬وَالّذِي نَ َك َفرُوا َلهُ مْ نَا ُر َجهَنّ مَ لَا ُيقْضَى عَلَ ْيهِ ْم فَيَمُوتُوا وَلَا‬
‫جزِي ُكلّ َكفُورٍ (‪َ )36‬وهُ مْ يَ صْ َط ِرخُونَ‬
‫خفّ فُ عَ ْنهُم مّ نْ َعذَاِبهَا َك َذلِ كَ نَ ْ‬
‫يُ َ‬
‫فِيهَا َربّنَا َأ ْخرِجْنَا َنعْ َملْ صَالِحا غَ ْي َر اّلذِي كُنّا َنعْ َملُ أَ َولَمْ ُنعَ ّمرْكُم مّا يََتذَ ّكرُ‬
‫ي مِن نّصِيٍ (‪. ﴾ )37‬‬
‫فِي ِه مَن َتذَ ّك َر وَجَاء ُك ُم النّذِيرُ َفذُوقُوا فَمَا لِلظّالِمِ َ‬

‫***‬
‫الزء الثالث‬ ‫‪648‬‬

‫قوله عز وجل ‪ ﴿ :‬يَا أَّيهَا النّا سُ أَنتُ ُم الْ ُف َقرَاء ِإلَى اللّ هِ وَاللّ هُ ُهوَ اْلغَنِيّ‬
‫شأْ ُي ْذهِبْكُ ْم وََيأْ تِ بِخَلْ ٍق َجدِيدٍ (‪ )16‬وَمَا َذلِ كَ عَلَى‬
‫الْحَمِيدُ (‪ )15‬إِن َي َ‬
‫ْعـ مُ ْثقَ َلةٌ ِإلَى حِمْلِهَا لَا‬
‫ّهـ ِب َعزِيزٍ (‪ )17‬وَلَا َتزِرُ وَازِ َر ٌة وِزْ َر ُأخْرَى َوإِن َتد ُ‬
‫الل ِ‬
‫شوْ نَ َرّبهُم بِالغَيْ بِ‬
‫خَ‬‫ح َملْ مِنْ ُه شَيْ ٌء َوَلوْ كَا نَ ذَا ُق ْربَى ِإنّمَا تُنذِ ُر الّذِي نَ يَ ْ‬
‫يُ ْ‬
‫س ِه وَِإلَى اللّ ِه الْمَصِيُ (‪ )18‬وَمَا‬
‫َوَأقَامُوا الصّلَاةَ وَمَن َتزَكّى َفإِنّمَا يََتزَكّى لَِنفْ ِ‬
‫يَ سَْتوِي اْلأَعْمَى وَالْبَ صِيُ (‪َ )19‬ولَا الظّلُمَا تُ َولَا النّورُ (‪ )20‬وَلَا الظّ ّل َولَا‬
‫حرُورُ (‪ )21‬وَمَا يَ سَْتوِي اْلأَحْيَاء َولَا اْلأَ ْموَا تُ إِنّ اللّ هَ يُ سْمِ ُع مَن َيشَاءُ‬
‫الْ َ‬
‫ت ِإلّا َنذِيرٌ (‪ِ )23‬إنّا أَرْ سَلْنَاكَ‬
‫سمِ ٍع مّن فِي الْقُبُورِ (‪ )22‬إِ ْن أَن َ‬
‫ت بِمُ ْ‬
‫َومَا أَن َ‬
‫حقّ َبشِيا َونَذِيرا َوإِن مّ ْن ُأ ّمةٍ ِإلّا خلَا فِيهَا َنذِيرٌ (‪َ )24‬وإِن يُ َك ّذبُو َك َف َقدْ‬
‫بِالْ َ‬
‫ب الْمُنِيِ (‬
‫ت َوبِال ّزبُ ِر َوبِالْكِتَا ِ‬
‫َكذّبَ اّلذِينَ مِن قَبْ ِلهِ ْم جَاءْتهُمْ رُسُ ُلهُم بِالْبَيّنَا ِ‬
‫ت اّلذِينَ َك َفرُوا َفكَيْفَ كَا َن َنكِيِ (‪. ﴾ )26‬‬
‫‪ُ )25‬ث ّم أَ َخذْ ُ‬
‫عن ا بن عباس ‪ :‬قوله ‪ ﴿ :‬وَلَا تَزِ ُر وَازِ َرٌة وِزْرَ أُ ْخرَى َوإِن تَدْ عُ ُمْثقََلةٌ إِلَى‬
‫حِمِْلهَا لَا ُيحْمَ ْل ِمنْ ُه َشيْءٌ وََلوْ كَا نَ ذَا ُق ْربَى ﴾ ‪ ،‬يقول ‪ :‬يكون عليه وزر ل‬
‫يد أحدًا يمل عنه من وزره شيئًا ‪ .‬وعن قتادة ‪ :‬قوله ‪َ ﴿ :‬ومَن تَزَكّى فَِإنّمَا‬
‫َيتَزَكّى ِلنَفْسِهِ ﴾ ‪ ،‬أي ‪ :‬من يعمل صالًا فإنا يعمله لنفسه ‪.‬‬
‫ت وَلَا النّورُ *‬ ‫وقوله تعال ‪َ ﴿ :‬ومَا يَ ْ‬
‫سَتوِي اْلأَعْمَى وَالْبَ صِيُ * وَلَا الظّلُمَا ُ‬
‫سَتوِي اْلأَ ْحيَاء وَلَا اْلَأ ْموَا تُ ﴾ ‪ ،‬قال ا بن ز يد ‪:‬‬
‫حرُورُ * وَمَا يَ ْ‬
‫وَلَا الظّ ّل وَلَا الْ َ‬
‫هذا م ثل ضر به ال ‪ ،‬فالؤ من ب صي ف د ين ال ‪ ،‬والكا فر أع مى ‪ ،‬ك ما ل‬
‫‪649‬‬ ‫توفيق الرحن ف دروس القرآن‬

‫ي ستوي الظلّ ول الرور ‪ ،‬ول الحياء ول الموات ‪ .‬وقال ا بن عباس ‪ :‬هو‬


‫م ثل ضر به ال ل هل الطا عة وأ هل الع صية ‪ ،‬يقول ‪ :‬و ما ي ستوي الع مى‬
‫والظلمات والرور ول الموات ‪ ،‬فهو مثل أهل العصية ‪ ،‬ول يستوي البصي‬
‫ول النور ‪ ،‬ول الظلّ والحياء ‪ ،‬ف هو م ثل أ هل الطا عة ‪ .‬و عن قتادة ‪ ﴿ :‬إِنّ‬
‫سمِ ٍع مّ ن فِي اْلقُبُورِ ﴾ كذلك الكا فر ل‬ ‫اللّ َه يُ سْ ِم ُع مَن يَشَاءُ وَمَا أَن تَ بِمُ ْ‬
‫ُسَمِ ُع مَن يَشَاءُ‬
‫ّهَ ي ْ‬
‫يسَمع ول ينتفَع باَ يسَمع ‪ .‬وقال البغوي ‪ ﴿ :‬إِنّ الل َ‬
‫ت بِمُسْ ِم ٍع مّن فِي اْل ُقبُور ﴾ ‪ ،‬يعن ‪ :‬الكفار‬ ‫﴾ حت يتّعظ وييب ‪َ ﴿ ،‬ومَا أَن َ‬
‫شبّههم بالموات ف القبور حي ل ييبوا ‪ ﴿ ،‬إِنْ أَنتَ إِلّا نَذِيرٌ ﴾ ما أنت إل‬
‫منذر توّفهم بالنار ‪.‬‬
‫ّنَُأ ّمةٍ ﴾ مَا مَن أمَة فيمَا‬ ‫ْسَْلنَا َك بِالْحَقّ بَشِيا َونَذِيرا َوإِن م ْ‬ ‫﴿ ِإنّاَأَر َ‬
‫م ضى ‪ ﴿ ،‬إِلّا خلَا ﴾ سلف ‪ ﴿ ،‬فِيهَا نَذِيرٌ ﴾ نبّ منذر ‪َ ﴿ ،‬وإِن ُيكَ ّذبُو كَ‬
‫ب الّذِي نَ مِن َقبِْلهِ مْ جَاءْتهُ مْ رُ ُسُلهُم بِاْلبَّينَا تِ َوبِال ّزبُرِ ﴾ بالك تب ‪،‬‬
‫َفقَدْ َكذّ َ‬
‫َابَ الْ ُمنِ ِي ﴾ الواضَح ؛ كرّر ذلك الكتاب بعَد ذكَر الزبر على‬ ‫﴿ َوبِالْ ِكت ِ‬
‫طريَق التأكيَد ‪ ﴿ .‬ثُمّ أَ َخذْتَُ الّذِينََ َكفَرُوا َف َكيْفََ كَانََ َنكِيِ ﴾ ‪ ،‬أي ‪:‬‬
‫ت الّذِينَ َكفَرُوا ﴾ أي ‪ :‬ومع هذا كله‬ ‫إنكاري ‪ .‬وقال ابن كثي ‪ ﴿ :‬ثُمّ أَخَذْ ُ‬
‫كذّب أولئك رسلهم فيما جاؤوهم به ‪ ،‬فأخذتم ‪ ،‬أي ‪ :‬بالعقاب والنكال ‪،‬‬
‫﴿ َفكَيْ فَ كَا نَ نَكِيِ ﴾ ‪ ،‬أي ‪ :‬في كف رأ يت إنكاري علي هم عظيمًا شديدًا‬
‫بليغًا ‪ .‬وال أعلم ‪.‬‬
‫الزء الثالث‬ ‫‪650‬‬

‫قوله عز و جل ‪ ﴿ :‬أَلَ مْ َت َر أَنّ اللّ َه أَن َزلَ مِ نَ ال سّمَا ِء مَا ًء َفَأ ْخرَجْنَا بِ هِ‬
‫ِفـ َأْلوَانُهَا‬
‫ِيضـ وَحُ ْم ٌر مّخْتَل ٌ‬
‫ِنـ الْجِبَا ِل جُ َد ٌد ب ٌ‬
‫َاتـ مّخْتَلِفا َألْوَانُهَا وَم َ‬
‫ثَ َمر ٍ‬
‫ف َأْلوَانُ هُ َك َذلِ كَ‬
‫وَ َغرَابِي بُ سُودٌ (‪َ )27‬ومِ نَ النّا سِ وَال ّدوَابّ وَاْلَأنْعَا ِم مُخْتَلِ ٌ‬
‫خشَى ال ّلهَ ِمنْ عِبَا ِدهِ اْلعُلَمَاء إِ ّن ال ّلهَ َعزِيزٌ َغفُورٌ (‪. ﴾ )28‬‬
‫ِإنّمَا يَ ْ‬
‫عن قتادة ف قوله ‪ ﴿ :‬أَلَ ْم تَرَ أَنّ اللّ هَ أَنزَ َل مِ َن ال سّمَا ِء مَاءً َفأَ ْخرَجْنَا بِ هِ‬
‫جبَالِ ُجدَدٌ‬ ‫ختَلِفا أَْلوَانُهَا ﴾ أح ر ‪ ،‬وأخ ضر ‪ ،‬وأ صفر ‪َ ﴿ .‬ومِ َن الْ ِ‬ ‫ثَ َمرَا تٍ مّ ْ‬
‫ِفَأَْلوَانُهَا ﴾ ‪ ،‬أي ‪ :‬جبال‬ ‫ختَل ٌ‬ ‫ِيضَ ﴾ ‪ ،‬أي ‪ :‬طرائق بيَض ‪ ﴿ ،‬وَحُ ْم ٌر مّ ْ‬ ‫ب ٌ‬
‫حر وبيض ‪ ﴿ ،‬وَغَرَابِي بُ سُودٌ ﴾ هو ‪ :‬السود ‪ .‬يعن ‪ :‬لونه كما اختلف‬
‫ألوان هذه اختلف ألوان الناس ‪ ،‬والدواب ‪ ،‬والنعام كذلك ‪.‬‬
‫وعن ابن عباس ‪ :‬قوله ‪ِ ﴿ :‬إنّمَا يَخْشَى اللّ َه مِ ْن ِعبَادِ ِه اْلعُلَمَاء ﴾ ‪ ،‬قال ‪:‬‬
‫الذ ين يعلمون أن ال على كل ش يء قد ير ‪ .‬وقال قتادة ‪ :‬كان يقال ‪ :‬ك فى‬
‫بالرهبة علمًا ‪ .‬وقال ابن مسعود ‪ :‬ليس العلم عن كثرة الديث ‪ ،‬ولكن العلم‬
‫عن كثرة الشية ‪ .‬وقال سعيد ابن جبي ‪ :‬الشية ‪ :‬هي الت تول بينك وبي‬
‫مع صية ال عز و جل ‪ .‬وقال ا بن عباس ‪ :‬العال بالرح ن من عباده ‪ ،‬من ل‬
‫يشرك بَه شيئًا ‪ ،‬وأحلّ حلله وحرّم حرامَه ‪ ،‬وحفَظ وصَيّته ‪ ،‬وأيقَن أنَه‬
‫ملقيه وماسب بعمله ‪.‬‬
‫‪651‬‬ ‫توفيق الرحن ف دروس القرآن‬

‫قوله عز وجل ‪ ﴿ :‬إِنّ الّذِي نَ يَتْلُو نَ كِتَا بَ اللّ هِ وََأقَامُوا ال صّلَاةَ َوأَن َفقُوا‬
‫مِمّ ا رَ َزقْنَاهُ مْ ِسرّا وَعَلَانَِيةً َي ْرجُو َن تِجَا َر ًة لّن تَبُورَ (‪ )29‬لُِي َوفَّيهُ ْم ُأجُو َرهُ مْ‬
‫َوَيزِي َدهُم مّن فَضْ ِل ِه ِإّنهُ َغفُو ٌر شَكُورٌ (‪. ﴾ )30‬‬
‫عن قتادة قال ‪ :‬كان مطرف إذا مرّ بذه الية ‪ِ ﴿ :‬إنّ الّذِي َن يَتْلُونَ ِكتَابَ‬
‫اللّ هِ ﴾ ‪ ،‬يقول ‪ :‬هذه آية القرّاء ﴿ ِلُيوَّفَيهُ مْ أُجُو َرهُ ْم َويَزِي َدهُم مّن َفضْلِ هِ ﴾ ‪.‬‬
‫وعن قتادة ‪ِ ﴿ :‬إنّ ُه َغفُو ٌر َشكُورٌ ﴾ إنه غفور لذنوبم ‪ ،‬شكور لسناتم ‪.‬‬
‫صدّقا‬
‫حقّ مُ َ‬
‫ك مِ نَ اْلكِتَا بِ هُ َو الْ َ‬
‫قوله عز وجل ‪ ﴿ :‬وَاّلذِي َأوْحَيْنَا ِإلَيْ َ‬
‫ب الّذِي نَ‬
‫ي بَ صِيٌ (‪ )31‬ثُمّ أَوْ َرثْنَا الْكِتَا َ‬
‫لّمَا بَيْ نَ يَ َديْ ِه إِنّ اللّ َه ِبعِبَادِ هِ لَخَِب ٌ‬
‫ُمـ سـَاِبقٌ‬
‫َصـٌد َومِ ْنه ْ‬
‫ْسـِه َومِنْهُم ّمقْت ِ‬
‫ِمـلَّنف ِ‬
‫ُمـ ظَال ٌ‬
‫ِنـ عِبَادِنَا فَمِ ْنه ْ‬
‫اصـ َطفَيْنَا م ْ‬
‫ْ‬
‫ضلُ اْلكَبِيُ (‪ )32‬جَنّا تُ َعدْ ٍن َي ْدخُلُوَنهَا‬
‫ت ِبإِذْ ِن اللّ هِ َذلِ كَ ُهوَ اْلفَ ْ‬
‫بِالْخَ ْيرَا ِ‬
‫ب َولُ ْؤلُؤا وَلِبَا سُ ُه ْم فِيهَا َحرِيرٌ (‪َ )33‬وقَالُوا‬
‫يُحَ ّلوْ َن فِيهَا مِ ْن أَ سَاوِ َر مِن َذهَ ٍ‬
‫َنـ إِنّ َربّنَا َل َغفُو ٌر َشكُورٌ (‪ )34‬اّلذِي‬
‫حز َ‬‫َبـ عَنّاـ الْ َ‬
‫ّهـ اّلذِي َأ ْذه َ‬
‫الْحَ ْم ُد لِل ِ‬
‫ب َولَا يَمَ سّنَا فِيهَا ُلغُو بٌ (‬
‫َأحَلّنَا دَا َر الْ ُمقَا َمةِ مِن فَضْلِ هِ لَا يَمَ سّنَا فِيهَا نَ صَ ٌ‬
‫‪. ﴾ )35‬‬
‫عن قتادة ‪ :‬قوله ‪ ﴿ :‬وَالّذِي َأوْ َحيْنَا إَِليْ كَ مِ َن اْل ِكتَا بِ ُه َو الْحَقّ مُ صَدّقا‬
‫لّمَا بَيْ َن يَ َديْهِ ﴾ الكتب الت خلت قبله ‪.‬‬
‫وعَن ابَن عباس ‪ :‬قوله ‪ ﴿ :‬ثُمّ َأوْ َرثْنَا اْلكِتَابََ ﴾ إل قوله ‪ ﴿ :‬اْل َفضْلُ‬
‫اْلكَبِيُ ﴾ هم ‪ :‬أمّة ممد ‪ ،‬ورّثهم ال كل كتاب أنزله ‪ .‬وقال ابن مسعود‬
‫الزء الثالث‬ ‫‪652‬‬

‫‪ ( :‬هذه ال مة ثل ثة أثلث يوم القيا مة ‪ :‬ثلث يدخلون ال نة بغ ي ح ساب ‪،‬‬


‫وثلث ياسبون حسابًا يسيًا ‪ ،‬وثلث ييئون بذنوب عظام ‪ ،‬حت يقول ‪ :‬ما‬
‫َة ‪ :‬هؤلء جاءوا بذنوب‬ ‫َو أعلم تبارك وتعال ‪ ،‬فتقول اللئكَ‬ ‫هؤلء ؟ وهَ‬
‫عظام ‪ ،‬إل أنم ل يشركوا بك ‪ ،‬فيقول الرب ‪ :‬أدخِلوا هؤلء ف سعة رحت‬
‫ب الّذِي َن ا صْ َط َفيْنَا مِ ْن ِعبَادِنَا‬ ‫؛ وتل ع بد ال هذه ال ية ‪ ﴿ :‬ثُمّ َأوْ َرثْنَا اْلكِتَا َ‬
‫﴾ ) ‪ .‬وعَن أبَ الدرداء أن رسَول ال ذكَر هذه اليَة ‪ ﴿ :‬ثُمّ َأوْ َرثْنَا‬
‫ب الّذِي َن ا صْ َط َفْينَا مِ ْن ِعبَا ِدنَا َف ِمْنهُ ْم ظَالِ مٌ ّلنَفْ سِهِ َو ِمْنهُم ّم ْقتَ صِ ٌد َو ِمْنهُ مْ‬
‫اْلكِتَا َ‬
‫خيْرَا تِ ﴾ ‪ .‬فأ ما ال سابق باليات فيدخل ها بغ ي ح ساب ‪ ،‬وأ ما‬ ‫سَابِ ٌق بِالْ َ‬
‫القتصد فيحاسب حسابًا يسيًا ‪ ،‬وأما الظال لنفسه فيصيبه ف ذلك الكان من‬
‫ب عَنّا الْحَزَ نَ ﴾ ‪ .‬رواه ابن‬ ‫الغ مّ والزن فذلك قوله‪ ﴿:‬الْحَ ْمدُ لِلّ ِه الّذِي أَ ْذهَ َ‬
‫جرير وغيه ‪ .‬قال الزجاج ‪ :‬أذهب ال عن أهل ال نة كل الحزان ما كان‬
‫منها لعاش أو لَعاد ‪.‬‬
‫َ ﴾ ‪ ،‬أقاموا فل‬ ‫وعَن قتادة ‪ ﴿ :‬الّذِي أَ َحلّنََا دَا َر الْ ُمقَا َمةِ مَِن َفضْلِه ِ‬
‫َسََا فِيهَا‬‫َصَبٌ ﴾ ‪ ،‬أي ‪ :‬وجَع ‪ ﴿ ،‬وَلَا يَم ّن‬ ‫َسََا فِيهَا ن َ‬ ‫يتحولون ‪ ﴿ ،‬لَا يَم ّن‬
‫ُلغُوبٌ ﴾ ‪ ،‬قال ابن عباس ‪ :‬اللغوب ‪ :‬العناء ‪.‬‬
‫ِمـ‬
‫ّمـ لَا ُيقْضَى عَلَ ْيه ْ‬
‫ُمـ نَارُ َجهَن َ‬
‫ِينـ َك َفرُوا َله ْ‬
‫قوله عـز وجـل ‪ ﴿ :‬وَاّلذ َ‬
‫جزِي ُكلّ َكفُورٍ (‪َ )36‬وهُ مْ‬
‫خفّ فُ عَ ْنهُم مّ نْ َعذَاِبهَا َك َذلِ كَ نَ ْ‬
‫فَيَمُوتُوا َولَا يُ َ‬
‫َمـ‬
‫َصـ َطرِخُو َن فِيهَا َربّنَا أَ ْخ ِرجْنَا َنعْ َملْ صـَالِحا غَ ْيرَ اّلذِي كُنّاـ َنعْ َملُ أَ َول ْ‬
‫ي ْ‬
‫‪653‬‬ ‫توفيق الرحن ف دروس القرآن‬

‫ُنعَ ّمرْكُم مّا يََتذَ ّكرُ فِي ِه مَن َتذَ ّك َر وَجَاءكُ ُم النّذِيرُ َفذُوقُوا فَمَا لِلظّالِمِيَ مِن‬
‫نّصِيٍ (‪. ﴾ )37‬‬
‫َ‬‫َ لَا يُقْضََى عََلْيهِم ْ‬‫َ نَارُ َج َهنّم َ‬
‫َ َكفَرُوا َلهُم ْ‬
‫عَن قتادة ‪ ﴿ :‬وَالّذِين َ‬
‫ف َعنْهُم مّ نْ‬
‫خفّ ُ‬
‫﴾ بالوت ﴿ َفيَمُوتُوا ﴾ لن م لو ماتوا ل ستراحوا ﴿ وَلَا يُ َ‬
‫عَذَاِبهَا ﴾ ‪ .‬وروى ابن جرير وغيه عن أب سعيد قال ‪ :‬قال رسول ال ‪:‬‬
‫« أما أهل النار الذين هم أهلها ‪ ،‬فإنم ل يوتون فيها ول ييون ‪ ،‬لكن ناسًا‬
‫‪ -‬أو كما قال ‪ -‬تصيبهم النار بذنوبم ‪ -‬أو قال ‪ :‬بطاياهم ‪ -‬فيميتهم إماتة‬
‫حت إذا صاروا فحمًا أذن ف الشفاعة ‪ ،‬فجيء بم ضبائر ضبائر ‪ ،‬فبثّوا على‬
‫أهل النة فقال ‪ :‬يا أهل النة ‪ :‬أفيضوا عليهم ‪ ،‬فيَنبتون كما تنبت البة ف‬
‫ح يل ال سيل » ‪ .‬فقال ر جل من القوم ‪ :‬حينئذٍ كأ نّ ر سول ال قد كان‬
‫بالبادية ‪.‬‬
‫َصَ َطرِخُونَ ﴾ ‪ ،‬أي ‪ :‬يصَيحون فيهَا يقولون ‪:‬‬ ‫قوله تعال ‪َ ﴿ :‬وه ْ‬
‫ُمَ ي ْ‬
‫﴿ َربّن َا أَخْ ِرجْن َا َنعْمَلْ صََالِحا َغيْ َر الّذِي ُكنّاَ َنعْمَلُ ﴾ فيقول ال لمَ‬
‫توبيخًا ‪َ ﴿ :‬أوَلَ ْم ُنعَمّرْكُم مّا َيتَذَكّرُ فِي ِه مَن تَذَكّ َر وَجَاءكُ ُم النّذِيرُ فَذُوقُوا َفمَا‬
‫لِلظّالِمِيَ مِن نّ صِيٍ ﴾ ‪ ،‬قال ا بن عباس ‪ :‬الع مر الذي أعذر ال إل ا بن آدم‬
‫أربعون سنة ‪ .‬قال م سروق ‪ :‬إذا بلغ أحد كم أربع ي سنة فليأ خذ حذره من‬
‫ال ‪ .‬وعَن أبَ هريرة قال ‪ :‬قال رسَول ال ‪ « :‬أَعْ َذ َر ال عَز وجَل إل‬
‫امرئ أخّر عمره حت بلغ ستّي سنة » ‪ .‬رواه البخاري وغيه ‪ ،‬وقال قتادة ‪:‬‬
‫اعلموا أن طول العمَر حجّة ‪ ،‬فنعوذ بال أن نعيّرَ بطول العمَر ‪ ،‬قَد نزلت‬
‫الزء الثالث‬ ‫‪654‬‬

‫هذه الية ‪َ ﴿ :‬أوَلَ ْم ُنعَمّرْكُم مّا يَتَذَكّرُ فِي ِه مَن تَذَكّرَ ﴾ وإ ّن فيهم لبن ثان‬
‫عشرة سنة ‪ .‬وقال ابن زيد ف قوله ‪َ ﴿ :‬وجَاءكُ ُم النّذِيرُ ﴾ ‪ ،‬قال ‪ :‬النذير ‪:‬‬
‫النبّ ‪ ،‬وقرأ ‪ ﴿ :‬هَذَا نَذِي ٌر مّنَ النّذُ ِر اْلأُولَى ﴾ ‪.‬‬
‫قال ابن كثي ‪ :‬وقوله تعال ‪ ﴿ :‬فَذُوقُوا فَمَا لِلظّاِلمِيَ مِن نّ صِيٍ ﴾ ‪ ،‬أي‬
‫‪ :‬ذوقوا عذاب النار جزاء على مالفتكم للنبياء ف مدّة أعماركم ‪ ،‬فما لكم‬
‫اليوم ناصر ينقذكم ‪.‬‬

‫***‬
‫‪655‬‬ ‫توفيق الرحن ف دروس القرآن‬

‫الدرس التاسع والعشرون بعد الائتي‬

‫صدُورِ (‬
‫ت ال ّ‬
‫ض ِإنّ هُ َعلِي مٌ ِبذَا ِ‬
‫ت وَاْلأَرْ ِ‬
‫ب ال سّمَاوَا ِ‬
‫﴿ إِنّ اللّ هَ عَالِ مُ غَيْ ِ‬
‫ض فَمَن َك َف َر َفعَلَيْ هِ ُك ْفرُ ُه َولَا َيزِيدُ‬
‫ف فِي الْأَرْ ِ‬
‫‪ُ )38‬هوَ اّلذِي َجعَ َلكُ مْ خَلَائِ َ‬
‫اْلكَا ِفرِينَ ُك ْفرُهُمْ عِندَ َرّبهِمْ ِإلّا َمقْتا َولَا َيزِيدُ اْلكَا ِفرِينَ ُك ْفرُهُ ْم إِلّا خَسَارا (‬
‫‪ُ )39‬ق ْل أَ َرأَيْتُ مْ ُشرَكَاءكُ ُم اّلذِي نَ َتدْعُو َن مِن دُو نِ اللّ ِه أَرُونِي مَاذَا خَ َلقُوا‬
‫ت أَ مْ آتَيْنَاهُ مْ كِتَابا َفهُ مْ عَلَى بَيَّن ٍة مّنْ هُ‬
‫ض أَ ْم َلهُ مْ شِرْ ٌك فِي ال سّمَاوَا ِ‬
‫مِ نَ اْلأَرْ ِ‬
‫ـكُ‬
‫ـ يُمْس ِ‬
‫ـ َبعْضُهُـم بَعْضا ِإلّا ُغرُورا (‪ )40‬إِنّـ اللّه َ‬
‫َب ْل إِن يَ ِع ُد الظّالِمُون َ‬
‫سكَهُمَا مِ ْن َأحَ ٍد مّن َبعْدِهِ ِإنّهُ‬
‫ض أَن َتزُولَا وَلَئِن زَالَتَا إِ ْن َأمْ َ‬
‫ت وَاْلأَرْ َ‬
‫السّمَاوَا ِ‬
‫ُمـ نَذِيرٌ‬
‫ِمـ لَئِن جَاءه ْ‬
‫ّهـ جَ ْهدَ أَيْمَاِنه ْ‬
‫ْسـمُوا بِالل ِ‬
‫َانـ حَلِيما َغفُورا (‪َ )41‬وَأق َ‬
‫ك َ‬
‫لَّيكُوُننّ أَ ْهدَى مِ ْن ِإحْدَى الُْأمَمِ فَلَمّا جَاءهُ ْم َنذِي ٌر مّا زَا َدهُمْ ِإلّا ُنفُورا (‪)42‬‬
‫ض َو َمكْ َر ال سّيّ ِئ َولَا يَحِي ُق الْ َمكْ ُر ال سّيّ ُئ ِإلّا ِبأَهْلِ هِ َفهَلْ‬
‫ا سْتِكْبَارا فِي الْأَرْ ِ‬
‫ج َد لِ سُنّتِ اللّ هِ‬
‫ل وَلَن تَ ِ‬
‫ت اللّ هِ تَ ْبدِي ً‬
‫ج َد لِ سُنّ ِ‬
‫ت الَْأوّلِيَ فَلَن تَ ِ‬
‫يَن ُظرُو َن ِإلّا سُنّ َ‬
‫ض فَيَن ُظرُوا كَيْ فَ كَا نَ عَاقِبَ ُة الّذِي َن مِن‬
‫حوِيلً (‪َ )43‬أ َولَ مْ يَ سِيُوا فِي الْأَرْ ِ‬
‫تَ ْ‬
‫جزَهُ مِن شَيْ ٍء فِي السّمَاوَاتِ‬
‫قَبْ ِلهِ ْم وَكَانُوا َأشَ ّد مِ ْنهُمْ ُق ّوةً وَمَا كَانَ اللّ ُه لُِيعْ ِ‬
‫ّاسـ بِمَا‬
‫ّهـ الن َ‬
‫َانـ عَلِيما َقدِيرا (‪ )44‬وََل ْو يُؤَاخِ ُذ الل ُ‬
‫ّهـ ك َ‬
‫ْضـ ِإن ُ‬
‫َولَا فِي اْلأَر ِ‬
‫كَ سَبُوا مَا َترَ كَ عَلَى َظ ْهرِهَا مِن دَابّ ٍة َولَكِن ُيؤَ ّخ ُرهُ مْ ِإلَى َأ َجلٍ مّ سَمّى َفِإذَا‬
‫جَاء َأجَلُ ُه ْم َفإِنّ ال ّلهَ كَانَ بِعِبَا ِدهِ بَصِيا (‪. ﴾ )45‬‬
‫***‬
‫الزء الثالث‬ ‫‪656‬‬

‫ض ِإنّ هُ عَلِي مٌ‬


‫ب ال سّمَاوَاتِ وَاْلأَرْ ِ‬
‫قوله عز و جل ‪ ﴿ :‬إِنّ اللّ هَ عَالِ مُ غَيْ ِ‬
‫ض فَمَن َك َف َر َفعَلَيْهِ‬
‫ف فِي الْأَرْ ِ‬
‫ِبذَاتِ الصّدُورِ (‪ُ )38‬هوَ اّلذِي َجعَ َلكُمْ خَلَائِ َ‬
‫ِينـ‬
‫ِمـ إِلّا مَقْتا َولَا َيزِيدُ اْلكَا ِفر َ‬
‫ُمـ عِندَ َرّبه ْ‬
‫ِينـ ُك ْف ُره ْ‬
‫ُهـ َولَا َيزِيدُ اْلكَا ِفر َ‬
‫ُك ْفر ُ‬
‫ُك ْف ُر ُهمْ ِإلّا َخسَارا (‪. ﴾ )39‬‬
‫قال ابن كثي ‪ :‬يب تعال بعلم غيب السماوات والرض ‪ ،‬وأنه يعلم ما‬
‫تكنّه السرائر وما تنطوي عليه الضمائر ‪ ،‬وسيجازَى ك ّل بعمله ؛ ث قال عز‬
‫ْضَ ﴾ ‪ ،‬أي ‪ :‬يلف قوم‬ ‫ِفَ ف ِي الر ِ‬ ‫ُمَ خَلئ َ‬
‫وجَل ‪ُ ﴿ :‬ه َو الّذِي َجعََلك ْ‬
‫لخرين قبلهم ‪ ،‬وجيل ليل قبلهم ‪ ﴿ ،‬فَ َمنْ َكفَرَ َفعََليْهِ ُكفْرُهُ ﴾ ‪ ،‬أي ‪ :‬فإنا‬
‫ُمَ ِعنْدَ‬
‫ِينَ ُكفْ ُره ْ‬
‫يعود وبال ذلك على نفسَه دون غيه ‪ ﴿ ،‬وَل يَزِي ُد اْلكَافِر َ‬
‫ِمَإِل َمقْتًا ﴾ ‪ ،‬أي ‪ :‬كلّمَا اسَتمرّوا على كفرهَم أبغضهَم ال تعال ‪،‬‬ ‫َرّبه ْ‬
‫وكّل ما ا ستمرّوا ف يه خ سروا أنف سهم وأهلي هم يوم القيا مة ‪ ،‬بلف الؤمن ي‬
‫فإنم كلما طال عمر أحدهم وحَسُن عمله ‪ ،‬ارتفعت درجته ومنلته ف النة‬
‫وأحبه خالقه ‪.‬‬
‫قوله عز و جل ‪ُ ﴿ :‬قلْ أَ َرَأيْتُ مْ ُشرَكَاءكُ مُ اّلذِي نَ َتدْعُو َن مِن دُو ِن اللّ هِ‬
‫ض أَ ْم َلهُمْ ِشرْ ٌك فِي السّمَاوَاتِ أَ مْ آتَيْنَاهُمْ كِتَابا‬
‫أَرُونِي مَاذَا خَ َلقُوا مِ َن الْأَرْ ِ‬
‫َفهُ مْ عَلَى بَيَّن ٍة مّنْ هُ بَ ْل إِن َيعِ ُد الظّالِمُو َن َبعْضُهُم َبعْضا ِإلّا ُغرُورا (‪ )40‬إِنّ‬
‫س َكهُمَا مِ ْن أَ َحدٍ‬
‫ض أَن َتزُولَا َولَئِن زَالَتَا إِ ْن أَمْ َ‬
‫ت وَاْلأَرْ َ‬
‫ك ال سّمَاوَا ِ‬
‫س ُ‬
‫اللّ هَ يُمْ ِ‬
‫مّن َبعْ ِد ِه ِإنّهُ كَا َن حَلِيما َغفُورا (‪. ﴾ )41‬‬
‫‪657‬‬ ‫توفيق الرحن ف دروس القرآن‬

‫قال ا بن كث ي ‪ :‬يقول تعال لر سوله أن يقول للمشرك ي ‪ ﴿ :‬أَ َرَأْيتُ مْ‬


‫شُرَكَاءَ ُك ُم الّذِي نَ تَ ْدعُو نَ مِ نْ دُو نِ اللّ هِ ﴾ ‪ ،‬أي ‪ :‬من ال صنام والنداد ‪،‬‬
‫﴿ أَرُونِي مَاذَا خََلقُوا مِ نَ الرْ ضِ أَ مْ َلهُ ْم شِرْ كٌ فِي ال سّ َموَاتِ ﴾ ‪ ،‬أي ‪:‬‬
‫ألم شيء من ذلك ؟ ما يلكون من قطمي ‪ .‬وقوله ‪ ﴿ :‬أَمْ آَتْينَاهُمْ ِكتَابًا َفهُمْ‬
‫عَلَى َبيَّن ٍة ِمنْهُ ﴾ ‪ ،‬أي ‪ :‬أم أنزلنا عليهم كتابًا با يقولونه من الشرك والكفر ؟‬
‫ضهُ ْم َب ْعضًا إِل غُرُورًا ﴾ ‪ ،‬أي‬ ‫ليس المر كذلك ‪ ﴿ ،‬بَلْ إِنْ َيعِدُ الظّالِمُو َن َبعْ ُ‬
‫‪ :‬بل إن ا اتبعوا ف ذلك أهواء هم وآراء هم وأماني هم ال ت تنو ها لنف سهم ‪،‬‬
‫وهي غرور ‪ ،‬وباطل ‪ ،‬وزور ‪.‬‬
‫ث أخب تعال عن قدرته العظيمة الت با تقوم السماء والرض عند أمره‬
‫ك ال سّ َموَاتِ‬
‫وما جعل فيهما من القوة الاسكة لما ‪ ،‬فقال ‪ِ ﴿ :‬إنّ اللّ َه يُمْ سِ ُ‬
‫وَال ْرضَ أَ ْن تَزُول ﴾ ‪ ،‬أي ‪ :‬أن تضطربا عن أماكنهما ‪ ،‬كما قال عز وجل ‪:‬‬
‫ك ال سّمَاءَ أَ نْ َتقَ َع عَلَى الرْ ضِ إِل بِإِ ْذنِ هِ ﴾ ‪ ،‬وقال تعال ‪َ ﴿ :‬ومِ نْ‬ ‫﴿ َويُمْ سِ ُ‬
‫سكَهُمَا مِنْ أَحَدٍ‬‫ض ِبأَمْرِهِ ﴾ ؛ ﴿ وََلئِنْ زَالَتَا إِنْ َأمْ َ‬ ‫آيَاتِهِ أَ ْن َتقُومَ السّمَا ُء وَالرْ ُ‬
‫مِ ْن َبعْدِ هِ ﴾ ‪ ،‬أي ‪ :‬ل يقدر على قوامهما وإبقائهما إل هو ‪ ،‬وهو مع ذلك‬
‫حليم غفور ‪ ،‬أي ‪ :‬يرى عباده وهم يكفرون به ويعصونه ‪ ،‬وهو يلم فيؤخر‬
‫وين ظر ويؤ جل ول يع جل ‪ ،‬وي ستر آخر ين ويغ فر ‪ ،‬ولذا قال تعال ‪ِ ﴿ :‬إنّ هُ‬
‫كَا نَ حَلِيمًا غَفُورًا ﴾ ‪ .‬قال ‪ :‬وثبت ف الصحيحي عن أب موسى الشعري‬
‫رضي ال عنه قال ‪ :‬قال رسول ال ‪ « :‬إن ال ل ينام ول ينبغي له أن ينام‬
‫يفض القسط ويرفعه ‪ ،‬يرفع إليه عمل الليل قبل عمل النهار ‪ ،‬وعمل النهار‬
‫الزء الثالث‬ ‫‪658‬‬

‫قبل عمل الليل ‪ ،‬حجابه النور ‪ ،‬أو النار ‪ ،‬لو كشفه لحرقت ُسبُحات وجهه‬
‫ما انتهى إليه بصره من خلقه » ‪.‬‬
‫ُمـ َنذِيرٌ‬
‫ِمـ لَئِن جَاءه ْ‬
‫ّهـ َج ْهدَ َأيْمَانِه ْ‬
‫ْسـمُوا بِالل ِ‬
‫قوله عـز وجـل ‪َ ﴿ :‬وأَق َ‬
‫لَّيكُوُننّ أَ ْهدَى مِ ْن ِإحْدَى الُْأمَمِ فَلَمّا جَاءهُ ْم َنذِي ٌر مّا زَا َدهُمْ ِإلّا ُنفُورا (‪)42‬‬
‫ض َو َمكْ َر ال سّيّ ِئ َولَا يَحِي ُق الْ َمكْ ُر ال سّيّ ُئ ِإلّا ِبأَهْلِ هِ َفهَلْ‬
‫ا سْتِكْبَارا فِي الْأَرْ ِ‬
‫ت اللّ هِ‬
‫ج َد لِ سُنّ ِ‬
‫ل َولَن تَ ِ‬
‫ت اللّ هِ تَبْدِي ً‬
‫جدَ لِ سُنّ ِ‬
‫يَن ُظرُو َن ِإلّا ُسنّ اْلأَ ّولِيَ فَلَن تَ ِ‬
‫حوِيلً (‪. ﴾ )43‬‬
‫تَ ْ‬
‫قال البغوي ‪ :‬قوله تعال ‪َ ﴿ :‬وأَقْسََمُوا بِاللّهَِ َجهْدَ َأيْمَاِنهِم َْ ﴾ ‪ ،‬يعنَ ‪:‬‬
‫كفار م كة ل ا بلغ هم أن أ هل الكتاب كذبوا ر سلهم قالوا ‪ :‬ل عن ال اليهود‬
‫والنصارى أتتهم الرسل فكذبوهم ‪ ،‬وأقسموا بال وقالوا ‪ :‬لو أتانا رسول ال‬
‫لنكو نن أهدى دينًا من هم ‪ ،‬وذلك ق بل مبعَث ال نب ‪ ،‬فل ما بُ عث م مد‬
‫كذبوه فأنزل ال عز وجل ﴿ َوأَقْسَمُوا بِاللّهِ َجهْدَ َأيْمَاِنهِمْ َلئِن جَاءهُ ْم نَذِيرٌ ﴾‬
‫رسول ‪ّ ﴿ ،‬لَيكُونُنّ َأهْدَى مِنْ إِ ْحدَى الُْأمَمِ ﴾ ‪ ،‬يعن ‪ :‬من اليهود والنصارى‬
‫ُمَ إِلّا ُنفُورا ﴾ ‪ ،‬أي ‪ :‬مَا‬ ‫ُمَ نَذِيرٌ ﴾ ممَد ‪ ﴿ ،‬مّاَ زَا َده ْ‬ ‫﴿ وَلَمّاَ جَاءه ْ‬
‫َصَبَ‬
‫ْضَ ﴾ ن َ‬ ‫اسَِتكْبَارا ف ِي اْلأَر ِ‬ ‫زادهَم ميئه إلّ تباعدًا عَن الدى ‪ْ ﴿ .‬‬
‫سّيئِ ﴾ ‪ ،‬يعن ‪ :‬العمل‬ ‫( استكبارا ) على البدل من ( النفور ) ‪َ ﴿ .‬و َمكْ َر ال ّ‬
‫القب يح ‪ ،‬أض يف ال كر إل صفته ؛ قال الكل ب ‪ :‬هو اجتماع هم على الشرك‬
‫سيّئُ ﴾ ‪ ،‬أي ‪ :‬ل يل ول ييط الكر‬ ‫وقتل النب ‪ ﴿ .‬وَل يَحِي ُق الْ َمكْ ُر ال ّ‬
‫‪659‬‬ ‫توفيق الرحن ف دروس القرآن‬

‫ال سيئ ‪ ﴿ ،‬إِل ِبأَهْلِ هِ ﴾ فقتلوا يوم بدر ‪ .‬وقال ا بن عباس ‪ :‬عاق بة الشرك ل‬
‫تل إل بن أشرك ‪ .‬والعن ‪ :‬إن وبال مكرهم راجع عليهم ‪َ ﴿ ،‬فهَ ْل َينْظُرُونَ‬
‫إِل ُسّن َة الوّلِيَ ﴾ إل أن ينل بم العذاب كما نزل بن مضى من الكفار ؟‬
‫قال ابن كثي ‪ :‬وقال ممد بن كعب القُ َرظِي ‪ :‬ثلث من فعلهن ل ينجُ حت‬
‫ينل به من ‪ :‬مكر ‪ ،‬أو بغي ‪ ،‬أو نكث ‪ .‬وتصديقها ف كتاب ال ‪ ﴿ :‬وَل‬
‫سكُمْ ﴾ ‪ ﴿ ،‬فَمَ نْ‬
‫سّيئُ إِل ِبأَهْلِ هِ ﴾ ‪ِ ﴿ .‬إنّمَا َبغُْيكُ مْ عَلَى َأْنفُ ِ‬
‫يَحِي ُق الْ َمكْ ُر ال ّ‬
‫ث عَلَى َنفْسِهِ ﴾ ‪.‬‬
‫َن َكثَ فَِإنّمَا َيْنكُ ُ‬
‫حوِيلً ﴾‬
‫سّنتِ اللّ ِه َت ْ‬ ‫وقوله تعال ‪ ﴿ :‬فَلَن َتجِدَ لِ ُ‬
‫سّنتِ اللّ ِه َتبْدِيلً وَلَن تَجِدَ لِ ُ‬
‫قال بعضهَم ‪ :‬والتبديَل ‪ :‬تغييَ الصَورة مَع بقاء الادة ‪ ،‬والتحويَل ‪ :‬نقَل‬
‫الشيء من مكان إل مكان آخر ‪ .‬قال ابن كثي ‪ :‬وقوله عز وجل ‪َ ﴿ :‬ف َهلْ‬
‫سَ َة الوّلِيَ ﴾ ‪ ،‬يعنَ ‪ :‬عقوبَة ال لمَ على تكذيبهَم رسَله‬ ‫ُونَإِل ُّن‬
‫َينْظُر َ‬
‫سّنةِ اللّ هِ تَبْدِيل ﴾ ‪ ،‬أي ‪ :‬ل تغي ول تبدل ‪،‬‬ ‫ومالفتهم أمره ‪ ﴿ ،‬فَلَ ْن َتجِدَ لِ ُ‬
‫حوِيلً ﴾ ‪،‬‬‫سّنةِ اللّ ِه تَ ْ‬
‫بل هي جارية كذلك ف كل مكذب ‪ ﴿ ،‬وَلَ ْن تَجِدَ لِ ُ‬
‫أي ‪َ ﴿ :‬وإِذَا أَرَادَ اللّ ُه ِب َقوْ مٍ سُوءًا فَل مَرَدّ لَ هُ ﴾ ‪ ،‬ول يكشف ذلك عنهم ‪،‬‬
‫ويوله عنهم أحد ‪ .‬وال أعلم ‪.‬‬
‫ض فَيَن ُظرُوا كَيْ فَ كَا نَ عَاقَِبةُ‬
‫قوله عز وجل ‪ ﴿ :‬أَ َولَ ْم يَ سِيُوا فِي اْلأَرْ ِ‬
‫جزَ هُ مِن شَيْ ٍء فِي‬
‫اّلذِي َن مِن قَبْ ِلهِ ْم وَكَانُوا َأشَ ّد مِ ْنهُ مْ ُق ّوةً وَمَا كَا نَ اللّ ُه لُِيعْ ِ‬
‫ّهـ‬
‫َانـ عَلِيما َقدِيرا (‪ )44‬وََل ْو يُؤَاخِ ُذ الل ُ‬
‫ّهـ ك َ‬
‫ْضـ إِن ُ‬
‫ت وَلَا فِي اْلأَر ِ‬
‫السـمَاوَا ِ‬
‫ّ‬
‫الزء الثالث‬ ‫‪660‬‬

‫النّا سَ بِمَا كَ سَبُوا مَا َترَ كَ عَلَى َظ ْهرِهَا مِن دَاّبةٍ َولَكِن ُيؤَ ّخرُهُ ْم إِلَى أَ َجلٍ‬
‫ّمسَمّى َفإِذَا جَاء َأجَ ُلهُ ْم َفإِنّ ال ّلهَ كَا َن ِبعِبَا ِد ِه بَصِيا (‪. ﴾ )45‬‬
‫عن قتادة ‪ ﴿ :‬وَكَانُوا َأشَ ّد مِْنهُ مْ ُق ّوةً ﴾ ي بكم ‪ :‬أ نه أع طى القوم ما ل‬
‫جزَ هُ ﴾ ‪ .‬قال البغوي ‪ :‬أي ‪ :‬ليفوت ع نه ﴿‬
‫يعط كم ‪ ﴿ .‬وَمَا كَا نَ اللّ هُ ِلُيعْ ِ‬
‫ت وَل فِي الرْ ضِ ِإنّ هُ كَا َن عَلِيمًا قَدِيرًا ﴾ ‪ ﴿ ،‬وََلوْ‬ ‫مِ ْن َشيْءٍ فِي ال سّ َموَا ِ‬
‫سبُوا ﴾ من الرائم ‪ ﴿ ،‬مَا تَرَ َك عَلَى َظهْرِهَا ﴾ ‪،‬‬ ‫ُيؤَاخِذُ اللّ ُه النّا سَ بِمَا كَ َ‬
‫يعن ‪ :‬على ظهر الرض كناية عن غي مذكور ‪ ﴿ ،‬مِنْ دَاّبةٍ ﴾ كما كان ف‬
‫زمان نوح ‪ ،‬أهلك ال ما على ظهر الرض إل من كان ف سفينة نوح ‪.‬‬
‫﴿ وََلكِ ْن ُيؤَخّ ُرهُ مْ إِلَى أَ َج ٍل مُ سَمّى فَإِذَا جَاءَ أَجَُلهُ مْ فَِإنّ اللّ هَ كَا نَ بِ ِعبَادِ هِ‬
‫بَصِيًا ﴾ ‪ ،‬قال ابن عباس رضي ال عنهما ‪ :‬يريد أهل طاعته وأهل معصيته ‪.‬‬
‫وقال ابن كثي ‪ ﴿ :‬وَلَكِ ْن ُيؤَخّ ُرهُ مْ إِلَى أَجَ ٍل مُ سَمّى ﴾ أي ‪ :‬ولكن ُينْظرهُم‬
‫إل يوم القيامَة ‪ ،‬فيحاسَبهم يومئذٍ ‪ ،‬ويوفَ كَل عامَل بعمله ‪ ،‬فيجازي‬
‫بالثواب أهلَ الطاعَة ‪ ،‬وبالعقاب أهَل العصَية ‪ ،‬ولذا قال تبارك تعال ‪:‬‬
‫﴿ فَإِذَا جَاءَ أَجَُلهُمْ فَِإنّ اللّهَ كَانَ بِ ِعبَا ِد ِه َبصِيًا ﴾ ‪.‬‬

‫***‬
‫‪661‬‬ ‫توفيق الرحن ف دروس القرآن‬

‫الدرس الثلثون بعد الائتي‬


‫[ سورة يس ]‬
‫مكية وهي ثلث وثانون آية‬
‫روى البزار وغيه عَن أبَ هريرة قال ‪ :‬قال رسَول ال ‪ « :‬إن لكَل‬
‫شيء قلبًا ‪ ،‬وقلب القرآن يس » ‪ .‬و عن ُجنْدَب بن عبد ال قال ‪ :‬قال رسول‬
‫ال ‪ « :‬من قرأ يس ف ليلة ابتغاء وجه ال عز وجل ‪ ،‬غفر له » ‪ .‬رواه ابن‬
‫حبان ف صحيحه ‪.‬‬
‫بسم ال الرحن الرحيم‬
‫ْسـلِيَ (‪ )3‬عَلَى‬
‫ِنـ الْ ُمر َ‬
‫ّكـ لَم َ‬
‫ِيمـ (‪ِ )2‬إن َ‬
‫ْآنـ الْحَك ِ‬
‫﴿ يـس (‪ )1‬وَالْ ُقر ِ‬
‫صرَاطٍ مّ سَْتقِيمٍ (‪ )4‬تَنِيلَ اْل َعزِي ِز ال ّرحِي مِ (‪ )5‬لِتُنذِرَ َقوْما مّ ا أُنذِرَ آبَا ُؤهُ مْ‬
‫ِ‬
‫ُونـ (‪ِ )7‬إنّاـ‬
‫ُمـ لَا ُي ْؤمِن َ‬
‫ِمـ َفه ْ‬
‫ُونـ (‪َ )6‬ل َقدْ حَقّ اْل َقوْلُ عَلَى أَكَْث ِره ْ‬
‫ُمـ غَافِل َ‬
‫َفه ْ‬
‫للً َفهِ َي ِإلَى ا َل ْذقَا ِن َفهُم ّمقْ َمحُو نَ (‪َ )8‬وجَعَلْنَا مِن‬
‫َجعَلْنَا فِي أَعْنَاقِهِ مْ أَ ْغ َ‬
‫صرُونَ (‪ )9‬وَ َسوَاء‬
‫بَيْنِ َأْيدِيهِمْ َسدّا َومِ ْن خَ ْلفِهِمْ سَدّا َفأَ ْغشَيْنَاهُ ْم َفهُ ْم لَ يُبْ ِ‬
‫عَلَ ْيهِ ْم َأأَنذَ ْرتَهُ مْ أَ ْم لَ ْم تُنذِرْهُ مْ َل ُيؤْمِنُو نَ (‪ِ )10‬إنّمَا تُنذِرُ مَ نِ اتّبَ َع الذّ ْكرَ‬
‫شرْ ُه بِ َم ْغ ِفرَ ٍة َوأَ ْجرٍ َكرِيٍ (‪ِ )11‬إنّ ا نَحْ ُن نُحْيِي‬
‫ب فََب ّ‬
‫َو َخشِ يَ الرّحْمَن بِاْلغَيْ ِ‬
‫ب مَا َق ّدمُوا وَآثَارَهُمْ وَ ُكلّ َشيْءٍ أحْصَيْنَا ُه فِي ِإمَامٍ مُبِيٍ (‪)12‬‬
‫الْ َم ْوتَى وََنكْتُ ُ‬
‫ضرِ بْ لَهُم مّثَلً أَ صْحَابَ اْلقَ ْرَيةِ ِإ ْذ جَاءهَا الْ ُمرْ سَلُونَ (‪ِ )13‬إذْ أَرْ سَلْنَا‬
‫وَا ْ‬
‫ِإلَ ْيهِ مُ اثْنَيْ نِ َف َك ّذبُوهُمَا َف َعزّ ْزنَا بِثَالِ ثٍ َفقَالُوا إِنّا إِلَ ْيكُم ّمرْ سَلُونَ (‪ )14‬قَالُوا‬
‫الزء الثالث‬ ‫‪662‬‬

‫شرٌ مّثْلُنَا وَمَا أَنزَ َل ال ّرحْ من مِن شَيْ ٍء إِ ْن أَنتُ مْ إِ ّل تَ ْك ِذبُو نَ (‬


‫مَا أَنتُ ْم إِ ّل َب َ‬
‫ل غُ الْمُِبيُ‬
‫‪ )15‬قَالُوا َربّنَا َيعْلَ مُ ِإنّا إِلَ ْيكُ مْ لَ ُمرْ سَلُونَ (‪ )16‬وَمَا عَلَيْنَا ِإلّ الْبَ َ‬
‫(‪ )17‬قَالُوا إِنّا تَطَّي ْرنَا بِكُ مْ لَئِن لّ ْم تَنَتهُوا لََنرْجُمَّنكُ ْم َولَيَمَ سّّنكُم مّنّا َعذَا بٌ‬
‫سرِفُونَ (‪)19‬‬
‫َألِي مٌ (‪ )18‬قَالُوا طَاِئرُكُ مْ مَ َعكُ مْ َأئِن ذُ ّكرْتُم َب ْل أَنتُ ْم َقوْ ٌم مّ ْ‬
‫سعَى قَالَ يَا قَوْ ِم اتِّبعُوا الْ ُمرْ سَلِيَ (‪)20‬‬
‫َوجَاء مِ ْن َأقْ صَى الْ َمدِينَةِ َر ُجلٌ يَ ْ‬
‫ُونـ (‪ )21‬وَم َا لِي َل أَعُْب ُد الّذِي‬
‫َسـَأُلكُ ْم أَجْرا وَه ُم ّمهَْتد َ‬
‫اتِّبعُوا م َن ّل ي ْ‬
‫ضرّ لّ‬
‫خ ُذ مِن دُوِنهِ آِل َه ًة إِن ُيرِدْنِ ال ّرحْمَن بِ ُ‬
‫فَ َط َرنِي وَِإلَيْ ِه ُترْ َجعُونَ (‪َ )22‬أأَتّ ِ‬
‫للٍ مّبِيٍ (‪)24‬‬
‫ُتغْ نِ عَنّي َشفَاعَُتهُ مْ شَيْئا وَ َل يُنقِذُو نِ (‪ِ )23‬إنّي إِذا ّلفِي ضَ َ‬
‫ِإنّيـ آمَنتُـِبرَّبكُم ْـ فَاس ْـَمعُونِ (‪ )25‬قِيلَ ا ْد ُخلِ الْجَّن َة قَا َل يَا لَيْتَـ َقوْمِي‬
‫َيعْلَمُو نَ (‪ )26‬بِمَا َغ َف َر لِي َربّ ي َوجَعَلَنِي مِ َن الْ ُمكْ َرمِيَ (‪ )27‬وَمَا أَنزَلْنَا‬
‫ت ِإلّ‬
‫نِليَ (‪ )28‬إِن كَانَ ْ‬
‫عَلَى َق ْومِ ِه مِن َب ْع ِدهِ ِم ْن جُندٍ ّم َن السّمَا ِء َومَا كُنّا مُ ِ‬
‫س َرةً عَلَى الْعِبَادِ مَا َي ْأتِيهِم مّن‬
‫حةً وَاحِ َد ًة َفإِذَا هُ مْ خَامِدُو نَ (‪ )29‬يَا حَ ْ‬
‫صَ ْي َ‬
‫ّرسُولٍ إِلّ كَانُوا بِهِ يَسَْت ْهزِئُون (‪َ )30‬ألَمْ َي َروْا َكمْ َأهْ َلكْنَا قَبْ َلهُم مّنْ اْل ُقرُونِ‬
‫ضرُونَ (‪﴾ )32‬‬
‫َأّنهُمْ إِلَ ْيهِ ْم لَ يَ ْر ِجعُونَ (‪ )31‬وَإِن ُك ّل لّمّا جَمِي ٌع ّل َديْنَا مُحْ َ‬
‫‪.‬‬

‫***‬
‫‪663‬‬ ‫توفيق الرحن ف دروس القرآن‬

‫ْسـلِيَ (‪ )3‬عَلَى‬
‫ِنـ الْ ُمر َ‬
‫ّكـ لَم َ‬
‫ِيمـ (‪ِ )2‬إن َ‬
‫ْآنـ الْحَك ِ‬
‫﴿ يـس (‪ )1‬وَالْ ُقر ِ‬
‫صرَاطٍ مّ سَْتقِيمٍ (‪ )4‬تَنِيلَ اْل َعزِي ِز ال ّرحِي مِ (‪ )5‬لِتُنذِرَ َقوْما مّ ا أُنذِرَ آبَا ُؤهُ مْ‬
‫ِ‬
‫ُونـ (‪ِ )7‬إنّاـ‬
‫ُمـ لَا ُي ْؤمِن َ‬
‫ِمـ َفه ْ‬
‫ُونـ (‪َ )6‬ل َقدْ حَقّ اْل َقوْلُ عَلَى أَكَْث ِره ْ‬
‫ُمـ غَافِل َ‬
‫َفه ْ‬
‫للً َفهِ َي ِإلَى ا َل ْذقَا ِن َفهُم ّمقْ َمحُو نَ (‪َ )8‬وجَعَلْنَا مِن‬
‫َجعَلْنَا فِي أَعْنَاقِهِ مْ أَ ْغ َ‬
‫صرُونَ (‪ )9‬وَ َسوَاء‬
‫بَيْنِ َأْيدِيهِمْ َسدّا َومِ ْن خَ ْلفِهِمْ سَدّا َفأَ ْغشَيْنَاهُ ْم َفهُ ْم لَ يُبْ ِ‬
‫عَلَ ْيهِ ْم َأأَنذَ ْرتَهُ مْ أَ ْم لَ ْم تُنذِرْهُ مْ َل ُيؤْمِنُو نَ (‪ِ )10‬إنّمَا تُنذِرُ مَ نِ اتّبَ َع الذّ ْكرَ‬
‫ْنـ‬
‫ْهـ بِ َم ْغ ِفرَ ٍة َوأَ ْجرٍ َكرِي ٍ (‪ِ )11‬إنّاـ نَح ُ‬
‫ْبـ فََبشّر ُ‬
‫ِيـ ال ّرحْم َن بِاْلغَي ِ‬
‫َو َخش َ‬
‫ب مَا َق ّدمُوا وَآثَا َرهُمْ وَ ُك ّل شَيْ ٍء أحْصَيْنَاهُ فِي ِإمَا ٍم مُِبيٍ‬
‫نُحْيِي الْ َموْتَى َوَنكْتُ ُ‬
‫(‪. ﴾ )12‬‬
‫سمٌ ‪ ،‬ك ما‬ ‫عن قتادة ‪ ﴿ :‬وَالْقُرْآ نِ الْ َ‬
‫حكِي مِ * ِإنّ كَ لَمِ َن الْمُرْ سَلِيَ ﴾ قَ َ‬
‫ّسََتقِيمٍ ﴾ أي ‪ :‬على‬
‫صَرَاطٍ م ْ‬
‫ي عَلَى ِ‬‫ْسَِل َ‬
‫ِنَ الْ ُمر َ‬
‫ّكَ َلم َ‬
‫تسَمعون ‪ِ ﴿ ،‬إن َ‬
‫السَلم ﴿ تَنِي َل اْلعَزِيزِ الرّحِيمَِ ﴾ ‪ ،‬قال البغوي ‪ :‬قرأ ابَن عامَر ‪ ،‬وحزة ‪،‬‬
‫والك سائي ‪ ،‬وح فص ‪ ( :‬تن يل ) بن صب اللم كأ نه قال ‪ :‬نزل تنيلً ‪ .‬وقرأ‬
‫الخرون ‪ :‬بالرفع ‪ ،‬أي ‪ :‬هو تنيل العزيز الرحيم ‪.‬‬
‫قال ا بن كث ي ‪ :‬وقوله تعال ‪ِ ﴿ :‬لتُنذِرَ َقوْما مّ ا أُنذِ َر آبَا ُؤهُ مْ َفهُ ْم غَافِلُو نَ‬
‫﴾ يعن بم ‪ :‬العرب ؛ فإنه ما أتاهم من نذير من قبله ‪ .‬وذكرهم وحدهم ل‬
‫ين في مَ ْن عدا هم ‪ ،‬ك ما أن ذ كر ب عض الفراد ل ين في العموم ‪ .‬و قد تقدم‬
‫الزء الثالث‬ ‫‪664‬‬

‫ذكَر اليات والحاديَث التواترة الدالة على عموم بعثتَه عنَد قوله تعال‬
‫‪ ﴿ :‬قُ ْل يَا َأّيهَا النّاسُ إِنّي َرسُولُ اللّهِ إَِليْكُمْ َجمِيعًا ﴾ ‪.‬‬
‫وقال البغوي ‪َ ﴿ :‬لقَدْ حَقّ اْلقَوْلُ ﴾ ‪ ،‬و جب العذاب ‪ ﴿ ،‬عَلَى أَ ْكثَ ِرهِ مْ‬
‫َ عَلَى‬ ‫َ كَِل َمةُ الْعَذَاب ِ‬ ‫َ َحقّت ْ‬ ‫َ ﴾ ‪ ،‬هذا كقوله ‪ ﴿ :‬وَلَكِن ْ‬ ‫َ ل ُي ْؤ ِمنُون َ‬
‫َفهُم ْ‬
‫اْلكَافِرِي نَ ﴾ ‪ .‬و عن قتادة ‪ :‬قوله ‪ِ ﴿ :‬إنّ ا َجعَلْنَا فِي َأعْنَاِقهِ مْ َأ ْغلَلً َفهِ يَ إِلَى‬
‫الَذْقَانِ َفهُم ّمقْمَحُونَ ﴾ ‪ ،‬أي ‪ :‬فهم مضلّلون عن كل خي ‪ ﴿ ،‬وَ َج َع ْلنَا مِن‬
‫شيْنَاهُمْ َفهُمْ‬‫َبيْنِ َأيْدِيهِمْ سَدّا َومِنْ خَ ْل ِفهِمْ سَدّا ﴾ ‪ ،‬قال ‪ :‬ضللت ‪َ ﴿ ،‬فَأغْ َ‬
‫َل ُيبْصِرُونَ ﴾ هدى ول ينتفعون به ‪ .‬وعن عكرمة قال ‪ :‬قال أبو جهل ‪ :‬لئن‬
‫رأيَت ممدًا لفعلنَّ ولفعلنَّ ‪ ،‬فأنزلت ‪ِ ﴿ :‬إنّاَ َجعَلْنَا فِي َأعْنَاِقهِم َْ ﴾ إل‬
‫ْصَرُونَ ﴾ قال ‪ :‬فكانوا يقولون ‪ :‬هذا ممَد فيقول ‪ :‬أيَن‬ ‫ُمَ َل ُيب ِ‬
‫﴿ َفه ْ‬
‫هو ‪ ،‬أين هو ؟ ل يبصر ‪.‬‬
‫وقوله تعال ‪ ﴿ :‬وَ َسوَاء عََلْيهِ مْ َأأَنذَ ْرَتهُ مْ أَ مْ َل ْم تُنذِ ْرهُ مْ َل ُيؤْ ِمنُو نَ * ِإنّمَا‬
‫تُنذِ ُر مَ ِن اتّبَ عَ الذّكْ َر وَخَشِ يَ الرّحْمَن بِاْلغَيْ بِ َفبَشّرْ هُ بِ َم ْغفِ َر ٍة َوأَجْرٍ َك ِريٍ ﴾ ‪،‬‬
‫ح ُن نُحْيِي‬
‫قال قتادة ‪ :‬واتباع الذ كر ‪ :‬اتباع القرآن ‪ .‬وقوله تعال ‪ِ ﴿ :‬إنّاَنَ ْ‬
‫ب مَا قَ ّدمُوا ﴾ ‪ ،‬قال قتادة ‪ :‬مِ ْن عَمَلٍ ‪ .‬و عن ما هد ‪ ﴿ :‬مَا‬ ‫الْ َموْتَى َوَنكْتُ ُ‬
‫َق ّدمُوا ﴾ أعمالم وآثارهم ‪ ،‬قال ‪ :‬خُطاهم بأرجلهم ‪ .‬وعن جابر بن عبد ال‬
‫رضي ال عنهما قال ‪ :‬خلت البقاع حول السجد فأراد بنو سلمة أن ينتقلوا‬
‫قُرب السجد فبلغ ذلك رسول ال فقال ‪ « :‬يا بن سلمة دِياركم ُت ْكتَ بْ‬
‫آثَارُكُمْ » ‪ .‬رواه مسلم وغيه ‪ .‬وعن جرير بن عبد ال البجلي رضي ال عنه‬
‫‪665‬‬ ‫توفيق الرحن ف دروس القرآن‬

‫قال ‪ :‬قال ر سول ال ‪ « :‬من سن ف ال سلم سنة حسنة كان له أجرُها‬


‫وأ ْجرُ من عمل با بعده ‪ ،‬من غي أن ينقص من أجُورِهم شَي ٌء ومن سن ف‬
‫السلم سُنة َسيّئة كان عليه وِزْرُها َووِزْرُ من عَمِل با من غي أن ينقص من‬
‫أوزارهم شيءٌ » ‪ .‬وعن قتادة قوله ‪ ﴿ :‬وَكُ ّل شَيْءٍ أحْصَْينَاهُ فِي ِإمَامٍ ُمبِيٍ ﴾‬
‫مصى عند ال ف كتاب ‪.‬‬
‫َصـحَابَ اْلقَ ْرَيةِ ِإ ْذ جَاءه َا‬
‫لأ ْ‬‫ِبـ لَه ُم مّثَ ً‬
‫ضر ْ‬‫قوله عـز وجـل ‪ ﴿ :‬وَا ْ‬
‫ث َفقَالُوا ِإنّا‬
‫الْ ُمرْ سَلُونَ (‪ِ )13‬إذْ أَرْ سَلْنَا ِإلَ ْيهِ مُ اثْنَيْ ِن فَ َك ّذبُوهُمَا فَ َعزّ ْزنَا بِثَالِ ٍ‬
‫ش ٌر مّثْلُنَا وَمَا أَن َزلَ الرّحْ من مِن‬
‫ِإلَيْكُم ّمرْ سَلُونَ (‪ )14‬قَالُوا مَا أَنتُ مْ ِإلّ َب َ‬
‫َشيْ ٍء إِ ْن أَنتُ ْم إِ ّل َتكْ ِذبُو نَ (‪ )15‬قَالُوا َربّنَا َيعْلَ ُم ِإنّا ِإلَيْكُ ْم لَ ُمرْ سَلُونَ (‪)16‬‬
‫ّمـ تَنَتهُوا‬
‫ُمـ لَئِن ل ْ‬
‫َغـ الْمُبِيُ (‪ )17‬قَالُوا إِنّاـ تَطَّيرْنَا بِك ْ‬
‫وَمَا عَلَيْنَا إِ ّل الْبَل ُ‬
‫ُمـ أَئِن‬
‫ُمـ مَ َعك ْ‬
‫ِيمـ (‪ )18‬قَالُوا طَاِئرُك ْ‬
‫َابـ َأل ٌ‬
‫َسـنّكُم مّنّاـ َعذ ٌ‬
‫ُمـ َولَيَم ّ‬
‫لََن ْرجُمَّنك ْ‬
‫سرِفُونَ (‪. ﴾ )19‬‬
‫ذُ ّك ْرتُم َب ْل أَنتُ ْم َقوْ ٌم ّم ْ‬
‫قال ا بن إ سحاق في ما بل غه عن ا بن عباس ‪ ،‬و عن ك عب الحبار ‪ ،‬و عن‬
‫وهَب بَن منبَه قال ‪ :‬كان بدينَة أنطاكيَة فرعون مَن الفراعنَة يقال له‬
‫أبطي حس ‪ ،‬يع بد ال صنام صاحب شرك ‪ ،‬فب عث ال الر سلي و هم ثل ثة ‪:‬‬
‫صادق ‪ ،‬ومصدوق ‪ ،‬وسلوم ‪ .‬فقدم إليه وإل أهل مدينته اثنان فكذبوها ث‬
‫عزز ال بثالث ‪ ،‬فلما دعته الرسل ونادته بأمر ال وصدعت بالذي أمرت به‬
‫َ هَم عليَه ‪ ،‬قال لمَ ‪ِ ﴿ :‬إنّاَتَ َطيّرْنَا ِبكُم ََْلئِن لّم َْتَنتَهُوا‬
‫وعابَت دينَه وم ا‬
‫الزء الثالث‬ ‫‪666‬‬

‫سنّكُم ّمنّ ا عَذَا بٌ أَلِي مٌ ﴾ ‪ ،‬قالت ل م الر سل ‪ ﴿ :‬طَائِرُكُ ْم‬


‫َلنَ ْرجُ َمّنكُ ْم وََليَمَ ّ‬
‫َم َعكُ مْ ﴾ ‪ ،‬أي ‪ :‬أعمال كم مع كم ‪ .‬و عن قتادة ‪َ ﴿ :‬أئِن ذُكّرْتُم ﴾ ‪ ،‬أي ‪:‬‬
‫سرِفُونَ ﴾ ‪.‬‬
‫إن ذكرناكم ال تطيت بنا ؟ ﴿ بَلْ أَنتُمْ َق ْومٌ مّ ْ‬
‫سعَى قَا َل يَا َقوْ مِ‬
‫قوله عز و جل ‪ ﴿ :‬وَجَاء مِ نْ أَقْ صَى الْ َمدِيَنةِ َرجُ ٌل يَ ْ‬
‫سَألُ ُكمْ َأجْرا َوهُم ّمهَْتدُو نَ (‪ )21‬وَمَا‬
‫اتِّبعُوا الْ ُمرْسَلِيَ (‪ )20‬اتّبِعُوا مَن ّل يَ ْ‬
‫ِهـ آِل َهةً إِن‬
‫خذُ مِن دُون ِ‬
‫ُونـ (‪َ )22‬أَأتّ ِ‬
‫ْهـ تُ ْر َجع َ‬
‫لِي َل أَعُْب ُد الّذِي فَ َطرَنِي َوِإلَي ِ‬
‫ض ّر ّل تُغْ نِ عَنّي شَفَاعَُتهُ ْم شَيْئا َولَ يُن ِقذُو نِ (‪ِ )23‬إنّي إِذا‬
‫ُي ِردْ ِن الرّحْمَن بِ ُ‬
‫ت ِبرَّبكُمْ فَاسْ َمعُونِ (‪ )25‬قِي َل ادْ ُخلِ الْجَّنةَ‬
‫ل ٍل مّبِيٍ (‪ِ )24‬إنّي آمَن ُ‬
‫ّلفِي ضَ َ‬
‫ت َقوْمِي َيعْلَمُو نَ (‪ )26‬بِمَا َغ َفرَ لِي َربّي َو َجعَلَنِي مِنَ الْ ُم ْك َرمِيَ (‬
‫قَالَ يَا لَيْ َ‬
‫‪. ﴾ )27‬‬
‫قال البغوي ‪ :‬قوله عز وجل ‪ ﴿:‬وَجَاء مِنْ أَقْصَى الْمَدِينَةِ َرجُ ٌل يَ ْ‬
‫سعَى ﴾‬
‫وهو حبيب النجار ‪ .‬وقال السدي ‪ :‬كان ق صّارًا ‪ .‬وقال وهب ‪ :‬كان رج ً‬
‫ل‬
‫يع مل الر ير ‪ ،‬وكان سقيمًا قد أ سرع ف يه الذام ‪ ،‬وكان منله ع ند أق صى‬
‫باب مَن أبواب الدينَة ‪ ،‬وكان مؤمنًا ذا صَدقة ‪ ،‬يمَع كسَبه إذا أمسَى‬
‫فيقسمه نصفي ‪ ،‬فيطعم نصفًا لعياله ‪ ،‬ويتصدّق بنصفه ‪ ،‬فلما بلغه أن قومه‬
‫قد قصدوا قتل الرسلي جاءهم ‪ ﴿ ،‬قَا َل يَا َقوْ مِ اّتِبعُوا الْمُرْ سَلِيَ * اّتِبعُوا مَ نْ‬
‫سأَُلكُمْ أَ ْجرًا َوهُمْ ُمهْتَدُونَ ﴾ ‪ ،‬قال قتادة ‪ :‬كان حبيب ف غار يعبد ال ‪،‬‬ ‫لَا يَ ْ‬
‫فلما بلغه خب الرسل أتاهم فأظهر دينه ‪ ،‬فلما انتهى حبيب إل الرسل قال لم‬
‫‪667‬‬ ‫توفيق الرحن ف دروس القرآن‬

‫‪ :‬تسألون على هذا أجرًا ؟ قالوا ‪ :‬ل ‪ .‬فأقبل على قومه ‪ :‬فَ ﴿ قَالَ يَا َقوْ ِم‬
‫سأَُلكُمْ أَجْرا َوهُم ّم ْهتَدُو نَ ﴾ فلما قال ذلك‬ ‫ي * اّتبِعُوا مَن ّل يَ ْ‬ ‫اّتبِعُوا الْ ُمرْ سَِل َ‬
‫قالوا له ‪ :‬وأنت مالف لديننا ومتابع دين هؤلء الرسل ومؤمن بإلهم ؟ فقال‬
‫‪َ ﴿ :‬ومَا لِي لَ َأعْبُ ُد الّذِي َفطَ َرنِي َوإَِليْ ِه تُرْ َجعُونَ ﴾ ؟ ‪.‬‬
‫وقال ا بن إ سحاق في ما بل غه ‪ :‬نادا هم بلف ما هم عل يه من عبادة‬
‫الصنام ‪ ،‬وأظهر لم دينه وعبادة ربه ‪ ،‬وأخبهم أنه ل يلك نفعه ول ضره‬
‫خ ُذ مِ نْ دُونِ هِ‬‫غيه ‪ ،‬فقال ‪َ ﴿ :‬ومَا لِ يَ ل َأ ْعبُ ُد الّذِي فَطَ َرنِي َوإِلَيْ ِه تُرْ َجعُو نَ َأأَتّ ِ‬
‫آِل َهةً ﴾ ؟ ث عاب ا ‪ ،‬فقال ‪ ﴿ :‬إِ نْ يُ ِردْ نِ الرّ ْحمَ نُ بِضُرّ ﴾ وشدة ‪ ﴿ ،‬ل ُتغْ نِ‬
‫ت بِ َرّبكُ مْ ﴾ الذي كفر ت به ‪،‬‬ ‫َعنّ ي َشفَا َعُتهُ ْم َشْيئًا وَل ُيْنقِذُو نِ * ِإنّ ي آمَن ُ‬
‫َاسََمعُونِ ﴾ ‪ ،‬قال ‪ :‬فوثبوا وثبَة رجَل واحَد فقتلوه ‪ ،‬واسَتضعفوه‬ ‫﴿ف ْ‬
‫جّنةَ ﴾ ‪ ،‬قال ابن‬ ‫لضعفه وسقمه ‪ ،‬ول يكن أحد يدفع عنه ‪ ﴿ ،‬قِيلَ ادْخُ ِل الْ َ‬
‫مسعود ‪ :‬قال ال له ‪ :‬ادخل النة ‪ ،‬فدخلها حيّا يرزق فيها ‪ ،‬قد أذهب ال‬
‫صبَها ‪ ،‬فل ما أف ضى إل رح ة ال وجن ته وكرام ته‬ ‫ع نه سقم الدن يا وحزن ا ونَ َ‬
‫‪ ﴿ ،‬قَا َل يَا َليْ تَ َق ْومِي َيعْلَمُو نَ * بِمَا َغفَرَ لِي َربّي وَ َجعََلنِي مِ َن الْ ُمكْ َر ِميَ‬
‫﴾ ‪ ،‬قال قتادة ‪ :‬فل تلقى الؤمن إل ناصحًا ول تلقاه غاشّا ‪.‬‬
‫قوله عز وجل ‪َ ﴿ :‬ومَا أَن َزلْنَا عَلَى َق ْومِ هِ مِن بَ ْعدِ ِه مِ نْ جُندٍ مّ َن ال سّمَاءِ‬
‫ح ًة وَا ِح َدةً َفِإذَا هُ مْ خَامِدُو نَ (‪)29‬‬
‫ت ِإلّ صَيْ َ‬
‫نلِيَ (‪ )28‬إِن كَانَ ْ‬
‫َومَا كُنّا مُ ِ‬
‫س َرةً عَلَى الْعِبَادِ مَا َيأْتِيهِم مّن رّسُو ٍل إِلّ كَانُوا بِهِ يَسَْت ْهزِئُون (‪َ )30‬ألَمْ‬
‫يَا حَ ْ‬
‫الزء الثالث‬ ‫‪668‬‬

‫َي َروْا كَ ْم َأهْلَكْنَا قَبْ َلهُم مّ نْ اْل ُقرُو ِن َأّنهُ ْم ِإلَ ْيهِ ْم لَ َي ْرجِعُو نَ (‪َ )31‬وإِن ُكلّ‬
‫ضرُونَ (‪. ﴾ )32‬‬
‫لّمّا جَمِي ٌع ّل َديْنَا مُحْ َ‬
‫قال ابن إسحاق فيما بلغه عن ابن مسعود قال ‪ :‬غضب ال له ‪ -‬يعن لذا‬
‫الؤمن لستضعافه إياه ‪ -‬غضبة ل ُتبْ قِ من القوم شيئًا ‪ ،‬فعجّل لم النقمة با‬
‫استحلوا منه ‪ ،‬وقال ‪َ ﴿ :‬ومَا أَنزْلنَا عَلَى َق ْومِ ِه مِ ْن َبعْدِ ِه مِ نْ ُجنْ ٍد مِ َن ال سّمَاءِ‬
‫َومَا ُكنّا مُنلِيَ ﴾ ‪ ،‬يقول ‪ :‬ما كاثرناهم بالموع ‪ ،‬أي ‪ :‬المر أيسر علينا‬
‫ح ًة وَاحِ َدةً َفإِذَا هُ مْ خَامِدُو نَ ﴾ فأهلك ال‬ ‫صيْ َ‬ ‫من ذلك ‪ ﴿ ،‬إِ نْ كَانَ تْ إِل َ‬
‫ذلك اللك وأهل أنطاكية ‪ ،‬فبادوا عن وجه الرض ‪ ،‬فلم تبق منهم باقية ‪.‬‬
‫ََر ًة عَلَى اْل ِعبَادِ ﴾ ‪ ،‬أي ‪ :‬يَا حسَرة العباد على‬ ‫وعَن قتادة ‪ ﴿ :‬يَاحَس ْ‬
‫أنفسها على ما ضيعت من أمر ال وفرطّت ف جنب ال ‪ ﴿ ،‬مَا َي ْأتِيهِم مّن‬
‫َسََتهْ ِزئُون ﴾ ‪ ،‬قال ماهَد ‪ :‬كانَت حسَرة عليهَم‬ ‫ِهَ ي ْ‬
‫رّسَُولٍ إِلّ كَانُوا ب ِ‬
‫استهزاؤهم بالرسل ‪ .‬وعن قتادة ‪ ﴿ :‬أَلَ ْم َي َروْا كَ مْ َأهَْل ْكنَا َقبَْلهُم مّ ْن اْلقُرُو نِ‬
‫َأّنهُ مْ إَِلْيهِ مْ َل َيرْ ِجعُو نَ ﴾ ‪ ،‬قال ‪ :‬عاد ‪ ،‬وثود ‪ ،‬وقارون ‪ ،‬وقرون ب ي ذلك‬
‫حضَرُونَ ﴾ ‪ ،‬أي ‪ :‬يوم القيامة ‪.‬‬ ‫كثيًا ‪َ ﴿ ،‬وإِن كُلّ لّمّا جَمِيعٌ لّ َدْينَا مُ ْ‬

‫***‬
‫‪669‬‬ ‫توفيق الرحن ف دروس القرآن‬

‫الدرس الواحد والثلثون بعد الائتي‬

‫ض الْمَيَْت ُة أَحْيَيْنَاهَا َوأَ ْخ َرجْنَا مِ ْنهَا حَبّا َفمِنْ هُ َيأْكُلُو نَ (‬


‫﴿ وَآَيةٌ ّلهُ مُ اْلأَرْ ُ‬
‫ج ْرنَا فِيهَا مِ نْ اْلعُيُو نِ (‪)34‬‬
‫ت مِن نّخِيلٍ وَأَعْنَا بٍ َوفَ ّ‬
‫‪َ )33‬وجَعَلْنَا فِيهَا جَنّا ٍ‬
‫ش ُكرُو نَ (‪ )35‬سُبْحَا َن اّلذِي‬
‫لَِيأْكُلُوا مِن ثَ َمرِ هِ وَمَا عَمِلَتْ ُه َأْيدِيهِ مْ َأفَلَا َي ْ‬
‫سهِ ْم َومِمّا لَا َيعْلَمُو نَ (‪)36‬‬
‫ض َومِ ْن أَنفُ ِ‬
‫ت اْلأَرْ ُ‬
‫خَلَ قَ اْلأَزْوَا جَ ُك ّلهَا مِمّا تُنبِ ُ‬
‫جرِي‬
‫خ مِنْ هُ الّنهَارَ َفِإذَا هُم مّظْلِمُو نَ (‪ )37‬وَالشّمْ سُ تَ ْ‬
‫وَآَي ٌة ّلهُ مْ اللّ ْي ُل نَ سْلَ ُ‬
‫ك َتقْدِيرُ اْل َعزِيزِ اْلعَلِيمِ (‪ )38‬وَاْلقَ َمرَ َقدّ ْرنَاهُ مَنَا ِزلَ حَتّى عَادَ‬
‫لِمُسَْت َق ّر ّلهَا َذلِ َ‬
‫س يَنبَغِي لَهَا أَن ُتدْرِ َك اْلقَ َمرَ وَلَا اللّ ْيلُ‬
‫كَاْل ُعرْجُو ِن الْ َقدِيِ (‪ )39‬لَا الشّمْ ُ‬
‫ك يَ سْبَحُونَ (‪ )40‬وَآَيةٌ ّلهُ ْم َأنّا حَمَلْنَا ذُ ّريَّتهُمْ فِي‬
‫سَاِبقُ الّنهَارِ وَ ُك ّل فِي فَلَ ٍ‬
‫ك الْ َمشْحُو نِ (‪ )41‬وَخَ َلقْنَا َلهُم مّن مّثْلِ ِه مَا َيرْكَبُو نَ (‪َ )42‬وإِن ّنشَأْ‬
‫اْلفُلْ ِ‬
‫خ َلهُ ْم َولَا هُ ْم يُنقَذُونَ (‪ِ )43‬إلّا َرحْ َم ًة مّنّا َومَتَاعا ِإلَى حِيٍ‬
‫صرِي َ‬
‫ُن ْغ ِرقْهُ ْم فَلَا َ‬
‫(‪َ )44‬وِإذَا قِي َل َلهُ ُم اتّقُوا مَا بَيْ نَ َأْيدِيكُ ْم وَمَا خَ ْلفَكُ مْ لَعَ ّلكُ مْ ُت ْرحَمُو نَ (‬
‫ضيَ (‪َ )46‬وِإذَا‬
‫‪َ )45‬ومَا َتأْتِيهِم مّنْ آَي ٍة مّنْ آيَاتِ َرّبهِمْ ِإلّا كَانُوا عَ ْنهَا مُ ْعرِ ِ‬
‫قِي َل َلهُ ْم أَنفِقُوا مِمّا رَ َز َق ُكمْ ال ّلهُ قَالَ اّلذِينَ َك َفرُوا لِ ّلذِينَ آمَنُوا َأنُ ْطعِ ُم مَن لّوْ‬
‫َيشَا ُء اللّ ُه أَ ْطعَ َم ُه إِ ْن أَنتُ ْم ِإلّا فِي ضَلَا ٍل مّبِيٍ (‪. ﴾ )47‬‬

‫***‬
‫الزء الثالث‬ ‫‪670‬‬

‫ض الْمَيَْتةُ َأحْيَيْنَاهَا وََأ ْخرَجْنَا مِ ْنهَا حَبّا‬


‫قوله عز وجل ‪ ﴿ :‬وَآيَ ٌة ّلهُ مُ اْلأَرْ ُ‬
‫ج ْرنَا فِيهَا مِنْ‬
‫ب َوفَ ّ‬
‫فَمِنْ ُه َيأْكُلُونَ (‪ )33‬وَ َجعَلْنَا فِيهَا جَنّاتٍ مِن نّخِي ٍل َوأَعْنَا ٍ‬
‫ش ُكرُو نَ (‪)35‬‬
‫اْلعُيُو نِ (‪ )34‬لَِيأْكُلُوا مِن ثَ َمرِ هِ وَمَا عَمِلَتْ ُه َأْيدِيهِ مْ َأفَلَا َي ْ‬
‫س ِهمْ َومِمّا لَا‬
‫ض َومِ نْ أَنفُ ِ‬
‫ت الْأَرْ ُ‬
‫سُبْحَانَ اّلذِي خَلَ قَ اْلأَ ْزوَا جَ كُ ّلهَا مِمّا تُنبِ ُ‬
‫َيعْلَمُونَ (‪. ﴾ )36‬‬
‫يقول تعال ‪ ﴿ :‬وَآَيةٌ ّلهُم ُ‬
‫َ ﴾ ‪ ،‬أي ‪ :‬دللة واضحَة على وحدانيَة ال‬
‫ْضَ الْ َميَْتةُ أَ ْحَيْينَاهَا ﴾ بالطَر‬‫تعال وقدرتَه التامّة وإحيائه الوتَى ‪ ﴿ ،‬الْأَر ُ‬
‫‪َ ﴿ ،‬وأَخْ َرجْنَا ِمنْهَا َحبّا ﴾ يع ن ‪ :‬الن طة وغي ها ‪ ﴿ ،‬فَ ِمنْ ُه َيأْكُلُو نَ *‬
‫ب وَفَجّ ْرنَا فِيهَا مِ ْن اْلعُيُونِ *‬‫وَ َج َع ْلنَا فِيهَا َجنّاتٍ ﴾ بساتي ﴿ مِن نّخِيلٍ َوأَ ْعنَا ٍ‬
‫ِلَيأْكُلُوا مِن ثَمَرِ هِ ﴾ أي ‪ :‬من ث ر الذكور ﴿ وَمَا عَمَِلتْ هُ أَيْدِيهِ مْ ﴾ أي ‪ :‬ل‬
‫تعمل الثمر ‪ .‬وقال ف جامع البيان ‪َ ﴿ :‬ومَا عَمَِلتْ هُ َأيْدِيهِ مْ ﴾ أي ‪ :‬الثمر ل‬
‫شكُرُونََ ﴾ ؟ وعَن‬ ‫تعمله أيدي الناس ‪ ،‬بَل َخلْقَُ ال ‪ ،‬ولذا قال ‪ ﴿ :‬أَفَلَا يَ ْ‬
‫بعض ‪ :‬أن ( ما ) موصولة ‪ ،‬عطف على ثره ‪ ،‬والراد ما ُيتّخذ منه كالدبس‬
‫ج ﴾ النواع ﴿ كُلّهَا مِمّ ا تُنبِ تُ اْلأَرْ ضُ‬ ‫‪ُ ﴿ .‬سبْحَا َن الّذِي خََل َق الْأَ ْزوَا َ‬
‫سهِمْ ﴾ الذكر والنثى ‪َ ﴿ ،‬ومِمّا لَا َيعْلَمُونَ ﴾ من ملوقات شتّى ‪.‬‬ ‫َومِنْ أَنفُ ِ‬
‫خ مِنْهُ الّنهَارَ َفِإذَا هُم مّظْلِمُونَ (‬
‫قوله عز وجل ‪ ﴿ :‬وَآَيةٌ ّلهُمْ اللّ ْي ُل نَسْلَ ُ‬
‫ك َتقْدِيرُ اْل َعزِي ِز الْعَلِي مِ (‪ )38‬وَالْقَ َمرَ‬
‫جرِي لِمُ سَْت َق ّر ّلهَا َذلِ َ‬
‫س تَ ْ‬
‫‪ )37‬وَالشّمْ ُ‬
‫‪671‬‬ ‫توفيق الرحن ف دروس القرآن‬

‫س يَنبَغِي لَهَا أَن‬


‫َقدّ ْرنَا هُ مَنَا ِزلَ حَتّ ى عَادَ كَاْل ُعرْجُو نِ اْل َقدِيِ (‪ )39‬لَا الشّمْ ُ‬
‫ك َيسْبَحُونَ (‪. ﴾ )40‬‬
‫ُتدْرِ َك اْلقَ َمرَ َولَا اللّ ْيلُ سَاِبقُ الّنهَارِ وَ ُك ّل فِي فَ َل ٍ‬
‫قوله تعال ‪ ﴿ :‬وَآَيةٌ ّلهُم َْ الّليْلُ نَس ْل‬
‫ََخُ مِنْهَُ الّنهَارَ فَِإذَا هُم مّظْلِمُونََ ﴾ ‪،‬‬
‫قال البغوي ‪ :‬وذلك أن الصَل هَي الظلمَة ‪ ،‬والنهار دخلٌ ‪ ،‬فإذا غربَت‬
‫الشمس سلخ النهار من الليل فتظهر الظلمة ‪ .‬وعن قتادة قوله ‪ ﴿ :‬وَالشّمْ سُ‬
‫سَتقَرّ ّلهَا ﴾ ‪ ،‬قال ‪ :‬وقت واحد ل تعدوه ‪ .‬وعن أب ذر رضي ال‬ ‫جرِي لِمُ ْ‬
‫تَ ْ‬
‫عنه قال ‪ :‬كنت مع رسول ال ف السجد عند غروب الشمس ‪ ،‬فقال‬
‫‪ « :‬يا أبا ذرّ أتدري أين تغرب الش مس » ؟ قلت ‪ :‬ال ور سوله أعلم ‪ ،‬قال‬
‫﴿‬ ‫‪ « :‬فإن ا تذ هب ح ت ت سجد ت ت العرش فذلك قوله تعال ‪:‬‬
‫ك َتقْدِي ُر الْعَزِي ِز الْعَلِيمِ ﴾ » ‪ .‬رواه البخاري‬
‫سَتقَرّ ّلهَا * ذَلِ َ‬
‫وَالشّ ْمسُ َتجْرِي لِمُ ْ‬
‫وغيه ‪ .‬و ف روا ية أح د ‪ « :‬فإن ا تذ هب ح ت ت سجد ب ي يدي رب ا عز‬
‫و جل ‪ ،‬فت ستأذن ف الرجوع فيؤذن ل ا ‪ ،‬وكأن ا قد ق يل ل ا ‪ :‬ارج عي من‬
‫﴿‬ ‫حيث جئت ‪ ،‬فترجع إل مطلعها ‪ ،‬وذلك مستقرها ‪ - ،‬ث قرأ ‪: -‬‬
‫سَتقَرّ ّلهَا ﴾ » ‪ .‬وف رواية البغوي ‪ « :‬فإنا تذهب حت‬ ‫جرِي لِمُ ْ‬‫س تَ ْ‬
‫وَالشّمْ ُ‬
‫تسجد تت العرش فتستأذن فيؤذن لا ‪ ،‬ويوشك أن تسجد فل يُقبل منها ‪،‬‬
‫وتستأذن فل يؤذن لا ‪ ،‬فيقال لا ‪ :‬ارجعي من حيث جئت فتطلع من مغربا‬
‫سَتقَرّ ّلهَا ﴾ » ‪.‬‬ ‫فذلك قوله تعال ‪ ﴿ :‬وَالشّ ْمسُ تَجْرِي ِلمُ ْ‬
‫الزء الثالث‬ ‫‪672‬‬

‫قال ابـن جريـر ‪ :‬وقوله ‪ ﴿ :‬ذَلِكَََتقْدِي ُر الْعَزِي ِز الْعَلِيمَِ ﴾ ‪ ،‬يقول ‪ :‬هذا‬


