You are on page 1of 34

‫تالوة القرآن في رمضان‬

‫ت ِّمنَ ْٱلهُد َٰى َو ْٱلفُرْ قَا ِن فَ َمن َش ِه َد‬ ‫نز َل فِي ِه ْٱلقُرْ ُ‬ ‫ُ‬
‫اس َوبَيِّنَ ٰـ ٍ‬ ‫آن هُدًى لّلنَّ ِ‬ ‫ضانَ ٱلَّ ِذى أ ِ‬ ‫﴿ َش ْه ُر َر َم َ‬
‫ص ْمهُ َو َمن َكانَ َم ِريضًا أَوْ َعلَ ٰى َسفَ ٍر فَ ِع َّدةٌ ّم ْن أَي ٍَّام أُ َخ َر ي ُِري ُد ٱهَّلل ُ بِ ُك ُم‬ ‫ِمن ُك ُم ال َّشه َْر فَ ْليَ ُ‬
‫ْٱليُ ْس َر َوالَ ي ُِري ُد بِ ُك ُم ْٱل ُع ْس َر ‪..‬‬

‫أوالً‪ :‬رمضان شهر القرآن‪:‬‬


‫ت ِّمنَ ٱ ْل ُهد َٰى‬ ‫ضانَ ٱلَّ ِذى أُن ِز َل فِي ِه ٱ ْلقُ ْرآنُ ُهدًى لّلنَّا ِ‬
‫س َوبَيِّنَ ٰـ ٍ‬ ‫ش ْه ُر َر َم َ‬
‫قال تعالى‪َ ﴿ :‬‬
‫سفَ ٍر فَ ِع َّدةٌ ّمنْ أَيَّ ٍام‬
‫ضا أَ ْو َعلَ ٰى َ‬ ‫ص ْمهُ َو َمن َكانَ َم ِري ً‬ ‫ش ْه َر فَ ْليَ ُ‬ ‫ش ِه َد ِمن ُك ُم ال َّ‬ ‫َوٱ ْلفُ ْرقَا ِن فَ َمن َ‬
‫س َر َولِتُ ْك ِملُو ْا ٱ ْل ِع َّدةَ َولِتُ َكبّ ُرو ْا ٱهَّلل َ َعلَ ٰى َما َهدَا ُك ْم‬
‫س َر َوالَ يُ ِري ُد بِ ُك ُم ٱ ْل ُع ْ‬ ‫أُ َخ َر يُ ِري ُد ٱهَّلل ُ بِ ُك ُم ٱ ْليُ ْ‬
‫َولَ َعلَّ ُك ْم تَ ْ‬
‫ش ُك ُرونَ ﴾ [البقرة‪.]185:‬‬

‫قال ابن كثير‪" :‬يمدح تعالى شهر الصيام من بين سائر الشهور بأن اختاره من بينهن‬
‫إلنزال القرآن العظيم" [‪.]1‬‬

‫ش ْه ُر‬
‫قال ابن رجب الحنبلي‪" :‬وشهر رمضان له خصوصية بالقرآن كما قال تعالى‪َ ﴿ :‬‬
‫ضانَ ٱلَّ ِذى أُن ِز َل فِي ِه ٱ ْلقُ ْرآنُ ﴾" [‪.]2‬‬
‫َر َم َ‬

‫وعن ابن عباس رضي هللا عنهما قال‪ :‬كان النبي صلى هللا عليه وسلم أجود الناس‬
‫بالخير‪ ،‬وأجود ما يكون في شهر رمضان؛ ألن جبريل كان يلقاه في كل ليلة في شهر‬
‫رمضان حتى ينسلخ‪ ،‬يعرض عليه رسول هللا صلى هللا عليه وسلم القرآن‪ ،‬فإذا لقيه‬
‫جبريل كان أجود بالخير من الريح المرسلة [‪.]3‬‬

‫قال ابن رجب‪" :‬دل الحديث على استحباب دراسة القرآن في رمضان واالجتماع على‬
‫ذلك‪ ،‬وفيه دليل على استحباب اإلكثار من تالوة القرآن في شهر رمضان" [‪.]4‬‬

‫ثانيًا‪ :‬فضائل القرآن من الكتاب والسنة‪:‬‬


‫صلَ ٰوةَ َوأَنفَقُو ْا ِم َّما َرزَ ْقنَ ٰـ ُه ْم ِ‬
‫س ّراً‬ ‫ب ٱهَّلل ِ َوأَقَا ُمو ْا ٱل َّ‬
‫قال تعالى‪﴿ :‬إِنَّ ٱلَّ ِذينَ يَ ْتلُونَ ِكتَ ٰـ َ‬
‫ضلِ ِه إِنَّهُ َغفُو ٌر‬ ‫ور ُه ْم َويَ ِزي َدهُم ّمن فَ ْ‬ ‫َو َعالَنِيَةً يَ ْر ُجونَ تِ َج ٰـ َرةً لَّن تَبُو َر ‪ِ c‬ليُ َوفّيَ ُه ْم أُ ُج َ‬
‫ش ُكو ٌر﴾ [فاطر‪.]30 ،29:‬‬
‫َ‬

‫قال ابن كثير‪" :‬يخبر تعالى عن عباده المؤمنين الذين يتلون كتابه‪ ،‬ويؤمنون به‪،‬‬
‫ويعملون بما فيه من إقام الصالة واإلنفاق مما رزقهم هللا تعالى في األوقات‬
‫المشروعة ليالً ونهاراً‪ ،‬سراً وعالنيةـ ﴿يَ ْر ُجونَ تِ َج ٰـ َرةً لَّن تَبُو َر﴾ أي يرجون ثوابا ً عند‬
‫هللا ال بد من حصوله" [‪.]5‬‬

‫ش ُر ٱ ْل ُم ْؤ ِمنِينَ ٱلَّ ِذينَ يَ ْع َملُونَ‬ ‫وقال عز وجل‪﴿ :‬إِنَّ َه ٰـ َذا ٱ ْلقُ ْرءانَ يِ ْه ِدى لِلَّتِى ِه َى أَ ْق َو ُم َويُبَ ّ‬
‫ون بِٱآل ِخ َر ِة أَ ْعتَ ْدنَا لَ ُه ْم َع َذابًا أَلِي ًم﴾‬‫ت أَنَّ لَ ُه ْم أَ ْج ًرا َكبِي ًرا * وأَنَّ ٱلَّ ِذينَ الَ يُ ْؤ ِمنُ َـ‬
‫ص ٰـلِ َحا ِ‬
‫ٱل َّ‬
‫[اإلسراء‪.]10 ،9:‬‬
‫قال ابن جرير‪" :‬يقول تعالى ذكره إن هذا القرآن الذي أنزلناه على نبينا محمد صلى‬
‫هللا عليه وسلم يرشد ويسدد من اهتدى به ﴿ ِللَّتِى ِه َى أَ ْق َو ُم﴾ يقول‪ :‬للسبيل التي هي‬
‫أقوم من غيرها من السبل‪ ،‬وذلك دين هللا الذي بعث به أنبياءه وهو اإلسالم‪ ،‬يقول جل‬
‫ثناؤه‪ :‬فهذا القرآن يهدي عباد هللا المهتدين به إلى قصد السبيل التي ضل عنها سائر‬
‫أهل الملل المكذبين به" [‪.]6‬‬

‫شفَاء َو َر ْح َمةٌ لّ ْل ُم ْؤ ِمنِ َـ‬


‫ين َوالَ يَ ِزي ُد ٱلظَّ ٰـلِ ِمينَ إَالَّ‬ ‫وقال تعالى‪َ ﴿ :‬ونُنَ ّز ُـل ِمنَ ٱ ْلقُ ْرءا ِن َما ه َُو ِ‬
‫َخ َ‬
‫سا ًر﴾ [اإلسراء‪.]82:‬‬
‫قال ابن جرير‪" :‬يقول تعالى ذكره‪ :‬وننزل عليك يا محمد من القرآن ما هو شفاء‬
‫يستشفى به من الجهل من الضاللة‪ ،‬ويبصرـ به من العمى للمؤمنين ورحمة لهم دون‬
‫الكافرين به؛ ألن المؤمنين يعملون بما فيه من فرائض هللا‪ ،‬ويحلون حالله‪،‬‬
‫ويحرمون حرامه فيدخلهم بذلك الجنة‪ ،‬وينجيهم من عذابه فهو لهم رحمة ونعمة من‬
‫هللا أنعم بها عليهم ﴿ َوالَ يَ ِزي ُد ٱلظَّ ٰـلِ ِمينَ إَالَّ َخ َ‬
‫سا ًر﴾ يقول‪ :‬وال يزيد هذا الذي ننزلـ عليك‬
‫من القرآن الكافرين به إال خساراً‪ ،‬يقول‪ :‬إهالكاً؛ ألنهم كلما نزل فيه أمر من هللا‬
‫بشيء أو نهي عن شيء كفروا به‪ ،‬فلم يأتمروا ألمره‪ ،‬ولم ينتهواـ عما نهاهم عنه‬
‫فزادهم ذلك خساراً إلى ما كانوا فيه قبل ذلك من الخسار رجسا ً إلى رجسهم قبل" [‬
‫‪.]7‬‬

