You are on page 1of 467

‫فضائل الرسول صلى الله عليه وسلم‬

‫ومناقبه وحقوقه(‪)4‬‬
‫الباب الرابع‪-‬قالوا عن محمد صلى الله عليه وسلم‬
‫المدخل لهذه الشهادات‬
‫[ شهادة العقل الغربي ‪ :‬الحواجز والقيمة ]‬
‫لبد ّ من العتراف – منذ البدء – بأن العقل الغربي‪ ،‬بسبب‪ :‬من‬
‫حيويته وتوقّده‪ ،‬يمثل – عبر القرن الخير على وجه الخصوص –‬
‫مركز ثقل خطير في دائرة التصوّر والفكر والحياة‪ .‬وبما أن‬
‫جا للفكر وتصوًرا للحياة‪ ،‬فإن‬ ‫"الدين" ‪ -‬ابتداء – يقدم برنام ً‬
‫حص موقف هذا العقل من الدين‪ ،‬يعد ضرورة بالغة إذا ما أريد‬ ‫تف ّ‬
‫وضع اليد‪ ،‬بشكل محدّد‪ ،‬على المساحة التي احتلها‪ ،‬ويحتلها‬
‫وسيحتلّها الدين في خارطة الوجود البشري‪.‬‬
‫هذه مسألة ذات طابع عام يتضمن مطلق الديان‪ .‬وبما أن العقل‬
‫الغربي قد قال كلمته – أكثر من مرة – في الدين المسيحي‬
‫الذي يعد ّ – إلى حد كبير – القوة الدينية الوحيدة الموازية‬
‫للسلم‪ ،‬في الديمومة والنتشار‪ ،‬وبما أن هذا العقل قد أعلن‬
‫أكثر من مرة‪ ،‬رفضه للنصرانية وانسلخه عنها بسبب من نقاط‬
‫حص هنا بعض ما‬ ‫الرتطام العديدة بينه وبينها‪ ،‬فإننا نريد أن نتف ّ‬
‫يريد أن يقوله في الدين الخر‪ :‬السلم‪.‬‬
‫طبعًا‪ ،‬لقد عانى هذا العقل ول يزال من حواجز الرؤية‬
‫الموضوعية التي تمكنه من معاينة السلم عن كثب‪ ،‬والحكم‬
‫عليه بالتجرد والعلمية التي ينادي بها هذا العقل ويتخذها منهج‬
‫عمل له في التعامل مع الظاهر والموجودات أو كما يحاول أن‬
‫يقنع نفسه على القل‪.‬‬
‫هذه الحواجز ذات الجذور العميقة والطبقات المتعددة‪ ،‬جعلته‪،‬‬
‫عبر قرون متواصلة‪ ،‬يقول في السلم ما يرتطم – ابتداء –‬
‫ح عليها‪ .‬وإننا لنتذكر هنا‬ ‫ببداهات الروح العلمية التي يؤمن بها ويل ّ‬
‫عبارتين للمستشرق البريطاني المعاصر (مونتغمري وات) يقول‬
‫في إحداهما‪" :‬إذا حدث وإن كانت بعض آراء العلماء الغربيين غير‬
‫معقولة عند المسلمين‪ ،‬فذلك لن العلماء الغربيين لم يكونوا‬
‫ما مخلصين لمبادئهم العلمية‪ ،‬وأن آراءهم يجب إعادة النظر‬ ‫دائ ً‬
‫فيها من وجهة النظر التاريخية الدقيقة" [محمد في مكة‪ ،‬ص ‪،]6‬‬
‫ويقول في الخرى‪" :‬إن موقف العلماء الغربيين كان غالبًا سيّئًا‬
‫لما يبدو أنه يتضمنه من إنكار لمعتقدات السلم الفقهية‪ .‬ولذا‬

‫‪1‬‬
‫كانت الدراسات الغربية عن القرآن غير موفقة حتى من وجهة‬
‫نظر أفضل العلماء" [محمد في مكة‪ ،‬ص ‪.]56–55‬‬
‫ما من الكتابات والقوال الغربية‬ ‫وبمقدور المرء أن يتابع سيل ً عر ً‬
‫في السلم‪ ،‬تدفقت عبر أربعة قرون أو خمسة‪ ،‬فإنه غير واجد‬
‫في معظم مساحاته إل الكدر الذي يحجب نفاذ الرؤية إلى‬
‫العماق‪.‬‬
‫هذه مسألة تكاد تكون معروفة للجميع‪ ،‬وليس من مهمة هذا‬
‫البحث إل أن يكتفي بالشارة إليها لكي يمضي‪ ،‬مباشرة‪ ،‬على‬
‫مه‪ :‬رصد القوال والمعطيات الكثر موضوعية‪،‬‬ ‫النقيض الذي يه ّ‬
‫والقرب إلى العلمية التي يعتمدها العقل الغربي‪ ،‬وغير المسلم‬
‫ما‪ ،‬وهي أقوال ومعطيات أخذت تتزايد طردًا بمرور الوقت‪،‬‬ ‫عمو ً‬
‫وبخاصة في العقود الخيرة‪ ،‬بسبب من قدرة العقل الغربي على‬
‫كسر العديد من الحواجز التي كانت تصدّه عن التعامل العادل مع‬
‫هذا الدين‪ ،‬وتمكنه من اجتيازها بصيٍغ تستحق التقدير والعجاب‪.‬‬
‫بل إن بعض الغربيين – وهذا أمر طبيعي – انتهى به المر إلى‬
‫اعتناق السلم كما لو أنه اكتشف – بعد لي – ما كان يبحث عنه‪،‬‬
‫بالدهشة والفرح والعجاب نفسها التي تتملك إنسانًا ما فقد‬
‫وثيقة مستقبله وطموحه ثم هاهو ذا يعثر عليها أخيًرا‪.‬‬
‫مهما يكن من أمر فإن رصد معطيات كهذه – رغم عدم توازنها‬
‫الكمي بطبيعة الحال مع التيار المضاد اللعلمي واللموضوعي –‬
‫يمثل ضرورة على أكثر من مستوى‪ ،‬بعضها إنساني‪ ،‬وبعضها‬
‫عقيدي‪ ،‬وبعضها الخر أكاديمي صرف‪.‬‬
‫وهذه الضرورة‪ ،‬بمستوياتها تلك‪ ،‬هي التي تمنح القارئ‪ ،‬شرقيًا‬
‫ما أم غير مسلم‪ ،‬مبررات عمل كهذا‪ ،‬وتلقي‬ ‫كان أم غربيًا‪ ،‬مسل ً‬
‫الضوء على دوافعه وأهدافه‪.‬‬
‫إنسانيًا‪ ،‬تجيء شهادات خصوم هذا الدين‪ ،‬بما يمتلكون من‬
‫قدرات عقلية فذ ّة‪ ،‬وصيغ حضارية متقدمة‪ ،‬بمثابة سعي مخلص‬
‫ل أزمة النسان المعاصر‪ ،‬بإرشاده‬ ‫وجاد‪ ،‬غير متحيّز ول ميّال‪ ،‬لح ّ‬
‫بشكل مباشر أو غير مباشر إلى أن "السلم" هو خلصه الوحيد‪،‬‬
‫وأن مضلته ليست خطيئة أبدية‪ ،‬ول طريقًا مسدودًا‪ ،‬بل أن‬
‫بمقدوره في أية لحظة أن يحظى بخلصه المنشود‪ ،‬بمجرد أن‬
‫يفتح عقله وقلبه وأن يعرف‪ ،‬بدافع من عشق الحقّ وحده‪ ،‬ما‬
‫يمكن أن يقدمه له هذا الدين‪.‬‬
‫عقيديًا‪ ،‬تجيء شهادات خصوم هذا الدين‪ ،‬لتأكيد وتعزيز ما سبق‬
‫وإن قاله السلم نفسه‪ ،‬في كتاب الله وسنة نبيه صلى الله عليه‬
‫وسلم‪ ،‬وما عبر عنه من خلل معطيات أجيال من المسلمين‪،‬‬
‫على مستوى العقيدة والشريعة والسلوك والتاريخ والحضارة‪،‬‬

‫‪2‬‬
‫من أنه الدين الوحيد الحق‪ ،‬الدين الخير الذي تنّزل لكي يكون‬
‫ضر‪ ،‬المسؤول‪ ،‬وعلى حجم مطامحه‬ ‫على حجم النسان المتح ّ‬
‫حد بين الوجود والمصير‪.‬‬ ‫حة في التو ّ‬‫بالتقدم‪ ،‬ورغبته المل ّ‬
‫أكاديميًا‪ ،‬تجيء شهادات خصوم هذا الدين لكي تثبت "حقائق"‬
‫يتحتم أن ترصد‪ ،‬وتوازن سيل ً من المعطيات اللعلمية‬
‫واللموضوعية التي قيلت عن هذا الدين‪ ،‬وترد ّ المر‪ ،‬أو بعضه‪،‬‬
‫إلى نصابه الحق‪.‬‬
‫وهذه الدوافع‪ ،‬أو الهداف الثلثة‪ ،‬تقود – بالضرورة – إلى‬
‫ي المتواضع‪:‬‬ ‫صلة الخيرة التي يبتغيها هذا العمل الول ّ‬ ‫المح ّ‬
‫مخاطبة العقل الغربي‪ ،‬بالصيغ الكثر إقناع ًا وتأثيًرا‪ ،‬عن طريق‬
‫الستنتاجات نفسها التي توصل إليها هذا العقل وهو يتعامل مع‬
‫السلم‪ ،‬بقدر طيب من الموضوعية‪ ،‬وإقناعه‪ ،‬أو محاولة إقناعه‪،‬‬
‫بجدّية هذا الدين‪ ،‬وأحقيته في قيادة النسان‪ ،‬والحياة في صياغة‬
‫الوجود البشري والتخطيط للمصير‪ ،‬بعد أن عجزت كافة‬
‫المذاهب واليديولوجيات والديان عن تحقيق هذا الهدف‪ ،‬وأنه‬
‫ليس ثمة غير السلم‪ ،‬بواقعيته‪ ،‬وشموليته‪ ،‬وتوازنه‪ ،‬وانسجامه‬
‫مع النسان‪ ،‬من يقدر على أداء هذا الدور الخطير‪.‬‬
‫مجّرد تعميمات غير محددة‪ ،‬فإنه‬ ‫ومن أجل أل ّ يكون هذا التحليل ُ‬
‫يتحتم قبل البدء بتقديم "الشهادات" أن نضع أيدينا – بالتركيز‬
‫المطلوب – على الخصائص الساسية للسلم‪ ،‬تلك التي كانت‬
‫بمثابة نقاط إشعاع وتألّق‪ ،‬جذبت أنظار الغربيين ودفعتهم إلى‬
‫إصدار مقولتهم تلك‪ ،‬وأن نضع أيدينا – كذلك على الخصائص‬
‫ما‪ ،‬التي‬
‫الساسية للبيئة الفكرية والنفسية‪ ،‬والحضارية عمو ً‬
‫تعطي النسان المعاصر بعض ما يريده‪ ،‬نعم ولكنها تمنع عنه‬
‫الكثير مما يريده فيما يوازي حجمه كإنسان‪ ،‬ويلبي مطامحه‬
‫كمخلوق أريد له أن يلعب دوًرا أكبر بكثير‪ ،‬وأعلى بكثير‪ ،‬من هذا‬
‫الذي يمارسه على مساحة العالم‪ ،‬حتى إذا ما أتيح له أن يلتقي‬
‫بهذا الدين‪ ،‬وج ًها لوجه‪ ،‬أو من خلل مرايا الخرين التي تنطبع‬
‫عليها الملمح‪ ،‬أو بعضها‪ ،‬وعبر الجسور التي يقيمها هذا الرجل أو‬
‫ذاك‪ ،‬فإنه سيعثر – ول شك – على ما يدهشه ويعجبه‪ ،‬فتكون‬
‫ردود الفعال المتفاوتة‪ ،‬ويكون التعبير ذو الدرجات التي تبدأ‬
‫"بقول" يقيّم هذا الجانب أو ذاك من جوانب السلم‪ ،‬و"شهادة"‬
‫تبدي إعجابها بهذا الوجه أو ذاك من وجوه أنشطته ومعطياته‬
‫ونسيجه المتفّرد‪ ،‬وتنتهي بمعانقة هذا الدين‪ ،‬والتسليم به‪،‬‬
‫والنتماء إليه‪ :‬عقيدة تحمل في بنيتها الصواب المطلق‪ ،‬وتحمل‬
‫مع هذا الصواب القدرة الفذة المتجددة على مجابهة معضلت‬
‫العصر‪ ،‬ومعايشة بيئته الصعبة‪ ،‬المضطربة التي يتخبط فيها‬

‫‪3‬‬
‫النسان‪ ،‬لكنها ما تلبث أن تستجيب لنداءاته كافة‪ ،‬وتقوده‪ ،‬عبر‬
‫طرق مستقيمة‪ ،‬كالصراط‪ ،‬إلى مبتغاه‪.‬‬

‫[ السلم هو الرسالة السماوية الخيرة للبشرية ‪ :‬دعوة‬


‫للختبار ]‬
‫إن حقيقة "أن السلم هو الرسالة السماوية الخيرة للبشرية"‬
‫تحمل أهميتها هنا بقدر ما يتعلق المر بفئتين من غير المسلمين‬
‫ظنت إحداهما أن رحلة الديان توقفت عند السيد المسيح عليه‬
‫السلم‪ ،‬وأخذت طابعها الخير على يديه فليس ثمة بعده من‬
‫نبوة‪ ،‬ول بعد دينه من دين‪ .‬وظنت الفئة الخرى‪ ،‬أنه بعد‬
‫المسيحية‪ ،‬كدين أخير‪ ،‬وبعد أن أثبتت عجزها عن قيادة الحياة‪،‬‬
‫والنسان‪ ،‬وملحقة المتغيرات الفكرية والحضارية‪ ،‬وبعد أن‬
‫أخفقت في الستجابة للتحديات التاريخية المتجددة التي ل ينقطع‬
‫سيلها‪ ،‬ترك الحبل على الغرب‪ ،‬ودُعي النسان‪ ،‬الذي لم تقدر‬
‫النصرانية على أن تأخذ بيده حتى النهاية‪ ،‬دعي لكي يستجيش‬
‫قدراته العقلية‪ ،‬وينقذ نفسه بنفسه‪ ،‬وفق برامج عمل مرحلية‪،‬‬
‫تسلمه الواحدة منها للخرى‪ ،‬معتقدًا أنه بهذا وحده قدير على‬
‫ملء الفراغ‪ ،‬ومنح النسان القدرة على اجتياز رحلة الحياة على‬
‫هدى وبيّنة‪.‬‬
‫وليس ثمة مجال للتأكيد هاهنا على إخفاق هذه المحاولت‬
‫الوضعية المتواصلة‪ ،‬وبقاء النسان معلقًا من عنقه في فضاء‬
‫مخيف‪ ،‬وليس ثمة من يمد ّ يده إليه لكي يخلّصه ويهديه سواء‬
‫ضا‪ ،‬وكانت‬ ‫السبيل‪ ،‬هذه المحاولت التي كان بعضها ينقض بع ً‬
‫إحداها تضرب الخرى لكي تدفع بها بعيدًا عن مركز القيادة‬
‫والسلطان‪.‬‬
‫ك‬‫عشرات‪ ،‬بل مئات‪ ،‬من المحاولت‪ ،‬كانت الحياة نفسها مح ّ‬
‫اختبارها وكان فشلها – في نهاية المر – معيار عدم قدرتها على‬
‫أداء الدور الذي أريد للديان أن تؤديه لصالح النسان‪.‬‬
‫وهكذا فإن اعتبار السلم هو "الدين الخير" يحمل أهميته‬
‫البالغة‪ ،‬ليس فقط في دحض قناعات الفئتين النفتي الذكر‪،‬‬
‫اللتين تشكلن المساحة الكبرى من البشرية‪ ،‬بل باعتباره الدين‬
‫الوحيد الذي يتحتم النتماء إليه‪ ،‬والعقيدة المتفردة‪ ،‬من بين كل‬
‫العقائد السماوية التي نسخها هذا الدين‪ ،‬أو الوضعية التي أثبتت‬
‫نسبيتها وعدم قدرتها على أداء مهمتها في القيادة المتواصلة‪،‬‬
‫الناجعة للنسان والحياة‪ .‬العقيدة القادرة في كل لحظة على‬
‫تسلم مواقع القيادة‪ ،‬المستعدة في كل زمن ومكان لتأدية دورها‬

‫‪4‬‬
‫المرسوم بعناية لصالح النسان‪ ،‬المستجيبة – أبدًا – للمتغيرات‬
‫والتحديات‪.‬‬
‫ولم يكن السلم ليحمل هذه الصفة المتفردة‪ ،‬ول ليصدر هذا‬
‫الحكم الحاسم‪ ،‬باعتباره الدين الخير الناسخ لما سبقه من أديان‪،‬‬
‫والقادر – في الوقت نفسه على مواصلة الطريق حتى النهاية‪،‬‬
‫دون أن يكون لديه ميزتان أساسيتان نريد أن نقف عندهما بعض‬
‫الشيء‪ .‬أولهما عقيدة تتعلق بطبيعة الرتباط بين السلم وبين‬
‫كافة الديان السماوية التي سبقته‪ ،‬وثانيتهما حيوية تتعلق بطبيعة‬
‫الرتباط بين السلم وبين كافة الديان السماوية التي سبقته‪،‬‬
‫وثانيتهما حيوية تتعلق بقدرة هذا الدين على قيادة الحياة‬
‫البشرية‪ ،‬وتمكنه من تلبية حاجيات النسان‪ ،‬بغض النظر عن‬
‫اختلف الزمن والمكان‪ ،‬وتفاوت البيئات والحوال‪.‬‬
‫إن اختبار هاتين الميزتين‪ ،‬ليس من قبل المسلمين أنفسهم‬
‫ما قطعيًا‪ ،‬وإل ما غدوا مسلمين ول‬‫الذين يسلّمون بهما تسلي ً‬
‫اقتنعوا بأحقية هذا الدين في النتماء إليه‪ ،‬وإنما من قبل أولئك‬
‫الذين يتحركون خارج دائرة السلم‪ ،‬ويحرصون‪ ،‬سلبًا أو إيجابًا‪،‬‬
‫حص ميزات كهذه‪ ،‬لكي ينفوا أو يؤكدوا تلك المقولة التي‬ ‫على تف ّ‬
‫تعتبر السلم دينًا أخيًرا‪ ،‬وهو في الوقت نفسه يملك ديمومته‬
‫واستمراريته‪.‬‬
‫إن اختبار هاتين الميزتين (مما يدخل في سياق هذا الكتاب)‬
‫والقتناع بصدقهما وواقعيتهما‪ ،‬يمنح النسان غير المسلم قناعة‬
‫كافية‪ ،‬من بين قناعات أخرى كثيرة‪ ،‬بأن دينًا كهذا يستحق‬
‫"الشهادة" و"التقييم"‪ ،‬بل و"التقبّل" و"النتماء"‪ ،‬وهذا هو ما تم‬
‫بالفعل على نطاق ليس بمحدود كما سيتضح من متابعة معطيات‬
‫الكتاب‪.‬‬
‫والحق أنه ليس أسهل على المرء من ممارسة اختبار كهذا‪ ،‬جرى‬
‫ويجري على نطاق واسع‪ ،‬وذلك بمجرد الرجوع إلى كتاب الله‬
‫وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم‪ ،‬أو إمرار النظر في معطيات‬
‫السلم العقيدية والتشريعية‪ ،‬أو متابعة جانب من صيرورته‬
‫التاريخية والحضارية‪.‬‬
‫إن القرآن الكريم‪ ،‬والسنة بالتالي‪ ،‬ل يؤكدان فحسب "تصديق"‬
‫السلم لكافة الديان السماوية التي(‪ )1‬سبقته‪ ،‬وهيمنته على‬
‫حد‪،‬‬‫روحها وجوهرها‪ ،‬وصهره معطياتها الصيلة في كيان ديني متو ّ‬
‫ذي نسيح واحد‪،‬ولكنهما يتجاوزان ذلك ‪ ،‬بما يتضمنانه من حشود‬
‫الصيغ والمفردات إلى تأكيد مشهود لحقيقة أن السلم هو خاتم‬
‫الديان السماوية جميعًا‪ ،‬وجوهرها وروحها‪ ،‬وأنه كآخر محطة في‬
‫مسارها الطويل‪ ،‬سيحمل كل ما تكفّلت حمله من قيم وأهداف‬

‫‪5‬‬
‫وخبرات‪ ،‬سعت جميعًا عبر أماكن وأزمان متفاوتة‪ ،‬لتأكيد أهميتها‬
‫للنسان‪ ،‬ولتنفيذها في واقع الحياة‪.‬‬
‫إن هذا الحتواء المؤكد لخبرات ومعطيات الديان السابقة في‬
‫أصولها الصحيحة‪ ،‬دفع الكثير من الدارسين إلى ذلك الوهم‬
‫المعروف وهو أن محمدًا صلى الله عليه وسلم‪ ،‬قد تعلم من تلك‬
‫الديان وأخذ عنها‪ ،‬والمر ليس كذلك‪ ،‬فإن ما نقضه السلم‬
‫نفسه من تحريفات تلك الديان‪ ،‬التي ظن أصحابها ول يزالون‪،‬‬
‫أنها من صلب أديانهم‪ ،‬وما طرده من أجسام غريبة – وثنية‬
‫الصول – في كيان هذه الديان السماوية‪ ،‬يؤكد أن محمدًا صلى‬
‫الله عليه وسلم‪ ،‬لم يبعث لكي يتلقى فحسب‪ ،‬أو يرفض فحسب‪،‬‬
‫ول حتى لكي يمارس عمل ً انتقائيًا إزاء مفردات الديان السابقة‪،‬‬
‫لكي يركّب منها دينًا جديدًا‪ .‬وإنما المسألة على خلف هذا كله‪،‬‬
‫حا في كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه‬ ‫فيما يبدو واض ً‬
‫وسلم‪ ،‬على أشد ما يكون الوضوح‪ :‬تنزيل دين جديد‪ ،‬متميز‪ ،‬في‬
‫طبيعة نسيجه‪ ،‬وفي المساحة التي سيتحرك عليها والهداف التي‬
‫دعي لتنفيذها‪ ،‬لكنه دين غير معزول عن تراث النبوات السابقة‬
‫[قبل التحريف]‪ ،‬بل لقد كان يسعى منذ اللحظات الولى إلى‬
‫احتضان العناصر اليجابية من ذلك التراث‪ ،‬وإغناء مكوناته‬
‫بالجوانب المتألقة من تلك الخبرات‪ ،‬ولكنه – في الوقت نفسه –‬
‫ما كان يتهادن أبدًا مع كل ما من شأنه أن يمس شخصيته‬
‫المتميزة‪ ،‬ودعوته المتفردة للتوحيد المطلق‪ ،‬مما هو طارئ على‬
‫الديان السابقة‪ ،‬غريب عن نسيجها ذي الخيوط الواحدة الممتدة‬
‫من السماء‪.‬‬
‫معنى هذا أن السلم ليس بدع ًا من المر‪ ،‬وأن كل أبناء الديان‬
‫الخرى مدعوون للنضواء إليه‪ ،‬لنهم بهذا وحده سيكونون‬
‫صادقين مع أنفسهم‪ ،‬ملبين مطالب الدين الذي ينتمون إليه‪.‬‬
‫وأنهم بانتمائهم للدين الجديد سيعززون القيم الصيلة لديانهم‬
‫السابقة‪ ،‬وسيمكنون لها في الرض‪ .‬إنهم بشكل من الشكال‪،‬‬
‫مدعوون لمغادرة قطاراتهم التي أنهكها المسير‪ ،‬ونفد وقودها‪،‬‬
‫والتحول إلى قطار السلم ذي الوقود العجيب‪ ،‬والذي أريد له أن‬
‫ف العالم كلّه‪ ،‬وينقل الجيال تلو الجيال من ضيق‬ ‫ينطلق لكي يل ّ‬
‫الدنيا إلى سعتها‪ ،‬ومن جور الديان إلى عدل السلم‪ ،‬ومن عبادة‬
‫العباد إلى عبادة الله وحده‪.‬‬
‫إنه اختبار ليس صعب المنال‪ ،‬والنتيجة يتوخاها الممتحن المخلص‬
‫كائنة هناك‪ ،‬في نسيج معطيات هذا الدين‪ ،‬منقوشة بوضوح‬
‫متألّق في صفحات كتابه وكلمات رسوله عليه السلم‪.‬‬

‫‪6‬‬
‫ويقينًا فإنه بمجرد أن يتبيّن هذا اللقاء المرسوم بين السلم وبين‬
‫أشقائه الذين سبقوه على الطريق‪ ،‬بمجرد أن يتضح هذا العناق‬
‫في الروح‪ ،‬وفي الجوهر‪ ،‬بين الديان السماوية جميعًا‪ ،‬وقد تبيّن‬
‫هذا وذاك فعلً‪ ،‬فإنه سيكون بمثابة واحد من الغراءات الشد‬
‫إثارة‪ ،‬من الوعد المقنع‪ ،‬بأن النتماء لهذا الدين ليس خيانة ول‬
‫هرطقة ول مروقًا‪ ،‬ولكنه الصدق مع الله‪ ،‬والنفس‪ ،‬والضمير‪،‬‬
‫والتوحد الكثر حيوية وعطاء مع حركة الدين السماوي في هذا‬
‫العالم‪.‬‬
‫ترى‪ ،‬كم من أولئك الذين عاينوا هذه المسألة‪ ،‬خرجوا لكي يقولوا‬
‫للناس كلمة حق‪ ،‬أو يدلوا بشهادة تقييم لهذا الدين‪ ،‬وكم منهم‪،‬‬
‫انتهوا أخيًرا إلى التحقق بالكلمة‪ ،‬والنتماء إلى دين هو بمثابة‬
‫دعوة الحنيف واليهودي والنصراني‪ ،‬فضل ً عن الوثني والملحد؟‬
‫_____________________________________________‬
‫(‪ )1‬انظر على سبيل المثال‪ :‬سورة البقرة‪ ،‬آية ‪،97 ،91 ،89 ،41‬‬
‫‪ ،101‬آل عمران ‪ ،81 ،3‬النساء ‪ ،47‬المائدة ‪ ،48‬فاطر ‪ ،31‬الحقاف ‪،12‬‬
‫‪ 30‬يونس ‪ ،37‬يوسف ‪. 111‬‬

‫[ الخصائص الساسية لهذا الدين ]‬


‫فماذا عن الختبار الثاني ؟ محاولة التأكد من قدرة هذا الدين‬
‫البدية على الستجابة لمطالب النسان‪ ،‬فردًا وجماعة‪ ،‬وعلى‬
‫قيادته عبر الصراط إلى أهدافه المرتجاة ؟‬
‫سيكون من قبيل محاولة إثبات أن الشمس تطلع من الشرق‪ ،‬إذا‬
‫قلنا بأن السلم جاء لكي يعالج كافة مناحي الحياة البشرية‪،‬‬
‫الفردية والجماعية‪ ،‬والروحية‪ ،‬والمادية‪ ،‬والتربوية والتشريعية‪...‬‬
‫إلى آخره‪ ،‬فهذه مسألة معروفة ل تحتاج إلى اختبار أو تأكيد‪،‬‬
‫بمجرد أن يطّلع المرء على طبيعة هذا الدين‪ ،‬ويتفحص تركيبه‪،‬‬
‫وبمجرد أن يعرف أنه ما جاء لكي يؤم الناس في الصلوات‬
‫فحسب‪ ،‬بل لكي يقودهم في الحياة ويرشدهم‪ ،‬وفق برنامج‬
‫عمل مرسوم‪ ،‬إلى ما يجب أن يفعلوه وما يجب أل يفعلوه في‬
‫مسائل الحياة جمي ًعا‪.‬‬
‫لكن ثمة "ميزات" تنبثق عن هذه النزعة الشمولية‪ ،‬وتمثل في‬
‫الوقت نفسه مصدرها الساسي‪ ،‬هي التي تجعل هذا الدين‪ ،‬من‬
‫بين سائر الديان والمذاهب السماوية والوضعية‪ ،‬بمثابة‬
‫"الضرورة" الدائمة أو الحتمية الوحيدة للنسان والجماعة‬
‫البشرية إذا أراد‪ ،‬وأرادت‪ ،‬أن ترجع إلى فطرتها الصيلة‪ ،‬وتستعيد‬
‫توازنها المفقود‪ ،‬وتتجاوز تبعثرها وانشطارها وتعاستها‪.‬‬

‫‪7‬‬
‫وهذه الميزات هي التي تأكدت بمرور الوقت‪ ،‬وازدادت صلبة‬
‫وتبلوًرا عن طريق احتكاكها الدائم بالمعطيات الجانحة‪ ،‬سواء‬
‫كانت وضعية أم دينية محّرفة‪ ،‬وهي التي يسوق اختبارها‪ ،‬ووضع‬
‫اليد عليها من قبل غير المسلمين إلى تبيّن خصوصية هذا الدين‪،‬‬
‫حة والسير‬ ‫وتفّرده وقدرته على الستجابة لمطالب النسان المل ّ‬
‫به صوب أهدافه المرتجاة‪.‬‬
‫فمن يستطيع – مثل ً – أن ينكر ما يتضمنه السلم من توازن بين‬
‫كافة الثنائيات‪ ،‬ووفاق بينها‪ ،‬بينما هي في سائر الديان والمذاهب‬
‫ضا‪ ،‬أو يطغى على‬ ‫الخرى تصطرع وتتقاتل‪ ،‬وينفي بعضها بع ً‬
‫حساب الخريات متفردًا بالسلطان ؟ إنه ما من دين أو مذهب –‬
‫م هذه الثنائيات في صميم الكينونة‬‫كالسلم – قدر على ل ّ‬
‫النسانية‪ ،‬في تركيب الجماعة البشرية‪ ،‬في نسيج النشاط‬
‫حد ودفع‬‫الحضاري‪ ،‬وتحويلها بالتناغم والتلؤم إلى قوى تو ّ‬
‫وانسجام في مسيرة النسان‪ .‬إنه اللقاء الموزون بين الظاهر‬
‫والباطن‪ ،‬والحضور والغياب‪ ،‬والمادة والروح‪ ،‬والقدر والختيار‪،‬‬
‫والضرورة والجمال‪ ،‬والطبيعة وما وراء الطبيعة‪ ،‬والتراب‬
‫والحركة‪ ،‬والوحدة والتنوع‪ ،‬والفردية والجماعية‪ ،‬والخلقية‬
‫والمنفعية‪ ،‬والعدل والحرية‪ ،‬والوحي والتجريب‪ ،‬والدنيا والخرة‪،‬‬
‫والفناء والخلود‪ ...‬هذا اللقاء الذي يشكل بحق واحدًا من نقاط‬
‫الجذب في السلم‪ ،‬ويدفع الكثيرين ممن يعاينونه ويختبرونه إلى‬
‫العجاب والنبهار‪.‬‬
‫من يستطيع أن ينكر قدرة السلم على تلبية مطالب النسان أيًا‬
‫كان موقعه في الزمان أو المكان‪ ،‬وأية كانت درجة رقيّه وتحضره‬
‫؟ إنه إذ يخاطب ويخطط لعناصر الديمومة والستمرار في كيان‬
‫النسان‪ ،‬ونسيج العلقات الجتماعية‪ ،‬تلك العناصر التي تعلو على‬
‫المتغيرات‪ ،‬بل تعمل من خللها‪ ،‬بحضورها البدي‪ ،‬وتتجاوز‬
‫عوامل التعرية والتآكل التي تأتي بالغناء عن الكثير من القيم‬
‫والخبرات الموقوتة‪ ،‬إنه إذ يفعل هذا فكأنه يتجاوز معضلة‬
‫"المرحلية" التي أسرت ول تزال الكثير من المذاهب والديان‬
‫ضيقة‪ ،‬فما لبثت حركة التاريخ أن تجاوزتها‪،‬‬ ‫ورفعتها إلى الزوايا ال ّ‬
‫أو أرغمتها على النسحاب لنها لم تكن تملك المرونة والنفتاح‬
‫اللذين يمكناها من مواصلة التعامل مع النسان‪ .‬لقد كان‬
‫السلم‪ ،‬وسيظل‪ ،‬هو القدر من بين سائر المذاهب‬
‫والممارسات‪ ،‬على تلبية حاجيات النسان وتطمين منازعه‪ ،‬وإننا‬
‫بمجرد أن نتفحص سيل المنتمين إلى هذا الدين في القرن‬
‫العشرين‪ ،‬وهم على ما هم عليه من تقدّم مشهود في السلّم‬
‫الحضاري‪ ،‬جنبًا إلى جنب مع حشود المنتمين إليه في أماكن‬

‫‪8‬‬
‫وأزمان شتى‪ ،‬وهم على ما هم عليه من تخلّف حضاري‪ ،‬يتبيّن لنا‬
‫كم أن السلم قدير على تلبية مطالب النسان‪ ،‬دون أن يشكل‬
‫انضواء النسان إليه أيّ ارتطام على الطلق بين حالته التاريخية‬
‫أو الحضارية وبين الصيغ والخرائط التي يلزم السلم باعتمادها‬
‫والسترشاد بها عبر اجتيازه رحلة الحياة الدنيا‪.‬‬
‫ومن يستطيع أن ينكر أن السلم جاء لكي يهدي النسان ككيان‬
‫بشري في كافة مكوناته وعلى قدر احتياجاته من غير زيادة أو‬
‫نقصان‪ ،‬وأنه بينما جنحت المذاهب والنظريات صوب جانب‬
‫فحسب من جوانب الكينونة البشرية‪ :‬العقل‪ ،‬أو الروح‪ ،‬أو‬
‫س‪ ،‬أو الوجدان‪ ...‬إلى آخره‪ ،‬بينما‬ ‫الغرائز‪ ،‬أو الجسد‪ ،‬أو الح ّ‬
‫عانت من التضخم والورم المرضي في هذا الجانب أو ذاك‪،‬‬
‫وضمرت وغابت في جوانب أخرى‪ ،‬نجد السلم يتقدم بهندسته‬
‫المعجزة لكي يتعامل مع النسان بمكوناته كافة‪ ،‬ولكي يكون‬
‫حاضًرا عند كل صغيرة أو كبيرة في معاناته‪ ،‬أية كانت طبيعة هذه‬
‫المعاناة عقلية أم روحية أم جسدية‪ .‬وإذا كنا قبل قليل نتكلّم عن‬
‫أن هذا الدين جاء لكي يكون رسالة السماء الخيرة للرض‪ ،‬فإنه‬
‫سيكون من قبيل التناقض أل يتضمن ميزة "التلؤم" الكامل مع‬
‫النسان‪ ،‬فإن الله سبحانه الذي هو أدرى بخلقه والذي يعرف من‬
‫خلق‪ ،‬يعرف في الوقت نفسه المنهاج الذي يصلح للنسان والذي‬
‫ما لدوره في الرض؛ إن‬ ‫ما تما ً‬
‫ما لحجمه‪ ،‬ملئ ً‬
‫يجيء موازيًا تما ً‬
‫المؤمنين يعرفون هذا جيدًا‪ ،‬وهم يعيشونه صباح مساء‪ ،‬وعبر‬
‫أربعة عشر قرنًا من الزمان كان المسلم وهو يتعامل مع دينه‪،‬‬
‫مقتنعًا حتى النخاع بأنه واجد فيه الجواب على كل سؤال يطرحه‪،‬‬
‫والحل لكل معضلة تجابهه‪ ،‬بل أنه واجد فيه التناسب الفذ ّ مع‬
‫ما تاركة‬ ‫منازعه كإنسان‪ ،‬بحيث أن هذه العقيدة لم تنكمش يو ً‬
‫إياه يتخبط في اجتهاداته الخاصة التي قد تخطئ وقد تصيب‪ ،‬ولم‬
‫ما بأكثر مما يجب بحيث يعجز عن ملحقة مطالبها‬ ‫تتسع يو ً‬
‫ما أن إحدى‬ ‫وإدراك أبعادها الشاسعة‪ ،‬لقد كان المسلم يعرف دائ ً‬
‫مزايا دينه هو هذا التلؤم بينه وبين النسان‪ ،‬أما غير المسلمين‬
‫فإنهم كثيًرا ما اختبروا هذا الجانب‪ ،‬فأكد لهم الختبار صدق‬
‫المقولة‪ ،‬وكان ذلك من بين عوامل وميزات أخرى‪ ،‬ما دفعهم إلى‬
‫أن يقولوا كلمتهم فيه‪ ،‬بل أن يعلن بعضهم انتماءه إليه‪.‬‬
‫من يستطيع أن ينكر – كذلك – حركية هذا الدين‪ ،‬أو دايناميته‬
‫البدية‪ ،‬قدرته على ملحقة المتغيرات‪ ،‬استجابته للتحديات‪،‬‬
‫حضوره الدائم في مواجهة الحداث والخبرات؟ من يستطيع‪،‬‬
‫رغم مرور السلم بفترات اختناق وتصلّب‪ ،‬طالت حينًا وقصرت‬

‫‪9‬‬
‫أحيانًا‪ ،‬أن يقول بأنه ما استرجع قدرته على الفعل والحوار في‬
‫أعقاب كل توقف‪ ،‬أو أنه فقد قدرته على الجدل إثر كل اختناق‪.‬‬
‫حص هذا الدين أن يلمح في تركيبه‬ ‫إن بمقدور المرء وهو يتف ّ‬
‫خطين متوازيين كان وجودهما م ًعا بمثابة حماية لذاتية السلم‪،‬‬
‫وتمكين له في الوقت نفسه من التحرك والنفتاح لكي يجابه‬
‫سائر الحالت والمتغيرات ويستجيب لمختلف الخبرات‬
‫والتحديات‪.‬‬
‫أما الخط الول فيتمثل بعناصر الديمومة والثبات التي ل ينالها‬
‫التغيير والتي تأبى على المتغيرات‪ ،‬بسبب من كونها حقائق أبدية‬
‫تجابه حالت دائمة ل تخضع للتبدلت التاريخية والحضارية‪ .‬وأما‬
‫الخط الثاني فيتمثل بتلك المكانات المرنة التي منحها السلم‬
‫أتباعه كي يجتهدوا أن يجابهوا بها المتغيرات ويستجيبوا للحالت‬
‫المتجددة استنادًا إلى السس والعناصر الدائمة الثابتة‪ .‬وهكذا‬
‫يمضي السلم القرون تلو القرون وهو يحمل قدرته المزدوجة‬
‫على حماية ذاته في مواجهة العالم‪ ،‬فيما لم تشهده أية عقيدة أو‬
‫مذهب آخر‪ ،‬ويحمل مع هذه قدرته الخرى على التكيف‬
‫والملءمة والستجابة‪.‬‬
‫ما ما كما تحققت في إطار‬ ‫إن وحدة الدين والحياة ما تحققت يو ً‬
‫هذا الدين‪ ،‬وإن ما قاله كبار الدارسين للسلم من غير أبنائه‬
‫يؤكد صموده للختبار في هذا الجانب الحيوي وتفوقه فيه‪.‬‬
‫وثمة ميزات وملمح كثيرة أخرى سنلتقي بها عبر فصول الكتاب‬
‫ولن يتسع لها المجال هاهنا‪ ،‬إذ هو على أية حال ليس مجال‬
‫الحديث عن السلم من الداخل‪ ،‬وإنما هي إشارة فحسب إلى‬
‫أن اختبار بعض هذه الميزات‪ ،‬من الخارج‪ ،‬أكَّد‪ ،‬وسيظل يؤكد‬
‫تفّرد هذا الدين وقدراته المتجددة التي ما لها من نفاد‪ .‬ويزيد هذا‬
‫الختبار أهمية أنه ل الديان المحرفة ول المذاهب الوضعية قدرت‬
‫م دفعة واحدة هذه الميزات جميعًا‪ .‬نعم إنها قد تألّقت‬ ‫على أن تل ّ‬
‫في هذا الجانب أو ذاك‪ ،‬ونالت إعجاب الناس لهذه الميزة أو‬
‫تلك‪ ،‬ثم إن هذا التألق والعجاب ما غطى سوى مرحلة زمنية‬
‫محددة فحسب‪ ،‬وما لبث أن انطفأ لكي يتحول التباع إلى ما‬
‫يبهرهم ويقنعهم‪ ،‬إلى عقائد ومذاهب أخرى‪ ،‬أو أنهم علّقوا على‬
‫القل إعجابهم وانبهارهم وفقدوا قناعاتهم بما كانوا قد انتموا إليه‬
‫من كانوا نصارى أو‬ ‫ما‪ ،‬كما يفعل الكثير من الغربيين اليوم م ّ‬ ‫يو ً‬
‫ماركسيين في يوم من اليام‪.‬‬
‫أما في السلم فإننا نجد حشدًا من الميزات‪ ،‬وقدرة في الوقت‬
‫نفسه على تجاوز أسر الزمان والمكان‪ ،‬والمتداد الدائم‪ ،‬عبر‬
‫الحالت والمتغيرات والتحديات‪ ،‬لكسب النسان‪ ،‬ومنحه القناعة‬

‫‪10‬‬
‫بتفرد هذا الدين وتميّزه على المذاهب والنظريات‪ ،‬وهو يبدو‬
‫حا في قرننا العشرين هذا بسبب من الخيبة التي مني بها‬ ‫واض ً‬
‫النسان وهو يتعامل مع هذه المذاهب والنظريات‪ ،‬المر الذي‬
‫يقودنا إلى وقفة عاجلة عند الخصائص الساسية للبيئة الفكرية‬
‫والنفسية والحضارية التي يعيشها النسان المعاصر فتدفعه دفعة‬
‫إلى البحث عن "البديل" أو العراب عن العجاب به أو بجانب‬
‫منه على أقل تقدير‪.‬‬

‫[ أزمة النسان والحضارة الغربية ]‬


‫بإيجاز شديد‪ ،‬ومن خلل معاينة أو مطالعة سيل من المعطيات‬
‫المعاصرة يستطيع المرء أن يضع يديه بسهولة على "الزمة"‬
‫التي يعانيها الفكر الغربي بجناحيه العلماني والمادي‪ ،‬والتي‬
‫يعيشها النسان المعاصر‪ ،‬والتي تجابه الحضارة الغربية المتفوقة‬
‫بنذر التعاسة‪ ،‬وتصيب جسدها الخاوي بالقروح‪.‬‬
‫وقد تبلورت هذه الزمة‪ ،‬في جوانبها كافة‪ ،‬من خلل طبيعة‬
‫الحياة الغربية المعاصرة‪ ،‬وحشود الشهادات التي أدلى بها ول‬
‫يزال عدد ليس بالقليل من مفكري الغرب وعلمائه وأدبائه‬
‫وفلسفته وفنانيه‪.‬‬
‫ورغم ما قد يبدو على هذه الشهادات – أحيانًا – من طابع ردّ‬
‫الفعل الذي يتّسم بالمبالغة أو التهويل‪ ،‬لكنه رد ّ فعل ملئم للزمة‬
‫التي تعانيها الحياة الغربيّة‪ ،‬ورد ّ الفعل كما هو معروف يجيء‬
‫مساويًا للفعل في قوته مخالفًا إيّاه في التجاه‪.‬‬
‫ثم إن هؤلء‪ ،‬الذين يقولون كلمتهم في الحضارة الغربية‪،‬‬
‫سا عاديين‪ ،‬إنهم – بل ريب – زهرة الثقافة‬ ‫ويدينونها‪ ،‬ليسوا أنا ً‬
‫الغربية وطليعتها التي ل تعبّر عن نفسها فحسب‪ ،‬ولكن عن‬
‫حشود المثقفين الذين يجتازون الممر الضيق نفسه ويكادون أن‬
‫يختنقوا‪ ،‬بل عن جماهير الناس العاديين الذين سنلتقي بنماذج‬
‫منهم في هذا الكتاب‪ ،‬والذين يحسون بالزمة ولكنهم ل‬
‫جا‪ ،‬بل ربما‪ ،‬كان‬ ‫يستطيعون أن يعبروا عنها بالصيغ الكثر نض ً‬
‫تعبير بعضهم أقرب إلى المباشرة والبساطة والفجاجة‪ ،‬من خلل‬
‫ضا‪،‬‬
‫موجات من الموضات السلوكية المنحرفة‪ ،‬يعقب بعضها بع ً‬
‫وهي في عمومها تمنح الدارس محصلة واحدة‪ :‬الحتجاج ضد‬
‫الحياة الغربية المعاصرة‪ ،‬ورفضها‪.‬‬
‫وبمجرد إلقاء نظرة سريعة على أعمال معروفة من مثل‬
‫منتمي) و(سقوط الحضارة) لكولن ولسون‪ ،‬و(الساعة‬ ‫(الل ُ‬
‫الخامسة والعشرون) لكونستانت جيور وجيو‪ ،‬و(الخمور الفكرية)‬
‫لرثر كوستلر و(الصرخة المختنقة) لسترايت و(الطريق إلى مكة)‬

‫‪11‬‬
‫لليوبولد فايس و(منعطف الشتراكية الكبير) و(البديل) لروجيه‬
‫جارودي و(عصر السريالية) لفاولي و(المذكرات) لكازانتزاكي‬
‫و(النسان ذلك المجهول) للكسيس كاريل و(حدود العلم)‬
‫لسوليفان ومؤلفات كتاب (العبث واللمعقول) من مثل بكت‬
‫وجان جينيه ويوشكو وبعض الكتاب الوجوديين وبخاصة كامي‬
‫وغيرها كثير(‪ )1‬يمكن أن نتلمس بوضوح حجم المعاناة التي تجابه‬
‫النسان والحضارة الغربية بأجنحتها كافة فتسوق البعض إلى‬
‫الرفض والنشقاق‪ ،‬والبعض الخر إلى البحث عن البديل وتسوق‬
‫فئة ثالثة إلى اليمان بهذا الدين‪ :‬السلم الذي رأوا فيه خلصهم‬
‫الوحيد‪.‬‬
‫إن انتماء رجل كليوبولد فايس‪ ،‬أو روجيه جارودي إلى السلم‪،‬‬
‫وكلهما يملك عقل ً كبيًرا‪ ،‬ويمثل باتساع ثقافته وعمقها‪ ،‬وبتنوع‬
‫خبرته‪ ،‬حصيلة الثقافة الغربية العميقة وغنى خبراتها‪ ،‬يعنى أن‬
‫هذه الثقافة لم تجد في مكوناتها الخاصة بها‪ ،‬على ازدحامها‬
‫وكثافتها‪ ،‬ما يمنح بعض العقول الكبيرة القناعة والتوازن واليقين‪.‬‬
‫بالعكس‪ ،‬فإن هذا الغنى الثقافي يكشف أكثر فأكثر‪ ،‬ضرورة أن‬
‫تكون هناك قاعدة أساسية تنبثق عنها هذه الثقافة عقيدة شاملة‪،‬‬
‫بعبارة أخرى‪ ،‬فالثقافة وحدها ل تكفي‪ ،‬وهي تميل في الغلب‪ ،‬إذا‬
‫لم تستند إلى أرضية عقيدية أو رؤية شمولية مقنعة‪ ،‬لن تتبعثر‬
‫وتتشتّت‪ ،‬وتجّر معها النسان إلى التبعثر والتشتت‪.‬‬
‫وإلى جانب هذا‪ ،‬ومن خلل المعاناة نفسها برزت على الساحة‬
‫الغربية ظاهرة (اللإنتماء) التي حدثنا عنها الباحث البريطاني‬
‫كولن ولسون في كتابيه المعروفين (اللمنتمي) و(سقوط‬
‫الحضارة) فأطال الحديث‪ .‬إن كبار المفكرين والفنانين والدباء‬
‫والفلسفة هناك لم يقدروا على التحقق الذاتي في إطار ثقافتهم‬
‫م هذه الثقافة‬ ‫تلك‪ ،‬بل لم يجدوا أوليات التوازن‪ ،‬واليقين في خض ّ‬
‫المتلطم‪ ،‬الكالح‪ ،‬العميق‪ .‬وكانت مأساتهم تكمن في أنهم كانوا‬
‫يعون هذا النفصال المحزن بين النسان فردًا ومجتمعًا وبين‬
‫ثقافته وإن اندفعت قيادات هذه الثقافة وقواعدها نحو نوع من‬
‫الندماج أو النسيان – ربما – بسبب من تضاؤل وعيها بانعدام‬
‫التوازن أو التلؤم بين النسان الغربي وبين ثقافته‪ ،‬نجد بالمقابل‬
‫ذلك التّيار المضاد‪ :‬حشد ٌ من المثقفين الكبار يتمردون على ثقافة‬
‫بلغت بهم شوطًا من الطريق‪ ،‬وهم يريدون أن يواصلوا الرحلة‬
‫صوب المصير فل تقدر معطياتهم الثقافية على منحهم المزيد‪.‬‬
‫لقد "امتلكوا العالم" كما يقول كولن ولسون ثم "ماذا بعد؟"‪.‬‬
‫إن النسان بطبيعة تركيبه ذي النزوع إلى الماورائيات يريد أن‬
‫يتجاوز العالم إلى الكون‪ ،‬جدران المادية إلى الغيب‪ ،‬الطبيعة إلى‬

‫‪12‬‬
‫ما وراءها‪ ،‬والسلطة إلى الحرية‪ ،‬إنه يريد أن يكسر السوار‪،‬‬
‫وينطلق بحثًا عن الله المفقود‪ .‬بعبارة أخرى إنهم يريدون‬
‫العقيدة التي تلبّي نزوعهم الطموح‪ ،‬وإن المرء ليلمس بوضوح‬
‫هذا التوجه صوب العقيدة الشمولية المتوازنة في معظم‬
‫المؤلفات الغربية التي أشرنا إلى نماذج منها‪ ،‬والتي حاول‬
‫أصحابها أن يعالجوا أزمة الوجود الثقافي الغربي على ضوء‬
‫المصير المقفل والدرب المسدود‪.‬‬
‫وإننا لنلمح على ضوء هذه الزمة التي تعانيها الثقافة الغربية‬
‫الدافع الذي جعل حشدًا من كبار المثقفين الغربيين‪ ،‬عبر الربع‬
‫الثاني من هذا القرن على وجه التقريب‪ ،‬من مثل آرثر كوستلر‬
‫واندريه جيد وريتشارد رايت واكناز سيلوني وستيفن بندر ولويس‬
‫فيشر وبيكاسو واراجون وجارودي وغيرهم يلجأون إلى‬
‫الماركسية‪ .‬إنه لم يكن توجهًا حًّرا بمعنى الكلمة‪ ،‬ولكنه ارتماء‬
‫المرهقين الباحثين عن الخلص بأية طريقة ومن خلل أي برنامج‬
‫يمتلك رؤية عقيدية شاملة تأخذ بيد النسان‪ ،‬حتى ولو كان الذي‬
‫يصوغها هو الشيطان‪.‬‬
‫لكن المشكلة التي سرعان ما تبدت لهؤلء الذين ارتموا في‬
‫أحضان الماركسية أنها هي الخرى تمتح من البئر نفسه الذي‬
‫يشكل ماؤه نسيج الثقافة الغربية وينفخ الحياة في عروقها‪.‬‬
‫الفلسفة المادية التي ترفض الغيب والروح‪ ،‬وتنكر وجود الله‪،‬‬
‫وتقطع الطريق إلى الجنة‪ ،‬وتحارب وجود الله‪ ..‬إنها هي الخرى‬
‫جم النسان‪ ،‬وتحصره في النطاق الضيّق‪ ،‬وتغلق البواب عليه‬ ‫تح ّ‬
‫لكي ل ينطلق صوب الفاق الرحبة التي تتجاوز حدود المنظور‬
‫والملموس وتتأبى على نداءات الجنس وصرخات المعاء‪.‬‬
‫وإذا كان ثمة فارق فإنه يكمن في امتلك الماركسية النظرة‬
‫الشمولية للعقيدة والفلسفة التي استهوت أولئك المثقفين‪ ،‬لكن‬
‫الجوهر هو الجوهر والنسيج هو النسيج‪ .‬فما ثمة بد لهؤلء من‬
‫الرتداد‪ ،‬كرة أخرى‪ ،‬بحثًا عن حل أكثر قبولً‪ ،‬وأقدر على تلبية‬
‫طموح النسان‪ ،‬بما أنه "إنسان" ل "حيوان اجتماعي"‪ ،‬ول مجرد‬
‫ل يمكّن‬‫أداة ميكانيكية‪ ،‬أو رقم مضاف إلى الشمال أو اليمين‪ .‬ح ّ‬
‫المثقف الغربي من التحقّق الذاتي الضائع‪ ،‬وإذا كانت الكثرية‬
‫القلقة لم تقدر لسباب شتى‪ ،‬ليس هذا مجال تحليلها أو حتى‬
‫الشارة إليها‪ ،‬على أن تجد طريقها صوب الهدف‪ ،‬فإن إسلم‬
‫عشرات الغربيين بل مئاتهم‪ ،‬إشارة مؤكدة على أن هناك من‬
‫يقدر على الوصول وعلى أن رحلة البحث عن المصير الموازي‬
‫لحجم النسان ستؤتي ثمارها بإذن الله‪.‬‬

‫‪13‬‬
‫إن الزمة الغربية الراهنة‪ ،‬في جوانبها الفكرية والنفسية‬
‫والحضارية‪ ،‬تأخذ أبعادًا شتى‪ ،‬ليس أقلها خطورة – إذن – ذلك‬
‫الضمور والضحالة الروحية اللذان تعانيهما الحضارة المعاصرة‬
‫بكافة مذاهبها ونظمها ومعطياتها‪ ،‬الضمور والضحالة اللذان‬
‫يصلن حد ّ الخواء‪ ،‬وانعدام أي بعد يمنح النسان المعاصر رؤية‬
‫أوسع مدى‪ ،‬وتجربة أعمق غوًرا‪ ،‬يتجاوز بهما سطحية حياته‬
‫المادية ورتابة تجربته المباشرة‪ ،‬ويكسر جدران الحس القريب‬
‫لكي يمد ّ في تجربة "النسان" ويمنحها كثافة أشد‪ ،‬وتوغل ً أبعد‪،‬‬
‫ومنظوًرا لتكون الحياة والعالم والنسان أكثر غنى‪ ،‬إنه خواء‬
‫يستل اليقين بكل ما من شأنه أن يمنح الحياة البشرية تفردّها‪،‬‬
‫وتألّقها‪ ،‬وتميزها عن سائر الحيوان‪ ،‬ويعطي أبناءها الفرصة‬
‫للستهداء بحشد من القيم‪ ،‬والضوابط والمناهج المرسومة‪ ،‬التي‬
‫يتحركون على هديها إلى أهداف تليق بهم‪ ،‬وتخلّصهم من‬
‫الفوضى والتخبّط والرتجال‪.‬‬
‫إن حضارة تفتقد اليقين الديني لن يكون بمقدورها أن تمنح‬
‫النسان كل ما يري‪ ،‬وإن النسان إن لم يجد نفسه في بيئة‬
‫تتعامل معه كإنسان‪ ،‬بكل مكوناته‪ ،‬وأشواقه‪ ،‬ومنازعه‪ ،‬فإنه‬
‫سيتمرد – ول ريب – على هذه البيئة‪ ،‬وينشق عليها‪ ،‬طال الوقت‬
‫أم قصر‪.‬‬
‫______________________________________________‬
‫(‪ )1‬انظر المؤلفات التالية للمؤلف‪( :‬تهافت العلمانية)‪( ،‬الدب‬
‫في مواجهة المادية)‪( ،‬العلم في مواجهة المادية)‪( ،‬فوضى العالم‬
‫في المسرح الغربي المعاصر)‪( ،‬أضواء جديدة على لعبة اليمين‬
‫واليسار)‪.‬‬

‫[ الخطاء المنهجية للفكر الوضعي ]‬


‫وثمة النظرة الحادية للفكر الغربي الوضعي(‪ ،)1‬والمنهج ذو‬
‫الوجه الواحد الذي طالما اعتمده هذا الفكر وتشبث به‪ .‬إنه ملمح‬
‫ل يقل خطورة عن الملمح السابق ومن ثم سنقف عنده بعض‬
‫الشيء‪.‬‬
‫ما‪،‬‬
‫إن المرء كثيًرا ما يتساءل‪ :‬لماذا يصّر الفكر الوضعي عمو ً‬
‫والغربي بخاصة‪ ،‬على التشبث بجانب واحد من الفكرة ذات‬
‫الجوانب العديدة ويقف عند مساحة محدودة منها بينما هنالك‬
‫مساحات أخرى ؟ ولماذا يصّر على تبسيط الظاهرة وحملها على‬
‫ل على النسان بوجه مسطح واحد بينما هنالك وجوه‬ ‫أن تط ّ‬

‫‪14‬‬
‫عدّة ؟ ولماذا يتشنّج على طبقة واحدة من الحقيقة بينما هي‬
‫تتضمن طبقات وطبقات ؟‬
‫إن السبب قد يحمل بعدًا نفسيًا ذاتيًا صرفًا‪ ،‬فالمفكّر الوضعي‬
‫الذي يكتشف جانبًا من الحقيقة‪ ،‬أو مساحة من الظاهرة‪ ،‬أو وجهًا‬
‫ما من الفكرة‪ ،‬ليسعى للعتقاد بأن ما اكتشفه هو الجانب الوحيد‬
‫للحقيقة‪ ،‬والمساحة الكلية للظاهرة‪ ،‬والوجه المتفرد للفكرة‪،‬‬
‫ويبذل جهدًا متواصل ً لقناع أتباعه بذلك ولشدة التكرار واللحاح‬
‫يتوهم هؤلء بأن ما يقوله هو الحق وأن اكتشافه الفكري هو‬
‫الصواب وأنه يتضمن أطراف الحقيقة أو الفكرة أو الظاهرة‬
‫كافة‪.‬‬
‫إنها نوع من الرغبة في تعبيد الناس للمفكر‪ ،‬وكسب إعجابهم‬
‫وانبهارهم من خلل أطروحاته الفكرية المعّززة باستنتاجات‬
‫ومعطيات متواصلة لتأكيد أنها الحق المطلق وأن ما وراءها‬
‫الباطل والضلل‪ .‬وهو يبني موقفه هذا‪ ،‬أو كسبه غير المشروع‬
‫ح التعبير‪ ،‬على ما قد يتضمنه العقل البشري من قصور‬ ‫إذا ص ّ‬
‫وعدم قدرة على اللمام بجوانب الحقيقة‪ ،‬وافتقاده النظرة‬
‫الكلية التي تستشرف أطراف الظاهرة من كل مكان‪ .‬هذا العقل‬
‫الذي يظل يعاني من نقصه هذا طالما هو لم يستهد بدين‬
‫سماوي‪ ،‬ببرنامج عمل موضوعي يجيء من السماء ويمنح‬
‫النسان والعقل النساني‪ ،‬بما يتضمنه من علم إلهي شامل‪،‬‬
‫القدرة على تجاوز النظرة أحادية الجانب‪ ،‬والتوغل لدراك جوانب‬
‫الحقيقة ومساحاتها وطبقاتها جميعًا‪.‬‬
‫إن المفكر الوضعي يمارس هنا نشاطا ً ضد المنهج‪ ،‬ضد‬
‫الموضوعية والتجرد العلمي‪ ،‬وهذه الضدّية تجيء على حساب‬
‫الحقيقة‪ .‬نعم‪ ،‬قد يكسب المفكر الجولة وقد يلتف حوله‬
‫ن لفترة طويلة من الزمن أنه وضع‬ ‫المريدون والتباع‪ ،‬وقد يُظ ّ‬
‫يده على مفاتيح الحقيقة وأنه سبر غورها العميق‪ ،‬ولكن الخاسر‬
‫في هذه اللعبة التي تكررت على الساحة الوروبية عشرات‬
‫القرون هو الحقيقة والنسان الذي يتوخى معرفتها وإدراكها في‬
‫نهاية المر‪.‬‬
‫ويقوم هذا النشاط الذي يمارسه المفكر ضد المنهج والموضوعية‬
‫على محاولة توسيع مساحة "الكتشاف" لجعله يلف الظاهرة‬
‫كلها‪ ،‬فيمطّه بأي أسلوب لكي يحيط بالفكرة من جوانبها كافة‪،‬‬
‫ضا وعمقًا‪.‬‬‫خم لكي يوازي الحقيقة طول ً وعر ً‬ ‫ويرغمه على التض ّ‬
‫والمشكلة أن هذا الكتشاف الذي يحمل قيمته الكبيرة بحد ّ ذاته‪،‬‬
‫سر جانبًا من الفكرة‪ ،‬قد‬ ‫قد يغطي مساحة من الظاهرة‪ ،‬قد يف ّ‬
‫ينشر شعاع ًا على جهة محدودة من الحقيقة لكي يضيئها‪ .‬ولكن‬

‫‪15‬‬
‫ما مساحات وجوانب أخرى من الظواهر والفكار‬ ‫تبقى دائ ً‬
‫والحقائق ل يكفي الكتشاف – إن على مستوى النوع أو على‬
‫مستوى الكم – لتفسيرها وإضاءتها‪ ،‬لبد من اكتشافات أخرى‬
‫وإضاءات متتالية‪ ،‬تأخذ طابع التتابع والتكامل‪ ،‬وتسلط على‬
‫الحقائق والظواهر والفكار من أطرافها جميعًا‪ ،‬ويسهم فيه خط‬
‫طويل من المفكرين‪ ،‬وعقول متألقة ل يحصيها عدّ‪ ..‬وعند ذلك‬
‫سا‪.‬‬
‫قد تصل إلى تفسير هذه الظاهرة أو تلك وقد ل تصل أسا ً‬
‫إن هذا يتم في ميدان العلوم النظرية (الصرفة) والتطبيقية‬
‫(التقنية) ولهذا حقّقت هذه العلوم تلك الخطوات العملقة‪،‬‬
‫وقدّمت للنسان خدمات جلى ل يستطيع أحد أن ينكر دورها‬
‫الفعال في استمرار الحضارات وبخاصة الحضارة الغربية‬
‫المعاصرة‪.‬‬
‫لكن العلوم النسانية شهدت صيغة أخرى في العمل‪ ،‬صيغة‬
‫النفراد‪ ،‬والذاتية‪ ،‬والدعاء‪ ،‬والتضخم‪ .‬ولذا لم تستطع أن تقدم‬
‫للنسان ع ُشر معشار ما قدمته العلوم النظرية والتطبيقية‪ ،‬ولهذا‬
‫ضا – آلت إلى الفشل والسقوط الواحدة تلو الخرى‪.‬‬ ‫– أي ً‬
‫فعلى سبيل المثال‪ ،‬لماذا يصّر عقل فذ (كهيغل) على جعل‬
‫الجدل أو الديالكتيك أو التقابل المتضاد بين الحقائق والتجارب‬
‫يقتصر على نطاق (الفكرة)؟ ولماذا يجيء (ماركس) و(انجلز)‬
‫بعده لكي يديناه على أحادية نظرته‪ ،‬بل على وضعها المقلوب‪،‬‬
‫لكنهما ما يلبثان أن يقعا في الخطأ نفسه فيتشنجان على نظرية‬
‫الديالكتيك المادي‪ ،‬أي الجدل في نطاق المادة وحدها؟ إنهما‬
‫يتهمان (هيغل) بأنه وضع فلسفة "تمشي على رأسها" لكنهما‬
‫وهما يسعيان لتعديل الوضع الفلسفي‪ ،‬قدّما فلسفة تمشي على‬
‫بطنها بحثًا عن الخبز وحده‪.‬‬
‫أما كان الولى أن يتجاوز (هيغل) تشبثه بالفكرة‪ ،‬وأن يبعد‬
‫(ماركس) و(انجلز) قليل ً عن الرضية المادية‪ ،‬وأن يحاول‬
‫الطرفان وضع صيغة للجدل أكثر شمولية تتضمن الفكري‬
‫والمادي معًا؟ ثم لماذا يصّر الطرفان على أن الجدل بين الفكار‬
‫ما إلى‬‫أو الصيغ المادية يأخذ طابع التناقض والتضاد ويقود دو ً‬
‫الصطراع؛ أل يتحتم أن تضاف إليه صيغ أخرى للعلقة تأخذ طابع‬
‫(التبادل) بدل ً من التضاد؟ تبادل في الخذ والعطاء دونما ضرورة‬
‫تدفع لصراع محتوم‪ ،‬ودونما اطراح لبعض العناصر من هذا‬
‫حد الجديد‪ ..‬وغير‬ ‫الجانب أو ذاك‪ ،‬بل بلورته وتبنّيه وإضافته للمو ّ‬
‫(هيغل) و(ماركس) و(انجلز) كثيرون جدًا‪.‬‬
‫إن ثمة أسئلة كثيرة تخطر على بال النسان وهو يتعامل مع‬
‫الفكر الوضعي ولئن لم تحظ بأي جواب‪ ،‬فإن هناك ما يشبه‬

‫‪16‬‬
‫القناعة تبرز لكل ذي عينين‪ :‬أن النظرة أحادية الجانب‪ ،‬تلك التي‬
‫تأخذ بخناق هذا الفكر‪ ،‬إن هي إل انعكاس لنوع من الدعاء‬
‫والغرور‪ ،‬وربما الكذب‪ ،‬سواء شئنا أم أبينا‪ ،‬إن معظم المفكرين‬
‫ما ت َ ْهوَى‬
‫ن َو َ‬‫ن إل َّ الظ َّ َّ‬
‫الغربيين كما يصفهم كتاب الله {إِن يَتَّب ِ ُعو َ‬
‫س} [سورة النجم‪ ،‬الية ‪.]23‬‬ ‫َ‬
‫النْفُ ُ‬
‫تلك هي أزمة الفكر الوضعي من جهة المفكر نفسه‪ ،‬أي من‬
‫الزاوية التي يطل بها على العالم‪ ،‬والمنهج الذي يعتمده في‬
‫التعامل مع الظواهر والحقائق والشياء‪ .‬ولكننا نريد أن نقف‬
‫لحظات في الجهة الخرى‪ ،‬جهة العقل الغربي المتلقّي وهو‬
‫يتعامل مع معطيات مفكريه‪ :‬مذاهب ومدارس وعقائد ونظريات‬
‫جهة المثقفين الغربيين وهم ينتمون إلى هذه المدرسة أو تلك‪،‬‬
‫وإلى هذا المذهب أو النظرية أو ذاك‪.‬‬
‫ضا نجابه بعدد من الخطاء المنهجيّة في طبيعة هذا‬ ‫فهاهنا أي ً‬
‫حا في المشكلة‬ ‫التعامل‪ ،‬ويكمن أكبر هذه الخطاء وأشدها وضو ً‬
‫مم المذهب‪،‬‬ ‫نفسها التي يعاني منها المفكر واضع النظرية أو مص ّ‬
‫تلك هي – مرة أخرى – النظرة أحادية الجانب حيث يمارس‬
‫المثقف ما يمكن اعتباره خداع ًا وتضليل ً على حساب الحقيقة‪ ،‬أو‬
‫ما يمكن اعتباره خطأ منهجيًا على أقل تقدير‪ .‬إنه يصدّق فعل ً أن‬
‫(الكتشاف) الذي حققه هذا المفكر أو ذاك‪ ،‬ومطّه ونفخ فيه لكي‬
‫يجعل منه نظرية أو مذهبًا‪ ،‬يفسر كل شيء‪ ،‬ويلقي ضوءه على‬
‫كل معضلة أو مسألة غامضة في الوجود والعالم‪ ،‬يصدّق أن هذا‬
‫الكتشاف هو الحق المطلق‪ ،‬الرؤية المتفردة‪ ،‬الكشف النهائي‬
‫للسنن والقوانين التي تحرك العالم وتفسر معطياته في الوقت‬
‫ذاته‪ .‬وهم‪ ،‬أي المثقفون‪ ،‬يدفعون أنفسهم إلى نوع من‬
‫الستسلم لهذا التصوّر‪ ،‬يصل بهم أحيانًا حد ّ الوثنية والتعبّد‪،‬‬
‫فيفقدوه القدرة على أي تفكير مستقل يخرج بهم عن دائرة‬
‫المذهب الذي انتموا إليه‪ ،‬والمفكر أو الفيلسوف الذي آمنوا به‪،‬‬
‫جا‬
‫بل أنهم يعتبرون آية محاولة لتجاوز أطروحات المذهب خرو ً‬
‫على التعاليم المقدسة‪ ،‬وهرطقة يستحق صاحبها أشد العقاب‪.‬‬
‫وإذا كان المفكر الوضعي يتخذ موقف المعلم المطلق‪ ،‬أو صاحب‬
‫الكتشاف المقدس‪ ،‬لتحقيق حاجة ذاتية في تركيبه الخاص‪ ،‬فما‬
‫الذي يجعل المثقف المتلقي‪ ،‬أو التابع‪ ،‬يتخذ موقف التسليم‬
‫المطلق والنقياد العمى للفكرة أو الكتشاف ويتشنج عليهما‬
‫ويعتبرهما الحق الذي ليس وراءه سوى الضلل؟‬
‫ضا‪ ،‬فإن النتماء لمذهب ما‬ ‫قد يلعب البعد النفسي دوره هنا أي ً‬
‫والمبالغة في العتقاد بأنه الحق المطلق واليقين الكامل‪ ،‬يمنح‬
‫الذات فرصة للتحقق والتوازن والمتلء‪ ،‬ويشبع فيها حاجات‬

‫‪17‬‬
‫كانت في كثير من الحيان بمثابة الدافع القوي للسلوك البشري‪.‬‬
‫لكن هذا وحده ل يكفي‪ .‬إنه – مرة أخرى – القصور العقلي‪ ،‬عدم‬
‫قدرة النسان على بلوغ اليقين المطلق‪ ،‬أو رؤية الحقيقة كاملة‬
‫طالما هو يرفض التلقي عن العلم اللهي الشامل‪ ،‬ومن ثم يجد‬
‫نفسه أسير التجزيئيّة والقصور‪ ،‬والرؤية ذات البعد الواحد‪ .‬وهو‬
‫من أجل تجاوز محنته‪ ،‬بل بسبب من اعتقاده بقدرته العقلية‬
‫الفائقة‪ ،‬يندفع للتصديق بهذه النظرية أو تلك‪ ،‬والتسليم بهذا‬
‫الكشف أو ذاك‪ ،‬ل لنها بحد ذاتها تحمل الصواب المطلق‪ ،‬بل لنه‬
‫هو نفسه ل يملك المقاييس الموضوعية النهائية للحكم عليها‬
‫ومن ثم فقد يمتلك القناعة الكافية‪ ،‬المناسبة مع قدراته‬
‫المحدودة‪ ،‬في أن هذا الذي يطرحه مفكر أو فيلسوف ما هو إل‬
‫الصدق واليقين والحق‪ ،‬وأن النتماء إليه يمنح الفكر معادلته‬
‫الموضوعية‪ ،‬وتوازنه‪ ،‬واستقراره‪.‬‬
‫إن المشكلة‪ ،‬مرة أخرى‪ ،‬تكمن في غياب الرؤية الدينية‪ ،‬انعدام‬
‫المقاييس الموضوعية التي تنبثق عن العلم اللهي الشامل‪ .‬وهنا‪،‬‬
‫في الساحة التي يتفرد فيها بالسلطان العقل ذو القدرات‬
‫النسبية‪ ،‬يصبح النتماء مجرد اجتهاد شخصي قد يخطئ وقد‬
‫يصيب‪ ،‬وهو حتى إذا أصاب‪ ،‬فإنه ل يتحقق بالمعرفة الكلية‬
‫اليقينية الشاملة‪ ،‬لنه ليس بمقدور عقل بشري أن يبلغ شواطئها‪.‬‬
‫وهنا قد يسأل المرء‪ :‬إذا حدث أن طرح مفكر ما كشفًا أو‬
‫نظرية‪ ،‬تناقض في جوهرها كشف مفكر آخر أو نظريته‪ ،‬فمن‬
‫يكون من أتباع كل المفكرين على حق ومن يكون على ضلل؟‬
‫إن هذا التناقض الطولي بين مفكر وآخر يعملن في مجال واحد‪،‬‬
‫من مثل التناقض بين (هيغل) و(ماركس) أو بين (دارون)‬
‫وحفيده‪ ،‬أو بين (فرويد) وبعض تلمذته الذين انشقوا عليه‪ ،‬يكفي‬
‫لوحده أن يهّز قناعات التباع بكل الربوبيات والصنميات الفكرية‪،‬‬
‫لكن هذا ل يحدث إل نادًرا‪ ،‬لن القصور الفكري وضياع المقاييس‬
‫الشمولية‪ ،‬فضل ً عن الحاجات والدوافع النفسية في الحتماء‬
‫بهذه النظرية أو تلك والمتلء بقناعاتها يمنع هذا المصير‪.‬‬
‫مهما يكن من أمر‪ ،‬فإن بعض المفكرين بسبب من تضخم‬
‫إحساسهم بالقدرة على الكشف‪ ،‬وبأن كشفهم هذا قادر على‬
‫المتداد لتغطية جوانب الحقيقة كافة وتفسير كل شيء‪ ،‬بسبب‬
‫من هذا يتجاوزون – أحيانًا – دوائر تخصصهم‪ ،‬ويوغلون في‬
‫مجالت ودوائر أخرى للمعرفة قد ل يملكون من الدوات‬
‫والوسائل ما يمكنهم من أن يحققوا فيها ما حققوه هناك في‬
‫حا‪،‬‬
‫حقل تخصصهم وإبداعهم‪ .‬وإذا كان الدافع لهذا السلوك واض ً‬
‫فما الذي يدفع (التباع) إلى تقبل هذا الموقف واعتبار معطيات‬

‫‪18‬‬
‫المفكر‪ ،‬حتى في مجالت تبعد عن تخصصه‪ ،‬بمثابة الحقيقة‬
‫النهائية هي الخرى؟‬
‫(إن هذا بالذات ما يحدث بالنسبة للماركسيين – على سبيل‬
‫المثال – وهم يتعاملون مع اكتشافات (ماركس) في حقول‬
‫القتصاد والفلسفة والتاريخ‪ ،‬فيرونها جميعًا بمثابة المور التي‬
‫تتجاوز حدود الحقائق الختبارية إلى نوع من القدسية التي يتحتّم‬
‫سها أحد بأية صيغة من صيغ التساؤل والشك‪ .‬فإذا كان‬ ‫أل يم ّ‬
‫(ماركس) في حقل القتصاد قدّم في دائرته كشوفًا ذات قيمة‪،‬‬
‫فما الذي يحتم على أتباعه قبول كل معطياته وكشوفاته في‬
‫مجالين آخرين قد ل يكون صاحب القول الفصل فيهما وهما‬
‫الفلسفة والتاريخ ؟‬
‫إن الفلسفة التي تتعامل مع المادة ل يمكن أن تمنحنا قناعات‬
‫كافية إن لم تبدأ من المختبر‪ ،‬وتنبثق عن أسس فيزيائية علمية‬
‫كما يفعل رجال من أمثال (هايزنبرغ) و(اينشتاين) و(كاريل)‬
‫وغيرهم‪ .‬والبحث في التاريخ ما لم يستكمل تفاصيل وجزئيات‬
‫كل عصر وبيئة ل يمكن أن يمنحنا نتائج نهائية‪.‬‬
‫وعلى ضوء هاتين البديهيتين يمكن أن نقيّم معطيات (ماركس)‬
‫في هذين الحقلين‪ ،‬ونحن لزلنا نذكر عبارة الباحث القتصادي‬
‫(أوسكار لنكه) وهو أحد أكبر أخصائيين في اقتصاد الدول‬
‫النامية‪ ،‬فهو بعد أن يستعرض جهود الكتاب الذين اهتموا بدراسة‬
‫اقتصاد مجتمعات ما قبل الرأسمالية‪ ،‬منذ عصر (ماركس) وحتى‬
‫عصر (بورشييف) يقول ما معناه‪" :‬ولكن هذه الدراسات جميعها‬
‫مفككة‪ ،‬لذلك فإن القتصاد السياسي للنظم الجتماعية ما قبل‬
‫ما‬‫الرأسمالية لما يخرج بعد إلى حيز الوجود باعتباره فرع ًا منظ ً‬
‫من فروع القتصاد السياسي"‪ .‬ولكن هل يكفي هذا كله لفك‬
‫الرتباط الوثني بين التباع والرباب وتجاوز تقاليد قرون طوال‬
‫سادت الفكر الغربي ول تزال؟‪.‬‬
‫قد يتساءل المثقف الغربي‪ ،‬ومن حقه أن يتساءل‪ ،‬هل معنى‬
‫قبول الدين‪ ،‬والسلم على وجه الخصوص‪ ،‬أن نتخلى – بمعنى‬
‫من المعاني – عن بعض درجات سلّمنا الحضاري المتقدمة‪ ،‬أو أن‬
‫نتجاوز "العلمية" التي تميّز هذه الحضارة‪ ،‬والتي هي منهجها‬
‫وشعارها؟‬
‫حي ببعض‬ ‫م خلصنا الديني بالسلم‪ ،‬أن نض ّ‬ ‫بعبارة أخرى‪ :‬هل يحت ّ‬
‫منجزاتنا العقلية‪ ،‬وخبراتنا الحضارية‪ ،‬من أجل هذا الخلص ؟ وهل‬
‫أنه ل مناص من الختيار بين الثنين‪ :‬إما هذا أو ذاك؟‬
‫إن الجواب على هذا السؤال المشروع بجانبيه‪ ،‬أي ما يتعلق‬
‫ص العلم‪ ،‬يقتضي وقفة متأنية لكي نعرف ما‬ ‫بالحضارة وما يخ ّ‬

‫‪19‬‬
‫الذي يقوله السلم بصددهما‪ ،‬ما الذي قدّمه أو نسجه؟ وما هي‬
‫مة من تأشيرات‬ ‫طبيعة منظوره للحضارة‪ ،‬ورؤيته للعلم؟ وهل ث ّ‬
‫ض والعطاء؟ هل أنه‬ ‫سلبية على أنشطتهما‪ ،‬أم أنه اللقاء‪ ،‬والح ّ‬
‫النفصال الذي اعتقدته العلمانية الوروبية كرد ّ فعل للنصرانية‬
‫ضر والعلم‪ ،‬بشكل أو بآخر‪ ،‬أم أنه‬ ‫التي وقفت بمواجهة التح ّ‬
‫التناغم والتصال؟‬
‫لن يسمح هذا المدخل الموجز لتقديم الجواب ويكفي أن نتابع‬
‫"الشهادات" التي تضمنها هذا الكتاب والتي ل تدع مجال ً للشك‬
‫ضر والعلم معًا في‬ ‫في أن السلم‪ ،‬بمعنى من المعاني‪ ،‬هو التح ّ‬
‫إطار رؤية دينية تتميز بالشمولية والتوازن‪.‬‬
‫إنه يتحتّم علينا أل ننساق وراء المقولة الخاطئة التي اصطنعتها‬
‫العلمانية الوروبية‪ ،‬والتي تتركز بعبارة "إما هذا أو ذاك"‪ ،‬أي إما‬
‫ضر‪ ،‬إما الدين وإما العلم‪ ،‬إما الله وإما النسان‪،‬‬ ‫اليمان أو التح ّ‬
‫وباختصار‪ :‬إما السماء وإما الرض‪.‬‬
‫فهاهنا‪ ،‬في نسيج التصوّر السلمي‪ ،‬متناسقًا مع سداه ولحمته‪،‬‬
‫نلتقي الشعار الخر الذي يتحتم على الغربيين أن يعرفوه جيدًا‬
‫ويوقنوا به‪ :‬هذا وذاك‪ ،‬اليمان والتحضر‪ ،‬الدين والعلم‪ ،‬الله‬
‫والنسان‪ ،‬السماء والرض‪.‬‬
‫ضر وتبنيّه لهما‪ ،‬كما سيتبين‬ ‫إن السلم‪ ،‬بانفتاحه على العلم والتح ّ‬
‫لنا‪ ،‬يجعل من مرور الزمن‪ ،‬وتراكم الخبرات العلمية والحضارية‪،‬‬
‫حا بيده وليس ضده‪ ،‬كما فعلت النصرانية وبعض الديان‬ ‫سل ً‬
‫صا‪ ،‬كتلك التي أمسك بها موسى عليه‬ ‫الخرى‪ ،‬سيجعل منها ع ً‬
‫السلم‪ ،‬فضرب بها البحر ومضى بأتباعه صوب أهدافه المرتجاة‪.‬‬
‫وإنه من خلل المعطيات العلمية والحضارية ستتبين لكل ذي فكر‬
‫مصداقية هذا الدين وأحقيته بالتفّرد والسلطان‪ .‬فما قال به في‬
‫عصر تنّزله البعيد‪ ،‬جاءت هذه المعطيات لكي تؤكده وتكشف‬
‫عنه النقاب‪ .‬وإن القرآن الكريم ليؤكد هذا البعد الزمني في‬
‫مهِ‬‫حيطُوا ْ بِعِل ْ ِ‬ ‫م يُ ِ‬ ‫ما ل َ ْ‬ ‫ل كَذَّبُوا ْ ب ِ َ‬ ‫آيتين‪ :‬إحداهما قول الله تعالى‪{ :‬ب َ ْ‬
‫َ‬ ‫ْ‬ ‫ول َ َ ْ‬
‫ف كَا َ‬
‫ن‬ ‫م فَانظُْر كَي ْ َ‬ ‫من قَبْلِهِ ْ‬ ‫ن ِ‬ ‫ب ال ّذِي َ‬ ‫ك كَذ َّ َ‬ ‫ه كَذَل ِ َ‬‫م َ تَأوِيل ُ ُ‬ ‫ما يَأتِهِ ْ‬ ‫َ ّ‬
‫صلت‪ ،‬الية‬ ‫ن} [سورة يونس‪ ،‬الية ‪ ،39‬وسورة ف ّ‬ ‫مي َ‬ ‫ة الظ ّال ِ ِ‬ ‫ع َاقِب َ ُ‬
‫ق وَفِي‬ ‫الفَا ِ‬ ‫َ‬
‫م آيَاتِنَا فِي‬ ‫سنُرِيهِ ْ‬
‫َ‬
‫‪ .]53‬والثانية‪ :‬قول الله تعالى‪َ { :‬‬
‫أَنفُسهم حتَى يتبي َن لَه َ‬
‫ه ع َلَى ك ُ ِّ‬
‫ل‬ ‫ك أن َّ ُ‬‫ف بَِرب ِّ َ‬ ‫م يَك ْ ِ‬ ‫حقُّ أوَل َ ْ‬ ‫ه ال ْ َ‬
‫م أن َّ ُ‬
‫ِ ِ ْ َ ّ َََّ َ ُ ْ‬
‫شهِيدٌ}‪ .‬بعد الخبرة والتقدم‪ ،‬والزمن الذي يضيف بحساب‬ ‫يءٍ َ‬ ‫ش ْ‬ ‫َ‬
‫ضر‪.‬‬ ‫الكم والنوع إلى نهر العلم والتح ّ‬
‫إن النتماء للسلم يضع النسان في حالة تساوٍ وتآلف مع السنن‬
‫الكونية‪ ،‬ويجنبه الرتطام بها‪ ،‬فيمنحه قوة أكبر على التقدم‬
‫والندفاع من خلل توافق طاقاته مع طاقات الكون ونواميسه‪.‬‬

‫‪20‬‬
‫كما أن النتماء للدين الذي يدعوه للكشف عن السنن والطاقات‬
‫المذخورة في الكون والعالم‪ ،‬والفادة منها يمنحه قدرات مضافة‬
‫على التحضر والبداع والتقدم جنبًا إلى جنب مع دعوته للكشف‬
‫عن قوانين الحركة التاريخية واعتمادها لتنفيذ مهمته العمرانية‬
‫في العالم والتعجيل بها‪.‬‬
‫إن السلم‪ ،‬في نهاية التحليل وبدايته كذلك‪ ،‬دعوة إلى التقدم‬
‫ضر بأي منظور ومن أية زاوية‪ ،‬وإن المنتمين إليهم يجدون‬ ‫والتح ّ‬
‫فرصتهم الحقيقية لذلك‪ ،‬ليس من قبيل الدّعاء والغرور ولكن‬
‫من خلل العقل والتحقّق اللذين يحرسهما اليمان والتقوى‬
‫ويدفعهما الحسان إلى المزيد‪ ،‬كما سيتبين لنا من قراءة فصول‬
‫هذا الكتاب‪.‬‬
‫______________________________________________‬
‫(‪ )1‬المقصود هنا المدلول اللغوي ل الصطلحي لكلمة‬
‫(الوضعية)‪.‬‬
‫(‪ )2‬محمد علي نصر الله‪ :‬أضواء على نمط النتاج السيوي‪،‬‬
‫مجلة آفاق عربية‪ ،‬سنة ‪ ،2‬عدد ‪. 8 ،7 ،6‬‬
‫(‪)3‬‬
‫عالج المؤلف هذه المسألة في الكتب التالية التي يمكن الرجوع‬
‫إليها لمتابعة التفاصيل‪( :‬مدخل إلى موقف القرآن الكريم من‬
‫العلم)‪( ،‬حول إعادة تشكيل العقل المسلم)‪( ،‬التفسير السلمي‬
‫للتاريخ)‪ ،‬و(مؤشرات حول الحضارة السلمية)‪.‬‬
‫الدكتور عماد الدين خليل في كتابه النفيس ‪:‬‬
‫قالوا عن السلم‬
‫‪ ( .1‬سنرستن السوجي ) أستاذ اللغات السامية‬
‫يقول (سنرستن السوجي) أستاذ اللغات السامية‪ ،‬في كتابه‬
‫"تاريخ حياة محمد"‪" :‬إننا لم ننصف محمدًا إذا أنكرنا ما هو عليه‬
‫من عظيم الصفات وحميد المزايا؛ فلقد خاض محمد معركة‬
‫الحياة الصحيحة في وجه الجهل والهمجية‪ ،‬مصًرا على مبدئه‪ ،‬وما‬
‫زال يحارب الطغاة حتى انتهى به المطاف إلى النصر المبين‪،‬‬
‫فأصبحت شريعته أكمل الشرائع‪ ،‬وهو فوق عظماء التاريخ"‬
‫‪( .2‬مايكل هارت) في كتابه مائة رجل في التاريخ‬
‫ويقول (مايكل هارت) في كتابه "مائة رجل في التاريخ"‪" :‬إن‬
‫اختياري محمدًا‪ ،‬ليكون الول في أهم وأعظم رجال التاريخ قد‬
‫يدهش القراء‪ ،‬ولكنه الرجل الوحيد في التاريخ كله الذي نجح‬
‫أعلى نجاح على المستويين‪ :‬الديني والدنيوي‪.‬‬
‫فهناك ُرسل وأنبياء وحكماء بدأوا رسالت عظيمة‪ ،‬ولكنهم ماتوا‬
‫دون إتمامها‪ ،‬كالمسيح في المسيحية‪ ،‬أو شاركهم فيها غيرهم أو‬

‫‪21‬‬
‫سبقهم إليهم سواهم‪ ،‬كموسى في اليهودية‪ ،‬ولكن محمدا ً هو‬
‫الوحيد الذي أتم رسالته الدينية‪ ،‬وتحددت أحكامها‪ ،‬وآمنت بها‬
‫شعوب بأسرها في حياته‪ .‬ولنه أقام جانب الدين دولة جديدة‪،‬‬
‫حد القبائل في شعـب‪،‬‬ ‫ضا و ّ‬
‫فإنه في هذا المجال الدنيوي أي ً‬
‫والشعوب في أمة‪ ،‬ووضع لها كل أسس حياتها‪ ،‬ورسم أمور‬
‫دنياها‪ ،‬ووضعها في موضع النطلق إلى العالم‪ .‬أيضا ً في حياته‪،‬‬
‫فهو الذي بدأ الرسالة الدينية والدنيوية‪ ،‬وأتمها"‪.‬‬
‫‪ .3‬أرنولد‬

‫[‪]1‬‬
‫"‪ ...‬لعله من المتوقع‪ ،‬بطبيعة الحال‪ ،‬أن تكون حياة مؤسس‬
‫السلم ومنشئ الدعوة السلمية [صلى الله عليه وسلم]‪ ،‬هي‬
‫الصورة الحق لنشاط الدعوة إلى هذا الدين‪ .‬وإذا كانت حياة‬
‫النبي [صلى الله عليه وسلم] هي مقياس سلوك عامة المؤمنين‪،‬‬
‫فإنها كذلك بالنسبة إلى سائر دعاة السلم‪ .‬لذلك نرجو من‬
‫دراسة هذا المثل أن نعرف شيئًا عن الروح التي دفعت الذين‬
‫عملوا على القتداء به‪ ،‬وعن الوسائل التي ينتظر أن يتخذوها‪.‬‬
‫ذلك أن روح الدعوة إلى السلم لم تجئ في تاريخ الدعوة‬
‫متأخرة بعد أناة وتفكر‪ ،‬وإنما هي قديمة قدم العقيدة ذاتها‪ .‬وفي‬
‫هذا الوصف الموجز سنبين كيف حدث ذلك وكيف كان النبي‬
‫جا للداعي إلى‬‫محمد [صلى الله عليه وسلم] يعد نموذ ً‬
‫السلم‪.)1("...‬‬
‫[‪]2‬‬
‫"‪ ...‬من الخطأ أن نفترض أن محمدًا [صلى الله عليه وسلم] في‬
‫المدينة قد طرح مهمة الداعي إلى السلم والمبلغ لتعاليمه‪ ،‬أو‬
‫أنه عندما سيطر على جيش كبير يأتمر بأمره‪ ،‬انقطع عن دعوة‬
‫المشركين إلى اعتناق الدين‪.)2("...‬‬
‫[‪]3‬‬
‫"‪ ..‬إن المعاملة الحسنة التي تعودتها وفود العشائر المختلفة من‬
‫النبي [صلى الله عليه وسلم] واهتمامه بالنظر في شكاياتهم‪،‬‬
‫والحكمة التي كان يصلح بها ذات بينهم‪ ،‬والسياسة التي أوحت‬
‫إليه بتخصيص قطع من الرض مكافأة لكل من بادر إلى الوقوف‬
‫في جانب السلم وإظهار العطف على المسلمين‪ ،‬كل ذلك جعل‬
‫اسمه مألوفًا لديهم‪ ،‬كما جعل صيته ذائعًا في كافة أنحاء شبه‬
‫ما‪ .‬وكثيًرا ما كان يفد أحد أفراد‬‫ما ورجل ً كري ً‬
‫الجزيرة سيدًا عظي ً‬
‫القبيلة على النبي [صلى الله عليه وسلم] بالمدينة ثم يعود إلى‬
‫قومه داعيًا إلى السلم جادًا في تحويل إخوانه إليه‪.)3("..‬‬

‫‪22‬‬
‫‪---------------‬‬
‫(‪ )1‬الدعوة إلى السلم ‪ ،‬ص ‪. 34‬‬
‫(‪ )2‬نفسه ‪ ،‬ص ‪. 54‬‬
‫(‪ )3‬نفسه ‪ ،‬ص ‪ 55‬عن‪Muir (Sir Wiliam): Life of Mahomet, PP.107-8 :‬‬
‫‪)(London, 1858-,1‬‬
‫‪ .4‬الديب العالمي (ليف تولستوي)‬
‫ويقول الديب العالمي (ليف تولستوي) الذي يعد أدبه من أمتع ما‬
‫كتب في التراث النساني قاطبة عن النفس البشرية‪ :‬يكفي‬
‫ة من مخالب شياطين‬ ‫ة دموي ً‬ ‫محمدًا فخًرا أنّه خلّص أم ً‬
‫ة ذليل ً‬
‫العادات الذميمة‪ ،‬وفتح على وجوههم طريقَ الُّرقي والتقدم‪ ،‬وأ ّ‬
‫ن‬
‫ة محمد ٍ ستسود ُ العالم لنسجامها مع العقل والحكمة‬ ‫شريع َ‬
‫المير تشارلز‬ ‫‪.5‬‬
‫قال المير تشارلز‪" :‬يمكن للسلم أن يعلمنا اليوم طريقة للفهم‬
‫والعيش في عالم كانت فيه المسيحية هي الخاسرة عندما‬
‫فقدته؛ ذلك أننا نجد في جوهر السلم محافظته على نظرة‬
‫متكاملة إلى الكون‪ ،‬فهو يرفض الفصل بين النسان والطبيعة‪،‬‬
‫وبين الدين والعلوم‪ ،‬وبين العقل والمادة" [ل سكوت بعد اليوم‪،‬‬
‫ص ‪.]55‬‬
‫‪ .6‬النجليزي ( برناردشو )‬
‫يقول النجليزي (برناردشو) في كتابه "محمد"‪ ،‬والذي أحرقته‬
‫ل في‬ ‫السلطة البريطانية‪" :‬إن العالم أحوج ما يكون إلى رج ٍ‬
‫ما موضع الحترام‬ ‫تفكير محمد‪ ،‬هذا النبي الذي وضع دينه دائ ً‬
‫والجلل؛ فإنه أقوى دين على هضم جميع المدنيات‪ ،‬خالدًا خلود‬
‫البد‪ ،‬وإني أرى كثيًرا من بني قومي قد دخلوا هذا الدين على‬
‫بينة‪ ،‬وسيجد هذا الدين مجاله الفسيح في هذه القارة (يعني‬
‫أوروبا)‪.‬‬
‫صب‪،‬‬ ‫ة للجهل أو التع ّ‬ ‫ن رجال الدين في القرون الوسطى‪ ،‬ونتيج ً‬ ‫إ ّ‬
‫قد رسموا لدين محمد ٍ صورة ً قاتمة‪ ،‬لقد كانوا يعتبرونه عدوًّا‬
‫للمسيحية‪ ،‬لكنّني اطّلعت على أمر هذا الرجل‪ ،‬فوجدته أعجوبة‬
‫خارقة‪ ،‬وتوصلت إلى أنّه لم يكن عدوًّا للمسيحية‪ ،‬بل يجب أ ْ‬
‫ن‬
‫مى منقذ البشرية‪ ،‬وفي رأيي أنّه لو تولّى أمر العالم اليوم‬ ‫يس َّ‬
‫ل مشكلتنا بما يؤمن السلم والسعادة التي يرنو‬ ‫لوفق في ح ّ‬
‫البشر إليها‪.‬‬
‫‪ .7‬البروفيسور ( راما كريشنا راو )‬
‫ي"‪" :‬ل‬ ‫يقول البروفيسور (راما كريشنا راو) في كتابه "محمد النب ّ‬
‫يمكن معرفة شخصية محمد بكل جوانبها‪ ،‬ولكن كل ما في‬
‫استطاعتي أن أقدمه هو نبذة عن حياته من صور متتابعة جميلة‪.‬‬

‫‪23‬‬
‫ي‪ ،‬ومحمد المحارب‪ ،‬ومحمد رجل العمال‪،‬‬ ‫فهناك محمد النب ّ‬
‫ومحمد رجل السياسة‪ ،‬ومحمد الخطيب‪ ،‬ومحمد المصلح‪ ،‬ومحمد‬
‫ملذ اليتامى‪ ،‬وحامي العبيد‪ ،‬ومحمد محرر النساء‪ ،‬ومحمد‬
‫القاضي‪ .‬كل هذه الدوار الرائعة في كل دروب الحياة النسانية‬
‫تؤهله لن يكون بطل‬
‫‪ .8‬الدكتور (شبرك) النمساوي‬
‫ن البشرية لتفتخر بانتساب‬ ‫ويقول الدكتور (شبرك) النمساوي‪" :‬إ ّ‬
‫ميته‪ ،‬استطاع قبل بضعة عشر‬ ‫ُ‬
‫رجل كمحمد إليها؛ إذ إنّه رغم أ ّ‬
‫ن الوروبيين أسعد ما نكون‪ ،‬إذا‬ ‫ن نح ُ‬‫قرنًا أن يأتي بتشريع‪ ،‬سنكو ُ‬
‫توصلنا إلى قمته"‪.‬‬
‫‪ .9‬العظماء مائة أولهم محمد‬
‫الرسول العظم‪:‬‬
‫نشر في أمريكا في الزمن الحاضر كتاب بعنوان "المائة" أو‬
‫"الخالدون مائة" أو "القمم المائة" أو "أعظم مائة في التاريخ"‪.‬‬
‫وقد ألف هذا الكتاب الجديد من نوعه عالم الفلك والرياضيات‬
‫والمؤرخ "مايكل هارت"‪ ،‬لقد قام بالبحث في التاريخ عن الرجال‬
‫الذين كان لهم أعظم تأثير على البشر وقد ذكر لنا في هذا‬
‫الكتاب أكثر مائة رجل تأثيًرا على البشرية منهم آزوس‪ ،‬أرسطو‪،‬‬
‫بوذا‪ ،‬كونفوشيوس‪ ،‬هتلر‪ ،‬أفلطون‪ ،‬ذرادشت‪ .‬وهو ل يعطينا‬
‫علمات محددة عن المائة من ناحية تأثيرهم على الناس ولكنه‬
‫يقوم بتقييم درجة هذا التأثير ويصفهم بترتيب تفوقهم في هذا‬
‫التأثير من رقم واحد وحتى رقم مائة‪ ،‬وهو يوضح لنا أسبابه في‬
‫ترتيب مرشحيه‪.‬‬
‫ونحن غير مطالبين بالموافقة على كلمه ولكننا ل يسعنا إل أن‬
‫نعجب بأمانة هذا الرجل ودقته في البحث ‪.‬‬
‫وأكثر شيء يدعو للدهشة في تصنيفه المنتقى أنه وضع نبينا‬
‫الكريم الرسول محمد صلى الله عليه وسلم كرقم واحد أول‬
‫المائة العظماء‪ ،‬وهو بذلك يؤكد ـ بدون علم أو قصد ـ شهادة الله‬
‫َ‬
‫ل الل ّهِ‬ ‫سو ِ‬
‫م فِي َر ُ‬ ‫ن لَك ُ ْ‬
‫تعالى في آخر تنزيل له للعالم‪{ :‬لَقَد ْ كَا َ‬
‫ة} [الحزاب‪.]21 :‬‬ ‫سن َ ٌ‬ ‫ُ‬
‫ح َ‬
‫سوَة ٌ َ‬
‫أ ْ‬
‫عيسى ( عليه السلم ) رقم (‪: Jesus (P .B .U .H .) NO )3‬‬
‫وقد أسعد المسلمين بالطبع تصنيف مايكل هارت لرسول‬
‫السلم في المرتبة الولى‪ ،‬ولكن هذا الختيار صدم غير‬
‫المسلمين وبخاصة اليهود والمسيحيين الذين اعتبروا ذلك إهانة!‬
‫ماذا؟ المسيح (عليه السلم) فـي المرتبة الثالثة‪ ،‬وموسى (عليه‬
‫السلم) فـي المرتبة الربعين؟!!‬

‫‪24‬‬
‫وبالطبع فإن هذا بالنسبة إليهم شيء ل يمكن هضمه ولكن ماذا‬
‫يقول مايكل هارت؟‬
‫دعونا نستمع لمناقشته‪" :‬حيث أنه يوجد تقريبًا مسيحيين ضعف‬
‫عدد المسلمين فـي العالم(‪ )1‬فإنه قد يبدو غريبًا أن يكون تصنيف‬
‫محمد صلى الله عليه وسلم أعلى مـن المسيح عليه السلم‪.‬‬
‫وهناك سببين رئيسيين لهذا القرار‪:‬‬
‫أولً‪ :‬لعب محمد صلى الله عليه وسلم دوًرا في ازدهار السلم‬
‫يفوق في أهميته كثيًرا ما قام به المسيح عليه السلم في ازدهار‬
‫المسيحية‪.‬‬
‫ُ‬
‫خلق‬‫وعلى الرغم من أن عيسى عليه السلم كان مسؤول ً عن ال ُ‬
‫الساسي والمبادئ والسلوكيات الخلقية للمسيحية "طالما‬
‫اختلفت هذه المبادئ عن اليهودية"(‪ ،)2‬فقد كان القديس بولس‬
‫هو المطور الصلي للهوت المسيحي والناشر الرئيسي‬
‫للمسيحية ومؤلف قسم كبير من العهد الجديد‪.‬‬

‫ومن ناحية أخرى نجد أن محمد صلى الله عليه وسلم هو‬
‫المسئول عن العقيدة السلمية بجانب خلقه الساسي ومبادئه‬
‫الخلقية‪.‬‬
‫بالضافة إلى ذلك فإنه لعب الدور الرئيسي في الدعوة إلى‬
‫الدين الجديد وفي تأسيس التطبيق الديني للسلم‪.‬‬
‫بولس مؤسس المسيحية ‪Paul the Founder of Christianity‬‬
‫طبقا ً لرأي هارت فإن شرف تأسيس المسيحية يجب تقسيمه‬
‫بين المسيح عليه السلم والقديس بولس‪.‬‬
‫والخير كما يعتقد هارت هو المؤسس الحقيقي للمسيحية‪ .‬ول‬
‫أستطيع إخفاء موافقتي لهارت فمن مجموع السفار السبعة‬
‫والعشرين للعهد الجديد نجد أن القديس بولس قد كتب أكثر من‬
‫نصفها‪ ،‬وخلفًا لبولس فإن السيد المسيح لم يكتب كلمة واحدة‬
‫في السبع والعشرين سفًرا‪.‬‬
‫ولو أنك وجدت ما يسمى (بإنجيل الحرف الحمراء) فستجد أن‬
‫م أن المسيح تفوه بها مكتوبة بالحبر الحمر والباقي‬ ‫ع َ‬
‫كل كلمة ُز ِ‬
‫بالحبر السود العادي(‪.)3‬‬
‫ول تندهش حينما تجد في هذا الذي يسمى النجيل (بشارة‬
‫المسيح) أكثر من ‪ 90‬في المائة في السبع والعشرين سفًرا للعهد‬
‫الجديد مطبوعة بالمداد (الحبر) السود‪.‬‬
‫هذا هو العتراف المسيحي النزيه على ما يسمونه النجيل‪ ،‬وفي‬
‫أي مواجهة مع المبشرين المسيحيين ستجدهم يستشهدون مائة‬
‫في المائة من بولس(‪.)4‬‬

‫‪25‬‬
‫ل أحد يتبع المسيح عليه السلم ‪)No One follows Jesus (PBUH‬‬
‫قال يسوع عليه السلم‪" :‬إن كنتم تحبوني فاحفظوا وصاياي"‬
‫[يوحنا‪.]15 ،14 :‬‬
‫ضا‪" :‬فمن نقض هذه الوصايا الصغرى وعلم الناس هكذا‬ ‫وقال أي ً‬
‫يُدعى أصغر في ملكوت السماوات" [متى‪ 5 :‬ـ ‪.]19‬‬
‫وإذا سألت أي مسيحي كثير المجادلة‪ :‬هل تحفظ هذه الشريعة‬
‫والوصايا؟ يجيب‪" :‬ل"‪ ،‬فإن سألته بعدها‪ :‬لماذا ل تفعل؟ سيجيبك‬
‫بل اختلف إذا كان من مروجي الكتاب المقدس والناعقين به‪:‬‬
‫مرت على الصليب"‪ ،‬وهو يعني بذلك أن الشريعة قد‬ ‫س ِّ‬
‫"الشريعة ُ‬
‫انتهت أو ألغيت ويضيف‪" :‬ونحن الن نعيش تحت الرحمة والنعمة‬
‫اللهية"‪.‬‬
‫وفي كل مرة تستحث المسيحي بما قاله سيده ومعلمه "المسيح‬
‫عليه السلم" فإنه يواجهك بشيء من الرسالتين الولى والثانية‬
‫إلى أهل كورينثوس‪ ،‬والرسالة إلى أهل غلطية‪ ،‬والرسالة إلى‬
‫أهل أفسس‪ ،‬والرسالة إلى أهل فيلبي ‪...‬إلخ‪.‬‬
‫من مؤلفها؟ فسيجيبك‪ :‬بولس‪ ..‬بولس‪ ..‬بولس ‪.‬‬ ‫فإذا سألته‪َ :‬‬
‫ما‬
‫من هو سيدك؟ سيجيبك‪" :‬المسيح عليه السلم"‪ ،‬ولكنه دائ ً‬
‫سيناقض سيده "المسيح عليه السلم" بالقديس بولس‪.‬‬
‫لن تجد مسيحيا ً متعلما ً يناقش حقيقة أن المؤسس الحقيقي‬
‫للمسيحية هو القديس بولس‪ ،‬ولذلك كان على مايكل هارت‬
‫ليكون منصفًا أن يصنف "المسيح عليه السلم" في المرتبة‬
‫الثالثة في كتابه‪.‬‬

‫لماذا تُغضب زبونك "عميلك" ‪?Why Provoke Your Customer‬‬


‫ما فعله مايكل هارت بوضع المسيح في المرتبة الثالثة يطرح‬
‫علينا سؤال ً خطيًرا وهو" لماذا يقدم أمريكي على نشر كتاب من‬
‫‪ 572‬صفحة في أمريكا ويقوم ببيعه بسعر (‪ )15‬دولر للنسخة‪ ،‬وهو‬
‫بذلك يتجشم عناء إثارة غضب قراءه المحتملين؟ من سيشتري‬
‫كتابه؟ بالطبع لن يكونوا الباكستانيين أو شعب بنجلديش أو‬
‫العرب أو التراك اللهم إل نسخ قليلة هنا وهناك‪ .‬ولكن الغالبية‬
‫العظمى من زبائنه سيكونوا من الـ(‪ )250‬مليون مسيحي والـ(‪)6‬‬
‫مليون يهودي الذين يعيشون في أمريكا‪.‬‬
‫فلماذا إذن يغضب عملئه؟‬
‫ما على حق؟ بالطبع قد‬ ‫ألم يسمع القول الشائع أن الزبون دائ ً‬
‫سمع ذلك فلماذا إذن هذا الختيار المتحدي؟‬
‫ولكنني قبل أن أغلق هذا الملف الخاص بـ"هارت" سأسمح له أن‬
‫يقدم اعتذاره الخير عن تهوره‪:‬‬

‫‪26‬‬
‫"إن اختياري لمحمد ـ صلى الله عليه وسلم ـ ليأتي في المرتبة‬
‫الولى من قائمة أكثر أشخاص العالم تأثيًرا في البشرية قد‬
‫يدهش بعض القراء وقد يعترض عليه البعض‪ ،‬ولكنه كان الرجل‬
‫حا بارًزا على كل من المستوى‬ ‫الوحيد في التاريخ الذي حقق نجا ً‬
‫الديني والدنيوي"‪.‬‬
‫[الخالدون مائة‪ ،‬مايكل هارت‪ ،‬ص ‪.]33‬‬
‫تصنيف لكثر الشخاص تأثيرا ً في التاريخ‬
‫نيويورك شركة هارت للنشر سنة ‪1978‬‬
‫من هم قادة التاريخ العظماء ‪Who Were History’s Great Leaders:‬‬
‫عدد "تايم" الصادر في ‪ 15‬يوليو سنة ‪.Time, 15 July 1974 1974‬‬
‫نشرت مجلة "تايم" الشهيرة العنوان السابق على غلفها‬
‫الخارجي وداخل العدد‪ ،‬كانت هناك مقالت كثيرة مثل‪ :‬ما الذي‬
‫يصنع القائد العظيم؟‬
‫من المؤهل على مدار التاريخ؟‬
‫وفي هذه المقالت قامت مجلة "تايم" بسؤال مجموعة من‬
‫المؤرخين والكتاب والعسكريين ورجال العمال وآخرين من‬
‫اختيارها‪ .‬وقد أعطى كل منهم مرشحيه طبقًا لوجهة نظره‬
‫بموضوعية على قدر الستطاعة البشرية لكل منهم‪ ،‬ومعتمدًا في‬
‫ذلك على إدراكه وتميزه وهواه وحكمه المسبق الشخصي‪.‬‬
‫ويقول "جيمس جافين ‪ "James Gavin‬الذي يوصف بأنه رجل في‬
‫الجيش المريكي أحيل إلى التقاعد برتبة فريق‪:‬‬
‫"إنني أعتبر "محمد" و"المسيح عيسى"‪ ،‬وربما "لينين"‪ ،‬ومن‬
‫المحتمل "ماو تسي تونج" من بين القادة الذين كان لهم أعظم‬
‫تأثير على مر العصور‪ .‬أما بالنسبة للقائد صاحب المؤهلت التي‬
‫من الممكن الستفادة منها إلى درجة بعيدة في الزمن الحاضر‬
‫فإنني أختار "جون ف‪ .‬كنيدي""‪ .‬ولم يقل الجنرال أكثر من ذلك‬
‫ولكن من الواجب علينا أن نجيبه فإن المر يحتاج شجاعة هائلة‬
‫لكتابة اسم "محمد" قبل "المسيح" عليهما السلم‪ ،‬ومن المؤكد‬
‫أن ذلك لم يكن زلة قلم‪.‬‬
‫"جولز ماسيرمان ‪ "Jules Masserman‬محلل نفسي أمريكي وأستاذ‬
‫في جامعة شيكاغو يعطينا على عكس المشاركين الخرين‬
‫السس التي بنى عليها اختياره والسباب التي جعلته يختار القائد‬
‫العظم لجميع الزمنة‪ ،‬إنه يريدنا أن نكتشف ما نبحث عنه حقًا‬
‫في الرجل المطلوب؛ المؤهلت التي تجعله فريدًا‪ ،‬وقد نبحث‬
‫عن أي مجموعة من المؤهلت كما في حالة مايكل هارت الذي‬
‫كان يبحث عن الشخص الذي حقق أقوى تأثير‪.‬‬

‫‪27‬‬
‫يبحث "ماسيرمان" في التاريخ‪ ،‬ويقوم بالتحليل والتمحيص‬
‫"لويس باستير"‪" ،‬غاندي"‪" ،‬كونفوشيوس"‪" ،‬السكندر الكبر"‪،‬‬
‫"قيصر"‪" ،‬هتلر"‪" ،‬بوذا"‪" ،‬المسيح"‪ ...‬إلى آخر الباقين حتى‬
‫وصل أخيًرا إلى النتيجة التالية‪:‬‬
‫"لعل أعظم قائد كان على مر العصور هو "محمد" ـ صلى الله‬
‫عليه وسلم ـ‪ ،‬الذي جمع العمال الثلثة وقد فعل "موسى" نفس‬
‫الشيء بدرجة أقل"‪.‬‬
‫وليس لنا إل أن نندهش من "ماسيرمان" لنه كيهودي قد تنازل‬
‫ليتفحص حتى "أدولف هتلر" العدو الرئيسي لشعبه فهو يعتبره‬
‫ما‪ .‬فقد كان قوم "هتلر" ـ وهم المة اللمانية القوية‬ ‫قائدًا عظي ً‬
‫المكونة من ‪ 90‬مليون نسمة ـ كانوا مستعدين أن يسيروا إلى‬
‫قدرهم أو دمارهم بأمره‪ .‬واحسرتاه لقد قادهم إلى الهلك‪.‬‬
‫ولكن "هتلر" ليس هو مجال السؤال‪ ،‬إنما السؤال هو‪ :‬لماذا‬
‫يعلن "ماسيرمان" وهو يهودي أمريكي‪ ،‬وخادم مدفوع الجر‬
‫للحكومة بالتصريح لبناء بلدته الذين يزيدون عن ‪ 200‬مليون منهم‬
‫اليهودي والمسيحي‪ :‬إنه ل "المسيح" ول "موسى" ولكن "محمد"‬
‫ـ عليهم السلم جميعًا ـ هو القائد العظم ‪ The Greatest Leader‬في‬
‫جميع الزمنة!؟‬
‫ما‬
‫ويمكننا الن وبعدالة أن نستنتج أن إله الرحمة الذي يعرف دائ ً‬
‫الجهود المخلصة لعباده إنما فقط يوفي بوعده لمحمد صلى الله‬
‫عليه وسلم رسوله المختار حين قال‪{ :‬وََرفَعْنَا ل َ َ‬
‫ك ذِكَْر َ‬
‫ك}‬
‫[الشرح‪.]44 :‬‬
‫كأنما هي قوة خفية جعلت الصدقاء والعداء على السواء يقدموا‬
‫إجللهم غير المستجدي للرسول القوي المبعوث من عند الله‪،‬‬
‫وكذلك فعل جنود الخالق القدير‪ ،‬حتى الشيطان نفسه دخل في‬
‫خدمة الرسول كما فعل في عهد المسيح‪.‬‬
‫ويستشهد البروفيسور "ك‪ .‬س‪ .‬راماكرشنا راو" الفيلسوف‬
‫الهندوسي في كتابه "محمد رسول السلم"(‪ )5‬برئيس الشيطان‬
‫نفسه‪ ،‬نعم "أدولف هتلر" ليثبت العظمة المنفردة لمحمد صلى‬
‫الله عليه وسلم‪.‬‬
‫ومثل "ماسيرمان" الذي قيم رسول السلم على ثلث أسس ـ‬
‫ضا‬
‫انظر ص ‪ 42‬ـ ‪ 47‬ـ‪ ،‬فقد رأى البروفيسور "راماكرشنا راو" أي ً‬
‫في كتاب "هتلر" المسمى "كفاحي" جوهرة ذات ثلثة وجوه‪،‬‬
‫وامتياًزا نادًرا ذلك الذي وجد في بطلنا موضوع المناقشة‪.‬‬
‫فيستشهد بهتلر فيقول‪" :‬نادًرا ما يكون رجل النظريات العظيمة‬
‫ما‪ ،‬ولكن الداعية المؤثر هو أكثر احتمال ً لن يملك هذه‬ ‫قائدًا عظي ً‬
‫ما؛‬‫ما ما يكون قائدًا عظي ً‬ ‫المتطلبات والمؤهلت؛ ولذلك فهو دائ ً‬

‫‪28‬‬
‫لن القيادة أو الزعامة تعني القدرة على تحريك الجماهير‬
‫البشرية‪ .‬الموهبة في تصدير الفكار ل تشترك في شيء مع‬
‫القدرة على الزعامة"‪.‬‬
‫ويستمر "هتلر" في كلمه‪ ..." :‬إن اتحاد القدرة على وضع‬
‫النظريات والتنظيم والقيادة في رجل واحد هو أندر ظاهرة على‬
‫وجه الرض؛ ففي تلك الحالة تكون العظمة"‪.‬‬

‫ويستنتج البروفيسور "راو" من ذلك فيقول في كلماته هو‪" :‬في‬


‫شخص رسول السلم رأى العالم أندر ظاهرة على وجه الرض‬
‫متمثلة في إنسان من لحم ودم"‪.‬‬
‫قبل أن يهاجم أي شخص البروفيسور(‪ )6‬ويتهمه بالتحيز الغير‬
‫ضروري وبالرشوة دعوني أضيف أسماء الخرين من المعجبين‬
‫بمحمد صلى الله عليه وسلم‪.‬‬
‫‪1‬ـ "كان محمد ـ صلى الله عليه وسلم ـ الرأفة والطيبة بعينيها‪،‬‬
‫والذين من حوله كانوا يشعرون بتأثيره ولم ينسوه أبدًا"‪" .‬ديوان‬
‫شاندشارمة"‪ ،‬باحث هندوسي‪ ،‬وذلك في كتابه "رسل الشرق"‬
‫سنة ‪ ،1935‬ص ‪.122‬‬
‫‪2‬ـ "لقد درست الرجل الرائع‪ ،‬وفي رأيي أنه يجب أن يدعى‬
‫"منقذ البشرية"؛ فهو بعيد كل البعد من أن يدعى ضد المسيح"‪.‬‬
‫"جورج برنارد شو" في "السلم الصادق" ج ‪ ،1‬سنة ‪.1936‬‬
‫‪3‬ـ "من حسن الحظ إنه لمر فريد على الطلق في التاريخ أن‬
‫"محمد" مؤسس لثلثة أشياء‪ :‬المة والمبراطورية والدين"‪" .‬ر‪.‬‬
‫بوزوورث‪ ،‬سميث" في كتاب "محمد والمحمدية"‪ ،‬سنة ‪.1946‬‬
‫‪4‬ـ "لقد كان محمد الكثر توفيقًا من بين جميع الشخصيات‬
‫الدينية"‪ .‬دائرة المعارف البريطانية‪ ،‬الطبعة ‪.11‬‬
‫دعونا الن نسمع ما قاله بعض الشرقيين من غير المسلمين في‬
‫هذا الموضوع‪.‬‬
‫أ ـ "كلما أدرس أكثر أكتشف أن قوة السلم ل تكمن في‬
‫السيف" "ماهاتما غاندي" أبو الهند الحديثة في "الهند الفتاة"‪.‬‬
‫ب ـ "إنهم نقاد "محمد" ـ صلى الله عليه وسلم ـ يرون النار بدلً‬
‫من الضوء‪ ،‬والقبح بدل ً من الحسن‪ ،‬إنهم يشوهون ويصورون كل‬
‫صفة جيدة كأنها رذيلة عظيمة‪ .‬إن هذا يعكس فسادهم‬
‫الشخصي‪ ،‬إن النقاد الذين تكسوهم الغشاوة ل يستطيعون أن‬
‫يروا أن السيف الوحيد الذي استخدمه "محمد" كان سيف‬
‫الرحمة والشفقة‪ ،‬الصداقة والمغفرة‪ ،‬إنه السيف الذي يقهر‬
‫العداء ويطهر قلوبهم‪ ،‬إن سيفه كان أكثر حدة من السيف‬

‫‪29‬‬
‫المصنوع من الصلب"‪" .‬بانديت جياناندرا ديف شارمة شاسترى"‬
‫في اجتماع بجوراكبور‪ ،‬الهند‪ ،‬سنة ‪1928‬هـ‪.‬‬
‫ج ـ "لقد فضل الهجرة على محاربة قومه‪ ،‬ولكن عندما وصل‬
‫الظلم والضطهاد أبعد من نطاق الحتمال حمل سيفه دفاع ًا عن‬
‫النفس‪ ،‬هؤلء الذين يؤمنون أن الدين ممكن أن ينتشر بالقوة‬
‫أغبياء ل يعلمون طرق الدين ول طرق الحياة‪ ،‬إنهم فخورين بهذا‬
‫العتقاد لنهم بعيدون كل البعد عن الحقيقة"‪ .‬صحفي سيخى (‪)7‬‬
‫في "نوان هندوستان" دلهي ‪ 17‬نوفمبر سنة ‪.1947‬‬
‫د ـ "الشرق شرق والغرب غرب لن يلتقي الثنين أبدًا؛ إن كل‬
‫الذين لم يعمهم التحيز سوف يلتقون في الدفاع عن "محمد" ـ‬
‫صلى الله عليه وسلم ـ"‪" .‬روديارد كيبلينج"‪.‬‬
‫هـ ـ "لقد كان القيصر والبابا في شخص واحد‪ ،‬لكنه كان بابا بدون‬
‫خيلء البابوات‪ ،‬والقيصر بدون حشود القياصرة‪ ،‬بدون جيش‬
‫متأهب‪ ،‬بدون حاشية‪ ،‬بدون قلعة‪ ،‬بدون دخل ثابت‪ .‬لو أن أي‬
‫إنسان كان له الحق أن يدعي أنه حكم بالحق اللهي فهو‬
‫"محمد"؛ فقد كان يملك كل السلطات بدون أدواتها وبدون ما‬
‫يدعمها"‪" .‬ر‪ .‬بوسوورث سميث"‪" ،‬محمد والسلم"‪ ،‬لندن ‪،1874‬‬
‫صفحة ‪.92‬‬
‫‪000000000000‬‬
‫الحصائيات أن عدد المسلمين في العالم ألف‬ ‫(‪ )1‬تُظهر آخر‬
‫مليون مسلم‪ ،‬وعدد المسيحيين في العالم ألف ومائتي مليون‬
‫مسيحي‪" .‬ديدات"‬
‫حا في مكانة "عيسى"‬ ‫(‪ )2‬ل يعتبر ترتيب "محمد" الول قد ً‬
‫و"موسى"‪ ،‬لكن الله رفع بعض الناس فوق بعض درجات وبعض‬
‫النبيين فوق بعض‪ ،‬و"محمد" خاتم النبيين والمرسلين هو أفضل‬
‫النبياء على الطلق بدون النقاص من قدر الخرين‪" .‬المترجم"‬
‫(‪ )3‬وقد رأيت بنفسي هذه الطبعة من النجيل التي يظنون أن‬
‫لعيسى كلم بها ووضعت بالحبر الحمر‪ ،‬وتجد كلمات قليلة به‬
‫يظنون ـ وليس على سبيل اليقين ـ أن "عيسى" قالها؛ إذا يعتبر‬
‫هذا اعتراف ضمني بتحريف النجيل‪" .‬المترجم"‬
‫(‪" )4‬بولس" يجب أل ينخدع فيه الناس فهو يهودي اندس بين‬
‫النصارى ليلبس عليهم دينهم وليفسده عليهم‪ ،‬وكان صاحب‬
‫نصيب السد في تأليف الكتاب المقدس وفي خرافاته‪ ،‬وهذه‬
‫الحركة التي فعلها "بولس" ليست الولى من نوعها في جانب‬
‫اليهود؛ فهم يكيدون لجميع الديان بخاصة السلم‪ ،‬وقد دخل في‬
‫السلم رجل يهودي حاول أن يفعل مثل "بولس" يدعى "عبد‬
‫الله" من سبأ‪ ،‬يهودي ماكر كان يضع أحاديث رسول الله‪ ،‬وكان‬

‫‪30‬‬
‫آخر ما فعله هو وأتباعه السبئيين أنهم قالوا بألوهية "علي"‪ ،‬ولقد‬
‫قام المام "علي" بحرق أحد أتباعه عندما قال له‪ :‬أنت الله‪ ،‬فلما‬
‫حرقه أخذ يصيح ويقول أيضاً‪" :‬إذن أنت الله فإنه ل يعذب بالنار‬
‫إل الله" ‪ ...‬ولقد فعل المام "علي" ذلك حتى يقطع جذور الفتنة‬
‫الناشئة التي كان اليهودي "عبد الله بن سبأ" سببًا فيها‪ .‬ولقد‬
‫تدخل اليهود في تسيير حركة العالم بطريقة "بولس" هذا؛ فنجد‬
‫أن "ماركس" و"لينين" اللذين ل يعترفان بالدين وأسسا‬
‫الشيوعية يهود‪" ،‬فرويد" صاحب الباحية الجنسية يهودي‪،‬‬
‫"دوركايم" يهودي‪ .‬كل من كان له دور في هدم القيم والخلق‬
‫وتدمير الدين وراءه اليهود‪" .‬المترجم"‬
‫(‪" )5‬محمد رسول السلم" للمؤلف "راماكرشنا راو"‪ ،‬أحصل‬
‫عليه من المركز السلمي للدعوة‪" .‬المؤلف"‬
‫ي بعمل ترجمة لهذا‬ ‫وأضيف أنني قمت بفضل الله ومنته عل ّ‬
‫الكتاب‪ ،‬وسوف تقوم إن شاء الله تعالى دار المختار السلمي‬
‫بطبعه في القريب العاجل بإذن الله‪" .‬المترجم"‪.‬‬
‫(‪ )6‬حسب آخر المعلومات التي وصلتني أن البروفيسور الهندي‬
‫"رماكرشنا راو" مؤلف كتاب "محمد رسول السلم" هو مسيحي‬
‫هندي يقدم شهادة حق لنبي السلم‪ ،‬فهو واحد من المنصفين‬
‫الذين أنصفوا الرسول محمد ورسالته‪.‬‬
‫(‪ )7‬سيخي‪ :‬ديانة هندية ترفض الوثنية والعزل الطبقي‪" .‬المؤلف"‬
‫‪ .10‬الفيلسوف النجليزي ( توماس كارليل)‬
‫ويقول الفيلسوف النجليزي "توماس كارليل" الحائز على جائزة‬
‫نوبل‪ ،‬يقول في كتابه "البطال"‪" :‬لقد أصبح من أكبر العار على‬
‫أي فرد متحدث هذا العصر أن يصغي إلى ما يقال من أن دين‬
‫السلم كذب‪ ،‬وأن محمدًا خدّاع مزوِّر‪.‬‬
‫وإن لنا أن نحارب ما يشاع من مثل هذه القوال السخيفة‬
‫المخجلة؛ فإن الرسالة التي أدَّاها ذلك الرسول ما زالت السراج‬
‫المنير مدة اثني عشر قرنًا لنحو مائتي مليون من الناس‪ ،‬أفكان‬
‫أحدكم يظن أن هذه الرسالة التي عاش بها ومات عليها هذه‬
‫المليين الفائقة الحصر والحصاء أكذوبة وخدعة ؟!‬
‫‪ .11‬المستشرق اللماني ( برتلي سانت هيلر )‬
‫يقول المستشرق اللماني "برتلي سانت هيلر" في كتابه‬
‫سا للدولة‪ ،‬وساهًرا على‬ ‫"الشرقيون وعقائدهم"‪" :‬كان محمد رئي ً‬
‫حياة الشعب وحريته‪ ،‬وكان يعاقب الشخاص الذين يجترحون‬
‫الجنايات حسب أحوال زمانه وأحوال تلك الجماعات الوحشية‬
‫ي بين ظهرانيها‪ ،‬فكان النبي داعيًا إلى ديانة‬ ‫التي كان يعيش النب ُّ‬
‫ما حتى مع أعدائه‪،‬‬ ‫الله الواحد‪ ،‬وكان في دعوته هذه لطيفًا ورحي ً‬

‫‪31‬‬
‫ل الصفات التي تحملها‬ ‫وإن في شخصيته صفتين هما من أج ّ‬
‫النفس البشرية؛ وهما‪ :‬العدالة والرحمة‪.‬‬
‫‪ .12‬المستشرق المريكي ( سنكس )‬
‫ويقول المستشرق المريكي "سنكس" في كتابه "ديانة العرب"‪:‬‬
‫"ظهر محمد بعد المسيح بخمسمائة وسبعين سنة‪ ،‬وكانت‬
‫وظيفته ترقية عقول البشر‪ ،‬بإشرابها الصول الولية للخلق‬
‫الفاضلة‪ ،‬وبإرجاعها إلى العتقاد بإله واحد‪ ،‬وبحياة بعد هذه‬
‫الحياة‪.‬‬
‫‪ .13‬المستشرق الكندي الدكتور ( زويمر )‬
‫يقول المستشرق الكندي الدكتور ”زويمر" في كتابه "الشرق‬
‫وعاداته"‪" :‬إن محمدًا كان ول شك من أعظم القواد المسلمين‬
‫حا قديًرا‪ ،‬وبليغًا‬
‫ضا بأنه كان مصل ً‬
‫الدينيين‪ ،‬ويصدق عليه القول أي ً‬
‫ما‪ ،‬ول يجوز أن ننسب إليه‬ ‫حا‪ ،‬وجريئًا مغواًرا‪ ،‬ومفكًرا عظي ً‬
‫فصي ً‬
‫ما ينافي هذه الصفات‪ ،‬وهذا قرآنه الذي جاء به وتاريخه يشهدان‬
‫بصحة هذا الدعاء‬
‫‪ .14‬ايقلين كوبولد‬

‫[‪]1‬‬
‫"‪ ...‬هذه هي مدينة الرسول ـ صلى الله عليه وسلم ـ تعيد إلى‬
‫نفسي ذكرى جهوده في سبيل ل إله إل الله‪ ،‬وتلقي في روعي‬
‫صبره على المكاره واحتماله للذى في سبيل الوحدانية اللهية"(‬
‫‪.)1‬‬
‫[‪]2‬‬
‫"كان العرب قبل محمد ـ صلى الله عليه وسلم ـ أمة ل شأن لها‬
‫ول أهمية لقبائلها ول لجماعتها‪ ،‬فلما جاء محمد ـ صلى الله عليه‬
‫وسلم ـ بعث هذه المة بعثًا جديدًا يصح أن يكون أقرب إلى‬
‫المعجزات فغلبت العالم وحكمت فيه آجال ً وآجالً‪.)2("...‬‬
‫[‪]3‬‬
‫"‪ ...‬لعمري‪ ،‬ليجدن المرء في نفسه‪ ،‬ما تقدم إلى قبر الرسول ـ‬
‫صلى الله عليه وسلم ـ روعة ما يستطيع لها تفسيًرا‪ ،‬وهي روعة‬
‫تمل النفس اضطرابًا وذهول ً ورجاءً وخوفًا وأملً‪ ،‬ذلك أنه أمام‬
‫نبي مرسل وعبقري عظيم لم تلد مثله البطون حتى اليوم‪ ..‬إن‬
‫العظمة والعبقرية يهزان القلوب ويثيران الفئدة فما بالك‬
‫بالعظمة إذا انتظمت مع النبوة‪ ،‬وما بالك بها وقد راحت تضحي‬
‫بكل شيء في الحياة في سبيل النسانية وخير البشرية"(‪.)3‬‬
‫[‪]4‬‬

‫‪32‬‬
‫"لقد استطاع النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ القيام بالمعجزات‬
‫ما تمكن من حمل هذه المة العربية الشديدة العنيدة‬ ‫والعجائب‪ ،‬ل َ ّ‬
‫على نبذ الصنام وقبول الوحدانية اللهية‪ ،‬لقد وفّق إلى خلق‬
‫العرب خلقًا جديدًا ونقلهم من الظلمات إلى النور"(‪.)4‬‬
‫[‪]5‬‬
‫"مع أن محمدًا ـ صلى الله عليه وسلم ـ كان سيد الجزيرة‬
‫العربية‪ ،‬فإنه لم يفكر في اللقاب‪ ،‬ول راح يعمل لستثمارها‪ ،‬بل‬
‫ظل على حاله مكتفيًا بأنه رسول الله‪ ،‬وأنه خادم المسلمين‪،‬‬
‫ما باًرا كأنه الريح‬
‫ينظف بيته بنفسه ويصلح حذاءه بيده‪ ،‬كري ً‬
‫السارية‪ ،‬ل يقصده فقير أو بائس إل تفضل عليه بما لديه‪ ،‬وما‬
‫لديه كان في أكثر الحايين قليل ً ل يكاد يكفيه"(‪.)5‬‬
‫‪------------------‬‬
‫(‪ )1‬البحث عن الله‪ ،‬ص ‪ 39‬ـ ‪.40‬‬
‫(‪ )2‬نفسه‪ ،‬ص ‪.51‬‬
‫(‪ )3‬نفسه‪ ،‬ص ‪.52‬‬
‫(‪ )4‬نفسه‪ ،‬ص ‪ 66‬ـ ‪.67‬‬
‫(‪ )5‬نفسه‪ ،‬ص ‪.67‬‬
‫‪ .15‬كولد تسيهر‬
‫[‪]1‬‬
‫"‪ ...‬إن محمدًا قد بشر بمذهبه للمرة الولى بحماس لم يفتر ولم‬
‫تعوزه المثابرة‪ ،‬وبعقيدة ثابتة بأن هذا المذهب يحقق صالح‬
‫الجماعة الخاصة‪ ،‬وقد كان في ذلك كله مظهًرا لنكار الذات‬
‫برغم سخرية الجمهور"(‪.)2‬‬
‫[‪]2‬‬
‫"‪ ...‬الحق‪ ،‬أن محمدًا ـ صلى الله عليه وسلم ـ كان بل شك أول‬
‫مصلح حقيقي في الشعب العربي من الوجهة التاريخية"(‪.)3‬‬
‫[‪]3‬‬
‫"في هذا العصر نرى النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ يستخدم‬
‫حنكته المفكرة ورويته الدقيقة وتبصره العالمي‪ ،‬في مقاومة‬
‫خصومه الذين شرعوا في معارضة مقاصده وغاياته في داخل‬
‫موطنه وخارجه"(‪.)4‬‬
‫‪----------------‬‬
‫(‪ )1‬كولد تسيهر (‪1921-1850‬م) ‪Y. Gldziher‬‬
‫تخرج باللغات السامية على كبار أساتذتها في بودابست وليبزج‬
‫وبرلين وليدن‪ .‬ولما نبه ذكره عين أستاذ ًا محاضًرا في كلية‬
‫العلوم بجامعة بودابست (‪ )1873‬ثم أستاذ كرسي (‪ .)1906‬رحل إلى‬
‫عدد من البلدان العربية وتضلع بالعربية على شيوخ الزهر‪.‬‬

‫‪33‬‬
‫انتخب عضوًا في عدد من المجامع العلمية وحضر عددًا من‬
‫المؤتمرات الستشراقية‪.‬‬
‫من آثاره‪ :‬كتب سيل ً من المقالت والبحاث في المجلت‬
‫السيوية والغربية بأكثر من لغة‪ .‬وكتاب "العقيدة والشريعة في‬
‫السلم" باريس ‪ ،1920‬و"درس في السلم" في جزئين كبيرين‪،‬‬
‫كما حقق العديد من النصوص القديمة‪.‬‬
‫(‪ )2‬العقيدة والشريعة في السلم‪ ،‬ص ‪ 12‬ـ ‪.13‬‬
‫(‪ )3‬نفسه‪ ،‬ص ‪.13‬‬
‫(‪ )4‬نفسه‪ ،‬ص ‪ 21‬ـ ‪.22‬‬
‫‪ .16‬اينين دينيه‬
‫[‪]1‬‬
‫"‪ ...‬هذه هي مدينة الرسول ـ صلى الله عليه وسلم ـ تعيد إلى‬
‫نفسي ذكرى جهوده في سبيل ل إله إل الله‪ ،‬وتلقي في روعي‬
‫صبره على المكاره واحتماله للذى في سبيل الوحدانية اللهية"(‬
‫‪.)1‬‬
‫[‪]2‬‬
‫"كان العرب قبل محمد ـ صلى الله عليه وسلم ـ أمة ل شأن لها‬
‫ول أهمية لقبائلها ول لجماعتها‪ ،‬فلما جاء محمد ـ صلى الله عليه‬
‫وسلم ـ بعث هذه المة بعثًا جديدًا يصح أن يكون أقرب إلى‬
‫المعجزات فغلبت العالم وحكمت فيه آجال ً وآجالً‪.)2("...‬‬
‫[‪]3‬‬
‫"‪ ...‬لعمري‪ ،‬ليجدن المرء في نفسه‪ ،‬ما تقدم إلى قبر الرسول ـ‬
‫صلى الله عليه وسلم ـ روعة ما يستطيع لها تفسيًرا‪ ،‬وهي روعة‬
‫تمل النفس اضطرابًا وذهول ً ورجاءً وخوفًا وأملً‪ ،‬ذلك أنه أمام‬
‫نبي مرسل وعبقري عظيم لم تلد مثله البطون حتى اليوم‪ ..‬إن‬
‫العظمة والعبقرية يهزان القلوب ويثيران الفئدة فما بالك‬
‫بالعظمة إذا انتظمت مع النبوة‪ ،‬وما بالك بها وقد راحت تضحي‬
‫بكل شيء في الحياة في سبيل النسانية وخير البشرية"(‪.)3‬‬
‫[‪]4‬‬
‫"لقد استطاع النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ القيام بالمعجزات‬
‫ما تمكن من حمل هذه المة العربية الشديدة العنيدة‬ ‫والعجائب‪ ،‬ل َ ّ‬
‫على نبذ الصنام وقبول الوحدانية اللهية‪ ،‬لقد وفّق إلى خلق‬
‫العرب خلقًا جديدًا ونقلهم من الظلمات إلى النور"(‪.)4‬‬
‫[‪]5‬‬
‫"مع أن محمدًا ـ صلى الله عليه وسلم ـ كان سيد الجزيرة‬
‫العربية‪ ،‬فإنه لم يفكر في اللقاب‪ ،‬ول راح يعمل لستثمارها‪ ،‬بل‬
‫ظل على حاله مكتفيًا بأنه رسول الله‪ ،‬وأنه خادم المسلمين‪،‬‬

‫‪34‬‬
‫ما باًرا كأنه الريح‬
‫ينظف بيته بنفسه ويصلح حذاءه بيده‪ ،‬كري ً‬
‫السارية‪ ،‬ل يقصده فقير أو بائس إل تفضل عليه بما لديه‪ ،‬وما‬
‫لديه كان في أكثر الحايين قليل ً ل يكاد يكفيه"(‪.)5‬‬
‫‪-----------------‬‬
‫(‪ )1‬البحث عن الله‪ ،‬ص ‪ 39‬ـ ‪.40‬‬
‫(‪ )2‬نفسه‪ ،‬ص ‪.51‬‬
‫(‪ )3‬نفسه‪ ،‬ص ‪.52‬‬
‫(‪ )4‬نفسه‪ ،‬ص ‪ 66‬ـ ‪.67‬‬
‫(‪ )5‬نفسه‪ ،‬ص ‪.67‬‬
‫‪ .17‬بارت‬
‫بارت(‪)1‬‬
‫[‪]1‬‬
‫"كان من بين ممثلي حركة التنوير من رأوا في النبي العربي‬
‫ما‪ ،‬ورسولً‬‫ـصلى الله عليه وسلم ـ أدلة الله‪ ،‬ومشرع ًا حكي ً‬
‫للفضيلة‪ ،‬وناطقًا بكلمة الدين الطبيعي الفطري‪ ،‬مبشًرا به"(‪.)2‬‬
‫[‪]2‬‬
‫"كان العرب يعيشون منذ قرون طويلة في بوادي وواحات شبه‬
‫الجزيرة‪ ،‬يعيثون فيها فسادًا‪ .‬حتى أتى محمد ـ صلى الله عليه‬
‫وسلم ـ ودعاهم إلى اليمان بإله واحد‪ ،‬خالق بارئ‪ ،‬وجمعهم في‬
‫كيان واحد متجانس"(‪.)3‬‬
‫‪-----------------‬‬
‫(‪ )1‬رودي بارت ‪ :Rudi, Part‬عالم ألماني معاصر‪ ،‬اضطلع بالدراسات‬
‫الشرقية في جامعة هايدلبرج‪ ،‬وكرس حياته لدراسة علوم‬
‫العربية والسلم‪ ،‬وصنف فيها عددًا كبيًرا من العمال‪ ،‬منها‬
‫ترجمته للقرآن الكريم التي استغرقت منه عشرات السنين‬
‫وأصدرها بين عامي ‪ 1963‬و ‪ ،1966‬وله كتاب عن النبي محمد صلى‬
‫الله عليه وسلم‪.‬‬
‫(‪ )2‬الدراسات العربية والسلمية في الجامعات اللمانية‪ ،‬ص ‪.15‬‬
‫(‪ )3‬نفسه‪ ،‬ص ‪.20‬‬
‫‪ .18‬بروي‬
‫بروي(‪)1‬‬
‫"جاء محمد بن عبد الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ النبي العربي‬
‫وخاتمة النبيين‪ ،‬يبشر العرب والناس أجمعين‪ ،‬بدين جديد‪ ،‬ويدعو‬
‫للقول بالله الواحد الحد‪ ،‬كانت الشريعة ـ في دعوته ـ ل تختلف‬
‫عن العقيدة أو اليمان‪ ،‬وتتمتع مثلها بسلطة إلهية ملزمة‪ ،‬تضبط‬
‫ضا المور الدنيوية‪ ،‬فتفرض‬ ‫ليس المور الدينية فحسب‪ ،‬بل أي ً‬
‫على المسلم الزكاة‪ ،‬والجهاد ضد المشركين‪ ،‬ونشر الدين‬

‫‪35‬‬
‫الحنيف‪ .‬وعندما قبض النبي العربي ـ صلى الله عليه وسلم ـ عام‬
‫‪632‬م‪ ،‬كان قد انتهى من دعوته‪ ،‬كما انتهى من وضع نظام‬
‫اجتماعي يسمو كثيًرا فوق النظام القبلي الذي كان عليه العرب‬
‫قبل السلم‪ ،‬وصهرهم في وحدة قوية‪ ،‬وهكذا تم للجزيرة‬
‫العربية وحدة دينية متماسكة‪ ،‬لم تعرف مثلها من قبل‪.)2("..‬‬
‫‪----------‬‬
‫(‪ )1‬إدوار بروي ‪ :Edourd Perroy‬باحث فرنسي معاصر‪ ،‬وأستاذ في‬
‫السربون‪.‬‬
‫(‪ )2‬تاريخ الحضارات العام (‪.)112 / 3‬‬
‫‪ .19‬بلشير‬

‫[‪]1‬‬
‫"‪ ..‬إن معجزة النبي ـ عليه الصلة والسلم ـ الحقيقية والوحيدة‬
‫هي إبلغه الناس رسالة ذات روعة أدبية ل مثيل لها‪ ،‬فمن هو‬
‫ذلك الرجل المكلّف بالمهام الثقيلة العبء وهي حمل النور إلى‬
‫عرب الحجاز في أوائل القرن السابع؟ إن محمدًا ـ عليه الصلة‬
‫ما عليه بمواهب تنزهه‬ ‫والسلم ـ ل يبدو في القرآن إطلقًا منع ً‬
‫عن الصفات النسانية‪ ،‬فهو ل يستطيع في نظر معاصريه‬
‫المشركين أن يفخر بالستغناء عن حاجات هي حاجاتهم‪ ،‬وهو‬
‫شٌر‬‫ما أَنَا ب َ َ‬ ‫ل إِن َّ َ‬‫يصّرح بفخر أنه لم يكن سوى مخلوق فان‪{ :‬قُ ْ‬
‫م} [الكهف‪ .]110 :‬وهو لم يتلق أي قدرة على صنع‬ ‫مثْلُك ُ ْ‬
‫ِّ‬
‫المعجزات‪ ،‬ولكنه انتخب ليكون منذًرا ومبشًرا للكافرين‪ .‬إن نجاح‬
‫رسالته مرتبط إذن في قيمتها الحيائية وإلى شكلها المنقطع‬
‫النظير‪ .‬ولم يكن محمد ـ عليه الصلة والسلم ـ رغم ذلك‪،‬‬
‫صاحب بيان ول شاعًرا‪ ،‬فإن الخبار التي روت سيرته لم تحسن‬
‫الحتفاظ بذكرى مفاخراته الشخصية‪ ،‬وثمة عوامل تحملنا على‬
‫الشك فيما إذا كان عرف استعمال السجع‪ ،‬أو أنه تلقى من‬
‫ن ارتجال الشعر‪ .‬وعندما قال عنه المكّيّون المشركون‬ ‫السماء ف ّ‬
‫أنه شاعر‪ ،‬أو حين عّرضوا بأن مصدر الوحي جنّي معروف أزال‬
‫َ‬
‫ن هُوَ إِل‬ ‫ه إِ ْ‬ ‫ما يَنبَغِي ل َ ُ‬ ‫شعَْر َو َ‬ ‫ما ع َل ّ ْ‬
‫منَاه ُ ال ّ ِ‬ ‫{و َ‬
‫الله عنه هذه التهمة‪َ :‬‬
‫ن}‬‫ل ع َلَى الْكَافِرِي َ‬ ‫حقَّ الْقَوْ ُ‬ ‫حيًّا َوي َ ِ‬‫ن َ‬‫من كَا َ‬ ‫ن‪ ،‬لِيُنذَِر َ‬ ‫ن ُّ‬
‫مبِي ٌ‬ ‫ذِكٌْر وَقُْرآ ٌ‬
‫[يس‪ 69 :‬ـ ‪ .]70‬وهكذا يطرح هذا الوحي البالغ جماله حد العجاز‪،‬‬
‫الواثق بحمل الناس بقوة بيانه على الهداية‪ ،‬كظاهرة ل علقة لها‬
‫بالفصاحة ول الشعر"(‪.)1‬‬
‫[‪]2‬‬

‫‪36‬‬
‫مة أسباب تداخلت وفي طليعتها‬ ‫"‪ ..‬أما عن انتصار السلم فث َّ‬
‫القرآن والسنة وحالة الحجاز الدينية‪ ،‬ونصح وبيان وأمانة الرجل‬
‫المرسل لبلغ الرسالة المنزلة عليه‪.)2("..‬‬
‫‪------------‬‬
‫(‪ )1‬تاريخ الدب العربي (‪.)15 ،14 /2‬‬
‫(‪ )2‬نفسه (‪.)2/50‬‬
‫‪ .20‬توينبي مؤرخ بريطاني معاصر‬
‫توينبي(‪)1‬‬
‫[‪]1‬‬
‫"لقد كّرس محمد ـ صلى الله عليه وسلم ـ حياته لتحقيق رسالته‬
‫في كفالة هذين المظهرين في البيئة الجتماعية العربية؛ وهما‬
‫الوحدانية في الفكرة الدينية‪ ،‬والقانون والنظام في الحكم‪ ،‬وتم‬
‫ذلك فعل ً بفضل نظام السلم الشامل الذي ضم بين ظهرانيه‬
‫الوحدانية والسلطة التنفيذية معًا‪ .‬فغدت للسلم بفضل ذلك قوة‬
‫دافعة جبارة لم تقتصر على كفالة احتياجات العرب ونقلهم من‬
‫أمة جهالة إلى أمة متحضرة‪ ،‬بل تدفق السلم من حدود شبه‬
‫الجزيرة‪ ،‬واستولى على العالم السوري بأسره من سواحل‬
‫الطلسي إلى شواطئ السهب الوراسي‪.)2("...‬‬
‫[‪]2‬‬
‫"‪ ...‬لقد أخذت سيرة الرسول العربي ـ صلى الله عليه وسلم ـ‬
‫بألباب أتباعه‪ ،‬وسمت شخصيته لديهم إلى أعلى علّيين‪ ،‬فآمنوا‬
‫برسالته إيمانًا جعلهم يتقبلون ما أوحي به إليه وأفعاله كما‬
‫جلتها السنة‪ ،‬مصدًرا للقانون‪ ،‬ل يقتصر على تنظيم حياة‬ ‫س ّ‬
‫الجماعة السلمية وحدها‪ ،‬بل يرتب كذلك علقات المسلمين‬
‫الفاتحين برعاياهم غير المسلمين الذين كانوا في بداية المر‬
‫يفوقونهم عددًا"(‪.)3‬‬
‫‪----------------‬‬
‫(‪ )1‬آرنولد توينبي ‪ :Arnold Toynbee‬المؤرخ البريطاني المعاصر‪ ،‬الذي‬
‫انصبت معظم دراساته على تاريخ الحضارات‪ ،‬وكان أبرزها ـ ول‬
‫ريب ـ مؤلفه الشهير "دراسة للتاريخ" الذي شرع يعمل فيه منذ‬
‫عام ‪ ،1921‬وانتهى منه عام ‪ ،1961‬وهو يتكون من اثني عشر جزءًا‬
‫عرض فيها "توينبي" لرؤيته الحضارية للتاريخ‪ .‬ولقد وضع المستر‬
‫"سومر فيل" ـ تحت إشراف توينبي نفسه ـ مختصًرا في جزأين‬
‫ما‬
‫لهذا العمل الواسع بسط فيه جميع آراء المؤلف مستخد ً‬
‫عباراته الصلية في معظم الحيان‪ ،‬وحذف الكثير من المثلة‬
‫والراء دون إخلل بالسياق العام للكتاب‪ ،‬وهذا المختصر هو الذي‬
‫ترجم إلى العربية في أربعة أجزاء‪ ،‬وهو الذي اعتمدناه هنا‪.‬‬

‫‪37‬‬
‫(‪ )2‬مختصر دراسة للتاريخ (‪.)10/381‬‬
‫(‪ )3‬نفسه (‪.)98 /3‬‬
‫‪ .21‬جوتة الديب اللماني‬
‫"جوتة" الديب اللماني‪" :‬إننا أهل أوربا بجميع مفاهيمنا‪ ،‬لم نصل‬
‫بعد إلى ما وصل إليه "محمد"‪ ،‬وسوف ل يتقدم عليه أحد‪ ،‬ولقد‬
‫بحثت في التاريخ عن مثل أعلى لهذا النسان‪ ،‬فوجدته في النبي‬
‫"محمد" … وهكذا وجب أن يظهر الحق ويعلو‪ ،‬كما نجح "محمد"‬
‫الذي أخضع العالم كله بكلمة التوحيد"‪.‬‬
‫تلك بعض أقوال مشاهير العالم ‪ ،‬في "محمد" نبي الرحمة عليه‬
‫الصلة والسلم‪ ،‬فلماذا المزايدات التي تضر ول تنفع ‪ ،‬وتهدم ول‬
‫تبني؟!‪.‬‬
‫‪ .22‬جورج حنا‬
‫جورج حنا‬
‫[‪]1‬‬
‫"‪ ...‬كان محمد ـ صلى الله عليه وسلم ـ يخرج من سويعات لقائه‬
‫مع جبريل عليه السلم بآيات تنطق بالحكمة‪ ،‬داعيًا قومه إلى‬
‫ي القدرة‪ ،‬صابًا‬
‫الرجوع عن غيّهم‪ ،‬واليمان بالله الواحد الكل ّ‬
‫النقمة على اللهة الصنمية‪ ،‬التي كان القوم يعبدونها فكان طبيعيًا‬
‫أن يحقد عليه أشراف العرب ويضمروا له الشر‪ ،‬لما كان في‬
‫دعوته من خطر على زعامتهم‪ ،‬وهي ما كانت قائمة إل على‬
‫التعبد للصنام التي جاء هذا الرجل يدعو إلى تحطيمها‪ .‬لكن‬
‫محمدًا ـ صلى الله عليه وسلم ـ لم يكن يهادن في بث دعوته‪،‬‬
‫ولم يكن يسكت عن اضطهاد أشراف قريش له‪ ،‬بل كان‬
‫يتحداهم‪ ،‬فيزدادون حقدًا عليه وتآمًرا على حياته‪ .‬فلم تلبث‬
‫دعوته حتى تحولت من دعوة سلمية إلى دعوة نضالية‪ .‬إنه لم‬
‫يرض بأن يحوّل خدّه اليسر لمن يضربه على خدّه اليمن‪ ،‬بل‬
‫مشى في طريقه غير هيّاب‪ ،‬في يده الواحدة رسالة هداية‪ ،‬يهدي‬
‫بها من سالموه‪ ،‬وفي يده الثانية سيف يحارب به من يحاربوه‪.‬‬
‫لقد آمن به نفر قليل في بداية الدعوة‪ ،‬وكان نصيب هذا النفر‬
‫مثل نصيبه من الضطهاد والتكفير‪ ،‬كان هؤلء باكورة الديانة‬
‫السلمية‪ ،‬والشعلة التي انطلقت منها رسالة محمد ـ صلى الله‬
‫عليه وسلم ـ"(‪.)1‬‬
‫[‪]2‬‬
‫"كان محمد ـ صلى الله عليه وسلم ـ في المدينة أكثر اطمئنانًا‬
‫على نفسه وعلى أتباعه ورسالته مما كان في مكة‪ ،‬كانت يثرب‬
‫ما‬
‫مدينة العامة التابعة‪ ،‬ل مدينة الخاصة المتبوعة‪ ،‬والعامة دائ ً‬

‫‪38‬‬
‫أقرب إلى اقتباس كلمة الحق من الخاصة‪ ،‬لسيما إذا كانت كلمة‬
‫الحق هذه تحررها من عبوديتها للخاصة"(‪.)2‬‬
‫[‪]3‬‬
‫"محمد بن عبد الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ كان ثائًرا عندما أبى‬
‫أن يماشي أهل الصحراء في عبادة الصنام وفي عاداتهم‬
‫الهمجية وفي مجتمعهم البربري‪ ،‬فأضرمها حربًا ل هوادة فيها‬
‫على جاهلية المشركين وأسيادهم وآلهتهم‪ ،‬فكفره قومه‬
‫واضطهدوه وأضمروا له الموت‪ ،‬فهاجر تحت جنح الليل مع نفر‬
‫من أتباعه‪ ،‬وما تخلى عن النضال في نشر دعوته‪ ،‬وما أحجم عن‬
‫تجريد السيف من أجلها؛ فأخرج من جاهلية الصحراء عقيدة دينية‬
‫واجتماعية تجمع بين مئات المليين من البشر في أقطار‬
‫المعمورة"(‪.)3‬‬
‫‪------------------‬‬
‫(‪ )1‬قصة النسان‪ ،‬ص ‪.76‬‬
‫(‪ )2‬نفسه‪ ،‬ص ‪.77‬‬
‫(‪ )3‬نفسه‪ ،‬ص ‪.252‬‬
‫‪ .23‬دُّراني‬
‫دُّراني(‪)1‬‬
‫[‪]1‬‬
‫"أستطيع أن أقول بكل قوة أنه ل يوجد مسلم جديد واحد ل‬
‫يحمل في نفسه العرفان بالجميل لسيدنا محمد ـ صلى الله عليه‬
‫وسلم ـ؛ لما غمره به من حب وعون وهداية وإلهام؛ فهو القدوة‬
‫الطيبة التي أرسلها الله رحمة لنا وحبًا بنا حتى نقتفي أثره"(‪.)2‬‬
‫[‪]2‬‬
‫"‪ ..‬وأخيرا ً أخذت أدرس حياة النبي محمد ـ صلى الله عليه وسلم‬
‫ـ فأيقنت أن من أعظم الثام أن نتنكر لذلك الرجل الرباني الذي‬
‫أقام مملكة لله بين أقوام كانوا من قبل متحاربين ل يحكمهم‬
‫قانون‪ ،‬يعبدون الوثن‪ ،‬ويقترفون كل الفعال المشينة‪ ،‬فغير طرق‬
‫تفكيرهم‪ ،‬ل بل بدل عاداتهم وأخلقهم‪ ،‬وجمعهم تحت راية واحدة‬
‫وقانون واحد ودين واحد وثقافة واحدة وحضارة واحدة وحكومة‬
‫ما واحدًا‬‫واحدة‪ ،‬وأصبحت تلك المة ـ التي لم تنجب رجل ً عظي ً‬
‫يستحق الذكر منذ عدة قرون ـ أصبحت تحت تأثيره وهديه تنجب‬
‫ألوفًا من النفوس الكريمة التي انطلقت إلى أقصى أرجاء‬
‫المعمورة تدعو إلى مبادئ السلم وأخلقه ونظام الحياة‬
‫السلمية وتعلم الناس أمور الدين الجديد"(‪.)3‬‬
‫[‪]3‬‬

‫‪39‬‬
‫ة من‬ ‫ما كامل ً‬
‫"‪ ..‬تحمل ـ صلى الله عليه وسلم ـ ثلثة عشر عا ً‬
‫المتاعب ـ في مكة ـ دون انقطاع‪ ،‬وثمانية سنوات ـ في المدينة ـ‬
‫دون توقف‪ ،‬فتحمل ذلك كله‪ ،‬فلم يتزحزح شعرة عن موقفه‪،‬‬
‫وكان صامدًا‪ ،‬رابط الجأش‪ ،‬صلبًا في أهدافه وموقفه‪ .‬عرضت‬
‫عليه أمته أن تنصبه ملكًا عليها وأن تضع عند قدميه كل ثروات‬
‫البلد إذا كف عن الدعوة إلى دينه ونشر رسالته‪ .‬فرفض هذه‬
‫الغراءات كلها فاختار بدل ً من ذلك أن يعاني من أجل دعوته‪.‬‬
‫لماذا؟ لماذا لم يكترث أبدًا للثروات والجاه والملك والمجد‬
‫والراحة والدعة والرخاء ؟ لبد ّ أن يفكر المرء في ذلك بعمق‬
‫شديد إذا أراد أن يصل إلى جواب عليه"(‪.)4‬‬
‫[‪]4‬‬
‫"هل بوسع المرء أن يتصور مثال ً للتضحية بالنفس وحب الغير‬
‫والرأفة بالخرين أسمى من هذا المثال حيث نجد رجل ً يقضي‬
‫على سعادته الشخصية لصالح الخرين‪ ،‬بينما يقوم هؤلء القوم‬
‫أنفسهم الذين يعمل على تحسين أحوالهم ويبذل أقصى جهده‬
‫في سبيل ذلك‪ ،‬يقومون برميه بالحجارة والساءة إليه ونفيه‬
‫وعدم إتاحة الفرصة له للحياة الهادئة حتى في منفاه‪ ،‬وأنه رغم‬
‫كل ذلك يرفض أن يكف عن السعي لخيرهم؟ هل يمكن لحد أن‬
‫يتحمل كل هذا العناء واللم من أجل دعوة السعي لخيرهم؟ هل‬
‫يمكن لحد أن يتحمل كل هذا العناء واللم من أجل دعوة مزيفة؟‬
‫هل يستطيع أي مدخول غير مخلص أن يبدي هذا الثبات‬
‫والتصميم على مبدئه والتمسك به حتى آخر رمق دون أدنى وجل‬
‫أو تعثر أمام الخطار وصنوف التعذيب التي يمكن تصورها وقد‬
‫قامت عليه البلد بأكملها وحملت السلح ضده؟"(‪.)5‬‬
‫[‪]5‬‬
‫"إن هذا اليمان وهذا السعي الحثيث وهذا التصميم والعزم الذي‬
‫قاد به محمد ـ صلى الله عليه وسلم ـ حركته حتى النصر النهائي‪،‬‬
‫إنما هو برهان بليغ على صدقه المطلق في دعوته؛ إذ لو كانت‬
‫في نفسه أدنى لمسة من شك أو اضطراب لما استطاع أبدًا أن‬
‫ما‬
‫يصمد أمام العاصفة التي استمّر أوارها أكثر من عشرين عا ً‬
‫كاملة‪ .‬هل بعد هذا من برهان على صدق كامل في الهدف‬
‫واستقامة في الخلق وسموّ في النفس كل هذه العوامل تؤدي ل‬
‫محالة إلى الستنتاج الذي ل مفر منه وهو أن هذا الرجل هو‬
‫رسول الله حقًا‪ .‬هذا هو نبينا محمد ـ صلى الله عليه وسلم ـ إذ‬
‫جا كامل ً للفضيلة والخير‪ ،‬ورمًزا‬ ‫كان آية في صفاته النادرة ونموذ ً‬
‫للصدق والخلص‪ .‬إن حياته وأفكاره وصدقه واستقامته‪ ،‬وتقواه‬
‫وجوده‪ ،‬وعقيدته ومنجزاته‪ ،‬كل أولئك براهين فريدة على نبوته؛‬

‫‪40‬‬
‫فأي إنسان يدرس دون تحيّز حياته ورسالته سوف يشهد أنه حقًا‬
‫رسول من عند الله‪ ،‬وأن القرآن الذي جاء به للناس هو كتاب‬
‫الله حقًا‪ .‬وكل مفكر منصف جاد يبحث عن الحقيقة لبد ّ أن يصل‬
‫إلى هذا الحكم"(‪.)6‬‬
‫‪----------------‬‬
‫(‪ )1‬الدكتور م‪ .‬ج‪ .‬دُّراني ‪ :Dr. M. H. Durrani‬سليل أسرة مسلمة منذ‬
‫القدم‪ ،‬أصبح نصرانيًا في فترة مبكرة من حياته وتحت تأثير إحدى‬
‫حا من حياته في كنيسة‬ ‫المدارس التبشيرية المسيحية‪ ،‬وقضى رد ً‬
‫سا منذ عام ‪ 1939‬وحتى عام ‪ 1963‬حيث‬ ‫إنكلترا‪ ،‬حيث عمل قسي ً‬
‫جاءه السلم "كما يأتي فصل الربيع"‪ ،‬فعاد إلى دين آبائه‬
‫وأجداده‪.‬‬
‫(‪ )2‬رجال ونساء أسلموا (‪.)28 – 27 /4‬‬
‫(‪ )3‬نفسه (‪.)29 – 28 /4‬‬
‫(‪ )4‬نفسه (‪.)30 – 29 /4‬‬
‫(‪ )5‬نفسه (‪.)30 /4‬‬
‫(‪ )6‬نفسه (‪.)31 – 30 /4‬‬
‫‪ .24‬رودنسن ‪ -‬فرانز روزنثال ‪ -‬جاك ريسلر ‪ -‬جورج‬
‫سارتون‬
‫رودنسن‬
‫"‪ ...‬بظهور عدد من المؤرخين الوروبيين المستنيرين في القرن‬
‫الثامن عشر بدأت تتكامل معالم صورة هي صورة محمد ـ صلى‬
‫الله عليه وسلم ـ الحاكم المتسامح والحكيم والمشرع"‪.‬‬
‫فرانز روزنثال‬
‫[‪]1‬‬
‫"إن أفكار الرسول ـ صلى الله عليه وسلم ـ التي تلقاها وحيًا أو‬
‫شطت دراسة التاريخ نشاطًا ل مزيد‬ ‫التي أدى إليها اجتهاده ن ّ‬
‫عليه‪ ،‬فقد أصبحت أعمال الفراد وأحداث الماضي وحوادث كافة‬
‫شعوب الرض أموًرا ذات أهمية دينية‪ ،‬كما أن شخصية الرسول ـ‬
‫حا في كل مجرى‬ ‫صلى الله عليه وسلم ـ كانت خطًا فاصل ً واض ً‬
‫التاريخ‪ ،‬ولم يتخط علم التاريخ السلمي هذا الخط قط‪."...‬‬
‫[‪]2‬‬
‫"تبقى حقيقة‪ ،‬هي أن الرسول ـ صلى الله عليه وسلم ـ نفسه‬
‫ما واسعًا بالتاريخ؛ لقد كان‬
‫وضع البذور التي نجني منها اهتما ً‬
‫التاريخ يمل تفكير الرسول ـ صلى الله عليه وسلم ـ لدرجة‬
‫كبيرة‪ ،‬وقد ساعد عمله من حيث العموم في تقديم نمو التاريخ‬
‫السلمي في المستقبل‪ ،‬رغم أن الرسول ـ صلى الله عليه‬

‫‪41‬‬
‫وسلم ـ لم يتنبأ بالنمو الهائل للمعرفة والعلم الذي سيتم باسم‬
‫دينه"(‪.)2‬‬
‫جاك ريسلر‬
‫[‪]1‬‬
‫"القرآن يكمله الحديث الذي يعد سلسلة من القوال تتعلق‬
‫بأعمال النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ وإرشاداته‪ .‬وفي الحديث‬
‫يجد المرء ما كان يدور بخلد النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ‪،‬‬
‫العنصر الساسي من سلوكه أمام الحقائق المتغيرة في الحياة‪،‬‬
‫هذه القوال ‪ ،‬أو هذه الحاديث التي يشكل مجموعها السنة‬
‫دونت مما روي عن الصحابة ـ رضي الله عنهم ـ أو نقل عنهم مع‬
‫التمحيص الشديد في اختيارها وهكذا جمع عدد كبير من‬
‫الحاديث‪ ،‬والسنة هي المبينة للقرآن التي ل غنى عنها للقرآن‪"..‬‬
‫‪.‬‬
‫[‪]2‬‬
‫ما على محمد ـ صلى الله عليه وسلم ـ أن يبرز في‬ ‫"‪ ..‬كان لزا ً‬
‫أقصر وقت ممكن تفوّق الشعب العربي عندما أنعم الله عليه‬
‫بدين سام في بساطته ووضوحه‪ ،‬وكذلك بمذهبه الصارم في‬
‫التوحيد في مواجهة التردد الدائم للعقائد الدينية‪ .‬وإذا ما عرفنا‬
‫أن هذا العمل العظيم أدرك وحقق في أقصر أجل أعظم أمل‬
‫لحياة إنسانية فإنه يجب أن نعترف أن محمدًا ـ صلى الله عليه‬
‫وسلم ـ يظل في عداد أعظم الرجال الذين شرف بهم تاريخ‬
‫الشعوب والديان"‪.‬‬
‫جورج سارتون‬
‫[‪]1‬‬
‫"صدع الرسول ـ صلى الله عليه وسلم ـ بالدعوة نحو عام ‪610‬م‬
‫وعمره يوم ذاك أربعون سنة‪ ،‬وكان مثل إخوانه النبياء السابقين‬
‫ـ عليهم السلم ـ ولكن كان أفضل منهم بما ل نسبة فيه‪ ،‬وكان‬
‫زاهدًا وفقيهًا ومشرع ًا ورجل ً عمليًا‪. "...‬‬
‫[‪]2‬‬
‫ما كانتصار محمد ـ‬ ‫"إنه لم يتح لنبي من قبل أن ينتصر انتصاًرا تا ً‬
‫صلى الله عليه وسلم ـ‪. "...‬‬
‫[‪]3‬‬
‫"‪ ..‬لم يكن محمد ـ صلى الله عليه وسلم ـ نبي السلم فحسب‪،‬‬
‫بل نبي اللغة العربية والثقافة العربية‪ ،‬على اختلف أجناس‬
‫المتكلمين بها وأديانهم"‬
‫‪ .25‬روم لندو ‪ -‬ليتنر‬
‫روم لندو‬

‫‪42‬‬
‫[‪]1‬‬
‫"‪ ...‬لم ينسب محمد ـ صلى الله عليه وسلم ـ في أيّ يوم من‬
‫اليام إلى نفسه صفة ألوهية أو قوى أعجوبية؛ على العكس‪ ،‬لقد‬
‫صا على النص على أنه مجرد رسول اصطنعه الله لبلغ‬ ‫كان حري ً‬
‫الوحي للناس"‪.‬‬
‫[‪]2‬‬
‫ً‬
‫"كان محمد ـ صلى الله عليه وسلم ـ تقي ّا بالفطرة‪ ،‬وكان من غير‬
‫ريب مهيّأ لحمل رسالة السلم التي تلقاها‪ .‬وبالضافة إلى‬
‫طبيعته الروحية‪ ،‬كان في سره وجهره رجل ً عمليًا عرف مواطن‬
‫الضعف ومواطن القوة في الخلق العربي‪ ،‬وأدرك أن الصلحات‬
‫الضرورية ينبغي أن تقدم إلى البدو الذين ل يعرفون انضباطًا‬
‫وإلى المدنيين الوثنيين‪ ،‬وفي آن معًا‪ ،‬على نحو تدريجي‪ .‬وفي‬
‫الوقت نفسه كان محمد ـ صلى الله عليه وسلم ـ يملك إيمانًا ل‬
‫خا على استئصال كل أثر من‬ ‫ما راس ً‬
‫يلين بفكرة الله الواحد‪ ،‬وعز ً‬
‫آثار عبادة الصنام التي كانت سائدة بين الوثنيين العرب"‪.‬‬
‫[‪]3‬‬
‫"كانت مهمة محمد ـ صلى الله عليه وسلم ـ هائلة‪ ،‬كانت مهمة‬
‫ليس في ميسور دجال تحدوه دوافع أنانية ـ وهو الوصف الذي‬
‫رمى به بعض الكتاب الغربيين المبكرين الرسول العربي صلى‬
‫الله عليه وسلم ـ أن يرجو النجاح في تحقيقها بمجهوده‬
‫الشخصي‪ ،‬إن الخلص الذي تكشف عنه محمد ـ صلى الله عليه‬
‫وسلم ـ في أداء رسالته‪ ،‬وما كان لتباعه من إيمان كامل في ما‬
‫أنزل عليه من وحي‪ ،‬واختبار الجيال والقرون‪ ،‬كل أولئك يجعل‬
‫من غير المعقول اتهام محمد ـ صلى الله عليه وسلم ـ بأيّ ضرب‬
‫من الخداع المتعمد‪.‬‬
‫ولم يعرف التاريخ قط أي تلفيق ـ ديني ـ متعمد استطاع أن يعمر‬
‫طويلً‪ ،‬والسلم لم يعمر حتى الن ما ينوف على ألف وثلثمائة‬
‫سنة وحسب‪ ،‬بل إنه ل يزال يكتسب ـ في كل عام ـ أتباع ًا جددًا‪.‬‬
‫وصفحات التاريخ ل تقدم إلينا مثل ً واحدًا على محتال كان‬
‫لرسالته الفضل في خلق إمبراطورية من إمبراطوريات العالم‬
‫وحضارة من أكثر الحضارات نبلً"‪.‬‬
‫[‪]4‬‬
‫"كانت مهمة محمد ـ صلى الله عليه وسلم ـ هي القضاء على‬
‫النظام القبلي القوي الذي كان مسؤول ً عن اندلع نار الحرب‪،‬‬
‫على نحو موصول تقريبًا‪ ،‬بين العرب‪ ،‬والستعاضة عنه بولء لله‬
‫يسمو على جميع الروابط السرية والحقاد الصغيرة‪ .‬كان عليه‬
‫أن يعطي الناس قانونًا كليًا يستطيع حتى العرب المتمردون‬

‫‪43‬‬
‫قبوله والذعان له‪ ،‬وكان عليه أن يفرض النضباط على مجتمع‬
‫عاش على العنف القبلي والثأر الدموي لضروب من المظالم‬
‫ل النسانية محل‬ ‫بعضها واقعي وبعضها متوهم‪ .‬كان عليه أن يح ّ‬
‫الوحشية‪ ،‬والنظام محل الفوضى‪ ،‬والعدالة محلة القوة‬
‫الخالصة"‪.‬‬
‫[‪]5‬‬
‫"عندما توفي محمد ـ صلى الله عليه وسلم ـ عام ‪632‬م كان في‬
‫نجاح السلم ما زكى إيمان خديجة ـ رضي الله عنها ـ بالوحي‬
‫الذي تلقاه زوجها‪ ،‬وكانت العقيدة التوحيدية الجديدة في سبيلها‬
‫إلى القيام بفتح روحي ومادي ل يضارعه أي فتح في التاريخ‬
‫البشري"(‪.)5‬‬
‫ليتنر‬
‫[‪]1‬‬
‫ي اليهود والنصارى أقول بأن ما علمه‬ ‫"بقدر ما أعرف من دين ْ‬
‫سا بل قد أوحي إليه‬ ‫محمد ـ صلى الله عليه وسلم ـ ليس اقتبا ً‬
‫به‪ ،‬ول ريب بذلك طالما نؤمن بأنه قد جاءنا وحي من لدن عزيز‬
‫عليم‪ .‬وإني بكل احترام وخشوع أقول‪ :‬إذا كان تضحية الصالح‬
‫الذاتي‪ ،‬وأمانة المقصد‪ ،‬وإيمان القلوب الثابت‪ ،‬والنظر الصادق‬
‫الثاقب بدقائق وخفايا الخطيئة والضلل‪ ،‬واستعمال أحسن‬
‫الوسائط لزالتها‪ ،‬فذلك من العلمات الظاهرة الدالة على نبوة‬
‫محمد ـ صلى الله عليه وسلم ـ وأنه قد أوحي إليه"‪.‬‬
‫[‪]2‬‬
‫"إن الديانة النصرانية التي ود ّ محمد ـ صلى الله عليه وسلم ـ‬
‫إعادتها لصلها النقي كما بشر بها المسيح ـ عليه السلم ـ تخالف‬
‫سرية التي أذاعها بولس والغلط الفظيعة التي أدخلها‬ ‫التعاليم ال ّ‬
‫عليها شيع النصارى‪ ،‬ولقد كانت آمال محمد ـ صلى الله عليه‬
‫وسلم ـ وأمانيه أن ل تخصص بركة دين إبراهيم ـ عليه السلم ـ‬
‫لقومه خاصة‪ ،‬بل تعم الناس جميعًا‪ ،‬ولقد صار دينه الواسطة‬
‫لرشاد وتمدن المليين من البشر‪ ،‬ولول هذا الدين للبثوا غرقى‬
‫في التوحش والهمجية‪ ،‬ولما كان لهم هذا الخاء المعمول به في‬
‫دين السلم"‪.‬‬
‫[‪]3‬‬
‫"‪ ..‬لما بلغ ـ صلى الله عليه وسلم ـ السنة الخامسة والعشرين‬
‫ما‪ ،‬وهذه تشابه امرأة‬ ‫من العمر تزوج امرأة عمرها أربعون عا ً‬
‫ما في أوربا‪ ،‬وهي أول من آمن برسالته‬ ‫عمرها خمسون عا ً‬
‫ما لم‬‫المقدسة‪ ،‬وبقيت خديجة ـ رضي الله عنها ـ معه عشرين عا ً‬
‫يتزوج عليها قط حتى ماتت ـ رضي الله عنها ـ‪ .‬ولما بلغ من‬

‫‪44‬‬
‫سا وخمسين سنة صار يتزوج الواحدة بعد الخرى‪ ،‬لكن‬ ‫العمر خم ً‬
‫ليس من الستقامة والصدق أن ننسب ما ل يليق لرجل عظيم‬
‫صرف كل ذاك العمر بالطهارة والعفاف فل ريب أن لزواجه‬
‫بسن الكبر أسبابًا حقيقية غير التي يتشدق بها كتاب النصارى‬
‫بهذا الخصوص‪ ،‬وما هي تلك السباب يا ترى؟ ول ريب هي‬
‫شفقته على نساء أصحابه الذين قتلوا‪."...‬‬
‫[‪]4‬‬
‫"‪ ...‬مرة‪ ،‬أوحى الله تعالى إلى النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ‬
‫وحيًا شديد المؤاخذة لنه أدار وجهه عن رجل فقير أعمى‬
‫ليخاطب رجل ً غنيًا من ذوي النفوذ‪ ،‬وقد نشر ذاك الوحي‪ ،‬فلو‬
‫كان ـ صلى الله عليه وسلم ـ كما يقول أغبياء النصارى بحقه لما‬
‫كان لذاك الوحي من وجود"‪.‬‬
‫[‪]5‬‬
‫"‪ ...‬إني لجهر برجائي بمجيء اليوم الذي به يحترم النصارى‬
‫ما وذلك باحترامهم محمدًا ـ‬ ‫ما عظي ً‬ ‫المسيح ـ عليه السلم ـ احترا ً‬
‫صلى الله عليه وسلم ـ‪ ،‬ول ريب في أن المسيحي المعترف‬
‫برسالة محمد ـ صلى الله عليه وسلم ـ وبالحق الذي جاء به هو‬
‫المسيحي الصادق"‪.‬‬
‫‪ .26‬سانتيلنا‬
‫سانتيلنا(‪)1‬‬
‫[‪]1‬‬
‫"ما كان من محمد ـ صلى الله عليه وسلم ـ إل أن تناول المجتمع‬
‫حا اجتماعيًا جديدًا‪..‬‬
‫ما من أصوله وجذوره وشاد صر ً‬ ‫العربي هد ً‬
‫هذا العمل الباهر لم تخطئه عين (ابن خلدون) النفاذة الثاقبة‪ .‬إن‬
‫محمدًا ـ صلى الله عليه وسلم ـ هدم شكل القبيلة والسرة‬
‫المعروفين آنذاك‪ ،‬ومحا منه الشخصية الفردية ‪ Gentes‬والموالة‬
‫والجماعات المتحالفة‪ .‬من يعتنق دين السلم عليه أن ينشئ‬
‫روابطه كلها ومنها رابطة قرباه وأسرته‪ ،‬إل إذا كانوا يعتنقون دينه‬
‫ـإخوته في اليمان ـ‪ .‬فما داموا هم على دينهم القديم فإنه يقول‬
‫لهم كما قال إبراهيم ـ عليه السلم ـ لهله‪" :‬لقد تقطعت بيننا‬
‫السباب‪.)2("..‬‬
‫[‪]2‬‬
‫"كان محمد ـ صلى الله عليه وسلم ـ رسول الله إلى الشعوب‬
‫الخرى‪ ،‬كما كان رسول الله إلى العرب"(‪.)3‬‬
‫‪---------------------------‬‬
‫(‪ )1‬دافيد دي سانتيلنا (‪ 1845‬ـ ‪ :David de Santillana )1931‬ولد في‬
‫تونس‪ ،‬ودرس في روما‪ ،‬أحرز الدكتوراه في القانون‪ ،‬فدعاه‬

‫‪45‬‬
‫المقيم العام الفرنسي في تونس لدراسة وتدوين القوانين‬
‫التونسية‪ ،‬فوضع القانونين المدني والتجاري معتمدًا بذلك على‬
‫قواعد الشريعة السلمية ومنسقًا إياهما بحسب القوانين‬
‫الوروبية‪ .‬كان على معرفة واسعة بالمذهبين المالكي والشافعي‪،‬‬
‫وفي سنة ‪ 1910‬عين أستاذ ًا لتاريخ الفلسفة في الجامعة المصرية‪،‬‬
‫وله محاضرات قيمة فيها‪ ،‬ثم استدعته جامعة روما لتدريس‬
‫التاريخ السلمي‪.‬‬
‫من آثاره‪" :‬ترجمة وشرح الحكام المالكية"‪ ،‬كتاب "الفقه‬
‫السلمي ومقارنته بالمذهب الشافعي"‪...‬إلخ‪.‬‬
‫(‪ )2‬تراث السلم‪ ،‬إشراف سير توماس آرنولد‪ ،‬ص ‪.406 ،405‬‬
‫(‪ )3‬نفسه‪ ،‬ص ‪.406‬‬
‫‪ .27‬عبد الله لويليام‬
‫عبد الله لويليام‬
‫[‪]1‬‬
‫"كان محمد ـ صلى الله عليه وسلم ـ على أعظم ما يكون من‬
‫كريم الطباع وشريف الخلق ومنتهى الحياء وشدة الحساس‪،‬‬
‫وكان حائًزا لقوة إدراك عجيبة وذكاء مفرط وعواطف رقيقة‬
‫شريفة‪ ،‬وكان على خلق عظيم وشيم مرضية مطبوع ًا على‬
‫الحساس‪.)1("..‬‬
‫[‪]2‬‬
‫"‪ ...‬إن بعض كتاب هذا العصر الحاضر كادوا أن يعرفوا بأن‬
‫الطعن والقدح والشتم والسب ليس بالحجة ول البرهان فسلموا‬
‫بذكر كثير من صفات النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ السامية‬
‫وجليل أعماله الفاخرة‪.)2("..‬‬
‫[‪]3‬‬
‫"‪ ...‬ما اهتدى مئات المليين إلى السلم إل ببركة محمد ـ صلى‬
‫الله عليه وسلم ـ الذي علمهم الركوع والسجود لله وأبقى لهم‬
‫دستوًرا لن يضلوا بعده أبدًا وهو القرآن الجامع لمصالح دنياهم‬
‫ولخير أخراهم‪.)3("..‬‬
‫[‪]4‬‬
‫"لما شرف محمد ـ صلى الله عليه وسلم ـ ساحة عالم الشهود‬
‫بوجوده الذي هو الواسطة العظمى والوسيلة الكبرى إلى اعتلء‬
‫النوع النساني وترقيه في درجات المدنية أكمل ما يحتاجه البشر‬
‫من اللوازم الضرورية على نهج مشروع وأوصل الخلق إلى‬
‫أقصى مراتب السعادة بسرعة خارقة‪ .‬ومن نظر بعين البصيرة‬
‫في حال النام قبله عليه الصلة والسلم وما كانوا عليه من‬
‫الضللة‪ ،‬ونظر في حالهم بعد ذلك وما حصل لهم في عصره من‬

‫‪46‬‬
‫ما كما بين الثريا‬‫الترقّي العظيم رأى بين الحالين فرقًا عظي ً‬
‫والثرى"(‪.)4‬‬
‫[‪]5‬‬
‫"‪ ...‬امتدت أنوار المدنية بعد محمد ـ صلى الله عليه وسلم ـ في‬
‫قليل من الزمان ساطعة في أقطار الرض من المشرق إلى‬
‫المغرب حتى إن وصول أتباعه في ذلك الزمن اليسير إلى تلك‬
‫المرتبة العلية من المدنية قد حيّر عقول أولي اللباب؛ وما‬
‫السبب في ذلك إل كون أوامره ونواهيه موافقة لموجب العقل‬
‫ومطابقة لمقتضى الحكمة"(‪.)5‬‬
‫‪-----------------‬‬
‫(‪ )1‬العقيدة السلمية‪ ،‬ص ‪.97 – 96‬‬
‫(‪ )2‬نفسه ‪ ،‬ص ‪.114 – 113‬‬
‫(‪ )3‬نفسه‪ ،‬ص ‪ 38‬عن لوزون في خطبته المذكورة ‪.‬‬
‫(‪ )4‬أحسن الجوبة عن سؤال أحد علماء أوروبا‪ ،‬ص ‪.22 ،21‬‬
‫(‪ )5‬نفسه‪ ،‬ص ‪.23 ،22‬‬
‫‪ .28‬غاندي‬
‫يقول "مهاتما غاندي" في حديث لجريدة "ينج إنديا"‪" :‬أردت أن‬
‫أعرف صفات الرجل الذي يملك بدون نزاع قلوب مليين البشر‪،‬‬
‫لقد أصبحت مقتنعا ً كل القتناع أن السيف لم يكن الوسيلة التي‬
‫من خللها اكتسب السلم مكانته؛ بل كان ذلك من خلل بساطة‬
‫الرسول‪ ،‬مع دقته وصدقه في الوعود‪ ،‬وتفانيه وإخلصه لصدقائه‬
‫وأتباعه‪ ،‬وشجاعته مع ثقته المطلقة في ربه وفي رسالته‪ .‬هذه‬
‫الصفات هي التي مهدت الطريق‪ ،‬وتخطت المصاعب وليس‬
‫السيف‪ .‬بعد انتهائي من قراءة الجزء الثاني من حياة الرسول‬
‫سفا ً لعدم وجود المزيد للتعرف أكثر على حياته‬ ‫وجدت نفسي أ ِ‬
‫العظيمة"‪.‬‬
‫‪ .30‬غوستاف لوبون‬
‫[‪]1‬‬
‫"جمع محمد ـ صلى الله عليه وسلم ـ قبل وفاته كلمة العرب‪،‬‬
‫وبنى منهم أمة واحدة خاضعة لدين واحد مطيعة لزعيم واحد‪،‬‬
‫فكانت في ذلك آيته الكبرى‪ .‬ومما ل ريب فيه أن محمدًا ـ صلى‬
‫الله عليه وسلم ـ أصاب في بلد العرب نتائج لم تصب مثلها‬
‫جميع الديانات التي ظهرت قبل السلم‪ ،‬ومنها اليهودية‬
‫ما‪.)1("..‬‬
‫والنصرانية ولذلك كان فضله على العرب عظي ً‬
‫[‪]2‬‬
‫"إذا ما قيست قيمة الرجال بجليل أعمالهم كان محمد ـ صلى‬
‫الله عليه وسلم ـ من أعظم من عرفهم التاريخ‪ ،‬وقد أخذ علماء‬

‫‪47‬‬
‫الغرب ينصفون محمدًا ـ صلى الله عليه وسلم ـ مع أن التعصب‬
‫الديني أعمى بصائر مؤرخين كثيرين عن العتراف بفضله‪.)2("..‬‬
‫[‪]3‬‬
‫"استطاع محمد ـ صلى الله عليه وسلم ـ أن يبدع مثل ً عاليًا قويًا‬
‫للشعوب العربية التي ل عهد لها بالمثل العليا‪ ،‬وفي ذلك البداع‬
‫تتجلى عظمة محمد ـ صلى الله عليه وسلم ـ على الخصوص‪..‬‬
‫ولم يتردد أتباعه في التضحية بأنفسهم في سبيل هذا المثل‬
‫العلى‪.)3("..‬‬
‫[‪]4‬‬
‫"‪ ...‬ل شيء أصوب من جمع محمد ـ صلى الله عليه وسلم ـ‬
‫لجميع السلطات المدنية والحربية والدينية في يد واحدة أيام‬
‫كانت جزيرة العرب مجزأة ما استطعنا أن نقدر قيمة ذلك‬
‫بنتائجه‪ ،‬فقد فتح العرب العالم في قرن واحد بعد أن كانوا قبائل‬
‫من أشباه البرابرة المتحاربين قبل ظهور محمد ـ صلى الله عليه‬
‫وسلم ـ"(‪.)4‬‬
‫‪------------‬‬
‫(‪ )1‬دين السلم‪ ،‬ص ‪.16‬‬
‫(‪ )2‬حضارة العرب‪ ،‬ص ‪.115‬‬
‫(‪ )3‬نفسه‪ ،‬ص ‪.116‬‬
‫(‪ )4‬نفسه‪ ،‬ص ‪.394 ،393‬‬
‫‪ .31‬لوقا‬
‫لوقا(‪)1‬‬
‫[‪]1‬‬
‫"‪ ..‬ما كان محمد ـ صلى الله عليه وسلم ـ كآحاد الناس في خلله‬
‫ومزاياه‪ ،‬وهو الذي اجتمعت له آلء الرسل ـ عليهم السلم ـ‪،‬‬
‫وهمة البطل‪ ،‬فكان حقًا على المنصف أن يكرم فيه المثل‪،‬‬
‫ويحيّي فيه الرجل"(‪.)2‬‬
‫[‪]2‬‬
‫"ل تأليه ول شبهة تأليه في معنى النبوة السلمية‪ ،‬وقد درجت‬
‫شعوب الرض على تأليه الملوك والبطال والجداد‪ ،‬فكان‬
‫ضا معرضين لمثل ذلك الربط بينهم وبين اللوهية‬ ‫الرسل أي ً‬
‫بسبب من السباب‪ ،‬فما أقرب الناس لو تركوا لنفسهم أن‬
‫يعتقدوا في الرسول أو النبي أنه ليس بشًرا كسائر البشر وأن له‬
‫صفة من صفات اللوهية على نحو من النحاء‪ .‬ولذا نجد توكيد‬
‫هذا التنبيه متواتًرا مكرًرا في آيات القرآن‪ ،‬نذكر منها على سبيل‬
‫ي} [الكهف‪:‬‬ ‫حى إِل َ َّ‬ ‫مثْلُك ُ ْ‬
‫م يُو َ‬ ‫ما أَنَا ب َ َ‬
‫شٌر ِّ‬ ‫ل إِن َّ َ‬
‫المثال ل الحصر‪{ :‬قُ ْ‬
‫‪ ،]110‬وفي تخير كلمة (مثلكم) معنى مقصود به التسوية المطلقة‪،‬‬

‫‪48‬‬
‫والحيلولة دون الرتفاع بفكرة النبوة أو الرسالة فوق مستوى‬
‫البشرية بحال من الحوال‪ .‬بل نجد ما هو أصرح من هذا المعنى‬
‫َ‬ ‫فيما جاء بسورة الشورى‪{ :‬فَإ َ‬
‫ك ع َلَيْهِ ْ‬
‫م‬ ‫سلْنَا َ‬ ‫ضوا فَ َ‬
‫ما أْر َ‬ ‫ن أعَْر ُ‬
‫ِ ْ‬
‫ك إِل الْبَلغُ} [الشورى‪ ،]48 :‬وظاهر في هذه الية‬ ‫ن ع َلَي ْ َ‬
‫فيظًا إ ِ ْ‬
‫ح ِ‬
‫َ‬
‫تعمد تنبيه الرسول نفسه ـ صلى الله عليه وسلم ـ إلى حقيقة‬
‫مهمته‪ ،‬وحدود رسالته التي كلف بها‪ ،‬وليس له أن يعدوها‪ ،‬كما‬
‫أنه ليس للناس أن يرفعوه فوقها"(‪.)3‬‬
‫[‪]3‬‬
‫"‪ ...‬رجل فرد هو لسان السماء‪ ،‬فوقه الله ل سواه‪ ،‬ومن تحته‬
‫سائر عباد الله من المؤمنين‪ ،‬ولكن هذا الرجل يأبى أن يداخله‬
‫من ذلك كبر؛ بل يشفق‪ ،‬بل يفرق من ذلك ويحشد نفسه كلها‬
‫لحرب الزهو في سريرته‪ ،‬قبل أن يحاربه في سرائر تابعيه‪ .‬ولو‬
‫أن هذا الرسول ـ صلى الله عليه وسلم ـ بما أنعم من الهداية‬
‫على الناس وما تم له من العزة واليادي‪ ،‬وما استقام له من‬
‫السلطان‪ ،‬اعتد بذلك كله واعتّز‪ ،‬لما كان عليه جناح من أحد؛ لنه‬
‫إنما يعتد بقيمة ماثلة‪ ،‬ويعتز بمزية طائلة‪ .‬يطريه أصحابه بالحق‬
‫الذي يعلمون عنه‪ ،‬فيقول لهم‪" :‬ل تطروني كما أطرت النصارى‬
‫ابن مريم‪ ،‬إنما أنا عبد الله‪ ،‬فقولوا عبد الله ورسوله"‪ .‬ويخرج‬
‫ما له‪ ،‬فينهاهم عن ذلك‬ ‫على جماعة من أصحابه فينهضون تعظي ً‬
‫ضا"(‪.)4‬‬ ‫قائلً‪" :‬ل تقوموا كما يقوم العاجم يعظم بعضهم بع ً‬
‫[‪]4‬‬
‫"ماذا بقي من مزعم لزاعم؟ إيمان امتحنه البلء طويل ً قبل أن‬
‫يفاء عليه بالنصر وما كان النصر متوقعًا أو شبه متوقع لذلك‬
‫الداعي إلى الله في عاصمة الوثان والزلم‪ ..‬ونزاهة ترتفع فوق‬
‫المنافع‪ ،‬وسمو يتعفف عن بهارج الحياة‪ ،‬وسماحة ل يداخلها زهو‬
‫أو استطالة بسلطان مطاع‪ .‬لم يفد‪ .‬ولم يورث آله‪ ،‬ولم يجعل‬
‫لذريته وعشيرته ميزة من ميزات الدنيا ونعيمها وسلطانها‪ .‬وحرم‬
‫ل لحاد الناس من أتباعه‪ ،‬وألغى ما كان لقبيلته‬ ‫على نفسه ما أح ّ‬
‫من تقدم على الناس في الجاهلية حتى جعل العبدان والحابيش‬
‫سواسية وملوك قريش‪ .‬لم يمكن لنفسه ول لذويه‪ .‬وكانت لذويه‬
‫بحكم الجاهلية صدارة غير مدفوعة‪ ،‬فسوّى ذلك كله بالرض أي‬
‫قولة بعد هذا تنهض على قدمين لتطاول هذا المجد الشاهق أو‬
‫تدافع هذا الصدق الصادق؟ ل خيرة في المر‪ ،‬ما نطق هذا‬
‫ل وما غوى‪ ..‬وما صدق بشر إن لم‬ ‫الرسول عن الهوى‪ ..‬وما ض ّ‬
‫يكن هذا الرسول بالصادق المين‪.)5("..‬‬
‫[‪]5‬‬

‫‪49‬‬
‫"أي الناس أولى بنفي الكيد عن سيرته من "أبي القاسم" ـ صلى‬
‫الله عليه وسلم ـ الذي حول المليين من عبادة الصنام الموبقة‬
‫إلى عبادة الله رب العالمين‪ ،‬ومن الضياع والنحلل إلى السموّ‬
‫واليمان‪ ،‬ولم يفد من جهاده لشخصه أو آله شيئًا مما يقتتل عليه‬
‫طلب الدنيا من زخارف الحطام؟"(‪.)6‬‬
‫[‪]6‬‬
‫"كان محمد ـ صلى الله عليه وسلم ـ يملك حيويته ول تملكه‬
‫حيويته‪ .‬ويستخدم وظائفه ول تستخدمه وظائفه‪ .‬فهي قوة له‬
‫تحسب في مزاياه‪ ،‬وليست ضعفًا يعد في نقائصه‪ .‬لم يكن ـ‬
‫صلى الله عليه وسلم ـ معطل النوازع ولكنها لم تكن نوازع‬
‫تعصف به‪ ،‬لنه يسخرها في كيانه في المستوى الذي يكرم به‬
‫النسان حين يطلب ما هو جميل وجليل في الصورة الجميلة‬
‫الجليلة التي ل تهدر من قدره بل تضاعف من تساميه وعفته‬
‫وطهره‪ .‬وبيان ذلك في أمر بنائه بزوجاته التسع ـ رضي الله‬
‫عنهن ـ‪.)7("...‬‬
‫‪--------------‬‬
‫(‪ )1‬د‪ .‬نظمي لوقا ‪ :Dr. N. Luka‬مسيحي من مصر‪ ،‬يتميز بنظرته‬
‫الموضوعية وإخلصه العميق للحق‪ .‬ورغم إلحاح أبويه على‬
‫تنشئته على المسيحية منذ كان صبيًا‪ ،‬فإنه كثيًرا ما كان يحضر‬
‫مجالس شيوخ المسلمين ويستمع بشغف إلى كتاب الله وسيرة‬
‫الرسول عليه السلم‪ ،‬بل إنه حفظ القرآن الكريم ولم يتجاوز‬
‫العاشرة من عمره‪ ،‬ألف عددًا من الكتب أبرزها "محمد الرسالة‬
‫والرسول"‪ ،‬و"محمد في حياته الخاصة"‪.‬‬
‫(‪ )2‬محمد الرسالة والرسول‪ ،‬ص ‪.28‬‬
‫(‪ )3‬محمد الرسالة والرسول‪ ،‬ص ‪.86 ،85‬‬
‫(‪ )4‬نفسه‪ ،‬ص ‪.180 ،179‬‬
‫(‪ )5‬نفسه‪ ،‬ص ‪.186 – 183‬‬
‫(‪ )6‬محمد في حياته الخاصة‪ ،‬ص ‪.12‬‬
‫(‪ )7‬نفسه‪ ،‬ص ‪ .40 ،39‬ويمكن للقارئ أن يرجع للكتاب نفسه‬
‫"محمد في حياته الخاصة"‪ ،‬فهو بمجمله يمكن أن يعد ّ شهادة‬
‫قيّمة على حياة الرسول ـ صلى الله عليه وسلم ـ العائلية‬
‫الخاصة‪.‬‬
‫‪ .32‬فيليب حتي‬
‫فيليب حتي‬
‫[‪]1‬‬
‫"إن اللغة العربية هي لغة القرآن التي كانت الساس الذي قامت‬
‫عليه أمة جديدة أخرجت للناس‪ ،‬أمة جاءت بها بعثة محمد ـ صلى‬

‫‪50‬‬
‫الله عليه وسلم ـ من قبائل متنافرة متنازعة لم يقدّر لها من قبل‬
‫أن تجتمع على رأي واحد‪ .‬وهكذا استطاع رسول السلم ـ صلى‬
‫الله عليه وسلم ـ أن يضيف حدًا جديدًا ـ رابعًا ـ إلى المأثرة‬
‫الحضارية ذات الحدود الثلثة من الدين والدولة والثقافة‪ ،‬ذلك‬
‫الحد الرابع الجديد كان "إيجاد أمة ذات لغة فوق اللغات"‪.)1("...‬‬
‫[‪]2‬‬
‫"إن إقامة الخوة في السلم مكان العصبية الجاهلية ـ القائمة‬
‫على الدم والقرابة ـ للبناء الجتماعي كان في الحقيقة عملً‬
‫جريئًا جديدًا قام به النبي العربي ـ صلى الله عليه وسلم ـ‪.)2("...‬‬
‫[‪]3‬‬
‫"في الكتاب المعاصرين لنا نفٌر يحاولون أن يكتشفوا العمال‬
‫الباهرة التي حققها محمد ـ صلى الله عليه وسلم ـ‪ ،‬أو أن‬
‫يعالجوا حياته الزوجية على أساس من التحليل النفسي‪ ،‬فل‬
‫يزيدون على أن يضيفوا إلى أوجه التحامل وإلى الراء الهوائية‬
‫ما من زيف العلم‪.)3("...‬‬ ‫أحكا ً‬
‫[‪]4‬‬
‫"صفات محمد ـ صلى الله عليه وسلم ـ مثبتة في القرآن بدقة‬
‫بالغة فوق ما نجد في كل مصدر آخر‪ .‬إن المعارك التي خاضها‬
‫والحكام التي أبرمها والعمال التي قام بها ل تترك مجال ً للريب‬
‫في الشخصية القوية واليمان الوطيد والخلص البالغ وغير ذلك‬
‫من الصفات التي خلقت الرجال القادة في التاريخ‪ .‬ومع أنه كان‬
‫ما سعة‬ ‫ما فقيًرا‪ ،‬فقد كان في قلبه دائ ً‬ ‫في دور من أدوار حياته يتي ً‬
‫لمؤاساة المحرومين في الحياة"(‪.)4‬‬
‫[‪]5‬‬
‫"إذا نحن نظرنا إلى محمد ـ صلى الله عليه وسلم ـ من خلل‬
‫العمال التي حققها‪ ،‬فإن محمدًا الرجل والمعلم والخطيب ورجل‬
‫الدولة والمجاهد يبدو لنا بكل وضوح واحدًا من أقدر الرجال في‬
‫جميع أحقاب التاريخ‪ .‬لقد نشر دينًا هو السلم‪ ،‬وأسس دولة هي‬
‫الخلفة‪ ،‬ووضع أساس حضارة هي الحضارة العربية السلمية‪،‬‬
‫وأقام أمة هي المة العربية‪ .‬وهو ل يزال إلى اليوم قوة حية‬
‫فعالة في حياة المليين من البشر"(‪.)5‬‬
‫‪-----------------‬‬
‫(‪ )1‬السلم منهج حياة‪ ،‬ص ‪.20 ،19‬‬
‫(‪ )2‬نفسه‪ ،‬ص ‪.51‬‬
‫(‪ )3‬نفسه‪ ،‬ص ‪.54‬‬
‫(‪ )4‬نفسه‪ ،‬ص ‪.54‬‬
‫(‪ )5‬نفسه‪ ،‬ص ‪.56‬‬

‫‪51‬‬
‫كارليل‬ ‫‪.33‬‬
‫كارليل(‪)1‬‬
‫[‪]1‬‬
‫"‪ ...‬هل رأيتم قط أن رجل ً كاذبًا يستطيع أن يوجد دينًا عجبًا‪ ،‬إنه‬
‫ما بخصائص‬ ‫ل يقدر أن يبني بيتًا من الطوب! فهو إذ ًا لم يكن علي ً‬
‫الجير والجص والتراب وما شاكل ذلك فما ذلك الذي يبنيه ببيت‬
‫وإنما هو تل من النقاض وكثيب من أخلط المواد‪ ،‬وليس جديًرا‬
‫أن يبقى على دعائمه اثني عشر قرنًا يسكنه مائتا مليون من‬
‫النفس‪ ،‬ولكنه جدير أن تنهار أركانه فينهدم فكأنه لم يكن‪ .‬وإني‬
‫لعلم أن على المرء أن يسير في جميع أموره طبق قوانين‬
‫الطبيعة وإل أبت أن تجيب طلبته‪ ..‬كذب ما يذيعه أولئك الكفار‬
‫وإن زخرفوه حتى تخيّلوه حقًا‪ ..‬ومحنة أن ينخدع الناس شعوبًا‬
‫ما بهذه الضاليل‪.)2("..‬‬ ‫وأم ً‬
‫[‪]2‬‬
‫سا على‬‫"‪ ...‬إن محمدًا ـ صلى الله عليه وسلم ـ لم يتلق درو ً‬
‫ط حديثة العهد آنذاك في بلد‬ ‫أستاذ أبدًا‪ ،‬وكانت صناعة الخ ّ‬
‫العرب‪ ،‬ويظهر لي أن الحقيقة هي أن محمدًا ـ صلى الله عليه‬
‫وسلم ـ لم يكن يعرف الخط والقراءة‪ ،‬وكل ما تعلم هو عيشة‬
‫الصحراء وأحوالها وكل ما وفق إلى معرفته هو ما أمكنه أن‬
‫يشاهده بعينيه ويتلقى بفؤاده من هذا الكون العديم النهاية‪ .‬إنه‬
‫سر له أن يبصره‬ ‫لم يعرف من العالم ول من علومه إل ما تي ّ‬
‫بنفسه أو يصل إلى سمعه في ظلمات صحراء العرب‪ ،‬ولم يضره‬
‫أنه لم يعرف علوم العالم ل قديمها ول حديثها؛ لنه كان بنفسه‬
‫غنيًا عن كل ذلك‪ .‬ولم يقتبس محمد ـ صلى الله عليه وسلم ـ من‬
‫نور أي إنسان آخر‪ ،‬ولم يغترف من مناهل غيره‪ ،‬ولم يك في‬
‫جميع أشباهه من النبياء والعظماء ـ أولئك الذين أشبههم‬
‫بالمصابيح الهادية في ظلمات الدهور ـ من كان بين محمد ـ صلى‬
‫الله عليه وسلم ـ وبينه أدنى صلة وإنما نشأ وعاش وحده في‬
‫أحشاء الصحراء بين الطبيعة وبين أفكاره"(‪.)3‬‬
‫[‪]3‬‬
‫"لوحظ على محمد ـ صلى الله عليه وسلم ـ منذ صباه‪ ،‬أنه كان‬
‫ماه رفقاؤه المين ـ رجل الصدق والوفاء ـ؛‬ ‫شابًا مفكًرا وقد س ّ‬
‫الصدق في أفعاله وأقواله وأفكاره‪ .‬وقد لحظوا أنه ما من كلمة‬
‫تخرج من فيه إل وفيها حكمة بليغة‪ .‬وإني لعرف عنه أنه كان‬
‫كثير الصمت يسكت حيث ل موجب للكلم‪ ،‬فإذا نطق فما شئت‬
‫ب‪ .‬وقد رأيناه طول حياته رجل ً راسخ المبدأ صارم العزم‬ ‫من ل ّ‬
‫ما بًّرا رءوفًا تقيًا فاضل ً حًرا‪ ،‬رجل ً شديد الجدّ‬
‫بعيد الهم كري ً‬

‫‪52‬‬
‫م البشر‬‫صا‪ ،‬وهو مع ذلك سهل الجانب لين العريكة‪ ،‬ج ّ‬ ‫مخل ً‬
‫والطلقة حميد العشرة حلو اليناس‪ ،‬بل ربما مازح وداعب‪ ،‬وكان‬
‫على العموم تضيء وجهه ابتسامة مشرقة من فؤاد صادق‪ .‬وكان‬
‫ما بفطرته‪ ،‬لم تثقفه مدرسة ول‬ ‫ذكي اللب‪ ،‬شهم الفؤاد‪ ،‬عظي ً‬
‫هذبه معلم وهو غني عن ذلك‪ ،‬فأدى عمله في الحياة وحده في‬
‫أعماق الصحراء"(‪.)4‬‬
‫[‪]4‬‬
‫"‪ ...‬ومما يبطل دعوى القائلين أن محمدًا ـ صلى الله عليه وسلم‬
‫ـ لم يكن صادقًا في رسالته‪ ،‬أنه قضى عنفوان شبابه وحرارة‬
‫صباه في تلك العيشة الهادئة المطمئنة ـ مع خديجة رضي الله‬
‫عنها ـ لم يحاول أثناءها إحداث ضجة ول دوي‪ ،‬مما يكون وراءه‬
‫ذكر وشهرة وجاه وسلطة‪ ،‬ولم يكن إل بعد أن ذهب الشباب‬
‫وأقبل المشيب أن فار بصدره ذلك البركان الذي كان هاجعًا وثار‬
‫يريد أمًرا جليل ً وشأنًا عظي ً‬
‫ما"(‪.)5‬‬
‫[‪]5‬‬
‫"‪ ...‬لقد كان في فؤاد ذلك الرجل الكبير ـ صلى الله عليه وسلم ـ‬
‫ابن القفار والفوات العظيم النفس‪ ،‬المملوء رحمة وخيًرا وحنانًا‬
‫وبًرا وحكمة وحجى ونهى‪ ،‬أفكار غير الطمع الدنيوي‪ ،‬ونوايا خلف‬
‫طلب السلطة والجاه‪ .‬وكيف وتلك نفس صامتة كبيرة ورجل من‬
‫الذين ل يمكنهم إل أن يكونوا مخلصين جادين؟ فبينما نرى آخرين‬
‫يرضون بالصطلحات الكاذبة ويسيرون طبق اعتبارات باطلة‪ ،‬إذ‬
‫ترى محمدًا ـ صلى الله عليه وسلم ـ لم يرض أن يلتفع بالكاذيب‬
‫والباطيل‪ .‬لقد كان منفردًا بنفسه العظيمة وبحقائق المور‬
‫والكائنات‪ ،‬لقد كان سّر الوجود يسطع لعينيه بأهواله ومخاوفه‬
‫ومباهره‪ ،‬ولم يكن هنالك من الباطيل ما يحجب ذلك عنه‪ ،‬فكأنه‬
‫لسان حال ذلك السّر يناجيه‪ :‬ها أنا ذا‪ ،‬فمثل هذا الخلص ل يخلو‬
‫من معنى إلهي مقدس‪ ،‬وما كلمة مثل هذا الرجل إل صوت خارج‬
‫من صميم قلب الطبيعة‪ ،‬فإذا تكلم فكل الذان برغمها صاغية‬
‫وكل القلوب واعية‪ .‬وكل كلم ما عدا ذلك هباء وكل قول‬
‫جفاء‪.)6("..‬‬

‫[‪]6‬‬
‫"إني لحب محمدًا ـ صلى الله عليه وسلم ـ لبراءة طبعه من‬
‫الرأي والتصنّع‪ .‬ولقد كان ابن القفار هذا رجل ً مستقل الرأي ل‬
‫يعول إل على نفسه ول يدعي ما ليس فيه ولم يكن متكبًرا ولكنه‬
‫لم يكن ذليلً‪ ،‬فهو قائم في ثوبه المرقع كما أوجده الله وكما‬
‫أراده‪ ،‬يخاطب بقوله الحّر المبين قياصرة الروم وأكاسرة العجم‬

‫‪53‬‬
‫يرشدهم إلى ما يجب عليهم لهذه الحياة وللحياة الخرة‪ .‬وكان‬
‫يعرف لنفسه قدرها‪ ،‬وكان رجل ً ماضي العزم ل يؤخر عمل اليوم‬
‫إلى غد‪.)7("..‬‬
‫‪---------------‬‬
‫(‪ )1‬توماس كارليل (‪ 1795‬ـ ‪ :Th. Carlyle )1881‬الكاتب النجليزي‬
‫المعروف‪.‬‬
‫من آثاره‪" :‬البطال" ‪1940‬م‪ ،‬وقد عقد فيه فصل ً رائعًا عن النبي‬
‫صلى الله عليه وسلم‪" ،‬الثورة الفرنسية"‪... ،‬إلخ‪.‬‬
‫(‪ )2‬البطال‪ ،‬ص ‪.43‬‬
‫(‪ )3‬نفسه‪ ،‬ص ‪.5‬‬
‫(‪ )4‬نفسه‪ ،‬ص ‪.51 ،50‬‬
‫(‪ )5‬نفسه‪ ،‬ص ‪.51‬‬
‫(‪ )6‬نفسه‪ ،‬ص ‪.52 ،51‬‬
‫(‪ )7‬نفسه‪ ،‬ص ‪.64‬‬
‫‪ .34‬كلود كاهن‬
‫كاهن(‪)1‬‬
‫[‪]1‬‬
‫"اصطبغت شخصية محمد ـ صلى الله عليه وسلم ـ بصبغة‬
‫تاريخية قد ل تجدها عند أي مؤسس آخر من مؤسسي الديانات‬
‫الكبرى"(‪.)2‬‬
‫[‪]2‬‬
‫"يبدو للمؤرخ المنصف أن محمدًا ـ صلى الله عليه وسلم ـ كان‬
‫في عداد الشخصيات النبيلة السامية التي سعت في كثير من‬
‫الحماس والخلص إلى النهوض بالبيئة التي عاش فيها أخلقيًا‬
‫وفكريًا‪ ،‬كما استطاع في الوقت نفسه أن يكيف رسالته حسب‬
‫طباع الناس وتقاليدهم بمزيد من الفهم والتنظيم بحيث كفل‬
‫البقاء والخلود للرسالة التي بشر بها‪ .‬وحتم علينا أن نلقى محمدًا‬
‫ـ صلى الله عليه وسلم ـ بعواطف الجلل والحترام لما تحلى به‬
‫من سمو اللهام ومن قدرة على تذليل العقبات النسانية عامة‬
‫والتغلب على مصاعبه الشخصية خاصة‪ .‬وربما أثارت فينا بعض‬
‫جوانب حياته شيئًا من الرتباك تبعًا لعقليتنا المعاصرة‪ .‬فقد أكدت‬
‫المهاترات على شهوات الرسول ـ صلى الله عليه وسلم ـ‬
‫الدنيوية وألمحت إلى زوجاته التسع اللئي اتخذهن بعد وفاة‬
‫خديجة ـ رضي الله عنه ـ‪ .‬لكن الثابت أن معظم هذه الصلت‬
‫الزوجية قد طبعت بطابع سياسي‪ ،‬وأنها استهدفت الحصول على‬
‫ولء بعض الشراف وبعض الفخاذ‪ ،‬ثم إن العقلية العربية تقّر‬
‫النسان إذا استخدم طبيعته على نحو ما خلقها الله"(‪.)3‬‬

‫‪54‬‬
‫[‪]3‬‬
‫"‪ ...‬الحق أننا نتجاوز النقد العلمي الصحيح إذا نحن أنكرنا على‬
‫كل حديث صحته أو قدمه‪ ،‬ولقد باشر العلماء بمثل هذا التمحيص‬
‫مان على‬ ‫منذ عهد بعيد فوجدوا أن التحريف أو التلفيق قد ل يع ّ‬
‫نسق واحد واستندوا في ذلك إلى بعض الحاديث التي يمكن‬
‫اعتبارها سابقة أو حجة يعتد بها‪ .‬بمعنى أن الموقف النقدي‬
‫مفروض على الباحث المنصف‪ .‬وفقهاء المسلمين أنفسهم هم‬
‫قدوة لنا في هذا المضمار لنهم ـ على طريقتهم ـ قد التزموا‬
‫بذلك الموقف منذ العصر الوسيط"(‪.)4‬‬
‫‪--------------‬‬
‫(‪ )1‬كلود كاهن ‪ :Cl. Cahen‬ولد عام ‪ ،1909‬وتخرج باللغات الشرقية‬
‫من السوربون ومدرسة اللغات الشرقية ومدرسة المعلمين‬
‫العليا‪ ،‬وعين محاضًرا في مدرسة اللغات الشرقية في باريس‬
‫‪1938‬م‪ ،‬وأستاذ ًا لتاريخ السلم في كلية الداب بجامعة‬
‫ستراسبورغ ‪1945‬م‪ ،‬وفي جامعة باريس‪.‬‬
‫من آثاره‪ :‬عدد كبير من الدراسات والبحاث في المجلت‬
‫الشهيرة‪ ،‬وحقق العديد من النصوص التاريخية المهمة‪ ،‬كما أنجز‬
‫عددًا من المؤلفات عن الحروب الصليبية‪.‬‬
‫(‪ )2‬تاريخ العرب والشعوب السلمية (‪.)14 /1‬‬
‫(‪ )3‬نفسه (‪.)18 /1‬‬
‫(‪ )4‬نفسه (‪.)95 /1‬‬
‫‪ .35‬هاملتون كب‬
‫هاملتون كب‬
‫[‪]1‬‬
‫"‪ ...‬اقتضى المر نشوء علم جديد غايته جمع الحديث ونقده‬
‫وتصنيفه وتنسيقه والحصول في النهاية ـ بقدر المكان ـ على‬
‫مجموعة متفق عليها يتقبلها الجميع‪ .‬وقد استأثرت هذه المهمة‬
‫بالكثير من طاقات الفقهاء والعلماء في القرن الثالث‪ ،‬ولكن‬
‫حا حتى أصبح حديث الرسول ـ صلى‬ ‫القائمين عليها أحرزوا نجا ً‬
‫الله عليه وسلم ـ يعتبر مرجعًا ثانيًا معتمدًا للفقه والعقيدة"(‪.)1‬‬
‫[‪]2‬‬
‫"‪ ...‬يكاد يكون من المؤكد أن الراء التي تعبر عنها الحاديث ـ‬
‫التي تم جمعها في القرن الثالث ـ تمثل تعاليم القرآن ومبادئه‬
‫الخلقية تمثيل ً صادقًا"(‪.)2‬‬
‫[‪]3‬‬
‫"إن بدايات التاريخ العلمي بالعربية تقترن بدراسة سيرة الرسول‬
‫ـ صلى الله عليه وسلم ـ ودراسة أعماله‪ ،‬وعليه فإننا نجد مصدر‬

‫‪55‬‬
‫هذه الدراسة في جمع الحديث النبوي وبخاصة الحاديث المتعلقة‬
‫بمغازي الرسول ـ صلى الله عليه وسلم ـ‪ ،‬وكان موطن هذه‬
‫الدراسة هو المدنية‪ ،‬ويفسر لنا ارتباط المغازي بالحديث‪ ،‬هذا‬
‫الرتباط الذي ترك طابعًا ل يمحى في المنهج التاريخي باستخدام‬
‫هذا المنهج للسناد‪ ،‬ما طرأ من تغير هائل ظهر منذ هذه اللحظة‬
‫في طبيعة الخبار التاريخية عند العرب‪ ،‬ودقتها المؤسسة على‬
‫النقد‪ .‬ويمكننا أن نشعر لول مرة بأننا نستند إلى أساس تاريخي‬
‫قويم حتى وإن اعترفنا بوجود بعض العناصر المشكوك فيها في‬
‫أخبار الفترتين‪ ،‬المدنية والمكية‪ ،‬من حياة الرسول ـ صلى الله‬
‫عليه وسلم ـ"(‪.)3‬‬
‫[‪]4‬‬
‫"ومهما نقل في قوة النزعة السلمية نحو محمد ـ صلى الله‬
‫عليه وسلم ـ وفي آثارها فإنا ل نوصف بالغلو‪ .‬فقد كان إجلل‬
‫ما في‬‫الرسول ـ صلى الله عليه وسلم ـ شعوًرا طبيعيًا محتو ً‬
‫عصره وفيما بعده‪ ،‬غير أن ما نومئ إليه شيء يتجاوز الجلل‪.‬‬
‫فإن العلقات الشخصية من العجاب والحب اللذين بعثهما في‬
‫نفوس صحابته ظل صداها يتردد خلل القرآن‪ ،‬والفضل في ذلك‬
‫يعود إلى الوسائل التي أقّرتها المة لتستثير بهما مجددين في كل‬
‫جيل"(‪.)4‬‬
‫[‪]5‬‬
‫"‪ ..‬لول الحديث لصبح لمحمد ـ صلى الله عليه وسلم ـ في أقل‬
‫تقدير صورة معممة ـ إن لم نقل بعيدة ـ في أصولها التاريخية‬
‫والدينية‪ .‬أما الحديث فقد صور وجوده النساني في مجموعة‬
‫وفيرة من التفصيلت الحية المحسوسة‪ ،‬وبذلك قدم للمسلمين‬
‫حين ربط بين المسلمين وبين نبيهم بنفسه الروابط الذاتية‬
‫الوثيقة التي كانت تصله بأصحابه الولين‪ ،‬وهي روابط نمت على‬
‫مر القرون وكانت أقوى من أن تصاب بالضعف‪ .‬ولم يصبح‬
‫شخص محمد ـ صلى الله عليه وسلم ـ أبدًا ذا صبغة مرسومة‬
‫مقررة‪ ،‬ويكاد ل يكون من الغلو أن نقول إن حرارة ذلك الشعور‬
‫الشخصي نحو الرسول الحبيب ـ صلى الله عليه وسلم ـ كانت‬
‫أبدًا أقوى عنصر حيوي في دين الجماهير السلمية أو كانت‬
‫كذلك بين أهل السنة‪ ،‬على القل"(‪.)5‬‬
‫"‪ ...‬ما تزال الحتفالت العائلية تختم بأدعية وأناشيد في تمجيد‬
‫الرسول ـ صلى الله عليه وسلم ـ وكل المة تراعيها وتشهدها‬
‫بحماسة في ذلك اليوم المجيد‪ ،‬يوم مولد النبي ـ صلى الله عليه‬
‫وسلم ـ في الثاني عشر من شهر ربيع الول‪ .‬هنالك ترى‬
‫المجددين والمقلدين والصوفية والسلفية والعلماء وأفراد‬

‫‪56‬‬
‫الجمهور يلتقون جميعًا م ًعا على بقعة واحدة‪ ،‬وقد يكون بين‬
‫نزعاتهم العقلية تنوع واسع متباين‪ ،‬ولكنهم جميعًا وحدة متآلفة‬
‫في إخلصهم وحبهم محمد ـ صلى الله عليه وسلم ـ"(‪.)6‬‬
‫‪--------------‬‬
‫(‪ )1‬دراسات في حضارة السلم‪ ،‬ص ‪.20‬‬
‫(‪ )2‬نفسه‪ ،‬ص ‪.21‬‬
‫(‪ )3‬نفسه‪ ،‬ص ‪.147‬‬
‫(‪ )4‬نفسه‪ ،‬ص ‪.257‬‬
‫(‪ )5‬نفسه‪ ،‬ص ‪.258 ،257‬‬
‫(‪ )6‬نفسه‪ ،‬ص ‪.259‬‬
‫‪ .36‬لورافيشيا فاغليري‬
‫لورافيشيا فاغليري‬
‫[‪]1‬‬
‫"‪ ...‬كانت حملة كبيرة على سوريا رهن العداد‪ ،‬عندما أسكت‬
‫الموت إلى البد صوت النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ الذي كان‬
‫قد أحدث هذه الهزة العميقة في تلك القلوب كلها‪ ،‬والذي كان‬
‫مقدًرا له أن يستهوي عما قريب شعوبًا أخرى تقيم في مواطن‬
‫أكثر إمعانًا في البعد‪ .‬وكان في السنة الحادية عشرة من‬
‫الهجرة"(‪.)1‬‬
‫[‪]2‬‬
‫ما بالمبادئ‬‫"كان محمد ـ صلى الله عليه وسلم ـ المتمسك دائ ً‬
‫اللهية شديد التسامح‪ ،‬وبخاصة نحو أتباع الديان الموحدة‪ .‬لقد‬
‫ما اعتقادًا‬
‫عرف كيف يتذرع بالصبر مع الوثنيين‪ ،‬مصطنعًا الناة دائ ً‬
‫منه بأن الزمن سوف يتم عمله الهادف إلى هدايتهم وإخراجهم‬
‫من الظلم إلى النور‪ ..‬لقد عرف جيدًا أن الله لبد أن يدخل آخر‬
‫المر إلى القلب البشري"(‪.)2‬‬
‫[‪]3‬‬
‫"حاول أقوى أعداء السلم‪ ،‬وقد أعماهم الحقد‪ ،‬أن يرموا نبي‬
‫الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ ببعض التهم المفتراة‪ ،‬لقد نسوا أن‬
‫محمدًا كان قبل أن يستهل رسالته موضع الجلل العظيم من‬
‫مواطنيه بسبب أمانته وطهارة حياته‪ .‬ومن عجب أن هؤلء الناس‬
‫ل يجشمون أنفسهم عناء التساؤل كيف جاز أن يقوى محمد ـ‬
‫صلى الله عليه وسلم ـ على تهديد الكاذبين والمرائين‪ ،‬في بعض‬
‫آيات القرآن اللسعة بنار الجحيم البدية‪ ،‬لو كان هو قبل ذلك ـ‬
‫وحاشاه ـ رجل ً كاذبًا؟ كيف جرؤ على التبشير‪ ،‬على الرغم من‬
‫إهانات مواطنيه‪ ،‬إذا لم يكن ثمة قوى داخلية تحثه‪ ،‬وهو الرجل‬
‫ذو الفطرة البسيطة‪ ،‬حثًا موصولً؟ كيف استطاع أن يستهل‬

‫‪57‬‬
‫سا؟ كيف وفق إلى أن يواصل هذا الصراع‬ ‫صراع ًا كان يبدو يائ ً‬
‫أكثر من عشر سنوات‪ ،‬في مكة‪ ،‬في نجاح قليل جدًا‪ ،‬وفي أحزان‬
‫ل تحصى‪ ،‬إذا لم يكن مؤمنًا إيمانًا عميقًا بصدق رسالته؟ كيف‬
‫جاز أن يؤمن به هذا العدد الكبير من المسلمين النبلء والذكياء‪،‬‬
‫وأن يؤازروه‪ ،‬ويدخلوا في الدين الجديد ويشدوا أنفسهم بالتالي‬
‫إلى مجتمع مؤلف في كثرته من الرقاء‪ ،‬والعتقاء‪ ،‬والفقراء‬
‫المعدمين إذا لم يلمسوا في كلمته حرارة الصدق ؟ ولسنا في‬
‫حاجة إلى أن نقول أكثر من ذلك‪ ،‬فحتى بين الغربيين يكاد ينعقد‬
‫الجماع على أن صدق محمد ـ صلى الله عليه وسلم ـ كان عميقًا‬
‫وأكيدًا"(‪.)3‬‬
‫[‪]4‬‬
‫"دعا الرسول العربي ـ صلى الله عليه وسلم ـ بصوت ملهم‬
‫باتصال عميق بربه‪ ،‬دعا عبدة الوثان وأتباع نصرانية ويهودية‬
‫محّرفتين على أصفى عقيدة توحيدية‪ ،‬وارتضى أن يخوض صراع ًا‬
‫مكشوفًا مع بعض نزعات البشر الرجعية التي تقود المرء إلى أن‬
‫يشرك بالخالق آلهة أخرى‪.)4("...‬‬
‫[‪]5‬‬
‫"‪ ...‬إن محمدًا ـ صلى الله عليه وسلم ـ طوال سنين الشباب‬
‫التي تكون فيها الغريزة الجنسية أقوى ما تكون‪ ،‬وعلى الرغم من‬
‫أنه عاش في مجتمع كمجتمع العرب‪ ،‬حيث كان الزواج‪،‬‬
‫كمؤسسة اجتماعية‪ ،‬مفقودًا أو يكاد‪ ،‬وحيث كان تعدد الزوجات‬
‫هو القاعدة‪ ،‬وحيث كان الطلق سهل ً إلى أبعد الحدود‪ ،‬لم يتزوج‬
‫إل من امرأة واحدة ليس غير‪ ،‬هي خديجة [رضي الله عنها] التي‬
‫كانت سنّها أعلى من سنّه بكثير‪ ،‬وأنه ظل طوال خمس وعشرين‬
‫سنة زوجها المخلص المحب‪ ،‬ولم يتزوج كرة ثانية‪ ،‬وأكثر من‬
‫مرة‪ ،‬إل بعد أن توفيت خديجة‪ ،‬وإل بعد أن بلغ الخمسين من‬
‫عمره‪ .‬لقد كان لكل زواج من زواجاته هذه سبب اجتماعي أو‬
‫سياسي‪ ،‬ذلك بأنه قصد من خلل النسوة اللتي تزوجهن إلى‬
‫تكريم النسوة المتصفات بالتقوى‪ ،‬أو إلى إنشاء علقات زوجية‬
‫مع بعض العشائر والقبائل الخرى ابتغاء طريق جديد لنتشار‬
‫السلم وباستثناء عائشة ـ رضي الله عنها ـ‪ ،‬ليس غير‪ ،‬تزوج‬
‫ن ل عذارى‪ ،‬ول‬ ‫محمد ـ صلى الله عليه وسلم ـ من نسوة لم يك ّ‬
‫شابات‪ ،‬ول جميلت‪ ،‬فهل كان ذلك شهوانية؟ لقد كان رجل ً ل‬
‫ضا إلى الزواج‬ ‫إلهًا‪ .‬وقد تكون الرغبة في الولد هي التي دفعته أي ً‬
‫من جديد؛ لن الولد الذين أنجبتهم خديجة ـ رضي الله عنها ـ له‬
‫كانوا قد ماتوا‪ .‬ومن غير أن تكون له موارد كثيرة أخذ على عاتقه‬
‫ما سبيل المساواة‬ ‫النهوض بأعباء أسرة ضخمة‪ ،‬ولكنه التزم دائ ً‬

‫‪58‬‬
‫الكاملة نحوهن جميعًا‪ ،‬ولم يلجأ قط إلى اصطناع حق التفاوت‬
‫سيًا بسنة النبياء القدامى ـ عليهم‬ ‫مع أي منهن‪ .‬لقد تصرف متأ ّ‬
‫السلم ـ‪ ،‬مثل موسى وغيره‪ ،‬الذين ل يبدو أن أحدًا من الناس‬
‫يعترض على زواجهم المتعدد‪ .‬فهل يكون مرد ذلك إلى أننا نجهل‬
‫تفاصيل حياتهم اليومية‪ ،‬على حين نعرف كل شيء عن حياة‬
‫محمد ـ صلى الله عليه وسلم ـ العائلية؟"(‪.)5‬‬
‫‪--------------‬‬
‫(‪ )1‬نفسه‪ ،‬ص ‪.33‬‬
‫(‪ )2‬نفسه‪ ،‬ص ‪.73‬‬
‫(‪ )3‬نفسه‪ ،‬ص ‪.38 ،37‬‬
‫(‪ )4‬نفسه‪ ،‬ص ‪.43‬‬
‫(‪ )5‬نفسه‪ ،‬ص ‪.100 ،99‬‬
‫‪ .37‬لويس سيديو‬
‫[‪]1‬‬
‫ل الوقت الذي توجه فيه النظار إلى تاريخ تلك المة التي‬ ‫"لقد ح ّ‬
‫كانت مجهولة المر في زاوية من آسية فارتقت إلى أعلى مقام‬
‫فطبق اسمها آفاق الدنيا مدة سبعة قرون‪ ،‬ومصدر هذه المعجزة‬
‫هو رجل واحد‪ ،‬هو محمد ـ صلى الله عليه وسلم ـ‪.)1("..‬‬
‫[‪]2‬‬
‫"‪ ...‬لم يعد محمد ـ صلى الله عليه وسلم ـ نفسه غير خاتم لنبياء‬
‫الله ـ عليهم السلم ـ وهو قد أعلن أن عيسى ابن مريم كان ذا‬
‫موهبة في التيان بالمعجزات‪ ،‬مع أن محمدًا ـ صلى الله عليه‬
‫وسلم ـ لم يعط مثل هذه الموهبة‪ ،‬وما أكثر ما كان يعترض‬
‫جا على بعض ما يعزوه إليه أشد أتباعه حماسة من العمال‬ ‫محت ً‬
‫الخارقة للعادة!"(‪.)2‬‬
‫[‪]3‬‬
‫"‪ ...‬إن محمدًا ـ صلى الله عليه وسلم ـ أثبت خلود الروح وهو‬
‫مبدأ من أقوم مبادئ الخلق‪ .‬ومن مفاخر محمد ـ صلى الله عليه‬
‫وسلم ـ أن أظهره قويًا أكثر مما أظهره أي مشّرع آخر‪.)3("..‬‬
‫[‪]4‬‬
‫"‪ ...‬ما أكثر ما عرض محمد ـ صلى الله عليه وسلم ـ حياته‬
‫للخطر انتصاًرا لدعوته في عهده الول بمكة‪ ،‬وهو لم ينفك عن‬
‫القتال في واقعة أحد حتى بعد أن جرح جبينه وخده وسقطت‬
‫ثنيتاه‪ ،‬وهو قد أوجب النصر بصوته ومثاله في معركة حنين‪ ،‬ومن‬
‫الحق أن عرف العالم كيف يحيي قوة إرادته ومتانة خلقه‬
‫وبساطته‪ ،‬ومن يجهل أنه لم يعدل ـ إلى آخر عمره ـ عما يفرضه‬
‫فقر البادية على سكانها من طراز حياة وشظف عيش؟ وهو لم‬

‫‪59‬‬
‫ينتحل أوضاع المراء قط مع ما ناله من غنى وجاه عريض‪ .‬وكان‬
‫ما معتدلً‪ ،‬وكان يأتي بالفقراء إلى‬ ‫ـ صلى الله عليه وسلم ـ حلي ً‬
‫بيته ليقاسمهم طعامه‪ ،‬وكان يستقبل بلطف ورفق جميع من‬
‫يودّون سؤاله‪ ،‬فيسحر كلماؤه بما يعلو وجهه الرزين الزاهر من‬
‫البشاشة‪ ،‬وكان ل يضج من طول الحديث‪ ،‬وكان ل يتكلم إل قليلً‬
‫م ما يقول على كبرياء أو استعلء‪ ،‬وكان يوحي في كل مرة‬ ‫فل ين ّ‬
‫ل ـ صلى الله عليه وسلم ـ على أنه سياسي‬ ‫باحترام القوم له‪ .‬ود ّ‬
‫محنّك‪.)4("...‬‬
‫[‪]5‬‬
‫"بدت في بلد العرب أيام محمد ـ صلى الله عليه وسلم ـ حركة‬
‫غير مألوفة من قبل‪ ،‬فقد خضعت لسلطان واحد قبائل العرب‬
‫الغيرى على استقللها والفخورة بحياتها الفردية‪ ،‬وانضم بعض‬
‫هذه القبائل إلى بعض فتألفت أمة واحدة"(‪.)5‬‬
‫‪----------------‬‬
‫(‪ )1‬قصة الحضارة (‪.)22 ،21 /13‬‬
‫(‪ )2‬نفسه (‪.)38 /13‬‬
‫(‪ )3‬نفسه (‪.)47 /13‬‬
‫(‪ )4‬نفسه (‪.)59 /13‬‬
‫(‪ )5‬نفسه (‪.)167 /13‬‬
‫‪ .38‬هنري سيروي‬
‫هنري سيروي‬
‫[‪]1‬‬
‫"ومحمد ـ صلى الله عليه وسلم ـ لم يغرس في نفوس العراب‬
‫ضا المدنية والدب"(‪.)1‬‬ ‫مبدأ التوحيد فقط‪ ،‬بل غرس فيها أي ً‬
‫[‪]2‬‬
‫"محمد ـ صلى الله عليه وسلم ـ شخصية تاريخية حقة‪ ،‬فلوله ما‬
‫استطاع السلم أن يمتد ويزداد‪ ،‬ولم يتوان في ترديد أنه بشر‬
‫مثل الخرين مآله الموت‪ ،‬وبأنه يطلب العفو والمغفرة من الله‬
‫عز وجل‪ .‬وقبل مماته أراد أن يظهر ضميره من كل هفوة أتاها‬
‫فوقف على المنبر مخاطبًا‪" :‬أيها المسلمون‪ ،‬إذا كنت قد ضربت‬
‫أحدًا فهاكم ظهري ليأخذ ثأره‪ ،‬أو سلبته مال ً فمالي ملكه"‪.‬‬
‫فوقف رجل معلنًا أنه يدينه بثلثة دراهم‪ ،‬فرد ّ الرسول ـ صلى‬
‫الله عليه وسلم ـ قائلً‪" :‬أن يشعر النسان بالخجل في دنياه خيٌر‬
‫من آخرته"‪ .‬ودفع للرجل دينه في التو‪ .‬وهذا التذوق والحساس‬
‫البالغ لفهم محمد ـ صلى الله عليه وسلم ـ لدوره كنبي يرينا بأن‬
‫"رينان" كان على غير حق في نعته العرب قبل السلم بأنها أمة‬
‫كانت تحيا بين براثين الجهل والخرافات‪.)2("...‬‬

‫‪60‬‬
‫[‪]3‬‬
‫"إن المحاولة السلمية في التاريخ ذات أثر كبير‪ ،‬والعبقرية‬
‫العربية تجد في محمد ـ صلى الله عليه وسلم ـ منشئًا لحضارة‬
‫التوحيد التي تعتبر ذات أهمية كبيرة‪ ،‬إذا فكرنا في القيمة‬
‫الفلسفية للتوحيد‪ ،‬وفي تفوقها الكبير الذي جعل كل الشعوب‬
‫الرية تمارس أفكار تلكم الفلسفة‪ .‬وهذه الثروة الروحية الغزيرة‬
‫في المة العربية‪ ،‬راجعة إلى الغريزة النبوية والتي تعد واضحة‬
‫لدى الشعوب السامية‪ ،‬فاليهود الذين يستطيعون الفخر بأنبيائهم‬
‫الكبار‪ ،‬يقرون بأن روح النبوة قد اختفت لديهم بعد هدم معبدهم‬
‫الثاني‪ ،‬وهذا ما يفسر بمعنى أكيد العداوة العنيفة والكثيرة‬
‫التكرار في القرآن بالنسبة إليهم"(‪.)3‬‬
‫[‪]4‬‬
‫"‪ ...‬إن الحضارة الفكرية الذهنية الحقيقية لم تظهر وتوجد ـ لدى‬
‫العرب ـ إل لدى وصول محمد ـ صلى الله عليه وسلم ـ"(‪.)4‬‬
‫‪------------------‬‬
‫(‪ )1‬فلسفة الفكر السلمي‪ ،‬ص ‪.8‬‬
‫(‪ )2‬نفسه‪ ،‬ص ‪.17‬‬
‫(‪ )3‬نفسه‪ ،‬ص ‪.31‬‬
‫(‪ )4‬دفاع عن السلم‪ ،‬ص ‪.24‬‬
‫‪ .39‬ليوبولد فايس‬
‫[‪]1‬‬
‫"‪ ...‬إن العمل بسنة رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ هو‬
‫عمل على حفظ كيان السلم وعلى تقدمه‪ ،‬وإن ترك السنة هو‬
‫انحلل السلم‪ .‬لقد كانت السنة الهيكل الحديدي الذي قام عليه‬
‫شك أن يتقوض‬ ‫صرح السلم‪ ،‬وأنك إذا أزلت هيكل بناء ما‪ ،‬أفيدْه ِ ُ‬
‫ذلك البناء‪ ،‬كأنه بيت من ورق؟"(‪.)1‬‬
‫[‪]2‬‬
‫"‪ ...‬إن السنة هي المثال الذي أقامه لنا الرسول ـ صلى الله‬
‫عليه وسلم ـ من أعماله وأقواله‪ .‬إن حياته العجيبة كانت تمثيلً‬
‫حيًا وتفسيًرا لما جاء في القرآن الكريم‪ ،‬ول يمكننا أن ننصف‬
‫القرآن الكريم بأكثر من أن نتبع الذي قد بلّغ الوحي"(‪.)2‬‬
‫[‪]3‬‬
‫"‪ ...‬إنه على الرغم من جميع الجهود التي بذلت في سبيل تحدي‬
‫الحديث على أنه نظام ما‪ ،‬فإن أولئك النقاد العصريين من‬
‫الشرقيين والغربيين لم يستطيعوا أن يدعموا انتقادهم العاطفي‬
‫الخالص بنتائج من البحث العلمي‪ .‬وأنه من الصعب أن يفعل أحد‬
‫صا المامين‬ ‫ذلك؛ لن الجامعين لكتب الحديث الولى‪ ،‬وخصو ً‬

‫‪61‬‬
‫ما قد قاموا بكل ما في طاقة البشر عند عرض‬ ‫البخاري ومسل ً‬
‫ضا أشد كثيًرا من ذلك‬ ‫صحة كل حديث على قواعد التحديث عر ً‬
‫الذي يلجأ إليه المؤرخون الوربيون عادة عند النظر في مصادر‬
‫التاريخ القديم"(‪.)3‬‬
‫[‪]4‬‬
‫ما‪ ،‬ليس‬ ‫"‪ ...‬إن رفض الحاديث الصحيحة‪ ،‬جملة واحدة أو أقسا ً‬
‫حتى اليوم‪ ،‬إل قضية ذوق‪ ،‬قضية قصرت عن أن تجعل من نفسها‬
‫بحثًا علميًا خال ً‬
‫صا من الهواء‪.)4("..‬‬
‫[‪]5‬‬
‫"‪ ...‬إن العمل بالسنة يجعل كل شيء في حياتنا اليومية مبنيًا‬
‫على القتداء بما فعله الرسول ـ صلى الله عليه وسلم ـ وهكذا‬
‫ما‪ ،‬إذا فعلنا أو تركنا ذلك‪ ،‬مجبرين على أن نفكر بأعمال‬ ‫نكون دائ ً‬
‫الرسول وأقواله المماثلة لعمالنا هذه وعلى هذا تصبح شخصية‬
‫أعظم رجل متغلغلة إلى حد بعيد في منهاج حياتنا اليومية نفسه‪،‬‬
‫ويكون نفوذه الروحي قد أصبح العامل الحقيقي الذي يعتادنا‬
‫طوال الحياة‪.)5("..‬‬
‫‪------------‬‬
‫(‪ )1‬السلم على مفترق الطرق‪ ،‬ص ‪.87‬‬
‫(‪ )2‬نفسه‪ ،‬ص ‪.88‬‬
‫(‪ )3‬نفسه‪ ،‬ص ‪.92‬‬
‫(‪ )4‬نفسه‪ ،‬ص ‪.97‬‬
‫(‪ )5‬نفسه‪ ،‬ص ‪.109‬‬
‫‪ .40‬مارسيل بوازار‬
‫مارسيل بوازار‬
‫[‪]1‬‬
‫"سبق أن كتب كل شيء عن نبي السلم ـ صلى الله عليه وسلم‬
‫ـ‪ ،‬فأنوار التاريخ تسطع على حياته التي نعرفها في أدق تفاصيلها‪.‬‬
‫والصورة التي خلفها محمد ـ صلى الله عليه وسلم ـ عن نفسه‬
‫تبدو‪ ،‬حتى وإن عمد إلى تشويهها‪ ،‬علمية في الحدود التي تكشف‬
‫فيها وهي تندمج في ظاهرة السلم عن مظهر من مظاهر‬
‫المفهوم الديني وتتيح إدراك عظمته الحقيقية‪.)1("..‬‬
‫[‪]2‬‬
‫"لم يكن محمد ـ صلى الله عليه وسلم ـ على الصعيد التاريخي‬
‫مبشًرا بدين وحسب بل كان كذلك مؤسس سياسة غيّرت مجرى‬
‫التاريخ‪ ،‬وأثرت في تطور انتشار السلم فيما بعد على أوسع‬
‫نطاق‪.)2("..‬‬
‫[‪]3‬‬

