You are on page 1of 3

‫أبجدية جديدة دشنتها صحار في قاموس العماني‬

‫"م" المطالب المتمردة قد تقرأ قبل "ق" القوة التي تليها‬


‫منشور في جريدة الرؤيا بتاريخ ‪/6/4/2011‬م‬

‫لن يختلف إثنان‪ ،‬أن الشأن العماني قد أوجد بين المثقفين والمفكرين والمحللين‪ ،‬الذين بالعادة تطفو أفك ارهم على‬
‫أسطح الجرائد المحلية‪ ،‬شرخا في الموقف‪ ،‬فبين من يرى أن الالئمة بحجمها األك بر ينبغي أن تق ع على كاه ل‬
‫الحكومة إلن "قاف" القوة لن يجدي كما لم يجدي في "الجوار"‪ ،‬كما أشار الكاتب "محمد الشحري" إلى هذا المع نى‬
‫في عموده الذي نشرته "الرؤية" يوم أمس‪ ،‬إذ قال‪" :‬أعادت قوات األمن بعد تدخلها االعتصامات إلى نقطة الص فر‬
‫فالحلول األمنية لم تعد تقنع في التعامل مع االعتصامات‪ ،‬ورأينا كيف فش لت ك ل األنظم ة العربي ة في قم ع‬
‫المتظاهرين"‪ .‬وبالمقابل‪ ،‬فهناك من يرى أن هذه االعتصامات قد خرجت عن حد التعقل وأن سقف المطالبات بات‬
‫يتاخم التمرد‪ .‬وبعبارة أخرى فإن ما يجري اآلن‪ ،‬وما استلزمه من تحرك أمني‪ ،‬تتحم ل أعب اءه االعتص امات‬
‫وحدها‪ .‬كتب في هذا االتجاه حسن إسحاق بجانب "الشحري" تحت عنوان "الفوضى الخالقة" ما نصه‪" :‬كيف يمكن‬
‫لمن يعتصم ويطالب باالصالح وتوظيف المواطنين أن يغلق شارعا أو يغلق دوارا يؤدي إلى مستشفى أو يح رق‬
‫مستوصفا؟"و أضاف ‪" :‬إن ما دعاني إلى ذلك ما قاله أحد األشخاص في إحدى وسائل االعالم من أنه ال مانع من‬
‫أن يكون هناك ضحايا في سبيل تحقيق أهداف الشعب"!!‬

‫ليست هذه المقالة بصدد ترجيح إتجاه على حساب آخر‪ ،‬أو تحميل المسؤولية بجانبه ا األض خم على جه ة دون‬
‫أخرى‪ ،‬فهذا أمر خارج عن غرضها بالمرة‪ ،‬وإنما غرضها إقتراح معايير لعلها تجدي للبحث عن االتج اه ال ذي‬
‫ينبغي أن تسلكه توجهات الكتاب والمفكرين‪ ،‬ذلك ألن المسؤولية المرمية على كواهل أقالمهم النحيفة والدقيق ة في‬
‫الوقت نفسه لعلها أشد حساسية مما نتخيل‪ .‬فالناس بطبعهم ال يميلون إلى من "يرش دهم" و "ي وجههم" بخالف من‬
‫"يثقفهم" فالثقافة مطلب جماهيري تنويري ال غنى عنه‪ .‬واألقالم التي تغترف من معينها تس تطيع أن تس كب من‬
‫محبرتها حروفا قد تغنينا عن "ق" القوة تماما‪ ،‬ذلك بتدشينها في ثقافة االعتصامات مبادئا لها تمنعها من الخ روج‬
‫عن مسارها الصحيح فترتمي في قاع "م" التمرد‪ ،‬وتداعياته غير حميدة بالمرة‪.‬‬

