Professional Documents
Culture Documents
1
أحكام الوديعة
واصطالحا
ً المبحث األول :تعريف الوديعة لغةً
فعيلة مبعٌت َ :م ْفعُ ْولَةٌ ،من الودع ،وىو الًتك .
2
الوديعة اصطالحا :
استدل الفقهاء على مشروعية الوديعة بالكتاب والسنة واإلمجاع والـمعقول .
أما الكتاب :فبعموم قولو تعاىل َ ﴿ :وتَ َع َاونُوا َعلَى الْبِ ِّر َوالتَّ ْق َوى ﴾ .
أد
أما السنة :فعن أبـي ىريرة رضي ا﵁ عنو قال :قال رسول ا﵁ صلى ا﵁ عليو وسلم ِّ (( :
األمانة إلى من ائتمنك وال تخن من خانك )).
3
وقال أيضا من حديث أيب ىريرة رضي ا﵁ عنو :قال رسول ا﵁ صلى ا﵁ عليو وسلم (( :من
َّنفس عن مؤمن كربة من كرب الدنيا َّ ،نفس اهلل عنه كربة من كرب يوم القيامة .ومن
يسر على معسر ،يسر اهلل عليه في الدنيا واآلخرة ، ...واهلل في عون العبد ما كان
العبد في عون أخيه )) .
أما اإلمجاع :فأجـمع العلماء كل عصر على جواز اإليداع واالستيداع .والعربة تقتضيها .
قال الـحنفية :قبول الوديعة مستحب ،ألنـها من باب اإلعانة ،وىي مندوبة لقول .1
تعاىل َ ﴿ :وتَ َع َاونُوا َعلَى الْبِ ِّر َوالتَّ ْق َوى ﴾.وقولو صلى ا﵁ عليو وسلم (( :واهلل في
عون العبد ما كان العبد في عون أخيه )) .
قال الـمالكية :حكم الوديعة من حيث ذاتـها األباحة يف حق الفاعل والقابل على .2
السواء ،غري أنو قد يعرض وجوبـها يف حال الفاعل إذا خشي ضياعها أو ىالكها إن
لـم يودعها ،مع وجود قابل لـها قادر على حفظها .
4
وحرمتها إذا كان الـمال مغصوبا أو مسروقا ،لوجوب الـمبدرة إىل ردىا لـمالكو .
قال الشافعية :يستحب لـمن قدر على حفظ الوديعة وأداء األمانة فيها أن يقبلها ، .3
ألنو من التعاون الـمأمور بو .فإن لـم يكن ىناك من يصلح لذلك غريه وخاف إن لـم
يقبل أن تـهلك ،تعني عليو أصل قبولـها ،أي لزمو بعينها ،ألن حرمة مال الـمسلم
كحرمة دمو ،ولكن دون أن يتلف منفعة نفسو وحرزه يف الـحفظ من غري عوض ،
كما يف أداء الشهادة باألجرة .
قال النووي :ولو تعني عليو قبول وديعة ،فلم يقبلها وتلفت فهو ٍ
عاص ،وال ضمان
عليو ،ألنو مل يلتزم الـحفظ .
وذىب الـحنابلة إلـى أن قبولـها مستحب لـمن علم من نفسو أنو ثقة قادر على .4
حفظها ،ويكره لغريه ،ألن فيو تغريرا بصاحبها ،إال أن يرضى ربـها بعد إعالمو بذلك
إن كان ال يعلمو النتفاء التغرير .
ذىب مجهور الفقهاء من الـمالكية والشافعية والـحنابلة إىل أن أركان الوديعة ىي :
5
الصيغة ،وىي اإلجياب والقبول . .1
مستودع . ِ
العاقدان ،ومها الـمودع والـ َ .2
ا﵀ل ،وىو العني ادلودعة . .3
وخالفهم الـحنفية يف ذلك التقسيم ،إذ اعربوا ركن الوديعة الصيغة الـمؤلفة من اإليـجاب
والقبول الدالني على الًتاضي ،وذلك ألن الـمراد اإليداع وىو العقد ،وذلك ىو الركن الذي
تتحقق بو الوديعة .كقول الـ ِ
مودع :أودعتُك ىذا الـمال ،أو ما يقوم مقامو من األقوال
مودع بالقول والفعل أو الفعل فقط .