‫‪62‬‬
‫"منذ استقر النبي محمد ـ صلى الله عليه وسلم ـ في المدينة‪،‬‬
‫غدت حياته جزءًا ل ينفصل من التاريخ السلمي‪ .‬فقد نقلت إلينا‬
‫ما شديد‬‫أفعاله وتصرفاته في أدق تفاصيلها‪ .‬ولما كان منظ ً‬
‫الحيوية‪ ،‬فقد أثبت نضالية في الدفاع عن المجتمع السلمي‬
‫الجنيني‪ ،‬وفي بث الدعوة‪ .‬وبالرغم من قتاليته ومنافحته‪ ،‬فقد‬
‫كان يعفو عند المقدرة‪ ،‬لكنه لم يكن يلين أو يتسامح مع أعداء‬
‫الدين‪ .‬ويبدو أن مزايا النبي الثلث‪ ،‬الورع والقتالية والعفو عند‬
‫سدت‬ ‫المقدرة قد طبعت المجتمع السلمي في إبان قيامه وج ّ‬
‫المناخ الروحي للسلم‪ .‬وكما يظهر التاريخ الرسول ـ صلى الله‬
‫عليه وسلم ـ قائدًا عظيم ملء قلبه الرأفة‪ ،‬يصوره كذلك رجل‬
‫حا قوي الشكيمة له سياسته الحكيمة التي تتعامل مع‬ ‫دولة صري ً‬
‫الجميع على قدم المساواة وتعطي كل صاحب حق حقه‪ .‬ولقد‬
‫استطاع بدبلوماسيته ونزاهته أن ينتزع العتراف بالجماعة‬
‫السلمية عن طريق المعاهدات في الوقت الذي كان النصر‬
‫العسكري قد بدأ يحالفه‪ .‬وإذا تذكرنا أخيًرا على الصعيد النفساني‬
‫هشاشة السلطان الذي كان يتمتع به زعيم من زعماء العرب‪،‬‬
‫والفضائل التي كان أفراد المجتمع يطالبونه بالتحلي بها‪ ،‬استطعنا‬
‫أن نستخلص أنه لبد ّ أن يكون محمد ـ صلى الله عليه وسلم ـ‬
‫الذي عرف كيف ينتزع رضا أوسع الجماهير به إنسانًا فوق‬
‫مستوى البشر حقًا‪ ،‬وأنه لبد أن يكون نبيًا حقيقيًا من أنبياء الله"(‬
‫‪.)3‬‬
‫[‪]4‬‬
‫حا‬
‫"‪ ...‬لقد كان محمد ـ صلى الله عليه وسلم ـ نبيًا ل مصل ً‬
‫اجتماعيًا‪ .‬وأحدثت رسالته في المجتمع العربي القائم آنذاك‬
‫تغييرات أساسية ما تزال آثارها ماثلة في المجتمع السلمي‬
‫المعاصر‪.)4("..‬‬
‫[‪]5‬‬
‫"‪ ...‬مما ل ريب فيه أن محمدًا ـ صلى الله عليه وسلم ـ قد‬
‫اعتبر‪ ،‬بل كان في الواقع‪ ،‬ثائًرا في النطاق الذي كان فيه كل نبي‬
‫ثائًرا بوصفه نبيًا‪ ،‬أي بمحاولته تغيير المحيط الذي يعيش فيه‪("...‬‬
‫‪.)5‬‬
‫‪-------------‬‬
‫(‪ )1‬إنسانية السلم‪ ،‬ص ‪.41 ،40‬‬
‫(‪ )2‬نفسه‪ ،‬ص ‪.42‬‬
‫(‪ )3‬نفسه‪ ،‬ص ‪.46‬‬
‫(‪ )4‬نفسه‪ ،‬ص ‪.61‬‬
‫(‪ )5‬نفسه‪ ،‬ص ‪.66‬‬

‫‪63‬‬
‫ماسيه‬ ‫‪.41‬‬
‫[‪]1‬‬
‫"بفضل إصلحات محمد ـ صلى الله عليه وسلم ـ الدينية‬
‫والسياسية‪ ،‬وهي إصلحات موحدة بشكل أساسي‪ ،‬فإن العرب‬
‫وعوا أنفسهم وخرجوا من ظلمات الجهل والفوضى ليعدّوا‬
‫دخلوهم النهائي إلى تاريخ المدنية"‪.‬‬
‫[‪]2‬‬
‫"‪ ...‬كان محمد ـ صلى الله عليه وسلم ـ هو المشّرع الملهم‬
‫والمحرك الول للوحدة الدينية بين جميع القوام‪ ،‬وكان بسيطًا‬
‫ما‪"..‬‬
‫وحاز ً‬
‫‪ .42‬مونته‬
‫[‪]1‬‬
‫"إن طبيعة محمد ـ صلى الله عليه وسلم ـ الدينية تدهش كل‬
‫باحث مدقّق نزيه المقصد بما يتجلى فيها من شدة الخلص‪ .‬فقد‬
‫حا دينيًا ذا عقيدة راسخة‪ ،‬ولم يقم إل بعد أن‬‫كان محمد مصل ً‬
‫تأمل كثيًرا وبلغ سن الكمال بهذه الدعوة العظيمة التي جعلته‬
‫من أسطع النوار النسانية في الدين‪ .‬وهو في قتاله الشرك‬
‫والعادات القبيحة التي كانت عند أبناء زمنه كان في بلد العرب‬
‫أشبه بنبي من أنبياء بني إسرائيل الذين نراهم كباًرا جدًا في‬
‫تاريخ قومهم‪ .‬ولقد جهل كثير من الناس محمدًا ـ صلى الله عليه‬
‫وسلم ـ وبخسوه حقه وذلك لنه من المصلحين النادرين الذين‬
‫عرف الناس أطوار حياتهم بدقائقها"‪.‬‬
‫[‪]2‬‬
‫"كان محمد ـ صلى الله عليه وسلم ـ كريم الخلق حسن‬
‫العشرة‪ ،‬عذب الحديث‪ ،‬صحيح الحكم صادق اللفظ‪ ،‬وقد كانت‬
‫الصفات الغالبة عليه هي صحة الحكم وصراحة اللفظ‪ ،‬والقتناع‬
‫التام بما يعمله ويقوله"‪.‬‬
‫[‪]3‬‬
‫"‪ ...‬ندر بين المصلحين من عرفت حياتهم بالتفصيل مثل محمد ـ‬
‫صلى الله عليه وسلم ـ وإن ما قام به من إصلح أخلق وتطهير‬
‫المجتمع يمكن أن يعد به من أعظم المحسنين للنسانية"‪.‬‬
‫[‪]4‬‬
‫"ل مجال للشك في إخلص الرسول ـ صلى الله عليه وسلم ـ‬
‫وحماسته الدينية التي تشبعت بها نفسه وفكره‪."..‬‬
‫‪ .43‬نهرو‬
‫[‪]1‬‬

‫‪64‬‬
‫"‪ ..‬لربما خامرت هؤلء الملوك والحكام الذين تسلموا كتب‬
‫الرسول ـ صلى الله عليه وسلم ـ الدهشة من هذا الرجل‬
‫البسيط الذي يدعوهم إلى الطاعة‪ .‬ولكن إرسال هذه الكتب‬
‫يعطينا صورة عن مقدار ثقة محمد ـ صلى الله عليه وسلم ـ‬
‫بنفسه ورسالته‪ .‬وقد هيأ بهذه الثقة وهذا اليمان لمته أسباب‬
‫القوة والعّزة والمنعة وحوّلهم من سكان صحراء إلى سادة‬
‫يفتحون نصف العالم المعروف في زمانهم‪ ..‬وقد توفي محمد ـ‬
‫صلى الله عليه وسلم ـ بعد أن جعل من القبائل العربية المتنافرة‬
‫سا‪."...‬‬
‫أمة واحدة تتقد غيرة وحما ً‬
‫‪ .44‬هارث‬
‫[‪]1‬‬
‫"إن اختياري لمحمد ـ صلى الله عليه وسلم ـ ليكون رأس‬
‫القائمة التي تضم الشخاص الذين كان لهم أعظم تأثير عالمي‬
‫في مختلف المجالت‪ ،‬ربما أدهش كثيًرا من القراء‪ ،‬ولكن في‬
‫اعتقادي أن محمدًا ـ صلى الله عليه وسلم ـ كان الرجل الوحيد‬
‫في التاريخ الذي نجح بشكل أسمى وأبرز في كل المستويين‬
‫الديني والدنيوي"‪.‬‬
‫[‪]2‬‬
‫"لقد أسس محمد ـ صلى الله عليه وسلم ـ ونشر أحد أعظم‬
‫الديان في العالم‪ ،‬وأصبح أحد الزعماء العالميين السياسيين‬
‫العظام‪ .‬ففي هذه اليام وبعد مرور ثلثة عشر قرنًا تقريبًا على‬
‫ما‪."...‬‬
‫وفاته‪ ،‬فإن تأثيره ل يزال قويًا وعار ً‬
‫[‪]3‬‬
‫"‪ ...‬من وجهة النظر الدينية الصرفة يبدو أن محمدًا ـ صلى الله‬
‫عليه وسلم ـ كان له تأثير على البشرية عبر التاريخ كما كان‬
‫للمسيح ـ عليه السلم ـ"‪.‬‬
‫[‪]4‬‬
‫"‪ ...‬إن محمدًا ـ صلى الله عليه وسلم ـ يختلف عن المسيح بأنه‬
‫ما دنيويًا فضل ً عن أنه زعيم ديني‪ ،‬وفي الحقيقة إذا أخذنا‬ ‫كان زعي ً‬
‫بعين العتبار القوى الدافعة وراء الفتوحات السلمية‪ ،‬فإن‬
‫محمدًا ـ صلى الله عليه وسلم ـ يصبح أعظم قائد سياسي على‬
‫مدى الجيال"‪.‬‬
‫[‪]5‬‬
‫"‪ ...‬إن هذا التحاد الفريد ل نظير له للتأثير الديني والدنيوي معًا‬
‫يخول محمدًا ـ صلى الله عليه وسلم ـ أن يعتبر أعظم شخصية‬
‫مفردة ذات تأثير في تاريخ البشرية"‪.‬‬
‫‪ .45‬مونتغمري وات‬

‫‪65‬‬
‫[‪]1‬‬
‫"منذ أن قام كارليل بدراسته عن محمد ـ صلى الله عليه وسلم ـ‬
‫في كتابه "البطال وعبادة البطل" أدرك الغرب أن هناك أسبابًا‬
‫وجيهة للقتناع بصدق محمد؛ إذ إن عزيمته في تحمل الضطهاد‬
‫من أجل عقيدته‪ ،‬والخلق السامي للرجال الذين آمنوا به‪ ،‬وكان‬
‫لهم بمثابة القائد‪ ،‬وأخيًرا عظمة عمله في منجزاته الخيرة‪ ،‬كل‬
‫ذلك يشهد باستقامته التي ل تتزعزع‪ .‬فاتهام محمد ـ صلى الله‬
‫عليه وسلم ـ بأنه دجال ‪ Imposteur‬يثير من المشاكل أكثر مما يح ّ‬
‫ل‪.‬‬
‫ومع ذلك فليس هناك شخصية كبيرة في التاريخ حط من قدرها‬
‫في الغرب كمحمد ـ صلى الله عليه وسلم ـ‪ .‬فقد أظهر الكتاب‬
‫الغربيون ميلهم لتصديق أسوأ المور عن محمد ـ صلى الله عليه‬
‫وسلم ـ وكلما ظهر أي تفسير نقدي لواقعة من الوقائع ممكنًا‬
‫قبوله‪ .‬ول يكفي‪ ،‬مع ذلك‪ ،‬في ذكر فضائل محمد أن نكتفي‬
‫بأمانته وعزيمته إذا أردنا أن نفهم كل شيء عنه‪ .‬وإذا أردنا أن‬
‫نصحح الغلط المكتسبة من الماضي بصدده فيجب علينا في كل‬
‫حالة من الحالت‪ ،‬ل يقوم الدليل القاطع على ضدها‪ ،‬أن نتمسك‬
‫ضا أن الدليل‬‫بصلبة بصدقه‪ .‬ويجب علينا أن ل ننسى عندئذ أي ً‬
‫القاطع يتطلب لقبوله أكثر من كونه ممكنًا وأنه في مثل هذا‬
‫الموضوع يصعب الحصول عليه‪.)1("..‬‬
‫[‪]2‬‬
‫"هناك ـ على العكس ـ أسباب قوية تؤكد صدق "محمد" ـ صلى‬
‫الله عليه وسلم ـ ونستطيع في مثل هذه الحالة الخاصة أن نبلغ‬
‫درجة عالية من اليقين؛ لن النقاش حول هذه المسألة يعتمد‬
‫على وقائع ول يمكن أن يتضمن خلفًا في التقدير حول‬
‫الخلقية‪.)2("...‬‬
‫[‪]3‬‬
‫ما أو آليًا وكذلك إنشاء المة‬‫"‪ ...‬ليس توسع العرب شيئًا محتو ً‬
‫السلمية‪ .‬ولول هذا المزيج الرائع من الصفات المختلفة الذي‬
‫نجده عند محمد ـ صلى الله عليه وسلم ـ لكان من غير الممكن‬
‫أن يتم هذا التوسع‪ ،‬ولستنفذت تلك القوى الجبارة في غارات‬
‫على سوريا والعراق دون أن تؤدي لنتائج دائمة‪ ،‬ونستطيع أن‬
‫نميز ثلث هبات مهمة أُوتيها محمد ـ صلى الله عليه وسلم ـ‪،‬‬
‫وكانت كل واحدة منها ضرورية لتمام عمل محمد ـ صلى الله‬
‫عليه وسلم ـ بأكمله؛ لقد أوتي أول ً موهبة خاصة على رؤية‬
‫المستقبل‪ ،‬فكان للعالم العربي بفضله أو بفضل الوحي الذي‬
‫ينزل عليه حسب رأي المسلمين‪ ،‬أساس فكري ـ إيديولوجي ـ‬
‫حلت به الصعوبات الجتماعية‪ ،‬وكان تكوين هذا الساس الفكري‬

‫‪66‬‬
‫سا ينظر في السباب الساسية‬ ‫يتطلب في نفسه الوقت حد ً‬
‫للضطراب الجتماعي في ذلك العصر‪ ،‬والعبقرية الضرورية‬
‫للتعبير عن هذا الحدس في صورة تستطيع إثارة العرب حتى‬
‫أعمق كيانها‪ .‬وكان محمد ـ صلى الله عليه وسلم ـ ثانيًا رجل‬
‫ما‪ ،‬ولم يكن هدف البناء الساسي الذي نجده في‬ ‫دولة حكي ً‬
‫القرآن‪ ،‬سوى دعم التدابير السياسية الملموسة والمؤسسات‬
‫الواقعية‪ .‬ولقد ألححنا خلل هذا الكتاب غالبًا على استراتيجية‬
‫محمد ـ صلى الله عليه وسلم ـ السياسية البعيدة النظر على‬
‫ل على بعد نظره في هذه المسائل‬ ‫إصلحاته الجتماعية ولقد د ّ‬
‫النتشار السريع الذي جعل من دولته الصغيرة إمبراطورية‪،‬‬
‫وتطبيق المؤسسات الجتماعية على الظروف المجاورة‬
‫واستمرارها خلل أكثر من ثلثة عشر قرنًا‪ .‬وكان محمد ـ صلى‬
‫الله عليه وسلم ـ ثالثًا رجل إدارة بارع ًا‪ ،‬فكان ذا بصيرة رائعة‬
‫في اختيار الرجال الذين يندبهم للمسائل الدارية‪ .‬إذ لن يكون‬
‫للمؤسسات المتينة والسياسة الحكيمة أثر إذا كان التطبيق‬
‫خاطئًا مترددًا‪ .‬وكانت الدولة التي أسسها محمد ـ صلى الله عليه‬
‫وسلم ـ عند وفاته‪ ،‬مؤسسة مزدهرة تستطيع الصمود في وجه‬
‫الصدمة التي أحدثها غياب مؤسسها‪ ،‬ثم إذا بها بعد فترة تتلءم‬
‫مع الوضع الجديد وتتسع بسرعة خارقة اتساع ًا رائعًا"(‪.)3‬‬
‫[‪]4‬‬
‫"كلما فكرنا في تاريخ محمد ـ صلى الله عليه وسلم ـ وتاريخ‬
‫أوائل السلم‪ ،‬تملكنا الذهول أمام عظمة مثل هذا العمل‪ .‬ول‬
‫صا للنجاح‬‫شك أن الظروف كانت مواتية لمحمد فأتاحت له فر ً‬
‫لم تتحها لسوى القليل من الرجال غير أن الرجل كان على‬
‫ما‪ .‬فلو لم يكن نبيًا ورجل دولة وإدارة‪ ،‬ولو‬ ‫مستوى الظروف تما ً‬
‫لم يضع ثقته بالله ويقتنع بشكل ثابت أن الله أرسله‪ ،‬لما كتب‬
‫ما في تاريخ النسانية‪ .‬ولي أمل أن هذه الدراسة عن‬ ‫فصل ً مه ً‬
‫حياة محمد ـ صلى الله عليه وسلم ـ يمكنها أن تساعد على إثارة‬
‫الهتمام ‪ ،‬من جديد ‪ ،‬برجل هو أعظم رجال أبناء آدم"(‪.)4‬‬
‫‪-----------------‬‬
‫(‪ )1‬محمد في مكة‪ ،‬ص ‪.94‬‬
‫(‪ )2‬نفسه‪ ،‬ص ‪.498 ،497‬‬
‫(‪ )3‬نفسه‪ ،‬ص ‪.511 ،510‬‬
‫(‪ )4‬نفسه‪ ،‬ص ‪.512‬‬
‫‪ .46‬ولز‬
‫ولز(‪)1‬‬
‫[‪]1‬‬

‫‪67‬‬
‫"‪ ...‬هل تراك علمت قط أن رجل ً على غير كريم السجايا‬
‫مستطيع أن يتخذك صديقًا؟ ذلك أن من عرفوا محمدًا ـ صلى‬
‫الله عليه وسلم ـ أكثر من غيرهم‪ ،‬كانوا أشد الناس إيمانًا به‪،‬‬
‫وقد آمنت به خديجة ـ رضي الله عنها ـ كل حياته على أنها ربما‬
‫كانت زوجة محبة‪ .‬فأبو بكر ـ رضي الله عنه ـ شاهد أفضل وهو‬
‫لم يتردد قط في إخلصه؛ كان يؤمن بالنبي ـ صلى الله عليه‬
‫وسلم ـ ومن العسير على أي إنسان يقرأ تلك اليام إل يؤمن‬
‫بأبي بكر ـ رضي الله عنه ـ‪ ،‬وكذلك علي ـ رضي الله عنه ـ؛ فإنه‬
‫خاطر بحياته من أجل النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ في أحلك‬
‫أيامه سوادًا‪.)2("...‬‬
‫[‪]2‬‬
‫ج محمد ـ صلى الله عليه وسلم ـ حجة الوداع من المدينة إلى‬ ‫"ح ّ‬
‫مكة قبل وفاته بعام‪ ،‬وعند ذاك ألقى على شعبه موعظة عظيمة؛‬
‫ن أول فقرة فيها تجرف أمامها كل ما بين المسلمين من نهب‬ ‫إ ّ‬
‫وسلب ومن ثارات ودماء‪ ،‬وتجعل الفقرة الخيرة منها الزنجي‬
‫المؤمن عدل ً للخليفة‪ .‬إنها أسست في العالم تقاليد عظيمة‬
‫للتعامل العادل الكريم‪ ،‬وإنها لتنفخ في الناس روح الكرم‬
‫والسماحة‪ ،‬كما أنها إنسانية السمة ممكنة التنفيذ‪ ،‬فإنها خلقت‬
‫جماعة إنسانية يقل ما فيها مما يغمر الدنيا من قسوة وظلم‬
‫اجتماعي‪ ،‬عما في أي جماعة أخرى سبقتها"(‪.)3‬‬
‫[‪]3‬‬
‫"لقد منح العرب العالم ثقافة جديدة‪ ،‬وأقاموا عقيدة ل تزال إلى‬
‫اليوم من أعظم القوى الحيوية في العالم أما الرجل الذي أشعل‬
‫ذلك القبس العربي فهو محمد ـ صلى الله عليه وسلم ـ(‪.)4‬‬
‫‪--------------‬‬
‫(‪ )1‬هربرت جورج ولز (‪1946 – 1866‬م) ‪ :H. G. Wells‬الكاتب والديب‬
‫البريطاني المعروف‪ .‬حصل على بكالوريوس العلوم سنة ‪1888‬م‪،‬‬
‫تولى التدريس بضع سنين ثم انصرف للتأليف‪ .‬اشتهر بقصصه‬
‫الذي يعتمد الخيال العلمي من مثل "آلة الزمن" و"الرجل‬
‫الخفي"‪ ،‬فضل ً عن رواياته النفسية والجتماعية من مثل‬
‫"ميكافيللي الجديد" و"الزواج"‪ .‬ولم يغفل ولز البحث في التاريخ‬
‫فأنجز عام ‪1920‬م "معالم تاريخ النسانية" وأعقبه بـ"موجز تاريخ‬
‫العالم"‪ ،‬وكان آخر كتاب أصدره هو "العقل في أقصى تواتراته"‬
‫‪1944‬م‪ .‬ولولز كتاب في السيرة الذاتية بعنوان‪" :‬تجربة في كتابة‬
‫السيرة الذاتية"‪.‬‬
‫(‪ )2‬معالم تاريخ النسانية (‪.)639 /3‬‬
‫(‪ )3‬نفسه (‪.)641 ،640 /3‬‬

‫‪68‬‬
‫(‪ )4‬موجز تاريخ العالم‪ ،‬ص ‪.201 ،200‬‬
‫‪ .47‬نصري سلهب‬
‫نصري سلهب‬
‫[‪]1‬‬
‫"في مكة أبصر النور طفل لم يمّر ببال أمة _ ساعة ولدته ـ أنه‬
‫سيكون أحمد أعظم الرجال في العالم بل في التاريخ‪ ،‬ولربما‬
‫أعظمهم إطلقًا‪.)1("..‬‬
‫[‪]2‬‬
‫"هنا عظمة محمد ـ صلى الله عليه وسلم ـ‪ .‬لقد استطاع ـ خلل‬
‫تلك الحقبة القصيرة من الزمن ـ أن يحدث شريعة خلقية وروحية‬
‫واجتماعية لم يستطعها أحد في التاريخ بمثل تلك السرعة‬
‫المذهلة"(‪.)2‬‬
‫[‪]3‬‬
‫"‪ ...‬هذا الرجل الذي ما عرف الهدوء ول الراحة ول الستقرار‪،‬‬
‫استطاع وسط ذلك الخضم الهائج‪ ،‬أن يرسي قواعد دولة‪ ،‬وأن‬
‫ن أنظمة‪ ،‬ويجود بالتفسير والجتهادات‪ ،‬ولم‬ ‫يشّرع قوانين ويس ّ‬
‫ينس أنه أب وجد لولد وأحفاد‪ ،‬فلم يحرمهم عطفه وحنانه‪،‬‬
‫فكان بشخصيته الفذة الغنية بالقيم والمعطيات والمؤهلت‪،‬‬
‫المتعددة البعاد والجوانب‪ ،‬الفريدة بما أسبغ الله عليها من نعم‬
‫ما‬
‫ما قائ ً‬
‫وصفات‪ ،‬وبما حباها من إمكانات‪ ،‬كان بذلك كله‪ ،‬عال ً‬
‫بنفسه"(‪.)3‬‬
‫[‪]4‬‬
‫"تراثك يا ابن عبد الله ينبغي أن يُحيا‪ ،‬ل في النفوس والقلوب‬
‫فحسب‪ ،‬بل في واقع الحياة‪ ،‬في ما يعاني البشر من أزمات وما‬
‫يعترضهم من عقبات‪ .‬تراثك مدرسة يلقى على منابرها كل يوم‬
‫عظة ودرس‪ ،‬كل سؤال له عندك جواب‪ ،‬كل مشكلة مهما‬
‫استعصت وتعقدت‪ ،‬نجد لها في آثارك حلً"(‪.)4‬‬
‫[‪]5‬‬
‫"‪ ..‬لم يكن النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ رسول ً وحسب‪ ،‬يهدي‬
‫ما وقائد شعب‪ ،‬فعزم على أن‬ ‫الناس إلى اليمان‪ ،‬إنما كان زعي ً‬
‫يجعل من ذلك الشعب خير أمة أخرجت للناس‪ .‬وكان له ما‬
‫أراد"(‪.)5‬‬
‫‪-------------‬‬
‫(‪ )1‬في خطى محمد‪ ،‬ص ‪.42‬‬
‫(‪ )2‬نفسه‪ ،‬ص ‪.196‬‬
‫(‪ )3‬نفسه‪ ،‬ص ‪.274 ،273‬‬
‫(‪ )4‬نفسه‪ ،‬ص ‪.396‬‬

‫‪69‬‬
‫(‪ )5‬نفسه‪ ،‬ص ‪.409‬‬
‫هنري دي فاستري‬ ‫‪.48‬‬
‫هنري دي فاستري‬
‫[‪]1‬‬
‫"إن أشد ما نتطلع إليه بالنظر على الديانة السلمية ما اختص‬
‫منها بشخص النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ ولذلك قصدت أن‬
‫يكون بحثي أول ً في تحقيق شخصيته وتقرير حقيقته الدبية علّني‬
‫أجد في هذا البحث دليل ً جديدًا على صدقه وأمانته المتفق تقريبًا‬
‫عليها بين جميع مؤرخي الديانات وأكبر المتشيعين للدين‬
‫المسيحي"(‪.)1‬‬
‫[‪]2‬‬
‫"ثبت إذن أن محمدًا ـ صلى الله عليه وسلم ـ لم يقرأ كتابًا‬
‫سا ولم يسترشد في دينه بمذهب متقدم عليه‪.)2("..‬‬ ‫مقد ً‬
‫[‪]3‬‬
‫"‪ ...‬ولقد نعلم أن محمدًا ـ صلى الله عليه وسلم ـ مّر بمتاعب‬
‫ما نفسية كبرى قبل أن يخبر برسالته‪ ،‬فقد خلقه‬ ‫كثيرة وقاسى آل ً‬
‫حضت للدين ومن أجل ذلك احتاج إلى العزلة عن‬ ‫الله ذا نفس تم ّ‬
‫الناس لكي يهرب من عبادة الوثان ومذهب تعدد اللهة الذي‬
‫ابتدعه المسيحيون وكان بغضهما متمكنًا من قلبه وكان وجود‬
‫هذين المذهبين أشبه بإبرة في جسمه ـ صلى الله عليه وسلم ـ‬
‫ولعمري فيم كان يفكر ذلك الرجل الذي بلغ الربعين وهو في‬
‫ريعان الذكاء ومن أولئك الشرقيين الذين امتازوا في العقل بحدة‬
‫التخيّل وقوة الدراك‪ ..‬إل أن يقول مراًرا ويعيد تكراًرا هذه‬
‫الكلمات (الله أحد الله أحد)‪ .‬كلمات رددها المسلمون أجمعون‬
‫من بعده وغاب عنا معشر المسيحيين مغزاها لبعدنا عن فكرة‬
‫التوحيد‪.)3("..‬‬
‫[‪]4‬‬
‫"‪ ...‬لو رجعنا إلى ما وضحه الحكماء عن النبوة ولم يقبل‬
‫المتكلمون من المسيحيين لمكننا الوقوف على حالة مشيد‬
‫دعائم السلم وجزمنا بأنه لم يكن من المبتدعين‪ ،‬ومن الصعب‬
‫أن تقف على حقيقة سماعه لصوت جبريل ـ عليه السلم ـ إل أن‬
‫معرفة هذه الحقيقة ل تغير موضوع المسألة لن الصدق حاصل‬
‫في كل حال"(‪.)4‬‬
‫[‪]5‬‬
‫"ل يمكن أن ننكر على محمد ـ صلى الله عليه وسلم ـ في الدور‬
‫الول من حياته كمال إيمانه وإخلص صدقه‪ ،‬فأما اليمان فلن‬
‫يتزعزع مثقال ذرة من قلبه في الدور الثاني ـ الدور المدني ـ وما‬

‫‪70‬‬
‫أُوتيه من نصر كان من شأنه أن يقويه على اليمان لول أن‬
‫العتقاد كله قد بلغ منه مبلغًا ل محل للزيادة فيه‪ ،‬وما كان يميل‬
‫حا‪ ،‬وكان قنوع ًا خرج من الدنيا ولم‬‫إلى الزخارف ولم يكن شحي ً‬
‫يشبع من خبز الشعير مرة في حياته‪ ،‬تجرد من الطمع وتمكن‬
‫من نوال المقام العلى في بلد العرب ولكنه لم يجنح إلى‬
‫الستبداد فيها‪ ،‬فلم يكن له حاشية ولم يتخذ وزيًرا ول حشما‪ ،‬وقد‬
‫احتقر المال‪.)5("..‬‬
‫‪-------------------‬‬
‫(‪ )1‬السلم‪ :‬خواطر وسوانح‪ ،‬ص ‪.6‬‬
‫(‪ )2‬نفسه‪ ،‬ص ‪.16‬‬
‫(‪ )3‬نفسه‪ ،‬ص ‪.17 ،16‬‬
‫(‪ )4‬نفسه‪ ،‬ص ‪.21‬‬
‫(‪ )5‬نفسه‪ ،‬ص ‪.24‬‬
‫‪ .49‬واشنجتون إيرفنج‬
‫واشنجتون إيرفنج‬
‫[‪]1‬‬
‫"كان محمد ـ صلى الله عليه وسلم ـ خاتم النبيين وأعظم الرسل‬
‫الذين بعثهم الله ليدعوا الناس إلى عبادة الله"(‪.)1‬‬
‫[‪]2‬‬
‫"كانت تصرفات الرسول ـ صلى الله عليه وسلم ـ في أعقاب‬
‫فتح مكة تدل على أنه نبي مرسل ل على أنه قائد مظفر؛ فقد‬
‫أبدى رحمة وشفقة على مواطنيه برغم أنه أصبح في مركز قوي‪،‬‬
‫ولكنه توّج نجاحه وانتصاره بالرحمة والعفو"(‪.)2‬‬
‫[‪]3‬‬
‫"لقي الرسول ـ صلى الله عليه وسلم ـ من أجل نشر السلم‬
‫كثيًرا من العناء‪ ،‬وبذل عدة تضحيات؛ فقد شك الكثير في صدق‬
‫حا كبيًرا‪ ،‬وتعرض‬‫دعوته‪ ،‬وظل عدة سنوات دون أن ينال نجا ً‬
‫خلل إبلغ الوحي إلى الهانات والعتداءات والضطهادات‪ ،‬بل‬
‫اضطر إلى أن يترك وطنه ويبحث عن مكان يهاجر إليه هنا وهناك‬
‫وتخلى عن كل متع الحياة وعن السعي وراء الثراء من أجل نشر‬
‫العقيدة"(‪.)3‬‬
‫[‪]4‬‬
‫"برغم انتصارات الرسول ـ صلى الله عليه وسلم ـ العسكرية لم‬
‫تثر هذه النتصارات كبرياءه أو غروره‪ ،‬فقد كان يحارب من أجل‬
‫السلم ل من أجل مصلحة شخصية‪ ،‬وحتى في أوج مجده حافظ‬
‫الرسول ـ صلى الله عليه وسلم ـ على بساطته وتواضعه‪ ،‬فكان‬
‫يكره إذا دخل حجرة على جماعة أن يقوموا له أو يبالغوا في‬

‫‪71‬‬
‫الترحيب به وإن كان قد هدف إلى تكوين دولة عظيمة‪ ،‬فإنها‬
‫كانت دولة السلم‪ ،‬وقد حكم فيها بالعدل‪ ،‬ولم يفكر أن يجعل‬
‫الحكم فيها وراثيًا لسرته"(‪.)4‬‬
‫[‪]5‬‬
‫"كان الرسول ـ صلى الله عليه وسلم ـ ينفق ما يحصل من جزية‬
‫أو ما يقع في يديه من غنائم في سبيل انتصار السلم‪ ،‬وفي‬
‫معاونة فقراء المسلمين‪ ،‬وكثيًرا ما كان ينفق في سبيل ذلك آخر‬
‫ما أو‬
‫درهم في بيت المال‪ ،‬وهو لم يخلف وراءه ديناًرا أو دره ً‬
‫رقيقًا‪ ،‬وقد خيره الله بين مفاتيح كنوز الرض في الدنيا وبين‬
‫الخرة فاختار الخرة"(‪.)5‬‬
‫‪--------------------‬‬
‫(‪ )1‬حياة محمد‪ ،‬ص ‪.72‬‬
‫(‪ )2‬حياة محمد‪ ،‬ص ‪.72‬‬
‫(‪ )3‬نفسه‪ ،‬ص ‪.300‬‬
‫(‪ )4‬نفسه‪ ،‬ص ‪.303 ،302‬‬
‫(‪ )5‬نفسه‪ ،‬ص ‪.303‬‬
‫‪ .50‬ول ديورانت‬
‫‪ .51‬محمد صلى الله عليه وسلم المثال السمى‪ ..‬ك‪.‬‬
‫س‪ .‬رامكرشنة راو‬
‫محمد صلى الله عليه وسلم المثال السمى‬
‫أحمد ديدات‬
‫الكتاب على صغره يعرض لكثير من الجوانب الهامة في حياة‬
‫الرسول صلى الله عليه وسلم والرسالة بأسلوب سهل يجمع بين‬
‫وضوح الفكرة ودقة العبارة‪.‬‬
‫إنه بمثابة رحلة في أعماق التاريخ ومحاولة للكشف عن جوانب‬
‫شخصية الرسول العظيمة واستخلص العبرة مـن حياة محمد‬
‫النبي صلى الله عليه وسلم والمثال السمى للعالمين‪.‬‬
‫محمد المثال السمى‬
‫رؤية فيلسوف هندوسي معاصر لنبي السلم‬
‫ك‪ .‬س‪ .‬رامكرشنة راو‬
‫أستاذ الفلسفة بجامعة ميسور في الهند‬
‫محمد نبي السلم‪:‬‬
‫البدايات [‪:]1‬‬
‫ولد محمد وفقًا لما قرره المؤرخون المسلمون في صحراء‬
‫الجزيرة العربية يوم العشرين من شهر إبريل في عام خمسمائة‬
‫وواحد وسبعين بعد المسيح‪ .‬واسمه يعني "المثنى عليه أو‬

‫‪72‬‬
‫الممدوح أو المحمود حمدًا كثيًرا"[‪ ]2‬وهو بالنسبة لي أعظم عقل‬
‫مفكر أنجبته الجزيرة العربية على الطلق‪.‬‬
‫إنه أعظم بكثير من جميع الشعراء والملوك الذين عاشوا قبله أو‬
‫جاءوا بعده في هذه الصحراء المعزولة ذات الرمال الحمراء‪.‬‬
‫وحينما ظهر محمد لم تكن الجزيرة العربية شيئًا مذكوًرا‪ ،‬ومن‬
‫هذه الصحراء التي لم تكن شيئًا مذكوًرا استطاع محمد بروحه‬
‫ما جديدًا وحياة جديدة وثقافة جديدة‬ ‫العظيمة أن ينشئ منها عال ً‬
‫وحضارة جديدة ومملكة جديدة امتدت من مراكش إلى شبه‬
‫القارة الهندية‪ ،‬وأن يؤثر في فكر وحياة ثلث قارات هي آسيا‬
‫وإفريقية وأوروبا‪.‬‬
‫الحاجة إلى التفاهم‪:‬‬
‫عندما فكرت في الكتابة عن النبي محمد كنت مترددًا بعض‬
‫الشيء لنني سأكتب عن دين ل أعتنقه[‪ ]3‬وإنه لمر بالغ‬
‫الحساسية أن يفعل المرء ذلك لنه يوجد الكثير من الناس الذين‬
‫يعتنقون ديانات متنوعة وينتمون إلى مذاهب فكرية وطوائف‬
‫مختلفة حتى داخل الدين الواحد‪ .‬وعلى الرغم من أن البعض‬
‫ما فإنه ل يمكن إغفال‬ ‫يزعم أحيانًا أن الديانة مسألة شخصية تما ً‬
‫أن الدين يميل إلى الحاطة بالكون بأسره ما نرى منه وما ل نرى‬
‫ضا‪ ،‬وهو بطريقة ما يتخلل مـن حين إلى آخر قلوبنا وأنفسنا‬ ‫أي ً‬
‫وعقولنا فـي مناطـق الوعي ومـا دون الوعي ‪subconscious‬‬
‫واللوعي ‪ unconscious‬منها‪ ،‬أو أي من تلك المناطق التي تشتمل‬
‫عليها أو يفترض أنها تشتمل عليها‪ .‬وتأخذ المسألة أهمية بالغة‬
‫خا أن ماضينا وحاضرنا ومستقبلنا رهن‬ ‫عندما نقتنع اقتناع ًا راس ً‬
‫هذا الخيط الحريري اللين الدقيق المسمى بالدين‪ ،‬أما إذا كنا‬
‫شديدي الحساسية فإن مركز الثقل يكون في الغالب دائما في‬
‫حالة توتر قصوى ‪ .‬وبالنظر إلى المسألة من هذه الزاوية يتضح‬
‫لنا أنه كلما قل الكلم عن ديانة الخرين كلما كان ذلك أفضل‪.‬‬
‫ولندع أدياننا واعتقاداتنا مخفية ومغمورة في أعماق ثنايا قلوبنا‬
‫الداخلية محصنة بأختام من شفاهنا ل تنكسر‪.‬‬
‫جماعية النسان‪:‬‬
‫ولكن يوجد جانب آخر لهذه المسألة؛ فالنسان يعيش في‬
‫المجتمع وترتبط حياتنا ـ شئنا أم أبينا وبطريقة مباشرة وغير‬
‫مباشرة ـ بحياة الكثيرين‪ ،‬فنحن جميعًا نأكل من ثمرات تزرع في‬
‫نفس الرض ونشرب الماء من نفس النبع ونستنشق هواء نفس‬
‫الجو‪ ،‬ومع تمسكنا الشديد بآرائنا الشخصية فإنه سيكون من‬
‫المفيد ـ ل لغرض آخر سوى تشجيع النضباط المناسب في البيئة‬

‫‪73‬‬
‫ضا بدرجة أو بأخرى كيف يفكر جارنا‬ ‫المحيطة بنا ـ لو أننا عرفنا أي ً‬
‫وما هي المنابع الصلية لتصرفاته‪.‬‬
‫ومن زاوية الرؤية هذه تصبح محاولة المرء للتعرف على جميع‬
‫أديان العالم شيئًا مرغوبًا فيه‪ ،‬وذلك بالروح الصحيحة‪ ،‬من أجل‬
‫تشجيع التفاهم المتبادل والتقبل الفضل لجيراننا على المدى‬
‫القريب والبعيد‪.‬‬
‫كما أن أفكارنا ليست متناثرة ومبعثرة كما تبدو كذلك في‬
‫الظاهر؛ فلقد تبلورت تلك الفكار حول بضع أنوية في شكل‬
‫أديان العالم الكبرى والعقائد الحية التي ترشد وتدفع حياة‬
‫المليين من سكان أرضنا هذه‪ .‬وإذا كنا نفكر في أن نصبح في‬
‫يوم من اليام مواطنين للعالم الذي بين أيدينا فمن واجبنا أن‬
‫نحاول ولو محاولة صغيرة التعرف على أديان العالم الكبرى‬
‫ونظم الفلسفة التي تحكم البشرية‪.‬‬
‫النبي شخصية تاريخية[‪:]4‬‬
‫وعلى الرغم من هذه الملحظات التمهيدية فإن الرض التي‬
‫يجري عليها الصراع بين العقل والعاطفة في مجال الدين زلقة‬
‫جدًا لدرجة أن المرء ليُذكَّر باستمرار بالحمقى الذين يندفعون‬
‫ضا معقد جدا لسبب آخر‪.‬‬ ‫حيث تهاب الملئكة القتراب والمر أي ً‬
‫ضا شخصية‬ ‫فموضوع كتابي هو شرائع ديانة تاريخية ونبيها‪ ،‬وهو أي ً‬
‫تاريخية لدرجة أن ناقدًا عدوانيًا مثل السير "وليم موير" يقول‬
‫متحدثًا عن القرآن الكريم‪" :‬ل يوجد في العالم على الرجح كتابًا‬
‫آخر بقي إثني عشر قرنًا[‪ ]5‬بنص بمثل هذا النقاء"‪ .‬ويمكنني أن‬
‫ضا؛ فكل حادثة في‬ ‫أضيف أن النبي محمد شخصية تاريخية[‪ ]6‬أي ً‬
‫حياته دونت بدقة بالغة وحتى أدق التفاصيل حفظت سليمة‬
‫للمتأخرين‪ ،‬إن حياته وأعماله لم يكتنفهما الغموض ولم تكن‬
‫محاطة بالسرار‪ .‬ول يحتاج المرء إلى البحث المجهد عن‬
‫المعلومات الدقيقة ول النطلق في رحلت مرهقة لكي يفصل‬
‫القشرة عن حبة الحق[‪.]7‬‬
‫إساءة عرض وتقديم السلم في الماضي‪:‬‬
‫إن عملي هذا مستنير لن اليام التي كان يساء فيها إلى حد بعيد‬
‫عرض السلم وتقديمه بواسطة نقاده[‪ ]8‬لسباب سياسية وغير‬
‫سياسية هي في إدبار وإلى زوال‪.‬‬
‫يقول الستاذ بيفان ‪ Prof. Bevan‬في كتاب "كمبردج لتاريخ العصور‬
‫الوسطى"‪" :‬إن التقارير التي وصف فيها محمدًا والسلم‬
‫المنشورة في أوروبا قبل بداية القرن التاسع عشر يجب اعتبارها‬
‫الن مجـرد فضول أدبي أو استثناءات أدبيـة ‪."Literary curiosities‬‬

‫‪74‬‬
‫إن المشكلة التي أواجهها مـن أجل كتابة هـذه الفقرة أصبحت‬
‫أكثر سهولة مـن ذي قبل لننا كنقاد ـ وبوجه عام ـ لم نعـد نقتات‬
‫الن على مثل هـذا النوع مـن التاريخ‪ .‬ولسنا فـي حاجة إلـى كثير‬
‫مـن الوقت نمضيه في الشارة إلى إساءاتنا فـي عرض السلم‬
‫وتقديمه‪.‬‬
‫فمثل ً النظرية التـي تقول بانتشار السلم بالسيف لم تعـد تردد‬
‫الن بكثرة في أي دائرة تستحق الذكر‪ .‬فمبدأ "ل إِكَْراه َ فِي‬
‫ن"[‪ ]9‬هو مبدأ معروف ومشهور جدا في السلم‪.‬‬ ‫الدِّي ِ‬
‫يقول المؤرخ العالمي الشهير "جيبون"[‪" :]10‬إن شريعة خبيثة قد‬
‫ألصقت بالمحمديين[‪ ]11‬وهي واجب استئصال جميع الديان‬
‫بالسيف"[‪.]12‬‬
‫ويقول المؤرخ البارز أن هذه التهمة الجاهلة والمتطرفة يدحضها‬
‫القرآن كما يدحضها تاريخ الفتوحات السلمية وما اشتهر‬
‫الفاتحون به من تسامح تجاه العبادة المسيحية معروف‬
‫ومشروع‪.‬‬
‫إن أعظم نجاح في حياة محمد جاء نتيجة للقوة الخلقية فقط‬
‫وبل ضربة سيف واحدة‪.‬‬
‫‪-----------‬‬
‫الهوامش‪:‬‬
‫[‪ ]1‬انظر كتاب‪" :‬ماذا يقول الكتاب المقدس عن محمد (صلى‬
‫الله عليه وسلم)" تأليف أحمد ديدات‪.‬‬
‫[‪ ]2‬راجع فصل "من هو المعزى"؟‬
‫[‪ ]3‬المؤلف يعتنق الهندوسية‪.‬‬
‫[‪ ]4‬تاريخية يعني حقيقة من واقع التاريخ (المترجم)‪.‬‬
‫[‪ ]5‬لقد بقي القرآن حتى الن أربعة عشر قرنًا نقيًا ومحفوظًا‬
‫(المؤلف) وسيظل كذلك إلى أن يرث الله الرض ومن عليها‬
‫ذّكَْر وَإِنَّا ل َ ُ‬
‫ه‬ ‫ن نََّزلْنَا ال ِ‬ ‫تصديقًا لقول الله تبارك وتعالى‪{ :‬إِنَّا ن َ ْ‬
‫ح ُ‬
‫ن} [الحجر‪ ]9 :‬المترجم‪.‬‬ ‫حافِظُو َ‬ ‫لَ َ‬
‫[‪ ]6‬تقول دائرة المعارف البريطانية عن محمد إنه "الكثر تاريخية‬
‫من بين جميع الشخصيات الدينية" (المؤلف)‪.‬‬
‫[‪ ]7‬يقصد المؤلف إنه من اليسير التمييز بين الغث والثمين مما‬
‫روي عن محمد صلى الله عليه وسلم‪ ،‬أو نسب إليه من أحاديث‬
‫وأخبار وقد وضعت في ذلك العلوم وصنفت فيه التصانيف‬
‫(المترجم)‪.‬‬
‫[‪ ]8‬يقول توماس كارليل (الكاتب والمؤرخ والفيلسوف النجليزي‬
‫المشهور)‪" :‬إن الكاذيب التي أثارتها الحماسة الصادرة عن‬
‫حسن نية حول هذا الرجل (أي محمد صلى الله عليه وسلم) ل‬

‫‪75‬‬
‫تشين إل أنفسنا"‪ .‬انظر كتاب "المسيح في السلم" تأليف أحمد‬
‫ديدات‪ ،‬وهو من ترجمتنا ونشر عن دار المختار السلمي‬
‫بالقاهرة‪.‬‬
‫[‪ ]9‬من الية ‪ 256‬من سورة البقرة‪.‬‬
‫[‪ ]10‬هو إدوارد جيبون (‪ 1794 – 1737‬بعد المسيح) مؤرخ إنجليزي‪،‬‬
‫يعتبر أعظم المؤرخين النجليز في عصره (المورد) (‪.)1990‬‬
‫[‪ ]11‬المؤلف يقصد المسلمين‪ ،‬فكلمة "المحمديون" قد توحي‬
‫بعبادتهم للنبي الكريم محمد صلى الله عليه وسلم‪ ،‬ول يوجد بين‬
‫المسلمين من يتخذ هذا النبي الكريم إلهًا أو يعبده (المركز‬
‫العالمي للدعوة السلمية) راجع ص ‪ 12– 10‬من هذا الكتاب‪.‬‬
‫[‪ ]12‬هذه ليست شريعة السلم ول القرآن ول محمد صلى الله‬
‫َّ‬
‫ه‬
‫م الل ُ‬ ‫عليه َوسلم‪ .‬يقول الله تبارك وتعالى في القرآن‪{ :‬ل يَنْهَاك ُ ُ‬
‫خرجوك ُم من ديارك ُ َ‬
‫ن‬
‫مأ ْ‬ ‫ْ ِ ْ َِ ِ ْ‬ ‫م يُ ْ ِ ُ‬ ‫ن وَل َ ْ‬ ‫دَّي ِ‬
‫م فِي ال ِ‬ ‫م يُقَاتِلُوك ُ ْ‬‫ن لَ ْ‬
‫ن ال ّذِي َ‬
‫عَ ِ‬
‫ن} [الممتحنة‪.]8 :‬‬ ‫سطِي َ‬
‫مقْ ِ‬‫ب ال ْ ُ‬‫ح ُّ‬ ‫ه يُ ِ‬‫ن الل ّ َ‬ ‫سطُوا إِلَيْهِ ْ‬
‫م إ ِ َّ‬ ‫م وَتُقْ ِ‬‫تَبَُّروهُ ْ‬
‫قال خالد الزعفراني في مصحف القادسية المفسر مختصر‬
‫تفسير الطبري‪{" :‬ل ينهاكم الله عن الذين لم يقاتلوكم في‬
‫الدين ولم يخرجوكم} من جميع الملل"‪ .‬قلت‪ :‬إذن فلم يأمر الله‬
‫في القرآن ول رسوله صلى الله عليه وسلم في السنة‬
‫باستئصال من ل يؤمن بالسلم من الملل الخرى‪.‬‬
‫قارن ذلك بما جاء في الكتاب المقدس عن ما فعله يهود بني‬
‫إسرائيل بسكان الرض المقدسة "فلسطين" حين دخلوها مع‬
‫يوشع بن نون فتى موسى عليه السلم الذي يسمونه عندهم‬
‫يشوع بن نون خادم موسى (يشوع ‪.)1 : 1‬‬
‫"وحرموا كل ما في المدينة من رجل وامرأة من طفل وشيخ‬
‫حتى البقر والغنم والحمير بحد السيف" (يشوع ‪.)21 : 6‬‬
‫حرموا كل ما في المدينة‪ :‬أي حرموا سبي أهلها واستحيائهم‬
‫والغنيمة أي جعلوا أهلها حرام عليهم سبيهم واستحياءهم وأخذ‬
‫أنعامهم وقتلوهم جميعًا بحد السيف ولم يبقوا منهم أحدًا‪ .‬راجع‬
‫(ص ‪ )48 - 46‬من كتاب "العرب وإسرائيل صراع أم مصالحة؟"‬
‫تأليف أحمد ديدات‪ ،‬وهو من ترجمتنا ونشر مكتبة النور ـ القاهرة‪.‬‬
‫والتعليقات رقم ‪ 18‬و ‪ 19‬و ‪ 20‬بالهامش ص ‪ 102‬و ‪ 103‬من نفس‬
‫الكتاب (المترجم)‪.‬‬
‫‪ .52‬الرسول في عيونهم‬
‫بسم الله والصلة والسلم على رسول الله وبعد‪...‬‬
‫بين يديك جلة من أقوال بعض المستشرقين الذين أعجبوا‬
‫بشخصية الرسول العظيم (صلى الله عليه وسلم)‪ ،‬ومع كونهم‬
‫لم يرتدوا عباءة السلم فإنهم قالوا كلمة حق سطرها التاريخ‬

‫‪76‬‬
‫على ألسنتهم وفي كتبهم وتراثهم‪ ،‬وما أحبوه كذلك إل لن أنصبته‬
‫قد فاضت بكم من الرقي الشخصي والخلقي والحضاري إلى‬
‫أبعد حد مما جعلهم معجبون به إلى حد جعلهم يسطرون فيه‬
‫الكتب ويذكرون شخصه في كل وقت‪ .‬وهذا جزء من كل ما قالوا‬
‫في عظيم شخصه وصفاته الجليلة‪.‬‬
‫‪1‬ـ مهاتما غاندي‪:‬‬
‫"أردت أن أعرف صفات الرجل الذي يملك بدون نزاع قلوب‬
‫مليين البشر‪ .‬لقد أصبحت مقتنعًا كل القتناع أن السيف لم يكن‬
‫الوسيلة التي من خللها اكتسب السلم مكانته‪ ،‬بل كان ذلك من‬
‫خلل بساطة الرسول مع دقته وصدقه في الوعود‪ ،‬وتفانيه‬
‫وإخلصه لصدقائه وأتباعه‪ ،‬وشجاعته مع ثقته المطلقة في ربه‬
‫وفي رسالته‪ .‬هذه الصفات هي التي مهدت الطريق‪ ،‬وتخطت‬
‫المصاعب وليس السيف‪ .‬بعد انتهائي من قراءة الجزء الثاني من‬
‫حياة الرسول وجدت نفسي أسفًا لعدم وجود المزيد للتعرف أكثر‬
‫على حياته العظيمة"‪.‬‬
‫‪2‬ـ راما كريشنا راو‪:‬‬
‫"ل يمكن معرفة شخصية محمد بكل جوانبها‪ ،‬ولكن كل ما في‬
‫استطاعتي أن أقدمه هو نبذة عن حياته من صور متتابعة جميلة‪.‬‬
‫فهناك محمد النبي‪ ،‬ومحمد المحارب‪ ،‬ومحمد رجل العمال‪،‬‬
‫ومحمد رجل السياسة‪ ،‬ومحمد الخطيب‪ ،‬ومحمد المصلح‪ ،‬ومحمد‬
‫ملذ اليتامى‪ ،‬وحامي العبيد‪ ،‬ومحمد محرر النساء‪ ،‬ومحمد‬
‫القاضي‪ ،‬كل هذه الدوار الرائعة في كل دروب الحياة النسانية‬
‫تؤهله لن يكون بطلً"‪.‬‬
‫‪3‬ـ ساروجنى ندو شاعرة الهند‪:‬‬
‫"يعتبر السلم أول الديان مناديًا ومطبقًا للديمقراطية‪ ،‬وتبدأ هذه‬
‫الديمقراطية في المسجد خمس مرات في اليوم الواحد عندما‬
‫ينادى للصلة‪ ،‬ويسجد القروي والملك جنب لجنب اعترافًا بأن‬
‫الله أكبر‪ .‬ما أدهشني هو هذه الوحدة غير القابلة للتقسيم والتي‬
‫خا للخر"‪.‬‬
‫جعلت من كل رجل بشكل تلقائي أ ً‬
‫‪4‬ـ المفكر الفرنسي لمارتين‪:‬‬
‫"إذا كانت الضوابط التي نقيس بها عبقرية النسان هي سمو‬
‫الغاية والنتائج المذهلة لذلك رغم قلة الوسيلة‪ ،‬فمن ذا الذي‬
‫يجرؤ أن يقارن أيا من عظماء التاريخ الحديث بالنبي محمد‬
‫(صلى الله عليه وسلم) في عبقريته؟ فهؤلء المشاهير قد صنعوا‬
‫السلحة وسنوا القوانين وأقاموا المبراطوريات‪ .‬فلم يجنوا إل‬
‫أمجادا بالية لم تلبث أن تحطمت بين ظهرانَيْهم‪ .‬لكن هذا الرجل‬
‫(محمدًا (صلى الله عليه وسلم)) لم يقد الجيوش ويسن‬

‫‪77‬‬
‫التشريعات ويقم المبراطوريات ويحكم الشعوب ويروض الحكام‬
‫فقط‪ ،‬وإنما قاد المليين من الناس فيما كان يعد ثلث العالم‬
‫حينئذ‪ .‬ليس هذا فقط‪ ،‬بل إنه قضى على النصاب والزلم‬
‫والديان والفكار والمعتقدات الباطلة‪.‬‬
‫لقد صبر النبي وتجلد حتى نال النصر (من الله)‪ .‬كان طموح‬
‫النبي (صلى الله عليه وسلم) موجهًا بالكلية إلى هدف واحد‪ ،‬فلم‬
‫يطمح إلى تكوين إمبراطورية أو ما إلى ذلك‪ .‬حتى صلة النبي‬
‫الدائمة ومناجاته لربه ووفاته (صلى الله عليه وسلم) وانتصاره‬
‫حتى بعد موته‪ ،‬كل ذلك ل يدل على الغش والخداع بل يدل على‬
‫اليقين الصادق الذي أعطى النبي الطاقة والقوة لرساء عقيدة‬
‫ذات شقين‪ :‬اليمان بوحدانية الله‪ ،‬واليمان بمخالفته تعالى‬
‫للحوادث‪ .‬فالشق الول يبين صفة الله (أل وهي الوحدانية)‪ ،‬بينما‬
‫الخر يوضح ما ل يتصف به الله تعالى (وهو المادية والمماثلة‬
‫للحوادث)‪ .‬لتحقيق الول كان ل بد من القضاء على اللهة‬
‫المدعاة من دون الله بالسيف‪ ،‬أما الثاني فقد تطلّب ترسيخ‬
‫العقيدة بالكلمة (بالحكمة والموعظة الحسنة)‪.‬‬
‫هذا هو محمد (صلى الله عليه وسلم) الفيلسوف‪ ،‬الخطيب‪،‬‬
‫النبي‪ ،‬المشرع‪ ،‬المحارب‪ ،‬قاهر الهواء‪ ،‬مؤسس المذاهب‬
‫الفكرية التي تدعو إلى عبادة حقة‪ ،‬بل أنصاب ول أزلم‪ .‬هو‬
‫المؤسس لعشرين إمبراطورية في الرض‪ ،‬وإمبراطورية روحانية‬
‫واحدة‪ .‬هذا هو محمد (صلى الله عليه وسلم)‪.‬‬
‫بالنظر لكل مقاييس العظمة البشرية‪ ،‬أود أن أتساءل‪ :‬هل هناك‬
‫من هو أعظم من النبي محمد (صلى الله عليه وسلم)؟‬
‫‪5‬ـ مونتجومري‪:‬‬
‫"إن استعداد هذا الرجل لتحمل الضطهاد من أجل معتقداته‪،‬‬
‫والطبيعة الخلقية السامية لمن آمنوا به واتبعوه واعتبروه سيدا‬
‫وقائدا لهم‪ ،‬إلى جانب عظمة إنجازاته المطلقة‪ ،‬كل ذلك يدل‬
‫على العدالة والنزاهة المتأصلة في شخصه‪ .‬فافتراض أن محمدًا‬
‫مدع افتراض يثير مشاكل أكثر ول يحلها‪ .‬بل إنه ل توجد شخصية‬
‫من عظماء التاريخ الغربيين لم تنل التقدير اللئق بها مثل ما‬
‫فعل بمحمد"‪.‬‬
‫‪6‬ـ بوسورث سميث‪:‬‬
‫ما دينيًا في آن واحد‪ .‬لكن لم‬ ‫"لقد كان محمد قائدًا سياسيًا وزعي ً‬
‫تكن لديه عجرفة رجال الدين‪ ،‬كما لم تكن لديه فيالق مثل‬
‫القياصرة‪ .‬ولم يكن لديه جيوش مجيشة أو حرس خاص أو قصر‬
‫مشيد أو عائد ثابت‪ .‬إذا كان لحد أن يقول إنه حكم بالقدرة‬

‫‪78‬‬
‫اللهية فإنه محمد‪ ،‬لنه استطاع المساك بزمام السلطة دون أن‬
‫يملك أدواتها ودون أن يسانده أهلها"‪.‬‬
‫‪7‬ـ جيبون أوكلي‪:‬‬
‫"ليس انتشار الدعوة السلمية هو ما يستحق النبهار وإنما‬
‫استمراريتها وثباتها على مر العصور‪ .‬فما زال النطباع الرائع‬
‫الذي حفره محمد في مكة والمدينة له نفس الروعة والقوة في‬
‫نفوس الهنود والفارقة والتراك حديثي العهد بالقرآن‪ ،‬رغم مرور‬
‫اثني عشر قرنًا من الزمان‪.‬‬
‫لقد استطاع المسلمون الصمود يدًا واحدة في مواجهة فتنة‬
‫اليمان بالله رغم أنهم لم يعرفوه إل من خلل العقل والمشاعر‬
‫النسانية‪ .‬فقول "أشهد أن ل إله إل الله وأن محمدًا رسول الله"‬
‫هي ببساطة شهادة السلم‪ .‬ولم يتأثر إحساسهم بألوهية الله‬
‫(عز وجل) بوجود أي من الشياء المنظورة التي كانت تتخذ آلهة‬
‫من دون الله‪ .‬ولم يتجاوز شرف النبي وفضائله حدود الفضيلة‬
‫المعروفة لدى البشر‪ ،‬كما أن منهجه في الحياة جعل مظاهر‬
‫امتنان الصحابة له (لهدايته إياهم وإخراجهم من الظلمات إلى‬
‫النور) منحصرة في نطاق العقل والدين"‪.‬‬
‫‪8‬ـ الدكتور زويمر‪:‬‬
‫"إن محمدًا كان ول شك من أعظم القواد المسلمين الدينيين‪،‬‬
‫حا‬
‫حا قديًرا وبليغًا فصي ً‬
‫ضا بأنه كان مصل ً‬ ‫ويصدق عليه القول أي ً‬
‫ما‪ ،‬ول يجوز أن ننسب إليه ما ينافي‬ ‫وجريئًا مغواًرا‪ ،‬ومفكًرا عظي ً‬
‫هذه الصفات‪ ،‬وهذا قرآنه الذي جاء به وتاريخه يشهدان بصحة‬
‫هذا الدعاء"‪.‬‬
‫‪9‬ـ سانت هيلر‪:‬‬
‫سا للدولة وساهًرا على حياة الشعب وحريته‪،‬‬ ‫"كان محمد رئي ً‬
‫وكان يعاقب الشخاص الذين يجترحون الجنايات حسب أحوال‬
‫زمانه وأحوال تلك الجماعات الوحشية التي كان يعيش النبي بين‬
‫ظهرانيها‪ ،‬فكان النبي داعيًا إلى ديانة الله الواحد وكان في‬
‫ما حتى مع أعدائه‪ ،‬وإن في شخصيته‬ ‫دعوته هذه لطيفًا ورحي ً‬
‫ل الصفات التي تحملها النفس البشرية وهما‬ ‫صفتين هما من أج ّ‬
‫العدالة والرحمة"‪.‬‬
‫‪10‬ـ إدوار مونته‪:‬‬
‫"عرف محمد بخلوص النية والملطفة وإنصافه في الحكم‪،‬‬
‫ونزاهة التعبير عن الفكر والتحقق‪ ،‬وبالجملة كان محمد أزكى‬
‫وأدين وأرحم عرب عصره‪ ،‬وأشدهم حفاظًا على الزمام فقد‬
‫وجههم إلى حياة لم يحلموا بها من قبل‪ ،‬وأسس لهم دولة زمنية‬
‫ودينية ل تزال إلى اليوم"‪.‬‬

‫‪79‬‬
‫‪11‬ـ برنارد شو‪:‬‬
‫ل في تفكير محمد‪ ،‬هذا النبي‬ ‫"إن العالم أحوج ما يكون إلى رج ٍ‬
‫ما موضع الحترام والجلل فإنه أقوى دين‬ ‫الذي وضع دينه دائ ً‬
‫على هضم جميع المدنيات‪ ،‬خالدًا خلود البد‪ ،‬وإني أرى كثيًرا من‬
‫بني قومي قد دخلوا هذا الدين على بينة‪ ،‬وسيجد هذا الدين‬
‫مجاله الفسيح في هذه القارة (يعني أوروبا)‪.‬‬
‫صب‪،‬‬ ‫ة للجهل أو التع ّ‬ ‫ن رجال الدين في القرون الوسطى‪ ،‬ونتيج ً‬ ‫إ ّ‬
‫ة‪ ،‬لقد كانوا يعتبرونه عدوًّا‬‫قد رسموا لدين محمد ٍ صورة ً قاتم ً‬
‫للمسيحية‪ ،‬لكنّني اطّلعت على أمر هذا الرجل‪ ،‬فوجدته أعجوب ً‬
‫ة‬
‫ة‪ ،‬وتوصلت إلى أنّه لم يكن عدوًّا للمسيحية‪ ،‬بل يجب أ ْ‬
‫ن‬ ‫خارق ً‬
‫مى منقذ البشرية‪ ،‬وفي رأيي أنّه لو تولّى أمر العالم اليوم‪،‬‬ ‫يس ّ‬
‫ل مشكلتنا بما يؤمن السلم والسعادة التي يرنو‬ ‫لوفّق في ح ّ‬
‫البشر إليها"‪.‬‬
‫‪12‬ـ السير موير‪:‬‬
‫"إن محمدًا نبي المسلمين لقب بالمين منذ الصغر بإجماع أهل‬
‫بلده لشرف أخلقه وحسن سلوكه‪ ،‬ومهما يكن هناك من أمر‬
‫فإن محمدًا أسمى من أن ينتهي إليه الواصف‪ ،‬ول يعرفه من‬
‫جهله‪ ،‬وخبير به من أمعن النظر في تاريخه المجيد‪ ،‬ذلك التاريخ‬
‫الذي ترك محمدًا في طليعة الرسل ومفكري العالم"‪.‬‬
‫‪13‬ـ سنرستن السوجي‪:‬‬
‫"إننا لم ننصف محمدًا إذا أنكرنا ما هو عليه من عظيم الصفات‬
‫وحميد المزايا‪ ،‬فلقد خاض محمد معركة الحياة الصحيحة في‬
‫وجه الجهل والهمجية‪ ،‬مصًرا على مبدئه‪ ،‬وما زال يحارب الطغاة‬
‫حتى انتهى به المطاف إلى النصر المبين‪ ،‬فأصبحت شريعته‬
‫أكمل الشرائع‪ ،‬وهو فوق عظماء التاريخ"‪.‬‬
‫‪14‬ـ المستر سنكس‪:‬‬
‫"ظهر محمد بعد المسيح بخمسمائة وسبعين سنة‪ ،‬وكانت‬
‫وظيفته ترقية عقول البشر‪ ،‬بإشرابها الصول الولية للخلق‬
‫الفاضلة‪ ،‬وبإرجاعها إلى العتقاد بإله واحد‪ ،‬وبحياة بعد هذه‬
‫الحياة"‪.‬‬
‫إلى أن قال‪:‬‬
‫"إن الفكرة الدينية السلمية‪ ،‬أحدثت رقيًا كبيًرا جدًا في العالم‪،‬‬
‫وخلّصت العقل النساني من قيوده الثقيلة التي كانت تأسره‬
‫حول الهياكل بين يدي الكهان‪ .‬ولقد توصل محمد ـ بمحوه كل‬
‫صورة في المعابد وإبطاله كل تمثيل لذات الخالق المطلق ـ إلى‬
‫تخليص الفكر النساني من عقيدة التجسيد الغليظة"‪.‬‬
‫‪15‬ـ آن بيزيت‪:‬‬

‫‪80‬‬
‫"من المستحيل لي شخص يدرس حياة وشخصية نبي العرب‬
‫العظيم ويعرف كيف عاش هذا النبي وكيف علم الناس‪ ،‬إل أن‬
‫يشعر بتبجيل هذا النبي الجليل‪ ،‬أحد رسل الله العظماء‪ ،‬ورغم‬
‫أنني سوف أعرض فيما أروي لكم أشياء قد تكون مألوفة للعديد‬
‫من الناس فإنني أشعر في كل مرة أعيد فيها قراءة هذه الشياء‬
‫بإعجاب وتبجيل متجددين لهذا المعلم العربي العظيم‪.‬‬
‫هل تقصد أن تخبرني أن رجل ً في عنفوان شبابه لم يتعد الرابعة‬
‫والعشرين من عمره بعد أن تزوج من امرأة أكبر منه بكثير وظل‬
‫ما ثم عندما بلغ الخمسين من‬ ‫وفيًا لها طيلة ستة وعشرين عا ً‬
‫عمره ـ السن التي تخبو فيها شهوات الجسد ـ تزوج لشباع‬
‫رغباته وشهواته؟! ليس هكذا يكون الحكم على حياة الشخاص‪.‬‬
‫فلو نظرت إلى النساء اللتي تزوجهن لوجدت أن كل زيجة من‬
‫هذه الزيجات كانت سببًا إما في الدخول في تحالف لصالح أتباعه‬
‫ودينه أو الحصول على شيء يعود بالنفع على أصحابه أو كانت‬
‫المرأة التي تزوجها في حاجة ماسة للحماية"‪.‬‬
‫‪16‬ـ مايكل هارت‪:‬‬
‫"إن اختياري محمدًا‪ ،‬ليكون الول في أهم وأعظم رجال التاريخ‪،‬‬
‫قد يدهش القراء‪ ،‬ولكنه الرجل الوحيد في التاريخ كله الذي نجح‬
‫أعلى نجاح على المستويين‪ :‬الديني والدنيوي‪.‬‬
‫فهناك ُرسل وأنبياء وحكماء بدءوا رسالت عظيمة‪ ،‬ولكنهم ماتوا‬
‫دون إتمامها‪ ،‬كالمسيح في المسيحية‪ ،‬أو شاركهم فيها غيرهم‪ ،‬أو‬
‫سبقهم إليهم سواهم‪ ،‬كموسى في اليهودية‪ ،‬ولكن محمدًا هو‬
‫الوحيد الذي أتم رسالته الدينية‪ ،‬وتحددت أحكامها‪ ،‬وآمنت بها‬
‫شعوب بأسرها في حياته‪ .‬ولنه أقام جانب الدين دولة جديدة‪،‬‬
‫حد القبائل في شعـب‪،‬‬ ‫ضا‪ ،‬و ّ‬‫فإنه في هذا المجال الدنيوي أي ً‬
‫والشعوب في أمة‪ ،‬ووضع لها كل أسس حياتها‪ ،‬ورسم أمور‬
‫ضا في حياته‪،‬‬ ‫دنياها‪ ،‬ووضعها في موضع النطلق إلى العالم‪ .‬أي ً‬
‫فهو الذي بدأ الرسالة الدينية والدنيوية‪ ،‬وأتمها"‪.‬‬
‫‪17‬ـ تولستوي‪:‬‬
‫ة من مخالب‬ ‫ة دموي ً‬ ‫"يكفي محمدًا فخًرا أنّه خلّص أم ً‬
‫ة ذليل ً‬
‫شياطين العادات الذميمة‪ ،‬وفتح على وجوههم طريقَ الُّرقي‬
‫ة محمدٍ‪ ،‬ستسود ُ العالم لنسجامها مع العقل‬ ‫ن شريع َ‬‫والتقدم‪ ،‬وأ ّ‬
‫والحكمة"‪.‬‬
‫‪18‬ـ شبرك النمساوي‪:‬‬
‫ن البشرية لتفتخر بانتساب رجل كمحمد إليها‪ ،‬إذ إنّه رغم‬ ‫"إ ّ‬
‫ن‬ ‫ُ‬
‫ن يأتي بتشريع‪ ،‬سنكو ُ‬ ‫ميته‪ ،‬استطاع قبل بضعة عشر قرنًا أ ْ‬ ‫أ ّ‬
‫مته"‪.‬‬‫ن الوروبيين أسعد ما نكون‪ ،‬إذا توصلنا إلى ق ّ‬ ‫نح ُ‬

‫‪81‬‬
‫ل يسعني إل أن أقول بعد أن عرضت لبعض أقوال الغرب عن‬
‫رسولنا الكريم يكفي شريعة السلم فخًرا وفضل ً أن شهد‬
‫الخصوم بنمائها واستمرارها‪ ,‬واعتراف العداء بحيويتها وخلودها‪.‬‬
‫‪ .53‬المصــطــفى‬
‫"والكاظمين الغيظ"[‪:]1‬‬
‫كان العرب يتقاتلون لربعين سنة بسبب حادث بسيط كاقتحام‬
‫جمل يملكه ضيف إحدى القبائل داخل مراعي القبيلة الخرى‪،‬‬
‫وتقاتل كل الجانبين حتى أن سبعين ألف نفس قد حصدت مما‬
‫هدد بفناء القبيلتين‪ .‬لمثل هؤلء العرب الشرسين جاء نبي‬
‫السلم ليعلمهم ضبط النفس والنضباط إلى حد إقامة الصلة‬
‫في ساحة القتال‪.‬‬
‫الحرب دفاع ًا عن النفس[‪:]2‬‬
‫ما الجهود المتكررة الرامية إلى المصالحة‬ ‫بعد أن أخفقت تما ً‬
‫وطرأت ظروف اضطرته إلى ساحة القتال اضطراًرا دفاعا عن‬
‫النفس‪ ،‬بدل نبي السلم فن (استراتيجية) القتال بالكامل‪ .‬إن‬
‫إجمالي الخسائر في النفس في جميع الحروب التي وقعت خلل‬
‫حياته حين دانت له الجزيرة العربية كلها ل يتعدى بضع مئات‪ .‬لقد‬
‫َ‬
‫عل ّم أهماج[‪ ]3‬العرب الصلة وأن يصلوا لله القدير جماعة ل‬
‫فرادى‪ ،‬حتى وسط غبار العواصف والقتال‪ .‬وكلما حان وقت‬
‫الصلة وهو يحين خمس مرات في كل يوم يجب أل تترك أو‬
‫تؤجل صلة الجماعة‪ .‬فينبغي أن تصلي طائفة فتركع وتسجد بين‬
‫يدي ربها بينما تشتبك الطائفة الخرى مع العدو‪ .‬فإذا قضيت‬
‫الصلة فينبغي أن تغير كلتا الطائفتين موقعهما[‪.]4‬‬
‫التمدن والنسانية في ساحة القتال‪:‬‬
‫إن ساحة القتال نفسها صارت مجال ً للتحضر النساني‪ ،‬وصدرت‬
‫توجيهات صارمة بعدم الفساد أو التلف‪ ،‬وعدم الغش وعدم‬
‫نقض المواثيق‪ ،‬وعدم انتهاك الحرمات‪ ،‬وعدم التمثيل بالقتلى‪،‬‬
‫وعدم قتل الولدان ول النساء ول الشيوخ‪ ،‬وعدم قطع النخل أو‬
‫حرقه‪ ،‬وعدم قطع شجرة مثمرة‪ ،‬وعدم التعرض للرهبان‬
‫والشخاص المشغولين بالعبادة‪.‬‬
‫إن معاملة محمد الشخصية للد أعدائه هي المثال السمى‬
‫لتباعه؛ فقد كان في أوج قوته عند فتح مكة‪ .‬إن القرية التي‬
‫عذبته هو وأتباعه وأخرجته هو وقومه إلى المغترب واضطهدته‬
‫وقاطعته بقسوة حتى حينما لجأ إلى مكان يبعد عنها أكثر من‬
‫ما في ذلك الحين‪،‬‬ ‫مائتي ميل‪ ،‬هذه القرية كانت خاضعة له تما ً‬
‫وقد كان يحق له ـ حسب قوانين الحرب ـ أن يثأر منها للعمال‬
‫الوحشية التي أنزلتها به وبقومه‪ ،‬ولكن أي معاملة تلك التي‬

‫‪82‬‬
‫قابلهم بها؟ لقد فاض قلب محمد بفطرة الحب والرحمة حين‬
‫صرح قائلً‪" :‬ل تثريب عليكم اليوم‪ .‬اذهبوا فأنتم الطلقاء"[‪.]5‬‬
‫العفو عن ألد العداء‪:‬‬
‫لقد كان أحد الهداف الرئيسية التي أجاز بسببها الحرب دفاع ًا‬
‫عن النفس هو توحيد البشر‪ .‬وحينما تحقق هذا الهدف عفى عن‬
‫ألد أعدائه‪ ،‬حتى أولئك الذين قتلوا عمه الحبيب حمزة وانتهكوا‬
‫حرمة جسده ومثلوا به فشقوه ولكوا جزء من كبده‪.‬‬
‫النظرية تمتزج بالتطبيق‪:‬‬
‫إن مبدأ الخوة العالمية[‪ ]6‬وعقيدة وتعاليم المساواة بين البشر‬
‫التي أعلنها ونادى بها تمثل مساهمة عظيمة جدًا من محمد‬
‫ضا‬
‫للرتقاء الجتماعي للنسانية‪ .‬إن جميع الديان الكبرى دعت أي ً‬
‫إلى نفس العقيدة والتعاليم ولكن نبي السلم وضع هذه النظرية‬
‫في التطبيق الواقعي‪ .‬وسوف يُعترف بقيمة هذه العقيدة‬
‫والتعاليم[‪ ]7‬بعد فترة‪ ،‬ربما حين يستيقظ الضمير العالمي‬
‫فتختفي التحيزات والتحاملت والحكام العنصرية المسبقة‬
‫ويخرج مفهوم أقوى لخوة البشر إلى الوجود‪.‬‬
‫الفلح والملك متساويان أمام الله‪:‬‬
‫تقول الشاعرة الهندية "ساروجيني نايدو" عن هذا المظهر من‬
‫مظاهر السلم‪:‬‬
‫"لقد كان السلم أول دين يبشر بالديمقراطية ويمارسها‪ ،‬فيجتمع‬
‫المصلون سويًا في المساجد حين يرفع الذان لتتجسد‬
‫ديمقراطية السلم خمس مرات في اليوم عندما يركع ويسجد‬
‫الفلح والملك جنبًا إلى جنب معلنين أن "الله أكبر"‪ .‬وتمضي‬
‫شاعرة الهند قائلة‪" :‬وقد أدهشتني مرة أخرى هذه الوحدة‬
‫خا بالفطرة؛‬
‫السلمية التي ل انفصام لها‪ ،‬التي تجعل المرء أ ً‬
‫فأنت حين تقابل مصريًا وجزائريًا وهنديًا وتركيًا في لندن فل فرق‬
‫إل أن مصر هي بلد أحدهم والهند بلد الخر"‪.‬‬
‫ضر أسبانيا وهو اليوم الحل للمشاكل الجتماعية‪:‬‬ ‫السلم ح َّ‬
‫يقول "المهاتما غاندي"[‪ ]8‬بأسلوبه الذي ل يحاكى‪:‬‬
‫"لقد قال أحد الوربيين في جنوب إفريقية أنهم يخشون مجيء‬
‫ضر ومدَّن أسبانيا‪ ،‬السلم الذي حمل‬ ‫السلم‪ .‬السلم الذي ح َّ‬
‫مشعل النور إلى مراكش وبشر العالم ببشارة[‪ ]9‬الخوة‪.‬‬
‫إن الوروبيين في جنوب إفريقية يخشون مجيء السلم لنه‬
‫يقرر ويؤكد مساواة الملونين بالجناس البيضاء‪ ،‬فليخشونه بجد‪.‬‬
‫وإذا كانت الخوة خطيئة وإذا كانت المساواة بالجناس الملونة‬
‫هـو ما يخشونه‪ ،‬فخشيتهم إذن فـي محلها"‪.‬‬
‫الحج شهادة حية‪:‬‬

‫‪83‬‬
‫يرى العالم كل عام في موسم الحج المشهد الرائع لهذا‬
‫الستعراض العالمي للسلم وهو يسوي جميع الفروقات في‬
‫الجنس واللون والمكانة‪ .‬ول يجتمع الوربيون والفارقة والفرس‬
‫والهنود والصينيون سويًا في مكة كأفراد أسرة ربانية واحدة‬
‫ضا (إزار) فيرتدي كل رجل‬ ‫فحسب‪ ،‬ولكنهم يرتدون زيًا موحدًا أي ً‬
‫منهم قطعتين ساذجتين[‪ ]10‬من القماش البيض غير المخيط؛‬
‫إحداهما حول سوءته‪ ،‬والخرى فوق كتفيه (رداء)‪ ،‬وهو حاسر‬
‫الرأس في غير خيلء ول تكلف مرددًا‪" :‬لبيك اللهم لبيك‪ ،‬لبيك ل‬
‫شريك لك لبيك"[‪.]11‬‬
‫وبذلك ل يبقى ما يفرق بين الرفيع والوضيع‪ .‬ويحمل كل حاج معه‬
‫إلى بلده انطباع ًا بالمدلول العالمي للسلم‪.‬‬
‫إن كلمات الستاذ "هوجرونجي" توضح هذه المسألة حيث يقول‪:‬‬
‫"إن عصبة المم التي أسسها نبي السلم تضع مبدأ الوحدة‬
‫السلمية والخوة النسانية على أسس عالمية بحيث تعطي‬
‫للمم الخرى مثال ً يحتذى"‪ .‬ويمضي قائلً‪" :‬الحقيقة هي أنه ل‬
‫توجد أمة في العالم يمكن أن تضاهي ما فعله السلم حيال‬
‫تحقيق فكرة عصبة المم"‪.‬‬
‫السلم منارة لعالم ضل السبيل‪:‬‬
‫إن نبي السلم قد جاء بحكم الديمقراطية في أحسن أشكالها[‬
‫‪.]12‬‬
‫إن الخليفة عمر‪ ،‬والخليفة علي زوج ابنة النبي‪ ،‬والخلفاء‬
‫المنصور‪ ،‬والعباس بن الخليفة المأمون‪ ،‬وخلفاء وملوك آخرين‬
‫كثيرين كان عليهم أن يمثلوا أمام القضاة كرجال عاديين في‬
‫مل السود بواسطة‬ ‫المحاكم السلمية‪ .‬ونحن نعلم كيف يُعا َ‬
‫الجناس البيضاء المتحضرة حتى يومنا هذا‪.‬‬
‫ولنأخذ كمثال منزلة بلل العبد الحبشي في أيام نبي السلم‬
‫زهاء أربعة عشر قرنًا خلت؛ إن العمل كمؤذن لصلة المسلمين‬
‫كان يعتبر عمل ً يدعو للحترام في أيام السلم المبكرة‪ .‬وقد‬
‫أعطي هذا العمل لهذا العبد الحبشي‪ ،‬وأمره النبي بعد فتح مكة‬
‫أن ينادي للصلة فوقف هذا العبد الحبشي ذو البشرة السوداء‬
‫والشفتين الغليظتين على سطح الكعبة المشرفة أكثر الماكن‬
‫عراقة وقداسة في العالم السلمي‪ ،‬وهنالك صرخ أحد العرب‬
‫ما‪" :‬الويل لهذا العبد الحبشي‬ ‫المستكبرين بصوت عال متأل ً‬
‫السود‪ ،‬إنه يقف فوق سطح الكعبة المشرفة لينادي للصلة "‪.‬‬
‫وقد ألقى نبي السلم خطبة كانت كأنها الرد على هذه الثورة‬
‫التي تفوح منها رائحة الكبرياء والهوى اللذين عزم نبي السلم‬
‫على استئصالهما‪ ،‬قال فيها ما معناه‪:‬‬

‫‪84‬‬
‫"الحمد لله الذي أذهب عنا نخوة[‪ ]13‬الجاهلية وتفاخرها‬
‫بالنساب‪ .‬أيها الناس اعلموا أن الناس فريقين‪ :‬البرار المتقين‬
‫الفائزين عند الله‪ ،‬والفجار القاسية قلوبهم السفلة الذين‬
‫تزدريهم عين الله‪ ،‬وإل فإن الناس كلهم لدم وخلق الله آدم من‬
‫تراب"‪.‬‬
‫وقد صدق القرآن هذا فيما بعد وأكده بهذه الكلمات‪:‬‬
‫ُ‬ ‫{يَا أَيُّهَا النَّا‬
‫ش ُعوبًا وَقَبَائ ِ َ‬
‫ل‬ ‫م ُ‬‫جعَلْنَاك ُ ْ‬
‫ن ذ َكَرٍ وَأنْثَى وَ َ‬ ‫م ْ‬‫م ِ‬ ‫ْ‬ ‫خلَقْنَاك ُ‬‫س إِنَّا َ‬ ‫ُ‬
‫َ َ‬ ‫لِتعارفُوا إ َ َ‬
‫م} [الحجرات‪.]13 :‬‬ ‫عنْد َ الل ّهِ أتْقَاك ُ ْ‬
‫م ِ‬ ‫مك ُ ْ‬‫ن أكَْر َ‬ ‫ِ ّ‬ ‫ََ َ‬
‫التحول فوق العادي‪:‬‬
‫إن نبي السلم أحدث تحول ً هو من العظم بحيث أن أكرم العرب‬
‫وأخلصهم نسبًا عرضوا بناتهم للزواج من هذا العبد الحبشي‪.‬‬
‫وكلما رأى خليفة السلم الثاني المعروف في التاريخ بأمير‬
‫ما‬
‫المؤمنين عمر العظيم‪ ،‬هذا العبد الحبشي وقف له احترا ً‬
‫ورحب به معلنًا‪" :‬هاهو قد جاء سيدنا‪ ،‬هاهو قد جاء مولنا"‪.‬‬
‫فيا له من تحول هائل هذا الذي أحدثه القرآن والنبي محمد في‬
‫العرب أكثر الناس تفاخًرا بالنساب على الرض في ذلك الحين‪.‬‬
‫وهذا هو السبب الذي دعا "جوته[‪ "Goethe ]14‬أعظم الشعراء‬
‫اللمان يعلن وهو يتكلم عن القرآن الكريم أن‪" :‬هذا الكتاب‬
‫سيستمر في ممارسة تأثير قوي جدًا عبر جميع العصور"‪.‬‬
‫ضا الذي دعا "جورج برنارد شو[‪George Bernard ]15‬‬ ‫وهو السبب أي ً‬
‫‪ "Show‬يقول‪" :‬لو قدر لي دين أن يسود إنجلترا‪ ،‬ل بل أوروبا في‬
‫غضون المائة عام المقلبة‪ ،‬فالسلم هو هذا الدين"‪.‬‬
‫السلم حرر المرأة‪:‬‬
‫لقد كانت نفس روح السلم الديمقراطية هذه هي التي حررت‬
‫المرأة من قهر الرجال‪ .‬يقول السير "تشارلز إدوارد أرشيبالد‬
‫هاملتون"‪:‬‬
‫م البراءة الصلية[‪ ]16‬للنسان‪ ،‬ويعلم أن الرجل‬ ‫"إن السلم يُعَل ّ ُ‬
‫والمرأة جاءا من نفس واحدة[‪ ،]17‬وأنهما يملكان نفس الروح‪،‬‬
‫حا قدرات متساوية من المواهب العقلية أو الفكرية‬ ‫من َ‬‫وأنهما ُ‬
‫والروحية أو الدينية والخلقية"[‪.]18‬‬
‫إقرار حق الملكية للنساء‪:‬‬
‫كان للعرب عادة شديدة التأصل هي أن من يرث هو فقط من‬
‫يطعن بالرمح ويصنع السيف‪ .‬ولكن جاء السلم ليدافع عن‬
‫الجنس الضعيف وأعطى المرأة حق المشاركة في وراثة‬
‫الوالدين[‪ ،]19‬وأعطى السلم المرأة من قرون مضت حق ملكية‬
‫المال‪ .‬بينما طبقت إنجلترا ـ التي يفترض أنها مهد الديمقراطية‬
‫هذا المبدأ السلمي بعد اثني عشر قرنًا وفي عام ‪ 1881‬بعد‬

‫‪85‬‬
‫المسيـح فقط ـ وصدر مرسوم سمـي مرسـوم النساء‬
‫المتزوجـات" (‪.)The Married Women's Act‬‬
‫ولكن قبل ذلك بقرون كان نبي السلم قد أعلن أن "النساء‬
‫شقائق الرجال وحقوق النساء مقدسة"‪" ،‬ل تبخسوا النساء حقًا‬
‫مما فرض لهن"‪" ،‬استوصوا بالنساء خيًرا" (الحاديث بالمعنى)‪.‬‬
‫يقول "توماس كرليل" عن محمد‪" :‬إن الصوت الفطري‬
‫للنسانية والتقوى والنصاف الساكن في قلب هذا البن البري‬
‫للطبيعة‪ ،‬يتكلم"‪.‬‬
‫الختبار‪:‬‬
‫قال أحد المؤرخين ذات مرة‪ :‬يجب أن يحكم بعظمة الرجل من‬
‫خلل ثلثة اختبارات‪:‬‬
‫(‪ )1‬هل كان عند معاصريه ذو عزم صادق؟‬
‫(‪ )2‬هل كان من العظمة بحيث يرتفع فوق مستوى من هم في‬
‫سنه؟‬
‫(‪ )3‬هل ترك شيئًا كتراث دائم للعالم كافة؟[‪]20‬‬
‫يمكن لهذه القائمة أن تمتد إلى مدى أبعد ولكن كل هذه‬
‫الختبارات الثلثة للعظمة تتحقق بوضوح ولعلى درجة في حالة‬
‫النبي محمد‪.‬‬
‫وقد ذكرنا من قبل بعض المثلة فيما يتعلق بالختبارين الخيرين‪.‬‬
‫دعنا نتناول أول هذه الختبارات وهو‪:‬‬
‫هل كان نبي السلم عند معاصريه ذو عزم صادق ؟‬
‫الشخصية المعصومة‪:‬‬
‫تظهر السجلت التاريخية أن جميع معاصري محمد الصدقاء‬
‫والعداء اعترفوا بالشمائل النقية والستقامة الخالصة والفضائل‬
‫الكريمة والخلص المطلق والمانة المطلقة لرسول السلم في‬
‫جميع نواحي الحياة وفي كل مجال للنشاط النساني‪ .‬حتى أن‬
‫ما في نزاعاتهم‬ ‫اليهود وأولئك الذين لم يؤمنوا برسالته قبلوه حك ً‬
‫الشخصية[‪ ]21‬بسبب ما عرفوه عنه من تحريه عدم التحيز‪.‬‬
‫وحتى أولئك الذين لم يؤمنوا برسالته اضطروا لن يقولوا‪" :‬يا‬
‫محمد إننا ل نكذبك ولكننا نكفر بالذي أعطاك كتابًا وأوحى إليك‬
‫بالرسالة"[‪.]22‬‬
‫وقد ظنوا أن به جنة‪ ،‬وحاولوا علجه بالعنف‪ .‬ولكن أحسنهم‬
‫طريقة رأوا نوًرا جديدًا أشرق عليه وأسرعوا في طلب هذا‬
‫التنوير‪.‬‬
‫إن الميزة البارزة في سيرة نبي السلم أن عشيرته القربين‬
‫كابن عمه الحبيب وأصحابه الحميمين الذين عرفوه معرفة وثيقة‬

‫‪86‬‬
‫جدًا تشربوا بالكامل بصدق رسالته واقتنعوا بأصالة الوحي اللهي‬
‫الذي جاء به‪.‬‬
‫يقول سيد أمير علي في كتابه "روح السلم"‪:‬‬
‫"لو أن هؤلء الرجال والنساء والشرفاء والعقلء‪ ،‬ومن المؤكد‬
‫ما وثقافة من صيادي السمك بالجليل[‬ ‫أنهم لم يكونوا أقل تعلي ً‬
‫‪ ،]23‬شعروا بأدنى إشارة إلى رغبة المعلم[‪ ]24‬الدنيوية وخداعه أو‬
‫نقص إيمانه‪ ،‬لكان رجاء محمد في التجديد الخلقي والصلح‬
‫الجتماعي قد انهار إلى أنقاض في لحظة"‪.‬‬
‫إننا نجد على العكس إخلص أتباعه له يتمثل في اعترافهم به‬
‫بإرادتهم كقائد لحياتهم‪ ،‬وقد تحملوا من أجله الضطهاد والخطر‬
‫بشجاعة وآمنوا به ووثقوا فيه وأطاعوه ووقروه حتى في خلل‬
‫تعرضهم لشد العذاب والكرب العقلي بسبب فرض العزلة عليهم‬
‫حتى الموت‪.‬‬

‫هل يكون هذا هو حالهم لو أنهم لحظوا على قائدهم أدنى‬


‫اعوجاج؟‬
‫الحب السرمدي للنبي الكريم‪:‬‬
‫لتقرأ سيرة المهتدين الوائل إلى السلم وسينفطر كل قلب‬
‫لمنظر المعاملة الوحشية للرجال والنساء البرياء؛ فقد مزقوا‬
‫بقسوة سمية تلك المرأة البريئة كل ممزق بالطعن النافذ‬
‫بالحراب‪ .‬أما ياسر (زوجها) فقد جعلوه عبرة‪ ،‬وشدوا ساقيه إلى‬
‫ناقتين وسيقت الدابتين في اتجاهين معاكسين‪.‬‬
‫أما خباب بن الرت فجعلوه يرقد على سرير من الجمرات‬
‫المحترقة وجثم الطغاة عديمو الرحمة بأرجلهم بوحشية فوق‬
‫صدره حتى ل يتحرك مما جعل الشحم تحت جلده ينصهر‪.‬‬
‫وخباب بن ع َديّ الذي قتلوه بطريقة وحشية ومثلوا بجسده‬
‫وانتهكوا حرمته ومزقوه إربًا إربًا‪.‬‬
‫وحينما كان يُسأل في وسط هذا التعذيب إن كان يرجو لو أن‬
‫محمدًا كان مكانه وهو آمن في بيته بين أهله؟ كان يصرخ معلنًا‬
‫أنه مستعد عن طيب خاطر أن يفتدي محمدًا بنفسه وأهله وأبنائه‬
‫ومن في الرض جميعًا‪ ،‬ثم ينجيه من وخزة الشوكة حتى ل‬
‫يشاكها‪.‬‬
‫ويمكننا أن نروي روايات ل حصر لها عن أحداث من هذا القبيل‬
‫تنفطر لها القلوب‪.‬‬
‫ولكن ما الذي تظهره كل هذه الحداث؟‬

‫‪87‬‬
‫سلّموا لنبيهم‬
‫ما السبب في أن أبناء وبنات السلم هؤلء لم ي ُ َ‬
‫ما فحسب‪ ،‬وإنما جعلوا أجسامهم وقلوبهم وأنفسهم‬ ‫طاعة وتسلي ً‬
‫فداه؟‬
‫ألم يكن إيمان أتباع محمد المباشرين واقتناعهم الشديد أرفع‬
‫شهادة على صدقه واستغراقه التام في المهمة التي كلف بها؟‬
‫أتباعه من أحسن الناس عقل ً ومنزلة‪:‬‬
‫ولم يكن أصحابه من السفلة أو من ذوي العقليات المتدنية‪ ،‬بل‬
‫الذين التفوا حوله في وقت مبكر نسبيًا هم أفضل وأشرف من‬
‫في مكة‪ ،‬كانوا وجوه القوم وصفوتهم‪ ،‬رجال لهم مراكزهم‬
‫ومكانتهم وثراءهم وثقافتهم من الصحاب والقارب الذي عرفوا‬
‫أدق التفاصيل في حياته‪.‬‬
‫إن جميع الخلفاء الربعة الوائل بشخصياتهم الشامخة كانوا ممن‬
‫اهتدى في هذه الفترة المبكرة‪.‬‬
‫حا‬‫تقول دائرة المعارف البريطانية‪" :‬إن محمدًا هو الكثر نجا ً‬
‫وتوفيقًا من كل النبياء والشخصيات الدينية"‪.‬‬
‫ولكن هذا النجاح لم يكن نتيجة مصادفة مجردة‪ ،‬لم يكن ثمرة‬
‫أسقطتها الرياح؛ لقد كان اعترافًا بحقيقة أن معاصريه وجدوه ذو‬
‫عزم صادق‪ ،‬وكان نتيجة لشخصيته التي تدعو إلى العجاب وتدفع‬
‫بشدة إلى النتباه‪.‬‬
‫‪-----------------‬‬
‫الهوامش‪:‬‬
‫[‪ ]1‬من الية ‪ 134‬من سورة آل عمران‪.‬‬
‫[‪ ]2‬إن الحرب دفاع ًا عن النفس أمر طبيعي ومشروع في كل‬
‫عرف ودين‪ ،‬ويحلو لبعض المستشرقين وغيرهم ـ عند الكلم عن‬
‫دواعي الحرب في السلم ـ الزعم بأن السلم جاء ليفرض على‬
‫الجميع بحد السيف‪ ،‬وذلك لظهار السلم بصورة زائفة مشوهة‬
‫والصد عنه بإخفاء تعاليمه السمحة‪ ،‬أو القول بأن السلم انتشر‬
‫بالسيف كمحاولة للنيل من عظمة السلم والتقليل من شأنه‪.‬‬
‫وفريق آخر من المسلمين ومعهم بعض المستشرقين وربما‬
‫بإيعاز ووحي منهم أو تأثًرا بهم في محاولة منهم لظهار ما‬
‫يسمونه "الوجه الحضاري للسلم" (كأن للسلم وج ًها آخر ليس‬
‫كذلك)‪ ،‬أو إرضاءً لدعاوى تفريغ السلم من مضمونه وتزييف‬
‫حقائقه وتمسكًا منهم بأحاديث ضعيفة وربما موضوعة مما‬
‫ينسبونه للرسول صلى الله عليه وسلم من قول‪" :‬رجعنا من‬
‫الجهاد الصغر إلى الجهاد الكبر"‪ .‬ويفسرون الجهاد الصغر بأنه‬
‫القتال في سبيل الله‪ ،‬والجهاد الكبر بأنه جميع أركان وفرائض‬
‫وفضائل السلم ما عدا القتال في سبيل الله!‬

‫‪88‬‬
‫إن القول بأن السلم انتشر بالسيف بمعنى أن الناس أكرهوا‬
‫على اعتناقه هو غلط شنيع‪ ،‬كما أن القول بأن السلم لم يرفع‬
‫ضا خطأ جسيم؛ فإن السلم يشرع‬ ‫سيفًا في نشره هو أي ً‬
‫ما‪.‬‬ ‫استخدام السيف في مرحلة متأخرة عند منع تبليغ السلم سل ً‬
‫إذن فالسلم شرع القتال عند المتناع عن دفع الجزية‪ ،‬أو‬
‫الوقوف حائل ً دون نشر الدين‪ ،‬فضل ً عن شرعه للدفاع عن‬
‫النفس‪( .‬المترجم)‬
‫[‪ ]3‬أهماج‪ :‬جمع همج‪ ،‬وهم الرعاع من الناس ل نظام لهم‪.‬‬
‫(المعجم الوسيط)‪.‬‬
‫[‪ ]4‬يشير المؤلف هناك إلى صلة الخوف التي صلها الرسول‬
‫صلى الله عليه وسلم بالمسلمين في ساحة القتال استجابة لمر‬
‫ربه وبالكيفية التي علمها له ربه حيث يقول في كتابه العزيز‪:‬‬
‫ن‬ ‫{وإذ َا ضربتم في اْل َرض فَلَيس ع َلَيك ُم جنا َ‬
‫م َ‬ ‫صُروا ِ‬ ‫ن تَقْ ُ‬ ‫حأ ْ‬ ‫ْ ْ ُ َ ٌ‬ ‫ْ َ َ‬ ‫َ َ ُْ ْ ِ َ ْ ِ‬ ‫َِ‬
‫م‬ ‫ُ‬ ‫َ‬
‫ن كانُوا لك ْ‬ ‫َ‬ ‫ن الكافِرِي َ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫ن كفَُروا إ ِ ّ‬ ‫َ‬ ‫م ال َذِي َ‬ ‫ّ‬ ‫ُ‬
‫ن يَفْتِنَك ُ‬ ‫مأ ْ‬ ‫خفْت ُ ْ‬ ‫ن ِ‬ ‫صلةِ إ ِ ْ‬ ‫ال َّ‬
‫منْهُ ْ‬
‫م‬ ‫ة ِ‬ ‫م طَائِفَ ٌ‬ ‫صلة َ فَلْتَقُ ْ‬ ‫م ال َّ‬ ‫ت لَهُ ُ‬ ‫م َ‬ ‫م فَأقَ ْ‬ ‫ت فِيهِ ْ‬ ‫مبِينًا‪ ،‬وَإِذ َا كُن ْ َ‬ ‫عَدُوًّا ُ‬
‫ْ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬
‫ت‬ ‫م وَلْتَأ ِ‬ ‫ن وََرائِك ُ ْ‬ ‫م ْ‬ ‫جدُوا فَلْيَكُونُوا ِ‬ ‫س َ‬ ‫م فَإِذ َا َ‬ ‫ْ‬ ‫ُ‬ ‫حتَه‬ ‫سل ِ َ‬ ‫خذ ُوا أ ْ‬ ‫ك وَلْيَأ ُ‬ ‫معَ َ‬ ‫َ‬
‫َ‬ ‫ْ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫ّ‬ ‫ْ‬ ‫ُ‬ ‫ّ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬
‫حتَهُ ْ‬
‫م‬ ‫سل ِ َ‬ ‫م وَأ ْ‬ ‫حذَْرهُ ْ‬ ‫خذ ُوا ِ‬ ‫معَك وَليَأ ُ‬ ‫صلوا َ‬ ‫صلوا فَلي ُ َ‬ ‫م يُ َ‬ ‫خَرى ل ْ‬ ‫ةأ ْ‬ ‫طائِفَ ٌ‬
‫َ‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫ن‬‫ميلُو َ‬ ‫م فَي َ ِ‬ ‫متِعَتِك ُ ْ‬ ‫م وَأ ْ‬ ‫حتِك ُ ْ‬ ‫سل ِ َ‬ ‫نأ ْ‬ ‫ن عَ ْ‬ ‫ن كَفَُروا لَوْ تَغْفُلُو َ‬ ‫وَد َّ ال ّذِي َ‬
‫مطَرٍ أ َ ْو‬ ‫ن َ‬ ‫مَ ْ‬ ‫م أذىً ِ‬
‫حدة ً ول جناح ع َلَيك ُم إن كَان بك ُ َ‬
‫َ ِ ْ‬ ‫ْ ْ ِ ْ‬ ‫ة وَا ِ َ َ ُ َ َ‬ ‫ميْل َ ً‬ ‫م َ‬ ‫ع َلَيْك ُ ْ‬
‫ه أَعَدَّ‬ ‫ن الل ّ َ‬ ‫م إ ِ َّ‬ ‫حذَْرك ُ ْ‬ ‫خذ ُوا ِ‬ ‫م وَ ُ‬ ‫حتَك ُ ْ‬ ‫سل ِ َ‬
‫َ‬
‫ضعُوا أ ْ‬ ‫ن تَ َ‬
‫َ‬
‫ضى أ ْ‬ ‫مْر َ‬ ‫م َ‬ ‫كُنْت ُ ْ‬
‫مهِينًا} [النساء‪( ]102 ،101 :‬المترجم)‪.‬‬ ‫ن عَذ َابًا ُ‬ ‫لِلْكَافِرِي َ‬
‫[‪ ]5‬انظر كتاب‪" :‬زاد المعاد في هدي خير العباد" لبن قيم‬
‫الجوزية‪ ،‬طبعة ‪1400‬هـ ـ ‪1980‬م‪ ،‬نشر المكتبة التوفيقية بالحسين‪ ،‬م‬
‫‪ 1‬حـ ‪ 2‬ص ‪( .165‬المترجم)‬
‫خوَةٌ} [الحجرات‪:‬‬ ‫ن إِ ْ‬ ‫منُو َ‬ ‫مؤ ْ ِ‬ ‫ما ال ْ َ ُ‬ ‫[‪ ]6‬يقول الله تبارك وتعالى‪{ :‬إِن َّ َ‬
‫م أَعْدَاءً‬ ‫م إِذ ْ كُنْت ُ ْ‬ ‫ت الل ّهِ ع َلَيْك ُ ْ‬ ‫م َ‬ ‫‪ ،]َ 10‬ويقول تعالى‪{ :‬وَاذ ْكُُروا نِعْ َ‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫خوَانًا} [آل عمران‪،]103 :‬‬ ‫متِهِ إ ِ ْ‬ ‫م بِنِعْ َ‬ ‫حت ُ ْ‬ ‫صب َ ْ‬ ‫م فَأ ْ‬ ‫ن قُلُوبِك ُ ْ‬ ‫ف بَي ْ َ‬ ‫فَأل ّ َ‬
‫ويقول رسول الله صلى الله عليه وسلم‪" :‬المسلم أخو‬
‫ضا‪" :‬وكونوا عباد الله إخوانًا" (الحاديث‬ ‫المسلم"‪ ،‬ويقول أي ً‬
‫بمعانيها)‪.‬‬
‫ن‬ ‫م‬ ‫خلَقْنَاك ُ‬ ‫س إِنَّا َ‬ ‫َ‬
‫[‪ ]7‬يقول الله سبحانه وتعالى‪{ :‬يَا أيُّهَا النَّا‬
‫ْ‬ ‫م ِ‬ ‫ْ‬ ‫ُ‬
‫َ‬ ‫ل لِتعارفُوا إ َ َ‬ ‫ُ‬
‫عنْد َ الل ّهِ‬ ‫م ِ‬ ‫مك ُ ْ‬ ‫ن أكَْر َ‬ ‫ِ ّ‬ ‫شعُوبًا وَقَبَائ ِ َ َ َ َ‬ ‫م ُ‬ ‫جعَلْنَاك ُ ْ‬ ‫ذ َكَرٍ وَأنْثَى وَ َ‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫م‬‫س اتَّقُوا َربَّك ُ ُ‬ ‫م} [الحجرات‪ ،]13 :‬ويقول تعالى‪{ :‬يَا أيُّهَا النَّا ُ‬ ‫أت َْقَاك ُ ْ‬
‫جالً‬ ‫ما رِ َ‬ ‫من ْ ُه َ‬ ‫ث ِ‬ ‫ج َها وَب َ َّ‬ ‫منْهَا َزوْ َ‬ ‫خلَقَ ِ‬ ‫حدَةٍ وَ َ‬ ‫س وَا ِ‬ ‫خلَقَك ُ ْ‬ ‫ال ّذِي َ‬
‫ن نَفْ ٍ‬ ‫م ْ‬ ‫م ِ‬
‫ساءً} [النساء‪ ،]1 :‬ويقول صلى الله عليه وسلم‪" :‬الناس‬ ‫كَثِيًرا وَن ِ َ‬
‫سواسية كأسنان المشط‪ ،‬أل ل فضل لعربي على عجمي ول‬
‫لبيض على أسود إل بالتقوى"‪ .‬وقال رسول الله صلى الله عليه‬

‫‪89‬‬
‫ضا‪" :‬كلكم لدم وآدم من تراب"‪ ،‬وقال صلى الله عليه‬ ‫وسلم أي ً‬
‫ضا‪" :‬إن الله ل ينظر إلى صوركم وألوانكم ولكن ينظر‬ ‫وسلم أي ً‬
‫إلى قلوبكم وأعمالكم" (الحاديث بمعانيها) (المترجم)‪.‬‬
‫[‪ ]8‬هو "موهانداس كرمشند غاندي" (‪1948 – 1869‬م)‪ :‬زعيم‬
‫سياسي وروحي هندي‪ ،‬نادى باللعنف‪ .‬وبالمقاومة السلبية‪،‬‬
‫وعمل لستقلل الهند‪ ( .‬المورد‪.)1990 ،‬‬
‫ضا‬
‫[‪ ]9‬تترجم كلمة "جوسبل ‪ "Gospel‬بالبشارة‪ ،‬كما تترجم أي ً‬
‫بالنجيل‪ .‬وأصلها في النجليزية القديمـة "جودسبل ‪،" Godspel‬‬
‫وهـي ترجمة للكلمـة اللتينيـة "إفانجليوم ‪ "evangelium‬التي تعني‬
‫حرفيًا القصة الطيبة (قاموس تشيمبرز للقرن العشرين)‪.‬‬
‫والبعض يترجمها بالبشارة أو النبأ السار أو السعيد أو الخبر‬
‫المفرح‪ ،‬وقد بشر السلم بالخوة الدينية في أسمى معانيها‬
‫ودرجاتها على أساس من تقوى الله وتكافل البشرية‪ .‬وما أكثر‬
‫السرور والسعادة والفرح الذي تدخله هذه البشارة على قلوب‬
‫المؤمنين‪( .‬المترجم)‬
‫[‪ ]10‬الساذج‪ :‬الخالص غير المشوب‪ ،‬وغير المنقوش‪ .‬وهي‬
‫ساذجة‪( .‬معرب‪ ،‬فارسيته‪ :‬سادة) (المعجم الوسيط)‪.‬‬
‫[‪ ]11‬يسمى هذا المنسك من مناسك الحج "بالتلبية" ولفظها‪:‬‬
‫"لبيك اللهم لبيك‪ .‬لبيك ل شريك لك لبيك إن الحمد والنعمة لك‬
‫والملك‪ .‬ل شريك لك" وهي شعار الحج ودليل الحرام‪ .‬ويقال‪:‬‬
‫ما لطاعتك‪ ،‬أو إلبابًا بعد إلباب‪ ،‬وإقامة بعد إقامة‪،‬‬ ‫لبيك‪ :‬لزو ً‬
‫وإجابة بعد إجابة‪ .‬أو معناه‪ :‬اتجاهي إليك وقصدي وإقبالي على‬
‫أمرك‪ .‬مأخوذ من قولهم‪ :‬داري تلب داره‪ :‬تواجهها وتحاذيها‪ ،‬وهو‬
‫مصدر منصوب ثنى على معنى التأكيد‪ .‬ولبى بالحج‪ :‬قال‪ :‬لبيك‬
‫اللهم لبيك‪( .‬المعجم الوسيط) (المترجم)‪.‬‬
‫[‪ ]12‬لول يسمون الشياء بأسمائها وينسبونها لصحابها؛ فالذي جاء‬
‫به محمد صلى الله عليه وسلم هو القرآن وهو كلم الله وشرعه‬
‫وحكمه‪ ،‬والله هو الذي قرر مبدأ الشورى فأمر الرسول صلى‬
‫م‬
‫ف ع َنْهُ ْ‬‫الله عليه وسلم بمشاورة أصحابه إذ يقول‪{ :‬فَاع ْ ُ‬
‫َ‬
‫مرِ} [آل عمران‪ ،]159 :‬ومدح‬ ‫م فِي َ اْل ْ‬‫شاوِْرهُ ْ‬ ‫ستَغْفِْر لَهُ ْ‬
‫م وَ َ‬ ‫وَا ْ‬
‫َ‬
‫صلةَ‬ ‫موا ال َّ‬ ‫م وَأقَا ُ‬ ‫جابُوا لَِربِّهِ ْ‬
‫ست َ َ‬
‫نا ْ‬‫المسلمين فقال عنهم‪{ :‬وَال ّذِي َ‬
‫م} [الشورى‪ .]38 :‬إن الديمقراطية في أفضل‬ ‫م ُ‬ ‫َ‬
‫شوَرى بَيْنَهُ ْ‬ ‫مُرهُ ْ‬‫وَأ ْ‬
‫تصوراتها هي حرية الشعب في إبداء رأيه والمشاركة في الحكم‬
‫في وطنه‪ ،‬وهي كما ترى ل تخلو من النقائص البشرية‪ .‬أما الحكم‬
‫في السلم فهو قائم على القرآن الكريم والسنة النبوية‬
‫ن‬ ‫المطهرة والجماع والشورى‪ .‬هذا حكم الله {وم َ‬
‫م َ‬ ‫ن ِ‬ ‫س ُ‬ ‫ح َ‬ ‫نأ ْ‬ ‫َ َ ْ‬

‫‪90‬‬
‫َ‬
‫] ل أحد! فهل فهم الناس‬ ‫‪50‬‬ ‫ن} [المائدة‪:‬‬ ‫ما لِقَوْم ٍ يُوقِنُو َ‬ ‫حك ْ ً‬ ‫الل ّهِ ُ‬
‫الفرق ؟! (المترجم)‪.‬‬
‫[‪ ]13‬النخوة‪ :‬العظمة والتكبر (المعجم الوسيط)‪.‬‬
‫[‪ ]14‬هو "برهان فولفجانج فون جوته" (‪ 1749‬ـ ‪1832‬م)‪ :‬شاعر‬
‫ألماني‪ ،‬يعتبر أعظم الشعراء اللمان في جميع العصور‪( .‬المورد‪،‬‬
‫‪.)1990‬‬
‫[‪ ]15‬جورج برنارد شو (‪ 1856‬ـ ‪1950‬م)‪ :‬كاتب مسرحي إنجليزي‬
‫أيرلندي المولد‪ ،‬تزخر آثاره بالظرف والسخرية‪( .‬المورد‪.)1990 ،‬‬
‫[‪ ]16‬أي أن النسان يولد بريئًا بل ذنوب‪ ،‬بخلف ما تعلمه‬
‫المسيحية من القول بالخطيئة الصلية للنسان ‪ .Original sin‬وبأن‬
‫البشرية ورثت خطيئة آدم وأن البناء يرثون خطايا الباء‪.‬‬
‫ما‬ ‫فالسلم يعلم أن المرء يولد على الفطرة وأن {ك ُ ُّ‬
‫س بِ َ‬ ‫ل َنَفْ ٍ‬
‫سعَهَا لَهَا‬ ‫سا إ ِ ّل وُ ْ‬ ‫ة} [المدثر‪ ،]38 :‬و{ل يكلف الله نَفْ ً‬ ‫ت َرهِين َ ٌ‬ ‫سب َ ْ‬ ‫كَ َ‬
‫َ‬
‫ن‬‫سا ِ‬ ‫س لِْلِن ْ َ‬ ‫ن َلَي ْ َ‬ ‫ت} [البقرة‪{ ،]28 :‬وَأ ْ‬ ‫سب َ ْ‬ ‫ما اكْت َ َ‬ ‫ت وَع َلَيْهَا َ‬ ‫سب َ ْ‬ ‫ما ك َ َ‬ ‫َ‬
‫ُ‬ ‫َ‬
‫س إ ِ ّل ع َلَيْهَا وَل تَزُِر‬ ‫ل نَفْ ٍ‬ ‫ب كُ ّ‬ ‫س ُ‬ ‫سعَى} [النجم‪{ ،]39 :‬وَل تَك ْ ِ‬ ‫ما َ‬ ‫إ ِ ّل َ‬
‫ل ذََّرةٍ َ‬ ‫ُ‬
‫خيًْرا‬ ‫مثْقَا َ‬ ‫ل ِ‬ ‫م ْ‬ ‫ن ي َ ْع َ‬ ‫م ْ‬‫خَرى} [النعام‪{ ،]164 :‬فَ َ‬ ‫وَازَِرة ٌ وِْزَر أ ْ‬
‫شًّرا يََرهُ} [الزلزلة‪( ]8 ،7 :‬المترجم)‪.‬‬ ‫ل ذََّرةٍ َ‬ ‫مثْقَا َ‬ ‫ل ِ‬ ‫م ْ‬ ‫ن يَعْ َ‬ ‫م ْ‬ ‫يََرهُ‪َ .‬و َ‬
‫َّ‬ ‫َ‬
‫م الذِي‬ ‫س اتَّقُوا َربَّك ُ ُ‬ ‫[‪ ]17‬يقول الله تبارك وتعالى‪{ :‬يَا أيُّهَا النَّا ُ‬
‫جال ً كَثِيًرا‬ ‫ما رِ َ‬ ‫منْهُ َ‬ ‫ث ِ‬ ‫جهَا وَب َ َّ‬ ‫من ْ َها َزوْ َ‬ ‫خلَقَ ِ‬ ‫حدَةٍ وَ َ‬ ‫س وَا ِ‬ ‫خلَقَك ُ ْ‬
‫ن نَفْ ٍ‬ ‫م ْ‬ ‫م ِ‬ ‫َ‬
‫ساءً} [النساء‪.]1 :‬‬ ‫وَن ِ َ‬
‫ُ‬ ‫َ‬
‫ن ذ َكَرٍ أوْ أنْثَى‬ ‫م َ‬
‫مَ ْ‬ ‫حا ِ‬ ‫صال ِ ً‬ ‫ل َ‬ ‫ن عَ ِ‬ ‫م ْ‬ ‫[‪ ]18‬يقول الله سبحانه وتعالى‪َ { :‬‬
‫َ‬
‫ما كَانُوا‬ ‫ن َ‬ ‫س ِ‬ ‫ح َ‬ ‫م بِأ ْ‬ ‫جَرهُ ْ‬ ‫مأ ْ‬ ‫جزِيَنَّهُ ْ‬ ‫ة وَلَن َ ْ‬ ‫حيَاة ً طَيِّب َ ً‬ ‫ه َ‬ ‫حيِيَن َّ ُ‬ ‫ن فَلَن ُ ْ‬ ‫م ٌ‬ ‫مؤْ ِ‬ ‫وَهُوَ ُ‬
‫ن‬
‫م َ‬ ‫ل ِ‬ ‫م ْ‬ ‫ن يَعْ َ‬ ‫م ْ‬ ‫{و َ‬ ‫وتعالى‪َ :‬‬ ‫ن} [النحل‪ ،]97 :‬ويقول تبارك‬ ‫ملُو َ‬ ‫يَعْ َ‬
‫ُ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬
‫ة}‬ ‫جن َّ َ‬ ‫ن ال ْ َ‬ ‫خلُو َ‬ ‫ك يَد ْ ُ‬ ‫ن فَأولَئ ِ َ‬ ‫م ٌ‬ ‫مؤ ْ ِ‬ ‫ن ذ َكَرٍ أوْ أنْثَى وَهُوَ ُ‬ ‫م ْ‬ ‫ت ِ‬ ‫حا ِ‬ ‫صال ِ َ‬ ‫ال َّ‬
‫[النساء‪.]124 :‬‬
‫ك الْوَالِدَا ِ‬
‫ن‬ ‫ما تََر َ‬ ‫م َّ‬ ‫ب ِ‬ ‫صي ٌ‬ ‫ل نَ ِ‬ ‫جا ِ‬ ‫[‪ ]19‬قال تبارك وتعالى‪{ :‬لِلّرِ َ‬
‫لَ‬ ‫ن وَاْلقَْربُو َ‬ ‫َ‬ ‫وَاْلَقَْربُو َ‬
‫ما قَ ّ‬ ‫م َّ‬ ‫ن ِ‬ ‫ك الْوَالِدَا ِ‬ ‫ما تََر َ‬ ‫م َّ‬ ‫ب ِ‬ ‫صي ٌ‬ ‫ساءِ ن َ ِ‬ ‫ن وَلِلن ِّ َ‬
‫من َ‬
‫ضا} [النساء‪ ،]7 :‬وقال سبحانه وتعالى‪:‬‬ ‫مفُْرو ً‬ ‫صيبًا َ‬ ‫ه أوْ كَثَُر ن َ ِ‬ ‫ِ ْ ُ‬
‫َ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫ساءَ كَْرهًا} [النساء‪:‬‬ ‫رثُوا الن ِّ َ‬ ‫ن تَ ِ‬ ‫مأ ْ‬ ‫ل لَك ُ ْ‬ ‫ح ّ‬ ‫منُوا ل ي َ ِ‬ ‫نآ َ‬ ‫{يَا أيُّهَا ال ّذِي َ‬
‫‪ .]19‬قال فضيلة الشيخ حسنين محمد مخلوف في صفوة البيان‬
‫لمعاني القرآن‪{ :‬ل يحل لكم أن ترثوا النساء كرهًا}‪ :‬أي‬
‫تأخذوهن على سبيل الرث‪ ،‬كما يؤخذ المال الموروث بعد موت‬
‫أزواجهن مكرهين لهن على ذلك‪ ،‬وكانوا يفعلون ذلك في‬
‫الجاهلية‪ .‬قلت‪ :‬فقد كان الرجل منهم يرث زوجة أبيه ويتزوجها‬
‫حوا‬ ‫من بعده فنهى الله تبارك وتعالى عن ذلك في قوله‪{ :‬وَل تَنْك ِ ُ‬
‫َ‬
‫مقْتًا‬ ‫ة وَ َ‬ ‫ش ً‬ ‫ح َ‬ ‫ن فَا ِ‬ ‫ه كَا َ‬ ‫ف إِن َّ ُ‬ ‫سل َ َ‬ ‫ما قَد ْ َ‬ ‫ساءِ إ ِ ّل َ‬ ‫ن الن ِّ َ‬ ‫م َ‬ ‫م ِ‬ ‫ح آبَاؤ ُك ُ ْ‬ ‫ما نَك َ َ‬ ‫َ‬
‫سبِيلً} [النساء‪( ]22 :‬المترجم)‪.‬‬ ‫ساءَ َ‬ ‫وَ َ‬

‫‪91‬‬
‫[‪ ]20‬يقول رسول الله صلى الله عليه وسلم‪" :‬تركت فيكم ما إن‬
‫تمسكتم به لن تضلوا بعدي أبدًا‪ :‬كتاب الله وسنتي" (معنى‬
‫الحديث) (المترجم)‪.‬‬
‫[‪ ]21‬لقد فضح الله تعالى موقفهم المتناقض برفضهم للرسالة‬
‫التي جاء بها محمد صلى الله عليه وسلم معتذرين بأنهم أهل‬
‫كتاب ولهم كتاب وشرع كامل ل يزيد ول ينقص ول ينسخ‪ ،‬صالح‬
‫لكل الزمنة والمجتمعات‪ ،‬وذلك بما حفظه لنا من تحاكمهم إلى‬
‫محمد صلى الله عليه وسلم إذ يقول الله تبارك وتعالى مخاطبًا‬
‫مون َ َ‬
‫ك‬ ‫حكِّ ُ‬‫ف يُ َ‬‫محمد صلى الله عليه وسلم في القرآن‪{ :‬وَكَي ْ َ‬
‫َ‬
‫م الل ّهِ} [المائدة‪.]43 :‬‬ ‫م التَّوَْراة ُ فِيهَا ُ‬
‫حك ْ ُ‬ ‫عنْدَهُ ُ‬ ‫وَ ِ‬
‫[‪ ]22‬يصدق ذلك ما جاء في القرآن من قوله تبارك وتعالى‪{ :‬قَدْ‬
‫َ‬ ‫َ َ‬
‫ن‬
‫مي َ‬ ‫ن الظ ّال ِ ِ‬ ‫ك وَلَك ِ َّ‬ ‫ن فَإِنَّهُ ْ‬
‫م ل يُكَذِّبُون َ َ‬ ‫ك ال ّذِي يَقُولُو َ‬ ‫حُزن ُ‬‫ه لَي َ ْ‬ ‫نَعْل َم إن َّ‬
‫ُ ِ ُ َّ‬
‫ن} [النعام‪.]33 :‬‬ ‫حدُو َ‬ ‫ج َ‬ ‫ت اللهِ ي َ ْ‬ ‫بِآيَا ِ‬
‫[‪ ]23‬يشير المؤلف هنا إلى تلميذ المسيح حسب ما جاء في‬
‫أناجيل النصارى المعتمدة‪ .‬وما يثير الدهشة هو أن النصارى‬
‫يؤمنون بأن مؤلفي الناجيل هم من هؤلء الصيادين البسطاء‪،‬‬
‫وهو المر الذي ينفيه العلم كما ينفيه ما تضمنته بعض تلك‬
‫الناجيل من أساليب وثقافة بعيدة كل البعد عن صيادي الجليل‪.‬‬
‫ولم يكن باستطاعة أحد تلميذ المسيح (وكلهم يهود) بل ولم يكن‬
‫حا لهم الطلع على هذه الثقافات والمقالت الوثنية التي‬ ‫مسمو ً‬
‫وردت في الناجيل وخاصة في إنجيل يوحنا‪ .‬ونحن نستبعد نسبة‬
‫أي من هذه الناجيل لمؤلفيها المفترضين الذين تقترن أسماؤهم‬
‫بها‪ .‬هذا بصرف النظر عن كون المؤلف المفترض أحد تلميذ‬
‫المسيح حقًا ـ كما يزعم في متى وإلى درجة أقل في يوحنا ـ أم‬
‫ل‪ ،‬كما نميل إلى القول بأن أحدًا منهم لم يعلم الكتابة سوى متى‬
‫العشار (جاب الضرائب) استنادًا لما روي عن ذلك في الناجيل‬
‫مع الفتقار إلى الدليل وفقدان العصمة ووقوع الخطأ في جميع‬
‫أسفار الكتاب المقدس‪ .‬راجع كتاب "هل الكتاب المقدس كلم‬
‫الله؟" لحمد ديدات‪ .‬ومقال بعنوان "خمسون ألف خطأ في‬
‫الكتاب المقدس؟" نشر في مجلة "آويك المسيحية" في ‪8/9/1957‬‬
‫من منشورات دار المختار السلمي‪.‬‬
‫أما الصحابة الكرام رضوان الله عليهم فقد مدحهم المولى‬
‫سبحانه وتعالى في عدة مواضع من كتابه العزيز وشهد لهم‬
‫باليمان وبرضى الله عنهم‪ .‬وكذلك شهد رسول الله صلى الله‬
‫عليه وسلم لهم بالفضل والخيرية في أحاديثه‪.‬‬
‫وهذا كله خلف وصف الكتاب المقدس لتباع أنبياء بني إسرائيل‬
‫بالكفر وقلة اليمان وعدم الفطنة وسوء الخلق والجهل‪ .‬هذا وقد‬

‫‪92‬‬
‫سطر التاريخ بأحرف من نور سير هؤلء الصحابة كتراث خالد‬
‫للعالم كله ومعالم للهداية النسانية‪ ( .‬المترجم )‬
‫[‪ ]24‬يقصد الرسول صلى الله عليه وسلم‪ .‬وقد أثبت الله في‬
‫كتابه المبين صفة التعليم لسيد المرسلين وأقرها له وجعلها‬
‫مهمة مشروعة من مهام رسالته هذا بعكس ما يردده بعض‬
‫الجهلء من أقاويل تزعم أن دوره كان مقتصرا على تبليغ‬
‫الرسالة في محاولة منهم لنفي أي دور أو مهمة تعليمية لمحمد‬
‫رسول الله صلى الله عليه وسلم المعلم الول للبشرية وهاديها‬
‫ومرشدها وخير مبعوث وأنفعهم لها وأرحمهم بها ويقول الله‬
‫تبارك وتعالى في ذلك‪:‬‬
‫َ‬
‫م‬ ‫م يَتْلُو ع َلَيْهِ ْ‬
‫م آيَاتِهِ وَيَُزكِّيهِ ْ‬ ‫سول ً ِ‬
‫منْهُ ْ‬ ‫ن َر ُ‬ ‫مي ِّي َ‬‫ث فِي اْل ُ ِّ‬ ‫{هُوَ ال ّذِي بَعَ َ‬
‫ن}‬ ‫مبِي ٍ‬‫ل ُ‬ ‫ضل ٍ‬ ‫ل لَفِي َ‬ ‫ن قَب ْ ُ‬‫م ْ‬‫ن كَانُوا ِ‬‫ة وَإ ِ ْ‬
‫م َ‬ ‫حك ْ َ‬ ‫ب وَال ْ ِ‬‫م الْكِتَا َ‬ ‫وَيُعَل ِّ ُ‬
‫مهُ ُ‬
‫[الجمعة‪( ] :‬المترجم)‬
‫‪ .54‬الصــادق‬
‫المثال الكامل لحياة البشر‪:‬‬
‫إنه من الصعب جدا أن نصل إلى الحقيقة الكاملة لشخصية‬
‫محمد‪ .‬إنني لم أستطع الحصول إل على لمحة سريعة منها‪ .‬يا لها‬
‫من تعاقب مثير لمشاهد رائعة!‬
‫فهناك محمد النبي ومحمد القائد ومحمد الملك ومحمد المقاتل‬
‫ومحمد التاجر ومحمد الواعظ أو البشير ومحمد الحكيم ومحمد‬
‫رجل الدولة ومحمد الخطيب ومحمد المصلح والمجدد ومحمد‬
‫ملذ اليتامى ومحمد حامي العبيد (الرقيق) والمدافع عنهم[‪]1‬‬
‫ومحمد محرر النساء[‪ ]2‬ومحمد القاضي والحكم ومحمد القديس‪.‬‬
‫ولقد كان محمد بطل ً في كل هذه المهام الجليلة وفي جميع‬
‫مجالت النشاط النساني على حد سواء‪.‬‬
‫إن حال اليتيم هو منتهى الضعف وانعدام الحيلة‪.‬‬
‫ما‪ .‬والملك هـو ذروة السلطة المادية‪،‬‬ ‫وقـد بدأ محمد حياته يتي ً‬
‫وقـد انتهت إليه حياته[‪.]3‬‬
‫وقد تقلب حاله من صبي يتيم إلى لجئ مضطهد ثم إلى سيد[‪]4‬ـ‬
‫ضا ـ لمة بأكملها‪ ،‬مقرًرا لمصيرها‬ ‫بالمفهوم الديني والدنيوي أي ً‬
‫بكل ما فيه من تجارب وإغراءات ومخاطر وبكـل ما فيه من‬
‫تقلبات وتغيرات ومن ضياء وظلم ومن ارتقاء وانحدار ومن‬
‫فظاعة وعظمة‪.‬‬
‫ما ليكون مثال ً يحتذى في‬ ‫لقد قاوم محن الدنيا وخرج منها سال ً‬
‫كل مرحلة من مراحل الحياة‪ .‬ولم تقتصر إنجازاته على جانب‬
‫ضا جميع أوضاع البشرية‬ ‫واحد من جوانب الحياة ولكنها شملت أي ً‬
‫الجتماعية‪.‬‬

‫‪93‬‬
‫محمد العظم‪:‬‬
‫لو أن العظمة تكمن في تنقية وتطهير أمة مشربة بالهمجية‬
‫والتخلف ومنغمسة في ظلم أخلقي مطلق‪ ،‬فإن الشخص‬
‫المتميز بالفاعلية والمليء بالقوة والنشاط الذي استطاع أن‬
‫يحول ويهذب وينهض بأمة بأكملها غارقة في الحضيض ـ كما كان‬
‫حال العرب ـ ويجعلهم حملة مشاعل الحضارة والمدنية والتعليم‪،‬‬
‫له كل الحق في هذه العظمة‪.‬‬
‫ولو أن العظمة تكمن في توحيد العناصر المتنافرة والمتضاربة‬
‫والمتشاكسة والمختلفة في المجتمع برابطة الخوة والحسان‪،‬‬
‫فإن لنبي الصحراء كل الحق لهذا المتياز‪.‬‬
‫ولو أن العظمة تكمن في إصلح هؤلء الغارقين في أوهام‬
‫ومعتقدات خرافية منحطة ومخزية وممارسات خبيثة مهلكة‬
‫متعددة النواع‪ ،‬فإن نبي السلم قد بدد الوهام والمعتقدات‬
‫الخرافية والمخاوف المنافية للعقل والمنطق من قلوب المليين‪.‬‬
‫ولو أن العظمة تكمن في نشر الخلق السامية‪ ،‬فإن العداء‬
‫والصحاب شهدوا لمحمد بأنه الصادق المين‪.‬‬
‫ولو أن الفاتح المنتصر رجل عظيم‪ ،‬فهاهو إنسان قد بلغ مرتبة‬
‫ما ل‬‫مساوية للكاسرة والقياصرة بعد أن كان مخلوقًا بسيطًا يتي ً‬
‫حول له ول قوة‪ .‬وأسس إمبراطورية عظيمة ظلت كذلك على‬
‫مدى هذه القرون الربعة عشرة‪.‬‬
‫ولو أن الحب الشديد الذي يناله القائد هو المقياس للعظمة‪ ،‬فإن‬
‫مجرد ذكر اسم هذا النبي له تأثير الرقية الفاتنة ـ حتى في يومنا‬
‫هذا ـ على مليين النفس المنتشرة في جميع أنحاء العالم‪.‬‬
‫النبي المي‪:‬‬
‫لم يدرس محمد الفلسفة أو الحكمة في مدارس أثينا أو روما أو‬
‫فارس أو الهند أو الصين‪ .‬ومع ذلك فقد استطاع أن يكشف‬
‫للبشرية أسمى وأعلى الحقائق الخالدة القيمة‪ ،‬وبالرغم من كونه‬
‫أميًا فقد كان يستطيع الكلم بفصاحة وحماسة تدفع الرجال إلى‬
‫ما وبل أموال دنيوية فقد كان‬ ‫دموع الفرحة‪ ،‬ومع أنه ولد يتي ً‬
‫محبوبًا من الجميع‪.‬‬
‫كما أنه لم يدرس في أية أكاديمية عسكرية ومع ذلك فقد كان‬
‫يستطيع تنظيم قواته في مواجهة ظروف مروعة‪ ،‬وانتصر‬
‫بواسطة القوات العسكرية ذات الخلق والدين التي كان ينظم‬
‫ويرتب صفوفها بنفسه‪.‬‬
‫إنه نادًرا ما نجد الرجال الموهوبين بالقدرة الفائقة على الوعظ‬
‫والحديث الجاد‪ .‬وقد اعتبر "ديكارت"[‪ Descartes ]5‬الواعظ الماهر‬
‫ضمن أندر أصناف الرجال في العالم‪.‬‬

‫‪94‬‬
‫وقد عبر "هتلر"[‪ ]6‬عن رأي مشابه في كتابه "كفاحي"‪ .‬حيث‬
‫ما‪ ،‬أما‬
‫يقول‪" :‬من النادر أن يكون واضع النظريات قائدًا عظي ً‬
‫المحرك الجتماعي أو السياسي فامتلكه لتلك الصفات التي‬
‫ما قائدًا أفضل؛‬ ‫ترشحه للقيادة أرجح إلى حد بعيد‪ ،‬فهو دائ ً‬
‫فالقيادة تعني القدرة على تحريك جموع البشر‪ ،‬والقدرة على‬
‫تقديم الفكار ل علقة لها بالقدرة على القيادة"‪.‬‬
‫ولكنه يضيف‪" :‬إن اتحاد صفات وضع النظريات والتنظيم والقيادة‬
‫في شخص واحد هي ظاهرة من النادر جدًا حدوثها في هذا‬
‫العالم‪ .‬وهنالك تكمن العظمة"‪.‬‬
‫وقد شاهد العالم هذه الظاهرة النادرة تتجسد في شخص عاش‬
‫على الرض هو نبي السلم‪.‬‬
‫يقول "كارليل"[‪ ]7‬في كتابه "البطال وعبادة البطال"‪:‬‬
‫"لقد كان محمدًا رجل ً فقيًرا‪ ،‬شديد الكدح‪ ،‬غير قادر على العالة‪،‬‬
‫ل يهتم بما يجتهد في طلبه الرعاع أو السوقة‪ .‬وفيما أرى فإنه لم‬
‫يكن امرؤ سوء‪ ،‬ولم يكن طالب شهوة من أي نوع‪ ،‬وإل ما وقره‬
‫هؤلء الرجال الوحشيين[‪ ،]8‬الذين قاتلوا وخاضوا الملحم طوع‬
‫أمره خلل ثلث وعشرين سنة‪ ،‬وهم في ذلك وثيقوا الصلة به‬
‫ما‪ ،‬كل هذا التوقير!‬‫دائ ً‬
‫"لقد كانوا رجال ً وحشيين يندفعون بين الفينة والفينة بقوة إلى‬
‫التشاجر وكل ألوان التشاحن العنيف‪ ،‬وما كان يستطيع أي رجل‬
‫أن يقودهم بدون أن يمتلك القيمة الخلقية والشجاعة‪.‬‬
‫أو إنكم لتعجبون كيف دعوه واعتبروه نبيًا؟‬
‫أولم يقف وسطهم ظاهًرا لهم يواجهونه ويخاطبونه بل حاجب‬
‫بينه وبينهم‪ ،‬غير محاط بأي سر من السرار الدينية أو غموض‪.‬‬
‫فكان يرى وهو يرقع ثوبه ويصلح نعله‪ ،‬ويقاتل ويستشير ويصدر‬
‫الوامر وهو بينهم‪ .‬فلبد أنهم أدركوا أي نوع من الرجال كان‪.‬‬
‫ولتسمه ولتدعه ما تشاء! إنه لم يطع إمبراطوًرا جليل ً متوجهًا‬
‫مثلما أطيع هذا الرجل في ثوب رقعه بنفسه‪.‬‬
‫ما من التجارب الحرجة‬ ‫وإنني لجد أن خوضه ثلثة وعشرين عا ً‬
‫الصعبة يستلزم بالضرورة نوعًا من البطولة الحقيقية"‪.‬‬
‫والعجب من ذلك ما يقوله القس "بوزوورث سميث" ‪Bosworth‬‬
‫‪:Smith‬‬
‫سا للدولة ولجماعة تدين بنفس العقيدة‪ ،‬لقد كان‬ ‫"لقد كان رئي ً‬
‫يجمع سلطة ومقام قيصر والبابا معًا‪ ،‬ولكنه بابا بدون خيلء البابا‬
‫وغروره‪ ،‬وقيصر بل فيلق[‪ ]9‬أو حشوده وبل جيش عامل ول‬
‫حارس شخصي ول قوة من الشرطة ول دخل ثابت‪ .‬لو أن ثمة‬
‫رجل كان له الحق في أن يدعي أنه يحكم بالحق اللهي فقد كان‬

‫‪95‬‬
‫هذا الرجل هو محمد‪ ،‬فقد كانت معه جميع السلطات من غير أن‬
‫يكون معه ما يدعمها أو يحافظ عليها‪ .‬وقد كانت بساطة حياته‬
‫الخاصة متطابقة ومنسجمة مع حياته العامة"‪.‬‬
‫محمد الطاهر النقي‪:‬‬
‫لقد صارت مساحة تقدر بمليون ميل مربع تحت تصرفه بعد فتح‬
‫مكة‪ .‬إن سيد جزيرة العرب كان يصلح نعله ويرتق أو يرفو‬
‫ملبسه الصوفية الخشنة ويحلب الشياة ويكنس البيت ويوقد النار‬
‫ويقوم بالعمال المنزلية الخرى التي يعهد بها إلى الخدم عادة‪.‬‬
‫وفي اليام الخيرة من حياته كانت المدينة حيث كان يقيم قد‬
‫صارت أكثر غنى‪ ،‬وكان الذهب والفضة متوفرين في كل مكان‪.‬‬
‫وعلى الرغم من الرخاء القتصادي الذي كانت تشهده المدينة‬
‫ما كثيرة كانت تمضي من غير أن توقد النار‬ ‫في تلك اليام فإن أيا ً‬
‫في بيت ملك جزيرة العرب[‪.]10‬‬
‫وكان طعامه يقتصر على (السودين) التمر والماء‪ ،‬وكان أهل‬
‫بيته يبيتون جوعى ليال عديدة متعاقبة لنه ليس ثمة طعام‬
‫يأكلونه في تلك الليالي‪ ،‬ولم يكن محمد ينام على فراش وثير‬
‫وإنما كان فراشه حصيًرا مصنوع ًا من ألياف النخل بعد يوم شاق‬
‫طويل‪ .‬وقضى معظم ليله في الصلة[‪.]11‬‬
‫وكثيًرا ما كان يندفع إلى البكاء بين يدي خالقه طالبًا أن يمنحه‬
‫القوة للقيام بواجباته‪.‬‬
‫وكما تذكر لنا الروايات فقد كان صوته يكاد يحبس بسبب بكائه‬
‫فيبدو كأنه أزير[‪ ]12‬مرجل [‪ ]13‬بدأ يغلي على النار‪.‬‬
‫وكان كل ما يملكه يوم وفاته هو بضع دراهم‪ ،‬قسم منها قضى به‬
‫دين له وأعطى الباقي لبعض الفقراء الذين جاءوا إلى بيته‬
‫يطلبون إحسانًا‪.‬‬
‫والثوب الذي كان يلبسه حينما فاضت روحه إلى بارئها كان به‬
‫رقعًا عديدة‪.‬‬
‫ما لنه‬ ‫أما البيت الذي طالما انتشر منه النور إلى العالم فكان معت ً‬
‫لم يكن في المصباح زيتًا‪.‬‬
‫الثبات على المبدأ حتى الموت‪:‬‬
‫لقد تغيرت الظروف المحيطة به ولكن نبي الله لم يتغير‪ .‬وكانت‬
‫لمحمد نفس الشخصية سواء في حال النصر أو الهزيمة وسواء‬
‫في حالة القوة أو المحنة وسواء في ساعة اليسر أو العسرة‪.‬‬
‫فرسل الله وأنبياؤه ل يتبدلون كما ل تتبدل طرق الله وسننه‬
‫ونواميسه‪.‬‬
‫محمد العظم[‪:]14‬‬

‫‪96‬‬
‫يقول المؤرخ الفرنسي لمارتين[‪ ]15‬في كتابه‪" :‬تاريخ تركيا"‬
‫طبعة باريس ‪ ،1854‬المجلد الثاني ص ‪ 276‬و ‪:277‬‬
‫لو أن عظم الغاية‬
‫وصغر الوسائل وقلة الموارد‬
‫والنتائج المدهشة‬
‫هي ثلثة معايير لعبقرية النسان‪ ،‬فمن يجرؤ على مقارنة أي‬
‫رجل عظيم في التاريخ الحديث بمحمد؟‬
‫إن أشهر الرجال صنعوا السلحة وشرعوا القوانين ووضعوا‬
‫النظريات وأسسوا المبراطوريات فقط‪ ،‬فهم لم يؤسسوا ـ لو‬
‫اعتبرنا أنهم أسسوا شيئًا يذكر ـ أكثر من قوى مادية أو سلطات‬
‫مادية كثيًرا ما انهارت وزالت أمام أعينهم‪.‬‬
‫أما هذا الرجل‪ ،‬محمد‪ ،‬فإنه لم يحرك ويؤثر في الجيوش‬
‫والتشريعات والمبراطوريات والشعوب والسر الحاكمة فقط‬
‫ولكنه حرك وأثر في مليين الرجال‪ ،‬بل الكثر من ذلك إنه أزاح‬
‫النصاب[‪ ]16‬والمذابح واللهة الزائفة وأثر في الديان وغير‬
‫الفكار والعتقادات والنفس‪.‬‬
‫واستنادًا إلى كتاب كل حرف منه صار يمثل شريعة‪ ،‬أسس محمد‬
‫قومية روحية (أو دينية) امتزجت فيها بتآلف سويًا شعوب من كل‬
‫لسان ومن كل جنس‪.‬‬
‫إن فكرة وحدانية الله التي أعلنها ونادى بها ودعا وسط السأم‬
‫الشديد من النظريات اللهوتية[‪ ]17‬الخرافية غير القابلة‬
‫للتصديق‪ ،‬كانت في نفسها معجزة بحيث أنه بمجرد أن صرح بها‬
‫دمرت جميع العتقادات الخرافية القديمة‪..‬‬
‫إن صلواته ودعواته المتصلة‪ ،‬وأحاديثه الغيبية أو مناجاته مع الله‪،‬‬
‫ووفاته ونجاحه وانتصاره بعد وفاته‪ ،‬كلها أمور ل تشهد على أنه‬
‫كان دجال ً أو مدعيًا للنبوة ولكنها تشهد على إيمان راسخ منحه‬
‫القوة لكي يحيى ويجدد العقيدة‪ .‬وهذه العقيدة كانت ذات شقين‬
‫هما‪ :‬وحدانية الله وأن الله ليس كمثله شيء‪ .‬فالشق الول يثبت‬
‫لنـا ما لله (مـن أسماء وصفات)‪ ،‬والشق الخر ينفي عنه ما ليس‬
‫له[[‪.18‬‬
‫"‪ ..‬حكيم وخطيب ورسول ومشرع ومقاتل وسيد على الفكار‪،‬‬
‫ومحيي ومجدد للعتقادات المعقولة والمنطقية ولدين بل تماثيل‬
‫ول صور‪ ،‬ومؤسس لعشرين إمبراطورية أرضية أو دنيوية‬
‫وإمبراطورية واحدة روحية أو دينية‪ ،‬هذا هو محمد‪.‬‬
‫ووفقًا لكل المقاييس التي يمكن أن تقاس بها عظمة البشر يحق‬
‫لنا أن نسأل‪ :‬هل هناك أي إنسان أعظم منه؟ "‬
‫‪--------------‬‬

‫‪97‬‬
‫الهوامش‪:‬‬
‫[‪ ]1‬جاء فـي الصل النجليزي جملـة ‪ Protector of Slaves‬بمعنـى‬
‫حامـي العبيد والمدافع عنهم‪ .‬وكلمـة ‪ Protector‬النجليزيـة‬
‫المستخدمـة هنـا قريبة فـي معناها مـن كلمـة ‪ Advocate‬التـي‬
‫تعنـي "المحامـي" و "المؤيـد" (لقضيـة أو إقتراح) والفعـل‬
‫‪ Advocate‬معنـاه‪ :‬يدافع عـن أو يؤيـد كما جـاء فـي (المورد‪،‬‬
‫‪1990‬م)‪.‬‬
‫وكلمة ‪ Advocate‬هـي إحدى الترجمات النجليزيـة لكلمة‬
‫"البارقليـط" ‪ Paraclete‬التـي وردت فـي إنجيل يوحنـا علـى لسان‬
‫السيد المسيـح (عليه السلم) باعتباره "إسم" النبـي الموعود‪.‬‬
‫ويقول علماء اللغة إن كلمة "بارقليط" تحريف لكلمة بيرقليـط‬
‫‪ Periclyte‬وهـي الكلمة التـي يعتقـد أن السيد المسيح (عليه‬
‫السلم) تلفـظ بها‪ .‬وقـد قال بعض علماء أهل الكتاب (مـن أسلم‬
‫منهم ومن لم يسلم) أنها كلمة سريانية أو أرامية بمعنـى "أحمد"‬
‫أو النسـان الذي يحمـد حمدًا كثيًرا‪ .‬لمزيـد مـن التفصيل راجع‬
‫كتاب‪" :‬مـن المعمدانيـة إلـى السلم" قصـة إسلم المريكيـة‬
‫المهتديـة "جهادة جلكريز"‪ .‬التعليق رقم (‪ ،)1‬ص ‪ ، 25 ،24‬ورقم (‬
‫‪ ،)2‬ص ‪ ،27 ،26‬وقـد قمت بترجمتـه والتعليق عليه وصـدر ضمن‬
‫سلسلة "مكتبة ديدات"‪ .‬نشـر المختار السلمي بالقاهرة‪ .‬راجـع‬
‫ضا ص ‪ 28‬ـ ‪ 31‬مـن هذا الكتاب‪.‬‬‫أي ً‬
‫[‪ ]2‬نعم إن محمدًا صلى الله عليه وسلم حرر المرأة كما حرر‬
‫الرجل‪ ،‬ولكن مفهوم الحرية الذي نقصده ليس حرية أن تفعل‬
‫كل ما تشاء كيف تشاء متى تشاء‪ ،‬وإنما هي حرية قيمة تؤدي‬
‫بالمرأة إلى اليمان بالله والخضوع والستسلم له ومعرفة الله‬
‫الذي ل إله إل هو رب العالمين والنصياع لوامره ونواهيه‪.‬‬
‫فمنتهى الحرية أن تتحرر من جهل وأوهام وخرافات التعددية‬
‫والشرك والتثليث والمفاهيم الباطلة والعقائد المتهافتة والشرائع‬
‫مخل َ ًَ‬
‫صا‬ ‫صا ُ‬‫مخل ِ ً‬
‫الناقصة والجائرة والعادات الجاهلية وتكون عبدا ُ‬
‫لله الواحد القهار‪( .‬المترجم)‬
‫[‪ ]3‬إن محمدًا صلى الله عليه وسلم لم يدع أنه ملكًا ولم يدع‬
‫لنفسه أي لقب من اللقاب التي يلقب بها الناس أنفسهم مثل‬
‫لقب المبراطور أو قيصر أو كسرى أو عظيم القبط أو خاقان‬
‫البحرين أو شاهنشاه (أي ملك الملوك)‪ ،‬أو الفيورير (أي الزعيم‬
‫المطلق)‪ ،‬أو الميكادو (أي الباب العالي)‪ ،‬أو الزعيم الخالد أو‬
‫القائد الملهم أو زعيم "النظام العالمي الجديد"‪ ،‬أو غيرها من‬
‫اللقاب‪ ..‬وإنما ادعى لنفسه لقبين ل ينفكان عن بعضهما البعض‪:‬‬

‫‪98‬‬
‫"عبد الله ورسوله"‪ .‬عبد الله أولً‪ ،‬يقر فيها ويشهد برسالته‬
‫ومهمته التي اختصه الله وشرفه وكلفه بها للعالمين‪( .‬المترجم)‪.‬‬
‫[‪ ]4‬حقًا إن محمدًا صلى الله عليه وسلم هو سيد البشر‪ ،‬وليس‬
‫بدع ًا أن يقال له "سيد" في النطاق البشري؛ فقد قال الله تبارك‬
‫وتعالى في كتابه الكريم عن نبيه يحيى عليه َالسلم‪{ :‬فَنَادَت ْ ُ‬
‫ه‬
‫حيَى‬ ‫ك بِي َ ْ‬ ‫شُر َ‬‫ه يُب َ ّ ِ‬‫ن الل ّ َ‬‫ب أ َ َّ‬
‫حَرا ِ‬‫م ْ‬‫صل ِّي فِي ال ْ ِ‬ ‫ة وَهُوَ قَائ ِ ٌ‬
‫م يُ َ َ‬ ‫ملئِك َ ُ‬ ‫ال ْ َ‬
‫ن} [آل‬ ‫حي َ‬ ‫ن ال َّ‬
‫صال ِ ِ‬ ‫م َ‬ ‫صوًرا وَنَبِيًّا ِ‬‫ح ُ‬ ‫ن الل ّهِ وَ َ‬
‫سيِّدًا وَ َ‬ ‫م َ‬ ‫مةٍ ِ‬‫دّقًا بِكَل ِ َ‬ ‫ص ِ‬‫م َ‬ ‫ُ‬
‫عمران‪ ،]39 :‬وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم‪" :‬أنا سيد‬
‫ولد آدم ول فخر"‪ ،‬وبين سبب اكتسابه هذه المنزلة والسيادة بين‬
‫بني آدم كلهم هو أن جميع البشر بما فيهم الرسل والنبياء يأتي‬
‫كل منهم يوم القيامة يقول‪" :‬نفسي‪ ،‬نفسي"‪ ،‬إل رسول الله‬
‫صلى الله عليه وسلم فيقول‪" :‬أمتي‪ ،‬أمتي"‪ .‬فصلوات ربي‬
‫وسلمه وبركاته عليك وعلى آلك يا نبي الرأفة والرحمة يا سيدي‬
‫يا رسول الله‪( .‬المترجم)‪.‬‬
‫[‪ ]5‬هو "رينيه ديكارت" (‪ 1596‬ـ ‪1650‬م)‪ :‬فيلسوف وفيزيائي‬
‫ورياضي فرنسي‪ ،‬يعتبر مؤسس الفلسفة الحديثة (المورد‪،‬‬
‫‪1990‬م)‪.‬‬
‫[‪ ]6‬هو "أدولف هتلر" (‪ 1889‬ـ ‪1945‬م)‪ :‬زعيم ألمانيا النازية‪ .‬أدت‬
‫سياسته التوسعية إلى نشوب الحرب العالمية الثانية‪ ،‬انتحر‬
‫(المورد‪1990 ،‬م)‪.‬‬
‫[‪ ]7‬هو "توماس كارليل" (‪1881 – 1795‬م)‪ :‬كاتب ومؤرخ‬
‫وفيلسوف انجليزي (المورد‪1990 ،‬م)‪.‬‬
‫[‪ ]8‬عذر "كارليل" أن ثقافته مستمدة من الكتاب المقدس حيث‬
‫يقال له أن إسماعيل (عليه السلم) كان إنسانًا وحشيًا‪ .‬واستنادًا‬
‫إلى ذلك ـ سواء بوعي أو من غير وعي منه ـ أطلق صفة‬
‫"الوحشية" على العرب بني إسماعيل عليه السلم‪ .‬فقد جاء في‬
‫الكتاب المقدس "وإنه (أي إسماعيل) يكون إنسانًا وحشيًا"‪.‬‬
‫(التكوين ‪.)12 :16‬‬
‫[‪ ]9‬الفيلق‪ :‬وحدة من ثلثمائة إلى ستمائة جندي في زمن قدماء‬
‫الرومان "قاموس تشيمبرز للقرن العشرين" طبعة الهند ‪1972‬م‪.‬‬
‫[‪ ]10‬يقصد محمدًا عبد الله ورسوله صلى الله عليه وسلم‪.‬‬
‫(المترجم)‪.‬‬
‫َ‬
‫[‪ ]11‬استجابة وطاعة لمر ربه في القرآن الكريم‪{ :‬يَا أيُّهَا‬
‫َ‬ ‫ل إَّل قَلِيلً‪ .‬ن ِص َف َ‬ ‫َ‬
‫ه قَلِيلً‪ .‬أوْ زِد ْ ع َلَيْهِ‬ ‫من ْ ُ‬
‫ص ِ‬‫ه أوِ انْقُ ْ‬ ‫ْ ُ‬ ‫ل‪ .‬قُم ِ الل ّي ْ َ ِ‬ ‫م ُ‬ ‫مَّز ِّ‬ ‫ال ْ ُ‬
‫ن تَْرتِيلً} [المزمل‪( ]4 – 1 :‬المترجم)‪.‬‬ ‫ل الْقُْرآ َ‬ ‫وََرت ِّ ِ‬
‫[‪ ]12‬الزير‪ :‬يقال لجوفه أزير‪ :‬صوت‪ .‬و"أز" أًزا‪ ،‬وأزيًرا‪ ،‬وأزاًزا‪:‬‬
‫صوت من شدة الحركة أو الغليان‬ ‫َّ‬ ‫تحرك واضطرب‪ .‬و" أَّز"‪:‬‬

‫‪99‬‬
‫ويقال‪ :‬أز الرعد والقدر والطائرة‪ .‬و"أز" القدر وبها‪ :‬جعلها تئز‬
‫من الغليان‪( .‬المعجم الوسيط)‪.‬‬
‫[‪ ]13‬المرجل‪ :‬القدر من الطين المطبوخ‪ ،‬أو النحاس‪( .‬المعجم‬
‫الوسيط)‪.‬‬
‫[‪ ]14‬هذا العنوان وما بعده من كلم المؤرخ الفرنسي "لمارتين"‬
‫ملحق بنهاية الفصل الرابع من هذا الكتاب كهامش‪ ،‬مما يرجح أنه‬
‫إضافة من قبل المركز العالمي للدعوة السلمية في دربان‬
‫بجمهورية جنوب إفريقية‪ .‬وقـد رأينا لعتبارات فنية جعله في‬
‫المتن الصلي للكتاب مع وجوب التنويه على ذلك‪( .‬المترجم)‬
‫[‪ ]15‬هو "ألفونس دو لمارتين" (‪ 1790‬ـ ‪1869‬م)‪ :‬شاعر وسياسي‬
‫فرنسي‪ .‬يعتبر أحـد أكبر شعراء المدرسة الرومانتيكية الفرنسية‪.‬‬
‫(المورد‪1990 ،‬م)‪.‬‬
‫[‪ ]16‬النصاب‪ :‬جمع مفرده نصب‪ .‬والنصب‪ :‬ما يذبح عليه لغير‬
‫ب} [المائدة‪:‬‬ ‫ص ِ‬‫ح ع َلَى الن ُّ ُ‬ ‫ما ذ ُب ِ َ‬ ‫{و َ‬‫َ‬ ‫الله‪ .‬يقول الله تبارك وتعالى‪:‬‬
‫‪ ،]3‬ويقول خالد الزعفراني في مصحف القادسية المفسر‬
‫مختصر تفسير الطبري‪{" :‬وما ذبح على النصب} يعني حرم‬
‫ضا ـ ما ذبح على النصب وهي الوثان‪ ،‬وكانت حجارة‬ ‫عليكم ـ أي ً‬
‫ضا‪" :‬النصاب التي كانوا يذبحون‬ ‫تجمع‪ ،‬ويذبح عليها"‪ .‬ويقول أي ً‬
‫َ‬
‫ب‬‫صا ُ‬‫سُر وَاْلن ْ َ‬ ‫مُر وَال ْ َ‬
‫مي ْ ِ‬ ‫ما ال ْ َ‬
‫خ ْ‬ ‫عندها"‪ .‬ويقول سبحانه وتعالى‪{ :‬إِن َّ َ‬
‫مل ال َّ‬ ‫َ‬
‫جتَنِبُوهُ} [المائدة‪,]90 :‬‬ ‫ن فَا ْ‬ ‫شيْطَا ِ‬ ‫ن عَ َ ِ‬
‫م ْ‬
‫س ِ‬ ‫ج ٌ‬ ‫وَاْلْزل ُ‬
‫م رِ ْ‬
‫ضا‪ :‬ما نصب وعبد من دون الله‪( .‬المعجم الوسيط)‬ ‫و"النصب" أي ً‬
‫(المترجم)‪.‬‬
‫[‪ ]17‬اللهوت‪ :‬اللوهية‪ ،‬كما يقال الناسوت‪ :‬لطبيعة النسان‪.‬‬
‫و"علم اللهوت"‪ :‬علم يبحث في وجود الله وذاته وصفاته‪ .‬ويقوم‬
‫ضا‬
‫عند المسيحيين مقام علم الكلم عند المسلمين‪ ،‬وسمي أي ً‬
‫"علم الربوبية واللهيات"‪( ،‬المعجم الوسيط)‪ .‬قلت‪ :‬ومقارنته‬
‫بعلم الكلم عند المسلمين فيه نظر لما ورد في الحديث النبوي‬
‫من النهي عن التفكر في ذات الله لنه يؤدي إلى الهلك‪.‬‬
‫(المترجم)‬
‫[‪ ]18‬يعني أن العقيدة السلمية كانت أشمل وأدق فيما يتعلق‬
‫بأسماء الله سبحانه وتعالى وصفاته وأفعاله وذلك حين أثبتت ما‬
‫أثبته الله تبارك وتعالى لنفسه من أسماء وصفات وأفعال في‬
‫القرآن الكريم وما أثبته له رسوله صلى الله عليه وسلم من ذلك‬
‫في أحاديثه‪ .‬ونفت ما نفاه الله تعالى عن نفسه من أسماء‬
‫وصفات وأفعال في القرآن الكريم وما نفاه عنه رسوله صلى‬
‫الله عليه وسلم من ذلك في أحاديثه‪( .‬المترجم)‬
‫‪ .55‬تراث خالد للعالم‬

‫‪100‬‬
‫أكثر من أمين‪:‬‬
‫هناك قول مأثور بأن الرجل المين هـو أفضل خلق الله‪ .‬وقد كان‬
‫محمد أكثر من أمين[‪ .]1‬لقد كان إنسانًا بكل ما في الكلمة من‬
‫معان‪ .‬وكانت سعادة نفسه ورضاها في التعاطف والتواد والمحبة‬
‫النسانية‪.‬‬
‫لقد كان الهدف من بعثته ورسالته وكل الغاية من حياته ومنتهاها‬
‫هو أن يخدم النسان وأن يهذب النسان وأن يزكي النسان وأن‬
‫يعلم النسان‪ ،‬وباختصار أن يجعل من النسان إنسانًا متمدنًا‬
‫متحضًرا‪.‬‬
‫لقد كان مصدر إلهامه الوحيد والقاعدة الهادية الوحيدة له في‬
‫أفكاره وأقواله وأفعاله هو المصلحة البشرية[‪.]2‬‬
‫لقد كان محمد غير متباه وغير متفاخر إلى أبعد الحدود‪ ،‬وكان‬
‫منكًرا لذاته إلى أقصى درجة‪ .‬وما هي اللقاب التي اتخذها‬
‫لنفسه؟ إنهما لقبان فقط‪ :‬عبد الله ورسوله‪ .‬عبده أول ً ثم‬
‫رسوله‪ ،‬رسول نبي مثل كثير من النبياء في كل مكان من هذا‬
‫العالم بعضهم معروف لنا وكثيرا منهم ل نعرفهم[‪.]3‬‬
‫ما‪.‬‬‫وإذا لم يعتقد إنسان ما بأي من هذه الحقائق فإنه لم يعد مسل ً‬
‫إنها من شروط إيمان جميع المسلمين‪.‬‬
‫يقول أحد الكتاب الغربيين‪:‬‬
‫"إذا نظرنا إلى الظروف المحيطة فـي زمنه والحترام غير‬
‫المحدود من أتباعه له‪ ،‬فإن أكثر المور إعجاًزا في شأن محمد‬
‫هو أنه لم يدع أبدًا القوة أو القدرة على عمل المعجزات"‪.‬‬
‫لقد جرت المعجزات على يديه ولكن ليس لكي ينشر دينه‪ .‬وكان‬
‫يعزوها بالكلية إلى الله وطرقه التي هي فوق البحث والتفسير‪،‬‬
‫وكان يقول بصراحة ووضوح إنه بشر مثلهم[‪ .]4‬فلم يكن له كنوز‬
‫في الرض ول في السماء‪ ،‬ولم يزعم أنه يعلم أسرار المستقبل‪.‬‬
‫كل ذلك جرى في زمن كانت تعتبر فيه المعجزات حوادث عادية‪،‬‬
‫تجري بإرادة أقل القديسين قدًرا‪ ،‬وعندما كان الجو كله مشحونًا‬
‫باليمان بالقوة الخارقة الطبيعية سواء في جزيرة العرب أو‬
‫خارجها‪.‬‬
‫التوجه العلمي تركة محمد‪:‬‬
‫لقد وجه محمد انتباه أتباعه للنظر في الكون وسننه حتى‬
‫يفهمونها ويقدرون مجد الله حق قدره‪.‬‬
‫َ‬
‫ن‪.‬‬
‫عبِي َ‬‫ما ل ِ‬ ‫ما بَيْنَهُ َ‬
‫ض وَ َ‬‫ت وَاْلْر َ‬ ‫ماوَا ِ‬‫س َ‬ ‫خلَقْنَا ال َّ‬ ‫ما َ‬ ‫يقول القرآن‪{ َ :‬وَ َ‬
‫َ‬
‫ن} [الدخان‪]39 – 38 :‬‬ ‫مو َ‬‫م ل يَعْل َ ُ‬
‫ن أكْثََرهُ ْ‬ ‫قّ وَلَك ِ َّ‬ ‫ما إ ِ ّل بِال ْ َ‬
‫ح ِ‬ ‫خلَقْنَاهُ َ‬
‫ما َ‬‫َ‬
‫[‪.]5‬‬

‫‪101‬‬
‫ما أو خدعة ول هو مخلوق بل هدف‪ ،‬إنه خلق‬ ‫إن العالم ليس وه ً‬
‫بالحق‪ .‬إن عدد آيات القرآن الداعية إلى تدبر الكون هي عدة‬
‫أضعاف تلك اليات المتعلقة بالصلة والصوم والحج‪ ...‬إلخ‬
‫مجتمعة‪ ,‬وبدأ المسلمون بتأثيرها يلحظون الكون ملحظة دقيقة‬
‫وتولد عن هذا روح الملحظة والتجربة العلمية التي لم تكن‬
‫معروفة لقدماء اليونانيين‪.‬‬
‫إن ابن البيطار[‪ ]6‬عالم النبات المسلم كتب مؤلفاته في علم‬
‫النبات بعد أن جمع النباتات من جميع أنحاء العالم‪ ،‬وقد وصفه‬
‫"ماير" في كتابه "‪ "Gesch der Botanika‬بأنه أحد أبرز علماء الصناعة‪.‬‬
‫وارتحل البيروني[‪ ]7‬مدة أربعين سنة لجمع العينات الخاصة بعلم‬
‫المعادن‪ ،‬وقد رصد علماء الفلك المسلمون بعض المشاهدات‬
‫الدقيقة على امتداد أكثر من اثنتي عشرة سنة‪ ،‬بينما كتب‬
‫أرسطو[‪ ]8‬مؤلفاته في علم الطبيعة بدون إجراء تجربة واحدة‪،‬‬
‫وكتب بإهمال في التاريخ الطبيعي مقرًرا أن للنسان أسنانًا أكثر‬
‫من الحيوان بدون أن يكلف نفسه عناء التحقق بالتجربة من هذه‬
‫الحقيقة التي يمكن إثباتها ببساطة شديدة‪.‬‬
‫الغرب مدين للعرب في العلوم‪:‬‬
‫أخبر "جالين"[‪ ]9‬أعظم خبير في علم التشريح التقليدي بأن الفك‬
‫السفلي يتكون من عظمتين‪ .‬وقد ظل هذا التقرير مقبول ً بل‬
‫اعتراض لقرون حتى تجشم عبد اللطيف مشقة فحص الهيكل‬
‫العظمي للنسان‪.‬‬
‫ويعطي "روبر بريفو" في كتابه المعروف "صناعة البشرية" عدة‬
‫أمثلة أخرى مشابهة ثم يقرر‪:‬‬
‫منا للعرب ل يكمن في الكتشافات المثيرة أو‬ ‫عل ِ‬
‫"إن دَيْن ِ‬
‫النظريات الثورية‪ .‬إن العلم مدين لثقافة العرب[‪ ]10‬بشيء أعظم‬
‫من ذلك بكثير‪ ،‬إنه مدين لها بوجوده"‪ .‬ويقول نفس المؤلف‪" :‬إن‬
‫قدماء اليونانيين نظموا وصنفوا ورتبوا منهجيًا وعمموا ووضعوا‬
‫النظريات‪ ،‬ولكن الساليب والطرق المتأنية في البحث وتجميع‬
‫العلم اليجابي أو الحقيقي وطرق العلم الدقيقة والملحظة‬
‫الدقيقة والممتدة والبحث التجريبي‪ ،‬كلها أمور بعيدة عن المزاج‬
‫ما نشأ في أوروبا نتيجة‬ ‫اليوناني ومخالفة له‪ .‬إن ما نسميه عل ً‬
‫لطرق جديدة للبحث ونتيجة لطريقة التجربة والملحظة والقياس‬
‫ونتيجة لتطور الرياضيات بشكل لم يكن معروفا لليونانيين‪ ...‬إن‬
‫هذه الروح وتلك الطرق أدخلت إلى العالم الوروبي للمرة الولى‬
‫بواسطة العرب"‪.‬‬
‫شهادة غير المسلمين في محمد (صلى الله عليه وسلم)‪:‬‬

‫‪102‬‬
‫‪1‬ـ يقول "إدوارد جيبون"[‪ ]11‬و"سيمون أوكلي" في كتاب "تاريخ‬
‫المبراطورية العربية السلمية" طبعة لندن ‪1870‬م‪ ،‬ص ‪:54‬‬
‫"ل إله إل الله محمد رسول الله هي عقيدة السلم البسيطة‬
‫والثابتة‪ ،‬إن التصور الفكري للله (في السلم) لم ينحدر أبدًا إلى‬
‫وثن مرئي أو منظور‪ ،‬ولم يتجاوز توقير المسلمين للرسول أبدًا‬
‫حد اعتباره بشًرا‪ ،‬وقيدت أفكاره النابضة بالحياة شعور الصحابة‬
‫بالمتنان والعرفان تجاهه‪ ،‬داخل حدود العقل والدين"‪.‬‬
‫‪2‬ـ يقول "ديوان شند شرمة" في كتابه‪" :‬أنبياء الشرق" طبعة‬
‫كلكتا ‪1935‬م‪ ،‬ص ‪:122‬‬
‫"لقد كان محمد روح الرأفة والرحمة‪ ،‬وكان الذين حوله يلمسون‬
‫تأثيره ولم يغب عنهم أبدًا"‪.‬‬
‫‪3‬ـ يقول "جون وليام دريبر" الحاصل على دكتوراه في الطب‬
‫والحقوق في كتابه "تاريخ التطور الفكري الوروبي" طبعة لندن‬
‫‪1875‬م‪ ،‬المجلد الول‪ ،‬ص ‪:230 ،229‬‬
‫"ولد في مكة بجزيرة العرب عام ‪569‬م‪ ،‬بعد أربع سنوات من‬
‫موت "جوستنيان الول"[‪ ]12‬الرجل الذي كان له ـ من دون جميع‬
‫الرجال ـ أعظم تأثير على الجنس البشري‪ ..‬وهو محمد"‪.‬‬
‫‪4‬ـ يقول "ر‪ .‬ف‪ .‬س‪ .‬بودلي" في "الرسول" لندن ‪1946‬م‪ ،‬ص ‪:9‬‬
‫"إنني أشك أن أي إنسان ل يتغير لكي يلئم ويوافق التغيرات‬
‫الكثيرة جدًا في ظروفه الخارجية‪ ،‬كما لم يتغير محمد ‪.‬‬
‫‪5‬ـ يقول "هـ‪ .‬أ‪ .‬ر‪ .‬جب"[‪ ]13‬في كتاب "المحمدية"[‪ ]14‬طبعة لندن‬
‫‪1953‬م‪ ،‬ص ‪:33‬‬
‫"إنه من المسلم به عالميًا بصفة عامة أن إصلحاته (أي محمد)‬
‫رفعت من قدر المرأة ومنزلتها ووضعها الجتماعي والشرعي"[‬
‫‪.]15‬‬
‫‪-------------‬‬
‫الهوامش‪:‬‬
‫[‪ ]1‬المين‪ :‬صفة من صفات النبي محمد صلى الله عليه وسلم‬
‫اشتهر بها بين الناس حتى قبل بعثته؛ فقد عرف بالصادق المين‪.‬‬
‫والكلمة التي استخدمها المؤلف في الصل النجليزي هي‬
‫"أونست" (‪ )honest‬وهي تعني المين وتعني أيضا الصادق‬
‫والمحترم والفاضل والمستقيم والصريح والمخلص‪ .‬وكما هو‬
‫معروف فإنها جميعها صفات تنطبق على محمد صلى الله عليه‬
‫وسلم‪ .‬وقد اخترنا ترجمتها بلفظ المين لنها الصفة التي اتصف‬
‫بها وشاركه النبياء من قبله في التصاف بها كما جاء في القرآن‬
‫ت‬ ‫َ‬
‫الكريم عن موسى عليه السلم في قوله تبارك وتعالى‪{ :‬يَا أب َ ِ‬

‫‪103‬‬
‫ْ‬ ‫ْ‬
‫ن} [القصص‪]26 :‬‬ ‫مي ُ‬ ‫ت الْقَوِيُّ اْل َ ِ‬ ‫جْر َ‬ ‫ستَأ َ‬ ‫نا ْ‬ ‫م ِ‬ ‫خيَْر َ‬ ‫ن َ‬ ‫جْره ُ إ ِ َّ‬‫ستَأ ِ‬ ‫ا ْ‬
‫(المترجم)‪.‬‬
‫[‪ ]2‬نحن نؤمن بأن القرآن الكريم والسنة النبوية الصحيحة‬
‫القولية والفعلية والتقريرية وحي من عند الله كما قال الله تبارك‬
‫ن الْهَوَى‪.‬‬ ‫ما يَنْطِقُ ع َ ِ‬ ‫{و َ‬
‫ورسوله في كتابه‪َ :‬‬ ‫وتعالى واصفًا عبده‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫شدِيد ُ الْقُوَى} [النجم‪ .]5 – 3 :‬وقال‬ ‫ه َ‬ ‫حى‪ ،‬ع َل ّ َ‬
‫م ُ‬ ‫ي يُو َ‬ ‫ح ٌ‬ ‫ن هُوَ إ ِ ّل وَ ْ‬ ‫إِ ْ‬
‫َ‬
‫حدِيثًا فَل َّ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫سَّر الن ّب ِ ُّ‬ ‫َ‬
‫ما‬ ‫جهِ َ‬ ‫ض أْزوَا ِ‬ ‫ي إِلى بَعْ َ ِ‬ ‫سبحانه وتعالى‪{ :‬وَإِذ ْ أ َ‬
‫ض فَل َ َّ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫ما‬ ‫ن بَعْ ٍ‬ ‫ض عَ ْ‬ ‫ه وَأعَْر َ‬ ‫ض ُ‬ ‫ف بَعْ َ‬ ‫ه ع َلَيْهِ عََّر َ‬ ‫ت بِهِ وَأظْهََره ُ الل ّ ُ‬ ‫نَبَّأ ْ‬
‫ك هذ َا قَا َ َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫خبِيُر} [التحريم‪:‬‬ ‫م ال ْ َ‬‫ي الْعَلِي ُ‬ ‫ل نَبَّأن ِ َ‬ ‫ن أَنْبَأ َ َ‬ ‫م ْ‬ ‫ت َ‬ ‫نَبَّأهَا بِهِ قَال َ ْ‬
‫‪ ،]3‬وهو يدل على أن ثمة وحي آخر غير القرآن الكريم يظهر الله‬
‫نبيه عليه‪ .‬وكما قال صلى الله عليه وسلم‪" :‬أل إنني أوتيت‬
‫القرآن ومثله معه" (معنى الحديث)‪( .‬المترجم)‬
‫ن‬‫م ْ‬ ‫ك ِ‬ ‫َ‬
‫م ع َلي ْ َ‬ ‫صنَاهُ ْ‬ ‫ص ْ‬ ‫سل ً قَ َد ْ قَ َ‬ ‫[‪ ]3‬يقول الله تبارك وتعالى‪{ :‬وَُر ُ‬
‫م الل ّ‬ ‫َ َ َ َّ‬ ‫سل ً ل َ‬
‫ما} [النساء‪:‬‬ ‫سى تَكْلِي ً‬ ‫مو َ‬
‫َّ‬ ‫ُ‬ ‫ه‬
‫ُ‬ ‫َ‬ ‫م ع َلي ْك وَكل‬ ‫ْ‬ ‫ُ‬ ‫صه‬ ‫ْ‬ ‫ص‬
‫ُ‬ ‫م نَقْ‬ ‫ْ‬ ‫ل وَُر ُ‬ ‫قَب ْ ُ‬
‫خل فِيهَا نَذِيٌر}‬ ‫مةٍ إ ِل َ‬ ‫ُ‬
‫ن أ َّ‬ ‫م ْ‬ ‫ن ِ‬ ‫‪ ،]164‬وقال سبحانه وتعالى‪{ :‬وَإ ِ ْ‬
‫[فاطر‪( ]24 :‬المترجم)‪.‬‬
‫ل إن َما أناَ‬
‫[‪ ]4‬يقول الله تبارك وتعالى لنبيه في القرآن الكريم‪{ :‬قُ ْ ِ ّ َ َ‬
‫شر مثْلُك ُم يوحى إل َ َ َ‬
‫حدٌ} [الكهف‪]110 :‬‬ ‫ه وَا ِ‬ ‫م إِل َ ٌ‬ ‫ما إِلَهُك ُ ْ‬ ‫ي أن َّ َ‬ ‫ِ ّ‬ ‫ْ ُ َ‬ ‫بَ َ ٌ ِ‬
‫(المترجم)‪.‬‬
‫[‪ ]5‬الخلق كله هو من أجل هدف حكيم عادل‪ .‬ولكن الناس عادة‬
‫ل يدركون ول يفهمون ذلك؛ لنهم منغمسون في جهلهم‬
‫وحماقتهم وأهوائهم‪( .‬المؤلف أو المركز العالمي للدعوة‬
‫السلمية في دربان بجمهورية جنوب إفريقية)‪.‬‬
‫ملحوظة‪ :‬هذا كلم المؤلف الهندوسي‪.‬‬
‫[‪ ]6‬هو "عبد الله بن أحمد" المعروف بابن البيطار‪ ،‬توفي عام‬
‫‪1248‬م‪ :‬عالم نبات عربي أشهر مصنفاته‪" :‬الدوية المفردة"‪.‬‬
‫(المورد‪1990 ،‬م)‪.‬‬
‫[‪ ]7‬البيروني (‪1048 – 973‬م)‪ :‬مؤرخ ورياضي وعالم فلكي عربي‪.‬‬
‫قال بأن الرض تدور حول محورها‪( .‬المورد‪1990 ،‬م)‪.‬‬
‫[‪ ]8‬أرسطو (‪ 322 – 384‬قبل ميلد المسيح)‪ :‬فيلسوف يوناني‪ .‬يعد‬
‫واحدًا من أعظم الفلسفة في جميع العصور‪( .‬المورد‪1990 ،‬م)‪.‬‬
‫[‪ ]9‬جالينوس (‪199 – 129‬م)‪ :‬طبيب يوناني‪ .‬يعد أحد أكبر الطباء‬
‫في العصور القديمة (المورد‪1990 ،‬م)‪.‬‬
‫[‪ ]10‬ما هو مصدر ثقافة العرب وحضارتهم غير القرآن والسلم‪.‬‬
‫انظر‪ :‬كتاب "التراث العربي للحضارة الغربية" تأليف "روم‬
‫لندو"‪ ،‬وسوف نقوم بترجمته والتعليق عليه بعون الله قريبًا إن‬
‫شاء الله‪( .‬المترجم)‬

‫‪104‬‬
‫[‪ ]11‬إدوارد جيبون (‪1794 – 1737‬م)‪ :‬مؤرخ إنجليزي‪ ،‬يعتبر أعظم‬
‫المؤرخين النجليز في عصره‪( .‬المورد‪1990 ،‬م)‪.‬‬
‫[‪ ]12‬جوستنيان أويوستنيانوس الول (‪565 – 483‬م)‪ :‬إمبراطور‬
‫بيزنطي‪ ،‬جمع الشرائع الرومانية ودونها‪( .‬المورد‪1990 ،‬م)‪.‬‬
‫[‪ ]13‬هو "هاملتون الكسندر جب"‪ :‬مستشرق إنجليزي عني‬
‫بتعريف الغربيين بالتراث السلمي‪( .‬المورد‪1990 ،‬م)‪.‬‬
‫[‪ ]14‬يقصد السلم‪ .‬ولكن كبر على المشركين ما يدعوهم محمد‬
‫صلى الله عليه وسلم إليه‪ ،‬فنسبوا الدعوة والرسالة إليه لكي‬
‫ما وعلوًا واستكباًرا ومكًرا‪ ،‬ولكن هيهات‬ ‫ورسالته ظل ً‬ ‫ينفوا نبوته‬
‫ْ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ّ‬ ‫َ‬ ‫ّ‬ ‫ْ‬
‫م نُوَرهُ وَلوْ كَرِه َ الكَافُِرو َ‬
‫ن} [التوبة‪.]32 :‬‬ ‫ن يُت ِ َّ‬
‫ه إ ِل أ ْ‬ ‫{وَيَأبَى الل ُ‬
‫راجع ص ‪ 12 – 10‬مـن هذا الكتاب (المترجم)‪.‬‬
‫[‪ ]15‬لقد أعطى السلم المرأة الحق في الحياة والحرية وقد‬
‫كانت توئد من قبل وتُوََّرث‪ .‬وأعطاها الحق في أن ترث وتشهد‬
‫وتبيع وتشتري وتمتلك وسمح لها بالمشاركة في البناء الروحي‬
‫والفكري والمادي وبجملة الحضارى للمة‪ .‬وهي جميعها حقوق‬
‫ومجالت كانت محرومة منها ومحظورة عليها من قبل أن يقررها‬
‫السلم‪( .‬المترج‬
‫‪------------------‬‬
‫‪ .56‬ليتنر‪ :‬المسيحي الصادق من يعترف بمحمد‬
‫ليتنر‪ :‬المسيحي الصادق من يعترف بمحمد*‬
‫ي اليهود والنصارى أقول بأن ما علمه‬ ‫"بقدر ما أعرف من دين ْ‬
‫سا بل قد (أوحي إليه‬ ‫محمد ‪-‬صلى الله عليه وسلم‪ -‬ليس اقتبا ً‬
‫به)‪ ،‬ول ريب بذلك طالما نؤمن بأنه قد جاءنا وحي من لدن عزيز‬
‫عليم‪ .‬وإني بكل احترام وخشوع أقول‪ :‬إذا كان تضحية الصالح‬
‫الذاتي‪ ،‬وأمانة المقصد‪ ،‬واليمان القلوب الثابت‪ ،‬والنظر الصادق‬
‫الثاقب بدقائق وخفايا الخطيئة والضلل‪ ،‬واستعمال أحسن‬
‫الوسائط لزالتها‪ ،‬فذلك من العلمات الظاهرة الدالة على نبوة‬
‫محمد (صلى الله عليه وسلم) وأنه قد أوحي إليه"‪**.‬‬
‫"إن الديانة النصرانية التي ود ّ محمد (صلى الله عليه وسلم)‬
‫إعادتها لصلها النقي كما بشر بها المسيح (عليه السلم) تخالف‬
‫سرية التي أذاعها بولس والغلط الفظيعة التي أدخلها‬ ‫التعاليم ال ّ‬
‫عليها شيع النصارى‪ ..‬ولقد كانت آمال محمد (صلى الله عليه‬
‫وسلم) وأمانيه أن ل تخصص بركة دين إبراهيم (عليه السلم)‬
‫لقومه خاصة‪ ،‬بل تعم الناس جميعًا‪ ،‬ولقد صار دينه الواسطة‬
‫لرشاد وتمدن المليين من البشر‪ ،‬ولول هذا الدين للبثوا غرقى‬
‫في التوحش والهمجية‪ ،‬ولما كان لهم هذا الخاء المعمول به في‬
‫دين السلم"‪.‬‬

‫‪105‬‬
‫"‪ ..‬لما بلغ (صلى الله عليه وسلم) السنة الخامسة والعشرين‬
‫ما‪ ،‬وهذه تشابه امرأة‬ ‫من العمر تزوج امرأة عمرها (أربعون عا ً‬
‫ما في أوربا‪ ،‬وهي أول من آمن برسالته‬ ‫عمرها خمسون عا ً‬
‫ما لم‬ ‫المقدسة‪ ..‬وبقيت خديجة (رضي الله عنها) معه عشرين عا ً‬
‫يتزوج عليها قط حتى ماتت (رضي الله عنها)‪ .‬ولما بلغ من العمر‬
‫سا وخمسين سنة صار يتزوج الواحدة بعد الخرى‪ .‬لكن ليس‬ ‫خم ً‬
‫من الستقامة والصدق أن ننسب ما ل يليق لرجل عظيم صرف‬
‫كل ذاك العمر بالطهارة والعفاف‪ ،‬فل ريب أن لزواجه بسن الكبر‬
‫أسبابًا حقيقية غير التي يتشدق بها كتاب النصارى بهذا الخصوص‪،‬‬
‫وما هي تلك السباب يا ترى؟ ول ريب هي شفقته على نساء‬
‫أصحابه الذين قتلوا‪.‬‬
‫"‪ ..‬مرة‪ ،‬أوحى الله تعالى إلى النبي (صلى الله عليه وسلم) وحيًا‬
‫شديد المؤاخذة لنه أدار وجهه عن رجل فقير أعمى ليخاطب‬
‫رجل ً غنيًّا من ذوي النفوذ‪ ،‬وقد نشر ذاك الوحي‪ ،‬فلو كان (صلى‬
‫الله عليه وسلم) كما يقول أغبياء النصارى بحقه لما كان لذاك‬
‫الوحي من وجود‪.‬‬
‫"‪ ..‬إني لجهر برجائي بمجيء اليوم الذي به يحترم النصارى‬
‫ما وذلك باحترامهم محمدًا‬ ‫ما عظي ً‬
‫المسيح (عليه السلم) احترا ً‬
‫(صلى الله عليه وسلم)‪ ،‬ول ريب في أن المسيحي المعترف‬
‫برسالة محمد (صلى الله عليه وسلم) وبالحق الذي جاء به هو‬
‫المسيحي الصادق"‪.‬‬
‫ــــــــــــ‬
‫*ليتنر ‪ ightner‬باحث إنكليزي‪ ،‬حصل على أكثر من شهادة دكتوراه‬
‫في الشريعة والفلسفة واللهوت‪ ،‬وزار الستانة عام ‪ ،1854‬كما‬
‫طوف بعدد من البلد السلمية والتقى برجالتها وعلمائها‪.‬‬
‫**عن كتاب‪ :‬دين السلم ليت‬
‫‪ .57‬دُّراني‪ :‬محمد رجل فوق التصور‬
‫رجل فوق التصور*‬
‫أستطيع أن أقول بكل قوة إنه ل يوجد مسلم جديد واحد ل‬
‫يحمل في نفسه العرفان بالجميل لسيدنا محمد ‪ -‬صلى الله عليه‬
‫وسلم‪ -‬لما غمره به من حب وعون وهداية وإلهام فهو القدوة‬
‫الطيبة التي أرسلها الله رحمة لنا وحبًا بنا حتى نقتفي أثره"‪.‬‬
‫"‪ ..‬وأخيرا أخذت أدرس حياة النبي محمد ‪ -‬صلى الله عليه‬
‫وسلم‪ -‬فأيقنت أن من أعظم الثام أن نتنكر لذلك الرجل الرباني‬
‫الذي أقام مملكة لله بين أقوام كانوا من قبل متحاربين ل‬
‫يحكمهم قانون‪ ،‬يعبدون الوثن‪ ،‬ويقترفون كل الفعال المشينة‪،‬‬
‫فغير طرق تفكيرهم‪ ،‬ل بل بدل عاداتهم وأخلقهم‪ ،‬وجمعهم تحت‬

‫‪106‬‬
‫راية واحدة وقانون واحد ودين واحد وثقافة واحدة وحضارة‬
‫واحدة وحكومة واحدة‪ ،‬وأصبحت تلك المة التي لم تنجب رجلً‬
‫ما واحدًا يستحق الذكر منذ عدة قرون‪ ،‬أصبحت تحت تأثيره‬ ‫عظي ً‬
‫وهديه تنجب ألوفًا من النفوس الكريمة التي انطلقت إلى أقصى‬
‫أرجاء المعمورة تدعو إلى مبادئ السلم وأخلقه ونظام الحياة‬
‫السلمية وتعلم الناس أمور الدين الجديد‪.‬‬
‫ما كاملة من‬ ‫"‪ ..‬تحمل ‪ -‬صلى الله عليه وسلم‪ -‬ثلثة عشر عا ً‬
‫المتاعب في مكة دون انقطاع‪ ،‬وثماني سنوات في المدينة دون‬
‫توقف‪ ،‬فتحمل ذلك كله‪ ،‬فلم يتزحزح شعرة عن موقفه‪ ،‬وكان‬
‫صامدًا‪ ،‬رابط الجأش‪ ،‬صلبًا في أهدافه وموقفه‪ .‬عرض عليه‬
‫قومه أن ينصبوه ملكًا عليهم وأن يضعوا عند قدميه كل ثروات‬
‫البلد إذا كف عن الدعوة إلى دينه ونشر رسالته‪ .‬فرفض هذه‬
‫الغراءات كلها فاختار بدل ً من ذلك أن يعاني من أجل دعوته‪.‬‬
‫لماذا؟ لماذا لم يكترث أبدًا للثروات والجاه والملك والمجد‬
‫والراحة والدعة والرخاء؟ ل بد أن يفكر المرء في ذلك بعمق‬
‫شديد إذا أراد أن يصل إلى جواب عليه‪.‬‬
‫"هل بوسع المرء أن يتصور مثال ً للتضحية بالنفس وحب الغير‬
‫والرأفة بالخرين أسمى من هذا المثال حيث نجد رجل ً يقضي‬
‫على سعادته الشخصية لصالح الخرين‪ ،‬بينما يقوم هؤلء القوم‬
‫أنفسهم الذين يعمل على تحسين أحوالهم ويبذل أقصى جهده‬
‫في سبيل ذلك يقومون برميه بالحجارة والساءة إليه ونفيه‬
‫وعدم إتاحة الفرصة له للحياة الهادئة حتى في منفاه‪ ،‬وأنه رغم‬
‫كل ذلك يرفض أن يكف عن السعي لخيرهم؟ هل يمكن لحد أن‬
‫يتحمل كل هذا العناء واللم من أجل دعوة السعي لخيرهم؟ هل‬
‫يمكن لحد أن يتحمل كل هذا العناء واللم من أجل دعوة مزيفة؟‬
‫هل يستطيع أي إنسان غير مخلص‪ ..‬أن يبدي هذا الثبات‬
‫والتصميم على مبدئه والتمسك به حتى آخر رمق دون أدنى وجل‬
‫أو تعثر أمام الخطار وصنوف التعذيب التي يمكن تصورها وقد‬
‫قامت عليه البلد بأكملها وحملت السلح ضده؟‪.‬‬
‫"إن هذا اليمان وهذا السعي الحثيث وهذا التصميم والعزم الذي‬
‫قاد به محمد ‪-‬صلى الله عليه وسلم‪ -‬حركته حتى النصر النهائي‪،‬‬
‫إنما هو برهان بليغ على صدقه المطلق في دعوته‪ .‬إذ لو كانت‬
‫في نفسه أدنى لمسة من شك أو اضطراب لما استطاع أبدًا أن‬
‫ما‬
‫يصمد أمام العاصفة التي استمّر أوارها أكثر من عشرين عا ً‬
‫كاملة‪ .‬هل بعد هذا من برهان على صدق كامل في الهدف‬
‫واستقامة في الخلق وسمو في النفس كل هذه العوامل تؤدي ل‬
‫محالة إلى الستنتاج الذي ل مفر منه وهو أن هذا الرجل هو‬

‫‪107‬‬
‫رسول الله حقًا‪ .‬هذا هو نبينا محمد ‪-‬صلى الله عليه وسلم‪ -‬إذ‬
‫جا كامل ً للفضيلة والخير‪ ،‬ورمًزا‬ ‫كان آية في صفاته النادرة ونموذ ً‬
‫للصدق والخلص‪ ..‬إن حياته وأفكاره وصدقه واستقامته‪ ،‬وتقواه‬
‫وجوده‪ ،‬وعقيدته ومنجزاته‪ ،‬كل أولئك براهين فريدة على نبوته‪.‬‬
‫فأي إنسان يدرس دون تحيّز حياته ورسالته سوف يشهد أنه حقًا‬
‫رسول من عند الله‪ ،‬وأن القرآن الذي جاء به للناس هو كتاب‬
‫الله حقًا‪ .‬وكل مفكر منصف جاد يبحث عن الحقيقة لبد ّ أن يصل‬
‫إلى هذا الحكم‪**.‬‬
‫ــــــــــــــ‬
‫* الدكتور م‪ .‬ج‪ .‬دُّراني ‪ Dr. M. H. Durrani‬سليل أسرة مسلمة منذ‬
‫القدم‪ ،‬أصبح نصرانيًا في فترة مبكرة من حياته وتحت تأثير إحدى‬
‫حا من حياته في كنيسة‬ ‫المدارس التنصيرية المسيحية‪ ،‬وقضى رد ً‬
‫سا منذ عام ‪ 1939‬وحتى عام ‪ 1963‬حيث‬ ‫إنكلترا‪ ،‬حيث عمل قسي ً‬
‫جاءه السلم "كما يأتي فصل الربيع"‪ ،‬فعاد إلى دين آبائه‬
‫وأجداده‪.‬‬
‫**من كتاب رجال ونساء أسلموا‪.‬‬
‫‪ .58‬ذكر النبي الخاتم ووصف أمته ومكان دعوته ما‬
‫زال بين سطور التوراة‬
‫ذكر النبي الخاتم ووصف أمته ومكان دعوته ما زال بين سطور‬
‫التوراة‬
‫الكاتب‪ :‬الدكتور محمد عبد الخالق شريبة‬
‫َ َ َ ُ َ َّ‬ ‫َ‬
‫ه‬
‫جدُون َ ُ‬‫ي الذِي ي َ ِ‬ ‫م ّ‬ ‫ي ال ِّ‬ ‫سول الن ّب ِ ّ‬ ‫ن الَّر ُ‬ ‫ن يَتَّبِعُو َ‬ ‫َ‬ ‫قال الله تعالى‪(:‬ال ّذِي‬
‫ْ‬
‫م‬
‫ف َويَنْهَاهُ ْ‬ ‫معُْرو ِ‬ ‫مُرهُم بِال ْ َ‬ ‫ل يَأ ُ‬ ‫جي ِ‬ ‫م فِي التَّوَْراةِ َ وَالِن ْ ِ‬ ‫عندَهُ ْ‬‫مكْتُوبًا ِ‬ ‫َ‬
‫م ال ْ َ‬ ‫ُ‬
‫م‬
‫ضعُ ع َنْهُ ْ‬ ‫ث َوي َ َ‬ ‫خبَآئ ِ َ‬ ‫م ع َلَيْهِ ُ‬ ‫َ‬
‫حّرِ ُ‬ ‫ت وَي ُ َ‬ ‫م الط ّيِّبَا ِ‬ ‫ل لََهُ ُ‬ ‫ح ّ‬ ‫منكَرِ وَي ُ ِ‬‫ن ال ْ ُ‬ ‫ِ‬ ‫عَ‬
‫منُوا ْ بِهِ وَعََّزُرو ُ‬
‫ه‬ ‫نآ َ‬ ‫م فَال ّذِي َ‬ ‫ت ع َلَيْهِ ْ‬ ‫ل ال ّتِي ك ََان َ ْ‬ ‫م وَالَغْل َ َ‬ ‫صَرهُ ْ‬ ‫إِ ْ‬
‫م‬ ‫ُ‬
‫ه أوْلَـئ ِ َ‬ ‫ُ‬
‫صُروه ُ وَاتَّبَعُوا ْ النُّوَر ال ّذِيَ أنزِ َ‬
‫ك هُ ُ‬ ‫معَ ُ‬ ‫ل َ‬ ‫وَن َ َ‬
‫ن)[سورة العراف‪.]157:‬‬ ‫حو َ‬ ‫مفْل ِ ُ‬ ‫ال ْ ُ‬
‫في نسخ التوراة الحالية في سفر أشعياء الصحاح ‪ ،63 - 59‬تحكي‬
‫لنا التوراة عن صفات الرض الجديدة التي ستكون موطنًا لليمان‬
‫على الرض ويستفيض النص في شرح صفات هذه الرض‬
‫ووصف النبي الخاتم الذي سيبعث فيها ووصف أمته‪ ..‬وهذه‬
‫الصفات قاطعة أنها خاصة بالنبي صلى الله عليه وسلم وموطن‬
‫دعوته ووصف أمته‪ ..‬وبالرغم من بعض اللفاظ الواضح إقحامها‬
‫ما؛ فإنه ما زال يشتمل على الصفات التي ل‬ ‫على النص إقحا ً‬
‫يمكن حملها إل على مكة وعلى النبي صلى الله عليه وسلم‬
‫وعلى أمته‪ ..‬والنص يبدأ بإيضاح أن الظلم قد انتشر في الرض‪،‬‬
‫وأن الخراب قد عم ربوعها‪ ،‬ولم يبق بها إل الشر والفساد‪ ،‬وأن‬

‫‪108‬‬
‫الله قد غضب على الناس وعلى بني إسرائيل الذين حادوا عن‬
‫الحق‪ ،‬واتكلوا على الباطل والثم‪ ،‬وكذبوا على الله‪ ..‬ولذلك كان‬
‫لبد من ظهور شمس أخرى‪ ،‬وبزوغ فجر جديد لعلء الحق في‬
‫الرض‪ ..‬وفي وسط ذلك الجو العام من السخط اللهي والغضب‬
‫ما‬‫على شعب إسرائيل وعلى ما صار إليه حال المم نجد إقحا ً‬
‫غريبًا يفيد بأن الله راض عليهم وعلى نسلهم من بعدهم للبد‪..‬‬
‫هكذا بدون مقدمات!!‪ ،‬ثم يبدأ النص في الحديث عن الرض التي‬
‫سيأتي نورها ويشرق عليها مجد الله بينما الظلم الدامس يغطي‬
‫باقي الرض‪ ..‬ويستفيض النص بما ل يدع مجال ً للشك أن الكلم‬
‫ما غريبًا للفظ ابنة‬ ‫ضا بدون مقدمات تجد إقحا ً‬ ‫عن مكة‪ ،‬وفجأة أي ً‬
‫صهيون أو أورشليم!!‪ ..‬والنص كله يظهر بوضوح أنه يتحدث عن‬
‫الرض الجديدة التي ستصبح معقل ً لليمان والصلح على الرض‬
‫بعد خرابها وما حل عليها من ظلم وفساد وبعد عن طريق الله‪،‬‬
‫وعن الشعب الذي سيرث الرض‪ ،‬وعن نبي آخر الزمان الذي‬
‫سيرسله الله ليصلح الرض بعد فسادها وليبشر المساكين ويخرج‬
‫الناس من الظلمات إلى النور‪ ،‬ولكي ينتقم به الله من أعدائه‬
‫ويكون وسيلته للتعبير عن سخطه وغضبه على المم التي اتبعت‬
‫الباطل والثم وزاغت عن طريق الحق‪..‬‬
‫‪ 59:1‬ها إن يد الرب لم تقصر عن أن تخلص و لم تثقل أذنه عن‬
‫أن تسمع‪.‬‬
‫‪ 2 :59‬بل آثامكم صارت فاصلة بينكم و بين إلهكم وخطاياكم‬
‫سترت وجهه عنكم حتى ل يسمع‪.‬‬
‫‪ 3 :59‬لن أيديكم قد تنجست بالدم‪ ،‬وأصابعكم بالثم وشفاهكم‬
‫تكلمت بالكذب‪ ،‬ولسانكم يلهج بالشر‪.‬‬
‫‪ 4 :59‬ليس من يدعو بالعدل وليس من يحاكم بالحق يتكلون على‬
‫الباطل ويتكلمون بالكذب قد حبلوا بتعب وولدوا إثما‪.‬‬
‫‪ 5 :59‬فقسوا بيض أفعى و نسجوا خيوط العنكبوت الكل من‬
‫بيضهم يموت والتي تكسر تخرج أفعى‪.‬‬
‫‪ 6 :59‬خيوطهم ل تصير ثوبًا و ل يكتسون بأعمالهم أعمالهم أعمال‬
‫إثم و فعل الظلم في أيديهم‪.‬‬
‫‪ 7 :59‬أرجلهم إلى الشر تجري‪ ،‬وتسرع إلى سفك الدم الزكي‪،‬‬
‫أفكارهم أفكار إثم في طرقهم اغتصاب وسحق‪.‬‬
‫‪ 8 :59‬طريق السلم لم يعرفوه‪ ،‬وليس في مسالكهم عدل جعلوا‬
‫لنفسهم سبل ً معوجة كل من يسير فيها ل يعرف سل ً‬
‫ما‪.‬‬
‫‪ 9 :59‬من أجل ذلك ابتعد الحق عنا و لم يدركنا العدل ننتظر نوًرا‬
‫فإذا ظلم ضياء فنسير في ظلم دامس‪.‬‬

‫‪109‬‬
‫‪ 10 :59‬نتلمس الحائط كعمي و كالذي بل أعين نتجسس قد عثرنا‬
‫في الظهر كما في العتمة في الضباب كموتى‪.‬‬
‫‪ 11 :59‬نزار كلنا كدبة و كحمام هدرا نهدر ننتظر عدل ً و ليس هو‬
‫صا فيبتعد عنا‪.‬‬‫وخل ً‬
‫‪ 12 :59‬لن معاصينا كثرت أمامك و خطايانا تشهد علينا لن‬
‫معاصينا معنا وآثامنا نعرفها‪.‬‬
‫‪ 13 :59‬تعدينا وكذبنا على الرب وحدنا من وراء إلهنا تكلمنا بالظلم‬
‫والمعصية حبلنا و لهجنا من القلب بكلم الكذب‪.‬‬
‫‪ 14 :59‬وقد ارتد الحق إلى الوراء والعدل يقف بعيدًا لن الصدق‬
‫سقط في الشارع والستقامة ل تستطيع الدخول‪.‬‬
‫‪ 15 :59‬وصار الصدق معدوًما والحائد عن الشر يسلب فرأى الرب‬
‫وساء في عينيه أنه ليس عدل‪.‬‬
‫‪ 16 :59‬فرأى أنه ليس إنسان و تحير من أنه ليس شفيع فخلصت‬
‫ذراعه لنفسه و بره هو عضده‪.‬‬
‫‪ 17 :59‬فلبس البر كدرع و خوذة الخلص على رأسه و لبس ثياب‬
‫النتقام كلباس واكتسى بالغيرة كرداء‪.‬‬
‫‪ 18 :59‬حسب العمال هكذا يجازي مبغضيه سخطًا وأعداءه عقابًا‬
‫جزاء يجازي الجزائر‪.‬‬
‫‪ 19 :59‬فيخافون من المغرب اسم الرب و من مشرق الشمس‬
‫مجده عندما يأتي العدو كنهر فنفخة الرب تدفعه‪.‬‬
‫‪ 20 :59‬ويأتي الفادي إلى صهيون وإلى التائبين عن المعصية في‬
‫يعقوب يقول الرب(!!!)‪.‬‬
‫‪ 21 :59‬أما أنا فهذا عهدي معهم قال الرب روحي الذي عليك و‬
‫كلمي الذي وضعته في فمك ل يزول من فمك و ل من فم‬
‫نسلك ول من فم نسل نسلك قال الرب من الن و إلى البد‪.‬‬
‫‪ 1 :60‬قومي استنيري لنه قد جاء نورك و مجد الرب أشرق عليك‬
‫‪ 2 :60‬لنه ها هي الظلمة تغطي الرض و الظلم الدامس‪ ،‬المم‬
‫أما عليك فيشرق الرب ومجده عليك يرى‪.‬‬
‫‪ 3 :60‬فتسير المم في نورك و الملوك في ضياء إشراقك‪.‬‬
‫‪ 4 :60‬ارفعى عينيك حواليك و انظري قد اجتمعوا كلهم جاءوا إليك‬
‫يأتي بنوك من بعيد و تحمل بناتك على اليدي‪.‬‬
‫‪ 5 :60‬حينئذ تنظرين و تنيرين و يخفق قلبك و يتسع لنه تتحول‬
‫إليك ثروة البحر و يأتي إليك غنى المم‪.‬‬
‫‪ 6 :60‬تغطيك كثرة الجمال بكران مديان و عيفة كلها تأتي من شبا‬
‫تحمل ذهبا ولبانا وتبشر بتسابيح الرب‪.‬‬
‫‪ 7 :60‬كل غنم قيدار تجتمع إليك كباش نبايوت تخدمك تصعد‬
‫مقبولة على مذبحي وأزين بيت جمالي‪.‬‬

‫‪110‬‬
‫‪ 8 :60‬من هؤلء الطائرون كسحاب وكالحمام إلى بيوتها‬
‫‪ 9 :60‬إن الجزائر تنتظرني وسفن ترشيش في الول لتأتي ببنيك‬
‫من بعيد و فضتهم و ذهبهم معهم لسم الرب إلهك‪.‬‬
‫‪ 10 :60‬وبنو الغريب يبنون أسوارك وملوكهم يخدمونك لني‬
‫بغضبي ضربتك وبرضواني رحمتك‪.‬‬
‫ما نهاًرا وليل ً ل تغلق ليؤتى إليك بغنى‬‫‪ 11 :60‬و تنفتح أبوابك دائ ً‬
‫المم وتقاد ملوكهم‪.‬‬
‫‪ 12 :60‬لن المة والمملكة التي ل تخدمك تبيد و خرابًا تخرب‬
‫المم‪.‬‬
‫‪ 13 :60‬مجد لبنان إليك يأتي السرو والسنديان والشربين معًا لزينة‬
‫مكان مقدسي وأمجد موضع رجلي‪.‬‬
‫‪ 14 :60‬وبنو الذين قهروك يسيرون إليك خاضعين وكل الذين‬
‫أهانوك يسجدون لدى باطن قدميك ويدعونك مدينة الرب صهيون‬
‫قدوس إسرائيل(!!!)‪.‬‬
‫ضا عن كونك مهجورة ومبغضة بل عابر بك أجعلك فخًرا‬ ‫‪ 15 :60‬عو ً‬
‫أبديا فرح دور فدور‪.‬‬
‫‪ 16 :60‬وترضعين لبن المم وترضعين ثدي ملوك و تعرفين أني أنا‬
‫الرب مخلصك ووليك عزيز يعقوب(!!!)‪.‬‬
‫ضا عن الحديد أتي‬ ‫ضا عن النحاس أتى بالذهب وعو ً‬ ‫‪ 17 :60‬عو ً‬
‫ضا عن الحجارة‬ ‫ضا عن الخشب بالنحاس وعو ً‬ ‫بالفضة وعو ً‬
‫ما وولتك بًرا‪.‬‬
‫بالحديد واجعل وكلءك سل ً‬
‫‪ 18 :60‬ل يسمع بعد ظلم في أرضك ول خراب أو سحق في‬
‫حا‪.‬‬
‫تخومك بل تسمين أسوارك خلصا وأبوابك تسبي ً‬
‫‪ 19 :60‬ل تكون لك بعد الشمس نوًرا في النهار ول القمر ينير لك‬
‫مضيئًا بل الرب يكون لك نوًرا أبديا وإلهك زينتك‪.‬‬
‫‪ 20 :60‬ل تغيب بعد شمسك و قمرك ل ينقص لن الرب يكون لك‬
‫نوًرا أبديًا و تكمل أيام وحك‪.‬‬
‫‪ 21 :60‬وشعبك كلهم أبرار إلى البد يرثون الرض غصن غرسي‬
‫عمل يدي سأتمجد‪.‬‬
‫‪ 22 :60‬الصغير يصير ألفًا والحقير أمة قوية أنا الرب في وقته‬
‫أسرع به‪.‬‬
‫‪ 1 :61‬روح السيد الرب علي لن الرب مسحني ل بشر المساكين‬
‫أرسلني ل عصب منكسري القلب ل نادي للمسبيين بالعتق و‬
‫للمأسورين بالطلق‪.‬‬
‫‪ 2 :61‬ل نادي بسنة مقبولة للرب وبيوم انتقام للهنا ل عزي كل‬
‫النائحين‪.‬‬

‫‪111‬‬
‫ضا عن الرماد‬ ‫‪ 3 :61‬ل جعل لنائحي صهيون لعطيهم جمال ً عو ً‬
‫ضا عن الروح‬ ‫ضا عن النوح ورداء تسبيح عو ً‬ ‫ودهن فرح عو ً‬
‫اليائسة فيدعون أشجار البر غرس الرب للتمجيد‪.‬‬
‫‪ 4 :61‬و يبنون الخرب القديمة يقيمون الموحشات الول ويجددون‬
‫المدن الخربة موحشات دور فدور‪.‬‬
‫‪ 5 :61‬ويقف الجانب ويرعون غنمكم ويكون بنو الغريب حراثيكم‬
‫وكراميكم‪.‬‬
‫‪ 6 :61‬أما أنتم فتدعون كهنة الرب تسمون خدام إلهنا تأكلون ثروة‬
‫المم وعلى مجدهم تتأمرون‪.‬‬
‫ضا عن الخجل يبتهجون‬ ‫ضا عن خزيكم ضعفان وعو ً‬ ‫‪ 7 :61‬عو ً‬
‫بنصيبهم لذلك يرثون في أرضهم ضعفين بهجة أبدية تكون لهم‪.‬‬
‫‪ 8 :61‬لني أنا الرب محب العدل مبغض المختلس بالظلم وأجعل‬
‫أجرتهم أمينة وأقطع لهم عهدًا أبديًا‪.‬‬
‫‪ 9 :61‬ويعرف بين المم نسلهم وذريتهم في وسط الشعوب كل‬
‫الذين يرونهم يعرفونهم أنهم نسل باركه الرب‪.‬‬
‫حا أفرح بالرب تبتهج نفسي بإلهي لنه قد ألبسني ثياب‬ ‫‪ 10 :61‬فر ً‬
‫الخلص كساني رداء البر مثل عريس يتزين بعمامة و مثل‬
‫عروس تتزين بحليها‪.‬‬
‫‪ 11 :61‬لنه كما أن الرض تخرج نباتها وكما أن الجنة تنبت‬
‫حا إمام كل المم‪.‬‬ ‫مزروعاتها هكذا السيد الرب ينبت بًرا و تسبي ً‬
‫‪ 1 :62‬من أجل صهيون ل أسكت ومن أجل أورشليم ل أهدأ(!!!)‬
‫حتى يخرج برها كضياء وخلصها كمصباح يتقد‪.‬‬
‫‪ 2 :62‬فترى المم برك وكل الملوك مجدك وتسمين باسم جديد‬
‫يعينه فم الرب‪.‬‬
‫جا ملكيًا بكف إلهك‪.‬‬ ‫‪ 3 :62‬وتكونين أكليل جمال بيد الرب و تا ً‬
‫‪ 4 :62‬ل يقال بعد لك مهجورة ول يقال بعد لرضك موحشة بل‬
‫تدعين حفصيبة وأرضك تدعى بعولة لن الرب يسر بك وأرضك‬
‫تصير ذات بعل‪.‬‬
‫‪ 5 :62‬لنه كما يتزوج الشاب عذراء يتزوجك بنوك وكفرح العريس‬
‫بالعروس يفرح بك إلهك‪.‬‬
‫سا ل يسكتون كل‬ ‫‪ 6 :62‬على أسوارك يا أورشليم(!!!) أقمت حرا ً‬
‫النهار وكل الليل على الدوام يا ذاكري الرب ل تسكتوا‪.‬‬
‫‪ 7 :62‬ول تدعوه يسكت حتى يثبت و يجعل أورشليم تسبيحة في‬
‫الرض‪.‬‬
‫‪ 8 :62‬حلف الرب بيمينه و بذراع عزته قائل أني ل أدفع بعد قمحك‬
‫مأكل لعدائك ول يشرب بنو الغرباء خمرك التي تعبت فيها‪.‬‬

‫‪112‬‬
‫‪ 9 :62‬بل يأكله الذين جنوه و يسبحون الرب و يشربه جامعوه في‬
‫ديار قدسي‪.‬‬
‫‪ 10 :62‬اعبروا اعبروا بالبواب هيئوا طريق الشعب أعدوا أعدوا‬
‫السبيل نقوه من الحجارة ارفعوا الراية للشعب‪.‬‬
‫‪ 11 :62‬هو ذا الرب قد أخبر إلى أقصى الرض قولوا لبنة صهيون‬
‫هو ذا مخلصك آت ها أجرته معه و جزاؤه أمامه‪.‬‬
‫سا مفديي الرب وأنت تسمين‬ ‫‪12 :62‬ويسمونهم شعبًا مقد ً‬
‫المطلوبة المدينة غير المهجورة‪.‬‬
‫‪ 1 :63‬من ذا التي من إدوم بثياب حمر من بصرة هذا البهي‬
‫بملبسه المتعظم بكثرة قوته أنا المتكلم بالبر العظيم للخلص‪..‬‬
‫‪ 2 :63‬ما بال لباسك محمر وثيابك كدائس المعصرة‪.‬‬
‫‪ 3 :63‬قد دست المعصرة وحدي ومن الشعوب لم يكن معي أحد‬
‫فدستهم بغضبي ووطئتهم بغيظي فرش عصيرهم على ثيابي‬
‫فلطخت كل ملبسي‪.‬‬
‫‪ 4 :63‬لن يوم النقمة في قلبي وسنة مفديي قد أتت‪.‬‬
‫‪ 5 :63‬فنظرت ولم يكن معين و تحيرت إذ لم يكن عاضد فخلصت‬
‫لي ذراعي و غيظي عضدني‪.‬‬
‫‪ 6 :63‬فدست شعوبا بغضبي وأسكرتهم بغيظي وأجريت على‬
‫الرض عصيرهم‪..‬‬
‫والنص كله كما ترون يتكلم عن مدينة الله الجديدة‪ ،‬وعن نبي‬
‫آخر الزمان الذي سيبعثه الله ليرث الرض هو وأمته ويقيم الحق‬
‫فيها بعد انتشار الظلم والفساد‪ ..‬ويخرج الناس من الظلمات إلى‬
‫النور‪ ..‬وينتقم به الله من أعدائه‪.‬‬
‫والنص يستفيض في شرح الحوال والظروف التي كانت تسود‬
‫الرض والتي سبقت بعثة النبي – صلى الله عليه وسلم –‬
‫(آثامكم صارت فاصلة بينكم وبين إلهكم‪ ..‬أيديكم تنجست‬
‫ما‪..‬فقسوا بيض أفعى‪ ..‬أعمالهم‬ ‫بالدم‪..‬حبلوا بتعب وولدوا إث ً‬
‫أعمال إثم وفعل الظلم في أيديهم‪ ..‬ليس من يدعو بالعدل‬
‫ويحاكم بالحق‪ ..‬أرجلهم إلى الشر تجري وتسرع إلى سفك الدم‬
‫الزكي‪ ..‬طريق السلم لم يعرفوه‪ ..‬تعدينا وكذبنا على الرب‪..‬‬
‫ما‪..‬معاصينا كثرت‬‫ارتد الحق إلى الوراء‪ ..‬وصار الصدق معدو ً‬
‫أمامك وخطايانا تشهد علينا‪ ..‬ننتظر نوًرا فإذا ظلم ضياء فإذا‬
‫ظلم دامس‪ ..‬فرأى أنه ليس إنسان وتحير من أنه ليس‬
‫شفيع…) وتلك الحوال والظروف لم تجتمع كلها م ًعا‪ ،‬ولم تكن‬
‫بهذا السوء إل قبل بعثة النبي‪-‬صلى الله عليه وسلم‪ -‬الذي جاء‬
‫بعد فترة من انقطاع الرسل على الرض‪ ،‬وهذه الظروف لم تكن‬
‫هكذا قبل بعثة المسيح عليه السلم‪ ،‬كما أن قوله(فرأى أنه ليس‬

‫‪113‬‬
‫إنسان) متوافق مع حال البشرية قبل بعثة الرسول‪-‬صلى الله‬
‫عليه وسلم‪ ،-‬ول يتوافق مع حالها قبل بعثة المسيح؛ فالرض لم‬
‫تكن تخلو من الصالحين والمؤمنين الذين يدعون إلى الخير‪ ،‬بل‬
‫إن المسيح قد بعث في وجود يوحنا المعمدان(يحيى بن زكريا)‬
‫عليهما السلم‪.‬‬
‫وفي النص إشارة واضحة لما قام به علماء بني إسرائيل من‬
‫تحريف الكتاب والكذب على الله ‪(13 :59‬تعدينا وكذبنا على الرب‬
‫وحدنا من وراء إلهنا تكلمنا بالظلم والمعصية حبلنا ولهجنا من‬
‫القلب بكلم الكذب)‪..‬‬
‫وفي النص إشارة إلى النور الذي سيشرق على الميين في هذه‬
‫الرض ‪(3 :60‬فتسير المم في نورك) والمم هنا ليست ترجمة‬
‫لكلمة ‪ nations‬كما هو متوقع ولكن ترجمة لكلمة ‪ gentiles‬وتترجم‬
‫بالعربية إلى الميين وهم المم من غير أهل الكتاب‪ ..‬ويقول‬
‫قاموس الكتاب المقدس عن هذا اللفظ أن اليهود يستخدمونه‬
‫على المم الخرى من غيرهم‪ ،‬فهم يعتبرون أنفسهم حملة‬
‫الرسالت وشعب الله المختار‪ ،‬ويقول أيضا أن اليهود يستخدمونه‬
‫كمصطلح لحتقار المم الخرى من غير اليهود باعتبارها أمم‬
‫وثنية‪ ..‬وبالطبع يرفض النصارى هذا التقسيم باعتبارهم أيضا من‬
‫أهل الكتاب‪ ،‬وهذا هو الحق عند المسلمين وهو أن هذا اللفظ‬
‫كان يستخدم لوصف المم من غير أهل الكتاب قبل ظهور‬
‫السلم كما يخبرنا القرآن الكريم‪:‬‬
‫(وقل للذين أوتوا الكتاب والميين أأسلمتم فإن أسلموا فقد‬
‫اهتدوا)‪ .‬آل عمران ‪(..20‬ومن أهل الكتاب من إن تأمنه بقنطار‬
‫يؤده إليك ومنهم من إن تأمنه بدينار ل يؤده إليك إل ما دمت‬
‫عليه قائما ذلك بأنهم قالوا ليس علينا في الميين سبيل) آل‬
‫عمران‪..75 :‬وهم الذين بعث فيهم النبي –صلى الله عليه وسلم‪-‬‬
‫(هو الذي بعث في الميين رسول منهم يتلو عليهم آياته ويزكيهم‬
‫ويعلمهم الكتاب والحكمة) الجمعة ‪(..2‬الذين يتبعون النبي المي‬
‫الذي يجدونه مكتوبا عندهم في التوراة والنجيل)‪..‬العراف‬
‫‪(..157‬فآمنوا بالله ورسوله النبي المي الذي يؤمن بالله وكلماته‬
‫واتبعوه لعلكم تهتدون) العراف ‪..158‬‬
‫ونجد في النص إشارة واضحة إلى قوافل البل التي كانت تأتي‬
‫من جنوب الجزيرة العربية والمشار إليها بمملكة سبأ ‪:60‬‬
‫‪(6‬تغطيك كثرة الجمال بكران مديان وعيفة كلها تأتي من شبا)‬
‫وهذه النبؤة لم تتحقق للقدس‪ ،‬بل تحققت لمكة‪ ،‬ولبد لهذه‬
‫النبؤة أن تكون قد حدثت بالفعل في الماضي؛ فقد انتهى عصر‬
‫البل وعصر القوافل‪..‬‬

‫‪114‬‬
‫وكذلك نجد في نص أشعياء السابق إشارة واضحة إلى نحر‬
‫الذبائح(كل غنم قيدار تجبي إليك‪،‬كباش نبايوت تخدمك‪ ،‬تصعد‬
‫مقبولة على مذبحي)‪.‬‬
‫وذلك يؤكد أن الكلم عن مكة وليس بيت المقدس؛ لن القدس‬
‫ليس لها علقة بغنم قيدار بن إسماعيل الذي تنسب إليه قبائل‬
‫مكة‪ ،‬والذي يخبرنا الكتاب المقدس أنه قد سكن في بلد‬
‫العرب(وحي من جهة بلد العرب… يفنى كل مجد قيدار)‪ ..‬كما‬
‫أنه ل يخفى على أحد أن نحر الذبائح هو أحد مناسك الحج في‬
‫السلم‪.‬‬
‫وفي النص السابق نجد إشارة واضحة إلى الطرق التي يسلكها‬
‫الحجاج لداء فريضة الحج‪:‬‬
‫‪ 6 :60‬تغطيك كثرة الجمال بكران مديان وعيفة كلها تأتى من شبا‬
‫تحمل ذهبا ولبانا وتبشر بتسابيح الرب‪.‬‬
‫‪ 8 :60‬من هؤلء الطائرون كسحاب وكالحمام إلى بيوتها‪.‬‬
‫‪ 9 :60‬إن الجزائر تنتظرني و سفن ترشيش في الول لتأتي ببنيك‬
‫من بعيد و فضتهم و ذهبهم معهم لسم الرب إلهك‪.‬‬
‫فالولى تتحدث عن الجمال‪ ،‬والثانية يتعجب المتحدث من هؤلء‬
‫الطائرين كسحاب أو حمام ول يعرف ما هم وهو إشارة واضحة‬
‫إلى الطائرات‪ ،‬والثالثة تشير إلى السفن‪ ..‬و(ترشيش) لم يحدد‬
‫قاموس الكتاب المقدس ما المقصود بها فقال أن هذا السم كان‬
‫مشهوًرا أيام سليمان عليه السلم‪ ،‬وقال أيضا أنه اسم كان‬
‫يطلق على مكان في أسبانيا أثناء حكم العرب‪ ،‬ورجح في النهاية‬
‫أنه لفظ يطلق على كل السفن الضخمة‪.‬‬
‫وفي النص أيضا إشارة لصفة الصحابة رضي الله عنهم ‪9 :61‬‬
‫(ويعرف بين المم نسلهم و ذريتهم في وسط الشعوب كل الذين‬
‫يرونهم يعرفونهم أنهم نسل باركه الرب) ‪(11 :61‬لنه كما أن‬
‫الرض تخرج نباتها وكما أن الجنة تنبت مزروعاتها هكذا السيد‬
‫حا أمام كل المم) وهي الصفة التي ذكرها‬ ‫الرب ينبت بًرا و تسبي ً‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫َّ‬
‫شدَّاء‬‫هأ ِ‬ ‫معَ ُ‬
‫ن َ‬ ‫ل الل ّهِ وَال ّذِي َ‬ ‫سو ُ‬‫مد ٌ َّر ُ‬
‫َ‬
‫ح َّ‬ ‫القرآن في سورة الفتح‪ُّ (:‬‬
‫م َ‬
‫ه‬
‫ن الل ِ‬ ‫م َ‬‫ضًل ِّ‬ ‫ن فَ ْ‬ ‫جدًا يَبْتَغُو َ‬ ‫س َّ‬
‫م ُرك ّعًا ُ‬ ‫م تََراهُ ْ‬ ‫ماء بَيْنَهُ ْ‬ ‫ع َلَى الْكُفَّارِ ُر َ‬
‫ح َ‬
‫م فِي‬ ‫مثَلُهُ ْ‬
‫ك َ‬‫جود ِ ذَل ِ َ‬‫س ُ‬‫ن أَثَرِ ال ُّ‬ ‫م ْ‬
‫جوهِهِم ِّ‬ ‫م فِي وُ ُ‬ ‫ماهُ ْ‬ ‫سي َ‬‫ضوَانًا ِ‬ ‫وَرِ ْ‬
‫ستَغْل َ َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫ظ‬ ‫شطْأه ُ فَآَزَره ُ فَا ْ‬ ‫ج َ‬ ‫خَر َ‬‫ل كََزْرٍع أ ْ‬ ‫جي ِ‬‫م فِي اْلِن ِ‬ ‫مثَلُهُ ْ‬
‫التَّوَْراةِ وَ َ‬
‫سوقِهِ)‪..‬‬ ‫ستَوَى ع َلَى ُ‬ ‫فَا ْ‬
‫ونجد في النص إشارة إلى حدوث النصر والفتح على يد آبائنا‬
‫الوائل من المسلمين‪ ،‬وإلى ما فعلوه من تطهير الرض وتنقيتها‬
‫من الحجارة والصنام ‪(10 :62‬اعبروا اعبروا بالبواب هيئوا طريق‬

‫‪115‬‬
‫الشعب أعدوا أعدوا السبيل نقوه من الحجارة ارفعوا الراية‬
‫للشعب)‪..‬‬
‫ونجد في النص إشارة إلى غير العرب الذين يبنون أسوار مكة‬
‫‪(60:10‬وبنو الغريب يبنون أسوارك)‪ ،‬وكم من اليدي العاملة الن‬
‫وذوي الخبرات من مختلف القطار يعملون فيها‪ ،‬ويشيدون‬
‫قلعها تحت الرض وفوق الرض‪..‬‬
‫ونجد إشارة واضحة إلى كثرة الثروات والكنوز التي سيمن الله‬
‫بها على هذه الرض ‪(5 :60‬تتحول إليك ثروة البحر ويؤتى إليك‬
‫غنى المم)‪ ،‬والثروات والكنوز لم تكن للقدس أبدًا‪ ،‬وإنما لمكة‬
‫التي تعد من أغنى بقاع الرض‪ )1(..‬ل أرى تفسيًرا لجملة(تتحول‬
‫إليك ثروة البحر) إل تلك الكنوز البترولية الضخمة النائمة في قاع‬
‫البحر الحمر والخليج العربي والتي حولت الجزيرة العربية من‬
‫صحراء قاحلة إلى بقعة تعج بالموال والثروات‪.‬‬
‫وفي النص السابق أيضا إشارة إلى انتشار دولة السلم وتحولها‬
‫من الضعف والقلة إلى القوة والكثرة؛ فالمة التي بدأت برجل‬
‫ضعيف يدعو إلى ربه سًرا متخفيًا من أعدائه قد صار أمة قوية‬
‫وملك الرض من مشرقها إلى مغربها‪ ..‬وبشر المساكين وأخرج‬
‫من الحبس المأسورين‪ ..‬وأخرج الناس جميعًا من ظلمات الكفر‬
‫والشرك إلى عبادة الله الحق‪ ..‬وانتقم به الله من أعدائه وعزى‬
‫به كل النائحين‪(22 :60 ..‬الصغير يصير ألفا والحقير أمة قوية أنا‬
‫الرب في وقته أسرع به‪ ،‬روح السيد الرب علي لن الرب‬
‫مسحني لبشر المساكين أرسلني لعصب منكسري القلب‬
‫لنادي المسبيين بالعتق والمأسورين بالطلق لنادي بسنة‬
‫مقبولة للرب و بيوم انتقام للهنا لعزي كل النائحين)‪..‬‬
‫وليخبرنا أهل الكتاب عن نبي اجتمعت فيه صفات التحول إلى‬
‫القوة والكثرة بعد الضعف والقلة وجمع بين تبشير المساكين‬
‫وتعزية النائحين وبين النتقام من أعداء الله غير نبينا الكريم‬
‫صلى الله عليه وسلم‪..‬‬
‫ونجد إشارة إلى ميراث أمة السلم للمم الخرى ‪(6 :61‬أما أنتم‬
‫فتدعون كهنة الرب تسمون خدام إلهنا تأكلون ثروة المم وعلى‬
‫مجدهم تتآمرون)‪ ..‬وليس أدل على ميراث أمة السلم للمم‬
‫الخرى من أن أرض المشرق التي تشمل بلد الشام والبلد‬
‫العربية وبلد فارس؛ تلك الرض التي كانت معقل ً لنشأة وانتشار‬
‫الرسالت السابقة‪ ،‬وتكاد تخلو الرض الن من عبادة الله إل‬
‫منها‪ ،‬وتكاد تغطي الرض نزعات اللحاد والمادية والطبيعية فيما‬
‫سواها‪ ،‬والتي يكاد ينحصر كلم الكتاب المقدس نفسه بعهديه‬
‫القديم والجديد عليها وعلى تاريخ المم والنبياء بها‪..‬قد صارت‬

‫‪116‬‬
‫كلها إسلمية! (والله غالب على أمره ولكن أكثر الناس ل‬
‫يعلمون)!!‬
‫وفي النص أيضا إشارة واضحة إلى أن الناس سوف يقصدون‬
‫هذه الرض ويطلبون زيارتها‪ ،‬وأنها ستكون الرض المعمورة!!‬
‫‪(12 :62‬وأنت تسمين المطلوبة المدينة غير المهجورة) وليخبرنا‬
‫الذين يحملون النبوءة على القدس‪ :‬متى تحققت تلك الصفات‬
‫للقدس في يوم من اليام؟!!‬
‫وهذه الصفات ل بد أن تكون قد تحققت بالفعل كما أوضحنا‪ ..‬ول‬
‫معنى لما يدعيه اليهود من أن هذه النبؤة لم تتحقق بعد‪ ،‬وأن هذا‬
‫المخلص الذي سوف ينتصر لهم‪ ،‬ويدوس العالم بقدمه‪ ،‬ويلطخ‬
‫بعصير الناس من غير اليهود ملبسه لم يأت بعد!!‪..‬وما زالوا‬
‫منتظرين!!‬
‫ويخبرنا معجم الطرق القديمة(إنشنت تراد روتس) أن إدوم بدأت‬
‫من النهاية الجنوبية للبحر الميت إلى مساحات من الصحراء‬
‫العربية‪ ،‬وأنها امتدت من هذا الخط لتشمل كل الراضي على‬
‫الساحل الشرقي للبحر الحمر‪..‬‬
‫وتجمع كتب الحديث على أن النبي – صلى الله عليه وسلم –‬
‫كان يلبس حلة حمراء لم ير أجمل منه ول أبهى منه أحد قط‪ ،‬بل‬
‫لم ير أجمل منه شيء قط!!‪..‬فقد روي عن البراء رضي الله عنه‬
‫أنه قال في صفة رسول الله –صلى الله عليه وسلم‪(:-‬لقد رأيته‬
‫في حلة حمراء ما رأيت شيئًا قط أحسن منه) متفق عليه‪..‬‬
‫ول يختلف أحد من الولين والخرين في أن النبي – صلى الله‬
‫عليه وسلم – كان يخرج في غزواته بنفسه وحوله قوته من‬
‫الصحب الكرام رضي الله عنهم‪..‬‬
‫وتخبرنا كتب السير أن مدينة بصرى بالشام(بصرة كما ورد في‬
‫النص) وهي تنطق بضم الباء وهي مكتوبة في النسخة النجليزية‬
‫هكذا‪ ،)BUZRA(:‬تخبرنا كتب السير أنها كانت مركز تجاري هام‬
‫يحصل منه أهل مكة على الملبس والبضائع وذلك عن طريق‬
‫القوافل التجارية‪..‬‬
‫وأعود الن لطرح نفس التساؤل عن ذلك النبي الذي سيبعثه‬
‫الله ويأتي آخر الزمان لكي يقيم الحق في الرض‪ ،‬ويستمر مجده‬
‫ومجد مدينته إلى قيام الساعة‪ ،‬وأكرر نفس السؤال الذي ورد‬
‫في النص‪( :‬من ذا التي من إدوم بثياب حمر من بصرة؟ من هذا‬
‫البهي بملبسه المتعظم بكثرة قوته)؟ هل يكون ذاك النبي هو‬
‫موسى عليه السلم؟!‬
‫بالطبع ل‪ ..‬فموسى لم يأت من إدوم‪ ،‬كما أن النص يشير لنبي‬
‫يأتي بعد أن يعم الخراب في الرض‪ ،‬وينتشر الفساد في ربوعها؛‬

‫‪117‬‬
‫ضا أن مجده ومجد أمته‬ ‫فيبعثه الله لصلحها‪ ،‬ويخبر النص أي ً‬
‫يستمر إلى البد‪ ،‬ولم يدع أحد أن موسى كان آخر النبياء‪ ،‬مما‬
‫يجعل حمل النص على موسى غير وارد على الطلق‪ ..‬هل يكون‬
‫المسيح عليه السلم؟!‬
‫بالطبع ل أيضا‪ ..‬فالمسيح لم يأت من إدوم‪ ،‬ولم يكن عليه السلم‬
‫يرتدي ملبس مستوردة من بصرى! ولم يكن له أيضا قوة‬
‫عظيمة يخرج فيها‪ ..‬كما أن تلك الصفات لم يتحقق منها شيء‬
‫على القدس بعد بعثة المسيح عليه السلم؛ فلم تأت إليها البل‬
‫من جنوب الجزيرة العربية!!! ولم تجتمع إليها أغنام قبائل‬
‫مكة!!! ولم يحل بها أمن أو أمان‪ ،‬بل إن أول ما حدث بعد رحيل‬
‫المسيح عليه السلم هو اضطهاد تلميذه وفرارهم في ربوع‬
‫الرض!‪ ،‬وتاريخ القدس على مر العصور خير شاهد على الظلم‬
‫والدمار وسفك الدماء‪ ،‬ول زالت القدس حتى الن تعاني الجراح‪،‬‬
‫وتشتكي اللم‪ ،‬ولزال شعارها المرفوع دائما هو الرض(مقابل‬
‫السلم!!)‪..‬كما لم يزعم أحد من الولين أو الخرين أن الله قد‬
‫بعث المسيح عليه السلم لكي ينتقم به من أعدائه أو ليدوس‬
‫الشعوب المتمردة على ربها بقدمه ويرش عصيرهم على ثيابه‬
‫ويلطخ كل ملبسه!!‪ ،‬وبذلك فل يمكن حمل النص أيضا على‬
‫المسيح عليه السلم‪..‬‬
‫إذن فمن يكون ذلك الخير الذي بعثه الله لصلح الرض بعد‬
‫إفسادها؟!!‬
‫من يكون ذاك الذي أيده الله بالقوة الروحية فبشر المساكين‬
‫وعصب منكسري القلب ونادى المسبيين بالعتق والمأسورين‬
‫بالطلق وعزى النائحين‪ ،‬وأيده بالقوة المادية فانتقم من أعداء‬
‫الله وداس الشعوب المتمردة على ربها بقدمه ورش عصيرهم‬
‫على ثيابه ولطخ كل ملبسه؟!!! من يكون ذلك البهي المتعظم‬
‫في كثرة قوته؟!! من يكون إذن يا ترى؟!!!‬
‫ويعود النص ليؤكد أن المن والسلم هما شعار هذه الرض؛‬
‫فيخبر أن أبوابها تفتح ول تغلق‪ ،‬وأنها ل يظلم فيها أحد بعد اليوم‬
‫ول يحل بها خراب‪:‬‬
‫‪ 11 :60‬وتنفتح أبوابك دائما نهاًرا وليل ً ل تغلق ليؤتى إليك بغنى‬
‫المم وتقاد ملوكهم‪.‬‬
‫‪ 18 :60‬ل يسمع بعد ظلم في أرضك ول خراب أو سحق في‬
‫حا‪.‬‬
‫صا وأبوابك تسبي ً‬
‫تخومك بل تسمين أسوارك خل ً‬
‫وهذا الكلم ل ينطبق أبدًا علي القدس كما قلنا‪ ..‬أليست القدس‬
‫هي أرض الظلم‪ ،‬وأرض الخراب‪ ،‬وأرض الحروب والنزاعات إلى‬
‫اليوم؟!!‬

‫‪118‬‬
‫أليست تهدم البيوت بالدبابات‪ ،‬ويقتل الغلمان بالرشاشات‪ ،‬ول‬
‫تكاد تسمع فيها سوى صوت النفجارات؟!!‬
‫ثم إن أبوابها تغلق أكثر مما تفتح!!‪.‬‬
‫هل يصر الن عاقل أن هذا النص يتحدث عن القدس؟!!‬
‫إذا أصر على رأيه فإن عليه أن يقتل التاريخ‪ ،‬وإن لم يستطع أن‬
‫يقتل التاريخ فليقتل حتى آرييل شارون!!!‬
‫أما مكة فهي الرض المطمئنة‪ ،‬والبلد المعمورة‪ ،‬التي ل تقام‬
‫فيها الحروب‪ ،‬ول تسفك فيها الدماء‪ ،‬ول تغلق أبدًا أبوابها‪ ،‬ولن‬
‫تغلق أبدًا؛ لنها الرض التي وطأتها خير قدم‪ ،‬واستظل بسمائها‬
‫أكرم بشر‪ ،‬وعاش عليها النبي المحمد‪ ،‬الذي رفع الله قدره‪،‬‬
‫وأعلى شأنه‪ ..‬حتى قبل أن يبعثه‪..‬حتى قبل أن يخلقه‪..‬حتى قبل‬
‫أن يخلق العالم‪..‬‬
‫‪EDOM‬‬
‫‪e’-dom‬‬
‫‪GEOGRAPHY‬‬
‫‪The country of Edom began at a line from the south end of the Dead Sea stretched to‬‬
‫‪the Arabian desert areas to the east. From this line, Edom claimed all the land south to‬‬
‫‪the Red Sea, and farther along the east coast of the Red Sea. How far south depended‬‬
‫‪on daily politics, since it is nothing but desert for the most part. However,it included‬‬
‫‪.part of the Incense Route which extends farther south to Sheba the Yemen area today‬‬
‫نسخة مما ذكره معجم الطرق القديمة عن مملكة إدوم‬
‫‪http://www.ancientroute.com/empire/edom.htm‬‬
‫وترجمته بالعربية‪((:‬إدوم بدأت من النهاية الجنوبية للبحر الميت‬
‫إلى مساحات من الصحراء العربية إلى الشرق‪ ،‬ومن هذا الخط‬
‫امتدت إدوم لتشمل كل الراضي جنوب البحر الحمر والراضي‬
‫على طول الساحل الشرقي للبحر الحمر‪..‬والجزء الجنوبي من‬
‫إدوم كان عبارة عن أرض صحراوية ممتدة واشتملت إدوم على‬
‫جزء من طريق البخور يمتد جنوبًا إلى شيبا والتي تمثل منطقة‬
‫اليمن حاليًا)‪.‬‬
‫‪ .59‬يعرفونه كما يعرفون أبناءهم‬
‫يعرفونه كما يعرفون أبناءهم‬
‫َ‬
‫ه كَ َ‬
‫ما يَعْرِفُو َ‬
‫ن‬ ‫ب يَعْرِفُون َ ُ‬‫م الْكِتَا َ‬
‫ن آتَيْنَاهُ ُ‬ ‫فالية الكريمة‪{ :‬ال ّذِي َ‬
‫َ‬
‫ن} [ سورة‬ ‫مو َ‬‫م يَعْل َ ُ‬ ‫حقَّ وَهُ ْ‬‫ن ال ْ َ‬
‫مو َ‬‫م لَيَكْت ُ ُ‬ ‫ن فَرِيقا ً ِّ‬
‫منْهُ ْ‬ ‫م وَإ ِ َّ‬
‫أبْنَاءهُ ْ‬
‫البقرة الية ‪ ،]146:‬تدل على أن أهل الكتاب من اليهود والنصارى‬
‫يعرفون محمدا ً ‪ -‬صلى الله عليه وسلم ‪-‬كما يعرفون أبناءهم ‪،‬‬
‫والقول بعودة الهاء في قوله تعالى ‪( :‬يعرفونه) على النبي محمد‬
‫‪ -‬صلى الله عليه وسلم ‪ -‬مروي عن ابن عباس ‪ -‬رضي الله عنه‬
‫– [المام ابن الجوزي في تفسيره زاد المسير ‪،] 1/158‬وقال به‬
‫مجاهد وقتادة وغيرهما [المام القرطبي في تفسيره ‪،]2/162‬‬

‫‪119‬‬
‫وهذه المعرفة لم تكن بسيطة ‪ ،‬بل كانت في أعلى مستويات‬
‫المعرفة ‪ ،‬بدللة هذه الية الكريمة ‪.‬‬
‫ويبين قوة هذه المعرفة جواب عبد الله بن سلم ‪ -‬رضي الله‬
‫عنه‪ -‬وكان عالم اليهود وسيدهم ‪ ،‬أسلم بعد وصول النبي صلى‬
‫الله عليه وسلم المدينة ‪ ،‬وكان ممن بشر بالجنة ‪ -‬لسؤال عمر‬
‫بن الخطاب رضي الله عنه – وهو من كبار أصحاب النبي صلى‬
‫الله عليه وسلم ‪ ،‬وثاني الخلفاء الراشدين – ‪ ،‬حين سأله قائل له‬
‫‪ :‬أتعرف محمدا ‪-‬صلى الله عليه وسلم ‪-‬كما تعرف ابنك ؟ قال ‪:‬‬
‫نعم ‪ ،‬وأكثر ‪ .‬بعث الله أمينه في السماء إلى أمينه في أرضه‬
‫بنعته فعرفته ‪ ،‬وابني ل أدري ما كان من أمه ‪ [.‬أورد الرواية عن‬
‫عمر القرطبي في تفسيره ‪. ] 2/163‬‬
‫فأهل الكتاب يجدون ذكر نبوة محمد ‪ -‬صلى الله عليه وسلم ‪-‬‬
‫في كتبهم التوراة والنجيل ‪ ،‬قال الله – تعالى‪ -‬في القرآن الكريم‬
‫َ َ َ ُ َ َ‬ ‫َ‬
‫م‬ ‫عندَهُ ْ‬ ‫مكْتُوبا ً ِ‬ ‫ه َ‬ ‫جدُون َ ُ‬ ‫ي ال ّذِي ي َ ِ‬ ‫م ّ‬‫ي ال ِّ‬ ‫سول الن ّب ِ ّ‬ ‫ن الَّر ُ‬ ‫ن يَتَّبِعُو َ‬ ‫َ‬ ‫‪{ :‬ال ّذِي‬
‫ح ُّ‬ ‫ْ‬
‫ل‬ ‫منكَرِ وَي ُ ِ‬‫ن ال ْ ُ‬‫ِ‬ ‫م عَ‬ ‫ف وَيَنْهَاهُ ْ‬‫معُْرو ِ‬ ‫مُرهُم بِال ْ َ‬ ‫ل يَأ ُ‬ ‫جي ِ‬ ‫فِي التَّوْ ََراةِ وَالِن ْ ِ‬
‫م وَالَغْل َ َ‬
‫ل‬ ‫صَرهُ ْ‬ ‫م إِ ْ‬ ‫ضعُ ع َنْهُ ْ‬ ‫ث وَي َ َ‬ ‫خبَآئ ِ َ‬‫م ال ْ َ‬ ‫م َع َلَيْهِ ُ‬ ‫حّرِ ُ‬‫ت وَي ُ َ‬ ‫م الط ّيِّبَا ِ‬ ‫ل َ َهُ ُ‬
‫صُروه ُ وَاتَّبَعُوا ْ النُّوَر‬ ‫منُوا ْ بِهِ وَعََّزُروه ُ َون َ َ‬ ‫نآ َ‬ ‫م فَال ّذِي َ‬ ‫ت ع َلَيْهِ ْ‬ ‫ال َّتِي كَان َ ْ‬
‫ن } [سورةالعراف الية‪:‬‬ ‫حو َ‬ ‫مفْل ِ ُ‬ ‫م ال ْ ُ‬ ‫ك هُ ُ‬ ‫ه أُوْلَـئ ِ َ‬ ‫معَ ُ‬ ‫ل َ‬‫ال ّذِيَ أُنزِ َ‬
‫‪.] 157‬‬
‫وهذا الذكر ‪ ،‬هل هو بالصفة فقط دون السم ‪ ،‬أو بالسم والصفة‬
‫؟‬
‫ما على فرض أنه بالصفة دون السم فقد ذهب ابن القيم –‬ ‫أ ّ‬
‫رحمه الله ‪ -‬بوجاهة ذلك وحصول الحجية به ‪ ،‬فقال ‪ :‬إن الخبار‬
‫عن صفته ‪ ،‬ومخرجه ‪ ،‬أبلغ من ذكره بمجرد اسمه ‪ ،‬فإن‬
‫الشتراك قد يقع في السم فل يحصل التعريف والتمييز ‪ [.‬انظر‬
‫هداية الحيارى في أجوبة اليهود والنصارى للمام ابن قيم‬
‫الجوزية‪ ،‬تحقيق رضوان جامع رضوان ‪ ،‬ص ‪. ] 60‬‬
‫ومن تأمل قصة قيصر الروم هرقل ‪ ،‬وما جعله يعترف بنبوة‬
‫محمد ‪ -‬صلى الله عليه وسلم – من مطابقة صفاته لما يعرفه‬
‫من البشارات التي جاءت بوصفه في التوراة ‪ ،‬والنجيل خاصة ‪،‬‬
‫فإنه يعلم ما لذكر الصفة من أثر في التعرف عليه ‪ ،‬فحين وصلت‬
‫رسالة النبي ‪ -‬صلى الله عليه وسلم ‪ -‬إلى هرقل يدعوه فيها إلى‬
‫السلم ‪ ،‬جعل يبحث في مملكته عن من يأتيه بخبر وصفة هذا‬
‫النبي الذي يدعوه للسلم ‪ ،‬فظفر جنده بأبي سفيان بن حرب‬
‫زعيم قريش وسيدها قبل أن يسلم ‪ ،‬وكان قد خرج في تجارة‬
‫لقريش إلى الشام ‪ ،‬وذلك بعد صلح الحديبية ‪ ،‬فأدخل هو ومن‬
‫معه على هرقل في قصره ‪ ،‬فأجلسهم بين يديه ‪،‬فقال ‪:‬أيكم‬

