You are on page 1of 30

‫مقدمة‬

‫‪1‬‬
‫أحكام الوديعة‬

‫الفصل األول ‪ :‬أحكام الوديعة يف مهظور الفقه اإلسالمي ‪.‬‬

‫واصطالحا‬
‫ً‬ ‫المبحث األول ‪ :‬تعريف الوديعة لغةً‬

‫الوديعة لغة ‪:‬‬

‫فعيلة مبعٌت ‪َ :‬م ْفعُ ْولَةٌ ‪ ،‬من الودع ‪ ،‬وىو الًتك ‪.‬‬

‫ودعا )) ‪ :‬تركتُو ‪ .‬وسـميت الوديعة بـهذا االسم ألنـها‬


‫ودعت الشيءَ ً‬
‫ُ‬ ‫قال ابن القطاع ‪(( :‬‬
‫مودع ‪.‬‬
‫مًتوكة عند الـ َ‬
‫وأودعتُك الشيء ‪ :‬جعلتُو عند وديعة ‪ ،‬وقبلتُو منك وديعة ‪ ،‬فهو من األضداد ‪.‬‬

‫واإليداع ‪ :‬تسليط الغري على الـحفظ ‪.‬‬

‫‪2‬‬
‫الوديعة اصطالحا ‪:‬‬

‫وعرفها الـحنفية ‪ :‬بأنـها تسليط الغري على حفظ الـمال ‪.‬‬


‫ّ‬
‫وعرفها الـمالكية ‪ :‬بأنـها مال ُوِّكل على حفظو ‪ .‬كذا ذكر األزىري اآلىب ‪.‬‬
‫ّ‬
‫وعرفها الشافعية ‪ :‬بأنـها توكيل يف حفظ مـملوك أو مـحًتم مـختص على وجو خمصوص ‪.‬‬
‫ّ‬
‫وعّرفها الـحنابلة ‪ :‬بأنـها الـمال الـمدفوع إىل من يـحفظو بال عوض ‪ ،‬ذكره البهوتـي ‪.‬‬

‫المبحث الثاني ‪ :‬مشروعية الوديعة‬

‫استدل الفقهاء على مشروعية الوديعة بالكتاب والسنة واإلمجاع والـمعقول ‪.‬‬

‫أما الكتاب ‪ :‬فبعموم قولو تعاىل ‪َ ﴿ :‬وتَ َع َاونُوا َعلَى الْبِ ِّر َوالتَّ ْق َوى ﴾ ‪.‬‬

‫ات إِلَى أ َْهلِ َها ﴾ ‪ .‬فهي وإن نزلت يف‬


‫وقولو تعاىل أيضا ‪ ﴿ :‬إِ َّن اهلل يأْمرُكم أَ ْن تُ َؤدُّوا األمانَ ِ‬
‫َ‬ ‫َ َ ُُ ْ‬
‫رد مفتاح الكعبة إىل عثمان بن طلحة ‪ ،‬فهي عامة يف جـميع األمانات ‪ ،‬وأمهاتـها يف‬
‫ّ‬
‫األحكام ‪ :‬الوديعة واللقطة والرىن والعارية ‪ ،‬وذلك ألن العربة بعموم اللفظ ال بـخصوص‬
‫السبب‪.‬‬

‫أد‬
‫أما السنة ‪ :‬فعن أبـي ىريرة رضي ا﵁ عنو قال ‪ :‬قال رسول ا﵁ صلى ا﵁ عليو وسلم ‪ِّ (( :‬‬
‫األمانة إلى من ائتمنك وال تخن من خانك ))‪.‬‬

‫‪3‬‬
‫وقال أيضا من حديث أيب ىريرة رضي ا﵁ عنو ‪ :‬قال رسول ا﵁ صلى ا﵁ عليو وسلم ‪ (( :‬من‬
‫َّنفس عن مؤمن كربة من كرب الدنيا ‪َّ ،‬نفس اهلل عنه كربة من كرب يوم القيامة ‪ .‬ومن‬
‫يسر على معسر ‪ ،‬يسر اهلل عليه في الدنيا واآلخرة ‪ ، ...‬واهلل في عون العبد ما كان‬
‫العبد في عون أخيه )) ‪.‬‬

‫أما اإلمجاع ‪ :‬فأجـمع العلماء كل عصر على جواز اإليداع واالستيداع ‪ .‬والعربة تقتضيها ‪.‬‬

‫وأما الـمعقول ‪ :‬وألن بالناس حاجة بل ضرورًة إليها ‪.‬‬

‫المبحث الثالث ‪ :‬حكم الوديعة‬

‫اختلف الفقهاء يف حكم الوديعة على أربعة أقوال ‪:‬‬

‫قال الـحنفية ‪ :‬قبول الوديعة مستحب ‪ ،‬ألنـها من باب اإلعانة ‪ ،‬وىي مندوبة لقول‬ ‫‪.1‬‬
‫تعاىل ‪َ ﴿ :‬وتَ َع َاونُوا َعلَى الْبِ ِّر َوالتَّ ْق َوى ﴾‪.‬وقولو صلى ا﵁ عليو وسلم ‪ (( :‬واهلل في‬
‫عون العبد ما كان العبد في عون أخيه )) ‪.‬‬

‫قال الـمالكية ‪ :‬حكم الوديعة من حيث ذاتـها األباحة يف حق الفاعل والقابل على‬ ‫‪.2‬‬
‫السواء ‪ ،‬غري أنو قد يعرض وجوبـها يف حال الفاعل إذا خشي ضياعها أو ىالكها إن‬
‫لـم يودعها ‪ ،‬مع وجود قابل لـها قادر على حفظها ‪.‬‬

‫‪4‬‬
‫وحرمتها إذا كان الـمال مغصوبا أو مسروقا ‪ ،‬لوجوب الـمبدرة إىل ردىا لـمالكو ‪.‬‬