‫ٱلصدُو ِر‬ ‫شفَاء ِل َما فِى ُّ‬ ‫اس قَ ْد َجاء ْت ُك ْم َّم ْو ِعظَةٌ ّمن َّربّ ُك ْم َو ِ‬ ‫وقال عز وجل‪ٰ ﴿ :‬يأ َ ُّي َها ٱلنَّ ُ‬
‫ض ِل ٱهَّلل ِ َوبِ َر ْح َمتِ ِه فَبِ َذلِ َك فَ ْليَ ْف َر ُحو ْا ُه َو َخ ْي ٌر ّم َّما‬
‫َو ُهدًى َو َر ْح َمةٌ لّ ْل ُم ْؤ ِمنِينَ * قُ ْل بِفَ ْ‬
‫يَ ْج َم ُعونَ ﴾ [يونس‪.]58 ،57:‬‬
‫قال ابن كثير‪" :‬يقول تعالى ممتنا ً على خلقه بما أنزله من القرآن العظيم على رسوله‬
‫الكريم‪ٰ ﴿ :‬يأ َ ُّي َها ٱلنَّ ُ‬
‫اس قَ ْد َجاء ْت ُك ْم َّم ْو ِعظَةٌ ّمن َّربّ ُك ْم﴾ أي زاجراً عن الفواحش ﴿ َو ِ‬
‫شفَاء‬
‫ٱلصدُو ِر﴾ أي من الشبه والشكوك‪ ،‬وهو إزالة ما فيها من رجس ودنس ﴿ َو ُهدًى‬
‫ِل َما فِى ُّ‬
‫َو َر ْح َمةٌ﴾ أي يحصل به الهداية والرحمة من هللا تعالى‪ ،‬وإنما ذلك للمؤمنين به‬
‫ض ِل ٱهَّلل ِ َوبِ َر ْح َمتِ ِه فَبِ َذلِ َك فَ ْليَ ْف َر ُحو﴾‬
‫والمصدقين الموقنين بما فيه وقوله تعالى‪﴿ :‬قُ ْل بِفَ ْ‬
‫أي بهذا الذي جاءهم من هللا من الهدى ودين الحق فليفرحوا‪ ،‬فإنه أولى ما يفرحون‬
‫به ﴿ ُه َو َخ ْي ٌر ّم َّما يَ ْج َم ُعونَ ﴾ أي من حطام الدنيا وما فيها من الزهرة الفانية الذاهبة ال‬
‫محالة" [‪.]8‬‬

‫ش ٰـبِها ً َّمثَانِ َـي تَ ْقش َِع ُّر ِم ْنهُ ُجلُو ُد ٱلَّ ِذينَ‬ ‫وقال سبحانه‪﴿ :‬ٱهَّلل ُ نَ َّز َل أَ ْح َ‬
‫سنَ ٱ ْل َح ِدي ِ‬
‫ث ِكتَ ٰـبا ً ُّمتَ َ‬
‫يَ ْخش َْونَ َربَّ ُه ْم ثُ َّم تَلِينُ ُجلُو ُد ُه ْم َوقُلُوبُ ُه ْم إِلَ ٰى ِذ ْك ِر ٱهَّلل ِ َذلِ َك ُهدَى ٱهَّلل ِ يَ ْه ِدى بِ ِه َمن يَشَاء‬
‫ضلِ ِل ٱهَّلل ُ فَ َما لَهُ ِمنْ هَا ٍد﴾ [الزمر‪.]23:‬‬
‫َو َمن يُ ْ‬
‫قال ابن كثير‪" :‬هذا مدح من هللا عز وجل لكتابه القرآن العظيم المنزل على رسوله‬
‫الكريم" [‪.]9‬‬
‫وقال الشيخ عبد الرحمن بن سعدي‪" :‬فأحسن الحديث كالم هللا‪ ،‬وأحسن الكتب‬
‫المنزلة من كالم هللا هذا القرآن‪ ،‬وإذا كان هو األحسن عُلم أن ألفاظه أفصح األلفاظ‬
‫وأوضحها‪ ،‬وأن معانيه أجل المعاني؛ ألنه أحسن الحديث في لفظه ومعناه متشابها ً في‬
‫الحسن واالئتالف وعدم االختالف بوجه من الوجوه حتى إنه كلما تدبره المتدبر‪،‬‬
‫وتفكر فيه المتفكر رأى من اتفاقه حتى في معانيه الغامضة ما يبهر الناظرين‪ ،‬ويجزم‬
‫بأنه ال يصدر إال من حكيم عليم" [‪.]10‬‬

‫وعن أبي موسى األشعري رضي هللا عنه عن النبي صلى هللا عليه وسلم‪( :‬مثل الذي‬
‫يقرأ القرآن كاألترجة طعمها طيب وريحها طيب‪ ،‬والذي ال يقرأ القرآن كالتمرة طعمها‬
‫طيب وال ريح فيها‪ ،‬ومثل الفاجر الذي يقرأ القرآن كمثل الريحانة ريحها طيب وطعمها‬
‫م ّر‪ ،‬ومثلـ الفاجر الذي ال يقرأ القرآن كمثل الحنظلة طعمها مر وال ريح فيه) [‪.]11‬‬

‫قال ابن بطال‪" :‬لما كان ما جمع طيب الريح وطيب المطعم أفضل المأكوالت‪ ،‬وشبه‬
‫النبي صلى هللا عليه وسلم المؤمن الذي يقرأ القرآن باألترجه التي جمعت طيب الريح‬
‫وطيب المطعم‪ ،‬دل ذلك أن القرآن أفضل الكالم" [‪.]12‬‬
‫وقال النووي‪" :‬فيه فضيلة حافظ القرآن" [‪.]13‬‬

‫وعن أبي عبد الرحمن السلمي عن عثمان رضي هللا عنه عن النبي صلى هللا عليه‬
‫وسلم قال‪( :‬خيركم من تعلم القرآن وعلّمه) وأقرأ أبو عبد الرحمن السلمي في إمرة‬
‫عثمان حتى كان الحجاج‪ ،‬قال‪ :‬وذلك الذي أقعدني مقعدي هذ [‪.]14‬‬
‫قال ابن بطال‪" :‬حديث عثمان يدل أن قراءة القرآن أفضل أعمال البر كلها؛ ألنه لما‬
‫كان من تَعلّم القرآن أو علمه أفضل الناس وخيرهم د ّل ذلك على ما قلناه؛ ألنه إنما‬
‫وجبت له الخيرية والفضل من أجل القرآن‪ ،‬وكان له فضل التعليم جاريا ً ما دام كل من‬
‫علمه تالياً" [‪.]15‬‬

‫وعن ابن عمر رضي هللا عنهما قال‪ :‬سمعت رسول هللا صلى هللا عليه وسلم يقول‪( :‬ال‬
‫حسد إال على اثنتين‪ :‬رجل آتاه هللا الكتاب وقام به آناء الليل‪ ،‬ورجل أعطاه هللا ماالً‬
‫فهو يتصدق به آناء الليل وآناء النهار) [‪.]16‬‬
‫قال ابن كثير‪" :‬ومضمون الحديث أن صاحب القرآن في غبطة وهي حسن الحال‪،‬‬
‫فينبغي أن يكون شديد االغتباط بما هو فيه‪ ،‬ويستحب تغبيطه بذلك" [‪.]17‬‬
‫وعن عائشة رضي هللا عنها قالت‪ :‬قال رسول هللا صلى هللا عليه وسلم‪( :‬الماهر‬
‫بالقرآن مع السفرة الكرام البررة‪ ،‬والذي يقرأ القرآن ويتتعتعـ فيه وهو عليه شاق له‬
‫أجران) [‪.]18‬‬
‫قال القاضي عياض‪" :‬يحتمل ‪-‬وهللا أعلم‪ -‬أن له في اآلخرة منازل يكون فيها رفيقا ً‬
‫للمالئكة السفرة التصافه بوصفهم بحمل كتاب هللا‪ ،‬ويحتملـ أن يكون المراد أنه عامل‬
‫لعمل السفرة وسالك مسلكهم" [‪.]19‬‬

‫وعن البراء بن عازب رضي هللا عنهما قال‪ :‬كان رجل يقرأ سورة الكهف وإلى جانبه‬
‫حصان مربوط بشطَنَ ْين‪ ،‬فتغشته سحابة فجعلت تدنو وتدنو‪ ،‬وجعل فرسه ينفر‪ ،‬فلما‬
‫أصبح أتى النبي صلى هللا عليه وسلم فذكر ذلك له فقال‪( :‬تلك السكينة تنزلت للقرآن)‬
‫[‪.]20‬‬
‫قال النووي‪" :‬قد قيل في معنى السكينة هنا أشياء‪ ،‬والمختار منها‪ :‬أنها شيء من‬
‫مخلوقات هللا تعالى فيه طمأنينةـ ورحمة‪ ،‬ومعه المالئكة‪ ،‬وفي الحديث فضيلة القراءة‬
‫وأنها سبب نزول الرحمة وحضور المالئكة‪ ،‬وفيه فضيلة استماع القرآن" [‪.]21‬‬