واألفعال .والقبول من الـ َ
الركن األول وشرطو :
قال الـحنفية :وركنها اإليـجاب قوالً صريـ ًحا أو كنايةً أو فعال ،والقبول من الـمودع صريـحا أو
داللة يف حق وجوب الـحفظ .
قال الـمالكية :الصيغة ىي كل ما يفهم منو طلب الـحفظ ،ولو بقرائن األحوال ،وال
تتوقف على إيـجاب وقبول باللفظ .
وقال الشافعية والـحنابلة :يشًتط لصحة اإليداع اإليـجاب من الـ ِ
مودع لفظا .أما القبول ،
فيصبح بكل لفظ أو فعل دال عليو .
6
مستودع ما يلي : ِ
يشًتط يف كل الـمودع والـ َ
شروط الـ ِ
مودع (أ)
اتفق الفقهاء على أنو يشًتط يف ادلودع أن يكون جائز التصرف .وىو العاقل
التـمميز عند احلنفية ،والبالغ العاقل الرشيد عند مجهور الفقهاء .
أما الصيب الـمميز ،فقد اختلف الفقهاء يف صحة إيداعو على قولني :
القول األول للحنفية والـحنابلة وقول للمالكية ،وىو صحة إيداع الصيب الـمميز إذا
كان مأذونا لو .أما الصيب غري الـمأذون ،فال يصح قبول الوديعة منو ألنو ال
يـحفظ الـمال عادة .
القول الثاين للشافعية والـمالكية يف الـمشهور ،وىو عدم صحة إيداعو مطلقا سواء
أكان مـميزا أو غري مـميز ،مأذونا لو أو غري مأذون .وألـحقوا إيداعو بالعدم .
مستودع
(ب) شروط الـ َ
مستودع شرطان :
يشًتط يف الـ َ
الشرط األول :أن يكون جائز التصرف ،كما يف الـ ِ
مودع .
ولكنهم قد اختلفوا يف صحة استيداع الصبـي الـمميز على أربعة أقوال :
7
.iالقول األول ألكثر الـمالكية والشافعية يف األظهر والـحنابلة يف الـمعتمد ،
وىو أنو ال يصح استيداع الصيب ،مـميزا كان أو غري مـميز ،ألن القصد
من اإليداع الـحفظ ،والصيب ليس من أىلو .وعلى ذلك ،فلو أودع أحد
وديعة عند صبـي فتلفت عنده ،لـم يضمنها ،سواء حفظها أم فرط يف
حفظها .
.iiالقول الثاين للحنفية ،وىو أن الصيب الـمميز إذا كان مأذونا بالتجارة ،
فيصح قبولو الوديعة ،ألنو من أىل احلفظ .أما الصبـي الـمحجور ،فال
يصح قبول الوديعة منو ،ألنو ال يـحفظ الـمال عاد ًة .
.iiiالقول الثالث البن الرشد من الـمالكية ،وىو أن الصبـي الـمميز يصح أن
يتوكل ،فيصح أن يكون أمينا لغريه يف حفظ الوديعة .
.ivالقول الرابع البن عرفة الـمالكي ،وىو أن شرط الوديعة باعتبار جواز
فعلها وقبولـها حاجة الفاعل ،وظن صونـها من القابل .فيجوز أن يودع
الصبـي ما خيف تلفو بيد مالكو .
8
الشرط الثاين :أن يكون معينا .
نص الـحنابلة على أنو يشًتط لصحة عقد الوديعة أن يكون الوديع معينا وقت
اإليـجاب .
.iالقول األول :ذىب الـحنفية والـمالكية إىل اشًتاط كون العني الـمودعة ماال ،فما
ليس مبال – كالـميتة والدم ونـحوىـما – ال يصح ورود عقد اإليداع عليو ،ألن عند
ماليتو يتناىف مع تشريع حـمايتو لصاحبو بعقد الوديعة ،واعتباره أمانة سرعية واجبة
الـحفظ والصون لصاحبها يف يد الوديع .
.iiالقول الثاين :أما الشافعية والـحنابلة ،فاشًتطوا لصحة العقد أن تكون العني الـمودعة
ماال أو مـختصا ،ولـم يقصروا على الـمال وحده .