‫الذي وصفنا من جري الشمس لستق ّر لا ‪ ،‬تقدير العزيز ف انتقامه من أعدائه‬
‫العليم بصال خلقه وغي ذلك من الشياء كلها ‪ ،‬ل تفى عليه خافية ‪.‬‬
‫وعن السن ف قوله ‪ ﴿ :‬وَاْلقَمَرَ قَدّ ْرنَاهُ َمنَازِلَ َحتّى عَادَ كَاْلعُرْجُونِ اْلقَ ِديِ ﴾‬
‫قال ‪ :‬كعذق النخلة إذا قدم فانن ‪.‬‬
‫وقال ابن كث ي ‪ :‬ث قال جل وعل ‪ ﴿ :‬وَاْلقَمَرَ قَدّ ْرنَا ُه َمنَازِلَ ﴾ ‪ ،‬أي ‪:‬‬
‫جعلناه ي سي سيًا آ خر يُ ستدلّ به على مض يّ الشهور ‪ ،‬ك ما أن الش مس‬
‫ك عَ ِن الهِّلةِ ُق ْل هِيَ‬‫سأَلُونَ َ‬
‫يُعرف با الليل والنهار ‪ ،‬كما قال عز وجل ‪ ﴿ :‬يَ ْ‬
‫ضيَاءً‬
‫ْسَ ِ‬‫ّاسَ وَالْحَجّ ﴾ ‪ ،‬وقال تعال ‪ُ ﴿ :‬هوَ الّذِي َجعَلَ الشّم َ‬ ‫ِيتَ لِلن ِ‬
‫َموَاق ُ‬
‫سنِيَ وَالْحِ سَابَ * مَا َخلَ قَ اللّ هُ ذَلِ كَ‬
‫وَاْلقَمَ َر نُورًا وَقَدّرَ ُه َمنَازِلَ ِلَتعْلَمُوا عَ َد َد ال ّ‬
‫إِ ّل بِالْحَ ّق ُي َفصّ ُل اليَاتِ ِل َق ْومٍ َيعَْلمُونَ ﴾ ‪.‬‬
‫وقوله تعال ‪ ﴿ :‬ل الشّمْ ُ‬
‫س يَنبَغِي لَهَا أَن تُدْرِ كَ الْقَ َمرَ ﴾ ‪ ،‬قال ما هد ‪:‬‬
‫لكل منهما حدّ ل يعدوه ول يقصّر دونه ‪ ،‬إذا جاء سلطان هذا ذهب سلطان‬
‫هذا ‪ ،‬وإذا ذهَب سَلطان هذا جاء سَلطان هذا ‪ ﴿ .‬وَل الّليْ ُل سََابِ ُق الّنهَارِ‬
‫﴾ قال الضحاك ‪ :‬ل يذهب الليل من ها هنا حت ييء النهار من ها هنا ‪.‬‬
‫َسَبَحُونَ ﴾ ‪ ،‬قال ابَن عباس ‪ :‬يرون فَ َفَل َكةٍ َكفََل َكةِ‬ ‫َكَ ي ْ‬
‫﴿ وَكُلّ فِي َفل ٍ‬
‫َكَ كحديدة الرّحَى ‪ ،‬أو كفلكَة الغزل ل يدور‬ ‫الغزل ‪ .‬وقال ماهَد ‪ :‬الفَل ُ‬
‫الغزل إل با ‪ ،‬ول تدور إل به ‪.‬‬
‫‪673‬‬ ‫توفيق الرحن ف دروس القرآن‬

‫قوله عز وجل ‪ ﴿ :‬وَآَيةٌ ّلهُ ْم َأنّا حَمَلْنَا ذُ ّريَّتهُ مْ فِي اْلفُلْ كِ الْ َمشْحُو نِ (‬
‫صرِيخَ‬
‫شأْ ُن ْغ ِر ْقهُ ْم فَلَا َ‬
‫‪َ )41‬وخَ َلقْنَا لَهُم مّ ن مّثْلِ هِ مَا يَرْكَبُو نَ (‪ )42‬وَإِن ّن َ‬
‫َل ُهمْ َولَا ُه ْم يُنقَذُونَ (‪ِ )43‬إلّا َرحْ َم ًة مّنّا وَمَتَاعا إِلَى حِيٍ (‪. ﴾ )44‬‬
‫قال البغوي ‪ :‬والراد بالذر ية ‪ :‬الباء ‪ ،‬والجداد ‪ .‬وا سم الذر ية ي قع على‬
‫ك الْمَشْحُو نِ ﴾ ‪ ،‬أي ‪ :‬الملوء ‪،‬‬ ‫الباء ك ما ي قع على الولد ‪ ﴿ .‬فِي اْلفُلْ ِ‬
‫وأراد سفينة نوح ‪ ،‬وهؤلء من نسل من حُمل مع نوح ‪ ،‬وكانوا ف أصلبم‬
‫‪ .‬وعن سعيد بن جبي عن ابن عباس قال ‪ :‬تدرون ما ‪َ ﴿ :‬وخََل ْقنَا َلهُم مّن‬
‫ّمثْلِ ِه مَا يَرْ َكبُو نَ ﴾ ؟ قلنا ‪ :‬ل ‪ ،‬قال ‪ :‬هي السفن جُعلت لم من بعد سفينة‬
‫شأْ نُغْرِ ْق ُه مْ َفلَا‬
‫نوح على مثل ها ‪ .‬وقال ال سدي ‪ :‬أل ترى أ نه قال ‪َ ﴿ :‬وإِن نّ َ‬
‫ُونَ ﴾ ؟ قال قتادة ‪ :‬أي ‪ :‬ل مغيَث لمَ ‪ ﴿ ،‬إِل‬ ‫ُمَ يُنقَذ َ‬
‫ُمَ وَلَا ه ْ‬
‫صَرِيخَ َله ْ‬‫َ‬
‫َرحْ َم ًة ّمنّا َومَتَاعا إِلَى ِحيٍ ﴾ ‪ ،‬أي ‪ :‬إل الوت ‪.‬‬
‫قال البغوي ‪ :‬يعن ‪ :‬إل أن يرحهم ويتّعهم على حي آجالم ‪.‬‬
‫قوله عز و جل ‪ ﴿ :‬وَِإذَا قِي َل َلهُ مُ اّتقُوا مَا بَيْ نَ أَْيدِيكُ مْ وَمَا خَ ْل َفكُ مْ‬
‫َلعَ ّلكُ مْ ُت ْرحَمُو نَ (‪ )45‬وَمَا َتأْتِيهِم مّ نْ آَي ٍة مّ نْ آيَا تِ َرّبهِ مْ ِإلّا كَانُوا عَنْهَا‬
‫ِينـ َك َفرُوا‬
‫ّهـ قَا َل اّلذ َ‬
‫ُمـ الل ُ‬
‫ُمـأَن ِفقُوا مِمّاـ رَ َز َقك ْ‬
‫ُم ْعرِضِيَ (‪َ )46‬وِإذَا قِي َل َله ْ‬
‫لِ ّلذِي نَ آمَنُوا َأنُ ْطعِ مُ مَن لّ ْو َيشَاءُ اللّ هُ أَ ْطعَمَ هُ إِ ْن أَنتُ ْم إِلّا فِي ضَلَالٍ مّبِيٍ (‬
‫‪. ﴾ )47‬‬
‫الزء الثالث‬ ‫‪674‬‬

‫قال البغوي ‪َ ﴿ :‬وإِذَا قِيلَ َلهُ ُم اّتقُوا مَا َبيْنَ أَيْدِيكُمْ َومَا خَ ْل َفكُمْ ﴾ ‪ ،‬قال ابن‬
‫ُمَ‬
‫ُمَ ﴾ يعنَ ‪ :‬الخرة فاعملوا لاَ ﴿ وَمَا خَ ْل َفك ْ‬ ‫ْنََأيْدِيك ْ‬
‫عباس ‪ ﴿ :‬مَا َبي َ‬
‫ُمَ‬
‫ْنََأيْدِيك ْ‬
‫﴾ يعنَ ‪ :‬الدنيَا فاحذروهَا ‪ ،‬ول تغترّوا باَ ‪ .‬وقيَل ‪ ﴿ :‬مَا َبي َ‬
‫﴾ وقائع ال في من كان قبل كم من ال مم ﴿ وَمَا َخ ْلفَكُ مْ ﴾ عذاب الخرة ‪،‬‬
‫وهو قول قتادة ‪ ،‬ومقاتل ‪َ ﴿ .‬لعَّلكُ ْم تُ ْرحَمُو َن ﴾ والواب مذوف تقديره ‪:‬‬
‫إذا قيل لم هذا أعرضوا عن دليله ما بعده ‪َ ﴿ .‬ومَا َت ْأتِيهِم مّ ْن آَي ٍة مّ ْن آيَا تِ‬
‫َرّبهِمْ ﴾ أي ‪ :‬دللة على صدق ممد ‪ ﴿ ،‬إِل كَانُوا َعْنهَا ُمعْرِضِيَ ﴾ ‪.‬‬

‫ِينَ‬
‫ّهَ ﴾ أعطاكَم ال ﴿ قَا َل الّذ َ‬ ‫ُمَ الل ُ‬
‫ُمَأَن ِفقُوا مِمّاَ رَزََقك ْ‬
‫﴿ َوإِذَا قِيلَ َله ْ‬
‫َكفَرُوا لِلّذِينَ آ َمنُوا َأنُ ْطعِمُ ﴾ أنرزق ﴿ مَن ّل ْو يَشَاءُ اللّهُ أَ ْطعَمَهُ ﴾ ؟ وذلك أن‬
‫الؤمني قالوا لكفار مكة ‪ :‬أنفقوا على الساكي ما زعمتم من أموالكم أنه ل‬
‫وهو ما جعلوه ل من حروثهم وأنعامهم ‪ ،‬قالوا ‪َ ﴿ :‬أنُ ْطعِ مُ ﴾ أنرزق ﴿ مَن‬
‫ّل ْو يَشَاءُ اللّ هُ َأطْعَمَ هُ ﴾ رزقه ث ل يرزقه مع قدرته عليه ‪ ،‬فنحن نوافق مشيئة‬
‫ال فل نط عم من ل يطع مه ال ‪ ،‬وهذا إن ا يتم سّك به البخلء يقولون ‪ :‬ل‬
‫نع طي من حر مه ال ؛ وهذا الذي يزعمون با طل لن ال أغ ن ب عض اللق‬
‫خلً ‪ ،‬وأمر الغنّ بالنفاق ل‬ ‫وأفقر بعضهم ابتلء ‪ ،‬فمنع الدنيا من الفقي ل بُ ْ‬
‫حاجةً إل ماله ولكن ليبلو الغنّ بالفقي فيما أمر وفرض له ف مال الغنّ ‪ ،‬ول‬
‫اعتراض على مشيئة ال وحكمه ف خلقه ‪ ﴿ ،‬إِنْ أَنتُمْ إِلّا فِي ضَلَا ٍل ّمبِيٍ ﴾ ‪،‬‬
‫‪675‬‬ ‫توفيق الرحن ف دروس القرآن‬

‫يقول الكفار للمؤمني ‪ :‬ما أنتم إل ف خطأ بيّن ف اتباعكم ممدًا وترك ما‬
‫نن عليه ‪ .‬انتهى ‪ .‬وال أعلم ‪.‬‬

‫***‬
‫الزء الثالث‬ ‫‪676‬‬

‫الدرس الثان والثلثون بعد الائتي‬

‫ُونـ ِإلّا‬
‫ُمـ صـَادِقِيَ (‪ )48‬مَا يَن ُظر َ‬
‫ُونـ مَتَى َهذَا اْلوَ ْعدُ إِن كُنت ْ‬
‫﴿ َويَقُول َ‬
‫ح ًة وَا ِح َدةً َت ْأخُ ُذهُ ْم َوهُ ْم يَخِصّمُونَ (‪ )49‬فَلَا يَسْتَطِيعُو َن َتوْصَِيةً وَلَا إِلَى‬
‫صَيْ َ‬
‫ث ِإلَى َرّبهِ مْ‬
‫خ فِي ال صّو ِر َفِإذَا هُم مّ َن الَْأ ْجدَا ِ‬
‫َأهْ ِلهِ مْ يَ ْر ِجعُو نَ (‪ )50‬وَُنفِ َ‬
‫يَن سِلُونَ (‪ )51‬قَالُوا يَا َويْلَنَا مَن َبعَثَنَا مِن ّم ْر َقدِنَا َهذَا مَا وَ َع َد ال ّرحْمَ نُ‬
‫ح ًة وَا ِحدَ ًة َفِإذَا هُ مْ جَمِي ٌع ّلدَيْنَا‬
‫ت ِإلّا صَ ْي َ‬
‫ق الْ ُمرْ سَلُونَ (‪ )52‬إِن كَانَ ْ‬
‫صدَ َ‬
‫وَ َ‬
‫ج َزوْ َن ِإلّا مَا كُنتُ ْم َتعْمَلُونَ‬
‫س شَيْئا َولَا تُ ْ‬
‫ضرُونَ (‪ )53‬فَالْيَوْ َم لَا تُظْلَمُ نَفْ ٌ‬
‫مُحْ َ‬
‫ب الْجَّنةِ الَْيوْ َم فِي ُش ُغلٍ فَا ِكهُو نَ (‪ )55‬هُ مْ وَأَ ْزوَا ُجهُ مْ فِي‬
‫صحَا َ‬
‫(‪ )54‬إِنّ أَ ْ‬
‫ك مُّتكِؤُو نَ (‪َ )56‬لهُ ْم فِيهَا فَا ِك َهةٌ َوَلهُم مّا َيدّعُو نَ (‪)57‬‬
‫ظِلَالٍ عَلَى الْأَرَائِ ِ‬
‫ج ِرمُو نَ (‪َ )59‬ألَ مْ‬
‫سَلَا ٌم َق ْولً مِن ّربّ ّرحِي مٍ (‪ )58‬وَامْتَازُوا الْيَوْ َم َأيّهَا الْمُ ْ‬
‫أَ ْع َه ْد ِإلَيْكُ مْ يَا بَنِي آ َد َم أَن لّا َتعُْبدُوا الشّيْطَا َن ِإنّ ُه َلكُ مْ َع ُد ّو مّبِيٌ (‪)60‬‬
‫ض ّل مِنكُ ْم جِبِلّا كَثِيا َأفَلَمْ‬
‫صرَاطٌ مّ سَْتقِيمٌ (‪ )61‬وََل َقدْ أَ َ‬
‫َوأَ نْ اعُْبدُونِي َهذَا ِ‬
‫َتكُونُوا َتعْقِلُو نَ (‪ )62‬هَذِ هِ َجهَنّ ُم الّتِي كُنتُ ْم تُو َعدُو نَ (‪ )63‬ا صْ َلوْهَا الْيَوْ مَ‬
‫ش َهدُ‬
‫بِمَا كُنتُ ْم َتكْ ُفرُونَ (‪ )64‬الْيَوْ َم نَخْتِمُ َعلَى َأ ْفوَا ِههِمْ َوُتكَلّمُنَا َأيْدِيهِمْ وََت ْ‬
‫أَ ْرجُ ُلهُ ْم بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ (‪َ )65‬وَلوْ َنشَاء لَطَمَ سْنَا َعلَى أَعْيُِنهِمْ فَا سْتََبقُوا‬
‫ِمـ فَمَا‬
‫َسـخْنَا ُهمْ َعلَى َمكَانَِته ْ‬
‫ْصـرُونَ (‪ )66‬وََل ْو َنشَاء لَم َ‬
‫الصـرَاطَ فََأنّىـ يُب ِ‬
‫ّ‬
‫ـَطَاعُوا مُضِيّا وَلَا يَ ْر ِجعُونَـ (‪َ )67‬ومَن ْـُنعَ ّمرْهُـنُنَكّس ْـهُ فِي الْخَلْقِـأَفَلَا‬
‫اس ْت‬
‫ش ْعرَ َومَا يَنَبغِي لَ هُ إِ ْن هُ َو ِإلّا ذِ ْك ٌر َوقُرْآ ٌن مّبِيٌ‬
‫َي ْعقِلُو نَ (‪َ )68‬ومَا عَلّ ْمنَا ُه ال ّ‬
‫‪677‬‬ ‫توفيق الرحن ف دروس القرآن‬

‫حقّ الْ َقوْلُ عَلَى الْكَا ِفرِي نَ (‪ )70‬أَ َولَ ْم َيرَوْا أَنّا‬
‫(‪ )69‬لِيُنذِ َر مَن كَا نَ حَيّا َويَ ِ‬
‫ت َأْيدِينَا َأنْعَاما َفهُ مْ َلهَا مَالِكُو نَ (‪َ )71‬وذَلّلْنَاهَا َلهُ مْ‬
‫خَ َلقْنَا َلهُ مْ مِمّا عَمِلَ ْ‬
‫ِبـ َأفَلَا‬
‫ِعـ َو َمشَار ُ‬
‫ُمـ فِيهَا مَنَاف ُ‬
‫ُونـ (‪ )72‬وََله ْ‬
‫ُمـ َومِنْهَا َيأْكُل َ‬
‫فَمِنْهَا رَكُوُبه ْ‬
‫ُنصـرُونَ (‪ )74‬لَا‬
‫ُمـ ي َ‬
‫ّهـ آِل َهةً َلعَ ّله ْ‬
‫ُونـ الل ِ‬
‫خذُوا مِن د ِ‬
‫ُونـ (‪ )73‬وَاتّ َ‬
‫شكُر َ‬
‫َي ْ‬
‫حزُن كَ َق ْوُلهُ ْم ِإنّا‬
‫ضرُو نَ (‪ )75‬فَلَا يَ ْ‬
‫صرَ ُهمْ َوهُ مْ َلهُ مْ جُن ٌد مّحْ َ‬
‫يَ سْتَطِيعُونَ نَ ْ‬
‫سرّو َن َومَا ُيعْلِنُونَ (‪َ )76‬أ َولَ ْم َيرَ اْلإِنسَا ُن َأنّا خَ َلقْنَا ُه مِن نّ ْط َف ٍة َفإِذَا‬
‫َنعْ َلمُ مَا ُي ِ‬
‫سيَ خَ ْلقَ ُه قَا َل مَ ْن يُحْيِي اْلعِظَا مَ‬
‫ل َونَ ِ‬
‫ب لَنَا مَثَ ً‬
‫ضرَ َ‬
‫ُهوَ خَ صِيمٌ مِّبيٌ (‪ )77‬وَ َ‬
‫شأَهَا َأوّ َل َم ّرةٍ َو ُهوَ ِب ُكلّ خَلْ قٍ عَلِي مٌ (‬
‫َوهِ يَ َرمِي مٌ (‪ُ )78‬قلْ يُحْيِيهَا اّلذِي أَن َ‬
‫ضرِ نَارا َفإِذَا أَنتُم مّنْهُ تُوقِدُونَ (‪)80‬‬
‫ج ِر اْلأَخْ َ‬
‫‪ )79‬اّلذِي َج َعلَ َلكُم مّنَ الشّ َ‬
‫خلُ َق مِثْلَهُم بَلَى‬
‫ض ِبقَادِرٍ عَلَى أَ ْن يَ ْ‬
‫س الّذِي خَلَ َق ال سّمَاوَاتِ وَالْأَرْ َ‬
‫َأ َولَيْ َ‬
‫َوهُ َو الْخَلّا قُ اْلعَلِي مُ (‪ِ )81‬إنّمَا َأ ْمرُ ُه ِإذَا أَرَادَ شَيْئا أَ ْن َيقُولَ لَ هُ كُ ْن فََيكُو نُ‬
‫(‪َ )82‬فسُبْحَا َن اّلذِي بَِي ِد ِه مَلَكُوتُ ُك ّل َشيْءٍ وَِإلَ ْيهِ ُت ْرجَعُونَ (‪. ﴾ )83‬‬

‫***‬
‫الزء الثالث‬ ‫‪678‬‬

‫قوله عز وجل ‪َ ﴿ :‬ويَقُولُو َن مَتَى َهذَا اْلوَ ْعدُ إِن كُنتُمْ صَا ِدقِيَ (‪ )48‬مَا‬
‫حةً وَاحِ َد ًة َتأْ ُخذُهُ ْم وَهُ مْ يَخِ صّمُونَ (‪ )49‬فَلَا يَ سْتَطِيعُونَ‬
‫يَن ُظرُو َن ِإلّا صَ ْي َ‬
‫َتوْصَِي ًة وَلَا إِلَى أَهْ ِل ِهمْ َي ْرجِعُونَ (‪. ﴾ )50‬‬
‫قال البغوي ‪َ ﴿ :‬ويَقُولُونََ مَتَى هَذَا الْ َوعْدُ ﴾ ‪ ،‬أي ‪ :‬القيامَة ‪ ،‬والبعَث‬
‫‪ ﴿ .‬إِنْ ُكْنتُمْ صَادِقِيَ ﴾ ‪ .‬قال ال تعال ‪ ﴿ :‬مَا َينْظُرُونَ ﴾ ‪ ،‬أي ‪ :‬ينتظرون‬
‫ح ًة وَاحِ َدةً ﴾ قال ابَن عباس ‪ :‬يريَد النفخَة الول ‪َ ﴿ ،‬تأْخُ ُذهُم َْ‬ ‫ََ‬ ‫﴿ إِل صَيْ‬
‫َوهُم َْيَخِصَّمُونَ ﴾ ‪ ،‬يعنَ ‪ :‬يتصَمون فَ أمَر الدنيَا مَن البيَع والشراء ‪،‬‬
‫ويتكلمون ف الجالس والسواق ‪ .‬قال ‪ :‬ورُوينا أن النب قال ‪ « :‬لتقوم نّ‬
‫الساعة وقد نشر الرجلن ثوبما بينهما ‪ ،‬فل يتبايعانه ول يطويناه ‪ ،‬ولتقوم نّ‬
‫ال ساعة و قد ر فع الر جل أكل ته إل ف يه فل يَ ْطعَمُ ها » ‪ .‬و عن قتادة ‪ ﴿ :‬فَلَا‬
‫ستَطِيعُونَ َتوْ صَِيةً ﴾ ‪ ،‬أي ‪ :‬في ما ف أيدي هم ‪ ﴿ ،‬وَلَا إِلَى َأهِْلهِ ْم َيرْ ِجعُو نَ‬
‫يَ ْ‬
‫﴾ قال ‪ :‬أعلجوا عن ذلك ‪.‬‬
‫خ فِي ال صّورِ َفِإذَا هُم مّ نَ اْلأَ ْجدَا ثِ ِإلَى َرّبهِ مْ‬
‫قوله عز وجل ‪َ ﴿ :‬ونُفِ َ‬
‫يَن سِلُونَ (‪ )51‬قَالُوا يَا َويْلَنَا مَن َبعَثَنَا مِن ّم ْر َقدِنَا َهذَا مَا وَ َع َد ال ّرحْمَ نُ‬
‫ح ًة وَا ِحدَ ًة َفِإذَا هُ مْ جَمِي ٌع ّلدَيْنَا‬
‫ت ِإلّا صَ ْي َ‬
‫ق الْ ُمرْ سَلُونَ (‪ )52‬إِن كَانَ ْ‬
‫صدَ َ‬
‫وَ َ‬
‫ج َزوْ َن ِإلّا مَا كُنتُ ْم َتعْمَلُونَ‬
‫س شَيْئا َولَا تُ ْ‬
‫ضرُونَ (‪ )53‬فَالْيَوْ َم لَا تُظْلَمُ نَفْ ٌ‬
‫مُحْ َ‬
‫(‪. ﴾ )54‬‬
‫‪679‬‬ ‫توفيق الرحن ف دروس القرآن‬

‫قال البغوي ‪َ ﴿ :‬ونُفِخَ فِي ال صّورِ ﴾ وهي النفخة الخية نفخة البعث ‪،‬‬
‫وبي النفختي أربعون سنة ‪.‬‬
‫و عن قتادة ‪ ﴿ :‬فَِإذَا هُم مّ َن الْأَجْدَا ثِ ﴾ ‪ ،‬أي ‪ :‬القبور ‪ ﴿ .‬إِلَى َرّبهِ مْ‬
‫يَن سِلُونَ ﴾ ‪ ،‬يقول ‪ :‬يرجون ‪ ﴿ ،‬قَالُوا يَا َويْلَنَا مَن َب َعثَنَا مِن مّرَْقدِنَا ﴾ ‪،‬‬
‫قال ‪ :‬هذا قول أهَل الضللة والرقدة مَا بيَ النفختيَ ‪ ﴿ ،‬هَذَا م َا َوعَدَ‬
‫ق الْ ُمرْ سَلُونَ ﴾ ‪ ،‬قال ‪ :‬أهل الدى ‪ ﴿ ،‬هَذَا مَا َوعَدَ الرّ ْحمَ نُ‬ ‫الرّحْمَ ُن وَ صَ َد َ‬
‫ق الْمُرْ سَلُونَ ﴾ ‪ .‬قال البغوي ‪ :‬وقال أهل العان ‪ :‬إن الكفار إذا عاينوا‬ ‫وَ صَ َد َ‬
‫جهنم وأنواع عذابا ‪ ،‬صار عذاب القب ف جنبها كالنوم ‪ ،‬فقالوا يا ويلنا من‬
‫بعثنا من مرقدنا ‪.‬‬
‫َة‬
‫ح ًة وَاحِ َدةً ﴾ ‪ ،‬يعنَ ‪ :‬النفخَ‬ ‫وقوله تعال ‪ ﴿ :‬إِن كَانَتَْ إِلّا ص َ‬
‫َيْ َ‬
‫حضَرُو نَ * فَاْلَيوْ مَ لَا تُظَْل ُم َنفْ سٌ َشيْئا وَلَا‬
‫الخية ﴿ فَإِذَا هُ مْ َجمِي عٌ لّ َديْنَا مُ ْ‬
‫ج َز ْونَ إِلّا مَا كُنتُ ْم َتعْمَلُونَ ﴾ ‪.‬‬
‫تُ ْ‬
‫قوله عز و جل ‪ ﴿ :‬إِنّ أَ صْحَابَ الْجَّن ِة الْيَوْ َم فِي شُ ُغ ٍل فَا ِكهُو نَ (‪)55‬‬
‫هُم ْـ َوأَ ْزوَاجُهُم ْـ فِي ِظلَالٍ عَلَى الْأَرَائِكِـ مُّت ِكؤُونَـ (‪َ )56‬لهُم ْـ فِيهَا فَا ِكهَةٌ‬
‫َوَلهُم مّا َيدّعُونَ (‪ )57‬سَلَا ٌم َق ْولً مِن ّربّ ّرحِيمٍ (‪. ﴾ )58‬‬
‫جّن ِة اْلَيوْمَ فِي ُشغُلٍ فَا ِكهُونَ ﴾ ‪ ،‬قال ‪:‬‬ ‫عن ابن عباس ‪ ﴿ :‬إِنّ أَصْحَا َ‬
‫ب الْ َ‬
‫افتضاض البكار ‪ ﴿ ،‬هُ ْم َوأَ ْزوَا ُجهُ مْ فِي ظِلَالٍ عَلَى الَرَائِ كِ ُمّت ِكؤُو نَ ﴾ ‪،‬‬
‫قال ‪ :‬هي ال سّرُر ف الِجال ‪َ ﴿ ،‬لهُ مْ فِيهَا فَا ِك َهةٌ وََلهُم مّا يَ ّدعُو نَ ﴾ ‪ ،‬قال‬
‫الزء الثالث‬ ‫‪680‬‬

‫البغوي ‪ :‬يتمنون ويشتهون ‪ ﴿ .‬سَلمٌ َقوْل مِ نْ رَبّ رَحِي مٍ ﴾ ‪ ،‬أي ‪ :‬ي سلم‬
‫ال علي هم ﴿ َقوْلً ﴾ ‪ ،‬أي ‪ :‬يقول ال ل م قولً ‪ .‬ث روى ب سنده عن جابر‬
‫بن عبد ال قال ‪ :‬قال رسول ال ‪ « :‬بينا أهل النة ف نعيمهم ‪ ،‬إذ سطع لم‬
‫ب تبارك وتعال قد أشرف عليهم من فوقهم‬ ‫نور ‪ ،‬فرفعوا رؤوسهم ‪ ،‬فإذا الر ّ‬
‫فقال ‪ :‬ال سلم علي كم يا أ هل ال نة ‪ ،‬فذلك قوله ‪ ﴿ :‬سَلمٌ َقوْ ًل مِن رّبّ‬
‫رّحِيمٍ ﴾ فينظر إليهم وينظرون إليه ‪ ،‬فل يلتفتون إل شيء من النعيم ما داموا‬
‫ينظرون إليه ‪ ،‬حت يتجب عنهم فيبقى نوره وبركته عليهم ف ديارهم » ‪.‬‬
‫َمـ أَ ْع َهدْ‬
‫ُونـ (‪َ )59‬أل ْ‬
‫ج ِرم َ‬
‫ْمـ أَيّهَا الْمُ ْ‬
‫قوله عـز وجـل ‪ ﴿ :‬وَامْتَازُوا الَْيو َ‬
‫ِإلَ ْيكُ مْ يَا بَنِي آ َد َم أَن لّا تَعُْبدُوا الشّيْطَا َن ِإنّ هُ َلكُ مْ َع ُد ّو مّبِيٌ ( ‪َ )60‬وأَ نْ‬
‫َمـ‬
‫ُمـ جِبِلّا كَثِيا َأفَل ْ‬
‫ض ّل مِنك ْ‬
‫ّسـَتقِيمٌ (‪َ )61‬وَلقَ ْد أَ َ‬
‫صـرَاطٌ م ْ‬
‫اعُْبدُونِي َهذَا ِ‬
‫َتكُونُوا َتعْقِلُو نَ (‪ )62‬هَذِ هِ َجهَنّ ُم الّتِي كُنتُ ْم تُو َعدُو نَ (‪ )63‬ا صْ َلوْهَا الْيَوْ مَ‬
‫ش َهدُ‬
‫بِمَا كُنتُ ْم َتكْ ُفرُونَ (‪ )64‬الْيَوْ َم نَخْتِمُ َعلَى َأ ْفوَا ِههِمْ َوُتكَلّمُنَا َأيْدِيهِمْ وََت ْ‬
‫أَ ْرجُ ُل ُهمْ بِمَا كَانُوا يَ ْكسِبُونَ (‪. ﴾ )65‬‬
‫عَن أبَ هريرة أن رسَول ال قال ‪ « :‬إذا كان يوم القيامَة ‪ ،‬أمَر ال‬
‫جهنم فيخرج منها عُنق ساطع مظلم ‪ ،‬ث يقول ‪ ﴿ :‬أَلَ مْ َأ ْعهَدْ إِلَْيكُ ْم يَا َبنِي‬
‫آدَ مَ أَ ْن ل َتعْبُدُوا الشّيْطَا نَ ﴾ ال ية ‪ ،‬إل قوله ‪ ﴿ :‬هَذِ هِ َج َهنّ ُم الّتِي ُكْنتُ مْ‬
‫ُونَ ﴾ فيتميَز الناس ويثون ‪،‬‬ ‫ج ِرم َ‬
‫ْمَ َأيّهَا الْمُ ْ‬
‫ُونَ ﴾ ‪ ﴿ ،‬وَا ْمتَازُوا اْلَيو َ‬
‫تُوعَد َ‬
‫و هي قول ال ‪َ ﴿ :‬وتَرَى كُلّ ُأ ّمةٍ جَاِثَيةً ﴾ » الية ‪ .‬رواه ا بن جرير ‪ .‬وقوله‬
‫‪681‬‬ ‫توفيق الرحن ف دروس القرآن‬

‫تعال ‪ ﴿ :‬أَلَ مْ َأعْهَدْ إَِلْيكُ ْم يَا بَنِي آدَ مَ ﴾ قال البغوي ‪ :‬أل آمركم يا بن آدم‬
‫شيْطَا نَ ﴾ ‪ ،‬أي ‪ :‬ل تطيعوا الشيطان ف مع صية ال ؟ ﴿‬ ‫‪ ﴿ :‬أَن لّا َت ْعبُدُوا ال ّ‬
‫ِإنّهُ َلكُ ْم عَ ُدوّ ّمبِيٌ ﴾ ظاهر العداوة ﴿ َوَأنْ ا ْعبُدُونِي ﴾ أطيعون ووحّدون ﴿‬
‫سَتقِيمٌ ﴾ ‪ ﴿ .‬وََلقَدْ أَضَ ّل مِنكُ مْ ِجبِلّا َكثِيا ﴾ أي ‪ :‬خلقًا كثيًا‬ ‫ط مّ ْ‬‫هَذَا صِرَا ٌ‬
‫‪ ﴿ ،‬أَفَلَ ْم َتكُونُوا َت ْعقِلُو نَ ﴾ ما أتاكم من هلك المم الالية بطاعة إبليس ؟‬
‫ويقال ل م ل ا دنوا من النار ‪ ﴿ :‬هَذِ هِ َج َهنّ مُ الّتِي كُنتُ ْم تُوعَدُو نَ ﴾ ب ا ف‬
‫ختِ مُ‬
‫الدن يا ‪ ﴿ ،‬ا صَْل ْوهَا ﴾ ‪ :‬ادخلو ها ﴿ الَْيوْ َم بِمَا كُنتُ ْم َت ْكفُرُو نَ * الَْيوْ مَ َن ْ‬
‫سبُونَ ﴾ هذا‬ ‫شهَدُ أَ ْرجُُلهُ ْم بِمَا كَانُوا يَكْ ِ‬ ‫عَلَى أَ ْفوَا ِههِ ْم َوُتكَلّمُنَا أَيْدِيهِ ْم َوتَ ْ‬
‫ح ي ين كر الكفار كفر هم وتكذيب هم الر سل بقول م ‪ :‬ما ك نا مشرك ي ‪،‬‬
‫فيختم على أفواههم وتشهد عليهم جوارحهم ‪ .‬انتهى ‪.‬‬
‫وروى مسلم وغيه ف حديث أب هريرة ( الطويل ) ‪ « :‬ث يلقى الثالث‬
‫فيقول ‪ :‬ما أنت ؟ فيقول ‪ :‬أنا عبدك آمنت بك وبنبيّك وبكتابك ‪ ،‬وصمت‬
‫َ اسَتطاع ‪ ،‬قال ‪ :‬فيقال له ‪ :‬أل نبعَث‬ ‫وصَلّيت وتصَدّقت ‪ ،‬ويثنَ بيَ م ا‬
‫عليك شاهدًا ؟ فيف كر ف نف سه ‪ :‬من الذي يش هد عليه ؟ فيخ تم على ف يه ‪،‬‬
‫ويقال لفخذه ‪ :‬انط قي قال ‪ :‬فتن طق فخذه ول مه وعظا مه ب ا كان يع مل ‪،‬‬
‫وذلك النافق ليعذر من نفسه ‪ ،‬وذلك الذي يسخط ال تعال عليه » ‪.‬‬
‫صرَاطَ‬
‫قوله عز و جل ‪َ ﴿ :‬ولَ ْو َنشَاء لَ َطمَ سْنَا عَلَى أَعْيُِنهِ ْم فَا سْتََبقُوا ال ّ‬
‫صرُونَ (‪ )66‬وََل ْو َنشَاء لَمَ سَخْنَا ُهمْ َعلَى َمكَانَِتهِ ْم فَمَا ا سْتَطَاعُوا‬
‫َفَأنّ ى يُبْ ِ‬
‫الزء الثالث‬ ‫‪682‬‬

‫سهُ فِي الْخَلْ قِ أَفَلَا َيعْقِلُو نَ (‪)68‬‬


‫مُضِيّا َولَا َيرْ ِجعُو نَ (‪َ )67‬ومَ نْ ُنعَ ّمرْ ُه نُنَكّ ْ‬
‫ش ْعرَ وَمَا يَنبَغِي لَ ُه إِ ْن هُ َو ِإلّا ذِ ْك ٌر َوقُرْآ ٌن مّبِيٌ (‪ )69‬لِيُنذِرَ‬
‫وَمَا عَلّمْنَا ُه ال ّ‬
‫حقّ اْل َقوْلُ عَلَى الْكَافِرِينَ (‪. ﴾ )70‬‬
‫مَن كَا َن حَيّا َويَ ِ‬
‫َنَا عَلَى أَ ْعُيِنهِمََْ فَاسَََْتَبقُوا الصََّرَاطَ ﴾ ‪ ،‬أي ‪:‬‬
‫﴿ وََل ْو نَشَاءُ لَطَمَسَْ‬
‫الطريق ‪َ ﴿ ،‬فَأنّى ُيبْصِرُونَ ﴾ ‪ ،‬يقول ‪ :‬لو شئنا لتركناهم عميًا يتردّدون ‪﴿ ،‬‬
‫خنَاهُ ْم عَلَى َمكَاَنِتهِ مْ ﴾ أي ‪ :‬لقعدنا هم على أرجل هم ﴿ فَمَا‬ ‫وََل ْو نَشَاءُ لَمَ سَ ْ‬
‫ضيّاَ وَلَا يَرْ ِجعُونََ ﴾ فلم يسَتطيعوا أن يتقدموا ول يتأخروا ‪﴿ ،‬‬ ‫ا سْتَطَاعُوا ُم ِ‬
‫َومَ ْن ُنعَمّرْ ُه ُننَكّ سْهُ فِي الْخَلْ قِ ﴾ يقول ‪ :‬من ن د له ف الع مر ننك سه ف‬
‫اللق ﴿ ِلكَيْلَا َيعَْل َم مِن َبعْدِ عِلْ ٍم َشيْئا ﴾ ‪ ،‬يعن ‪ :‬الرم ‪ ﴿ ،‬أَفَلَا َي ْعقِلُونَ ﴾ ‪.‬‬
‫قال البغوي ‪ :‬فيعتَبوا ‪ ،‬ويعلموا أن الذي قدر على تصَريف أحوال الناس‬
‫يقدر على الب عث ب عد الوت ‪ .‬و عن قتادة قوله ‪ ﴿ :‬وَمَا عَلّ ْمنَا هُ الشّعْرَ وَمَا‬
‫يَنبَغِي لَ هُ ﴾ ‪ ،‬قال ‪ :‬ق يل لعائ شة ‪ :‬هل كان ر سول ال يتم ثل بش يء من‬
‫الشعر ؟ قالت ‪ ( :‬كان أبغض الديث إليه ‪ ،‬غي أنه كان يتمثل ببيت أخي‬
‫بنَ قيَس ‪ ،‬فيجعَل آخره أوله ‪ ،‬وأوله آخره ‪ ،‬فقال أبَو بكَر ‪ :‬أنَه ليَس‬
‫هكذا ‪ ،‬فقال نب ال ‪ « :‬إ ن وال ما أ نا بشا عر ‪ ،‬ول ينب غي ل » ‪ ،‬والب يت‬
‫الشار إليه قول طرفة ‪:‬‬
‫ويأتيَك بالخبار مَن ل تزود‬ ‫ستبدي لك اليام ما كنت جاهلً‬
‫(‬
‫(‬
‫‪683‬‬ ‫توفيق الرحن ف دروس القرآن‬

‫وقوله تعال ‪ ﴿:‬إِنْ ُهوَ إِلّا ذِ ْك ٌر وَقُرْآنٌ ّمبِيٌ ﴾ قال البغوي ﴿ إِ ْن ُهوَ ﴾ ‪.‬‬
‫يع ن ‪ :‬القرآن ‪ ﴿ ،‬إِلّا ذِ ْك ٌر ﴾ موع ظة ‪ ﴿ ،‬وَقُرْآ ٌن ّمبِيٌ ﴾ ف ‪ :‬الفرائض ‪،‬‬
‫والدود ‪ ،‬والحكام ‪ِ ﴿ .‬ليُنذِ َر مَن كَا نَ َحيّا ﴾ ‪ ،‬يعن ‪ :‬مؤمنًا حي القلب‬
‫لن الكا فر كال يت ف أ نه ل يتدبر ول يتف كر ‪َ ﴿ .‬ويَحِقّ اْلقَوْلُ ﴾ وت ب‬
‫ِينَ ﴾ ‪ ،‬قال ابَن كثيَ ‪ :‬أي ‪ :‬هَو رحةَ‬ ‫حجَة العذاب ‪ ﴿ ،‬عَلَى الْكَاِفر َ‬
‫للمؤمني وحجة على الكافرين ‪.‬‬
‫ت َأْيدِينَا َأنْعَاما‬
‫قوله عز و جل ‪ ﴿ :‬أَ َولَ مْ َي َروْا َأنّ ا خَ َلقْنَا َلهُ مْ مِمّ ا َعمِلَ ْ‬
‫َفهُ مْ َلهَا مَاِلكُو نَ (‪َ )71‬و َذلّلْنَاهَا َلهُ مْ فَمِ ْنهَا َركُوُبهُ مْ َومِ ْنهَا َيأْكُلُو نَ (‪)72‬‬
‫خذُوا مِن دُو ِن اللّ هِ‬
‫َوَلهُ ْم فِيهَا مَنَافِ ُع َو َمشَارِ بُ َأفَلَا َيشْ ُكرُو نَ (‪ )73‬وَاتّ َ‬
‫ضرُونَ‬
‫ص َرهُ ْم وَهُمْ َلهُ ْم جُندٌ مّحْ َ‬
‫صرُونَ (‪ )74‬لَا يَسْتَطِيعُونَ نَ ْ‬
‫آِل َه ًة َلعَلّهُمْ يُن َ‬
‫سرّو َن َومَا ُيعْلِنُونَ (‪. ﴾ )76‬‬
‫ك َقوُْل ُهمْ ِإنّا َنعْ َل ُم مَا ُي ِ‬
‫حزُن َ‬
‫(‪ )75‬فَلَا يَ ْ‬
‫قال البغوي ‪َ ﴿ :‬أوَلَ مْ َي َروْا َأنّ ا خََلقْنَا َلهُ ْم مِمّ ا عَ ِملَ تْ َأيْدِينَا ﴾ تولي نا‬
‫خل قه بإبداع نا من غ ي إعا نة أ حد ‪َ ﴿ ،‬أْنعَامًا َفهُ مْ لَهَا مَاِلكُو نَ ﴾ ضابطون‬
‫قاهرون ‪ ،‬أي ‪ :‬ل يلق النعام وحشيَة نافرة مَن بنَ آدم ل يقدرون على‬
‫ضبطها ‪ ،‬بل هي مسخرة لم ‪ ،‬وهي قوله ‪ ﴿ :‬وَذَلّ ْلنَاهَا َلهُمْ ﴾ سخرناها لم‬
‫ُونَ‬
‫ُمَ ﴾ ‪ ،‬أي ‪ :‬مَا يركبون وهَي البَل ‪َ ﴿ ،‬و ِمنْهَا َيأْكُل َ‬ ‫﴿ فَ ِمنْهَا رَكُوُبه ْ‬
‫﴾ لمان ا ‪ ﴿ .‬وََلهُ مْ فِيهَا َمنَافِ عُ ﴾ ‪ ،‬أي ‪ :‬من أ صوافها وأوبار ها ون سلها‬
‫شكُرُو نَ ﴾ رب هذه الن عم ؟ وقال ا بن جرير‬ ‫َومَشَارِب من ألبان ا ‪ ﴿ ،‬أَفَل يَ ْ‬
‫الزء الثالث‬ ‫‪684‬‬

‫ُونَ ﴾ نعمتَ هذه وإحسَان إليهَم بطاعتَ ‪ ،‬وإفراد‬


‫شكُر َ‬ ‫يقول ‪ ﴿ :‬أَفَل يَ ْ‬
‫اللوهية ل والعبادة ‪ ،‬وترك طاعة الشيطان وعبادة الصنام ؟‬
‫َرُونَ * لَا‬
‫َ يُنص َ‬
‫َ آِل َهةً َلعَّلهُم ْ‬ ‫وقوله تعال ‪ ﴿ :‬وَاتّخَذُوا مَِن دُون ِ‬
‫َ اللّه ِ‬
‫حضَرُو نَ ﴾ ‪ .‬قال ابن كثي ‪ :‬يقول تعال‬
‫ستَطِيعُو َن نَ صْ َرهُ ْم َوهُ مْ َلهُ مْ جُن ٌد مّ ْ‬
‫يَ ْ‬
‫منكرًا على الشركيَ فَ اتاذهَم النداد آلةَ مَع ال ‪ ،‬يبتغون بذلك أن‬
‫تنصرهم تلك اللة وترزقهم وتقربم إل ال زلفى ‪.‬‬
‫َصََرهُمْ ﴾ ‪ ،‬أي ‪ :‬ل تقدر اللةَ على‬ ‫قال ال تعال ‪ ﴿ :‬ل ي ْ‬
‫َسَتَطِيعُونَ ن ْ‬
‫نصر عابديها ‪ ،‬بل هي أضعف من ذلك وأقل وأذل ‪ ،‬وأحقر وأدحر ‪ ،‬بل ل‬
‫تقدر على النت صار لنف سها ‪ ،‬ول النتقام م ن أراد ها ب سوء ؛ لن ا جاد ل‬
‫تسمع ول تعقل ‪.‬‬
‫وقوله تبارك وتعال ‪ ﴿ :‬وَهُمْ َلهُمْ ُجنْ ٌد مُ ْ‬
‫حضَرُونَ ﴾ ‪ ،‬قال ماهد ‪ :‬يعن‬
‫‪ :‬عند الساب ‪ ،‬يريد أن هذه الصنام مشورة مموعة يوم القيامة ‪ ،‬مضرة‬
‫ع ند ح ساب عابدي ها ‪ ،‬ليكون ذلك أبلغ ف حزن م ‪ ،‬وأدل علي هم ف إقا مة‬
‫الجة عليهم ‪ .‬وقال قتادة ‪ ﴿ :‬ل يَ سْتَطِيعُو َن نَ صْ َرهُمْ ﴾ ‪ ،‬يعن ‪ :‬اللة ‪﴿ ،‬‬
‫حضَرُو نَ ﴾ ‪ ،‬والشركون يغضبون للل ة ف الدن يا و هي ل‬ ‫َوهُ مْ َلهُ مْ ُجنْ ٌد مُ ْ‬
‫تسوق إليهم خيًا ‪ ،‬ول تدفع عنهم شرًا ‪.‬‬
‫ُمَ ﴾ ‪ ،‬أي ‪ :‬تكذيبهَم لك وكفرهَم‬
‫ْكَ َقوُْله ْ‬ ‫وقوله تعال ‪ ﴿ :‬فَل يَ ْ‬
‫ح ُزن َ‬
‫بال ‪ِ ﴿ ،‬إنّا نَعَْل ُم مَا يُسِرّونَ َومَا ُيعِْلنُونَ ﴾ وسنجازيهم على أعمالم ‪.‬‬
‫‪685‬‬ ‫توفيق الرحن ف دروس القرآن‬

‫قوله عز و جل ‪َ ﴿ :‬أ َولَ مْ َي َر الْإِن سَا ُن َأنّ ا خَ َلقْنَا ُه مِن نّ ْط َفةٍ َفِإذَا ُهوَ خَ صِيمٌ‬
‫حيِي اْلعِظَا َم َوهِ يَ َرمِي مٌ‬
‫ل وَنَ سِ َي خَ ْلقَ هُ قَالَ مَ نْ يُ ْ‬
‫ضرَ بَ لَنَا مََث ً‬
‫مّبِيٌ (‪ )77‬وَ َ‬
‫(‪ُ )78‬ق ْل يُحْيِيهَا اّلذِي أَنشََأهَا أَ ّولَ مَ ّر ٍة َوهُ َو بِ ُك ّل خَلْ قٍ عَلِي مٌ (‪ )79‬الّذِي‬
‫ضرِ نَارا َفإِذَا أَنتُم مّنْ هُ تُوقِدُو نَ (‪ )80‬أَ َولَيْ سَ‬
‫ج ِر اْلأَخْ َ‬
‫َج َعلَ لَكُم مّ نَ الشّ َ‬
‫ُقـ مِثْلَه ُم بَلَى َو ُهوَ‬
‫َنـ يَخْل َ‬
‫ْضـ ِبقَادِرٍ عَلَى أ ْ‬
‫ت وَاْلأَر َ‬
‫السـمَاوَا ِ‬
‫َقـ ّ‬‫اّلذِي خَل َ‬
‫ق الْعَلِيمُ (‪ِ )81‬إنّمَا أَ ْم ُرهُ ِإذَا أَرَا َد شَيْئا أَنْ يَقُو َل لَهُ ُكنْ فََيكُونُ (‪)82‬‬
‫الْخَلّا ُ‬
‫َفسُبْحَا َن اّلذِي بَِي ِد ِه مَلَكُوتُ ُك ّل َشيْءٍ وَِإلَ ْيهِ ُت ْرجَعُونَ (‪. ﴾ )83‬‬
‫قال ماهد وغيه ‪ :‬جاء أبّ بن خلف ‪ -‬لعنه ال ‪ -‬إل رسول ال وف‬
‫يده عظم رميم ‪ ،‬وهو يفته ويذروه ف الواء وهو يقول ‪ :‬يا ممد أتزعم أن‬
‫ال يبعث هذا ؟ قال ‪ « :‬نعم ‪ .‬ييتك ال تعال ث يبعثك ‪ ،‬ث يشرك إل‬
‫النار » ‪ ،‬ونزلت هذه اليات من آ خر سورة يس ‪َ ﴿ :‬أوَلَ مْ َي َر الْإِن سَانُ َأنّ ا‬
‫خََل ْقنَاهُ مِن نّ ْط َفةٍ ﴾ إل آخرهن ‪.‬‬
‫وقوله تعال ‪ ﴿ :‬فَِإذَا ُهوَ خَ صِي ٌم ّمبِيٌ ﴾ ‪ ،‬قال البغوي ‪ :‬جدل بالبا طل‬
‫بي الصومة ‪ ،‬يعن ‪ :‬إنه ملوق من نطفة ‪ ،‬ث ياصم ‪ .‬فكيف ل يتفكر ف‬
‫َهَ ﴾ بدء‬ ‫َسَيَ َخ ْلق ُ‬‫َبَلَنَا َمَثلً َون ِ‬
‫بدوّ خلقَه حتَ يدع الصَومة ! ﴿ وَضَر َ‬
‫حيِيهَا الّذِي‬ ‫ِيمَ ﴾ باليَة ؟ ﴿ ُق ْل يُ ْ‬
‫ِيَ َرم ٌ‬
‫َامَ َوه َ‬ ‫َنَ يُحْيِي اْلعِظ َ‬ ‫أمره ﴿ قا َل م ْ‬
‫شأَهَا َأوّ َل مَ ّر ٍة َو ُهوَ ِبكُلّ خَ ْل ٍق عَلِي مٌ * الّذِي َجعَلَ َلكُم مّ نَ الشّجَ ِر اْلأَ ْخضَرِ‬
‫أَن َ‬
‫نَارا ﴾ ‪ .‬قال ا بن عباس ‪ :‬ه ا شجرتان يقال لحداه ا ‪ :‬الرخ ‪ .‬والخرى ‪:‬‬
‫الزء الثالث‬ ‫‪686‬‬

‫العفار ‪ ،‬فمَن أراد منهَم النار قطَع منهمَا غصَني مثَل السَواكي وهاَ‬
‫خضراوان يقطر منهما الاء فيسحق الرخ على العفار فتخرج منهما النار بإذن‬
‫ال عَز وجَل ؛ تقول العرب ‪ :‬فَ كَل شجَر نار ‪ ،‬واسَتمجد الرخ‬
‫والعفار ‪ ﴿ ،‬فَإِذَا َأْنتُ ْم ِمنْ هُ تُوقِدُو نَ ﴾ ‪ ،‬أي ‪ :‬تقدحون ‪ ،‬وتوقدون النار من‬
‫ذلك الش جر ‪ .‬ث ذ كر ما هو أع ظم من خلق الن سان ‪ ،‬فقال ‪َ ﴿ :‬أوََليْ سَ‬
‫ت وَالرْضَ بِقَادِر عَلَى أَنْ َيخْلُ َق ِمثَْلهُ ْم بَلَى ﴾ ‪ ،‬أي ‪ :‬قل‬ ‫الّذِي خَلَ َق السّمَاوَا ِ‬
‫‪ :‬بلى ‪ ،‬هو قادر على ذلك ‪َ ﴿ ،‬وهُ َو الْخَل قُ ﴾ يلق خلقًا ب عد خلق ‪﴿ ،‬‬
‫اْلعَلِيم ﴾ بميع ما خلق ‪ِ ﴿ .‬إنّمَا َأمْرُ هُ إِذَا أَرَا َد َشْيئًا أَ نْ َيقُولَ لَ هُ كُ نْ َفَيكُو نُ‬
‫سبْحَانَ الّذِي ِبيَدِ ِه مََلكُو تُ ﴾ ملك ‪ ﴿ ،‬كُلّ شَيْ ٍء َوإَِليْ هِ تُ ْر َجعُو نَ ﴾ ‪.‬‬ ‫* فَ ُ‬
‫و عن حذي فة ر ضي ال ع نه قال ‪ ( :‬قُ مت مع ر سولِ ال ذات ليلة فقرأ‬
‫ت وكان إذا رفع رأسه من الركوع قال ‪ « :‬سع‬ ‫السبعَ الطوال ف سبع ركعا ٍ‬
‫ت ‪ ،‬وال كبياءِ‬ ‫اللّ ُه ل ن حده ‪ -‬ث قال ‪ : -‬ال مد ل ذي اللكو تِ وال بو ِ‬
‫والعظ مة » ؛ وكان ركو عه م ثل قيا مه ‪ ،‬و سجوده م ثل ركو عه ‪ ،‬فان صرف‬
‫وقد كادت تنكَسِرُ رجلي ) ‪ .‬رواه أحد ‪ .‬وف حديث عوف بن مالك عند‬
‫أب داود ‪ ( :‬ث ركع بقدر قيامه ‪ ،‬يقول ف ركوعه ‪ « :‬سبحان ذي اللكوت‬
‫والبوت ‪ ،‬والكبياء والعظمة » ؛ ث سجد بقدر قيامه ‪ ،‬ث قال ف سجوده‬
‫م ثل ذلك ) ‪ .‬و عن مع قل بن ي سار قال ‪ :‬قال ر سول ال ‪ « :‬اقرأوا على‬
‫موتاكم سورة يس » ‪ .‬رواه البغوي وغيه ‪ .‬وال أعلم ‪.‬‬
‫‪687‬‬ ‫توفيق الرحن ف دروس القرآن‬

‫***‬
‫الزء الثالث‬ ‫‪688‬‬

‫الدرس الثالث والثلثون بعد الائتي‬


‫[ سورة الصافات ]‬
‫مكية ‪ ،‬وهي مائة وثانون آية‬
‫عَن ابَن عمَر رضَي ال عنهمَا قال ‪ ( :‬كان رسَول ال يأمرنَا‬
‫بالتخفيف ويؤمنا بالصافات ) ‪ .‬رواه النسائي ‪.‬‬
‫بسم ال الرحن الرحيم‬
‫َاتـ ذِكْرا (‪ )3‬إِنّ‬
‫َاتـ َزجْرا (‪ )2‬فَالتّالِي ِ‬
‫صـفّا (‪ )1‬فَالزّاجِر ِ‬
‫﴿ وَالصـّافّاتِ َ‬
‫ض َومَا بَيَْنهُمَا وَرَبّ الْ َمشَارِ قِ (‬
‫ت وَاْلأَرْ ِ‬
‫ِإَلهَكُ مْ لَوَا ِحدٌ (‪َ )4‬ربّ ال سّمَاوَا ِ‬
‫‪ِ )5‬إنّا َزيّنّا السّمَاء الدّنْيَا ِبزِينَ ٍة الْ َكوَاكِبِ (‪َ )6‬وحِفْظا مّن ُك ّل شَيْطَا ٍن مّا ِردٍ‬
‫ِبـ (‪ُ )8‬دحُورا‬
‫ُونـ م ِن ُك ّل جَان ٍ‬
‫َسـ ّمعُو َن ِإلَى الْمَ َلإِ اْلأَعْلَى َوُيقْ َذف َ‬
‫(‪ )7‬لَا ي ّ‬
‫ب ثَاقِبٌ (‪)10‬‬
‫َوَلهُمْ َعذَابٌ وَاصِبٌ (‪ِ )9‬إلّا مَ ْن خَطِفَ الْخَ ْط َف َة َفأَتَْبعَهُ ِشهَا ٌ‬
‫فَاسْتَفِْت ِهمْ َأهُمْ َأ َشدّ خَلْقا أَم مّ ْن خَ َلقْنَا ِإنّا خَ َلقْنَاهُم مّن ِطيٍ لّازِبٍ (‪َ )11‬بلْ‬
‫ـ (‪ )13‬وَِإذَا َرأَوْا آَيةً‬
‫خرُونَ (‪َ )12‬وِإذَا ذُ ّكرُوا لَا َيذْ ُكرُون َ‬
‫ـَ‬‫ْتـ َويَس ْ‬
‫عَجِب َ‬
‫حرٌ مِّبيٌ (‪َ )15‬أِئذَا مِتْنَا وَكُنّا ُترَابا‬
‫خرُونَ (‪َ )14‬وقَالُوا إِ ْن َهذَا ِإلّا سِ ْ‬
‫يَسَْتسْ ِ‬
‫ُمـ‬
‫َمـ َوأَنت ْ‬
‫ُونـ (‪ُ )17‬ق ْل َنع ْ‬
‫ُونـ (‪َ )16‬أوَآبَاؤُن َا الَْأوّل َ‬
‫وَعِظَاما َأئِنّاـ لَمَ ْبعُوث َ‬
‫دَاخِرُو نَ (‪َ )18‬فإِنّمَا هِ يَ َز ْج َرةٌ وَاحِ َد ٌة َفِإذَا هُ مْ يَن ُظرُو نَ (‪َ )19‬وقَالُوا يَا‬
‫ص ِل الّذِي كُنتُ مْ بِ هِ ُت َكذّبُو نَ (‪)21‬‬
‫َويْلَنَا َهذَا َيوْ ُم الدّي نِ (‪َ )20‬هذَا َيوْ ُم اْلفَ ْ‬
‫ا ْحشُرُوا اّلذِي نَ ظَ َلمُوا َوأَزْوَاجَهُ ْم وَمَا كَانُوا َيعُْبدُو نَ (‪ )22‬مِن دُو ِن اللّ هِ‬
‫‪689‬‬ ‫توفيق الرحن ف دروس القرآن‬

‫جحِيمِ (‪َ )23‬و ِقفُوهُمْ ِإّنهُم مّسْئُولُونَ (‪ )24‬مَا َلكُمْ‬


‫صرَاطِ الْ َ‬
‫فَاهْدُوهُ ْم ِإلَى ِ‬
‫ُمـ عَلَى‬
‫ضه ْ‬‫ُسـتَسْلِمُونَ (‪َ )26‬وَأقَْبلَ َبعْ ُ‬
‫ْمـ م ْ‬
‫ُمـ الَْيو َ‬
‫َاصـرُونَ (‪َ )25‬ب ْل ه ُ‬
‫لَا تَن َ‬
‫ض يَتَ سَاءلُونَ (‪ )27‬قَالُوا إِّنكُ مْ كُنتُ مْ َت ْأتُونَنَا عَ نِ الْيَ ِميِ (‪ )28‬قَالُوا بَل‬
‫َبعْ ٍ‬
‫لّ مْ َتكُونُوا ُمؤْمِنِيَ (‪ )29‬وَمَا كَا َن لَنَا عَلَيْكُم مّ ن سُلْطَا ٍن َبلْ كُنتُ ْم َقوْما‬
‫طَاغِيَ (‪ )30‬فَحَقّ عَلَيْنَا قَ ْولُ َربّنَا ِإنّ ا َلذَاِئقُو نَ (‪َ )31‬فأَ ْغ َويْنَاكُ ْم ِإنّ ا كُنّ ا‬
‫ب ُمشَْترِكُو نَ (‪ِ )33‬إنّ ا َك َذلِ كَ َن ْف َعلُ‬
‫غَاوِي نَ (‪َ )32‬فإِّنهُ ْم َيوْمَِئذٍ فِي اْل َعذَا ِ‬
‫ج ِرمِيَ (‪ِ )34‬إّنهُ مْ كَانُوا ِإذَا قِي َل َلهُ ْم لَا ِإلَ هَ ِإلّا اللّ ُه يَ سْتَكِْبرُونَ (‪)35‬‬
‫بِالْمُ ْ‬
‫صدّقَ‬
‫َوَيقُولُو َن َأئِنّ ا لَتَارِكُوا آِلهَتِنَا ِلشَا ِعرٍ مّجْنُو نٍ (‪َ )36‬ب ْل جَاء بِالْحَقّ وَ َ‬
‫ج َزوْ َن ِإلّا مَا كُنتُمْ‬
‫الْ ُمرْ سَلِيَ (‪ِ )37‬إّنكُمْ َلذَاِئقُو الْ َعذَابِ اْلأَلِيمِ (‪َ )38‬ومَا تُ ْ‬
‫ق ّمعْلُو مٌ (‬
‫خلَ صِيَ (‪ )40‬أُ ْولَئِ كَ َلهُ مْ رِزْ ٌ‬
‫َتعْمَلُو نَ (‪ِ )39‬إلّا عِبَادَ اللّ هِ الْمُ ْ‬
‫سـرُرٍ‬
‫ِيمـ (‪ )43‬عَلَى ُ‬
‫ّاتـ الّنع ِ‬
‫ُونـ (‪ )42‬فِي جَن ِ‬
‫ِهـ وَهُم ّمكْ َرم َ‬
‫‪َ )41‬فوَاك ُ‬
‫مَّتقَابِ ِليَ (‪ )44‬يُطَا فُ عَلَ ْيهِم بِ َكأْ سٍ مِن ّمعِيٍ (‪ )45‬بَيْضَاء َلذّ ٍة لّلشّا ِربِيَ (‬
‫ت ال ّطرْ فِ‬
‫صرَا ُ‬
‫نفُو نَ (‪ )47‬وَعِ ْن َدهُ مْ قَا ِ‬
‫‪ )46‬لَا فِيهَا َغ ْولٌ َولَا هُ مْ عَنْهَا يُ َ‬
‫ض يَتَ سَاءلُونَ‬
‫ضهُ مْ عَلَى َبعْ ٍ‬
‫ض ّمكْنُو نٌ (‪َ )49‬فَأقَْبلَ َبعْ ُ‬
‫عِيٌ (‪َ )48‬كَأّن ُهنّ بَيْ ٌ‬
‫ص ّدقِيَ‬
‫ك لَمِ ْن الْمُ َ‬
‫(‪ )50‬قَالَ قَاِئلٌ مّ ْنهُ ْم ِإنّي كَا َن لِي َقرِي نٌ (‪َ )51‬يقُولُ َأئِنّ َ‬
‫ُونـ (‪ )53‬قَالَ َه ْل أَنتُـم‬
‫(‪َ )52‬أِئذَا مِتْنَـا وَكُنّاـ ُترَابا وَعِظَاما َأئِنّاـ لَ َمدِين َ‬
‫جحِي مِ (‪ )55‬قَالَ تَاللّ ِه إِ نْ كِدتّ‬
‫مّطّ ِلعُو نَ (‪ )54‬فَاطّلَ َع َفرَآ ُه فِي َسوَاء الْ َ‬
‫ضرِينَـ (‪َ )57‬أفَمَا نَحْنُـ‬
‫ح َ‬
‫لَُت ْردِينِـ (‪َ )56‬وَلوْلَا ِنعْ َمةُ َربّيـَلكُنتُـ مِنَـ الْمُ ْ‬
‫الزء الثالث‬ ‫‪690‬‬

‫بِمَيِّتيَ (‪ِ )58‬إلّا َموْتَتَنَا اْلأُولَى َومَا َنحْ ُن بِ ُم َعذّبِيَ (‪ )59‬إِنّ َهذَا َل ُهوَ اْلفَوْزُ‬
‫ج َرةُ‬
‫اْلعَظِي مُ (‪ )60‬لِمِ ْث ِل هَذَا فَلَْيعْ َملْ اْلعَامِلُو نَ (‪َ )61‬أ َذلِ كَ خَ ْي ٌر ّنزُ ًل أَ ْم شَ َ‬
‫صلِ‬
‫ج فِي أَ ْ‬
‫خرُ ُ‬
‫ج َرةٌ تَ ْ‬
‫ال ّزقّو مِ (‪ِ )62‬إنّا َجعَلْنَاهَا فِتَْنةً لّلظّالِمِيَ (‪ِ )63‬إنّهَا شَ َ‬
‫الْجَحِي مِ (‪ )64‬طَ ْلعُهَا َكَأنّ هُ ُرؤُو سُ الشّيَاطِيِ (‪َ )65‬فإِّنهُ مْ لَآكِلُو َن مِنْهَا‬
‫شوْبا مّ نْ حَمِي مٍ (‪ُ )67‬ثمّ‬
‫فَمَاِلؤُو َن مِ ْنهَا الْبُطُو نَ (‪ُ )66‬ثمّ إِنّ َلهُ مْ عَلَ ْيهَا َل َ‬
‫إِنّ َم ْرجِ َعهُ مْ َلِإلَى الْجَحِي مِ (‪ِ )68‬إّنهُ ْم َأْلفَوْا آبَاءهُ مْ ضَالّيَ (‪َ )69‬فهُ مْ عَلَى‬
‫آثَا ِر ِهمْ ُي ْهرَعُونَ (‪. ﴾ )70‬‬

‫***‬
‫‪691‬‬ ‫توفيق الرحن ف دروس القرآن‬

‫ـ َزجْرا (‪)2‬‬
‫صـفّا (‪ )1‬فَالزّاجِرَات ِ‬
‫قوله عـز وجـل ‪ ﴿ :‬وَالصـّافّاتِ َ‬
‫ت وَاْلأَرْ ضِ وَمَا‬
‫فَالتّالِيَا تِ ذِكْرا (‪ )3‬إِنّ ِإَلهَكُ ْم َلوَا ِحدٌ (‪ )4‬رَبّ ال سّمَاوَا ِ‬
‫بَيَْنهُمَا وَ َربّ الْ َمشَارِقِ (‪. ﴾ )5‬‬
‫عن قتادة ‪ ﴿ :‬وَال صّافّاتِ َ‬
‫صفّا ﴾ ‪ ،‬قال ‪ :‬قسم ‪ ،‬أقسم ال بلق ث خلق‬
‫ت ﴾ اللئكَة صَفوفًا فَ السَماء ‪ .‬وعَن ماهَد فَ قوله ‪:‬‬ ‫﴿ وَالصَّافّا ِ‬
‫﴿ فَالزّا ِجرَا تِ زَجْرا ﴾ ‪ ،‬قال ‪ :‬اللئ كة ‪ ﴿ ،‬فَالتّاِليَا تِ ذِكْرا ﴾ ‪ ،‬قال ‪:‬‬
‫اللئكة ‪ .‬وعن قتادة ‪ ﴿ :‬إِنّ إَِل َهكُ مْ َلوَاحِدٌ ﴾ وقع القسم على هذا ‪ِ ﴿ ،‬إنّ‬
‫إَِل َهكُمْ َلوَاحِدٌ ﴾ ‪ ﴿ .‬رَبّ السّمَاوَاتِ وَاْلأَرْضِ َومَا َبْينَهُمَا وَرَبّ الْمَشَارِقِ ﴾‬
‫قال ‪ :‬مشارق الشمس ف الشتاء والصيف ‪.‬‬
‫قوله عز وجل ‪ِ ﴿ :‬إنّا َزيّنّا ال سّمَاء الدّنْيَا ِبزِيَنةٍ اْل َكوَاكِ بِ (‪ )6‬وَ ِحفْظا‬
‫مّ ن ُك ّل شَيْطَا نٍ مّا ِردٍ (‪ )7‬لَا يَ سّ ّمعُونَ ِإلَى الْمَ َلِإ الْأَعْلَى َويُ ْق َذفُو نَ مِن ُكلّ‬
‫ف الْخَ ْط َفةَ َفَأتَْبعَ هُ‬
‫جَانِ بٍ (‪ )8‬دُحُورا َوَلهُ مْ َعذَا بٌ وَا صِبٌ (‪ِ )9‬إلّا مَ ْن خَطِ َ‬
‫ب ثَاقِبٌ (‪. ﴾ )10‬‬
‫ِشهَا ٌ‬
‫عن قتادة قوله ‪ ﴿ :‬وَ ِحفْظا مّ ن كُ ّل َشيْطَا ٍن مّارِدٍ * لَا يَ سّ ّمعُونَ إِلَى الْمَلَِإ‬
‫اْلأَعْلَى ﴾ ‪ ،‬قال ‪ُ :‬مِنعُوهَا ‪َ ﴿ ،‬ويُقْذَفُو نَ مِن كُلّ جَانِ بٍ دُحُورا ﴾ قذفًا ‪،‬‬
‫صبٌ ﴾ أي ‪ :‬دائم ‪ ﴿ ،‬إِلّا مَ نْ خَ ِط فَ‬ ‫ب وَا ِ‬‫قذفًا بالش هب ‪ ﴿ ،‬وََلهُ ْم عَذَا ٌ‬
‫ب ثَاقِ بٌ ﴾ من نار ‪ ،‬وثقوبه ‪ :‬ضوءه ‪ .‬قال ابن عباس ‪:‬‬ ‫الْخَ ْط َفةَ َفَأْتبَعَ ُه ِشهَا ٌ‬
‫ل يقتلون بشهاب ول يوتون ‪ ،‬ولكنهم ترقهم من غي قتل وتلل وترح ‪.‬‬
‫الزء الثالث‬ ‫‪692‬‬

‫قوله عز وجل ‪ ﴿ :‬فَا سَْتفِْتهِ ْم َأهُ مْ أَ َشدّ خَلْقا أَم مّ ْن خَلَقْنَا ِإنّا خَ َلقْنَاهُم مّن‬
‫خرُونَ (‪ )12‬وَِإذَا ذُ ّكرُوا لَا َيذْ ُكرُو نَ (‬
‫ت َويَ سْ َ‬
‫جبْ َ‬
‫طِيٍ لّازِ بٍ (‪َ )11‬بلْ عَ ِ‬
‫حرٌ مِّبيٌ (‪)15‬‬
‫خرُونَ (‪َ )14‬وقَالُوا إِ ْن َهذَا ِإلّا سِ ْ‬
‫‪َ )13‬وِإذَا َرَأوْا آَي ًة يَ سَْتسْ ِ‬
‫َأِئذَا مِتْنَا وَكُنّ ا ُترَابا وَعِظَاما َأئِنّ ا لَ َم ْبعُوثُو نَ (‪َ )16‬أوَآبَاؤُنَا الَْأوّلُو نَ (‪)17‬‬
‫ُق ْل َنعَ مْ َوأَنتُ ْم دَا ِخرُو نَ (‪َ )18‬فإِنّمَا هِ يَ َز ْج َرةٌ وَاحِ َد ٌة َفِإذَا هُ ْم يَن ُظرُو نَ (‬
‫صلِ اّلذِي كُنتُ مْ بِ هِ‬
‫‪َ )19‬وقَالُوا يَا وَيْلَنَا َهذَا َيوْ مُ الدّي نِ (‪ )20‬هَذَا يَوْ ُم اْلفَ ْ‬
‫شرُوا الّذِي نَ ظَ َلمُوا َوأَزْوَاجَهُ مْ َومَا كَانُوا َيعُْبدُو نَ (‪)22‬‬
‫ُت َكذّبُو نَ (‪ )21‬ا ْح ُ‬
‫صرَاطِ الْجَحِي مِ (‪َ )23‬و ِقفُوهُ ْم إِّنهُم مّ سْئُولُونَ‬
‫مِن دُو نِ اللّ ِه فَا ْهدُوهُ ْم ِإلَى ِ‬
‫صرُونَ (‪َ )25‬ب ْل هُ ُم الَْيوْمَ ُمسْتَسْلِمُونَ (‪. ﴾ )26‬‬
‫(‪ )24‬مَا لَ ُكمْ لَا تَنَا َ‬
‫قال ابـن جريـر ‪ ﴿ :‬ف ْ‬
‫َاسََت ْفتِهِمْ ﴾ ‪ ،‬يقول تعال ذكره لنَبيه ممَد ‪:‬‬
‫فاستفت يا ممد هؤلء الشركي الذين ينكرون البعث بعد المات ‪ ،‬والنشور‬
‫بعَد البلء ‪ ،‬يقول ‪ :‬فسَلهم ‪َ ﴿ :‬أهُم ََْأشَدّ َخلْقا ﴾ ‪ ،‬يقول ‪ :‬أخلقهَم أشدّ‬
‫خلقًا أم من عددنا خلقه من ‪ :‬اللئكة ‪ ،‬والشياطي ‪ ،‬والسماوات والرض ؟‬
‫وعن ابن عباس قوله ‪ِ ﴿ :‬إنّا َخَلقْنَاهُم مّن طِيٍ لّازِ بٍ ﴾ ‪ ،‬قال ‪ :‬هو الطي‬
‫الر اليد اللزق ‪.‬‬
‫خرُونَ ﴾ ‪ ،‬قال ‪ :‬عجَب ممَد عليَه‬ ‫َسَ َ‬
‫ْتَ َوي ْ‬
‫جب َ‬‫وعَن قتادة ‪ ﴿ :‬بَ ْل عَ ِ‬
‫السلم من هذا القرآن حي أعطيه وسخر منه أهل الضللة ‪َ ﴿ .‬وإِذَا ذُكّرُوا‬
‫َسَتَسْخِرُونَ‬
‫ُونَ ﴾ أي ‪ :‬ل ينتفعون ول يبصَرون ﴿ َوإِذَا َرَأوْا آَي ًة ي ْ‬ ‫لَا يَذْ ُكر َ‬
‫‪693‬‬ ‫توفيق الرحن ف دروس القرآن‬

‫﴾ ي سخرون من ها وي ستهزئون ‪ ﴿ .‬وَقَالُوا إِ ْن هَذَا إِلّا سِحْ ٌر ّمبِيٌ * َأئِذَا ِمتْنَا‬


‫وَ ُكنّا تُرَابا َوعِظَاما َأِئنّا لَ َمْبعُوثُو نَ َأوَآبَاؤُنَا الَْأوّلُو نَ ﴾ تكذيبًا بالبعث ‪ ﴿ ،‬قُلْ‬
‫َنعَ ْم َوأَنتُ مْ دَاخِرُو نَ ﴾ أي ‪ :‬صاغرون ‪ ﴿ ،‬فَِإنّمَا هِ يَ زَ ْج َرةٌ وَاحِ َدةٌ ﴾ قال‬
‫السدي ‪ :‬هي النفخة ﴿ فَِإذَا هُمْ يَن ُظرُونَ * وَقَالُوا يَا َويَْلنَا هَذَا َيوْمُ الدّينِ ﴾ ‪،‬‬
‫قال قتادة ‪ :‬يدين ال فيه العباد بأعمالم ‪ ﴿ ،‬هَذَا َيوْ ُم اْلفَ صْ ِل الّذِي كُنتُ ْم بِ هِ‬
‫ُتكَ ّذبُونَ ﴾ ‪ ،‬يعن ‪ :‬يوم القيامة ‪.‬‬
‫ُمَ ﴾ يعنَ ‪:‬‬ ‫ِينَ ظَلَمُوا َوأَ ْزوَا َجه ْ‬‫وعَن ابَن عباس قوله ‪ ﴿ :‬احْشُرُوا الّذ َ‬
‫أتباعهم ومن اتبعهم من الظلمة ‪َ ﴿ ،‬ومَا كَانُوا َيعْبُدُو َن مِن دُونِ اللّهِ ﴾ ‪ ،‬قال‬
‫ط الْجَحِي مِ ﴾ قال ا بن عباس يقول ‪:‬‬ ‫صرَا ِ‬ ‫قتادة ‪ :‬ال صنام ﴿ فَاهْدُوهُ مْ إِلَى ِ‬
‫وجهوهم ‪ .‬وقال ابن مسعود ‪ :‬وليس أحد من اللق كان يعبد من دون ال‬
‫شيئًا إل وهَو مرفوع له يتبعَه ‪ ،‬قال ‪ :‬فيلقَى اليهود فيقول ‪ :‬مَن تعبدون ؟‬
‫فيقولون ‪ :‬نع بد عزيرًا ؟ فيقول ‪ :‬هل ي سركم الاء ؟ فيقولون ‪ :‬ن عم ‪ .‬فيي هم‬
‫جه نم و هي كهيئة ال سراب ‪ ،‬ث قرأ ‪ ﴿ :‬إ نا عَرَضْنَا َج َهنّ َم َي ْومَئِذٍ لّ ْلكَافِرِي نَ‬
‫عَرْضا ﴾ ‪ ،‬قال ‪ :‬ثَ يلقَى النصَارى فيقول ‪ :‬مَن تعبدون ؟ فيقولون ‪:‬‬
‫ال سيح ‪ ،‬فيقول ‪ :‬هل ي سركم الاء ؟ فيقولون ‪ :‬ن عم ‪ .‬فيي هم جه نم و هي‬
‫كهيئة السراب ‪ ،‬ث كذلك لن كان يعبد من دون ال شيئًا ‪ ،‬ث قرأ عبد ال ‪:‬‬
‫سئُولُونَ ﴾ ‪.‬‬
‫﴿ وَِقفُوهُمْ ِإّنهُم مّ ْ‬
‫و عن قتادة قوله ‪ ﴿ :‬مَا َلكُ مْ لَا َتنَا صَرُونَ ﴾ ل وال ل يتنا صرون ‪ ،‬ول‬
‫ستَسْلِمُونَ ﴾ ف عذاب ال ‪.‬‬ ‫يدفع بعضهم عن بعض ‪ ﴿ ،‬بَ ْل هُ ُم اْلَي ْومَ مُ ْ‬
‫الزء الثالث‬ ‫‪694‬‬

‫ْضـ يَتَسـَاءلُونَ (‪ )27‬قَالُوا‬


‫ُمـ عَلَى َبع ٍ‬
‫ضه ْ‬‫قوله عـز وجـل ‪ ﴿ :‬وََأقَْبلَ بَعْ ُ‬
‫ِإّنكُ مْ كُنتُ ْم َتأْتُونَنَا عَ ِن الْيَمِيِ (‪ )28‬قَالُوا بَل لّ مْ تَكُونُوا ُم ْؤمِنِيَ (‪ )29‬وَمَا‬
‫كَا َن لَنَا عَلَيْكُم مّ ن سُلْطَا ٍن َبلْ كُنتُ مْ َقوْما طَاغِيَ (‪ )30‬فَحَقّ عَلَيْنَا َقوْلُ‬
‫َربّنَا ِإنّ ا َلذَاِئقُو نَ (‪َ )31‬فأَ ْغوَيْنَاكُ ْم ِإنّ ا كُنّ ا غَاوِي نَ (‪َ )32‬فِإّنهُ مْ َي ْومَئِ ٍذ فِي‬
‫ج ِرمِيَ (‪ِ )34‬إنّهُمْ كَانُوا ِإذَا‬
‫اْلعَذَابِ ُمشَْترِكُونَ (‪ِ )33‬إنّا َك َذلِكَ َن ْف َعلُ بِالْمُ ْ‬
‫قِي َل َلهُمْ لَا ِإلَهَ إِلّا اللّهُ يَسْتَكِْبرُونَ (‪َ )35‬وَيقُولُو َن َأئِنّا لَتَارِكُوا آِلهَتِنَا ِلشَا ِعرٍ‬
‫ق الْ ُمرْسَلِيَ (‪. ﴾ )37‬‬
‫صدّ َ‬
‫ح ّق وَ َ‬
‫مّجْنُونٍ (‪َ )36‬ب ْل جَاء بِالْ َ‬
‫عن ا بن عباس ‪ِ ﴿ :‬إّنكُ مْ كُنتُ ْم َتأْتُونَنَا عَ ِن اْليَمِيِ ﴾ ‪ ،‬يقولون ‪ :‬كن تم‬
‫تقهرون نا بالقدرة من كم علي نا ‪ ،‬ل نا ك نا أذلء وكن تم أعزاء ‪ .‬وقال ما هد ‪:‬‬
‫يعن ‪ :‬عن الق ‪ ،‬والكفار تقوله للشياطي ‪ ﴿ ،‬قَالُوا بَل لّ ْم تَكُونُوا ُم ْؤمِنِيَ ﴾‬
‫‪ ،‬قال ابَن كثيَ ‪ :‬تقول القادة مَن النَ والنَس للتباع ‪ :‬مَا المَر كمَا‬
‫تزعمون ؟ بل كانت قلوبكم منكرة لليان ‪ ،‬قابلة للكفر والعصيان ‪َ ﴿ ،‬ومَا‬
‫كَانَ َلنَا عََلْيكُ ْم مِ ْن سُ ْلطَانٍ ﴾ أي ‪ :‬من حجة على صحة ما دعوناكم إليه ‪.‬‬
‫﴿ بَلْ ُكْنتُ مْ َق ْومًا طَاغِيَ * َفحَقّ عََلْينَا َقوْلُ َرّبنَا ِإنّا لَذَاِئقُو نَ * َفَأ ْغوَْينَاكُ مْ‬
‫ِإنّا ُكنّا غَاوِينَ ﴾ ‪ ،‬يقول الكباء للمستضعفي ‪ :‬حقت علينا كلمة ال إنا من‬
‫الشقياء الذائقي للعذاب يوم القيامة ‪َ ﴿ ،‬فَأغْ َوْينَاكُ مْ ﴾ ‪ ،‬أي ‪ :‬دعوناكم إل‬
‫الضللة ‪ِ ﴿ ،‬إنّا ُكنّا غَاوِينَ ﴾ ‪ ،‬أي ‪ :‬فدعوناكم إل ما نن فيه ‪ ،‬فاستجبتم‬
‫لنا ؛ قال ال تبارك وتعال ‪ ﴿ :‬فَِإّنهُ ْم َي ْو َمئِذٍ فِي اْلعَذَابِ مُشْتَرِكُونَ ﴾ ‪ ،‬أي ‪:‬‬
‫‪695‬‬ ‫توفيق الرحن ف دروس القرآن‬

‫ج ِرمِيَ ِإّنهُمْ كَانُوا ﴾ ‪،‬‬ ‫ك َن ْفعَ ُل بِالْمُ ْ‬


‫الميع ف النار ‪ ،‬كل بسبه ‪ِ ﴿ ،‬إنّا كَذَلِ َ‬
‫َسَتَ ْكبِرُونَ ﴾ ‪ ،‬أي ‪ :‬أن‬ ‫ّهَ ي ْ‬ ‫َهَ إِل الل ُ‬‫ُمَ ل إِل َ‬
‫أي ‪ :‬فَ الدنيَا ‪ ﴿ ،‬إِذَا قِيلَ َله ْ‬
‫يقولوها ‪ ،‬كما يقولا الؤمنون ‪ .‬وعن قتادة ‪َ ﴿ :‬وَيقُولُو نَ َأِئنّا َلتَارِكُوا آِل َهِتنَا‬
‫حقّ ﴾ بالقرآن ‪﴿ ،‬‬ ‫جنُو ٍن ﴾ ‪ ،‬يعنون ‪ :‬ممدًا ‪ ﴿ ،‬بَلْ جَاء بِالْ َ‬ ‫لِشَاعِ ٍر مّ ْ‬
‫ق الْمُرْسَلِيَ ﴾ ‪ ،‬أي ‪ :‬صدق من كان قبله من الرسلي ‪ .‬قال البغوي ‪:‬‬ ‫وَصَ ّد َ‬
‫أي ‪ :‬أنه أتى با أتى به الرسلون قبله ‪.‬‬
‫ج َزوْ َن ِإلّا مَا‬
‫قوله عز وجل ‪ِ ﴿ :‬إنّكُمْ لَذَائِقُو اْل َعذَابِ اْلَألِيمِ (‪َ )38‬ومَا تُ ْ‬
‫ق ّمعْلُومٌ‬
‫صيَ (‪ )40‬أُ ْولَئِكَ َلهُمْ رِزْ ٌ‬
‫كُنتُمْ َتعْمَلُونَ (‪ِ )39‬إلّا عِبَا َد اللّ ِه الْمُخْلَ ِ‬
‫سـرُرٍ‬
‫ِيمـ (‪ )43‬عَلَى ُ‬
‫ّاتـ النّع ِ‬
‫ُونـ (‪ )42‬فِي جَن ِ‬
‫ِهـ وَهُم ّمكْ َرم َ‬
‫(‪َ )41‬فوَاك ُ‬
‫مَّتقَابِ ِليَ (‪ )44‬يُطَا فُ عَلَ ْيهِم بِ َكأْ سٍ مِن ّمعِيٍ (‪ )45‬بَيْضَاء َلذّ ٍة لّلشّا ِربِيَ (‬
‫ت ال ّطرْ فِ‬
‫صرَا ُ‬
‫نفُو نَ (‪ )47‬وَعِ ْن َدهُ مْ قَا ِ‬
‫‪ )46‬لَا فِيهَا َغ ْولٌ َولَا هُ مْ عَنْهَا يُ َ‬
‫ض ّمكْنُونٌ (‪. ﴾ )49‬‬
‫عِيٌ (‪َ )48‬كَأّن ُهنّ بَيْ ٌ‬
‫قال ابن كثي ‪ :‬يقول تعال ماطبًا للناس ‪ِ ﴿ :‬إّنكُ مْ لَذَاِئقُو الْعَذَا بِ اْلأَلِي مِ‬
‫ج َزوْ نَ إِلّا مَا كُنتُ ْم َتعْمَلُو نَ ﴾ ‪ ،‬ث استثن من ذلك عباده الخلصي ‪،‬‬ ‫* َومَا تُ ْ‬
‫ِينَ آ َمنُوا‬
‫ُسَرٍ * إِل الّذ َ‬
‫َصَرِ * إِنّ النْسََانَ لَفِي خ ْ‬ ‫كمَا قال تعال ‪ ﴿ :‬وَاْلع ْ‬
‫َوعَمِلُوا الصّالِحَاتِ ﴾ ‪.‬‬
‫َصَيَ ﴾ ‪ ،‬قال ‪ :‬هذه ثنيَة ال ‪﴿ ،‬‬ ‫ّهَ الْ ُمخْل ِ‬
‫وعَن قتادة ‪ ﴿ :‬إِلّا عِبَادَ الل ِ‬
‫ُأوَْلئِ كَ َلهُ مْ رِزْ قٌ ّمعْلُو مٌ ﴾ ف النة ‪َ ﴿ ،‬فوَاكِ ُه َوهُم ّمكْ َرمُو نَ * فِي َجنّا تِ‬
‫الزء الثالث‬ ‫‪696‬‬

‫س مِن ّمعِيٍ ﴾ ‪ ،‬قال قتادة ‪:‬‬ ‫ف عََلْيهِم ِبكَأْ ٍ‬


‫الّنعِي مِ * عَلَى سُ ُر ٍر ّمتَقَابِِليَ * يُطَا ُ‬
‫كأس من خ ر جار ية ‪ ،‬والع ي هي ‪ :‬الار ية ‪َ ﴿ ،‬بْيضَاء َل ّذةٍ لّلشّا ِربِيَ * لَا‬
‫فِيهَا َغوْلٌ ﴾ ‪ ،‬قال ما هد ‪ :‬و جع ب طن ‪ ﴿ .‬وَلَا هُ ْم َعنْهَا يُنَفُو نَ ﴾ ‪ ،‬قال‬
‫قتادة ‪ :‬يقول ‪ :‬ليس فيها وجع بطن ‪ ،‬ول صداع رأس ‪ .‬وقال السدي ‪ :‬ل‬
‫تنف عقولم ‪.‬‬
‫صرَاتُ الطّرْ فِ ﴾ ‪ ،‬قال ‪ :‬قصر طرفه ّن على‬ ‫وعن قتادة ‪َ ﴿ :‬وعِنْ َدهُ مْ قَا ِ‬
‫أزواجه ّن فل يردن غيهم ‪ .‬وعن السدي ف قوله ‪ ﴿ :‬عِيٌ ﴾ ‪ ،‬قال ‪ :‬عظام‬
‫ض ّمكْنُو نٌ ﴾ ‪ ،‬قال ‪ :‬البيض حي يقشّر قبل أن ت سّه‬ ‫العي ‪َ ﴿ ،‬كأَّنهُنّ َبيْ ٌ‬
‫اليدي ‪.‬‬
‫ضهُ مْ عَلَى َبعْ ضٍ يَتَ سَاءلُونَ (‪ )50‬قَا َل قَاِئلٌ‬
‫قوله عز وجل ‪َ ﴿ :‬فأَقَْب َل َبعْ ُ‬
‫ص ّدقِيَ (‪َ )52‬أئِذَا مِتْنَا‬
‫مّ ْنهُ ْم ِإنّي كَا َن لِي َقرِي نٌ (‪َ )51‬يقُو ُل َأئِنّ كَ لَمِ نْ الْمُ َ‬
‫وَكُنّا ُترَابا وَعِظَاما َأئِنّا لَ َمدِينُو نَ (‪ )53‬قَا َل َهلْ أَنتُم مّطّ ِلعُو نَ (‪ )54‬فَاطّ َل عَ‬
‫َفرَآ ُه فِي َسوَاء الْجَحِيمِ (‪ )55‬قَا َل تَاللّ ِه إِنْ كِدتّ لَُت ْردِينِ (‪ )56‬وََل ْولَا ِنعْ َمةُ‬
‫ضرِي نَ (‪َ )57‬أفَمَا نَحْ ُن بِمَيّتِيَ (‪ِ )58‬إلّا َموْتَتَنَا اْلأُولَى‬
‫ت مِ َن الْمُحْ َ‬
‫َربّي لَكُن ُ‬
‫ح ُن بِ ُم َع ّذبِيَ (‪ )59‬إِ ّن هَذَا َلهُ َو الْ َفوْزُ اْلعَظِيمُ (‪. ﴾ )60‬‬
‫َومَا نَ ْ‬
‫ض َيتَ سَاءلُونَ ﴾ ‪ ،‬قال ‪ :‬أهل النة ‪.‬‬ ‫ضهُ ْم عَلَى بَعْ ٍ‬ ‫عن قتادة ‪َ ﴿ :‬فأَ ْقبَلَ بَ ْع ُ‬
‫وعن ابن عباس قوله ‪ ﴿ :‬قَالَ قَائِ ٌل ّمنْهُمْ ِإنّي كَانَ لِي َقرِينٌ * َيقُولُ َأِئنّكَ لَمِنْ‬
‫الْمُصَدّقِيَ ﴾ ‪ ،‬قال ‪ :‬هو الرجل الشرك يكون له الصاحب ف الدنيا من أهل‬
‫‪697‬‬ ‫توفيق الرحن ف دروس القرآن‬

‫اليان فيقول له الشرك ‪ :‬إ نك لت صدّق بأ نك مبعوث من ب عد الوت ﴿ َأئِذَا‬


‫ُكنّاَ ُترَابا ﴾ ؟ فلمَا أن صَاروا إل الخرة وأدخَل الؤمَن النَة ‪ ،‬وأدخَل‬
‫الشرك النار ‪.‬‬
‫جحِي مِ ﴾ وسطها ﴿ قَالَ‬ ‫﴿ فَاطّلَ َع ﴾ الؤمن فرأى صاحبه ﴿ فِي َسوَاء الْ َ‬
‫حضَرِي نَ ﴾ ‪ .‬قال‬ ‫ت مِ َن الْ ُم ْ‬ ‫تَاللّ هِ إِ نْ كِدتّ َلُترْدِي نِ * وََلوْلَا نِعْ َمةُ َربّ ي َلكُن ُ‬
‫ح ُن بِ َمّيتِيَ * إِلّا َموَْتَتنَا اْلأُولَى َومَا نَحْنُ‬
‫قتادة ‪ :‬أي ‪ :‬ف عذاب ال ‪ ﴿ ،‬أََفمَا نَ ْ‬
‫بِ ُمعَ ّذبِيَ ﴾ ‪ .‬قال ا بن كث ي ‪ :‬هذا من كلم الؤ من ‪ ،‬مغتبطًا ب ا أعطاه ال‬
‫تعال من اللد ف النة ‪ ،‬والقامة ف دار الكرامة بل موت فيها ول عذاب ‪.‬‬
‫ِيمَ ﴾ ‪ ،‬وعَن قتادة ‪ :‬قوله‬ ‫ولذا قال عَز وجَل ‪ ﴿ :‬إِنّ هَذَا َل ُه َو اْل َفوْزُ اْلعَظ ُ‬
‫ِيمَ ﴾ ‪ ،‬قال ‪ :‬هذا قول‬ ‫ْنَ بِ َمّيتِي َ ﴾ إل قوله ‪ ﴿ :‬اْل َفوْزُ الْعَظ ُ‬ ‫‪ ﴿ :‬أَفَم َا نَح ُ‬
‫أهل النة ‪.‬‬
‫ك خَ ْيرٌ ّن ُزلً‬
‫قوله عز و جل ‪ ﴿ :‬لِمِ ْث ِل هَذَا فَلَْيعْ َملْ اْلعَامِلُو نَ (‪َ )61‬أذَلِ َ‬
‫خرُ جُ‬
‫ج َر ٌة تَ ْ‬
‫ج َر ُة الزّقّو مِ (‪ِ )62‬إنّا َجعَلْنَاهَا فِتَْنةً لّلظّالِمِيَ (‪ِ )63‬إّنهَا شَ َ‬
‫أَ ْم شَ َ‬
‫جحِيمِ (‪ )64‬طَ ْل ُعهَا َكَأنّهُ ُرؤُوسُ الشّيَاطِيِ (‪َ )65‬فإِّنهُ ْم لَآكِلُونَ‬
‫صلِ الْ َ‬
‫فِي أَ ْ‬
‫شوْبا مّنْ حَمِيمٍ (‪)67‬‬
‫مِ ْنهَا َفمَاِلؤُونَ مِ ْنهَا الْبُطُونَ (‪ُ )66‬ثمّ إِنّ َلهُمْ عَلَ ْيهَا َل َ‬
‫ُثمّ إِنّ مَ ْر ِجعَهُ ْم لَِإلَى الْجَحِي مِ (‪ِ )68‬إنّهُ مْ أَْل َفوْا آبَاءهُ مْ ضَالّيَ (‪َ )69‬فهُ مْ‬
‫عَلَى آثَا ِر ِهمْ ُي ْهرَعُونَ (‪. ﴾ )70‬‬
‫الزء الثالث‬ ‫‪698‬‬