‫وعن عقبة بن عامر رضي هللا عنه قال‪ :‬خرج رسول هللا صلى هللا عليه وسلم ونحن‬
‫في الصفة فقال‪( :‬أيكم يحب أن يغدو كل يوم إلى بطحان أو إلى العقيق فيأتي منه‬
‫بناقتين َك ْوماو ْين [‪ ]22‬في غير إثم وال قطع رحم)؟ فقلنا‪ :‬يا رسول هللا نحب ذلك‪،‬‬
‫قال‪ ( :‬أفال يغدو أحدكم إلى المسجد فيعلم أو يقرأ آيتين من كتاب هللا عز وجل خير له‬
‫من ناقتين وثالث خير له من ثالث‪ ،‬وأربع خير له من أربع ومن أعدادهن من اإلبل؟)‬
‫[‪.]23‬‬
‫قال أبو العباس القرطبي‪" :‬ومقصود الحديث الترغيب في تعلم القرآن وتعليمه‪،‬‬
‫وخاطبهم على ما تعارفوه‪ ،‬فإنهم أهل إبل‪ ،‬وإال فأق ّل جزء من ثواب القرآن وتعليمه‬
‫خير من الدنيا وما فيها" [‪.]24‬‬
‫_______________________‬
‫[‪ ]1‬تفسير القرآن العظيم (‪.)1/222‬‬
‫[‪ ]2‬لطائف المعارف (ص‪.)315‬‬
‫[‪ ]3‬رواه البخاري‪ :‬فضائل القرآن‪ ،‬باب كان جبريل يعرض القرآن على النبي صلى‬
‫هللا عليه وسلم (‪ ،)4997‬ومسلم‪ :‬الفضائل (‪.)2308‬‬
‫[‪ ]4‬لطائف المعارف (ص‪ )315‬بتصرف يسيرـ‬
‫[‪ ]5‬تفسير القرآن العظيم (‪.)3/561‬‬
‫[‪ ]6‬جامع البيان (‪.)8/43‬‬
‫[‪ ]7‬جامع البيان (‪.)8/139‬‬
‫[‪ ]8‬تفسير القرآن العظيم (‪.)2/436‬‬
‫[‪ ]9‬تفسير القرآن العظيم (‪.)4/55‬‬
‫[‪ ]10‬تيسير الكريم الرحمن (‪.)464-6/463‬‬
‫[‪ ]11‬أخرجه البخاري‪ :‬فضائل القرآن‪ ،‬باب فضل القرآن على سائر الكالم (‪،)5020‬‬
‫ومسلم‪ :‬صالة المسافرين (‪.)797‬‬
‫[‪ ]12‬شرح البخاري (‪.)10/256‬‬
‫[‪ ]13‬شرح صحيح مسلم (‪.)6/83‬‬
‫[‪ ]14‬أخرجه البخار ي‪ :‬فضائل القرآن‪ ،‬باب خيركم من تعلم القرآن وعلمه (‪.)5027‬‬
‫[‪ ]15‬شرح البخاري (‪.)10/265‬‬
‫[‪ ]16‬أخرجه البخاري‪ :‬فضائل القرآن‪ ،‬اغتباط صاحب القرآن (‪ ،)5025‬ومسلم‪:‬‬
‫صالة المسافرين (‪.)815‬‬
‫[‪ ]17‬فضائل القرآن البن كثير (ص‪.)129‬‬
‫[‪ ]18‬أخرجه البخاري‪ :‬التفسير‪ ،‬سورة عبس (‪ ،)4937‬ومسلم كتاب‪ :‬صالة‬
‫المسافرين باب ‪ :‬نزول السكينةـ لقراءة القرآن‪.)798( .‬‬
‫[‪ ]19‬إكمال المعلم (‪.)3/166‬‬
‫[‪ ]20‬أخرجه البخاري‪ :‬فضائل القرآن‪ ،‬فضل الكهف (‪ ،)5011‬ومسلم‪ :‬صالة‬
‫المسافرين (‪.)795‬‬
‫[‪ ]21‬شرح صحيح مسلم (‪.)6/82‬‬
‫[‪ ]22‬ال َك ْوماء من اإلبل‪ :‬مشرفة السنام عاليته (النهاية في غريب الحديث ‪.)4/211‬‬
‫[‪ ]23‬أخرجه مسلم كتاب‪ :‬صالة المسافرين باب‪ :‬فضل قراءة القرآن في الصالة‬
‫وتعلمه (‪.)803‬‬
‫[‪ ]24‬المفهم (‪.)2/429‬‬

‫الحمد هلل رب العالمين والصالة والسالم على‬


‫المبعوثـ رحمة للعالمين‪ ،‬سيدنا محمد وعلى آله‬
‫وصحبه أجمعين‪...‬ـ وبعد‪:‬‬
‫فلقد اعتاد الكثيرـ منا عندما يدخل عليه شهر رمضان‬
‫وغيره من مواسم الخير أن ينكبـ على المصحف‬
‫ويجتهد في قراءة القرآن وختمه عدة مرات‪ ،‬بل‬
‫ويتبارى على ذلك األقران‪ ،‬ومما ال شك فيه أن هذه‬
‫الظاهرة تحمل في طياتها بعض الجوانب اإليجابية‪،‬‬
‫مثل‪ :‬اهتمام المسلمين بكتابهم‪ ،‬وحبهم له‪ ،‬وتعلقهم به‪،‬‬
‫ولكن ‪-‬ومما يدعو لألسف‪ -‬أن محور االهتمام غالبا‬
‫ما يدور حول حروف القرآن وألفاظه دون أن‬
‫يصاحب ذلك اهتمام مماثل بما تحمله هذه األلفاظ من‬
‫معان هادية تدفع من يعيش في أجوائها إلى االستقامة‬ ‫ٍ‬
‫على أمر هللا وعلى صراطه المستقيم‪،‬ـ كما قال تعالى‪:‬‬
‫{إن هذا القرآن يهدي للتي هي أقوم}[اإلسراء‪.]9 :‬‬
‫وخير دليل على أن ما نفعله مع القرآن ينقصه الكثير‬
‫والكثير هو واقعنا الذي نحياه‪ ،‬فالواحد منا يقرأ اآليات‬
‫والسور وينتهي من الختمة تلو الختمة‪ ،‬دون أن تجد‬
‫أث ًرا لهذه القراءة في أفعاله وسلوكه‪ ،‬بل إنك إن سألته‬
‫عما استوقفه من آيات لم تجد منه جوابًا‪ ،‬فالهَ ُّم‬
‫منصرف لتحصيل أكبر قدر من القراءة طمعًا في‬ ‫ٌ‬
‫األجر والثواب الذي أخبر به صلى هللا عليه وسلم‬
‫بقوله‪":‬من قرأ حرفًا من كتاب هللا فله به حسنة‪،‬‬
‫والحسنة بعشر أمثالها‪ ،‬ال أقول الم حرف؛ ولكن ألِ ٌ‬
‫ف‬
‫[حسن‪ ،‬رواه‬ ‫ٌ‬ ‫حرف‪ ،‬وال ٌم حرف‪ ،‬ومي ٌم حرف"‬
‫الترمذي عن عبد هللا بن مسعود]‪.‬‬
‫المعنىـ هو المقصود‪:‬‬
‫وما هذا فقط أراد رسول هللا صلى هللا عليه وسلم‪ ،‬فلو‬
‫كان أمر القرآن يتعلق بالثواب المترتبـ على قراءته‬
‫فقط لكان من األولى أن نتجه إلى أعمال أخرى تعود‬
‫ب أكبر‪ ،‬مثل ما أخبرنا به صلى هللا عليه‬ ‫علينا بثوا ٍـ‬
‫وسلم‪":‬من دخل السوق فقال‪ :‬ال إله إال هللا وحده ال‬
‫حي‬
‫شريك له‪ ،‬له الملك وله الحمد‪ ،‬يحيي ويميتـ وهو ٌّ‬
‫ال يموت‪،‬ـ بيده الخير‪ ،‬وهو على كل شيء قدير‪ُ ،‬كتِبـ‬
‫له ألف ألف حسنة‪ ،‬ومحا عنه ألف ألف سيئة‪ ،‬و ُرفِع‬
‫له ألف ألف درجة‪ ،‬وبُنيـ له بيتـ في الجنة"[صحيح‬
‫الجامع الصغير‪ ،‬ح(‪.])6231‬‬
‫ولسنا نعنيـ بذلك التقليل من شأن الثواب المترتب‬
‫على قراءة القرآن‪ ،‬بل نعنيـ إعادة النظر في طريقة‬
‫تعاملنا معه؛ فقيمة القرآن وبركته الحقيقية تكمن في‬
‫معانيه‪ ،‬وألن اللفظ وسيلةٌ إلدراك المعنىـ كان التوجيه‬
‫النبويـ باإلكثار من تالوته‪ ،‬وتحفيزـ الناس على ذلك‬
‫من خالل الثواب الكبيرـ المترتب على قراءته‪ ،‬ومثال‬
‫ذلك‪ :‬األب الذي يرصد مكافأةً البنه إن استمر في‬
‫المذاكرة عدة ساعات‪ ،‬هو بالتأكيد ال يقصد من وراء‬
‫ذلك مجرد جلوسه على المكتب والنظر في الكتبـ‬
‫دون فهم ما تحتويه‪ ،‬بل هدفه تشجيع ابنه على‬
‫المذاكرة بذ ْه ٍن حاضر ليتحقق له النجاح‪.‬‬
‫فإذا ما نظرنا إلى الهدف األسمى من نزول القرآن‪،‬‬
‫وربطنا بينه وبين ما رتب الشارع الحكيم على قراءته‬
‫من ثواب عظيم؛ لوجدنا أن من أهداف هذا الثواب‬
‫تشجيع المسلمين على دوام االقتراب منه حتى يهتدوا‬
‫بهداه‪ ،‬ويستشفوا بشفائه‪ ..‬أما أن نقترب منه وليس لنا‬
‫هدف إال ثواب القراءة فقط دون االلتفات إلى المعنى‬‫ٌ‬
‫المقصود من الخطاب؛ فإننا ال شك سنخسر كثيرًا‬
‫باالقتصار على ذلك التعامل ال ّش ْكلِي‪ ،‬ولن يحقق فينا‬
‫القرآن‪-‬حينئ ٍذ‪ -‬مقصوده‪.‬‬

‫ال بديل عن التدبر‪:‬‬


‫إن نصوص القرآن واضحة في أهمية تدبره عند‬
‫قراءته أو االستماع إليه‪ ،‬ليكون التدبر وسيلة للفهم‬
‫والتأثر ثم العمل‪ .‬يقول تعالى‪{:‬كتابٌ أنزلناه إليك‬
‫ك لي ّدبروا آياته ولِيتذكر أولوا األلباب}[ص‪:‬‬
‫مبار ٌ‬
‫‪ ،]29‬ويقول تعالى‪{:‬أفال يتدبرون القرآن أم على‬
‫ب أقفالها}[محمد‪.]24 :‬‬ ‫قلو ٍ‬
‫وألن فهم مقصود الخطاب ال بد أن يالزم قراءة‬
‫القرآن؛ كان توجيه الرسول صلى هللا عليه وسلم لعبد‬
‫هللا بن عمرو بن العاص بأال يختم القرآن في أقل من‬
‫ثالث‪ ،‬معلالً ذلك بقوله صلى هللا عليه وسلم‪":‬ال يفقهه‬
‫من يقرؤهـ في أقل من ثالث"[صحيح الجامع الصغير‪،‬‬
‫ح(‪ .])1157‬إننا نعمل جاهدين على فهم المقصود من‬
‫أي كالم نقرؤهـ أو نسمعه‪ ،‬فلماذا ال نطبق هذه القاعدة‬
‫على القرآن؟!‬
‫يقول شيخ اإلسالم ابن تيمية في مقدمته في أصول‬
‫كالم فالمقصود منه فهم‬
‫التفسير‪( :‬ومن المعلوم أن كل ٍ‬
‫معانيه دون مجرد ألفاظه‪ ،‬فالقرآن أولى بذلك)‪ .‬ويؤكد‬
‫على هذا المعنى األستاذ حسن الهضيبيـ فيقول‪:‬‬
‫(ليست العبرة في التالوة بمقدار ما يقرأ المرء‪ ،‬وإنما‬
‫العبرةـ بمقدار ما يستفيد‪ ،‬فالقرآن لم ينزل بركةً على‬
‫النبي صلى هللا عليه وسلم بألفاظه مجردةً عن‬
‫المعاني‪ ،‬بل إن بركة القرآن في العمل به‪ ،‬واتخاذه‬
‫منه ًجا في الحياة يضيء سبيل السالكين‪ ،‬فيجب علينا‬
‫حين نقرأ القرآن أن يكون قصدنا من التالوةـ أن نحقق‬
‫المعنىـ المراد منها‪ ،‬وذلك بتدبر آياته وفهمها والعمل‬
‫بها)[مقاالت اإلسالميين في رمضان لمحمد موسى‬
‫الشريف]‪.‬‬