9
.iالقول األول :ذىب ابن عرفة من الـمالكية على أنو يشًتط يف العني الـمودعة أن
تكون مـما يـمكن نقلو ،فيخرج العقار .
.iiالقول الثاين :ذىب جـمهور الفقهاء من الـحنفية والـمالكية والشافعية إىل عدم اشًتاط
ذلك ،فتصح أن تكون العني الـمودعة عقارا أو منقوال .
اتفق علماء الـمذاىب على أن الوديعة قربة مندوب إليها ،وأن يف حفظها ثوابا ،وأنـها أمانة
مـحضة ،ال مضمونة .وأن الضمان ال يـجب على الوديع إال بالتعدي أو التقصري ،لقولو
عليو الصالة والسالم (( :ليس على المستودع غير المغل ضمان )) وقولو (( :ال ضمان
على مؤتمن )) .واشًتاط الـضمان على األمني باطل ،وىو الـمفىت بو عند الـحنفية .
10
ويًتتب عليو أنو يـجب ردىا عند طلب الـمالك مع اإلمكان ،لقولو تعاىل ﴿ :إِ َّن اهللَ
ات إِلَى أ َْهلِ َها ﴾ .
يأْمرُكم أَ ْن تُ َؤدُّوا األمانَ ِ
َ َ ُُ ْ
ولكل واحد من العاقدين فسخ اإليداع مىت شاء دون إذن العاقد اآلخر ،ألن عقد اإليداع
جائز غري الزم ،فللمودع اسًتداد الوديعة مىت شاء ،وللوديع ردىا على الـمودع أيضا مىت
شاء.
القول األول :يـجيز أخذ األجرة على حفظ الوديعة وعلى حرزىا .
والراجح ىو ما ذىب إليو القول بـجواز األخذ تـحقيقا للمصلحة .وذلك ألن القول بعدم
الـجواز يؤدي إىل صرف الناس عن قبول الوديعة ،فتتعطل الـمصالـح اليت شرعت من أجلها
وجازت الوديعة.
11
الـمطلب الثالث :استعمال مال الوديعة
ضا فَ لْيُ َؤ ِّد الَّ ِذي ائْ تُ ِم َن األصل يف الوديعة أنـها أمانة ،لقولو تعاىل ﴿ :فَِإ ْن أ َِم َن بَ ْع ُ
ض ُك ْم بَ ْع ً
مودع يف الوديعة ،لقولو صلى ا﵁ عليو وسلم (( :من أ ََمانَتَهُ ﴾ ،وأنو ال ضمان على الـ َ
أودع وديعةً ،فال ضمان عليه )) .
إذا انتفع الوديع بالوديعة بالوديعة كركوب الدابة ولبس الثوب ،فإنو يصري ضامنًا .
-فقال مجهور الـحنفية كما عرفنا من قاعدتـهم :ال ضمان عليو ،ألنو مـمسك لـها بإذن
مالكها ،فأشبو ما قبل االستعمال .
-وقال الـمالكية والشافعية والـحنابلة :إذا تلف الوديعة بعد استعمالـها يضمنها ،ولو
كان التلف بسبب سـماوي ،ألنو بالتعدي يف االستعمال قد ارتفع حكم الوديعة
وبطل االتئمان .
12
-قال أبو حنيفة :للوديع أن يسافر بالوديعة إذا كان الطريق آمنًا ،ولـم ينهو صاحب
الوديعة ،بأن كان العقد مطلقا .وذلك ألن األمر بـحفظ الوديعة صدر مطلقا عن
تعيني الـمكان ،فال يـجوز التعيني إال بدليل .وعلى ىذا ،فلو سافر فتلفت الوديعة ال
يضمن .
-وقال الصاحبان :إن كان للوديعة محل ومؤنة ،ال ميلك الـمسافرة بـها ،ألن يف
الـمسافرة مبا لو حـمل ومؤنة ضررا بالـمالك لـجواز أن يـموت الوديع يف السفر .
فيحتاج الـمالك إىل االسًتداد من موضع يكفلو محال ومؤنة عظيمة .فيتضرر بو ،
بـخالف ما إذا لـم يكن لـها حـمل ومؤنة .