‫قال ابـن جريـر ‪ :‬يقول تعال ذكره ‪ ﴿ :‬لِ ِمثْ ِل هَذَا ﴾ الذي أعطيَت‬
‫هؤلء الؤمنيَ مَن الكرامَة فَ الخرة ‪َ ﴿ ،‬ف ْلَيعْمَلْ ﴾ فَ الدنيَا لنفسَهم‬
‫﴿ اْلعَامِلُونَ ﴾ ليدركوا ما أدرك هؤلء بطاعة ربم ‪.‬‬
‫ج َرةُ الزّقّو مِ ﴾ ؟ ح ت بلغ ‪ ﴿ :‬فِي‬ ‫و عن قتادة ‪َ ﴿ :‬أذَلِ كَ َخْي ٌر نّزُلً أَ ْم شَ َ‬
‫جحِي مِ ﴾ ‪ ،‬قال ‪ :‬لا ذكر شجرة الزقوم افتت الظلمة فقالوا ‪ :‬ينبّئكم‬ ‫أَ صْ ِل الْ َ‬
‫صَاحبكم هذا أن فَ النار شجرة ‪ ،‬والنار تأكَل الشجرة ‪ ،‬فأنزل ال مَا‬
‫جحِي مِ ﴾ ‪ ،‬غُذّيت بالنار ومنها‬ ‫ج َرٌة تَخْ ُر جُ فِي أَ صْ ِل الْ َ‬
‫تسمعون ‪ِ ﴿ :‬إّنهَا شَ َ‬
‫خُلقت ‪ ﴿ ،‬طَ ْل ُعهَا َكَأنّهُ ُرؤُوسُ الشّيَاطِيِ ﴾ شبّهه بذلك ‪ ﴿ ،‬فَِإّنهُمْ لَآ ِكلُونَ‬
‫شوْبا مّ نْ حَمِي مٍ ﴾ ‪ ،‬قال ابن‬ ‫ِمْنهَا فَمَاِلؤُو نَ ِمْنهَا الْبُطُو نَ * ثُمّ ِإنّ َلهُ ْم عََلْيهَا لَ َ‬
‫عباس ‪ :‬يعن ‪ :‬شرب الميم على الزقوم ‪ ،‬وقال السدي ‪ :‬الشوب ‪ :‬اللط ‪.‬‬
‫وهو ‪ :‬الزج ‪.‬‬
‫ِيمَ ﴾ فهَم فَ عناء‬ ‫جح ِ‬ ‫وعَن قتادة ‪ :‬قوله ‪ ﴿ :‬ثُمّ إِنّ مَرْ ِج َعهُم َْلَإِلَى الْ َ‬
‫وعذاب من نار جهنم وتل هذه الية ‪ ﴿ :‬يَطُوفُو َن بَْيَنهَا َوَبيْنَ َحمِيمٍ آنٍ ﴾ ‪.‬‬
‫[ وقوله ] ﴿ ِإنّهُ مْ أَْل َفوْا آبَاءهُ مْ ضَالّيَ * َفهُ ْم عَلَى آثَا ِرهِ ْم ُيهْ َرعُو نَ ﴾ ‪ ،‬قال‬
‫ماهد ‪ :‬أي ‪ :‬يسرعون إسراعًا ف ذلك ‪.‬‬

‫***‬
‫‪699‬‬ ‫توفيق الرحن ف دروس القرآن‬

‫الدرس الرابع والثلثون بعد الائتي‬

‫ض ّل قَبْ َلهُم ْـأَكَْثرُ اْلَأوّلِيَ (‪ )71‬وََل َقدْ أَرْسَـلْنَا فِيهِم مّنذِرِينَـ (‬


‫﴿ َولَ َقدْ َ‬
‫صيَ (‬
‫‪ )72‬فَان ُظرْ َكيْ فَ كَا نَ عَاقَِبةُ الْمُنذَرِي نَ (‪ِ )73‬إلّا عِبَا َد اللّهِـ الْمُخْلَ ِ‬
‫‪َ )74‬وَلقَ ْد نَادَانَا نُو حٌ فَلَِنعْ مَ الْمُجِيبُو نَ (‪ )75‬وَنَجّ ْينَا ُه وََأهْلَ ُه مِ َن الْ َكرْ بِ‬
‫اْلعَظِي مِ (‪ )76‬وَ َجعَلْنَا ذُ ّريّتَ ُه هُ مْ الْبَاقِيَ (‪َ )77‬وَترَكْنَا عَلَيْ هِ فِي الْآ ِخرِي نَ (‬
‫جزِي الْمُحْ سِنِيَ (‬
‫‪ )78‬سَلَامٌ عَلَى نُو حٍ فِي اْلعَالَمِيَ (‪ِ )79‬إنّ ا َك َذلِ كَ نَ ْ‬
‫‪ِ )80‬إنّ ُه مِ نْ عِبَادِنَا الْ ُم ْؤمِنِيَ (‪ )81‬ثُمّ أَ ْغ َرقْنَا الْآ َخرِي نَ (‪ )82‬وَإِنّ مِن‬
‫شِيعَتِ ِه َلإِْبرَاهِي مَ (‪ِ )83‬إ ْذ جَاء َربّ هُ ِبقَلْ بٍ سَلِيمٍ (‪ِ )84‬إذْ قَالَ ِلَأبِي هِ وَ َق ْومِ هِ‬
‫مَاذَا َتعُْبدُو نَ (‪َ )85‬أِئفْكا آِلهَ ًة دُو َن اللّ ِه ُترِيدُو نَ (‪ )86‬فَمَا َظنّكُم ِبرَبّ‬
‫اْلعَالَمِيَ (‪ )87‬فَنَ َظ َر نَ ْظ َر ًة فِي النّجُو مِ (‪َ )88‬فقَا َل ِإنّي سَقِيمٌ (‪ )89‬فََت َولّوْا‬
‫غ ِإلَى آِلهَِتهِ مْ َفقَا َل َألَا َتأْكُلُو نَ (‪ )91‬مَا لَكُ مْ لَا‬
‫عَنْ هُ ُم ْدِبرِي نَ (‪َ )90‬فرَا َ‬
‫ضرْبا بِالْيَمِيِ (‪َ )93‬فَأقْبَلُوا ِإلَيْ ِه َي ِزفّو نَ (‪)94‬‬
‫تَن ِطقُو نَ (‪َ )92‬فرَا غَ عَلَ ْيهِ مْ َ‬
‫قَالَ َأَتعْبُدُو نَ مَا تَنْحِتُو نَ (‪ )95‬وَاللّ ُه خَ َلقَكُ ْم َومَا َتعْمَلُو نَ (‪ )96‬قَالُوا ابْنُوا‬
‫جعَلْنَاهُ مُ اْلأَ سْفَلِيَ (‬
‫لَ ُه بُنْيَانا فََأْلقُو ُه فِي الْجَحِي مِ (‪َ )97‬فأَرَادُوا بِ هِ كَيْدا فَ َ‬
‫حيَ‬
‫ب لِي مِ نَ ال صّالِ ِ‬
‫ب ِإلَى َربّي سََي ْهدِينِ (‪َ )99‬ربّ هَ ْ‬
‫‪َ )98‬وقَا َل ِإنّي ذَاهِ ٌ‬
‫سعْ َي قَا َل يَا بَُنيّ إِنّي‬
‫ش ْرنَا هُ ِبغُلَا مٍ حَلِي مٍ (‪ )101‬فَلَمّا بَلَ َغ َمعَ ُه ال ّ‬
‫(‪ )100‬فََب ّ‬
‫َتـ افْ َع ْل مَا ُتؤْ َمرُ‬
‫ُكـ فَان ُظرْ مَاذَا َترَى قَا َل يَا َأب ِ‬
‫َامـ َأنّيـ َأ ْذبَح َ‬
‫أَرَى فِي الْمَن ِ‬
‫ج ُدنِي إِن شَاء اللّ ُه مِ نَ ال صّابِرِينَ (‪ )102‬فَلَمّ ا أَ سْلَمَا َوتَلّ هُ لِلْجَبِيِ (‬
‫سَتَ ِ‬
‫الزء الثالث‬ ‫‪700‬‬

‫جزِي‬
‫ت ال ّر ْؤيَا ِإنّا َك َذلِ كَ نَ ْ‬
‫ص ّدقْ َ‬
‫‪َ )103‬ونَا َديْنَا ُه أَ ْن يَا ِإْبرَاهِي مُ (‪َ )104‬قدْ َ‬
‫الْمُحْسِنِيَ (‪ )105‬إِنّ هَذَا َلهُ َو الْبَلَاء الْمُِبيُ (‪َ )106‬وفَ َديْنَا ُه بِ ِذبْحٍ عَظِيمٍ (‬
‫ِيمـ (‪)109‬‬
‫سـلَامٌ عَلَى ِإْبرَاه َ‬
‫ِينـ (‪َ )108‬‬
‫ْهـ فِي الْآ ِخر َ‬
‫‪َ )107‬وَترَكْنَا عَلَي ِ‬
‫شرْنَا هُ‬
‫جزِي الْ ُمحْ سِِنيَ (‪ِ )110‬إنّ هُ مِ نْ عِبَادِنَا الْ ُمؤْمِِنيَ (‪َ )111‬وَب ّ‬
‫ك نَ ْ‬
‫َك َذلِ َ‬
‫ق وَمِن‬
‫ِسـحَا َ‬
‫ْهـ وَعَلَى إ ْ‬
‫حيَ (‪َ )112‬وبَارَكْنَا عَلَي ِ‬
‫ّنـ الصـّالِ ِ‬
‫ق نَبِيّا م َ‬
‫ِسـحَا َ‬
‫ِبإ ْ‬
‫سهِ مُبِيٌ (‪. ﴾ )113‬‬
‫سنٌ وَظَاِلمٌ لّنَ ْف ِ‬
‫حِ‬‫ذُ ّريِّتهِمَا مُ ْ‬

‫***‬
‫‪701‬‬ ‫توفيق الرحن ف دروس القرآن‬

‫ض ّل قَبْ َلهُ مْ أَكَْثرُ اْلأَ ّولِيَ (‪ )71‬وََل َقدْ أَرْ سَلْنَا‬


‫قوله عز و جل ‪َ ﴿ :‬ولَ َقدْ َ‬
‫فِيهِم مّنذِرِي نَ (‪ )72‬فَان ُظرْ كَيْ فَ كَا نَ عَاقَِب ُة الْمُنذَرِي نَ (‪ِ )73‬إلّا عِبَا َد اللّ هِ‬
‫صيَ (‪. ﴾ )74‬‬
‫الْمُخْلَ ِ‬
‫قوله تعال ‪ ﴿ :‬وََلقَدْ ضَلّ َقبَْلهُم ْ‬
‫َ أَكْثَرُ الَْأوّلِيََ ﴾ ‪ ،‬أي ‪ :‬مَن المَم‬
‫ِينَ‬
‫َانَ عَاقَِب ُة الْمُنذَر َ‬
‫ْفَ ك َ‬ ‫ِينَ * فَانظُرْ َكي َ‬‫ْسَْلنَا فِيهِم مّنذِر َ‬
‫الاليَة ﴿ وََلقَدْ أَر َ‬
‫خلَصِيَ ﴾ ‪ ،‬قال‬ ‫﴾ الكافرين أي ‪ :‬كان عاقبتهم العذاب ‪ ﴿ ،‬إِلّا ِعبَادَ اللّ ِه الْمُ ْ‬
‫السَدي ‪ :‬الذيَن اسَتخلصهم ال ‪ .‬قال ابَن جريَر ‪ :‬واسَتثن عباد ال مَن‬
‫النذرين لن معن الكلم ‪ :‬فانظر كيف أهلكنا النذرين إل عباد ال الؤمني ‪،‬‬
‫فلذلك حسن استثناؤهم منهم ‪.‬‬
‫ح فَلَِنعْ َم الْمُجِيبُو نَ (‪َ )75‬ونَجّيْنَا هُ‬
‫قوله عز و جل ‪َ ﴿ :‬ولَ َقدْ نَادَانَا نُو ٌ‬
‫ب اْلعَظِي مِ (‪ )76‬وَ َجعَلْنَا ذُ ّريّتَ ُه هُ مْ الْبَاقِيَ (‪ )77‬وََترَكْنَا‬
‫َوَأهْلَ هُ مِ نَ اْلكَرْ ِ‬
‫عَلَيْ هِ فِي الْآ ِخرِي نَ (‪ )78‬سَلَامٌ عَلَى نُو حٍ فِي الْعَالَمِيَ (‪ِ )79‬إنّ ا َك َذلِ كَ‬
‫جزِي الْمُحْ سِِنيَ (‪ِ )80‬إنّ هُ مِ نْ عِبَا ِدنَا الْ ُمؤْمِِنيَ (‪ُ )81‬ثمّ أَ ْغ َرقْنَا الْآ َخرِي نَ‬
‫نَ ْ‬
‫(‪. ﴾ )82‬‬
‫عن قتادة ‪ ﴿ :‬وََلقَ ْد نَادَانَا نُوحٌ فََلِنعْ َم الْمُجِيبُونَ ﴾ قال ‪ :‬أجابه ال ‪ .‬وعن‬
‫ب اْلعَظِي مِ ﴾ قال ‪ :‬من الغرق ‪ .‬و عن‬ ‫جيْنَا ُه َوأَهْلَ ُه مِ َن اْلكَرْ ِ‬
‫ال سدي ‪َ ﴿ :‬ونَ ّ‬
‫السن عن سرة عن النب ف قوله ‪ ﴿ :‬وَ َجعَ ْلنَا ُذ ّريّتَهُ هُ ْم اْلبَاقِيَ ﴾ ‪ ،‬قال ‪:‬‬
‫الزء الثالث‬ ‫‪702‬‬

‫« سام ‪ ،‬وحام ‪ ،‬ويافث » ‪ .‬قال قتادة ‪ :‬فالناس كلهم من ذرية نوح ‪ .‬وعن‬
‫ا بن عباس قوله ‪َ ﴿ :‬وتَرَكْنَا عََليْ هِ فِي الْآخِرِي نَ ﴾ ‪ ،‬يقول ‪ :‬يُذْ َكرُ ب ي ‪﴿ ،‬‬
‫سنِيَ ﴾ ‪.‬‬
‫جزِي الْمُحْ ِ‬
‫ك نَ ْ‬
‫سَلَا ٌم عَلَى نُوحٍ فِي الْعَالَ ِميَ * ِإنّا كَذَلِ َ‬
‫قال مقاتَل ‪ :‬جزاه ال بإحسَانه الثناء السَن فَ العاليَ ‪ .‬وعَن قتادة‬
‫‪ ﴿ :‬ثُمّ َأغْرَقْنَا الْآخَرِي نَ ﴾ ‪ ،‬قال ‪ :‬أناه ال و من م عه ف ال سفينة وأغرق‬
‫بقيّة قومه ‪.‬‬
‫قوله عز و جل ‪َ ﴿ :‬وإِنّ مِن شِيعَتِ هِ َلِإْبرَاهِي مَ (‪ِ )83‬إذْ جَاء َربّ ُه ِبقَلْ بٍ‬
‫سَلِيمٍ (‪ِ )84‬إذْ قَالَ ِلَأبِي ِه َوقَ ْومِ هِ مَاذَا َتعُْبدُو نَ (‪َ )85‬أِئفْكا آِلهَ ًة دُو نَ اللّ هِ‬
‫ُترِيدُو نَ (‪ )86‬فَمَا ظَنّكُم ِبرَبّ اْلعَالَمِيَ (‪ )87‬فَنَ َظرَ نَ ْظ َرةً فِي النّجُو مِ (‬
‫غ ِإلَى آِلهَِتهِ مْ‬
‫‪َ )88‬فقَا َل ِإنّ ي سَقِيمٌ (‪ )89‬فََتوَّلوْا َعنْ ُه ُمدِْبرِي نَ (‪َ )90‬فرَا َ‬
‫ضرْبا بِالْيَمِيِ‬
‫َفقَا َل َألَا َتأْكُلُونَ (‪ )91‬مَا لَكُ ْم لَا تَن ِطقُونَ (‪َ )92‬فرَاغَ عَلَ ْيهِمْ َ‬
‫ّهـ‬
‫ُونـ (‪ )95‬وَالل ُ‬
‫ُونـ م َا تَنْحِت َ‬
‫ّونـ (‪ )94‬قَالَ َأَتعْبُد َ‬
‫ْهـ َي ِزف َ‬
‫(‪َ )93‬فَأقْبَلُوا ِإلَي ِ‬
‫خَ َلقَكُ مْ وَمَا َتعْمَلُو نَ (‪ )96‬قَالُوا ابْنُوا لَ هُ بُنْيَانا َفَألْقُو ُه فِي الْجَحِي مِ (‪)97‬‬
‫جعَلْنَا ُهمُ اْلَأسْفَلِيَ (‪. ﴾ )98‬‬
‫َفأَرَادُوا بِهِ كَيْدا فَ َ‬
‫عن ا بن عباس ‪ :‬قوله ‪َ ﴿ :‬وإِنّ مِن شِي َعتِ هِ لَِإبْرَاهِي مَ ﴾ ‪ ،‬يقول من أ هل‬
‫دينه ‪ .‬وقال ماهد ‪ :‬على منهاجه وسنّته ‪ .‬وعن قتادة ‪ ﴿ :‬إِذْ جَاء َربّ ُه ِبقَلْ بٍ‬
‫سَلِيمٍ ﴾ والِ من الشرك ‪ ﴿ ،‬إِذْ قَالَ ِلأَبِي ِه وََق ْومِ هِ مَاذَا َت ْعبُدُو نَ * َأِئفْكا آِل َهةً‬
‫دُونَ اللّ ِه تُرِيدُونَ * فَمَا ظَّنكُم بِرَبّ اْلعَالَمِيَ ﴾ ‪ ،‬قال ابن كثي ‪ :‬أنكر عليهم‬
‫‪703‬‬ ‫توفيق الرحن ف دروس القرآن‬

‫عبادة ال صنام والنداد ‪ ،‬ولذا قال ‪َ ﴿ :‬أئِفْكا آِل َهةً دُو نَ اللّ ِه تُرِيدُو نَ * فَمَا‬
‫َظنّكُم بِرَبّ الْعَالَمِيَ ﴾ ‪ ،‬قال قتادة ‪ :‬يع ن ‪ :‬ما ظن كم أ نه فا عل ب كم إذا‬
‫لقيتموه وقد عبدت معه غيه ؟‬
‫وقال البغوي ‪:‬وقوله تعال ‪َ ﴿:‬فنَظَ َر نَظْ َرةً فِي النّجُومِ * َفقَالَ ِإنّي َسقِيمٌ ﴾‬
‫قال ابن عباس ‪ :‬كان قومه يتعاطون علم النجوم فعاملهم من حيث كانوا لئل‬
‫ينكروا عليه ‪ ،‬وذلك أنه أراد أن يكايدهم ف أصنامهم ليلزمهم الجّة ف أنا‬
‫غي معبودة ‪ ،‬وكان لم من الغد عيد وممع ‪ ،‬وكانوا يدخلون على أصنامهم‬
‫ويفرشون لم الفراش ‪ ،‬ويضعون بي أيديهم الطعام قبل خروجهم إل عيدهم‬
‫زعموا ال تبك عل يه ‪ ،‬فإذا ان صرفوا من عيد هم أكلوه ‪ ،‬فقالوا لبراه يم ‪ :‬أل‬
‫ترج غدًا معنا إل عيدنا ؟ فنظر إل النجوم فقال ‪ :‬إن سقيم ‪ .‬قال ابن عباس‬
‫‪ :‬مطعون ‪ ،‬وكانوا يفرّون من الطاعون فرارًا عظيمًا ‪َ ﴿ .‬فَتوَّلوْا َعنْ ُه مُ ْدبِرِي نَ‬
‫﴾ إل عيد هم ‪ ،‬فد خل إبراه يم على ال صنام فك سرها ‪ ،‬ك ما قال ال تعال‬
‫‪ ﴿ :‬فَرَا غَ إِلَى آِل َهِتهِ مْ ﴾ مال إليها ميلة ف خفية فقال استهزاء با ‪ ﴿ :‬أَل‬
‫َتأْكُلُو نَ ﴾ ‪ ،‬يعن ‪ :‬الطعام الذي بي أيديكم ‪ ﴿ ،‬مَا َلكُ ْم ل َتنْ ِطقُو نَ * فَرَا غَ‬
‫ضرْبًا بِالْيَمِيِ ﴾ ‪ ،‬أي ‪ :‬كان يضربمَ بيده اليمنَ لناَ أقوى على‬ ‫ِمَ َ‬
‫عََلْيه ْ‬
‫الع مل من الشمال ‪َ ﴿ ،‬فأَ ْقبَلُوا إَِليْ ِه يَزِفّو نَ ﴾ ي سرعون ‪ ،‬وذلك أن م أ خبوا‬
‫بصنيع إبراهيم بآلتهم فأسرعوا إليه ليأخذوه ‪.‬‬
‫حتُو َن ﴾ بأيديكم ‪.‬‬ ‫قال لم إبراهيم على وجه الجاج ‪َ ﴿ :‬أَت ْعبُدُو َن مَا َتنْ ِ‬
‫الزء الثالث‬ ‫‪704‬‬

‫﴿ وَاللّ هُ خََل َقكُ ْم َومَا َتعْمَلُو نَ ﴾ بأيديكم من ال صنام ‪ ﴿ ،‬قَالُوا اْبنُوا لَ ُه‬
‫ُبْنيَانًا َفأَْلقُو هُ فِي الْجَحِي مِ ﴾ ‪ ،‬قال مقاتل ‪ :‬بنوا له حائطًا من الجر طوله ف‬
‫السَماء ثلثون ذراع ًا ‪ ،‬وعرضَه عشرون ذراع ًا ‪ ،‬وملوه مَن الطَب ‪،‬‬
‫ِهَ َكيْدًا ﴾ شرّا ‪ ،‬وهَو ‪ :‬أن‬ ‫وأوقدوا فيَه النار فطرحوه فيهَا ‪َ ﴿ .‬فأَرَادُوا ب ِ‬
‫جعَ ْلنَاهُمَُ ال سْفَِليَ ﴾ ‪ ،‬أي ‪ :‬القهور ين ح يث سَلّم ال تعال‬ ‫يرقوه ‪َ ﴿ ،‬ف َ‬
‫إبراهيم وردّ كيدهم ‪ .‬انتهى ملخصًا ‪.‬‬
‫وعن أب هريرة أن رسول ال قال ‪ « :‬ل يكذب إبراهيم عليه الصلة‬
‫وال سلم غ ي ثلث كذبات ‪ :‬اثنت ي ف ذات ال تعال قوله ‪ ﴿ :‬إِنّ ي َسقِيمٌ‬
‫﴾ وقوله ‪ ﴿ :‬بَلْ َفعَلَهُ َكبِ ُيهُ ْم هَذَا ﴾ ‪ ،‬وقوله ف سارة ‪ :‬هي أخت » ‪ .‬متفق‬
‫عليه ‪.‬‬
‫ب إِلَى َربّي سََيهْدِينِ (‪َ )99‬ربّ هَ بْ‬
‫قوله عز وجل ‪َ ﴿ :‬وقَالَ ِإنّي ذَاهِ ٌ‬
‫َهـ‬
‫َغـ َمع ُ‬
‫ِيمـ (‪ )101‬فَلَمّاـ بَل َ‬
‫َامـ حَل ٍ‬
‫َاهـ ِبغُل ٍ‬
‫شرْن ُ‬
‫حيَ (‪ )100‬فََب ّ‬
‫ِنـ الصـّالِ ِ‬
‫لِي م َ‬
‫سعْ َي قَا َل يَا بَُنيّ ِإنّي أَرَى فِي الْمَنَا ِم َأنّي َأ ْذبَحُ كَ فَان ُظرْ مَاذَا َترَى قَا َل يَا‬
‫ال ّ‬
‫ج ُدنِي إِن شَاء اللّ ُه مِ نَ ال صّاِبرِينَ (‪ )102‬فَلَمّا أَ سْلَمَا‬
‫ت افْ َع ْل مَا ُت ْؤمَرُ سَتَ ِ‬
‫َأبَ ِ‬
‫ت الرّ ْؤيَا ِإنّا‬
‫صدّقْ َ‬
‫َوتَلّ ُه لِلْجَِبيِ (‪َ )103‬ونَا َديْنَا ُه أَ ْن يَا ِإْبرَاهِي مُ (‪َ )104‬قدْ َ‬
‫ـِنيَ (‪ )105‬إِنّـ َهذَا َل ُهوَ الْبَلَاء الْمُبِيُـ (‪)106‬‬
‫جزِي الْمُحْس ِ‬
‫ـ نَ ْ‬
‫َك َذلِك َ‬
‫َو َفدَيْنَا ُه بِ ِذبْ حٍ َعظِي مٍ (‪َ )107‬وَترَكْنَا عَلَيْ هِ فِي الْآ ِخرِي نَ (‪ )108‬سَلَامٌ عَلَى‬
‫جزِي الْ ُمحْ سِِنيَ (‪ِ )110‬إنّ هُ مِ نْ عِبَادِنَا الْ ُمؤْمِِنيَ‬
‫ك نَ ْ‬
‫ِإْبرَاهِي مَ (‪َ )109‬ك َذلِ َ‬
‫‪705‬‬ ‫توفيق الرحن ف دروس القرآن‬

‫حيَ (‪َ )112‬وبَارَكْنَا عَلَيْ هِ وَعَلَى‬


‫ق نَبِيّا مّ َن ال صّالِ ِ‬
‫شرْنَا هُ ِبإِ سْحَا َ‬
‫(‪َ )111‬وَب ّ‬
‫سهِ مُِبيٌ (‪. ﴾ )113‬‬
‫سنٌ وَظَاِلمٌ لَّن ْف ِ‬
‫حِ‬‫ق َومِن ذُ ّريِّتهِمَا مُ ْ‬
‫ِإسْحَا َ‬
‫قال ابن كثي ‪ :‬يقول تعال م بًا عن خليله إبراهيم عليه الصلة والسلم‬
‫‪ :‬أ نه بعد ما ن صره ال تعال على قو مه وأ يس من إيان م بعد ما شاهدوا من‬
‫اليات العظي مة ‪ ،‬ها جر من ب ي أظهر هم ‪ ﴿ ،‬وَقَالَ ِإنّيَ ذَاهِ بٌ إِلَى َربّيَ‬
‫َسَيهْدِينِ * رَبّ هَ بْ لِي مِ َن ال صّالِحِيَ ﴾ ‪ ،‬يع ن ‪ :‬أولدًا مطيع ي يكونون‬
‫عوضًا من قو مه وعشري ته الذ ين فارق هم ‪ ،‬قال ال تعال ‪َ ﴿ :‬فبَشّ ْرنَا ُه ِبغُلَا مٍ‬
‫ِيمَ ﴾ وهذا الغلم هَو ‪ :‬إسَاعيل عليَه السَلم ‪ ،‬فإنَه أول ولد بُشّر بَه‬ ‫حَل ٍ‬
‫إبراهيم ‪ ،‬وهو أكب من إسحاق ‪ ،‬باتفاق السلمي ‪ ،‬وأهل الكتاب ‪.‬‬
‫سعْيَ ﴾ ل ا ش بّ ح ت بلغ سعيه ‪،‬‬ ‫و عن ا بن عباس ‪ ﴿ :‬فََلمّ ا بَلَ َغ َمعَ ُه ال ّ‬
‫سَعى إبراهيَم ‪ .‬قال الصَمعي ‪ :‬سَألت أبَا عمرو بَن العلء عَن الذبيَح‬
‫إسحاق كان أو إساعيل ؟ فقال ‪ :‬يا أصيمع ‪ ،‬أين ذهب عقلك ؟ مت كان‬
‫إسحاق بكّة ؟ إنا كان إساعيل بكّة ‪ ،‬وهو الذي بن البيت مع أبيه ‪ .‬وقال‬
‫ا بن إ سحاق وغيه ‪ :‬فل ما أُ مر إبراه يم بذلك قال لب نه ‪ :‬يا بنّ خذ ال بل‬
‫والدية ننطلق إل هذا الشعب نتطب ‪ ،‬فلما خل إبراهيم بابنه ف شعب ثبي‬
‫ِنَ‬
‫ّهَ م َ‬ ‫سَتَجِ ُدنِي إِن شَاء الل ُ‬
‫َتَ ا ْفعَ ْل م َا ُت ْؤمَ ُر َ‬
‫أخَبه باَ أُمَر ﴿ قَا َل ي َا َأب ِ‬
‫الصّابِرِينَ ﴾ ‪.‬‬
‫﴿ فََلمّا أَسْلَمَا ﴾ انقاد وخضعا لمر ال تعال ‪ .‬قال قتادة ‪ :‬أسلم إبراهيم‬
‫جبِيِ ﴾ ‪ ،‬قال ابن عباس ‪ :‬أضجعه على‬ ‫ابنه وأسلم البن نفسه ‪َ ﴿ ،‬وتَلّ هُ ِللْ َ‬
‫الزء الثالث‬ ‫‪706‬‬

‫جبِيِ ﴾ ‪ ،‬أي ‪ :‬وكبّه ِلفِيه وأخذ‬ ‫جبينه على الرض ‪ .‬وعن قتادة ‪َ ﴿ :‬وتَلّهُ لِ ْل َ‬
‫صدّ ْقتَ ال ّر ْؤيَا ﴾ حت بلغ ‪ ﴿ :‬وَفَ َدْينَاهُ‬ ‫الشفرة ﴿ َونَا َدْينَاهُ أَنْ يَا ِإبْرَاهِيمُ * قَدْ َ‬
‫بِ ِذبْ ٍح عَظِيمٍ ﴾ ‪.‬‬
‫سنِيَ ﴾ ‪ ،‬قال ابن كثي ‪ :‬أي ‪:‬‬
‫جزِي الْمُحْ ِ‬ ‫وقوله تعال ‪ِ ﴿ :‬إنّا كَذَلِ َ‬
‫ك نَ ْ‬
‫هكذا ن صرف ع من أطاع نا الكاره والشدائد ‪ ،‬ون عل ل م من أمر هم فرجًا‬
‫الليَ‬
‫ّ‬ ‫ومرج ًا ‪ ﴿ ،‬إِن ّ هَذَا َل ُه َو اْلبَلَاء الْ ُمبِي ُ ﴾ ‪ ،‬أي ‪ :‬الختبار الواضَح‬
‫حيث أمر بذبح ولده فسارع إل ذلك ‪.‬‬
‫وقوله تعال ‪ ﴿ :‬وَفَ َدْينَا هُ بِ ِذبْ ٍح عَظِي مٍ ﴾ ‪ ،‬قال ماهد ‪ :‬سّاه عظيمًا لنه‬
‫متقبّل ‪ .‬قال ابن عباس ‪ :‬الكبش الذي ذبه إبراهيم هو الذي قرّبه ابن آدم ‪.‬‬
‫وقال ابن زيد ف قوله ‪َ ﴿ :‬وتَرَ ْكنَا عََليْ هِ فِي الْآ ِخرِي نَ ﴾ ‪ ،‬قال ‪ :‬سأل إبراهيم‬
‫ِينَ ﴾ ‪ ،‬قال ‪ :‬فترك ال عليَه‬ ‫صَْدقٍ فِي الْآخِر َ‬
‫فقال ‪ ﴿ :‬وَاجْعَل لّي لِسََانَ ِ‬
‫الثناء ال سن ف الخِر ين ‪ ،‬ك ما ترك الل سان ال سوء على فرعون وأشبا هه ‪،‬‬
‫كذلك ترك اللسان الصدق والثناء الصال على هؤلء ‪.‬‬
‫ِنَ عِبَادِن َا‬
‫ّهَ م ْ‬ ‫ْسَنِيَ * ِإن ُ‬
‫ِكَ َنجْزِي الْ ُمح ِ‬
‫ِيمَ * كَذَل َ‬
‫سَلَا ٌم عَلَى ِإبْرَاه َ‬
‫﴿ َ‬
‫ق َنبِيّا مّنََ الصَّالِحِيَ ﴾ ‪ .‬قال ابَن كثيَ ‪ :‬لاَ‬ ‫الْ ُم ْؤ ِمنِيَ * َوبَشّ ْرنَاهَُبِإِس َْحَا َ‬
‫تقدّمت البشارة بالذبيح وهو ‪ :‬إساعيل ‪ .‬عطف بذكر البشارة بأخيه إسحاق‬
‫‪ ،‬وقَد ذكرت فَ سَورت هود ‪ ،‬والجَر ‪ .‬وقوله تعال ‪َ ﴿ :‬وبَارَكْنَا عََليْهَِ‬
‫ق وَمِن ذُ ّرّيِتهِمَا ُمحْ سِنٌ وَظَالِ مٌ ّلَنفْ سِ ِه ُمبِيٌ ﴾ ‪ ،‬كقوله تعال‬ ‫َوعَلَى إِ سْحَا َ‬
‫‪707‬‬ ‫توفيق الرحن ف دروس القرآن‬

‫ك َوعَلَى ُأمَمٍ مّمّن ّمعَكَ َوأُمَمٌ‬


‫ت عََليْ َ‬
‫ل ٍم ّمنّا َوبَركَا ٍ‬
‫ط بِسَ َ‬
‫‪ ﴿ :‬قِي َل يَا نُو حُ ا ْهبِ ْ‬
‫سهُم ّمنّا عَذَابٌ أَلِيمٌ ﴾ ‪.‬‬ ‫َسنُ َمّت ُعهُ ْم ثُ ّم يَمَ ّ‬
‫الزء الثالث‬ ‫‪708‬‬

‫الدرس الامس والثلثون بعد الائتي‬

‫ِنـ‬
‫ُونـ (‪َ )114‬ونَجّيْنَاهُمَا َو َقوْ َمهُمَا م َ‬
‫﴿ َولَ َق ْد مَنَنّاـ عَلَى مُوسـَى وَهَار َ‬
‫صرْنَاهُ ْم َفكَانُوا هُ مُ اْلغَالِبِيَ (‪ )116‬وَآتَيْنَاهُمَا‬
‫اْلكَرْ بِ اْلعَظِي مِ (‪َ )115‬ونَ َ‬
‫ط الْمُ سَْتقِيمَ (‪َ )118‬وَترَكْنَا‬
‫صرَا َ‬
‫ب الْمُ سْتَِبيَ (‪َ )117‬و َهدَيْنَاهُمَا ال ّ‬
‫اْلكِتَا َ‬
‫عَلَ ْيهِمَا فِي الْآ ِخرِي نَ (‪ )119‬سَلَامٌ عَلَى مُو سَى وَهَارُو نَ (‪ِ )120‬إنّا َك َذلِ كَ‬
‫جزِي الْمُحْ سِِنيَ (‪ِ )121‬إّنهُمَا مِ نْ عِبَادِنَا الْ ُم ْؤمِنِيَ (‪ )122‬وَإِنّ ِإلْيَا سَ‬
‫نَ ْ‬
‫ُونـ َبعْلً‬
‫ُونـ (‪َ )124‬أَتدْع َ‬
‫ِهـ أَلَا تَّتق َ‬
‫ْسـِليَ (‪ِ )123‬إ ْذ قَا َل ِلقَ ْوم ِ‬
‫ِنـ الْ ُمر َ‬
‫لَم ْ‬
‫َوَتذَرُو َن َأحْ سَ َن الْخَالِقِيَ (‪ )125‬اللّ هَ َرّبكُ ْم وَ َربّ آبَاِئكُ ُم الَْأ ّولِيَ (‪)126‬‬
‫صيَ (‪ )128‬وََترَكْنَا‬
‫ضرُونَ (‪ِ )127‬إلّا عِبَا َد اللّ ِه الْمُخْلَ ِ‬
‫َف َكذّبُوهُ َفِإّنهُ ْم لَمُحْ َ‬
‫جزِي‬
‫ك نَ ْ‬
‫عَلَيْ ِه فِي الْآ ِخرِي نَ (‪ )129‬سَلَامٌ عَلَى ِإلْ يَا سِيَ (‪ِ )130‬إنّا َك َذلِ َ‬
‫ِنـ‬
‫ِنـ عِبَادِن َا الْ ُم ْؤمِنِي َ (‪َ )132‬وإِن ّ لُوطا لّم َ‬
‫ّهـ م ْ‬
‫ْسـِنيَ (‪ِ )131‬إن ُ‬
‫الْمُح ِ‬
‫الْ ُمرْسَلِيَ (‪ِ )133‬إذْ نَجّيْنَا ُه َوأَهْلَ ُه أَجْ َمعِيَ (‪ِ )134‬إلّا َعجُوزا فِي اْلغَاِبرِينَ‬
‫ّصـبِحِيَ (‬
‫ّونـ عَلَيْهِم م ْ‬
‫ُمـ لَتَ ُمر َ‬
‫ِينـ (‪ )136‬وَِإّنك ْ‬
‫(‪ )135‬ثُمّ َدمّرْنَا الْآ َخر َ‬
‫س لَمِ َن الْ ُمرْ سَلِيَ (‪ِ )139‬إذْ‬
‫‪َ )137‬وبِاللّ ْي ِل َأفَلَا َت ْعقِلُو نَ (‪َ )138‬وإِنّ يُونُ َ‬
‫ك الْ َمشْحُو نِ (‪ )140‬فَ سَا َهمَ َفكَا َن مِ ْن الْ ُمدْحَضِيَ (‪)141‬‬
‫َأبَ َق ِإلَى الْفُلْ ِ‬
‫حيَ (‪)143‬‬
‫ت َوهُ َو مُلِي مٌ (‪ )142‬فَ َلوْلَا أَنّ هُ كَا َن مِ ْن الْمُ سَبّ ِ‬
‫فَالَْتقَمَ هُ الْحُو ُ‬
‫ث فِي بَطْنِ هِ ِإلَى َيوْ ِم يُ ْبعَثُو نَ (‪ )144‬فَنََب ْذنَا هُ بِالْ َعرَاء وَ ُهوَ سَقِيمٌ (‪)145‬‬
‫لَلَبِ َ‬
‫‪709‬‬ ‫توفيق الرحن ف دروس القرآن‬

‫ج َر ًة مّن يَقْ ِطيٍ (‪ )146‬وَأَرْ سَلْنَاهُ ِإلَى مَِئ ِة َألْ فٍ َأ ْو َيزِيدُو نَ (‬


‫َوأَنبَتْنَا َعلَيْ هِ شَ َ‬
‫‪ )147‬فَآمَنُوا فَمَّتعْنَا ُه ْم إِلَى حِيٍ (‪. ﴾ )148‬‬

‫***‬
‫الزء الثالث‬ ‫‪710‬‬

‫قوله عز وجل ‪َ ﴿ :‬ولَ َقدْ مَنَنّا عَلَى مُو سَى َوهَارُو نَ (‪َ )114‬ونَجّيْنَاهُمَا‬
‫ص ْرنَا ُهمْ َفكَانُوا ُهمُ اْلغَالِبِيَ (‪)116‬‬
‫ب الْعَظِيمِ (‪َ )115‬ونَ َ‬
‫َو َقوْ َمهُمَا ِمنَ الْ َكرْ ِ‬
‫ط الْمُسَْتقِيمَ (‪)118‬‬
‫صرَا َ‬
‫وَآتَيْنَاهُمَا الْكِتَابَ الْمُسْتَبِيَ (‪َ )117‬و َهدَيْنَاهُمَا ال ّ‬
‫َوَترَكْنَا عَلَ ْيهِمَا فِي الْآ ِخرِي نَ (‪ )119‬سَلَامٌ عَلَى مُو سَى َوهَارُو نَ (‪ِ )120‬إنّا‬
‫حسِِنيَ (‪ِ )121‬إنّهُمَا ِمنْ عِبَادِنَا الْ ُم ْؤمِنِيَ (‪. ﴾ )122‬‬
‫جزِي الْمُ ْ‬
‫َك َذِلكَ نَ ْ‬
‫ب اْلعَظِي مِ ﴾ أي ‪ :‬من آل‬ ‫جْينَاهُمَا وََق ْو َمهُمَا مِ َن اْلكَرْ ِ‬
‫وعن قتادة ‪َ ﴿ :‬ونَ ّ‬
‫سَتبِيَ ﴾ ‪ :‬التوراة ‪َ ﴿ ،‬وهَ َدْينَاهُمَا ال صّرَاطَ‬ ‫ب الْمُ ْ‬‫فرعون ‪ ﴿ ،‬وَآَتيْنَاهُمَا اْلكِتَا َ‬
‫سَتقِيمَ ﴾ ‪ :‬السلم ‪.‬‬ ‫الْمُ ْ‬
‫قوله عز وجل ‪َ ﴿ :‬وإِنّ ِإلْيَاسَ لَمِ ْن الْ ُمرْسَلِيَ (‪ِ )123‬إذْ قَالَ ِل َقوْمِ ِه َألَا‬
‫سنَ الْخَاِلقِيَ (‪ )125‬اللّ هَ َرّبكُ مْ‬
‫ل وََتذَرُو َن أَحْ َ‬
‫تَّتقُو نَ (‪َ )124‬أتَدْعُو َن َبعْ ً‬
‫ضرُو نَ (‪ِ )127‬إلّا عِبَادَ‬
‫وَرَبّ آبَاِئكُ مُ اْلأَ ّولِيَ (‪ )126‬فَ َك ّذبُو ُه َفإِّنهُ مْ لَ ُمحْ َ‬
‫خلَ صِيَ (‪َ )128‬وَترَكْنَا عَلَيْ هِ فِي الْآ ِخرِي نَ (‪ )129‬سَلَامٌ عَلَى ِإلْ‬
‫اللّ هِ الْمُ ْ‬
‫ِنـ عِبَادِن َا‬
‫ّهـ م ْ‬
‫ْسـِنيَ (‪ِ )131‬إن ُ‬
‫جزِي الْمُح ِ‬
‫ِكـ نَ ْ‬
‫َاسـيَ (‪ِ )130‬إنّاـ َك َذل َ‬
‫ي ِ‬
‫الْ ُم ْؤمِنِيَ (‪. ﴾ )132‬‬
‫عن ما هد ف قوله ‪َ ﴿ :‬أتَ ْدعُو َن َب ْعلً ﴾ ‪ ،‬قال ‪ :‬ربّ ا ‪ .‬وقال ا بن ز يد ‪:‬‬
‫ب عل صنم كانوا يعبدو نه ‪ ،‬كانوا ببعل بك و هم وراء دم شق وكان ب ا الب عل‬
‫الذي كانوا يعبدون ‪ .‬وقال ا بن إ سحاق عن و هب بن من به ‪ :‬أن ال ق بض‬
‫‪711‬‬ ‫توفيق الرحن ف دروس القرآن‬

‫حِزْق يل ‪ ،‬وعظ مت ف ب ن إ سرائيل أحداث ‪ ،‬ونُ سوا ما كان من ع هد ال‬


‫إلي هم ‪ ،‬ح ت ن صبوا الوثان وعبدو ها دون ال ‪ ،‬فب عث ال إلي هم إلياس بن‬
‫ياسي بن فنحاص بن العيزار بن هارون بن عمران نبيّا ‪ .‬وإنا كانت النبياء‬
‫من بن إسرائيل بعد موسى يُبعثون إليهم بتجديد ما نُسوا من التوراة ‪ ،‬فكان‬
‫إلياس مع ملك من ملوك بن إسرائيل ‪ ،‬يقال له ‪ :‬أحاب ‪ ،‬وكان اسم امرأته‬
‫‪ :‬أربل ‪ ،‬وكان يسمع منه ويصدّقه ‪ ،‬وكان إلياس يقيم له أمره ‪ ،‬وكان سائر‬
‫ب ن إ سرائيل قد اتذوا صنمًا يعبدو نه من دون ال يقال له ‪ :‬ب عل ‪ .‬قال ا بن‬
‫إسحاق ‪ :‬وقد سعت بعض أهل العلم يقول ‪ :‬ما كان بعل إل امرأة يعبدونا‬
‫من دون ال ‪.‬‬
‫ِهَ أَل‬
‫ْسَِليَ * إِذْ قَالَ ِل َق ْوم ِ‬
‫ِنَ الْ ُمر َ‬ ‫يقول ال لحمـد ‪َ ﴿ :‬وإِنّ إِْلي َ‬
‫َاسَ لَم َ‬
‫َتّتقُو نَ * أَتَ ْدعُو َن َبعْل َوتَذَرُو نَ أَحْ سَ َن الْخَاِلقِيَ * اللّ هَ َرّبكُ ْم وَرَبّ آبَاِئكُ مُ‬
‫الوّلِيَ ﴾ فجعل إلياس يدعوهم إل ال ‪ ،‬وجعلوا ل يسمعون منه شيئًا إل ما‬
‫كان من ذلك اللك ‪ ،‬واللوك متفرّقة بالشام ‪ ،‬كل ملك له ناحية منها يأكلها‬
‫‪ ،‬فقال ذلك اللك ‪ -‬الذي كان إلياس م عه يقوّم له أمره ويراه على هدى من‬
‫بي أصحابه ‪ -‬يومًا ‪ :‬يا إلياس ‪ ،‬وال ما أرى ما تدعو إليه إل باطلً ‪ ،‬وال‬
‫ما أرى فلنًا وفلنًا ب عد ‪ ،‬وملوكًا من ملوك ب ن إ سرائيل قد عبدوا الوثان‬
‫مَن دون ال ‪ ،‬إل على مثَل مَا ننَ عليَه ‪ ،‬يأكلون ‪ ،‬ويشربون ‪ ،‬وينعمون‬
‫ملكي ما ينقص دنياهم أمرهم الذي تزعم أنه باطل ‪ ،‬وما نرى لنا عليهم من‬
‫فضل ‪ ،‬فيزعمون ‪ -‬وال أعلم ‪ -‬أن إلياس استرجع ‪ ،‬وقام شعر رأسه وجلده‬
‫الزء الثالث‬ ‫‪712‬‬

‫‪ ،‬ثَ رفضَه وخرج عنَه ‪ ،‬ففعَل ذلك اللك فعَل أصَحابه ‪ ،‬عبَد الوثان ‪،‬‬
‫وصنع ما يصنعون ‪ ،‬فقال إلياس ‪ :‬الله ّم إن بن إسرائيل قد أبوا إل أن يكفروا‬
‫بك ‪ ،‬والعبادة لغيك ‪ ،‬فغيّر ما بم من نعمتك ‪ ،‬أو كما قال ‪.‬‬
‫َصَيَ‬
‫ّهَ الْ ُمخْل ِ‬
‫ُونَ * إِلّا ِعبَادَ الل ِ‬
‫حضَر َ‬
‫ُمََلمُ ْ‬ ‫وقوله تعال ‪َ ﴿ :‬فكَ ّذب ُ‬
‫ُوهَ فَِإّنه ْ‬
‫﴾ ‪ ،‬قال ابَن جريَر يقول ‪ :‬فإنمَ لحضرون فَ عذاب ال فيشهدونَه ‪ ،‬إل‬
‫عباد ال الذ ين أخل صهم من العذاب ‪َ ﴿ ،‬وتَرَكْنَا عََليْ هِ فِي الْآخِرِي نَ ﴾ ‪،‬‬
‫يقول ‪ :‬وأبقينا عليه الثناء السن ف الخرين من المم بعده ‪ .‬وعن السدي ‪:‬‬
‫﴿ سَلَا ٌم عَلَى إِ ْل يَاسِيَ ﴾ قال ‪ :‬إلياس ‪.‬‬
‫قوله عز وجل ‪َ ﴿ :‬وإِنّ لُوطا لّمِ نَ الْ ُمرْ سَلِيَ (‪ِ )133‬إذْ نَجّيْنَا ُه َوأَهْلَ هُ‬
‫ِينـ (‬
‫ِينـ (‪ )135‬ثُمّ َدمّرْنَا الْآ َخر َ‬
‫َأجْ َمعِيَ (‪ِ )134‬إلّا عَجُوزا فِي الْغَابِر َ‬
‫ُونـ (‬
‫حيَ (‪ )137‬وَبِاللّ ْيلِ َأفَلَا تَ ْعقِل َ‬
‫ّصـبِ ِ‬
‫ّونـ عَ َليْه ِم م ْ‬
‫ُمـ لَتَ ُمر َ‬
‫‪َ )136‬وِإنّك ْ‬
‫‪. )138‬‬
‫َحِيَ ﴾ ‪ ،‬قال ‪ :‬نعَم وال ‪،‬‬
‫عَن قتادة ‪َ ﴿ :‬وِإّنكُم ََْلتَمُرّونََ عََليْهِم مّص ْبِ‬
‫صباح ومساء يطؤونا وطأ ‪ .‬من أخذ من الدينة إل الشام ‪ ،‬أخذ على سدوم‬
‫قرية قوم لوط ‪.‬‬
‫وقال ابـن زيـد فـ قوله ‪ ﴿ :‬أَفَلَا َت ْعقِل َ‬
‫ُونَ ﴾ ‪ ،‬قال ‪ :‬أفل تفتكرون مَا‬
‫أصابم ف معاصي ال أن يصيبكم ما أصابم ؟ ‪.‬‬
‫‪713‬‬ ‫توفيق الرحن ف دروس القرآن‬

‫َقـ ِإلَى‬
‫ْسـلِيَ (‪ِ )139‬إذْ َأب َ‬
‫ِنـ الْ ُمر َ‬
‫ُسـ لَم َ‬
‫قوله عـز وجـل ‪َ ﴿ :‬وإِنّ يُون َ‬
‫اْلفُلْ كِ الْ َمشْحُو نِ (‪ )140‬فَ سَا َهمَ َفكَا َن مِ ْن الْ ُمدْحَضِيَ (‪ )141‬فَالَْتقَمَ هُ‬
‫ث فِي‬
‫حيَ (‪ )143‬لَلَبِ َ‬
‫ت وَ ُهوَ مُلِي مٌ (‪ )142‬فَ َلوْلَا أَنّ هُ كَا َن مِ ْن الْمُ سَبّ ِ‬
‫الْحُو ُ‬
‫بَطْنِ هِ ِإلَى َيوْ مِ يُبْعَثُو نَ (‪ )144‬فَنََب ْذنَا ُه بِاْل َعرَاء َوهُوَ سَقِيمٌ (‪ )145‬وَأَنبَتْنَا‬
‫ف َأوْ َيزِيدُو نَ (‪)147‬‬
‫ج َر ًة مّن يَقْ ِطيٍ (‪َ )146‬وأَرْ سَلْنَاهُ ِإلَى مَِئ ِة َألْ ٍ‬
‫عَلَيْ ِه شَ َ‬
‫فَآمَنُوا فَمَّتعْنَا ُه ْم إِلَى حِيٍ (‪. ﴾ )148‬‬
‫ك الْمَشْحُو نِ ﴾ ك نا ندث أ نه ‪ :‬الو قر‬
‫عن قتادة ف قوله ‪ ﴿ :‬إِلَى الْفُلْ ِ‬
‫‪ ﴿ .‬فَ سَاهَمَ َفكَا َن مِ ْن الْمُ ْد َحضِيَ ﴾ ‪ ،‬قال ‪ :‬فاحتبست السفينة فعلم القوم‬
‫أناَ احتبسَت مَن حدث أحدثوه ‪ ،‬فتسَاهوا فقرع يونَس فرمَي بنفسَه ‪،‬‬
‫ت َوهُ َو مُلِي مٌ ﴾ أي ‪ :‬ف ضعة ‪ .‬قال ابن زيد ‪ :‬والليم ‪:‬‬ ‫﴿ فَاْلَتقَمَ ُه الْحُو ُ‬
‫الذنب ‪.‬‬
‫وعن ابن عباس قوله‪َ ﴿ :‬فكَا َن مِ ْن الْمُدْ َحضِيَ ﴾ يقول ‪ :‬من القروعي ‪.‬‬
‫ْسَلِيَ ﴾ ‪ ،‬أي ‪ :‬مَن‬
‫ِنَ الْمُر َ‬
‫ُسَلَم َ‬
‫وقال البغوي ‪ :‬وقوله تعال ‪َ ﴿ :‬وإِنّ يُون َ‬
‫ك الْمَشْحُو نِ ﴾ ‪ ،‬يعن ‪ :‬هرب ‪ .‬قال ابن‬ ‫جلة رسل ال ‪ ﴿ ،‬إِذْ َأبَ قَ إِلَى اْلفُلْ ِ‬
‫عباس ‪ ،‬ووهب ‪ :‬كان يونس وعد قومه العذاب ‪ ،‬فلما تأخر عنهم العذاب‬
‫خرج كالتواري منهم ‪ ،‬فقصد البحر فركب السفينة ‪ ،‬فاحتبست السفينة ‪.‬‬
‫فقال اللحون ‪ :‬ها هنا عبد أبق من سيده ‪ ،‬فاقترعوا ثلثًا ‪ ،‬فوقعت القرعة‬
‫على يونس ‪ ،‬فقال يونس ‪ :‬أنا البق ‪ ،‬وزج نفسه ف الاء ‪.‬‬
‫الزء الثالث‬ ‫‪714‬‬

‫وقال ابن كثي ‪ ﴿ :‬فَسَاهَمَ ﴾ أي ‪ :‬قارع ﴿ َفكَا َن مِ َن الْ ُمدْ َحضِيَ ﴾ ‪،‬‬
‫أي ‪ :‬الغلوبيَ ‪ .‬وذلك أن السَفينة تََلعّبَت باَ المواج مَن كَل جانَب ‪،‬‬
‫وأشرفوا على الغرق ‪ ،‬ف ساهوا على من ت قع عل يه القر عة يل قى ف الب حر ‪،‬‬
‫لتخف بم السفينة ‪ ،‬فوقعت القرعة على نب ال يونس عليه الصلة والسلم‬
‫ثلث مرات ‪ ،‬و هم يضنون به أن يل قى من بين هم ‪ ،‬فتجرد من ثيا به ليل قي‬
‫نفسه وهم يأبون عليه ذلك ‪ .‬وأمر ال تعال حوتا من البحر الخضر أن يشق‬
‫البحار ‪ ،‬وأن يلتقَم يونَس عليَه السَلم ‪ ،‬فل َيهْشِ مُ له لمًا ول يك سر له‬
‫عظمًا ‪ ،‬فجاء ذلك الوت وأل قى يو نس نف سه ‪ ،‬فالتق مه الوت وذ هب به‬
‫فطاف به البحار كلّها ‪ ،‬ول ا ا ستق ّر يو نس ف ب طن الوت ‪ ،‬ح سب أنه قد‬
‫مات ث حرّك رأ سه ورجل يه وأطرا فه فإذا هو ح يّ ‪ ،‬فقام ف صلّى ف ب طن‬
‫الوت ‪ ،‬وكان من جلة دعائه ‪ :‬يا ر بّ اتذت لك م سجدًا ف مو ضع ل‬
‫حيَ ﴾ كان‬ ‫سبّ ِ‬
‫يبلغه أحد من الناس ‪ .‬وعن قتادة ‪ ﴿ :‬فََلوْلَا َأنّ هُ كَا َن مِ ْن الْمُ َ‬
‫كثي الصلة ف الرخاء فنجّاه ال بذلك ‪ .‬قال ‪ :‬وقد كان يقال ف الكمة ‪:‬‬
‫ع وُجِ َد ُمّتكِأً ‪ .‬وعن أنس‬ ‫ص ِر َ‬
‫أن العمل الصال يرفع صاحبه إذا ما َعثَرَ ‪ ،‬فإذا ُ‬
‫مرفوعًا ‪ « :‬أن يونس النبّ حي بدا له أن يدعو ال بالكلمات حي ناداه وهو‬
‫ف بطن الوت فقال ‪ :‬اللهم ل إله إل أنت سبحانك إن كنت من الظالي ‪،‬‬
‫ب هذا صوت ضع يف‬ ‫فأقبلت الدعوة ت ت العرش ‪ ،‬فقالت اللئ كة ‪ :‬يا ر ّ‬
‫معروف ف بلد غريبة ‪ ،‬قال ‪ :‬أما تعرفون ذلك ؟ قالوا ‪ :‬يا رب ومن هو ؟‬
‫قال ‪ :‬ذلك عبدي يونَس ‪ .‬قالوا ‪ :‬عبدك يونَس الذي ل يزل يُرفَع له عمَل‬
‫‪715‬‬ ‫توفيق الرحن ف دروس القرآن‬

‫متقبّل ودعوة مستجابة ! قالوا ‪ :‬يا رب أو ل يُرحم با كان يصنع ف الرخاء‬


‫فتنج يه من البلء ؟ ! قال ‪ :‬بلى ‪ .‬فأ مر الوت فطر حه بالعراء » ‪ .‬رواه ا بن‬
‫جرير ‪.‬‬
‫وعن قتادة ‪ :‬قوله ‪َ ﴿ :‬لَلبِثَ فِي بَ ْطنِهِ إِلَى َيوْ ِم ُيبْ َعثُونَ ﴾ لصار له بطن الوت‬
‫قبًا إل يوم القيامة ‪َ ﴿ .‬فَنبَ ْذنَا هُ بِاْلعَرَاء ﴾ ‪ ،‬قال ‪ :‬بأرض ليس فيها شيء ول‬
‫نبات ‪ .‬و عن ا بن عباس قال ‪ :‬خرج به ‪ -‬يع ن ‪ :‬الوت ‪ -‬ح ت لف ظه ف‬
‫ب النغوس ل ينقص من خلقه شيء ‪ .‬وعن‬ ‫ساحل البحر ‪ ،‬فطرحه مثل الص ّ‬
‫ب ‪ .‬وعَن سَعيد بَن جَبي فَ قوله‬ ‫السَدي ‪َ ﴿ :‬وهُ َو سََقِيمٌ ﴾ كهيئة الصَ ّ‬
‫ج َرةً مّ ن َيقْطِيٍ ﴾ ‪ ،‬قال ‪ :‬كل ش يء ين بت على و جه‬ ‫‪َ ﴿ :‬وأَنَبتْنَا عََليْ ِه شَ َ‬
‫الرض ل يس له ساق ‪ .‬قال قتادة ‪ :‬ك نا ندّث أن ا الدبّاء ‪ -‬هذا القرع الذي‬
‫رأي تم ‪ -‬أنبت ها ال عليه يأ كل منها ‪ .‬وعن ابن عباس ف قوله ‪َ ﴿ :‬وأَرْ سَ ْلنَاهُ‬
‫إِلَى مَِئةِ أَلْفٍ َأ ْو يَزِيدُونَ ﴾ ‪ ،‬قال ‪ :‬بل يزيدون ‪ ،‬كانوا مائة ألف وثلثي ألفًا‬
‫‪ .‬قال قتادة ‪ :‬أرسل إل أهل نينوى من أهل الوصل قال ‪ :‬قال السن ‪ :‬بعثه‬
‫ال قبل أن يصيبه ما أصابه ﴿ فَآ َمنُوا َف َمّتعْنَاهُمْ إِلَى ِحيٍ ﴾ ‪ :‬الوت ‪.‬‬

‫***‬
‫الزء الثالث‬ ‫‪716‬‬

‫الدرس السادس والثلثون بعد الائتي‬

‫ت َولَهُ ُم الْبَنُونَ (‪ )149‬أَ ْم خَ َلقْنَا الْمَلَائِ َكةَ ِإنَاثا‬


‫﴿ فَاسَْتفْتِ ِه ْم َألِ َربّكَ الْبَنَا ُ‬
‫َوهُمْ شَا ِهدُونَ (‪َ )150‬ألَا ِإّنهُم مّ ْن ِإفْ ِكهِ ْم لََيقُولُونَ (‪ )151‬وََل َد اللّ ُه َوإِّنهُمْ‬
‫ْفـ‬
‫ُمـ كَي َ‬
‫َاتـ عَلَى الْبَنِي َ (‪ )153‬م َا لَك ْ‬
‫َصـ َطفَى الْبَن ِ‬
‫ُونـ (‪ )152‬أ ْ‬
‫َلكَا ِذب َ‬
‫حكُمُونَ (‪َ )154‬أفَلَا َتذَ ّكرُونَ (‪ )155‬أَ ْم َلكُمْ سُلْطَانٌ مِّبيٌ (‪َ )156‬ف ْأتُوا‬
‫تَ ْ‬
‫ِبكِتَاِبكُم ْـ إِن كُنتُم ْـ صـَا ِدقِيَ (‪ )157‬وَ َجعَلُوا بَيْنَهُـ َوبَيْنَـ الْجِّن ِة نَسـَبا وََل َقدْ‬
‫صفُونَ (‪)159‬‬
‫ضرُو نَ (‪ )158‬سُبْحَا َن اللّ هِ عَمّا يَ ِ‬
‫ت الْجِّنةُ ِإّنهُ ْم لَمُحْ َ‬
‫عَلِمَ ِ‬
‫ِإلّا عِبَادَ اللّ ِه الْمُخْلَ صِيَ (‪َ )160‬فإِّنكُ مْ وَمَا َتعُْبدُو نَ (‪ )161‬مَا أَنتُ مْ عَلَيْ هِ‬
‫ِبفَاتِنِيَ (‪ِ )162‬إلّا مَنْ ُهوَ صَالِ الْجَحِيمِ (‪َ )163‬ومَا مِنّا ِإلّا لَهُ َمقَا ٌم ّمعْلُومٌ‬
‫(‪َ )164‬وِإنّا لَنَحْ ُن ال صّافّونَ (‪َ )165‬وِإنّا لَنَحْ ُن الْمُ سَبّحُونَ (‪ )166‬وَإِ نْ‬
‫كَانُوا لََيقُولُو نَ (‪ )167‬لَ ْو أَنّ عِندَنَا ذِكْرا مّ ْن الَْأ ّولِيَ (‪ )168‬لَكُنّ ا عِبَادَ‬
‫ف َيعْلَمُو نَ (‪ )170‬وََل َقدْ سََبقَتْ‬
‫خلَ صِيَ (‪َ )169‬ف َكفَرُوا بِ ِه فَ سَوْ َ‬
‫اللّ هِ الْمُ ْ‬
‫كَ ِلمَتُنَا ِلعِبَا ِدنَا الْ ُمرْسَلِيَ (‪ِ )171‬إنّهُمْ لَهُ ُم الْمَنصُورُونَ (‪ )172‬وَإِنّ جُن َدنَا‬
‫سوْفَ‬
‫َلهُ مُ اْلغَالِبُو نَ (‪ )173‬فََتوَلّ عَ ْنهُ ْم حَتّ ى حِيٍ (‪َ )174‬وَأبْ صِ ْر ُهمْ فَ َ‬
‫صرُونَ (‪َ )175‬أفَِب َعذَابِنَا يَ سَْتعْجِلُونَ (‪َ )176‬فإِذَا َنزَ َل بِ سَاحَِتهِ ْم فَ سَاء‬
‫يُبْ ِ‬
‫ح الْمُنذَرِي نَ (‪ )177‬وََت َولّ َع ْنهُ مْ حَتّ ى حِيٍ (‪ )178‬وََأبْ صِ ْر فَ سَوْفَ‬
‫صَبَا ُ‬
‫صفُونَ (‪ )180‬وَسَلَامٌ عَلَى‬
‫صرُونَ (‪ )179‬سُبْحَانَ َرّبكَ َربّ اْل ِعزّةِ َعمّا يَ ِ‬
‫يُبْ ِ‬
‫الْ ُم ْرسَلِيَ (‪ )181‬وَالْحَ ْم ُد لِ ّلهِ َربّ اْلعَالَ ِميَ (‪. ﴾ )182‬‬
‫‪717‬‬ ‫توفيق الرحن ف دروس القرآن‬

‫***‬
‫الزء الثالث‬ ‫‪718‬‬

‫قوله عز و جل ‪ ﴿ :‬فَا سَْتفِْتهِ ْم َأِلرَبّ كَ الْبَنَا تُ َوَلهُ ُم الْبَنُو نَ (‪ )149‬أَ مْ‬


‫خَ َلقْنَا الْمَلَاِئ َكةَ ِإنَاثا وَهُ ْم شَا ِهدُو نَ (‪َ )150‬ألَا ِإّنهُم مّ ْن ِإفْ ِكهِ مْ لَيَقُولُو نَ (‬
‫َاتـ عَلَى الْبَنِيَ (‬
‫َصـ َطفَى الْبَن ِ‬
‫ُونـ (‪ )152‬أ ْ‬
‫ُمـ لَكَا ِذب َ‬
‫ّهـ َوإِّنه ْ‬
‫‪َ )151‬وَلدَ الل ُ‬
‫حكُمُونَـ (‪َ )154‬أفَلَا َتذَ ّكرُونَـ (‪ )155‬أَم ْـَلكُم ْـ‬
‫‪ )153‬مَا لَكُم ْـ كَيْفَـتَ ْ‬
‫سُلْطَانٌ مِّبيٌ (‪َ )156‬فأْتُوا ِبكِتَاِبكُ مْ إِن كُنتُ مْ صَادِقِيَ (‪ )157‬وَ َجعَلُوا بَيْنَ هُ‬
‫ضرُو نَ (‪ )158‬سُبْحَا َن اللّ هِ‬
‫ت الْجِّن ُة إِّنهُ مْ لَ ُمحْ َ‬
‫َوبَيْ نَ الْجِّن ِة نَ سَبا َوَلقَدْ عَ ِلمَ ِ‬
‫صيَ (‪. ﴾ )160‬‬
‫صفُونَ (‪ِ )159‬إلّا عِبَا َد اللّ ِه الْمُخْلَ ِ‬
‫عَمّا يَ ِ‬
‫ت وََلهُ ُم اْلَبنُو نَ ﴾ يع ن ‪ :‬مشر كي‬ ‫عن قتادة ‪ ﴿ :‬فَا ْستَ ْفِتهِمْ أَلِ َربّ َ‬
‫ك اْلَبنَا ُ‬
‫قريش ‪ .‬قال ابن زيد ‪ :‬سلهم ‪ .‬وقال السدي ‪ :‬كانوا يعبدون اللئكة ‪ .‬قال‬
‫ا بن كثي ‪ :‬وقوله تبارك وتعال ‪ ﴿ :‬أَ مْ خََل ْقنَا الْ َملَاِئكَةَ ِإنَاثا َوهُ ْم شَاهِدُو نَ ﴾‬
‫أي ‪ :‬ك يف حكموا على اللئ كة أن م إناث و ما شاهدوا خلق هم ! ؟ كقوله‬
‫جل وعل ‪ ﴿ :‬وَ َجعَلُوا الْ َملَائِ َك َة الّذِي َن هُ ْم ِعبَادُ الرّحْ َم نِ ِإنَاثا َأ َشهِدُوا َخ ْل َقهُ مْ‬
‫َسُتكَْتبُ َشهَا َدُتهُ ْم َويُسْأَلُونَ ﴾ ‪.‬‬
‫وعن قتادة ‪ ﴿ :‬أَلَا ِإنّهُم مّ نْ إِ ْف ِكهِ مْ ﴾ ‪ ،‬يقول ‪ :‬من كذبم ‪َ ﴿ :‬لَيقُولُو نَ‬
‫ت عَلَى اْلَبنِيَ * مَا َلكُ مْ َكيْ فَ‬ ‫* وَلَدَ اللّ ُه َوِإّنهُ مْ َلكَا ِذبُو نَ * أَ صْ َطفَى اْلَبنَا ِ‬
‫ُونَ ﴾ ؟ يقول ‪ :‬كيَف يعَل لكَم البنيَ ولنفسَه البنات ؟ ﴿ أََفلَا‬ ‫حكُم َ‬ ‫تَ ْ‬
‫تَذَكّرُونَ * أَمْ َلكُمْ سُلْطَا ٌن ّمبِيٌ ﴾ ‪ ،‬أي ‪ :‬عذر بيّن ‪ .‬وعن السدي ف قوله ‪:‬‬
‫ُمَ صََادِقِيَ‬
‫ُمَ إِن كُنت ْ‬ ‫سَلْطَا ٌن ّمبِيٌ ﴾ ‪ ،‬قال ‪ :‬حج ّة ‪َ ﴿ .‬فأْتُوا ِب ِكتَابِك ْ‬ ‫﴿ ُ‬
‫‪719‬‬ ‫توفيق الرحن ف دروس القرآن‬

‫جّن ِة نَ سَبا ﴾ ‪ ،‬قال ما هد ‪ :‬قال كفار قر يش ‪:‬‬ ‫﴾ ‪ ﴿ .‬وَ َجعَلُوا َبيْنَ هُ َوَبيْ نَ الْ ِ‬
‫أمهاتنَ ؟ فقالوا بنات سَروات‬
‫ّ‬ ‫اللئكَة بنات ال فسَأل أبَو بكَر ‪ :‬مَن‬
‫حضَرُو َن ﴾ إن ا ستحضر ال ساب ‪.‬‬ ‫جّنةُ ِإّنهُ مْ لَ ُم ْ‬
‫ال نّ ‪ ﴿ ،‬وََلقَ ْد عَلِمَ تِ الْ ِ‬
‫حضَرُونَ ﴾ ‪ :‬لعذبون ‪.‬‬‫وقال السدي ‪ :‬إن هؤلء الذين قالوا هذا ‪ ﴿ ،‬لَمُ ْ‬
‫قال ابن كث ي ‪ :‬وقوله جلّت عظم ته ‪ُ ﴿ :‬سبْحَانَ اللّ ِه عَمّا يَ ِ‬
‫صفُونَ ﴾ ‪،‬‬
‫أي ‪ :‬تعال وتقدّس وتنّه عَن أن يكون له ولد ‪ ،‬وعمَا يصَفه بَه الظالون‬
‫اللحدون علوّا كبيًا ‪.‬‬
‫وقوله تعال ‪ ﴿ :‬إِلّا ِعبَادَ اللّ ِه الْمُ ْ‬
‫خلَ صِيَ ﴾ ا ستثناء منق طع ‪ ،‬و هو من‬
‫َصَفُونَ ﴾ عائدًا على‬
‫مثبَت إل أن يكون الضميَ فَ قوله تعال ‪ ﴿ :‬عَمّاَ ي ِ‬
‫الناس جيعهم ‪ ،‬ث استثن منهم الخلَصي ‪ ،‬وهم ‪ :‬التّبعون للحقّ النل ‪.‬‬
‫قوله عز وجل ‪َ ﴿ :‬فإِّنكُ مْ َومَا َتعُْبدُو نَ (‪ )161‬مَا أَنتُ مْ عَلَيْ ِه ِبفَاتِنِيَ (‬
‫جحِيمِ (‪ )163‬وَمَا مِنّا ِإلّا لَ ُه َمقَا ٌم ّمعْلُومٌ (‪)164‬‬
‫‪ِ )162‬إلّا مَ ْن هُوَ صَالِ الْ َ‬
‫َوِإنّ ا لَنَحْ ُن ال صّافّونَ (‪َ )165‬وِإنّ ا لَنَحْ ُن الْمُ سَبّحُونَ (‪ )166‬وَإِ نْ كَانُوا‬
‫لََيقُولُو نَ (‪ )167‬لَ ْو أَنّ عِندَنَا ذِكْرا مّ ْن الَْأ ّولِيَ (‪َ )168‬لكُنّ ا عِبَادَ اللّ هِ‬
‫ف يَعْلَمُونَ (‪. ﴾ )170‬‬
‫سوْ َ‬
‫صيَ (‪ )169‬فَ َك َفرُوا ِبهِ َف َ‬
‫الْمُخْلَ ِ‬
‫عن ابن عباس قوله ‪ ﴿:‬مَا أَنتُ ْم عََليْ ِه ِبفَاتِنِيَ * إِلّا مَنْ هُوَ صَالِ الْجَحِيمِ ﴾‬
‫يقول ‪ :‬ما أنتم بفاتني على أوثانكم أحدًا إل من قد سبق له أنه صال الحيم‬
‫‪ .‬وقال ال سن ‪ :‬ما أن تم عل يه بضلّ ي إل من كان ف علم ال أ نه سيصلى‬
‫الزء الثالث‬ ‫‪720‬‬

‫الح يم ‪ .‬و عن ال سدي ف قوله ‪ ﴿ :‬وَمَا مِنّ ا إِلّا لَ ُه َمقَا مٌ ّمعْلُو مٌ ﴾ ‪ ،‬قال‬
‫اللئ كة ‪ .‬و عن عائ شة قالت ‪ :‬قال نبّ ال ‪ « :‬ما ف ساء الدن يا مو ضع‬
‫قدم إل عل يه ملك ساجد ‪ ،‬أو قائم فذلك قول اللئ كة ‪ ﴿ :‬وَمَا ِمنّ ا إِلّا لَ هُ‬
‫سبّحُونَ ﴾ » ‪ .‬رواه ابن‬ ‫َمقَا ٌم ّمعْلُو مٌ * َوإِنّا َلنَحْ ُن ال صّافّونَ * َوِإنّا َلنَحْ ُن الْمُ َ‬
‫جرير ‪.‬‬
‫وعن قتادة قوله ‪َ ﴿ :‬وإِ نْ كَانُوا َلَيقُولُو نَ * َلوْ َأنّ عِن َدنَا ذِكْرا مّ ْن اْلَأوّلِيَ‬
‫خلَصِيَ ﴾ ‪ ،‬قال ‪ :‬قد قالت هذه المة ذاك قبل أن يبعث‬ ‫* َلكُنّا ِعبَادَ اللّ ِه الْمُ ْ‬
‫م مد ‪ :‬لو كان عند نا ذ كر من الوّل ي ‪ ،‬لك نا عباد ال الخلَ صي ‪ ،‬فل ما‬
‫ف َيعْلَمُو نَ ﴾ ‪ ،‬وقال ابن عباس ‪ :‬ل ا جاء‬ ‫سوْ َ‬‫جاء هم م مد كفروا به ‪ ﴿ .‬فَ َ‬
‫الشركون مَن أهَل مكَة ذكَر الوّليَ وعلم الخريَن كفروا بالكتاب ‪،‬‬
‫ف َيعَْلمُو نَ ﴾ يقول ‪ :‬قد جاء كم م مد بذلك فكفروا بالقرآن ‪،‬‬ ‫سوْ َ‬‫﴿ فَ َ‬
‫وبا جاء به ممد ‪.‬‬
‫قوله عز وجل ‪َ ﴿ :‬ولَ َقدْ سََبقَتْ كَ ِلمَتُنَا لِعِبَا ِدنَا الْ ُمرْ سَلِيَ (‪ِ )171‬إنّهُ مْ‬
‫َلهُ ُم الْمَن صُورُونَ (‪َ )172‬وإِنّ جُندَنَا َلهُ ُم اْلغَالِبُو نَ (‪ )173‬فََتوَلّ عَ ْنهُ مْ‬
‫صرُونَ (‪َ )175‬أفَِب َعذَابِنَا َيسَْتعْجِلُونَ‬
‫ف يُبْ ِ‬
‫سوْ َ‬
‫حَتّى حِيٍ (‪َ )174‬وَأبْصِ ْر ُهمْ َف َ‬
‫ـَاحُ الْمُنذَرِينَـ (‪َ )177‬وَتوَلّ عَ ْنهُم ْـ‬
‫(‪َ )176‬فِإذَا َن َزلَ بِسـَاحَِت ِهمْ فَسـَاء صَب‬
‫صرُونَ (‪. ﴾ )179‬‬
‫سوْفَ يُبْ ِ‬
‫حَتّى حِيٍ (‪َ )178‬وَأبْصِ ْر َف َ‬
‫‪721‬‬ ‫توفيق الرحن ف دروس القرآن‬

‫ُمَ‬
‫ُمَ َله ُ‬
‫ْسَلِيَ * ِإّنه ْ‬ ‫سََبقَتْ كَلِ َمتُن َا ِل ِعبَادِن َا الْمُر َ‬
‫عَن قتادة ‪ ﴿ :‬وََلقَ ْد َ‬
‫الْمَن صُورُونَ * َوإِنّ جُندَنَا َلهُ ُم الْغَاِلبُو نَ ﴾ ‪ ،‬قال ‪ :‬سبق هذا من ال ل م أن‬
‫ينصرهم ‪ .‬وعن السدي ف قوله ‪ ﴿ :‬وََلقَدْ َسَب َقتْ كَِل َمُتنَا ِل ِعبَا ِدنَا الْمُرْ سَِليَ *‬
‫ِإّنهُ مْ َلهُ ُم الْمَن صُورُونَ ﴾ ‪ ،‬يقول ‪ :‬بالجج ‪َ ﴿ .‬فَتوَلّ َعْنهُ مْ َحتّى حِيٍ ﴾ ‪،‬‬
‫قال ‪ :‬حت يوم بدر ‪.‬‬
‫ْصَرُونَ ﴾ ‪ ،‬يقول ‪:‬‬
‫ف ُيب ِ‬
‫َسَوْ َ‬ ‫وقال ابـن زيـد فـ قوله ‪َ ﴿ :‬وأَب ِ‬
‫ْصَْرهُمْ ف َ‬
‫أنظرهم فسوف يبصرون ما لم بعد اليوم ‪ ،‬يقول ‪ :‬يبصرون يوم القيامة ما‬
‫ْصَْرهُمْ )‬
‫ضيّعوا مَن أمَر ال ‪ ،‬وكفرهَم بال ورسَوله وكتابَه ؛ قال ‪ ( :‬فأب ِ‬
‫ْصَرْ ) واحَد ‪ .‬وقال البغوي ‪َ ﴿ :‬وأَب ِ‬
‫ْصَ ْرهُمْ ﴾ إذا نزل بمَ العذاب‬ ‫( وَأب ِ‬
‫ف ُيبْ صِرُونَ ﴾ ‪ ،‬فقالوا ‪ :‬مت هذا العذاب ؟ فقال ال عز وجل ‪:‬‬ ‫سوْ َ‬ ‫‪ ﴿ ،‬فَ َ‬
‫ح الْمُنذَرِي نَ ﴾ ‪ ،‬قال‬
‫صبَا ُ‬
‫سَتعْجِلُونَ * فَإِذَا نَ َز َل بِ سَا َحِتهِمْ فَ سَاء َ‬
‫﴿ أَفَِبعَذَابِنَا يَ ْ‬
‫‪ :‬وذكر قول النب حي صبّح أهل خيب ‪ « :‬ال أكب ‪ ،‬خربت خيب ‪ ،‬إنا‬
‫إذا نزلنا بساحة قوم فساء صباح النذرين » ‪ .‬ث كرّر ما ذكر تأكيدًا لوعيد‬
‫العذاب ‪ ،‬فقال ‪َ ﴿ :‬وَتوَ ّل َعنْهُ مْ َحتّ ى حِيٍ * َوأَبْ صِرْ ﴾ العذاب إذا نزل ب م‬
‫ف ُيبْصِرُونَ ﴾ ‪.‬‬ ‫سوْ َ‬ ‫‪ ﴿ :‬فَ َ‬
‫َصـفُونَ (‪)180‬‬
‫ّكـ رَبّ الْ ِع ّزةِ عَمّاـ ي ِ‬
‫سـبْحَانَ َرب َ‬
‫قوله عـز وجـل ‪ُ ﴿ :‬‬
‫ب الْعَالَمِيَ (‪. ﴾ )182‬‬
‫َوسَلَامٌ عَلَى الْ ُم ْرسَلِيَ (‪ )181‬وَالْحَ ْم ُد لِ ّلهِ َر ّ‬
‫الزء الثالث‬ ‫‪722‬‬

‫َصَفُونَ ﴾ ‪ ،‬أي ‪ :‬عمَا‬ ‫ّكَ رَبّ اْلعِ ّزةِ عَمّاَ ي ِ‬


‫سَحَانَ َرب َ‬ ‫عَن قتادة ‪ُ ﴿ :‬بْ‬
‫يكذبون ‪ ،‬ي سبّح نف سه إذا ق يل عل يه البهتان ‪ ﴿ ،‬وَ سَلَا ٌم عَلَى الْمُرْ سَلِيَ ﴾ ‪،‬‬
‫قال رسول ال ‪ « :‬إذا سلّمتم عليّ فسلّموا على الرسلي ‪ ،‬فإنا أنا رسول‬
‫من الرسلي » ‪ .‬وعن عل يّ بن أب طالب رضي ال عنه قال ‪ :‬من أح بّ أن‬
‫يَكتال بالكيال الو ف من ال جر يوم القيا مة ‪ ،‬فلي كن آ خر كل مه ف مل سه‬
‫صفُونَ * وَ سَلَا ٌم عَلَى الْ ُمرْ سَلِيَ * وَالْحَمْدُ‬
‫‪ُ ﴿ :‬سبْحَانَ َربّ كَ رَبّ الْعِ ّز ِة عَمّا يَ ِ‬
‫ب اْلعَالَمِيَ ﴾ ‪.‬‬
‫ِللّهِ رَ ّ‬

‫***‬
‫‪723‬‬ ‫توفيق الرحن ف دروس القرآن‬

‫الدرس السابع والثلثون بعد الائتي‬


‫[ سورة ص ]‬
‫مكية ‪ ،‬وهي ثان وثانون آية‬
‫بسم ال الرحن الرحيم‬
‫﴿ ص وَاْل ُقرْآ ِن ذِي الذّ ْكرِ (‪َ )1‬ب ِل الّذِي نَ َك َفرُوا فِي ِع ّزةٍ وَ ِشقَا قٍ (‪)2‬‬
‫ت حِيَ مَنَا صٍ (‪ )3‬وَ َعجِبُوا أَن‬
‫كَ ْم َأهْلَكْنَا مِن قَبْلِهِم مّ ن َقرْ ٍن فَنَادَوْا وَلَا َ‬
‫ّابـ (‪َ )4‬أ َجعَ َل الْآِلهَةَ‬
‫ُونـ َهذَا سـَاحِرٌ َكذ ٌ‬
‫ُمـ َوقَالَ اْلكَا ِفر َ‬
‫جَاءهُم مّنذِ ٌر مّ ْنه ْ‬
‫َنـ ا ْمشُوا‬
‫ُمـ أ ِ‬
‫َقـ الْمَ َلُأ مِ ْنه ْ‬
‫َابـ (‪ )5‬وَانطَل َ‬
‫ِإلَها وَاحِدا إِن ّ هَذَا َلشَيْءٌ ُعج ٌ‬
‫وَا صِْبرُوا عَلَى آِلهَتِكُ مْ إِنّ هَذَا َلشَيْ ٌء ُيرَادُ (‪ )6‬مَا سَ ِمعْنَا ِب َهذَا فِي الْمِ ّلةِ‬
‫الْآ ِخ َرةِ إِ ْن َهذَا ِإلّا اخْتِلَا قٌ (‪َ )7‬أأُن ِزلَ عَلَيْ هِ الذّ ْكرُ مِن بَيْنِنَا َب ْل هُ ْم فِي شَكّ‬
‫ك الْ َعزِيزِ‬
‫مّن ذِ ْكرِي َب ْل لَمّا يَذُوقُوا َعذَا بِ (‪ )8‬أَ مْ عِن َدهُ مْ َخزَائِ نُ َرحْ َمةِ َربّ َ‬
‫ض وَمَا بَيَْنهُمَا فَلَْي ْرَتقُوا فِي‬
‫اْلوَهّا بِ (‪ )9‬أَ ْم لَهُم مّلْ كُ ال سّمَاوَاتِ وَالْأَرْ ِ‬
‫ك َم ْهزُو ٌم مّ َن الَْأ ْحزَا بِ (‪َ )11‬ك ّذبَ تْ قَبْ َلهُ مْ‬
‫اْلأَ سْبَابِ (‪ )10‬جُن ٌد مّ ا هُنَالِ َ‬
‫َقوْ مُ نُو حٍ وَعَا ٌد َو ِفرْعَوْ ُن ذُو اْلأَ ْوتَادِ (‪ )12‬وَثَمُو ُد َوقَوْ ُم لُو طٍ َوأَ صْحَابُ‬
‫حقّ ِعقَا بِ (‪)14‬‬
‫ك الَْأ ْحزَا بُ (‪ )13‬إِن ُك ّل ِإلّا َكذّ بَ الرّ سُ َل فَ َ‬
‫ا َليْ َكةِ ُأ ْولَئِ َ‬
‫ح ًة وَا ِحدَ ًة مّا َلهَا مِن فَوَا قٍ (‪َ )15‬وقَالُوا َربّنَا عَجّل‬
‫َومَا يَن ُظرُ َه ُؤلَاء ِإلّا صَ ْي َ‬
‫ُونـ وَاذْ ُكرْ عَ ْبدَنَا‬
‫اصـِبرْ َعلَى مَا َيقُول َ‬
‫ْمـ الْحِسـَابِ (‪ْ )16‬‬
‫لّنَا قِطّنَا قَ ْب َل َيو ِ‬
‫ح َن بِاْل َعشِيّ‬
‫خ ْرنَا الْجِبَا َل َمعَ ُه يُ سَبّ ْ‬
‫دَاوُو َد ذَا اْلأَْيدِ إِنّ ُه أَوّا بٌ (‪ِ )17‬إنّ ا سَ ّ‬
‫الزء الثالث‬ ‫‪724‬‬

‫َهـ‬
‫ّابـ (‪ )19‬وَ َش َددْن َا مُلْك ُ‬
‫ّهـ َأو ٌ‬
‫حشُو َرةً ُك ّل ل ُ‬
‫َاقـ (‪ )18‬وَالطّ ْيرَ مَ ْ‬
‫وَالِْإ ْشر ِ‬
‫سوّرُوا‬
‫ص ِم ِإذْ تَ َ‬
‫صلَ الْخِطَا بِ (‪َ )20‬و َهلْ َأتَا كَ نَبَُأ الْخَ ْ‬
‫وَآتَيْنَا ُه الْحِكْ َم َة َوفَ ْ‬
‫ف خَ صْمَانِ‬
‫ع مِ ْنهُ مْ قَالُوا لَا تَخَ ْ‬
‫حرَا بَ (‪ِ )21‬إذْ َدخَلُوا عَلَى دَاوُودَ َف َفزِ َ‬
‫الْمِ ْ‬
‫ط وَا ْهدِنَا ِإلَى سَوَاء‬
‫بَغَى بَعْضُنَا عَلَى َبعْ ضٍ فَاحْكُم بَيْنَنَا بِالْحَقّ َولَا ُتشْطِ ْ‬
‫ج ٌة وَا ِح َدةٌ َفقَالَ‬
‫ج ًة َولِيَ َنعْ َ‬
‫سعُونَ َنعْ َ‬
‫الصّرَاطِ (‪ )22‬إِ ّن هَذَا أَخِي لَ ُه تِسْ ٌع َوتِ ْ‬
‫ك بِ سُؤَا ِل َنعْجَتِ كَ ِإلَى‬
‫أَ ْكفِلْنِيهَا وَ َعزّنِي فِي الْخِطَا بِ (‪ )23‬قَالَ َل َقدْ ظَلَمَ َ‬
‫ضهُ مْ عَلَى َبعْ ضٍ ِإلّا اّلذِي نَ آمَنُوا‬
‫ِنعَاجِ ِه َوإِنّ كَثِيا مّ نْ الْخُلَطَاء لَيَبْغِي َبعْ ُ‬
‫ت َوقَلِيلٌ مّا هُ ْم وَ َظنّ دَاوُو ُد أَنّمَا فَتَنّا ُه فَا سْتَ ْغ َفرَ َربّ هُ َو َخرّ‬
‫وَعَ ِملُوا ال صّالِحَا ِ‬
‫سنَ مَآ بٍ (‬
‫رَاكِعا وََأنَا بَ (‪َ )24‬ف َغ َفرْنَا لَ ُه َذلِ كَ َوإِنّ لَ هُ عِندَنَا َل ُزلْفَى َوحُ ْ‬
‫حقّ َولَا‬
‫ض فَا ْحكُم بَيْ نَ النّا سِ بِالْ َ‬
‫‪ )25‬يَا دَاوُودُ إِنّا َجعَلْنَا َك خَلِيفَ ًة فِي الْأَرْ ِ‬
‫تَتّبِ ِع اْلهَوَى فَيُضِلّ كَ عَن سَبِيلِ اللّ هِ إِنّ اّلذِي نَ يَضِلّو نَ عَن سَبِيلِ اللّ ِه َلهُ مْ‬
‫ب َشدِيدٌ بِمَا نَ سُوا َيوْ َم الْحِ سَابِ (‪ )26‬وَمَا خَلَقْنَا ال سّمَاء وَاْلأَرْ ضَ‬
‫َعذَا ٌ‬
‫ل َذلِكَ َظنّ اّلذِينَ َكفَرُوا َف َوْيلٌ لّ ّلذِينَ َك َفرُوا مِنَ النّارِ (‪)27‬‬
‫َومَا بَيَْنهُمَا بَاطِ ً‬
‫ج َعلُ‬
‫ض أَ مْ نَ ْ‬
‫سدِينَ فِي الْأَرْ ِ‬
‫ج َع ُل الّذِي نَ آمَنُوا وَعَمِلُوا ال صّالِحَاتِ كَالْ ُمفْ ِ‬
‫أَ ْم نَ ْ‬
‫ك مُبَارَ ٌك لَّيدّّبرُوا آيَاتِ ِه َولِيََتذَكّرَ‬
‫الْمُّتقِيَ كَاْلفُجّارِ (‪ )28‬كِتَا بٌ أَنزَلْنَا ُه ِإلَيْ َ‬
‫ُأ ْولُوا اْلَألْبَابِ (‪. ﴾ )29‬‬

‫***‬
‫‪725‬‬ ‫توفيق الرحن ف دروس القرآن‬

‫قوله عز و جل ‪ ﴿ :‬ص وَاْلقُرْآ ِن ذِي الذّ ْكرِ (‪َ )1‬ب ِل الّذِي نَ َك َفرُوا فِي‬
‫ت حِيَ مَنَاصٍ (‬
‫ِع ّزةٍ َو ِشقَاقٍ (‪ )2‬كَ ْم َأهْلَكْنَا مِن قَبْ ِلهِم مّن َقرْنٍ فَنَا َدوْا َولَا َ‬
‫‪ )3‬وَ َعجِبُوا أَن جَاءهُم مّنذِرٌ مّ ْنهُ ْم َوقَالَ اْلكَا ِفرُو َن َهذَا سَا ِحرٌ َكذّا بٌ (‪)4‬‬
‫َأ َجعَ َل الْآِلهَ َة ِإلَها وَاحِدا إِنّ َهذَا َلشَيْءٌ عُجَا بٌ (‪ )5‬وَانطَلَ َق الْمَ َلأُ مِ ْنهُ مْ أَ نِ‬
‫ا ْمشُوا وَا صِْبرُوا عَلَى آِلهَتِكُ ْم إِنّ هَذَا َلشَيْ ٌء ُيرَادُ (‪ )6‬مَا سَ ِمعْنَا ِب َهذَا فِي‬
‫الْمِ ّل ِة الْآخِ َر ِة إِ ْن َهذَا ِإلّا اخْتِلَا قٌ (‪َ )7‬أأُن ِزلَ عَلَيْ ِه الذّ ْك ُر مِن بَيْنِنَا َبلْ هُ ْم فِي‬
‫َشكّ مّن ذِ ْكرِي َب ْل لَمّا َيذُوقُوا َعذَا بِ (‪ )8‬أَ مْ عِن َدهُ مْ َخزَائِ نُ َرحْ َمةِ َربّ كَ‬
‫ض َومَا بَيَْنهُمَا فَلَْيرَْتقُوا‬
‫ك ال سّمَاوَاتِ وَالْأَرْ ِ‬
‫اْلعَزِيزِ اْلوَهّا بِ (‪ )9‬أَ ْم َلهُم مّلْ ُ‬
‫فِي اْلَأسْبَابِ (‪ )10‬جُندٌ مّا هُنَاِلكَ مَ ْهزُو ٌم ّمنَ اْلأَ ْحزَابِ (‪. ﴾ )11‬‬
‫عن ابن عباس ‪ ﴿ :‬ص وَالْقُرْآنِ ذِي الذّكْرِ ﴾ ذي الشرف ‪ .‬وعن قتادة ‪:‬‬
‫﴿ ذِي الذّكْرِ ﴾ ‪ ،‬أي ‪ :‬مَا ذكَر فيَه ‪ .‬قال ابَن كثيَ ‪ :‬ول منافاة بيَ‬
‫القول ي ‪ ،‬فإ نه كتاب شر يف مشت مل على التذك ي ‪ ،‬والعذار ‪ ،‬والنذار ‪.‬‬
‫وعن قتادة ‪ ﴿ :‬بَ ِل الّذِي نَ َكفَرُوا فِي عِ ّز ٍة َوشِقَاقٍ ﴾ ‪ ،‬أي ‪ :‬ف حيّة وفراق ؛‬
‫قال ‪ :‬ها هنا وقع القَسَم ‪.‬‬
‫وقوله تعال‪ ﴿:‬كَمْ َأهَْل ْكنَا مِن َقبِْلهِم مّن قَرْنٍ َفنَا َدوْا وَلَاتَ حِيَ مَنَاصٍ ﴾‬
‫ط القوم ‪ .‬وقال قتادة ‪ :‬نادى‬
‫ضبِ َ‬
‫قال ا بن عباس ‪ :‬ل يس ب ي تَ َروّ ول فرار ‪ُ ،‬‬
‫القوم على غ ي ح ي نداء ‪ ،‬وأرادوا التو بة ح ي عاينوا عذاب ال ‪ ،‬فلم يق بل‬
‫منهم ذلك ‪.‬‬
‫الزء الثالث‬ ‫‪726‬‬