‫إن أول معيار مقترح العتماده هو التأمل في ‪" :‬ما الذي تحقق؟" وعلى غرار طريقة الفالسفة في التفكير‪،‬‬ ‫‪.1‬‬
‫فهم يعتمدون الحكمة النظرية أوال قبل أن ينطقوا بشيء حول الحكمة العملية‪ .‬الحكم ة النظري ة معني ة‬
‫بالنظر في االنجازات المتحققة هذا ألن "ما ينبغي أن يتحقق أيضا" ف رع لم ا تم إنج ازه‪ .‬ال ينبغي أن‬
‫تتناسى أقالمنا – أقول تتناسى ألن النسيان الطبيعي غير مقدور عليه – إن األمة العمانية قد خرجت عن‬
‫األمية األممية – وفق تعريف اليونسكو لها – منذ أربعين عاما فحسب‪ .‬وهذه المدة إن كانت تكفي إلقامة‬
‫البنى التحتية والخروج عن األمية في ظل االصرار على التعليم كخيار ال ب ديل عن ه وإتاحت ه لل ذكر‬
‫واألنثى على حد سواء‪ ،‬إال أنها ال تكفي ألن نقدم نماذجا حضارية لبناء اإلنسان وتوفير تمام ض رورايته‬
‫الحياتية له‪ ،‬نظرا لقلة الخبرة‪ ،‬وندرة ذوي الكفاءات العلمية الكبيرة في تلك الحقبة البدائي ة من لحظ ات‬
‫النمو والتطور والترفي‪ .‬إضف إلى هذا التحديات المتوقعة ظهورها جزما حتى في المشاريع التي تتج ه‬
‫نحو صناعة المدن الفاضلة‪ ،‬أعني الفساد اإلداري الذي تم تعريفه بالمشكلة الكامل ة! فكم ا أن اإلنس ان‬
‫الكامل هم "األنبياء" ألنهم استطاعوا أن يفرضوا قيمهم على األمم األرضية رغم كل التحديات‪ ،‬والحش رة‬
‫الكاملة قد أطلقوا على "الصرور" ألنها الوحيدة التي فرضت وجودها أينما وجد اإلنسان رغم كل التحديات‬
‫التي جابهتها من بني البشر لإلحالتها إلى العدم‪ ،‬عدت مشكلة "الفساد اإلداري" رسميا "المش كلة الكامل ة"‬
‫ألنها تتفشى في أعتى وأشد األنظمة ديمقراطية في العالم المتحضر اليوم‪ .‬ومع نقص الخبرة في مواجه ة‬
‫هذه األزمة العالمية المتفشية في أرقى دول العالم‪ ،‬مالذي نتوقعه إذن؟ فحتى الفارابي في صياغته للمدينة‬
‫الفاضلة أقر بأنها تحوي من أسماهم "باألشرار" أصحاب الرؤية الضيقة التي ال يفك رون إال في كيفي ة‬
‫تحقيق مصالحهم الشخصية من وراء تجربة قيمة تريد للشعب الرفاهية والخير‪.‬‬

‫األسطر أعاله اقترحت أن يوضع معيار "ما الذي تحقق" نص ب أعين األقالم عن دما تري د كتاب ة ش يء عن‬
‫اعتصاماتنا‪ ،‬على أن ال تكون نظرتها لما تحقق "مثالية" تفتش عن كيان مالئكي البريء من الشهوات واألناني ات‪.‬‬
‫كال‪ ،‬فللنظر إلى ما تحقق مع قلة خبراتنا وكفاءاتنا وعمق التحديات التي وقفت تترصد كل حركاتن ا في محتل ف‬
‫زوايا النهضة‪.‬‬