‫‪120‬‬
‫أقرب نسبا من هذا الرجل الذي يزعم أنه نبي ؟ فقال أبو سفيان‬
‫‪ :‬أنا ‪.‬فأجلسوه بين يديه ‪،‬وأجلسوا أصحابه خلفه ‪،‬ثم دعا‬
‫بترجمانه فقال ‪:‬قل لهم إني سائل هذا عن هذا الرجل الذي‬
‫ذّبوه ‪.‬قال أبو سفيان ‪:‬وأيم الله ‪،‬‬
‫يزعم أنه نبي ‪،‬فإن كذبَني فك ِ‬
‫لول أن يؤثروا علي الكذب لكذبت‪ ،‬ثم قال لترجمانه ‪ :‬سله كيف‬
‫حسبه فيكم ؟ قلت ‪:‬هو فينا ذو حسب ‪.‬قال ‪:‬فهل كان من آبائه‬
‫ملك ؟ قلت ‪ :‬ل ‪.‬‬
‫قال ‪:‬فهل كنتم تتهمونه بالكذب قبل أن يقول ما قال ؟ قلت ‪ :‬ل‬
‫‪ .‬قال ‪ :‬أيتبعه أشراف الناس أم ضعفاؤهم ؟ قلت ‪ :‬بل ضعفاؤهم‬
‫‪ .‬قال ‪ :‬يزيدون أو ينقصون؟ قلت ‪ :‬ل ‪ ،‬بل يزيدون ‪ .‬قال ‪ :‬هل‬
‫يرتد أحد منهم عن دينه بعد أن يدخل فيه سخطة له ؟ قلت ‪ :‬ل ‪.‬‬
‫قال ‪ :‬فهل قاتلتموه ؟ قلت‪ :‬نعم ‪.‬قال ‪:‬فكيف كان قتالكم إياه ؟‬
‫قلت ‪ :‬تكون الحرب بيننا وبينه سجال يصيب منا ونصيب منه ‪.‬قال‬
‫‪ :‬فهل يغدر ؟قلت ‪ :‬ل ‪ ،‬ونحن منه في هذه المدة ل ندري ما هو‬
‫صانع فيها ‪ ،‬ووالله ما أمكنني من كلمة أدخل فيها غير هذه ‪.‬قال‬
‫‪ :‬فهل قال هذا القول أحد قبله ؟ قلت ‪ :‬ل ‪ .‬ثم قال لترجمانه ‪:‬‬
‫قل له إني سألتك عن حسبه ؟ فزعمت أنه ذو حسب ‪ ،‬وكذلك‬
‫الرسل تبعث في أحساب قومها ‪ .‬وسألتك هل كان في آبائه ملك‬
‫؟ فزعمت أن ل ‪ ،‬فقلت لو كان من آبائه ملك قلت رجل يطلب‬
‫ملك آبائه ‪ .‬وسألتك عن أتباعه من الناس أضعفاؤهم أم أشرافهم‬
‫؟فقلت بل ضعفاؤهم ‪ ،‬وهم أتباع الرسل ‪ .‬وسألتك هل كنتم‬
‫تتهمونه بالكذب قبل أن يقول ما قال ؟ فزعمت أن ل ‪ ،‬فعرفت‬
‫أنه لم يكن ليدع الكذب على الناس ثم يذهب فيكذب على الله ‪.‬‬
‫وسألتك هل يرتد أحد منهم عن دينه بعد أن يدخل فيه سخطة‬
‫له ؟ فزعمت أن ل ‪ ،‬وكذلك اليمان إذا خالط بشاشة القلوب ‪.‬‬
‫وسألتك هل يزيدون أم ينقصون ؟ فزعمت أنهم يزيدون ‪ ،‬وكذلك‬
‫اليمان حتى يتم ‪ .‬وسألتك هل قاتلتموه ؟ فزعمت أنكم قاتلتموه‬
‫‪،‬فتكون الحرب بينكم وبينه سجال ينال منكم وتنالون منه ‪،‬‬
‫وكذلك الرسل تبتلى ‪ ،‬ثم تكون لهم العاقبة ‪ .‬وسألتك هل يغدر ؟‬
‫فزعمت أنه ل يغدر ‪ ،‬وكذلك الرسل ل تغدر ‪ .‬وسألتك هل قال‬
‫أحد هذا القول قبله ؟ فزعمت أن ل ‪ ،‬فقلت لو كان قال هذا‬
‫القول أحد قبله قلت رجل ائتم بقول قيل قبله ‪ .‬ثم قال ‪ :‬بم‬
‫يأمركم ؟ قلت‪ :‬يأمرنا بالصلة ‪،‬والزكاة ‪،‬والصلة ‪،‬والعفاف ‪.‬قال‬
‫‪:‬إن يك ما تقول فيه حقا ‪،‬فإنه نبي ‪ ،‬وقد كنت أعلم أنه خارج !‬
‫ولم أك أظنه منكم ! ولو أني أعلم أني أخلص إليه لحببت‬
‫لقاءه ! ولو كنت عنده لغسلت عن قدميه ! وليبلغن ملكه ما‬
‫تحت قدمي !!‬

‫‪121‬‬
‫ثم دعا بكتاب رسول الله ‪ -‬صلى الله عليه وسلم ‪ ،-‬فقرأه فإذا‬
‫فيه ‪:‬‬
‫بسم الله الرحمن الرحيم‬
‫من محمد رسول الله إلى هرقل عظيم الروم ‪ ،‬سلم على من‬
‫أما بعد ‪:‬‬ ‫اتبع الهدى ‪.‬‬
‫فإني أدعوك بدعاية السلم ‪ ،‬أسلم تسلم ‪ ،‬وأسلم يؤتك الله‬
‫أجرك مرتين ‪ ،‬فإن توليت فإن عليك إثم الريسيين (يا أهل‬
‫الكتاب تعالوا إلى كلمة سواء بيننا وبينكم أن ل نعبد إل الله ول‬
‫نشرك به شيئا ول يتخذ بعضنا بعضا أربابا من دون الله فإن تولوا‬
‫فقولوا اشهدوا بأنا مسلمون ) ‪.‬‬
‫فلما فرغ من قراءة الكتاب ارتفعت الصوات عنده ‪ ،‬وكثر اللغط‬
‫‪،‬وأمر بنا فأخرجنا‪[.‬رواه المام البخاري ح‪ ،] 4278/‬فهذا دليل بين‬
‫بأنهم كانوا يعرفون وقت خروجه ومكانه وأوصافه ‪ ،‬لكن حب‬
‫الدنيا وحب الملك وخوف القتل صدت هرقل عن قبول الحق ‪،‬‬
‫واليمان به ‪ ،‬فأعلن رفضه له ‪ ،‬ولم يقف موقف الثبات الذي‬
‫وقفه السقف الكبر في مملكته – معنى السقف ‪ :‬رئيس دين‬
‫النصارى ‪ -‬والذي أقر هرقل بأنه صاحب أمرهم ‪.‬‬
‫فقد أرسل هرقل بالكتاب إلى السقف واسمه (ضغاطر)‪ ،‬فقال‬
‫السقف‪ :‬هذا الذي كنا ننتظر‪ ،‬وبشرنا به عيسى‪ ،‬أما أنا فمصدقه‬
‫ومتبعه‪ .‬فقال له قيصر‪ :‬أما أنا إن فعلت ذلك ذهب ملكي‪ .‬ثم‬
‫قال السقف لرسول النبي صلى الله عليه وسلم دحية رضي الله‬
‫عنه‪ :‬خذ هذا الكتاب واذهب إلى صاحبك فأقرئ عليه السلم ‪،‬‬
‫وأخبره أني أشهد أن ل إله إل الله وأن محمدا رسول الله‪ ،‬وأني‬
‫ي ذلك‪ .‬ثم خرج إليهم‬ ‫قد آمنت به وصدقته‪ ،‬وأنهم قد أنكروا عل ّ‬
‫فقتلوه‪ .‬فلما رجع دحية إلى هرقل قال له‪ :‬قد قلت لك إنا‬
‫نخافهم على أنفسنا‪ ،‬فضغاطر كان أعظم عندهم مني‪[ .‬المام‬
‫ابن حجر في فتح الباري شرح صحيح البخاري ‪ ،]43-1/42‬فدعا‬
‫هرقل عظماء الروم ‪ ،‬فجمعهم في دار له فقال‪ :‬يا معشر الروم‪،‬‬
‫هل لكم في الفلح والرشد آخر البد ‪،‬وأن يثبت لكم ملككم ‪،‬‬
‫فتبايعوا هذا النبي؟ فحاصوا حيصة حمر الوحش إلى البواب ‪،‬‬
‫فوجدوها قد غلقت ‪ ،‬فقال ‪:‬علي بهم ‪.‬فدعا بهم فقال ‪:‬إني إنما‬
‫اختبرت شدتكم على دينكم ‪،‬فقد رأيت منكم الذي أحببت‬
‫‪.‬فسجدوا له ورضوا عنه [رواه المام البخاري ح‪.] 4278/‬‬
‫ومن هذا الحديث نقف على أمرين مهمين ‪:‬‬
‫أول ‪ :‬أن بعث نبينا محمد ‪ -‬صلى الله عليه وسلم ‪-‬بكتاب إلى‬
‫قيصر دليل على عموم رسالته لجميع الناس ‪ ،‬عربهم وعجمهم ‪،‬‬
‫َ‬
‫سو ُ‬
‫ل‬ ‫ل يَا أي ُّ َها النَّا ُ‬
‫س إِنِّي َر ُ‬ ‫أبيضهم وأسودهم ‪ ،‬قال تعالى ‪ { :‬قُ ْ‬

‫‪122‬‬
‫َ‬
‫ه إِل ّ هُوَ‬ ‫ض ل إِلَـ َ‬ ‫ر‬‫ْ‬
‫ت وال َ‬
‫َ‬ ‫ِ‬ ‫ا‬‫َ‬ ‫ماو‬‫َ‬ ‫َ‬
‫س‬ ‫ّ‬ ‫ال‬ ‫ك‬‫ُ‬ ‫مل ْ‬
‫ُ‬ ‫ه‬
‫ُ‬ ‫ميعا ً الَّذِي ل َ‬ ‫ج ِ‬
‫م َ‬ ‫اللّهِ إِلَيْك ُ ْ‬
‫َِ‬
‫ن بِاللّهِ‬ ‫م ُ‬‫ي ال ّذِي يُؤْ ِ‬ ‫م ِّ‬ ‫ي ال ُ ِّ‬ ‫سولِهِ النَّب ِ ِ ّ‬ ‫منُوا ْ بِاللّهِ وََر ُ‬ ‫ت فَآ ِ‬ ‫مي ُ‬ ‫حيِـي وَي ُ ِ‬ ‫يُ ْ‬
‫َ‬
‫ن } [سورةالعراف الية‪، ]158 :‬‬ ‫م تَهْتَدُو َ‬
‫َ‬ ‫ماتِهِ وَاتَّبِعُوه ُ لَعَل ّك ُ ْ‬ ‫وَكَل ِ َ‬
‫ن ع َلَى ع َبْدِهِ لِيَكُو َ‬
‫ن‬ ‫ل الْفُْرقَا َ‬ ‫ك ال ّذِي نََّز َ‬ ‫وقال تعالى‪ {:‬تَبَاَر َ‬
‫ن نَذِيرا ً }[ سورةالفرقان الية‪ ،] 1 :‬وحياته – صلى الله‬ ‫مي َ‬ ‫لِلْعَال َ ِ‬
‫عليه وسلم – منذ بعثته ‪ ،‬وحتى وفاته شاهدة على عموم رسالته‬
‫لجميع الناس ‪ ،‬فقد دعا اليهود في المدينة للسلم ‪ ،‬وجاهدهم‬
‫فأخرج بعضهم منها ‪ ،‬وقتل بعضهم ‪ ،‬وفي ذلك دليل على عموم‬
‫رسالته ‪ ،‬ثم إنه دعا النصارى ‪ ،‬فناظر نصارى نجران ‪ ،‬ودعاهم‬
‫للمباهلة ‪ ،‬وخرج لقتال النصارى في تبوك ‪ ،‬وبعث الكتب لكسرى‬
‫‪ ،‬وقيصر ‪ ،‬والمقوقس ‪ ،‬وغيرهم ‪.‬‬
‫إنه لم يفعل ذلك كله إل لنه رسول لكل الشعوب على اختلف‬
‫ألسنتهم وألوانهم ‪ ،‬بل وللجن أيضا ‪ ،‬قال ابن تيمية – رحمه الله ‪-‬‬
‫مدلل على عموم رسالته صلى الله عليه وسلم ‪ ،‬وأنه مبعوث إلى‬
‫جميع الناس أهل الكتاب ‪ ،‬وغير أهل الكتاب ‪ ،‬بل إلى الثقلين‬
‫النس والجن ‪ :‬إنه كان يكفر اليهود والنصارى الذين لم يتبعوا ما‬
‫أنزل الله عليه ‪ ،‬كما كان يكفر غيرهم ممن لم يؤمن بذلك ‪ ،‬وأنه‬
‫جاهدهم وأمر بجهادهم ‪ [.‬الجواب الصحيح لمن بدل دين المسيح‬
‫لشيخ السلم ابن تيمية ‪. ] 3/10‬‬
‫أما المر الثاني ‪ :‬أن هرقل فقه مسألة مهمة ‪ ،‬وهي مسألة‬
‫يتخذها المعاندون من أهل الكتاب ذريعة لصد الناس عن اتباع‬
‫الحق ‪ ،‬وهي أن وصول كتاب النبي ‪ -‬صلى الله عليه وسلم ‪ -‬إليه‬
‫هو بلغ لرسالته وإن كان بلغة العرب ‪ ،‬فلم يرده ‪ ،‬ولم يرفضه ‪،‬‬
‫بل بادر بترجمته ‪ ،‬وفهم معانيه ‪ ،‬وتحري الحق بحواره مع أبي‬
‫سفيان ‪ ،‬وعرضه على علماء النصارى في مملكته ‪ ،‬وكذلك كان‬
‫موقف ضغاطر أكبر علماء بلده ‪ ،‬فلم يرفض الدعوة بحجة أن‬
‫النبي عربي اللسان ‪ ،‬وهو للعرب خاصة دون غيرهم ‪.‬‬
‫وإن المتأمل اليوم لكثرة المسلمين في شتى بقاع الرض ‪ ،‬ومن‬
‫كل اللغات ‪ ،‬ومن كل الجناس ليعلم أن هذه الرسالة عامة لكل‬
‫العالمين ‪ ،‬وأن من يقول بخصوصيتها لهل اللسان العربي‬
‫ليعارض النصوص من الكتب السماوية الصريحة ‪ ،‬ويغمض عينيه‬
‫عن ما يشهد به الواقع البشري اليوم ومن قبل ‪ ،‬منذ بعثة نبينا‬
‫محمد ‪ -‬صلى الله عليه وسلم حتى يومنا هذا ‪.‬‬
‫يقول ابن تيمية رحمه الله ‪:‬أنزل عليه القرآن باللسان العربي ‪،‬‬
‫كما أنزلت التوراة باللسان العبري وحده ‪ ،‬وموسى ‪-‬عليه السلم‬
‫‪ -‬لم يكن يتكلم إل بالعبرية ‪ ،‬وكذلك المسيح ‪ -‬عليه السلم ‪ -‬لم‬
‫يكن يتكلم بالتوراة والنجيل وغيرهما إل بالعبرية ‪ ،‬وكذلك سائر‬

‫‪123‬‬
‫الكتب ل ينزلها الله إل بلسان واحد ‪ ،‬بلسان الذي أنزلت عليه‬
‫ولسان قومه الذين يخاطبهم أول ‪ ،‬ثم بعد ذلك تبلغ الكتب وكلم‬
‫النبياء لسائر المم ‪ :‬إما بأن يترجم لمن ل يعرف لسان ذلك‬
‫الكتاب ‪ ،‬كما حدث في قصة الكتاب لهرقل وغيره من الملوك ‪،‬‬
‫وإما بأن يتعلم الناس لسان ذلك الكتاب فيعرفون معانيه ‪ ،‬وإما‬
‫بأن يبين للمرسل إليه معاني ما أرسل به الرسول إليه بلسانه ‪،‬‬
‫وإن لم يعرف سائر ما أرسل به ‪.‬‬
‫فالحجة تقوم على الخلق ويحصل لهم الهدى بمن ينقل عن‬
‫الرسول تارة المعنى ‪ ،‬وتارة اللفظ ‪ ،‬ولهذا يجوز نقل حديثه‬
‫بالمعنى ‪ ،‬والقرآن يجوز ترجمة معانيه لمن ل يعرف العربية‬
‫باتفاق العلماء ‪ ،‬وأبناء فارس المسلمون لما اعتنوا بأمر السلم ‪،‬‬
‫ترجموا مصاحف كثيرة ‪ ،‬فيكتبونها بالعربي ‪ ،‬ويكتبون الترجمة‬
‫بالفارسية ‪ ،‬وكانوا قبل السلم أبعد عن المسلمين من الروم‬
‫والنصارى ‪ ،‬فإذا كان الفرس المجوس قد وصل إليهم معاني‬
‫القرآن بالعربي وترجمته ‪ ،‬فكيف ل يصل إلى أهل الكتاب وهم‬
‫أقرب إلى المسلمين منهم ؟! وعامة الصول التي يذكرها القرآن‬
‫عندهم شواهدها ‪ ،‬ونظائرها في التوراة والنجيل والزبور ‪ ،‬وغير‬
‫ذلك من النبوات‪ ،‬بل كل من تدبر نبوات النبياء ‪ ،‬وتدبر القرآن ‪،‬‬
‫جزم يقينا بأن محمدا – صلى الله عليه وسلم ‪ -‬رسول الله حقا ‪،‬‬
‫وأن موسى – عليه السلم ‪ -‬رسول الله صدقا ‪ ،‬لما يرى من‬
‫تصادق الكتابين التوراة والقرآن ‪ ،‬مع العلم بأن موسى ‪ -‬عليه‬
‫السلم ‪ -‬لم يأخذ عن محمد ‪ -‬صلى الله عليه وسلم ‪ ، -‬وأن‬
‫محمدا ‪ -‬صلى الله عليه وسلم ‪-‬لم يأخذ عن موسى – عليه‬
‫السلم ‪ ، -‬فإن محمدا ‪ -‬صلى الله عليه وسلم ‪ -‬باتفاق أهل‬
‫ُ‬
‫من قَبْل ِ ِ‬
‫ه‬ ‫ت تَتْلُو ِ‬‫ما كُن َ‬ ‫ميِّا ً ‪ ،‬قال َتعالى ‪{ :‬وَ َ‬ ‫‪،‬كان أ ّ‬ ‫المعرفة بحاله‬
‫ُ‬
‫ن }[ سورة‬ ‫مبْطِلُو َ‬ ‫ُ‬ ‫ك إِذا ً ّلْرتَا َ‬
‫ب ال ْ‬ ‫مين ِ َ‬‫ه بِي َ ِ‬‫ُ‬ ‫خط ّ‬ ‫ب وََل ت َ ُ‬ ‫من كِتَا ٍ‬ ‫ِ‬
‫َّ‬
‫العنكبوت الية ‪ ،] 48 :‬ومن قوم أميين ‪،‬قال تعالى ‪{ :‬هُوَ الذِي‬
‫م‬‫مهُ ُ‬ ‫م وَيُعَل ِّ ُ‬
‫م آيَاتِهِ وَيَُزكِّيهِ ْ‬‫م يَتْلُو ع َلَيْهِ ْ‬ ‫سول ً ِّ‬
‫منْهُ ْ‬ ‫ن َر ُ‬ ‫ميِّي َ‬ ‫ث فِي اْل ُ ِّ‬ ‫بَعَ َ‬
‫ن }[ سورة‬ ‫مبِي ٍ‬‫ل ُّ‬‫ضَل ٍ‬ ‫ل لَفِي َ‬ ‫من قَب ْ ُ‬‫ة وَإِن كَانُوا ِ‬ ‫م َ‬‫حك ْ َ‬ ‫ب وَال ْ ِ‬‫الْكِتَا َ‬
‫الجمعة الية ‪ ،] 2 :‬ولم يكن عندهم من يحفظ التوراة والنجيل‬
‫ول الزبور ‪ ،‬وكان محمد ‪-‬صلى الله عليه وسلم – مقيما بمكة لم‬
‫يخرج من بين ظهرانيهم ‪ ،‬ولم يسافر قط إل سفرتين إلى‬
‫الشام ‪ ،‬خرج مرة مع عمه أبي طالب قبل الحتلم ‪ ،‬ولم يكن‬
‫يفارقه ‪ ،‬ومرة أخرى مع ميسرة في تجارته ‪ ،‬وكان ابن بضع‬
‫وعشرين سنة ‪ ،‬مع رفقة كانوا يعرفون جميع أحواله ‪ ،‬ولم يجتمع‬
‫قط بعالم أخذ عنه شيئا ل من علماء اليهود ول النصارى ول من‬
‫غيرهم ‪ ،‬ل بحيرى ول غيره ‪ ،‬ولكن كان بحيرى الراهب لما رآه‬

‫‪124‬‬
‫عرفه ‪ ،‬لما كان عنده من ذكره ونعته ‪ ،‬فأخبر أهله بذلك ‪،‬‬
‫وأمرهم بحفظه من اليهود ‪ ،‬ولم يتعلم ل من بحيرى ‪ ،‬ول من‬
‫غيره كلمة واحدة ‪ ،‬وقد دافع الله تعالى عن نبيه محمد – صلى‬
‫الله عليه وسلم – في كتابه ردا ً على من يزعم تعليم البشر له‬
‫َ‬ ‫بقوله ‪{ :‬ولَقَد نعل َ َ‬
‫ن ال ّذِي‬ ‫سا ُ‬ ‫شٌر ل ِّ َ‬
‫ه بَ َ‬‫م ُ‬‫ما يُعَل ِّ ُ‬ ‫ن إِن َّ َ‬ ‫م يَقُولُو َ‬ ‫م أنَّهُ ْ‬ ‫َ ْ َْ ُ‬
‫َ‬
‫ن }[ سورة النحل‬ ‫مبِي ٌ‬ ‫ي ُّ‬ ‫ن عََرب ِ ٌّ‬ ‫سا ٌ‬‫ي وَهَـذ َا ل ِ َ‬ ‫م ٌّ‬ ‫ن إِلَيْهِ أع ْ َ‬
‫ج ِ‬ ‫حدُو َ‬ ‫يُل ْ ِ‬
‫الية ‪.]103:‬ففي الية تكذيب لهم ‪ ،‬لن لسان الذي نسبوا إليه‬
‫تعليم النبي – صلى الله عليه وسلم‪ -‬أعجمي ل يفصح ‪ ،‬والقرآن‬
‫عربي غاية في الوضوح والبيان ‪.‬‬
‫هذا مع أن في القرآن من الرد على أهل الكتاب في بعض ما‬
‫حرفوه مثل ‪ :‬دعواهم أن المسيح ‪ -‬عليه السلم ‪ -‬صلب ‪ ،‬وقول‬
‫بعضهم أنه إله ‪ ،‬وقول بعضهم أنه ساحر ‪ ،‬وطعنهم على سليمان‬
‫‪ -‬عليه السلم ‪-‬وقولهم أنه كان ساحرا ً ‪ ،‬وأمثال ذلك ما يبين أنه‬
‫لم يأخذ عنهم ‪ ،‬وفي القرآن من قصص النبياء ‪ -‬عليهم وعلى‬
‫نبينا الصلة والسلم ‪ -‬ما ل يوجد في التوراة والنجيل ‪ ،‬مثل‬
‫‪:‬قصة هود ‪ ،‬وصالح ‪ ،‬وشعيب وغير ذلك ‪ ،‬وفي القرآن من ذكر‬
‫المعاد وتفصيله ‪ ،‬وصفة الجنة والنار ‪ ،‬والنعيم والعذاب ‪ ،‬ما ل‬
‫يوجد مثله في التوراة والنجيل ‪ [.‬انظر الجواب الصحيح لمن بدل‬
‫دين المسيح ‪.] 78 ، 74 ، 54 ،2/52‬‬
‫كما أن اللسان العربي من أفصح لغات الدميين ‪ ،‬وأوضحها ‪،‬‬
‫والناس متفقون على أن القرآن في أعلى درجات البيان والبلغة‬
‫‪ ،‬والفصاحة ‪ ،‬وفي القرآن من الدللت الكثيرة على مقصود‬
‫الرسول ‪ -‬صلى الله عليه وسلم ‪ -‬التي يذكر فيها أن الله ‪ -‬تعالى‬
‫‪ -‬أرسله إلى أهل الكتاب وغيرهم مال يحصى إل بكلفة ‪[. .‬‬
‫الجواب الصحيح لمن بدل دين المسيح ‪.] 1/371‬‬
‫وأما القول بأن ذكره بالسم ورد في الكتب السماوية فيشهد له‬
‫عدة أمور‪:‬‬
‫سى‬ ‫عي َ‬ ‫ل ِ‬ ‫أول‪ :‬تصريح القرآن الكريم بذلك ‪ ،‬قال تعالى ‪{ :‬وَإِذ ْ قَا َ‬
‫ن‬
‫ما بَي ْ َ‬‫صدِّقا ً ل ِّ َ‬‫م َ‬ ‫ل اللَّهِ إِلَيْكُم ُّ‬ ‫سو ُ‬ ‫ل إِنِّي َر ُ‬ ‫سَرائِي َ‬ ‫م يَا بَنِي إ ِ ْ‬ ‫مْري َ َ‬
‫ن َ‬‫اب ْ ُ‬
‫مد ُ فَل َ َّ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬
‫ما‬ ‫ح َ‬ ‫هأ ْ‬ ‫م ُ‬‫س ُ‬‫من بَعْدِي ا ْ‬ ‫ل يَأتِي ِ‬ ‫سو ٍ‬‫شرا ً بَِر ُ‬ ‫مب َ ّ ِ‬ ‫ن التَّوَْراةِ وَ ُ‬ ‫م َ‬ ‫يَدَيَّ ِ‬
‫ن }[ سورة الصف الية ‪.]6:‬‬ ‫مبِي ٌ‬ ‫حٌر ُّ‬ ‫س ْ‬‫ت قَالُوا هَذ َا ِ‬ ‫جاءهُم بِالْبَيِّنَا ِ‬ ‫َ‬
‫ثانيا‪ :‬تصريح بعض أهل الكتاب باسمه فيما كانوا يبشرون به من‬
‫خروج نبي آخر الزمان ‪ ،‬فقد كان بعض العرب قد سمى ابنه‬
‫محمدا طمعا في أن يكون النبي المنتظر لما سمعوه من التبشير‬
‫بخروجه ‪ ،‬فقد خرج أربعة من بني تميم يريدون الشام وهم ‪:‬‬
‫عدي بن ربيعة ‪ ،‬وسفيان بن مجاشع‪ ،‬وأسامة بن مالك‪ ،‬ويزيد بن‬
‫ربيعة‪ ،‬فلما وصلوا الشام نزلوا على غدير ‪ ،‬فسمع حديثهم‬

‫‪125‬‬
‫ديراني في صومعة له ‪ ،‬فأشرف عليهم الديراني فقال‪ :‬إن هذه‬
‫لغة ما هي بلغة أهل البلد ‪.‬فقالوا ‪:‬نعم ‪،‬نحن قوم من مضر ‪.‬قال‬
‫‪ :‬من أي مضر ؟ قالوا ‪ :‬من خندف ‪.‬قال ‪:‬أما إنه سيبعث منكم‬
‫وشيكا نبي ‪،‬فسارعوا وخذوا بحظكم منه ترشدوا ‪ ،‬فإنه خاتم‬
‫النبيين ‪.‬فقالوا ‪:‬ما اسمه ؟ فقال ‪:‬محمد ‪.‬فلما انصرفوا من عنده‬
‫ولد لكل واحد منهم غلما فسماه محمد‪ [ .‬المعجم الكبير للمام‬
‫الطبراني ح‪ -273/‬ج ‪.] 17/111‬‬
‫ولما سمع أكثم بن صيفي التميمي بخروج النبي ‪ -‬صلى الله‬
‫عليه وسلم ‪ -‬بعث إليه ابنه ليأتيه بخبره ‪ ،‬فلما رجع ابنه ‪ ،‬قال له‬
‫أكثم ‪ :‬ماذا رأيت ؟ قال ‪:‬رأيته يأمر بمكارم الخلق ‪،‬وينهى عن‬
‫ملئمها ‪.‬فجمع أكثم قومه ‪ ،‬ودعاهم إلى اتباعه ‪،‬وقال لهم ‪ :‬إن‬
‫سفيان بن مجاشع سمى ابنه محمدا حبا في هذا الرجل ‪ ،‬وإن‬
‫أسقف نجران كان يخبر بأمره وبعثه ‪ ،‬فكونوا في أمره أول ول‬
‫تكونوا أخرا‪ [ .‬الصابة في تمييز الصحابة للمام ابن حجر ‪.] 1/211‬‬
‫ثالثا‪ :‬التصريح باسمه في النبوءات والبشارات في الكتب السابقة‬
‫‪ ،‬ومن ذلك ‪:‬‬
‫ما رواه برنابا عن عيسى ‪ -‬عليه السلم ‪ -‬من أنه صرح باسم‬
‫محمد ‪ -‬صلى الله عليه وسلم ‪ -‬فمن كلمه عليه السلم ‪ ( :‬أن‬
‫الله يعاقب على كل خطيئة مهما كانت طفيفة عقابا عظيما ‪ ،‬لن‬
‫الله يغضب من الخطيئة ‪ .‬فلذلك لما كانت أمي وتلميذي المناء‬
‫الذين كانوا معي أحبوني قليل حبا عالميا ‪ ،‬أراد الله البر أن‬
‫يعاقب على هذا الحب بالحزن الحاضر‪ ،‬حتى ل يعاقب عليه بلهب‬
‫الجحيم ‪ .‬فلما كان الناس قد دعوني الله وابن الله ‪ ،‬على أني‬
‫كنت بريئا في العالم ‪ ،‬أراد الله أن يهزأ الناس بي في هذا العالم‬
‫بموت يهوذا ‪ ،‬معتقدين أنني أنا الذي مت على الصليب لكيل تهزأ‬
‫الشياطين بي يوم الدينونه ‪ .‬وسيبقى هذا إلى أن يأتي محمد‬
‫رسول الله ‪ .‬الذي متى جاء كشف هذا الخداع للذين يؤمنون‬
‫بشريعة الله) [برنابا ‪ – 22.‬انظر البشارة بنبي السلم في التوراة‬
‫والنجيل لـ أحمد حجازي السقا ‪.] 1/145‬‬
‫وجاء في مزامير داود عليه السلم قول داود ‪ -‬عليه السلم ‪( : -‬‬
‫إن ربنا عظم محمودا ً )‪ ،‬وفي مكان آخر ‪ ( :‬إلهنا قدوس ومحمد‬
‫قد عم الرض كلها فرحا )[ المزامير (‪ -) 118 ، 111 ، 67 ،48‬انظر‬
‫هداية الحيارى لبن قيم الجوزية ‪ ،‬تحقيق رضوان جامع رضوان ‪،‬‬
‫ص ‪ ،] 95‬وهذا تصريح من داود ‪ -‬عليه السلم ‪ -‬باسمه ‪ ،‬وجاء في‬
‫سفر أشعياء ‪ ،‬قول أشعياء معلنا باسم محمد صلى الله عليه‬
‫مسلم ‪ ( :‬إني جعلت أمرك يا محمد بالحمد يا قدوس الرب ‪،‬‬
‫اسمك موجود قبل الشمس ) [سفر أشعياء الصحاح (‪ ،)21‬انظر‬

‫‪126‬‬
‫هداية الحيارى لبن قيم الجوزية ‪ ،‬تحقيق رضوان جامع رضوان ‪،‬‬
‫ص ‪.] 98‬‬
‫وهذه الشواهد تجعلنا نعطي لمحة مختصرة عن التوراة والنجيل‬
‫‪:‬‬
‫يقول اليهود العبرانيون والسامريون والنصارى أيضا ‪ :‬إن التوراة‬
‫عبارة عن خمسة أسفار هي‪ -1 :‬التكوين ‪ -2‬الخروج ‪ -3‬اللويين‬
‫( الحبار ) ‪ -4‬العدد ‪ -5‬التثنية ‪.‬‬
‫ويقول العبرانيون والنصارى بكتب تسمى التوراة مجازا لنبياء‬
‫أتوا من بعد موسى – عليه السلم – ويسمونها ( كتب النبياء )‬
‫[ انظر البشارة بنبي السلم ‪.] 1/54‬‬
‫وقد ترجمت من العبرانية إلى اللغة اليونانية عام ‪ 247 – 285‬قبل‬
‫الميلد ‪ ،‬وقد قام بها اثنين وسبعين عالما من علماء اليهود ‪ ،‬ومن‬
‫الزمان الذي ترجمت فيه التوراة إلى اليونانية ‪ ،‬انتشرت في‬
‫العالم ‪ ،‬وظهرت ترجمات أخرى لها ‪ ،‬فصعب على اليهود تحريفها‬
‫‪ ،‬وزاد من صعوبة التحريف ظهور النصرانية ‪ ،‬وتمسك النصارى‬
‫بالتوراة ‪ ،‬وتفرقهم بها في جميع البلد ‪ ،‬وذلك لنهم كانوا يكتبونها‬
‫ويضعونها مع كتب الناجيل الربعة ‪ -1 :‬متى ‪ -2‬يوحنا ‪ -3‬لوقا ‪-4‬‬
‫مرقس في كتاب واحد ‪.‬‬
‫ويسمون مجموع كتب التوراة والنجيل ( بيبل ) باللغة اليونانية ‪،‬‬
‫أو الكتاب المقدس ‪،‬‬
‫أو كتب العهد القديم ( التوراة ) ‪ ،‬وكتب العهد الجديد ( النجيل )‬
‫‪ [.‬البشارة بنبي السلم ‪.] 59-1/58‬‬
‫وحديثنا عن النبوءات عند أهل الكتاب ‪ ،‬يجعلنا نتساءل عن‬
‫موقفنا منها ؟‬
‫ويبين ذلك الدكتور سفر الحوالي بقوله ‪ :‬وموقفنا من نبوءات‬
‫أهل الكتاب هو نفس الموقف من عامة أحاديثهم وأخبارهم ‪،‬‬
‫فهي ثلثة أنواع ‪:‬‬
‫ً‬
‫أولً‪ :‬ما هو باطل قطعا ‪:‬‬
‫وهو ما اختلقوه من عند أنفسهم أو حرفوه عن مواضعه‪ ،‬كدعوى‬
‫أن نبي آخر الزمان سيكون من نسل داود – عليه السلم ‪ ،-‬وأن‬
‫المسيح الموعود يهودي ‪ ،‬وطمسهم للبشارة بالسلم ورسوله ‪-‬‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫سل ّم ‪ ،-‬وعموما ً هو كل ما ورد الوحي المحفوظ‬ ‫ه ع َلَيْهِ وَ َ‬
‫صل ّى الل ُ‬
‫َ‬
‫(الكتاب والسنة الصحيحة) بخلفه‪.‬‬
‫ثانياً‪ :‬ما هو حق قطعاً‪ ،‬وهو نوعان‪:‬‬
‫أ ) ما صدقه الوحي المحفوظ نصاً‪ ،‬ومن ذلك إخبارهم بختم‬
‫النبوة‪ ،‬وإخبارهم بنـزول المسيح ‪ -‬عليه السلم‪ ، -‬وخروج‬
‫المسيح الدجال‪ ،‬وإخبارهم بالملحم الكبرى في آخر الزمان بين‬

‫‪127‬‬
‫أهل الكفر وأهل اليمان‪ ،‬ومن هذا النوع ما قد يكون الخلف‬
‫معهم في تفصيله أو تفسيره‪.‬‬
‫ب) ما صدقه الواقع ‪ ،‬كما في صحيح البخاري عن جرير بن عبد‬
‫الله ‪ -‬رضي الله تعالى عنه ‪ -‬قال‪ :‬كُنت بـاليمن ‪ ،‬فلقيت رجلين‬
‫من أهل اليمن ‪:‬ذا كلع و ذا عمرو فجعلت أحدثهم عن رسول‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫م ‪ ،-‬فقال ذو عمرو ‪ :‬لئن كان الذي‬ ‫سل ّ َ‬
‫ه ع َلَيْهِ وَ َ‬ ‫صل ّى الل ُ‬ ‫الله‪َ -‬‬
‫تذكره من أمر صاحبك؛ فقد مَّر على أجله منذ ثلث‪ -.‬قال ذلك‬
‫عمرو ‪ ،‬لنه كان على إطلع بكتب اليهود باليمن – قال جرير‪:‬‬
‫وأقبل معي حتى إذا كنا في بعض الطريق ُرفِع لنا ركب من قبل‬
‫َ‬
‫ه ع َلَي ْ ِ‬
‫ه‬ ‫صل ّى الل ُ‬ ‫ض رسول الله َ‬ ‫المدينة ‪ ،‬فسألناهم‪ ،‬فقالوا‪ :‬قُب ِ َ‬ ‫َ‬
‫م واستُخلف أبو بكر والناس صالحون‪.‬‬ ‫سل ّ َ‬
‫وَ َ‬
‫فقال‪ :‬أخبر صاحبك أنا قد جئنا ولعلنا سنعود إن شاء الله‪ ،‬ورجعا‬
‫إلى اليمن ‪ ،‬فحدثت أبا بكر بحديثهم ‪ ،‬فقال‪ :‬أفل جئت بهم ‪ .‬فلما‬
‫ي كرامة‪ ،‬وإني‬ ‫كان بعد ُ قال لي ذو عمرو ‪ :‬يا جرير ! إن بك عل َّ‬
‫مخبرك خبراً‪ ،‬إنكم معشر العرب لن تزالوا بخير ما كنتم إذا هلك‬
‫مرتم في آخر‪ ،‬فإذا كان بالسيف كانوا ملوكاً‪ ،‬يغضبون‬ ‫أمير تأ َّ‬
‫ب الملوك ويرضون رضا الملوك ‪ [.‬رواه المام البخاري ح‪/‬‬ ‫غض َ‬
‫‪ ، 4101‬وانظر فتح الباري ‪.]8/76‬‬
‫ثالثاً‪ :‬ما ل نصدقه ول نكذبه‪:‬‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫م‪( :‬ل‬ ‫سل ّ َ‬ ‫ه ع َلَيْهِ وَ َ‬ ‫صل ّى الل ُ‬ ‫وهو ما عدا هذين النوعين‪ ،‬كما قال َ‬
‫تصدقوا أهل الكتاب ول تكذبوهم)‪[ .‬رواه المام البخاري ح‪.]4215 /‬‬
‫ومن ذلك إخبارهم عن الشوري ورجسة الخراب وأمثالها‪ ،‬وكوننا‬
‫ل نصدقه ول نكذبه يعني‪ :‬خروجه عن دائرة العتقاد والوحي إلى‬
‫دائرة الرأي والرواية التاريخية التي تقبل الخطأ والصواب‬
‫والتعديل والضافة ‪ ،‬أي أن النهي ل يعني عدم البحث فيه مطلقاً‪،‬‬
‫ولكنه بحث مشروط‪ ،‬وضمن دائرة الظن والحتمال‪ [.‬انظر يوم‬
‫الغضب هل بدأ بانتفاضة رجب؟ للدكتور‪ :‬سفر الحوالي ] ‪.‬‬
‫والحديث عن البشارات والنبوءات التي جاءت في التورات‬
‫والنجيل ‪ ،‬هو حديث عن علمة من علمات نبوة محمد ‪ -‬صلى‬
‫الله عليه وسلم ‪ ، -‬وفيه أداءٌ لحق البلغ عن النبي ‪ -‬صلى الله‬
‫عليه وسلم ‪ -‬فعن عبد الله بن عمرو‪ -‬رضي الله عنهما ‪-‬أن النبي‬
‫صلى الله عليه وسله ‪ -‬قال ‪( :‬بلغوا عني ولو آية)‪ [ .‬رواه المام‬
‫البخاري ح‪ ،] 3274 /‬فالله – تعالى – جعل سعادة البشرية في‬
‫ل‬‫الدنيا ‪ ،‬وهدايتهم لكل خير في طاعته واتباعه ‪ ،‬قال تعالى ‪{ :‬قُ ْ‬
‫م َ‬
‫ل‬ ‫ح ِّ‬ ‫ما ُ‬ ‫َ‬ ‫ما ع َلَيْهِ‬‫َ‬ ‫ل فَإن تَوَلَّوا فَإن َّ‬ ‫سو َ‬‫ه وَأطِيعُوا الَّر ُ‬
‫َ‬
‫َ‬
‫َّ‬
‫أَطِيعُوا الل‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ل إَِّل الْبََلغُ‬ ‫سو ِ‬ ‫ما ع َلَى الَّر ُ‬ ‫م وَإِن تُطِيعُوه ُ تَهْتَدُوا َو َ‬ ‫ملْت ُ ْ‬ ‫ح ِّ‬
‫ما ُ‬ ‫وَع َلَيْكُم َّ‬
‫ن }[ سورة النور الية ‪ ،] 54:‬وجعل نجاتهم في الخرة‬ ‫مبِي ُ‬ ‫ال ْ ُ‬

‫‪128‬‬
‫متوقفة على اتباعه ‪.‬قال النبي صلى الله عليه وسلم‪( :‬ل يسمع‬
‫بي من هذه المة يهودي ول نصراني ثم ل يؤمن بما جئت به إل‬
‫دخل النار)‪[ .‬رواه المام مسلم ح‪. ]153/‬‬
‫ي ‪ -‬صلى الله عليه وسله ‪ -‬أن يسمع أصحابه‬ ‫ولقد كان يُعجب النب َّ‬
‫قصص أهل الكتاب الدالة على نبوته ‪ ،‬كما ثبت ذلك في قصة‬
‫إسلم سلمان الفارسي – رضي الله عنه ‪ -‬فبعد أن قص سلمان‬
‫قصته على النبي ‪ -‬صلى الله عليه وسله ‪ -‬قال ‪:‬فأعجب رسول‬
‫الله ‪ -‬صلى الله عليه وسله ‪ -‬أن يسمع ذلك أصحابه رضي الله‬
‫عنهم ‪ [.‬أخرجه المام أحمد ( ‪،) 444-5/441‬قال شعيب الرنؤوط ‪،‬و‬
‫حسين السد في تحقيق سير أعلم النبلء للمام الذهبي( ‪) 1/511‬‬
‫‪:‬رجاله ثقات وإسناده قوي ]‪.‬‬
‫والناظر في أسباب دخول الناس إلى دين الله أفواجا ‪ ،‬وإيمانهم‬
‫بمحمد ‪ -‬صلى الله عليه وسلم ‪ ،-‬وخاصة أكثر العرب الذين لم‬
‫يكن لديهم علم بتلك البشارات ‪ ،‬يجد أنهم آمنوا لما تبين لهم من‬
‫آيات وعلمات دلت على صدق نبوته ‪ -‬صلى الله عليه وسلم ‪ -‬بل‬
‫إن أتباعه عليه الصلة والسلم من العرب وغيرهم كانوا أكثر بعد‬
‫موته ‪ ،‬مع عدم إطلع غالبيتهم على البشارات والنبوءات ‪ ،‬وهم‬
‫في تزايد مستمر ‪،‬وذلك لما رأوا من عدل ورحمة ويسر الشريعة‬
‫التي جاء بها ‪ ،‬ولما وجدوا من حسن أثر دعوته في أتباعه على‬
‫مر الزمان ‪ ،‬ومن ذلك حسن أخلقهم ‪،‬‬
‫وما جاء به من علمات تدل على صدق نبوته ‪ ،‬والتي منها ‪:‬‬
‫أول‪ :‬القرآن الكريم ‪ ،‬وهو أعظم اليات والدلئل ‪ ،‬وسائر‬
‫العلمات له تبع ‪ ،‬والقرآن آية بينة معجزة من وجوه متعددة ‪:‬‬
‫من جهة اللفظ ‪،‬ومن جهة النظم ‪ ،‬ومن جهة البلغة في دللة‬
‫اللفظ على المعنى ‪ ،‬ومن جهة معانيه التي أخبر بها عن الله‬
‫‪-‬تعالى ‪-‬وأسمائه وصفاته وملئكته وغير ذلك ‪ ،‬ومن جهة معانيه‬
‫التي أخبر بها عن الغيب الماضي وعن الغيب المستقبل ‪ ،‬ومن‬
‫جهة ما أخبر به عن المعاد ومن جهة ما بين فيه من الدلئل‬
‫اليقينية والقيسة العقلية ‪ ،‬التي هي المثال المضروبة كما قال‬
‫ل فَأَبَى‬‫مث َ ٍ‬
‫ل َ‬‫من ك ُ ِّ‬ ‫ن ِ‬ ‫س فِي هَـذ َا الْقُْرآ ِ‬ ‫َ‬
‫صَّرفْنَا لِلن ّا ِ‬ ‫تعالى ‪{ :‬وَلَقَد ْ َ‬
‫س إِل َّ كُفُورا ً }[سورةالسراء الية‪ ،] 89 :‬وانظر الجواب‬ ‫َ‬
‫أكْثَُر الن ّا ِ‬
‫َ‬
‫الصحيح ‪. ]5/428‬‬
‫والقرآن معجز بمعارفه وعلومه ‪ ،‬ولم يقدر أحد من العرب‬
‫وغيرهم ‪ -‬مع قوة عداوتهم وحرصهم على إبطال أمره بكل‬
‫طريق ‪ ،‬وقدرتهم على أنواع الكلم ‪ -‬أن يأتوا بمثله ‪ ،‬قال تعالى ‪:‬‬
‫ْ‬ ‫َ‬ ‫ُ َّ‬
‫ل هَـذ َا الْقُْرآ ِ‬
‫ن‬ ‫ن ع َلَى أن يَأتُوا ْ ب ِ ِ‬
‫مث ْ ِ‬ ‫س وَال ْ ِ‬
‫ج ُّ‬ ‫ت الِن ُ‬ ‫معَ ِ‬ ‫جت َ َ‬
‫نا ْ‬ ‫{ق ْل ل ِ‬
‫ِ‬ ‫ئ‬
‫ض ظَهِيرا ً }[ سورة السراء‬ ‫م لِبَعْ ٍ‬‫ضهُ ْ‬ ‫و كَا َ‬
‫ن بَعْ ُ‬ ‫مثْلِهِ وَل َ ْ‬‫ن بِ ِ‬‫ل َ يَأتُو َ‬

‫‪129‬‬
‫الية ‪ ،] 88:‬وانظر الجواب الصحيح ‪ .] 1/427‬وقال تعالى ‪{:‬أَفَلَ‬
‫ختِلَفاً‬
‫جدُوا ْ فِيهِ ا ْ‬‫عند ِ غَيْرِ اللّهِ لَوَ َ‬ ‫ن ِ‬
‫م ْ‬ ‫ن ِ‬ ‫ن وَلَوْ كَا َ‬ ‫ن الْقُْرآ َ‬‫يَتَدَبَُّرو َ‬
‫كَثِيرا ً }[ سورة النساء الية ‪.]82 :‬قال المام الطبري – رحمه الله‬
‫‪ -‬في تفسير هذه الية الكريمة ‪ :‬إن الذي أتيتهم به – يا محمد ‪-‬‬
‫من التنزيل من عند ربهم لتساق معانيه ‪ ،‬وائتلف أحكامه ‪،‬‬
‫وتأييد بعضه بعضا بالتصديق ‪ ،‬وشهادة بعضه لبعض بالتحقيق ‪،‬‬
‫فإن ذلك لو كان من غير الله – تعالى ‪ -‬لختلفت أحكامه ‪،‬‬
‫وتناقضت معانيه ‪ ،‬وأبان بعضه عن فساد بعض‪[.‬تفسير الطبري‬
‫‪.]5/179‬‬
‫هّ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬
‫ن الل ِ‬‫من دُو ِ‬ ‫ن أن يُفْتََرى ِ‬ ‫ن هَـذ َا القُْرآ ُ‬ ‫ما كَا َ‬‫{و َ‬
‫وقال تعالى ‪َ َ :‬‬
‫ب‬‫من َّر ِّ‬ ‫ب فِيهِ ِ‬‫ب ل َ َري ْ َ‬‫ل الْكِتَا ِ‬ ‫صي َ‬‫ن يَدَيْهِ وَتَفْ ِ‬‫صدِيقَ ال ّذِي بَي ْ َ‬ ‫وَلَـكِن ت َ ْ‬
‫ن }[ سورة يونس الية ‪.]37:‬‬ ‫مي َ‬ ‫الْعَال َ ِ‬
‫وتأمل أثر القرآن على ملك الحبشة النجاشي ‪ ،‬وبطارقته وكانوا‬
‫نصارى ‪ ،‬ثم إقرار النجاشي أن ما جاء به محمد صلى الله عليه‬
‫وسلم ‪-‬وهو القرآن ‪ -‬يخرج وما جاء به عيسى ‪ -‬عليه السلم ‪-‬‬
‫وهو النجيل من مشكاة واحدة ‪ ،‬فقد أمر النبي ‪ -‬صلى الله عليه‬
‫وسلم ‪ -‬أصحابه بالهجرة إليه لما كانوا يلقونه من تعذيب وتضييق‬
‫من كفار مكة ‪ ،‬وكان ملكا عادل ل يظلم عنده أحد ‪ ،‬وبعد أن‬
‫وصلوا إليه عاشوا في خير جوار عنده ‪ ،‬آمنين على دينهم‬
‫يعبدون الله ل يؤذون ول يسمعون شيئا يكرهونه ‪،‬فلما بلغ ذلك‬
‫قريشا أغضبها ما كانوا يسمعونه عن أمن المهاجرين ‪،‬فتآمروا‬
‫ليلحقوهم هناك !! وقرروا أن يبعثوا إلى النجاشي رجلين جلدين‬
‫ليهدوا للنجاشي هدايا مما يحبه من متاع مكة ‪،‬وكان من أعجب‬
‫ما يأتيه منها الدم – الجلد ‪ -‬فجمعوا له أدما كثيرا ‪ ،‬ثم بعثوا بذلك‬
‫مع عبد الله بن ربيعة بن المغيرة المخزومي وعمرو بن العاص‬
‫بن وائل السهمي ‪ ،‬وأمروهما أمرهم ‪ ،‬وقالوا لهما ‪:‬ادفعوا إلى‬
‫كل بطريق هديته قبل أن تكلموا النجاشي فيهم ‪ .‬ليستميلوهم‬
‫فيشيروا على النجاشي بما يريدون ‪.‬‬
‫فخرجا فقدما على النجاشي ‪،‬فلم يبق من بطارقته بطريق إل‬
‫دفعا إليه هديته قبل أن يكلما النجاشي ‪ ،‬ثم إنهما قربا هداياهم‬
‫إلى النجاشي فقبلها منهما ‪،‬ثم كلماه فقال له ‪:‬أيها الملك إنه قد‬
‫صبا إلى بلدك منا غلمان سفهاء‪ ،‬فارقوا دين قومهم ‪ ،‬ولم يدخلوا‬
‫في دينك ‪ ،‬وجاؤوا بدين مبتدع ل نعرفه نحن ول أنت ‪ ،‬وقد بعثنا‬
‫إليك فيهم أشراف قومهم من آبائهم وأعمامهم وعشائرهم‬
‫لتردهم إليهم ‪ ،‬فهم أعلى بهم عينا ‪ ،‬وأعلم بما عابوا عليهم‬
‫وعاتبوهم فيه ‪.‬‬

‫‪130‬‬
‫فقالت بطارقته حوله ‪ :‬صدقوا أيها الملك ‪ ،‬قومهم أعلى بهم عينا‬
‫وأعلم بما عابوا عليهم ‪،‬فأسلمهم إليهما فليرداهم إلى بلدهم‬
‫وقومهم ‪.‬‬
‫ً‬
‫فغضب النجاشي ‪،‬ثم قال ‪:‬ل ها الله ‪ ،‬أيم الله إذا ل أسلمهم‬
‫إليهما ‪ ،‬ول أُكاد قوما جاوروني ‪ ،‬ونزلوا بلدي ‪ ،‬واختاروني على‬
‫من سواي حتى أدعوهم ‪ ،‬فاسألهم ما يقول هذان في أمرهم ‪،‬‬
‫فإن كانوا كما يقولن أسلمتهم إليهما ‪ ،‬ورددتهم إلى قومهم ‪،‬‬
‫وإن كانوا غير ذلك ‪ ،‬منعتهم منهما ‪ ،‬وأحسنت جوارهم ما‬
‫جاوروني ‪.‬‬
‫ثم أرسل إلى أصحاب رسول الله ‪ -‬صلى الله عليه وسلم ‪-‬‬
‫فدعاهم ‪ ،‬فلما جاءهم رسوله اجتمعوا ‪،‬ثم قال بعضهم لبعض ‪:‬ما‬
‫تقولون للرجل إذا جئتموه ؟ قالوا ‪:‬نقول والله ما علمنا ‪ ،‬وما‬
‫أمرنا به نبينا ‪ -‬صلى الله عليه وسلم ‪ -‬كائن في ذلك ما هو كائن‬
‫‪.‬‬
‫فلما جاءوه ‪ ،‬وقد دعا النجاشي أساقفته ‪ ،‬فنشروا مصاحفهم‬
‫حوله ‪ ،‬سألهم فقال ‪:‬ما هذا الدين الذي فارقتم فيه قومكم ‪ ،‬ولم‬
‫تدخلوا في ديني ‪ ،‬ول في دين أحد من هذه المم ؟‬
‫فكلمه جعفر بن أبي طالب – رضي الله عنه ‪ -‬فقال له ‪:‬أيها‬
‫الملك كنا قوما أهل جاهلية ‪:‬نعبد الصنام ‪،‬ونأكل الميتة ‪،‬ونأتي‬
‫الفواحش ‪،‬ونقطع الرحام ‪،‬ونسيء الجوار ‪ ،‬ويأكل القوى منا‬
‫الضعيف ‪.‬فكنا على ذلك حتى بعث الله – تعالى ‪ -‬إلينا رسول منا‬
‫‪،‬نعرف نسبه وصدقه وأمانته وعفافه ‪،‬فدعانا إلى الله لنوحده‬
‫ونعبده ‪،‬ونخلع ما كنا نحن نعبد وآباؤنا من دونه من الحجارة‬
‫والوثان ‪،‬وأمرنا بصدق الحديث ‪،‬وأداء المانة ‪،‬وصلة الرحم ‪،‬‬
‫وحسن الجوار ‪،‬والكف عن المحارم والدماء ‪،‬ونهانا عن الفواحش‬
‫‪،‬وقول الزور ‪،‬وأكل مال اليتيم ‪،‬وقذف المحصنة ‪،‬وأمرنا أن نعبد‬
‫الله وحده ول نشرك به شيئا ‪،‬وأمرنا بالصلة والزكاة والصيام ‪.‬‬
‫فعدد عليه أمور السلم ‪،‬قال ‪:‬فصدقناه ‪،‬وآمنا به واتبعناه على ما‬
‫جاء به ‪،‬فعبدنا الله وحده فلم نشرك به شيئا ‪،‬وحرمنا ما حرم‬
‫علينا ‪،‬وأحللنا ما أحل لنا ‪،‬فعدا علينا قومنا ‪،‬فعذبونا وفتنونا عن‬
‫ديننا ‪ ،‬ليردونا إلى عبادة الوثان من عبادة الله ‪،‬وأن نستحل ما‬
‫كنا نستحل من الخبائث ‪،‬فلما قهرونا وشقوا علينا ‪،‬وحالوا بيننا‬
‫وبين ديننا ‪،‬خرجنا إلى بلدك ‪،‬واخترناك على من سواك ‪ ،‬ورغبنا‬
‫في جوارك ‪،‬ورجونا أن ل نظلم عندك أيها الملك ‪.‬‬
‫فقال له النجاشي ‪:‬هل معك مما جاء به عن الله من شيء ؟‬
‫فقال له جعفر ‪:‬نعم ‪.‬‬
‫فقال له النجاشي‪ :‬فاقرأه علي ‪.‬‬

‫‪131‬‬
‫فقرأ عليه صدرا من (كهيعص)‪.‬‬
‫فبكى والله النجاشي حتى أخضل لحيته ‪،‬وبكت أساقفته حتى‬
‫اخضلوا مصاحفهم حين سمعوا ما تلي عليهم !!‬
‫ثم قال النجاشي ‪ :‬إن هذا والله والذي جاء به موسى ليخرج من‬
‫مشكاة واحدة ‪ .‬انطلقا ‪،‬فوالله ل أسلمهم إليكم أبدا ول أُكاد ‪.‬‬
‫فلما خرجا من عنده قال عمرو بن العاص ‪:‬والله لنبئنَّه غدا‬
‫عيبهم ‪ ،‬ثم استأصل به خضراءهم ‪.‬فقال له عبد الله بن أبى‬
‫ربيعة وكان أتقى الرجلين في قومه ‪ :‬ل تفعل ‪،‬فإن لهم أرحاما‬
‫وإن كانوا قد خالفونا ‪.‬قال ‪:‬والله لخبرنه أنهم يزعمون أن عيسى‬
‫بن مريم عبد ٌ ‪.‬‬
‫ثم غدا عليه ‪ ،‬فقال له ‪ :‬أيها الملك ! إنهم يقولون في عيسى بن‬
‫مريم قول عظيما ‪،‬فأرسل إليهم فاسألهم عما يقولون فيه ‪.‬‬
‫فأرسل إليهم يسألهم عنه ‪.‬‬
‫فاجتمع القوم فقال بعضهم لبعض‪:‬ماذا تقولون في عيسى إذا‬
‫سألكم عنه ؟ قالوا‪:‬نقول والله فيه ما قال الله وما جاء به نبينا ‪-‬‬
‫صلى الله عليه وسلم ‪-‬كائنا في ذلك ما هو كائن ‪.‬‬
‫فلما دخلوا عليه ‪،‬قال لهم ‪ :‬ما تقولون في عيسى بن مريم ؟‬
‫فقال له جعفر بن أبى طالب – رضي الله عنه ‪:-‬نقول فيه الذي‬
‫جاء به نبينا ‪ -‬صلى الله عليه وسلم ‪ -‬هو عبد الله ورسوله وروحه‬
‫وكلمته ألقاها إلى مريم العذراء البتول ‪.‬‬
‫فضرب النجاشي يده إلى الرض ‪ ،‬فأخذ منها عودا ‪،‬ثم قال ‪:‬ما‬
‫عدا عيسى بن مريم ما قلت هذا العود ‪.‬فتناخرت بطارقته حوله ‪،‬‬
‫حين قال ما قال ‪.‬فقال ‪:‬وإن نخرتم والله ‪ ،‬اذهبوا فأنتم سيوم‬
‫بأرضي ‪ -‬والسيوم المنون ‪ -‬من سبكم غرم ‪ ،‬من سبكم غرم ‪،‬‬
‫فما أحب أن لي دبرا ذهبا‪ -‬يعني جبل ‪ -‬وإني آذيت رجل منكم ‪.‬‬
‫ردوا عليهم هداياهما ‪ ،‬فل حاجة لنا بها ‪،‬فوالله ما أخذ الله منى‬
‫الرشوة حين رد علي ملكي فآخذ الرشوة فيه ‪ ،‬وما أطاع الناس‬
‫في فأطيعهم فيه ‪.‬‬
‫فخرجا من عنده مقبوحين مردودا عليهما ما جاءا به ‪ ،‬وأقام‬
‫المهاجرون – رضي الله عنهم‪ -‬عنده بخير دار مع خير جار‪[.‬‬
‫حديث روته أم المؤمنين أم سلمه رضي الله عنها زوج النبي‬
‫صلى الله عليه وسلم ‪ ،‬وأخرجه المام أحمد ‪ ، 202 /1‬وقال‬
‫الهيثمي في مجمع الزوائد ‪ :‬رجاله رجال الصحيح ]‪.‬‬
‫ثانيا ‪ :‬المعجزات الحسية التي جاء بها ‪ ،‬وهي كثيرة جدا ً ‪ ،‬منها ‪:‬‬
‫انشقاق القمر ‪ ،‬وتكثير الطعام القليل‪ ،‬ونبع الماء من تحت‬
‫أصابعه ‪ ،‬وبكاء جذع النخلة ‪ ،‬وسلم الحجارة عليه ‪ ،‬وتقارب‬

‫‪132‬‬
‫الشجار له ‪،‬و ‪....‬و‪.....‬وغيرها كثير مما جمعه أهل العلم في‬
‫دلئل نبوته صلى الله عليه وسلم ‪.‬‬
‫ثالثا ‪ :‬إخباره – صلى الله عليه وسلم ‪ -‬عن المغيبات الماضية ‪،‬‬
‫والحاضرة ‪ ،‬والمستقبلة ‪ ،‬بأمور باهرة ل يوجد مثلها لحد من‬
‫النبيين قبله ‪ ،‬فضل عن غير النبيين ‪ ،‬ففي القرآن من إخباره عن‬
‫الغيوب شيء كثير ‪،‬وكذلك في الحاديث الصحيحة مما أخبر‬
‫بوقوعه فكان كما أخبر ‪ [ .‬الجواب الصحيح ‪.] 6/80‬‬
‫رابعا‪ :‬انتفاع أهل الدنيا بدعوة النبي محمد ‪ -‬صلى الله عليه‬
‫وسلم ‪ -‬أكمل من انتفاع سائر المم بدعوة سائر النبياء ‪ ،‬حتى‬
‫إن المشركين أدركوا هذا النتفاع الذي حصلّه المسلمون من‬
‫دعوة النبي –صلى الله عليه وسلم – في سائر نواحي الحياة ‪،‬‬
‫فعن سلمان – رضي الله عنه – أن المشركين قالوا له ‪ :‬قد‬
‫علمكم نبيكم ‪ -‬صلى الله عليه وسلم ‪ -‬كل شيء ‪،‬حتى‬
‫الخراءة !! قال ‪ :‬أجل ‪ ،‬لقد نهانا أن نستقبل القبلة لغائط أو بول‬
‫‪ ،‬أو أن نستنجي باليمين ‪ ،‬أو أن نستنجي بأقل من ثلثة أحجار‪،‬‬
‫أو أن نستنجي برجيع أو بعظم ‪ [ .‬أخرجه المام مسلم ح‪.]262/‬‬
‫وقد كان اليهود يدركون ذلك ‪ ،‬وأن الشريعة التي بعث بها أيسر‬
‫الشرائع ‪ ،‬وأخفها على الناس ‪ ،‬فعندما زنى رجل من اليهود‬
‫بامرأة ‪ ،‬قال بعضهم لبعض ‪ :‬اذهبوا بنا إلى هذا النبي ‪ ،‬فإنه نبي‬
‫بعث بالتخفيف ‪ -‬وهذا هو الشاهد ‪ -‬فإن أفتانا بفتيا دون الرجم‬
‫قبلناها ‪ ،‬واحتججنا بها عند الله ‪ ،‬فقلنا نبي من أنبيائك !! – وهذا‬
‫إقرار صريح بنبوته ‪ -‬صلى الله عليه وسلم ‪ -‬فأتوا النبي ‪ -‬صلى‬
‫الله عليه وسلم ‪ -‬وهو جالس في المسجد في أصحابه ‪ ،‬فقالوا ‪:‬‬
‫يا أبا القاسم ! ما ترى في رجل وامرأة منهم زنيا ؟ فلم يكلمهم‬
‫كلمة حتى أتى بيت مدراسهم ‪ ،‬فقام على الباب فقال ‪:‬‬
‫( أنشدكم بالله الذي أنزل التوراة على موسى ! ما تجدون في‬
‫التوراة على من زنى إذا أحصن ؟ ) ‪ .‬قالوا ‪ :‬نحممه ‪ ،‬ونجبيه ‪،‬‬
‫ونجلده ‪ _.‬والتجبية أن يحمل الزانيان على حمار ويقابل أقفيتهما‬
‫ويطاف بهما ‪ ، -‬وسكت شاب منهم ‪ ،‬فلما رآه النبي ‪-‬صلى الله‬
‫عليه وسلم ‪-‬ساكتا ‪ ،‬أنشده ؟ فقال ‪ :‬اللهم إذ نشدتنا ‪ ،‬فإنا نجد‬
‫في التوراة الرجم ‪.‬فقال النبي ‪ -‬صلى الله عليه وسلم ‪( : -‬فما‬
‫أول ما ارتخصتم أمر الله؟)‪ .‬قال‪ :‬زنى ذو قرابة ملك من‬
‫ملوكنا ‪ ،‬فأخر عنه الرجم ‪ ،‬ثم زنى رجل في أسرة من الناس ‪،‬‬
‫فأراد رجمه ‪ ،‬فحال قومه دونه ‪ ،‬وقالوا ‪ :‬ل يرجم صاحبنا حتى‬
‫تجيء بصاحبك فترجمه ‪.‬فاصطلحوا هذه العقوبة بينهم ‪ .‬قال‬
‫النبي صلى الله عليه وسلم ‪( :‬فإني أحكم بما في التوراة)‪ ،‬فأمر‬
‫بهما فرجما‪ [.‬رواه المام أبو داود ح‪. ] 4450/‬‬

‫‪133‬‬
‫خامسا ‪ :‬اجتمع للنبي ‪ -‬صلى الله عليه وسلم ‪ -‬عدة أمور ل‬
‫يجتمع مثلها إل لنبي مثل ‪ :‬المعجزات ‪ ،‬ومثل صفاته ‪ ،‬فهذا عدي‬
‫بن حاتم من سادة قبيلة طيء ‪ ،‬وكان نصرانيا ‪ ،‬يخبر بتأثره‬
‫بأخلق النبي – صلى الله عليه وسلم‪ -‬وذلك في أول لقاء له به ‪،‬‬
‫قال عدي ‪ :‬فانطلق بي إلى بيته ‪ ،‬فوالله إنه لعامد بي إليه إذ‬
‫لقيته امرأة كبيرة فاستوقفته ‪ ،‬فوقف لها طويل تكلمه في‬
‫حاجتها!!‬
‫قال ‪:‬قلت في نفسي والله ما هذا بملك! [ابن إسحاق رحمه‬
‫الله‪ ،‬انظر السيرة النبوية لبن هشام رحمه الله ‪.]5/278‬‬
‫ومما اجتمع له إضافة لما ذكر ‪ ،‬قرائن أحواله منذ الصغر فلم‬
‫يكذب ولم يخن ‪..‬الخ [ انظر كتاب البشارة بنبي السلم لـ أحمد‬
‫حجازي السقا ‪ ،‬ينقل عن محصل أفكار المتقدمين للرازي‪1/196[ .‬‬
‫]‪.‬‬
‫ولكن هل من شرط النبي أن يبشر به من تقدمه ؟‬
‫يقول ابن تيمية رحمه الله ‪ :‬ليس من شرط النبي أن يبشر به‬
‫من تقدمه ‪ ،‬كما أن موسى – عليه السلم ‪ -‬كان رسول إلى‬
‫فرعون ولم يتقدم لفرعون به بشارة ‪ ،‬وكذلك الخليل ‪ -‬عليه‬
‫السلم ‪ -‬أرسل إلى نمرود ولم يتقدم به بشارة نبي إليه ‪ ،‬وكذلك‬
‫نوح ‪ ،‬وهود ‪ ،‬وصالح ‪ ،‬وشعيب ‪ ،‬ولوط – عليهم السلم ‪ -‬لم‬
‫يتقدم هؤلء بشارة إلى قومهم بهم ‪ ،‬مع كونهم أنبياء صادقين ‪،‬‬
‫فإن دلئل نبوة النبي ‪ -‬صلى الله عليه وسله ‪ -‬ل تنحصر في‬
‫إخبار من تقدمه ‪ ،‬بل دلئل النبوة منها المعجزات ومنها غير‬
‫المعجزات‪ [ .‬أنظر الجواب الصحيح ‪.]32 /2‬‬
‫وهذه اليات والدلئل المبينة لنبوة محمد ‪ -‬صلى الله عليه وسله‬
‫‪ -‬من غير البشارات كثيرة جدا ‪ ،‬وهي حجة على أهل الكتاب ‪،‬‬
‫جاءك ُ ْ‬
‫م‬ ‫ب قَد ْ َ‬ ‫ل الْكِتَا ِ‬ ‫وعلى غيرهم من المم ‪ ،‬قال تعالى ‪{ :‬يَا أَهْ َ‬
‫رسولُنا يبين لَك ُم ع َلَى فَترة من الُرس َ‬
‫من‬ ‫جاءنَا ِ‬ ‫ما َ‬ ‫ل أن تَقُولُوا ْ َ‬ ‫ْ َ ٍ ِّ َ ّ ُ ِ‬ ‫ْ‬ ‫َ ُ َ ُ َ ِّ ُ‬
‫يءٍ‬ ‫ش ْ‬ ‫ل َ‬ ‫َ‬
‫ه ع َلى ك ُ ِّ‬ ‫ّ‬
‫شيٌر َونَذِيٌر وَالل ُ‬ ‫جاءكُم ب َ ِ‬ ‫شيرٍ وَل َ نَذِيرٍ فَقَد ْ َ‬ ‫بَ ِ‬
‫ل‬ ‫َ‬
‫ل يَا أهْ َ‬ ‫قَدِيٌر }[سورة المائدة الية‪ ، ] 19 :‬وقال تعالى ‪{ :‬قُ ْ‬
‫ن}‬ ‫ملُو َ‬ ‫ما تَعْ َ‬ ‫شهِيد ٌ ع َلَى َ‬ ‫ه َ‬‫ت اللّهِ وَالل ّ ُ‬ ‫ن بِآيَا ِ‬‫م تَكْفُُرو َ‬ ‫ب لِ َ‬ ‫الْكِتَا ِ‬
‫[ سورة آل عمران الية‪ ، ] 98 :‬و القرآن أعظم آية جاء بها النبي‬
‫– صلى الله عليه وسلم ‪ -‬وهوحجة على من بلغه ‪ ،‬قال تعالى‪:‬‬
‫ي‬‫ح َ‬ ‫م وَأُو ِ‬ ‫شهِيد ٌ بِيْنِي وَبَيْنَك ُ ْ‬ ‫ل اللّهِ َ‬ ‫شهَادة ً قُ ِ‬ ‫يءٍ أَكْبَُر َ‬ ‫ش ْ‬ ‫ل أَيُّ َ‬ ‫{قُ ْ‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫ي هَذ َا الْقُرآ ُ ُ‬
‫معَ اللّهِ‬ ‫ن أ َّ‬
‫ن َ‬ ‫شهَدُو َ‬ ‫م لَت َ ْ‬ ‫من بَلَغَ أئِنَّك ُ ْ‬ ‫ن لنذَِركُم بِهِ وَ َ‬ ‫ْ‬ ‫إِل َ َّ‬
‫ما‬ ‫م َّ‬ ‫حد ٌ وَإِنَّنِي بَرِيءٌ ِّ‬ ‫ه وَا ِ‬ ‫ما هُوَ إِلَـ ٌ‬ ‫ل إِن َّ َ‬‫شهَد ُ قُ ْ‬‫خَرى قُل ل َّ أ َ ْ‬ ‫ة أُ ْ‬
‫آلِهَ ً‬
‫ن }[ سورة النعام الية‪ ، ] 19 :‬فمن بلغه بعض القرآن‬ ‫شرِكُو َ‬ ‫تُ ْ‬
‫دون بعض ‪ ،‬قامت عليه الحجة بما بلغه دون ما لم يبلغه ‪ ،‬فإذا‬

‫‪134‬‬
‫اشتبه معنى بعض اليات وتنازع الناس في تأويل الية وجب رد‬
‫ما تنازعوا فيه إلى الله ورسوله ‪ ،‬فإذا اجتهد الناس في فهم ما‬
‫أراده الرسول فالمصيب له أجران والمخطئ له أجر‪[.‬الجواب‬
‫الصحيح ‪.] 2/293‬‬
‫فكيف يكون جوابهم ‪ ،‬وهم يجدونه مكتوبا عندهم في التوراة‬
‫والنجيل ؟!‬
‫ويأتي الن السؤال المهم ‪ :‬ما الدللت على أن محمدا ‪ -‬صلى‬
‫الله عليه وسله ‪ -‬مذكور في التوراة والنجيل ‪ ،‬ليوصف أهل‬
‫الكتاب بأنهم يعرفونه كما يعرفون أبناءهم ؟‬
‫والجواب يتمثل في الدللت التالية ‪:‬‬
‫َ‬
‫سو َ‬
‫ل‬ ‫ن الَّر ُ‬ ‫ن يَتَّبِعُو َ‬ ‫أول ‪ :‬تصريح َالقرآن بذلك ‪ ،‬قال تعالى ‪{ :‬ال ّذِي َ‬
‫ل‬‫جي ِ‬ ‫م فِي التَّوَْراةِ وَ َالِن ْ ِ‬ ‫عندَهُ ْ‬ ‫مكْتُوبا ً ِ‬ ‫ه َ‬ ‫جدُون َ ُ‬ ‫ي ال ّذِي ي َ ِ‬ ‫م َّ‬ ‫ي ال ُ ِّ‬ ‫النَّب ِ َّ‬
‫ح ُّ‬ ‫ْ‬
‫م‬‫حّرِ ُ‬ ‫ت وَي ُ َ‬ ‫م الط ّيِّبَا ِ‬ ‫ل ل ََهُ ُ‬ ‫منكَرِ وَي ُ ِ‬ ‫ن ال ْ ُ‬ ‫ِ‬ ‫م عَ‬ ‫ف وَيَنْهَاهُ ْ‬ ‫معُْرو ِ‬ ‫مُرهُم بِال ْ َ‬ ‫يَأ ُ‬
‫م‬ ‫ت ع َلَيْهِ ْ‬ ‫ي كَان َ ْ‬ ‫ل ال ّت ِ‬ ‫م وَالَغْل َ َ‬ ‫صَرهُ ْ‬ ‫م إِ ْ‬ ‫ضعُ ع َنْهُ ْ‬ ‫ث وَي َ َ‬ ‫خبَآئ ِ َ‬ ‫م ال ْ َ‬ ‫ع َل َ َيْهِ ُ‬
‫َ‬
‫صُروه ُ وَاتَّبَعُوا ْ النُّوَر ال ّذِيَ أُنزِ َ‬
‫معَ ُ‬
‫ه‬ ‫ل َ‬ ‫منُوا ْ بِهِ وَعََّزُروه ُ وَن َ َ‬ ‫نآ َ‬ ‫فَال ّذِي َ‬
‫ن } [سورة العراف الية‪ ، ] 157 :‬وقال تعالى‬ ‫حو َ‬ ‫مفْل ِ ُ‬ ‫م ال ْ ُ‬ ‫ك هُ ُ‬ ‫أُوْلَـئ ِ َ‬
‫من‬ ‫م وَكَانُوا ْ ِ‬ ‫معَهُ ْ‬ ‫ما َ‬ ‫صدِّقٌ ل ِّ َ‬ ‫م َ‬ ‫عند ِ اللّهِ ُ‬ ‫ن ِ‬ ‫مَ ْ‬ ‫ب ِّ‬ ‫م كِتَا ٌ‬ ‫جاءهُ ْ‬ ‫ما َ‬ ‫‪{ :‬وَل َ َّ‬
‫ما عََرفُوا ْ كَفَُروا ْ ب ِ ِ‬
‫ه‬ ‫جاءهُم َّ‬ ‫ما َ‬ ‫ن كَفَُروا ْ فَل َ َّ‬ ‫ن ع َلَى ال ّذِي َ‬ ‫حو َ‬ ‫ستَفْت ِ ُ‬ ‫ل يَ ْ‬ ‫قَب ْ ُ‬
‫َ‬
‫ن }[ سورة البقرة الية‪. ] 89 :‬‬ ‫ة الل ّه ع َلَى الْكَافِرِي َ‬ ‫فَلَعْن َ ُ‬
‫ثانيا ‪ :‬تصريح القرآن ببشارة النبياء – عليهم السلم ‪ -‬به ‪ ،‬فقد‬
‫بشر به عيسى ‪ -‬عليه السلم‪ -‬قال تعالى ‪ ( :‬وإذ قال عيسى ابن‬
‫مريم يا بني إسرائيل إني رسول الله إليكم مصدقا لما بين يدي‬
‫من التوراة ومبشرا برسول يأتي من بعدي اسمه أحمد فلما‬
‫جاءهم بالبينات قالوا هذا سحر مبين ) ‪ ،‬بل أخذ العهد والميثاق‬
‫على جميع النبياء لئن بعث محمد ليؤمنن به ‪ ،‬قال تعالى ‪{ :‬وَإِذْ‬
‫جاءك ُ ْ‬
‫م‬ ‫م َ‬ ‫مةٍ ث ُ َّ‬ ‫حك ْ َ‬ ‫ب وَ ِ‬ ‫من كِتَا ٍ‬ ‫ما آتَيْتُكُم ِّ‬ ‫ن لَ َ‬ ‫ميثَاقَ النَّبِيِّي ْ َ‬ ‫ه ِ‬ ‫خذ َ الل ّ ُ‬ ‫أَ َ‬
‫ن به ولَتنصرن َه قَا َ َ َ‬
‫ل أأقَْرْرت ُ ْ‬
‫م‬ ‫من ُ َّ ِ ِ َ َ ُ ُ ّ ُ‬ ‫م لَتُؤ ْ ِ‬ ‫معَك ُ ْ‬ ‫ما َ‬ ‫دّقٌ ل ِّ َ‬ ‫ص ِ‬ ‫م َ‬ ‫ل ُّ‬ ‫سو ٌ‬ ‫َر ُ‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫وَأ َ َ‬
‫معَكُم‬ ‫شهَدُوا ْ وَأنَا ْ َ‬ ‫ل فَا ْ‬ ‫صرِي قَالُوا ْ أقَْرْرنَا قَا َ‬ ‫م إِ ْ‬ ‫م ع َلَى ذَلِك ُ ْ‬ ‫خذ ْت ُ ْ‬
‫ن }[ سورة آل عمران الية‪ ، ] 81 :‬قال ابن عباس –‬ ‫من ال َّ‬
‫شاهِدِي َ‬ ‫ِّ َ‬
‫رضي الله عنه ‪-‬وغيره من السلف ‪ :‬ما بعث الله نبيا إل أخذ عليه‬
‫الميثاق لئن بعث محمد – صلى الله عليه وسلم ‪-‬وهو حي ليؤمنن‬
‫به ولينصرنه ‪ ،‬وأمره أن يأخذ الميثاق على أمته ‪ :‬لئن بعث محمد‬
‫– صلى الله عليه وسلم ‪-‬وهم أحياء ليؤمنن به ولينصرنه ‪.‬قال ابن‬
‫تيمية ‪ :‬فدل ذلك على أنه من أدرك محمدا – صلى الله عليه‬
‫وسلم ‪ -‬من النبياء وأتباعهم وإن كان معه كتاب وحكمة فعليه أن‬
‫يؤمن بمحمد – صلى الله عليه وسلم ‪-‬وينصره ‪ [.‬انظر الجواب‬
‫الصحيح ‪.] 123 -2/120‬‬

‫‪135‬‬
‫ثالثا ‪ :‬شهادة من أسلم من علماء بني إسرائيل ‪ ،‬أن ذكره ‪ -‬صلى‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫ة‬‫م آي َ ً‬ ‫م يَكُن ل ّهُ ْ‬ ‫الله عليه وسلم ‪ -‬جاء في كتبهم‪ ،‬قال تعالى‪ {:‬أوَل َ ْ‬
‫َ‬
‫ل }[ سورة الشعراء الية‪، ] 197 :‬‬ ‫سَرائِي َ‬ ‫ماء بَنِي إ ِ ْ‬ ‫ه ع ُل َ َ‬ ‫م ُ‬ ‫أن يَعْل َ َ‬
‫ل‬‫ما أُنزِ َ‬ ‫ن بِاللّهِ وَ َ‬ ‫م ُ‬ ‫من يُؤ ْ ِ‬ ‫ب لَ َ‬ ‫ل الْكِتَا ِ‬ ‫ن أه ْ ِ‬
‫نم َ‬
‫وقال تعالى‪{:‬وَإ ِ َّ ِ ْ‬
‫منا ً قَلِيلً‬ ‫ت اللّهِ ث َ َ‬ ‫ن بِآيَا ِ‬ ‫شتَُرو َ‬ ‫ن لِلّهِ ل َ ي َ ْ‬ ‫شعِي َ‬ ‫خا ِ‬ ‫م َ‬ ‫ل إِلَيْهِ ْ‬‫ما أُنزِ َ‬ ‫م وَ َ‬ ‫إِلَيْك ُ ْ‬
‫سرِيعُ ال ْ ِ‬ ‫ك لَه َ‬ ‫أُوْلَـئ ِ َ‬
‫ب }[سورة آل‬ ‫سا ِ‬ ‫ح َ‬ ‫ه َ‬ ‫الل ّ َ‬
‫َ‬
‫م إ ِ َّ‬
‫ن‬ ‫ْ‬ ‫ِ‬ ‫عند َ َربِّه‬ ‫م ِ‬ ‫ْ‬ ‫جُرهُ‬ ‫مأ ْ‬ ‫ْ‬ ‫ُ‬
‫من قَبْل ِ ِ‬
‫ه‬ ‫ب ِ‬ ‫م الْكِتَا َ‬ ‫ن آتَيْنَاهُ ُ‬ ‫عمران الية‪.]199 :‬وقال تعالى‪{ :‬ال ّذِي َ‬
‫من َّرب ِّنَا إِنَّا‬ ‫حقُّ ِ‬ ‫ه ال ْ َ‬ ‫منَّا بِهِ إِن َّ ُ‬ ‫م قَالُوا آ َ‬ ‫ن ‪.‬وَإِذ َا يُتْلَى ع َلَيْهِ ْ‬ ‫منُو َ‬ ‫هُم بِهِ يُؤ ْ ِ‬
‫َ‬ ‫ُ‬
‫ن ‪.‬أوْلَئ ِ َ‬
‫صبَُروا‬ ‫ما َ‬ ‫ن بِ َ‬ ‫مَّرتَي ْ ِ‬ ‫جَرهُم َّ‬ ‫نأ ْ‬ ‫ك يُؤ ْتَوْ َ‬ ‫مي َ‬ ‫سل ِ ِ‬‫م ْ‬ ‫من قَبْلِهِ ُ‬ ‫كُنَّا ِ‬
‫ن }[ سورة‬ ‫م يُنفِقُو َ‬ ‫ما َرَزقْنَاهُ ْ‬ ‫م َّ‬ ‫ة َو ِ‬ ‫سيِّئ َ َ‬ ‫سنَةِ ال َّ‬ ‫ح َ‬ ‫ن بِال ْ َ‬ ‫وَيَدَْرؤ ُو َ‬
‫القصص الية ‪.] 54 -52:‬‬
‫ومن ذلك أن عالم اليهود وابن عالمهم وسيدهم وابن سيدهم عبد‬
‫الله بن سلم كان فوق نخلة له يجدها ‪ ،‬فسمع رجة فقال‪ :‬ما هذا‬
‫؟ قالوا ‪ :‬هذا رسول الله ‪ -‬صلى الله عليه وسلم ‪ -‬قد قدم‬
‫‪.‬فألقى بنفسه من أعلى النخلة ثم خرج [ مجمع الزوائد ‪.] 8/243‬‬
‫فكان فيمن انجفل إليه‪ ،‬يقول عبد الله بن سلم‪ :‬فلما تبينت‬
‫وجهه ‪ ،‬عرفت أن وجهه ليس بوجه كذاب ‪ ،‬فكان أول شيء‬
‫سمعته يقوله ‪( :‬أفشوا السلم ‪ ،‬وأطعموا الطعام ‪ ،‬وصلوا‬
‫الرحام ‪ ،‬وصلوا والناس نيام ‪ ،‬تدخلوا الجنة بسلم) [رواه المام‬
‫أحمد ‪.]451 /5‬‬
‫ثم رجع فقالت له أمه‪ :‬لله أنت !! لو كان موسى بن عمران ‪-‬‬
‫عليه السلم ‪ -‬ما كان بذلك تلقي نفسك من أعلى النخلة‪ .‬فقال ‪:‬‬
‫والله لنا أشد فرحا بقدوم رسول الله من موسى إذ بعث‪[ .‬قال‬
‫الهيثمي‪ :‬رواه الطبراني ورجاله ثقات إل أن حمزة بن يوسف لم‬
‫يدرك جده عبد الله بن سلم ‪،‬مجمع الزوائد ‪.] 8/243‬‬
‫وفي رواية ابن إسحاق ‪ :‬أنه قال لعمته خالدة ‪ :‬أي عمة ‪ ،‬هو‬
‫والله أخو موسى بن عمران ‪ ،‬وعلى دينه ‪ ،‬بعث بما بعث به‬
‫‪.‬فقالت ‪ :‬أي ابن أخي ! أهو النبي الذي كنا نخبر أنه يبعث مع‬
‫نَفَس الساعة ؟ فقلت لها ‪ :‬نعم‪[ .‬ابن إسحاق في سيرة ابن‬
‫هشام ‪.] 3/50‬‬
‫ثم جاءه بعد ذلك فقال‪ :‬إني سائلك عن ثلث‪ ،‬ل يعلمهن إل نبي‬
‫‪ :‬فما أول أشراط الساعة ‪ ،‬وما أول طعام أهل الجنة ‪ ،‬وما ينزع‬
‫الولد إلى أبيه أو إلى أمه ؟ قال ‪ :‬فقال رسول الله – صلى الله‬
‫عليه وسلم‪( :-‬أخبرني بهن جبريل آنفا)‪ .‬قال ‪ :‬جبريل ؟!!قال‬
‫رسول الله ‪-‬صلى الله عليه وسلم ‪( :‬نعم)‪ .‬قال‪ :‬ذاك عدو اليهود‬
‫من الملئكة‪.‬‬

‫‪136‬‬
‫فقرأ هذه الية‪( :‬من كان عدا لجبريل فإنه نزله على قلبك بإذن‬
‫الله)‪ ،‬أما أول أشراط الساعة ؟ فنار تحشر الناس من المشرق‬
‫إلى المغرب ‪ ،‬وأما أول طعام أهل الجنة ؟ فزيادة كبد حوت ‪،‬‬
‫وإذا سبق ماء الرجل ماء المرأة نزع الولد ‪ ،‬وإذا سبق ماء المرأة‬
‫نزعت )‪ .‬فقال ابن سلم ‪ :‬أشهد أن ل إله إل الله ‪ ،‬وأشهد أنك‬
‫رسول الله ‪ ،‬يا رسول الله إن اليهود قوم بهت ‪ ،‬وإنهم إن يعلموا‬
‫بإسلمي قبل أن تسألهم يبهتوني ‪.‬فجاءت اليهود ‪ ،‬فقال النبي‬
‫صلى الله عليه وسلم ‪ ( :‬أي رجل عبد الله بن سلم فيكم ؟ )‪.‬‬
‫قالوا ‪ :‬خيرنا ‪ ،‬وابن خيرنا ‪ ،‬وسيدنا وابن سيدنا ‪ .‬قال ‪( :‬أرأيتم‬
‫إن أسلم عبد الله بن سلم؟)‪.‬فقالوا ‪ :‬أعاذه الله من ذلك ‪.‬‬
‫فخرج عبد الله فقال ‪ :‬أشهد أن ل إله إل الله وأن محمدا رسول‬
‫الله‪ .‬فقالوا ‪:‬شرنا وابن شرنا ‪ ،‬وانتقصوه ‪ .‬قال ابن سلم ‪ :‬فهذا‬
‫الذي كنت أخاف يا رسول الله ‪ [.‬رواه المام البخاري ‪، 4210‬‬
‫‪ . .] 3699‬وفي رواية قال ‪ :‬يا معشر اليهود ! اتقوا الله ‪ ،‬فوالله‬
‫الذي ل إله إل هو إنكم لتعلمون أنه رسول الله ‪ ،‬وأنه جاء بحق ‪[.‬‬
‫رواه المام البخاري ‪.] 3621‬‬
‫وكان بعض أهل الكتاب يُذكِّر البعض الخر ‪ ،‬ويقيم الحجة عليهم ‪،‬‬
‫فهذا مخيريق من أحبار بني النضير وعلمائها وأغنيائها يقيم الحجة‬
‫على يهود ‪ ،‬وكان يعرف رسول الله ‪ -‬صلى الله عليه وسله ‪-‬‬
‫بصفته وما يجد في علمه ‪ ،‬وكان قد غلب عليه إلف دينه ‪ ،‬فلم‬
‫يزل على ذلك حتى إذا كان يوم أحد ‪ -‬وكان يوم أحد يوم السبت‬
‫من شهر ‪..‬شوال من السنة الثالثة للهجرة ‪ -‬قال ‪ :‬يا معشر يهود‬
‫! والله إنكم لتعلمون أن نصر محمد عليكم لحق ‪.‬قالوا ‪ :‬إن‬
‫اليوم يوم السبت ‪ .‬قال ‪ :‬ل سبت لكم ‪ .‬ثم أخذ سلحه ‪ ،‬فخرج‬
‫حتى أتى رسول الله ‪ -‬صلى الله عليه وسلم ‪ -‬بأحد ‪ ،‬وعهد إلى‬
‫من وراءه من قومه إن قتلت هذا اليوم فأموالي لمحمد‪ -‬صلى‬
‫الله عليه وسلم ‪ -‬يصنع فيها ماشاء ‪.‬‬
‫فلما اقتتل الناس قاتل حتى قتل فكان رسول الله ‪ -‬صلى الله‬
‫عليه وسلم ‪ -‬يقول‪( :‬مخيريق خير يهود)‪ [ .‬ابن إسحاق ‪ ،‬انظر‬
‫السيرة النبوية لبن هشام ‪.] 3/51‬‬
‫و شاهد آخر في موقف (ضغاطر) كبير الساقفة زمن هرقل ‪،‬‬
‫عندما أرسل إليه هرقل بكتاب النبي ‪ -‬صلى الله عليه وسله ‪-‬‬
‫يستشيره فيه ‪ ،‬فقال السقف‪ :‬هذا الذي كنا ننتظر ‪ ،‬وبشرنا به‬
‫عيسى – عليه السلم ‪ -‬أما أنا فمصدقه ومتبعه ‪ .‬فقال له قيصر‪:‬‬
‫أما أنا إن فعلت ذلك ذهب ملكي ‪ .‬ثم قال السقف لرسول النبي‬
‫صلى الله عليه وسلم ‪ :‬خذ هذا الكتاب واذهب إلى صاحبك ‪،‬‬
‫فأقرئ عليه السلم ‪،‬وأخبره أني أشهد أن ل إله ال الله وأن‬

‫‪137‬‬
‫محمدا رسول الله ‪ ،‬وأني قد آمنت به وصدقته ‪،‬وأنهم قد أنكروا‬
‫على ذلك ‪.‬ثم خرج إليهم فقتلوه ‪ [.‬ابن حجر في فتح الباري ‪-1/42‬‬
‫‪.]43‬‬
‫وأورد شيخ السلم بن تيمية إقرار وشهادة الحسن بن أيوب ‪ ،‬و‬
‫س بأقوالهم ‪ ،‬ومن‬ ‫كان من أجلء علماء النصارى ‪ ،‬وأخبرِ النا ِ‬
‫أخبرِ الناس بمقالتهم ‪ ،‬فأسلم على بصيرة ‪ ،‬وكتب رسالة إلى‬
‫أخيه علي بن أيوب يذكر فيها سبب إسلمه ‪ ،‬ويذكر الدلة على‬
‫بطلن دين النصارى وصحة دين السلم ‪ ،‬قال في رسالته إلى‬
‫أخيه لما كتب إليه يسأله عن سبب إسلمه ؟ ثم أعلمك أرشدك‬
‫الله أن ابتداء أمري في الشك الذي دخلني فيما كنت عليه ‪،‬‬
‫والستبشاع بالقول به من أكثر من عشرين سنة !! لما كنت‬
‫أقف عليه في المقالة من فساد التوحيد لله عز وجل ‪ ،‬بما أدخل‬
‫فيه من القول بالثلثة القانيم ‪ ،‬وغيرها مما تضمنته شريعة‬
‫النصارى ‪،‬ووضع الحتجاجات التي ل تزكو ‪ ،‬ول تثبت في تقرير‬
‫ذلك ‪ ،‬وكنت إذا تبحرته وأجلت الفكر فيه بان لي عواره ‪ ،‬ونفرت‬
‫ن الله‬‫م ّ‬‫نفسي من قبوله ‪ ،‬وإذا فكرت في دين السلم الذي َ‬
‫علي به وجدت أصوله ثابتة ‪ ،‬وفروعه مستقيمة ‪ ،‬وشرائعه جميلة‬
‫‪ ،‬وأصل ذلك ما ل يختلف فيه أحد ممن عرف الله عز وجل منكم‬
‫ومن غيركم ‪ ،‬وهو اليمان بالله الحي القيوم السميع البصير‬
‫الواحد الفرد الملك القدوس الجواد العدل ‪ ،‬إله إبراهيم‬
‫وإسماعيل وإسحاق ويعقوب والسباط ‪ ،‬وإله موسى وعيسى‬
‫وسائر النبيين والخلق أجمعين ‪ ،....،‬إلى أن قال ‪ :‬ثم نؤمن بأن‬
‫محمدا عبده ورسوله ‪ ،‬أرسله بالهدى ودين الحق ليظهره على‬
‫الدين كله ولو كره المشركون ‪ ،‬ونؤمن بموسى وعيسى وسائر‬
‫النبياء عليهم الصلة والسلم ‪،‬ل نفرق بين أحد منهم ‪ ،‬ونؤمن‬
‫بالتوراة والنجيل والزبور والقرآن وسائر الكتب التي أنزلها الله‬
‫تعالى على أنبيائه ‪ ،‬وأن الساعة آتية ل ريب فيها وأن الله يبعث‬
‫من في القبور ‪ ،‬وأن البرار لفي نعيم وإن الفجار لفي جحيم‬
‫يصلونها يوم الدين ذلك بما كسبت أيديهم وأن الله ليس بظلم‬
‫للعبيد ‪.‬‬
‫قال ‪:‬وكان يحملني إلف ديني ‪ ،‬وطول المدة والعهد عليه ‪،‬‬
‫والجتماع مع الباء والمهات والخوة والخوات ‪ ،‬والقارب‬
‫والخوان والجيران ‪،‬وأهل المودات على التسويف بالعزم والتلبث‬
‫على إبرام المر ‪ ،‬ويعرض مع ذلك الفكر في إمعان النظر ‪،‬‬
‫والزدياد في البصيرة ‪ ،‬فلم أدع كتابا من كتب أنبياء التوراة‬
‫والنجيل والزبور‪ ،‬وكتب النبياء ‪ ،‬والقرآن ‪ ،‬إل نظرت فيه ‪،‬‬
‫وتصفحته ‪ ،‬ول شيئا من مقالت النصرانية إل تأملته ‪ ،‬فلما لم أجد‬

‫‪138‬‬
‫للحق مدفعا ‪ ،‬ول للشك فيه موضعا ‪ ،‬ول للناة والتلبث وجها‬
‫خرجت مهاجرا إلى الله عز وجل بنفسي ‪ ،‬هاربا بديني عن نعمة‬
‫وأهل مستقر ومحل وعز ومتصرف في عمل ‪ ،‬فأظهرت ما‬
‫أظهرته عن نية صحيحة ‪ ،‬وسريرة صادقة ‪ ،‬ويقين ثابت ‪ ،‬فالحمد‬
‫لله الذي هدانا لهذا وما كنا لنهتدي لول أن هدانا الله ‪ ،‬لقد جاءت‬
‫رسل ربنا بالحق ‪ ،‬وإياه تعالى نسأل أن ل يزيغ قلوبنا بعد إذ‬
‫هدانا‪ ،‬وأن يهب لنا منه رحمة إنه هو الوهاب‪ [.‬الجواب الصحيح‬
‫‪.]4/88‬‬
‫رابعا ‪ :‬إخبار علمائهم ‪ ،‬بصفته ‪ ،‬ومكانه ‪ ،‬ووقت خروجه ‪ ،‬وهو ما‬
‫كان سببا في إسلم سلمان الفارسي ‪ -‬رضي الله عنه ‪ -‬وإليكم‬
‫قصة سلمان العجيبة ‪ ،‬يرويها بنفسه فيقول‪ :‬كنت رجل فارسيا‬
‫من أهل أصبهان من أهل قرية منها يقال لها جى ‪ ،‬وكان أبي‬
‫دهقان قريته ‪ ،‬وكنت أحب خلق الله إليه ‪ ،‬فلم يزل به حبه إياي‬
‫حتى حبسني في بيته كما تحبس الجارية ‪ ،‬فاجتهدت في‬
‫المجوسية حتى كنت قاطن النار الذي يوقدها ل يتركها تخبو‬
‫ساعة ‪.‬‬
‫وكانت لبي ضيعة عظيمة – الضيعة‪ :‬هي تجارة الرجل‪ ،‬أو‬
‫صناعته‪ ،‬أو زراعته ‪ ، -‬فشغل في بنيان له يوما ‪ ،‬فقال لي ‪ :‬يا‬
‫شغلت في بنياني هذا اليوم عن ضيعتي ‪،‬فاذهب‬ ‫بني! إني قد ُ‬
‫فاطلعها ‪،‬وأمرني ببعض ما يريد فخرجت أريد ضيعته ‪ ،‬فمررت‬
‫بكنيسة من كنائس النصارى ‪ ،‬فسمعت أصواتهم فيها وهم‬
‫يصلون ‪ ،‬وكنت ل أدرى ما أمر الناس لحبس أبي إياي في بيته ‪،‬‬
‫فلما مررت بهم وسمعت أصواتهم ‪ ،‬دخلت عليهم انظر ما‬
‫يصنعون ‪ ،‬فلما رأيتهم أعجبتني صلتهم ‪،‬ورغبت في أمرهم ‪،‬‬
‫وقلت‪ :‬هذا والله خير من الدين الذي نحن عليه ؛ فوالله ما‬
‫تركتهم حتى غربت الشمس‪ .‬وتركت ضيعة أبي ولم آتها ‪ ،‬فقلت‬
‫لهم ‪ :‬أين أصل هذا الدين ؟ قالوا ‪ :‬بالشام ‪ .‬ثم رجعت إلى أبي‬
‫وقد بعث في طلبي وشغلته عن عمله كله ‪ ،‬فلما جئته قال ‪ :‬أي‬
‫بني! أين كنت؟ ألم أكن عهدت إليك ما عهدت ؟ قلت ‪ :‬يا أبت‬
‫مررت بناس يصلون في كنيسة لهم‪ ،‬فأعجبني ما رأيت من دينهم‬
‫‪ ،‬فوالله ما زلت عندهم حتى غربت الشمس ‪ .‬قال ‪:‬أي بني ليس‬
‫في ذلك الدين خير ‪ ،‬دينك ودين آبائك خير منه ‪ .‬قلت ‪:‬كل والله‬
‫إنه لخير من ديننا ‪.‬قال‪ :‬فخافني ‪ ،‬فجعل في رجلي قيدا ‪ ،‬ثم‬
‫حبسني في بيته ‪.‬‬
‫وبعثت إلى النصارى فقلت لهم ‪:‬إذا قدم عليكم ركب من الشام‬
‫تجار من النصارى فأخبروني بهم ‪ .‬فقدم عليهم من الشام تجار‬
‫من النصارى ‪ ،‬فأخبروني بهم ‪ ،‬فقلت لهم ‪ :‬إذا قضوا حوائجهم ‪،‬‬

‫‪139‬‬
‫وأرادوا الرجعة إلى بلدهم فأخبروني‪ .‬فلما أرادوا الرجعة إلى‬
‫بلدهم أخبروني بهم ‪،‬فألقيت الحديد من رجلي ‪،‬ثم خرجت معهم‬
‫حتى قدمت الشام ‪ ،‬فلما قدمتها ‪،‬قلت ‪ :‬من أفضل أهل هذا‬
‫الدين ؟ قالوا السقف في الكنيسة ‪ .‬فجئته ‪،‬فقلت ‪ :‬إني قد‬
‫رغبت في هذا الدين ‪ ،‬وأحببت أن أكون معك أخدمك في‬
‫كنيستك ‪ ،‬وأتعلم منك ‪ ،‬وأصلى معك ‪.‬قال ‪ :‬فادخل ‪ ،‬فدخلت‬
‫معه ‪ ،‬فكان رجل سوء يأمرهم بالصدقة ويرغبهم فيها ‪،‬فإذا‬
‫جمعوا إليه منها أشياء اكتنزه لنفسه ‪ ،‬ولم يعطه المساكين حتى‬
‫جمع سبع قِلل من ذهب ووَرِق ‪ ،‬فأبغضته بغضا شديدا لما رأيته‬
‫يصنع ‪.‬‬
‫ثم مات ‪ ،‬فاجتمعت إليه النصارى ليدفنوه ‪ ،‬فقلت لهم ‪ :‬إن هذا‬
‫كان رجل سوء ‪ ،‬يأمركم بالصدقة ويرغبكم فيها ‪،‬فإذا جئتموه بها‬
‫اكتنزها لنفسه ‪ ،‬ولم يعط المساكين منها شيئا ‪ ،‬قالوا ‪ :‬وما‬
‫علمك بذلك ‪ ،‬قلت ‪:‬أنا أدلكم على كنزه ‪،‬قالوا‪ :‬فدلنا عليه ‪،‬‬
‫فأريتهم موضعه ‪ ،‬فاستخرجوا منه سبع قلل مملوءة ذهبا وورقا ‪،‬‬
‫فلما رأوها قالوا ‪:‬والله ل ندفنه أبدا ‪.‬فصلبوه ‪ ،‬ثم رجموه‬
‫بالحجارة ‪،‬ثم جاءوا برجل آخر‪ ،‬فجعلوه مكانه‪ ،‬فما رأيت رجل ً –‬
‫يعني ل يصلي الخمس ‪ -‬أرى أنه أفضل منه ‪ ،‬أزهد في الدنيا ‪ ،‬ول‬
‫أرغب في الخرة ‪ ،‬ول أدأب ليل ونهارا منه ‪ ،‬فأحببته حبا لم أحبه‬
‫من قبله ‪ ،‬وأقمت معه زمانا ‪ ،‬ثم حضرته الوفاة ‪ ،‬فقلت له ‪ :‬يا‬
‫فلن إني كنت معك وأحببتك حبا لم أحبه من قبلك ‪ ،‬وقد حضرك‬
‫ما ترى من أمر الله ‪ ،‬فإلى من توصى بي وما تأمرني ؟ قال ‪:‬‬
‫أي بني ‪ ،‬والله ما أعلم أحدا اليوم على ما كنت عليه ‪ ،‬لقد هلك‬
‫الناس وبدلوا وتركوا أكثر ما كانوا عليه إل رجل بالموصل ‪ ،‬وهو‬
‫فلن ‪ ،‬فهو على ما كنت عليه ‪ ،‬فالحق به ‪.‬‬
‫فلما مات وغيب ‪،‬لحقت بصاحب الموصل ‪،‬فقلت له ‪ :‬يا فلن ‪،‬‬
‫إن فلنا أوصاني عند موته أن الحق بك ‪،‬وأخبرني أنك على أمره‬
‫‪ .‬فقال لي ‪ :‬أقم عندي ‪.‬فأقمت عنده فوجدته خير رجل على أمر‬
‫صاحبه ‪ ،‬فلما حضرته الوفاة قلت له ‪:‬يا فلن إن فلنا أوصى بي‬
‫إليك ‪،‬وأمرني باللحوق بك وقد حضرك من الله عز وجل ما‬
‫ترى ‪،‬فإلى من توصى بي ؟ وما تأمرني ؟ قال ‪ :‬أي بني والله ما‬
‫أعلم رجل على مثل ما كنا عليه ‪ ،‬إل رجل بنصيبين ‪ ،‬وهو فلن ‪،‬‬
‫فالحق به ‪.‬فلما مات وغيب ‪،‬لحقت بصاحب نصيبين ‪ ،‬فجئته‬
‫فأخبرته بخبري وما أمرني به صاحبي ‪ ،‬قال ‪ :‬فأقم عندي‬
‫‪.‬فأقمت عنده ‪.‬فوجدته على أمر صاحبيه ‪ ،‬فأقمت مع خير رجل‬
‫حضر قلت له ‪ :‬يا فلن‬ ‫فوالله ما لبث أن نزل به الموت ‪ ،‬فلما ُ‬
‫إن فلنا كان أوصى بي إلى فلن ‪ ،‬ثم أوصى بي فلن إليك ‪،‬‬

‫‪140‬‬
‫فإلى من توصى بي ‪ ،‬وما تأمرني ‪ .‬قال ‪ :‬أي بني والله ما نعلم‬
‫أحدا بقى على أمرنا آمرك أن تأتيه ‪ ،‬إل رجل بعمورية ‪ ،‬فإنه بمثل‬
‫ما نحن عليه ‪،‬فإن أحببت فأته ‪،‬فإنه على أمرنا ‪ .‬فلما مات وغيب‬
‫‪،‬لحقت بصاحب عمورية ‪ ،‬وأخبرته خبر ي ‪ ،‬فقال ‪:‬أقم عندي‪.‬‬
‫فأقمت مع رجل على هدى أصحابه وأمرهم ‪ ،‬واكتسبت حتى كان‬
‫حضر قلت له ‪ :‬يا‬ ‫لي بقرات وغنيمة ‪ ،‬ثم نزل به أمر الله ‪ ،‬فلما ُ‬
‫فلن إلى من توصى بي ؟وما تأمرني ؟ قال ‪ :‬أي بني ! والله ما‬
‫أعلمه أصبح على ما كنا عليه أحد من الناس آمرك أن تأتيه ‪،‬‬
‫ولكنه قد أظلك زمان نبي ‪ ،‬هو مبعوث بدين إبراهيم ‪ ،‬يخرج‬
‫ً‬
‫بأرض العرب ( وفي رواية ‪:‬يبعث من أرض الحرم )‪ ،‬مهاجرا إلى‬
‫أرض بين حرتين بينهما نخل ‪ ،‬به علمات ل تخفى ‪ :‬يأكل الهدية ‪،‬‬
‫ول يأكل الصدقة ‪ ،‬بين كتفيه خاتم النبوة ‪ ،‬فإن استطعت أن‬
‫تلحق بتلك البلد فافعل ‪.‬‬
‫ثم مات وغيب ‪ ،‬فمكثت بعمورية ما شاء الله أن أمكث ‪،‬ثم مر‬
‫بي نفر من تجار العرب من كلب فقلت لهم ‪ :‬تحملوني إلى‬
‫أرض العرب وأعطيكم بقراتي هذه وغنيمتي هذه ‪.‬قالوا‪ :‬نعم ‪.‬‬
‫فأعطيتهم إياها وحملوني ‪ ،‬حتى إذا قدموا بي وادي القرى – هو‬
‫واد ٍ بين المدينة والشام كثير القرى ‪ ،-‬ظلموني ‪ ،‬فباعوني عبداً‬
‫من رجل من يهود ‪ ،‬فكنت عنده ورأيت النخل ‪ ،‬ورجوت أن تكون‬
‫البلد الذي وصف لي صاحبي ‪ ،‬ولم يحق لي في نفسي ‪ ،‬فبينما‬
‫أنا عنده قدم عليه ابن عم له من المدينة من بني قريظة ‪،‬‬
‫فابتاعني منه‪ ،‬فاحتملني إلى المدينة‪ ،‬فوالله ما هو إل أن رأيتها ‪،‬‬
‫فعرفتها بصفة صاحبي ‪ ،‬فأقمت بها ‪ ،‬وبعث الله رسوله ‪ ،‬فأقام‬
‫بمكة ما أقام ‪ ،‬ل أسمع له بذكر مع ما أنا فيه من شغل الرق ‪،‬‬
‫ثم هاجر إلى المدينة ‪ ،‬فوالله إني لفي رأس نخلة لسيدي ‪،‬‬
‫وسيدي جالس إذ أقبل ابن عم له حتى وقف عليه ‪ ،‬فقال ‪:‬يا‬
‫فلن ! قاتل الله بنى قيلة _ يعني الوس والخزرج ‪ -‬والله إنهم‬
‫الن لمجتمعون بقباء على رجل قدم عليهم من مكة اليوم‬
‫يزعمون أنه نبي ‪.‬‬
‫فلما سمعتها أخذتني العرواء – يعني الرعدة ‪ -‬حتى ظننت‬
‫سأسقط على سيدي ‪ ،‬ونزلت عن النخلة ‪،‬فجعلت أقول لبن‬
‫عمه ذلك ‪ :‬ماذا تقول ؟ ماذا تقول ؟ قال‪ :‬فغضب سيدي ‪،‬‬
‫فلكمني لكمة شديدة ‪،‬ثم قال ‪ :‬مالك ولهذا ؟ أقبل على عملك‬
‫‪.‬فقلت ‪:‬ل شيء إنما أردت أن استثبت عما قال ‪.‬وقد كان عندي‬
‫شيء قد جمعته ‪ ،‬فلما أمسيت أخذته ‪،‬ثم ذهبت به إلى رسول‬
‫الله ‪ -‬صلى الله عليه وسلم ‪ -‬وهو بقباء ‪ ،‬فدخلت عليه فقلت له‬
‫‪ :‬إنه قد بلغني أنك رجل صالح ‪ ،‬ومعك أصحاب لك غرباء ذوو‬

‫‪141‬‬
‫حاجة ‪ ،‬وهذا شيء كان عندي للصدقة ‪،‬فرأيتكم أحق به من‬
‫غيركم ‪ .‬فقربته إليه فقال رسول الله ‪ -‬صلى الله عليه وسلم ‪-‬‬
‫لصحابه ‪ :‬كلوا ‪.‬وأمسك يده ‪ ،‬فلم يأكل ‪ .‬فقلت في نفسي ‪ :‬هذه‬
‫واحدة ‪ ،‬ثم انصرفت عنه ‪ ،‬فجمعت شيئا وتحول رسول الله ‪-‬‬
‫صلى الله عليه وسلم ‪ -‬إلى المدينة ‪ ،‬ثم جئت به فقلت ‪:‬إني‬
‫رأيتك ل تأكل الصدقة ‪،‬وهذه هدية أكرمتك بها ‪ .‬فأكل رسول الله‬
‫‪ -‬صلى الله عليه وسلم ‪ -‬منها ‪،‬وأمر أصحابه فأكلوا معه ‪ ،‬فقلت‬
‫في نفسي ‪:‬هاتان اثنتان ‪ ،‬ثم جئت رسول الله ‪ -‬صلى الله عليه‬
‫وسلم ‪ -‬وهو ببقيع الغرقد ‪ ،‬وقد تبع جنازة من أصحابه عليه‬
‫شملتان له وهو جالس في أصحابه ‪ ،‬فسلمت عليه ‪ ،‬ثم استدرت‬
‫أنظر إلى ظهره هل أرى الخاتم الذي وصف لي صاحبي ‪،‬فلما‬
‫رآني رسول الله ‪ -‬صلى الله عليه وسلم ‪ -‬استدرته ‪ ،‬عرف أني‬
‫استثبت في شيء وصف لي ‪ ،‬فألقى الرداء عن ظهره ‪ ،‬فنظرت‬
‫إلى الخاتم ‪ ،‬فعرفته ‪ ،‬فانكببت عليه أقبله وأبكى ‪.‬فقال لي‬
‫رسول الله صلى الله عليه وسلم ‪ ( :‬تحول ) ‪ .‬فتحولت ‪،‬‬
‫فقصصت عليه حديثي كما حدثتك يا بن عباس ‪.‬قال ‪:‬فأعجب‬
‫رسول الله ‪ -‬صلى الله عليه وسلم ‪ -‬أن يسمع ذلك أصحابه ‪[.‬‬
‫أخرجه المام أحمد ‪ ،444-5/441‬قال شعيب الرنؤوط ‪،‬و حسين‬
‫السد في تحقيق سير أعلم النبلء للذهبي ‪:1/511‬رجاله ثقات‬
‫وإسناده قوي ]‪.‬‬
‫وكان لحبار اليهود الذين عرفوا صفة الرض التي يهاجر إليها نبي‬
‫آخر الزمان وهي يثرب (المدينة) دورهم في رد تُبّع عنها ‪ -‬تبع‬
‫أحد ملوك اليمن واسمه ‪ :‬تبان أسعد من أبناء سبأ ‪ ،‬غزا النبار‬
‫والحيرة والترك وغزا الصين حتى هابته الملوك وأهدت له‬
‫الهدايا ‪ ،‬كان وثنيا ً ‪ ،‬ثم دخل اليهودية و أدخلها إلى اليمن ‪ ،‬وعن‬
‫بن عباس قال ‪:‬قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ‪( :‬ل تسبوا‬
‫تبعا‪ ،‬فإنه قد أسلم) رواه الطبراني في المعجم الوسط ح‪،1419/‬‬
‫وقال عنه اللباني في سلسلة الصحيحة ‪ :‬صحيح بشواهده‬
‫‪.‬وانظر تاريخ الطبري ‪ -1/331‬وذلك عندما غزا الحجاز وأراد الهجوم‬
‫على المدينة ‪ ،‬فخرج إليه حبران من أحبار اليهود حين سمعا بما‬
‫يريد من إهلك المدينة وأهلها‪ ،‬فقال له ‪ :‬أيها الملك ل تفعل ‪،‬‬
‫فإنك إن أبيت إل ما تريد حيل بينك وبينها ‪ ،‬ولم نأمن عليك ‪.‬فقال‬
‫لهما ‪ :‬ولم ذلك ؟ فقال ‪ :‬هي مهاجر نبي يخرج من هذا الحرم من‬
‫قريش في آخر الزمان ‪ ،‬تكون داره وقراره ‪ .‬فتناهى عن ذلك ‪،‬‬
‫ورأى أن لهما علما ‪ ،‬وأعجبه ما سمع منهما فانصرف عن المدينة‬
‫واتبعهما على دينهما [ابن إسحاق ‪ ،‬انظر السيرة النبوية لبن‬
‫هشام ‪.] 1/133‬‬

‫‪142‬‬
‫ولمعرفتهم بزمان خروجه ومكانه ‪،‬كان هناك من يقدم إلى‬
‫المدينة قبل السلم بسنين قلئل ‪ ،‬منهم رجل من أهل الشام‬
‫يقال له ابن الهيّبان قدم المدينة قبيل السلم بسنين ‪ ،‬فسكنها‬
‫وظهرت عليه علمات الصلح ‪ ،‬فلما حضرته الوفاة وعرف أنه‬
‫ميت ‪ ،‬قال ‪ :‬أيا معشر يهود ! ما ترونه أخرجني من أرض الخمر‬
‫والخمير إلى أرض البؤس والجوع ؟ فقالوا ‪ :‬إنك أعلم ‪.‬‬
‫قال‪:‬فإني إنما قدمت هذه البلدة أتوكف – يعني أنتظر ‪ -‬خروج‬
‫نبى قد أظل زمانه ‪ ،‬وهذه البلدة مهاجره ‪ ،‬فكنت أرجو أن يبعث‬
‫فأتبعه ‪ ،‬وقد أظلكم زمانه ‪ ،‬فل تسبقن إليه يا معشر يهود‪.‬‬
‫وكان ممن شهد قصة ابن الهيبان ثعلبة بن سعية ‪ ،‬وأسيد بن‬
‫سعية ‪ ،‬وأسد بن عبيد ‪ ،‬من بني قريظة ‪ ،‬فلما بعث رسول الله‬
‫‪ -‬صلى الله عليه وسلم ‪ -‬وحاصر بني قريظة بعد نقضهم العهد‬
‫الذي كان بينهم وبينه ‪ ،‬قال هؤلء الفتية وكانوا شبابا أحداثا ‪ :‬يا‬
‫بني قريظة ! والله إنه للنبي الذي كان عهد إليكم فيه ابن الهيبان‬
‫‪.‬قالوا ‪:‬ليس به ‪.‬قالوا ‪ :‬بلى ‪،‬والله إنه لهو بصفته ‪.‬فنزلوا وأسلموا‬
‫وأحرزوا دماءهم و أموالهم وأهليهم [ ابن إسحاق ‪ ،‬انظر السيرة‬
‫النبوية لبن هشام ‪.]2/40‬‬
‫وكان سماع أهل المدينة من الوس والخزرج للبشائر بخروج‬
‫النبي ‪-‬صلى الله عليه وسلم ‪ -‬من اليهود أمرا ً متكررا ً ‪ ،‬فمن ذلك‬
‫‪ ،‬ما رواه حسان بن ثابت – رضي الله عنه ‪ -‬قال ‪ :‬والله ‪ ،‬إني‬
‫لغلم يفعه ابن سبع سنين أو ثمان ‪ ،‬أعقل كل ما سمعت ‪ ،‬إذ‬
‫سمعت يهوديا يصرخ بأعلى صوته على أطمه – يعني حصنه ‪: -‬يا‬
‫معشر يهود ! حتى إذا اجتمعوا إليه قالوا له ‪ :‬ويلك ! ما لك ؟‬
‫قال ‪ :‬طلع الليلة نجم أحمد الذي ولد به ‪.‬‬
‫قال ابن إسحاق ‪ :‬فسألت سعيد بن عبد الرحمن بن حسان بن‬
‫ثابت فقلت ‪ :‬ابن كم كان حسان بن ثابت مقدم رسول الله ‪-‬‬
‫صلى الله عليه وسلم ‪ -‬المدينة ؟ فقال ‪ :‬ابن ستين ‪ .‬وقدمها‬
‫رسول الله ‪-‬صلى الله عليه وسلم ‪ -‬وهو ابن ثلث وخمسين سنة‬
‫‪ ،‬فسمع حسان ما سمع وهو ابن سبع سنين [ عن ابن إسحاق ‪،‬‬
‫انظر السيرة لبن هشام ‪.] 1/249‬‬
‫ولم تقتصر البشائر على المدينة فحسب ‪ ،‬بل كانت في مكة‬
‫أيضا ‪ ،‬فكان في مكة يهودي يتجر بها ‪ ،‬فلما كانت الليلة التي‬
‫ولد فيها رسول الله ‪ -‬صلى الله عليه وسلم ‪ ، -‬قال في مجلس‬
‫من قريش ‪ :‬يا معشر قريش ! هل الليلة مولود ؟ فقالوا ‪:‬والله‬
‫ما نعلمه ‪.‬قال ‪ :‬الله أكبر ‪ ،‬أما إذا أخطأكم فل بأس ‪ ،‬فانظروا ‪،‬‬
‫واحفظوا ما أقول لكم ‪ ،‬ولد هذه الليلة نبي هذه المة الخيرة ‪،‬‬
‫بين كتفيه علمة فيها شعرات متواترات‪ ،‬كأنهن عرف فرس ‪ ،‬ل‬

‫‪143‬‬
‫يرضع ليلتين ‪ ،‬وذلك أن عفريتا من الجن أدخل أصبعيه في فمه ‪،‬‬
‫فمنعه الرضاع ‪ .‬فتصدع القوم من مجلسهم وهم متعجبون من‬
‫قوله وحديثه ‪ ،‬فلما صاروا إلى منازلهم ‪ ،‬أخبر كل إنسان منهم‬
‫أهله ‪ ،‬فقالوا ‪ :‬قد ولد لعبد الله بن عبد المطلب غلم سموه‬
‫محمدا ‪ .‬فالتقى القوم ‪ ،‬فقالوا ‪ :‬هل سمعتم حديث اليهودي ‪،‬‬
‫وهل بلغكم مولد هذا الغلم ؟ فانطلقوا حتى جاءوا اليهودي ‪،‬‬
‫فأخبروه الخبر ‪.‬قال ‪:‬فاذهبوا معي حتى أنظر إليه ‪ .‬فخرجوا حتى‬
‫أدخلوه على آمنة ‪ ،‬فقال ‪ :‬أخرجي إلينا ابنك ‪ ،‬فأخرجته ‪ ،‬وكشفوا‬
‫له عن ظهره ‪ ،‬فرأى تلك الشامة ‪ ،‬فوقع اليهودي مغشيا عليه ‪،‬‬
‫فلما أفاق قالوا‪ :‬ويلك ! ما لك ؟ قال ‪ :‬ذهبت والله النبوة من‬
‫بني إسرائيل ‪ ،‬فرحتم به يا معشر قريش ‪،‬أما والله ليسطون‬
‫بكم سطوة يخرج خبرها من المشرق والمغرب ‪ [.‬روته أم‬
‫المؤمنين عائشة رضي الله عنها زوج النبي صلى الله عليه وسلم‬
‫‪ ،‬وأخرجه الحاكم عن ابن إسحاق ( ح‪ ، ) 4177/‬وقال‪ :‬حديث‬
‫صحيح السناد ولم يخرجاه‪.‬وحسن إسناده ابن حجر في فتح‬
‫الباري ‪.] 6/583‬‬
‫وكان لمعرفتهم بزمن خروجه أثره في ترقبهم هجرته إلى‬
‫المدينة ‪ ،‬فهذا رجل من اليهود يصعد فوق حصن له في اليام‬
‫التي كان المسلمون في المدينة يترقبون وصول النبي ‪ -‬صلى‬
‫الله عليه وسلم ‪ -‬إليهم بعدما سمعوا بخروجه مهاجرا إليهم ‪،‬‬
‫فرأى رسول الله ‪ -‬صلى الله عليه وسلم ‪ -‬وأصحابه مبيضين‬
‫يزول بهم السراب ‪ ،‬فلم يملك اليهودي أن قال بأعلى صوته ‪:‬يا‬
‫معاشر العرب – وفي رواية ‪ :‬يابني قيلة ‪ -.‬يعني الوس والخزرج‬
‫‪ -‬هذا جدكم الذي تنتظرون ‪.‬فثار المسلمون ‪ ،‬فتلقوا رسول‬
‫الله ‪ -‬صلى الله عليه وسلم ‪ -‬بظهر الحرة [رواه المام البخاري‬
‫ح‪.] 3964/‬‬
‫وكان علماء النصارى يسدون النصائح لقرباء النبي ‪ -‬صلى الله‬
‫عليه وسلم ‪ -‬حرصا ً على سلمته من كيد العداء ‪ ،‬بل ويقومون‬
‫بدور الحماية لما عرفوه عليه الصلة والسلم‪ ،‬فهذا بحيرى‬
‫الراهب ‪ ،‬كان ببصرى من أرض الشام ‪ ،‬وكان من علماء النصارى‬
‫‪ ،‬وكان ل ينزل من صومعته ‪ ،‬و ليلتفت إلى قوافل التجار المارة‬
‫به !!‬
‫لكنه في يوم من اليام رأى ما أدهشه ‪ ،‬وجعله يخرج ويتابع‬
‫القافلة القادمة من مكة تريد الشام ‪ ،‬إنها علمات رآها دفعته‬
‫للنزول من صومعته ‪،‬والستعداد للقائهم ‪ ،‬بل وتهيئة الطعام‬
‫لهم !!‬

‫‪144‬‬
‫لقد كانت تلك القافلة لبي طالب عم النبي ‪ -‬صلى الله عليه‬
‫وسلم ‪ -‬وكان معه النبي ‪ -‬صلى الله عليه وسلم ‪ -‬وهو صغير‪،‬‬
‫وكان عمه يحبه حبا شديدا ‪ ،‬ول يقوى على مفارقته ‪ ،‬فاصطحبه‬
‫في سفرته تلك ‪.‬‬
‫أما السبب في تغير تعامل بحيرى مع أهل هذه القافلة ‪ ،‬على غير‬
‫ما كان معتادا منه ‪ ،‬فهو أنه رأى غمامة تظل غلما صغيرا من‬
‫بين القوم !!‬
‫فلما أقبلوا ‪ ،‬ونزلوا في ظل شجرة قريبا منه ‪ ،‬نظر إلى الغمامة‬
‫حين أظلت الشجرة ‪ ،‬وتهصرت أغصان الشجرة على رسول الله‬
‫‪ -‬صلى الله عليه وسلم ‪ -‬حتى استظل تحتها ‪ ،‬فلما رأى ذلك‬
‫بحيري نزل من صومعته ‪ ،‬وقد أمر بذلك الطعام فصنع ‪ ،‬ثم‬
‫أرسل إليهم ‪ ،‬فقال ‪:‬إني قد صنعت لكم طعاما يا معشر قريش ‪،‬‬
‫فأنا أحب أن تحضروا كلكم صغيركم وكبيركم ‪ ،‬وعبدكم وحركم‬
‫‪.‬فقال له رجل منهم ‪ :‬والله يا بحيرى إن لك لشأنا اليوم ‪ ،‬ما‬
‫كنت تصنع هذا بنا ‪ ،‬وقد كنا نمر بك كثيرا ‪ ،‬فما شأنك اليوم ؟!‬
‫قال له بحيرى ‪:‬صدقت ‪،‬قد كان ما تقول ‪،‬ولكنكم ضيف ‪،‬وقد‬
‫أحببت أن أكرمكم ‪،‬وأصنع لكم طعاما ‪،‬فتأكلوا منه كلكم‪،‬‬
‫فاجتمعوا إليه ‪،‬وتخلف رسول الله ‪ -‬صلى الله عليه وسلم ‪ -‬من‬
‫بين القوم لحداثة سنة في رحال القوم تحت الشجرة ‪ ،‬فلما نظر‬
‫بحيرى في القوم لم ير الصفة التي يعرف ويجد عنده ‪.‬فقال‪ :‬يا‬
‫معشر قريش ‪،‬ل يتخلفن أحد منكم عن طعامي‪ .‬قالوا له ‪:‬يا‬
‫بحيرى ما تخلف عنك أحد ينبغي له أن يأتيك ‪ ،‬إل غلم وهو أحدث‬
‫القوم سنا ‪،‬فتخلف في رحالهم ‪.‬فقال ‪:‬ل تفعلوا ‪ ،‬ادعوه فليحضر‬
‫هذا الطعام معكم ‪ .‬فقال رجل من قريش مع القوم ‪ :‬واللت‬
‫والعزى إن كان للؤم بنا أن يتخلف ابن عبد الله بن عبد المطلب‬
‫عن طعام من بيننا ‪.‬ثم قام إليه فاحتضنه وأجلسه مع القوم ‪.‬‬
‫فلما رآه بحيرى جعل يلحظه لحظا شديدا ‪ ،‬وينظر إلى أشياء من‬
‫جسده قد كان يجدها عنده من صفته ‪ ،‬حتى إذا فرغ القوم من‬
‫طعامهم وتفرقوا ‪ ،‬قام إليه بحيرى ‪ ،‬فقال ‪:‬يا غلم ‪،‬أسألك بحق‬
‫اللت والعزى أل ما أخبرتني عما أسألك عنه ‪.‬وإنما قال له‬
‫بحيرى ذلك لنه سمع قومه يحلفون بهما فزعموا أن رسول الله‬
‫‪ -‬صلى الله عليه وسلم ‪ -‬قال ‪ :‬ل تسألن باللت والعزى شيئًا‪،‬‬
‫فوالله ما أبغضت شيئا قط بغضهما‪ .‬فقال له بحيرى‪ :‬فبالله ‪،‬إل‬
‫ما أخبرتني عما أسألك عنه ‪.‬فقال له ‪:‬سلني عما بدا لك ‪.‬فجعل‬
‫يسأله عن أشياء من حاله من نومه وهيئته وأموره ‪ ،‬فجعل‬
‫رسول ‪ -‬صلى الله عليه وسلم ‪ -‬يخبره ‪ ،‬فيوافق ذلك ما عند‬

‫‪145‬‬
‫بحيرى من صفته ‪،‬ثم نظر إلى ظهره فرأى خاتم النبوة بين كتفيه‬
‫على موضعه من صفته التي عنده ‪.‬‬
‫فلما فرغ أقبل على عمه أبي طالب فقال له ‪:‬ما هذا الغلم‬
‫منك ؟‬
‫قال ‪ :‬ابني ‪.‬‬
‫قال له بحيرى ‪ :‬ما هو بابنك ‪ ،‬وما ينبغي لهذا الغلم أن يكون‬
‫أبوه حيا !!‬
‫قال ‪ :‬فإنه ابن أخي ‪.‬‬
‫قال ‪ :‬فما فعل أبوه ؟‬
‫قال ‪ :‬مات وأمه حبلى به ‪.‬‬
‫قال ‪:‬صدقت !! فارجع بابن أخيك إلى بلده ‪ ،‬واحذر عليه يهود ‪،‬‬
‫فوالله لئن رأوه وعرفوا منه ما عرفت ليبغُنَّه شرا ‪ ،‬فإنه كائن‬
‫لبن أخيك هذا شأن عظيم ‪.‬‬
‫فأسرع به إلى بلده ‪ ،‬ثم إن نفرا ً من أهل الكتاب قد كانوا رأوا‬
‫من رسول الله ‪ -‬صلى الله عليه وسلم ‪ -‬مثل ما رآه بحيرى في‬
‫ذلك السفر ‪ ،‬فأرادوه ‪ ،‬فردهم عنه بحيرى ‪،‬وذكرهم الله وما‬
‫يجدون في الكتاب من ذكره وصفته ‪ ،‬وأنهم إن أجمعوا لما أرادوا‬
‫به لم يخلصوا إليه ‪ ،‬ولم يزل بهم حتى عرفوا ما قال لهم‬
‫وصدقوه بما قال ‪،‬فتركوه وانصرفوا عنه [ابن إسحاق ‪ ،‬انظر‬
‫السيرة النبوية لبن هشام ‪ ، 1/119‬وقال ابن حجر‪ :‬هذه القصة‬
‫بإسناد رجاله ثقات ‪ ،‬من حديث أبي موسى الشعري أخرجها‬
‫الترمذي وغيره ‪ ،‬ولم يسم فيها الراهب ‪ ،‬وزاد فيها لفظة منكرة‬
‫وهي قوله ‪:‬واتبعه أبو بكر بلل ‪.‬وسبب نكارتها ‪ :‬أن أبا بكر حينئذ‬
‫لم يكن متأهل ‪ ،‬ول اشترى يومئذ بلل ‪ ،‬إل أن يحمل على أن هذه‬
‫الجملة الخيرة مقتطعة من حديث آخر أدرجت في هذا الحديث ‪،‬‬
‫وفي الجملة هي وهم من أحد رواته‪ ،‬الصابة ‪.] 122 -1/352‬‬
‫وكان رهبان النصارى يخبرون من يسألهم عن الدين الحق بزمان‬
‫ومكان نبي آخر الزمان ‪،‬فقد رحل زيد بن عمرو الباحث عن‬
‫الحقيقة من مكة إلى الشام يطلب دين إبراهيم ‪ -‬عليه السلم ‪-‬‬
‫ويسأل الرهبان والحبار حتى بلغ الموصل ‪ ،‬ثم أقبل فجال الشام‬
‫كله حتى انتهى إلى راهب بميفعة من أرض البلقاء – قرية بالشام‬
‫‪،-‬كان ينتهي إليه علم أهل النصرانية في بلده ‪ ،‬فسأله عن‬
‫الحنيفية دين إبراهيم ؟فقال ‪:‬إنك لتطلب دينا ما أنت بواجد من‬
‫يحملك عليه اليوم ‪ ،‬ولكن قد أظل زمان نبي يخرج من بلدك‬
‫التي خرجت منها ‪ ،‬يبعث بدين إبراهيم الحنيفية ‪ ،‬فالحق بها فإنه‬
‫مبعوث الن هذا زمانه ‪ -‬وقد كان رفض اليهودية والنصرانية ‪-‬‬
‫فخرج سريعا حين قال له ذلك الراهب ما قال يريد مكة حتى إذا‬

‫‪146‬‬
‫توسط بلد لخم هجموا عليه فقتلوه [ ابن إسحاق ‪ ،‬انظر السيرة‬
‫النبوية لبن هشام ‪. ] 2/61‬‬
‫خامسا ‪ :‬مواقف ملوكهم ‪ ،‬وزعمائهم من دعوته ‪ ،‬فقد سبق‬
‫الشارة إلى إسلم النجاشي – رضي الله عنه ‪ ، -‬وإقرار هرقل‬
‫بالنبوة لكنه لم يسلم ‪ ،‬ومثله ما كان من المقوقس ملك مصر‬
‫وكان نصرانيا ‪ ،‬فقد أرسل النبي – صلى الله عليه وسلم – إليه‬
‫بكتاب يدعوه فيه إلى السلم ‪ ،‬وكان رسوله إليه حاطب بن أبي‬
‫بلتعة ‪ -‬رضي الله عنه ‪ -‬قال حاطب ‪ :‬قدمت على المقوقس‬
‫(واسمه جريح بن مينا) بكتاب رسول الله ‪ -‬صلى الله عليه وسلم‬
‫‪ -‬فقلت له‪ :‬إنه كان قبلك رجل يزعم أنه الرب العلى ‪ ،‬فأخذه‬
‫الله نكال الخرة والولى ‪ ،‬فانتقم به ثم انتقم منه ‪ ،‬فاعتبر‬
‫بغيرك ول يُعتبر بك‪ .‬قال‪ :‬هات‪ .‬قلت ‪ :‬إن لك دينا لن تدعه إل لما‬
‫هو خير منه ‪ ،‬وهو السلم الكافي بعد ما سواه ‪،‬إن هذا النبي دعا‬
‫الناس إلى الله فكان أشدهم عليه قريش ‪ ،‬وأعداهم له اليهود ‪،‬‬
‫وأقربهم منه النصارى ‪ ،‬ولعمري ما بشارة موسى بعيسى إل‬
‫كبشارة عيسى بمحمد ‪ ،‬وما دعاؤنا إياك إلى القرآن إل كدعائك‬
‫أهل التوراة إلى النجيل ‪ ،‬وكل من أدرك نبيا فهو من أمته ‪،‬‬
‫فالحق عليهم أن يطيعوه ‪ ،‬فأنت ممن أدركت هذا النبي ولسنا‬
‫ننهاك عن دين المسيح ‪ ،‬ولكنا نأمرك به ‪ ،‬ثم ناوله كتاب رسول‬
‫الله ‪ -‬صلى الله عليه وسلم ‪ -‬فلما قرأه قال خيرا ‪ :‬قد نظرت‬
‫في هذا ‪ ،‬فوجدته ل يأمر بمزهود فيه ‪ ،‬ول ينهى عن مرغوب‬
‫فيه ‪ ،‬ولم أجده بالساحر الضال ‪ ،‬ول الكاهن الكاذب ‪ ،‬ووجدت‬
‫معه آلة النبوة ‪ .‬ثم جعل الكتاب في حق من عاج ‪ ،‬وختم عليه ‪،‬‬
‫ودفعه إلى خازنه ‪ ،‬وكتب جوابه إلى رسول الله ‪ -‬صلى الله عليه‬
‫وسلم ‪ : -‬فقد علمت أن نبيا قد بقي ‪ ،‬وقد أكرمت رسولك ‪.‬‬
‫وأهدى للنبي ‪ -‬صلى الله عليه وسلم ‪ -‬جاريتين ‪ ،‬وبغلة تسمى‬
‫(الدلدل)‪ ،‬فقبل النبي ‪ -‬صلى الله عليه وسلم ‪ -‬هديته ‪ ،‬واصطفى‬
‫الجارية الواحدة واسمها مارية القبطية لنفسه ‪ ،‬فولدت منه‬
‫إبراهيم ‪ ،‬وأعطى الخرى لحسان بن ثابت ‪ ،‬فولدت منه عبد‬
‫الرحمن ‪.‬فقال النبي صلى الله عليه وسلم ‪( :‬ضن الخبيث بملكه‪،‬‬
‫ول بقاء لملكه)‪ [ .‬الجواب الصحيح ‪.] 1/293‬‬
‫وممن أسلم من نصارى العرب ‪ ،‬وكان من أشرافهم عامل الروم‬
‫على من يليهم من العرب فروة بن عمرو الجذامي ‪ ،‬لما رأى‬
‫من آيات ‪ ،‬وعلمات دلت على صدق نبوته – صلى الله عليه‬
‫وسلم ‪ ،-‬وكان منزله معان وما حولها من أرض الشام ‪ ،‬وبعث‬
‫إلى الرسول – صلى الله عليه وسلم ‪ -‬بإسلمه ولم ينقل أنه‬

‫‪147‬‬
‫اجتمع به ‪ ،‬وأهدى له بغلة بيضاء ‪ ،‬فبلغ الروم إسلمه ‪ ،‬فطلبوه‬
‫فحبسوه‪ ،‬ثم قتلوه ‪.‬‬
‫فقال في ذلك أبياتا منها قوله ‪:‬‬
‫أبلغ سراة المسلمين بأنني سلم لربي أعظمي وبناني‬
‫[ابن حجر ‪ ،‬في الصابة في تمييز الصحابة ‪.] 5/386‬‬
‫ومن نصارى العرب الذين أسلموا ‪ ،‬الجارود بن عمرو ‪ ،‬وكان‬
‫سيدا في قومه بني عبد آلف ورئيسا فيهم ‪،‬وكان يسكن البحرين‬
‫‪ ،‬وفد على النبي ‪ -‬صلى الله عليه وسلم ‪ -‬سنة تسع من‬
‫الهجرة ‪،‬وفرح النبي ‪ -‬صلى الله عليه وسلم ‪ -‬بمقدمه ‪ ،‬وقد كان‬
‫صلبا في إسلمه ‪ ،‬فقد ثبت على السلم بعد وفاة النبي ‪ -‬صلى‬
‫الله عليه وسلم ‪ -‬ومن تبعه من قومه ‪ ،‬ولم يرتد مع من ارتدوا ‪.‬‬
‫[ابن عبد البر ‪ ،‬في كتاب الستيعاب ‪ ،1/263‬والصابة ‪.] 441-1‬‬
‫سادسا ‪ :‬إخبار من اطلع على كتبهم ‪ ،‬بأنه مذكور فيها ‪ ،‬ويشهد‬
‫له ما رواه عبد الله بن عمرو بن العاص – رضي الله عنهما ‪ -‬عن‬
‫ذكر النبي – صلى الله عليه وسلم ‪ -‬في التوراة حيث قال ‪ :‬وهو‬
‫موصوف في التوراة ببعض صفته في القرآن ‪ :‬يا أيها النبي إنا‬
‫أرسلناك شاهدا ومبشرا ونذيرا ‪ ،‬وحرزا للميين ‪ ،‬أنت عبدي‬
‫ورسولي ‪،‬سميتك المتوكل ‪ ،‬ليس بفظ ‪ ،‬ول غليظ ‪ ،‬ول سخاب‬
‫في السواق ‪ ،‬ول يدفع بالسيئة السيئة ‪،‬ولكن يعفو ويغفر ‪ ،‬ولن‬
‫يقبضه الله حتى يقيم به الملة العوجاء ‪ ،‬بأن يقولوا ‪ :‬ل إله إل‬
‫الله‪ ،‬ويفتح بها أعينا عميا ‪ ،‬وآذانا صما وقلوبا غلفا ‪ [ .‬أخرجه‬
‫البخاري حديث رقم ‪.] 2018‬‬
‫وشاهد آخر حدث في خلفة عمر – رضي الله عنه ‪، -‬قال أبو‬
‫العالية ‪:‬لما فتح المسلمون تستر ‪ ،‬وجدوا دانيال – عليه السلم –‬
‫ميتا ‪ ،‬ووجدوا عنده مصحفا ‪ ،‬قال أبو العالية ‪ :‬أنا قرأت ذلك‬
‫المصحف وفيه ‪ :‬صفتكم ‪،‬وأخباركم ‪ ،‬وسيرتكم ‪ ،‬ولحون كلمكم‬
‫‪ [.‬هداية الحيارى لبن قيم الجوزية ص ‪.] 109‬‬
‫سابعا ‪ :‬أن المكذبين والجاحدين لنبوته – صلى الله عليه وسلم‪-‬‬
‫لم يمكنهم إنكار البشارة والخبار بنبوة نبي عظيم الشأن كمحمد‬
‫عليه الصلة والسلم ‪ ،‬جاء ذكره ‪ ،‬وجاءت صفته وصفة أمته ‪،‬‬
‫ومكان وزمن خروجه في كتبهم ‪ ،‬لكنهم جحدوا أن يكون هو‬
‫المقصود ‪ ،‬وأنه نبي آخر غيره حسدا من عند أنفسهم وكبرا‬
‫وعلوا ‪ ،‬يبين ذلك ما رواه رجل من الوس اسمه سلمة بن‬
‫سلمة ‪ ،‬قائل ‪ :‬كان لنا جار من يهود في بني عبد الشهل ‪ ،‬قال ‪:‬‬
‫فخرج علينا يوما من بيته حتى وقف على بني عبد الشهل ‪ ،‬وأنا‬
‫يومئذ حدث – يعني صغير ‪ -‬علي بردة لي ‪ ،‬مضطجع فيها بفناء‬
‫أهلي‪ ،‬فذكر القيامة والبعث والحساب والميزان والجنة والنار ‪،‬‬

‫‪148‬‬
‫فقال ذلك في أهل يثرب ‪ ،‬والقوم أصحاب أوثان ‪ ،‬بعثا كائنا بعد‬
‫الموت ‪.‬‬
‫فقالوا له‪ :‬ويحك! أترى هذا كائنا يا فلن‪ ،‬إن الناس يبعثون بعد‬
‫موتهم إلى جنة ونار ‪ ،‬ويجزون فيها بأعمالهم ؟ قال‪ :‬نعم ‪ ،‬والذي‬
‫يحلف به ‪ .‬قالوا ‪ :‬يا فلن ويحك ! ما آية ذلك ؟ قال ‪ :‬نبي مبعوث‬
‫من نحو هذه البلد ‪.‬وأشار بيده إلى مكة ‪ ،‬قالوا ‪ :‬ومتى نراه ؟‬
‫قال ‪:‬فنظر إلي ‪ ،‬وأنا أصغرهم سنا ‪ ،‬فقال‪ :‬إن يستنفذ هذا الغلم‬
‫عمره يدركه ‪.‬قال سلمة ‪ :‬فوالله ‪ ،‬ما ذهب الليل والنهار حتى‬
‫بعث الله تبارك وتعالى رسول الله ‪ -‬صلى الله عليه وسلم ‪-‬‬
‫وهو حي بين أظهرنا ‪ ،‬فآمنا به وكفر بغيا وحسدا ‪ ،‬فقلنا له ‪:‬‬
‫ويحك يا فلن ! ألست الذي قلت لنا فيه ما قلت ؟ قال ‪ :‬بلى‬
‫ولكنه ليس به ‪ [.‬رواه المام أحمد ‪ ،‬وابن حبان وصححه ‪،‬‬
‫والحاكم في المستدرك ( ح‪ ، ) 5764 /‬وقال‪ :‬صحيح على شرط‬
‫مسلم ولم يخرجاه ‪ ،‬وانظر هداية الحيارى لبن قيم الجوزية ص‬
‫‪.]66‬‬
‫وكان اليهود بالمدينة يتوعدون الوس والخزرج عندما ينالون‬
‫منهم ما يكرهون بخروج النبي ‪ -‬صلى الله عليه وسلم ‪ -‬ويقولون‬
‫لهم‪ :‬إنه تقارب زمان نبي يبعث الن ‪ ،‬نقتلكم معه قتل عاد‬
‫وإرم ‪.‬فلما بعث الله رسوله ‪ -‬صلى الله عليه وسلم ‪ -‬أجابه‬
‫الوس والخزرج حين دعاهم إلى الله تعالى ‪ ،‬فآمنوا به وكفر‬
‫اليهود به ‪ .‬وفيهم نزل هؤلء اليات من البقرة‪ ( :‬ولما جاءهم‬
‫كتاب من عند الله مصدق لما معهم وكانوا من قبل يستفتحون‬
‫على الذين كفروا فلما جاءهم ما عرفوا كفروا به فلعنة الله على‬
‫الكافرين) [ ابن إسحاق ‪ ،‬انظر السيرة النبوية لبن هشام ‪.] 2/37‬‬
‫لذلك كان الصحابة – رضي الله عنهم ‪ -‬يذكرون اليهود بما كانوا‬
‫يذكرونه لهم قبل مبعثه ‪ ،‬فقال لهم معاذ بن جبل ‪ ،‬وسعد بن‬
‫عبادة ‪ ،‬وعقبة بن وهب رضي الله عنهم ‪ :‬يا معشر يهود ! اتقوا‬
‫الله ‪ ،‬فوالله إنكم لتعلمون أنه رسول الله ‪ ،‬لقد كنتم تذكرونه‬
‫لنا قبل مبعثه ‪ ،‬وتصفونه لنا بصفته ‪.‬فقال رافع بن حريملة ‪،‬‬
‫ووهب بن يهوذا ‪ :‬ما قلنا لكم هذا قط ‪ ،‬وما أنزل الله من كتاب‬
‫بعد موسى ‪ ،‬ول أرسل بشيرا ‪ ،‬ول نذيرا بعده ‪ .‬فأنزل الله تعالى‬
‫سولُنَا يُبَي ِّ ُ‬
‫ن‬ ‫جاءك ُ ْ‬
‫م َر ُ‬ ‫ب قَد ْ َ‬‫ل الْكِتَا ِ‬‫في ذلك من قولهما ‪{ :‬يَا أَهْ َ‬
‫لَك ُم ع َلَى فَترة من الُرس َ‬
‫شيرٍ وَل َ نَذ ِ ٍ‬
‫ير‬ ‫من ب َ ِ‬ ‫جاءنَا ِ‬ ‫ما َ‬‫ل أن تَقُولُوا ْ َ‬ ‫ْ َ ٍ ِّ َ ّ ُ ِ‬ ‫ْ‬
‫يءٍ قَدِيٌر }[ سورة‬ ‫ش ْ‬ ‫ل َ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬
‫ه ع َلى ك ِّ‬ ‫ّ‬
‫شيٌر َونَذِيٌر وَالل ُ‬ ‫ُ‬
‫جاءكم ب َ ِ‬‫فَقَد ْ َ‬
‫المائدة الية ‪ ،].19 :‬ابن إسحاق انظر السيرة النبوية لبن هشام‬
‫‪.]3/101‬‬

‫‪149‬‬
‫وهاهم اليهود تتوالى أسئلتهم للنبي ‪ -‬صلى الله عليه وسلم ‪-‬‬
‫رغم رؤيتهم لكثير من علمات النبوة التي يعرفونها من التوراة ‪،‬‬
‫فجاءت مجموعة من اليهود نبي الله ‪ -‬صلى الله عليه وسلم ‪-‬‬
‫يوما ‪،‬فقالوا ‪ :‬يا أبا القاسم ‪ ،‬حدثنا عن خلل نسألك عنهن ‪ ،‬ل‬
‫يعلمهن إل نبي ‪.‬‬
‫قال رسول الله صلى الله عليه وسلم‪( :‬سلوني عما شئتم‪ ،‬ولكن‬
‫اجعلوا لي ذمة الله‪ ،‬وما أخذ يعقوب عليه السلم على نبيه ‪ ،‬لئن‬
‫حدثتكم شيئا فعرفتموه لتتابعني على السلم)‪.‬‬
‫قالوا ‪:‬فذلك لك ‪ .‬قال ‪( :‬فسلوني عما شئتم)‪ .‬قالوا ‪ :‬أخبرنا عن‬
‫أربع خلل نسألك عنهن ‪ :‬أخبرنا أي الطعام حرم إسرائيل على‬
‫نفسه من قبل أن تنزل التوراة ؟ وأخبرنا كيف ماء المرأة وماء‬
‫الرجل ‪ ،‬كيف يكون الذكر منه؟ وأخبرنا كيف هذا النبي المي في‬
‫النوم ؟ ومن وليه من الملئكة ؟‬
‫قال ‪ ( :‬فعليكم عهد الله وميثاقه ‪ ،‬لئن أنا أخبرتكم لتتابعني )‪.‬‬
‫قال ‪ :‬فأعطوه ما شاء من عهد وميثاق ‪.‬‬
‫فقال النبي صلى الله عليه وسلم ‪ ( :‬فأنشدكم بالذي أنزل‬
‫التوراة على موسى صلى الله عليه وسلم ‪ ،‬هل تعلمون أن‬
‫إسرائيل يعقوب عليه السلم مرض مرضا شديدا ‪ ،‬وطال‬
‫سقمه ‪ ،‬فنذر لله نذرا ‪ ،‬لئن شفاه الله تعالى من سقمه ليحرمن‬
‫أحب الشراب إليه وأحب الطعام إليه ‪ ،‬وكان أحب الطعام إليه‬
‫لحمان ‪ :‬البل ‪ ،‬وأحب الشراب إليه ألبانها ) ‪ .‬قالوا‪ :‬اللهم نعم‬
‫‪.‬قال ‪ ( :‬اللهم اشهد عليهم ‪ ،‬فأنشدكم بالله الذي ل إله إل هو‬
‫الذي أنزل التوراة على موسى هل تعلمون أن ماء الرجل أبيض‬
‫غليظ ‪ ،‬وأن ماء المرأة أصفر رقيق ‪ ،‬فأيهما عل كان له الولد‬
‫والشبه بإذن الله ‪:‬إن عل ماء الرجل على ماء المرأة كان ذكرا‬
‫بإذن الله ‪ ،‬وإن عل ماء المرأة على ماء الرجل كان أنثى بإذن‬
‫الله )‪.‬قالوا ‪ :‬اللهم نعم ‪ .‬قال‪ ( :‬اللهم اشهد عليهم ‪ ،‬فأنشدكم‬
‫بالذي انزل التوراة على موسى هل تعلمون أن هذا النبي المي‬
‫تنام عيناه ول ينام قلبه )‪ .‬قالوا‪ :‬اللهم نعم ‪.‬قال ‪ ( :‬اللهم‬
‫اشهد )‪ .‬قالوا ‪ :‬وأنت الن ‪ ،‬فحدثنا من وليك من الملئكة ؟‬
‫فعندها نجامعك ‪ ،‬أو نفارقك ! قال ‪ ( :‬فإن ولي جبريل عليه‬
‫السلم‪،‬ولم يبعث الله نبيا قط إل وهو وليه ) ‪ .‬قالوا ‪ :‬فعندها‬
‫نفارقك ! لو كان وليك سواه من الملئكة لتابعناك وصدقناك ‪.‬‬
‫قال ‪ ( :‬فما يمنعكم من أن تصدقوه ) ‪.‬قالوا ‪ :‬إنه عدونا ‪ .‬فعند‬
‫ذلك قال الله عز وجل ‪ ( :‬قل من كان عدوا لجبريل فإنه نزله‬
‫على قلبك بإذن الله )‪..‬إلى قوله عز وجل ‪( :‬كتاب الله وراء‬

‫‪150‬‬
‫ظهورهم كأنهم ل يعملون ) ‪،‬فعند ذلك (باءوا بغضب على‬
‫غضب‪ )...‬الية [رواه المام أحمد ‪.] 1/278‬‬
‫وكان عمر يذهب إلى يهود ‪ ،‬ويأتيهم ‪ ،‬يقول عمر رضي الله عنه ‪:‬‬
‫فبينما أنا عندهم ذات يوم ‪ ،‬قالوا‪ :‬يا ابن الخطاب ما من أصحابك‬
‫أحد أحب إلينا منك ‪ .‬قلت ‪ :‬ولم ذلك ؟ قالوا ‪ :‬إنك تغشانا وتأتينا‬
‫‪ .‬قال قلت ‪ :‬إني آتيكم فأعجب من الفرقان كيف يصدق‬
‫التوراة ‪ ،‬ومن التوراة كيف تصدق الفرقان ؟! قال ‪ :‬ومر رسول‬
‫الله – صلى الله عليه وسلم ‪ ، -‬فقالوا ‪ :‬يا ابن الخطاب ! ذاك‬
‫صاحبكم فالحق به ‪.‬‬
‫فقلت لهم عند ذلك ‪ :‬أنشدكم بالله الذي ل إله إل هو ‪ ،‬وما‬
‫استرعاكم من حقه ‪ ،‬واستودعكم من كتابه ‪ ،‬أتعلمون أنه رسول‬
‫الله ؟؟ قال ‪ :‬فسكتوا !! فقال عالمهم وكبيرهم ‪ :‬إنه قد عظم‬
‫عليكم ‪ ،‬فأجيبوه ‪ .‬قالوا ‪ :‬أنت عالمنا وسيدنا ‪ ،‬فأجبه أنت ‪ .‬قال ‪:‬‬
‫أما إذ أنشدتنا به ‪ ،‬فإنا نعلم أنه رسول الله !‬
‫قلت ويحكم ! ‪ -‬أي هلكتم ‪ -‬قالوا ‪ :‬إنا لم نهلك ‪ .‬قال ‪:‬قلت كيف‬
‫ذاك ؟ وأنتم تعلمون أنه رسول الله ‪ ،‬ثم ل تتبعونه ‪ ،‬ول‬
‫تصدقونه؟!!‬
‫قالوا ‪ :‬إن لنا عدوا ً من الملئكة وسلما من الملئكة ‪ ،‬وإنه قرن‬
‫به عدونا من الملئكة‪ .‬قلت ‪ :‬ومن عدوكم ‪ ،‬ومن سلمكم ؟ قالوا‬
‫‪ :‬عدونا جبريل ‪ ،‬وسلمنا ميكائيل [تفسير الطبري ‪ ، 1/433‬وانظر‬
‫فتح الباري ‪.] 8/661‬‬
‫وهذه شهادة ابن صوريا ‪ ،‬وكان أعلم من بقي من يهود بني‬
‫قريظة بالتوراة ‪ ،‬فقد جاءهم رسول الله ‪ -‬صلى الله عليه وسلم‬
‫‪ -‬في قصة اليهودي واليهودية الذين زنيا ‪ ،‬فقال ‪( :‬يا معشر يهود!‬
‫أخرجوا إلي علماءكم)‪ .‬فأُخرج له عبد الله بن صوريا ‪ ،‬ومعه أبا‬
‫ياسر بن أخطب ‪ ،‬ووهب بن يهوذا ‪ ،‬فقالوا ‪ :‬هؤلء علماؤنا ‪.‬‬
‫فسألهم رسول الله ‪ -‬صلى الله عليه وسلم ‪ -‬حتى حصل‬
‫أمرهم ‪ ،‬إلى أن قالوا لعبد الله بن صوريا ‪ :‬هذا أعلم من بقي‬
‫بالتوراة ‪ .‬فخل به رسول الله ‪ -‬صلى الله عليه وسلم ‪ -‬وكان‬
‫غلما شابا من أحدثهم سنا ‪ ،‬فألظ به رسول الله ‪ -‬صلى الله‬
‫عليه وسلم ‪ -‬المسألة ‪ ،‬يقول له ‪( :‬يا ابن صوريا أنشدك الله‪،‬‬
‫وأذكرك بأيامه عند بني إسرائيل ‪ ،‬هل تعلم أن الله حكم فيمن‬
‫زنى بعد إحصانه بالرجم في التوراة؟) قال‪ :‬اللهم نعم ‪ ،‬أما والله‬
‫يا أبا القاسم ! إنهم ليعرفون أنك لنبي مرسل ‪،‬ولكنهم‬
‫يحسدونك‪.‬‬
‫ثم كفر بعد ذلك ابن صوريا ‪ ،‬وجحد نبوة رسول الله ‪ -‬صلى الله‬
‫عليه وسلم ‪ -‬فأنزل الله تعالى فيهم ‪( :‬يا أيها الرسول ل يحزنك‬

‫‪151‬‬
‫الذين يسارعون في الكفر من الذين قالوا آمنا بأفواههم ولم‬
‫تؤمن قلوبهم ومن الذين هادوا سماعون للكذب سماعون لقوم‬
‫آخرين لم يأتوك) [ابن إسحاق ‪ ،‬انظر السيرة النبوية لبن هشام‬
‫‪.] 3/103‬‬
‫وكانوا يصرحون بانطباق ما يعرفونه من صفات في كتبهم على‬
‫النبي ‪ -‬صلى الله عليه وسلم ‪ -‬فقد سأل النبي ‪ -‬صلى الله عليه‬
‫وسلم ‪ -‬رجل منهم جاء إلى مسجده ‪ ،‬فقال ‪( :‬يا فلن)‪ .‬فقال‪:‬‬
‫لبيك يا رسول الله ‪ .‬فقال النبي صلى الله عليه وسلم ‪ ( :‬أتشهد‬
‫أني رسول الله )‪ .‬قال ‪ :‬ل ‪ .‬قال ‪( :‬أتقرأ التوراة؟)‪ .‬قال ‪ :‬نعم ‪،‬‬
‫والنجيل‪ .‬قال‪( :‬والقرآن؟)‪ .‬قال‪ :‬والذي نفسي بيده‪ ،‬لو أشاء‬
‫لقرأته‪ .‬ثم ناشده‪( :‬هل تجدني في التوراة والنجيل؟)‪ .‬قال ‪ :‬أجد‬
‫مثلك ‪ ،‬ومثل هيأتك ‪ ،‬ومثل مخرجك !وكنا نرجو أن يكون منا ‪،‬‬
‫فلما خرجت تحيرنا أن يكون أنت هو ‪ ،‬فنظرنا فإذا ليس أنت هو‪.‬‬
‫قال‪( :‬ولم ذاك؟)‪ .‬قال‪ :‬إن معه من أمته سبعين ألفا يدخلون‬
‫الجنة بغير نجاسة ول عذاب‪ ،‬ومعك يسير‪ .‬قال‪( :‬فوالذي نفسي‬
‫بيده لنا هو ‪ ،‬وإنهم لمتي ‪ ،‬إنهم لكثر من سبعين ألفا وسبعين‬
‫ألفا)‪[ .‬قال الهيثمي ‪:‬رواه الطبراني ‪ ،‬ورجاله ثقات من أحد‬
‫الطريقين ‪ ،‬انظر مجمع الزوائد للهيثمي ‪.]242/ 8‬‬
‫ثم تأمل هذا المسلك الذي اتخذه اليهود ليحرفوا الكلم عن‬
‫مواضعه ‪ ،‬ولينكروا نبوة محمد – صلى الله عليه وسلم ‪ -‬إذا خرج‬
‫في الوقت والمكان وبالصفة التي علموها‪ .‬يقول أحمد حجازي ‪-‬‬
‫في كتابه البشارة بنبي السلم ‪ :-1/132‬إن كثيًرا من علماء بني‬
‫إسرائيل يقولون ‪ :‬أن اسم ( محمد ) – صلى الله عليه وسلم ‪-‬‬
‫قد ورد في التوراة ‪ ،‬في سياق بركة إسماعيل – عليه السلم ‪-‬‬
‫بحساب ( الجمل )‪ .‬ليعرف الناس أنه بظهوره يبدأ ملك بني‬
‫إسماعيل ‪.‬‬
‫ثم يورد حجازي شهادة أحد علمائهم الذين أسلموا ‪ ،‬وهو‬
‫شموئيل بن يهوذا بن أيوب ‪ ،‬الذي سمى نفسه بعد إسلمه ‪:‬‬
‫(السموءل بن يحيى) ‪ ،‬فقد ذكر في كتابه (بذل المجهود في‬
‫إفحام اليهود) تحت عنوان ‪ :‬الشارة إلى اسمه – صلى الله عليه‬
‫وسلم ‪:‬‬
‫ما جاء في الجزء الثالث من السفر الول من التوراة أن الله‬
‫تعالى خاطب إبراهيم عليه السلم ‪( :‬وأما في إسماعيل فقد‬
‫قبلت دعاءك ‪ .‬قد باركت فيه ‪ .‬وأثمره ‪ ،‬وأكثره جدا جدا)‪.‬‬
‫ذلك قوله – أي باللغة العبرانية‪( :-‬ولشماعيل ‪ .‬شمعتيخا ‪ .‬هني ‪.‬‬
‫بيراختى ‪ .‬أوتو ‪ .‬وهفريتى ‪ .‬أوتو ‪ .‬وهربيتي ‪ .‬أوتو بماد ‪ ،‬ماد)‪.‬‬

‫‪152‬‬
‫فهذه الكلمة (بماد ماد) إذا عددنا حساب حروفها بالجمل ‪.‬‬
‫وجدناه اثنين وتسعون ‪ .‬وذلك عدد حساب حروف (محمد) –‬
‫صلى الله عليه وسلم ‪ -‬فإنه أيضا اثنان وتسعون ‪ .‬وإنما جعل‬
‫ملغّزاً‪ .‬لنه لو صرح به لبدلته اليهود‬
‫ذلك في هذا الموضع ُ‬
‫وأسقطته من التوراة‪ .‬يقول حجازي معلقا‪ :‬ولم ل يقول شموئيل‪:‬‬
‫إن الله تعالى قد صرح به من قبل أن تغير التوراة ‪ ،‬واليهود هم‬
‫الذين غيروا السم الصريح بالرمز في مدينة بابل ‪ ،‬ليعرفوه هم‬
‫أنفسهم إذا جاء ‪ ،‬ويسهل عليهم جحد نبوته إذا جاءهم بما ل تهوى‬
‫أنفسهم؟!‬
‫وحساب الجمل عرف في المم القديمة ‪ ،‬وهو الحساب‬
‫بالحروف البجدية ‪ ،‬فكل حرف أبجدي يُرمز له برقم‪ .‬وتكمن‬
‫أهميته في عدم كشف الخصم للسرار‪[ .‬انظر تفصيل ذلك في‬
‫كتاب البشارة بنبي السلم لـ أحمد حجازي السقا ‪.]1/135‬‬
‫وشاهد آخر حينما حضر يعقوب – عليه السلم ‪ -‬الموت جمع‬
‫أولده الثني عشر حوله وباركهم‪ ،‬وأوصاهم‪ ،‬وقال لهم في‬
‫شخص يهوذا ابنه الرابع‪( :‬ل يزول قضيب من يهوذا ‪ .‬ومشترع‬
‫من بين رجليه ‪ .‬حتى يأتي شيلون ‪ .‬وله يكون خضوع شعوب)‬
‫[سفر لتكوين (‪ ،)12-8 : 49‬انظر البشارة بنبي السلم لـ أحمد‬
‫حجازي ‪.]1/154‬‬
‫يقول أحمد حجازي‪ :‬من تراجم اليهود والنصارى قديما وحديثا‬
‫يتضح ‪ :‬أن المراد بالقضيب‪ :‬الملك والصولجان‪ .‬والمراد‬
‫بالمشترع‪ :‬النبياء‪ ،‬والعلماء الذين يعلمون الناس شريعة التوراة‪،‬‬
‫ويستنبطون الحكام منها‪ .‬والمراد بشيلون‪ :‬النبي المنتظر‪ ،‬الذي‬
‫سيَّا) الذي تفسيره المسيح‪ .‬وهو نبي السلم – صلى‬ ‫م ِ‬‫يلقبونه ( َ‬
‫الله عليه وسلم ‪ -‬الذي تخضع له الشعوب وتطيع‪.‬‬
‫والمعنى العام‪ :‬يظل لبني إسرائيل ملك ظاهر في الرض‪ ،‬وأنبياء‬
‫بني إسرائيل وعلماؤهم يعلمون الناس شريعة الله في ظل‬
‫ما حتى يأتي نبي من غير‬ ‫ملوك من بني إسرائيل‪ .‬ويظل ذلك قائ ً‬
‫بني إسرائيل‪ ،‬ليتسلم منهم الملك والشريعة‪ .‬وهو المعبر عنه‬
‫بشيلون‪[ .‬انظر البشارة بنبي السلم لـ أحمد حجازي ‪.]1/154‬‬
‫ويرى بعض علماء اليهود أن المقصود بهذه البشارة داود – عليه‬
‫السلم ‪ -‬لنه من نسل يهوذا‪ ،‬وقد احتل مدينة شيلوه في أرض‬
‫كنعان‪ ،‬وخضع له جميع أسبط بني إسرائيل‪ .‬وينقض هذا القول‪،‬‬
‫كتابة التوراة في بابل من بعد داود ‪ ،‬فكيف تكون النبوءة‬
‫لداود ؟!‪ .‬وينقضه أيضا ‪ :‬ترجمة كلمة (شيلون) بما يفيد اسم‬
‫شخص‪ ،‬ل بما يفيد اسم مدينة‪ .‬فقد ترجمت بمعنى‪( :‬الذي هو‬
‫له) أو (الذي له المر) أو (الذي له الحكم) أو (سليمان) أو‬

‫‪153‬‬
‫(المسيح) الذي هو المسيا‪ .‬وفسرت كلمة (شيلون)‪ :‬بأمان‬
‫وسلم‪.‬‬
‫أما النصارى فيقولون‪ :‬المقصود بشيلون المسيح عيسى بن مريم‬
‫– عليه السلم ‪ . -‬لكنه ل ينطبق على عيسى –عليه السلم‪ -‬فإنه‬
‫لم ينسخ التوراة ‪ ،‬قال تعالى في القرآن الكريم على لسان‬
‫عيسى ‪( :‬ومصدقا لما بين يدي من التوراة) [سورة الصف آية‬
‫رقم ‪ ،]6‬وقال عيسى –عليه السلم – في النجيل‪( :‬ل تظنوا أني‬
‫جئت لنقض الناموس أو النبياء ‪ ،‬ما جئت لنقض ‪ ،‬بل لكمل)‬
‫[إنجيل متى (‪ ،)18-5:17‬انظر البشارة بنبي السلم لـ أحمد حجازي‬
‫‪ ،]70 /1‬ومن وجه آخر لم يزل الملك من اليهود على يديه – عليه‬
‫السلم‪.-‬‬
‫لذلك فإن الذي تنطبق عليه لفظة ( شيلون ) هو محمد – عليه‬
‫الصلة والسلم ‪ -‬فإن الملك لم يزل من بني إسرائيل إل على يد‬
‫بني إسماعيل‪ ،‬أتباع محمد صلى الله عليه وسلم‪[.‬انظر البشارة‬
‫بنبي السلم لـ أحمد حجازي ‪.]1/173‬‬
‫ثامنا‪ :‬أن من أهل الكتاب من صرح لخاصته‪ ،‬وبطانته بأنه هو‬
‫َ‬
‫بعينه‪ ،‬فهذا ورقة بن نوفل‪ ،‬وكان قد خرج ل ّما كره عبادة الوثان‬
‫إلى الشام وغيرها يسأل عن الدين ‪ ،‬فأعجبه دين النصرانية‬
‫فتنصر ‪ ،‬وكان لقي من بقي من الرهبان على دين عيسى ولم‬
‫يبدل ‪ ،‬وتعلم منهم ‪ ،‬فجاءته أم المؤمنين خديجة بنت خويلد –‬
‫رضي الله عنها زوج النبي صلى الله عليه وسلم – ومعها رسول‬
‫الله – صلى الله عليه وسلم ‪ -‬بعدما أخبرها بنزول الملك عليه ‪،‬‬
‫فقالت خديجة – رضي الله عنها ‪ -‬لورقة ‪ :‬يا بن عم ! اسمع من‬
‫بن أخيك – تعني النبي صلى الله عليه وسلم‪.‬‬
‫فقال له ورقة‪ :‬يا بن أخي! ماذا ترى ؟ فأخبره رسول الله ‪ -‬صلى‬
‫الله عليه وسلم ‪ -‬خبر ما رأى‪ ،‬فقال له ورقة‪ :‬هذا الناموس الذي‬
‫نزل الله على موسى‪ ،‬يا ليتني فيها جذع‪ ،‬ليتني أكون حيًا إذ‬
‫يخرجك قومك‪.‬‬
‫فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم‪( :‬أو مخرجي هم؟) قال‪:‬‬
‫نعم‪ ،‬لم يأت رجل قط بمثل ما جئت به إل عودي‪ ،‬وإن يدركني‬
‫يومك أنصرك نصًرا مؤزًرا‪ ،‬ثم لم يلبث ورقة أن توفي [البخاري‬
‫ح‪.]2/‬‬
‫أما خبر سيديْ بني النضير‪ :‬حيي بن أخطب‪ ،‬وأبو ياسر‪ ،‬فما‬
‫أعجبه من خبر‪ ،‬يدل على معرفتهم به‪ ،‬ويدل على سبب جحدهم‬
‫رسالته‪ ،‬وهذا الخبر عنهما ترويه لنا أم المؤمنين صفية بنت حيي‬
‫– رضي الله عنها زوج النبي صلى الله عليه وسلم – بعد‬
‫إسلمها ‪ ،‬قالت ‪:‬كنت أحب ولد أبي إليه وإلى عمي أبي ياسر ‪،‬‬

‫‪154‬‬
‫لم ألقهما قط مع ولد لهما إل أخذاني دونه ‪ .‬فلما قدم رسول‬
‫الله ‪ -‬صلى الله عليه وسلم ‪ -‬المدينة ‪ ،‬ونزل قباء في بني عمرو‬
‫بن عوف ‪ ،‬غدا عليه أبي حيي بن أخطب وعمي أبو ياسر بن‬
‫أخطب مغلسين ‪ ،‬فلم يرجعا حتى كانا مع غروب الشمس ‪ ،‬فأتيا‬
‫كالين كسلنين ساقطين يمشيان الهوينى ‪ ،‬فهششت إليهما كما‬
‫كنت أصنع ‪ ،‬فوالله ما التفت إلي واحد منهما مع ما بهما من الغم‬
‫‪،‬قالت ‪:‬وسمعت عمي أبا ياسر وهو يقول لبي حيي بن أخطب‪:‬‬
‫أهو هو؟! قال‪ :‬نعم‪ ،‬والله‪ .‬قال‪ :‬أتعرفه‪ ،‬وتثبّتَّه؟! قال‪ :‬نعم‪ .‬قال‪:‬‬
‫فما في نفسك منه؟! قال ‪:‬عداوته والله!! [ابن إسحاق ‪ ،‬انظر‬
‫السيرة النبوية لبن هشام ‪.] 3/52‬‬
‫وهذا كعب بن أسد ‪ -‬سيد بني قريظة ‪ -‬ينصح قومه ‪ ،‬حين‬
‫حاصرهم النبي ‪ -‬صلى الله عليه وسلم ‪ -‬بعد نقضهم للعهد الذي‬
‫بينهم وبينه ‪ ،‬وتحزبهم مع الحزاب ضد النبي ‪ -‬صلى الله عليه‬
‫وسلم وأصحابه ‪ -‬فلما أيقنوا بأن رسول الله ‪ -‬صلى الله عليه‬
‫وسلم ‪ -‬غير منصرف عنهم حتى يناجزهم ‪ ،‬قال كعب بن أسد‬
‫لهم ‪ :‬يا معشر يهود! قد نزل بكم من المر ما ترون ‪ ،‬وإني‬
‫عارض عليكم خلل ثلثا ‪ ،‬فخذوا أيها شئتم ‪.‬قالوا ‪ :‬وما هي ؟‬
‫فكان مما عرضه عليهم ‪ ،‬قوله ‪ :‬نتابع هذا الرجل ونصدقه ‪،‬‬
‫فوالله ‪ ،‬لقد تبين لكم أنه لنبي مرسل ‪،‬وإنه للذي تجدونه في‬
‫كتابكم ‪ ،‬فتأمنون على دمائكم وأموالكم وأبنائكم ونسائكم ‪.‬‬
‫فرفضوا وأبوا [ابن إسحاق ‪ ،‬انظر السيرة النبوية لبن هشام‬
‫‪.] 4/195‬‬
‫وها هم نصارى نجران يصرحون بنبوته لبعضهم البعض ‪ ،‬فقد بعث‬
‫رسول الله ‪ -‬صلى الله عليه وسلم ‪ -‬بكتابه إليهم يدعوهم فيه‬
‫إلى السلم ‪ ،‬فلما قرأ السقف الكتاب فظع به وذعر ذعراً‬
‫شديدا ‪ ،‬ثم دعا أهل الرأي في نجران فأطلعهم على الكتاب ‪،‬‬
‫وتشاوروا فيه ‪ ،‬فاجتمع رأيهم على أن يبعثوا وفدا ً إلى النبي ‪-‬‬
‫صلى الله عليه وسلم ‪ -‬فاختاروا ستين راكبا ‪ ،‬منهم أربعة عشر‬
‫من أشرافهم ‪ ،‬يتزعمهم ثلثة منهم ‪ ،‬وهم ‪ :‬العاقب ‪ ،‬وكان أمين‬
‫القوم ‪ ،‬وذو رأيهم وصاحب مشورتهم ‪ ،‬والذي ل يصدرون إل عن‬
‫رأيه وأمره ‪ ،‬واسمه عبد المسيح ‪ ،‬والسيد ‪ ،‬وكان عالمهم ‪،‬‬
‫وصاحب رحلهم ومجتمعهم ‪ ،‬وأبو حارثة بن علقمة أخو بكر بن‬
‫وائل ‪ ،‬وكان أسقفهم وحبرهم ‪ ،‬وإمامهم وصاحب مراميهم ‪.‬‬
‫وكان أبو حارثة قد شرف فيهم حتى حسن علمه في دينهم ‪،‬‬
‫وكانت ملوك الروم من النصرانية قد شرفوه وقبلوه وبنوا له‬
‫الكنائس ‪ ،‬وبسطوا عليه الكرامات لما يبلغهم عنه من اجتهاده‬
‫في دينهم ‪،‬فلما توجهوا إلى رسول الله – صلى الله عليه وسلم ‪-‬‬

‫‪155‬‬
‫من نجران ‪ ،‬جلس أبو حارثة على بغلة له موجها إلى المدينة ‪،‬‬
‫وإلى جنبه أخ له يقال له ‪:‬كرز بن علقمة يُسايره في الطريق‪،‬‬
‫فعثرت بغلة أبي حارثة ‪ ،‬فقال كرز ‪ :‬تعس البعد ‪ - .‬يريد رسول‬
‫الله صلى الله عليه وسلم ‪ -‬فقال له أبو حارثة ‪:‬بل أنت تعست !‬
‫فقال ‪:‬ولم يا أخي؟‬
‫قال ‪:‬والله إنه للنبي الذي كنا ننتظر !!‪.‬‬
‫قال له كرز ‪ :‬وما يمنعك وأنت تعلم هذا أن تتبعه ؟!!‬
‫قال ‪ :‬ما صنع بنا هؤلء القوم ‪:‬شرفونا وأمرونا وأكرمونا ‪ ،‬وقد‬
‫أبوا إل خلفه ‪ ،‬ولو قد فعلت نزعوا منا كل ما ترى‪.‬فأضمر‬
‫السلم أخوه كرز بن علقمة ‪ ،‬وأسلم بعد ذلك [ المعجم الوسط‬
‫رواه الطبراني في المعجم الوسط ح‪.] 3906 /‬‬
‫فلما وصلوا المدينة جلسوا إلى النبي ‪ -‬صلى الله عليه وسلم ‪-‬‬
‫فكلمه منهم أبو حارثة بن علقمة والعاقب عبد المسيح والسيد‬
‫اليهم _ وهم من النصرانية على اختلف في أمرهم ‪:‬‬
‫منهم من يقول عن عيسى هو الله ‪ ،‬ومنهم من يقول هو ولد الله‬
‫‪ ،‬ومنهم من يقول هو ثالث ثلثة ‪ ،‬تعالى الله عن قولهم علوا‬
‫كبيرا ‪ ،‬فهم يحتجون في قولهم هو الله ‪:‬‬
‫بأنه كان يحيي الموتى ‪ ،‬ويبرئ الكمه والبرص والسقام ‪ ،‬ويخبر‬
‫بالغيوب ‪ ،‬ويخلق من الطين كهيئة الطير فينفخ فيه فيكون‬
‫طيرا ‪ ،‬وذلك كله بأمر الله ‪ ،‬وليجعله الله آية للناس ‪.‬‬
‫ويحتجون في قولهم بأنه ابن الله ‪ ،‬يقولون ‪:‬‬
‫لم يكن له أب يعلم ‪ ،‬وقد تكلم في المهد بشيء لم يصنعه أحد‬
‫من بني آدم قبله ‪.‬‬
‫ويحتجون على قولهم بأنه ثالث ثلثة ‪ ،‬يقولون ‪:‬‬
‫قال الله تعالى فعلنا وأمرنا وخلقنا وقضينا ‪ ،‬فيقولون ‪:‬لو كان‬
‫واحدا ‪ ،‬ما قال إل فعلت وأمرت وقضيت وخلقت ‪ ،‬ولكنه هو‬
‫وعيسى ومريم ‪.‬تعالى الله وتقدس وتنزه عما يقول الظالمون‬
‫والجاهلون علوا كبيرا ‪ ،‬ويقال لهم إن‪ :‬معنى هذه الكلمات ‪،‬‬
‫ومثلها قوله تعالى "نحن" من المتشابه ‪ ،‬فالواحد المعظم لنفسه‬
‫يقول‪ :‬نحن ‪ ،‬والجماعة يقولون ‪ :‬نحن ‪ ،‬وهذا ل يلتبس بكتاب‬
‫د‬
‫ح ٌ‬ ‫الله؛ لننا نرده إِلَى المحكم ‪ ،‬وهو قوله‪{ :‬وَإِلَهُنَا وَإِلَهُك ُ ْ‬
‫م وَا ِ‬
‫ن }[سورة العنكبوت الية ‪ ،] 46 :‬وقوله تعالى‬
‫َّ‬ ‫َ‬
‫مو َ‬ ‫سل ِ ُ‬
‫م ْ‬ ‫ه ُ‬‫ن لَ ُ‬ ‫ح ُ‬ ‫وَن َ ْ‬
‫حد ٌ }[النعام‪ ، ]19:‬وقوله تعالى‪{:‬ل ّقَد ْ كَفََر الذِي َ‬
‫ن‬ ‫ه وَا ِ‬ ‫ما هُوَ إِلَـ ٌ‬ ‫‪ {:‬إِن َّ َ‬
‫َ‬
‫حد ٌ } [المائدة‪-]73:‬‬ ‫ه وَا ِ‬ ‫ن إِلَـهٍ إِل ّ إِلَـ ٌ‬
‫م ْ‬ ‫ث ثَلَثَةٍ َو َ‬
‫ما ِ‬ ‫ه ثَال ِ ُ‬ ‫ن الل ّ َ‬‫قَالُوا ْ إ ِ َّ‬
‫فلما كلمه الحبران العاقب والسيد ‪ ،‬دعاهما النبي – صلى الله‬
‫عليه وسلم ‪ -‬للسلم ‪ ،‬فأبيا ‪ ،‬وجادلوه في عيسى عليه السلم ‪،‬‬
‫وقال ‪:‬فمن أبوه يا محمد ؟‬

‫‪156‬‬
‫خلَقَ ُ‬
‫ه‬ ‫م َ‬ ‫ل آد َ َ‬ ‫مث َ ِ‬ ‫عند َ اللّهِ ك َ َ‬‫سى ِ‬ ‫عي َ‬ ‫ل ِ‬ ‫مث َ َ‬‫ن َ‬ ‫فأنزل الله عليه الوحي‪{:‬إ ِ َّ‬
‫ن } [سورةآل عمران الية‪.]59 :‬‬ ‫ه كُن فَيَكُو ُ‬ ‫ل لَ ُ‬ ‫م قَا َ‬ ‫ب ث ِ َّ‬‫من تَُرا ٍ‬ ‫ِ‬
‫قال ابن كثير رحمه الله ‪ :‬فالذي خلق آدم من غير أب وأم ‪ ،‬قادر‬
‫على أن يخلق عيسى بطريق الولى والحرى ‪ ،‬ولكن الرب ‪-‬جل‬
‫جلله أراد‪ -‬أن يظهر قدرته لخلقه حين خلق آدم – عليه السلم ‪-‬‬
‫ل من ذكر ول من أنثى ‪ ،‬وخلق حواء – عليها السلم ‪ -‬من ذكر بل‬
‫أنثى ‪ ،‬وخلق عيسى – عليه السلم ‪ -‬من أنثى بل ذكر ‪،‬كما خلق‬
‫بقية البرية من ذكر وأنثى ‪ ،‬ولهذا قال تعالى في سورة مريم ‪{ :‬‬
‫حقُّ‬ ‫س }[سورة مريم الية ‪ ،]21:‬وقال هاهنا ‪{ :‬ال ْ َ‬ ‫ه آي َ ً َ‬
‫ة لِلن ّا ِ‬ ‫جعَل َ ُ‬‫وَلِن َ ْ‬
‫ن }[ سورة آل عمران الية ‪،] 60:‬‬ ‫متَرِي َ‬ ‫م ْ‬ ‫ْ‬
‫من ال ُ‬ ‫ك فَل َ تَكُن ِّ‬ ‫من َّرب ِّ َ‬ ‫ِ‬
‫أي هذا هو القول الحق في عيسى – عليه السلم ‪ -‬الذي ل محيد‬
‫عنه ‪ ،‬ول صحيح سواه ‪ ،‬وماذا بعد الحق إل الضلل ‪[ .‬تفسير‬
‫القرآن العظيم للمام ابن كثير ‪ ، 1/368‬وانظر موقع الدكتور ‪:‬‬
‫سفر الحوالي على شبكة النتر نت]‪.‬‬
‫ثم أمر الله تعالى رسوله محمدا ‪ -‬صلى الله عليه وسلم ‪ -‬أن‬
‫يُباهل من عاند الحق في عيسى ‪ -‬عليه السلم ‪ -‬وأكثر الجدال‬
‫ك فِيهِ‬ ‫ج َ‬ ‫حآ َّ‬ ‫ن َ‬ ‫بعد ظهور الحق البين فيه ‪ ،‬فقال الله تعالى‪ {:‬فَ َ‬
‫م ْ‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫م‬‫اءك ُ ْ‬ ‫ل تَعَالَوْا ْ نَدْع ُ أبْنَاءنَا وَأبْن َ‬ ‫ن الْعِلْم ِ فَقُ ْ‬ ‫م َ‬ ‫ك ِ‬ ‫جاء َ‬ ‫ما َ‬ ‫من بَعْد ِ َ‬ ‫ِ‬
‫هّ‬ ‫َ‬ ‫ّ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫ة الل ِ‬ ‫جعَل لعْن َ َ‬ ‫ل فَن َ ْ‬ ‫سك ُ ْ‬
‫م ث ُ َّ‬
‫م نَبْتَهِ ْ‬ ‫سنَا وأن ُف َ‬ ‫م وَأنفُ َ‬ ‫ساءك ُ ْ‬ ‫ساءنَا وَن ِ َ‬ ‫وَن ِ َ‬
‫ن }[ سورةآل عمران الية‪ ، ] 61 :‬فلما دعاهم النبي‬ ‫ع َلَى الْكَاذِبِي َ‬
‫‪ -‬صلى الله عليه وسلم ‪ -‬للمباهلة والملعنة قالوا ‪ :‬يا أبا‬
‫القاسم ‪ ،‬دعنا ننظر في أمرنا ‪ ،‬ثم نأتيك بما نريد أن نفعل فيما‬
‫دعوتنا إليه ‪.‬‬
‫ثم انصرفوا عنه ‪ ،‬وخلوا بالعاقب وكان ذا رأيهم ‪ ،‬فقالوا‪ :‬يا عبد‬
‫المسيح ماذا ترى ؟ فقال ‪ :‬والله يا معشر النصارى ! لقد عرفتم‬
‫إن محمدا لنبي مرسل ‪،‬ولقد جاءكم بالفصل من خبر صاحبكم ‪،‬‬
‫ولقد علمتم أنه ما لعن قوم نبيا قط فبقى كبيرهم ‪ ،‬ول نبت‬
‫صغيرهم ‪ ،‬وإنه الستئصال منكم إن فعلتم ‪،‬فإن كنتم أبيتم إل‬
‫إلف دينكم ‪ ،‬والقامة على ما أنتم عليه من القول في صاحبكم ‪،‬‬
‫فوادعوا الرجل وانصرفوا إلى بلدكم‪ [.‬ابن إسحاق ‪ ،‬انظر‬
‫السيرة النبوية لبن هشام ‪.]3/125‬‬
‫فلما أصبح رسول الله ‪ -‬صلى الله عليه وسلم ‪ -‬خرج إليهم ومعه‬
‫الحسن والحسين وفاطمة تمشي خلفه‪[ .‬قال ابن كثير ‪ :‬أخرجه‬
‫البيهقي في دلئل النبوة ‪ ،‬انظر تفسير القرآن العظيم ‪.] 1/369‬‬
‫فأتوا النبي ‪ -‬صلى الله عليه وسلم ‪ -‬فقال العاقب والسيد‪ :‬ل‬
‫نلعنك ‪،‬ولكنا نعطيك ما سألت ‪ ،‬فابعث معنا رجل أمينا ‪ .‬فقال‬
‫النبي صلى الله عليه وسلم ‪( :‬لبعثن رجل أمينا حق أمين ‪ ،‬حق‬

‫‪157‬‬
‫أمين)‪ .‬فاستشرف لها أصحابه ‪-‬رضي الله عنهم ‪ -‬فقال‪( :‬قم يا‬
‫أبا عبيدة بن الجراح)‪ .‬فلما قفا‪ ،‬قال النبي صلى الله عليه وسلم‬
‫‪( :‬هذا أمين هذه المة)‪[ .‬رواه المام أحمد ‪ ، 414/ 1‬وانظر تفسير‬
‫القرآن العظيم ‪ ، ]1/369‬فعادوا إلى نجران ‪،‬وبقي من وفدهم‬
‫قيس بن أبي وديعة مرض فأقام بالمدينة نازل على سعد بن‬
‫عبادة ‪ ،‬فعرض عليه السلم فأسلم و رجع إلى حضرموت وشهد‬
‫قتال السود العنسي ثم انصرف إلى المدينة بعد موت النبي‬
‫صلى الله عليه وسلم ‪[.‬الصابة ‪.] 5/508‬‬
‫ولم يلبث السيد والعاقب إل يسيرا حتى رجعا إلى النبي ‪ -‬صلى‬
‫الله عليه وسلم ‪ -‬فأسلما ‪ ،‬وأنزلهما دار أبي أيوب النصاري‪.‬‬
‫[ابن حجر في الصابة ‪ ، 3/236‬عن ابن سعد في الطبقات ‪.] 1/358‬‬
‫أما حنان البوة المتمثل في الشفقة على البن من النار فغلب‬
‫صفة الحسد والكبر لدى والد ذلك الغلم الذي كان جارا ً للنبي ‪-‬‬
‫صلى الله عليه وسلم ‪ -‬فقد كان غلم يهودي يخدم النبي ‪ -‬صلى‬
‫الله عليه وسلم ‪ -‬فمرض ‪ ،‬فأتاه النبي ‪ -‬صلى الله عليه وسلم ‪-‬‬
‫يعوده ‪ ،‬فقعد عند رأسه ‪ ،‬فقال له ‪( :‬أسلم)‪ .‬فنظر إلى أبيه ‪،‬‬
‫وهو عنده ‪ ،‬فقال له‪ :‬أطع أبا القاسم ‪ -‬صلى الله عليه وسلم‬
‫‪ . -‬فخرج النبي ‪ -‬صلى الله عليه وسلم ‪ -‬وهو يقول ‪( :‬الحمد لله‬
‫الذي أنقذه من النار)‪[ .‬رواه المام البخاري ح‪.] 1290/‬‬
‫وعكسه ما ِ فعله والد كعب الحبار ‪ ،‬حيث خشي أن يعلم ابنه عن‬
‫النبي الخاتم فيتبعه ‪ ،‬فقد سأل العباس كعب الحبار ‪ :‬ما منعك‬
‫أن تسلم في عهد رسول الله ‪ -‬صلى الله عليه وسلم ‪ -‬وأبي بكر‬
‫؟‬
‫قال إن أبي كان كتب لي كتابا من التوراة ‪ ،‬فقال اعمل بهذا ‪،‬‬
‫ي بحق الوالد على الولد أل أفض‬ ‫وختم على سائر كتبه ‪،‬وأخذ عل َّ‬
‫الختم عنها ‪ ،‬فلما رأيت ظهور السلم قلت لعل أبي غيب عنى‬
‫علما‪ ،‬ففتحتها فإذا صفة محمد وأمته ‪ ،‬فجئت الن مسلما‪.‬‬
‫[الصابة ‪.] .5/649‬‬
‫وهذه قصة طريفة ‪ -‬وهي شاهد على ما نتحدث عنه ‪ ، -‬حدثت‬
‫للدكتور أحمد حجازي السقا مؤلف كتاب البشارة بنبي السلم ‪،‬‬
‫حيث يروي ‪ :‬أنه التقى بـ (قمص) نصراني ‪ ،‬ظن أنه نصراني لنه‬
‫كان يقرأ في الكتاب المقدس ‪ ،‬فدار بينهما حوار حول الحداث‬
‫التي يشير إليها الصحاح الثامن من سفر دانيال النبي – عليه‬
‫السلم‪ ، -‬وبعد نزولهم من القطار سأله حجازي ‪ :‬أمحمد نبي‬
‫المسلمين ل يشير إليه الكتاب المقدس؟!‬
‫قال ‪ :‬يشير إليه في آيات كثيرة!! ثم سرد له كثيرا من تلك‬
‫اليات!!‬

‫‪158‬‬
‫ثم عرف أن اسمه (جرجس سلمون فيلمون)‪ ،‬وكان وكيل الدير‬
‫المحرق في القوصية بأسيوط ‪ .‬وهذا الموقف كان من أسباب‬
‫كتابة حجازي لكتاب البشارة‪[ .‬انظر البشارة بنبي السلم ‪.] 1/45‬‬
‫تاسعا ‪ :‬إخبار النبي ‪ -‬صلى الله عليه وسلم ‪ -‬بأنه مذكور في‬
‫كتبهم ‪ ،‬قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ‪( :‬إني عند الله‬
‫لخاتم النبيين وإن آدم لمنجدل في طينته ‪ ،‬وسأنبئكم بتأويل ذلك‬
‫‪:‬أنا دعوة إبراهيم ‪ ،‬وبشرى عيسى ‪ ،‬ورؤيا أمي التي رأت)‪.‬‬
‫[ رواه المام أحمد (‪ ،)4/128‬والبزار والطبراني ‪ ،‬ومعنى منجد ٌ‬
‫ل‬
‫في طينته ‪:‬أي مطروح على وجه الرض صورة من طين لم تجر‬
‫فيه الروح بعد ‪ ،‬قاله الخطابي في الغريب ‪.] 2/156‬‬
‫وهذا الخبار منه – صلى الله عليه وسلم ‪ -‬هو من علمات نبوته ‪،‬‬
‫من جهة إخباره بما عندهم في كتبهم من شأن أنبيائهم ‪ ،‬ولم‬
‫يكذبوه يوما واحدا في شيء منها ‪ ،‬في الوقت الذي كانوا فيه‬
‫أحرص ما يمكن على أن يظفروا منه بكذبة واحدة ‪ ،‬أو غلطة أو‬
‫سهو ‪ ،‬فينادون بها عليه ‪ ،‬ويجدون بها السبيل إلى تنفير الناس‬
‫عنه ‪ ،‬وهذا من أعظم الدلة على صدقه ‪ [.‬انظر هداية الحيارى‬
‫في أجوبة اليهود والنصارى لبن قيم الجوزية ص ‪.] 66‬‬
‫فأخبر أنه دعوة إبراهيم الخليل حين بنى الكعبة بمكة ومعه ابنه‬
‫إسماعيل عليهما السلم ‪ ،‬قال الله تعالى مبينا دعاءهما ‪َ{ :‬ربَّنَا‬
‫ة ل َّ َ َ‬ ‫من ذُّرِيَّتِنَا أ ُ َّ‬ ‫ن لَ َ‬
‫سكَنَا‬ ‫منَا ِ‬
‫ك وَأرِنَا َ‬ ‫م ً‬
‫سل ِ َ‬‫م ْ‬‫ة ُّ‬ ‫م ً‬ ‫ك وَ ِ‬ ‫مي ْ َ ِ‬ ‫سل ِ َ‬
‫م ْ‬ ‫جعَلْنَا ُ‬‫وَا ْ‬
‫منْهُ ْ‬
‫م‬ ‫سول ً ِّ‬ ‫م َر ُ‬ ‫ث فِيهِ ْ‬ ‫م ‪َ.‬ربَّنَا وَابْعَ ْ‬ ‫حي ُ‬‫ب الَّر ِ‬ ‫ت التَّوَّا ُ‬ ‫ك أن َ‬ ‫ب ع َلَيْنَا إِن َّ َ‬ ‫وَت ُ ْ‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫ْ‬ ‫ّ‬
‫ت‬
‫ك أن َ‬ ‫م إِن ّ َ‬‫ة وَيَُزكِّيهِ ْ‬‫م َ‬‫حك ْ َ‬ ‫ب وَال ِ‬ ‫م الكِتَا َ‬ ‫مهُ ُ‬ ‫ك وَيُعَل ِ ُ‬ ‫م آيَات ِ َ‬ ‫يَتْلُو ع َليْهِ ْ‬
‫َ‬
‫م }[سورة البقرة الية‪. ]129 – 128 :‬‬ ‫حكِي ُ‬ ‫العَزِيُز ال َ‬
‫وهذا يدعونا للحديث عن مباركة الله تعالى لنبيه إبراهيم ‪ -‬عليه‬
‫السلم ‪ -‬وجعل هذه البركة في ذريته ‪ ،‬قال تعالى ‪{ :‬وَإِذ ِ ابْتَلَى‬
‫ل‬ ‫ماما ً قَا َ‬ ‫س إِ َ‬ ‫عل ُ َ َ‬
‫ك لِلن ّا ِ‬ ‫جا ِ‬ ‫ل إِنِّي َ‬ ‫ن قَا َ‬ ‫مهُ َّ‬‫ت فَأَت َ َّ‬ ‫ما ٍ‬ ‫ه بِكَل ِ َ‬ ‫م َرب ُّ ُ‬‫إِبَْراهِي َ‬
‫َّ‬ ‫ل ل َ يَنَا ُ‬ ‫من ذُّرِيَّتِي قَا َ‬
‫ن }[ سورة البقرة الية‪:‬‬ ‫مي َ‬ ‫ل عَهْدِي الظال ِ ِ‬ ‫وَ ِ‬
‫‪ ، ] 124‬والمقصود بالعهد هنا قيل ‪ :‬المامة ‪ ،‬وقيل‪ :‬النبوة ‪ ،‬وقيل‬
‫غيره ‪ ،‬ومن دعاء إبراهيم وابنه إسماعيل عليهما السلم ‪( :‬ربنا‬
‫واجعلنا مسلمين لك ومن ذريتنا أمة مسلمة لك)‪.‬‬
‫وقد جاء في التوراة ما صدقه القرآن من جعل البركة في‬
‫إبراهيم ‪ -‬عليه السلم ‪ -‬وفي نسله إسماعيل وإسحاق – عليهما‬
‫السلم ‪ -‬وهذا ما ذكره أحمد حجازي في كتابه البشارة بنبي‬
‫السلم ففي سفر التكوين ( ‪ : ) 16 : 17‬أن الله عز وجل قال‬
‫لبراهيم – عليه السلم ‪ -‬عن سارة رضي الله عنها ‪ ( :‬أباركها ‪،‬‬
‫وأعطيك منها ابنا ‪ ،‬أباركها فتكون أمما وملوك شعوب منها ما‬
‫يكون )‪.‬‬

‫‪159‬‬
‫فلما سمع إبراهيم – عليه السلم – بتخصيص بركته في إسحاق‬
‫عليه السلم ( قال إبراهيم لله ‪ :‬ليت إسماعيل يعيش أمامك )‪،‬‬
‫أي يحيا في طاعتك ‪ ،‬والدعاء إلى دينك ‪ ،‬فرد الله تعالى عليه‬
‫بقوله ‪ ( :‬وأما إسماعيل فقد سمعت لك فيه ‪ .‬ها أنا أباركه‬
‫وأثمره ‪ ،‬وأكثره كثيرا جدا ‪ .‬اثني عشر رئيسا ‪ .‬واجعله أمة‬
‫كبيرة ) ‪ [.‬سفر التكوين ‪.] 20 -18 : 17‬‬
‫ويواصل أحمد حجازي ‪ :‬ومن هذا النص صارت لسماعيل بركة‬
‫كما لسحاق بركة ‪.‬‬
‫ولما تأكدت سارة من إرث إسماعيل لبيه في البركة كابنها‬
‫إسحاق سواء بسواء ‪ ،‬طلبت أن يكون حق الرث لسحاق‬
‫وحده ‪ ،‬فقال الله تعالى لبراهيم عليه السلم ‪ ( :‬بإسحاق يدعى‬
‫لك نسل ‪ .‬وابن الجارية أيضا سأجعله أمة لنه نسلك ) [ سفر‬
‫التكوين ‪. ] 13-12 :21 :‬‬
‫ولما ابتعدت هاجر – رضي الله عنها – عن مكان سارة – رضي‬
‫الله عنها ‪ -‬إلى مكان غير ذي زرع ( نادى ملك الله هاجر من‬
‫السماء ‪ .‬وقال لها ‪ :‬مالك يا هاجر ‪ .‬ل تخافي لن الله قد سمع‬
‫لصوت الغلم حيث هو ‪ .‬قومي احملي الغلم ‪ ،‬وشدي يدك به ‪،‬‬
‫لني سأجعله أمة عظيمة ) [سفر التكوين ‪.] 18 – 17 :21‬‬
‫وعلماء بني إسرائيل يقولون ‪ :‬إن البركة تعني أمران ‪ :‬الول ‪:‬‬
‫الملك ‪ .‬والثاني ‪ :‬النبوة ‪ .‬ويقولون ‪ :‬إن بركة إسحق – عليه‬
‫السلم ‪ -‬خصصت في ابنه يعقوب ( إسرائيل ) من بين بنيه ‪ ،‬وقد‬
‫تحققت من الوقت الذي ظهر فيه موسى – عليه السلم ‪ -‬فقد‬
‫كان نبيا ورئيسا مطاعا ‪.‬‬
‫ونحن نقول لهم – والكلم ل زال لحجازي ‪ : -‬وكما دل دليل‬
‫اسحق – عليه السلم ‪ -‬على ملك ونبوة ‪ ،‬وذلك في قوله ‪:‬‬
‫( وأعطيك منها ابنا ‪ ،‬أباركها فتكون أمما وملوك شعوب ‪ . )..‬فإن‬
‫دليل إسماعيل – عليه السلم ‪ -‬مثله ‪ ،‬فإنه يدل على ملك‬
‫ونبوة ‪ ،‬وذلك في قوله ‪ ( :‬ها أنا أباركه ‪ ،‬وأثمره ‪ ،‬وأكثره كثيرا‬
‫جدا ) ‪،‬فإنه ل فرق بين الدليلين في اللفظ والمعنى ‪ [.‬انظر‬
‫البشارة بنبي السلم ‪.] 103 -1/100‬‬
‫وقد جاء الخبار بنبوة محمد‪ -‬صلى الله عليه وسلم ‪ -‬على لسان‬
‫موسى – عليه السلم – في التوراة بما نصه ‪ ( :‬وهذه هي البركة‬
‫التي بارك بها موسى رجل الله بني إسرائيل قبل موته ‪ .‬فقال ‪:‬‬
‫جاء الرب من سيناء ‪ .‬وأشرق من سعير ‪ .‬وتلل من جبل فاران‬
‫‪ [.).‬سفر التثنية ( ‪ ،) 4-1 :33‬البشارة بني السلم ‪.] 1/260‬‬
‫ومعنى مجيء الله من طور سينا ‪ :‬إنزاله التوراة على موسى –‬
‫عليه السلم ‪ -‬من طور سينا ‪ ،‬ومعنى إشراقه من ساعير‪ :‬إنزاله‬

‫‪160‬‬
‫النجيل على المسيح – عليه السلم ‪ ، -‬وكان المسيح من ساعير‬
‫أرض الخليل بقرية تدعى ناصرة ‪ ،‬وباسمها يسمى من اتبعه‬
‫نصارى ‪ .‬وكما وجب أن يكون إشراقه من ساعير بالمسيح ‪،‬‬
‫فكذلك يجب أن يكون استعلنه من جبال فاران ‪ ،‬إنزاله القرآن‬
‫على محمد صلى الله عليه وسلم ‪.‬‬
‫وجبال فاران ‪ :‬هي جبال مكة ‪ .‬وليس بين المسلمين وأهل‬
‫الكتاب خلف في أن فاران هي مكة ‪ ،‬فإن ادعوا أنها غير مكة‬
‫‪ ،‬فإن ذلك من تحريفهم الكلم عن مواضعه ‪ ،‬خاصة وأن في‬
‫التوراة أن إسماعيل سكن في برية فاران ‪ ،‬جاء في التوراة ‪:‬‬
‫( وكان الله مع الغلم فكبر وسكن في البرية ‪ ،‬وكان ينمو رامي‬
‫قوس ‪ ،‬وسكن في برية فاران ‪ .‬وأخذت له أمه زوجة من أرض‬
‫مصر ) [ سفر التكوين ‪ .] 12-20 :21‬والبرية التي بين مكة وطور‬
‫سينا تسمى برية فاران ‪ ،‬ول يمكن لحد أن يدعي أنه بعد‬
‫المسيح – عليه السلم ‪ -‬نزل كتاب في شيء من تلك الرض ‪،‬‬
‫ول بعث نبي ‪ ،‬فعلم أنه ليس بالمراد باستعلنه من جبال فاران‬
‫إل إرسال محمد صلى الله عليه وسلم ‪.‬‬
‫وهو سبحانه ذكر هذا في التوراة على الترتيب الزماني ‪ ،‬لنه في‬
‫مقام الخبر عنها ‪ ،‬فقدم السبق فالسبق ‪ ،‬فذكر إنزال التوراة ‪،‬‬
‫ثم النجيل ثم القرآن ‪ ،‬وهذه الكتب نور الله وهداه ‪.‬‬
‫وهذه الماكن الثلث أقسم الله بها في القرآن ‪ ،‬في قوله تعالى‪:‬‬
‫خلَقْنَا‬‫ن ‪ .‬لَقَد ْ َ‬ ‫مي ِ‬‫ن ‪ .‬وَهَذ َا الْبَلَد ِ اْل َ ِ‬‫سينِي َ‬ ‫ن ‪ .‬وَطُورِ ِ‬ ‫ن وَالَّزيْتُو ِ‬ ‫{وَالتِّي ِ‬
‫َ‬
‫ْويمٍ}[سورة التين الية‪ ،]4 – 1 :‬فأقسم‬ ‫ن تَق ِ‬‫س ِ‬ ‫ح َ‬ ‫ن فِي أ ْ‬ ‫سا َ‬ ‫اْلِن َ‬
‫بالتين والزيتون‪ :‬وهو الرض المقدسة الذي ينبت فيها ذلك ‪،‬‬
‫ومنها بعث المسيح – عليه السلم ‪ -‬وأنزل عليه فيها النجيل ‪،‬‬
‫وأقسم بطور سينين ‪ :‬وهو الجبل الذي كلم الله فيه موسى عليه‬
‫السلم ‪ ،‬وناداه من واديه اليمن من البقعة المباركة من الشجرة‬
‫‪ ،‬وأقسم بالبلد المين ‪ :‬وهي مكة ‪ ،‬وهو البلد الذي أسكن‬
‫إبراهيم – عليه السلم ‪ -‬ابنه إسماعيل وأمه ‪ ،‬وهو الذي جعله‬
‫الله حرما آمنا ويتخطف الناس من حولهم خلقا وأمرا قدرا‬
‫وشرعا ‪ ،‬فإن إبراهيم – عليه السلم ‪ -‬حرمه ودعا لهله فقال‪:‬‬
‫َ‬
‫حَّرمِ‬ ‫م َ‬‫ك ال ْ ُ‬
‫عند َ بَيْت ِ َ‬‫من ذُّرِيَّتِي بِوَاد ٍ غَيْرِ ذِي َزْرٍع ِ‬ ‫ت ِ‬ ‫سكَن ُ‬ ‫{َّربَّنَا إِنِّي أ ْ‬
‫صلَة َ فَاجع ْ َ‬
‫م وَاْرُزقْهُم‬ ‫س ت َ ْهوِي إِلَيْهِ ْ‬ ‫م َ َ‬
‫ن الن ّا ِ‬ ‫ل أفْئِدَة ً ِّ‬ ‫ْ َ‬
‫َ‬
‫موا ْ ال َّ‬‫ُ‬ ‫َربَّنَا لِيُقِي‬
‫َ‬
‫ن }[سورة إبراهيم الية‪، ] 37 :‬‬ ‫شكُُرو َ‬ ‫م يَ ْ‬‫ت لَعَل ّهُ ْ‬ ‫ن الث ّ َ‬
‫مَرا ِ‬ ‫م َ‬ ‫ِّ‬
‫واختلف ترتيب القرآن للماكن الثلثة عن ترتيبها في التوراة ‪،‬‬
‫يرجع إلى أن لقرآن أقسم بها تعظيما لشأنها ‪ ،‬وذلك تعظيم‬
‫لقدرته سبحانه ‪ ،‬وآياته وكتبه ورسله ‪ ،‬فأقسم بها على وجه‬
‫التدريج ‪ ،‬درجة بعد درجة ‪ ،‬فختمها بأعلى الدرجات ‪ ،‬فأقسم أول‬

‫‪161‬‬
‫بالتين والزيتنون ‪ ،‬ثم بطور سينا ‪ ،‬ثم بمكة ‪ ،‬لن أشرف الكتب‬
‫الثلثة القرآن ‪ ،‬ثم التوراة ‪ ،‬ثم النجيل ‪ ،‬وكذلك النبياء ‪ ،‬فأقسم‬
‫بها على وجه التدريج ‪[.‬انظر الجواب الصحيح ‪، 205 -5/198‬‬
‫والبشارة بنبي السلم ‪.] 1/268‬‬
‫ويُلحظ أن الخطاب لبني إسرائيل لجل أن يقبلوا بنبي السلم‬
‫إذا جاء ‪ ،‬لنه ليس من بني إسرائيل ‪ ،‬وهذا يحتاج إلى تأكيد المر‬
‫لتباعه بخطاب خاص لهم ‪ ،‬وليس معناه أنه منهم‪ [.‬البشارة بنبي‬
‫السلم ‪.] 1/275‬‬
‫وجاء في التوراة أن الله تعالى خاطب موسى – عليه السلم –‬
‫بقوله ‪ ( :‬نبيا أقمت لهم ‪ .‬من جملة إخوتهم ‪ .‬مثلك‪ .‬وجعلت‬
‫خطابي بفيه ‪ .‬فيخاطبهم بكل ما أوصيه ‪.‬ويكون الرجل الذي ل‬
‫يسمع من خطابه باسمي ‪ .‬أنا أطالبه ) ‪[.‬سفر الخروج ‪ 19‬و ‪.] 20‬‬
‫والمقصود بهذه النبوءة نبي السلم محمد – صلى الله عليه‬
‫وسلم ‪ -‬فهو نبي كما في الوصف الول لمجيئه بما يثبت نبوته ‪،‬‬
‫وهو من نسل إسماعيل ‪ ،‬وإسماعيل وإسحق – عليهما السلم ‪-‬‬
‫أخوان ‪ ،‬ففي التوراة أن أبناء إسماعيل إخوة لبني اسحق ‪ .‬ففي‬
‫سفر التكوين ‪ ( :‬وقال لها ملك الرب ‪ :‬ها أنت حبلى فتلدين‬
‫ابنا ‪ ،‬وتدعين اسمه ‪ :‬إسماعيل ‪ .‬لن الرب قد سمع لمذلتك ‪.‬‬
‫وإنه يكون انسانا وحشيا ‪ .‬يده على كل واحد ويد كل واحد عليه ‪،‬‬
‫وأمام إخوته يسكن )[ سفر التكوين ‪ ، ]12-11 : 16‬وأما عيسى‬
‫‪-‬عليه السلم ‪-‬فل ينطبق عليه هذا الوصف لنه من بني‬
‫إسرائيل ‪ ،‬ولو كان هذا النبي من بني إسرائيل لقال ‪ :‬من‬
‫أنفسهم ‪ ،‬ولم يقل من إخوتهم ‪.‬هذا من وجه ‪ ،‬ومن وجه آخر جاء‬
‫في التوراة ‪ ( :‬أنه ل يقوم نبي من بني إسرائيل كموسى ) ‪،‬‬
‫فالبشارة إذا بنبي من غيرهم هو ( محمد ) صلى الله عليه‬
‫وسلم‪ ،‬وأيضا نجد الوصف الثالث ينطبق على محمد – صلى الله‬
‫عليه وسلم – وهو قوله‪ ( :‬مثلك ) أي مثل موسى – عيه السلم ‪-‬‬
‫فقدجاء في القرآن ما يفيد مثلية نبينا محمد بموسى – عليهما‬
‫شاهِداً‬ ‫َ‬
‫سول ً َ‬ ‫سلْنَا إِلَيْك ُ ْ‬
‫م َر ُ‬ ‫الصلة والسلم ‪ -‬قال تعالى ‪{ :‬إِنَّا أْر َ‬
‫ع َلَيك ُم ك َ َ‬
‫سول ً }[سورةالمزمل الية‪:‬‬ ‫ن َر ُ‬ ‫سلْنَا إِلَى فِْرع َوْ َ‬
‫ما أْر َ‬
‫ْ ْ َ‬
‫‪ ، ] 15‬وانظر البشارة بنبي السلم ‪.] 1/229‬‬
‫ومن جهة أخرى وصف موسى – عيه السلم‪ -‬في التوراة بثلث‬
‫صفات رئيسية ‪ :‬أول ‪ :‬اليات والعجائب ‪ .‬ثانيا ‪ :‬اليد الشديدة ‪.‬‬
‫ثالثا‪ :‬المخاوف العظيمة ‪.‬ومحمد – صلى الله عليه وسلم ‪ -‬كان‬
‫كموسى –عليه السلم‪ -‬فيما جاء به من آيات عظيمة تدل على‬
‫نبوته ‪ ،‬والتي كان لها الثر الكبير في كثرة أتباعه ‪ ،‬وثانيا ‪ :‬كان‬
‫في حروبه قويا شديدا ً كموسى ‪ ،‬وثالثا ‪ :‬نصر بالرعب ‪ ،‬وكانت له‬

‫‪162‬‬
‫الهيبة في قلوب الناس ‪.‬وأما عيسى ‪ -‬عليه السلم ‪ -‬فقد رفض‬
‫أن يكون ملكا ‪ .‬ففي انجيل يوحنا ‪ ( :‬وأما يسوع فإذا علم أنهم‬
‫مزمعون أن يأتوا ويختطفوه ليجعلوه ملكا ‪ ،‬انصرف أيضا إلى‬
‫الجبل وحده ) ‪ [.‬يوحنا ( ‪ ، )6:15‬البشارة بنبي السلم ‪.] 1/206‬‬
‫ومما أخبر به النبي – صلى الله عليه وسلم – عن ذكر النبياء له‪،‬‬
‫أنه ‪ ( :‬بشرى عيسى ) ‪ .‬وذلك حين بشر بني إسرائيل بقوله ‪:‬‬
‫ل يأتي من بعدي اسمه أحمد)‪ [ .‬سورة الصف‬ ‫(ومبشرا ً برسو ٍ‬
‫من الية رقم ‪.] 6‬‬
‫وجاء في النجيل ‪ :‬أن عيسى ‪ -‬عليه السلم ‪ -‬قال للحواريين ‪:‬‬
‫( إن كنتم تحبونني ‪ ،‬فاحفظوا وصاياي ‪ .‬وأنا أطلب من الب ‪،‬‬
‫فيعطيكم معزيا ) ‪ [.‬يوحنا ‪.] 15 / 14‬ومن عادة بني إسرائيل‬
‫المبالغة في التعبير ‪ ،‬وتفخيم الساليب ‪ ،‬فمثل يقولون ‪ :‬إن‬
‫موسى كان إلها لفرعون ‪ .‬أي سيدا ‪ ،‬وما يرد من ألفاظ البوة أو‬
‫البنوة ‪ ،‬فهو على المجاز ل على الحقيقة ‪ .‬كما يقول شيخ لتلميذه‬
‫‪ :‬يا بني ‪ ،‬وكما يقول التلميذ لشيخه ‪ :‬يا أبي ‪[.‬انظر البشارة بنبي‬
‫السلم ‪.] 2/260‬‬
‫قال النصارى ‪ :‬أن كلمة ( المعزي ) تعني العوض ‪ ،‬والبديل عن‬
‫عيسى عليه السلم ‪ ،‬ويقول متى هنري ‪ :‬إن نفس كلمة‬
‫( يعزي ) في الصل اليوناني تعني ‪ :‬يعظ ‪ ،‬أو ينصح ‪.‬‬
‫وقالوا ‪:‬هي مترجمة عن الكلمة العبرانية ( بارا كليت ) ‪ ،‬وقالوا ‪:‬‬
‫إن كلمة ( بيراكليت ) العبرانية تترجم في اللغة العربية‬
‫( أحمد ) ‪ ،‬وجاءت في بعض الكتب ( فيرقليط ) ‪ ،‬وفي هامش‬
‫كتاب انجيل برنابا تعليقات عربية في النسخة اليطالية على اسم‬
‫محمد الذي بشر به عيسى صريحا ‪.‬وهذه التعليقات هي ‪:‬‬
‫(في لسان عرب ‪ :‬أحمد ‪ .‬في لسان عمران – يعني العبرية ‪: -‬‬
‫مسيى ‪ .‬في لسان التن _ يعني اللتيني ‪ : -‬كنسلتر‪ .‬في لسان‬
‫روم ‪ :‬باركل تس ‪[.‬تعليق على برنابا ‪ 19 :44‬صفحة ‪ ،69‬انظر‬
‫البشارة بنبي السلم ‪.]2/271‬‬
‫إن المتأمل في هذه الشواهد والحقائق ليتيقن دللتها القاطعة‬
‫على أن أهل الكتاب يعرفون محمدا صلى الله عليه وسلم كما‬
‫يعرفون أبناءهم ‪ ،‬وأن الذي يمنع كثيرا من علمائهم من اتباعه هو‬
‫الحسد والكبر ‪ ،‬نعوذ بالله تعالى من ذلك ‪.‬‬
‫الخـاتمـة‪:‬‬
‫إلى كل قارئ لهذه الحقائق القاطعة ‪ :‬من القرآن الكريم ‪،‬‬
‫والسنة النبوية والسيرة ‪ ،‬وبشارات الكتب السماوية ‪ ،‬وإقرار‬
‫الملوك والسادة والزعماء ‪ ،‬وشهادة العلماء ‪ ،‬وإخبار الحبار‬
‫والرهبان وغيرهم‪ ،‬ودخول الناس في دين الله أفواجا ‪ ،‬من‬

‫‪163‬‬
‫العرب ‪ ،‬والعبرانيين ‪ ،‬والسامريين ‪ ،‬والروم ‪ ،‬والفرس ‪ ،‬والهند ‪،‬‬
‫والصين ‪ ،‬وسائر المم ‪ ،‬وانتشار السلم المستمر رغم جهود‬
‫المنصرين والصهاينة لطفاء نور الله تعالى في الرض ‪ ،‬نقول ‪:‬‬
‫قال الله تعالى‪:‬‬
‫خيْراً‬ ‫منُوا ْ َ‬ ‫َ‬
‫م فَآ ِ‬‫من َّرب ِّك ُ ْ‬‫ق ِ‬ ‫ل بِال ْ َ‬
‫ح ِّ‬ ‫سو ُ‬ ‫م الَّر ُ‬‫جاءك َ ُ ُ‬‫س قَد ْ َ‬ ‫َ{يَا أيُّهَا النَّا ُ‬
‫َ‬
‫ه‬‫ن الل ّ ُ‬ ‫ض وَكَا َ‬‫ت وَالْر ِ‬ ‫ماوَا ِ‬ ‫س َ‬‫ما فِي ال َّ‬ ‫ن لِل ّهِ َ‬‫م وَإِن تَكْفُُروا ْ فَإ ِ َّ‬ ‫ل ّك ُ ْ‬
‫حكِيماً} [سورة النساء الية‪.] 170 :‬‬ ‫عَلِيما ً َ‬
‫ثم أوجه خطابي لكل مؤمن رضي بالله ربا وبالسلم دينا وبمحمد‬
‫صلى الله عليه وسلم نبيا‪ ،‬بأن يحمد الله تعالى على نعمة الهداية‬
‫‪ ،‬وليتذكر أنه باستقامته على دينه وثباته عليه ليقدم أقوى‬
‫البراهين على صدق نبوة محمد صلى الله عليه وسلم ‪ ،‬وهذا له‬
‫الثر الكبير في هداية الناس إلى دين السلم ‪ ،‬فهذا عامل فلبيني‬
‫نصراني كان يعمل بالمملكة العربية السعودية ‪ ،‬شد انتباهه‬
‫استيقاظ الناس من نومهم قبل طلوع الفجر ‪ ،‬وفي ألذ لحظات‬
‫منامهم ‪ ،‬وخروجهم ومعهم أطفالهم إلى المساجد ليؤدوا الصلة ‪،‬‬
‫فكان هؤلء المحافظين على صلتهم سببا بتوفيق الله في هداية‬
‫هذا العامل إلى السلم ‪.‬‬
‫والرسالة الثانية أوجهها للعلماء والدعاة خاصة ‪ ،‬ولهل المال ‪،‬‬
‫ولعامة المسلمين والمسلمات ‪ ،‬أجيبوا داعي الله ‪.‬‬
‫َّ‬ ‫َ‬ ‫يقول الله تعالى‪{ :‬يَا أَيُّها الَّذِي َ‬
‫صاَر اللهِ} [سورة‬ ‫منُوا كُونوا أن َ‬ ‫نآ َ‬‫َ‬ ‫َ‬
‫الصف الية‪.]14 :‬‬
‫فلننصر ديننا بكل ألوان النصرة الممكنة والمتاحة ‪ ،‬كل بحسب‬
‫مكانته العلمية ‪ ،‬والجتماعية ‪ ،‬والمالية ‪ ،‬وكل بالطريقة المناسبة‬
‫لوضعه الوطني ‪ ،‬والقليمي ‪ ،‬والعالمي ‪ ،‬انصر دينك بعلمك ‪،‬‬
‫وبدعوتك ‪ ،‬وبجهادك ‪ ،‬وبنهضة أمتك في كل مجالت الحياة ‪،‬‬
‫وبمالك ‪ ،‬وبتشجيعك ‪ ،‬وبفكرك ‪ ،‬ما استطعت لذالك سبيل ‪.‬‬
‫إن من أعظم خصائص هذا الدين أن لكل عامل قدره عند الله ‪،‬‬
‫وأنه جعل النسان المؤمن إيجابيا في حياته ‪ ،‬مهما كان قدره‬
‫ووضعه ‪،‬‬
‫يكفيه شعب من الموات‬ ‫أتطلبون من المختار معجزة‬
‫أحياه‬
‫وتأمل هذا الحديث لتعلم أنه ل يوجد في أمة السلم فرد مهمش‬
‫أو ل قيمة له ‪ ،‬إنك تشعر وأنت تقرأه أنه يصنع منك شيئا‬
‫عظيما ‪ ،‬سأل رجل من أهل اليمامة أبا ذر – رضي الله عنه ‪-‬‬
‫قال ‪ :‬دلني على عمل إذا عمل العبد به دخل الجنة ‪ .‬فقال أبو ذر‬
‫– رضي الله عنه ‪ :‬سألت عن ذلك رسول الله ‪ -‬صلى الله عليه‬
‫وسلم – فقال ‪( :‬يؤمن بالله)‪ .‬فقلت ‪ :‬يا رسول الله إن مع‬

‫‪164‬‬
‫اليمان عمل ؟ قال ‪( :‬يرضخ مما رزقه الله)‪ .‬قلت ‪ :‬وإن كان‬
‫معدما ‪ ،‬ل شيء له ؟‪ .‬قال ‪( :‬يقول معروفا بلسانه)‪ .‬قلت ‪ :‬وإن‬
‫كان عييا‪ ،‬ل يبلغ عنه لسانه ؟ – أي ل يحسن الكلم ‪ -‬قال‪:‬‬
‫(فيعين مغلوبا)‪ .‬قلت ‪ :‬فإن كان ضعيفا ‪،‬ل قدرة له ؟ قال‪:‬‬
‫(فليصنع لخرق) – الخرق الذي ل يتقن ما يعمله ‪ -‬قلت ‪ :‬وإن‬
‫كان أخرق ؟ قال ‪ :‬فالتفت إلي ‪ ،‬وقال ‪( :‬ما تريد أن تدع في‬
‫صاحبك شيئا من الخير؟! فليدع الناس من أذاه)‪ .‬فقلت ‪ :‬يا‬
‫رسول الله إن هذه كلمة تيسير‪ .‬فقال صلى الله عليه وسلم‪:‬‬
‫(والذي نفسي بيده ‪ ،‬ما من عبد يعمل بخصلة منها‪ ،‬يريد بها ما‬
‫عند الله ‪ ،‬إل أخذت بيده يوم القيامة حتى تدخله الجنة)‪ [ .‬أخرجه‬
‫ابن حبان في صحيحه ح‪.]373/‬‬
‫عل ْ ُ‬
‫م‬ ‫عندَهُ ِ‬ ‫ن ِ‬ ‫م ْ‬‫و َ‬
‫م َ‬ ‫وبَيْنَك ُ ْ‬‫هيدًا بَيْنِي َ‬ ‫ه َ‬
‫ش ِ‬ ‫فى بِالل ّ ِ‬‫ل كَ َ‬ ‫ُ‬
‫ق ْ‬ ‫‪.60‬‬
‫ب‬‫الكِتَا ِ‬‫ْ‬
‫م الْكِتَا ِ‬
‫ب‬ ‫عل ْ ُ‬‫عندَه ُ ِ‬ ‫ن ِ‬ ‫م ْ‬
‫م وَ َ‬ ‫ل كَفَى بِاللّهِ َ‬
‫شهِيدًا بَيْنِي وَبَيْنَك ُ ْ‬ ‫قُ ْ‬
‫د‪ .‬جمال الحسيني أبو فرحة‬
‫لقد تنوعت وتباينت أساليب التبشير بنبي السلم في أسفار أهل‬
‫الكتاب وتطرقت إلى كثير من التفصيلت‪ ،‬وهو موضوع ل يجليه‬
‫مقال ول تكفيه دراسة‪ ،‬وإنما يحتاج إلى ما هو أكثر من ذلك‬
‫بكثير‪.‬‬
‫وقد كان من جملة البشارات بالرسول ‪ -‬صلى الله عليه وسلم‪-‬‬
‫في أسفار أهل الكتاب‪ :‬الشارة إلى مكان بعثته ‪ -‬صلى الله عليه‬
‫وسلم‪ ،-‬ولغة قومه‪ ،‬وما سيكون عليه اسمهم بعد إيمانهم‪.‬‬
‫فبداية نفت أسفار أهل الكتاب أن يكون موضع بعثة النبي‬
‫المنتظر بعد المسيح ‪-‬عليه السلم‪ -‬في مدينة "أورشليم"‪ -‬أي‪:‬‬
‫ما‪ ،‬كما نفت أن يكون في‬ ‫القدس الشريف‪ -‬كما يتوقع اليهود دائ ً‬
‫جبل "جرّزيم" كما يتوقع السامرة من اليهود‪ ،‬وأوضحت أنه‬
‫سيكون في مكان جديد؛ فعندما قالت المرأة السامرية للمسيح‬
‫‪-‬عليه السلم‪ -‬كما يحكي إنجيل يوحنا‪" :‬يا سيد أرى أنك نبي‪،‬‬
‫آباؤنا سجدوا في هذا الجبل [جبل جرزيم] وأنتم تقولون‪ :‬إن في‬
‫أورشليم الموضع الذي ينبغي أن يسجد فيه‪ .‬قال لها يسوع[ أي‬
‫المسيح]‪ :‬يا امرأة صدقيني‪ ،‬إنه تأتي ساعة ل في هذا الجبل ول‬
‫في أورشليم تسجدون"؛ وهو ما يؤكد عليه سفر "إرميا" عندما‬
‫يقول على لسان الرب لبني إسرائيل‪" :‬هأنذا أنساكم نسياناً‬
‫وأرفضكم من أمام وجهي أنتم والمدينة التي أعطيتكم وآباءكم‬
‫إياها وأجعل عليكم عاًرا أبديًا وخزيًا أبديًا ل ينسى"‪.‬‬
‫ثم تبدأ أسفار أهل الكتاب في وصف موضع نزول الرسالة‬
‫الخاتمة المنتظرة‪ ،‬فيصفه سفر "الرؤيا" بأن به "مسكن الله مع‬

‫‪165‬‬
‫الناس"‪ ،‬ول شك أن الشارة في ذلك إلى بيت الله الحرام‬
‫واردة؛ وتصفه "الكتب السينية"‪ -‬من مخطوطات قمران‪ -‬بأن به‬
‫"الهيكل ‪ -‬أي البناء الكبير‪ -‬الذي سيبنى في نهاية الزمنة كما هو‬
‫مكتوب في وصية موسى"‪ ،‬ثم تصف ذلك الهيكل بأنه "البيت‬
‫الذي لن يدخله الكافر أو النجس إلى البد"‪ ،‬والشارة واضحة في‬
‫جدَ‬‫س ِ‬‫م ْ‬‫س فَل َ ي َ ْقَربُوا ْ ال ْ َ‬
‫ج ٌ‬ ‫شرِكُو َ‬
‫ن نَ َ‬ ‫ما ال ْ ُ‬
‫م ْ‬ ‫ذلك إلى قوله تعالى {إِن َّ َ‬
‫م هَذ َا} التوبة‪ ،28 :‬ونفس هذا المعنى نجده في‬ ‫مهِ ْ‬
‫م بَعْد َ ع َا ِ‬ ‫ال ْ َ‬
‫حَرا َ‬
‫سفر إشعياء‪" :‬وتكون هناك سكة وطريق يقال لها الطريق‬
‫المقدسة ل يعبر فيها نجس بل هي لهم"‪ ،‬وهي صفات لم تعرف‬
‫لمكان على وجه الرض بقدر ما عرفت لمكة المكرمة‪ ،‬والمدينة‬
‫المنورة‪.‬‬
‫حا عندما يحدد مكان بعثته ‪ -‬صلى‬ ‫ثم يزيد سفر إشعياء المر وضو ً‬
‫الله عليه وسلم‪ -‬بقوله "وحي من جهة بلد العرب"‪ ،‬وهذه هي‬
‫ترجمة جمعية الكتاب المقدس في الشرق الدنى‪ ،‬وتشهد لها‬
‫الترجمة العالمية الجديدة الصادرة عن جمعية الكتاب المقدس‬
‫العالمية ‪ New International Version‬حيث تقول‪An Oracle Concerning Arabia :‬‬
‫أي‪ :‬وحي‪ ،‬أو مبلغ الوحي‪ ،‬أو مكان مهبط الوحي متعلق ببلد‬
‫العرب‪.‬‬
‫ويؤكد سفر إشعياء على ذلك التحديد المكاني عندما يقول في‬
‫معرض حديثه عن النبي المنتظر‪":‬لتهتف الصحراء ومدنها وديار‬
‫قيدار المأهولة‪ ،‬ليتغن بفرح أهل سالع‪ ،‬وليهتفوا من قمم الجبال‪،‬‬
‫وليمجدوا الرب ويذيعوا حمده"؛ وقيدار هو البن الثاني لسماعيل‬
‫عليه السلم وهو أب لشهر القبائل العربية‪ ،‬وقد نزل الوحي على‬
‫النبي محمد – صلى الله عليه وسلم‪ -‬في أهم مدن يسكنها أبناء‬
‫قيدار‪ :‬مكة والمدينة‪.‬‬
‫أما قوله‪ ":‬ليتغن بفرح أهل سالع ‪......‬الخ"‪ :‬فهو تعيين لمقام‬
‫ذلك النبي المنتظر وأنه بالمدينة المنورة؛ فـ "سلع" اسم لجبل‬
‫في مدخل المدينة المنورة‪ ،‬ول شك أن أهل المدينة وقفوا عليه‬
‫كثيًرا في انتظار وصول الرسول – صلى الله عليه وسلم‪ -‬من‬
‫هجرته‪ ،‬ول شك أنه كذلك جبل ارتفعت أصوات النصار متغنية‬
‫بفرح ممجدة لله تعالى حامدة له عند وصوله – صلى الله عليه‬
‫وسلم‪ -‬كما تقول البشارة عن أهل "سالع‪ ،‬أو سلع"؛ ول فرق؛‬
‫فالعبرانيون لم تكن لديهم حروف تعادل الحروف المتحركة حتى‬
‫القرن السادس الميلدي ولم يفرقوا بين كلمة كـ "سلع" وكلمة‬
‫كـ "سالع" إل بعد هذا التاريخ على يد علماء لغويين كثيًرا ما‬
‫أخطئوا وكثيًرا ما اختلفوا؛ وخاصة مع عدم توافر الحفظ في‬
‫الصدور لي من نصوصهم المقدسة‪ ،‬ومن الطريف أن أغنية‬

‫‪166‬‬
‫النصار التي استقبلوا بها النبي – صلى الله عليه وسلم‪ -‬في‬
‫المدينة المنورة احتوت على حمد لله تعالى "وجب الشكر علينا‬
‫ما كما تنص البشارة‪.‬‬ ‫ما دعا لله داع" تما ً‬
‫أما سفر التثنية فيعين في أي بلد العرب سيكون مهبط الوحي‬
‫على النبي المنتظر – صلى الله عليه وسلم‪ -‬وذلك عندما يجعل‬
‫"فاران" موضع رسالة منتظرة‪ ،‬حين يقول‪" :‬هذه هي البركة التي‬
‫بارك بها موسى رجل الله بني إسرائيل قبل موته؛ فقال‪ :‬أقبل‬
‫الرب من سيناء وأشرق عليهم من سعير وتألق في جبل فاران"‪،‬‬
‫ومجيء الرب من سيناء يشير إلى رسالة موسى عليه السلم‬
‫حيث ناداه الله وهو على أرضها؛ وإشراق الرب من سعير‪ ،‬يشير‬
‫إلى رسالة عيسى عليه السلم؛ فجبل سعير يمتد جنوب البحر‬
‫الميت شرق فلسطين حيث اعتزل المسيح عليه السلم فترة مع‬
‫بني العيص أو السينيين؛ وأما تألق الرب من فاران فهو إشارة‬
‫إلى رسالة محمد ‪ -‬صلى الله عليه وسلم‪ -‬الذي جاء من ذرية‬
‫إسماعيل ‪ -‬عليه السلم‪ -‬والذي يخبرنا سفر التكوين بأنه سكن‬
‫ن الله على هاجر‬ ‫هو وذريته بفاران عند البئر [بئر زمزم] التي م ّ‬
‫وابنها بها إنقاذ ًا لهما من الموت؛ ومن هنا نفهم أن فاران هي‬
‫مكة المكرمة التي بعث منها المصطفى – صلى الله عليه وسلم‪-‬‬
‫؛ ومن اللفت للنظر أن كلمة فاران باللغة العبرية تعني صيغة‬
‫المبالغة من كلمة "حمد"؛ ومن ثمة فل نعدو الحقيقة إن قلنا‪ :‬إن‬
‫اسم برية فاران والتي هي موضع رسالة منتظرة في التوراة‬
‫يعني برية "محمد"– صلى الله عليه وسلم‪. -‬‬
‫فشبه موسى عليه السلم ‪ -‬حسبما يروي العهد القديم‪ -‬مجيء‬
‫التوراة بطلوع الفجر‪ ،‬ونزول النجيل بإشراق الشمس‪ ،‬ونزول‬
‫السلم بتألق الشمس في كبد السماء وعلوها وذلك إيذانًا بأنه‬
‫خاتم الديان وأن ليس بعد كماله كمال‪.‬‬
‫ثم تتحدث أسفار أهل الكتاب بعد ذلك عن لغة النبي المنتظر‬
‫ولغة قومه‪ ،‬فيصفهم سفر إشعياء بأنهم يتحدثون لغة أعجمية‬
‫غريبة عن اليهود وذلك حين يقول‪" :‬سيخاطب الرب هذا الشعب‬
‫بلسان غريب أعجمي"‪ ،‬أي غريب عن اليهود وأعجمي بالنسبة‬
‫لهم‪ ،‬وهو ما لم يكن للمسيح عليه السلم وأتباعه؛ فقد كان‬
‫ل أتباعه في حياته‪،‬‬ ‫المسيح عليه السلم رجل ً يهوديًا وكذا كان ج ّ‬
‫وإنما كان ذلك للنبي العربي محمد ‪ -‬صلى الله عليه وسلم‪.-‬‬
‫كما تحدثت أسفار أهل الكتاب عن ما سيكون عليه اسم‬
‫المؤمنين بالنبي المنتظر‪ ،‬فوصفهم سفر إشعياء بأن سيكون لهم‬
‫اسم آخر غير الذي كان لليهود‪ ،‬يقول سفر إشعياء على لسان‬
‫الرب لبني إسرائيل "وتخلفون اسمكم لعنة على شفاه مختاري‬

‫‪167‬‬
‫ما آخر"‪ ،‬وهو ما لم يكن‬ ‫ويميتكم الرب ويطلق على عبيده اس ً‬
‫للمسيحيين وكان للمسلمين؛ لن هذا السم "مسيحيّون" لم‬
‫يعرف إل متأخًرا في أنطاكية ‪ -‬كما يصرح سفر أعمال الرسل‬
‫من الكتاب المقدس‪ -‬وكان المسيحيون يعتبرون في أول المر‪،‬‬
‫وطيلة حياة المسيح عليه السلم على الرض‪ -‬فريقا ً من اليهود‪،‬‬
‫فالمسلمون هم الذين كان لهم اسم آخر غير ما كان لبني‬
‫إسرائيل‪ ،‬وهذا السم الخر يصرح به سفر إشعياء عندما يصف‬
‫النبي المنتظر بأنه (رئيس السلم) أو السلم‪ ،‬فكل من السلم‬
‫والسلم بالعبرية‪( :‬شالوم)؛ فصدق الله العظيم القائل في كتابه‬
‫سلِمين من قبل وفي هذا} الحج‪.78:‬‬ ‫م ْ‬‫م ال ْ ُ‬
‫ماك ُ ُ‬
‫س َّ‬
‫الكريم‪{ :‬هُوَ َ‬
‫هذا قليل من كثير ل يتسع المقام إل للتمثيل له‪ ،‬وهو ما جعل‬
‫"باول شفارتزيناو" ‪ -‬أستاذ الثيولوجي البروتستانتية وعلوم‬
‫الديان بجامعة "دور تموند" بألمانيا‪ -‬يصرح قائلً‪" :‬إن العتراف‬
‫بنبوة محمد الذي أطالب به موجود في جذور المسيحية"‪ ،‬كما‬
‫جعل "كانون ماكس وارن" سكرتير جمعية التبشير الكنسية‪ ،‬في‬
‫بحثه المقدم إلى المؤتمر التبشيري الثالث لطائفة النجيليين‬
‫الذي عقد في كندا عام ‪1963‬م‪ -‬يقول‪" :‬لقد تجلى الله بطرق‬
‫مختلفة ومن الواجب أن تكون لدينا الشجاعة الكافية لنصر على‬
‫القول بأن الله كان يتكلم في ذلك الغار الذي يقع في تلك التلل‬
‫خارج مكة"‪ ،‬يقصد بذلك الوحي إلى النبي محمد ‪ -‬صلى الله عليه‬
‫وسلم‪ -‬حين بدأ في غار حراء‪.‬‬
‫ُ َّ‬ ‫َ‬
‫ة‬ ‫م يَكن لهُ ْ‬
‫م آي َ ً‬ ‫فصدق الله العظيم القائل في كتابه الكريم {أوَل َ ْ‬
‫َ‬
‫ل} [الشعراء‪]197 :‬‬‫سَرائِي َ‬‫ماء بَنِي إ ِ ْ‬ ‫ه ع ُل َ َ‬ ‫أن يَعْل َ َ‬
‫م ُ‬
‫‪ .61‬نبي السلم في كتب البراهمة والزرادشتية‬
‫والصابئة‬
‫نبي السلم في كتب البراهمة والزرادشتية والصابئة‬
‫د‪ .‬جمال الحسيني أبو فرحة‬
‫ل شك أن أثر محمد ‪ -‬صلى الله عليه وسلم – كان على البشرية‬
‫ما حتى إن " مايكل هارت"‪-‬الكاتب المسيحي– قد وضعه ‪-‬‬ ‫عظي ً‬
‫صلى الله عليه وسلم – على رأس المائة الخالدين في تاريخ‬
‫البشرية من حيث تأثيرهم في التاريخ بصرف النظرعن كون هذا‬
‫التأثير إيجابيًا أو سلبيًا؛ ومن ثمة فشخص مثله ‪ -‬صلى الله عليه‬
‫وسلم – ل يكفي التبشير العام به في كتب النبياء إن كان صادقًا‪،‬‬
‫كما ل يكفي التحذير العام منه إن كان كاذبًا‪ ،‬بل لبد من تسميته‪،‬‬
‫وتفصيل صفته‪ ،‬حتى يعرفه أهل الكتاب (كما يعرفون أبناءهم)‬
‫البقرة ‪ ..146 :‬بل حتى يعرفه العالم أجمع ما دام أعلن إنه يحمل‬