‫ُمَ ﴾ قال قتادة ‪ :‬يعنَ ‪:‬‬ ‫وقوله تعال ‪َ ﴿ :‬وعَ ِ‬


‫جبُوا أَن جَاءه ُم مّنذِرٌ مّْنه ْ‬
‫ممدًا ‪ ﴿ .‬وَقَا َل اْلكَافِرُونََ هَذَا سََاحِرٌ َكذّابٌَ * أَ َجعَ َل الْآلِ َهةَ إِلَها وَاحِدا‬
‫َابَ ﴾ ‪ ،‬قال ‪ :‬عجَب الشركون أن دُعوا إل ال وحده‬ ‫شيْءٌ عُج ٌ‬ ‫إِن ّ هَذَا لَ َ‬
‫وقالوا ‪ :‬يسمع لاجاتنا جيعًا إله واحد ؟ ﴿ مَا سَ ِم ْعنَا ِبهَذَا فِي الْ ِمّل ِة الْآخِ َرةِ‬
‫﴾ ‪ .‬و عن ا بن عباس قال ‪ :‬ل ا مرض أ بو طالب د خل عل يه ر هط من قر يش‬
‫فيهم أبو جهل بن هشام فقالوا ‪ :‬إن ابن أخيك يشتم آلتنا ويفعل ويفعل ‪،‬‬
‫ويقول ويقول ‪ ،‬فلو بعثت إليه فنهيته ‪ .‬فبعث إليه فجاء النب فدخل البيت‬
‫وبين هم وب ي أ ب طالب قدر ملس ر جل ‪ ،‬فخ شي أ بو ج هل إن جلس إل‬
‫ج نب أ ب طالب أن يكون أر فق له عل يه ‪ ،‬فو ثب فجلس ف ذلك الجلس ‪،‬‬
‫ول يدَ رسَول ال ملسًَا قرب عمَه فجلس عنَد الباب ‪ ،‬فقال له أبَو‬
‫طالب ‪ :‬أي ابن أخي ما بال قومك يشكونك ؟ يزعمون أنك تشتم آلتهم ‪،‬‬
‫وتقول ‪ ،‬وتقول ‪ .‬قال ‪ :‬فأكثروا عليه القول ‪ ،‬وتكلم رسول ال فقال ‪« :‬‬
‫يا عم ‪ ،‬إ ن أريد هم على كل مة واحدة يقولون ا ‪ ،‬تد ين ل م ب ا العرب ‪،‬‬
‫ج مُ الز ية » ! ‪ .‬ففزعوا لكلم ته ولقوله ‪ ،‬فقال القوم ‪:‬‬ ‫وتؤدّي إلي هم ب ا العَ َ‬
‫كلمة واحدة ! ( نعم وأبيك عشرًا ) ‪ ،‬فقالوا ‪ :‬وما هي ؟ فقال أبو طالب ‪:‬‬
‫وأ يّ كلمة هي يا ابن أخي ؟ قال ‪ « :‬ل إله إل ال » ‪ .‬قال ‪ :‬فقاموا فزعي‬
‫شيْءٌ‬ ‫َ وَاحِدًا إِنَّ هَذَا لَ َ‬ ‫ينفضون ثيابمَ وهَم يقولون ‪ ﴿ :‬أَ َجعَ َل اللِ َهةَ إِلَهً ا‬
‫عُجَا بٌ ﴾ ! قال ‪ :‬ونزلت من هذا الو ضع إل قوله ‪ ﴿ :‬لَمّ ا يَذُوقُوا عَذَا بِ‬
‫﴾‪.‬‬
‫‪727‬‬ ‫توفيق الرحن ف دروس القرآن‬

‫وقوله تعال ‪ ﴿ :‬وَانطَلَ َق الْمََلُأ ِمْنهُ مْ أَ ِن امْشُوا وَا ْ‬


‫صبِرُوا عَلَى آِل َهتِكُ مْ ﴾ ‪،‬‬
‫قال البغوي ‪ :‬أي ‪ :‬انطلقوا مَن ملسَهم الذي كانوا فيَه عنَد أبَ طالب ‪،‬‬
‫ويقول بعضهم لبعض ‪ ﴿ :‬امْشُوا وَا صْبِرُوا عَلَى آِلهَِتكُ مْ ﴾ ‪ ،‬أي ‪ :‬اثبتوا على‬
‫شيْ ٌء يُرَادُ ﴾ ‪ ،‬أي ‪ :‬الَمَر يراد بنَا ‪ ،‬وذلك أن‬ ‫عبادة آلتكَم ‪ ﴿ ،‬إِنّ هَذَا لَ َ‬
‫عمَر لاَ أسَلم وحصَل للمسَلمي قوة لكانَه قالوا ‪ :‬إن هذا الذي نراه مَن‬
‫زيادة أ صحاب م مد لش يء يُراد ب نا ‪ .‬و عن ا بن عباس قوله ‪ ﴿ :‬مَا سَ ِم ْعنَا‬
‫ِبهَذَا ف ِي الْمِّل ِة الْآخِ َرةِ ﴾ ‪ ،‬يعنَ ‪ :‬النصَرانية ‪ ،‬فقالوا ‪ :‬لو كان هذا القرآن‬
‫حقًا أخبتنا به النصارى ‪ ،‬وعن قتادة ‪ ﴿ :‬مَا سَ ِم ْعنَا ِبهَذَا فِي الْمِّل ِة الْآخِ َرةِ ﴾‬
‫أي ‪ :‬ف ديننا هذا ول ف زماننا قطّ ‪ ﴿ ،‬إِ ْن هَذَا إِلّا ا ْختِلَاقٌ ﴾ إل شيء تلّقه‬
‫‪ .‬وقال ابن زيد قالوا ‪ :‬إن هذا إل كذب ‪.‬‬
‫ْهَ الذّكْرُ ﴾ ‪ ،‬قال البغوي ‪ :‬القرآن ‪ ﴿ ،‬مِن َبْينِنَا ﴾ وليَس‬ ‫﴿ َأأُنزِ َل عََلي ِ‬
‫بأكبنا ول أشرفنا ؟ يقوله أهل مكة ؛ قال ال ع ّز وجلّ ‪ ﴿ :‬بَ ْل هُمْ فِي شَكّ‬
‫مّن ذِ ْكرِي ﴾ ‪ ،‬أي ‪ :‬وحيي وما أنزلت ‪ ﴿ ،‬بَلْ َلمّا يَذُوقُوا عَذَا بِ ﴾ ‪ ،‬ولو‬
‫ذاقوه لا قالوا هذا القول ‪ ﴿ .‬أَ ْم عِن َدهُ مْ َخزَائِ نُ َرحْ َمةِ َربّكَ ﴾ ‪ ،‬يعن ‪ :‬نعمة‬
‫ربك ‪ ،‬يع ن ‪ :‬مفاتيح النبوّة يعطون ا من شاءوا ؟ ونظيه ‪َ ﴿ :‬أهُ ْم َيقْ سِمُونَ‬
‫َرحْ َمةَ َربّ كَ ﴾ ‪ ،‬أي ‪ :‬نبوّة ر بك ؟ ﴿ اْلعَزِي ِز اْل َوهّا بِ ﴾ العز يز ف مل كه ‪،‬‬
‫ض وَمَا‬ ‫ك ال سّمَاوَاتِ وَاْلأَرْ ِ‬ ‫الوهّاب و هب النبوّة لح مد ‪ ﴿ ،‬أَ مْ لَهُم مّلْ ُ‬
‫َسَبَابِ ﴾ ‪ ،‬أي ‪ :‬إن‬ ‫َبْيَنهُمَا ﴾ ‪ ،‬أي ‪ :‬ليَس لمَ ذلك ‪ ﴿ ،‬فَ ْليَ ْرَتقُوا فِي الْأ ْ‬
‫ادّعوا شيئًا من ذلك فليصعدوا ف السباب الت توصلهم إل السماء ‪ ،‬فليأتوا‬
‫الزء الثالث‬ ‫‪728‬‬

‫منها بالوحي إل من يتارون ‪ .‬قال ماهد ‪ ،‬وقتادة ‪ :‬أراد بالسباب ‪ :‬أبواب‬


‫ال سماء وطرق ها من ساء إل ساء ‪ ،‬و كل ما يو صلك إل شيء من باب أو‬
‫طريق فهو سببه ‪ ،‬وهذا أمر توبيخ وتعجيز ‪.‬‬
‫﴿ جُن ٌد مّا ُهنَالِ كَ ﴾ أي ‪ :‬هؤلء الذين يقولون هذا القول جند هنالك ‪،‬‬
‫( و ما ) صلة ‪َ ﴿ ،‬مهْزُو مٌ ﴾ مغلوب ‪ ﴿ ،‬مّ َن اْلأَحْزَا بِ ﴾ ‪ ،‬أي ‪ :‬من جلة‬
‫الجناد ‪ ،‬يع ن ‪ :‬قريشًا ‪ .‬قال قتادة ‪ :‬أ خب ال تعال نبيّه و هو بكّة أ نه‬
‫جمْ ُع َوُيوَلّونَ ال ّدبُرَ ﴾ فجاء تأويلها‬
‫سيهزم جند الشركي وقال ‪َ ﴿ :‬سُيهْ َزمُ الْ َ‬
‫يوم بدر ‪ ،‬وهنالك إشارة إل بدر ومصَارعهم ‪ ﴿ ،‬مّنََ اْلأَحْزَابَِ ﴾ ‪ ،‬أي ‪:‬‬
‫من جلة الحزاب ‪ .‬أي ‪ :‬هم من القرون الاض ية الذ ين تزّبوا وتمّعوا على‬
‫النبياء بالتكذيب ‪ ،‬فقُهروا وأُهلكوا ‪ .‬انتهى ‪.‬‬
‫ت قَبْ َلهُ ْم َقوْ ُم نُو حٍ وَعَا ٌد َوفِرْ َعوْ نُ ذُو الَْأ ْوتَادِ (‬
‫قوله عز وجل ‪َ ﴿ :‬ك ّذبَ ْ‬
‫ك الَْأ ْحزَا بُ (‪ )13‬إِن ُكلّ‬
‫ط َوأَ صْحَابُ ا َليْ َك ِة أُ ْولَئِ َ‬
‫‪َ )12‬وثَمُودُ َو َقوْ ُم لُو ٍ‬
‫ح ًة وَا ِح َدةً مّ ا‬
‫ِإلّا َكذّ بَ الرّ ُسلَ فَحَقّ ِعقَا بِ (‪ )14‬وَمَا يَن ُظ ُر َهؤُلَاء ِإلّا صَيْ َ‬
‫لَهَا مِن َفوَا قٍ (‪َ )15‬وقَالُوا َربّنَا عَجّ ل لّنَا قِطّنَا قَ ْبلَ َيوْ مِ الْحِ سَابِ (‪)16‬‬
‫ا صِْبرْ َعلَى مَا يَقُولُو َن وَاذْ ُكرْ عَ ْبدَنَا دَاوُو َد ذَا اْلَأيْ ِد ِإنّ ُه َأوّا بٌ (‪ِ )17‬إنّ ا‬
‫حشُو َرةً ُكلّ‬
‫ح َن بِاْل َعشِيّ وَالِْإ ْشرَا قِ (‪ )18‬وَالطّ ْيرَ مَ ْ‬
‫خ ْرنَا الْجِبَا َل َمعَ هُ يُ سَبّ ْ‬
‫سَ ّ‬
‫صلَ الْخِطَابِ (‪. ﴾ )20‬‬
‫حكْ َم َة َوفَ ْ‬
‫ّل ُه أَوّابٌ (‪َ )19‬وشَ َد ْدنَا مُ ْل َكهُ وَآتَيْنَاهُ الْ ِ‬
‫‪729‬‬ ‫توفيق الرحن ف دروس القرآن‬

‫عن ابن عباس ‪ ﴿ :‬وَفِ ْر َعوْ نُ ذُو اْلَأوْتَادِ ﴾ ‪ ،‬قال ‪ :‬كانت ملعب يلعب‬
‫له تت ها ‪ .‬وقال ما هد ‪ :‬كان ي ّد الر جل م ستلقيًا على الرض ث يشدّ يد يه‬
‫ّبَ‬
‫ورجليَه ورأسَه على الرض بالوتاد ‪ .‬وعَن قتادة ‪ ﴿ :‬إِن كُلّ إِلّا َكذ َ‬
‫الرّ سُلَ َفحَقّ ِعقَا بِ ﴾ ‪ ،‬قال ‪ :‬هؤلء كلّ هم قد كذّبوا الر سل فح ّق علي هم‬
‫ح ًة وَاحِ َدةً ﴾ ‪ ،‬يعن ‪ :‬أمة ممد ‪ ﴿ ،‬مّا‬ ‫صيْ َ‬
‫العذاب ‪َ ﴿ ،‬ومَا يَن ُظ ُر َهؤُلَاء إِلّا َ‬
‫َلهَا مِن َفوَاقٍ ﴾ ‪ ،‬يعن ‪ :‬الساعة ما لا من رجوع ول ارتداد ‪ ﴿ ،‬وَقَالُوا َرّبنَا‬
‫عَجّل ّلنَا ِق ّطنَا ﴾ ‪ ،‬أي ‪ :‬نصيبنا ‪ ،‬حظّنا من العذاب قبل يوم القيامة ‪ ،‬قال ‪:‬‬
‫قد قال ذلك أبَو ج هل ‪ :‬الل هم إن كان ما يقول م مد حقّاَ فأم طر علينَا‬
‫حجارة من السماء ‪ ،‬أو ائتنا بعذاب أليم ‪.‬‬
‫وقوله تعال ‪ ﴿ :‬ا ْ‬
‫صبِ ْر عَلَى مَا َيقُولُو نَ وَاذْكُرْ عَبْدَنَا دَاوُودَ ذَا اْلَأيْدِ ِإنّ هُ‬
‫َأوّا بٌ ﴾ ‪ ،‬يقول تعال ‪ :‬ا صب يا م مد على ما يقول قو مك ‪ ،‬فإن الرف عة‬
‫والعاقبة لك ‪ ،‬كما كانت للرسل قبلك ‪ .‬وعن ماهد قوله ‪ ﴿ :‬ذَا اْلأَيْدِ ﴾ ‪،‬‬
‫قال ‪ :‬ذا القوة ف طاعة ال ‪ِ ﴿ ،‬إنّ هُ َأوّا بٌ ﴾ إنه رجاع عن الذنوب ‪ .‬وقال‬
‫حنَ‬‫ُسَبّ ْ‬
‫َهَ ي َ‬
‫جبَا َل َمع ُ‬
‫سَخّ ْرنَا الْ ِ‬
‫قتادة ‪ :‬كان مطيعًا ل كثيَ الصَلة ‪ِ ﴿ .‬إنّاَ َ‬
‫َ‬
‫َ ﴾ ‪ ،‬قال ‪ :‬يسَبّحن مَع داود إذا سَبّح بالعشي ّ‬ ‫بِاْلعَشِيَّ وَالْإِشْرَاق ِ‬
‫ّابَ ﴾ ‪ ،‬أي ‪:‬‬ ‫ّهَ َأو ٌ‬ ‫والشراق ‪ ﴿ ،‬وَال ّطيْ َر َمحْشُو َرةً ﴾ مسَخرة ‪ ﴿ ،‬كُلّ ل ُ‬
‫﴿ َوشَدَدْنَا مُ ْلكَ هُ ﴾ ‪ ،‬قال ا بن كث ي ‪ :‬أي ‪ :‬جعل نا له ملكًا‬ ‫مط يع ‪.‬‬
‫كاملً من ج يع ما يتاج إل يه اللوك ‪ .‬وقال ال سدي ‪ :‬كان ير سه كل يوم‬
‫الزء الثالث‬ ‫‪730‬‬

‫خطَابِ‬
‫حكْ َمةَ ﴾ ‪ ،‬قال ‪ :‬النبوة ‪ ﴿ ،‬وَفَصْلَ الْ ِ‬
‫وليلة أربعة الف ‪ ﴿ ،‬وَآَتْينَا ُه الْ ِ‬
‫﴾ ‪ ،‬قال ماهد ‪ :‬إصابة القضاء وفهمه ‪.‬‬
‫حرَا بَ (‪)21‬‬
‫سوّرُوا الْمِ ْ‬
‫ص ِم ِإ ْذ تَ َ‬
‫قوله عز وجل ‪ ﴿ :‬وَ َه ْل َأتَا َك نََبأُ الْخَ ْ‬
‫ف خَ صْمَانِ بَغَى َبعْضُنَا عَلَى‬
‫ع مِ ْنهُ ْم قَالُوا لَا تَخَ ْ‬
‫ِإ ْذ دَخَلُوا عَلَى دَاوُو َد َففَزِ َ‬
‫صرَاطِ ( ‪ )22‬إِنّ‬
‫حقّ َولَا ُتشْطِ طْ وَا ْهدِنَا ِإلَى َسوَاء ال ّ‬
‫َبعْ ضٍ فَاحْكُم بَيْنَنَا بِالْ َ‬
‫جةٌ وَاحِ َد ٌة َفقَالَ أَ ْكفِلْنِيهَا وَ َع ّزنِي‬
‫جةً َولِ َي َنعْ َ‬
‫سعُو َن َنعْ َ‬
‫َهذَا َأخِي لَ هُ تِ سْ ٌع َوتِ ْ‬
‫ك ِإلَى ِنعَاجِ ِه وَإِنّ كَثِيا‬
‫فِي الْخِطَا بِ (‪ )23‬قَالَ َل َقدْ ظَلَمَ كَ بِ سُؤَا ِل َنعْجَتِ َ‬
‫ضهُ مْ عَلَى َبعْ ضٍ ِإلّا اّلذِي نَ آمَنُوا وَعَمِلُوا ال صّالِحَاتِ‬
‫مّ نْ الْخُلَطَاء لَيَبْغِي َبعْ ُ‬
‫َوقَلِيلٌ مّا هُ مْ وَ َظنّ دَاوُو ُد َأنّمَا فَتَنّا ُه فَا سَْتغْ َفرَ َربّ ُه وَ َخرّ رَاكِعا َوَأنَا بَ (‪)24‬‬
‫سنَ مَآ بٍ (‪ )25‬يَا دَاوُو ُد ِإنّ ا‬
‫َف َغ َفرْنَا لَ ُه َذلِ كَ َوإِنّ لَ هُ عِندَنَا َل ُزلْفَى َوحُ ْ‬
‫حقّ َولَا تَتّبِ ِع الْ َهوَى فَيُضِلّكَ‬
‫ض فَا ْحكُم بَيْ َن النّاسِ بِالْ َ‬
‫َجعَلْنَا َك خَلِي َفةً فِي الْأَرْ ِ‬
‫عَن سَبِي ِل اللّ ِه إِنّ الّذِينَ يَضِلّونَ عَن سَبِي ِل اللّ ِه َلهُمْ َعذَابٌ َشدِي ٌد بِمَا نَسُوا‬
‫حسَابِ (‪. ﴾ )26‬‬
‫َيوْ َم الْ ِ‬
‫سَوَاء‬‫َ ﴾ ‪ ،‬أي ‪ :‬ل تلَ ‪ ﴿ ،‬وَاهْدِنََا إِلَى َ‬ ‫عَن قتادة ‪ ﴿ :‬وَلَا تُشْطِط ْ‬
‫ال صّرَاطِ ﴾ إل عدله وخيه ‪ .‬وعن وهب بن منبه ‪ ﴿ :‬إِنّ هَذَا َأخِي ﴾ ‪ ،‬أي‬
‫ج ٌة وَاحِ َدةٌ َفقَالَ أَ ْكفِ ْلنِيه َا‬
‫ِيَ َنعْ َ‬
‫ج ًة وَل َ‬
‫ِسَعُو َن َنعْ َ‬
‫ِسٌَع َوت ْ‬
‫َهَ ت ْ‬‫‪ :‬على دينَ ﴿ ل ُ‬
‫﴾ قال ا بن ز يد ‪ :‬أعطني ها ‪ ،‬طلق ها ل أنكح ها و خل سبيلها ﴿ وَعَزّنِي فِي‬
‫الْخِطَابِ ﴾ قال ‪ :‬قهرن ‪ .‬وعن ابن عباس قوله ‪َ ﴿ :‬وهَلْ َأتَاكَ َنَبأُ الْخَصْمِ ِإذْ‬
‫‪731‬‬ ‫توفيق الرحن ف دروس القرآن‬

‫َابَ ﴾ ‪ ،‬قال ‪ :‬إن داود قال ‪ :‬يارب قَد أعطيَت إبراهيَم ‪،‬‬ ‫َسَوّرُوا الْ ِمحْر َ‬
‫ت َ‬
‫وإ سحاق ‪ ،‬ويعقوب من الذ كر ما لوددت أ نك أعطيت ن مثله ‪ ،‬قال ‪ :‬إ ن‬
‫ابتليت هم ب ا ل أبتلك به ‪ ،‬فإن شئت ابتلي تك ب ثل ما ابتليت هم به ‪ ،‬وأعطي تك‬
‫كما أعطيتهم ‪ .‬قال ‪ :‬نعم ‪ .‬قال له ‪ :‬اعمل حت أرى بلءك ‪ ،‬فكان ما شاء‬
‫ال أن يكون ‪ ،‬وطال ذلك عليه فكاد أن ينساه ‪ ،‬فبينا هو ف مرابه إذ وقعت‬
‫عل يه حا مة من ذ هب فأراد أن يأخذ ها ‪ ،‬فطارت إل كوة الحراب فذ هب‬
‫ليأخذ ها فطارت ‪ ،‬فاطلع من الكوة فرأى امرأة تغت سل فنل نب ال من‬
‫الحراب ‪ ،‬فأرسل إليها فجاءته ‪ ،‬فسألا عن زوجها وعن شأنا ‪ ،‬فأخبته ‪:‬‬
‫أن زوجها غائب ‪ ،‬فكتب إل أمي تلك ال سّرية أن ُي َؤمّره على السرايا ليهلك‬
‫زوجها ‪ ،‬ففعل ‪ ،‬فكان يُصاب أصحابه وينجو ‪ ،‬وربا نُصروا ‪ ،‬وإن ال عزّ‬
‫وج ّل ل ا رأى الذي و قع ف يه داود ‪ ،‬أراد أن ي ستنقذه ; فبين ما داود ذات يوم‬
‫ف مرابه ‪ ،‬إذ تسوّر عليه الصمان من قبل وجهه ‪ ،‬فلما رآها وهو يقرأ فزع‬
‫و سكت ‪ .‬وقال ‪ :‬ل قد ا ستضعفت ف مل كي ح ت إن الناس يت سوّرون عل يّ‬
‫ضنَا عَلَى َبعْ ضٍ ﴾ ‪ ،‬ول يكن‬ ‫مراب ‪ ،‬قال له ‪ ﴿ :‬ل تَخَ فْ خَ صْمَا ِن َبغَى َبعْ ُ‬
‫ل نا بد من أن نأت يك ‪ ،‬فا سع م نا ‪ .‬قال أحده ا ‪ ﴿ :‬إِنّ هَذَا أَخِي لَ ُه تِ سْعٌ‬
‫ج ٌة وَاحِ َدةٌ َفقَالَ أَ ْكفِ ْلنِيهَا ﴾ ‪ ،‬ير يد أن‬
‫جةً ﴾ أن ثى ‪ ﴿ ،‬وَلِ يَ َنعْ َ‬
‫َوتِ سْعُونَ َنعْ َ‬
‫يتمم با مائة ‪ ،‬ويتركن ليس ل شيء ‪َ ﴿ .‬وعَ ّزنِي فِي الْخِطَا بِ ﴾ ‪ ،‬قال ‪:‬‬
‫إن دعوت ودعا كان أكثر ‪ ،‬وإن بطشت وبطش كان أشد من ‪ ،‬فذلك قوله‬
‫‪َ ﴿ :‬وعَزّنِي فِي الْخِطَا بِ ﴾ ‪ ،‬قال له داود ‪ :‬أ نت ك نت أحوج إل نعج تك‬
‫الزء الثالث‬ ‫‪732‬‬

‫جتِ كَ إِلَى ِنعَاجِ هِ ﴾ إل قوله ‪ ﴿ :‬وَقَلِي ٌل مَا هُ ْم‬


‫سؤَالِ َنعْ َ‬
‫ك بِ ُ‬
‫منه ﴿ َلقَ ْد ظَلَمَ َ‬
‫﴾ ونسي نفسه ‪ .‬فنظر اللكان أحدها إل الخر ‪ ،‬فرآه داود وظن أنا فت‬
‫‪ ﴿ ،‬فَا ْسَت ْغفَرَ َربّ ُه وَ َخرّ رَا ِكعًا َوَأنَابَ ﴾ ‪ .‬وعن عكرمة عن ابن عباس أنه قال‬
‫ف السجدة ف ص ‪ ( :‬ليست من عزائم السجود ‪ ،‬وقد رأيت رسول ال‬
‫يسجد فيها ) ‪ .‬رواه البخاري وغيه ‪.‬‬
‫وعَن قتادة ‪َ ﴿ :‬ف َغفَرْنَا لَهَُ ذَلِكََ ﴾ الذنَب ‪َ ﴿ ،‬وإِنّ لَهَُ عِندَنَا لَزُلْفَى‬
‫َآبَ ﴾ أي ‪ :‬حسَن مصَي ‪ .‬قال ابـن كثيـ ‪ :‬أي ‪ :‬وإن له يوم‬
‫ُسَ َن م ٍ‬
‫وَح ْ‬
‫القيامة لقربة يقربه ال عز وجل با وحسن مرجع ‪ .‬وهو الدرجات العالية ف‬
‫النة لنوبته وعدله التام ف ملكه ‪ ،‬كما جاء ف الصحيح ‪ « :‬القسطون على‬
‫منابر من نور عن يي الرحن ‪ ،‬وكلتا يديه يي ‪ ،‬الذين يقسطون ف أهليهم‬
‫وما ولوا » ‪ .‬وعن السدي ﴿ يَا دَاوُدُ ِإنّا َجعَ ْلنَا كَ َخلِي َفةً فِي الرْ ضِ ﴾ ملكه‬
‫س بِالْحَقّ ﴾ ‪ ،‬يع ن ‪ :‬بالعدل ‪ ،‬والن صاف ﴿‬ ‫ف الرض ﴿ فَا ْحكُ ْم َبيْ َن النّا ِ‬
‫وَل َتتّبِ ِع اْل َهوَى َفُيضِلّ كَ عَ نْ َسبِيلِ اللّ هِ ِإنّ الّذِي نَ يَضِلّو نَ عَ نْ َسبِيلِ اللّ هِ َلهُ مْ‬
‫ب شَدِي ٌد بِمَا نَ سُوا َيوْ َم الْحِ سَابِ ﴾ ‪ ،‬أي ‪ :‬لم عذاب شديد با تركوا‬ ‫عَذَا ٌ‬
‫أن يعملوا ليوم الساب ‪.‬‬
‫ض وَمَا بَيَْنهُمَا بَاطِلً ذَلِ كَ‬
‫قوله عز وجل ‪َ ﴿ :‬ومَا خَ َلقْنَا ال سّمَاء وَاْلأَرْ َ‬
‫ج َع ُل الّذِي نَ آمَنُوا‬
‫َظنّ اّلذِي نَ َك َفرُوا َفوَْي ٌل لّ ّلذِي نَ َك َفرُوا مِ َن النّارِ (‪ )27‬أَ ْم نَ ْ‬
‫ج َع ُل الْمُّتقِيَ كَاْلفُجّارِ (‬
‫ض أَ ْم نَ ْ‬
‫سدِي َن فِي اْلأَرْ ِ‬
‫وَعَ ِملُوا ال صّالِحَاتِ كَالْ ُمفْ ِ‬
‫‪733‬‬ ‫توفيق الرحن ف دروس القرآن‬

‫ب أَن َزلْنَاهُ ِإلَيْكَ مُبَارَ ٌك لَّي ّدبّرُوا آيَاتِهِ َولِيََتذَ ّكرَ أُ ْولُوا الَْألْبَابِ (‪)29‬‬
‫‪ )28‬كِتَا ٌ‬
‫﴾‪.‬‬
‫عن ابن عباس ‪َ ﴿ :‬ومَا َخَلقْنَا ال سّمَاء وَاْلأَرْ ضَ َومَا َبيَْنهُمَا بَا ِطلً ﴾ ‪ ،‬قال‬
‫ك ظَنّ الّذِي نَ َكفَرُوا َف َويْلٌ لّلّذِي نَ َكفَرُوا مِ نَ‬ ‫‪ :‬ل لثواب ول لعقاب ‪ ﴿ .‬ذَلِ َ‬
‫النّارِ ﴾ ‪ .‬وقال مقاتل ‪ :‬قال كفار قريش للمؤمني ‪ :‬إنا نعطى ف الخرة من‬
‫جعَ ُل الّذِي نَ آ َمنُوا َوعَمِلُوا‬
‫ال ي م ثل ما تعطون ‪ ،‬فنلت هذه ال ية ‪ ﴿ :‬أَ مْ َن ْ‬
‫جعَ ُل الْ ُمّتقِيَ كَاْلفُجّارِ ﴾ ؟‬
‫الصّالِحَاتِ كَالْ ُمفْسِدِينَ فِي اْلأَ ْرضِ َأ ْم نَ ْ‬
‫قال ابن كثي ‪ :‬ولّا كان القرآن يرشد إل القاصد الصحيحة ‪ ،‬والآخذ‬
‫ِهَ‬
‫َكَّليَ ّدبّرُوا آيَات ِ‬
‫ْكَ ُمبَار ٌ‬
‫َاهَإَِلي َ‬
‫َابَأَنزَْلن ُ‬
‫العقليَة الصَرية ‪ ،‬قال تعال ‪ِ ﴿ :‬كت ٌ‬
‫وَِلَيتَذَكّرَ ُأوْلُوا اْلأَلْبَابِ ﴾ ‪ ،‬أي ‪ :‬ذوو العقول ‪ .‬قال السن البصري ‪ :‬وال ما‬
‫تَ َدبّرُه بفظ حروفه وإضاعة حدوده ‪ ،‬حت إن أحدهم ليقول ‪ :‬قرأت القرآن‬
‫كلّه ‪ ،‬ما يرى له القرآن ف خلق ول عمل ‪.‬‬

‫***‬
‫الزء الثالث‬ ‫‪734‬‬

‫الدرس الثامن والثلثون بعد الائتي‬

‫﴿ َووَهَبْنَا لِدَاوُودَ سُلَيْمَانَ نِعْ مَ اْلعَ ْبدُ ِإنّ هُ أَوّا بٌ (‪ِ )30‬إذْ ُعرِ ضَ َعلَيْ هِ‬
‫ت حُبّ الْخَ ْيرِ عَن ذِ ْكرِ‬
‫بِالْ َعشِيّ ال صّافِنَاتُ الْجِيَادُ (‪َ )31‬فقَا َل ِإنّ ي أَحْبَبْ ُ‬
‫َربّ ي حَتّ ى َتوَارَ تْ بِالْحِجَا بِ (‪ُ )32‬ردّوهَا عَلَيّ فَ َطفِ قَ مَ سْحا بِال سّوقِ‬
‫وَالْأَعْنَا قِ (‪ )33‬وََل َقدْ فَتَنّ ا سُلَيْمَا َن َوأَْلقَيْنَا عَلَى ُكرْ سِّي ِه جَ سَدا ثُمّ َأنَا بَ (‬
‫ب لِي مُلْكا لّا يَنَبغِي ِلَأحَ ٍد مّ ْن َب ْعدِي ِإنّ كَ أَن تَ‬
‫‪ )34‬قَالَ َربّ ا ْغ ِف ْر لِي َوهَ ْ‬
‫ث أَ صَابَ (‪)36‬‬
‫جرِي ِبَأ ْمرِ هِ ُرخَاء حَيْ ُ‬
‫خ ْرنَا لَ ُه الرّي حَ تَ ْ‬
‫اْلوَهّا بُ (‪ )35‬فَ سَ ّ‬
‫صفَادِ (‪)38‬‬
‫وَالشّيَاطِيَ ُك ّل بَنّاء وَ َغوّا صٍ (‪ )37‬وَآ َخرِي َن ُم َقرّنِيَ فِي اْلأَ ْ‬
‫ك ِبغَ ْيرِ حِسـَابٍ (‪ )39‬وَإِنّ لَهُـ عِندَنَا َلزُلْفَى‬
‫َهذَا عَطَاؤُنَا فَامْنُن ْـَأ ْو َأمْسِـ ْ‬
‫َو ُحسْ َن مَآبٍ (‪. ﴾ )40‬‬

‫***‬
‫‪735‬‬ ‫توفيق الرحن ف دروس القرآن‬

‫قوله عز وجل ‪ ﴿ :‬وَ َوهَبْنَا ِلدَاوُودَ سُلَيْمَا َن ِنعْ مَ اْلعَ ْبدُ ِإنّ هُ َأوّا بٌ (‪)30‬‬
‫ت حُبّ‬
‫ِإذْ ُعرِ ضَ عَلَيْ هِ بِاْلعَشِيّ ال صّافِنَاتُ الْجِيَادُ (‪َ )31‬فقَالَ ِإنّ ي أَحْبَبْ ُ‬
‫الْخَ ْيرِ عَن ذِ ْكرِ َربّيـ حَتّىـَتوَارَت ْـبِالْحِجَابِـ (‪ُ )32‬ردّوهَا عَلَيّ فَ َطفِ قَ‬
‫ق وَاْلأَعْنَاقِ (‪. ﴾ )33‬‬
‫َمسْحا بِالسّو ِ‬
‫عن ا بن عباس ‪ِ ﴿ :‬نعْ َم اْلعَبْدُ ِإنّ هُ َأوّا بٌ ﴾ ‪ ،‬قال ‪ :‬الوّاب ‪ :‬ال سبّح ‪.‬‬
‫وقال قتادة ‪ :‬كان مطيعًا ل كث ي ال صلة ‪ .‬و عن قتادة ‪ِ ﴿ :‬إ ْذ عُرِ ضَ عََليْ هِ‬
‫جيَادُ ﴾ ‪ ،‬يعن ‪ :‬اليل ‪ .‬قال ابن زيد ‪ :‬والصفن أن تقوم‬ ‫شيّ الصّاِفنَاتُ الْ ِ‬
‫بِاْلعَ ِ‬
‫على ثلث وترفَع رجلً واحدة حتَ يكون طرف الافَر على الرض ‪ .‬قال‬
‫البغوي ‪ :‬والياد ‪ :‬اليار السراع ‪ .‬واحدها ‪ :‬جواد ‪ .‬وقال ابن عباس رضي‬
‫ال عنهما ‪ :‬يريد اليل السوابق ‪.‬‬
‫قوله تعال ‪َ ﴿ :‬فقَالَ ِإنّي أَ ْحَببْ تُ ُحبّ الْ َ‬
‫خيْرِ ﴾ ‪ ،‬أي ‪ :‬آثرت حب الي‬
‫وأراد بالي اليل ‪ ،‬و سّيت اليل خيًا لنه معقود بنواصيها الي ‪ :‬الجر ‪،‬‬
‫خيْرِ ﴾ ‪ ،‬يعنَ ‪ :‬الال ‪ ،‬فهَي اليَل التَ‬ ‫والغنَم ‪ .‬قال مقاتَل ‪ ﴿ :‬حُبّ الْ َ‬
‫عرضت عليه ‪ ﴿ ،‬عَن ذِكْرِ َربّي ﴾ يعن ‪ :‬الصلة ‪ ،‬وهي صلة العصر ‪﴿ ،‬‬
‫حجَا بِ ﴾ أي ‪ :‬توارت الش مس بالجاب ‪ ،‬أي ‪ :‬ا ستترت‬ ‫ت بِالْ ِ‬
‫َحتّ ى َتوَارَ ْ‬
‫با يجبها عن البصار ‪ ﴿ ،‬رُدّوهَا عََليّ ﴾ أي ‪ :‬ردّوا اليل عليّ ‪ ،‬فردّوها ‪،‬‬
‫ق وَالَْأ ْعنَا قِ ﴾ ‪ .‬انتهى ‪ .‬قال إبراهيم التيمي ‪ :‬كانت‬
‫﴿ فَ َطفِ َق مَ سْحا بِال سّو ِ‬
‫اليل الت شغلت سليمان عليه الصلة والسلم عشرين ألف فرس فعقرها ‪.‬‬
‫الزء الثالث‬ ‫‪736‬‬

‫وقال ال سن ‪ :‬فل ما ع قر ال يل أبدله ال خيًا من ها وأ سرع ‪ ،‬و هي ‪ :‬الر يح‬


‫تري بأمره كيف يشاء ‪.‬‬
‫قوله عز و جل ‪َ ﴿ :‬ولَ َقدْ فَتَنّ ا سُلَيْمَا َن َوأَْلقَيْنَا عَلَى ُكرْ سِّي ِه جَ سَدا ثُمّ‬
‫ّنـ َب ْعدِي‬
‫َبـ لِي مُلْكا لّا يَنبَغِي ِلأَ َحدٍ م ْ‬
‫َابـ (‪ )34‬قَالَ رَبّ ا ْغ ِفرْ لِي وَه ْ‬
‫َأن َ‬
‫ْثـ‬
‫ِهـ ُرخَاء حَي ُ‬
‫جرِي ِبأَ ْمر ِ‬
‫ّيحـ تَ ْ‬
‫َهـ الر َ‬
‫خ ْرنَا ل ُ‬
‫َسـ ّ‬
‫ّابـ (‪ )35‬ف َ‬
‫َنتـ الْ َوه ُ‬
‫ّكـ أ َ‬
‫ِإن َ‬
‫ِينـ ُم َقرّنِيَ فِي‬
‫ّاصـ (‪ )37‬وَآخَر َ‬
‫أَصـَابَ (‪ )36‬وَالشّيَاطِيَ ُك ّل بَنّاء وَ َغو ٍ‬
‫ك ِبغَ ْيرِ حِ سَابٍ (‪َ )39‬وإِنّ لَ هُ‬
‫صفَادِ (‪ )38‬هَذَا عَطَاؤُنَا فَامْنُ ْن َأوْ َأمْ سِ ْ‬
‫اْلأَ ْ‬
‫س َن مَآبٍ (‪. ﴾ )40‬‬
‫عِندَنَا َلزُْلفَى َوحُ ْ‬
‫عن السديّ ف قوله ‪ ﴿ :‬وََلقَدْ َفَتنّا سَُليْمَانَ ﴾ قال ‪ :‬لقد ابتلينا ﴿ َوأَْلقَْينَا‬
‫عَلَى كُرْ ِسيّهِ جَ سَدًا ﴾ ‪ ،‬قال ‪ :‬الشيطان حي جلس على كرسيّه أربعي يومًا‬
‫قال ‪ :‬كان ل سليمان مائة امرأة ‪ .‬وكا نت امرأة منه نّ يقال ل ا جرادة ‪ ،‬و هي‬
‫أب ّر نسائه عنده ‪ ،‬وآمنه نّ عنده ‪ ،‬وكان إذا أجنب أو أتى حاجة نزع خاته ‪،‬‬
‫ول يأت ن عليه أحدًا من الناس غي ها ; فجاءته يومًا من اليام ‪ ،‬فقالت ‪ :‬إن‬
‫أخي بينه وبي فلن خصومة ‪ ،‬وأنا أحبّ أن تقضي له إذا جاءك ‪ .‬فقال لا ‪:‬‬
‫ن عم ‪ .‬ول يف عل ‪ .‬فابتُلي وأعطا ها خات ه ‪ ،‬ود خل الخرج ‪ ،‬فخرج الشيطان‬
‫فَ صَورته ‪ .‬فقال ‪ :‬هاتَ الاتَ ‪ .‬فأعطتَه ‪ .‬فجاء حتَ جلس على ملس‬
‫سليمان ‪ ،‬وخرج سليمان بعد ‪ ،‬فسألا أن تعطيه خاته ‪ ،‬فقالت ‪ :‬أل تأخذه‬
‫من قبل ؟ قال ‪ :‬ل ‪ ،‬وخرج مكانه تائهًا ; قال ‪ :‬ومكث الشيطان يكم بي‬
‫‪737‬‬ ‫توفيق الرحن ف دروس القرآن‬

‫الناس أربعيَ يوم ًا ‪ .‬فأنكَر الناس أحكامَه ‪ ،‬فاجتمَع قرّاء بنَ إسَرائيل‬
‫وعلماؤهم ‪ ،‬فجاءوا حت دخلوا على نسائه فقالوا ‪ :‬إنا قد أنكرنا هذا ‪ ،‬فإن‬
‫كان سليمان قد ذ هب عقله ‪ ،‬وأنكر نا أحكا مه ‪ .‬قال ‪ :‬فب كى الن ساء ع ند‬
‫ذلك ‪ ،‬قال ‪ :‬فأقبلوا يشون حتَ أتوه ‪ ،‬فأحدقوا بَه ‪ ،‬ثَ نشروا التوراة ‪،‬‬
‫فقرأوا ‪ ،‬فطار من بي أيديهم حت وقع على شرفته والات معه ‪ ،‬ث طار حت‬
‫ذهب إل البحر ‪ ،‬فوقع الات منه ف البحر ‪ ،‬فابتلعه حوت من حيتان البحر ‪.‬‬
‫قال ‪ :‬وأقبل سليمان ف حالته الت كان فيها حت انتهى إل صياد من صيّادي‬
‫البحر ‪ ،‬وهو جائع ‪ ،‬وقد اشتدّ جوعه ‪ ،‬فاستطعمه من صيدهم ‪ ،‬قال ‪ :‬إن‬
‫أنا سليمان ‪ ،‬فقام إليه بعضهم فضربه بعصا فشجّه ‪ ،‬فجعل يغسل دمه وهو‬
‫على شاطئ البحر ‪ ،‬فلم الصيّادون صاحبهم الذي ضر به ‪ ،‬فقالوا ‪ :‬بئس ما‬
‫صنعت حيث ضربته ‪ ،‬قال ‪ :‬إنه زعم أنه سليمان ‪ ،‬فأعطوه سكتي ما قد‬
‫ط الب حر ‪،‬‬ ‫مذر عند هم ‪ ،‬ول يشغله ما كان به من الضرر ‪ ،‬ح ت قام إل ش ّ‬
‫فش ّق بطونما فجعل يغسل ‪ ،‬فوجد خاته ف بطن إحداها ‪ ،‬فأخذه فلبسه ‪،‬‬
‫فردّ ال عليه باؤه وملكه ‪ ،‬وجاءت الطي حت حامت عليه ‪ ،‬فعرف القوم أنه‬
‫سليمان ‪ ،‬فقام القوم يعتذرون ما صنعوا ‪ ،‬فقال ‪ :‬ما أحدكم على عذركم ‪،‬‬
‫ول ألومكم على ما كان منكم ‪ ،‬كان هذا المر ل ب ّد منه ‪ .‬قال ‪ :‬فجاء حت‬
‫أتى ملكه ‪ ،‬فأرسل إل الشيطان فجيء به ‪ ،‬وسخّر له الريح والشياطي يومئذٍ‬
‫‪ ،‬ول ت كن سُخّرت له ق بل ذلك ‪ ،‬و هو قوله ‪َ ﴿ :‬وهَ بْ لِي مُلْكًا ل يَْنبَغِي‬
‫ل َح ٍد مِ ْن َبعْدِي ِإنّ كَ َأنْ تَ اْل َوهّا بُ ﴾ ‪ ،‬قال ‪ :‬وبعث إل الشيطان فأت به ‪،‬‬
‫الزء الثالث‬ ‫‪738‬‬

‫فأمر به فجُعل ف صندوق من حديد ‪ ،‬ث أطبق عليه فأقفل عليه بقفل ‪ ،‬وختم‬
‫عليه باته ‪ ،‬ث أمر به ‪ ،‬فألقي ف البحر ‪ ،‬فهو فيه حت تقوم الساعة ‪.‬‬
‫وقوله تعال ‪ ﴿ :‬ثُمّ َأنَا بَ ﴾ ‪ ،‬قال البغوي ‪ :‬أي ‪ :‬ر جع إل مل كه ب عد‬
‫أربعي يومًا فلما رجع ‪ ﴿ ،‬قَالَ رَبّ ا ْغفِرْ لِي َوهَ بْ لِي ُم ْلكًا ل َيْنبَغِي لحَدٍ‬
‫ت اْلوَهّا بُ ﴾ ‪ .‬وعن أب هريرة رضي ال عنه عن النب‬ ‫مِ ْن َبعْدِي ِإنّ كَ َأنْ َ‬
‫قال ‪ « :‬إن عفريتًا من ال نّ تفلّت عل ّي البارحة ‪ -‬أو كلمة نوها ‪ -‬ليقطع‬
‫عل ّي الصلة ‪ ،‬فأمكنن ال تبارك وتعال منه ‪ ،‬وأردت أن أربطه إل سارية من‬
‫سَواري السَجد حتَ تصَبحوا وتنظروا إليَه كلّكَم ‪ ،‬فذكرت قول أخَي‬
‫سليمان عل يه ال سلم ‪ ﴿ :‬رَبّ ا ْغفِرْ لِي َوهَ بْ لِي مُلْكًا ل َيْنبَغِي ل َح ٍد مِ نْ‬
‫َبعْدِي ﴾ ‪ .‬قال روح ‪ :‬فردّه خا سئًا » ‪ .‬مت فق عل يه ‪ .‬و ف روا ية أح د من‬
‫حديث أب سعيد ‪ « :‬ولول دعوة أخي سليمان لصبح مربوطًا بسارية من‬
‫سواري السجد يتلعب به صبيان الدينة ‪ ،‬فمن استطاع منكم أن ل يول‬
‫بينه وبي القبلة أحد فليفعل » ‪.‬‬
‫ّنَ َبعْدِي‬ ‫وقال الضحاك فـ قوله ‪َ ﴿ :‬وه ْ‬
‫َبَ لِي ُملْكا لّا يَنبَغ ِي ِلأَحَ ٍد م ْ‬
‫﴾ فإنه دعا يوم دعا ول يكن ف ملكه الريح وكل بنّاء وغوّاص من الشياطي‬
‫‪ ،‬فدعا ربه عند توبته واستغفاره ‪ ،‬فوهب ال له ما سأل فت مّ ملكه ‪ .‬وعن‬
‫جرِي ِبأَمْرِهِ رُخَاء َحيْثُ أَصَابَ ﴾ قال ‪ :‬سريعة‬
‫سخّ ْرنَا لَهُ الرّي َح تَ ْ‬‫قتادة ‪ ﴿ :‬فَ َ‬
‫طيّ بة ‪ ،‬لي ست بعا صفة ول بطيئة ‪ .‬وقال ا بن ز يد ‪ :‬الرخاء الليّ نة ‪ .‬و عن ا بن‬
‫َ‬
‫َ ُرخَاء ﴾ قال ‪ :‬يعنَ بالرخاء الطيعَة ﴿ َحيْث ُ‬ ‫جرِي ِبأَمْرِه ِ‬ ‫عباس ‪ ﴿ :‬تَ ْ‬
‫‪739‬‬ ‫توفيق الرحن ف دروس القرآن‬

‫شيَاطِيَ ُك ّل‬
‫أَصَابَ ﴾ يقول ‪ :‬حيث أراد ‪ .‬انتهى عليها ‪ .‬وعن قتادة ‪ ﴿ :‬وَال ّ‬
‫َبنّاء َوغَوّا صٍ ﴾ قال ‪ :‬يعملون له ما يشاء من مار يب وتاث يل ﴿ َو َغوّا صٍ‬
‫صفَادِ ﴾ ‪ ،‬قال ‪:‬‬ ‫﴾ يستخرجون الل يّ من الب حر ﴿ وَآخَرِي َن ُمقَ ّرنِيَ فِي اْلأَ ْ‬
‫مردة الشياطي ف الغلل ‪.‬‬
‫ك ِب َغيْرِ حِ سَابٍ ﴾ ‪،‬‬ ‫وعن السن ف قوله ‪ ﴿ :‬هَذَا عَطَا ُؤنَا فَا ْمنُ نْ َأوْ َأمْ سِ ْ‬
‫قال ‪ :‬الُلك الذي أعطيناك ‪ ،‬فأ عط ما شئت وام نع ما شئت ‪ ،‬فل يس عل يك‬
‫س َن مَآبٍ ﴾ ‪.‬‬ ‫تبعة ول حساب ‪َ ﴿ .‬وِإنّ لَ ُه عِن َدنَا لَزُْلفَى وَحُ ْ‬
‫قال ا بن كث ي ‪ :‬ل ا ذ كر تبارك وتعال ما أع طى سليمان عل يه ال صلة‬
‫والسلم ف الدنيا ‪ ،‬نبّه تعال على أنه ذو حظ عظيم عند ال يوم القيامة أيضًا‬
‫فقال تعال ‪َ ﴿ :‬وإِنّ لَ ُه عِن َدنَا لَزُْلفَى وَحُ سْ َن مَآ بٍ ﴾ ‪ ،‬أي ‪ :‬ف الدار الخرة‬
‫‪.‬‬

‫***‬
‫الزء الثالث‬ ‫‪740‬‬

‫الدرس التاسع والثلثون بعد الائتي‬

‫ب وَ َعذَابٍ‬
‫ب ِإذْ نَادَى َرّبهُ َأنّي َمسِّنيَ الشّيْطَانُ بِنُصْ ٍ‬
‫﴿ وَاذْ ُكرْ عَ ْب َدنَا َأيّو َ‬
‫سلٌ بَا ِر ٌد وَ َشرَا بٌ (‪ )42‬وَ َوهَبْنَا لَ ُه َأهْلَ هُ‬
‫ك َهذَا ُمغْتَ َ‬
‫ض ِبرِجْلِ َ‬
‫(‪ )41‬ارْكُ ْ‬
‫ضغْثا‬
‫َومِثْلَهُم ّم َعهُم ْـ َرحْ َم ًة مّنّاـ َوذِ ْكرَى ِلُأ ْولِي اْلَألْبَابِـ (‪ )43‬وَ ُخذْ بِيَدِكَـ ِ‬
‫ث ِإنّا وَ َج ْدنَا هُ صَابِرا ِنعْ مَ اْلعَ ْبدُ ِإنّ ُه َأوّا بٌ (‪ )44‬وَاذْ ُكرْ‬
‫ضرِب بّ هِ َولَا تَحَْن ْ‬
‫فَا ْ‬
‫ُوبـ أُ ْولِي اْلأَْيدِي وَاْلأَبْصـَارِ (‪ِ )45‬إنّاـ‬
‫ق َويَ ْعق َ‬
‫ِسـحَا َ‬
‫ِيمـ وَإ ْ‬
‫عِبَادَنَـا إْبرَاه َ‬
‫ُصـ َطفَ ْينَ‬
‫ِنـ الْم ْ‬
‫ُمـ عِندَنَا لَم َ‬
‫ِصـٍة ذِ ْكرَى الدّارِ (‪ )46‬وَِإّنه ْ‬
‫َصـنَاهُم بِخَال َ‬
‫َأخْل ْ‬
‫اْلأَخْيَارِ (‪ )47‬وَاذْ ُك ْر إِ سْمَاعِي َل وَالْيَ سَ َع َوذَا اْل ِكفْ ِل وَ ُكلّ مّ نْ اْلأَخْيَارِ (‪)48‬‬
‫حةً ّلهُمُ اْلَأبْوَابُ‬
‫س َن مَآبٍ (‪ )49‬جَنّاتِ َعدْ ٍن ّمفَتّ َ‬
‫َهذَا ذِ ْك ٌر َوإِنّ لِ ْلمُّتقِيَ لَحُ ْ‬
‫ُمـ‬
‫َابـ (‪ )51‬وَعِندَه ْ‬
‫ي ٍة َو َشر ٍ‬
‫ُونـ فِيهَا ِبفَا ِكهَةٍ كَثِ َ‬
‫(‪ )50‬مُّتكِئِيَ فِيهَا َيدْع َ‬
‫صرَاتُ ال ّطرْ فِ أَْترَا بٌ (‪َ )52‬هذَا مَا تُو َعدُو َن لَِيوْ ِم الْحِ سَابِ (‪ )53‬إِنّ‬
‫قَا ِ‬
‫ش ّر مَآ بٍ (‪ )55‬جَهَنّ مَ‬
‫َهذَا َلرِ ْزقُنَا مَا لَ هُ مِن ّنفَادٍ (‪َ )54‬هذَا َوإِنّ لِلطّاغِيَ َل َ‬
‫س الْ ِمهَادُ (‪ )56‬هَذَا فَلَْيذُوقُو ُه حَمِي ٌم وَغَ سّاقٌ (‪ )57‬وَآ َخرُ‬
‫يَ صْ َلوَْنهَا فَبِئْ َ‬
‫مِن َشكْلِ هِ أَزْوَا جٌ (‪َ )58‬هذَا َفوْ جٌ ّمقْتَحِ مٌ ّم َعكُ مْ لَا َمرْحَبا ِبهِ مْ ِإّنهُ مْ صَالُوا‬
‫س اْل َقرَارُ (‬
‫النّارِ (‪ )59‬قَالُوا َبلْ أَنتُ ْم لَا َم ْرحَبا ِبكُ مْ أَنتُ ْم َق ّدمْتُمُو ُه لَنَا فَبِئْ َ‬
‫ضعْفا فِي النّارِ (‪َ )61‬وقَالُوا مَا‬
‫‪ )60‬قَالُوا َربّنَا مَن َقدّ َم لَنَا َهذَا َف ِزدْهُ َعذَابا ِ‬
‫خ ِريّا أَمْ زَاغَتْ‬
‫خ ْذنَاهُمْ سِ ْ‬
‫لَنَا لَا َنرَى ِرجَالً كُنّا َن ُع ّدهُم مّنَ اْلأَ ْشرَارِ (‪َ )62‬أتّ َ‬
‫ص ُم َأهْ ِل النّارِ (‪ُ )64‬قلْ ِإنّمَا أَنَا‬
‫عَ ْنهُ مُ اْلَأبْ صَارُ (‪ )63‬إِنّ َذلِ كَ لَحَقّ تَخَا ُ‬
‫‪741‬‬ ‫توفيق الرحن ف دروس القرآن‬

‫ض َومَا‬
‫ت وَاْلأَرْ ِ‬
‫مُنذِ ٌر َومَا مِنْ ِإلَهٍ ِإلّا اللّ ُه الْوَا ِحدُ اْل َقهّارُ (‪َ )65‬ربّ السّمَاوَا ِ‬
‫ُونـ (‬
‫ْهـ ُم ْعرِض َ‬
‫ُمـ عَن ُ‬
‫ِيمـ (‪ )67‬أَنت ْ‬
‫بَيَْنهُمَا اْل َعزِيزُ اْل َغفّارُ (‪ُ )66‬قلْ ُهوَ نَبَأٌ َعظ ٌ‬
‫‪ )68‬مَا كَا َن لِي مِ نْ عِلْ ٍم بِالْمَ َلِإ الْأَعْلَى ِإذْ يَخَْت صِمُونَ (‪ )69‬إِن يُوحَى ِإلَيّ‬
‫ِإلّا َأنّمَا َأنَا َنذِي ٌر مّبِيٌ (‪ِ )70‬إ ْذ قَالَ َربّ كَ لِلْمَلَاِئكَ ِة ِإنّي خَالِ قٌ َبشَرا مِن ِطيٍ‬
‫جدَ‬
‫ت فِي ِه مِن رّوحِي َف َقعُوا لَ هُ سَا ِجدِينَ (‪ )72‬فَ سَ َ‬
‫(‪َ )71‬فِإذَا َسوّيُْت ُه وََنفَخْ ُ‬
‫س ا سْتَكَْب َر وَكَا نَ مِ ْن الْكَافِرِي نَ (‬
‫الْمَلَائِ َكةُ كُ ّلهُ مْ َأجْ َمعُو نَ (‪ِ )73‬إلّا ِإبْلِي َ‬
‫ت أَ مْ‬
‫ت بَِيدَيّ أَ سَْتكَْبرْ َ‬
‫ج َد لِمَا خَ َلقْ ُ‬
‫ك أَن تَ سْ ُ‬
‫س مَا مََنعَ َ‬
‫‪ )74‬قَالَ يَا ِإبْلِي ُ‬
‫ت مِ نَ اْلعَالِيَ (‪ )75‬قَالَ َأنَا خَ ْي ٌر مّنْ هُ خَ َلقْتَنِي مِن نّارٍ َوخَ َلقْتَ ُه مِن طِيٍ (‬
‫كُن َ‬
‫ج مِ ْنهَا َفِإنّ كَ َرجِي مٌ (‪ )77‬وَإِنّ عَلَيْ كَ َلعْنَتِي ِإلَى َيوْ ِم الدّي نِ‬
‫‪ )76‬قَالَ فَاخْرُ ْ‬
‫ك مِ نَ الْمُن َظرِي نَ (‬
‫(‪ )78‬قَالَ َربّ َفأَنظِ ْرنِي ِإلَى َيوْ ِم يُ ْبعَثُو نَ (‪ )79‬قَالَ َفِإنّ َ‬
‫ت الْ َمعْلُو مِ (‪ )81‬قَا َل فَِبعِ ّزتِ كَ َلأُ ْغ ِويَنّهُ ْم أَجْ َمعِيَ (‪)82‬‬
‫‪ِ )80‬إلَى َيوْ ِم الْ َوقْ ِ‬
‫صيَ (‪ )83‬قَالَ فَالْحَقّ وَالْحَقّ َأقُولُ (‪َ )84‬لَأمْلَأَنّ‬
‫ِإلّا عِبَادَ َك مِ ْنهُ ُم الْمُخْلَ ِ‬
‫ك مِ ْنهُ مْ َأجْ َمعِيَ (‪ُ )85‬ق ْل مَا أَ ْسأَُلكُمْ عَلَيْ ِه مِ ْن أَ ْجرٍ‬
‫ك وَمِمّن تَِبعَ َ‬
‫َجهَنّ مَ مِن َ‬
‫َومَا أَنَا مِ نَ الْمَُتكَ ّلفِيَ (‪ )86‬إِ ْن ُهوَ ِإلّا ذِ ْك ٌر لّ ْلعَالَمِيَ (‪َ )87‬ولََتعْلَ ُمنّ نََبأَ هُ‬
‫َب ْعدَ حِيٍ (‪. ﴾ )88‬‬

‫***‬
‫الزء الثالث‬ ‫‪742‬‬

‫َسـنِيَ‬
‫ّهـ َأنّيـ م ّ‬
‫ّوبـ ِإذْ نَادَى َرب ُ‬
‫قوله عـز وجـل ‪ ﴿ :‬وَاذْ ُكرْ عَ ْبدَن َا َأي َ‬
‫ك َهذَا ُمغْتَ سَ ٌل بَا ِردٌ َو َشرَا بٌ‬
‫ض ِب ِرجْلِ َ‬
‫ب وَ َعذَا بٍ (‪ )41‬ارْكُ ْ‬
‫الشّيْطَا نُ بِنُ صْ ٍ‬
‫(‪َ )42‬ووَهَبْنَا لَ هُ َأهْلَ هُ َومِثْلَهُم ّم َعهُ مْ َرحْ َم ًة مّنّ ا َوذِ ْكرَى لُِأ ْولِي الَْألْبَا بِ (‬
‫ث إِنّا وَ َج ْدنَا هُ صَابِرا ِنعْ َم اْلعَبْدُ‬
‫ضرِب بّ هِ َولَا تَحَْن ْ‬
‫ضغْثا فَا ْ‬
‫‪َ )43‬وخُ ْذ بَِيدِ كَ ِ‬
‫ِإّنهُ َأوّابٌ (‪. ﴾ )44‬‬
‫صبٍ َوعَذَا بٍ ﴾ ‪،‬‬ ‫عن قتادة ‪ ﴿ :‬وَاذْ ُك ْر َعبْ َدنَا َأيّو بَ ﴾ حت بلغ ‪ِ ﴿ :‬بنُ ْ‬
‫ذهاب الال وال هل والضرّ الذي أ صابه ف ج سده ‪ .‬قال ‪ :‬ابتلي سبع سني‬
‫وأشهرًا مُلقى على كُناسة لبن إسرائيل تتلف الدوا بّ ف جسده ‪ ،‬ففرّج ال‬
‫ك هَذَا ُم ْغتَسَ ٌل بَارِدٌ‬
‫ض بِرِ ْجلِ َ‬ ‫عنه وعظّم له الجر وأحسن عليه الثناء ‪ ﴿ .‬ارْكُ ْ‬
‫َن‬ ‫َوشَرَاب ٌَ ﴾ ‪ ،‬قال ‪ :‬ضرب برجله الرض فإذا عينان تنبعان ‪ ،‬فشرب مَ‬
‫إحداها ‪ ،‬واغتسل من الخرى ؛ قال وهب ‪ :‬فأذهب ال عنه كل ما كان به‬
‫من البلء ‪.‬‬
‫وعَن قتادة ‪َ ﴿ :‬ووَ َهبْنَا لَهََُأهْلَهَُ َو ِمثْلَهُم ّم َعهُم َْ ﴾ ‪ ،‬قال ‪ :‬قال السَن‬
‫فأحياهم ال بأعيانم وزادّهم مثلهم ﴿ َرحْ َم ًة ّمنّا َوذِكْرَى ِلُأوْلِي اْلأَْلبَابِ ﴾ ‪.‬‬
‫وعَن ماهَد ‪ :‬قيَل له ‪ :‬إن شئت أحييناهَم لك ‪ ،‬وإن شئت كانوا لك فَ‬
‫الخرة ‪ ،‬وتعطى مثلهم ف الدين ‪ ،‬فاختار أن يكونوا ف الخرة ‪ .‬ومثلهم ف‬
‫حنَ ثْ ﴾ ‪ ،‬قال ‪:‬‬ ‫ضرِب بّ ِه وَلَا تَ ْ‬
‫ضغْثا فَا ْ‬
‫الد ين ‪ .‬و عن قتادة ‪ ﴿ :‬وَخُ ْذ ِبيَدِ كَ ِ‬
‫كا نت امرأ ته قد عَرَ ضت له بأ مر ‪ ،‬وأراد ها إبل يس على ش يء ‪ ،‬فقال ‪ :‬لو‬
‫‪743‬‬ ‫توفيق الرحن ف دروس القرآن‬

‫َ عليهَا الزع ‪ -‬فحلف نَب ال ‪ :‬لِئن ال‬ ‫تكلمَت بكذا وكذا ‪ ،‬وإناَ حله ا‬
‫شفاه ليجلِدنّهَا مائة جلدة قال ‪ :‬فأمَر بغصَن فيَه تسَعة وتسَعون قضيبًا ‪،‬‬
‫والصل تكملة الِائَة ‪ ،‬فضربا ضربة واحدة ‪ ،‬فأبرّ نبّ ال ‪ ،‬و َخفّ فَ ال عن‬
‫أ َمتِهِ ‪ ،‬وال رحيم ‪.‬‬
‫قال ابن كثي ‪ :‬وهذا من الفرج والخرج لن اتقى ال تعال وأناب إليه ‪،‬‬
‫ولذا قال جل وعل ‪ِ ﴿ :‬إنّا وَ َج ْدنَاهُ صَابِرًا ِنعْ َم اْلعَبْدُ ِإنّهُ َأوّابٌ ﴾ ‪.‬‬
‫ُوبـ ُأ ْولِي‬
‫ِسـحَاقَ وََي ْعق َ‬
‫ِيمـ َوإ ْ‬
‫قوله عـز وجـل ‪ ﴿ :‬وَاذْ ُكرْ عِبَادَنَا إْبرَاه َ‬
‫صةٍ ذِ ْكرَى الدّارِ (‪َ )46‬وِإنّهُ مْ‬
‫اْلأَْيدِي وَاْلأَبْ صَارِ (‪ِ )45‬إنّ ا أَخْلَ صْنَاهُم بِخَالِ َ‬
‫عِندَنَا لَمِ نَ الْمُ صْ َطفَ ْينَ اْلَأخْيَارِ (‪ )47‬وَاذْ ُك ْر إِ سْمَاعِي َل وَالْيَ سَ َع َوذَا اْل ِكفْلِ‬
‫س َن مَآ بٍ (‪ )49‬جَنّا تِ‬
‫وَ ُك ّل مّ نْ اْلأَخْيَارِ (‪ )48‬هَذَا ذِ ْكرٌ َوإِنّ لِلْمُّتقِيَ لَحُ ْ‬
‫يةٍ‬
‫حةً لّهُ مُ اْلأَْبوَا بُ (‪ )50‬مُّتكِئِيَ فِيهَا َيدْعُو نَ فِيهَا ِبفَا ِكهَةٍ كَثِ َ‬
‫َعدْ ٍن ّمفَتّ َ‬
‫ت ال ّطرْ فِ أَْترَا بٌ (‪َ )52‬هذَا مَا تُو َعدُو نَ‬
‫صرَا ُ‬
‫َو َشرَا بٍ (‪ )51‬وَعِن َدهُ مْ قَا ِ‬
‫حسَابِ (‪ )53‬إِ ّن َهذَا َلرِ ْزقُنَا مَا َلهُ مِن نّفَادٍ (‪. ﴾ )54‬‬
‫لَِيوْ ِم الْ ِ‬
‫عن ابن عباس قوله ‪ُ ﴿ :‬أوْلِي الَْأيْدِي وَاْلأَبْصَارِ ﴾ ‪ ،‬يقول ‪ :‬أول القوة ف‬
‫العبادة ﴿ وَالَْأبْ صَارِ ﴾ ‪ ،‬يقول ‪ :‬الفقه ف الدين ‪ .‬وقال ماهد ‪ ﴿ :‬الَْأيْدِي ﴾‬
‫القوة ف أ مر ال ‪ ﴿ ،‬وَاْلأَبْ صَارِ ﴾ العقول ‪ .‬وقال ال سدي ‪ ﴿ :‬اْلأَيْدِي ﴾ ‪:‬‬
‫القوة ف طا عة ال ‪ ﴿ ،‬وَاْلأَبْ صَارِ ﴾ ‪ :‬الب صر بعقول م ‪ .‬و عن قتادة ‪ِ ﴿ :‬إنّ ا‬
‫الزء الثالث‬ ‫‪744‬‬

‫صةٍ ذِ ْكرَى الدّارِ ﴾ ‪ ،‬قال ‪ :‬بذه أخلصهم ال ‪ ،‬كانوا يدعون‬


‫صنَاهُم بِخَاِل َ‬
‫أَ ْخَل ْ‬
‫إل الخرة وإل ال ‪.‬‬
‫وقوله تعال ‪ ﴿ :‬هَذَا ذِ ْكرٌ ﴾ ‪ ،‬أي ‪ :‬شرف وذكر جيل يذكرون به أبدًا‬
‫‪ .‬و عن ال سدي ‪ ﴿ :‬هَذَا ذِكْرٌ ﴾ ‪ ،‬قال ‪ :‬القرآن ‪َ ﴿ .‬وإِنّ ِللْ ُمّتقِيَ َلحُ سْ َن‬
‫حةً ّلهُ ُم اْلَأبْوَا بُ ﴾ ‪،‬‬
‫ت عَدْ ٍن ّم َفتّ َ‬
‫مَآ بٍ ﴾ ‪ ،‬قال ال سن ‪ :‬منقلب ‪َ ﴿ ،‬جنّا ِ‬
‫قال السن ‪ :‬أبواب تكلم ‪ ،‬فتكلم ‪ :‬انفتحي انغلقي ‪ .‬وعن عمر بن الطاب‬
‫رضي ال عنه قال ‪ :‬قال رسول ال ‪ « :‬ما منكم من أحد يتوضأ فيسبغ‬
‫الوضوء ث يقول ‪ :‬أشهد أن ل إله إل ال ‪ ،‬وأن ممد رسول ال ‪ ،‬إل فتحت‬
‫﴿‬ ‫له أبواب النَة الثمانيَة يدخَل مَن أيهَا شاء » ‪ .‬رواه مسَلم ‪.‬‬
‫صرَاتُ الطّ ْر فِ‬
‫ُمّتكِئِيَ فِيهَا يَ ْدعُو نَ فِيهَا ِبفَاكِ َهةٍ َكثِيَ ٍة َوشَرَا بٍ * َوعِن َدهُ مْ قَا ِ‬
‫َأتْرَا بٌ ﴾ ‪ ،‬قال قتادة ‪ :‬ق صرن طرف هن على أزواجه ّن فل يردن غي هم ‪﴿ .‬‬
‫َأتْرَا بٌ ﴾ قال ‪ :‬سنّ واحدة ‪ ﴿ .‬هَذَا مَا تُوعَدُو نَ ِلَيوْ ِم الْحِ سَابِ ﴾ ‪ .‬قال‬
‫ا بن كث ي ‪ :‬أي ‪ :‬هذا الذي من صفة النّة ال ت وعد ها لعباده التّق ي ال ت‬
‫ي صيون إلي ها ب عد نشور هم ‪ ،‬وقيام هم من قبور هم ‪ ،‬و سلمتهم من النار ‪.‬‬
‫وعن قتادة ‪ِ ﴿ :‬إ ّن هَذَا َلرِزُْقنَا مَا لَ ُه مِن ّنفَادٍ ﴾ أي ‪ :‬ما له انقطاع ‪.‬‬
‫شرّ مَآ بٍ (‪ )55‬جَهَنّ َم يَ صْ َلوَْنهَا‬
‫قوله عز وجل ‪َ ﴿ :‬هذَا َوإِنّ لِلطّا ِغيَ َل َ‬
‫س الْ ِمهَادُ (‪َ )56‬هذَا فَلَْيذُوقُو ُه حَمِي مٌ وَغَ سّاقٌ (‪ )57‬وَآ َخرُ مِن َشكْلِ هِ‬
‫فَبِئْ َ‬
‫أَ ْزوَاجٌ (‪َ )58‬هذَا َفوْجٌ ّمقْتَحِمٌ ّم َعكُمْ لَا َمرْحَبا ِبهِمْ ِإّنهُمْ صَالُوا النّارِ (‪)59‬‬
‫‪745‬‬ ‫توفيق الرحن ف دروس القرآن‬

‫س اْل َقرَارُ (‪ )60‬قَالُوا َربّنَا‬


‫قَالُوا َبلْ أَنتُ ْم لَا َم ْرحَبا ِبكُ مْ أَنتُ ْم َق ّدمْتُمُو ُه لَنَا فَبِئْ َ‬
‫ضعْفا فِي النّارِ (‪َ )61‬وقَالُوا مَا لَنَا لَا نَرَى‬
‫مَن َقدّ َم لَنَا هَذَا َفزِدْ هُ َعذَابا ِ‬
‫خ ِريّا أَ مْ زَاغَ تْ عَ ْنهُ مُ‬
‫خ ْذنَاهُ مْ سِ ْ‬
‫ِرجَالً كُنّ ا َن ُعدّهُم مّ َن الَْأ ْشرَارِ (‪َ )62‬أتّ َ‬
‫صمُ َأ ْهلِ النّارِ (‪ُ )64‬ق ْل ِإنّمَا َأنَا مُنذِ ٌر َومَا‬
‫حقّ تَخَا ُ‬
‫ك لَ َ‬
‫اْلأَبْصَارُ (‪ )63‬إِنّ َذلِ َ‬
‫ض وَمَا بَيَْنهُمَا‬
‫مِ نْ ِإلَ ٍه ِإلّا اللّ هُ اْلوَا ِحدُ اْل َقهّارُ (‪ )65‬رَبّ ال سّمَاوَاتِ وَاْلأَرْ ِ‬
‫اْلعَزِيزُ اْل َغفّارُ (‪. ﴾ )66‬‬
‫قال البغوي ‪ ﴿ :‬هَذَا ﴾ ‪ ،‬أي ‪ :‬المر هذا ‪َ ﴿ ،‬وِإنّ لِلطّاغِيَ ﴾ الكافرين‬
‫ْسَ الْ ِمهَا ُد‬
‫َصََل ْونَهَا ﴾ يدخلوناَ ﴿ َفِبئ َ‬
‫ّمَ ي ْ‬ ‫َآبَ ﴾ مرجَع ﴿ َج َهن َ‬ ‫﴿ لَشَ ّر م ٍ‬
‫﴾ ‪ ﴿ .‬هَذَا ﴾ ‪ ،‬أي ‪ :‬العذاب ‪ ﴿ .‬فَ ْليَذُوقُو هُ حَمِي ٌم َوغَ سّاقٌ ﴾ ‪ ،‬قال الفرّاء‬
‫‪ :‬أي ‪ :‬هذا حيم وغسّاق فليذوقوه ‪ .‬والميم ‪ :‬الاء الارّ الذي انتهى حرّه ‪.‬‬
‫وقال ابن عباس ‪ :‬الغ سّاق ‪ :‬الزمهرير يرقهم ببده كما ترقهم النار برّها ‪.‬‬
‫وقال قتادة ‪ :‬هو ما يغ سق ‪ .‬أي ‪ :‬يسيل من القيح والصديد من جلود أهل‬
‫ِهَ ﴾ ‪ ،‬مثله ‪ .‬أي ‪ :‬مثَل‬ ‫النار ولومهَم وفروج الزناة ‪ ﴿ .‬وَآخَ ُر م ِن شَكْل ِ‬
‫الميم والغسّاق ‪ ﴿ ،‬أَ ْزوَاجٌ ﴾ ‪ ،‬أي ‪ :‬أصناف أخر من العذاب ‪.‬‬
‫ح ٌم ّم َعكُ مْ ﴾ ‪ ،‬قال ابن عباس ‪ ﴿ :‬هَذَا ﴾ هو أن القادة‬ ‫﴿ هَذَا َفوْ جٌ ّمقْتَ ِ‬
‫إذا دخلوا النار ثَ دخَل بعدهَم التباع قالت الزنَة للكفار ‪ ﴿ :‬هَذَا ﴾ ‪،‬‬
‫ُمَ ﴾ النار ‪ ،‬أي ‪:‬‬ ‫ِمَ ّمعَك ْ‬
‫ْجَ ﴾ جاعَة ‪ّ ﴿ ،‬مقْتَح ٌ‬ ‫يعنَ ‪ :‬التباع ‪َ ﴿ ،‬فو ٌ‬
‫َ أنتَم دخلتموهَا ‪ .‬قال الكلبَ ‪ :‬إنمَيُضربون بالقامَع حتَ‬ ‫داخلوهَا كم ا‬
‫الزء الثالث‬ ‫‪746‬‬

‫يوقعوا أنفسهم ف النار خوفًا من تلك القامع فقالت القادة ‪ ﴿ :‬لَا مَرْحَبا ِبهِ ْم‬
‫َ صََالُوا النّارِ ﴾ ‪ ،‬أي ‪ :‬داخلوهَا كمَا‬ ‫﴾ ‪ ،‬يعنَ ‪ :‬بالتباع ‪ِ ﴿ ،‬إّنهُم ْ‬
‫ُمَ‬
‫ُمَ أَنت ْ‬ ‫ُمَ لَا مَرْحَبا ِبك ْ‬ ‫صَلينا ‪ ﴿ ،‬قَالُوا ﴾ ‪ ،‬فقال التباع للقادة ‪ ﴿ :‬بَلْ أَنت ْ‬
‫ُوهَ لَنَا ﴾ ‪ ،‬يقول التباع للقادة ‪ :‬أنتَم بدأتَ بالكفَر قبلنَا وشرعتَم‬ ‫َق ّدمْتُم ُ‬
‫ْسَ الْقَرَارُ ﴾ ‪ ،‬أي ‪ :‬فبئس دار القرار جهنَم ‪ ﴿ .‬قَالُوا‬ ‫وسَننتموه لنَا ﴿ َفِبئ َ‬
‫﴾ يع ن ‪ :‬التباع ‪َ ﴿ :‬ربّنَا مَن قَدّ مَ لَنَا هَذَا ﴾ ‪ ،‬أي ‪ :‬شرعه وسنّه لنا ‪﴿ :‬‬
‫ضعْفا فِي النّارِ ﴾ ‪ ،‬أي ‪ :‬ضعّف عليه العذاب ‪ .‬قال ابن مسعود‬ ‫َفزِدْ هُ عَذَابا ِ‬
‫‪ :‬يعن ‪ :‬حيّات ‪ ،‬وأفاعي ‪.‬‬
‫وقالوا و هم ف النار ‪ ﴿ :‬مَا لَنَا لَا نَرَى رِجَالً ُكنّ ا َنعُدّهُم ﴾ ف الدن يا‬
‫َ اْلأَشْرَارِ ﴾ ‪ ،‬يعنون ‪ :‬فقراء الؤمنيَ ‪ .‬ثَ ذكروا أنمَ كانوا‬ ‫﴿ مّن َ‬
‫خ ْذنَاهُ مْ ِسخْ ِريّا ﴾ ؟ قال الفراء ‪ :‬هذا من‬ ‫يسخرون من هؤلء فقالوا ‪َ ﴿ :‬أتّ َ‬
‫ال ستفهام الذي معناه التوب يخ والتعجّب ﴿ أَ مْ زَاغَ تْ ﴾ أي مالت ﴿ عَْنهُ مُ‬
‫اْلأَبْ صَارُ ﴾؟ وماز ال ية ‪ :‬ما ل نا ل نرى هؤلء الذ ين اتّخذنا هم سخريّا ل‬
‫يدخلوا معنا النار ؟ أم دخلوها فزاغت عنهم أبصارنا فلم نرهم حي دخلوا ؟‬
‫صمُ َأهْلِ النّارِ ﴾ ‪ ،‬أي ‪ :‬تاصم أهل النار ف النار لقّ ‪.‬‬ ‫﴿ إِنّ ذَلِكَ َلحَ ّق تَخَا ُ‬
‫﴿ قُلْ ﴾ يا ممد لشركي مكّة ‪ِ ﴿ :‬إنّمَا َأنَا مُنذِرٌ ﴾ موّف ‪َ ﴿ ،‬ومَا مِ نْ إِلَهٍ‬
‫إِلّا اللّ ُه اْلوَا ِح ُد الْ َقهّارُ * رَبّ السّمَاوَاتِ وَاْلأَرْضِ َومَا َبْينَهُمَا اْلعَزِي ُز اْل َغفّارُ ﴾ ‪.‬‬
‫انتهى ملخصًا ‪.‬‬
‫‪747‬‬ ‫توفيق الرحن ف دروس القرآن‬

‫قوله عز و جل ‪ُ ﴿ :‬ق ْل ُهوَ نََبأٌ عَظِي مٌ (‪ )67‬أَنتُ مْ عَنْ ُه ُم ْعرِضُو نَ (‪ )68‬مَا‬


‫ختَ صِمُونَ (‪ )69‬إِن يُوحَى ِإلَيّ ِإلّا َأنّمَا‬
‫كَا َن لِي مِ نْ عِلْ ٍم بِالْمَ َلِإ الْأَعْلَى ِإذْ يَ ْ‬
‫َأنَا َنذِيرٌ مّبِيٌ (‪ِ )70‬إ ْذ قَالَ َربّ كَ لِلْمَلَاِئكَ ِة ِإنّي خَالِ قٌ َبشَرا مِن ِطيٍ (‪)71‬‬
‫جدَ‬
‫َسـ َ‬
‫َهـ سـَاجِدِينَ (‪ )72‬ف َ‬
‫ِيهـ مِن رّوحِي َفقَعُوا ل ُ‬
‫ْتـ ف ِ‬
‫سـّويُْتهُ َوَنفَخ ُ‬
‫َفِإذَا َ‬
‫س ا سْتَكَْب َر وَكَا نَ مِ ْن الْكَافِرِي نَ (‬
‫الْمَلَائِ َكةُ كُ ّلهُ مْ َأجْ َمعُو نَ (‪ِ )73‬إلّا ِإبْلِي َ‬
‫ت أَ مْ‬
‫ت بَِيدَيّ أَ سَْتكَْبرْ َ‬
‫ج َد لِمَا خَ َلقْ ُ‬
‫ك أَن تَ سْ ُ‬
‫س مَا مََنعَ َ‬
‫‪ )74‬قَالَ يَا ِإبْلِي ُ‬
‫ت مِ نَ اْلعَالِيَ (‪ )75‬قَالَ َأنَا خَ ْي ٌر مّنْ هُ خَ َلقْتَنِي مِن نّارٍ َوخَ َلقْتَ ُه مِن طِيٍ (‬
‫كُن َ‬
‫ج مِ ْنهَا َفِإنّ كَ َرجِي مٌ (‪ )77‬وَإِنّ عَلَيْ كَ َلعْنَتِي ِإلَى َيوْ ِم الدّي نِ‬
‫‪ )76‬قَالَ فَاخْرُ ْ‬
‫ك مِ نَ الْمُن َظرِي نَ (‬
‫(‪ )78‬قَالَ َربّ َفأَنظِ ْرنِي ِإلَى َيوْ ِم يُ ْبعَثُو نَ (‪ )79‬قَالَ َفِإنّ َ‬
‫ت الْ َمعْلُو مِ (‪ )81‬قَا َل فَِبعِ ّزتِ كَ َلأُ ْغ ِويَنّهُ ْم أَجْ َمعِيَ (‪)82‬‬
‫‪ِ )80‬إلَى َيوْ ِم الْ َوقْ ِ‬
‫صيَ (‪ )83‬قَالَ فَالْحَقّ وَالْحَقّ َأقُولُ (‪َ )84‬لَأمْلَأَنّ‬
‫ِإلّا عِبَادَ َك مِ ْنهُ ُم الْمُخْلَ ِ‬
‫ك مِ ْن ُهمْ َأجْ َمعِيَ (‪. ﴾ )85‬‬
‫ك وَمِمّن تَِبعَ َ‬
‫َجهَّنمَ مِن َ‬
‫قال ا بن كث ي ‪ ﴿ :‬قُ ْل ُهوَ َنَبأٌ عَظِي مٌ ﴾ ‪ ،‬أي ‪ :‬خب عظ يم وشأن بل يغ ‪،‬‬
‫وهو ‪ :‬إرسال ال تعال إيّاي إليكم ‪ ﴿ ،‬أَنتُ ْم َعنْ ُه ُمعْرِضُونَ ﴾ أي ‪ :‬غافلون ‪.‬‬
‫قال ما هد ‪ ،‬وشر يح القا ضي ‪ ،‬وال سدي ف قوله عز و جل ‪ُ ﴿ :‬ق ْل ُهوَ َنَبأٌ‬
‫عَظِي مٌ ﴾ يعن ‪ :‬القرآن ‪ .‬وقوله تعال ‪ ﴿ :‬مَا كَا نَ لِي مِ ْن عِلْ مٍ بِالْمَلَِإ اْلأَعْلَى‬
‫ختَصِمُونَ ﴾ أي ‪ :‬لول الوحي من أين كنت أدري باختلف الل العلى‬ ‫إِذْ يَ ْ‬
‫ف شأن آدم ‪ ،‬وامتناع إبليس من السجود له وماجّته ربه ف تفضيله عليه ؟‬
‫الزء الثالث‬ ‫‪748‬‬

‫انتهى ‪ .‬وعن قتادة ‪ :‬قوله ‪ ﴿ :‬مَا كَا نَ لِي مِ ْن عِ ْل ٍم بِالْمَلَِإ اْلأَعْلَى ﴾ ‪ ،‬قال ‪:‬‬
‫هم اللئكة ‪ ،‬كانت خصومتهم ف شأن آدم ح ي قال ربك للملئ كة ‪﴿ :‬‬
‫ِإنّي خَالِ ٌق بَشَرا مِن طِيٍ ﴾ حت بلغ ‪ ﴿ :‬سَاجِدِينَ ﴾ ‪ ،‬وحي قال ‪ِ ﴿ :‬إنّي‬
‫سفِكُ ال ّدمَاء ﴾ ففي هذا اختصم‬ ‫جَاعِلٌ فِي الَ ْرضِ خَلِي َفةً ﴾ حت بلغ ‪َ ﴿ :‬ويَ ْ‬
‫الل العلى ‪ .‬و ف حد يث معاذ الطو يل ع ند الِمام أح د قال ‪ -‬يع ن ر سول‬
‫ال ‪ « : -‬إن قمت من الليل فصلّيت ما قدّر ل ‪ ،‬فنعست ف صلت حت‬
‫استيقظت ‪ ،‬فإذا أنا بربّي ع ّز وجلّ ف أحسن صورة ‪ ،‬فقال ‪ :‬يا ممد أتدري‬
‫َ ثلثًا ‪ ،‬فرأيتَه‬
‫فيمََ يتصَم الل العلى ؟ قلت ‪ :‬ل أدري يَا ربَّ ؟ أعاده ا‬
‫و ضع كفّه ب ي كت في ح ت وجدت برد أنامله ب ي صدري ‪ ،‬فتجلّى ل كلّ‬
‫فيمَ يتصَم الل العلى ؟ قلت ‪ :‬فَ‬ ‫شيَء وعرفَت ‪ ،‬فقال ‪ :‬يَا ممَد َ‬
‫الكفّارات ‪ .‬قال ‪ :‬ومََا الكفارات ؟ قلت ‪ :‬نقََل القدام إل الماعات ‪،‬‬
‫واللوس ف الساجد بعد الصلوات » ‪ .‬الديث ‪.‬‬
‫قال ابن كثي ‪ :‬وليس هذا الختصام هو الختصام الذكور ف القرآن ‪،‬‬
‫فإن هذا قد فُسّر ‪ ،‬وأما الختصام الذي ف القرآن ‪ ،‬فقد فُسّر بعد هذا ‪ ،‬وهو‬
‫قوله ‪ِ ﴿ :‬إذْ قَالَ َربّ كَ لِلْ َملَاِئ َكةِ ﴾ إل آ خر الق صة ‪ .‬و عن ا بن ع مر قال ‪:‬‬
‫( خلق ال أرب عة بيده ‪ :‬العرش ‪ ،‬وعدن ‪ ،‬والقلم ‪ ،‬وآدم ‪ .‬ث قال لكلّ ش يء‬
‫ُمَ‬
‫ِكََلأُ ْغ ِويَّنه ْ‬
‫‪ :‬كَن فكان ) ‪ .‬رواه ابَن جريَر ‪ .‬وعَن قتادة قال ‪َ ﴿ :‬فِبعِ ّزت َ‬
‫حقّ‬
‫أَ ْج َمعِيَ ﴾ ‪ ،‬قال ‪ :‬علم عدوّ ال أنه ليست له عزّة ‪ .‬وعن ماهد ‪ ﴿ :‬فَالْ َ‬
‫وَالْحَقّ أَقُولُ ﴾ ‪ ،‬يقول ال ‪ :‬ال ّق منّي وأقول ال قّ ‪ .‬قال ا بن كث ي ‪ :‬وهذه‬
‫‪749‬‬ ‫توفيق الرحن ف دروس القرآن‬

‫جّنةِ وَالنّا سِ‬


‫الية كقوله تعال ‪ ﴿ :‬وََلكِ نْ حَقّ اْل َقوْلُ ِمنّي َلَأمَْلأَنّ َج َهنّ َم مِ َن الْ ِ‬
‫أَ ْج َمعِيَ ﴾ ‪.‬‬
‫قوله عز وجل ‪ُ ﴿ :‬قلْ مَا أَ ْسَألُ ُكمْ عَلَيْ ِه مِنْ َأ ْجرٍ َومَا َأنَا مِ َن الْمَُتكَلّفِيَ (‬
‫‪ )86‬إِ ْن ُهوَ ِإلّا ذِ ْك ٌر لّ ْلعَالَ ِميَ (‪ )87‬وَلََتعْلَ ُم ّن نََبَأهُ َب ْعدَ حِيٍ (‪. ﴾ )88‬‬
‫قال ابـن ز يد ف قوله ‪ ﴿ :‬قُ ْل مَا أَ ْسأَلُكُ ْم عََليْ ِه مِ نْ أَ ْج ٍر وَمَا أَنَا مِ نَ‬
‫الْ ُمَتكَّلفِيَ ﴾ ‪ ،‬قل ‪ :‬ل أ سألكم على القرآن أجرًا تعطو ن شيئًا ‪ ﴿ ،‬وَمَا أَنَا‬
‫مِ َن الْ ُمَتكَّلفِيَ ﴾ أترص وأتكلّف ما ل يأمرن ال به ‪ .‬وعن مسروق قال ‪:‬‬
‫أتي نا ع بد ال بن م سعود ر ضي ال ع نه فقال ‪ :‬يا أي ها الناس من علم شيئًا‬
‫فليقل به ‪ ،‬ومن ل يعلم فليقل ‪ :‬ال أعلم ‪ ،‬فإن من العلم أن يقول الرجل لا‬
‫ل يعلم ‪ :‬ال أعلم ؛ فإن ال عز و جل قال ل نبيه ‪ ﴿ :‬قُ ْل مَا أَ ْسأَُلكُ ْم عََليْ هِ‬
‫مِنْ أَ ْج ٍر َومَا َأنَا مِ َن الْ ُمَتكَّلفِيَ ﴾ ‪.‬‬
‫وقوله تعال ‪ ﴿ :‬إِ ْن ُهوَ إِلّا ذِكْرٌ لّ ْلعَالَمِيَ ﴾ يع ن ‪ :‬القرآن ذ كر لم يع‬
‫الكلّفي من النس والنّ‪ ،‬قاله ابن عباس رضي ال عنهما ﴿ وََلَتعْلَ ُمنّ َنبَأَهُ ﴾‬
‫خبه و صدقه ‪َ ﴿ ،‬بعْدَ حِيٍ ﴾ ‪ ،‬قال عكر مة ‪ :‬يع ن ‪ :‬يوم القيا مة ‪ .‬وقال‬
‫الكلب ‪ :‬من بقي علم ذلك إذا ظهر أمره وعل ‪ ،‬ومن مات علمه بعد موته ‪.‬‬
‫قال السن بن آدم ‪ :‬عند الوت يأتيك الب اليقي ‪.‬‬

‫***‬
‫الزء الثالث‬ ‫‪750‬‬

‫الدرس الربعون بعد الائتي‬


‫[ سورة الزمر ]‬
‫مكية ‪ ،‬وهي خس وسبعون آية‬
‫عن عائشة رضي ال عنها قالت ‪ ( :‬كان رسول ال يصوم حت نقول‬
‫‪ :‬ما يريد أن يفطر ‪ .‬ويفطر حت نقول ‪ :‬ما يريد أن يصوم ‪ .‬وكان يقرأ ف‬
‫كل ليلة ‪ :‬بن إسرائيل ‪ ،‬والزمر ) ‪ .‬رواه النسائي ‪.‬‬
‫بسم ال الرحن الرحيم‬
‫حكِي مِ (‪ِ )1‬إنّ ا أَن َزلْنَا ِإلَيْ كَ اْلكِتَا بَ‬
‫ب مِ َن اللّ ِه الْ َعزِي ِز الْ َ‬
‫﴿ تَنِيلُ اْلكِتَا ِ‬
‫ص وَاّلذِي نَ‬
‫بِالْحَقّ فَاعُْبدِ اللّ هَ مُخْلِ صا لّ هُ الدّي نَ (‪َ )2‬ألَا لِلّ هِ الدّي نُ الْخَالِ ُ‬
‫حكُمُ‬
‫خذُوا مِن دُونِهِ َأ ْولِيَاء مَا َنعُْبدُهُمْ ِإلّا لُِي َق ّربُونَا إِلَى اللّهِ ُزْلفَى إِنّ اللّ َه يَ ْ‬
‫اتّ َ‬
‫بَيَْنهُمْ فِي مَا هُ ْم فِيهِ يَخْتَ ِلفُو َن إِنّ اللّ َه لَا َي ْهدِي مَ ْن ُهوَ كَاذِبٌ َكفّارٌ (‪ )3‬لَوْ‬
‫ّهـ‬
‫سـبْحَاَنهُ ُهوَ الل ُ‬
‫ُقـ مَا َيشَا ُء ُ‬
‫ّاصـ َطفَى مِمّاـ يَخْل ُ‬
‫خذَ وَلَدا ل ْ‬
‫َنـ يَتّ ِ‬
‫ّهـ أ ْ‬
‫أَرَادَ الل ُ‬
‫حقّ ُي َكوّرُ اللّ ْيلَ عَلَى النّهَارِ‬
‫ض بِالْ َ‬
‫اْلوَاحِ ُد اْلقَهّارُ (‪ )4‬خَلَقَ السّمَاوَاتِ وَالْأَرْ َ‬
‫جرِي ِلأَ َجلٍ مُ سَمّى‬
‫س وَالْقَ َمرَ ُك ّل يَ ْ‬
‫خرَ الشّمْ َ‬
‫َويُ َكوّ ُر النّهَارَ عَلَى اللّ ْيلِ وَ سَ ّ‬
‫َألَا ُهوَ اْل َعزِي ُز الْ َغفّارُ (‪ )5‬خَلَقَكُم مّ ن ّنفْ سٍ وَاحِ َد ٍة ثُمّ َج َعلَ مِنْهَا َزوْجَهَا‬
‫ج يَخْ ُل ُقكُ ْم فِي بُطُو ِن ُأ ّمهَاتِكُ ْم خَلْقا مِن‬
‫َوأَن َزلَ َلكُم مّ ْن الَْأْنعَا ِم ثَمَانَِيةَ أَزْوَا ٍ‬
‫ك لَا ِإلَ هَ ِإلّا ُه َو َفأَنّى‬
‫َب ْعدِ خَلْ ٍق فِي ُظلُمَا تٍ ثَلَا ثٍ َذِلكُ ُم اللّ هُ َرّبكُ ْم لَ هُ الْمُلْ ُ‬
‫صرَفُونَ (‪ )6‬إِن تَ ْك ُفرُوا فَإِنّ اللّ هَ غَِنيّ عَنكُ ْم َولَا َيرْضَى ِلعِبَادِ هِ اْلكُ ْفرَ وَإِن‬
‫تُ ْ‬
‫‪751‬‬ ‫توفيق الرحن ف دروس القرآن‬

