Professional Documents
Culture Documents
لن يختلف إثنان ،أن الشأن العماني قد أوجد بين المثقفين والمفكرين والمحللين ،الذين بالعادة تطفو أفك ارهم على
أسطح الجرائد المحلية ،شرخا في الموقف ،فبين من يرى أن الالئمة بحجمها األك بر ينبغي أن تق ع على كاه ل
الحكومة إلن "قاف" القوة لن يجدي كما لم يجدي في "الجوار" ،كما أشار الكاتب "محمد الشحري" إلى هذا المع نى
في عموده الذي نشرته "الرؤية" يوم أمس ،إذ قال" :أعادت قوات األمن بعد تدخلها االعتصامات إلى نقطة الص فر
فالحلول األمنية لم تعد تقنع في التعامل مع االعتصامات ،ورأينا كيف فش لت ك ل األنظم ة العربي ة في قم ع
المتظاهرين" .وبالمقابل ،فهناك من يرى أن هذه االعتصامات قد خرجت عن حد التعقل وأن سقف المطالبات بات
يتاخم التمرد .وبعبارة أخرى فإن ما يجري اآلن ،وما استلزمه من تحرك أمني ،تتحم ل أعب اءه االعتص امات
وحدها .كتب في هذا االتجاه حسن إسحاق بجانب "الشحري" تحت عنوان "الفوضى الخالقة" ما نصه" :كيف يمكن
لمن يعتصم ويطالب باالصالح وتوظيف المواطنين أن يغلق شارعا أو يغلق دوارا يؤدي إلى مستشفى أو يح رق
مستوصفا؟"و أضاف " :إن ما دعاني إلى ذلك ما قاله أحد األشخاص في إحدى وسائل االعالم من أنه ال مانع من
أن يكون هناك ضحايا في سبيل تحقيق أهداف الشعب"!!
ليست هذه المقالة بصدد ترجيح إتجاه على حساب آخر ،أو تحميل المسؤولية بجانبه ا األض خم على جه ة دون
أخرى ،فهذا أمر خارج عن غرضها بالمرة ،وإنما غرضها إقتراح معايير لعلها تجدي للبحث عن االتج اه ال ذي
ينبغي أن تسلكه توجهات الكتاب والمفكرين ،ذلك ألن المسؤولية المرمية على كواهل أقالمهم النحيفة والدقيق ة في
الوقت نفسه لعلها أشد حساسية مما نتخيل .فالناس بطبعهم ال يميلون إلى من "يرش دهم" و "ي وجههم" بخالف من
"يثقفهم" فالثقافة مطلب جماهيري تنويري ال غنى عنه .واألقالم التي تغترف من معينها تس تطيع أن تس كب من
محبرتها حروفا قد تغنينا عن "ق" القوة تماما ،ذلك بتدشينها في ثقافة االعتصامات مبادئا لها تمنعها من الخ روج
عن مسارها الصحيح فترتمي في قاع "م" التمرد ،وتداعياته غير حميدة بالمرة.
إن أول معيار مقترح العتماده هو التأمل في " :ما الذي تحقق؟" وعلى غرار طريقة الفالسفة في التفكير، .1
فهم يعتمدون الحكمة النظرية أوال قبل أن ينطقوا بشيء حول الحكمة العملية .الحكم ة النظري ة معني ة
بالنظر في االنجازات المتحققة هذا ألن "ما ينبغي أن يتحقق أيضا" ف رع لم ا تم إنج ازه .ال ينبغي أن
تتناسى أقالمنا – أقول تتناسى ألن النسيان الطبيعي غير مقدور عليه – إن األمة العمانية قد خرجت عن
األمية األممية – وفق تعريف اليونسكو لها – منذ أربعين عاما فحسب .وهذه المدة إن كانت تكفي إلقامة
البنى التحتية والخروج عن األمية في ظل االصرار على التعليم كخيار ال ب ديل عن ه وإتاحت ه لل ذكر
واألنثى على حد سواء ،إال أنها ال تكفي ألن نقدم نماذجا حضارية لبناء اإلنسان وتوفير تمام ض رورايته
الحياتية له ،نظرا لقلة الخبرة ،وندرة ذوي الكفاءات العلمية الكبيرة في تلك الحقبة البدائي ة من لحظ ات
النمو والتطور والترفي .إضف إلى هذا التحديات المتوقعة ظهورها جزما حتى في المشاريع التي تتج ه
نحو صناعة المدن الفاضلة ،أعني الفساد اإلداري الذي تم تعريفه بالمشكلة الكامل ة! فكم ا أن اإلنس ان
الكامل هم "األنبياء" ألنهم استطاعوا أن يفرضوا قيمهم على األمم األرضية رغم كل التحديات ،والحش رة
الكاملة قد أطلقوا على "الصرور" ألنها الوحيدة التي فرضت وجودها أينما وجد اإلنسان رغم كل التحديات
التي جابهتها من بني البشر لإلحالتها إلى العدم ،عدت مشكلة "الفساد اإلداري" رسميا "المش كلة الكامل ة"
ألنها تتفشى في أعتى وأشد األنظمة ديمقراطية في العالم المتحضر اليوم .ومع نقص الخبرة في مواجه ة
هذه األزمة العالمية المتفشية في أرقى دول العالم ،مالذي نتوقعه إذن؟ فحتى الفارابي في صياغته للمدينة
الفاضلة أقر بأنها تحوي من أسماهم "باألشرار" أصحاب الرؤية الضيقة التي ال يفك رون إال في كيفي ة
تحقيق مصالحهم الشخصية من وراء تجربة قيمة تريد للشعب الرفاهية والخير.
