You are on page 1of 5

‫تونس فس ‪ 15‬ماي ‪2011‬‬

‫هل ان شعار الجمهورية كافي ؟؟‬

‫كثرت النقاشات السياسية ‪ ،‬والمنابر اإلعالمية ‪ ،‬وحتى األحاديث بين المواطنين في المقاهي والشوارع ‪،‬‬
‫في الفترة األخيرة (بعد هروب بن علي ) في تونس حول مستقبل البالد‪  ‬تراوح بين مطالب باإلصالحات‬
‫االجتماعية والسياسية واالقتصادية ‪ ،‬والقطع الكامل مع ما سبق بما فيها الدعوات إلى رفض النظام‬
‫الجمهورية والديمقراطية وإقامة الخالفة اإلسالمية ‪...‬الخ‬

‫ولئن ظهرت الغلبة لصالح نظام جمهوري مدني في أوساط النخب السياسية والمثقفة وشريحة واسعة من‬
‫المواطنين ‪ ،‬إال أن المشاريع المعادية للديمقراطية والحداثة صراحة ظلت تستقطب المؤيدين واألنصار ‪،‬‬
‫تساندها في ذلك األحزاب الرافعة لشعارات الديمقراطية علنا وإعالميا والمرتكزة على مرجعيات شوفينية‬
‫ودينية من ناحية او تلك التي لم تستطع تحديد تكتيكات واضحة تتعلق باالنتقال السلمي من الديكتاتورية الى‬
‫الديمقراطية ‪ ،‬فظلت تراوح بين الدعوة الى إبقاء حالة توتر في الشارع لم تستطع تأطيرها وتوجيهها ‪،‬‬
‫فمثلت أرضية خصبة لتنامي مشاريع التطرف والفوضى ‪.‬‬

‫الوضع الحالي بتونس ‪:‬‬

‫لن أضيف الى واقع االمر شيئا ان قلت ان الحالة التونسية اآلن تعاني من فوضى على المستوى االمني‬
‫( االجرام) واالجدتماعي والسياسي ‪ ،‬تميزت بتنامي النزعات االجرامية واالنفالت على مستوى جزء من‬
‫المؤسسة االمنية ( خاصة المافيات التي ارتبطت بالفساد والتهريب في المظام السابق )‪ ،‬من ناحية وم‬
‫ناحية اخرى تراجع االستثمار الوطني واالجنبي ومعه تراجع‪  ‬الطاقة الوطنية لخلق مواطن شغل دائمة‬
‫وقارة تزامنت مع االزمة الليبية التي باتت تهدد امننا الوطني في كل مستوياته خاصة على حدودنا الشرقية‬
‫‪..‬الخ‬

‫ان المشهد الحالي الذي تمر به تونس كان يمكن ان بعتبرعاديا ومن افرازات الوضع االنتقالي لتحقيق‬
‫الديمقراطية المنشودة والسلم االجتماعي ‪ ،‬لو انه تميز بالجنوح نحو االستقرار ‪ ،‬ولكن الذي يتهددنا حقا هو‬
‫تلك الفورات من التوتر التي تعقب كل فترة للتهدئة السياسية والتي تنذر بتقويض العملية السياسية ككل‬
‫وتفتح على امكانيات وسيناريوهات جد سيئة وخطيرة ‪.‬‬

‫لن انساق في خطاب الحكومة االنتقالية بازمة اقتصادية حادة ‪ ،‬والذي في تقديري يغالي في استعمال‬
‫المقارانات الكمية بين السابق والحالي‪ ،‬خاصة فيما يتعلق بتدهور نسبة النمو‪  ‬مع مثيلتها في السنة الفارطة‬
‫‪،‬واعتقد ان ما تصرح به الحكومة ال يخرج عن كونه محاولة خاطئة لدفع الناس الى التهدئة باالعتماد على‬
‫المعطى االقتصادي ( امكانية عدم صرف االجور ‪ ،‬والسياحة ‪...‬اتلخ) ‪ ،‬الن الحكم على المعطى الكمي‬
‫وحده يغفل جوانب عديدة من بينها التدهور الوقتي لقيمة الدينار ‪ ،‬وخصوصية ختم السنة المالية في‬
‫ديسمبر واالمكانيات المتاحة للقاتصاد الوطني وميزانية الدولة بعد مصادرة امالك مافيات الطرابلسية‬
‫والحد من التفويت في موارد الدولة والسرقة والفساد المالي ‪...‬الخ والتي ان اتخذناها مجمعة قد تفتح على‬
‫مرحلة من الرخاء والوفرة في الموارد الوطنية ‪ ،‬ال أجزم هنا بان االقدم افضل ولكني ال اجنح الى السواد‬
‫الذي تروج له الحكومة المؤقتة ‪.‬‬

‫ولكن تبقى االشارة الى انه في ظل تواصل الوضع االمني الرديئ فاننا حتما سائرون من سيئ الى اسوا‬
‫وال يمكن للمجموعة الوطنية بأي حال من االحوال انقاذ الوضع االجتماعي واالقتصادي دون االتفاق على‬
‫ضرورة استعادة االستقرار االمني الذي يمهد له ويفتح عليه اتفاق سياسي حول الخطوط العريضة‬
‫لمستقبل النظام السياسي الذي يمكن ان يضمن التعايش السلمي بين التونسيين على مختلف مشاربهم‬
‫ومعتقداتهم وانتمائاتهم ‪ ،‬ومنه مستقبل الدولة ونمط الحكم الذي نريده أن يتأسس عبر السلطة االصلية التي‬
‫نسعى الرسائها ‪.‬‬