‫التدبر وسيلة وليس غاية‪:‬‬


‫نعم؛ ال بد أن يصاحب قراءة القرآن الفهم والتدبر‪ .‬قال‬
‫القرطبيـ عند تفسير قوله تعالى‪{:‬أفال يتدبرونـ القرآن‬
‫ولو كان من عند غير هللا لوجدوا فيه اختالفًا كثيرًا}‬
‫[النساء‪( :]82 :‬ودلت هذه اآلية على وجوب التدبر‬
‫في القرآن ليُعرف معناه)[الجامع ألحكام القرآن]‪.‬‬
‫فتدبُّر القرآن وإن كان واجبًا على قارئه أو مستمعه إال‬
‫أنه ليس غايةً في حد ذاته‪ ،‬بل هو وسيلة لتفعيل‬
‫معجزته الكبرى وتحقيقها في نفس متلقيه‪.‬‬

‫المعجزةـ الكبرى‪:‬‬
‫نعلم جميعًا أن القرآن الذي بين أيدينا هو أكبر وأعظم‬
‫معجز ٍة جاءت من عند هللا‪ ،‬وأعظم من عصا موسى‬
‫وناقة صالح عليهما السالم‪ ،‬وغيرهما من المعجزات‪،‬‬
‫فما هو سر هذه المعجزة والذي جعلها تتفوقـ على كل‬
‫ما سبقها من معجزات؟ قد يجيب البعض بأن معجزة‬
‫القرآن تكمنـ في أسلوبه وبالغته‪ ،‬وتحدي البشر به‪،‬‬
‫وأنه صال ٌح لكل زمان ومكان و‪...‬إلخ‪.‬‬
‫نعم؛ هذا كله من أوجه إعجاز القرآن‪ ،‬ولكن يبقىـ سر‬
‫إعجازه األعظم في قدرته على التغيير‪...‬ـ تغييرـ أي‬
‫حال يكون فيه ليتحول من خالله إلى‬ ‫إنسان‪ ،‬ومن أي ٍ‬
‫عالم باهلل عاب ٍد له في كل أموره وأحواله‪،‬‬
‫إنسان آخر ٍ‬
‫ٍ‬
‫حتى يتمثلـ فيه قوله تعالى‪{:‬قُل إن صالتي ونُسُكيـ‬
‫ي ومماتيـ هلل رب العالمين}[األنعام‪.]162 :‬‬
‫ومحيا َ‬

‫كيفية التغيير‪:‬ـ‬
‫والتغييرـ الذي يُحْ ِدثُه القرآن يبدأ بدخول نورهـ إلى‬
‫القلب‪ ،‬فكلما دخل النور إلى جز ٍء من أجزائه ب َّد َد ما‬
‫يقابله من ظلم ٍة أحدث ْتها المعاصي والغفالت واتباع‬
‫الهوى‪ .‬وشيئًا فشيئًا يزداد النور في القلب‪ ،‬وت ُدبُّ‬
‫الحياة في جنباته‪ ،‬ليبدأ صاحبه حياةً جديدةً لم يعهدها‬
‫من قبل‪ .‬قال تعالى‪{:‬أ َو َم ْن كان َم ْيتًا فأحييناهـ وجعلنا له‬
‫نو ًرا يمشي به في الناس َك َم ْن مثلُهُ في الظلمات ليس‬
‫بخارج منها}[األنعام‪:‬ـ ‪ .]122‬فالقرآن إذن هو الروح‬ ‫ٍ‬
‫ث في القلب فتحييه‪ .‬قال تعالى‪{:‬وكذلك أوحينا‬ ‫التي تُبَ ُّ‬
‫إليك رُو ًحا من أمرنا ما كنت تدري ما الكتابُ وال‬
‫اإليمان ولكن جعلناه نو ًرا نهدي به من نشاء من‬ ‫ُ‬
‫عبادنا}[الشورى‪.]52 :‬‬
‫وعندما تُبثـ الروح في القلب‪ ،‬وتمتلئـ جنباته بنور‬
‫اإليمان؛ فإن هذا من شأنه أن يطرد الهوى وحب‬
‫الدنيا من القلب‪ ،‬مما يكون له أبلغ األثر على سلوك‬
‫العبد واهتماماته‪ ،‬وهذا ما أوضحه صلى هللا عليه‬
‫وسلم للصحابة عندما سألوه عن معنى انشراح الصدر‬
‫الذي جاء في قوله تعالى‪{:‬أفَ َمن شر َح هللا صدره‬
‫نور من ربه}[الزمر‪ ،]22 :‬فقال‬ ‫لإلسالم فهو على ٍ‬
‫القلب انشرح‬
‫َ‬ ‫صلى هللا عليه وسلم‪":‬إذا دخل النو ُر‬
‫وانفتح"‪ ،‬قلنا‪ :‬يا رسول هللا‪ ،‬وما عالمة ذلك؟‬
‫قال‪":‬اإلنابة إلى دار الخلود‪ ،‬والتجافي عن دار‬
‫الغرور‪ ،‬واالستعداد للموت قبل نزوله"[أخرجه‬
‫الحاكم والبيهقيـ في الزهد]‪.‬‬

‫من آثاره المعجزة‪:‬‬


‫طعت‬ ‫يقول تعالى‪{:‬ولو أن قرآنًا ُسيِّرت به الجبا ُل أو قُ ِّ‬
‫به األرضُ أو ُكلِّم به الموتى بل هللِ األم ُر جميعًا}‬
‫[الرعد‪ .]31 :‬إن للقرآن تأثيرًا قويًا يفوق ما يمكن‬
‫ت َخيُّلُه‪ ،‬ولقد ضرب لنا سبحانه وتعالى مثالً لذلك فقال‬
‫َع َّز ِمن قائل‪{:‬لو أنزلنا هذا القرآن على ٍ‬
‫جبل لرأيته‬
‫ص ِّد ًعا من خشية هللا وتلك األمثال نضربها‬ ‫خاشعًا ُمت َ‬
‫للناس لعلهم يتفكرون}[الحشر‪ ،]21 :‬فالجبال‪-‬كما‬ ‫ِ‬
‫خوطبتـ بهذا القرآن مع تركيب‬ ‫ِ‬ ‫يقول القرطبي‪ -‬إذا ما‬
‫العقل لها النقادت لمواعظه‪ ،‬ولرأيتها على صالبتها‬
‫ورزانتها خاشعةً متصدعةً‪ ،‬أي متشققةً من خشية‬
‫هللا[الجامع ألحكام القرآن]‪ .‬وفي هذا المثل دعوةٌ‬
‫للتفكير في قوة تأثير القرآن ليكون حُجةً على الجميع‪،‬‬
‫ُبطل دعوى من ادعى بأنه ليس أهالً لتدبر القرآن‪.‬‬ ‫وي ِ‬
‫القرآن والجن‪:‬‬
‫ومن آثار المعجزة القرآنية وقوة تأثيرها ما حدث لِنفَ ٍر‬
‫من الجن حين استمع للقرآن‪ ،‬قال تعالى‪{:‬وإذ ص َرفنا‬
‫القرآن فلَ َّما حضروه‬
‫َ‬ ‫إليك نفَ ًرا من الجن يستمعون‬
‫ض َي َولَّ ْوا إلى قومهم منذرين*‬‫قالوا أنصتوا فل َّما قُ ِ‬
‫قالوا يا قومنا إنا سمعنا كتابًا أُنزل من بعد موسى‬
‫ص ِّدقًا لما بين يديه يهدي إلى الحق وإلى طري ٍ‬
‫ق‬ ‫ُم َ‬
‫مستقيم* يا قومنا أجيبوا دا ِع َي هللا وآمنواـ به يغفر لكم‬
‫من ذنوبكم وي ُِجرْ ُكم من عذا ٍ‬
‫ب أليم* ومن ال ي ُِجبْ‬
‫ْج ٍز في األرض وليس له من دونه‬ ‫دا ِع َي هللا فليس ب ُمع ِ‬
‫ضالل مبين}[األحقاف‪.]32-29 :‬‬ ‫ٍ‬ ‫أولياء أولئك في‬