‫‪168‬‬
‫رسالة لجميع العالم ونجح في بثها بين جميع شعوبه‪" ،‬وما دام‬
‫الله ليس إله تشويش" ‪1‬كورنثوس‪.33:14 :‬‬
‫وهو ما حدث بالفعل فاسم الرسول العربي (أحمد) مكتوب‬
‫بلفظه في "الساما فيدا" ‪ SAMA VIDA‬من كتب البراهمة؛ فقد ورد‬
‫في الفقرات من السادسة إلى الثامنة من الجزء الثاني‪ :‬إن‬
‫"أحمد تلقى الشريعة من ربه‪ ،‬وهي مملوءة من الحكمة‪ ،‬وقد‬
‫قبس منه النور كما يقبس من الشمس"‪.‬‬
‫وكذلك في كتب زرادشت التي اشتهرت باسم الكتب المجوسية‬
‫نجد في كتاب "زند أفستا" ‪ ZEND AVESTA‬نبوءة عن رسول يوصف‬
‫بأنه رحمة للعالمين‪ ،‬ويتصدى له عدو يسمى بالفارسية القديمة‬
‫"أبو لهب" ويدعو إلى إله واحد لم يكن له كفوًا أحد‪ ،‬ول ضريع‪،‬‬
‫ول قريع‪ ،‬ول صاحب‪ ،‬ول صاحبة‪ ،‬ول أب‪ ،‬ول أم‪ ،‬ول ولد‪ ،‬ول‬
‫مسكن‪ ،‬ول جسد‪ ،‬ول شكل‪ ،‬ول لون‪ ،‬ول رائحة‪ ،‬ول أول‪ ،‬ول‬
‫آخر‪.‬‬
‫والشارة هنا إلى الرسول ‪ -‬صلى الله عليه وسلم – واضحة؛ فهو‬
‫الذى وصفه القرآن بأنه (رحمة للعلمين) النبياء ‪ ..107:‬وهو الذي‬
‫نزلت عليه سورة "الخلص" متضمنة تلك المعاني المشار إليها‬
‫في البشارة‪ ،‬وكان من أعدى أعدائه عمه أبو لهب الذي نزلت‬
‫فيه سورة "المسد"‪.‬‬
‫وفي الكتب الزرادشتية كذلك‪ :‬إن أمة زرادشت حين ينبذون‬
‫دينهم يتضعضعون‪ ،‬وينهض رجل في بلد العرب يهزم أتباعه‬
‫فارس‪ ،‬ويخضع الفرس المتكبرين‪ ،‬وحينئذ يولون وجوههم نحو‬
‫كعبة إبراهيم‪ ،‬التي ستكون قد تطهرت من الصنام‪ ،‬ويومئذ‬
‫يصبحون وهم أتباع للنبي رحمة للعالمين وسادة لفارس‪ ...‬وإن‬
‫حا يتحدث بالمعجزات‪.‬‬ ‫نبيهم ليكونن فصي ً‬
‫ونبوءة خلفة العرب لملوك الفرس قد وردت كذلك في كتاب‬
‫الصابئة المقدس "الكنزه ربه" في الكتاب الثامن عشر؛ كما ذكر‬
‫في نفس هذا الكتاب أن ملك العرب المسمى "سيهولدايو"‪ :‬أي‬
‫تالي النبياء أو خاتمهم‪ ،‬سيخرج في زمن ملك للفرس يسمى‬
‫"ازدجر"‪ ,‬وهو ما كان بالفعل بالنسبة لرسولنا ‪ -‬صلى الله عليه‬
‫وسلم – هذا قيل من كثير ل يتسع المقام إل للتمثيل له‪.‬‬
‫فصدق الله العظيم القائل في كتابه الكريم‪( :‬ويقول الذين كفروا‬
‫لست مرسل ً قل كفى بالله شهيدًا بيني وبينكم ومن عنده علم‬
‫الكتاب) الرعد ‪.43‬‬
‫‪ .62‬إنجيل برنابا‪ ..‬الشاهد والشهيد‬
‫إنجيل برنابا‪ ..‬الشاهد والشهيد‬
‫بقلم الباحث ‪ :‬مراد عبد الوهاب الشوابكه‬

‫‪169‬‬
‫ن علينا بأعظم نعمة أل وهي نعمة السلم ‪...‬‬ ‫الحمد لله الذي م َّ‬
‫فكم يشعر المرء بالفخر والعتزاز عندما ينتسب لهذا الدين‬
‫العظيم ويكون تابعا ً لشرف الخلق أجمعين " محمد صلى الله‬
‫عليه وسلم " وعندها تكون من خير أمة أخرجت للناس‪ ،‬تلك‬
‫شر به النبياء أقوامهم‪ ،‬وكانوا يأخذون‬ ‫المة وهذا النبي الذي ب ّ‬
‫عليهم العهود ويتناقلون فيما بينهم لئن خرج الحبيب المصطفى‬
‫صلوات ربي وسلمه عليه لتنصرنّه‪ ،‬فل غرابة إذن من أن نجد‬
‫بين نصوص الكتاب المقدس ما يشير إلى ذلك مهما حاولت يد‬
‫الغدر والخيانة أن تحرف النصوص أو أن تنال من الحقيقة‬
‫الدامغة ‪:‬‬
‫فالذ ّهب وإن خالطته الشوائب لكنها تعجز عن إذهاب بريقه‬
‫ولمعانه!!!‬
‫ن الباطل مهما على واستعلى فان‬ ‫فكما تعلمون أحبتي في الله أ ّ‬
‫مصيره إلى الزوال‬
‫جة على القاصي‬ ‫ن الحق ل بد وأن يظهره الله حتى يكون ح ّ‬ ‫وأ ّ‬
‫والداني‪ ،‬فمن هنا كانت البداية ‪...‬‬
‫من هو برنابا؟‬
‫هو أحد التلميذ (الحواريين) الملزمين لسيدنا عيسى عليه‬
‫السلم ‪ ،‬وصاحب النجيل الشاهد على الحق والشهيد من أجل‬
‫كلمة الحق فكان جزاء هذا النجيل الطرد من الكتاب المقدس‬
‫وذلك بقرار البابا جلسيوس عام ‪492‬م ؛ لنه يعارض الكتاب‬
‫المقدس فيما يدّعونه بألوهية المسيح ‪ ،‬إلى أن جاء فيما بعد‬
‫الراهب اللتيني "فرامرينو" الذي حصل عليه من مكتبة البابوية‬
‫وأعلن إسلمه بعد قراءته له كما ذكر ذلك الدكتور النصراني‬
‫خليل سعادة في مقدمة ترجمته لنجيل برنابا‪...‬‬
‫ما برنابا فكما ذكرته كتب العهد الجديد ‪ ،‬يتضح من خللها أنّه‬ ‫وأ ّ‬
‫رجل صادق ومن أكثر التلميذ (الحواريين) ورعا ً وحفظا للوصايا‬
‫والتعاليم إذ ورد في سفر أعمال الرسل الصحاح الحادي عشر‬
‫الفقرة رقم ( ‪:)24-22‬‬
‫((فسمع الخبر عنهم في آذان الكنيسة التي في أورشليم‬
‫ما أتى ورأى نعمة‬ ‫فأرسلوا برنابا لكي يجتاز إلى إنطاكية الذي ل ّ‬
‫الله فرح ووعظ الجميع أن يثبتوا في الرب بعزم القلب لنه كان‬
‫م إلى‬‫رجل ً صالحا ً وممتلئا ً من الروح القدس واليمان ‪ ،‬فأنض ّ‬
‫ب جمع غفير))‪.‬‬ ‫الر ّ‬
‫وأسألكم بالله لو لم تكن لدعوته التي كانت قائمة على التوحيد‬
‫وعلى دين رسول الله إبراهيم والنبيين من بعده إلى محمد‬

‫‪170‬‬
‫صلى الله عليه وسلم ‪ -‬دين الفطرة والعقل والعاطفة‪ -‬أينضم‬
‫ب جمع غفير؟!‬ ‫إلى الر ّ‬
‫والله لو كانت عقيدة برنابا كعقيدة النصارى اليوم التي ليس‬
‫للعقل والعاطفة فيها ناقة ول جمل‪ ،‬لما أنضم إلى الرب هذا‬
‫الجمع ‪ ،‬بل زد على هذا لحتاج إلى مئات السنين حتى يشرح‬
‫لهم" الثالوث"‪ -‬على سبيل المثال ل على سبيل الحصر‪ ،‬وغيره‬
‫من المور التي ل يقبلها عاقل‪ ...‬ولكنه خاطب فطرتهم ودعاهم‬
‫مد وعلى‬ ‫إلى الدين الحق الذي نزل على موسى وعيسى ومح ّ‬
‫النبياء صلوات ربّي وسلمه عليهم أجمعين‪...‬‬
‫إنجيل برنابا‪:‬‬
‫وفيما يلي نورد بعض ما تضمنته صفحات هذا الكتاب المضطهد‪:‬‬
‫ورد في الفصل السادس والتسعون الفقرات من ‪ 15-1‬صفحة ‪146‬‬
‫‪:‬‬
‫(( (‪ )1‬ولما انتهت الصلة قال الكاهن بصوت عال ‪ " :‬قف يا‬
‫يسوع لنه يجب علينا أن نعرف من أنت تسكينا ً لمتنا "‬
‫(‪ )2‬أجاب يسوع ‪ " :‬أنا يسوع بن مريم من نسل داود ‪ ،‬بشر‬
‫مائت ويخاف الله وأطلب أن ل يعطى الكرام والمجد إل لله "‬
‫(‪ )3‬أجاب الكاهن ‪ " :‬انه مكتوب في كتاب موسى أن الهنا‬
‫سيرسل لنا مسيّا الذي سيأتي ليخبرنا بما يريد الله وسيأتي‬
‫للعالم برحمة الله (‪ )4‬لذلك أرجوك أن تقول لنا الحق هل أنت‬
‫مسيّا الله [تعني رسول الله] الذي ننتظره ؟ "‬
‫(‪ )5‬أجاب يسوع ‪ " :‬حقا ً أن الله وعد هكذا ولكني لست هو لنه‬
‫خلق قبلي وسيأتي بعدي "‬
‫(‪ )6‬أجاب الكاهن إننا نعتقد من كلمك وآياتك على كل حال أنك‬
‫نبي وقدوس الله‬
‫(‪ )7‬لذلك أرجوك بإسم اليهودية كلها وإسرائيل أن تفيدنا حبا ً في‬
‫الله بأية كيفيه سيأتي مسيّا "‬
‫(‪ )8‬أجاب يسوع " لعمر الله الذي تقف بحضرته نفسي أنّي‬
‫لست مسيّا الذي تنتظره كل قبائل الرض كما وعد الله أبانا‬
‫إبراهيم قائل ّ ‪ :‬بنسلك أبارك كل قبائل الرض‬
‫(‪ )9‬ولكن عندما يأخذني الله من العالم سيثير الشيطان مرة‬
‫أخرى هذه الفتنة الملعونة بأن يحمل عادم التقوى على العتقاد‬
‫جس بسبب هذا كلمي وتعليمي حتى‬ ‫بأني الله وابن الله (‪ )10‬فيتن ّ‬
‫ل يكاد يبقى ثلثون مؤمنا ً (‪ )11‬حينئذ ٍ يرحم الله العالم ويرسل‬
‫رسوله الذي خلق كل الشياء لجله (‪ )12‬الذي سيأتي من الجنوب‬
‫بقوّة وسيبيد الصنام وعبدة الصنام (‪ )13‬وسينتزع من الشيطان‬

‫‪171‬‬
‫سلطته على البشر (‪ )14‬وسيأتي برحمة الله لخلص الذين‬
‫يؤمنون به (‪ )15‬وسيكون من يؤمن بكلمه مباركا ً ))‪.‬‬
‫وأما فيما يتعلّق بالبشارة فقد ورد اسم محمد صلى الله عليه‬
‫ة‪:‬‬ ‫وسلّم في هذا النجيل صريحا ّ اسما ً وصف ً‬
‫فقد ورد أيضا ً في الفصل السابع والتسعون الفقرات من ‪: 10-4‬‬
‫(( فقال حينئذ ٍ يسوع ‪ " :‬إن كلمكم ل يعزيني لنه يأتي ظلم‬
‫حيث ترجون النور ولكن تعزيتي هي في مجيء الرسول الذي‬
‫م العالم بأسره لنه‬ ‫ي وسيمتد ّ دينه ويع ّ‬ ‫سيبيد كل رأي كاذب ف ّ‬
‫هكذا وعد الله أبانا إبراهيم وأن ما يعزيني هو أن ل نهاية لدينه‬
‫لن الله سيحفظه صحيحا ً " أجاب الكاهن ‪ " :‬أيأتي رسل آخرون‬
‫بعد مجيء رسول الله ؟"‬
‫فأجاب يسوع ‪" :‬ل يأتي بعده أنبياء صادقون مرسلون من الله‪،‬‬
‫ولكن يأتي عدد غفير من النبياء الكذبة وهو ما يحزنني لن‬
‫الشيطان سيثيرهم بحكم الله العادل فيتسترون بدعوى إنجيلي"‬
‫ما عن ذكر اسم محمد (صلى الله عليه وسلم) فقد ورد في‬ ‫وأ ّ‬
‫الفقرات من ‪:18-13‬‬
‫مى مسيّا وما هي العلمة التي‬ ‫(( فقال حينئذ ٍ الكاهن ‪ " :‬ماذا يس ّ‬
‫تعلن مجيئه؟"‬
‫أجاب يسوع " إن اسم مسيّا عجيب لن الله نفسه سماه لما‬
‫خلق نفسه ووضعها في بهاء سماوي قال الله ‪ " :‬اصبر يا محمد‬
‫لنّي لجلك أريد أن اخلق الجنّه ‪ ،‬العالم وجما ً غفيرا ً من الخلئق‬
‫التي أهبها لك حتى أن من يباركك يكون مباركا ً ومن يلعنك يكون‬
‫ملعونا ً ومتى أرسلتك إلى العالم أجعلك رسولي للخلص وتكون‬
‫كلمتك صادقة حتّى أن السماء والرض تهنان ولكن إيمانك ل يهن‬
‫مد"‬ ‫أبدا ً إن اسمه المبارك مح ّ‬
‫حينئذ ٍ رفع الجمهور أصواتهم قائلين ‪ " :‬يا الله أرسل لنا رسولك ‪،‬‬
‫يا محمد تعال سريعا ً لخلص العالم ! " ‪.)) ...‬‬
‫وأخيرا ً ل نملك إل أن نقرأ قول الله تعالى ‪:‬‬
‫ل الْكتاب تعالَوا ْ إلَى كَل َمة سواء بيننا وبينك ُم أَل َّ نعبد إلَّ‬ ‫ل يَا أَهْ َ‬ ‫" قُ ْ‬
‫َْ ُ َ ِ‬ ‫َ ٍ َ َ َََْ َََْ ْ‬
‫َ‬ ‫ِ‬ ‫َِ ِ ََ ْ‬
‫ن الل ّ ِ‬
‫ه‬ ‫من دُو ِ‬‫ضنَا ب َ ْعضا ً أْربَابا ً ِّ‬ ‫شيْئا ً وَل َ يَت َّ ِ‬
‫خذ َ ب َ ْع ُ‬ ‫ك بِهِ َ‬ ‫شرِ َ‬‫ه وَل َ ن ُ ْ‬ ‫الل ّ َ‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫ن"‬ ‫مو َ‬ ‫سل ِ ُ‬
‫م ْ‬ ‫شهَدُوا ْ بِأنَّا ُ‬ ‫فَإِن تَوَل ّوْا ْ فَقُولُوا ْ ا ْ‬
‫‪ .63‬بحث‪ ..‬محمد رسول الله في التوراة والنجيل‬
‫محمد رسول الله في التوراة والنجيل‬
‫د‪.‬محمد عبد الخالق شريبة‬
‫خاتم الرسالت‬
‫السلم هو خاتم الرسالت؛ فهو الجامع لما قبله‪ ،‬الناسخ لما‬
‫سبقه‪ ،‬الذي ل دين بعده‪..‬‬

‫‪172‬‬
‫فيه من الخلق ما يضمن صلح العباد‪ ،‬ومن التشريعات ما يضمن‬
‫صلح الدنيا والخرة‪..‬‬
‫ُ‬ ‫َ‬ ‫شهد الل ّ َ‬
‫ط‬
‫س ِ‬ ‫ما ً بِال ْ ِق ْ‬ ‫ة وَأوْلُوا ْ الْعِلْم ِ قَآئ ِ َ‬ ‫ملَئِك َ ُ‬ ‫ه إِل ّ هُوَ وَال ْ َ‬ ‫ه ل َ إِلَـ َ‬ ‫ه أن َّ ُ‬ ‫ُ‬ ‫( َ ِ َ‬
‫َ‬
‫ما‬
‫م َو َ‬ ‫سل َ ُ‬ ‫عند َ اللّهِ ال ِ ْ‬ ‫ن ِ‬ ‫دّي َ‬ ‫ن ال ِ‬ ‫م* إ ِ َّ‬ ‫حكِي ُ‬ ‫و الْعَزِيُز ال ْ َ‬ ‫ه إِل َ ّ هُ َ‬ ‫ل َ إِلَـ َ‬
‫َ‬ ‫ف ال ّذي ُ‬
‫م‬
‫م بَغْيًا بَيْنَهُ ْ‬ ‫م الْعِل ْ ُ‬‫جاءهُ ُ‬ ‫ما َ‬ ‫من بَعْد ِ َ‬ ‫ب إِل ّ ِ‬ ‫ن أوْتُوا ْ الْكِتَا َ‬ ‫ِ َ‬ ‫ختَل َ َ‬ ‫ا ْ‬
‫ب)‪[ .‬آل عمران‪18،1 :‬‬ ‫سا ِ‬ ‫ح َ‬ ‫سرِيعُ ال ْ ِ‬ ‫ن اللّهِ َ‬ ‫ت اللّهِ فَإ ِ َّ‬ ‫من يَكْفُْر بِآيَا ِ‬ ‫وَ َ‬
‫‪.]9‬‬
‫والدين الذي يملك صفات الكمال ‪ -‬ل تنقصه شهادة تأتيه من‬
‫خارجه‪ ،‬لكي تثبت صحة رسالته‪ ،‬وسلمة عقيدته‪ ،‬وصدق حامله‬
‫للعالمين الرسول الكريم – صلى الله عليه وسلم ‪ ،-‬فمحمد‬
‫الذي أخرج الناس من الكفر والضلل إلى اليمان بالله وحده‪،‬‬
‫ومن عبادة الصنام إلى عبادة الواحد الحد ‪ -‬ل يعوزه شهادة‬
‫تأتيه من خارج دينه‪ ،‬لكي تثبت أنه خاتم النبياء‪ ،‬أو أن رسالته‬
‫هي آخر الرسالت‪.‬‬
‫محمد الذي علم رجل بدويا يئد البنات كعمر بن الخطاب – رضي‬
‫الله عنه –؛ فصار بعد السلم قائدا للبشرية‪ ،‬وحاكما للعالم‪ ،‬ومن‬
‫أعظم قادة التاريخ – ل يحتاج لمن يشهد له؛ كيف والله تعالى‬
‫يقول‪:‬‬
‫ْ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ّ‬ ‫َّ‬
‫ن‬
‫شهَدُو َ‬ ‫ة يَ ْ‬ ‫ملئِك َ ُ‬‫مهِ وَال َ‬ ‫ه بِعِل ِ‬ ‫ك أنَزل ُ‬ ‫ل إِلي ْ َ‬ ‫ما أنَز َ‬ ‫شهَد ُ ب ِ َ‬ ‫ه يَ ْ‬ ‫ن الل ُ‬ ‫(لـك ِ ِ‬
‫شهِيدًا)‪ .‬النساء‪166:‬‬ ‫وَكَفَى بِاللّهِ َ‬
‫شهيدا ع َلَيهم م َ‬ ‫ل أ ُ َّ‬ ‫ث فِي ك ُ ِّ‬
‫م‬
‫سهِ ْ‬ ‫ن أنفُ ِ‬ ‫ْ ِ ِّ ْ‬ ‫مةٍ َ ِ ً‬ ‫م نَبْعَ ُ‬ ‫ويقول أيضا‪ (:‬وَيَوْ َ‬
‫يءٍ‬ ‫ش ْ‬ ‫ل َ‬ ‫ّ‬
‫ب تِبْيَانًا لِك ُ ِّ‬ ‫ْ‬
‫ك الكِتَا َ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬
‫شهِيدًا ع َلى هَـؤ ُلء وَن َ ّزلنَا ع َلي ْ َ‬ ‫َ‬ ‫ك َ‬ ‫جئْنَا ب ِ َ‬‫وَ ِ‬
‫ن)‪ .‬النحل‪89:‬‬ ‫مي َ‬ ‫سل ِ ِ‬ ‫م ْ‬‫شَرى لِل ْ ُ‬ ‫ة َوب ُ ْ‬ ‫م ً‬ ‫ح َ‬‫وَهُدًى وََر ْ‬
‫فمحمد الذي فتح الله به عيونا عمياً‪ ،‬وأسمع به أذانا صماً‪ ،‬وشرح‬
‫به قلوبا ً غلفاً‪ - ،‬ل يحتاج لمن يشهد له من خارج رسالته‪ ،‬أو من‬
‫خارج الكتاب الذي أنزل معه‪.‬‬
‫ونحن إذ نتحدث عن بعض البشارات التي وردت في التوراة‬
‫والنجيل تبشر بالنبي الكريم‪ ،‬فإنما يدفعنا إلى ذلك أمران‪:‬‬
‫أما المر الول‪ :‬فإنه ينبع من حبنا الجم‪ ،‬وشوقنا الكبير لصاحب‬
‫الرسالة العظمى – صلى الله عليه وسلم ‪.-‬‬
‫كيف ل وهو أستاذنا ومعلمنا وزعيمنا وقائدنا؟!‬
‫وهل أعطانا بشر مثلما أعطانا محمد – صلى الله عليه وسلم‬
‫–؟!‬
‫وهل لمخلوق على مخلوق من فضل مثل فضل محمد – صلى‬
‫الله عليه وسلم – علينا؟!‬

‫‪173‬‬
‫فما لنا إذن ل نتلمس خطاه‪ ،‬ونقتفى أثره‪ ،‬وننقب عنه في كتب‬
‫الولين وفى كتب الخرين؛ فتسعد بذكره قلوبنا‪ ،‬وتنشرح به‬
‫صدورنا‪ ،‬وتقر به عيوننا‪.‬‬
‫وأما المر الثاني‪ :‬فهو ما نصبو إليه من هداية الضالين‪ ،‬وتثبيت‬
‫المتشككين‪ ،‬وإرشاد التائهين‪ ،‬من داخل هذا الدين ومن خارجه‪.‬‬
‫وأسأل الله العلي العظيم أن يجعل هذا العمل خالصا لوجهه‬
‫الكريم‪ ،‬وما كان فيه من صواب فهو من الله وحده‪ ،‬وما كان فيه‬
‫من خطأ فهو من نفسي‪.‬‬
‫(ربنا آتنا من لدنك رحمة وهيئ لنا من أمرنا رشدا)…‬
‫مازال الكتاب المقدس يتلل بنور محمد‪:‬‬
‫أنا اللبنة وأنا خاتم النبيين‪:‬‬
‫يقول الرسول‪-‬صلى الله عليه وسلم‪ -‬في الحديث الذي رواه‬
‫البخاري ومسلم‪(:‬إن مثلي ومثل النبياء من قبلي كمثل رجل بنى‬
‫بيتا فأحسنه وأجمله إل موضع لبنة من زاوية‪ ،‬فجعل الناس‬
‫يطوفون بالبيت ويعجبون له ويقولون‪:‬هل وضعت هذه اللبنة؟‬
‫قال‪:‬فأنا اللبنة وأنا خاتم النبيين)‪.‬‬
‫والحديث السابق يجعل النبي في ختامه للرسالت ومكانته بين‬
‫النبياء مثل حجر الزاوية أو اللبنة الساسية التي ل يكتمل البناء‬
‫ول يتم حسنه وجماله إل بها‪..‬‬
‫ولكن ما الذي يقوله الكتاب المقدس عن هذه اللبنة أو حجر‬
‫الزاوية؟‬
‫ورد في إنجيل متى الصحاح ‪ 21‬الفقرة ‪(42،43‬قال لهم يسوع أما‬
‫قرأتم قط في الكتب الحجر الذي رفضه البناءون هو قد صار‬
‫رأس الزاوية من قبل الرب كان هذا وهو عجيب في أعيننا لذلك‬
‫أقول لكم إن ملكوت الله ينزع منكم ويعطى لمة تعمل أثماره‬
‫ومن سقط على هذا الحجر يترضض ومن سقط هو عليه‬
‫يسحقه)‪.‬‬
‫وهذه الكلمات قالها المسيح عليه السلم لجماعة من اليهود‬
‫بعدما وبخهم على قتل النبياء‪ ،‬وإنكار الرسالت‪..‬‬
‫والنص يوضح إخبار المسيح عليه السلم لليهود باستبدال الله‬
‫لهم بأمة أخرى تحل محلهم في القيام بأمر الدين وأداء‬
‫رسالته(لذلك أقول لكم إن ملكوت الله ينزع منتكم ويعطى لمه‬
‫تعمل أثماره)‪ ..‬ويخبرهم المسيح عليه السلم أيضا عن ذلك‬
‫الحجر الذي سيصير رأس الزاوية(الحجر الذي رفضه البناءون هو‬
‫قد صار رأس الزاوية)‪..‬‬
‫ويواصل المسيح عليه السلم كلمه عن ذلك الحجر الذي سيصير‬
‫رأس الزاوية فيقول‪(:‬ومن سقط على هذا الحجر يترضض ومن‬

‫‪174‬‬
‫سقط هو عليه يسحقه)‪ ،‬واستخدام لفظي(يترضض) و(يسحقه)‬
‫يؤكد أن الكلم يشير إلى النبي –صلى الله عليه وسلم‪ -‬الذي‬
‫أيده الله بالقوة المادية وخاض العديد من الحروب حتى أظهر‬
‫الله به الدين وسحق به كل أعدائه‪..‬‬
‫ول يمكن حمل هذا الكلم على المسيح وأمته؛ لن المسيح نفسه‬
‫من أمة بني إسرائيل‪ ،‬كما أن المسيح‪ -‬عليه السلم‪ -‬يقول‪(:‬وهو‬
‫عجيب في أعيننا)‪ ،‬مما يدل على أنه يتكلم عن شخص آخر غيره‪.‬‬
‫فمن هو المقصود إذن بحجر الزاوية غير محمد‪-‬صلى الله عليه‬
‫وسلم‪ ،-‬الذي قال عن نفسه‪(:‬أنا اللبنة وأنا خاتم النبيين)؟!‬
‫وما هي المة الخرى التي أعطاها الله ملكوته بعد أن نزعه من‬
‫بني إسرائيل سوى أمة محمد –صلى الله عليه وسلم‪-‬؟!!‬
‫للذي ببكة مباركًا‪:‬‬
‫يقول الله تعالى في كتابه العزيز‪(:‬إن أول بيت وضع للناس للذي‬
‫ببكة مباركا وهدي للعالمين فيه آيات بينات مقام إبراهيم ومن‬
‫دخله كان آمنا ولله علي الناس حج البيت من استطاع إليه سبيل‬
‫ومن كفر فإن الله غني عن العالمين) آل عمران‪96:‬‬
‫الية تتحدث عن بيت الله‪ ،‬وتتحدث عن بكة كمكان لبيت الله‪،‬‬
‫الذي أمر الله الناس أن تحج إليه‪.‬‬
‫ولكن هل ورد في الكتاب المقدس نص يتحدث عن بيت لله‬
‫ببكة‪ ،‬يحج الناس إليه؟‬
‫دعونا نقرأ ما ورد في المزمور ‪:84‬‬
‫ً‬
‫‪ 4 :84‬طوبى للساكنين في بيتك أبدا يسبحونك‪ ،‬سله(سله كلمة‬
‫تتكرر كثيرا في الكتاب المقدس ويقول قاموس الكتاب المقدس‬
‫أنها تعني صمت أو فترة توقف أو فاصل‪)..‬‬
‫‪ 5:84‬طوبى لناس عزهم بك طرق بيتك في قلوبهم‪.‬‬
‫‪ 6 :84‬عابرين في وادي البكاء يصيرونه ينبوعا ً أيضا ببركات يغطون‬
‫مورة‪.‬‬
‫‪ 7 :84‬يذهبون من قوة إلى قوة يرون قدام الله في صهيون‬
‫ولكن ما علقة وادي البكاء الذي ورد في النص ببكة؟!‬
‫وإذا كان الله يقول يرون قدام الله في صهيون‪ ،‬فما علقة‬
‫صهيون بالبيت الحرام الموجود في بكة؟!‬
‫أما وادي البكاء وعلقته ببكة‪ :‬فيسأل عنها القساوسة العرب‪ ،‬لن‬
‫وادي البكاء في النسخة النجليزية لنفس النص مكتوبة(وادي‬
‫بكة) وليس وادي البكاء كما هو في النص العربي‪ ،‬ونلحظ أنها‬
‫تبدأ بحرف(بي كابتال)‪ ،‬مما يدل على أنه اسم لعلم ل يمكن‬
‫ترجمته‪.‬‬

‫‪175‬‬
‫وأما كلمة صهيون‪ :‬فمعناها الصلي المكان المقدس أو المجتمع‬
‫الديني الخالص‪ ،‬كما ورد في القاموس النجليزي للكتاب‬
‫المقدس‪..‬‬
‫والنص كما ورد في النسخة النجليزية هو هكذا‪:‬‬
‫(‪Blessed are they that dwell in thy house. they will be still praising thee, blessed is‬‬
‫‪the man whose strength is in thee, in whose heart are ways of them who passing‬‬
‫‪through the valley of Bacamake it awell, The rain also filleth the pools, they go from‬‬
‫‪)strength to strength, every one of them in Zion appeareth before God‬‬
‫وبذلك فإن الترجمة الصحيحة للنص النجليزي هي كما يأتي‪:‬‬
‫(طوبى للساكنين في بيتك أبدا يسبحونك‪ ،‬طوبى لناس عزهم‬
‫بك طرق بيتك في قلوبهم عابرين في وادبكة يصيرونه ينبوعا‬
‫المطر أيضا يغطيه بالبركات يذهبون من قوة إلي قوة يرون قدام‬
‫الله في الرض المقدسة)‪.‬‬
‫وبالمناسبة فإن قاموس الكتاب المقدس لم يستطع تحديد أين‬
‫توجد بكة!!‪ ،‬وكل ما قاله عن موقعها‪(:‬ربما)! يكون هذا مكان‬
‫يمر به الحجاج!!‬
‫فهل هناك بكة غير التي يحج إليها المسلمون؟!‬
‫ولو كان هناك بكة غيرها‪ ،‬فهل ادعى أحد أن بها بيت الله الذي‬
‫يحج إليه الناس؟!‬
‫هذه أسئلة تحتاج إلى أجوبة‪ ..‬فهل من مجيب؟!‬
‫محمد السماعيلي!‬
‫محمد السماعيلي‪ :‬هذه الكلمة قالها أحد الرهبان‪ ،‬وكان يتحدث‬
‫عن الرسول – صلى الله عليه وسلم‪-‬ويقول إنه من ولد‬
‫إسماعيل‪ ،‬وأنه ليس نبيا ً لن النبوة اختص بها الله أبناء‬
‫إسرائيل(يعقوب عليه السلم)‪.‬‬
‫ونحن نؤيده في أن محمد – صلى الله عليه وسلم‪ -‬هو من ولد‬
‫إسماعيل عليه السلم‪ ،‬ولكننا سنثبت بنصوص من الكتاب‬
‫المقدس أن النبوة سوف تبعث في أبناء إسماعيل‪:‬‬
‫ورد في سفر التكوين الصحاح ‪ 21‬الفقرة ‪:18 ،17‬‬
‫(فسمع الله صوت الغلم ونادى ملك الله هاجر من السماء وقال‬
‫لها مالك يا هاجر ل تخافي لن الله قد سمع لصوت الغلم حيث‬
‫هو‪ ،‬قومي احملي الغلم وشدي يدك به لني سأجعله أمة‬
‫عظيمة)‪.‬‬
‫وورد في سفر التكوين الصحاح ‪ 21‬الفقرة ‪13‬حيث يخاطب الله‬
‫عز وجل سيدنا إبراهيم قائل‪(:‬وابن الجارية أيضا سأجعله أمة لنه‬
‫نسلك)‪.‬‬

‫‪176‬‬
‫وابن الجارية هو إسماعيل ابن السيدة هاجر‪ ،‬وقد جعله الله أمة‬
‫كبيرة عظيمة هي أمة السلم التي يزيد عددها الن عن مليار‬
‫مسلم‪.‬‬
‫ويواصل الكتاب المقدس حديثه عن إسماعيل عليه السلم‬
‫فيقول في سفر التكوين الصحاح ‪ 21‬الفقرة ‪:21 ،20 ،19‬‬
‫(وفتح الله عينيها فأبصرت بئر ماء فذهبت وملت القربة ماء‬
‫وسقت الغلم‪ ،‬وكان الله مع الغلم فكبر وسكن في البرية و كان‬
‫ينمو رامى قوس‪ ،‬وسكن في برية فاران)‪.‬‬
‫وفاران‪:‬كلمة عبرانية معربة‪ ،‬وهي من أسماء مكة المكرمة(‪)1‬‬
‫والنص السابق كما ترون يتحدث عن بئر زمزم الذي سقت منه‬
‫هاجر الغلم‪ ،‬ويتحدث أيضا عن برية فاران التي سكنها إسماعيل‬
‫عليه السلم‪.‬‬
‫(ربنا إني أسكنت من ذريتي بواد غير ذي زرع عند بيتك المحرم‬
‫ربنا ليقيموا الصلة فاجعل أفئدة من الناس تهوي إليهم وارزقهم‬
‫من الثمرات)‪ .‬إبراهيم‪37:‬‬
‫ويتحدث النص أيضا عن أن إسماعيل كان ينمو رامي قوس‪ ،‬وهذا‬
‫يتطابق مع الحديث الذي رواه البخاري(مر النبي علي نفر من‬
‫قبيلة أسلم يرمون بالسهام فقال لهم‪ :‬ارموا بني إسماعيل فإن‬
‫أباكم كان راميًا)‪.‬‬
‫ولكن كيف يثبت الكتاب المقدس أن النبوة ستكون في أبناء‬
‫إسماعيل عليه السلم؟‬
‫ورد في سفر التثنية الصحاح ‪ 18‬الفقرة ‪ 18،19 ،17‬على لسان‬
‫موسى عليه السلم‪:‬‬
‫(قال لي الرب قد أحسنوا فيما تكلموا‪ ،‬أقيم لهم نبيا من وسط‬
‫أخوتهم مثلك و أجعل كلمي في فمه فيكلمهم بكل ما أوصيه به‪،‬‬
‫ويكون أن النسان الذي ل يسمع لكلمي الذي يتكلم به باسمي‬
‫أنا أطالبه)‪.‬‬
‫والنص يصف كما ترون تبشير الله لموسى بنبي سوف يبعثه من‬
‫وسط أخوة بني إسرائيل‪ ،‬وأن هذا النبي سيكون مثل موسى‬
‫عليه السلم‪ ،‬ويخبر النص أيضا ً أن الذي ل يتبع هذا النبي ول‬
‫يسمع لكلمه ‪ -‬فإن الله سوف يعاقبه‪..‬‬
‫ولكن ماذا قال أهل الكتاب من اليهود والنصارى عن ذلك النبي؟‬
‫قالت اليهود أن النبي المقصود هو يوشع بن نون فتى موسى‪،‬‬
‫بينما حمل النصارى البشارة على المسيح عيسى عليه السلم‪.‬‬
‫واليهود ينكرون أن البشارة تدل على محمد – صلى الله عليه‬
‫وسلم‪ -‬أو عن المسيح عليه السلم‪.‬‬

‫‪177‬‬
‫والنصارى ينكرون أن تكون البشارة عن النبي –صلي الله عليه‬
‫وسلم‪.-‬‬
‫والحق إن ما ذهب إليه كل الفريقين باطل‪ ،‬والدليل من الكتاب‬
‫المقدس نفسه‪.‬‬
‫إن البشارة تشترط شرطين‪:‬الول أن ذلك النبي من وسط إخوة‬
‫بني إسرائيل‪ ،‬والثاني أنه مثل موسى عليه السلم‪.‬‬
‫والشرطان السابقان ل ينطبقان إل على رسول السلم‪ -‬صلى‬
‫الله عليه وسلم‪-‬؛ فهو من أبناء إسماعيل بن إبراهيم عليهما‬
‫السلم‪ ،‬وأبناء إسرائيل(يعقوب) هم أبناء إسحاق بن إبراهيم‪،..‬‬
‫لذلك فالنبي‪-‬صلى الله عليه وسلم‪ -‬من وسط أخوة بني‬
‫إسرائيل‪..‬‬
‫وكذلك فإن موسى عليه السلم ومحمد‪ -‬صلى الله عليه وسلم‪،-‬‬
‫كليهما كان صاحب شريعة جديدة‪ ،‬ورسالة مستقلة‪ ،‬وبذلك فإن‬
‫شرط المثلية وقرب المكانة بين ذاك النبي وموسى عليه السلم‬
‫متحقق في النبي‪-‬صلى الله عليه وسلم‪ ،-‬ولن كليهما كان‬
‫صاحب رسالة جديدة وشريعة مستقلة؛ فقد ورد في سورة‬
‫الحقاف‪(:‬قالوا يا قومنا إنا سمعنا كتابا أنزل من بعد موسى‬
‫مصدقا لما بين يديه يهدي إلى الحق وإلى طريق مستقيم)‪..‬‬
‫ويؤكد قرب المكانة أيضا بين النبي‪-‬صلى الله عليه وسلم‪ -‬وبين‬
‫موسى عليه السلم الحديث الذي رواه البخاري عن الرسول‪-‬‬
‫صلى الله عليه وسلم‪(:-‬ل تخيروني على موسى‪ ،‬فإن الناس‬
‫يصعقون فأكون أول من يفيق‪ ،‬فإذا موسى باطش بجانب‬
‫العرش‪ ،‬فل أدري أكان فيمن صعق فأفاق قبلي أو كان ممن‬
‫استثنى الله)‪..‬‬
‫وأما انتفاء الشرطين عن يوشع بن نون وعن المسيح عليهما‬
‫السلم‪ -‬فلنهما كانا من بني إسرائيل وليسا من وسط إخوة بني‬
‫إسرائيل‪ ،‬ولو كان المراد واحدا منهما لقال الله‪(:‬أقيم لهم نبيا‬
‫منهم)‪ ،..‬بل لم يكن هناك داع لتحديد من أين يخرج ذلك النبي‬
‫لن خروجه من بني إسرائيل هو أمر مألوف ل يحتاج لتوضيح أو‬
‫تحديد‪..‬‬
‫وينتفي الشرط الثاني أيضا لن ل يوشع ول عيسى كانوا مثل‬
‫موسى‪:‬‬
‫فيوشع كان فتى موسى‪ ،‬ولم يحمل شريعة جديدة‪ ،‬ولم يوح إليه‬
‫ضا لم يحمل شريعة جديدة‪ ،‬وإنما كان على‬ ‫بكتاب‪ ،‬وعيسى أي ً‬
‫نهج شريعة موسى؛ وإذا كان النصارى يؤمنون بأن المسيح هو‬
‫ابن الله‪ ،‬وأنه شريك معه في اللوهية‪ ،‬فكيف يقولون بعد ذلك‬
‫أن عيسى مثل موسى؟!!‬

‫‪178‬‬
‫والكتاب المقدس نفسه ينفي أن بني إسرائيل قد قام فيها نبي‬
‫مثل موسى بعده؛ فقد جاء في سفر التثنية الصحاح ‪ 34‬الفقرات‬
‫من ‪ 5‬إلى ‪((:11‬فمات هناك موسى عبد الرب في أرض مواب‬
‫حسب قول الرب‪ .‬ودفنه في الجواء في أرض موات مقابل بيت‬
‫فغور و لم يعرف إنسان قبره إلى هذا اليوم‪ .‬وكان موسى ابن‬
‫مائة وعشرين سنة حين مات ولم تكل عينه ول ذهبت نضارته‪.‬‬
‫ما فكملت‬ ‫فبكى بنو إسرائيل موسى في عربات مواب ثلثين يو ً‬
‫أيام بكاء مناحة موسى‪ .‬ويشوع بن نون كان قد امتل روح حكمة‬
‫إذ وضع موسى عليه يديه فسمع له بنو إسرائيل وعملوا كما‬
‫أوصى الرب موسى‪ .‬ولم يقم بعد نبي في إسرائيل مثل موسى‬
‫الذي عرفه الرب وجها لوجه‪ .‬في جميع اليات و العجائب التي‬
‫أرسله الرب ليعملها في أرض مصر بفرعون و بجميع عبيده وكل‬
‫أرضه))‪.‬‬
‫فإذا كان الكتاب المقدس يخبر كما ترون أن بني إسرائيل بعد‬
‫موسى لم يخرج منهم نبي مثله‪ ،‬فكيف يدعى بعد ذلك أهل‬
‫الكتاب أن النبي الذي وصفه الله بأنه مثل موسى قد خرج من‬
‫بني إسرائيل؟!!‬
‫كما أن عقيدة النصارى في أن المسيح قد أتى ليخلص العالم‬
‫ويحمل خطايا البشرية – ل يمكن أن تتوافق مع تلخيص النص‬
‫لعلقة هذا النبي بالناس؛ وهي معاقبة من ل يتبعه ويسمع‬
‫لكلمه(ويكون أن النسان الذي ل يسمع لكلمي الذي يتكلم به‬
‫باسمي أنا أطالبه)‪..‬‬
‫ويبدو أن أنهم كانوا في انتظار ذلك النبي كما كانوا ينتظرون‬
‫المسيح عليه السلم؛ فقد ورد في إنجيل يوحنا ‪( 25 – 19 :1‬وهذه‬
‫هي شهادة يوحنا حين أرسل اليهود من أورشليم كهنة ولويين‬
‫ليسألوه من أنت فاعترف ولم ينكر وقال أني لست المسيح‬
‫فسألوه إذن ماذا؟ إيليا أنت؟ فقال‪ :‬لست أنا‪،‬النبي أنت؟ فأجاب‬
‫ل …فسألوه وقالوا فما بالك تعمد إن كنت لست المسيح ول إيليا‬
‫ول النبي؟!)‬
‫وإيليا(إلياس في القرآن) هو نبي ورد ذكره في الكتاب‬
‫المقدس‪..‬والكتاب المقدس يخبر أن الله قد رفعه إلى السماء‪،‬‬
‫ويبدو أن اليهود كانوا ينتظرون عودته مرة أخرى‪ ..‬فمن يكون‬
‫إذن ذلك النبي الذي ورد في النص‪ ،‬وكانت تنتظره اليهود‪ ،‬إذا لم‬
‫يكن إيليا ول يوحنا ول المسيح؟!!‬

‫من يكون ذلك النبي الذي أتى بعد يوحنا والمسيح غير رسول‬
‫السلم صلى الله عليه وسلم؟!!‬

‫‪179‬‬
‫ويبدو أن بعض أهل الكتاب قد وجد صعوبة في إثبات المثلية بين‬
‫موسى والمسيح عليهما السلم(على القل حسب عقيدتهم)؛‬
‫فوجهوا جهودهم نحو إثبات عدم المثلية بين موسى عليه السلم‬
‫ومحمد ‪-‬صلى الله عليه وسلم‪ ،-‬فماذا قالوا؟‬
‫قالوا أن موسى مات وعمره ‪ 120‬سنة ومحمد مات وعمره ‪،!!63‬‬
‫وقالوا أن موسى تربى في قصر فرعون‪ ،‬أما محمد فلم يدخله!!‪،‬‬
‫وقالوا أن موسى قد عبر البحر هو وبني إسرائيل‪ ،‬أما محمد فلم‬
‫يعبره!! …‬
‫ومن البديهي أننا لو استخدمنا تلك المقاييس لثبات التشابه بين‬
‫أي شخصين لما استطعنا ذلك‪ ،‬حتى لو كان هذين الشخصين زوج‬
‫من التوائم المتماثلة!!‬
‫غير أن صحيح النظر سليم العقل ‪ -‬لو نظر في النص؛ سوف‬
‫يدرك أن المقصود بكلمة(مثلك) هو المثلية في المنزلة والقرب‬
‫في المكانة‪- ،‬وإل فلم يكن هناك داع لقول مثلك لن كل النبياء‬
‫لبد أن يكونوا متشابهين في أشياء ومختلفين في أشياء أخرى‪،-‬‬
‫وكذلك نفي المثلية في قوله(ولم يقم بعد نبي في بني إسرائيل‬
‫مثل موسى) المقصود منه هو نفي المثلية في المنزلة والمكانة‬
‫ضا‪..‬وأحسب أن هذا أمر واضح جلي لكل بصير ذي فطنة‪،‬‬ ‫أي ً‬
‫صحيح ذي لب‪ ،‬حريص على نفسه من سخط الله في الدنيا‪،‬‬
‫ومن سوء العاقبة والعذاب الليم في الخرة!!!‬
‫(أفل يتدبرون القرآن أم على قلوب أقفالها!!) محمد‪2 :‬‬
‫فلنولينك قبلة ترضاها‪:‬‬
‫يقول تعالى في كتابه العزيز(قد نري تقلب وجهك في السماء‬
‫فلنولينك قبلة ترضاها فول وجهك شطر المسجد الحرام وحيثما‬
‫كنتم فولوا وجوهكم شطره وإن الذين أوتوا الكتاب ليعلمون أنه‬
‫الحق من ربهم وما الله بغافل عما يعملون)‪[ .‬البقرة‪.]144:‬‬
‫كان النبي –صلى الله عليه وسلم‪ -‬يقلب وجهه في السماء‪،‬‬
‫ويستحي أن يسأل ربه أن يغير القبلة التي يسجد هو والمسلمون‬
‫إليها وهي المسجد القصى لكي تصبح إلى المسجد الحرام‪،‬‬
‫فأنعم الله عليه وعلى أمته بأن جعل لهم قبلة مستقلة عن باقي‬
‫المم؛ فقبلة اليهود والنصارى هي المسجد القصى‪ ،‬وكان‬
‫المسلمون في البداية يتبعونهم في ذلك‪ ،‬إلى أن أمر الله رسوله‬
‫الكريم –صلى الله عليه وسلم‪-‬بتغيير القبلة إلى المسجد‬
‫الحرام‪..‬‬
‫ولكن هل أخبر الكتاب المقدس بأن القبلة سوف تتغير من‬
‫القدس(أورشليم) إلي مكان آخر؟‬
‫ورد في إنجيل يوحنا الصحاح ‪ 4‬الفقرة ‪:21 ،20 ،19‬‬

‫‪180‬‬
‫‪ 19 :4‬قالت له المرأة يا سيد أرى أنك نبي‪.‬‬
‫‪ 20 :4‬آباؤنا سجدوا في هذا الجبل وأنتم تقولون أن في أورشليم‬
‫الموضع الذي ينبغي أن يسجد فيه‪.‬‬
‫‪ 21 :4‬قال لها يسوع يا امرأة صدقيني أنه تأتي ساعة ل في هذا‬
‫الجبل ول في أورشليم تسجدون للب‪.‬‬
‫وكلمة الب التي وردت في النص تعني الله‪ ،‬ولقد ورد ذكرها‬
‫كثيرا في الكتاب المقدس بمعنى الله‪ ،‬وكذلك لفظ أبناء الله ورد‬
‫بمعنى الصالحين والمؤمنين‪..‬‬
‫ومن أمثلة ذلك ما جاء في الكتاب المقدس‪(:‬أذهب إلى أبي‬
‫وأبيكم)‪.‬‬
‫(ول تسبوا أباكم الذي على الرض فإن أباكم الذي في السماء‬
‫وحده)‪.‬‬
‫(وقال الرب لموسى عندما تذهب لترجع إلى مصر… فتقول‬
‫لفرعون هكذا يقول الرب إسرائيل ابني البكر)‬
‫(أما كل الذين قبلوه فأعطاهم سلطانا أن يصيروا أولد الله أي‬
‫المؤمنون باسمه)‪.‬‬
‫(طوبى لصانعي السلم لنهم أبناء الله يدعون)…‬
‫والتين والزيتون وطور سينين‪:‬‬
‫يقسم الله تعالى في بداية سورة التين قائل‪(:‬والتين والزيتون‬
‫وطور سينين وهذا البلد المين لقد خلقنا النسان في أحسن‬
‫تقويم)‪.‬‬
‫وهذا القسم له دللته؛ فالتين والزيتون تشير إلى أرض فلسطين‬
‫أو بيت المقدس‪ ،‬وهو المكان الذي تلقى فيه المسيح عليه‬
‫السلم الرسالة من ربه‪ ،‬وطور سينين هو جبل الطور بسيناء‬
‫الذي كلم الله موسى عليه‪ ،‬والبلد المين هي مكة المكرمة‬
‫مهبط الوحي على رسول الله صلي الله عليه وسلم‪.‬‬
‫فهذه اليات الكريمة تشير إلى أماكن الرسالت الثلث‪ :‬اليهودية‬
‫والمسيحية والسلم‪ ،‬ولكن هل هناك ما يشير إلى تلك الماكن‬
‫الثلثة في الكتاب المقدس؟‬
‫لقد ورد في سفر التثنية الصحاح ‪ 33‬الفقرة ‪ 2‬على لسان موسى‬
‫عليه السلم وهو يخاطب قومه قبل موته‪ 2 :33( :‬فقال جاء الرب‬
‫من سيناء و أشرق لهم من سعير وتلل من جبال فاران و أتى‬
‫من ربوات القدس وعن يمينه نار شريعة لهم‪ ..‬فأحب الشعب‬
‫جميع قديسيه في يدك وهم جالسون عند قدمك يتقبلون من‬
‫أقوالك)‪.‬‬
‫وجاء الرب من سيناء‪ ،‬المقصود بها رسالة موسى عليه السلم‪،‬‬
‫وأشرق من ساعير‪ ،‬تشير إلى رسالة عيسى عليه السلم‬

‫‪181‬‬
‫وساعير هي منطقة جبلية بأرض فلسطين‪ ،‬وهي الرض التي‬
‫عاش فيها المسيح عليه السلم‪.‬‬
‫وتلل من جبال فاران المقصود بها إنزال الرسالة على النبي‬
‫محمد صلى الله عليه وسلم‪ ،-‬وفاران هي مكة المكرمة‪ ،‬وهى‬
‫نفس الرض التي عاش عليها إسماعيل عليه السلم‪:‬‬
‫(وكان ينمو رامي قوس وسكن في برية فاران) سفر التكوين‬
‫الصحاح ‪ 21‬الفقرة ‪.21‬‬
‫(ربنا إني أسكنت من ذريتي بواد غير ذي زرع عند بيتك المحرم)‬
‫إبراهيم‪37 :‬‬
‫ويدعى بعض أهل الكتاب أن فاران ليس لها علقة بمكة‪ ،‬وأن‬
‫فاران ل تطلق إل على مكان قريب من سيناء مر به موسى وبنو‬
‫إسرائيل بعد خروجهم من مصر‪ ،‬وبذلك فهم يحملون البشارة‬
‫كلها على موسى وبني إسرائيل مدعين أن النص يوضح تذكرة‬
‫موسى لقومه بالماكن التي مروا بها بعد خروجهم من مصر‪،‬‬
‫وأنه ل يشير أبدًا إلى رسالت سماوية‪ ..‬ولو كان كلمهم هذا‬
‫حا فلماذا يقول موسى‪ :‬جاء الله‪ ،‬وأشرق الله‪ ،‬وتلل الله‪،‬‬ ‫صحي ً‬
‫وهل فاران هذه القريبة من سيناء من الهمية بحيث يخبر موسى‬
‫أن الله قد تلل منها؟!‪ ،‬وتلل كما تعلمون أقوى من جاء وأشرق‪..‬‬
‫وإذا كانت فاران ليست إل برية قريبة من سيناء كما يقولون‪،‬‬
‫ومر بها بنو إسرائيل قبل مرورهم بساعير القريبة من فلسطين‪..‬‬
‫فكيف جاء الله إذن من سيناء ثم أشرق من ساعير قبل أن يتلل‬
‫من جبال فاران؟!!!‪ ..‬هل يعقل أن موسى وبنو إسرائيل قد مروا‬
‫بساعير في فلسطين قبل أن يمروا بمكان قرب سيناء أثناء‬
‫خروجهم من مصر إلى فلسطين؟!!(‪)2‬‬
‫وهذا الترتيب ل يمكن تحريفه أو تأويله؛ لن تلل إنما تأتي بعد‬
‫جاء وأشرق‪ ،‬وهذا ما سوف يؤكده أيضا النص النجليزي الذي‬
‫يقول‪(:‬وتلل فصاعدًا)‪..‬‬
‫ولماذا يذكر موسى قومه قبل موته بأمور يعلمونها وبأماكن قد‬
‫مروا بها؟!‪ ،‬ولماذا يخاطبهم بصيغة الغائب قائل(وأشرق لهم) ولم‬
‫يقل وأشرق لنا أو وأشرق لكم؟!!‬
‫والكتاب المقدس يشرح لنا في سفر الخروج ما حدث لبني‬
‫إسرائيل بعد خروجهم من مصر‪ ،‬ويحكي لنا أن الله قد تجلى‬
‫لبني إسرائيل من برية سين ثم تجلى لهم من جبل سيناء‬
‫وأوصاهم بالوصايا الشهيرة‪ ،‬وكل ما يحكيه الكتاب المقدس بعد‬
‫ذلك عن تجلي الله لبني إسرائيل هو تذكرة موسى لقومه بتجلي‬
‫الله لهم من سيناء والوصايا التي فرضها عليهم؛ فمن أين جاء‬
‫أهل الكتاب إذن أن الله قد تجلى لبني إسرائيل في برية فاران‬

‫‪182‬‬
‫شمال سيناء والكتاب المقدس نفسه بعهديه القديم والجديد ل‬
‫يخبر بذلك؟!!‬
‫ولنفرض أن ما يقولونه من أن فاران هو مكان بالقرب من سيناء‬
‫صواب‪ ،‬فإن هذا ل يمنع أن يكون اسم فاران يطلق أيضا على‬
‫مكة‪ ،‬لن إسماعيل عليه السلم إنما سكن في مكة ولم يسكن‬
‫في سيناء‪)3(.‬‬
‫ولو ادعى أهل الكتاب أن إسماعيل لم يسكن في مكة للزمهم‬
‫ضا إنكار أن إبراهيم وإسماعيل قد رفعا قواعد البيت الحرام‬ ‫أي ً‬
‫ضا إنكار قدسية البيت الحرام بمكة ونسبته إلى‬ ‫بمكة‪ ،‬وللزمهم أي ً‬
‫الله‪ ،‬فهل يجرءون على ذلك؟!!(‪)4‬‬
‫(وأتي من ربوات القدس عن يمينه نار شريعة لهم)‪:‬المقصود‬
‫بربوات القدس هو أعداد كثيرة من القديسين‪ ،‬ولقد استخدمت‬
‫كلمة ربوات في الكتاب المقدس لتدل على العدد الكثير‪ ،‬ويؤكد‬
‫هذا القول نفس النص ولكن في النسخة النجليزية (جاء الله من‬
‫سيناء وأشرق لهم من ساعير وتلل فصاعدًا من جبل فاران وأتى‬
‫مع عشرات اللف من القديسين من يده اليمنى فرض لهم‬
‫قانونًا ناريًا‪ ،‬فأحب الشعب جميع قديسيه في يدك وهم جالسون‬
‫عند قدمك يتقبلون من أقوالك)‪.‬‬
‫وعشرات اللف من القديسين هم عدد الصحابة الذين أيد الله‬
‫بهم رسوله ‪ -‬صلى الله عليه وسلم‪ -‬والذين بلغ عددهم في فتح‬
‫مكة عشرة آلف‪ ،‬وفي غزوة تبوك بلغوا ثلثين ألف مقاتل‪،‬‬
‫ووصل عددهم قبل وفاة الرسول‪ -‬صلى الله عليه وسلم‪ -‬إلى‬
‫نحو مائة وأربعون ألفًا من رجال السلم‪..‬‬
‫ويضيف النص النجليزي أيضا كلمة(فصاعدًا)‪ ،‬وكلمة فصاعدًا‬
‫ضا الستمرار؛ فهو قد تلل‬ ‫توضح الترتيب الزمني وتؤكد أي ً‬
‫فصاعدًا‪ ،‬وهذا ما ينطبق على رسالة النبي‪-‬صلى الله عليه‬
‫وسلم‪ ،-‬فهي كانت خاتم الرسالت‪ ،‬وهي التي ستستمر فصاعدًا‬
‫إلى أن يرث الله الرض ومن عليها‪..‬‬
‫كما أن إيضاح النص أن فاران هي أرض الطاعة والخلص لله‬
‫وأنها صاحبة النهاية السعيدة وذلك بقوله (فأحب الشعب جميع‬
‫قديسيه في يدك وهم جالسون عند قدمك يتقبلون من أقوالك) –‬
‫ينفي أن يكون المقصود بفاران في هذا النص هو برية شمال‬
‫سيناء؛ وذلك لن الكتاب المقدس والقرآن الكريم أيضا يقرران‬
‫أن الله قد سخط على بني إسرائيل في هذه الرحلة وحكم‬
‫عليهم بالتيه في الرض أربعين سنة‪(..‬قال فإنها محرمة عليهم‬
‫أربعين سنة يتيهون في الرض فل تأس على القوم الفاسقين)‬
‫المائدة‪26 :‬‬

‫‪183‬‬
‫ولكن هل وردت نصوص أخرى في الكتاب المقدس تخبر أن نبيًا‬
‫سيأتي من فاران؟‬
‫لقد جاء في سفر حبوق (أحد أنبياء بني إسرائيل) الصحاح ‪:3‬‬
‫‪ 2 :3‬يا رب قد سمعت خبرك فجزعت يا رب عملك في وسط‬
‫السنين أحييه‪ ..‬في وسط السنين عرف‪ ..‬في الغضب أذكر‬
‫الرحمة‪.‬‬
‫‪ 3:3‬الله جاء من تيمان والقدوس من جبل فاران‪ ،‬سله‪ ،‬جلله‬
‫غطى السماوات والرض امتلت من تسبيحه‪.‬‬
‫‪ 4 :3‬وكان لمعان كالنور له من يده شعاع وهناك استتار قدرته‪.‬‬
‫‪ 5 :3‬قدامه ذهب الوبا وعند رجليه خرجت الحمى‪.‬‬
‫‪ 6 :3‬وقف وقاس الرض نظر فرجف المم ودكت الجبال الدهرية‬
‫وخسفت آكام القدم مسالك الزل له‪.‬‬
‫‪ 7 :3‬رأيت خيام كوشان تحت بلية‪ ،‬رجفت شقق أرض مديان‬
‫(يقول قاموس الكتاب المقدس أن خيام كوشان هو إشارة‬
‫لقبائل كوش العربية‪ ،‬ومن المعلوم أنها قبائل كانت تستوطن‬
‫أثيوبيا وبلد النوبة وامتدت لتشمل أجزاء واسعة من الجزيرة‬
‫العربية‪ ،‬وأرض مديان كانت تقع في شمال الجزيرة العربية‪،‬‬
‫والفقرة كلها إشارة صريحة لجنوب وشمال الجزيرة)‪.‬‬
‫‪ 8 :3‬هل على النهار حمى يا رب‪ ،‬هل على النهار غضبك أو على‬
‫البحر سخطك‪ ،‬حتى أنك ركبت خيلك‪ ،‬مركباتك مركبات الخلص‪.‬‬
‫‪ 9 :3‬عريت قوسك تعرية‪ ،‬سباعيات سهام كلمتك‪ ،‬شققت الرض‬
‫أنهاًرا‬
‫‪ 10 :3‬أبصرتك ففزعت الجبال‪ ،‬سيل المياه طما‪ ،‬أعطت اللجة‬
‫صوتها‪ ،‬رفعت يديها إلى العلء‪.‬‬
‫‪ 11 :3‬الشمس والقمر وقفا في بروجهما‪ ،‬لنور سهامك الطائرة‪،‬‬
‫للمعان برق مجدك(للمعان برق رماحك في النسخة النجليزية)‪.‬‬
‫‪ 12 :3‬بغضب خطرت في الرض‪ ،‬بسخط دست المم(بسخط‬
‫دست الوثنيين في النسخة النجليزية) …‬
‫عندما يقرأ النص السابق أي شخص لن يتبادر إلى ذهنه سوى أن‬
‫هذا النص يتحدث عن الرسول الكريم – صلى الله عليه وسلم –‬
‫الذي أتى من فاران وهي مكة المكرمة‪ ..‬وأن تيمان التي وردت‬
‫في النص هي السم القديم لليمن‪ ،‬وهي إشارة واضحة إلى‬
‫جنوب الجزيرة العربية‪ ..‬وهذا ما قاله العلماء المسلمين الذين‬
‫تعرضوا قبل ذلك لهذه النبوءة‪ ،‬ورجحوا أن اليمن هي نفسها‬
‫تيمان‪ ،‬وذلك نظرا للتشابه اللفظي بينهما‪ ،‬ولن معنى كل منهما‬
‫هو الجنوب‪ ،‬وأيضا بسبب اقتران تيمان في النص بفاران الثابت‬
‫تاريخيا أنها هي مكة المكرمة والتي تقع شمال اليمن‪..‬‬

‫‪184‬‬
‫وبرغم أن النص يشتمل على صفات الرسول صلى الله عليه‬
‫وسلم والتي جمعت بين القوة الروحية التي يشير إليها النص‬
‫بقوله(جلله غطى السماوات والرض امتلت من تسبيحه)‪ ،‬وبين‬
‫القوة المادية التي يشير إليها باقي النص مثل الحديث عن سحق‬
‫أعداء الله والشارة إلى السهام الطائرة والرماح المتألقة‪،‬‬
‫والخيول‪ ،‬وسحق الوثنيين…‪ ،‬ومن المعلوم أن هذه الصفات لم‬
‫تكن إل لنبينا صلى الله عليه وسلم الذي كان رحمة للعالمين‬
‫وسيفًا على رقاب المشركين‪ ..‬برغم كل هذه الصفات أنكر أهل‬
‫الكتاب أن هذا النص يشير إلى الرسول صلى الله عليه‬
‫وسلم!!‪..‬ومع ذلك لم يستطيعوا أن يخبرونا من هو النبي الذي‬
‫يتحدث عنه النص السابق!!‪ ..‬ومع إنكارهم لن هذا النص يشير‬
‫ضا أن تيمان‬‫للرسول صلى الله عليه وسلم‪ ،‬فبالطبع أنكروا أي ً‬
‫هي اليمن‪ ،‬وأصروا على أن فاران ليست إل برية بين سيناء‬
‫وفلسطين وليس لها علقة بمكة المكرمة‪ ..‬وبذلك فهم يحاولون‬
‫إقناعنا بأن التقارب اللفظي بين اليمن وتيمان ليس إل(تشابه‬
‫أسماء)!!!‬
‫ولنترك الن ما يدعيه علماؤنا من المسلمين‪ ،‬وما يقوله علماء‬
‫أهل الكتاب من النصارى‪ ،‬ونتعرف بطريقة حيادية تماما على‬
‫تيمان المذكورة في النص السابق‪..‬‬
‫يقول قاموس الكتاب المقدس في تعليقه على تيمان‪(:‬هي مكان‬
‫يقع جنوب إدوم)‪..‬‬
‫ولكن ما هي إدوم؟‬
‫يقول معجم الطرق القديمة(إنشنت تراد روتس)تحت عنوان‬
‫إمبراطوريات(إمبيرز)‪:‬‬
‫(إدوم بدأت من النهاية الجنوبية للبحر الميت إلى مساحات من‬
‫الصحراء العربية إلى الشرق‪ ،‬ومن هذا الخط امتدت إدوم‬
‫لتشمل كل الراضي جنوب البحر الحمر والراضي على طول‬
‫الساحل الشرقي للبحر الحمر‪..‬والجزء الجنوبي من إدوم كان‬
‫عبارة عن أرض صحراوية ممتدة واشتملت إدوم على جزء من‬
‫طريق البخور يمتد جنوبًا إلى شيبا والتي تمثل منطقة اليمن‬
‫حاليًا)‪.‬‬
‫وتيمان التي يقول قاموس الكتاب المقدس أنها تقع جنوب إدوم‬
‫معناها في جميع المعاجم الخاصة بأصول ومعاني الكلمات هو‪:‬‬
‫الجنوب‪.‬‬
‫وإذا كانت تيمان تقع جنوب إدوم كما يقول قاموس الكتاب‬
‫المقدس‪ ،‬واليمن تقع جنوب إدوم كما يقول معجم الطرق‬

‫‪185‬‬
‫القديمة‪ ،‬والمعنى العبري لتيمان واليمن هو الجنوب؛ فإن ما‬
‫سنستنتجه بداهة هو أن تيمان هي نفسها اليمن‪.‬‬
‫هذا ما قاله معجم الطرق القديمة وقاموس الكتاب المقدس‪،‬‬
‫ما فإن كل‬‫واستنتجنا منه أن تيمان هي نفسها اليمن‪ ..‬عمو ً‬
‫المصادر التي عثرنا عليها تتحدث مباشرة عن تيمان قد أراحتنا‬
‫من عناء هذا الستنتاج!!‪ ..‬فماذا قالت؟!‬
‫تحكي الموسوعة اليهودية(جويش إنسيكلوبيديا) عن رحالة يهودي‬
‫شهير فتقول‪( :‬كارازو ديفيد صمويل رحالة يهودي ولد في‬
‫سالونيكا بتركيا‪ ،‬وقام برحلة إلى اليمن بالجزيرة العربية سنة‬
‫‪ ،1874‬ودرس حالة اليهود في تلك المنطقة ودونها في مؤلف‬
‫أسماه ذيكرون تيمان‪،‬رحلتي إلى اليمن)‬
‫ويقول موقع يهودي يسمى موقع الموسوعة اليهودية‬
‫ويكيبديا‪(:‬اليهود اليمنيون يسمون بالعبرية التيمانيون وهم اليهود‬
‫الذين يعيشون الن في اليمن والتي تسمى في العبرية تيمان‬
‫وهي أمة تقع في جنوب شبه الجزيرة العربية‪ ،‬وهم ينتمون إلى‬
‫طائفة اليهود المزراحية)‪.‬‬
‫ويقول موقع يهودي آخر يسمى مؤسسة مانفريد ليهمان عن‬
‫يهود اليمن‪(:‬أي شخص يتاح له مقابلة أحد يهود اليمن سوف‬
‫يندهش من التواضع والنقاء والتقوى التي تصبغه(!) وجذور يهود‬
‫اليمن – تيمان بالعبرية – تبدأ من بداية تاريخنا‪ .‬فبجانب الذي ذكر‬
‫في التوراة العبرانية‪(:‬أليفاز صديق يعقوب كان من تيمان وكثير‬
‫ضا أن ملكة‬ ‫من النبياء قد تحدثوا عن تيمان)‪ ،‬فلقد قيل أي ً‬
‫شيبا(سبأ) قد سمعت عن الملك سولومون(سليمان) من خلل‬
‫اليهود في اليمن والتي تقع بجوار مملكة شيبا)‪.‬‬
‫ويحكي لنا موقع يهودي آخر يسمى أيريديس إنسيكلوبديا عن‬
‫تاريخ يهود اليمن‪(:‬واحد من أفضل علماء اليهود في اليمن وهو‬
‫يعقوب الفيومي قد كتب خطابًا يستشير فيه رابي موشي ابن‬
‫ميمون والمعروف بميمونيديس فقام بالرد عليه في خطاب‬
‫عنوانه إيجريت تيمان‪-‬مكتوب اليمن‪-‬وهذا الخطاب كان له تأثير‬
‫هائل على يهود اليمن)‪.‬‬
‫فإذا كانت اليمن هي نفسها تيمان(كما أثبتنا بما ل يدع بعد ذلك‬
‫ضا على مكة‪..‬‬ ‫مجال ً للشك)‪ ..‬فإن ذلك يجزم بأن فاران تطلق أي ً‬
‫وأعتقد أنه من السخف أن يقال أن المقصود بفاران في نص‬
‫حبوق هو برية بين سيناء وفلسطين!!‬
‫فهل خرج نبي من ذلك المكان امتلت من تسبيحه الرض ونظر‬
‫فرجفت المم؟!!‬
‫وهل خرج من هذا المكان نبي أصل؟!!‬

‫‪186‬‬
‫إذن فليخبرنا أهل الكتاب من هو ذلك النبي العظيم الذي يخبرنا‬
‫النص أنه جاء من فاران حتى أنه يصفه بالقدوس؟!!‬
‫ولكن هل يقول أهل الكتاب أن لفظ القدوس هنا يقصد به‬
‫نبي؟!!‬
‫إنهم يلجأون إلى حيلة عجيبة حتى ل تحمل النبوءة على النبي‪-‬‬
‫صلى الله عليه وسلم‪ ،-‬ويخبروننا أن المقصود بالقدوس هنا هو‬
‫الله نفسه!!‪ ،‬وأن هذا اللفظ ل يمكن إطلقه على نبي!!‪.‬‬
‫فلنضع إذن لفظ الجللة مكان كلمة القدوس‪..‬‬
‫إن الجملة ستصير هكذا‪:‬‬
‫(الله جاء من تيمان والله من جبل فاران)!!!!‬
‫هل هذا يصدق؟!!‪ ،‬هل يرضى بهذا عاقل؟!!‬
‫ومع ذلك فالكتاب المقدس يحفل باستخدام ألفاظ تخص الله عز‬
‫وجل وفى نفس الوقت يوصف بها أنبياؤه‪:‬‬
‫(الرب كالجبار يخرج كرجل حروب)أشعياء ‪13 :42‬‬
‫(فقال الرب لموسى انظر أنا جعلتك إلها لفرعون وهرون أخوك‬
‫يكون نبيك) سفر الخروج ‪7:1‬‬
‫(وحسدوا موسى في المحلة وهرون قدوس الرب)المزامير ‪:106‬‬
‫‪16‬‬
‫وإذا كانت تيمان تشير إلى مكان جنوب إدوم كما يقول قاموس‬
‫الكتاب المقدس نفسه‪ ،‬ومعناها في جميع المعاجم العربية‬
‫والجنبية والعبرية هو الجنوب‪ ،‬ول يختلف يهودي وآخر في العالم‬
‫كله على أنها السم القديم لليمن؛ فما علقتها إذن بفاران التي‬
‫تقع بين سيناء وفلسطين؟!!!‬
‫وليخبرنا الذين يدعون بأن القدوس هنا تشير إلى الله‪ ،‬وتيمان‬
‫ليست هي اليمن‪ ،‬وفاران ل تشير إل لرض بين سيناء‬
‫وفلسطين؛ لماذا يأت الله من تلك الفاران بالذات؛ وهي مكان‬
‫لم يقم فيه رسالة‪ ،‬ولم يبعث منه نبيًا؛ لكي يتلل منه فصاعدًا‪ ،‬ثم‬
‫ضا لتمتليء السماء من بهائه‪ ،‬والرض‬ ‫يخرج من نفس المكان أي ً‬
‫من تسبيحه‪ ،‬ويقف فيقيس الرض‪ ،‬وينظر فترجف المم‪ ،‬وتدك‬
‫الجبال الدهرية؟!!‬
‫لبد أن تكون تلك الفاران إذن ذات أمر عظيم!!‬
‫وهى حتما لن تكون كذلك إل إذا كانت مهبط الوحي الخير‪،‬‬
‫ومولد النبي الخاتم‪ ،‬ومركز الدعوة الكاملة!!‬
‫فمن هو إذن ذلك القدوس أو النبي العظيم الذي أتى من فاران‪،‬‬
‫وغطى بهاؤه السماوات‪ ،‬وامتلت الرض من تسبيحه؟‪ ،‬وقطعًا‬
‫هو ليس موسى الكليم‪ ،‬ول عيسى المسيح‪ ،‬ول أي واحد من‬
‫أنبياء بني إسرائيل؛ فلم يدع أحد أن فاران قد بعث فيها نبي من‬

‫‪187‬‬
‫ وربما كان تغيير مكان الوحي من الشام إلى بلد‬،‫بني إسرائيل‬
‫العرب وخروج النبوة من بيت إسرائيل هو السبب في جزع‬
‫حبوق أحد أنبياء بني إسرائيل عندما سمع الخبر(يا رب قد‬
‫ الله جاء من تيمان والقدوس من جبل‬...‫سمعت خبرك فجزعت‬
.)‫فاران‬
‫ ووقف فقاس‬،‫من يكون إذن ذلك القدوس الذي جاء من فاران‬
‫ ونظر فرجفت المم فسقطت‬،‫الرض فامتلت الرض من أتباعه‬
‫تحت رسالته الشعوب والممالك – غير إمام النبياء وخاتم‬
‫ صاحب اللواء المعقود‬،‫ مهجة القلب وقرة العين‬،‫المرسلين‬
‫ صلى الله عليه‬-‫محمد‬- ‫والحوض المورود والمقام المحمود‬
.‫ ورسوله‬،)‫(عبد الله‬،‫وسلم‬
‫ومثلك لم تر قط عيـني وأجمل منك لم تلد النساء‬
‫كأنك قد خلقت كما تشاء‬ ‫ولدت مبرئا من كل عيب‬
‫نسخة مما ذكره معجم الطرق القديمة عن مملكة إدوم‬
http://www.ancientroute.com/empire/edom.htm

CARASSO, DAVID SAMUEL


Jewish traveler; born at Salonica, Turkey. On the occasion of a business trip to Yemen,
Arabia, in 1874, he studied the situation of the Jews of that region, and published an
account of his travels in a volume written in Judæo-Spanish, entitled "Zikron Teman ó
"el Viage en el Yémen

‫نسخة مما ذكره موقع الموسوعة اليهودية جويش إنسيكلوبيديا‬


http://www.jewishencyclopedia.com/view.jsp?artid=141&letter=C
One of Yemen's most respected Jewish scholars, Jacob ben Nathanael al- …
Fayyumi, wrote for counsel to Rabbi Moshe ben Maimon, better known as
Maimonides. Maimonides replied in a epistle entitled Iggeret Teman(The Yemen
Epistle). This letter made a tremendous impression on Yemenite Jewry
‫نسخة من بعض ما ذكره موقع موسوعة أيريدس عن تيمان‬
http://www.iridis.com/Teimani
Yemenite Jews
Yemenite Jews, Standard Hebrew Temani, Tiberian Hebrew Têmānî; plural, Standard
Hebrew Temanim, Tiberian Hebrew Têmānîm) are those Jews who live, or whose
recent ancestors lived, in Yemen "far south", Standard Hebrew Teman, Tiberian
Hebrew Têmān), a nation on the southern tip of the Arabian peninsula. They are
.considered to be a subdivision of Mizrahi Jews
‫نسخة مما ذكره موقع الموسوعة اليهودية ويكيبيديا‬
http://en.wikipedia.org/wiki/Jews_in_Yemen
Anyone who has been privileged to meet a Yemenite Jew will have been impressed
with the refinement, modesty and piety which are the Yemenite hallmarks. The roots
of the Jews in Yemen—Teman in Hebrew—start at the dawn of our history. Besides
being mentioned in the Tanach(Job's friend Elifaz came from Teman, and many of the

188
‫‪Prophets speak of Teman), the Queen of Sheba is said to have heard about King‬‬
‫‪Solomon from Jews in Yemen, located next to the kingdom of Sheba‬‬
‫نسخة مما ذكره موقع مؤسسة مانفريد ليهمان‬
‫‪http://www.manfredlehmann.com/sieg282.html‬‬
‫نسخة مما ذكره معجم البلدان عن فاران في باب حرف الفاء‬
‫ومبشًرا برسول يأتي من بعدي‪:‬‬
‫يقول الله تعالى في كتابه الكريم‪( :‬وإذ قال عيسى ابن مريم يا‬
‫بني إسرائيل إني رسول الله إليكم مصدقًا لما بين يدي من‬
‫را برسول يأتي من بعدى اسمه أحمد)‪ .‬الصف‪6:‬‬ ‫التوراة ومبش ً‬
‫والنبي محمد – صلى الله عليه وسلم‪ -‬هو النبي الوحيد الذي‬
‫أرسل بعد عيسى عليه السلم‪ ،‬ول يعترف النصارى بأن هناك نبي‬
‫أتى من بعد عيسى عليه السلم‪.‬‬
‫ونحن الن بصدد إثبات أن عيسى المسيح عليه السلم قد بشر‬
‫برسول سوف يأتي من بعده‪ ،‬وسيكون ذلك أيضا من بين نصوص‬
‫الكتاب المقدس‪.‬‬
‫ورد في إنجيل يوحنا الصحاح ‪ 16‬الفقرة من ‪ 7‬إلى ‪13‬على لسان‬
‫المسيح عليه السلم وهو يخاطب تلميذه قبل أن يرحل‪:‬‬
‫(لكني أقول لكم الحق انه خير لكم أن أنطلق لنه إن لم أنطلق‬
‫ل يأتيكم المعزي)‪.‬‬
‫والمعّزي اسم فاعل من الفعل عّزى وفعله المضارع يعّزي‬
‫ومعناها كما ورد في قاموس الكتاب المقدس‪ :‬المحامي أو‬
‫المدافع أو الشفيع‪.‬‬
‫ثم يواصل المسيح عليه السلم الحديث عن ذلك المعزى قائل‪:‬‬
‫(إن لي أمورا كثيرة أيضا لقول لكم ولكن ل تستطيعون أن‬
‫تحتملوا الن‪ ،‬وأما متى جاء ذاك روح الحق فهو يرشدكم إلى‬
‫جميع الحق لنه ل يتكلم من نفسه بل كل ما يسمع يتكلم به‬
‫ويخبركم بأمور آتية)‪.‬‬
‫فهو ذا المسيح عليه السلم يخبر تلميذه قبل أن يرحل مباشرة‬
‫بأنه لم يقل لهم كل شئ‪ ،‬وأن الذي منعه من ذلك أنهم ل‬
‫يستطيعون احتمال هذه المور في هذا الوقت‪ ،‬وهذا إعلن صريح‬
‫من المسيح عليه السلم بأن الشريعة لم تكتمل بعد‪ ،‬وأن ذلك‬
‫المعزى هو الذي سيكملها من بعده(وأما متى جاء ذاك روح الحق‬
‫فهو يرشدكم إلى جميع الحق)‪.‬‬
‫فمن هو هذا المعزى أو روح الحق الذي بشر به المسيح عليه‬
‫السلم؟‬
‫إن المسيح يقول‪:‬‬
‫إن ذلك المعزى أو روح الحق ل يأتي إل بعد ذهابه(إن لم أنطلق‬
‫ل يأتيكم المعزى)‪.‬‬

‫‪189‬‬
‫والمسيح عليه السلم يقر بأن ذلك المعزى هو خير منه‪ ،‬ولذلك‬
‫قال لتلميذه(خير لكم أن أنطلق)‪ ،‬وكلمة خير أفعل تفضيل‬
‫بمعنى أفضل‪.‬‬
‫والمسيح يقول أيضا عن هذا المعزى أنه (يخبركم بأمور آتية)‪.‬‬
‫وهذه الصفات تنطبق علي النبي – صلى الله عليه وسلم‪ ،-‬فلقد‬
‫أخبرنا بأمور غيبية كثيرة‪ ،‬سواء عن الدنيا وما سيحدث فيها بعد‬
‫وفاته… أو عن الخرة وما بها من بعث وحساب وجنة ونار …‬
‫ويقول المسيح عن ذلك المعزي أيضا(يرشدكم إلى جميع الحق)‬
‫وهذا ل ينطبق إل على رسول السلم – صلى الله عليه وسلم ‪،-‬‬
‫فهو الذي أرشد الناس إلى جميع الحق؛ فعرف الناس بربهم‬
‫الواحد‪ ،‬وأزال الوهام التي استعبدت عقول الناس من عبادة غير‬
‫الله تارة‪ ،‬والشراك به تارة أخرى‪ ،‬وعلم النسان غاية وجوده‬
‫ودوره في الحياة‪ ،‬وبين العلقة السليمة بين المخلوق وخالقه‪،‬‬
‫ضا‪ ،‬ووضح أصول التشريعات التي فرضها‬ ‫وبين الناس بعضهم بع ً‬
‫الله لعبيده ليصلح بها بنو البشر ويستقيم بها أمرهم في كل زمان‬
‫ومكان‪ ..‬ولذلك يخاطب الله نبيه في قرآنه قائلً‪(:‬ونزلنا عليك‬
‫الكتاب تبيانا لكل شيء وهدى ورحمة وبشرى للمسلمين) النحل‪:‬‬
‫‪89‬‬
‫والمسيح عليه السلم يقول(لنه ل يتكلم من نفسه بل كل ما‬
‫يسمع يتكلم به)‪ ،‬وهذا ينطبق على الرسول الكريم‪-‬صلى الله‬
‫عليه وسلم‪ -‬الذي قال الله سبحانه وتعالى عنه‪(:‬وما ينطق عن‬
‫الهوى‪ ،‬إن هو إل وحي يوحى)النجم ‪.4 ،3‬‬
‫من هو إذن ذلك المعزي الذي بشر به المسيح؟‬
‫وهل أتي نبي بعد المسيح إل محمد – صلى الله عليه وسلم‪-‬؟!‬
‫فتعين أن يكون ذلك المعزي أو روح الحق تبشيًرا بمحمد – صلى‬
‫الله عليه وسلم‪-‬؛ إذ فيه تجتمع كل الوصاف كما يتحقق فيه‬
‫معني الفضلية إذ هو خاتم النبيين الذي جاء بشريعة عامة خالدة‪.‬‬
‫ولكن ماذا يقول النصارى عن ذلك المعزي أو روح الحق؟‬
‫إنهم يقولون أن هذا المعزي ليس بشًرا إنما هو روح‪ ،‬روح تدخل‬
‫في نفوس المؤمنين لتزيدهم إيمانًا وهي الروح القدس ‪ -‬أحد‬
‫أقانيم الثالوث المقدس عندهم!!‬
‫حا وليس بشًرا؛ فلماذا اشترط المسيح‬‫وإذا كان المقصود رو ً‬
‫إتيانها برحيله؟!‬
‫وهل هذه الروح أفضل عندهم من المسيح حتى يقول من الخير‬
‫لكم أن أنطلق لنه إن لم أنطلق ل يأتيكم المعزي؟!‬
‫وهل هذه الروح تتكلم بما تسمع ول تتكلم من نفسها؟!‬
‫وهل تخبر بأمور آتية؟!‬

‫‪190‬‬
‫وكيف تكون الروح القدس ل تتكلم من نفسها بل تحتاج إلى أن‬
‫تسمع ما ستتكلم به؟!‪ ،‬أليست إلها كما يدعون؟!!‪ ،‬كيف يكون‬
‫إلها من ل يتكلم من نفسه؟!!‬
‫إننا نحن المسلمين نزعم أن المسيح عليه السلم بقوله‪( :‬إن لي‬
‫أمورا كثيرة أيضا لقول لكم ولكن ل تستطيعون أن تحتملوا الن‬
‫وأما متى جاء ذاك روح الحق هو يرشدكم إلى جميع الحق) إنما‬
‫يقصد بذلك أنهم غير مهيئين لتلقى جميع الحق واحتمال التشريع‬
‫الكامل‪ ،‬وأن النبي الذي سيبعث بعده سوف يقوم بتلك المهمة‬
‫جا‪ ،‬والبشرية مهيأة لتلقى‬‫عندما يكون العقل البشرى أكثر نض ً‬
‫تعاليم الشريعة الجامعة‪ ..‬فليخبرنا إذن الذين يقولون أن المعزى‬
‫هو الروح القدس‪ :‬ما هي علقة الروح القدس التي تمل نفوس‬
‫المؤمنين بالمور التي يريد أن يقولها المسيح ولكن منعه من‬
‫قولها أنهم ل يستطيعون تحملها في ذلك الوقت؟!!!‪.‬‬
‫وهم يقولون أن الروح القدس قد جاءت وحلت في تلميذ‬
‫المسيح بعد عشرة أيام من رحيله‪ ،‬فهل كانت هذه مدة كافية‬
‫حتى يتهيئوا للمور التي كان يريد المسيح أن يخبرهم بها ولكن‬
‫منعه من قولها عدم قدرتهم على احتمالها قبل عشرة أيام؟!!‬
‫كما أن الروح القدس التي يدعون أنها المقصودة بالمعزى كانت‬
‫موجودة قبل أن يرحل المسيح تساعده وتؤيده؟ فلماذا يقول‬
‫المسيح إذن إن لم أنطلق ل يأتيكم؟!!‬
‫هل هناك أدنى شك الن أن الذي يتحدث عنه المسيح بشرا‬
‫وليس روحا؟!‬
‫وإذا كان بشًرا فمن يكون غير محمد – صلى الله عليه وسلم‪-‬‬
‫الذي جاء بعد عيسى عليه السلم ولم يأت بعده نبي غيره!!‪.‬‬
‫ولكن كيف وردت كلمة المعزي الموجودة في الطبعات الحديثة‬
‫في الطبعات القديمة؟‬
‫لقد ورد بدل منها كلمة الفارقليط‪ ،‬ول أحد ينكر من القساوسة‬
‫أن كلمة الفارقليط هي أصل كلمة المعزي‪ ،‬ولو فتحنا أي‬
‫قاموس للكتاب المقدس لوجدنا كلمة الفارقليط هي الصل؛‬
‫ففيم الخلف إذن؟!‬
‫إن كلمة الفارقليط مشتقة من أحد كلمتين يونانيتين وهما‬
‫بيركليتوس وباراكليتوس‪.‬‬
‫الكلمة الولى معناها الذي يحمد أو محمد أو أحمد‪ ،‬والثانية‬
‫معناها المعزي كما ورد في النص‪.‬‬
‫ويصر الرهبان من النصارى أن الباراكليتوس هي أصل‬
‫الفارقليط‪ ،‬بينما يقول علماؤنا من المسلمين أن البيركليتوس هو‬

‫‪191‬‬
‫أصل الكلمة وأنها قد حرفت إلى الباراكليتوس لكي ل تحمل‬
‫النبوءة على النبي صلى الله عليه وسلم…‬
‫والواقع هو أن الفصل في هذا الخلف غير ممكن‪ ،‬والقطع بأن‬
‫أصل الكلمة هو الباراكليتوس أو البيركليتوس أمر محال!!‪ ،‬وذلك‬
‫لننا في هذه الحالة نحتاج لن نسمع الكلمة كما قالها المسيح‬
‫عليه السلم بنفسه!!‪ ..‬فلننتظر إذن يوما سيفصل الله فيه بين‬
‫المختلفين‪ ..‬وهو يوم ل يختلف أحد الفريقين على مجيئه‪ ..‬وهو‬
‫في نظرنا قريب قريب مهما انتظرناه‪ ..‬لن رسول الله‪-‬صلى‬
‫الله عليه وسلم‪-‬يقول‪((:‬أل إن كل ما آت قريب‪ ،‬وإنما البعيد ما‬
‫ليس بآت))!فانتظروا‪.‬وا‪ ..‬إنا منتظرون!!‬
‫وبعيدا عن ذلك الخلف بين الباراكليتوس والبيركليتوس!!‪ ،‬فإنه‬
‫يكفينا ما أثبتناه‪ ،‬وهو تبشير المسيح عليه السلم برسول سوف‬
‫يأتي من بعده‪ ،‬وهو لن يكون أي واحد سوى رسول السلم صلى‬
‫الله عليه وسلم‪)5(.‬‬
‫وإذا كان النبي –صلى الله عليه وسلم – يقول عن نفسه(أنا‬
‫خاتم النبيين)‪ ،‬ويقول(ل نبي بعدي)‪ ،‬ويقول الله عنه في قرآنه‬
‫(ولكن رسول الله وخاتم النبيين)‪..‬؛ فهل أخبر المسيح عليه‬
‫السلم عن نفسه أنه قد ختم النبوة؟!‬
‫دعونا نقرأ ما جاء في إنجيل متى الصحاح ‪:15-7‬‬
‫(احترزوا النبياء الدجالين الذين يأتون إليكم لبسين ثياب‬
‫الحملن ولكنهم من الداخل ذئاب خاطفة‪ ،‬من ثمارهم تعرفونهم‪،‬‬
‫هل يجنى من الشوك عنب أو من العليق تين؟ هكذا كل شجرة‬
‫جيدة تثمر ثمًرا جيدًا‪،‬أما الشجرة الرديئة فإنها تثمر ثمًرا رديئًا‪ ،‬ل‬
‫يمكن أن تثمر الشجرة الجيدة ثمًرا رديئًا‪ ،‬ول الثمرة الرديئة ثمًرا‬
‫جيدًا‪ ،‬وكل شجرة ل تثمر ثمًرا جيدًا تقطع وتطرح في النار‪،‬إذن‬
‫من ثمارهم تعرفونهم)‪.‬‬
‫والمسيح عليه السلم بهذه الكلمات الرائعة يبين لتلميذه كيف‬
‫يفرق بين النبي الصادق والنبي الكاذب‪ ،‬ومجرد وضع ذلك‬
‫المقياس بين النبي الصادق والنبي الكاذب يعتبر دليل ً على‬
‫إمكانية بعث نبي آخر بعد المسيح عليه السلم‪ ،‬ولو كان المسيح‬
‫هو آخر النبياء لكفاه أن يقول‪(:‬أنا آخر النبياء فل تتبعوا أحدًا يأتي‬
‫بعدى)‪.‬‬
‫وإني لهيب بجميع أهل الكتاب أن ينظروا إلى الثمرة التي‬
‫أخرجها محمد‪-‬صلى الله عليه وسلم‪:-‬‬
‫لقد أخرج أجيال تعبد الله وتوحده‪ ،‬وتسبح بحمده‪ ،‬وتحترم‬
‫وصاياه‪ ،‬وتؤمن بكتبه‪ ،‬وتوقر جميع أنبيائه وتعلى من قدرهم‪.‬‬

‫‪192‬‬
‫أخرج محمد أجيال ً تأمر بالمعروف‪ ،‬وتنهى عن المنكر‪ ،‬وتحل‬
‫الحلل‪ ،‬وتحرم الحرام‪ ،‬وتنهى عن الفواحش ما ظهر منها وما‬
‫بطن‪..‬‬
‫فها هم المسلمون ألف مليون من البشر؛ هم أقل أهل الرض‬
‫ارتكابًا للزنى الذي قبحه الله ومحمد والمسيح‪ ،‬وأقل أهلها شربًا‬
‫للخمر الذي نهى عنه الله ومحمد والمسيح‪ ،‬وأكثر أهل الرض‬
‫إتباع ًا لوصايا الله ومحمد والمسيح!!‬
‫وهذا أمر ل ينكره إل جاحد‪ ،‬ول يستغربه إل حاقد…‬
‫وذاك هو حالهم في وقت ضعفهم وذلتهم‪ ،‬فما بالكم بهم في عهد‬
‫عزهم وقوتهم؟!!‬
‫تلك هي الثمرة…فهل عرفتموها؟!‬
‫ولو عرفتموها…فهل صدقتم مخرجها؟!!‬
‫ولو صدقتموه…فهل أطعتم المسيح واتبعتموه؟!!!!!‬
‫الديار التي سكنها قيدار لتترنم سكان سالع‬
‫قيدار هو الجد الكبر لقبائل مكة‪ ،‬وهو من أبناء إسماعيل عليه‬
‫السلم كما تخبرنا المصادر التاريخية‪ ،‬وكما يخبرنا أيضا الكتاب‬
‫المقدس في سفر التكوين الصحاح ‪ 25‬الفقرة ‪:13‬‬
‫(وهذه أسماء بني إسماعيل بأسمائهم حسب مواليدهم‪ :‬نبايوت‬
‫بكر إسماعيل وقيدار وأدبائيل ومبسام……)‪.‬‬
‫وقيدار بن إسماعيل ينسب له العرب المستعربة‪ ،‬والتي تسمى‬
‫أيضا بالعرب العدنانية نسبة إلى عدنان الذي انحدر من صلب‬
‫قيدار بن إسماعيل عليه السلم‪.‬‬
‫والديار التي سكنها قيدار هي الديار التي سكنها إسماعيل‪ ،‬وهي‬
‫الديار التي سكنها النبي – صلى الله عليه وسلم‪ ،-‬وهى مكة‬
‫المكرمة‪..‬‬
‫ورد في كتاب قلب جزيرة العرب‪(:‬ولى إسماعيل عليه السلم‬
‫زعامة مكة وولية البيت طوال حياته‪ ،‬ثم ولى اثنان من أبنائه‪:‬‬
‫نابت ثم قيدار‪ ،‬ويقال العكس)‪.‬‬
‫وورد في كتاب الرحيق المختوم في حديثه عن نسب النبي‪-‬صلى‬
‫الله عليه وسلم‪ -‬وقبائل مكة إلى قيدار بن إسماعيل‪(:‬وقد رزق‬
‫الله إسماعيل اثني عشر ولدا ذكرا وهم‪ :‬نابت أو بنايوط وقيدار‬
‫وأدبائيل ومبشام ومشماع ودوما وميشا وحدد ويتما ويطور‬
‫ونفيس وقيدمان‪ ،‬وتشعبت من هؤلء اثنتا عشرة قبيلة‪ ،‬وانتشرت‬
‫هذه القبائل فى أرجاء الجزيرة بل وإلى خارجها‪ ،‬ثم أدرجت‬
‫أحوالهم في غياهب الزمان إل أولد نابت وقيدار‪.‬‬
‫وقد ازدهرت حضارة النباط –أبناء نابت‪ -‬في شمال الحجاز‬
‫وكونوا حكومة قوية ولم يكن يستطيع مناوأتهم أحد حتى جاء‬

‫‪193‬‬
‫الرومان فقضوا عليهم‪ ،‬وأما قيدار بن إسماعيل فلم يزل أبناؤه‬
‫بمكة يتناسلون هناك حتى كان منه عدنان وولده معد‪.‬‬
‫وقد تفرقت بطون معد من ولده نزار إلى أربعة قبائل عظيمة‪:‬‬
‫إياد وأنمار وربيعة ومضر‪ ،‬وهذان الخيران هما اللذين كثرت‬
‫بطونهما فكان من ربيعة‪ :‬أسد بن ربيعة وعنزة وعبد القيس وابنا‬
‫وائل‪-‬بكر‪ -‬وتغلب وحنيفة وغيرها‬
‫وتشعبت قبائل مضر إلى شعبتين عظيمتين‪ :‬قيس بن عيلن بن‬
‫مضر وبطون إلياس بن مضر‪ .‬فمن قيس عيلن‪ :‬بنو سليم وبنو‬
‫هوازن وبنو غطفان‪ ،‬ومن إلياس بن مضر‪ :‬تميم بن مرة وهذيل‬
‫بن مدركة وبنو أسد بن خزيمة وبطون كنانة بن خزيمة‪ ،‬ومن‬
‫كنانة‪ :‬قريش‪ ،‬وهم أولد فهر بن مالك بن النضر بن كنانة‪.‬‬
‫وانقسمت قريش إلى قبائل شتى من أشهرها بطون قصي بن‬
‫كلب وهى عبد الدار بن قصي وأسد بن عبد العزى بن قصي‬
‫وعبد مناف بن قصي‪.‬‬
‫وكان من عبد مناف أربع فصائل‪:‬عبد شمس ونوفل والمطلب‬
‫وهاشم وبيت هاشم هو الذي اصطفى الله منه سيدنا محمد بن‬
‫عبد الله بن هاشم صلى الله عليه وسلم)‪.‬‬
‫هذا هو قيدار بن إسماعيل الذي انحدرت منه القبائل التي سكنت‬
‫مكة‪ ،‬ول تزال تسكنها حتى الن‪ ،‬ولكن ما هي سالع؟‬
‫سالع هي جبل سلع بالمدينة المنورة‪ ،‬وهو جبل يقع غرب‬
‫المسجد النبوي علي بعد ‪ 500‬متر تقريبًا من سوره الغربي‪ ،‬يبلغ‬
‫عرضه ما بين ‪ 300‬إلي ‪ 800‬متًرا‪ ،‬وارتفاعه ‪ 80‬متًرا‪ ،‬ولهذا الجبل‬
‫أهمية تاريخية فلقد وقعت علي سفوحه أو بالقرب منه عدة‬
‫أحداث هامة أهمها غزوة الخندق التي تجمع فيها المشركون في‬
‫جهته الغربية وكان يفصل بينه وبينهم الخندق‪ ،‬وكان سفح جبل‬
‫سلع مقر قيادة المسلمين إذ ضربت خيمة لرسول الله – صلى‬
‫الله عليه وسلم‪-‬ورابط عدد من الصحابة في مواقع مختلفة منه‪،‬‬
‫عند قاعدة الجبل سكنت منذ العهد النبوي قبائل عدة‪ ،‬وفي العهد‬
‫العثماني أقيمت علي قمته عدة أبنية عسكرية ما زالت أثارها‬
‫باقية حتى الن‪ ،‬وفي عصرنا الحالي أحاط العمران بالجبل من‬
‫كل ناحية وصار جزءًا من حدود المنطقة المركزية للمدينة‬
‫المنورة‪)6(.‬‬
‫ولكن ماذا يقول الكتاب المقدس عن الديار التي سكنها قيدار‬
‫وعن سالع؟‬
‫ورد في سفر أشعياء الصحاح ‪ 42‬الفقرة من ‪ 1‬إلى ‪17‬‬
‫‪ 1 :42‬هو ذا عبدي الذي أعضده مختاري الذي سرت به نفسي‬
‫وضعت روحي عليه فيخرج الحق للمم‪.‬‬

‫‪194‬‬
‫‪ 2 :42‬ل يصيح ول يرفع ول يسمع في الشارع صوته‪.‬‬
‫‪ 3 :42‬قصبة مرضوضة ل يقصف وفتيلة خامدة ل يطفئ إلى‬
‫المان يخرج الحق‪.‬‬
‫‪ 42:4‬ل يكل ول ينكسر حتى يضع الحق في الرض وتنتظر الجزائر‬
‫شريعته‪.‬‬
‫‪ 5 :42‬هكذا يقول الله الرب خالق السماوات وناشرها باسط‬
‫الرض ونتائجها معطي الشعب عليها نسمة والساكنين عليها‬
‫حا‪.‬‬
‫رو ً‬
‫‪ 6 :42‬أنا الرب قد دعوتك بالبر فأمسك بيدك وأحفظك وأجعلك‬
‫عهدا للشعب ونورا للمم‪.‬‬
‫‪ 7 :42‬لتفتح عيون العمي لتخرج من الحبس المأسورين من بيت‬
‫السجن الجالسين في الظلمة‪.‬‬
‫‪ 8 :42‬أنا الرب هذا اسمي‪ ،‬ومجدي ل أعطيه لخر‪ ،‬ول تسبيحي‬
‫للمنحوتات‪.‬‬
‫‪ 9 :42‬هوذا الوليات قد أتت والحديثات أنا مخبر بها قبل أن تنبت‬
‫أعلمكم بها‪.‬‬
‫‪ 10 :42‬غنوا للرب أغنية جديدة تسبيحة من أقصى الرض أيها‬
‫المنحدرون في البحر وملؤه والجزائر(جمع جزيرة) وسكانها‪.‬‬
‫‪ 11 :42‬لترفع البرية ومدنها صوتها الديار التي سكنها قيدار لتترنم‬
‫سكان سالع من رؤوس الجبال ليهتفوا‪.‬‬
‫‪ 12 :42‬ليعطوا الرب مجدًا ويخبروا بتسبيحه في الجزائر‪.‬‬
‫‪ 13 :42‬الرب كالجبار يخرج كرجل حروب ينهض غيرته يهتف‬
‫ويصرخ ويقوى على أعدائه‪.‬‬
‫‪ 14 :42‬قد صمت منذ الدهر((في النسخة النجليزية‪:‬‬
‫أمسكت(سلمي) منذ زمن طويل‪ ،‬ويقول القاموس النجليزي‬
‫للكتاب المقدس أنها مكتوبة في النسخة العبرية(شيلميم)‪ ،‬ومن‬
‫المعلوم أن حروف كلمة شيلميم أو شالوم بالعبرية هي نفس‬
‫الحروف التي تشتق منها كلمة السلم)) سكت تجلدت كالوالدة‬
‫أصيح انفخ وانخر معًا‪.‬‬
‫‪ 15 :42‬أخرب الجبال و الكام وأجفف كل عشبها واجعل النهار‬
‫يبسا وأنشف الجام‪.‬‬
‫‪ 16 :42‬وأسير العمي في طريق لم يعرفوها في مسالك لم يدروها‬
‫أمشيهم اجعل الظلمة أمامهم نوًرا والمعوجات مستقيمة هذه‬
‫المور افعلها ول أتركهم‪.‬‬
‫‪ 17 :42‬قد ارتدوا إلى الوراء يخزى خزيا المتكلون على المنحوتات‬
‫القائلون للمسبوكات انتن آلهتنا‪.‬‬
‫من هو عبد الله ومختاره الذي يتحدث عنه النص السابق؟!‬

‫‪195‬‬
‫النص السابق ل يمكن أن ينطبق إل على النبي –صلى الله عليه‬
‫وسلم‪ ،-‬فهو عبد الله ومختاره الذي أخرج الحق للمم وانتظرت‬
‫الجزر شريعته‪ ،‬ولم يكل ولم ينكسر حتى وضع الحق في الرض‬
‫وأرشد الناس إلى جميع الحق‪ ،‬فهو صاحب الشريعة الكاملة التي‬
‫أتمها الله في عهده‪ ،‬ولم يقبضه إل بعد اكتمالها(ل يكل ول ينكسر‬
‫حتى يضع الحق في الرض)‪ ،‬ولذلك يقول الله تعالى في سورة‬
‫المائدة‪(:‬اليوم أكملت لكم دينكم وأتممت عليكم نعمتي ورضيت‬
‫لكم السلم دينا)‪ .‬والنبي‪-‬صلى الله عليه وسلم‪-‬هو الذي أخرج‬
‫الحق لكل المم فهو صاحب الرسالة العالمية لجميع أهل الرض‪،‬‬
‫ولذلك يقول الله تعالى للنبي في قرآنه‪(:‬قل يا أيها الناس إني‬
‫رسول الله إليكم جميعا)…ويقول أيضا(وما أرسلناك إل رحمة‬
‫للعالمين)‪..‬‬
‫وهو الذي عصمه الله من المشركين حتى بلغ رسالته‪ ،‬وأدى‬
‫أمانته(فأمسك بيدك وأحفظك وأجعلك عهدا للشعب ونوًرا‬
‫للمم)‪ ..‬ولذلك يقول الله في قرآنه مخاطبًا نبيه‪( :‬والله يعصمك‬
‫من الناس)‪..‬‬
‫والنبي‪-‬صلى الله عليه وسلم‪ -‬هو الذي أخرج الناس من ظلمة‬
‫الشرك وعبادة الصنام والمنحوتات إلي عبادة الله الواحد(أنا‬
‫الرب هذا اسمي‪ ،‬ومجدي ل أعطيه لخر‪ ،‬ول تسبيحي‬
‫للمنحوتات)‪.‬‬
‫والنص السابق ل ينطبق على المسيح عليه السلم الذي لم يدع‬
‫أنه قد أخرج كل الحق للمم؛ بل قال قبل رحيله(إن لي أموًرا‬
‫ضا لقول لكم لكن ل تستطيعون أن تحتملوا الن وأما‬ ‫كثيرة أي ً‬
‫متى جاء ذاك روح الحق فهو يرشدكم إلى جميع الحق) كما ورد‬
‫في إنجيل يوحنا‪..‬‬
‫كما أن المسيح أخبرنا أنه لم يأت إل لهداية بني إسرائيل كما جاء‬
‫في إنجيل متى (لم أرسل إل إلى خراف بيت إسرائيل الضالة)‪..‬‬
‫وكلمة(وضعت روحي عليه) تعنى النصرة والتأييد من الله‪ ،‬وهى‬
‫عامة لجميع النبياء‪ ،‬ول يختص بها المسيح من دونهم‪ ،‬ومثال ذلك‬
‫ما جاء في الكتاب المقدس (وكان روح الله على عزريا بن‬
‫عوديد)‪ ،‬وأيضا ما جاء في الكتاب المقدس في سفر العدد(يا ليت‬
‫كل شعب الرب كانوا أنبياء إذا وضع الله روحه عليهم)‪.‬‬
‫ضا أن دعوة المسيح لم تظهر في الديار التي‬ ‫ومن المعلوم أي ً‬
‫سكنها قيدار وهي مكة!! ول رفعت بها الصحراء صوتها!!… كم‬
‫أنها قد ظهرت في بني إسرائيل‪ ،‬وهي أمة كتابية ليست من‬
‫عبدة الصنام مثل أهل مكة الذين بعث فيهم النبي‪-‬صلى الله‬

‫‪196‬‬
‫عليه وسلم‪ ..-‬بل إن المسيح قد بعث في بني إسرائيل في وقت‬
‫ما‪..‬‬‫كانوا قد تخلصوا فيه من الوثنية وعبادة الصنام تما ً‬
‫ولو افترضنا أن النص يتحدث عن المسيح عليه السلم؛ فهو بذلك‬
‫يثبت أن المسيح عليه السلم هو عبد لله‪ ،‬وليس ابنًا له أو شريكًا‬
‫معه في اللوهية (هو ذا عبدي الذي أعضده)‪.‬‬
‫والمفاجأة التي وجدناها في النص عند قراءته في النسخة‬
‫النجليزية (وما أكثر المفاجآت عند مقارنة النسخة العربية‬
‫بالنسخة النجليزية!) هو أن كلمة(المم) الواردة في النص ليست‬
‫ترجمة لكلمة(‪ )nations‬كما هو متوقع ‪ ،‬ولكن الكلمة الواردة في‬
‫النسخة النجليزية هي(‪ ،)gentiles‬وتترجم بالعربية إلى المميين‪..‬‬
‫ويقول قاموس الكتاب المقدس عن هذا اللفظ أن اليهود‬
‫يستخدمونه على المم الخرى من غيرهم‪ ،‬فهم يعتبرون أنفسهم‬
‫ضا أن اليهود‬ ‫حملة الرسالت وشعب الله المختار‪ ،‬ويقول أي ً‬
‫يستخدمونه كمصطلح لحتقار المم الخرى من غير اليهود‬
‫باعتبارها أمم وثنية‪ ..‬وبالطبع يرفض النصارى هذا التقسيم‬
‫ضا من أهل الكتاب‪ ،‬وهذا هو الحق عند المسلمين‬ ‫باعتبارهم أي ً‬
‫وهو أن هذا اللفظ كان يستخدم لوصف المم من غير أهل‬
‫الكتاب قبل ظهور السلم كما يخبرنا القرآن الكريم‪:‬‬
‫(وقل للذين أوتوا الكتاب والميين أأسلمتم فإن أسلموا فقد‬
‫اهتدوا)‪ .‬آل عمران ‪(..20‬ومن أهل الكتاب من إن تأمنه بقنطار‬
‫يؤده إليك ومنهم من إن تأمنه بدينار ل يؤده إليك إل ما دمت‬
‫ما ذلك بأنهم قالوا ليس علينا في الميين سبيل) آل‬ ‫عليه قائ ً‬
‫عمران‪..75 :‬وهم الذين بعث فيهم النبي –صلى الله عليه وسلم‪-‬‬
‫(هو الذي بعث في الميين رسول ً منهم يتلو عليهم آياته ويزكيهم‬
‫ويعلمهم الكتاب والحكمة) الجمعة ‪(..2‬الذين يتبعون النبي المي‬
‫الذي يجدونه مكتوبًا عندهم في التوراة والنجيل)‪...‬العراف‬
‫‪(..157‬فآمنوا بالله ورسوله النبي المي الذي يؤمن بالله وكلماته‬
‫واتبعوه لعلكم تهتدون) العراف ‪ ..158‬والصفات السابقة هي‬
‫تقريبًا نفس الصفات التي وردت في النص الذي رواه المام‬
‫البخاري في صحيحة عن عطاء بن ياسر أنه قال‪ :‬لقيت عبد الله‬
‫بن عمرو بن العاص قلت‪ :‬أخبرني عن صفة رسول الله‪-‬صلى‬
‫الله عليه وسلم‪ -‬في التوراة‪ ،‬قال‪ :‬أجل والله إنه لموصوف في‬
‫التوراة ببعض صفته في القرآن‪(:‬يا أيها النبي إنا أرسلناك شاهدًا‬
‫ومبشًرا ونذيًرا وحرًزا للميين أنت عبدي ورسولي سميتك‬
‫المتوكل ليس بفظ ول غليظ ول سخاب في السواق ول يدفع‬
‫بالسيئة السيئة ولكن يعفو ويغفر‪ ،‬ولن يقبضه الله حتى يقيم به‬

‫‪197‬‬
‫الملة العوجاء بأن يقولوا ل إله إل الله ويفتح به أعينًا عميًا وآذانًا‬
‫ما وقلوبًا غلفًا)‪.‬‬
‫ص ً‬
‫ما هي التسبيحة الجديدة التي من أقصى الرض؟‬
‫إنها إعلن برسالة جديدة‪ ،‬وكلمة من أقصى الرض تشير إلى‬
‫المشرق القصى‪ ،‬إذ أن أقصى القدس جزيرة العرب‪ ،‬وأقصى‬
‫جزيرة العرب القدس‪ ،‬لذلك يقول الله تعالى في كتابه‬
‫الكريم‪(:‬سبحان الذي أسرى بعبده ليل من المسجد الحرام إلى‬
‫المسجد القصى الذي باركنا حوله لنريه من آياتنا)‪.‬‬
‫ما هي البرية ومدنها‪ ،‬وما هي الديار التي سكنها قيدار ومن هم‬
‫سكان سالع؟‬
‫البرية هي الصحراء‪ ،‬والديار التي سكنها قيدار هي مكة‪ ،‬وسكان‬
‫سالع هم سكان جبل سلع بالمدينة المنورة (لتترنم سكان سالع‬
‫من رؤوس الجبال)‪.‬‬
‫من هم العمي الذين ساروا في طريق لم يعرفوها‪ ،‬وكان الله‬
‫معهم ولم يتركهم؟‬
‫إنهم المؤمنون بالدين الجديد‪ ،‬ومتبعي الرسالة‪ ،‬الذين أبصروا في‬
‫نور السلم‪ ،‬بعد أن كانوا عميا في الجاهلية التي زاغوا فيها عن‬
‫التوحيد‪ ،‬وارتدوا فيها إلى الوراء‪ ،‬وعبدوا المنحوتات‪ ،‬وقالوا‬
‫للمسبوكات أنتن آلهتنا‪..‬‬
‫وكيف ترفع البرية صوتها‪ ،‬وتخبر بالتسبيح في الجزائر؟‬
‫إنما يكون ذلك برفع الذان‪ ،‬والنداء(الله أكبر الله أكبر) يسمعها‬
‫سكان الصحراء وما حولها…‬
‫ما المقصود بقوله الرب كالجبار يخرج كرجل حروب؟‬
‫إنها عشرات الحروب التي تم خوضها لخراج الناس من الكفر‬
‫إلى السلم‪ ،‬وليس أدل على ذلك من أن صاحب الرسالة قد‬
‫وصل عدد الغزوات التي خرج إليها بنفسه‪-‬صلى الله عليه وسلم‪-‬‬
‫كان سبعًا وعشرين غزوة في سبع سنوات فقط من أجل نشر‬
‫التوحيد وإعلء الحق في الرض‪.‬‬
‫وماذا يكون شيلميم الذي أمسكه الله منذ زمن طويل؟‬
‫إنه دين التوحيد –السلم‪ -‬الذي بعث الله به جميع النبياء إلى‬
‫البشر‪ ،‬فزاغوا عنه‪ ،‬وأشركوا مع الله آلهة أخرى؛ فكان لبد من‬
‫بعثه ونشره مرة أخرى بعد ضلل الناس عنه‪ ،‬وانقطاعه من على‬
‫الرض زمنا طويلً!!‪ ..‬وحمل الكلمة على(السلم) هو الظهر‬
‫للنص‪ ،‬والوضح للمعنى‪ ،‬ول يستقيم السياق إل به؛ فالله يقول‪:‬‬
‫أمسكت السلم منذ زمن طويل وغاب التوحيد عن الرض‪ ،‬لذلك‬
‫سأخوض الحروب وأخرب الجبال والكام من أجل إظهاره مرة‬
‫أخرى‪ ،‬وأما حملها على(السلم) فإنه يكون مناقضا للمعنى‪،‬‬

‫‪198‬‬
‫ومخالفًا للنص؛ فكيف يقول الله إذن أمسكت السلم منذ زمن‬
‫طويل لذلك سأخوض الحروب وأخرب الجبال والكام؟!!‬
‫من كانت عنده إجابة لهذه السئلة غير تلك الجابات فليأت بها؛‬
‫مثل أن يكون هناك نبي قد أخرج الحق للمم وانتظرت الجزر‬
‫شريعته وحفظه الله وعصمه من الناس حتى وضع الحق في‬
‫الرض وقضى على عبادة الصنام والمنحوتات وجعله الله نوًرا‬
‫للمميين وخرجت دعوته من الصحراء‪ ،‬في الديار التي سكنها‬
‫قيدار وهي مكة‪ ،‬ورفعت بها الصحراء صوتها‪ ،‬وهتف بها من‬
‫الجبال سكان سالع بالمدينة‪ ،‬بعد أن عبدوا الصنام والمنحوتات‪،‬‬
‫واشتهر بكثرة حروبه وغزواته – غير محمد صلى الله عليه‬
‫وسلم!!(‪)7‬‬
‫الخروج من مكة إلى المدينة‬
‫النبي محمد‪-‬صلى الله عليه وسلم‪ -‬أوحي إليه في بلد العرب‪،‬‬
‫ودعا قومه إلى عبادة الله الواحد‪ ،‬منهم من اتبعه وقبل دينه‬
‫واقتنع بدعوته‪ ،‬ولكن رفضها الكثير من صناديد الكفر من قريش‬
‫ومن قبائل مكة (وهم أبناء قيدار بن إسماعيل كما بينا قبل ذلك)‪.‬‬
‫ولقد لقى رسول الله‪ -‬صلى الله عليه وسلم‪-‬وأصحابه الكرام‬
‫من المشركين من ألوان اليذاء ما دعاهم إلى الفرار بالدعوة‬
‫إلى مكان آخر حتى ل تموت في مهدها‪.‬‬
‫وخرج النبي ‪-‬صلى الله عليه وسلم‪ -‬سًرا فاًرا من أمام سيوف‬
‫المشركين التي توشك أن تجهز عليه‪ ،‬ومن أمام رماحهم التي‬
‫تكاد أن تفتك به‪ ،‬وهاجر معه أصحابه الذين تعرضوا لشد أنواع‬
‫التنكيل والعذاب من المشركين؛ وما منعهم ذلك من الثبات على‬
‫دينهم الحق الذي آمنوا به‪ ،‬ولم يردهم عن عبادتهم لله الواحد‬
‫الذي عبدوه‪..‬‬
‫وبعد الهجرة إلى المدينة بدأ النبي ‪ -‬صلى الله عليه وسلم‪-‬‬
‫وأصحابه في توطيد دولة السلم‪ ،‬وبعد سنة حدثت أول معركة‬
‫كبرى في السلم وهي غزوة بدر‪ ،‬وانهزم فيها أعداء الله من‬
‫المشركين شر هزيمة رغم ما يمتلكونه من العدد الكبير والعتاد‬
‫العظيم‪ ،‬وبرغم ما كان عليه جيش المسلمين من قلة في العدد‬
‫والعدة‪ ،‬وكانت هذه الموقعة إيذانًا بإعلن قوة السلم وعظمة‬
‫دولته‪ ،‬بينما كانت إعلنًا بسقوط دولة الكفر وتضاؤل قوته؛ حيث‬
‫قتل عدد كبير من مشركي مكة أبناء قيدار وفني مجدهم وانكسر‬
‫عزهم‪.‬‬
‫ولكن هل وردت نبؤة في الكتاب المقدس تتنبأ بنزول وحي في‬
‫بلد العرب‪ ،‬وتخبر بما حدث للنبي وأصحابه من أمر الهجرة‬

‫‪199‬‬
‫بسبب إيذاء المشركين‪ ،‬وتبين ما حل بأبناء قيدار من المشركين‬
‫بعد ذلك من ذل وهوان؟‬
‫لقد ورد في سفر أشعياء الصحاح ‪ 21‬الفقرة‪:13،14،15،16،17 :‬‬
‫‪ 13 :21‬وحي من جهة بلد العرب في الوعر في بلد العرب تبيتين‬
‫يا قوافل الددانيين (ددان أحد أحفاد إبراهيم عليه السلم من‬
‫زوجته قطورة كما يخبرنا سفر التكوين ‪ ،3-1 :25‬وتقول الموسوعة‬
‫اليهودية أن نصوص الكتاب المقدس توحي أحيانًا أن ددان تقع‬
‫شمال الجزيرة العربية وتوحي أحيانا أخرى أنها تقع جنوبها)‪.‬‬
‫‪ 14 :21‬هاتوا ماء لملقاة العطشان يا سكان أرض تيماء وافوا‬
‫الهارب بخبزه‪.‬‬
‫‪ 15 :21‬فإنهم من أمام السيوف قد هربوا من أمام السيف‬
‫المسلول و من أمام القوس المشدودة و من أمام شدة الحرب‪.‬‬
‫‪ 16 :21‬فإنه هكذا قال لي السيد في مدة سنة كسنة الجير يفنى‬
‫كل مجد قيدار‪.‬‬
‫‪ 17 :21‬و بقية عدد قسي أبطال بني قيدار تقل لن الرب إله‬
‫إسرائيل قد تكلم‪.‬‬
‫والنبؤة السابقة أوحي بها إلى أشعياء أحد أنبياء بنى إسرائيل‬
‫(لن الرب إله إسرائيل قد تكلم)‪.‬‬
‫ولشك أن النص السابق ل يتحدث عن أحد سوى النبي –صلى‬
‫الله عليه وسلم‪ -‬وما حدث له وأصحابه الكرام‪.‬‬
‫فهل نزل وحي في بلد العرب غير القرآن؟!‬
‫وهل هناك نبي هاجر من مكة إلى المدينة واستقبله أهل تيماء‬
‫غير محمد –صلى الله عليه وسلم‪-‬؟!‬
‫وتيماء أرض في الحجاز كان يعيش فيها اليهود ثم انتقل أغلبهم‬
‫إلى المدينة‪ ،‬ومازالت تيماء موجودة إلى الن تحمل اسم إحدى‬
‫محافظات المملكة العربية السعودية وتيماء هي الرض التي‬
‫شهدت أول قدوم لليهود في الجزيرة العربية ثم انتقل معظم‬
‫هؤلء اليهود إلى المدينة‪ ،‬فأصل يهود المدينة هم من أهل تيماء‬
‫المخاطبين في النص‪..‬‬
‫وتخبرنا كتب السيرة أن ما بقى من اليهود في تيماء قد عرضوا‬
‫الصلح على الرسول‪ ،‬وسلموا من أنفسهم‪ ،‬وذلك بعد سقوط‬
‫يهود خيبر…(‪)8‬‬
‫ونعود لنسأل ونكرر السئلة‪:‬‬
‫هل نزل وحي في بلد العرب غير القرآن؟!‬
‫وهل هاجر صاحب الوحي وأصحابه هاربين من أمام السيوف‬
‫والرماح غير محمد –صلى الله عليه وسلم‪ -‬وأصحابه في بلد‬
‫العرب؟!‬

‫‪200‬‬
‫وهل هناك تيماء أخرى في بلد العرب أو في غيرها غير‬
‫الموجودة إلى الن في المملكة العربية السعودية؟!‬
‫وهل تمت هزيمة بني قيدار وهم أهل مكة على يد أحد من‬
‫النبياء غير محمد صلى الله عليه وسلم‪-‬؟!!‬
‫إن هذه النبوءة لهي برهان ساطع‪ ،‬ودليل قاطع‪ ،‬وسيف بتار‪،‬‬
‫على رقاب كل من كذب بمحمد –صلى الله عليه وسلم –من أهل‬
‫الكتاب‪ ..‬بل لهى سيف بتار على رقاب منكري الديان وعبدة‬
‫الطبيعة ودعاة الكفر واللحاد جميعا؛ فمحمد بن عبد الله الذي‬
‫أوحي إليه في بلد العرب في القرن السادس الميلدي مكتوب‬
‫في سفر أشعياء أحد أنبياء بني إسرائيل الذي عاش في النصف‬
‫الخير من القرن الثامن قبل الميلد‪ ،‬فمن أبلغ أشعياء بهذه النبؤة‬
‫غير الله الواحد الحد؟!!‪ ،‬ومن هذا النبي الذي تنبأ به غير نبينا‬
‫الكريم ‪ -‬صلى الله عليه وسلم ‪-‬؟!!‬
‫كتب التراث والبشارات‬
‫كان ما سبق بيانا لبعض نصوص الكتاب المقدس التي تتحدث‬
‫عن النبي –صلى الله عليه وسلم‪ -‬وعن السلم بصفته خاتم‬
‫الرسالت وجامع الوحي اللهي‪ ،‬ولقد اخترت النصوص السابقة‬
‫من بين عشرات النصوص التي ل تزال موجودة إلى الن في‬
‫الكتاب المقدس لم يطرأ عليها تحريف ول تغيير‪ ،‬فهناك نصوص‬
‫أخري كثيرة تتحدث عن النبي –صلي الله عليه وسلم‪ -‬ولكن لم‬
‫أثبتها في هذا العمل؛ لن تلك النصوص ربما يحملها البعض على‬
‫رسل آخرين غير محمد –صلى الله عليه وسلم‪ -‬رغم أنها تنطبق‬
‫على النبي –صلي الله عليه وسلم‪-‬؛ فمثل ورد في سفر المزامير‬
‫الصحاح ‪ 45‬الفقرة من ‪2‬إلى ‪:7‬‬
‫‪ 2 :45‬أنت أبرع جمال ً من بني البشر انسكبت النعمة على شفتيك‬
‫لذلك باركك الله إلى البد‪.‬‬
‫‪ 3 :45‬تقلد سيفك على فخذك أيها الجبار جللك و بهاءك‪.‬‬
‫‪ 4 :45‬بجللك اقتحم اركب من أجل الحق والدعة والبر فتريك‬
‫يمينك مخاوف‪.‬‬
‫‪ 5 :45‬نبلك المسنونة في قلب أعداء الملك شعوب تحتك‬
‫يسقطون‪.‬‬
‫‪ 6 :45‬كرسيك يا الله إلى دهر الدهور قضيب استقامة قضيب‬
‫ملكك‪.‬‬
‫‪ 7 :45‬أحببت البر وأبغضت الثم من اجل ذلك مسحك الله إلهك‬
‫بدهن البتهاج أكثر من رفقائك‪.‬‬
‫وهذه الكلمات تنطبق على رسول الله –صلى الله عليه وسلم‪-‬‬
‫فهو أبرع جمال ً من بني البشر‪ ،‬وهو قد باركه الله إلى البد‪ ،‬وهو‬

‫‪201‬‬
‫النبي الذي تقلد سيفه وحارب المشركين وأعداء الله وسقطت‬
‫تحت رسالته الشعوب كفارس والروم وغيرهم‪..‬وهو الذي فضله‬
‫الله علي رفقائه من النبياء فهو خاتم النبيين وخير المرسلين‪،‬‬
‫وكلمة مسحك الله ل يختص بها عيسى عليه السلم؛ بل هي‬
‫عامة لكل النبياء‪ ،‬ووصف بها أيضا في الكتاب المقدس‬
‫الصالحين والمؤمنين‪(..‬ل تمسوا مسحائي ول تسيئوا إلى أنبيائي)‬
‫المزامير ‪(..15 :105‬والصانع رحمة لمسيحه داوود) المزامير ‪:18‬‬
‫‪(..50‬يقول الرب لمسيحه كورش) أشعياء ‪..45 :1‬‬
‫وللسف فإن النص السابق قد حمله النصارى على المسيح عليه‬
‫السلم‪ ،‬والمسيح كما تعلمون لم يحمل سيفًا على فخذه‪ ،‬ولم‬
‫يكن له نبل ً مسنونة‪ ،‬ولم يركب من أجل الحق والبر‪ ،‬وإنما كانت‬
‫دعوته دعوة سلمية وروحية فقط؛ ولكن كان ذلك لمحمد‪-‬صلى‬
‫الله عليه وسلم‪ ،-‬كما أن لفظ الجبار ل يمكن أن ينطبق أبدًا على‬
‫المسيح عليه السلم‪ ،‬بل ينطبق على النبي –صلى الله عليه‬
‫وسلم – الذي خاض عشرات الحروب لظهار الدين وإعلء الحق‬
‫في الرض‪.‬‬
‫ولكن كيف فسر النصارى السيف والرمح وألصقوا النبؤة‬
‫بالمسيح؟‬
‫لقد فسروا النبؤة بأنها على سبيل المجاز وإطلق الحسي على‬
‫المعنوي!!‪ ،‬وربما كان ذلك مقبول ً لو كان النص يقول‪ :‬تقلد سيف‬
‫الحق مثل!!‪ ،‬أو اقذف بسهام اليمان!!‪ ،‬ولكن ما يبينه النص من‬
‫حمل السيف على الفخذ‪ ،‬ووصف النبي بالجبار‪ ،‬ووصف النبل‬
‫بالمسنونة ‪ -‬يجعل هذا التأويل ضربًا من ضروب السخافات‪ ،‬و‬
‫نوع ًا من أنواع التحايل المفضوح!!‬
‫وهناك الكثير من النصوص تحتوي علي مثل ما أشتمل النص‬
‫ما ول‬ ‫السابق عليه‪ ،‬ولكني آثرت عدم ذكرها لنها ل تحدد اس ً‬
‫مكانا للدعوة كالنصوص السابقة القاطعة بأنها تتحدث عن رسول‬
‫الله –صلى الله عليه وسلم‪.-‬‬
‫وفي هذا الفصل نحن بصدد الشارة إلى بعض البشارات التي‬
‫تتحدث عن الرسول –صلى الله عليه وسلم‪ -‬ذكرها علماء‬
‫السلم من السلف ووردت في كتبهم‪ ،‬ولكنها ليست موجودة‬
‫كما هي إلى الن في نسخ الكتاب المقدس‪ ،‬وإن كان أغلبها له‬
‫نصوص مشابهة موجودة للن ولكن ل تتطابق معها حرفيًا‪،‬‬
‫وأحببت أن أذكرها لن الذين أوردوها من العلماء المسلمين‬
‫الثبات هم أهل للثقة‪ ،‬وليسوا موضعًا للشبهة أو محل ً للطعن في‬
‫أمانتهم العلمية‪..‬‬
‫الجواب الصحيح‬

‫‪202‬‬
‫يقول ابن تيميه رحمه الله في كتابه الجواب الصحيح لمن بدل‬
‫دين المسيح‪:‬‬
‫قالوا وقال أشعياء النبي عليه السلم متنبيًا على مكة شرفها الله‬
‫ارفعي إلى ما حولك بصرك فستبتهجين وتفرحين من أجل أن‬
‫يصير إليك ذخائر البحر وتحج إليك عساكر المم حتى يعم بك‬
‫قطر البل الموبلة وتضيق أرضك عن القطرات التي تجتمع إليك‬
‫وتساق إليك كباش مدين ويأتيك أهل سبأ ويسير إليك أغنام‬
‫فاران ويخدمك رجال مأرب يريد سدنة الكعبة وهم أولد مأرب‬
‫بن إسماعيل قالوا فهذه الصفات كلها حصلت بمكة فحملت إليها‬
‫ذخائر البحرين وحج إليها عساكر المم وسيقت إليها أغنام فاران‬
‫الهدايا والضاحي وفاران هي البرية الواسعة التي فيها مكة‬
‫وضاقت الرض عن قطرات البل الموبلة الحاملة للناس‬
‫وأزوادهم إليها وأتاها أهل سبأ وهم أهل اليمن‪.‬‬
‫قالوا وقال أشعياء النبي والمراد مكة شرفها الله تعالى سيري‬
‫واهتزي أيتها العاقر التي لم تلد وانطقي بالتسبيح وافرحي إذ لم‬
‫تحبلي فإن أهلك يكونون أكثر من أهلي يعني بأهله بيت المقدس‬
‫ويعني بالعاقر مكة شرفها الله لنها لم تلد قبل نبينا عليه الصلة‬
‫والسلم ول يجوز أن يريد بالعاقر بيت المقدس لنه بيت للنبياء‬
‫ومعدن الوحي‪.‬‬
‫والنص السابق له نص مشابه إلى الن في سفر أشعياء ‪،2 ،54:1‬‬
‫‪:3‬‬
‫(ترنمي أيتها العاقر التي لم تلد أشيدي بالترنم أيتها التي لم‬
‫تمخض لن بني المستوحشة أكثر من بني ذات البعل قال الرب‪،‬‬
‫أوسعي مكان خيمتك ولتبسط شقق مساكنك ل تمسكي أطيلي‬
‫أطنابك وشددي أوتارك‪ ،‬لنك تمتدين إلى اليمين وإلى اليسار‬
‫ويرث نسلك أمما ويعمر مدنا خربة)‪.‬‬
‫والمقصود بالمستوحشة هي السيدة هاجر‪ ،‬وذات البعل هي‬
‫السيدة سارة التي ألجأت سيدنا إبراهيم إلى نفى هاجر مع‬
‫ولدها‪-‬إسماعيل‪ ،-‬وكان ذلك بدافع الغيرة حيث لم تكن سارة قد‬
‫أنجبت إسحاق حينئذ‪ ،‬فقدم بهما إلى الحجاز‪ ،‬وأسكنهما بواد غير‬
‫ذي زرع عند بيت الله المحرم‪)9(.‬‬
‫ولقد شرق أهل الكتاب وغربوا وقالوا أن هذه النبؤة لها معنى‬
‫روحي ومعنى حسي لكي يحملوا النص حمل ً على القدس‪،‬‬
‫ولكنهم لم يخبرونا بعد كل ذلك كيف يطلق الله لفظ العاقر التي‬
‫لم تلد ولم تمخض على القدس ولدة النبياء!!‬
‫ضا له نص مشابه موجود إلى الن في سفر‬ ‫والنص الول أي ً‬
‫أشعياء الصحاح ‪ ،63 - 59‬وبالرغم من بعض اللفاظ الواضح‬

‫‪203‬‬
‫ما؛ فإنه ما زال يشتمل على بعض‬ ‫إقحامها على النص إقحا ً‬
‫الصفات التي ل يمكن حملها إل على مكة‪ ..‬والنص يبدأ بإيضاح‬
‫أن الظلم قد انتشر في الرض‪ ،‬وأن الخراب قد عم ربوعها‪ ،‬ولم‬
‫يبق بها إل الشر والفساد‪ ،‬وأن الله قد غضب على الناس وعلى‬
‫بني إسرائيل الذين حادوا عن الحق‪ ،‬واتكلوا على الباطل والثم‪،‬‬
‫وكذبوا على الله‪ ..‬ولذلك كان لبد من ظهور شمس أخرى‪،‬‬
‫وبزوغ فجر جديد لعلء الحق في الرض‪ ..‬وفي وسط ذلك الجو‬
‫العام من السخط اللهي والغضب على شعب إسرائيل وعلى ما‬
‫ما غريبًا يفيد بأن الله راض عليهم‬ ‫صار إليه حال المم نجد إقحا ً‬
‫وعلى نسلهم من بعدهم للبد‪..‬هكذا بدون مقدمات!!‪ ،‬ثم يبدأ‬
‫النص في الحديث عن الرض التي سيأتي نورها ويشرق عليها‬
‫مجد الله بينما الظلم الدامس يغطي باقي الرض‪ ..‬ويستفيض‬
‫النص بما ل يدع مجال ً للشك أن الكلم عن مكة‪ ،‬وفجأة أي ً‬
‫ضا‬
‫ما غريبًا للفظ ابنة صهيون أو‬ ‫بدون مقدمات تجد إقحا ً‬
‫أورشليم!!‪ ..‬والنص كله يظهر بوضوح أنه يتحدث عن الرض‬
‫الجديدة التي ستصبح معقل ً لليمان والصلح على الرض بعد‬
‫خرابها وما حل عليها من ظلم وفساد وبعد عن طريق الله‪ ،‬وعن‬
‫الشعب الذي سيرث الرض‪ ،‬وعن نبي آخر الزمان الذي سيرسله‬
‫الله ليصلح الرض بعد فسادها وليبشر المساكين ويخرج الناس‬
‫من الظلمات إلى النور‪ ،‬ولكي ينتقم به الله من أعدائه ويكون‬
‫وسيلته للتعبير عن سخطه وغضبه على المم التي اتبعت الباطل‬
‫والثم وزاغت عن طريق الحق‪..‬‬
‫‪ 59:1‬ها أن يد الرب لم تقصر عن أن تخلص و لم تثقل أذنه عن‬
‫أن تسمع‪.‬‬
‫‪ 2 :59‬بل آثامكم صارت فاصلة بينكم و بين إلهكم وخطاياكم‬
‫سترت وجهه عنكم حتى ل يسمع‪.‬‬
‫‪ 3 :59‬لن أيديكم قد تنجست بالدم و أصابعكم بالثم شفاهكم‬
‫تكلمت بالكذب ولسانكم يلهج بالشر‪.‬‬
‫‪ 4 :59‬ليس من يدعو بالعدل وليس من يحاكم بالحق يتكلون على‬
‫ما‪.‬‬
‫الباطل ويتكلمون بالكذب قد حبلوا بتعب وولدوا إث ً‬
‫‪ 5 :59‬فقسوا بيض أفعى و نسجوا خيوط العنكبوت الكل من‬
‫بيضهم يموت والتي تكسر تخرج أفعى‪.‬‬
‫‪ 6 :59‬خيوطهم ل تصير ثوبًا ول يكتسون بأعمالهم أعمالهم أعمال‬
‫إثم وفعل الظلم في أيديهم‪.‬‬
‫‪ 7 :59‬أرجلهم إلى الشر تجري وتسرع إلى سفك الدم الزكي‬
‫أفكارهم أفكار إثم في طرقهم اغتصاب وسحق‪.‬‬

‫‪204‬‬
‫‪ 8 :59‬طريق السلم لم يعرفوه و ليس في مسالكهم عدل جعلوا‬
‫لنفسهم سبل ً معوجة كل من يسير فيها ل يعرف سل ً‬
‫ما‪.‬‬
‫‪ 9 :59‬من أجل ذلك ابتعد الحق عنا ولم يدركنا العدل ننتظر نوًرا‬
‫فإذا ظلم ضياء فنسير في ظلم دامس‪.‬‬
‫‪ 10 :59‬نتلمس الحائط كعمي و كالذي بل أعين نتجسس قد عثرنا‬
‫في الظهر كما في العتمة في الضباب كموتى‪.‬‬
‫‪11 :59‬نزار كلنا كدبة و كحمام هدًرا نهدر ننتظر عدل ً و ليس هو‬
‫صا فيبتعد عنا‪.‬‬
‫وخل ً‬
‫‪ 12 :59‬لن معاصينا كثرت إمامك وخطايانا تشهد علينا لن معاصينا‬
‫معنا وآثامنا نعرفها‬
‫‪ 13 :59‬تعدينا وكذبنا على الرب وحدنا من وراء إلهنا تكلمنا بالظلم‬
‫والمعصية حبلنا و لهجنا من القلب بكلم الكذب‪.‬‬
‫‪ 14 :59‬وقد ارتد الحق إلى الوراء والعدل يقف بعيدًا لن الصدق‬
‫سقط في الشارع والستقامة ل تستطيع الدخول‬
‫‪ 15 :59‬وصار الصدق معدوما والحائد عن الشر يسلب فرأى الرب‬
‫وساء في عينيه انه ليس عدل‬
‫‪ 16 :59‬فرأى انه ليس إنسان و تحير من انه ليس شفيع فخلصت‬
‫ذراعه لنفسه و بره هو عضده‬
‫‪ 17 :59‬فلبس البر كدرع و خوذة الخلص على رأسه ولبس ثياب‬
‫النتقام كلباس واكتسى بالغيرة كرداء‬
‫‪ 18 :59‬حسب العمال هكذا يجازي مبغضيه سخطا وأعداءه عقابًا‬
‫جزاء يجازي الجزائر‬
‫‪ 19 :59‬فيخافون من المغرب اسم الرب و من مشرق الشمس‬
‫مجده عندما يأتي العدو كنهر فنفخة الرب تدفعه‬
‫‪ 20 :59‬و يأتي الفادي إلى صهيون وإلى التائبين عن المعصية في‬
‫يعقوب يقول الرب(!!!)‬
‫‪ 21 :59‬أما أنا فهذا عهدي معهم قال الرب روحي الذي عليك و‬
‫كلمي الذي وضعته في فمك ل يزول من فمك و ل من فم‬
‫نسلك ول من فم نسل نسلك قال الرب من الن و إلى البد‬
‫‪ 1 :60‬قومي استنيري لنه قد جاء نورك و مجد الرب أشرق‬
‫عليك‪.‬‬
‫‪ 2 :60‬لنه ها هي الظلمة تغطي الرض والظلم الدامس المم أما‬
‫عليك فيشرق الرب ومجده عليك يرى‪.‬‬
‫‪ 3 :60‬فتسير المم في نورك والملوك في ضياء إشراقك‪.‬‬
‫‪ 4 :60‬ارفعي عينيك حواليك وانظري قد اجتمعوا كلهم جاءوا إليك‬
‫يأتي بنوك من بعيد و تحمل بناتك على اليدي‪.‬‬

‫‪205‬‬
‫‪ 5 :60‬حينئذ تنظرين و تنيرين ويخفق قلبك ويتسع لنه تتحول إليك‬
‫ثروة البحر و يأتي إليك غنى المم‬
‫‪ 6 :60‬تغطيك كثرة الجمال بكران مديان و عيفة كلها تأتي من شبا‬
‫تحمل ذهبًا ولبانًا وتبشر بتسابيح الرب‪.‬‬
‫‪ 7 :60‬كل غنم قيدار تجتمع إليك كباش نبايوت تخدمك تصعد‬
‫مقبولة على مذبحي وأزين بيت جمالي‪.‬‬
‫‪ 8 :60‬من هؤلء الطائرون كسحاب وكالحمام إلى بيوتها‪.‬‬
‫‪ 9 :60‬إن الجزائر تنتظرني وسفن ترشيش في الول لتأتي ببنيك‬
‫من بعيد وفضتهم و ذهبهم معهم لسم الرب إلهك‬
‫‪ 10 :60‬وبنو الغريب يبنون أسوارك وملوكهم يخدمونك لني‬
‫رحمتك‪.‬‬ ‫بغضبي ضربتك وبرضواني‬
‫ما نهاًرا وليل ً ل تغلق ليؤتى إليك بغنى‬ ‫‪ 11 :60‬و تنفتح أبوابك دائ ً‬
‫المم وتقاد ملوكهم‬
‫‪ 12 :60‬لن المة والمملكة التي ل تخدمك تبيد وخرابًا تخرب‬
‫المم‪.‬‬
‫‪ 13 :60‬مجد لبنان إليك يأتي السرو والسنديان والشربين معا لزينة‬
‫مكان مقدسي وأمجد موضع رجلي‪.‬‬
‫‪ 14 :60‬وبنو الذين قهروك يسيرون إليك خاضعين وكل الذين‬
‫أهانوك يسجدون لدى باطن قدميك ويدعونك مدينة الرب صهيون‬
‫قدوس إسرائيل(!!!)‪.‬‬
‫ضا عن كونك مهجورة ومبغضة بل عابر بك أجعلك فخًرا‬ ‫‪ 15 :60‬عو ً‬
‫أبديًا فرح دور فدور‪.‬‬
‫‪ 16 :60‬وترضعين لبن المم وترضعين ثدي ملوك وتعرفين إني أنا‬
‫الرب مخلصك ووليك عزيز يعقوب(!!!)‬
‫ضا عن الحديد آتي‬ ‫ضا عن النحاس آتي بالذهب وعو ً‬ ‫‪ 17 :60‬عو ً‬
‫ضا عن الحجارة‬ ‫ضا عن الخشب بالنحاس وعو ً‬ ‫بالفضة وعو ً‬
‫ما وولتك بًرا‬ ‫بالحديد واجعل وكلءك سل ً‬
‫‪ 18 :60‬ل يسمع بعد ظلم في أرضك ول خراب أو سحق في‬
‫حا‬
‫صا وأبوابك تسبي ً‬‫أسوارك خل ً‬ ‫تخومك بل تسمين‬
‫‪ 19 :60‬ل تكون لك بعد الشمس نورا في النهار ول القمر ينير لك‬
‫مضيئًا بل الرب يكون لك نوًرا أبديًا وإلهك زينتك‬
‫‪ 20 :60‬ل تغيب بعد شمسك و قمرك ل ينقص لن الرب يكون لك‬
‫نوًرا أبديًا و تكمل أيام وحك‪.‬‬
‫‪ 21 :60‬و شعبك كلهم إبرار إلى البد يرثون الرض غصن غرسي‬
‫عمل يدي سأتمجد‪.‬‬
‫‪ 22 :60‬الصغير يصير ألفًا والحقير أمة قوية أنا الرب في وقته‬
‫أسرع به‪.‬‬

‫‪206‬‬
‫‪ 1 :61‬روح السيد الرب علي لن الرب مسحني لبشر المساكين‬
‫أرسلني لعصب منكسري القلب لنادي للمسبيين بالعتق‬
‫وللماسورين بالطلق‬
‫‪ 2 :61‬لنادي بسنة مقبولة للرب وبيوم انتقام للهنا لعزي كل‬
‫النائحين‪.‬‬
‫ضا عن الرماد و‬‫‪ 3 :61‬لجعل لنائحين صهيون لعطيهم جمال ً عو ً‬
‫ضا عن الروح اليائسة‬ ‫ضا عن النوح ورداء تسبيح عو ً‬ ‫دهن فرح عو ً‬
‫فيدعون أشجار البر غرس الرب للتمجيد‪.‬‬
‫‪ 4 :61‬و يبنون الخرب القديمة يقيمون الموحشات الول ويجددون‬
‫المدن الخربة موحشات دور فدور‪.‬‬
‫‪ 5 :61‬و يقف الجانب ويرعون غنمكم ويكون بنو الغريب حراثيكم‬
‫وكراميكم‬
‫‪ 6 :61‬أما انتم فتدعون كهنة الرب تسمون خدام إلهنا تأكلون ثروة‬
‫المم وعلى مجدهم تتآمرون‪.‬‬
‫ضا عن الخجل يبتهجون‬ ‫ضا عن خزيكم ضعفان وعو ً‬ ‫‪ 7 :61‬عو ً‬
‫بنصيبهم لذلك يرثون في أرضهم ضعفين بهجة أبدية تكون لهم‪.‬‬
‫‪ 8 :61‬لني أنا الرب محب العدل مبغض المختلس بالظلم وأجعل‬
‫أجرتهم أمينة وأقطع لهم عهدًا أبديًا‪.‬‬
‫‪ 9 :61‬ويعرف بين المم نسلهم وذريتهم في وسط الشعوب كل‬
‫الذين يرونهم يعرفونهم أنهم نسل باركه الرب‪.‬‬
‫حا أفرح بالرب تبتهج نفسي بإلهي لنه قد ألبسني ثياب‬ ‫‪ 10 :61‬فر ً‬
‫الخلص كساني رداء البر مثل عريس يتزين بعمامة ومثل عروس‬
‫تتزين بحليها‬
‫‪ 11 :61‬لنه كما أن الرض تخرج نباتها وكما إن الجنة تنبت‬
‫حا إمام كل المم‪.‬‬ ‫مزروعاتها هكذا السيد الرب ينبت بًرا و تسبي ً‬
‫‪ 1 :62‬من أجل صهيون ل أسكت و من أجل أورشليم ل‬
‫أهدا(!!!)حتى يخرج برها كضياء وخلصها كمصباح يتقد‪.‬‬
‫‪ 2 :62‬فترى المم برك وكل الملوك مجدك وتسمين باسم جديد‬
‫يعينه فم الرب‬
‫جا ملكيًا بكف إلهك‪.‬‬ ‫‪ 3:62‬وتكونين إكليل جمال بيد الرب و تا ً‬
‫‪ 4 :62‬ل يقال بعد لك مهجورة ول يقال بعد لرضك موحشة بل‬
‫تدعين حفصيبة وأرضك تدعى بعولة لن الرب يسر بك وأرضك‬
‫تصير ذات بعل‪.‬‬
‫‪ 5 :62‬لنه كما يتزوج الشاب عذراء يتزوجك بنوك وكفرح العريس‬
‫بالعروس يفرح بك إلهك‪.‬‬
‫سا ل يسكتون كل‬ ‫‪ 6 :62‬على أسوارك يا أورشليم(!!!)أقمت حرا ً‬
‫النهار وكل الليل على الدوام يا ذاكري الرب ل تسكتوا‪.‬‬

‫‪207‬‬
‫‪ 7 :62‬ول تدعوه يسكت حتى يثبت و يجعل أورشليم تسبيحة في‬
‫الرض‪.‬‬
‫‪ 8 :62‬حلف الرب بيمينه وبذراع عزته قائل أني ل أدفع بعد قمحك‬
‫مأكل ً لعدائك ول يشرب بنو الغرباء خمرك التي تعبت فيها‪.‬‬
‫‪ 9 :62‬بل يأكله الذين جنوه و يسبحون الرب ويشربه جامعوه في‬
‫ديار قدسي‪.‬‬
‫‪ 10 :62‬اعبروا اعبروا بالبواب هيئوا طريق الشعب اعدوا اعدوا‬
‫السبيل نقوه من الحجارة ارفعوا الراية للشعب‬
‫‪ 11 :62‬هوذا الرب قد اخبر إلى أقصى الرض قولوا لبنة صهيون‬
‫هوذا مخلصك ات ها أجرته معه و جزاؤه إمامه‪.‬‬
‫‪12 :62‬و يسمونهم شعبا مقدسا مفديي الرب وأنت تسمين‬
‫المطلوبة المدينة غير المهجورة‬
‫‪ 1 :63‬من ذا التي من أدوم بثياب حمر من بصرة هذا البهي‬
‫بملبسه المتعظم بكثرة قوته أنا المتكلم بالبر العظيم للخلص‪..‬‬
‫(في النسخة النجليزية‪ :‬هذا البهي بملبسه الذي يسافر في‬
‫عظمة قوته‪ ،‬أما بصرة بضم الباء فل يعرف أحد أين تقع الن‪،‬‬
‫فقد عجز قاموس الكتاب المقدس عن ذكر موقعها بالتحديد‬
‫وقال‪ :‬ربما تكون أرض قريبة من البحر الميت والتي تسمى‬
‫بالبتراء‪ ،‬وقالت الموسوعة اليهودية‪ :‬معناها أرض الغنام لكن‬
‫موقعها غير معروف تحديدا وقالت‪ :‬أننا(تعني اليهود) مازلنا في‬
‫انتظار هذا التي من إدوم مخلص اليهود المنتظر!!)‪.‬‬
‫‪ 2 :63‬ما بال لباسك محمر وثيابك كدائس المعصرة‪.‬‬
‫‪ 3 :63‬قد دست المعصرة وحدي ومن الشعوب لم يكن معي أحد‬
‫فدستهم بغضبي ووطئتهم بغيظي فرش عصيرهم على ثيابي‬
‫فلطخت كل ملبسي‪.‬‬
‫‪ 4 :63‬لن يوم النقمة في قلبي وسنة مفديي قد أتت‪.‬‬
‫‪ 5 :63‬فنظرت ولم يكن معين و تحيرت إذ لم يكن عاضد فخلصت‬
‫لي ذراعي و غيظي عضدني‪.‬‬
‫‪ 6 :63‬فدست شعوبًا بغضبي وأسكرتهم بغيظي وأجريت على‬
‫الرض عصيرهم‪.‬‬
‫والنص كله كما ترون يتكلم عن مدينة الله الجديدة‪ ،‬وعن نبي‬
‫آخر الزمان الذي سيبعثه الله ليرث الرض هو وأمته ويقيم الحق‬
‫فيها بعد انتشار الظلم والفساد‪ ..‬ويخرج الناس من الظلمات إلى‬
‫النور‪ ..‬وينتقم به الله من أعدائه‪.‬‬
‫والنص يستفيض في شرح الحوال والظروف التي كانت تسود‬
‫الرض والتي سبقت بعثة النبي – صلى الله عليه وسلم –(آثامكم‬
‫صارت فاصلة بينكم وبين إلهكم‪ ..‬أيديكم تنجست بالدم‪..‬حبلوا‬

‫‪208‬‬
‫بتعب وولدوا إثما‪ ..‬فقسوا بيض أفعى‪ ..‬أعمالهم أعمال إثم وفعل‬
‫الظلم في أيديهم‪..‬ليس من يدعو بالعدل ويحاكم بالحق‪..‬أرجلهم‬
‫إلى الشر تجري وتسرع إلى سفك الدم الزكي‪..‬طريق السلم لم‬
‫يعرفوه‪..‬تعدينا وكذبنا على الرب‪..‬ارتد الحق إلى الوراء‪ ..‬وصار‬
‫الصدق معدوما‪..‬معاصينا كثرت أمامك وخطايانا تشهد‬
‫علينا‪..‬ننتظر نورا فإذا ظلم ضياء فإذا ظلم دامس‪ ..‬فرأى أنه‬
‫ليس إنسان وتحير من أنه ليس شفيع…) وتلك الحوال‬
‫والظروف لم تجتمع كلها معا‪ ،‬ولم تكن بهذا السوء إل قبل بعثة‬
‫النبي‪-‬صلى الله عليه وسلم‪ -‬الذي جاء بعد فترة من انقطاع‬
‫الرسل على الرض‪ ،‬وهذه الظروف لم تكن هكذا قبل بعثة‬
‫المسيح عليه السلم‪ ،‬كما أن قوله(فرأى أنه ليس إنسان)‬
‫متوافق مع حال البشرية قبل بعثة الرسول‪-‬صلى الله عليه‬
‫وسلم‪ ،-‬ول يتوافق مع حالها قبل بعثة المسيح؛ فالرض لم تكن‬
‫تخلو من الصالحين والمؤمنين الذين يدعون إلى الخير‪ ،‬بل إن‬
‫المسيح قد بعث في وجود يوحنا المعمدان (يحيى بن زكريا)‬
‫عليهما السلم‪.‬‬
‫وفي النص إشارة واضحة لما قام به علماء بني إسرائيل من‬
‫تحريف الكتاب والكذب على الله ‪(13 :59‬تعدينا وكذبنا على الرب‬
‫وحدنا من وراء إلهنا تكلمنا بالظلم والمعصية حبلنا ولهجنا من‬
‫القلب بكلم الكذب)‪..‬‬
‫وفي النص إشارة إلى النور الذي سيشرق على المميين في‬
‫ضا ليست‬ ‫هذه الرض ‪(3 :60‬فتسير المم في نورك) والمم هنا أي ً‬
‫ترجمة لكلمة ‪ nations‬كما هو متوقع ولكن ترجمة لكلمة ‪gentiles‬‬
‫وتترجم بالعربية إلى المميين وهم المم من غير أهل الكتاب…‬
‫ونجد في النص إشارة واضحة إلى قوافل البل التي كانت تأتي‬
‫من جنوب الجزيرة العربية والمشار إليها بمملكة سبأ ‪6 :60‬‬
‫(تغطيك كثرة الجمال بكران مديان وعيفة كلها تأتي من شبا)‬
‫وهذه النبؤة لم تتحقق للقدس‪ ،‬بل تحققت لمكة‪ ،‬ولبد لهذه‬
‫النبؤة أن تكون قد حدثت بالفعل في الماضي؛ فقد انتهى عصر‬
‫البل وعصر القوافل‪..‬‬
‫وكذلك نجد في نص أشعياء السابق إشارة واضحة إلى نحر‬
‫الذبائح (كل غنم قيدار تجبي إليك‪،‬كباش نبايوت تخدمك‪ ،‬تصعد‬
‫مقبولة على مذبحي)‪.‬‬
‫وذلك يؤكد أن الكلم عن مكة وليس بيت المقدس؛ لن القدس‬
‫ليس لها علقة بغنم قيدار بن إسماعيل الذي تنسب إليه قبائل‬
‫مكة‪ ،‬والذي يخبرنا الكتاب المقدس أنه قد سكن في بلد‬
‫العرب(وحي من جهة بلد العرب…يفنى كل مجد قيدار)‪ ..‬كما أنه‬

‫‪209‬‬
‫ل يخفى على أحد أن نحر الذبائح هو أحد مناسك الحج في‬
‫السلم‪.‬‬
‫وفي النص السابق نجد إشارة واضحة إلى الطرق التي يسلكها‬
‫الحجاج لداء فريضة الحج‪:‬‬
‫‪ 6 :60‬تغطيك كثرة الجمال بكران مديان وعيفة كلها تأتى من شبا‬
‫تحمل ذهبا ولبانا وتبشر بتسابيح الرب‪.‬‬
‫‪ 8 :60‬من هؤلء الطائرون كسحاب وكالحمام إلى بيوتها‪.‬‬
‫‪ 9 :60‬إن الجزائر تنتظرني وسفن ترشيش في الول لتأتي ببنيك‬
‫من بعيد وفضتهم و ذهبهم معهم لسم الرب إلهك‪.‬‬
‫فالولى تتحدث عن الجمال‪ ،‬والثانية يتعجب المتحدث من هؤلء‬
‫الطائرين كسحاب أوحمام ول يعرف ما هم وهو إشارة واضحة‬
‫إلى الطائرات‪ ،‬والثالثة تشير إلى السفن‪ ..‬و(ترشيش) لم يحدد‬
‫قاموس الكتاب المقدس ما المقصود بها فقال أن هذا السم كان‬
‫مشهوًرا أيام سليمان عليه السلم‪ ،‬وقال أيضا أنه اسم كان‬
‫يطلق على مكان في أسبانيا أثناء حكم العرب‪ ،‬ورجح في النهاية‬
‫أنه لفظ يطلق على كل السفن الضخمة‪..‬‬
‫وفي النص أيضا إشارة لصفة الصحابة رضي الله عنهم ‪( 9 :61‬و‬
‫يعرف بين المم نسلهم وذريتهم في وسط الشعوب كل الذين‬
‫يرونهم يعرفونهم إنهم نسل باركه الرب) ‪(11 :61‬لنه كما أن‬
‫الرض تخرج نباتها وكما أن الجنة تنبت مزروعاتها هكذا السيد‬
‫حا أمام كل المم) وهي الصفة التي ذكرها‬ ‫الرب ينبت بًرا و تسبي ً‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫شدَّاء‬ ‫هأ ِ‬ ‫ُ‬ ‫معَ‬‫َ‬ ‫ن‬‫َ‬ ‫ل الل ّهِ وَال ّذِي‬ ‫سو ُ‬ ‫مد ٌ َّر ُ‬ ‫ح َّ‬ ‫القرآن في سورة الفتح‪ُّ ( :‬‬
‫م َ‬
‫َّ‬ ‫َ‬
‫ن اللهِ‬ ‫م َ‬ ‫ضًل ِّ‬ ‫ن فَ ْ‬ ‫جدًا يَبْتَغُو َ‬ ‫س َّ‬ ‫م ُرك ّعًا ُ‬ ‫م تََراهُ ْ‬ ‫ماء بَيْنَهُ ْ‬ ‫ح َ‬ ‫ع َلَى الْكُفَّارِ ُر َ‬
‫م فِي‬ ‫مثَلُهُ ْ‬ ‫ك َ‬‫جود ِ ذَل ِ َ‬ ‫س ُ‬ ‫ن أَثَرِ ال ُّ‬ ‫م ْ‬
‫جوهِهِم ِّ‬ ‫م فِي وُ ُ‬ ‫ماهُ ْ‬ ‫سي َ‬ ‫ضوَانًا ِ‬ ‫وَرِ ْ‬
‫ستَغْل َ َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫ظ‬ ‫شطْأه ُ فَآَزَره ُ فَا ْ‬ ‫ج َ‬ ‫خَر َ‬ ‫ل كََزْرٍع أ ْ‬ ‫ِ‬ ‫جي‬ ‫ِ‬ ‫م فِي اْلِن‬ ‫ْ‬ ‫ُ‬ ‫مثَلُه‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫التَّوَْراةِ و‬
‫َ‬
‫م الْكُفَّاَر وَعَد َ الل ّ ُ‬
‫ه‬ ‫ظ بِهِ ُ‬ ‫ب الُّزَّراع َ لِيَغِي َ‬ ‫ج ُ‬ ‫سوقِهِ يُعْ ِ‬ ‫ستَوَى ع َلَى ُ‬ ‫فَا ْ‬
‫َ‬
‫َ‬ ‫ملُوا ال َّ‬
‫ما)‪..‬‬ ‫جًرا عَظِي ً‬ ‫فَرة ً وَأ ْ‬ ‫مغْ ِ‬ ‫منْهُم َّ‬ ‫ت ِ‬ ‫حا ِ‬ ‫صال ِ َ‬ ‫منُوا وَع َ ِ‬ ‫نآ َ‬‫ال ّذِي َ‬
‫ونجد في النص إشارة إلى حدوث النصر والفتح على يد آبائنا‬
‫الوائل من المسلمين‪ ،‬وإلى ما فعلوه من تطهير الرض وتنقيتها‬
‫من الحجارة والصنام ‪(10 :62‬اعبروا اعبروا بالبواب هيئوا طريق‬
‫الشعب أعدوا أعدوا السبيل نقوه من الحجارة ارفعوا الراية‬
‫للشعب)‪..‬‬
‫ونجد في النص إشارة إلى غير العرب الذين يبنون أسوار مكة‬
‫‪( 60:10‬وبنو الغريب يبنون أسوارك)‪ ،‬وكم من اليدي العاملة الن‬
‫وذوي الخبرات من مختلف القطار يعملون فيها‪ ،‬ويشيدون‬
‫قلعها تحت الرض وفوق الرض‪..‬‬

‫‪210‬‬
‫ونجد إشارة واضحة إلى كثرة الثروات والكنوز التي سيمن الله‬
‫بها على هذه الرض ‪(5 :60‬تتحول إليك ثروة البحر ويؤتى إليك‬
‫غنى المم)‪ ،‬والثروات والكنوز لم تكن للقدس أبدًا‪ ،‬وإنما لمكة‬
‫التي تعد من أغنى بقاع الرض‪)10(..‬‬
‫وفي النص السابق أيضا إشارة إلى انتشار دولة السلم وتحولها‬
‫من الضعف والقلة إلى القوة والكثرة؛ فالمة التي بدأت برجل‬
‫ضعيف يدعو إلى ربه سًرا متخفيًا من أعدائه قد صار أمة قوية‬
‫وملك الرض من مشرقها إلى مغربها‪ ..‬وبشر المساكين وأخرج‬
‫من الحبس المأسورين‪ ..‬وأخرج الناس جميعًا من ظلمات الكفر‬
‫والشرك إلى عبادة الله الحق‪ ..‬وانتقم به الله من أعدائه وعزى‬
‫به كل النائحين‪( 22 :60 ..‬الصغير يصير ألفًا والحقير أمة قوية أنا‬
‫الرب في وقته أسرع به‪ ،‬روح السيد الرب علي لن الرب‬
‫مسحني لبشر المساكين أرسلني لعصب منكسري القلب‬
‫لنادي المسبيين بالعتق والمأسورين بالطلق لنادي بسنة‬
‫مقبولة للرب و بيوم انتقام للهنا لعزي كل النائحين)‪..‬‬
‫وليخبرنا أهل الكتاب عن نبي اجتمعت فيه صفات التحول إلى‬
‫القوة والكثرة بعد الضعف والقلة وجمع بين تبشير المساكين‬
‫وتعزية النائحين وبين النتقام من أعداء الله غير نبينا الكريم‬
‫صلى الله عليه وسلم‪..‬‬
‫ونجد إشارة إلى ميراث أمة السلم للمم الخرى ‪( 6 :61‬أما انتم‬
‫فتدعون كهنة الرب تسمون خدام إلهنا تأكلون ثروة المم وعلى‬
‫مجدهم تتآمرون)‪ ..‬وليس أدل على ميراث أمة السلم للمم‬
‫الخرى من أن أرض المشرق التي تشمل بلد الشام والبلد‬
‫العربية وبلد فارس؛ تلك الرض التي كانت معقل لنشأة وانتشار‬
‫الرسالت السابقة‪ ،‬وتكاد تخلو الرض الن من عبادة الله إل‬
‫منها‪ ،‬وتكاد تغطي الرض نزعات اللحاد والمادية والطبيعية فيما‬
‫سواها‪ ،‬والتي يكاد ينحصر كلم الكتاب المقدس نفسه بعهديه‬
‫القديم والجديد عليها وعلى تاريخ المم والنبياء بها‪ ..‬قد صارت‬
‫كلها إسلمية!!!‪(..‬والله غالب على أمره ولكن أكثر الناس ل‬
‫يعلمون)!!‬
‫وفي النص أيضا إشارة واضحة إلى أن الناس سوف يقصدون‬
‫هذه الرض ويطلبون زيارتها‪ ،‬وأنها ستكون الرض المعمورة!!‬
‫‪(12 :62‬وأنت تسمين المطلوبة المدينة غير المهجورة)‬
‫وليخبرنا الذين يحملون النبوءة على القدس‪ :‬متى تحققت تلك‬
‫الصفات للقدس في يوم من اليام؟!!‬
‫وهذه الصفات ل بد أن تكون قد تحققت بالفعل كما أوضحنا‪ ..‬ول‬
‫معنى لما يدعيه اليهود من أن هذه النبؤة لم تتحقق بعد‪ ،‬وأن هذا‬

‫‪211‬‬
‫المخلص الذي سوف ينتصر لهم‪ ،‬ويدوس العالم بقدمه‪ ،‬ويلطخ‬
‫بعصير الناس من غير اليهود ملبسه لم يأت بعد!!‪..‬وما زالوا‬
‫منتظرين!!‬
‫ويخبرنا معجم الطرق القديمة(إنشنت تراد روتس) أن إدوم بدأت‬
‫من النهاية الجنوبية للبحر الميت إلى مساحات من الصحراء‬
‫العربية‪ ،‬وأنها امتدت من هذا الخط لتشمل كل الراضي على‬
‫الساحل الشرقي للبحر الحمر (كما أوضحنا قبل ذلك)‪..‬‬
‫وتجمع كتب الحديث على أن النبي – صلى الله عليه وسلم –‬
‫كان يلبس حلة حمراء لم ير أجمل منه ول أبهى منه أحد قط‪ ،‬بل‬
‫لم ير أجمل منه شيء قط!!‪ ..‬فقد روي عن البراء رضي الله‬
‫عنه أنه قال في صفة رسول الله –صلى الله عليه وسلم‪( :-‬لقد‬
‫رأيته في حلة حمراء ما رأيت شيئا قط أحسن منه) متفق عليه‪..‬‬
‫ول يختلف أحد من الولين والخرين في أن النبي – صلى الله‬
‫عليه وسلم – كان يخرج في غزواته بنفسه وحوله قوته من‬
‫الصحب الكرام رضي الله عنهم‪..‬‬
‫وأعود الن لطرح نفس التساؤل عن ذلك النبي الذي سيبعثه‬
‫الله ويأتي آخر الزمان لكي يقيم الحق في الرض‪ ،‬ويستمر مجده‬
‫ومجد مدينته إلى قيام الساعة‪ ،‬وأكرر نفس السؤال الذي ورد‬
‫في النص‪ :‬من ذا التي من إدوم بثياب حمر؟ من هذا البهي‬
‫بملبسه المتعظم بكثرة قوته؟‬
‫هل يكون ذاك النبي هو موسى عليه السلم؟!‬
‫بالطبع ل‪ ..‬فموسى لم يأت من إدوم‪ ،‬كما أن النص يشير لنبي‬
‫يأتي بعد أن يعم الخراب في الرض‪ ،‬وينتشر الفساد في ربوعها؛‬
‫ضا أن مجده ومجد أمته‬ ‫فيبعثه الله لصلحها‪ ،‬ويخبر النص أي ً‬
‫يستمر إلى البد‪ ،‬ولم يدع أحد أن موسى كان آخر النبياء‪ ،‬مما‬
‫يجعل حمل النص على موسى غير وارد على الطلق‪..‬‬
‫هل يكون المسيح عليه السلم؟!‬
‫ضا‪ ..‬فالمسيح لم يأت من إدوم‪ ،‬ولم يكن له قوة‬ ‫بالطبع ل أي ً‬
‫عظيمة يخرج فيها‪ ..‬كما أن تلك الصفات لم يتحقق منها شيء‬
‫على القدس بعد بعثة المسيح عليه السلم؛ فلم تأت إليها البل‬
‫من جنوب الجزيرة العربية!!! ولم تجتمع إليها أغنام قبائل‬
‫مكة!!! ولم يحل بها أمن أو أمان‪ ،‬بل إن أول ما حدث بعد رحيل‬
‫المسيح عليه السلم هو اضطهاد تلميذه وفرارهم في ربوع‬
‫الرض!‪ ،‬وتاريخ القدس على مر العصور خير شاهد على الظلم‬
‫والدمار وسفك الدماء‪ ،‬ول زالت القدس حتى الن تعاني الجراح‪،‬‬
‫وتشتكي اللم‪ ،‬ولزال شعارها المرفوع دائما هو الرض(مقابل‬
‫السلم!)‪ ...‬كما لم يزعم أحد من الولين أو الخرين أن الله قد‬

‫‪212‬‬
‫بعث المسيح عليه السلم لكي ينتقم به من أعدائه أو ليدوس‬
‫الشعوب المتمردة على ربها بقدمه ويرش عصيرهم على ثيابه‬
‫ضا على‬ ‫ويلطخ كل ملبسه!!‪ ،‬وبذلك فل يمكن حمل النص أي ً‬
‫المسيح عليه السلم‪..‬‬
‫إذن فمن يكون ذلك الخير الذي بعثه الله لصلح الرض بعد‬
‫إفسادها؟!!‬
‫من يكون ذاك الذي أيده الله بالقوة الروحية فبشر المساكين‬
‫وعصب منكسري القلب ونادى المسبيين بالعتق والمأسورين‬
‫بالطلق وعزى النائحين‪ ،‬وأيده بالقوة المادية فانتقم من أعداء‬
‫الله وداس الشعوب المتمردة على ربها بقدمه ورش عصيرهم‬
‫على ثيابه ولطخ كل ملبسه؟!!!‬
‫من يكون ذلك البهي المتعظم في كثرة قوته؟!!‬
‫من يكون إذن يا ترى؟!!!!‬
‫ويعود النص ليؤكد أن المن والسلم هما شعار هذه الرض؛‬
‫فيخبر أن أبوابها تفتح ول تغلق‪ ،‬وأنها ل يظلم فيها أحد بعد اليوم‬
‫ول يحل بها خراب‪:‬‬
‫‪ 11 :60‬وتنفتح أبوابك دائما نهاًرا وليل ً ل تغلق ليؤتى إليك بغنى‬
‫المم وتقاد ملوكهم‪.‬‬
‫‪ 18 :60‬ل يسمع بعد ظلم في أرضك ول خراب أو سحق في‬
‫حا‪.‬‬
‫صا وأبوابك تسبي ً‬
‫تخومك بل تسمين أسوارك خل ً‬
‫وهذا الكلم ل ينطبق أبدًا علي القدس كما قلنا‪ ..‬أليست القدس‬
‫هي أرض الظلم‪ ،‬وأرض الخراب‪ ،‬وأرض الحروب والنزاعات إلى‬
‫اليوم؟!!‬
‫أليست تهدم البيوت بالدبابات‪ ،‬ويقتل الغلمان بالرشاشات‪ ،‬ول‬
‫تكاد تسمع فيها سوى صوت النفجاريات؟!!‬
‫ثم إن أبوابها تغلق أكثر مما تفتح!!‪.‬‬
‫هل يصر الن عاقل أن هذا النص يتحدث عن القدس؟!!‬
‫إذا أصر على رأيه فإن عليه أن يقتل التاريخ‪ ،‬وإن لم يستطع أن‬
‫يقتل التاريخ فليقتل حتى آرييل شارون!!!‬
‫نواصل مع ابن تيميه‪:‬‬
‫قالوا‪( :‬وقال أشعياء النبي ونص على خاتم النبوة ولد لنا غلم‬
‫يكون عجبًا وبشًرا والشامة على كتفيه أركون السلم إله جبار‬
‫وسلطانه سلطان السلم وهو ابن عالمه يجلس على كرسي‬
‫داود قالوا الركون هو العظيم بلغة النجيل والراكنة المعظمون‬
‫ولما أبرأ المسيح مجنونًا من جنونه قال اليهود إن هذا ل يخرج‬
‫الشياطين من الدميين إل بأركون الشياطين يعنون عظيمهم‬
‫وقال المسيح في النجيل إن أركون العالم يدان يريد إما إبليس‬

‫‪213‬‬
‫أو الشرير العظيم الشر من الدميين وسماه إلهًا على نحو قول‬
‫ما عليه‬
‫التوراة إن الله جعل موسى إلها لفرعون أي حاك ً‬
‫ومتصرفًا فيه وعلى نحو قول داود للعظماء من قومه إنكم آلهة‬
‫فقد شهد أشعياء بصحة نبوة محمد ووصفه بأخص علماته‬
‫وأوضحها وهي شامته فلعمري لم تكن الشامة لسليمان ول‬
‫للمسيح وقد وصفه بالجلوس على كرسي داود يعني أنه سيرث‬
‫بني إسرائيل نبوتهم وملكهم‪.‬‬
‫والنص السابق أيضا له نص مشابه موجود للن في سفر أشعياء‪:‬‬
‫‪(7 – 6 :9‬الشعب السالك في الظلمة أبصر نوًرا عظيما الجالسون‬
‫في أرض ظلل الموت أشرق عليهم نور‪ ،‬أكثرت المة‪ ،‬عظم لها‬
‫الفرح‪ ،‬يفرحون أمامك كالفرح في الحصاد‪ ،‬كالذين يبتهجون‬
‫عندما يقتسمون غنيمة‪ ،‬لن نير ثقله وعصا كتفه وقضيب مسخره‬
‫كسرتهن كما في يوم مديان‪ ،‬لن كل سلح المتسلح في‬
‫الوغى(الحرب) وكل رداء مدحرج في الدماء يكون للحريق مأكلً‬
‫للنار‪ ،‬لنه يولد لنا ولد ونعطى ابنا وتكون الرياسة على كتفه‬
‫ويدعى اسمه عجيبًا مشيًرا إلها قديًرا أبًا أبديًا رئيس السلم لنمو‬
‫رياسته وللسلم ل نهاية‪ ،‬على كرسي داود وعلى مملكته ليثبتها‬
‫ويعضدها بالحق والبر من الن فصاعدًا غيرة رب الجنود تصنع‬
‫هذا)‪.‬‬
‫والملفت للنظر في النص السابق هو أن كلمة السلم الواردة‬
‫في النص يقول عنها القاموس النجليزي للكتاب المقدس أنها‬
‫بالعبرية (شيلميم)‪ ،‬وبذلك يتضح المعنى ويستقيم الكلم مرة‬
‫أخرى‪(:‬رئيس السلم لنمو رياسته وللسلم ل نهاية)‪..‬أليس هذا‬
‫أظهر للمعنى وأسلم للسياق أيضا؟!!‪ ..‬وهل هذا من قبيل‬
‫المصادفة أن تتكرر شيلميم في نبوءتين تشيران للنبي الكريم إل‬
‫أن يكون المقصود بها السلم نفسه؛ وإذا كان المقصود بها‬
‫السلم وليس السلم فلماذا لم تكن الكلمة(شالوم) كما هو‬
‫متعارف عليه في اللغة العبرية وفي نصوص الكتاب المقدس‬
‫الخرى؟!!‬
‫ويقول القاموس النجليزي للكتاب المقدس أن كلمة (شيلميم)‬
‫ضا في سفر اللويين ‪ ،29 :7‬والذي نلحظه هو أن‬ ‫قد وردت أي ً‬
‫الكلمة لم تترجم في النص العربي إلى السلم كما هو معتاد‬
‫ولكن ترجمت إلى(السلمة)!!‬
‫(كلم بني إسرائيل قائل ً الذي يقرب ذبيحة سلمته للرب يأتي‬
‫بقربانه)!!‬
‫ضا أن يقول(ذبيحة إسلمه‬ ‫أليس مما يستدعيه السياق أي ً‬
‫للرب)‪ ..‬حتى يستقيم الكلم ويظهر المعنى مرة أخرى؟!!!‬

‫‪214‬‬
‫صا آخر موجود للن بين نصوص الكتاب المقدس‬ ‫غير أن هناك ن ً‬
‫يحتوي على صفات لشخص يأتي بعد المسيح‪ ،‬وتلك الصفات لم‬
‫تخص أحدًا من العالمين سوى النبي – صلى الله عليه وسلم –‬
‫وهو ما جاء في رؤيا يوحنا ‪(16 – 10 :19‬فخررت أمام رجليه‬
‫لسجد له فقال لي انظر ل تفعل أنا عبد معك ومع أخوتك الذين‬
‫عندهم شهادة يسوع اسجد لله فإن شهادة يسوع هي روح‬
‫النبوة‪(،‬ثم) رأيت السماء مفتوحة وإذا فرس أبيض والجالس عليه‬
‫يدعى أمينًا وصادقًا!! وبالعدل يحكم ويحارب وعيناه لهيب نار‬
‫وعلى رأسه تيجان كثيرة وله اسم مكتوب ليس أحد يعرفه إل هو‬
‫وهو متسربل بقميص مغموس بدم ويدعى اسمه كلمة الله‬
‫والجناد الذين في السماء كانوا يتبعونه على خيل بيض لبسين‬
‫ضا ونقيًا ومن فمه يخرج سيف ماض ليضرب به المم وهو‬ ‫بًزا أبي ً‬
‫سيرعاهم بعصا من حديد وهو يدوس معصرة خمر سخط وغضب‬
‫الله القادر على كل شيء وله على ثوبه وعلى فخذه اسم‬
‫مكتوب ملك الملوك ورب الرباب)‪..‬‬
‫ضا أن يكون ذلك الذي رآه‬ ‫فهل يكون ذلك من قبيل المصادفة أي ً‬
‫يوحنا في الرؤيا يلقب بالصادق المين!! ويجلس على فرس‬
‫أبيض!! وبالعدل يحكم ويحارب!!‪ ..‬والنص يوضح أن الصادق‬
‫المين ليس مجرد صفة وإنما لقب يدعى به (والجالس عليه‬
‫يدعى صادقًا وأمينًا)‪.‬‬
‫وهل من قبيل المصادفة أيضا أن من صفاته السيف الذي‬
‫سيضرب به المم المتمردة على ربها ويرعاها بعصا من حديد!!‬
‫وأما اسمه الذي ل يعرفه غيره فلنه ليس من قومهم‪ ،‬ول لغته‬
‫هي لغتهم‪ ،‬وأحسب أن المقصود بالتيجان الكثيرة هو ميراثه لمم‬
‫الرض‪ ،‬واستعلئه عليها جميعًا‪ ،‬وكذلك المقصود بملك الملوك‬
‫ورب الرباب هنا هو إشارة إلى امتداد ملكه وعظمة حكمه‪،‬‬
‫ما في عظمة نبي السلم – صلى الله‬ ‫فالرض لم تشهد قط حاك ً‬
‫عليه وسلم‪ -‬كما أنها إشارة إلى أنه سيكون النبي الخاتم إمام‬
‫النبياء جميعًا‪ ،‬ول يمكن أن تشير إلى الله نفسه؛ لن الكلم من‬
‫البداية عن شخص يركب فرسا ً أبيض‪ ،‬ويدعى صادقًا وأمينًا‪ ،‬وأنه‬
‫سيحارب ويحاكم بالعدل‪ ،‬وسوف يكون وسيلة الله للتعبير عن‬
‫سخطه وغضبه على المم (وهو يدوس معصرة خمر سخط‬
‫وغضب الله القادر على كل شيء)‪)11(.‬‬
‫وليخبرنا من عنده علم الكتاب عن شخص أتى بعد المسيح أو‬
‫حتى قبله كان يلقب بالصادق المين‪ ،‬واجتمعت له صفات الحق‬
‫والعدل‪ ،‬ومحاربة المم المتمردة على ربها ‪ -‬غير رسول السلم‬
‫صلى الله عليه وسلم!!‬

‫‪215‬‬
‫ضا وحملها‬ ‫ومن بعض الصفات التي وردت في الكتاب المقدس أي ً‬
‫علماء المسلمين على الرسول صلى الله عليه وسلم ما جاء في‬
‫سفر نشيد النشاد ‪ ،9 :5‬حيث تصف أنثى لصاحباتها أوصاف من‬
‫تحبه‪ ،‬وتستفيض في شرح هذه الصفات الذي ل ينطبق الكثير‬
‫منها إل على النبي صلى الله عليه وسلم‪ ،‬وهي مما وصف به في‬
‫كتب الحديث مثل صحيح البخاري وغيره فتقول‪(:‬حبيبي أبيض‬
‫وأحمر معلم بين ربوة‪-‬عشرة آلف في النسخة النجليزية‪ -‬رأسه‬
‫ذهب إبريز قصصه مسترسلة حالكة كالغراب… يداه حلقتان من‬
‫ذهب مرصعتان بالزبرجد بطنه عاج أبيض مغلف بالياقوت‬
‫الزرق… حلقه حلوة وكله مشتهيات هذا حبيبي وهذا خليلي يا‬
‫بنات أورشليم)‪.‬‬
‫والملفت للنظر هنا ليس فقط تلك الصفات الواردة في النص‪،‬‬
‫ضا في كتب الحديث في وصف الرسول‪-‬صلى الله‬ ‫والتي وردت أي ً‬
‫ضا هو أن كلمة (كله‬ ‫عليه وسلم‪ ،-‬ولكن الملفت للنظر أي ً‬
‫مشتهيات)‪ ،‬والتي جاءت قبل عبارة (هذا هو حبيبي وهذا هو‬
‫خليلي)‪ ،‬والتي يتوقع أن يذكر اسم الشخص المقصود قبلها ‪ -‬هي‬
‫في النسخة العبرية (محمديم)‪ ،‬وتلك الزيادة المضافة‬
‫لكلمة(محمد) تستخدم للتعظيم في اللغة العبرية؛ مما يدل على‬
‫أن المقصود اسم وليس صفة‪ ..‬والجملة كما وردت في النسخة‬
‫النجليزية هكذا‪:‬‬
‫‪ He is(altogether lovely)(machmadim‬في العبرية) ‪this is my beloved and this is‬‬
‫‪.my friend o daughters of Jerusalem‬‬
‫وكلمة(‪(machmad‬في العبرية بدون الزيادة التي تستخدم للتعظيم(‬
‫‪ -)im‬تتألف من حروف ميم حيت ميم داليت‪ ،‬وهي نفس الحروف‬
‫التي تكون كلمة(محمد) في العربية‪ ،‬وتترجم إلى الحمد أحيانًا‪،‬‬
‫وإلى الشتهاء كما جاءت في النص أحيانًا‪ ،‬وإلى معان قريبة من‬
‫ذلك أحيانًا أخرى‪ ،‬إل أن زيادة التعظيم كما قلنا وموضع الكلمة‬
‫من الكلم يؤكد أنها اسم لشخص وليست صفة‪ ..‬وهل النسب‬
‫أن يقال‪(:‬إنه المشتهى العظيم هذا هو حبيبي وهذا هو خليلي) أم‬
‫أن يقال(إنه محمد العظيم هذا هو حبيبي وهذا هو خليلي)؟!!‬
‫ضا أن تأتي كلمة محمديم تحديدًا في‬ ‫فهل ذلك من المصادفة أي ً‬
‫الموضع الذي يتوقع ذكر اسم الشخص المقصود فيه؟!!‬
‫ومن النصوص التي ل تزال توجد للن في الكتاب المقدس وذكر‬
‫حا هو ما ورد في سفر‬ ‫بها اسم النبي صلى الله عليه وسلم صري ً‬
‫حجي ‪(9-6 :2‬لنه هكذا قال رب الجنود هي مرة بعد قليل فأزلزل‬
‫السماوات والرض والبحر واليابسة‪ ،‬وأزلزل كل المم ويأتي‬
‫مشتهى كل المم‪ ،‬فأمل هذا البيت مجدا قال رب الجنود‪ ،‬لي‬

‫‪216‬‬
‫الفضة ولي الذهب يقول رب الجنود‪ ،‬مجد هذا البيت الخير يكون‬
‫أعظم من مجد الول قال رب الجنود‪ ،‬وفي هذا المكان أعطي‬
‫السلم قال رب الجنود)‪..‬‬
‫وكلمة مشتهى التي وردت في النص هي ترجمة لكلمة ‪HEMDA‬‬
‫ضا هي نفس الحروف التي‬ ‫(حمدا) في العبرية‪ ،‬وحروفها أي ً‬
‫يشتق منه اسم النبي صلى الله عليه وسلم بالعربية؛ والعجيب‬
‫أن النصارى قالوا أن ‪ HEMDA‬هو المسيح عليه السلم وليس‬
‫محمد صلى الله عليه وسلم!!‬
‫وأحسب أن أي منصف عندما يقرأ النص السابق لن يجادل في‬
‫أن البيت المذكور بالنص هو البيت الحرام بمكة وأن السلم الذي‬
‫مل البيت هو السلم وأن ‪ HEMDA‬ليس أي واحد سوى محمد‬
‫صلى الله عليه وسلم‪.‬‬
‫ولست أدري من أجل من يعبث بآيات الله وكتبه هكذا!!‬
‫من أجل من يترجم السلم إلى السلم والسلمة تارة‪،‬‬
‫ومحمديم وحمدا إلى المشتهى تارة‪ ،‬والمميين إلى المم تارة‪،‬‬
‫وبكة إلى البكاء تارة أخرى؟!!‬
‫أمن أجل الله؟!‪ ..‬أم محمد؟!!‪ ..‬أم المسيح؟!!!‬
‫فليفرح إبليس اللعين إذن‪ ،‬وليسعد قلبه؛ فمن أجل عيونه يعصى‬
‫الله‪ ،‬وتبدل كتبه‪ ،‬ويكذب رسله!!‬
‫وليهنأ الحقد والهوى‪ ،‬وليهنأ التعصب العمى؛ فمن أجله تشترى‬
‫الدنيا بالخرة‪ ،‬والعذاب بالمغفرة‪ ،‬ونيران الجحيم بجنات النعيم!!‬
‫فما أجرأه على الله ما أجرأه!‪ ،‬وما أصبره على النار ما أصبره!‪،‬‬
‫وما أظلمه وما أجرمه!‪ ،‬وما أفجره وما أحقره!‪ ..‬من ضلت نفسه‬
‫حسدًا‪ ..‬وأضل وراءه أمما‪..‬‬
‫نواصل مع ابن تيميه‪:‬‬
‫قالوا‪( :‬وقال أشعياء والمراد مكة أنا رسمتك على كفي وسيأتيك‬
‫أولدك سراع ًا ويخرج عنك من أراد أن يخيفك ويخونك فارفعي‬
‫بصرك إلى ما حولك فإنهم سيأتونك ويجتمعون إليك فتسمي‬
‫باسمي إني أنا الحي لتلبسي الحلل وتزيني بالكليل مثل العروس‬
‫ولتضيقن خراباتك من كثرة سكانك والداعين فيك وليهابن كل‬
‫من يناوئك وليكثرن أولدك حتى تقولي من رزقني هؤلء كلهم‬
‫وأنا وحيدة فريدة يرون رقوب فمن ربى لي هؤلء ومن تكفل لي‬
‫بهم قالوا وذلك إيضاح من أشعياء بشأن الكعبة فهي التي ألبسها‬
‫الله الحلل الديباج الفاخرة ووكل بخدمتها الخلفاء والملوك ومكة‬
‫هي التي ربا الله لها الولد من حجاجها والقاطنين بها وذلك أن‬
‫مكة هي التي أخرج عنها كل من أن أراد أن يخيفها ويخربها فلم‬
‫تزل عزيزة مكرمة محرمة لم يهنها أحد من البشر قط بل‬

‫‪217‬‬
‫أصحاب الفيل لما قصدوها عذبهم الله العذاب المشهور ولم تزل‬
‫عامرة محجوجة من لدن إبراهيم الخليل بخلف بيت المقدس‬
‫فإنه قد أخرب مرة بعد مرة وخل من السكان واستولى العدو‬
‫عليه وعلى أهله وكذلك إخباره بإهانة كل من يناوئها هو للكعبة‬
‫دون بيت المقدس قال تعالى‪(:‬ومن يرد فيه بإلحاد بظلم نذقه‬
‫من عذاب أليم)‪.‬‬
‫قالوا وقال أشعياء حاكيًا عن الله تعالى أشكر حبي وابني أحمد‬
‫فسماه الله حبيبًا وسماه ابنًا وداود ابنًا غير أن الله خصه عليهم‬
‫بمزية فقال حبي ابني أشكره فتعبد أشعياء بشكر محمد ووظف‬
‫عليه وعلى قومه شكره وإجلله ليتبين قدره ومنزلته عنده وتلك‬
‫منقبة لم يؤتها غيره من الرسل وقال أشعياء إنما سمعنا من‬
‫أطراف الرض صوت محمد وهذا إفصاح من أشعياء باسم رسول‬
‫حا سوى‬‫الله فليرنا أهل الكتاب نبيًا نصت التوراة على اسمه صري ً‬
‫رسول الله‪.‬‬
‫ما امتلء السماء من بهاء أحمد بأنوار اليمان والقرآن التي‬
‫ظهرت منه ومن أمته وامتلء الرض من حمده وحمد أمته في‬
‫صلواتهم فأمر ظاهر فإن أمته هم الحمادون ل بد لهم من حمد‬
‫الله في كل صلة وخطبة ول بد لكل مصل في كل ركعة من أن‬
‫يقول الحمد لله رب العالمين‪ ...‬فهم يفتحون القيام في الصلة‬
‫بالتحميد ويختمونها بالتحميد وإذا رفعوا رؤوسهم من الركوع‬
‫يقول إمامهم سمع الله لمن حمده ويقولون جميعًا ربنا ولك‬
‫الحمد ويختمون صلتهم بتحميد يجعل التحيات له والصلوات‬
‫والطيبات وأنواع تحميدهم لله مما يطول وصفه‪.‬‬
‫وقال دانيال عليه السلم وذكر محمد رسول الله باسمه فقال‬
‫ستنزع في قسيك إغراقًا وترتوي السهام بأمرك يا محمد ارتواء‬
‫فهذا تصريح بغير تعريض وتصحيح ليس فيه تمريض فإن نازع في‬
‫ذلك منازع فليوجدنا آخر اسمه محمد له سهام تنزع وأمر مطاع‬
‫ل يدفع‪..‬‬
‫الدين والدولة لعلي بن الطبري‪:‬‬
‫وقد كان صاحب هذا الكتاب نصرانيًا وهداه الله للسلم وتوفى‬
‫في عام ‪247‬هجرية‪ ،‬ويقول في كتابه‪:‬جاء في سفر أشعياء‪(:‬إني‬
‫جعلت اسمك محمدًا يا محمد يا قدوس الرب اسمك موجود من‬
‫البد)‪.‬‬
‫ضا في نفس الكتاب الذي كتبه قبل أكثر من ألف سنة‪:‬‬ ‫ويقول أي ً‬
‫جاء في سفر حبوق‪(:‬إن الله جاء من التيمان والقدوس من جبل‬
‫فاران‪ ،‬لقد أضاءت السماء من بهاء محمد وامتلت الرض من‬
‫حمده)‪.‬‬

‫‪218‬‬
‫والنبوءة السابقة التي ذكرها صاحب كتاب الدين والدولة منذ‬
‫أكثر من ألف عام هي نفس النبؤة التي ذكرناها قبل ذلك ولكن‬
‫حا‪ ،‬وأيضا‬ ‫غير متضمنة اسم النبي –صلى الله عليه وسلم – صري ً‬
‫كلمة(حمده) مذكورة بدل من(تسبيحه)‪ ..‬والكلمة كما وردت في‬
‫النسخة النجليزية هي ‪praise‬وترجمتها بالعربية التسبيح و(الحمد)‬
‫ضا‪..‬‬
‫أي ً‬
‫وكتب التراث التي كتبها العلماء الفاضل من علماء المسلمين‬
‫تحفل بالبشارات التي تتحدث عن النبي –صلى الله عليه وسلم‪-‬‬
‫في الكتاب المقدس‪ ،‬ويكفينا ما نقلناه لكم لبيان ما أردنا‬
‫قوله‪(..‬الذين آتيناهم الكتاب يعرفونه كما يعرفون أبناءهم وإن‬
‫كثيرا منهم ليكتمون الحق وهم يعلمون) البقرة ‪.146‬‬
‫(الذين آتيناهم الكتاب يعرفونه كما يعرفون أبناءهم الذين خسروا‬
‫أنفسهم فهم ل يؤمنون) النعام ‪20‬‬
‫أمة واحدة‪:‬‬
‫قال الله تعالى‪(:‬إن هذه أمتكم أمة واحدة وأنا ربكم فاعبدون)‬
‫النبياء‪92 :‬‬
‫هناك أمور إسلمية عديدة‪ :‬كالصوم‪ ،‬والصلة‪ ،‬والزكاة‪ ،‬والجهاد‪،‬‬
‫والحجاب‪ ،‬وأصول العقيدة‪ ،‬وغيرها ‪ -‬قد وردت في الكتاب‬
‫المقدس‪ ،‬وإنما نفرد تلك المور المشتركة بين الكتب السماوية‬
‫في هذا العمل لنبين أن ما جاء به النبياء جميعًا ل يختلف في‬
‫مضمونه وفي أهدافه عن بعضه البعض‪ ..‬ولذلك يقول الله في‬
‫سورة النبياء(إن هذه أمتكم أمة واحدة وأنا ربكم فاعبدون)‪..‬‬
‫ونذكر هنا كلمة النجاشي عظيم الحبشة حينما عرض عليه جعفر‬
‫بن أبى طالب أمور من التي يدعو إليها السلم فرد النجاشي‬
‫قائل‪(:‬إن هذا وما أتى به المسيح ليخرجان من مشكاة واحدة)‪..‬‬
‫لنقرأ الن بعض اليات التي وردت في الكتاب المقدس والقرآن‬
‫الكريم‪ ،‬والتي تبين أن نبع الهداية في كل الرسالت السماوية‬
‫واحد‪ ،‬وأن أصل التشريع كله هو من لدن عزيز حكيم‪ ..‬وكفى‬
‫بكلم الله هاديا ودليل‪.‬‬
‫الصلة‬
‫بعض ما ورد في الكتاب المقدس‬
‫ورد في سفر التكوين الصحاح ‪ 17‬الفقرة ‪:3 ،2 ،1‬‬
‫‪ 1 :17‬و لما كان إبرام ابن تسع و تسعين سنة ظهر الرب لبرام و‬
‫قال له أنا الله القدير سر أمامي و كن كاملً‪.‬‬
‫‪ 2 :17‬فاجعل عهدي بيني و بينك وأكثرك كثيًرا جدًا‪.‬‬
‫‪ 3 :17‬فسقط إبرام على وجهه و تكلم الله معه قائل‪.‬‬
‫وورد في رؤيا يوحنا الصحاح ‪ 7‬الفقرة ‪:11‬‬

‫‪219‬‬
‫‪ 11:7‬وجميع الملئكة كانوا واقفين حول العرش والشيوخ‬
‫والحيوانات أربع وخروا أمام العرش علي وجوههم وسجدوا لله‪.‬‬
‫وورد في المزمور ‪ 95‬الفقرة ‪:6‬‬
‫‪ 6:95‬هلم نسجد ونركع ونجثو أمام الرب خالقنا‪.‬‬
‫وورد في سفر الخروج الصحاح ‪ 34‬الفقرة ‪:8‬‬
‫فأسرع موسى وخر إلى الرض وسجد‪.‬‬
‫بعض ما ورد في القرآن الكريم‬
‫َ‬ ‫ن بِاللّهِ وَالْيَوْم ِ ال ِ‬
‫صلَةَ‬ ‫م ال َّ‬ ‫خرِ وَأقَا َ‬ ‫م َ‬ ‫نآ َ‬ ‫م ْ‬ ‫جد َ اللّهِ َ‬ ‫سا ِ‬ ‫م َ‬ ‫مُر َ‬ ‫ما يَعْ ُ‬ ‫(إِن َّ َ‬
‫خش إل َّ الل ّه فَعسى أُولَـئ ِ َ َ‬
‫ن‬‫م َ‬ ‫ك أن يَكُونُوا ْ ِ‬ ‫ْ‬ ‫َ َ َ‬ ‫م يَ ْ َ ِ‬ ‫وَآتَى الَّزكَاة َ وَل َ ْ‬
‫ن ) التوبة‪.18 :‬‬ ‫َ‬ ‫مهْتَدِي‬ ‫ُ‬ ‫ال ْ‬
‫َ‬
‫ب‬‫ن بِالْغَي ْ ِ‬ ‫منُو َ‬ ‫ن يُؤْ ِ‬ ‫ن ال ّذ ِ َي َ‬ ‫متَّقِي َ‬ ‫ب فِيهِ هُدًى ل ِّل ْ ُ‬ ‫ب ل َ َري ْ َ‬ ‫ك الْكِتَا ُ‬ ‫(ذَل ِ َ‬
‫ما أُنزِ َ‬
‫ل‬ ‫ن بِ َ‬ ‫منُو َ‬ ‫ن يُؤ ْ ِ‬ ‫ن وال ّذِي َ‬ ‫م يُنفِقُو َ‬ ‫ما َرَزقْنَاهُ ْ‬ ‫م َّ‬ ‫صلة َ وَ ِ‬ ‫ن ال َّ‬ ‫مو َ‬ ‫وَيُقِي ُ‬
‫ن) البقرة‪.4 – 2:‬‬ ‫من قَبْل ِ َ‬ ‫ما أنزِ َ‬ ‫ُ‬ ‫إِلَي ْ َ‬
‫م يُوقِنُو َ‬ ‫خَرةِ هُ ْ‬ ‫ك وَبِال ِ‬ ‫ل ِ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫كو‬
‫َ‬
‫ت ع َلَيْهِ ْ‬
‫م‬ ‫م وَإِذ َا تُلِي َ ْ‬ ‫ت َ قُلُوبُهُ ْ‬ ‫جل َ ْ‬ ‫ه وَ ِ‬ ‫ن إِذ َا ذ ُكَِر الل ّ ُ‬ ‫َ‬ ‫ن ال ّذِي‬ ‫منُو َ‬ ‫مؤ ْ ِ‬ ‫ما ال ْ ُ‬ ‫(إِن َّ َ‬
‫َ‬
‫صلَةَ‬ ‫ن ال َّ‬ ‫مو َ‬ ‫ن يُقِي َ ُ‬ ‫ن ال ّذِي َ‬ ‫م يَتَوَك ّلُو َ‬ ‫مانًا وَع َلَى َربِّهِ ْ‬ ‫م إِي َ‬ ‫ه َزادَتْهُ ْ‬ ‫آيَات ُ ُ‬
‫ّ‬ ‫ً‬ ‫ْ‬ ‫ن أوْلـئ ِ َ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫م َّ‬
‫عندَ‬ ‫ت ِ‬ ‫جا ٌ‬ ‫م دََر َ‬ ‫ح ّقا لهُ ْ‬ ‫ن َ‬ ‫منُو َ‬ ‫مؤ ْ ِ‬ ‫م ال ُ‬ ‫ك هُ ُ‬ ‫م يُنفِقُو َ‬ ‫ما َرَزقْنَاهُ ْ‬ ‫وَ ِ‬
‫م ) النفال‪.4 – 2 :‬‬ ‫ٌ‬ ‫مغْفَِرة ٌ وَرِْزقٌ كَرِي‬ ‫م وَ َ‬ ‫َرب ِّهِ ْ‬
‫َ‬ ‫(وَأَقِم ِ ال َّ‬
‫ن‬‫ت يُذْهِب ْ َ‬ ‫سنَا ِ‬ ‫ح َ‬ ‫ن ال ْ َ‬ ‫ل إ ِ َّ‬ ‫ن الل ّي ْ ِ‬ ‫م َ‬ ‫ي النَّهَارِ وَُزلَفًا ِّ‬ ‫صلَة َ طََرفَ ِ‬
‫َ‬
‫ن) هود‪115 – 114 :‬‬ ‫ك ذِكَْرى لِلذ ّاكِرِي َ‬ ‫ت ذَل ِ َ‬
‫َ‬
‫سـيِّئَا ِ‬ ‫ال َّ‬
‫ن َرب ِّي‬ ‫حقَ إ ِ َّ‬ ‫س َ‬ ‫ل وَإ ِ ْ‬ ‫عي َ‬ ‫ما ِ‬ ‫س َ‬ ‫ب لِي ع َلَى الْكِبَرِ إ ِ ْ‬ ‫مد ُ لِلّهِ ال ّذِي وَهَ َ‬ ‫ح ْ‬ ‫(ال ْ َ‬
‫ميعُ الدُّع َاء) إبراهيم‪40 – 39 :‬‬ ‫س ِ‬ ‫لَ َ‬
‫َ‬
‫سًّرا‬ ‫م ِ‬ ‫ما َرَزقْنَاهُ ْ‬ ‫م َّ‬ ‫فقُوا ْ ِ‬ ‫صلَة َ وَيُن ِ‬ ‫موا ْ ال َّ‬ ‫قي ُ‬ ‫منُوا ْ ي ُ ِ‬ ‫نآ َ‬ ‫َ‬ ‫(قُل ل ِّعِبَادِيَ ال ّذِي‬
‫ْ‬
‫ل) إبراهيم‪31 :‬‬ ‫خل َ ٌ‬ ‫م ل َّ بَيْعٌ فِيهِ وَل َ ِ‬ ‫ي يَوْ ٌ‬ ‫ل أن يَأت ِ َ‬
‫ة من قَب َ‬
‫ْ ِ‬ ‫وَع َلنِي َ ً ِّ‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫ما‬ ‫م َّ‬ ‫فقُوا ْ ِ‬ ‫صلَة َ وَأن َ‬ ‫موا ْ ال َّ‬ ‫م وَأقَا ُ‬ ‫جهِ َربِّهِ ْ‬ ‫صبَُروا ْ ابْتِغَاء وَ ْ‬ ‫ن َ‬ ‫(وَال ّذِي َ‬
‫م عُقْبَى‬ ‫ك لَهُ ْ‬ ‫ة أُوْلَئ ِ َ‬ ‫سيِّئ َ َ‬ ‫سنَةِ ال َّ‬ ‫ح َ‬ ‫ن بِال ْ َ‬ ‫ة وَيَدَْرؤ ُو َ‬ ‫سًّرا وَع َلَنِي َ ً‬ ‫م ِ‬ ‫َرَزقْنَاهُ ْ‬
‫َ‬
‫م‬
‫جهِ ْ‬ ‫م وَأْزوَا ِ‬ ‫ن آبَائِهِ ْ‬ ‫م ْ‬ ‫ح ِ‬ ‫صل َ َ‬ ‫ن َ‬ ‫م ْ‬ ‫خلُون َ َها وَ َ‬ ‫ن يَد ْ ُ‬ ‫ت عَد ْ ٍ‬ ‫جنَّا ُ‬ ‫الدَّارِ * َ‬
‫ما‬ ‫م ع َلَيْكُم ب ِ َ‬ ‫سل َ ٌ‬ ‫ب* َ‬ ‫ل بَا ٍ‬ ‫من ك ُ ِّ‬ ‫ن ع َلَيْهِم ِّ‬ ‫خلُو َ‬ ‫ة يَد ْ ُ‬ ‫ملَئِك َ ُ‬ ‫م وَال َ‬ ‫وَذُّرِيَّاتِهِ ْ‬
‫م عُقْبَى الدَّارِ) الرعد‪.24 – 22 :‬‬ ‫م فَنِعْ َ‬ ‫رت ُ ْ‬ ‫صب َ ْ‬ ‫َ‬
‫ْ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ّ‬
‫ضبُوا هُ ْ‬
‫م‬ ‫ما غ َ ِ‬ ‫ش وَإِذ َا َ‬ ‫ح َ‬ ‫ن كبَائَِر الِثْم ِ وَالفَوَا ِ‬ ‫جتَنِبُو َ‬ ‫ن يَ ْ‬ ‫(وَالذِي َ‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫شوَرى‬ ‫م ُ‬ ‫مُرهُ ْ‬ ‫صَلة َ وَأ ْ‬ ‫موا ال َّ‬ ‫م َ وَأقَا ُ‬ ‫جابُوا لَِربِّهِ ْ‬ ‫ست َ َ‬ ‫نا ْ‬ ‫ن وَال ّذِي َ‬ ‫يَغْفُِرو َ‬
‫ْ‬ ‫َ‬ ‫ّ‬ ‫م َّ‬
‫م‬‫ي هُ ْ‬ ‫م البَغْ ُ‬ ‫صابَهُ ُ‬ ‫ن إِذ َا أ َ‬ ‫ن وَالذِي َ‬ ‫فقُو َ‬ ‫م يُن ِ‬ ‫ما َرَزقْنَاهُ ْ‬ ‫م وَ ِ‬ ‫بَيْنَهُ ْ‬
‫جُره ُ ع َلَى‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫ح فَأ ْ‬ ‫صل َ َ‬ ‫ن عَفَا وَأ ْ‬ ‫م ْ‬ ‫مثْلُهَا فَ َ‬ ‫ة ِّ‬ ‫سي ِّئ َ ٌ‬ ‫سي ِّئَةٍ َ‬ ‫جَزاء َ‬ ‫ن وَ َ‬ ‫صُرو َ‬ ‫يَنت َ ِ‬
‫َّ‬ ‫اللَّهِ إِن َّ‬
‫ن) الشورى‪.40 – 37 :‬‬ ‫َ‬ ‫مي‬ ‫ب الظال ِ ِ‬ ‫ح ُّ‬ ‫ه َل ي ُ ِ‬ ‫ُ‬
‫َ‬ ‫ك ال َّ‬ ‫(أَقِم ِ ال َّ‬
‫ن‬‫جرِ إ ِ َّ‬ ‫ن الْفَ ْ‬ ‫ل وَقُْرآ َ‬ ‫ِ‬ ‫ق الل ّي ْ‬ ‫ِ‬ ‫س‬‫س إِلَى غ َ َ‬ ‫ِ‬ ‫م‬
‫ْ‬ ‫ش‬ ‫صلَة َ لِدُلُو ِ‬
‫سى أَن‬ ‫ك عَ َ‬ ‫ة ل َّ َ‬ ‫جد ْ بِهِ نَافِل َ ً‬ ‫ل فَتَهَ َّ‬ ‫ن الل ّي ْ ِ‬
‫َ‬
‫م َ‬ ‫ش ُهودًا وَ ِ‬ ‫م ْ‬ ‫ن َ‬ ‫جرِ كَا َ‬ ‫ن الْفَ ْ‬ ‫قُْرآ َ‬
‫َ‬
‫ق‬ ‫صد ْ ٍ‬ ‫ل ِ‬ ‫خ َ‬ ‫مد ْ َ‬ ‫خلْنِي ُ‬ ‫َ‬
‫ب أد ْ ِ‬ ‫مودًا وَقُل َّر ِّ‬ ‫ح ُ‬ ‫م ْ‬ ‫ما َّ‬ ‫مقَا ً‬ ‫ك َ‬ ‫ك َرب ُّ َ‬ ‫يَبْعَث َ َ‬
‫ل‬‫صيًرا وَقُ ْ‬ ‫سلْطَانًا ن َّ ِ‬ ‫ك ُ‬ ‫من ل ّدُن َ‬ ‫جعَل ل ِّي ِ‬ ‫ق وَا ْ‬ ‫صد ْ ٍ‬ ‫ج ِ‬ ‫خَر َ‬ ‫م ْ‬ ‫جنِي ُ‬ ‫خرِ ْ‬ ‫وَأ َ ْ‬

‫‪220‬‬
‫ن‬‫ن الْقُْرآ ِ‬ ‫م َ‬ ‫ل ِ‬ ‫ن َزهُوقًا وَنُنَّزِ ُ‬
‫َّ‬
‫ل كَا َ‬ ‫ن الْبَاط ِ َ‬ ‫ل إ ِ َّ‬ ‫حقُّ وََزهَقَ الْبَاط ِ ُ‬ ‫جاء ال ْ َ‬ ‫َ‬
‫َ‬ ‫ّ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫ّ‬
‫ساًرا)‬ ‫خ َ‬ ‫ن إل َ‬ ‫مي َ‬ ‫ن وَل يَزِيد ُ الظال ِ ِ‬ ‫منِي َ‬ ‫مؤْ ِ‬ ‫ة لِل ُ‬ ‫م ٌ‬ ‫ح َ‬ ‫شفَاء وََر ْ‬ ‫و ِ‬ ‫ما هُ َ‬ ‫َ‬
‫السراء‪.82 – 78 :‬‬
‫الصوم‬
‫بعض ما ورد في الكتاب المقدس‬
‫ورد في إنجيل متي الصحاح ‪ 4‬الفقرة ‪:2‬‬
‫‪ 2:4‬فبعدما صام أربعين نهاًرا وأربعين ليلة جاع أخيًرا‪.‬‬
‫وورد في إنجيل لوقا الصحاح ‪ 5‬الفقرة ‪:33‬‬
‫‪ 33:5‬وقالوا له لماذا يصوم تلميذ يوحنا كثيًرا ويقدمون طلبات‬
‫وكذلك تلميذ الفريسيين أيضا وأما تلميذك فيأكلون ويشربون‪.‬‬
‫بعض ما ورد في القرآن الكريم‪:‬‬
‫ن هُدًى ل ِّلن َّ‬ ‫ل فِيهِ ال ْ‬ ‫َ‬ ‫شهر رمضان الَّذي أ ُ‬
‫ن‬‫م َ‬ ‫ت ِّ‬ ‫س وَبَيِّنَا ٍ‬ ‫ِ‬ ‫ا‬ ‫ُ‬ ‫رآ‬‫ْ‬ ‫ق‬
‫ُ‬ ‫ِ‬ ‫نز‬ ‫ِ َ‬ ‫( َ ْ ُ َ َ َ َ‬
‫م ال َّ‬
‫من كَا َ‬
‫ن‬ ‫ه َو َ‬ ‫م ُ‬ ‫شهَْر فَلْي َ ُ‬
‫ص ْ‬ ‫منك ُ ُ‬ ‫شهِد َ ِ‬ ‫من َ‬ ‫ن فَ َ‬ ‫الْهُدَى وَالْفُْرقَا ِ‬
‫سَر وَلَ‬ ‫م الْي ُ ْ‬ ‫ه بِك ُ ُ‬ ‫خَر يُرِيد ُ الل ّ ُ‬ ‫ن أَيَّام ٍ أ ُ َ‬ ‫م ْ‬ ‫سفَرٍ فَعِدَّة ٌ ِّ‬ ‫ضا أوْ ع َلَى َ‬
‫َ‬
‫مري ً‬ ‫َ ِ‬
‫م‬ ‫ُ‬
‫ما هَدَاك ْ‬ ‫ه ع َلى َ‬ ‫َ‬ ‫ّ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬
‫ملوا العِد ّة َ وَلِتُكبُِّروا الل َ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫ْ‬ ‫ُ‬ ‫ْ‬
‫سَر وَلِتُك ِ‬ ‫م العُ ْ‬ ‫ْ‬ ‫ُ‬
‫يُرِيد َُ بِك ُ‬
‫ن) البقرة‪185 :‬‬ ‫شكُُرو َ‬ ‫م تَ ْ‬ ‫وَلَعَل ّك ُ ْ‬
‫الحج‬
‫بعض ما ورد في الكتاب المقدس‬
‫ورد في مزمور ‪ 84‬الفقرة ‪:2‬‬
‫‪ 2:84‬عابرين في وادي بكة يصيرونه ينبوع ًا‪.‬‬
‫بعض ما ورد في القرآن الكريم‬
‫َ‬ ‫ْ‬ ‫ّ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ن أَوَّ َ‬
‫ن فِيهِ‬ ‫مي َ‬ ‫مبَاَركا وَهُدًى لِل َعال ِ‬ ‫ً‬ ‫ة ُ‬ ‫س لَل ّذِي بِبَك َ‬
‫ّ‬ ‫ضعَ لِلن ّا ِ‬
‫َ‬ ‫ت وُ ِ‬ ‫ل بَي ْ ٍ‬ ‫(إ ِ َّ‬
‫س‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ّ‬ ‫ه كَا َ‬ ‫خل َ ُ‬ ‫ت َّ‬
‫منًا وَلِلهِ ع َلى الن ّا ِ‬ ‫نآ ِ‬ ‫من د َ َ‬ ‫م وَ َ‬ ‫م إِبَْراهِي َ‬ ‫مقَا ُ‬ ‫ت بَي ِّـنَا ٌ‬ ‫آيَا ٌ‬
‫ن‬
‫ي عَ ِ‬ ‫ن الله غَن ِ ٌّ‬ ‫من كَفََر فَإ ِ َّ‬ ‫سبِيل ً وَ َ‬ ‫ستَطَاع َ إِلَيْهِ َ‬ ‫نا ْ‬ ‫م ِ‬‫ت َ‬ ‫ج الْبَي ْ ِ‬ ‫ح ُّ‬ ‫ِ‬
‫ن) آل عمران‪97 – 96 :‬‬ ‫مي َ‬ ‫َ‬
‫العَال ِ‬ ‫ْ‬
‫َ‬
‫سوقَ‬ ‫ث وَل َ فُ ُ‬ ‫ج فَل َ َرفَ َ‬ ‫ح َّ‬ ‫ن ال ْ َ‬ ‫ض فِيهِ َّ‬ ‫من فََر َ‬ ‫ت فَ َ‬ ‫ما ٌ‬ ‫معْلُو َ‬ ‫شهٌُر َّ‬ ‫جأ ْ‬ ‫ح ُّ‬ ‫(ال ْ َ‬
‫ن‬‫ه وَتََزوَّدُوا ْ فَإ ِ َّ‬ ‫ه الل ّ ُ‬ ‫م ُ‬ ‫خيْرٍ يَعْل َ ْ‬ ‫ن َ‬ ‫م ْ‬ ‫ما تَفْعَلُوا ْ ِ‬ ‫ج وَ َ‬ ‫ح ِّ‬ ‫ل فِي ال ْ َ‬ ‫جدَا َ‬ ‫وَل َ ِ‬
‫َ‬ ‫ُ‬
‫ب) البقرة‪197 :‬‬ ‫ن يَا أوْلِي اللْبَا ِ‬ ‫خيَْر الَّزاد ِ التَّقْوَى وَاتَّقُو ِ‬ ‫َ‬
‫الحجاب‬
‫بعض ما ورد في الكتاب المقدس‬
‫ورد في رسالة بولس الولى إلى أهل كورنثوس الصحاح ‪11‬‬
‫الفقرة ‪(5‬إذا المرأة إن كانت ل تتغطى فليقص شعرها)‪.‬‬
‫وورد في نشيد النشاد‪:‬‬
‫‪ 1 :4‬ها أنت جميلة يا حبيبتي ها أنت جميلة عيناك حمامتان من‬
‫تحت نقابك‪...‬‬
‫بعض ما ورد في القرآن الكريم‬

‫‪221‬‬
‫(وقل للمؤمنات يغضضن من أبصارهن ويحفظن فروجهن ول‬
‫يبدين زينتهن إل ما ظهر منها وليضربن بخمرهن على جيوبهن)‬
‫النور‪31:‬‬
‫تحية السلم‬
‫بعض ما ورد في الكتاب المقدس‬
‫جاء في إنجيل لوقا الصحاح ‪ 10‬الفقرة ‪(5‬وأي بيت دخلتموه‬
‫فقولوا أول سلم لهذا البيت)‬
‫بعض ما ورد في القران الكريم‬
‫(يا أيها الذين آمنوا ل تدخلوا بيوتًا غير بيوتكم حتى تستأنسوا‬
‫وتسلموا على أهلها) النور‪27:‬‬
‫الجهاد‬
‫بعض ما ورد في الكتاب المقدس‬
‫ورد في سفر العدد في بداية الصحاح ‪(31‬وكلم الرب موسى قائلً‬
‫انتقم نقمة لبنى إسرائيل من المديانيين‪ ،‬فكلم موسى الشعب‬
‫قائل ً جردوا رجال ً فيكونوا على مديان ألفًا واحدًا من كل سبط‬
‫من جميع أسباط بنى إسرائيل ترسلون للحرب)‪.‬‬
‫بعض ما ورد في القرآن الكريم‬
‫َ‬
‫م فِي‬ ‫ل ع َلَيْك ُ ْ‬‫جعَ َ‬ ‫ما َ‬ ‫م وَ َ‬ ‫جتَبَاك ُ ْ‬‫ه هُوَ ا ْ‬ ‫جهَاد ِ ِ‬ ‫حقَّ ِ‬ ‫جاهِدُوا فِي الل ّهِ َ‬
‫َ‬
‫(وَ َ‬
‫َ‬
‫من قَب ْ ُ‬
‫ل‬ ‫ن ِ‬ ‫سلِمي َ‬ ‫م ْ‬ ‫م ال ْ ُ‬
‫ماك ُ ُ‬ ‫س َّ‬‫م هُوَ َ‬ ‫م إِبَْراهِي َ‬‫ة أبِيك ُ ْ‬ ‫مل ّ َ‬‫ج ِّ‬ ‫حَر ٍ‬‫ن َ‬ ‫م ْ‬ ‫ن ِ‬ ‫الدِّي ِ‬
‫شهَدَاء ع َلَى‬ ‫م وَتَكُونُوا ُ‬ ‫شهِيدًا ع َلَيْك ُ ْ‬ ‫ل َ‬ ‫سو ُ‬ ‫ن الَّر ُ‬ ‫وَفِي هَذ َا لِيَكُو َ‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫موَْلك ُ ْ‬
‫م‬ ‫ه هُوَ َ‬ ‫موا بِالل ّ ِ‬ ‫ص ُ‬‫صَلة َ وَآتُوا الَّزكَاة َ وَاع ْت َ ِ‬ ‫موا ال َّ‬ ‫س فَأقِي ُ‬ ‫َ‬
‫الن ّا ِ‬
‫ر) الحج‪78 :‬‬ ‫صي ُ‬ ‫م الن َّ ِ‬ ‫موْلَى وَنِعْ َ‬ ‫م ال ْ َ‬‫فَنِعْ َ‬
‫(إن الذين آمنوا والذين هاجروا وجاهدوا في سبيل الله أولئك‬
‫يرجون رحمة الله والله غفور رحيم) البقرة‪218 :‬‬
‫(انفروا خفافًا وثقال ً وجاهدوا بأموالكم وأنفسكم في سبيل الله‬
‫ذلكم خير لكم إن كنتم تعلمون) التوبة‪41 :‬‬
‫الختان‬
‫بعض ما ورد في الكتاب المقدس‬
‫ورد في سفر التكوين الصحاح ‪ 17‬الفقرة ‪(24،25‬وكان إبراهيم ابن‬
‫تسع وتسعين سنة حين ختن في لحم غرلته وكان إسماعيل ابنه‬
‫ابن ثلث عشرة سنة حين ختن في لحم غرلته)‪.‬‬
‫من أقوال نبي السلم‬
‫(خمس من الفطرة‪ :‬الستحداد(حلق العانة) والختان وقص‬
‫الشارب ونتف البط وتقليم الظافر) متفق عليه‪.‬‬
‫الضاحي‬
‫بعض ما ورد في الكتاب المقدس‬

‫‪222‬‬
‫ورد في سفر الملوك الول الصحاح ‪ 8‬الفقرة ‪(:63 ،62‬ثم إن‬
‫الملك وجميع إسرائيل معه ذبحوا ذبائح أمام الرب وذبح سليمان‬
‫ذبائح السلمة التي ذبحها للرب من البقر اثنين وعشرين ألفا‬
‫ومن الغنم مائة ألف وعشرين ألفًا)‪.‬‬
‫بعض ما ورد في القرآن الكريم‬
‫(وأتموا الحج والعمرة لله فإن أحصرتم فما استيسر من الهدي)‬
‫البقرة ‪196‬‬
‫الزكاة‬
‫بعض ما ورد في الكتاب المقدس‬
‫ورد في سفر العدد الصحاح ‪ 31‬الفقرة ‪:38 ،37‬‬
‫(وكانت الزكاة للرب من الغنم ست مائة وخمسة وسبعين والبقر‬
‫ستة وثلثين ألفا وزكاتها للرب اثنين وسبعين)‪.‬‬
‫بعض ما ورد في القرآن الكريم‬
‫(وأقيموا الصلة وآتوا الزكاة وما تقدموا لنفسكم من خير تجدوه‬
‫عند الله إن الله بما تعملون بصير) البقرة‪110 :‬‬
‫ول تزر وازرة وزر أخرى‪:‬‬
‫بعض ما ورد في الكتاب المقدس‬
‫ورد في سفر حزقيال الصحاح ‪ 18‬الفقرة ‪ 20‬إلى ‪:22‬‬
‫(البن ل يحمل من إثم الب والب ل يحمل من إثم البن)‪.‬‬
‫بعض ما ورد في القرآن الكريم‬
‫(والذين آمنوا واتبعتهم ذريتهم بإيمان ألحقنا بهم ذريتهم وما‬
‫ألتناهم من عملهم من شيء كل امرئ بما كسب رهين) الطور‪:‬‬
‫‪21‬‬
‫(ول تزر وازرة وزر أخرى) فاطر‪:‬‬
‫‪18‬‬
‫عقيدة النبياء في اللوهية من آدم وحتى محمد‬
‫بعض ما ورد في الكتاب المقدس‬
‫ورد في سفر التكوين الصحاح الثالث الفقرة ‪(23 – 21‬وصنع‬
‫الرب الله لدم وامرأته أقمصة من جلد وألبسهما‪ ..‬وقال الرب‬
‫الله هو ذا النسان قد صار كواحد منا عارفا الخير والشر والن‬
‫لعله يمد يده ويأخذ من شجرة الحياة أيضا ويأكل ويحيا إلى‬
‫البد‪ ..‬فأخرجه الرب الله من جنة عدن ليعمل الرض التي أخذ‬
‫منها)‪.‬‬
‫وورد في سفر التكوين في الصحاح السادس الفقرة ‪– 11‬‬
‫ما‪ ..‬ورأى الله‬
‫‪(13‬وفسدت الرض أمام الله وامتلت الرض ظل ً‬
‫الرض فإذا هي قد فسدت إذ كان كل بشر قد أفسد طريقه على‬
‫الرض‪ ..‬فقال الله لنوح نهاية كل بشر قد أتت أمامي لن الرض‬

‫‪223‬‬
‫امتلت ظلما منهم فها أنا مهلكهم مع الرض‪ ..‬اصنع لنفسك‬
‫فلكًا…)‪.‬‬
‫وورد في سفر التكوين الصحاح ‪ 18‬الفقرة ‪(19 – 17‬فقال الرب‬
‫هل أخفي عن إبراهيم ما أنا فاعله‪ ..‬وإبراهيم يكون أمة كبيرة‬
‫وقوية ويتبارك به جميع أمم الرض‪ ..‬لني عرفته لكي يوصي بنيه‬
‫وبيته من بعده أن يحفظوا طريق الرب ليعملوا بًرا وعدل ً لكي‬
‫يأت الرب لبراهيم ما تكلم به…)‪.‬‬
‫وورد في سفر أيوب الصحاح ‪ 1‬الفقرة ‪(1‬كان رجل في أرض‬
‫عوص اسمه أيوب وكان هذا الرجل كامل ً ومستقي ً‬
‫ما يتقي الله‬
‫ويحيد عن الشر…)‬
‫وورد في سفر التكوين الصحاح ‪ 32‬الفقرة ‪(9‬وقال يعقوب يا إله‬
‫أبي إبراهيم وإله أبي إسحاق الرب الذي قال لي ارجع إلى‬
‫أرضك وإلى عشيرتك فأحسن إليك…)‪.‬‬
‫وورد في سفر التكوين الصحاح ‪(3 -2 :39‬وكان الرب مع يوسف‬
‫حا وكان في بيت سيده المصري ورأى سيده أن‬ ‫فكان رجل ً ناج ً‬
‫الرب معه وأن كل ما يصنع كان الرب ينجحه بيده…)‪.‬‬
‫وورد في سفر الخروج الصحاح الثالث‪(6 – 1 :‬وأما موسى فكان‬
‫يرعى غنم يثرون حميه كاهن مديان فساق الغنم إلى وراء البرية‬
‫وجاء إلى جبل الله حوريب‪ ..‬وظهر له ملك الرب بلهيب نار من‬
‫وسط عليقة فنظر وإذا العليقة تتوقد بالنار والعليقة لم تكن‬
‫تحترق‪ ..‬فقال موسى أميل الن لنظر هذا المنظر العظيم لماذا‬
‫ل تحترق العليقة‪ ..‬فلما رأى الرب أنه مال لينظر ناداه الله من‬
‫وسط العليقة وقال موسى موسى فقال هاأنذا‪ ..‬فقال ل تقترب‬
‫إلى هاهنا اخلع حذاءك من رجليك لن الموضع الذي أنت واقف‬
‫عليه أرض مقدسة‪ ..‬ثم قال أنا إله أبيك إله إبراهيم وإله إسحاق‬
‫وإله يعقوب…)‬
‫وورد في سفر الخروج الصحاح ‪ 34‬الفقرة ‪ 14‬حيث يخاطب الله‬
‫موسى عليه السلم قائل‪(:‬فإنك ل تسجد لله آخر لن الرب‬
‫اسمه غيور إله غيور هو)‪.‬‬
‫وورد في سفر التثنية الصحاح الرابع الفقرة ‪ 35‬حيث يخاطب الله‬
‫موسى قائل‪(:‬الرب هو الله ليس آخر سواه)‪.‬‬
‫وورد في سفر التثنية الصحاح السادس الفقرة ‪ 4‬حيث يخاطب‬
‫موسى بني إسرائيل في أرض مواب قبل موته قائل‪(:‬اسمع يا‬
‫إسرائيل الرب إلهنا رب واحد)‪.‬‬
‫وورد في إنجيل متى الصحاح الرابع الفقرة ‪(10 – 8‬ثم أخذه أيضا‬
‫إبليس إلى جبل عال جدا وأراه جميع ممالك الرض ومجدها‬
‫وقال له أعطيك هذه جميعها إن خررت وسجدت لي حينئذ قال‬

‫‪224‬‬
‫يسوع اذهب يا شيطان لنه مكتوب للرب إلهك تسجد وإياه وحده‬
‫تعبد)‪.‬‬
‫وورد في إنجيل مرقس الصحاح ‪ 12‬الفقرة ‪(29 - 28‬فجاء واحد من‬
‫الكتبة وسمعهم يتحاورون فلما رأى أنه أجابهم حسنا سأله أي‬
‫وصية هي أول الكل فأجابه يسوع إن أول كل الوصايا هي اسمع‬
‫يا إسرائيل الرب إلهنا رب واحد)‪.‬‬
‫وورد في إنجيل يوحنا الصحاح ‪ 1‬الفقرة ‪(18‬الله لم يره أحد قط)‪.‬‬
‫وورد في سفر التثنية الصحاح الرابع الفقرة ‪(39‬فاعلم اليوم وردد‬
‫في قلبك أن الرب هو الله في السماء من فوق وعلى الرض‬
‫من أسفل ليس سواه)‪.‬‬
‫بعض ما جاء في القرآن الكريم‬
‫(قل هو الله أحد‪ ..‬الله الصمد‪ ..‬لم يلد ولم يولد‪ ..‬ولم يكن له‬
‫كفوا أحد) سورة الخلص‪.‬‬
‫(قل إنما أنا بشر مثلكم يوحى إلي أنما إلهكم إله واحد)الكهف‪:‬‬
‫‪110‬‬
‫‪163‬‬ ‫(وإلهكم إله واحد ل إله إل هو الرحمن الرحيم) البقرة‪:‬‬
‫(الله ل إله إل هو الحي القيوم ل تأخذه سنة ول نوم له ما في‬
‫السماوات وما في الرض) البقرة‪255 :‬‬
‫(شهد الله أنه ل إله إل هو والملئكة وأولو العلم قائما بالقسط ل‬
‫إله إل هو العزيز الحكيم) آل عمران‪18 :‬‬
‫(الله ل إله إل هو ليجمعنكم إلى يوم القيامة ل ريب فيه ومن‬
‫أصدق من الله حديثًا) النساء‪87 :‬‬
‫(إن هذا لهو القصص الحق وما من إله إل الله وإن الله لهو‬
‫العزيز الحكيم) آل عمران‪62 :‬‬
‫(يا صاحبي السجن أأرباب متفرقون خير أم الله الواحد القهار‪..‬‬
‫ما تعبدون من دونه إل أسماء سميتموها أنتم وآباؤكم ما أنزل‬
‫الله بها من سلطان إن الحكم إل لله أمر أل تعبدوا إل إياه ذلك‬
‫الدين القيم ولكن أكثر الناس ل يعلمون) يوسف‪40 – 39 :‬‬
‫(لقد كفر الذين قالوا إن الله ثالث ثلثة وما من إله إل إله واحد‬
‫وإن لم ينتهوا عما يقولون ليمسن الذين كفروا منهم عذاب أليم)‬
‫المائدة ‪73‬‬
‫(يا أهل الكتاب ل تغلوا في دينكم ول تقولوا على الله إل الحق‬
‫إنما المسيح عيسى بن مريم رسول الله وكلمته ألقاها إلى مريم‬
‫وروح منه فآمنوا بالله ورسله ول تقولوا ثلثة انتهوا خيًرا لكم إنما‬
‫الله إله واحد سبحانه أن يكون له ولد له ما في السماوات وما‬
‫في الرض وكفى بالله وكيلً) النساء‪.177 :‬‬

‫‪225‬‬
‫حا قال يا قوم اعبدوا الله ما لكم من إله‬ ‫(وإلى ثمود أخاهم صال ً‬
‫غيره قد جاءتكم بينة من ربكم هذه ناقة الله لكم آية فذروها‬
‫تأكل في أرض الله ول تمسوها بسوء فيأخذكم عذاب أليم)‬
‫العراف‪.159 :‬‬
‫(قل أي شيء أكبر شهادة قل الله شهيد بيني وبينكم وأوحي إلي‬
‫هذا القرآن لنذركم به ومن بلغ أئنكم لتشهدون أن مع الله آلهة‬
‫أخرى قل ل أشهد قل إنما هو إله واحد وإنني بريء مما‬
‫تشركون) النعام‪.19 :‬‬
‫(ذلكم الله ربكم ل إله إل هو خالق كل شيء فاعبدوه وهو على‬
‫كل شيء وكيل) النعام‪102 :‬‬
‫(لقد جاءكم رسول من أنفسكم عزيز عليه ما عنتم حريص‬
‫عليكم بالمؤمنين رؤوف رحيم‪ ..‬فإن تولوا فقل حسبي الله ل إله‬
‫إل هو عليه توكلت وهو رب العرش العظيم) التوبة‪.129-128 :‬‬
‫حا إلى قومه فقال يا قوم اعبدوا الله ما لكم من‬ ‫(لقد أرسلنا نو ً‬
‫إله غيره إني أخاف عليكم عذاب يوم عظيم) العراف‪59 :‬‬
‫(وجاوزنا ببني إسرائيل البحر فأتبعهم فرعون وجنوده بغيا وعدوا‬
‫حتى إذا أدركه الغرق قال آمنت أنه ل إله إل الذي آمنت به بنو‬
‫إسرائيل وأنا من المسلمين‪ ..‬الن وقد عصيت قبل وكنت من‬
‫المفسدين‪ ..‬فاليوم ننجيك ببدنك لتكون لمن خلفك آية وإن كثيًرا‬
‫من الناس عن آياتنا لغافلون) يونس‪92 – 90 :‬‬
‫(ينزل الملئكة بالروح من أمره على من يشاء من عباده أن‬
‫أنذروا أنه ل إله إل أنا فاتقون) النحل‪2 :‬‬
‫(وما أرسلنا من قبلك من رسول إل نوحي إليه أنه ل إله إل أنا‬
‫فاعبدون) النبياء‪25 :‬‬
‫(قل إن كان للرحمن ولد فأنا أول العابدين‪ ..‬سبحان رب‬
‫السماوات والرض رب العرش عما يصفون‪..‬فذرهم يخوضوا‬
‫ويلعبوا حتى يلقوا يومهم الذي يوعدون‪..‬وهو الذي في السماء‬
‫إله وفي الرض إله وهو الحكيم العليم) الزخرف‪84 - 81:‬‬
‫(وقالوا اتخذ الرحمن ولدًا‪ ..‬لقد جئتم شيئا إدًا‪ ..‬تكاد السماوات‬
‫يتفطرن منه وتنشق الرض وتخر الجبال هدا‪ ..‬أن دعوا للرحمن‬
‫ولدا‪ ..‬وما ينبغي للرحمن أن يتخذ ولدا‪ ..‬إن كل من في‬
‫السماوات والرض إل آتي الرحمن عبدا) مريم ‪93 – 88‬‬
‫(إن مثل عيسى عند الله كمثل آدم خلقه من تراب ثم قال له كن‬
‫فيكون) آل عمران‪59 :‬‬
‫(وهل أتاك حديث موسى‪ ..‬إذ رأى نارا فقال لهله امكثوا إني‬
‫آنست نارا لعلي آتيكم منها بقبس أو أجد على النار هدى‪ ..‬فلما‬
‫أتاها نودي يا موسى‪ ..‬إني أنا ربك فاخلع نعليك إنك بالواد‬

‫‪226‬‬
‫المقدس طوى‪ ..‬وأنا اخترتك فاستمع لما يوحى‪ ..‬إنني أنا الله ل‬
‫إله إل أنا فاعبدني وأقم الصلة لذكري…) طه‪14 - 9 :‬‬
‫ل الْكتاب تعالَوا ْ إلَى كَل َمة سواء بيننا وبينك ُم أَل َّ نعبد إلَّ‬ ‫ل يَا أَهْ َ‬ ‫(قُ ْ‬
‫َُْ َ ِ‬ ‫َ ٍ َ َ َََْ َََْ ْ‬
‫َ‬ ‫ِ‬ ‫َِ ِ ََ ْ‬
‫ن الل ّ ِ‬
‫ه‬ ‫من دُو ِ‬ ‫ضنَا ب َ ْعضا ً أْربَابًا ِّ‬ ‫خذ َ ب َ ْع ُ‬ ‫شيْئًا وَل َ يَت َّ ِ‬ ‫ك بِهِ َ‬ ‫شرِ َ‬ ‫ه وَل َ ن ُ ْ‬ ‫َ‬ ‫الل ّ‬
‫ن‬‫جو َ‬ ‫حآ ُّ‬ ‫م تُ َ‬ ‫ب لِ َ‬ ‫ل الْكِتَا ِ‬ ‫ن يَا أَهْ َ‬ ‫مو َ‬ ‫سل ِ ُ‬ ‫م ْ‬ ‫شهَدُوا ْ بِأنَّا ُ‬
‫َ‬ ‫فَإِن تَوَلَّوْا ْ فَقُولُوا ْ ا ْ‬
‫َ‬ ‫في إبراهيم وما أُنزل َت التَوراة ُ والنجي ُ َ‬
‫ن‬ ‫من بَعْدِهِ أفَل َ تَعْقِلُو َ‬ ‫ل إِل ّ ِ‬ ‫ِ‬ ‫َ‬ ‫ِ ِ ّ َ‬ ‫َِْ ِ َ َ َ‬ ‫ِ‬
‫َ‬ ‫ُ‬ ‫ما لكُم بِهِ ِ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫س‬
‫ما لي ْ َ‬ ‫ن فِي َ‬ ‫جو َ‬ ‫حآ ّ‬ ‫م تُ َ‬ ‫م فَل ِ َ‬ ‫عل ٌ‬ ‫م فِي َ‬ ‫جت ُ ْ‬ ‫ج ْ‬ ‫حا َ‬ ‫م هَؤ ُلء َ‬ ‫هَاأنت ُ ْ‬
‫َ‬
‫م يَهُودِيًّا وَلَ‬ ‫ن إِبَْراهِي ُ‬ ‫ما كَا َ‬ ‫ن َ‬ ‫مو َ‬ ‫م ل َ تَعْل َ ُ‬ ‫م وَأنت ُ ْ‬ ‫ه يَعْل َ ُ‬ ‫م وَالل ّ ُ‬ ‫عل ْ ٌ‬ ‫لَكُم بِهِ ِ‬
‫ن أَوْلَى‬ ‫ن إ ِ َّ‬ ‫شرِكِي َ‬ ‫م ْ‬ ‫ن ال ْ ُ‬ ‫م ََ‬ ‫ن ِ‬ ‫ما كَا َ‬ ‫ما وَ َ‬ ‫سل ِ ً‬ ‫م ْ‬ ‫حنِيفًا ُّ‬ ‫ن َ‬ ‫صَرانِيًّا وَلَكِن كَا َ‬ ‫نَ ْ‬
‫ه وَل ِ ُّ‬ ‫ّ‬ ‫ْ‬ ‫ّ‬ ‫َ‬
‫ن ات ّبَعُوه ُ وَهَـذ َا الن ّب ِ ُّ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ّ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫ي‬ ‫منُوا وَالل ُ‬ ‫نآ َ‬ ‫ي وَالذِي َ‬ ‫م للذِي َ‬ ‫س بِإِبَْراهِي َ‬ ‫الن ّا ِ‬
‫ن)آل عمران‪68 – 64 :‬‬ ‫منِي َ‬ ‫مؤْ ِ‬ ‫ال ْ ُ‬
‫صطَفَا ِ‬
‫ك‬ ‫ك وَا ْ‬ ‫ك وَطَهََّر ِ‬ ‫صطَفَا ِ‬ ‫ها ْ‬ ‫ن الل ّ َ‬ ‫م إ ِ َّ‬ ‫مْري َ ُ‬ ‫ة يَا َ‬ ‫ملَئِك َ ُ‬ ‫ت ال ْ َ‬ ‫(وَإِذ ْ قَال َ ِ‬
‫ع‬
‫م َ‬ ‫جدِي وَاْركَعِي َ‬ ‫س ُ‬ ‫ك وَا ْ‬ ‫م اقْنُتِي لَِرب ِّ ِ‬ ‫مْري َ ُ‬ ‫ن يَا َ‬ ‫مي َ‬ ‫ساء الْعَال َ ِ‬ ‫ع َلَى ن ِ َ‬
‫كم َ‬
‫م إِذْ‬ ‫ت لَدَيْهِ ْ‬ ‫ما كُن َ‬ ‫ك وَ َ‬ ‫حيهِ إِلَي َ‬ ‫ب نُو ِ‬ ‫ن أنبَاء الْغَي ْ ِ‬ ‫ن ذَل ِ َ ِ ْ‬ ‫الَّراكِعِي َ‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫ن إِذْ‬ ‫مو َ‬ ‫ص ُ‬ ‫خت َ ِ‬ ‫م إِذ ْ ي َ ْ‬ ‫ت لَدَيْهِ ْ‬ ‫ما كُن َ‬ ‫م وَ َ‬ ‫مْري َ َ‬ ‫ل َ‬ ‫م يَكْفُ ُ‬ ‫م أيُّهُ ْ‬ ‫مهُ ْ‬ ‫يُلْقُون أقْل َ َ‬
‫ح‬ ‫سي ُ‬ ‫م ِ‬ ‫ه ال ْ َ‬ ‫م ُ‬ ‫س ُ‬ ‫ها ْ‬ ‫من ْ ُ‬ ‫مةٍ ِّ‬ ‫ك بِكَل ِ َ‬ ‫شُر ِ‬ ‫ه يُب َ ّ ِ‬ ‫ن الل ّ َ‬ ‫م إ ِ َّ‬ ‫مْري َ ُ‬ ‫ة يَا َ‬ ‫ملئِك َ ُ‬ ‫ت ال ْ َ‬ ‫قَال َ ِ‬
‫م‬ ‫ن وَيُكَل ِّ ُ‬ ‫مقََّربِي َ‬ ‫ن ال ْ ُ‬ ‫م َ‬ ‫خَرةِ وَ ِ‬ ‫جيهًا فِي الدُّنْيَا وَال ِ‬ ‫م وَ ِ‬ ‫مْري َ َ‬ ‫ن َ‬ ‫سى اب ْ ُ‬ ‫عي َ‬ ‫ِ‬
‫َ‬
‫ن لِي‬ ‫ب أنَّى يَكُو ُ‬ ‫ت َر ِّ‬ ‫ن قَال َ ْ‬ ‫حي َ‬ ‫صال ِ ِ‬ ‫ن ال َّ‬ ‫م َ‬ ‫مهْد ِ وَكَهْل ً وَ ِ‬ ‫س فِي ال ْ َ‬ ‫النَّا َ‬
‫ضى‬ ‫شاء إِذ َا قَ َ‬ ‫ما ي َ َ‬ ‫خلُقُ َ‬ ‫ه يَ ْ‬ ‫ك الل ّ ُ‬ ‫ل كَذَل ِ ِ‬ ‫شٌر قَا َ‬ ‫سنِي ب َ َ‬ ‫س ْ‬ ‫م َ‬ ‫م يَ ْ‬ ‫وَلَد ٌ وَل َ ْ‬
‫ة وَالتَّوَْراةَ‬ ‫ب وَال ْ ِ‬ ‫َ‬
‫م َ‬ ‫حك ْ َ‬ ‫ه الْكِتَا َ‬ ‫م ُ‬ ‫ن وَيُعَل ِّ ُ‬ ‫ه كُن فَيَكُو ُ‬ ‫ل لَ ُ‬ ‫ما يَقُو ُ‬ ‫مًرا فَإِن َّ َ‬ ‫أ ْ‬
‫ل ورسول ً إلَى بنِي إسرائِي َ َ‬
‫من َّربِّك ُ ْ‬
‫م‬ ‫جئْتُكُم بِآيَةٍ ِّ‬ ‫ل أَنِّي قَد ْ ِ‬ ‫ِ ْ َ‬ ‫َ‬ ‫ِ‬ ‫جي َ َ َ ُ‬ ‫وَالِن ِ‬
‫َ‬
‫ن طيًْرا‬ ‫َ‬ ‫خ فِيهِ فَيَكُو ُ‬ ‫ن كَهَيْئَةِ الطيْرِ فَأنفُ ُ‬ ‫ّ‬
‫ِ‬
‫ّ‬
‫ن الطِي‬ ‫م َ‬ ‫خلقُ لكُم ِّ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫أَنِّي أ َ ْ‬
‫ُ‬ ‫ه والَبَْر‬ ‫ن اللّهِ وَأُبْرِىءُ الك ْ‬
‫ن اللّهِ‬ ‫ِ‬ ‫موتَى بِإِذ ْ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫حيِـي ال ْ‬ ‫ص وَأ ْ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫م‬
‫َ‬ ‫بِإِذ ْ ِ‬
‫َ‬ ‫ْ‬ ‫ُ‬
‫م‬‫ة ل ّك ُ ْ‬ ‫ك لي َ ً‬ ‫ن فِي ذَل ِ َ‬ ‫م إ ِ َّ‬ ‫ن فِي بُيُوتِك ُ ْ‬ ‫خُرو َ‬ ‫ما تَد َّ ِ‬ ‫ن وَ َ‬ ‫ما تَأكُلُو َ‬ ‫وَأنَبِّئُكُم ب ِ َ‬
‫ل لَكُم‬ ‫ح َّ‬ ‫ن التَّوَْراةِ وَِل ُ ِ‬ ‫م َ‬ ‫ن يَدَيَّ ِ‬ ‫ما بَي ْ َ‬ ‫صدِّقًا ل ِّ َ‬ ‫م َ‬ ‫ن وَ ُ‬ ‫منِي َ‬ ‫مؤ ْ ِ‬ ‫إِن كُنتُم ُّ‬
‫َ‬
‫م فَاتَّقُوا ْ الل ّ َ‬
‫ه‬ ‫من َّرب ِّك ُ ْ‬ ‫جئْتُكُم بِآيَةٍ ِّ‬ ‫م وَ ِ‬ ‫م ع َلَيْك ُ ْ‬ ‫حّرِ َ‬ ‫ض ال ّذِي ُ‬ ‫بَعْ َ‬
‫صَرا ٌ‬ ‫َ‬
‫م) آل‬ ‫ستَقِي ٌ‬ ‫م ْ‬ ‫ط ُّ‬ ‫م فَاع ْبُدُوه ُ هَـذ َا ِ‬ ‫ه َربِّي وََربُّك ُ ْ‬ ‫ن الل ّ َ‬ ‫ن إ ِ َّ‬ ‫وَأطِيعُو ِ‬
‫عمران‪.51 – 42 :‬‬
‫َّ‬
‫ن‬‫ن الذِي َ‬ ‫متَّقِي َ‬ ‫ضيَاء وَذِكًْرا ل ِّل ْ ُ‬ ‫ن وَ ِ‬ ‫ن الْفُْرقَا َ‬ ‫سى وَهَاُرو َ‬ ‫مو َ‬ ‫(وَلَقَد ْ آتَيْنَا ُ‬
‫مبَاَر ٌ‬
‫ك‬ ‫ن وَهَذ َا ذِكٌْر ُّ‬ ‫شفِقُو َ‬ ‫م ْ‬ ‫ساعَةِ ُ‬ ‫ن ال َّ‬ ‫م َ‬ ‫ب وَهُم ِّ‬ ‫ربَّهُم بِالْغَي ْ ِ‬ ‫َ‬ ‫ن َ‬ ‫شوْ َ‬ ‫خ َ‬ ‫يَ ْ‬
‫ل وَكُن ّاَ‬ ‫من قَب ْ ُ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬
‫شدَه ُ ِ‬ ‫م ُر ْ‬ ‫َ‬ ‫ن وَلقَد ْ آتَيْنَا إِبَْراهِي‬ ‫منكُِرو َ‬ ‫ُ‬ ‫ه‬
‫ُ‬ ‫مل‬ ‫ْ‬ ‫أنَزلنَاه ُ أفَأنت ُ‬
‫َ‬ ‫ُ َ‬
‫م لَهَا‬ ‫ل ال ّتِي أنت ُ ْ‬ ‫ماثِي‬ ‫ما هَذِهِ الت َّ َ‬ ‫مهِ َ‬ ‫ل ِلَبِيهِ وَقَوْ ِ‬ ‫ن إِذ ْ قَا َ‬ ‫مي َ‬ ‫بِه ع َال ِ ِ‬
‫َ‬ ‫ل لَقَد ْ ك ُ‬
‫م‬ ‫م وَآبَاؤ ُك ُ ْ‬ ‫م أنت ُ ْ‬ ‫نت ُ ْ‬ ‫َ‬
‫ن قَا َ‬ ‫جدْنَا آبَاءنَا لَهَا ع َابِدِي َ‬ ‫ن قَالُوا وَ َ‬ ‫ع َاكِفُو َ‬
‫ن قَا َ‬ ‫ّ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫ل ُّ‬ ‫ضَل‬
‫ل بَل‬ ‫عبِي َ‬ ‫ن الل ِ‬ ‫م َ‬ ‫ت ِ‬ ‫م أن َ‬ ‫قأ ْ‬ ‫ح ِّ‬ ‫جئْتَنَا بِال َ‬ ‫ِ‬ ‫ن قَالوا أ‬ ‫ٍ‬ ‫مبِي‬ ‫ٍ‬ ‫فِي َ‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫ن‬‫م َ‬ ‫ن وَأنَا ع َلَى ذَلِكُم ِّ‬ ‫ض ال ّذِي فَطََرهُ َّ‬ ‫ِ‬ ‫ت وَاْلْر‬ ‫ماوَا ِ‬ ‫س ََ‬ ‫ب ال َّ‬ ‫م َر ُّ‬ ‫َّربُّك ُ ْ‬
‫ُ‬ ‫َ‬ ‫شاهدين وتالل ّه َلَكيد َ َ‬
‫م‬ ‫جعَلَهُ ْ‬ ‫ن فَ َ‬ ‫مدْبِرِي َ‬ ‫مكُم بَعْد َ أن تُوَل ّوا ُ‬ ‫صنَا َ‬ ‫نأ ْ‬ ‫ال َّ ِ ِ َ َ َ ِ ِ َ ّ‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫ل هَذ َا بِآلِهَتِنَا‬ ‫من فَعَ َ‬ ‫ن قَالُوا َ‬ ‫جعُو َ‬ ‫م إِلَيْهِ يَْر ِ‬ ‫م لَعَل ّهُ ْ‬ ‫جذ َاذ ًا إ ِ ّل كَبِيًرا ل ّهُ ْ‬ ‫ُ‬