‫ُمـ‬
‫ُمـ وَلَا َتزِرُ وَازِ َر ٌة وِزْ َر ُأخْرَى ثُم ّ ِإلَى َربّك ُم ّم ْرجِ ُعك ْ‬
‫َهـ َلك ْ‬
‫شكُرُوا َيرْض ُ‬
‫َت ْ‬
‫س الْإِن سَانَ‬
‫فَيُنَبُّئكُم بِمَا كُنتُ ْم َتعْمَلُو َن ِإنّ هُ عَلِي مٌ ِبذَا تِ ال صّدُورِ (‪ )7‬وَِإذَا مَ ّ‬
‫سيَ مَا كَا َن َيدْعُو إِلَيْ هِ مِن‬
‫ضرّ دَعَا َربّ ُه مُنِيبا ِإلَيْ هِ ُثمّ ِإذَا َخوّلَ هُ ِنعْ َم ًة مّنْ ُه نَ ِ‬
‫ُ‬
‫ّكـ مِن ْـ‬
‫ل ِإن َ‬
‫ضلّ عَن سَـبِي ِلهِ ُق ْل تَمَتّع ْـبِ ُك ْفرِكَـ قَلِي ً‬
‫قَ ْب ُل وَ َج َعلَ لِلّهِـأَندَادا لّيُ ِ‬
‫حذَ ُر الْآ ِخ َرةَ‬
‫ب النّارِ (‪َ )8‬أمّ ْن ُهوَ قَانِ تٌ آنَاء اللّ ْيلِ سَاجِدا َوقَائِما يَ ْ‬
‫صحَا ِ‬
‫أَ ْ‬
‫َوَيرْجُو َرحْ َمةَ َربّ ِه ُقلْ َه ْل يَ سْتَوِي الّذِي نَ َيعْلَمُو َن وَاّلذِي َن لَا َيعْلَمُو َن ِإنّمَا‬
‫ـ‬
‫ـ لِلّذِين َ‬
‫ـ آمَنُوا اّتقُوا َرّبكُم ْ‬
‫ـ (‪ُ )9‬قلْ يَـا عِبَادِ اّلذِين َ‬
‫يََتذَ ّك ُر أُ ْولُوا الَْألْبَاب ِ‬
‫َأحْ سَنُوا فِي َهذِ هِ الدّنْيَا حَ سَنَ ٌة َوأَرْ ضُ اللّ ِه وَا ِسعَ ٌة ِإنّمَا ُي َوفّ ى ال صّاِبرُونَ‬
‫ت أَ ْن أَعُْب َد اللّ َه مُخْلِصا لّ هُ الدّي نَ (‬
‫َأ ْجرَهُم ِبغَ ْيرِ حِ سَابٍ (‪ُ )10‬قلْ ِإنّي ُأمِرْ ُ‬
‫ت ِلأَ ْن أَكُو َن َأوّ َل الْمُ سْلِ ِميَ (‪ُ )12‬قلْ ِإنّ ي أَخَا فُ إِ نْ عَ صَيْتُ‬
‫‪َ )11‬وُأمِرْ ُ‬
‫ب َيوْ مٍ عَظِي مٍ (‪ُ )13‬قلِ اللّ هَ أَ ْعُبدُ مُخْلِصا لّ ُه دِينِي (‪ )14‬فَاعُْبدُوا‬
‫َربّي َعذَا َ‬
‫سرُوا أَنفُ سَ ُه ْم وََأهْلِيهِ ْم يَوْ مَ‬
‫مَا شِئْتُم مّن دُونِ هِ ُق ْل إِنّ الْخَا ِسرِي َن الّذِي َن خَ ِ‬
‫سرَا ُن الْمُبِيُ (‪ )15‬لَهُم مّ ن َف ْو ِقهِ مْ ظُ َل ٌل مّ َن النّارِ‬
‫اْلقِيَا َمةِ َألَا َذلِ كَ ُه َو الْخُ ْ‬
‫ف اللّ ُه بِ هِ عِبَادَ هُ يَا ِعبَا ِد فَاتّقُو نِ (‪ )16‬وَاّلذِي نَ‬
‫خوّ ُ‬
‫ك يُ َ‬
‫َومِن تَحِْتهِ مْ ظُ َل ٌل َذلِ َ‬
‫شرْ عِبَادِ (‬
‫شرَى فََب ّ‬
‫ُمـ الُْب ْ‬
‫ّهـ َله ُ‬
‫ُوتـ أَن َيعُْبدُوهَا وََأنَابُوا ِإلَى الل ِ‬
‫اجْتَنَبُوا الطّاغ َ‬
‫‪ )17‬اّلذِي َن يَ سْتَ ِمعُو َن اْلقَ ْولَ فَيَتِّبعُو َن أَحْ سََن ُه أُ ْولَئِ كَ اّلذِي َن هَدَاهُ ُم اللّ هُ‬
‫ت تُنقِذُ‬
‫ك هُ ْم أُ ْولُوا الَْألْبَا بِ (‪َ )18‬أفَمَ ْن َحقّ عَلَيْ هِ كَلِ َم ُة الْ َعذَا بِ َأ َفأَن َ‬
‫َوُأوْلَئِ َ‬
‫الزء الثالث‬ ‫‪752‬‬

‫ف مّبْنِّيةٌ‬
‫ف مّن َف ْوقِهَا ُغرَ ٌ‬
‫مَن فِي النّارِ (‪ )19‬لَكِنِ اّلذِينَ اّتقَوْا َرّبهُمْ َلهُمْ ُغرَ ٌ‬
‫ف ال ّلهُ الْمِيعَادَ (‪. ﴾ )20‬‬
‫جرِي مِن تَحِْتهَا اْلأَْنهَارُ وَ ْعدَ ال ّلهِ لَا يُخْلِ ُ‬
‫تَ ْ‬

‫***‬
‫‪753‬‬ ‫توفيق الرحن ف دروس القرآن‬

‫حكِيمِ (‪ِ )1‬إنّا أَن َزلْنَا‬


‫قوله عز وجل ‪ ﴿ :‬تَنِيلُ اْلكِتَابِ مِ َن اللّ ِه اْلعَزِيزِ الْ َ‬
‫ّينـ‬
‫ّهـ الد ُ‬
‫ّينـ ( ‪َ )2‬ألَا لِل ِ‬
‫ّهـ الد َ‬
‫خلِصـا ل ُ‬
‫ّهـ مُ ْ‬
‫َابـ بِالْحَقّ فَاعُْب ِد الل َ‬
‫ْكـ الْكِت َ‬
‫ِإلَي َ‬
‫خذُوا مِن دُونِ هِ أَ ْولِيَاء مَا َنعُْبدُهُ مْ إِلّا لُِيقَ ّربُونَا ِإلَى اللّ هِ‬
‫الْخَالِ صُ وَاّلذِي نَ اتّ َ‬
‫حكُ ُم بَيَْنهُمْ فِي مَا هُمْ فِيهِ يَخْتَ ِلفُونَ إِنّ اللّ هَ لَا َي ْهدِي مَ ْن ُهوَ‬
‫ُزْلفَى إِنّ اللّ َه يَ ْ‬
‫خلُ قُ مَا َيشَاءُ‬
‫خ َذ َولَدا لّا صْ َطفَى مِمّا يَ ْ‬
‫كَاذِ بٌ َكفّارٌ (‪َ )3‬لوْ أَرَا َد اللّ ُه أَ ْن يَتّ ِ‬
‫حقّ ُي َكوّرُ‬
‫ض بِالْ َ‬
‫سُبْحَاَنهُ ُهوَ اللّ ُه الْوَا ِحدُ اْل َقهّارُ (‪ )4‬خَلَ قَ ال سّمَاوَاتِ وَالْأَرْ َ‬
‫ـ وَاْلقَ َمرَ ُكلّ‬
‫خ َر الشّمْس َ‬
‫اللّ ْيلَ عَلَى الّنهَا ِر وَُيكَوّ ُر الّنهَارَ عَلَى اللّ ْي ِل وَس ـَ ّ‬
‫جرِي ِلأَ َج ٍل مُ سَمّى َألَا ُهوَ اْل َعزِي ُز الْ َغفّارُ (‪ )5‬خَلَقَكُم مّن ّنفْ سٍ وَاحِ َد ٍة ثُمّ‬
‫يَ ْ‬
‫ج يَخْ ُل ُقكُ ْم فِي بُطُو نِ‬
‫َج َعلَ مِ ْنهَا َزوْ َجهَا َوأَن َزلَ َلكُم مّ ْن الَْأْنعَا ِم ثَمَانَِيةَ أَزْوَا ٍ‬
‫ك لَا‬
‫ُأ ّمهَاِتكُ ْم خَلْقا مِن َب ْعدِ خَلْ ٍق فِي ظُلُمَاتٍ ثَلَاثٍ َذِلكُ ُم اللّهُ َرّبكُمْ لَهُ الْمُلْ ُ‬
‫ص َرفُونَ (‪ )6‬إِن َتكْ ُفرُوا َفإِنّ اللّ هَ غَنِيّ عَنكُ مْ وَلَا يَرْضَى‬
‫ِإلَ هَ ِإلّا ُه َو َفأَنّ ى تُ ْ‬
‫ـ َولَا َتزِ ُر وَازِ َر ٌة وِزْ َر أُ ْخرَى ثُمّـ‬
‫ـ َلكُم ْ‬
‫ـ الْ ُك ْفرَ َوإِن َتشْ ُكرُوا َيرْضَه ُ‬
‫ِلعِبَادِه ِ‬
‫ت ال صّدُورِ (‬
‫ِإلَى َرّبكُم ّم ْرجِ ُعكُ ْم فَيُنَبُّئكُم بِمَا كُنتُ ْم َتعْمَلُو َن ِإنّ هُ عَلِي ٌم ِبذَا ِ‬
‫‪. ﴾ )7‬‬
‫عن قتادة ‪ ﴿ :‬أَلَا ِللّ هِ الدّي نُ الْخَالِ صُ ﴾ شهادة أن ل إله إل ال ‪ .‬و عن‬
‫ما هد ف قوله ‪ ﴿ :‬مَا َن ْعبُ ُدهُ مْ إِلّا ِلُيقَ ّربُونَا إِلَى اللّ هِ زُلْفَى ﴾ ‪ ،‬قال ‪ :‬قر يش‬
‫تقول للوثان ‪ ،‬ومَنْ َقبَْلهُ ْم تقوله للملئكة ‪ ،‬ولعيسى ابن مري ‪ ،‬ولعزير ‪.‬‬
‫الزء الثالث‬ ‫‪754‬‬

‫ُمَ إِلّا‬
‫ِهَ َأوِْليَاء مَا َنعْبُ ُده ْ‬
‫ِينَ اتّخَذُوا مِن دُون ِ‬
‫وعَن قتادة ‪ :‬قوله ‪ ﴿ :‬وَالّذ َ‬
‫ّهَ زُلْفَى ﴾ ‪ ،‬قالوا ‪ :‬مَا نعبَد هؤلء ‪ ﴿ ،‬إِلّا ِلُيقَ ّربُونَا ﴾ إل‬ ‫ِلُيقَ ّربُونَا إِلَى الل ِ‬
‫ليشفعوا لنَا عنَد ال ‪ .‬قال ابَن كثيَ ‪ :‬وهذه الشبهَة هَي التَ اعتمدهَا‬
‫ُونَ‬
‫ُمَ فِي بُط ِ‬ ‫خُل ُقك ْ‬
‫الشركون فَ قديَ الدهَر وحديثَه ‪ .‬وعَن قتادة ‪ ﴿ :‬يَ ْ‬
‫ُأ ّمهَاتِكُ مْ خَلْقا مِن َبعْدِ َخلْ قٍ ﴾ نطفة ‪ ،‬ث علقة ‪ ،‬ث مضغة ‪ ،‬ث عظامًا ‪ ،‬ث‬
‫لمًا ‪ ،‬ث أنبت الشعر ؛ أطوار اللق ف ظلمات ثلث ‪ :‬الشيمة ‪ ،‬والرحم ‪،‬‬
‫والبطن ‪.‬‬
‫﴿ ذَِلكُ مُ اللّ هُ َربّكُمْ لَ ُه الْ ُملْ كُ لَا إِلَهَ إِلّا ُهوَ َفَأنّى تُصْرَفُونَ ﴾ قال ابن كثي‬
‫‪ :‬أي ‪ :‬هذا الذي خلق السَماوات والرض ومَا بينهمَا ‪ ،‬وخلقكَم وخلق‬
‫ك ﴾ والتصرّف ف ج يع ذلك ‪ ﴿ ،‬لَا إِلَ هَ إِلّا‬ ‫آباءكم ‪ ،‬هو الر بّ ﴿ لَ ُه الْمُلْ ُ‬
‫ُهوَ ﴾ ‪ ،‬أي ‪ :‬الذي ل تنبغي العبادة إل له وحده ل شريك له ‪َ ﴿ ،‬فَأنّى‬
‫ُتصْرَفُونَ ﴾ فكيف تعبدون معه غيه ؟ أين يُذهب بعقولكم ؟‬
‫وقوله تعال ‪ ﴿ :‬إِن َتكْفُرُوا فَِإنّ اللّ َه غَِنيّ عَنكُ ْم وَلَا يَرْضَى ِلعِبَادِهِ اْل ُكفْرَ ﴾‬
‫شكُرُوا يَرْضَ هُ َلكُ مْ ﴾ ‪ ،‬قال السدي ‪:‬‬
‫أي ‪ :‬ل يبّه ‪ ،‬ول يأمر به ‪َ ﴿ ،‬وإِن تَ ْ‬
‫إن تطيعوا يرضه لكم ‪ .‬وقال ابن كثي ‪ :‬أي ‪ :‬يبّه لكم ‪ ،‬ويزدكم من فضله‬
‫﴿ وَلَا َتزِ ُر وَازِ َرةٌ وِزْرَ أُ ْخرَى ﴾ ‪ ،‬قال السدي ‪ :‬ل يؤخذ أحد بذنب أحد ‪.‬‬
‫وقال ابن كثي ‪ :‬أي ‪ :‬ل تمل نفس عن نفس شيئًا ‪ ،‬بل كل مطالب بأمر‬
‫نفسه ‪ ﴿ .‬ثُمّ إِلَى َرّبكُم مّ ْر ِجعُكُ مْ َفُينَّبُئكُم بِمَا كُنتُ ْم َتعْمَلُو نَ ِإنّ ُه عَلِي ٌم بِذَا تِ‬
‫الصّدُورِ ﴾ ‪ ،‬أي ‪ :‬فل تفى عليه خافية ‪.‬‬
‫‪755‬‬ ‫توفيق الرحن ف دروس القرآن‬

‫ض ّر دَعَا َربّ هُ مُنِيبا ِإلَيْ هِ ثُمّ ِإذَا‬


‫قوله عز و جل ‪َ ﴿ :‬وإِذَا مَ سّ اْلإِن سَانَ ُ‬
‫ضلّ عَن‬
‫سيَ مَا كَا َن َيدْعُو إِلَيْهِ مِن قَ ْب ُل وَ َج َعلَ لِلّهِ أَندَادا لّيُ ِ‬
‫َخوّلَهُ ِنعْ َم ًة مّنْ ُه نَ ِ‬
‫ل ِإنّ كَ مِ نْ أَ صْحَابِ النّارِ (‪َ )8‬أمّ نْ ُه َو قَانِ تٌ‬
‫سَبِي ِلهِ ُق ْل تَمَتّ ْع ِبكُ ْفرِ َك قَلِي ً‬
‫حذَ ُر الْآ ِخ َرةَ َوَيرْجُو َرحْ َمةَ َربّ ِه ُقلْ َه ْل يَ سَْتوِي‬
‫آنَاء اللّ ْيلِ سَاجِدا َوقَائِما يَ ْ‬
‫اّلذِي َن َيعْلَمُونَ وَالّذِينَ لَا َيعْلَمُونَ ِإنّمَا يََتذَ ّكرُ ُأ ْولُوا اْلَألْبَابِ (‪. ﴾ )9‬‬
‫َ الْإِنسََانَ ضُرّ ﴾ ‪ ،‬قال ‪ :‬الوجَع ‪ ،‬والبلء ‪،‬‬ ‫عَن قتادة ‪َ ﴿ :‬وِإذَا مَس ّ‬
‫والشدة ‪َ ﴿ .‬دعَا َربّ ُه ُمنِيبا إَِليْ هِ ﴾ ‪ ،‬قال ‪ :‬مستغيثًا به ‪ ﴿ ،‬ثُمّ ِإذَا َخوّلَ هُ ِنعْ َمةً‬
‫س َي مَا كَانَ يَ ْدعُو إَِليْهِ مِن‬
‫ّمنْهُ ﴾ ‪ ،‬قال السدي ‪ :‬إذا أصابته عافية أو خي ﴿ نَ ِ‬
‫َقبْلُ ﴾ ‪ .‬قال ابـن جريـر ‪ :‬يقول ‪ :‬ترك الذي كان يدعَو ال مَن قبَل أن‬
‫يك شف ما كان به من ضرّ ‪ ﴿ ،‬وَ َجعَلَ ِللّ هِ أَندَادا ﴾ ‪ ،‬يع ن ‪ :‬توحيده ‪﴿ ،‬‬
‫ب النّارِ ﴾ ‪ ،‬أي ‪ :‬من أهل النار الاكثي‬ ‫صحَا ِ‬ ‫قُلْ تَ َمتّ ْع بِ ُكفْ ِركَ قَلِيلً ِإنّكَ مِنْ أَ ْ‬
‫فيها ‪ .‬انتهى ملخصًا ‪.‬‬
‫وعن قتادة ‪ :‬قوله ‪َ ﴿ :‬أمّنْ هُوَ قَانِتٌ آنَاء الّليْلِ سَاجِدا ﴾ أوّله ‪ ،‬وأوسطه‬
‫وآخره ‪ .‬وقال ا بن عباس ‪ :‬يع ن ‪ :‬بالقنوت ‪ :‬الطا عة ‪ .‬و عن ا بن ع مر ‪ :‬أ نه‬
‫كان إذا سَئل عَن القنوت قال ‪ :‬ل أعلم القنوت إل قراءة القرآن ‪ ،‬وطول‬
‫ِتَ آنَاء الّليْ ِل سََاجِدا وَقَائِما ﴾ ‪ ،‬وعَن ابَن‬
‫ّنَ هُوَ قَان ٌ‬
‫القيام ‪ .‬وقرأ ‪َ ﴿ :‬أم ْ‬
‫عباس ف قوله ‪ ﴿ :‬يَحْ َذ ُر الْآخِ َرةَ ﴾ ‪ ،‬قال ‪ :‬يذر عقاب الخرة ‪َ ﴿ ،‬ويَرْجُو‬
‫َرحْ َمةَ َربّ هِ ﴾ ‪ ،‬يقول ‪ :‬ويرجو أن يرحه ال فيدخله النّة ‪ .‬وقال ابن كثي ‪:‬‬
‫الزء الثالث‬ ‫‪756‬‬

‫يقول عزّ وجلّ ‪ :‬أمَّن هذه صَفته كمَن أشرك بال وجعَل له أندادًا ؟ ل‬
‫يستوون عند ال ‪.‬‬
‫وقوله تعال ‪ ﴿ :‬قُ ْل هَ ْل يَ ْ‬
‫سَتوِي الّذِي نَ يَعَْلمُو َن وَالّذِي نَ لَا َيعْلَمُو نَ ﴾ أي‬
‫﴿‬ ‫‪ :‬هل ي ستوي هذا والذي قبله م ن ج عل ل أندادًا ليضلّ عن سبيله ؟‬
‫ِإنّمَا َيتَذَكّرُ ُأوْلُوا اْلأَلْبَابِ ﴾ ‪.‬‬
‫قوله عز وجل ‪ُ ﴿ :‬قلْ يَا عِبَادِ اّلذِي نَ آمَنُوا اّتقُوا َرّبكُ ْم لِ ّلذِي َن َأحْ سَنُوا‬
‫ض اللّ هِ وَا سِ َعةٌ إِنّمَا ُيوَفّى ال صّاِبرُو َن َأجْ َرهُم ِبغَ ْيرِ‬
‫فِي هَذِ ِه ال ّدنْيَا حَ سََنةٌ َوأَرْ ُ‬
‫حِسَابٍ (‪ُ )10‬ق ْل ِإنّي ُأ ِمرْتُ أَ ْن أَعُْبدَ اللّهَ مُخْلِصا لّ ُه الدّي نَ (‪َ )11‬وُأمِرْ تُ‬
‫ب َيوْمٍ‬
‫ِلأَنْ أَكُونَ َأ ّولَ الْمُسْلِمِيَ (‪ُ )12‬قلْ ِإنّي أَخَافُ إِنْ عَصَيْتُ َربّي َعذَا َ‬
‫عَظِي مٍ (‪ُ )13‬ق ِل اللّ َه أَعُْب ُد مُخْلِ صا لّ هُ دِينِي (‪ )14‬فَاعُْبدُوا مَا شِئْتُم مّ ن‬
‫سهُ ْم َوأَهْلِيهِمْ َيوْ َم اْلقِيَا َمةِ َألَا َذلِكَ‬
‫سرُوا أَنفُ َ‬
‫دُونِ ِه ُقلْ إِنّ الْخَا ِسرِينَ اّلذِينَ خَ ِ‬
‫سرَا ُن الْمُبِيُ (‪َ )15‬لهُم مّن َف ْو ِقهِ مْ ظُ َل ٌل مّ َن النّا ِر َومِن تَحِْتهِ مْ ظُ َللٌ‬
‫ُهوَ الْخُ ْ‬
‫ف ال ّلهُ ِبهِ عِبَا َد ُه يَا عِبَا ِد فَاتّقُونِ (‪. ﴾ )16‬‬
‫خوّ ُ‬
‫َذِلكَ يُ َ‬
‫سَنةٌ ﴾ ‪ ،‬يعن ‪:‬‬ ‫قال مقاتل ف قوله ‪ ﴿ :‬لِلّذِي نَ أَحْ َ‬
‫سنُوا فِي هَذِ هِ ال ّدْنيَا حَ َ‬
‫النة ‪.‬‬
‫قلت ‪ :‬وهذه اليَة كقوله تعال ‪﴿ :‬مَن َْ عَمِلَ صََالِحا مّنَ ذَكَرٍ َأوْ أُنثَى‬
‫َنِ مََا كَانُواْ‬
‫َ أَ ْجرَهَُم ِبأَحْس َ‬
‫ج ِزَيّنهُم ْ‬
‫َ َحيَا ًة طَّيَبةً وََلنَ ْ‬
‫حِيَينّه ُ‬
‫َ فََلنُ ْ‬
‫َو ُهوَ ُمؤْمِن ٌ‬
‫َيعْمَلُونَ ﴾‪.‬‬
‫‪757‬‬ ‫توفيق الرحن ف دروس القرآن‬

‫وعن ماهد قوله ‪َ ﴿ :‬وأَ ْرضُ اللّ ِه وَا ِسعَةٌ ﴾ فهاجروا واعتزلوا الوثان ‪.‬‬
‫ُمَ ِب َغيْرِ حِسََابٍ ﴾ ل وال مَا‬ ‫وعَن قتادة ‪ِ ﴿ :‬إنّمَا ُيوَفّىَ الصَّابِرُونَ أَ ْج َره ْ‬
‫خلِ صا لّ هُ الدّي نَ‬
‫هنا كم مكيال ول ميزان ‪ ﴿ ،‬قُلْ ِإنّ ي ُأمِرْ تُ أَ نْ َأ ْعبُدَ اللّ َه مُ ْ‬
‫﴾ ‪ ،‬قال البغوي ‪ :‬ملصًا له التوحيد ل أشرك به شيئًا ‪َ ﴿ .‬وُأمِرْتُ لنْ أَكُونَ‬
‫َصَْيتُ َربّيَ‬ ‫ِنَ ع َ‬
‫َافَ إ ْ‬
‫ُسَِلمِيَ ﴾ مَن هذه المَة ‪ ﴿ .‬قُلْ ِإنّيَ أَخ ُ‬ ‫َأوّ َل الْم ْ‬
‫ب َيوْ مٍ عَظِي مٍ ﴾ وهذا ح ي د عي إل د ين آبائه ‪.‬‬ ‫﴾ وعبدت غيه ‪ ﴿ ،‬عَذَا َ‬
‫﴿ قُلِ اللّ هَ َأعْبُ ُد ُمخْلِ صًا لَ هُ دِينِي فَا ْعبُدُوا مَا ِشْئتُ ْم مِ نْ دُونِ هِ ﴾ أ مر توب يخ‬
‫وتد يد ‪ ،‬وقال ا بن كث ي ‪ :‬يقول تعال ‪ :‬قل يا م مد ‪ -‬وأ نت ر سول ال ‪-‬‬
‫صيْتُ َربّي عَذَا بَ َيوْ ٍم عَظِي مٍ ﴾ ‪ ،‬وهو يوم القيامة ‪-‬‬ ‫‪ِ ﴿ :‬إنّي أَخَا فُ إِ ْن عَ َ‬
‫وهذا شَرْط – ومعناه ‪ :‬التعريض بغيه بطريق الول والحرى ‪.‬‬
‫ُسَهُمْ‬
‫َسَرُوا َأنْف َ‬
‫ِينَ خ ِ‬ ‫َاسَرِينَ الّذ َ‬ ‫وعَن ابَن عباس قوله ‪ ﴿ :‬قُلْ إِن ّ الْخ ِ‬
‫َوَأهْلِيهِ ْم َيوْ َم اْلقِيَا َمةِ ﴾ ‪ ،‬قال ‪ :‬هم ‪ :‬الكفار الذ ين خلقهم ال للنار ‪ ،‬وخلق‬
‫النار لم ‪ ،‬فزالت عنهم الدنيا وحرمت عليهم النة ‪ .‬وقال ابن زيد ‪ :‬هؤلء‬
‫أ هل النار ‪ ،‬خ سروا أنف سهم ف الدن يا وخ سروا ال هل ‪ ،‬فلم يدوا ف النار‬
‫سرَا ُن الْ ُمبِيُ ﴾ ‪.‬‬‫أهلً وقد كان لم ف الدنيا أهل ‪ ﴿ .‬أَلَا ذَلِكَ هُ َو الْخُ ْ‬
‫َ ظَُللٌ‬
‫حِتهِم ْ‬
‫ّنَ النّارِ وَمَِن تَ ْ‬ ‫وقوله تعال ‪ ﴿ :‬لَهَُم مّنَ َفوِْقه ْ‬
‫ِمَ ظُلَ ٌل م َ‬
‫﴾ كقوله تعال ‪َ ﴿ :‬لهُم مّن َج َهنّمَ ِمهَا ٌد َومِن َفوِْقهِ ْم َغوَاشٍ ﴾ ‪ [ ،‬وكقوله ]‬
‫خوّ فُ اللّ ُه بِ ِه ِعبَادَ هُ يَا ِعبَادِ فَاّتقُو نِ ﴾ ‪ ،‬قال ابن كثي ‪ :‬أي ‪ :‬إنا‬
‫ك يُ َ‬
‫﴿ ذَلِ َ‬
‫الزء الثالث‬ ‫‪758‬‬

‫يقص خب هذا الكائن ل مالة ليخوف به عباده ‪ ،‬لينحوا عن الحارم والآث‬


‫‪.‬‬
‫قوله عز و جل ‪ ﴿ :‬وَاّلذِي نَ اجْتَنَبُوا الطّاغُو تَ أَن َيعُْبدُوهَا َوَأنَابُوا ِإلَى‬
‫شرَى فََبشّرْ عِبَادِ (‪ )17‬اّلذِي َن يَ سْتَ ِمعُو َن اْلقَ ْولَ فَيَتِّبعُو َن أَحْ سََنهُ‬
‫اللّ هِ َلهُ مُ الُْب ْ‬
‫ُأ ْولَئِ كَ اّلذِي نَ َهدَاهُ ُم اللّ ُه وَُأ ْولَئِ كَ هُ مْ ُأ ْولُوا اْلَألْبَا بِ (‪َ )18‬أفَمَ ْن َحقّ عَلَيْ هِ‬
‫ب َأ َفأَن تَ تُن ِق ُذ مَن فِي النّارِ (‪َ )19‬لكِ ِن الّذِي َن اتّ َقوْا َرّبهُ ْم َلهُ مْ‬
‫كَ ِل َمةُ اْل َعذَا ِ‬
‫خلِ فُ‬
‫جرِي مِن تَحْتِهَا الَْأْنهَا ُر وَ ْع َد اللّ ِه لَا يُ ْ‬
‫ف مّبْنِّي ٌة تَ ْ‬
‫ف مّ ن َف ْوقِهَا ُغرَ ٌ‬
‫ُغرَ ٌ‬
‫ال ّلهُ الْمِيعَادَ (‪. ﴾ )20‬‬
‫ُوتَ ﴾ الوثان ‪ ﴿ :‬أَن َيعْبُدُوهَا‬ ‫قال البغوي ‪ ﴿ :‬وَالّذ َ‬
‫ِينَ ا ْجَتَنبُوا الطّاغ َ‬
‫َوَأنَابُوا إِلَى اللّ هِ ﴾ رجعوا إل عبادة ال ‪َ ﴿ ،‬لهُ ُم الْبُشْرَى ﴾ ف الياة الدن يا‬
‫َ ِمعُو َن اْلقَوْلَ َفَيّتِبعُونََ‬‫وفَ الخرة ‪ .‬وعَن قتادة ‪َ ﴿ :‬فبَشّ ْر ِعبَادِ * الّذِينََيَس ْتَ‬
‫سنَهُ ﴾ وأح سنه ‪ :‬طا عة ال ‪ُ ﴿ ،‬أوَْلئِ كَ الّذِي َن هَدَاهُ مُ اللّ ُه َوُأوَْلئِ كَ هُ مْ‬ ‫أَحْ َ‬
‫ُأوْلُوا اْلأَلْبَابِ ﴾ ‪.‬‬
‫﴿ أَفَمَ نْ حَقّ عََليْ هِ كَلِ َم ُة اْلعَذَا بِ ﴾ بكفره ﴿ أَفَأَن تَ تُنقِ ُذ مَن فِي النّارِ‬
‫﴾ قال ابن كثي ‪ :‬يقول تعال ‪ :‬أفمن كتب ال أنه شقيّ تنقذه ما هو فيه من‬
‫الضلل واللك ؟ أي ‪ :‬ل يهد يه أ حد من ب عد ال ‪ ،‬ل نه من يضلل ال فل‬
‫هادي له ‪ ،‬و من يهده فل مضلّ له ؛ ث أ خب عزّ وجلّ عن عباده ال سعداء ‪:‬‬
‫أن لم غرفًا ف النة ‪ ،‬وهي ‪ :‬القصور الشاهقة ‪ ﴿ ،‬مّن َفوِْقهَا غُرَفٌ مّْبِنّيةٌ ﴾‬
‫‪759‬‬ ‫توفيق الرحن ف دروس القرآن‬

‫حِتهَا اْلأَْنهَا ُر َوعْدَ اللّ ِه‬


‫جرِي مِن تَ ْ‬
‫طباق فوق طباق ‪ ،‬مزخرفات عاليات ‪ ﴿ ،‬تَ ْ‬
‫خلِفُ اللّ ُه الْمِيعَادَ ﴾ ‪ .‬وعن علي رضي ال عنه قال ‪ :‬قال رسول ال ‪:‬‬ ‫لَا يُ ْ‬
‫« إن ف النة لغُرفًا يُرى بُطونا من ظُهورها ‪َ ،‬وظُهورها من بُطونا » ‪ ,‬فقال‬
‫أعرابّ ‪ :‬لن هي يا رسول ال ؟ قال ‪ « :‬لن أطاب الكلم ‪ ،‬وأطعم الطّعام ‪،‬‬
‫وصلى باللّي ِل والنّاسُ نيام » ‪ .‬رواه أحد وغيه ‪.‬‬

‫***‬
‫الزء الثالث‬ ‫‪760‬‬

‫الدرس الادي والربعون بعد الائتي‬

‫ض ثُمّ‬
‫﴿ َألَ مْ تَ َر أَنّ اللّ هَ أَنزَ َل مِ َن ال سّمَا ِء مَا ًء فَ سَ َل َكهُ يَنَابِي َع فِي اْلأَرْ ِ‬
‫جعَلُ هُ حُطَاما إِنّ‬
‫ص َفرّا ُثمّ يَ ْ‬
‫ج فََترَا هُ مُ ْ‬
‫ج بِ هِ زَرْعا مّخْتَلِفا َألْوَانُ ُه ُثمّ َيهِي ُ‬
‫خرِ ُ‬
‫يُ ْ‬
‫صدْ َر ُه لِ ْلإِ سْلَا ِم َف ُهوَ‬
‫ح اللّ هُ َ‬
‫فِي ذَلِ كَ لَذِ ْكرَى ِلأُ ْولِي الَْألْبَا بِ (‪َ )21‬أفَمَن َشرَ َ‬
‫عَلَى نُو ٍر مّن ّربّ ِه َفوَْي ٌل لّ ْلقَا سَِيةِ قُلُوُبهُم مّن ذِ ْكرِ اللّ ِه ُأوْلَئِكَ فِي ضَلَا ٍل مُبِيٍ‬
‫ْهـ جُلُودُ‬
‫ِيـ َت ْقشَ ِع ّر مِن ُ‬
‫ِيثـ كِتَابا مَّتشَابِها مّثَان َ‬
‫حد ِ‬ ‫ْسـنَ الْ َ‬
‫ّهـ َن ّزلَ َأح َ‬
‫(‪ )22‬الل ُ‬
‫ك ُهدَى‬
‫شوْ نَ َرّبهُ ْم ُثمّ تَلِيُ جُلُو ُدهُ ْم َوقُلُوُبهُ ْم ِإلَى ذِ ْكرِ اللّ ِه َذلِ َ‬
‫خَ‬‫اّلذِي َن يَ ْ‬
‫اللّ هِ َي ْهدِي بِ ِه مَ نْ َيشَا ُء َومَن يُضْ ِل ْل اللّ ُه فَمَا لَ هُ مِ ْن هَادٍ (‪َ )23‬أفَمَن يَّتقِي‬
‫ب َيوْ َم الْقِيَامَ ِة َوقِيلَ لِلظّالِمِيَ ذُوقُوا مَا كُنتُ ْم َتكْ سِبُونَ (‬
‫ِبوَ ْجهِ هِ سُو َء اْلعَذَا ِ‬
‫شعُرُو نَ (‪)25‬‬
‫ب مِ ْن حَيْ ثُ لَا َي ْ‬
‫‪َ )24‬كذّ بَ اّلذِي نَ مِن قَبْ ِلهِ ْم َفَأتَاهُ مْ اْل َعذَا ُ‬
‫َابـ الْآ ِخ َرةِ أَكَْب ُر َلوْ كَانُوا‬
‫ْيـ ف ِي الْحَيَا ِة ال ّدنْي َا َولَ َعذ ُ‬
‫خز َ‬‫ّهـ الْ ِ‬
‫ُمـ الل ُ‬
‫َفَأذَا َقه ُ‬
‫ُمـ‬
‫ْآنـ مِن ُك ّل مََث ٍل ّلعَلّه ْ‬
‫ّاسـ فِي َهذَا اْل ُقر ِ‬
‫ض َربْنَا لِلن ِ‬
‫ُونـ (‪َ )26‬وَلقَدْ َ‬
‫َيعْلَم َ‬
‫ضرَبَ اللّهُ‬
‫ج ّلعَلّهُ ْم يَّتقُونَ (‪َ )28‬‬
‫يََتذَ ّكرُونَ (‪ )27‬قُرآنا َع َربِيّا غَ ْي َر ذِي ِعوَ ٍ‬
‫ل فِي ِه شُرَكَاء مَُتشَاكِ سُو َن وَ َرجُلً سَلَما ّلرَ ُجلٍ هَ ْل يَ سَْت ِويَا ِن مَثَلً‬
‫مَثَلً ّرجُ ً‬
‫ت َوِإنّهُم مّيّتُو نَ (‪ُ )30‬ثمّ‬
‫ك مَيّ ٌ‬
‫الْحَ ْم ُد لِلّ ِه َبلْ أَكَْثرُهُ ْم لَا َيعْلَمُو نَ (‪ِ )29‬إنّ َ‬
‫صمُونَ (‪. ﴾ )31‬‬
‫ِإّنكُ ْم َيوْمَ اْلقِيَا َمةِ عِندَ َرّبكُ ْم تَخْتَ ِ‬

‫***‬
‫‪761‬‬ ‫توفيق الرحن ف دروس القرآن‬

‫قوله عز وجل ‪َ ﴿ :‬ألَ ْم َترَ أَنّ اللّ هَ أَن َزلَ مِ نَ ال سّمَا ِء مَا ًء فَ سَ َلكَ ُه يَنَابِي عَ‬
‫صفَرّا ثُمّ‬
‫ج فََترَا هُ مُ ْ‬
‫خرِ جُ بِ هِ زَرْعا مّخْتَلِفا أَْلوَانُ ُه ثُمّ َيهِي ُ‬
‫ض ثُمّ يُ ْ‬
‫فِي اْلأَرْ ِ‬
‫ح اللّ هُ‬
‫ك َلذِ ْكرَى ِلأُ ْولِي اْلأَلْبَا بِ (‪َ )21‬أفَمَن َشرَ َ‬
‫جعَلُ ُه حُطَاما إِنّ فِي َذلِ َ‬
‫يَ ْ‬
‫صدْ َر ُه لِ ْلإِ سْلَامِ َفهُوَ عَلَى نُو ٍر مّ ن ّربّ هِ َف َوْيلٌ لّ ْلقَا سِيَ ِة قُلُوبُهُم مّ ن ذِ ْك ِر اللّ هِ‬
‫َ‬
‫ضلَا ٍل مُبِيٍ (‪. ﴾ )22‬‬
‫ك فِي َ‬
‫ُأ ْولَئِ َ‬
‫قال البغوي ‪ ﴿ :‬أَلَ ْم تَرَ أَنّ اللّ هَ أَنزَلَ مِ َن ال سّمَا ِء مَاءً فَ سََلكَهُ ﴾ أد خل‬
‫ذلك الاء ‪َ ﴿ ،‬ينَابِي َع ﴾ عيونًا وركايا فِي الرْضِ ‪ .‬قال الشعب ‪ :‬كل ماء ف‬
‫ختَِلفًا أَْلوَانُهُ ﴾ أحر ‪ ،‬وأصفر ‪،‬‬ ‫ج بِهِ زَ ْرعًا مُ ْ‬
‫خرِ ُ‬
‫الرض فمن السماء ‪ ﴿ .‬ثُمّ يُ ْ‬
‫وأخضر ‪ ﴿ .‬ثُمّ َيهِيجُ ﴾ ييبس ﴿ َفتَرَاه ﴾ بعد خضرته ونضرته ﴿ مُصْفَرّا ثُمّ‬
‫ج َعلُهَُ حُطَامًا ﴾ فتاتًا متكسَرًا ‪ ﴿ ،‬إِنّ فِي ذَلِكََلَذِ ْكرَى لولِي الْلبَابَِ‬ ‫يَ ْ‬
‫صدْ َرهُ لِل سْلمِ ﴾ وسعه لقبول الق ‪َ ﴿ ،‬ف ُه َو عَلَى‬ ‫﴾ ‪ ﴿ .‬أَفَمَ ْن َشرَ حَ اللّ هُ َ‬
‫نُو ٍر مِ نْ َربّ هِ ﴾ ك من ق سى ال قلبه ‪َ ﴿ .‬ف َويْلٌ لّ ْلقَا ِسَيةِ قُلُوبُهُم مّ ن ذِ ْكرِ اللّ هِ‬
‫ضلَا ٍل ُمبِيٍ ﴾ ‪ ،‬قال مالك بن دينار ‪ :‬ما ضرب عبد بعقوبة أعظم‬ ‫ُأوَْلئِكَ فِي َ‬
‫من قسوة القلب ‪ ،‬وما غضب ال عز وجل على قوم إل نزع منهم الرحة ‪.‬‬
‫وعَن عبَد ال بَن مسَعود قال ‪ :‬قال رسَول ال ‪ « :‬أفمَن شرح ال‬
‫صدره للِسلم فهو على نور من ربه » ‪ .‬قلنا ‪ :‬يا رسول ال كيف انشراح‬
‫صدره ؟ قال ‪ « :‬إذا دخل النور القلب انشرح وانفسح » ! قلنا ‪ :‬يا رسول‬
‫الزء الثالث‬ ‫‪762‬‬

‫ال ومَا علمَة ذلك ؟ قال ‪ « :‬النابَة إل دار اللود ‪ ،‬والتجافَ عَن دار‬
‫الغرور ‪ ،‬والتأهّب للموت قبل نزول الوت » ‪ .‬رواه البغوي وغيه ‪.‬‬
‫ِيـ‬
‫ِيثـ كِتَابا مَّتشَابِها مّثَان َ‬
‫حد ِ‬ ‫ْسـنَ الْ َ‬
‫ّهـ َنزّ َل أَح َ‬
‫قوله عـز وجـل ‪ ﴿ :‬الل ُ‬
‫شوْ نَ َرّبهُ ْم ُثمّ تَ ِليُ جُلُو ُدهُ ْم َوقُلُوُبهُ مْ ِإلَى ذِ ْكرِ‬
‫خَ‬‫شعِ ّر مِنْ هُ جُلُودُ اّلذِي َن يَ ْ‬
‫َت ْق َ‬
‫اللّ ِه َذلِ كَ ُهدَى اللّ هِ َي ْهدِي بِ هِ مَ نْ َيشَا ُء َومَن يُضْ ِللْ اللّ ُه فَمَا لَ هُ مِ نْ هَادٍ (‬
‫ب َيوْ َم اْلقِيَا َمةِ َوقِي َل لِلظّالِ ِميَ ذُوقُوا مَا‬
‫‪َ )23‬أفَمَن يَّتقِي ِبوَ ْجهِ هِ سُوءَ اْل َعذَا ِ‬
‫ب مِ ْن حَيْ ثُ لَا‬
‫كُنتُ ْم تَكْ سِبُونَ (‪َ )24‬كذّ بَ اّلذِي نَ مِن قَبْ ِلهِ ْم َفَأتَاهُ مْ اْل َعذَا ُ‬
‫ي فِي الْحَيَا ِة ال ّدنْيَا َوَلعَذَابُ الْآ ِخ َرةِ أَكَْبرُ‬
‫خزْ َ‬
‫ش ُعرُونَ (‪َ )25‬فَأذَا َقهُمُ اللّهُ الْ ِ‬
‫َي ْ‬
‫َلوْ كَانُوا َيعْلَمُونَ (‪. ﴾ )26‬‬
‫عن قتادة قوله ‪ ﴿ :‬اللّ ُه َنزّلَ أَحْ سَ َن الْحَدِي ثِ ِكتَابا ّمتَشَابِها ﴾ الية تشبه‬
‫ال ية ‪ ،‬والرف يش به الرف ‪ .‬وقال سعيد بن جبي ‪ :‬يش به بع ضه بعضًا ‪،‬‬
‫ويصَدق بعضَه بعضًا ‪ ،‬ويد ّل بعضَه على بعَض ‪ .‬وعَن ابَن عباس قوله ‪:‬‬
‫﴿ ّمثَانِ يَ ﴾ قال ‪ :‬كتاب ال مثا ن ‪ ،‬ث ن ف يه ال مر مرارًا ‪ .‬وقال قتادة ‪:‬‬
‫َ‬
‫ثنَ ال فيَه ‪ :‬الفرائض والقضاء والدود ‪ .‬وقال ابَن زيَد ‪ّ ﴿ :‬مثَانِي َ‬
‫﴾ مردد ‪ ،‬ردّد ذ كر مو سى ف القرآن ‪ ،‬و صال ‪ ،‬وهود ‪ ،‬وال نبياء ‪ .‬وقال‬
‫شوْ نَ َرّبهُ مْ‬
‫شعِ ّر ِمنْ هُ ُجلُو ُد الّذِي نَ يَخْ َ‬
‫مع مر ‪ :‬تل قتادة ‪ -‬رح ه ال ‪َ ﴿ : -‬تقْ َ‬
‫ثُمّ تَلِيُ ُجلُو ُدهُم َْ وَُقلُوُبهُم َْإِلَى ذِكْرِ اللّهَِ ﴾ ‪ ،‬قال ‪ :‬هذا نعَت أولياء ال ‪،‬‬
‫نعت هم ال عز و جل بأن تقشعرّ جلود هم ‪ ،‬وتب كي أعين هم ‪ ،‬وتطمئ نّ قلوب م‬
‫‪763‬‬ ‫توفيق الرحن ف دروس القرآن‬

‫إل ذ كر ال ول ينعت هم بذهاب عقول م والغشيان علي هم ‪ ،‬إن ا هذا من أ هل‬


‫البدع ‪ ،‬وهذا من الشيطان ‪.‬‬
‫وقوله تعال ‪ ﴿ :‬ذَلِ َ‬
‫ك هُدَى اللّ ِه َيهْدِي بِ هِ مَ نْ يَشَاءُ َومَن ُيضْلِلْ اللّ هُ َفمَا‬
‫لَ ُه مِ ْن هَادٍ ﴾ ‪ ﴿ .‬أَفَمَن َيتّقِي ِبوَ ْجهِ هِ سُو َء اْلعَذَا بِ ﴾ ‪ ،‬أي ‪ :‬شدّ ته يوم‬
‫القيامَة ‪ .‬قال ماهَد ‪ :‬يرّ على وجهَه فَ النار ؛ وماز اليَة ‪ :‬أفمَن يتّقَي‬
‫بوجهه سوء العذاب كمن هو آمن من العذاب ؟ وقيل ‪ :‬يعن ‪ :‬تقول الزنة‬
‫ب الّذِي نَ مِن‬ ‫سبُونَ ﴾ ‪ ،‬أي ‪ :‬وباله ‪َ ﴿ .‬كذّ َ‬ ‫للظالي ‪ ﴿ :‬ذُوقُوا مَا كُنتُ ْم َتكْ ِ‬
‫ب مِنْ َحيْثُ لَا‬ ‫َقبِْلهِمْ ﴾ من قبل كفار مكة ‪ ،‬كذّبوا الرسل ‪َ ﴿ ،‬فَأتَاهُمْ الْعَذَا ُ‬
‫خزْيَ ﴾‬ ‫شعُرُونَ ﴾ يعن ‪ :‬وهم آمنون غافلون عن العذاب ﴿ َفأَذَاَقهُمُ اللّ ُه الْ ِ‬ ‫يَ ْ‬
‫َ الْآخِ َرةِ أَ ْكبَرُ َلوْ كَانُوا‬‫حيَاةِ ال ّدنْيَََا وََلعَذَابَ ُ‬
‫العذاب والوان ﴿ فََِي الْ َ‬
‫َيعْلَمُونَ ﴾ ‪.‬‬
‫ض َربْنَا لِلنّاسِ فِي َهذَا الْ ُقرْآ ِن مِن ُك ّل مََثلٍ ّلعَ ّلهُمْ‬
‫قوله عز وجل ﴿ َولَ َقدْ َ‬
‫ضرَبَ اللّهُ‬
‫ج ّلعَلّهُ ْم يَّتقُونَ (‪َ )28‬‬
‫يََتذَ ّكرُونَ (‪ )27‬قُرآنا َع َربِيّا غَ ْي َر ذِي ِعوَ ٍ‬
‫ل فِي ِه شُرَكَاء مَُتشَاكِ سُو َن وَ َرجُلً سَلَما ّلرَ ُجلٍ هَ ْل يَ سَْت ِويَا ِن مَثَلً‬
‫مَثَلً ّرجُ ً‬
‫ت َوِإنّهُم مّيّتُو نَ (‪ُ )30‬ثمّ‬
‫ك مَيّ ٌ‬
‫الْحَ ْم ُد لِلّ ِه َبلْ أَكَْثرُهُ ْم لَا َيعْلَمُو نَ (‪ِ )29‬إنّ َ‬
‫صمُونَ (‪. ﴾ )31‬‬
‫ِإّنكُ ْم َيوْمَ اْلقِيَا َمةِ عِندَ َرّبكُ ْم تَخْتَ ِ‬
‫عن ما هد ‪ ﴿ :‬قُرآنا عَ َرِبيّا َغيْرَ ذِي ِعوَ جٍ ﴾ غ ي ذي لَبْس ‪ .‬وقال ا بن‬
‫عباس ‪ :‬غي متلف ‪.‬‬
‫الزء الثالث‬ ‫‪764‬‬

‫وقال ابن كثي ‪ :‬ويقول تعال ‪ ﴿ :‬وََلقَدْ ضَ َرْبنَا لِلنّاسِ فِي هَذَا اْلقُرْآنِ مِن‬
‫َ‬
‫َ يَتَذَكّرُون َ‬ ‫كُ ّل َمثَلٍ ﴾ ‪ ،‬أي ‪ :‬بيّنَّا للناس فيَه بضرب المثال ‪ّ ﴿ ،‬لعَّلهُم ْ‬
‫﴾ فإن ال ثل يقرّب الع ن إل الذهان ‪ .‬وقوله ج ّل وعل ‪ ﴿ :‬قُرآنا عَ َرِبيّا َغيْرَ‬
‫ذِي ِعوَجٍ ﴾ أي ‪ :‬هو قرآن بلسان عربّ مبي ‪ ،‬ل اعوجاج فيه ول انراف ‪،‬‬
‫ول َلبْس ‪ .‬بل هو بيان ووضوح وبرهان ؛ وإنا جعله ال تعال كذلك وأنزله‬
‫بذلك ‪ّ ﴿ ،‬لعَّلهُ ْم َيّتقُونَ ﴾ ‪ ،‬أي ‪ :‬يذرون ما فيه من الوعيد ويعملون با فيه‬
‫من الوعد ‪.‬‬
‫وعن قتادة ‪ :‬قوله ‪ ﴿ :‬ضَرَبَ اللّ ُه َمَثلً رّ ُجلً فِي ِه شُرَكَاء ُمتَشَاكِسُونَ ﴾ ‪،‬‬
‫قال ‪ :‬هذا الشرك يتناز عه الشياط ي ‪ ﴿ .‬وَ َر ُجلً سَلَما لّرَجُلٍ ﴾ ‪ ،‬قال ‪ :‬هو‬
‫الؤ من أخلص الدعوة ل والعبادة ‪ .‬وقال ا بن ز يد ‪ :‬أرأ يت الر جل الذي ف يه‬
‫شركاء متشاك سون ؟ كل هم سيّئ اللق ‪ ،‬ل يس من هم وا حد إل تلقاه آخذًا‬
‫بطرف من مال لستخدامه أسوأهم والذي ل يلكه إل واحد ‪ ،‬فإنا هذا مثل‬
‫ضربه ال لؤلء الذين يعبدون اللة وجعلوا لا ف أعناقهم حقوقًا ‪ ،‬فضربه‬
‫ل الْحَمْدُ لِلّ ِه بَلْ أَ ْكثَ ُرهُ مْ‬
‫سَتوِيَانِ مََث ً‬
‫ل ل م وللذي يعبده وحده ﴿ هَلْ يَ ْ‬ ‫ال مث ً‬
‫لَا َيعْلَمُونََ ﴾ ‪ .‬قال البغوي ‪ :‬وهذا اسَتفهام إنكار ‪ ،‬أي ‪ :‬ل يسَتويان ‪ .‬ثَ‬
‫قال ‪ ﴿ :‬الْحَ ْمدُ لِلّ هِ ﴾ ‪ ،‬أي ‪ :‬ل ال مد كلّه دون غيه من العبود ين ﴿ بَلْ‬
‫أَ ْكثَ ُرهُمْ لَا َيعْلَمُو َن ﴾ ما يصيون إليه ‪.‬‬
‫َتموت ‪َ ﴿ ،‬وِإنّهَُم ّمّيتُون ََ ﴾ ‪ ،‬أي ‪:‬‬ ‫َ َميّت ٌَ ﴾ أي ‪ :‬سَ‬ ‫﴿ ِإنّك َ‬
‫ختَصِمُونَ ﴾ ‪ ،‬قال ابن عباس‬ ‫سيموتون ‪ ﴿ ،‬ثُمّ ِإّنكُ ْم َيوْمَ اْل ِقيَا َم ِة عِندَ َرّبكُ ْم تَ ْ‬
‫‪765‬‬ ‫توفيق الرحن ف دروس القرآن‬

‫‪ :‬يعن ‪ :‬الح ّق والبطل ‪ ،‬والظال والظلوم ‪ .‬قال ابن كثي ‪ :‬وقوله تعال ‪﴿ :‬‬
‫ت َوِإنّهُم ّميّتُو نَ ﴾ ‪ ،‬هذه الية من اليات الت استشهد با الصدّيق‬ ‫ِإنّ كَ َميّ ٌ‬
‫رضي ال عنه عند موت رسول ال ‪ ،‬حت تقق الناس موته ‪ ،‬مع قوله عزّ‬
‫وجل ‪َ ﴿ :‬ومَا مُحَمّدٌ إِلّ رَ سُولٌ قَدْ َخلَ تْ مِن َقبْلِ هِ الرّ سُلُ أَفَإِن مّا تَ َأوْ ُقتِلَ‬
‫جزِي اللّهُ‬ ‫ب عََل َى عَ ِقَبيْهِ فَلَن يَضُرّ اللّ َه َشيْئا َوسَيَ ْ‬
‫انقََلبْتُ ْم عَلَى أَ ْعقَابِكُ ْم َومَن يَنقَلِ ْ‬
‫الشّاكِرِينَ ﴾ ‪.‬‬

‫***‬
‫الزء الثالث‬ ‫‪766‬‬

‫الدرس الثان والربعون بعد الائتي‬

‫س فِي‬
‫ق ِإ ْذ جَاء هُ أَلَيْ َ‬
‫﴿ فَمَ ْن أَظْلَ ُم مِمّن َكذَ بَ عَلَى اللّ هِ وَ َكذّ بَ بِال صّدْ ِ‬
‫ق بِ هِ ُأ ْولَئِ كَ هُ مُ‬
‫صدّ َ‬
‫ق وَ َ‬
‫صدْ ِ‬
‫َجهَنّ َم مَ ْثوًى لّ ْلكَا ِفرِي نَ (‪ )32‬وَاّلذِي جَاء بِال ّ‬
‫ك جَزَاء الْمُحْ سِِنيَ (‪)34‬‬
‫الْمُّتقُو نَ (‪ )33‬لَهُم مّ ا َيشَاءُو نَ عِندَ َربّهِ ْم َذلِ َ‬
‫ج ِزَيهُ مْ َأ ْجرَهُم ِبَأحْ سَ ِن الّذِي كَانُوا‬
‫لُِي َكفّ َر اللّ هُ َع ْنهُ ْم أَ سْ َوأَ اّلذِي عَمِلُوا وَيَ ْ‬
‫خوّفُونَ كَ بِالّذِي َن مِن دُونِ ِه وَمَن‬
‫س اللّ هُ بِكَا فٍ عَ ْبدَ ُه َويُ َ‬
‫َيعْمَلُو نَ (‪َ )35‬ألَيْ َ‬
‫ض ّل َألَيْ سَ اللّ هُ‬
‫يُضْ ِل ِل اللّ ُه فَمَا لَ هُ مِ ْن هَادٍ (‪َ )36‬ومَن َي ْهدِ اللّ ُه فَمَا لَ ُه مِن مّ ِ‬
‫ض لََيقُوُلنّ‬
‫ِب َعزِي ٍز ذِي انِتقَا مٍ (‪ )37‬وَلَئِن َسَألَْتهُم مّ ْن خَلَ َق ال سّمَاوَاتِ وَالْأَرْ َ‬
‫ض ّر هَ ْل هُنّ‬
‫اللّ هُ ُق ْل َأ َفرََأيْتُم مّ ا َتدْعُو َن مِن دُو نِ اللّ هِ إِ ْن أَرَا َدنِ َي اللّ ُه بِ ُ‬
‫سكَاتُ َرحْمَتِ ِه ُقلْ حَسِْبيَ اللّهُ‬
‫ضرّهِ أَ ْو أَرَادَنِي ِب َرحْ َمةٍ َه ْل ُهنّ مُمْ ِ‬
‫كَا ِشفَاتُ ُ‬
‫عَلَيْ هِ يََتوَ ّك ُل الْمَُتوَكّلُو نَ (‪ُ )38‬ق ْل يَا َقوْ مِ اعْمَلُوا عَلَى مَكَانَتِكُ ْم إِنّي عَامِلٌ‬
‫ب ّمقِي مٌ (‬
‫حلّ عَلَيْ هِ َعذَا ٌ‬
‫خزِي ِه َويَ ِ‬
‫ف َتعْلَمُو نَ (‪ )39‬مَن َي ْأتِي هِ َعذَا بٌ يُ ْ‬
‫فَ سَوْ َ‬
‫ضلّ‬
‫حقّ فَمَ ِن اهَْتدَى فَلَِنفْ سِ ِه َومَن َ‬
‫‪ِ )40‬إنّا أَن َزلْنَا عَلَيْ كَ اْلكِتَا بَ لِلنّا سِ بِالْ َ‬
‫س حِيَ‬
‫ضلّ عَلَيْهَا وَمَا أَن تَ عَلَيْهِم ِبوَكِيلٍ (‪ )41‬اللّ ُه يََتوَفّ ى اْلأَنفُ َ‬
‫َفِإنّمَا يَ ِ‬
‫ت وَُيرْ سِلُ‬
‫سكُ الّتِي قَضَى عَلَ ْيهَا الْ َموْ َ‬
‫ت فِي مَنَا ِمهَا فَيُمْ ِ‬
‫َم ْوتِهَا وَالّتِي لَ ْم تَمُ ْ‬
‫اْلأُ ْخرَى ِإلَى َأ َجلٍ مُسَـمّى إِنّ فِي ذَلِكَـلَآيَاتٍـّلقَوْمٍـيََتفَ ّكرُونَـ (‪ )42‬أَمِـ‬
‫خذُوا مِن دُو ِن اللّ هِ ُش َفعَاء ُق ْل َأوََلوْ كَانُوا لَا يَمْ ِلكُو َن شَيْئا َولَا َي ْعقِلُو نَ (‬
‫اتّ َ‬
‫ض ُثمّ ِإلَيْ ِه ُترْ َجعُو نَ‬
‫ك ال سّمَاوَاتِ وَاْلأَرْ ِ‬
‫شفَا َع ُة جَمِيعا لّ هُ مُلْ ُ‬
‫‪ )43‬قُل لّلّ هِ ال ّ‬
‫‪767‬‬ ‫توفيق الرحن ف دروس القرآن‬

‫ت قُلُو بُ اّلذِي نَ لَا ُيؤْمِنُو نَ بِالْآ ِخ َرةِ َوِإذَا‬


‫(‪َ )44‬وِإذَا ذُ ِك َر اللّ هُ َو ْحدَ هُ اشْ َمأَزّ ْ‬
‫شرُونَ (‪ُ )45‬ق ِل اللّ ُهمّ فَا ِطرَ ال سّمَاوَاتِ‬
‫ذُ ِك َر الّذِي نَ مِن دُونِ ِه ِإذَا هُ مْ يَ سْتَ ْب ِ‬
‫حكُ مُ بَيْ نَ عِبَادِ َك فِي مَا كَانُوا فِي هِ‬
‫ت تَ ْ‬
‫شهَا َدةِ أَن َ‬
‫ب وَال ّ‬
‫وَالْأَرْ ضِ عَالِ َم الْغَيْ ِ‬
‫يَخْتَ ِلفُونَـ (‪َ )46‬وَلوْ أَنّ لِ ّلذِينَـ ظَ َلمُوا مَا فِي الْأَرْضِـ جَمِيعا وَمِثْلَهُـ َمعَهُـ‬
‫ب َيوْ مَ اْلقِيَا َم ِة وََبدَا لَهُم مّ َن اللّ هِ مَا لَ ْم َيكُونُوا‬
‫لَافَْتدَوْا بِ ِه مِن سُو ِء الْ َعذَا ِ‬
‫يَحْتَسِـبُونَ (‪ )47‬وََبدَا َلهُم ْـ سَـيّئَاتُ مَا كَسَـبُوا َوحَاقَـ بِهِم مّاـ كَانُوا بِهِـ‬
‫ض ّر دَعَانَا ُثمّ ِإذَا َخ ّولْنَا ُه ِنعْ َمةً مّنّا قَالَ‬
‫س اْلإِن سَانَ ُ‬
‫يَ سَْت ْهزِئُون (‪َ )48‬فِإذَا مَ ّ‬
‫ِإنّمَا أُوتِيتُ هُ عَلَى عِلْ ٍم َبلْ هِ يَ فِتَْن ٌة َولَ ِكنّ أَكَْثرَهُ مْ لَا َيعْلَمُو نَ (‪َ )49‬ق ْد قَاَلهَا‬
‫اّلذِي نَ مِن قَبْ ِلهِ مْ فَمَا أَ ْغنَى عَ ْنهُم مّا كَانُوا يَكْ سِبُونَ (‪َ )50‬فأَ صَاَبهُمْ سَيّئَاتُ‬
‫ت مَا كَ سَبُوا وَمَا هُم‬
‫مَا كَ سَبُوا وَاّلذِي نَ ظَلَمُوا مِ ْن هَ ُؤلَاء سَيُصِيُب ُهمْ سَيّئَا ُ‬
‫ق لِمَن َيشَا ُء َويَ ْقدِ ُر إِنّ فِي‬
‫ط الرّزْ َ‬
‫جزِينَ (‪ )51‬أَ َولَمْ َيعْلَمُوا أَنّ اللّهَ يَبْسُ ُ‬
‫بِ ُمعْ ِ‬
‫َذِلكَ لَآيَاتٍ ّل َقوْ ٍم ُيؤْمِنُونَ (‪. ﴾ )52‬‬

‫***‬
‫الزء الثالث‬ ‫‪768‬‬

‫ق ِإذْ‬
‫ب بِالصّدْ ِ‬
‫قوله عز وجل ‪ ﴿ :‬فَ َم ْن أَظْ َل ُم مِمّن َكذَبَ عَلَى اللّ ِه وَ َكذّ َ‬
‫صدّقَ‬
‫ق وَ َ‬
‫صدْ ِ‬
‫جَاء ُه َألَيْ سَ فِي َجهَنّ َم مَ ْثوًى لّ ْلكَا ِفرِي نَ (‪ )32‬وَالّذِي جَاء بِال ّ‬
‫ِكـ َجزَاء‬
‫ِمـ َذل َ‬
‫ُونـ عِندَ َرّبه ْ‬
‫ُونـ (‪ )33‬لَهُم مّاـ َيشَاء َ‬
‫ُمـ الْمُّتق َ‬
‫ِكـ ه ُ‬
‫ِهـ ُأ ْولَئ َ‬
‫بِ‬
‫ج ِزيَهُم ْـَأ ْجرَهُم‬
‫ـِيَ (‪ )34‬لُِي َكفّ َر اللّهُـ عَ ْنهُم ْـأَس ْـوََأ اّلذِي َعمِلُوا َويَ ْ‬
‫الْمُحْسِن‬
‫س ِن الّذِي كَانُوا يَعْمَلُونَ (‪. ﴾ )35‬‬
‫ِبَأحْ َ‬
‫ّهَ‬
‫َبَ عَلَى الل ِ‬
‫َمَ مِمّنَ كَذ َ‬ ‫قال البغوي ‪ :‬قوله عـز وجـل ‪ ﴿ :‬فَم ْ‬
‫َنَ َأظْل ُ‬
‫ب بِالصّ ْدقِ ﴾ بالقرآن ﴿ إِذْ جَاء ُه‬ ‫﴾ فزعم أن له ولدًا ‪ ،‬أو شريكًا ‪ ﴿ ،‬وَكَذّ َ‬
‫ِينَ ﴾ ؟ اسَتفهام بعنَ‬ ‫ّمَ َمْثوًى ﴾ منل ومقام ‪ ﴿ ،‬لّ ْلكَافِر َ‬ ‫ْسَ فِي َج َهن َ‬ ‫أََلي َ‬
‫التقر ير ‪ .‬و عن قتادة ‪ ﴿ :‬وَالّذِي جَاء بِال صّ ْدقِ ﴾ ‪ ،‬قال ‪ :‬هذا ر سول ال‬
‫ِهَ ﴾ الؤمنون ‪ .‬وقال ماهَد ‪ :‬هَم أهَل القرآن‬ ‫قب ِ‬ ‫َصَّد َ‬
‫جاء بالقرآن ‪ ﴿ ،‬و َ‬
‫ييئون به يوم القيامة يقولون ‪ :‬هذا الذي أعطيتمونا فاتبعنا ما فيه ‪ .‬وعن ابن‬
‫عباس ‪ُ ﴿ :‬أوَْلئِكَ هُ ُم الْ ُمّتقُونَ ﴾ ‪ ،‬يقول ‪ :‬اتقوا الشرك ‪ .‬وقال ابن زيد ‪﴿ :‬‬
‫ق بِ هِ ُأوَْلئِ كَ هُ ُم الْ ُمّتقُو نَ ﴾ أل م ذنوب ؟ أي ‪:‬‬ ‫ق وَ صَ ّد َ‬ ‫وَالّذِي جَاء بِال صّ ْد ِ‬
‫سنِيَ * ِلُيكَفّرَ‬
‫ر بّ ‪ ،‬ن عم ‪ ﴿ ،‬لَهُم مّ ا يَشَاءُو َن عِندَ َرّبهِ مْ ذَلِ كَ َجزَاء الْمُحْ ِ‬
‫س ِن الّذِي كَانُوا َيعْمَلُو نَ ﴾‬‫ج ِزَيهُ مْ أَ ْج َرهُم ِبأَحْ َ‬
‫اللّ ُه عَْنهُمْ أَ ْس َوأَ الّذِي عَ ِملُوا َويَ ْ‬
‫‪ .‬وقرأ ‪ِ ﴿ :‬إنّمَا الْ ُم ْؤ ِمنُو نَ الّذِي نَ إِذَا ذُكِرَ اللّ ُه وَ ِجلَ تْ قُلُوُبهُ مْ ﴾ إل أن بلغ‬
‫َ‬
‫‪َ ﴿ :‬ومَ ْغفِ َرةٌ ﴾ لئل ييأس مَن له الذنوب أن ل يكونوا منهَم ‪ ﴿ ،‬وَرِزْق ٌ‬
‫سلِمَاتِ ﴾ إل آخر الية ‪.‬‬ ‫سلِمِيَ وَالْمُ ْ‬ ‫َك ِريٌ ﴾ ‪ ،‬وقرأ ‪ِ ﴿ :‬إنّ الْمُ ْ‬
‫‪769‬‬ ‫توفيق الرحن ف دروس القرآن‬

‫خوّفُونَكَ بِالّذِي َن مِن دُونِهِ‬


‫س اللّ ُه بِكَا فٍ عَ ْبدَ ُه َويُ َ‬
‫قوله عز وجل ‪َ ﴿ :‬ألَيْ َ‬
‫ض ّل َألَيْسَ‬
‫َومَن يُضْ ِللِ اللّهُ فَمَا لَهُ مِنْ هَادٍ (‪ )36‬وَمَن َي ْهدِ اللّهُ فَمَا لَهُ مِن مّ ِ‬
‫ت وَاْلأَرْ ضَ‬
‫اللّ هُ ِب َعزِي ٍز ذِي انتِقَا مٍ (‪َ )37‬ولَئِن َسَألَْتهُم مّ نْ خَلَ َق ال سّمَاوَا ِ‬
‫ضرّ َهلْ هُنّ‬
‫لََيقُوُلنّ اللّ ُه ُقلْ َأ َف َرأَيْتُم مّا َتدْعُو َن مِن دُو ِن اللّ ِه إِ ْن أَرَادَنِيَ اللّهُ بِ ُ‬
‫سكَاتُ َرحْمَتِ ِه ُقلْ حَسِْبيَ اللّهُ‬
‫ضرّهِ أَ ْو أَرَادَنِي ِب َرحْ َمةٍ َه ْل ُهنّ مُمْ ِ‬
‫كَا ِشفَاتُ ُ‬
‫عَلَيْ هِ يََتوَ ّك ُل الْمَُتوَكّلُو نَ (‪ُ )38‬ق ْل يَا َقوْ مِ اعْمَلُوا عَلَى مَكَانَتِكُ ْم إِنّي عَامِلٌ‬
‫ب ّمقِي مٌ (‬
‫حلّ عَلَيْ هِ َعذَا ٌ‬
‫خزِي ِه َويَ ِ‬
‫ف َتعْلَمُو نَ (‪ )39‬مَن َي ْأتِي هِ َعذَا بٌ يُ ْ‬
‫فَ سَوْ َ‬
‫‪. ﴾ )40‬‬
‫َهَ ﴾ ؟ يقول ‪ :‬ممَد ﴿‬ ‫َافَ َعبْد ُ‬
‫ّهَ ِبك ٍ‬ ‫ْسَ الل ُ‬ ‫عَن السَدي ‪ ﴿ :‬أََلي َ‬
‫خوّفُونَ كَ بِالّذِي َن مِن دُونِ هِ ﴾ ‪ ،‬يقول ‪ :‬بآلت هم ال ت كانوا يعبدون ‪ .‬و عن‬ ‫َويُ َ‬
‫ت وَالْأَرْ ضَ َليَقُولُنّ اللّ هُ ﴾ حت بلغ‬ ‫قتادة ‪ ﴿ :‬وَلَئِن َسأَلَْتهُم مّ نْ خََل َق ال سّمَاوَا ِ‬
‫ّهَ ﴾ ‪ ،‬يعنَ ‪ :‬الصَنام ‪َ ﴿ ،‬أوْ أَرَادَنِي بِ َرحْ َم ٍة هَ ْل هُنّ‬ ‫َاتَ ضُر ِ‬‫‪ ﴿ :‬كَا ِشف ُ‬
‫سكَاتُ رَحْ َمتِ هِ ﴾ ؟ قال ا بن كث ي ‪ :‬كانوا يعترفون أن ال عزّ وجلّ هو‬ ‫مُمْ ِ‬
‫الالق للشياء كلّها ‪ ،‬ومع هذا يعبدون معه غيه ‪ .‬وعن ابن عباس مرفوعًا ‪:‬‬
‫« من أح بّ أن يكون أقوى الناس فليتوكّل على ال ‪ ،‬و من أح بّ أن يكون‬
‫أغن الناس فليكن با ف يد ال عزّ وج ّل أوثق منه با ف يديه ‪ ،‬ومن أحبّ أن‬
‫يكون أكرم الناس فليتّق ال عزّ وج ّل » ‪ .‬وعن ماهد ‪ ﴿ :‬قُ ْل يَا َقوْ مِ اعْ َملُوا‬
‫ُمَ ﴾ على ناحيتكَم ‪ .‬وقال ابَن كثيَ ‪ :‬أي ‪ :‬على طريقكَم ؛‬ ‫عَلَى َمكَاَنِتك ْ‬
‫الزء الثالث‬ ‫‪770‬‬

‫ف َتعْلَمُو نَ * مَن َي ْأتِي ِه عَذَا بٌ يُخْزِي هِ‬


‫سوْ َ‬
‫وهذا تديد ووعيد ‪ِ ﴿ .‬إنّي عَامِلٌ فَ َ‬
‫ب ّمقِيمٌ ﴾ ‪.‬‬
‫َويَحِلّ عََليْهِ عَذَا ٌ‬
‫حقّ َفمَ نِ اهَْتدَى‬
‫ب لِلنّا سِ بِالْ َ‬
‫قوله عز وجل ‪ِ ﴿ :‬إنّا أَن َزلْنَا عَلَيْ كَ اْلكِتَا َ‬
‫ضلّ عَلَيْهَا وَمَا أَن تَ عَ َليْهِم ِبوَكِيلٍ (‪ )41‬اللّ هُ‬
‫ض ّل َفإِنّمَا يَ ِ‬
‫سهِ وَمَن َ‬
‫فَلَِنفْ ِ‬
‫ك الّتِي قَضَى‬
‫س ُ‬
‫ت فِي مَنَامِهَا فَيُمْ ِ‬
‫يََت َوفّ ى اْلأَنفُ سَ حِيَ َموْتِهَا وَالّتِي لَ ْم تَمُ ْ‬
‫ت َوُيرْ ِسلُ اْلأُ ْخرَى إِلَى أَ َجلٍ مُ سَمّى إِنّ فِي َذلِ كَ لَآيَا تٍ ّل َقوْ مٍ‬
‫عَلَيْهَا الْ َموْ َ‬
‫خذُوا مِن دُو ِن اللّ ِه ُشفَعَاء ُقلْ َأ َولَوْ كَانُوا لَا يَمْ ِلكُو نَ‬
‫يََت َفكّرُو نَ (‪ )42‬أَ ِم اتّ َ‬
‫ت وَاْلأَرْضِ‬
‫ك السّمَاوَا ِ‬
‫شفَا َع ُة جَمِيعا لّ ُه مُلْ ُ‬
‫شَيْئا وَلَا يَ ْعقِلُونَ (‪ )43‬قُل لّلّهِ ال ّ‬
‫ب اّلذِي َن لَا‬
‫ثُمّ ِإلَيْ ِه ُترْ َجعُو نَ (‪ )44‬وَِإذَا ذُ ِك َر اللّ ُه وَ ْحدَ هُ اشْ َمأَزّ تْ قُلُو ُ‬
‫ُي ْؤمِنُو َن بِالْآخِ َر ِة َوإِذَا ذُ ِكرَ اّلذِي َن مِن دُونِ هِ ِإذَا هُ ْم يَ سْتَ ْبشِرُونَ ( ‪ُ )45‬قلِ‬
‫حكُ مُ بَيْ نَ‬
‫ت تَ ْ‬
‫شهَا َدةِ أَن َ‬
‫ب وَال ّ‬
‫ت وَاْلأَرْ ضِ عَالِ مَ اْلغَيْ ِ‬
‫ال ّلهُمّ فَا ِطرَ ال سّمَاوَا ِ‬
‫عِبَادِ َك فِي مَا كَانُوا فِيهِ يَخْتَ ِلفُونَ (‪ )46‬وََل ْو أَنّ لِ ّلذِينَ ظَلَمُوا مَا فِي اْلأَرْضِ‬
‫جَمِيعا وَمِثْلَهُ َمعَ ُه لَافَْت َدوْا بِ ِه مِن سُو ِء الْ َعذَابِ َيوْمَ اْلقِيَامَ ِة َوبَدَا َلهُم مّنَ اللّهِ‬
‫ت مَا كَ سَبُوا وَحَا قَ بِهِم مّا‬
‫مَا لَ ْم َيكُونُوا يَحْتَ سِبُونَ (‪َ )47‬وَبدَا َلهُ مْ سَيّئَا ُ‬
‫كَانُوا ِبهِ َيسَْت ْه ِزئُون (‪. ﴾ )48‬‬
‫عن سعيد بن جبي ف قوله ‪ ﴿ :‬اللّ ُه َيَتوَفّى اْلأَنفُ سَ حِيَ َموِْتهَا وَاّلتِي لَ ْم‬
‫تَمُ تْ فِي مَنَامِهَا ﴾ ‪ ،‬قال ‪ :‬ي مع ب ي أرواح الحياء ‪ ،‬وأرواح الموات ‪،‬‬
‫ك الّتِي قَضَى عََليْهَا الْ َموْ تَ‬‫فيتعارف من ها ما شاء ال أن يتعارف ﴿ َفيُمْ سِ ُ‬
‫‪771‬‬ ‫توفيق الرحن ف دروس القرآن‬

‫َويُرْ سِ ُل الْأُ ْخرَى ﴾ إل أج سادها ‪ .‬قال ا بن ز يد ‪ :‬فالنوم وفاة ‪َ ﴿ ،‬فيُمْ سِ ُ‬


‫ك‬
‫ت َويُرْ سِ ُل اْلأُخْرَى إِلَى أَجَ ٍل مُ سَمّى ﴾ ‪ ،‬قال السدي ‪:‬‬ ‫اّلتِي َقضَى عََلْيهَا الْ َموْ َ‬
‫خذُوا مِن دُو نِ اللّ ِه ُش َفعَاء ﴾ الل ة‬ ‫إل بق ية آجال ا ‪ .‬و عن قتادة ‪ ﴿ :‬أَ مِ اتّ َ‬
‫﴿ قُلْ َأوََلوْ كَانُوا لَا يَمِْلكُو َن َشيْئا ﴾ الشفاعة ‪ .‬وعن ماهد قوله ‪ ﴿ :‬قُل‬
‫لّلّهِ الشّفَا َعةُ جَمِيعا ﴾ ‪ ،‬قال ‪ :‬ل يشفع عنده أحد إل بإذنه ‪.‬‬
‫ِينَلَا‬
‫ُوبَ الّذ َ‬‫ّتَ قُل ُ‬ ‫َهَ اشْ َمأَز ْ‬
‫ّهَ وَ ْحد ُ‬
‫وعَن قتادة ‪ :‬قوله ‪َ ﴿ :‬وإِذَا ذُكِرَ الل ُ‬
‫ُي ْؤ ِمنُو نَ بِالْآخِ َرةِ ﴾ أي ‪ :‬كفرت قلوبم واستكبت ‪َ ﴿ ،‬وإِذَا ذُ ِك َر الّذِي َن مِن‬
‫سَتبْشِرُونَ ﴾ و عن عائ شة ر ضي ال عن ها قالت ‪:‬‬ ‫دُونِ هِ ﴾ الل ة ﴿ إِذَا هُ ْم يَ ْ‬
‫كان رسَول ال إذا قام مَن الليَل افتتَح صَلته ‪ « :‬اللهَم رب جبائيَل‬
‫ومكيائيل وإسرافيل فاطر السماوات والرض ‪ ،‬عال الغيب والشهادة ‪ ،‬أنت‬
‫ت كم ب ي عبادك في ما كانوا ف يه يتلفون ‪ .‬اهد ن ل ا اختلف ف يه من ال قّ‬
‫بإذنك ‪ ،‬إنك تدي من تشاء إل صراط مستقيم » ‪ .‬رواه مسلم وغيه ‪.‬‬
‫وقوله تعال ‪ ﴿ :‬وََلوْ أَنّ لِلّذِي َن ظَلَمُوا مَا فِي اْلأَرْ ضِ جَمِيعا َو ِمثْلَ ُه َمعَ هُ‬
‫لَا ْفتَ َدوْا بِهَِ مِن سَُو ِء الْعَذَابََِيوْمََ اْل ِقيَامَ ِة َوبَدَا لَهُم مّنََ اللّهَِ مَا لَم َْيَكُونُوا‬
‫سبُونَ ﴾ ‪ ،‬قال مقاتل ‪ :‬ظ هر ل م حي بعثوا ما ل يت سبوا ف الدنيا أنه‬ ‫حتَ ِ‬ ‫يَ ْ‬
‫نازل ب م ف الخرة ‪ .‬قال ال سدي ‪ :‬ظنّوا أن ا ح سنات فبدت ل م سيئات ‪.‬‬
‫قال البغوي ‪ :‬والعنَ ‪ :‬أنمَ كانوا يتقرّبون إل ال بعبادة الصَنام ‪ ،‬فلمَا‬
‫ت مَا‬
‫عوقبوا عليها بدا لم من ال ما ل يكونوا يتسبون ‪َ ﴿ ،‬وبَدَا َلهُ مْ َسيّئَا ُ‬
‫الزء الثالث‬ ‫‪772‬‬

‫سبُوا ﴾ ‪ ،‬أي ‪ :‬مساوئ أعمالم من الشرك والظلم بأولياء ال ‪ ﴿ ،‬وَحَا قَ‬ ‫كَ َ‬
‫سَتهْ ِزئُون ﴾ ‪.‬‬
‫ِبهِم مّا كَانُوا بِ ِه يَ ْ‬
‫ض ّر دَعَانَا ُثمّ ِإذَا َخوّلْنَا ُه ِنعْ َمةً مّنّا‬
‫س اْلإِنسَانَ ُ‬
‫قوله عز وجل ‪َ ﴿ :‬فإِذَا مَ ّ‬
‫قَالَ ِإنّمَا أُوتِيتُ هُ عَلَى عِلْ ٍم َب ْل هِ يَ فِتَْن ٌة َولَكِنّ أَكَْث َرهُ مْ لَا َيعْلَمُو نَ (‪َ )49‬قدْ‬
‫قَالَهَا اّلذِي نَ مِن قَبْ ِلهِ مْ فَمَا أَغْنَى عَ ْنهُم مّ ا كَانُوا َيكْ سِبُونَ (‪َ )50‬فأَ صَاَب ُهمْ‬
‫ت مَا كَسَبُوا وَاّلذِينَ َظلَمُوا ِمنْ َه ُؤلَاء سَيُصِيُبهُ ْم سَيّئَاتُ مَا كَسَبُوا َومَا‬
‫سَيّئَا ُ‬
‫ق لِمَن َيشَا ُء َويَ ْقدِ ُر إِنّ‬
‫ط الرّزْ َ‬
‫جزِينَ (‪ )51‬أَ َولَمْ َيعْلَمُوا أَنّ اللّهَ يَبْسُ ُ‬
‫هُم بِ ُمعْ ِ‬
‫ت ّلقَوْ ٍم ُي ْؤمِنُونَ (‪. ﴾ )52‬‬
‫فِي ذَِلكَ لَآيَا ٍ‬
‫عن قتادة ‪ :‬قوله ‪ ﴿ :‬ثُمّ إِذَا َخوّْلنَا ُه ِنعْ َم ًة ّمنّ ا قَالَ ِإنّمَا أُوتِيتُ ُه عَلَى عِ ْل ٍم‬
‫َب عندي ‪ ﴿ ،‬بَ ْل هِي ََ ِفْتَنةٌ ﴾ ‪ ،‬أي ‪ :‬بلء ‪ ﴿ ،‬وَلَكِنَّ‬ ‫﴾ أي ‪ :‬على خَ‬
‫أَ ْكثَ َرهُ مْ لَا يَعَْلمُو نَ ﴾ ‪ .‬و عن ال سدي ‪َ ﴿ :‬قدْ قَالَهَا الّذِي نَ مِن َقبِْلهِ مْ ﴾ ‪،‬‬
‫المم الاضية ‪ ﴿ ،‬وَالّذِي َن ظَلَمُوا مِ ْن َهؤُلَاء ﴾ ‪ ،‬قال ‪ :‬من أمة ممد ‪.‬‬
‫وقوله تعال ‪َ ﴿ :‬أوَلَ مْ يَعَْلمُوا أَنّ اللّ هَ يَبْ سُطُ الرّزْ قَ لِمَن يَشَا ُء َوَيقْدِرُ إِنّ‬
‫فِي ذَلِ كَ لَآيَا تٍ ّل َقوْ مٍ ُي ْؤ ِمنُو نَ ﴾ ‪ ،‬قال ابن جرير ‪ :‬يقول تعال ذكره ‪َ :‬أوَلَم‬
‫يعلم ‪ -‬يا م مد ‪ -‬هؤلء الذ ين كشف نا ضرّ هم فقالوا ‪ :‬إن ا أوتيناه على علم‬
‫منَا ‪ ،‬أن الشدّة والرخاء والسَعة والضيَق والبلء بيَد ال دون ك ّل مَن‬
‫سواه ؟ ﴿ َيبْ سُطُ الرّزْ قَ لِمَن يَشَاءُ ﴾ ‪ ،‬فيو سعه عل يه ‪َ ﴿ ،‬ويَقْدِرُ ﴾ ذلك‬
‫على من يشاء من عباده فيضيّقه ‪ ،‬وأن ذلك من حجج ال على عباده ليعتبوا‬
‫‪773‬‬ ‫توفيق الرحن ف دروس القرآن‬

‫به ويتذكّروا ويعلموا أن الرغ بة إل يه والره بة دون الل ة والنداد ؟ ﴿ إِنّ فِي‬
‫ذَلِكَ لَآيَاتٍ ّل َق ْو ٍم ُي ْؤمِنُونَ ﴾ ‪.‬‬

‫***‬
‫الزء الثالث‬ ‫‪774‬‬

‫الدرس الثالث والربعون بعد الائتي‬

‫ي الّذِينَ أَ ْسرَفُوا عَلَى أَنفُسِ ِه ْم لَا َتقْنَطُوا مِن ّرحْ َمةِ اللّهِ إِنّ‬
‫﴿ ُقلْ يَا عِبَادِ َ‬
‫اللّهَـَيغْ ِف ُر ال ّذنُوبَـ جَمِيعا ِإنّهُـ ُهوَ اْلغَفُو ُر ال ّرحِيمُـ (‪ )53‬وََأنِيبُوا ِإلَى َرّبكُم ْـ‬
‫سنَ‬
‫صرُونَ (‪ )54‬وَاتِّبعُوا أَحْ َ‬
‫َوأَسْلِمُوا لَهُ مِن قَ ْبلِ أَن َي ْأتِيَكُمُ اْل َعذَابُ ُثمّ لَا تُن َ‬
‫ش ُعرُو نَ‬
‫ب َبغْتَ ًة َوأَنتُ ْم لَا َت ْ‬
‫مَا أُن ِزلَ ِإلَ ْيكُم مّن ّربّكُم مّن قَ ْب ِل أَن يَ ْأتَِيكُ ُم ال َعذَا ُ‬
‫ب اللّ ِه َوإِن كُن تُ‬
‫ت فِي جَن ِ‬
‫سرَتَى علَى مَا َفرّط ُ‬
‫س يَا حَ ْ‬
‫(‪ )55‬أَن َتقُو َل نَفْ ٌ‬
‫ت مِ َن الْمُّتقِيَ (‪)57‬‬
‫لَمِ َن ال سّا ِخرِينَ (‪َ )56‬أوْ تَقُو َل َلوْ أَنّ اللّ هَ َهدَانِي لَكُن ُ‬
‫َأوْ تَقُو َل حِيَ َترَى اْل َعذَابَ َل ْو أَنّ لِي َك ّر ًة َفأَكُونَ مِ َن الْمُحْسِنِيَ (‪ )58‬بَلَى‬
‫ت وَكُنتَ مِنَ اْلكَا ِفرِينَ (‪ )59‬وََيوْمَ‬
‫ت ِبهَا وَاسَْتكَْبرْ َ‬
‫َق ْد جَاءتْكَ آيَاتِي فَ َك ّذبْ َ‬
‫سوَ ّد ٌة َألَيْسَ فِي َجهَنّ َم مَ ْثوًى‬
‫اْلقِيَا َمةِ َترَى الّذِينَ َك َذبُواْ َعلَى اللّهِ ُوجُو ُههُم مّ ْ‬
‫سهُ ُم ال سّو ُء وَلَا‬
‫لّلْمَُتكَّبرِي نَ (‪ )60‬وَيُنَجّ ي اللّ هُ اّلذِي نَ اّتقَوا بِ َمفَا َزِتهِ ْم لَا يَمَ ّ‬
‫ح َزنُو نَ (‪ )61‬اللّ ُه خَالِ قُ ُك ّل َشيْءٍ وَ ُهوَ عَلَى ُكلّ َشيْ ٍء وَكِيلٌ (‪)62‬‬
‫هُ ْم يَ ْ‬
‫ُمـ‬
‫ِكـ ه ُ‬
‫ّهـ أُ ْولَئ َ‬
‫َاتـ الل ِ‬
‫ِينـ َك َفرُوا بِآي ِ‬
‫ْضـ وَاّلذ َ‬
‫السـمَاوَاتِ وَالْأَر ِ‬
‫َهـ َمقَالِيدُ ّ‬
‫لُ‬
‫الْخَا ِسرُونَ (‪ُ )63‬ق ْل َأفَغَ ْي َر اللّ هِ َت ْأ ُمرُونّ ي أَعُْبدُ َأيّهَا الْجَاهِلُو نَ (‪َ )64‬وَلقَدْ‬
‫أُوحِ يَ إِلَيْ كَ وَِإلَى اّلذِي نَ مِ ْن قَبْلِ كَ لَئِ نْ َأ ْشرَكْ تَ لَيَحْبَ َطنّ عَ َملُ كَ َولَتَكُونَنّ‬
‫مِ نَ الْخَا ِسرِينَ (‪َ )65‬بلِ اللّ َه فَاعُْبدْ وَكُن مّ نْ الشّا ِكرِي نَ (‪َ )66‬ومَا َقدَرُوا‬
‫ض جَمِيعا قَبْضَتُ ُه َيوْ َم اْلقِيَا َمةِ وَال سّماوَاتُ مَ ْط ِويّا تٌ‬
‫اللّ َه حَقّ َقدْرِ ِه وَاْلأَرْ ُ‬
‫ص ِعقَ مَن فِي‬
‫خ فِي الصّو ِر فَ َ‬
‫شرِكُونَ (‪َ )67‬وُنفِ َ‬
‫بِيَمِينِهِ سُبْحَاَنهُ َوَتعَالَى َعمّا ُي ْ‬
‫‪775‬‬ ‫توفيق الرحن ف دروس القرآن‬

‫خ فِي ِه ُأخْرَى َفإِذَا هُم قِيَامٌ‬


‫ض ِإلّا مَن شَاء اللّهُ ثُمّ ُنفِ َ‬
‫ت وَمَن فِي اْلأَرْ ِ‬
‫السّمَاوَا ِ‬
‫ض بِنُورِ َرّبهَا َووُضِ َع اْلكِتَا بُ َوجِي َء بِالنّبِيّيَ‬
‫ت الْأَرْ ُ‬
‫يَن ُظرُو نَ (‪َ )68‬وأَ ْش َرقَ ِ‬
‫س مّا‬
‫حقّ َوهُ ْم لَا يُظْ َلمُونَ (‪ )69‬وَ ُوفّيَتْ ُك ّل َنفْ ٍ‬
‫ش َهدَاء وَقُضِيَ بَيَْنهُم بِالْ َ‬
‫وَال ّ‬
‫ت وَ ُه َو أَعْلَ ُم بِمَا َي ْفعَلُو نَ (‪ )70‬وَ سِي َق الّذِي نَ َك َفرُوا إِلَى جَهَنّ مَ ُزمَرا‬
‫عَمِلَ ْ‬
‫ت َأْبوَاُبهَا وَقَالَ َلهُ ْم َخزَنَُتهَا َألَ مْ َي ْأتِكُ مْ رُ ُسلٌ مّنكُ مْ‬
‫ح ْ‬
‫حَتّى ِإذَا جَاؤُوهَا فُتِ َ‬
‫يَتْلُو نَ عَلَ ْيكُ مْ آيَا تِ َربّكُ ْم َويُنذِرُونَكُ مْ ِلقَاء يَ ْو ِمكُ مْ َهذَا قَالُوا بَلَى َولَكِ نْ‬
‫ّمـ‬
‫َابـ َجهَن َ‬
‫ِينـ (‪ )71‬قِيلَ ا ْدخُلُوا َأبْو َ‬
‫َابـ عَلَى الْكَافِر َ‬
‫ّتـ كَ ِل َمةُ اْل َعذ ِ‬
‫َحق ْ‬
‫س مَ ْثوَى الْمَُتكَّبرِي نَ (‪ )72‬وَ سِيقَ اّلذِي َن اتّ َقوْا َرّبهُ مْ ِإلَى‬
‫خَالِدِي نَ فِيهَا فَبِئْ َ‬
‫سـلَامٌ‬
‫ُمـ َخ َزنَتُهَا َ‬
‫َتـ َأبْوَابُهَا َوقَا َل َله ْ‬
‫الْجَّنةِ ُزمَرا حَتّىـ ِإذَا جَاؤُوهَا َوفُتِح ْ‬
‫ص َدقَنَا وَ ْعدَهُ‬
‫عَلَ ْيكُمْ طِبُْتمْ فَادْخُلُوهَا خَالِدِينَ (‪َ )73‬وقَالُوا الْحَ ْمدُ لِلّهِ اّلذِي َ‬
‫ث َنشَاء فَِنعْ َم أَ ْج ُر الْعَامِلِيَ (‪َ )74‬وَترَى‬
‫ض نَتََب ّوأُ مِ نَ الْجَّن ِة حَيْ ُ‬
‫َوَأوْرَثَنَا اْلأَرْ َ‬
‫حقّ‬
‫الْمَلَائِ َكةَ حَافّيَ مِنْ حَ ْولِ اْلعَرْشِ يُسَبّحُو َن بِحَ ْمدِ َرّبهِ ْم َوقُضِيَ بَيَْنهُم بِالْ َ‬
‫ح ْمدُ لِ ّلهِ َربّ اْلعَالَ ِميَ (‪. ﴾ )75‬‬
‫َوقِيلَ الْ َ‬