‫المعيار اآلخر المقترح هو عدم مقارنة اعتصاماتنا‪ ،‬ال في مضامينها وال في نوعياتها‪ ،‬بم ا يج ري في‬ ‫‪.2‬‬
‫الجوار حتى ال نقع في أخطاء أكبر من حجمنا‪ ،‬فكما قيل‪ ،‬جلب الدول الفتية لتجارب أضخم ولدول أكبر‪،‬‬
‫يورثها مشاكل أعتى! إذ ليس يخفي على أحد‪ ،‬ماالذي عانى من ه المص ريون واليم نيون والتونس يون‬
‫والليبييون والبحرينييون ولسنين متمادية‪ ،‬حتى تفاقمت المطالبات وباتت تأبى على القوة مهم ا اش تدت‬
‫ونالت معونة الجوار لقمعها‪ ،‬فكيف يجوز أن نضرب مثال ما يجري في الجوار وعمر نهضتنا ال تتج از‬
‫األربعين‪ ،‬لم تخلو من العديد والعديد من االنجازات‪ ،‬ومن اعترافات منظمات عالمية كل في مجاله ا؟ ال‬
‫ينبغي أن أطيل في هذه النقطة ألن كلنا نستفيد في ليلنا ونهارنا من تلك المنجزات‪.‬‬
‫المعيار الثالث المقترح هو "حجم االستجابة"‪ ،‬فهل أزيل دوار الكرة األرضية كما أزيل دوار االعتصامات‬ ‫‪.3‬‬
‫في دولة مجاورة؟ لقد صدر في أقل من أسبوعين ‪ 28‬مرسوما سلطانيا إصالحيا‪ ،‬األمر الذي أذهل العديد‬
‫من النقاد ومتابعي الساحة العمانية‪ ،‬حتى أن الكاتب األمريكي "جوزيف كشيشيان" في عموده المترجم في‬
‫جريدة عمان بتاريخ ‪ 30‬من الشهر الحالي أطلق على االصالحات التي قام بها جالل ة الس لطان المعظم‬
‫& "‪ ،‬ألنها‪ ،‬حسب وصفه‪ ،‬هزت معظم المواطنين بالمعنى الحرفي للكلمة‪ .‬أليس ذلك يعني أن عهد‬ ‫"بالتكتونية‬
‫االصالح قد تم تدشينه فعال وال محيص عن تثبيته وقبول سائر التحديات ألجل تنفيذ متطلبات ه؟ إن بعض‬
‫النواحي التي تحتاج إلى إصالحات عميقة‪ ،‬أيضا محتاجة إلى دراسات دقيقة‪ ،‬فاالستعجال فيها قد ي ؤدي‬
‫إلى الفشل في تحسينها‪ ،‬من هنا ينبغي أن تأخذ الحكومة وقتها في ضخ ما ينبغي ضخه من حزمة بن ود‬
‫تعمل على تحسين وإصالح النواحي الحساسة كالتعليم وتنمية الموارد البش رية الل ذان ينبغي أن يكون ا‬
‫مرتكز سائر حركات االصالح القادمة‪.‬‬
‫والمعيار األخير المقترح هو التأمل في "حجم الضرر" الذي رفدته اعتصامات صحار وكبلت بها مصالحا‬ ‫‪.4‬‬
‫عدة تفوق فوائدها الماليين من الرياالت‪ .‬إذ يغلب على ظن البعض أنه ولوال "إغالق الطرقات" و "الميناء"‬
‫و"حرق المحالت" لما كانت االستجابة سريعة‪ ،‬وعليه ففي نظرهم أن "م" التمرد ه و أولى األح رف في‬
‫أبجديات االصالح دشنتها بنجاح اعتصامات صحار‪ .‬إال أنه‪ ،‬ولعدم توقف مطالب هذه االعتصامات‪ ،‬حتى‬
‫بعد بروز الجدية في انتهاج خطى االصالح‪ ،‬وخروج بعض بنودها عن التعقل‪ ،‬والتصرفات التي رافقتها‬
‫حتى بعد االستجابة‪ ،‬تجعلنا ال نميل إلى الظن المشار إليه أعاله‪.‬‬
‫إن مطالب المواطن بحقوقه المشروعة والتي حجبت بعضها عنه بال مبرر في الوقت الذي هو في مسيس‬
‫الحاجة إليها‪ ،‬تقتضي جزما أن يخرج مطالبا بها برفيع صوته‪ ،‬فالنهضات الحقيقي ة رهانه ا الم واطن‬
‫وكرامته وحسن معيشته‪ ،‬فإن وطأته البنى التحتية وأحالت المنشآت حياته إلى ما هو أشبه بالمقابر تحتها‪،‬‬
‫عندئذ ال مناص عن أن ترتفع األصوات والالفتات والهتافات مطالبة بالحياة الكريم ة‪ ،‬عن دها ف إن "م"‬
‫المطالب ستقرأ أوال في هذه األبجدية الجديدة‪ ،‬أما إذا خرجت عن مسارها‪ ،‬تتعثر في مصالح ومرافق البلد‬
‫والناس‪ ،‬وقد أغمضت عيناها عما تحقق‪ ،‬سواء في الماضي أو ما يتحقق اآلن في عهد االصالح‪ ،‬متأثرة‬
‫بالجوار مع شاسع االختالف الذي بينهما‪ ،‬فال يلوم أحد أحدا إن وجد أن "م" المطالب المتمردة هي ال تي‬
‫تقرأ في هذه األبجدية الجديدة‪ ،‬والتي ال مهرب عن أن تتعقبها وتليها "ق" القوة‪.‬‬

You might also like