‫‪227‬‬
‫َ‬
‫م‬
‫ه إِبَْراهِي ُ‬ ‫ل لَ ُ‬ ‫م يُقَا ُ‬ ‫ى يَذ ْكُُرهُ ْ‬ ‫َ‬
‫معْنَا فَت ً‬ ‫س ِ‬ ‫ن قَالُوا َ‬ ‫َ‬ ‫مي‬ ‫ن الظ ّال ِ ِ‬ ‫َ‬ ‫م‬ ‫ه لَ ِ‬ ‫ُ‬ ‫إِن َّ‬
‫ََ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬
‫ت‬ ‫ت فَعَل ْ َ‬ ‫ن قَالُوا أأن َ‬ ‫شهَدُو َ‬ ‫م يَ ْ‬ ‫س لَعَل ّهُ ْ‬ ‫ِ‬ ‫ن النَّا‬ ‫ِ‬ ‫قَالُوا فَأتُوا بِهِ ع َلَى أع ْي ُ‬
‫ل فَعل َه كَبيرهم هذ َا فَا َ‬
‫م إِن كَانُوا‬ ‫سألُوهُ ْ‬ ‫ْ‬
‫َ‬
‫ل بَ ْ َ ُ ِ ُ ُ ْ َ‬ ‫م قَا َ‬ ‫هَذ َا بِآلِهَتِنَا يَا إِبَْراهِي ُ‬
‫ّ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬
‫م‬ ‫ن ث ُ َّ‬ ‫مو َ‬ ‫م الظال ِ ُ‬ ‫م أنت ُ ُ‬ ‫م فَقَالوا إِن ّك ُ ْ‬ ‫سهِ ْ‬ ‫جعُوا إِلَى أنفُ ِ‬ ‫ن فََر َ‬ ‫يَنطِقُو َ‬
‫َ‬
‫ل أفَتَعْبُدُو َ‬
‫ن‬ ‫ن قَا َ‬ ‫ما هَؤَُلء يَنطِقُو َ‬ ‫َ‬ ‫ت‬ ‫َ‬ ‫م‬
‫ْ‬ ‫م لَقَد ْ عَل ِ‬ ‫ْ‬ ‫ِ‬ ‫سه‬ ‫سوا ع َلَى ُرؤ ُو ِ‬ ‫نُك ِ ُ‬
‫َ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬
‫ن‬
‫ما تَعْبُدُو َ‬ ‫م وَل ِ َ‬ ‫ف ل ّك ُ ْ‬ ‫م أ ٍّ‬ ‫ضُّرك ُ ْ‬ ‫شيْئًا وََل ي َ ُ‬ ‫م َ‬ ‫ما َل يَنفَعُك ُ ْ‬ ‫ن الل َّهِ َ‬ ‫من دُو ِ‬ ‫ِ‬
‫ُ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ّ‬
‫م إِن كُنت ُ ْ‬
‫م‬ ‫صُروا آلِهَتَك ُ ْ‬ ‫حّرِقُوه ُ وَان ُ‬ ‫ن قَالوا َ‬ ‫قلو َ‬ ‫ن اللهِ أفَل تَعْ ِ‬ ‫من دُو ِ‬ ‫ِ‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫ْ‬
‫م وَأَرادُوا بِهِ كيْدًا‬ ‫ما ع َلى إِبَْراهِي َ‬ ‫سل ً‬ ‫ن قُلنَا يَا نَاُر كونِي بَْردًا وَ َ‬ ‫علِي َ‬ ‫فَا ِ‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫ض ال ّتِي بَاَركْنَا فِيهَا‬ ‫جيْنَاه ُ وَلوطا إِلى الْر ً ِ‬
‫ْ‬ ‫ُ ً َ‬ ‫ن وَن َ َّ‬ ‫سرِي َ‬ ‫خ َ‬ ‫م اْل ْ‬ ‫جعَلْنَاهُ ُ‬ ‫فَ َ‬
‫ن‬
‫حي َ‬ ‫صال ِ ِ‬ ‫جعَلْنَا َ‬ ‫ة وَك ُ ّل َ‬ ‫ب نَافِل َ ً‬ ‫حقَ وَيَعْقُو َ‬
‫َ‬
‫س َ‬ ‫ه إِ ْ‬ ‫ن وَوَهَبْنَا ل َ ُ‬ ‫َ‬ ‫لِلْعَال َ ِ‬
‫مي‬
‫ل ال ْ َ‬ ‫َ‬ ‫م أَئ ِ َّ‬
‫م‬‫ت وَإِقَا َ‬ ‫خيَْرا ِ‬ ‫م فِعْ َ‬ ‫حيْنَا إِلَيْهِ ْ‬ ‫مرِنَا وَأوْ َ‬ ‫ن بِأ ْ‬ ‫ة يَهْدُو َ‬ ‫م ً‬ ‫جعَلْنَاهُ ْ‬ ‫وَ َ‬
‫ما‬ ‫عل ْ ً‬ ‫ما وَ ِ‬ ‫حك ْ ً‬ ‫ن وَلُوطًا آتَيْنَاه ُ ُ‬ ‫صَلةِ وَإِيتَاء الَّزكَاةِ َوَكَانُوا لَنَا ع َابِدِي َ‬ ‫ال َّ‬
‫سوْءٍ‬ ‫م َ‬ ‫م كَانُوا قَوْ َ‬ ‫ث إِنَّهُ ْ‬ ‫خبَائ ِ َ‬ ‫ل ال ْ َ‬ ‫م ُ‬ ‫ن ال ْ َقْريَةِ ال ّتِي كَانَت تَّعْ َ‬ ‫م َ‬ ‫جيْنَاه ُ ِ‬ ‫وَن َ َّ‬
‫من‬ ‫حا إِذ ْ نَادَى ِ‬ ‫ن وَنُو ً‬ ‫حي َ‬ ‫صال ِ ِ‬ ‫ن ال َّ‬ ‫م َ‬ ‫ه ِ‬ ‫متِنَا إِن َّ ُ‬ ‫ح َ‬ ‫خلْنَاه ُ فِي َر ْ‬ ‫ن وَأَد ْ َ‬ ‫سقِي َ‬ ‫فَا ِ‬
‫َ‬
‫ن‬ ‫م َ‬ ‫صْرنَاه ُ ِ‬ ‫ب الْعَظَِيم ِ وَن َ َ‬ ‫ن الْكَْر ِ‬ ‫م َ‬ ‫ه ِ‬ ‫جيْنَاه ُ وَأهْل َ ُ‬ ‫ه فَن َ َّ‬ ‫جبْنَا ل َ ُ‬ ‫ست َ َ‬ ‫ل فَا ْ‬
‫َ‬
‫قَب ْ ُ‬
‫َ‬
‫ن‬
‫معِي َ‬ ‫ج َ‬ ‫مأ ْ‬ ‫سوْءٍ فَأغَْرقْنَاهُ ْ‬ ‫م َ‬ ‫م كَانُوا قَوْ َ‬ ‫ن كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا إِنَّهُ ْ‬ ‫الْقَوْم ِ ال ّذِي َ‬
‫م‬ ‫ت فِيهِ غَن َ ُ ْ‬ ‫ث إِذ ْ نَفَ َ‬ ‫ن فِي ال ْ َ‬ ‫حك ُ َ‬ ‫ن إِذ ْ ي َ ْ‬ ‫سلَي ْ َ‬
‫م القَوْ ِ‬ ‫ش ْ‬ ‫ً‬
‫حْر ِ‬ ‫ما ِ‬ ‫ما َ‬ ‫وَدَاوُود َ وَ ُ‬
‫ما‬ ‫عل ْ ً‬ ‫ما وَ ِ‬
‫ً َّ‬
‫حك ْ‬ ‫ن وَك ُ ّل آتَيْنَا ُ‬ ‫ما َ‬
‫َ‬ ‫سلَي ْ َ‬ ‫منَاهَا ُ‬ ‫ن فَفَهَّ ْ‬ ‫شاهِدِي َ‬ ‫م َ‬ ‫مهِ ْ‬ ‫حك ْ ِ‬ ‫وَكُنَّا ل ِ ُ‬
‫ه‬
‫منَا ُ‬ ‫ن وَع َل ْ‬ ‫علِي َ‬ ‫ن وَالط ّيَْر وَكُنَّا فَا ِ‬ ‫ح َْ‬ ‫سب ِّ ْ‬ ‫ل يُ َ‬ ‫جبَا َ‬ ‫معَ د َ َاوُود َ ال ْ ِ‬ ‫خْرنَا َ‬ ‫س َّ‬ ‫وَ َ‬
‫َ‬
‫ن‬‫شاكُِرو َ‬
‫َ‬
‫م َ‬ ‫ل أنت ُ ْ‬ ‫م فَهَ ْ‬ ‫سك ُ ْ‬ ‫من بَأ ِ‬ ‫صنَكُم ِّ‬ ‫ح ِ‬ ‫م لِت ُ ْ‬ ‫س ل ّك ُ ْ‬ ‫ٍ‬ ‫ة لَبُو‬ ‫صنْعَ َ‬ ‫َ‬
‫ض ال ّتِي بَاَركْنَا فِيهَا‬ ‫ر‬‫َ‬ ‫ل‬ ‫ْ‬ ‫ا‬ ‫ى‬ ‫َ‬ ‫ل‬ ‫إ‬ ‫ه‬ ‫مر‬ ‫َ‬ ‫أ‬ ‫ب‬ ‫ي‬ ‫جر‬ ‫ت‬ ‫ة‬ ‫ف‬
‫َ‬ ‫ص‬ ‫َا‬ ‫ع‬ ‫ح‬ ‫َ‬
‫ْ ِ‬ ‫ِ ً َ ْ ِ ِ ْ ِ ِ ِ‬ ‫وَل ِ ُ ْ َ َ ّ ِ َ‬
‫ي‬ ‫ر‬ ‫ال‬ ‫ن‬ ‫ما‬ ‫ي‬ ‫سل‬
‫ن‬‫ملُو َ‬ ‫ه وَي َ ْع َ‬ ‫ن لَ ُ‬ ‫صو َ‬ ‫من ال َّ‬ ‫ل َ‬ ‫وَكُنَّا بِك ُ ِّ‬
‫من يَغُو ُ‬ ‫ن َ‬ ‫ِ‬ ‫شيَاطِي‬ ‫ن وَ ِ َ‬ ‫مي َ‬ ‫يءٍ ع َال ِ ِ‬ ‫ش ْ‬
‫ك وكُنَا لَهم حافظين وأَيُوب إذ ْ نادى رب َ َ‬
‫ي‬
‫سن ِ َ‬ ‫م َّ‬ ‫ه أنِّي َ‬ ‫ن ذَل ِ َ َ ّ ُ ْ َ ِ ِ َ َ ّ َ ِ َ َ َ ّ ُ‬ ‫مًل دُو َ‬ ‫عَ َ‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫ر‬
‫ض ٍّ‬ ‫من ُ‬ ‫ه ِ‬ ‫ما ب ِ ِ‬ ‫شفْنَا َ‬ ‫ه فَك َ َ‬ ‫جبْنَا ل َ ُ‬ ‫ست َ َ‬ ‫ن فَا ْ‬ ‫مي َ‬ ‫ح ِ‬ ‫م الَّرا ِ‬ ‫ح ُ‬ ‫ت أْر َ‬ ‫ضُّر وَأن َ‬ ‫ال ُّ‬
‫َ‬
‫عندِنَا وَذِكَْرى لِلْعَابِدِي َ‬
‫ن‬ ‫ن ِ‬ ‫م ْ‬ ‫ة ِّ‬ ‫م ً‬ ‫ح َ‬ ‫م َر ْ‬ ‫معَهُ ْ‬ ‫مثْلَهُم َّ‬ ‫ه وَ ِ‬ ‫وَآتَيْنَاه ُ أهْل َ ُ‬
‫م فِي‬ ‫ْ‬ ‫خلْنَاهُ‬ ‫ن وَأَد ْ َ‬ ‫َ‬ ‫صابِرِي‬ ‫ن ال َّ‬ ‫َ‬ ‫م‬
‫ل ِّ‬ ‫ل وإدْريس وذ َا الْكِفْل ك ُ ٌّ‬
‫ِ‬ ‫َ َ‬ ‫عي َ َ ِ ِ‬ ‫ما ِ‬ ‫س َ‬ ‫وَإ ِ ْ‬
‫َ َ َ َ َّ‬ ‫َ‬
‫ن أ ن لن‬ ‫ضبًا فظ ّ‬ ‫مغَا ِ‬ ‫ب ُ‬ ‫ن إِذ ذ ّهَ َ‬
‫َ‬ ‫ن وَذ َا النُّو َ ِ‬ ‫حي ُ َ‬ ‫صال ِ ِ‬ ‫ن ال َّ‬ ‫م َ‬ ‫متِنَا إِنَّهُم ِّ‬ ‫ح َ‬ ‫َر ْ‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫ك إِنِّي‬ ‫حان َ َ‬ ‫سب ْ َ‬ ‫ت ُ‬ ‫ه إ ِ ّل أن َ‬ ‫ت أن ّل إِل َ َ‬ ‫ما ِ‬ ‫نَّقْدَِر ع َلَيْهِ فَن َ َادَى فِي الظ ّل ُ َ‬
‫جي‬ ‫ك نُن ِ‬ ‫م ِ وَكَذَل ِ َ‬ ‫ن الْغَ ّ‬ ‫م َ‬ ‫جيْنَاهُ ِ‬ ‫ه َون َ َّ‬ ‫جبْنَا ل َ ُ‬ ‫ست َ َ‬ ‫ن فَا ْ‬ ‫مي َ‬ ‫ن الظ ّال ِ ِ‬ ‫م َ‬ ‫ت ِ‬ ‫كُن ُ‬
‫َ‬
‫خيُْر‬ ‫ت َ‬ ‫ب َل تَذَْرنِي فَْردًا وَأن َ‬ ‫ه َر ِّ‬ ‫ن وََزكَرِيَّا إِذ ْ نَادَى َرب َّ ُ‬ ‫منِي َ‬ ‫مؤْ ِ‬ ‫ال ْ ُ‬
‫َ‬
‫م كَانُوا‬ ‫ه إِنَّهُ ْ‬ ‫ج ُ‬ ‫ه َزوْ َ‬ ‫حنَا ل َ ُ‬ ‫صل َ ْ‬ ‫حيَى وَأ ْ‬ ‫ه يَ ْ‬ ‫ه وَوَهَبْنَا ل َ ُ‬ ‫جبْنَا ل َ ُ‬ ‫ست َ َ‬ ‫ن فَا ْ‬ ‫الْوَارِثِي َ‬
‫ن‬‫شعِي َ‬ ‫خا ِ‬ ‫ت َويَدْع ُونَنَا َرغَبًا وََرهَبًا وَكَانُوا لَنَا َ‬ ‫خيَْرا ِ‬ ‫ن فِي ال ْ َ‬ ‫سارِعُو َ‬ ‫يُ َ‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫ة‬‫جعَلْنَاهَا وَابْنَهَا آي َ ً‬ ‫حنَا وَ َ‬ ‫من ُّرو ِ‬ ‫خنَا فِيهَا ِ‬ ‫جهَا فَنَفَ ْ‬ ‫ت فَْر َ‬ ‫صن َ ْ‬ ‫ح َ‬ ‫وَال ّتِي أ ْ‬
‫َ‬ ‫ُ‬ ‫ُ‬
‫ن) النبياء‪:‬‬ ‫م فَاع ْبُدُو ِ‬ ‫حدَة ً وَأنَا َربُّك ُ ْ‬ ‫ة وَا ِ‬ ‫م ً‬ ‫م أ َّ‬ ‫متُك ُ ْ‬ ‫ن هَذِهِ أ َّ‬ ‫ن إ ِ َّ‬ ‫مي َ‬ ‫ل ِّلْعَال َ ِ‬
‫‪92 – 48‬‬
‫قصص النبياء‬

‫‪228‬‬
‫الكتاب المقدس والقرآن الكريم يحفلن بذكر قصص النبياء‪ ،‬وإذا‬
‫استفضنا في بيان القصص كما ورد في الكتاب المقدس وكما‬
‫في القرآن الكريم لحتاج ذلك إلى مجلدات ضخمة وجهود‬
‫عظيمة‪ ..‬لذلك سنكتفي هنا بذكر بعض المقتطفات البسيطة‬
‫مما ورد عن قصة نبي الله يوسف في الكتاب المقدس وفي‬
‫القرآن الكريم‪..‬‬
‫الكتاب المقدس‬
‫ما آخر وقصه على إخوته فقال إني قد حلمت‬ ‫ضا حل ً‬
‫(ثم حلم أي ً‬
‫ضا وإذا الشمس والقمر وأحد عشر كوكبًا ساجدة لي)‬ ‫ما أي ً‬
‫حل ً‬
‫التكوين ‪9 :37‬‬
‫القرآن الكريم‬
‫(إذ قال يوسف لبيه يا أبت إني رأيت أحد عشر كوكبا والشمس‬
‫والقمر رأيتهم لي ساجدين)يوسف‪4 :‬‬
‫الكتاب المقدس‬
‫(فقال بعضهم لبعض هو ذا صاحب الحلم قادم‪..‬فالن هلم نقتله‬
‫ونطرحه في إحدى البار ونقول وحش رديء أكله فنرى ماذا‬
‫تكون أحلمه‪ ..‬فسمع راوبين وأنقذه من أيديهم وقال ل نقتله‪..‬‬
‫ما اطرحوه في هذه البئر التي في‬ ‫وقال لهم راوبين ل تسفكوا د ً‬
‫البرية ول تمدوا إليه يدًا لكي ينقذه من أيديهم ليرده إلى أبيه‪..‬‬
‫فكان لما جاء يوسف إلى إخوته أنهم خلعوا عن يوسف قميصه‬
‫القميص الملون الذي عليه‪ ..‬وأخذوه وطرحوه في البئر أما البئر‬
‫فكانت فارغة ليس فيها ماء) التكوين ‪27 – 19 :37‬‬
‫القرآن الكريم‬
‫(إذ قالوا ليوسف وأخوه أحب إلى أبينا منا ونحن عصبة إن أبانا‬
‫لفي ضلل مبين‪ ..‬اقتلوا يوسف أو اطرحوه أرضا يخل لكم وجه‬
‫أبيكم وتكونوا من بعده قوما صالحين‪ ..‬قال قائل منهم ل تقتلوا‬
‫يوسف وألقوه في غيابت الجب يلتقطه بعض السيارة إن كنتم‬
‫فاعلين) يوسف‪10 – 8 :‬‬
‫الكتاب المقدس‬
‫سا من المعزى وغمسوا‬ ‫(فأخذوا قميص يوسف وذبحوا تي ً‬
‫القميص في الدم‪ ..‬وأرسلوا القميص الملون وأحضروه إلى أبيهم‬
‫وقالوا وجدنا هذا حقق قميص ابنك هو أم ل) ‪32 – 31 :37‬‬
‫القرآن الكريم‬
‫(وجاءوا أباهم عشاء يبكون‪ ..‬قالوا يا أبانا إنا ذهبنا نستبق وتركنا‬
‫يوسف عند متاعنا فأكله الذئب وما أنت بمؤمن لنا ولو كنا‬
‫صادقين‪ ..‬وجاءوا على قميصه بدم كذب قال بل سولت لكم‬

‫‪229‬‬
‫أنفسكم أمًرا فصبر جميل والله المستعان على ما تصفون)‬
‫يوسف‪18 – 16 :‬‬
‫الكتاب المقدس‬
‫وأما المديانيون فباعوه لفوطيفار خصي فرعون رئيس‬
‫الشرطة… وحدث بعد هذه المور أن امرأة سيده رفعت عينيها‬
‫إلى يوسف وقالت اضطجع معي‪ ..‬فأبى وقال لمرأة سيده هو ذا‬
‫سيدي ل يعرف معي ما في البيت وكل ما له قد دفعه إلى يدي‪..‬‬
‫ليس هو في هذا البيت أعظم مني ولم يمسك عني شيئا غيرك‬
‫لنك امرأته فكيف أصنع هذا الشر العظيم وأخطىء إلى الله)‬
‫التكوين ‪9 – 39:7‬‬
‫القرآن الكريم‬
‫م فَأدْلَى دَلْوَه ُ قَا َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫شَرى هَـذ َا‬ ‫ل يَا ب ُ ْ‬ ‫سلُوا ْ وَارِدَهُ ْ‬ ‫سيَّاَرة ٌ فَأْر َ‬ ‫ت َ‬ ‫جاء ْ‬ ‫(وَ َ‬
‫ُ‬ ‫ّ‬ ‫َ‬
‫س‬
‫خ ٍ‬ ‫ن بَ ْ‬ ‫م ٍ‬‫شَروْه ُ بِث َ َ‬ ‫ن وَ َ‬ ‫ملو َ‬ ‫ما ي َ ْع َ‬ ‫م بِ َ‬ ‫ه عَلِي ٌ‬ ‫ة وَالل ُ‬ ‫ضاع َ ً‬ ‫سُّروه ُ ب ِ َ‬ ‫م وَأ َ‬ ‫غُل َ ٌ‬
‫ل ال ّذِي ا ْ‬ ‫َ‬
‫من‬ ‫شتََراه ُ ِ‬ ‫ن وَقَا َ‬ ‫ن الَّزاهِدِي َ‬ ‫م َ‬ ‫معْدُودَةٍ وَكَانُوا ْ فِيهِ ِ‬ ‫م َ‬ ‫دََراه ِ َ‬
‫خذَه ُ وَلَدًا وَكَذَل ِ َ‬ ‫َ‬
‫سى أن يَنفَعَنَا أوْ نَت َّ ِ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫ك‬ ‫مثْوَاه ُ ع َ َ‬ ‫مي َ‬ ‫مَرأتِهِ أكْرِ ِ‬ ‫صَر ل ِ ْ‬ ‫م ْ‬ ‫ِّ‬
‫ّ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫ّ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫ب‬‫ه غَال ِ ٌ‬ ‫ث وَالل ُ‬ ‫حادِي ِ‬ ‫ل ال َ‬ ‫من تَأوِي ِ‬ ‫ه ِ‬ ‫م ُ‬ ‫ض وَلِنُعَل ِ َ‬ ‫ف فِي َالْر ِ‬ ‫س َ‬ ‫مك ّنِّا لِيُو ُ‬ ‫َ‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬
‫مرِهِ وَلـك ِ َّ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫ه‬
‫شد ّه ُ آتَيْنَا ُ‬ ‫ما بَلغَ أ ُ‬
‫َّ‬ ‫ن وَل ّ‬ ‫مو َ‬ ‫س ل يَعْل ُ‬ ‫ن أكثََر الن ّا ِ‬ ‫ع َلى أ ْ‬
‫ه التِي هُوَ فِي بَيْتِهَا‬ ‫ن وََراوَدَت ْ ُ‬ ‫سنِي َ‬ ‫ح ِ‬ ‫م ْ‬ ‫جزِي ال ْ ُ‬ ‫ك نَ ْ‬ ‫ما وَكَذَل ِ َ‬
‫َ‬ ‫عل ْ ً‬‫ما وَ ِ‬ ‫حك ْ ً‬ ‫ُ‬
‫َ‬ ‫ّ‬ ‫ك قَا َ‬ ‫تل َ‬‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫سهِ وَغَلقَ ِ‬‫ّ‬ ‫َ‬
‫ه َربِّي‬ ‫معَاذ َ اللهِ إِن ّ ُ‬ ‫ل َ‬ ‫ت هَي ْ َ‬ ‫ب وَ َقَال ْ‬ ‫ت البْوَا َ‬ ‫ع َن ن ّ ْف ِ‬
‫َ‬
‫ن ) يوسف‪23 – 19 :‬‬ ‫مو َ‬ ‫ح الظ ّال ِ ُ‬ ‫ه ل َ يُفْل ِ ُ‬ ‫مثْوَايَ إِن َّ ُ‬ ‫ن َ‬ ‫س َ‬ ‫ح َ‬ ‫أ ْ‬
‫الكتاب المقدس‬
‫(فكلمته بمثل هذا الكلم قائلة دخل إلي العبد العبراني الذي‬
‫جئت به إلينا ليداعبني… فأخذ يوسف سيده ووضعه في بيت‬
‫السجن المكان الذي كان أسرى الملك محبوسين فيه وكان هناك‬
‫في بيت السجن) التكوين ‪20 – 17 :39‬‬
‫القرآن الكريم‬
‫(قال رب السجن أحب إلي مما يدعونني إليه وإل تصرف عني‬
‫كيدهن أصب إليهن وأكن من الجاهلين‪ ..‬فاستجاب له ربه فصرف‬
‫عنه كيدهن إنه هو السميع العليم‪ ..‬ثم بدا لهم من بعد ما رأوا‬
‫اليات ليسجننه حتى حين) يوسف‪35 – 33 :‬‬
‫الكتاب المقدس‬
‫(وحدث بعد هذه المور أن ساقي ملك مصر والخباز أذنبا إلى‬
‫سيدهما ملك مصر‪ ..‬فسخط فرعون على خصييه رئيس السقاة‬
‫ورئيس الخبازين‪ ..‬فوضعهما في حبس بيت رئيس الشرط في‬
‫بيت السجن المكان الذي كان يوسف محبوسا فيه… وحلما‬
‫كلهما حلما في ليلة واحدة كل واحد حلمه كل واحد بحسب‬
‫تعبير حلمه ساقي ملك مصر وخبازه المحبوسان في بيت السجن‬

‫‪230‬‬
‫… فقص رئيس السقاة حلمه على يوسف وقال له كنت في‬
‫حلمي وإذا كرمة أمامي‪ ..‬وفي الكرمة ثلثة قضبان وهي إذا‬
‫أفرخت طلع زهرها وأنضجت عناقيدها عنبا‪ ..‬وكانت كأس فرعون‬
‫في يدي فأخذت العنب وعصرته في كأس فرعون وأعطيت‬
‫الكأس في يد فرعون‪ ..‬فقال له يوسف هذا تعبيره الثلثة قضبان‬
‫هي ثلثة أيام‪ ..‬في ثلثة أيام أيضا يرفع فرعون رأسك ويردك‬
‫إلى مقامك فتعطي كأس فرعون في يده كالعادة الولى حين‬
‫كنت ساقيه‪..‬وإنما إذا ذكرتني عندك حينما يصير لك خير تصنع لي‬
‫إحسانا وتذكرني لفرعون وتخرجني من هذا البيت… فلما رأى‬
‫رئيس الخبازين أنه عبر جيدا قال ليوسف كنت أنا أيضا في‬
‫حلمي وإذا ثلثة سلل حواري على رأسي‪ ..‬وفي السل العلى‬
‫من جميع طعام فرعون من صنعة الخباز والطيور تأكله من‬
‫السل عن رأسي‪ ..‬فأجاب يوسف وقال هذا تعبيره الثلث سلل‬
‫هي ثلثة أيام‪ ..‬في ثلثة أيام أيضا يرفع فرعون رأسك عنك‬
‫ويعلقك على خشبة وتأكل الطيور لحما عنك… ولكن لم يذكر‬
‫رئيس السقاة يوسف بل نسيه) التكوين ‪23 – 1 :40‬‬
‫القرآن الكريم‬
‫(ودخل معه السجن فتيان قال أحدهما إني أراني أعصر خمرا‬
‫وقال الخر إني أحمل فوق رأسي خبزا تأكل الطير منه نبئنا‬
‫بتأويله إنا نراك من المحسنين)يوسف‪36 :‬‬
‫(يا صاحبي السجن أما أحدكما فيسقي ربه خمرا وأما الخر‬
‫فيصلب فتأكل الطير من رأسه قضي المر الذي فيه تستفتيان‪..‬‬
‫وقال للذي ظن أنه ناج منهما اذكرني عند ربك فأنساه الشيطان‬
‫ذكر ربه فلبث في السجن بضع سنين) يوسف‪42 – 41 :‬‬
‫ثم يشرح بعد ذلك الكتاب المقدس رؤيا الملك للسبع بقرات‬
‫السمان والعجاف والسبع سنبلت الخضر واليابسات ويحكي‬
‫القصة بإسهاب شديد في إصحاح كامل ‪ 57 – 1 :42‬وهي كما‬
‫وردت في القرآن الكريم ولكن القرآن يلخصها بأسلوبه البليغ‬
‫وبيانه المعجز في بضعة سطور فيقول‪:‬‬
‫(وقال الملك إني أرى سبع بقرات سمان يأكلهن سبع عجاف‬
‫وسبع سنبلت خضر وأخر يابسات يا أيها المل أفتوني في رؤياي‬
‫إن كنتم للرؤيا تعبرون‪ ..‬قالوا أضغاث أحلم وما نحن بتأويل‬
‫الحلم بعالمين‪ ..‬وقال الذي نجا منهما وادكر بعد أمة أنا أنبئكم‬
‫بتأويل فأرسلون‪ ..‬يوسف أيها الصديق أفتنا في سبع بقرات‬
‫سمان يأكلهن سبع عجاف وسبع سنبلت خضر وأخر يابسات‬
‫لعلي أرجع إلى الناس لعلهم يعلمون‪ ..‬قال تزرعون سبع سنين‬
‫دأبا فما حصدتم فذروه في سنبله إل قليل مما تأكلون‪ ..‬ثم يأتي‬

‫‪231‬‬
‫من بعد ذلك سبع شداد يأكلن ما قدمتم لهن إل قليل مما‬
‫تحصنون‪ ..‬ثم يأتي من بعد ذلك عام فيه يغاث الناس وفيه‬
‫يعصرون) يوسف‪ 49 – 43 :‬ثم يستمر الكتاب المقدس في سرد‬
‫القصة كاملة إلى نهايتها كما وردت في القرآن الكريم‪...‬‬
‫ومما سبق جميعًا يتبين لنا أن منبع الوحي ومصدر الرسالت‬
‫جميعًا هو من عند الله الواحد‪ ..‬فهذا ما أعطاه الله للنبياء‪،‬وما‬
‫أعطاه لعبده ورسوله محمد بن عبد الله – صلى الله عليه وسلم‬
‫‪ ،-‬ومن هنا تظهر لنا الحكمة اللهية العظيمة في أن يكون آخر‬
‫النبياء وصاحب الرسالة الخاتمة الجامعة لكل ما قبلها ل يقرأ ول‬
‫يكتب‪ ،‬وذلك حتى ل يرتاب المبطلون‪ ،‬ول يتشكك المتشككون‪..‬‬
‫فأنى لمن ل يقرأ ول يكتب أن يطلع على تاريخ المم وميراث‬
‫النبياء إل أن يكون الصادق المصدوق‪ ،‬الذي رفع الله قدره‬
‫فأكرمه بوحي السماء‪ ،‬وأفاض عليه من نعمه فجعله خاتم‬
‫النبياء‪ ..‬فكان فضل الله عليه وعلينا جليل‪ ..‬وخيره مسبغا‬
‫وجزيل‪ ..‬فالحمد لله رب العالمين بأن هدانا للحق المبين‪ ..‬وله‬
‫الحمد في الولى والخرة بأن شرفنا بإمام النبيين‪..‬‬
‫(وما كنت تتلو من قبله من كتاب ول تخطه بيمينك إذا لرتاب‬
‫المبطلون) العنكبوت‪48:‬‬
‫(وأنزل الله عليك الكتاب والحكمة وعلمك ما لم تكن تعلم وكان‬
‫فضل الله عليك عظيما) النساء‪113 :‬‬
‫(فلله الحمد رب السماوات ورب الرض رب العالمين) الجاثية‪36:‬‬
‫المسيحية والعلمانية والسلم‪:‬‬
‫العلمانية كخطر عظيم يتهدد حاضرنا ومستقبلنا ‪ -‬أمر لبد من‬
‫ذكره في كل موقف‪ ،‬والتنويه عنه في كل مناسبة‪ ،‬بل إن الكلم‬
‫ينبغي أن يدفع دفعا‪ ،‬ويساق سوقًا‪ ،‬من أجل التطرق إليها‪ ،‬وبيان‬
‫ما تحويه من أخطار‪ ،‬وما تضمره من أحقاد‪ ،‬على الدين‬
‫والمتدينين‪.‬‬
‫فلو صنف عاقل بأمور الدين‪ ،‬أو خبير بشئون المسلمين ‪-‬‬
‫الخطار التي تهدد ديننا الحنيف‪ ،‬لوضع العلمانية في مقدمة ذاك‬
‫التصنيف‪..‬‬
‫والعلمانية هي دعوة إلى الل دينية أو الدنيوية‪ ،‬وهى تهدف في‬
‫المقام الول إلى فصل الدين عن جميع مناحي الحياة‪ ،‬وللسف‬
‫الشديد فإن للعلمانية الن أنصاًرا يروجون لفكارها‪ ،‬ويدعون‬
‫لعتناقها مدعين أنها الحل الصلح لكل المشاكل‪ ،‬والمخرج‬
‫الوحد من كل المآزق؛ وهم يسخرون في سبيل ذلك كل‬
‫المكانيات من إعلم مسموع ومقروء وغير ذلك‪ ،‬غير مبالين‬
‫بدين‪ ،‬ول معتبرين لعقائد المسلمين‪.‬‬

‫‪232‬‬
‫ويدعى دعاة العلمانية أن الدين ليس إل علقة سرية ورباط‬
‫خاص بين المرء وخالقه‪ ،‬وأن هذه العلقة ل تتعدى إلى حدود‬
‫المجتمع‪ ،‬أو نظم المعيشة‪ ،‬أو أساليب الحكم‪ ،‬أو غير ذلك من‬
‫مختلف وجوه الحياة‪.‬‬
‫ولقد ظهرت العلمانية في أوروبا في القرن السادس عشر‬
‫كوسيلة للتخلص من حكم رجال الكنيسة وتسلطهم على‬
‫المجتمع‪.‬‬
‫فقد اتهم رجال الكنيسة كل من يقترف جريمة العلم بالهرطقة‪،‬‬
‫وكل من يرتكب رذيلة البحث التجريبي بالكفر واللحاد والخروج‬
‫عن الدين‪.‬‬
‫وتم إنشاء محاكم التفتيش في أوائل القرن الثالث عشر‪،‬‬
‫واستمرت إلى القرون التالية‪ ،‬وكان هدف هذه المحاكم محاربة‬
‫الهرطقة في أنحاء العالم المسيحي‪ ،‬وكان الناس يساقون سوقا‬
‫إلى محاكم التفتيش عن طريق الشبهة فقط أو عن طريق‬
‫وشاية من أحد الجيران‪ ،‬وكان الواحد منهم يضرب حتى يعترف‬
‫بذنبه فإذا لم يعترف نقل إلى مرحلة أعلى من التعذيب‬
‫الجسدي‪ ،‬فإذا أصر على رأيه ورفض التراجع عن أفكاره كان‬
‫يرمى في المحرقة!!‬
‫ويلخص لنا الستاذ أبو الحسن الندوي في كتابه(ماذا خسر العالم‬
‫بانحطاط المسلمين) تلك الملبسات التي أدت إلى فصل الدين‬
‫عن الحياة في أوروبا ويصف مقدماتها ونتائجها فيقول‪:‬‬
‫(‪ ..‬ولكن من أعظم أخطاء رجال الدين في أوروبا‪ ،‬ومن أكبر‬
‫جناياتهم على أنفسهم وعلى الذين كانوا يمثلونه‪ ،‬أنهم دسوا في‬
‫كتبهم الدينية المقدسة‪ .‬معلومات بشرية‪ ،‬ومسلمات عصرية‪ ،‬عن‬
‫التاريخ والجغرافيا والعلوم الطبيعية‪ ،‬ربما كانت أقصى ما وصلوا‬
‫إليه من العلم في ذلك العصر‪ ،‬وكانت حقائق راهنة ل يشك فيها‬
‫رجال الدين ذلك العصر‪ ،‬ولكنها ليست أقصى ما وصل إليه العلم‬
‫النساني … وإذا كان ذلك في عصر من العصور غاية ما وصل‬
‫إليه عمر البشر فإنه ل يؤمن عليه التحول والتعارض‪ .‬فإن العلم‬
‫النساني متدرج مترق‪ ،‬فمن بنى عليه دينه فقد بنى قصرا على‬
‫كثيب مهيل من الرمل‪ .‬ولعلهم فعلوا ذلك بنية حسنة ولكنه كان‬
‫أكبر جناية على أنفسهم وعلى الدين فإن ذلك كان سببا للكفاح‬
‫المشئوم بين الدين والعقل والعلم‪ ،‬الذي انهزم فيه الدين‪ .‬ذلك‬
‫الدين المختلط بعلم البشر‪ ،‬الذي فيه الحق والباطل‪ ،‬والخالص‬
‫والزائف‪..‬هزيمة منكرة‪ ،‬وسقط رجال الدين سقوطا لم ينهضوا‬
‫بعده‪ .‬وشر من ذلك وأشأم‪ :‬أن أوروبا أصبحت ل دينية… ولم‬
‫يكتف رجال الدين بما أدخلوه في كتبهم المقدسة‪ .‬بل درسوا كل‬

‫‪233‬‬
‫ما تناقلته اللسنة‪ ،‬واشتهر بين الناس‪ ،‬وذكره بعض شراح التوراة‬
‫والنجيل ومفسريهما من معلومات جغرافية وتاريخية وطبيعية‪.‬‬
‫وصبغوها صبغة دينية‪ ،‬وعدوها من تعاليم الدين وأصوله التي‬
‫يجب العتقاد بها‪ ،‬ونبذ كل ما يعارضها وألفوا في ذلك كتبا وتآليف‬
‫وسموا هذه الجغرافيا التي ما أنزل الله بها من سلطان‪:‬‬
‫الجغرافيا المسيحية … وكان ذلك في عصر انفجر فيه بركان‬
‫العقلية في أوروبا‪ ،‬وحطم علماء الطبيعة والعلوم سلسل التقليد‬
‫الديني‪ .‬فزيفوا هذه النظريات الجغرافية التي اشتملت عليها هذه‬
‫الكتب وانتقدوها في صرامة وصراحة‪ ،‬واعتذروا عن عدم‬
‫اعتقادها واليمان بها بالغيب؛ وأعلنوا اكتشافاتهم واختباراتهم‪.‬‬
‫فقامت قيامة الكنيسة‪ ،‬وقام رجالها المتصرفون في زمام المور‬
‫في أوروبا وكفروهم‪ ،‬واستحلوا دماءهم وأموالهم في سبيل‬
‫الدين المسيحي وأنشأوا محاكم التفتيش… ويقدر أن من عاقبت‬
‫هذه المحاكم يبلغ عددهم ثلثمائة ألف‪ ،‬أحرق منهم اثنان وثلثون‬
‫ألفا أحياء! كان منهم العالم الطبيعي المعروف(برونو)‪ ،‬وكذلك‬
‫عوقب العالم الطبيعي الشهير(جالليو) لنه كان يعتقد بدوران‬
‫الرض حول الشمس!… هنالك ثار المجددون المتنورون‪ ،‬وعيل‬
‫صبرهم‪ ،‬وأصبحوا حربا لرجال الدين وممثلي الكنيسة‪،‬‬
‫والمحافظين على القديم‪ ،‬ومقتوا كل ما يتصل بهم‪ ،‬ويعزى‬
‫إليهم‪ ،‬من عقيدة‪ ،‬وثقافة‪ ،‬وعلم‪ ،‬وأخلق‪ ،‬وآداب‪ ،‬وعادوا الدين‬
‫المسيحي أول‪ ،‬والدين المطلق ثانيا‪ ،‬واستحالت الحرب بين‬
‫زعماء العلم والعقلية وزعماء الدين المسيحي حربا بين العلم‬
‫والدين مطلقا! وقرر الثائرون أن العلم والدين ضرتان ل‬
‫تتصالحان‪ ،‬وأن العقل والنظام الديني ضدان ل يجتمعان؛ فمن‬
‫استقبل أحدهما استدبر الخر ومن آمن بالول كفر بالثاني‪ .‬وإذا‬
‫ذكروا الدين ذكروا تلك الدماء الزكية التي أريقت في سبيل العلم‬
‫والتحقيق‪ ،‬وتلك النفوس البريئة التي ذهبت ضحية لقسوة‬
‫القساوسة ووساوسهم‪ ،‬وتمثل لعينهم وجوه كالحة عابسة وجباه‬
‫مقطبة‪ ،‬وعيون ترمي بالشرر‪ ،‬وصدور ضيقة حرجة‪ ،‬وعقول‬
‫سخيفة بليدة؛ فاشمأزت قلوبهم؛ وآلوا على أنفسهم كراهة‬
‫هؤلء‪ ،‬وكل ما يمثلونه‪ ،‬وتواصوا به‪ ،‬وجعلوه كلمة باقية في‬
‫أعقابهم!… ولم يكن عند هؤلء الثائرين من الصبر والمصابرة‬
‫على الدراسة والتفكير‪ ،‬ومن الوداعة والهدوء‪ ،‬ما يميزون به بين‬
‫الدين‪ ،‬ورجاله المحتكرين لزعامته‪ ،‬ويفرقون به بين ما يرجع إلى‬
‫الدين من عهدة ومسئولية‪ .‬وما يرجع إلى رجال الكنيسة من‬
‫جمود واستبداد وسوء تمثيل‪ ،‬فل ينبذوا الدين نبذ النواة‪ ..‬ولكن‬
‫الحفيظة وشنآن رجال الدين‪ ،‬والستعجال‪ ..‬لم يسمح بالنظر في‬

‫‪234‬‬
‫أمر الدين والتريث في شأنه‪..‬كغالب الثوار‪ ،‬في أكثر العصور‬
‫والمصار!!!))‪.‬‬
‫كانت تلك هي الظروف والملبسات التي ظهرت فيها العلمانية‪،‬‬
‫والتي تم فيها فصل الدين عن جميع مناحي الحياة‪..‬‬
‫أضف إلى ذلك العداوة المستمرة بين المذهب البروتستانتي‬
‫والمذهب الكاثوليكي‪ ،‬والتي راح ضحيتها مئات اللف من‬
‫معتنقي الطائفتين‪ ،‬والتي كانت أحد السباب التي دفعت‬
‫العلمانية إلى الظهور لوقف المذابح المستمرة بين الطائفتين إذا‬
‫كانت إحدى الطائفتين على رأس الحكم في الكنيسة‪.‬‬
‫ما مما اتهمت به‬ ‫ولكن على الجانب الخر فإن السلم بريء تما ً‬
‫المسيحية من تحدى العلم واتهام العلماء بالهرطقة‪.‬‬
‫ما‪ ،‬ولم يقف أبدًا في طريق العلماء‪،‬‬ ‫فالسلم لم يحارب العلم يو ً‬
‫ما بالتأمل والتفكر وإعمال العقل‪ ،‬والنظر‬ ‫بل إن القرآن يأمرنا دائ ً‬
‫والتدبر في ملكوت السماء والرض‪:‬‬
‫(إن في خلق السماوات والرض واختلف الليل والنهار والفلك‬
‫التي تجرى في البحر بما ينفع الناس وما أنزل الله من السماء‬
‫من ماء فأحيا به الرض بعد موتها وبث فيها من كل دابة‬
‫وتصريف الرياح والسحاب المسخر بين السماء والرض ليات‬
‫لقوم يعقلون)‪ .‬البقرة‪164:‬‬
‫(وهو الذي مد الرض وجعل فيها رواسى وأنهاًرا ومن كل‬
‫الثمرات جعل فيها زوجين اثنين يغشى الليل النهار إن في ذلك‬
‫ليات لقوم يتفكرون)‪ .‬الرعد‪3:‬‬
‫(إن في السماوات والرض ليات للمؤمنين‪ ..‬وفي خلقكم وما‬
‫يبث من دابة آيات لقوم يوقنون‪ ..‬واختلف الليل والنهار وما أنزل‬
‫الله من السماء من رزق فأحيا به الرض بعد موتها وتصريف‬
‫الرياح آيات لقوم يعقلون‪..‬تلك آيات الله نتلوها عليك بالحق فبأي‬
‫حديث بعد الله وآياته يؤمنون) الجاثية‪6 – 3 :‬‬
‫بل إن الله يخبرنا أن النسان كلما زاد علمه زادت خشيته(إنما‬
‫يخشى الله من عباده العلماء)‪ .‬فاطر‪281:‬‬
‫والقرآن به من اليات العلمية التي لم تكتشف إل حديثا ما يحير‬
‫القلوب ويأسر اللباب‪:‬‬
‫(وهو الذي مرج البحرين هذا عذب فرات وهذا ملح أجاج وجعل‬
‫بينهما برزخا وحجرا محجورا) الفرقان‪53 :‬‬
‫(أولم ير الذين كفروا أن السماوات والرض كانتا رتقا ففتقناهما‬
‫وجعلنا من الماء كل شيء حي أفل يؤمنون) النبياء‪30 :‬‬
‫(ومن يرد أن يضله يجعل صدره ضيقا حرجا كأنما يصعد في‬
‫السماء) النعام‪125 :‬‬

‫‪235‬‬
‫وسنة نبينا‪-‬صلى الله عليه وسلم‪ -‬عامرة بالحاديث التي تحض‬
‫على طلب العلم وتعلى من قدر العلماء‪:‬‬
‫(اطلبوا العلم من المهد إلى اللحد)‪.‬‬
‫(العلماء ورثة النبياء)‪.‬‬
‫(من سلك طريقا يلتمس به علما سهل الله له به طريقا إلى‬
‫الجنة)‬
‫(طلب العلم فريضة على كل مسلم)…‬
‫هذا بالنسبة للعلم‪ ،‬أما أمر الطوائف المتناحرة والتيارات‬
‫المتنازعة مما عرفته المسيحية‪ -‬فليس له مثيل ول نظير في‬
‫السلم‪ ،‬بل إن السلم الحنيف ينهانا عن إيذاء أهل الكتاب إذا لم‬
‫يتعرضوا للمسلمين بالقتال أو يخرجوهم من ديارهم‪ ،‬بل إنه‬
‫يدعونا للحسان إليهم والبر بهم‪(:‬ل ينهاكم الله عن الذين لم‬
‫يقاتلوكم في الدين ولم يخرجوكم من دياركم أن تبروهم‬
‫وتقسطوا إليهم إن الله يحب المقسطين)‪ .‬الممتحنة‪8:‬‬
‫إذن فالعلمانية قد ظهرت في الساس للقضاء على مشكلة‬
‫تسلط الكنيسة واضطهادها للعلم‪ ،‬وانفراد رجال الدين المسيحي‬
‫بالحكم‪ ..‬وهذا الدافع ل يمكن أن يحمل على الدين السلمي‬
‫بحال من الحوال‪..‬‬
‫فليس في السلم سلطة مطلقة لرجال الدين دون غيرهم‪ ،‬بل‬
‫إن كل مسلم ينبغي أن يكون رجل دين ودولة معا‪ ،‬وفى ذلك‬
‫يقول السيد جمال الدين الفغاني رحمه الله‪:‬‬
‫((ليس في السلم ما يسمى بالسلطة الدينية بوجه من الوجوه‪،‬‬
‫ولكن السلم دين وشرع قد وضع حدودا ورسم حقوقا‪ ،‬والحاكم‬
‫مكلف بإقامة الحدود وتنفيذ حكم القاضي بالحق‪ ،‬أي أن له‬
‫سلطة تنفيذية فقط‪ ،‬وهو ليس بالمعصوم وليس بمهبط الوحي‬
‫ول من حقه الستئثار بتفسير الكتاب والسنة ول يجوز لصحيح‬
‫النظر أن يخلط بين الحاكم عند المسلمين بما يسمى‬
‫(بالفرنجثيوقراطيا) أي السلطان اللهي‪ ،‬فإن ذلك عندهم هو‬
‫الذي ينفرد بتلقى الشريعة من الله وله حق الثرة بالتشريع وله‬
‫في الرقاب حق الطاعة))‪.‬‬
‫‪ -‬كما أن الهدف الذي أرسل المسيح عليه السلم من أجله كان‬
‫تهذيب النفوس‪ ،‬والسمو بالخلق‪ ،‬وإصلح ما أفسدته الخراف‬
‫الضالة من بيت بني إسرائيل؛ فالمسيحية لم تكن مشتملة على‬
‫أساليب للحكم‪ ،‬أو نظام للمجتمع‪ ،‬وإنما كانت وسيلة لصلح‬
‫النفوس‪ ،‬وتهذيب الخلق‪.‬‬
‫أما السلم فإنه كما يعنى بالجانب الروحي والخلقي؛ فإنه يضع‬
‫ما للمجتمع‪ ،‬ويقنن أساليب للحكم‪ ،‬ويحدد وسائل‬ ‫ضا نظا ً‬
‫أي ً‬

‫‪236‬‬
‫للتعايش بين مواطنيه وبين مواطني الديان الخرى‪ ،‬ويكفل‬
‫لجميع رعاياه المن والحماية وحرية العقيدة؛ فالسلم كيان‬
‫اجتماعي متكامل أنزله الله لكي يتمم به الشرائع ويصلح به كل‬
‫زمان ومكان‪..‬‬
‫أضف إلى ذلك أن الجهل الذي كانت تعيشه البشرية في أيام‬
‫المسيحية الولى‪ ،‬وضيق الفق الذي كانت تعانيه ‪ -‬لم يؤهل‬
‫المسيحية لن تكون أكثر من رسالة لتهذيب النفوس وإصلح‬
‫الخلق؛ فلما جاء السلم بعد ستة قرون من الزمان كان العقل‬
‫البشري قد تطور‪ ،‬والمستوى الفكري قد تقدم‪ ،‬وأصبحت‬
‫البشرية مؤهلة لتلقى الشريعة الكاملة المتممة لجميع الشرائع‪.‬‬
‫ولو أدركنا ذلك جيدًا لفهمنا قول المسيح عليه السلم لتلميذه‬
‫قبل أن يرحل‪:‬‬
‫ضا لقول لكم ولكن ل تستطيعون أن‬ ‫((إن لي أموًرا كثيرة أي ً‬
‫تحتملوا الن وأما متى جاء ذاك روح الحق هو يرشدكم إلى جميع‬
‫الحق))‪.‬‬
‫ولذلك أيضا فإن بعض ما اشتملت عليه المسيحية من تعاليم لم‬
‫حا للتطبيق إل في زمن المسيح عليه السلم والجيال‬ ‫يكن صال ً‬
‫التي بعده؛ فالمسيحية تجعل الزواج مثل ً رباطًا أبديًا ل يمكن حله‪،‬‬
‫وتقول أن ما جمعه الله ل يمكن أن يفرقه بشر؛ ولقد أدى تعنت‬
‫رجال الدين المسيحي في هذا المر إلى انهيار خطير في بناء‬
‫السرة؛ وذلك لنه إذا استحالت العشرة بين الزوجين مع‬
‫استحالة النفصال بينهما فإن ذلك يؤدى إلى إنشاء علقات‬
‫محرمة خارج نطاق السرة‪.‬‬
‫وذلك بعكس السلم الذي أباح الطلق ولم يجعل الزواج رباطًا‬
‫أبديًا بين الزوجين إذا استحالت العشرة بين الزوجين؛ وبذلك فإن‬
‫ضا‪ ،‬وما جمعه الله‬ ‫السلم كما شرع الزواج فقد شرع الطلق أي ً‬
‫فالله أيضا يفرقه‪.‬‬
‫وهكذا ندرك أن السبب الذي دفع العلمانية للظهور في المجتمع‬
‫الوروبي ليس له ما يبرره على الطلق في البلد السلمية‪..‬‬
‫لكن الذي حدث أن نفًرا من بنى جلدتنا‪ ،‬ويتكلمون بألسنتنا ‪ -‬قد‬
‫حكموا على السلم بما حكم به على المسيحية؛ فاعتنقوا‬
‫العلمانية وأصبحت الل دينية هي دينهم!!‪.‬‬
‫ما غربيًا علمانيًا‬
‫وهؤلء النفر إما من المثقفين الذين تلقوا تعلي ً‬
‫ما إسلميًا وكانوا بمعزل عن السلم‬ ‫ولم يتلقوا بجانبه تعلي ً‬
‫وتعاليمه ومنهجه‪ ،‬وإما من هؤلء الذين بهرتهم أضواء الغرب‬
‫وحضارته مع إيمانهم العليل بالله وعلمهم الضئيل بدينه‪ ،‬وإما من‬

‫‪237‬‬
‫هؤلء الذين يبيعون أي شئ بأي ثمن حتى لو كان دينهم وتراث‬
‫أمتهم‪..‬‬
‫ثم هم يطلبون منا بعد ذلك أن تكون علقتنا بربنا علقة سرية؛‬
‫فل نسمح لتشريعاته بدخول المحاكم‪ ،‬ول لتاريخ دينه وسيرة‬
‫رسوله بدخول المدارس‪ ،‬ول لتعاليمه بأن تسود المجتمع!!‪.‬‬
‫فهل ينتظر منا هؤلء أن نسمع لهم ونقبل فكرهم؟!‬
‫وهل يأملون في أن نترك ديننا الحق ونؤمن بما يعتنقوه؟!‬
‫لقد أنعم الله علينا بالسلم‪ ،‬وأرشدنا به إلى سبل السلم؛ فكيف‬
‫بنا بعد ذلك نعصى أمره‪ ،‬ونهمل شرعه‪ ،‬ونجحد حكمه؟!!‬
‫والله قد أنزل إلينا كتابًا كي نبصر في نوره‪ ،‬ونسير في إشراقه؛‬
‫فهل نحيا بشرعه ونحكم بحكمه‪ ،‬أم نحكم عليه بالهجران وعلى‬
‫أنفسنا بالخسران؟!‬
‫كيف والله تعالى يقول‪(:‬لقد أنزلنا إليكم كتابا فيه ذكركم‪..‬أفل‬
‫تعقلون؟!!)؟!!النبياء‪10 :‬‬
‫ل نفرق بين أحد من رسله‪:‬‬
‫قال الله تعالى‪(:‬آمن الرسول بما أنزل إليه من ربه والمؤمنون‬
‫كل آمن بالله وملئكته وكتبه ورسله ل نفرق بين أحد من رسله‬
‫وقالوا سمعنا وأطعنا غفرانك ربنا واليك المصير)‪ .‬البقرة‪285:‬‬
‫لقد من الله علي الناس بأن عرفهم بنفسه‪ ،‬وأفاض عليهم من‬
‫كرمه بأن هداهم إلى عبادته؛ فهو الواحد الحد المعبود بحق الذي‬
‫ليس له مثيل ول نظير‪.‬‬
‫ولقد ابتعث الله الرسل من أجل هذه المهمة العظيمة‪ ..‬وهي‬
‫تعريف الناس بربهم خالق السماوات والرض‪ ..‬لكي يعبدوه‬
‫وحده‪ ..‬حتى يخرج الناس من الحيرة إلى الطمئنان‪ ..‬و من‬
‫الشرك والكفر إلى اليمان‪..‬‬
‫فالرسل في مجملهم قد بعثوا للقيام بمهمة واحدة؛ وهي هداية‬
‫الناس إلى الله الواحد؛ فمن آدم أبو البشر وحتى محمد خاتم‬
‫النبياء كان القصد هو التوحيد والخذ بأيدي الناس إلى طريقه‬
‫السديد؛ فما أتى به نوح عليه السلم ل يختلف عما أتى به‬
‫إبراهيم‪ ،‬وما أتى به إبراهيم ل يختلف عما أتى به موسى‪ ،‬وما‬
‫أتى به موسى ل يختلف عما أتى به عيسى‪ ،‬وما أتى به عيسى ل‬
‫يختلف عما أتى به محمد‪ -‬عليهم صلوات الله وسلمه أجمعين‪-‬‬
‫(شرع لكم من الدين ما وصى به نوحا والذي أوحينا إليك‪ ،‬وما‬
‫وصينا به إبراهيم وموسى وعيسى أن أقيموا الدين ول تتفرقوا‬
‫فيه)‪ .‬الشورى‪13:‬‬

‫‪238‬‬
‫لذلك فالله عز وجل ينهانا عن أن نفرق بين أحد من رسله؛‬
‫فالكل هدفهم واحد‪ ،‬والكل غايتهم واحدة‪ ،‬وهي عبادة الله‬
‫الواحد‪.‬‬
‫بل إنه ل يتصور أن تختلف دعوات النبياء في شأن العقيدة؛ لن‬
‫أمور العقيدة من نوع الخبار‪ ،‬والخبار عن شئ ل يمكن أن‬
‫يختلف ما بين مخبر وآخر إذا فرضنا الصدق في خبر كل منهما؛‬
‫فمن غير المعقول مثل أن يدعو إبراهيم قومه لترك عبادة‬
‫الصنام وعبادة الله وحده‪ ،‬ويأتي موسى ليخرج بني إسرائيل من‬
‫مصر لكي يعبدوا الله الواحد رب آبائهم إبراهيم وإسحاق‬
‫ويعقوب‪ ،‬ثم يأتي عيسى بعد ذلك ليقول أن الله ثالث ثلثة!!؛‬
‫وذلك لن عقيدة اللوهية ل يمكن أن تتغير من نبي لخر‪ ،‬بل ل‬
‫يمكن أن يأتي بها أحد النبياء ناقصة أو غير واضحة ثم يأتي نبي‬
‫من بعده لكي يكملها أو يبينها‪..‬‬
‫هل يعقل أن جميع النبياء قبل المسيح قد عاشوا وماتوا دون أن‬
‫يعرفوا حقيقة الله الذي أرسلهم‪ ،‬وأفنوا حياتهم في سبيل نصر‬
‫دعوته‪ ،‬وإعلء كلمته‪ ،‬وإظهار رايته؟!!‬
‫وذلك ينطبق على أمور العقيدة ول ينطبق على أمور التشريع‬
‫التي تختلف من زمن لخر؛ فالتشريع من نوع النشاء وليس من‬
‫نوع الخبار‪ ..‬لذلك بعث جميع النبياء بعقيدة واحدة ولكن اختلفت‬
‫التشريعات بنسب متفاوتة فيما بين الرسل‪ ..‬فعيسى جاء مصدقا‬
‫لعقيدة موسى ومتمما لشريعته‪ ..‬ومحمد جاء مصدقا لعقيدة‬
‫عيسى ومتمما لشريعته ومتمما لكل الشرائع‪ ،‬فهو النبي الخاتم‬
‫صاحب الشريعة الخاتمة – صلى الله عليه وسلم ‪.-‬‬
‫والرسل إذ يعلموننا ويأخذون بأيدينا ل يدعون أبدا أنهم أكثر من‬
‫بشر‪ ،‬أو أنهم خلق خاص من طينة مختلفة‪ ،‬أو من جنس مميز‬
‫عن باقي البشر؛ فالله قد أمر عبده ورسوله محمد‪(:‬قل إنما أنا‬
‫بشر مثلكم يوحي إلي أنما إلهكم إله واحد)‪ .‬الكهف‪110:‬‬
‫ويسأل عيسى المسيح وهو أعلم بما في نفسه(وإذ قال الله يا‬
‫عيسى ابن مريم ءأنت قلت للناس اتخذوني وأمي إلهين من دون‬
‫الله قال سبحانك ما يكون لي أن أقول ما ليس لي بحق إن كنت‬
‫قلته فقد علمته تعلم ما في نفسي ول أعلم ما في نفسك إنك‬
‫أنت علم الغيوب) المائدة‪116:‬‬
‫ونحن كبشر متلقين لدعوة المسيح عليه السلم ولدعوة محمد‬
‫صلى الله عليه وسلم ولدعوة الرسل أجمعين ينبغي علينا أل‬
‫نتحزب لحد أو نتعصب لحد من دون الله؛ فمحمد –صلى الله‬
‫عليه وسلم‪-‬ل يملك من أمرنا شيئا بل هو ل يملك من أمر نفسه‬
‫شيئا صلى الله عليه وسلم فهو يقول لبنته(يا فاطمة اعملي‬

‫‪239‬‬
‫فإني ل أغني عنك من الله شيئًا)‪ ،‬وكذلك المسيح عيسى عليه‬
‫السلم‪(:‬قل فمن يملك من الله شيئا إن أراد أن يهلك المسيح‬
‫ابن مريم وأمه ومن في الرض جميعا‪ ،‬ولله ملك السماوات‬
‫والرض وما بينهما‪ ،‬يخلق ما يشاء‪ ،‬والله على كل شئ قدير)‪..‬‬
‫وكذلك جميع الرسل‪:‬‬
‫والسلم الحنيف أمرنا بأن نؤمن بجميع المرسلين‪ ،‬وأن نؤمن‬
‫بعيسى المسيح كلمة الله ألقاها إلى مريم وروح منه‪ ،‬وأمرنا بأن‬
‫نؤمن بميلده المعجز من غير أب‪ ،‬وبنهايته المعجزة بأن رفعه‬
‫ما إل إذا آمن بما سبق عن‬‫الله إليه‪ ..‬بل إن المسلم ل يكون مسل ً‬
‫المسيح عليه السلم‪.‬‬

‫فكل إنسان ينبغي أل ينشغل إل بأمر نفسه؛ لن أحدًا لن يحمل‬


‫عنه وزره‪ ،‬ولن يدرأ عنه ذنبه‪ ،‬وإنما يفعل ذلك اليمان بالله‬
‫وحده‪ ،‬وأتباع أمره‪ ،‬واجتناب نهيه‪ ..‬لذلك يقول القرآن‬
‫ضا(كل نفس بما‬ ‫الكريم(كل امرئ بما كسب رهين)‪ ،‬ويقول أي ً‬
‫ضا(ول تزر وازرة وزر أخري)‪.‬‬ ‫كسبت رهينة) ويقول أي ً‬
‫وفي هذا الشأن يقول الكتاب المقدس(الباء ل يموتون من اجل‬
‫البناء ول البناء يموتون من أجل الباء كل يموت من أجل‬
‫خطيئته)‪.‬‬
‫هذا ما علمنا الله وهذا ما علمنا السلم وهذا ما علمنا محمد‬
‫صلى الله عليه وسلم وما علمنا المسيح عليه السلم وما علمنا‬
‫الرسل جميعا‪.‬‬
‫فهل تنبهنا لهذا المر؟‬
‫وهل نصطلح مع الله خالقنا؟‬
‫وهل نترك كل هوي ونتجنب كل ميل ونطرح كل تعصب من أجل‬
‫الله الواحد الحد؟‬
‫وهل يثوب المسلمون إلى الله خالقهم فنصنع ما صنعه آباؤنا من‬
‫أجل نصره وإعلء شرعه بعد أن تهنا في الطرق وتفرقت بنا‬
‫الدروب والسبل؟!‬
‫فذاك حالنا ل يثبت إل أننا عن سبيل الله قد بعدنا‪ ،‬وعن هدي‬
‫محمد قد شردنا‪ ،‬وعن نهج السلم قد زغنا وحدنا؛ وأن الدنيا قد‬
‫شغلتنا‪ ،‬وألهانا طول المل؛ فأصابانا الوهن‪ ،‬وصرنا نهبا للمم‪،‬‬
‫وهدفا للطامعين من كل الملل‪..‬‬
‫لم تبق في أسرها إل‬ ‫قد استرد السبايا كل منهزم‬
‫سبايانا‬
‫إل رأيت عليها لحم قتلنا‬ ‫وما رأيت سياط الظلم دامية‬
‫حتى لقد خجلت منا منايانا‬ ‫ول نموت علي حد الظبا أنفا‬

‫‪240‬‬
‫أيها المسلمون‪ ،‬رسولكم قد فاق مجده العل‪ ،‬وذكره قد جاوز‬
‫المدى‪ ،‬وتكريم الله له ل يخفى على ذوي العقول والحجى؛‬
‫فمحمد الذي أتى ذكره في الولين‪ ،‬وبقي ذكره في الخرين‪- ،‬‬
‫يستحق منكم أن تتبعوه‪ ،‬وتتبعوا النور الذي أنزل معه‪ ،‬وتتركوا‬
‫كل متع الدنيا الزائلة‪ ،‬والماني الباطلة‪ ..‬من أجل نشر دعوته‪،‬‬
‫واعلء رسالته‪..‬‬
‫فلقد حملكم نبيكم أكبر المانات… فهل أديتموها؟!‬
‫وأورثكم أعظم الرسالت… فهل حافظتم عليها؟!‬
‫ومن بين ضلل العالم قد عرفكم الحق… فهل عشتم للحق؟!!‬
‫(ربنا ل تزغ قلوبنا بعد إذ هديتنا وهب لنا من لدنك رحمة إنك أنت‬
‫الوهاب)‪.‬‬
‫(ربنا آمنا بما أنزلت واتبعنا الرسول فاكتبنا مع الشاهدين)‪.‬‬
‫ـــــــــــ‬
‫الهوامش‪:‬‬
‫(‪ )1‬راجع معجم البلدان الجزء الثالث باب حرف الفاء‬
‫(‪ )2‬اختلفت المصادر في تحديد موقع سعير؛ فمعجم بلدان‬
‫فلسطين يفرق بين ساعير وسعير‪ ،‬فيقول عن ساعير هي من‬
‫حدود الروم وهي قرية من الناصرة بين طبرية وعكة‪،‬ويقول عن‬
‫سعير هي قرية على مسافة ‪ 8‬أكيال شرق الخليل وعلى مسافة‬
‫‪ 3‬أكيال شرق حلحول وتشتهر بزراعة التين والزيتون؛ ويقول‬
‫الهروي المتوفى سنة ‪ 611‬هـ أن ساعير جبل قريب من الناصرة‪،‬‬
‫وذكر شيخ الربوة المتوفى سنة ‪ 727‬هـ في كتاب نخبة الدهر في‬
‫عجائب البر والبحر أنها جبال الناصرة‪ ،‬وقال صاحب نهاية الرب‬
‫في فنون الدب أن ساعير جبال بالشام ظهرت منها نبوة عيسى‬
‫عليه السلم وهي قريبة من = الناصرة وتقول المصادر الحديثة‬
‫التي تتحدث عن جغرافية فلسطين أنه جبل من جبال الخليل ‪،‬‬
‫والكتاب المقدس يطلق لفظ سعير في بعض النصوص على جبل‬
‫بالردن ويطلقه في بعض النصوص الخرى على جبل بفلسطين‬
‫في أرض يهوذا(يشوع ‪ ،)10 :15‬ويقصر علماء أهل الكتاب من‬
‫النصارى الذين تعرضوا للنبوءة السابقة إطلق لفظ سعير على‬
‫صا‬
‫جبل بالردن‪ ،‬لكني أحسب أن الجميع لن يختلف في أن شخ ً‬
‫ما لو خرج من مصر باتجاه فلسطين فلبد له أن يمر أول بفاران‬
‫التي تقع شمال سيناء قبل أن يمر بجبل سعير سواء كان يقع في‬
‫فلسطين أو في الردن!!!!‬
‫ضا على‬ ‫(‪ )3‬الحق هو أن فاران كما تطلق على مكة فهي تطلق أي ً‬
‫برية قرب سيناء والتي تعرف اليوم بوادي فيران‪ ،‬وأيضا على‬
‫قرية من أعمال سمرقند‪ ،‬وبعد مزيد من البحث من خلل شبكة‬

‫‪241‬‬
‫ضا على قرية معروفة‬ ‫التصالت الدولية تبين أن فاران تطلق أي ً‬
‫موجودة الن في دولة البحرين بالجزيرة العربية‪ ،‬وأيضا تطلق‬
‫على نظام نجمي في مجرة درب التبانة!‪ ،‬وبالطلع على‬
‫الخرائط القديمة التي وضعها الدريسي وجدنا فاران اسم‬
‫لموضع قريب من أسوان!‪ ..‬والعبرة في معرفة المكان المقصود‬
‫في النص التوراتي تحديدا هو سياق النص نفسه‪ ،‬والكتاب‬
‫المقدس في سفر التكوين ‪ 18 -16 :25‬يوضح أن سكن إسماعيل‬
‫عليه السلم وبنيه قد امتد من حويلة إلى شور(هؤلء هم أبناء‬
‫إسماعيل…وسكنوا من حويلة إلى شور التي أمام مصر) ‪،‬‬
‫وحويلة كما يقول قاموس الكتاب المقدس هي أرض في بلد‬
‫العرب السعيد(أرابيا فليكس) أو اليمن‪ ،‬وشور أرض شمال مصر‬
‫وجنوب فلسطين‪ ،‬وابتداء الكتاب المقدس بذكر حويلة قبل شور‬
‫يؤكد أن هذا المكان كان مهد نشأتهم وأنهم انتشروا بعد ذلك إلى‬
‫الشمال حتى وصلوا إلى شور = جنوب فلسطين‪ ،‬وعليه فإن‬
‫إسماعيل وبنيه قد سكنوا في تلك البلد الممتدة جنوب الحجاز‬
‫وشماله‪ ،‬ولقد قامت الدلة التاريخية على ذلك منها بناء إسماعيل‬
‫وأبيه إبراهيم البيت الحرام بمكة وتفجر بئر زمزم من تحت‬
‫قدمي إسماعيل مما يؤكد أن فاران التي سكنها إسماعيل هي‬
‫الصحراء التي بها مكة المكرمة‪..‬وهذا ما اعترف به عدد من‬
‫المؤرخين منهم المؤرخ جيروم والمؤرخ اللهوتي يوسبيوس‪.‬‬
‫(‪ )4‬نسبة بناء البيت الحرام بمكة إلى إبراهيم وإسماعيل أمر‬
‫ثابت قد توارثه أهل مكة جيل بعد جيل ولم يخالف في ذلك أحد‬
‫منهم ‪ ،‬كما أن حفظ الله للبيت الحرام من أبرهة صاحب الفيل‬
‫وجيوشه وإرساله عليهم طيرا أبابيل ترميهم بحجارة من سجيل ‪-‬‬
‫ضا ول يمكن النزاع فيه لن تلك القصة قد حدثت في‬ ‫أمر ثابت أي ً‬
‫عهد عبد المطلب جد الرسول في عام مولد الرسول صلى الله‬
‫عليه وسلم والذي سمي بعام الفيل‪ ،‬وهذه القصة مذكورة في‬
‫القرآن الكريم بعد ‪ 40‬سنة فقط من حدوثها‪ ،‬أي أن الكثير من‬
‫أهل الكتاب ومن أهل مكة الذين عاصروا حادثة الفيل كانوا‬
‫موجودين أثناء نزول السورة ولم يعترض أو يخالف منهم أحد‬
‫وعليه فإن حفظ الله للبيت الحرام بمكة هو أمر ثابت تاريخيا ل‬
‫يمكن النزاع فيه‪.‬‬
‫(‪ )5‬ادعى مونتوس في القرن الثاني الميلدي أنه هو البارقليط‬
‫القادم؛ وادعى ماني نفس الدعاء في القرن الرابع الميلدي‬
‫وتشبه بالمسيح فاختار اثنا عشر تلميذ ًا وسبعين أسقفًا أرسلهم‬
‫إلى بلد المشرق؛ ولو كان فهم النصارى الوائل للبارقليط على‬
‫أنه الروح القدس لما جرؤ أحدهم أو حتى خطر بباله هذا الدعاء‬

‫‪242‬‬
‫ولقد ذكر أدوين جونس في كتابه نشأة الديانة المسيحية أن‬
‫النص الذي يتحدث عن البارقليط هو تبشير بمحمد وأن‬
‫المسيحيين قد أدخلوا هذا النص في إنجيل يوحنا خطأ وجهل منهم‬
‫بعد ظهور السلم وتأثرهم بالثقافة السلمية!!!‬
‫(‪)6‬لمزيد من المعلومات التاريخية عن جبل سلع بالمدينة يمكنك‬
‫الرجوع إلى معجم البلدان ‪3/236‬؛ الرحيق المختوم ‪333‬؛ وفاء الوفا‬
‫ما وحديثًا ‪)7(.22‬‬‫‪4/1235‬؛ عمدة الخبار ‪337‬؛ تاريخ معالم المدينة قدي ً‬
‫كما أن النص السابق ينطبق على النبي – صلى الله عليه وسلم‪-‬‬
‫ما ول يمكن حملها‬ ‫ورسالته إذ أن كل الصفات منطبقة عليه تما ً‬
‫على أحد غيره‪ ،‬فبنفس القوة أيضا ينتفي أن يكون النص يشير‬
‫للمسيح عليه السلم إذ ل يمكن بحال من الحوال حمل الصفات‬
‫الواردة في النص عليه‪ ..‬وبرغم ذلك فقد ورد في النجيل أن‬
‫النص السابق يخص المسيح عليه السلم!!‪ ،‬فقد ورد في إنجيل‬
‫متى ‪(17 :12‬لكي يتم ما بإشعياء النبي القائل هو ذا فتاي الذي‬
‫اخترته حبيبي الذي سرت به نفسي وضعت روحي عليه فيخرج‬
‫الحق للمم)‪ ..‬ويبدو أن كاتب النجيل تحرج من استخدام‬
‫كلمة(عبدي) التي وردت في سفر أشعياء فاستبدلها في إنجيل‬
‫متى بكلمة(فتاي)!!‪ ......‬فهل يخرج علينا بعد ذلك من أهل‬
‫الكتاب من ينكر تحريف الناجيل؟!!‪ ..‬وبعد قراءة النص السابق‬
‫القاطع بنبوة الرسول –صلى الله عليه وسلم‪ ..-‬هل سيتدبرون‬
‫القرآن؟!‪ ..‬أم ما زالت على قلوب أقفالها؟!!‬
‫(‪)8‬راجع الرحيق المختوم ‪415‬‬
‫(‪)9‬القصة بطولها في صحيح البخاري كتاب النبياء ‪1/447‬‬
‫(‪ )10‬ل أرى تفسيرا لجملة(تتحول إليك ثروة البحر) إل تلك الكنوز‬
‫البترولية الضخمة النائمة في قاع البحر الحمر والخليج العربي‬
‫والتي حولت الجزيرة العربية من صحراء قاحلة إلى بقعة تعج‬
‫بالموال والثروات‪.‬‬
‫(‪ )11‬نفس الصفة وردت في نبوءة إشعياء التي كانت تتحدث عن‬
‫أرض الله الجديدة وعن نبي آخر الزمان‪..‬وهذه الصفة التي تشير‬
‫إلى القوة المادية التي سيؤيد بها النبي بجانب القوة الروحية‬
‫وهداية الناس مقترنتان تقريبا في كل النصوص‪ ،‬فهل ذلك من‬
‫قبيل المصادفة أيضا؟!‬
‫المصـادر‬
‫‪ -1‬القرآن الكريم‪.‬‬
‫‪ -2‬الكتاب المقدس‪ ،‬النسخة العربية؛والنسخة النجليزية(نسخة‬
‫الملك جيمس المعتمدة)‪.‬‬
‫‪-3‬صحيح البخاري‪ ،‬المام‪:‬محمد بن إسماعيل البخاري‪.‬‬

‫‪243‬‬
‫‪ -4‬مبشرات الرسالة‪ ،‬الشيخ عبد المجيد الزندانى‪.‬‬
‫‪ -5‬الجواب الصحيح‪ ،‬شيخ السلم ابن تيميه‪.‬‬
‫‪ -6‬قلب جزيرة العرب‪ ،‬فؤاد حمزة‪.‬‬
‫‪ -7‬الرحيق المختوم‪ ،‬المباركفوري‪.‬‬
‫‪-8‬شبكة التصالت الدولية(موسوعة العجاز العلمي في القرآن‬
‫والسنة‪ ،‬موسوعة كريستيانيتي‪ ،‬معجم الطرق القديمة‪ ،‬موسوعة‬
‫ويكيبيديا‪ ،‬مؤسسة مانفريد ليهمان‪ ،‬موسوعة أيريدس‪،‬القاموس‬
‫النجليزي للكتاب المقدس‪ ،‬موقع دراسات الكتاب المقدس‪،‬‬
‫الموسوعة اليهودية جويش إنسيكلوبيديا‪ ،‬معجم بلد فلسطين)‪.‬‬
‫‪ -9‬هداية الحيارى‪ ،‬ابن القيم‪.‬‬
‫‪ -10‬ماذا خسر العالم بانحطاط المسلمين‪ ،‬أبو الحسن الندوي‪.‬‬
‫‪ -11‬معجم البلدان‪ ،‬ياقوت الحموي‪.‬‬
‫‪ .64‬النبوءات عن النبي محمد في التوراة والنجيل‬
‫النبوءات عن النبي محمد في التوراة والنجيل‬
‫الدكتور وديع أحمد (شماس مصري سابق)‬
‫من توراة موسى عليه السلم ‪:‬‬
‫* جاء في كتاب ( تثنية ‪ )18:18‬أن الله سبحانه وتعالى قال للنبي‬
‫موسى ( أقيم لهم نبيا ً من وسط إخوتهم‪ ،‬مثلك‪ ،‬وأجعل كلمي‬
‫في فمه‪ ،‬فيكلمهم بكل ما أوصيه به)‬
‫التعليق ‪:‬‬
‫*هذا الكلم بشارة بمولد نبي من أخوة بنى إسرائيل‪ -‬أي من بنى‬
‫إسماعيل ولو كان المقصود نبي يهودي مثل المسيح لقال ( نبي‬
‫منكم)‪.‬‬
‫* وهذا النبي يكون مثل النبي موسى عليه السلم في كل شيء‪:‬‬
‫يتزوج وينجب ويهاجر بشعبه من أرض الكفر بعد أن يتعرضوا‬
‫للذى منهم ويحارب الكفار ويهزمهم وتنزل عليه رسالة من‬
‫السماء على فترات طويلة وقد كانت أربعين سنة للنبي موسى‬
‫عليه السلم وأخيرا ً يموت ويدفن‪.‬‬
‫* وكل هذا ينطبق على النبي محمد ول ينطبق على المسيح‬
‫عيسى كما يحاول النصارى أن يؤكدوا‪ ،‬لن المسيح لم يتزوج ولم‬
‫يحارب ولم يهاجر ولم يدفن‪ ،‬بل رفعه الله إليه‪.‬‬
‫* كذلك يكون كلم الله في فم هذا النبي أي أنه نبي أمي يحفظ‬
‫رسالته بينما المسيح كان معه إنجيل كما قال عدة مرات مشيراً‬
‫إليه بقوله ( هذا النجيل) في ( انجيل مرقص) بالذات‪.‬‬
‫‪------------‬‬
‫من مزامير داود النبي عليه السلم‪:‬‬

‫‪244‬‬
‫(مزمور ‪ )45‬يتكلم النبي داود عن أعظم نبي سوف يأتي وقد‬
‫أعلمه الله بصفات هذا النبي بالوحي فقال‪ ( :‬فاض قلبي بكلم‬
‫صالح‪ ،‬أتكلم بانشائى للملك‪ ،‬أنت أبرع جمال ً من بني البشر‪،‬‬
‫انسكبت النعمة على شفتيك‪ ،‬لذلك باركك الله إلى البد‪ ،‬تقلد‬
‫سيفك أيها الجبار‪ ،‬بجللك اقتحم‪ ،‬اركب من أجل الحق والدعة‬
‫فتريك يمينك مخاوف‪ ،‬وشعوب تحتك يسقطون‪ ،‬كرسيك يا الله‬
‫إلى دهر الدهور‪ ،‬من أجل ذلك مسحك الله إلهك بدهن البتهاج‬
‫أكثر من رفقائك‪ ،‬بنات الملوك بين محظياتك)‬
‫تعليق ‪:‬‬
‫* قال النصارى أن كل هذا الكلم أيضا عن المسيح‪ ،‬بينما هو ل‬
‫يوافق عقيدتهم في عبادة المسيح لقول داود النبي( الله إلهك)‪.‬‬
‫* أيضا هذا الكلم عن نبي يحارب أعداءه ويهزمهم بالسيف‪ ،‬ولم‬
‫يظهر نبي بعد داود عليه السلم يحارب أعداءه بالسيف ويهزمهم‬
‫شعوبا ً أخرى كثيرة سوى محمد صلى الله عليه وسلم‪.‬‬
‫* وأعطى تفسيرا ً سريعا لكلم النبي (داود) عن النبي (محمد)‬
‫عليهما الصلة والسلم ‪-:‬‬
‫‪( -1‬الملك) هو أعظم نبي وخاتم النبياء ومثلها ( مسحك الله‬
‫أكثر من رفقائك) أكثر من النبياء‪.‬‬
‫‪ ( -2‬انسكبت النعمة على شفتيك) يحفظ رسالته من الوحي‬
‫لنه أمي ول ينطق إل حقا ً ويعلم الناس القرآن بالحفظ أيضاً‪.‬‬
‫‪ -3‬حارب الكفار ونصره الله بالرعب مسيرة شهر ( بجللك‬
‫اقتحم) وذلك لجل نشر الدعوة إلى دين الله (الحق)‪.‬‬
‫‪ -4‬وتزوج من بنات العظماء والملوك (بنات الملوك من‬
‫محظياتك)‪.‬‬
‫‪ -5‬رسالته تنمو دائما ً (بارك الله إلى البد)‪.‬‬
‫‪-------------‬‬
‫والنبي سليمان عليه السلم قال في مزمور (‪ )72‬وأختصر منه‬
‫بعض الكلمات‪:‬‬
‫" تحمل الجبال سلما ً للشعب‪ ..‬يقضى لمساكين الشعب ‪..‬‬
‫يسحق الظالم ‪ ..‬يشرق في أيامه الصديق وكثرة السلم‪ .‬يملك‬
‫من البحر إلى البحر ومن النهر إلى أقاصي الرض‪ .‬أمامه تجثو‬
‫أهل البرية‪ .‬ملوك يقدمون هدية له‪ .‬ويصلى لجله دائماً‪ .‬اليوم‬
‫كله نباركه‪".‬‬
‫تعليق ‪:‬‬
‫* هذا أيضا ً حاولوا أن يجعلوه عن المسيح بزعم أن ( ملوك‬
‫يقدمون هدية له ) تتكلم عن (المجوس) الذين قدموا هدية‬
‫للمسيح بعد مولده ‪ .‬مع أنهم عبدة النار وليسوا ملوكا ً ولكن كلم‬

‫‪245‬‬
‫النبي سليمان‪ -‬عن نبي يأتي في أرض الجبال والصحراء البرية‬
‫( ويملك ) أي يكون له نظام حكم وجيش وأمراء جيوش‪.‬‬
‫*كما أنه ( يقضى لمساكين الشعب ويسحق الظالم) بينما‬
‫المسيح كان يرفض أن يحكم بين الناس وينصف الظالم ( انجيل‬
‫لوقا ‪.)12/14‬‬
‫* وفى أيامه أشرق ( الصديق) أبو بكر‪ ،‬وكانت تحيته (السلم)‬
‫بينما تحية اليهود ( النعمة) وتحية النصارى ( سلم) وأمر أتباعه‬
‫( أفشوا السلم بينكم)‪.‬‬
‫* كما امتد سلطانه في حياته من بحر العرب إلى البحر الحمر‪،‬‬
‫ودعوته انتشرت بعد موته بل نهاية (إلى أقاصي الرض)‬
‫* وصلة أتباعه – تتكون من ركوع والسجود ( أمامه تجثو أهل‬
‫البرية) وكانوا ومازالوا يتبعون تعاليمه بكل احترام وخضوع ول‬
‫يجرؤ أحد أن يدعى أنه يتكلم بسلطان مثلما يفعل بطاركة‬
‫وقساوسة النصارى واليهود ‪.‬‬
‫* وقدم له الملوك في حياته الهدايا – ومنهم ملك مصر الذي‬
‫أهداه ابنته وجاريتين‪.‬‬
‫* وكل لحظة يقول المسلمون – والى يوم القيامة ( اللهم صلى‬
‫وسلم وبارك على محمد) – مثلما يقول النبي سليمان هنا‬
‫( ويصلى لجله دائماً‪ .‬اليوم كله يباركه)‬
‫* هل يوجد أهل دين – غير السلم – يقولون هذا عن نبيهم ؟ ل‬
‫يوجد‪.‬‬
‫‪--------------‬‬
‫( اشعياء ‪ )21/13‬كتب ‪:‬‬
‫" وحى من جهة بلد العرب ‪ :‬في الوعر في بلد العرب تبيتين يا‬
‫قوافل الددانيين‪ .‬هاتوا ماء لملقاة العطشان يا سكان أرض‬
‫تيماء‪ .‬فإنهم من أمام السيف قد هربوا من أمام السيف‬
‫المسلول‪ .‬فانه هكذا قال لي السيد الرب‪ :‬في مدة سنة كسنة‬
‫الجير يفنى كل مجد قيدار لن الرب تكلم"‬
‫الشرح والتعليق ‪:‬‬
‫هذه النبؤة تتكلم عن العرب فلم يجرؤ النصارى أن يجعلوها عن‬
‫المسيح‪ ،‬ولكن أهملوها ولم يحاولوا التفكير فيها – بينما هي‬
‫تتكلم عن حادث عظيم يحدث في بلد العرب وال ما استحق أن‬
‫يتنبأ عنه اشعياء – أعظم أنبياء اليهود – وصاحب النجيل الخامس‬
‫كما يقول علماء المسيحية‪.‬‬

‫‪ (-1‬وحى من جهة بلد العرب) يأتي الوحي إلى رجل من العرب ؛‬


‫أي يظهر نبي عربي‪.‬‬

‫‪246‬‬
‫‪ ( -2‬الددانيين) هم نسل إبراهيم عليه السلم ( تكوين ‪)25‬‬
‫يذهبون في ( قوافل ) للحج إلى ( تيماء) مكان مولد النبي‬
‫الجديد‪ ،‬وأهلها يقابلون الحجاج العطشان بالماء‪ .‬وهذه إشارة إلى‬
‫انتشار اليمان من هذه الرض ‪.‬‬
‫‪ ( -3‬يفنى مجد قيدار) و( قيدار) هو ابن إسماعيل عليه السلم‪.‬‬
‫وهم سكان مكة وهذا دليل انتصار هذا النبي على قومه‬
‫وخضوعهم له ويصير رئيسهم‪.‬‬
‫‪ ( -4‬لن الرب تكلم) لن رسالة هذا النبي من عند الله‪ ،‬وتنتشر‬
‫دعوة هذا النبي وينتصر لن هذا أمر الله‪.‬‬
‫‪00000000000‬‬
‫النبي (حبقوق ‪ ) 3/2‬يقول ‪:‬‬
‫"يا رب قد سمعت خبرك فجزعت ‪ :‬الله جاء من تيمان‪.‬‬
‫والقدوس من جبل فاران "‬
‫وسبب ( جزع) النبي اليهودي أنه علم أن خاتم النبياء سوف يأتي‬
‫من نسل إسماعيل عليه السلم ( القدوس) من جبل فاران لن‬
‫( فاران) هي أول أرض سكنها إسماعيل ( تكوين ‪ )21/21‬و‬
‫( تيمان) هي أرض ابن إسماعيل ( تكوين ‪ )25/13‬أو هي نسله فلما‬
‫علم النبي اليهودي بأن خاتم النبياء وخاتم الرسالت يكونان من‬
‫نسل إسماعيل عليه السلم جزع خوفا على اليهود وحزنا لن‬
‫النبي الخاتم ليس من‬
‫‪ .65‬رسالة إلى العقل والقلب [دراسة مقارنة عن‬
‫النبي محمد]‬
‫رسالة إلى العقل والقلب‬
‫بقلم طارق أبو عبد الله‬
‫أما فكرت في نفسك قط من عساه يكون ذلك الرجل الذي‬
‫شغل البشرية بما جاء به إلى يومنا هذا و بُعثت به من العدم أمة‬
‫كانت تعيش في جاهلية عمياء فأصبحت في غضون سنوات قليلة‬
‫دولة راسخة الركان وحضارة مزدهرة امتدت في جميع أنحاء‬
‫المعمورة ل يقف في وجهها شيء؟‬
‫أما تأملت كيف استطاع رجل بمفرده – لو كان بمفرده – أن‬
‫يحدث أكبر تغيير شهده التاريخ و هو على يقين بما جاء به و ما‬
‫سيصل إليه من أول يوم بدأ فيه دعوته؟ ألم تسأل ما الذي جناه‬
‫هذا الرجل لنفسه من متاع الدنيا مقابل تحمله مشاق هذه‬
‫الدعوة و الصبر على أذى قومه و تكذيبهم ثم جهادهم عليها‬
‫جهادا كبيرا؟ إذا أردنا الجابة عن هذه السئلة فلبد أن نبدأ من‬
‫البداية التاريخية التي يتفق عليها المصدقون به و المكذبون من‬
‫قومه و من أهل الكتاب من وقت عاش إبراهيم عليه السلم‪.‬‬

‫‪247‬‬
‫هناك في تلك البقعة المباركة حيث ترك النبي إبراهيم عليه‬
‫السلم ولده الرضيع إسماعيل وزوجته هاجر وحدهما في‬
‫الصحراء بأمر من ربه وسافر إلى الشام تولى الله أمر الصبي و‬
‫أمه و فجر لهما بئر زمزم ينبوع ًا صافيًا و ماء معينًا بمعجزة إلهية‬
‫باقية إلى يومنا هذا يرتوي منها الحجاج و المعتمرون من جميع‬
‫أنحاء الرض ثم ألف الله حولهم قلوب مجموعة من البدو‬
‫فعاشت معهما حول الماء ونما بينهم الفتى إسماعيل وتعلم‬
‫لغتهم حتى أمر الله إبراهيم عليه السلم أن يعيد بناء البيت‬
‫الحرام بعد أن هدمه طوفان نوح عليه السلم لكي يعبد الناس‬
‫عنده ربهم‪.‬‬
‫فرفع إبراهيم و إسماعيل قواعد البيت وأذن إبراهيم في الناس‬
‫بحج البيت فلبى الناس النداء ‪ -‬وما زالوا يلبون إلى يومنا هذا –‬
‫وظل هذا البيت آية و قبلة للناس تحج إليه العرب و تعظمه أشد‬
‫التعظيم ول ينكر حقه وفضله يهودي ول نصراني حتى أن الملك‬
‫النصراني الذي أراد هدمه – وهو أبرهة – كي ينصرف الناس عنه‬
‫إلى كنيسة بناها بالحبشة رد الله كيده في نحره وأرسل عليه‬
‫طيًرا من السماء ترميه بحجارة ملتهبة أهلكته و جنوده في حادثة‬
‫خلدها القرآن في سورة كاملة[‪ ]1‬لم ينكرها أي من مشركي‬
‫العرب وهم الذين كانوا يتلهفون لكي يجدوا خطأ واحدا في‬
‫القرآن‪ .‬و في نفس هذا العام وُلد من بني إسماعيل بجوار البيت‬
‫ذلك الفتي اليتيم المي الذي عرف بين عشيرته بالصادق المين‬
‫وعاش بينهم أربعين سنة كان فيها مثال الصدق و الشهامة‬
‫والخلق الفاضلة فنشأ حنيفا على ملة أبيه إبراهيم ل يشارك‬
‫حبِّب إليه‬ ‫قومه في عبادتهم للوثان ول في لهوهم و لعبهم و ُ‬
‫الخلوة فكان يخلو بنفسه في أحد جبال مكة يعبد ربه و يتأمل في‬
‫ملكوت السماوات والرض حتى نزل عليه روح القدس و أمين‬
‫الوحي جبريل عليه السلم فأقرأه أولى آيات القرآن‬
‫خلَق اْلنسان من ع َل َق‪ .‬اقْرأْ‬ ‫َ َ‬ ‫ْ‬
‫َ‬ ‫ٍ‬ ‫خلَقَ َ‪ْ ِ َ َ ِ َ َ .‬‬ ‫ك ال ّذِي َ‬ ‫الكريم‪(:‬اقَْرأ بِا ْ‬
‫سم ِ َرب ّ َِ‬ ‫َ‬ ‫ورب ُّ َ َ‬
‫م‪ ).‬فعاد‬ ‫م يَعْل َ ْ‬
‫ما ل َ ْ‬
‫ن َ‬
‫سا َ‬‫م اْلِن َ‬
‫م بِالْقَلَمِ‪ .‬ع َل ّ َ‬
‫م‪ .‬ال ّذِي ع َل ّ َ‬ ‫ك اْلكَْر ُ‬ ‫ََ‬
‫محمد يرجف بها فؤاده فدخل على خديجة زوجته قائل زملوني‪,‬‬
‫زملوني [‪ ]2‬وأخبرها بما حدث فقالت‪ " :‬كل والله ما يخزيك الله‬
‫أبدًا‪ ،‬إنك لتصل الرحم‪ ،‬وتحمل الكل‪ ،‬وتكسب المعدوم‪ ،‬وتقري‬
‫الضيف‪ ،‬وتعين على نوائب الحق"‪.‬‬
‫صر في‬ ‫ثم ذهبت به إلى ابن عمها ورقة بن نوفل وكان امرءًا تن ّ‬
‫الجاهلية‪ ،‬وكان يكتب الكتاب العبراني‪ ،‬فيكتب من النجيل‬
‫خا كبيًرا قد عمي‪،‬‬ ‫بالعبرانية ما شاء الله أن يكتب‪ ،‬وكان شي ً‬
‫فقالت له خديجة‪ :‬يا بن عم‪ ،‬اسمع من ابن أخيك‪ .‬فقال له ورقة‪:‬‬

‫‪248‬‬
‫يا بن أخي ماذا ترى؟ فأخبره رسول الله صلى الله عليه وسلم‬
‫خبر ما رأى‪ ،‬فقاله له ورقة‪ :‬هذا الناموس الذي نّزل الله على‬
‫موسى‪ ،‬يا ليتني فيها جذع ًا[‪ ،]3‬ليتني أكون حيًا إذ يخرجك قومك‪.‬‬
‫و هذه كانت البداية‪ ..‬بداية الرسالة‪.‬‬
‫و الن نعود لنسأل أنفسنا نفس السئلة السابقة‬
‫هل كان هذا الرجل بمفرده أم أنه كان مؤيدًا من عند الله عز و‬
‫جل؟‬
‫حا و منصفًا منه أم يكفي أن‬ ‫ي أن أتخذ موقفًا واض ً‬‫و هل يجب عل ّ‬
‫أسير هكذا كما سار أبائي و أجدادي ول أشغل نفسي بأمره؟‬
‫إن العقل الراجح و البحث المحايد إذا نظر في دعوى محمد –‬
‫صلى الله عليه وسلم ‪ -‬للنبوة ذلك المر العظيم فعليه أن يبحث‬
‫في ثلثة أمور على القل هي‪:‬‬
‫‪ .1‬حياة محمد وسيرته وأخلقه وتعامله مع أعدائه فضل ً عن‬
‫أصحابه‪.‬‬
‫‪ .2‬ما جاء به محمد وما دعا إليه من عقائد و شرائع و معاملت‪.‬‬
‫‪ .3‬موقفه من النبياء السابقين الذين يتفق الناس على نبوتهم‬
‫وأصحاب الديانات الخرى من أهل الكتاب وموقف أهل الكتاب‬
‫منه‪.‬‬
‫وقبل أن نستطرد في هذا البحث أود أن نتفق معًا على قاعدة‬
‫في غاية الوضوح والبداهة وهي أن العقيدة الصحيحة المنزلة من‬
‫عند الله في السماء لهداية البشر إلى ربهم يجب أن تكون هي‬
‫أوضح المور وأبسط المسائل ل يكتنفها الغموض والتعقيد ول‬
‫ضا أن تكون مبنية على أدلة‬ ‫يختلجها التكلف أو التناقض ويجب أي ً‬
‫قوية واضحة وضوح الشمس ل على الظنون والوهام ويجب أل‬
‫تحتاج الحقيقة إلى السب والشتم واختلق الكاذيب للقناع بها‬
‫ويجب أن يفهمها الناس على اختلف عقولهم وأفهامهم بدون‬
‫الحاجة إلى الخوض في متاهات الفلسفة والسفسطة‪.‬‬
‫فإذا اطمئن قلبك لسلمة هذا المنهج ونمت في نفسك روح‬
‫البحث عن الحق في هذا المر الخطير فالجزء الول من هذه‬
‫الرسالة الصغيرة يضع أمامك خطوطًا رئيسية وعلمات في‬
‫طريق بحثك لك أن تقرأها وتعرضها على قلبك وعقلك ثم تتبع‬
‫ما تطمئن إليه نفسك و ينشرح له صدرك‪.‬‬
‫وأما الجزء الثاني فيناقش جانبًا آخر من قضية الدين – أهم قضية‬
‫في حياة النسان الدنيوية والخروية ‪ -‬وهي مناقشة عقلنية‬
‫لبعض العقائد التي تربي بعضنا عليها بدون أن يعطي نفسه‬
‫فرصة للتفكر فيها بهدوء إيمانًا بأن النسان السوي هو الذي‬
‫يحترم عقله و فطرته ول يسير كالقطيع مغمض العينين في أمر‬

‫‪249‬‬
‫قد يترتب عليه سعادته البدية أو شقاؤه البدي و لكنه الذي‬
‫يعمل عقله وفكره ول يعطلهما ويسأل ربه في كل وقت أن‬
‫يهديه الصراط المستقيم الذي يوصله إليه‬
‫النبي المي‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫(أَكَا َ َ‬
‫شرِ‬ ‫ن أنذِرِ النَّا َ‬
‫س وَب َ ّ ِ‬ ‫مأ ْ‬ ‫منْهُ ْ‬
‫ل ِّ‬‫ج ٍ‬‫حيْنَا إِلَى َر ُ‬
‫ن أوْ َ‬ ‫جبا ً أ ْ‬
‫س عَ َ‬ ‫ن لِلن ّا ِ‬ ‫َ‬
‫منُواْ)؟‬ ‫ال ّذِي َ‬
‫نآ َ‬
‫كل من قرأ سيرة محمد وأخباره وأيامه من الباحثين المنصفين‬
‫غير المسلمين أجمعوا على أن هذا الرجل قد اجتمعت فيه كل‬
‫صفات الكمال البشري من حسن الخلق ورجاحة العقل وسلمة‬
‫الفطرة ورقة الطبع والشجاعة وبلغة اللسان‪.‬‬
‫هذا الفيلسوف النجليزي (توماس كارليل) الحائز على جائزة‬
‫نوبل يقول في كتابه البطال‪ " :‬لقد أصبح من أكبر العار على أي‬
‫فرد متحدث هذا العصر أن يصغي إلى ما يقال من أن دين‬
‫السلم كذب‪ ،‬وأن محمدا ً خدّاع مزوِّر‪.‬‬
‫وإن لنا أن نحارب ما يشاع من مثل هذه القوال السخيفة‬
‫المخجلة؛ فإن الرسالة التي أدَّاها ذلك الرسول ما زالت السراج‬
‫المنير مدة اثني عشر قرنا ً لنحو مائتي مليون من الناس‪ ،‬أفكان‬
‫أحدكم يظن أن هذه الرسالة التي عاش بها ومات عليها هذه‬
‫المليين الفائقة الحصر والحصاء أكذوبة وخدعة؟!‬
‫إلى أن قال‪ " :‬وعلى ذلك‪ ،‬فلسنا نَعُد ُّ محمدا ً هذا قط رجل ً كاذباً‬
‫متصنعاً‪ ،‬يتذرع بالحيل والوسائل إلى بغيته‪ ،‬ويطمح إلى درجة‬
‫ملك أو سلطان‪ ،‬أو إلى غير ذلك من الحقائر‪ .‬وما الرسالة التي‬
‫أدَّاها إل حق صراح‪ ،‬وما كلمته إل قول صادق‪.‬‬
‫فّق‪ ،‬وهذه حقيقة تدفع كل باطل‪،‬‬ ‫مل ِ‬‫كل‪ ،‬ما محمد بالكاذب‪ ،‬ول ال ُ‬
‫حجة القوم الكافرين‪.‬‬ ‫وتدحض ُ‬
‫ثم ل ننسى شيئا ً آخر‪ ،‬وهو أنه لم يتلق دروسا ً على أستاذ أبداً‪،‬‬
‫وكانت صناعة الخط حديثه العهد إذ ذاك في بلد العرب ـ وعجيب‬
‫ة العرب ـ ولم يقتبس محمد من نور أي إنسان آخر‪،‬‬ ‫مي َ َ‬ ‫ُ‬
‫وأيم الله أ ِّ‬
‫ولم يغترف من مناهل غيره‪ ،‬ولم يكن إل كجميع أشباهه من‬
‫النبياء والعظماء‪ ،‬أولئك الذين أشبِّههم بالمصابيح الهادية في‬
‫ظلمات الدهور‪.‬‬
‫وقد رأيناه طول حياته راسخ المبدأ‪ ،‬صادق العزم بعيداً‪ ،‬كريماً‬
‫بًَّرا‪ ،‬رؤوفاً‪ ،‬تقياً‪ ،‬فاضلً‪ ،‬حراً‪ ،‬رجلً‪ ،‬شديد الجد‪ ،‬مخلصاً‪ ،‬وهو مع‬
‫ذلك سهل الجانب‪ ،‬لي ِّن العريكة‪ ،‬جم البشر والطلقة‪ ،‬حميد‬
‫العشرة‪ ،‬حلو اليناس‪ ،‬بل ربما مازح وداعب‪ ،‬وكان ـ على العموم‬
‫ة مشرقة من فؤاد صادق؛ لن من الناس‬ ‫ـ تضيء وجهه ابتسام ٌ‬
‫من تكون ابتسامته كاذبة ككذب أعماله وأقواله "‪ .‬ويقول‪ " :‬كان‬

‫‪250‬‬
‫عادلً‪ ،‬صادق النية‪ ،‬كان ذكي اللـب‪ ،‬شهم الفؤاد‪ ،‬لوذعياً‪ ،‬كأنما‬
‫بين جنبيه مصابيح كل ليل بهيم‪ ،‬ممتلئا ً نوراً‪ ،‬رجل ً عظيماً‬
‫بفطرته‪ ،‬لم تثقفه مدرسة‪ ،‬ول هذبه معلم‪ ،‬وهو غني عن ذلك"‪.‬‬
‫و بعد أن أفاض (كارليل) في إنصاف النبي محمد ختم حديثه‬
‫بهذه الكلمات‪" :‬هكذا تكون العظمة• هكذا تكون البطولة•هكذا‬
‫تكون العبقرية"‪.‬‬
‫أما (ل مارتين) الفيلسوف الفرنسي فيدافع بحرارة عن النبي‬
‫صلى الله عليه وسلم وينفي بصرامة وقوة أن يكون كاذبا ً أو‬
‫مفتريا ً على الله فيقول‪:‬‬
‫(إن حياة محمد‪ ،‬وقوة كقوة تأمله وتفكيره وجهاده‪ ،‬ورباطة‬
‫جأشه لتثبيت أركان العقيدة السلمية••• إنه فيلسوف وخطيب‬
‫ومشرع وهاد للنسانية إلى العقل وناشر للعقائد المعقولة‬
‫الموافقة للذهن وهو مؤسس دين ل فرية فيه ومنشئ عشرين‬
‫دولة في الرض وفاتح دولة في السماء من ناحية الروح والفؤاد‪،‬‬
‫فأي رجل أدرك من العظمة النسانية ما أدرك محمد وأي آفاق‬
‫بلغ إنسان من مراتب الكمال ما بلغ محمد• ويقول في موضع‬
‫آخر‪" :‬أعظم حدث في حياتي هو أنني درست حياة رسول الله‬
‫محمد دراسة واعية‪ ،‬وأدركت ما فيها من عظمة وخلود‪ ،‬ومن ذا‬
‫الذي يجرؤ على تشبيه رجل من رجال التاريخ بمحمد؟! ومن هو‬
‫الرجل الذي ظهر أعظم منه‪ ،‬عند النظر إلى جميع المقاييس‬
‫التي تُقاس بها عظمة النسان؟! إن سلوكه عند النصر وطموحه‬
‫الذي كان مكرسا ً لتبليغ الرسالة وصلواته الطويلة وحواره‬
‫السماوي هذه كلها تدل على إيمان كامل مكّنه من إرساء أركان‬
‫العقيدة‪ .‬إن الرسول والخطيب والمشرع والفاتح ومصلح العقائد‬
‫الخرى الذي أسس عبادة غير قائمة على تقديس الصور هو‬
‫محمد‪ ،‬لقد هدم الرسول المعتقدات التي تتخذ واسطة بين‬
‫الخالق والمخلوق[‪"]4‬‬
‫و هذا (جوتة) الديب اللماني‪"" :‬إننا أهل أوربا بجميع مفاهيمنا‪،‬‬
‫لم نصل بعد إلى ما وصل إليه محمد‪ ،‬وسوف ل يتقدم عليه أحد‪،‬‬
‫ولقد بحثت في التاريخ عن مثل أعلى لهذا النسان‪ ،‬فوجدته في‬
‫النبي محمد… وهكذا وجب أن يظهر الحق ويعلو‪ ،‬كما نجح محمد‬
‫الذي أخضع العالم كله بكلمة التوحيد"[‪]5‬‬
‫ويقول الديب الروسي(ليو تولستوي) والذي حرمته الكنيسة‬
‫بسبب آرائه الحرة الجريئة‪:‬‬
‫"أنا واحد من المبهورين بالنبي محمد الذي اختاره الله الواحد‬
‫لتكون آخر الرسالت على يديه‪ ،‬وليكون هو أيضا ً آخر النبياء …‬

‫‪251‬‬
‫ويكفيه فخرا ً أنه هدى أمة برمتها إلى نور الحق‪ ،‬وجعلها تجنح‬
‫للسكينة والسلم‪ ،‬وفتح لها طريق الرقي والمدينة"[‪]6‬‬
‫ويقول العلمة (شيريل)‪ ،‬عميد كلية الحقوق بفيينا‪" :‬إن البشرية‬
‫لتفتخر بانتساب رجل كمحمد إليها"‪.‬‬
‫فهل ترى أن كل هؤلء الدباء والمفكرين – ولول قصر الرسالة‬
‫لذكرت أكثر من ذلك‪ -‬من مختلف الجنسيات قد اخطأوا في‬
‫مدح محمد؟ أو أنهم أجمعوا علي الثناء عليه بمحض الصدفة؟ أم‬
‫أنهم كانوا غير مشهورين فأرادوا أن ينالوا الشهرة من خلل‬
‫مدحهم له – صلى الله عليه و سلم‪-‬؟ أم أن هذه الشخصية‬
‫العظيمة تستحق فعل الثناء والمدح؟ ترى هذا الرجل الذي لبث‬
‫بين ظهراني قوم جاهليين و ظل فيهم أربعين سنة ل يشاركهم‬
‫في عبادتهم للوثان و ل يقارف منكًرا مدة شبابه كله حتى إذا بلغ‬
‫من العمر أربعين سنة وأصبح إلى الشيخوخة أقرب منه إلى‬
‫الشباب أتى بهذا المر العظيم بعزيمة أمضى من السيف وأمل‬
‫أسطع من البرق ل يكل ول يمل حتى أدى رسالته ونجح في‬
‫مهمته هل يمكن أن يكون مزوِّرا؟‬
‫هؤلء أهل مكة قالوا له بألسنتهم قبل أن يبلغهم الدعوة "ما‬
‫جربنا عليك كذبا قط" وكانوا يودعون عنده أماناتهم حتي بعد أن‬
‫جهر بالدعوة لنه عندهم ما زال الصادق المين ولو كذب مرة‬
‫واحدة لما آمن به أحد منهم فهل تراه يذر الكذب على الناس ثم‬
‫يكذب على الله؟ وقد بلغ من حسن أخلقه أن الرجل كان يأتيه‬
‫قبل أن يسلم وهو أشد الناس كراهية له – صلى الله عليه وسلم‬
‫– فما يمكث معه إل قليل حتى يقوم من عنده داعيًا قومه قائلً‬
‫لهم جئتكم من عند خير الناس و قد أصبح أحبهم إليه –صلى الله‬
‫عليه وسلم‪.‬‬
‫هب أن أخلقه هذه كانت تكلفًا مع الناس فهل يتحمل أن يتكلف‬
‫ضا داخل بيته مع زوجاته و بناته – على كثرتهن – أم أنه كان‬ ‫أي ً‬
‫يحسن معاشرتهن[‪ ]7‬ويقول‪( :‬خيركم خيركم لهله و أنا خيركم‬
‫لهلي) حتى أن أول من آمن به و صدقه زوجته خديجة؟ وحينما‬
‫سئلت زوجاته عن حاله في بيته قالت كان في مهنة أهله ‪ -‬تعني‬
‫في خدمة أهله ‪ -‬فإذا حضرت الصلة خرج فصلى وفي حديث‬
‫آخر كان يخصف نعله ويخيط ثوبه ويعمل في بيته كما يعمل‬
‫أحدكم في بيته ولم يضرب بكفه امرأة قط وكان يستئذن‬
‫مّرض في بيت إحداهن و كان يداعبهن‬ ‫زوجاته إذا أراد أن ي ُ َ‬
‫وسابق عائشة زوجته مرتين فسبقته وسبقها وكان يمزح ول‬
‫يقول إل حقًا وكان يدعو أصحابه إلى إحسان عشرة النساء‬
‫ويقول‪(:‬اتقوا الله في النساء‪ ،‬فإنكم أخذتموه َّ‬
‫ن بأمانة الله)‬

‫‪252‬‬
‫وكان يقول أن خير الدراهم هو الدرهم الذي ينفقه الرجل على‬
‫أهل بيته‬
‫بل إن خادمه أنس بن مالك يقول‪[ :‬خدمت النبي صلى الله عليه‬
‫وسلم عشر سنين‪ ،‬فما قال لي‪ :‬أف‪ ،‬ول‪ :‬لم صنعت؟ ول‪ :‬أل‬
‫صنعت[‪.‬وكانت آخر وصيته قبل موته (الصلة الصلة وما ملكت‬
‫أيمانكم) يوصي بالمحافظة على الصلة وإحسان معاملة الخدم‬
‫والعبيد‪.‬‬
‫سئل شيئًا يملكه‬‫و كان –صلى الله عليه وسلم‪ -‬أكرم الناس فما ُ‬
‫وقال ل وكان يعطي عطاء من ل يخشى الفقر وكان مثال ً في‬
‫ما تحت ظل شجرة و سيفه‬ ‫الحلم والصفح فقد روي أنه كان نائ ً‬
‫معلق عليها فجاء أعرابي فأخذ السيف وقال يا محمد من يمنعك‬
‫مني فقال ‪ :‬الله‪ .‬فسقط السيف من يد الرجل فأخذه النبي و‬
‫قال له‪ :‬من يمنعك أنت الن مني؟ فقال‪ :‬ل أحد‪ .‬فعفا عنه‬
‫وانصرف الرجل وقسم مرة مال ً بين ناس فجاءه أعرابي فجذبه‬
‫من طرف ردائه و قال‪ :‬هذه قسمة ما أريد بها وجه الله‪ .‬فغضب‬
‫رسول الله و ما زاد على أن قال‪( :‬ومن يعدل إذا لم يعدل الله‬
‫ورسوله؟ رحم الله موسى فقد أوذي بأكثر من هذا و صبر و كان‬
‫أرحم الناس و أرضاهم بقضاء الله) انظر إليه و قد فاضت روح‬
‫ابنه إبراهيم بين يديه فقال وهو تدمع عيناه‪ " :‬تدمع العين ويحزن‬
‫القلب‪ ،‬ول نقول إل ما يرضى ربنا‪ ،‬والله يا إبراهيم إنا بك‬
‫لمحزونون "‪ .‬و كان أشجع الناس حتى أن الصحابة كانوا يحتمون‬
‫به في المعركة إذا اشتد وطيسها و حمي أوارها‪ .‬أفما آن للعاقل‬
‫أن يفكر‪ :‬هل يمكن أن تجتمع كل هذه الشمائل‪-‬التي لم تتغير‬
‫طوال حياة صاحبها‪ -‬إل في نبي كريم متبع لملة أبيه إبراهيم؟ هل‬
‫جنى محمد – صلى الله عليه وسلم – لنفسه من دعوته تلك‬
‫شيئًا من متاع الدنيا الزائل أم أنه كان يربط الحجر والحجرين‬
‫على بطنه من الجوع و يقول اللهم ل عيش إل عيش الخرة [‪]8‬؟‬
‫ألم يكن يظل بالشهر والشهرين ول توقد في بيته نار و يقول‪:‬‬
‫(اللهم اجعل رزق آل محمد كفافاً) في حين أنك ترى في كل دين‬
‫آخر ما يكفل للكهنة ورجال الدين فيه مصادر الثروة والغنى[‪]9‬‬
‫فما الذي صبره على ذلك إن لم يكن من الصادقين؟ وما الذي‬
‫حمله على أل يقبل غلو أصحابه في حبه ومدحه فتراه ل يرفع‬
‫نفسه عن قدره ويقول لصحابه‪( :‬ل تطروني كما أطرت النصارى‬
‫عيسى ابن مريم فإنما أنا عبده فقولوا عبد الله و رسوله) وفي‬
‫إحدى المواقف جلست جويريات يضربن بالدف صبيحة عرس‬
‫إحدى نساء النصار وجعلن يضربن بالدف ويندبن من قتل من‬
‫أبائها يوم بدر‪ ،‬إذ قالت إحداهن‪ :‬وفينا نبي يعلم ما في غد‪ ،‬فقال‪:‬‬

‫‪253‬‬
‫(دعي هذا‪ ،‬و قولي بالذي كنت تقولين) ومصداق ذلك في كتاب‬
‫َ‬ ‫َ َ‬
‫ه وَلَوْ كُن ُ‬
‫ت‬ ‫شاء الل ّ ُ‬ ‫ما َ‬ ‫ضّرا ً إِل ّ َ‬ ‫سي نَفْعا ً وَل َ َ‬ ‫ك لِنَفْ ِ‬ ‫مل ِ ُ‬ ‫الله‪ " :‬قُل ل ّ أ ْ‬
‫ن أَنَا ْ إِل َّ نَذِيٌر‬ ‫ي ال ُّ‬
‫سوءُ إ ِ ْ‬ ‫سن ِ َ‬‫م َّ‬ ‫ما َ‬ ‫ن ال ْ َ‬
‫خيْرِ وَ َ‬ ‫م َ‬ ‫ت ِ‬ ‫ستَكْثَْر ُ‬ ‫ب لَ ْ‬ ‫م الْغَي ْ َ‬
‫َ‬
‫أع ْل َ ُ‬
‫ن"‬‫منُو َ‬ ‫شيٌر ل ِّقَوْم ٍ يُؤْ ِ‬ ‫وَب َ ِ‬
‫و لما توفي أحد المهاجرين قالت عنه امرأة من النصار‪ :‬رحمة‬
‫الله عليك يا أبا السائب‪ ،‬فشهادتي عليك‪ :‬لقد أكرمك الله‪ .‬فقال‬
‫النبي صلى الله عليه وسلم‪(:‬وما يدريك أن الله أكرمه)‪ .‬فقلت‪:‬‬
‫بأبي أنت يا رسول الله‪ ،‬فمن يكرمه الله؟ فقال‪(:‬أما هو فقد‬
‫جاءه اليقين‪ ،‬والله إني لرجو له الخير‪ ،‬والله ما أدري‪ ،‬وأنا رسول‬
‫الله‪ ،‬ما يفعل بي)‪ .‬قالت‪ :‬فو الله ل أزكي أحدًا بعده أبدًا‪.‬‬
‫ة أن‬ ‫أترى لو كان محمد يتحامى الكذب دهاء وسياسة خشي ً‬
‫يكشف الغيب قريبًا أو بعيدًا عن خلف ما يقول ما الذي كان‬
‫يمنعه أن يتقول ما يشاء في شأن ما بعد الموت وهو ل يخشى‬
‫من يراجعه فيه ول يهاب حكم التاريخ عليه؟ لقد منعه الخلق‬
‫العظيم و تقدير المسئولية الكبرى أمام حاكم آخر أعلى من‬
‫التاريخ و أهله[‪]10‬‬
‫ضا؟‬ ‫هب أنه كان يكذب على الناس أفكان يكذب على نفسه أي ً‬
‫فقد كان مجموعة من الصحابة يحرسون النبي حتي نزلت هذه‬
‫َ‬ ‫ما أُنزِ َ‬ ‫َ‬
‫م تَفْعَ ْ‬
‫ل‬ ‫ك وَإِن ل ّ ْ‬ ‫من َّرب ِّ َ‬ ‫ك ِ‬ ‫ل إِلَي ْ َ‬ ‫ل بَل ِّغْ َ‬‫سو ُ‬ ‫الية‪ " :‬يَا أيُّهَا الَّر ُ‬
‫َ‬
‫س " فقال لهم‪( :‬أيها‬ ‫م َ َ‬ ‫م َ‬ ‫ه وَالل ّ ُ‬‫سالَت َ ُ‬ ‫ما بَل ّغْ َ‬ ‫فَ َ‬
‫ن الن ّا ِ‬ ‫ك ِ‬ ‫ص ُ‬ ‫ه يَعْ ِ‬ ‫ت رِ َ‬
‫سا بعدها و‬ ‫الناس‪ ،‬انصرفوا فقد عصمني الله) [‪]11‬ولم يتخذ حر ً‬
‫قد وقف وحده في ميدان المعركة وسط المشركين و قد تفرق‬
‫أصحابه من حوله و هو يهتف‪ :‬أنا النبي ل كذب أنا ابن عبد‬
‫المطلب فمن ذا الذي حماه وعصمه حتى بلغ الرسالة كاملة‬
‫وأدى المانة أوفى أداء؟ وما الذي جعله واثقًا تمام الثقة من‬
‫النصر والتمكين لدينه حتى في أحلك المواقف وأقسى الزمات[‬
‫‪ ]12‬فيبشر أصحابه بعروش كسري وقيصر في حين أن اليهود‬
‫والعرب يحاصرونهم من أسفل منهم ومن فوقهم وقد زاغت‬
‫البصار وبلغت القلوب الحناجر إل إن كان موعودًا من الله الذي‬
‫ل يخلف الميعاد بالنصر والتمكين؟ هبه امتل رجاء ببقاء هذه‬
‫الدعوة و ظهورها ما دام يتعهدها بنفسه فمن الذي تكفل له بعد‬
‫موته ببقائها وحمايتها وسط أمواج المستقبل العاتية؟ وكيف‬
‫عبَر الزمان ما يفت في‬ ‫يجيئه اليقين في ذلك و هو يعلم من ِ‬
‫حّرِف؟[‬ ‫عضد هذا اليقين فكم من نبي قُتل وكم من كتاب فقد أو ُ‬
‫‪ ]13‬هل رأيت كاهنًا أو ساحًرا أو عرافًا جاءه مثل هذا اليقين الذي‬
‫ل يتزعزع و الثبات الذي ل يتردد؟؟‬

‫‪254‬‬
‫ومن الذي ألف حوله قلوب أصحابه و جمعهم على دعوته بعد أن‬
‫كانوا قبائل متناحرة ل يجمعهم نظام ول ينقادون تحت لواء[‪]14‬؟‬
‫أرأيت كيف استجابوا له في النهاية إذ دعاهم إلى ترك دين أبائهم‬
‫وأجدادهم إلى عبادة الله وحده وترك النفة والفخر إلى ضرب‬
‫الظهور بالسياط إن شربوا الخمر أو قذفوا إنسانا و قطع اليدي‬
‫إن سرقوا أو أفسدوا في الرض؟ فمن الذي حول طباعهم من‬
‫الغلظة والبداوة وبعد أن كان أحدهم يأنف أن تسبق ناقته ناقة‬
‫أخرى إلى رفق السلم و رحمته وتواضعه فأصبح السيد والعبد‬
‫يقفان متجاورين في الصلة؟ ومن الذي كان يجيب دعائه إذا دعا‬
‫لحد من أصحابه؟ ألم يدع ُ للمدينة المنورة بأكملها أل يدخلها‬
‫طاعون فما دخلها وباء إلى اليوم؟ ألم يدع لقبيلة بأكملها أمام‬
‫أصحابه أن تسلم وتأتيه فأسلمت عن بكرة أبيها؟ أتراه يغامر لو‬
‫كان كاذبًا بأمر كهذا؟ أيمكن لرجل أمي أن يغامر ويزعم أنه نبي‬
‫يؤمن بجميع النبياء من قبله من أول آدم مروًرا بموسى وعيسى‬
‫عليهما السلم ويجعل الكفر بواحد منهم كالكفر بالجميع ثم‬
‫يتحدى أهل الكتاب من اليهود والنصارى الموجودين في عهده –‬
‫بل إلى قيام الساعة – ويناقشهم في أخص أمور دينهم بل‬
‫ويفضحهم ويواجههم بتحريفهم لكتب أنبيائهم؟ لقد بلغ من تحديه‬
‫إياهم أنه لما هاجر توجه إلى أحد معاقل اليهود في الجزيرة‬
‫العربية وهي يثرب ‪-‬وكان يمكنه أن يهاجر إلى أرض ليس بها أهل‬
‫كتاب فما الذي دعاه إلى ذلك لو كان من الكاذبين؟ قل لي‬
‫بربك لو كان هذا الدين من عند نفسه وليس من عند الله فما‬
‫حاجته لليمان بالنبياء السابقين ويدخل في هذه المواجهات[‪]15‬‬
‫مع اليهود والنصارى ويعلن أن إلـهه وإلـههم واحد ولكنهم هم‬
‫الذين غيروا شريعته وبدلوا وحرفوا‪ .‬ثم إنك تجد أن علماء اليهود‬
‫والنصارى المنصفين يدخلون في دينه أفرادًا وجماعات ويتبعون‬
‫شريعته منذ أن بعثه الله و إلى اليوم‪ ]16[.‬إن الكثيرين منهم‬
‫عندما يتجردون من الهواء والنزعات الشخصية والعصبية فإنهم‬
‫سرعان ما يبصرون الحق ويعتنقونه بل إن عددا ً من‬
‫المستشرقين والمبشرين النصارى الذين بدئوا حملتهم مصممين‬
‫على القضاء على السلم وإظهار عيوبه المزعومة‪ ،‬أصبحوا هم‬
‫أنفسهم مسلمين‪ ،‬وما ذلك إل لن للحق حجته الدامغة التي ل‬
‫َ‬
‫ة أَن‬ ‫م يَكُن ل ّهُ ْ‬
‫م آي َ ً‬ ‫َ‬
‫سبيل إلى إنكارها‪ .‬قال الله عز وجل‪ " :‬أوَل َ ْ‬
‫سَرائِي َ‬
‫ل "‪.‬‬ ‫ه ع ُل َ َ‬
‫ماء بَنِي إ ِ ْ‬ ‫يَعْل َ َ‬
‫م ُ‬
‫ثم كيف يمكن لرجل عادي – لو كان عاديًا – أن يؤلف وحده‬
‫شريعة محكمة ل تدع أمًرا من أمور النسان إل ونظمته على‬
‫الوجه المثل بدءًا من طريقة الكل والشرب حتى نظام الحكم‬

‫‪255‬‬
‫فما تركت خيًرا من أمور الدنيا إل وأمرت به ول شًرا إل و نهت‬
‫عنه ويشهد بذلك مفكرو الغرب أنفسهم والدراسات الحديثة‬
‫والفضل ما شهدت به العداء‪ .‬وما زالت إلى اليوم هذه الشريعة‬
‫معينا ل ينضب للباحثين والعلماء يستخرجون منها من الحكم‬
‫الباهرة والحكام الدقيقة ما يدعو الناس لليمان والتصديق‪]17[.‬‬
‫كيف أمكن لرجل بمفرده‪ -‬لو كان بمفرده‪ -‬أن يحدث أكبر تغيير‬
‫ديني وحضاري وسياسي واجتماعي في العالم استمر إلى الن‬
‫حتى إن مفكري الغرب عندما اجتمعوا لكي يحددوا المائة الوائل‬
‫الذين كان لهم أكبر تأثير في تاريخ البشرية جعلوا محمدًا على‬
‫رأسهم وظهر ذلك في كتاب المائة الوائل لمايكل هارت[‪]18‬ألم‬
‫تمر على أمة السلم مائتا عام إل وكان المسلمون يعيشون‬
‫نهضة علمية في شتى المجالت في حين كانت أوروبا ترزح تحت‬
‫جبال من الجهل والتخلف والخرافات؟!‬
‫ثم ألم يكن أولى به لو كان يدعي النبوة أن يخفف من تكاليف‬
‫الشريعة لقصى درجة ممكنة لكي يستكثر من التباع ول ينفر‬
‫الناس من الدخول في الدين الجديد [‪ ]19‬لكنك ترى أنه أخبرنا أن‬
‫الله فرض علينا خمس صلوات في اليوم و الليلة منها ما يوافق‬
‫ساعات نوم النسان و أمرنا بزكاة تؤخذ من أغنيائنا لترد على‬
‫فقرائنا و أمرنا بصيام شهر كامل كل عام و بحج بيت الله الحرام‬
‫مع ما في ذلك من مشقة للبعض ثم حض بعد ذلك على أداء‬
‫الزيادة من هذه الطاعات و قيام الليل تقربًا إلى الله ثم المر‬
‫بالحسان إلى الخلق بمختلف أنواع البر وصلة الرحام والقارب‬
‫وإن قطعوا والعفو عن النام إن ظلموا والمر بالمعروف والنهي‬
‫عن المنكر والجهاد في سبيل الله ثم النهي عن لذائذ النفوس و‬
‫شهواتها المحرمة كالزنا وكل ما يدعو إليه من نظر أو لمس أو‬
‫تبرج وشرب الخمر وأكل الربا ثم يكون بعد ذلك أول الناس‬
‫التزاما بما يدعو إليه حتى في خلوته حين يظن أن ل يراه بشر‬
‫بل و يزيد على أصحابه في الطاعة ما ل يطيقونه هم[‪ .]20‬فما‬
‫الذي حمله على ذلك إن لم يكن من الصادقين في عبادته لربه و‬
‫في نبوته؟ هل الذي يأمر بهذه الوامر يمكن أن يكون كاذبًا على‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫ن) أل تعجب أنه‬ ‫سقا ً ّل ي َ ْ‬
‫ستَوُو َ‬ ‫منا ً ك َ َ‬
‫من كَا َ‬
‫ن فَا ِ‬ ‫مؤ ْ ِ‬ ‫من كَا َ‬
‫ن ُ‬ ‫الله؟(أفَ َ‬
‫مع كل تكليفات السلم هذه فإنه أوسع الديان انتشاًرا و ذلك‬
‫باعتراف غير المسلمين ويقبل عليه الناس من جميع الفئات‬
‫والعمار حتى الطفال‪ ]21[.‬لو كان محمد كاذبًا فلماذا تركه الله‬
‫ينشر دعوته طوال ‪ 23‬سنة بدون أن يعاقبه أو على القل بكشف‬
‫كذبه للناس ولو بزلة لسان؟!‬

‫‪256‬‬
‫أو كان صدفة أن يولد هذا النبي و يحيا أكثر عمره بجوار بيت الله‬
‫الحرام الذي بناه إبراهيم عليه السلم و ما زالت آثار إبراهيم‬
‫موجودة فيه إلى اليوم ثم يتخذه قبلة في صلته؟ ومن الذي‬
‫حفظ الكعبة من التدمير على يد إبرهة والمشركين وحفظ‬
‫مكانتها ومهابتها في قلوب المؤمنين؟ تـرى لو أن هذا الدين كان‬
‫من تأليفه فهل تكون الكعبة المشرفة من بنائه أم تكون بئر‬
‫من‬ ‫ق ِ‬ ‫ح ِّ‬‫ل بِال ْ َ‬ ‫سو ُ‬ ‫م الَّر ُ‬‫جاءك ُ ُ‬ ‫س قَد ْ َ‬ ‫ُ‬ ‫زمزم من حفره؟!( يَا أَي ُّ َها النَّا‬
‫ْ َ َ َ‬ ‫َ‬
‫ت‬‫ماوَا ِ‬ ‫س َ‬‫ما فِي ال َّ‬ ‫ن لِل ّهِ َ‬‫م وَإِن تَكْفُُروا فإ ِ ّ‬ ‫خيْرا ً ل ّك ُ ْ‬ ‫منُوا ْ َ‬ ‫م فَآ ِ‬ ‫َّرب ِّك ُ ْ‬
‫حكِيماً)‬ ‫ه عَلِيما ً َ‬ ‫َ‬
‫ن الل ّ ُ‬ ‫ض وَكَا َ‬ ‫وَالْر ِ‬
‫النبأ العظيم‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫ت فِيك ُ ْ‬
‫م‬ ‫م وَل َ أدَْراكُم بِهِ فَقَد ْ لَبِث ْ ُ‬ ‫ه ع َلَيْك ُ ْ‬ ‫وت ُ ُ‬‫ما تَل َ ْ‬ ‫ه َ‬ ‫شاء الل ّ ُ‬ ‫و َ‬ ‫(قُل ل ّ ْ‬
‫َ‬
‫ن)‬ ‫من قَبْلِهِ أفَل َ تَعْقِلُو َ‬ ‫مرا ً ِّ‬ ‫عُ ُ‬
‫كل المؤرخين مجمعون على أن النبي نشأ أميًا ل يعرف القراءة‬
‫والكتابة وأنه لم يكن يقرض الشعر في حياته بينما كانت العرب‬
‫تفتخر ببراعتها البلغية ويقيمون السواق يتباهون فيها بالقصائد‬
‫الطوال والمعلقات الجياد ولم يكن لمحمد أي شأن يذكر في هذا‬
‫المضمار من قريب أو بعيد‪ .‬ثم ماذا؟ ثم خرج علهم محمد بين‬
‫عشية وضحاها بآيات بينات غاية في البلغة وجمال النظم تحدى‬
‫بها قومه بل تحدى بها العالم كله ‪-‬وهكذا الرسل تأتي بمعجزات‬
‫من جنس ما برع فيه أقوامهم ليكون أبلغ في العجاز‪ -‬وقال‬
‫ْ‬ ‫َ‬ ‫َّ‬
‫ل هَـذ َا‬ ‫مث ْ ِ‬‫ن ع َلَى أن يَأتُوا ْ ب ِ ِ‬ ‫ج ُّ‬‫س وَال ْ ِ‬ ‫ت الِن ُ‬ ‫معَ ِ‬ ‫جت َ َ‬ ‫نا ْ‬ ‫للناس‪( :‬ل ْ ِ‬
‫ِ‬ ‫ئ‬
‫ض ظَهِيراً)‪ .‬فانظر إلى‬ ‫م لِبَعْ ٍ‬ ‫ضهُ ْ‬ ‫ن بَعْ ُ‬ ‫مثْلِهِ وَلَوْ كَا َ‬ ‫ن بِ ِ‬ ‫ن ل َ يَأتُو َ‬ ‫الْقُْرآ ِ‬
‫هذا النفي المؤكد بل الحكم المؤبد هل يستطيع عربي يدري ما‬
‫يقول أن يصدر هذا الحكم وهو يعلم أن مجال المساجلت مفتوح‬
‫بين العرب على مصراعيه؟ ألم يكن يخشى أن يثير هذا التحدي‬
‫حميتهم الدبية فيهبوا لمنافسته وهم جميع حذرون؟ سل نفسك‬
‫لو طوعت لمحمد نفسه أن يصدر هذا الحكم على أهل عصره‬
‫فكيف يصدره على الجيال القادمة إلى يوم القيامة بل على‬
‫النس والجن؟ ثم سلها ألم يفز القرآن في هذا التحدي فلم يهم‬
‫بمعارضته أحد إل باء بالعجز الواضح والفشل الفاضح على مر‬
‫العصور والدهور‪ ]22[ .‬لقد نزل هذا التحدي إلى أن يأتوا بعشر‬
‫سور مثله فما استطاعوا ثم نزل أكثر إلى سورة واحدة تضارع‬
‫أقصر سور القرآن و أعلن أنهم لن يستطيعوا فهل سمعت أن‬
‫رجل ً ألف سورة مثل سور القرآن تلقاها العالم بمثل ما تلقى به‬
‫القرآن؟ سل نفسك كيف ظل القرآن محفوظًا إلى اليوم كما‬
‫ن) يتناقله‬ ‫حافِظُو َ‬ ‫ه لَ َ‬ ‫ذّكَْر وَإِنَّا ل َ ُ‬ ‫ن نََّزلْنَا ال ِ‬ ‫ح ُ‬ ‫وعد الله‪( :‬إِنَّا ن َ ْ‬
‫المسلمون جيل بعد جيل متواتًرا[‪ ]23‬بينهم بنفس اللغة ل تتغير‬

‫‪257‬‬
‫فيه كلمة ول حرف ول حركة تشكيل بطريقة هي أعلى طرق‬
‫الرواية تثبتًا وحفظًا في حين أن غيره من الكتب فُقِدت أو غُي ِّرت‬
‫أو اندثرت لغاتها الصلية‪ .‬سل التاريخ كم مرة تسلط الكفار‬
‫على المسلمين فأثخنوا فيهم القتل و أكرهوا أمما منهم على‬
‫الكفر و أحرقوا الكتب و هدموا المساجد و صنعوا ما كان يكفي‬
‫القليل منه لضياع هذا القرآن كُل أو بعضا كما فُعل بالكتب من‬
‫قبله لول أن يد العناية تحرسه فبقي وسط هذه المعامع رافعا‬
‫راياته و أعلمه حافظا آياته و أحكامه‪]24[...‬‬
‫ألم تعجب كيف يسره الله القرآن للحفظ ما لم ييسر لي كتاب‬
‫آخر فتجد أن الطفل يبلغ السادسة من عمره وقد حفظ القرآن‬
‫كله وقد يكون مع ذلك أعمى! كيف يحدث ذلك النسجام العجيب‬
‫بين الفطرة البشرية و بين القرآن إل أن يكون خالق النفس‬
‫البشرية هو نفسه مصدر هذا القرآن؟‬
‫ثم إنك إذا تأملت طريقة نزول القرآن رأيت عجبًا‪...‬فإنه لم ينزل‬
‫جملة واحدة من السماء لكن كان ينزل مفرقًا حسب الوقائع‬
‫والحوال فربما نزلت بدايات سورة ول تنزل خواتيمها أو‬
‫أواسطها إل بعد عشر سنين تكون خللها نزلت سور أخرى‬
‫وختمت أو لم تختم فإذا هبط جبريل على النبي بآيات جمع النبي‬
‫أصحابه ليكتبوا وراءه ثم يقول ضعوا آية كذا في سورة كذا في‬
‫موضع كذا وآية كذا في سورة كذا وهكذا فتوضع الية في مكانها‬
‫الذي نزلت من أجله في أول السورة أو وسطها أو آخرها بين‬
‫آيتين قد تكونا نزلتا قبلها بعشر سنين فتقرأ السورة فل تحس‬
‫بأي تنافر بين أجزائها‪ .‬ثم إن الية توضع مكانها الذي نزلت من‬
‫ما ول تأخيًرا حتى‬ ‫أجله ول يتغير هذا المكان بعد ذلك أبدًا ل تقدي ً‬
‫اكتمل هذا الكتاب المعجز في أجمل صورة و أعظم تركيب فأي‬
‫تدبير محكم وأى تقدير مبرم وأى علم محيط ل يضل ول ينسى‬
‫ول يتردد كان قد أعد لهذه المواد المبعثرة نظامها وهداها إلى ما‬
‫قدره لها حتى صيغ منها ذلك العقد النظيم وسرى بينها هذا‬
‫َ‬
‫عند ِ غَيْرِ‬
‫ن ِ‬‫م ْ‬ ‫ن وَلَوْ كَا َ‬
‫ن ِ‬ ‫ن الْقُْرآ َ‬
‫المزاج العجيب؟ [‪(]25‬أفَل َ يَتَدَبَُّرو َ‬
‫ختِلَفا ً كَثِيًرا)‬
‫جدُوا ْ فِيهِ ا ْ‬
‫اللّهِ لَوَ َ‬
‫و الن سل نفسك هل رأيت كتابًا ألف بهذه الطريقة أبد الدهر؟‬
‫وهل يستطيع كاتب أن يؤلف كتابًا في مدة ثلث وعشرين سنة ل‬
‫يؤلفه مرتبًا ولكن مفرقًا قطعًا قطعا ً على غير ترتيب ل يقدم فيه‬
‫ول يؤخر ولكن يملي من وحي ضميره العبارات والجمل مفرقة‬
‫بين الحوادث والسنين فتجد كل جملة لها مكانا ينتظرها بين‬
‫جاراتها ل يجور ول يجار عليه وكأنه أحصى ما سوف تلده اليام‬
‫من مفاجآت الحوادث المستقبلية صغيرة وكبيرة في مدى دهره‬

‫‪258‬‬
‫ثم قدّر ما سوف تتطلبه تلك النوازل من كلم فقدر لكل حادثة‬
‫قدرها؟! فكيف لو كان أميًا ل يقرأ ما يكتب له؟!!‬
‫هذا من جهة مبناه فإذا نظرت إلى محتواه وجدت من العجاز‬
‫في المعاني ما ل يقل عن العجاز في النظم و المباني‪ ]26[.‬ذلك‬
‫أن القرآن حوى بين طياته كل ما يحتاج النسان إليه في حياته‬
‫لكي يحيا حياة طيبة صالحة‪ .‬تحدث القرآن عن وحدانية الله عز‬
‫وجل وأقام عليها البراهين العقلية القاطعة وذكر من صفات‬
‫الرب الحسنى وأفعاله الكريمة وسننه في خلقه ومظاهر نعمه‬
‫عليهم ما يزيد إيمان المؤمنين ويرقق قلوب الكافرين وذكر من‬
‫آيات الله المبثوثة في كونه ودعا النسان للنظر والتأمل فيها‬
‫وتحدث عن نشأة النسان والغرض من خلقه ومصيره بعد موته‬
‫ثم أخبره كيف يعبده ويتقرب إليه بأنواع العبادات البدنية والمالية‬
‫والقلبية و تضمن الخبار عن عالم الغيب من الملئكة و الجن‬
‫والشياطين وكذا الخبار عن قصص المم السابقة وأحوالهم مع‬
‫أنبيائهم وعقاب الله للقوام الظالمين بما جعله الله عبرة لكل‬
‫معتبر ورد القرآن على شبهات المشركين وحذر المعاندين‬
‫وأنذرهم وبشر المؤمنين وثبّـتهم وحاور أهل الكتاب فأسكتهم‬
‫وضرب للناس من كل شيء مثل ً وتحدث عن أهوال يوم القيامة‬
‫وعلماته وذكر ما أعده الله لعباده المؤمنين في جنات النعيم وما‬
‫جا يسير‬ ‫ينتظر الكافرين من عذاب أليم ثم رسم للنسان منه ً‬
‫عليه في حياته وحد له حدودًا ووضع له ضوابط تضمن له و‬
‫لمجتمعه السعادة الكاملة والمن التام فذكر أحكام المعاملت‬
‫المالية وأحكام النكاح والطلق و البيع والشراء والدَيْن والميراث‬
‫وأحكام المارة والقضاء والحدود والقصاص حتى آداب الستئذان‬
‫والنظر والثياب ذكر القرآن منها ما يكفل للمجتمع طهارته و‬
‫للنسان عفافه و كرامته حتى مأكل النسان ومشربه أباح له كل‬
‫طيب و حرم عليه كل خبيث على التفصيل و الجمال وذكر أيضا‬
‫آداب التعامل مع الوالدين و إن كانوا غير مسلمين ومع الزوجة و‬
‫ذوي الرحام وإن كانوا غير بارين حتى الخدم و العبيد و الرامل‬
‫والمطلقات واليتام لم ينسهم القرآن حتى الطفل الرضيع‬
‫سيّاً)‬ ‫ن َرب ُّ َ‬
‫ك نَ ِ‬ ‫ما كَا َ‬
‫والرجل العمى والعرج ذكرهم الله(وَ َ‬
‫وهكذا لم تخل آية في القرآن من حكمة وموعظة أو بشارة أو‬
‫إنذار أو أمر أو نهي لما فيه مصلحة العباد الدينية والدنيوية فلله‬
‫درها من آيات كم ألنت قلبا قاسيا و كم فتحت عقل مغلقًا و كم‬
‫شفت وساوس صدر مريض‪.‬‬
‫فهو معجزة كبيرة وشاملة وغنية تتجاوز كل الزمنة والمكنة‪،‬‬
‫وتلبي جميع المطالب النسانية بدءً من العقائد وانتهاءً بأصغر‬

‫‪259‬‬
‫من َّرب ِّ َ‬
‫ك‬ ‫حقُّ ِ‬ ‫ه ال ْ َ‬‫ه إِن َّ ُ‬‫من ْ ُ‬
‫مْريَةٍ ِّ‬
‫ك فِي ِ‬ ‫الداب الجتماعية‪(]27[ .‬فَل َ ت َ ُ‬
‫َ‬ ‫ولَـك َ َ‬
‫ن)‬‫منُو َ‬ ‫س ل َ يُؤْ ِ‬ ‫ن أكْثََر الن ّا ِ‬ ‫َ ِ ّ‬
‫فإذا نظرنا إلى القصص القرآني سنجد أنه حوى أحسن القصص‬
‫وقعًا في النفوس وأصدقها أحداثا و أكثرها عبرة في الوقت الذي‬
‫كانت كتب اليهود والنصارى حافلة بالمغالطات التاريخية وقصص‬
‫العاهرات و نسبة النقائص والفواحش للنبياء بينما القرآن قصصه‬
‫في أرفع درجات السمو الخلقي و الكمال النساني‪ .‬وإن تعجب‬
‫فعجب قول من يدعي زوًرا وبهتانًا أن القرآن استقى أخباره‬
‫التاريخية من الكتب الموجودة بأيدي أهل الكتاب في عهده!! و‬
‫كأن القرآن لم يفضح تزويرهم صراحة و يواجههم بتحريفهم و‬
‫يكشف مغالطاتهم[‪ ]28‬ثم إنك تجد أن القرآن يحوي تفاصيل‬
‫دقيقة لم تذكرها هذه الكتب وكفاك بقصتي يوسف وموسى‬
‫عليهما السلم دليل‪]29[ .‬‬
‫فهل كان صدفة أن توافق أخبار القرآن عن المم السابقة و‬
‫أنبيائهم الصحيح المحرر[‪ ]30‬من علوم أهل الكتاب و تزيد عليها و‬
‫أما ما داخلها من التحريف و التغيير فل يأبه له القرآن بل يصححه‬
‫و يفضحه أحيانا كثيرة؟ و ممن؟ من رجل أمي ل يقرأ ول يكتب!!‬
‫في الجاهلية‬ ‫كفاك بالعلم في المي معجزة‬
‫والتأديب في اليتم؟‬
‫هب أن محمدًا اطلع على أخبار الولين فهل تراه اتخذ عند الله‬
‫عهدًا أن تصدق اليام ما أخبر به من أمور المستقبل ولو بعد‬
‫مئات السنين؟ فقد أخبر القرآن عن حوادث ستقع في المستقبل‬
‫ما‪ .‬فمثل ذكر القرآن عن أناس معينين أنهم‬ ‫وحدثت كما أخبر تما ً‬
‫لن يسلموا وسيموتون على الكفر مثل أبي لهب وامرأته حمالة‬
‫الحطب والوليد بن المغيرة فمن أين علم محمد أن هؤلء لن‬
‫يسلموا؟! وكيف لم يخش أن تطوع لحدهم نفسه فيعلن إسلمه‬
‫نفاقا لكي يحرج محمدًا؟ فيا عجبًا لهذه اليات هل كانت مؤلفة‬
‫من حروف و كلمات أم كانت أغلل ً وضعت في أعناقهم إلى‬
‫البد؟ ومثل آخر في أول سورة الروم حيث دار بين الفرس‬
‫الوثنيين و الروم النصارى أهل الكتاب معركة هزم فيها الفرس‬
‫الروم ففرح المشركون بذلك لنهم وثنيون مثلهم و حزن‬
‫َْ‬ ‫َ‬
‫من‬ ‫ض وَهُم ِّ‬ ‫م‪َ .‬فِي أ َدْنَى الْر ِ‬ ‫ت الُّرو ُ‬‫المسلمون فنزلت (الم‪ .‬غُلِب َ ِ‬
‫د‬
‫من بَعْ ُ‬ ‫ل وَ ِ‬‫من قَب ْ ُ‬ ‫مُر ِ‬ ‫ن لِل ّهِ اْل ْ‬ ‫سنِي َ‬‫ضِع ِ‬
‫َ‬
‫ن‪ .‬فِي ب ِ ْ‬ ‫سيَغْلِبُو َ‬ ‫م َ‬ ‫بَعْد ِ غَلَبِهِ ْ‬
‫شاءُ وَهُوَ الْعَزِيُز‬ ‫من ي َ َ‬ ‫صُر َ‬ ‫صرِ الل ّهِ يَن ُ‬ ‫ن بِن َ ْ‬‫منُو َ‬ ‫ح ال ْ ُ‬
‫مؤْ ِ‬ ‫مئِذ ٍ يَفَْر ُ‬‫و َ‬‫وَي َ ْ‬
‫م)‬ ‫حي ُ‬ ‫الَّر ِ‬
‫و لقد صدق الله وعده فتمت للروم الغلبة على الفرس بإجماع‬
‫المؤرخين في أقل من تسع سنين و كان يومها هو اليوم الذي‬

‫‪260‬‬
‫انتصر فيه المسلمون على المشركين في غزوة بدر‪ .‬فكيف‬
‫حدث ذلك بهذه الدقة إل إذا كان الذي صدرت هذه اليات عن‬
‫علمه هو الذي صدرت هذه الحوادث عن مشيئته و حكمه؟‬
‫أما عن اليات التي تتحدث عن خلق الكون وخلق النسان و‬
‫الليل و النهار و الجبال و البحار والرياح و السحب والمطر‬
‫والحيوان والنبات و النجوم والكواكب و الشمس و القمر والرض‬
‫و السماء فقد ذكر القرآن من أسرارها في كلمات وجيزة ما‬
‫كانت تعجز علوم الدنيا حين نزل القرآن أن تتوقعه و لم يكتشفها‬
‫العلم إل في العصر الحديث و ما وقف أمامها فطاحل العلماء‬
‫مبهورا أن يكون رجل أمي قد أتى بكلم مثل هذا منذ ألف و‬
‫أربعمائة سنة!! ألم يخبر القرآن بأن للجبال أوتاد و أن البحر‬
‫مسجور و الرياح لواقح و السحب ثقال و الكائنات أزواج و‬
‫السماء ذات رجع و الرض ذات صدع والليل و النهار مكوران‬
‫على بعض و الشمس و القمر بحسبان و مواقع النجوم أمرها‬
‫عظيم[‪ !!]31‬هل كان أحد في ذلك الوقت يعرف المراحل‬
‫الدقيقة لخلق الجنة في بطون أمهاتها أو يعرف أن الذي يرتفع‬
‫في الجو يضيق صدره من صعوبة التنفس أو أن كل شيء خلق‬
‫من ماء أو أن الحديد نزل من السماء ليستقر في الرض و لم‬
‫يتكون داخلها كما يتكون البترول مثل أو أن السماء تتسع‬
‫باستمرار أو أن هناك أنواعا من النجوم مختفية عن النظار‬
‫تسير في السماء تكنس ما حوله وصفها بأنها جوار كنس أو أن‬
‫السماوات والرض كانتا في بداية الخلق قطعة واحدة فتقها‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫ت الل ّهِ تُنكُِرون)؟ كل هذه الحقائق‬ ‫الله؟(وَيُرِيك ُ ْ‬
‫م آيَاتِهِ فَأيَّ آيَا ِ‬
‫التي أثبتتها العلوم الحديثة وغيرها يذكرها القرآن في غاية‬
‫الوضوح و أمثالها في السنة النبوية كثير و أسلم بسببها كثير من‬
‫العلماء[‪]32‬فما الذي حمل محمدا على ذكر هذه الحقائق لقوم‬
‫أميين ومن الذي ضمن له أن العلم سوف يثبت صحتها يوما من‬
‫اليام؟ [‪ ]33‬هذا غير اليات التي تسبر أغوار النفس البشرية‬
‫وتخبر بما يجول في خاطرها سواء كانت هذه النفس نفس‬
‫مؤمن مصدق أو كافر معاند أو كتابي مرتاب‪ .‬ألم تنزل اليات‬
‫تفضح المنافقين الموجودين في المدينة و تخبر بخطرات‬
‫منَّا قُل‬‫بآ َ‬ ‫ت اْلَعَْرا ُ‬‫نفوسهم؟ ألم يدع العراب اليمان فنزلت(قَال َ ِ‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫م) ألم‬ ‫ن فِي قُلُوبِك ُ ْ‬ ‫ما ُ‬ ‫ل اْلِي َ‬
‫خ ِ‬ ‫منَا وَل َ َّ‬
‫ما يَد ْ ُ‬ ‫سل َ ْ‬
‫منُوا وَلَكِن قُولُوا أ ْ‬ ‫لّ ْ‬
‫م تُؤْ ِ‬
‫يكن الولى لو كانت هذه دعوة شخصية أل ينفر محمد التباع من‬
‫حوله بل يستكثر منهم و يحتفظ بهم في صفه؟[‪ ]34‬ناهيك عن‬
‫التأثير الكبير الذي أحدثه القرآن في نفوس أصحاب النبي يقول‬
‫الستاذ فتح الله كولن‪ " :‬لقد أحدث القرآن في أول عهده‬

‫‪261‬‬
‫بالنـزول وأول عهده بتشريفه الدنيا تأثيًرا ل يمكن تصوره في‬
‫الرواح وفي العقول والقلوب أضا‪ ،‬بحيث أن درجة الكمال التي‬
‫وصلت إليها الجيال التي نشأت في جوه النوراني كانت معجزة‬
‫قائمة بذاتها ل نحتاج معها إلى ذكر أي نوع آخر من معجزاته‪ .‬ول‬
‫يمكن العثور على أي أمثال لهم في مستواهم من ناحية التدين‬
‫والتفكير وأفق الفكر والخلُق ومعرفة أسرار العبودية‬
‫فالحقيقة أن القرآن قد أنشأ جيل من الصحابة آنذاك ل نبالغ إن‬
‫قلنا إنهم كانوا في مستوى الملئكة‪ .‬وحتى اليوم فهو يقوم بتنوير‬
‫قلوب المتوجهين إليه الناهلين من نبعه‪ ،‬ويهمس في أرواحهم‬
‫أسرار الوجود‪ .‬والذين يَدَعون أنفسهم بكل أحاسيسهم‬
‫ومشاعرهم وقلوبهم وقابلية راكهم تسبح في جوه الذي ل مثيل‬
‫لـه سرعان ما تتغير عواطفهم وأفكارهم‪ ،‬ويحس كل واحد منهم‬
‫بأنه قد تغير بمقياس معين وأنه أصبح يعيش في عالم آخر"(هَذ َا‬
‫ن) ويمكنك أن تقرأ في‬ ‫ة لِقَوم ٍ يُوقِنُو َ‬
‫م ٌ‬‫ح َ‬
‫س وَهُدىً وََر ْ‬ ‫َ‬
‫صائُِر للن ّا ِ‬
‫بَ َ‬
‫القرآن لكي تشعر بهذا بنفسك فهو تاح على النترنت‪.‬‬
‫والن آن لنا أن نسأل أنفسنا هذا السؤال‪ :‬من أين أتى محمد‬
‫بالقرآن؟ هناك ثلثة احتمالت ل رابع لها‪ .‬إما أن يكون من كلم‬
‫محمد نفسه وإما أن يكون من كلم شخص آخر كان يتصل به‬
‫محمد بصورة غير معروفة في جميع الماكن والزمنة ليتلقى‬
‫منه اليات و إما أن يكون وحيا من عند الله أوحاه إليه عن طريق‬
‫الملك الذي أنزل على جميع النبياء من قبل و هو روح القدس‬
‫جبريل عليه السلم كما أخبر بذلك القرآن نفسه‪.‬‬
‫فإذا نظرنا إلى الحتمال الول سنجد أن القرآن صريح في لنه ل‬
‫صنعة فيه لمحمد ول لحد من الخلق لكنه منزل من عند الله‬
‫بلفظه ومعناه‪ .‬فأى مصلحة لمحمد لو كان القرآن من كلمه أن‬
‫ينسب بضاعته لغيره وينسلخ منها انسلخا ولو انتحلها لما وجد‬
‫أحدا من البشر يعارضه ويزعمها لنفسه؟ إن قومه أنفسهم قد‬
‫استبعدوا هذا الحتمال‪ -‬أن يكون القرآن من تأليف محمد‪ -‬لنه‬
‫عاش بينهم أربعين سنة يحضر مشاهدهم و يتعامل معهم ولم‬
‫م‬ ‫َ‬
‫تبد عليه أثارة من تلك العلوم التي ل عهد لهم بها قبل ذلك‪( .‬أ ْ‬
‫ن) ثم إنك تقرأ كلم النبي‬ ‫منكُِرو َ‬ ‫ه ُ‬‫م لَ ُ‬ ‫سولَهُ ْ‬
‫م فَهُ ْ‬ ‫م يَعْرِفُوا َر ُ‬‫لَ ْ‬
‫وأحاديثه في كتب السنة و تقرأ القرآن فل تحس بأنهما خرجا من‬
‫ذات المنبع بل تجد الفرق في السلوب بينهما واضحا هذا خطاب‬
‫إلهي و ذاك كلم بشري‪ ..‬ثم لماذا لم يحو القرآن لو كان من عند‬
‫محمد خطرات نفسه و آلمه و أحزانه المختلفة التي مرت به و‬
‫هو الذي مرت به الحداث الجسام مثل وفاة زوجته خديجة وعمه‬
‫أبي طالب في عام واحد و محاصرة المشركين له و لصحابه في‬

‫‪262‬‬
‫أحد شعاب مكة ثلث أعوام و مقتل عمه حمزة ووفاة جميع‬
‫أبنائه في حياته إل فاطمة ولكنك ل ترى إشارة لذلك في القرآن‪.‬‬
‫وهل تكون اليات التي تعاتب النبي في القرآن و توجهه و تأمره‬
‫و تنهاه من وضعه؟ أيكون من عنده ثم يجعل فيه حين دعا على‬
‫شيءٌ أَو يتوب ع َلَيه َ‬ ‫َ‬ ‫س لَ َ‬
‫م أوْ‬ ‫ِْ ْ‬ ‫ْ َُ َ‬ ‫مرِ َ ْ‬ ‫ن ال ْ‬ ‫م َ‬
‫ك ِ‬ ‫بعض المشركين(لَي ْ َ‬
‫ن) أم يكون من عنده ثم يقول فيه‬ ‫مو َ‬ ‫ُ‬ ‫م ظَال ِ‬ ‫ْ‬ ‫ُ‬ ‫م فَإِنَّه‬
‫ْ‬ ‫ُ‬ ‫يُعَذَّبَه‬
‫َّ‬ ‫َّ‬
‫ه‬
‫ُ‬ ‫س وَالل‬ ‫َ‬ ‫شى النَّا‬ ‫خ َ‬ ‫مبْدِيهِ َوت َ ْ‬ ‫ُ‬ ‫ه‬
‫ُ‬ ‫ما الل‬ ‫ك َ‬ ‫س َ‬ ‫في فِي نَفْ ِ‬ ‫خ ِ‬ ‫لنفسه(وَت ُ ْ‬
‫َ َّ َّ‬ ‫َ‬
‫ه‬
‫حل الل ُ‬ ‫ما أ َ‬ ‫م َ‬‫حّرِ ُ‬ ‫م تُ َ‬‫ي لِ َ‬ ‫شاه) أو يقول فيه(يَا أيُّهَا النَّب ِ ُّ‬ ‫خ َ‬ ‫حقُّ أَن ت َ ْ‬ ‫َ‬
‫أ َ‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫م) و ذلك حين أقسم‬ ‫حي ٌ‬ ‫ه غَفُوٌر َّر ِ‬ ‫ك وَالل ّ ُ‬ ‫ج َ‬ ‫ت أْزوَا ِ‬ ‫ضا َ‬ ‫مْر َ‬ ‫ك تَبْتَغِي َ‬ ‫لَ َ‬
‫أل يتناول نوعا معينا من الطعام؟ بل إنه عبس مرة في وجه‬
‫رجل مسلم أعمى جاء يسأله عن شيء لنه كان مشغول بدعوة‬
‫أشراف قريش إلى السلم فنزلت سورة عرفت بسورة عبس ‪,‬‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫ك لَعَل ّ ُ‬
‫ه‬ ‫ما يُدْرِي َ‬ ‫مى {‪ }2‬وَ َ‬ ‫جاءه ُ اْلع ْ َ‬ ‫س وَتَوَل ّى {‪ }1‬أن َ‬ ‫بدايتها‪(:‬ع َب َ َ‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫ه الذِّكَْرى)‬ ‫يََّزك ّى {‪ }3‬أوْ يَذَّك ُّر فَتَنفَعَ ُ‬
‫ألم يكن أولى به – لو كان كما يدعي المبطلون كاذبًا – أن يكتم‬
‫هذه اليات؟‬
‫بل كانت تنزل به النوازل من شأنها أنها تحفزه إلى القول و‬
‫كانت حاجته القصوى تلح عليه أن يتكلم بحيث لو كان المر إليه‬
‫لوجد له مقال و مجال و لكنه كانت تمضى به الليالى و اليام‬
‫تتبعها الليالى و اليام و ل يجد فى شأنها قرآنا يقرؤه على الناس‪.‬‬
‫ألم يرجف المنافقون بحديث الفك عن زوجه عائشة رضي الله‬
‫عنها و أبطأ الوحي و طال المر و الناس يخوضون حتى بلغت‬
‫القلوب الحناجر و هو ل يستطيع إل أن يقول بكل تحفظ و‬
‫احتراس " إني ل أعلم عنها إل خيرا" ثم إنه بعد أن بذل جهده‬
‫في التحري و السؤال و استشارة الصحاب و مضى شهر بأكمله‬
‫و الكل يقولون ما علمنا عليها من سوء لم يزد على أن قال لها‬
‫آخر المر " يا عائشة أما إنه بلغني كذا و كذا فإن كنت بريئة‬
‫فسيبرئك الله و إن كنت ألممت بذنب فاستغفري الله " هذا‬
‫كلمه بوحي ضميره و هو كما ترى كلم البشر الذي ل يعلم‬
‫الغيب و كلم الصدّيق المتثبت الذي ل يتبع الظن و ل يقول ما‬
‫ليس له به علم على أنه لم يغادر مكانه بعد أن قال هذه‬
‫الكلمات حتى نزل صدر سورة النور معلنًا براءتها و مصدًرا‬
‫الحكم المبرم بشرفها و طهارتها‪ .‬فماذا كان يمنعه‪ -‬لو أن أمر‬
‫القرآن إليه‪ -‬أن يتقول هذه الكلمة الحاسمة من قبل ليحمى بها‬
‫عرضه و بذب بها عن عرينه و ينسبها إلى الوحي السماوي‬
‫لتنقطع ألسنة المتخرصين؟ و لكنه ما كان ليذر الكذب على‬
‫خذْنَا‬ ‫ل‪َ .‬ل َ َ‬ ‫َ‬
‫ض اْلقَاوِي ِ‬ ‫ل ع َلَيْنَا بَعْ َ‬ ‫الناس و يكذب على الله [وَلَوْ تَقَوَّ َ‬

‫‪263‬‬
‫م لَقَطَعنا منه الْوتِين‪ .‬فَما منكُم م َ‬
‫ه‬
‫حد ٍ ع َن ْ ُ‬
‫نأ َ‬‫ِّ ْ‬ ‫َ ِ‬ ‫َْ ِ ْ ُ َ َ‬ ‫ن‪ .‬ث ُ َّ‬ ‫ه بِالْي َ ِ‬
‫مي ِ‬ ‫من ْ ُ‬ ‫ِ‬
‫ن] [‪]35‬‬ ‫جزي َ‬ ‫حا ِ ِ‬ ‫َ‬
‫والن إذا انتقلنا إلى الحتمال الثاني – وهو أن يكون أحدًا من‬
‫النس أو الجن قد أوحى بهذا القرآن العظيم والشريعة الكاملة‬
‫إلى محمد – فبرغم من تهاوي كثير من أركان هذا الحتمال بما‬
‫سبق ذكره إل أنه ل مانع من مناقشة بعض ما قد يحيك في صدر‬
‫المتشكك أو يقذف به الشيطان في فؤاد المرتاب‪ .‬أول الذي‬
‫يردد هذه الشبهة يلزمه أن يخبرنا من هو هذا الشخص – سواء‬
‫كان إنسا أم جنا ‪ -‬الذي آتاه الله علوم الولين والخرين وأطلعه‬
‫على الغيب و ما هو كائن إلى يوم القيامة و زوده بالعلوم‬
‫والمعارف الحديثة التي لم تكن لتخطر على بال أوسع الناس‬
‫خيال حينئذ فأخرج لنا هذا الكتاب مصدقا لما بين يديه من الكتب‬
‫السماوية و مهيمنا عليها ل يأتيه الباطل من بين يديه و ل من‬
‫خلفه!! ل شك أن هذا الشخص ‪ -‬لو كان موجودا لكان عربيا لن‬
‫القرآن بلسان عربي مبين – فهل تظن أن بين العرب الذين كانوا‬
‫يعيشون في جاهلية عمياء في ذلك الوقت من كان يمكنه أن‬
‫يفيض قلبه عن بعض علوم هذا الكتاب؟ هب أن هذا كان صحيحا‬
‫في الكتاب فمن أين أتى النبي بالسنة ‪ -‬وهي جميع أقواله‬
‫وأفعاله‪ -‬وبها من العجاز ما يداني إعجاز القرآن؟ وهل كان‬
‫محمد ذو الذكاء الثاقب والفطنة الحادة مخدوعا طوال ‪ 23‬سنة [‬
‫‪ ]36‬يظن أنه يوحي إليه من عند الله و ما هو من عند الله؟!! إن‬
‫أى قارئ في سيرة النبي محمد ليلحظ بكل وضوح أنه كان‬
‫صادقا في دعوته وفي جهاده – أو على القل كان يظن ذلك –‬
‫فهل تظن أن رحمة الله وعدله وكرمه كانت تترك رجل بهذه‬
‫الخلق النبيلة و السجايا الكريمة والنوايا الصادقة التي شهد‬
‫عليها أعداؤه يُغرر به طوال هذه المدة؟؟ و لماذا لم يعلن هذا‬
‫الشخص عن ذاته –لو كان موجودا –ويعرفنا بنفسه أو ينسب هذا‬
‫القرآن لشخصه فينال بذلك عز الدنيا وشرف الدهر؟! ما الذي‬
‫جناه هذا الشخص لنفسه من دعوة الناس لليمان بالله و اليوم‬
‫الخر واللتزام بالخلق الفاضلة؟ ثم كيف يمكنه أن يضع شريعة‬
‫فذة ونظاما كامل للحياة شهد بروعته الفلسفة والمفكرون غير‬
‫المسلمين؟ هب أن هذا حدث أيمكنه أيضا أن ينصر هذه الدعوة‬
‫من محاولت وأدها المستمرة ويُمكِّن لهذا الدين في الرض إلى‬
‫يومنا هذا ويحفظ مصادره الساسية من الضياع على مدار‬
‫التاريخ؟ إن هذا مما تأباه العقول السليمة والفطر السوية‬
‫ما‬ ‫ما يَنبَغِي لَهُ ْ‬
‫م وَ َ‬ ‫ن‪ .‬وَ َ‬ ‫ت بِهِ ال َّ‬
‫ما تَنََّزل َ ْ‬
‫شيَاطِي ُ‬ ‫وصدق الله إذ يقول‪(:‬وَ َ‬

‫‪264‬‬
‫َ‬
‫إِلَها ً آ َ‬
‫خَر‬ ‫معَ الل ّهِ‬ ‫ن‪.‬فََل تَدْع ُ َ‬ ‫معُْزولُو َ‬ ‫مِع ل َ َ‬
‫س ْ‬‫ن ال َّ‬ ‫م عَ ِ‬ ‫ن‪ .‬إِنَّهُ ْ‬‫ستَطِيعُو َ‬ ‫يَ ْ‬
‫من ال ْ ُ َ‬ ‫فَتَكُو َ‬
‫ن)‬‫معَذ ّبِي َ‬ ‫ن ِ َ‬
‫والن لم يبق إل أن يكون وحيا من عند الله أوحاه إلى محمد‬
‫ليخرج الناس من الظلمات إلى النور عن طريق رسول كريم هو‬
‫َ‬
‫صدِيقَ ال ّذِي بَي ْ َ‬
‫ن‬ ‫حدِيثا ً يُفْتََرى وَلَـكِن ت َ ْ‬ ‫ن َ‬ ‫ما كَا َ‬ ‫جبريل عليه السلم( َ‬
‫ن) ولم يبق إل‬ ‫منُو َ‬ ‫ة ل ِّقَوْم ٍ يُؤ ْ ِ‬‫م ً‬ ‫ل َ‬ ‫ل ك ُ َّ‬ ‫صي َ‬
‫ح َ‬‫يءٍ وَهُدًى وََر ْ‬ ‫ش ْ‬ ‫يَدَيْهِ وَت َ ْف ِ‬
‫أن تقرأ آيات القرآن وكلم النبي بنفسك وتتدبرهما بعقلك وقلبك‬
‫وانظر هل يكون هذا إل تنزيل من لدن حكيم عليم؟‬
‫البشارة‬
‫َ‬ ‫ْ‬ ‫ً‬
‫مد‬‫ح َ‬
‫هأ ْ‬ ‫م ُ‬‫س ُ‬‫من بَعْدِي ا ْ‬ ‫ل يَأتِي ِ‬ ‫سو ٍ‬ ‫شرا بَِر ُ‬ ‫مب َ ّ ِ‬‫وَ ُ‬
‫بالرغم مما نال الكتب السابقة كالتوراة والنجيل من تحريف و‬
‫تبديل إل أن الله شاء أن تبقى البشارة بالنبي محمد إلى يومنا‬
‫هذا واضحة وضوح الشمس يراها كل من له عينان نذكرها إن‬
‫شاء الله لكي تطمئن بها قلوب و تبتهج بها أرواح‪ .‬أما في العهد‬
‫القديم فإننا نجد موسى عليه السلم يبشر بظهور نبي ورسول‬
‫مثله فعندما ينـزل موسى عن جبل الطور بعد ما كلمه ربه يقول‬
‫مخاطبا ً بني إسرائيل‪:‬‬
‫" قال لي الرب‪ :‬قد أحسنوا في ما تكلموا‪ .‬أقيم لهم نبيا ً من‬
‫وسط إخوتهم مثلك‪ ،‬وأجعل كلمي في فمه‪ ،‬فيكلمهم بكل ما‬
‫أوصيه به‪ ،‬ويكون أن النسان الذي ل يسمع لكلمي الذي يتكلم‬
‫به باسمي أنا أطالبه‪ ،‬وأما النبي الذي يطغى فيتكلم باسمي كلماً‬
‫لم أوصه أن يتكلم به‪ ،‬أو الذي يتكلم باسم آلهة أخرى‪ ،‬فيموت‬
‫ذلك النبي‪.‬‬
‫وإن قلت في قلبك‪ :‬كيف نعرف الكلم الذي لم يتكلم به الرب؟‬
‫صر‪ ،‬فهو الكلم‬ ‫فما تكلم به النبي باسم الرب ولم يحدث ولم ي ِ‬
‫الذي لم يتكلم به الرب‪ ،‬بل بطغيان تكلم به النبي‪ ،‬فل تخف منه‬
‫"(التثنية ‪.)22 – 17 / 18‬‬
‫والنص كما هو واضح يتحدث عن نبي عظيم يأتي بعد موسى‬
‫عليه السلم‪ ،‬ويذكر صفات هذا النبي‪ ،‬والتي نستطيع من خللها‬
‫معرفة من يكون‪.‬ويزعم النصارى أن هذا النبي قد جاء‪ ،‬وهو‬
‫عيسى عليه السلم‪،‬‬
‫لكن النص دال على نبينا صلى الله عليه وسلم‪ ،‬إذ ل دليل عند‬
‫النصارى على تخصيصه بالمسيح‪ ،‬إذ يذكر النص التوراتي أوصاف‬
‫هذا المبعوث المبشر به‪:‬‬
‫‪ ))1‬أنه نبي " أقيم لهم نبيا ً "‪ ،‬والنصارى يدعون للمسيح اللهية‪،‬‬
‫بل يدعي الرثوذكس أنه الله نفسه‪ ،‬فكيف يقول لهم‪ :‬أقيم نبياً‪،‬‬
‫ول يقول‪ :‬أقيم نفسي‪.‬‬

‫‪265‬‬
‫‪ ))2‬أنه من غير بني إسرائيل‪ ،‬بل هو من بين إخوتهم أي أبناء‬
‫عمومتهم "من وسط إخوتهم"‪ ،‬وعمومة بني إسرائيل هم بنو‬
‫عيسو بن إسحاق‪ ،‬وبنو إسماعيل بن إبراهيم‪.‬‬
‫ومن المعهود في التوراة إطلق لفظ " الخ " على ابن العم‪،‬‬
‫وعليه فهذا النبي يحتمل أن يكون من العرب تحقيقا ً للبركة‬
‫الموعودة في نسل إسماعيل‪ ،‬وقد يكون من بني عيسو بكر‬
‫إسحاق‪ .‬لكن أحدا ً من بني عيسو لم يدع أنه النبي المنتظر‪.‬‬
‫(‪ )3‬هذا النبي من خصائصه أنه مثل موسى الذي لم يقم في بني‬
‫إسرائيل نبي مثله‪ ،‬وفي التوراة السامرية ما يمنع صراحة قيام‬
‫مثل هذا النبي فقد جاء فيها‪ " :‬ول يقوم أيضا ً نبي في بني‬
‫إسرائيل كموسى الذي ناجاه الله"(التثنية ‪.)4/10‬‬
‫وهذه الخصلة‪ ،‬أي المثلية لموسى متحققة في نبينا صلى الله‬
‫عليه وسلم‪ ،‬ممتنعة في المسيح‪ ،‬حيث نرى الكثير من أمثلة‬
‫التشابه بين موسى ومحمد صلى الله عليه وسلم‪ ،‬والتي ل نجدها‬
‫في المسيح‪ ،‬من ذلك ميلدهما الطبيعي‪ ،‬وزواجهما‪ ،‬وكونهما‬
‫صاحبا شريعة‪ ،‬وكل منهما بعث بالسيف على عدوه‪ ،‬وكلهما قاد‬
‫أمته‪ ،‬وملك عليها‪ ،‬وكلهما بشر‪ ،‬بينما تزعم النصارى بأن المسيح‬
‫إله‪ ،‬وهذا ينقض كل مثل لو كان‪.‬‬
‫(‪ )4‬من صفات هذا النبي أنه أمي ل يقرأ ول يكتب‪ ،‬والوحي الذي‬
‫يأتيه وحي شفاهي‪ ،‬يغاير ما جاء النبياء قبله من صحف مكتوبة"‬
‫وأجعل كلمي في فمه"‪ ،‬وقد كان المسيح عليه السلم‬
‫قارئاً(انظر لوقا ‪.)18-4/16‬‬
‫(‪ )5‬أنه يتمكن من بلغ كامل دينه‪ ،‬فهو " يكلمهم بكل ما أوصيه‬
‫به "‪ .‬وهو وصف منطبق على محمد صلى الله عليه وسلم‪ ،‬فقد‬
‫كان من أواخر ما نزل من القرآن عليه صلى الله عليه وسلم‬
‫َ‬ ‫قوله تعالى‪(:‬الْيو َ‬
‫ت ع َلَيْك ُ ْ‬
‫م نِعْ َ‬
‫متِي‬ ‫م ُ‬
‫م ْ‬
‫م وَأت ْ َ‬ ‫ت لَك ُ ْ‬
‫م دِينَك ُ ْ‬ ‫مل ْ ُ‬
‫م أك ْ َ‬ ‫َ ْ َ‬
‫م دِيناً)‬ ‫سل َ َ‬ ‫ت لَك ُ ُ‬
‫م ال ِ ْ‬ ‫ضي ُ‬
‫وََر ِ‬
‫وقبيل وفاة موسى عليه السلم ساق خبرا ً مباركا ً لقومه بني‬
‫إسرائيل‪ ،‬فقد جاء في سفر التثنية‪" :‬هذه البركة التي بارك بها‬
‫موسى رجل الله بني إسرائيل قبل موته‪ ،‬فقال‪ :‬جاء الرب من‬
‫سيناء‪ ،‬وأشرق لهم من سعير‪ ،‬وتلل من جبل فاران‪ ،‬وأتى من‬
‫ربوات القدس‪ ،‬وعن يمينه نار شريعة‪("....‬التثنية ‪).3-33/1‬‬
‫وجبل فاران هو جبل بمكة ويؤيد ذلك ما تقوله التوراة عن‬
‫إسماعيل‪ " :‬كان الله مع الغلم فكبر‪.‬وسكن في البرية وكان‬
‫ينمو رامي قوس‪ ،‬وسكن في برية فاران‪ ،‬وأخذت له أمه زوجة‬
‫من أرض مصر "(التكوين ‪ ).)21-21/20‬فالمقصود إذن بتلل الرب‬

‫‪266‬‬
‫من جبل فاران هو بعثة النبي محمد من مكة ليكون إماما‬
‫للمؤمنين ورحمة للعالمين‬
‫أما في العهد الجديد فإننا نجد البشارة أيضا واضحة ففي متى‬
‫‪ 43:21‬قال المسيح لليهود‪(:‬أقول لكم‪ :‬إن ملكوت الله سينزع من‬
‫أيديكم ويسلم إلى شعب يؤدي ثمره‪ ).‬فمن يا ترى هذا الشعب؟‬
‫إن تلميذ المسيح كانوا من بني إسرائيل حتى بولس كان من بني‬
‫إسرائيل أيضا ولهذا ل يمكن تفسير كلم المسيح أن المقصود به‬
‫هم تلميذه‪ .‬ول يمكن أن يكون مقصود المسيح هم الوثنيون‬
‫الذين اعتنقوا مبادئ بولس وإل أي ثمرة هذه التي أداها الوثنيون‬
‫لمبادئ المسيح وأي ملكوت لله هذا الذي سلم للوثنيين؟ لم يبق‬
‫إذن إل أن يكون مقصود المسيح هم المسلمون الذين عظموا‬
‫المسيح وأمه ورفعوا راية التوحيد في الرض وحملوا لواء‬
‫العبودية لله رب العالمين‪ .‬وفي إنجيل يوحنا(‪ )21-1/19‬أرسل‬
‫اليهود من أورشليم بعض الكهنة واللويين يسألون يوحنا‪« :‬من‬
‫أنت؟» فاعترف ولم ينكر‪ ،‬بل أكد قائل‪« :‬لست أنا المسيح»‪.‬‬
‫فسألوه‪« :‬ماذا إذن؟ هل أنت إيليا؟» قال‪« :‬لست إياه!»؛ «أو‬
‫أنت النبي؟» فأجاب‪« :‬ل» نجد ذكرا لثلثة أشخاص هم إيليا‬
‫والمسيح والنبي‪ .‬فمن يا ترى يكون هذا النبي الذي كان اليهود‬
‫ينتظرونه غير النبي محمد؟ وفي موضع آخر من إنجيل يوحنا‬
‫حيث يبشر بمجيء النبي المنتظر يقول المسيح موصيا ً تلميذه‪" :‬‬
‫إن كنتم تحبونني فاحفظوا وصاياي‪ ،‬وأنا أطلب من الب‬
‫فيعطيكم معزيا ً آخر‪ ،‬ليمكث معكم إلى البد‪ ،‬روح الحق الذي ل‬
‫يستطيع العالم أن يقبله‪ ،‬لنه ل يراه ول يعرفه‪ ،‬وأما أنتم‬
‫فتعرفونه لنه ماكث معكم‪ ،‬ويكون فيكم‪ ...‬إن أحبني أحد يحفظ‬
‫كلمي‪ ،‬ويحبه أبي وإليه نأتي‪ ،‬وعنده نصنع منـزلً‪ .‬الذي ل يحبني‬
‫ل يحفظ كلمي‪ ،‬والكلم الذي تسمعونه ليس لي‪ ،‬بل للب الذي‬
‫أرسلني‪ ،‬بهذا كلمتكم وأنا عندكم‪ ،‬وأما المعزي الروح القدس‬
‫الذي سيرسله الب فهو يعلمكم كل شيء‪ ،‬ويذكركم بكل ما قلته‬
‫لك‪ ..‬قلت لكم الن قبل أن يكون‪ ،‬حتى متى كان تؤمنون "(يوحنا‬
‫‪.)30 – 14/15‬‬
‫وفي الصحاح الذي يليه يعظ المسيح تلميذه طالبا ً منهم حفظ‬
‫وصاياه‪ ،‬ثم يقول‪" :‬إن لي أمورا ً كثيرة أيضا ً لقول لكم‪ ،‬ولكن ل‬
‫تستطيعون أن تحتملوا الن‪ ،‬وأما متى جاء ذاك‪ ،‬روح الحق‪ ،‬فهو‬
‫يرشدكم إلى جميع الحق‪ ،‬لنه ل يتكلم من نفسه بل كل ما‬
‫يسمع يتكلم به‪ ،‬ويخبركم بأمور آتية‪ ،‬ذاك يمجدني لنه يأخذ مما‬
‫لي ويخبركم"(يوحنا ‪)-16/14(15/26‬‬

‫‪267‬‬
‫ونبينا محمد هو روح الحق الذي مكثت تعاليمه إلى البد وعلمنا‬
‫كل شيء وهو الذي مجد المسيح فنزهه مما نسبه إليه اليهود‬
‫ن الْهَوَى‪ .‬إ ِ ْ‬
‫ن‬ ‫ما يَنطِقُ ع َ ِ‬
‫من قبل نفسه ولكن( َ‬ ‫وهو الذي ل يتكلم‬
‫ْ‬ ‫َ‬ ‫ّ‬ ‫َ‬
‫ه َ‬
‫شدِيد ُ القُوَى)‪.‬‬ ‫م ُ‬
‫حى‪ .‬ع َل َ‬‫ي يُو َ‬ ‫هُوَ إ ِ ّل وَ ْ‬
‫ح ٌ‬
‫وليس المقصود بقوله‪ " :‬ل يستطيع العالم أن يقبله‪ ،‬لنه ل يراه‬
‫ول يعرفه‪ ،‬وأما أنتم فتعرفونه لنه ماكث معكم" الرؤية البصرية‬
‫والمعرفة الحسية‪ ،‬بل المعرفة اليمانية‪ .‬ومثله ما جاء في‬
‫يوحنا"أجاب يسوع‪ :‬لستم تعرفونني أنا‪ ،‬ول أبي‪ ،‬لو عرفتموني‬
‫لعرفتم أبي أيضاً"(يوحنا ‪(8/19‬ومثله في الناجيل كثير)‪.‬‬
‫و كلمة المعزي التي في الترجمة الحالية للنجيل هي ترجمة‬
‫خاطئة للكلمة اليونانية البارقليط الموجودة كما هي في تراجم‬
‫عالمية أخري والتي كانت موجودة حتى القرن التاسع عشر كما‬
‫هي في الترجمة العربية للنجيل مما يدل على أنها اسم علم‪.‬‬
‫وفي تفسير كلمة " بارقليط " اليوناني نقول‪ :‬إن هذا اللفظ‬
‫اليوناني الصل‪ ،‬ل يخلو من أحد حالين‪:‬‬
‫الول‪ :‬أنه "باراكلي توس"‪ .‬فيكون بمعنى‪ :‬المعزي والمعين‬
‫والوكيل‪.‬‬
‫والثاني‪ :‬أنه " بيروكلوتوس "‪ ،‬فيكون قريبا ً من معنى‪ :‬محمد‬
‫وأحمد‪.‬‬
‫ويقول أسقف بني سويف النبا أثناسيوس في تفسيره لنجيل‬
‫يوحنا " إن لفظ بارقليط إذا حرف نطقه قليل ً يصير "بيركليت"‪،‬‬
‫ومعناه‪ :‬الحمد أو الشكر‪ ،‬وهو قريب من لفظ أحمد"‪.‬‬
‫ويسأل عبد الوهاب النجار الدكتور كارلو نيلنو – الحاصل على‬
‫الدكتوراه في آداب اليهود اليونانية القديمة‪ -‬عن معنى كلمة "‬
‫بيركلوتس " فيقول‪ " :‬الذي له حمد كثير"‪.‬‬
‫ويرى عبد الحد داود أن تفسير الكنيسة للبارقليط بأنه " شخص‬
‫يدعى للمساعدة أو شفيع أو محام أو وسيط " غير صحيح‪ ،‬فإن‬
‫كلمة بارقليط اليونانية ل تفيد أيا ً من هذه المعاني‪ ،‬فالمعزي في‬
‫اليونانية يدعى(باركالوف أو باريجوريس)‪ ،‬والمحامي تعريب‬
‫للفظة(سانجرس)‪ ،‬وأما الوسيط أو الشفيع فتستعمل له لفظة "‬
‫ميديتيا "‪ ،‬وعليه فعزوف الكنيسة عن معنى الحمد إلى أي من‬
‫هذه المعاني إنما هو نوع من التحريف‪ .‬يقول الدكتور سميسون‬
‫في كتاب "الروح القدس أو قوة في العالي"‪" :‬السم المعزي‬
‫ليس ترجمة دقيقة جداً"‪ .‬بل إن أدوين جونس في كتابه " نشأة‬
‫الديانة المسيحية" يعترف بأن معنى البارقليط‪ :‬محمد‪ ،‬لكنه‬
‫يطمس اعترافه بكذبة ل تنطلي على أهل العلم والتحقيق‪،‬‬

‫‪268‬‬
‫فيقول بأن المسيحيين أدخلوا هذا السم في إنجيل يوحنا جهلً‬
‫منهم بعد ظهور السلم وتأثرهم بالثقافة الدينية للمسلمين‪.‬‬
‫ومما يؤكد أن لفظة روح الله دالة على النبياء أيضاً‪ ،‬ما جاء في‬
‫رسالة يوحنا الولى‪" :‬فل تؤمنوا أيها الحباء بكل روح من الرواح‪،‬‬
‫بل امتحنوا الرواح حتى تعلموا هل هي من عند الله أم ل؟ لن‬
‫كثيرين من النبياء الكذبة برزوا إلى هذا العالم "(يوحنا(‪،)2-4/1 )1‬‬
‫فالنبياء الصادقون هم روح الله‪ ،‬والنبياء الكذبة هم روح‬
‫الشيطان‪.‬‬
‫وبين يوحنا كيفية معرفة روح الحق من روح الضلل‪ ،‬فقال‪" :‬‬
‫بهذا تعرفون روح الله‪ :‬كل روح يعترف بيسوع المسيح أنه قد‬
‫جاء في الجسد فهو من الله‪ ،‬وكل روح ل يعترف بيسوع المسيح‬
‫أنه قد جاء في الجسد فليس من الله‪ ،‬وهذا هو روح ضد المسيح‬
‫الذي سمعتم أنه يأتي‪ ،‬والن هو في العالم"(يوحنا(‪).6 - 4/2 )1‬‬
‫ورسولنا هو روح الحق بدليل قول يوحنا‪ ،‬لنه يعترف بالمسيح أنه‬
‫رسول من عند الله‪ ،‬وأنه جسد‪ ،‬وأنه من الله كما سائر الناس‬
‫هم من الله أي الله خلقهم‪.‬أما تفسير الكنيسة للبارقليط بأنه‬
‫روح القدس بالمعنى الذي وضعته للقنوم فهو تفسير خاطئ‬
‫عقليًا لعدة أمور‪:‬‬
‫أولً‪ :‬أن نصوص العهد القديم صريحة في أن الروح القدس كان‬
‫موجودًا أثناء حياة المسيح والنبياء قبله يؤيدهم ويؤيد أتباعهم[‬
‫‪]37‬في حين أن النبوءة فيها " إذا لم أذهب فإنه ل يأتيكم "‪.‬‬
‫ثانيًا‪ :‬أن النصارى يعتقدون باتحاد أقنومي المسيح وروح القدس‬
‫فكيف يكونا متحدين ويرسل أحدهما الخر؟؟‬
‫ثالثًا‪ :‬قال المسيح عن البارقليط‬
‫يلزم من يقول هذا أن يخبرنا ما الذي قدمه هذا القنوم للعالم‬
‫خلل اللفي عام الماضية فمكث فيه للبد وذكرهم بكل ما قاله‬
‫المسيح ولم يستطع العالم أن يقبله وما هي النبوءات التي أخبر‬
‫بها مؤلفو العهد الجديد وحدثت بالفعل‪]38[ .‬‬
‫رابعًا‪ :‬قول المسيح عن البارقليط كل ما يسمع يتكلم به يدل‬
‫على أنه يتكلم في حين أن اعتقاد النصارى في الروح القدس أنه‬
‫ضا على أن كلمه ليس من عند نفسه و لكنه يبلغ‬ ‫يلهم و يدل أي ً‬
‫ما يسمعه في حين يعتقد النصارى أن الروح القدس إله مساو‬
‫لله فكيف يكون إلها ول يتكلم من عند نفسه؟‬
‫سا‪ :‬قوله قلت لكم قبل أن يكون حتى متى كان تؤمنون‬ ‫خام ً‬
‫يوحي بأن الذي يتحدث عنه المسيح لم يكن موجودًا أصل أثناء‬
‫الكلم في حين أن الروح القدس كان موجودًا و يوحي أيضا بأن‬
‫هذا الشخص الذي يتحدث عنه المسيح سوف تدعو الناس‬

‫‪269‬‬
‫لليمان بنفسه ولكن أكثر الناس لن يقبلوه لذا دعا المسيح‬
‫تلميذه لليمان به في حين أن تأثير الروح القدس الذي يدعيه‬
‫النصارى في إلهام كتبة الناجيل تأثير خفي ل يستلزم من أحد‬
‫اليمان بشيء محدد يترتب عليه ثواب وعقاب ويجعل المسيح‬
‫يركز عليه بهذه الطريقة‪.‬‬
‫وبذلك فإننا نرى في البارقليط النبوءة التي ذكرها القرآن‬
‫ُ َّ‬ ‫سَرائِي َ‬ ‫الكريم(وَإِذ ْ قَا َ‬
‫ه‬
‫سول الل ِ‬ ‫ل إِنِّي َر ُ‬ ‫م يَا بَنِي إ ِ ْ‬ ‫مْري َ َ‬ ‫ن َ‬ ‫سى اب ْ ُ‬ ‫عي َ‬ ‫ل ِ‬
‫ْ‬
‫من‬ ‫ل يَأتِي ِ‬ ‫سو ٍ‬ ‫شرا ً بَِر ُ‬ ‫مب َ ّ ِ‬ ‫ن التَّوَْراةِ وَ ُ‬ ‫م َ‬ ‫ن يَدَيَّ ِ‬ ‫ما بَي ْ َ‬ ‫صدِّقا ً ل ِّ َ‬ ‫م َ‬ ‫إِلَيْكُم ُّ‬
‫مدُ)‪.‬‬ ‫بعدي اسم َ‬
‫ح َ‬ ‫هأ ْ‬ ‫ْ ُ ُ‬ ‫َْ ِ‬
‫إلى الذين تهفو أرواحهم شوقا إلى نور الله‪ ..‬إلى الذين تساءلت‬
‫عقولهم كثيرا فلم يجدوا لهم آذانا صاغية ولم يجدوا جوابا شافيا‪..‬‬
‫إلى كل من اشتاق لن يعرف الحقيقة ناصعة البياض ل لبس فيها‬
‫ول غموض‪ ..‬ها قد آن الوان لذلك‬
‫السلم‬
‫ن‬
‫م َ‬ ‫خَرةِ ِ‬ ‫ه وَهُوَ فِي ال ِ‬ ‫من ْ ُ‬ ‫ل ِ‬ ‫سلَم ِ دِينا ً فَلَن يُقْب َ َ‬ ‫من يَبْتَِغ غَيَْر ال ِ ْ‬ ‫وَ َ‬
‫ن‬
‫سرِي َ‬ ‫خا ِ‬ ‫ال ْ َ‬
‫عندما سئل النبي صلى الله عليه وسلم ما السلم كان أول ما‬
‫قال‪(:‬أن تعبد الله ول تشرك به) وإذا نظرت في القاموس عن‬
‫معنى كلمة إسلم ستجد أن معناها الحرفي لها هو الذعان‬
‫والنقياد والستسلم‪ .‬ولما كان كل موصوف له من اسمه نصيب‬
‫فالسلم إذن يعني أن تُسلم الوجه والقلب والجوارح وجميع‬
‫أمورك لله رب العالمين فل تكون عبادتك وقصدك وتوجهك في‬
‫جميع تصرفاتك إل إلى إلـه واحد هو الله عز وجل وأن تنقاد‬
‫بجسدك وقلبك وروحك لمر الله ونهيه وأن تستسلم لحكمه‬
‫صلَتِي‬ ‫ن َ‬ ‫ل إ ِ َّ‬ ‫وتقف عند حدوده هذا باختصار هو السلم‪(.‬قُ ْ‬
‫ك‬ ‫ه وَبِذَل ِ َ‬ ‫ك لَ ُ‬ ‫شري َ‬ ‫ن‪ .‬ل َ َ ِ‬ ‫مي َ‬ ‫ب الْعَال َ ِ‬ ‫ماتِي لِلّهِ َر ِّ‬ ‫م َ‬ ‫حيَايَ َو َ‬ ‫م ْ‬ ‫سكِي وَ َ‬ ‫وَن ُ ُ‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬
‫ن)‬‫مي َ‬ ‫سل ِ ِ‬ ‫م ْ‬ ‫ل ال ْ ُ‬ ‫ت وَأنَا ْ أوَّ ُ‬ ‫مْر ُ‬ ‫أ ِ‬
‫واليمان بالله على النحو السابق يستلزم عدة أمور منها أن‬
‫تؤمن أن الله واحد في ذاته ل قسيم له ول ند له ول معبود بحق‬
‫سواه وأن تؤمن بربوبيته سبحانه فل شريك له أي أنه وحده هو‬
‫خالق السماوات والرض من العدم وأنه هو وحده الذي يملك‬
‫ل‬ ‫أمور جميع الخلئق من خلق ورزق وإماتة وإحياء قال تعالى(قُ ْ‬
‫من‬ ‫صاَر َو َ‬
‫َ‬
‫معَ والب ْ َ‬ ‫س ْ‬‫ك ال َّ‬ ‫مل ِ ُ‬ ‫من ي َ ْ‬ ‫ض أ َ َّ‬ ‫ِ‬ ‫ماءِ وَالَْر‬ ‫س َ‬ ‫ن ال َّ‬ ‫م َ‬ ‫من يَْرُزقُكُم ِّ‬ ‫َ‬
‫مَر‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫ْ‬ ‫ح َّ‬ ‫ْ‬
‫من يُدَب ُِّر ال ْ‬ ‫ي وَ َ‬ ‫ح ِّ‬
‫ن ال َ‬ ‫م َ‬ ‫ت ِ‬ ‫مي ّ َ‬ ‫ج ال َ‬ ‫خرِ ُ‬ ‫ت وَي ُ ْ‬ ‫مي ِّ ِ‬ ‫ن ال َ‬ ‫م َ‬ ‫ي ِ‬ ‫ج ال َ‬ ‫خرِ ُ‬ ‫يُ ْ‬
‫َ‬
‫ماذ َا‬ ‫حقُّ فَ َ‬ ‫م ال ْ َ‬‫ه َربُّك ُ ُ‬ ‫م الل ّ ُ‬ ‫ن‪ .‬فَذَلِك ُ ُ‬ ‫ل أفَل َ تَتَّقُو َ‬ ‫ه فَقُ ْ‬ ‫ن الل ّ ُ‬ ‫سيَقُولُو َ‬ ‫فَ َ‬
‫َ‬ ‫ق إِل َّ ال َّ‬
‫ن)‬ ‫صَرفُو َ‬ ‫ل فَأنَّى ت ُ ْ‬ ‫ضل َ ُ‬ ‫ح ِّ‬ ‫بَعْد َ ال ْ َ‬

‫‪270‬‬
‫و أن الله له السماء الحسنى والصفات العلى فل شبيه له(لَي ْ َ‬
‫س‬
‫صيُر)[‪ ]39‬وأنه منزه عن النقص‬ ‫ميعُ الب َ ِ‬ ‫س ِ‬ ‫يءٌ وَهُوَ ال َّ‬ ‫ْ‬ ‫ش‬ ‫مثْلِهِ َ‬ ‫كَ ِ‬
‫َ‬ ‫ل هُو الل َّ َ‬
‫م يَلِدْ‬ ‫مد ل َ ْ‬ ‫ص َ‬‫ه ال َّ‬ ‫حد ٌ الل ّ ُ‬ ‫هأ َ‬ ‫ُ‬ ‫الزوجة والولد(قُ ْ َ‬ ‫َ‬
‫والقصور و عن‬
‫َ‬ ‫ّ‬
‫د) وأنه ل يشبه أحدا من خلقه فهو‬ ‫ح ٌ‬ ‫ه كُفُوً أ َ‬ ‫م يَكُن ل ُ‬ ‫م يُولَد وَل َ ْ‬ ‫وَل َ ْ‬
‫فوق خلقه أجمعين محيط بهم بعلمه وسمعه وبصره وهو أقرب‬
‫إلى العبد من حبل الوريد له السلطان والقهر‪ ،‬والخلق والمر‬
‫ما‬
‫السماوات مطويات بيمينه‪ ،‬والخلئق مقهورون في قبضته(وَ َ‬
‫َْ‬ ‫ساوَا ِ َ‬ ‫شيءٍ فِي ال َّ‬ ‫َ‬
‫ض) وهو أول‬ ‫ت وَل فِي الْر ِ‬ ‫من َ ْ‬ ‫جَزه ُ ِ‬ ‫ه لِيُعْ ِ‬‫ن الل ّ ُ‬
‫كَا َ‬
‫خر ليس بعده شيء فل يفني ول يموت ول‬ ‫ليس قبله شيء وآ ِ‬
‫سنة ول نوم و ل يحدث أمر في هذا الكون إل بقضائه‬ ‫تأخذه ِ‬
‫وقدره‪ ،‬وحكمته ومشيئته‪ .‬فما شاء كان‪ ،‬وما لم يشأ لم يكن ل‬
‫يخرج عن مشيئته لفتة ناظر‪ ،‬ول فلتة خاطر بل هو المبدئ‬
‫م‬
‫حكِي ُ‬ ‫عبَادِهِ وَهُوَ ال ْ َ‬ ‫المعيد‪ ،‬الفعال لما يريد(وَهُوَ الْقَاهُِر فَوْقَ ِ‬
‫خبِيُر) ل راد لمره‪ ،‬ول معقب لحكمه ول مهرب لعبد عن‬ ‫ال ْ َ‬
‫معصيته‪ ،‬إل بتوفيقه ورحمته ول قوة له على طاعته‪ ،‬إل بمشيئته‬
‫وإرادته فلو اجتمع النس والجن‪ ،‬والملئكة والشياطين على أن‬
‫يحركوا في العالم ذرة أو يسكنوها دون إرادته ومشيئته‪ ،‬لعجزوا‬
‫يءٍ فَاع ْبُدُو ُ‬
‫ه‬ ‫ش ْ‬ ‫ل َ‬ ‫خالِقُ ك ُ ِّ‬ ‫ه إِل َّ هُوَ َ‬ ‫م ل إِلَـ َ‬ ‫ه َربُّك ُ ْ‬ ‫م الل ّ ُ‬ ‫عن ذلك‪(.‬ذَلِك ُ ُ‬
‫صاَر‬ ‫ل‪ .‬ل ّ تُدْرك ُه الَب ْصار وهُو يُدْر ُ َ‬ ‫َ‬ ‫يءٍ وَكِي ٌ‬ ‫ل َ‬ ‫وَهُوَ ع َلَى ك ُ ِّ‬
‫ك الب ْ َ‬ ‫ِ‬ ‫َ ُ َ َ‬ ‫ِ ُ‬ ‫ش ْ‬ ‫َ‬
‫خبِيُر)‪.‬لذا فهو وحده المستحق للعبادة‪.‬‬ ‫ف ال ْ َ‬ ‫وَهُوَ الل ّطِي ُ‬
‫والعبادة‪ :‬هي اسم جامع لكل ما يحبه الله من أعمال القلوب‬
‫والجوارح –فل يستعان إل به ول يُتوكل إل عليه ول يُخاف إل منه‬
‫ول يرجى إل إياه هذا هو التوحيد الذي دعا إليه جميع النبياء فكان‬
‫َ‬
‫ن إِلَـهٍ غَيُْرهُ) واليمان‬ ‫م ْ‬ ‫ما لَكُم ِّ‬ ‫ه َ‬ ‫كل منهم يقول لقومه(اع ْبُدُوا ْ الل ّ َ‬
‫بالله يستلزم من العبد أن يؤمن بجميع رسله من لدن آدم حتى‬
‫محمد – صلى الله عليه وسلم – وهو خاتمهم وأفضلهم وبالكتب‬
‫المنزلة على هذه الرسل مثل التوراة والنجيل والقرآن وأن‬
‫ن)‬ ‫مي َ‬ ‫ب الْعَال َ ِ‬ ‫س لَِر ِّ‬ ‫م النَّا ُ‬ ‫م يَقُو ُ‬
‫تؤمن بملئكة الله و اليوم الخر(يَوْ َ‬
‫حين يجمع الله الناس ثم يحاسبهم و يدخل المؤمنين الجنة ‪-‬دار‬
‫كرامته ويعذ َب الكافرون في النار‪ .‬وللسلم أركان ل يتم إل بها‬
‫هي شهادة أل إله إل الله وأن محمدا رسول الله وإقام الصلة‬
‫وإيتاء الزكاة وصوم رمضان وحج البيت لمن استطاع إليه سبيل‪.‬‬
‫هذا هو السلم عقيدة صافية نقية ل تعقيد فيها ول ألغاز ول‬
‫أسرار يستأثر بها البعض دون البعض‪ .‬دين ل يتعارض مع الفطرة‬
‫البشرية‪ .‬دين يجعل مسئولية النسان أمام الله وحده ويجعل كل‬
‫إنسان مسئول عن عمله وحده فل تزر وازرة وزر أخرى‪ .‬دين ل‬
‫يجعل بين الله والنسان وساطة ول تباع فيه صكوك غفران ول‬

‫‪271‬‬
‫يملك أحد ‪ -‬حتى النبي نفسه ‪ -‬أن يغفر لحد أو يدخله الجنة بل‬
‫يجعل علقة النسان بربه علقة مباشرة‪ .‬دين جعل قلب النسان‬
‫معلقا بربه ل بصورة ول تمثال ول قطعة خشب أو حديد على أى‬
‫شكل كانت‪ .‬دين ل طبقية فيه ول أفضلية لحد دون أحد إل‬
‫بالتقوى والعمل الصالح قال رسول الله لبنته فاطمة‪(:‬يا فاطمة‬
‫بنت محمد سليني من مالي ما شئت ل أغني عنك من الله شيئًا)‪.‬‬
‫دين ل يفرق في حدوده بين وزير و غفير قال رسول الله‪( :‬وأيم‬
‫الله لو أن فاطمة بنت محمد سرقت لقطعت يدها)‪ .‬دين يحترم‬
‫عقل النسان ول يحجر على تفكيره بل دعا إلى التفكير والنظر‬
‫والتدبر في آيات الله المتلوة والمبثوثة في كونه[‪ .]40‬دين ل‬
‫يتعارض مع مستجدات العلم و مطالب الحياة مهما تقدمت‬
‫بالنسان العهود‪ .‬دين وضع أفضل منهج للتعامل مع غرائز‬
‫النسان فل رهبانية معقدة [‪ ]41‬ول إباحية منحلة ولكن منهج‬
‫وسط يعترف بحاجات النسان و يوفر له أطهر السبل لشباعها‪.‬‬
‫دين لم تقم فيه سلطة مقدسة تحكم باسم الله زاعمة أن حقها‬
‫في الحكم والتشريع مستمد من قرابتها أو تفويضها من الله ولم‬
‫تظهر فيه كنيسة تستذل رقاب الناس بوصفها الممثلة لبن الله;‬
‫المستمدة لسلطانها من سلطان البن أو سلطان القنوم‪]42[.‬‬
‫دين عّرف النسان بنفسه ومكانه في هذا الكون وحرره من‬
‫عبوديته لذاته أو لبشر مثله و أخبره بالغاية من وجوده في هذه‬
‫َ‬
‫س إ ِ ّل لِيَعْبُدُون)‪ .‬جعل السلم‬
‫ن وَاْلِن َ‬ ‫ت ال ْ ِ‬
‫ج َّ‬ ‫خلَقْ ُ‬
‫ما َ‬
‫وهي(و َ‬
‫َ‬ ‫الحياة‬
‫حياة النسان كلها تصب في هذه الغاية فصار لها معنى وصارت‬
‫كل حركة من حركات النسان يبتغي بها وجه الله حتى اللقمة‬
‫يضعها الرجل في فم زوجته يثاب عليها من الله‪ .‬السلم ليس‬
‫مجرد شعائر منفصلة عن الحياة تؤدي في دور العبادة ولكنه‬
‫منهج متكامل للحياة جاء ليتولى قيادة الحياة البشرية وتنظيمها‬
‫وتوجيهها وصيانتها فما ترك جانبا من جوانب الحياة إل تناوله‬
‫بالرعاية والصلح‪ .‬السلم لم يغفل غرائز النسان أو يتجاهلها‬
‫شـدها [‪ .]43‬السلم هو الدين الذي أنشأ من‬ ‫ولكنه يعترف بها وير ّ‬
‫ظلمات الجاهلية في غضون مائتي عاما حضارة أذهلت العالم و‬
‫صارت مؤلفاتها هي المورد العلمي الول لجامعات أوروبا في‬
‫حين أن النصرانية احتاجت إلى نحو من ألف وخمسمائة سنة‬
‫لكي تنشئ ما يمكن أن يدعى حضارة مسيحية!![‪ ]44‬والسلم هو‬
‫الدين الذي يقف اليوم في مواجهة جميع أديان العالم التي‬
‫توحدت ضده مما يدل على أنه هو الحق إذ أن الباطل يتعدد‬
‫والحق ل يتعدد‪ .‬وهو الدين الوحيد الذي يضع أنبياء الله في‬
‫أسمى مكانة وأرفع منزلة و يجعلهم معصومين من الزلل و‬

‫‪272‬‬
‫المعاصي‪ .‬وهو الدين الذي صلته هي أجمل الصلوات وأخشعها‬
‫يقف فيها الغني بجوار الفقير في صفوف منتظمة‪ ..‬الكل‬
‫سواسية يناجون ربهم ويسألونه وحده المغفرة بل غناء ول‬
‫موسيقى ول تصفيق‪ ]45[.‬دين متميز حتى في ندائه للصلة‬
‫بالذان‪ .‬فالذان له معنى ويحوى ركائز العقيدة وليس مجرد‬
‫صلصة أجراس أو ضجيج أبواق‪ .‬دين جعل نظافة البدن وطهارة‬
‫النسان شعيرة من شعائره التي ل تجد لها مثيل في غيره‪ .‬دين‬
‫ل يحتاج أتباعه لجراء تغييرات وتعديلت فيه كلما جد عليهم جديد‬
‫لن شريعته منزلة من عند الله العليم الحكيم الذي يعلم كل‬
‫شيء وأثبت التاريخ و التجارب البشرية أنها الوحيدة الصالحة‬
‫لقيادة ركب الحياة في كل زمان ومكان‪ .‬وهو الدين الذي نقلت‬
‫إلينا تصرفات نبيه وأقواله وأفعاله وحركاته وسكناته كاملة‬
‫ووجدناها مثال للخلق الفاضل المستقيم وهو الذي ظل كتابه‬
‫محفوظا بحفظ الله منذ نزل إلى اليوم فتجد الية التي تطبع‬
‫اليوم في أحدث المصاحف هي نفسها التي كانت مكتوبة على‬
‫الجريد أيام الرسول والية التي يتلوها المسلم المريكي هي‬
‫َ‬
‫ن‪ .‬ألَي ْ َ‬
‫س‬ ‫دّي ِ‬‫ك بَعْد ُ بِال ِ‬ ‫ما يُكَذِّب ُ َ‬ ‫نفسها التي يتلوها المسلم الصيني‪(.‬فَ َ‬
‫الل َّ َ‬
‫ن)[‪]46‬‬ ‫مي َ‬ ‫حاك ِ ِ‬ ‫حكَم ِ ال ْ َ‬ ‫ه بِأ ْ‬ ‫ُ‬
‫المسيح عليه السلم‬
‫من‬ ‫ه َربِّي وََربَّك ُم إن َّه‬ ‫ل اع ْبُدُوا ْ الل ّ َ‬ ‫سَرائِي َ‬ ‫ح يَا بَنِي إ ِ ْ‬ ‫سي ُ‬ ‫م ِ‬ ‫ل ال ْ َ‬ ‫وَقَا َ‬
‫ْ ِ ُ َ َّ‬ ‫ْ‬
‫ن‬‫مي َ‬ ‫ما لِلظال ِ ِ‬ ‫مأوَاه ُ النَّاُر وَ َ‬ ‫ة َو َ‬ ‫جن َّ َ‬‫ه ع َلَيهِ ال ْ َ‬ ‫م الل ّ ُ‬ ‫حَّر َ‬ ‫ك بِاللّهِ فَقَد ْ َ‬ ‫شرِ ْ‬ ‫يُ ْ‬
‫صار‪.‬‬ ‫َ‬
‫ن أن َ‬ ‫م ْ‬ ‫ِ‬
‫يتبوأ المسيح عيسى بن مريم وأمه عليهما السلم مكانة سامية‬
‫في السلم فالمسيح هو كلمة الله و روح منه ألقاها إلى مريم‬
‫عليهما السلم وهو بشر كما أن الرسل جميعا من البشر وهو‬
‫رسول من أولي العزم من الرسل [‪ ]47‬وهم أفضل الرسل جميعًا‬
‫وذ ًكر في القرآن أكثر من ‪ 25‬مرة وأمه مريم بنت عمران من‬
‫أفضل نساء العالمين لم تُذكر امرأة باسمها في القرآن غيرها‪.‬‬
‫قال تعالى في سورة آل عمران‪:‬‬
‫صطَفَا ِ‬
‫ك‬ ‫ك وَا ْ‬ ‫ك وَطَهََّر ِ‬ ‫صطَفَا ِ‬ ‫ها ْ‬ ‫ن الل ّ َ‬ ‫م إ ِ َّ‬ ‫مْري َ ُ‬ ‫ة يَا َ‬ ‫ملَئِك َ ُ‬ ‫ت ال ْ َ‬ ‫(وَإِذ ْ قَال َ ِ‬
‫جدِي وَاْركَعِي‬ ‫س ُ‬‫ك وَا ْ‬ ‫م اقْنُتِي لَِرب ِّ ِ‬ ‫مْري َ ُ‬ ‫ن {‪ }42‬يَا َ‬ ‫مي َ‬ ‫ساء الْعَال َ ِ‬ ‫ع َلَى ن ِ َ‬
‫حيهِ إِلَي َ‬ ‫كم َ‬
‫ما كُن َ‬
‫ت‬ ‫ك وَ َ‬ ‫ب نُو ِ‬ ‫ن أنبَاء الْغَي ْ ِ‬ ‫ن {‪ }43‬ذَل ِ َ ِ ْ‬ ‫معَ الَّراكِعِي َ‬ ‫َ‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫م إِذْ‬ ‫ت لَدَيْهِ ْ‬ ‫ما كُن َ‬ ‫م وَ َ‬ ‫مْري َ َ‬ ‫ل َ‬ ‫م يَكْفُ ُ‬ ‫م أيُّهُ ْ‬ ‫مهُ ْ‬‫م إِذ ْ يُلْقُون أقْل َ َ‬ ‫لَدَيْهِ ْ‬
‫مةٍ‬‫ك بِكَل ِ َ‬ ‫شُر ِ‬ ‫ه يُب َ ّ ِ‬ ‫ن الل ّ َ‬ ‫م إ ِ َّ‬ ‫مْري َ ُ‬ ‫ة يَا َ‬ ‫ملئِك َ ُ‬ ‫ت ال ْ َ‬ ‫ن {‪ }44‬إِذ ْ قَال َ ِ‬ ‫مو َ‬ ‫ص ُ‬ ‫خت َ ِ‬ ‫يَ ْ‬
‫خَرةِ‬ ‫جيها ً فِي الدُّنْيَا وَال ِ‬ ‫م وَ ِ‬ ‫مْري َ َ‬ ‫ن َ‬ ‫سى اب ْ ُ‬ ‫عي َ‬ ‫ح ِ‬ ‫سي ُ‬ ‫م ِ‬ ‫ه ال ْ َ‬‫م ُ‬ ‫س ُ‬ ‫ها ْ‬ ‫من ْ ُ‬ ‫ِّ‬
‫ن‬
‫م َ‬ ‫مهْد ِ وَكَهْل ً َو ِ‬ ‫س فِي ال ْ َ‬ ‫م النَّا َ‬ ‫ن {‪ }45‬وَيُكَل ِّ ُ‬ ‫مقََّربِي َ‬ ‫ن ال ْ ُ‬ ‫م َ‬ ‫وَ ِ‬
‫َ‬
‫شٌر‬ ‫سنِي ب َ َ‬ ‫س ْ‬ ‫م َ‬ ‫م يَ ْ‬ ‫ن لِي وَلَد ٌ وَل َ ْ‬ ‫ب أنَّى يَكُو ُ‬ ‫ت َر ِّ‬ ‫ن {‪ }46‬قَال َ ْ‬ ‫حي َ‬ ‫صال ِ ِ‬ ‫ال َّ‬

‫‪273‬‬
‫َ‬
‫ه كُن‬ ‫ما يَقُولُل َ ُ‬ ‫مرا ً إِن َّ َ‬ ‫ضى أ ْ‬ ‫شاءُ إِذ َا قَ َ‬ ‫ما ي َ َ‬ ‫خلُقُ َ‬ ‫ه يَ ْ‬ ‫ك الل ّ ُ‬ ‫ل كَذَل ِ ِ‬ ‫قَا َ‬
‫ل) {‪.)}48‬‬ ‫جي َ‬ ‫ة وَالتَّوَْراة َ وَالِن ِ‬ ‫م َ‬ ‫حك ْ َ‬ ‫ب وَال ْ ِ‬ ‫ه الْكِتَا َ‬ ‫م ُ‬ ‫ن {‪ }47‬وَيُعَل ِّ ُ‬ ‫فَيَكُو ُ‬
‫وقد كانت حياة المسيح مليئة بالمعجزات من لحظة ولدته حتى‬
‫رفعه إلى السماء فقد كانت ولدته معجزة إلهية جعلها الله آية‬
‫للعالمين حيث ولد من غير أب و قد وصف الله أحداث ولدته في‬
‫سورة مريم [‪]48‬فقال تعالى‪:‬‬
‫ً‬ ‫مكَانا َ‬ ‫ً‬ ‫َ‬ ‫(وَاذ ْكُْر فِي الْكِتَا‬
‫شْرقِيّا {‪}16‬‬ ‫ن أهْلِهَا َ‬ ‫م ْ‬ ‫ت ِ‬ ‫م إِذ ِ انتَبَذ َ ْ‬ ‫مْري َ َ‬ ‫ب َ‬ ‫ِ‬
‫شراً‬ ‫ل ل َ َها ب َ َ‬ ‫مث َّ َ‬ ‫َ‬
‫حنَا فَت َ َ‬ ‫سلْنَا إِلَيْهَا ُرو َ‬ ‫جابا ً فَأْر َ‬ ‫ح َ‬ ‫م ِ‬ ‫من دُونِهِ ْ‬ ‫ت ِ‬ ‫خذ َ ْ‬ ‫فَات َّ َ‬
‫ت تَقِيّا ً {‪ }18‬قَا َ‬ ‫َ‬
‫ل‬ ‫ك إِن كُن َ‬ ‫من َ‬ ‫من ِ‬ ‫ح َ‬ ‫ت إِنِّي أع ُوذ ُ بِالَّر ْ‬ ‫سوِيّا ً {‪ }17‬قَال َ ْ‬ ‫َ‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫ن لِي‬ ‫ت أن ّى يَكُو ُ‬ ‫ك غ ُلما َزكِيّا {‪ }19‬قَال ْ‬ ‫بل ِ‬ ‫ك ِلهَ َ‬ ‫ل َرب ِّ ِ‬ ‫سو ُ‬ ‫ما أنَا َر ُ‬ ‫إِن َّ َ‬
‫ل َرب ُّ ِ‬
‫ك‬ ‫ك قَا َ‬ ‫ل كَذَل ِ ِ‬ ‫ك بَغِيّا ً {‪ }20‬قَا َ‬ ‫م أَ ُ‬ ‫شٌر وَل َ ْ‬ ‫سنِي ب َ َ‬ ‫س ْ‬ ‫م َ‬ ‫م يَ ْ‬ ‫م وَل َ ْ‬ ‫غَُل ٌ‬
‫ضيّا ً {‬ ‫مرا ً َّ‬ ‫ة منَا وكَا َ‬ ‫ه آي َ ً َ‬
‫م ْق ِ‬ ‫نأ ْ‬ ‫م ً ِّ ّ َ َ‬ ‫ح َ‬ ‫س وََر ْ‬ ‫ة لِلن ّا ِ‬ ‫جعَل َ ُ‬ ‫ن وَلِن َ ْ‬ ‫ي هَي ِّ ٌ‬ ‫هُوَ ع َل َ َّ‬
‫ض إِلَى‬ ‫َ‬
‫خا ُ‬ ‫م َ‬ ‫جاءهَا ال ْ َ‬ ‫صيّا ً {‪ }22‬فَأ َ‬ ‫مكَانا ً قَ ِ‬ ‫ت بِهِ َ‬ ‫ه فَانتَبَذ َ ْ‬ ‫ملَت ْ ُ‬ ‫ح َ‬ ‫‪ }21‬فَ َ‬
‫سيّا ً {‪}23‬‬ ‫من ِ‬ ‫سيا ً َّ‬ ‫ت نَ ْ‬ ‫ل هَذ َا وَكُن ُ‬ ‫ت قَب ْ َ‬ ‫م ُّ‬ ‫ت يَا لَيْتَنِي ِ‬ ‫خلَةِ قَال َ ْ‬ ‫جذِْع الن َّ ْ‬ ‫ِ‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫سرِيّا ً {‪ }24‬وَهُّزِي‬ ‫ك َ‬ ‫حت َ ِ‬ ‫ك تَ ْ‬ ‫ل َرب ُّ ِ‬ ‫جعَ َ‬ ‫حَزنِي قَد ْ َ‬ ‫حتِهَا أ ّل ت َ ْ‬ ‫من ت َ ْ‬ ‫فَنَادَاهَا ِ‬
‫شَربِي‬ ‫جنِيّا ً {‪ }25‬فَكُلِي وَا ْ‬ ‫ك ُرطَبا ً َ‬ ‫ط ع َلَي ْ ِ‬ ‫ساقِ ْ‬ ‫خلَةِ ت ُ َ‬ ‫جذِْع الن َّ ْ‬ ‫ك بِ ِ‬ ‫إِلَي ْ ِ‬
‫ن من الْب َ َ‬
‫ن‬‫م ِ‬ ‫ح َ‬ ‫ت لِلَّر ْ‬ ‫حدا ً فَقُولِي إِنِّي نَذَْر ُ‬ ‫شرِ أ َ‬ ‫ما تََري ِ َّ ِ َ َ‬ ‫وَقَّرِي ع َيْنا ً فَإ ِ َّ‬
‫ه قَالُوا يَا‬ ‫َ‬ ‫صوا ً فَل َ ُ‬
‫مل ُ ُ‬ ‫ح ِ‬ ‫مهَا ت َ ْ‬ ‫و َ‬ ‫ت بِهِ قَ ْ‬ ‫سيّا ً {‪ }26‬فَأت َ ْ‬ ‫م إِن ِ‬ ‫م الْيَوْ َ‬ ‫ن أكَل ِّ َ‬ ‫ْ‬ ‫َ ْ‬
‫خت هَارون ما كَان أَبوك امرأَ‬ ‫شيئا ً فَريا ً {‪ }27‬يا أ ُْ‬ ‫َ‬
‫َ ُ ِ ْ َ‬ ‫ُ َ َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ِّ‬ ‫ت َ ْ‬ ‫جئ ْ ِ‬ ‫م لقَد ْ ِ‬ ‫مْري َ ُ‬ ‫َ‬
‫ّ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ً‬ ‫ُ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬
‫من‬ ‫م َ‬ ‫ف نُكل ِ ُ‬ ‫ت إِليْهِ قَالوا كي ْ َ‬ ‫شاَر ْ‬ ‫ك بَغِيّا {‪ }28‬فَأ َ‬ ‫م ِ‬ ‫تأ ّ‬ ‫ما كان َ ْ‬ ‫سوْءٍ وَ َ‬ ‫َ‬
‫َ‬
‫جعَلَنِي‬ ‫ب وَ َ‬ ‫ي الْكِتَا َ‬ ‫ل إِنِّي ع َبْد ُ الل ّهِ آتَان ِ َ‬ ‫صبِيّا ً {‪ }29‬قَا َ‬ ‫مهْدِ َ‬ ‫ن فِي ال ْ َ‬ ‫كَا َ‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫ما‬‫صَلةِ وَالَّزكَاةِ َ‬ ‫صانِي بِال َّ‬ ‫ت وَأوْ َ‬ ‫ما كُن ُ‬ ‫ن َ‬ ‫مبَاَركا ً أي ْ َ‬ ‫جعَلَنِي ُ‬ ‫نَبِيّا ً {‪ }30‬وَ َ‬
‫شقِيّا ً {‪}32‬‬ ‫جبَّارا ً َ‬ ‫جعَلْنِي َ‬ ‫م يَ ْ‬ ‫حيّا ً {‪ }31‬وَبَّرا ً بِوَالِدَتِي وَل َ ْ‬ ‫ت َ‬ ‫م ُ‬ ‫دُ ْ‬
‫حيّا ً {‪ }33‬ذَل ِ َ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫م ع َل َ َّ‬
‫ك‬ ‫ث َ‬ ‫م أبْعَ ُ‬ ‫ت َويَوْ َ‬ ‫مو ُ‬ ‫مأ ُ‬ ‫ت وَيَوْ َ‬ ‫م وُلِد ُّ‬ ‫ي يَوْ َ‬ ‫سَل ُ‬ ‫وَال َّ‬
‫ق‬
‫ّ‬ ‫ِ‬ ‫ل ال ْ َ‬
‫ح‬ ‫م قَوْ َ‬ ‫مْري َ َ‬ ‫ن َ‬ ‫سى اب ْ ُ‬ ‫عي َ‬ ‫ِ‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫ه إِذ َا‬ ‫حان َ ُ‬ ‫سب ْ َ‬ ‫من وَلَد ٍ ُ‬ ‫خذ َ ِ‬ ‫ن لِل ّهِ أن يَت َّ ِ‬ ‫ما كَا َ‬ ‫ن {‪َ }34‬‬ ‫متَُرو َ‬ ‫ال ّذِي فِيهِ ي َ ْ‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫م‬ ‫ه َربِّي وََربُّك ُ ْ‬ ‫ن الل ّ َ‬ ‫ن {‪ }35‬وَإ ِ َّ‬ ‫ه كُن فَيَكُو ُ‬ ‫ل لَ ُ‬ ‫ما يَقُو ُ‬ ‫مرا ً فَإِن َّ َ‬ ‫ضى أ ْ‬ ‫قَ َ‬
‫م‬
‫من بَيْنِهِ ْ‬ ‫ب ِ‬ ‫حَزا ُ‬ ‫ف اْل َ ْ‬ ‫ختَل َ َ‬ ‫م {‪ }36‬فَا ْ‬ ‫ستَقِي ٌ‬ ‫م ْ‬ ‫ط ُّ‬ ‫صَرا ٌ‬ ‫فَاع ْبُدُوه ُ هَذ َا ِ‬
‫َ ٌ َ‬
‫شهَد ِ يَوْم ٍ عَظِيم)‬ ‫م ْ‬ ‫من َّ‬ ‫ن كَفَُروا ِ‬ ‫ل ل ِّل ّذِي َ‬ ‫فوَي ْ‬
‫ثم أمده الله بالمعجزات الدالة على نبوته كما أمد الرسل من‬
‫سولً‬ ‫قبله بالمعجزات‪ .‬قال تعالى حاكيا عن عيسى بن مريم‪(:‬وََر ُ‬
‫ن‬
‫م َ‬ ‫خلُقُ لَكُم ِّ‬ ‫م أَنِّي أ َ ْ‬ ‫من َّربِّك ُ ْ‬ ‫جئْتُكُم بِآيَةٍ ِّ‬ ‫ل أنِّي قَد ْ ِ‬
‫إلَى بنِي إسرائِي َ َ‬
‫ِ ْ َ‬ ‫َ‬ ‫ِ‬
‫ن اللّهِ وَأبْرِئُ‬ ‫ُ‬ ‫ْ‬ ‫ً‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ّ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ّ‬
‫ْ ِِ ِ‬ ‫ذ‬ ‫إ‬ ‫ب‬ ‫را‬ ‫ي‬ ‫ط‬ ‫ن‬‫ُ‬ ‫و‬ ‫ك‬ ‫ي‬
‫ِ ِ َ‬ ‫ف‬ ‫ه‬ ‫ي‬ ‫ف‬ ‫خ‬ ‫ف‬
‫ُ‬ ‫ن‬ ‫أ‬ ‫ف‬ ‫ر‬
‫ْ ُِ‬ ‫ي‬ ‫الط‬ ‫ة‬
‫ِ ِ َْ ِ‬ ‫ئ‬ ‫ي‬ ‫ه‬ ‫ك‬ ‫ن‬ ‫ي‬ ‫الط‬
‫ُ‬ ‫ُ‬ ‫ْ‬ ‫ُ‬ ‫ُ‬ ‫ّ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬
‫ما‬ ‫ن وَ َ‬ ‫ما تَأكلو َ‬ ‫ن َاللهِ وَأنَب ِّئُكم ب ِ َ‬ ‫موْتَى بِإِذ ْ ِ‬ ‫حيِـي ال َ‬ ‫ص وَأ ْ‬ ‫ه والبَْر َ‬ ‫م َ‬ ‫الك ْ َ‬
‫ن {‪}49‬‬ ‫منِي َ‬ ‫مؤْ ِ‬
‫ّ َّ‬
‫م إِن كُنتُم ُ‬ ‫ة ل ّك ُ ْ‬ ‫ك لي َ ً‬ ‫ن فِي ذَل ِ َ‬ ‫م إ ِ َّ‬ ‫ن فِي بُيُوتِك ُ ْ‬ ‫خُرو َ‬ ‫تَد َّ ِ‬
‫م‬
‫حّرِ َ‬ ‫ض الذِي ُ‬ ‫ل لَكُم بَعْ َ‬
‫ح َّ‬ ‫ن التَّوَْراةِ وَِل ُ ِ‬ ‫م َ‬ ‫ن يَدَيَّ ِ‬ ‫ما بَي ْ َ‬ ‫دّقا ً ل ِّ َ‬ ‫ص ِ‬ ‫م َ‬ ‫وَ ُ‬

‫‪274‬‬
‫َ‬
‫ن الل ّ َ‬
‫ه‬ ‫ن {‪ }50‬إ ِ َّ‬ ‫ه وَأطِيعُو ِ‬ ‫م فَاتَّقُوا ْ الل ّ َ‬ ‫من َّربِّك ُ ْ‬ ‫ة ِّ‬ ‫جئْتُكُم بِآي َ ٍ‬ ‫م وَ ِ‬ ‫ع َلَيْك ُ ْ‬
‫م)‬‫ستَقِي ٌ‬ ‫م ْ‬ ‫ط ُّ‬ ‫صَرا ٌ‬ ‫م فَاع ْبُدُوه ُ هَـذ َا ِ‬ ‫َرب ِّي وََربُّك ُ ْ‬
‫ثم يذكر الله ختام قصة عيسى مع بني إسرائيل عندما كذبوه و‬
‫صارِي إِلَى‬ ‫لم َ‬ ‫كفروا به‪ (:‬فَل َ َ َ‬
‫ن أن ََ‬ ‫م الْكُفَْر قَا َ َ ْ‬ ‫منْهُ ُ‬ ‫سى ِ‬ ‫عي َ‬ ‫س ِ‬ ‫ح َّ‬ ‫ما أ َ‬ ‫ّ‬
‫شهَد ْ بِأن ّاَ‬ ‫ّ‬ ‫َ‬ ‫ّ‬ ‫َ‬
‫من ّا بِاللهِ وَا ْ‬ ‫صاُر اللهِ آ َ‬ ‫ن أن َ‬ ‫ح ُ‬ ‫ن نَ ْ‬ ‫حوَارِي ّو َ‬‫ُ‬ ‫ل ال ْ َ‬ ‫اللّهِ قَا َ‬
‫َ‬
‫معَ‬ ‫ل فَاكْتُبْنَا َ‬ ‫سو َ‬ ‫ت وَاتَّبَعْنَا الَّر ُ‬ ‫ما أنَزل َ ْ‬ ‫منَّا ب ِ َ‬ ‫ن {‪َ }52‬ربَّنَاآ َ‬ ‫مو َ‬ ‫سل ِ ُ‬ ‫م ْ‬ ‫ُ‬
‫ن {‪ }54‬إِذْ‬ ‫ْ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬
‫مكََر الل ُ‬ ‫مكَُروا وَ َ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫ال ّ‬
‫َّ‬ ‫ري َ‬ ‫ماك ِ ِ‬ ‫خيُْر ال َ‬ ‫ه َ‬ ‫ه وَالل ُ‬ ‫ن {‪ }53‬وَ َ‬ ‫شاهِدِي َ‬
‫ن‬
‫ن الذِي َ‬ ‫م َ‬ ‫ك ِ‬ ‫مطَهُِّر َ‬ ‫ي وَ ُ‬ ‫ك إِل َ َّ‬ ‫ك وََرافِعُ َ‬ ‫متَوَفِّي َ‬ ‫ُ‬ ‫سى إِنِّي‬ ‫عي َ‬ ‫ه يَا ِ‬ ‫ُ‬ ‫ل الل ّ‬ ‫قَا َ‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫م‬ ‫مةِ ث ُ َّ‬ ‫ن كَفَُروا ْ إِلَى يَوْم ِ الْقِيَا َ‬ ‫ك فَوْقَ ال ّذِي َ‬ ‫ن اتَّبَعُو َ‬ ‫ل ال َّذِي َ‬ ‫ع ُ‬ ‫جا ِ‬ ‫كَفَُروا ْ وَ َ‬
‫َ‬ ‫إِل َ َّ‬
‫ما‬ ‫ن {‪ }55‬فَأ َّ‬ ‫ختَلِفُو َ‬ ‫م فِيهِ ت َ ْ‬ ‫ما كُنت ُ ْ‬ ‫م فِي َ‬ ‫م بَيْنَك ُ ْ‬ ‫حك ُ ُ‬ ‫م فَأ ْ‬ ‫جعُك ُ ْ‬ ‫مْر ِ‬ ‫ي َ‬ ‫َ‬
‫ُ‬
‫من‬ ‫ما لَهُم ِّ‬ ‫خَرةِ َو َ‬ ‫شدِيدا ً فِي الدُّنْيَا وَال ِ‬ ‫م عَذ َابا ً َ‬ ‫ن كَفَُروا ْ فَأعَذِّبُهُ َْ‬ ‫ال ّذِي َ‬
‫ت فَيُوَفِّيهِ ْ‬
‫م‬ ‫حا ِ‬ ‫صال ِ َ‬ ‫ملُوا ْ ال َّ‬ ‫منُوا وَع َ ِ‬ ‫ن َآ َ‬ ‫ما ال ّذِي َ‬ ‫ن {‪ }56‬وَأ َ َّ‬ ‫صرِي َ‬ ‫نَّا ِ‬
‫ك نَتْلُوه ُ ع َلَي ْ َ‬ ‫ُ‬
‫ت‬‫ن اليَا ِ‬ ‫م َ‬ ‫ك ِ‬ ‫ن {‪ }57‬ذَل ِ َ‬ ‫مي َ‬ ‫ب الظ ّال ِ ِ‬ ‫ح ُّ‬ ‫ه ل َ يُ ِ‬ ‫م وَالل ّ ُ‬ ‫جوَرهُ ْ‬ ‫أ ُ‬
‫من‬ ‫ه ِ‬ ‫خلَقَ ُ‬ ‫م َ‬ ‫ل آد َ َ‬ ‫مث َ ِ‬ ‫عند َ اللّهِ ك َ َ‬ ‫سى ِ‬ ‫عي َ‬ ‫ل ِ‬ ‫مث َ َ‬ ‫ن َ‬ ‫حكِيم ِ { ‪ }58‬إ ِ َّ‬ ‫وَالذِّكْرِ ال ْ َ‬
‫من‬ ‫ك فَل َ تَكُن ِّ‬ ‫من َّرب ِّ َ‬ ‫حقُّ ِ‬ ‫ن {‪ }59‬ال ْ َ‬ ‫ه كُن فَيَكُو ُ‬ ‫ل لَ ُ‬ ‫م قَا َ‬ ‫ب ث ِ َّ‬ ‫تَُرا ٍ‬
‫ن)‬ ‫متَرِي َ‬ ‫م ْ‬ ‫ال ْ ُ‬
‫وذلك أن اليهود حاولوا قتل عيسى عليه السلم فنجاه الله منهم‬
‫وتوفاه بالنوم ثم رفعه إلى السماء الثالثة فهو يحيا فيها حتى‬
‫ينزل قبل يوم القيامة و أُلقى شبهه على شخص غيره فأخذه‬
‫سى‬ ‫عي َ‬ ‫ح ِ‬ ‫سي َ‬ ‫م ِ‬ ‫م إِنَّا قَتَلْنَا ال ْ َ‬ ‫اليهود وقتلوه‪ .‬قال َ تعالى عنهم‪(:‬وَقَوْلِهِ ْ‬
‫شب ّه لَهم وإ َّ‬
‫ن‬ ‫صلَبُوه ُ وَلَك ِن ُ‬ ‫ما َ‬ ‫ما قَتَلُوه ُ وَ َ‬ ‫ه وَ َ‬ ‫ل الل ّ ِ‬ ‫سو َ‬ ‫م َر ُ‬ ‫مْري َ َ‬ ‫ن َ‬ ‫اب َْ َ‬
‫ْ ْ ِ َّ َ ُ ْ َ ِ َّ‬
‫علم ٍ إ ِل اتِّبَاع َ الظ ِ ّ‬
‫ن‬ ‫ن ِ‬ ‫م ْ‬ ‫م بِهِ ِ‬ ‫ْ‬ ‫ُ‬ ‫ما لَه‬ ‫َ‬ ‫ه‬
‫ُ‬ ‫من ْ‬‫ك ِ‬ ‫ش ٍّ‬ ‫ختَلَفُوا فِيهِ لَفِي َ‬ ‫نا ْ‬ ‫َ‬ ‫ال ّذِي‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫ما) و‬ ‫حكِي ً‬ ‫ه ع َزِيزا ً َ‬ ‫ن الل ّ ُ‬ ‫ه إِلَيْهِ وَكَا َ‬ ‫ه الل ّ ُ‬ ‫ل َرفَعَ ُ‬ ‫ما قَتَلُوه ُ يَقِيناً‪ .‬ب َ ْ‬ ‫وَ َ‬
‫عندما ينزل عيسى بن مريم في آخر الزمان فإنه سوف يكسر‬
‫الصليب ول يقبل إل السلم وتندحر الملل الكافرة ويعم السلم‬
‫وتكثر البركة وتُرفع الشحناء والضغينة قال صلى الله عليه وسلم‪:‬‬
‫" النبياء إخوة لعلت دينهم واحد وأمهاتهم شتى وأنا أولى الناس‬
‫بعيسى بن مريم لنه لم يكن بيني وبينه نبي وإنه نازل فإذا‬
‫رأيتموه فاعرفوه فإنه رجل مربوع إلى الحمرة والبياض سبط‬
‫كأن رأسه يقطر وإن لم يصبه بلل بين ممصرتين فيكسر الصليب‬
‫ويقتل الخنزير ويضع الجزية ويعطل الملل حتى يُهلك الله في‬
‫زمانه الملل كلها غير السلم ويهلك الله في زمانه المسيح‬
‫الدجال الكذاب وتقع المنة في الرض حتى ترتع البل مع السد‬
‫جميعا والنمور مع البقر والذئاب مع الغنم ويلعب الصبيان‬
‫والغلمان بالحيات ل يضر بعضهم بعضا فيمكث ما شاء الله أن‬
‫يمكث ثم يُتوفى فيصلي عليه المسلمون ويدفنونه‪]49[ "..‬وقد‬
‫وردت على لسان نبينا عدة نصوص في فضل المسيح ومريم‬