-وقال الـمالكية :ليس للوديع أن يسافر بالوديعة ،إال أن تعطي لو يف سفر .فإذا أراد
السفر ،فلو إيداعها عند ثقة ومؤتـمن من أىل البلد ،وال ضمان عليو ،سواء قدر
على دفعها إىل الـحاكم ،أو لـم يقدر .
-وقال الشافعية والـحنابلة :ليس للوديع الـمسافرة بالوديعة ،فإن أراد السفر ردىا إىل
صاحبها أو وكيلو إن قدر على الرد .فإن لـم يقدر ،كأن لـم يـجد صاحبها ،سلمها
إىل الـحـاكم .وذلك ألنو متربع بإمساكها ،فال يلزمو استدامتو والـحاكم يقوم مقام
صاحبها عند غيبتو .فإن سافر بـها ،ضمن .
13
الـمطلب الـخامس :خلط الوديعة بغريىا
مستودع ،أو كان الـخلط منو وأمكن التمييز ،فال ضمان إذ ال
وإن الـخلط دون تفريط من الـ َ
ضرر وال نقص يلحق صاحب الـمال .
مودع الوديعةَ بـمالو وىي ال تتميز أو لـم يـحفظها كما يـحفظ مالَو أو أودعها
أما إن خالط الـ َ
َغْيـَره ،فهو ضامن .
من اتـجر بـمال الوديعة ،فالربح لو حالل .وقال أبو حنيفة :الربح صدقة .وقال قوم :
الربح لصاحب الـمال .
14
الفصل الثاني :أحكام الوديعة يف مهظور الـنصارف الـنعاصرة .
ىي األموال التـي يعهد بـها األفراد أو الـهيئات إىل الـمصرف على أن يتعهد برد (أ)
مساو لـها إليهم أو نفسها لدى الطلب أو بالشروط الـمتفق عليها .
(ب) ىي عبارة عن مبلغ من النقود ،يودع لدى البنوك بوسيلة من وسائل اإليداع .
15
الـمطلب الثاين :أىـمية الودائع الـمصرفية
للودائع أىـمية كربى بالنسبة لعمل الـمصارف ،يـمكن تـخليصها يف اآلتـي :
أنو تعترب الـمصدر الرئيسي لألموال التـي يعتمد عليها الـمصرف يف أنشطتو ،بل (أ)
تعترب أساس موارده وأىم مصادر التمويل لو .
(ب) أنـها متنح البنك القدرة على خلق االئتمان بدرجة كبرية أكرب من كمية تلك
الودائع ،واالئتمان خيلق بدوره الوديعة الـمصرفية أيضا .
(ت) أن الوديعة الـمصرفية تـمثل غالبا أمواال عاطلة عن التأثري إما لقلتها أو ألنـها ال
تعرف سبيلها للدخول يف الـحياة االقتصادية بشكل مؤثر يف حني تدخل مدد
إيداعها يف حوض االستثمار الكبري ،وىو القادر على تـمويل الـمشارع الضخمة .
16
(ب) أنـها قد تكون تـحت الطلب ،وقد تكون لألجل .
(ت) أنـها تـمثل عملية الزمة بشروطها .
(ث) أن للبنك دفع ما يعادلـها من النقود قانونية دون االلتزام بالـمظهر الـمادي الذي
دفعت إليو .
(ج) أن للبنك حق يف التصرف بـها بـما يشاء ،ألنـها ملكو .
(ح) أن البنك يضمن ما يعادلـها يف كل أحوال .
الـمبالغ النقدية التـي تودع لدى الـمصارف بقصد أن تكون مهيأة للسحب (أ)
عليها عند الـحاجة .
17
(ب) الـحسابات التـي يقوم أصحابـها بفتحها يف البنك إليداع أموالـهم بغرض
حفظها والتعامل اليومي بـها بقصد أن تكون حاضرة للتداول والسحب عليها
عند الـحاجة لـها ،وبـمجرد الطلب ،ودون توقف على أخطار سابق .
السبب :
أن البنك لـم يتسلم ىذه الوديعة على أنـها قرض لوجود الـحظر الشديد يف .i
استعمالـها والتصرف من جانبو .
الـمبادرة الفورية بردىا عند الطلب . .ii
الـمناقشة :
18
أن الوديعة الـمصرفية ال ينطبق عليها اصطالح الوديعة الشرعية ألن البنوك والـمصارف
ال تأخذىا كأمانة وتردىا إىل أصحابـها بعينها ،وإنـما تتصرف فيها وتلتزم برد الـمثل .