‫نموذج للتغييرـ القرآني‪:‬‬


‫للقرآن تأثي ٌـر عجيبٌ في نفس من ي ِ‬
‫ُحسن استقباله‬
‫والتعامل معه على حقيقته ككتابـ هداي ٍة وشفاء‪ ،‬فمن‬
‫شأنه أن يُحْ ِدث انقالبًا جذريًا شامالً في شخصيته‪،‬‬
‫فيعيد صياغتها وتشكيلها من جديد على ما يحب هللا‬
‫شك من هذا فتأمل‬ ‫عز وجل ويرضى‪ ،‬فإن كنتـ في ٍ‬
‫معي ما حدث للصحابة‪-‬رضوان هللا عليهم‪ -‬والذين‬
‫كانوا قبل إسالمهم غاية في الغرابة والجاهلية‪،‬‬
‫ليدخلوا بهذه الحالة إلى مصنع القرآن ثم يخرجوا منه‬
‫أُناسًا آخرين تفخر بهم البشرية حتى اآلن‪.‬‬
‫إنه ألم ٌر عجيب يشهد بقدرات هذا الكتاب على إحداث‬
‫التغيير الجذري في النفوس‪-‬أي نفوس‪ ،-‬وإال فمن‬
‫يصدق أن أُ َّمةً تعيش في الصحراء‪ ،‬حُفاة ُعراة فقراء‪،‬‬
‫بال ُمق ّومات تُذ َكر‪ ،‬ال توضع في حسابات القوى‬
‫الكبرى آنذاك‪ ،‬فيأتي القرآن ليغيرها ويعيد صياغة‬
‫شخصيتها وكيانها من جديد‪ ،‬ويرفع هامات أبنائها إلى‬
‫السماء‪ ،‬ويربط قلوبهم باهلل ليكون وحده هو الغاية‬
‫ت قصير‪ ..‬سنواتـ‬ ‫والمقصد؟! حدث كل هذا في وق ٍ‬
‫معدودات كانت كفيلةً بإحداث هذا التغييرـ الجذري‪..‬‬
‫فماذا كانت النتيجة؟ تحقق الوعد الذي وعد هللا به‬
‫عباده إذا ما قاموا بتغييرـ ما بأنفسهم‪ ،‬كما قال تعالى‪:‬‬
‫بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم}‬
‫{إن هللا ال يغير ما ٍ‬
‫[الرعد‪ .]11 :‬ففي سنوات معدودةـ خرجت القوة‬
‫الجديدة من قلب نفس الصحراء لتحطم‬
‫اإلمبراطوريات‪ ،‬وتقلبـ الموازين‪ ،‬وتؤول لها القيادة‬
‫والريادة‪{ ،‬و َمن أوفى بعهدهـ من هللا}[التوبة‪.]111 :‬‬

‫ُ‬
‫القرآن الصحابة؟!‬ ‫لماذا غيَّر‬
‫الذي َم َّكن القرآن على إحداث هذا التغييرـ الجذري في‬
‫جيل الصحابة هو حسن تعاملهم معه‪ ،‬بعد أن أدركوا‬
‫قيمته وفهموا المقصد من نزوله‪ .‬ولقد كان أستاذهم‬
‫رسول هللا صلى هللا عليه وسلم قدوتهم في ذلك؛ فلقد‬
‫عايش صلى هللا عليه وسلم القرآن بكيانه كله‬
‫ٌ‬
‫قرآن يمشي‬ ‫وانصبغتـ حياته به‪ ،‬حتى صار وكأنه‬
‫على األرض‪ ،‬يغضبـ لغضبه‪ ،‬ويرضى لرضاه‪ .‬كان‬
‫القرآن قراءةً متأنية ُمتَرسِّلة‪،‬‬
‫َ‬ ‫صلى هللا عليه وسلم يقرأ‬
‫فيرتل السورة حتى تصبح أطو َل من أطول منها‪ ،‬ولقد‬
‫ظل صلى هللا عليه وسلم ليلةً كاملةً يردد في صالته‬
‫ْ‬
‫تعالى‪{:‬إن تعذبهم فإنهم عبا ُدك‬ ‫آيةً واحدةً وهي قوله‬
‫وإن تغفر لهم فإنك أنت العزي ُز الحكيم}[المائدة‪:‬‬‫ْ‬
‫‪ .]118‬بل إنك لتعجبُ من قوة تأثير القرآن على‬
‫رسول هللا صلى هللا عليه وسلم عندما يخبرنا بقوله‪":‬‬
‫شيبتنيـ هو ٌد وأخواتها قبل المشيب"[صحيح الجامع‬
‫الصغير‪ ،‬ح(‪.])3721‬‬
‫أما تأثير القرآن على الصحابة؛ ف َخي ُر ٍ‬
‫دليل عليه هو‬
‫واقعهم الذي تبدل‪ ،‬واهتماماتهمـ التي تغيرت‪،‬ـ ْ‬
‫فإن‬
‫أردت مثاالً لكيفية معايشة الصحابة للقرآن وقوة‬‫َ‬
‫تأثيره عليهم‪ ،‬فانظر إلى أمر َعبَّاد بن بِ ْشر الذي كان‬
‫يتبادل حراسة المسلمين مع ع َّمار بن ياسر في غزوة‬
‫ذات الرِّ قاع‪ ،‬فطلب من عمار‪ ،‬وقد كان ُمجْ هَ ًدا‪ ،‬أن‬
‫ينام أول الليل ويقف هو‪ ،‬فلما رأى أن المكان آ ِم ٌن‬
‫بسهم فنزعه وأكمل‬ ‫ٍ‬ ‫صلى‪ ،‬فجاء أحد المشركين فرماه‬
‫ثان فنزعه وأكمل صالته‪ ،‬ثم‬ ‫بسهم ٍ‬‫ٍ‬ ‫صالته‪ ،‬ثم رماه‬
‫ث فنزعه وأنهى التالوة وأيقظ ع ّمارًا وهو‬ ‫رماه بثال ٍ‬
‫يوقظه أول ما رُمي‬‫ْ‬ ‫ساجد‪ ،‬فلما سأله عمار لِ َم لَ ْم‬
‫أجاب‪( :‬كنت في سور ٍة أقرؤها فلم أحب أن أقطعها‬ ‫َ‬
‫ركعت فآذ ْنتُك‪ ،‬وأيْم‬
‫ُـ‬ ‫ي الرمي‬ ‫حتى أنفدها‪ ،‬فلما تابع عل َّ‬
‫هللا؛ لوال أن أُضيع ثغ ًرا أمرني رسول هللا صلى هللا‬
‫عليه وسلم بحفظه لقطع نفسي قبل أن أقطعها أو‬
‫أنفدها)[السيرة النبوية البن هشام]‪.‬‬

‫بركة القرآن‪:‬‬
‫إذن فقيمة القرآن الحقيقية تكمن في معانيه‪ ،‬وقدرته‬
‫على إحداث التغييرـ الجذري لقارئه‪ ،‬وإعادة صياغة‬
‫عقله‪ ،‬وبث الروح في قلبه‪ ،‬وترويض نفسه‪ ،‬ليخرج‬
‫ص وعلى‬ ‫منه عال ًما باهلل عز وجل‪ ،‬عاب ًدا له بإخال ٍ‬
‫بصيرة‪ ،‬وهذا لن يتحقق بمجرد القراءة العابرة‬
‫باللسان فقط‪ ،‬ولو ت َّم ختمه بهذه الطريقة آالف‬
‫المرات‪.‬‬
‫وهذا ما كان يؤكد عليه الصحابة‪-‬رضوان هللا عليهم‪-‬؛‬
‫فقد قيل للسيدة عائشة‪-‬رضي هللا عنها‪ :-‬إن أُناسًا يقرأ‬
‫أحدهم القرآن في ليل ٍة مرتين أو ثالثًا‪ ،‬فقالت‪ :‬قرؤوا‬
‫ولم يقرؤوا‪ ،‬كان رسول هللا صلى هللا عليه وسلم يقوم‬
‫ليلة التمام فيقرأ سورة البقرة‪،‬ـ وسورة آل عمران‪،‬‬
‫وسورة النساء‪ ،‬ال يمر بآي ٍة فيها استبشا ٌر إال دعا هللا‬
‫ٌ‬
‫تخويف إال دعا‬ ‫تعالى ورغب‪ ،‬وال يمر بآي ٍة فيها‬
‫واستعاذ[أخرجه ابن المبارك في الزهد]‪ .‬وعن أبي‬
‫لت البن عباس‪ :‬إني سريع القراءة‪ ،‬وإني‬ ‫جسرة قال‪ :‬قُ ُ‬
‫أقرأ القرآن في ثالث‪ ،‬فقال‪ :‬ألَ ْن أقرأ البقرةَ في ليلة‬
‫فأ َّدبَّرها وأُ َرتِّلها أحب إل ّي من أن أقرأ كما‬
‫تقول[فضائل القرآن ألبي عبيد]‪ .‬ومن وصايا ابن‬
‫مسعود‪-‬رضي هللا عنه‪ :-‬ال ته ُّذوا القرآن ه َّذ الشعر‪،‬‬
‫وال تنثروهـ نثر الدقل‪ ،‬وقِفُوا عند عجائبه‪ ،‬و َحرِّ كوا به‬
‫القلوب‪ ،‬وال يكن هَ ُّم أحدكم من السورة‬
‫آخرها[مختصر قيام الليل لمحمد بن نصر]‪ .‬ويؤكدـ‬
‫على هذا المعنى اآلجري في كتابه (أخالق حملة‬
‫القرآن) فيقول‪( :‬والقليل من الدرس للقرآن مع التفكر‬
‫فيه وتدبرهـ أحب إل ّي من قراءة الكثير من القرآن بغيرـ‬
‫تدبر وال تفكرـ فيه‪ ،‬وظاهر القرآن يدل على ذلك‪،‬‬
‫رجل‬
‫ٍ‬ ‫والسُّنة وأقوال أئمة المسلمين‪ .‬سُئل مجاهد عن‬
‫ورجل قرأ البقرة‪ ،‬قراءتهما‬ ‫ٍ‬ ‫قرأ البقرة وآل عمران‪،‬‬
‫واحدة‪ ،‬وركوعهما وسجودهما وجلوسهما‪ ،‬أيهما‬
‫أفضل؟ فقال‪ :‬الذي قرأ البقرة‪ ،‬ثم قرأ‪{:‬وقرآنًا فَ َر ْقنَاه‬
‫ث}[اإلسراء‪:‬ـ ‪.]106‬‬ ‫لِتَ ْقرأهُ على الناس على ُم ْك ٍ‬