‫‪275‬‬
‫الصديقة عليهما السلم فقد قال النبي صلى الله عليه وسلم‪(:‬ما‬
‫من مولود يولد إل والشيطان يمسه حين يولد‪ ،‬فيستهل صارخا‬
‫من مس الشيطان إياه‪ ،‬إل مريم وابنها) وقال(كمل من الرجال‬
‫كثير‪ ،‬ولم يكمل من النساء‪ :‬إل مريم ابنة عمران‪ ،‬وآسية امرأة‬
‫فرعون) وقال‪(:‬رأى عيسى بن مريم رجل ً يسرق فقال له‪:‬‬
‫أسرقت؟ قال‪ :‬كل‪ ،‬والذي ل إله إل هو‪ ،‬فقال عيسى‪ :‬آمنت بالله‬
‫وكذبت عيني) وقال عن الرجل الذي يؤمن بعيسى قبل أن يسمع‬
‫عن محمد(صلى عليه وسلم)‪(:‬إذا آمن بعيسى‪ ،‬ثم آمن بي فله‬
‫أجران) وقال‪-‬وهذا الحديث بشرى لكل نصراني‪(:-‬من شهد أن ل‬
‫إله إل الله وحده ل شريك له وأن محمدا ً عبده ورسوله‪ ،‬وأن‬
‫عيسى عبد الله ورسوله وكلمته ألقاها إلى مريم وروح منه‪،‬‬
‫والجنة حق‪ ،‬والنار حق أدخله الله الجنة على ما كان من العمل)‬
‫[‪ ]50‬وقد كانت رسالة المسيح عليه السلم متممة لرسالة موسى‬
‫و مبشرة برسالة محمد باسمه الصريح كما مر بنا – "حتى متى‬
‫كان تؤمنون" – وكانت لبني إسرائيل فقط و لم تكن هي الرسالة‬
‫الخيرة للبشرية لذلك لم يشأ الله أن يظل النجيل ول كلم‬
‫المسيح محفوظًا بكامله للناس‪.‬‬
‫والن بعد أن عرفت نظرة السلم للمسيح عليه السلم فإني‬
‫سائلك‪ :‬ترى لو كان هذا الدين من عند محمد ولم يكن محمد‬
‫رسول من عند الله ما الذي دعاه لن ينظر للمسيح هذه النظرة‬
‫المعتدلة بعيدا عن غلو النصارى إلى تقديسه وانحراف اليهود إلى‬
‫عدائه؟ ألم يكن أحرى به لو كان كاذبا أن ينحاز إلى إحدى‬
‫الطائفتين لكي ينال تأييدها بدل من أن يواجههما جميعا؟ ما الذي‬
‫كان يمنعه لو كان كاذبا أن يدعى أن إلهه الذي يعبده هو المسيح‬
‫–ولم يكن لينكر عليه أحد– فينال بذلك تأييد الدولة الرومانية‬
‫سولِهِ‬‫منُوا ْ بِاللّهِ وََر ُ‬‫القوية بالضافة لنصارى الجزيرة العربية؟(فَآ ِ‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫ن)‪.‬‬
‫م تَهْتَدُو َ‬‫ماتِهِ وَاتَّبِعُوه ُ لَعَل ّك ُ ْ‬
‫ن بِاللّهِ وَكَل ِ َ‬ ‫ي ال ّذِي يُؤ ْ ِ‬
‫م ُ‬ ‫ي ال ُ ِّ‬
‫م ِّ‬ ‫النَّب ِ ِ ّ‬
‫والن لنحاول مناقشة بعض ما يعتقده الناس في المسيح عليه‬
‫السلم بهدوء بعيدًا عن التعصب العمى‪.‬‬
‫لعلك إذا سألت أفراد السرة النصرانية الواحدة عن طبيعة‬
‫المسيح عليه السلم تسمع إجابات شتى فمن قائل هو الله –‬
‫تعالى الله عما يصفون – و من قائل هو ابن الله والمثقف منهم‬
‫سيقول لك إن به جزء بشري يسمى ناسوتا و جزء إلهي يسمي‬
‫لهوتا!! وهذا انعكاس للغموض الذي يكتنف شخصية المسيح‬
‫لدى النصارى و للتعقيد الذي أقحمته الكنيسة في مسألة الله‬
‫وهي التي من المفترض أن تكون من أبسط أمور العقيدة لدى‬
‫النسان‪ .‬ويتفق عموم النصارى على أن هذا الله أو نصف الله‬

‫‪276‬‬
‫لم يكن بالقوة الكافية حتى نالت منه يد البشر بالتعذيب والهانة‬
‫والصلب في حادثة هي أشبه بالتمثيليات الدرامية أو الساطير‬
‫البدائية منها إلى الحقيقة اللهية! ومن العجيب أن يُعتقد أن هذه‬
‫الجريمة الكبرى من البشر في حق الله إنما كانت سببا لخلص‬
‫البشر و مغفرة خطاياهم وذنوبهم التي هي أقل خطًرا بكثير من‬
‫محاولة قتل الله نفسه!! ولن كل من هذه العقائد أصبحت‬
‫مسلمات راسخة في عقول كثير من الناس غير خاضعة للنقاش‬
‫ول التفكير فهذه دعوة لكل باحث عن الحقيقة بصدق لكي يعيد‬
‫النظر فيما يعتقده و تربى عليه ولم تتح له فرصة للنقاش فيه‬
‫من قبل‪.‬‬
‫هب أنك أخطأت في حق والدك خطأ يسيًرا وأغضبته وبينما أنت‬
‫نادم وتحاول أن ترضي أباك إذا بأخيك الصغر تأخذه عاطفة‬
‫الخوة و التضحية فتفتق ذهنه عن فكرة غبية وهي أن يضحي‬
‫بنفسه من أجلك فيسلم لك نفسه لكي تقتله أمام أبيك و بذلك‬
‫يتحمل هو الثم عنك وتنجو أنت من تبعة الذنب ووخز الضمير‬
‫فهل تقبل أنت أو يقبل أبوك هذا الكلم؟؟ فكيف لو اقترح عليك‬
‫أخوك أن تقتل والدك نفسه تكفيًرا عن خطيئتك؟! بالطبع هذا‬
‫كلم ل يقبله عقل‪ .‬ولكن لماذا تقبله في حادثة الصلب المزعومة‬
‫وترضاه للمسيح عليه السلم ول ترضاه لخيك الصغير؟ لعلك‬
‫تجيب بأن المسيح ما نزل إلى الرض أصل ً إل لهذه المهمة وهي‬
‫التضحية بنفسه لكي يغفر الله خطايا البشر! وإني أسألك‪ :‬الذي‬
‫يريد أن يضحي بنفسه من أجل إنسان يتحمل عنه اللم أم‬
‫يتحمل منه اللم؟؟! هل خطيئة آدم بأكله من الشجرة تكفرها‬
‫خطيئة اليهود بمحاولة قتل المسيح؟ وهل ضاقت رحمة الله عز‬
‫وجل الذي يقبل التوبة عن عباده ووسعت رحمته كل شيء أن‬
‫يغفر لدم خطيئته ‪ -‬وهو الذي تاب بعدها واستغفر وأناب[‪-]51‬‬
‫فظل ناقما على البشر كل هذه المدة حتى ينزل بنفسه سبحانه‬
‫متجسدا في هيئة مخلوق ضعيف كي ترتكب البشرية هذه‬
‫الجريمة النكراء في حقه ثم تسقط عنها أوزارها مكافأة لها؟ هل‬
‫من العدل أن يذنب آدم فيُصلب المسيح؟ ألم يذكر العهد القديم‬
‫أن النفس التي تخطيء هي تموت وأن كل إنسان مسئول عن‬
‫عمله وأن الله يقبل توبة التائبين؟[‪]52‬هل من العقل أن تزعم أن‬
‫الله تاب على بولس الذي كان العدو الول لتلميذ المسيح‬
‫وللمؤمنين ولم يتب على آدم الذي خلقه الله بيديه وأسجد له‬
‫ما على رؤوس الشهاد؟‬ ‫ملئكته إل بعد أن يعلق المسيح عاريًا تما ً‬
‫وإذا كان المسيح قد نزل من أجل ذلك فلماذا جاء في إنجيل‬
‫متى صراخ المسيح قبل أن يقتل كما يزعمون لما وضع على‬

‫‪277‬‬
‫الصليب « إيلي إيلي‪ ،‬لم شبقتني‪ ،‬أي‪ :‬إلهي إلهي‪ ،‬لماذا تركتني؟‬
‫» متى ‪ 27/46‬وجاء في يوحنا ‪ 11/53‬أن المسيح هرب من طالبيه‬
‫مراراً!! أينزل من أجل ذلك ثم يهرب ويصرخ ويستغيث بالله كي‬
‫يخلصه بينما ترى كثيًرا من المجرمين والقتلة يتقدمون للقتل‬
‫بقدم ثابتة وجأش رابط أم أنه كان يجهل مهمته على الرض؟‬
‫ولم نذهب بعيدًا ونقارن المسيح بالقتلة والمجرمين ألم يأمر الله‬
‫إبراهيم بذبح ولده فما كان من الولد إل أن استجاب لمر الله‬
‫صابرا محتسبا بدون أن يسأل حتى عن العلة؟ هل من منطقي لو‬
‫كان المسيح هو الله أن يكون أقل شجاعة من بعض خلقه؟!‬
‫وإذا كانت هذه هي مهمة المسيح فلماذا عندما بشر النبياء‬
‫بالمسيح لم يبشروا به على أنه المخلص الذي سوف يخلص‬
‫البشرية من ذنبها الموروث ولكن بشروا به على أنه نبي صاحب‬
‫رسالة وفقط بدون ذكر أي شيء عن حادثة الصلب المزعومة‪-‬‬
‫التي كانت ستُعد أهم حادثة في حياة المسيح لو كانت مهمته حقا‬
‫أن يعلق على الصليب؟؟ وكيف نفسر النصوص التي تخبر عن‬
‫رضا الله عن الشعب أو عن أمة من المم إذا كانت البشرية كلها‬
‫كانت ما زالت موصومة بهذا الذنب القديم ولم يخلصها منه أحد‬
‫بعد؟ وهل من الرحمة أن تكون مهمة المسيح هي تحمل اللم‬
‫والتعذيب عن البشر بقتله على الصليب ثم يكون جزاء من لم‬
‫يؤمن أن المسيح مات على الصليب وظل يعبد الله كما كان‬
‫يعبده إبراهيم وإسحاق ويعقوب وموسى من قبل المسيح هو‬
‫العذاب في النار؟ لو كان ذلك كذلك لكانت حادثة الصلب نقمة‬
‫على البشر وليست رحمة لهم إل إذا كانت حادثة الصلب هذه قد‬
‫افتدت جميع الناس من النار وسيدخل المؤمن والكافر الجنة في‬
‫النهاية!!‬
‫وإذا كان الصلب قد حط عن البشر خطاياهم فما فائدة تعاليم‬
‫المسيح والرسل من قبله إذا كان تكفير خطايا البشر مضمون و‬
‫أكيد لهذه الدرجة؟ ولماذا قال المسيح إن كل كلمة باطلة يتكلم‬
‫بها الناس‪ ،‬سوف يؤدون عنها الحساب في يوم الدينونة‪ .‬فإنك‬
‫بكلمك تبرر‪ ،‬وبكلمك تدان؟[‪ ]53‬وما الذي سيمنع النسان أن‬
‫يرتكب أكبر الفواحش وأعظم المنكرات إذا علم أن الخلص‬
‫مضمون؟ ولماذا الحاجة إلى التعميد الذي تفعله الكنيسة بكل‬
‫مولود إذا كانت حادثة الصلب المزعومة هذه قد غفرت للنسان‬
‫خطيئته [‪]54‬؟ وإذا كان كل مولود يرث نصيبا من هذه خطيئة أبيه‬
‫آدم فهل ورثت مريم وابنها عليهما السلم أيضا هذه الخطيئة من‬
‫أبيهما آدم عليه السلم؟ وماذا عن ظلم البشر بعضهم لبعض هل‬
‫يتحملها الصليب أيضا فل قصاص بينهم ول عدل أم أن هذه خارج‬

‫‪278‬‬
‫الموضوع؟ وماذا عن الذنوب التي ارتكبتها البشرية بعد المسيح‬
‫إلى اليوم من يكفرها؟ أم تراها تحتاج لمسيح جديد لكي يقتله‬
‫أحد الشقياء فتسقط عن البشر بقية خطاياهم؟ إننا نفهم أن‬
‫الذي يضحي بشيء فإنه يضحي به من أجل شخص آخر أو‬
‫لسترضاء من هو أعلى منه وأقدر كما ذبح إبراهيم الكبش فداءً‬
‫لسماعيل وتقربا إلى الله بذلك فإذا كان الله نفسه هو الذي‬
‫ضحى بولده –تعالى الله عما يصفون‪ -‬فمن أجل من يا ترى فعل‬
‫ن‬
‫م َ‬‫ك ِ‬‫مل ِ ُ‬
‫من ي َ ْ‬ ‫ل فَ َ‬ ‫ذلك وليس في الكون من هو أعظم منه؟ (قُ ْ‬
‫ُ‬ ‫ن أََراد َ أَن يُهْل ِ َ‬
‫من فِي‬ ‫ه وَ َ‬ ‫م ُ‬ ‫م وَأ َّ‬ ‫مْري َ َ‬
‫ن َ‬ ‫ح اب ْ َ‬
‫سي َ‬
‫م ِ‬ ‫ك ال ْ َ‬ ‫شيْئا ً إ ِ ْ‬‫اللّهِ َ‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫ما‬‫خلُقُ َ‬‫ما ي َ ْ‬ ‫ما بَيْن َ ُه َ‬ ‫ض َو َ‬ ‫ت وَالْر ِ‬ ‫ماوَا ِ‬ ‫س َ‬‫ك ال َّ‬ ‫مل ْ ُ‬
‫ميعا ً وَلِلّهِ ُ‬ ‫ج ِ‬ ‫ض َ‬ ‫الْر ِ‬
‫يءٍ قَدِيٌر)؟ إن من يقرأ الروايات المختلفة‬ ‫ش ْ‬ ‫ل َ‬ ‫ه ع َلَى ك ُ ِّ‬ ‫شاءُ وَالل ّ ُ‬ ‫يَ َ‬
‫لحادثة الصلب في الناجيل سيجد بينها تناقضات ل يمكن الجمع‬
‫بينها فمثل من يقارن تفاصيل المحاكمة والصلب والقيامة‬
‫واكتشاف قبره ومن رآه عند قيامته وماذا قال على الصليب ومن‬
‫حمل الصليب وغير ذلك في الروايات المختلفة سيجد اختلفات‬
‫واضحة تدل على أن القصة واهية من أساسها أو أن كتابها‬
‫اعتمدوا على الشاعات والساطير وليست وحيا من الله [‪!]55‬‬
‫إنه ل يكاد أحد يتصور أن المسيح الذي كان يصوم ويتحمل الصبر‬
‫عن المأكل والمشرب ويقضي السابيع ل ينال فتات العيش هو‬
‫الذي كان على خشبة الصليب يستغيث بأعدائه و يطلب منهم أن‬
‫يسقوه إذ تملكه الظمأ وهو الذي طالما كان يقول(أن لي خبزا‬
‫لستم تعرفونه)[‪]56‬حتى بطرس رئيس الحواريين كان يقسم على‬
‫أنه ل يعرف الرجل الذي على الصليب(متى ‪.)72:26‬‬
‫لقد جعلت حادثة الصلب المزعومة هذه من المسيح عليه السلم‬
‫شخصية أسطورية مخلصة بدل من شخصية النبي المعلم الذي‬
‫يرشد الناس إلى الهدى والنور‪ .‬شخصية يلجأ إليها الناس في‬
‫السراء والضراء بعد أن كانوا يلجئون إلى الله‪ .‬حادثة الصلب‬
‫جعلت عبادة النسان مركزة حول المسيح عليه السلم بعد أن‬
‫كانت لله وحده‪ .‬ولكي ل يصير المسيح ندا لله في هذا الدين‬
‫الجديد تم اختلق الكذبة الثانية التي هي أكبر من أختها بادعاء أن‬
‫المسيح هو الله نفسه –سبحانه وتعالى عما يصفون‪ .‬ولخطورة‬
‫ضا بشيء من التفصيل‪:‬‬ ‫هذه المسألة فسنناقشها أي ً‬
‫أولً‪ :‬هل يليق برب السماوات والرض ومن فيهن أن يتجسد في‬
‫صورة طفل رضيع يخرج من فرج امرأة ضعيفة ثم يمر بمراحل‬
‫نمو النسان المختلفة يأكل الطعام ويخرج الفضلت حتى إذا‬
‫جا لقي من البشر صنوف الهانة‬ ‫اكتمل نموه وصار رجل ً ناض ً‬
‫والتعذيب ألوانا؟ هل كان هذا المخلوق الضعيف الذي يلتقم ثدي‬

‫‪279‬‬
‫أمه هو كان يدبر أمور جميع الكائنات في الوقت الذي ل يستطيع‬
‫هو أن يدبر أمر طعامه وشرابه؟ [‪ ]57‬أم أنه كان يمسك‬
‫السماوات والرض أن تزول وهو في بطن أمه؟ أل ترى أنه من‬
‫المخجل أن نساوي الله بالبشر؟ هل يمكن لللـه العظيم أن يحل‬
‫في جسد ضعيف له بداية ونهاية؟ وأين هو هذا الجسد‪ -‬جسد‬
‫المسيح ‪ -‬الن؟ هل فني الجسد وهلك بمجرد صعود المسيح‬
‫للسماء أم أن هذا الجسد الذي يحتاج للطعام خالد وليست له‬
‫نهاية؟ وإذا كان الجسد تعرض للفناء فهل يفنى الله أو تفنى‬
‫صفة من صفات اللـه؟؟ وهل كلم السيد المسيح الذي في‬
‫النجيل يوحي بأنه كلم إله قادر قهار يخاطب عبيده أم كلم‬
‫معلم رفيق يخاطب تلميذه؟ ولماذا لم يأمر المسيح تلميذه‬
‫بالسجود له صراحة إن كان هو الله فهذا على القل أفضل من‬
‫السجود لصوره وتماثيله داخل الكنيسة؟! [‪ ]58‬لماذا لم يخبر‬
‫صراحة أنه هو الله ‪ -‬إن كان كذلك – فيحسم القضية ويقطع‬
‫الشك؟ هل من العدل لو كان المسيح هو الله أن يترك أهم‬
‫قضية في هذا الكون يكتنفها الغموض وتحيط بها الشبهات‬
‫ويتركها عرضة لراء الرجال وأهواء الملوك في المجامع؟ لماذا‬
‫حا على لسانه‬ ‫حا صري ً‬
‫صا واض ً‬
‫لم يخلف لنا في العهد الجديد ن ً‬
‫يخبر فيه أنه هو الله فيريح المليين من ظلمات الشك؟‬
‫وماذا عن الحواريين‪ :‬هل كانوا يعاملون المسيح على أنه إله‬
‫يمشي على الرض أم نبي إنسان ومعلم متواضع ولذا سموا‬
‫تلميذ؟[‪ ]59‬هل يمكن أن يكون للله تلميذ؟؟ ولو كانوا يعبدون‬
‫المسيح فكيف أمكنهم أن يبقوا داخل هيكل اليهود بعد رفعه‬
‫حوالي ثلثة عقود يعبدونه يوميا وسط اليهود الذين يعبدون الله؟[‬
‫‪ ]60‬انظر إلى بطرس في(أعمال ‪ )22:2‬يقول‪ " :‬أيها الرجال‬
‫السرائيليون اسمعوا هذه القوال‪ .‬يسوع الناصري رجل قد‬
‫تبرهن لكم من قبل الله بقوات وعجائب وآيات صنعها الله بيده‬
‫في وسطكم كما أنتم أيضا تعلمون"‪ .‬فهل عرفت أنت عن‬
‫المسيح ما لم يعرفه الحواريون؟ أيكون المسيح إلـها ول يستطيع‬
‫أن يدفع عن نفسه أذى حفنة من اليهود؟ أتقبل أن تعبد إلها‬
‫ضعيفًا؟ أيكون المسيح هو الله ثم يأتي إلى عبد من عبيده لكي‬
‫يعتمد منه ويكمل نفسه؟ ألم يذكر العهد الجديد أن المسيح جاء‬
‫إلى يحيى‪-‬يوحنا المعمدان‪ -‬لكي يعتمد منه؟ إن المسيح لو كان‬
‫هو الله لسجد له يحيى حال فهل كان يحيى يجهل ربه؟ [‪ ]61‬وإذا‬
‫كان المسيح هو الله فهل يمكن أن يموت الله؟ إن نصوص العهد‬
‫القديم تنفي ذلك يكل صراحة انظر مثل في إرمياء ‪(:10:10‬أما‬

‫‪280‬‬
‫الرب فهو الله الحق‪ ،‬الله الحي) وفي حزقيال(‪ :)3:18‬حي أنا‬
‫يقول الرب‪ .‬وفي دانيال ‪" 26:6‬هو الله الحي القيوم إلى البد"‬
‫ومن الذي كان يخاطبه المسيح في الناجيل بلفظ أبي وإلهي إن‬
‫كان هو الب والله أم أنه كان يخاطب نفسه؟ انظر قول‬
‫المسيح عليه السلم‪(:‬وهذه الحياة البدية أن يعرفوك أنت الله‬
‫الحقيقي وحدك‪ ،‬ويسوع الذي أرسلته) يوحنا ‪ .3 :17‬وقوله‪ «:‬إني‬
‫أصعد إلى أبي وأبيكم وإلهي وإلهكم » يوحنا ‪20:18‬وقوله عن‬
‫نفسه‪" :‬أنا ل اقدر أن أفعل من نفسي شيئا ً "(يوحنا ‪ )5/30‬لذا‬
‫عجز أن يعد ابني زبدي بالملكوت(متى ‪ ،)20/23‬ولما سماه أحدهم‬
‫صالحا ً قال‪" :‬لم تدعوني صالحاً؟ ليس أحد صالحا ً إل واحد‪ ،‬وهو‬
‫الله"(لوقا ‪ .)20-18/18‬وأخبر في مرقص ‪ 32:13‬أنه ل يعلم وقت يوم‬
‫القيامة ولكن الله هو الذي يعلمها فهل يكون المسيح هو الله‬
‫ويجهل ما يعلمه الله؟ أم أن العلم والرادة والصلح صفات‬
‫للجسد وليست صفات للروح؟ ومن الذي كان يصلي له المسيح‬
‫إن كان هو اللـه؟! ألم يذكر العهد الجديد أن المسيح كان يعبد‬
‫الله؟ أكان المسيح يعبد نفسه؟ وهل استعمال المسيح لمصطلح‬
‫ابن النسان عن نفسه تكرارا ومرارا في النجيل(ذكرت ‪81‬‬
‫مرة) إل تأكيدا لبشريته وبراءته مما سينسبه الناس إليه؟ بل إن‬
‫المسيح قال عن نفسه صراحة أنه نبي إنسان ففي يوحنا(‪)8/40‬‬
‫قال(أنا إنسان قد كلمكم بالحق الذي سمعه من الله) وفي لوقا‬
‫‪ 4/25‬قال «الحق أقول لكم‪ :‬ما من نبي يقبل في بلدته‪ » .‬فهل‬
‫بعد شهادة المسيح لنفسه شهادة أخرى؟ وفي لوقا ‪ 7/17‬قال‬
‫الناس أمامه بعد أن أحيا ميتا[‪]62‬بإذن الله «قد قام فينا نبي‬
‫عظيم وتفقد الله شعبه!» وفي متى(‪ )8:9‬بعد أن رأى الجموع‬
‫معجزاته "تعجبوا ومجدوا الله الذي أعطى الناس سلطانًا مثل‬
‫هذا" فهل يا ترى كان الجموع يمجدون المسيح أم رب المسيح؟‬
‫وإذا كان المسيح إلها فماذا عن أم المسيح عليه السلم هل هي‬
‫الخرى إلهة أم ماذا؟ وهل يمكن للمخلوق أن يلد الخالق[‪]63‬‬
‫وأما إن كنت تعتقد أن الله تعالي عن أن يشابه خلقه أو أن يقتل‬
‫على أيديهم وأنه كان وما زال في السماء فوق جميع خلقه و ل‬
‫يخرج أحد منهم عن قبضته لكن له ولد هو المسيح أرسله إلي‬
‫الرض لهذه الغاية وهو أن يتعذب بأيدي البشر من أجل البشر‬
‫فقل لي بربك من أين علمت أن لله ولد؟؟ أمن الكتاب‬
‫المقدس؟ فإن الكتاب المقدس يعتبر البشر جميعا أبناء الله‬
‫بمعنى أن الله هو الذي يطعمهم ويرزقهم ل أبنائه على الحقيقة[‬
‫ل إِن كَا َ‬
‫ن‬ ‫‪ ]64‬كما أطلق على أنبياء آخرين هذا الوصف[‪(.]65‬قُ ْ‬
‫ض‬ ‫َْ‬
‫ت وَالْر ِ‬ ‫ماوَا ِ‬ ‫ب ال َّ‬
‫س َ‬ ‫ن َر ِّ‬
‫حا َ‬
‫سب ْ َ‬
‫ن‪ُ .‬‬ ‫ن وَلَد ٌ فَأَنَا أَوَّ ُ‬
‫ل الْعَابِدِي َ‬ ‫م ِ‬ ‫لِلَّر ْ‬
‫ح َ‬

‫‪281‬‬
‫ن) ثم ما حاجة الله لكي يتخذ ولدا و هو‬ ‫صفُو َ‬ ‫ما ي َ ِ‬ ‫ش ع َ َّ‬ ‫ِ‬ ‫ب الْعَْر‬ ‫َر ِّ‬
‫َّ‬
‫ما‬ ‫ه َ‬ ‫ه بَل ل ُ‬ ‫حان َ ُ‬‫سب ْ َ‬ ‫ه وَلَدا ً ُ‬ ‫خذ َ الل ّ ُ‬ ‫الغني عن خلقه أجمعين؟(قَالُوا ْ ات َّ َ‬
‫ُ ٌّ َ‬ ‫َ‬
‫ن) وهل هذا الولد كانت حياته‬ ‫ه قَانِتُو َ‬ ‫ل لّ ُ‬ ‫ضك‬ ‫ت وَالْر ِ‬ ‫ماوَا ِ‬ ‫س َ‬ ‫فِي ال َّ‬
‫سرمدية مثل حياة الله عز وجل أم أنه حادث على هذا الكون؟‬
‫فإن كان حادثا فهو مخلوق مثله كبقية مخلوقات الله عز وجل‬
‫َّ‬ ‫َ‬
‫يكون مولودا وسرمديا في نفس الوقت؟(لَوْ َأَراد َ الل ُ‬
‫ه‬
‫َ‬
‫وإل فكيف‬
‫ْ‬ ‫ّ‬ ‫ما ي َ َ‬ ‫ُ‬ ‫م َّ‬ ‫َ‬ ‫ّ‬ ‫ً‬ ‫َ‬ ‫ن يَت َّ ِ‬ ‫َ‬
‫د‬
‫ح ُ‬ ‫ه الوَا ِ‬ ‫ه هُوَ الل ُ‬ ‫حان َ ُ‬ ‫سب ْ َ‬ ‫شاءُ ُ‬ ‫خلقُ َ‬ ‫ما ي َ ْ‬ ‫صطفَى ِ‬ ‫خذ َ وَلدا ل ْ‬ ‫أ ْ‬
‫الْقَهَّاُر) وهل مشيئة هذا الولد تابعة لمشيئة الرب أم أن له إرادة‬
‫مستقلة؟ وهل النسان مأمور بعبادة الرب وحده أم الرب وما‬
‫تنسب له من ولد؟ هل تستقيم الحياة إذا عبد النسان أكثر من‬
‫إله؟‬
‫ن الل ّهِ َر ِّ ْ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫ما‬‫ش ع َ َّ‬ ‫ب العَْر ِ‬ ‫حا َ‬‫سب ْ َ‬ ‫سدَتَا فَ ُ‬ ‫ه لَفَ َ‬ ‫ة إ ِ ّل الل ّ ُ‬ ‫ما آلِهَ ٌ‬ ‫ن فِيهِ َ‬ ‫(لَوْ كَا َ‬
‫ن) ثم هل ضاقت السبل على رب الرض والسماوات فلم‬ ‫صفُو َ‬ ‫يَ ِ‬
‫يجد وسيلة لتكفير خطيئة آدم إل التضحية بولده‪-‬بفرض وجود‬
‫الولد؟ و كيف تنزه الرهبان والقساوسة عن اتخاذ الولد وتنسب‬
‫دَ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫ه وَل ٌ‬ ‫ن لَ ُ‬ ‫ض أنَّى يَكُو ُ‬ ‫ت وَالْر ِ‬ ‫ماوَا ِ‬ ‫س َ‬ ‫ذلك لله رب العالمين؟(بَدِيعُ ال َّ‬
‫َ‬
‫خلَق ك ُ َّ‬
‫م)‬ ‫يءٍ عَلِي ٌ‬ ‫ش ْ‬ ‫ل َ‬ ‫يءٍ وهُوَ بِك ُ ِّ‬ ‫ش ْ‬ ‫ل َ‬ ‫ة وَ َ َ‬ ‫حب َ ٌ‬‫صا ِ‬ ‫ه َ‬ ‫م تَكُن ل ّ ُ‬ ‫وَل َ ْ‬
‫أما قضية التثليث وهي اعتقاد أن الله إلـه واحد مكون من ثلثة‬
‫أقانيم مختلفة فهي ثالثة الثافي و اللغز المحير والمعضلة‬
‫الكبرى التي ورثها رجال الكنيسة عن أسلفهم على علتها وذلك‬
‫أن آباء الكنيسة الُوَل لم يكتفوا بنسبة الولد لرب العالمين لكنهم‬
‫أضافوا لله شريكا ثالثا هو روح القدس وجعلوا الثلثة واحدا‬
‫والواحد ثلثة‪ .‬ويبدو أن الوقت لم يسعف النصارى الوائل لكي‬
‫يضعوا تفسيًرا مقنعا لهذا فقد شغلتهم الختلفات الكثيرة وعقد‬
‫المجامع الكنسية و تكفير بعضهم بعضا واختيار الناجيل لذا فإن‬
‫علماء النصارى المعاصرين أنفسهم يعترفون بصعوبة فهم حقيقة‬
‫التثليث فيقول أحدهم‪ :‬إن الثالوث سر يصعب إدراكه وإن من‬
‫يحاول إدراك سر الثالوث كمن يحاول وضع مياه المحيط كله في‬
‫كفه[‪ ]66‬ويقول القمص باسيليوس إسحق‪ " :‬أجل إن هذا التعليم‬
‫عن التثليث يفوق إدراكنا " [‪ ]67‬فهل يعقل أن تكون الحقيقة‬
‫الكبرى في هذا الكون بهذا القدر من التعقيد؟ وأين ذكر التثليث‬
‫في العهد القديم [‪ ]68‬الذي تنضح نصوصه بالتوحيد؟ هل يمكن أن‬
‫يكون التثليث حقيقة ول يأتي له ذكر على لسان أي نبي من‬
‫النبياء في الكتاب المقدس بل ولم يعلمها المسيح لتلميذه ولم‬
‫يسمع بها أحد منهم في حين ل تكاد تخلو سورة في القرآن من‬
‫َ‬
‫ب‬ ‫حاقَ يَعْقُو َ‬ ‫س َ‬ ‫ل وَإ ِ ْ‬ ‫عي َ‬ ‫ما ِ‬ ‫س َ‬ ‫م وَإ ِ ْ‬ ‫ن إِبَْراهِي َ‬ ‫ن إ ِ َّ‬ ‫م تَقُولُو َ‬ ‫التوحيد؟ (أ ْ‬
‫ل أَأَنتم أَع ْل َ َ‬ ‫َ‬
‫ه) فالجملة‬ ‫م أم ِ الل ّ ُ‬ ‫ُ‬ ‫ُ ْ‬ ‫صاَرى قُ ْ‬ ‫ط كَانُوا ْ هُودا ً أوْ ن َ َ‬ ‫سبَا َ‬ ‫وَال ْ‬

‫‪282‬‬
‫اليتيمة التي تثبت التثليث في يوحنا(‪ )1‬ستعرف في آخر‬
‫الرسالة أنها مدرجة ولم تكن في النسخ القديمة‪ .‬ولكن على‬
‫العكس هناك نصوص تفند هذا الدعاء انظر مثل قول المسيح‬
‫عليه السلم‪(:‬اسمع يا إسرائيل الرب إلهنا رب واحد) مرقص ‪:12‬‬
‫‪ 29‬أل ترى أن هذه الجملة تعني ل إله إل الله؟ ولو كان ما يدعيه‬
‫النصارى صحيحا لقال المسيح "اسمع يا إسرائيل أنا إلهك رب‬
‫واحد وثلثة أقانيم" وإل لكان المسيح غير أمينا‪]69[ .‬وأيضا هناك‬
‫قول المسيح أيضا‪(:‬وهذه الحياة البدية أن يعرفوك أنت الله‬
‫الحقيقي وحدك‪ ،‬ويسوع الذي أرسلته) يوحنا ‪.3 :17‬دليل آخر على‬
‫التوحيد فهل هذه الجملة الصريحة يفهم منها عاقل أن الله‬
‫مكون من ثلثة أقانيم؟ ول عجب أل نجد في الكتاب المقدس‬
‫ذكرا لثالوث ول سادوس فإن أمر الروح القدس نفسه ظل‬
‫مشكل على القوم ثمانية قرون إلى عام ‪ 879‬م حتى عقدوا‬
‫المجمع الكنسي الثامن ليبحثوا أمره‪ .‬وما روح القدس إل ملك‬
‫من الملئكة‪ -‬وهو جبريل عليه السلم ‪ -‬أرسله الله بالوحي‬
‫للنبياء والرسل ويؤيد الله به المؤمنين‪ ،‬ونصوص العهد القديم‬
‫والجديد شاهدة في أن روح القدس حل في كثير من النبياء‪،‬‬
‫وفي الحواريين وفي غيرهم‪ ،‬و يأتي روح القدس بمعنى القوة‬
‫والنصر والتأييد ولم يرد على لسان أى نبي أن الروح القدس إله‬
‫ل الْكتاب ل َ تغْلُوا ْ في دينِك ُم ول َ تقُولُوا ْ ع َلَى اللّه إلَّ‬ ‫مع الله(يَا أَهْ َ‬
‫َ ِ ِ‬ ‫ْ َ َ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫َ‬ ‫َِ ِ‬
‫ه ألْقَاهَا‬ ‫مت ُ ُ‬ ‫ل اللّهِ وَكَل ِ َ‬ ‫سو ُ‬ ‫م َر ُ‬ ‫مْري َ َ‬ ‫ن َ‬ ‫سى اب ْ ُ‬ ‫عي َ‬ ‫ح ِ‬ ‫سي ُ‬ ‫م ِ‬ ‫ما ال ْ َ‬ ‫ق إِن َّ َ‬ ‫ح ِّ‬ ‫ال ْ َ‬
‫ة انت َ ُهواْ‬ ‫سلِهِ وَل َ تَقُولُوا ْ ثَلَث َ ٌ‬ ‫منُوا ْ بِاللّهِ وَُر ُ‬ ‫ه فَآ ِ‬ ‫ُ‬ ‫من ْ‬ ‫ح ِّ‬ ‫م وَُرو ٌ‬ ‫َ‬ ‫مْري َ‬ ‫َ‬ ‫إِلَى‬
‫َ‬ ‫حد سبحان َ‬ ‫َ‬
‫ما فِي‬ ‫ه َ‬ ‫ه وَلَد ٌ ل ّ ُ‬ ‫ن َل َ ُ‬ ‫ه أن يَكُو َ‬ ‫ه وَا ِ ٌ ُ ْ َ َ ُ‬ ‫ه إِلَـ ٌ‬ ‫ما الل ّ ُ‬ ‫م إِن َّ َ‬ ‫خيْرا ً ل ّك ُ ْ‬ ‫َ‬
‫َ‬
‫ف‬
‫ستَنك ِ َ‬ ‫ض وَكَفَى بِاللّهِ وَكِيلً‪ .‬ل ّن ي َ ْ‬ ‫ما فِي الْر ِ‬ ‫ماوَات َو َ‬ ‫س َ‬‫ال َّ‬
‫ة ال ْ‬ ‫ملئِك َ ُ‬ ‫ن ع َبْدا ً ل ِّلّهِ وَل َ ال ْ‬ ‫َ‬ ‫ال ْ‬
‫ف‬
‫ستَنك ِ ْ‬ ‫من ي َ ْ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫نو‬ ‫مقََّربُو َ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫ح أن يَكُو َ‬ ‫سي ُ‬ ‫م ِ‬ ‫َ‬
‫منُواْ‬ ‫ً َ َ َ َ‬
‫نآ َ‬ ‫ما ال ّذِي َ‬ ‫ميعا‪ .‬فأ ّ‬ ‫ج ِ‬ ‫م إِلَيهِ َ‬ ‫شُرهُ ْ‬ ‫ح ُ‬ ‫سي َ ْ‬ ‫ستَكْبِْر فَ َ‬ ‫عبَادَتِهِ وَي َ ْ‬ ‫ن ِ‬ ‫عَ ْ‬
‫َ‬
‫ضلِهِ وَأ َّ‬ ‫ُ‬ ‫ملُوا ْ ال َّ‬
‫ما‬ ‫من فَ ْ‬ ‫م َويَزيدُهُم ِّ‬ ‫جوَرهُ ْ‬ ‫مأ ُ‬ ‫ت فَيُوَفِّيهِ ْ‬ ‫حا ِ‬ ‫صال ِ َ‬ ‫وَع َ ِ‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫ن لَهُم‬ ‫جدُو َ‬ ‫م عَذ َابا ً ألُيما ً وَل َ ي َ ِ‬ ‫ستَكْبَُروا ْ فَيُعَذِّبُهُ ْ‬ ‫ستَنكَفُوا ْ وَا ْ‬ ‫نا ْ‬ ‫ال ّذِي َ‬
‫صيراً) وأما المسيح فقد خلقه الله من أم‬ ‫ن اللّهِ وَلِيّا ً وَل َ ن َ ِ‬ ‫من دُو ِ‬ ‫ِّ‬
‫بدون أب كما خلق حواء من أب بدون أم ونفخ فيه من روحه كما‬
‫نفخ في آدم من روحه وأحيا له الموتى كما أحيا الموتى لنبياء‬
‫عديدين من قبل فهل نقول على آدم وحواء وهؤلء النبياء أنهم‬
‫ضا؟ أل ترى أنه لو كان المسيح وروح القدس إلهين من‬ ‫أقانيم أي ً‬
‫دون الله لكان ممكنا أن يريد كل واحد منهم شيء غير الخر؟‬
‫فمن الذي تنفذ إرادته في هذه الحالة؟ أم أن كل منهما إلـه‬
‫ن إِلَهٍ إِذاً‬ ‫َ َ َّ‬
‫ْ‬ ‫م‬
‫ه ِ‬ ‫ُ‬ ‫معَ‬‫َ‬ ‫ما كَا َ‬
‫ن‬ ‫َ‬ ‫من وَلَد ٍ َو‬ ‫ه ِ‬ ‫ُ‬ ‫خذ الل‬ ‫ما ات ّ َ‬ ‫َناقص اللوهية؟ ( َ‬
‫ن الل ّهِ عَ َّ‬‫َ‬ ‫ضهُ ْ َ‬ ‫ب ك ُ ُّ‬
‫ما‬ ‫حا َ‬ ‫سب ْ َ‬ ‫ض ُ‬ ‫م ع َلى بَعْ ٍ‬ ‫خلَقَ وَلَعََل بَعْ ُ‬ ‫ما َ‬ ‫ل إِلَهٍ ب ِ َ‬ ‫ل ّذَهَ َ‬

‫‪283‬‬
‫ن) وإذا كان الثلثة هم واحد فكيف يموت أحدهم على‬ ‫صفُو َ‬ ‫يَ ِ‬
‫الصليب ويبقى اثنان لم يموتا؟! المفروض إن كان الثلثة واحد‬
‫والواحد ثلثة أن يموتوا جميعا أو يحيوا جميعا‪ .‬ولكن لما كان الله‬
‫ل يموت كان يستلزم ذلك أنه لو كان هناك ‪ 3‬أقانيم أن يموت‬
‫أحدهم فقط دون الخرين وهذا يعني أن الثلثة أقانيم منفصلة‬
‫وغير متحدة وهذا ينافي عقيدة التوحيد التي جاء بها النبياء‬
‫جميعا‪ .‬فكما ترى إن عقيدة الثالثوث والصلب ل تنسجمان معا‬
‫بصورة منطقية ول يمكن أن تكون هي الحق‪.‬‬
‫إن عقلء الغرب بدأوا يدركون هذه الخدعة الكبرى فقد ظهر‬
‫عام ‪ 1977‬كتاب اسمه "أسطورة تجسيد الله" ‪The Myth of God‬‬
‫‪Incarnate‬كتبه سبعة من كبار رجال اللهوت البريطانيين بما فيهم‬
‫رئيس لجنة مذهب كنيسة إنجلترا يعلنون فيه إنكار ألوهية‬
‫المسيح ويقرون ببشريته فقط‪]70[.‬وقد أدلت مجلة تايم(‪ 27‬فبراير‬
‫‪ )1978‬بحثا هاما اشتغلت به دوائر جامعات وكنائس العالم الغربي‬
‫وهو ظاهرة الدعوة إلى بشرية المسيح والمعارضة للوهيته جاء‬
‫فيه‪ :‬إن موجة الرفض لفكرة ألوهية المسيح أو ازدواج طبيعته‬
‫تزداد قوة وانتشارا في أوساط المفكرين اللهوتيين سواء في‬
‫الجامعات أو في الكنائس الغربية وهؤلء الرافضون يعلقون أنه ل‬
‫يوجد في النجيل ولم يثبت عن المسيح القول بألوهيته ويؤكدون‬
‫أنه عليه السلم بشر عادي‪ ]71[ .‬وفي سنة ‪ 1993‬ألقي البابا يوحنا‬
‫بولس الثاني خطابه الرسولي وأشار فيه إلى النفصال المتزايد‬
‫بين الكنيسة والرأي العام النصراني وذلك لعدم تصديق النصارى‬
‫للعقيدة النصرانية الحالية كما طالب النصارى بعدم مناقشة‬
‫العقيدة النصرانية والتسليم العمى بها‪ .‬فهل يمكن أن يكلف الله‬
‫البشر باليمان بعقيدة هذا شأنها؟؟‬
‫في البدء كانت الكذبة‬
‫ُ‬ ‫َ‬ ‫وم َ‬
‫ح‬ ‫ي وَل َ ْ‬
‫م يُو َ‬ ‫ي إِل َ َّ‬
‫ح َ‬
‫ل أوْ ِ‬‫ن افْتََرى ع َلَى اللّهِ كَذِبا ً أوْ قَا َ‬ ‫م َّ‬
‫م ِ‬ ‫ن أظْل َ ُ‬
‫م ِ‬ ‫َ َ ْ‬
‫يءٌ‬ ‫ش ْ‬ ‫إِلَيْهِ َ‬
‫إذا نظرنا في تاريخ النصرانية لنعرف كيف تسربت هذه الوثنية‬
‫إليها سنرى أن أتباع المسيح عليه السلم بعد رفعه إلى السماء‬
‫ظلوا يعبدون الله الواحد الحد في الهيكل تنفيذا لتعاليم المسيح‬
‫عليه السلم‪ [ :‬إلى طريق أمم ل تمضوا وإلى مدينة للسامريين‬
‫ل تدخلوا بل اذهبوا بالحري إلى خراف بني إسرائيل الضالة ]‬
‫متى ‪ 6 ،5 / 10‬ولكنهم مع اضطهاد اليهود لهم حتى ل ينازعوهم‬
‫السلطة الدينية داخل الهيكل تحولوا إلى عبادة الله في البيوت‬
‫الواسعة وكان الذي يقود عمليات الضطهاد ضد أتباع المسيح‬
‫رجل يهودي اسمه شاؤول من طائفة الفريسيين أشد الطوائف‬

‫‪284‬‬
‫اليهودية بغضا للمسيح ولكن ظل للحواريين كيانا منظما و ظلوا‬
‫متمسكين بتعاليم المسيح بأل يمضوا إلى طريق المم وظلت‬
‫دعوتهم مستمرة ثم حدث أمر غريب فقد تحول شاول فجأة من‬
‫عدو لدود ظالم إلى رسول قديس يوحى إليه!! بدون مقدمات‬
‫دخل شاؤول النصرانية ذاكرا أنه رأى نورا غامرا سمع منه صوتا‬
‫إلهيا أعطاه إنجيل ً إلهيًا بدون أن يذكر أي شهود على هذه‬
‫الحادثة!! وانتقل شاؤول فجأة من كرسي الجلد إلى كـرسي‬
‫المحامي ثم أطلق على نفسه اسم بولس ثم أصبح بعدها أهم‬
‫شخصية في تاريخ المسيحية باعتراف المؤرخين للثار والتغييرات‬
‫الكبيرة التي حدثت بسببه حتى إن المسيحية تسمى باسمه أحيانا‬
‫فيقال مسيحية بولس‪ ]72[ .‬ثم أخذ بولس يدعو الناس إلى ما‬
‫كان غائبًا عن تلميذ المسيح وما كان غائبا عن المسيح نفسه‬
‫طوال حياته على الرض من أمور مثل تجسيد الله وألوهية‬
‫المسيح ونظرية المخلص وعقيدة الفداء والصلب والخطيئة‬
‫الصلية والتي كانت عند المم الوثنية التي أراد بولس أن تنتشر‬
‫فيها دعوته مع اختلف السماء‪]73[.‬‬
‫وهنا يحق لنا أن نسأل عدة أسئلة إذا كان بولس رسول ً له كل‬
‫هذه الهمية فلماذا لم يبشر المسيح تلميذه بنبوته؟؟ إن ذلك لم‬
‫يحدث بدليل ما جاء في أعمال الرسل‪ :‬و لما جاء شاؤول بولس‬
‫إلى أورشاليم حاول أن يلتصق بالتلميذ وكان الجميع يخافونه غير‬
‫مصدقـين أنه تلميـذ[‪ !!]74‬ولماذا لم يختره المسيح ليكون من‬
‫تلميذه و يتلقى عنه مباشرة قبل أن يرفع إلى السماء؟ ولنا أن‬
‫نسأل أيضا كيف ينتقل رجل فجأة من الكفر المحض إلى النبوة‬
‫والرسالة بدون أن يمر بأي مرحلة وسيطة ولم يكن أي من‬
‫النبياء السابقين كافًرا قط فضل عن أن يكون عدوًا لدودًا‬
‫للدعوة؟ ولماذا ل نجد أي نص في كتاب سماوي يدل أو يشير‬
‫إليه أو يصفه‪ ،‬فرسائله تعد شهادة منه لنفسه فهي غير مقبولة‪،‬‬
‫وكذلك ما كتب بتأثير منه؟ ولماذا لم يؤيده الله بمعجزة كما أيد‬
‫موسى عليه السلم حين كلمه وكما أيد جميع النبياء؟ وما فائدة‬
‫رسالته بعد رفع المسيح مباشرة إل إن كان المسيح لم يبلغ‬
‫رسالة ربه على الوجه الكمل حاشاه من ذلك؟ وكيف عرف‬
‫بولس فجأة بعد أن سمع الصوت أن الذي يخاطبه هو صوت‬
‫الرب وليس شيطانا؟ و لماذا لم يذهب بولس بعد تنصره مباشرة‬
‫إلى التلميذ ليتلقى عنهم دين المسيح بل ذهب إلى الجزيرة‬
‫العربية [‪ ]75‬ومكث بعيدا ً عن التلميذ ثلث سنين‪ ،‬ثم لقي اثنين‬
‫منهم فقط لمدة خمسة عشر يوما ً (انظر غلطية ‪)19 -1/18‬‬

‫‪285‬‬
‫و لو كانت هذه التغييرات التي أحدثها بولس وحيا من عند الله‬
‫ألم يكن أولى أن ينال هذا الشرف أحد تلميذ المسيح الذين‬
‫آمنوا به في حياته وصحبوه و نالهم الضطهاد في سبيل دينه من‬
‫هذا الذي كان يحارب دعوة المسيح؟ بل ألم يكن أولى أن يخبر‬
‫بها المسيح صراحة ول يدعها لشخصية يكتنفها الريبة‬
‫والغموض؟و لماذا لم يذكر بولس اسم شاهد واحد على القل‬
‫على قصة الرؤية هذه؟ ألم يقر المسيح بأن شهادته هو لنفسه‬
‫وحدها ل تكفي وإنما يلزم شهادة أخرى معه كما نصت على ذلك‬
‫التوراة؟ [‪ ]76‬فهل بولس أفضل أم المسيح؟؟ وماذا عن‬
‫الختلفات في قصة رؤية بولس المزعومة بين الروايات‬
‫المختلفة التي تضحض هذه الواقعة؟ [‪.]77‬‬
‫إن للرسل علمات من أظهرها أن يكونوا في الدرجة القصوى‬
‫من حسن الخلق والسجايا الكريمة فهل تحقق هذا في بولس؟‬
‫إذا نظرت في نصوص العهد الجديد ستجد له مواقف تطفح‬
‫غرورا ونفاقا وكذبا في سبيل تحقيق أهدافه فتجده يقول‪":‬صرت‬
‫لليهود كيهودي‪ ..‬وللذين تحت الناموس كأني تحت الناموس…و‬
‫للذين بل ناموس كأني بل ناموس…صرت للكل كل‬
‫شيء"(كورنثوس(‪ .21-9/20)1‬فهو يريد أن ينشر دين الله بالكذب‬
‫والطرق الملتوية وانظر إليه عندما خاف من الجند قال لهم‪:‬‬
‫"أيجوز لكم أن تجلدوا إنسانا ً رومانياً"فذهب القائد بنفسه إلى‬
‫بولس وسأله‪" :‬أأنت حقا روماني؟" فأجاب‪" :‬نعم!" فقال القائد‪:‬‬
‫"أنا دفعت مبلغا كبيرا من المال لحصل على الجنسية‬
‫الرومانية"‪ .‬فقال بولس‪" :‬وأنا حاصل عليها بالولدة!»أعمال‬
‫‪28-22/25‬فانظر إلى هذا الكذب البواح مع أنه يهودي فريسي ابن‬
‫فريسي كما في(أعمال ‪ )6:23‬وهو يسيء الدب مع الله قائل بل‬
‫ذوق " لن جهالة الله أحكم من الناس‪ ،‬وضعف الله أقوى من‬
‫الناس"(كورنثوس(‪ )1/25)1‬ويقول عن التوراة(لو كان العهد‬
‫السابق بل عيب‪ ،‬لما ظهرت الحاجة إلى عهد آخر يحل محله)‬
‫عبرانيين(‪ )8/7‬ويقول مستحل ً المحرمات‪ " :‬كل الشياء تحل‬
‫لي"(كورنثوس(‪]78[ )6/12)1‬بالضافة لنه جعل نفسه حواريًا بل‬
‫ما فوق النبياء جميعًا يدين العالم كله بما فيهم‬‫سا معصو ً‬
‫قدي ً‬
‫الملئكة الذين جعل المسيح دونهم بقليل [‪ ]79‬انظر عبرانيين ‪9/2‬‬
‫و كورنثوس(‪3-6/2)1‬‬
‫ولم يكتف بولس بذلك ولكنه مل العهد الجديد بأرائه المحضة ثم‬
‫جعلها وحيا مقدسا من عند الله فتراه يقول(إِذا ً من ُزوِّج فحسنا‬
‫يفعل ومن ل يَُزوج يفعل أحسن)(كورنثوس(‪ )7/39 )1‬فهل هذا‬
‫يتفق مع فطرة الله التي فطر الناس عليها؟ وماذا يحدث لو‬

‫‪286‬‬
‫طبق جميع الناس هذه النصيحة الغبية؟ حتى رسائله الشخصية‬
‫البحتة التي ل تعني أي شيء بالنسبة للناس جعلها وحيا أيضا من‬
‫عند الله فيقول في رسالته إلى تيموثاوس "سلم على برسكا‬
‫وأكيل‪ ،‬وعائلة أونيسيفورس‪ .‬أراستس مازال في مدينة‬
‫ضا‪ .‬اجتهد‬‫كورنثوس‪ .‬أما تروفيموس‪ ،‬فقد تركته في ميليتس مري ً‬
‫أن تجيء إلي قبل حلول الشتاء‪.‬يسلم عليك إيوبولس‪ ،‬وبوديس‪،‬‬
‫ولينوس‪ ،‬وكلوديا‪ ،‬والخوة جميعا)‪ .‬فما علقة هذه السلمات‬
‫ضا في هذه‬ ‫والتحيات بوحي الله للعالمين؟ وهو ل ينسى ردائه أي ً‬
‫الرسالة فيقول) وعندما تجيء‪ ،‬أحضر معك ردائي الذي تركته‬
‫عند كاربس في ترواس‪ ،‬وكذلك كتبي‪ ،‬وبخاصة الرقوق‬
‫المخطوطة‪ )!!.‬فهل هذا كلم مقدس؟‬
‫إن المسيح عليه السلم قد بشر ببولس رسول للشيطان ل‬
‫رسول للرحمن فقال‪" :‬ل تظنوا أني جئت لنقض الناموس أو‬
‫النبياء ما جئت لنقض بل لكمل فإني الحق أقول لكم‪ :‬إلى أن‬
‫تزول السماء والرض ل يزول حرف واحد من الناموس حتى‬
‫يكون الكل‪ ،‬فمن نقض إحدى هذه الوصايا الصغرى وعلم الناس‬
‫هكذا يدعى‪ :‬أصغر في ملكوت السماوات"(متى ‪ ،)19-5/17‬و بولس‬
‫معناها "الصغير") وهو الذي نقض وصايا المسيح ووصايا موسى‬
‫عليهما السلم التي قال عنها المسيح " إ ن أردت أن تدخل‬
‫الحياة فاحفظ الوصايا "‪ .‬متى [ ‪ ] 16 :19‬وقال أيضا " « على‬
‫كرسي موسى جلس الكتبة والفريسيون فكل ما قالوا لكم أن‬
‫تحفظوه فاحفظوه وافعلوه ولكن حسب أعمالهم ل تعملوا لنهم‬
‫يقولون ول يفعلون‪ )).‬متى [ ‪ ] 1 :23‬فقد أحل بولس شرب الخمر‬
‫ودعا إليها صراحة وأحل أكل لحم الخنزير وحلل ذبيحة الصنم‬
‫وأبطل مفهوم النجاسة و حرم الختان –مع أن المسيح قد اختتن[‬
‫‪ -]80‬وألغى تقديس يوم السبت وقال عن الشريعة التي كان‬
‫المسيح من أشد الناس تمسكا بها أنها (لم توصل الذين كانوا‬
‫يعبدون الله بحسبها ولو إلى أدنى درجات الكمال)[‪ ]81‬ثم وصل‬
‫به الحال إلى أن ألغى الشريعة معلل ذلك بكل وقاحة بأن‬
‫الشريعة تجلب الغضب‪ ،‬وحيث ل تكون شريعة ل تكون معصية‬
‫[ رومية ‪ ] 15 :4‬وقال "لذا نحن ‪ -‬أي بولس‪ -‬نقرر تبرير أعمال‬
‫النسان من خلل إيمانه‪ ،‬بدون التزامه بالشريعة " [‪ []82‬رومية ‪:3‬‬
‫‪ ] 28‬فجعل بولس فصل تاما بين اليمان والعمل وجعل المطلوب‬
‫من الشخص فقط كي ينجو أن يؤمن أن المسيح مات على‬
‫الصليب كفارة لخطاء البشرية ثم ل عليه بعد ذلك أن يفعل ما‬
‫يريد طالما آمن بالمخلص فالنجاة ستأتيه أوتوماتيكيا!! حتى أنه‬

‫‪287‬‬
‫أخبر أن الكافر الذي ل يؤمن بالمسيح قد يدخل الجنة إذا كان‬
‫متزوجا من امرأة مؤمنة(كورنثيوس ‪]83[)16-8:7 1‬‬
‫ول يخفى ما لهذا العتقاد من أثر في التسبب في النحلل‬
‫الخلقي و الفوضى الجتماعية‪ .‬و على عكس ذلك قال يعقوب‬
‫تلميذ المسيح في رسالته‪ " :‬قائلً‪(:‬يا إخوتي‪ ،‬هل ينفع أحدا أن‬
‫يدعي أنه مؤمن‪ ،‬وليس له أعمال تثبت ذلك‪ ،‬هل يقدر إيمان مثل‬
‫هذا أن يخلصه؟) [‪ ]14:2‬و قوله " وهذا يؤكد لك‪ ،‬أيها النسان‬
‫الغبي‪ ،‬أن اليمان الذي ل تنتج عنه أعمال هو إيمان ميت " [‪:2‬‬
‫‪]20‬‬
‫و قد دعي بولس في الدنيا بالصغير‪ ،‬ولسوف يدعى في الخرة‬
‫أصغر جزاء تبديله للناموس والوصايا‬
‫غير أن أخطر الشروخ التي أصابت جدار المسيحية على يد‬
‫بولس على الطلق هي الوثنية المتمثلة في عقائد تجسيد الله و‬
‫صلبه وأكل لحمه ودمه في العشاء الرباني وغير ذلك مما نبت‬
‫من أفكاره الفلسفية[‪ ]84‬أو معتقدات الشعوب الخرى التي أراد‬
‫للمسيحية أن تنتشر فيها‪ .‬يقول شارل جنيبر" إن الدراسة‬
‫المفـصلة لرسائل بولس الكبرى تـكشف لنا النـقاب عن مزيج‬
‫من الفكار فـيبدو لول وهـلة غريبًا حـقـا فهي مزيج من الفكار‬
‫اليـهودية ثم من المفاهـيم المنـتشرة في الوساط الوثنـية‬
‫اليونانية ومن الذكريات النجـيلية والساطير الشرقية" [‪]85‬‬
‫ويبدو أن هم بولس الول الذي استطاع تحويل المسيحية من‬
‫دعوى قومية إلى بني إسرائيل كما كانت في عهد المسيح إلى‬
‫دعوة عالمية كان الستكثار من التباع و المؤمنين الجدد من أبناء‬
‫المم المجاورة لذا صاغ لهم من معتقداتهم القديمة دينه الجديد‬
‫الذي ل يمت للمسيح بصلة إل اسمه ويدل على ذلك التشابه‬
‫الشديد بين عقائد النصارى الحالية والعقائد الوثنية القديمة‪]86[ .‬‬
‫فكما أن اللهة عند الرومان تتجسد على شكل مخلوقات وتصارع‬
‫البشر جعل بولس إلهه الجديد كذلك وكما أن البشرية في نظر‬
‫الحضارات القديمة تحتاج إلى منقذ يخلصها من اللعنة جعل‬
‫بولس ذلك في دينه الجديد ومن أمثلة ذلك ديانة (مثرا) الذي‬
‫كانوا يسمونه في أوروبا(مثرا إله الخلص) والمثراوية تحوي‬
‫ضا حتى أن بعض الباحثين أعلن‬ ‫المعمودية والعشاء الرباني[‪ ]87‬أي ً‬
‫في وضوح أن النصرانية هي المثراوية في ثوبها الجديد ولهذا قيل‬
‫«لم تتنصر الروم ولكن تروَّمت النصارى»‪ .‬يقـول د‪ .‬جـنيبر‪:‬‬
‫[ ورأى بولس بوضوح أيضـا أن التباع الجـدد من المشركـين لم‬
‫يكـونوا ليتقـبلوا كل القـبول(فـضيحـة الصليب)أنه يجـب تفـسير‬
‫ميتـة عـيسى المشيـنة تفـسيًرا مرضيـا يجـعـل منها واقـعـة ذات‬

‫‪288‬‬
‫مغـزى ديني عـميق‪ ..‬وأعـمل بولس فكـره في هـذه المشكلة‪..‬‬
‫ووضـع لها حل ً كان له صـدى بالغ المـدى‪ ..‬لقـد تجـاهل فكـره‬
‫عـيسى الناصري(المسيح عـليه السلم) ولم يتجـه إل إلى‬
‫عـيسى المصلوب(الشخـصية التي اخـترعـها بولس) فـتصوره‬
‫شخـصية إلهـية تسـبق العـالم نفـسه في الوجـود‪ ..‬رجـل‬
‫سماوي احـتفـظ به الله إلى جانبه أمـدًا طويـل ً حتى نزل إلى‬
‫الرض لينـشيء فـيها حـقـا بشـريـا جـديدة يكـون هو دمها‪]88[]..‬‬
‫فإذا نظرنا إلى موقف تلميذ المسيح من بولس فبرغم من أن‬
‫بعضهم تقبله في البداية عمل بحسن الظن الذي علمهم إياه‬
‫المسيح إل أنهم عارضوا دعوته ووقفوا في وجهها بعد أن ظهرت‬
‫لهم بدعه المهلكة ودليل ذلك اختفاء ذكرهم عن عالم المسيحية‬
‫بعد ظهور بولس‪ ،‬فقد اختفت كتاباتهم وحوربت‪ ،‬ولم ينج منها إل‬
‫إنجيل برنابا ورسالة يعقوب المضمنة في رسائل العهد الجديد‬
‫والتي تمتلئ بمخالفة بولس وخاصة في مسألة الفداء‪.‬حتى برنابا‬
‫وهو الوحيد الذي قدم بولس إلى التلميذ نفر منه بعد ذلك‬
‫واختلف معه وتركه واختفى ذكره من العهد الجديد بعد هذه‬
‫الحادثة و لو كان بولس رسول من عند الله حقا لما تركه تلميذ‬
‫المسيح عليه السلم[‪.]89‬‬
‫وقد ظل المؤمنون من أتباع التلميذ الذين كانت لهم رسائلهم‬
‫ضا يعبدون الله على شريعة المسيح بدون أن يتأثروا‬ ‫وكتبهم أي ً‬
‫ببدع بولس وحارب الكثير منهم دعوة بولس واتهموه بأنه أفسد‬
‫الديانة المسيحية بعد أن عجز عن القضاء عليها بالسيف‬
‫والسلطان فدخل في المسيحية وأخرجها من التوحيد إلى الوثنية‪.‬‬
‫حتى بدأ تدخل السلطة وانعقاد المجامع الكنسية‪ .‬وفي ذلك يقول‬
‫الشاعر القروي السوري رشيد سليم الخوري ‪-‬المولود في أسرة‬
‫أرثوذكسية‪ " :‬إن الكنيسة ظلت حتى مطلع القرن الرابع‬
‫الميلدي تعبد الله على أنه الواحد الحد وأن يسوع المسيح عبده‬
‫ورسوله حتى تنصر قسطنطين عاهل الروم وتبعه خلق كثير من‬
‫رعاياه اليونان والرومان فأدخلوا بدعة التثليث وجعلوا لله سبحانه‬
‫وتعالى أندادًا شاركوه منذ الزل في خلق السماوات والرض‬
‫وتدبير الكوان ومالهم السقف النطاكي مكاريوس فثار زميله‬
‫السقف أريوس على هذه البدعة ثورة عنيفة شطرت الكنيسة‬
‫واتسع بين الطائفتين نطاق الجدل حتى أدى إلى القتتال وفاز‬
‫أريوس بالحجة القاطعة في المجامع بيد أن السلطة وضعت‬
‫ثقلها في الميزان فأسكتت صوت الحق وأنفذت صوت الباطل‬
‫واستمر المسيحيون يعمهون في ضللتهم "‪.‬‬

‫‪289‬‬
‫وقضية المجامع هذه أمرها عجيب‪ .‬فإزاء تعدد مذاهب النصارى‬
‫في المسيح عليه السلم وتعدد أناجيلهم كذلك التي بلغت أكثر‬
‫من خمسين إنجيل ً كما تذكر بعض الروايات تم عقد المجامع‬
‫الكنسية وأولها مجمع نقية عام ‪ 325‬م الذي اجتمع فيه أكثر من‬
‫ألف أسقف لكي يحددوا طبيعة المسيح عليه السلم ويختاروا‬
‫الناجيل المعترف بها من ضمن عشرات الناجيل وبرغم أن ‪338‬‬
‫أسقفا فقط هم من قالوا بألوهية المسيح إل أن المبراطور‬
‫الروماني قسطنطين انحاز إلى هذا الرأي –وهو القرب إلى‬
‫وثنيته‪ -‬وانفض المجمع على لعن أريوس الذي يقول بالتوحيد‬
‫ونفيه وطرد من قال برأيه وحرق كتبه واختيار أربعة أناجيل فقط‬
‫هي أناجيل يوحنا ولوقا ومتى ومرقص التي كانت تعزز عقيدة‬
‫ألوهية المسيح وحرق بقية الناجيل وقتل كل من يثبت اقتناؤه لها‬
‫وأما الرسائل السبع فلم يعترف المجمع المذكور بالكثير منها‪،‬‬
‫وإنما تم العتراف بها فيما بعد وهذا القدر من التاريخ يتفق عليه‬
‫جل المؤرخين‪ .‬وهكذا تحققت نبوءة المسيح وهي‬
‫قوله(ستطردون خارج المجامع‪ ،‬بل سيأتي وقت يظن فيه من‬
‫يقتلكم أنه يؤدي خدمة لله‪ .‬وهم يفعلون هذا بكم لنهم لم يعرفوا‬
‫أبي‪ ،‬ول عرفوني) يوحنا ‪ 2:16‬و إنا لنعجب أشد العجب من دين‬
‫يتم اختيار عقائده وكتبه بهذه الطريقة‪ ...‬هل يمكن أن يترك الله‬
‫الناس في حيرة بدون بينة واضحة أو كتاب منير فيحددوا طبيعة‬
‫إلههم وكتبهم المقدسة من خلل المؤتمرات التي تتلعب فيها‬
‫الهواء والمصالح وحب الرياسة وتقلبات السياسة بالنفوس‬
‫البشرية؟[‪]90‬أم أن الحق كان واضحا ولكن اختلف الكهنة‬
‫والعلماء وإتباع الهواء أذهب به؟ ولماذا تم رفض بقية الناجيل‬
‫برغم أن الشخاص الذين كتبوها تعتبرهم الكنيسة قديسين؟‬
‫ولماذا كانت هذه الربعة فقط هي وحي الله وما عداها ليس‬
‫وحيا؟(‪ )91‬وما الذي يضمن أن قرارات هذه المجامع هي قرارات‬
‫معصومة من الخطأ وهي التي كانت قلما كان يسلم أعضاؤها من‬
‫الختلف بل كانت تنتهي غالبا بلعن بعضهم بعضا!! ل شك أن أي‬
‫عاقل ل يقبل أن يتحدد دينه واعتقاده و هو أهم ما لديه بهذه‬
‫الطريقة‪.‬‬
‫و برغم نتيجة هذه المجامع وانحياز المبراطور الروماني لوثنية‬
‫روما في شكلها الجديد واضطهاد الدولة الرومانية لتباع أريوس‬
‫فإنه ظل من النصارى من يعبد الله وحده واستمر من عقلء‬
‫النصارى ومصلحيهم من كل جيل من يستيقظ عقله ليعلن فساد‬
‫مبدأ التثليث والتجسد من حين لخر فيناله ما يناله من التهام‬
‫بالهرطقة والتكفير والحرمان من دخول الجنة من الكنيسة حتى‬

‫‪290‬‬
‫بعث الله محمدا صلى الله عليه وسلم فانتصر لتباع التوحيد‬
‫وأصبحوا ظاهرين من حينها و تولت أمة السلم أمر الدعوة إلى‬
‫عبادة الله وحده و ما زال يلبي هذه الدعوة إلى اليوم كل من‬
‫استمع لنداء عقله وفطرته وقلبه من علماء النصارى وعوامهم‬
‫على السواء‪]92[.‬‬
‫على أن فساد النصرانية لم يقتصر في أمر اللوهية ولكن جعلت‬
‫الكنيسة لنفسها سلطة مغفرة الذنوب ودخول الجنة وجعلت‬
‫لذلك صكوكا فأقحمت نفسها بين العبد وربه و احتكرت لنفسها‬
‫حق تفسير النجيل بل وقراءته [‪]93‬وجعلت لنفسها أسرارا ل‬
‫يجوز للناس الطلع عليها و أدخلت بدعة تقديس مريم عليها‬
‫السلم وتقديس أشخاص عاديين وبدعة القربان المقدس وادعت‬
‫عصمة البابا[‪]94‬بل صار البابا يتلقى من الرب مباشرة وجعلت‬
‫السجود للصور والتماثيل والصلبان كعباد الوثان داخل الكنائس‪-‬‬
‫وهي جمادات ل تنفع ول تضر‪]95[ -‬فأصبح تعلق النصراني بتمثال‬
‫المسيح وصورته والصليب بعد أن كان بالله و وبدلت التشريعات‬
‫التي كانت سائدة أيام المسيح كالصوم وحرمت الطلق وحولت‬
‫اتجاه القبلة من بيت المقدس إلى مشرق الشمس وابتدعت‬
‫الرهبنة التي تقوم على تعذيب الجسد وأوقدت شرارة سلسلة‬
‫من الحروب الهمجية عرفت في التاريخ باسم الحروب الصليبية‬
‫و صادرت الكنيسة عقول الناس وأفكار العلماء واضطهدتهم‬
‫فأشعلت الصراع النكد مع العلم وظلت أوروبا تعيش في عصور‬
‫الظلم مئات السنين حتى نبذ أهلها الدين وضاقوا ذرعا بتسلط‬
‫الكنيسة وطغيانها فظهرت عدة ثورات وحركات إصلحية[‪]96‬نادت‬
‫بالتحرر من سلطة الكنيسة وُرفِع شعار اللدينية وحينها فقط بدأ‬
‫ما يعرف بعصر النهضة الوروبية!!‬
‫يكتبون الكتاب بأيديهم‬
‫َ‬ ‫َ ٌ َ‬
‫عند ِ الل ّ ِ‬
‫ه‬ ‫ن ِ‬
‫م ْ‬‫ن هَـذ َا ِ‬‫م يَقُولُو َ‬ ‫م ث ُ َّ‬
‫ب بِأيْدِيهِ ْ‬ ‫ن الْكِتَا َ‬
‫ن يَكْتُبُو َ‬ ‫ل ل ِّل ّذِي َ‬ ‫فوَي ْ‬
‫منا ً قَلِيلً‬
‫شتَُروا ْ بِهِ ث َ َ‬ ‫لِي َ ْ‬
‫أنزل الله على عيسى عليه السلم النجيل وقال عنه في‬
‫ن التَّوَْراةِ وَهُدًى‬
‫م َ‬‫ن يَدَيْهِ ِ‬
‫ما بَي ْ َ‬ ‫دّقا ً ل ِّ َ‬
‫ص ِ‬
‫م َ‬‫القرآن(فِيهِ هُدًى وَنُوٌر وَ ُ‬
‫ن) و هذا الكتاب المبارك هو الذي كان يسمى‬ ‫متَّقِي َ‬‫ة ل ِّل ْ ُ‬
‫عظ َ ً‬ ‫موْ ِ‬ ‫وَ َ‬
‫بالنجيل فقط غير منسوب إلى مؤلف من البشر وقد علمه‬
‫المسيح عليه السلم لتلميذه ووردت إشارات عنه في الكتاب‬
‫المقدس [‪]97‬إل أنه يبدو أن هذا النجيل قد تعرض للفقد مع‬
‫معظم كتابات التلميذ التي كانوا يكتبون فيها مذكراتهم و‬
‫تسجيلهم للحداث ووصاياهم وقد عرفت أيضا باسم الناجيل إثر‬
‫المحاولت الغاشمة من الكنيسة للقضاء عليها وحرقها وقتل‬

‫‪291‬‬
‫مقتنيها‪ .‬و قد بلغت هذه الكتب أكثر من خمسين إنجيل و منها‬
‫إنجيل برنابا وإنجيل الطفولة ويُنسب لمتى الحواري وإنجيل‬
‫فيليب ويُنسب لفيليب الحواري وإنجيل المصريين ويُنسب‬
‫لمرقص الحواري و إنجيل الثنى عشر رسول و إنجيل العبرانيين‬
‫أو الناصريين و إنجيل السبعين وينسب لتلمس وإنجيل مريم‬
‫المجدلية وإنجيل الحياة وإنجيل الولدة وإنجيل التذكرة وإنجيل‬
‫مرقيون وقد تم رفض أكثر هذه الناجيل بعد مجمع نيقية وبقيت‬
‫شذرات منها في المكتبات القديمة إل أن إنجيل برنابا منها هو‬
‫الذي ذاع صيته وانتشر و ترجم إلى لغات عديدة‪ .‬وقد جاء ذكر‬
‫إنجيل برنابا في ثنايا قرارات الكنسية منذ القرن الرابع الميلدي‬
‫تحرض على منع قراءته مثل قرار البابا ديماسوس عام ‪ 366‬م‬
‫وقرار البابا جلسيوس الول الذي جلس على كرسي البابوية عام‬
‫‪ 492‬م يحرم فيه قراءة عدة كتب منها إنجيل برنابا‪.‬ويتفق‬
‫المؤرخون على أن أقدم نسخة عثروا عليها لهذا النجيل‪ ،‬نسخة‬
‫مكتوبة باللغة اليطالية‪ ،‬عثر عليها كريمر أحد مستشاري ملك‬
‫بروسيا‪ ،‬و ذلك فى سنة ‪ .1709‬و قد انتقلت النسخة مع بقية مكتبة‬
‫ذلك المستشار فى سنة ‪ 1738‬إلى البلط الملكي بفينّا‪ .‬و كانت‬
‫تلك النسخة هى الصل لكل نسخ هذا النجيل في اللغات التي‬
‫ترجم إليها‪ .‬وبرنابا كاتب هذا النجيل هو أحد حواريي المسيح‪،‬‬
‫واسمه يوسف بن لوي بن إبراهيم وجاء في العهد الجديد أنه باع‬
‫حقله وجاء ووضعه عند أرجل تلميذ المسيح(انظر أعمال ‪– 5/36‬‬
‫‪ ،)37‬عرف بصلحه وتقواه وقد ذهب برنابا للدعوة في أنطاكية‪..‬‬
‫"ووعظ الجميع أن يثبتوا في الرب بعزم القلب‪ ،‬لنه كان رجلً‬
‫صالحا ً وممتلئا ً في الروح القدس واليمان‪ ،‬فانضم إلى الرب جمع‬
‫غفير "(أعمال ‪ )24 – 11/22‬و يعتبر إنجيل برنابا وثيقة إدانة ضد‬
‫التحريف الذي أحدثه بولس الكذاب وبابوات الكنيسة من بعده‬
‫في النصرانية وشاهدا على صدق النبي محمد صلى الله عليه‬
‫وسلم إذ أنه يقر بوحدانية الله عز وجل و ببشرية المسيح عليه‬
‫السلم ويبشر برسول السلم باسمه الصريح محمد لذا لم‬
‫تعترف به الكنيسة وحرمت قراءته ولكن يأبى الله إل أن يتم‬
‫نوره فالكتاب مترجم للعربية ومتاح للجميع[‪]98‬وهذا ل يعني أنه‬
‫خالي من الخطاء فهو كأي عمل بشري معرض لذلك لكنه أقرب‬
‫الناجيل إلى الصواب‪ .‬وهذه إحدى فقراته يبشر المسيح فيها‬
‫بالنبي صلى الله عليه وسلم " فأجاب يسوع‪....‬الحق أقول لكم‬
‫إن كل نبى متى جاء فإنه إنما يحمل علمة رحمة الله لمة واحدة‬
‫فقط‪ .‬و لذلك لم يتجاوز كلمهم الشعب الذى أرسل إليهم‪ .‬و‬
‫لكن رسول الله متى جاء‪ .‬يعطيه الله ما هو بمثابة خاتم‪ .‬فيحمل‬

‫‪292‬‬
‫خلصا و رحمة لمم الرض الذين يَقبلون تعليمه‪ .‬و سيأتى بقوة‬
‫على الظالمين‪ .‬و يبيد عبادة الصنام بحيث يخزى الشيطان‪ .‬لنّه‬
‫هكذا وعد الله إبراهيم قائل(أنظر فإني بنسلك أبارك كل قبائل‬
‫الرض و كما حطّمت يا إبراهيم الصنام تحطيما هكذا سيفعل‬
‫نسلك")‪.‬‬
‫أما التوراة فلم تسلم هي الخرى من التلعب والتحريف فقد‬
‫آتى الله موسى الكتاب فيه هدى ونور ومن كل شيء موعظة‬
‫وتفصيل لكل شيء لكن أحبار السوء الذين ورثوا الكتاب كانوا‬
‫يشترون به ثمنا قليل فيخفون كثيرا من أجزائه للهروب من‬
‫أحكامه غالبا وكسب المال ويكتبون بدل منها كتبا بأيديهم ثم‬
‫يقولون هذا من عند الله حتى تحول الكتاب إلى هذه المجموعة‬
‫المشوهة أخلقيا وعلميا من السفار التي تعرف بالعهد القديم‬
‫بعضها لمؤلفين مجهولين كما ذكر مراجعو الطبعة المنقحة‬
‫‪RSV‬مثل سفر صموئيل وسفر أخبار اليام[‪]99‬والتي ل نجد بينها‬
‫ن‬‫التوراة كما كانت على عهد موسى‪ .‬وصدق الله إذ يقول(وَإ ِ َّ‬
‫منهم لَفَريقا ً يلْوو َ‬
‫و‬
‫ما هُ َ‬ ‫ب وَ َ‬ ‫ن الْكِتَا ِ‬
‫م َ‬‫سبُوه ُ ِ‬
‫ح َ‬‫ب لِت َ ْ‬‫سنَتَهُم بِالْكِتَا ِ‬‫ن أل ْ ِ‬‫َ ُ َ‬ ‫ِ‬ ‫ِ ُْ ْ‬
‫عند ِ اللّهِ‬
‫ن ِ‬‫م ْ‬ ‫عند ِ اللّهِ وَ َ‬
‫ما هُوَ ِ‬ ‫ن ِ‬‫م ْ‬
‫ن هُوَ ِ‬ ‫ب َويَقُولُو َ‬
‫ن الْكِتَا ِ‬‫م َ‬ ‫ِ‬
‫ن) وهذا ل يمنع أن يكون‬ ‫مو َ‬ ‫م يَعْل َ ُ‬
‫ب وَهُ ْ‬‫ن ع َلَى اللّهِ الْكَذ ِ َ‬ ‫وَيَقُولُو َ‬
‫في هذه السفار أثارة من علم النبياء وبقايا من وحي السماء‪،‬‬
‫لكنها غارت في بحور من تخليط البشر وتحريفهم وسترى أمثلة‬
‫على ذلك ولذلك فإن فَِرق النصارى مختلفون في كتابهم‬
‫المقدس أشد الختلف فتجد مثل البروتوستانت ‪-‬وهم أشد الفرق‬
‫تعظيما له ولذلك سموا بالنجيليين‪ -‬ل يعترفون بسبعة أسفار من‬
‫كتاب الكاثوليك وتوجد اختلفات كثيرة في السفار المعترف بها‬
‫لديهم بين كتابهم وكتاب الكاثوليك فأي الكتابين هو الصحيح؟؟‬
‫هذا بالضافة للسفار المفقودة ومشار إليها في ثنايا العهد القديم‬
‫مثل كتاب حروب الرب المذكور في سفر العدد ‪14:21‬و كتاب‬
‫ياشر المذكور في يشوع ‪.10:13‬‬
‫و أما الناجيل المعترف بها اليوم‪ -‬وهي إنجيل متّى‪ ،‬وإنجيل‬
‫مرقص‪ ،‬وإنجيل لوقا‪ ،‬وإنجيل يوحنا التي ضمنتها الكنيسة مع‬
‫رسائل بولس و بقايا التوراة المحرفة في كتاب واحد أسمته‬
‫الكتاب المقدس فبالرغم من أي من كتـاب هذه الناجيل لم يدع‬
‫اللهام لنفسه وإنما اعترف بعضهم بأن ما كتبه هو مجرد تسجيل‬
‫للحداث حسبما يراها هو فإن الكنيسة تصر على هذه الدعوة‬
‫ولكن ما بهذه الناجيل من أخطاء وتناقضات[‪]100‬يكشف زيف‬
‫هذه الدعوة بكل وضوح‪ .‬يقول روبرت كيل تسلر[‪]101‬في كتاب‬
‫حقيقة الكتاب المقدس‪ " :‬أما ما يخص العهد الجديد فإن النص‬

‫‪293‬‬
‫الصلي ‪-‬وهو ليس لدينا كما ذكرنا من قبل ‪ -‬قد تكوَّن بين أعوام(‬
‫‪ )50‬و(‪ )200‬بعد الميلد‪ ،‬وهذه مدة كبيرة من الزمن بعد وفاة‬
‫يسوع‪ ،‬بل إن(‪ )50‬سنة لتعد أيضا ً فترة زمنية كبيرة وفي هذا‬
‫الزمن استطاعت بعض الساطير أن تجد لها طريقا ً تنتشر فيه‪،‬‬
‫في وقت لم يعد فيه شهود عيان عند تكوين معظم النصوص‬
‫الصلية وهنا يجب علينا أن نتذكر‪ :‬كم من الساطير نشأت فقط‬
‫بعد عدة سنوات بسيطة من حريق جيوفارا؟ " وإذا لم تكن‬
‫مصدقا بوجود الشاعات في الناجيل فقل لي بربك من أين‬
‫عرف المؤلفون الحداث التي تلت القبض على شبيه المسيح إذا‬
‫كان كل التلميذ قد تركوه وهربوا كما هو مذكور في متى ‪56:26‬‬
‫ومرقس ‪ 50:14‬إل عن طريق الشاعات؟‬
‫أول هذه الخطاء هي نسبة الناجيل نفسها لصحابها فهي نسبة‬
‫تعتريها الشكوك وتحوم حولها الشبهات من كل جانب‪.‬أما بالنسبة‬
‫لنجيل يوحنا فقد كتب في أواخر القرن الول الميلدي في حين‬
‫أن يوحنا الحواري كما يقول بعض المؤرخين مات مشنوقا سنة‬
‫‪44‬م على يد غريباس الول وهو كما يذكر مؤلفه مكتوب خصيصا‬
‫لثبات إلوهية المسيح فقد ظلت الناجيل نحو قرن من الزمان‬
‫ليس فيها نص على إلوهية المسيح فالساقفة اعتنقوا إلوهية‬
‫المسيح قبل وجود النص الذي يدل عليها ولما أرادوا أن يحتجوا‬
‫على خصومهم لم يجدوا مناصا من أن يلتمسوا دليل ناطقا بذلك‬
‫فكتب أحدهم أو بعضهم هذا النجيل[‪ .]102‬تقول دائرة المعارف‬
‫البريطانية‪" :‬يعتقد كثير من العلماء أن نسبة هذا النجيل إلى‬
‫يوحنا الحواري غير صحيحة"[‪ ]103‬وجاء في الترجمة المسكونية‬
‫للنجيل كلم مماثل لذلك‪ .‬ولول خشية التطويل لذكرت أراء عددا‬
‫من الباحثين بأسمائهم ولكن أكتفي بذكر كلم القس فهيم عزيز‬
‫بعد طرحه لسؤال من كاتب إنجيل يوحنا‪ :‬يجيب القس فهيم‬
‫عزيز‪ " :‬هذا السؤال صعب‪ ،‬والجواب عنه يتطلب دراسة واسعة‬
‫غالبا ً ما تنتهي بالعبارة‪ :‬ل يعلم إل الله وحده من الذي كتب هذا‬
‫النجيل "‪ .‬وهذه شهادة من أهلها ل تحتاج معها لشهادة أخرى‪.‬‬
‫أما إنجيل متى فقد جاء في مقدمة الرهبانية اليسوعية لنجيل‬
‫متى‪ " :‬أما المؤل ِّف‪ ،‬فالنجيل ل يذكر عنه شيئا ً وأقدم تقليد‬
‫كنسي ينسبه إلى الرسول متى‪ ..‬ولكن البحث في النجيل ل‬
‫يثبت ذلك الرأي أو يبطله على وجه حاسم‪ ،‬فلما كنا ل نعرف‬
‫اسم المؤلف معرفة دقيقة يحسن بنا أن نكتفي ببعض الملمح‬
‫المرسومة في النجيل نفسه‪." ...‬‬
‫أما مرقس ولوقا فلم يكونا من تلميذ المسيح عليه السلم يقول‬
‫المفسر دنيس نينهام مفسر مرقس‪ " :‬لم يوجد أحد بهذا السم‬

‫‪294‬‬
‫عرف أنه كان على صلة وثيقة‪ ،‬وعلقة خاصة بيسوع‪ ،‬أو كانت له‬
‫شهرة خاصة في الكنيسة الولى "‪ .‬وقال بطرس قرماج في‬
‫كتابه " مروج الخبار في تراجم البرار " عن مرقس‪" :‬كان ينكر‬
‫ألوهية المسيح "‪ .‬وأما لوقا فقد كفانا عناء البحث في أقوال‬
‫المؤرخين إذ يقول بنفسه في مقدمة إنجيله " إذ كان كثيرون قد‬
‫أخذوا بتأليف قصة في المور المتيقنة عندنا‪ ،‬كما سلمها إلينا‬
‫الذين كانوا منذ البدء معاينين وخداما ً للكلمة‬
‫رأيت أنا أيضا ً ‪ -‬إذ قد تتبعت كل شيء من الول بتدقيق ‪ -‬أن‬
‫أكتب على التوالي إليك أيها العزيز ثاوفيلس‪ ،‬لتعرف صحة الكلم‬
‫ت به " فالذين كانوا في البدء هم التلميذ و هو يعلن‬ ‫الذي عل ِّم َ‬
‫أنه لم يكن معهم‪]104[ .‬‬
‫أما عن النسخ الصلية التي كتبت منها هذه الناجيل فيقول‬
‫موريس نورن في " دائرة المعارف البريطانية "‪ " :‬إن أقدم‬
‫نسخة من الناجيل الرسمية الحالية كتب في القرن الخامس بعد‬
‫المسيح‪ ،‬أما الزمان الممتد بين الحواريين والقرن الخامس فلم‬
‫يخلف لنا نسخة من هذه الناجيل الربعة الرسمية‪ ،‬وفضل ً عن‬
‫استحداثها وقرب عهد وجودها منا‪ ،‬فقد حرفت هي نفسها تحريفاً‬
‫ذا بال‪ ،‬خصوصا ً منها إنجيل مرقس وإنجيل يوحنا" وهذا يعني أن‬
‫هذه الناجيل منقطعة السند[‪]105‬فضل عن أن هذه النسخ القديمة‬
‫ليست باللغة الصلية التي كتبت بها الناجيل ول يُعلم من ترجمها‬
‫ول متى ترجمت!! ول توجد أي طريقة علمية لثبات أن هذه‬
‫النسخ هي نفسها التي كانت موجودة في القرنين الول والثاني‬
‫الميلدي إل المقارنة بين عدة نسخ من هذه المخطوطات لنفس‬
‫النجيل ل تعتمد على بعضها البعض وحينها لن تكون المقارنة‬
‫بالتأكيد في صالح الكتاب المقدس!! حتى عملية النسخ نفسها‬
‫قبل اختراع الطباعة ل يمكن التسليم بدقتها نظرا لنه لم يكن‬
‫محفوظا عن ظهر قلب في صدور الرجال كالقرآن ولتغير اللغة‬
‫ومعاني الكلمات عبر القرون المتطاولة فضل عن أن اللغات‬
‫مختلفة في ثرائها اللغوي عن بعض وقد توجد كلمات في لغة ل‬
‫يوجد نظير لها في لغة أخرى لذا ل يمكن التسليم بالدقة الكاملة‬
‫لمن ترجم كلم المسيح مثل من الرامية ثم إلى اليونانية ثم إلى‬
‫اللتينية والعربية وأي ادعاء بأن الكتاب الحالي هو كتاب مقدس‬
‫يلزم أن يكون جميع المترجمين الذين ترجموه قديسين أو موحي‬
‫إليهم من الروح القدس فهل تضمن الكنيسة ذلك؟ [‪]106‬‬
‫لكن حدث اكتشافان أثريان هامان في أواسط القرن العشرين‬
‫قد يؤديان لحدوث انقلب في النظرة للكتاب المقدس والعقيدة‬
‫النصرانية من أساسها‪ .‬الول هو مخطوطات كثيرة ترجع للقرن‬

‫‪295‬‬
‫الول الميلدي[‪]107‬أو قبله تخص جماعات مسيحية موحدة‬
‫عاشت في هذه الفترة عثر عليها أحد البدو صدفة داخل أوان‬
‫من الفخار في كهوف قمران بجوار البحر الميت عام ‪ 1947‬لذا هي‬
‫تعرف بمخطوطات البحر الميت((‪ .Dead Sea Scrolls‬هذه‬
‫المخطوطات كتب عنها الدكتور ف‪ .‬البراين و هو عمدة في علم‬
‫آثار النجيل‪ " :‬إنه ل يوجد أدني شكل في العالم حول صحة هذا‬
‫المخطوط و سوف تعمل هذه الوراق ثورة في فكرتنا عن‬
‫المسيحية‪ ،‬و قال عنها القس(أ‪ .‬باول ديفيز) في كتابه عن‬
‫مخطوطات البحر الميت[‪(]108‬إن مخطوطات البحر الميت و هي‬
‫من أعظم الكتشافات أهمية منذ قرون عديدة‪ ،‬قد تغير الفهم‬
‫التقليدي للنجيل)‪ .‬ويعتقد كثير من العلماء أن هذه المجموعة‬
‫التي كتبت المخطوطات هي من السينيين ويعتقد آخرون أنهم‬
‫من البيونيين الذين كانوا يعتقدون بوحدانية الله وبشرية المسيح‬
‫عليه السلم و تنكروا لبولس الكذاب و قد اضطهدهم الرومان‪.‬‬
‫وتتحدث الوثائق صراحة عن التنبؤ بمسيحين سوف يرسلهما الله‬
‫للعالم أحدهما سيكون من نسل هارون وإسرائيل(يعقوب)‬
‫عليهما السلم و ستكون مهمته محصورة في التوجيه الديني(‬
‫‪ )priestly messiah‬ويسميه أتباعه بمعلم البر والتقوى(‪Teacher of‬‬
‫‪ )Righteousness‬ولكن أحد الكهنة وهو الكاهن الشرير ‪Wicked)(Priest‬‬
‫سوف يخونه من أجل المال ويحاول تسليمه لعدائه لكن الله‬
‫يعاقبه هو بأن يسلمه إليهم و يجعلهم يقتلونه وتتحدث أيضا‬
‫المخطوطات عن الكذاب(‪]Man of lies)[109‬الذي لوث اسم المعلم‬
‫واحتقر التعاليم وأضل الكثيرين وواضح أن معلم البر والتقوى هو‬
‫المسيح عليه السلم والكاهن الخائن هو يهوذا الذي دل الرومان‬
‫على مكانه فمكر الله به وألقى عليه شبه المسيح وأما الكذاب‬
‫فهو بولس الذي لوث اسم المسيح ونسب إليه ما لم يقله وأضل‬
‫المليين من بعده‪ .‬وأما المسيح الخر الذي تتحدث عنه‬
‫المخطوطات فهو الذي سوف تشرق شمسه على كل العالم‬
‫لتبدد الظلمات وسوف تكون كلماته كوحي السماء وسوف يحكم‬
‫سيفه على جميع العالم وسوف يُرسل لجميع أبناء عصره و يمحو‬
‫الجيل الذي بعث فيه الشر من العالم وسوف يختلق الناس‬
‫الكاذيب عنه[‪ ]110‬وقد وردت له ولصحابه صفات كثيرة في هذه‬
‫المخطوطات تنطبق على النبي محمد صلى الله عليه وسلم‬
‫وأصحابه ويمكنك أن تقرأ في هذه المخطوطات بنفسك فهي‬
‫موجودة في العديد من المكتبات العامة ومترجمة للعربية‬
‫والنجليزية وموجود فصول منها على النترنت‪.‬‬

‫‪296‬‬
‫وأما الكتشاف الثاني فهو مكتبة كاملة من الكتابات المسيحية‬
‫القديمة عثر عليها في نجع حمادي ‪))Nag Hammadi Library‬بمصر وهي‬
‫موجودة الن بالمتحف القبطي في القاهرة و من ضمن محتويات‬
‫هذه المكتبة إنجيل توماس(توما) وهو يحوي سردا لقوال المسيح‬
‫عليه السلم وإنجيل فيليب وإنجيل الحق وإنجيل المصريين‪ ،‬إلى‬
‫جانب بعض كتابات منسوبة للحواريين‪ ،‬مثل كتاب جيمس‪-‬‬
‫يحمس في المصرية‪ -‬و بعكس الناجيل الربعة المعروفة فلم يرد‬
‫أي ذكر لقصة الصلب المزعومة في مكتبة نجع حمادي بل ورد‬
‫تكذيب صريح لها‪ .‬و محتويات هذه المكتبة أيضا مترجمة ومتاحة‬
‫للباحثين ومن أمثلة ما ورد في إنجيل بطرس على لسان‬
‫بطرس(رأيته يبدو وكأنهم يمسكون به فقلت ما هذا الذي أراه يا‬
‫سيد هل هو أنت حقا من يأخذون؟ أم أنهم يدقون قدمي ويدي‬
‫شخص آخر قال لي(المخلص) من يدقون المسامير في يديه‬
‫ي شبهه في العار‬‫وقدميه هو البديل فهم يضعون الذي بقي ف ّ‬
‫ى) وتدل الرسومات الموجودة على أغلفة‬ ‫انظر إليه وانظر إل ّ‬
‫مجلدات هذه المكتبة على أن المسيحيين الوائل في مصر كانوا‬
‫يتخذون مفتاح الحياة الذي يرمز لخلود الروح عند المصريين‬
‫القدماء كرمز للمسيح عليه السلم وليس الصليب الروماني‬
‫المعروف الن و من يذهب إلى المتحف القبطي في القاهرة يجد‬
‫أن مفتاح الحياة هو الصليب الوحيد الذي يرمز لقيامة المسيح‬
‫خلل القرون الثلثة الولى للميلد‪ .‬ولم تستخدم الكنائس‬
‫المسيحية الصليب الروماني إل منذ النصف الثاني من القرن‬
‫الرابع عندما أصبحت كنيسة روما مسيطرة على الحركة‬
‫المسيحية‪ ،‬ومع هذا فإن ذلك الصليب لم يصبح مقبول لدى عامة‬
‫المسيحيين إل بعد أن أعلنت الكنيسة الرومانية عن العثور في‬
‫مدينة القدس على ما قيل إنه الصليب الخشبي الذي مات عليه‬
‫يسوع‪ .‬ثم تطور المر بعد ذلك‪ -‬خلل القرن الخامس‪ -‬عندما‬
‫وضعت الكنيسة الرومانية صور لجسد المسيح على الصليب‬
‫الخشبي‪]111[.‬‬
‫إذا عدنا إلى الكتاب المقدس الموجود بين أيدي الناس اليوم‬
‫‪-‬على اختلف نسخه ‪ -‬وأخذنا ننظر في متنه وجدنا عجبًا بدءًا من‬
‫التناقضات الصارخة بين رواية مؤلفي هذا الكتاب للحداث و‬
‫القصص الخيالية التي نسجت عن المسيح بل عن الله عز وجل‬
‫التي ل يمكن أن يقبلها عقل و الكلم الفاحش الذي يتناول‬
‫الجنس و النساء بصورة خارجة عن الحياء ونسبة جميع الخطايا‬
‫للنبياء بدءا من شرب الخمر والسرقة حتى الزنا والكفر بالله عز‬
‫وجل مما أدى لظهور علم كامل في الغرب يعرف بعلم نقد‬

‫‪297‬‬
‫الكتاب المقدس[‪]112‬يعتمد على إجراء البحوث العصرية و‬
‫المقارنة بين النسخ والمخطوطات الموجودة لمعرفة الخطاء‬
‫الموجودة في هذا الكتاب والتي أوصلها بعضهم إلى ما يزيد عن‬
‫‪ 20‬ألف خطأ!! [‪]113‬‬
‫وإذا أردت أمثلة فأول هذه الختلفات التي تلفت النظر هي‬
‫التباين الصارخ في سلسلة نسب المسيح بين إنجيلي متى ولوقا‬
‫فهما مختلفان اختلفا يصعب الجمع بينهما سواء في عدد أجداد‬
‫المسيح أو في أسمائهم ومثال ذلك عندما وصلت السلسلة إلى‬
‫داود عليه السلم جعل متى المسيح من ولد سليمان الملك بينما‬
‫جعله لوقا من ولد ناثان بن داود وهما أخوان ول يعقل أن يكون‬
‫المسيح من ذرية أخوين!! ثم إذا تأملت في سلسلة متى ستجد‬
‫أنه ذكر للمسيح أربع جدات هن ثامار وراحاب وراعوث و وزوجة‬
‫داود التي كانت لوريا الحثي و لكل واحدة من هؤلء الربع سوءة‬
‫تذكرها التوراة‪ ،‬فأما ثامار فهي التي ولدت فارص‪-‬وهو مذكور‬
‫ضمن أجداد المسيح‪ -‬زنا من والد أزواجها الذين تعاقبوا عليها‬
‫واحدا ً بعد واحد‪(.‬انظر قصتها مع يهوذا في التكوين ‪.)30 - 38/2‬‬
‫وأما زوجة أوريا الحثي فهي التي تتهم التوراة ‪ -‬زورا ً ‪ -‬داود بأنه‬
‫فجر بها‪ ،‬فحملت‪ ،‬ثم دفع داود بزوجها إلى الموت‪ ،‬وتزوجها بعد‬
‫وفاته‪(.‬انظر القصة الكاذبة في صموئيل(‪ .)4 - 11/1 )2‬وأما راحاب‬
‫زوجة سلمون‪ ،‬وأم بوعز‪ ،‬وكلهما من أجداد المسيح ‪ -‬حسب‬
‫متى ‪ ،-‬فراحاب هي التي قال عنها يشوع‪" :‬امرأة زانية اسمها‬
‫راحاب "(يشوع ‪ ،)2/1‬وذكر قصة زناها في سفره‪ .‬وأما راعوث‬
‫فهي راعوث المؤابية والتوراة تقول‪ " :‬ل يدخل عموي ول مؤابي‬
‫في جماعة الرب‪ ،‬حتى الجيل العاشر "(التثنية ‪ .)3 / 23‬ولحسن‬
‫الحظ هذه المرة فإن المسيح ليس داخل ً في هذا الطرد من‬
‫جماعة الرب‪ ،‬إذ هو الجيل الثاني والثلثون لها[‪ .]114‬فهل يعقل‬
‫أن يكون المسيح عليه السلم ولد زنا؟؟! إن اعتقاد بطلن هذه‬
‫القصص الكاذبة أهون بكثير من اعتقاد أن أجداد المسيح زناة‪.‬‬
‫لكن الدهى من ذلك وأمّر هو أن كل من النجيلين بدل من أن‬
‫ينسب المسيح إلى مريم عليها السلم نسبه إلى يوسف النجار!!‬
‫أي أن هذه السلسلسة الطويلة من النسب هم أباء وأجداد‬
‫يوسف النجار وليسوا أباء المسيح فما هي علقة المسيح بيوسف‬
‫النجار؟؟ ترى هل خاف كاتبا النجيل من اليهود فنسبا إلى مريم‬
‫ما كان اليهود يرمونها به زورا وبهتانا فجعلوا المسيح من ذرية‬
‫يوسف النجار؟؟‬
‫و ل يقف التناقض بين الناجيل عند نسب المسيح ولكن‬
‫الختلفات بينها تشمل أسماء تلميذ المسيح الثنى عشر إذ يقدم‬

‫‪298‬‬
‫العهد الجديد أربع قوائم للتلميذ الثني عشر تختلف كل واحدة‬
‫عن الخرى في متى(‪ ،)4 - 10/1‬ومرقس(‪ ،)3/16‬لوقا(‪ )6/14‬وأعمال(‬
‫‪ .)1/13‬وكذا تشمل الختلفات رواية أحداث كثيرة تروى عن‬
‫المسيح بل وتجد التناقض على لسان المسيح نفسه فمثل تجد‬
‫في متى(‪ )14 :11‬المسيح يقول عن يحيى أنه إيلي وفي يوحنا(‪:1‬‬
‫‪(28-19‬يحيى ينكر أنه إيليا و في إنجيل متى ‪ 19-18 :16‬سمى‬
‫المسيح سمعان بطرس وأعطاه مفاتيح ملكوت السموات وقال‬
‫له كل ما تربطه على الرض يكون مربوطا ً في السماوات‪ ،‬وكل‬
‫ما تحله على الرض يكون محلول ً في السماوات بينما في نفس‬
‫الصفحة قال له " اذهب عني يا شيطان‪.‬أنت معثرة لي"‪23 :16‬‬
‫ويذكر يوحنا أن المسيح قضى ثلثة أعياد فصح في نبوته بينما‬
‫تذكر الناجيل الثلثة الخرى أن المسيح مارس النبوة عاما واحدا‬
‫…إلى غير ذلك من عشرات بل مئات الختلفات الصارخة في‬
‫نصوص العهد القديم والجديد على السواء مثل التناقضات بين‬
‫روايات حادثة الصلب المشار إليها آنفا فهل يا ترى يوحي الله‬
‫بكلم يناقض بعضه بعضا؟ حاشاه وكل‪ .‬إذا لبد أن هذه الروايات‬
‫هي من كلم بشر يخطئون ويصيبون ويتعصبون ويتقلبون وأما أن‬
‫يأتوا بكلم مقدس من عند أنفسهم فهذا ما ل يستطيعون! كل‬
‫هذه التناقضات دعت الب كاننجسير ‪Kannengiesser‬أستاذ معهد‬
‫باريس الكاثوليكي في كتابه اليمان بالقيامة وقيامة اليمان[‬
‫‪]115‬أن يقول ما معناه‪ " :‬ل ينبغي اعتبار روايات الناجيل حقائق‬
‫لنها نصوص مكتوبة تبعا للمناسبة أو نتيجة نضال جماعات‬
‫متصارعة تسعى كل منها لنفاذ نظرتها " وذكر الب روجيت‬
‫‪ Roguet‬من باريس أيضا في كتابه مقدمة للناجيل كلما مثل هذا [‬
‫‪]116‬و أما عن النبؤات الكاذبة التي لم يحدث أي منها إلى الن‬
‫فلم يبخل مؤلفو العهد الجديد بها ومن أظهرها نبوءة المسيح‬
‫في(متى ‪ )34-24:29‬بأن القيامة ستحدث في حياة الجيل الذي كان‬
‫معه وقد مضى أكثر من أربعين جيل ولم تقم القيامة!!‬
‫وأما عن نسبة النقائص لله عز وجل فالكتاب المقدس قد صور‬
‫الرب تبارك وتعالى بصورا ً ل تليق أبدا ً بجلله سبحانه وتعالى‪،‬‬
‫ووصفه بأقبح الصفات‪ .‬فمثل تجد في سفر صموئيل الثاني [ ‪9 :22‬‬
‫] أن الرب له أنف يخرج منه دخان وله فم يخرج منه نار(كتنين‬
‫ضخم) يقول كاتب السفر‪(:‬عندئذ ارتجت الرض وتزلزلت‪.‬‬
‫ارتجفت أساسات السماوات واهتزت لن الرب غضب‪ .‬نفث أنفه‬
‫دخانا‪ ،‬و نار آكلة من فمه‪ ،‬جمر اشتعلت منه‪ )..‬بينما يجعل‬
‫صاحب سفر ناحوم [ ‪] 3 :1‬السحاب غبار رجل الله!!!‬
‫يقول(طريق الرب في الزوبعة والعاصفة‪ ،‬والغمام غبار قدميه)‬

‫‪299‬‬
‫أما صاحب سفر العدد فإنه يصف الرب بأنه(يجثم كأسد‪ ،‬ويربض‬
‫كلبوة‪ !!] 9 :24 [ ).‬و ل يختلف مؤلف المزمور كثيرا عن أصحابه‬
‫فإنه شبه الرب تبارك وتعالى بأنه ينام ويسكر ويصرخ عاليا ً من‬
‫شدة الخمر فيقول في [ ‪((] 65 :78‬فاستيقظ الرب كنائم كجبار‬
‫معيط من الخمر يصرخ عاليا ً من الخمر))(تعالى الله عما‬
‫يصفون) إلى غير ذلك من نصوص العهد القديم التي تجعل الرب‬
‫يصارع النسان بل ويُهزم ويتعب وينسى ويغار و يبكي و يحزن‬
‫ويندم لنه خلق النسان ‪ -‬التكوين [ ‪ ] 5 :6‬و أما في العهد‬
‫الجديد فإن صاحب سفر رؤيا يوحنا يجعل الله في صورة خروف‬
‫له سبعة قرون وسبع أعين(هؤلء سيحاربون الخروف والخروف‬
‫ب الرباب وملك الملوك [ ‪ !!)] 14 :17‬ويتحدث العهد‬ ‫يغلبهم لنه ر ُّ‬
‫الجديد أيضا بسوء أدب عن الله قائل "الروح يفحص كل شيء‬
‫حتى أعماق الله"(كورنثوس(‪ .)2/10 )1‬وينسب الكتاب المقدس‬
‫لله المر بالزنا والسرقة فأول ما يبدأ به هوشع سفره يقول‪":‬‬
‫أول ما كلم الرب هوشع قائلً‪ :‬اذهب خذ لنفسك امرأة زانية‬
‫وأولد زنى لن الرض قد زنت زنى" فهل يعقل أن يكون هذا‬
‫الكلم وحي من عند الله؟ أما المسيح عليه السلم فلم يسلم‬
‫أيضا من سوء أدب مؤلفي العهد الجديد المجهولين ولم يقف‬
‫الفتراء إلى جعل المسيح من ذرية زناة ولكنهم ذكروا أن‬
‫الشيطان قد أخذ المسيح عليه السلم لكي يختبره وصعد به فوق‬
‫قمة جبل‪(-‬متى ‪ !!)15-1:1‬فهل يمكن أن يكون المسيح نبيا ثم‬
‫يكون للشيطان سلطان عليه؟[‪]117‬فماذا لو كان إلها أو ابنا‬
‫للله؟!! كما اتهموا المسيح أيضا بشرب الخمر‪-‬وهو ما يخالف‬
‫تعاليم التوراة‪ -‬في قوله لليهود‪" :‬جاء ابن النسان يأكل ويشرب‪.‬‬
‫فيقولون‪ :‬هوذا إنسان أكول وشريب خمر‪ ،‬محب للعشارين‬
‫والخطاة"(متى ‪ .)11/9‬و اتهموه بقسوة القلب فينقل لوقا عن‬
‫المسيح أمرا ً غريبا ً قاله للجموع التي تتبعه‪ " :‬إن كان أحد يأتي‬
‫إلي‪ ،‬ول يبغض أباه وأمه وأولده وإخوانه حتى نفسه أيضا ً فل‬
‫يقدر أن يكون تلميذا ً "(لوقا ‪ )27 - 14/26‬وتبع رجل المسيح ثم‬
‫جاءه يستأذنه ليدفن أباه‪ ،‬فيذكر متى أن المسيح نهاه وقال‪" :‬‬
‫اتبعني‪ .‬ودع الموتى يدفنون موتاهم "(متى ‪ ،)8/22‬واستأذنه تلميذ‬
‫آخر في وداع أهله‪ ،‬فلم يأذن له(لوقا ‪ )62-9/61‬وجعلوه يتبرم من‬
‫قضاء حوائج الناس فتقرأ في متى" تقدم إليه رجل جاثيا ً له‪،‬‬
‫وقائلً‪ :‬يا سيد ارحم ابني‪ ،‬فإنه يصرع ويتألم شديداً‪ ،‬ويقع كثيراً‬
‫في النار‪ ،‬وكثيرا ً في الماء‪ .‬وأحضرته إلى تلميذك‪ ،‬فلم يقدروا أن‬
‫يشفوه‪ .‬فأجاب يسوع‪ ،‬وقال‪ :‬أيها الجيل غير المؤمن الملتوي‪.‬‬
‫ي ههنا‪(.‬متى‬ ‫إلى متى أكون معكم‪ .‬إلى متى احتملكم‪ .‬قدموه إل ّ‬

‫‪300‬‬
‫‪ ،)16-17/14‬وقصة مثلها في(متى ‪ .)28 - 22/ 15‬ونسبوا إليه اتهام‬
‫النبياء قبله بأنهم سراق ولصوص في قوله‪ ":‬جميع الذين أتوا‬
‫قبلي هم سراق ولصوص‪ .‬ولكن الخراف لم تسمع لهم" (يوحنا‬
‫‪ -..)12-10/7‬وقد طال السباب المنسوب للمسيح تلميذه وخاصته‪،‬‬
‫فقد قال لتلميذيه اللذين لم يعرفاه‪ " :‬أيها الغبيان والبطيئا‬
‫القلوب في اليمان بجميع ما تكلم به النبياء"(لوقا ‪ ،)24/25‬ومن‬
‫عجائب العهد الجديد أنه يعتبر المسيح ملعونا ً فيقول‪" :‬المسيح‬
‫افتدانا من لعنة الناموس‪ ،‬إذ صار لعنة لجلنا‪ ،‬لنه مكتوب‪ :‬ملعون‬
‫كل من علّق على خشبة"(غلطية ‪ ،)3/12‬ول تقف البذاءة عند ذلك‬
‫فلم تسلم أعراض النبياء السابقين أيضا من التهم الشنيعة‬
‫والجرائم البشعة‪ .‬فقد جعل العهد القديم نبي الله نوح عليه‬
‫السلم يشرب الخمر ويسكر ويتعرى!! سفر التكوين [ ‪] 20 :9‬‬
‫ونبي الله لوط يزني بابنتيه!! سفر التكوين [ ‪ .] 30 :19‬نبي الله‬
‫داود يزني بزوجة جاره ويدبر مؤامرة دنيئة ضده اغتاله‬
‫فيها!!!سفر صموئيل الثاني [ ‪ ] 2 :11‬نبي الله هارون يكفر ويدعو‬
‫اليهود إلى عبادة العجل!!وهذا في سفر الخروج [ ‪ ]2 :32‬ونبي‬
‫الله سليمان يخالف وصايا الرب ويتزوج من نساء المم اللتي‬
‫يغوين قلبه للهتهن فيكفر في أواخر حياته ويعبد الوثان!! سفر‬
‫الملوك الول [ ‪ ]1 :11‬فهل هؤلء الذين اصطفاهم الله على خلقه‬
‫وشرفهم لحمل رسالته يمكن أن يكونوا كذلك؟ هل يمكن أن‬
‫َ‬ ‫م أَئ ِ َّ‬
‫مرنَا‬
‫ن بِأ ْ ِ‬‫ة يَهْدُو َ‬
‫م ً‬ ‫جعَلْنَاهُ ْ‬
‫يكون كذلك من قال عنهم القرآن (وَ َ‬
‫صلةِ وَإِيتَاءَ الَّزكَاةِ وَكَانُوا لَنَا‬ ‫َ‬
‫م ال َّ‬
‫ت وَإِقَا َ‬
‫خيَْرا ِ‬ ‫حيْنَا إِلَيْهِ ْ‬
‫م فِعْ َ‬
‫ل ال َ‬ ‫وَأوْ َ‬
‫ن)؟؟وهل يعقل أن يرتكب النبياء الذين اختارهم الله هذه‬ ‫ع َابِدِي َ‬
‫الفواحش ويكون البابوات الذين تختارهم الكنيسة معصومين؟‬
‫ما رموا مريم العذراء عليها السلم بالزنا‬ ‫وهل يمكن أن نأمن قو ً‬
‫وهي تحيا بينهم على أعراض أنبياء ماتوا من مئات السنين؟؟‬
‫وكأي كتاب قليل البضاعة فقير المحتوى يراد له أن يروج بين‬
‫العامة ويحقق أعلى الرباح فيطعمه مؤلفه ببعض الكلم الجنسي‬
‫الذي يخاطب في النسان غريزته ل عقله أو كأي مجلة لم تعد‬
‫تجد ما تجذب به قارئها إل أن تصدر صفحاتها بصور فاضحة قام‬
‫مؤلفو العهد القديم بوضع السفر سيء السمعة الذي طالما‬
‫أحرج الكنيسة بمحاولة تفسيره وتبرير وجوده في كتاب يفترض‬
‫أن يكون مقدسا وهو سفر نشيد النشاد‪ .‬هذا السفر الذي لم‬
‫يكد يترك جزءا من جسد المرأة إل وتغزل به وشبب به يدعي‬
‫أصحاب الكتاب المقدس أن الله أوحاه إلى نبيه سليمان فمثل‬
‫في إنشاد(‪ )4-7/1‬تقرأ‪ " :‬ما أجمل رجليك بالنعلين يا بنت الكريم!‬
‫دوائر فخذيك مثل الحلي صنعة يدي صناع‪ .‬سرتك كأس مدورة ل‬

‫‪301‬‬
‫يعوزها شراب ممزوج‪ .‬بطنك صبرة حنطة مسيجة بالسوسن‪.‬‬
‫ثدياك كخشفتين توأمي ظبية‪ " .‬فهل يمكن أن يكون هذا الكلم‬
‫الذي يستحي الرجل أن يُقرئه أبناءه وحيا من عند الله؟؟[‪]118‬هذا‬
‫بخلف قصص الزواني والعاهرات وزنا المحارم والعري والخيانة‬
‫التي يحفل بها الكتاب المقدس ولول خشية الطالة وتدنيس‬
‫صفحات هذه الرسالة لنقلت لك ما يندى له الجبين من ذلك‬
‫ولكن هذه بعض الشارات ويمكنك أن ترجع إليها بنفسك حزقيال‬
‫[ ‪ , ] 19 :23‬حزقيال [ ‪ , ] 35 :16‬هوشع [ ‪ , ] 2 :1‬صموئيل الثاني [‬
‫‪ , ] 11 :12‬إشعياء [ ‪ ،, ] 2 :20‬اشعيا [ ‪ , ] 16 :3‬القضاة [ ‪, ] 1 :16‬‬
‫راعوث [ ‪ , ] 4 :3‬لملوك الول [ ‪ , ] 3 ،1 :1‬التكوين [ ‪, ] 13 :38‬‬
‫حزقيال [ ‪.] 1 :23‬‬
‫أما عن الخطاء العلمية والتاريخية في الكتاب المقدس(إن كنت‬
‫ما زلت تعتقد أنه مقدس) فحدث ول حرج‪ .‬فيذكر سفر التكوين‬
‫مثل مرة أن الله خلق النباتات والحيوانات أول ً ثم خلق النسان‬
‫بعد ذلك التكوين(‪ )27 - 20 :1‬ومرة أخرى أن الله قد خلق النسان‬
‫أول ً ثم خلق الشجار والحيوانات‪ .‬التكوين(‪ )19 ،7 :2‬وهذا الخطأ‬
‫يعرفه علماء اللهوت‪ .‬ويذكر العهد القديم أيضا أن ولدة إبراهيم‬
‫كانت في القرن العشرين من بداية الوجود النساني وبالتحديد‬
‫في عام ‪ 1948‬من بداية الخليقة و بتقدير الفترة بين إبراهيم و‬
‫عيسى عليهما السلم من نصوص العهد القديم سنجد أن عمر‬
‫البشرية على ظهر الرض لم يتجاوز ‪ 6‬ألف سنة فقط!! في حين‬
‫أن هذا بخلف المسلم به من أن حضارات قامت قبل ‪ 5‬ألف‬
‫سنة من الميلد حيث عثر على مصنوعات بشرية تعود لكثر من‬
‫خمسة آلف سنة قبل الميلد‪ .‬وعثرت بعثة جامعة القاهرة على‬
‫آثار بشرية في منطقة الفيوم ترجع لعشرات اللف من السنين‪.‬‬
‫وتذكر دائرة المعارف البريطانية أن الثار النسانية في فلسطين‬
‫ترجع لمائتي ألف سنة‪ ،‬وصدق الله العظيم إذ يؤكد أن البشرية‬
‫ضاربة جذورها في التاريخ قرونا ً طويلة‪ ،‬فيقول‪(:‬وَع َادا ً وَث َ ُ‬
‫مو َد‬
‫ك كَثِيراً)‬ ‫َ‬
‫س وَقُُرونا ً بَي ْ َ‬
‫ن ذَل ِ َ‬ ‫ب الَّر ِّ‬
‫حا َ‬
‫ص َ‬
‫وَأ ْ‬
‫ومن الخطاء العلمية زعم التوراة أن الرض مسطحة‪ ،‬ولها زوايا‬
‫موافقة بذلك المستوى العلمي السائد حين كتابتها‪ ،‬فتقول‪ " :‬قد‬
‫جاءت النهاية على زوايا الرض الربع(حزقيال ‪]119[.)7/2‬ويمكنك‬
‫الحصول على المزيد من المثلة من كتاب العالم الفرنسي‬
‫المسلم موريس بوكاي دراسة الكتب المقدسة في ضوء‬
‫المعارف الحديثة[‪]120‬فهل بعد كل ذلك يقول قائل أن القرآن‬
‫اقتبس من التوراة والنجيل؟؟‬

‫‪302‬‬
‫هذا كله بخلف الزيادات الطفيفة أو التعديلت أو الضافات التي‬
‫ما زالت في تغير وتحريف مستمر كلما ترجم النجيل أو نسخ أو‬
‫طبع طبعة جديدة منذ كتبت الناجيل أول مرة وإلى اليوم‬
‫ويمكنك ببساطة التأكد من ذلك بمراجعة نسختين من الكتاب‬
‫المقدس بينهما فترة زمنية كافية أو مختلفتين في اللغة إذا كنت‬
‫تجيد كل اللغتين‪]121[.‬‬
‫ً‬
‫فإذا علمنا كل هذا ل نستغرب إذا أن يقول دكتور ‪W.Graham‬‬
‫‪ Scroggie‬وهو أحد أبرز المنصرين في العالم من معهد ‪Moody Bible‬‬
‫‪Institute‬في كتابه " هل الكتاب المقدس كلم الله؟ "نعم إن الكتاب‬
‫المقدس من وضع البشر‪ ،‬بالرغم من إنكار البعض(من‬
‫المسيحيين) لِهذا القول من قبيل الحماسة وليس عن علم‪ ،‬فقد‬
‫خطت أقلم البشر هذه السفار بعباراتهم‪ ،‬بعد أن خطرت على‬
‫عقولهم‪ ،‬فصدرت بأسلوب البشر وتحمل صفاتهم‪ " .‬ا‪.‬هـ‪]122[.‬‬
‫خاتمة‬
‫َ‬
‫م‬‫سوَاء بَيْنَنَا وَبَيْنَك ُ ْ‬ ‫مةٍ َ‬ ‫ب ت َ َعالَوْا ْ إِلَى كَل َ َ‬ ‫ل الْكِتَا ِ‬ ‫ل يَا أهْ َ‬ ‫(قُ ْ‬
‫خذ َ بَعْ ُ‬
‫ضنَا‬ ‫شيْئا ً وَل َ يَت َّ ِ‬ ‫ك بِهِ َ‬ ‫شرِ َ‬ ‫ه وَل َ ن ُ ْ‬‫َ‬ ‫أَل َّ نَعْبُد َ إِل ّ الل ّ‬
‫َ‬
‫ن)‪.‬‬‫مو َ‬‫سل ِ ُ‬
‫م ْ‬
‫َ‬
‫شهَدُوا ْ بِأنَّا ُ‬ ‫ن اللّهِ فَإِن تَوَلَّوْا ْ فَقُولُوا ْ ا ْ‬ ‫من دُو ِ‬
‫َ‬
‫بَعْضا ً أْربَابا ً ِّ‬
‫وفي الختام ها قد عرضت عليك رسالتي وبقي دورك أنت و قد‬
‫تعمدت أن أذكر لك عناوين المواقع و أسماء الكتب والعلماء‬
‫باللغة النجليزية لكي تتأكد بنفسك ومجال الختيار مفتوح أمامك‬
‫لكن تمهل فهذا ليس اختيارا عاديا لكنه أهم اختيار في حياتك‬
‫وبعد حياتك واعلم أن من رحمة الله أن جعل الحق واضحا وضوح‬
‫الشمس لذا فلن يغني أحد عنك من الله شيئا إن ضللت عنه أو‬
‫أضلوك عنه فأنت إنسان عاقل مسئول بمفردك أمام الله و أنت‬
‫لن تخسر شيئا بالتفكير فيما ذكرته لك والتأكد منه ولكن عليك‬
‫أن تكون مخلصا في طلب الحق وأن تكون مستعدا أن تؤثره‬
‫على غيره كما فعل نبي الله إبراهيم عليه السلم فلك فيه أسوة‬
‫حسنة‪ .‬فتوجه إلي السماء بقلبك وروحك ‪ -‬إلى ربك الذي خلقك‬
‫‪ -‬بدون أن تتمثله بصورة أو تمثال فالله أعظم من أن يشابه ما‬
‫صنعته أيدي البشر واسأله أن يهديك الطريق الموصل إليه‬
‫وعندما تعرف الحق فاعلم أنك قد عرفت الله حقا فاصبر من‬
‫أجله وصابر عليه فقد سبقك كثيرون إليه وتحملوا من أجله ولكن‬
‫احذر أن تحجب النور عن قلبك إن أبصرته فقد ل تراه مرة‬
‫أخرى‪.‬‬
‫ويسرنا أن نتلقى تعليقاتك واستفساراتك على البريد‪:‬‬
‫‪ask.about.islam@gmail.com‬‬

‫‪303‬‬
‫وهذه بعض المواقع التي يمكنك أن تستعين بها في رحلتك‬
‫اليمانية‬
‫الحوار السلمي المسيحي ‪http://arabic.islamicweb.com/christianity‬‬
‫ابن مريم‪ ..‬المسيح الحق ‪http://www.ebnmaryam.com‬‬
‫الحقيقة‪ ..‬المسيحية في الميزان ‪http://www.alhakekah.com‬‬
‫التوضيح لدين المسيح ‪http://www.tawdeeh.com‬‬
‫الحقيقة العظمى ‪http://www.truth.org.ye‬‬
‫الجامع لحوار النصارى ‪http://www.aljame3.com‬‬
‫موسوعة العجاز العلمي في القرآن والسنة ‪http://www.55a.net‬‬
‫‪ http://www.halimo.com‬شبهات وهمية عن السلم‬
‫‪-----------------------------------------‬‬
‫[‪ ]1‬هي سورة الفيل‬
‫[‪ ]2‬أي غطوني‬
‫[‪ ]3‬أي شابًا قويا لكي أنصرك‬
‫[‪(]4‬السفر إلى الشرق) ص ‪277‬‬
‫[‪(]5‬شمس الله تسطع على الغرب) زيغريدهونكه(‪.)465‬‬
‫[‪ ]6‬نقل عن كتاب ربحت محمدا و لم أخسر المسيح للدكتور عبد‬
‫المعطي الدالتي‬
‫[‪ ]7‬عن عائشة رضي الله عنها قالت‪ :‬قال لي رسول الله صلى‬
‫الله عليه وسلم‪(:‬إني لعلم إذا كنت عني راضية‪ ،‬وإذا كنت علي‬
‫غضبى) قالت‪ :‬فقلت‪ :‬من أين تعرف ذلك؟ فقال‪(:‬أما إذا كنت‬
‫عني راضية‪ ،‬فإنك تقولين‪ :‬ل ورب محمد‪ ،‬وإذا كنت غضبى‪ ،‬قلت‪:‬‬
‫ل ورب إبراهيم)‪ .‬قالت‪ :‬قلت‪ :‬أجل والله يا رسول الله‪ ،‬ما أهجر‬
‫إل اسمك‪.‬‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫ن هُوَ إِل ّ ذِكَْرى‬‫جرا ً إ ِ ْ‬‫م ع َلَيْهِ أ ْ‬
‫سألُك ُ ْ‬‫[‪ ]8‬قال الله عز وجل‪( :‬قُل ل ّ أ ْ‬
‫ن)‬ ‫لِلْعَال َ ِ‬
‫مي َ‬
‫[‪ ]9‬فتجد ان الكنيسة مثل ادعت لنفسها حق مغفرة الذنوب‬
‫فيأتي المذنب فاضحا نفسه و يجلس بين يدي بشر مثله يخطئ و‬
‫يذنب ربما أكثر منه ثم يعترف أمامه بذنوبه ثم يمن عليه هذا‬
‫الشخص الخطاء بالمغفرة و ذلك في مقابل مبلغا من المال‬
‫يتبرع به أو يشتري به صكا يعرف بصك الغفران كما كان يحدث‬
‫في الماضي‬
‫[‪ ]10‬النبأ العظيم للدكتور محمد عبد الله دراز ص ‪37 -36‬‬
‫[‪ ]11‬وقد كان هذا الموقف سببا في إسلم صحفية أمريكية‬
‫عندما سمعت به‬
‫[‪ ]12‬عن خباب بن الرت قال‪ :‬شكونا إلى رسول الله صلى الله‬
‫عليه وسلم‪ ،‬وهو متوسد بردة له في ظل الكعبة‪ ،‬قلنا له‪ :‬أل‬

‫‪304‬‬
‫تستنصر لنا‪ ،‬أل تدعو الله لنا؟ قال‪(:‬كان الرجل فيمن قبلكم يحفر‬
‫له في الرض‪ ،‬فيجعل فيه‪ ،‬فيجاء بالمنشار فيوضع على رأسه‬
‫فيشق باثنتين‪ ،‬وما يصده ذلك عن دينه‪ .‬ويمشط بأمشاط الحديد‬
‫ما دون لحمه من عظم أو عصب‪ ،‬وما يصده ذلك عن دينه‪ ،‬والله‬
‫ليتمن هذا المر‪ ،‬حتى يسير الراكب من صنعاء إلى حضرموت‪ ،‬ل‬
‫يخاف إل الله‪ ،‬أو الذئب على غنمه‪ ،‬ولكنكم تستعجلون)‪.‬‬
‫[‪ ]13‬النبأ العظيم‪ .‬بتصرف‬
‫َ َّ‬ ‫صرِهِ وَبِال ْ‬ ‫[‪ ]14‬قال تعالى‪( :‬هُوَ الَّذِيَ أيَّد َ َ‬
‫َ‬
‫ف‬
‫ن {‪ }62‬وَأل َ‬ ‫منِي َ‬‫مؤْ ِ‬
‫ُ‬ ‫ْ‬ ‫ك بِن َ‬
‫ً َ ََ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫م‬‫ن قُلُوبِهِ ْ‬ ‫ما أل ّفَ ْ‬
‫ت بَي ْ َ‬ ‫ميعا ّ‬ ‫ج ِ‬‫ض َ‬ ‫ما فِي الْر ِ‬ ‫ت َ‬ ‫م ل َ َوْ أن َفقْ َ‬
‫ن قُلُوبِهِ ْ‬ ‫بَي ْ َ‬
‫م)‪.‬‬ ‫َ‬ ‫ّ‬ ‫َ‬ ‫ّ‬ ‫وَلَـك ِ َّ‬
‫حكِي ٌ‬ ‫ه ع َزِيٌز َ‬ ‫م إِن ّ ُ‬
‫ف بَيْنَهُ ْ‬ ‫ه أل َ‬ ‫ن الل َ‬
‫[‪ ]15‬ومنها أنه دعا النصارى مرة إلى المباهلة و هي أن يجمعوا‬
‫أطفالهم و نساءهم و أنفسهم في مكان واحد ثم يبتهلوا إلى بأن‬
‫يجعل لعنته على الكاذبين فما أجابوا‬
‫[‪ ]16‬و أولهم كان ورقة بن نوفل كما مر في المقدمة ثم كان عبد‬
‫الله بن سلم و هو من علماء اليهود و فضلئهم و كعب الحبار و‬
‫هو من علمائهم أيضا و من النصارى فقد آمن به النجاشي ملك‬
‫الحبشة مع أنه لم يره و لم يخش على ملكه منه وقال عندما‬
‫سمع القرآن "إن هذا والذي جاء به عيسى ليخرج من مشكاة‬
‫واحدة " و غيرهم كثير و في العصور الوسطى هناك مثل القس‬
‫الندلسي بن محمد عبد الله الترجماني الميروقي‪،‬الذي ألف بعد‬
‫إسلمه كتاب تحفة الريب في الرد على أهل الصليب و في‬
‫عصرنا الحالي هناك مثل القس دافيد بنجامين الكلداني كان‬
‫قسيسا للروم من طائفة الكلدان و بعد إسلمه تسمى بعبد الحد‬
‫داوود و ألف كتاب النجيل و الصليب و القس إسحاق هلل‬
‫مسيحه الذي كان رئيس لجان التنصير في شمال أفريقيا و قصته‬
‫التي يرويها بنفسه مسجلة هنا‬
‫‪ :http://media.islamway.com/lessons/several//converts.rm‬و كذا القس‬
‫المصري إبراهيم خليل فلوبرس الستاذ السابق بكلية اللهوت‬
‫النجيلية الذي حصل على ماجستير من جامعة برينستون‬
‫المريكية في مجال التهجم على السلم ثم سمى نفسه إبراهيم‬
‫خليل أحمد و الشماس الدكتور وديع أحمد وهذا هو موقعه‪:‬‬
‫‪ http://www.wadee3.5u.com‬و القس المصري "فوزي صبحي سمعان"‬
‫الذي أسلم هو وأبوه وأخته لله رب العالمين و يعمل الن مدرسا‬
‫مص المصري "عزت إسحاق معوَّض"‬ ‫للدين السلمي و كذا ال ُق ُّ‬
‫الذي صار داعية مسلما و هؤلء و غيرهم يمكنك قراءة قصصهم‬
‫من‪ http://tanseer.jeeran.com/priests.html :‬أما من غير العرب فهم‬
‫كثيرون أيضا فمنهم القس المريكي يوسف استس و هذا هو‬

‫‪305‬‬
‫موقعه ‪ /http://www.islamtomorrow.com‬و هذه مجموعة من اليهود‬
‫المعاصرين الذين دخلوا في السلم ‪/ /http://www.jews-for-allah.org‬‬
‫[‪ ]17‬و هل أدل على ذلك من حكم الطلق الذي أباحه السلم‬
‫كحل أخير حين تصل المشاكل بين الزوجين إلى طريق مسدود و‬
‫حرمته الكنيسة فلما ظهر أن منعه يصادم طبيعة البشر و ظهرت‬
‫كثير من المراض الجتماعية نتيجة لتحريمه – كالزنا مثل – أباحته‬
‫كثير من الدول اليوم‪ .‬و كذلك تحريم السلم لكل لحم الخنزير و‬
‫إباحة الكنيسة له ثم ظهر علميا أن الخنزير هو المسبب لمرض‬
‫اللتهاب السحائي المخي وأنفلونزا الخنزير كما أنه تعيش في‬
‫أمعائه الدودة الشريطية التي تنتقل إلى أمعاء من يأكلها وتسبب‬
‫له التهاب العصاب وارتفاع ضغط الدماغ و قد وجد الطباء‬
‫مؤخرا دودة في مخ امرأة بعد تناولها وجبة لحم خنزير هذا‬
‫بالضافة إلى صفات الخنزير التي تنتقل إلى آكلها مثل انعدام‬
‫الغيرة و هذا مشاهد‪.‬‬
‫[‪ ]18‬ترجم للعربية بعنوان الخالدون مائة أعظمهم محمد ويقول‬
‫مايكل هارت فيه‪" :‬كان محمد الرجل الوحيد في التاريخ الذي‬
‫نجح في مهمته إلى أقصى حد‪ ،‬سواء على المستوى الديني أم‬
‫على المستوي الزمني"‬
‫[‪ ]19‬كما فعل مدعي النبوة الكذاب الذي سيأتي ذكره في النصف‬
‫الثاني من الرسالة‬
‫[‪ ]20‬فقد كان قيام الليل في حقه صلى الله عليه و سلم فرضا‬
‫فيقوم من ثلث الليل إلى ثلثيه كل ليلة في حين أنه في حق بقية‬
‫المسلمين تطوع‬
‫[‪ ]21‬و ذلك برغم بليين الدولرات التي تنفقها المؤسسات‬
‫التبشيرية النصرانية للصد عن سبيل الله‪.‬‬
‫[‪ ]22‬النبأ العظيم ص ‪48‬‬
‫[‪ ]23‬و معنى تواتر الخبر أن يتناقله جمع كبير من الناس يستحيل‬
‫تواطؤهم على الكذب عن جمع كبير مثلهم و هكذا إلى يومنا هذا‬
‫فقارن بين هذه الطريقة و الطريقة التي نقلت بها الكتب الخرى‬
‫كما في آخر الرسالة‬
‫[‪ ]24‬ذلك بأن الذي يمسكه أن يزول هو الذي يمسك السماوات و‬
‫الرض أن تزول‪.‬‬
‫[‪ ]25‬النبأ العظيم بتصرف‬
‫[‪ ]26‬يقول بروفيسور الرياضيات المريكي المسلم جيفري لنغ‬
‫في كتابيه حتى الملئكة تسأل و الصراع من أجل اليمان‪(:‬القرآن‬
‫هذا الكتاب الكريم قد أسرني بقوة‪ ،‬وتملّك قلبي‪ ،‬وجعلني‬
‫أستسلم لله‪ ،‬والقرآن يدفع قارئه إلى اللحظة القصوى‪ ،‬حيث‬

‫‪306‬‬
‫يتبدّى للقارئ أنه يقف بمفرده أمام خالقه وإذا ما اتخذت القرآن‬
‫بجدية فإنه ل يمكنك قراءته ببساطة‪ ،‬فهو يحمل عليك‪ ،‬وكأن له‬
‫حقوقا ً عليك! وهو يجادلك‪ ،‬وينتقدك ويُخجلك ويتحداك … لقد‬
‫منزل القرآن كان‬ ‫كنت على الطرف الخر‪ ،‬وبدا واضحا ً أن ُ‬
‫يعرفني أكثر مما أعرف نفسي … لقد كان القرآن يسبقني دوماً‬
‫في تفكيري‪ ،‬وكان يخاطب تساؤلتي)‬
‫[‪ ]27‬للمفكر التركي محمد فتح الله كولن‪ .‬وله أيضا‪ ":‬لقد أتى‬
‫القرآن بنظرة متميزة للكون وللشياء وللنسان بأسلوب غاية‬
‫في الروعة والسحر‪ .‬لنه يتناول النسان ككل ضمن الوجود‬
‫بأكمله‪ ،‬ول يهمل أيَّ شيء‪ ،‬بل يضع كل شيء مهما كان صغيرا‬
‫في مكانه المناسب‪ .‬الجزاء فيه رتبطة ارتباطا وثيقا ودقيقا‬
‫بالكل‪ ،‬والجوبة المختلفة عن أدق السئلة التي تخطر على بال‬
‫النسان في هذا المعرض الكوني الهائل ترد فيه‪ .‬وبينما يقوم‬
‫بتحليل أدق المسائل الموجودة سواء في عالم الشهود أم فيما‬
‫وراء الستار حتى أدق تفاصيلها‪ ،‬ل يدع هناك أي تردد أوبهة أو‬
‫علمة استفهام في العقول‪ .‬أجل! إن القرآن في جميع هذه‬
‫التفاصيل الدقيقة التي يوردها ل يدع أي فراغ في هذا الموضوع‬
‫ل في العقول ول في القلوب ول في المشاعر ول في المنطق‪،‬‬
‫لنه يحيط بعقل النسان وبأحاسيسه وبمشاعره وإدراكه"‬
‫[‪ ]28‬لم يكن النجيل قد ترجم للعربية بعد أثناء حياة النبي صلى‬
‫الله عليه وسلم‬
‫[‪ ]29‬فمثل ذكر القرآن عن فرعون موسى بعد أن غرق في‬
‫البحر(فاليوم ننجيك ببدنك لتكون لمن خلفك آية) وعندما تم‬
‫دراسة مومياء منفتاح التي يظن أنها لفرعون موسى في فرنسا‬
‫بواسطة فريق من علماء التشريح توصلوا إلى أن سبب وفاته هو‬
‫الغرق فعل و نلحظ أن القرآن هو الكتاب الوحيد الذي ذكر بقاء‬
‫جثة فرعون محفوظة بعد غرقه – فهل كان محمد على علم‬
‫ببراعة المصريين في التحنيط؟ ثم أسلم رئيس الفريق الفرنسي‬
‫و هو الدكتور موريس بوكاي و عكف على دراسة القرآن‬
‫والنجيل والتوراة لمدة عشر سنين ثم ألف كتاب القرآن‬
‫والنجيل والتوراة والعلم الذي أصبح من أكثر الكتب انتشارا‬
‫وترجم لعدة لغات عالمية‬
‫[‪ ]30‬فترى مثل في قصة أصحاب الكهف عند أهل الكتاب أنهم‬
‫عاشوا في الكهف ثلثمائة سنة شمسية وفي القرآن أنهم(لبثوا‬
‫في كهفهم ثلث مائة سنين وازدادوا تسعًا) و هذه السنون‬
‫التسعة هي فرق ما بين عدد السنين الشمسية والقمرية فانظر‬

‫‪307‬‬
‫إلى هذا الحساب الدقيق في أمة أمية ل تقرأ ول تحسب! – النبأ‬
‫العظيم‬
‫[‪ ]31‬الجبال ممتدة في باطن الرض من أسفل فهي تشبه الوتد و‬
‫السحب يصل وزن الواحدة منها إلى أكثر من عشرة مليين طن‬
‫من الماء على هيئة بخار و الرياح تحمل حبوب اللقاح فتلقح‬
‫الزهار و تسير السحب المشحونة كهربيا حتى تلمس بعضها‬
‫فيحدث التفريغ الكهربي و البحر تخرج من قيعانه صهارات و‬
‫حمم بركانية ملتهبة تم تصويرها بالغواصات الحديثة وللمزيد من‬
‫صور العجاز العلمي يمكنك الرجوع إلى ‪www.55a.net‬‬
‫[‪ ]32‬منهم مثل الدكتور كيث مور ‪Keith Moore‬عالم الجنة الشهير‬
‫صاحب كتاب ‪The Developing Human‬الذي ترجم لكثر من ‪ 25‬لغة‬
‫ووقف مرة في أحد المؤتمرات قائل‪:‬‬
‫"إن التعبيرات القرآنية عن مراحل تكون الجنين في النسان‬
‫لتبلغ من الدقة والشمول مالم يبلغه العلم الحديث‪ ,‬وهذا إن دل‬
‫علي شئ فإنما يدل علي أن هذا القرآن ليمكن أن يكون إل كلم‬
‫َ‬
‫ن‬‫م ال ّذِي َ‬ ‫الله‪ ,‬وأن محمدا ً رسول الله" وصدق الله إذ يقول(وَلِيَعْل َ َ‬
‫أُوتوا الْعِل ْ َ‬
‫م وَإ ِ َّ‬
‫ن‬ ‫ه قُلُوبُهُ ْ‬ ‫ت لَ ُ‬ ‫خب ِ َ‬ ‫منُوا بِهِ فَت ُ ْ‬ ‫ك فَيُؤ ْ ِ‬ ‫من َّرب ِّ َ‬‫حقُّ ِ‬ ‫ه ال ْ َ‬ ‫م َ أن َّ ُ‬
‫َ‬ ‫ُ‬
‫َ‬
‫ستَقِيمٍ)‪.‬‬‫م ْ‬ ‫ط ُّ‬ ‫صَرا ٍ‬ ‫منُوا إِلَى ِ‬ ‫نآ َ‬ ‫ه لَهَاد ِ ال ّذِي َ‬ ‫الل ّ َ‬
‫ق‬‫م آيَاتِنَا فِ َي اْلفَا ِ‬ ‫سنُرِيهِ ْ‬ ‫[‪ ]33‬إنه الله العليم الحكيم‪ .‬قال تعالى‪َ (:‬‬
‫َ‬ ‫وفي أَنفُسهم حتَى يتبي َن لَه َ‬
‫ه ع َلَى‬ ‫ك أن َّ ُ‬ ‫ف بَِرب ِّ َ‬ ‫م يَك ْ ِ‬ ‫حقُّ أوَل َ ْ‬ ‫ه ال ْ َ‬ ‫م أن َّ ُ‬ ‫ِ ِ ْ َ ّ َََّ َ ُ ْ‬ ‫َ ِ‬
‫شهِيد)‬ ‫يءٍ َ‬ ‫ش ْ‬ ‫ل َ‬ ‫ك ُ ِّ‬
‫[‪ " ]34‬تعاوا نعيد النظر فيما نعتقد" تاليف حسن يوسف‬
‫[‪ ]35‬النبأ العظيم‬
‫شيْئاً‬ ‫َ‬
‫م َ‬ ‫ن إِلَيْهِ ْ‬ ‫ت تَْرك َ ُ‬ ‫ك لَقَد ْ كِد َّ‬ ‫[‪ ]36‬حتى أنه قيل له‪ (:‬وَلَوْل َ أن ثَبَّتْنَا َ‬
‫جد ُ ل َ َ‬
‫ك‬ ‫م ل َ تَ ِ‬ ‫ت ث ُ َّ‬ ‫ما ِ‬ ‫م َ‬ ‫ف ال ْ َ‬ ‫ضعْ َ‬ ‫حيَاةِ وَ ِ‬ ‫ف ال ْ َ‬ ‫ضعْ َ‬ ‫ك ِ‬‫قَلِيل ً {‪ }74‬إِذا ً َّلَذَقْنَا َ‬
‫صيراً)‬
‫ع َلَيْنَا ن َ ِ‬
‫[‪ ]37‬انظر مثل لوقا ‪ 26:2‬و ‪ 67:1‬و ‪15:1‬‬
‫[‪" ]38‬هل بشر الكتاب المقدس بمحمد صلى الله عليه وسلم؟"‬
‫للدكتور‪ .‬منقذ بن محمود السقار‪ ....‬بتصرف‬
‫[‪ ]39‬فأين هذا من رؤيا يوحنا التي وصف الله فيها بأنه خروف ذو‬
‫سبعة قرون؟!!‬
‫[‪ ]40‬في حين قرر مجمع روما سنة ‪ 1215‬ما يلي‪" :‬على الناس أن‬
‫يتلقوا قول الكنيسة بالقبول وافق العقل أو خالفه وعلى‬
‫المسيحي إذا لم يستسغ عقله قول قالته الكنيسة أو مبدأ دينيا‬
‫أعلنته عليه أن يروض عقله على قبوله فإذا لم يستطع فعليه أن‬
‫يشك في عقله ول يشك في قول البابا"!!‬

‫‪308‬‬
‫[‪ ]41‬وأنت ترى نتائج هذه الرهبانية في عدد حوادث الغتصاب‬
‫التي اقترفها رجال الكنيسة حتى أن عدد القسس الذين ارتكبوا‬
‫جرائم من هذا النوع وأعلن عنها في الجرائد في الوليات‬
‫المتحدة وحدها يصل إلى ‪ 1608‬قسيسا و هذه بعض مواقع ضحايا‬
‫العتداءات الجنسية لرجال الكنيسة الغربية‪:‬‬
‫‪ http://www.snapnetwork.org‬و ‪ http://www.thelinkup.org‬و‬
‫‪ http://www.survivorsfirst.org‬أما نتائج الباحية المنحلة بين عوام‬
‫النصارى في أكثر دول العالم فواضحة ول تحتاج إلى بيان!‬
‫[‪ ]42‬من تفسير "في ظلل القرآن" بتصرف‬
‫[‪" ]43‬السلم ليس فلسفة ولكنه منهاج حياة‪ ..‬ومن بين سائر‬
‫الديان نرى السلم وحده‪ ،‬يعلن أن الكمال الفردي ممكن في‬
‫جل هذا الكمال إلى ما بعد إماتة الشهوات‬ ‫الحياة الدنيا‪ ،‬ول يؤ َّ‬
‫الجسدية‪ ،‬ومن بين سائر الديان نجد السلم وحده يتيح للنسان‬
‫أن يتمتع بحياته إلى أقصى حد ٍ من غير أن يضيع اتجاهه الروحي‬
‫دقيقة واحدة‪ ،‬فالسلم ل يجعل احتقار الدنيا شرطا ً للنجاة في‬
‫الخرة‪ ..‬وفي السلم ل يحق لك فحسب‪ ،‬بل يجب عليك أيضا ً أن‬
‫تفيد من حياتك إلى أقصى حدود الفادة‪ ..‬إن من واجب المسلم‬
‫أن يستخرج من نفسه أحسن ما فيها ) من كتاب(السلم على‬
‫مفترق الطرق) للمفكر محمد أسد(كان يهوديا وأسلم) ص ‪-19‬‬
‫‪25‬‬
‫المستشرق روم لندو في(السلم والعرب) ص(‪)246-9‬‬ ‫[‪]44‬‬
‫[‪]45‬وكم من أناس دخلوا السلم بسبب رؤيتهم للمسلمين وهم‬
‫يصلون‪ .‬يقول المفكر الفرنسي رينان‪" :‬السلم دين النسان‪..‬‬
‫وكلما دخلت مسجدا ً هزني الخشوع وشعرت بالحسرة لني‬
‫ن كَفَُرواْ‬ ‫َ‬
‫لست مسلماً" وصدق الله العظيم إذ يقول(ُّرب َ َ‬
‫ما يَوَد ُّ ال ّذِي َ‬ ‫ْ‬
‫َ‬
‫ف‬
‫سوْ َ‬‫ل فَ َ‬ ‫م ُ‬ ‫م ال َ‬ ‫متَّعُوا ْ وَيُلْهِهِ ُ‬
‫م يَأكُلُوا ْ وَيَت َ َ‬
‫ن‪ .‬ذَْرهُ ْ‬
‫مي َ‬
‫سل ِ ِ‬ ‫لَوْ كَانُوا ْ ُ‬
‫م ْ‬
‫ن)‬‫مو َ‬ ‫يَعْل َ ُ‬
‫[‪ ]46‬هذه المور وغيرها جعلت الكثيرين يدخلون السلم بمجرد‬
‫سماعهم عنه أو تعاملهم مع المسلمين وإل كيف انتشر السلم‬
‫في الصين وروسيا وجنوب إفريقيا والمريكتين؟؟‬
‫[‪ ]47‬وهم نوح وإبراهيم وموسى وعيسى ومحمد صلوات الله‬
‫عليهم وتسليماته‬
‫[‪ ]48‬ولحظ أن القرآن سمى سورة كاملة بسورة مريم و سورة‬
‫أخرى باسم آل عمران ولم يسم سورا باسم فاطمة أو عائشة أو‬
‫آل محمد‬
‫[‪ ]49‬رواه أحمد في مسنده‪.‬‬

‫‪309‬‬
‫[‪ ]50‬و قال أيضا "ما من أحد يسمع بي من هذه المة ول يهودي‬
‫ول نصراني فل يؤمن بي إل دخل النار"‪.‬‬
‫منْهَا‬ ‫ة وَكُل َ ِ‬ ‫جن َّ َ‬
‫ك ال ْ َ‬ ‫ج َ‬ ‫ت وََزوْ ُ‬ ‫َ‬ ‫ن أَن‬ ‫سك ُ ْ‬ ‫ما ْ‬ ‫[‪ ]51‬قال تعالى‪(:‬وَقُلْنَا يَا آد َ ُ‬
‫ْ َّ‬ ‫ما ول َ تَقْربَا هَـذِهِ ال َّ‬
‫ن{‬ ‫مي َ‬ ‫ن الظال ِ ِ‬ ‫م َ‬‫جَرة َ فَتَكُونَا ِ‬ ‫ش َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫شئْت ُ َ‬‫ث ِ‬ ‫حي ْ ُ‬ ‫َرغَدا ً َ‬
‫ما كَانَا فِيهِ وَقُلْنَا اهْبِطُواْ‬ ‫َ‬ ‫ما ال َّ‬ ‫َ َ‬
‫م َّ‬ ‫ما ِ‬ ‫ج ُه َ‬ ‫خَر َ‬ ‫ن ع َنْهَا فَأ ْ‬ ‫شيْطَا ُ‬ ‫‪ }35‬فَأَزل ّ ُه َ‬
‫متَاع ٌ إِلَى ِ‬ ‫َ‬
‫ن {‪}36‬‬ ‫حي ٍ‬ ‫ستَقٌَّر وَ َ‬ ‫م ْ‬ ‫ض ُ‬ ‫م فِي الْر ِ‬ ‫ض عَدُوٌّ وَلَك ُ ْ‬ ‫م لِبَعْ ٍ‬ ‫ضك ُ ْ‬ ‫بَعْ ُ‬
‫م {‪}37‬‬ ‫حي ُ‬ ‫ب الَّر ِ‬ ‫َ‬
‫ه هُوَ الت ّوَّا ُ‬ ‫َ‬
‫ب ع َليْهِ إِن ّ ُ‬‫َ‬ ‫ت فَتَا َ‬ ‫ما ٍ‬ ‫ه كَل ِ َ‬ ‫من َّرب ِّ ِ‬ ‫م ِ‬ ‫فَتَلَقّى آد َ ُ‬ ‫َ‬
‫)‬
‫[‪ ]52‬مثال ذلك « ل تموت الباء لجل البنين‪ ،‬ول البنون يموتون‬
‫لجل الباء‪ ،‬بل كل واحد يموت لجل خطيته » أيام ‪.25/4 -2‬‬
‫و‪ « :‬الذي سيجازي كل واحد حسب أعماله » رومية ‪.2/6‬و في‬
‫التوراة «وكلم الرب موسى وهارون قائلً‪ :‬افترزا من بين هذه‬
‫م‬‫الجماعة فاني أفنيهم في لحظة‪ .‬فخّرا على وجهيهما وقال‪ :‬الله ّ‬
‫اله أرواح جميع البشر‪ ،‬هل يخطئ رجل واحد فتسخط على كل‬
‫الجماعة» العدد ‪ ،26/23‬واستجاب له فعذب بني قورح فقط‪.‬‬
‫وأيضا(وأنتم تقولون لماذا ل يحمل البن من إثم الب‪ .‬أما البن‬
‫فقد فعل حقا ً وعدل ً حفظ جميع فرائضي وعمل بها فحياة يحيا‪.‬‬
‫النفس التي تخطيء هي تموت‪ .‬البن ل يحمل من إثم الب‪،‬‬
‫والب ل يحمل من إثم البن‪ .‬بّر الباّر عليه يكون‪ ،‬وشر الشرير‬
‫عليه يكون‪ ...‬فإذا رجع الشرير عن جميع خطاياه التي فعلها‬
‫وحفظ كل فرائضي وفعل حقا ً وعدل ً فحياةً يحيا‪ .‬ل يموت‪ ،‬كل‬
‫معاصيه التي فعلها ل تذكر عليه في بره) حزقيال ‪.22-19 :18‬‬
‫[‪ ]53‬متى ‪36 :12‬‬
‫[‪ ]54‬كل مولود في السلم يولد على الفطرة مبرئا من كل‬
‫خطيئة كالصفحة البيضاء ثم هو مسئول عن نفسه أمام الله ل‬
‫يحاسب إل على سعيه‬
‫[‪ ]55‬استنتج المفكر البريطاني إينوك باول ‪Enoch Powell‬في كتابه‬
‫تطور النجيل(‪ )The Evolution of the Gospel‬بعد أن قام بإعادة ترجمة‬
‫إنجيل متى من اليونانية إلى أن قصة الصلب لم تكن موجودة في‬
‫النص الصلي للناجيل ولكنها أضيفت في مرحلة متقدمة‬
‫[‪ ]56‬المسيح والتثليث‪ -‬د‪ .‬محمد وصفي‬
‫َ‬
‫ل‬‫س ُ‬ ‫من قَبْلِهِ الُّر ُ‬ ‫ت ِ‬ ‫خل َ ْ‬‫ل قَد ْ َ‬ ‫سو ٌ‬ ‫م إِل ّ َر ُ‬
‫َ‬ ‫مْري َ َ‬ ‫ن َ‬ ‫ح اب ْ ْ ُ‬ ‫سي ُ‬ ‫م ِ‬ ‫ما ال ْ َ‬ ‫[‪َّ (]57‬‬
‫م‬‫ت ث ُ َّ‬ ‫م اليَا ِ‬ ‫ن لَهُ ُ‬ ‫ف نُبَي ِّ ُ‬‫م انظُْر كَي ْ َ‬ ‫ن الط ّعَا َ‬ ‫ة كَانَا يَأكُل َ ِ‬ ‫دّي َق ٌ‬‫ص ِ‬‫ه ِ‬ ‫م ُ‬ ‫وَأ ُ ُّ‬
‫َ‬
‫ن)‬‫انظُْر أنَّى يُؤْفَكُو َ‬
‫م وَالنُّبُوَّةَ ث ُ َّ‬ ‫[‪( ]58‬ما كَان لِب َ َ‬
‫م يَقُو َ‬
‫ل‬ ‫حك ْ َ‬ ‫ب وَال ْ ُ‬ ‫ه الْكِتَا َ‬ ‫ه الل ّ ُ‬ ‫شرٍ أن يُؤْتِي َ ُ‬ ‫َ َ‬ ‫َ‬
‫ما كُنت ُ ْ‬
‫م‬ ‫ن بِ َ‬ ‫ن اللّهِ وَلَـكِن كُونُوا ْ َربَّانِيِّي َ‬ ‫من دُو ِ‬ ‫عبَادا ً ل ِّي ِ‬ ‫س كُونُوا ْ ِ‬ ‫لِلن ّا ِ‬
‫َ‬
‫ن)‬ ‫سو َ‬ ‫م تَدُْر ُ‬ ‫ما كُنت ُ ْ‬ ‫ب وَب ِ َ‬ ‫ن الْكِتَا َ‬ ‫مو َ‬ ‫تُعَل ِّ ُ‬

‫‪310‬‬
‫[‪ ]59‬تقول دائرة معارف لروس‪" :‬إن تلميذ المسيح الولين‬
‫الذين عرفوا شخصيته وسمعوا قوله كانوا أبعد الناس في‬
‫العتقاد بأنه أحد القانيم الثلثة‪ ...‬وما كان بطرس تلميذ المسيح‬
‫يعتبر المسيح أكبر من رجل يوحى إليه‪.‬‬
‫[‪ ]60‬انظر أعمال(‪ )2/46‬واقرأ ما كتبه الدكتور ‪Robert Alley‬الستاذ‬
‫بجامعة ‪ " : Richmond‬إن الفقرات التي يتكلم فيها المسيح عن ابن‬
‫الله هي إضافات متأخرة تمثل ما كانت الكنيسة تعتقده وادعاء‬
‫مثل هذا ل يتناسب مع حياة المسيح التي نتخيلها‪ .‬فأول ثلثة‬
‫عقود بعد(موت المسيح) كانت المسيحية فرعا بداخل الديانة‬
‫اليهودية وأول ثلثة عقود في تاريخ الكنيسة كان وجودها داخل‬
‫هيكل اليهود ول يمكن تصور أبدا أن أتباع المسيح كانوا يعلنون‬
‫ألوهية المسيح تحت هذه الظروف" و مما يجدر ذكره أن هذا‬
‫الرجل فقد منصبه كرئيس قسم الديان بالجامعة لقوله " ل‬
‫يمكنني أن أتخيل ولو لدقيقة واحدة أن المسيح امتلك الشجاعة‬
‫الكافية لكي بدعي اللوهية لنفسه"‬
‫[‪ ]61‬من " المسيح والتثليث" للدكتور محمد وصفي‪ -‬بتصرف‬
‫[‪ ]62‬جاء في العهد القديم أن أنبياء آخرين قد حصلت لهم معجزة‬
‫إحياء الموتى انظر حزقيال(‪ )10-1:37‬وملوك أول(‪ )24-17:17‬وملوك‬
‫ثاني(‪)27-22:4‬‬
‫َ‬ ‫َّ‬
‫ن هُوَ إ ِل ع َبْد ٌ أنْعَ ْ‬
‫منَا‬ ‫[‪ ]63‬قال تعالى عن المسيح عليه السلم‪(:‬إ ِ ْ‬
‫مثَل ً ل ِّبَنِي إ ِ ْ‬
‫سَرائِي َ‬
‫ل)‬ ‫جعَلْنَاه ُ َ‬
‫ع َلَيْهِ وَ َ‬
‫[‪ ]64‬جاء تفسير مصطلح ابن الله بمعنى المؤمن بالله‪(:‬وأما‬
‫الوصف الذي قَبِلوه فأعطاهم سلطانا ً أن يصيروا أولد الله أي‬
‫المؤمنون باْسمه) يوحنا‪12 :1 :‬‬
‫[‪ ]65‬انظر ‪(:‬خروج ‪ ،22 :4‬مزمور ‪ ،7 :2‬وأخبار اليام الول ‪،10.9 :22‬‬
‫متى ‪ ،9 :5‬ولوقا ‪ 38 :3‬و أما إطلق المسيح هذا الوصف عن نفسه‬
‫فلم يرد إل في مكانين بإصحاحي ‪ 11 ,5‬بإنجيل يوحنا‪ .‬يقول‬
‫‪Hastings‬في قاموسه للكتاب المقدس إن استعمال المسيح لهذا‬
‫المصطلح هو أمر مشكوك فيه ويقول شارل جنيبر‪ " :‬والنتيجة‬
‫الكيدة لدراسات الباحثين‪ ،‬هي‪ :‬أن المسيح لم يدع قط أنه هو‬
‫المسيح المنتظر‪ ،‬ولم يقل عن نفسه إنه ابن الله‪ ...‬فتلك لغة لم‬
‫يبدأ في استخدامها سوى المسيحيين الذين تأثروا بالثقافة‬
‫اليونانية"‬
‫انظر‪ :‬المسيحية‪ ،‬نشأتها وتطورها‪ ،‬ص‪.50.‬‬
‫[‪ ]66‬من كتاب سر الزل‪.‬‬
‫[‪ ]67‬من كتابه‪ :‬الحق‪.‬‬

‫‪311‬‬
‫[‪ ]68‬جاء في دائرة المعـارف المريكـية عن عـقـيدة التثـليث [‪..‬‬
‫أن عـقـيدة التثـليث هي العـقـيدة المسيحـية التي تقـول‬
‫بالطبيعـة الثلثية للله هي عـقـيدة ليست من تعـاليم العـهد‬
‫القـديم ول توجـد في أي مكان بين ثناياه‪ ]..‬دائرة المعـارف‬
‫المريكـية ط ‪1959‬‬
‫وقد اعترف كبار علماء اللهوت في قاموس الكتاب المقدس أن‪:‬‬
‫مادة التثليث لم ترد في الكتاب المقدس ويظن أن أول من‬
‫صاغها هو ترنفيان في القرن الثاني الميلدي وقد خالفه الكثيرون‬
‫ولكن مجمع نيقية أقر التثليث عام ‪ 325‬أ‪.‬هـ‪ .‬فانظر كيف يحفل‬
‫الكتاب المقدس بقصص الزانيات والزواني ويخلو من أهم مبادئ‬
‫العقيدة النصرانية!!‬
‫[‪ .]69‬ومن يدري لعل هذه الجملة تروق لباء الكنيسة يوما‬
‫فيضيفونها في طبعات الكتاب المقدس الجديدة بدل من الجملة‬
‫الصلية!!‬
‫[‪ ]70‬جاء في مقدمة هذا الكتاب‬
‫[ ‪The writers of this book are convinced that another major theological development‬‬
‫‪is called for in this last part of the Twentieth Century. The need arises from growing‬‬
‫‪knowledge of Christian origins and involves a recognition that Jesus was(as he is‬‬
‫‪presented in Acts 2.21) ”A man approved by God ” for a special role within the‬‬
‫‪Divine purpose, and that the later conception of him as God Incarnate, The Second‬‬
‫‪Person of the Holy Trinity living a human life, is a mythological or poetic way of‬‬
‫‪ .] .expressing his significance for us‬وترجمتها‬
‫و ترجمته‪ [ :‬إن كُتَّاب هذا الكتاب مقتنعين بأن هناك‪ ،‬في هذا‬
‫الجزء الخير من القرن العشرين‪ ،‬حاجة ماسة لتطور عقائدي‬
‫كبير آخر‪ .‬هذه الحاجة أوجدتها المعرفة المتزايدة لصول‬
‫المسيحية‪ ،‬تلك المعرفة التي أصبحت تستلزم العتراف بعيسى‬
‫أنه كان(كما يصفه سفر أعمال الرسل‪ " :)2/21 :‬رجل أيده الله "‬
‫لداء دور خاص ضمن الهدف اللـهي‪ ،‬و أن المفهوم المتأخر عن‬
‫عيسى و الذي صار يعتبره " الله المتجسد و الشخص الثاني من‬
‫الثالوث المقدس الذي عاش حياة إنسانية " ليس في الواقع إل‬
‫طريقة تعبير أسطورية و شعرية عما يعنيه عيسى المسيح‬
‫بالنسبة إلينا [‬
‫[‪ ]71‬انظر عدد ‪ 8‬أبريل ‪ 98‬بعنوان ‪ The Search For Jesus‬و ‪ 15‬أغسطس‬
‫‪ 88‬بعنوان ‪Who Was Jesus‬و ‪ 12‬أبريل ‪ 2004‬بعنوان ‪Why Did Jesus Have To‬‬
‫‪ ?Die‬و ‪ 18‬ديسمبر ‪ 95‬بعنوان ‪ ?Is the Bible Fact or Fiction‬فكلها أمثلة‬
‫توضح حيرة النسان الغربي إزاء هذه العقيدة الغامضة‬

‫‪312‬‬
‫[‪ ]72‬وهنا أطلب من القارئ أن يحاول بنفسه تطبيق المعايير‬
‫التي وضعناها في أول الرسالة للحكم على أي إنسان يدعي‬
‫النبوة والرسالة على بولس هذا‪.‬‬
‫[‪ ]73‬يقول دجـوستاف ليون "ولو قـيل للحـواريـين الثنى عـشر‬
‫أن الله تجـسد في يسـوع‪ .‬ما أدركـوا هذه الفـضيحـة ولرفـعـوا‬
‫أصواتهم محـتجـين" حـياة الحـقائق ‪ /‬ص ‪ ،163‬و ‪187‬‬
‫[‪ ]74‬أعمال ‪9/26‬‬
‫[‪ ]75‬تقول دائرة المعارف البريطانية في الجابة عن هذا السؤال‪:‬‬
‫"إن ارتحاله إليها كان لحاجته إلى جو هادئ صامت يتمكن فيه‬
‫من تفكير في موقفه الجديد‪ ،‬وأن القضية الساس عنده هي‬
‫تفسير الشريعة حسب تجاربه الحديثة"‪.‬‬
‫[‪ ]76‬يوحنا ‪ 8/17‬ويلحظ هنا أنه جعل الشهادة الخرى هي شهادة‬
‫الله عز وجل له‪ .‬فهل بعد هذا نقول أن الله هو المسيح؟؟!‬
‫[‪ ]77‬فقد ذكر في أعمال الرسل إصحاح ‪ 9/7‬أن الرجال‬
‫المسافرين معه وقفوا يسمعون الصوت بينما في إصحاح ‪22/9‬‬
‫المسافرون لم يسمعوا الصوت وفي أعمال ‪ 9/4‬أن بولس "وحده‬
‫سقط على الرض"ينما المسافرون وقفوا‪ ،‬وفي الرواية الثالثة‬
‫أن الجميع‬
‫سقطوا‪ ،‬فقد جاء فيها " سقطنا جميعا على الرض" أعمال ‪26/14‬‬
‫[‪ ]78‬وهذا يعطينا فكرة عن الهداف التي كانت تحرك بولس‪.‬‬
‫فأين هذا من قول الله للنبي أكثر من مرة في القرآن " اتق الله‬
‫"؟‬
‫[‪ ]79‬فأين هذا من تواضع النبي صلى الله عليه وسلم وقوله(ل‬
‫تفضلوني على يونس بن متى) وقول الله له‪(:‬ليس لك من المر‬
‫شيء)؟‬
‫[‪ ]80‬لوقا ‪21:2‬‬
‫[‪ ]81‬عبرانيين ‪7/17‬‬
‫[‪ ]82‬قال فرانس أوفربيك ‪(Frans Overbeck‬أحد قيادات رجال‬
‫اللهوت الحرار)‪ :‬إن كل الجوانب الحسنة التي تشهدها‬
‫المسيحية ترجع إلى عيسى‪ ،‬أما الجوانب السيئة(وهي تطغي‬
‫على الجوانب الحسنة بأضعاف مضاعفة) فقد أحدثها بولس‬
‫فيها‪(.‬مبادئ المسيحية)‬
‫[‪ ]83‬يقول إريك بروك ‪Erick Brock‬في كتاب مبادئ المسيحية ‪Die‬‬
‫‪Grundlagen desChristentums‬عن بولس‪ " :‬إن أهم جذور كل البلء الذي‬
‫أصاب المسيحية جاءت من أفكاره‪ ،‬وكم نحن الن في حاجة إلى‬
‫أن نشير مرارا ً إلى أن الحقيقة تؤكد أن كل المفكرين الحرار‬
‫المعتدلين قد أشاروا إلى أن المبادئ الخربة التي تتبناها‬

‫‪313‬‬
‫المسيحية اليوم ما هي إل مبادئ مخزية ولكن لم يرق الحال‬
‫للكنيسة لتخلصنا من هذه الرسائل والفكار البوليسية"‪.‬‬
‫يقول جوستاف لوبون كان بولس مفـطوًرا على فـرط‬ ‫[‪]84‬‬
‫الخـيال وكانت نـفسه مملؤة بذكريات الفـلسفة (حـياة‬
‫الحـقائق) ص ‪187 ،163‬‬
‫[‪ ]85‬لمسيحـية نشأتها وتطورها ‪ /‬شارل جـنيبر ص ‪ 70‬ويقول أيضا‬
‫[‪ ..‬لقـد تطورت المسيحية إلى تأليف ديني تجـمع فيه سائر‬
‫العـقائد الخـصبة والشعـائر النابعـة من العاطفة الدينية الوثـنية‬
‫قامت المسيحـية بترتيبهـا وتركـيبها وأضفـت إليها النسـجام]‬
‫وراجع كتاب ‪ The Bible Myths and their Parallels in other Religions‬لمؤلفه‬
‫‪T.W Doane‬وكتاب ‪Mythology Christianity and‬‬
‫لمؤلفه ‪John Mackinnon Robertson‬‬
‫[‪ ]86‬يقول الدكتور خالد شلدريك الذي أسلم بعد أن فهم عقيدة‬
‫التثليث‪" :‬إن عقيدة الب والبن من عقائد الوثنيين القدماء فإن‬
‫البوذيين يعبدون بوذا في طفولته مع أمه ياما في نفس الصورة‬
‫التي نراها منقوشة في كل كنيسة للمسيح في طفولته مع أمه‬
‫مريم واتخذ النصارى من عيد الوثنيين للعتدال الخريفي ‪25‬‬
‫ديسمبر موعد ولدة الشمس عندهم عيدا لميلد المسيح" وقد‬
‫كان الثالوث موجودا أيضا في ديانات وثنية سابقة ففي الهند كان‬
‫عندهم الثالوث اللهي براهما و كريشنا و سيفا وكان عند‬
‫المصريين القدماء الثالوث إيزيس وأوزوريس وحورس وصدق‬
‫ت الن َّ َ‬
‫صاَرى‬ ‫ن اللّهِ وَقَال َ َْ‬‫ت ال ْ َي َ ُهود ُ عَُزيٌْر اب ْ ُ‬‫الله العظيم إذ يقول(وَقَال َ ِ‬
‫ن‬‫ل ال ّذِي َ‬‫ن قَوْ َ‬‫ضاهِؤ ُو َ‬ ‫م يُ َ‬‫ك قَوْلُهُم بِأفْوَاهِهِ ْ‬ ‫ن اللّهِ ذَل ِ َ‬ ‫ح اب ْ ُ‬‫سي ُ‬‫م ِ‬‫ال ْ َ‬
‫ل قَاتلَهم الل ّ َ‬
‫ن) وهذا من إعجاز القرآن‬ ‫ه أنَّى يُؤْفَكُو َ‬ ‫ُ‬ ‫َ ُ ُ‬ ‫من قَب ْ ُ‬ ‫كَفَُروا ْ ِ‬
‫أنه أخبرنا كيفية نشأة عقيدة النصارى في المسيح‪ .‬فهل كان‬
‫محمد على اطلع بتاريخ الحضارات القديمة؟‬
‫[‪ ]87‬يعلق المؤرخ أرنولد توينبي على مسألة أكل لحم المسيح‬
‫وشرب دمه بأن سكان منطقة البحر المتوسط كانوا قديما‬
‫يفعلون ذلك تقربا إلى أحد آلهة النبات التي تنبت عناصر الخبز‬
‫والنبيذ في هذه المناطق وقد انتقلت هذه الطقوس إلى‬
‫المسيحية عن طريقهم وليس لها أصل في الدين المسيحي‪ .‬أ‪.‬هـ‬
‫والن أيها القارىء الفطن هل تظن حقا أن الخبز والخمر يتحول‬
‫إلى جسد المسيح حقا؟ وإذا كان المسيح هو الله فهل يصير‬
‫الخبز والخمر لحم الله ودمه؟؟ أللله لحم ودم كالبشر؟! أل‬
‫تستحي أو تشمئز من أن تأكل لحم إلهك وتشرب دمه؟!!‬
‫[‪ ]88‬المسيحـية نشأتها ‪ /‬جـنيبر ص ‪ 105‬وجاء في كتاب يسوع‬
‫المسيح للقس بولس إلياس‪(:‬لقد لقح الفكر المسيحي بالفكار‬

‫‪314‬‬
‫الوثنية وقد حافظت الكنيسة المسيحية على تقاليد الشعوب‬
‫الوثنية و على تنوع الطقوس عند مختلف الطوائف) ثم يستطرد‬
‫قائل(إنه في مفتتح القرن السابع الميلدي كتب البابا غريغورس‬
‫الول إلى القديس أوغسطينوس قائل‪" :‬دع البريطانيين وعاداتهم‬
‫واترك لهم أعيادهم الوثنية واكتف بتنصير تلك العياد والعادات‬
‫مكتفيا بوضع إله المسيحيين موضع آلهة الوثنيين")‬
‫[‪ ]89‬تكررت قصة بولس بحذافيرها في السلم مع رجل يهودي‬
‫يدعى عبد الله بن سبأ لم ير النبي قط دخل السلم نفاقا‬
‫ومواراة بعد وفاة النبي وأثار الفتن ضد عثمان بن عفان و نسب‬
‫اللوهية لعلي بن أبي طالب وظهرت بسببه عقيدة التشيع التي‬
‫أخذت كثيرا مما عند ديانة الفرس وهذا يدل على الدور الخبيث‬
‫الذي يلعبه اليهود لتشويه العقائد على مر التاريخ‪.‬‬
‫[‪ ]90‬و من أمثلة ذلك ما صدر عن المجمع الفاتيكاني الثاني في‬
‫الستينات من تبرئة اليهود من دم المسيح عليه السلم ضاربا‬
‫بنصوص الكتاب المقدس عرض الحائط إكراما لليهود!!‬
‫[‪ ]91‬يقول العالم اللماني تولستوي في مقدمة إنجيله الخاص‬
‫الذي وضع فيه ما يعتقد صحته‪ " :‬ل ندري السر في اختيار‬
‫الكنيسة هذا العدد من الكتب وتفضيلها إياه على غيره‪ ،‬واعتباره‬
‫مقدسا ً منزل ً دون سواه مع كون جميع الشخاص الذين كتبوها‬
‫في نظرها رجال قديسون‪ ...‬ويا ليت الكنيسة عند اختيارها لتلك‬
‫الكتب أوضحت للناس هذا التفضيل‪...‬إن الكنيسة أخطأت خطأ ل‬
‫يغتفر في اختيارها بعض الكتب ورفضها الخرى واجتهادها‪." ..‬و‬
‫قال جـون لوريمر في تاريخ الكـنيسة عن هذه الناجـيل [‪ ..‬لم‬
‫يصلنا إلى الن معـرفة وافـية عن الكـيفـية التي اعـتبرت بها‬
‫الكـتب المقـدسة كـتب قانونية‪ ]..‬فإذا كانت قـد فـرضت بالقـوة‬
‫فـمن الذي فـرضها ولمصلحـة من؟ وإذا كان ليس هـناك معـرفة‬
‫عن كـيفـية اخـتيارها لتكـون كـتبًا قانونية فـكـيف تكـون‬
‫مقـدسة؟‬
‫[‪ ]92‬هذا مثال واحد من آلف المثلة وهو للمريكية‪Barbara A. :‬‬
‫‪ Brown‬التي أسلمت في أوائل التسعينات وألفت كتاب ‪A closer look‬‬
‫‪ :at Christianity‬ويمكنك قراءته من هنا‬
‫‪http://home.swipnet.se/islam/books/Closer-Look/frcont13.htm‬‬
‫ويمكنك التعرف على نماذج أخرى ممن دخل السلم من‬
‫‪http://thetruereligion.org/modules/xfsection‬‬
‫حتى القرن السادس عشر‬ ‫[‪ ]93‬فقد ظل مكتوبا باللغة اليونانية‬
‫عندما تم ترجمته للغة اللتينية التي يعرفها الناس وقد دفع أحد‬
‫المترجمين حياته ثمنا لهذه الجريمة!!‬

‫‪315‬‬
‫[‪ ]94‬وجعلت الكنيسة البابا نائبا للمسيح على الرض وبالتالي‬
‫فأرائه غير قابلة للنقاش‪ ،‬وما يحدده في العقيدة يعتبر قضـايا‬
‫ن أَن‬
‫شيْطَا ُ‬ ‫يقينية حتى كاد البابا أن يكون إلها رابعا(ويُريد ُ ال َّ‬
‫َ ِ‬ ‫َ‬
‫ضلَل ً بَعِيداً)!!‬ ‫م َ‬ ‫ضل ّهُ ْ‬
‫يُ ِ‬
‫[‪ ]95‬برغم ما جاء في سفر الخروج‪(.:‬ل يكن لك آلهة أخرى‬
‫أمامي‪ ،‬ل تصنع لك تمثال ً منحوتاً‪ ،‬ول صورة مما في السماء‬
‫فوق‪ ،‬وما في الرض من تحت‪ ،‬وما في الماء من تحت الرض‪ ،‬ل‬
‫تسجد لهن‪ ،‬ول تعبدهن؛ لني أنا الرب إلهك‪ ،‬إله غيور) ‪6 -20/3‬ولو‬
‫كان استعمال هذه الصور والصلبان صوابا لستعملت أيام‬
‫المسيح أو في الثلثة أجيال الولى على القل‬
‫[‪ ]96‬مثل حركة البروتستانت وهي تعني بالعربية المعارضين التي‬
‫تزعمها مارتن لوثر في القرن السادس عشر هي تخلو من كثير‬
‫من هذه المظاهر الوثنية واستعباد البشر الذي عند طوائف‬
‫النصارى الخرى‬
‫[‪ ]97‬مثل ما جاء على لسان بولس‪ " :‬إني أتعجب أنكم تنتقلون‬
‫هكذا سريعا ً عن الذي دعاكم بنعمة المسيح إلى إنجيل آخر ليس‬
‫هو‪ ،‬غير أنه يوجد قوم يزعجونكم‪ ،‬ويريدون أن تحولوا إنجيل‬
‫المسيح " غلطية ‪ 8-1/6‬ويقول مرقس‪ " :‬من يهلك نفسه من‬
‫أجلي ومن أجل النجيل فهو يخلصها "(مرقس ‪ .)8/35‬ويقول‪"،‬‬
‫ل اللهِ قَائِلً‪«15 :‬قَدِ‬ ‫جي ِ‬ ‫ل‪ ،‬يُب َ ّ ِ‬
‫شُر بِإِن ْ ِ‬ ‫جلِي ِ‬‫منْطَقَةِ ال ْ َ‬
‫سوع ُ إِلَى ِ‬ ‫انْطَلَقَ ي َ ُ‬
‫ل‬
‫جي ِ‬‫منُوا بِالِن ْ ِ‬‫ت اللهِ‪ .‬فَتُوبُوا وَآ ِ‬ ‫ملَكُو ُ‬ ‫ب َ‬‫ن وَاقْتََر َ‬
‫ما ُ‬ ‫ل الَّز َ‬ ‫م َ‬‫اكْت َ َ‬
‫"(مرقص ‪ )16-1/15‬فأي إنجيل ترى كان هذا الذي يعنيه المسيح؟؟‬
‫أكان يدعو الناس لليمان بإنجيل لم يُكتب بعد؟؟‬
‫[‪ ]98‬ويمكنك قراءة بعض فصوله بالعربية من‪:‬‬
‫‪ /http://www.multimania.com/barnaba‬وبالنجليزية من ‪http://www.barnabas.net‬‬
‫وهذه مقدمة إنجيل برنابا يوضح فيها سبب تأليفه لهذا الكتاب‪:‬‬
‫برنابا رسول يسوع الناصري المسمى المسيح يتمنى لجميع‬
‫سكان الرض سلما ً و عزاءً‪ -2 .‬أيها العزاء إن الله العظيم‬
‫العجيب(وهي تسمية ل تصح لله) قد افتقدنا في هذه اليام‬
‫الخيرة بنبيه يسوع المسيح برحمة عظيمة للتعليم واليات التي‬
‫اتخذها الشيطان ذريعة لتضليل كثيرين بدعوى التقوى‪ -3.‬مبشرين‬
‫بتعليم شديد الكفر‪ -4 .‬داعين المسيح ابن الله‪ -5 .‬ورافضين‬
‫الختان الذي أمر الله به دائماً‪ -6 .‬مجوزين كل لحم نجس‪-7 .‬‬
‫الذين ضل في عدادهم أيضا ً بولس الذي ل أتكلم عنه إل مع بالغ‬
‫السى‪ -8 .‬وهو السبب الذي لجله أسطر ذلك الحق الذي رأيته‬
‫وسمعته أثناء معاشرتي ليسوع لكي تخلصوا ول يضلكم الشيطان‬

‫‪316‬‬
‫فتهلكون في دينونة الله‪ -9 .‬وعليه فاحذروا كل أحد يبشركم‬
‫بتعليم جديد مضاد لما أكتبه لتخلصوا خلصا ً أبدياً‪.‬‬
‫[‪ ]99‬عجيب أن يقرأ النسان في العهد القديم معتقدا بقدسيته‬
‫بدون أن يدري على القل أسماء مؤلفي أسفاره!!‬
‫[‪ ]100‬جاء في مجلة ‪LOOK‬عام ‪ 1952‬في مقال بعنوان حقيقة الكتاب‬
‫المقدس أن العهد الجديد وحده به نحو ‪20‬ألف خطأ!!‬
‫[‪Robert Kehl. Zeller ]101‬‬
‫[‪ ]102‬جاء في خاتمة إنجيل يوحنا"هذا هو التلميذ الذي يشهد‬
‫بهذا‪ ،‬وكتب هذا‪ ،‬ونعلم أن شهادته حق "(يوحنا ‪ .)24 / 21‬فهذه‬
‫الفقرة كما يقول المحققون دليل على عدم صحة نسبة النجيل‬
‫إلى يوحنا‪ ،‬إذ هي تتحدث عن يوحنا بصيغة الغائب‪ .‬إل إذا كانت‬
‫من إضافة أحد الناسخين أو المترجمين بدون إشارة منه بذلك‬
‫وفي هذه الحالة ما الذي يضمن أل تكون أجزاء أخرى هي من‬
‫إضافة الناسخين؟‬
‫[‪ ]103‬يمكنك مراجعة ذلك بنفسك في الموسوعة البريطانية في‬
‫أي مكتبة عامة تحت كلمة ‪ Bible‬أو ‪Gospel‬‬
‫[‪ ]104‬يفهم من هذه المقدمة أمور أخرى منها‪ :‬أن إنجيله خطاب‬
‫شخصي‪ ،‬وأنه دوّنه بدافع شخصي‪ ،‬وأن له مراجع نقل عنها‬
‫بتدقيق‪ ،‬وأن كثيرين كتبوا غيره‪ ،‬ولم يذكر لوقا في مقدمته شيئاً‬
‫عن إلهام إلهي ألهمه الكتابة أو وحي من روح القدس نزل عليه‪.‬‬
‫نقل عن(هل العهد الجديد كلم الله)‬
‫[‪ ]105‬فأين هذا من دقة تدوين الحاديث النبوية التي يُعرف‬
‫سلسلة رواتها من أول رجل سمعها من النبي إلي آخر رجل في‬
‫السلسلة يرويها اليوم للناس كما سمعها و كل منهم يقول‪ :‬قال‬
‫فلن حدثنا فلن؟؟‬
‫[‪ ]106‬جاء في مقدمة الطبعة المريكية المعدلة عام ‪ 1952‬أن طبعة‬
‫الملك جيمس حوت أخطاء جسيمة كثيرة جدا!‬
‫[‪ ]107‬يوجد اختلف بين علماء التاريخ حول تاريخ ولدة المسيح‬
‫عليه السلم‬
‫[‪.Davies, A. Powell. The Meaning of the Dead Sea Scrolls ]108‬‬
‫[‪ ]109‬ويسمى أيضا ‪Spouter or Preacher of lies‬‬
‫[‪ ]110‬انظر ‪ 4Q541 frag. 9 col. I‬ونبينا محمد هو الذي حارب أعداءه‬
‫وحكم سيفه و بالتالي ل تنطبق هذه الصفات على غيره‪ .‬والله‬
‫اعلم‬
‫[‪ ]111‬مخطوطات البحر الميت ‪ -‬أحمد عثمان ص ‪147 -127‬‬
‫[‪ ]112‬من أوائل من كتب فيه ريشارد سيمون ((‪Richard Simon‬في‬
‫كتابه التاريخ النقدي للعهد القديم ‪"."Critical History of the Old Testament‬‬

‫‪317‬‬
‫[‪ ]113‬وما جاء على لسان الب كارل رانير في المجمع المسكوني‬
‫الفاتيكاني الثاني الذي انتهى عام ‪ 1965‬قوله‪ " :‬لقد أصبح من‬
‫الصعب تصديق الناجيل من كثرة ما تم بها من تحريف وقد ألح‬
‫العديد من رجال الكهنوت في المجمع على ضرورة القيام‬
‫بمراجعة الناجيل حتى ل يصاب المسيحيون بالحباط وحتى ل‬
‫يتعرض المثقفون للفضيحة وحتى ل تتعرض العقيدة المسيحية‬
‫نفسها للسخرية!!"‬
‫[‪(]114‬هل العهد الجديد كلمة الله) ص ‪151‬‬
‫[‪""Foi en la Resurrection, Resurrection de la foi ]115‬‬
‫[‪.Initiation to the Gospels ]116‬‬
‫[‪ ]117‬عن أبي هريرة‪ ،‬عن النبي صلى الله عليه وسلم‪ :‬قال‪(:‬إن‬
‫عفريتا من الجن تفلت علي البارحة ‪ -‬أو إن الشيطان‪ -‬ليقطع‬
‫علي الصلة‪ ،‬فأمكنني الله منه‪ ،‬فأردت أن أربطه إلى سارية من‬
‫سواري المسجد‪ ،‬حتى تصبحوا وتنظروا إليه كلكم‪ ،‬فذكرت قول‬
‫أخي سليمان‪{ :‬رب اغفر لي وهب لي ملكا ل ينبغي لحد من‬
‫بعدي}) فرده الله خاسئا‬
‫[‪ ]118‬يقول(ول ديورانت) فى كتابه المشهور قصة الحضارة‬
‫"مهما يكن من أمر هذه الكتابات الغرامية فان وجودها في العهد‬
‫القديم سر خفي‪ ....‬ولسنا ندرى كيف غفل أو تغافل رجال الدين‬
‫عما في هذه الغاني من عواطف شهوانية وأجازوا وضعها في‬
‫الكتاب المقدس" الجزء ‪ 3‬صفحة ‪.388‬‬
‫[‪ ]119‬من كتاب هل العهد القديم كلمة اللـه؟؟ د‪ .‬منقذ السقار‬
‫‪ ]Maurice Bucaille, The Bible, The Quran and Science[120‬يمكنك قراءته من‪:‬‬
‫‪http://home.swipnet.se/islam/books/maurice/frcont15.htm‬‬
‫الكتاب المقدس‬ ‫[‪ ]121‬يقول الدكتور روبرت في كتابه " حقيقة‬
‫"‪ ":‬ل يوجد كتاب على الطلق به من التغييرات والخطاء‬
‫والتحريفات مثل ما في الكتاب المقدس "‪ ،‬وينقل روبرت أن آباء‬
‫الكنيسة يعترفون بوقوع التحريف عن عمد‪ ،‬وأن الخلف بينهم‬
‫محصور فيمن قام بهذا التحريف‪ .‬ومن الطريف أن د‪ .‬روبرت قد‬
‫أعد لمطبعة " تسفنجلي " مذكرة علمية تطبع مع الكتاب‬
‫المقدس‪ ،‬ثم منع من طبعها‪ ،‬ولما سئل عن السبب في منعها‬
‫قال‪ " :‬إن هذه المذكرة ستفقد الشعب إيمانه بهذا الكتاب "‪.‬‬
‫ولعل أهم أمثلة تحريف الطبعات قاطبة ما جاء في رسالة يوحنا‬
‫الولى " فإن الذين يشهدون(في السماء هم ثلثة الب والكلمة‬
‫والروح القدس‪ ،‬وهؤلء الثلثة هم واحد‪ ،‬والذين يشهدون في‬
‫الرض) هم ثلثة الروح والماء والدم‪ ،‬والثلثة هم في الواحد‬
‫"(يوحنا(‪ ،)8 - 5/7 )1‬والفقرة الولى التي تتحدث عن شهود‬

‫‪318‬‬
‫السماء غير موجودة في النسخ القديمة‪ ،‬وقد كتب إسحاق نيوتن‬
‫رسالة بلغت خمسين صفحة أثبت فيها تحريف هذه العبارة التي‬
‫بقيت في سائر الطبعات والتراجم بلغات العالم المختلفة إلى‬
‫أواسط هذا القرن‪ .‬وكانت بعض الطبعات العربية القديمة قد‬
‫وضعتها بين هللين لتدل على عدم وجودها في المخطوطات‬
‫القديمة كما في ترجمة الشرق الوسط ‪1933‬م‪ ،‬ومثلها صنعت‬
‫طبعة دار الكتاب المقدس في الشرق الوسط‪ ،‬لكن الفقرة‬
‫موجودة بدون أهلة في سائر التراجم العربية سوى ترجمة العالم‬
‫الجديد البرتسنتية وترجمة الكاثوليك العربية المسماة بالرهبانية‬
‫اليسوعية‪ ،‬فإنهما أزالتاها‪ ،‬واعتبرتا نص التثليث المهم نصا ً دخيلً‬
‫ملحقا ً بالكتاب المقدس‪ .‬وفي عام ‪1952‬م أصدرت لجنة تنقيح‬
‫الكتاب المقدس نسخة(‪ ،)R. S. V‬النسخة القياسية المراجعة‪ ،‬وكان‬
‫يسر‬
‫ِ‬ ‫هذا النص ضمن ما حذفه المنقحون‪ ،‬لكن هذا التنقيح لم‬
‫على مختلف تراجم النجيل العالمية‪ .‬وكذلك ما جاء مرقص(‪-16/9‬‬
‫‪ )20‬فإنها موجودة في بعض النسخ دون بعض فقد ذكر جورج‬
‫بوست في قاموس الكتاب المقدس أنها لم تكن في الكتب‬
‫القديمة وغير ذلك من نصوص مثل يوحنا ‪ 53:7‬ويوحنا ‪ 11- 8:1‬ومتى‬
‫‪17:21‬‬
‫‪17‬‬‫من كتابه هل الكتاب المقدس كلم الله ص‬ ‫[‪]122‬‬
‫‪ .66‬ما أحوج العالم إلى محمد!‬
‫محمد العبد الكريم‬
‫يقول المفكر النجليزي برنارد شو عن حبيبنا محمد ‪-‬صلى الله‬
‫عليه وسلم‪ " :-‬ما أحوج العالم إلى محمد ليحل مشاكل العالم‬
‫وهو يحتسي فنجان قهوة "‪.‬‬
‫إن من أهم سمات ديننا وشرع ربنا‪ :‬الختصار والقتضاب‪ ،‬وحمل‬
‫المعاني في صورة كلمة محدودة أو كلمات معدودة؛ تمتد عبر‬
‫الزمان والمكان‪ :‬بمفهومها وبإيمائها وبإشارتها وبمقتضاها‪...‬إلى‬
‫فضاء الل محدود من المعاني‪.‬‬
‫في قوله تعالى على سبيل المثال‪( :‬ول تقل لهما أف) فالملفوظ‬
‫ن تتناول كل أنواع الذى‬
‫كلمات معدودة‪ ،‬والمسكوت عنه معا ٍ‬
‫وهذا ما يُسمى بالتنبيه بالدنى على العلى‪ :‬أي دون الحاجة لذكر‬
‫النهي عن الضرب والشتم‪ ،‬فهي معلومة ضرورية لكل مبتدئ‬
‫باللغة‪ :‬إنها من باب أولى‪ ،‬فهو اختصار لكنه يحمل من "عمومه‬
‫المعنوي" ما "يستغرق" الذى والعتداء‪.‬‬
‫لقد كان من صفاته عليه الصلة والسلم أنه أوتي جوامع الكلم‬
‫واختصرت له الحكمة اختصاراً‪ ،‬بل كان ينهى عن التكلف والتقعر‬
‫والتشدق في الكلم وجاء عن ابن مسعود رضي الله عنه في‬

‫‪319‬‬
‫الحديث الذي رواه مسلم‪( :‬هلك المتنطعون قالها ثلثاً‪ :‬المبالغون‬
‫المور)‪.‬‬
‫وعن عبد الله بن عمرو بن العاص أن رسول الله صلى الله عليه‬
‫وسلم قال‪( :‬إن الله يبغض البليغ من الرجال الذي يتخلل بلسانه‬
‫كما تخلل البقرة)‪.‬‬
‫وعقد النووي ‪-‬رحمه الله‪ -‬في رياض الصالحين‪ :‬باب كراهية‬
‫التقعير في الكلم والتشدق فيه وتكلف الفصاحة واستعمال‬
‫ي اللغة ودقائق العراب في اللغة‪ .‬إن استطلع الشريعة‬ ‫وحش ّ‬
‫يدل بكل تأكيد على منحى الختصار في الكلم والعلج باليجاز‬
‫في الحديث ما أمكن‪ ،‬وفي وصية النبي عليه السلم لجرير بن‬
‫عبد الله البجلي يتأكد هذا المعنى حين يقول له‪( :‬يا جرير‪ :‬إذا‬
‫قلت فأوجز‪ ،‬وإذا بلغت حاجتك فل تتكلف)‪.‬‬
‫فالمبالغة في الكلم والثرثرة ل تدل في الغالب إل على غشاوة‬
‫الفكرة التي يُراد إيضاحها فل يُستطاع إلى إيصالها إل بكلم كثير‬
‫يزيد الغبار ويحفر في البحر ول يحقق للقارئ إل نتائج رمادية أو‬
‫ضبابية‪ ،‬هي كما يُقال‪ :‬تحصيل حاصل‪ ،‬في حين اختزال المعاني‬
‫في كلمات معدودة يدل على وضوح ماذا نريد على وجه التحديد‪.‬‬
‫من جانب آخر فإن تحقيق نتائج ذات مستوى متقدم يتطلب عملً‬
‫جيدا ً خير من كلم جيد‪ ،‬فلو كنا نسعى إلى تحقيق مستوى متقدم‬
‫من التآلف وجمع القلوب‪ ،‬فإن في سيرة محمد ‪-‬صلى الله عليه‬
‫وسلم‪ -‬كلما ً قليل ً وعمل ً جبارا ً كثيرا ً تحقق في صور كثيرة‪ ،‬من‬
‫أدلها زواجه عليه الصلة والسلم من قبائل مختلفة استطاع من‬
‫خلله أن يقلل الشحن النفسي ضد الدعوة‪ ،‬فللزواج بعد آخر ل‬
‫يقف عند حدود العلقة بين الرجل والمرأة‪ ،‬وهذا المعنى يجب أن‬
‫يتجلّى في سيرة رموز "الصحوة " على وجه الخصوص‪.‬‬
‫فنحن نجد اليوم في سيرة بعض السياسيين زواجا ً ل يمكن‬
‫تفسيره هكذا دون أن نستبطن من ورائه مصالح " ع ُليا " قد‬
‫تكون شخصية‪ ،‬لكنها في كل الحوال تخفي ورائها أبعادا ً مختلفة‪.‬‬
‫وعلى كل حال يجب أل نعتمد في فلسفة شخصياتنا على غرس‬
‫الكثار من الحاديث والمقالت والكتابات المطولة والخطب‬
‫المطولة والحوارات‪ ...‬دون أن يكون لها رصيد تطبيقي واضح‪،‬‬
‫ورضي الله عن ابن مسعود القائل‪ " :‬كنا ل نتجاوز عشر آيات‬
‫حتى نتعلم ما فيهن من العلم والعمل" ‪ .‬فالتجاه إلى العمل‬
‫والنجاز يجب أن يكون فوريا ً غير مؤجل مسبوقا ً بقدر من‬
‫التخطيط في زمن محدود؛ حتى ولو كان العمل كميا ً فإنه يحقق‬
‫"الكيف" على المدى الطويل‪ ،‬لسيما إذا أُتبع بالبحث والتطوير‬
‫والتجديد‪.‬‬

‫‪320‬‬
‫كما يجب أن تتميز شخصيات الدعاة والخطباء والمحاضرين‪...‬‬
‫بعمق اللفتات اللفظية التي توجز وتحد ّ من السهاب‪ .‬وهذا التميّز‬
‫بل شك يستدعي عمل ً علميا ً "وفنيا ً " في مؤهلت الداعية‪.‬‬
‫ملِلنا من وقوف كثير من الدعاة في‬ ‫وللحقيقة ؛ فإننا قد َ‬
‫المساجد وعلى منابر الجمعة‪ ...‬يتحدثون أمام الناس فيسهبون‬
‫في التذكير دونما احترام لداء الرسالة‪ ،‬ولول الوجوب الشرعي‬
‫في الحضور والستماع لما رأيت سامعا ً أو حاضرا ً لكثر الذين‬
‫يخطبون وفي جعبتهم الهاجس المني والمصلحة الشخصية التي‬
‫صارت فوق كل اعتبار؛ مما بدّد طاقتهم وتركيزهم في درء‬
‫احتمالت نسبتها واحد في المليون ‪.‬‬
‫هؤلء يجب يدركوا أن مساحة المتاح والممكن أوسع مما أوهمهم‬
‫به الشيطان‪ ،‬ولو أتعبوا أنفسهم قليل ً في تطوير أدائهم الفني‬
‫لرسالة الجمعة‪ ،‬وأتبعوا ذلك توسعا ً في المعلومات لمكن من‬
‫خللهم تحقيق إنجازات في مجالت مهمة وحساسة‪ ،‬لكن الحق‬
‫أن أكثرهم ربما يلحظون الجانب الشخصي لهم ويلبسونه ثوب‬
‫المصلحة الشرعية‪ ،‬وهكذا تدور اليام ويحسبون أنهم مهتدون!‬
‫========================‬
‫الباب الخامس ‪-‬المنصفون‬

‫‪ .1‬مفكر فرنسي‪ :‬الجهل بالسلم وراء أزمة الرسوم‬


‫المسيئة‬
‫اليابان تندد بالرسوم المسيئة وتعتبرها عمل ً طائ ً‬
‫شا‬
‫مفكرة السلم‪ :‬اعتبر وزير الخارجية الياباني أن وسائل العلم‬
‫الوروبية التي نشرت الرسوم الكاريكاتورية المسيئة إلى النبي‬
‫صلى الله عليه وسلم‪ ،‬قامت بعمل 'طائش' أثار الحتجاجات‬
‫وغضب العالم السلمي‪.‬‬
‫وقال الوزير الياباني تارو آسو‪' :‬حتى لو كنا غير مسلمين‪ ،‬فإننا‬
‫ندرك جيدًا أن السلم يحرم التمثيل التصويري للنبي محمد'‬
‫صلى الله عليه وسلم‪.‬‬
‫شا أن يقوم المرء بنشر الرسوم رغم‬ ‫وتابع‪' :‬يبدو لي عمل ً طائ ً‬
‫أنه يدرك سلفًا هذا المر' المتصل بالسلم'‪ ،‬بحسب ما نقلته‬
‫[الجزيرة]‪.‬‬
‫وكانت كل الصحف اليابانية الكبرى قد امتنعت عن نشر تلك‬
‫الرسوم التي تسخر من رسول الله صلى الله عليه وسلم‪.‬‬
‫‪ .2‬اليابان تندد بالرسوم المسيئة وتعتبرها عملً‬
‫طائ ً‬
‫شا‬
‫مفكر فرنسي‪ :‬الجهل بالسلم وراء أزمة الرسوم المسيئة‬

‫‪321‬‬
‫مفكرة السلم‪ :‬أدان المفكر الفرنسي الشهير ريجيس دوبريه‬
‫قيام صحف الدانمارك والدول الغربية‪ ,‬بنشر الرسوم التي‬
‫أساءت للنبي محمد صلى الله عليه وسلم‪.‬‬
‫وأكد دوبريه أن نشر الرسوم تسبب في جرح مشاعر المسلمين؛‬
‫لنها مست عقيدتهم‪ ,‬وأوضح أن حرية الصحافة ليست مطلقة؛‬
‫بل يجب أن تخضع لقوانين تُحقق توازنًا بين الحرية والمسئولية‪,‬‬
‫في إطار يرفض الدعوة لحتقار وازدراء الديان والمعتقدات‪.‬‬
‫وأشار دوبريه إلى أن الرسوم تنم عن جهل الغرب بالسلم‪,‬‬
‫مق الفجوة بين الغرب والسلم‪.‬‬ ‫مؤكدًا أن هذا الجهل ع ّ‬
‫وأعرب ـ بحسب صحيفة الوفد ـ عن أسفه لن الغرب يهتم‬
‫بالمر عندما يتعلق بالساءة 'للمسيحيين' أو اليهود أكثر من‬
‫اهتمامه بما إذا كانت الساءة تمس المسلمين‪.‬‬
‫جاء ذلك في الندوة التي نظمتها 'اللجنة العربية لحقوق النسان‬
‫المصرية' و'مراسلون بل حدود' و'اللجنة الدولية للدفاع عن‬
‫تيسير علوني' مراسل قناة الجزيرة المسجون في إسبانيا تحت‬
‫عنوان 'الحماية والحرية والمسئولية'‪ ,‬وع ُقدت بنقابة الصحافيين‬
‫بالقاهرة‪.‬‬
‫================‬
‫‪ -3‬عديد منهم قالوا ‪:‬‬

‫إعداد‪ :‬محمود أحمد إسماعيل **‬


‫بين يديك جلة من أقوال بعض المستشرقين الذين أعجبوا‬
‫بشخصية الرسول العظيم (صلى الله عليه وسلم)‪ ،‬ومع كونهم‬
‫لم يرتدوا عباءة السلم فإنهم قالوا كلمة حق سطرها التاريخ‬
‫على ألسنتهم وفي كتبهم وتراثهم‪ ،‬وما أحبوه كذلك إل لن أنصبته‬
‫قد فاضت بكم من الرقي الشخصي والخلقي والحضاري إلى‬
‫أبعد حد مما جعلهم معجبون به إلى حد جعلهم يسطرون فيه‬
‫الكتب ويذكرون شخصه في كل وقت‪ .‬وهذا جزء من كل ما قالوا‬
‫في عظيم شخصه وصفاته الجليلة‪.‬‬
‫‪ -3‬ساروجنى ندو‬ ‫‪ -1‬مهاتما غاندي ‪ -2‬راما كريشنا راو‬
‫‪ -4‬لمرتين ‪ -5‬مونتجومري ‪ -6‬بوسورث سميث‬
‫‪ -7‬جيبون أوكلي ‪ -8‬الدكتور زويمر ‪ -9‬سانت هيلر‬
‫‪ -12‬السير موير‬ ‫‪ -10‬إدوار مونته ‪ -11‬برناردشو‬
‫‪ -13‬سنرستن السوجي‪ -14‬المستر سنكس ‪ -15‬آن بيزيت‬
‫‪ -18‬شبرك النمساوي‬ ‫‪ -16‬مايكل هارت ‪ -17‬تولستوي‬
‫‪ -1‬مهاتما غاندي‪*:‬‬
‫غاندي‬

‫‪322‬‬
‫"أردت أن أعرف صفات الرجل الذي يملك بدون نزاع قلوب‬
‫مليين البشر‪ ..‬لقد أصبحت مقتنعا كل القتناع أن السيف لم يكن‬
‫الوسيلة التي من خللها اكتسب السلم مكانته‪ ،‬بل كان ذلك من‬
‫خلل بساطة الرسول مع دقته وصدقه في الوعود‪ ،‬وتفانيه‬
‫وإخلصه لصدقائه وأتباعه‪ ،‬وشجاعته مع ثقته المطلقة في ربه‬
‫وفي رسالته‪ .‬هذه الصفات هي التي مهدت الطريق‪ ،‬وتخطت‬
‫المصاعب وليس السيف‪ .‬بعد انتهائي من قراءة الجزء الثاني من‬
‫حياة الرسول وجدت نفسي أسفا لعدم وجود المزيد للتعرف أكثر‬
‫على حياته العظيمة"‪.‬‬

‫‪ -2‬راما كريشنا راو*‪:‬‬


‫"ل يمكن معرفة شخصية محمد بكل جوانبها‪ .‬ولكن كل ما في‬
‫استطاعتي أن أقدمه هو نبذة عن حياته من صور متتابعة جميلة‪.‬‬
‫فهناك محمد النبي‪ ،‬ومحمد المحارب‪ ،‬ومحمد رجل العمال‪،‬‬
‫ومحمد رجل السياسة‪ ،‬ومحمد الخطيب‪ ،‬ومحمد المصلح‪ ،‬ومحمد‬
‫ملذ اليتامى‪ ،‬وحامي العبيد‪ ،‬ومحمد محرر النساء‪ ،‬ومحمد‬
‫القاضي‪ ،‬كل هذه الدوار الرائعة في كل دروب الحياة النسانية‬
‫تؤهله لن يكون بطل"‪.‬‬
‫‪ -3‬ساروجنى ندو شاعرة الهند‪*:‬‬
‫"يعتبر السلم أول الديان مناديًا ومطبقًا للديمقراطية‪ ،‬وتبدأ هذه‬
‫الديمقراطية في المسجد خمس مرات في اليوم الواحد عندما‬
‫ينادى للصلة‪ ،‬ويسجد القروي والملك جنب لجنب اعترافًا بأن‬
‫الله أكبر‪ ..‬ما أدهشني هو هذه الوحدة غير القابلة للتقسيم والتي‬
‫خا للخر"‪.‬‬‫جعلت من كل رجل بشكل تلقائي أ ً‬
‫‪ -4‬المفكر الفرنسي لمرتين‪* :‬‬
‫ل مارتين‬
‫"إذا كانت الضوابط التي نقيس بها عبقرية النسان هي سمو‬
‫الغاية والنتائج المذهلة لذلك رغم قلة الوسيلة‪ ،‬فمن ذا الذي‬
‫يجرؤ أن يقارن أيا من عظماء التاريخ الحديث بالنبي محمد‬
‫(صلى الله عليه وسلم) في عبقريته؟ فهؤلء المشاهير قد صنعوا‬
‫السلحة وسنوا القوانين وأقاموا المبراطوريات‪ .‬فلم يجنوا إل‬
‫أمجادا بالية لم تلبث أن تحطمت بين ظهرانَيْهم‪ .‬لكن هذا الرجل‬
‫(محمدا (صلى الله عليه وسلم)) لم يقد الجيوش ويسن‬
‫التشريعات ويقم المبراطوريات ويحكم الشعوب ويروض الحكام‬
‫فقط‪ ،‬وإنما قاد المليين من الناس فيما كان يعد ثلث العالم‬

‫‪323‬‬
‫حينئذ‪ .‬ليس هذا فقط‪ ،‬بل إنه قضى على النصاب والزلم‬
‫والديان والفكار والمعتقدات الباطلة‪.‬‬
‫لقد صبر النبي وتجلد حتى نال النصر (من الله)‪ .‬كان طموح‬
‫النبي (صلى الله عليه وسلم) موجها بالكلية إلى هدف واحد‪ ،‬فلم‬
‫يطمح إلى تكوين إمبراطورية أو ما إلى ذلك‪ .‬حتى صلة النبي‬
‫الدائمة ومناجاته لربه ووفاته (صلى الله عليه وسلم) وانتصاره‬
‫حتى بعد موته‪ ،‬كل ذلك ل يدل على الغش والخداع بل يدل على‬
‫اليقين الصادق الذي أعطى النبي الطاقة والقوة لرساء عقيدة‬
‫ذات شقين‪ :‬اليمان بوحدانية الله‪ ،‬واليمان بمخالفته تعالى‬
‫للحوادث‪ .‬فالشق الول يبين صفة الله (أل وهي الوحدانية)‪ ،‬بينما‬
‫الخر يوضح ما ل يتصف به الله تعالى (وهو المادية والمماثلة‬
‫للحوادث)‪ .‬لتحقيق الول كان ل بد من القضاء على اللهة‬
‫المدعاة من دون الله بالسيف‪ ،‬أما الثاني فقد تطلّب ترسيخ‬
‫العقيدة بالكلمة (بالحكمة والموعظة الحسنة)‪.‬‬
‫هذا هو محمد (صلى الله عليه وسلم) الفيلسوف‪ ،‬الخطيب‪،‬‬
‫النبي‪ ،‬المشرع‪ ،‬المحارب‪ ،‬قاهر الهواء‪ ،‬مؤسس المذاهب‬
‫الفكرية التي تدعو إلى عبادة حقة‪ ،‬بل أنصاب ول أزلم‪ .‬هو‬
‫المؤسس لعشرين إمبراطورية في الرض‪ ،‬وإمبراطورية روحانية‬
‫واحدة‪ .‬هذا هو محمد (صلى الله عليه وسلم)‪.‬‬
‫بالنظر لكل مقاييس العظمة البشرية‪ ،‬أود أن أتساءل‪ :‬هل هناك‬
‫من هو أعظم من النبي محمد (صلى الله عليه وسلم)؟‬
‫‪ -5‬مونتجومري‪* :‬‬
‫إن استعداد هذا الرجل لتحمل الضطهاد من أجل معتقداته‪،‬‬
‫والطبيعة الخلقية السامية لمن آمنوا به واتبعوه واعتبروه سيدا‬
‫وقائدا لهم‪ ،‬إلى جانب عظمة إنجازاته المطلقة‪ ،‬كل ذلك يدل‬
‫على العدالة والنزاهة المتأصلة في شخصه‪ .‬فافتراض أن محمدا‬
‫مدع افتراض يثير مشاكل أكثر ول يحلها‪ .‬بل إنه ل توجد شخصية‬
‫من عظماء التاريخ الغربيين لم تنل التقدير اللئق بها مثل ما‬
‫فعل بمحمد‪.‬‬
‫‪ -6‬بوسورث سميث‪* :‬‬
‫لقد كان محمد قائدا سياسيا وزعيما دينيا في آن واحد‪ .‬لكن لم‬
‫تكن لديه عجرفة رجال الدين‪ ،‬كما لم تكن لديه فيالق مثل‬
‫القياصرة‪ .‬ولم يكن لديه جيوش مجيشة أو حرس خاص أو قصر‬
‫مشيد أو عائد ثابت‪ .‬إذا كان لحد أن يقول إنه حكم بالقدرة‬
‫اللهية فإنه محمد‪ ،‬لنه استطاع المساك بزمام السلطة دون أن‬
‫يملك أدواتها ودون أن يسانده أهلها‪.‬‬
‫‪ -7‬جيبون أوكلي‪* :‬‬

‫‪324‬‬
‫جيبون وكلي‬
‫ليس انتشار الدعوة السلمية هو ما يستحق النبهار وإنما‬
‫استمراريتها وثباتها على مر العصور‪ .‬فما زال النطباع الرائع‬
‫الذي حفره محمد في مكة والمدينة له نفس الروعة والقوة في‬
‫نفوس الهنود والفارقة والتراك حديثي العهد بالقرآن‪ ،‬رغم مرور‬
‫اثني عشر قرنا من الزمان‪.‬‬
‫لقد استطاع المسلمون الصمود يدا واحدة في مواجهة فتنة‬
‫اليمان بالله رغم أنهم لم يعرفوه إل من خلل العقل والمشاعر‬
‫النسانية‪ .‬فقول "أشهد أن ل إله إل الله وأن محمدا رسول الله"‬
‫هي ببساطة شهادة السلم‪ .‬ولم يتأثر إحساسهم بألوهية الله‬
‫(عز وجل) بوجود أي من الشياء المنظورة التي كانت تتخذ آلهة‬
‫من دون الله‪ .‬ولم يتجاوز شرف النبي وفضائله حدود الفضيلة‬
‫المعروفة لدى البشر‪ ،‬كما أن منهجه في الحياة جعل مظاهر‬
‫امتنان الصحابة له (لهدايته إياهم وإخراجهم من الظلمات إلى‬
‫النور) منحصرة في نطاق العقل والدين‪.‬‬
‫‪ -8‬الدكتور زويمر‪* :‬‬
‫إن محمدا ً كان ول شك من أعظم القواد المسلمين الدينيين‪،‬‬
‫ويصدق عليه القول أيضا ً بأنه كان مصلحا ً قديرا ً وبليغا ً فصيحاً‬
‫وجريئا ً مغواراً‪ ،‬ومفكرا ً عظيماً‪ ،‬ول يجوز أن ننسب إليه ما ينافي‬
‫هذه الصفات‪ ،‬وهذا قرآنه الذي جاء به وتاريخه يشهدان بصحة‬
‫هذا الدعاء‪.‬‬
‫‪ -9‬سانت هيلر‪* :‬‬
‫كان محمد رئيسا ً للدولة وساهرا ً على حياة الشعب وحريته‪ ،‬وكان‬
‫يعاقب الشخاص الذين يجترحون الجنايات حسب أحوال زمانه‬
‫وأحوال تلك الجماعات الوحشية التي كان يعيش النبي بين‬
‫ظهرانيها‪ ،‬فكان النبي داعيا ً إلى ديانة الله الواحد وكان في‬
‫دعوته هذه لطيفا ً ورحيما ً حتى مع أعدائه‪ ،‬وإن في شخصيته‬
‫ل الصفات التي تحملها النفس البشرية وهما‬ ‫صفتين هما من أج ّ‬
‫العدالة والرحمة‪.‬‬
‫‪ -10‬إدوار مونته‪* :‬‬
‫عرف محمد بخلوص النية والملطفة وإنصافه في الحكم‪ ،‬ونزاهة‬
‫التعبير عن الفكر والتحقق‪ ،‬وبالجملة كان محمد أزكى وأدين‬
‫وأرحم عرب عصره‪ ،‬وأشدهم حفاظا ً على الزمام فقد وجههم‬
‫إلى حياة لم يحلموا بها من قبل‪ ،‬وأسس لهم دولة زمنية ودينية ل‬
‫تزال إلى اليوم‪.‬‬
‫‪ -11‬برناردشو‪* :‬‬
‫برناردشو‬

‫‪325‬‬
‫ل في تفكير محمد‪ ،‬هذا النبي‬ ‫إن العالم أحوج ما يكون إلى رج ٍ‬
‫الذي وضع دينه دائما ً موضع الحترام والجلل فإنه أقوى دين‬
‫على هضم جميع المدنيات‪ ،‬خالدا ً خلود البد‪ ،‬وإني أرى كثيرا ً من‬
‫بني قومي قد دخلوا هذا الدين على بينة‪ ،‬وسيجد هذا الدين‬
‫مجاله الفسيح في هذه القارة (يعني أوروبا)‪.‬‬
‫صب‪،‬‬ ‫ة للجهل أو التع ّ‬ ‫ن رجال الدين في القرون الوسطى‪ ،‬ونتيج ً‬ ‫إ ّ‬
‫ة‪ ،‬لقد كانوا يعتبرونه عدوًّا‬‫قد رسموا لدين محمد ٍ صورة ً قاتم ً‬
‫للمسيحية‪ ،‬لكنّني اطّلعت على أمر هذا الرجل‪ ،‬فوجدته أعجوب ً‬
‫ة‬
‫ة‪ ،‬وتوصلت إلى أنّه لم يكن عدوًّا للمسيحية‪ ،‬بل يجب أ ْ‬
‫ن‬ ‫خارق ً‬
‫ّ‬
‫مى منقذ البشرية‪ ،‬وفي رأيي أنّه لو تولى أمر العالم اليوم‪،‬‬ ‫يس ّ‬
‫ل مشكلتنا بما يؤمن السلم والسعادة التي يرنو‬ ‫لوفّق في ح ّ‬
‫البشر إليها‪.‬‬
‫‪ -12‬السير موير‪* :‬‬
‫إن محمدا ً نبي المسلمين لقب بالمين منذ الصغر بإجماع أهل‬
‫بلده لشرف أخلقه وحسن سلوكه‪ ،‬ومهما يكن هناك من أمر‬
‫فإن محمدا ً أسمى من أن ينتهي إليه الواصف‪ ،‬ول يعرفه من‬
‫جهله‪ ،‬وخبير به من أمعن النظر في تاريخه المجيد‪ ،‬ذلك التاريخ‬
‫الذي ترك محمدا ً في طليعة الرسل ومفكري العالم‪.‬‬
‫‪ -13‬سنرستن السوجي‪* :‬‬
‫إننا لم ننصف محمدا ً إذا أنكرنا ما هو عليه من عظيم الصفات‬
‫وحميد المزايا‪ ،‬فلقد خاض محمد معركة الحياة الصحيحة في‬
‫وجه الجهل والهمجية‪ ،‬مصرا ً على مبدئه‪ ،‬وما زال يحارب الطغاة‬
‫حتى انتهى به المطاف إلى النصر المبين‪ ،‬فأصبحت شريعته‬
‫أكمل الشرائع‪ ،‬وهو فوق عظماء التاريخ‪.‬‬
‫‪ -14‬المستر سنكس‪* :‬‬
‫ظهر محمد بعد المسيح بخمسمائة وسبعين سنة‪ ،‬وكانت وظيفته‬
‫ترقية عقول البشر‪ ،‬بإشرابها الصول الولية للخلق الفاضلة‪،‬‬
‫وبإرجاعها إلى العتقاد بإله واحد‪ ،‬وبحياة بعد هذه الحياة‪.‬‬
‫إلى أن قال‪:‬‬
‫إن الفكرة الدينية السلمية‪ ،‬أحدثت رقيا ً كبيرا ً جدا ً في العالم‪،‬‬
‫وخلّصت العقل النساني من قيوده الثقيلة التي كانت تأسره‬
‫حول الهياكل بين يدي الكهان‪ .‬ولقد توصل محمد ـ بمحوه كل‬
‫صورة في المعابد وإبطاله كل تمثيل لذات الخالق المطلق ـ إلى‬
‫تخليص الفكر النساني من عقيدة التجسيد الغليظة‪.‬‬
‫‪ -15‬آن بيزيت‪* :‬‬
‫من المستحيل لي شخص يدرس حياة وشخصية نبي العرب‬
‫العظيم ويعرف كيف عاش هذا النبي وكيف علم الناس‪ ،‬إل أن‬

‫‪326‬‬
‫يشعر بتبجيل هذا النبي الجليل‪ ،‬أحد رسل الله العظماء‪ ،‬ورغم‬
‫أنني سوف أعرض فيما أروي لكم أشياء قد تكون مألوفة للعديد‬
‫من الناس فإنني أشعر في كل مرة أعيد فيها قراءة هذه الشياء‬
‫بإعجاب وتبجيل متجددين لهذا المعلم العربي العظيم‪.‬‬
‫هل تقصد أن تخبرني أن رجل ً في عنفوان شبابه لم يتعد الرابعة‬
‫والعشرين من عمره بعد أن تزوج من امرأة أكبر منه بكثير وظل‬
‫وفيا ً لها طيلة ‪ 26‬عاما ً ثم عندما بلغ الخمسين من عمره ‪ -‬السن‬
‫التي تخبو فيها شهوات الجسد ‪ -‬تزوج لشباع رغباته وشهواته؟!‬
‫ليس هكذا يكون الحكم على حياة الشخاص‪.‬‬
‫فلو نظرت إلى النساء اللتي تزوجهن لوجدت أن كل زيجة من‬
‫هذه الزيجات كانت سببا ً إما في الدخول في تحالف لصالح أتباعه‬
‫ودينه أو الحصول على شيء يعود بالنفع على أصحابه أو كانت‬
‫المرأة التي تزوجها في حاجة ماسة للحماية‪.‬‬
‫‪ -16‬مايكل هارت‪* :‬‬
‫إن اختياري محمداً‪ ،‬ليكون الول في أهم وأعظم رجال التاريخ‪،‬‬
‫قد يدهش القراء‪ ،‬ولكنه الرجل الوحيد في التاريخ كله الذي نجح‬
‫أعلى نجاح على المستويين‪ :‬الديني والدنيوي‪.‬‬
‫فهناك ُرسل وأنبياء وحكماء بدءوا رسالت عظيمة‪ ،‬ولكنهم ماتوا‬
‫دون إتمامها‪ ،‬كالمسيح في المسيحية‪ ،‬أو شاركهم فيها غيرهم‪ ،‬أو‬
‫سبقهم إليهم سواهم‪ ،‬كموسى في اليهودية‪ ،‬ولكن محمدا ً هو‬
‫الوحيد الذي أتم رسالته الدينية‪ ،‬وتحددت أحكامها‪ ،‬وآمنت بها‬
‫شعوب بأسرها في حياته‪ .‬ولنه أقام جانب الدين دولة جديدة‪،‬‬
‫حد القبائل في شعـب‪،‬‬ ‫فإنه في هذا المجال الدنيوي أيضاً‪ ،‬و ّ‬
‫والشعوب في أمة‪ ،‬ووضع لها كل أسس حياتها‪ ،‬ورسم أمور‬
‫دنياها‪ ،‬ووضعها في موضع النطلق إلى العالم‪ .‬أيضا ً في حياته‪،‬‬
‫فهو الذي بدأ الرسالة الدينية والدنيوية‪ ،‬وأتمها‪.‬‬
‫‪ -17‬تولستوي‪* :‬‬
‫تولستوي‬
‫ة من مخالب‬ ‫ة دموي ً‬‫ة ذليل ً‬ ‫يكفي محمدا ً فخرا ً أنّه خلّص أم ً‬
‫شياطين العادات الذميمة‪ ،‬وفتح على وجوههم طريقَ الُّرقي‬
‫ة محمدٍ‪ ،‬ستسود ُ العالم لنسجامها مع العقل‬ ‫ن شريع َ‬ ‫والتقدم‪ ،‬وأ ّ‬
‫والحكمة‪.‬‬
‫‪ -18‬شبرك النمساوي‪* :‬‬
‫ميته‪،‬‬ ‫ُ‬
‫ن البشرية لتفتخر بانتساب رجل كمحمد إليها‪ ،‬إذ إنّه رغم أ ّ‬ ‫إ ّ‬
‫ن‬
‫ن نح ُ‬ ‫ن يأتي بتشريع‪ ،‬سنكو ُ‬ ‫استطاع قبل بضعة عشر قرنًا أ ْ‬
‫مته‪.‬‬ ‫الوروبيين أسعد ما نكون‪ ،‬إذا توصلنا إلى ق ّ‬
‫** محرر الصفحات المتخصصة على الموقع‬

‫‪327‬‬
‫(‪ )1‬مهاتما غاندي في حديث لجريدة "ينج إنديا" وتكلم فيه عن‬
‫صفات سيدنا محمد صلى الله علية وسلم‬
‫(‪ )2‬البروفسور رما كريشنا راو في كتابه "محمد النبي"‪.‬‬
‫(‪ )3‬لمرتين من كتاب "تاريخ تركيا"‪ ،‬باريس‪ ،1854 ،‬الجزء الثاني‪،‬‬
‫صفحة ‪.277-276‬‬
‫(‪ )4‬مونتجومرى وات‪ ،‬من كتاب "محمد في مكة"‪ ،1953 ،‬صفحة‬
‫‪.52‬‬
‫(‪ )5‬بوسورث سميث‪ ،‬من كتاب "محمد والمحمدية"‪ ،‬لندن ‪،1874‬‬
‫صفحة ‪.92‬‬
‫(‪)6‬إدوارد جيبون وسيمون أوكلي‪ ،‬من كتاب "تاريخ إمبراطورية‬
‫الشرق"‪ ،‬لندن ‪ ،1870‬صفحة ‪.54‬‬
‫(‪ )7‬الدكتور زويمر الكندي مستشرق كندي ولد ‪ 1813‬ـ ‪ 1900‬قال‬
‫في كتابه (الشرق وعاداته)‪.‬‬
‫(‪ )8‬العلمة برتلي سانت هيلر اللماني مستشرق ألماني ولد في‬
‫درسدن ‪ 1793‬ـ ‪ 1884‬قال في كتابه (الشرقيون وعقائدهم)‪.‬‬
‫(‪ )9‬الفيلسوف إدوار مونته الفرنسي مستشرق فرنسي ولد في‬
‫بلدته لوكادا ‪ 1817‬ـ ‪ 1894‬قال في آخر كتابه (العرب)‪.‬‬
‫(‪ )10‬برناردشو النكليزي ولد في مدينة كانيا ‪ 1817‬ـ ‪ 1902‬له مؤلف‬
‫أسماه (محمد)‪ ،‬وقد أحرقته السلطة البريطانية‪.‬‬
‫(‪ )11‬السير موير النكليزي في كتابه (تاريخ محمد)‪.‬‬
‫(‪ )12‬العلمة سنرستن السوجي‪ :‬مستشرق آسوجي ولد عام‬
‫‪ ،1866‬أستاذ اللغات الساميّة‪ ،‬ساهم في دائرة المعارف‪ ،‬جمع‬
‫المخطوطات الشرقية‪ ،‬محرر مجلة (العالم الشرقي) له عدة‬
‫مؤلفات منها‪( :‬القرآن النجيل المحمدي) ومنها‪( :‬تاريخ حياة‬
‫محمد)‪.‬‬
‫(‪ )13‬المستر سنكس المريكي‪ :‬مستشرق أميركي ولد في بلدته‬
‫بالي عام ‪ ،1831‬توفي ‪ 1883‬في كتابه‪( :‬ديانة العرب)‪.‬‬
‫(‪ )14‬آن بيزينت‪ :‬حياة وتعاليم محمد دار مادرس للنشر ‪.1932‬‬
‫(‪ )15‬مايكل هارت‪ :‬في كتابه مائة رجل من التاريخ‪.‬‬
‫(‪ )16‬ليف تولستوي «‪ 1828‬ـ ‪ »1910‬الديب العالمي الذي يعد أدبه‬
‫من أمتع ما كتب في التراث النساني قاطبة عن النفس‬
‫البشرية‪.‬‬
‫(‪ )17‬الدكتور شبرك النمساوي‪.‬‬
‫===============‬
‫‪ -4‬قال المنصفون منهم في سيدنا محمد صلى الله‬
‫عليه وسلم‬

‫‪328‬‬
‫جه للنبي محمد‪ ،‬صلي الله عليه‬ ‫ل يجد المرء ردًّا على ما وُ ِّ‬
‫وسلم‪ ،‬من إهانات وشتائم تارة‪ ،‬وكذب وتدليس تارة أخرى‪ ،‬أبْلَغُ‬
‫من عَْرض آراء المعتدلين من أصحاب النظرة الحيادية والمنهج‬ ‫ِ‬
‫الموضوعي‪ ،‬والمانة العلمية والخلقية‪ ،‬من بني جنسهم‪ ،‬ودينهم‪،‬‬
‫في شخصية الرسول‪ ،‬صلي الله عليه وسلم‪ ،‬ومكانته‪ ،‬ذلك أن‬
‫أعداء الدين السلمي قد سدوا آذانهم‪ ،‬وأعموا قلوبهم‪ ،‬وقنعوا‬
‫بما تلقوا من أوهام عن السلم وأهله‪ ،‬حتى صار المر عندهم‬
‫َ‬
‫كأنه من المسل ّمات التي ل تقبل المناقشة‪.‬‬
‫ومن هنا كان من المناسب أن يكون الرد ُّ عليهم من كتابات أبناء‬
‫جلدتهم من كتابهم ومفكريهم‪ ،‬أولئك النَّفر من المحايدين الذين‬
‫أبوا على أنفسهم أن يلووا أعناق النصوص ويقلبوا الحقائق‬
‫التاريخية‪ ،‬أو يختاروا منها ما يحقق غايتهم‪ ،‬هؤلء القلئل الذين‬
‫التزموا ما يقتضيه البحث العلمي من المانة العلمية والخلقية‬
‫في العرض والخذ والرد‪.‬‬

‫وقد شهدت العصور الوسطى في أوروبا بعض المحاولت التي‬


‫كانت تهدف إلى تقديم صورة أكثر موضوعية عن السلم ونبيه‪،‬‬
‫صلى الله عليه وسلم‪ ،‬مثل تلك المحاولة التي قام بها "بيتر‬
‫المبجل" في القرن الثاني عشر الميلدي؛ حيث استعان باثنين‬
‫من العرب في ترجمة القرآن الكريم‪ ،‬وكانت هذه الترجمة من‬
‫حوربت من قبل رجال‬ ‫أحسن الترجمات‪ ،‬لكن هذه الترجمة ُ‬
‫صبين؛ لنّها كانت ستؤدي إلى انتشار السلم بين‬ ‫الدين المتع ِّ‬
‫الغربيين في تلك الحقبة‪ ،‬وقد شهد عصر النهضة مزيدًا من‬
‫المحاولت المنصفة للسلم‪.‬‬
‫ومن الحداث المهمة في ذلك العصر صدور ترجمة للقرآن باللغة‬
‫َ‬
‫النجليزية‪ ،‬وقد تول ّى هذه الترجمة العالم النجليزي "جورج‬
‫سيل" في عام ‪1734‬م‪ ،‬وهذه الطبعة سرعان ما تُرجمت ونُشرت‬
‫باللغات اللمانية والفرنسية والهولندية‪ ،‬فكانت المصدر المهم‬
‫المعوَّل عليه في أوربا لمدة تناهز القرن‪ ،‬لمعرفة القضايا التي‬
‫عالجها القرآن‪ ،‬وقد نوه فيها "سيل"‪ -‬تمشيًا مع روح عصر‬
‫النهضة‪ -‬بكثير من فضائل الدين السلمي‪ ،‬وأشار إلى عظمه نبيه‬
‫محمد‪ ،‬صلى الله عليه وسلم‪.‬‬
‫* وفي ‪ 1720‬نشر "هنري دي بولونفيرس" كتابه "سيرة حياة‬
‫محمد" وفيه دفاع عن سيرة النبي‪ ،‬ورد على المطاعن‬
‫والنتقاصات السابقة من شخصيته‪ ،‬صلى الله عليه وسلم‪،‬‬
‫حا أن محمدًا مبدع ديني عقلي يستحق التقدير حتى في‬ ‫موض ً‬
‫الغرب‪.‬‬

‫‪329‬‬
‫وكان لكتاب"بولونفيرس" الثر البالغ في تفكير "فولتير"‪ ،‬وتغيير‬
‫نظرته للسلم والرسول صلى الله عليه وسلم‪ ،‬فقد ألف فولتير‬
‫كتابًا بعنوان "التعصب أو النبي محمد" وصف فيه النبي‪ ،‬صلى‬
‫خدَّاع ومحب للملذات الجسدية‬ ‫الله عليه وسلم‪ ،‬بأنه منافق و َ‬
‫ومستبد‪ ،‬وقد كان فولتير بهذا النعت غير المنصف والطعن في‬
‫شخصية محمد يستهدف دحض الفكار الدينية المتعصبة بصورة‬
‫عامة في فترة سادت فيها حملة عامة واسعة لدحض الفكار‬
‫الدينية المسيحية؛ تجاوبًا مع مبادئ عصر النهضة والتنوير العقلي‪.‬‬
‫لكن فولتير بعد أن طالع كتاب "سيرة حياة محمد" ألف كتابه‬
‫(بحث في العادات) سنة ‪ 1765‬مدح به السلم وأشاد بنبي السلم‬
‫محمد وبكتابه القرآن‪ ،‬وقد نعت محمدًا بأنه مع "كونفوشيوس" و‬
‫"زرادشت" من أعظم مشّرِعي العالم‪.‬‬
‫* الشاعر اللماني الكبير "جوهان فولفجاج فون جوته" أحد رموز‬
‫الثقافة الغربية‪ ،‬شاعر وروائي عملق يعترف بقَدْرِه الجميع هنا‬
‫وهناك‪ ،‬كان شديد العجاب بالسلم‪ ،‬وقد استوحي العديد من‬
‫آيات القرآن الكريم‪ ،‬ومن شعر المعلقات في أشعاره قرأ جوته‬
‫"ألف ليلة وليلة" في طفولته‪ ،‬وفي شبابه ترجم عن الفرنسية‬
‫كتاب "محمد" لفولتير‪ ،‬وكان يحفظ أشعار الشاعر الفارسي‬
‫حافظ الشيرازي‪.‬‬
‫كان جوته شديد التدين وكان منذ طفولته يشارك في خدمة‬
‫القداس الكنائسي‪ ،‬ويقرأ يوميًّا الكتاب المقدس‪ ،‬وقد اعترف بأنه‬
‫حل ذلك دون أن يعرب‬ ‫مدين له بثقافته الروحية والعقلية‪ ،‬ولم ي َ ُ‬
‫عن إعجابه الشديد بالرسول محمد عليه الصلة والسلم‪،‬‬
‫وبالسلم‪ ،‬وكان يزمع تأليف مسرحية عن النبي محمد (صلي الله‬
‫عليه وسلم)‪.‬‬
‫ويا ليت الذين يتهجمون اليوم على السلم وعقيدته‪ ،‬ورمزه‬
‫العلى محمد‪ ،‬يقرؤون شعر جوته الذي حاول أن يعبر الجسر بين‬
‫الشرق والغرب‪ ،‬وأن يقيم توازنًا روحيًّا بينهما‪ ،‬وقد أخرج ديوان‬
‫شعر اسماه "الديوان الشرقي للمؤلف الغربي" يقول في إحدى‬
‫قصائده‪ ،‬التي ترجمها د‪.‬عبد الرحمن بدوي‪:‬‬
‫من حماقة النسان في دنياه أن يتعصب كل منا لما يراه‬
‫وإذا السلم كان معناه أن لله التسليم‬
‫فإننا جميعا‪ ،‬نحيا ونموت مسلمين‪.‬‬
‫‪-----------------‬‬
‫* وقد أشاد "هيردر وليبنيتز" في كتابه "أفكار حول فلسفة تاريخ‬
‫النسانية"‪ ،‬بشخصية النبي محمد‪ ،‬وحماسه العالي لفكرة‬

‫‪330‬‬
‫"وحدانية الله"‪ ،‬وحكمة عبادته‪ ،‬بواسطة الطهارة والتأمل والعمل‬
‫الصالح‪.‬‬
‫وقد رد هيردر على التقاليد اليهودية والمسيحية البالية‪ ،‬وأشاد‬
‫بسيرة محمد والثقافة السلمية‪ ،‬وأطرى تعاليم الدين السلمي‬
‫التي حرمت الخمر والمأكولت النجسة والربا والقمار والميسر‪،‬‬
‫وبيّن أن تأثيرات العبادة اليومية وأفكار الرحمة‪ ،‬والطاعة لرادة‬
‫الله التي نص عليها القرآن تمنح المسلمين اطمئنانًا نفسيًا‪.‬‬
‫*"أدريانس ريلند" المستشرق الهولندي في القرن الثامن عشر‪،‬‬
‫من أهم مؤلفاته كتاب‪" :‬في الديانة المحمدية" باللغة اللتينية‪،‬‬
‫وفيه عَْرض أمين للعقيدة السلمية كما يفهمها المسلمون‪،‬‬
‫وتصحيح للفكار المغلوطة السائدة في أوروبا‪ ،‬في العصور‬
‫الوسطى‪ ،‬عن السلم والنبي والقرآن‪ ،‬وتتميز آراؤه بإنصافها‬
‫للسلم وكتاباته بالموضوعية‪.‬‬
‫*"ميشيل جان دي خويه" المستشرق الهولندي كتب بحثًا عن‬
‫"رسالة محمد" دافع فيه عن رسالة النبي ضد ما كتبه في هذا‬
‫الموضوع "باروتس"‪.‬‬
‫*ألويس أشبرنجر‪ :‬مستشرق نمساوي الصل‪ ،‬اشتهر بكتابه عن‬
‫ضر له بسفره إلى الدول العربية‬ ‫حياة النبي محمد‪ ..‬وقد ح ّ‬
‫فأصدر القسم الول بعنوان‪" :‬حياة محمد‪ ،‬من المصادر الصلية"‬
‫عام ‪ ،1851‬ثم أصدر كتاب "حياة محمد وتعاليمه" في ثلثة أجزاء‬
‫باللغة اللمانية‪.‬‬
‫ضا بالنصاف والموضوعية في هذا‬ ‫ومن الكتابات التي تميزت أي ً‬
‫المقام‪:‬‬
‫* ما كتبه "مايكل هارت" عالم الفلك الشهير في الرياضيات‬
‫وصاحب كتاب "العظماء مائة" حيث قال في مقدمة كتابه‪" :‬إن‬
‫اختياري محمدًا‪ ،‬ليكون الول في أهم وأعظم رجال التاريخ‪ ،‬قد‬
‫يدهش القراء‪ ،‬ولكنه الرجل الوحيد في التاريخ كله الذي نجح‬
‫أعلى نجاح على المستويين‪ :‬الديني والدنيوي‪.‬‬
‫فهناك ُرسل وأنبياء وحكماء بدؤوا رسالت عظيمة‪ ،‬ولكنهم ماتوا‬
‫دون إتمامها‪ ،‬كالمسيح في المسيحية‪ ،‬أو شاركهم فيها غيرهم‪ ،‬أو‬
‫ن محمدًا هو‬ ‫سبقهم إليهم سواهم‪ ،‬كموسى في اليهودية‪ ،‬ولك َّ‬
‫الوحيد الذي أتم رسالته الدينية‪ ،‬وتحددت أحكامها‪ ،‬وآمنت بها‬
‫شعوب بأسرها في حياته‪.‬‬
‫ولنه أقام جانب الدين دولة جديدة‪ ،‬فإنه في هذا المجال الدنيوي‬
‫حد القبائل في شعـب‪ ،‬والشعوب في أمة‪ ،‬ووضع لها كل‬ ‫ضا‪ ،‬و ّ‬
‫أي ً‬
‫أسس حياتها‪ ،‬ورسم أمور دنياها‪ ،‬ووضعها في موضع النطلق‬
‫إلى العالم‪ .‬فهو الذي بدأ الرسالة الدينية والدنيوية‪ ،‬وأتمها"‪.‬‬

‫‪331‬‬
‫صف الذي اخذ يدافع عن‬ ‫* "توماس كارليل" هذا الرجل المن ِ‬
‫ب عنه كل الفتراءات التي‬ ‫محمد‪ ،‬صلى الله عليه وسلم‪ ،‬ويَذ ُ ّ‬
‫حاول أن يلصقها به أعداؤه‪ ،‬وذلك من خلل مجموعة من‬
‫المحاضرات تحت عنوان (البطال وعبادة البطال)‪.‬‬
‫وقد ناقش "كارليل" مواضيع من أخطر المشكلت التي يثيرها‬
‫الغرب‪ ،‬وقام بالذ ّب عن السلم حتى كأننا إذ قرأنا الكلم بدون‬
‫ب عنه‬‫اسمه فكأننا بداعية إسلمي كبير يدافع عن السلم ويَذ ُ ّ‬
‫ب عنها كارليل تهمة "حد‬ ‫ن أبرز التهم التي يَذ ُ ّ‬
‫م ْ‬
‫كيد العداء‪ ،‬و ِ‬
‫السيف" وتهمة "الخداع"‪.‬‬
‫وفي كتاب البطال وصف كارليل محمدًا صلى الله عليه وسلم‬
‫بأنه "كان واحدًا من هؤلء الذين ل يستطيعون إل أن يكونوا في‬
‫جبلت طبيعتُهم على الخلص‪ ...‬فلم يقم‬ ‫ما‪ ..‬هؤلء الذين ُ‬ ‫جدٍّ دائ ً‬
‫َ‬
‫هذا الرجل بإحاطة نفسه داخل إطار من القوال والصفات‬
‫الطيبة ولكنَّه تفرد مع روحه ومع حقيقة الشياء يستمد منها ما‬
‫نطلق عليه الخلص‪ ...‬شيء يملكه اسمى من طبيعة البشر‪ ،‬فَقَد‬
‫كانت رسالة هذا الرجل تنبعث من فطرة قلبه وروحه"‪ ،‬ولهذا‬
‫يجب أن يستمع ويعمل الرجال وليس لي شيء آخر‪ ،‬فكل شيء‬
‫غير ذلك إنما هو هباء تذروه الرياح‪.‬‬
‫وهذه مقولة له عن الرسول صلى الله عليه وسلم‪" :‬رجل واحد‬
‫في مقابل جميع الرجال" [المصدر‪" :‬محمد الخليفة الطبيعي‬
‫للمسيح" للداعية أحمد ديدات]‪.‬‬
‫وأيضا ما قاله في كتابه (البطال وعبادة البطال)‪" :‬لقد أصبح من‬
‫ن يُصغي إلى‬ ‫أكبر العار على كل فرد متمدِّن في هذا العصر أ ْ‬
‫ن دين السلم كذب‪ ،‬وان محمدًا خدّاع مزور‪ ،‬فإن‬ ‫القول بأ ّ‬
‫الرسالة التي أداها ذلك الرجل ما زالت السراج المنير مدة اثني‬
‫عشر قرنًا لمئات المليين من الناس أمثالنا‪ ،‬خلقهم الله الذي‬
‫خلقنا"‪.‬‬
‫أكان أحدهم يظن أن هذه الرسالة التي عاش بها ومات عليها‬
‫هذه المليين الفائقة الحصر والعد أكذوبة وخدعة؟ أما أنا فل‬
‫أستطيع أن أرى هذا الرأي أبدًا‪ ،‬فلو أن الكذب والغش يروّجان‬
‫عند خلق الله هذا الرواج‪ ،‬ويصادفان ذلك التصديق والقَبول‪ ،‬فما‬
‫الناس إل بُله ومجانين‪ ،‬وما الحياة إل سخف وعبث‪ ،‬كان الولى‬
‫أل تخلق"‪.‬‬
‫* أما "تساريس وادي" المستشرقة النجليزية فتقول في كتابها‬
‫(العقل المسلم) فقد أدركت إنسانيات محمد ليس في حجم‬
‫الكلمات والتصرفات التي كان يتصرف بها فقط‪ ،‬بل في تعبيره‬
‫ضا‬‫عن الحق بأنه الصراط المستقيم‪ ،‬وهو تعبير عدل وصدق‪ ،‬أي ً‬