وأحيانًا ،تدفع فوائد على األموال التـي تودع عندىا .
السبب :
ونوعا .
قدرا ً
أنـها وديعة ال يلتزم فيها الـمصرف برد عينها وإنـما يرد مثلها ً ، .i
الـمناقشة :
أن ىذا يـخالف واقع نظام اإليداع الـمصرفـي ،إذ أن الـمصرف ال يـحتفظ بأجزاء من
األموال بأعيانـها وإنـما يـحتفظ بنسبة من الـمبلغ .
السبب :
19
الستعمال النقود . .i
ألنـها تدخل تـحت عقد اإلجارة . .ii
الـمناقشة :
أن النقود ال يـمكن االنتفاع بـها مع بقاء أعيانـها ،وما ال ينتفع بو مع بقاء عينو ال
يصلح للتأجري .
القول الرابع :أنـها تعترب قرضا ،وىذا ىو قول أكثر العلماء الـمعصرين .وىذا ىو .4
الراجح .
السبب :
مصرف ال يلتزم بـحفظ عني الوديعة بل يتملكها .
ألن الـ ِّ .i
وألنو يلتزم برد مبلغ مـماثل لـما أخذه . .ii
والـمصرف يتحمل خطر ىالكو بقوة قاىرة . .iii
20
والواقع ،أن البنك يأخذ ىذه األموال بقصد استغاللـها واستعمالـها يف نشاطاتو
الـمختلفة .ونظامو األساسي ينص على أن ما دخلو يكون على سبيل التملك .
والـ ِ
مودع يضع مالو وقد علم أن العمل الـمصرفـي ال يـحفظ ىذه األموال ويعمل بـها
حسب نشاطاتو ويلتزم برد مثلها فقط .
أما ضمان احلسابات الـجارية ،فإنو على الـمصرف وحدىم ألن يده على ىذا الـحساب يد
ضمان عند الـجمهور .وذلك ألن األصل يف الوديعة ،عدم االنتفاع بـها .فإذا انتفع كان
معتديا ،وإذا تلف ضمنها .
الـمبالغ التـي يتم إيداعها من قبل أصحابـها يف الـمصارف بقصد الـحصول على (أ)
دخل مستمر منها .
21
(ب) ىي األموال التـي يضعها أصحابـها يف الـمصرف بقصد الـحصول على الربح ،
بشرط عدم السحب منها ،إال بعد انقضاء فًتة مـحددة ،حددت يف العقد .
ول ـكن أن لصاحب الـودي ـعة ف ـي ى ـذا ال ـن ـوع أن ي ـس ـح ـب ش ـي ـئ ـا م ـن ـه ـا إال ب ـعـ ـد فـ ـتـ ـرة
متفق عليها .
وتسمية الودائع االستثمارية باسم الوديعة بعيدة عن واقعها ،وما قيل يف غريىا من
شرعا ال قيود على سحبها وإعادتـها إىل الودائع يصلح للقول فيها .وذلك ألن الوديعة ً
أصحابـها ،بل القيود تكون على شخص الذي احتضن الـمال (الوديع) لـمنعو من التصرف
بـها أو استعمالـها دون إذن الـ ِ
مودع .ذلك فهي ليست ودائع بالـمعٌت الفقهي للوديعة ،وإنـما
22
ىي أموال ُو ِض َعت قيد االستثمار تـحت تصرف الـمصرف ،وقام الـمصرف بوضع قيود على
سحبها ،أو التصرف بـها بصفتها رأس مال مشارك يف االستثمار .
ويـمكن تكييف الوديعة االستثمارية يف البنوك اإلسالمية الصحيحة ؛ بأنو عقد شركة
مودع والـمصرف ،وأن الـمصرف يتصرف بالـحساب كتصرف العامل يف الـمضاربة .بني الـ ِ
يتضح لنا أن يد الـمصرف على ىذه الودائع يد أمانة ،وال تضمن إال بالتعدي .