‫قال الشافعية ‪ :‬يستحب لـمن قدر على حفظ الوديعة وأداء األمانة فيها أن يقبلها ‪،‬‬ ‫‪.3‬‬
‫ألنو من التعاون الـمأمور بو ‪ .‬فإن لـم يكن ىناك من يصلح لذلك غريه وخاف إن لـم‬
‫يقبل أن تـهلك ‪ ،‬تعني عليو أصل قبولـها ‪ ،‬أي لزمو بعينها ‪ ،‬ألن حرمة مال الـمسلم‬
‫كحرمة دمو ‪ ،‬ولكن دون أن يتلف منفعة نفسو وحرزه يف الـحفظ من غري عوض ‪،‬‬
‫كما يف أداء الشهادة باألجرة ‪.‬‬
‫قال النووي ‪ :‬ولو تعني عليو قبول وديعة ‪ ،‬فلم يقبلها وتلفت فهو ٍ‬
‫عاص ‪ ،‬وال ضمان‬
‫عليو ‪ ،‬ألنو مل يلتزم الـحفظ ‪.‬‬

‫وذىب الـحنابلة إلـى أن قبولـها مستحب لـمن علم من نفسو أنو ثقة قادر على‬ ‫‪.4‬‬
‫حفظها‪ ،‬ويكره لغريه ‪ ،‬ألن فيو تغريرا بصاحبها ‪ ،‬إال أن يرضى ربـها بعد إعالمو بذلك‬
‫إن كان ال يعلمو النتفاء التغرير ‪.‬‬

‫المبحث الرابع ‪ :‬أركان الوديعة‬

‫ذىب مجهور الفقهاء من الـمالكية والشافعية والـحنابلة إىل أن أركان الوديعة ىي ‪:‬‬

‫‪5‬‬
‫الصيغة ‪ ،‬وىي اإلجياب والقبول ‪.‬‬ ‫‪.1‬‬
‫مستودع ‪.‬‬ ‫ِ‬
‫العاقدان ‪ ،‬ومها الـمودع والـ َ‬ ‫‪.2‬‬
‫ا﵀ل ‪ ،‬وىو العني ادلودعة ‪.‬‬ ‫‪.3‬‬

‫وخالفهم الـحنفية يف ذلك التقسيم ‪ ،‬إذ اعربوا ركن الوديعة الصيغة الـمؤلفة من اإليـجاب‬
‫والقبول الدالني على الًتاضي ‪ ،‬وذلك ألن الـمراد اإليداع وىو العقد ‪ ،‬وذلك ىو الركن الذي‬
‫تتحقق بو الوديعة ‪ .‬كقول الـ ِ‬
‫مودع ‪ :‬أودعتُك ىذا الـمال ‪ ،‬أو ما يقوم مقامو من األقوال‬
‫مودع بالقول والفعل أو الفعل فقط ‪.‬‬
‫واألفعال ‪ .‬والقبول من الـ َ‬
‫الركن األول وشرطو ‪:‬‬

‫قال الـحنفية ‪ :‬وركنها اإليـجاب قوالً صريـ ًحا أو كنايةً أو فعال ‪ ،‬والقبول من الـمودع صريـحا أو‬
‫داللة يف حق وجوب الـحفظ ‪.‬‬

‫قال الـمالكية ‪ :‬الصيغة ىي كل ما يفهم منو طلب الـحفظ ‪ ،‬ولو بقرائن األحوال ‪ ،‬وال‬
‫تتوقف على إيـجاب وقبول باللفظ ‪.‬‬
‫وقال الشافعية والـحنابلة ‪ :‬يشًتط لصحة اإليداع اإليـجاب من الـ ِ‬
‫مودع لفظا ‪ .‬أما القبول ‪،‬‬
‫فيصبح بكل لفظ أو فعل دال عليو ‪.‬‬

‫الركن الثاين وشرطو ‪:‬‬

‫‪6‬‬
‫مستودع ما يلي ‪:‬‬ ‫ِ‬
‫يشًتط يف كل الـمودع والـ َ‬
‫شروط الـ ِ‬
‫مودع‬ ‫(أ)‬
‫اتفق الفقهاء على أنو يشًتط يف ادلودع أن يكون جائز التصرف ‪ .‬وىو العاقل‬
‫التـمميز عند احلنفية ‪ ،‬والبالغ العاقل الرشيد عند مجهور الفقهاء ‪.‬‬

‫أما الصيب الـمميز ‪ ،‬فقد اختلف الفقهاء يف صحة إيداعو على قولني ‪:‬‬
‫القول األول للحنفية والـحنابلة وقول للمالكية ‪ ،‬وىو صحة إيداع الصيب الـمميز إذا‬
‫كان مأذونا لو ‪ .‬أما الصيب غري الـمأذون ‪ ،‬فال يصح قبول الوديعة منو ألنو ال‬
‫يـحفظ الـمال عادة ‪.‬‬

‫القول الثاين للشافعية والـمالكية يف الـمشهور ‪ ،‬وىو عدم صحة إيداعو مطلقا سواء‬
‫أكان مـميزا أو غري مـميز ‪ ،‬مأذونا لو أو غري مأذون ‪ .‬وألـحقوا إيداعو بالعدم ‪.‬‬

‫مستودع‬
‫(ب) شروط الـ َ‬
‫مستودع شرطان ‪:‬‬
‫يشًتط يف الـ َ‬
‫الشرط األول ‪ :‬أن يكون جائز التصرف ‪ ،‬كما يف الـ ِ‬
‫مودع ‪.‬‬
‫ولكنهم قد اختلفوا يف صحة استيداع الصبـي الـمميز على أربعة أقوال ‪:‬‬

‫‪7‬‬
‫‪ .i‬القول األول ألكثر الـمالكية والشافعية يف األظهر والـحنابلة يف الـمعتمد ‪،‬‬
‫وىو أنو ال يصح استيداع الصيب ‪ ،‬مـميزا كان أو غري مـميز ‪ ،‬ألن القصد‬
‫من اإليداع الـحفظ ‪ ،‬والصيب ليس من أىلو ‪ .‬وعلى ذلك ‪ ،‬فلو أودع أحد‬
‫وديعة عند صبـي فتلفت عنده ‪ ،‬لـم يضمنها ‪ ،‬سواء حفظها أم فرط يف‬
‫حفظها ‪.‬‬

‫‪ .ii‬القول الثاين للحنفية ‪ ،‬وىو أن الصيب الـمميز إذا كان مأذونا بالتجارة ‪،‬‬
‫فيصح قبولو الوديعة ‪ ،‬ألنو من أىل احلفظ ‪ .‬أما الصبـي الـمحجور ‪ ،‬فال‬
‫يصح قبول الوديعة منو ‪ ،‬ألنو ال يـحفظ الـمال عاد ًة ‪.‬‬