‫***‬
‫الزء الثالث‬ ‫‪776‬‬

‫س ِهمْ لَا تَقْنَطُوا‬


‫ي الّذِي َن أَ ْسرَفُوا عَلَى أَنفُ ِ‬
‫قوله عز وجل ‪ُ ﴿ :‬قلْ يَا عِبَادِ َ‬
‫ب جَمِيعا ِإنّ ُه هُ َو اْلغَفُورُ ال ّرحِي مُ (‪)53‬‬
‫مِن ّرحْ َم ِة اللّ ِه إِنّ اللّ َه َيغْ ِفرُ ال ّذنُو َ‬
‫صرُونَ (‬
‫ب ُثمّ لَا تُن َ‬
‫َوَأنِيبُوا إِلَى َربّكُ مْ َوأَ سْلِمُوا لَ ُه مِن قَ ْب ِل أَن يَ ْأتَِيكُ مُ اْل َعذَا ُ‬
‫سنَ مَا أُن ِزلَ ِإلَيْكُم مّ ن ّربّكُم مّ ن قَ ْبلِ أَن َي ْأتَِيكُ مُ العَذَا بُ‬
‫‪ )54‬وَاتّبِعُوا َأحْ َ‬
‫ت فِي‬
‫س َرتَى علَى مَا َفرّط ُ‬
‫س يَا حَ ْ‬
‫َبغَْتةً َوأَنتُ مْ لَا َتشْ ُعرُو نَ (‪ )55‬أَن َتقُو َل نَفْ ٌ‬
‫ت لَمِ َن ال سّاخِرِينَ (‪َ )56‬أوْ تَقُو َل َلوْ أَنّ اللّ هَ َهدَانِي‬
‫جَن بِ اللّ هِ َوإِن كُن ُ‬
‫ت مِنَ الْمُّتقِيَ (‪َ )57‬أوْ تَقُو َل حِيَ َترَى اْلعَذَابَ َل ْو أَنّ لِي َك ّرةً َفأَكُونَ‬
‫َلكُن ُ‬
‫ت ِبهَا وَاسْتَكَْب ْرتَ وَكُنتَ‬
‫مِنَ الْمُحْسِنِيَ (‪ )58‬بَلَى قَ ْد جَاءتْكَ آيَاتِي َفكَ ّذبْ َ‬
‫ّهـ وُجُوهُهُم‬
‫ِينـ َك َذبُواْ عَلَى الل ِ‬
‫ْمـ اْلقِيَا َم ِة َترَى اّلذ َ‬
‫ِينـ (‪َ )59‬وَيو َ‬
‫ِنـ الْكَا ِفر َ‬
‫م َ‬
‫س فِي َجهَنّ مَ مَ ْثوًى لّ ْلمَُتكَبّرِي نَ (‪َ )60‬ويُنَجّ ي اللّ ُه الّذِي نَ اّتقَوا‬
‫س َودّ ٌة َألَيْ َ‬
‫مّ ْ‬
‫ح َزنُونَ (‪. ﴾ )61‬‬
‫س ُهمُ السّو ُء َولَا ُهمْ يَ ْ‬
‫بِ َمفَا َزِتهِ ْم لَا يَ َم ّ‬
‫سهِمْ لَا َتقْنَطُوا مِن‬
‫ي الّذِي نَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنفُ ِ‬
‫عن ابن عباس ‪ ﴿ :‬قُ ْل يَا ِعبَادِ َ‬
‫رّحْ َمةِ اللّ هِ ﴾ ‪ ،‬وذلك أن أ هل م كة قالوا ‪ :‬يز عم م مد أ نه مَ ْن ع بد الوثان‬
‫ودعا مع ال إلًا آخر ‪ ،‬وقتل النفس الت حرّم ال ل يغفر له ‪ ،‬فكيف ناجر‬
‫ونسلم وقد عبدنا اللة وقتلنا النفس الت حرّم ال ونن أهل الشرك ؟ فأنزل‬
‫سهِمْ لَا َتقْنَطُوا مِن رّحْ َمةِ اللّ هِ ﴾ ‪،‬‬‫ي الّذِي نَ أَ سْرَفُوا عَلَى أَنفُ ِ‬
‫ال ‪ ﴿ :‬يَا ِعبَادِ َ‬
‫ُوبَ َجمِيعا ﴾ قال ‪:‬‬ ‫ّهَ َي ْغفِرُ ال ّذن َ‬
‫يقول ‪ :‬ل تيأسَوا مَن رحتَ ﴿ إِن ّ الل َ‬
‫﴿ َوَأنِيبُوا إِلَى َربّكُ ْم َوأَ سْلِمُوا لَ هُ ﴾ ‪ ،‬وإنا يعاتب ال أول اللباب ‪ ،‬وإنا‬
‫‪777‬‬ ‫توفيق الرحن ف دروس القرآن‬

‫اللل والرام ل هل الِيان ‪ ،‬فإيّا هم عا تب وإيا هم أ مر إن أ سرف أحد هم‬


‫على نف سه أن ل يق نط من رح ة ال ‪ ،‬وأن ين يب ول يب طئ بالتو بة من ذلك‬
‫الِسراف والذنب الذي عمله ‪ ،‬وقد ذكر ال ف سورة آل عمران أن الؤمني‬
‫حي سألوا ال الغفرة فقالوا ‪ ﴿ :‬رّبنَا ا ْغفِرْ َلنَا ُذنُوبَنَا َوإِسْرَاَفنَا فِي َأمْ ِرنَا َوثَبّتْ‬
‫أَقْدَا َمنَا ﴾ ‪ ،‬فينبغي أن يعلم أنم قد كانوا يصيبون السراف فأمرهم بالتوبة‬
‫من إسرافهم ‪.‬‬
‫ي الّذِي نَ أَ سْرَفُوا عَلَى‬ ‫و عن القرظ يّ أ نه قال ف هذه ال ية ‪ ﴿ :‬يَا ِعبَادِ َ‬
‫سهِمْ لَا َت ْقنَطُوا مِن رّ ْح َمةِ اللّهِ ﴾ ‪ ،‬قال ‪ :‬هي للناس أجعي ‪ .‬وعن قتادة ‪:‬‬ ‫أَنفُ ِ‬
‫ُمَ ﴾ ‪ ،‬أي ‪ :‬أقبلوا إل ربكَم ‪ .‬وقال ابَن زيَد ‪:‬‬ ‫قوله ‪َ ﴿ :‬وَأنِيبُوا إِلَى َرّبك ْ‬
‫النابَة ‪ :‬الرجوع إل الطاعَة والنوع عمَا كانوا عليَه ‪ ،‬أل تراه يقول ‪:‬‬
‫﴿ ُمنِيبِيَ إِلَيْهِ وَاّتقُوهُ ﴾ ‪ ،‬وعن السدي ‪ ﴿ :‬وَاتِّبعُوا أَحْسَ َن مَا أُنزِلَ إِلَْيكُم‬
‫مّن ّربّكُم ﴾ ‪ ،‬يقول ‪ :‬ما أُمرت به ف الكتاب ‪ ﴿ ،‬مّن َقبْلِ أَن َيأِْتَيكُمُ العَذَابُ‬
‫س يَا حَ سْ َرتَى علَى مَا َفرّط تُ فِي جَن بِ‬ ‫شعُرُو نَ * أَن َتقُو َل َنفْ ٌ‬
‫َب ْغَتةً َوأَنتُ مْ لَا تَ ْ‬
‫اللّ هِ ﴾ ‪ ،‬قال ‪ :‬تركت من أمر ال ‪َ ﴿ ،‬وإِن كُن تُ َلمِ َن ال سّاخِرِينَ ﴾ ‪ ،‬يقول‬
‫‪ :‬من الستهزئي ‪ .‬قال قتادة ‪ :‬فلم يكفه أن ضيّع طاعة ال حت جعل يسخر‬
‫بأهل طاعة ال ‪ ،‬هذا قول صنف منهم ‪َ ﴿ :‬أوْ َتقُولَ َلوْ أَنّ اللّ َه هَدَانِي َلكُنتُ‬
‫مِ َن الْ ُمّتقِيَ ﴾ هذا قول صنف آ خر ‪َ ﴿ :‬أ ْو َتقُولَ حِيَ تَرَى اْلعَذَا بَ َلوْ أَنّ‬
‫ْسَِيَ ﴾ ‪ ،‬قال ‪ :‬هذا‬ ‫ِنَ الْمُح ِن‬ ‫ُونَ م َ‬‫لِي كَ ّرةً ﴾ ‪ ،‬رجعَة إل الدنيَا ‪َ ﴿ ،‬فأَك َ‬
‫الزء الثالث‬ ‫‪778‬‬

‫ت بِهَا‬
‫ك آيَاتِي َفكَ ّذبْ َ‬
‫صنف آ خر ؛ يقول ال ردّا لقول م ‪ ﴿ :‬بَلَى قَدْ جَاءتْ َ‬
‫ت مِ َن اْلكَافِرِينَ ﴾ ‪.‬‬
‫ت وَكُن َ‬
‫وَا ْستَ ْكبَرْ َ‬
‫وقال ابن زيد ف قوله ‪َ ﴿ :‬ويُنَجّي اللّ ُه الّذِي َن اّتقَوا بِ َمفَا َزِتهِ مْ ﴾ ‪ ،‬قال ‪:‬‬
‫ِينَ‬
‫ِنَ َأوْزَا ِر الّذ َ‬
‫بأعمالمَ ‪ ،‬والخرون يملون أوزارهَم يوم القيامَة ﴿ َوم ْ‬
‫ُيضِلّوَنهُم ِبغَيْ ِر عِ ْلمٍ أَلَ سَاء مَا يَ ِزرُونَ ﴾ ‪.‬‬
‫قوله عز و جل ‪ ﴿ :‬اللّهُـ خَالِ قُ ُك ّل شَيْ ٍء َوهُوَ عَلَى ُك ّل شَيْ ٍء وَكِيلٌ (‬
‫ك هُ مُ‬
‫ت اللّ ِه أُ ْولَئِ َ‬
‫ض وَاّلذِي نَ َك َفرُوا بِآيَا ِ‬
‫‪ )62‬لَ هُ َمقَالِيدُ ال سّمَاوَاتِ وَالْأَرْ ِ‬
‫الْخَا ِسرُونَ (‪ُ )63‬ق ْل َأفَغَ ْي َر اللّ هِ َت ْأ ُمرُونّ ي أَعُْبدُ َأيّهَا الْجَاهِلُو نَ (‪َ )64‬وَلقَدْ‬
‫أُوحِ يَ إِلَيْ كَ وَِإلَى اّلذِي نَ مِ ْن قَبْلِ كَ لَئِ نْ َأ ْشرَكْ تَ لَيَحْبَ َطنّ عَ َملُ كَ َولَتَكُونَنّ‬
‫مِ نَ الْخَا ِسرِينَ (‪َ )65‬بلِ اللّ َه فَاعُْبدْ وَكُن مّ نْ الشّا ِكرِي نَ (‪َ )66‬ومَا َقدَرُوا‬
‫ض جَمِيعا قَبْضَتُ ُه َيوْ َم اْلقِيَا َمةِ وَال سّماوَاتُ مَ ْط ِويّا تٌ‬
‫اللّ َه حَقّ َقدْرِ ِه وَاْلأَرْ ُ‬
‫بِيَمِيِن ِه سُبْحَاَنهُ َوَتعَالَى َعمّا ُيشْرِكُونَ (‪. ﴾ )67‬‬
‫قال البغوي ‪ ﴿ :‬اللّ هُ خَاِل قُ كُ ّل َشيْ ٍء َو ُهوَ عَلَى كُ ّل َشيْءٍ وَكِيلٌ ﴾ أي ‪:‬‬
‫السَمَاوَاتِ‬‫َهَ َمقَالِيدُ ّ‬ ‫الشياء كلهَا موكولة إليَه ‪ ،‬فهَو القائم بفظهَا ‪ ﴿ ،‬ل ُ‬
‫ِينَ َكفَرُوا‬
‫ْضَ ﴾ ‪ ،‬أي ‪ :‬مفاتيَح خزائن السَماوات والرض ‪ ﴿ .‬وَالّذ َ‬ ‫وَاْلأَر ِ‬
‫بِآيَا تِ اللّ هِ ُأوْلَئِ كَ هُ ُم الْخَا سِرُونَ ﴾ ‪ ﴿ .‬قُلْ أََف َغيْرَ اللّ ِه َت ْأمُرُونّ ي َأ ْعبُدُ َأيّهَا‬
‫الْجَاهِلُو نَ ﴾ قال مقاتل ‪ :‬وذلك أن كفار قريش دعوه إل دين آبائه ﴿ وََلقَدْ‬
‫حبَطَ ّن عَ َملُكَ ﴾ أي ‪ :‬الذي‬ ‫أُو ِحيَ إَِليْكَ َوإِلَى الّذِي َن مِنْ َقبْلِكَ َلئِنْ َأشْرَ ْكتَ َليَ ْ‬
‫‪779‬‬ ‫توفيق الرحن ف دروس القرآن‬

‫عملته قبل الشرك ‪ ،‬وهذا خطاب مع رسول ال والراد من غيه ‪ .‬وقيل ‪:‬‬
‫هذا أدب مَن ال لنَبيّه وتديَد لغيه لن ال تعال عصَمه مَن الشرك‬
‫ِينَ ﴾ ‪،‬‬ ‫ِنَ الشّاكِر َ‬ ‫ُنَ م َ‬ ‫ّهَ فَاعْبُ ْد وَك ْ‬
‫َاسَرِينَ * بَلِ الل َ‬‫ِنَ الْخ ِ‬ ‫﴿ وََلتَكُونَنّ م َ‬
‫لنعامه عليك ‪َ ﴿ .‬ومَا قَدَرُوا اللّهَ حَقّ قَدْرِهِ ﴾ ‪ ،‬ما عظّموه حقّ عظمته حي‬
‫ضتُ هُ َيوْ مَ‬
‫أشركوا به غيه ‪ .‬ث أخب عن عظمته فقال ‪ ﴿ :‬وَالرْ ضُ جَمِيعًا َقْب َ‬
‫ت ِبيَمِينِ هِ ُسبْحَانَ ُه َوتَعَالَى عَمّا يُشْرِكُو نَ ﴾ ‪ .‬انتهى‬ ‫ت مَ ْط ِويّا ٌ‬ ‫اْل ِقيَا َم ِة وَال سّماوَا ُ‬
‫ملخصًا ‪.‬‬
‫«‬ ‫وعن أب هريرة رضي ال عنه قال ‪ :‬سعت رسول ال يقول ‪:‬‬
‫يقبض ال تعال الرض ويطوي السماء بيمينه ث يقول ‪ :‬أنا اللك ‪ .‬أين ملوك‬
‫الرض ؟ » ‪ .‬متفق عليه ‪.‬‬
‫وعن ابن مسعود رضي ال عنه قال ‪ :‬جاء حب من الحبار إل رسول ال‬
‫فقال ‪ :‬يا م مد إ نا ن د أن ال عز و جل ي عل ال سماوات على إ صبع ‪،‬‬
‫والرضيَ على إصَبع ‪ ،‬والشجَر على إصَبع ‪ ،‬والاء والثرى على إصَبع ‪،‬‬
‫و سائر اللق على إ صبع ‪ ،‬فيقول ‪ :‬أ نا اللك ‪ .‬فض حك ال نب ح ت بدت‬
‫نواجذه تصديقًا لقول الب ث قرأ رسول ال ‪َ ﴿ « :‬ومَا قَدَرُوا اللّهَ حَقّ َقدْرِهِ‬
‫ت ِبيَمِينِهِ ُسبْحَانَ ُه َوَتعَالَى‬
‫ت مَ ْط ِويّا ٌ‬
‫وَاْلأَرْضُ جَمِيعا َقْبضَتُهُ َي ْومَ اْل ِقيَامَ ِة وَالسّماوَا ُ‬
‫عَمّا يُشْرِكُو َن ﴾ » ‪ .‬متفق عليه ‪.‬‬
‫الزء الثالث‬ ‫‪780‬‬

‫ص ِعقَ مَن فِي السّمَاوَاتِ َومَن فِي‬


‫خ فِي الصّورِ فَ َ‬
‫قوله عز وجل ‪َ ﴿ :‬ونُفِ َ‬
‫خ فِي ِه ُأخْرَى َفِإذَا هُم قِيَا ٌم يَن ُظرُو نَ (‪)68‬‬
‫ض ِإلّا مَن شَاء اللّ ُه ثُمّ نُفِ َ‬
‫اْلأَرْ ِ‬
‫َابـ وَجِي َء بِالنّبِيّي َ وَالشّ َهدَاء‬
‫ِعـ اْلكِت ُ‬
‫ْضـ بِنُورِ َربّه َا وَوُض َ‬
‫َتـ اْلأَر ُ‬
‫َوأَ ْش َرق ِ‬
‫س مّ ا عَمِ َل تْ‬
‫َوقُضِ يَ بَيْنَهُم بِالْحَقّ وَهُ ْم لَا يُظْلَمُو نَ (‪َ )69‬و ُوفّيَ تْ ُك ّل نَفْ ٍ‬
‫َوهُ َو أَعْ َل ُم بِمَا يَ ْفعَلُونَ (‪. ﴾ )70‬‬
‫عن أب هريرة قال ‪ :‬قال رسول ال ‪ « :‬ينفخ ف الصور ثلث نفخات‬
‫‪ .‬الول ‪ :‬نفخة الفزع ‪ .‬والثانية ‪ :‬نفخة الصعق ‪ .‬والثالثة ‪ :‬نفخة القيام لرب‬
‫العال ي تبارك وتعال ‪ .‬يأ مر ال إ سرافيل بالنف خة الول فيقول ‪ :‬ان فخ نف خة‬
‫الفزع ‪ ،‬فتفزع أهَل السَماوات وأهَل الرض إل مَن شاء ال » ‪ .‬قال أبَو‬
‫ع مَن فِي ال سّمَاوَاتِ‬
‫هريرة ‪ :‬يا رسول ال فمن استثن حي يقول ‪َ ﴿ :‬ففَزِ َ‬
‫وَمَن فِي الْأَرْ ضِ إِلّا مَن شَاء اللّ هُ ﴾ ؟ قال ‪ « :‬أولئك الشهداء ‪ ،‬وإن ا ي صل‬
‫الفزع إل الحياء ‪ ،‬أولئك أحياء عنَد ربمَ يرزقون ‪ ،‬وقاهَم ال فزع ذلك‬
‫اليوم وأمّن هم ؛ ث يأ مر ال إ سرافيل بنف خة ال صعق ‪ ،‬في صعق أهل ال سماوات‬
‫والرض إل مَن شاء ال فإذا هَم خامدون ؛ ثَ يأتَ ملك الوت إل البّار‬
‫تبارك وتعال فيقول ‪ :‬يَا رب ‪ ،‬قَد مات أهَل السَماوات والرض إل مَن‬
‫شئت ‪ ،‬فيقول له ‪ -‬وهَو أعلم ‪ : -‬ف من بقَي ؟ فيقول ‪ :‬بق يت أنَت اليَّ‬
‫الذي ل توت ‪ ،‬وبقي حلة عرشك ‪ ،‬وبقي جبيل ‪ ،‬وميكائيل ‪ .‬فيقول ال ‪:‬‬
‫فليمت جبيل ‪ ،‬وميكائيل ‪ .‬فيقول ‪ :‬يا رب يوت جبيل وميكائيل ! فيقول‬
‫‪781‬‬ ‫توفيق الرحن ف دروس القرآن‬

‫ال له ‪ :‬اسكت إن كتبت الوت على من كان تت عرشي ؛ ث يأ ت ملك‬


‫الوت فيقول ‪ :‬يا رب قد مات جبيل ‪ ،‬وميكائيل ‪ ،‬فيقول ال ‪ -‬وهو أعلم‬
‫اليَ الذي ل توت ‪ ،‬وبقَي حلة‬ ‫ّ‬ ‫‪ : -‬فمَن بقَي ؟ فيقول ‪ :‬بقيَت أنَت‬
‫عرشك وبقيت أنا ‪ .‬فيقول ال ‪ :‬فليمت حلة العرش ‪ .‬فيموتون ‪ .‬ويأمر ال‬
‫العرش فيقبَض الصَور فيقول ‪ :‬أي رب قَد مات حلة عرشَك ‪ .‬فيقول ‪-‬‬
‫وهو أعلم ‪ : -‬فمن بقي ؟ فيقول ‪ :‬بقيت أنت ال يّ الذي ل توت ‪ ،‬وبقيت‬
‫أنَا ‪ .‬فيقول ال ‪ :‬أنَت مَن خلقَي ‪ ،‬خلقتَك لاَ رأيَت ‪ ،‬فمَت ل تيَ ‪.‬‬
‫فيموت » ‪ .‬رواه ابن جرير ‪.‬‬
‫وعن قتادة ‪ ﴿ :‬ثُمّ ُنفِ خَ فِي هِ ُأخْرَى فَِإذَا هُ مْ ِقيَا ٌم َينْظُرُو نَ ﴾ ‪ ،‬قال نبّ ال‬
‫‪ « :‬ب ي النفخت ي أربعون » ‪ ،‬قال ‪ :‬قال أ صحابه ‪ :‬ف ما سألناه عن ذلك ؛‬
‫ول زاد نا على ذلك ؛ غ ي أن م كانوا يرون من رأي هم أن ا ‪ :‬أربعون سنة ‪.‬‬
‫وذكر لنا أنه يبعث ف تلك الربعي مطر يقال له ‪ :‬مطر الياة ‪ ،‬حت تطيب‬
‫الرض وتت ّز ‪ ،‬وتنبت أجساد الناس نبات البقل ‪ ،‬ث ينفخ فيه الثانية فإذا هم‬
‫قيام ينظرون ‪ .‬و عن ال سن قال ‪ :‬قال ال نب ‪ « :‬كأ ن أن فض رأ سي من‬
‫التراب أول خارج ‪ ،‬فألتفَت فل أرى أحدًا إل موسَى متعلّقًا بالعرش ‪ ،‬فل‬
‫أدري أمن استثن ال ل تصيبه النفخة لعلمه الصعقة أو بُعث قبلي » ‪.‬‬
‫ْضَ ِبنُورِ َربّهََا ﴾ ‪ ،‬قال ‪ :‬فمَا‬ ‫َتَ الر ُ‬ ‫وعَن قتادة ‪ :‬قوله ‪َ ﴿ :‬وَأشْرَق ِ‬
‫َ يتضارّون فَ الشمَس فَ اليوم الصَحو الذي ل‬ ‫يتضارّون فَ نوره إل كم ا‬
‫دخن فيه ‪َ ﴿ .‬ووُضِ َع الْ ِكتَابُ ﴾ قال ‪ :‬كتاب أعمالم ‪ ﴿ ،‬وَجِيءَ بِالّنِبيّيَ ﴾‬
‫الزء الثالث‬ ‫‪782‬‬

‫قال ابن كثي ‪ :‬قال ابن عباس ‪ :‬يشهدون على المم بأنم بلّغوهم رسالت‬
‫شهَدَاءِ ﴾ ‪ ،‬أي ‪ :‬الشهداء مَن اللئكَة ‪ ،‬والفظَة على‬ ‫ال إليهَم ‪ ﴿ ،‬وَال ّ‬
‫أعمال العباد من خي وشر ﴿ وَُقضِ َي َبيَْنهُم بِالْحَقّ ﴾ أي ‪ :‬بالعدل ﴿ َوهُمْ لَا‬
‫ت َوهُوَ َأعْلَ ُم بِمَا َي ْفعَلُو نَ ﴾ ‪ ،‬قال عطاء‬
‫س مّا عَمِلَ ْ‬
‫يُ ْظلَمُو نَ * َووُّفيَ تْ كُ ّل َنفْ ٍ‬
‫‪ :‬يريد أن عال بأفعالم ل أحتاج إل كاتب ول إل شاهد ‪.‬‬
‫ّمـ ُزمَرا حَتّىـ ِإذَا‬
‫ِينـ َك َفرُوا ِإلَى َجهَن َ‬
‫قوله عـز وجـل ‪ ﴿ :‬وَسـِيقَ اّلذ َ‬
‫ت َأْبوَابُهَا َوقَا َل َلهُ ْم َخزَنَتُهَا َألَ مْ يَ ْأِتكُ مْ رُ ُسلٌ مّنكُ مْ يَتْلُو نَ‬
‫جَاؤُوهَا فُتِحَ ْ‬
‫عَلَ ْيكُ مْ آيَا تِ َرّبكُ ْم َويُنذِرُونَكُ ْم ِلقَاء يَ ْومِكُ مْ َهذَا قَالُوا بَلَى َولَكِ ْن َحقّ تْ‬
‫كَ ِل َمةُ اْل َعذَا بِ عَلَى اْلكَا ِفرِي نَ (‪ )71‬قِي َل ادْخُلُوا َأْبوَا بَ َجهَنّ مَ خَالِدِي نَ فِيهَا‬
‫س مَ ْثوَى الْمَُتكَّبرِينَ (‪ )72‬وَسِيقَ اّلذِينَ اّتقَوْا َرّبهُمْ ِإلَى الْجَّنةِ ُزمَرا حَتّى‬
‫فَبِئْ َ‬
‫ت َأْبوَاُبهَا َوقَالَ لَهُ ْم خَ َزنَُتهَا سَلَامٌ عَلَ ْيكُمْ طِبْتُ ْم فَادْخُلُوهَا‬
‫ِإذَا جَاؤُوهَا َوفُتِحَ ْ‬
‫ض نَتََبوّأُ‬
‫ص َدقَنَا وَ ْعدَ ُه وََأوْ َرثَنَا اْلأَرْ َ‬
‫خَالِدِي نَ (‪َ )73‬وقَالُوا الْحَ ْم ُد لِلّ هِ اّلذِي َ‬
‫ث َنشَاء فَِنعْ مَ َأ ْجرُ اْلعَامِلِيَ (‪ )74‬وََترَى الْمَلَاِئكَ َة حَافّيَ مِ نْ‬
‫مِ َن الْجَّنةِ حَيْ ُ‬
‫ش يُ سَبّحُونَ ِبحَ ْمدِ َرّبهِ ْم َوقُضِ َي بَيْنَهُم بِالْحَقّ وَقِي َل الْحَ ْم ُد لِلّ هِ‬
‫َحوْ ِل الْ َعرْ ِ‬
‫ب الْعَالَمِيَ (‪. ﴾ )75‬‬
‫َر ّ‬
‫ّمَ ُزمَرا ﴾ ‪ ،‬قال ‪:‬‬ ‫ِينَ َكفَرُوا إِلَى َج َهن َ‬
‫عَن قتادة ‪ :‬قوله ‪ ﴿ :‬وَسَِيقَ الّذ َ‬
‫َتََأْبوَابُهَا ﴾ ‪ ،‬قال ابَن كثيَ ‪ :‬أي ‪:‬‬ ‫جاعات ‪َ ﴿ ،‬حتّىَإِذَا جَاؤُوهَا ُفتِح ْ‬
‫بجرّد و صولم إلي ها فت حت ل م أبواب ا سريعًا ‪ ﴿ ،‬وَقَالَ َلهُ مْ َخ َزَنتُهَا ﴾ ‪-‬‬
‫‪783‬‬ ‫توفيق الرحن ف دروس القرآن‬

‫على وجه التقريع والتوبيخ ‪ ﴿ : -‬أَلَ ْم يَ ْأِتكُ مْ رُ سُ ٌل مّنكُ ْم َيتْلُو نَ عََلْيكُ ْم آيَا ِ‬
‫ت‬
‫َرّبكُ ْم َويُنذِرُوَنكُ مْ ِلقَاء َي ْو ِمكُ ْم هَذَا قَالُوا بَلَى وََلكِ نْ َحقّ تْ كَِل َم ُة اْلعَذَا بِ عَلَى‬
‫اْلكَافِرِينَ ﴾ ‪.‬‬
‫جّنةِ ُزمَرا ﴾ ‪ ،‬فَ الصَحيحي مَن‬ ‫ُمَ إِلَى الْ َ‬ ‫ِينَ اّت َقوْا َرّبه ْ‬
‫﴿ وَسَِي َق الّذ َ‬
‫حديَث جريَر قال ‪ :‬قال رسَول ال ‪ « :‬أول زمرة يدخلون النَة على‬
‫صورة القمر ليلة البدر ‪ ،‬والذين يلونم على أضواء كوكب درّيّ ‪ ،‬ل يبولون‬
‫ول يتغوّطون ول يتمخّطون ‪ ،‬أمشاطهَم الذهَب ‪ ،‬ورشحهَم السَك ‪،‬‬
‫ومامر هم الِلوة ‪ ،‬وأزواج هم الور الع ي ‪ ،‬أخلق هم خلق ر جل وا حد على‬
‫صورة أبيهم آدم ستّون ذراعًا ف السماء » ‪.‬‬
‫وقوله تعال ‪َ ﴿ :‬حتّى إِذَا جَاؤُوهَا وَُفتِ َ‬
‫حتْ َأْبوَاُبهَا وَقَالَ َلهُمْ َخ َزَنُتهَا سَلَامٌ‬
‫عََلْيكُ ْم ِطْبتُمْ فَادْخُلُوهَا خَالِدِينَ ﴾ ‪ .‬عن أنس رضي ال عنه قال ‪ :‬قال رسول‬
‫ال ‪ « :‬أ نا أول شف يع ‪ ،‬وأ نا أول من يقرع باب النّة » ‪ .‬رواه م سلم ‪.‬‬
‫وعن عل يّ بن أب طالب رضي ال عنه قوله ‪ ﴿ :‬وَ سِي َق الّذِي َن اّت َقوْا َرّبهُ مْ إِلَى‬
‫جّنةِ ُزمَرا ﴾ حت إذا انتهوا إل بابا إذا هم بشجرة يرج من أصلها عينان ‪،‬‬ ‫الْ َ‬
‫فعمدوا إل إحداه ا فشربوا من ها كأن ا أمروا ب ا ‪ ،‬فخرج ما ف بطون م من‬
‫قذر أو أذى أو قذى ‪ ،‬ث عمدوا إل الخرى فتوضأوا من ها كأن ا أمروا ب ا ‪،‬‬
‫فجرت عليهَم نضرة النعيَم ‪ ،‬فلن تشعَث رؤوسَهم بعدهَا أبدًا ‪ ،‬ولن تبلى‬
‫ثيابم بعدها ‪ ،‬ث دخلوا النة فتلقّتهم الولدان كأنم اللؤلؤ الكنون فيقولون ‪:‬‬
‫أبشر ‪ .‬أعدّ ال لك كذا ‪ ،‬وأعد لك كذا ‪ ،‬وكذا ‪ ،‬ث ينظر إل تأسيس بنيانه‬
‫الزء الثالث‬ ‫‪784‬‬

‫‪ :‬جندل اللؤلؤ الحر ‪ ،‬والصفر ‪ ،‬والخضر يتلل كأنه البق ‪ ،‬فلول أن ال‬
‫قضى أن ل يذهب بصره لذهب ‪ ،‬ث يأت بعضهم إل بعض أزواجه فيقول ‪:‬‬
‫أبشري ‪ .‬قد قدم فلن ا بن فلن ‪ ،‬في سمّيه با سه وا سم أب يه ‪ .‬فتقول ‪ :‬أ نت‬
‫رأيته ‪ ،‬أ نت رأي ته ؟ ! في ستخفّها الفرح ح ت تقوم فتجلس على أُ ْسكُفّة باب ا‬
‫فيدخل فيتكئ على سريره ويقرأ هذه الية ‪ ﴿ :‬الْحَ ْمدُ لِلّ ِه الّذِي هَدَانَا ِلهََذَا‬
‫َومَا ُكنّا ِلَنهْتَدِ يَ َلوْل أَ نْ هَدَانَا اللّ هُ َلقَدْ جَاء تْ رُ سُلُ َرّبنَا بِالْحَقّ ﴾ وعن‬
‫ماهد ‪ :‬قوله ‪ِ ﴿ :‬طْبتُمْ ﴾ ‪ ،‬قال ‪ :‬كنتم طيّبي ف طاعة ال ‪.‬‬
‫وقال ابن زيد ف قوله ‪َ ﴿ :‬وَأوْرََثنَا الْأَرْ ضَ ﴾ ‪ ،‬قال ‪ :‬أرض النّة ‪ ،‬وقرأ‬
‫ي ال صّالِحُونَ ﴾ ‪ ،‬و عن ال سدي ‪َ ﴿ :‬نتََب ّوأُ مِ َن‬ ‫‪ ﴿ :‬أَنّ اْلأَرْ ضَ يَ ِرثُهَا ِعبَادِ َ‬
‫َ نَشَاء ﴾ ‪ ،‬ننل منهَا حيَث نشاء ‪ .‬وعَن قتادة ‪َ ﴿ :‬وتَرَى‬ ‫جّنةِ َحيْث ُ‬ ‫الْ َ‬
‫حمْدِ َرّبهِ ْم وَُقضِ يَ َبْيَنهُم ﴾ ‪ ،‬أي‬‫سبّحُونَ بِ َ‬ ‫ش يُ َ‬ ‫الْمَلَائِ َكةَ حَافّيَ مِ نْ َحوْ ِل اْلعَرْ ِ‬
‫حمْدُ لِلّهَِ رَبّ اْلعَالَمِيَ ﴾ قال ‪ :‬فتَح أو‬ ‫‪ :‬بيَ اللئق ‪ ﴿ ،‬بِاْلحَقّ وَقِي َل الْ َ‬
‫ت وَالَرْضَ ﴾ ‪ ،‬وختم‬ ‫اللق بالمد فقال ‪ ﴿ :‬الْحَمْدُ ِللّ ِه الّذِي خَلَ َق السّمَاوَا ِ‬
‫ب اْلعَالَمِيَ ﴾ ‪.‬‬
‫ضيَ َبْيَنهُم بِاْلحَ ّق وَقِي َل الْحَمْدُ لِلّهِ رَ ّ‬‫بالمد فقال ‪ ﴿ :‬وَُق ِ‬

‫***‬
‫‪785‬‬ ‫توفيق الرحن ف دروس القرآن‬

‫الدرس الرابع والربعون بعد الائتي‬


‫[ سورة الؤمن ]‬
‫مكية ‪ ،‬وهي خسة وثانون آية‬
‫قال ابن مسعود رضي ال عنه ‪ ( :‬إن مثل القرآن كمثل رجل انطلق يرتاد‬
‫لهله منلً فمرّ بأ ثر غيث ‪ ،‬فبين ما هو ي سي فيه ويتعجّب م نه إذ ه بط على‬
‫روضات دمثات فقال ‪ :‬عجبت من الغيث الول فهذا أعجب منه وأعجب ‪،‬‬
‫فقيل له ‪ :‬إن مثل الغيث الول مثل عظم القرآن ‪ ،‬وإن مثل هؤلء الروضات‬
‫الدمثات م ثل آل حم ف القرآن ) ‪ .‬و عن ا بن عباس ر ضي ال عنه ما قال ‪:‬‬
‫( لك ّل شيء لباب ‪ ،‬ولباب القرآن الواميم ) ‪.‬‬
‫بسم ال الرحن الرحيم‬
‫ّنبـ‬
‫ِيمـ (‪ )2‬غَا ِفرِ الذ ِ‬
‫ّهـ الْ َعزِيزِ اْلعَل ِ‬
‫ِنـ الل ِ‬
‫َابـ م َ‬
‫﴿ حـم (‪ )1‬تَنِيلُ الْكِت ِ‬
‫ب ذِي ال ّط ْولِ لَا إِلَ هَ ِإلّا ُهوَ إِلَيْ هِ الْمَ صِيُ (‪ )3‬مَا‬
‫ب شَدِيدِ اْل ِعقَا ِ‬
‫َوقَاِب ِل التّوْ ِ‬
‫ت اللّ ِه إِلّا الّذِي نَ َك َفرُوا فَلَا َي ْغرُرْ َك َتقَلُّبهُ ْم فِي الْبِلَادِ ( ‪)4‬‬
‫يُجَا ِدلُ فِي آيَا ِ‬
‫ح وَاْلأَ ْحزَا بُ مِن َب ْعدِهِ مْ َوهَمّ تْ ُك ّل أُ ّم ٍة ِبرَ سُوِلهِمْ‬
‫َك ّذبَ تْ قَبْ َلهُ مْ َقوْ ُم نُو ٍ‬
‫حقّ َفأَ َخذُْتهُ ْم َفكَيْ فَ كَا نَ ِعقَا بِ‬
‫لَِي ْأخُذُو ُه وَجَا َدلُوا بِالْبَا ِطلِ لُِي ْدحِضُوا بِ هِ الْ َ‬
‫ك َحقّ تْ كَلِمَ تُ َربّ كَ عَلَى الّذِي نَ َك َفرُوا َأّنهُ ْم أَ صْحَابُ النّارِ (‬
‫(‪ )5‬وَ َك َذلِ َ‬
‫ح ْمدِ َربّهِ مْ َوُيؤْمِنُو َن بِ هِ‬
‫حمِلُو َن اْلعَرْ شَ َومَ ْن حَ ْولَ ُه يُ سَبّحُو َن بِ َ‬
‫‪ )6‬اّلذِي نَ يَ ْ‬
‫َويَ سَْتغْ ِفرُونَ لِ ّلذِي نَ آمَنُوا َربّنَا وَ ِسعْتَ ُكلّ َشيْءٍ ّرحْ َم ًة وَعِلْما فَا ْغفِ ْر لِ ّلذِي نَ‬
‫الزء الثالث‬ ‫‪786‬‬

‫جحِي مِ (‪َ )7‬ربّنَا َوَأدْخِ ْلهُ ْم جَنّا تِ َعدْ نٍ‬


‫تَابُوا وَاتَّبعُوا سَبِي َلكَ َو ِقهِ مْ َعذَا بَ الْ َ‬
‫ك أَن تَ اْل َعزِيزُ‬
‫ح مِ نْ آبَاِئهِ مْ َوأَ ْزوَا ِجهِ ْم َوذُ ّريّاِتهِ ْم ِإنّ َ‬
‫الّتِي وَعَدّتهُم َومَن صَ َل َ‬
‫ت َيوْمَِئذٍ فَ َقدْ َرحِمْتَ ُه َو َذلِ كَ‬
‫حكِي مُ (‪َ )8‬وقِهِ ُم ال سّيّئَاتِ وَمَن تَ ِق ال سّيّئَا ِ‬
‫الْ َ‬
‫ت اللّ ِه أَكَْبرُ مِن ّمقِْتكُ مْ‬
‫ُهوَ اْل َفوْزُ اْلعَظِي مُ (‪ )9‬إِنّ اّلذِي نَ َك َفرُوا يُنَادَوْ نَ لَ َمقْ ُ‬
‫ْنـ‬
‫ُونـ (‪ )10‬قَالُوا َربّنَا َأمَتّنَا اثْنَتَي ِ‬
‫َانـ فََت ْك ُفر َ‬
‫ْنـ ِإلَى اْلإِي ِ‬
‫ُسـ ُكمْ ِإ ْذ ُتدْ َعو َ‬
‫أَنف َ‬
‫َوأَحْيَيْتَنَا اثْنَتَيْنِ فَاعَْت َرفْنَا ِب ُذنُوبِنَا َفهَ ْل ِإلَى ُخرُوجٍ مّن سَبِيلٍ (‪َ )11‬ذِلكُم ِبَأنّهُ‬
‫حكْ ُم لِلّ ِه اْلعَلِيّ اْلكَبِيِ‬
‫شرَ كْ بِ هِ ُت ْؤمِنُوا فَالْ ُ‬
‫ِإذَا دُعِ يَ اللّ هُ َوحْدَ هُ َك َفرْتُ ْم َوإِن ُي ْ‬
‫(‪ُ )12‬هوَ اّلذِي ُيرِيكُ مْ آيَاتِ ِه َويَُنزّ ُل لَكُم مّ َن ال سّمَاءِ رِزْقا وَمَا يَتَذَ ّك ُر ِإلّا‬
‫ي لَ هُ الدّي َن َولَوْ َكرِ َه الْكَافِرُو نَ (‪)14‬‬
‫صَ‬‫مَن يُنِي بُ (‪ )13‬فَادْعُوا اللّ هَ مُخْلِ ِ‬
‫ح مِ نْ َأ ْمرِ هِ عَلَى مَن َيشَا ُء مِ نْ عِبَادِ هِ‬
‫ش يُ ْلقِي الرّو َ‬
‫ت ذُو اْلعَرْ ِ‬
‫َرفِي ُع الدّ َرجَا ِ‬
‫خفَى عَلَى اللّ ِه مِ ْنهُ ْم شَيْ ٌء لّمَ نِ‬
‫لِيُنذِ َر َيوْ َم التّلَا قِ (‪َ )15‬يوْ َم هُم بَارِزُو َن لَا يَ ْ‬
‫ت لَا‬
‫س بِمَا كَسَبَ ْ‬
‫جزَى ُك ّل نَفْ ٍ‬
‫ك الَْيوْ َم لِلّ ِه الْوَاحِ ِد الْ َقهّارِ (‪ )16‬الْيَوْ َم تُ ْ‬
‫الْمُلْ ُ‬
‫ظُلْ مَ الَْيوْ َم إِنّ اللّ هَ َسرِي ُع الْحِ سَابِ (‪َ )17‬وأَنذِ ْرهُ مْ َيوْ َم الْآزِ َف ِة ِإذِ اْلقُلُو بُ‬
‫َلدَى الْحَنَا ِجرِ كَاظِمِيَ مَا لِلظّالِمِيَ مِ ْن حَمِي مٍ َولَا َشفِي ٍع يُطَا عُ (‪َ )18‬يعْلَ مُ‬
‫حقّ وَاّلذِي َن َيدْعُو نَ‬
‫صدُورُ (‪ )19‬وَاللّ هُ َيقْضِي بِالْ َ‬
‫خفِي ال ّ‬
‫خَائِنَ َة الْأَعْيُ ِن َومَا تُ ْ‬
‫مِن دُونِ هِ لَا َيقْضُو َن ِبشَيْ ٍء إِنّ اللّ هَ ُهوَ ال سّمِي ُع الْبَ صِيُ (‪َ )20‬أوَ لَ مْ يَ سِيُوا‬
‫ض فَيَن ُظرُوا كَيْ فَ كَا نَ عَاقَِبةُ اّلذِي نَ كَانُوا مِن قَبْ ِلهِ مْ كَانُوا هُ ْم أَ َشدّ‬
‫فِي اْلأَرْ ِ‬
‫ض َفأَ َخ َذهُ ُم اللّ ُه ِبذُنُوبِهِ ْم وَمَا كَا َن َلهُم مّ نَ اللّ هِ‬
‫مِ ْنهُ مْ ُق ّو ًة وَآثَارا فِي اْلأَرْ ِ‬
‫‪787‬‬ ‫توفيق الرحن ف دروس القرآن‬

‫ت َفكَ َفرُوا َفأَ َخ َذهُ مُ‬


‫مِن وَا قٍ (‪َ )21‬ذلِ كَ ِبَأنّهُ مْ كَانَت تّ ْأتِيهِ مْ رُ سُ ُلهُم بِالْبَيّنَا ِ‬
‫ي شَدِيدُ اْل ِعقَابِ (‪. ﴾ )22‬‬
‫ال ّلهُ ِإّنهُ َقوِ ّ‬

‫***‬
‫الزء الثالث‬ ‫‪788‬‬

‫قوله عز وجل ‪ ﴿ :‬حم (‪ )1‬تَنِيلُ الْكِتَا بِ مِ َن اللّ ِه الْ َعزِيزِ اْلعَلِي مِ (‪)2‬‬
‫ْهـ‬
‫َهـ ِإلّا ُه َو إِلَي ِ‬
‫َابـ ذِي ال ّط ْولِ لَا ِإل َ‬
‫ْبـ َشدِيدِ اْل ِعق ِ‬
‫ّنبـ َوقَاِب ِل التّو ِ‬
‫غَا ِف ِر الذ ِ‬
‫الْمَ صِيُ (‪ )3‬مَا يُجَادِ ُل فِي آيَا تِ اللّ ِه ِإلّا اّلذِي نَ َك َفرُوا فَلَا يَ ْغرُرْ َك َتقَلّبُهُ مْ‬
‫ب مِن َبعْ ِدهِ ْم وَهَمّ تْ ُكلّ‬
‫ت قَبْ َلهُ ْم َقوْ ُم نُو حٍ وَالَْأ ْحزَا ُ‬
‫فِي الْبِلَادِ (‪َ )4‬ك ّذبَ ْ‬
‫حقّ َفأَ َخ ْذتُهُ ْم فَكَيْفَ‬
‫ُأ ّمةٍ ِبرَسُوِلهِ ْم لَِيأْ ُخذُوهُ َوجَا َدلُوا بِالْبَا ِط ِل لُِيدْحِضُوا بِهِ الْ َ‬
‫كَانَـ ِعقَابِـ (‪ )5‬وَ َكذَلِكَـ َحقّت ْـ كَلِمَتُـ َربّكَـ عَلَى اّلذِينَـ َك َفرُوا أَّنهُم ْـ‬
‫ب النّارِ (‪. ﴾ )6‬‬
‫صحَا ُ‬
‫أَ ْ‬
‫عن أ ب إ سحاق قال ‪ :‬جاء ر جل إل ع مر فقال ‪ :‬إ ن قتلت ف هل ل من‬
‫ب مِ نَ اللّ ِه‬
‫توبة ؟ قال ‪ :‬نعم ‪ ،‬اعمل ل تيأس ‪ .‬ث قرأ ‪ ﴿ :‬حم * تَنِي ُل اْلكِتَا ِ‬
‫ب وَقَابِ ِل الّتوْ بِ ﴾ ‪ .‬وعن ابن عباس قوله ‪ ﴿ :‬ذِي‬ ‫اْلعَزِي ِز اْلعَلِي ِم * غَافِرِ الذّن ِ‬
‫ال ّطوْلِ ﴾ يقول‪ :‬ذي السعة والغن ‪ .‬وقال ثابت البنان‪ :‬كنت مع مصعب بن‬
‫الزبي ف سواد الكوفة ‪ ،‬فدخلت حائطًا أصلي ركعتي ‪ ،‬فافتتحت حم الؤمن‬
‫ح ت بل غت ‪ ﴿ :‬لَا إِلَ هَ إِلّا ُهوَ إَِليْ ِه الْمَ صِيُ ﴾ ‪ ،‬فإذا ر جل خل في على بغلة‬
‫شهباء ‪ ،‬عل يه مقطعات ين ية فقال ‪ :‬إذا قلت ‪ ﴿ :‬غَافِرِ الذّن بِ ﴾ ‪ ،‬ف قل ‪ :‬يا‬
‫غافر الذنب اغفر ل ذنب ‪ ،‬وإذا قلت ‪ ﴿ :‬وَقَابِ ِل الّتوْ بِ ﴾ ‪ ،‬فقل ‪ :‬يا قابل‬
‫َابَ ﴾ ‪ ،‬فقَل ‪ :‬يَا شديَد‬ ‫التوب اقبَل توبتَ ‪ ،‬وإذا قلت ‪ ﴿ :‬شَدِي ِد اْل ِعق ِ‬
‫العقاب ل تعاقبن ‪ .‬قال ‪ :‬فالتفت فلم أر أحدًا ‪.‬‬
‫‪789‬‬ ‫توفيق الرحن ف دروس القرآن‬

‫ْكَ‬
‫ِينَ َكفَرُوا فَلَا َيغْرُر َ‬
‫ّهَإِلّا الّذ َ‬ ‫وقوله تعال ‪ ﴿ :‬مَا يُجَادِلُ فِي آي ِ‬
‫َاتَ الل ِ‬
‫َتقَّلُبهُ مْ فِي الْبِلَادِ ﴾ قال قتادة ‪ :‬أسفارهم فيها وميئهم وذهابم ‪ ﴿ ،‬كَ ّذبَ ْ‬
‫ت‬
‫ب مِن َبعْ ِدهِ مْ ﴾ قال ‪ :‬الكفار ‪َ ﴿ .‬وهَمّ تْ كُلّ ُأ ّمةٍ‬ ‫ح وَالْأَ ْحزَا ُ‬
‫َقبَْلهُ مْ َقوْ مُ نُو ٍ‬
‫بِرَسُوِلهِمْ ِليَأْخُذُوهُ ﴾ ليقتلوه ﴿ وَجَادَلُوا بِاْلبَاطِلِ ِليُ ْد ِحضُوا بِ ِه الْحَقّ َفأَخَ ْذُتهُمْ‬
‫َف َكيْفَ كَانَ ِعقَابِ ﴾ قال ‪ :‬شديدُ وال ﴿ وَكَذَلِكَ َح ّقتْ كَلِ َمتُ َربّكَ ﴾ ‪.‬‬
‫قال البغوي ‪ :‬يعنَ ‪ :‬كمَا حقَت كلمَة العذاب على المَم الكذبَة ‪،‬‬
‫ب النّارِ ﴾ ‪.‬‬
‫حقت عَلَى الّذِينَ َك َفرُوا من قومك ‪َ ﴿ ،‬أّنهُمْ أَصْحَا ُ‬
‫ش وَمَ نْ َح ْولَ هُ يُ سَبّحُو َن بِحَ ْمدِ‬
‫قوله عز وجل ‪ ﴿ :‬اّلذِي َن يَحْمِلُو نَ اْل َعرْ َ‬
‫َرّبهِ مْ وَُي ْؤمِنُو َن بِ هِ َويَ سَْتغْ ِفرُونَ لِ ّلذِي نَ آ َمنُوا َربّنَا وَ ِسعْتَ ُك ّل شَيْءٍ ّرحْ َمةً‬
‫وَعِلْما فَا ْغ ِفرْ لِلّذِي َن تَابُوا وَاتّبَعُوا سَبِي َلكَ َو ِقهِ مْ َعذَا بَ الْجَحِي مِ (‪َ )7‬ربّنَا‬
‫ح مِ نْ آبَائِهِ ْم َوأَ ْزوَاجِهِ مْ‬
‫َوَأدْخِ ْلهُ ْم جَنّا تِ َعدْ ٍن الّتِي وَعَدتّهُم وَمَن صَ َل َ‬
‫حكِي مُ (‪َ )8‬وقِهِ ُم ال سّيّئَاتِ َومَن تَ ِق ال سّيّئَاتِ‬
‫ت اْل َعزِيزُ الْ َ‬
‫َوذُ ّريّاِتهِ ْم ِإنّ كَ أَن َ‬
‫َي ْومَئِ ٍذ َف َقدْ َرحِمَْت ُه َوذَِلكَ هُ َو الْ َفوْزُ اْلعَظِيمُ (‪. ﴾ )9‬‬
‫قال البغوي ‪ :‬قوله عز وجل ‪ ﴿ :‬الّذِي َن يَحْ ِملُو َن اْلعَرْ َ‬
‫ش َومَ نْ َحوْلَ هُ ﴾ ‪،‬‬
‫حلة العرش والطائفون به وهم ‪ :‬الكروبيون ‪ ،‬وهم ‪ :‬سادة اللئكة ‪ .‬قال ابن‬
‫عباس ‪ :‬حلة العرش ما ب ي ك عب أحد هم إل أ سفل قدم يه م سية خ سمائة‬
‫عام ‪ ،‬ويروى أن أقدامهَم فَ توم الرضيَ ‪ ،‬والرضون والسَماوات إل‬
‫حجز هم ‪ ،‬و هم يقولون ‪ :‬سبحان ذي العزة وال بوت ‪ ،‬سبحان ذي اللك‬
‫الزء الثالث‬ ‫‪790‬‬

‫واللكوت ‪ ،‬سَبحان اليَ الذي ل يوت ‪ ،‬سَبوح قدوس ‪ ،‬رب اللئكَة‬


‫والروح ‪ .‬قال ‪ :‬وروى ممد بن النكدر عن جابر قال ‪ :‬قال رسول ال ‪:‬‬
‫أذن ل أن أحدث عن ملك من ملئكة ال من حلة العرش ‪ ،‬ما بي شحمة‬
‫أذنيه إل عاتقه مسية سبعمائة عام ‪.‬‬
‫وعن قتادة ‪ ﴿:‬فَا ْغفِرْ لِلّذِي َن تَابُوا وَاّتبَعُوا َسبِيلَكَ ﴾ أي‪ :‬طاعتك ﴿ وَِقهِ مْ‬
‫ب الْجَحِيمِ ﴾ قال مطرف ‪ :‬وجدنا أغش عباد ال لعباد ال ‪ :‬الشياطي ‪،‬‬ ‫عَذَا َ‬
‫ووجدنا ‪ :‬أنصح عباد ال لعباد ال ‪ :‬اللئكة ‪.‬‬
‫ت اللّهِ أَكَْب ُر مِن مّقِْتكُمْ‬
‫قوله عز وجل ‪ ﴿ :‬إِنّ الّذِينَ َك َفرُوا يُنَادَوْ َن لَ َمقْ ُ‬
‫ْنـ‬
‫ُونـ (‪ )10‬قَالُوا َربّنَا َأمَتّنَا اثْنَتَي ِ‬
‫َانـ فََت ْك ُفر َ‬
‫ْنـ ِإلَى اْلإِي ِ‬
‫ُسـ ُكمْ ِإ ْذ ُتدْ َعو َ‬
‫أَنف َ‬
‫َوأَحْيَيْتَنَا اثْنَتَيْنِ فَاعَْت َرفْنَا ِب ُذنُوبِنَا َفهَ ْل ِإلَى ُخرُوجٍ مّن سَبِيلٍ (‪َ )11‬ذِلكُم ِبَأنّهُ‬
‫حكْ ُم لِلّ ِه اْلعَلِيّ اْلكَبِيِ‬
‫شرَ كْ بِ هِ ُت ْؤمِنُوا فَالْ ُ‬
‫ِإذَا دُعِ يَ اللّ هُ َوحْدَ هُ َك َفرْتُ ْم َوإِن ُي ْ‬
‫(‪. ﴾ )12‬‬
‫عن قتادة قوله ‪ ﴿ :‬إِنّ الّذِي نَ َكفَرُوا ُينَا َدوْ نَ لَ َمقْ تُ اللّ هِ أَ ْكبَ ُر مِن ّم ْقِتكُ مْ‬
‫أَنفُ سَكُمْ ِإ ْذ تُ ْد َعوْ نَ إِلَى الْإِيَا نِ َفَتكْفُرُو نَ ﴾ يقول ‪ :‬ل قت ال أ هل الضللة‬
‫حيَ عرض عليهَم اليان فَ الدنيَا ‪ ،‬فتركوه ‪ ،‬وأبوا أن يقبلوا ‪ ،‬أكَب ماَ‬
‫مقتوا أنف سهم ح ي عاينوا عذاب ال يوم القيا مة ‪ ﴿ .‬قَالُوا َربّنَا َأ َمتّنَا اثَْنَتيْ نِ‬
‫َِيلٍ ﴾ قال قتادة ‪:‬‬ ‫َوأَ ْحَيْيتَنَا اثَْنَتيْنَِ فَاعْتَرَفْنَا بِ ُذنُوبِنَا َفهَلْ إِلَى ُخرُوجٍَ مّنَ سَب‬
‫‪791‬‬ ‫توفيق الرحن ف دروس القرآن‬

‫كانوا أمواتًا ف أصلب آبائهم ‪ ،‬فأحياهم ال ف الدنيا ‪ ،‬ث أماتم الوتة الت‬
‫ل بد منها ‪ ،‬ث أحياهم للبعث يوم القيامة ‪ ،‬فهما ‪ :‬حياتان وموتتان ‪.‬‬
‫ج مّ ن سَبِيلٍ ﴾ ‪ ،‬قال ‪ :‬ف هل إل كرة إل الدن يا ؟ قال‬ ‫﴿ َفهَلْ إِلَى خُرُو ٍ‬
‫البغوي ‪ :‬أي ‪ :‬من خروج من النار فنصلح أعمالنا ونعمل بطاعتك ؟ قال ال‬
‫تعال ‪ ﴿ :‬ذَِلكُم ِبَأنّهُ إِذَا ُدعِيَ اللّ ُه وَحْدَهُ َكفَ ْرتُمْ ﴾ ‪ ،‬وفيه متروك استغن عنه‬
‫لدللة الظاهر عليه ‪ ،‬مازه فأجيبوا ‪ :‬أن ل سبيل إل ذلك ‪.‬‬
‫قوله عز و جل ﴿ هُ َو الّذِي ُيرِيكُ مْ آيَاتِ هِ َويَُن ّزلُ لَكُم مّ نَ ال سّمَاءِ رِزْقا‬
‫وَمَا يََتذَ ّكرُ ِإلّا مَن يُنِي بُ (‪ )13‬فَادْعُوا اللّ هَ مُخْلِ صِيَ لَ هُ الدّي نَ َوَلوْ َكرِ هَ‬
‫ح مِ ْن َأمْرِ هِ عَلَى مَن‬
‫اْلكَا ِفرُو نَ (‪َ )14‬رفِي ُع الدّرَجَا تِ ذُو اْل َعرْ شِ يُ ْلقِي الرّو َ‬
‫خفَى عَلَى اللّ هِ‬
‫َيشَا ُء مِ نْ عِبَادِ هِ لِيُنذِ َر َيوْ َم التّلَا قِ (‪َ )15‬يوْ َم هُم بَارِزُو نَ لَا يَ ْ‬
‫جزَى ُكلّ‬
‫مِ ْنهُ مْ َشيْ ٌء لّمَ ِن الْمُلْ كُ الَْيوْ َم لِلّ هِ اْلوَاحِ ِد الْ َقهّارِ (‪ )16‬الْيَوْ َم تُ ْ‬
‫ت لَا ظُلْمَ الَْيوْ َم إِنّ اللّهَ َسرِيعُ الْحِسَابِ (‪ )17‬وَأَنذِ ْرهُمْ َيوْمَ‬
‫َنفْسٍ بِمَا كَسَبَ ْ‬
‫ب لَدَى الْحَنَا ِجرِ كَاظِ ِميَ مَا لِلظّالِمِيَ مِ ْن حَمِي ٍم وَلَا شَفِي عٍ‬
‫الْآ ِزفَ ِة ِإذِ اْلقُلُو ُ‬
‫صدُورُ (‪ )19‬وَاللّ هُ َيقْضِي‬
‫يُطَا عُ (‪َ )18‬يعْلَ مُ خَائِنَ َة اْلأَعْيُ نِ وَمَا تُخْفِي ال ّ‬
‫بِالْحَقّ وَاّلذِينَـيَدْعُونَـ مِن دُونِهِـلَا َيقْضُونَـِبشَيْ ٍء إِنّ اللّهَـ هُ َو السّـمِيعُ‬
‫الْبَصِيُ (‪. ﴾ )20‬‬
‫عن السدي ‪ ﴿ :‬إِلّا مَن ُينِيبُ ﴾ ‪ ،‬قال ‪ :‬من يقبل إل طاعة ال ‪.‬‬
‫الزء الثالث‬ ‫‪792‬‬

‫وقوله تعال ‪ ﴿ :‬رَفِي عُ الدّرَجَا تِ ذُو اْلعَرْ شِ ﴾ ‪ ،‬قال ا بن كث ي ‪ :‬يقول‬


‫مبَ عَن عظمتَه وكَبيائه وارتفاع عرشَه العظيَم العال على جيَع‬ ‫تعال ًا‬
‫ملوقا ته كال سقف ل ا ‪ ،‬ك ما قال تعال ‪ ﴿ :‬مّ نَ اللّ هِ ذِي الْ َمعَارِ جِ * َتعْ ُر جُ‬
‫الْمَلَائِ َك ُة وَالرّو حُ إَِليْ هِ فِي َيوْ مٍ كَا َن ِمقْدَارُ هُ خَمْ سِيَ أَلْ فَ َسَنةٍ ﴾ ‪ .‬وعن قتادة‬
‫ح مِ نْ َأمْرِ هِ ﴾ ‪ ،‬قال ‪ :‬الو حي ‪ ﴿ ،‬مِ نْ َأمْرِ هِ عَلَى مَن‬ ‫قوله ‪ُ ﴿ :‬يلْقِي الرّو َ‬
‫يَشَا ُء مِ ْن عِبَادِ هِ ِليُنذِرَ َيوْ مَ التّلَا قِ ﴾ ‪ ،‬قال ‪ :‬يوم تلتقي فيه أهل السماء وأهل‬
‫الرض ‪ ،‬والالق واللق ‪.‬‬
‫وقال ابن زيد ف قوله ‪َ ﴿ :‬وأَنذِ ْرهُ ْم َيوْ َم الْآزَِفةِ ﴾ ‪ ،‬قال ‪ :‬يوم القيامة ‪،‬‬
‫وقرأ ‪ ﴿ :‬أَزَِفتْ الْآزَِفةُ َلْيسَ َلهَا مِن دُونِ اللّهِ كَا ِش َفةٌ ﴾ ‪.‬‬
‫حنَاجِرِ ﴾ ‪ ،‬قال قتادة ‪ :‬قَد وقعَت القلوب فَ‬ ‫َ َلدَى الْ َ‬ ‫﴿ إِ ِذ اْلقُلُوب ُ‬
‫النا جر من الخال فة ‪ ،‬فل هي ترج ول تعود إل أمكنت ها ‪ .‬و عن ال سدي‬
‫حنَا ِجرِ كَاظِمِيَ ﴾ ‪ ،‬قال ‪ :‬شخصَت أفئدتمَ عَن‬ ‫ُوبَ لَدَى الْ َ‬
‫‪ ﴿ :‬إِ ِذ اْلقُل ُ‬
‫أمكنتها ‪ ،‬فنشبت ف حلوقهم فلم ترج من أجوافهم فيموتوا ‪ ،‬ول ترجع إل‬
‫أمكنت ها فت ستقر ‪ ﴿ .‬مَا لِلظّالِمِيَ مِ نْ حَمِي ٍم وَلَا َشفِي عٍ ﴾ ‪ ،‬قال ‪ :‬من يعن يه‬
‫أمرهم ول شفيع لم ‪.‬‬
‫وقال ا بن كث ي ‪ :‬وقوله سبحانه وتعال ‪ ﴿ :‬مَا لِلظّالِمِيَ مِ نْ حَمِي ٍم وَلَا‬
‫َشفِي ٍع يُطَا عُ ﴾ أي ‪ :‬ليس للذين ظلموا أنفسهم بالشرك بال من قريب منهم‬
‫ينفعهم ‪ ،‬ول شفيع يشفع فيهم ‪ ،‬بل قد تقطعت بم السباب من كل خي ‪.‬‬
‫و عن سعيد بن جبي عن ا بن عباس ‪َ ﴿ :‬يعْلَ مُ خَاِئَن َة ال ْعيُ نِ ﴾ ‪ ،‬إذا نظرت‬
‫‪793‬‬ ‫توفيق الرحن ف دروس القرآن‬

‫خفِي الصّدُورُ ﴾ ‪ ،‬إذا قدرت عليها ‪-‬‬


‫إليها ‪ -‬يريد اليانة ‪ -‬أم ل ‪َ ﴿ ،‬ومَا تُ ْ‬
‫أتزن با ‪ -‬أم ل ‪.‬‬
‫وقوله تعال ‪ ﴿ :‬وَاللّ هُ يَ ْقضِي بِالْحَقّ ﴾ أي ‪ :‬بالعدل ‪ ﴿ ،‬وَالّذِي َن يَ ْدعُو نَ‬
‫شيْءٍ ﴾ ‪،‬‬
‫مِن دُونِ هِ ﴾ ‪ ،‬من ال صنام ‪ ،‬والوثان ‪ ،‬والنداد ‪ ﴿ ،‬لَا َي ْقضُو َن بِ َ‬
‫أي ‪ :‬ل يلكون شيئًا ول يكمون بشيء ‪ِ ﴿ ،‬إنّ اللّ َه ُهوَ السّمِي ُع الَْبصِيُ ﴾ ‪.‬‬
‫ض فَيَن ُظرُوا كَيْ فَ كَا نَ عَاقَِبةُ‬
‫قوله عز وجل ‪ ﴿ :‬أَ َو لَ مْ يَ سِيُوا فِي الْأَرْ ِ‬
‫ض َفَأخَ َذهُ مُ‬
‫اّلذِي نَ كَانُوا مِن قَبْ ِلهِ مْ كَانُوا هُ ْم أَ َش ّد مِ ْنهُ ْم ُق ّوةً وَآثَارا فِي الْأَرْ ِ‬
‫اللّ ُه ِبذُنُوبِهِ مْ وَمَا كَا َن لَهُم مّ َن اللّ هِ مِن وَا قٍ (‪َ )21‬ذلِ كَ ِبَأنّهُ مْ كَانَت‬
‫ت َفكَ َفرُوا َفأَ َخ َذهُ مُ اللّ هُ ِإنّ ُه َقوِيّ شَدِيدُ اْلعِقَا بِ (‬
‫ّت ْأتِيهِ مْ رُ سُ ُلهُم بِالْبَيّنَا ِ‬
‫‪. ﴾ )22‬‬
‫ق ﴾ ‪ ،‬يقيهم ول ينفعهم ‪.‬‬
‫عن قتادة ‪َ ﴿ :‬ومَا كَانَ َلهُم مّنَ اللّ ِه مِن وَا ٍ‬

‫***‬
‫الزء الثالث‬ ‫‪794‬‬

‫الدرس الامس والربعون بعد الائتي‬

‫﴿ َولَ َق ْد أَرْ سَلْنَا مُو سَى بِآيَاتِنَا وَ سُلْطَا ٍن مّبِيٍ (‪ِ )23‬إلَى ِفرْ َعوْ َن وَهَامَا نَ‬
‫َوقَارُو َن َفقَالُوا سَا ِحرٌ َكذّا بٌ (‪ )24‬فَلَمّ ا جَاءهُم بِالْحَقّ مِ نْ عِندِنَا قَالُوا‬
‫اقْتُلُوا َأبْنَاء الّذِي نَ آمَنُوا َمعَ ُه وَا سْتَحْيُوا نِ سَاء ُهمْ وَمَا كَ ْي ُد الْكَافِرِي َن ِإلّا فِي‬
‫ف أَن‬
‫ضَلَالٍ (‪َ )25‬وقَالَ ِفرْ َعوْ نُ ذَرُونِي َأقْتُ ْل مُو سَى َولْيَدْ عُ َربّ ُه ِإنّ ي َأخَا ُ‬
‫ض الْفَ سَادَ (‪َ )26‬وقَا َل مُو سَى إِنّي ُعذْ تُ‬
‫يَُب ّدلَ دِيَنكُ مْ َأ ْو أَن يُ ْظ ِهرَ فِي الْأَرْ ِ‬
‫ْمـ الْحِسـَابِ (‪َ )27‬وقَالَ َر ُجلٌ‬
‫ِنـ بَِيو ِ‬
‫ِب َربّيـ وَ َربّكُم مّنـ ُك ّل مَُتكَّبرٍ لّا يُ ْؤم ُ‬
‫ل أَن َيقُولَ َربّ يَ اللّ هُ َو َقدْ‬
‫ّم ْؤمِ نٌ مّ نْ آ ِل ِفرْ َعوْ َن يَكْتُ مُ إِيَانَ هُ أََتقْتُلُو نَ َرجُ ً‬
‫جَاءكُم بِالْبَيّنَا تِ مِن ّرّبكُ ْم َوإِن يَ كُ كَاذِبا َفعَلَيْ هِ َك ِذبُ ُه وَإِن يَ كُ صَادِقا‬
‫ض الّذِي َيعِدُكُ مْ إِنّ اللّ هَ لَا َيهْدِي مَ ْن هُ َو مُ سْرِفٌ َكذّا بٌ ( ‪)28‬‬
‫يُ صِ ْبكُم َبعْ ُ‬
‫س اللّ هِ إِ نْ‬
‫ص ُرنَا مِن َبأْ ِ‬
‫ض فَمَن يَن ُ‬
‫ك الْيَوْ مَ ظَا ِهرِي نَ فِي الْأَرْ ِ‬
‫يَا َقوْ ِم َلكُ ُم الْمُلْ ُ‬
‫جَاءنَا قَالَ ِفرْ َعوْ ُن مَا أُرِيكُ ْم ِإلّا مَا أَرَى َومَا َأ ْهدِيكُمْ ِإلّا سَبِي َل ال ّرشَادِ (‪)29‬‬
‫َوقَا َل الّذِي آمَ َن يَا َقوْ ِم ِإنّ ي َأخَا فُ عَ َليْكُم مّ ْثلَ َيوْ ِم اْلأَ ْحزَا بِ (‪ )30‬مِ ْثلَ‬
‫َدأْبِ َقوْ ِم نُوحٍ وَعَا ٍد َوثَمُو َد وَاّلذِي َن مِن بَ ْع ِدهِ ْم َومَا اللّ ُه ُيرِيدُ ظُلْما لّ ْلعِبَادِ (‬
‫‪ )31‬وَيَا َقوْ ِم ِإنّ ي َأخَا فُ َعلَ ْيكُ ْم َيوْ مَ التّنَادِ (‪ )32‬يَوْ َم ُت َولّو َن ُم ْدبِرِي نَ مَا‬
‫ص ٍم َومَن يُضْ ِل ِل اللّ ُه فَمَا لَ ُه مِ ْن هَادٍ (‪ )33‬وََل َقدْ جَاء ُكمْ‬
‫َلكُم مّنَ ال ّلهِ ِمنْ عَا ِ‬
‫يُو سُفُ مِن قَ ْبلُ بِالْبَيّنَا تِ فَمَا ِزلْتُ ْم فِي شَكّ مّمّا جَاءكُم بِ هِ حَتّى ِإذَا هَلَ كَ‬
‫سرِفٌ‬
‫ضلّ اللّ هُ مَ ْن ُهوَ مُ ْ‬
‫ك يُ ِ‬
‫ث اللّ هُ مِن َبعْدِ هِ رَ سُولً َك َذلِ َ‬
‫قُلْتُ ْم لَن يَ ْبعَ َ‬
‫‪795‬‬ ‫توفيق الرحن ف دروس القرآن‬

‫ت اللّ هِ بِغَ ْيرِ سُلْطَا ٍن َأتَاهُ مْ كَُب َر َمقْتا‬


‫ّم ْرتَا بٌ (‪ )34‬الّذِي َن يُجَادِلُو َن فِي آيَا ِ‬
‫ب مَُتكَّبرٍ جَبّارٍ (‬
‫عِندَ اللّ هِ وَعِندَ اّلذِي نَ آمَنُوا َك َذلِ كَ يَطَْب ُع اللّ هُ عَلَى ُك ّل قَلْ ِ‬
‫َسـبَابَ (‪)36‬‬
‫ُغـ اْلأ ْ‬
‫صـرْحا ّلعَلّي َأبْل ُ‬
‫ْنـ لِي َ‬
‫َانـ اب ِ‬
‫ْنـ يَا هَام ُ‬
‫‪َ )35‬وقَا َل ِفرْ َعو ُ‬
‫ت َفأَطّلِ َع ِإلَى ِإلَ هِ مُو سَى َوِإنّ ي َلأَظُنّ هُ كَاذِبا وَكَ َذلِ كَ ُزيّ نَ‬
‫ب ال سّمَاوَا ِ‬
‫أَ سْبَا َ‬
‫صدّ عَ نِ ال سّبِيلِ وَمَا كَ ْيدُ ِفرْعَوْ َن ِإلّا فِي تَبَا بٍ (‪)37‬‬
‫ِل ِفرْ َعوْ نَ سُوءُ َعمَلِ هِ وَ ُ‬
‫َوقَا َل الّذِي آمَ َن يَا َقوْ ِم اتِّبعُو ِن َأهْدِكُمْ سَبِيلَ الرّشَادِ (‪ )38‬يَا قَوْ ِم ِإنّمَا َهذِهِ‬
‫ع َوإِنّ الْآخِ َر َة هِ َي دَا ُر الْ َقرَارِ (‪ )39‬مَ نْ عَ ِملَ سَيَّئةً فَلَا‬
‫الْحَيَا ُة ال ّدنْيَا مَتَا ٌ‬
‫جزَى ِإلّا مِثْلَهَا َومَ نْ عَ ِملَ صَالِحا مّ ن ذَ َك ٍر َأوْ أُنثَى َوهُ َو ُمؤْمِ ٌن َفُأوْلَئِ كَ‬
‫يُ ْ‬
‫َي ْدخُلُونَ الْجَّن َة ُيرْ َزقُو َن فِيهَا بِغَ ْي ِر حِسَابٍ (‪ )40‬وَيَا َقوْمِ مَا لِي َأدْعُوكُمْ ِإلَى‬
‫النّجَا ِة وََتدْعُونَنِي ِإلَى النّارِ (‪َ )41‬تدْعُونَنِي ِلأَكْ ُف َر بِاللّ هِ َوأُ ْشرِ كَ بِ هِ مَا لَيْ سَ‬
‫لِي بِ هِ عِلْ ٌم َوأَنَا َأدْعُوكُ ْم ِإلَى الْ َعزِيزِ اْلغَفّارِ (‪ )42‬لَا جَرَ َم َأنّمَا َتدْعُونَنِي ِإلَيْ هِ‬
‫س ِرفِيَ‬
‫س لَ ُه دَ ْع َوةٌ فِي الدّنْيَا َولَا فِي الْآ ِخ َرةِ َوأَنّ َم َر ّدنَا ِإلَى اللّ ِه َوأَنّ الْمُ ْ‬
‫لَيْ َ‬
‫هُ ْم أَصْحَابُ النّارِ (‪ ﴾43‬فَسََتذْ ُكرُو َن مَا َأقُولُ لَكُ ْم َوأُ َفوّضُ َأ ْمرِي ِإلَى اللّهِ‬
‫ق بِآلِ ِفرْ َعوْنَ‬
‫ي بِاْلعِبَادِ (‪َ )44‬ف َوقَاهُ اللّهُ سَيّئَاتِ مَا َم َكرُوا وَحَا َ‬
‫إِنّ اللّهَ بَصِ ٌ‬
‫سُو ُء الْ َعذَا بِ (‪ )45‬النّا ُر ُي ْعرَضُو نَ عَلَ ْيهَا ُغدُوّا وَ َعشِيّا َوَيوْ مَ تَقُو ُم ال سّا َعةُ‬
‫ّونـ ف ِي النّا ِر فََيقُولُ‬
‫َابـ (‪ )46‬وَِإ ْذ يَتَحَاج َ‬
‫ْنـ َأ َشدّ اْلعَذ ِ‬
‫َأ ْدخِلُوا آلَ ِفرْعَو َ‬
‫ضعَفَاء لِ ّلذِي َن ا سْتَكَْبرُوا ِإنّا كُنّا َلكُ ْم تَبَعا َف َهلْ أَنتُم مّغْنُو نَ عَنّا نَ صِيبا مّ نَ‬
‫ال ّ‬
‫النّارِ (‪ )47‬قَالَ اّلذِي نَ ا سَْتكَْبرُوا إِنّا ُك ّل فِيهَا إِنّ اللّ هَ َق ْد حَكَ َم بَيْ َن الْعِبَادِ (‬
‫الزء الثالث‬ ‫‪796‬‬

‫خفّ فْ عَنّ ا َيوْما مّ نَ‬


‫خ َزَنةِ َجهَنّ مَ ادْعُوا َربّكُ مْ ُي َ‬
‫‪َ )48‬وقَا َل الّذِي نَ فِي النّا ِر لِ َ‬
‫َاتـ قَالُوا بَلَى قَالُوا‬
‫ُسـُلكُم بِالْبَيّن ِ‬
‫ُمـ ر ُ‬
‫َكـ تَ ْأتِيك ْ‬
‫َمـ ت ُ‬
‫َابـ (‪ )49‬قَالُوا أَ َول ْ‬
‫اْلعَذ ِ‬
‫صرُ رُ سُلَنَا وَاّلذِي نَ‬
‫فَادْعُوا وَمَا دُعَاء الْكَافِرِي َن ِإلّا فِي ضَلَالٍ (‪ِ )50‬إنّ ا لَنَن ُ‬
‫َعـ الظّالِمِيَ‬
‫ْمـلَا يَنف ُ‬
‫ُومـ الَْأ ْشهَادُ (‪ )51‬يَو َ‬
‫ْمـَيق ُ‬
‫آمَنُوا فِي الْحَيَاةِ ال ّدنْيَا َويَو َ‬
‫ُمـ َوَلهُمُـ ال ّلعَْنةُ َوَلهُم ْـ سـُوءُ الدّارِ (‪َ )52‬وَلقَدْ آتَيْنَا مُوسـَى اْلهُدَى‬
‫َم ْعذِ َرتُه ْ‬
‫َوَأوْرَثْنَا بَنِي إِ ْسرَائِي َل الْكِتَا بَ (‪ُ )53‬هدًى َوذِ ْكرَى ِلأُولِي الَْألْبَا بِ (‪)54‬‬
‫ّكـبِاْل َعشِيّ‬
‫ح ْمدِ َرب َ‬
‫ح بِ َ‬
‫فَاص ْـِب ْر إِنّ وَ ْعدَ اللّهِـ حَقّ وَاس ْـَت ْغفِ ْر ِلذَنبِكَـ وَسَـبّ ْ‬
‫وَالِْإبْكَارِ (‪. ﴾ )55‬‬

‫***‬
‫‪797‬‬ ‫توفيق الرحن ف دروس القرآن‬

‫قوله عز وجل ‪ ﴿ :‬وََل َقدْ أَ ْرسَلْنَا مُوسَى بِآيَاتِنَا وَسُلْطَانٍ مِّبيٍ (‪ِ )23‬إلَى‬
‫حقّ مِنْ‬
‫ِفرْ َعوْنَ َوهَامَانَ َوقَارُو َن َفقَالُوا سَاحِرٌ َكذّابٌ (‪ )24‬فَلَمّا جَاءهُم بِالْ َ‬
‫َاسـتَحْيُوا نِسـَاء ُهمْ وَم َا َك ْيدُ‬
‫َهـ و ْ‬
‫ِينـ آمَنُوا مَع ُ‬
‫عِندِن َا قَالُوا اقْتُلُوا َأبْنَاء اّلذ َ‬
‫ضلَالٍ (‪َ )25‬وقَالَ ِفرْ َعوْ ُن ذَرُونِي َأقْتُ ْل مُو سَى َولَْيدْ عُ َربّ هُ‬
‫اْلكَا ِفرِي َن ِإلّا فِي َ‬
‫ِإنّيـأَخَافُـأَن يَُب ّدلَ دِيَنكُم ْـَأ ْو أَن يُ ْظ ِهرَ فِي الْأَرْضِـ الْفَسـَادَ (‪َ )26‬وقَالَ‬
‫حسَابِ (‪)27‬‬
‫ت ِب َربّي وَ َربّكُم مّن ُك ّل مَُتكَبّ ٍر لّا ُي ْؤ ِمنُ بَِيوْ ِم الْ ِ‬
‫مُوسَى إِنّي ُعذْ ُ‬
‫﴾‪.‬‬
‫عن قتادة ‪ِ ﴿ :‬إنّ ي أَخَا فُ أَن ُيبَدّلَ دِيَنكُ مْ ﴾ ‪ ،‬أي ‪ :‬أمر كم الذي أن تم‬
‫ض اْلفَ سَادَ ﴾ ‪ ،‬والفساد عنده أن يعمل بطاعة‬ ‫عليه ‪َ ﴿ ،‬أوْ أَن يُ ْظهِرَ فِي اْلأَرْ ِ‬
‫ال ‪.‬‬
‫َهـ‬
‫ُمـ إِيَان ُ‬
‫ْنـ يَكْت ُ‬
‫ّنـ آ ِل ِفرْ َعو َ‬
‫ِنـ م ْ‬
‫قوله عـز وجـل ‪َ ﴿ :‬وقَالَ َرجُ ٌل ّمؤْم ٌ‬
‫ل أَن َيقُولَ َربّ يَ اللّ هُ َو َقدْ جَاءكُم بِالْبَيّنَا تِ مِن ّرّبكُ ْم َوإِن يَ كُ‬
‫َأَتقْتُلُو نَ َرجُ ً‬
‫كَاذِبا َفعَلَيْ هِ َك ِذبُ ُه َوإِن يَ كُ صَادِقا يُ صِ ْبكُم َبعْ ضُ اّلذِي َي ِعدُكُ ْم إِنّ اللّ َه لَا‬
‫ك الْيَوْ مَ ظَا ِهرِي نَ فِي‬
‫سرِفٌ َكذّا بٌ (‪ )28‬يَا قَوْ ِم َلكُ مُ الْمُلْ ُ‬
‫َي ْهدِي مَ ْن هُ َو مُ ْ‬
‫س اللّ ِه إِ ْن جَاءنَا قَالَ ِفرْعَوْ ُن مَا أُرِيكُ ْم ِإلّا مَا أَرَى‬
‫ص ُرنَا مِن َبأْ ِ‬
‫ض فَمَن يَن ُ‬
‫اْلأَرْ ِ‬
‫وَمَا َأ ْهدِيكُ ْم ِإلّا سَبِيلَ ال ّرشَادِ (‪َ )29‬وقَا َل الّذِي آمَ َن يَا َقوْ ِم ِإنّ ي َأخَا فُ‬
‫ح وَعَا ٍد َوثَمُو َد وَاّلذِي نَ‬
‫عَلَيْكُم مّ ْثلَ يَوْ ِم اْلأَ ْحزَا بِ (‪ )30‬مِ ْثلَ َدأْ بِ َقوْ ِم نُو ٍ‬
‫الزء الثالث‬ ‫‪798‬‬

‫مِن َبعْ ِدهِ ْم َومَا اللّهُ ُيرِيدُ ُظلْما لّ ْلعِبَادِ (‪ )31‬وَيَا َقوْمِ إِنّي َأخَافُ عَلَ ْيكُمْ َيوْمَ‬
‫صمٍ وَمَن يُضْ ِللِ اللّهُ‬
‫التّنَادِ (‪َ )32‬يوْ َم ُتوَلّو َن ُمدِْبرِي َن مَا َلكُم مّ َن اللّ ِه مِنْ عَا ِ‬
‫ف مِن قَ ْب ُل بِالْبَيّنَا تِ فَمَا ِزلْتُ ْم فِي‬
‫فَمَا لَ هُ مِ ْن هَادٍ (‪ )33‬وََل َقدْ جَاءكُ ْم يُو سُ ُ‬
‫شَكّ مّمّ ا جَاءكُم بِ ِه حَتّ ى ِإذَا هَلَ كَ قُلْتُ ْم لَن يَ ْبعَ ثَ اللّ هُ مِن َب ْعدِ هِ رَ سُولً‬
‫سرِفٌ ّم ْرتَا بٌ (‪ )34‬الّذِي نَ يُجَا ِدلُو َن فِي آيَا تِ‬
‫ض ّل اللّ ُه مَ نْ هُ َو مُ ْ‬
‫َك َذلِ كَ يُ ِ‬
‫ك يَطْبَ عُ‬
‫اللّ ِه ِبغَ ْيرِ سُلْطَانٍ َأتَاهُ مْ كَُب َر َمقْتا عِندَ اللّ هِ وَعِن َد الّذِي نَ آمَنُوا َكذَلِ َ‬
‫ال ّلهُ عَلَى ُكلّ قَلْبِ مُتَكَّب ٍر جَبّارٍ (‪. ﴾ )35‬‬
‫عن ال سدي ‪ ﴿ :‬وَقَالَ رَ ُج ٌل ّم ْؤمِ ٌن مّ نْ آلِ فِ ْر َعوْ نَ ﴾ قال ‪ :‬هو ا بن عم‬
‫َاتَ م ِن‬
‫ّهَ وَقَدْ جَاءك ُم بِالَْبّين ِ‬
‫ّيَ الل ُ‬
‫ُونَ رَ ُجلً أَن َيقُولَ َرب َ‬
‫فرعون ‪َ ﴿ :‬أَتقْتُل َ‬
‫ّرّبكُمْ ﴾ قال ابن إسحاق ‪ :‬بعصاه وبيده ‪ .‬وعن عبد ال بن عمرو بن العاص‬
‫قال ‪ :‬بينا رسول ال يصلي بفناء الكعبة ‪ ،‬إذ أقبل عقبة بن أب معيط فأخذ‬
‫بنكب رسول ال ولوى ثوبه ف عنقه فخنقه خنقًا شديدًا ‪ ،‬فأقبل أبو بكر‬
‫رضي ال عنه فأخذه بنكبيه ودفعه عن النب ث قال ‪َ ﴿ :‬أتَ ْقتُلُو نَ رَ ُجلً أَن‬
‫ت مِن ّرّبكُمْ ﴾ ؟ رواه البخاري ‪.‬‬ ‫َيقُولَ َرّبيَ اللّ ُه وََقدْ جَاءكُم بِاْلَبيّنَا ِ‬
‫وقوله ‪ِ ﴿ :‬إنّ ي أَخَا ُ‬
‫ف عََليْكُ ْم َيوْ َم الّتنَادِ ﴾ ‪ ،‬أي ‪ :‬يوم القيا مة ‪ .‬و ف‬
‫حد يث ال صور ‪ « :‬فتذ هل الرا ضع ‪ ،‬وت ضع الوا مل ‪ ،‬وتش يب الولدان ‪،‬‬
‫وتط ي الشياط ي هار بة ح ت تأ ت الفطار فتتلقا ها اللئ كة فتضرب وجوه ها‬
‫‪799‬‬ ‫توفيق الرحن ف دروس القرآن‬

‫فترجَع ‪ ،‬ويول الناس مدبريَن ينادي بعضهَم بعضًا ‪ ،‬وهَو الذي يقول ال‬
‫‪َ ﴿ :‬يوْ َم التّنَا ِد َي ْو َم ُتوَلّو َن مُ ْدبِرِي َن مَا َلكُم مّنَ اللّ ِه مِ ْن عَاصِمٍ ﴾ ‪.‬‬
‫ف مِن َقبْلُ ﴾ ‪ ،‬قال مو سى ‪ :‬مِن‬ ‫و عن ال سدي ‪ ﴿ :‬وََلقَدْ جَاءكُ ْم يُو سُ ُ‬
‫َقبْلُ ﴾ بالبيّنات ‪ ،‬قال البغوي ‪ :‬يع ن قوله ‪َ ﴿ :‬أأَ ْربَا بٌ مَّتفَرّقُو نَ َخْيرٌ أَ مِ اللّ هُ‬
‫اْلوَاحِ ُد اْلقَهّارُ ﴾ ‪ ﴿ ،‬فَمَا زِْلتُمْ فِي شَكّ مِمّا جَاءَكُ ْم بِهِ ﴾ ‪ ،‬قال ابن عباس ‪:‬‬
‫من عبادة ال وحده ل شريك له ‪َ ﴿ ،‬حتّى إِذَا هَلَ كَ ﴾ ‪ ،‬مات ‪ ﴿ ،‬قُ ْلتُ مْ لَ نْ‬
‫ُسَِرفٌ ﴾ مشرك‬ ‫َنَ ُه َو م ْ‬ ‫ِكَُيضِلّ اللّهَُ م ْ‬‫ِنَبَعْدِهَِ رَسَُولً كَذَل َ‬ ‫َيْبعَث ََ اللّهَُ م ْ‬
‫﴿ مُ ْرتَا بٌ ﴾ شاك ‪ ﴿ .‬الّذِي َن يُجَادِلُو نَ فِي آيَا تِ اللّ هِ ﴾ ‪ ،‬قال الزجاج ‪:‬‬
‫هذا تفسَي للمسَرف الرتاب ‪ .‬يعنَ ‪ ﴿ :‬الّذِينََُيجَادِلُونََ فِي آيَاتَِ اللّهَِ‬
‫﴾ أي ‪ :‬ف إبطالا بالتكذيب ﴿ ِبغَيْرِ ُسلْطَانٍ ﴾ حجة ﴿ َأتَاهُم ﴾ من ال ﴿‬
‫َكبُ َر َم ْقتًا ﴾ أي ‪ :‬كب ذلك الدال مقتًا ﴿ ِعنْدَ اللّ ِه َو ِعنْ َد الّذِينَ آ َمنُوا كَذَلِكَ‬
‫ب ُمَتكَبّرٍ َجبّارٍ ﴾ ‪ ،‬قال قتادة ‪ :‬آية البابرة القتل بغي‬ ‫يَ ْطبَ عُ اللّ ُه عَلَى كُلّ قَلْ ِ‬
‫حق ‪.‬‬
‫صرْحا ّلعَلّي َأبْلُ غُ‬
‫قوله عز و جل ‪ ﴿ :‬وَقَالَ ِفرْ َعوْ ُن يَا هَامَا ُن ابْ نِ لِي َ‬
‫ت َفأَطّلِ َع إِلَى إِلَ هِ مُو سَى َوإِنّي َلأَظُنّ هُ كَاذِبا‬
‫اْلأَ سْبَابَ (‪ )36‬أَ سْبَابَ ال سّمَاوَا ِ‬
‫صدّ عَ ِن السّبِي ِل َومَا كَ ْيدُ ِفرْ َعوْنَ إِلّا فِي‬
‫وَ َك َذلِكَ ُزيّنَ لِ ِفرْ َعوْنَ سُوءُ عَمَلِهِ وَ ُ‬
‫تَبَابٍ (‪. ﴾ )37‬‬
‫الزء الثالث‬ ‫‪800‬‬

‫عن قتادة ‪ ﴿ :‬وَقَالَ ِف ْرعَوْ نُ يَا هَامَا نُ ابْ نِ لِي صَرْحا ﴾ ‪ ،‬وكان أول من‬
‫السَمَاوَاتِ ﴾ أي ‪:‬‬
‫َسََابَ ّ‬ ‫َسََابَ أ ْب‬ ‫ُغَ الْأ ْب‬
‫بنَ بذا الج ّر وطبخَه ﴿ ّلعَلّي َأبْل ُ‬
‫أبواب السماوات ﴿ َفَأطّلِعَ إِلَى إِلَهِ مُوسَى َوِإنّي َلَأظُنّهُ كَاذِبا ﴾ قال ابن جرير‬
‫‪ :‬يقول ‪ :‬وإن لظن موسى كاذبًا فيما يقول ويدعي من أن له ف السماء ربًا‬
‫أرسله إلينا ‪ ﴿ .‬وَكَذَلِ كَ ُزيّ نَ ِلفِ ْر َعوْ نَ سُو ُء عَمَلِ هِ وَ صُ ّد عَ ِن ال سّبِيلِ ﴾ ‪ ،‬قال‬
‫قتادة ‪ :‬ف عل ذلك به ‪ ،‬ز ين له سوء عمله و صد عن ال سبيل ‪ ﴿ ،‬وَمَا َكيْدُ‬
‫ِف ْر َعوْنَ إِلّا فِي َتبَابٍ ﴾ ‪ ،‬أي ‪ :‬ف ضلل وخسار ‪.‬‬
‫قوله عز وجل ‪ ﴿ :‬وَقَالَ اّلذِي آمَ َن يَا قَوْ ِم اتِّبعُونِ َأ ْهدِكُمْ سَبِيلَ ال ّرشَادِ‬
‫ع َوإِنّ الْآ ِخ َرةَ هِ َي دَا ُر الْ َقرَارِ (‬
‫(‪ )38‬يَا َقوْ مِ إِنّمَا َهذِ هِ الْحَيَا ُة ال ّدنْيَا مَتَا ٌ‬
‫جزَى ِإلّا مِثْ َلهَا َومَنْ عَ ِملَ صَالِحا مّن ذَ َك ٍر َأوْ أُنثَى‬
‫‪َ )39‬منْ عَ ِملَ سَيَّئ ًة فَلَا يُ ْ‬
‫َوهُ َو ُمؤْ ِم ٌن َفأُ ْولَِئكَ َيدْخُلُو َن الْجَّنةَ ُيرْ َزقُو َن فِيهَا ِبغَ ْيرِ ِحسَابٍ (‪ )40‬وَيَا َقوْمِ‬
‫مَا لِي َأدْعُوكُ مْ ِإلَى النّجَاةِ وََتدْعُونَنِي ِإلَى النّارِ (‪َ )41‬تدْعُونَنِي ِلأَ ْك ُفرَ بِاللّ هِ‬
‫س لِي بِهِ عِلْ ٌم وََأنَا َأدْعُوكُ ْم إِلَى اْل َعزِي ِز الْ َغفّارِ (‪ )42‬لَا َجرَمَ‬
‫َوأُ ْشرِكَ بِهِ مَا لَيْ َ‬
‫س لَ هُ دَ ْع َو ٌة فِي ال ّدنْيَا َولَا فِي الْآخِ َر ِة َوأَنّ َم َردّنَا ِإلَى‬
‫َأنّمَا َتدْعُونَنِي ِإلَيْ ِه لَيْ َ‬
‫ي هُ ْم أَ صْحَابُ النّارِ (‪ )43‬فَ سََتذْ ُكرُو َن مَا َأقُو ُل َلكُ مْ‬
‫سرِفِ َ‬
‫اللّ هِ َوأَنّ الْمُ ْ‬
‫ت مَا‬
‫ي بِاْلعِبَادِ (‪َ )44‬ف َوقَا هُ اللّ هُ سَيّئَا ِ‬
‫ض أَ ْمرِي ِإلَى اللّ هِ إِنّ اللّ هَ بَ صِ ٌ‬
‫َوُأفَوّ ُ‬
‫ق بِآلِ ِفرْ َعوْ نَ سُو ُء اْل َعذَا بِ (‪ )45‬النّا ُر يُ ْعرَضُو نَ عَلَيْهَا ُغ ُدوّا‬
‫َم َكرُوا َوحَا َ‬
‫وَ َعشِيّا َويَوْ َم َتقُومُ السّا َعةُ َأ ْدخِلُوا آ َل ِفرْ َعوْنَ َأ َشدّ اْل َعذَابِ (‪. ﴾ )46‬‬
‫‪801‬‬ ‫توفيق الرحن ف دروس القرآن‬