الفرع الـخامس :ىل يـجوز للبنك أن يدفع الـمال إىل غريه ليتجر فيو ؟
وقد اتفق العلماء على أن للمضارب ال يـجوز دفع رأس مال الـمضاربة إىل غريه يف الـمضاربة
الـمطلقة .
السبب :
ألن إلخراج دفع مال الـمضاربة إىل غريه ال بد من اإلذن الصريح . .i
ألن دفع الـمال إىل الغري خارج من معنـى التفويض . .ii
والراجح ،ىو ما ذىب إليو القول األول ،ألن التفويض يـحمل يف كل ما من شأنو تـحقيق
الربح من أوجو التجارة الـمشروعة .والـمضاربة الثانية ىي لتحقيق ىذا الربح .
الفرع السادس :ىل يـمكن للعميل أن يسحب جزءا من أموالو من حساب استثماري قبل
نـهاية الـمدة ؟
وقد تطرأ ِ
للمودع ظروف تستوجبو لـمثل ىذا الطلب .فالـمصارف ال بد أن ال يـمنع ذلك .
ولو ثالثة صور :
24
الصورة األوىل :إن كان ىناك ربح ظاىر ،فيستحق حصتو من الربح يف وقت سحبو .
الصورة الثانية :إن كان ىناك الـخسارة ،فعليو أن يتحمل ىذه الـخسارة .
الصورة الثالثة :إن لـم يكن ىناك الربح ،ال يستحق شيئًا من الربح .
ىي أموال تقدم للمصارف بقصد ادخارىا لوقت الـحاجة إليها ،وتقوم الـمصارف بنوعيها
(الربوية واإلسالمية) بفتح حساب االدخار (توفري) وتـختلف التسمية لـهذه الـحسابات لكن
الـمضمون ىو نفسو .فيطلق عليها الودائع االدخارية أو التوفري .
بني إيداعها بالكامل يف حساب االستثمار ،حيث تشارك يف الربح والـخسارة ، .i
وبني إيداع قسم منها يف حساب االستثمار ،وقسم يًتك يف حساب االدخارية .ii
لـمواجهة السحب الـمتحمل تبعا لـحاجة الـ ِ
مودع ،
25
وبـيـن إيداع ىذه األموال دون أخـذ أربـاح مع قيام الـمصارف بضمان رد أصل .iii
الـمال .
وفيما يتعلق بضمان ىذه الودائع ،فإنـها إذا ُوضعت يف الـمصرف بقصد االستثمار ،فإنو ال
ضمان على الـمصرف .أما إذا ُوضعت بقصد إقراض الـمصرف ،فإن الـمصرف يضمن
الوديعة .
26
ال ـحـمـد ﵁ رب الـعالـمني ،والصالة والسالم على سيدنا مـحمد خاتـم النبـيني وعلى آلو
وصـحبو .
إن مـجلس مـجمع الفقو اإلسالمي الـمنعقد يف دورة مؤتـمره التاسع بأبـ ـي ظـب ـي بدولة
اإلمارات العربية العربية الـمتحدة من 6-1ذي القعدة 1415ىـ ،الـموافق 7-1أبريل
1995م .
بعد اطالعو على البحوث الواردة إىل الـمجمع بـخصوص موضوع ] :الودائع
الـمصرفية (حسابات الـمصارف) [ وبعد استماعو إىل الـمناقشات الت ـي دارت حولو ،قرر ما
يلي :
أوال :الودائع تـحت الطلب ( الـحسابات الـجارية ) سواء أكانت لدى البنوك
ً
اإلسالمية أو البنوك الربوية ىي قروض بالـمنظور الفقهي حيث إن الـمصرف الـمتسلم لـهذه
شرعا بالرد عند الطلب ،وال يؤثر على حكم القرض كون
الودائع يده يد ضمان وىو ملزم ً
البنك (الـمقرض) ،مليئا .
ثانيًا :إن الودائع الـمصرفية تنقسم إىل نوعني بـحسب واقع التعامل الـمصرف ـي :
27
الودائع اليت تدفع لـها فوائد ،كما ىو الـحال يف البنوك الربوية ،ى ـي قروض (أ)
ربوية مـحرمة سواء أكانت من نوع الودائع تـحت الطلب (الـحسابات الـجارية)
،أم الودائع ألجل ،أم الودائع بإشعار ،أم حسابات التوفري.