‫‪ .iii‬القول الثالث البن الرشد من الـمالكية ‪ ،‬وىو أن الصبـي الـمميز يصح أن‬
‫يتوكل ‪ ،‬فيصح أن يكون أمينا لغريه يف حفظ الوديعة ‪.‬‬

‫‪ .iv‬القول الرابع البن عرفة الـمالكي ‪ ،‬وىو أن شرط الوديعة باعتبار جواز‬
‫فعلها وقبولـها حاجة الفاعل ‪ ،‬وظن صونـها من القابل ‪ .‬فيجوز أن يودع‬
‫الصبـي ما خيف تلفو بيد مالكو ‪.‬‬

‫‪8‬‬
‫الشرط الثاين ‪ :‬أن يكون معينا ‪.‬‬

‫نص الـحنابلة على أنو يشًتط لصحة عقد الوديعة أن يكون الوديع معينا وقت‬
‫اإليـجاب ‪.‬‬

‫وذىب الـحنفية إىل عدم اشًتاط ذلك ‪.‬‬

‫الركن الثالث وشرطو ‪:‬‬

‫اختلف الفقهاء فيما يشًتط يف العني الـمودعة ‪:‬‬

‫الشرط األول ‪ :‬أن تكون ماالً ‪.‬‬

‫‪ .i‬القول األول ‪ :‬ذىب الـحنفية والـمالكية إىل اشًتاط كون العني الـمودعة ماال ‪ ،‬فما‬
‫ليس مبال – كالـميتة والدم ونـحوىـما – ال يصح ورود عقد اإليداع عليو ‪ ،‬ألن عند‬

‫ماليتو يتناىف مع تشريع حـمايتو لصاحبو بعقد الوديعة ‪ ،‬واعتباره أمانة سرعية واجبة‬
‫الـحفظ والصون لصاحبها يف يد الوديع ‪.‬‬

‫‪ .ii‬القول الثاين ‪ :‬أما الشافعية والـحنابلة ‪ ،‬فاشًتطوا لصحة العقد أن تكون العني الـمودعة‬
‫ماال أو مـختصا ‪ ،‬ولـم يقصروا على الـمال وحده ‪.‬‬

‫الشرط الثاين ‪ :‬أن تكون منقوال ‪.‬‬

‫‪9‬‬
‫‪ .i‬القول األول ‪ :‬ذىب ابن عرفة من الـمالكية على أنو يشًتط يف العني الـمودعة أن‬
‫تكون مـما يـمكن نقلو ‪ ،‬فيخرج العقار ‪.‬‬
‫‪ .ii‬القول الثاين ‪ :‬ذىب جـمهور الفقهاء من الـحنفية والـمالكية والشافعية إىل عدم اشًتاط‬
‫ذلك ‪ ،‬فتصح أن تكون العني الـمودعة عقارا أو منقوال ‪.‬‬

‫المبحث الخامس ‪ :‬بعض المسائل المتعلقة‬

‫ىل الوديعة أمانة أو مضمونة ؟‬ ‫‪.1‬‬


‫أخذ األجرة‬ ‫‪.2‬‬
‫استعمال مال الوديع‬ ‫‪.3‬‬
‫السفر بالوديعة‬ ‫‪.4‬‬
‫خلط الوديعة بغريىا‬ ‫‪.5‬‬

‫الـمطلب األول ‪ :‬ىل الوديعة أمانة أو مضمونة ؟‬

‫اتفق علماء الـمذاىب على أن الوديعة قربة مندوب إليها ‪ ،‬وأن يف حفظها ثوابا ‪ ،‬وأنـها أمانة‬
‫مـحضة ‪ ،‬ال مضمونة ‪ .‬وأن الضمان ال يـجب على الوديع إال بالتعدي أو التقصري ‪ ،‬لقولو‬
‫عليو الصالة والسالم ‪ (( :‬ليس على المستودع غير المغل ضمان )) وقولو ‪ (( :‬ال ضمان‬
‫على مؤتمن )) ‪ .‬واشًتاط الـضمان على األمني باطل ‪ ،‬وىو الـمفىت بو عند الـحنفية ‪.‬‬
‫‪10‬‬
‫ويًتتب عليو أنو يـجب ردىا عند طلب الـمالك مع اإلمكان ‪ ،‬لقولو تعاىل ‪ ﴿ :‬إِ َّن اهللَ‬
‫ات إِلَى أ َْهلِ َها ﴾ ‪.‬‬
‫يأْمرُكم أَ ْن تُ َؤدُّوا األمانَ ِ‬
‫َ‬ ‫َ ُُ ْ‬

‫ولكل واحد من العاقدين فسخ اإليداع مىت شاء دون إذن العاقد اآلخر ‪ ،‬ألن عقد اإليداع‬
‫جائز غري الزم ‪ ،‬فللمودع اسًتداد الوديعة مىت شاء ‪ ،‬وللوديع ردىا على الـمودع أيضا مىت‬
‫شاء‪.‬‬

‫الـمطلب الثاين ‪ :‬أخذ األجرة‬

‫وقد اختلف الفقهاء فيها ‪:‬‬

‫القول األول ‪ :‬يـجيز أخذ األجرة على حفظ الوديعة وعلى حرزىا ‪.‬‬

‫القول الثاين ‪ :‬يـمنع أخذ األجرة على الـحفظ والـحرز ‪.‬‬

‫يفصلها ‪ ،‬فيجوز األخذ على الـحرز ال على الـحفظ ‪.‬‬


‫القول الثالث ‪ِّ :‬‬

‫والراجح ىو ما ذىب إليو القول بـجواز األخذ تـحقيقا للمصلحة ‪ .‬وذلك ألن القول بعدم‬
‫الـجواز يؤدي إىل صرف الناس عن قبول الوديعة ‪ ،‬فتتعطل الـمصالـح اليت شرعت من أجلها‬
‫وجازت الوديعة‪.‬‬

‫‪11‬‬
‫الـمطلب الثالث ‪ :‬استعمال مال الوديعة‬

‫ضا فَ لْيُ َؤ ِّد الَّ ِذي ائْ تُ ِم َن‬ ‫األصل يف الوديعة أنـها أمانة ‪ ،‬لقولو تعاىل ‪ ﴿ :‬فَِإ ْن أ َِم َن بَ ْع ُ‬
‫ض ُك ْم بَ ْع ً‬
‫مودع يف الوديعة ‪ ،‬لقولو صلى ا﵁ عليو وسلم ‪ (( :‬من‬ ‫أ ََمانَتَهُ ﴾ ‪ ،‬وأنو ال ضمان على الـ َ‬
‫أودع وديعةً ‪ ،‬فال ضمان عليه )) ‪.‬‬