‫‪332‬‬
‫في سعيه لن يساوي بين البشرية في تدينها‪ ..‬لقد دافع عن‬
‫مل أن يكون تعاونًا بين‬ ‫صلت الرحم والعقيدة بين الرسل‪ ،‬وآ ُ‬
‫أهل الديان‪ ،‬وعندما خاب أمله ظل على احترامه للديان‬
‫الخرى‪ ..‬لقد أنضج (محمد) ثقافة السلم‪ ،‬ووضع الفقراء‪،‬‬
‫والعبيد‪ ،‬والمرأة في صف الغنياء‪ ،‬والحرار والرجال‪ ،‬لقد أعاد‬
‫تنظيم السياسة والقتصاد وحافظ على سمتها النساني‪ ،‬وأشاع‬
‫حياة المساواة بشكل لم يكن معروفًا ول مقبول ً في ذلك الوقت‪.‬‬
‫* ويحدد "جولز ماسيرمان" المحلل النفسي المريكي‪ ،‬وأستاذ‬
‫في جامعة شيكاغو‪ ،‬ثلثة أسس لختيار القائد العظم لجميع‬
‫الزمنة‪ ،‬وهى‪:‬‬
‫‪ -1‬يجب أن يتوفر في القائد التكوين السليم للقيادة‪.‬‬
‫‪ -2‬يجب أن يوفر القائد أو من يكون قائدًا نظام اجتماعي يشعر‬
‫فيه الناس نسبيًّا بالمن والطمأنينة‪.‬‬
‫‪ -3‬يجب على القائد أن يوفر لشعبه مجموعة واحدة من‬
‫المعتقدات‪.‬‬
‫وعلى ضوء هذه المتطلبات الثلثة السابقة يبحث "ماسيرمان"‬
‫ن أعظم قائد كان‬ ‫في التاريخ ويقوم بالتحليل والتمحيص ليقّرِر أ ّ‬
‫على مر العصور هو محمد (صلى الله عليه وسلم) الذي جمع‬
‫العمال الثلثة‪ ،‬وقد فعل موسى نفس الشيء بدرجة أقل"‪.‬‬
‫* كما قال "باول شمتز" صاحب كتاب (السلم قوة الغد‬
‫العالمية)‪ ،‬لقد جاهدت البشرية كثيًرا لتضع ما سماه علماء‬
‫القانون والسياسة‪ ،‬الحقوق الطبيعية للنسان‪ ..‬لقد فعلها محمد‪-‬‬
‫جا في‬ ‫صلى الله عليه وسلم‪ -‬بعفوية وبساطة عندما وقف حا ًّ‬
‫مكة فيما يعرفه المسلمون بحجة الوداع وقرر حق النسان في‬
‫الحياة والتدين والحرية والثراء الحلل والمساواة وحرمة الدم‬
‫والعرض والكرامة‪.‬‬
‫سس عشرين إمبراطورية دنيوية‬ ‫*وقال عنه "لمارتين"‪" :‬رجل أ َّ‬
‫وإمبراطورية واحدة روحية"‪.‬‬
‫*وقال عنه أحد المفكرين الغربيين أنه لو أعطى لمحمد زمام‬
‫المور في هذا العالم المليء بالملبسات والمشكلت لقاد‬
‫البشرية إلى بر المان‪[ .‬راجع كتاب الداعية أحمد ديدات الرسول‬
‫العظم صلى الله عليه وسلم]‬
‫* في أوائل القرن التاسع الميلدي‪ ،‬كتب المؤرخ القسطنطيني‬
‫(ثيوفينيس) عن رسول الله (محمد بن عبد الله) عليه السلم‪،‬‬
‫ن الحقد للسلم‪ ،‬إل أنه وصف‬ ‫ورغم أن هذا المؤلف كان يك ّ‬
‫الرسول الكريم بـ(شفيع الشرقيين ومخلصهم العظيم)‪.‬‬

‫‪333‬‬
‫* "ألفونس إينين دينيييه" مستشرق فرنسي عكف على دراسة‬
‫السلم وتعاليم الرسول عليه السلم؛ حتى وجد نفسه يقتنع بدين‬
‫ما‪ ،‬وقد أطلق‬ ‫(محمد) فيعلن إسلمه عام ‪ 1927‬وعمره ستون عا ً‬
‫على نفسه اسم (ناصر الدين)‪ ..‬كما كتب عدة مؤلفات عن‬
‫السلم منها‪( :‬السراب)‪( ،‬ربيع القلوب)‪( ،‬الشرق كما يراه‬
‫الغرب)‪( ،‬رسالة الحج إلى بيت الله الحرام)‪ ..‬وكتابه الخير هذا‬
‫ضا من سيرة النبي عليه السلم‪ ،‬وقد وضعه‬ ‫قد تناول فيه بع ً‬
‫بالشتراك مع صديق له اسمه (سليمان بن إبراهيم)‪.‬‬
‫*ولم يستطع المستشرق المريكي (أرفنج) الذي ألف كتابًا عن‬
‫حياة الرسول العظم‪ ،‬بالرغم من تحامله الشديد على السلم‬
‫أن يغفل عظمة الرسول الكريم (صلي الله عليه وسلم) ونزاهته‬
‫وإيثاره ودوره العظيم والساس في تأسيس الدولة العربية‬
‫السلمية‪.‬‬
‫وأمثال هؤلء كثر من المستشرقين الذين كانت دوافعهم مخلصة‪،‬‬
‫وأهدافهم نزيهة ومقاصدهم خدمة العلم وقول الحق عن السلم‬
‫ونبيه محمد صلى الله عليه وسلم الذي هو العظم‪ ،‬إنه بحق‬
‫العظم‪ ،‬فإذا كان في البشرية من يستحق العظمة فهو محمد‪،‬‬
‫هذا كان كلم علماء الغرب المنصفين عنه صلى الله عليه وسلم‪،‬‬
‫والذي حفل بالحقائق التي ل تقبل الشك فهل يعي هؤلء الذين‬
‫سولت لهم أنفسهم الساءة لخير الناس وإمام الرسل؟!‬
‫=============‬
‫‪ -5‬قالوا عن نبينا وإسلمنا وحضارتنا‪..‬‬

‫الحمد لله رب العالمين والصلة والسلم على مولنا رسول الله‬


‫وآله وصحبه أجمعين‪.‬‬
‫َ‬
‫إن ديننا الحنيف قد أث ّر في كثير من كبار العقليات الغربية من‬
‫أهل النصاف‪ ،‬مما جعلهم يجهرون بشهادتهم لنبينا صلى الله‬
‫عليه وسلم ورسالته إما تصريحا أو إشارة من خلل مدح حضارتنا‬
‫السلمية عبر التاريخ‪ ،‬وهذا على مرأى ومسمع من العالمين‪،‬‬
‫رغم أنف المعاندين والحاقدين‪ ،‬فشهدوا شهادة عدل وإحسان‬
‫وإن لم يسلموا‪ ،‬لن الباحث الغربي المنصف ل يملك إل أن يقف‬
‫إجلل لشخصية نبينا ورسالته ‪ .‬بله الذين أسلموا منهم فإن‬
‫أعدادهم ل تحصى‪.‬‬
‫مما دعاني إلى أن أذكر بعض ما كتبوه ودونوه فيكون هدية مني‬
‫لِـذ َا الملتقى المبارك بأهله‪ ،‬وبفضل الله وعونه‪ ،‬حتى صار حبيبا‬
‫علميا عذبا مذاقه‪ ،‬قليله منه يغرق العصابة‬ ‫صعبا فراقه‪ ،‬وسيل ِ‬
‫خلق‬ ‫سكُنَا بممدود الحبال‪ .‬ال ُ‬
‫م ِّ‬
‫من الرجال‪ ،‬ونزر يسير من علمه ي ُ َ‬

‫‪334‬‬
‫س البنيان‪ ،‬والدب السامي منهم يروى عطش‬ ‫الرفيع عند أهله أ ّ‬
‫الظمآن‪.‬‬
‫فأرجو أن يشاركني المشائخ الفاضل وطلبة العلم في هذا‬
‫الموضوع لثرائه‪ ،‬دونما خروج عن هذا الطار وبنائه‪ ،‬من غير‬
‫خل‪.‬‬‫م ِ‬
‫ل‪ ،‬ول تلخيص ُ‬ ‫م ّ‬
‫م ِ‬
‫إسهاب ُ‬
‫وهذا مما دونته خلل قراءاتي القديمة‪ ،‬ومعظم الفقرات لم أكتب‬
‫رقم الصفحة التي أخذتها منها الفقرة ‪ ،‬ومنها ما أخذته نقل عن‬
‫كتاب آخر‪ .‬فتنبه‪.‬‬
‫فلنبدأ الرحلة على بركة الله‪:‬‬
‫يقول مايكل هارت في كتابه "الخالدون مئة" ص ‪ ،13‬وقد جعل‬
‫على رأس المئة سيدَنا محمدا صلى الله عليه وسلم لقتناعه بأنه‬
‫هو أفضل شخصية عرفها التاريخ‪،‬‬
‫يقول‪":‬لقد اخترت محمدا صلى الله عليه وسلم في أول هذه‬
‫القائمة‪ ،‬ول بد أن يندهش كثيرون لهذا الختيار‪ ،‬ومعهم حق في‬
‫ذلك‪ ،‬ولكن محمدا عليه السلم هو النسان الوحيد في التاريخ‬
‫الذي نجح نجاحا مطلقا على المستوى الديني والدنيوي‪.‬‬
‫وهو قد دعا إلى السلم ونشره كواحد من أعظم الديانات وأصبح‬
‫قائدا سياسيا وعسكريا ودينيا‪ ،‬وبعد ‪ 13‬سنة من وفاته‪ ،‬فإن أثر‬
‫محمد عليه السلم ما يزال قويا متجددا‪.‬‬
‫وأكثر هؤلء الذين اخترتهم قد ولدوا ونشأوا في مراكز حضارية‬
‫ومن شعوب متحضرة سياسيا وفكريا‪ ،‬إل محمدا صلى الله عليه‬
‫وسلم فهو قد ولد سنة ‪ 570‬م في مدينة مكة جنوب شبه الجزيرة‬
‫العربية في منطقة متخلفة من العالم القديم‪ ،‬بعيدة عن مراكز‬
‫التجارة الحضارة‪ ،‬والثقافة والفن‪ " .‬وقال ص ‪" :18‬ولما كان‬
‫محمد جبارة‪ ،‬فيمكن أن يقال أيضا إنه أعظم زعيم سياسي‬
‫عرفه التاريخ"‬
‫‪------------‬‬
‫قال يان سامويلسون في كتابه‪" :‬السلم في السويد"‪:‬‬
‫ما يظنّه الكثير من المسيحيين و‬‫"إن السلم أشد ّ حضارية م ّ‬
‫ن السلم هو مدرسة قائمة في حد ّ ذاتها‬ ‫يذهب إلى القول أيضا بأ ّ‬
‫وليس السلم صورة منسوخة عن المسيحية كما يعتقد كثير من‬
‫المسيحيين في الغرب‪".‬‬
‫أقوال بعض المستشرقين الذين أعجبوا بالرسول العظيم صلى‬
‫الله عليه وسلم‬
‫(جمعه ‪ :‬ممدوح أبو العل)‬
‫‪ -‬برناردشو ( برناردشو النكليزي ولد في مدينة كانيا ‪ 1817‬ـ ‪1902‬‬
‫له مؤلف أسماه (محمد)‪ ،‬وقد أحرقته السلطة البريطانية‪) .‬‬

‫‪335‬‬
‫ل في تفكير محمد‪،‬‬ ‫برناردشو إن العالم أحوج ما يكون إلى رج ٍ‬
‫هذا النبي الذي وضع دينه دائما ً موضع الحترام والجلل فإنه‬
‫أقوى دين على هضم جميع المدنيات‪ ،‬خالدا ً خلود البد‪ ،‬وإني أرى‬
‫كثيرا ً من بني قومي قد دخلوا هذا الدين على بينة‪ ،‬وسيجد هذا‬
‫الدين مجاله الفسيح في هذه القارة (يعني أوروبا)‪.‬‬
‫صب‪،‬‬ ‫ة للجهل أو التع ّ‬ ‫ن رجال الدين في القرون الوسطى‪ ،‬ونتيج ً‬ ‫إ ّ‬
‫ة‪ ،‬لقد كانوا يعتبرونه عدوًّا‬ ‫قد رسموا لدين محمد ٍ صورة ً قاتم ً‬
‫للمسيحية‪ ،‬لكنّني اطّلعت على أمر هذا الرجل‪ ،‬فوجدته أعجوب ً‬
‫ة‬
‫ة‪ ،‬وتوصلت إلى أنّه لم يكن عدوًّا للمسيحية‪ ،‬بل يجب أ ْ‬
‫ن‬ ‫خارق ً‬
‫ّ‬
‫مى منقذ البشرية‪ ،‬وفي رأيي أنّه لو تولى أمر العالم اليوم‪،‬‬ ‫يس ّ‬
‫ل مشكلتنا بما يؤمن السلم والسعادة التي يرنو‬ ‫لوفّق في ح ّ‬
‫البشر إليها‪.‬‬
‫‪--------------‬‬
‫‪ -‬السير موير ( السير موير النكليزي في كتابه (تاريخ محمد)‪) .‬‬
‫إن محمدا ً نبي المسلمين لقب بالمين منذ الصغر بإجماع أهل‬
‫بلده لشرف أخلقه وحسن سلوكه‪ ،‬ومهما يكن هناك من أمر‬
‫فإن محمدا ً أسمى من أن ينتهي إليه الواصف‪ ،‬ول يعرفه من‬
‫جهله‪ ،‬وخبير به من أمعن النظر في تاريخه المجيد‪ ،‬ذلك التاريخ‬
‫الذي ترك محمدا ً في طليعة الرسل ومفكري العالم‪.‬‬
‫‪--------------‬‬
‫‪ -‬سنرستن السوجي (العلمة سنرستن السوجي‪ :‬مستشرق‬
‫آسوجي ولد عام ‪ ،1866‬أستاذ اللغات الساميّة‪ ،‬ساهم في دائرة‬
‫المعارف‪ ،‬جمع المخطوطات الشرقية‪ ،‬محرر مجلة (العالم‬
‫الشرقي) له عدة مؤلفات منها‪( :‬القرآن النجيل المحمدي)‬
‫ومنها‪( :‬تاريخ حياة محمد)‪) .‬‬
‫إننا لم ننصف محمدا ً إذا أنكرنا ما هو عليه من عظيم الصفات‬
‫وحميد المزايا‪ ،‬فلقد خاض محمد معركة الحياة الصحيحة في‬
‫وجه الجهل والهمجية‪ ،‬مصرا ً على مبدئه‪ ،‬وما زال يحارب الطغاة‬
‫حتى انتهى به المطاف إلى النصر المبين‪ ،‬فأصبحت شريعته‬
‫أكمل الشرائع‪ ،‬وهو فوق عظماء التاريخ‪.‬‬
‫‪----------------‬‬
‫‪ -‬المستر سنكس ( المستر سنكس المريكي‪ :‬مستشرق أميركي‬
‫ولد في بلدته بالي عام ‪ ،1831‬توفي ‪ 1883‬في كتابه‪( :‬ديانة‬
‫العرب)‪).‬‬
‫ظهر محمد بعد المسيح بخمسمائة وسبعين سنة‪ ،‬وكانت وظيفته‬
‫ترقية عقول البشر‪ ،‬بإشرابها الصول الولية للخلق الفاضلة‪،‬‬
‫وبإرجاعها إلى العتقاد بإله واحد‪ ،‬وبحياة بعد هذه الحياة‪.‬‬

‫‪336‬‬
‫إلى أن قال‪ :‬إن الفكرة الدينية السلمية‪ ،‬أحدثت رقيا ً كبيرا ً جداً‬
‫في العالم‪ ،‬وخلّصت العقل النساني من قيوده الثقيلة التي كانت‬
‫تأسره حول الهياكل بين يدي الكهان‪ .‬ولقد توصل محمد ـ بمحوه‬
‫كل صورة في المعابد وإبطاله كل تمثيل لذات الخالق المطلق ـ‬
‫إلى تخليص الفكر النساني من عقيدة التجسيد الغليظة‪.‬‬
‫‪-------------‬‬
‫‪ -‬آن بيزيت ( آن بيزينت‪ :‬حياة وتعاليم محمد دار مادرس للنشر‬
‫‪) .1932‬‬
‫من المستحيل لي شخص يدرس حياة وشخصية نبي العرب‬
‫العظيم ويعرف كيف عاش هذا النبي وكيف علم الناس‪ ،‬إل أن‬
‫يشعر بتبجيل هذا النبي الجليل‪ ،‬أحد رسل الله العظماء‪ ،‬ورغم‬
‫أنني سوف أعرض فيما أروي لكم أشياء قد تكون مألوفة للعديد‬
‫من الناس فإنني أشعر في كل مرة أعيد فيها قراءة هذه الشياء‬
‫بإعجاب وتبجيل متجددين لهذا المعلم العربي العظيم‪.‬‬
‫هل تقصد أن تخبرني أن رجل ً في عنفوان شبابه لم يتعد الرابعة‬
‫والعشرين من عمره بعد أن تزوج من امرأة أكبر منه بكثير وظل‬
‫وفيا ً لها طيلة ‪ 26‬عاما ً ثم عندما بلغ الخمسين من عمره ‪ -‬السن‬
‫التي تخبو فيها شهوات الجسد ‪ -‬تزوج لشباع رغباته وشهواته؟!‬
‫ليس هكذا يكون الحكم على حياة الشخاص‪.‬‬
‫فلو نظرت إلى النساء اللتي تزوجهن لوجدت أن كل زيجة من‬
‫هذه الزيجات كانت سببا ً إما في الدخول في تحالف لصالح أتباعه‬
‫ودينه أو الحصول على شيء يعود بالنفع على أصحابه أو كانت‬
‫المرأة التي تزوجها في حاجة ماسة للحماية‪.‬‬
‫‪----------------‬‬
‫* تولستوي (ليف تولستوي «‪ 1828‬ـ ‪ »1910‬الديب العالمي الذي‬
‫يعد أدبه من أمتع ما كتب في التراث النساني قاطبة عن النفس‬
‫البشرية‪) .‬‬
‫ة من مخالب‬ ‫ة دموي ً‬‫ة ذليل ً‬‫يكفي محمدا ً فخرا ً أنّه خلّص أم ً‬
‫شياطين العادات الذميمة‪ ،‬وفتح على وجوههم طريقَ الُّرقي‬
‫ة محمدٍ‪ ،‬ستسود ُ العالم لنسجامها مع العقل‬ ‫ن شريع َ‬ ‫والتقدم‪ ،‬وأ ّ‬
‫والحكمة‪.‬‬
‫‪--------------‬‬
‫‪ -‬شبرك النمساوي (الدكتور شبرك النمساوي)‬
‫ميته‪،‬‬ ‫ُ‬
‫ن البشرية لتفتخر بانتساب رجل كمحمد إليها‪ ،‬إذ إنّه رغم أ ّ‬ ‫إ ّ‬
‫ن‬
‫ن نح ُ‬‫ن يأتي بتشريع‪ ،‬سنكو ُ‬ ‫استطاع قبل بضعة عشر قرنًا أ ْ‬
‫مته‬ ‫الوروبيين أسعد ما نكون‪ ،‬إذا توصلنا إلى ق ّ‬
‫‪-------------‬‬

‫‪337‬‬
‫قال الفيلسوف الفرنسي "جوستاف لوبون" في كتابه "حضارة‬
‫الغرب"‬
‫‪..‬هل يتعين أن نذكر أن العرب‪ ،‬والعرب وحدهم‪ ،‬هم الذين هدونا‬
‫إلى العالم اليوناني والعالم اللتيني القديم‪ ،‬وأن الجامعات‬
‫الوربية ومنها جامعة باريس عاشت مدة ستمئة عام على‬
‫ترجمات كتبهم وجرت على أساليبهم في البحث‪ ،‬وكانت الحضارة‬
‫السلمية من أعجب ما عرف التاريخ"‪.‬‬

‫‪------------‬‬
‫وتقول زيجريد هونكه اللمانية في كتابها "شمس الله تشرق‬
‫على الغرب "‪:‬‬
‫" إن أوربا مدينة للعرب وللحضارة العربية‪ ،‬وإن الدين الذي في‬
‫عنق أوربا وسائر القارات للعرب كبير جدا‪ .‬وكان يتعين على‬
‫أوربا أن تعترف بهذا الفضل منذ زمن بعيد‪ ،‬لكن التعصب‬
‫واختلف العقيدة أعميا عيوننا وتركا عليها غشاوة‪ ،‬حتى إننا لنقرأ‬
‫ثمانية وتسعين كتابا ومئة‪ ،‬وفل نجد فيها إشارة إلى فضل العرب‬
‫وما أسدوه إلينا من علم ومعرفة‪ ،‬اللهم إل تلك الشارة العابرة‬
‫إلى أن دور العرب ل يتخطى دور ساعي البريد الذي نقل إلينا‬
‫الثرات الغريقي"‬
‫وقالت في نفس الكتاب‪" :‬وفي مراكز العلم الوربية لم يكن‬
‫هناك عالم واحد إل ومد يده إلى الكنوز العربية يغترف منها‪،‬‬
‫وينهل كما ينهل الظامئ من الماء العذب‪..‬ولم يكن هناك ثمة‬
‫كتاب واحد من بين الكتب التي ظهرت في أوربا في ذلك الوقت‪،‬‬
‫وإل وقد ارتوت صفحاته بوفرة من نبع الحضارة العربية"‬
‫عندما تغير العالم ‪The Day The Universe Changed‬‬
‫تأليف جيمس بيرك ‪James Burke‬‬
‫ترجمة ليلى الجبالي‬
‫مراجعة شوقي جلل‬
‫هذا الكتاب يتحدث عن التطور المعرفي و الحضاري في العالم و‬
‫سا على العالم الغربي ‪ ..‬يقول الكاتب ص ‪(( : 48‬‬ ‫لكنه منصب أسا ً‬
‫و لكن من حسن المصادفات أن جاءت لحظة تاريخية مذهلة‬
‫أعيد فيها اكتشاف المعرفة ‪ .‬ففي عام ‪ ، 1085‬سقطت قلعة‬
‫توليدو العربية في إسبانيا ‪ ،‬لتجد القوات المسيحية المنتصرة بين‬
‫أيديها كنًزا أدبيًا ‪ ،‬كان أبعد ما يكون عن كل أحلمهم ‪ .‬فمنذ ما‬
‫يزيد على مائة عام ‪ ،‬لم تكن أوروبا تعرف شيئًا عن العرب‬
‫السبان إل القليل ‪ . . .‬و منذ ذلك الوقت انتشر الحديث في‬
‫أوروبا عن الحضارة القائمة خلف جبال البرانس ))‬

‫‪338‬‬
‫و يقول ص ‪ (( : 50‬و قد تميز موقف هذا المجتمع الثري الحضاري‬
‫ذي الثقافة الرفيعة بالتسامح مع العقائد الخرى ‪ ،‬حيث عاش في‬
‫ظل حكم الخلفاء المسلمين آلف اليهود و المسيحيين في سلم‬
‫و انسجام كامل ‪ .‬و استخدمت عوائد الرض لتطوير مستوى‬
‫الحياة ‪ .‬و الهم من ذلك كله ‪ ،‬أن الدين و الثقافة تعايشا معًا في‬
‫تواؤم ‪ ،‬فحيثما وجد السلم ‪ ،‬وجد معه التعطش إلى المعرفة و‬
‫تطبيقاتها على شتى مناحي الحياة ))‬
‫و يقول ص ‪ (( : 51‬و من الناحية الفعلية ‪ ،‬كان الخليفة في قرطبة‬
‫هو الحاكم المطلق لشمال أسبانيا ‪ ،‬حيث كان المسيحيون‬
‫يعيشون في قلعهم المكشوفة في مدينتي ليون ‪ ،‬و نافاري ‪،‬‬
‫في حالة من القذارة و الجهل مثلما كان عليه الحال في بقية‬
‫شمال أوروبا ‪ .‬و قد اعتاد الخليفة أن يرسل على فترات منتظمة‬
‫حملت إلى الشمال للتأكد من استقرار المن و القيام ببعض‬
‫المناوشات و نهب ما يقع عليه الختيار من بلدان الريف ‪ ،‬و غالبا‬
‫ما كانت هذه العملية تنفذ طبقًا لجدول زمني محدد خلل الربيع و‬
‫الخريف ‪ .‬أما خلل فترة هدوء الصيف ‪ ،‬فقد اعتاد المسيحيون أن‬
‫يرسلوا إلى قرطبة طالبين استئجار أطباء السنان ‪ ،‬و مصففي‬
‫الشعر ‪ ،‬و الجراحين ‪ ،‬و المهندسين المعماريين ‪ ،‬و‬
‫الموسيقيين ))‬
‫و يقول ص ‪ (( : 54‬استمر تدفق طلب العلم على أسبانيا في‬
‫طوفان منتظم فاستقر بعضهم هناك ‪ ،‬و تفرغ آخرون لترجمة‬
‫النصوص التي كانوا يبحثون عنها ثم عادوا مرة أخرى إلى بلدهم‬
‫في الشمال ‪ ،‬غير أن الجميع أصابه الذهول من تلك الحضارة‬
‫التي وجدوها في الندلس ‪ .‬لقد كان العرب ينظرون إلى‬
‫الوروبيين الشماليين على أنهم ل يزيدون في مستواهم الفكري‬
‫و الثقافي على مستوى الصوماليين ‪ .‬أما المثقفون الشماليون‬
‫فقد وجدوا في أسبانيا ‪ ،‬مجتمعًا ثقافيًا على درجة عالية جدا من‬
‫التفوق بالمقارنة مع مستوى المحتمع الثقافي في بلدهم مما‬
‫سا بالغيرة من الثقافة العربية التي ظلت تؤثر‬ ‫ترك لديهم إحسا ً‬
‫في الفكر الغربي مئات السنين ))‬
‫و يستشهد في ص ‪ 55‬بقول أديلرد الذي كان أول من نقل العلوم‬
‫العربية لوروبا ‪ (( :‬كلما اتجهت أكثر إلى الجنوب ‪ ،‬اكتشقت أنهم‬
‫يعرفون المزيد من العلم ‪ .‬إنهم يعرفون كيف يفكرون و قد‬
‫تعلمت من العرب شيئًا واحدًا يتلخص في ‪ " :‬إذا كانت السلطة‬
‫هي التي تقودك ‪ ،‬فهذا معناه أنك دابة يقودها رسن " ))‬
‫و الكتاب يتحدث في هذا الفصل عن انبهار العالم الوروبي بهذه‬
‫الحضارة المذهلة من جميع النواحي في أسبانيا و التي دامت‬

‫‪339‬‬
‫قرونًا خلف جبال البرانس ‪ ،‬و لول ضيق الوقت لنقلت الفصل‬
‫كله فهو نفيس جدًا ‪.‬‬
‫‪-------------‬‬
‫وقال المستشرق "سبانسر فاميري"‪:‬‬
‫"ل يستطيع عالم واحد أن يتأمل القبة الزرقاء دون أن يلفظ‬
‫اسما عربيا‪ ،‬ول يستطيع عالم طبيعي أن يحلل ورقة من الشجر‬
‫أو يفحص صخرة من الصخور دون أن يذكر درسا عربيا‪ ،‬ول يقدر‬
‫أي قاض أن يبت اليوم في خلف دون أن يستدعي مبدأ أنلته‬
‫العرب‪ ،‬ول يسع أي طبيب أن يتأمل دائرة أحد المراض‬
‫المعروفة منذ القدم لإا أن يهمس بآراء طبيب عربي ول يستطيع‬
‫رحالة أن يدلف إلى أبعد زوايا آسيا وإفريقيا دون أن يعمد عن‬
‫اللغة العربية"‬
‫قام طاقم من الخبراء في شتى المجالت بإعداد كتاب بعنوان "‬
‫الخمسون الذين كانوا أعظم شأن في التاريخ" وقد تم اختيارهم‬
‫من عدد قدره ‪ 11‬مليار إنسان [هكذا قالوا]‪.‬‬
‫وبعدها خلصوا إلى خسمين شخصا‪ ،‬وبقي عليهم أن يرتبوهم‬
‫حسب الهمية وكانت المسألة الحساسة كون من هو الشخص‬
‫الذي سيكون رقم " واحد "‪.‬‬
‫معاييرهم في الختيار‪:‬‬
‫أشار مؤلف الكتاب أولف نيلسون ( ‪ ) Ulf Nilson‬مرة بعد مرة في‬
‫كتابه كون منهجهم في الختيار لم يبن على اختيار أشهر إنسان‬
‫أو أنبل إنسان‪ ،‬بل على أكثرهم تأثيرا على التاريخ البشري‪.‬‬
‫هؤلء الناس حسب طاقم التحرير كانوا أكثر الناس تأثيرا على‬
‫الحياة البشرية من حيث القيم والتطور‪.‬‬
‫ذكر نيلسون في مقدمة كتابه المشاكل التي واجها‪ ،‬والسؤال‬
‫الذي كان يرجع مرة بعد مرة‪ :‬من هو الشخص الذي سيكون رقم‬
‫" واحد " ؟؟‬
‫كل هذا لمدى حساسية الموضوع‪.‬‬
‫الشخص الذي تم اختياره هو النبي محمد صلى الله عليه وسلم‪،‬‬
‫وحينها أقام البعض الدنيا ولم يقعدوها‪ ،‬فإذا بامرأة شابة قالت‬
‫غاضبة لنيلسون حينما رأت أن أفلطون جاء في مرتبة أقل من‬
‫نبينا محمد صلى الله عليه وسلم ‪ :‬ما أرى هذا إل خزعبلت‬
‫تجارية!‬
‫لم يتمكن نيلسون من طلب استفسار منها لنها خرجت؟!‬
‫ثم ذكر نيلسون المعايير الثلثة التي تم استخدامها في الختيار‬
‫والتي نتجت إلى كون نبينا محمد صلى الله عليه وسلم أفضلهم‬
‫على الطلق‪.‬‬

‫‪340‬‬
‫‪ 1‬ـ نبينا محمد صلى الله عليه وسلم عاش في فترة زمنية بعيدة‬
‫عن حاضرنا‪ .‬مما جعله يؤثر على قيم وأفكار أجيال متعاقبة‬
‫وأضافوا أن تأثيره مازال قائما إلى يومنا هذا‪.‬‬
‫‪ 2‬ـ اختلفا عن النبي عيسى عليه السلم والذي كان قائد روحيا‬
‫فقط ‪ ،‬فإن النبي محمد صلى الله عليه وسلم كان قائد روحيا‬
‫وسياسيا تمكن من إنشاء أمة بأكملها خلل ‪ 23‬سنة فقط‪.‬‬
‫‪ 3‬ـ وختم كون محمد صلى الله عليه وسلم كتب القرآن ( المؤلف‬
‫إنسان كافر ل يؤمن بالوحي ـ هداه الله للسلم ـ ) مما يجعل‬
‫دعوته قائمة مادام لتباعه بقية‪ .‬وأتباعه المؤمنون ل يحيدون قيد‬
‫أنملة عن أوامره ونواهيه‪ ،‬فالخمر والزنا لن يقربهما المسلمون‬
‫ماداموا يؤمنون به‪.‬‬
‫ثم تطرق الكاتب على غرار أسلفه إلى الحكام المسبقة‬
‫الزاعمة أن السلم دين الرجال وأن المرأة مهضومة الحقوق‪،‬‬
‫لكن لو كلف الكاتب نفسه قليل بالبحث والتعمق في مقاصد‬
‫الشرع للحت له للئ ما كانت لتخطر له على بال‪.‬‬
‫ترتيبهم كان كالتالي‪:‬‬
‫‪ 1‬ـ نبينا محمد صلى الله عليه وسلم‪.‬‬
‫‪ 2‬ـ النبي عيسى عليه الصلة والسلم‪.‬‬
‫‪ 3‬ـ المشرك بودا‪.‬‬
‫‪ 4‬ـ إسحاق نيوتن (الفيزيائي المشهور)‬
‫‪ 5‬ـ يوهان غوتانباري‬
‫‪ 6‬ـ ألبارت آنشتاين‬
‫‪ 7‬ـ كارل ماركس‬
‫‪ 8‬ـ أفلطون‬
‫‪ 9‬ـ غاليليو غاليلي‬
‫‪ 10‬ـ شارل داروين‬
‫المصدر‪:‬‬
‫‪Nilson, Ulf: De 50 som betytt mest - en mänsklighetens ranking list.‬‬
‫‪.Jugoslavien, Wiken 1989. ISBN: 91-7024-444-8‬‬
‫‪-----------‬‬
‫لومارتان ‪ :‬من كتاب "تاريخ تركيا"‪ ،‬باريس‪ ،1854 ،‬الجزء ‪،11‬‬
‫صفحة ‪.277-276‬‬
‫"إذا كانت الضوابط التي نقيس بها عبقرية النسان هي سمو‬
‫الغاية والنتائج المذهلة لذلك رغم قلة الوسيلة‪ ،‬فمن ذا الذي‬
‫يجرؤ أن يقارن أيا من عظماء التاريخ الحديث بالنبي محمد‬
‫(صلى الله عليه وسلم) في عبقريته؟ فهؤلء المشاهير قد صنعوا‬
‫السلحة وسنوا القوانين وأقاموا المبراطوريات‪ .‬فلم يجنوا إل‬

‫‪341‬‬
‫أمجادا بالية لم تلبث أن تحطمت بين ظهرانَيْهم‪ .‬لكن هذا الرجل‬
‫محمد (صلى الله عليه وسلم) لم يقد الجيوش ويسن التشريعات‬
‫ويقم المبراطوريات ويحكم الشعوب ويروض الحكام فقط‪ ،‬وإنما‬
‫قاد المليين من الناس فيما كان يعد ثلث العالم حينئذ‪ .‬ليس هذا‬
‫فقط‪ ،‬بل إنه قضى على النصاب والزلم والديان والفكار‬
‫والمعتقدات الباطلة‪.‬‬
‫وأكمل لو مارتان كلمه فقال‪:‬‬
‫لقد صبر النبي وتجلد حتى نال النصر (من الله)‪ .‬كان طموح‬
‫النبي موجها بالكلية إلى هدف واحد‪ ،‬فلم يطمح إلى تكوين‬
‫إمبراطورية أو ما إلى ذلك‪ .‬حتى صلة النبي الدائمة ومناجاته‬
‫لربه ووفاته وانتصاره حتى بعد موته‪ ،‬كل ذلك ل يدل على الغش‬
‫والخداع بل يدل على اليقين الصادق الذي أعطى النبي الطاقة‬
‫والقوة لرساء عقيدة ذات شقين‪ :‬اليمان بوحدانية الله‪ ،‬واليمان‬
‫بمخالفته تعالى للحوادث‪ .‬فالشق الول يبين صفة الله (أل وهي‬
‫الوحدانية)‪ ،‬بينما الخر يوضح ما ل يتصف به الله تعالى (وهو‬
‫المادية والمماثلة للحوادث)‪ .‬لتحقيق الول كان ل بد من القضاء‬
‫على اللهة المدعاة من دون الله بالسيف‪ ،‬أما الثاني فقد تطلّب‬
‫ترسيخ العقيدة بالكلمة (بالحكمة والموعظة الحسنة)‪.‬‬
‫هذا هو محمد الفيلسوف‪ ،‬الخطيب‪ ،‬النبي‪ ،‬المشرع‪ ،‬المحارب‪،‬‬
‫قاهر الهواء‪ ،‬مؤسس المذاهب الفكرية التي تدعو إلى عبادة‬
‫حقة‪ ،‬بل أنصاب ول أزلم‪ .‬هو المؤسس لعشرين إمبراطورية في‬
‫الرض‪ ،‬وإمبراطورية روحانية واحدة‪ .‬هذا هو محمد‬
‫بالنظر لكل مقاييس العظمة البشرية‪ ،‬أود أن أتساءل‪ :‬هل هناك‬
‫من هو أعظم من النبي محمد ؟‬
‫جاء في موسوعة مشاهير العالم إعداد موريس فرادوارد (‪)4/130‬‬
‫ط ‪2002‬‬
‫‪-------------‬‬
‫وفي الحديث عن غوته الشاعر اللماني الكبير (‪)1832-1749‬‬
‫قال وقد كتب عن السلم والمسلمين مصححا بعض مفاهيم‬
‫الغرب عنهم ثم قال (أي غوته الشاعر)‪:‬‬
‫"وهكذا نرى أن هذا المذهب (السلم) ل يفتقر إلى شيء‪ ،‬وأننا‬
‫ل نفوقهم بشيء على الرغم من تعدد مذاهبنا‪ ،‬ول يستطيع أحد‬
‫أن يتقدمهم في شيء " اهـ ‪.‬‬
‫إلى أن قال المؤلف ‪ :‬كما قرأ القرآن الكريم في ترجمتين‬
‫مختلفتين‪ ،‬وقد انعكس هذا الهتمام في مجموعته الشعرية‬
‫"الديوان الشرقي للمؤلف الغربي" الذي نشره سنة ‪ ، 1819‬ونهل‬
‫فيه من ينابيع الحكمة الشرقية حتى جاءت بعض القصائد وكأنها‬

‫‪342‬‬
‫ترجمة لبعض آيات القرآن الكريم ومحاكاة لتسابيح سعدي‬
‫وحافظ‬
‫من ذلك قوله في قصيدة شهيرة‪ " :‬لله المشرق والمغرب‪ ،‬أرض‬
‫الشمال والجنوب‪ ،‬كلها غارقة في السلم بين يديه إنه العادل‬
‫الوحد‪ ،‬الذي يريد الحق للجميع فلنسبح باسمه هذا من أسمائه‬
‫المئة‪ ،‬آمين‪ ،‬آمين يكاد الضلل يتقاذفني‪ ،‬ولكنك تعرف كيف‬
‫تهديني‪ ،‬فأرشدني فيما أعمل وأشعر إلى الصراط المستقيم" اهـ‬
‫ص ‪.131‬‬
‫قال مصطفى غفر الله له‪:‬‬
‫ونحن ل ندري هل أسلم هذا الشاعر اللماني أو ل‪ ،‬لنه عرف أنه‬
‫شاعر المرأة وما التقى بامرأة إل ووقع في حبها وألف قصيدة أو‬
‫ديوانا عنها‪،‬‬
‫ولكنني بتتبعي البسيط وجدت أنه قد ألف كتبه وأشعاره عن‬
‫المرأة والعاطفة وغيرها‪ ،‬قبل ‪1819‬م‪ ،‬السنة التي ألف فيها‬
‫"الديوان الشرقي للمؤلف الغربي" الذي أبرز فيه إيمانه بالله‬
‫سبحانه‪ ،‬كما هو مسطور أعله‪.‬‬
‫ورسائله ل"بتينا" كانت قبل ذلك التاريخ ولقاؤه بها كان سنة‬
‫‪ ،1807‬وتزوجت بصديق أخيها سنة ‪،1811‬‬
‫وفي سنة ‪ 1873‬وقع في غرام شارلوت بوف وهي بطلة كتاب‬
‫"آلم فرتر"‬
‫وله كتب أخرى يدافع فيها عن البلد كما في رواية "ولهلم‬
‫مايستر" وهي من جزءين صدر أولهما في سنة ‪ 1796‬يركز فيها‬
‫على واجب العمل وخدمة المجتمع والعلقة بين الطبقات التي‬
‫يردها علقة ود ل علقة تطاحن وصراع‪.‬‬
‫وفي رواية "أغمونت" وهي نثرية عالج فيها مشكلة حرية الرادة‬
‫وتجري أحداثها في بروكسيل في عهد فيليب الثاني‪.‬‬
‫والتقى بنابليون‪ ،‬ووصفه نابليون فقال ‪ ":‬هذا رجل!"‬
‫المهم أن حديثه عن السلم والمسلمين كان في أواخر حياته‪،‬‬
‫فإن أسلم فنسأل الله أن يتقبل منه‪ ،‬وإن لم يؤمن فلعنة الله‬
‫على الكافرين‬
‫بوسورث سميث ‪ :‬من كتاب "محمد والمحمدية"‪ ،‬لندن ‪،1874‬‬
‫صفحة ‪92‬‬
‫لقد كان محمد قائدا سياسيا وزعيما دينيا في آن واحد‪ .‬لكن لم‬
‫تكن لديه عجرفة رجال الدين‪ ،‬كما لم تكن لديه فيالق مثل‬
‫القياصرة‪ .‬ولم يكن لديه جيوش مجيشة أو حرس خاص أو قصر‬
‫مشيد أو عائد ثابت‪ .‬إذا كان لحد أن يقول إنه حكم بالقدرة‬

‫‪343‬‬
‫اللهية فإنه محمد‪ ،‬لنه استطاع المساك بزمام السلطة دون أن‬
‫يملك أدواتها ودون أن يسانده أهلها‪.‬‬
‫إدوارد جيبون وسيمون أوكلي‪ ،‬من كتاب "تاريخ إمبراطورية‬
‫الشرق"‪ ،‬لندن ‪ ،1870‬صفحة ‪.54‬‬
‫ليس انتشار الدعوة السلمية هو ما يستحق النبهار وإنما‬
‫استمراريتها وثباتها على مر العصور‪ .‬فما زال النطباع الرائع‬
‫الذي حفره محمد في مكة والمدينة له نفس الروعة والقوة في‬
‫نفوس الهنود والفارقة والتراك حديثي العهد بالقرآن‪ ،‬رغم مرور‬
‫اثني عشر قرنا من الزمان‪.‬‬

‫لقد استطاع المسلمون الصمود يدا واحدة في مواجهة فتنة‬


‫اليمان بالله رغم أنهم لم يعرفوه إل من خلل العقل والمشاعر‬
‫النسانية‪ .‬فقول "أشهد أن ل إله إل الله وأن محمدا رسول الله"‬
‫هي ببساطة شهادة السلم‪ .‬ولم يتأثر إحساسهم بألوهية الله‬
‫(عز وجل) بوجود أي من الشياء المنظورة التي كانت تتخذ آلهة‬
‫من دون الله‪ .‬ولم يتجاوز شرف النبي وفضائله حدود الفضيلة‬
‫المعروفة لدى البشر‪ ،‬كما أن منهجه في الحياة جعل مظاهر‬
‫امتنان الصحابة له (لهدايته إياهم وإخراجهم من الظلمات إلى‬
‫النور) منحصرة في نطاق العقل والدين‪.‬‬
‫‪--------------‬‬
‫الدكتور زويمر الكندي ‪،‬مستشرق كندي ولد ‪ 1813‬ـ ‪ 1900‬قال في‬
‫كتابه (الشرق وعاداته)‪.‬‬
‫إن محمدا ً كان ول شك من أعظم القواد المسلمين الدينيين‪،‬‬
‫ويصدق عليه القول أيضا ً بأنه كان مصلحا ً قديرا ً وبليغا ً فصيحاً‬
‫وجريئا ً مغواراً‪ ،‬ومفكرا ً عظيماً‪ ،‬ول يجوز أن ننسب إليه ما ينافي‬
‫هذه الصفات‪ ،‬وهذا قرآنه الذي جاء به وتاريخه يشهدان بصحة‬
‫هذا الدعاء‬
‫‪-----------‬‬
‫يقول الشيخ مصطفى الزرقا في مقدمة كتاب المدخل الفقهي‬
‫العام (‪)1/6‬‬
‫نذكر أنه في مثل هذا اليوم من العام الفائت (الثاني من تموز‬
‫‪1951‬م) عقدت شعبة الحقوق الشرقية من " المجمع الدولي‬
‫للحقوق المقارنة" مؤتمرا في كلية الحقوق من جامعة باريس‬
‫للبحث في الفقه السلمي تحت اسم "اسبوع الفقه السلمي"‬
‫برئاسة المسيو (ميو ‪ )Montet‬استاذ التشريع السلمي في كلية‬
‫الحقوق بجامعة باريس دعت إليه عددا كبيرا من أساتذة كليات‬

‫‪344‬‬
‫الحقوق العربية وغير العربية وكليات الزهر‪ ،‬ومن المحامين‬
‫الفرنسيين والعرب وغيرهما‪ ،‬ومن المستشرقين‪................ .‬‬
‫إلى أن قال‪:‬‬
‫وفي خلل بعض المناقشات وقف أحد العضاء وهو نقيب محاماة‬
‫سابق في باريس‪ ،‬فقال‪:‬‬
‫" أنا ل أعرف كيف أوفق بين ما كان يحكى لما عن جمود الفقه‬
‫السلمي وعدم صلوحه أساسا تشريعيا يفي بحاجيات المجتمع‬
‫العصري المتطور‪ ،‬وبين ما نسمعه الن في المحاضرات‬
‫ومناقشتها مما يثبت خلف ذلك تماما ببراهين النصوص‬
‫والمبادئ‪" .‬‬
‫وفي ختام المؤتمر وضع المؤتمرون بالجماع هذا التقرير الذي‬
‫نترجمه فيما يلي‪:‬‬
‫‪ ---‬إن مبادئ الفقه السلمي لها قيمة (حقوقية تشريعية ) ل‬
‫يمارى فيها‪.‬‬
‫‪ ---‬وإن اختلف المذاهب الفقهية في هذه المجموعة الحقوقية‬
‫العظمى ينطوي على ثروة من المفاهيم والمعلومات‪ ،‬ومن‬
‫الصول الحقوقية‪ ،‬هي مناط العجاب‪ ،‬وبها يستطيع الفقه‬
‫السلمي أن يستجيب لجميع مطالب الحياة الحديثة‪ ،‬والتوفيق‬
‫بين حاجاتها‪ ".‬اهـ‬
‫وقال الشيخ الزرقا في هامش ص ‪9‬‬
‫_باختصار_‬
‫أن "الجمعية الدولية للحقوق المقارنة" بتلخيص وقائع أسبوع‬
‫الفقه السلمي‪ ،‬ونشرت هذه الخلصة في ‪ 30‬صفحة في "المجلة‬
‫الدولية للحقوق المقارنة"‬
‫‪revue internationale de droit comparé‬‬
‫الول‪1951/‬‬ ‫في العدد الرابع من السنة الثالثة‪ ،‬ايلول‪-‬تشرين‬
‫ولقد أصدرت كتابا يحوي كل المحاضرات التي ألقيت في‬
‫المؤتمر‪ ،‬مكتبة "مجموعة سيريه" (ٍ‪ )sirey‬للبحوث القانونية سنة‬
‫‪ ،1953‬بإشراف المسيو ميو رئيس المؤتمر‪.‬‬
‫قال مصطفى غفر الله له‪:‬‬
‫هذا حكم من يفهم من العقلء‪ ،‬ل كما يردد هؤلء الببغوات‪ ،‬من‬
‫العلميين الغربيين‪ ،‬وأذيالهم من علمانيّي بلداننا‪.‬‬
‫يا ليت قومي يعلمون !!‬
‫إنا لله وإنا إليه راجعون‪.‬‬
‫‪--------------‬‬
‫قال ستانلي لين بول ‪ Stanley Lane-Poole‬في كتابه قصة العرب في‬
‫إسبانيا ‪ The Story of the Moors in Spain‬ط ‪:1986‬‬

‫‪345‬‬
‫"‪...‬وإنا لنحس فضل العرب وعظم آثار مجدهم‪ ،‬حينما نرى‬
‫بإسبانيا الراضي المهجورة القاحلة التي كانت في أيام‬
‫المسلمين جنات تجري من تحتها النهار‪ ،‬تزدهر بما فيها من‬
‫الكروم والزيتون وسنابل القمح الذهبية‪ .‬وحينما نذكر تلك البلد‬
‫التي كانت في عصور العرب تموج بالعلم والعلماء‪ ،‬وحينما نشعر‬
‫بالركود العام بعد الرفعة والزدهار‪".‬‬
‫يقول الكاتب البريطاني هـ‪ .‬ج‪ .‬ويلز ‪ H.G. Wells‬في كتابه معالم‬
‫تاريخ النسانية‪:‬‬
‫"‪...‬وتقدموا في الطب أشواطا بعيدة على الغريق‪ ،‬ودرسوا علم‬
‫وظائف العضاء‪ ،‬وعد تدبير الصحة‪ ،‬ويكاد علم القرباذين لديهم‬
‫أن يكون نفس ما لدينا اليوم‪ ،‬ول يبرح كثير من طرق العلج‬
‫عندهم مستعمل بين ظهرانينا إلى اليوم‪ ،‬وكان لجراحيهم دراية‬
‫باستعمال التخدير‪ ،‬وكانوا يجرون طائفة من أصعب الجراحات‬
‫المعروفة‪ .‬وفي ذات الوقت التي كانت الكنيسة تحرم فيه‬
‫ممارسة الطب انتظارا منها لتمام الشفاء بموجب المناسك‬
‫الدينية التي يتوالها القساوسة‪ ،‬كان لدى العرب علم طبي حق"‬
‫اهـ‬
‫ولم يمنع الحقد المستشرق النجليزي برنارد لويس من أن يقول‬
‫كلمة حق وذلك في كتابه "العرب في التاريخ"‪ ،‬فقال‪:‬‬
‫"‪...‬السمة الولى التي تسترعي انتباهنا هي المقدرة الستيعابية‬
‫للثقافة العربية التي غالبا ما وصمت بأنها قائمة على المحاكاة‬
‫والتقليد‪ ،‬فقد وحد الفاتحون العرب _ ولول مرة في التاريخ _‬
‫القاليم الشاسعة الممتدة من حدود الهند والصين إلى تخوم‬
‫اليونان وإيطاليا وفرنسا‪ .‬ومن خلل قواهم العسكرية والسياسية‬
‫لبعض الوقت‪ ،‬ثم لفترة طويلة بعد ذلك من خلل لغتهم‬
‫وعقيدتهم؛ وحد العرب بين ثقافتين كانتا تتصارعان في الماضي‪،‬‬
‫هما الثرات المتنوع لحوض البحر البيض المتوسط البالغ العمر‬
‫ألف عام (ثرات اليونان وروما وبني إسرائيل والشرق الدنى‬
‫القديم)‪ ،‬وحضارة فارس الثؤية وأنماطها الخاصة في الحياة‬
‫والفكر‪ ،‬وصلتها المثمرة بالحضاران العضيمة في الشرق‬
‫القصى‪ .‬ذلك أنه في خلل التعايش بين الكثير من الشعوب‬
‫والعقائد والثقافات داخل حدود المجتمع السلمي ولدت حضارة‬
‫جديدة؛ متنوعة من حيث أصولها ومبدعيها‪ ،‬لكنها تحتمل في كل‬
‫مظاهرها البصمة المميزة للعروبة والسلم‪ ،‬ومن هذا التنوع‬
‫الذي اتسم به العالم السلمي نشأت سمة ثانية لفتة بصفة‬
‫خاصة لنظار المراقب الوربي‪ ،‬هي تسامحه بالمقارنة‬
‫بالمجتمعات الخرى‪ .‬فعلى النقيض من معاصريه الغربيين نادرا‬

‫‪346‬‬
‫ما شعر المسلم في العصور الوسطى بالحاجة لفرض عقيدته‬
‫بالقوة على كل الخاضعين لحكمه‪ ،‬لقد ترسخ في وعيه مثلهم أن‬
‫أولئك الذين يعتنقون عقيدة مغايرة سيحرقون في الجحيم في‬
‫الوقت المقدر لذلك‪ ،‬لكنه على خلفهم لم ير ثمة فائدة في‬
‫استباق القضاء اللهي في هذه الدنيا‪ ،‬وكان قانعا في أغلب‬
‫العصور بالنتماء إلى العقيدة السائدة في مجتمع متعدد العقائد‪.‬‬
‫لقد فرض على الخرين قيودا اجتماعية وتشريعية معينة كرمز‬
‫لسيادته‪ ،‬وكان يذكرهم تذكرة فعالة إذا ما بدا أنه في سبيله‬
‫للنسيان‪ ،‬وفي ما عدا ذلك ترك لهم حرياتهم الدينية والقتصادية‬
‫والثقافية‪ ،‬كما ترك فرصة السهام البارز في حضارته هو" اهـ‬
‫والنص من ترجمة أ‪ .‬محمد غريب جودة‪.‬‬
‫من آخر كتب برنارد لويس هو "أزمة السلم"‬
‫ومن أراد أن يتعرف أكثر على الرجل‪:‬‬
‫حياته‬
‫ولد برنارد لويس في لندن عام ‪1916‬م( ‪1334‬هـ)‪ ،‬حصل على‬
‫الشهادة الجامعية من جامعة لندن عام ‪1936‬م( ‪1355‬هـ) وهو لم‬
‫يتجاوز العشرين‪ ،‬ودرس في باريس سنتين مع المستشرق‬
‫الفرنسي لويس ماسنيون وغيره‪ ،‬ثم عاد إلى بريطانيا ليحصل‬
‫على الدكتوراه عام ‪1936‬م( ‪1358‬هـ) عن رسالته بعنوان (أصول‬
‫السماعيلية) تحت إشراف المستشرق هاملتون جب‪ .‬له عدد‬
‫كبير من البحوث والكتب والمقالت الصحفية ‪ .‬من أشهر كتبه‬
‫(العرب في التاريخ) وقد أعيد طبعه سبع مرات‪ .‬و( ظهور تركيا‬
‫الحديثة) و(استنبول وحضارة المبراطورية العثمانية ) و( الغرب‬
‫والشرق الوسط) و ( العرق واللون في السلم) و( يهود‬
‫السلم) والحشاشون فرقة ثورية في السلم وآخر كتبه ( اللغة‬
‫السياسية في السلم)‬
‫عمل لويس في جامعة لندن مدرسا ً في قسم التاريخ‪ -‬مدرسة‬
‫الدراسات الشرقية والفريقية‪ -‬حتى ترأس هذا القسم في أول‬
‫أكتوبر ‪1957‬م(‪1266‬هـ) وظل رئيسا ً له مدة خمسة عشر عاما ً حتى‬
‫انتقل إلى قسم دراسات الشرق الدني بجامعة برنستون بولية‬
‫نيوجرسي المريكية عام ‪ 1973‬م( ‪1394‬هـ) بالضافة إلى عضويته‬
‫الدائمة في معهد برنستون للدراسات المتقدمة وهو المعهد الذي‬
‫كان يعمل فيه ألبرت إينشتين صاحب النظرية النسبية‪.‬‬
‫حصل لويس على الجنسية المريكية عام ‪1982‬م وهو الن أستاذ‬
‫متقاعد ‪ ،‬ولكنه مازال يحتفظ بمكانته العلمية في الجامعة ‪ ،‬وقد‬
‫أصبح عام ‪ 1986‬مديرا ً مشاركا ً لمعهد بحوث أننبرج للدراسات‬

‫‪347‬‬
‫اليهودية ودراسات الشرق الدنى بمدينة فيلديلفيا بولية‬
‫بنسلفانيا‪.‬‬
‫هذا وأشرف لويس على العشرات من الطلب العرب‬
‫والمسلمين وغيرهم‪ .‬وكانت معاملته لهم راقية جدا ً حتى إنه كان‬
‫نادرا ً ما يشكو طالب من سلوكه معه على العكس كان الكثير‬
‫من الطلبة يحبونه ويتعلقون به‪ .‬وقد أفادني بهذا الدكتور شارل‬
‫عيساوي وأكده كل من محمد مناظر أحسن ومايكال كوك‪.‬‬
‫وملحظة هامشية هنا إن لويس ل يفعل كما يفعل بعض‬
‫المشرفين في بلدنا وفي بلدهم أيضا ً حيث يصرون على أن‬
‫مهمتهم هي عرقلة سير الطالب وملء حياته بالغم والكمد‬
‫واستغلله أسوأ استغلل‪ .‬ونظرا ً ليهوديته وصهيونيته فل بد أنه‬
‫ضايق بعض الطلب في اختيار موضوعات بحوثهم أو توجيهها‬
‫وجهة معينة‪.‬‬
‫وأنصح بالرجوع إلى كتاب "بحوث في الستشراق المريكي‬
‫المعاصر" تأليف د‪ .‬مازن مطبقاني‬
‫‪--------------‬‬
‫قال أناتول فرانس في روايته "الحياء المزهرة" على لسان‬
‫البطل دوبوا قائل لسيدة أندرياس‪:‬‬
‫"ما هو أشأم يوم عرفته فرنسا يا سيدتي؟؟‬
‫قالت‪ :‬هو اليوم الذي انهزم المسلمون فيه في معركة ‪Poitier‬‬
‫(بلط الشهداء سنة ‪ ،)732‬ضد الفرنسيين ! ! ! "‬
‫قال مصطفى غفر الله له‪:‬‬
‫أي أن هذه المرأة كانت تتمنى أن ينتصر المسلمون في المعركة‬
‫لتصل فرنسا حضارة ُ المسلمين وتنقذهم من أحبال الظلم‬
‫والرجعية التي كانوا يعيشون فيها آنداك‪.‬‬
‫‪--------------‬‬
‫يقول المستشرق مرماديوك باكسال‬
‫يكفى محمدا فضل ان اصحابه ظلوا اثنتى عشرة سنة فى‬
‫اضطهاد وتعذيب ومع ذلك كانوا يزيدون ول ينقصون ويكفى‬
‫كتاب السلم جلل انه مضى عليه اربعة عشر قرنا لم يصب‬
‫اسلوبه بجفاف بل ظل غضا نديا كان عهده بالحياة امس‬
‫ومما يؤكد ما ذكره أناتول فرانس‪ ،‬ما قاله كلود فرير أستاذ‬
‫اللغات الشرقية في "الكليج دو فرانس"‬
‫"‪..‬حلت بالنسانية في القرن الثامن الميلدي كارثة لعلها أسوأ ما‬
‫شهدته القرون الوسطى‪ ،‬تخبط من جرائها العالم الغربي سبعة‬
‫قرون أو ثمانية في الهمجية قبل ظهور النهضة‪.‬‬

‫‪348‬‬
‫وما تلك الكارثة إل ذلك النصر الهائل الذي أحرزته الجماعات‬
‫الجرمانية بقيادة " شارل مارتل" على فرق العرب والبربر؛ ففي‬
‫مثل ذلك اليوم المشؤوم تقهقرت الحضارة ثمانمئة عام‪.‬‬
‫وحسب المرء أن يذكر ما كان يمكن أن تصل إليه فرنسا لو أن‬
‫السلم النشيط الحكيم الحاذق الرصين المتسامح استطاع أن‬
‫ينتزع وطننا فرنسا من فظائع ل نجد لها اسما" اهـ‬
‫الفيلسوف إدوار مونته الفرنسي مستشرق فرنسي ولد في‬
‫بلدته لوكادا ‪ 1817‬ـ ‪ 1894‬قال في آخر كتابه (العرب)‪.‬‬
‫عرف محمد بخلوص النية والملطفة وإنصافه في الحكم‪ ،‬ونزاهة‬
‫التعبير عن الفكر والتحقق‪ ،‬وبالجملة كان محمد أزكى وأدين‬
‫وأرحم عرب عصره‪ ،‬وأشدهم حفاظا ً على الزمام فقد وجههم‬
‫إلى حياة لم يحلموا بها من قبل‪ ،‬وأسس لهم دولة زمنية ودينية ل‬
‫تزال إلى اليوم‪.‬‬
‫‪--------------‬‬
‫قال ويل ديورانت ‪ Well Durant‬في قصة الحضارة ص ‪ ، 8914‬وويل‬
‫ديورانت خير من كتب في تاريخ الحضارات‪ ،‬إلى جانب أرنولد‬
‫توينبي ‪ Arnold Toynbee‬المؤرخ البريطاني الكبير صاحب الموسوعة‬
‫التاريخية "دراسات في التاريخ" والذي أمضى في كتابته ‪ 40‬عاما‪،‬‬
‫وأوزويلت شبينجلر الذي اشتهر بكتاب "أفول الغرب"‪ ،‬وتوماس‬
‫أرنولد‪ ،‬صاحب كتاب "الدعوة إلى السلم"‪ .‬وهؤلء قمة في‬
‫الموضوعية في الطرح‪.‬‬

‫قال‪( :‬أي ويل ديورانت)‬


‫"ولقى يهود "الشتات" هؤلء أقل العناء والشقاء في ظل‬
‫السلطين التراك والبابوات في فرنسا وإيطاليا‪ ،‬وعاشت‬
‫القليات اليهودية آمنة في القسطنطينية وسالونيك وآسيا‬
‫الصغرى وسوريا وفلسطين والجزيرة العربية ومصر وشمال‬
‫أفريقية وأسبانيا تحت حكم العرب‪ .‬وتسامح البربر معهم كارهين‪.‬‬
‫على أن سيمون ديوران ترأس مستوطنة مزدهرة في الجزائر‪،‬‬
‫وعاشت الجالية اليهودية في السكندرية‪ -‬كما وصفها الحبر‬
‫أوباديا برتينورو في ‪ -1488‬حياة طيبة‪ ،‬وشربوا الخمر بكثرة‪،‬‬
‫وتربعوا على البسط كما فعل المسلمون‪ ،‬وخلعوا نعالهم عند‬
‫دخول المعبد أو بيت أحد الصدقاء‪ .‬وكتب اليهود اللمان الذين‬
‫لجئوا إلى تركيا إلى أقربائهم وصفا ً خماسيا ً للحياة الطيبة التي‬
‫ينعمون بها هناك‪ .‬ورخص الباشا (الوالي) العثماني في فلسطين‬
‫لليهود هناك في أن يبنوا معبدا ً على جبل صهيون‪ .‬وحج بعض‬

‫‪349‬‬
‫اليهود الغربيين إلى فلسطين‪ ،‬واعتقدوا أن من حسن حظهم أن‬
‫تفيض أرواحهم في الرض المقدسة‪ ،‬والفضل منها في أورشليم‬
‫بالذات‪.‬اهـ‬
‫قال مصطفى غفر الله له‪:‬‬
‫هذه هي حياة الرفاهية التي كانت تعيشها القليات الكافرة تحت‬
‫ظل الخلفة السلمية‪ ،‬خير مما تعيشه القليات المسلمة في‬
‫الغرب في هذه اليام‪ .‬وهذا باعترافهم هم‪ .‬ل كما ينشره هؤلء‬
‫الناعقون في آذان الناس‪ ،‬ويتلقفه علمانيونا بألسنتهم‪ ،‬ويلبسون‬
‫به على عقول الناس‪.‬‬
‫أخي الفاضل الديب الريب مصطفى الفاسي – أحسن الله‬
‫إليك‪ ،‬ونفع بك ‪: -‬‬
‫‪------------‬‬
‫ومما يذكر في هذا المقام قول مهاتما غاندي‪:‬‬
‫( أردت أن أعرف صفات الرجل الذي يملك بدون نزاع قلوب‬
‫مليين البشر‪..‬لقد أصبحت مقتنعا كل القتناع أن السيف لم يكن‬
‫الوسيلة التي من خللها اكتسب السلم مكانته‪ ،‬بل كان ذلك من‬
‫خلل بساطة الرسول مع دقته وصدقه في الوعود‪ ،‬وتفانيه‬
‫وإخلصه لصدقائه وأتباعه‪ ،‬وشجاعته مع ثقته المطلقة في ربه‬
‫وفي رسالته‪ ،‬هذه الصفات هي التي مهدت الطريق‪ ،‬وتخطت‬
‫المصاعب‪ ،‬وليس السيف‪ .‬بل بعد انتهائي من قراءة الجزء الثاني‬
‫من حياة الرسول وجدت نفسي آسفا لعدم وجود المزيد للتعرف‬
‫أكثر على حياته العظيمة)‪.‬‬
‫‪-------------‬‬
‫وقال جورج برنارد شو‪:‬‬
‫( كنت دوما أرى دين محمد في مكانة عالية بسبب حيويته‬
‫الرائعة‪ ،‬وهو الدين الوحيد الذي يبدو لي أنه قادر على استيعاب‬
‫التغيرات التي تحدث في العالم في كل عصر‪ ،‬لقد درست‬
‫سيرته‪ ،‬إنه رجل رائع‪ ،‬وهو في رأيي أبعد ما يكون عن عداوة‬
‫المسيح‪ ،‬وينبغي أن يسمى منقذ البشرية‪.‬‬
‫وأظن أن رجل مثله لو حمل على عاتقه دكتاتورية العالم الحديث‬
‫لنجح في حل مشكلته‪ ،‬بطريقة تجعل العالم ينعم بالسعادة‬
‫والسلم اللذين يحتاجهما‪.‬‬
‫وإني أتنبأ بأن دين محمد سيكون له شأن في أوروبا غدا‪ ،‬كما أن‬
‫بواكير قبوله في أوروبا بدأت اليوم‪ ،‬وإذا كان ثمة دين له فرصة‬
‫الحكم في انجلترا‪ ،‬بله أوروبا في غضون مائة سنة قادمة فإنه‬
‫سيكون السلم)‪.‬‬
‫‪--------------‬‬

‫‪350‬‬
‫قال ليون روش‪ 1841 :‬ـ ‪( 1842‬ضابط في الجيش الفرنسي‬
‫ومترجم رسمي له إلى اللغة العربية التي كان يتقنها تماما‪ ،‬خالط‬
‫أهل الجزائر في جميع مرافق الحياة‪ ،‬واثناء الهدنة بين المير‬
‫عبدالقادر وفرنسا دخل روش في خدمة المير عبدالقادر ابتداء‬
‫من سنة ‪1837‬م‪ ،‬ولزمه في حروبه الداخلية واجتماعاته واصبح‬
‫احد كتابه الخاصين‪ ،‬ساعده المير عبدالقادر في تعلم اصول‬
‫الدين السلمي‪ ،‬فاعلن اسلمه وزوجه من مسلمة‪.‬‬
‫قال في "ثلثون عاما من السلم"‬
‫سأ عند لأمير عبد القادر‬ ‫منْد َ ّ‬
‫(اعتنقت السلم زمنا طويل لدخل ُ‬
‫الجزائري ونجحت الحيلة ووثق بي المير كل الثقة وجعلني‬
‫سكرتيرا له‪..‬لكنني مالبثت أن وجدت دين السلم أفضل دين‬
‫عرفته‪ ،‬فهو دين إنساني طبيعي اقتصادي أدبي‪ ،‬ولم يدر بخلدي‬
‫شيئا من قوانيننا الوضعية إل وجدته مستنا في السلم‪ .‬بل إني‬
‫عدت إلى التشريع الذي يسميه غول سيمون (التسريع الطبيعي)‬
‫فوجدته أخذ من الشريعة السلمية‪.‬‬
‫وقال‬
‫(‪..‬وهو الدين الوحيد الذي حل مشكلة حقوق وواجبات البناء حل‬
‫عادل‪ ،‬باعترافه بالمولود ورفضه للوضع الشاذ المخالف لنواميس‬
‫الطبيعة الذي فرضه المذهب الكاثوليكي تجاه الولد الشرعيين‬
‫كل الحقوق وحرم غير الشرعيين من كل الحقوق)‬
‫قال مصطفى غفر الله له‪:‬يشير إلى قاعدة "الولد للفراش"‬
‫‪-----------‬‬
‫قال واشنطن إيرفينغ ‪ Washington Irving‬في كتابه "محمد وخلفاؤه"‬
‫(‪ )Mohomet and his Successors‬ترجمة د‪ .‬هاني يحيى نصري ط المركز‬
‫الثقافي العربي ‪ 1999‬ص ‪:453‬‬
‫"والرسول كان عادل يحب العدل‪ ،‬فقد كان يعامل الصاحب‬
‫والغريب‪ ،‬والفقير والغني‪ ،‬والقوي والضعيف بالتساوي‪ ،‬وكان‬
‫محبوبا بين الناس‪ ،‬بسبب التفاته إلى الكل وسماعه من الجميع‪،‬‬
‫وعدله المطلق بينهم"‬
‫هذا الكتاب طبعته ‪Hudson Edition , G.P. Putman and son 1868 N. Y‬‬
‫وقال في نفس الصفحة ‪:‬‬
‫" ‪...‬لنه أكد في غير مناسبة نفيه لي معجزة سوى القرآن‬
‫الكريم (على زعمه)‪ ،‬الذي يعتبر من أعجز وأفضل ما قدم إلى‬
‫البشرية من نص مكتوب‪ ،‬ل يمكن ول بأي حال من الحوال‬
‫مقارنته بسواه من النصوص" اهـ‬
‫‪-------------‬‬

‫‪351‬‬
‫قال السير أنتوني ناتنج ‪ Sir Antony Nating‬في كتابه "العرب‪ :‬تاريخ‬
‫وحضارة" وهو يتحدث عن حضارة الندلس من خلل الحديث عن‬
‫الواقع في قرطبة العاصمة الموية آنذاك‪:‬‬
‫"‪..‬وكان تعداد سكان قرطبة يناهز ‪ 800‬ألف نسمة‪ ،‬وارتفع عدد‬
‫المساجد إلى ‪ ، 700‬وكان في المدينة ‪ 300‬من الحمامات العمومية‬
‫في وقت كانت فيه الشعوب الوربية ل تزال تعتبر الستحمام‬
‫عادة وثنية‪ ،‬وكانت الشوارع ممهة ومضاءة ‪ -‬وطولها ‪ 10‬أميال _‬
‫وهو تقدم كان مقدرا أل تنعم به لندن وباريس قبل ‪ 700‬عام تالية‪،‬‬
‫كان المواطنون أثناءها يتحسسون طريقهم ليل في الظلم‬
‫الحالك يتخبطزن في وحول تغوص فيها القدام حتى‬
‫الكعبين‪،‬وكانت المدينة تضم ‪ 70‬مكتبة عامة‪ ،‬وفي عهد الحكم بن‬
‫عبد الرحمن‪ ،‬الذي كان شغوفا بالكتب جمعت مجموعة من ‪400‬‬
‫ألف كتاب من المكتبات العامة والخاصة في السكندرية ودمشق‬
‫وبغداد‪ ،‬في حين لم يكن يكن يوجد في أي مكان في العالم أكثر‬
‫من عشرة آلف كتاب باللغة النجليزية‪،‬‬
‫وكان حكام ليون ونافار وبرشلونة يرسلون إلى قرطبة إذا‬
‫احتاجوا إلى طبيب أو مهندس معماري‪ ،‬ل إلى فرنسا ول إلى إلى‬
‫ألمانيا‪ ،‬وكانت قرطبة تجتذب الطلب من أوربا وإفريقيا وآسيا‪.‬‬
‫وكانت معرفة القراءة والكتابة عامة‪ ،‬حتى أكد المؤرخ راينهارت‬
‫دوزي أن كل فرد تقريبا كان يقرأ ويكتب‪ ،‬في حين أن معرفة‬
‫القرءة والكتابة في أوربا كانت ل تزال ميزة لرجال الدين وقلة‬
‫من الكتبة المحترفين ‪ .‬اهـ‬
‫قال مصطفى غفر الله له‪:‬‬
‫ارفع رأسك أيها المسلم وقُلها مدوية ‪ :‬ل إله إل الله محمد‬
‫رسول الله‪،‬‬
‫إن الغربيين يعرفون صدق رسالتنا وع ُلوية مكانتها‪ ،‬ويعلمون أن‬
‫خلصهم في الستسلم لله‪ ،‬ولكن الظالمين بآيات الله يجحدون‬
‫‪-----------------‬‬
‫نكتة جرت بيني وبين دانمركي وقد جاء مع ‪ 30‬شخصا في‬
‫مؤسستنا‪:‬‬
‫قال لي بعد انتهائي من المحاضرة ‪ :‬لماذا أنتم _المسلمين‬
‫_متمسكون بالقرآن وهو كتاب قديم كتب منذ ‪ 14‬قرن من‬
‫الزمان‪ ،‬وتتركون الديمقراطية !!؟؟؟‬
‫قلت لنني أخذت بنفس مبدئك‪:‬‬
‫وهو أن أتبع الحدث‪ ،‬باعتبار أن الديمقراطية _ كمصطلح‬
‫وفكرانية (آيديولوجية) _ نشأت منذ ‪ 500‬سنة قبل ميلد المسيح‪.‬‬
‫والسلم هو الحدث‪.‬‬

‫‪352‬‬
‫فانظر إلى من هو المتحضر منا !!!!‬
‫فبهت الذي كفر‪ ،‬وضحك الخرون بكل اعجاب‪.‬‬
‫‪-------------‬‬
‫يقول جورج سارتون البليكي المولد المريكي الجنسية‪،‬‬
‫مؤرخ العلم الستاذ في جامعة هارفرد (‪ George Sarton (1884-1956‬في‬
‫كتابه " الشرق الوسط في مؤلفات المريكيين"‪:‬‬
‫" ‪...‬إن المسلمين يمكن أن يعودوا إلى عظمتهم الماضية‪ ،‬وإلى‬
‫زعامة العالم السياسية والعلمية‪ ،‬كما كانوا من قبل‪ ،‬لو أنهم‬
‫عادوا إلى فهم حقيقة الحياة في السلم والعلوم لتي حث‬
‫السلم على الخذ بها‪ ".‬اهـ‬
‫‪-------------‬‬
‫قال جاك ريسلر الفرنسي ‪ Jaque Risler‬في كتابه الحضارة العربية (‬
‫‪:)the culture of arabs‬‬
‫" ‪...‬وطوال اللف سنة حالكة الظلمة في تاريخ العصور‬
‫الوسطى‪ ،‬كان يشع عبر العالم السلمي اسم العالم أو الريحان‬
‫محمد بن أحمد البيروني‪ ،‬الذي قدر له أن يبلغ شهرة واسعة‪،‬‬
‫فقد ترك البيروني _ الفيلسوف والمؤرخ والرياضي والفيزيقي‬
‫واللغوي والشاعر _ في هذه الميادين المختلفة مؤلفات هامة‬
‫جعلت منه (ليوناردو دافينشي العالم السلمي)‬
‫‪------------‬‬
‫ويقول توماس أرنولد في كتابه (الدعوة إلى السلم) ص ‪:73‬‬
‫«ولما بلغ الجيش السلمي وادي الردن‪ ،‬وعسكر أبو عبيدة في‬
‫بلدة فحل‪ ،‬كتب الهالي النصارى في تلك البلد إلى العرب‬
‫الفاتحين يقولون‪ :‬يا معشر المسلمين! أنتم أحب إلينا من الروم‪،‬‬
‫ف عن ظلمنا‪،‬‬ ‫وإن كانوا على ديننا‪ ،‬وأنتم أوْفى لنا وأرأف بنا‪ ،‬وأك ُّ‬
‫وأحسن ولية علينا‪ ،‬ولكنهم غلبونا على أمرنا»‪.‬‬
‫َ‬
‫وقال «وغل ّق أهل حمص أبواب مدينتهم‪ ،‬دون جيش هرقل‪،‬‬
‫وأبلغوا المسلمين أن وليتهم وعدلهم أحب إليهم من ظلم‬
‫الغريق والروم وتعسفهم»‪.‬‬
‫وقال‪:‬‬
‫"لقد عامل المسلمون المسيحيين العرب بتسامح عظيم منذ‬
‫القرن الول للهجرة واستمر هذا التسامح في القرن المتعاقبة‬
‫ونستطيع بحق أن نحكم أن القبائل المسيحية التي اعتنقت‬
‫السلم إنما اعتنقته عن اختيار وإرادة حرة وإن العرب‬
‫المسيحيين الذين يعيشون في وقتنا هذا بين جماعات مسلمة‬
‫لشاهد على هذا التسامحاهـ‬

‫‪353‬‬
‫الفرنسي "غستاف دوكا" ‪ :‬وهو مستشرق فرنسي‪ ،‬كان يدرس‬
‫اللغات الشرقية في باريس‪ ،‬له العديد من المقالت عن جغرافية‬
‫البلدان السلمية‪ ،‬وألف كتابا ً اسمه ‪":‬تاريخ فلسفة المسلمين‬
‫وفقهائهم"‪.‬‬
‫"للدين السلمي أثر كبير في تهذيب المم وتربية مشاعرها‬
‫ووجدانها‪ ،‬وترقية عواطفها‪ ،‬فإذا قرأت تاريخ العرب قبل البعثة‪،‬‬
‫وعلمت ما كانت عليه‪ ،‬اعتقدت أن للشريعة السمحة في تهذيب‬
‫الخلق التأثير الكبر‪ ،‬إذ ما كاد يتصل بالمة العربية ذلك الصلح‬
‫الروحي المدني‪ ،‬حتى انتشر العدل وزال النفاق والرياء‬
‫والعدوان"اهـ‪.‬‬
‫وقال كذلك "توماس أرنولد" في مقدمة كتابه السابق "الدعوة‬
‫إلى السلم" ص ‪:10‬‬
‫ن هذا المؤلف‪ ،‬وهو أمر مسلم به كما يتضح في التمهيد‪،‬‬ ‫"ومع أ َّ‬
‫عبارة عن سجل لجهود نشر الدعوة‪ ،‬وليس تاريخا ً للضطهاد"‪.‬‬
‫وقال في ص ‪:30‬‬
‫"إننا لم نضع هذا الكتاب لدراسة تاريخ الضطهادات السلمية‪،‬‬
‫وإنَّما وضعناه لدراسة الدعوة السلمية في أنحاء العالم‪ ،‬فليس‬
‫الغرض تاريخ الحملت التي استعملت فيها القوة لدخال الناس‬
‫في الدين السلمي‪ ،‬وقد عني الكُتَّاب الوربيون ببيان هذه‬
‫الحملت حتى لم يعد ثمة خوف من إغفالها"‪.‬‬
‫‪--------------‬‬
‫الفيلسوف النجليزي توماس كارليل الحائز على جائزة نوبل‬
‫يقول في كتابه البطال ‪ " :‬لقد أصبح من أكبر العار على أي فرد‬
‫متحدث هذا العصر أن يصغي إلى ما يقال من أن دين السلم‬
‫كذب ‪ ،‬وأن محمدا ً خدّاع مزوِّر ‪.‬‬
‫وإن لنا أن نحارب ما يشاع من مثل هذه القوال السخيفة‬
‫المخجلة ؛ فإن الرسالة التي أدَّاها ذلك الرسول ما زالت السراج‬
‫المنير مدة اثني عشر قرنا ً لنحو مائتي مليون من الناس ‪ ،‬أفكان‬
‫أحدكم يظن أن هذه الرسالة التي عاش بها ومات عليها هذه‬
‫المليين الفائقة الحصر والحصاء أكذوبة وخدعة ؟ !‬
‫إلى أن قال ‪ " :‬وعلى ذلك ‪ ،‬فلسنا نَعُد ُّ محمدا ً هذا قط رجل ً كاذباً‬
‫متصنعا ً ‪ ،‬يتذرع بالحيل والوسائل إلى بغيته ‪ ،‬ويطمح إلى درجة‬
‫ملك أو سلطان ‪ ،‬أو إلى غير ذلك من الحقائر ‪ .‬وما الرسالة التي‬
‫أدَّاها إل حق صراح ‪ ،‬وما كلمته إل قول صادق ‪.‬‬
‫ملفِّق ‪ ،‬وهذه حقيقة تدفع كل‬ ‫كل ‪ ،‬ما محمد بالكاذب ‪ ،‬ول ال ُ‬
‫حجة القوم الكافرين ‪.‬‬ ‫باطل ‪ ،‬وتدحض ُ‬

‫‪354‬‬
‫ثم ل ننسى شيئا ً آخر ‪ ،‬وهو أنه لم يتلق دروسا ً على أستاذ أبدا ً ‪،‬‬
‫وكانت صناعة الخط حديثه العهد إذ ذاك في بلد العرب ـ وعجيب‬
‫ة العرب ـ ولم يقتبس محمد من نور أي إنسان‬ ‫مي َ َ‬ ‫ُ‬
‫وأيم الله أ ِّ‬
‫آخر ‪ ،‬ولم يغترف من مناهل غيره ‪ ،‬ولم يكن إل كجميع أشباهه‬
‫من النبياء والعظماء ‪ ،‬أولئك الذين أشب ِّههم بالمصابيح الهادية في‬
‫ظلمات الدهور ‪.‬‬
‫وقد رأيناه طول حياته راسخ المبدأ ‪ ،‬صادق العزم بعيدا ً ‪ ،‬كريماً‬
‫بًَّرا ‪ ،‬رؤوفا ً ‪ ،‬تقيا ً ‪ ،‬فاضل ً ‪ ،‬حرا ً ‪ ،‬رجل ً ‪ ،‬شديد الجد ‪ ،‬مخلصا ً ‪،‬‬
‫وهو مع ذلك سهل الجانب ‪ ،‬ليِّن العريكة ‪ ،‬جم البشر والطلقة ‪،‬‬
‫حميد العشرة ‪ ،‬حلو اليناس ‪ ،‬بل ربما مازح وداعب ‪ ،‬وكان ـ‬
‫ة مشرقة من فؤاد صادق ؛‬ ‫على العموم ـ تضيء وجهه ابتسام ٌ‬
‫لن من الناس من تكون ابتسامته كاذبة ككذب أعماله وأقواله "‬
‫‪ .‬ويقول‪:‬‬
‫‪ " :‬كان عادل ً ‪ ،‬صادق النية ‪ ،‬كان ذكي اللـب ‪ ،‬شهم الفؤاد ‪،‬‬
‫لوذعيا ً ‪ ،‬كأنما بين جنبيه مصابيح كل ليل بهيم ‪ ،‬ممتلئا ً نورا ً ‪ ،‬رجلً‬
‫عظيما ً بفطرته ‪ ،‬لم تثقفه مدرسة ‪ ،‬ول هذبه معلم ‪ ،‬وهو غني‬
‫عن ذلك"‬
‫و بعد أن أفاض كارليل في إنصاف النبي محمد ختم حديثه بهذه‬
‫الكلمات ‪" :‬هكذا تكون العظمة· هكذا تكون البطولة·هكذا تكون‬
‫العبقرية"‬
‫‪------------‬‬
‫أما <ل مارتين> الفيلسوف الفرنسي فيدافع بحرارة النبي صلى‬
‫الله عليه وسلم وينفي بصرامة وقوة أن يكون كاذبا ً أو مفترياً‬
‫على الله فيقول‪:‬‬
‫<إن حياة محمد‪ ،‬وقوة كقوة تأمله وتفكيره وجهاده‪ ،‬ورباطة‬
‫جأشه لتثبيت أركان العقيدة السلمية··· إنه فيلسوف وخطيب‬
‫ومشرع وهاد للنسانية إلى العقل وناشر للعقائد المعقولة‬
‫الموافقة للذهن وهو مؤسس دين ل فرية فيه ومنشئ عشرين‬
‫دولة في الرض وفاتح دولة في السماء من ناحية الروح والفؤاد‪،‬‬
‫فأي رجل أدرك من العظمة النسانية ما أدرك محمد وأي آفاق‬
‫بلغ إنسان من مراتب الكمال ما بلغ محمد· و يقول في موضع‬
‫آخر ‪" :‬أعظم حدث في حياتي هو أنني درست حياة رسول الله‬
‫محمد دراسة واعية ‪ ،‬وأدركت ما فيها من عظمة وخلود‪ ،‬ومن ذا‬
‫الذي يجرؤ على تشبيه رجل من رجال التاريخ بمحمد ؟! ومن هو‬
‫الرجل الذي ظهر أعظم منه ‪ ،‬عند النظر إلى جميع المقاييس‬
‫التي تُقاس بها عظمة النسان؟! إن سلوكه عند النصر وطموحه‬
‫الذي كان مكرسا ً لتبليغ الرسالة وصلواته الطويلة وحواره‬

‫‪355‬‬
‫السماوي هذه كلها تدل على إيمان كامل مكّنه من إرساء أركان‬
‫العقيدة ‪ .‬إن الرسول والخطيب والمشرع والفاتح ومصلح العقائد‬
‫الخرى الذي أسس عبادة غير قائمة على تقديس الصور هو‬
‫محمد ‪ ،‬لقد هدم الرسول المعتقدات التي تتخذ واسطة بين‬
‫الخالق والمخلوق‬

‫و هذا جوتة الديب اللماني ‪" " :‬إننا أهل أوربة بجميع مفاهيمنا ‪،‬‬
‫لم نصل بعد إلى ما وصل إليه محمد ‪ ،‬وسوف ل يتقدم عليه أحد‪،‬‬
‫ولقد بحثت في التاريخ عن مثل أعلى لهذا النسان ‪ ،‬فوجدته في‬
‫النبي محمد … وهكذا وجب أن يظهر الحق ويعلو‪ ،‬كما نجح‬
‫محمد الذي أخضع العالم كله بكلمة التوحيد"[‪]5‬‬
‫‪-----------‬‬
‫ويقول الديب الروسي (ليو تولستوي) والذي حرمته الكنيسة‬
‫بسبب آرائه الحرة الجريئة ‪:‬‬
‫"أنا واحد من المبهورين بالنبي محمد الذي اختاره الله الواحد‬
‫لتكون آخر الرسالت على يديه ‪ ،‬وليكون هو أيضا ً آخر النبياء …‬
‫ويكفيه فخرا ً أنه هدى أمة برمتها إلى نور الحق ‪ ،‬وجعلها تجنح‬
‫للسكينة والسلم ‪ ،‬وفتح لها طريق الرقي والمدينة"[‪]6‬‬
‫‪------------‬‬
‫ويقول العلمة شيريل ‪ ،‬عميد كلية الحقوق بفيينا ‪":‬إن البشرية‬
‫لتفتخر بانتساب رجل كمحمد إليها"‬
‫الفونس ايتين دينيه ـ الفرنسي ـ قال في كتابه ـ محمد رسول‬
‫الله ـ (صلى الله عليه وسلم) صفحة ‪:48‬‬
‫إن حدود هذا السفر لن تسمح لنا بأن نقدم لك جميع التفاصيل‬
‫وجميع النواحي لحياة حافلة بالعظائم إلى هذا الحد كما هو‬
‫الشأن في حياة النبي محمد نبي المسلمين وقال صفحة ‪ 49‬منه‪:‬‬
‫والحق أننا نرى من بين جميع النبياء الذين أسسوا ديانات‪ ،‬أن‬
‫محمدا ً هو الوحيد الذي استطاع أن يستغني عن مدد الخوارق‬
‫والمعجزات المادية‪ ،‬معتمدا ً فقط على بداهة رسالته ووضوحها‪،‬‬
‫وعلى بلغة القرآن اللهية‪ ،‬وإن في استغناء محمد عن مدد‬
‫الخوارق والمعجزات لكبر معجزة على الطلق‪.‬‬
‫وقال صفحة ‪ 52‬منه‪:‬‬
‫إن في مرأى المؤمنين وفي أعمالهم لصورة تلمحها منعكسة من‬
‫مآثر محمد وإذا كانت بالطبع باهتة بالقياس إلى كمالته العليا‪،‬‬
‫فإنها ل جدال في صحتها‪ ،‬هذا على حين تجد قياصرة روما مع‬
‫دقة تماثيلهم ل يطالعنا منهم سوى قناع مزيف لوجوههم الجامدة‬
‫تحت صورة من الخيلء‪ ،‬إن صورهم تظل ميتة يعجز خيالنا عن‬

‫‪356‬‬
‫أن يلمح لها شيئا ً من الحياة‪ ،‬وإنه لبوحي هذه الحقيقة قامت‬
‫برؤوسنا فكرة نشر لوحات في تاريخ محمد ‪ ،‬تمثل المآثر الدينية‬
‫لتباعه‪ ،‬وبعض صور من حياة العرب‪ ،‬وبعض مدن الحجاز الذي‬
‫هو وطنه‪.‬‬
‫وقال صفحة ‪ 87‬منه‪:‬‬
‫حقا ً إنه ليدهشني أن يرى بعض المستشرقين أن محمدا ً قد‬
‫انتهز الفرصة فروى ورتب عمله للمستقبل بل لقد ذهب بعضهم‬
‫إلى أبعد من ذلك فوسوس بأن محمدا ً ألف في تلك الفترة‬
‫القرآن كله !!‬
‫أحقا ً لم يلحظوا أن هذا الكتاب اللهي خال من أية خطة سابقة‬
‫على وجوده‪ ،‬مرسومة على نسق المناهج النسانية وإن كل‬
‫سورة من سوره منفصلة عن غيرها وخاصة بحادثة وقعت بعد‬
‫الرسالة طيلة فترة تزيد على عشرين عاما ً وإنه من المستحيل‬
‫على محمد أن يتوقع ذلك ويتنبأ له‪ .‬اهـ‬
‫‪---------‬‬
‫قال المؤرخ المريكي فكتور روبنسن صاحب قصة الطب‪:‬‬
‫"كانت أوربا في ظلم حالك بعد غروب الشمس بينما كانت‬
‫قرطبة تضيئها المصابيح العامة كانت أوربة تغطيها الهوام بينما‬
‫أهل قرطبة مثال النظافة كانت أوربا غارقة في الوحل بينما‬
‫كانت قرطبة مرصوفة الشوارع كانت سقوف أوربا مملوءة‬
‫بثقوب المداخن بينما قصور قرطبة تزينها الزخرفة العربية‬
‫العجيبة وكان أشراف أوربا ل يستطيعون توقيع أسمائهم بينما‬
‫كان أطفال قرطبة العربية يذهبون إلى المدارس وكان رهبان‬
‫أوربا يلجئون إلى تلوة سفر الكنيسة بينما كان معلموا قرطبة قد‬
‫أسسوا مكتبة تضارع في ضخامتها مكتبة السكندرية العظيمة"‪.‬‬
‫المسيو ميخائيل اماري ‪ -‬اليطالي ‪ -‬قال في كتابه ‪ -‬تاريخ‬
‫المسلمين ‪: -‬‬
‫لقد جاء محمد نبي المسلمين بدين إلى جزيرة العرب يصلح أن‬
‫يكون دينا ً لكل المم لنه دين كمال ورقي‪ ،‬دين دعة وثقافة‪ ،‬دين‬
‫رعاية وعناية‪ ،‬ول يسعنا أن ننقصه‪ ،‬وحسب محمد ثناء عليه أنه‬
‫لم يساوم ولم يقبل المساومة لحظة واحدة في موضوع رسالته‪،‬‬
‫على كثرة فنون المساومة واشتداد المحن‪ ،‬وهو القائل ( لو‬
‫وضعوا الشمس في يميني والقمر في يساري على أن أترك هذا‬
‫المر ما تركته) عقيدة راسخة‪ ،‬وثبات ل يقاس بالنظير‪ ،‬وهمة‬
‫تركت العرب مدينين لمحمد بن عبد الله ‪ ،‬إذ تركهم أمة لها‬
‫شأنها تحت الشمس في تاريخ البشرية‪.‬‬
‫‪----------‬‬

‫‪357‬‬
‫اقرأوا هذا الحوار‬
‫دار بين الستاذ محمود بيومي والمستشرق البلغاري الدكتور‬
‫توفيان تيوفا نوفا الذي اعتنق السلم‬
‫‪http://www.islamtoday.net/articles/s...4&artid=4 845‬‬
‫حوار‪ :‬محمود بيومي ‪11/11/1425‬‬
‫‪23/12/2004‬‬
‫بلغاريا ‪ ..‬هي إحدى دول أوروبا الشرقية وإحدى دول البلقان ‪..‬‬
‫التي فتحها المسلمون في نهاية القرن الثامن الهجري ‪ ..‬واستمر‬
‫الحكم السلمي لها لمدة تزيد عن خمسة قرون ونصف ‪..‬‬
‫تأصلت خللها هوية المجتمع السلمي ‪ ..‬كما انتشرت‬
‫المؤسسات السلمية في كافة أنحاء البلد ‪ ..‬حتى بلغ عدد‬
‫المساجد الكبرى أكثر من (‪ )1200‬مسجد ‪ ..‬وعدد مماثل من‬
‫المدارس السلمية والمكتبات ‪ ..‬وكان الكتاب السلمي من أكثر‬
‫الكتب رواجا ً وانتشارا ً ‪ ..‬ونشطت مؤسسات الدعوة والتعليم في‬
‫إبلغ هدايات الدين الحنيف إلى كافة السكان في بلغاريا‬
‫والمناطق المجاورة لها مثل رومانيا ويوغوسلفيا السابقة‪.‬‬
‫في بدء الحوار ‪ ..‬قلت للمستشرق البلغاري الدكتور توفيان تيوفا‬
‫نوفا ‪ ..‬قام عدد من المستشرقين باعتناق السلم طواعية مثل‬
‫جارودي وهوفمان وغيرهما‪ ..‬ومنهم من بقي على ديانته ودافع‬
‫عن السلم مثل المستشرق المجري روبرت سيمون‬
‫والمستشرق السباني سيمون هايك وغيرهما ‪ ..‬فما هي الدوافع‬
‫التي أدت إلى اعتناقكم للسلم؟‬
‫في الحقيقة ‪ ..‬أنا أدرس السلم واللغة العربية منذ مدة طويلة ‪..‬‬
‫حيث تخرجت في جامعة بغداد قسم اللغة العربية ثم التحقت‬
‫بجامعة القاهرة لدراسة اللغة العربية وآدابها ‪ ..‬وحصلت على‬
‫الدكتوراه في معهد الستشراق في روسيا ‪ ..‬وأنا أعمل أستاذ ًا‬
‫للدراسات السلمية في جامعة " صوفيا " ببلغاريا وأستاذ ًا‬
‫بالمعهد السلمي هناك ‪ ..‬وعضو بجمعية المستشرقين‬
‫المريكان‪ ،‬وعضو جمعية بحوث الشرق الوسط البريطانية ‪..‬‬
‫وعضو اتحاد المستشرقين الوروبيين ‪ ..‬وقد أهّلني ذلك لصدار‬
‫مجموعة من الكتب حول الحضارة السلمية والعربية‪.‬‬
‫وأضاف‪ :‬وقد لحظت أن بعض المستشرقين – غير الموضوعيين‬
‫يطعنون في السلم ‪ ..‬وتركّزت مطاعنهم في القرآن الكريم ‪..‬‬
‫فقالوا‪ :‬إنه كلم بشري ل رباني‪ ،‬كما طعنوا في اليات المكيّة‬
‫واليات المدنيّة ‪ ..‬وأنكروا حقيقة الوحي وغير ذلك من‬
‫الفتراءات التي تعوّدوا على ترديدها في الساحة العلمية ‪ ..‬وأنا –‬
‫وكل مستشرق موضوعي – يرفض هذا المنهج الستشراقي الذي‬

‫‪358‬‬
‫يشوّه صورة الستشراق الموضوعي ويطعن في السلم بل‬
‫مبرر‪.‬‬
‫وأنا أؤكد هنا ‪ ..‬أن الستشراق ليس شرا ً كله على السلم‬
‫والمسلمين ‪ ..‬صحيح أن هناك العديد من الخطاء في ترجمات‬
‫معاني القرآن الكريم ‪ ..‬التي أعدّها نفر من المستشرقين ‪ ..‬إلّ‬
‫مدة والخطاء غير المتعمدة؛‬ ‫أننا يجب أن نفّرق بين الخطاء المتع ّ‬
‫ما نتيجة عدم‬‫فالذين يُخطئون – بصورة عفوية – يكون ذلك دائ ً‬
‫إلمامهم باللغة العربية – التي هي لغة القرآن الكريم – ونتيجة‬
‫ضا لعدم فهمهم لمعاني اليات القرآنية الكريمة ‪ ..‬وأنا شخصيًا‬ ‫أي ً‬
‫مدة ‪ ..‬والذي‬ ‫ُ‬
‫قد أخطئ في بعض دراساتي ولكنها أخطاء غير متع ّ‬
‫أود أن أوضحه هنا أن لكل مستشرق إسهاماته في فهم السلم‬
‫والحضارة السلمية ‪ ..‬وكل مستشرق في هذا المجال له خبرته‬
‫‪ ..‬وأنا أحمد الله –تعالى‪ -‬أن وفقني لنجاز الترجمة التي قمت بها‬
‫لمعاني القرآن الكريم إلى اللغة البلغارية ‪ ..‬حيث التزمت فيها‬
‫بدقة المعنى‪ ..‬مما جعل دار الفتاء العامة في بلغاريا تعتمدها‬
‫وتقوم بتوزيعها على عدد كبير من المؤسسات السلمية‪ ،‬وفي‬
‫مقدمتها المساجد بالضافة إلى عدد ل بأس به من المسلمين‪.‬‬

‫أود أن أؤكد هنا أن السلم ليس خطًرا على الخرين ‪ ..‬ونحن‬


‫أمام حقائق مهمة ‪ ..‬وفي مقدمتها أن أوروبا استفادت من‬
‫معطيات المسلمين الثقافية‬ ‫عطاءات الحضارة السلمية و ُ‬
‫والعلمية والحضارية ‪ ..‬في مجالت الطب والصيدلة والرياضيات‬
‫والفلك وغير ذلك من النجازات التي كان للمسلمين فضل‬
‫السبق فيها ‪ ..‬والحقيقة التي ل يمكن أن تُنكر ‪ ..‬أن الحضارة‬
‫الوروبية المعاصرة قامت على ركائز الحضارة السلمية ‪..‬‬
‫فحضارة الغرب أساسها حضارة السلم والمسلمين‪.‬‬
‫النظرة الستشراقية‬
‫ما هي نظرة المؤسسات الستشراقية لكم بعد اعتناقكم‬
‫للسلم؟ وما هي نظرتكم لهذه المؤسسات ومناهج‬
‫ما؟‬
‫المستشرقين بعد أن أصبحت مسل ً‬
‫كما سبق أن ذكرت لكم أن هناك عددًا من المستشرقين‬
‫يطعنون في السلم‪ ،‬وذلك بإثارة الشبهات حول ما جاء في‬
‫القرآن الكريم‪ ،‬وفي الحاديث النبوية الشريفة‪ ،‬وفي صحة‬
‫الوحي الرباني ‪ ..‬فيدّعون أن القرآن الكريم ليس وحيًا ربانيًا إنما‬
‫هو كلم بشري وغير ذلك من الفتراءات والباطيل ‪ ..‬ول شك أن‬
‫هذا المنهج الستشراقي منهج خاطئ ونتيجة مباشرة للخصومة‬
‫التاريخية التي نشأت في الغرب منذ مدة طويلة‪.‬‬

‫‪359‬‬
‫وأضاف ‪ :‬وأنا كمستشرق أدّت بي الدراسات الموضوعية‬
‫الصحيحة لعتناق السلم ‪ ..‬فأتصدى لهذه المنهجية الستشراقية‬
‫المعادية للسلم والمسلمين ‪ ..‬وأدافع عن الدين السلمي الذي‬
‫درسته واعتنقته ‪ ..‬وأنا واحد من المستشرقين الذين التزموا‬
‫بالمنهج الموضوعي في دراساتهم السلمية ‪ ..‬ول شك أن المنهج‬
‫الستشراقي غير الموضوعي هو وليد الحركة الستعمارية‬
‫والمنهج التنصيري الذي يستهدف تشويه السلم وصورته وبث‬
‫مدة حول السلم ‪ ..‬وأنا أعتقد أن هذا هو الجزء‬ ‫متع ّ‬
‫الخطاء ال ُ‬
‫الكبر في الحركة الستشراقية العالمية التي يجب التصدّي لها‬
‫بكافة السبل المتاحة لدى المؤسسات السلمية العالمية‪.‬‬
‫وقال د ‪ .‬توفيان‪ :‬أما المنهج الستشراقي الموضوعي فيرتبط‬
‫بغاية علمية واضحة المعالم ‪ ..‬وهو دراسة السلم والتعّرف على‬
‫حقائقه ودراسة التراث السلمي والتأكد من دور الحضارة‬
‫والثقافة السلمية في ترقية المجتمعات البشرية ‪ ..‬ول شك أن‬
‫نظرتي للمؤسسات الستشراقية غير الموضوعية‪ -‬هي نظرة‬
‫الحذر الشديد لكل ما يصدر عنها من دراسات ‪ ..‬واعتناقي‬
‫للسلم جعلني في موقف المدافع عن السلم ضد كل هذه‬
‫الدراسات الستشراقية المعادية للسلم والمسلمين ‪ ..‬أما نظرة‬
‫هذه المؤسسات الستشراقية لي بعد اعتناقي للسلم ‪ ..‬فلم‬
‫تتغير – حسبما لمسته – فلزلت عضوًا في عديد من الجمعيات‬
‫الستشراقية في الغرب‪.‬‬
‫الخريطة العقديّة‬
‫هل يمكن أن نتعّرف على أهم ملمح الخريطة العقديّة في بلغاريا‬
‫وما هي أحوال المسلمين هناك؟‬
‫يقول المستشرق البلغاري المسلم د ‪ .‬توفيان نوفا‪ :‬ونحن نتحدث‬
‫عن الخريطة العقديّة في بلغاريا ‪ ..‬يجب أن نتوخى الدقة‬
‫والصراحة معًا ‪ ..‬فعدد سكان بلغاريا الن قد بلغ أكثر من ثمانية‬
‫مليين نسمة ‪ ..‬منهم أقلية مسلمة بلغت نسبتها ‪ %12.3‬من‬
‫إجمالي عدد السكان ‪ ..‬بينما بلغ عدد النصارى ‪ %83.7‬من عدد‬
‫السكان – وبالرغم من بعض الشكوك في دقة هذه الحصائية –‬
‫يتكون من عدّة عناصر مختلفة حسب‬ ‫ّ‬ ‫فإن المجتمع البلغاري‬
‫الجنسية والنتماء العقديّ‪.‬‬
‫وأضاف د ‪ .‬توفيان تيوفا نوفا‪ :‬فالمسلمون البلغار هم الذين‬
‫اعتنقوا السلم خلل فترة الحكم السلمي للدولة العثمانية –‬
‫لكنهم لم ينتموا إلى التراك ول يتحدثون اللغة التركية‪ ،‬فهم‬
‫يجدون حتى الن صعوبة في تحديد هُويّتهم ‪ ..‬فهم ينتمون إلى‬
‫البلغار من حيث الجنسية واللغة‪ ..‬وينتمون إلى التراك من حيث‬

‫‪360‬‬
‫العقيدة ‪ ..‬كما أن السلطات البلغارية قد عاملتهم بشيء من‬
‫القسوة في بعض الحيان عبر المراحل التاريخية المختلفة ‪ ..‬مما‬
‫دفع بعضهم إلى تغيير عقيدتهم من السلم إلى المسيحية في‬
‫محاولة منهم للندماج في المجتمع البلغاري‪.‬‬
‫وقال د ‪ .‬توفيان تيوفا نوفا‪ :‬وقد أثبتت الدراسات العلمية ‪ ..‬أن‬
‫المسلمين البلغار الذين يُعرفون باسم "البوماق" يفضلون‬
‫النتماء إلى التراك عندما يسكنون في بيئة بلغارية مسيحية‪..‬‬
‫كما يفضلون النتماء إلى البلغار عندما يعيشون في بيئة تركية ‪..‬‬
‫ويجوز لهم – في حالت استثنائية أن يغيّروا عقيدتهم من السلم‬
‫إلى المسيحية ومن المسيحية إلى السلم في محاولة منهم‬
‫لللتصاق بإحدى القوميتين التركية أو البلغارية ‪ ..‬بينما تُوجد‬
‫جماعة أخرى من "البوماق" يعلنون بكل صراحة أنهم مسلمون‬
‫بلغار – بصرف النظر عن كونهم من التراك أو البلغار – وكل‬
‫محاولة من هؤلء لتغيير انتماءاتهم العقدية أو العرقية تؤدي إلى‬
‫القلق والتوتر في المجتمع البلغاري‪.‬‬
‫ي‬
‫الصراع العقديّ والعرق ّ‬
‫وما هو السبب الكامن وراء هذا الخلل الذي يعاني منه المجتمع‬
‫البلغاري بشأن العقيدة والنتماء العرقي؟‬
‫ل شك أن وراء ذلك – بصورة مباشرة – هو الصراع الذي دار بين‬
‫المسيحية والسلم في قارة أوروبا ‪ ..‬حيث أصبح هذا الصراع‬
‫العقدي جزءًا ل يتجزأ من التاريخ البلغاري ومن كيان الشعب‬
‫ضا ‪ ..‬ول شك أن الظروف الحالية في هذه المنطقة‬ ‫البلغاري أي ً‬
‫من العالم ‪ ..‬ترتبط ارتباطًا كبيًرا مع ما ورثه سكان بلغاريا من‬
‫أحداث الماضي ‪ ..‬كما أن العتبارات السياسية قد تدخلت في‬
‫المور العقديّة ‪ ..‬وبالرغم من كل ذلك فإن هناك نوع ًا من‬
‫التعايش بين فئات المجتمع البلغاري ‪ ..‬قائم على أساس‬
‫العتراف المتبادل بينهم باستقللية كل فئة من هذه الفئات في‬
‫الدين واللغة والحضارة والتقاليد وغيرها – وذلك في نطاق وحدة‬
‫المجتمع البلغاري – إل أنه بصورة عامة في بلغاريا – فإن المسلم‬
‫يعني التركي حتى السلم يُطلق عليه هناك اليوم اسم "الدين‬
‫التركي" ‪ ..‬والبلغاري يعني المسيحي ‪ ..‬أما "البوماق" فهم‬
‫جماعة خاصة تتغير عن بقية المجتمع البلغاري‪.‬‬
‫الشيوعيّة هي السبب‬
‫نعرف جميعًا ‪ ..‬أن المسلمين في بلغاريا قد عانوا من حماقة‬
‫الممارسات الشيوعية ‪ ..‬التي أجبرتهم على تغيير عقيدتهم –‬
‫حتى الموات منهم – واضطرتهم للهجرة الجبارية إلى الدول‬

‫‪361‬‬
‫المجاورة خاصة إلى تركيا – فهل ترى أن جزءًا من هذه‬
‫الممارسات ل زالت مستمرة تجاه المسلمين في بلغاريا ؟‬

‫ل شك أن العامل الديني له أهمية بالغة في المجتمع البلغاري ‪..‬‬


‫مقدّم على النتماء العقديّ في بلغاريا ‪..‬‬‫إل ّ أن النتماء العرقي ُ‬
‫ونحن نلحظ في الونة الخيرة ازدياد عدد المؤمنين – سواء‬
‫أكانوا من المسلمين أو المسيحيين – إل ّ أن الواقع البلغاري يؤكد‬
‫أن المؤمنين هناك ل يتعمقون في عقائدهم ول يلتزمون بها إلّ‬
‫في إطار الحتفالت الدينية ‪ ..‬وأنهم يكتفون بمعلومات قليلة عن‬
‫عقائدهم ‪ ..‬ويُقبلون على أديانهم بصورة اختيارية وليست إجبارية‬
‫‪ ..‬وذلك كله بسبب النظام الشيوعي الذي ساد هناك فترة من‬
‫الزمن ‪ ..‬ومنع الناس من القيام بممارسة شعائرهم الدينية‬
‫بصورة صحيحة ‪ ..‬وما زالت الثار الشيوعية في هذا المجال بادية‬
‫في بلغاريا حتى بعد مرور (‪ )14‬سنة على انهيار النظام الشيوعي‪.‬‬
‫‪-----------‬‬
‫السير موير النجليزي في كتابه (تاريخ محمد)‬
‫إن محمدا ً نبي المسلمين لقب بالمين منذ الصغر بإجماع أهل‬
‫بلده لشرف أخلقه وحسن سلوكه‪ ،‬ومهما يكن هناك من أمر‬
‫فإن محمدا ً أسمى من أن ينتهي إليه الواصف‪ ،‬ول يعرفه من‬
‫جهله‪ ،‬وخبير به من أمعن النظر في تاريخه المجيد‪ ،‬ذلك التاريخ‬
‫الذي ترك محمدا ً في طليعة الرسل ومفكري العالم‪.‬‬
‫‪-----------‬‬
‫قال جرجس سال في كتابه (مقالة في السلم) صفحة ‪:75‬‬
‫(إن محمدا ً رسول السلم كان صالح الخلق ولم يكن على‬
‫الشر والخبث كما يصفه به خصومه)‪ .‬ثم مضى يقول‪:‬‬
‫(قال جيبون‪ :‬عقيدة محمد خالصة ليس فيها لبس ول إبهام‪،‬‬
‫والقرآن شاهد عدل وبرهان قاطع على وحدانية الله سبحانه‪.‬‬
‫لقد هجر نبي السلم عبادة الصنام والبشر‪ ،‬سواء أكانوا من‬
‫النجوم أم من الكواكب السيادة‪ ،‬أم من غير ذلك‪ ،‬بناء على‬
‫القاعدة العلمية الصحيحة وهي‪ :‬إن كل قابل للتلشي ل بد أن‬
‫يبيد ويفنى‪ ،‬وكل مولود ل بد أن يموت‪ ،‬وكل بازغ ل بد له من‬
‫أفول‪.‬‬
‫كانت لمحمد حماسة حكيمة‪ ،‬اعترف بمبدع هذا الكون‪ ،‬وعبده‬
‫على عقيدة أنه أبدي غير محدود‪ ،‬بل صورة‪ ،‬ول مكان ول ولد‪ ،‬ول‬
‫شبيه‪ ،‬يعلم خطايا الفكار وأسرار القلوب‪ ،‬وجوده من نفسه‪،‬‬
‫وصفاته وعلمه وكماله من نفسه)‪.‬‬
‫وفي الختام قال‪:‬‬

‫‪362‬‬
‫(وهذه الحقائق السامية مبنية على وجه معقول بغاية الحكام في‬
‫تراجم القرآن‪ ،‬فكل من يؤمن بالله إيمانا علميا فلسفيا‪ ،‬قادر‬
‫على أن يشارك المحمديين في اعتقادهم المقبول)‪.‬‬
‫‪------------‬‬
‫المستر جان ليك ـ السباني ـ قال في كتابه ـ العرب ـ صفحة ‪:43‬‬
‫ما أجمل ما قاله المعلم العظيم (محمد) (الخلق كلهم عيال الله‬
‫وأحب الخلق إلى الله أنفعهم لعياله) ثم أطال في الثناء على‬
‫الرسول ‪ .‬أليس من المعجزات الباهرات‪ ،‬أن محمدا ً بالقوة‬
‫الدبية‪ ،‬وبلفظ واحد جعل الصادقين من أتباعه في حرز من شر‬
‫المسكرات جيل ً بعد جيل‪ ،‬فسلم من هذا الشر مئات المليين من‬
‫البشر‪ ،‬حياة محمد التاريخية ل يمكن أن توصف بأحسن مما‬
‫وصفها الله نفسه بألفاظ قليلة‪ ،‬بيّن بها سبب بعثة النبي محمد‬
‫(وما أرسلناك إل رحمة للعالمين)‪.‬‬
‫وقد برهن بنفسه على أن لديه أعظم الرحمات لكل ضعيف‪،‬‬
‫ولكل محتاج إلى المساعدة‪ ،‬كان محمد رحمة حقيقية لليتامى‬
‫والفقراء وابن السبيل والمنكوبين والضعفاء والعمال وأصحاب‬
‫الكد والعناء‪ ،‬وإني بلهفة أصلي عليه وعلى أتباعه‪.‬‬
‫العلمة كارل هيرنش بكر ـ اللماني ـ قال في كتابه ـ الشرقيون ـ‬
‫‪:‬‬
‫لقد أخطأ من قال أن نبي العرب دجال أو ساحر لنه لم يفهم‬
‫مبدأه السامي‪ ،‬إن محمدا ً جدير بالتقدير‪ ،‬ومبدؤه حري بالتباع‬
‫وليس لنا أن نحكم قبل أن نعلم‪ ،‬وأن محمدا ً خير رجل جاء إلى‬
‫العالم بدين الهدى والكمال‪ ،‬كما أننا ل نرى أن الديانة السلمية‬
‫بعيدة عن الديانة المسيحية‪.‬‬
‫‪0000000000000‬‬
‫قالت مجلة الزهر الصادرة في أيار سنة ‪ 1952‬عن الكولونيل ر‪.‬‬
‫ف‪ .‬بودلي ـ النكليزي ـ وعن كتابه "حياة محمد" أو "الرسول"‬
‫لقد لخص بودلي في كتابه حياة محمد عقيدة السلم بأنها دعوة‬
‫إلى السلم وإلى التسليم بإرادة الله واليمان بوحدانيته‪ ،‬حيث‬
‫قال‪:‬‬
‫إن من أعظم الكبائر في نظر السلم الشرك بالله‪ .‬وقال‪ :‬إن‬
‫محمدا ً لم يدع لنفسه صفة إلهية وإنه صرح كثيرا ً بأنه بشر يوحي‬
‫إليه‪ ،‬وإن السبب في سرعة انتشار السلم عن غيره من الديان‪،‬‬
‫هو عدم ادعاء النبي صفة إلهية‪ ،‬وعدم دعوته إلى عبادة شخصه‪،‬‬
‫وكذلك تسليم القرآن بصحة الديانات المنزلة من قبل‪ .‬ثم أنحى‬
‫بودلي باللئمة على المتعصبين من الكتاب وما راحوا يروجونه‬
‫من أباطيل وسخافات عن السلم منذ الحروب الصليبية‪ ،‬وعزا‬

‫‪363‬‬
‫إليهم أنهم لم يفهموا محمدا ً وشريعته‪ ،‬ثم لخص عقيدة السلم‬
‫بأنها دعوة إلى السلم وإلى التسليم لرادة الله واليمان‬
‫بوحدانيته‪.‬‬
‫وقال هو في كتابه السابق ص ‪" :6‬ل نعرف إل شذرات عن حياة‬
‫المسيح‪ ،‬أما في سيرة محمد فنعرف الشيء الكثير ‪ ،‬ونجد‬
‫التاريخ بدل الظلل والغموض"‪.‬‬
‫وقال عن زواج النبي بعائشة " ولكن هذا الزواج شغل بعض‬
‫مؤرخين لمحمد ‪ ...‬نظروا اليه من وجهة نظر المجتمع العصري‬
‫الذي يعيشون فيه فلم يقدروا ان زواجا مثل ذاك كان ول يزال‬
‫عادة اسيوية ولم يفكروا في ان هذه العادات ل زالت قائمة في‬
‫شرق اوروبا وكانت طبيعية في اسبانيا والبرتغال الى سنين قليلة‬
‫وانها ليست غير عادية اليوم في بعض المناطق الجبلية البعيدة‬
‫بالوليات المتحدة"‬
‫قال مصطفى غفر الله له‪:‬‬
‫ولد بفرنسا من أبوين انجليزيين وهو حفيد توماس بودلي‬
‫مؤسس المكتبة البودلية في أكسفورد‪ ،‬ومن أراد أن يتعرف على‬
‫بعض سيرة المؤلف ولقائه بلورانس العرب‪ ،‬فليرجع إلى كتاب‬
‫ديل كارنيجي "وقّف القلق وابدأ الحياة"‪ ،‬باب "لقد عشت في‬
‫حديقة الله" والذي كتب الشيخ الغزالي كتابه "جدد حياتك"‬
‫مناقشا لديل كارنيجي فيه ‪ ،‬وقد رد الشيخ كل النتائج التي توصل‬
‫إليها ذلك المؤلف إلى أصولها السلمية وبين له أن ما ذكره‪ ،‬قد‬
‫سبقه إليه السلم بقرون‪.‬‬
‫استفدت ذلك من هذا الرابط‪ ،‬والقصة فيه‪:‬‬
‫‪http://www.suhuf.net.sa/2001jaz/mar/2/ar1.htm‬‬
‫أما تعليقي فهو مستفاد من قراءتي لكتاب "جدد حياتك للغزالي"‬
‫‪------------‬‬
‫ـ قال‪ :‬المستر داز النكليزي قال في كتابه "مع الشرق والغرب"‬
‫‪:‬‬
‫كان محمد زراعيا ً وطبيبا ً وقانونيا ً وقائداً‪ ،‬اقرأ ما جاء في أحاديثه‬
‫تعرف صدق أقواله ويكفي أن قوله المأثور عنه (نحن قوم ل‬
‫نأكل حتى نجوع وإذا أكلنا ل نشبع) هو الساس الذي بني عليه‬
‫علم الصحة‪ ،‬ول يستطيع الطباء على كثرتهم ومهارتهم حتى‬
‫اليوم أن يأتوا بنصيحة أثمن من هذه‪.‬‬
‫وقال في نفس الكتاب‪ :‬إن محمدا ً هو الذي استطاع في مدة‬
‫وجيزة ل تزيد على ربع قرن أن يكتسح دولتين من أعظم دول‬
‫العالم‪ ،‬وأن يحدث ذلك النقلب المدهش‪ ،‬وأن يكبح جماح أمة‬
‫اتخذت الصحراء المحرقة سكنا ً لها‪ ،‬واشتهرت بالشجاعة والغزو‬

‫‪364‬‬
‫ورباطة الجأش والخذ بالثأر‪ ،‬فمن الذي يظن أن القوة الخارقة‬
‫للعادة التي استطاع بها محمد أن يقهر خصومه هي من عند غير‬
‫الله‪.‬‬
‫‪-----------‬‬
‫وقال المستشرق ادوارد مونتيـه أستاذ اللغات الشرقية في‬
‫جامعة جنيف قال في كتابه (حاضر السلم ومستقبله)‪:‬‬
‫أما فكان كريم الخلق حسن العشرة‪ ،‬عذب الحديث‪ ،‬صحيح‬
‫الحكم‪ ،‬صادق اللفظ‪ ،‬وقد كانت الصفة الغالبة عليه هي صحة‬
‫الحكم‪ ،‬وصراحة اللفظ والقتناع التام بما يقبله ويقوله‪ ،‬إن طبيعة‬
‫الدينية تدهش كل باحث مدقق نزيه القصد ‪ ،‬بما يتجلى فيها من‬
‫شدة الخلص‪ ،‬فقد كان مصلحا ً دينياً‪ ،‬ذا عقيدة راسخة ولم‬
‫ينهض إل بعد أن تأمل كثيراً‪ ،‬وبلغ من الكمال بهاتيك الدعوة‬
‫العظيمة‪ ،‬التي جعلته من أسطع أنوار النسانية‪ ،‬وهو في قتاله‬
‫الشرك والعادات القبيحة التي كانت عند أبناء زمنه‪ ،‬كان في بلد‬
‫العرب أشبه بنبي من أنبياء بني إسرائيل الذين كانوا كبارا ً جداً‬
‫في تاريخ قومهم‪ ،‬ولقد جهل كثير من الناس وبخسوه حقه‪،‬‬
‫وذلك لنه من المصلحين الذي عرف الناس أطوار حياتهم‬
‫بدقائقها‪.‬‬
‫‪-----------‬‬
‫قال اللورد هدلي (إنكلترا) ولد سنة ‪ ،1855‬وكان من أكبر‬
‫شخصيات الشراف البريطانيين‪ ،‬وكان سياسيا ً ومؤلفاً‪ ،‬ومن‬
‫مؤلفاته (رجل من الغرب يعتنق السلم)‪ ،‬وقد أعلن إسلمه سنة‬
‫‪ ،1913‬وأصبح اسمه الشيخ رحمة الله الفاروق‪.‬‬
‫(‪ ..‬والنبياء والرسل قوم اصطفاهم الله واختارهم وفضلهم على‬
‫الناس‪ ،‬وبعثهم إليهم مبشرين ومنذرين كما يقول القرآن الكريم‪:‬‬
‫(لئل يكون للناس على الله حجة بعد الرسل)‪ .‬وقد تحققت بعد‬
‫طول البحث والستقراء أن محمدا ً نبي السلم لم يكن مدعياً‬
‫ول دجال ً كما يدعيه خصومه‪ ،‬ولكن كان رسول ً نبيا ً جاء برسالة‬
‫إلهية صادقة ل ريب فيها هدى للمتقين‪ ،‬أوحى الله بها‪ ،‬وكلفه‬
‫بتأديتها فجاءت مخففة لصرامة التوراة ومكملة لكتاب المسيح‬
‫عليه السلم)‪.‬‬
‫‪......‬ولقد كتب مستر يورث سميث أحد كتاب المسيحيين رسالة‬
‫جاء فيها‪ :‬إن محمدا ً كان موفقا ً عظيما ً فريدا ً في بابه لم يحدثنا‬
‫التاريخ عن مثله‪ ،‬فقد جمع بين زعامات ثلث‪ ،‬هي زعامة الشعب‬
‫وزعامة الدين‪ ،‬وزعامة الحكم والسلطان‪ ،‬وجاء بكتاب جمع بين‬
‫البلغة والتشريع والعبادات وهو الن موضع احترام أكثر من‬
‫سدس العالم‪)..‬اهـ‬

‫‪365‬‬
‫‪------------‬‬
‫ويقول " باسنتا كومار بوز " فـي كتاب " المحمدية " طبعة كلكتا‬
‫( ‪ ) 1931‬ص ‪: 4‬‬
‫" فلم يكن هناك مجال لي تزييف أو حيلة كاذبة في القرآن وهذا‬
‫ما يميزه عن جميع العمال الدينية الهامة تقريبا التي ترجع إلى‬
‫الزمنة القديمة ‪..‬‬
‫إنه لمر بعيد جدا أن يكون هذا النسان المي قد ألف أفضل‬
‫كتاب في اللغة العربية "‬
‫وتقول بيانكا سكارسيا في (العالم السلمي وقضاياه التاريخية)‬
‫ص ‪:214‬‬
‫"عمل الستشراق لصالح الستعمار بدل ً من إجراء التقارب بين‬
‫الثقافتين ‪ .‬إن إنشاء هذا العلم لم يكن إل من أجل تقديم أدوات‬
‫للختراق أكثر براعة ‪ ،‬فهناك فعل ً عملية ثقافية مستترة ماكرة‬
‫ومرائية ‪ ،‬وهذا ما يفسر ريبة المسلمين حيال كل ما يقال عنهم‬
‫في الغرب"‪.‬‬
‫‪------------‬‬
‫وقال (أميل دير مانجم) في كتابه (حياة محمد)‪:‬‬
‫"إن محمدا لم يكن شخصيا إل رجل أميا خلوا من الثقافة تقريباً‬
‫كجميع بني بلدته في عصره‪ ،‬ولكنه كان يعلم أن الله رحيم‬
‫رحمة ل حد ّ لها‪ ،‬فاجهد نفسه في أن يعلو على الطبيعة البشرية‪،‬‬
‫وأن يقهر في نفسه الميول النتقامية"‬
‫ثم قال‪" :‬إن إخلص محمد ل يمكن أن يكون في العصر الحاضر‬
‫موضع شك‪ ،‬فإن حياته كلها تشهد أنه كان يؤمن برسالته إيمانا‬
‫عميقا‪ ،‬وأنه تقبلها –ل بغير بطولة‪ -‬كعبء يجب عليه أن يتحمل‬
‫ثقل أوزاره"‪.‬‬
‫وقال‪" :‬إن قوة عبقرية محمد النشائية واتساعها‪ ،‬وذكاءه العظيم‬
‫ونظره الصائب إلى الحقائق‪ ،‬وسيادته لنفسه‪ ،‬وقوة إرادته‪،‬‬
‫وحكمته واستعداده للعمل‪ ،‬وحياته الواقعية‪ ،‬كل ذلك يجعل‬
‫الزيف في مبدأ رسالته يستحيل القبول‪ .‬فكيف يتصور أن ينقلب‬
‫كاذبا فجأة‪ ،‬ذلك الذي كان نجاحه يظهر له كبرهان ساطع على‬
‫تأييد الله لدعواه‪ ،‬وكيف يمكن أن يجرأ على تشويه رسالته في‬
‫الوقت الذي كان يرى فيه أنها مقدسة مؤيدة من الله"‪.‬‬
‫وقال‪" :‬وهكذا نهض محمد رسول السلم ليدعو بني جنسه إلى‬
‫دين واحد هو دين الله الواحد‪ ،‬وليوقظ جزءا من آسيا وأفريقيا‪،‬‬
‫وليحرر من عبودية الجامدين كل الذين يفهمون رسالته الحقيقية‪،‬‬
‫ولكي يحرر فارس التي كان النعاس يشملها‪ ،‬ولينعش المسيحية‬

‫‪366‬‬
‫الشرقية التي شوهتها المجادلت البيزنطية الخالية من الحماسة‪،‬‬
‫ومن العتقاد المجرد من الوحدة"‪.‬‬
‫وقال‪" :‬إن محمدا كان يجهل كل ما ليس علما مطلقا‪ ،‬وكان أمياً‬
‫بالمعنى الكامل لهذه الكلمة‪ ،‬وليس معناها‪ ،‬فيما أرى‪ ،‬العامية أو‬
‫الخلو عن التأدب‪ ،‬وإنما المي هو بالحرى الرجل النقي الذي‬
‫جمع بين الطبيعة وما فوق الطبيعة‪ ،‬والبرئ من الحكام‬
‫المتسرعة‪ ،‬ومع ذلك فقد نهض لكي يدعو العلماء إلى أن يفهموا‬
‫ما يقولون‪ ،‬وليقوّم الطرق الملتوية التي يضل فيها من يزعمون‬
‫أنهم حكماء"‪.‬‬
‫ثم قال‪" :‬إن الناس حالة سماعهم خطب محمد المهمة‪ ،‬وكتاباته‬
‫الملتئمة مع عصره‪ ،‬قد أحسوا بجاذبية تصلهم بالسر الخفي الذي‬
‫يقودهم إليه‪ ،‬فخضعوا للله‪ ،‬فرأوا كيف يستطيعون أن يهذبوا‬
‫وجودهم المؤقت‪ ،‬وهكذا وجدوا فيه مثال حيا ً ل يستطيع الفلسفة‬
‫ول رجال الحكومة أن يقدموه"‪.‬‬
‫"إن محمدا ً رسول السلم قد أوجدت دعوته في جزيرة العرب‬
‫تقدما ً غير قابل للعتراض‪ ،‬سواء أكان ذلك في دائرة السرة أم‬
‫في دائرة المجتمع أم الناحية الصحية‪ ،‬وإن حظ المرأة قد‬
‫تحسن‪ ،‬وإن الفحش والزواج المؤقت‪ ،‬والمعاشرة الحرة (الزنا)‬
‫قد حظرت وقد حرم ايضا ً إكراه الماء على أتخاذ الفحش وسيلة‬
‫لثراء مواليهن‪ ،‬كما كان متبعا ً في ذلك العهد "ول تكرهوا فتياتكم‬
‫على البغاء إن أردن تحصناً" القرآن‪.‬‬
‫ثم قال ‪" :‬إن محمدا ً قد أباح الرق‪ ،‬ولكنه نظمه‪ ،‬وضيق حدوده‪،‬‬
‫وجعل العتق عمل ً خيراً‪ ،‬بل كفارة عن بعض المعاصي"‬
‫ثم قال "إن الغنائم الحربية كانت في ذلك العهد‪ ،‬النتيجة العادية‬
‫لكل جهاد‪ ،‬بل يمكن أن يقال‪ :‬إنها كانت مع التجارة وتربية‬
‫الحيوان هي الصناعة الوطنية العربية‪ ،‬فأعلن محمد رسول‬
‫السلم إباحتها لتباعه استجابة لضعفهم‪ ،‬ولكنه حددها بقواعد‬
‫دقيقة‪ ،‬فخصص الجزء الكبر منها للصدقات ولحاجات الجيش كما‬
‫أنه قد حظر في قسم السرى إبعاد الطفال عن أمهاتهم"‪.‬‬
‫وفي الختام قال‪" :‬إنه لم يكن ليستطيع أن يغير أخلق شعبه‬
‫تغييرا ً تاماً‪ ،‬ولكنه نجح في أن يقومها في نقط كثيرة"‪.‬‬
‫‪------------‬‬
‫يقول المستشرق النمساوي " ليوبولد فايس"‬
‫"إن أوربا لتعرف هذه الحقيقة حق المعرفة لن ثقافتها هي‬
‫نفسها مدينة للسلم بتلك النهضة على المل بعد قرون من‬
‫الظلم الدامس ‪ ....‬ولم يقف السلم يوما ً سدّا ً في وجه التقدم‬
‫العلمي ‪ ,‬إنه يقدر الجهود الفكرية في النسان إلى درجة يرفعه‬

‫‪367‬‬
‫فيها فوق الملئكة وما من دين ذهب أبعد من السلم في تأكيد‬
‫غلبة العقل وبالتالي غلبة العلم على جميع مظاهر الحياة‪".‬‬
‫ة‪ ،‬أصبح بين المسلمين‬ ‫"إن كل ما كان في السلم تقدما ً وحيوي ً‬
‫اليوم تراخيا ً وركوداً‪ ،‬وكل ما كان في السلم من قبل كرماً‬
‫وإيثاراً‪ ،‬أصبح بين المسلمين ضيقا ً في النظر‪ ،‬وحبا ً للحياة‬
‫الهينة"‪.‬‬
‫ً‬ ‫ً‬
‫ويقول أيضا‪" :‬تحققت أن هناك سببا واحدا للنحلل الجتماعي‬ ‫ً‬
‫والثقافي بين المسلمين‪ ،‬ذلك السبب يرجع إلى الحقيقة الدالة‬
‫على أن المسلمين أخذوا شيئا ً فشيئا ً يتركون اتباع روح تعاليم‬
‫السلمية"‪.‬‬
‫ت فهما ً لتعاليم السلم وعظيم أحكامه ومبادئه‪،‬‬ ‫"كنت كلما ازدد ُ‬
‫ما دفع المسلمين إلى هجر تطبيقها‬ ‫ازددت رغبة في التساؤل ع ّ‬
‫ما ً في حياتهم اليومية‪ ...‬لقد ناقشت هذه المشكلة مع‬ ‫تطبيقا ً تا ّ‬
‫كثير من المسلمين المفكرين في جميع البلد‪ ،‬ثم زادت رغبتي‬
‫في ذلك بشدة‪ ،‬حتى أني ـ وأنا غير المسلم ـ أصبحت أتكلم إلى‬
‫المسلمين مشفقا ً على دين السلم من إهمال المسلمين‬
‫أنفسهم وتراخيهم"‪.‬‬
‫‪-----------‬‬
‫قال المستر جيبـون في كتاب (محمد في الشرق)‪ ،‬ص ‪:17‬‬
‫إن دين خال من الشكوك والظنون‪ ،‬والقرآن أكبر دليل على‬
‫وحدانية الله‪ ،‬بعد أن نهى محمد عن عبادة الصنام والكواكب‪.‬‬
‫وبالجملة دين محمد أكبر من أن تدرك عقـولنا الحالية أسراره‪،‬‬
‫ومن يتهم محمدا ً أو دينه فإنما ذلك من سوء التدبر أو بدافع‬
‫العصبية‪ ،‬وخير ما في النسان أن يكون معتدل ً في آرائه‪،‬‬
‫ومستقيما ً في تصرفاته‪.‬‬
‫‪------------‬‬
‫ويقول " تشارلز فرانسيس بوتر " في كتاب " الديان التي يحيى‬
‫بها البشر " ‪ .‬نشر كينجزوود ‪ ،‬سرى ( ‪ ) 1955‬ص ‪: 81‬‬
‫" إن القرآن هو الكثر قراءة من أي كتاب آخر في العالم "‬
‫وقال‪" :‬قد يكون الكتاب المقدس المسيحي أكثر الكتب مبيعا في‬
‫العالم‪ ،‬ولكن هناك حوالي ‪ 250‬مليون مسلم من أتباع النبي محمد‬
‫يقرأون أو يتلون أجزاء طويلة من القرآن خمس مرات يوميا في‬
‫كل يوم من أيام حياتهم من يوم استطاعتهم الكلم "‪.‬‬
‫يقول الفيلسوف النكليزي توماس ‪1881-1795‬م‪:‬‬
‫"ما كان محمدا ً أخا شهوات برغم ما اتهم ظلما ً وعدوانا ً وما أكثر‬
‫ما نجور ونخطىء إذا حسبناه رجل ً شهوانيا ً ل هم له إل قضاء‬

‫‪368‬‬
‫مآربه الملذ ْ كل فما أبعد ما كان بينه وبين الملذ مهما كانت" نقل‬
‫عن" السلم بين النصاف والجحود" لمحمد عبد الغني حسن‬
‫ويقول ‪:‬‬
‫ً‬
‫"الحق أقول لقد كان أولئك العرب قوما أقوياء النفوس كأن‬
‫أخلقهم سيول دفاقة لها شدة حزمهم وقوة إرادتهم أحصن سور‬
‫وأمنع حاجز وهذه وأبيكم أم الفضائل وذروة الشرف الباذخ وقد‬
‫كان أحدهم يضيفه ألد أعدائه فيكرم مثواه ( ونحن نعلم أن صلح‬
‫الدين اليوبي أرسل طبيبه الخاص لمداواة ريتشارد قلب السد‬
‫قائد الحملت الصليبية على المسلمين وبيت المقدس عندما علم‬
‫أنه مريض) وينحر له فإذا أزمع الرحيل خلع عليه وحمله وشيعه‬
‫ثم هو بعد كل ذلك ل يحجم عن أن يقاتله متى عادت به إليه‬
‫الفرص وكان العربي أغلب وقته صامتا ً فإذا قال أفصح إني‬
‫لعرف عنه أنه كان كثير الصمت ‪ ,‬يسكت حيث ل موجب للكلم"‬
‫من كتاب "محمد المثل العلى" لتوماس كار ليل‬
‫وقال‪ :‬من الشبهات التي يثيرها بعض المسيحيين هي ‪ :‬أن النبي‬
‫قام بنشر الدين السلمي بقوة السيف وهذا القول بعيد كل البعد‬
‫عن الصواب لن الذين يدعون ذلك عليهم أن يتدبروا قليل ً ‪ ،‬فلبد‬
‫أن يكون هناك سر في هذا السيف الذي خرج في جزيرة العرب‬
‫ووصل بأيدي القادة المسلمين إلى جبال ( إسبانيا ) غربا ً ‪ ،‬وإلى‬
‫( سمر قند ) شرقاً‪.‬‬
‫فما هو هذا السر ؟‬
‫بل شك أن السر في ذلك يقود إلى الشريعة اللهية التي جاء بها‬
‫النبي محمد ‪ ،‬تلك القوة العظمى التي دفعت بعبدة الصنام‬
‫والوثان في جزيرة العرب إلى القبول والذعان بهذا الدين الذي‬
‫جاء بالقوانين اللهية التي وضعها الحكيم العليم ‪ ،‬والتي تضمن‬
‫سعادة النسان ورقيه ‪.‬‬
‫والمسألة الخرى التي نلفت النظار إليها هي أن السلم عنما‬
‫انتشر شرقا ً وغربا ً كان قد قضى على جميع العقائد والمذاهب‬
‫الباطلة ‪ ،‬لنه كان حقيقة ثابتة نابعة من صميم النسان ‪ ،‬وما‬
‫غيره من الطرق والمذاهب مزيف ل ينسجم مع الطبيعة‬
‫النسانية كما هو زائل أو في طريقه إلى الزوال ‪.‬‬
‫وقال‪ :‬وينعى صاحب كتاب "البطال" توماس كارليل على قومه‬
‫عداوتهم لمحمد وجهلهم بحاله فيقول‪( :‬لقد أصبح من العار على‬
‫أي فرد من أبناء العصر أن يصغي إلى ما يقال‪ :‬من أن الدين‬
‫السلمي باطل‪ ،‬وأن محمدا ً خداع ومزور‪ ،‬وآن لنا أن نحارب ما‬
‫يشاع من تلك القوال السخيفة المخجلة‪ .‬فإن الرسالة التي أداها‬
‫ذلك الرسول الكريم مازالت السراج المنير مدة ثلثة عشر قرناً‪.‬‬

‫‪369‬‬
‫وقال‪ :‬إن أقوال أولئك السفهاء من المستشرقين في محمد ‪،‬‬
‫إنما هي نتائج جيل كفر ‪ ،‬وعصر جحود وإلحاد ‪ ،‬وهي دليل على‬
‫خبث القلوب وفساد الضمائر ‪ ،‬وموت الرواحز اهـ من كتاب‬
‫آفاق جديدة للدعوة السلمية في الغرب" أنور الجندي ص ‪51‬‬
‫قال مصطفى غفر الله له‪:‬‬
‫التقى السيد أحمد خان المصلح الهندي ت ‪1889‬م‪ ،‬بتوماس‬
‫كارلييل عندما سافر إلى لندن صحبة ابنه محمود سنة ‪1869‬م‪،‬‬
‫للحاقه بالجامعة‪ ،‬وفي الوقت نفسه لجمع مادة علمية يستعين‬
‫بها في الرد على كتاب السير وليم ميور "حياة محمد" الذي‬
‫شحنه بالفتراءات على النبي‬
‫وأثر ذلك اللقاء كثيرا في توماس كارليل حيث حدث السيد أحمد‬
‫كثيرا عن سيدنا محمد مما جعل توماس يكتب فصل خاصا بالنبي‬
‫في كتابه "البطال"‬
‫استفدت هذه المعلومة من هذا الرابط‪:‬‬
‫‪http://www.islamonline.net/Arabic/hi...rticle35.SHTML‬‬
‫‪-----------‬‬
‫وقال شبلي شميل وهو من أصل مسيحي قال في عدد يناير من‬
‫( مقتطف) سنة ‪ 1910‬ما نصه ‪" :‬خذ مثال ً شريعة القرآن فإنها بين‬
‫الشرائع الدينية الشريعة الوحيدة الجتماعية العملية المستوفاة‬
‫التي ترعى إلى أغراض دنيوية حقيقة يعني أنها لم تقتصر على‬
‫الصول الكلية الشائعة بين جميع الشرائع بل اهتمت اهتماماً‬
‫خاصا ً بالحكام الجزئية فوضعت أحكام المعاملت حتى فروض‬
‫العبادات أيضاً‪ ،‬وهي من هذه الجهة شريعة علمية مادية" ‪.‬د‬
‫‪------------‬‬
‫يقول المؤلف الكبير ماكس فان برشم في مقدمة كتابه "العرب‬
‫في آسيا"‬
‫ً‬
‫"إن محمدا نبي العرب من أكبر مريدي الخير للنسانية‪ ،‬إن‬
‫ظهور محمد للعالم أجمع إنما هو أثر عقل عال وإن افتخرت آسيا‬
‫بأبنائها (‪ )1‬فيحق لها أن تفتخر بهذا الرجل العظيم‪ ،‬إن من الظلم‬
‫الفادح أن نغمط حق محمد الذي جاء من بلد العرب وإليهم‪،‬‬
‫وهم على ما علمناه من الحقد البغيض قبل بعثته‪ ،‬ثم كيف تبدلت‬
‫أحوالهم الخلقية والجتماعية والدينية بعد إعلنه النبوة‪ ،‬وبالجملة‬
‫مهما ازداد المرء اطلعا ً على سيرته ودعوته إلى كل ما يرفع من‬
‫مستوى النسانية‪ ،‬أنه ل يجوز أن ينسب إلى محمد ما ينقصه‬
‫ويدرك أسباب إعجاب المليين بهذا الرجل ويعلم سبب محبتهم‬
‫إياه وتعظيمهم له"‪.‬‬
‫‪-------‬‬

‫‪370‬‬
‫(‪ )1‬قال‪ :‬الحق أن محمدا ً هو فخر للنسانية جمعاء وهو الذي‬
‫جاءها يحمل إليها الرحمة المطلقة فكانت عنوان بعثته (وما‬
‫أرسلناك إل رحمة للعالمين)‪.‬‬
‫‪--------------‬‬
‫يقول (ارنيست رينان) ‪:‬‬
‫إن ألْبرت الكبير مدين لبن سينا في كل شيء وأن (سان توما‬
‫الكويني ) مدين في جميع فلسفته لبن رشد ‪ ,‬إن راهبا ً دينياً‬
‫أوربيا ً هو الكاردينال " أكزيمنيس" شارك في أكبر جريمة ضد‬
‫المعرفة بإصداره أمرا ً بإحراق كتب المسلمين في غرناطة في‬
‫أعقاب سقوط الفردوس السلمي هناك وكان المرسوم الذي‬
‫أصدره يقضي بإحراق ثمانين ألف مخطوطة عربية في الماكن‬
‫العامة بغرناطة‬
‫وقال‪ :‬إن تيارا ً رشديا سريا في الجامعات الفرنسية إبان عصر‬
‫ً‬
‫النهضة يقوم على العقل وشروح (آفيروس) ابن رشد لرسطو‬
‫‪..‬وقد عرف العالم فضله في الوقت الذي كان ينكره ول يعرفه‬
‫فيه العرب‬
‫قال مصطفى غفر الله له‪:‬‬
‫توما الكويني هو اليطالي المشهور صاحب نظرية السيفين أو‬
‫الولء المزدوج‬
‫من أهم كتب أرنست رينان ‪ :‬ابن رشد والرشدية‪،‬‬
‫وقد سبق أن قال‪ :‬إن السلم قد دخل السربون من أوسع‬
‫أبوابه‪( ،‬يقصد بذلك مترجمات كتب ابن رشد(‬
‫‪-----------‬‬
‫قال ادوارد لين النكليزي في كتابه " أخلق وعادات المصريين"‪:‬‬
‫إن محمدا ً كان يتصف بكثير من الخصال الحميدة‪ ،‬كاللطف‬
‫والشجاعة ومكارم الخلق‪ ،‬حتى أن النسان ل يستطيع أن يحكم‬
‫عليه دون أن يتأثر بما تتركه هذه الصفات في نفسه من أثر‪،‬‬
‫كيف ل‪ ،‬وقد احتمل محمد عداء أهله وعشيرته بصبر وجلد‬
‫عظيمين‪ ،‬ومع ذلك فقد بلغ من نبله أنه لم يكن يسحب يده من‬
‫يد من يصافحه حتى ولو كان يصافح طفلً‪ ،‬وأنه لم يمر يوما ً من‬
‫اليام بجماعة رجال ً كانوا أو أطفال ً دون أن يقرأهم السلم‪ ،‬وعلى‬
‫شفتيه ابتسامة حلوة‪ ،‬وقد كان محمد غيورا ً ومتحمساً‪ ،‬وكان ل‬
‫يتنكر للحق ويحارب الباطل‪ ،‬وكان رسول ً من السماء‪ ،‬وكان يريد‬
‫أن يؤدي رسالته على أكمل وجه‪ ،‬كما أنه لم ينس يوما ً من اليام‬
‫الغرض الذي بعث لجله‪ ،‬ودائما ً كان يعمل له ويتحمل في سبيله‬
‫جميع أنواع البليا‪ ،‬حتى انتهى إلى إتمام ما يريد‪ .‬اهـ‬
‫‪----------‬‬

‫‪371‬‬
‫‪ -‬ويقول " دو لسي أوليرى " في كتاب " السلم في مفترق‬
‫الطرق " طبعة لندن ( ‪ ) 1923‬ص ‪: 8‬‬
‫" وبالرغم من ذلك فقد أوضح التاريخ أن السطورة القائلة‬
‫باجتياح المسلمين المتعصبين للعالم وفرضهم السلم على‬
‫الجناس المقهورة تحت تهديد السلح ‪ ،‬هي إحدى كبرى‬
‫الساطيـر أو الخرافات الخيالية ‪ ،‬التي رددها فـي أي وقت‬
‫المؤرخون ‪ ،‬سخافة ومنافاة للعقل " ‪.‬‬
‫‪-----------‬‬
‫قال ساديو لويس الفرنسي‬
‫"لم يكن محمد نبي العرب بالرجل البشير للعرب فحسب بل‬
‫للعالم‪ ،‬لو أنصفه الناس‪ ،‬لنه لم يأت بدين خاص بالعرب‪ ،‬وأن‬
‫تعاليمه الجديرة بالتقدير والعجاب تدل على أنه عظيم في دينه‪،‬‬
‫عظيم في أخلقه‪ ،‬عظيم في صفاته‪ ،‬وما أحوجنا إلى رجال‬
‫للعالم أمثال محمد نبي المسلمين‪".‬‬
‫‪-------------‬‬
‫قال القس ميشون اللماني في كتابه "سياحة دينية في الشرق"‬
‫صفحة ‪:31‬‬
‫"إنه لمن المحزن أن يتلقى المسيحيون عن المسلمين روح‬
‫التعامل وفضائل حسن المعاملة‪ ،‬وهما أقدس قواعد الرحمة‬
‫والحسان عند الشعوب والمم‪ ،‬كل ذلك بفضل تعاليم نبيهم‬
‫محمد "‬
‫‪-----------‬‬
‫ويقول " هـاملتون جب " في كتاب " المحمدية " طبعة لندن (‬
‫‪ ) 1953‬ص ‪: 33‬‬
‫" إذن لو كان القرآن من تأليف محمد لكان من الممكن أن‬
‫ينافسه ويضارعه رجال آخرون ‪ .‬وليأتوا بعشر آيات من مثله‬
‫مفتريات ‪ .‬وإذا لم يستطيعوا ( ومن الواضح أنهم لم يستطيعوا )‬
‫فليقبلوا القرآن كمعجزة وبرهان ظاهر " ‪.‬‬
‫قال الدكتور ليتـنز في موضوع له في مجلة المقتطف المجلد‬
‫الخامس الجزء ‪: 4‬‬
‫إن محمداً‪ ،‬نبي وقد أوحى الله إليه‪ ،‬ومرة أوحى إليه وحيا ً شديد‬
‫المؤاخذة‪ ،‬لنه أدار وجهه عن رجل فقير أعمى‪ ،‬ليخاطب رجلً‬
‫غنيا ً من ذوي النفوذ‪ ،‬وقد نشر ذلك الوحي‪ ،‬فلو كان كما يقول‬
‫أغبياء النصارى بحقه لما كان لذلك الوحي من وجود‪ ،‬ولتركته‬
‫العصور التي مرت عليه أنقاضاً‪.‬‬
‫يقول جولد تسيهر ‪ Goldziher‬المستشرق اليهودي المجري‪:‬‬

‫‪372‬‬
‫"إن الشجاعة الفردية ‪ ,‬والكرم العظيم والبذخ والسراف في‬
‫تكريم الضيف والنتصار لذوي القربى والخذ بالثأر بل شفقة أو‬
‫رحمة إذا وقع اعتداء على شخصه أو على عشيرته كانت أبرز‬
‫فضائل الجاهلية ‪ ,‬أما في السلم فنجد الصبر والحتمال وتفضيل‬
‫المصلحة العامة على المصلحة الخاصة شخصية كانت أو قبليه‬
‫نجد عدم الكتراث بالمور الدنيوية والعراض الزائلة وتجنب‬
‫الرياء والفخر وغير ذلك مما جاء به السلم وكانت هذه الفضائل‬
‫كفيله بأن تدفع المسلمين على احتقار هذه المثل العليا للجاهلية‬
‫وقال في كتابه "العقيدة والشريعة في السلم"‪:‬‬
‫"كانت الهجرة إلى المدينة تحول كبيرا في سياسة الرسول فقد‬
‫أصبح محمد ‪-‬بعد الهجرة‪ -‬مجاهدا ً وغازياً‪ ،‬ورجل دولة‪ ،‬ومنظم‬
‫جماعة جديدة أصبحت تتسع وتنمو شيئا ً فشيئاً‪ ،‬وعندئذ اتخذ‬
‫السلم شكله النهائي‪ ،‬وعندئذ ظهرت البذور الولى لنظامه‬
‫الجتماعي والفقهي والسياسي"‬
‫‪.‬‬
‫ثم قال‪( :‬في مكة كان الرسول يدعو إلى تعاليم دينية في‬
‫جماعة صغيرة‪ ،‬أما في المدينة فقد ظهر السلم نظاما ً له طابع‬
‫خاص‪ ،‬وله في الوقت نفسه صورة الهيئة المكافحة‪ .‬وفي المدينة‬
‫قامت طبول الحرب التي تردد صداها في جميع أزمنة التاريخ‪،‬‬
‫وصار محمد ينظم أعمال ً حديثة‪ ،‬فأصبح ينظم طرق توزيع‬
‫الغنائم‪ ،‬وينظم المواريث‪ ،‬ويشرع القوانين‪ ،‬ويضع أسس أمور‬
‫الدين العملية وأهم احتياجات الحياة الجتماعية‪ .،‬وفي المدينة‬
‫رسمت الخطوط الرئيسية لحياة السلم التاريخية‪ ،‬وبدأ محمد‬
‫مع الصحابة رضي الله عنهم تحقيق حياة مطابقة لما جاء به من‬
‫دين ومذهب"‪.‬‬
‫قال مصطفى غفر الله له‪:‬‬
‫إن جولد زيهر هذا قال في الكتاب نفسه أباطيل رد عليها الشيخ‬
‫الغزالي في كتاب "دفاع عن العقيدة والشريعة"‬
‫وهذا المستشرق من الذين بدا حقدهم الدفين على السلم وله‬
‫كتاب "دراسات في الحديث النبوي" قال فيه أن أحاديث النهي‬
‫عن كتابة الحديث قد أتى بها الفقهاء‪ ،‬كما أن أحاديث جواز كتابته‬
‫جاء بها المحدثون‪ ،‬يقصد أنهم وضعوها‪ .‬مع أن حديث أبي سعيد‬
‫الخدري في النهي هو في صحيح مسلم كالشمس في وضح‬
‫النهار‪ .‬وأحاديث جزاز الكتاب أكثر من أن تحصى‪.‬‬
‫وله كتاب "دراسات محمدية"‬
‫وكان من الذين قالوا بأن محمدا هو الذي جاء بمذهب السلم‬

‫‪373‬‬
‫وقال إن التشيع بدأ بعد موت المبي مباشرة وبالضبط بعد حادثة‬
‫السقيفة كما في العقيدة والشريعة ص ‪174‬‬
‫وكان أستاذا من أساتذة طه حسين الذين علموه‪ ،‬ومن أساتذته‬
‫أيضا عالم الجتماع دوركايم اليهودي‪.‬ومن أساتذته مرجليوث‬
‫اليهودي النجليزي وغيرهم‪ ،‬نعم المشايخ !! ؟؟؟‬
‫وقال إن الشريعة السلمية مستمدة من القانون الروماني‪،‬‬
‫وقال بذلك كثيرون أمثال‪:‬فون كريمر‪ ،‬وشيلدون آموس وغيرهم‪.‬‬
‫تنبيه‬
‫ل تظنوا أحبتي الكرام أن كل المنقول عنهم هم من الموضوعيين‬
‫والعقلء‪ ،‬بل منهم‪:‬‬
‫من هو حاقد كما بينت كبرنارد لويس‪ ،‬وجولد تسيهر‪ ،‬وهاملتون‬
‫جيب ودوركايم والسير موير وغيرهم وكلهم يهود‬
‫ومن هو متردد كفرونسوا فولتير الذي اختلفت تصريحاته‪،‬‬
‫وجوستاف لوبون‪ ،‬وغيرهم‬
‫وبين موضوعي منصف كويل ديورانت وتوماس أرنولد وأرنولد‬
‫توينبي‪ ،‬زيجريد هونكي وآنا ماري شيمل اللمانيتين وبوجينا غيانة‬
‫ستجشيجيفسكا البولونية ومارسيل بوازار وغوته وغيرهم‬
‫فل تظنوا أن كل ما نقلنا عنه هو من المنصفين‪ ،‬وإنما هي عبارة‬
‫في ثنايا كلمه تأدي مقصودنا فننتزعها من الحاقدين منهم‬
‫انتزاعا‪.‬‬
‫‪-----------‬‬
‫يقول أليكسي جورافيسكي في كتابه‪" :‬السلم والمسيحية"ص‬
‫‪105‬‬
‫‪" :‬إن الغلبية المطلقة من المستشرقين لم يتخلصوا من‬
‫المواقف المعادية للسلم"‪.‬‬
‫‪---------‬‬
‫يقول فرونسوا فولتير كما جاء في قاموسه الفلسفي (‪)6/4‬‬
‫"قانون يحّرم عليكم الطعام والشراب طوال النهار في شهر‬
‫الصيام ‪ ..‬إذا فرض عليكم الحج في صحراء محرقة‪ ..‬إذا فُرض‬
‫حّرِم عليكم شرب‬ ‫عليكم إعطاء ‪ % 2,5‬من مالكم للفقراء ‪ ..‬إذا ُ‬
‫الخمور ولعب الميسر ‪ ..‬إذا كنتم تتمتعون بزوجات تبلغ ثماني‬
‫عشرة زوجة أحياناً‪ ،‬فجاء من يحذف أربع عشرة من هذا العدد ‪،‬‬
‫هل يمكنكم الدّعاء مخلصين بأن هذه الشريعة شريعة لذ ّات ؟"‬
‫‪----------‬‬
‫وجاء في كتاب "دفاع عن السلم" للمستشرق ‪ :‬فاغليري ترجمة‬
‫منير بعلبكي‬

‫‪374‬‬
‫ويقول "هنري دي شاميون" تحت عنوان "النتصار الهمجي على‬
‫العرب" لول انتصار جيش "شارل مارتل" الهمجي على العرب‬
‫في فرنسا في معركة (تور) على القائد السلمي "عبد الرحمن‬
‫الغافقي" لما وقعت فرنسا في ظلمات العصور الوسطى ‪ .‬ولما‬
‫أصيبت بفظائعها ولما كابدت المذابح الهلية الناشئة عن التعصب‬
‫الديني‪ -‬ولول ذلك النتصار البربري لنجت إسبانيا من وصمة‬
‫محاكم التفتيش ‪ ،‬ولما تأخر سير المدنية ثمانية قرون بينما كنا‬
‫مثال الهمجية"‬
‫‪--------------‬‬
‫رجوعا إلى هـ‪ .‬ج‪ .‬ويلز وكتابه "معالم تاريخ النسانية"‬
‫يقول "كل دين ل يسير مع المدنية فاضرب به عرض الحائط‪.‬‬
‫ولم أجد دينا ً يسير مع المدنية أنى سارت سوى دين السلم"‪.‬‬
‫‪----------‬‬
‫ويقول مرماديوك باكتول‪:‬‬
‫"إن المسلمين يمكنهم أن ينشروا حضارتهم بنفس السرعة التي‬
‫نشروها بها سابقا ً ‪ ،‬إذا رجعوا إلى الخلق التي كانوا عليها حينما‬
‫قاموا بدورهم الول ‪.‬لن هذا العالم الخاوي ل يستطيع أن يقف‬
‫أمام حضارتهم"‬
‫عن كتاب "الرعب من السلم" لسعيد جودت ص ‪ ،23-19‬وذكر‬
‫ذلك غوستاف لوبون في كتابه "حضارة السلم"‪.‬‬
‫‪-------‬‬
‫ويقول " جون أوستن " في مقال له بعنوان " محمد نبي الله "‬
‫في مجلة ت‪ .‬ب‪ .‬وكاسل السبوعية في ‪ 12‬سبتمبر سنة ‪ 1927‬بعد‬
‫المسيح ‪:‬‬
‫" لقد أصبح محمد بالفعل في خلل ما يربو قليل عن العام ما‬
‫يمكن أن نسميه بالحاكم الروحي والدنيوي للمدينة ‪ ،‬ويده على‬
‫الرافعة التي كان مقدر لها أن تهز العالم " ‪.‬‬
‫‪---------‬‬
‫وقال المسيو جان سبيرو السويسري‪:‬‬
‫"إنه مهما زاد النسان اطلعا ً على سيرة محمد النبي ل بكتب‬
‫أعدائه وشانئيه بل بتأليفات معاصريه‪ ،‬وبالكتاب والسنة‪ ،‬إل‬
‫وأدرك اسباب إعجاب المليين من البشر في الماضين وحتى‬
‫الن بهذا الرجل‪ ،‬وفهم علة تفانيهم في محبته وتعظيمه"‪.‬‬
‫يقول " جون وليام دريبر " الحاصل على دكتوراة في الطب‬
‫والحقوق في كتابه " تاريخ التطور الفكري الوروبي " ‪ .‬طبعة‬
‫لندن ( ‪ ) 1875‬المجلد الول‪ ،‬ص ‪ 229‬و ‪:230‬‬

‫‪375‬‬
‫" ولد في مكة بجزيرة العرب عام ‪ 569‬بعد المسيح ‪ ،‬بعد أربع‬
‫سنوات من موت جوستنيان الول ‪ ،‬الرجل الذي كان له من دون‬
‫جميع الرجال ‪ ،‬أعظم تأثير على الجنس البشري ‪ ..‬وهو محمد "‬
‫‪-----------‬‬
‫يقول المؤرخ النكليزي "جون دوانبورت" ‪:‬‬
‫"أعتذر عن التصورات والحكام التي كانت شائعة في الغرب‬
‫حول نبي السلم" عن "محمد في الداب العالمية المنصفة "‬
‫محمد عثمان ص‪.117 :‬‬
‫وقال‪:‬‬
‫"لو لم تقم في جنوب أوروبا الحضارة الندلسية العربية‪ ،‬لظلت‬
‫هذه القارة تسبح مع شعوبها المختلفي النحل والنزعات في حلك‬
‫من ظلمة الجهل والبداوة‪ ،‬ولما ظهر للمدنيّة الوربية الحالية أثر‬
‫في الوجود"‬
‫‪-----------‬‬
‫وروى جون دوانبورت في كتابه "العرب عنصر السيادة في‬
‫القرون الوسطى" هذين الرسالتين من جورج الثاني ملك انجلترا‬
‫إلى الخليفة الندلسي هشام الثالث ‪ ،‬والجواب عليها‪.‬‬
‫رسالة الملك النكليزي جورج الثاني‬
‫من جورج الثاني ملك إنكلترا والغال والسويد والنروج إلى‬
‫الخليفة ملك المسلمين في مملكة الندلس صاحب العظمة‬
‫هشام الثالث الجليل المقام‪:‬‬
‫ي العظيم الذي تتمتع‬ ‫بعد التعظيم والتوقير‪ ،‬فقد سمعنا عن الرق ّ‬
‫بفيضه الضافي معاهد العلم والصناعات في بلدكم العامرة‪،‬‬
‫فأردنا لبنائنا اقتباس نماذج هذه الفضائل لتكون بداية حسنة في‬
‫اقتفاء أثركم لنشر أنوار العلم في بلدنا التي يحيط بها الجهل من‬
‫أربعة أركانها‪ .‬وقد وضعنا ابنة شقيقنا الميرة دوبانت على رأس‬
‫بعثة من بنات أشراف النكليز‪ ،‬لتتشرف بلثم أهداب العرش‬
‫والتماس العطف‪ ،‬وتكون مع زميلتها موضع عناية عظمتكم وفي‬
‫حماية الحاشية الكريمة‪ ،‬والحدب من قبل اللواتي سوف يقمن‬
‫على تعليمهن‪ ،‬وقد أرفقت الميرة الصغيرة بهدية متواضعة‬
‫لمقامكم الجليل‪ ،‬أرجو التكرم بقبولها‪ ،‬مع التعظيم والحب‬
‫الخالص‪.‬‬
‫من خادمكم المطيع‬
‫جورج‪ .‬م ‪ .‬أ‬
‫جواب الخليفة الندلسي هشام الثالث‬
‫بسم الله الرحمن الرحيم‬

‫‪376‬‬
‫الحمد لله رب العالمين والصلة والسلم على نبيه سيد‬
‫المرسلين وبعد‪:‬‬
‫إلى ملك إنكلترا وايكوسيا واسكندنافيا الج ّ‬
‫ل‬
‫اطلعت على التماسكم‪ ،‬فوافقت على طلبكم بعد استشارة من‬
‫يعنيهم المر من أرباب الشأن‪ ،‬وعليه نعلمكم أنه سوف ينفق‬
‫على هذه البعثة من بيت مال المسلمين‪ ،‬دللة على مودتنا‬
‫لشخصكم الملكي‪ .‬أما هديتكم فقد تلقيتها بسرور زائد‪،‬‬
‫وبالمقابل أبعث إليكم بغالي الطنافس الندلسية‪ ،‬وهي من صنع‬
‫أبنائنا‪ ،‬هدية لحضرتكم‪ ،‬وفيها المغزى الكافي للتدليل على‬
‫التفاتتنا ومحبتنا‪ ،‬والسلم‪.‬‬
‫خليفة رسول الله في ديار الندلس‬
‫هشام‬
‫الرسالتان مستفادتان من هذا الرابط‪:‬‬
‫‪http://www.geocities.com/nassershamali/new_page_91.htm‬‬
‫زار الفيلسوف "أونكيست كونت" مصر بعد أن كان يكره السلم‬
‫ويطعن فيه‪ ،‬فهنا تأثر ببعض علمائها‪ ،‬فأقام في الندلس لدراسة‬
‫السلم والسيرة النبوية‪ ،‬وبعد ذلك اتجه إلى روما‪ ،‬وذهب إلى‬
‫مكتبة الفاتيكان فطالع ما فيها من كتب عن الموضوع‪ ،‬وهنالك‬
‫غير رأيه في النبي صلى الله عليه وسلم وآثاره‪ ،‬ولكنه لم يتقبل‬
‫أمية النبي حتى سأل البابا بولوس التاسع عن صدق ما تدعيه‬
‫التواريخ العربية من ذلك فأجابه البابا نعم إنه كان أميا ً فلطم‬
‫الفيلسوف وجهه‪ ،‬وقال‪ :‬واخجلتاه منك يا محمد إنني ظلمتك‬
‫فالويل كل الويل لك يا أوغست ‪ .......‬إل أنني أقر وأعترف بأن‬
‫محمدا ً أصغر من إله ولكنه بكل حال أسمى من البشر‪".‬اهـ‬
‫وقال‪" :‬أخذت مبادئ التنكرية العقوقية تضمحل في بعض أرجاء‬
‫أوربا بعد ظهور العربية السلمية في الندلس التي سطع‬
‫إشراقها من وراء جبال البيرنه إلى أواسط فرنسا‪ ،‬فتناول طلب‬
‫التجدد التعاليم الجتماعية البارعة التي انبثقت عن الحضارة‬
‫العربية العظيمة وأخذوا في تبنيها‪ ،‬فأيقظت فيهم رويدا ً رويداً‬
‫شعور مكافحة التنكر والغرور‪ ،‬واستبدلوها بطلب التجدد‪ ،‬وظلت‬
‫ت بوادر الثورة‬‫هذه الميول تختمر في الرؤوس حتى ظهر ْ‬
‫الفرنسية الثانية‪ ،‬وأعقبتها الثورة الثالثة • وماهَلّت طلئع القرن‬
‫ت تعاليم الروح الشتراكية إلى المجتمع‬ ‫التاسع عشر حتى تسرب ْ‬
‫ت به‬ ‫الوربي‪ ،‬وكان ذلك أول تقليد شريف للعرب والسلم تجلبب ْ‬
‫أوربا لتخطو خطواتها الكبرى في سبيل تنظيم حياة شعوبها‬
‫السياسية والقتصادية والجتماعية"اهـ‬
‫‪--------------‬‬

‫‪377‬‬
‫ويقول رينيه ديكارت (‪ )1650-1596‬الذي يعتبر أو يعتبره الفرنسيون‬
‫أبا ً للفلسفة الحديثة في "مقالة الطريقة"‪:‬‬
‫"نحن والمسلمون في هذه الحياة ‪ ..‬ولكنهم يعملون بالرسالتين‬
‫العيسوية والمحمدية ‪ ،‬ونحن ل نعمل بالثانية‪ ،‬ولو أنصفنا لكنا‬
‫معهم جنبا ً إلى جنب لن رسالتهم فيها ما يتلءم مع كل زمان"‬
‫‪-----------‬‬
‫وقال البطريرك "عيشويابه" ‪ 665‬هــ‬
‫"إن العرب الذي مكنهم الرب من السيطرة على العالم يعاملوننا‬
‫بعدالة كما تعرفون أنهم ليسوا أعداء للنصرانية بل يمتدحون ملتنا‬
‫ويوقرون قديسنا ويمدون يد المعونة إلى كنائسنا وأديارنا"‪.‬‬
‫‪--------------‬‬
‫ويقول دينونبورت في كتابه "اعتذار إلى محمد والسلم" ‪:‬‬
‫"إن من الحماقة أن نظن أن السلم قام بحد السيف‪ ،‬فإن هذا‬
‫الدين يحرم سفك الدماء‪ ،‬ويأمر بالمعروف‪ ،‬وينهى عن المنكر‪،‬‬
‫وقد أمر بالشورى ونهى عن الستبداد‪ ،‬ومنح النسان حقوقه‬
‫المدنية‪ ،‬ولتتذكر أوروبا أنها مدينة بحضارتها للمسلمين أنفسهم‪".‬‬
‫‪------------‬‬
‫قال النجليزي مافيز جولي‬
‫"لقد رأيت السلم يقرر أن الرسل رجال لم يتدنسوا بالخطايا‪،‬‬
‫وأن الوحي ليس شيئا ً جديداً‪ ،‬فقد أنزل على أنبياء اليهود من‬
‫قبل‪ ،‬وأن عيسى كان هو الخر رسول ً غير أن لغزا ً ظل يراود‬
‫فكري لماذا ل ينزل الوحي على رسل في القرن العشرين ؟!‬
‫وكانت الجابة أن أتدبر ما قرره القرآن الكريم أن محمدا ً رسول‬
‫الله وخاتم النبيين‪ .‬وكان ردا ً مفحما ً تماماً‪ ،‬إذ كيف يتأتى أن‬
‫يرسل الرسل بعد محمد والقرآن المجيد هو الكتاب الشامل‬
‫الذي جاء تبيانا ً لكل شيء ومصدقا ً لما بين أيدينا‪ ،‬وهو باق ثابت‬
‫إلى البد بل نسخ ول عبث‪ ،‬كما يقرر القرآن ويؤكد الواقع إنا‬
‫نحن نزلنا الذكر ‪-‬أي القرآن‪ -‬وإنا له لحافظون ‪ .‬ل شك أنه ليس‬
‫هناك من داع بعد ذلك إلى رسل ورسالت"‬
‫رجوعا إلى بوسورث سميث وكتابه "محمد والمحمدية"‬

‫قال‪" :‬كان محمد في وقت واحد مؤسسا ً لمة‪ ،‬ومقيما ً لدولة‪،‬‬


‫وبانيا ً لدين وهو وإن كان أميا ً فقد أتى بكتاب يحوي أدبا ً وقانوناً‬
‫وأخلقا ً عامة‪ ،‬وكتبا ً مقدسة في كتاب واحد‪ .‬وهو كتاب يقدسه‬
‫إلى يومنا سدس مجموع النوع البشري لنه معجزة في دقة‬
‫السلوب‪ ،‬وسمة الحكمة‪ ،‬وجلل الحق‪ ،‬كما يقول عنه محمد‬
‫‪:‬إنه معجزته الخالدة‪ ،‬حقا ً إنه لمعجزة‪.‬‬

‫‪378‬‬
‫ثم إذا نظرنا إلى الظروف والحوال وإلى ما كان لمحمد من‬
‫الحترام الفائق الوصف عند أتباعه وقارناه بآباء الكنيسة‬
‫وبقديسي القرون الوسطى فإن أدعى شيء للدهش من محمد‬
‫أنه لم يدّع قط القدرة الذاتية على إحداث المعجزات‪ .‬نعم كان‬
‫يفعل ما يقول‪.‬‬
‫وكان أتباعه يرونه يقوم بتحقيق كل ما يقول‪ :‬أفنريد بعد هذا‬
‫برهانا ً قاطعا ً على صحة صدقه وإخلصه‪ .‬لم يحرص محمد إلى‬
‫آخر حياته على شيء‪ ،‬إل على الذي يلقب به من أول أمره‪ ،‬وهو‬
‫لقب أعتقد بأنه سيأتي يوم ترضى فيه أي فلسفة‪ ،‬وأخلص‬
‫مسيحية أن تسلم له به وهذا اللقب هو‪" :‬رسول الله"‪ ،‬نعم إنه‬
‫رسول الله حقاً‪.‬‬
‫‪-----------‬‬
‫قال جان جاك روسو عن القرآن ‪:‬‬
‫"من الناس من يتعلم قليل ً من العربية ‪ ,‬ثم يقرأ القرآن ويضحك‬
‫منه ولو أنه سمع محمدا ً يمليه على الناس بتلك اللغة الفصحى‬
‫الرقيقة وذاك الصوت المقنع المطرب المؤثر في شغاف القلوب‬
‫ورآه يؤيد أحكامه بقوة البيان ‪ ,‬لخر ساجدا ً على الرض و ناداه ‪:‬‬
‫أيها النبي يا رسول الله خذ بأيدينا إلى الشرف والفخار ‪ ,‬أو‬
‫مواقع التهلكة والخطار فنحن من أجلك نود الموت أو النتصار‪".‬‬
‫قال مصطفى غفر الله له‬
‫جان جار روسو ل يخفى على أحد‪ ،‬هو صاحب نظرية الطبيعة في‬
‫التربية‪ ،‬وادعى لنفسه نظرية العقد الجتماعي في كتابه " العقد‬
‫الجتماعي" وفي الحقيقة هذه النظرية تطورت عبر مراحل بين‬
‫جون جاك روسو و توماس هوبز وجون لوك‪،‬‬
‫وهذه النظرية باختصار‪ :‬إن الشعوب الوربية بعد المعاناة من‬
‫جراء الكنيسة وتسلط رجال الدين‪ ،‬كان من آثارها أن تبحث _ أي‬
‫الشعوب _ على تحقيق شيئين اثنين الحرية والرادة‪ ،‬فقالوا نقوم‬
‫بعقد بيننا كشعوب وبين عقلئنا ومفكرينا وهم منا‪ ،‬على أن‬
‫يعملوا على تحقيق هذين المبدأين لنا‪ ،‬بصفتهم مفوضين من‬
‫الشعب‪ ،‬وكان هذا أول طريق إلى الديمقراطية في الغرب‪،‬‬
‫وكان ذلك أول مرحلة من مراحل العلمانية وتسمى بالعلمانية‬
‫الجزئية قبل الوصول إلى العلمانية الشاملة التي بدورها مرت‬
‫بثلث مراحل وهي مرحلة التحديث ثم الحداثة ثم ما بعد الحداثة‪.‬‬
‫‪-------------‬‬
‫رجوعا إلى ويل ديورانت في قصة الحضارة في حديثه عن‬
‫الحضارة السلمية‪ :‬ص ‪4499-4498‬‬

‫‪379‬‬
‫ولهذا لم يدع السلم إلى مقابلة الساءة بالحسان ‪" .‬فمن‬
‫اعتدى عليكم فاعتدوا عليه بمثل ما اعتدى عليكم" (سورة البقرة‬
‫‪" )194‬ولمن انتصر بعد ظلمه فأولئك ما عليهم من سبيل" (سورة‬
‫الشورى ‪ ،)41‬تلك أخلق تليق بالرجال‪ ،‬شبيهة بما جاء في العهد‬
‫القديم‪ ،‬فهي تؤكد فضائل الرجولة كما تؤكد المسيحية فضائل‬
‫النوثة‪ .‬وليس في التاريخ دين غير دين السلم يدعو أتباعه على‬
‫الدوام إلى أن يكونوا أقوياء‪ ،‬ولم يفلح في هذه الدعوة دين آخر‬
‫بقدر ما أفلح فيها السلم‪" :‬يا أيها الذين آمنوا اصبروا وصابروا‬
‫ورابطوا" (سورة آل عمران ‪ )200‬هكذا كان يقول أيضا ً زرادشت‬
‫الذي نادى بمبادئ نتشة قبل وجود نتشة بزمن طويل‪.‬‬
‫والمسلمون يعظمون القرآن إلى درجة تقرب من العبادة‪ ،‬وقد‬
‫كتبوا المصاحف وزينوها وبذلوا في سبيل ذلك كل ما يستطيعون‬
‫من عناية مدفوعين إليها بحبهم له‪ ،‬وهو الكتاب الذي يبدأ منه‬
‫أطفال المسلمين بتعلم القراءة‪ ،‬وهو المحور الذي يدور عليه‬
‫تعليمهم والذروة التي ينتهي بها هذا التعليم‪ .‬وقد ظل أربعة عشر‬
‫قرنا ً من الزمان محفوظا ً في ذاكرتهم‪ ،‬يستثير خيالهم‪ ،‬ويشكل‬
‫أخلقهم‪ ،‬ويشحذ قرائح مئات المليين من الرجال‪ .‬والقرآن يبعث‬
‫في النفوس الساذجة _الفضل أن يقال السليمة‪ -‬الفطرة ولقد‬
‫آمن بالقرآن كثير من رجال العلم والفكر في كل عصر من‬
‫العصور الماضية وفي هذا العصر الذي نعيش فيه؛ كما آمن به‬
‫من ل يحصون كثرة من الناس على اختلف حظوظهم من العقل‬
‫والفكر؛ وما ذلك إل لنه جاء بالعقيدة الحقة الواضحة التي يتقبلها‬
‫الجميع‪ .‬فهي أسهل العقائد‪ ،‬وأقلها غموضا‪ ،‬وأبعدها عن التقيد‬
‫بالمراسم والطقوس‪ ،‬وأكثرها تحررا ً من الوثنية والكهنوتية‪ .‬وقد‬
‫كان له أكبر الفضل في رفع مستوى المسلمين الخلقي‬
‫والثقافي‪ ،‬وهو الذي أقام فيهم قواعد النظام الجتماعي والوحدة‬
‫الجتماعية‪ ،‬وحضهم على إتباع القواعد الصحية‪ ،‬وحرر عقولهم‬
‫من كثير من الخرافات والوهام‪ ،‬ومن الظلم والقسوة‪ ،‬وحسن‬
‫أحوال الرقاء‪ ،‬وبعث في نفوس الذلء الكرامة والعزة‪ ،‬وأوجد‬
‫بين المسلمين (إذا استثنينا ما كان يقترفه بعض الخلفاء‬
‫المتأخرين) درجة من العتدال والبعد عن الشهوات لم يوجد لها‬
‫نظير في أية بقعة من بقاع العالم يسكنها الرجل البيض‪ .‬ولقد‬
‫علم السلم الناس أن يواجهوا صعاب الحياة‪ ،‬ويتحملوا قيودها‪،‬‬
‫بل شكوى ول ملل‪ ،‬وبعثهم في الوقت نفسه إلى التوسع توسعاً‬
‫كان أعجب ما شهده التاريخ كله‪ .‬وقد عَّرف الدين وحدده تحديداً‬
‫ل يجد المسيحي ول اليهودي الصحيح العقيدة ما يمنعه من قبوله‪.‬‬

‫‪380‬‬
‫"ليس البر أن تولوا وجوهكم قبل المشرق والمغرب‪ ،‬ولكن البر‬
‫من آمن بالله واليوم الخر والملئكة والكتاب والنبيين‪ ،‬وآتى‬
‫المال على حبهِ ذوي القربى واليتامى والمساكين وابن السبيل‪،‬‬
‫والسائلين وفي الرقاب‪ ،‬وأقام الصلة وآتى الزكاة‪ ،‬والموفون‬
‫بعهدهم إذا عاهدوا والصابرين في البأساءِ والضراءِ وحين البأس‪،‬‬
‫أولئك الذين صدقوا وأولئك هم المتقون" (سورة البقرة الية‬
‫‪.)177‬اهـ‬
‫قال مصطفى غفر الله له‪:‬‬
‫ل أوافق الدكتور عبد المعطي الدالتي في كتابه "ربحت محمد‬
‫ولم أخسر المسيح" ص ‪ 91‬بأن وضع ويل ديورانت من‬
‫المتعصبين‪ ،‬بل كان موضوعيا‪ ،‬فل ينبغي أن نطالب غير المسلم‬
‫بأن يمدح أو يعترف بفضل السلم وأهله كما لو كان مسلما‪،‬‬
‫وأظن أنه قد أنصف السلم وأهله إلى حد بعيد مقارنة مع‬
‫المستشرقين المتعصبين كبرنارد لويس وزويمر ويوسف شاخت‬
‫وجولد زيهر وأمثالهم‪ ،‬وما نقلناه من كتابه لهو خير دليل على ما‬
‫أقول‪.‬‬
‫والله تعالى أعلم‬
‫‪--------------‬‬
‫قال درابر ‪ drabber‬الستاذ في جامعة نيويورك‪ ،‬في كتابه‬
‫( المنازعة بين العلم والدين)‪:‬‬
‫( إن المسلمين الولين في زمن الخلفاء لم يقتصروا في معاملة‬
‫أهل العلم من النصارى النسطوريين‪ ،‬ومن اليهود على مجرد‬
‫الحترام‪ ،‬بل فوضوا إليهم الكثير من العمال الجسام‪ ،‬ورقوهم‬
‫إلى المناصب العالية في الدولة‪ ،‬حتى إن هارون الرشيد وضع‬
‫جميع المدارس تحت إشراف حنا مسنيه( يوحنا بن ماسويه)‪...‬‬
‫وكانت إدارة المدارس مفوضة إلى النسطوريين تارة‪ ،‬وإلى‬
‫اليهود تارة أخرى‪ ،‬ولم يكن ينظر إلى البلد الذي عاش فيه‬
‫العالم‪ ،‬ول إلى الدين الذي ولد عليه‪ ،‬بل لم يكن ينظر إل إلى‬
‫مكانته من العلم والمعرفة)‪.‬‬
‫نقل عن السلم والنصرانية للشيخ محمد عبده ص ‪.15‬‬
‫وقال غوستاف لوبون في كتابه ( حضارة العرب)‪:‬‬
‫والسلم من أكثر الديانات ملءمة لكتشافات العلم‪ .‬ومن‬
‫أعظمها تأديبا للنفوس‪ ،‬وحمل على العدل والحسان والتسامح‪...‬‬
‫وسيرى القارئ حين نبحث في فتوح العرب وأسباب انتصاراتهم‪،‬‬
‫أن القوة لم تكن عامل في انتشار القرآن‪ ،‬فقد ترك العرب‬
‫المغلوبين أحرارا في أديانهم‪ ،‬وإذا حدث أن اعتنق بعض القوام‬
‫من النصرانية السلم‪ ،‬واتخذوا العربية لغة لهم‪ ،‬فذلك لما رأوا‬

‫‪381‬‬
‫من عدل العرب الغالبين ما لم يروا مثله من ساداتهم‬
‫السابقين‪...‬‬
‫‪----------‬‬
‫قال الكاتب "جون وليام درابر" ت ‪1882‬م في كتابه‪" :‬التطور‬
‫الفكري في أوروبا"‬
‫" في سنة ‪ 569‬بعد موت جستنيان بأربع سنوات‪ ،‬ولد في مكة في‬
‫الجزيرة العربية النسان الوحيد بين جميع البشر الذي كان له‬
‫أكبر الثر على الجنس البشري‪ ...‬محمد"‬
‫‪---------‬‬
‫ورجوعا إلى المؤرخ الفرنسي"غوستاف لوبون" في حضارة‬
‫العرب ص ‪:579‬‬
‫"ما عرف التاريخ فاتحا ً أعدل ول أرحم من العرب" وإن العرب‬
‫هم أول من علم العالم كيف تتفق حرية الفكر مع استقامة الدين‬
‫‪ ,‬والسهولة العجيبة التي ينتشر بها القرآن في العالم شاملة‬
‫للنظر تماما ً فالمسلم أينما مر ترك خلفه دينه وبلغ عدد أشياع‬
‫النبي مليين كثيرة في البلد التي دخلها العرب بقصد التجارة "ل‬
‫فاتحين" كبعض أجزاء الصين وأفريقيا الوسطى وروسية وتم‬
‫اعتناق هذه المليين للسلم طوعا ً ‪ ,‬ل كرها ً ولم يسمع أن‬
‫الضرورة قضت بإرسال جيوش مع هؤلء التجار العرب‬
‫المسلمين لمساعدتهم ويتسع نطاق السلم بعد أن يقيمه هؤلء‬
‫في أي مكان كان ‪.‬‬
‫‪----------‬‬
‫وقال لوبون ‪ :‬القاعدة عند العرب جرب ‪,‬وشاهد‪ ,‬ولحظ تكن‬
‫عارفا ً ويقول ‪ :‬إن المسلمين العرب وحدهم كانوا أساتذة المم‬
‫المسيحية عدة قرون ونحن الغربيين لم يتح لنا الطلع على‬
‫التراث اليوناني والروماني في جامعاتنا عما نقل إلى لغاتنا من‬
‫كتب العرب إل في أزمان متأخرة ‪.‬‬
‫من كتاب " السلم بين النصاف والجحود" لمحمد حسن عن‬
‫تنزيه الدين وحملته‪ ،‬المجموعة الكاملة ‪ ،‬ثقافة ‪.1/444‬‬
‫ومن كتاب معاملة غير المسلمين في السلم ‪ – 1/256‬إعداد ‪:‬‬
‫المجمع الملكي لبحوث الحضارة السلمية – الردن‬
‫وقال‪ ":‬لم ينتشر القرآن بالسيف بل انتشر بالدعوة وحدها‬
‫وبالدعوة وحدها اعتنقته الشعوب التي قهرها العرب مؤخراً‬
‫كالترك والمغول( ففي اليمان بالقضاء طمأنينة تجعل ثمرة‬
‫السعي في الحياة لذيذة حين النجاح وسائغة عند الخفاق وبهذا‬
‫يتم التوازن في سعادة النسان"‬

‫‪382‬‬
‫وقال‪ :‬إن العرب هم الذين فتحوا لوروبا ما كانت تجهله من عالم‬
‫المعارف العلمية والدبية والفلسفية بتأثيرهم الثقافي‪ ،‬فكانو‬
‫ممدنين لنا وأئمة لنا ستة قرون‪.‬‬
‫‪--------------‬‬
‫يقول البروفيسور بروخمان ‪:‬‬
‫" ل عجب أن شارك الهولنديون بقية أوروبا الجحاف بالسلم‬
‫والعرب وقد استمر عدم الفهم هذا لدى الهولنديين طوال‬
‫القرون الوسطى حتى طرأ على الوضاع السياسية الداخلية في‬
‫هولندا بعض المتغيرات التي أدت في العام ‪1575‬م إلى تأسيس‬
‫جامعة ليدن في شمال هولندا ‪ ،‬ولعتبارات دينية اهتمت الجامعة‬
‫باللغات التي كتبت بها الكتب المقدسة وبشكل منطقي أدت هذه‬
‫الهتمامات إلى دراسة اللغة العربية ‪ ،‬حيث مرت بمراحل‬
‫متدرجة إلى أن أقيم أول كرسي للغة العربية بجامعة ليدن على‬
‫يد " أربين " عام ‪ 1613‬واستمر نحو أحد عشر عاما ً ‪ ،‬ألف خللها‬
‫كتابه في النحو العربي وأغرق في مقدمته بالحمد للحضارة‬
‫العربية والدب العربي وللتاريخ والفلسفة العربية‬
‫‪------------‬‬
‫ويقول‪ :‬دكتور شوميس‬
‫"يقول بعض الناس إن القرآن كلم محمد وهو حقا ً محض افتراء‪،‬‬
‫فالقرآن كلم الله الموحى على لسان رسوله محمد‪ ،‬فليس في‬
‫استطاعة محمد ذلك الرجل المي في تلك العصور الغابرة أن‬
‫يأتينا بكلم تحار فيه عقول الحكماء‪ ،‬ويهدي الناس من الظلمات‬
‫إلى النور‪.‬‬
‫وربما تعجبون من اعتراف رجل أوروبي بهذه الحقيقة‪ .‬إني‬
‫درست القرآن فوجدت فيه تلك المعاني العالية‪ ،‬والنظم‬
‫المحكمة‪ ،‬وتلك البلغة التي لم أجد مثلها قط في حياتي‪ ،‬جملة‬
‫واحدة منه تغني عن مؤلفات‪ .‬هذا ول شك أكبر معجزة أتى بها‬
‫محمد عن ربه"‪.‬‬
‫‪-----------‬‬
‫ونرجع إلى هـ‪ .‬أ‪ .‬ر‪ .‬جب في كتاب " المحمدية " طبعة لندن (‬
‫‪ ) 1953‬ص ‪33‬‬
‫حيث قال‪:‬‬
‫" إنه من المسلم به عالميا بصفة عامة أن إصلحاته " أي محمد‬
‫" رفعت من قدر المرأة ومنزلتها ووضعها الجتماعي والشرعي "‬
‫‪.‬‬
‫‪-----------‬‬
‫قال بروفيسور هيرجوني ‪:Prof. Hurgronje‬‬

‫‪383‬‬
‫"عصبة المم التي أسسها نبي السلم أرست مبادئ الوحدة‬
‫الدولية والخوة النسانية على أسس عالمية لتكون شمعة للمم‬
‫الخرى‪ ..‬الحقيقة أنه ل توجد أمة في العالم تستطيع أن تقدم‬
‫مثيل ً لما قدمه السلم لبلوغ فكرة عصبة المم"‪.‬‬
‫‪-----------‬‬
‫قال المسيحي بولـس سلمـة عن نفسه‪:‬‬
‫"مسيحي ينحني أمام عظمة رجل يهتف باسمه مئات المليين‬
‫من الناس في مشارق الرض ومغاربها خمس مرات كل يوم‪،‬‬
‫رجل ليس من مواليد حواء أعظم منه قدرا ً وأخلد ذكرا ً وأبعد‬
‫أثراً‪ ،‬رجل أطل من غياهب الجاهلية فأطلت معه دنيا أظلها بلواء‬
‫مجيد‪ ،‬كتب عليه بأحرف من نور‪ ،‬ل إله إل الله‪ ،‬الله أكبر‪".‬‬
‫من ترى ذلـك الصبـي الـذي إن *** ذر دمعا ً فالجـو في إعـطـاء‬
‫مبسـم مـن للـئ الفجـر أنقـى ***وجبيـن كـالنجـمـة الغـراء‬
‫ل يـوم في صفحة الدهـر فـذ ***طيـب الفـوح رافـل بالبهـاء‬ ‫هـ ّ‬
‫م تبـرا ***يُنبت الحلـم في عيـون‬ ‫حسـب الرمـل ذلك اليـو َ‬ ‫ُ‬
‫الرائي‬
‫فسهـول الحجـاز بحـُر نُضـا ر ***من نثيـر السبا ئـك الصفـراء‬
‫ة الدهنـاء‬ ‫ل الورد صفـح َ‬ ‫شقَّـت ***أنمـ ُ‬
‫ب الخلـي و َ‬ ‫س ُ‬ ‫ضحـك ال َّ‬
‫سب ْ َ‬
‫ذاك عـرس الدنـيـا ول غرو إن ***بثت صلها ونمنمت في‬
‫الكساء‬
‫رحبـت بالـوليـد جـاء يتـيمـا ً ***فهو والفقـَر تـوأم فـي رداء‬
‫ً‬
‫ب الجـوزاء‬ ‫عـزا ّ ***سوف تعلـو مناك َ‬ ‫س ِ‬ ‫يا فقيـرا ً ودونـه الشمـ ُ‬
‫سهـا والثريا ***سائرات في الركب سيَر‬ ‫خلفـك النسـُر والـ ُّ‬
‫الماء‬
‫ف والنفـس كنـُز خلـود ***هكـذا كـان مولـد النبيـاء‬ ‫فقـُر كـ ٍ ّ‬
‫‪------------‬‬
‫قال الزعيم الهندي "جواهر لل نهرو"في كتابه "لمحات من تاريخ‬
‫العالــم"‬
‫"إنهم ‪ -‬العرب ‪ -‬أباء العلم الحديث وإن بغداد تفوقت على كل‬
‫العواصم الوروبية فيما عدا قرطبة عاصمة أسبانيا العربية "‬
‫الندلس " وإنه كان ل بد من وجود ابن الهيثم والخازن والكنـدي‬
‫وابن سينا والخوارزمي والبيروني لكي يظهر عند الغرب "جاليلو‬
‫وكبلر وكوبرنيق ونيوتن" ‪.‬‬
‫أورده الدكتور عبدالحليم منتصر في مصنفه تاريخ العلم ودور‬
‫العلماء العرب في تقدمه‪.‬‬
‫‪------------‬‬

‫‪384‬‬
‫ويقول " أ‪ .‬س‪ .‬تريتون " في كتاب " السلم " طبعة لندن (‬
‫‪ ) 1951‬ص ‪: 21‬‬
‫" إن صورة الجندي المسلم المتقدم وبإحدى يديه سيفا وبالخرى‬
‫مصحفا هي صورة زائفة تماما " ‪.‬‬
‫يقول البروفيسور يوشيودي كوزان ‪ -‬مدير مرصد طوكيو‬
‫‪------------‬‬
‫ً‬
‫"البروفيسور يوشيودي كوزان‪" :‬قلت‪ :‬إنني متأثر جدا باكتشاف‬
‫الحقيقة في القرآن"‪.‬‬
‫الشيخ الزنداني‪ :‬السلم عليكم ورحمة الله وبركاته‪.‬‬
‫إنه يتكلم بلغته الصلية اللغة اليابانية إنه البروفيسور يوشيودي‬
‫كوزان مدير مرصد طوكيو عرضنا عليه عددا ً من اليات المتعلقة‬
‫بوصف بداية الخلق وبوصف السماء وبعلقة الرض بالسماء فلما‬
‫قرأ معاني هذه اليات وسألنا عن القرآن وعن زمن نزوله‬
‫فأخبرناه أنه نزل منذ ‪ 1400‬عام وسألناه نحن عن هذه الحقائق‬
‫التي تعرضت لها هذه اليات فأجاب وكان بعد كل إجابة يجيب بها‬
‫نعرض عليه النص القرآني‪ .‬ولقد عبر عن دهشته فقال‪" :‬إن هذا‬
‫القرآن يصف الكون من أعلى نقطة في الوجود فكل شيء‬
‫أمامه مكشوف إن الذي قال هذا القرآن‪ ،‬يرى كل شيء في هذا‬
‫الكون‪ ،‬فليس هناك شيء قد خفي عليه" ‪ .‬سألناه عن الفترة‬
‫الزمنية التي مرت بها السماء يوم أن كانت في صورة أخرى‬
‫فأجاب‪ :‬لقد تضافرت الدلة وحشدت وأصبحت الن شيئا ً مرئياً‬
‫مشاهدا ً نرى الن نجوما ً في السماء تتكون من هذا الدخان الذي‬
‫هو أصل الكون كما نرى في (هذا الشكل)‪:‬هذه الصورة حصل‬
‫عليها العلماء أخيرا ً بعد أن أطلقوا سفن الفضاء إنها تصور نجماً‬
‫من النجوم وهو يتكون من الدخان‪ .‬انظروا إلى الطراف الحمراء‬
‫للدخان الذي في بداية اللتهاب والتجمع وإلى الوسط الذي‬
‫اشتدت به المادة وتكدست فأصبح شيئا ً مضيئا ً وهكذا النجوم‬
‫المضيئة كانت قبل ذلك دخانا ً وكان الكون كله دخاناً‪ .‬وعرضنا‬
‫عليه الية وهي قول الله جل وعل‪﴿ :‬ثم استوى إلى السماء وهي‬
‫دخان فقال لها وللرض ائتيا طوعا ً أو كرها ً قالتا أتينا طائعين﴾‬
‫(سورة فصلت‪،‬الية‪.)11:‬إن بعض العلماء يتكلمون عن هذا الدخان‬
‫فيقولون إنه ضباب فبين البروفيسور يوشيودي كوزان أن لفظ‬
‫الضباب ل يتناسب مع وصف هذا الدخان‪ ،‬لن الضباب يكون بارداً‬
‫وأما هذا الدخان الكوني فإن فيه شيئا ً من الحرارة‪ .‬نعم‪ ،‬الدخان‬
‫عبارة عن غازات تعلق فيها مواد صلبة‪ .‬ويكون معتما ً وهذا وصف‬
‫الدخان الذي بدأ منه الكون‪ .‬قبل أن تتكون النجوم كان عبارة‬
‫عن غازات تعلق فيها مواد صلبة وكان معتماً‪ .‬قال‪ :‬وكذلك كان‬

‫‪385‬‬
‫حاراً‪ ،‬فل يصدق عليه وصف الضباب‪ ،‬بل إن أدق وصف هو أن‬
‫نقول‪ :‬هو دخان‪.‬‬
‫وهكذا أخذ يفصل فيما عرض عليه من آيات وأخيرا ً سألناه‪ :‬ما‬
‫رأيك في هذه الظاهرة التي رأيتها بنفسك‪ ،‬العلم يكشف بتقدمه‬
‫أسرار الكون‪ ،‬فإذا بكثير من هذه السرار قد ذكرت في القرآن‬
‫أو ذكرت في السنة هل تظن أن هذا القرآن جاء إلى محمد صلى‬
‫الله عليه وسلم من مصدر بشري؟ كما نرى هذه المحاورة‬
‫معاً‪.‬البروفيسور يوشيودي كوزان‪ :‬وقبلنا كان هؤلء الفلكيون‬
‫المعاصرون يدرسون تلك القطع الصغيرة في السماء‪ .‬لقد ركزنا‬
‫مجهودنا لفهم هذه الجزاء الصغيرة لننا نستطيع باستخدام‬
‫التلسكوب أن نرى كل الجزاء الرئيسية في السماء‪ ،‬ولذلك‬
‫أعتقد أنه بقراءة القرآن وبإجابة السئلة أنني أستطيع أن أجد‬
‫طريقا ً في المستقبل للبحث في الكون‪.‬الشيخ عبدالمجيد‬
‫الزنداني‪ :‬قال كما رأينا ل‪ .‬ل يمكن أن يكون من مصدر بشري‪.‬‬
‫وقال‪ :‬إننا نحن العلماء نركز على جزء صغير في دراستنا‪ ،‬أما من‬
‫يقرأ القرآن فإنه يرى صورة واسعة لهذا الكون‪ .‬قال‪ :‬إنني‬
‫عرفت منهجا ً جديدا ً في دراسة الكون ل بد أن ننظر إليه نظرة‬
‫شاملة ل أن ننظر إليه من هذه النقطة الضيقة الجزئية‬
‫المحدودة‪ .‬قال‪ :‬إنني سأنهج هذا المنهج وقد عرفت بعد أن قرأت‬
‫القرآن وهذه اليات المتعلقة بالكون عرفت مستقبلي‪ ،‬أي إنني‬
‫سأخطط أبحاثي على هذه النظرة الشاملة التي استفدتها من‬
‫كتاب الله‪.‬سبحانك يا رب سبحانك ها هم علماء الشرق وعلماء‬
‫الغرب يحنون رؤوسهم إجلل ً لهذا الكتاب الكريم‪ ،‬هذه حجة‬
‫محمد ‪ .‬هذه هي معجزته الباقية المتجددة‪ ،‬هذه هي المعجزة‬
‫الحية التي تقنع المسلمين وغير المسلمين وتقنع الجيال إلى يوم‬
‫الدين‪.‬‬
‫﴿لكن الله يشهد بما أنزل إليك أنزله بعلمه…﴾ (سورة النساء‪،‬‬
‫الية‪﴿.)166:‬وقل الحمد لله سيريكم آياته فتعرفونها﴾(سورة النمل‪،‬‬
‫الية‪.)93:‬‬
‫﴿ويرى الذين أوتوا العلم الذي أنزل إليك من ربك هوالحق ويهدي‬
‫إلى صراط العزيزالحميد﴾(سورة سبأ الية‪)6:‬‬
‫‪------------‬‬
‫يقول المستشرق آرثر آربري ‪:‬‬
‫"عندما أستمع إلى القرآن يتلى بالعربية ‪ ،‬فكأنما أستمع إلى‬
‫نبضات قلبي"‬
‫نقل ً عن "حتى الملئكة تسأل" د‪.‬جيفري لنغ ‪206‬‬
‫‪----------------‬‬

‫‪386‬‬
‫وتقول المستشرقة اللمانية أنا ماريا شميل ‪،Annemarie Schimmel‬‬
‫في مقدمتها لكتاب "السلم كبديل" ‪ Der Islam als Alternative‬لمراد‬
‫هوفمان ص ‪ :11‬ترجمة غريب محمد غريب نشر مؤسسة بفاريا‪،‬‬
‫مع مجلة النور الكويتية‪.‬‬
‫"القرآن هو كلمة الله ‪ ،‬موحاة بلسان عربي مبين ‪ ،‬على النبي‬
‫المين وأن ترجمته ل يمكن إلا أن تكون تقريبية ضمنية ل تضارع‬
‫الصل‪ ،‬إذ ل أحد‪ ،‬مهما بلغ من الحذق والكفاءة‪ ،‬يقدر أن يترجنم‬
‫ذلك العجاز اللهي إلى لغة أخرى" ‪.‬‬
‫‪------------‬‬
‫يقول محمد أسد في مقدمة كتابه "السلم على مفترق الطرق"‬
‫"جاءني السلم متسلل ً كالنور إلى قلبي المظلم ‪ ،‬ولكن ليبقى‬
‫فيه إلى البد والذي جذبني إلى السلم هو ذلك البناء العظيم‬
‫المتكامل المتناسق الذي ل يمكن وصفه ‪ ،‬فالسلم بناء تام‬
‫م بعضها بعضاً … وليزال‬ ‫الصنعة ‪ ،‬وكل أجزائه قد صيغت ليُت َّ‬
‫السلم بالرغم من جميع العقبات التي خلّفها تأخر المسلمين‬
‫معت رغباتي‬ ‫أعظم قوة ناهضة بالهمم عرفها البشر ‪ ،‬لذلك تج ّ‬
‫حول مسألة بعثه من جديد"‬
‫وقال في نفس المصدر ‪:103-102‬‬
‫"إن السلم يحمل النسان على توحيد جميع نواحي الحياة … إذ‬
‫يهتم اهتماما ً واحدا ً بالدنيا والخرة ‪ ،‬وبالنفس والجسد ‪ ،‬وبالفرد‬
‫والمجتمع ‪ ،‬ويهدينا إلى أن نستفيد أحسن الستفادة مما فينا من‬
‫طاقات ‪ ،‬إنه ليس سبيل ً من السبل ‪ ،‬ولكنه السبيل الوحيد ‪ ،‬وإن‬
‫الرجل الذي جاء بهذه التعاليم ليس هاديا ً من الهداة ولكنه‬
‫الهادي" ‪.‬‬
‫ُ‬
‫"إن الرجل الذي أرسل رحمة للعالمين ‪ ،‬إذا أبينا عليه هُداه ’ فإن‬
‫هذا ل يعني شيئا ً أقل من أننا نأبى رحمة الله ‪.‬‬
‫قال مصطفى غفر الله له‬
‫رجعت من النمسا وتركت السلطات هناك قد وافقت للمسلمين‬
‫لكي يسموا شارعا باسم "محمد أسد" هذا الرجل الذي اعتنق‬
‫عقيدة التوحيد بعد حيرة‪ .‬وكان ذلك بعد جهد جهيد وقد حاول‬
‫الحاقدون عرقلة الموضوع‪.‬‬
‫يقول الكاتب والمخرج المريكي الكبير مايكل وولف الذي هداه‬
‫الله إلى السلم في كتابه "رحلة حاج أميركي إلى مكة"‪:‬‬
‫"رحلة تعطي الفرصة للحاج ليستعيد شيئا ً من المساحة النقية‬
‫في حياته‪ ،‬هذا شيء مركزي في هذه الفريضة هو أمر ثمين جداً‬
‫لننا جميعا ً نضيع في هذا العالم‪"،‬‬
‫‪----------‬‬

‫‪387‬‬
‫وفي حوار لجريدة "سان خوزيه ميركوري" الميركية يقول‬
‫وولف‪:‬‬
‫"عندما ترى الكعبة للمرة الولى تنظر إليها بعد أن تكون قد‬
‫صليت باتجاهها لسنوات فتجدها رائعة جدا ً وجميلة جدا‪ ،‬الناس‬
‫دائما ً يبكون عندما يرون الكعبة بالرغم من كونها مبنى مربعاً‬
‫بسيطاً • عندما تؤدي الطواف تشعر بإحساس عظيم من السمو‬
‫الروحي‪ ،‬ولكن في الوقت نفسه تحس بالتجمع الهائل والتكامل‬
‫مع الخرين وهذا يجعلك تسمو روحيا ً دون أن تشطح عن حدودك‬
‫الجسدية واتزانك الطبيعي" اهـ‬
‫يقول أسـتاذ الفلسـفة راما كريشنا راو في كتابه "محمد نبي‬
‫السلم"‪:‬‬
‫" إن إلقاء نظرة على شخصية محمد تسمح لنا بالطلع على‬
‫عدد كبير من المشاهد ‪ :‬فهناك محمد الرسول ‪ ،‬ومحمد‬
‫المجاهد ‪ ،‬ومحمد الحاكم ‪ ،‬ومحمد الخطيب ‪ ،‬ومحمد المصلح ‪،‬‬
‫ومحمد ملجأ اليتام ‪ ،‬ومحمد محرر العبيد ‪ ،‬ومحمد حامي‬
‫المرأة ‪ ،‬ومحمد القاضي ‪ ،‬ومحمد العابد لله ‪ ..‬كل هذه الدوار‬
‫الرائعة تجعل منه أسوة للروح النسـانية"‬
‫‪-------------‬‬
‫يقول مراد هوفمان في "الطريق إلى مكة" ص ‪:148‬‬
‫"السلم دين شامل وقادر على المواجهة ‪ ،‬وله تميزه في جعل‬
‫التعليم فريضة ‪ ،‬والعلم عبادة … وإن صمود السلم ورفضه‬
‫النسحاب من مسرح الحداث ‪ ،‬عُد َّ في جانب كثير من الغربيين‬
‫خروجا ً عن سياق الزمن والتاريخ ‪ ،‬بل عدّوه إهانة بالغة للغرب"‬
‫دراسات مركز "رصد العقائد" في مدينة " برن " بسويسرا يقول‬
‫أن أسرع دينا انتشارا في العالم هو السلم ‪ ،‬وهذا ما أكده‬
‫دارسو الديان والعقائد‪.‬‬
‫‪------------‬‬
‫قالت الباحثة الكهنوتية المريكية كارول أنوي في كتاب "سر‬
‫إسلم المريكيات" ص ‪. 180‬‬
‫‪":‬السلم هو أسرع الديان انتشارا ً في أمريكا الشمالية"‬
‫‪------------‬‬
‫ويقول د‪ .‬هستون سميث في كتابه " ديانات النسان"‪:.‬‬
‫"إن السلم في هذا العصر كما في العصور السابقة أسرع‬
‫الديان إلى كسب التباع المصدّقين"‪.‬‬
‫‪---------‬‬
‫ويقول المبشر جون تكل‬

‫‪388‬‬
‫‪" :‬السلم آخذ في النتشار رغم أن الجهود التي تبذل في سبيله‬
‫تكاد تكون في حكم العدم" عن كتاب "الغارة على العالم‬
‫السلمي" ل‪.‬شاتلييه‬
‫قال مصطفى غفر الله له‪:‬‬
‫هذه الثلثة نقل عن كتاب الدكتور الدالتي "ربحت محمدا ولم‬
‫أخسر المسيح ص ‪77‬‬
‫رجوعا إلى بيانكا سكارسيا‪،‬‬
‫تقول في " العالم السلمي وقضاياه التاريخية" ص (‪: )207-40‬‬
‫"إن الشريعة القرآنية تمارس جاذبيتها على مليين الناس ‪،‬‬
‫فالسلم يشهد بشكل دائم إقبال ً أكثر على اعتناقه ‪ ،‬ويصعب‬
‫تفسير تنامي هذه الظاهرة ‪ ،‬في أوروبة خاصة ‪ ،‬إذ أن السلم‬
‫ينحو لن يُمثل اليوم خيارا ً بديل ً عن الحضارة الغربية"‪.‬‬
‫ويقول المستشرق هيل في حضارة العرب‪:‬‬
‫"ل نعرف في تاريخ البشر أن دينا ً انتشر بهذه السرعة وغيّر‬
‫العالم كما فعل السلم"‪.‬‬
‫‪---------‬‬
‫قال المستشرق اللماني ‪ Becher. G.H‬يشهد على سماحة السلم‪:‬‬
‫( فالدين السلمي أقام بناءه المذهبي في جو من التفكير الحر‪،‬‬
‫بعكس الدين المسيحي‪ ،‬الذي تمثله كنيسة قائمة على طغمة‪ ،‬أي‬
‫على نظام تصاعدي‪ ،‬وبيدها خلص الناس‪..‬‬
‫ففي السلم كان مجال الختلف أوسع بكثير منه في المسيحية‪،‬‬
‫لنه لم يكن به شئ يشبه القاضي الذي يصدر الحكم الفاصل ل‬
‫استئناف له‪.)...‬‬
‫‪-----------‬‬
‫يقول العلمة لوزان في كتابه "الله في السماء" ‪:‬‬
‫"ليس محمد نبي العرب وحدهم بل هو أفضل نبي قال بوحدانية‬
‫الله‪ ،‬وأن دين موسى وإن كان من الديان التي أساساها‬
‫الوحدانية‪ ،‬إل أنه كان قوميا ً محضا ً وخاصا ببني إسرائيل‪ ،‬وأما‬
‫محمد فقد نشر دينه بقاعدتيه الساسيتين وهما التوحيد واليمان‬
‫بالبعث‪ .‬وقد أعلن دينه لعموم البشر في أنحاء المسكونة‪.‬‬
‫ويقول في الكتاب نفسه‪:‬‬
‫"فرسول كهذا الرسول يجدر باتباع رسالته والمبادرة إلى اعتناق‬
‫دعوته‪ ،‬إذ أنها دعوة شريفة‪ ،‬قوامها معرفة الخالق‪ ،‬والحث على‬
‫الخير والردع عن المنكر‪ ،‬بل كل ما جاء به يرمي إلى الصلح‬
‫والصلح‪ ،‬والصلح أنشودة المؤمن‪ ،‬هذا هو الدين الذي أدعو إليه‬
‫جميع النصارى‪".‬‬
‫‪---------‬‬

‫‪389‬‬
‫وقال شاتليه الفرنسي ‪:‬‬
‫"إن رسالة محمد هي أفضل الرسالت التي جاء بها النبياء‬
‫قبله"‪.‬‬
‫‪-------------‬‬
‫قال العلمة جان ميكائيليس في كتابه "العرب في آسيا" ‪:‬‬
‫"لم يكن محمد نبي العرب المشعوذ ول الساحر كما اتهمه‬
‫السفهاء في عهده‪ ،‬وإنما كان رجل ً ذا حنكة وإدارة وبطولة‬
‫وقيادة وأخلق وعقيدة‪ ،‬فلقد دعا لدينه بكل صفات الكمال وأتى‬
‫للعرب بما رفع فيه شأنهم‪ ،‬ولم نعرف عن دينه إل ما يتلءم مع‬
‫العصور مهما تطورت‪ ،‬ومن يتهم محمدا ً ودينه بخلف هذا فإنه‬
‫ضال عن الطريقة المثلى‪ ،‬وحري بكل الشعوب أن تأخذ‬
‫بتعاليمه"‪.‬‬
‫وقال المستشرق اللماني ( بلسنر) مارتن‪ ،‬المحاضر في جامعة‬
‫فرانكفورت‪ ( :...‬ول يكاد يوجد شئ من جهود المسلمين في‬
‫ميدان العلوم لم يتأثر به الغرب بطريق أو بآخر‪..‬‬
‫لم تكن علوم المسلمين – بطبيعة الحال – العامل الوحيد الذي‬
‫أدى إلى إحياء العلم في الغرب‪ ،‬فتقاليد العلوم القديمة لم تتلش‬
‫تماما وسط الفوضى التي عمت خلل عصر غزوات البرابرة‬
‫لوربا‪ ،‬ومع ذلك فمن الصحيح أن علماء المسلمين أعطوا العلم‬
‫الوربي قوة دفع جديدة‪ ،‬والهم من ذلك أن هذا العلم الغربي قد‬
‫اكتسب مادة أدت إلى إثرائه بدرجة ل نظير لها بفضل الترجمات‬
‫العربية عن الغريق‪ ،‬وكذلك بفضل النتاج العلمي المستقل‬
‫للمسلمين أنفسهم‪.)..‬‬
‫‪------------‬‬
‫يقول البحاثة الكبير لبيب الرياشي اللبناني في كتابه "فلسفة‬
‫الرسول العربي" صفحة ‪: 6‬‬
‫ما ندمت على شيء في حياتي ندما ً عصبيا ً ساحقا ً مثل ندمي‬
‫على جهلي نفسية الرسول العربي‪.‬‬
‫أما لو أدرك المسلمون سيرة الرسول بجوهرها‪ ،‬وشرع الرسول‬
‫بسنائه‪ ،‬وحكم الرسول بجللها‪ ،‬وإبداع الضمائر الجديدة التي‬
‫ابتدعها الرسول بجدتها الوضاءة‪ ،‬وعملوا بما أدركوا لكان‬
‫المسلمون غير هؤلء المسلمين‪ ،‬ولكان العالم غير هذا العالم‪.‬‬
‫ثم قال‪ :‬أما لو درس عشاق الرسول وعشاق العظماء والحكماء‬
‫والمبدعين غير العرب‪ ،‬بطهارة وجدان وبراءة سريرة‪ ،‬وتحليل‬
‫عبقري‪ ،‬حياة الرسول العربي‪ ،‬وسمو الرسول العربي وبراءة‬
‫سريرته وأعماله وشرعه لستكشفوا أعظم شخصية وأقدس‬
‫رسالة للتاريخ النساني‪ ،‬ولقد طالعت مئات المجلدات وقرأت‬

‫‪390‬‬
‫حياة ألوف العظماء والرسل‪ ،‬ولكن مئات المجلدات وحياة ألوف‬
‫العظماء والرسل ما فعلت بنفسي وأثرت في دماغي وهذبت‬
‫وثقفت وأدهشت‪ ،‬مثلما فعلت حياة الرسول العربي العالمي‬
‫محمد بن عبد الله‪.‬‬
‫‪--------------‬‬
‫وقال الستاذ "دينيس سورا" ‪ .Saurat, Denis‬الستاذ في جامعة لندن‬
‫في أول كتابه "تاريخ الديان ‪ "A HISTORY OF RELIGIONS‬الذي نشره‬
‫‪1933‬م‪:‬‬
‫"إن محمدا ً رسول السلم يكاد يكون هو الوحيد الذي نعرفه عن‬
‫طريق التاريخ من بين عظماء مؤسسي الديان‪ ،‬إذ أن الخرافات‬
‫لم تستطع أن تخفيه‪ ،‬وأن دين مواطنيه إبان ظهوره‪ ،‬كان قد‬
‫هوى إلى أدنى الدركات‪ ،‬أو قل إنه "دين مواطنيه" كان لميما ً من‬
‫بقايا عقائد بدائية"‬
‫قال مصطفى غفر الله له‪:‬‬
‫وهو صاحب كتاب " ميلتون الرجل والمفكر"‪ " ،‬روح فرنسا"‬
‫"الداب الفرنسية الحديثة"‪ .‬وغيرها‪.‬‬
‫‪-----------‬‬
‫رجوعا إلى آنا ماري شيمل في "سيقهر الماء صم الحجر" ص ‪:63‬‬
‫"كل‪ ..‬إنني لم أجد في القرآن ول في السنة أي أمر يدعو إلى‬
‫الرهاب‪ ،‬أو الختطاف‪ ،‬أو نص يجيزهما‪ .‬بل إن مدار الخلق في‬
‫السلم هو القاعدة الذهبية"‬
‫‪--------‬‬
‫قالت الشاعرة الهندية ساروجيني نايدو ‪ Sarojini Naidu‬في كتاب‬
‫"مثاليات السلم"‪:‬‬
‫"إن السلم أول دين ينادي ويطبق الديمقراطية‪ ..‬عندما ينادي‬
‫للصلة في المسجد ويتجمع المصلون تُطبَّق الديمقراطية خمس‬
‫مرات في اليوم عندما يركع الفلح والملِك قائلين "الله أكبر"‪،‬‬
‫وأعجبتني مراًرا تلك الوحدة السلمية التي جعلت البشر إخوة‬
‫بالفطرة"‪.‬‬
‫‪S. Naidu, "Ideals of Islam," vide Speaches ~ Writings, Madras, 1918, p. 169‬‬

‫قال مصطفى غفر الله له‪:‬‬


‫طبعا هي تقصد بالديمقراطية العدالة والتضامن والتعاون‬
‫والوحدة السلمية التي عبرت عنها بنفسها‪،‬‬
‫وحتى إن كانت تقصد الديمقراطية بالمعنى اليديولوجي فل لوم‬
‫عليها‪ ،‬فهي غير مسلمة‪ ،‬والديمقراطية هي أسمى ما وصل إليه‬
‫فكرهم واجتهادهم‪.‬‬

‫‪391‬‬
‫‪---------‬‬
‫وقال الفرنسي كارا دو فو ‪ Bernard Carra De Vaux‬في كتابه‬
‫"المحمدية"‪:‬‬
‫"إن محمدا ً أتم طفولته في الهدوء‪ ،‬ولما بلغ سن الشباب اشتهر‬
‫باسم الشاب الذكي الوديع المحمود‪ ،‬وقد عاش هادئا ً في سلم‬
‫حتى بلغ الربعين من عمره‪ ،‬وكان بشوشا نقيا ً لطيف‬
‫المعاشرة"‪ .‬ثم قال‪:‬‬
‫"إن محمدا ً كان هو النبي والملهم والمؤسس‪ ،‬ولم يستطع أحد‬
‫أن ينازعه المكانة العليا التي كان عليها‪ ،‬ومع ذلك فإنه لم ينظر‬
‫إلى نفسه كرجل من عنصر آخر‪ ،‬أو طبقة أخرى غير طبقات بقية‬
‫المسلمين‪ .‬إن شعور المساواة والخاء الذي أسسه "محمد" بين‬
‫أعضاء الجمعية السلمية‪ ،‬كان يطبق تطبيقا ً عملياً‪ ،‬حتى على‬
‫النبي نفسه"‪.‬‬
‫‪-------‬‬
‫رجوعا إلى الكاتب الروسي ليو تولستوي في "من هو محمد؟"‬
‫يقول‪:‬‬
‫"إن محمدا هو مؤسس ورسول الديانة السلمية التي يدين بها‬
‫في جميع جهات الكرة الرضية مائتا مليون نفس"‪.‬‬
‫هذا حسب رؤيته وقتئذ‪.‬‬
‫وقال‪" :‬ولد النبي محمد في بلد العرب سنة ‪ 571‬بعد ميلد‬
‫المسيح من أبوين فقيرين‪ ،‬وكان في حداثة سنه راعيا ً وقد مال‬
‫منذ صباه إلى النفراد في البراري والمكنة الخالية‪ ،‬حيث كان‬
‫يتأمل في الله وخدمته‪.‬‬
‫إن العرب المعاصرين له‪ ،‬عبدوا أربابا كثيرة‪ ،‬وبالغوا في التقرب‬
‫إليها واسترضائها‪ ،‬فأقاموا لها أنواع التعبد‪ ،‬وقدموا لها الضحايا‬
‫المختلفة‪ ،‬ومنها الضحايا البشرية‪ ،‬مع تقدم سن محمد كان‬
‫اعتقاده يزداد بفساد تلك الرباب‪ ،‬وأن ديانة قومه ديانة كاذبة‪،‬‬
‫وأن هناك إلها ً واحدا ً حقيقيا ً لجميع الشعوب‪ .‬وقد ازداد هذا‬
‫العتقاد في نفس محمد حتى اعتزم في نفسه أن يدعو مواطنيه‬
‫إلى العتقاد باعتقاده الصحيح الراسخ في فؤاده‪.‬‬
‫ثم قد دفعه إلى ذلك عامل داخلي هو‪ :‬إن الله اصطفاه لرشاد‬
‫أمته‪ ،‬وعهد إليه هدم ديانتهم الكاذبة‪ ،‬وإنارة أبصارهم بنور الحق‪،‬‬
‫فأخذ من ذلك العهد ينادي باسم الواحد الحد وذلك بحسب ما‬
‫أوحى الله إليه‪ ،‬وبمقتضى اعتقاده الراسخ"‪.‬‬
‫وقال‪" :‬وفي سني دعوة محمد الولى‪ ،‬تحمل كثيرا ً من اضطهاد‬
‫أصحاب الديانة القديمة‪ ،‬شأن كل نبي قبله نادى أمته إلى الحق‪،‬‬
‫ولكن هذه الضطهادات لم تثن عزمه‪ ،‬بل ثابر على دعوة أمته‪،‬‬

‫‪392‬‬
‫مع أن محمدا ً لم يقل أنه نبي الله الوحيد بل اعتقد أيضا ً بنبوة‬
‫موسى والمسيح ودعا قومه إلى هذا العتقاد أيضاً‪ ،‬وقال إن‬
‫اليهود والنصارى ل يكرهون على ترك دينهم‪ ،‬بل يجب عليهم أن‬
‫يتبعوا وصايا أنبياءهم"‪..‬‬

‫"ومما ل ريب فيه أن النبي محمدا ً كان من عظماء الرجال‬


‫المصلحين‪ ،‬الذين خدموا المجتمع النساني خدمة جليلة‪ ،‬ويكفيه‬
‫فخرا ً أنه هدى أمة برمتها إلى نور الحق وجعلها تجنح للسكينة‬
‫والسلم وتؤثر عيشة الزهد‪ ،‬ومنعها من سفك الدماء‪ ،‬وتقديم‬
‫الضحايا البشرية‪ ،‬وفتح لها طريق الرقي والمدنية‪.‬‬
‫وهذا عمل عظيم ل يقوم به إل شخص أوتي قوة‪ ،‬ورجل مثل هذا‬
‫لجدير بالحترام والجلل"‪.‬‬
‫يقول " ديوان شند شرمة " في كتابه ‪ " :‬أنبياء الشرق " ‪ .‬طبعة‬
‫كلكتا ( ‪ ) 1935‬ص ‪: 122‬‬
‫" لقد كان محمد روح الرأفة والرحمة وكان الذين حوله يلمسون‬
‫تأثيره ولم يغب عنهم أبدا " ‪.‬‬
‫‪-----------‬‬
‫رجوعا إلى الباحثة المريكية جــودي آنــوي التي أسلمت‪:‬‬
‫قالت في "سر إسلم المريكيات" ص ‪: 38‬‬
‫"أثناء دراستي للسلم كانت جميع أسئلتي تجد الجابة الشافية‬
‫فنحن ل نُعاقب على خطأ آدم الذي طلب المغفرة من ربه فعفا‬
‫عنه ربنا الرحيم ‪ ،‬لقد وجدت تعاليم السلم تضع كل شيء في‬
‫إطاره الصحيح ‪ ،‬وتلبي حاجة قلبي وعقلي … إنها تعاليم‬
‫الفطرة ‪ ،‬فليس فيها غموض"‬
‫وقالت في ‪: 83-82‬‬
‫"لقد استمتعت بالوضوء وبارتداء ملبس الصلة ‪ ،‬وبأداء الصلة ‪،‬‬
‫لني أشعر أنني أقترب أكثر من خالقي … وإن أعظم الحقوق‬
‫ي‬
‫السلمية منزلة هو الحجاب ‪ ،‬فإن لي الحق أن ينظر الناس إل ّ‬
‫على أني امرأة ذات أخلق فاضلة ‪ ،‬ل على أنّي أنثى ‪ ،‬فالحرية‬
‫الحقيقية أجدها في الحجاب"‪.‬‬
‫قالت في ‪:173‬‬
‫"إن ربط كل حياتي بالله هو في نظري الجزء المليء بالمعاني‬
‫في السلم فالسلم يلبّي كل جوانب الحياة ‪ ،‬وأشعر أني قد‬
‫ولدت مسلمة ‪ ،‬ولكن تربيتي كانت كاثوليكية ‪ ،‬وها قد نجحت‬
‫الن ورجعت إلى السلم"‪.‬‬
‫‪----------‬‬
‫يقول جان بول رو في كتابه "السلم في الغرب"‬

‫‪393‬‬
‫"‬
‫‪Jean-Paul Roux, " L’Islam en Occident‬‬
‫"إن عودة السلم إلى أوربة هي موجة جديدة لن يقدر على‬
‫وقفها أو الحد منها أية عقيدة أو مبدأ أو دين"‬
‫"لم يكن محمدا ً نبيا ً عاديا ً ‪ ،‬بل استحق بجدارة أن يكون خاتم‬
‫النبياء ‪ ،‬لنه قابل كل الصعاب التي قابلت كل النبياء الذين‬
‫سبقوه مضاعفة من بني قومه … نبي ليس عاديا ً من يقسم أنه‬
‫"لو سرقت فاطمة ابنته لقطع يدها" ! ولو أن المسلمين اتخذوا‬
‫رسولهم قدوة في نشر الدعوة لصبح العالم مسلماً"‬
‫الباحث الفرنسي كليمان هوارت عن "محمد في الداب العالمية‬
‫المنصفة" ص ‪142‬‬
‫‪---------‬‬
‫رجوعا إلى زيجرد هونكه‬
‫لكن هذه المرة مع كتابها "الله‪ ،‬ليس كذلك" ‪ Allah ist ganz anders‬ص‬
‫‪ ،63-62‬ط مؤسسة بفاريا للنشر والعلم‪ ،‬الطبعة الثانية أبريل‬
‫‪ ،1998‬ترجمة غريب محمد غريب قالت‪:‬‬
‫"وعندما سئلت في إحدى المؤتمرات السلمية‪ ،‬مل نصيحتي‬
‫للمرأة العربية؟‬
‫(قلت لهن‪ :‬إذا أرادت المرأة العربية طي الماضي بخلعها‬
‫الحجاب‪ ،‬فل ينبغي عليها أن تتخذ المرأة الوربية أو المريكية أو‬
‫الروسية قدوة تحتذيها‪ ،‬أو أن تهتدي بفكر عقائدي مهما كان‬
‫مصدره‪ ،‬لن في ذلك تمكينا جديدا للفكر الدخيل المؤدي إلى‬
‫فقدها لمقومات شخصيتها‪ ،‬وإنما ينبغي عليها أن تستمسك بهدي‬
‫السلم الصيل‪ ،‬وأن تسلك سبيل السابقات من السلف الصالح‪،‬‬
‫اللتي عشنه منطلقات من قانون الفطرة التي فطرن عليها‪ ،‬وأن‬
‫تلتمس العربية لديهن المعايير والقيم التي عشن وفقا لها‪ ،‬وأن‬
‫تكيف تلك المعايير والقيم مع متطلبات العصر الضرورية وأن‬
‫تضع نصب عينيها رسالتها الخطيرة المتمثلة في كونها أم جيل‬
‫الغد العربي‪ ،‬الذي يجب أن ينشأ عصاميا‪ ،‬يعتمد على نفسه)"‬
‫‪----------‬‬
‫قال عالم الفلسفة اللهوتية أوليفروس من كولونيا في رسالته‬
‫إلى السلطان الكامل سنة ‪:1221‬‬
‫نقل عن كتاب زجريد هونكة "الله ليس كذلك" ص ‪25‬‬
‫" منذ تقادم العهود‪ ،‬لم يسمع المرء بمثل هذا الترفق والجود‪،‬‬
‫خاصة إزاء أسرى العدو اللدود‪ ،‬ولما شاء الله أن تكون أسراك‪،‬‬
‫لم نعرفك مستبدا طاغية‪ ،‬ول سيدا داهية‪ ،‬وإنما عرفناك أبا رحيما‬
‫شملنا بالحسان والطيبات‪ ،‬وعونا منقذا في كل النوائب‬
‫والملمات‪ .‬ومن ذا الذي يمكن أن يشك لحظة في أن مثل هذا‬

‫‪394‬‬
‫الجود والتسامح والرحمة من عند الله‪ ..‬إن الرجال الذين قتلنا‬
‫آباءهم وأبناءهم وبناتهم وإخوانهم وأخواتهم وأذقانهم مر العذاب‪،‬‬
‫لما غدونا أسراهم وكدنا نموت جوعا‪ ،‬راحوا يؤثروننا على‬
‫أنفسهم على ما بهم خصاصة‪ ،‬وأسدوا إلينا كل ما استطاعوا من‬
‫إحسان‪ ،‬بينما كنا تحت رحمتهم ل حول لنا ول سلطان"‬
‫قال المستشرق الفرنسي المسلم " ناصر الدين رينه " ‪ :‬وكان‬
‫النبي يعنى بنفسه عناية تامة ‪ ،‬إلى حد أن عرف له نمط من‬
‫التأنق على غاية من البساطة ‪ ،‬ولكن على جانب كبير من الذوق‬
‫والجمال ‪ ،‬وهو في كل ذلك يريد من حسن منظره البشري أن‬
‫يروق الخالق سبحانه وتعالى‬
‫ومع هذا كان يحزم بشدة التغالي في الملبس ‪ ،‬وعلى الخصوص‬
‫لبس الحرير؟ حتى ل يتيح للغنياء فرصة التعالي على الفقراء‬
‫‪----------‬‬
‫وقال جوستاف لوبون ـ العبارة الصلية "هوس " وهو يقصد بذلك‬
‫الحماسة والندفاع ـ بعد أن نقل أوصاف الرسول من المصادر‬
‫السلمية‬
‫ويضاف إلى الوصف السابق ما رواه مؤرخو العرب الخرون من‬
‫أن محمدا كان شديد الضبط لنفسه ‪ ،‬كثير التفكير ‪ ،‬صموتا ‪،‬‬
‫ب على‬‫حازما ‪ ،‬سليم الطوية ‪ ،‬عظيم العناية بنفسه ‪ ،‬مواظ ً‬
‫خدمتها بالذات حتى بعد اغتنائه‬
‫وكان محمد صبورا ً قادرا على احتمال المشاق ‪ ،‬ثابتا ً ‪ ،‬بعيد الهمة‬
‫‪ ،‬لين الطبع ‪ ،‬وديعا ً ‪ ،‬فذكر أحد خدمه أنه ظل عنده ثماني عشرة‬
‫سنة فلم يعزره قط في تلك المدة ولو مرة واحدة‬
‫وكان محمد مقاتل ً ماهرا ً ‪ ،‬فكان ل يهرب أمام المخاطر ‪ ،‬ول‬
‫يلقي بيديه إلى التهلكة ‪ ،‬وكان يعمل ما في الطاقة لنماء خلق‬
‫الشجاعة والقدام في بني قومه‬
‫"حضارة العرب " ترجمة عادل الزعيتر‬
‫ول يقف أي قول بخداع محمد ثانية أمام سلطان النقد ‪ ،‬ومحمد‬
‫كان يجد في حماسه ما يحفزه إلى اقتحام كل عائق ‪ ،‬ويجب‬
‫على من يود أن يفرض إيمانه على الخرين أن يؤمن بنفسه قبل‬
‫كل شيء ‪ ،‬ومحمد كان يعتقد أنه مؤيد من الله فيتقوى فل يرتد‬
‫أمام أي مانع‬
‫جمع محمد قبل وفاته كلمة العرب ‪ ،‬وخلق منهم أمة واحدة‬ ‫و َ‬
‫خاضعة لدين واحد مطيعة لزعيم واحد ‪ ،‬فكانت في ذلك آيته‬
‫الكبرى‬
‫ومهما يكن المر ‪ ،‬فان مما ل ريب فيه أن محمدا ً أصاب في بلد‬
‫العرب نتائج لم تصب مثلها جميع الديانات التي ظهرت قبل‬

‫‪395‬‬
‫السلم ومنها اليهودية والنصرانية ؟ ولذلك كان فضل محمد على‬
‫العرب عظيما ‪ ،‬ويتجلى هذا الفضل العظيم في جواب رسل عمر‬
‫بن الخطاب إلى كسرى حين سألهم عن أعمال النبي ‪ ،‬قال‬
‫أولئك الرسل‬
‫فأما ما ذكرت من سوء حالنا فما كان أحد أسوأ حال منا ‪ ،‬وأما‬
‫جوعنا فلم يكن يشبه الجوع ‪ ،‬كنا نأكل الخنافس والجعلن‬
‫والعقارب والحيات ‪ ،‬فكنا نرى ذلك طعامنا ‪ ،‬وأما المنازل ‪،‬‬
‫فكانت ظهر الرض ‪ ،‬ولم نلبس إل ما غزلنا من أوبار البل‬
‫وأشعار الغنم ‪ ،‬كان ديننا أن يقتل بعضنا بعضا ً ويغير بعضنا على‬
‫بعض ‪ ،‬وكان أحدنا يدفن ابنته وهي حية كراهية أن تأكل من‬
‫طعامنا ‪ ،‬فكانت حالنا قبل اليوم على ما ذكرنا لك ‪ ،‬فبعث الله‬
‫إلينا رجل معروفا ً نعرف نسبه ونعرف وجهه ومولده ‪ ،‬فأرضه خير‬
‫أرضنا ‪ ،‬وحسبه خير أحسابنا وبيته أعظم بيوتنا وقبيلته خير قبائلنا‬
‫‪ ،‬فقذف الله في قلوبنا التصديق له واتباعه ‪ ،‬فما قال لنا فهو‬
‫قول الله ‪ ،‬وما أمرنا فهو أمر الله ‪ ،‬فقال لنا ‪ :‬إن ربكم يقول ‪:‬‬
‫إني أنا الله وحدي ل شريك لي ‪ ،‬كنت إذ لم يكن شيء ‪ ،‬وكل‬
‫شيء هالك إل وجهي ‪ ،‬وأنا خلقت كل شيء وإلي يصير كل شيء‬
‫‪ ،‬وإن رحمتي أدركتكم فبعثت إليكم هذا الرجل لدلكم على‬
‫السبيل التي بها أنجيكم بعد الموت من عذابي ‪ ،‬ولحلكم داري‬
‫دار السلم ‪ ،‬فنشهد عليه أنه جاء بالحق من عند الحق‬
‫وإذا ما قيست قيمة الرجال بجليل أعمالهم كان محمد صلى الله‬
‫عليه وسلم من أعظم من عرفهم التاريخ ‪ ،‬وأخذ بعض علماء‬
‫الغرب ينصفون محمدا ً مع أن التعصب الديني أعمى بصائر‬
‫مؤرخيهم عن العتراف بفضله‬
‫‪--------------‬‬
‫قال العلمة بارتلمي سنت هيلر ‪ :‬كان محمد أكثر عرب زمانه‬
‫ذكاء ‪ ،‬وأشدهم تدينا ً ‪ ،‬وأعظمهم رأفة ‪ ،‬ونال محمد سلطانه‬
‫الكبير بفضل تفوقه عليهم ‪ ،‬ونعد دينه الذي دعا الناس إلى‬
‫اعتقاده جزيل النعم على جميع الشعوب التي اعتنقته‬
‫‪--------------‬‬
‫وقال كارليل ‪ " :‬لقد أصبح من أكبر العار على كل فرد ممدن في‬
‫هذا العصر أن يصغي إلى ما يظهر من أن دين السلم كذب ‪،‬‬
‫وأن محمدا خداع مزور ‪ ،‬وآن لنا أن نحارب ما يشاع من مثل‬
‫هذه القوال السخيفة المخجلة ‪ ،‬فإن الرسالة التي أداها ذلك‬
‫الرسول ما زالت السراج المنير مدة اثني عشر قرنا لنحو مائتي‬
‫مليون من الناس أمثالنا‪ ،‬خلقهم الله الذي خلقنا ‪ ،‬أكان أحدهم‬
‫يظن أن هذه الرسالة التي عاش بها ومات عليها هذه المليين‬

‫‪396‬‬
‫الفائتة الحصر أكذوبة وخدعة ؟ ‪ ،‬أما أنا فل أستطيع أن أرى هذا‬
‫الرأي أبدا ً ‪ ،‬فلو أن الكذب والغش يروجان عند خلق الله هذا‬
‫الرواج ويصادفان منهم ذلك التصديق والقبول ‪ ،‬فما الناس إل بله‬
‫ومجانين ‪ ،‬وما الحياة إل سخف وعبث وأضلولة ‪ ،‬كان الولى بها‬
‫أن تخلق "‬
‫وما نظن أكبر محب للرسول يقول فيه وفي دعوته عن طريق‬
‫المنطق أحسن من هذا‬
‫‪----------‬‬
‫وقال تولستوي الحكيم الروسي ‪ " :‬ومما ل ريب فيه أن النبي‬
‫محمدا ً كان من عظام الرجال المصلحين الذين خدموا المجتمع‬
‫النساني خدمة جليلة ‪ ،‬ويكفيه فخرا ً أنه هدى أمة برمتها إلى نور‬
‫الحق ‪ ،‬وجعلها تجنح للسكينة والسلم وتؤثر عيشة الزهد ‪،‬‬
‫ومنعها من سفك الدماء وتقديم الضحايا البشرية وفتح لها طريق‬
‫الرقي والمدنية ‪ ،‬وهو عمل عظيم ل يقوم به إل شخص أوتي‬
‫قوة ‪ ،‬ورجل مثل هذا جدير بالحترام والكرام "‬
‫‪-------------‬‬
‫وقال وليم موير في كتابه "سيرة محمد" ‪ " :‬امتاز محمد بوضوح‬
‫كلمه ويسر دينه ‪ ،‬وقد أتم من العمال ما يدهش العقول ‪ ،‬ولم‬
‫يعهد التاريخ مصلحا أيقظ النفوس ‪ ،‬وأحيا الخلق ورفع شأن‬
‫الفضيلة ‪ ،‬في زمن قصير كما فعل محمد "‬
‫‪-----------‬‬
‫ويؤخذ مما قاله لين بول ‪ " :‬إن محمدا ً كان يتصف بكثير من‬
‫الصفات الحميدة كاللطف والشجاعة ومكارم الخلق ‪ ،‬حتى إن‬
‫النسان ل يستطيع أن يحكم عليه دون أن يثار بما تتركه هذه‬
‫الصفات في نفسه من أثر ‪ ،‬ودون أن يكون هذا الحكم صادرا‬
‫عن غير ميل أو هوى ‪ ،‬كيف ل وقد احتمل محمد عداء أهله‬
‫وعشيرته أعواما ‪ ،‬فلم يهن له عزم ‪ ،‬ول ضعفت له قوة ‪ ،‬وبلغ‬
‫من نبله أنه لم يكن في حياته البادئ بسحب يده من يد‬
‫مصافحه ‪ ،‬حتى ولو كان المصافح طفل ‪ ،‬وأنه لم يمر بجماعة‬
‫يوما ‪ ،‬رجال كانوا أو أطفال دون أن يقرئهم السلم ‪ ،‬وعلى‬
‫شفتيه ابتسامة حلوة ‪ ،‬وفي فيه نغمة جميلة كانت تكفي وحدها‬
‫لتسحر سامعها ‪ ،‬وتجذب القلوب إلى صاحبها جذبا "‬
‫ومما قاله أيضا ‪ " :‬إن كثيرا ً من كتاب التراجم والسير من‬
‫الوربيين الذين تناولوا الكلم على سيرة محمد لم يتعففوا عن‬
‫أن يشوهوا هذه السيرة بما أدخلوه عليها من افتراءات وادعاءات‬
‫‪ ،‬كاتهاماتهم إياه بالقسوة وارتكاب الموبقات والنهماك في‬
‫الشهوات ‪ ،‬وأنه كان دجال دعيًّا وطاغية متعطشا لسفك الدماء "‬

‫‪397‬‬
‫‪-----------‬‬
‫وعلل مونتيه طعن بعض الغربيين على الرسول بقوله ‪ " :‬كثيراً‬
‫ما حكمت عليه الحكام القاسية ‪ ،‬وما ذلك إل لنه ندر بين‬
‫المصلحين من عرفت حياتهم بالتفصيل مثله ‪ ،‬وأن ما قام به من‬
‫إصلح الخلق وتطهير المجتمع ‪ ،‬يمكن أن يعد به من أعظم‬
‫المحسنين للنسانية "‬
‫وقال ‪ " :‬ل مجال للشك في إخلص الرسول وحماسته "‬
‫‪------------‬‬
‫قال جان جاك روسو في القرن الثامن عشر‪ " :‬من الناس من‬
‫يتعلم قليل من العربية ثم يقرأ القرآن ويضحك منه ‪ ،‬ولو أنه‬
‫سمع محمدا ً يمليه على الناس بتلك اللغة الفصحى الرقيقة ‪،‬‬
‫وذاك الصوت المقنع المطرب المؤثر في شغاف القلوب ‪ ،‬ورآه‬
‫يؤكد أحكامه بقوة البيان ‪ ،‬لخر ساجدا ً على الرض وناداه ‪ :‬أيها‬
‫النبي رسول الله خذ بأيدينا إلى مواقف الشرف والفخار ‪ ،‬أو‬
‫مواقع التهلكة والخطار فنحن من أجلك نود الموت أو النتصار "‬
‫‪--------------‬‬
‫وقال كارليل أيضا ‪ " :‬إن فرط إعجاب المسلمين بالقران‬
‫وقولهم بإعجازه أكبر دليل على تباين الذواق في المم المختلفة‬
‫‪ ،‬والترجمة تذهب بأكثر جمال الصنعة وحسن الصياغة "‬
‫‪-------------‬‬
‫وجاهر كلود فارير في القرن العشرين بأن ‪ " :‬آيات القرآن‬
‫جميلة وتحسن تلوتها ‪ ،‬فيها نفحة طاهرة عجيبة ‪ ،‬لنها تأمر‬
‫بالشجاعة والصدق والمانة ‪ ،‬وتدعو إلى حماية الضعيف إلى‬
‫عبادة إله واحد "‬
‫‪-------------‬‬
‫وقالت لورافيشيا فاعليري ـ أستاذة اللغة العربية وتاريخ الحضارة‬
‫السلمية في جامعة نابولي بإيطالية ـ ‪ " :‬وحاول أقوى أعداء‬
‫السلم ـ وقد أعماهم الحقد ـ أن يرموا نبي الله ببعض التهم‬
‫المفتراة ‪ ،‬لقد نسوا أن محمدا ً كان قبل أن يستهل رسالته‬
‫موضع الجلل العظيم من مواطنيه بسبب أمانته وطهارة حياته ‪،‬‬
‫ومن عجب أن هؤلء الناس ل يجشمون أنفسهم عناء التساؤل‬
‫كيف جاز أن يقوى محمد على تهديد الكاذبين والمرائين ‪ ،‬في‬
‫بعض آيات القرآن اللسعة ‪ ،‬بنار الجحيم البدية لو كان هو قبل‬
‫ذلك رجل كذابا ً ‪ ،‬كيف يجرؤ على التبشير ‪ ،‬على الرغم من‬
‫إهانات مواطنيه ‪ ،‬إذا لم يكن ثمة قوى داخلية تحثه ـ وهو الرجل‬
‫ذو الفطرة البسيطة ـ حثا موصول ً ؟؟ كيف استطاع أن يستهل‬
‫صراعا كان يبدو يائسا ً ؟ كيف وفق إلى أن يواصل هذا الصراع‬