‫عن قتادة ‪َ ﴿ :‬وإِنّ الْآخِ َر َة هِ يَ دَا ُر اْلقَرَارِ ﴾ ‪ ،‬ا ستقرت ال نة بأهل ها ‪،‬‬
‫جزَى إِلّا مِثْلَهَا َومَن َْ عَمِلَ‬ ‫َئَةً فَل يُ ْ‬ ‫واسَتقرّت النار بأهلهَا ‪ ﴿ .‬مَن َْ عَمِ َل سَّي‬
‫جّنةَ يُ ْرزَقُو نَ فِيهَا ِبغَيْرِ‬‫صَالِحا مّن ذَ َكرٍ َأوْ أُنثَى َو ُه َو ُمؤْمِ نٌ َفُأوَْلئِ كَ يَ ْدخُلُو نَ الْ َ‬
‫حِ سَابٍ ﴾ ‪ ،‬قال قتادة ‪ :‬ل وال ما هنا كم مكيال ول ميزان ‪ .‬و عن ما هد‬
‫ُمَإِلَى النّجَاةِ ﴾ ‪ ،‬قال ‪ :‬اليان بال ‪َ ﴿ ،‬وتَ ْدعُونَنِي‬ ‫قوله ‪ ﴿ :‬مَا لِي َأ ْدعُوك ْ‬
‫إِلَى النّارِ ﴾ ؟ قال ابن زيد ‪ :‬هذا مؤمن آل فرعون يدعونه إل دينهم والقامة‬
‫معهم ‪ ﴿ ،‬تَ ْدعُوَننِي ِلأَكْفُ َر بِاللّ ِه َوأُشْرِ َك بِ ِه مَا َليْ سَ لِي بِ ِه عِلْ ٌم َوَأنَا أَ ْدعُوكُ مْ‬
‫إِلَى الْعَزِيزِ الْ َغفّارِ ﴾ ‪ ﴿ .‬لَا َجرَ مَ َأنّمَا تَ ْدعُونَنِي إَِليْ هِ َليْ سَ لَ هُ َد ْع َوةٌ فِي ال ّدنْيَا‬
‫سرِفِيَ‬ ‫وَلَا فِي الْآخِ َرةِ ﴾ ‪ ،‬قال قتادة ‪ :‬أي ‪ :‬ل ين فع ول ب ضر ‪َ ﴿ :‬وأَنّ الْمُ ْ‬
‫ب النّارِ ﴾ ‪ ،‬أي ‪ :‬الشركون ‪ .‬وقال ابن وهب ‪ :‬قال ابن زيد ف‬ ‫صحَا ُ‬ ‫هُ مْ أَ ْ‬
‫ستَذْ ُكرُونَ مَا أَقُولُ َلكُ مْ ﴾ ‪ ،‬فقلت له ‪ :‬أو ذلك ف الخرة ؟ قال‬ ‫قوله ‪ ﴿ :‬فَ َ‬
‫‪ :‬نعم ‪ .‬وعن السدي ‪َ ﴿ :‬وأَُفوّضُ َأمْرِي إِلَى اللّهِ ﴾ ‪ ،‬قال ‪ :‬أجعل أمري إل‬
‫ت مَا َمكَرُوا‬ ‫ال ‪ِ ﴿ ،‬إنّ اللّ َه بَصِ ٌي بِاْلعِبَادِ ﴾ ‪ .‬وعن قتادة ‪َ ﴿ :‬فوَقَاهُ اللّهُ َسيّئَا ِ‬
‫َاقَ بِآلِ‬ ‫﴾ ‪ ،‬قال ‪ :‬كان قبطي ًا مَن قوم فرعون ‪ ،‬فنجَا مَع موسَى ﴿ وَح َ‬
‫ِف ْر َعوْ نَ سُوءُ اْلعَذَا بِ ﴾ قال ال سدي ‪ :‬قوم فرعون ‪ ﴿ :‬النّا ُر ُيعْرَضُو َن عََليْهَا‬
‫شيّا ﴾ قال ‪ :‬بلغنَ أن أرواح قوم فرعون فَ أجواف طيَ سَود‬ ‫غُ ُدوّا َوعَ ِ‬
‫تعرض على النار غدوًا وعشيًا حت تقوم الساعة ﴿ َوَيوْ مَ تَقُو مُ ال سّا َعةُ أَدْ ِخلُوا‬
‫آلَ ِف ْر َعوْ نَ َأشَ ّد اْلعَذَا بِ ﴾ قال ا بن عباس ‪ :‬ير يد ألوان العذاب ‪ ،‬غ ي الذي‬
‫كانوا يعذبون به منذ أغرقوا ‪.‬‬
‫الزء الثالث‬ ‫‪802‬‬

‫ـ‬
‫ضعَفَاء لِ ّلذِين َ‬
‫ـ فِـي النّارِ فََيقُولُ ال ّ‬
‫قوله عـز وجـل ﴿ وَِإ ْذ يَتَحَاجّون َ‬
‫ا سَْتكَْبرُوا إِنّا كُنّا لَكُ مْ تَبَعا َف َه ْل أَنتُم ّمغْنُو نَ عَنّا نَ صِيبا مّ َن النّارِ (‪ )47‬قَالَ‬
‫اّلذِينَ اسَْتكَْبرُوا إِنّا ُك ّل فِيهَا إِنّ اللّهَ َق ْد حَكَ َم بَيْ َن الْعِبَادِ (‪َ )48‬وقَالَ اّلذِينَ‬
‫خفّفْ عَنّا َيوْما مّنَ اْل َعذَابِ (‪ )49‬قَالُوا‬
‫خ َزَنةِ َجهَنّمَ ادْعُوا َرّبكُمْ يُ َ‬
‫فِي النّا ِر لِ َ‬
‫ـ دُعَاء‬
‫َاتـ قَالُوا بَلَى قَالُوا فَادْعُوا وَمَ ا‬
‫ُسـلُكُم بِالْبَيّن ِ‬
‫ُمـ ر ُ‬
‫َكـ َت ْأتِيك ْ‬
‫َمـ ت ُ‬
‫َأ َول ْ‬
‫ضلَالٍ (‪. ﴾ )50‬‬
‫اْلكَا ِفرِي َن ِإلّا فِي َ‬
‫قال البغوي ‪َ ﴿ :‬وإِ ْذ َيتَحَاجّونَ فِي النّارِ ﴾ ‪ ،‬أي ‪ :‬اذكر يا ممد لقومك‬
‫إذ يتصمون ‪ .‬يعن ‪ :‬أهل النار ف النار ‪َ ﴿ ،‬فَيقُو ُل الضّ َعفَاءُ لِلّذِي نَ ا ْسَتكْبَرُوا‬
‫ِإنّا ُكنّا َلكُ ْم َتَبعًا ﴾ ‪ ،‬ف الدنيا ‪َ ﴿ ،‬فهَلْ أَْنتُ ْم ُم ْغنُو َن عَنّا نَ صِيبًا مِ َن النّارِ ﴾ ‪،‬‬
‫قال ا بن كث ي ‪ :‬أي ‪ :‬ق سطًا تتحملو نه ع نا ‪ ﴿ .‬قَا َل الّذِي نَ ا سَْت ْكبَرُوا ِإنّ ا كُلّ‬
‫فِيهَا ِإنّ اللّهَ َقدْ َحكَ َم َبيْ َن الْ ِعبَادِ ﴾ ‪ ،‬أي ‪ :‬قسم بيننا العذاب بقدر ما يستحقه‬
‫كل منا ‪.‬‬
‫قال البغوي ‪ ﴿ :‬وَقَا َل الّذ َ‬
‫ِينَ ف ِي النّارِ ﴾ حيَ اشتَد عليهَم العذاب‬
‫ف َعنّا َي ْومًا مِ َن اْلعَذَابِ ﴾ ‪ ﴿ .‬قَالُوا ﴾‬ ‫خفّ ْ‬
‫خ َزَنةِ َج َهنّمَ ا ْدعُوا َرّبكُ ْم يُ َ‬
‫﴿ لِ َ‬
‫‪ ،‬يعن ‪ :‬خزنة جهنم لم ﴿ َأوَ َل ْم تَكُ َت ْأتِيكُمْ رُسُُلكُ ْم بِاْلَبّينَاتِ قَالُوا بَلَى قَالُوا‬
‫فَا ْدعُوا ﴾ أن تم إذًا رب كم أي ‪ :‬إ نا ل ند عو ل كم ‪ ،‬لن م علموا أ نه ل ي فف‬
‫عنهم العذاب ‪ ،‬قال ال تعال ‪َ ﴿ :‬ومَا ُدعَا ُء اْلكَافِرِي نَ إِل فِي ضَللٍ ﴾ ‪ ،‬أي‬
‫‪ :‬يبطل ويضل ول ينفعهم ‪.‬‬
‫‪803‬‬ ‫توفيق الرحن ف دروس القرآن‬

‫صرُ رُ سُلَنَا وَاّلذِي نَ آمَنُوا فِي الْحَيَاةِ الدّنْيَا‬


‫قوله عز و جل ‪ِ ﴿ :‬إنّ ا لَنَن ُ‬
‫َوَيوْ َم َيقُو ُم الَْأ ْشهَادُ (‪ )51‬يَوْ َم لَا يَنفَ ُع الظّالِمِيَ َم ْعذِرَُتهُ ْم َولَهُ مُ ال ّلعْنَ ُة َوَلهُ مْ‬
‫سُو ُء الدّارِ (‪ )52‬وََل َقدْ آَتيْنَا مُو سَى الْ ُهدَى َوَأوْ َرثْنَا بَنِي إِ ْسرَائِيلَ اْلكِتَا بَ (‬
‫‪ُ )53‬هدًى َوذِ ْكرَى ِلأُولِي الَْألْبَابِ (‪ )54‬فَاصِْبرْ إِنّ وَ ْعدَ اللّهِ َحقّ وَاسْتَ ْغ ِفرْ‬
‫شيّ وَالِْإبْكَارِ (‪. ﴾ )55‬‬
‫ك وَسَبّحْ بِحَ ْمدِ َرّبكَ بِالْ َع ِ‬
‫ِلذَنبِ َ‬
‫حيَاةِ ال ّدْنيَا ﴾‬
‫عن السدي ‪ :‬قول ال ﴿ ِإنّا َلنَنصُرُ رُسَُلنَا وَالّذِي نَ آ َمنُوا فِي الْ َ‬
‫قد كانت النبياء الؤمنون يقتلون ف الدنيا وهم منصورون ‪ ،‬وذلك أن نلك‬
‫المة الت تفعل ذلك بالنبياء والؤمني ل تذهب حت يبعث ال قومًا فينتصر‬
‫بم لولئك الذين قتلوهم ‪ .‬وعن قتادة ‪َ ﴿ :‬وَيوْ َم َيقُو ُم الَْأ ْشهَادُ ﴾ من ملئكة‬
‫ال وأنبيائه والؤمني به ‪.‬‬
‫وقوله تعال ‪ ﴿ :‬وََلقَ ْد آَتيْن َا مُوسََى اْلهُدَى ﴾ قال مقاتَل ‪ :‬الدى مَن‬
‫َابَ هُدًى وَذِ ْكرَى‬
‫ِسَرَائِيلَ الْ ِكت َ‬
‫الضللة ‪ .‬يعنَ ‪ :‬التوراة ‪َ ﴿ .‬وَأوْرَثْنَا بَنِي إ ْ‬
‫صبِرْ ﴾ ‪ ،‬يا ممد على أذى‬ ‫ِلأُولِي اْلأَلْبَا بِ ﴾ ‪ ،‬أي ‪ :‬العقول السليمة ‪ ﴿ ،‬فَا ْ‬
‫قو مك ‪ ﴿ ،‬إِنّ َوعْدَ اللّ هِ حَقّ ﴾ و سينصرك علي هم ويظ هر دي نه ﴿ وَا ْسَتغْفِرْ‬
‫لِذَنبِ كَ ﴾ قال البغوي ‪ :‬هذا تع بد من ال ليزيده به در جة ولي صي سنة ل ن‬
‫ش ّي وَالِْإْبكَارِ ﴾ ‪.‬‬
‫بعده ﴿ َو َسبّ ْح بِحَمْدِ َربّكَ بِالْعَ ِ‬

‫***‬
‫الزء الثالث‬ ‫‪804‬‬

‫الدرس السادس والربعون بعد الائتي‬

‫ُمـ إِن فِي‬


‫سـلْطَا ٍن أَتَاه ْ‬
‫ّهـ ِبغَ ْيرِ ُ‬
‫َاتـ الل ِ‬
‫ُونـ ف ِي آي ِ‬
‫ِينـ يُجَا ِدل َ‬
‫﴿ إِنّ اّلذ َ‬
‫صدُو ِرهِ ْم ِإلّا كِ ْب ٌر مّا هُم بِبَاِلغِي ِه فَا سْتَ ِع ْذ بِاللّ ِه ِإنّ ُه هُ َو ال سّمِي ُع الْبَ صِيُ (‪)56‬‬
‫ُ‬
‫ّاسـ لَا‬
‫ّاسـ َولَكِنّ أَكَْثرَ الن ِ‬
‫ْقـ الن ِ‬
‫ِنـ خَل ِ‬
‫ْضـ أَكَْب ُر م ْ‬
‫السـمَاوَاتِ وَالْأَر ِ‬
‫ْقـ ّ‬‫لَخَل ُ‬
‫ـ آمَنُوا وَعَمِلُوا‬
‫ي وَاّلذِين َ‬
‫ـُ‬‫ـَتوِي اْلأَعْمَـى وَالْبَص ِ‬
‫ـ (‪ )57‬وَمَـا يَس ْ‬
‫َيعْلَمُون َ‬
‫ال صّالِحَاتِ َولَا الْمُ سِي ُء قَلِيلً مّا تََتذَ ّكرُو نَ (‪ )58‬إِنّ ال سّا َع َة لَآتِيَ ٌة لّا َريْ بَ‬
‫ب َلكُ مْ‬
‫فِيهَا َولَ ِكنّ أَكَْث َر النّا سِ لَا ُيؤْمِنُو نَ (‪َ )59‬وقَالَ َرّبكُ ُم ادْعُونِي أَ سْتَجِ ْ‬
‫إِنّ اّلذِي َن يَ سَْتكِْبرُونَ عَ نْ عِبَادَتِي سَيَ ْدخُلُونَ َجهَنّ َم دَا ِخرِي نَ (‪ )60‬اللّ هُ‬
‫ضلٍ عَلَى‬
‫سكُنُوا فِي هِ وَالّنهَا َر مُبْ صِرا إِنّ اللّ َه لَذُو فَ ْ‬
‫اّلذِي َج َعلَ َلكُ مُ اللّ ْيلَ لِتَ ْ‬
‫س َولَكِنّ أَكَْثرَ النّا سِ لَا َيشْ ُكرُو نَ (‪َ )61‬ذِلكُ مُ اللّ هُ َرّبكُ ْم خَالِ قُ ُكلّ‬
‫النّا ِ‬
‫ك الّذِي نَ كَانُوا بِآيَا تِ‬
‫َشيْ ٍء لّا ِإلَ هَ ِإلّا ُهوَ فََأنّ ى ُت ْؤفَكُو نَ (‪َ )62‬ك َذلِ كَ ُي ْؤفَ ُ‬
‫َالسـمَاء بِنَاء‬
‫ْضـ َقرَارا و ّ‬
‫ُمـ اْلأَر َ‬
‫ّهـ الّذِي َجعَ َل َلك ُ‬
‫ُونـ (‪ )63‬الل ُ‬
‫حد َ‬ ‫ّهـ يَجْ َ‬
‫الل ِ‬
‫ت َذلِكُ مُ اللّ هُ َربّكُ ْم فَتَبَارَ كَ‬
‫صوَرَ ُكمْ وَرَ َز َقكُم مّ َن الطّيّبَا ِ‬
‫سنَ ُ‬
‫صوّرَ ُك ْم َفأَحْ َ‬
‫وَ َ‬
‫ي لَ ُه الدّي نَ‬
‫صَ‬‫حيّ لَا ِإلَ َه ِإلّا ُهوَ فَادْعُو ُه مُخْلِ ِ‬
‫اللّ هُ َربّ اْلعَالَمِيَ (‪ )64‬هُ َو الْ َ‬
‫الْحَ ْم ُد لِلّ هِ رَبّ اْلعَالَمِيَ (‪ُ )65‬ق ْل ِإنّ ي ُنهِي تُ أَ نْ أَ ْعُبدَ اّلذِي َن َتدْعُو نَ مِن‬
‫ت مِن ّربّي َوأُ ِمرْتُ أَ ْن أُسْ ِلمَ ِل َربّ الْعَالَمِيَ (‪)66‬‬
‫دُونِ اللّ ِه لَمّا جَاءنِيَ الْبَيّنَا ُ‬
‫ل ُثمّ‬
‫خرِ ُجكُمْ ِطفْ ً‬
‫ب ثُمّ مِن نّ ْطفَ ٍة ُثمّ مِنْ عَ َل َقةٍ ثُمّ ُي ْ‬
‫ُهوَ اّلذِي خَ َل َقكُم مّن ُترَا ٍ‬
‫لِتَبْ ُلغُوا َأشُدّكُ ْم ُثمّ لَِتكُونُوا شُيُوخا وَمِنكُم مّن يُتَ َوفّى مِن قَ ْبلُ َولِتَبْ ُلغُوا َأجَلً‬
‫‪805‬‬ ‫توفيق الرحن ف دروس القرآن‬

‫ت َفإِذَا قَضَى َأمْرا َفإِنّمَا‬


‫مّسَمّى وََلعَ ّلكُ ْم َتعْقِلُونَ (‪ )67‬هُ َو الّذِي يُحْيِي وَيُمِي ُ‬
‫ت اللّ هِ أَنّى‬
‫َيقُو ُل لَ هُ كُن فََيكُو نُ (‪َ )68‬ألَ مْ َت َر ِإلَى الّذِي َن يُجَادِلُو َن فِي آيَا ِ‬
‫َسـوْفَ‬
‫ُسـلَنَا ف َ‬
‫ِهـ ر ُ‬
‫ْسـلْنَا ب ِ‬
‫َابـ َوبِمَا أَر َ‬
‫ِينـ َك ّذبُوا بِاْلكِت ِ‬
‫ُصـَرفُونَ (‪ )69‬اّلذ َ‬
‫ي ْ‬
‫ُسـحَبُونَ (‪ )71‬فِي‬
‫َالسـلَا ِسلُ ي ْ‬
‫ِمـ و ّ‬
‫ُونـ (‪ِ )70‬إذِ اْلأَغْلَا ُل فِي أَعْنَاقِه ْ‬
‫َيعْلَم َ‬
‫شرِكُو نَ (‬
‫جرُونَ (‪ُ )72‬ثمّ قِيلَ َلهُ ْم َأيْ َن مَا كُنتُ ْم ُت ْ‬
‫الْحَمِي ِم ثُمّ فِي النّا ِر يُ سْ َ‬
‫‪ )73‬مِن دُو نِ اللّ هِ قَالُوا ضَلّوا عَنّا بَل لّ ْم نَكُن ّندْعُو مِن قَ ْبلُ شَيْئا َك َذلِ كَ‬
‫حقّ‬
‫ض ِبغَ ْيرِ الْ َ‬
‫ض ّل اللّ ُه الْكَافِرِي نَ (‪َ )74‬ذِلكُم بِمَا كُنتُ ْم َتفْ َرحُو َن فِي اْلأَرْ ِ‬
‫يُ ِ‬
‫س مَ ْثوَى‬
‫ب جَهَنّ مَ خَالِدِي َن فِيهَا فَبِئْ َ‬
‫َوبِمَا كُنتُ ْم تَ ْمرَحُو نَ (‪ )75‬ادْخُلُوا َأبْوَا َ‬
‫ك َبعْ ضَ اّلذِي نَ ِع ُدهُ مْ‬
‫الْمَُتكَّبرِي نَ (‪ )76‬فَا صِْبرْ إِنّ وَ ْع َد اللّ هِ َحقّ َفِإمّا ُن ِريَنّ َ‬
‫ك مِنْهُم مّ ن‬
‫ل مّ ن قَبْلِ َ‬
‫ك َفإِلَيْنَا ُي ْرجَعُو نَ (‪ )77‬وََل َقدْ أَرْ سَلْنَا رُ سُ ً‬
‫َأوْ نَتَ َوفّيَنّ َ‬
‫ك َومَا كَا َن ِلرَ سُو ٍل أَ ْن َي ْأتِ يَ بِآيَةٍ‬
‫ك َومِ ْنهُم مّن لّ مْ َنقْ صُصْ عَلَيْ َ‬
‫قَ صَصْنَا عَلَيْ َ‬
‫ك الْمُبْطِلُونَ ( ‪)78‬‬
‫سرَ هُنَالِ َ‬
‫حقّ َوخَ ِ‬
‫ِإلّا ِبِإذْنِ اللّ ِه َفإِذَا جَاء َأ ْمرُ اللّ ِه قُضِيَ بِالْ َ‬
‫اللّ ُه الّذِي َجعَ َل َلكُ مُ اْلأَْنعَا َم لَِترْكَبُوا مِ ْنهَا َومِ ْنهَا َتأْكُلُو نَ (‪َ )79‬ولَكُ مْ فِيهَا‬
‫ك تُحْمَلُو نَ (‬
‫صدُورِ ُك ْم وَعَلَ ْيهَا وَعَلَى اْلفُلْ ِ‬
‫مَنَافِ ُع َولِتَبْ ُلغُوا عَلَ ْيهَا حَاجَ ًة فِي ُ‬
‫ت اللّ ِه تُن ِكرُو نَ (‪َ )81‬أفَلَ مْ يَ سِيُوا فِي الْأَرْ ضِ‬
‫‪َ )80‬وُيرِيكُ مْ آيَاتِ هِ َفأَيّ آيَا ِ‬
‫ُمـ وََأ َشدّ ُق ّوةً‬
‫ِمـ كَانُوا أَكَْث َر مِ ْنه ْ‬
‫ِينـ مِن قَبْ ِله ْ‬
‫َانـ عَاقَِبةُ اّلذ َ‬
‫ْفـ ك َ‬
‫فَيَن ُظرُوا كَي َ‬
‫ض فَمَا أَغْنَى عَنْهُم مّ ا كَانُوا َيكْ سِبُونَ (‪ )82‬فَلَمّا جَاءْتهُ مْ‬
‫وَآثَارا فِي اْلأَرْ ِ‬
‫ت َفرِحُوا بِمَا عِندَهُم مّ نَ اْلعِلْ ِم وَحَا قَ بِهِم مّ ا كَانُوا بِ هِ‬
‫رُ سُ ُلهُم بِالْبَيّنَا ِ‬
‫الزء الثالث‬ ‫‪806‬‬

‫يَ سَْتهْ ِزئُون (‪ )83‬فَلَمّا َرَأوْا َبأْ سَنَا قَالُوا آمَنّا بِاللّ ِه وَ ْحدَ ُه وَ َك َفرْنَا بِمَا كُنّا بِ هِ‬
‫ت اللّ هِ الّتِي َقدْ‬
‫شرِكِيَ (‪ )84‬فَلَ ْم يَ كُ يَن َف ُعهُ ْم إِيَاُنهُ ْم لَمّا َرَأوْا َبأْ سَنَا سُنّ َ‬
‫ُم ْ‬
‫ت فِي عِبَا ِدهِ َو َخسِ َر هُنَالِكَ اْلكَا ِفرُونَ (‪. ﴾ )85‬‬
‫خَلَ ْ‬

‫***‬
‫‪807‬‬ ‫توفيق الرحن ف دروس القرآن‬

‫ت اللّ ِه ِبغَ ْيرِ سُلْطَا ٍن َأتَاهُمْ‬


‫قوله عز وجل ‪ ﴿ :‬إِنّ الّذِينَ يُجَا ِدلُو َن فِي آيَا ِ‬
‫صدُورِ ِهمْ إِلّا كِ ْب ٌر مّا هُم بِبَاِلغِي ِه فَا سَْت ِعذْ بِاللّ هِ ِإنّ هُ ُهوَ ال سّمِي ُع الْبَ صِيُ‬
‫إِن فِي ُ‬
‫س َولَ ِكنّ أَكَْث َر النّاسِ لَا‬
‫ض أَكَْبرُ مِنْ خَلْقِ النّا ِ‬
‫(‪ )56‬لَخَلْ ُق السّمَاوَاتِ وَالْأَرْ ِ‬
‫ـ آمَنُوا وَعَمِلُوا‬
‫ي وَاّلذِين َ‬
‫ـُ‬‫ـَتوِي اْلأَعْمَـى وَالْبَص ِ‬
‫ـ (‪ )57‬وَمَـا يَس ْ‬
‫َيعْلَمُون َ‬
‫ال صّالِحَاتِ َولَا الْمُ سِي ُء قَلِيلً مّا تََتذَ ّكرُو نَ (‪ )58‬إِنّ ال سّا َع َة لَآتِيَ ٌة لّا َريْ بَ‬
‫س لَا ُي ْؤمِنُونَ (‪. ﴾ )59‬‬
‫فِيهَا وََل ِكنّ أَكَْث َر النّا ِ‬
‫عن قتادة ‪ :‬قوله ﴿ إِنّ الّذِي نَ ُيجَادِلُو نَ فِي آيَا تِ اللّ ِه ِبغَيْرِ سُلْطَانٍ َأتَاهُ ْم‬
‫﴾ ل يأتم بذاك سلطان ‪ ﴿ .‬إِن فِي صُدُو ِرهِمْ إِلّا ِكبْرٌ ﴾ ‪ ،‬قال ابن عباس ما‬
‫يمل هم على تكذي بك إل ما ف صدورهم من ال كب والعظ مة ‪ ﴿ ،‬مّ ا هُم‬
‫ِببَاِلغِي هِ ﴾ ‪ ،‬قال ماهد ‪ ﴿ :‬مّا هُم بِبَاِلغِي هِ ﴾ ‪ ،‬مقتضي ذلك الكب ‪ ،‬لن ال‬
‫عز وجل مذلم ‪ ﴿ .‬فَا ْستَعِ ْذ بِاللّهِ إِنّ ُه ُهوَ السّمِيعُ اْلَبصِيُ ﴾ ‪.‬‬
‫وقوله تعال ‪َ ﴿ :‬لخَلْ ُق ال سّمَاوَا ِ‬
‫ت وَالْأَرْ ضِ ﴾ مع عظمه ما ﴿ أَ ْكبَ ُر مِ نْ‬
‫س وَلَكِنّ أَ ْكثَ َر النّاسِ لَا يَعَْلمُونَ ﴾ ‪ ،‬قال البغوي ‪ :‬حيث ل يستدلون‬ ‫خَلْ ِق النّا ِ‬
‫بذلك على توحيد خالقها ؛ وقال ابن كثي ‪ :‬يقول تعال منبهًا على أنه يعيد‬
‫اللئق يوم القيامة ‪ ،‬وأن ذلك سهل عليه يسي لديه ‪ ،‬بأنه خلق السماوات‬
‫والرض وخلقها أكب من خلق الناس بدأة وإعادة ‪ ،‬فمن قدر على ذلك فهو‬
‫قادر على ما دونه بطريق الول والخرى ‪ .‬كما قال تعال ‪َ ﴿ :‬أوَلَمْ يَ َروْا َأنّ‬
‫حيِ يَ‬
‫خ ْل ِقهِنّ ِبقَادِرٍ عَلَى أَ ْن يُ ْ‬
‫ض وَلَ ْم َيعْ يَ بِ َ‬
‫اللّ َه الّذِي خََل َق ال سّ َموَاتِ وَالرْ َ‬
‫الزء الثالث‬ ‫‪808‬‬

‫َسََتوِي‬
‫ّهَ عَلَى كُ ّل َشيْءٍ قَدِيرٌ ﴾ ‪ .‬ثَ قال تعال ‪ ﴿ :‬وَم َا ي ْ‬ ‫الْ َموْت َى بَلَى ِإن ُ‬
‫ت وَل الْمُسَِيءُ َقلِيل م َا‬ ‫ِينَ آ َمنُوا َوعَمِلُوا الصَّالِحَا ِ‬
‫َصَ ُي وَالّذ َ‬
‫العْم َى وَاْلب ِ‬
‫َتتَذَكّرُو نَ ﴾ ‪ ،‬أي ‪ :‬ما أقل ما يتذكر كثي من الناس ‪ .‬ث قال تعال ‪ِ ﴿ :‬إنّ‬
‫ال سّا َعةَ لِتَيةٌ ﴾ ‪ ،‬أي ‪ :‬لكائنة وواقعة ‪ ﴿ ،‬ل َريْ بَ فِيهَا وََلكِنّ أَ ْكثَ َر النّا سِ ل‬
‫ُي ْؤ ِمنُونَ ﴾ ‪.‬‬
‫ِينـ‬
‫ُمـ إِنّ اّلذ َ‬
‫ب لَك ْ‬
‫ج ْ‬
‫َسـتَ ِ‬
‫ُمـ ادْعُونِي أ ْ‬
‫قوله عـز وجـل ‪َ ﴿ :‬وقَالَ َربّك ُ‬
‫يَ سْتَكِْبرُونَ عَ نْ ِعبَادَتِي سََيدْخُلُو َن َجهَنّ مَ دَا ِخرِي نَ (‪ )60‬اللّ هُ اّلذِي َج َعلَ‬
‫س َولَ ِكنّ‬
‫ضلٍ عَلَى النّا ِ‬
‫سكُنُوا فِي ِه وَالّنهَا َر مُبْصِرا إِنّ اللّ َه لَذُو فَ ْ‬
‫َلكُمُ اللّ ْي َل لِتَ ْ‬
‫ش ُكرُو نَ (‪َ )61‬ذِلكُ ُم اللّ هُ َرّبكُ مْ خَالِ قُ ُك ّل شَيْ ٍء لّا ِإلَ َه ِإلّا‬
‫س لَا َي ْ‬
‫أَكَْث َر النّا ِ‬
‫حدُو نَ (‬
‫ت اللّ ِه يَجْ َ‬
‫ُهوَ َفَأنّى تُ ْؤ َفكُو نَ (‪َ )62‬ك َذلِ كَ ُي ْؤفَ كُ اّلذِي نَ كَانُوا بِآيَا ِ‬
‫سنَ‬
‫صوّرَ ُك ْم َفأَحْ َ‬
‫ض َقرَارا وَال سّمَاء بِنَاء وَ َ‬
‫‪ )63‬اللّ هُ اّلذِي َج َعلَ َلكُ مُ اْلأَرْ َ‬
‫صوَرَ ُك ْم وَرَ َزقَكُم مّنَ الطّيّبَاتِ ذَِلكُ ُم اللّهُ َربّكُ ْم فَتَبَارَكَ اللّهُ َربّ اْلعَالَ ِميَ (‬
‫ُ‬
‫ح ْمدُ لِلّ هِ رَبّ‬
‫‪ُ )64‬هوَ الْحَيّ لَا ِإلَ هَ ِإلّا ُه َو فَادْعُو هُ مُخْلِ صِيَ لَ هُ الدّي نَ الْ َ‬
‫اْلعَالَمِيَ (‪ُ )65‬ق ْل ِإنّ ي ُنهِي تُ أَ نْ أَ ْعُبدَ اّلذِي َن َتدْعُو نَ مِن دُو نِ اللّ هِ لَمّ ا‬
‫ت مِن ّربّ ي َوأُ ِمرْ تُ أَ ْن أُ سْ ِلمَ ِلرَبّ الْعَالَمِيَ (‪ُ )66‬هوَ اّلذِي‬
‫جَاءنِ يَ الْبَيّنَا ُ‬
‫ل ُثمّ لِتَبْ ُلغُوا‬
‫خ ِر ُجكُ مْ ِطفْ ً‬
‫ب ُثمّ مِن نّ ْطفَ ٍة ُثمّ مِ نْ عَ َل َق ٍة ُثمّ يُ ْ‬
‫خَ َلقَكُم مّن ُترَا ٍ‬
‫ل مّسَمّى‬
‫َأ ُشدّكُمْ ُثمّ لَِتكُونُوا شُيُوخا وَمِنكُم مّن يَُتوَفّى مِن قَ ْبلُ وَلِتَبْ ُلغُوا َأجَ ً‬
‫‪809‬‬ ‫توفيق الرحن ف دروس القرآن‬

‫ت َفِإذَا قَضَى َأمْرا َفإِنّمَا يَقُولُ‬


‫َوَلعَلّكُ ْم َتعْقِلُو نَ (‪ُ )67‬هوَ اّلذِي ُيحْيِي وَيُمِي ُ‬
‫َلهُ كُن فَيَكُونُ (‪. ﴾ )68‬‬
‫جبْ َلكُ مْ ﴾ ‪ ،‬يقول ‪ :‬وحدون أغفر‬ ‫عن ابن عباس قوله ‪ ﴿ :‬ا ْدعُونِي أَ ْستَ ِ‬
‫لكَم ‪ .‬وعَن النعمان بَن بشيَ قال ‪ :‬قال رسَول ال ‪ « :‬الدعاء هَو‬
‫جبْ َلكُ مْ ِإنّ‬ ‫العبادة ‪ - ،‬وقرأ رسول ال ‪ ﴿ : -‬وَقَالَ َربّكُ مُ ا ْدعُونِي أَ ْستَ ِ‬
‫ستَ ْكبِرُونَ عَ نْ ِعبَا َدتِي ﴾ » ‪ .‬رواه ابن جرير ‪ .‬وعن السدي ‪ِ ﴿ :‬إنّ‬ ‫الّذِي َن يَ ْ‬
‫ستَ ْكبِرُونَ عَ ْن ِعبَادَتِي ﴾ ‪ ،‬قال ‪ :‬عن دعائي ‪َ ﴿ ،‬سيَدْ ُخلُونَ َج َهنّ مَ‬ ‫الّذِي نَ يَ ْ‬
‫دَاخِرِينَ ﴾ قال ‪ :‬صاغرين ‪.‬‬
‫َهَ إِلّا ُهوَ َفَأنّىَ‬
‫ِقَ كُ ّل َشيْءٍ لّا إِل َ‬
‫ُمَ خَال ُ‬
‫ّهَ َرّبك ْ‬ ‫وقوله تعال ‪ ﴿ :‬ذَِلك ُ‬
‫ُمَ الل ُ‬
‫ُتؤَْفكُو نَ ﴾ ‪ ،‬أي ‪ :‬فكيف تعبدون معه غيه ؟ وعن ابن عباس قال ‪ :‬من قال‬
‫ل إله إل ال ‪ ،‬فليقَل على إثرهَا ‪ :‬المَد ل رب العاليَ ‪ .‬فذلك قوله ‪:‬‬
‫ب الْعَالَ ِميَ ﴾ ‪.‬‬
‫حمْدُ لِلّهِ رَ ّ‬
‫﴿ فَا ْدعُوهُ مُخِْلصِيَ لَهُ الدّي َن الْ َ‬
‫وقوله تعال ‪ ﴿ :‬قُلْ ِإنّي ُنهِي تُ أَ نْ َأ ْعبُ َد الّذِي َن تَ ْدعُو نَ مِن دُو نِ اللّ هِ لَمّا‬
‫ت مِن ّربّي َوُأمِرْ تُ أَ نْ أُ سْلِمَ لِرَبّ اْلعَالَمِيَ ﴾ ‪ ،‬قال ابن كثي ‪:‬‬ ‫جَاءنِ َي اْلبَّينَا ُ‬
‫يقول تعال ‪ ﴿ :‬قُلْ ﴾ ‪ ،‬يا ممد لؤلء الشركي ‪ :‬إن ال عز وجل ينهى أن‬
‫يعبد أحد سواه من الصنام ‪ ،‬والنداد ‪ ،‬والوثان ‪ .‬وقد بي تبارك وتعال أنه‬
‫ل يسَتحق العبادة أحَد سَواه فَ قوله ‪ -‬جلت عظمتَه ‪ُ ﴿ : -‬ه َو الّذِي‬
‫ل ثُمّ ِلتَبُْلغُوا‬
‫ب ثُمّ مِن نّ ْط َف ٍة ثُمّ مِ ْن عََل َق ٍة ثُمّ ُيخْرِ ُجكُ ْم ِطفْ ً‬
‫خََلقَكُم مّ ن تُرَا ٍ‬
‫الزء الثالث‬ ‫‪810‬‬

‫َأشُدّكُ ْم ثُمّ ِلَتكُونُوا شُيُوخا ﴾ ‪ ،‬أي ‪ :‬هو الذي يقلبكم ف هذه الطوار كلها‬
‫وحده ل شريك له ‪ ،‬وعن أمره وتدبيه وتقديره يكون ذلك كله ‪.‬‬
‫وقوله تعال ‪َ ﴿ :‬ومِنكُم مّن يَُتوَفّى مِن َقبْلُ ﴾ ‪ ،‬قال البغوي ‪ :‬من قبل أن‬
‫ُسَمّى ﴾ ‪ ،‬وقتًا معلومًا‬ ‫يصَي شيخًا ‪ ﴿ ،‬وَِلَتبُْلغُوا ﴾ ‪ ،‬جيعًا ‪ ﴿ ،‬أَجَل م َ‬
‫مدودًا ل تاوزو نه ‪ ،‬ير يد أ جل الياة إل الوت ‪ ﴿ ،‬وََلعَّلكُ ْم َت ْعقِلُو نَ ﴾ ‪،‬‬
‫أي ‪ :‬لكي تعقلوا توحيد ربكم وقدرته ‪.‬‬
‫قال ابن كثي ‪ :‬ث قال تعال ‪ُ ﴿ :‬هوَ الّذِي يُ ْ‬
‫حيِي َويُمِي تُ ﴾ ‪ ،‬أي ‪ :‬هو‬
‫التفرد بذلك ‪ ،‬ل يقدر على ذلك أحد سواه ‪ ﴿ ،‬فَإِذَا َقضَى َأمْرًا فَِإنّمَا َيقُولُ‬
‫لَهُ كُنْ َفَيكُونُ ﴾ أي ‪ :‬ل يالف ول يانع ‪ ،‬بل ما شاء كان ل مالة ‪.‬‬
‫قوله عـز وجـل ‪َ ﴿ :‬ألَم ْـَت َر ِإلَى الّذِينَـيُجَادِلُونَـ فِي آيَاتِـ اللّهِـأَنّىـ‬
‫َسـوْفَ‬
‫ُسـلَنَا ف َ‬
‫ِهـ ر ُ‬
‫ْسـلْنَا ب ِ‬
‫َابـ َوبِمَا أَر َ‬
‫ِينـ َك ّذبُوا بِاْلكِت ِ‬
‫ُصـَرفُونَ (‪ )69‬اّلذ َ‬
‫ي ْ‬
‫ُسـحَبُونَ (‪ )71‬فِي‬
‫َالسـلَا ِسلُ ي ْ‬
‫ِمـ و ّ‬
‫ُونـ (‪ِ )70‬إذِ اْلأَغْلَا ُل فِي أَعْنَاقِه ْ‬
‫َيعْلَم َ‬
‫شرِكُو نَ (‬
‫جرُونَ (‪ُ )72‬ثمّ قِيلَ َلهُ ْم َأيْ َن مَا كُنتُ ْم ُت ْ‬
‫الْحَمِي ِم ثُمّ فِي النّا ِر يُ سْ َ‬
‫‪ )73‬مِن دُو نِ اللّ هِ قَالُوا ضَلّوا عَنّا بَل لّ ْم نَكُن ّندْعُو مِن قَ ْبلُ شَيْئا َك َذلِ كَ‬
‫حقّ‬
‫ض ِبغَ ْيرِ الْ َ‬
‫ض ّل اللّ ُه الْكَافِرِي نَ (‪َ )74‬ذِلكُم بِمَا كُنتُ ْم َتفْ َرحُو َن فِي اْلأَرْ ِ‬
‫يُ ِ‬
‫س مَ ْثوَى‬
‫ب جَهَنّ مَ خَالِدِي َن فِيهَا فَبِئْ َ‬
‫َوبِمَا كُنتُ ْم تَ ْمرَحُو نَ (‪ )75‬ادْخُلُوا َأبْوَا َ‬
‫الْمَُتكَّبرِينَ (‪. ﴾ )76‬‬
‫‪811‬‬ ‫توفيق الرحن ف دروس القرآن‬

‫قال ابن زيد ف قوله ‪ ﴿ :‬أَلَ ْم تَرَ إِلَى الّذِي َن يُجَادِلُو نَ فِي آيَا تِ اللّ هِ َأنّى‬
‫يُصْرَفُونَ ﴾ قال ‪ :‬عن الق ‪ ،‬قال ‪ :‬هؤلء الشركون ‪ .‬وعن ماهد ف قوله ‪:‬‬
‫﴿ يُسْجَرُونَ ﴾ ‪ ،‬قال ‪ :‬يوقد بم النار ‪.‬‬
‫وقوله تعال ‪ ﴿ :‬ثُمّ قِيلَ َلهُ مْ َأيْ َن مَا كُنتُ ْم تُشْرِكُو نَ * مِن دُو نِ اللّ هِ قَالُوا‬
‫ك ُيضِلّ اللّ ُه اْلكَافِرِينَ ﴾ ‪.‬‬
‫ضلّوا َعنّا بَل لّ ْم َنكُن نّ ْدعُو مِن َقبْ ُل َشيْئا كَذَلِ َ‬
‫َ‬
‫قال ابن جرير يقول ‪ :‬ث قيل ‪ :‬أين الذين كنتم تشركون بعبادتكم إياها‬
‫من دون ال من آلتكم وأوثانكم ‪ ،‬حت يغيثوكم فينقذوكم ما أنتم فيه من‬
‫البلء والعذاب ؟ فإن العبود يغيَث مَن عبَد وخدمَه ‪ ،‬وإناَ يقال هذا لمَ‬
‫توبيخا وتقريعًا على ما كان منهم ف الدنيا من الكفر بال وطاعة الشيطان ‪،‬‬
‫فأجاب السَاكي عنَد ذلك فقالوا ‪ ﴿ :‬ضَلّوْا عَنّاَ ﴾ ‪ ،‬يقول ‪ :‬عدلوا عنَا ‪،‬‬
‫فأخذوا غ ي طريق نا ‪ ،‬وتركو نا ف هذا البلء ‪ ،‬بل ما ضلوا ع نا ‪ ،‬ولك نا ل‬
‫نكن ندعوا من قبل ف الدنيا شيئًا ‪ .‬أي ‪ :‬ل نكن نعبد شيئًا ؛ يقول ال تعال‬
‫ك ُيضِلّ اللّ ُه اْلكَافِرِي نَ ﴾ ‪ ،‬يقول ‪ :‬ك ما أ ضل هؤلء الذ ين‬
‫ذكره ‪ ﴿ :‬كَذَلِ َ‬
‫ضل عن هم ف جه نم ما كانوا يعبدون ف الدن يا ‪ ،‬من دون ال من الل ة‬
‫والوثان آلت هم وأوثان م ‪ ،‬كذلك ي ضل ال أ هل الك فر به ع نه و عن رح ته‬
‫وعبادته ‪ ،‬فل يرحهم فينجيهم من النار ‪ ،‬ول يغيثهم فيخفف عنهم ما هم‬
‫فيه من البلء ‪.‬‬
‫الزء الثالث‬ ‫‪812‬‬

‫و عن ما هد ‪ ﴿ :‬ذَلِكُم بِمَا كُنتُ ْم َتفْ َرحُو نَ فِي الْأَرْ ضِ ِب َغيْ ِر الْحَقّ َوبِمَا‬
‫َ‬
‫َ َج َهنّم َ‬
‫َ ﴾ ‪ ،‬قال ‪ :‬تبطرون وتأشرون ‪ ﴿ ،‬ا ْدخُلُوا أَْبوَاب َ‬ ‫َ تَ ْمرَحُون َ‬ ‫كُنتُم ْ‬
‫س َمْثوَى الْ ُمَت َكبّرِينَ ﴾ ‪.‬‬
‫خَالِدِينَ فِيهَا َفبِْئ َ‬
‫ك َبعْ ضَ اّلذِي‬
‫قوله عز و جل ‪ ﴿ :‬فَا صِْبرْ إِنّ وَ ْع َد اللّ ِه حَقّ َفِإمّ ا ُن ِريَنّ َ‬
‫ك مِ ْنهُم‬
‫ل مّن قَبْلِ َ‬
‫ك َفإِلَيْنَا ُي ْرجَعُونَ (‪ )77‬وََل َقدْ أَرْسَلْنَا رُسُ ً‬
‫َن ِعدُهُ ْم َأوْ نََت َوفّيَنّ َ‬
‫ك َومَا كَا َن ِلرَ سُو ٍل أَ ْن َي ْأتِ يَ‬
‫ك َومِ ْنهُم مّن لّ مْ َنقْ صُصْ عَلَيْ َ‬
‫مّن قَ صَصْنَا عَلَيْ َ‬
‫ك الْمُبْطِلُونَ (‬
‫حقّ وَخَسِ َر هُنَالِ َ‬
‫بِآيَ ٍة ِإلّا ِبِإذْ ِن اللّهِ فَِإذَا جَاء َأ ْمرُ اللّ ِه قُضِ َي بِالْ َ‬
‫‪ )78‬اللّ ُه الّذِي َجعَ َل َلكُ مُ اْلأَْنعَا َم لَِترْكَبُوا مِ ْنهَا َومِ ْنهَا َتأْكُلُو نَ (‪َ )79‬ولَكُ مْ‬
‫ْكـ‬
‫صـدُورِ ُكمْ وَعَلَيْه َا وَعَلَى اْلفُل ِ‬
‫ِعـ َولِتَبْ ُلغُوا عَلَيْه َا حَا َجةً ف ِي ُ‬
‫فِيه َا مَنَاف ُ‬
‫حمَلُو نَ (‪ )80‬وَُيرِيكُ مْ آيَاتِ ِه َفأَيّ آيَا تِ اللّ هِ تُن ِكرُو نَ (‪َ )81‬أفَلَ مْ يَ سِيُوا‬
‫تُ ْ‬
‫ض فَيَن ُظرُوا كَيْ فَ كَا نَ عَاقَِبةُ اّلذِي َن مِن قَبْ ِلهِ مْ كَانُوا أَكَْث َر مِ ْنهُ مْ‬
‫فِي اْلأَرْ ِ‬
‫ض فَمَا أَ ْغنَى عَ ْنهُم مّا كَانُوا يَكْ سِبُونَ (‪ )82‬فَلَمّا‬
‫َوأَ َش ّد ُقوّ ًة وَآثَارا فِي اْلأَرْ ِ‬
‫ق ِبهِم مّا كَانُوا‬
‫جَاءْتهُ مْ رُ سُ ُلهُم بِالْبَيّنَا تِ َف ِرحُوا بِمَا عِن َدهُم مّ َن الْعِلْ ِم َوحَا َ‬
‫بِ هِ يَ سْتَ ْه ِزئُون (‪ )83‬فَلَمّا َرَأوْا َبأْ سَنَا قَالُوا آمَنّا بِاللّ ِه وَ ْحدَ ُه وَ َك َفرْنَا بِمَا كُنّا‬
‫ت اللّ هِ الّتِي‬
‫شرِكِيَ (‪ )84‬فَلَ ْم يَ كُ يَن َف ُعهُ ْم إِيَاُنهُ ْم لَمّا َرَأوْا َبأْ سَنَا سُنّ َ‬
‫بِ هِ ُم ْ‬
‫سرَ هُنَاِلكَ الْكَا ِفرُونَ (‪. ﴾ )85‬‬
‫ت فِي عِبَا ِد ِه وَ َخ ِ‬
‫َق ْد خَلَ ْ‬
‫‪813‬‬ ‫توفيق الرحن ف دروس القرآن‬

‫قال البغوي ‪ ﴿ :‬فَا ْ‬


‫صبِرْ إِنّ َوعْدَ اللّ هِ ﴾ بن صرك ‪ ﴿ ،‬حَقّ فَِإمّ ا نُ ِرَينّ كَ‬
‫َبعْ ضَ الّذِي َنعِ ُدهُ مْ ﴾ من العذاب ف حيا تك ‪َ ﴿ ،‬أوْ َنَتوَّفيَنّ كَ ﴾ ‪ ،‬ق بل أن‬
‫يل بم ‪ ﴿ ،‬فَإَِلْينَا يُ ْر َجعُونَ ﴾ ‪.‬‬
‫قال ابن كثي ‪ :‬أي ‪ :‬فنذيقهم العذاب الشديد ف الخرة ‪ .‬ث قال تعال ‪:‬‬
‫صنَا عََليْكَ َو ِمْنهُ ْم مَ ْن‬
‫ص ْ‬‫ك ِمنْهُ ْم مَنْ قَ َ‬
‫مسليًا له ‪ ﴿ ،‬وََلقَدْ أَرْسَ ْلنَا رُسُل مِنْ َقْبلِ َ‬
‫صصْ عََليْ كَ ﴾ ‪ ،‬و هم أك ثر ‪ ﴿ ،‬وَمَا كَا نَ لِرَ سُولٍ أَ ْن يَ ْأتِ يَ بِآَيةٍ إِل‬ ‫لَ مْ نَقْ ُ‬
‫ّهَ ﴾ ‪ ،‬أي ‪ :‬ول يكَن لواحَد مَن الرسَل أن يأتَ قومَه بارق‬ ‫ْنَ الل ِ‬
‫بِإِذ ِ‬
‫للعادات ‪ ،‬إل أن يأذن ال له ف ذلك ‪ ﴿ ،‬فَِإذَا جَاءَ َأمْرُ اللّ هِ ﴾ وهو عذابه ﴿‬
‫ُقضِ يَ بِالْحَقّ ﴾ فين جي الؤمنون ويهلك الكافرون ‪ .‬ولذا قال عز و جل ‪﴿:‬‬
‫س َر ُهنَالِكَ الْ ُمبْطِلُونَ ﴾ ‪.‬‬
‫وَخَ ِ‬
‫وقوله تعال ‪ ﴿ :‬اللّ ُه الّذِي َجعَلَ َلكُ مُ الَْأْنعَا مَ ِلَترْ َكبُوا مِْنهَا َو ِمْنهَا َتأْكُلُو نَ‬
‫* وَلَكُ مْ فِيهَا َمنَافِ ُع وَِلتَبُْلغُوا عََلْيهَا حَا َجةً فِي صُدُورِكُ ْم َوعََلْيهَا َوعَلَى اْلفُلْ ِ‬
‫ك‬
‫ُونَ ﴾ ‪ ،‬قال ابَن كثيَ ‪:‬‬ ‫ّهَ تُنكِر َ‬
‫َاتَ الل ِ‬
‫ِهَ َفأَيّ آي ِ‬ ‫ُمَ آيَات ِ‬
‫ُونَ * َويُرِيك ْ‬ ‫حمَل َ‬ ‫تُ ْ‬
‫﴿ َويُرِيكُ ْم آيَاتِهِ ﴾ أي ‪ :‬حججه وبراهينه ف الفاق وف أنفسكم ﴿ َفأَيّ‬
‫آيَا تِ اللّ ِه ُتنْكِرُو نَ ﴾ أي ‪ :‬ل تقدرون على إنكار ش يء من آيا ته ‪ ،‬إل أن‬
‫تعاندوا وتكابروا ‪ .‬وقال البغوي ‪ ﴿ :‬أَفَلَ ْم يَ سِيُوا فِي الرْ ضِ َفَينْ ُظرُوا َكيْ فَ‬
‫كَا نَ عَاِقَبةُ الّذِي َن مِ نْ َقْبِلهِ مْ كَانُوا أَ ْكثَ َر ِمْنهُ ْم َوَأشَدّ ُق ّو ًة وَآثَارًا فِي الرْ ضِ‬
‫﴾ يعن ‪ :‬مصانعهم وقصورهم ‪َ ﴿ ،‬فمَا َأ ْغنَى َعْنهُ مْ ﴾ ‪ ،‬ل ينفعهم ‪ ﴿ ،‬مَا‬
‫سبُونَ ﴾ ‪َ ﴿ .‬فلَمّا جَا َءْتهُ مْ رُ سُُلهُ ْم بِاْلَبيّنَا تِ َفرِحُوا ﴾ ‪ ،‬رضوا بِمَا‬ ‫كَانُوا َيكْ ِ‬
‫الزء الثالث‬ ‫‪814‬‬

‫ِعنْ َدهُ ْم مِ َن اْلعِلْ مِ ‪ .‬قال ماهد ‪ :‬هو قولم ‪ :‬نن أعلم ‪ ،‬لن نبعث ولن نعذب‬
‫‪ .‬سي ذلك ‪ :‬علمًا على ما يدعونه ويزعمونه ‪ ،‬وهو ف القيقة ‪ :‬جهل ‪﴿ .‬‬
‫سَتهْ ِزئُونَ ﴾ ‪.‬‬
‫ق ِبهِ ْم مَا كَانُوا بِ ِه يَ ْ‬
‫وَحَا َ‬
‫﴿ فََلمّا َرَأوْا َبأْسَنَا قَالُوا آمَنّا بِاللّ ِه وَ ْحدَهُ وَ َكفَ ْرنَا بِمَا ُكنّا بِ ِه مُشْرِكِيَ ﴾ ‪،‬‬
‫يع ن ‪ :‬تبأ نا م ا ك نا نعدل بال ‪ ﴿ .‬فََل ْم يَ كُ َيْن َف ُعهُ مْ إِيَاُنهُ مْ لَمّ ا َرَأوْا َبأْ َسنَا‬
‫﴾ عذاب نا ‪ُ ﴿ ،‬سّنةَ اللّ ِه الّتِي َقدْ خَلَ تْ فِي عِبَادِ هِ ﴾ ‪ ،‬وتلك ال سنة أن م إذا‬
‫َسَرَ‬
‫عاينوا عذاب ال آمنوا ول ينفعهَم إيانمَ عنَد معاينَة العذاب ‪ ﴿ .‬وَخ ِ‬
‫ُهنَالِ كَ الْكَافِرُو نَ ﴾ ‪ ،‬بذهاب نعيم الدارين ‪ ،‬قال الزجاج ‪ :‬الكافر خاسر ف‬
‫كل وقت ‪ ،‬ولكنهم تبي لم خسرانم إذا رأوا العذاب ‪.‬‬

‫***‬
‫‪815‬‬ ‫توفيق الرحن ف دروس القرآن‬

‫الدرس السابع والربعون بعد الائتي‬


‫[ سورة فصلت ]‬
‫مكية ‪ ،‬وهي أربع وخسون آية‬
‫بسم ال الرحن الرحيم‬
‫﴿ حم (‪ )1‬تَنِيلٌ مّ نَ الرّحْمَ نِ الرّحِي مِ (‪ )2‬كِتَا بٌ فُ صّلَتْ آيَاتُ ُه ُقرْآنا‬
‫ض أَكَْثرُهُ ْم َفهُ ْم لَا يَ سْ َمعُونَ (‬
‫َعرَبِيّا ّلقَوْ ٍم َيعْلَمُو نَ (‪َ )3‬بشِيا وََنذِيرا َفأَ ْعرَ َ‬
‫‪َ )4‬وقَالُوا قُلُوبُنَا فِي أَكِّن ٍة مّمّا َتدْعُونَا إِلَيْ ِه َوفِي آذَانِنَا َو ْقرٌ َومِن بَيْنِنَا َوبَيْنِكَ‬
‫شرٌ مّثْ ُلكُ مْ يُوحَى إِلَيّ َأنّمَا‬
‫حِجَا بٌ فَاعْ َم ْل ِإنّنَا عَامِلُو نَ (‪ُ )5‬قلْ ِإنّمَا أَنَا َب َ‬
‫شرِ ِكيَ (‪ )6‬الّذِي َن لَا‬
‫ِإَلهُكُ ْم ِإلَ ٌه وَا ِحدٌ فَا سَْتقِيمُوا ِإلَيْ ِه وَا سَْت ْغ ِفرُو ُه وَ َوْيلٌ لّلْ ُم ْ‬
‫ِينـ آمَنُوا وَعَمِلُوا‬
‫ُونـ (‪ )7‬إِنّ اّلذ َ‬
‫ُمـ كَا ِفر َ‬
‫ُونـ الزّكَا َة وَه ُم بِالْآ ِخ َر ِة ه ْ‬
‫ُي ْؤت َ‬
‫َقـ‬
‫ُونـ بِاّلذِي خَل َ‬
‫ُمـ لََتكْ ُفر َ‬
‫ُونـ (‪ُ )8‬ق ْل َأئِنّك ْ‬
‫ُمـ أَ ْجرٌ غَ ْي ُر مَمْن ٍ‬
‫الصـّالِحَاتِ َله ْ‬
‫جعَلُو َن لَ ُه أَندَادا َذلِ كَ َربّ الْعَالَمِيَ (‪ )9‬وَ َج َعلَ فِيهَا‬
‫ض فِي َيوْمَيْ نِ َوتَ ْ‬
‫اْلأَرْ َ‬
‫َروَاسِـيَ مِن َف ْوقِهَا َوبَارَكَـ فِيهَا َو َقدّرَ فِيهَا َأ ْقوَاتَهَا فِي أَ ْرَب َعةِ َأيّامٍـ سَـوَاء‬
‫ض ِائْتِيَا‬
‫لّل سّائِلِيَ (‪ُ )10‬ثمّ ا سَْتوَى ِإلَى ال سّمَاء وَهِ َي ُدخَا نٌ َفقَالَ َلهَا َولِلْأَرْ ِ‬
‫ت فِي يَ ْومَيْ نِ‬
‫َطوْعا َأوْ َكرْها قَالَتَا َأتَيْنَا طَاِئعِيَ (‪َ )11‬فقَضَا ُهنّ سَبْعَ سَمَاوَا ٍ‬
‫ح َو ِحفْظا َذلِ كَ‬
‫َوَأوْحَى فِي ُكلّ سَمَاء َأ ْمرَهَا وَ َزيّنّ ا ال سّمَاء ال ّدنْيَا بِمَ صَابِي َ‬
‫َت ْقدِي ُر الْ َعزِي ِز الْعَلِي مِ (‪َ )12‬فإِ ْن أَ ْعرَضُوا َف ُقلْ أَنذَ ْرتُكُ مْ صَا ِع َقةً مّ ْثلَ صَا ِع َقةِ‬
‫عَا ٍد َوثَمُودَ (‪ِ )13‬إذْ جَاءْتهُمُ الرّ ُسلُ مِن بَيْنِ َأْيدِيهِمْ َومِ ْن خَلْ ِفهِ ْم َألّا َتعُْبدُوا‬
‫الزء الثالث‬ ‫‪816‬‬

‫ِإلّا اللّ هَ قَالُوا َلوْ شَاء َربّنَا لَأَنزَ َل مَلَاِئ َكةً َفِإنّ ا بِمَا أُرْ سِلْتُ ْم بِ هِ كَافِرُو نَ (‪)14‬‬
‫ض ِبغَ ْيرِ الْحَقّ َوقَالُوا مَ ْن أَ َش ّد مِنّ ا قُ ّو ًة َأوَلَ مْ‬
‫َفَأمّ ا عَادٌ فَا سَْتكَْبرُوا فِي اْلأَرْ ِ‬
‫حدُو نَ (‬
‫َي َروْا أَنّ اللّ َه اّلذِي خَ َل َقهُ مْ ُهوَ أَ َشدّ مِ ْنهُ مْ ُق ّوةً وَكَانُوا بِآيَاتِنَا يَجْ َ‬
‫خزْيِ‬
‫ب الْ ِ‬
‫صرْصَرا فِي أَيّامٍ نّحِسَاتٍ لُّنذِي َقهُمْ َعذَا َ‬
‫‪َ )15‬فأَرْسَلْنَا عَلَ ْيهِمْ رِيا َ‬
‫صرُونَ (‪َ )16‬وَأمّا ثَمُودُ‬
‫فِي الْحَيَا ِة الدّنْيَا وََل َعذَا بُ الْآ ِخ َر ِة أَ ْخزَى وَهُ مْ لَا يُن َ‬
‫َف َه َديْنَاهُ مْ فَا سْتَحَبّوا الْعَمَى عَلَى الْ ُهدَى َفأَ َخذَْتهُ مْ صَا ِع َقةُ اْلعَذَا بِ اْلهُو نِ‬
‫بِمَا كَانُوا يَ ْكسِبُونَ (‪َ )17‬ونَجّيْنَا الّذِينَ آمَنُوا وَكَانُوا يَّتقُونَ (‪. ﴾ )18‬‬

‫***‬
‫‪817‬‬ ‫توفيق الرحن ف دروس القرآن‬

‫قوله عز و جل ‪ ﴿ :‬حم (‪ )1‬تَنِيلٌ مّ نَ الرّحْمَ نِ الرّحِي مِ (‪ )2‬كِتَا بٌ‬


‫ض أَكَْث ُرهُ مْ‬
‫فُ صّلَتْ آيَاتُ ُه ُقرْآنا َع َربِيّا لّ َقوْ ٍم َيعْلَمُو نَ (‪َ )3‬بشِيا وََنذِيرا َفأَ ْعرَ َ‬
‫َفهُمْ لَا يَسْ َمعُونَ (‪َ )4‬وقَالُوا قُلُوبُنَا فِي أَكِّن ٍة مّمّا َتدْعُونَا ِإلَيْهِ َوفِي آذَانِنَا َو ْقرٌ‬
‫شرٌ مّثْ ُلكُ مْ‬
‫ك حِجَا بٌ فَاعْ َم ْل ِإنّنَا عَامِلُو نَ (‪ُ )5‬قلْ ِإنّمَا َأنَا َب َ‬
‫َومِن بَيْنِنَا َوبَيْنِ َ‬
‫َاسـتَ ْغ ِفرُو ُه َووَْيلٌ‬
‫ْهـ و ْ‬
‫َاسـَتقِيمُوا ِإلَي ِ‬
‫َهـ وَا ِحدٌ ف ْ‬
‫ُمـ ِإل ٌ‬
‫يُوح َى ِإلَي ّ َأنّم َا ِإَلهُك ْ‬
‫شرِ ِكيَ (‪ )6‬الّذِي نَ لَا يُ ْؤتُو نَ الزّكَاةَ َوهُم بِالْآ ِخ َرةِ هُ مْ كَافِرُو نَ (‪ )7‬إِنّ‬
‫لّلْ ُم ْ‬
‫اّلذِينَ آمَنُوا وَعَ ِملُوا الصّالِحَاتِ َل ُهمْ َأ ْجرٌ غَ ْي ُر مَمْنُونٍ (‪. ﴾ )8‬‬
‫قال ابن إسحاق ف السية ‪ :‬حدثن يزيد بن زياد عن ممد بن كعب‬
‫القُرَ ظي قال ‪ :‬حُ ّدثْ تُ أن عت بة بن ربي عة ‪ -‬وكان سيدًا ‪ -‬قال يومًا و هو‬
‫جالس ف نادي قريش ‪ ،‬ورسول ال جالس ف السجد وحده ‪ :‬يا معشر‬
‫قر يش ‪ ،‬أل أقوم إل م مد فأكل مه وأعرض عل يه أمورًا لعله أن يق بل بعض ها‬
‫فنعطيه أيّ ها شاء ويكف ع نا ؟ وذلك ح ي أسلم حزة ر ضي ال عنه ورأوا‬
‫أصحاب رسول ال يزيدون ويكثرون ‪ .‬فقالوا ‪ :‬بلى يا أبا الوليد فقم إليه‬
‫فكّل مه ‪ ،‬فقام إل يه عت بة ح ت جلس إل ر سول ال فقال ‪ :‬يا ا بن أ خي ‪،‬‬
‫إنك منا حيث علمت من البسطة ف العشية ‪ ،‬والكان ف النسب ‪ ،‬وإنك قد‬
‫أت يت قو مك بأ مر عظ يم فر قت به جاعت هم ‪ ،‬و سفهت به أحلم هم وع بت‬
‫آلتهم ودينهم ‪ ،‬وكفّرت به من مضى من آبائهم ‪ ،‬فاسع من أعرض عليك‬
‫أمورًا تنظر فيها لعلك تقبل منها بعضها ؟ قال ‪ :‬فقال له رسول ال ‪« :‬‬
‫الزء الثالث‬ ‫‪818‬‬

‫قل يا أبا الوليد أسع » قال ‪ :‬يا ابن أخي إنا تريدُ با جئتَ به من هذا المر‬
‫مالً جعنا لك من أموالنا حت تكون أكثرنا مالً ‪ ،‬وإن كنت تريد به شرفًا‬
‫سودناك علي نا ح ت ل نق طع أمرًا دو نك ‪ ،‬وإن ك نت تر يد به ملكًا ملكناك‬
‫علينا ‪ ،‬وإن كان هذا الذي يأتيك َرِئيّا تراه ل تستطيع رده عن نفسك ‪ ،‬طلبنا‬
‫لك الطباء ‪ ،‬وبذل نا ف يه أموال نا ح ت نبئك م نه ‪ ،‬فإ نه رب ا غلب التا بع على‬
‫الر جل ح ت يُدَاوَى م نه ‪ -‬أو ك ما قال له ‪ -‬ح ت إذا فرغ عت بة ور سول ال‬
‫يسَتمع منَه قال ‪ « :‬أفرغَت يَا أبَا الوليَد » ؟ قال ‪ :‬نعَم ‪ .‬قال ‪« :‬‬
‫فا ستمع م ن » ‪ .‬قال ‪ :‬أف عل ‪ .‬قال ‪ « :‬ب سم ال الرح ن الرح يم ﴿ حم *‬
‫ت آيَاتُ هُ ُقرْآنًا عَ َرِبيّا ِل َقوْ ٍم َيعْلَمُو نَ *‬
‫تَني ٌل مِ نَ الرّحْ َم نِ الرّحِي مِ * ِكتَا بٌ فُ صَّل ْ‬
‫بَشِيًا َونَذِيرًا َفَأعْرَ ضَ أَكْثَ ُرهُ مْ َفهُ مْ ل يَ سْ َمعُونَ ﴾ » ‪ ،‬ث مضى رسول ال‬
‫فيها وهو يقرؤها عليه ‪ ،‬فلما سع عتبة أنصت لا ‪ ،‬وألقى يديه خلف ظهره‬
‫معتمدًا عليهمَا يسَتمع منَه ‪ ،‬حتَ انتهَى رسَول ال إل السَجدة منهَا‬
‫فسجد ث قال ‪ « :‬قد سعت يا أبا الوليد ما سعت فأنت وذاك » ‪.‬‬
‫فقام عت بة إل أ صحابه فقال بعض هم لب عض ‪ :‬نلف بال ل قد جاء كم أ با‬
‫الوليد بغي الوجه الذي ذهب به ‪ .‬فلما جلس إليهم قالوا ‪ :‬ما وراءك يا أبا‬
‫الول يد ؟ قال ‪ :‬ورائي أ ن سعت قولً وال ما سعت مثله قط ‪ ،‬وال ما هو‬
‫بالسحر ‪ ،‬ول بالشعر ‪ ،‬ول بالكهانة ‪ ،‬يا معشر قريش ‪ ،‬أطيعون واجعلوها‬
‫ب ‪ ،‬خلوا ب ي الر جل وب ي ما هو ف يه فاعتزلوه ‪ ،‬فوال ليكونَنّ لقوله الذي‬
‫سعت نبأ ‪ ،‬فإن تصبه العرب فقد كفيتموه بغيكم ‪ ،‬وإن يظهر على العرب‬
‫‪819‬‬ ‫توفيق الرحن ف دروس القرآن‬

‫فمُ ْلكُ هُ ملككم ‪ ،‬وعزه عزكم ‪ ،‬وكنتم أسعد الناس به ‪ .‬قالوا ‪ :‬سحرك وال‬
‫يا أبا الوليد بلسانه ! قال ‪ :‬هذا رأيي ‪ ،‬فاصنعوا ما بدا لكم ‪.‬‬
‫وف رواية البغوي من حديث جابر رضي ال عنه ‪ ( :‬قال عتبة ‪ :‬ولكن‬
‫أتيته وقصصت عليه القصة فأجابن بشيء ‪ ،‬وال ما هو بشعر ‪ ،‬ول كهانة ‪،‬‬
‫َ‬
‫َ َأعْرَضُوا َفقُلْ أَنذَ ْرتُكُم ْ‬
‫ول سَحر ‪ ،‬وقرأ السَورة إل قوله تعال ‪ ﴿ :‬فَإِن ْ‬
‫صَا ِع َق ًة ّمثْلَ صَاعِ َق ِة عَا ٍد َوثَمُودَ ﴾ فأمسكت بفيه وناشدته بالرحم أن يكف ‪،‬‬
‫وقد علمتم أن ممدًا إذا قال شيئًا ل يكذب ‪ ،‬فخفت أن ينل بكم العذاب )‬
‫‪.‬‬
‫وقوله تعال ‪ ﴿ :‬تَنِي ٌل مّ نَ الرّحْمَ نِ الرّحِي مِ ِكتَا بٌ فُ صَّل ْ‬
‫ت آيَاتُ هُ ﴾ ‪ ،‬قال‬
‫ال سدي ‪ :‬بي نت آيا ته ‪ .‬و عن ما هد ف قوله ‪ُ ﴿ :‬قلُوبُنَا فِي أَكِّنةٍ ﴾ ‪ ،‬قال ‪:‬‬
‫عليها أغطية كالعبة للنبل ‪ ﴿ ،‬وَفِي آذَاِننَا وَقْرٌ ﴾ ‪ ،‬قال السدي ‪ :‬صمم ‪.‬‬
‫و عن قتادة قوله ‪َ ﴿ :‬و َويْلٌ لِ ْلمُشْرِكِيَ الّذِي َن ل ُي ْؤتُو نَ الزّكَاةَ ﴾ ‪ ،‬قال ‪:‬‬
‫ل يقرّون باَ ‪ ،‬وكان يقال ‪ :‬إن الزكاة قنطرة السَلم ‪ ،‬فمَن قطعهَا ناَ ‪،‬‬
‫و من تلف عن ها هلك ‪ ،‬و قد كان أهل الردّة بعد نبّ ال قالوا ‪ :‬أما الصلة‬
‫فنصَلّي ‪ ،‬وأمَا الزكاة فوال ل نغصَب أموالنَا ‪ .‬فقال أبَو بكَر ‪ ( :‬وال ل‬
‫أفرق ب ي ش يء ج ع ال بي نه ‪ ،‬وال لو منعو ن عقالً م ا فرض ال ور سوله‬
‫شرِكِيَ الّذِي َن ل ُيؤْتُو نَ الزّكَاةَ ﴾‬
‫لقاتلناهم عليه )‪ .‬وعن السدي ﴿ َو َويْلٌ ِللْمُ ْ‬
‫أي ‪ :‬ل يدينون بالزكاة ‪ ،‬وقال ‪ :‬لو زكوا و هم مشركون ل ينفع هم ‪ .‬و عن‬
‫الزء الثالث‬ ‫‪820‬‬

‫ُونَ‬
‫ُمَ أَ ْج ٌر َغيْ ُر مَ ْمن ٍ‬
‫ِينَ آ َمنُوا َوعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ َله ْ‬
‫ابَن عباس ‪ ﴿ :‬إِن ّ الّذ َ‬
‫﴾ يقول ‪ :‬غي منقصوص ‪.‬‬
‫قوله عز وجل ‪ُ ﴿ :‬ق ْل َأئِنّكُ ْم لََتكْ ُفرُو َن بِاّلذِي خَلَ قَ اْلأَرْ ضَ فِي َي ْومَيْ نِ‬
‫جعَلُو َن لَ ُه أَندَادا َذلِ كَ َربّ الْعَالَمِيَ (‪َ )9‬وجَ َع َل فِيهَا َروَا سِ َي مِن فَ ْو ِقهَا‬
‫َوتَ ْ‬
‫َوبَارَ َك فِيهَا َوقَدّ َر فِيهَا َأ ْقوَاتَهَا فِي أَ ْرَب َعةِ َأيّا مٍ سَوَاء لّل سّائِلِيَ (‪ )10‬ثُمّ‬
‫ض ِائْتِيَا َطوْعا أَوْ َكرْها قَالَتَا‬
‫اسَْتوَى إِلَى السّمَاء وَهِ َي ُدخَانٌ فَقَالَ َلهَا َولِلْأَرْ ِ‬
‫َأتَيْنَا طَائِعِيَ (‪َ )11‬فقَضَا ُهنّ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ فِي يَ ْومَيْنِ َوَأوْحَى فِي ُكلّ سَمَاء‬
‫ك َتقْدِيرُ اْلعَزِيزِ اْلعَلِي مِ (‬
‫ح َوحِفْظا َذلِ َ‬
‫َأ ْمرَهَا وَ َزيّنّ ا ال سّمَاء ال ّدنْيَا بِمَ صَابِي َ‬
‫‪. ﴾ )12‬‬
‫قال ابن عباس ‪ :‬خلق ال الرض ف يومي ‪ ،‬ث خلق السماء ‪ ،‬ث استوى‬
‫إل السماء فسواهن ف يومي آخرين ‪ ،‬ث دحى الرض ‪ ،‬ودحيها أن أخرج‬
‫منها الاء والرعى ‪ ،‬وخلق البال والرمال ‪ ،‬والماد والكام ف يومي آخرين‬
‫ض َبعْدَ ذَلِ كَ دَحَاهَا ﴾ ‪ .‬وعن قتادة ‪َ ﴿ :‬سوَاءً‬
‫‪ ،‬فذلك قوله تعال ‪ ﴿ :‬وَالْأَرْ َ‬
‫لِلسّائِلِيَ ﴾ ‪ ،‬قال ‪ :‬من سأل فهو كما قال ال ‪.‬‬
‫وقوله تعال ‪ ﴿ :‬ثُمّ ا ْستَوَى إِلَى ال سّمَا ِء َوهِ يَ دُخَا نٌ َفقَالَ لَهَا وَلِلرْ ضِ‬
‫ِاْئتِي َا َطوْع ًا َأوْ كَرْه ًا ﴾ ‪ ،‬قال البغوي ‪ :‬أي ‪ :‬ائتيَا مَا آمركمَا ‪ ،‬أي ‪:‬‬
‫افعله ‪ ﴿ ،‬قَاَلتَا َأَتيْنَا طَاِئعِيَ ﴾ ‪ .‬وعن ماهد ف قوله ‪َ ﴿ :‬وَأوْحَى فِي كُلّ‬
‫سَمَاء َأمْرَهَا ﴾ قال ‪ :‬ما أ مر ال به وأراده ‪ .‬و عن ال سدي ﴿ وَ َزّينّ ا ال سّمَاء‬
‫‪821‬‬ ‫توفيق الرحن ف دروس القرآن‬

‫ال ّدْنيَا بِمَ صَابِيحَ ﴾ قال ‪ :‬ث زين السماء بالكواكب فجعلها زينة ﴿ َو ِحفْظا‬
‫ك َتقْدِي ُر الْعَزِي ِز الْعَلِيمِ ﴾ ‪.‬‬
‫﴾ من الشياطي ﴿ ذَلِ َ‬
‫قوله عز وجل ‪َ ﴿ :‬فإِ ْن أَ ْعرَضُوا َف ُقلْ أَنذَ ْرتُكُ مْ صَا ِع َقةً مّ ْثلَ صَا ِع َقةِ عَادٍ‬
‫َوثَمُودَ (‪ِ )13‬إ ْذ جَاءْتهُ مُ الرّ سُ ُل مِن بَيْ ِن َأيْدِيهِ مْ َومِ نْ خَ ْل ِفهِ ْم َألّا َتعُْبدُوا ِإلّا‬
‫اللّ َه قَالُوا َل ْو شَاء َربّنَا َلأَنزَ َل مَلَاِئ َكةً َفِإنّا بِمَا أُرْ سِلُْتمْ بِ هِ كَا ِفرُو نَ (‪َ )14‬فَأمّا‬
‫حقّ َوقَالُوا مَنْ َأ َشدّ مِنّا ُق ّو ًة أَ َولَ ْم َيرَوْا أَنّ‬
‫ض ِبغَ ْيرِ الْ َ‬
‫عَا ٌد فَاسَْتكْبَرُوا فِي اْلأَرْ ِ‬
‫ـ (‪)15‬‬
‫حدُون َ‬
‫ـ ُق ّوةً وَكَانُوا بِآيَاتِنَـا َيجْ َ‬
‫ـ ُهوَ َأ َشدّ مِ ْنهُم ْ‬
‫ـ الّذِي خَ َلقَهُم ْ‬
‫اللّه َ‬
‫ي فِي‬
‫خزْ ِ‬
‫ب الْ ِ‬
‫صرْصَرا فِي أَيّا مٍ نّحِ سَاتٍ لُّنذِي َقهُ مْ َعذَا َ‬
‫َفأَرْ سَلْنَا عَلَ ْيهِ مْ رِيا َ‬
‫ُنصـرُونَ (‪َ )16‬وَأمّاـ ثَمُودُ‬
‫ُمـ لَا ي َ‬
‫َابـ الْآ ِخ َرةِ َأ ْخزَى َوه ْ‬
‫الْحَيَا ِة ال ّدنْيَا َوَلعَذ ُ‬
‫ب اْلهُونِ بِمَا‬
‫َف َه َديْنَاهُ ْم فَاسْتَحَبّوا الْعَمَى عَلَى اْل ُهدَى َفَأخَ َذْتهُمْ صَا ِع َقةُ اْل َعذَا ِ‬
‫كَانُوا َي ْكسِبُونَ (‪ )17‬وَنَجّ ْينَا اّلذِينَ آمَنُوا وَكَانُوا يَّتقُونَ (‪. ﴾ )18‬‬
‫عن قتادة ف قوله ‪ ﴿ :‬صَاعِ َق ًة ّمثْلَ صَا ِع َقةِ عَا ٍد َوثَمُودَ ﴾ ‪ ،‬قال ‪ :‬يقول ‪:‬‬
‫أنذرتكَم وقيعَة مثَل ‪ :‬وقيعَة عاد وثود ‪ ،‬قال ‪ :‬عذاب مثَل ‪ :‬عذاب عاد‬
‫وثود ‪ِ ﴿ .‬إذْ جَا َءْتهُمُ الرّسُ ُل مِ ْن َبيْنِ َأيْدِيهِمْ َومِنْ خَ ْل ِفهِمْ ﴾ ‪ ،‬قال ابن عباس‬
‫‪ :‬الرسل الت كانت قبل هود والرسل الذين كانوا بعده ‪ ،‬بعث ال قبله رسلً‬
‫‪ ،‬وبعث من بعده رسلً ‪.‬‬
‫وعن ماهد ف قوله ‪َ ﴿ :‬فأَرْ سَ ْلنَا عََلْيهِ مْ رِيا صَرْصَرا ﴾ ‪ ،‬قال ‪ :‬شديدة‬
‫‪ ﴿ :‬فِي َأيّا ٍم نّحِ سَاتٍ ﴾ مشائم ‪ .‬قال قتادة ‪ ﴿ :‬فِي َأيّا مٍ نّحِ سَاتٍ ﴾ وال‬
‫الزء الثالث‬ ‫‪822‬‬

‫كانت مشئومات على القوم ‪َ ﴿ .‬وأَمّا ثَمُودُ َفهَ َدْينَاهُ ْم ﴾ بينا لم سبيل الي‬
‫حبّوا اْلعَمَى عَلَى اْلهُدَى ﴾ ‪ ،‬قال ابن زيد ‪ :‬استحبّوا الضللة‬ ‫والشر ‪ ﴿ ،‬فَا ْستَ َ‬
‫ب الْهُو نِ ﴾ ‪ ،‬قال ‪:‬‬
‫على الدى ‪ .‬و عن ال سدي ‪َ ﴿ :‬فأَخَ َذْتهُ مْ صَاعِ َق ُة اْلعَذَا ِ‬
‫جْينَا الّذِينَ آ َمنُوا وَكَانُوا َيتّقُونَ ﴾ ‪.‬‬
‫سبُو َن َونَ ّ‬
‫الوان ‪ ﴿ ،‬بِمَا كَانُوا َيكْ ِ‬

‫***‬
‫‪823‬‬ ‫توفيق الرحن ف دروس القرآن‬

‫الدرس الثامن والربعون بعد الائتي‬

‫ش ُر أَ ْعدَاء اللّ ِه ِإلَى النّارِ َفهُ مْ يُوزَعُو نَ (‪ )19‬حَتّ ى ِإذَا مَا‬


‫حَ‬‫﴿ َويَوْ َم يُ ْ‬
‫جَاؤُوهَا َشهِدَ عَلَ ْيهِ مْ سَ ْم ُعهُ ْم َوأَبْ صَا ُرهُ ْم َوجُلُو ُدهُ ْم بِمَا كَانُوا َيعْمَلُو نَ (‬
‫‪َ )20‬وقَالُوا لِجُلُو ِدهِ مْ لِ مَ َشهِدتّ مْ عَلَيْنَا قَالُوا أَن َطقَنَا اللّ ُه الّذِي أَنطَ قَ ُكلّ‬
‫َشيْ ٍء وَ ُهوَ خَلَ َقكُ مْ أَ ّولَ َم ّر ٍة َوإِلَيْ ِه ُترْ َجعُو نَ (‪ )21‬وَمَا كُنتُ مْ تَ سْتَِترُو َن أَ نْ‬
‫ش َهدَ عَلَ ْيكُ مْ سَ ْمعُ ُك ْم وَلَا َأبْ صَارُ ُك ْم َولَا جُلُودُكُ ْم وََلكِن ظَنَنتُ ْم أَنّ اللّ َه لَا‬
‫َي ْ‬
‫َيعْلَ مُ كَثِيا مّمّ ا َتعْمَلُو نَ (‪َ )22‬وذَِلكُ مْ ظَّنكُ ُم الّذِي ظَنَنتُم ِبرَّبكُ مْ أَ ْردَاكُ مْ‬
‫حتُم مّ ْن الْخَا ِسرِينَ (‪َ )23‬فإِن يَ صِْبرُوا فَالنّارُ مَ ْثوًى ّلهُ ْم َوإِن يَ سَْتعْتِبُوا‬
‫َفأَ صْبَ ْ‬
‫فَمَا هُم مّ َن الْ ُمعْتَبِيَ (‪َ )24‬وقَيّضْنَا َلهُمْ ُق َرنَاء َفزَيّنُوا َلهُم مّا بَيْنَ َأْيدِيهِمْ َومَا‬
‫جنّ وَاْلإِن سِ‬
‫ت مِن قَبْ ِلهِم مّ نَ الْ ِ‬
‫خَ ْل َفهُ ْم َوحَقّ عَلَ ْيهِ ُم الْ َقوْ ُل فِي ُأمَ مٍ َق ْد خَلَ ْ‬
‫ْآنـ‬
‫َسـَمعُوا ِل َهذَا الْ ُقر ِ‬
‫ِينـ َك َفرُوا لَا ت ْ‬
‫َاسـرِينَ (‪َ )25‬وقَالَ اّلذ َ‬
‫ُمـ كَانُوا خ ِ‬
‫ِإّنه ْ‬
‫ـ َك َفرُوا َعذَابا َشدِيدا‬
‫ـ (‪ )26‬فَلَُنذِيقَنّـ الّذِين َ‬
‫ـ َتغْلِبُون َ‬
‫ـ َلعَلّكُم ْ‬
‫وَالْ َغوْا فِيه ِ‬
‫ج ِزيَّنهُم ْـأَس ْـَوأَ اّلذِي كَانُوا َيعْمَلُونَـ (‪َ )27‬ذلِكَـ جَزَاء أَ ْعدَاء اللّهِـ النّارُ‬
‫َولَنَ ْ‬
‫حدُو نَ (‪َ )28‬وقَالَ اّلذِي نَ‬
‫جَ‬‫َلهُ ْم فِيهَا دَارُ الْخُ ْل ِد َجزَاء بِمَا كَانُوا بِآيَاتِنَا يَ ْ‬
‫ت َأقْدَامِنَا‬
‫جعَ ْلهُمَا تَحْ َ‬
‫س نَ ْ‬
‫َك َفرُوا َربّنَا أَرِنَا اّلذَيْ ِن أَضَلّانَا مِ َن الْجِنّ وَاْلإِن ِ‬
‫لَِيكُونَا مِ َن الْأَ ْسفَلِيَ (‪ )29‬إِنّ اّلذِي نَ قَالُوا َربّنَا اللّ هُ ثُمّ ا سَْتقَامُوا تَتََن ّزلُ‬
‫حزَنُوا َوَأْبشِرُوا بِالْجَّنةِ الّتِي كُنتُ مْ تُو َعدُو نَ‬
‫عَلَ ْيهِ مُ الْمَلَائِ َكةُ أَلّا تَخَافُوا َولَا َت ْ‬
‫الزء الثالث‬ ‫‪824‬‬

‫(‪ )30‬نَحْ ُن أَ ْولِيَاؤُكُ مْ فِي الْحَيَاةِ ال ّدنْيَا وَفِي الْآ ِخ َرةِ َوَلكُ مْ فِيهَا مَا َتشَْتهِي‬
‫أَن ُفسُ ُكمْ َوَلكُ ْم فِيهَا مَا تَدّعُونَ (‪ُ )31‬ن ُزلً ّمنْ َغفُورٍ ّرحِيمٍ (‪. ﴾ )32‬‬

‫***‬
‫‪825‬‬ ‫توفيق الرحن ف دروس القرآن‬

‫ش ُر أَ ْعدَاء اللّ ِه ِإلَى النّا ِر َفهُ مْ يُوزَعُو نَ (‬


‫حَ‬‫قوله عز و جل ‪َ ﴿ :‬ويَوْ َم يُ ْ‬
‫‪ )19‬حَتّ ى ِإذَا مَا جَاؤُوهَا شَ ِهدَ عَلَ ْيهِ مْ سَ ْمعُ ُه ْم وََأبْ صَا ُرهُ ْم وَجُلُودُهُ ْم بِمَا‬
‫كَانُوا َيعْمَلُو نَ (‪َ )20‬وقَالُوا لِجُلُو ِدهِ مْ لِ مَ َشهِدتّ مْ عَلَيْنَا قَالُوا أَن َطقَنَا اللّ هُ‬
‫اّلذِي أَنطَقَ ُك ّل شَيْ ٍء َوهُ َو خَ َلقَكُمْ َأ ّولَ َم ّر ٍة وَِإلَيْهِ ُت ْرجَعُونَ (‪ )21‬وَمَا كُنتُمْ‬
‫ش َهدَ عَلَ ْي ُكمْ سَ ْم ُعكُ ْم َولَا َأبْصَارُ ُك ْم َولَا جُلُودُ ُك ْم َولَكِن ظَنَنُتمْ‬
‫َتسْتَِترُونَ أَ ْن َي ْ‬
‫أَنّ اللّ هَ لَا َيعْلَ مُ كَثِيا مّمّا َتعْمَلُو نَ (‪َ )22‬و َذلِكُ مْ ظَّنكُ مُ اّلذِي ظَنَنتُم ِبرَّبكُ مْ‬
‫أَ ْردَاكُ مْ َفأَ صَْبحْتُم مّ ْن الْخَا ِسرِينَ (‪َ )23‬فإِن يَ صِْبرُوا فَالنّارُ مَ ْثوًى ّلهُ ْم َوإِن‬
‫َيسَْتعْتِبُوا فَمَا هُم ّمنَ الْ ُمعْتَِبيَ (‪. ﴾ )24‬‬
‫عن قتادة ‪َ ﴿ :‬فهُ ْم يُو َزعُو نَ ﴾ ‪ ،‬قال ‪ :‬علي هم وز عة تر ّد أول هم على‬
‫أُخرا هم ‪ .‬قال ف جا مع البيان ‪َ ﴿ :‬حتّ ى إِذَا مَا جَاءُوهَا ﴾ ‪ ( ،‬ما ) مزيدة‬
‫لتأك يد ظرفي ته للشهادة ‪ ،‬أي ‪ :‬إن ا ت قع ف يه الب تة ‪َ ﴿ ،‬شهِ َد عََلْيهِ مْ سَ ْم ُعهُمْ‬
‫َوَأْبصَا ُرهُمْ َوجُلُو ُدهُ ْم بِمَا كَانُوا َيعْمَلُونَ ﴾ من العاصي ‪ .‬وعن أنس رضي ال‬
‫سأَلُونِي من أي شيء‬ ‫عنه قال ‪ :‬ضحك رسول ال ذات يوم فقال ‪ « :‬أل تَ ْ‬
‫حكْ تُ » ؟ قالوا ‪ :‬يا ر سول ال من أي ش يء ضح كت ؟ قال ‪« :‬‬ ‫ضِ‬‫َ‬
‫عجبت من مادلة العبد ربه يوم القيامة ! يقول ‪ :‬أي رب أليس وعدتن أن ل‬
‫تظلمنَ ؟ قال ‪ :‬بلى ‪ .‬فيقول ‪ :‬فإنَ ل أقبَل علي شاهدًا إل مَن نفسَي ‪.‬‬
‫فيقول ال تبارك وتعال ‪ :‬أليس كفى ب شهيدًا ‪،‬وباللئكة الكرام الكاتبي ؟‬
‫قال ‪ :‬فيدد هذا الكلم مرارًا قال ‪ :‬فيختم على فيه ‪ ،‬وتتكلم أركانه با كان‬
‫الزء الثالث‬ ‫‪826‬‬

‫عنكنَ كنَت أجادل » ‪ .‬رواه مسَلم‬ ‫ّ‬ ‫لكنَ وسَحقًا‬ ‫يعمَل ‪ ،‬فيقول ‪ :‬بعدًا ّ‬
‫وغيه ‪ .‬و عن حك يم بن معاو ية عن أب يه عن ال نب قال ‪ « :‬تيئون يوم‬
‫القيامة على أفواهكم الفدام ‪ ،‬وإن أول ما يتكلم من الدمي فخذه وكفه » ‪.‬‬
‫رواه ابن جرير وغيه ‪.‬‬
‫وعن ال سدي ‪ ﴿ :‬وَمَا كُنتُ ْم تَ سَْتتِرُونَ ﴾ ‪ ،‬أي ‪ :‬تسخفون منها ‪ .‬و عن‬
‫شهَدَ‬
‫قتادة ‪ ﴿ :‬وَمَا كُنتُ ْم تَ سَْتتِرُونَ ﴾ ‪ ،‬يقول ‪ :‬و ما كن تم تظنون ‪ ﴿ ،‬أَ نْ يَ ْ‬
‫عََلْيكُ مْ سَ ْم ُعكُ ْم وَل َأبْ صَارُكُمْ ﴾ حت بلغ ‪َ ﴿ :‬كثِيًا مِمّا َتعْمَلُو نَ ﴾ ‪ .‬وال‬
‫إن عليك يا ابن آدم لشهودًا غي متهمة من بدنك ‪ ،‬فراقبهم واتق ال ف سر‬
‫أمرك وعلنيتك ‪ ،‬فإنه ل يفى عليه خافية ‪ ،‬الظلمة عنده ضوء ‪ ،‬والسر عنده‬
‫علنية ‪ ،‬فمن استطاع أن يوت وهو بال حسن الظنّ فليفعل ول قوّة إل بال‬
‫‪ .‬وعن عبد ال بن مسعود قال ‪ :‬إن لستتر بأستار الكعبة ‪ ،‬إذ دخل ثلثة نفر‬
‫‪ :‬ثقفي ‪ ،‬وختناه قرشيان ‪ ،‬قليل فقه قلوبما كثي شحوم بطونما ‪ ،‬فتحدثوا‬
‫بين هم بد يث فقال أحد هم ‪ :‬أترى ال ي سمع ما قل نا ؟ فقال ال خر ‪ :‬إ نه‬
‫ي سمع إذا رفعنا ‪ ،‬ول ي سمع إذا خفض نا ‪ .‬وقال ال خر ‪ :‬إذا كان ي سمع منه‬
‫شيئًا فهو يسمعه كله ‪ .‬قال ‪ :‬فأتيت رسول ال فذكرت ذلك له ‪ ،‬فنلت‬
‫شهَ َد عََلْيكُ مْ سَ ْم ُعكُ ْم وَلَا َأبْ صَارُكُمْ‬
‫هذه ال ية ‪ ﴿ :‬وَمَا كُنتُ ْم تَ سَْتتِرُونَ أَ نْ يَ ْ‬
‫ستَ ْعِتبُوا فَمَا هُم مّ َن الْ ُم ْعتَبِيَ ﴾ ‪ .‬رواه ا بن‬ ‫﴾ ‪ ،‬فقرأ ح ت بلغ ‪َ ﴿ :‬وإِن يَ ْ‬
‫جرير وغيه ‪.‬‬
‫‪827‬‬ ‫توفيق الرحن ف دروس القرآن‬