‫إذا انتفع الوديع بالوديعة بالوديعة كركوب الدابة ولبس الثوب ‪ ،‬فإنو يصري ضامنًا ‪.‬‬

‫فإن ترك االستعمال ‪:‬‬

‫‪ -‬فقال مجهور الـحنفية كما عرفنا من قاعدتـهم ‪ :‬ال ضمان عليو ‪ ،‬ألنو مـمسك لـها بإذن‬
‫مالكها ‪ ،‬فأشبو ما قبل االستعمال ‪.‬‬

‫‪ -‬وقال الـمالكية والشافعية والـحنابلة ‪ :‬إذا تلف الوديعة بعد استعمالـها يضمنها ‪ ،‬ولو‬
‫كان التلف بسبب سـماوي ‪ ،‬ألنو بالتعدي يف االستعمال قد ارتفع حكم الوديعة‬
‫وبطل االتئمان ‪.‬‬

‫الـمطلب الرابع ‪ :‬السفر بالوديعة‬

‫اختلف العلماء فيو ‪:‬‬

‫‪12‬‬
‫‪ -‬قال أبو حنيفة ‪ :‬للوديع أن يسافر بالوديعة إذا كان الطريق آمنًا ‪ ،‬ولـم ينهو صاحب‬
‫الوديعة ‪ ،‬بأن كان العقد مطلقا ‪ .‬وذلك ألن األمر بـحفظ الوديعة صدر مطلقا عن‬
‫تعيني الـمكان ‪ ،‬فال يـجوز التعيني إال بدليل ‪ .‬وعلى ىذا ‪ ،‬فلو سافر فتلفت الوديعة ال‬
‫يضمن ‪.‬‬

‫‪ -‬وقال الصاحبان ‪ :‬إن كان للوديعة محل ومؤنة ‪ ،‬ال ميلك الـمسافرة بـها ‪ ،‬ألن يف‬
‫الـمسافرة مبا لو حـمل ومؤنة ضررا بالـمالك لـجواز أن يـموت الوديع يف السفر ‪.‬‬
‫فيحتاج الـمالك إىل االسًتداد من موضع يكفلو محال ومؤنة عظيمة ‪ .‬فيتضرر بو ‪،‬‬
‫بـخالف ما إذا لـم يكن لـها حـمل ومؤنة ‪.‬‬

‫‪ -‬وقال الـمالكية ‪ :‬ليس للوديع أن يسافر بالوديعة ‪ ،‬إال أن تعطي لو يف سفر ‪ .‬فإذا أراد‬
‫السفر ‪ ،‬فلو إيداعها عند ثقة ومؤتـمن من أىل البلد ‪ ،‬وال ضمان عليو ‪ ،‬سواء قدر‬
‫على دفعها إىل الـحاكم ‪ ،‬أو لـم يقدر ‪.‬‬

‫‪ -‬وقال الشافعية والـحنابلة ‪ :‬ليس للوديع الـمسافرة بالوديعة ‪ ،‬فإن أراد السفر ردىا إىل‬
‫صاحبها أو وكيلو إن قدر على الرد ‪ .‬فإن لـم يقدر ‪ ،‬كأن لـم يـجد صاحبها ‪ ،‬سلمها‬
‫إىل الـحـاكم ‪ .‬وذلك ألنو متربع بإمساكها ‪ ،‬فال يلزمو استدامتو والـحاكم يقوم مقام‬
‫صاحبها عند غيبتو ‪ .‬فإن سافر بـها ‪ ،‬ضمن ‪.‬‬

‫‪13‬‬
‫الـمطلب الـخامس ‪ :‬خلط الوديعة بغريىا‬

‫مودع مستقلة بعيدة عن مالو ‪ ،‬مـحفوظة أمانة بذاتـها‬


‫األصل يف الوديعة ‪ :‬أن يضعها الـ َ‬
‫لصاحبها ‪.‬‬
‫ولكن ‪ ،‬قد تقع مال الوديعة يف الـخلط ‪ .‬فإذا كان اخللط بأمر من الـ ِ‬
‫مودع أو بإذنو ‪ ،‬فال‬
‫مستودع ‪ ،‬ألنو فعل ما أمر بو ‪ ،‬فكان نائبا عن الـمالك فيو ‪.‬‬
‫ضمان على الـ َ‬

‫مستودع ‪ ،‬أو كان الـخلط منو وأمكن التمييز ‪ ،‬فال ضمان إذ ال‬
‫وإن الـخلط دون تفريط من الـ َ‬
‫ضرر وال نقص يلحق صاحب الـمال ‪.‬‬

‫مودع الوديعةَ بـمالو وىي ال تتميز أو لـم يـحفظها كما يـحفظ مالَو أو أودعها‬
‫أما إن خالط الـ َ‬
‫َغْيـَره ‪ ،‬فهو ضامن ‪.‬‬

‫الـمطلب السادس ‪ :‬اتـجار مال الوديعة‬

‫من اتـجر بـمال الوديعة ‪ ،‬فالربح لو حالل ‪ .‬وقال أبو حنيفة ‪ :‬الربح صدقة ‪ .‬وقال قوم ‪:‬‬
‫الربح لصاحب الـمال ‪.‬‬

‫‪14‬‬
‫الفصل الثاني ‪ :‬أحكام الوديعة يف مهظور الـنصارف الـنعاصرة ‪.‬‬

‫المبحث األول ‪ :‬تعريف الودائع المصرفية وأهميتها‬

‫الـمطلب األول ‪ :‬تعريف الودائع الـمصرفية‬

‫وقد اختلف الفقهاء يف تعريفها ‪:‬‬

‫ىي األموال التـي يعهد بـها األفراد أو الـهيئات إىل الـمصرف على أن يتعهد برد‬ ‫(أ)‬
‫مساو لـها إليهم أو نفسها لدى الطلب أو بالشروط الـمتفق عليها ‪.‬‬