‫حالنا مع القرآن‪:‬‬
‫يا أخي؛ أنت تعلم أن القرآن الذي بين أيدينا هو نفس‬
‫القرآن الذي كان مع الصحابة‪ ،‬وهو الذي صنع منهم‬
‫هذا الجيل الفريد!! فما الذي تغير؟! لماذا لم يَعُد‬
‫القرآن يُ ْنتِجـ مثل هذه النماذج؟! هل فقد مفعوله؟!‬
‫ُ‬
‫حاشاه أن يكون كذلك‪ ،‬وهو المعجزةـ الخالدة إلى يوم‬
‫القيامة‪ .‬إذن فالخلل فينا نحن‪ ،‬فمع وجود المصاحف‬
‫في كل بيت‪،‬ـ وما تبثه اإلذاعات لي َل نها َر من آيات‬
‫القرآن‪ ،‬ومع وجود عشرات بل مئات اآلالف من‬
‫ال ُحفَّاظ على مستوى األمة وبصور ٍـة لم تكن موجودة‬
‫في العصر األول‪ ،‬إال أن األمة لم تَجْ ِن ثمارًا حقيقيةً‬
‫لهذا االهتمام بالقرآن‪ ...‬لماذا؟ ألننا ال نوفر للقرآن‬
‫الشروط التي يحتاجها لتظهر آثار معجزته‪ ،‬ويقوم‬
‫بمهمة التغيير؛ـ فلقد اقتصر اهتمامنا بالقرآن على‬
‫لفظه‪ ،‬واختُ ِزل مفهوم تعلُّم القرآن على تعلم حروفه‬
‫وكيفية النطق بها‪ ،‬دون أن يصْ َحب ذلك تعلم معانيه‪،‬‬
‫وأصبح الدافع الرئيسي لتالوته هو نيل الثوابـ‬
‫معان هادية‬ ‫ٍ‬ ‫واألجر دون النظر إلى ما تحمله آياته من‬
‫وشافي ٍة‪ ،‬مما جعل الواح َد منا ي ْس َر ُح في أودية الدنيا‬
‫وهو يقرأ القرآن‪ ،‬ويُفا َجأ بانتهاءـ السورة ليبدأ في‬
‫غيرها‪ ،‬ويبدأ في السرحان مرةً أخرى‪ ،‬دون أن يجد‬
‫حر ًجا في ذلك‪ ،‬بل إنه في الغالب ما يكون سعي ًدا‬
‫وفَ ِر ًحا بما أنجزه من قراء ٍة َك ّـًًّما ال َك ْيفًا‪ .‬نُدير مؤ ِّشر‬
‫المذياع على صوت قارئ القرآن ثم نتركه يرتل‬ ‫ِ‬
‫اآليات‪ ،‬ويخاطب بها الجدران‪ ،‬ثم ينصرف ك ٌّل ِمنّا‬
‫إلى ما يشغله‪.‬‬

‫من آثار هجر القرآن‪:‬‬


‫هذا التعامل ال َّشكل ّي مع القرآن أدى إلى عدم االنتفاع‬
‫الحقيقي به‪ ،‬فماذا كانت النتيجة؟! توقفتـ المعجزة‬
‫القرآنية‪-‬أو كادت‪ -‬في إحداث التغييرـ الحقيقي في‬
‫النفوس‪ ،‬لتزداد الفجوة بين الواجب والواقع‪ ،‬والقول‬
‫والفعل‪ ...‬تغيرت اهتماماتنا‪ ،‬وازداد ُحبُّنا للدنيا وت َعلُّقنا‬
‫ت علينا سنة هللا عز وجل‪{:‬ذلك َّ‬
‫بأن هللاَ لم‬ ‫بها‪ ،‬ف َج َر ْ‬
‫قوم حتى يغيروا ما‬ ‫ك ُمغيِّرًا نِعمةً أنعمها على ٍ‬‫يَ ُ‬
‫بأنفسهم وأن هللا سمي ٌع عليم}[األنفال‪ .]53 :‬وانطبق‬
‫حالُنا مع ما أخبر به رسول هللا صلى هللا عليه وسلم‬
‫ك األُ َم ُم أن تَدا َعى عليكم كما تداعى‬ ‫عندما قال‪":‬يوش ُ‬
‫األ َكلةُ إلى قصعتها"‪ ،‬فقال قائل‪ :‬ومن ِقلَّ ٍة نحن يومئذ؟‬
‫قال‪":‬بل أنتم يومئ ٍذ كثير‪،‬ـ ولكنكم ُغثا ٌء كغثاءـ ال َّسيْل‪،‬‬
‫صدور عدوكم المهابةَ منكم‪ ،‬وليقذفَ َّن‬ ‫ِ‬ ‫ولينز َع َّن هللاُ من‬
‫هللا في قلوبكم ال َوهَن"‪ ،‬فقال قائل‪ :‬يا رسول هللا؛ وما‬
‫الوهن؟ قال‪":‬حب الدينا وكراهية الموت"[السلسلة‬
‫الصحيحة‪ ،‬ح(‪.])958‬‬

‫ضرورة العودة إلى القرآن‪:‬‬


‫من هنا يتضح لنا أنه قد آن أوان العودة الحقيقية إلى‬
‫القرآن؛ فنُ ْقبِل على مأدبته‪ ،‬ونُعطي له وجوهَنا‪،‬‬
‫ك له أنف َسنا‪ .‬آن األوان لكي نبدأ عملية التغييرـ‬‫ونتر ُ‬
‫الحقيقية في ذواتنا‪ ،‬حتى يتحقق موعود هللا لنا‪ ،‬كما‬
‫بقوم حتى يغيروا ما‬ ‫قال تعالى‪{:‬إن هللاَ ال يغيرـ ما ٍ‬
‫بأنفسهم}[الرعد‪ْ .]11 :‬‬
‫ولنعْلم جميعًا أن أي بداي ٍة‬
‫أخرى تتجاوز القرآن لن تأتي بالثمار المطلوبة‪ ،‬ولِ َم‬
‫ال والقرآن هو الدواء الرباني الذي أنزله هللا عز وجل‬
‫لِيَ ْشفَى به اإلنسان من أمراضه‪ ،‬ويعيد به العافيةَ إلى‬
‫قلبه‪ .‬قال تعالى‪{:‬يا أيها الناس قد جاءتكم موعظةٌ من‬
‫ربكم وشفا ٌء لما في الصدور وهُ ًدى ورحمةٌ‬
‫للمؤمنين}[يونس‪.]57 :‬‬
‫كيف ننتفعـ بالقرآن؟‬
‫مما ال شك فيه أن من يُقبِل على القرآن مستشعرًا أنه‬
‫ِخطابٌ من هللا عز وجل ُم َو َّجهٌ إليه‪ ،‬يحمل في طياته‬
‫مفاتيح سعادته في الدنيا واآلخرة‪ ،‬وأنه القادر‪-‬بإذن‬
‫هللا‪ -‬على تغييرهـ مهما كان حاله‪ ...‬ال شك أن هذا‬
‫الشخص ال يحتاج إلى من يَ ُدلُّه على وسائل تعينه على‬
‫االنتفاع بالقرآن؛ ألنه بهذا الشعور قد أصبح ُمهَيّئًا‬
‫للتغيير الذي يقوم به القرآن‪.‬‬
‫أما وإنه من الصعب علينا في البداية أن نكون كذلك‬
‫بسبب ما ورثناهـ من أشكال التعامل الخاطئ مع‬
‫القرآن‪ ،‬مما جعل هناك حاج ًزا نفسيًا بيننا وبينه يمنعنا‬
‫من االنتفاعـ الحقيقي به‪ ،‬أما واألمر كذلك فإن عودتنا‬
‫إلى القرآن تحتاج إلى وسائل سهل ٍة وعملي ٍة ومحدد ٍة‪،‬‬
‫تعين صاحبَها على إدارة وج ِه ِه للقرآن‪ ،‬واإلقبال على‬
‫مأدبته‪ ،‬والدخول إلى عالمه ومصنعه بصورة‬
‫متدرجة‪ .‬و ِمن أهم الوسائل التي تحقق هذا الغرض‪:‬‬
‫‪ -1‬االنشغال بالقرآن‪.‬‬
‫‪ -2‬تهيئة الجو المناسب‪.‬‬
‫‪ -3‬القراءة المتأنية‪.‬‬
‫‪ -4‬التركيزـ عند القراءة‪.‬‬
‫‪ -5‬التجاوب مع اآليات‪.‬‬
‫‪ -6‬أن نجعل المعنى هو المقصود‪.‬‬
‫‪ -7‬ترديد اآلية التي تؤثرـ في القلب‪.‬‬

‫أوالً‪ :‬االنشغال بالقرآن‪:‬‬


‫ُ‬
‫القرآن هو شغلنا الشاغل‪ ،‬ومحور‬ ‫بمعنىـ أن يصبح‬
‫اهتمامنا‪ ،‬وأولى أولوياتنا‪ .‬ولكي يكون القرآن كذلك ال‬
‫بد من المداومة اليومية على تالوته مهما تكن‬
‫الظروف‪ ،‬وأن نعمل على تفريغـ أكبر وقت له‪،‬‬
‫فالتغييرـ القرآني تغيي ٌر بطي ٌء‪ ،‬هادئٌ‪ ،‬متدر ٌج‪،‬ـ ولكي‬
‫يؤتي ثماره ال بد من استمرارية التعامل معه‪ ،‬وأال‬
‫يوم دون أن يكون هناك لقا ٌء به‪ْ .‬‬
‫ولنعلَم‬ ‫نسمح بمرورـ ٍ‬
‫القرآن سيعطينا‪ ،‬فمن‬‫َ‬ ‫جميعًا أنه على قدر ما سنعطيـ‬
‫استطاع أن يجعل له في يومه عدة لقاءات معه فقد‬
‫حاز قصب السَّبق‪.‬‬

‫ثانيًا‪ :‬تهيئة الجو المناسب‪:‬‬


‫ُ‬
‫القرآن بعمله في التغييرـ ال بد من تهيئة‬ ‫لكي يقوم‬
‫مكان‬
‫ٍ‬ ‫الظروف المناسبة الستقباله‪ ،‬ومن ذلك وجو ُد‬
‫هادئ‪ ،‬بعيد عن الضوضاء‪ ،‬يتِ ُّم فيه لقاؤنا به‪ ،‬فالمكان‬
‫الهادئ يعين على التركيز وحسن الفهم وسرعة‬
‫التجاوب مع القراءة‪ ،‬ويسمح لنا كذلك بالتعبير عن‬
‫مشاعرنا إذا ما ا ْستُثيرت بالبكاء والدعاء‪ .‬ومع وجود‬
‫المكان الهادئ علينا أن يكون لقاؤنا بالقرآن في وقت‬
‫النشاط والتركيز‪ ،‬ال في وقت التعبـ والرغبة في‬
‫ننس الوضوء والسواك‪.‬‬ ‫النوم‪ ،‬وال َ‬