‫‪398‬‬
‫أكثر من عشر سنوات في مكة في نجاح قليل جذا وفي أحزان ل‬
‫تحصى ‪ ،‬إذا لم يكن مؤمنا إيمانا عميقا ً بصدق رسالته ؟ كيف جاز‬
‫أن يؤمن به هذا العدد الكبير من المسلمين النبلء والذكياء ‪ ،‬وأن‬
‫يؤازروه ‪ ،‬ويدخلوا الدين الجديد ‪ ،‬ويشدوا أنفسهم بالتالي إلى‬
‫مجتمع مؤلف في كثرته من الرقاء ‪ ،‬والضعفاء ‪ ،‬والفقراء‬
‫المعدمين إذا لم يلمسوا في كلماته حرارة الصدق ؟ ولسنا في‬
‫حاجة إلى أن نقول أكثر من ذلك ‪ ،‬فحتى بين الغربيين يكاد ينعقد‬
‫الجماع على أن صدق محمد كان عميقا وأكيدا "‬
‫‪http://www.khayma.com/nuzhatalmutaqi...amed/moh2.html‬‬
‫‪-------------‬‬
‫قال المسلم السباني فرانشيسكو كوديرا ‪.‬‬
‫"السلم قادم رغم كل العقبات ‪ ،‬لكنه يحتاج إلى دعاة حقيقيين‬
‫يقدمون تعاليمه بالحب والعمل"‪.‬‬
‫يقول المسلم جون وبستر ‪" :‬يظهر أن الغرب المسيحي قد تآمر‬
‫منذ الحروب الصليبية على التزام الصمت تجاه محاسن السلم‪،‬‬
‫وحاول تشويه مبادئه بطريقة متعمدة"‬
‫‪.‬عن "محمد في الداب العالمية المنصفة" محمد عثمان ص ‪. 59‬‬
‫يقول روم لندو في "السلم والعرب" ص ‪:126‬‬
‫" وكان موقف صلح الدين معاكسا ً للمذابح التي ارتكبها النصارى‬
‫فأطلق السرى وقدم الهبات للرامل واليتامى"‪.‬‬
‫نقول عالمة الجتماع المسلمة ديانا روتنشتوك ‪:‬‬
‫س الحاجة إلى السلم ‪ ،‬ولكن الوضع‬ ‫"إن أهل أوربة في أم ِّ‬
‫السياسي حاليا ً يشوّه السلم"‪.‬‬
‫عن حوارات مع مسلمين أوربيين للدكتور عبد الله الهدل ص ‪.75‬‬
‫يقول المفكر المسلم علي عزت بيغوفيتش في كتابه الفريد‬
‫"السلم بين الشرق والغرب"‬
‫‪" :‬إن السلم لم يأخذ اسمه من قوانينه ول من نظامه ول من‬
‫عبادته ‪ ،‬وإنما من شيء يشمل هذا كله ويسمو عليه ! من لحظة‬
‫فارقة تنقدح فيها شرارة وعي باطني … من قوة النفس في‬
‫مواجهة محن الزمان … من التهيؤ لحتمال كل ما يأتي به القدَر‬
‫… من حقيقة التسليم لله … إنه استسلم لله …والسم ‪:‬‬
‫إسلم" اهـ‬
‫يقول فون هامر في مقدمة ترجمته للقرآن‪:‬‬
‫"القرآن ليس دستور السلم فحسب ‪ ،‬وإنما هو ذروة البيان‬
‫العربي ‪ ،‬وأسلوب القرآن المدهش يشهد على أن القرآن هو‬
‫وحي من الله ‪ ،‬وأن محمدا ً قد نشر سلطانه بإعجاز الخطاب ‪،‬‬
‫فالكلمة لم يكن من الممكن أن تكون ثمرة قريحة بشرية"‬

‫‪399‬‬
‫ويقول الكونت كاتياني في كتابه "تاريخ السلم" ‪:‬‬
‫"أليس الرسول جديرا ً بأن تقدَّم للعالم سيرته حتى ل يطمسها‬
‫الحاقدون عليه وعلى دعوته التي جاء بها لينشر في العالم الحب‬
‫والسلم‪ ،‬وإن الوثائق الحقيقية التي بين أيدينا عن رسول السلم‬
‫ندر أن نجد مثلها ‪ ،‬فتاريخ عيسى وما ورد في شأنه في النجيل‬
‫ل يشفي الغليل" ‪.‬‬
‫ويقول المير البريطاني تشارلز في محاضرة "السلم والغرب"‬
‫التي ألقاها في مركز أوكسفورد للدراسات السلمية عام ‪. 1993‬‬
‫‪:‬‬
‫"إن السلم يمكن أن يعلمنا طريقة للتفاهم والعيش في العالم ‪،‬‬
‫المر الذي فقدته المسيحية ‪ ،‬فالسلم يرفض الفصل بين‬
‫النسان والطبيعة ‪ ،‬والدين والعلم ‪ ،‬والعقل والمادة"‪.‬‬
‫يقول المستشرق بارتلمي سانت هلر‪:‬‬
‫"إن دعوة التوحيد التي حمل لواءها السلم ‪ ،‬خلصت البشرية‬
‫من وثنية القرون الولى"‬
‫عن كتاب "مقدمات العلوم والمناهج" "‪ "119 / 8‬لنور الجندي ‪.‬‬
‫رجوعا إلى نيتشه‪:‬‬
‫"لقد ديست بالقدام تلك المدنية العظيمة في الندلس !‬
‫ولماذا ؟ لنها نشأت من أصول رفيعة ‪ ،‬ومن طباع شريفة ‪ ،‬نعم‬
‫من رجال السلم ‪ .‬إن المدنية السلمية لم تتنكر يوما ً للحياة"‬
‫عن كتاب ظلم من الغرب للغزالى ص ‪140‬‬
‫‪-------------‬‬
‫ويقول البروفسور غريسيب ‪ ،‬مدير جامعة برلين ‪:‬‬
‫"أيها المسلمون ما دام كتابكم المقدس عنوان نهضتكم موجوداً‬
‫بينكم ‪ ،‬وتعاليم نبيكم محفوظة عندكم ‪ ،‬فارجعوا إلى الماضي‬
‫لتؤسسوا المستقبل"‪.‬‬
‫عن كتاب "هكذا كانوا يوم كنا د‪ .‬حسان شمسي باشا ص ‪. 9‬‬
‫نقل عن الدكتور الدالتي ص ‪130‬‬
‫يقول جورج سارتون‪:‬‬
‫"المسلمون عباقرة الشرق ‪ ،‬لهم مأثرة عظمى على النسانية ‪،‬‬
‫تتمثل في أنهم تولّوا كتابة أعظم الدراسات قيمة ‪ ،‬وأكثرها أصالة‬
‫وعمقا ً ‪ ،‬مستخدمين اللغة العربية التي كانت بل مراء لغة العلم‬
‫للجنس البشري‪ ..‬لقد بلغ المسلمون ما يجوز تسميته "معجزة‬
‫العلم العربي""‬
‫نفس المرجع السابق ص ‪. 8‬‬
‫‪-------------‬‬
‫ويقول روم رولن ‪:‬‬

‫‪400‬‬
‫"تفرد العلم السلمي بأنه لم ينفصل عن الدين قط ‪ ،‬والواقع أن‬
‫الدين كان ملهمه وقوته الدافعة الرئيسة‪ ،‬ففي السلم ظهر‬
‫العلم لقامة الدليل على اللوهية"‪.‬‬
‫‪---------‬‬
‫ونرجع إلى جوستاف لوبون ونعيد وكتابه حضارة العرب ص ‪– 26‬‬
‫‪:. 566 – 430 – 276‬‬
‫"إن حضارة العرب المسلمين قد أدخلت المم الوربية الوحشية‬
‫في عالم النسانية ‪ ،‬فلقد كان العرب أساتذتنا … وإن جامعات‬
‫الغرب لم تعرف لها موردا ً علميا ً سوى مؤلفات العرب ‪ ،‬فهم‬
‫الذين مدّنوا أوربة مادة وعقل ً وأخلقا ً ‪ ،‬والتاريخ ل يعرف أمة‬
‫مدينة للعرب بحضارتها … والحق‬ ‫أنتجت ما أنتجوه … إن أوربة َ‬
‫إن أتباع محمد كانوا يذلّوننا بأفضلية حضارتهم السابقة ‪ ،‬وإننا لم‬
‫نتحرر من عقدتنا إل بالمس ! وإن العرب هم أول من علّم‬
‫العالم كيف تتفق حرية الفكر مع استقامة الدين … فهم الذين‬
‫علّموا الشعوب النصرانية وإن شئت فقل حاولوا أن يعلموها‬
‫التسامح الذي هو أثمن صفات النسان … ولقد كانت أخلق‬
‫المسلمين في أدوار السلم الولى أرقى كثيرا ً من أخلق أمم‬
‫الرض قاطبة … "‪.‬‬
‫‪----------‬‬
‫وتقول الدكتورة لويجي رينالدي ‪:‬‬
‫"‪ ..‬لما شعرنا بالحاجة إلى دفع الجهل الذي كان يثقل كاهلنا ‪،‬‬
‫تقدمنا إلى العرب ومددنا إليهم أيدينا لنهم كانوا الساتذة‬
‫الوحيدين في العالم"‬
‫عن "مقدمات العلوم والمناهج" أنور الجندي ‪7/141‬‬
‫‪---------------‬‬
‫وقال المستشرق بارتلمي سانت هلر مرة أخرى‪:‬‬
‫قد أمر السلم بخمس صلوات في اليوم ليضطر النسان للتخلي‬
‫عن اشتغالته المادية لحيظات في اليوم‪ ،‬ليرتفع خللها إلى‬
‫موله‪ ،‬وأمر أل تجعل العبادة موجهة لغراض ذاتية فإن الله أعلم‬
‫بما هو أصلح لنا‪ ..‬ثم إن محمدا ً بتحريمه الصور في المساجد‬
‫وكل ما يمثل الله قد خلص الفكر النساني من وثنية القرون‬
‫الوسطى الخشنة‪ ،‬واضطر النسان بهذه الصورة أن يرجع إلى‬
‫نفسه‪ ،‬وأن يبحث عن الله خالقه في صميم روحه‪ ،‬وأن يرتفع‬
‫إليه عقب ذلك بالعبادة القلبية المملوءة بالحترام والشكر‬
‫والحب‪.‬‬
‫‪------------‬‬
‫وقال الستاذ ماسينيون‪:‬‬

‫‪401‬‬
‫" إن لدى السلم من الكفاية ما يجعله يتشدد في تحقيق فكرة‬
‫المساواة وذلك بفرض زكاة يدفعها كل فرد لبيت المال والسلم‬
‫يناهض الديون الربوية والضرائب غير المباشرة التي تفرض على‬
‫الحاجات الولية الضرورية ويقف في الوقت نفسه إلى جانب‬
‫حقوق الوالد والزوج ويشجع الملكية الفردية ورأس المال‬
‫التجاري وبذا يحل السلم مرة أخرى مكانا ً وسطا ً بين نظريات‬
‫الرأسمالية البرجوازية ونظريات البلشفية الشيوعية‬
‫‪-----------‬‬
‫قال مستر هراس ليف الكاتب النكليزي في مقال له نشر في‬
‫المجلة السلمية النكليزية‬
‫"ما كان شيء في العالم ليقضي بأن أي دين من الديان يدعو‬
‫إلى المساواة بين الناس ولو أن بعضها يتظاهر بهذه الدعوى فقد‬
‫زرت كثيرا ً من الكنائس والمعابد مرات فرأيت التفريق بين‬
‫الطبقات داخل المعابد كما هو موجود خارجها وكان اعتقادي‬
‫بالطبع إن المر ل بد كذلك داخل المساجد السلمية ولكن ما‬
‫كان أشد دهشتي حينما رأيت الشعور بالمساواة على أتمه بين‬
‫المسلمين في عيد الفطر في مسجد ( ووكبخ) هنالك وجدت‬
‫أناسا ً مختلفين على اختلفهم في المراتب اختلفا ً يمكن أن‬
‫تسميه بحق أخويا ً ولم أكن شاهدت مثل ذلك ‪ ,‬ترى في المسجد‬
‫نوبيا ً من بلد ممباسه يصافح عظيما ً من رجال العمال المصريين‬
‫أو سياسيا ً من بلد العرب وقد ارتفعت الكلفة من بينهم جميعاً‬
‫فل يأنف أحدهم مهما عظم قدره من أن يجاوره في الصلة أقل‬
‫الناس شأنا ً منه وإنك ل تجد أقل محاولة لتخطي الصفوف إلى‬
‫مكان بالمسجد لنه ليس هناك أي مكان ممتاز فالكل عند الله‬
‫سواء ل فضل لحد على أحد وإنك حين تتحدث إلى قوم مختلفي‬
‫الجناس تجد من الود الخالص والثقة التامة ما تعجب به كأنك‬
‫واحد منهم فيدفعك ذلك إلى العتقاد بأن الدين يمكن أن يكون‬
‫وسيلة لزالة جميع الموانع التي تفرق بين النسان وأخيه النسان‬
‫‪".‬‬

‫ويقول المستر ليونارد‪:‬‬

‫"علينا أن نعترف بأن أوربا المسيحية بذلت كل ما في وسعها في‬


‫جميع القرون الماضية لتخفي فضل السلم عليها ولكنها لم تفلح‬
‫ولن تفلح"‬
‫عن كتاب السلم الدين الفطري البدي للطرازي ص ‪229‬‬
‫‪-----------‬‬

‫‪402‬‬
‫يقول يوهان غوته فيقول ‪" :‬يسوع كان طاهر الشعور ولم يؤمن‬
‫إل بالله الواحد الحد ‪ ،‬ومن جعل منه إلها ً فقد أساء إليه ‪ ،‬وهكذا‬
‫فإن الحق هو ما نادى به محمد"‬
‫من قصيدة "هذه السماط من الللئ" غوته ‪ ،‬نقل ً عن "غوته‬
‫والعالم العربي" كاتارينا مومزن ص ‪255‬‬
‫وقال في ص ‪257‬‬
‫"تريدين أن تُقدمي إلي هذه الصورة البائسة للمصلوب على‬
‫الخشب على أنه الله"‬
‫نقلت ذلك من كتاب الدالتي "ربحت محمدا ولم أخسر المسيح"‬
‫ويقول غوته ‪" :‬إن أسلوب القرآن محكم سام مثير للدهشة …‬
‫فالقرآن كتاب الكتب ‪ ،‬وإني أعتقد هذا كما يعتقده كل مسلم …‬
‫وأنا كلما قرأت القرآن شعرت أن روحي تهتز داخل جسمي …‬
‫ولما بلغ غوته السبعين من عمره أعلن على المل أنه يعتزم أن‬
‫يحتفل في خشوع بليلة القدر التي أنزل فيها القرآن على النبي‬
‫محمد‪ ،‬ولما أبصر غوته ريشة طاووس بين صفحات القرآن هتف‬
‫‪" :‬مرحبا ً بك في هذا المكان المقدس ‪ ،‬أغلى كنز في الرض"‬
‫نفس الكتاب "جوته والعالم العربي" كاتارينا مومزن (‪)261-188-177‬‬
‫‪.‬‬
‫ً‬
‫وقال ‪" :‬درست تاريخ الديان على مدى خمسين عاما ‪ ،‬وإن‬
‫العقيدة التي يُربّى عليها المسلمون لتدعو لعظم دهشة!! إذ‬
‫ن إل ما كتبه الله‬
‫تقوم على أساس اليمان بأنه لن يصيب النسا َ‬
‫له ‪ ،‬وإنه ما من شيء ينقص هذه العقيدة ‪ ،‬ولن يكون بإمكان أي‬
‫امرئ أن يتجاوزها … إن السلم هو الدين الذي سنقّر به جميعاً‬
‫إن عاجل ً أو آجل ً … وأنا ل أكره أن يقال عني أني مسلم"‬
‫نفس المصدر ‪. 226 – 223‬‬
‫ويقول غوته كذلك‪:‬‬
‫"ولقد بحثت في التاريخ عن مثل أعلى لهذا النسان ‪ ،‬فوجدته‬
‫في النبي محمد … وهكذا وجب أن يظهر الحق ويعلو‪ ،‬كما نجح‬
‫محمد الذي أخضع العالم كله بكلمة التوحيد"‪.‬‬
‫عن كتاب شمس الله تشرق على الغرب ص ‪465‬‬
‫‪--------------‬‬
‫يقول الدكتور إيرنبرج أستاذ في جامعة أوسلو‬
‫"ل أجد صعوبة في قبول أن القرآن كلم الله ‪ ،‬فإن أوصاف‬
‫الجنين في القرآن ل يمكن بناؤها على المعرفة العلمية للقرن‬
‫السابع ‪ ،‬الستنتاج الوحيد المعقول هو أن هذه الوصاف قد‬
‫أوحيت إلى محمد من الله‪" .‬‬
‫وقال المفكر الفرنسي" أوجين بوغ‬

‫‪403‬‬
‫"‪ ...‬نعترف نحن الوربيين أنه ل يمكننا في أية حال أن نجزي –‬
‫يعني المسلمين – جزاؤهم الوفى فإنهم الساتذة الذين تلقينا‬
‫ب دروسا ً في‬‫منا العر ُ‬
‫عنهم العلوم وعلوة على ذلك‪ ،‬فقد عل َ‬
‫التسامح والكرم فإنهم لم يرغموا الشعوب على تغيير معتقدهم‬
‫الديني وأن من يمتزج بالمسلمين يتأكد من أنهم يحملون قلوباً‬
‫بيضاء سليمة"‬
‫‪----------‬‬
‫رجوعا إلى برناردشـو‬
‫قال‪" :‬لقد وضعت دائما ً دين محمد موضع العتبار السامي‬
‫بسبب حيويته المدهشة‪ ،‬فهو الدين الوحيد الذي يلوح لي أنه حائز‬
‫أهلية الهضم لطوار الحياة المختلفة‪ ،‬بحيث يستطيع أن يكون‬
‫جذابا ً لكل جيل من الناس‪.‬‬
‫ل مشاحة في أن العالم يعلق قيمة كبيرة على نبوءات كبار‬
‫الرجال‪ ،‬ولقد تنبأت بأن دين محمد سيكون مقبول ً لدى أوروبا‬
‫غداً‪ .‬وقد بدأ يكون مقبول ً لديها اليوم‪ .‬لقد صور أكليروس القرون‬
‫الوسطى السلم بأحلك اللوان‪ ،‬إما بسبب الجهل أو بسبب‬
‫التعصب الذميم‪ ،‬ولقد كانوا في الواقع يربون على كراهية محمد‬
‫‪ ،‬وكراهية دينه‪ ،‬وكانوا يعتبرونه خصما ً للمسيح‪.‬‬
‫ولقد درسته باعتباره رجل ً مدهشاً‪ ،‬فرأيته بعيدا ً عن مخاصمة‬
‫المسيح بل يجب أن يدعى منقذ النسانية وإني لعتقد بأنه لو‬
‫تولى رجل مثله قيادة العالم الحديث لنجح في حل مشكلته‬
‫بطريقة تجلب إلى العالم السلم والسعادة اللذين هو في أشد‬
‫الحاجة إليهما‪.‬‬
‫ولقد أدرك في القرن التاسع عشر مفكرون أمثال (كارليل)‬
‫و(جوته) و(جيبون) القيمة الذاتية لدين محمد وهكذا وجد تحول‬
‫حسن في موقف أوروبا من السلم‪ ،‬ولكن أوروبا في القرن‬
‫الراهن تقدمت في هذا السبيل كثيراً‪ ،‬فبدأت تعشق دين محمد ‪،‬‬
‫وفي القرن التالي‪ ،‬ربما ذهبت إلى أبعد من ذلك فتعترف بفائدة‬
‫هذه العقيدة في حل مشاكلها‪ ،‬فبهذا الروح يجب أن تفهموا‬
‫نبوءتي‪ .‬وفي الوقت الحاضر كثيرون من أبناء قومي ومن أهل‬
‫أوروبا قد دخلوا في دين محمد حتى ليمكن أن يقال أن تحول‬
‫أوروبا إلى السلم قد بدأ‬
‫‪------------‬‬
‫قال الشيخ محمد علي السايس في كتابه "تاريخ الفقه‬
‫السلمي" ص ‪150‬‬
‫قرر مؤتمر القانون المقارن الذي عقد في مدينة لهاي في‬
‫جمادة الخرة ‪ 1356‬هـ آب عام ‪ 1937‬م‬

‫‪404‬‬
‫ومثل الزهر فيه مندوبان من كبار علمائه حاضرا عن المسؤولية‬
‫الدينية في السلم ونفي أية علقة بين القانون الروماني‬
‫والشريعة السلمية‬
‫قرر المؤتمر بالجماع ما يلي‪:‬‬
‫‪ .1‬اعتبار الشريعة السلمية مصدرا ً من مصادر التشريع العام‬
‫‪ .2‬اعتباره حية صالحة للتطور‬
‫ة قائمة بذاتها‪ ،‬ليس مأخوذة من غيرها‪.‬‬ ‫‪ .3‬اعتباره شريع ً‬
‫‪ .4‬تسجيل البحث الول في سجل المؤتمر باللغة العربية واعتباره‬
‫بين لمجموعة العلمية التي تدخر للرجوع إليها‪.‬‬
‫‪----------‬‬
‫يقول الديب النكليزي جوني لوركس‬
‫"لم نعلم مما جاءنا من التاريخ الصحيح أن محمدا ً نبي السلم‪،‬‬
‫صلى الله عليه وسلم‪ ،‬تسربل بأي رذيلة مدة حياته"‪.‬‬
‫قول العالم الهندي‪ :‬ت‪ .‬ل‪ .‬قسوائي‬
‫"إليك يا محمد أقدم إجللي وتعظيمي بكل خضوع وتكريم‪ ،‬إليك‬
‫أطأطئ رأسي‪ ،‬فإنك حقا ً رسول من عند الله‪ ،‬وإن قوتك‬
‫العظيمة كانت مستمدة من عالم الغيب الزلي البدي"‪.‬‬
‫يقول البروفسور "رينولد نيكلسون" في كتابه "التاريخ الدبي‬
‫للعرب"‬
‫"القرآن الكريم وثيقة إنسانية رائعة ‪ ،‬توضح بدقة سر تصرفات‬
‫محمد في جميع أحداث حياته ‪ ،‬حتى إننا لنجد فيه مادة فريدة ل‬
‫تقبل الشك أو الجدل ‪ ،‬نستطيع خللها أن نتتبع سير السلم منذ‬
‫نشأته وظهوره في التاريخ المبكر ‪ ،‬وهذا ما ل تجد له مثيل ً في‬
‫البوذية أو المسيحية أو أي دين من الديان القديمة ‪. "..‬‬
‫‪---------‬‬
‫يقول الدكتور إيزكو انساباتو ‪:‬‬
‫"إن الشريعة السلمية تفوق في كثير من بحوثها الشرائع‬
‫الوربية ‪ ،‬بل هي تعطي للعالم أرسخ الشرائع ثباتاً"‬
‫‪----------‬‬
‫رجوعا إلى "ويلز" وكتابه "معالم تاريخ النسانية" ‪:‬‬
‫يقول‪" :‬إن أوروبة مدينة للسلم بالجانب الكبر من قوانينها‬
‫الدارية والتجارية ‪. "..‬‬
‫‪--------------‬‬
‫وقال "بريفولت" في كتابه "تكوين النسانية" ‪:‬‬
‫" العلم هو أعظم ما قدمت الحضارة السلمية إلى العالم‬
‫الحديث ‪ ،‬ومع أنه ل توجد ناحية واحدة من نواحي النمو الوروبي‬

‫‪405‬‬
‫إل ويلحظ فيها أثر الثقافة السلمية النافذ … وهذه الحقائق‬
‫مؤداها أن السلم بناء حضاري ‪. "..‬‬
‫‪------------‬‬
‫وقال بروفيسور جارسان دي تاسي في كتابه "السلم"‪:‬‬
‫"إن محمدا ً رسول السلم ولد في حضن الوثنية‪ ،‬ولكنه منذ‬
‫نعومة أظفاره أظهر بعبقرية فذة انزعاجا ً عظيما ً من الرذيلة وحباً‬
‫حادا ً للفضيلة‪ ،‬وإخلصا ً ونية حسنة غير عاديين‪ ،‬إلى درجة أن‬
‫أطلق عليه مواطنوه في ذلك العهد اسم "المين"‪.‬‬
‫ويقول العلمة "شبرل" عميد كلية الحقوق بجامعة "فينا" في‬
‫مؤتمر الحقوق سنة ‪: 1927‬‬
‫"إن البشرية لتفتخر بانتساب رجل كمحمد صلى الله عليه وسلم‬
‫إليها ‪ ،‬إذ رغم أميته استطاع قبل بضعة عشر قرنا ً أن يأتي‬
‫بتشريع سنكون نحن الوربيين أسعد ما نكون لو وصلنا إلى قمته‬
‫بعد ألفي سنة" ‪.‬‬
‫‪---------‬‬
‫ويقول "أدموند بيرك" ‪:‬‬
‫"إن القانون المحمدي قانون ضابط للجميع من الملك إلى أقل‬
‫رعاياه ‪ ،‬وهذا القانون نسج بأحكم نظام حقوقي ‪ ،‬وشريعة‬
‫السلم هي أعظم تشريع عادل لم يسبق قط للعالم إيجاد نظام‬
‫مثله ‪ ،‬ول يمكن فيما بعد ‪. "..‬‬
‫‪-------------‬‬
‫قال القانوني الكبير "فمبري" ‪:‬‬
‫"إن فقه السلم واسع إلى درجة أنني أعجب كل العجب كلما‬
‫فكرت في أنكم لم تستنبطوا منه النظمة والحكام الموافقة‬
‫لزمانكم وبلدكم ‪".‬‬
‫‪----------‬‬
‫وقال "سيديلوت" في كتابه "تاريخ العرب" ‪:‬‬
‫"كان المسلمون في القرون الوسطى متفردين في العلم‬
‫والفلسفة والفنون ‪ ،‬وقد نشروها أينما حلت أقدامهم ؛ وتسربت‬
‫عنهم إلى أوروبة ‪ ،‬فكانوا سببا ً لنهضتها وارتقائها ‪"..‬‬
‫يقول الياس أبو شبكة في كتابه" روابط الفكر والروح بين العرب‬
‫والفرنجة"‪:‬‬
‫" إن زوال الحضارة العربية كان شؤما على أسبانيا وأوربا ‪,‬‬
‫فالندلس لم تعرف السعادة إل في ظل العرب‪ ,‬وحالما ذهب‬
‫العرب حل الدمار محل الثراء والجمال والخصب‪."..‬‬
‫‪----------‬‬

‫‪406‬‬
‫ويقول الدكتور عبد الكريم جرمانيوس الستاذ في جامعة‬
‫بودابست‬
‫" إن السلم دين الذهان المستنيرة وانا أعرف في بلدي وفي‬
‫أوروبا رجال مستنيرين في أرفع السر يحترمون السلم‬
‫ويوشكون ان يتخذوه دينا ولو في سرائرهم‪".‬‬
‫نقل مصطفى غفر الله له‪:‬‬
‫الحاج عبد الكريم جرمانوس مستشرق مجريّ وعالِم‪ ،‬طبقت‬
‫شهرته آفاق العالم‪ .‬وُلد في بودابست‪ ،‬وتعلّم اللّغات الغربيّة‪:‬‬
‫اليونانيّة‪ ،‬والّلتينيّة‪ ،‬النجليزيّة‪ ،‬والفرنسيّة‪ ،‬واليطاليّة‪ ،‬والمجريّة‪،‬‬
‫ومن اللّغات الشرقيّة‪ :‬الفارسيّة والورديّة‪ ،‬وأتقن العربيّة‬
‫والتركيّة على أستاذيه‪ :‬فامبيري‪ ،‬وغولد زيهر اللّذين ورث عنهما‬
‫م تابع دراستهما بعد عام ‪1905‬م في‬ ‫ولَعهما بالشرق السلم ّ‬
‫ي‪ .‬ث ّ‬
‫جامعتي استانبول وفينّا‪ .‬وصنّف كتابا ً باللمانيّة عن الدب‬
‫ي (‪ ،)1906‬وآخر عن تاريخ أصناف التراك في القرن السابع‬ ‫العثمان ّ‬
‫عشر ‪ ،‬فنال عليه جائزة مكّنته من قضاء فترة مديدة في لندن‪،‬‬
‫ي‪.‬‬
‫حيث استكمل دراسته في المتحف البريطان ّ‬
‫وفي عام ‪1912‬م عاد إلى بودابست‪ ،‬فعُي ِّن أستاذا ً للّغات العربيّة‬
‫والتركيّة والفارسيّة‪ ،‬وتاريخ السلم وثقافته في المدرسة العليا‬
‫م‬
‫ي من الجامعة القتصاديّة‪ ،‬ث ّ‬ ‫م في القسم الشرق ّ‬ ‫الشرقيّة‪ .‬ث ّ‬
‫ي في جامعة بودابست (‪ ،)1948‬وظ ّ‬
‫ل‬ ‫أستاذا ً ورئيسا ً للقسم العرب ّ‬
‫يقوم فيه بتدريس اللّغة العربيّة‪ ،‬وتاريخ الحضارة السلميّة‪،‬‬
‫والدب العربي قديمه وحديثه‪ ،‬محاول ً إيجاد حلقات اتصال بين‬
‫نهضات الُمم السلميّة الجتماعيّة والسيكولوجيّة‪ ،‬حتّى أُحيل‬
‫على التقاعد (‪.)1965‬‬
‫ي‪ ،‬فعلمه في‬ ‫ودعاه "طاغور" إلى الهند أستاذا ً للتاريخ السلم ّ‬
‫جامعات دلهي‪ ،‬ولهور‪ ،‬وحيدر آباد (‪1929‬ـ ‪ ،)1932‬وهناك أشهر‬
‫مى ب‍‬ ‫إسلمه في مسجد دلهي الكبر‪ ،‬وألقى خطبة الجمعة‪ ،‬وتس ّ‬
‫مق في دراسة السلم على‬ ‫"عبد الكريم"‪ .‬وقدم القاهرة وتع ّ‬
‫جا ً وزار قبر الرسول صلى الله‬ ‫م قصد مكّة حا ّ‬ ‫شيوخ الزهر‪ ،‬ث ّ‬
‫جته كتابه‪ :‬الله أكبر‪ ،‬وقد نُشر في عدّة‬ ‫عليه وسلم‪ ،‬وصنّف في ح ّ‬
‫لغات (‪ ،)1940‬وقام بتحّرِيات علميّة (‪1939‬ـ ‪ )1941‬في القاهرة‬
‫والسعوديّة نشر نتائجها في مجلّدين‪ :‬شوامخ الدب العربي (‬
‫‪ ،)1952‬ودراسات في التركيبات اللّغوية العربيّة (‪.)1954‬‬
‫وربيع عام ‪ 1955‬عاد ليقضي بضعة أشهر في القاهرة والسكندريّة‬
‫ي‬
‫ودمشق بدعوة من الحكومة ليحاضر بالعربيّة عن الفكر العرب ّ‬
‫م رجع إلى الشرق‬ ‫المعاصر‪ ،‬وعن صور من الدب المجريّ‪ ،‬ث ّ‬
‫ي في شتاء ‪ ،1958‬لستكمال مصادر كتابه الجديد عن أدبائه‬ ‫العرب ّ‬

‫‪407‬‬
‫المعاصرين‪ .‬والذي صدرت بعض فصوله‪ ،‬وفيها قصص الكتّاب‬
‫المعاصرين‪ .‬وقد انتخب عضوا ً في المجمع اليطالي(‪،)1952‬‬
‫ومراسل ً للمجمع اللّغويّ بالقاهرة (‪ ،)1956‬وفي المجمع العلم ّ‬
‫ي‬
‫العراقي (‪.)1962‬‬
‫إرهاصات اعتناقه السلم‬
‫يروي الدكتور "عبد الكريم جرمانوس" خلفيّات اهتدائه إلى‬
‫ت ما أزال‬ ‫السلم فيقول‪" :‬كان ذلك في عصر يوم مطير‪ ،‬وكن ُ‬
‫ت أقل ِّب صحائف مجلّة مصوّرة‬ ‫ن المراهقة‪ ،‬عندما كن ُ‬ ‫في س ّ‬
‫قديمة‪ ،‬تختلط فيها الحداث الجارية مع قصص الخيال‪ ،‬مع وصف‬
‫لبعض البلد النائية؛ بقيت بعض الوقت أقل ِّب الصحائف في غير‬
‫اكتراث إلى أن وقعت عيني فجأة على صورة لوحة خشبيّة‬
‫محفورة استرعت انتباهي‪ ،‬كانت الصورة لبيوت ذات سقوف‬
‫مستوية تتخلّلها هنا وهناك قباب مستديرة ترتفع برفق إلى‬
‫السماء المظلمة التي شقّ الهلل ظلمتها‪..‬‬
‫ت بشوق غلّب ل يقاوم إلى‬ ‫ي خيالي‪ ..‬وأحسس ُ‬ ‫ملكت الصورة عل َّ‬
‫معرفة ذلك النور الذي كان يُغالب الظّلم في اللّوحة‪ ..‬بدأ ُ‬
‫ت‬
‫ت أن‬ ‫م الفارسيّة فالعربيّة‪ .‬وحاول ُ‬‫أدرس اللّغة التركيّة‪ ،‬ومن ث ّ‬
‫أتمكّن من هذه اللّغات الثلث حتّى أستطيع خوض هذا العالم‬
‫ي الذي نشر هذا الضوء الباهر على أرجاء البشريّة"‪.‬‬ ‫الروح ّ‬
‫وفي إجازة صيف كان من حظّه أن يُسافر إلى البوسنة وهي‬
‫ي إلى بلده‪ .‬وما كاد ينزل أحد الفنادق حتّى سارع‬ ‫أقرب بلد شرق ّ‬
‫إلى الخروج لمشاهدة المسلمين في واقع حياتها‪ ..‬حيث خرج‬
‫مخالف لما يُقال حول المسلمين‪ ..‬وكان هذا هو أوّل لقاء‬ ‫بانطباع ُ‬
‫م مّرت به سنوات وسنوات في حياة حافلة‬ ‫مع المسلمين‪ .‬ث ّ‬
‫بالسفار والدراسات‪ ،‬كان مع مرور الّزمن تتفتّح عيونه على آفاق‬
‫عجيبة وجديدة‪.‬‬
‫ورغم تطوافه الواسع في دنيا الله‪ ،‬واستمتاعه بمشاهدة روائع‬
‫الثار في آسيا الصغرى وسوريا‪ ،‬وتعلّمه اللّغات العديدة وقراءاته‬
‫ل ذلك بعين فاحصة‪:‬‬ ‫للف الصفحات من كتب العلماء‪ ،‬قرأ ك ّ‬
‫ل ذلك فقد ظلّت روحي ظمأى" كما يقول‪.‬‬ ‫"ورغم ك ّ‬
‫ن‬
‫أثناء وجوده في الهند‪ ،‬وفي ذات ليلة رأى ـ كما يرى النائم ـ كأ ّ‬
‫مدا ً رسول الله صلى الله عليه وسلم يخاطبه بصوت عطوف‪:‬‬ ‫مح ّ‬
‫ن الطريق المستقيم أمامك مأمون ممهّد مثل‬ ‫"لماذا الحيرة؟ إ ّ‬
‫سطح الرض‪ .‬سْر بخطى ثابتة وبقوّة اليمان"‪ ..‬وفي يوم الجمعة‬
‫ي‪ ..‬حينما‬ ‫التالية‪ ،‬وقع الحدث العظيم في مسجد الجمعة في دله ّ‬
‫أشهر إسلمه على رؤوس الشهاد‪..‬‬

‫‪408‬‬
‫وعن تلك اللّحظات المفعمة بالحاسيس يتذكّر "الحاج عبد‬
‫مان المكان‪،‬‬ ‫الكريم جرمانوس" فيقول‪" :‬كان التأثّر والحماس يع ّ‬
‫ول أستطيع أن أتذكّر ماذا كان في ذلك الحين‪ ..‬وقف الناس‬
‫ي في‬ ‫أمامي يتلقّفونني بالحضان‪ .‬كم من مسكين مجهد نظر إل َّ‬
‫ت إلى‬ ‫ضراعة‪ ،‬يسألني "الدعوات" ويريد تقبيل رأسي‪ ،‬فابتهل ُ‬
‫ي وكأنِّي أرفع منها‬ ‫الله أن ل يدع هذه النفوس البريئة تنظر إل ِ ّ‬
‫قدراً‪ ،‬فما أنا إل ّ حشرة من بين حشرات الرض‪ ،‬أو تائه جاد ّ في‬
‫البحث عن النور‪ ،‬ل حول لي ول قوة‪ ،‬مثل غيري من المخلوقات‬
‫ت أمام أنّات وآمال هؤلء الناس الطيِّبين‪..‬‬ ‫التعيسة‪ ..‬لقد خجل ُ‬
‫ي في جماعات‬ ‫وفي اليوم التالي وما يليه كان الناس يفدون عل َّ‬
‫لتهنئتي‪،‬ونالني من محبّتهم وعواطفهم ما يكفيني زادا ً مدى‬
‫حياتي‪.‬‬
‫من آثاره‬
‫إضافة إلى ما ورد في ثنايا البحث‪ ،‬من عناوين مؤلّفاته‪ ،‬فقد ترك‬
‫تراثا ً علميّا ً زاخرا ً بالعمق والتنوّع‪ :‬قواعد اللّغة التركيّة (‪،)1925‬‬
‫ي الحديث‬ ‫والثورة التركيّة‪ ،‬والقوميّة العربيّة (‪ ،)1928‬والدب الترك ّ‬
‫(‪ ،)1931‬والتيّارات الحديثة في السلم(‪ ،)1932‬واكتشاف الجزيرة‬
‫العربيّة وسوريا والعراق وغزوها (‪ ،)1940‬ونهضة الثقافة العربيّة (‬
‫‪ ،)1944‬ودراسات في التركيبات اللّغويّة العربيّة (‪ ،)1954‬وابن‬
‫ي (‪ ،)1956‬وبين المفكِّرين ( ‪ ،)1958‬ونحو أنوار الشرق‪،‬‬ ‫الروم ّ‬
‫ومنتخب الشعراء العرب (‪ ،)1961‬وفي الثقافة السلمية‪ ،‬وأدب‬
‫المغرب (‪،)1964‬‬
‫‪-----------‬‬
‫يقول موريس بوكاي‬
‫في كتابه "دراسة الكتب المقدسة في ضوء المعارف الحديثة ص‬
‫‪222‬‬
‫"بالنظر إلى مستوى المعرفة في أيام محمد فإنه ل يمكن تصور‬
‫الحقائق العلمية التي وردت في القرآن على أنها من تأليف بشر‪.‬‬
‫لذا فمن النصاف تمامأ أن ل ينظر فقط إلى القرآن على أنه‬
‫التنزيل اللهي فحسب بل يجب أن تعطى له منزلة خاصة جداَ‬
‫للصالة التي تقدمها المعطيات العلمية التي وردت فيه والتي إذا‬
‫ما درست اليوم تبدو وكأنها تتحدى تفسير البشر"‬
‫وقال في " القرآن الكريم والتوراة والنجيل والعلم"‪ ،‬ص ‪.150‬‬
‫"لقد قمت أول ً بدراسة القرآن الكريم‪ ،‬وذلك دون أي فكر مسبق‬
‫وبموضوعية تامة باحثًا عن درجة اتفاق نص القرآن ومعطيات‬
‫العلم الحديث‪ .‬وكنت أعرف‪ ،‬قبل هذه الدراسة‪ ،‬وعن طريق‬
‫الترجمات‪ ،‬أن القرآن يذكر أنواع ًا كثيرة من الظاهرات الطبيعية‬

‫‪409‬‬
‫ولكن معرفتي كانت وجيزة‪ .‬وبفضل الدراسة الواعية للنص‬
‫العربي استطعت أن أحقق قائمة أدركت بعد النتهاء منها أن‬
‫القرآن ل يحتوي على أية مقولة قابلة للنقد من وجهة نظر العلم‬
‫في العصر الحديث وبنفس الموضوعية قمت بنفس الفحص على‬
‫العهد القديم والناجيل‪ .‬أما بالنسبة للعهد القديم فلم تكن هناك‬
‫حاجة للذهاب إلى أبعد من الكتاب الول‪ ،‬أي سفر التكوين‪ ،‬فقد‬
‫وجدت مقولت ل يمكن التوفيق بينها وبين أكثر معطيات العلم‬
‫ص إنجيل‬‫خا في عصرنا‪ .‬وأما بالنسبة للناجيل‪ ..‬فإننا نجد ن ّ‬ ‫رسو ً‬
‫متى يناقض بشكل جلي إنجيل لوقا ‪ ،‬وأن هذا الخير يقدم لنا‬
‫صراحة أمًرا ل يتفق مع المعارف الحديثة الخاصة بقدم النسان‬
‫على الرض"‬
‫وفي ص ‪ ،145‬قال‪:‬‬
‫"لقد أثارت الجوانب العلمية التي يختص بها القرآن دهشتي‬
‫العميقة في البداية‪ .‬فلم أكن أعتقد قط بإمكان اكتشاف عدد‬
‫كبير إلى هذا الحد ّ من الدعاوى الخاصة بموضوعات شديدة‬
‫ص‬
‫ما للمعارف العلمية الحديثة‪ ،‬وذلك في ن ّ‬ ‫التنوع ومطابقته تما ً‬
‫كتب منذ أكثر من ثلثة عشر قرنًا‪ .‬في البداية لم يكن لي أي‬
‫إيمان بالسلم‪ .‬وقد طرقت دراسة هذه النصوص بروح متحررة‬
‫من كل حكم مسبق وبموضوعية تامة"‬
‫ت القرآن منتبهًا بشكل خاص إلى الوصف الذي يعطيه‬ ‫"‪ ..‬تناول ُ‬
‫عن حشد كبير من الظاهرات الطبيعية‪ .‬لقد أذهلتني دقة بعض‬
‫التفاصيل الخاصة بهذه الظاهرات وهي تفاصيل ل يمكن أن تدرك‬
‫إل في النص الصلي‪ .‬أذهلتني مطابقتها للمفاهيم التي نملكها‬
‫اليوم عن نفس هذه الظاهرة والتي لم يكن ممكنًا لي إنسان‬
‫في عصر محمد أن يكون عنها أدنى فكرة‪."..‬‬
‫وقال في ص ‪:150‬‬
‫ميًا ‪ ..-‬أن يصرح‬
‫"‪ ..‬كيف يمكن لنسان – كان في بداية أمره أ ّ‬
‫بحقائق ذات طابع علمي لم يكن في مقدور أي إنسان في ذلك‬
‫العصر أن يكونها‪ ،‬وذلك دون أن يكشف تصريحه عن أقل خطأ‬
‫من هذه الوجهة"‬
‫‪----------‬‬
‫يقول دوقلس أرثر ‪:‬‬
‫" لو أحسن عرض السلم على الناس لمكن به حل كافة‬
‫المشكلت ‪ ،‬ولمكن تلبية الحاجات الجتماعية والروحية‬
‫والسياسية للذين يعيشون في ظل الرأس مالية والشيوعية على‬
‫السواء ‪ ،‬فقد فشل هذان النظامان في حل مشكلت النسان ‪،‬‬
‫أما السلم فسوف يقدم السلم للشقياء ‪ ،‬والمل والهدى‬

‫‪410‬‬
‫للحيارى والضالين ‪ ،‬وهكذا فالسلم لديه أعظم المكانيات‬
‫لتحدي هذا العالم وتعبئة طاقات النسان لتحقيق أعلى مستوى‬
‫من النتاج والكفاية "‪.‬‬
‫يقول سنرستن السوجي ‪:‬‬
‫"إننا لم ننصف محمدا ً إذا أنكرنا ما هو عليه من عظيم الصفات‬
‫وحميد المزايا‪ ،‬فلقد خاض محمد معركة الحياة الصحيحة في‬
‫وجه الجهل والهمجية‪ ،‬مصرا ً على مبدئه‪ ،‬وما زال يحارب الطغاة‬
‫حتى انتهى به المطاف إلى النصر المبين‪ ،‬فأصبحت شريعته‬
‫أكمل الشرائع‪ ،‬وهو فوق عظماء التاريخ"‬
‫‪-------------‬‬
‫يقول بورنز ايدوارد‪:‬‬
‫" إن عظمة الحضارة السلمية وأهميتها ل ترجع إلى أنها فقط‬
‫بدين جديد آمن به المليين من الناس في أماكن متعددة‬
‫ومتفرقة – وإنما فيما أحدثته أيضا ً من تغيرات اجتماعية وسياسية‬
‫كثيرة ‪ ،‬نتج عنها ثراء فكري وتراث حضاري لم يسبق له مثيل ‪.‬‬
‫وقد تضمنت الحضارة السلمية الداب والخلق والفلسفة‬
‫والمنطق كما كانت ذات تأثير خاص في الحياة السياسية‬
‫والجتماعية والعلقات الدولية "‬
‫‪Burns Edwared in "western civlization" W .W – morton Scompany New York 1973‬‬
‫‪---------‬‬
‫رجوعا إلى ديكارت‪:‬‬
‫يقول في كتاب مبادئ الفلسفة‪:‬‬
‫" على أي معنى يمكن القول بأن من جهل الله فلن يستطيع أن‬
‫يعرف شيئا آخر معرفة يقينية "‬
‫ويقول أيضا ً ‪:‬‬
‫" في إمكان إثبات وجود الله من أن ضرورة الكينونة أو الوجود‬
‫متضمنة في تصورنا له ‪ ،‬بمعنى أن من تصور الوجود الضروري‬
‫البدي متضمنا ً في فكرته عن الوجود الكامل إطلقا ً لزم أن‬
‫يستنتج أن هذا الوجود الكامل بإطلق موجود حقاً" ‪.‬‬
‫ويقول أيضا ً ‪ " :‬في أن آجالنا في حياتنا كافية وحدها لثبات وجود‬
‫الله"‬
‫‪-------------‬‬
‫ويقول الفرنسي لوي سيديو ‪Louis Sédillot‬‬
‫"إن قانون نابليون منقول عن كتاب فقهي في مذهب مالك هو‬
‫شرح الدردير على متن خليل"‬
‫عن "الشريعة السلمية والقانون الدولي العام" للمستشار علي‬
‫علي منصور‪ ،‬طبعة دار القلم‪ ،‬القاهرة بدون تاريخ‪ ،‬ص ‪:47‬‬

‫‪411‬‬
‫وقال‪:‬‬
‫"إن نتاج أفكار العرب والمسلمين يشهد بأنهم أساتذة أوربا في‬
‫جميع فروع المعرفة"‪.‬‬
‫وقال‪:‬‬
‫"لم يشهد المجتمع السلمي ما شهدته أوربة من تحجر العقل ‪،‬‬
‫وشل التفكير ‪ ،‬وجدب الروح ومحاربة العلم والعلماء ‪ ،‬ويذكر‬
‫التاريخ أن اثنين وثلثين ألف عالم قد أُحرقوا أحياء ! ول جدال‬
‫في أن تاريخ السلم لم يعرف هذا الضطهاد الشنيع لحرية الفكر‬
‫‪ ،‬بل كان المسلمون منفردين بالعلم في تلك العصور المظلمة ‪،‬‬
‫ولم يحدث أن انفرد دين بالسلطة ‪ ،‬ومنح مخالفيه في العقيدة‬
‫كل أسباب الحرية كما فعل السلم" هذه الفقرة "عن "هكذا‬
‫كانوا يوم كنا" د‪ .‬حسان شمسي باشا‪.‬‬

‫تعريف‬
‫هو مستشرق فرنسي عكف عن نشر مؤلفات أبيه جان جاك‬
‫سيديو الذي توفي عام ‪ 1832‬قبل أن تتاح له فرصة إخراج كافة‬
‫أعماله في تاريخ العلوم السلمية ‪ .‬وقد عين لويسا أمينا‬
‫لمدرسة اللغات الشرقية (‪ )1831‬وصنف كتابا بعنوان ( خلصة‬
‫تاريخ العرب) ضل عن ( تاريخ العرب العام ) ‪ ,‬وكتب العديد من‬
‫البحاث والدراسات في المجلت المعروفة ‪.‬‬
‫‪------------‬‬
‫قال دو هومبلد‪:‬‬
‫"كان المسلمون مستعدين بما يدعو إلى العجب ليمثلوا دور‬
‫الوسيط ويؤثروا في المم القاطنة فيما بين نهر الفرات ونهر‬
‫الوادي الكبير وفي القسم الجنوبي من أوربا وأواسط وشمال‬
‫أفريقيا‪ .‬المسلمون كانوا ذوي نشاط منقطع النظير وهذا النشاط‬
‫هو آية دور ممتاز في تاريخ الدنيا"‪.‬‬
‫قال‪ :‬هنري دي كاستري‬

‫"‪...‬أن الناس بالغوا كثيرا في مضار تعدد الزوجات عند المسلمين‬


‫أن لم نقل أن ما نسبوه إليه من ذلك غير صحيح ‪ .‬فما تعدد‬
‫الزوجات هو الذي ولد في الشرق تلك الرذائل الفاضحة ‪,‬بل‬
‫المعقول انه من شأنه تلطيفها ‪ ,‬على أنني لست ادري إن كانت‬
‫تلك الرذائل أكثر منها في الغرب ‪,‬بل تلك وصمة ألصقت‬
‫بالسلم بواسطة السواح الذين يرون أمرا في فرد فيجعلونه‬
‫عاما من غير تثبيت فيه لول هذا التعميم السطحي لما وجدوا‬
‫شيئا يملون به مؤلفاتهم والواقع أن الرذائل الفاضحة موجودة‬

‫‪412‬‬
‫في كل أمة ولقد يقع منها في باريس ولندن وبرلين أكثر مما‬
‫يحث في الشرق بأجمعه لن النبي بالغ في تحريمها ولم يعدها‬
‫من الذنوب الخفيفة‪".‬‬
‫وقال‪:‬‬
‫"من الخطأ الفاضح والغلو الفادح قولهم أن عقد الزواج عند‬
‫المسلمين عبارة عن عقد تباع فيه المرأة فتصير شيئا مملوكا‬
‫لزوجها لن ذلك العقد يخول للمرأة حقوقا أدبية وحقوقا مادية‬
‫من شانها إعلء منزلتها في الهيئة الجتماعية‪"..‬‬
‫"لم يقتصر القرآن في التضييق على تعدد الزوجات على عددهن‬
‫‪ ,‬بل حرم ما كان معروفا عند العرب قبله من الزواج لزمن محدد‬
‫وفي ذلك شبه تحريم للطلق لكونه ل يتأتى إل بشروط‬
‫مخصوصة‪..."" " ...‬إننا لو رجعنا إلى زمن النبي صلى الله عليه‬
‫وسلم ومكان ظهوره لما وجدنا عمل يفيد النساء أكثر مما أتاه‬
‫فهن مدينات لنبيهن بأمور كثيرة وفي القرآن آيات ساميات في‬
‫حقوقهن وما يجب لهن على الرجال ‪..‬ويرى القارىء من جميع‬
‫تلك اليات مقدار اهتمام "السلم" بمنع عوامل الفساد الناشئة‬
‫عن التعشق بين المسلمين لكي يجعل الزواج والباء في راحة‬
‫ونعيم ‪..‬ولقد‪-‬أصبحت‪ -‬للمسلمين أخلق مخصوصة ‪,‬عمل بما جاء‬
‫في القرآن أو في الحديث ‪,‬وتولدت في نفوسهم ملكات الحشمة‬
‫والوقار‪ ,‬وجاء هذا مغايرا لداب المم المتمدنة اليوم على خط‬
‫مستقيم ومزيل لما عساه كان يحدث عن ميل الشرقيين إلى‬
‫الشهوات لول هذه التعاليم والفروض‪.‬والفرق بين الحشمة عند‬
‫المسلم وبينها عند المسيحي كما بين السماء والرض ‪" " ..‬‬
‫تعريف‬
‫الكونت هنري دي كاستري (‪Cte.H.de castries )1927-1850‬‬
‫مقدم في الجيش الفرنسي ‪ ,‬قضى في إفريقيا الشمالية زمنا‬
‫طويل‪.‬‬
‫من آثاره ‪ ( :‬مصادر غير منشورة عن تاريخ المغرب) (‪, )1905‬‬
‫(الشراف السعديون) (‪( , )1921‬رحلة هولندي إلى المغرب ) (‬
‫‪ , )1926‬غيرها‪. .‬‬
‫‪----------‬‬
‫يقول مراد هوفمان في السلم كبديل ص ‪:.132‬‬
‫"السلم هو الحياة البديلة بمشروع أبدي ل يبلى ول تنقضي‬
‫يل‬ ‫صلحيته ‪ ،‬وإذا رآه البعض قديما ً فهو أيضا ً حديث ومستقبل ّ‬
‫يحدّه زمان ول مكان ‪ ،‬فالسلم ليس موجة فكرية ول موضة‪،‬‬
‫ويمكنه النتظار …" ‪.‬‬

‫‪413‬‬
‫قال غوستاف لوبون في "حضارة العرب"‪ ،‬للدكتور غوستاف‬
‫لوبون‪ ،‬ترجمة عادل زعيتر‪ ،‬الطبعة الرابعة ص ‪272 ،270‬‬
‫"وعاهد فرديناند (نصراني أسباني كاثوليكي استولى على أخر‬
‫مملكة إسلمية وهي غرناطة سنة ‪1492‬م‪ ).‬العرب على منحهم‬
‫حرية التدين واللغة‪ ،‬ولكنه في سنة ‪1499‬م‪ ،‬لم تكد تحل حتى حل‬
‫بالعرب دور الضطهاد والتعذيب الذي دام قرونا‪ ،‬والذي لم ينته‬
‫إل بطرد العرب من أسبانية‪ ،‬وكان تعميد العرب كرها فاتحة ذلك‬
‫الدور‪ ،‬ثم صارت محاكم التفتيش تأمر بإحراق كثير من المعمدين‬
‫على أنهم من النصارى‪ ،‬ولم تتم عملية التطهر بالنار إل بالتدريج‪،‬‬
‫لتعذر إحراق المليين من العرب دفعة واحدة‪.‬‬
‫ونصح كردينال طليطلة التقي! الذي كان رئيسا لمحاكم التفتيش‪،‬‬
‫بقطع رؤوس جميع من لم يتنصر من العرب رجال ونساء وشيوخا‬
‫وولدانا‪ ،‬ولم ير الراهب الدومينيكي "بليدا" الكفاية في ذلك‪،‬‬
‫فأشار بضرب رقاب من تنصر من العرب‪ ،‬ومن بقي على دينه‬
‫منهم‪ ،‬وحجته في ذلك أن من المستحيل معرفة صدق إيمان من‬
‫تنصر من العرب‪ ،‬فمن المستحب إذن‪ ،‬قتل جميع العرب بحد‬
‫خل النار‬
‫السيف‪ ،‬لكي يحكم الرب بينهم في الحياة الخرى ويُد ِ‬
‫من لم يكن صادق النصرانية منهم‪.‬‬
‫ولم تر الحكومة السبانية أن تعمل بما أشار به هذا الدومينيكي‬
‫الذي أيده الكليروس في رأيه‪ ،‬لما قد يبديه الضحايا من مقاومة‪،‬‬
‫وإنما أمرت في سنة ‪1610‬م بإجلء العرب عن أسبانية‪ ،‬فقتل أكثر‬
‫مهاجري العرب في الطريق‪ ،‬وأبدى ذلك الراهب البارع "بليدا"‬
‫ارتياحه لقتل ثلثة أرباع هؤلء المهاجرين في أثناء هجرتهم‪ ،‬وهو‬
‫الذي قتل مائة آلف مهاجر من قافلة واحدة‪ ،‬كانت مؤلفة من‬
‫أربعين ألفا ومائة ألف مهاجر (‪)140000‬مسلم حينما كانت متجهة‬
‫إلى إفريقية‪.‬‬
‫وخسرت أسبانية بذلك مليون مسلم من رعاياها في بضعة‬
‫أشهر‪ ،‬ويقدر كثير من العلماء‪ ،‬ومنهم "سيديو" عدد المسلمين‬
‫الذين خسرتهم أسبانية منذ أن فتح "فرديناند" غرناطة حتى‬
‫إجلئهم الخير بثلثة مليين‪ ،‬ول تعد ملحمة سان باتلمي إزاء تلك‬
‫المذابح سوى حادث تافه ل يؤبه له‪.‬‬

‫ول يسعنا سوى العتراف بأننا لم نجد بين وحوش الفاتحين من‬
‫يؤاخذ على اقترافه مظالم قتل كتلك التي اقترفت ضد‬
‫المسلمين‪.‬‬
‫ومما يرثى له أن حرمت أسبانية عمدا‪ ،‬هؤلء المليين الثلثة‬
‫الذين كانت لهم إمامة السكان الثقافية‪ ..‬والصناعية‪..‬‬

‫‪414‬‬
‫وسيرى القارئ في الفصل الذي خصصناه للبحث في وارثي‬
‫العرب‪ ،‬مقدار النحطاط الذي أسفر عن إبادة العرب‪ ،‬وإذا كنت‬
‫قد أشرت إلى هذا هنا فلن شأن العرب المدني لم يبد في قطر‬
‫ملكوه كما أبيد في أسبانية‪ ،‬التي لم تكن ذات حضارة تذكر قبل‬
‫الفتح العربي‪ ،‬فصارت ذات حضارة ناضرة في زمن العرب‪ ،‬ثم‬
‫هبطت إلى الدرك السفل من النحطاط بعد جلء العرب‪ ،‬وهذا‬
‫مثال بارز على ما يمكن أن يتفق لعرق من التأثير‪"...‬‬

‫قال مصطفى غفر الله له‬


‫أرجو من إخوتي المشرفين أن ل يحذفوا شيئا‬
‫كارثة عظيمة نسير إلى الوقوع في مثلها‪ ،‬لكن هذه المرة في‬
‫عقر دارنا وهذا أسوأ‪،‬‬
‫والدهى والمر أن هؤلء قتلوا على إسلمهم فل خوف على‬
‫آخرتهم‪ ،‬وأما كثير من أمة محمد سيموت على ‪،...‬‬
‫وهم الن يحاربوننا على جهاز مناعتنا وهي عقيدة التوحيد‬
‫ويخرجون أبناءنا من النور إلى الظلمات‪ ،‬هذا يعيش من أجل‬
‫الفن‪ ،‬والخر يعيش من أجل الليبرالية‪ ،‬والخر يعيش من أجل‬
‫التعددية‪ ،‬والخر يعيش من أجل‪،...‬‬
‫فالستعمار أخذ منا ديارنا في القرن الماضي والذي قبله لكنه لم‬
‫ياخذ منا عقيدتنا‪ ،‬والن يراهن عليها بخيله ورجله وهذا هو‬
‫المتحان لنا جميعا‪،‬‬
‫فهل سنعيش في ترف معلوماتي‪ ،‬ونوم داخل بطون الكتب ول‬
‫أثر دعويا في الواقع يذكر‪،‬‬
‫فلوانشغل الصحابة الكرام وتابعوهم بالمناقشات ما وصل‬
‫السلم إلى المغرب والسينغال‪ ،‬لكن المعين الصافي الذي سقوا‬
‫منه جعلهم يعرفون دورهم وينطلقون من أجله‪ ،‬وهذا الذي جعل‬
‫تلك القرون خير القرون‪.‬‬
‫يا أهل الحديث أنقذوا من استطعتم من النار‪ ،‬يا أهل الحديث‬
‫سبيل أتباع النبي هي الدعوة إلى الله على بصيرة‪،‬‬
‫قل هذه سبيلي أدعو إلى الله على بصيرة أنا ومن اتبعني‪،‬‬
‫وسبحان الله وما أنا من المشركين‬
‫ومن أحسن قول ممن دعا إلى الله وعمل صالحا وقال إنني من‬
‫المسلمين‬
‫انقذوا من استطعتم ‪ ،‬أرجوكم‪..‬‬
‫اللهم أعز السلم والمسلمين‬
‫‪----------‬‬
‫قال غيلوم بستل في كتاب "النحو العربي" ‪:‬‬

‫‪415‬‬
‫" ندين للعرب بعلم النجوم وبالتطبيق العلمي للطب ولدي‬
‫الشجاعة أن أقسم بأنه ل وجود لعالم أو متخصص بشكل علمـي‬
‫في عصرنا هذا إل وهو مشغول بالمؤلفات العربية ‪ ،‬وإل فمن‬
‫يجسر على عدم العتراف بأن القرون غير مشبعة بالتقدم ‪،‬‬
‫ولكننا ولحسن حظنا ندين في كثـير من المور التي نطبقها في‬
‫هذا القرن للعرب وليس لجالينوس ‪ .‬فبالمكان الحصول على‬
‫مؤلفات جالينوس باللغة اللتينية من قبل علماء اللتينية ‪ ،‬لكنها‬
‫معتمدة على ترجمات عربية نقية ‪ ،‬وعلينا أن نعرف أنه ما كان‬
‫قد عالجه جالينوس بأسلوبه الباروكي ‪ ،‬في خمسة أو ستة كتب‬
‫ضخمة كان قد عالجه ابن سينا في نحو صفحة أو صفحتين"‬
‫عن هولندا والعالم العربي لمجموعة من أساتذة جامعة ليدن ‪،‬‬
‫هولندا‬
‫‪----------‬‬
‫يقول المستشرق الفرنسي " جاك رسلر " في كتاب " الحضارة‬
‫العربية " ‪:‬‬
‫" في غضون خمسمائة سنة ما بين ‪ 700‬و ‪ 1200‬ساد السلم على‬
‫العالم بقوة حضارته وعلمه ‪ ..‬فكان المقاتل العربي في القرن‬
‫الحادي عشر مزودا ً بالقوس والقذافة قبل الغربيين بمائتي عام‬
‫وكانت القذافة تستعمل لغرضين فهي لم تكن تسمح فقط‬
‫بإطلق عدة أسهم فحسب ‪ ،‬بل كانـت قادرة على قذفها لمسافة‬
‫بعيدة ‪ ،‬ومنها ما كان يطلق من على منصات إطلق ثقيلة ‪ .‬ثم‬
‫كان العرب أول من صنع البارود بعد ذلك بنصف قرن"‬
‫‪----------‬‬
‫يقول محمد أسد النمساوي "ليوبولد فايس"‬
‫"إن الشريعة السلمية ‪ ,‬بمقتضى الحكمة التي تأخذ الطبيعة‬
‫البشرية بعين العتبار الكلي دائما ‪ ,‬ل تأخذ على عاتقها أكثر من‬
‫صيانة الوظيفة الجتماعية – البيولوجية للزواج‪ ،‬فتسمح لرجل‬
‫بان يتخذ لنفسه أكثر من زوجة واحدة ول تسمح للمرأة بان تتخذ‬
‫لنفسها أكثر من زوج واحد في الوقت نفسه ‪ ,‬في حين أنها تترك‬
‫للشريكين مسالة الزواج الروحية التي ل يمكن أن تقاس‪,‬‬
‫وبالتالي تقع خارج دائرة الشريعة‪ .‬فمتى كان الحب تاما كامل‬
‫فعندئذ تنعدم الرغبة عند كل منهما في الزواج ثانية ومتى كان‬
‫الرجل ل يحب زوجته من كل قلبه ول يرغب مع ذلك في فقدها ‪,‬‬
‫فان بإمكانه أن يتزوج بأخرى‪ ...‬ومهما يكن فانه لما كان الزواج‬
‫في السلم عقدا مدنيا فحسب فان في مكنة الشريكين في‬
‫الزواج أن يلجا دائما إلى الطلق خصوصا وان الوصمة التي‬

‫‪416‬‬
‫تلصق بالطلق ‪ ,‬سواء بشدة اقل أو أكثر ‪ ,‬في المجتمعات‬
‫الخرى ‪ ,‬معدومة في المجتمع السلمي"‬
‫"إن الحرية التي تمنحها الشريعة السلمية كل من الرجل‬
‫والمرأة على حد سواء لعقد الزواج أو حل هذا العقد ‪ ,‬يفسر‬
‫السبب الذي من اجله تعتبر هذه الشريعة الزنا من أقبح الثام ‪:‬‬
‫ذلك انه تجاه هذا التسامح وهذه الحرية ل يمكن أن يكون هناك‬
‫أيما عذر للوقوع في حبائل العاطفة أو الشهوة‪"...‬‬
‫"جاء النبي بما لم يسمع به من قبل الرجال والنساء سواء أمام‬
‫الله ‪ ,‬وان جميع الواجبات الدينية مفروضة على الرجل والمرأة‬
‫على حد سواء‪ .‬والحق انه ذهب إلى ابعد من ذلك فأعلن‪....‬أن‬
‫المرأة شخص بملء حقها وليس لمجرد صلتها بالرجل كأم أو‬
‫زوجة أو أخت أو ابنة ‪ ,‬وأنها لذلك من حقها أن تقتني ملكا وان‬
‫تتعاطى التجارة على حسابها ومسؤوليتها وان تهب لنفسها لمن‬
‫تشاء عن طريق الزواج"‬
‫تعريف‬
‫مفكر ‪ ,‬وصحفي نمساوي ‪ ,‬أشهر إسلمه ‪ ,‬وتسمى بمحمد أسد ‪,‬‬
‫وحكى في كتابه القيم (الطريق إلى مكة ) تفاصيل رحلته إلى‬
‫السلم ‪ .‬وقد أنشأ بمعاونة وليم بكتول ‪ ,‬الذي اسلم هو الخر ‪,‬‬
‫مجلة "الثقافة السلمية" ‪ ,‬في حيدر آباد ‪ ,‬الدكن (‪ )1927‬وكتب‬
‫فيها دراسات وفيرة معظمها في تصحيح أخطاء المستشرقين‬
‫عن السلم ‪.‬‬
‫من آثاره ‪ :‬ترجم صحيح البخاري بتعليق وفهرس ‪ ,‬وألف "أصول‬
‫الفقه السلمي"‪ ,‬و "الطريق إلى مكة" ‪ ,‬و "منهاج السلم في‬
‫الحكم" ‪ ,‬و "السلم على مفترق الطرق"‪.‬‬
‫عندما جاء عالم الفلك المسلم عناية الله المشرقي وأظنه من‬
‫الهند إلى لندن للقاء السير جيمس جينز العالم الفلكيزن دلوه‬
‫عليه فإذا بالثاني يقرأ الكتاب المقدس والمطر ينزل عليه‪ ،‬وكان‬
‫المطر في بدايته‪ ،‬فنبهه العالم عناية الله إلى أن المطر يهطل‬
‫والكتاب سيبتل‪ - ،‬وكان الخر منغمسا في القراءة ‪،-‬‬
‫فتعرف عليه وأخذه إلى بيته‪ ،‬وهناك قال له عناية الله المشرقي‪:‬‬
‫‪ -‬كيف تقرأ النجيل وأنت عالم فلكي كبير‪ ،‬أليس هذا من مظاهر‬
‫التخلف عنكم أن يقرأ النسان المتحضر الكتاب المقدس‪.‬‬
‫قال جيمس جينز‪:‬‬
‫‪ -‬كلما قرأت هذا الكتاب أخذتني القشعريرة‪ ،‬وعلمت أن الذين‬
‫يعرفون الله حق المعرفة ويخافونه حق الحشية هم العلماء‪.‬‬
‫قال له عناية الله‪:‬‬

‫‪417‬‬
‫‪ -‬إن هذا موجود في كتابنا العزيز ‪ ،‬يقول الله عز وجل‪" :‬إنما‬
‫يخشى الله من عباده العلماء"‬
‫فصرخ قائل‪ :‬مدهش وغريب! إنه المر الذي كشفت عنه بعد‬
‫دراسة استمرت خمسين سنة! ‪،‬‬
‫هل هذه الية موجودة في القرآن حقيقة؟!‬
‫لو كان المر كذلك فلبد أن يكون القرآن كتابا موحى به من عند‬
‫الله‪.‬‬
‫قال مصطفى‬
‫هذه أحفظها منذ ثلث سنوات من محاضرة ألقاها الشيخ عدنان‬
‫إبراهيم عندما كان ضيفا علينا في الدانمرك ونسيت أن أسأله‬
‫عن مصدرها‪ .‬ووجدت بعضها متناثرا في الشبكة من غير عزو‬
‫كذلك‪.‬‬
‫ويقول المستر إسحاق الطيار وهو رئيس كنيسة‪ ،‬في خطبة التي‬
‫ألقاها في مؤتمر الكنيسة‪:‬‬
‫"السلم ينشر لواء المدنية التي تعلم النسان ما لم يعلم ومنافع‬
‫الدين السلمي ل ريب فيها وفوائده من اعظم أركان المدنية"‬
‫‪-----------‬‬
‫يقول الماجور ارثوليونرد ‪:‬‬
‫"خلف محمدا ً للعالم كتابا ً هو آية في البلغة‪ ،‬وسجل الخلق‪،‬‬
‫وكتاب مقدس‪ ،‬وليس بين المكتشفات العلمية الحديثة مسألة‬
‫تتعارض مع السس السلمية فالنسجام تام بين تعاليم القرآن‬
‫والقوانين الطبيعية‪".‬‬
‫‪------------‬‬
‫ويقول أميل درمنجهم الذي كتابه عن سيرة النبي ‪:‬‬
‫"ولما نشبت الحرب بين السلم والمسيحية ‪ ،‬اتسعت هوة‬
‫الخلف ‪ ،‬وازدادت حدة ‪ ،‬ويجب أن نعترف بأن الغربيين كانوا‬
‫السابقين إلى أشد الخلف فمن البيزنطيين من أوقر السلم‬
‫احتقارا ً من غير أن يكلفوا أنفسهم مؤنة دراسته ‪ ،‬ولم يحاربوا‬
‫السلم إل بأسخف المثالب – فقد زعموا أن محمدا ً لص! ‪،‬‬
‫وزعموه متهالكا ً على اللهو! ‪ ،‬وزعموه ساحرا ً !‪ ،‬وزعموه رئيس‬
‫عصابة من قطاع الطرق! بل زعموه قسا رومانيا ً !!‪ ،‬مغيظاً‬
‫محنقاً‪ ،‬إذ لم ينتخب لكرسي البابوية – وحسبه بعضهم إلهاً‬
‫زائفا!!!ً يقرب له عباده الضحايا البشرية وذهبت الغنيات إلى حد‬
‫أن جعلت محمدا ً صنما ً من ذهب وجعلت المساجد ملى بالتماثيل‬
‫والصور"‬
‫عن قصة الحضارة لويل ديورانت‬
‫‪-----------‬‬

‫‪418‬‬
‫يقول جار ريسلر في " الحضارة العربية"‪:‬‬
‫" لقد وصلت الثقافة العربية إلى درجات العرش حيث كان‬
‫الخليفة يتحاور مع ابن رشد حول " أرسطو وأفلطون " في‬
‫وقت كانت طبقة النبلء في الغرب تتباهى بجهلها بالقراءة‬
‫والكتابة ‪ ،‬وفي قرطبة كان الحاكم الموي يملك مكتبة تضم أكثر‬
‫من ‪ 400.000‬كتاب بينما لم يكن ملك فرنسا شارل الخامس قادراً‬
‫بعد ذلك بأربعة قرون على جمع أكثر من ألف كتاب ‪ .‬أما مكتبة‬
‫ابن عباد فكانت تحـوي من الكتـب أكثر مما كـان يمكن إحصاؤه‬
‫في كل مكتبات أوروبا مجتمعة ‪----------‬‬
‫يقول المريكي "جورج سارتون " عن الحسن بن الهيثم ‪:‬‬
‫"إنه أعظم عالم ظهر عند العرب في علم الطبيعة ‪ ،‬بل أعظم‬
‫علماء الطبيعة في القرون الوسطى ‪ ،‬ومن علماء البصريات‬
‫القليلين في العالم كله "‬
‫عن ابن الهيثم ‪ ،‬مؤسس علم الضوء ‪ ،‬د‪ .‬عمر الطباع ‪ ،‬أ‪.‬‬
‫عبدالمنعم الهاشمي ‪.‬‬
‫‪------------‬‬
‫يقول المؤرخ النكليزي "جون دوانبورت"‬
‫"لو لم تقم في جنوب أوروبا الحضارة الندلسية العربية‪ ،‬لظلت‬
‫هذه القارة تسبح مع شعوبها المختلفي النحل والنزعات في حلك‬
‫من ظلمة الجهل والبداوة‪ ،‬ولما ظهر للمدنيّة الوربية الحالية أثر‬
‫في الوجود"·‬
‫‪---------‬‬
‫وقال ويل ديورانت‪:‬‬
‫"القباب المتللئة والمآذن المذهَّبة جعلت بلد الندلس في القرن‬
‫العاشر الميلدي أعظم البلد المتحضرة في العالم كله في ذلك‬
‫الوقت· وكان زائرو مدينة قرطبة يُدهشون من ثراء الطبقات‬
‫العليا ومما كان يبدو أنه رخام عام"‬
‫‪-----------‬‬
‫تقول بوجينا غيانا ستشيجفسكا ‪Bozena-Gajane Strzyzewskz‬‬
‫المستشرقة البولونية في كتابها "تاريخ التشريع السلمي" ص ‪17‬‬
‫منشورات دار الفاق الجديدة بيروت الطبعة الولى ‪:1980‬‬
‫"‪...‬ومع هذا فلما انتصر عليهم يوم فتح مكة عفا عنهم وأحسن‬
‫إليهم‪ ،‬ولذلك أحبوه وأسلموا طواعية واختيارا‪ ،‬والقول أن‬
‫السلم انتشر بالسيف كلم يكذبه التاريخ ويكذبه الواقع"‬
‫‪------------‬‬

‫‪419‬‬
‫قال دونالد ر‪-‬هيل ‪ Donald R. Hill‬في كتابه "العلوم والهندسة في‬
‫الحضارة السلمية" "‪ " Islamic Science and Engineering‬ص ‪ ، 288‬ترجمة‬
‫أحمد فؤاد باشا صدرت عن عالم المعرفة عدد ‪:305‬‬
‫"كان القرن الثاني عشر وأوائل القرن الثالث عشر أعظم فترة‬
‫انتشر خللها العلم السلمي في الغرب‪ ،‬وقد أعطت حركة‬
‫الترجمة من العربية إلى اللتينية في القرن الثاني عشر الميلدي‬
‫الدفع الضروري لنمو العلم الوروبي"‬
‫‪http://www.ahlalhdeeth.com/vb/showthread.php?t=25810‬‬
‫‪--------------------‬‬
‫‪ -6‬محمد رسول الله (صلى الله عليه وسلم)‬

‫"إن محمدًا [صلى الله عليه وسلم] كان الرجل الوحيد في‬
‫التاريخ الذي نجح بشكل أسمى وأبرز في كل المستويين الديني‬
‫والدنيوي‪ ..‬إن هذا التحاد الفريد الذي ل نظير له للتأثير الديني‬
‫والدنيوي معًا يخوّله أن يعتبر أعظم شخصية ذات تأثير في تاريخ‬
‫البشرية"‪.‬‬
‫(العالم المريكي مايكل هارث)‬
‫‪----------------‬‬
‫إبراهيم خليل أحمد‬
‫[‪]1‬‬
‫"هذه هي حقيقة يثبتها التاريخ‪ :‬فبينما كان العالم الشرقي والعالم‬
‫الغربي بفلسفاتهما العقيمة يعيش في دياجير ظلم الفكر وفساد‬
‫العبادة‪ ،‬بزغ من مكة المكرمة في شخص محمد رسول الله‬
‫[صلى الله عليه وسلم]‪ ،‬نور وضاء أضاء على العالم فهداه إلى‬
‫السلم"(‪.)1‬‬
‫[‪]2‬‬
‫"إن سيدنا عيسى عليه السلم يتنبأ عن الرسول الكريم محمد‬
‫[صلى الله عليه وسلم] بقوله‪( :‬وأما متى جاء ذاك‪ :‬روح الحق‪،‬‬
‫فهو يرشدكم إلى جميع الحق لنه ل يتكلم من نفسه بل كل ما‬
‫يسمع يتكلم به‪ ،‬ويخبركم بأمور آتية)(‪.)3(".. )2‬‬
‫[‪]3‬‬
‫"يقول برنابا‪( :‬سيأتي مسيا (أي الرسول) المرسل من الله لكل‬
‫العالم‪ ..،‬وحينئذ يسجد لله في كل العالم وتنال الرحمة‪(".. )4()..‬‬
‫‪.)5‬‬
‫[‪]4‬‬
‫"‪ ..‬كلمة إنجيل كلمة يونانية تعني بشارة أو بشرى‪ ،‬ولعل هذا هو‬
‫الذي نستفيده من سيرة سيدنا عيسى عليه السلم‪ ،‬أنه كان‬

‫‪420‬‬
‫بشرى من الله للرحمة‪ ،‬وبشرى بتبشيره عن المسيا الذي‬
‫سيأتي للعالمين هدى ورحمة‪ ،‬أل وهو الرسول الكريم سيدنا‬
‫محمد [صلى الله عليه وسلم]"(‪.)6‬‬
‫[‪]5‬‬
‫"يقول عيسى [عليه السلم] في إنجيل برنابا‪( :‬لن الله‬
‫سيصعِّدني من الرض وسيغير منظر الخائن حتى يظنه كل أحد‬
‫إيّاي‪ .‬ومع ذلك فإنه حين يموت شر ميتة أمكث أنا في ذلك العار‬
‫زمنًا طويل ً في العالم ولكن متى جاء محمد رسول الله المقدس‬
‫تزال عني هذه الوصمة)(‪.)8(".. )7‬‬
‫__________________‬
‫(‪ )1‬محمد في التوراة والنجيل والقرآن ‪ ،‬ص ‪. 47‬‬
‫(‪ )2‬إنجيل يوحنا ‪ 12 : 16 ،‬و ‪.‬‬
‫(‪ )3‬محمد في التوراة والنجيل والقرآن ‪ ،‬ص ‪. 98‬‬
‫(‪ )4‬إنجيل برنابا ‪. 18 – 16 : 82 ،‬‬
‫(‪ )5‬محمد في التوراة ‪ ،‬ص ‪. 105‬‬
‫(‪ )6‬نفسه ‪ ،‬ص ‪. 114‬‬
‫(‪ )7‬إنجيل برنابا ‪. 16 - 80112 ،‬‬
‫(‪ )8‬محمد في التوراة ‪ ،‬ص ‪. 141‬‬
‫‪------------------‬‬
‫آرنولد‬
‫[‪]1‬‬
‫"‪ ..‬لعله من المتوقع‪ ،‬بطبيعة الحال‪ ،‬أن تكون حياة مؤسس‬
‫السلم ومنشئ الدعوة السلمية [صلى الله عليه وسلم]‪ ،‬هي‬
‫الصورة الحق لنشاط الدعوة إلى هذا الدين‪ .‬وإذا كانت حياة‬
‫النبي [صلى الله عليه وسلم] هي مقياس سلوك عامة المؤمنين‪،‬‬
‫فإنها كذلك بالنسبة إلى سائر دعاة السلم‪ .‬لذلك نرجو من‬
‫دراسة هذا المثل أن نعرف شيئًا عن الروح التي دفعت الذين‬
‫عملوا على القتداء به‪ ،‬وعن الوسائل التي ينتظر أن يتخذوها‪.‬‬
‫ذلك أن روح الدعوة إلى السلم لم تجئ في تاريخ الدعوة‬
‫متأخرة بعد أناة وتفكر‪ ،‬وإنما هي قديمة قدم العقيدة ذاتها‪ .‬وفي‬
‫هذا الوصف الموجز سنبين كيف حدث ذلك وكيف كان النبي‬
‫جا للداعي إلى‬ ‫محمد [صلى الله عليه وسلم] يعد نموذ ً‬
‫السلم‪.)1("..‬‬
‫[‪]2‬‬
‫"‪ ..‬من الخطأ أن نفترض أن محمدًا [صلى الله عليه وسلم] في‬
‫المدينة قد طرح مهمة الداعي إلى السلم والمبلغ لتعاليمه‪ ،‬أو‬

‫‪421‬‬
‫أنه عندما سيطر على جيش كبير يأتمر بأمره‪ ،‬انقطع عن دعوة‬
‫المشركين إلى اعتناق الدين‪.)2("..‬‬
‫[‪]3‬‬
‫"‪ ..‬إن المعاملة الحسنة التي تعودتها وفود العشائر المختلفة من‬
‫النبي [صلى الله عليه وسلم] واهتمامه بالنظر في شكاياتهم‪،‬‬
‫والحكمة التي كان يصلح بها ذات بينهم‪ ،‬والسياسة التي أوحت‬
‫إليه بتخصيص قطع من الرض مكافأة لكل من بادر إلى الوقوف‬
‫في جانب السلم وإظهار العطف على المسلمين‪ ،‬كل ذلك جعل‬
‫اسمه مألوفًا لديهم‪ ،‬كما جعل صيته ذائعًا في كافة أنحاء شبه‬
‫ما‪ .‬وكثيًرا ما كان يفد أحد أفراد‬ ‫ما ورجل ً كري ً‬
‫الجزيرة سيدًا عظي ً‬
‫القبيلة على النبي [صلى الله عليه وسلم] بالمدينة ثم يعود إلى‬
‫قومه داعيًا إلى السلم جادًا في تحويل إخوانه إليه‪.)3("..‬‬
‫_________________‬
‫(‪ )1‬الدعوة إلى السلم ‪ ،‬ص ‪. 34‬‬
‫(‪ )2‬نفسه ‪ ،‬ص ‪. 54‬‬
‫(‪ )3‬نفسه ‪ ،‬ص ‪ 55‬عن‪Muir (Sir Wiliam): Life of Mahomet, PP.107-8 :‬‬
‫‪. )(London, 1858-,1‬‬
‫‪------------‬‬
‫واشنجتون إيرفنج‬
‫[‪]1‬‬
‫"كان محمد [صلى الله عليه وسلم] خاتم النبيين وأعظم الرسل‬
‫الذين بعثهم الله ليدعوا الناس إلى عبادة الله"(‪.)1‬‬
‫[‪]2‬‬
‫"كانت تصرفات الرسول [صلى الله عليه وسلم] في [أعقاب‬
‫فتح] مكة تدل على أنه نبي مرسل ل على أنه قائد مظفر‪ .‬فقد‬
‫أبدى رحمة وشفقة على مواطنيه برغم أنه أصبح في مركز قوي‪.‬‬
‫ولكنه توّج نجاحه وانتصاره بالرحمة والعفو"(‪.)2‬‬
‫[‪]3‬‬
‫"لقي الرسول [صلى الله عليه وسلم] من أجل نشر السلم‬
‫كثيًرا من العناء‪ ،‬وبذل عدة تضحيات‪ .‬فقد شك الكثير في صدق‬
‫حا كبيًرا‪ ،‬وتعرض‬ ‫دعوته‪ ،‬وظل عدة سنوات دون أن ينال نجا ً‬
‫خلل إبلغ الوحي إلى الهانات والعتداءات والضطهادات‪ ،‬بل‬
‫اضطر إلى أن يترك وطنه ويبحث عن مكان يهاجر إليه هنا وهناك‬
‫وتخلى عن كل متع الحياة وعن السعي وراء الثراء من أجل نشر‬
‫العقيدة"(‪.)3‬‬
‫[‪]4‬‬

‫‪422‬‬
‫"برغم انتصارات الرسول [صلى الله عليه وسلم] العسكرية لم‬
‫تثر هذه النتصارات كبرياءه أو غروره‪ ،‬فقد كان يحارب من أجل‬
‫السلم ل من أجل مصلحة شخصية‪ ،‬وحتى في أوج مجده حافظ‬
‫الرسول [صلى الله عليه وسلم] على بساطته وتواضعه‪ ،‬فكان‬
‫يكره إذا دخل حجرة على جماعة أن يقوموا له أو يبالغوا في‬
‫الترحيب به وإن كان قد هدف إلى تكوين دولة عظيمة‪ ،‬فإنها‬
‫كانت دولة السلم‪ ،‬وقد حكم فيها بالعدل‪ ،‬ولم يفكر أن يجعل‬
‫الحكم فيها وراثيًا لسرته"(‪.)4‬‬
‫[‪]5‬‬
‫"كان الرسول [صلى الله عليه وسلم] ينفق ما يحصل من جزية‬
‫أو ما يقع في يديه من غنائم في سبيل انتصار السلم‪ ،‬وفي‬
‫معاونة فقراء المسلمين‪ ،‬وكثيًرا ما كان ينفق في سبيل ذلك آخر‬
‫ما أو‬
‫درهم في بيت المال‪ ..‬وهو لم يخلف وراءه ديناًرا أو دره ً‬
‫رقيقًا‪ ..‬وقد خيره الله بين مفاتيح كنوز الرض في الدنيا وبين‬
‫الخرة فاختار الخرة"(‪.)5‬‬
‫______________‬
‫(‪ )1‬حياة محمد ‪ ،‬ص ‪. 72‬‬
‫(‪ )2‬حياة محمد ‪ ،‬ص ‪. 72‬‬
‫(‪ )3‬نفسه ‪ ،‬ص ‪. 300‬‬
‫(‪ )4‬نفسه ‪ ،‬ص ‪. 303 – 302‬‬
‫(‪ )5‬نفسه ‪ ،‬ص ‪. 303‬‬
‫‪--------------‬‬
‫بارت(‪)1‬‬
‫[‪]1‬‬
‫"كان من بين ممثلي حركة التنوير من رأوا في النبي العربي‬
‫ما‪ ،‬ورسولً‬ ‫[صلى الله عليه وسلم] أدلة الله‪ ،‬ومشرع ًا حكي ً‬
‫للفضيلة‪ ،‬وناطقًا بكلمة الدين الطبيعي الفطري‪ ،‬مبشًرا به"(‪.)2‬‬
‫[‪]2‬‬
‫"كان العرب يعيشون منذ قرون طويلة في بوادي وواحات شبه‬
‫الجزيرة‪ ،‬يعيثون فيها فسادًا‪ .‬حتى أتى محمد [صلى الله عليه‬
‫وسلم] ودعاهم إلى اليمان بإله واحد‪ ،‬خالق بارئ‪ ،‬وجمعهم في‬
‫كيان واحد متجانس"(‪.)3‬‬
‫_____________________‬
‫‪Rudi, Part‬‬ ‫(‪ )1‬رودي بارت‬
‫عالم ألماني معاصر‪ ،‬اضطلع بالدراسات الشرقية في جامعة‬
‫هايدلبرج‪ ،‬وكرس حياته لدراسة علوم العربية والسلم‪ ،‬وصنف‬
‫فيها عددًا كبيًرا من العمال‪ ،‬منها ترجمته للقرآن الكريم التي‬

‫‪423‬‬
‫و ‪،1966‬‬ ‫‪1963‬‬ ‫استغرقت منه عشرات السنين وأصدرها بين عامي‬
‫وله كتاب عن النبي محمد صلى الله عليه وسلم‪.‬‬
‫(‪ )2‬الدراسات العربية والسلمية في الجامعات اللمانية ‪ ،‬ص‬
‫‪. 15‬‬
‫(‪ )3‬نفسه ‪ ،‬ص ‪. 20‬‬
‫‪---------------‬‬
‫بروي(‪)1‬‬
‫[‪]1‬‬
‫"جاء محمد بن عبد الله [صلى الله عليه وسلم]‪ ،‬النبي العربي‬
‫وخاتمة النبيين‪ ،‬يبشر العرب والناس أجمعين‪ ،‬بدين جديد‪ ،‬ويدعو‬
‫للقول بالله الواحد الحد‪ ،‬كانت الشريعة [في دعوته] ل تختلف‬
‫عن العقيدة أو اليمان‪ ،‬وتتمتع مثلها بسلطة إلهية ملزمة‪ ،‬تضبط‬
‫ضا المور الدنيوية‪ ،‬فتفرض‬ ‫ليس المور الدينية فحسب‪ ،‬بل أي ً‬
‫على المسلم الزكاة‪ ،‬والجهاد ضد المشركين‪ ..‬ونشر الدين‬
‫الحنيف‪ ..‬وعندما قبض النبي العربي [صلى الله عليه وسلم]‪،‬‬
‫عام ‪632‬م‪ ،‬كان قد انتهى من دعوته‪ ،‬كما انتهى من وضع نظام‬
‫اجتماعي يسمو كثيًرا فوق النظام القبلي الذي كان عليه العرب‬
‫قبل السلم‪ ،‬وصهرهم في وحدة قوية‪ ،‬وهكذا تم للجزيرة‬
‫العربية وحدة دينية متماسكة‪ ،‬لم تعرف مثلها من قبل‪.)2("..‬‬
‫__________________‬
‫‪Edourd Perroy‬‬ ‫(‪ )1‬إدوار بروي‬
‫باحث فرنسي معاصر‪ ،‬وأستاذ في السربون‪.‬‬
‫(‪ )2‬تاريخ الحضارات العام ‪. 112 / 3 ،‬‬
‫‪---------------‬‬
‫بلشير‬
‫[‪]1‬‬
‫"‪ ..‬إن معجزة النبي [عليه الصلة والسلم] الحقيقية والوحيدة‬
‫هي إبلغه الناس رسالة ذات روعة أدبية ل مثيل لها‪ ،‬فمن هو‬
‫ذلك الرجل المكلّف بالمهام الثقيلة العبء وهي حمل النور إلى‬
‫عرب الحجاز في أوائل القرن السابع ؟ إن محمدًا [عليه الصلة‬
‫ما عليه بمواهب تنزهه‬ ‫والسلم] ل يبدو في القرآن إطلقًا‪ ،‬منع ً‬
‫عن الصفات النسانية‪ ،‬فهو ل يستطيع في نظر معاصريه‬
‫المشركين أن يفخر بالستغناء عن حاجات هي حاجاتهم‪ ،‬وهو‬
‫ما أَنَا ب َ َ‬
‫شٌر‬ ‫ل إِن َّ َ‬
‫يصّرح بفخر أنه لم يكن سوى مخلوق فان‪{ :‬قُ ْ‬
‫م} [الكهف ‪ .]110‬وهو لم يتلق أي قدرة على صنع‬ ‫مثْلُك ُ ْ‬
‫ِّ‬
‫المعجزات‪ ،‬ولكنه انتخب ليكون منذًرا ومبشًرا للكافرين‪ .‬إن نجاح‬
‫رسالته مرتبط إذن في قيمتها الحيائية وإلى شكلها المنقطع‬

‫‪424‬‬
‫النظير‪ .‬ولم يكن محمد [عليه الصلة والسلم] رغم ذلك‪ ،‬صاحب‬
‫بيان ول شاعًرا‪ ،‬فإن الخبار التي روت سيرته لم تحسن‬
‫الحتفاظ بذكرى مفاخراته الشخصية‪ ،‬وثمة عوامل تحملنا على‬
‫الشك فيما إذا كان عرف استعمال السجع‪ ،‬أو أنه تلقى من‬
‫ن ارتجال الشعر‪ .‬وعندما قال عنه المكّيّون المشركون‬ ‫السماء ف ّ‬
‫أنه شاعر‪ ،‬أو حين عّرضوا بأن مصدر الوحي جنّي معروف أزال‬
‫َ‬
‫ن هُوَ إِل‬ ‫ما يَنبَغِي ل َ ُ‬
‫ه إِ ْ‬ ‫شعَْر َو َ‬ ‫ما ع َل ّ ْ‬
‫منَاه ُ ال ّ ِ‬ ‫{و َ‬
‫الله عنه هذه التهمة‪َ :‬‬
‫ن}‬‫ل ع َلَى الْكَافِرِي َ‬ ‫حقَّ الْقَوْ ُ‬‫حيًّا َوي َ ِ‬‫ن َ‬‫من كَا َ‬ ‫ن‪ ،‬لِيُنذَِر َ‬ ‫ن ُّ‬
‫مبِي ٌ‬ ‫ذِكٌْر وَقُْرآ ٌ‬
‫[يس ‪ .]70–69‬وهكذا يطرح هذا الوحي البالغ جماله حد العجاز‪،‬‬
‫الواثق بحمل الناس بقوة بيانه على الهداية‪ ،‬كظاهرة ل علقة لها‬
‫بالفصاحة ول الشعر"(‪.)1‬‬
‫[‪]2‬‬
‫مة أسباب تداخلت وفي طليعتها‬ ‫"‪ ..‬أما عن انتصار السلم فث َّ‬
‫القرآن والسنة وحالة الحجاز الدينية‪ ،‬ونصح وبيان وأمانة الرجل‬
‫المرسل لبلغ الرسالة المنزلة عليه‪.)2("..‬‬
‫______________________‬
‫(‪ )1‬تاريخ الدب العربي ‪. 15 – 14 / 2 ،‬‬
‫(‪ )2‬نفسه ‪. 50 / 2 ،‬‬
‫‪----------------‬‬
‫مارسيل بوازار‬
‫[‪]1‬‬
‫"سبق أن كتب كل شيء عن نبي السلم [صلى الله عليه‬
‫وسلم]‪ ،‬فأنوار التاريخ تسطع على حياته التي نعرفها في أدق‬
‫تفاصيلها‪ .‬والصورة التي خلفها محمد [صلى الله عليه وسلم] عن‬
‫نفسه تبدو‪ ،‬حتى وإن عمد إلى تشويهها‪ ،‬علمية في الحدود التي‬
‫تكشف فيها وهي تندمج في ظاهرة السلم عن مظهر من‬
‫مظاهر المفهوم الديني وتتيح إدراك عظمته الحقيقية‪.)1("..‬‬
‫[‪]2‬‬
‫"لم يكن محمد [صلى الله عليه وسلم] على الصعيد التاريخي‬
‫مبشًرا بدين وحسب بل كان كذلك مؤسس سياسة غيّرت مجرى‬
‫التاريخ‪ ،‬وأثرت في تطور انتشار السلم فيما بعد على أوسع‬
‫نطاق‪.)2("..‬‬
‫[‪]3‬‬
‫"منذ استقر النبي محمد [صلى الله عليه وسلم] في المدينة‪،‬‬
‫غدت حياته جزءًا ل ينفصل من التاريخ السلمي‪ .‬فقد نقلت إلينا‬
‫ما شديد‬ ‫أفعاله وتصرفاته في أدق تفاصيلها‪ ..‬ولما كان منظ ً‬
‫الحيوية‪ ،‬فقد أثبت نضالية في الدفاع عن المجتمع السلمي‬

‫‪425‬‬
‫الجنيني‪ ،‬وفي بث الدعوة‪ ..‬وبالرغم من قتاليته ومنافحته‪ ،‬فقد‬
‫كان يعفو عند المقدرة‪ ،‬لكنه لم يكن يلين أو يتسامح مع أعداء‬
‫الدين‪ .‬ويبدو أن مزايا النبي الثلث‪ ،‬الورع والقتالية والعفو عند‬
‫سدت‬ ‫المقدرة قد طبعت المجتمع السلمي في إبان قيامه وج ّ‬
‫المناخ الروحي للسلم‪ ..‬وكما يظهر التاريخ الرسول [صلى الله‬
‫عليه وسلم] قائدًا عظيم ملء قلبه الرأفة‪ ،‬يصوره كذلك رجل‬
‫حا قوي الشكيمة له سياسته الحكيمة التي تتعامل مع‬ ‫دولة صري ً‬
‫الجميع على قدم المساواة وتعطي كل صاحب حق حقه‪ .‬ولقد‬
‫استطاع بدبلوماسيته ونزاهته أن ينتزع العتراف بالجماعة‬
‫السلمية عن طريق المعاهدات في الوقت الذي كان النصر‬
‫العسكري قد بدأ يحالفه‪ .‬وإذا تذكرنا أخيًرا على الصعيد النفساني‬
‫هشاشة السلطان الذي كان يتمتع به زعيم من زعماء العرب‪،‬‬
‫والفضائل التي كان أفراد المجتمع يطالبونه بالتحلي بها‪ ،‬استطعنا‬
‫أن نستخلص أنه لبد ّ أن يكون محمد [صلى الله عليه وسلم]‬
‫الذي عرف كيف ينتزع رضا أوسع الجماهير به إنسانًا فوق‬
‫مستوى البشر حقًا‪ ،‬وأنه لبد أن يكون نبيًا حقيقيًا من أنبياء الله"(‬
‫‪.)3‬‬
‫[‪]4‬‬
‫حا‬
‫"‪ ..‬لقد كان محمد [صلى الله عليه وسلم] نبيًا ل مصل ً‬
‫اجتماعيًا‪ .‬وأحدثت رسالته في المجتمع العربي القائم آنذاك‬
‫تغييرات أساسية ما تزال آثارها ماثلة في المجتمع السلمي‬
‫المعاصر‪.)4("..‬‬
‫[‪]5‬‬
‫"‪ ..‬مما ل ريب فيه أن محمدًا [صلى الله عليه وسلم] قد اعتبر‪،‬‬
‫بل كان في الواقع‪ ،‬ثائًرا في النطاق الذي كان فيه كل نبي ثائًرا‬
‫بوصفه نبيًا‪ ،‬أي بمحاولته تغيير المحيط الذي يعيش فيه‪.)5("..‬‬
‫____________________‬
‫(‪ )1‬إنسانية السلم ‪ ،‬ص ‪. 41 – 40‬‬
‫(‪ )2‬نفسه ‪ ،‬ص ‪. 42‬‬
‫(‪ )3‬نفسه ‪ ،‬ص ‪. 46‬‬
‫(‪ )4‬نفسه ‪ ،‬ص ‪. 61‬‬
‫(‪ )5‬نفسه ‪ ،‬ص ‪. 66‬‬
‫‪----------------‬‬
‫توينبي(‪)1‬‬
‫[‪]1‬‬
‫"لقد كّرس محمد [صلى الله عليه وسلم] حياته لتحقيق رسالته‬
‫في كفالة هذين المظهرين في البيئة الجتماعية العربية [وهما‬

‫‪426‬‬
‫الوحدانية في الفكرة الدينية‪ ،‬والقانون والنظام في الحكم]‪ .‬وتم‬
‫ذلك فعل ً بفضل نظام السلم الشامل الذي ضم بين ظهرانيه‬
‫الوحدانية والسلطة التنفيذية معًا‪ ..‬فغدت للسلم بفضل ذلك‬
‫قوة دافعة جبارة لم تقتصر على كفالة احتياجات العرب ونقلهم‬
‫من أمة جهالة إلى أمة متحضرة‪ ،‬بل تدفق السلم من حدود‬
‫شبه الجزيرة‪ ،‬واستولى على العالم السوري بأسره من سواحل‬
‫الطالسي إلى شواطئ السهب الوراسي‪.)2("..‬‬
‫[‪]2‬‬
‫"‪ ..‬لقد أخذت سيرة الرسول العربي [صلى الله عليه وسلم]‬
‫بألباب أتباعه‪ ،‬وسمت شخصيته لديهم إلى أعلى علّيين‪ ،‬فآمنوا‬
‫برسالته إيمانًا جعلهم يتقبلون ما أوحي به إليه وأفعاله كما‬
‫جلتها السنة‪ ،‬مصدًرا للقانون‪ ،‬ل يقتصر على تنظيم حياة‬ ‫س ّ‬
‫الجماعة السلمية وحدها‪ ،‬بل يرتب كذلك علقات المسلمين‬
‫الفاتحين برعاياهم غير المسلمين الذين كانوا في بداية المر‬
‫يفوقونهم عددًا"(‪.)3‬‬
‫_______________‬
‫‪Arnold Toynbee‬‬ ‫(‪ )1‬آرنولد توينبي‬
‫المؤرخ البريطاني المعاصر‪ ،‬الذي انصبت معظم دراساته على‬
‫تاريخ الحضارات‪ ،‬وكان أبرزها – ول ريب – مؤلفه الشهير‬
‫(دراسة للتاريخ) الذي شرع يعمل فيه منذ عام ‪ 1921‬وانتهى منه‬
‫عام ‪ ،1961‬وهو يتكون من اثني عشر جزءًا عرض فيها توينبي‬
‫لرؤيته الحضارية للتاريخ‪ .‬ولقد وضع المستر سومر فيل – تحت‬
‫إشراف توينبي نفسه – مختصًرا في جزأين لهذا العمل الواسع‬
‫ما عباراته الصلية في‬ ‫بسط فيه جميع آراء المؤلف مستخد ً‬
‫معظم الحيان‪ ،‬وحذف الكثير من المثلة والراء دون إخلل‬
‫بالسياق العام للكتاب‪ ،‬وهذا المختصر هو الذي ترجم إلى العربية‬
‫في أربعة أجزاء‪ ،‬وهو الذي اعتمدناه هنا‪.‬‬
‫(‪ )2‬مختصر دراسة للتاريخ ‪. 381 / 10‬‬
‫(‪ )3‬نفسه ‪. 98 / 3 ،‬‬
‫‪--------------‬‬
‫فيليب حتي‬
‫[‪]1‬‬
‫"إن اللغة العربية هي لغة القرآن التي كانت الساس الذي قامت‬
‫عليه أمة جديدة أخرجت للناس‪ ،‬أمة جاءت بها بعثة محمد [صلى‬
‫الله عليه وسلم] من قبائل متنافرة متنازعة لم يقدّر لها من قبل‬
‫أن تجتمع على رأي واحد‪ .‬وهكذا استطاع رسول السلم [صلى‬
‫الله عليه وسلم] أن يضيف حدًا جديدًا (رابعًا) إلى المأثرة‬

‫‪427‬‬
‫الحضارية ذات الحدود الثلثة من الدين والدولة والثقافة‪ ،‬ذلك‬
‫الحد الرابع الجديد كان (إيجاد أمة ذات لغة فوق اللغات)‪.)1("..‬‬
‫[‪]2‬‬
‫"إن إقامة الخوة في السلم مكان العصبية الجاهلية (القائمة‬
‫على الدم والقرابة) للبناء الجتماعي كان في الحقيقة عمل ً جريئًا‬
‫جديدًا قام به النبي العربي [صلى الله عليه وسلم]‪.)2("..‬‬
‫[‪]3‬‬
‫"في الكتاب المعاصرين لنا نفٌر يحاولون أن يكتشفوا العمال‬
‫الباهرة (التي حققها محمد صلى الله عليه وسلم) أو أن يعالجوا‬
‫حياته الزوجية على أساس من التحليل النفسي‪ ،‬فل يزيدون على‬
‫ما من‬ ‫أن يضيفوا إلى أوجه التحامل وإلى الراء الهوائية أحكا ً‬
‫زيف العلم‪.)3("..‬‬
‫[‪]4‬‬
‫"صفات محمد [صلى الله عليه وسلم] مثبتة في القرآن بدقة‬
‫بالغة فوق ما نجد في كل مصدر آخر‪ .‬إن المعارك التي خاضها‬
‫والحكام التي أبرمها والعمال التي قام بها ل تترك مجال ً للريب‬
‫في الشخصية القوية واليمان الوطيد والخلص البالغ وغير ذلك‬
‫من الصفات التي خلقت الرجال القادة في التاريخ‪ .‬ومع أنه كان‬
‫ما سعة‬ ‫ما فقيًرا‪ ،‬فقد كان في قلبه دائ ً‬‫في دور من أدوار حياته يتي ً‬
‫لمؤاساة المحرومين في الحياة"(‪.)4‬‬

‫[‪]5‬‬
‫"إذا نحن نظرنا إلى محمد [صلى الله عليه وسلم] من خلل‬
‫العمال التي حققها‪ ،‬فإن محمدًا الرجل والمعلم والخطيب ورجل‬
‫الدولة والمجاهد يبدو لنا بكل وضوح واحدًا من أقدر الرجال في‬
‫جميع أحقاب التاريخ‪ .‬لقد نشر دينًا هو السلم‪ ،‬وأسس دولة هي‬
‫الخلفة‪ ،‬ووضع أساس حضارة هي الحضارة العربية السلمية‪،‬‬
‫وأقام أمة هي المة العربية‪ .‬وهو ل يزال إلى اليوم قوة حية‬
‫فعالة في حياة المليين من البشر"(‪.)5‬‬
‫_______________‬
‫(‪ )1‬السلم منهج حياة ‪ ،‬ص ‪. 20 – 19‬‬
‫(‪ )2‬نفسه ‪ ،‬ص ‪. 51‬‬
‫(‪ )3‬نفسه ‪ ،‬ص ‪. 54‬‬
‫(‪ )4‬نفسه ‪ ،‬ص ‪. 54‬‬
‫(‪ )5‬نفسه ‪ ،‬ص ‪. 56‬‬
‫‪-----------------‬‬
‫جورج حنا‬

‫‪428‬‬
‫[‪]1‬‬
‫"‪ ..‬كان محمد [صلى الله عليه وسلم] يخرج من سويعات [لقائه‬
‫مع جبريل عليه السلم] بآيات تنطق بالحكمة‪ ،‬داعيًا قومه إلى‬
‫ي القدرة‪ ،‬صابًا‬‫الرجوع عن غيّهم‪ ،‬واليمان بالله الواحد الكل ّ‬
‫النقمة على اللهة الصنمية‪ ،‬التي كان القوم يعبدونها فكان طبيعيًا‬
‫أن يحقد عليه أشراف العرب ويضمروا له الشر‪ ،‬لما كان في‬
‫دعوته من خطر على زعامتهم‪ ،‬وهي ما كانت قائمة إل على‬
‫التعبد للصنام التي جاء هذا الرجل يدعو إلى تحطيمها‪ .‬لكن‬
‫محمدًا [صلى الله عليه وسلم] لم يكن يهادن في بث دعوته‪ ،‬ولم‬
‫يكن يسكت عن اضطهاد أشراف قريش له‪ ،‬بل كان يتحداهم‪،‬‬
‫فيزدادون حقدًا عليه وتآمًرا على حياته‪ .‬فلم تلبث دعوته حتى‬
‫تحولت من دعوة سلمية إلى دعوة نضالية‪ .‬إنه لم يرض بأن‬
‫يحوّل خدّه اليسر لمن يضربه على خدّه اليمن‪ ..‬بل مشى في‬
‫طريقه غير هيّاب‪ ،‬في يده الواحدة رسالة هداية‪ ،‬يهدي بها من‬
‫سالموه‪ ،‬وفي يده الثانية سيف يحارب به من يحاربوه‪ .‬لقد آمن‬
‫به نفر قليل في بداية الدعوة‪ ،‬وكان نصيب هذا النفر مثل نصيبه‬
‫من الضطهاد والتكفير‪ ..‬كان هؤلء باكورة الديانة السلمية‪،‬‬
‫والشعلة التي انطلقت منها رسالة محمد [صلى الله عليه‬
‫وسلم]"(‪.)1‬‬
‫[‪]2‬‬
‫"كان محمد [صلى الله عليه وسلم] في المدينة أكثر اطمئنانًا‬
‫على نفسه وعلى أتباعه ورسالته مما كان في مكة‪ ..‬كانت يثرب‬
‫ما‬‫مدينة العامة التابعة‪ ،‬ل مدينة الخاصة المتبوعة‪ .‬والعامة دائ ً‬
‫أقرب إلى اقتباس كلمة الحق من الخاصة‪ ،‬ل سيما إذا كانت‬
‫كلمة الحق هذه‪ ،‬تحررها من عبوديتها للخاصة"(‪.)2‬‬
‫[‪]3‬‬
‫"محمد بن عبد الله [صلى الله عليه وسلم] كان ثائًرا‪ ،‬عندما أبى‬
‫أن يماشي أهل الصحراء في عبادة الصنام وفي عاداتهم‬
‫الهمجية وفي مجتمعهم البربري‪ .‬فأضرمها حربًا ل هوادة فيها‬
‫على جاهلية المشركين وأسيادهم وآلهتهم‪ .‬فكفره قومه‬
‫واضطهدوه وأضمروا له الموت‪ .‬فهاجر تحت جنح الليل مع نفر‬
‫من أتباعه‪ ،‬وما تخلى عن النضال في نشر دعوته‪ ،‬وما أحجم عن‬
‫تجريد السيف من أجلها‪ .‬فأخرج من جاهلية الصحراء عقيدة دينية‬
‫واجتماعية تجمع بين مئات المليين من البشر في أقطار‬
‫المعمورة"(‪.)3‬‬
‫______________________‬
‫(‪ )1‬قصة النسان ‪ ،‬ص ‪. 76‬‬

‫‪429‬‬
‫‪.‬‬ ‫‪77‬‬‫(‪ )2‬نفسه ‪ ،‬ص‬
‫(‪ )3‬نفسه ‪ ،‬ص ‪. 252‬‬
‫‪---------------‬‬
‫أميل درمنغم‬
‫[‪]1‬‬
‫"‪ ..‬إذا كانت كل نفس بشرية تنطوي على عبرة وإذا كان كل‬
‫موجود يشتمل على عظة فما أعظم ما تثيره فينا من الثر‬
‫الخاص العميق المحرك الخصيب حياة رجل يؤمن برسالته فريق‬
‫كبير من بني النسان!"(‪.)1‬‬
‫[‪]2‬‬
‫"‪ ..‬ولد لمحمد [صلى الله عليه وسلم]‪ ،‬من مارية القبطية] ابنه‬
‫إبراهيم فمات طفلً‪ ،‬فحزن عليه كثيًرا ولحده بيده وبكاه‪ ،‬ووافق‬
‫موته كسوف الشمس فقال المسلمون‪ :‬إنها انكسفت لموته‪،‬‬
‫ولكن محمدًا [صلى الله عليه وسلم] كان من سموّ النفس ما‬
‫رأى به رد ّ ذلك فقال‪( :‬إن الشمس والقمر آيتان من آيات الله ل‬
‫يخسفان لموت أحد‪ )..‬فقول مثل هذا مما ل يصدر عن كاذب‬
‫دجال‪.)2("..‬‬
‫[‪]3‬‬
‫"‪ ..‬تجلت بهذه الرحلة الباهرة [حجة الوداع] ما وصلت إليه من‬
‫العظمة والسؤدد رسالة ذلك النبي الذي أنهكه اضطهاد عشر‬
‫سنين وحروب عشر سنين أخرى بل انقطاع‪ ،‬وهو النبي الذي‬
‫جعل من مختلف القبائل المتقاتلة على الدوام أمة واحدة‪.)3("..‬‬
‫[‪]4‬‬
‫"[إن] محمدًا [صلى الله عليه وسلم] الذي خلق القيادة لم‬
‫يطلب معاصريه بغير ما يفرض عليهم من الطاعة لرجل يبلّغهم‬
‫رسالت الله‪ ،‬فهو بذلك واسطة بين الله رب العالمين والناس‬
‫أجمعين‪ ..‬وكان ينهى عن عدّه ملكًا‪ ..‬ولقد نال السلطان والثراء‬
‫والمجد‪ ،‬ولكنه لم يغتر بشيء من هذا كله فكان يفضل إسلم‬
‫رجل على أعظم الغنائم‪ ،‬ومما كان يمضه عجز كثير من الناس‬
‫عن إدراك كنه رسالته‪.)4("..‬‬
‫[‪]5‬‬
‫"‪ ..‬الحق أن النبي [صلى الله عليه وسلم] لم يعرف الراحة ول‬
‫السكون بعد أن أوحي إليه في غار حراء‪ ،‬فقضى حياة يعجب‬
‫النسان بها‪ ،‬والحق أن عشرين سنة كفت لعداد ما يقلب الدنيا‪،‬‬
‫فقد نبتت في رمال الحجاز الجديبة حبة سوف تجدد‪ ،‬عما قليل‪،‬‬
‫بلد العرب وتمتد أغصانها إلى بلد الهند والمحيط الطلنطي‪.‬‬
‫وليس لدينا ما نعرف به أن محمدًا [صلى الله عليه وسلم] أبصر‪،‬‬

‫‪430‬‬
‫حين أفاض من جبل عرفات‪ ،‬مستقبل أمته وانتشار دينه‪ ،‬وأنه‬
‫س ببصيرته أن العرب الذين ألّف بينهم سيخرجون من‬ ‫أح ّ‬
‫جزيرتهم لفتح بلد فارس والشام وأفريقية وإسبانية"(‪.)5‬‬
‫_____________‬
‫(‪ )1‬حياة محمد ‪ ،‬ص ‪. 8‬‬
‫(‪ )2‬نفسه ‪ ،‬ص ‪. 318‬‬
‫(‪ )3‬نفسه ‪ ،‬ص ‪. 359‬‬
‫(‪ )4‬نفسه ‪ ،‬ص ‪. 360‬‬
‫(‪ )5‬نفسه ‪ ،‬ص ‪. 369 – 368‬‬
‫‪------------------‬‬
‫دُّراني(‪)1‬‬
‫[‪]1‬‬
‫"أستطيع أن أقول بكل قوة أنه ل يوجد مسلم جديد واحد ل‬
‫يحمل في نفسه العرفان بالجميل لسيدنا محمد [صلى الله عليه‬
‫وسلم] لما غمره به من حب وعون وهداية وإلهام فهو القدوة‬
‫الطيبة التي أرسلها الله رحمة لنا وحبًا بنا حتى نقتفي أثره"(‪.)2‬‬
‫[‪]2‬‬
‫"‪ ..‬وأخيرا ً أخذت أدرس حياة النبي محمد [صلى الله عليه وسلم]‬
‫فأيقنت أن من أعظم الثام أن نتنكر لذلك الرجل الرباني الذي‬
‫أقام مملكة لله بين أقوام كانوا من قبل متحاربين ل يحكمهم‬
‫قانون‪ ،‬يعبدون الوثن‪ ،‬ويقترفون كل الفعال المشينة‪ ،‬فغير طرق‬
‫تفكيرهم‪ ،‬ل بل بدل عاداتهم وأخلقهم‪ ،‬وجمعهم تحت راية واحدة‬
‫وقانون واحد ودين واحد وثقافة واحدة وحضارة واحدة وحكومة‬
‫ما واحدًا‬ ‫واحدة‪ ،‬وأصبحت تلك المة‪ ،‬التي لم تنجب رجل ً عظي ً‬
‫يستحق الذكر منذ عدة قرون‪ ،‬أصبحت تحت تأثيره وهديه تنجب‬
‫ألوفًا من النفوس الكريمة التي انطلقت إلى أقصى أرجاء‬
‫المعمورة تدعو إلى مبادئ السلم وأخلقه ونظام الحياة‬
‫السلمية وتعلم الناس أمور الدين الجديد"(‪.)3‬‬
‫[‪]3‬‬
‫ة من‬ ‫ما كامل ً‬
‫"‪ ..‬تحمل [صلى الله عليه وسلم] ثلثة عشر عا ً‬
‫المتاعب [في مكة] دون انقطاع‪ ،‬وثمانية سنوات [في المدينة]‬
‫دون توقف‪ ،‬فتحمل ذلك كله‪ ،‬فلم يتزحزح شعرة عن موقفه‪،‬‬
‫وكان صامدًا‪ ،‬رابط الجأش‪ ،‬صلبًا في أهدافه وموقفه‪ .‬عرضت‬
‫عليه أمته أن تنصبه ملكًا عليها وأن تضع عند قدميه كل ثروات‬
‫البلد إذا كف عن الدعوة إلى دينه ونشر رسالته‪ .‬فرفض هذه‬
‫الغراءات كلها فاختار بدل ً من ذلك أن يعاني من أجل دعوته‪.‬‬
‫لماذا؟ لماذا لم يكترث أبدًا للثروات والجاه والملك والمجد‬

‫‪431‬‬
‫والراحة والدعة والرخاء ؟ لبد ّ أن يفكر المرء في ذلك بعمق‬
‫شديد إذا أراد أن يصل إلى جواب عليه"(‪.)4‬‬
‫[‪]4‬‬
‫"هل بوسع المرء أن يتصور مثال ً للتضحية بالنفس وحب الغير‬
‫والرأفة بالخرين أسمى من هذا المثال حيث نجد رجل ً يقضي‬
‫على سعادته الشخصية لصالح الخرين‪ ،‬بينما يقوم هؤلء القوم‬
‫أنفسهم الذين يعمل على تحسين أحوالهم ويبذل أقصى جهده‬
‫في سبيل ذلك يقومون برميه بالحجارة والساءة إليه ونفيه‬
‫وعدم إتاحة الفرصة له للحياة الهادئة حتى في منفاه‪ ،‬وأنه رغم‬
‫كل ذلك يرفض أن يكف عن السعي لخيرهم؟ هل يمكن لحد أن‬
‫يتحمل كل هذا العناء واللم من أجل دعوة السعي لخيرهم؟ هل‬
‫يمكن لحد أن يتحمل كل هذا العناء واللم من أجل دعوة مزيفة؟‬
‫هل يستطيع أي مدخول غير مخلص‪ ..‬أن يبدي هذا الثبات‬
‫والتصميم على مبدئه والتمسك به حتى آخر رمق دون أدنى وجل‬
‫أو تعثر أمام الخطار وصنوف التعذيب التي يمكن تصورها وقد‬
‫قامت عليه البلد بأكملها وحملت السلح ضده؟"(‪.)5‬‬
‫[‪]5‬‬
‫"إن هذا اليمان وهذا السعي الحثيث وهذا التصميم والعزم الذي‬
‫قاد به محمد [صلى الله عليه وسلم] حركته حتى النصر النهائي‪،‬‬
‫إنما هو برهان بليغ على صدقه المطلق في دعوته‪ .‬إذ لو كانت‬
‫في نفسه أدنى لمسة من شك أو اضطراب لما استطاع أبدًا أن‬
‫ما‬
‫يصمد أمام العاصفة التي استمّر أوارها أكثر من عشرين عا ً‬
‫كاملة‪ .‬هل بعد هذا من برهان على صدق كامل في الهدف‬
‫واستقامة في الخلق وسموّ في النفس كل هذه العوامل تؤدي ل‬
‫محالة إلى الستنتاج الذي ل مفر منه وهو أن هذا الرجل هو‬
‫رسول الله حقًا‪ .‬هذا هو نبينا محمد [صلى الله عليه وسلم] إذ‬
‫جا كامل ً للفضيلة والخير‪ ،‬ورمًزا‬ ‫كان آية في صفاته النادرة ونموذ ً‬
‫للصدق والخلص‪[ ..‬إن] حياته وأفكاره وصدقه واستقامته‪،‬‬
‫وتقواه وجوده‪ ،‬وعقيدته ومنجزاته‪ ،‬كل أولئك براهين فريدة على‬
‫نبوته‪ .‬فأي إنسان يدرس دون تحيّز حياته ورسالته سوف يشهد‬
‫أنه حقًا رسول من عند الله‪ ،‬وأن القرآن الذي جاء به للناس هو‬
‫كتاب الله حقًا‪ .‬وكل مفكر منصف جاد يبحث عن الحقيقة لبد ّ أن‬
‫يصل إلى هذا الحكم"(‪.)6‬‬
‫________‬
‫‪Dr. M. H. Durrani‬‬ ‫(‪ )1‬الدكتور م‪ .‬ج‪ .‬دُّراني‬
‫سليل أسرة مسلمة منذ القدم‪ ،‬أصبح نصرانيًا في فترة مبكرة‬
‫من حياته وتحت تأثير إحدى المدارس التبشيرية المسيحية‪،‬‬

‫‪432‬‬
‫سا منذ‬
‫حا من حياته في كنيسة إنكلترا‪ ،‬حيث عمل قسي ً‬ ‫وقضى رد ً‬
‫عام ‪ 1939‬وحتى عام ‪ 1963‬حيث جاءه السلم "كما يأتي فصل‬
‫الربيع"‪ ،‬فعاد إلى دين آبائه وأجداده‪.‬‬

‫‪.‬‬ ‫‪28‬‬ ‫–‬ ‫‪27‬‬ ‫‪/‬‬


‫(‪ )2‬رجال ونساء أسلموا ‪،‬‬
‫‪4‬‬
‫(‪ )3‬نفسه ‪. 29 – 28 / 4 ،‬‬
‫(‪ )4‬نفسه ‪. 30 – 29 / 4 ،‬‬
‫(‪ )5‬نفسه ‪. 30 / 4 ،‬‬
‫(‪ )6‬نفسه ‪. 31 – 30 / 4 ،‬‬
‫‪---------------‬‬
‫سانتيلنا(‪)1‬‬
‫[‪]1‬‬
‫"ما كان من محمد [صلى الله عليه وسلم] إل أن تناول المجتمع‬
‫حا اجتماعيًا جديدًا‪..‬‬
‫ما من أصوله وجذوره وشاد صر ً‬ ‫العربي هد ً‬
‫هذا العمل الباهر لم تخطئه عين (ابن خلدون) النفاذة الثاقبة‪ .‬إن‬
‫محمدًا [صلى الله عليه وسلم] هدم شكل القبيلة والسرة‬
‫المعروفين آنذاك‪ ،‬ومحا منه الشخصية الفردية ‪ Gentes‬والموالة‬
‫والجماعات المتحالفة‪ .‬من يعتنق دين السلم عليه أن ينشئ‬
‫روابطه كلها ومنها رابطة قرباه وأسرته‪ ،‬إل إذا كانوا يعتنقون دينه‬
‫(إخوته في اليمان)‪ .‬فما داموا هم على دينهم القديم فإنه يقول‬
‫لهم كما قال إبراهيم [عليه السلم] لهله‪( :‬لقد تقطعت بيننا‬
‫السباب‪.)2("..‬‬
‫[‪]2‬‬
‫"كان محمد [صلى الله عليه وسلم] رسول الله إلى الشعوب‬
‫الخرى‪ ،‬كما كان رسول الله إلى العرب"(‪.)3‬‬
‫___________________‬
‫‪David de‬‬ ‫(‪ )1‬دافيد دي سانتيلنا ( ‪) 1931 – 1845‬‬
‫‪Santillana‬‬
‫ولد في تونس‪ ،‬ودرس في روما‪ ،‬أحرز الدكتوراه في القانون‪،‬‬
‫فدعاه المقيم العام الفرنسي في تونس لدراسة وتدوين القوانين‬
‫التونسية‪ ،‬فوضع القانونين المدني والتجاري معتمدًا بذلك على‬
‫قواعد الشريعة السلمية ومنسقًا إياهما بحسب القوانين‬
‫الوروبية‪ .‬كان على معرفة واسعة بالمذهبين المالكي والشافعي‪،‬‬
‫وفي سنة ‪ 1910‬عين أستاذ ًا لتاريخ الفلسفة في الجامعة المصرية‪،‬‬
‫وله محاضرات قيمة فيها‪ .‬ثم استدعته جامعة روما لتدريس‬
‫التاريخ السلمي‪.‬‬

‫‪433‬‬
‫من آثاره‪( :‬ترجمة وشرح الحكام المالكية)‪ ،‬كتاب (الفقه‬
‫السلمي ومقارنته بالمذهب الشافعي)‪ ..‬إلخ‪.‬‬
‫(‪ )2‬تراث السلم ( إشراف سير توماس آرنولد )‪ ،‬ص ‪. 406 – 405‬‬
‫(‪ )3‬نفسه ‪ ،‬ص ‪. 406‬‬
‫‪--------------‬‬
‫هنري دي فاستري‬
‫[‪]1‬‬
‫"إن أشد ما نتطلع إليه بالنظر على الديانة السلمية ما اختص‬
‫منها بشخص النبي [صلى الله عليه وسلم] ولذلك قصدت أن‬
‫ّ‬
‫يكون بحثي أول ً في تحقيق شخصيته وتقرير حقيقته الدبية علني‬
‫أجد في هذا البحث دليل ً جديدًا على صدقه وأمانته المتفق تقريبًا‬
‫عليها بين جميع مؤرخي الديانات وأكبر المتشيعين للدين‬
‫المسيحي"(‪.)1‬‬
‫[‪]2‬‬
‫سا‬
‫"ثبت إذن أن محمدًا [صلى الله عليه وسلم] لم يقرأ كتابًا مقد ً‬
‫ولم يسترشد في دينه بمذهب متقدم عليه‪.)2("..‬‬
‫[‪]3‬‬
‫"‪ ..‬ولقد نعلم أن محمدًا [صلى الله عليه وسلم] مّر بمتاعب‬
‫ما نفسية كبرى قبل أن يخبر برسالته‪ ،‬فقد خلقه‬ ‫كثيرة وقاسى آل ً‬
‫حضت للدين ومن أجل ذلك احتاج إلى العزلة عن‬ ‫الله ذا نفس تم ّ‬
‫الناس لكي يهرب من عبادة الوثان ومذهب تعدد اللهة الذي‬
‫ابتدعه المسيحيون وكان بغضهما متمكنًا من قلبه وكان وجود‬
‫هذين المذهبين أشبه بإبرة في جسمه [صلى الله عليه وسلم]‬
‫ولعمري فيم كان يفكر ذلك الرجل الذي بلغ الربعين وهو في‬
‫ريعان الذكاء ومن أولئك الشرقيين الذين امتازوا في العقل بحدة‬
‫التخيّل وقوة الدراك‪ ..‬إل أن يقول مراًرا ويعيد تكراًرا هذه‬
‫الكلمات (الله أحد الله أحد)‪ .‬كلمات رددها المسلمون أجمعون‬
‫من بعده وغاب عنا معشر المسيحيين مغزاها لبعدنا عن فكرة‬
‫التوحيد‪.)3("..‬‬
‫[‪]4‬‬
‫"‪ ..‬لو رجعنا إلى ما وضحه الحكماء عن النبوة ولم يقبل‬
‫المتكلمون من المسيحيين لمكننا الوقوف على حالة مشيد‬
‫دعائم السلم وجزمنا بأنه لم يكن من المبتدعين‪ ..‬ومن الصعب‬
‫أن تقف على حقيقة سماعه لصوت جبريل [عليه السلم]‪ ..‬إل‬
‫أن معرفة هذه الحقيقة ل تغير موضوع المسألة لن الصدق‬
‫حاصل في كل حال"(‪.)4‬‬
‫[‪]5‬‬

‫‪434‬‬
‫"ل يمكن أن ننكر على محمد [صلى الله عليه وسلم] في الدور‬
‫الول من حياته كمال إيمانه وإخلص صدقه‪ ،‬فأما اليمان فلن‬
‫يتزعزع مثقال ذرة من قلبه في الدور الثاني [الدور المدني] وما‬
‫أُوتيه من نصر كان من شأنه أن يقويه على اليمان لول أن‬
‫العتقاد كله قد بلغ منه مبلغًا ل محل للزيادة فيه‪ ..‬وما كان يميل‬
‫حا‪ ..‬وكان قنوع ًا خرج من [الدنيا]‬
‫إلى الزخارف ولم يكن شحي ً‬
‫ولم يشبع من خبز الشعير مرة في حياته‪ ..‬تجرد من الطمع‬
‫وتمكن من نوال المقام العلى في بلد العرب ولكنه لم يجنح‬
‫إلى الستبداد فيها‪ ،‬فلم يكن له حاشية ولم يتخذ وزيًرا ول حشما‪،‬‬
‫وقد احتقر المال‪.)5("..‬‬
‫_______________‬
‫(‪ )1‬السلم‪ :‬خواطر وسوانح ‪ ،‬ص ‪. 6‬‬
‫(‪ )2‬نفسه ‪ ،‬ص ‪. 16‬‬
‫(‪ )3‬نفسه ‪ ،‬ص ‪. 17 – 16‬‬
‫(‪ )4‬نفسه ‪ ،‬ص ‪. 21‬‬
‫(‪ )5‬نفسه ‪ ،‬ص ‪. 24‬‬
‫‪----------------‬‬
‫اينين دينيه‬
‫[‪]1‬‬
‫"إن الشخصية التي حملها محمد [صلى الله عليه وسلم] بين‬
‫برديه كانت خارقة للعادة وكانت ذات أثر عظيم جدًا حتى إنها‬
‫طبعت شريعته بطابع قوي جعل لها روح البداع وأعطاها صفة‬
‫الشيء الجديد‪.)1("..‬‬
‫[‪]2‬‬
‫"إن نبي السلم هو الوحيد من بين أصحاب الديانات الذي لم‬
‫يعتمد في إتمام رسالته على المعجزات وليست عمدته الكبرى‬
‫إل بلغة التنزيل الحكيم‪.)2("..‬‬
‫[‪]3‬‬
‫"‪ ..‬إن سنة الرسول الغّراء [صلى الله عليه وسلم] باقية إلى‬
‫يومنا هذا‪ ،‬يجلوها أعظم إخلص ديني تفيض به نفوس [مئات‬
‫المليين] من أتباع سنته منتشرين على سطح الكرة(‪.)3‬‬
‫[‪]4‬‬
‫"كان النبي [صلى الله عليه وسلم] يعنى بنفسه عناية تامة‪ ،‬إلى‬
‫حد أن عرف له نمط من التأنق على غاية من البساطة‪ ،‬ولكن‬
‫على جانب كبير من الذوق والجمال‪ ،‬وكان ينظر نفسه في‬
‫المرآة‪ ..‬ليتمشط أو ليسوي طيات عمامته‪ ..‬وهو في كل ذلك‬

‫‪435‬‬
‫يريد من حسن منظره البشري أن يروق الخالق سبحانه‬
‫وتعالى‪.)4("..‬‬
‫[‪]5‬‬
‫"لقد (دعا) عيسى [عليه السلم] إلى المساواة والخوة‪ ،‬أما‬
‫محمد [صلى الله عليه وسلم] فوفق إلى (تحقيق) المساواة‬
‫والخوة بين المؤمنين أثناء حياته"(‪.)5‬‬
‫________________‬
‫(‪ )1‬أشعة خاصة بنور السلم ‪ ،‬ص ‪. 15‬‬
‫(‪ )2‬نفسه ‪ ،‬ص ‪. 16‬‬
‫(‪ )3‬محمد رسول الله ‪ ،‬ص ‪. 51‬‬
‫(‪ )4‬نفسه ‪ ،‬ص ‪. 312‬‬
‫(‪ )5‬نفسه ‪ ،‬ص ‪. 323‬‬
‫‪-----------------‬‬
‫ول ديورانت‬
‫[‪]1‬‬
‫"‪ ..‬يبدو أن أحدًا لم يعن بتعليم [محمد صلى الله عليه وسلم]‬
‫القراءة والكتابة‪ ..‬ولم يعرف عنه أنه كتب شيئًا بنفسه‪ ..‬ولكن‬
‫هذا لم يحل بينه وبين قدرته على تعرف شؤون الناس تعرفًا قلّما‬
‫ما"(‪.)1‬‬
‫يصل إليه أرقى الناس تعلي ً‬
‫[‪]2‬‬
‫"كان النبي [صلى الله عليه وسلم] من مهرة القواد‪ ..‬ولكنه كان‬
‫إلى هذا سياسيًا محنكًا‪ ،‬يعرف كيف يواصل الحرب بطريق‬
‫السلم"(‪.)2‬‬
‫[‪]3‬‬
‫"إذا ما حكمنا على العظمة بما كان للعظيم من أثر في الناس‬
‫قلنا إن محمدًا [صلى الله عليه وسلم] كان من أعظم عظماء‬
‫التاريخ‪ ،‬فلقد أخذ على نفسه أن يرفع المستوى الروحي‬
‫والخلقي لشعب ألقت به في دياجير الهمجية حرارة الجو وجدب‬
‫حا لم يدانه فيه أي‬ ‫الصحراء‪ ،‬وقد نجح في تحقيق هذا الغرض نجا ً‬
‫ل أن نجد إنسانًا غيره حقق ما كان‬ ‫مصلح آخر في التاريخ كله‪ ،‬وق ّ‬
‫يحلم به‪ ..‬ولم يكن ذلك لنه هو نفسه كان شديد التمسك بالدين‬
‫وكفى‪ ،‬بل لنه لم يكن ثمة قوة غير قوة الدين تدفع العرب في‬
‫أيامه إلى سلوك ذلك الطريق الذي سلكوه‪ ..‬وكانت بلد العربي‬
‫لما بدأ الدعوة صحراء جدباء‪ ،‬تسكنها قبائل من عبدة الوثان‬
‫قليل عددها‪ ،‬متفرقة كلمتها‪ ،‬وكانت عند وفاته أمة موحدة‬
‫متماسكة‪ .‬وقد كبح جماح التعصب والخرافات‪ ،‬وأقام فوق‬
‫حا قويًا‪،‬‬‫اليهودية والمسيحية‪ ،‬ودين بلده القديم‪ ،‬دينًا سهل ً واض ً‬

‫‪436‬‬
‫حا خلقيًا وقوامه البسالة والعزة القومية‪ .‬واستطاع في جيل‬ ‫وصر ً‬
‫واحد أن ينتصر في مائة معركة‪ ،‬وفي قرن واحد أن ينشئ دولة‬
‫عظيمة‪ ،‬وأن يبقى إلى يومنا هذا قوة ذات خطر عظيم في نصف‬
‫العالم"(‪.)3‬‬
‫[‪]4‬‬
‫حا فرض على الغنياء من‬ ‫"‪ ..‬لسنا نجد في التاريخ كله مصل ً‬
‫الضرائب ما فرضه عليهم محمد [صلى الله عليه وسلم] لعانة‬
‫الفقراء‪.)4("..‬‬
‫[‪]5‬‬
‫"تدل الحاديث النبوية على أن النبي [صلى الله عليه وسلم] كان‬
‫يحث على طلب العلم ويعجب به‪ ،‬فهو من هذه الناحية يختلف‬
‫عن معظم المصلحين الدينيين‪.)5("..‬‬
‫________________________‬
‫(‪ )1‬قصة الحضارة ‪. 22 – 21 / 13 ،‬‬
‫(‪ )2‬نفسه ‪. 38 / 13 ،‬‬
‫(‪ )3‬نفسه ‪. 47 / 13 ،‬‬
‫(‪ )4‬نفسه ‪. 59 / 13 ،‬‬
‫(‪ )5‬نفسه ‪. 167 / 13 ،‬‬
‫‪---------------‬‬
‫رودنسن(‪)1‬‬
‫"‪[ ..‬بظهور عدد من المؤرخين الوروبيين المستنيرين في القرن‬
‫الثامن عشر] بدأت تتكامل معالم صورة هي صورة محمد [صلى‬
‫الله عليه وسلم] الحاكم المتسامح والحكيم والمشرع"(‪.)2‬‬
‫______________________‬
‫(‪ )1‬مكسيم رودنسن‬
‫ولد عام ‪ ،1915‬من أساتذة مدرسة الدراسات العليا بباريس‪ ،‬ثم‬
‫مديرها‪.‬‬
‫من آثاره‪( :‬مباحث في فن الطبخ عند العرب) (‪ .)1949‬ونشر عددًا‬
‫من الدراسات في المجلت المعروفة من مثل (دانتي والسلم)‪،‬‬
‫و(حياة محمد والمشكلة الجتماعية المتعلقة بأصول السلم)‪،‬‬
‫و(دراسة الصلت بين السلم والشيوعية)‪.‬‬
‫(‪ )2‬تراث السلم ‪( ،‬تصنيف شاخت وبوزوث)‪. 68 – 67 / 1 ،‬‬
‫‪-----------------‬‬
‫فرانز روزنثال‬
‫[‪]1‬‬
‫"إن أفكار الرسول [صلى الله عليه وسلم] التي تلقاها وحيًا أو‬
‫شطت دراسة التاريخ نشاطًا ل مزيد‬ ‫التي أدى إليها اجتهاده ن ّ‬

‫‪437‬‬
‫عليه‪ ،‬فقد أصبحت أعمال الفراد وأحداث الماضي وحوادث كافة‬
‫شعوب الرض أموًرا ذات أهمية دينية‪ ،‬كما أن شخصية الرسول‬
‫حا في كل مجرى‬ ‫[صلى الله عليه وسلم] كانت خطًا فاصل ً واض ً‬
‫التاريخ‪ ،‬ولم يتخط علم التاريخ السلمي هذا الخط قط‪.)1("..‬‬
‫[‪]2‬‬
‫"تبقى حقيقة‪ ،‬هي أن الرسول [صلى الله عليه وسلم] نفسه‬
‫ما واسعًا بالتاريخ‪ ..‬لقد كان‬
‫وضع البذور التي نجني منها اهتما ً‬
‫التاريخ يمل تفكير الرسول [صلى الله عليه وسلم] لدرجة كبيرة‪،‬‬
‫وقد ساعد عمله من حيث العموم في تقديم نمو التاريخ‬
‫السلمي في المستقبل‪ ،‬رغم أن الرسول [صلى الله عليه‬
‫وسلم] لم يتنبأ بالنمو الهائل للمعرفة والعلم الذي سيتم باسم‬
‫دينه"(‪.)2‬‬
‫____________________________________‬
‫(‪ )1‬علم التاريخ عند المسلمين ‪ ،‬ص ‪. 40‬‬
‫(‪ )2‬نفسه ‪ ،‬ص ‪. 45‬‬
‫‪---------------‬‬
‫جاك ريسلر‬
‫[‪]1‬‬
‫"القرآن يكمله الحديث الذي يعد سلسلة من القوال تتعلق‬
‫بأعمال النبي [صلى الله عليه وسلم] وإرشاداته‪ .‬وفي الحديث‬
‫يجد المرء ما كان يدور بخلد النبي [صلى الله عليه وسلم]‪،‬‬
‫العنصر الساسي من سلوكه أمام الحقائق المتغيرة في الحياة‪،‬‬
‫هذه القوال ‪ ،‬أو هذه الحاديث التي يشكل مجموعها السنة‬
‫دونت مما روي عن الصحابة [رضي الله عنهم] أو نقل عنهم مع‬
‫التمحيص الشديد في اختيارها وهكذا جمع عدد كبير من‬
‫الحاديث‪ ..‬والسنة هي المبينة للقرآن التي ل غنى عنها‬
‫للقرآن‪.)1("..‬‬
‫[‪]2‬‬
‫ما على محمد [صلى الله عليه وسلم] أن يبرز في‬ ‫"‪ ..‬كان لزا ً‬
‫أقصر وقت ممكن تفوّق الشعب العربي عندما أنعم الله عليه‬
‫بدين سام في بساطته ووضوحه‪ ،‬وكذلك بمذهبه الصارم في‬
‫التوحيد في مواجهة التردد الدائم للعقائد الدينية‪ .‬وإذا ما عرفنا‬
‫أن هذا العمل العظيم أدرك وحقق في أقصر أجل أعظم أمل‬
‫لحياة إنسانية فإنه يجب أن نعترف أن محمدًا [صلى الله عليه‬
‫وسلم] يظل في عداد أعظم الرجال الذين شرف بهم تاريخ‬
‫الشعوب والديان"(‪.)2‬‬
‫_____________________‬

‫‪438‬‬
‫‪.‬‬ ‫‪32‬‬‫(‪ )1‬الحضارة العربية ‪ ،‬ص‬
‫(‪ )2‬نفسه ‪ ،‬ص ‪. 37‬‬
‫‪--------------‬‬
‫جورج سارتون‬
‫[‪]1‬‬
‫"صدع الرسول [صلى الله عليه وسلم] بالدعوة نحو عام ‪610‬م‬
‫وعمره يوم ذاك أربعون سنة‪ ،‬وكان مثل إخوانه النبياء السابقين‬
‫[عليهم السلم] ولكن كان أفضل منهم بما ل نسبة فيه‪ ..‬وكان‬
‫زاهدًا وفقيهًا ومشرع ًا ورجل ً عمليًا‪.)1("..‬‬
‫[‪]2‬‬
‫ما كانتصار محمد‬ ‫"إنه لم يتح لنبي من قبل‪ ..‬أن ينتصر انتصاًرا تا ً‬
‫[صلى الله عليه وسلم]‪.)2("..‬‬
‫[‪]3‬‬
‫"‪ ..‬لم يكن محمد [صلى الله عليه وسلم] نبي السلم فحسب‪،‬‬
‫بل نبي اللغة العربية والثقافة العربية‪ ،‬على اختلف أجناس‬
‫المتكلمين بها وأديانهم"(‪.)3‬‬
‫_________________‬
‫(‪ )1‬الثقافة الغربية في رعاية الشرق الوسط ‪ ،‬ص ‪31 – 30 – 29‬‬
‫‪.‬‬
‫(‪ )2‬نفسه ‪ ،‬ص ‪. 43‬‬
‫(‪ )3‬نفسه ‪ ،‬ص ‪. 43‬‬
‫‪-----------------‬‬
‫نصري سلهب‬
‫[‪]1‬‬
‫"في مكة ‪ . .‬أبصر النور طفل لم يمّر ببال أمة‪ ،‬ساعة ولدته‪ ،‬أنه‬
‫سيكون أحمد أعظم الرجال في العالم بل في التاريخ‪ ،‬ولربما‬
‫أعظمهم إطلقًا‪.)1("..‬‬
‫[‪]2‬‬
‫"هنا عظمة محمد [صلى الله عليه وسلم]‪ .‬لقد استطاع‪ ،‬خلل‬
‫تلك الحقبة القصيرة من الزمن‪ ،‬أن يحدث شريعة خلقية وروحية‬
‫واجتماعية لم يستطعها أحد في التاريخ بمثل تلك السرعة‬
‫المذهلة"(‪.)2‬‬
‫[‪]3‬‬
‫"‪ ..‬هذا الرجل الذي ما عرف الهدوء ول الراحة ول الستقرار‪،‬‬
‫استطاع وسط ذلك الخضم الهائج‪ ،‬أن يرسي قواعد دولة‪ ،‬وأن‬
‫ن أنظمة‪ ،‬ويجود بالتفسير والجتهادات‪ ..‬ولم‬ ‫يشّرع قوانين ويس ّ‬
‫ينس أنه أب وجد لولد وأحفاد‪ ،‬فلم يحرمهم عطفه وحنانه‪،‬‬

‫‪439‬‬
‫فكان بشخصيته الفذة الغنية بالقيم والمعطيات والمؤهلت‪،‬‬
‫المتعددة البعاد والجوانب‪ ،‬الفريدة بما أسبغ الله عليها من نعم‬
‫ما‬‫ما قائ ً‬ ‫وصفات‪ ،‬وبما حباها من إمكانات‪ ،‬كان بذلك كله‪ ،‬عال ً‬
‫بنفسه"(‪.)3‬‬
‫[‪]4‬‬
‫"تراثك يا ابن عبد الله ينبغي أن يُحيا‪ ،‬ل في النفوس والقلوب‬
‫فحسب‪ ،‬بل في واقع الحياة‪ ،‬في ما يعاني البشر من أزمات وما‬
‫يعترضهم من عقبات‪ .‬تراثك مدرسة يلقى على منابرها كل يوم‬
‫عظة ودرس‪ .‬كل سؤال له عندك جواب‪ .‬كل مشكلة مهما‬
‫استعصت وتعقدت‪ ،‬نجد لها في آثارك حلً"(‪.)4‬‬
‫[‪]5‬‬
‫"‪ ..‬لم يكن النبي [صلى الله عليه وسلم] رسول ً وحسب‪ ،‬يهدي‬
‫ما وقائد شعب‪ ،‬فعزم على أن‬ ‫الناس إلى اليمان‪ ،‬إنما كان زعي ً‬
‫يجعل من ذلك الشعب خير أمة أخرجت للناس‪ .‬وكان له ما‬
‫أراد"(‪.)5‬‬
‫_________________‬
‫(‪ )1‬في خطى محمد ‪ ،‬ص ‪. 42‬‬
‫(‪ )2‬نفسه ‪ ،‬ص ‪. 196‬‬
‫(‪ )3‬نفسه ‪ ،‬ص ‪. 274 – 273‬‬
‫(‪ )4‬نفسه ‪ ،‬ص ‪. 396‬‬
‫(‪ )5‬نفسه ‪ ،‬ص ‪. 409‬‬
‫‪-------------------‬‬
‫أحمد سوسة‬
‫[‪]1‬‬
‫"‪ ..‬أي غاية أسمى وأقرب إلى النسانية ودين الله من تلكم‬
‫الغاية التي كان يرمي إليها الرسول [صلى الله عليه وسلم] في‬
‫توحيد القلوب وإظهار الحقيقة ؟ لنتصور محمدًا [صلى الله عليه‬
‫ل‬‫ل يَا أَهْ َ‬ ‫وسلم] وهو يملي على أهل الكتاب وحي الله قائلُ‪{ :‬قُ ْ‬
‫َّ َّ‬
‫ه وَلَ‬ ‫َ‬ ‫م أَل َّ نَعْبُد َ إِل الل‬
‫سوَاءٍ بَيْنَنَا وَبَيْنَك ُ ْ‬‫مةٍ َ‬ ‫ب تَعَالَوْا ْ إِلَى كَل َ َ‬‫الْكِتَا ِ‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫ن الل ّهِ فَإن تَوَل ّوْاْ‬ ‫َ‬
‫ِ‬ ‫من دُو ِ‬ ‫ضا أْربَابًا ِّ‬ ‫ضنَا ب َ ْع ً‬‫خذ َ بَعْ ُ‬‫شيْئًا وَل َ يَت َّ ِ‬
‫ك بِهِ َ‬ ‫شرِ َ‬‫نُ ْ‬
‫َ‬
‫ن} [آل عمران ‪.)1("..]64‬‬ ‫مو َ‬‫سل ِ ُ‬
‫م ْ‬ ‫شهَدُوا ْ بِأنَّا ُ‬‫فَقُولُوا ْ ا ْ‬
‫[‪]2‬‬
‫"‪ ..‬إن نبي السلم شخصية تاريخية مبجلة‪ .‬ما حياة الرسول‬
‫[صلى الله عليه وسلم] سوى سلسلة وقائع تاريخية عظيمة‬
‫الشأن نبيلة المرمى يتجلى فيها مقامه السامي من الحلقة‬
‫النسانية‪.)2("..‬‬
‫[‪]3‬‬

‫‪440‬‬
‫جا للحياة النسانية‬ ‫"‪ ..‬كان محمد [صلى الله عليه وسلم] أنموذ ً‬
‫بسيرته وصدق إيمانه ورسوخ عقيدته القويمة‪ .‬بل مثال ً كاملً‬
‫للمانة والستقامة وإن تضحياته في سبيل بث رسالته اللهية خير‬
‫دليل على سموّ ذاته ونبل مقصده وعظمة شخصيته وقدسية‬
‫نبوته"(‪.)3‬‬
‫"إن التاريخ ينبئنا أن محمدًا [صلى الله عليه وسلم] ضحى بكل‬
‫شيء من أجل رسالته إذ أتيحت له مرات فرصة الختيار بين‬
‫أمرين أولهما حياة راحة وهناء وغنى على أن ينبذ [دعوته]‬
‫وثانيهما حياة عسر واضطهاد مقرونة بنشر رسالته‪ ،‬وقد فضل‬
‫المر الثاني لن إيمانه برسالته كان قويًا وكان قد أوحي إليه بأنه‬
‫قد اختاره ربه لبث هذه الرسالة على النسانية جمعاء فكان ما‬
‫أراد الله له"(‪.)4‬‬
‫___________________________________‬
‫(‪ )1‬في طريقي إلى السلم ‪. 73-1/72 ،‬‬
‫(‪ )2‬نفسه ‪ ،‬ص ‪. 1/174‬‬
‫(‪ )3‬نفسه ‪ ،‬ص ‪. 175 – 174 / 1‬‬
‫(‪ )4‬نفسه ‪. 130 / 2 ،‬‬
‫‪--------------‬‬
‫لويس سيديو‬
‫[‪]1‬‬
‫ل الوقت الذي توجه فيه النظار إلى تاريخ تلك المة التي‬ ‫"لقد ح ّ‬
‫كانت مجهولة المر في زاوية من آسية فارتقت إلى أعلى مقام‬
‫فطبق اسمها آفاق الدنيا مدة سبعة قرون ‪ .‬ومصدر هذه‬
‫المعجزة هو رجل واحد‪ ،‬هو محمد [صلى الله عليه وسلم]‪.)1("..‬‬

‫[‪]2‬‬
‫"‪ ..‬لم يعد محمد [صلى الله عليه وسلم] نفسه غير خاتم لنبياء‬
‫الله [عليهم السلم] وهو قد أعلن أن عيسى بن مريم كان ذا‬
‫موهبة في التيان بالمعجزات‪ ،‬مع أن محمدًا [صلى الله عليه‬
‫وسلم] لم يعط مثل هذه الموهبة‪ ،‬وما أكثر ما كان يعترض‬
‫جا على بعض ما يعزوه إليه أشد أتباعه حماسة من العمال‬ ‫محت ً‬
‫الخارقة للعادة!"(‪.)2‬‬
‫[‪]3‬‬
‫"‪ ..‬إن محمدًا [صلى الله عليه وسلم] أثبت خلود الروح‪ ..‬وهو‬
‫مبدأ من أقوم مبادئ الخلق‪ .‬ومن مفاخر محمد [صلى الله عليه‬
‫وسلم] أن أظهره قويًا أكثر مما أظهره أي مشّرع آخر‪.)3("..‬‬
‫[‪]4‬‬

‫‪441‬‬
‫"‪ ..‬ما أكثر ما عرض محمد [صلى الله عليه وسلم] حياته للخطر‬
‫انتصاًرا لدعوته في عهده الول بمكة‪ ،‬وهو لم ينفك عن القتال‬
‫في واقعة أحد حتى بعد أن جرح جبينه وخده وسقطت ثنيتاه‪..‬‬
‫وهو قد أوجب النصر بصوته ومثاله في معركة حنين‪ ،‬ومن الحق‬
‫أن عرف العالم كيف يحيي قوة إرادته ومتانة خلقه‪ ..‬وبساطته‪،‬‬
‫ومن يجهل أنه لم يعدل‪ ،‬إلى آخر عمره‪ ،‬عما يفرضه فقر البادية‬
‫على سكانها من طراز حياة وشظف عيش؟ وهو لم ينتحل‬
‫أوضاع المراء قط مع ما ناله من غنى وجاه عريض‪ ..‬وكان‬
‫ما معتدلً‪ ،‬وكان يأتي بالفقراء إلى‬ ‫[صلى الله عليه وسلم] حلي ً‬
‫بيته ليقاسمهم طعامه‪ ،‬وكان يستقبل بلطف ورفق جميع من‬
‫يودّون سؤاله‪ ،‬فيسحر كلماءه بما يعلو وجهه الرزين الزاهر من‬
‫البشاشة‪ ،‬وكان ل يضج من طول الحديث‪ ،‬وكان ل يتكلم إل قليلً‬
‫م ما يقول على كبرياء أو استعلء‪ ،‬وكان يوحي في كل مرة‬ ‫فل ين ّ‬
‫ل [صلى الله عليه وسلم] على أنه سياسي‬ ‫باحترام القوم له‪ ..‬ود ّ‬
‫محنّك‪.)4("..‬‬
‫[‪]5‬‬
‫"بدت في بلد العرب أيام محمد [صلى الله عليه وسلم] حركة‬
‫غير مألوفة من قبل‪ ،‬فقد خضعت لسلطان واحد قبائل العرب‬
‫الغيرى على استقللها والفخورة بحياتها الفردية‪ ،‬وانضم بعض‬
‫هذه القبائل إلى بعض فتألفت أمة واحدة"(‪.)5‬‬
‫__________________‬
‫(‪ )1‬تاريخ العرب العام ‪ ،‬ص ‪. 15‬‬
‫(‪ )2‬نفسه ‪ ،‬ص ‪. 90‬‬
‫(‪ )3‬نفسه ‪ ،‬ص ‪. 93‬‬
‫(‪ )4‬نفسه ‪ ،‬ص ‪. 103 – 102‬‬
‫(‪ )5‬نفسه ‪ ،‬ص ‪. 123‬‬
‫‪----------------‬‬
‫هنري سيروي‬
‫[‪]1‬‬
‫"ومحمد [صلى الله عليه وسلم] لم يغرس في نفوس العراب‬
‫ضا المدنية والدب"(‪.)1‬‬
‫مبدأ التوحيد فقط‪ ،‬بل غرس فيها أي ً‬
‫[‪]2‬‬
‫"محمد [صلى الله عليه وسلم] شخصية تاريخية حقة‪ ،‬فلوله ما‬
‫استطاع السلم أن يمتد ويزداد‪ ،‬ولم يتوان في ترديد أنه بشر‬
‫مثل الخرين مآله الموت‪ ،‬وبأنه يطلب العفو والمغفرة من الله‬
‫عز وجل‪ .‬وقبل مماته أراد أن يظهر ضميره من كل هفوة أتاها‬
‫فوقف على المنبر مخاطبًا‪ :‬أيها المسلمون‪ ،‬إذا كنت قد ضربت‬

‫‪442‬‬
‫أحدًا فهاكم ظهري ليأخذ ثأره‪ ،‬أو سلبته مال ً فمالي ملكه‪ .‬فوقف‬
‫رجل معلنًا أنه يدينه بثلثة دراهم‪ ،‬فرد ّ الرسول [صلى الله عليه‬
‫وسلم] قائلً‪ :‬أن يشعر النسان بالخجل في دنياه خيٌر من آخرته‪.‬‬
‫ودفع للرجل دينه في التو‪ .‬وهذا التذوق والحساس البالغ لفهم‬
‫محمد [صلى الله عليه وسلم] لدوره كنبي يرينا بأن (رينان) كان‬
‫على غير حق في نعته العرب قبل السلم بأنها أمة كانت تحيا‬
‫بين براثين الجهل والخرافات‪.)2("..‬‬
‫[‪]3‬‬
‫"إن المحاولة السلمية في التاريخ ذات أثر كبير‪ ،‬والعبقرية‬
‫العربية تجد في محمد [صلى الله عليه وسلم] منشئًا لحضارة‬
‫التوحيد التي تعتبر ذات أهمية كبيرة‪ ،‬إذا فكرنا في القيمة‬
‫الفلسفية للتوحيد‪ ،‬وفي تفوقها الكبير الذي جعل كل الشعوب‬
‫الرية تمارس أفكار تلكم الفلسفة‪ .‬وهذه الثروة الروحية الغزيرة‬
‫في المة العربية‪ ،‬راجعة إلى الغريزة النبوية والتي تعد واضحة‬
‫لدى الشعوب السامية‪ ،‬فاليهود الذين يستطيعون الفخر بأنبيائهم‬
‫الكبار‪ ،‬يقرون بأن روح النبوة قد اختفت لديهم بعد هدم معبدهم‬
‫الثاني‪ ،‬وهذا ما يفسر بمعنى أكيد العداوة العنيفة والكثيرة‬
‫التكرار في القرآن بالنسبة إليهم"(‪.)3‬‬
‫[‪]4‬‬
‫"‪ ..‬إن الحضارة الفكرية الذهنية الحقيقية لم تظهر وتوجد – لدى‬
‫العرب – إل لدى وصول محمد [صلى الله عليه وسلم]"(‪.)4‬‬
‫__________________‬
‫(‪ )1‬فلسفة الفكر السلمي ‪ ،‬ص ‪. 8‬‬
‫(‪ )2‬نفسه ‪ ،‬ص ‪. 17‬‬
‫(‪ )3‬نفسه ‪ ،‬ص ‪. 31‬‬
‫(‪ )4‬دفاع عن السلم ‪ ،‬ص ‪. 24‬‬
‫‪----------------‬‬
‫لورافيشيا فاغليري‬
‫[‪]1‬‬
‫"‪ ..‬كانت حملة كبيرة على سوريا‪ ..‬رهن العداد‪ ،‬عندما أسكت‬
‫الموت إلى البد صوت النبي [صلى الله عليه وسلم] الذي كان‬
‫قد أحدث هذه الهزة العميقة في تلك القلوب كلها‪ ،‬والذي كان‬
‫مقدًرا له أن يستهوي عما قريب شعوبًا أخرى تقيم في مواطن‬
‫أكثر إمعانًا في البعد‪ .‬وكان في السنة الحادية عشرة من‬
‫الهجرة"(‪.)1‬‬
‫[‪]2‬‬

‫‪443‬‬
‫ما بالمبادئ‬‫"كان محمد [صلى الله عليه وسلم] المتمسك دائ ً‬
‫اللهية شديد التسامح‪ ،‬وبخاصة نحو أتباع الديان الموحدة‪ .‬لقد‬
‫ما اعتقادًا‬ ‫عرف كيف يتذرع بالصبر مع الوثنيين‪ ،‬مصطنعًا الناة دائ ً‬
‫منه بأن الزمن سوف يتم عمله الهادف إلى هدايتهم وإخراجهم‬
‫من الظلم إلى النور‪ ..‬لقد عرف جيدًا أن الله لبد أن يدخل آخر‬
‫المر إلى القلب البشري"(‪.)2‬‬
‫[‪]3‬‬
‫"حاول أقوى أعداء السلم‪ ،‬وقد أعماهم الحقد‪ ،‬أن يرموا نبي‬
‫الله [صلى الله عليه وسلم] ببعض التهم المفتراة‪ .‬لقد نسوا أن‬
‫محمدًا كان قبل أن يستهل رسالته موضع الجلل العظيم من‬
‫مواطنيه بسبب أمانته وطهارة حياته‪ .‬ومن عجب أن هؤلء الناس‬
‫ل يجشمون أنفسهم عناء التساؤل كيف جاز أن يقوى محمد‬
‫[صلى الله عليه وسلم] على تهديد الكاذبين والمرائين‪ ،‬في بعض‬
‫آيات القرآن اللسعة بنار الجحيم البدية‪ ،‬لو كان هو قبل ذلك‬
‫[وحاشاه] رجل ً كاذبًا ؟ كيف جرؤ على التبشير‪ ،‬على الرغم من‬
‫إهانات مواطنيه‪ ،‬إذا لم يكن ثمة قوى داخلية تحثه‪ ،‬وهو الرجل‬
‫ذو الفطرة البسيطة‪ ،‬حثًا موصول ً ؟ كيف استطاع أن يستهل‬
‫سا ؟ كيف وفق إلى أن يواصل هذا الصراع‬ ‫صراع ًا كان يبدو يائ ً‬
‫أكثر من عشر سنوات‪ ،‬في مكة‪ ،‬في نجاح قليل جدًا ‪ ،‬وفي‬
‫أحزان ل تحصى‪ ،‬إذا لم يكن مؤمنًا إيمانًا عميقًا بصدق رسالته ؟‬
‫كيف جاز أن يؤمن به هذا العدد الكبير من المسلمين النبلء‬
‫والذكياء‪ ،‬وأن يؤازروه‪ ،‬ويدخلوا في الدين الجديد ويشدوا‬
‫أنفسهم بالتالي إلى مجتمع مؤلف في كثرته من الرقاء‪،‬‬
‫والعتقاء‪ ،‬والفقراء المعدمين إذا لم يلمسوا في كلمته حرارة‬
‫الصدق ؟ ولسنا في حاجة إلى أن نقول أكثر من ذلك‪ ،‬فحتى بين‬
‫الغربيين يكاد ينعقد الجماع على أن صدق محمد [صلى الله عليه‬
‫وسلم] كان عميقًا وأكيدًا"(‪.)3‬‬
‫[‪]4‬‬
‫"دعا الرسول العربي [صلى الله عليه وسلم] بصوت ملهم‬
‫باتصال عميق بربه‪ ،‬دعا عبدة الوثان وأتباع نصرانية ويهودية‬
‫محّرفتين على أصفى عقيدة توحيدية‪ .‬وارتضى أن يخوض صراع ًا‬
‫مكشوفًا مع بعض نزعات البشر الرجعية التي تقود المرء إلى أن‬
‫يشرك بالخالق آلهة أخرى‪.)4("..‬‬
‫[‪]5‬‬
‫"‪ ..‬إن [محمدًا صلى الله عليه وسلم] طوال سنين الشباب التي‬
‫تكون فيها الغريزة الجنسية أقوى ما تكون‪ ،‬وعلى الرغم من أنه‬
‫عاش في مجتمع كمجتمع العرب‪ ،‬حيث كان الزواج‪ ،‬كمؤسسة‬

‫‪444‬‬
‫اجتماعية‪ ،‬مفقودًا أو يكاد‪ ،‬وحيث كان تعدد الزوجات هو القاعدة‪،‬‬
‫وحيث كان الطلق سهل ً إلى أبعد الحدود‪ ،‬لم يتزوج إل من امرأة‬
‫واحدة ليس غير‪ ،‬هي خديجة [رضي الله عنها] التي كانت سنّها‬
‫أعلى من سنّه بكثير‪ ،‬وأنه ظل طوال خمس وعشرين سنة‬
‫زوجها المخلص المحب‪ ،‬ولم يتزوج كرة ثانية‪ ،‬وأكثر من مرة‪ ،‬إل‬
‫بعد أن توفيت خديجة‪ ،‬وإل بعد أن بلغ الخمسين من عمره‪ .‬لقد‬
‫كان لكل زواج من زواجاته هذه سبب اجتماعي أو سياسي‪ ،‬ذلك‬
‫بأنه قصد من خلل النسوة اللتي تزوجهن إلى تكريم النسوة‬
‫المتصفات بالتقوى‪ ،‬أو إلى إنشاء علقات زوجية مع بعض‬
‫العشائر والقبائل الخرى ابتغاء طريق جديد لنتشار السلم‬
‫وباستثناء عائشة [رضي الله عنها]‪ ،‬ليس غير‪ ،‬تزوج محمد [صلى‬
‫ن ل عذارى‪ ،‬ول شابات‪ ،‬ول‬ ‫الله عليه وسلم] من نسوة لم يك ّ‬
‫جميلت‪ ،‬فهل كان ذلك شهوانية ؟ لقد كان رجل ً ل إلهًا‪ .‬وقد‬
‫ضا إلى الزواج من جديد‪،‬‬ ‫تكون الرغبة في الولد هي التي دفعته أي ً‬
‫لن الولد الذين أنجبتهم خديجة [رضي الله عنها] له كانوا قد‬
‫ماتوا‪ .‬ومن غير أن تكون له موارد كثيرة أخذ على عاتقه النهوض‬
‫ما سبيل المساواة الكاملة‬ ‫بأعباء أسرة ضخمة‪ ،‬ولكنه التزم دائ ً‬
‫نحوهن جميعًا‪ ،‬ولم يلجأ قط إلى اصطناع حق التفاوت مع أي‬
‫سيًا بسنة النبياء القدامى [عليهم السلم]‪،‬‬ ‫منهن‪ .‬لقد تصرف متأ ّ‬
‫مثل موسى وغيره‪ ،‬الذين ل يبدو أن أحدًا من الناس يعترض على‬
‫زواجهم المتعدد‪ .‬فهل يكون مرد ذلك إلى أننا نجهل تفاصيل‬
‫حياتهم اليومية‪ ،‬على حين نعرف كل شيء عن حياة محمد [صلى‬
‫الله عليه وسلم] العائلية؟"(‪.)5‬‬
‫‪___________________-‬‬
‫(‪ )1‬نفسه ‪ ،‬ص ‪. 33‬‬
‫(‪ )2‬نفسه ‪ ،‬ص ‪. 73‬‬
‫(‪ )3‬نفسه ‪ ،‬ص ‪. 38 – 37‬‬
‫(‪ )4‬نفسه ‪ ،‬ص ‪. 43‬‬
‫(‪ )5‬نفسه ‪ ،‬ص ‪. 100 – 99‬‬
‫‪------------------‬‬
‫ليوبولد فايس‬
‫[‪]1‬‬
‫"‪ ..‬إن العمل بسنة رسول الله [صلى الله عليه وسلم] هو عمل‬
‫على حفظ كيان السلم وعلى تقدمه‪ ،‬وإن ترك السنة هو انحلل‬
‫السلم‪ .‬لقد كانت السنة الهيكل الحديدي الذي قام عليه صرح‬
‫شك أن يتقوض ذلك‬ ‫السلم‪ ،‬وأنك إذا أزلت هيكل بناء ما‪ ،‬أفيدْه ِ ُ‬
‫البناء‪ ،‬كأنه بيت من ورق؟"(‪.)1‬‬

‫‪445‬‬
‫[‪]2‬‬
‫"‪ ..‬إن السنة هي المثال الذي أقامه لنا الرسول [صلى الله عليه‬
‫وسلم] من أعماله وأقواله‪ .‬إن حياته العجيبة كانت تمثيل ً حيًا‬
‫وتفسيًرا لما جاء في القرآن الكريم‪ ،‬ول يمكننا أن ننصف القرآن‬
‫الكريم بأكثر من أن نتبع الذي قد بلّغ الوحي"(‪.)2‬‬
‫[‪]3‬‬
‫"‪ ..‬إنه على الرغم من جميع الجهود التي بذلت في سبيل تحدي‬
‫الحديث على أنه نظام ما‪ ،‬فإن أولئك النقاد العصريين من‬
‫الشرقيين والغربيين لم يستطيعوا أن يدعموا انتقادهم العاطفي‬
‫الخالص بنتائج من البحث العلمي‪ .‬وأنه من الصعب أن يفعل أحد‬
‫صا المامين‬ ‫ذلك‪ ،‬لن الجامعين لكتب الحديث الولى‪ ،‬وخصو ً‬
‫ما قد قاموا بكل ما في طاقة البشر عند عرض‬ ‫البخاري ومسل ً‬
‫ضا أشد كثيًرا من ذلك‬ ‫صحة كل حديث على قواعد التحديث عر ً‬
‫الذي يلجأ إليه المؤرخون الوربيون عادة عند النظر في مصادر‬
‫التاريخ القديم"(‪.)3‬‬
‫[‪]4‬‬
‫ما‪ ،‬ليس‬ ‫"‪ ..‬إن رفض الحاديث الصحيحة‪ ،‬جملة واحدة أو أقسا ً‬
‫حتى اليوم‪ ..‬إل قضية ذوق‪ ،‬قضية قصرت عن أن تجعل من‬
‫نفسها بحثًا علميًا خال ً‬
‫صا من الهواء‪.)4("..‬‬
‫[‪]5‬‬
‫"‪ ..‬إن العمل بالسنة [يجعل] كل شيء في حياتنا اليومية مبنيًا‬
‫على القتداء بما فعله الرسول [صلى الله عليه وسلم] وهكذا‬
‫ما‪ ،‬إذا فعلنا أو تركنا ذلك‪ ،‬مجبرين على أن نفكر بأعمال‬ ‫نكون دائ ً‬
‫الرسول وأقواله المماثلة لعمالنا هذه وعلى هذا تصبح شخصية‬
‫أعظم رجل متغلغلة إلى حد بعيد في منهاج حياتنا اليومية نفسه‪،‬‬
‫ويكون نفوذه الروحي قد أصبح العامل الحقيقي الذي يعتادنا‬
‫طوال الحياة‪.)5("..‬‬
‫_________________‬
‫(‪ )1‬السلم على مفترق الطرق ‪ ،‬ص ‪. 87‬‬
‫(‪ )2‬نفسه ‪ ،‬ص ‪. 88‬‬
‫(‪ )3‬نفسه ‪ ،‬ص ‪. 92‬‬
‫(‪ )4‬نفسه ‪ ،‬ص ‪. 97‬‬
‫(‪ )5‬نفسه ‪ ،‬ص ‪. 109‬‬
‫‪---------------------‬‬
‫كارليل(‪)1‬‬
‫[‪]1‬‬

‫‪446‬‬
‫"‪ ..‬هل رأيتم قط ‪ ..‬أن رجل ً كاذبًا يستطيع أن يوجد دينًا عجبًا‪..‬‬
‫ما‬
‫إنه ل يقدر أن يبني بيتًا من الطوب! فهو إذ ًا لم يكن علي ً‬
‫بخصائص الجير والجص والتراب وما شاكل ذلك فما ذلك الذي‬
‫يبنيه ببيت وإنما هو تل من النقاض وكثيب من أخلط المواد‪،‬‬
‫وليس جديًرا أن يبقى على دعائمه اثني عشر قرنًا يسكنه مائتا‬
‫مليون من النفس‪ ،‬ولكنه جدير أن تنهار أركانه فينهدم فكأنه لم‬
‫يكن‪ .‬وإني لعلم أن على المرء أن يسير في جميع أموره طبق‬
‫قوانين الطبيعة وإل أبت أن تجيب طلبته‪ ..‬كذب ما يذيعه أولئك‬
‫الكفار وإن زخرفوه حتى تخيّلوه حقًا‪ ..‬ومحنة أن ينخدع الناس‬
‫ما بهذه الضاليل‪.)2("..‬‬ ‫شعوبًا وأم ً‬
‫[‪]2‬‬
‫سا على أستاذ‬ ‫"‪ ..‬إن [محمدًا صلى الله عليه وسلم] لم يتلق درو ً‬
‫ط حديثة العهد آنذاك في بلد العرب‪،‬‬ ‫أبدًا وكانت صناعة الخ ّ‬
‫ويظهر لي أن الحقيقة هي أن محمدًا [صلى الله عليه وسلم] لم‬
‫يكن يعرف الخط والقراءة‪ ،‬وكل ما تعلم هو عيشة الصحراء‬
‫وأحوالها وكل ما وفق إلى معرفته هو ما أمكنه أن يشاهده بعينيه‬
‫ويتلقى بفؤاده من هذا الكون العديم النهاية‪ ..‬أنه لم يعرف من‬
‫سر له أن يبصره بنفسه أو يصل‬ ‫العالم ول من علومه إل ما تي ّ‬
‫إلى سمعه في ظلمات صحراء العرب‪ ،‬ولم يضره‪ ..‬أنه لم يعرف‬
‫علوم العالم ل قديمها ول حديثها لنه كان بنفسه غنيًا عن كل‬
‫ذلك‪ .‬ولم يقتبس محمد [صلى الله عليه وسلم] من نور أي‬
‫إنسان آخر ولم يغترف من مناهل غيره ولم يك في جميع أشباهه‬
‫من النبياء والعظماء – أولئك الذين أشبههم بالمصابيح الهادية‬
‫في ظلمات الدهور – من كان بين محمد [صلى الله عليه وسلم]‬
‫وبينه أدنى صلة وإنما نشأ وعاش وحده في أحشاء الصحراء‪..‬‬
‫بين الطبيعة وبين أفكاره"(‪.)3‬‬
‫"لوحظ على محمد [صلى الله عليه وسلم] منذ [صباه] أنه كان‬
‫ماه رفقاؤه المين – رجل الصدق والوفاء –‬ ‫شابًا مفكًرا وقد س ّ‬
‫الصدق في أفعاله وأقواله وأفكاره‪ .‬وقد لحظوا أنه ما من كلمة‬
‫تخرج من فيه إل وفيها حكمة بليغة‪ .‬وإني لعرف عنه أنه كان‬
‫كثير الصمت يسكت حيث ل موجب للكلم‪ ،‬فإذا نطق فما شئت‬
‫ب‪ ..‬وقد رأيناه طول حياته رجل ً راسخ المبدأ صارم العزم‬ ‫من ل ّ‬
‫ما بًّرا رؤوفًا تقيًا فاضل ً حًرا‪ ،‬رجل ً شديد الجدّ‬
‫بعيد الهم كري ً‬
‫م البشر‬ ‫صا‪ ،‬وهو مع ذلك سهل الجانب لين العريكة‪ ،‬ج ّ‬ ‫مخل ً‬
‫والطلقة حميد العشرة حلو اليناس‪ ،‬بل ربما مازح وداعب‪ ،‬وكان‬
‫على العموم تضيء وجهه ابتسامة مشرقة من فؤاد صادق‪..‬‬
‫ما بفطرته‪ ،‬لم تثقفه مدرسة‬ ‫وكان ذكي اللب‪ ،‬شهم الفؤاد‪ ..‬عظي ً‬

‫‪447‬‬
‫ول هذبه معلم وهو غني عن ذلك‪ ..‬فأدى عمله في الحياة وحده‬
‫في أعماق الصحراء"(‪.)4‬‬
‫[‪]4‬‬
‫"‪ ..‬ومما يبطل دعوى القائلين أن محمدًا [صلى الله عليه وسلم]‬
‫لم يكن صادقًا في رسالته‪ ..‬أنه قضى عنفوان شبابه وحرارة‬
‫صباه في تلك العيشة الهادئة المطمئنة [مع خديجة رضي الله‬
‫عنها] لم يحاول أثناءها إحداث ضجة ول دوي‪ ،‬مما يكون وراءه‬
‫ذكر وشهرة وجاه وسلطة‪ ..‬ولم يكن إل بعد أن ذهب الشباب‬
‫وأقبل المشيب أن فار بصدره ذلك البركان الذي كان هاجعًا وثار‬
‫يريد أمًرا جليل ً وشأنًا عظي ً‬
‫ما"(‪.)5‬‬
‫[‪]5‬‬
‫"‪ ..‬لقد كان في فؤاد ذلك الرجل الكبير [صلى الله عليه وسلم]‬
‫ابن القفار والفوات العظيم النفس‪ ،‬المملوء رحمة وخيًرا وحنانًا‬
‫وبًرا وحكمة وحجى ونهى‪ ،‬أفكار غير الطمع الدنيوي‪ ،‬ونوايا خلف‬
‫طلب السلطة والجاه‪ .‬وكيف وتلك نفس صامتة كبيرة ورجل من‬
‫الذين ل يمكنهم إل أن يكونوا مخلصين جادين ؟ فبينما نرى‬
‫آخرين يرضون بالصطلحات الكاذبة ويسيرون طبق اعتبارات‬
‫باطلة‪ .‬إذ ترى محمدًا [صلى الله عليه وسلم] لم يرض أن يلتفع‬
‫بالكاذيب والباطيل‪ .‬لقد كان منفردًا بنفسه العظيمة وبحقائق‬
‫المور والكائنات‪ ،‬لقد كان سّر الوجود يسطع لعينيه بأهواله‬
‫ومخاوفه ومباهره‪ ،‬ولم يكن هنالك من الباطيل ما يحجب ذلك‬
‫عنه‪ ،‬فكأنه لسان حال ذلك السّر يناجيه‪ :‬هاآنذا‪ ،‬فمثل هذا‬
‫الخلص ل يخلو من معنى إلهي مقدس‪ ،‬وما كلمة مثل هذا‬
‫الرجل إل صوت خارج من صميم قلب الطبيعة‪ ،‬فإذا تكلم فكل‬
‫الذان برغمها صاغية وكل القلوب واعية‪ .‬وكل كلم ما عدا ذلك‬
‫هباء وكل قول جفاء‪.)6("..‬‬
‫[‪]6‬‬
‫"إني لحب محمدًا [صلى الله عليه وسلم] لبراءة طبعه من‬
‫الرأي والتصنّع‪ .‬ولقد كان ابن القفار هذا رجل ً مستقل الرأي ل‬
‫يعول إل على نفسه ول يدعي ما ليس فيه ولم يكن متكبًرا ولكنه‬
‫لم يكن ذليلً‪ ،‬فهو قائم في ثوبه المرقع كما أوجده الله وكما‬
‫أراده‪ ،‬يخاطب بقوله الحّر المبين قياصرة الروم وأكاسرة العجم‬
‫يرشدهم إلى ما يجب عليهم لهذه الحياة وللحياة الخرة‪ .‬وكان‬
‫يعرف لنفسه قدرها‪ ..‬وكان رجل ً ماضي العزم ل يؤخر عمل‬
‫اليوم إلى غد‪.)7("..‬‬
‫____________________________________‬
‫‪Th. Carlyle‬‬ ‫(‪ )1‬توماس كارليل ( ‪) 1881 – 1795‬‬

‫‪448‬‬
‫الكاتب النجليزي المعروف‪.‬‬
‫من آثاره‪( :‬البطال) (‪ ،)1940‬وقد عقد فيه فصل ً رائعًا عن النبي‬
‫صلى الله عليه وسلم‪( ،‬الثورة الفرنسية)‪ ..‬إلخ‪.‬‬
‫(‪ )2‬البطال ‪ ،‬ص ‪. 43‬‬
‫(‪ )3‬نفسه ‪ ،‬ص ‪. 5‬‬
‫(‪ )4‬نفسه ‪ ،‬ص ‪. 51 – 50‬‬
‫(‪ )5‬نفسه ‪ ،‬ص ‪. 51‬‬
‫(‪ )6‬نفسه ‪ ،‬ص ‪. 52 – 51‬‬
‫(‪ )7‬نفسه ‪ ،‬ص ‪. 64‬‬
‫‪---------------‬‬
‫كاهن(‪)1‬‬
‫[‪]1‬‬
‫"اصطبغت شخصية محمد [صلى الله عليه وسلم] بصبغة تاريخية‬
‫قد ل تجدها عند أي مؤسس آخر من مؤسسي الديانات الكبرى"(‬
‫‪.)2‬‬
‫[‪]2‬‬
‫"يبدو للمؤرخ المنصف أن محمدًا [صلى الله عليه وسلم] كان‬
‫في عداد الشخصيات النبيلة السامية التي سعت في كثير من‬
‫الحماس والخلص إلى النهوض بالبيئة التي عاش فيها أخلقيًا‬
‫وفكريًا‪ ،‬كما استطاع في الوقت نفسه أن يكيف رسالته حسب‬
‫طباع الناس وتقاليدهم بمزيد من الفهم والتنظيم بحيث كفل‬
‫البقاء والخلود للرسالة التي بشر بها‪ .‬وحتم علينا أن نلقى محمدًا‬
‫[صلى الله عليه وسلم] بعواطف الجلل والحترام لما تحلى به‬
‫من سمو اللهام ومن قدرة على تذليل العقبات النسانية عامة‬
‫والتغلب على مصاعبه الشخصية خاصة‪ .‬وربما أثارت فينا بعض‬
‫جوانب حياته شيئًا من الرتباك تبعًا لعقليتنا المعاصرة‪ .‬فقد أكدت‬
‫المهاترات على شهوات الرسول [صلى الله عليه وسلم] الدنيوية‬
‫وألمحت إلى زوجاته التسع اللئي اتخذهن بعد وفاة خديجة‬
‫[رضي الله عنه]‪ .‬لكن الثابت أن معظم هذه الصلت الزوجية قد‬
‫طبعت بطابع سياسي‪ ،‬وأنها استهدفت الحصول على ولء بعض‬
‫الشراف وبعض الفخاذ‪ .‬ثم إن العقلية العربية تقّر النسان إذا‬
‫استخدم طبيعته على نحو ما خلقها الله"(‪.)3‬‬
‫[‪]3‬‬
‫"‪ ..‬الحق أننا نتجاوز النقد العلمي الصحيح إذا نحن أنكرنا على‬
‫كل حديث صحته أو قدمه‪ .‬ولقد باشر العلماء بمثل هذا التمحيص‬
‫مان على‬ ‫منذ عهد بعيد فوجدوا أن التحريف أو التلفيق قد ل يع ّ‬
‫نسق واحد واستندوا في ذلك إلى بعض الحاديث التي يمكن‬

‫‪449‬‬
‫اعتبارها سابقة أو حجة يعتد بها‪ .‬بمعنى أن الموقف النقدي‬
‫مفروض على الباحث المنصف‪ .‬وفقهاء المسلمين أنفسهم هم‬
‫قدوة لنا في هذا المضمار لنهم – على طريقتهم – قد التزموا‬
‫بذلك الموقف منذ العصر الوسيط"(‪.)4‬‬
‫_________________‬
‫‪Cl. Cahen‬‬ ‫(‪ )1‬كلود كاهن‬
‫ولد عام ‪ ،1909‬وتخرج باللغات الشرقية من السوربون ومدرسة‬
‫اللغات الشرقية ومدرسة المعلمين العليا‪ ،‬وعين محاضًرا في‬
‫مدرسة اللغات الشرقية في باريس (‪ ،)1938‬وأستاذ ًا لتاريخ‬
‫السلم في كلية الداب بجامعة ستراسبورغ (‪ ،)1945‬وفي جامعة‬
‫باريس‪.‬‬
‫من آثاره‪ :‬عدد كبير من الدراسات والبحاث في المجلت‬
‫الشهيرة‪ ،‬وحقق العديد من النصوص التاريخية المهمة‪ ،‬كما أنجز‬
‫عددًا من المؤلفات عن الحروب الصليبية‪.‬‬
‫(‪ )2‬تاريخ العرب والشعوب السلمية ‪. 14 / 1 ،‬‬
‫(‪ )3‬نفسه ‪. 18 / 1 ،‬‬
‫(‪ )4‬نفسه ‪. 95 / 1 ،‬‬
‫‪----------------‬‬
‫هاملتون كب‬
‫[‪]1‬‬
‫"‪ ..‬اقتضى المر نشوء علم جديد غايته جمع الحديث ونقده‬
‫وتصنيفه وتنسيقه والحصول في النهاية – بقدر المكان – على‬
‫مجموعة متفق عليها يتقبلها الجميع‪ .‬وقد استأثرت هذه المهمة‬
‫بالكثير من طاقات الفقهاء والعلماء في القرن الثالث‪ ،‬ولكن‬
‫حا حتى أصبح حديث الرسول [صلى‬ ‫القائمين عليها أحرزوا نجا ً‬
‫الله عليه وسلم] يعتبر مرجعًا ثانيًا معتمدًا للفقه والعقيدة"(‪.)1‬‬
‫[‪]2‬‬
‫"‪ ..‬يكاد يكون من المؤكد أن الراء التي تعبر عنها الحاديث [التي‬
‫تم جمعها في القرن الثالث] تمثل تعاليم القرآن ومبادئه الخلقية‬
‫تمثيل ً صادقًا"(‪.)2‬‬
‫[‪]3‬‬
‫"إن بدايات التاريخ العلمي بالعربية تقترن بدراسة سيرة الرسول‬
‫[صلى الله عليه وسلم] ودراسة أعماله‪ .‬وعليه فإننا نجد مصدر‬
‫هذه الدراسة في جمع الحديث النبوي وبخاصة الحاديث المتعلقة‬
‫بمغازي الرسول [صلى الله عليه وسلم]‪ .‬وكان موطن هذه‬
‫الدراسة هو المدنية‪ ..‬ويفسر لنا ارتباط المغازي بالحديث‪ ،‬هذا‬
‫الرتباط الذي ترك طابعًا ل يمحى في المنهج التاريخي باستخدام‬

‫‪450‬‬
‫هذا المنهج للسناد‪ ،‬ما طرأ من تغير هائل ظهر منذ هذه اللحظة‬
‫في طبيعة الخبار التاريخية عند العرب‪ ،‬ودقتها المؤسسة على‬
‫النقد‪ .‬ويمكننا أن نشعر لول مرة بأننا نستند إلى أساس تاريخي‬
‫قويم حتى وإن اعترفنا بوجود بعض العناصر المشكوك فيها في‬
‫أخبار الفترتين‪ ،‬المدنية والمكية‪ ،‬من حياة الرسول [صلى الله‬
‫عليه وسلم]"(‪.)3‬‬
‫[‪]4‬‬
‫"ومهما نقل في قوة النزعة السلمية نحو محمد [صلى الله عليه‬
‫وسلم] وفي آثارها فإنا ل نوصف بالغلو‪ .‬فقد كان إجلل الرسول‬
‫ما في عصره وفيما‬ ‫[صلى الله عليه وسلم] شعوًرا طبيعيًا محتو ً‬
‫بعده‪ ،‬غير أن ما نومئ إليه شيء يتجاوز الجلل‪ .‬فإن العلقات‬
‫الشخصية من العجاب والحب اللذين بعثهما في نفوس صحابته‬
‫ظل صداها يتردد خلل القرآن‪ ،‬والفضل في ذلك يعود إلى‬
‫الوسائل التي أقّرتها المة لتستثير بهما مجددين في كل جيل"(‬
‫‪.)4‬‬
‫[‪]5‬‬
‫"‪ ..‬لول الحديث لصبح [لمحمد صلى الله عليه وسلم] في أقل‬
‫تقدير صورة معممة – إن لم نقل بعيدة – في أصولها التاريخية‬
‫والدينية‪ .‬أما الحديث فقد صور وجوده النساني في مجموعة‬
‫وفيرة من التفصيلت الحية المحسوسة‪ ،‬وبذلك قدم للمسلمين‬
‫حين ربط بين المسلمين وبين نبيهم بنفسه الروابط الذاتية‬
‫الوثيقة التي كانت تصله بأصحابه الولين‪ ،‬وهي روابط نمت على‬
‫مر القرون وكانت أقوى من أن تصاب بالضعف‪ .‬ولم يصبح‬
‫شخص محمد [صلى الله عليه وسلم] أبدًا ذا صبغة مرسومة‬
‫مقررة‪ ،‬ويكاد ل يكون من الغلو أن نقول إن حرارة ذلك الشعور‬
‫الشخصي نحو الرسول الحبيب [صلى الله عليه وسلم] كانت أبدًا‬
‫أقوى عنصر حيوي في دين الجماهير السلمية أو كانت كذلك‬
‫بين أهل السنة‪ ،‬على القل"(‪.)5‬‬
‫"‪ ..‬ما تزال الحتفالت العائلية تختم بأدعية وأناشيد في تمجيد‬
‫الرسول [صلى الله عليه وسلم] وكل المة تراعيها وتشهدها‬
‫بحماسة في ذلك اليوم المجيد‪ ،‬يوم مولد النبي [صلى الله عليه‬
‫وسلم] في الثاني عشر من شهر ربيع الول‪ .‬هنالك ترى‬
‫المجددين والمقلدين والصوفية والسلفية والعلماء وأفراد‬
‫الجمهور يلتقون جميعًا م ًعا على بقعة واحدة‪ ،‬وقد يكون بين‬
‫نزعاتهم العقلية تنوع واسع متباين‪ ،‬ولكنهم جميعًا وحدة متآلفة‬
‫في إخلصهم وحبهم محمد [صلى الله عليه وسلم]"(‪.)6‬‬
‫__________________‬

‫‪451‬‬
‫‪.‬‬ ‫‪20‬‬ ‫(‪ )1‬دراسات في حضارة السلم ‪ ،‬ص‬
‫(‪ )2‬نفسه ‪ ،‬ص ‪. 21‬‬
‫(‪ )3‬نفسه ‪ ،‬ص ‪. 147‬‬
‫(‪ )4‬نفسه ‪ ،‬ص ‪. 257‬‬
‫(‪ )5‬نفسه ‪ ،‬ص ‪. 258 – 257‬‬
‫(‪ )6‬نفسه ‪ ،‬ص ‪. 259‬‬
‫‪-------------‬‬
‫ايقلين كوبولد‬
‫[‪]1‬‬
‫"‪ ..‬هذه هي مدينة الرسول [صلى الله عليه وسلم]‪ ..‬تعيد إلى‬
‫نفسي ذكرى جهوده في سبيل ل إله إل الله‪ ،‬وتلقي في روعي‬
‫صبره على المكاره واحتماله للذى في سبيل الوحدانية اللهية"(‬
‫‪.)1‬‬
‫[‪]2‬‬
‫"كان العرب قبل محمد [صلى الله عليه وسلم] أمة ل شأن لها‬
‫ول أهمية لقبائلها ول لجماعتها‪ ،‬فلما جاء محمد [صلى الله عليه‬
‫وسلم] بعث هذه المة بعثًا جديدًا يصح أن يكون أقرب إلى‬
‫المعجزات فغلبت العالم وحكمت فيه آجال ً وآجالً‪.)2("..‬‬
‫[‪]3‬‬
‫"‪ ..‬لعمري‪ ،‬ليجدن المرء في نفسه‪ ،‬ما تقدم إلى قبر [الرسول‬
‫صلى الله عليه وسلم] روعة ما يستطيع لها تفسيًرا‪ ،‬وهي روعة‬
‫تمل النفس اضطرابًا وذهول ً ورجاء وخوفًا وأملً‪ ،‬ذلك أنه أمام‬
‫نبي مرسل وعبقري عظيم لم تلد مثله البطون حتى اليوم‪ ..‬إن‬
‫العظمة والعبقرية يهزان القلوب ويثيران الفئدة فما بالك‬
‫بالعظمة إذا انتظمت مع النبوة‪ ،‬وما بالك بها وقد راحت تضحي‬
‫بكل شيء في الحياة في سبيل النسانية وخير البشرية"(‪.)3‬‬
‫[‪]5‬‬
‫"لقد استطاع النبي [صلى الله عليه وسلم] القيام بالمعجزات‬
‫ما تمكن من حمل هذه المة العربية الشديدة العنيدة‬ ‫والعجائب‪ ،‬ل َ ّ‬
‫على نبذ الصنام وقبول الوحدانية اللهية‪ ..‬لقد وفّق إلى خلق‬
‫العرب خلقًا جديدًا ونقلهم من الظلمات إلى النور"(‪.)4‬‬
‫[‪]6‬‬
‫"مع أن محمدًا [صلى الله عليه وسلم] كان سيد الجزيرة‬
‫العربية‪ ..‬فإنه لم يفكر في اللقاب‪ ،‬ول راح يعمل لستثمارها‪ ،‬بل‬
‫ظل على حاله مكتفيًا بأنه رسول الله‪ ،‬وأنه خادم المسلمين‪،‬‬
‫ما باًرا كأنه الريح‬
‫ينظف بيته بنفسه ويصلح حذاءه بيده‪ ،‬كري ً‬

‫‪452‬‬
‫السارية‪ ،‬ل يقصده فقير أو بائس إل تفضل عليه بما لديه‪ ،‬وما‬
‫لديه كان في أكثر الحايين قليل ً ل يكاد يكفيه"(‪.)5‬‬
‫_____________________‬
‫(‪ )1‬البحث عن الله ‪ ،‬ص ‪. 40 – 39‬‬
‫(‪ )2‬نفسه ‪ ،‬ص ‪. 51‬‬
‫(‪ )3‬نفسه ‪ ،‬ص ‪. 52‬‬
‫(‪ )4‬نفسه ‪ ،‬ص ‪. 67 – 66‬‬
‫(‪ )5‬نفسه ‪ ،‬ص ‪. 67‬‬
‫‪---------------‬‬
‫كولد تسيهر(‪)1‬‬
‫[‪]1‬‬
‫"‪ ..‬إن محمدًا قد بشر بمذهبه للمرة الولى بحماس لم يفترا ولم‬
‫تعوزه المثابرة‪ ،‬وبعقيدة ثابتة بأن هذا المذهب يحقق صالح‬
‫الجماعة الخاصة‪ ،‬وقد كان في ذلك كله مظهًرا لنكار الذات‬
‫برغم سخرية الجمهور"(‪.)2‬‬
‫[‪]2‬‬
‫"‪ ..‬الحق‪ ،‬أن محمدًا [صلى الله عليه وسلم] كان بل شك أول‬
‫مصلح حقيقي في الشعب العربي من الوجهة التاريخية"(‪.)3‬‬
‫[‪]3‬‬
‫"في هذا العصر نرى النبي [صلى الله عليه وسلم] يستخدم‬
‫حنكته المفكرة ورويته الدقيقة وتبصره العالمي‪ ،‬في مقاومة‬
‫خصومه الذين شرعوا في معارضة مقاصده وغاياته في داخل‬
‫موطنه وخارجه"(‪.)4‬‬
‫___________________‬
‫‪Y. Gldziher‬‬ ‫(‪ )1‬كولد تسيهر (‪1921-1850‬م)‬
‫تخرج باللغات السامية على كبار أساتذتها في بودابست وليبزج‬
‫وبرلين وليدن‪ .‬ولما نبه ذكره عين أستاذ ًا محاضًرا في كلية‬
‫العلوم بجامعة بودابست (‪ )1873‬ثم أستاذ كرسي (‪ .)1906‬رحل إلى‬
‫عدد من البلدان العربية وتضلع بالعربية على شيوخ الزهر‪.‬‬
‫انتخب عضوًا في عدد من المجامع العلمية وحضر عددًا من‬
‫المؤتمرات الستشراقية‪.‬‬
‫من آثاره‪ :‬كتب سيل ً من المقالت والبحاث في المجلت‬
‫السيوية والغربية بأكثر من لغة‪ .‬وكتاب (العقيدة والشريعة في‬
‫السلم) (باريس ‪ ،)1920‬و(درس في السلم) في جزأين كبيرين‪.‬‬
‫كما حقق العديد من النصوص القديمة‪.‬‬
‫(‪ )2‬العقيدة والشريعة في السلم ‪ ،‬ص ‪. 13 – 12‬‬
‫(‪ )3‬نفسه ‪ ،‬ص ‪. 13‬‬

‫‪453‬‬
‫‪.‬‬ ‫‪22‬‬ ‫–‬ ‫‪21‬‬ ‫(‪ )4‬نفسه ‪ ،‬ص‬

‫عبد الله لويليام‬


‫[‪]1‬‬
‫"كان محمد [صلى الله عليه وسلم] على أعظم ما يكون من‬
‫كريم الطباع وشريف الخلق ومنتهى الحياء وشدة الحساس‪..‬‬
‫وكان حائًزا لقوة إدراك عجيبة وذكاء مفرط وعواطف رقيقة‬
‫شريفة‪ .‬وكان على خلق عظيم وشيم مرضية مطبوع ًا على‬
‫الحساس‪.)1("..‬‬
‫[‪]2‬‬
‫"‪ ..‬إن بعض كتاب هذا العصر الحاضر كادوا أن يعرفوا بأن الطعن‬
‫والقدح والشتم والسب ليس بالحجة ول البرهان فسلموا بذكر‬
‫كثير من صفات النبي [صلى الله عليه وسلم] السامية وجليل‬
‫أعماله الفاخرة‪.)2("..‬‬
‫[‪]3‬‬
‫"‪ ..‬ما اهتدى مئات المليين إلى السلم إل ببركة محمد [صلى‬
‫الله عليه وسلم] الذي علمهم الركوع والسجود لله وأبقى لهم‬
‫دستوًرا لن يضلوا بعده أبدًا وهو القرآن الجامع لمصالح دنياهم‬
‫ولخير أخراهم‪.)3("..‬‬
‫[‪]4‬‬
‫"لما شرف محمد [صلى الله عليه وسلم] ساحة عالم الشهود‬
‫بوجوده الذي هو الواسطة العظمى والوسيلة الكبرى إلى اعتلء‬
‫النوع النساني وترقيه في درجات المدنية أكمل ما يحتاجه البشر‬
‫من اللوازم الضرورية على نهج مشروع وأوصل الخلق إلى‬
‫أقصى مراتب السعادة بسرعة خارقة‪ .‬ومن نظر بعين البصيرة‬
‫في حال النام قبله عليه الصلة والسلم وما كانوا عليه من‬
‫الضللة‪ ..‬ونظر في حالهم بعد ذلك وما حصل لهم في عصره من‬
‫الترقّي العظيم رأى بين الحالين فرقًا عظي ً‬
‫ما كما بين الثريا‬
‫والثرى"(‪.)4‬‬
‫[‪]5‬‬
‫"‪ ..‬امتدت أنوار المدنية بعد محمد [صلى الله عليه وسلم] في‬
‫قليل من الزمان ساطعة في أقطار الرض من المشرق إلى‬
‫المغرب حتى إن وصول أتباعه في ذلك الزمن اليسير إلى تلك‬
‫المرتبة العلية من المدنية قد حيّر عقول أولي اللباب‪ .‬وما‬
‫السبب في ذلك إل كون أوامره ونواهيه موافقة لموجب العقل‬
‫ومطابقة لمقتضى الحكمة"(‪.)5‬‬
‫__________________‬

‫‪454‬‬
‫‪.‬‬ ‫‪97‬‬ ‫–‬ ‫(‪ )1‬العقيدة السلمية ‪ ،‬ص‬
‫‪96‬‬
‫(‪ )2‬نفسه ‪ ،‬ص ‪. 114 – 113‬‬
‫(‪ )3‬نفسه ‪ ،‬ص ‪( 38‬عن لوزون في خطبته المذكورة )‪.‬‬
‫(‪ )4‬أحسن الجوبة عن سؤال أحد علماء أوروبا ‪ ،‬ص ‪. 22 – 21‬‬
‫(‪ )5‬نفسه ‪ ،‬ص ‪. 23 -22‬‬
‫‪---------------‬‬
‫روم لندو‬
‫[‪]1‬‬
‫"‪ ..‬لم ينسب محمد [صلى الله عليه وسلم] في أيّما يوم من‬
‫اليام إلى نفسه صفة ألوهية أو قوى أعجوبية‪ .‬على العكس‪ ،‬لقد‬
‫صا على النص على أنه مجرد رسول اصطنعه الله لبلغ‬ ‫كان حري ً‬
‫الوحي للناس"(‪.)1‬‬
‫[‪]2‬‬
‫"كان محمد [صلى الله عليه وسلم] تقيًّا بالفطرة‪ ،‬وكان من غير‬
‫ريب مهيّأ لحمل رسالة السلم التي تلقاها‪ ..‬وبالضافة إلى‬
‫طبيعته الروحية‪ ،‬كان في سّره وجهره رجل ً عمليًا عرف مواطن‬
‫الضعف ومواطن القوة في الخلق العربي‪ ،‬وأدرك أن الصلحات‬
‫الضرورية ينبغي أن تقدم إلى البدو الذين ل يعرفون انضباطًا‬
‫وإلى المدنيين الوثنيين‪ ،‬وفي آن معًا‪ ،‬على نحو تدريجي‪ .‬وفي‬
‫الوقت نفسه كان محمد [صلى الله عليه وسلم] يملك إيمانًا ل‬
‫خا على استئصال كل أثر‬ ‫ما راس ً‬
‫يلين بفكرة الله الواحد‪ ..‬وعز ً‬
‫من آثار عبادة الصنام التي كانت سائدة بين الوثنيين العرب"(‪.)2‬‬
‫[‪]3‬‬
‫"كانت مهمة محمد [صلى الله عليه وسلم] هائلة‪ .‬كانت مهمة‬
‫ليس في ميسور دجال تحدوه دوافع أنانية (وهو الوصف الذي‬
‫رمى به بعض الكتاب الغربيين المبكرين الرسول العربي [صلى‬
‫الله عليه وسلم] أن يرجو النجاح في تحقيقها بمجهوده‬
‫الشخصي‪ ،‬إن الخلص الذي تكشف عنه محمد [صلى الله عليه‬
‫وسلم] في أداء رسالته‪ ،‬وما كان لتباعه من إيمان كامل في ما‬
‫أنزل عليه من وحي‪ ،‬واختبار الجيال والقرون‪ ،‬كل أولئك يجعل‬
‫من غير المعقول اتهام محمد [صلى الله عليه وسلم] بأيّ ضرب‬
‫من الخداع المتعمد‪ .‬ولم يعرف التاريخ قط أي تلفيق (ديني)‬
‫متعمد استطاع أن يعمر طويلً‪ .‬والسلم لم يعمر حتى الن ما‬
‫ينوف على ألف وثلثمائة سنة وحسب‪ ،‬بل إنه ل يزال يكتسب‪،‬‬
‫في كل عام‪ ،‬أتباع ًا جددًا‪ .‬وصفحات التاريخ ل تقدم إلينا مثلً‬
‫واحدًا على محتال كان لرسالته الفضل في خلق إمبراطورية من‬
‫إمبراطوريات العالم وحضارة من أكثر الحضارات نبلً"(‪.)3‬‬

‫‪455‬‬
‫[‪]4‬‬
‫"كانت مهمة محمد [صلى الله عليه وسلم] هي القضاء على‬
‫النظام القبلي القوي الذي كان مسؤول ً عن اندلع نار الحرب‪،‬‬
‫على نحو موصول تقريبًا‪ ،‬بين العرب‪ ،‬والستعاضة عنه بولء لله‬
‫يسمو على جميع الروابط السرية والحقاد الصغيرة‪ .‬كان عليه‬
‫أن يعطي الناس قانونًا كليًا يستطيع حتى العرب المتمردون‬
‫قبوله والذعان له‪ ،‬وكان عليه أن يفرض النضباط على مجتمع‬
‫عاش على العنف القبلي والثأر الدموي لضروب من المظالم‬
‫ل النسانية محل‬ ‫بعضها واقعي وبعضها متوهم‪ .‬كان عليه أن يح ّ‬
‫الوحشية‪ ،‬والنظام محل الفوضى‪ ،‬والعدالة محلة القوة‬
‫الخالصة"(‪.)4‬‬
‫[‪]5‬‬
‫"عندما توفي محمد [صلى الله عليه وسلم] عام ‪632‬م كان في‬
‫نجاح السلم ما زكى إيمان خديجة [رضي الله عنها] بالوحي‬
‫الذي تلقاه زوجها‪ ،‬وكانت العقيدة التوحيدية الجديدة في سبيلها‬
‫إلى القيام بفتح روحي ومادي ل يضارعه أي فتح في التاريخ‬
‫البشري"(‪.)5‬‬
‫________________‬
‫(‪ )1‬السلم والعرب ‪ ،‬ص ‪. 32‬‬
‫(‪ )2‬نفسه ‪ ،‬ص ‪. 33‬‬
‫(‪ )3‬نفسه ‪ ،‬ص ‪. 34 – 33‬‬
‫(‪ )4‬نفسه ‪ ،‬ص ‪. 34‬‬
‫(‪ )5‬نفسه ‪ ،‬ص ‪. 35‬‬
‫‪-------------‬‬
‫ليتنر(‪)1‬‬
‫[‪]1‬‬
‫ي اليهود والنصارى أقول بأن ما علمه‬ ‫"بقدر ما أعرف من دين ْ‬
‫سا بل قد (أوحي إليه‬‫محمد [صلى الله عليه وسلم] ليس اقتبا ً‬
‫به) ول ريب بذلك طالما نؤمن بأنه قد جاءنا وحي من لدن عزيز‬
‫عليم‪ .‬وإني بكل احترام وخشوع أقول‪ :‬إذا كان تضحية الصالح‬
‫الذاتي‪ ،‬وأمانة المقصد‪ ،‬واليمان القلوب الثابت‪ ،‬والنظر الصادق‬
‫الثاقب بدقائق وخفايا الخطيئة والضلل‪ ،‬واستعمال أحسن‬
‫الوسائط لزالتها‪ ،‬فذلك من العلمات الظاهرة الدالة على نبوة‬
‫محمد [صلى الله عليه وسلم] وأنه قد أوحي إليه"(‪.)2‬‬
‫[‪]2‬‬
‫"إن الديانة النصرانية التي ود ّ محمد [صلى الله عليه وسلم]‬
‫إعادتها لصلها النقي كما بشر بها المسيح [عليه السلم] تخالف‬

‫‪456‬‬
‫سرية التي أذاعها بولس والغلط الفظيعة التي أدخلها‬ ‫التعاليم ال ّ‬
‫عليها شيع النصارى‪ ..‬ولقد كانت آمال محمد [صلى الله عليه‬
‫وسلم] وأمانيه أن ل تخصص بركة دين إبراهيم [عليه السلم]‬
‫لقومه خاصة‪ ،‬بل تعم الناس جميعًا‪ ،‬ولقد صار دينه الواسطة‬
‫لرشاد وتمدن المليين من البشر‪ ،‬ولول هذا الدين للبثوا غرقى‬
‫في التوحش والهمجية‪ ،‬ولما كان لهم هذا الخاء المعمول به في‬
‫دين السلم"(‪.)3‬‬
‫[‪]3‬‬
‫"‪ ..‬لما بلغ [صلى الله عليه وسلم] السنة الخامسة والعشرين‬
‫ما‪ ،‬وهذه تشابه امرأة‬ ‫من العمر تزوج امرأة عمرها (أربعون عا ً‬
‫ما في أوربا‪ ،‬وهي أول من آمن برسالته‬ ‫عمرها خمسون عا ً‬
‫ما لم‬ ‫المقدسة‪ ..‬وبقيت خديجة (رضي الله عنها) معه عشرين عا ً‬
‫يتزوج عليها قط حتى ماتت (رضي الله عنها)‪ .‬ولما بلغ من العمر‬
‫سا وخمسين سنة صار يتزوج الواحدة بعد الخرى‪ .‬لكن ليس‬ ‫خم ً‬
‫من الستقامة والصدق أن ننسب ما ل يليق لرجل عظيم صرف‬
‫كل ذاك العمر بالطهارة والعفاف فل ريب أن لزواجه بسن الكبر‬
‫أسبابًا حقيقية غير التي يتشدق بها كتاب النصارى بهذا الخصوص‪،‬‬
‫وما هي تلك السباب يا ترى ؟ ول ريب هي شفقته على نساء‬
‫أصحابه الذين قتلوا‪.)4("..‬‬
‫[‪]4‬‬
‫"‪ ..‬مرة‪ ،‬أوحى الله تعالى إلى النبي [صلى الله عليه وسلم] وحيًا‬
‫شديد المؤاخذة لنه أدار وجهه عن رجل فقير أعمى ليخاطب‬
‫رجل ً غنيًا من ذوي النفوذ‪ ،‬وقد نشر ذاك الوحي‪ ،‬فلو كان [صلى‬
‫الله عليه وسلم] كما يقول أغبياء النصارى بحقه لما كان لذاك‬
‫الوحي من وجود"(‪.)5‬‬
‫[‪]5‬‬
‫"‪ ..‬إني لجهر برجائي بمجيء اليوم الذي به يحترم النصارى‬
‫ما وذلك باحترامهم محمدًا‬ ‫ما عظي ً‬ ‫المسيح [عليه السلم] احترا ً‬
‫[صلى الله عليه وسلم]‪ ،‬ول ريب في أن المسيحي المعترف‬
‫برسالة محمد [صلى الله عليه وسلم] وبالحق الذي جاء به هو‬
‫المسيحي الصادق"(‪.)6‬‬
‫_______________________‬
‫‪Lightner‬‬ ‫(‪ )1‬ليتنر‬
‫باحث إنكليزي‪ ،‬حصل على أكثر من شهادة دكتوراه في الشريعة‬
‫والفلسفة واللهوت‪ ،‬وزار الستانة عام ‪ ،1854‬كما طوف بعدد من‬
‫البلد السلمية والتقى برجالتها وعلمائها‪.‬‬
‫(‪ )2‬دين السلم ‪ ،‬ص ‪. 5 – 4‬‬

‫‪457‬‬
‫‪.‬‬ ‫‪5‬‬‫(‪ )3‬نفسه ‪ ،‬ص‬
‫(‪ )4‬نفسه ‪ ،‬ص ‪. 13 – 12‬‬
‫(‪ )5‬نفسه ‪ ،‬ص ‪. 133 – 132‬‬
‫(‪ )6‬نفسه ‪ ،‬ص ‪. 6‬‬
‫‪---------------‬‬
‫غوستاف لوبون‬
‫[‪]1‬‬
‫"جمع محمد [صلى الله عليه وسلم] قبل وفاته كلمة العرب‪،‬‬
‫وبنى منهم أمة واحدة خاضعة لدين واحد مطيعة لزعيم واحد‪،‬‬
‫فكانت في ذلك آيته الكبرى‪ ..‬ومما ل ريب فيه أن محمدًا [صلى‬
‫الله عليه وسلم] أصاب في بلد العرب نتائج لم تصب مثلها جميع‬
‫الديانات التي ظهرت قبل السلم‪ ،‬ومنها اليهودية والنصرانية‬
‫ما‪.)1("..‬‬
‫ولذلك كان فضله على العرب عظي ً‬
‫[‪]2‬‬
‫"إذا ما قيست قيمة الرجال بجليل أعمالهم كان محمد [صلى‬
‫الله عليه وسلم] من أعظم من عرفهم التاريخ‪ ،‬وقد أخذ علماء‬
‫الغرب ينصفون محمدًا [صلى الله عليه وسلم] مع أن التعصب‬
‫الديني أعمى بصائر مؤرخين كثيرين عن العتراف بفضله‪.)2("..‬‬
‫[‪]3‬‬
‫"استطاع محمد [صلى الله عليه وسلم] أن يبدع مثل ً عاليًا قويًا‬
‫للشعوب العربية التي ل عهد لها بالمثل العليا‪ ،‬وفي ذلك البداع‬
‫تتجلى عظمة محمد [صلى الله عليه وسلم] على الخصوص‪..‬‬
‫ولم يتردد أتباعه في التضحية بأنفسهم في سبيل هذا المثل‬
‫العلى‪.)3("..‬‬
‫[‪]4‬‬
‫"‪ ..‬ل شيء أصوب من جمع محمد [صلى الله عليه وسلم] لجميع‬
‫السلطات المدنية والحربية والدينية في يد واحدة أيام كانت‬
‫جزيرة العرب مجزأة ما استطعنا أن نقدر قيمة ذلك بنتائجه‪ ،‬فقد‬
‫فتح العرب العالم في قرن واحد بعد أن كانوا قبائل من أشباه‬
‫البرابرة المتحاربين قبل ظهور محمد [صلى الله عليه وسلم]"(‬
‫‪.)4‬‬
‫______________________‬
‫(‪ )1‬دين السلم ‪ ،‬ص ‪. 16‬‬
‫(‪ )2‬حضارة العرب ‪ ،‬ص ‪. 115‬‬
‫(‪ )3‬نفسه ‪ ،‬ص ‪. 116‬‬
‫(‪ )4‬نفسه ‪ ،‬ص ‪. 394 – 393‬‬
‫‪------------‬‬

‫‪458‬‬
‫لوقا(‪)1‬‬
‫[‪]1‬‬
‫"‪ ..‬ما كان [محمد [صلى الله عليه وسلم]] كآحاد الناس في‬
‫خلله ومزاياه‪ ،‬وهو الذي اجتمعت له آلء الرسل [عليهم السلم]‪،‬‬
‫وهمة البطل‪ ،‬فكان حقًا على المنصف أن يكرم فيه المثل‪،‬‬
‫ويحيّي فيه الرجل"(‪.)2‬‬
‫[‪]2‬‬
‫"ل تأليه ول شبهة تأليه في معنى النبوة السلمية‪ ..‬وقد درجت‬
‫شعوب الرض على تأليه الملوك والبطال والجداد‪ ،‬فكان‬
‫ضا معرضين لمثل ذلك الربط بينهم وبين اللوهية‬ ‫الرسل أي ً‬
‫بسبب من السباب‪ ،‬فما أقرب الناس لو تركوا لنفسهم أن‬
‫يعتقدوا في الرسول أو النبي أنه ليس بشًرا كسائر البشر وأن له‬
‫صفة من صفات اللوهية على نحو من النحاء‪ .‬ولذا نجد توكيد‬
‫هذا التنبيه متواتًرا مكرًرا في آيات القرآن‪ ،‬نذكر منها على سبيل‬
‫ي} [الكهف‬ ‫حى إِل َ َّ‬ ‫م يُو َ‬‫مثْلُك ُ ْ‬
‫شٌر ِّ‬‫ما أَنَا ب َ َ‬
‫ل إِن َّ َ‬
‫المثال ل الحصر" {قُ ْ‬
‫‪ ،]110‬وفي تخير كلمة (مثلكم) معنى مقصود به التسوية المطلقة‪،‬‬
‫والحيلولة دون الرتفاع بفكرة النبوة أو الرسالة فوق مستوى‬
‫البشرية بحال من الحوال‪ .‬بل نجد ما هو أصرح من هذا المعنى‬
‫َ‬ ‫فيما جاء بسورة الشورى‪{ :‬فَإ َ‬
‫ك ع َلَيْهِ ْ‬
‫م‬ ‫سلْنَا َ‬ ‫ما أْر َ‬ ‫ضوا فَ َ‬ ‫ن أعَْر ُ‬ ‫ِ ْ‬
‫ك إِل الْبَلغُ} [الشورى ‪ ،]48‬وظاهر في هذه الية‬ ‫ن ع َلَي ْ َ‬‫حفِيظًا إ ِ ْ‬
‫َ‬
‫تعمد تنبيه الرسول نفسه [صلى الله عليه وسلم] إلى حقيقة‬
‫مهمته‪ ،‬وحدود رسالته التي كلف بها‪ ،‬وليس له أن يعدوها‪ ،‬كما‬
‫أنه ليس للناس أن يرفعوه فوقها"(‪.)3‬‬
‫[‪]3‬‬
‫"‪ ..‬رجل فرد هو لسان السماء‪ .‬فوقه الله ل سواه‪ .‬ومن تحته‬
‫سائر عباد الله من المؤمنين‪ .‬ولكن هذا الرجل يأبى أن يداخله‬
‫من ذلك كبر‪ .‬بل يشفق‪ ،‬بل يفرق من ذلك ويحشد نفسه كلها‬
‫لحرب الزهو في سريرته‪ ،‬قبل أن يحاربه في سرائر تابعيه‪ .‬ولو‬
‫أن هذا الرسول [صلى الله عليه وسلم] بما أنعم من الهداية‬
‫على الناس وما تم له من العزة واليادي‪ ،‬وما استقام له من‬
‫السلطان‪ ،‬اعتد بذلك كله واعتّز‪ ،‬لما كان عليه جناح من أحد‪ ،‬لنه‬
‫إنما يعتد بقيمة ماثلة‪ ،‬ويعتز بمزية طائلة‪ .‬يطريه أصحابه بالحق‬
‫الذي يعلمون عنه‪ ،‬فيقول لهم‪ :‬ل تطروني كما أطرت النصارى‬
‫ابن مريم‪ ،‬إنما أنا عبد الله‪ ،‬فقولوا عبد الله ورسوله‪ .‬ويخرج‬
‫ما له‪ ،‬فينهاهم عن ذلك‬ ‫على جماعة من أصحابه فينهضون تعظي ً‬
‫ضا"(‪.)4‬‬ ‫قائلً‪ :‬ل تقوموا كما يقوم العاجم يعظم بعضهم بع ً‬
‫[‪]4‬‬

‫‪459‬‬
‫"ماذا بقي من مزعم لزاعم؟ إيمان امتحنه البلء طويل ً قبل أن‬
‫يفاء عليه بالنصر وما كان النصر متوقعًا أو شبه متوقع لذلك‬
‫الداعي إلى الله في عاصمة الوثان والزلم‪ ..‬ونزاهة ترتفع فوق‬
‫المنافع‪ ،‬وسمو يتعفف عن بهارج الحياة‪ ،‬وسماحة ل يداخلها زهو‬
‫أو استطالة بسلطان مطاع‪ .‬لم يفد‪ .‬ولم يورث آله‪ ،‬ولم يجعل‬
‫لذريته وعشيرته ميزة من ميزات الدنيا ونعيمها وسلطانها‪ .‬وحرم‬
‫ل لحاد الناس من أتباعه‪ ،‬وألغى ما كان لقبيلته‬ ‫على نفسه ما أح ّ‬
‫من تقدم على الناس في الجاهلية حتى جعل العبدان والحابيش‬
‫سواسية وملوك قريش‪ .‬لم يمكن لنفسه ول لذويه‪ .‬وكانت لذويه‬
‫بحكم الجاهلية صدارة غير مدفوعة‪ ،‬فسوّى ذلك كله بالرض أي‬
‫قالة بعد هذا تنهض على قدمين لتطاول هذ المجد الشاهق أو‬
‫تدافع هذا الصدق الصادق؟ ل خيرة في المر‪ ،‬ما نطق هذا‬
‫ل وما غوى‪ ..‬وما صدق بشر إن لم‬ ‫الرسول عن الهوى‪ ..‬وما ض ّ‬
‫يكن هذا الرسول بالصادق المين‪.)5("..‬‬
‫[‪]5‬‬
‫"أي الناس أولى بنفي الكيد عن سيرته من (أبي القاسم) [صلى‬
‫الله عليه وسلم] الذي حول المليين من عبادة الصنام الموبقة‬
‫السمو‬
‫ّ‬ ‫إلى عبادة الله رب العالمين‪ ،‬ومن الضياع والنحلل إلى‬
‫واليمان‪ ،‬ولم يفد من جهاده لشخصه أو آله شيئًا مما يقتتل عليه‬
‫طلب الدنيا من زخارف الحطام؟"(‪.)6‬‬
‫[‪]6‬‬
‫"كان [محمد [صلى الله عليه وسلم]] يملك حيويته ول تملكه‬
‫حيويته‪ .‬ويستخدم وظائفه ول تستخدمه وظائفه‪ .‬فهي قوة له‬
‫تحسب في مزاياه‪ ،‬وليست ضعفًا يعد في نقائصه‪ .‬لم يكن [صلى‬
‫الله عليه وسلم] معطل النوازع ولكنها لم تكن نوازع تعصف به‪،‬‬
‫لنه يسخرها في كيانه في المستوى الذي يكرم به النسان حين‬
‫يطلب ما هو جميل وجليل في الصورة الجميلة الجليلة التي ل‬
‫تهدر من قدره بل تضاعف من تساميه وعفته وطهره‪ .‬وبيان ذلك‬
‫في أمر بنائه بزوجاته التسع [رضي الله عنهن]‪.)7("..‬‬
‫__________________‬
‫‪Dr. N. Luka‬‬ ‫(‪ )1‬د‪ .‬نظمي لوقا‬
‫مسيحي من مصر‪ .‬يتميز بنظرته الموضوعية وإخلصه العميق‬
‫للحق‪ .‬ورغم إلحاح أبويه على تنشئته على المسيحية منذ كان‬
‫صبيًا‪ ،‬فإنه كثيًرا ما كان يحضر مجالس شيوخ المسلمين ويستمع‬
‫بشغف إلى كتاب الله وسيرة الرسول عليه السلم‪ .‬بل إنه حفظ‬
‫القرآن الكريم ولم يتجاوز العاشرة من عمره‪ .‬ألف عددًا من‬

‫‪460‬‬
‫الكتب أبرزها (محمد الرسالة والرسول)‪ ،‬و(محمد في حياته‬
‫الخاصة)‪.‬‬
‫(‪ )2‬محمد الرسالة والرسول ‪ ،‬ص ‪. 28‬‬
‫(‪ )3‬محمد الرسالة والرسول ‪ ،‬ص ‪. 86 – 85‬‬
‫(‪ )4‬نفسه ‪ ،‬ص ‪. 180 – 179‬‬
‫(‪ )5‬نفسه ‪ ،‬ص ‪. 186 – 183‬‬
‫(‪ )6‬محمد في حياته الخاصة ‪ ،‬ص ‪. 12‬‬
‫(‪ )7‬نفسه ‪ ،‬ص ‪ ، 40 – 39‬ويمكن للقارئ أن يرجع للكتاب نفسه‬
‫(محمد في حياته الخاصة)‪ ،‬فهو بمجمله يمكن أن يعد ّ شهادة‬
‫قيّمة على حياة الرسول [صلى الله عليه وسلم] العائلية الخاصة‪.‬‬
‫‪------------‬‬
‫ماسيه(‪)1‬‬
‫[‪]1‬‬
‫"بفضل إصلحات محمد [صلى الله عليه وسلم] الدينية‬
‫والسياسية‪ ،‬وهي إصلحات موحدة بشكل أساسي‪ ،‬فإن العرب‬
‫وعوا أنفسهم وخرجوا من ظلمات الجهل والفوضى ليعدّوا‬
‫دخلوهم النهائي إلى تاريخ المدنية"(‪.)2‬‬
‫[‪]2‬‬
‫"‪ ..‬كان محمد [صلى الله عليه وسلم] هو المشّرع الملهم‬
‫والمحرك الول للوحدة الدينية بين جميع القوام‪ .. ،‬وكان بسيطًا‬
‫ما‪.)3("..‬‬
‫وحاز ً‬
‫_________________‬
‫‪H. Masse‬‬ ‫(‪ )1‬هنري ماسيه‬
‫ولد عام ‪ ،1886‬عمل مديًرا للمعهد الفرنسي بالقاهرة‪ ،‬وعين‬
‫أستاذ ًا في جامعة الجزائر (‪ ،)1927-1916‬وعضوًا في مجمع الكتابات‬
‫والداب وفي المجمع العلمي العربي بدمشق‪ ،‬وانتدبته الحكومة‬
‫لعديد من المهام الثقافية واختارته اليونسكو في لجنة‬
‫المستشرقين‪.‬‬
‫من آثاره‪ :‬نشر كتابًا عن الشاعر (سعدي) (‪ ،)1919‬وصنف كتابًا‬
‫بعنوان‪( :‬السلم) (‪ ،)1957‬كما ترجم وحقق العديد من النصوص‬
‫العربية‪ ،‬ونشر العديد من البحاث في المجلت الستشراقية‬
‫الشهيرة‪.‬‬
‫(‪ )2‬السلم ‪ ،‬ص ‪. 55‬‬
‫(‪ )3‬نفسه ‪ ،‬ص ‪. 59‬‬
‫‪-----------‬‬
‫مونته(‪)1‬‬
‫[‪]1‬‬

‫‪461‬‬
‫"إن طبيعة محمد [صلى الله عليه وسلم] الدينية تدهش كل‬
‫باحث مدقّق نزيه المقصد بما يتجلى فيها من شدة الخلص‪ .‬فقد‬
‫حا دينيًا ذا عقيدة راسخة‪ ،‬ولم يقم إل بعد أن‬ ‫كان محمد مصل ً‬
‫تأمل كثيًرا وبلغ سن الكمال بهذه الدعوة العظيمة التي جعلته‬
‫من أسطع النوار النسانية في الدين‪ .‬وهو في قتاله الشرك‬
‫والعادات القبيحة التي كانت عند أبناء زمنه كان في بلد العرب‬
‫أشبه بنبي من أنبياء بني إسرائيل الذين نراهم كباًرا جدًا في‬
‫تاريخ قومهم‪ .‬ولقد جهل كثير من الناس محمدًا [صلى الله عليه‬
‫وسلم] وبخسوه حقه وذلك لنه من المصلحين النادرين الذين‬
‫عرف الناس أطوار حياتهم بدقائقها"(‪.)2‬‬
‫[‪]2‬‬
‫"كان محمد [صلى الله عليه وسلم] كريم الخلق حسن العشرة‪،‬‬
‫عذب الحديث‪ ،‬صحيح الحكم صادق اللفظ‪ ،‬وقد كانت الصفات‬
‫الغالبة عليه هي صحة الحكم وصراحة اللفظ‪ ،‬والقتناع التام بما‬
‫يعمله ويقوله"(‪.)3‬‬
‫[‪]3‬‬
‫"‪ ..‬ندر بين المصلحين من عرفت حياتهم بالتفصيل مثل [محمد‬
‫[صلى الله عليه وسلم]] وإن ما قام به من إصلح أخلق وتطهير‬
‫المجتمع يمكن أن يعد به من أعظم المحسنين للنسانية"(‪.)4‬‬
‫[‪]4‬‬
‫"ل مجال للشك في إخلص الرسول [صلى الله عليه وسلم]‬
‫وحماسته الدينية التي تشبعت بها نفسه وفكره‪.)5("..‬‬
‫_________________‬
‫‪Montet‬‬ ‫(‪ )1‬مونته ( ‪) 1927 – 1856‬‬
‫أستاذ اللغات الشرقية في جامعة جنيف‪ ،‬من كتبه (محمد‬
‫والقرآن)‪ ،‬وترجمة جيدة للقرآن‪ ،‬و(حاضر السلم ومستقبله)‪.‬‬
‫(‪ )2‬محمد والقرآن ‪ ،‬ص ‪ ( 18‬عن ستودارد‪ :‬حاضر العالم‬
‫السلمي ‪.) 32 / 1‬‬
‫(‪ )3‬نفسه ‪ ( ،‬عن ستودارد ‪.) 32 / 1‬‬
‫(‪ )4‬حاضر السلم ومستقبله (عن محمد كرد علي‪ :‬السلم‬
‫والحضارة العربية ‪.)1/67‬‬
‫(‪ )5‬نفسه ‪. 67 / 1 ،‬‬
‫‪---------------‬‬
‫نهرو(‪)1‬‬
‫[‪]1‬‬
‫"‪ ..‬لربما خامرت هؤلء الملوك والحكام [الذين تسلموا كتب‬
‫الرسول [صلى الله عليه وسلم]] الدهشة من هذا الرجل‬

‫‪462‬‬
‫البسيط الذي يدعوهم إلى الطاعة‪ .‬ولكن إرسال هذه الكتب‬
‫يعطينا صورة عن مقدار ثقة محمد [صلى الله عليه وسلم]‬
‫بنفسه ورسالته‪ .‬وقد هيأ بهذه الثقة وهذا اليمان لمته أسباب‬
‫وحولهم من سكان صحراء إلى سادة‬ ‫ّ‬ ‫القوة والعّزة والمنعة‬
‫يفتحون نصف العالم المعروف في زمانهم‪ ..‬وقد توفي محمد‬
‫[صلى الله عليه وسلم] بعد أن جعل من القبائل العربية‬
‫سا‪.)2("..‬‬‫المتنافرة أمة واحدة تتقد غيرة وحما ً‬
‫________________‬
‫‪J. Lal Nahro‬‬ ‫(‪ )1‬جوار لل نهرو‬
‫ولد في عام ‪ ،1889‬في مدينة الله آباد‪ ،‬في الهند‪ ،‬والتقى بغاندي‬
‫سا لحزب‬ ‫في أوائل عام ‪ ،1919‬اعتقل عدة مرات‪ ،‬وانتخب رئي ً‬
‫المؤتمر الهندي الوطني عدة مرات‪ ،‬دخل الوزارة‪ ،‬وتولى‬
‫الشؤون الخارجية‪ ،‬وأصبح نائبًا لرئيس المجلس التنفيذي‪ ،‬أول‬
‫من تولى رئاسة الوزراء الهندية بعد استقلل الهند‪ ،‬له عدة‬
‫مؤلفات في التاريخ والسياسة والشؤون الهندية‪ ،‬توفي عام‬
‫‪1964‬م‪.‬‬
‫(‪ )2‬لمحات من تاريخ العالم ‪ ،‬ص ‪. 26 – 25‬‬
‫‪---------------‬‬
‫هارث(‪)1‬‬
‫[‪]1‬‬
‫"إن اختياري لمحمد [صلى الله عليه وسلم] ليكون رأس القائمة‬
‫التي تضم الشخاص الذين كان لهم أعظم تأثير عالمي في‬
‫مختلف المجالت‪ ،‬ربما أدهش كثيًرا من القراء‪ ..،‬ولكن في‬
‫اعتقادي أن محمدًا [صلى الله عليه وسلم] كان الرجل الوحيد‬
‫في التاريخ الذي نجح بشكل أسمى وأبرز في كل المستويين‬
‫الديني والدنيوي"(‪.)2‬‬
‫[‪]2‬‬
‫"لقد أسس محمد [صلى الله عليه وسلم] ونشر أحد أعظم‬
‫الديان في العالم‪ ،‬وأصبح أحد الزعماء العالميين السياسيين‬
‫العظام‪ .‬ففي هذه اليام وبعد مرور ثلثة عشر قرنًا تقريبًا على‬
‫ما‪.)3("..‬‬
‫وفاته‪ ،‬فإن تأثيره ل يزال قويًا وعار ً‬
‫[‪]3‬‬
‫"‪ ..‬من وجهة النظر الدينية الصرفة يبدو أن محمدًا [صلى الله‬
‫عليه وسلم] كان له تأثير على البشرية عبر التاريخ كما كان‬
‫للمسيح (عليه السلم)"(‪.)4‬‬
‫[‪]4‬‬

‫‪463‬‬
‫"‪ ..‬إن محمدًا [صلى الله عليه وسلم] يختلف عن المسيح بأنه‬
‫ما دنيويًا فضل ً عن أنه زعيم ديني‪ ،‬وفي الحقيقة إذا أخذنا‬ ‫كان زعي ً‬
‫بعين العتبار القوى الدافعة وراء الفتوحات السلمية‪ ،‬فإن‬
‫محمدًا [صلى الله عليه وسلم] يصبح أعظم قائد سياسي على‬
‫مدى الجيال"(‪.)5‬‬
‫[‪]5‬‬
‫"‪ ..‬إن هذا التحاد الفريد ل نظير له للتأثير الديني والدنيوي م ًعا‬
‫يخول محمدًا [صلى الله عليه وسلم] أن يعتبر أعظم شخصية‬
‫مفردة ذات تأثير في تاريخ البشرية"(‪.)6‬‬
‫___________________‬
‫‪Michael Hart‬‬ ‫(‪ )1‬الدكتور مايكل هارث‬
‫أمريكي‪ ،‬حصل على عدة شهادات في العلوم وعلى الدكتوراه‬
‫في الفلك من جامعة برنستون‪ ،‬عام ‪ ،1972‬عمل في مراكز‬
‫البحاث والمراصد‪ ،‬وهو أحد العلماء المعتمدين في الفيزياء‬
‫التطبيقية‪.‬‬
‫(‪ )2‬دراسة في المائة الوائل ‪ ،‬ص ‪. 19‬‬
‫(‪ )3‬نفسه ‪ ،‬ص ‪. 19‬‬
‫(‪ )4‬نفسه ‪ ،‬ص ‪. 23‬‬
‫(‪ )5‬نفسه ‪ ،‬ص ‪. 24‬‬
‫(‪ )6‬نفسه ‪ ،‬ص ‪. 25‬‬
‫‪------------‬‬
‫مونتغمري وات‬
‫[‪]1‬‬
‫"منذ أن قام كارليل بدراسته عن محمد [صلى الله عليه وسلم]‬
‫في كتابه (البطال وعبادة البطل) أدرك الغرب أن هناك أسبابًا‬
‫وجيهة للقتناع بصدق محمد‪ .‬إذ إن عزيمته في تحمل الضطهاد‬
‫من أجل عقيدته‪ ،‬والخلق السامي للرجال الذين آمنوا به‪ ،‬وكان‬
‫لهم بمثابة القائد‪ ،‬وأخيًرا عظمة عمله في منجزاته الخيرة‪ ،‬كل‬
‫ذلك يشهد باستقامته التي ل تتزعزع‪ .‬فاتهام محمد [صلى الله‬
‫عليه وسلم] بأنه دجال ‪ Imposteur‬يثير من المشاكل أكثر مما يح ّ‬
‫ل‪.‬‬
‫ومع ذلك فليس هناك شخصية كبيرة في التاريخ حط من قدرها‬
‫في الغرب كمحمد [صلى الله عليه وسلم]‪ .‬فقد أظهر الكتاب‬
‫الغربيون ميلهم لتصديق أسوأ المور عن محمد [صلى الله عليه‬
‫وسلم] وكلما ظهر أي تفسير نقدي لواقعة من الوقائع ممكنًا‬
‫قبوله‪ .‬ول يكفي‪ ،‬مع ذلك‪ ،‬في ذكر فضائل محمد أن نكتفي‬
‫بأمانته وعزيمته إذا أردنا أن نفهم كل شيء عنه‪ .‬وإذا أردنا أن‬
‫نصحح الغلط المكتسبة من الماضي بصدده فيجب علينا في كل‬

‫‪464‬‬
‫حالة من الحالت‪ ،‬ل يقوم الدليل القاطع على ضدها‪ ،‬أن نتمسك‬
‫ضا أن الدليل‬ ‫بصلبة بصدقه‪ .‬ويجب علينا أن ل ننسى عندئذ أي ً‬
‫القاطع يتطلب لقبوله أكثر من كونه ممكنًا وأنه في مثل هذا‬
‫الموضوع يصعب الحصول عليه‪.)1("..‬‬
‫[‪]2‬‬
‫"هناك – على العكس – أسباب قوية تؤكد صدق (محمد) [صلى‬
‫الله عليه وسلم] ونستطيع في مثل هذه الحالة الخاصة أن نبلغ‬
‫درجة عالية من اليقين‪ ،‬لن النقاش حول هذه المسألة‪ ..‬يعتمد‬
‫على وقائع ول يمكن أن يتضمن خلفًا في التقدير حول‬
‫الخلقية‪.)2("..‬‬
‫[‪]3‬‬
‫ما أو آليًا وكذلك إنشاء المة‬ ‫"‪ ..‬ليس توسع العرب شيئًا محتو ً‬
‫السلمية‪ .‬ولول هذا المزيج الرائع من الصفات المختلفة الذي‬
‫نجده عند محمد [صلى الله عليه وسلم] لكان من غير الممكن‬
‫أن يتم هذا التوسع‪ ،‬ولستنفذت تلك القوى الجبارة في غارات‬
‫على سوريا والعراق دون أن تؤدي لنتائج دائمة‪ .‬ونستطيع أن‬
‫نميز ثلث هبات مهمة أُوتيها محمد [صلى الله عليه وسلم]‪.‬‬
‫وكانت كل واحدة منها ضرورية لتمام عمل محمد [صلى الله‬
‫عليه وسلم] بأكمله‪ .‬لقد أوتي أول ً موهبة خاصة على رؤية‬
‫المستقبل‪ .‬فكان للعالم العربي بفضله‪ ،‬أو بفضل الوحي الذي‬
‫ينزل عليه حسب رأي المسلمين‪ ،‬أساس فكري (إيديولوجي)‬
‫حلت به الصعوبات الجتماعية‪ ،‬وكان تكوين هذا الساس الفكري‬
‫سا ينظر في السباب الساسية‬ ‫يتطلب في نفسه الوقت حد ً‬
‫للضطراب الجتماعي في ذلك العصر‪ ،‬والعبقرية الضرورية‬
‫للتعبير عن هذا الحدس في صورة تستطيع إثارة العرب حتى‬
‫أعمق كيانها‪ ..‬وكان محمد [صلى الله عليه وسلم] ثانيًا رجل دولة‬
‫ما‪ .‬ولم يكن هدف البناء الساسي الذي نجده في القرآن‪،‬‬ ‫حكي ً‬
‫سوى دعم التدابير السياسية الملموسة والمؤسسات الواقعية‪.‬‬
‫ولقد ألححنا خلل هذا الكتاب غالبًا على استراتيجية محمد [صلى‬
‫الله عليه وسلم] السياسية البعيدة النظر على إصلحاته‬
‫ل على بعد نظره في هذه المسائل النتشار‬ ‫الجتماعية ولقد د ّ‬
‫السريع الذي جعل من دولته الصغيرة إمبراطورية‪ ،‬وتطبيق‬
‫المؤسسات الجتماعية على الظروف المجاورة واستمرارها‬
‫خلل أكثر من ثلثة عشر قرنًا‪ .‬وكان محمد [صلى الله عليه‬
‫وسلم] ثالثًا رجل إدارة بارع ًا‪ ،‬فكان ذا بصيرة رائعة في اختيار‬
‫الرجال الذين يندبهم للمسائل الدارية‪ .‬إذ لن يكون للمؤسسات‬
‫المتينة والسياسة الحكيمة أثر إذا كان التطبيق خاطئًا مترددًا‪.‬‬

‫‪465‬‬
‫وكانت الدولة التي أسسها محمد [صلى الله عليه وسلم] عند‬
‫وفاته‪ ،‬مؤسسة مزدهرة تستطيع الصمود في وجه الصدمة التي‬
‫أحدثها غياب مؤسسها‪ ،‬ثم إذا بها بعد فترة تتلءم مع الوضع‬
‫الجديد وتتسع بسرعة خارقة اتساع ًا رائعًا"(‪.)3‬‬
‫[‪]4‬‬
‫"كلما فكرنا في تاريخ محمد [صلى الله عليه وسلم] وتاريخ أوائل‬
‫السلم‪ ،‬تملكنا الذهول أمام عظمة مثل هذا العمل‪ .‬ول شك أن‬
‫صا للنجاح لم تتحها‬‫الظروف كانت مواتية لمحمد فأتاحت له فر ً‬
‫لسوى القليل من الرجال غير أن الرجل كان على مستوى‬
‫ما‪ .‬فلو لم يكن نبيًا ورجل دولة وإدارة‪ ،‬ولو لم يضع‬ ‫الظروف تما ً‬
‫ثقته بالله ويقتنع بشكل ثابت أن الله أرسله‪ ،‬لما كتب فصل ً مه ً‬
‫ما‬
‫في تاريخ النسانية‪ .‬ولي أمل أن هذه الدراسة عن حياة محمد‬
‫[صلى الله عليه وسلم] يمكنها أن تساعد على إثارة الهتمام ‪،‬‬
‫من جديد ‪ ،‬برجل هو أعظم رجال أبناء آدم"(‪.)4‬‬
‫_____________________‬
‫(‪ )1‬محمد في مكة ‪ ،‬ص ‪. 94‬‬
‫(‪ )2‬نفسه ‪ ،‬ص ‪. 498 – 497‬‬
‫(‪ )3‬نفسه ‪ ،‬ص ‪. 511 – 510‬‬
‫(‪ )4‬نفسه ‪ ،‬ص ‪. 512‬‬

‫ولز(‪)1‬‬
‫[‪]1‬‬
‫"‪ ..‬هل تراك علمت قط أن رجل ً على غير كريم السجايا مستطيع‬
‫أن يتخذك صديقًا؟ ذلك أن من عرفوا محمدًا [صلى الله عليه‬
‫وسلم] أكثر من غيرهم‪ ،‬كانوا أشد الناس إيمانًا به‪ .‬وقد آمنت به‬
‫خديجة [رضي الله عنها] كل حياته على أنها ربما كانت زوجة‬
‫محبة‪ .‬فأبو بكر [رضي الله عنه] شاهد أفضل وهو لم يتردد قط‬
‫في إخلصه‪ .‬كان يؤمن بالنبي [صلى الله عليه وسلم] ومن‬
‫العسير على أي إنسان يقرأ تلك اليام إل يؤمن بأبي بكر [رضي‬
‫الله عنه]‪ ،‬وكذلك علي [رضي الله عنه] فإنه خاطر بحياته من‬
‫أجل النبي [صلى الله عليه وسلم] في أحلك أيامه سوادًا‪.)2("..‬‬
‫[‪]2‬‬
‫ج محمد [صلى الله عليه وسلم] حجة الوداع من المدينة إلى‬ ‫"ح ّ‬
‫مكة‪ ،‬قبل وفاته بعام‪ ،‬وعند ذاك ألقى على شعبه موعظة‬
‫ن أول فقرة فيها تجرف أمامها كل ما بين المسلمين‬ ‫عظيمة‪ ..‬إ ّ‬
‫من نهب وسلب ومن ثارات ودماء‪ ،‬وتجعل الفقرة الخيرة منها‬
‫الزنجي المؤمن عدل ً للخليفة‪ ..‬إنها أسست في العالم تقاليد‬

‫‪466‬‬
‫عظيمة للتعامل العادل الكريم‪ ،‬وإنها لتنفخ في الناس روح الكرم‬
‫والسماحة‪ ،‬كما أنها إنسانية السمة ممكنة التنفيذ‪ ،‬فإنها خلقت‬
‫جماعة إنسانية يقل ما فيها مما يغمر الدنيا من قسوة وظلم‬
‫اجتماعي‪ ،‬عما في أي جماعة أخرى سبقتها"(‪.)3‬‬
‫[‪]3‬‬
‫"لقد منح [ العرب ] العالم ثقافة جديدة‪ ،‬وأقاموا عقيدة ل تزال‬
‫إلى اليوم من أعظم القوى الحيوية في العالم أما الرجل الذي‬
‫أشعل ذلك القبس العربي فهو محمد [صلى الله عليه وسلم](‪.)4‬‬
‫_______________‬
‫‪H. G. Wells‬‬ ‫(‪ )1‬هربرت جورج ولز (‪)1946 – 1866‬‬
‫الكاتب والديب البريطاني المعروف‪ .‬حصل على بكالوريوس‬
‫العلوم سنة ‪ ،1888‬تولى التدريس بضع سنين ثم انصرف للتأليف‪.‬‬
‫اشتهر بقصصه الذي يعتمد الخيال العلمي من مثل (آلة الزمن)‬
‫و(الرجل الخفي)‪ ،‬فضل ً عن رواياته النفسية والجتماعية من مثل‬
‫(ميكا فيللي الجديد) و(الزواج)‪ .‬ولم يغفل ولز البحث في التاريخ‬
‫فأنجز عام ‪( 1920‬معالم تاريخ النسانية) وأعقبه بـ(موجز تاريخ‬
‫العالم)‪ .‬وكان آخر كتاب أصدره هو (العقل في أقصى تواتراته) (‬
‫‪ .)1944‬ولولز كتاب في السيرة الذاتية بعنوان‪( :‬تجربة في كتابة‬
‫السيرة الذاتية)‪.‬‬
‫(‪ )2‬معالم تاريخ النسانية ‪. 639 / 3 ،‬‬
‫(‪ )3‬نفسه ‪. 641 – 640 / 3 ،‬‬
‫(‪ )4‬موجز تاريخ العالم ‪ ،‬ص ‪. 201 – 200‬‬
‫‪-7‬‬

‫الفهرس العام‬

‫‪467‬‬

You might also like