‫(ب) ىي عبارة عن مبلغ من النقود ‪ ،‬يودع لدى البنوك بوسيلة من وسائل اإليداع ‪.‬‬

‫(ت) إنـها – مًتجـمة من كلمة اإلنـجليزية (‪ ، )Deposite Bank‬والـمقصود منها ؛‬


‫الـمال الذي أودعو صاحبُو يف مصرف من الـمصارف الـمالية ‪ ،‬إما لـمدة مـحددة ‪،‬‬
‫أو يتعاىد من الفريقني بأن للمالك أن يستعيده كلو أو جزءًا منو متـى شاء ‪.‬‬

‫‪15‬‬
‫الـمطلب الثاين ‪ :‬أىـمية الودائع الـمصرفية‬

‫للودائع أىـمية كربى بالنسبة لعمل الـمصارف ‪ ،‬يـمكن تـخليصها يف اآلتـي ‪:‬‬

‫أنو تعترب الـمصدر الرئيسي لألموال التـي يعتمد عليها الـمصرف يف أنشطتو ‪ ،‬بل‬ ‫(أ)‬
‫تعترب أساس موارده وأىم مصادر التمويل لو ‪.‬‬

‫(ب) أنـها متنح البنك القدرة على خلق االئتمان بدرجة كبرية أكرب من كمية تلك‬
‫الودائع‪ ،‬واالئتمان خيلق بدوره الوديعة الـمصرفية أيضا ‪.‬‬

‫(ت) أن الوديعة الـمصرفية تـمثل غالبا أمواال عاطلة عن التأثري إما لقلتها أو ألنـها ال‬
‫تعرف سبيلها للدخول يف الـحياة االقتصادية بشكل مؤثر يف حني تدخل مدد‬
‫إيداعها يف حوض االستثمار الكبري ‪ ،‬وىو القادر على تـمويل الـمشارع الضخمة ‪.‬‬

‫المبحث الثاني ‪ :‬بم تتمتع الودائع المصرفية‬

‫تتمتع الودائع الـمصرفية مبا يلي ‪:‬‬

‫أنـها تقتصر على النقود الـمدفوعة للبنوك ‪.‬‬ ‫(أ)‬

‫‪16‬‬
‫(ب) أنـها قد تكون تـحت الطلب ‪ ،‬وقد تكون لألجل ‪.‬‬
‫(ت) أنـها تـمثل عملية الزمة بشروطها ‪.‬‬
‫(ث) أن للبنك دفع ما يعادلـها من النقود قانونية دون االلتزام بالـمظهر الـمادي الذي‬
‫دفعت إليو ‪.‬‬
‫(ج) أن للبنك حق يف التصرف بـها بـما يشاء ‪ ،‬ألنـها ملكو ‪.‬‬
‫(ح) أن البنك يضمن ما يعادلـها يف كل أحوال ‪.‬‬

‫المبحث الثالث ‪ :‬أقسام الودائع المصرفية وتفصيلها‬

‫الـمطلب األول ‪ :‬الودائع تـحت الطلب (الـحسابات الـجارية)‬

‫الفرع األول ‪ :‬تعريفها‬

‫اختلف الفقهاء يف تعريفها ‪:‬‬

‫الـمبالغ النقدية التـي تودع لدى الـمصارف بقصد أن تكون مهيأة للسحب‬ ‫(أ)‬
‫عليها عند الـحاجة ‪.‬‬

‫‪17‬‬
‫(ب) الـحسابات التـي يقوم أصحابـها بفتحها يف البنك إليداع أموالـهم بغرض‬
‫حفظها والتعامل اليومي بـها بقصد أن تكون حاضرة للتداول والسحب عليها‬
‫عند الـحاجة لـها ‪ ،‬وبـمجرد الطلب ‪ ،‬ودون توقف على أخطار سابق ‪.‬‬

‫الفرع الثاين ‪ :‬التكييف الشرعي لـها‬

‫اختلفت آراء العلماء الـمعاصرين يف تكييف عقد الـحسابات الـجارية ‪:‬‬

‫حساب الـجاري وديعةٌ حقيقة بالـمعٌت الفقهي ‪.‬‬


‫َ‬ ‫القول األول ‪ :‬أن الـ‬ ‫‪.1‬‬
‫قالوا ‪ :‬ىي مبلغ يوضع لدى البنك ‪ ،‬ويسحب منو يف الوقت الذي يـختاره الـ ِ‬
‫مودع ‪.‬‬
‫فإن ذلك كل ما يطلب يف الوديعة الـحقيقية ‪ ،‬وال توجد أي شائبة يف ذلك ‪.‬‬

‫السبب ‪:‬‬
‫أن البنك لـم يتسلم ىذه الوديعة على أنـها قرض لوجود الـحظر الشديد يف‬ ‫‪.i‬‬
‫استعمالـها والتصرف من جانبو ‪.‬‬
‫الـمبادرة الفورية بردىا عند الطلب ‪.‬‬ ‫‪.ii‬‬

‫الـمناقشة ‪:‬‬

‫‪18‬‬
‫أن الوديعة الـمصرفية ال ينطبق عليها اصطالح الوديعة الشرعية ألن البنوك والـمصارف‬
‫ال تأخذىا كأمانة وتردىا إىل أصحابـها بعينها ‪ ،‬وإنـما تتصرف فيها وتلتزم برد الـمثل ‪.‬‬
‫وأحيانًا ‪ ،‬تدفع فوائد على األموال التـي تودع عندىا ‪.‬‬

‫القول الثاين ‪ :‬أنـها تعترب وديعة شاذة أو ناقصة ‪.‬‬ ‫‪.2‬‬

‫السبب ‪:‬‬
‫ونوعا ‪.‬‬
‫قدرا ً‬
‫أنـها وديعة ال يلتزم فيها الـمصرف برد عينها وإنـما يرد مثلها ‪ً ،‬‬ ‫‪.i‬‬

‫الـمناقشة ‪:‬‬

‫أن ىذا يـخالف واقع نظام اإليداع الـمصرفـي ‪ ،‬إذ أن الـمصرف ال يـحتفظ بأجزاء من‬
‫األموال بأعيانـها وإنـما يـحتفظ بنسبة من الـمبلغ ‪.‬‬

‫القول الثالث ‪ :‬أن ىذه الفوائد تعترب أجرا ‪.‬‬ ‫‪.3‬‬

‫السبب ‪:‬‬

‫‪19‬‬
‫الستعمال النقود ‪.‬‬ ‫‪.i‬‬
‫ألنـها تدخل تـحت عقد اإلجارة ‪.‬‬ ‫‪.ii‬‬

‫الـمناقشة ‪:‬‬

‫أن النقود ال يـمكن االنتفاع بـها مع بقاء أعيانـها ‪ ،‬وما ال ينتفع بو مع بقاء عينو ال‬
‫يصلح للتأجري ‪.‬‬