‫ثالثًا‪ :‬القراءة المتأنية‪:‬‬


‫علينا ونحن نقرأ القرآن أن تكون قراءتنا متأنية‪،‬‬
‫هادئة‪ُ ،‬متَ َرسِّلة‪ ،‬وهذا يستدعي ِمنا سالمة النطق‬
‫وحسن الترتيل‪ ،‬كما قال تعالى‪{:‬ورتل القرآن ترتيال}‬
‫[المزمل‪ .]4 :‬وعلى الواحد منا أال يكون هَ ُّمه عند‬
‫القراءة نهايةَ السورة‪ ،‬وال ينبغي أن تدفعنا الرغبة في‬
‫ختم القرآن أكثر من مرة‪ ،‬في شهر رمضان مثالً‪ ،‬إلى‬
‫القرآن قبل ذلك في‬‫َ‬ ‫سرعة القراءة‪ ،‬فلقد ختمنا‬
‫رمضان عدة مرات‪ ،‬فماذا فعل بنا؟! وماذا غيَّر فينا؟!‬
‫وليَ ُكن تنافسنا مع أقراننا حول المعاني اإليمانية‬ ‫ْ‬
‫المستخرجة من اآليات‪ ،‬ال في َك ِّم القراءة‪.‬‬

‫رابعًا‪ :‬التركيزـ مع القراءة‪:‬‬


‫القرآن كما نقرأ أي كتاب؛ فعندما ن ْشرع‬
‫َ‬ ‫نريد أن نقرأ‬
‫ب أو مجل ٍة أو جريد ٍة فإننا نعقل ما‬
‫في قراءة كتا ٍ‬
‫موضع من المواضع ُع ْدنا‬ ‫ٍ‬ ‫نقرؤه‪ ،‬وإذا ما َسرحْ نا في‬
‫بأعينِنا إلى الوراء‪ ،‬وأ َع ْدنا قراءةَ ما فات على عقولنا‪،‬‬
‫وما دف َعنا إلى ذلك إال لنفه َم المرا َد من الكالم‪ .‬وهذا ما‬
‫ذهن‪ ،‬فإذا ما‬
‫نريده مع القرآن‪ :‬أن نقرأه بحضور ٍ‬
‫ت من األوقات علينا أن نعيد اآليات‬ ‫سرحنا في وق ٍ‬
‫التي شردت األذهان عنها‪ .‬نعم‪-‬في البداية‪ -‬سنجد‬
‫صعوبةً في تطبيقـ هذه الوسيلة بسببـ ُّ‬
‫تعو ِدنا على‬
‫كألفاظ مجردة من معانيها‪ ،‬ولكن‬ ‫ٍ‬ ‫التعامل مع القرآن‬
‫بالمداومة والمثابرةـ سنعتاد‪ -‬بمشيئة هللا‪ -‬القراءةَ‬
‫بتركيز وبدون سرحان‪.‬‬
‫ٍـ‬

‫خامسًا‪ :‬التجاوب مع القراءة‪:‬‬


‫مباشر من هللا عز وجل لجميع البشر؛‬ ‫ِ‬ ‫ُ‬
‫القرآن ِخطابٌ‬
‫لي‪ ،‬ولك‪ ،‬ولغيرنا‪ .‬هذا الخطاب يشمل‪-‬ضمن ما‬
‫يشمل‪ :-‬أسئلةً وأجوبةً‪ ،‬ووع ًدا ووعي ًدا‪ ،‬وأوام َر‬
‫ونوا ٍه؛ فعلينا أن نتجاوب مع الخطاب القرآني‪ ،‬بالرد‬
‫على أسئلته‪ ،‬وتنفيذ أوامره بالتسبيحـ أو الحمد أو‬
‫االستغفار‪ ،‬والسجود عند مواضع السجود‪ ،‬والتأمين‬
‫على الدعاء‪ ،‬واالستعاذةـ من النار‪ ،‬وسؤال الجنة‪...‬‬
‫ولقد كان هذا من هَ ْدي رسول هللا صلى هللا عليه‬
‫وسلم‪ ،‬وصحابته الكرام‪ .‬ولعل القيام بهذه الوسيلة‬
‫يساعدنا على زيادة التركيزـ عند القراءة‪ ،‬وعدم‬
‫السرحان‪.‬‬

‫سادسًا‪ :‬أن نجعل المعنى هو المقصود‪:‬‬


‫البعضُ منا عندما ي ْشرع في تدبر القرآن تج ْده ُ‬
‫يقف‬
‫ُمتَ َم ِّعنًا عند كل لفظ فيه‪ ،‬مما يجع ُل التدب َر عمليةً شاقةً‬
‫عليه‪ ،‬وما يلبث أن ي َم َّل فيعود أدراجه إلى الطريقة‬
‫فهم وال تدبر‪ ،‬فكيف لنا إذن‬ ‫القديمة في القراءة دون ٍ‬
‫بتدبر وسالس ٍة في نفس الوقت؟!‬ ‫ٍ‬ ‫القرآن‬
‫َ‬ ‫أن نقرأ‬
‫الطريقة السهلة لتحقيقـ هذين األمرين معًا هو أن نأخذ‬
‫األلفاظ‬
‫ِ‬ ‫بعض‬
‫َ‬ ‫المعنىـ اإلجمالي لآلية‪ ،‬وعندما نج ُد‬
‫التي ال نعرف معناها؛ فعلينا أن نتعرفـ على المعنى‬
‫من السياق‪ ،‬ك َمن يقرأ مقاالً باللغة اإلنجليزية مثالً‪،‬‬
‫وال يعرف معنى بعض الكلمات‪ ،‬فإنه يفهم المعنى‬
‫اإلجمالي من السياق‪ .‬وهذا ما أرشدنا إليه رسول هللا‬
‫صلى هللا عليه وسلم حين قال‪":‬إن القرآن لم ينزل‬
‫ضا‪ ،‬بل يُص ِّدق بعضُه بع ً‬
‫ضا‪ ،‬فما‬ ‫يُك ِّذب بعضُه بع ً‬
‫عرفتم منه فاعملوا به‪ ،‬وما جهلتم ف ُر ُّدوه إلى‬
‫عالمه"[حديث حسن‪ ،‬رواه اإلمام أحمد في مسنده‪،‬‬ ‫ٌ‬
‫وابن ماجة في سننه]‪ ،‬وبهذهـ الطريقة تصبح قراءة‬
‫بتدبر سهلةً وميسرةً للجميع‪.‬‬
‫ٍـ‬ ‫القرآن‬
‫وليس معنى هذا عدم النظر في كتبـ التفسيرـ ومعاني‬
‫الكلمات‪ ،‬فمما ال شك فيه أن للتفسير دورًا كبي ًراـ في‬
‫حسن الفهم‪ ،‬وله أيضًا دو ٌر أساس ٌي في معرفة األحكام‬
‫الشرعية‪ ،‬والتي ال ينبغي علينا أن نستنبطها بمفردنا‬
‫بانحراف‬
‫ِ‬ ‫من القرآن‪ ،‬فتاريخ األمة اإلسالمية يشه ُد‬
‫الكثيرـ ممن استنبط بمفردهـ األحكام الشرعية من‬
‫القرآن‪ ،‬دون أن يكون مؤهالً لذلك‪ ،‬مثل الخوارج‬
‫وغيرهم‪ .‬ومع هذا الدور العظيم للتفسير إال أنه ينبغي‬
‫أن يكون له وقته الخاص به‪ ،‬والغير مرتبطـ بوقت‬
‫القراءة‪ ،‬فنحن ال نريد أن نخرج من لقائِنا بالقرآن‬
‫القلب الحي كذلك‪ ،‬وهذا‬ ‫َ‬ ‫بزيادة الفهم فقط‪ ،‬ولكن نريد‬
‫يحتاج إلى اللقاء المباشر مع القرآن‪ ،‬والسماح بقوةـ‬
‫داخلَنا وتتصاعد من خالل‬ ‫تأثيره أن تنساب ِ‬
‫االستمرار في القراءة‪ ،‬واالسترسال مع اآليات‪،‬‬
‫والتجاوب معها‪.‬‬

‫سابعًا‪ :‬ترديد اآلي ِة التي تؤثرـ في القلب‪:‬‬


‫وهذه من أهم الوسائل المعينة على سرعة االنتفاعـ‬
‫بالقرآن‪ ،‬فالوسائل السابقة مع أهميتهاـ القصوى إال‬
‫أنها‪-‬في النهاية‪ -‬تخاطب العق َل الذي يُ َع ُّد محالً للعلم‬
‫والمعرفة‪ ،‬أما اإليمان فمحله القلب‪ .‬والقلب هو‬
‫مجموع العواطف والمشاعر داخل اإلنسان‪ ،‬وعلى‬
‫قَ ْدر اإليمان فيه تكون األعمال الصالحة التي تقوم بها‬
‫أن اإليمان عاطفةٌ ومشاعر‪َّ ،‬‬
‫وأن‬ ‫الجوارح‪ .‬معنى ذلك ّ‬
‫لحظات التجاوب واالنفعال التي نشعر بها في دعائنا‬
‫أو صالتنا أو قراءتنا للقرآن تؤدي إلى زيادة اإليمان‬
‫في قلوبنا‪.‬‬