األسطر أعاله اقترحت أن يوضع معيار "ما الذي تحقق" نص ب أعين األقالم عن دما تري د كتاب ة ش يء عن
اعتصاماتنا ،على أن ال تكون نظرتها لما تحقق "مثالية" تفتش عن كيان مالئكي البريء من الشهوات واألناني ات.
كال ،فللنظر إلى ما تحقق مع قلة خبراتنا وكفاءاتنا وعمق التحديات التي وقفت تترصد كل حركاتن ا في محتل ف
زوايا النهضة.
المعيار اآلخر المقترح هو عدم مقارنة اعتصاماتنا ،ال في مضامينها وال في نوعياتها ،بم ا يج ري في .2
الجوار حتى ال نقع في أخطاء أكبر من حجمنا ،فكما قيل ،جلب الدول الفتية لتجارب أضخم ولدول أكبر،
يورثها مشاكل أعتى! إذ ليس يخفي على أحد ،ماالذي عانى من ه المص ريون واليم نيون والتونس يون
والليبييون والبحرينييون ولسنين متمادية ،حتى تفاقمت المطالبات وباتت تأبى على القوة مهم ا اش تدت
ونالت معونة الجوار لقمعها ،فكيف يجوز أن نضرب مثال ما يجري في الجوار وعمر نهضتنا ال تتج از
األربعين ،لم تخلو من العديد والعديد من االنجازات ،ومن اعترافات منظمات عالمية كل في مجاله ا؟ ال
ينبغي أن أطيل في هذه النقطة ألن كلنا نستفيد في ليلنا ونهارنا من تلك المنجزات.
المعيار الثالث المقترح هو "حجم االستجابة" ،فهل أزيل دوار الكرة األرضية كما أزيل دوار االعتصامات .3
في دولة مجاورة؟ لقد صدر في أقل من أسبوعين 28مرسوما سلطانيا إصالحيا ،األمر الذي أذهل العديد
من النقاد ومتابعي الساحة العمانية ،حتى أن الكاتب األمريكي "جوزيف كشيشيان" في عموده المترجم في
جريدة عمان بتاريخ 30من الشهر الحالي أطلق على االصالحات التي قام بها جالل ة الس لطان المعظم
& " ،ألنها ،حسب وصفه ،هزت معظم المواطنين بالمعنى الحرفي للكلمة .أليس ذلك يعني أن عهد "بالتكتونية
االصالح قد تم تدشينه فعال وال محيص عن تثبيته وقبول سائر التحديات ألجل تنفيذ متطلبات ه؟ إن بعض
النواحي التي تحتاج إلى إصالحات عميقة ،أيضا محتاجة إلى دراسات دقيقة ،فاالستعجال فيها قد ي ؤدي
إلى الفشل في تحسينها ،من هنا ينبغي أن تأخذ الحكومة وقتها في ضخ ما ينبغي ضخه من حزمة بن ود
تعمل على تحسين وإصالح النواحي الحساسة كالتعليم وتنمية الموارد البش رية الل ذان ينبغي أن يكون ا
مرتكز سائر حركات االصالح القادمة.
والمعيار األخير المقترح هو التأمل في "حجم الضرر" الذي رفدته اعتصامات صحار وكبلت بها مصالحا .4
عدة تفوق فوائدها الماليين من الرياالت .إذ يغلب على ظن البعض أنه ولوال "إغالق الطرقات" و "الميناء"
و"حرق المحالت" لما كانت االستجابة سريعة ،وعليه ففي نظرهم أن "م" التمرد ه و أولى األح رف في
أبجديات االصالح دشنتها بنجاح اعتصامات صحار .إال أنه ،ولعدم توقف مطالب هذه االعتصامات ،حتى
بعد بروز الجدية في انتهاج خطى االصالح ،وخروج بعض بنودها عن التعقل ،والتصرفات التي رافقتها
حتى بعد االستجابة ،تجعلنا ال نميل إلى الظن المشار إليه أعاله.
إن مطالب المواطن بحقوقه المشروعة والتي حجبت بعضها عنه بال مبرر في الوقت الذي هو في مسيس
الحاجة إليها ،تقتضي جزما أن يخرج مطالبا بها برفيع صوته ،فالنهضات الحقيقي ة رهانه ا الم واطن
وكرامته وحسن معيشته ،فإن وطأته البنى التحتية وأحالت المنشآت حياته إلى ما هو أشبه بالمقابر تحتها،
عندئذ ال مناص عن أن ترتفع األصوات والالفتات والهتافات مطالبة بالحياة الكريم ة ،عن دها ف إن "م"
المطالب ستقرأ أوال في هذه األبجدية الجديدة ،أما إذا خرجت عن مسارها ،تتعثر في مصالح ومرافق البلد
والناس ،وقد أغمضت عيناها عما تحقق ،سواء في الماضي أو ما يتحقق اآلن في عهد االصالح ،متأثرة
بالجوار مع شاسع االختالف الذي بينهما ،فال يلوم أحد أحدا إن وجد أن "م" المطالب المتمردة هي ال تي
تقرأ في هذه األبجدية الجديدة ،والتي ال مهرب عن أن تتعقبها وتليها "ق" القوة.