‫القول الرابع ‪ :‬أنـها تعترب قرضا ‪ ،‬وىذا ىو قول أكثر العلماء الـمعصرين ‪ .‬وىذا ىو‬ ‫‪.4‬‬
‫الراجح ‪.‬‬

‫السبب ‪:‬‬
‫مصرف ال يلتزم بـحفظ عني الوديعة بل يتملكها ‪.‬‬
‫ألن الـ ِّ‬ ‫‪.i‬‬
‫وألنو يلتزم برد مبلغ مـماثل لـما أخذه ‪.‬‬ ‫‪.ii‬‬
‫والـمصرف يتحمل خطر ىالكو بقوة قاىرة ‪.‬‬ ‫‪.iii‬‬

‫‪20‬‬
‫والواقع ‪ ،‬أن البنك يأخذ ىذه األموال بقصد استغاللـها واستعمالـها يف نشاطاتو‬
‫الـمختلفة ‪ .‬ونظامو األساسي ينص على أن ما دخلو يكون على سبيل التملك ‪.‬‬
‫والـ ِ‬
‫مودع يضع مالو وقد علم أن العمل الـمصرفـي ال يـحفظ ىذه األموال ويعمل بـها‬
‫حسب نشاطاتو ويلتزم برد مثلها فقط ‪.‬‬

‫الفرع الثالث ‪ :‬ضمان الـحسابات الـجارية‬

‫أما ضمان احلسابات الـجارية ‪ ،‬فإنو على الـمصرف وحدىم ألن يده على ىذا الـحساب يد‬
‫ضمان عند الـجمهور ‪ .‬وذلك ألن األصل يف الوديعة ‪ ،‬عدم االنتفاع بـها ‪ .‬فإذا انتفع كان‬
‫معتديا ‪ ،‬وإذا تلف ضمنها ‪.‬‬

‫الـمطلب الثاين ‪ :‬الودائع االستثمارية أو الثابتة‬

‫الفرع األول ‪ :‬تعريفها‬

‫وقد يتعدد تعريفها ‪:‬‬

‫الـمبالغ التـي يتم إيداعها من قبل أصحابـها يف الـمصارف بقصد الـحصول على‬ ‫(أ)‬
‫دخل مستمر منها ‪.‬‬
‫‪21‬‬
‫(ب) ىي األموال التـي يضعها أصحابـها يف الـمصرف بقصد الـحصول على الربح ‪،‬‬
‫بشرط عدم السحب منها ‪ ،‬إال بعد انقضاء فًتة مـحددة ‪ ،‬حددت يف العقد ‪.‬‬

‫الفرع الثاين ‪ :‬ىدف أصحاب ىذه الودائع‬

‫ونـخلص ىدفهم مبا يلي ‪:‬‬

‫الـحصول على الكسب الـمتمثل بالفائدة يف الـمصارف الربوية ‪.‬‬ ‫(أ)‬


‫(ب) أو ‪ ،‬الـحصول على الربح الـحالل يف الـمصارف اإلسالمية التـي تقوم باستثمارىا يف‬
‫األوجو الـمناسبة ‪.‬‬

‫ول ـكن أن لصاحب الـودي ـعة ف ـي ى ـذا ال ـن ـوع أن ي ـس ـح ـب ش ـي ـئ ـا م ـن ـه ـا إال ب ـعـ ـد فـ ـتـ ـرة‬
‫متفق عليها ‪.‬‬

‫وتسمية الودائع االستثمارية باسم الوديعة بعيدة عن واقعها ‪ ،‬وما قيل يف غريىا من‬
‫شرعا ال قيود على سحبها وإعادتـها إىل‬ ‫الودائع يصلح للقول فيها ‪ .‬وذلك ألن الوديعة ً‬
‫أصحابـها ‪ ،‬بل القيود تكون على شخص الذي احتضن الـمال (الوديع) لـمنعو من التصرف‬
‫بـها أو استعمالـها دون إذن الـ ِ‬
‫مودع ‪ .‬ذلك فهي ليست ودائع بالـمعٌت الفقهي للوديعة ‪ ،‬وإنـما‬

‫‪22‬‬
‫ىي أموال ُو ِض َعت قيد االستثمار تـحت تصرف الـمصرف ‪ ،‬وقام الـمصرف بوضع قيود على‬
‫سحبها ‪ ،‬أو التصرف بـها بصفتها رأس مال مشارك يف االستثمار ‪.‬‬

‫الفرع الثالث ‪ :‬التكييف الشرعي لـها‬

‫ويـمكن تكييف الوديعة االستثمارية يف البنوك اإلسالمية الصحيحة ؛ بأنو عقد شركة‬
‫مودع والـمصرف ‪ ،‬وأن الـمصرف يتصرف بالـحساب كتصرف العامل يف الـمضاربة ‪.‬‬‫بني الـ ِ‬

‫الفرع الرابع ‪ :‬تـحديد يد الـمصرف على الـمال‬

‫يتضح لنا أن يد الـمصرف على ىذه الودائع يد أمانة ‪ ،‬وال تضمن إال بالتعدي ‪.‬‬

‫الفرع الـخامس ‪ :‬ىل يـجوز للبنك أن يدفع الـمال إىل غريه ليتجر فيو ؟‬

‫وقد اتفق العلماء على أن للمضارب ال يـجوز دفع رأس مال الـمضاربة إىل غريه يف الـمضاربة‬
‫الـمطلقة ‪.‬‬

‫مفوضة إىل قولني ‪:‬‬


‫ولكنهم اختلفوا يف الـمضاربة الـ ِّ‬

‫القول األول ‪ :‬يـجوز دفعها إىل غريه ‪.‬‬ ‫‪.1‬‬


‫‪23‬‬
‫السبب ‪:‬‬
‫ألن التفويض إنـما ينصرف إىل كل ما من شأنو أن يؤدي إىل الربح ‪.‬‬ ‫‪.i‬‬
‫والـمضارب قد يرى غريه أبصر وأعرف منو بشئون التجارة ‪.‬‬ ‫‪.ii‬‬