(ب) الودائع اليت تسلم للبنوك الـملتزمة فعليًا بأحكام الشريعة اإلسالمية بعقد
استثماري على حصة من الربح ىي رأس مال مضاربة ،وتطبق عليها أحكام
الـمضاربة (القراض) يف الفقو اإلسالمي اليت منها عدم جواز ضمان ادلضارب
(البنك) لرأس مال الـمضاربة .
ثالثا :إن الضمان يف الودائع تـحت الطلب (الـحسابات الـجارية) ىو على الـمقًتضني
لـها (الـمسامهني يف البنوك) ما داموا ينفردون باألرباح الـمتولدة من استثمارىا ،وال يشًتك يف
مودعون يف حسابات االستثمار ،ألنـهم لـم يشاركوا يف ضمان تلك الـحسابات الـجارية الـ ِ
اقًتاضها وال استحقاق أرباحها .
ابعا :إن رىن الودائع جائز ،سواء أكانت من الودائع تـحت الطلب (الـحسابات
رً
الـجارية) أم الودائع االستثمارية ،وال يتم الرىن على مبالغها إال بإجراء يـمنع صاحب
الـحساب من التصرف فيو طيلة مدة الرىن .وإذا كان البنك الذي لديو الـحساب الـجاري
ىو ادلرتـهن لزم نقل الـمبالغ إىل حساب استثماري ،بـحيث ينتفي الضمان للتحول من
القرض إىل القراض (الـمضاربة) ويستحق أرباح الـحساب صاحبو جتنبًا النتفاع الـمرتـهن
(الدائن) بنماء الرىن .
خامسا :يـجوز الـحجز من الـحسابات إذا كان متف ًقا عليو بني البنك والعميل .
ً
28
سادسا :األصل يف مشروعية التعامل األمانة والصدق باإلفصاح عن البيانات بصورة
ً
تدفع اللبس أو اإليهام ،وتطابق الواقع وتنجسم مع منظور الشرعي ،ويتأكد ذلك بالنسبة
ودفعا للتغرير بذي
للبنوك تـجاه ما لديو من حسابات التصال عملها باألمانة الـمقًتضة ً
العالقة .
*****
فإن مـجلس الـمجمع الفقو اإلسالمي الـمنعقد يف دورة مؤتـمره السادسة عشرة الـمنعقد
بـمكة الـمكرمة ،فـي الـمدة من 1422/10/26-21ىـ الذي يوافقو ، 2002/1/10-5
قد نظر يف موضع حـماية الـحسابات االستثمارية يف الـمصارف اإلسالمية ،وبعد استعراض
البحوث الت ـي قدمت ،والـمناقشات الـمستفيضة حول الـموضوع ،قرر ما يأتـي :
29
ثانيًا :يـجب على الـمصارف اإلسالمية إن تتبع يف أثناء إدارتـها ألموال الـمستثمرين
اإلجراءات والوسائل الوقائية الـمشروعة والـمعروفة يف العرفـي الـمصرفـي ،لـحماية الـحسابات
االستثمارية وتقليل الـمخاطر .
ثالثا :إذا وقع الـمصرف الـمضارب يف خسارة ،فإن الـمجمع يؤكد القرار السادس لو
يف دورتو الرابعة عشرة ،الـمنعقدة بتاريخ 1415/8/20ىـ ،والقاضي بأن ( :الـخسارة فـي
مال الـمضاربة على رب الـمال يف مالو ،وال يسأل عنها الـمضارب إال إذا تعدى على الـمال
أو قصر يف حفظو وبذل العناية الـمطلوبة عرفًا يف التعامل بو ).
ابعا :يـحث الـمجمع الـجهات العلمية والـمالية والرقابية ،على العمل على تطوير
رً
الـمعايري واألسس الـمـحاسبية الشرعية الت ـي يـمكن من خاللـها التحقق من وقوع التعدى أو
التفريط ،كما يـحث الـحكومات على إصدار األنظمة والتعليمات الالزمة لذلك .
خامسا :يـجوز ألرباب األموال أصحاب الـحسابات االستثمارية التأمني على ً
حساباتـهم االستثمارية تأمينا تعاونيا ،بالصيغة الواردة يف القرار الـخامس للمجمع يف دورتو
األوىل من عام 1398ىـ .
*****
30