‫ُمَ‬
‫ُمَ الّذِي َظنَنتُم بِ َرّبك ْ‬
‫ُمَ َظنّك ُ‬‫وعَن معمَر قال ‪ :‬تل السَن ‪ ﴿ :‬وَذَِلك ْ‬
‫ُمَ ﴾ فقال ‪ :‬إناَ عمَل الناس على قدر ظنونمَ بربمَ ‪ ،‬فأمَا الؤمَن‬ ‫أَ ْردَاك ْ‬
‫فأح سن بال ال ظن ‪ ،‬فأح سن الع مل ‪ .‬وأ ما الكا فر ‪ ،‬والنا فق فأ ساء ال ظن ‪،‬‬
‫وظنَ مُرْدٍ ‪ .‬قال ‪:‬‬
‫ظنَ منَج ‪ّ ،‬‬ ‫فأسَاءا العمَل ‪ .‬وعَن قتادة ‪ :‬الظَن ظنان ‪ّ :‬‬
‫﴿ الّذِينََيَ ُظنّونَََأنّهُم َْ مُلقُو َرّبهِم َْ ﴾ قال ‪ِ ﴿:‬إنّيَ َظنَنْتََُأنّيَ مُلقٍَ‬
‫َبِيَهْ ﴾ وهذا الظنَّ النجَي ظنًا يقينًا ‪ .‬وقال ‪ ﴿ :‬وَذَِلكُم َْ َظنّكُمَُ الّذِي‬ ‫حِسَا‬
‫َظَننْتُ ْم بِ َرّبكُ مْ أَرْدَاكُ مْ ﴾ ‪ ،‬هذا ظ ّن مُ ْردٍ ‪ .‬وقال الكافرون ‪ ﴿ :‬إِ نْ نَظُنّ إِل‬
‫سَتيْ ِقنِيَ ﴾ ؛ وذُ كر ل نا أن نبّ ال كان يقول ‪ -‬ويروي‬ ‫ح ُن بِمُ ْ‬ ‫َظنّ ا وَمَا نَ ْ‬
‫ذلك عن ربه ‪َ « : -‬عبْدِي غي ظنّه بِي ‪ ،‬وأنا َمعَ هُ إذَا دَعانِي » ‪ .‬قوله تعال‬
‫صبِرُوا فَالنّا ُر َمْثوًى َلهُ ْم َوإِنْ يَسَْت ْعِتبُوا فَمَا هُ ْم مِ َن الْ ُمعَْتبِيَ ﴾ ‪ ،‬قال‬
‫‪ ﴿ :‬فَإِ ْن يَ ْ‬
‫َى ‪ ﴿ ،‬فَمَا هُم مّنََ‬ ‫َعِْتبُوا ﴾ ‪ ،‬يسَترضوا ويطلبوا العت ب‬ ‫البغوي ‪َ ﴿ :‬وإِن يَس َْت‬
‫الْ ُم ْعَتبِيَ ﴾ ‪ ،‬الرضيي ‪ .‬والعتب ‪ :‬الذي قبل أعتابه وأجيب إل ما سأل ‪.‬‬
‫قوله عز و جل ‪َ ﴿ :‬وقَيّضْنَا َلهُ مْ ُق َرنَاء َفزَيّنُوا لَهُم مّ ا بَيْ نَ َأْيدِيهِ مْ وَمَا‬
‫جنّ وَاْلإِن سِ‬
‫ت مِن قَبْ ِلهِم مّ نَ الْ ِ‬
‫خَ ْل َفهُ ْم َوحَقّ عَلَ ْيهِ ُم الْ َقوْ ُل فِي ُأمَ مٍ َق ْد خَلَ ْ‬
‫ْآنـ‬
‫َسـَمعُوا ِل َهذَا الْ ُقر ِ‬
‫ِينـ َك َفرُوا لَا ت ْ‬
‫َاسـرِينَ (‪َ )25‬وقَالَ اّلذ َ‬
‫ُمـ كَانُوا خ ِ‬
‫ِإّنه ْ‬
‫ـ َك َفرُوا َعذَابا َشدِيدا‬
‫ـ (‪ )26‬فَلَُنذِيقَنّـ الّذِين َ‬
‫ـ َتغْلِبُون َ‬
‫ـ َلعَلّكُم ْ‬
‫وَالْ َغوْا فِيه ِ‬
‫ج ِزيَّنهُم ْـأَس ْـَوأَ اّلذِي كَانُوا َيعْمَلُونَـ (‪َ )27‬ذلِكَـ جَزَاء أَ ْعدَاء اللّهِـ النّارُ‬
‫َولَنَ ْ‬
‫حدُو نَ (‪َ )28‬وقَالَ اّلذِي نَ‬
‫جَ‬‫َلهُ ْم فِيهَا دَارُ الْخُ ْل ِد َجزَاء بِمَا كَانُوا بِآيَاتِنَا يَ ْ‬
‫الزء الثالث‬ ‫‪828‬‬

‫ت َأقْدَامِنَا‬
‫جعَ ْلهُمَا تَحْ َ‬
‫س نَ ْ‬
‫َك َفرُوا َربّنَا أَرِنَا اّلذَيْ ِن أَضَلّانَا مِ َن الْجِنّ وَاْلإِن ِ‬
‫لَِيكُونَا ِم َن الَْأ ْسفَلِيَ (‪. ﴾ )29‬‬
‫عن ما هد ‪ ﴿ :‬وََقّيضْنَا َلهُ مْ ُق َرنَاء ﴾ قال ‪ :‬شياط ي ‪َ ﴿ ،‬ف َزّينُوا لَهُم مّ ا‬
‫َبيْ نَ َأيْدِيهِ مْ ﴾ ‪ ،‬قال السدي ‪ :‬من أمر الدنيا ‪َ ﴿ ،‬ومَا َخ ْل َفهُ مْ ﴾ ‪ ،‬من أمر‬
‫ت مِن‬ ‫الخرة ‪ ﴿ ،‬وَحَقّ عََلْيهِ ُم اْل َقوْلُ ﴾ ‪ ،‬قال ‪ :‬العذاب ‪ ﴿ ،‬فِي ُأمَمٍ قَدْ َخلَ ْ‬
‫َقبِْلهِم مّ َن الْجِنّ وَالْإِنسِ ِإّنهُمْ كَانُوا خَاسِرِينَ ﴾ ‪ ،‬وعن ابن عباس قوله ‪ ﴿ :‬لَا‬
‫تَ سْ َمعُوا ِلهَذَا الْقُرْآ نِ وَاْل َغوْا فِي هِ َلعَّلكُ ْم َتغِْلبُو نَ ﴾ ‪ ،‬قال ‪ :‬هذا قول الشرك ي‬
‫َسَ َمعُوا ِلهَذَا‬
‫قالوا ‪ :‬ل تتبعوا هذا القرآن والوا عنَه ‪ .‬وعَن ماهَد ‪ ﴿ :‬لَا ت ْ‬
‫اْلقُرْآ نِ وَاْل َغوْا فِي هِ ﴾ ‪ ،‬قال ‪ :‬الكاء والت صفي وتل يط من القول على ر سول‬
‫ال إذا قرأ قريش تفعله ‪.‬‬
‫ج ِزَيّنهُ مْ أَ ْس َوَأ الّذِي كَانُوا َيعْمَلُو نَ‬
‫﴿ فََلنُذِيقَنّ الّذِي نَ َكفَرُوا عَذَابا شَدِيدا وََلنَ ْ‬
‫﴾ قال البغوي ‪ :‬و هو ‪ :‬الشرك بال ‪ .‬و عن علي ر ضي ال ع نه ف قوله ‪﴿ :‬‬
‫َربّنَا أَرِنَا الّ َذيْ نِ أَضَلنَا مِ َن الْجِنّ وَالنْ سِ ﴾ قال ‪ :‬إبل يس ‪ ،‬وا بن آدم الذي‬
‫حتَ أَقْدَامِنَا ِلَيكُونَا مِ َن السْفَِليَ ﴾ ‪ ،‬قال ابن عباس ‪:‬‬ ‫جعَ ْلهُمَا تَ ْ‬
‫قتل أخاه ﴿ َن ْ‬
‫ليكونا أشد عذابًا منًا ‪.‬‬
‫قوله عز وجل ‪ ﴿ :‬إِنّ اّلذِي نَ قَالُوا َربّنَا اللّ هُ ُثمّ ا سَْتقَامُوا تَتََن ّزلُ عَلَ ْيهِ مُ‬
‫حزَنُوا َوَأْبشِرُوا بِالْجَّنةِ الّتِي كُنتُ مْ تُو َعدُو نَ (‪)30‬‬
‫الْمَلَائِ َكةُ أَلّا تَخَافُوا َولَا َت ْ‬
‫‪829‬‬ ‫توفيق الرحن ف دروس القرآن‬

‫سكُمْ‬
‫نَحْ ُن أَ ْولِيَاؤُكُمْ فِي الْحَيَاةِ ال ّدنْيَا وَفِي الْآ ِخ َرةِ َوَلكُمْ فِيهَا مَا َتشَْتهِي أَنفُ ُ‬
‫َولَ ُك ْم فِيهَا مَا َتدّعُونَ (‪ُ )31‬نزُ ًل ّمنْ َغفُورٍ ّرحِيمٍ (‪. ﴾ )32‬‬
‫عن أنس بن مالك أن رسول ال قرأ ‪ ﴿ :‬إِنّ الّذِي نَ قَالُوا َربّنَا اللّ ُه ثُمّ‬
‫ا ْستَقَامُوا ﴾ ‪ ،‬قال ‪ :‬قد قال ا الناس ث ك فر أكثر هم ‪ ،‬ف من مات علي ها ف هو‬
‫منَ اسَتقام ‪ .‬وقال عكرمَة ‪ :‬اسَتقاموا على شهادة أن ل إله إل ال ‪ .‬وعَن‬
‫ما هد ‪ ﴿ :‬إِنّ الّذِي نَ قَالُوا َربّنَا اللّ ُه ثُمّ ا ْستَقَامُوا ﴾ ‪ ،‬قال ‪ :‬أ سلموا ث ل‬
‫يشركوا به ح ت لقوا به ‪ .‬و عن الزهري قال ‪ :‬تل ع مر رضي ال عنه على‬
‫َقَامُوا ﴾ ‪ ،‬قال ‪ :‬اسَتقاموا وال‬ ‫النَب ‪ ﴿ ،‬إِنّ الّذِينََ قَالُوا َربّنَا اللّهَُثُمّ اس َْت‬
‫بطاعته ‪ ،‬ول يروغوا روغان الثعالب ‪ .‬وقال قتادة ‪ :‬استقاموا على طاعة ال ‪.‬‬
‫وكان السن إذا تلها قال ‪ :‬اللهم فأنت ربّنا فارزقنا الستقامة ‪ .‬وعن ماهد‬
‫ح َزنُوا ﴾ قال ‪:‬‬ ‫‪ ﴿ :‬تََتنَزّ ُل عََلْيهِ ُم الْ َملَائِ َكةُ ﴾ عند الوت ‪ ﴿ ،‬أَلّا تَخَافُوا وَلَا تَ ْ‬
‫﴿ أَلّا َتخَافُوا ﴾ ما َتقْ ُدمُون عليه من أمر الخرة ‪ ﴿ ،‬وَلَا َتحْ َزنُوا ﴾ ‪ ،‬على ما‬
‫جّن ِة الّتِي كُنتُ مْ‬ ‫خلّف تم من دنيا كم فإ نا نلف كم ف ذلك كلّه ﴿ َوأَبْشِرُوا بِالْ َ‬
‫تُوعَدُونَ ﴾ ‪.‬‬
‫حيَاةِ ال ّدْنيَا ﴾ ‪ ،‬نن الفظة الذين‬ ‫وعن السدي ‪ ﴿ :‬نَحْنُ َأوِْليَاؤُكُمْ فِي الْ َ‬
‫شَتهِي‬ ‫كنا معكم ف الدنيا ‪ ،‬ونن أولياؤكم ف الخرة ‪ ﴿ ،‬وَلَكُ مْ فِيهَا مَا تَ ْ‬
‫سكُ ْم وََلكُ مْ فِيهَا مَا تَ ّدعُو نَ ﴾ ‪ ،‬قال ابن كثي ‪ :‬أي ‪ :‬مهما طلبتم وجدت‬ ‫أَنفُ ُ‬
‫وحضر بي أيديكم كما اخترت ‪ ﴿ ،‬نُزُ ًل مّ ْن َغفُورٍ رّحِي مٍ ﴾ ‪ ،‬أي ‪ :‬ضيافة‬
‫وعطاء وإنعامًا من غفور لذنوبكم ‪ ﴿ ،‬رّحِي مٍ ﴾ ‪ ،‬بكم ‪ .‬وف الصحيح عن‬
‫الزء الثالث‬ ‫‪830‬‬

‫أنس بن مالك رضي ال عنه قال ‪ :‬قال رسول ال ‪ « :‬من أح بّ لقاء ال‬
‫أح بّ ال لقاءه ‪ ،‬و من كره لقاء ال كره ال لقاءه » ‪ .‬قل نا ‪ :‬يا ر سول ال‬
‫كلنَا نكره الوت ! قال ‪ « :‬ليَس ذلك كراهيَة الوت ‪ ،‬ولكَن الؤمَن إذا‬
‫حضر جاءه البشي من ال تعال با هو صائر إليه ‪ ،‬فليس شيء أحبّ إليه من‬
‫أن يكون قد لقي ال تعال فأح بّ ال لقاءه ‪ -‬قال ‪ : -‬وإن الفاجر أو الكافر‬
‫إذا حضر جاءه با هو صائر إليه من الشر أو ما يلقى من الشرّ فكره لقاء ال‬
‫فكره ال لقاءه » ‪ .‬رواه أحد وغيه ‪.‬‬

‫***‬
‫‪831‬‬ ‫توفيق الرحن ف دروس القرآن‬

‫الدرس التاسع والربعون بعد الائتي‬

‫س ُن قَ ْولً مّمّ ن دَعَا ِإلَى اللّ هِ وَ َع ِملَ صَالِحا َوقَا َل ِإنّنِي مِ نَ‬
‫﴿ وَمَ ْن أَحْ َ‬
‫س ُن َفإِذَا‬
‫الْمُسْلِ ِميَ (‪ )33‬وَلَا تَسْتَوِي الْحَسََنةُ َولَا السّيَّئةُ ا ْدفَ ْع بِالّتِي هِ َي َأحْ َ‬
‫ك وَبَيْنَهُ َعدَاوَةٌ َكَأنّهُ َوِليّ حَمِيمٌ (‪ )34‬وَمَا يُ َلقّاهَا ِإلّا اّلذِينَ صََبرُوا‬
‫اّلذِي بَيْنَ َ‬
‫غ فَاسَْتعِذْ‬
‫ك مِ َن الشّيْطَا ِن َنزْ ٌ‬
‫نغَنّ َ‬
‫َومَا يُ َلقّاهَا إِلّا ذُو حَظّ عَظِيمٍ (‪َ )35‬وِإمّا يَ َ‬
‫ْسـ‬
‫ِهـ اللّ ْيلُ وَالّنهَا ُر وَالشّم ُ‬
‫ِنـ آيَات ِ‬
‫ِيمـ (‪ )36‬وَم ْ‬
‫السـمِي ُع الْعَل ُ‬
‫ّهـ ُهوَ ّ‬
‫ّهـ إِن ُ‬
‫بِالل ِ‬
‫جدُوا لِلّ ِه الّذِي خَلَ َق ُهنّ إِن كُنُتمْ‬
‫س َولَا لِ ْلقَ َم ِر وَاسْ ُ‬
‫جدُوا لِلشّمْ ِ‬
‫وَالْقَ َم ُر لَا َتسْ ُ‬
‫ِإيّا هُ َتعُْبدُو نَ (‪َ )37‬فإِ نِ ا سَْتكْبَرُوا فَاّلذِي نَ عِندَ َربّ كَ يُ سَبّحُو َن لَ هُ بِاللّ ْيلِ‬
‫ض خَا ِش َعةً َفِإذَا‬
‫سَأمُونَ (‪َ )38‬ومِ نْ آيَاتِ هِ َأنّ كَ َترَى الْأَرْ َ‬
‫وَالنّهَا ِر َوهُ ْم لَا يَ ْ‬
‫ت إِنّ الّذِي َأحْيَاهَا لَ ُمحْيِي الْ َم ْوتَى ِإنّ هُ عَلَى‬
‫أَنزَلْنَا عَلَ ْيهَا الْمَاء اهَْتزّ تْ وَ َربَ ْ‬
‫خ َفوْ نَ عَلَيْنَا َأفَمَن‬
‫حدُو نَ فِي آيَاتِنَا لَا يَ ْ‬
‫ُك ّل َشيْ ٍء َقدِيرٌ (‪ )39‬إِنّ اّلذِي نَ يُلْ ِ‬
‫يُلْقَى فِي النّا ِر خَ ْيرٌ أَم مّ ن َيأْتِي آمِنا َيوْ َم الْقِيَامَةِ اعْمَلُوا مَا شِئْتُ مْ ِإنّ ُه بِمَا‬
‫َتعْمَلُو َن بَصِيٌ (‪ )40‬إِنّ اّلذِينَ َك َفرُوا بِالذّ ْك ِر لَمّا جَاءهُمْ َوِإنّ ُه َلكِتَابٌ َعزِيزٌ‬
‫(‪ )41‬لَا يَ ْأتِي هِ الْبَا ِط ُل مِن بَيْ ِن َيدَيْ ِه وَلَا مِ نْ خَ ْلفِ هِ تَنِيلٌ مّ ْن َحكِي ٍم حَمِيدٍ (‬
‫ك إِنّ َربّ كَ َلذُو َم ْغ ِفرَ ٍة َوذُو‬
‫‪ )42‬مَا يُقَالُ لَ كَ ِإلّا مَا َقدْ قِي َل لِلرّ سُ ِل مِن قَبْلِ َ‬
‫ُهـ‬
‫ُصـلَتْ آيَات ُ‬
‫جمِيّا لّقَالُوا لَ ْولَا ف ّ‬
‫َاهـ ُقرْآنا أَعْ َ‬
‫ِيمـ (‪َ )43‬وَلوْ َجعَلْن ُ‬
‫َابـ َأل ٍ‬
‫ِعق ٍ‬
‫جمِيّ وَ َع َربِيّ ُق ْل هُ َو لِ ّلذِي نَ آمَنُوا ُهدًى وَ ِشفَاء وَاّلذِي َن لَا ُيؤْمِنُو َن فِي‬
‫َأأَعْ َ‬
‫ك يُنَادَوْ َن مِن مّكَا ٍن بَعِيدٍ (‪ )44‬وََل َقدْ‬
‫آذَاِنهِ مْ َو ْقرٌ َو ُهوَ عَلَ ْيهِ مْ عَمًى ُأ ْولَئِ َ‬
‫الزء الثالث‬ ‫‪832‬‬

‫ت مِن ّربّكَ لَقُضِ َي بَيَْنهُمْ‬


‫ف فِي ِه َولَ ْولَا كَ ِل َمةٌ سََبقَ ْ‬
‫آتَيْنَا مُوسَى اْلكِتَابَ فَاخْتُلِ َ‬
‫سهِ َومَ نْ أَ سَاء‬
‫َوِإنّهُ ْم لَفِي شَكّ مّنْ هُ ُمرِي بٍ (‪ )45‬مَ نْ عَ ِملَ صَالِحا فَلَِنفْ ِ‬
‫ج مِن‬
‫خرُ ُ‬
‫ك بِظَلّا ٍم لّ ْلعَبِيدِ (‪ِ )46‬إلَيْ هِ ُي َردّ عِلْ ُم ال سّا َع ِة وَمَا تَ ْ‬
‫َفعَلَ ْيهَا َومَا َربّ َ‬
‫ض ُع ِإلّا ِبعِلْمِ هِ َوَيوْ َم يُنَادِيهِ مْ‬
‫ثَ َمرَا تٍ مّ ْن أَكْمَامِهَا وَمَا تَحْ ِم ُل مِ نْ أُنثَى َولَا تَ َ‬
‫ضلّ عَنْهُم مّاـ كَانُوا‬
‫َأيْنَـ ُشرَكَائِي قَالُوا آ َذنّاكَـ مَا مِنّاـ مِن َشهِيدٍ (‪ )47‬وَ َ‬
‫َيدْعُو َن مِن قَ ْب ُل وَظَنّوا مَا َلهُم مّن مّحِي صٍ (‪ )48‬لَا يَ سْأَ ُم اْلإِن سَا ُن مِن دُعَاء‬
‫س قَنُو طٌ (‪َ )49‬ولَئِ ْن َأ َذقْنَا هُ َرحْ َم ًة مّنّا مِن َب ْعدِ‬
‫شرّ فََيؤُو ٌ‬
‫سهُ ال ّ‬
‫الْخَ ْي ِر َوإِن مّ ّ‬
‫ضرّاء مَ سّ ْتهُ لََيقُولَنّ َهذَا لِي وَمَا أَظُنّ ال سّا َع َة قَائِ َم ًة َولَئِن ّر ِجعْ تُ ِإلَى َربّ ي‬
‫َ‬
‫إِنّ لِي عِندَهُ لَ ْلحُسْنَى فَلَنُنَبَّئنّ اّلذِينَ َك َفرُوا بِمَا عَمِلُوا َولَُنذِيقَّنهُم مّنْ َعذَابٍ‬
‫شرّ‬
‫ض وَنَأى بِجَانِبِ هِ َوِإذَا مَ سّ ُه ال ّ‬
‫غَلِي ظٍ (‪ )50‬وَِإذَا َأْنعَمْنَا َعلَى اْلإِن سَا ِن أَ ْعرَ َ‬
‫َفذُو دُعَاء َعرِي ضٍ (‪ُ )51‬قلْ أَ َرَأيْتُ ْم إِن كَا َن مِ نْ عِندِ اللّ هِ ُثمّ َك َف ْرتُم بِ هِ مَ نْ‬
‫س ِهمْ‬
‫ق َوفِي أَنفُ ِ‬
‫ق َبعِيدٍ (‪ )52‬سَُنرِي ِهمْ آيَاتِنَا فِي الْآفَا ِ‬
‫ض ّل مِمّ ْن ُهوَ فِي ِشقَا ٍ‬
‫أَ َ‬
‫حقّ َأ َولَ ْم يَكْفِ ِب َربّ كَ أَنّهُ َعلَى ُك ّل َشيْ ٍء شَهِيدٌ (‪)53‬‬
‫حَتّى يَتَبَيّ َن َلهُ ْم َأنّ هُ الْ َ‬
‫َألَا ِإّن ُهمْ فِي ِم ْرَيةٍ مّن ّلقَاء َرّب ِه ْم أَلَا ِإنّ ُه بِ ُك ّل شَيْ ٍء مّحِيطٌ (‪. ﴾ )54‬‬

‫***‬
‫‪833‬‬ ‫توفيق الرحن ف دروس القرآن‬

‫سنُ َقوْ ًل مّمّن دَعَا ِإلَى اللّ هِ وَ َع ِملَ صَالِحا‬


‫قوله عز وجل ‪َ ﴿ :‬ومَ ْن أَحْ َ‬
‫َوقَا َل ِإنّنِي مِ نَ الْمُ سْلِ ِميَ (‪ )33‬وَلَا تَ سْتَوِي الْحَ سََنةُ َولَا ال سّيَّئةُ ا ْدفَ ْع بِالّتِي‬
‫سنُ َفِإذَا اّلذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ َعدَا َوةٌ َكَأنّهُ َولِيّ حَمِيمٌ (‪ )34‬وَمَا يُ َلقّاهَا‬
‫هِيَ َأحْ َ‬
‫ك مِ نَ‬
‫ِإلّا اّلذِي نَ صََبرُوا وَمَا يُ َلقّاهَا ِإلّا ذُو حَظّ عَظِي مٍ (‪َ )35‬وِإمّ ا يَنَغَنّ َ‬
‫غ فَاسَْتعِ ْذ بِال ّل ِه ِإنّ ُه هُ َو السّمِي ُع اْلعَلِيمُ (‪. ﴾ )36‬‬
‫الشّيْطَانِ نَزْ ٌ‬
‫عن مع مر قال ‪ :‬تل ال سن ‪َ ﴿ :‬ومَ نْ أَحْ سَنُ َقوْ ًل مّمّ ن دَعَا إِلَى اللّ ِه‬
‫َوعَمِلَ صَالِحا وَقَالَ ِإنّنِي مِ نَ الْمُ سِْلمِيَ ﴾ ‪ ،‬قال ‪ :‬هذا حبيب ال ‪ ،‬هذا ول‬
‫ال ‪ ،‬هذا صفوة ال ‪ ،‬هذا خية ال ‪ ،‬هذا أحب اللق إل ال ‪ ،‬أجاب ال ف‬
‫دعوته ‪ ،‬ودعا الناس إل ما أجاب ال فيه من دعوته ‪ ،‬وعمل صالًا ف إجابته‬
‫وقال ‪ :‬إنن من السلمي ‪ ،‬فهذا خليفة ال ‪.‬‬
‫سيَّئةُ ادْفَ ْع بِالّتِي هِ يَ أَحْ سَنُ‬
‫سَن ُة وَلَا ال ّ‬ ‫وقوله تعال ‪ ﴿ :‬وَلَا تَ ْ‬
‫سَتوِي الْحَ َ‬
‫فَِإذَا الّذِي َبْينَ كَ َوبَْينَ هُ عَدَا َوةٌ َكَأنّ ُه وَلِيّ َحمِي مٌ ﴾ ‪ ،‬قال ا بن عباس ‪ :‬أ مر ال‬
‫الؤمن ي بال صب ع ند الغ ضب ‪ ،‬واللم والع فو ع ند ال ساءة ‪ ،‬فإذا فعلوا ذلك‬
‫عصمهم ال من الشيطان وخضع لم عدوهم ‪َ ﴿ ،‬كَأنّهُ وَِليّ حَمِيمٌ ﴾ ‪ ،‬قال‬
‫قتادة ‪ :‬كأنه ولّ قريب ‪.‬‬
‫صبَرُوا َومَا يَُلقّاهَا إِل ذُو‬
‫وعن ابن عباس قوله ‪َ ﴿ :‬ومَا يَُلقّاهَا إِل الّذِي نَ َ‬
‫حَظّ عَظِي مٍ ﴾ ‪ ،‬يقول ‪ :‬الذين أعد ال لم النة ‪ .‬قال قتادة ‪ :‬ذكر لنا أن أبا‬
‫بكر رضي ال عنه شتمه رجل ونبّ ال شاهد ‪ ،‬فعفا عنه ساعة ‪ ،‬ث إن أبا‬
‫الزء الثالث‬ ‫‪834‬‬

‫ب كر جاش به الغ ضب ‪ ،‬فردّ عل يه ‪ ،‬فقام ال نبّ فاتب عه أ بو ب كر فقال ‪ :‬يا‬


‫رسَول ال شتمنَ الرجَل ‪ ،‬فعفوت وصَفحت وأنَت قاعَد ‪ ،‬فلمَا أخذت‬
‫أنت صر ق مت يا نبّ ال ؟ فقال نبّ ال ‪ « :‬إ نه كان يرد ع نك ملك من‬
‫اللئ كة ‪ ،‬فل ما قر بت تنت صر ذ هب اللك وجاء الشيطان ‪ ،‬فوال ما ك نت‬
‫لجالس الشيطان يا أبا بكر » ‪ .‬قال ابن زيد ‪َ ﴿ :‬وِإمّا يَن َغنّكَ مِ نَ الشّيْطَانِ‬
‫نزغَ ﴾ قال ‪ :‬هذا الغضَب ‪ .‬وقال السَدي ‪ :‬وسَوسة وحديَث النفَس‬ ‫ٌ‬
‫﴿ فَا ْسَتعِذْ بِاللّهِ َمن الشيطان الرجيم ﴾ ‪.‬‬
‫ْسـ وَاْلقَ َمرُ لَا‬
‫ِهـ اللّ ْيلُ وَالّنهَا ُر وَالشّم ُ‬
‫ـ آيَات ِ‬
‫قوله عـز وجـل ‪ ﴿ :‬وَمِن ْ‬
‫جدُوا لِلّهِـ اّلذِي خَلَ َقهُنّ إِن كُنتُم ْـ ِإيّاهُـ‬
‫جدُوا لِلشّمْسِـ َولَا لِ ْلقَ َم ِر وَاس ْـ ُ‬
‫تَس ْـ ُ‬
‫ك يُ سَبّحُو َن لَ ُه بِاللّ ْي ِل وَالّنهَارِ‬
‫َتعُْبدُو نَ (‪َ )37‬فإِ نِ ا سْتَكَْبرُوا فَاّلذِي نَ عِندَ َربّ َ‬
‫ض خَا ِشعَ ًة َفِإذَا أَن َزلْنَا عَلَ ْيهَا‬
‫ك َترَى اْلأَرْ َ‬
‫َوهُمْ لَا يَسَْأمُونَ (‪ )38‬وَمِنْ آيَاتِ ِه َأنّ َ‬
‫ت وَ َربَ تْ إِنّ اّلذِي َأحْيَاهَا لَمُحْيِي الْمَوْتَى ِإنّ هُ عَلَى ُك ّل َشيْءٍ‬
‫الْمَاء اهَْتزّ ْ‬
‫َقدِيرٌ (‪. ﴾ )39‬‬
‫قال ابن كثي ‪ :‬لا كان الشمس والقمر أحسن الجرام الشاهدة ف العال‬
‫ي والسفل ّي ‪ ،‬نبّه تعال على أنما ملوقان عبدان من عبيده ‪ ،‬تت قهره‬ ‫العلو ّ‬
‫ّهَ الّذِي‬
‫جدُوا ِلل ِ‬
‫َاسَ ُ‬
‫ْسَ وَل لِ ْلقَ َم ِر و ْ‬
‫جدُوا لِلشّم ِ‬
‫َسَ ُ‬
‫وتسَخيه ‪ ،‬فقال ‪ ﴿ :‬ل ت ْ‬
‫خََل َقهُنّ إِنْ ُكْنتُ مْ ِإيّا ُه َت ْعبُدُونَ ﴾ ‪ ،‬أي ‪ :‬ول تشركوا به فما تنفعكم عبادتكم‬
‫له مع عبادت كم لغيه ‪ ،‬فإ نه ل يغ فر أن يشرك به ؛ ولذا قال تعال ‪ ﴿ :‬فَإِ نِ‬
‫‪835‬‬ ‫توفيق الرحن ف دروس القرآن‬

‫اسَََْتكْبَرُوا ﴾ أي ‪ :‬عََن إفراد العبادة له وأبوا إل أن يشركوا معََه غيه‬


‫سبّحُونَ لَ ُه بِالّليْ ِل وَالنّهَا ِر َوهُمْ‬
‫﴿ فَالّذِي َن عِنْدَ َربّ كَ ﴾ يعن ‪ :‬اللئكة ﴿ يُ َ‬
‫سَأمُونَ ﴾ ‪.‬‬ ‫ل يَ ْ‬
‫ك تَرَى اْلأَرْ ضَ خَا ِش َعةً ﴾ أي ‪ :‬غباء‬ ‫و عن قتادة قوله ‪َ ﴿ :‬ومِ ْن آيَاتِ هِ أَنّ َ‬
‫متهشمَة ‪ ﴿ .‬فَِإذَا أَنزلْنَا عََليْهَا الْمَاءَ ا ْهتَزّت َْ وَ َربَت َْ ﴾ ‪ ،‬يعرف الغيَث فَ‬
‫صحتها وربوها وقال ماهد ‪ ﴿ :‬اهتزت ﴾ ‪ :‬بالنبات ﴿ وَ َربَ تْ ﴾ ‪ ،‬يقول ‪:‬‬
‫انتف خت ‪ ﴿ .‬إِنّ الّذِي أَ ْحيَاهَا لَمُحْيِي الْ َموْتَى ﴾ قال ال سدي ‪ :‬ك ما ي يي‬
‫الرض بال طر كذلك ي يي الو تى بالاء يوم القيا مة ب ي النفخت ي ﴿ ِإنّ ُه عَلَى‬
‫كُ ّل َشيْءٍ قَدِيرٌ ﴾ ‪.‬‬
‫خ َفوْ نَ عَلَيْنَا َأفَمَن‬
‫حدُو َن فِي آيَاتِنَا لَا يَ ْ‬
‫قوله عز وجل ‪ ﴿ :‬إِنّ الّذِي نَ يُلْ ِ‬
‫يُلْقَى فِي النّا ِر خَ ْيرٌ أَم مّ ن َيأْتِي آمِنا َيوْ َم الْقِيَامَةِ اعْمَلُوا مَا شِئْتُ مْ ِإنّ ُه بِمَا‬
‫َتعْمَلُو َن بَصِيٌ (‪ )40‬إِنّ اّلذِينَ َك َفرُوا بِالذّ ْك ِر لَمّا جَاءهُمْ َوِإنّ ُه َلكِتَابٌ َعزِيزٌ‬
‫(‪ )41‬لَا يَ ْأتِي هِ الْبَا ِط ُل مِن بَيْ ِن َيدَيْ ِه وَلَا مِ نْ خَ ْلفِ هِ تَنِيلٌ مّ ْن َحكِي ٍم حَمِيدٍ (‬
‫ك إِنّ َربّ كَ َلذُو َم ْغ ِفرَ ٍة َوذُو‬
‫‪ )42‬مَا يُقَالُ لَ كَ ِإلّا مَا َقدْ قِي َل لِلرّ سُ ِل مِن قَبْلِ َ‬
‫ُهـ‬
‫ُصـلَتْ آيَات ُ‬
‫جمِيّا لّقَالُوا لَ ْولَا ف ّ‬
‫َاهـ ُقرْآنا أَعْ َ‬
‫ِيمـ (‪َ )43‬وَلوْ َجعَلْن ُ‬
‫َابـ َأل ٍ‬
‫ِعق ٍ‬
‫جمِيّ وَ َع َربِيّ ُق ْل هُ َو لِ ّلذِي نَ آمَنُوا ُهدًى وَ ِشفَاء وَاّلذِي َن لَا ُيؤْمِنُو َن فِي‬
‫َأأَعْ َ‬
‫ك يُنَادَوْ َن مِن مّكَا ٍن بَعِيدٍ (‪ )44‬وََل َقدْ‬
‫آذَاِنهِ مْ َو ْقرٌ َو ُهوَ عَلَ ْيهِ مْ عَمًى ُأ ْولَئِ َ‬
‫ت مِن ّربّكَ لَقُضِ َي بَيَْنهُمْ‬
‫ف فِي ِه َولَ ْولَا كَ ِل َمةٌ سََبقَ ْ‬
‫آتَيْنَا مُوسَى اْلكِتَابَ فَاخْتُلِ َ‬
‫الزء الثالث‬ ‫‪836‬‬

‫سهِ َومَ نْ أَ سَاء‬


‫َوِإنّهُ ْم لَفِي شَكّ مّنْ هُ ُمرِي بٍ (‪ )45‬مَ نْ عَ ِملَ صَالِحا فَلَِنفْ ِ‬
‫ك بِظَلّا ٍم لّ ْلعَبِيدِ (‪. ﴾ )46‬‬
‫َفعَلَ ْيهَا َومَا َرّب َ‬
‫قال ا بن ز يد ف قوله ‪ ﴿ :‬إِنّ الّذِي َن يُ ْلحِدُو نَ فِي آيَاتِنَا لَا يَ ْ‬
‫خ َفوْ َن عََليْنَا‬
‫﴾ قال ‪ :‬هؤلء أ هل الشرك ‪ ،‬وقال ‪ :‬اللاد ‪ :‬الك فر ‪ ،‬والشرك ‪ .‬وقال ا بن‬
‫عباس ‪ :‬هو أن يوضع الكلم على غي موضعه ‪ ﴿ .‬أَفَمَن يُ ْلقَى فِي النّارِ َخيْرٌ‬
‫َ الْ ِقيَا َمةِ ﴾ ‪ .‬قال ابَن كثيَ ‪ :‬أي ‪ :‬أيسَتوي هذا‬ ‫أَم مّنَ َيأْتَِي آمِنا َيوْم َ‬
‫وهذا ؟ ﴿ ل يستويان ﴾ ‪.‬‬
‫ث قال عز وجل للكفرة ‪ ﴿ :‬اعْمَلُوا مَا شِْئتُ مْ ِإنّ هُ بِمَا َتعْمَلُو نَ بَ صِيٌ ﴾ ‪.‬‬
‫َ ﴾ ‪ ،‬كفروا‬ ‫َ َكفَرُوا بِالذّ ْكرِ لَمّاَ جَاءهُم ْ‬ ‫عَن قتادة قوله ‪﴿ :‬إِنَّ الّذِين َ‬
‫ب عَزِيزٌ ﴾ ‪ ،‬يقول ‪ :‬أعزه ال ل نه كل مه ‪ ،‬وحف ظه‬ ‫بالقرآن ‪َ ﴿ ،‬وِإنّ هُ َل ِكتَا ٌ‬
‫من الباطل ‪ ﴿ ،‬لَا َيأْتِيهِ الْبَاطِ ُل مِن َبيْنِ يَ َديْ ِه وَلَا مِنْ َخ ْلفِهِ ﴾ ‪ ،‬الباطل ‪ :‬إبليس‬
‫‪ ،‬ل يستطيع أن ينقص منه حقًا ول يزيد فيه باطلً ‪ .‬وقال ابن كثي ‪ :‬أي ‪:‬‬
‫ل يس للبطلن إل يه سبيل ‪ ،‬ل نه منل من رب العال ي ‪ ،‬ولذا قال ‪ ﴿ :‬تَنيلٌ‬
‫مِ نْ َحكِي مٍ حَمِيدٍ ﴾ ‪ .‬وعن قتادة ‪ ﴿ :‬مَا ُيقَالُ لَ كَ إِلّا مَا َقدْ قِيلَ لِلرّ سُ ِل مِن‬
‫َقبْلِ كَ ﴾ ‪ ،‬يعزي نبيه كما تسمعون ‪ ،‬يقول ‪ ﴿ :‬كَذَلِ كَ مَا َأتَى الّذِي َن مِن‬
‫جنُونٌ ﴾ ‪ِ ﴿ .‬إنّ َربّكَ لَذُو َمغْفِ َر ٍة وَذُو‬ ‫َقبِْلهِم مّن رّ سُولٍ إِلّا قَالُوا سَا ِحرٌ َأوْ مَ ْ‬
‫ِعقَابٍ أَلِيمٍ ﴾ ‪.‬‬
‫ج ِميّا ّلقَالُوا َلوْلَا‬
‫و عن سعيد بن جبي ف قوله ‪ ﴿ :‬وََلوْ َجعَ ْلنَا هُ ُقرْآنا أَعْ َ‬
‫ُهَ َأَأعْجَمِيّ َوعَ َربِيّ ﴾ ‪ ،‬قال ‪ :‬الرسَول ‪ :‬عربَ ‪ .‬واللسَان ‪:‬‬ ‫ُصََلتْ آيَات ُ‬
‫ف ّ‬
‫‪837‬‬ ‫توفيق الرحن ف دروس القرآن‬

‫ج ِميّ َوعَ َربِيّ ﴾ ‪ ،‬نن‬ ‫أعجمي ‪ .‬وقال السدي ‪ :‬يقول ‪ :‬بينت آياته ‪َ ﴿ ،‬أأَعْ َ‬
‫قوم عرب ما ل نا وللعج مة ؟ ﴿ قُ ْل ُهوَ لِلّذِي نَ آ َمنُوا هُدًى َو ِشفَاء ﴾ ‪ ،‬قال ‪:‬‬
‫ِمَ وَقْرٌ ﴾ ‪ ،‬قال ‪ :‬صَمم ‪َ ﴿ ،‬وهُوَ‬ ‫ُونَ فِي آذَاِنه ْ‬
‫ِينَلَا ُي ْؤ ِمن َ‬
‫القرآن ‪ ﴿ ،‬وَالّذ َ‬
‫ك ُينَا َدوْ نَ مِن ّمكَا نٍ‬
‫عََلْيهِ ْم عَمًى ﴾ ‪ ،‬قال ‪ :‬عم يت قلوب م عنده ‪ُ ﴿ ،‬أوْلَئِ َ‬
‫َبعِيدٍ ﴾ ‪ .‬قال ماهد ‪ :‬بعيد من قلوبم ‪.‬‬
‫قال البغوي ‪ ﴿ :‬وََلقَدْ آتَيْنَا مُو سَى الْ ِكتَا بَ فَا ْختُلِ فَ فِي هِ ﴾ ‪ ،‬فم صدق‬
‫ومكذب ‪ ،‬كما اختلف قومك ف كتابك ﴿ وََلوْل كَلِ َمةٌ َسَب َقتْ مِنْ َربّكَ ﴾‬
‫ُمَ ﴾ ‪ ،‬لفزغ مَن‬ ‫ِيَ َبْينَه ْ‬
‫فَ تأخيَ العذاب عَن الكذبيَ بالقرآن ‪َ ﴿ ،‬لقُض َ‬
‫عذاب م وع جل إهلك هم ﴿ َوِإّنهُ مْ لَفِي شَكّ ِمنْ هُ مُرِي بٍ ﴾ ‪ .‬وقوله تعال‬
‫‪ ﴿ :‬مَ ْن عَمِلَ صَاِلحًا فَِلَنفْ سِهِ ﴾ قال ا بن كث ي ‪ :‬أي ‪ :‬إن ا يعود ن فع ذلك‬
‫على نف سه ﴿ َومَ نْ أَ سَاءَ َفعََليْهَا ﴾ أي ‪ :‬إن ا ير جع وبال ذلك عل يه ﴿ وَمَا‬
‫ك بِظَلمٍ لِ ْل َعبِيدِ ﴾ ‪.‬‬
‫َربّ َ‬
‫ج مِن ثَ َمرَا تٍ مّ نْ‬
‫خرُ ُ‬
‫قوله عز و جل ‪ِ ﴿ :‬إلَيْ ِه ُيرَدّ عِلْ ُم ال سّا َع ِة وَمَا تَ ْ‬
‫ح ِملُ مِ نْ أُنثَى َولَا تَضَ ُع ِإلّا ِبعِلْمِ ِه َويَوْ َم يُنَادِيهِ مْ َأيْ نَ ُشرَكَائِي‬
‫أَكْمَا ِمهَا وَمَا تَ ْ‬
‫ضلّ عَ ْنهُم مّ ا كَانُوا يَدْعُو َن مِن قَ ْبلُ‬
‫قَالُوا آ َذنّا َك مَا مِنّا مِن َشهِيدٍ (‪ )47‬وَ َ‬
‫سهُ‬
‫سأَ ُم الْإِنسَا ُن مِن دُعَاء الْخَ ْي ِر وَإِن مّ ّ‬
‫وَظَنّوا مَا َلهُم مّن مّحِيصٍ (‪ )48‬لَا يَ ْ‬
‫َسـْتهُ‬
‫ضرّاء م ّ‬
‫َاهـ َرحْ َمةً مّنّاـ مِن بَ ْعدِ َ‬
‫ِنـ َأ َذقْن ُ‬
‫ُوطـ (‪ )49‬وَلَئ ْ‬
‫ُوسـ قَن ٌ‬
‫شرّ فََيؤ ٌ‬
‫ال ّ‬
‫ت ِإلَى َربّي إِنّ لِي عِندَ هُ‬
‫لََيقُوَلنّ هَذَا لِي َومَا أَ ُظنّ ال سّا َع َة قَائِ َم ًة َولَئِن ّر ِجعْ ُ‬
‫الزء الثالث‬ ‫‪838‬‬

‫لَلْحُ سْنَى فَلَنُنَبّئَنّ الّذِي نَ َكفَرُوا بِمَا َعمِلُوا َولَُنذِيقَنّهُم مّ نْ َعذَا بٍ غَلِي ظٍ (‬
‫ش ّر َفذُو‬
‫ض وَنَأى بِجَانِبِ ِه َوإِذَا مَ سّ ُه ال ّ‬
‫‪َ )50‬وِإذَا َأنْعَمْنَا َعلَى اْلإِن سَانِ أَ ْعرَ َ‬
‫ضلّ‬
‫دُعَاء َعرِي ضٍ (‪ُ )51‬قلْ أَ َرَأيْتُ ْم إِن كَا َن مِ نْ عِندِ اللّ هِ ُثمّ َك َف ْرتُم بِ هِ مَ نْ أَ َ‬
‫س ِهمْ حَتّى‬
‫ق َوفِي أَنفُ ِ‬
‫ق َبعِيدٍ (‪ )52‬سَُنرِي ِهمْ آيَاتِنَا فِي الْآفَا ِ‬
‫مِمّ ْن ُهوَ فِي شِقَا ٍ‬
‫ك َأنّ هُ عَلَى ُكلّ َشيْ ٍء َشهِيدٌ (‪َ )53‬ألَا‬
‫ف ِبرَبّ َ‬
‫يَتَبَيّ نَ َلهُ مْ َأنّ ُه الْحَقّ َأوَلَ ْم َيكْ ِ‬
‫ِإّنهُ ْم فِي ِم ْرَيةٍ مّن ّلقَاء َرّب ِهمْ أَلَا إِّن ُه بِ ُك ّل شَيْ ٍء مّحِيطٌ (‪. ﴾ )54‬‬

‫***‬
‫‪839‬‬ ‫توفيق الرحن ف دروس القرآن‬

‫ت مّ نْ‬
‫ج مِن ثَ َمرَا ٍ‬
‫خرُ ُ‬
‫قوله عز و جل ‪ِ ﴿ :‬إلَيْ ِه ُي َردّ عِلْ مُ ال سّا َعةِ وَمَا تَ ْ‬
‫ح ِملُ مِ نْ أُنثَى َولَا تَضَ ُع ِإلّا ِبعِلْمِ ِه َويَوْ َم يُنَادِيهِ مْ َأيْ نَ ُشرَكَائِي‬
‫أَكْمَا ِمهَا وَمَا تَ ْ‬
‫ضلّ عَ ْنهُم مّ ا كَانُوا يَدْعُو َن مِن قَ ْبلُ‬
‫قَالُوا آ َذنّا َك مَا مِنّا مِن َشهِيدٍ (‪ )47‬وَ َ‬
‫وَظَنّوا مَا َلهُم مّن مّحِيصٍ (‪. ﴾ )48‬‬
‫قال البغوي ‪ :‬يقول ‪ :‬يرد إليَه علم السَاعة كمَا يرد إليَه علم الثمار‬
‫والنتاج ‪.‬‬
‫ّاكَ ﴾ ‪ .‬قال ابَن‬
‫ْنَ شُرَكَائِي قَالُوا آ َذن َ‬
‫ِمََأي َ‬ ‫وقوله تعال ‪َ ﴿ :‬وَيو َ‬
‫ْمَ ُينَادِيه ْ‬
‫عباس ‪ :‬يقول ‪ :‬أعلمناك ‪ .‬وقال السَدي ‪ :‬قالوا ‪ :‬أطعناك ‪ ﴿ ،‬م َا ِمنّاَ م ِن‬
‫ض ّل عَنْهُم مّاَ كَانُوا يَ ْدعُونََ مِن َقبْلُ‬
‫َشهِيدٍ ﴾ ‪ ،‬على أن لك شريكًا ‪ ﴿ ،‬وَ َ‬
‫َو َظنّوا مَا َلهُم مّن مّحِيصٍ ﴾ ‪ ،‬استيقنوا أنه ليس لم ملجأ ‪.‬‬
‫شرّ‬
‫سهُ ال ّ‬
‫قوله عز و جل ‪ ﴿ :‬لَا يَ سْأَ ُم اْلإِن سَانُ مِن دُعَاء الْخَ ْي ِر َوإِن مّ ّ‬
‫ضرّاء مَسّ ْت ُه لََيقُوَلنّ هَذَا‬
‫س قَنُوطٌ (‪ )49‬وَلَئِنْ َأ َذقْنَاهُ َرحْ َمةً مّنّا مِن بَ ْعدِ َ‬
‫فََيؤُو ٌ‬
‫ت ِإلَى َربّ ي إِنّ لِي عِندَ هُ لَ ْلحُ سْنَى‬
‫لِي وَمَا أَظُنّ ال سّا َع َة قَائِ َم ًة َولَئِن ّر ِجعْ ُ‬
‫فَلَنُنَبّئَنّ اّلذِي نَ َك َفرُوا بِمَا عَمِلُوا َولَُنذِيقَنّهُم مّ نْ َعذَا بٍ َغلِي ظٍ (‪ )50‬وَِإذَا‬
‫ض َونَأى بِجَانِبِ ِه َوِإذَا مَ سّ ُه الشّ ّر َفذُو دُعَاء َعرِي ضٍ‬
‫َأْنعَمْنَا عَلَى اْلإِن سَا ِن أَ ْعرَ َ‬
‫ض ّل مِمّ ْن هُ َو فِي‬
‫(‪ُ )51‬ق ْل أَ َرأَيْتُ ْم إِن كَا َن مِ نْ عِندِ اللّ ِه ثُمّ َك َف ْرتُم بِ هِ مَ ْن أَ َ‬
‫سهِ ْم حَتّى يَتَبَّي َن َلهُ ْم َأّنهُ‬
‫ق َوفِي أَن ُف ِ‬
‫ِشقَاقٍ بَعِيدٍ (‪ )52‬سَُنرِي ِهمْ آيَاتِنَا فِي الْآفَا ِ‬
‫الزء الثالث‬ ‫‪840‬‬

‫ف ِبرَبّ كَ َأنّ هُ عَلَى ُكلّ َشيْ ٍء َشهِيدٌ (‪َ )53‬ألَا ِإنّهُ ْم فِي ِم ْريَةٍ‬
‫الْحَقّ َأوَلَ مْ َيكْ ِ‬
‫مّن ّلقَاء َرّب ِهمْ أَلَا إِّن ُه بِ ُك ّل شَيْ ٍء مّحِيطٌ (‪. ﴾ )54‬‬
‫قال ا بن ز يد ف قوله ‪ ﴿ :‬لَا يَ ْ‬
‫سَأمُ الْإِن سَانُ ﴾ ‪ ،‬قال ‪ :‬ل ي ل ﴿ مِن‬
‫ُوطَ ﴾ ‪ ،‬قال السَدي ‪ :‬قانَط مَن‬ ‫ُوسَ َقن ٌ‬
‫ّسَهُ الشّرّ َفَيؤ ٌ‬ ‫خْي ِر َوإِن م ّ‬ ‫ُدعَاء الْ َ‬
‫ستْهُ َلَيقُولَنّ هَذَا لِي ﴾ ‪ ،‬قال‬ ‫ضرّاء مَ ّ‬‫الي ‪ ﴿ ،‬وََلئِ نْ أَذَ ْقنَا هُ رَ ْح َم ًة ّمنّا مِن َبعْدِ َ‬
‫ماهَد ‪ :‬أي ‪ :‬بعملي ‪ ،‬وأنَا مقوق بذا ‪ ﴿ ،‬وَمَا َأظُنّ السَّا َعةَ قَائِ َم ًة وََلئِن‬
‫سنَى ﴾ قال السدي يقول ‪ :‬غنً ﴿ َفَلُننَّبئَنّ‬ ‫رّ ِجعْتُ إِلَى َربّي ِإنّ لِي عِندَهُ َللْحُ ْ‬
‫ِيظَ * َوإِذَا َأْنعَمْنَا عَلَى‬‫َابَ غَل ٍ‬
‫ّنَ عَذ ٍ‬ ‫ِينَ َكفَرُوا بِمَا عَمِلُوا وََلنُذِي َقنّهُم م ْ‬ ‫الّذ َ‬
‫ض َونَأى بِجَاِنبِهِ ﴾ قال السدي ‪ :‬يقول ﴿ َأعْرَضَ ﴾ صد بوجهه‬ ‫الْإِنسَانِ َأعْرَ َ‬
‫﴿ َونَأى بِجَاِنبِهِ ﴾ يقول ‪ :‬تباعد ﴿ َوإِذَا مَسّهُ الشّرّ فَذُو ُدعَاء عَرِيضٍ ﴾ ‪.‬‬
‫يقول ابن كثي ‪ :‬وقوله تعال ‪ ﴿ :‬قُلْ أَ َرَأْيتُمْ إِن كَانَ ﴾ أي ‪ :‬هذا القرآن‬
‫﴿ مِ ْن عِندِ اللّ ِه ثُمّ َكفَ ْرتُم بِ هِ مَ نْ أَضَلّ مِمّ ْن ُهوَ فِي ِشقَا قٍ بَعِيدٍ ﴾ ‪ ،‬خلف‬
‫للحق ‪ ،‬بعيد عنه ‪.‬‬
‫َ ﴾ ‪ ،‬قال قتادة ‪ :‬يعنَ ‪ :‬وقائع ال فَ‬ ‫سَنُرِيهِ ْم آيَاتِنََا فَِي الْآفَاق ِ‬
‫﴿ َ‬
‫حقّ َأوَلَ مْ يَكْ فِ‬
‫سهِ ْم ﴾ يوم بدر ﴿ َحتّى َيَتبَيّ نَ َلهُ مْ َأنّ هُ الْ َ‬ ‫المم ‪ ﴿ ،‬وَفِي أَنفُ ِ‬
‫بِ َربّ كَ َأنّ ُه عَلَى كُ ّل َشيْ ٍء َشهِيدٌ ﴾ قال مقاتل ‪ :‬أو ل يكف بر بك شاهدًا أن‬
‫القرآن من ال ؟ ﴿ أَلَا ِإّنهُ مْ فِي مِ ْرَي ٍة مّن ّلقَاء َرّبهِ مْ ﴾ ف شك من البعث ﴿‬
‫أَلَا ِإنّ هُ بِكُ ّل َشيْءٍ مّحِي طٌ ﴾ فل ي فى عل يه خاف ية ول يعجزه ش يء سبحانه‬
‫وتعال ‪.‬‬
‫‪841‬‬ ‫توفيق الرحن ف دروس القرآن‬

‫َََََََََ‬
‫انتهى الزء الثالث بمد ال ‪،‬‬
‫ويليه الزء الرابع‬
‫َََََََََ‬
‫الزء الثالث‬ ‫‪842‬‬

‫فهرس الوضوعات‬
‫الزء الثالث‬
‫الصفحة‬ ‫الوضوع‬
‫‪2‬‬ ‫الدرس السادس والمسون بعد الائة‬
‫‪2‬‬ ‫] سورة الكهف [‬
‫‪5‬‬ ‫اليات ‪8 - 1 :‬‬
‫‪8‬‬ ‫اليات ‪12 - 9 :‬‬
‫‪8،9‬‬ ‫اليات ‪16 - 13 :‬‬
‫‪10‬‬ ‫اليتان ‪18 ، 17 :‬‬
‫‪11‬‬ ‫اليات ‪21 - 19 :‬‬
‫‪13‬‬ ‫اليات ‪26 - 22 :‬‬
‫‪15‬‬ ‫الدرس السابع والمسون بعد الائة‬
‫‪17‬‬ ‫اليات ‪29 - 27 :‬‬
‫‪18 ، 19‬‬ ‫اليتان ‪31 ، 30 :‬‬
‫‪19 ، 20‬‬ ‫اليات ‪44 - 32 :‬‬
‫‪22‬‬ ‫اليات ‪49 - 45 :‬‬
‫‪24‬‬ ‫الدرس الثامن والمسون بعد الائة‬
‫‪25‬‬ ‫اليتان ‪51 ، 50 :‬‬
‫‪26‬‬ ‫اليتان ‪53 ، 52 :‬‬
‫‪843‬‬ ‫توفيق الرحن ف دروس القرآن‬

‫‪27‬‬ ‫اليات ‪56 - 54 :‬‬


‫‪28‬‬ ‫اليات ‪59 - 57 :‬‬
‫‪29‬‬ ‫الدرس التاسع والمسون بعد الائة‬
‫‪31‬‬ ‫اليات ‪65 - 60 :‬‬
‫‪31 ، 32‬‬ ‫اليات ‪76 - 66 :‬‬
‫‪33‬‬ ‫اليات ‪82 - 77 :‬‬
‫‪37‬‬ ‫الدرس الستون بعد الائة‬
‫‪39‬‬ ‫اليات ‪88 - 83 :‬‬
‫‪41‬‬ ‫اليات ‪91 - 89 :‬‬
‫‪41 ، 42‬‬ ‫اليات ‪97 - 92 :‬‬
‫‪44 ، 45‬‬ ‫اليات ‪101 - 98 :‬‬
‫‪46 ، 47‬‬ ‫اليات ‪108 - 102 :‬‬
‫‪48‬‬ ‫اليتان ‪110 ، 109 :‬‬
‫‪50‬‬ ‫الدرس الادي والستون بعد الائة‬
‫‪50‬‬ ‫] سورة مري [‬
‫‪51‬‬ ‫اليات ‪6 - 1 :‬‬
‫‪52‬‬ ‫اليات ‪11 - 7 :‬‬
‫‪53‬‬ ‫اليات ‪15 - 12 :‬‬
‫‪55‬‬ ‫الدرس الثان والستون بعد الائة‬
‫‪57‬‬ ‫اليات ‪21 - 16 :‬‬
‫الزء الثالث‬ ‫‪844‬‬

‫‪58‬‬ ‫اليات ‪26 - 22 :‬‬


‫‪59‬‬ ‫اليات ‪36 - 27 :‬‬
‫‪61‬‬ ‫اليات ‪40 - 37 :‬‬
‫‪63‬‬ ‫الدرس الثالث والستون بعد الائة‬
‫‪65‬‬ ‫اليات ‪48 - 41 :‬‬
‫‪66‬‬ ‫اليات ‪55 - 49 :‬‬
‫‪67 ، 68‬‬ ‫اليات ‪65 - 56 :‬‬
‫‪70‬‬ ‫الدرس الرابع والستون بعد الائة‬
‫‪72‬‬ ‫اليات ‪72 - 66 :‬‬
‫‪74‬‬ ‫اليات ‪76 - 73 :‬‬
‫‪75‬‬ ‫اليات ‪80 - 77 :‬‬
‫‪76‬‬ ‫اليات ‪87 - 81 :‬‬
‫‪77 ، 78‬‬ ‫اليات ‪95 - 88 :‬‬
‫‪79‬‬ ‫اليات ‪98 - 96 :‬‬
‫‪80‬‬ ‫الدرس الامس والستون بعد الائة‬
‫‪80‬‬ ‫] سورة طه [‬
‫‪83‬‬ ‫اليات ‪8 - 1 :‬‬
‫‪84‬‬ ‫اليات ‪16 - 9 :‬‬
‫‪86‬‬ ‫اليات ‪23 - 17 :‬‬
‫‪87‬‬ ‫اليات ‪35 - 24 :‬‬
‫‪845‬‬ ‫توفيق الرحن ف دروس القرآن‬

‫‪87 ، 88‬‬ ‫اليات ‪40 - 36 :‬‬


‫‪89 ، 90‬‬ ‫اليات ‪48 - 41 :‬‬
‫‪91‬‬ ‫اليات ‪55 - 49 :‬‬
‫‪93‬‬ ‫الدرس السادس والستون بعد الائة‬
‫‪95‬‬ ‫اليات ‪64 - 56 :‬‬
‫‪96‬‬ ‫اليات ‪69 - 65 :‬‬
‫‪97 ، 98‬‬ ‫اليات ‪76 - 70 :‬‬
‫‪100‬‬ ‫الدرس السابع والستون بعد الائة‬
‫‪102‬‬ ‫اليات ‪82 - 77 :‬‬
‫‪103‬‬ ‫اليات ‪89 - 83 :‬‬
‫‪105‬‬ ‫اليات ‪94 - 90 :‬‬
‫‪106‬‬ ‫اليات ‪98 - 95 :‬‬
‫‪108‬‬ ‫الدرس الثامن والستون بعد الائة‬
‫‪109‬‬ ‫اليات ‪104 - 99 :‬‬
‫‪110‬‬ ‫اليات ‪112 - 105 :‬‬
‫‪113‬‬ ‫اليتان ‪114 ، 113 :‬‬
‫‪115‬‬ ‫الدرس التاسع والستون بعد الائة‬
‫‪117‬‬ ‫اليات ‪122 - 115 :‬‬
‫‪118‬‬ ‫اليات ‪127 - 123 :‬‬
‫‪119 ، 120‬‬ ‫اليات ‪130 - 128 :‬‬
‫الزء الثالث‬ ‫‪846‬‬

‫‪121‬‬ ‫اليات ‪132 - 131 :‬‬


‫‪122‬‬ ‫اليات ‪135 - 133 :‬‬
‫‪124‬‬ ‫الدرس السبعون بعد الائة‬
‫‪124‬‬ ‫] سورة النبياء [‬
‫‪126‬‬ ‫اليات ‪6 - 1 :‬‬
‫‪127 ، 128‬‬ ‫اليات ‪9 - 7 :‬‬
‫‪128‬‬ ‫اليات ‪15 - 10 :‬‬
‫‪129‬‬ ‫اليات ‪20 - 16 :‬‬
‫‪130 ، 131‬‬ ‫اليات ‪25 - 21 :‬‬
‫‪132‬‬ ‫اليات ‪29 - 26 :‬‬
‫‪134‬‬ ‫الدرس الادي والسبعون بعد الائة‬
‫‪136‬‬ ‫اليات ‪33 - 30 :‬‬
‫‪137‬‬ ‫اليتان ‪35 ، 34 :‬‬
‫‪138‬‬ ‫اليتان ‪41 ، 36 :‬‬
‫‪139‬‬ ‫اليات ‪46 - 42 :‬‬
‫‪140‬‬ ‫الية ‪47 :‬‬
‫‪142‬‬ ‫الدرس الثان والسبعون بعد الائة‬
‫‪144 ، 145‬‬ ‫اليات ‪57 - 48 :‬‬
‫‪145 ، 146‬‬ ‫اليات ‪67 - 58 :‬‬
‫‪148‬‬ ‫اليات ‪70 - 68 :‬‬
‫‪847‬‬ ‫توفيق الرحن ف دروس القرآن‬

‫‪149‬‬ ‫اليات ‪73 - 71 :‬‬


‫‪150‬‬ ‫اليات ‪77 - 74 :‬‬
‫‪152‬‬ ‫الدرس الثالث والسبعون بعد الائة‬
‫‪154‬‬ ‫اليات ‪80 - 78 :‬‬
‫‪155‬‬ ‫اليات ‪84 - 81 :‬‬
‫‪157‬‬ ‫اليات ‪88 - 85 :‬‬
‫‪159 ، 160‬‬ ‫اليات ‪91 - 89 :‬‬
‫‪160‬‬ ‫اليات ‪94 - 92 :‬‬
‫‪162‬‬ ‫الدرس الرابع والسبعون بعد الائة‬
‫‪163‬‬ ‫اليات ‪97 - 95 :‬‬
‫‪166‬‬ ‫اليات ‪104 - 98 :‬‬
‫‪168‬‬ ‫اليات ‪107 - 105 :‬‬
‫‪169‬‬ ‫اليات ‪112 - 108 :‬‬
‫‪170‬‬ ‫الدرس الامس والسبعون بعد الائة‬
‫‪170‬‬ ‫] سورة الج [‬
‫‪172‬‬ ‫اليتان ‪2 ، 1 :‬‬
‫‪174 ، 175‬‬ ‫اليات ‪7 - 3 :‬‬
‫‪176‬‬ ‫اليات ‪10 - 8 :‬‬
‫‪177‬‬ ‫الدرس السادس والسبعون بعد الائة‬
‫‪179‬‬ ‫اليات ‪13 - 11 :‬‬
‫الزء الثالث‬ ‫‪848‬‬

‫‪180‬‬ ‫اليات ‪17 - 14 :‬‬


‫‪181‬‬ ‫الية ‪18 :‬‬
‫‪182‬‬ ‫اليات ‪24 - 19 :‬‬
‫‪184‬‬ ‫الدرس السابع والسبعون بعد الائة‬
‫‪186‬‬ ‫اليات ‪26 - 25 :‬‬
‫‪187‬‬ ‫اليات ‪29 - 27 :‬‬
‫اليتان ‪31 188، 30 :‬‬
‫‪189‬‬ ‫اليتان ‪33 ، 32 :‬‬
‫‪190‬‬ ‫اليات ‪35 ، 34 :‬‬
‫‪191‬‬ ‫اليتان ‪37 ، 36 :‬‬
‫‪193‬‬ ‫الدرس الثامن والسبعون بعد الائة‬
‫‪195‬‬ ‫اليات ‪41 - 38 :‬‬
‫‪197‬‬ ‫اليات ‪46 - 42 :‬‬
‫‪198‬‬ ‫اليات ‪51 - 47 :‬‬
‫‪199‬‬ ‫اليات ‪54 - 52 :‬‬
‫‪200‬‬ ‫اليات ‪57 - 55 :‬‬
‫‪201‬‬ ‫اليتان ‪62 - 58 :‬‬
‫‪203‬‬ ‫الدرس التاسع والسبعون بعد الائة‬
‫‪205‬‬ ‫اليات ‪69 - 63 :‬‬
‫‪206‬‬ ‫اليات ‪72 - 70 :‬‬
‫‪849‬‬ ‫توفيق الرحن ف دروس القرآن‬

‫‪207‬‬ ‫اليات ‪76 - 73 :‬‬


‫‪208‬‬ ‫اليتان ‪78 ، 77 :‬‬
‫‪211‬‬ ‫الدرس الثمانون بعد الائة‬
‫‪211‬‬ ‫] سورة الؤمنون [‬
‫‪213‬‬ ‫اليات ‪11 - 1 :‬‬
‫‪215‬‬ ‫اليات ‪14 - 12 :‬‬
‫‪216 ، 217‬‬ ‫اليات ‪20 - 15 :‬‬
‫‪217‬‬ ‫اليتان ‪22 ، 21 :‬‬
‫‪218‬‬ ‫الدرس الادي والثمانون بعد الائة‬
‫‪220‬‬ ‫اليات ‪25 - 23 :‬‬
‫‪220 : 222‬‬ ‫اليات ‪38 - 26 :‬‬
‫‪222‬‬ ‫اليات ‪41 - 39 :‬‬
‫‪223‬‬ ‫اليات ‪44 ، 42 :‬‬
‫‪224‬‬ ‫الدرس الثان والثمانون بعد الائة‬
‫‪226‬‬ ‫اليات ‪50 - 45 :‬‬
‫‪227‬‬ ‫اليات ‪56 - 51 :‬‬
‫‪228‬‬ ‫اليات ‪61 - 57 :‬‬
‫‪229‬‬ ‫اليتان ‪63 ، 62 :‬‬
‫‪229‬‬ ‫اليات ‪67 - 64 :‬‬
‫‪230‬‬ ‫اليتان ‪72 ، 68 :‬‬
‫الزء الثالث‬ ‫‪850‬‬

‫‪232‬‬ ‫اليات ‪77 - 73 :‬‬


‫‪234‬‬ ‫الدرس الثالث والثمانون بعد الائة‬
‫‪236‬‬ ‫اليات ‪83 - 78 :‬‬
‫‪237‬‬ ‫اليات ‪92 - 84 :‬‬
‫‪238 ، 239‬‬ ‫اليات ‪100 - 93 :‬‬
‫‪240‬‬ ‫اليات ‪111 - 101 :‬‬
‫‪242‬‬ ‫اليات ‪116 - 112 :‬‬
‫‪243‬‬ ‫اليتان ‪118 ، 117 :‬‬
‫‪244‬‬ ‫الدرس الرابع والثمانون بعد الائة‬
‫‪244‬‬ ‫] سورة النور [‬
‫‪245‬‬ ‫اليات ‪3 - 1 :‬‬
‫‪247‬‬ ‫اليات ‪10 - 4 :‬‬
‫‪251‬‬ ‫الدرس الامس والثمانون بعد الائة‬
‫‪253‬‬ ‫اليات ‪13 - 11 :‬‬
‫‪260‬‬ ‫اليات ‪18 - 14 :‬‬
‫‪260 ، 261‬‬ ‫اليات ‪22 - 19 :‬‬
‫‪262‬‬ ‫اليات ‪26 - 23 :‬‬
‫‪265‬‬ ‫الدرس السادس والثمانون بعد الائة‬
‫‪267‬‬ ‫اليات ‪29 - 27 :‬‬
‫‪268‬‬ ‫الية ‪30 :‬‬
‫‪851‬‬ ‫توفيق الرحن ف دروس القرآن‬

‫‪269‬‬ ‫الية ‪31 :‬‬


‫‪272‬‬ ‫اليات ‪34 - 32 :‬‬
‫‪275‬‬ ‫الدرس السابع والثمانون بعد الائة‬
‫‪276‬‬ ‫الية ‪35 :‬‬
‫‪277 ، 278‬‬ ‫اليات ‪38 - 36 :‬‬
‫‪278 ، 279‬‬ ‫اليتان ‪40 ، 39 :‬‬
‫‪280‬‬ ‫اليتان ‪42 ، 41 :‬‬
‫‪282‬‬ ‫الدرس الثامن والثمانون بعد الائة‬
‫‪284‬‬ ‫اليتان ‪44 ، 43 :‬‬
‫‪285‬‬ ‫اليتان ‪46 ، 45 :‬‬
‫‪286‬‬ ‫اليات ‪52 - 47 :‬‬
‫‪287 ، 288‬‬ ‫اليتان ‪54 ، 53 :‬‬
‫‪288 ، 289‬‬ ‫اليات ‪57 - 55 :‬‬
‫‪291‬‬ ‫الدرس التاسع والثمانون بعد الائة‬
‫‪293‬‬ ‫اليتان ‪59 ، 58 :‬‬
‫‪294 ، 295‬‬ ‫اليتان ‪61 ، 60 :‬‬
‫‪296‬‬ ‫الية ‪62 :‬‬
‫‪297‬‬ ‫اليتان ‪64 ، 63 :‬‬
‫‪299‬‬ ‫الدرس التسعون بعد الائة‬
‫الزء الثالث‬ ‫‪852‬‬

‫‪299‬‬ ‫] سورة الفرقان [‬


‫‪302‬‬ ‫اليات ‪3 - 1 :‬‬
‫‪303‬‬ ‫اليات ‪10 - 4 :‬‬
‫‪304‬‬ ‫اليات ‪16 - 11 :‬‬
‫‪305‬‬ ‫اليات ‪19 - 17 :‬‬
‫‪306‬‬ ‫اليات ‪24 - 20 :‬‬
‫‪307‬‬ ‫اليات ‪29 - 25 :‬‬
‫‪308‬‬ ‫اليات ‪34 - 30 :‬‬
‫‪310‬‬ ‫الدرس الادي والتسعون بعد الائة‬
‫‪312‬‬ ‫اليات ‪44 - 35 :‬‬
‫‪313‬‬ ‫اليات ‪47 - 45 :‬‬
‫‪314‬‬ ‫اليات ‪55 - 48 :‬‬
‫‪315‬‬ ‫اليات ‪60 - 56 :‬‬
‫‪317‬‬ ‫الدرس الثان والتسعون بعد الائة‬
‫‪318‬‬ ‫اليات ‪67 - 61 :‬‬
‫‪319 ، 320‬‬ ‫اليات ‪71 - 68 :‬‬
‫‪321‬‬ ‫اليات ‪76 - 72 :‬‬
‫‪322‬‬ ‫الية ‪77 :‬‬
‫‪324‬‬ ‫الدرس الثالث والتسعون بعد الائة‬
‫‪324‬‬ ‫] سورة الشعراء [‬
‫‪853‬‬ ‫توفيق الرحن ف دروس القرآن‬

‫‪327‬‬ ‫اليات ‪9 - 1 :‬‬


‫‪328‬‬ ‫اليات ‪17 - 10 :‬‬
‫‪329‬‬ ‫اليات ‪33 - 18 :‬‬
‫‪331‬‬ ‫اليات ‪51 - 34 :‬‬
‫‪332 ، 333‬‬ ‫اليات ‪68 - 52 :‬‬
‫‪336‬‬ ‫الدرس الرابع والتسعون بعد الائة‬
‫‪338 ، 339‬‬ ‫اليات ‪89 - 69 :‬‬
‫‪341‬‬ ‫اليات ‪104 - 90 :‬‬
‫‪343‬‬ ‫الدرس الامس والتسعون بعد الائة‬
‫‪346‬‬ ‫اليات ‪122 - 105 :‬‬
‫‪347 ، 348‬‬ ‫اليات ‪140 - 123 :‬‬
‫‪349 ، 350‬‬ ‫اليات ‪159 - 141 :‬‬
‫‪351‬‬ ‫اليات ‪175 - 160 :‬‬
‫‪352‬‬ ‫اليات ‪191 - 176 :‬‬
‫‪354‬‬ ‫الدرس السادس والتسعون بعد الائة‬
‫‪356‬‬ ‫اليات ‪209 - 192 :‬‬
‫‪358‬‬ ‫اليات ‪223 - 210 :‬‬
‫‪360‬‬ ‫اليات ‪227 - 224 :‬‬
‫‪363‬‬ ‫الدرس السابع والتسعون بعد الائة‬
‫‪363‬‬ ‫] سورة النمل [‬
‫الزء الثالث‬ ‫‪854‬‬

‫‪364‬‬ ‫اليات ‪6 - 1 :‬‬


‫‪365‬‬ ‫اليات ‪14 - 7 :‬‬
‫‪370‬‬ ‫الدرس الثامن والتسعون بعد الائة‬
‫‪373‬‬ ‫اليتان ‪16 ، 15 :‬‬
‫‪374‬‬ ‫اليات ‪19 - 17 :‬‬
‫‪375‬‬ ‫اليات ‪26 - 20 :‬‬
‫‪377‬‬ ‫اليات ‪37 - 27 :‬‬
‫‪380‬‬ ‫اليات ‪40 - 38 :‬‬
‫‪381‬‬ ‫اليات ‪44 - 41 :‬‬
‫‪384‬‬ ‫التاسع والتسعون بعد الائة‬
‫‪386‬‬ ‫اليات ‪53 - 45 :‬‬
‫‪388‬‬ ‫اليات ‪58 - 54 :‬‬
‫‪388 ، 389‬‬ ‫اليات ‪66 - 59 :‬‬
‫‪394‬‬ ‫الدرس الائتان‬
‫‪396‬‬ ‫اليات ‪75 - 67 :‬‬
‫‪397‬‬ ‫اليات ‪81 - 76 :‬‬
‫‪398‬‬ ‫الية ‪82 :‬‬
‫‪402‬‬ ‫اليات ‪86 - 83 :‬‬
‫‪402 ، 403‬‬ ‫اليات ‪90 - 87 :‬‬
‫‪405‬‬ ‫اليات ‪93 - 91 :‬‬
‫‪855‬‬ ‫توفيق الرحن ف دروس القرآن‬

‫‪406‬‬ ‫الدرس الواحد بعد الائتي‬


‫‪406‬‬ ‫] سورة القصص [‬
‫‪408‬‬ ‫اليات ‪6 - 1 :‬‬
‫‪409‬‬ ‫اليات ‪11 - 7 :‬‬
‫‪412‬‬ ‫اليتان ‪13 ، 12 :‬‬
‫‪415‬‬ ‫الدرس الثان بعد الائتي‬
‫‪417‬‬ ‫اليات ‪19 - 14 :‬‬
‫‪419‬‬ ‫اليات ‪22 - 20 :‬‬
‫‪420‬‬ ‫اليات ‪25 - 23 :‬‬
‫‪421 ، 422‬‬ ‫اليات ‪28 - 26 :‬‬
‫‪424‬‬ ‫الدرس الثالث بعد الائتي‬
‫‪426‬‬ ‫اليات ‪32 - 29 :‬‬
‫‪428‬‬ ‫اليات ‪37 - 33 :‬‬
‫‪429‬‬ ‫اليات ‪42 - 38 :‬‬
‫‪432‬‬ ‫الدرس الرابع بعد الائتي‬
‫‪433‬‬ ‫اليات ‪46 - 43 :‬‬
‫‪434 ، 435‬‬ ‫اليات ‪51 - 47 :‬‬
‫‪437‬‬ ‫اليات ‪55 - 52 :‬‬
‫‪439‬‬ ‫الدرس الامس بعد الائتي‬
‫‪441 ، 442‬‬ ‫اليات ‪59 - 56 :‬‬
‫الزء الثالث‬ ‫‪856‬‬

‫‪443‬‬ ‫اليات ‪64 - 60 :‬‬


‫‪444‬‬ ‫اليات ‪67 - 65 :‬‬
‫‪445‬‬ ‫اليات ‪70 - 68 :‬‬
‫‪446 ، 447‬‬ ‫اليات ‪75 - 71 :‬‬
‫‪448‬‬ ‫الدرس السادس بعد الائتي‬
‫‪450‬‬ ‫اليات ‪78 – 76 :‬‬
‫‪452‬‬ ‫اليات ‪82 - 79 :‬‬
‫‪453‬‬ ‫اليتان ‪84 ، 83 :‬‬
‫‪454‬‬ ‫اليات ‪88 - 85 :‬‬
‫‪457‬‬ ‫الدرس السابع بعد الائتي‬
‫‪457‬‬ ‫] سورة العنكبوت [‬
‫‪459‬‬ ‫اليات ‪7 - 1 :‬‬
‫‪461‬‬ ‫اليتان ‪9 ، 8 :‬‬
‫‪462‬‬ ‫اليتان ‪11 ، 10 :‬‬
‫‪463‬‬ ‫اليتان ‪13 ، 12 :‬‬
‫‪464‬‬ ‫الدرس الثامن بعد الائتي‬
‫‪467‬‬ ‫اليتان ‪15 ، 14 :‬‬
‫‪467 ، 468‬‬ ‫اليات ‪23 - 16 :‬‬
‫‪469 ، 470‬‬ ‫اليات ‪27 - 24 :‬‬
‫‪471‬‬ ‫اليات ‪32 - 28 :‬‬
‫‪857‬‬ ‫توفيق الرحن ف دروس القرآن‬

‫‪472‬‬ ‫اليات ‪35 - 33 :‬‬


‫‪473‬‬ ‫اليات ‪40 - 36 :‬‬
‫‪475‬‬ ‫الدرس التاسع بعد الائتي‬
‫‪477‬‬ ‫اليات ‪44 - 41 :‬‬
‫‪478‬‬ ‫الية ‪45 :‬‬
‫‪479‬‬ ‫اليات ‪49 - 46 :‬‬
‫‪481‬‬ ‫اليات ‪52 - 50 :‬‬
‫‪483‬‬ ‫الدرس العاشر بعد الائتي‬
‫‪485‬‬ ‫اليات ‪55 - 53 :‬‬
‫‪485 ، 486‬‬ ‫اليات ‪60 - 56 :‬‬
‫‪487‬‬ ‫اليات ‪64 - 61 :‬‬
‫‪488‬‬ ‫اليات ‪69 - 65 :‬‬
‫‪491‬‬ ‫الدرس الادي عشر بعد الائتي‬
‫‪491‬‬ ‫] سورة الروم [‬
‫‪493‬‬ ‫اليات ‪7 - 1 :‬‬
‫‪494‬‬ ‫اليات ‪10 - 8 :‬‬
‫‪495 ، 496‬‬ ‫اليات ‪19 - 11 :‬‬
‫‪498‬‬ ‫الدرس الثان عشر بعد الائتي‬
‫‪500‬‬ ‫اليات ‪23 - 20 :‬‬
‫‪501‬‬ ‫اليات ‪27 - 24 :‬‬
‫الزء الثالث‬ ‫‪858‬‬

‫‪503‬‬ ‫اليات ‪32 - 28 :‬‬


‫‪507‬‬ ‫الدرس الثالث عشر بعد الائتي‬
‫‪509‬‬ ‫اليات ‪37 - 33 :‬‬
‫‪510‬‬ ‫اليتان ‪39 ، 38 :‬‬
‫‪511 ، 512‬‬ ‫اليات ‪42 - 40 :‬‬
‫‪512‬‬ ‫اليات ‪45 - 43 :‬‬
‫‪514‬‬ ‫الدرس الرابع عشر بعد الائتي‬
‫‪516‬‬ ‫اليتان ‪47 ، 46 :‬‬
‫‪517‬‬ ‫اليات ‪53 - 48 :‬‬
‫‪519‬‬ ‫الية ‪54 :‬‬
‫‪519‬‬ ‫اليات ‪57 - 55 :‬‬
‫‪520 ، 521‬‬ ‫اليات ‪60 - 58 :‬‬
‫‪523‬‬ ‫الدرس الامس عشر بعد الائتي‬
‫‪523‬‬ ‫] سورة لقمان [‬
‫‪525‬‬ ‫اليات ‪9 - 1 :‬‬
‫‪526‬‬ ‫اليتان ‪11 ، 10 :‬‬
‫‪527‬‬ ‫اليات ‪19 - 12 :‬‬
‫‪531‬‬ ‫الدرس السادس عشر بعد الائتي‬
‫‪533‬‬ ‫اليات ‪24 - 20 :‬‬
‫‪534‬‬ ‫اليات ‪28 - 25 :‬‬
‫‪859‬‬ ‫توفيق الرحن ف دروس القرآن‬

‫‪536‬‬ ‫اليات ‪32 - 29 :‬‬


‫‪537‬‬ ‫اليات ‪34 - 33 :‬‬
‫‪539‬‬ ‫الدرس السابع عشر بعد الائتي‬
‫‪539‬‬ ‫] سورة السجدة [‬
‫‪542‬‬ ‫اليات ‪3 - 1 :‬‬
‫‪542 ، 543‬‬ ‫اليات ‪9 - 4 :‬‬
‫‪544‬‬ ‫اليات ‪17 - 10 :‬‬
‫‪546‬‬ ‫اليات ‪22 - 18 :‬‬
‫‪547‬‬ ‫اليات ‪25 - 23 :‬‬
‫‪548‬‬ ‫اليات ‪30 - 26 :‬‬
‫‪550‬‬ ‫الدرس الثامن عشر بعد الائتي‬
‫‪550‬‬ ‫] سورة الحزاب [‬
‫‪552‬‬ ‫اليات ‪5 - 1 :‬‬
‫‪554‬‬ ‫الية ‪6 :‬‬
‫‪555‬‬ ‫اليتان ‪8 ، 7 :‬‬
‫‪557‬‬ ‫الدرس التاسع عشر بعد الائتي‬
‫‪559‬‬ ‫اليات ‪11 - 9 :‬‬
‫‪560‬‬ ‫اليات ‪17 - 12 :‬‬
‫‪561‬‬ ‫اليات ‪20 - 18 :‬‬
‫‪564‬‬ ‫اليات ‪24 - 21 :‬‬
‫الزء الثالث‬ ‫‪860‬‬

‫اليات ‪565 27 - 25 :‬‬


‫اليتان ‪569 29 ، 28 :‬‬
‫‪570‬‬ ‫اليتان ‪31 ، 30 :‬‬
‫‪571 ، 572‬‬ ‫اليات ‪34 - 32 :‬‬
‫‪574‬‬ ‫الية ‪35 :‬‬
‫‪575‬‬ ‫اليات ‪36 :‬‬
‫‪576‬‬ ‫اليات ‪40 - 37 :‬‬
‫‪580‬‬ ‫الدرس الادي والعشرون بعد الائتي‬
‫‪582‬‬ ‫اليات ‪44 - 41 :‬‬
‫‪583‬‬ ‫اليات ‪48 - 45 :‬‬
‫‪584‬‬ ‫الية ‪49 :‬‬
‫‪585‬‬ ‫اليات ‪52 - 50 :‬‬
‫‪587 ، 588‬‬ ‫اليات ‪55 - 53 :‬‬
‫‪589‬‬ ‫الية ‪56 :‬‬
‫‪591‬‬ ‫الدرس الثان والعشرون بعد الائتي‬
‫‪593‬‬ ‫اليتان ‪58 ، 57 :‬‬
‫‪593 ، 594‬‬ ‫اليات ‪62 - 59 :‬‬
‫‪594 ، 595‬‬ ‫اليات ‪68 -63 :‬‬
‫‪596‬‬ ‫اليات ‪71 - 69 :‬‬
‫‪597‬‬ ‫اليتان ‪73 ، 72 :‬‬
‫‪861‬‬ ‫توفيق الرحن ف دروس القرآن‬

‫‪599‬‬ ‫الدرس الثالث والعشرون بعد الائتي‬


‫‪599‬‬ ‫] سورة سبأ [‬
‫‪600‬‬ ‫اليتان ‪2 ، 1 :‬‬
‫‪600 ، 601‬‬ ‫اليات ‪6 - 3 :‬‬
‫‪603‬‬ ‫اليات ‪9 - 7 :‬‬
‫‪606‬‬ ‫الدرس الرابع والعشرون بعد الائتي‬
‫‪607‬‬ ‫اليات ‪13 - 10 :‬‬
‫‪609‬‬ ‫الية ‪14 :‬‬
‫‪610‬‬ ‫اليات ‪17 - 15 :‬‬
‫‪612‬‬ ‫اليتان ‪19 ، 18 :‬‬
‫‪614‬‬ ‫الدرس الامس والعشرون بعد الائتي‬
‫‪616‬‬ ‫اليات ‪23 - 20 :‬‬
‫‪619‬‬ ‫اليات ‪28 - 24 :‬‬
‫‪620 ، 621‬‬ ‫اليات ‪33 - 29 :‬‬
‫‪621 ، 622‬‬ ‫اليات ‪39 - 34 :‬‬
‫‪623‬‬ ‫اليات ‪42 - 40 :‬‬
‫‪625‬‬ ‫الدرس السادس والعشرون بعد الائتي‬
‫‪626 ، 627‬‬ ‫اليات ‪50 - 43 :‬‬
‫‪629‬‬ ‫اليات ‪54 - 51 :‬‬
‫‪631‬‬ ‫الدرس السابع والعشرون بعد الائتي‬
‫الزء الثالث‬ ‫‪862‬‬

‫‪631‬‬ ‫] سورة فاطر [‬


‫‪633‬‬ ‫اليتان ‪2 ، 1 :‬‬
‫‪634‬‬ ‫اليات ‪8 - 3 :‬‬
‫‪635 ، 636‬‬ ‫اليات ‪14 - 9 :‬‬
‫‪640‬‬ ‫الدرس الثامن والعشرون بعد الائتي‬
‫‪642‬‬ ‫اليات ‪26 - 15 :‬‬
‫‪644‬‬ ‫اليتان ‪28 ، 27 :‬‬
‫‪645‬‬ ‫اليات ‪35 - 29 :‬‬
‫‪646 ، 647‬‬ ‫اليتان ‪37 ، 36 :‬‬
‫‪649‬‬ ‫الدرس التاسع والعشرون بعد الائتي‬
‫‪650‬‬ ‫اليات ‪41 - 38 :‬‬
‫‪652‬‬ ‫اليتان ‪43 ، 42 :‬‬
‫‪653 ، 654‬‬ ‫اليتان ‪45 ، 44 :‬‬
‫‪655‬‬ ‫الدرس الثلثون بعد الائتي‬
‫‪655‬‬ ‫] سورة يس [‬
‫‪657‬‬ ‫اليات ‪12 - 1 :‬‬
‫‪659‬‬ ‫اليات ‪19 - 13 :‬‬
‫‪660‬‬ ‫اليات ‪27 - 20 :‬‬
‫‪662‬‬ ‫اليات ‪32 - 28 :‬‬
‫‪663‬‬ ‫الدرس الادي والثلثون بعد الائتي‬
‫‪863‬‬ ‫توفيق الرحن ف دروس القرآن‬

‫‪664 ، 665‬‬ ‫اليات ‪40 - 33 :‬‬


‫‪667‬‬ ‫اليات ‪44 - 41 :‬‬
‫‪667‬‬ ‫اليات ‪47 - 45 :‬‬
‫‪670‬‬ ‫الدرس الثان والثلثون بعد الائتي‬
‫‪672‬‬ ‫اليات ‪54 - 48 :‬‬
‫‪673‬‬ ‫اليات ‪58 - 55 :‬‬
‫‪674‬‬ ‫اليات ‪65 - 59 :‬‬
‫‪675 ، 677‬‬ ‫اليات ‪70 - 66 :‬‬
‫‪677‬‬ ‫اليات ‪76 - 71 :‬‬
‫‪678 ، 679‬‬ ‫اليات ‪83 - 77 :‬‬
‫‪681‬‬ ‫الدرس الثالث والثلثون بعد الائتي‬
‫‪681‬‬ ‫] سورة الصافات [‬
‫‪684‬‬ ‫اليات ‪10 - 1 :‬‬
‫‪685‬‬ ‫اليات ‪26 - 11 :‬‬
‫‪687‬‬ ‫اليات ‪37 - 27 :‬‬
‫‪688‬‬ ‫اليات ‪49 - 38 :‬‬
‫‪689‬‬ ‫اليات ‪60 - 50 :‬‬
‫‪690 ، 691‬‬ ‫اليات ‪70 - 61 :‬‬
‫‪692‬‬ ‫الدرس الرابع والثلثون بعد الائتي‬
‫‪694‬‬ ‫اليات ‪82 - 71 :‬‬
‫الزء الثالث‬ ‫‪864‬‬

‫‪695‬‬ ‫اليات ‪98 - 83 :‬‬


‫‪697‬‬ ‫اليات ‪113 - 99 :‬‬
‫‪700‬‬ ‫الدرس الامس والثلثون بعد الائتي‬
‫‪702‬‬ ‫اليات ‪132 - 114 :‬‬
‫‪704‬‬ ‫اليات ‪138 - 133 :‬‬
‫‪705‬‬ ‫اليات ‪148 - 139 :‬‬
‫‪708‬‬ ‫الدرس السادس والثلثون بعد الائتي‬
‫‪710‬‬ ‫اليات ‪160 - 149 :‬‬
‫‪711‬‬ ‫اليات ‪170 - 161 :‬‬
‫‪712‬‬ ‫اليات ‪179 - 171 :‬‬
‫‪713‬‬ ‫اليات ‪182 - 180 :‬‬
‫‪715‬‬ ‫الدرس السابع والثلثون بعد الائتي‬
‫‪715‬‬ ‫] سورة ص [‬
‫‪717‬‬ ‫اليات ‪11 - 1 :‬‬
‫‪720‬‬ ‫اليات ‪20 - 12 :‬‬
‫‪722‬‬ ‫اليات ‪26 - 21 :‬‬
‫‪725‬‬ ‫اليات ‪29 - 27 :‬‬
‫‪726‬‬ ‫الدرس الثامن والثلثون بعد الائتي‬
‫‪727‬‬ ‫اليات ‪33 - 30 :‬‬
‫‪728‬‬ ‫اليات ‪40 - 34 :‬‬
‫‪865‬‬ ‫توفيق الرحن ف دروس القرآن‬

‫‪732‬‬ ‫الدرس التاسع والثلثون بعد الائتي‬


‫‪734‬‬ ‫اليات ‪44 - 41 :‬‬
‫‪735‬‬ ‫اليات ‪54 - 45 :‬‬
‫‪736 ، 737‬‬ ‫اليات ‪66 - 55 :‬‬
‫‪739‬‬ ‫اليات ‪85 - 67 :‬‬
‫‪741‬‬ ‫اليات ‪88 - 86 :‬‬
‫‪742‬‬ ‫الدرس الربعون بعد الائتي‬
‫‪742‬‬ ‫] سورة الزمر [‬
‫‪745‬‬ ‫اليات ‪7 - 1 :‬‬
‫‪747‬‬ ‫اليتان ‪9 ، 8 :‬‬
‫‪748‬‬ ‫اليات ‪16 - 10 :‬‬
‫‪750‬‬ ‫اليات ‪20 - 17 :‬‬
‫‪752‬‬ ‫الدرس الادي والربعون بعد الائتي‬
‫‪753‬‬ ‫اليتان ‪22 ، 21 :‬‬
‫‪754‬‬ ‫اليات ‪26 - 23 :‬‬
‫‪755‬‬ ‫اليات ‪31 - 27 :‬‬
‫‪758‬‬ ‫الدرس الثان والربعون بعد الائتي‬
‫‪760‬‬ ‫اليات ‪35 - 32 :‬‬
‫‪761‬‬ ‫اليات ‪40 - 36 :‬‬
‫‪762‬‬ ‫اليات ‪48 - 41 :‬‬
‫الزء الثالث‬ ‫‪866‬‬

‫‪764‬‬ ‫اليات ‪52 - 49 :‬‬


‫‪766‬‬ ‫الدرس الثالث والربعون بعد الائتي‬
‫‪768‬‬ ‫اليات ‪61 - 53 :‬‬
‫‪770‬‬ ‫اليات ‪67 - 62 :‬‬
‫‪772‬‬ ‫اليات ‪70 - 68 :‬‬
‫‪774‬‬ ‫اليات ‪75 - 71 :‬‬
‫‪777‬‬ ‫الدرس الرابع والربعون بعد الائتي‬
‫‪777‬‬ ‫] ) سورة الؤمن ( غافر [‬
‫‪780‬‬ ‫اليات ‪6 - 1 :‬‬
‫‪781‬‬ ‫اليات ‪9 - 7 :‬‬
‫‪782‬‬ ‫اليات ‪12 - 10 :‬‬
‫‪783‬‬ ‫اليات ‪20 - 13 :‬‬
‫‪785‬‬ ‫اليتان ‪22 ، 21 :‬‬
‫‪786‬‬ ‫الدرس الامس والربعون بعد الائتي‬
‫‪789‬‬ ‫اليات ‪27 - 23 :‬‬
‫‪789 ، 790‬‬ ‫اليات ‪35 - 28 :‬‬
‫‪791‬‬ ‫اليتان ‪37 ، 36 :‬‬
‫‪792‬‬ ‫اليات ‪46 - 38 :‬‬
‫‪793 ، 794‬‬ ‫اليات ‪50 - 47 :‬‬
‫‪794 ، 795‬‬ ‫اليات ‪55 - 51 :‬‬
‫‪867‬‬ ‫توفيق الرحن ف دروس القرآن‬

‫‪796‬‬ ‫الدرس السادس والربعون بعد الائتي‬


‫‪799‬‬ ‫اليات ‪59 - 56 :‬‬
‫‪800 ، 801‬‬ ‫اليات ‪68 - 60 :‬‬
‫‪802‬‬ ‫اليات ‪76 - 69 :‬‬
‫‪804‬‬ ‫اليات ‪85 - 77 :‬‬
‫‪807‬‬ ‫الدرس السابع والربعون بعد الائتي‬
‫‪807‬‬ ‫] سورة فصلت [‬
‫‪809‬‬ ‫اليات ‪8 - 1 :‬‬
‫‪812‬‬ ‫اليات ‪12 - 9 :‬‬
‫‪813‬‬ ‫اليات ‪18 - 13 :‬‬
‫‪815‬‬ ‫الدرس الثامن والربعون بعد الائتي‬
‫‪817‬‬ ‫اليات ‪24 - 19 :‬‬
‫‪819 ، 820‬‬ ‫اليات ‪29 - 25 :‬‬
‫‪820 ، 821‬‬ ‫اليات ‪32 - 30 :‬‬
‫‪823‬‬ ‫الدرس التاسع والربعون بعد الائتي‬
‫‪825‬‬ ‫اليات ‪36 - 33 :‬‬
‫‪826‬‬ ‫اليات ‪39 - 37 :‬‬
‫‪827 ، 828‬‬ ‫اليات ‪46 - 40 :‬‬
‫‪831‬‬ ‫اليتان ‪48 - 47 :‬‬
‫الزء الثالث‬ ‫‪868‬‬

‫اليات ‪831 ، 832 54 - 49 :‬‬

‫***‬

You might also like