‫القول الثاين ‪ :‬ال يـجوز دفعها إىل غريه ‪.‬‬ ‫‪.2‬‬

‫السبب ‪:‬‬
‫ألن إلخراج دفع مال الـمضاربة إىل غريه ال بد من اإلذن الصريح ‪.‬‬ ‫‪.i‬‬
‫ألن دفع الـمال إىل الغري خارج من معنـى التفويض ‪.‬‬ ‫‪.ii‬‬

‫والراجح ‪ ،‬ىو ما ذىب إليو القول األول ‪ ،‬ألن التفويض يـحمل يف كل ما من شأنو تـحقيق‬
‫الربح من أوجو التجارة الـمشروعة ‪ .‬والـمضاربة الثانية ىي لتحقيق ىذا الربح ‪.‬‬

‫الفرع السادس ‪ :‬ىل يـمكن للعميل أن يسحب جزءا من أموالو من حساب استثماري قبل‬
‫نـهاية الـمدة ؟‬

‫وقد تطرأ ِ‬
‫للمودع ظروف تستوجبو لـمثل ىذا الطلب ‪ .‬فالـمصارف ال بد أن ال يـمنع ذلك ‪.‬‬
‫ولو ثالثة صور ‪:‬‬

‫‪24‬‬
‫الصورة األوىل ‪ :‬إن كان ىناك ربح ظاىر ‪ ،‬فيستحق حصتو من الربح يف وقت سحبو ‪.‬‬

‫الصورة الثانية ‪ :‬إن كان ىناك الـخسارة ‪ ،‬فعليو أن يتحمل ىذه الـخسارة ‪.‬‬

‫الصورة الثالثة ‪ :‬إن لـم يكن ىناك الربح ‪ ،‬ال يستحق شيئًا من الربح ‪.‬‬

‫الـمطلب الثالث ‪ :‬ودائع التوفري‬

‫ىي أموال تقدم للمصارف بقصد ادخارىا لوقت الـحاجة إليها ‪ ،‬وتقوم الـمصارف بنوعيها‬
‫(الربوية واإلسالمية) بفتح حساب االدخار (توفري) وتـختلف التسمية لـهذه الـحسابات لكن‬
‫الـمضمون ىو نفسو ‪ .‬فيطلق عليها الودائع االدخارية أو التوفري ‪.‬‬

‫وتكون الـمصارف اإلسالمية بتخيري أصحاب ىذه الودائع ‪:‬‬

‫بني إيداعها بالكامل يف حساب االستثمار ‪ ،‬حيث تشارك يف الربح والـخسارة ‪،‬‬ ‫‪.i‬‬

‫وبني إيداع قسم منها يف حساب االستثمار ‪ ،‬وقسم يًتك يف حساب االدخارية‬ ‫‪.ii‬‬
‫لـمواجهة السحب الـمتحمل تبعا لـحاجة الـ ِ‬
‫مودع ‪،‬‬

‫‪25‬‬
‫وبـيـن إيداع ىذه األموال دون أخـذ أربـاح مع قيام الـمصارف بضمان رد أصل‬ ‫‪.iii‬‬
‫الـمال ‪.‬‬

‫وفيما يتعلق بضمان ىذه الودائع ‪ ،‬فإنـها إذا ُوضعت يف الـمصرف بقصد االستثمار ‪ ،‬فإنو ال‬
‫ضمان على الـمصرف ‪ .‬أما إذا ُوضعت بقصد إقراض الـمصرف ‪ ،‬فإن الـمصرف يضمن‬
‫الوديعة ‪.‬‬

‫الـمطلب الرابع ‪ :‬الـخزانات الـمقفولة‬


‫وىـي الودائع التـي توضع يف مـخازن معينة يستأجرىا الـ ِ‬
‫مودع من البنك ‪ ،‬ويودع فيها أموالو‬
‫بنفسو ‪ ،‬وال عالقة للبنك بـهذه األموال ‪ .‬بل وال يعرف موظفو (البنك) ما أودع فيها ‪.‬‬

‫المبحث الرابع ‪ :‬قرار مجلس مجمع الفقه اإلسالمي‬

‫القرار األول لمجمع المنظمة‬

‫بسم ا﵁ الرمحن الرحيم‬

‫‪26‬‬
‫ال ـحـمـد ﵁ رب الـعالـمني ‪ ،‬والصالة والسالم على سيدنا مـحمد خاتـم النبـيني وعلى آلو‬
‫وصـحبو ‪.‬‬

‫قرار رقم ‪09/3/00 :‬‬

‫بشأن ‪ :‬الودائع المصرفية ( حسابات المصرفية )‬

‫إن مـجلس مـجمع الفقو اإلسالمي الـمنعقد يف دورة مؤتـمره التاسع بأبـ ـي ظـب ـي بدولة‬
‫اإلمارات العربية العربية الـمتحدة من ‪ 6-1‬ذي القعدة ‪1415‬ىـ ‪ ،‬الـموافق ‪ 7-1‬أبريل‬
‫‪1995‬م ‪.‬‬

‫بعد اطالعو على البحوث الواردة إىل الـمجمع بـخصوص موضوع ‪ ] :‬الودائع‬
‫الـمصرفية (حسابات الـمصارف) [ وبعد استماعو إىل الـمناقشات الت ـي دارت حولو ‪ ،‬قرر ما‬
‫يلي ‪:‬‬

‫أوال ‪ :‬الودائع تـحت الطلب ( الـحسابات الـجارية ) سواء أكانت لدى البنوك‬
‫ً‬
‫اإلسالمية أو البنوك الربوية ىي قروض بالـمنظور الفقهي حيث إن الـمصرف الـمتسلم لـهذه‬
‫شرعا بالرد عند الطلب ‪ ،‬وال يؤثر على حكم القرض كون‬
‫الودائع يده يد ضمان وىو ملزم ً‬
‫البنك (الـمقرض) ‪ ،‬مليئا ‪.‬‬

‫ثانيًا ‪ :‬إن الودائع الـمصرفية تنقسم إىل نوعني بـحسب واقع التعامل الـمصرف ـي ‪:‬‬