‫القرآن وزيادة اإليمان‪:‬‬


‫قال تعالى‪{:‬وإذا تُلِيَت عليهم آياتُهُ زادتهم إيمانًا وعلى‬
‫ربهم يتوكلون}[األنفال‪ ،]2 :‬فالقرآن من أهم وسائل‬
‫زيادة اإليمان‪ ،‬وذلك من خالل مواعظه البليغة التي‬
‫تستثيرـ المشاع َر وتؤججها‪ ،‬فيحدث بذلك التجاوب بين‬
‫الفكر والعاطفة‪ .‬نعم؛ قد تكون لحظات التجاوب‬
‫واالنفعال قليلة في البداية‪ ،‬ولكن االستمرار على‬
‫قراءة القرآن من خالل استصحاب الوسائل السابقة‬
‫ستأتي‪ -‬بعون هللا‪ -‬تلك اللحظات‪.‬‬
‫فماذا نفعل وقت حدوثها؟ علينا أن نستثمر الفرصةَ‬
‫التي جاءتنا‪ ،‬ونعملـ على دخول أكبر ق ْد ٍر من نور‬
‫اإليمان إلى القلب في هذه اللحظات‪ ،‬وذلك من خالل‬
‫ترديد اآلية التي أثَّرت فينا‪ ،‬وعلينا أال ن َم َّل من ذلك‬
‫طالما ُو ِجد التجاوب‪ .‬وهذا ما كان يفعله الصحابة‬
‫والسلف‪-‬رضوان هللا عليهم‪ ،-‬فعن عبادة بن حمزة‬
‫قال‪ :‬دخلت على أسماء‪-‬رضي هللا عنها‪ -‬وهي تقرأ‪:‬‬
‫عذاب ال َّس ُموم}[الطور‪،]27 :‬‬ ‫َ‬ ‫{فَ َم َّن هللاُ علينا ووقانا‬
‫ت عندها‪ ،‬فجعلت تعيدها وتدعو‪ ،‬فطال ذلك‪،‬‬ ‫فوقفَ ْ‬
‫رجعت وهي‬ ‫ُ‬ ‫ُ‬
‫فقضيت حاجتي ثم‬ ‫ُ‬
‫فذهبت إلى السوق‪،‬‬
‫تعيدها وتدعو[مختصر قيام الليل لمحمد بن نصر]‪.‬‬
‫وبترديد اآلية التي تؤثر في القلب تتولد في داخل العبد‬
‫طاقةٌ‪ ،‬عليه أن يُحْ ِسن تصريفَها بالبكاء والدعاء‪ ،‬كما‬
‫قال تعالى‪{:‬إن الذين أوتوا العلم من قبله إذا يُتلى‬
‫لألذقان ُس َّج ًدا* ويقولون سبحان ربِّنا‬
‫ِ‬ ‫يخرون‬ ‫عليهم ِ‬
‫ويخرُّ ون لألذقان يبكونـ‬ ‫إن كان و ْع ُد ربنا لمفعوالً*ـ ِ‬ ‫ْ‬
‫ويزي ُدهُم ُخشو ًعا}[اإلسراء‪.]109-107 :‬‬

‫وبعد‬
‫يصعب علينا األخ َذ‬ ‫ُـ‬ ‫فهذه سب ُع وسائل ال نجد فيها ما‬
‫به‪ ،‬وال يبقىـ بعد ذلك إال الرغبة الصادقة في التغيير‪،‬‬
‫هذه الرغبة التي ال نشك أنها متوفرةـ لدى الجميع‪-‬‬
‫نحسن التعبير عنها‬ ‫بفضل هللا عز وجل‪ ،-‬وعلينا أن ِ‬
‫بدعاء هللا عز وجل وسؤاله تيسيرـ طريق العودة إلى‬
‫القرآن واالنتفاع به‪ ،‬قال تعالى‪{:‬وقال رب ُك ُم اُ ْد ُعوني‬
‫أستجبْ لكم}[غافر‪.]60 :‬‬
‫ِ‬
‫ولنضع نُصب أعيننا هدفًا محد ًدا نسعى للوصول إليه‪،‬‬
‫أال وهو القلب الحي‪ ،‬والذي أخبر عن أمارته رسول‬
‫هللا صلى هللا عليه وسلم بقوله‪":‬اإلنابة إلى دار‬
‫الخلود‪ ،‬والتجافي عن دار الغرور‪ ،‬واالستعداد للموت‬
‫قبل نزوله"[سبق تخريجه]‪ .‬ولنستمرـ على قراءة‬
‫القرآن‪-‬بهذه الطريقة‪ -‬طيلةَ حياتنا‪ ،‬فالقرآن هو نِعم‬
‫القائد إلى هللا في هذه الحياة المليئة بالفتن والشهوات‪.‬‬

‫وأخي ًرا؛ فيا أخي الحبيب‪...‬‬


‫إن كنتـ تريد السعادةَ لك وألهلك فعليك بالعود ِة إلى‬ ‫ْ‬
‫وإن كنتـ تريد العزةَ والنصر ألمتك فتمسك‬ ‫القرآن‪ْ ،‬‬
‫بالقرآن‪ ،‬ففيه كل ما تحتاجه‪ ،‬قال تعالى‪{:‬أَ َولَم ي ْكفِ ِهم‬
‫الكتاب يُ ْتلى عليهم}[العنكبوت‪.]51 :‬‬ ‫َ‬ ‫أنَّا أنزلنا علي َ‬
‫ك‬
‫تنس‪-‬وأنت تعيش في أجواء القرآن‪ ،‬وتغترفـ من‬ ‫وال َ‬
‫َم ِعينِه‪ ،‬وتتذوقـ من خالله حالوةَ اإليمان‪ -‬أن تدع َو لي‬
‫وإلخوانك المسلمين في كل مكان بالمغفرة والرحمة‬
‫وحسن الخاتمة‪.‬‬

‫وصلي اللهم على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه‬


‫أجمعين‪ ،‬والحمد هلل الذي بنعمته تتم الصالحات‪.‬‬
‫اللهم تقبل منا هذا الجهد‪ ،‬واغفر للمؤلف وللكاتب‬
‫وللناشر‪ ،‬ولكل من ساهم في نشره بين المسلمين‪...‬‬
‫آمين آمين‬
‫إن تحسين الصوت في تالوة القرآن الكريم أمر مطلوب ومحبب‬

‫وخاصة أن الصحابى الجليل أبا موسى األشعري رضي هللا عنه قال عندما علم بأن‬
‫رسول هللا صلى هللا عليه وسلم يستمع إليه‬

‫‪ :‬لو علمت بأنك تستمع إلي لحبرته لك تحبيرا‬

‫وهاكم ‪ 8‬قواعد لتحسين الصوت ‪:‬‬

‫وهاكم ‪ 8‬قواعد لتحسين الصوت ‪:‬‬


‫‪1‬ـ سجل صوتك‬
‫استمع إلى صوتك بموضوعية وحاول أن تجرب أكثر من نبرة‪ ،‬جرب تالوة القرآن‬
‫بأكثر من طريقة وبسرعات مختلفة وبطبقات مختلفة وتدرب على ذلك‪ .‬إن قوة‬
‫صوتك من األشياء المهمة التي يجب أن تتدرب عليها‪ .‬عليك أن ترفع وتخفض من‬
‫صوتك حتى تتمكن من التحكم في قدرتك على تنويع قوته‪.‬‬
‫وهذا شيء نافع جدا في التدرب على الخطابة‬
‫ويفيدك فائدة قيمة وهي أن تصبح مجيدا للتحكم في طبقات صوتك‬
‫وتذهب عنك تلك الغصة أو الخنقة التي تحدث لبعضهم‬

‫‪ 2‬ـ حاول أن تتكلم بسرعة ‪ 90‬كلمة في الدقيقة‪.‬‬


‫إن هذا هو متوسط الكالم الطبيعي‪ .‬اسأل أصدقاءك عن رأيهم في سرعة إلقائك‪.‬‬
‫‪ 3‬ـ اقرأ بوضوح مخارج الحروف وصفاتها ‪.‬‬
‫وتدرب على الكلماتـ الصعبة النطق حتى تتقنها ‪ ....‬وخاصة الكلماتـ التي فيها‬
‫حروف التفخيم المجموعة في قولهم ( خص ضغط قظ )‬
‫وكذلك حروف الهمس المجموعة في قولهم ( فحثه شخص سكت ‪.‬‬
‫‪ 4‬ـ دع صوتك يقوم بالتأكيد على الكلمات والمدلوالت المهمة والتفاعل معها ‪.‬‬

‫اجعل صوتك يتناغم مع المعنى ‪ ........‬فإذا تناغم الصوت مع المعنى مع الروح‬


‫يصبح لديك بصمة خاصة في تالوة القرآن الكريم وتصبح تالوتك متميزة‬
‫‪ 5‬ـ استفد من قانون التنفس واستغل قدراتك الصوتية فكل إنسان لديه إمكانا مدهشة ‪.‬‬
‫وذلك بأن تأخذ نفسا عميقا من األنف ‪ .....‬فهذا يعطيك طاقة مدهشة في القوة وفي‬
‫التحكم بطبقات صوتك‬
‫‪ 6‬ـ انتبه في تالوة القرآن إلخراج الحروف من مخارجها الصحيحة وأن تكون التالوة‬
‫من الفم ما عدا حروفا خاصة تكون بغنة وهي الميم والنون ‪ .............‬انتبه لذلك‬
‫فالكثيرون يخرجون الحروف من األنف ظنا منهم أن ذلك يحسن التالوة فيقعون في‬
‫خطأين خطأ في التجويد وخطأ في فنيات األداء ‪.‬‬
‫‪ 7‬ـ اسأل المقربين منك إن كانوا قد الحظوا أي حشرجات مزعجة في صوتك‪.‬‬
‫واألفضل أن تبحث عن ذلك بنفسك‪ ،‬أرهف سمعك لصوتك فقد تفاجأ بما تسمع‪.‬‬
‫‪ 8‬ـ اهتم بصوتك وحلقك ‪.‬‬
‫إن الصوت المتعب بحاجة إلى الراحة وإلى الترطيب‪ .‬عليك أن تجرب شرب ماء‬
‫دافئ محلى بالعسل أو مضغ بعض حبات الزبيب ‪ ....‬أو بعض الحبوب الطبيعية‬
‫المصاصة ذات طعم النعنع‬

‫وانتبه فال تتنفس من فمك كثيرا الن هذا يجفف الحبال الصوتية تدرب على أن يكون‬
‫تنفسك دوما من أنفك ‪.‬‬

You might also like