‫‪27‬‬
‫الودائع اليت تدفع لـها فوائد ‪ ،‬كما ىو الـحال يف البنوك الربوية ‪ ،‬ى ـي قروض‬ ‫(أ)‬
‫ربوية مـحرمة سواء أكانت من نوع الودائع تـحت الطلب (الـحسابات الـجارية)‬
‫‪ ،‬أم الودائع ألجل ‪ ،‬أم الودائع بإشعار ‪ ،‬أم حسابات التوفري‪.‬‬
‫(ب) الودائع اليت تسلم للبنوك الـملتزمة فعليًا بأحكام الشريعة اإلسالمية بعقد‬
‫استثماري على حصة من الربح ىي رأس مال مضاربة ‪ ،‬وتطبق عليها أحكام‬
‫الـمضاربة (القراض) يف الفقو اإلسالمي اليت منها عدم جواز ضمان ادلضارب‬
‫(البنك) لرأس مال الـمضاربة ‪.‬‬

‫ثالثا ‪ :‬إن الضمان يف الودائع تـحت الطلب (الـحسابات الـجارية) ىو على الـمقًتضني‬
‫لـها (الـمسامهني يف البنوك) ما داموا ينفردون باألرباح الـمتولدة من استثمارىا ‪ ،‬وال يشًتك يف‬
‫مودعون يف حسابات االستثمار ‪ ،‬ألنـهم لـم يشاركوا يف‬ ‫ضمان تلك الـحسابات الـجارية الـ ِ‬
‫اقًتاضها وال استحقاق أرباحها ‪.‬‬

‫ابعا ‪ :‬إن رىن الودائع جائز ‪ ،‬سواء أكانت من الودائع تـحت الطلب (الـحسابات‬
‫رً‬
‫الـجارية) أم الودائع االستثمارية ‪ ،‬وال يتم الرىن على مبالغها إال بإجراء يـمنع صاحب‬
‫الـحساب من التصرف فيو طيلة مدة الرىن ‪ .‬وإذا كان البنك الذي لديو الـحساب الـجاري‬
‫ىو ادلرتـهن لزم نقل الـمبالغ إىل حساب استثماري ‪ ،‬بـحيث ينتفي الضمان للتحول من‬
‫القرض إىل القراض (الـمضاربة) ويستحق أرباح الـحساب صاحبو جتنبًا النتفاع الـمرتـهن‬
‫(الدائن) بنماء الرىن ‪.‬‬

‫خامسا ‪ :‬يـجوز الـحجز من الـحسابات إذا كان متف ًقا عليو بني البنك والعميل ‪.‬‬
‫ً‬
‫‪28‬‬
‫سادسا ‪ :‬األصل يف مشروعية التعامل األمانة والصدق باإلفصاح عن البيانات بصورة‬
‫ً‬
‫تدفع اللبس أو اإليهام ‪ ،‬وتطابق الواقع وتنجسم مع منظور الشرعي ‪ ،‬ويتأكد ذلك بالنسبة‬
‫ودفعا للتغرير بذي‬
‫للبنوك تـجاه ما لديو من حسابات التصال عملها باألمانة الـمقًتضة ً‬
‫العالقة ‪.‬‬

‫*****‬

‫القرار الثاني لمجمع الرابطة‬

‫بشأن ‪ :‬حماية الحسابات االستثمارية في المصارف اإلسالمية‬

‫الـحمد ﵁ وحده ‪ ،‬والصالة والسالم على من ال نب ـي بعده أما بعد ‪:‬‬

‫فإن مـجلس الـمجمع الفقو اإلسالمي الـمنعقد يف دورة مؤتـمره السادسة عشرة الـمنعقد‬
‫بـمكة الـمكرمة ‪ ،‬فـي الـمدة من ‪1422/10/26-21‬ىـ الذي يوافقو ‪، 2002/1/10-5‬‬
‫قد نظر يف موضع حـماية الـحسابات االستثمارية يف الـمصارف اإلسالمية‪ ،‬وبعد استعراض‬
‫البحوث الت ـي قدمت ‪ ،‬والـمناقشات الـمستفيضة حول الـموضوع ‪ ،‬قرر ما يأتـي ‪:‬‬

‫أوال ‪ :‬إن حـماية الـحسابات االستثمارية يف الـمصارف اإلسالمية بوجهيها‬


‫ً‬
‫الوقائي والعالجي أمر مطلوب ومشروع ‪ ،‬إذا استخدمت لتحقيقو الوسائل الـمشروعة ‪ ،‬ألنو‬
‫يـحقق مقصد الشريعة يف حفظ الـمال ‪.‬‬

‫‪29‬‬
‫ثانيًا ‪ :‬يـجب على الـمصارف اإلسالمية إن تتبع يف أثناء إدارتـها ألموال الـمستثمرين‬
‫اإلجراءات والوسائل الوقائية الـمشروعة والـمعروفة يف العرفـي الـمصرفـي ‪ ،‬لـحماية الـحسابات‬
‫االستثمارية وتقليل الـمخاطر ‪.‬‬

‫ثالثا ‪ :‬إذا وقع الـمصرف الـمضارب يف خسارة ‪ ،‬فإن الـمجمع يؤكد القرار السادس لو‬
‫يف دورتو الرابعة عشرة ‪ ،‬الـمنعقدة بتاريخ ‪1415/8/20‬ىـ ‪ ،‬والقاضي بأن ‪ ( :‬الـخسارة فـي‬
‫مال الـمضاربة على رب الـمال يف مالو ‪ ،‬وال يسأل عنها الـمضارب إال إذا تعدى على الـمال‬
‫أو قصر يف حفظو وبذل العناية الـمطلوبة عرفًا يف التعامل بو )‪.‬‬

‫ابعا ‪ :‬يـحث الـمجمع الـجهات العلمية والـمالية والرقابية ‪ ،‬على العمل على تطوير‬
‫رً‬
‫الـمعايري واألسس الـمـحاسبية الشرعية الت ـي يـمكن من خاللـها التحقق من وقوع التعدى أو‬
‫التفريط ‪ ،‬كما يـحث الـحكومات على إصدار األنظمة والتعليمات الالزمة لذلك ‪.‬‬

‫خامسا ‪ :‬يـجوز ألرباب األموال أصحاب الـحسابات االستثمارية التأمني على‬ ‫ً‬
‫حساباتـهم االستثمارية تأمينا تعاونيا ‪ ،‬بالصيغة الواردة يف القرار الـخامس للمجمع يف دورتو‬
‫األوىل من عام ‪1398‬ىـ ‪.‬‬

‫وا﵁ ويل التوفيق ‪ ،‬وصلى ا﵁ على سيدنا حممد ‪.‬‬

‫*****‬

‫‪30‬‬

You might also like