‫تجاذبات سياسية‬

‫تشهد الساحة السياسية تجاذبات عدة يمكن تقسيمها الى ثالث استقطابات كبرى تتميز كل منها عن االخرى‬
‫بنمط الحكم المراد ارسائها ‪ ،‬وتختلف كل منهاداخليا عبر المشروع المجتمعي الذي يسعى كل حزب او‬
‫مجموعة سياسية‪  ‬تطبيقه بما يخدم تصوره لمصالح المجموعة الوطنية عموما والمصالح الخاصة للطبقة‬
‫او الفئة االجتماعية التي يعتقد انه يمثلها ‪.‬‬

‫لنجد مجموعة من االحزاب والتجمعات الرافضة لنظام الحكم الجمهوري والدولة المدنية اصال ‪ ،‬مرتكزة‬
‫على مرجعية دينية‪  ‬سلفية متطرفة‪  ‬تطمح الى اقامة خالفة اسالمية تندرج ضمن رؤية شاملة‬
‫لالمبراطورية االسالمية ‪ ،‬تغيب كل امكانية لالختالف ‪ ،‬والتالقح الحضاري تسعى الى اغراقنا في‬
‫خصوصية تاريخية مشوهة ومزيفة ‪ ،‬تعادي االنفتاح على اآلخر والقيم الكونية لحقوق االنسان ‪ ،‬بل‬
‫وترفض صراحة قيم الديمقراطية والمساواة ‪ ،‬ان هته المجموعة أو الفئة السياسية غلب على تحركاتها‬
‫وتنظيمها االسلوب التآمري والدفع بالشارع التونسي الى الفوضى والضرب عرض الحائط بكل القوانين‬
‫والنواميس المجتمعية مستغلة في ذلك حالة االحتقان االجتماعي والسياسي من ناحية ‪ ،‬وانهيار السلطة‬
‫المركزية‪  ‬والرمزية السياسية للدولة واجهزتها من ناحية اخرى ‪ ،‬في محاولة منها لفرض تصوراتها‬
‫المتطرفة ( دول الخالفة ) الحامية لمصالح جزء من الرأسمال الريعي الخليجي والرأسمال الشرقي‬
‫المتراكم عبر قنواة تبييض االموال واالتجار في الممنوعات واالسلحة والذي يسعى الى االندماج في دورة‬
‫المال واالعمال عبر أجهزة سلطوية تدعمه ‪.‬‬

‫واما المجموعة الثانية فاغلبها يتشكل من أحزاب وشخصيات" مهاجرة" نشطت في أزمنة القمع البورقييبة‬
‫والبنعليية تحت مرجعيات وايديولوجيات متطرفة متدينة‪-‬أو معقلنة ‪ ،‬عانت من التضضيق ومصادرة حق‬
‫الننشاط وحتى من الموالحقات‪  ‬والمحاكمات الجائرة والتعذيب والنفي ‪،‬وقد ساهمت ظروفها تلك اضافة‬
‫الى كون جزء من قيادتها احتمى بالمجتمعات الغربية الديمقراطية (فرنسا وبريطانيا) وارتكز على دعم‬
‫منظماتها وحتى حكوماتها لتخفيف الخناق حولها ‪ ،‬والى جناب تحالفات والتقائات سياسية وطبقية دولية‬
‫واقليمية ‪،‬ساهمت في دفعها الى الظهور بمظهر من غير من اطروحاته وشعاراته عبر تبنيها لخطابات‬
‫ديمقراطية ورفع شعارات حداثية ومدنية معلنة تسوقها اعالميا ‪ ،‬ولكنها في عمقها االيديلوجي وفي‬
‫مرجعياتها لم تتخلى عن اطروحاتها المغالية والمتطرفة ولم تقدم نقدا جديا الدبياتها التاسيسية ‪ ،‬وبل‬
‫وذهبت اكثر من ذلك في تهديها للسيادة الوطنية واستقالل القرار‪  ‬السياسي ( مثال التقاء أمين عام حركة‬
‫النهضة مع مسؤولين في االدارة االمريكية االمبريالية وشيطان الشر ) وتعبير احد قادتها عن التقائهم في‬
‫المرجعية مع تنظيم القاعدة (صحيفة الصباح) ورفضهم مراجعى كتبهم التاسيسية ومنها كتاب (الحرياة‬
‫العامة في الدولة االسالمية )‪...‬الخ ان ازداوجية الخطاب والمرجعية لم تتوقف عند هته الحركة بل‬
‫تجاوزتها الى مجموعات واحزاب سياسية "معقلنة " تتبنى مقوالت وشعارات الديمقراطية وتستهلكها‬
‫اعالميا ولكنها مرتبكة في سلوكاتها ازاء تحافالتها وتنظيم الشارع والتحركات فهي تدعو تارة الى القطع‬
‫مع السلطة المؤقتة وضرورة انتخاب مجلس تأسيسي واطوارا اخرى ندفع في حاة االحتقان وتروج‬
‫لالسلطة وتسعى الى فرض وجودها فيهاخارج صندوق االقتراع او تحاول االستيالءعليها ‪ ،‬عبر محاولة‬
‫فرض منطق شرعية ثورية غير حقيقية ( لم تقد ثورة ولم تصنعها) ‪ ،‬وهو ما فتح المجال امام دعاة‬
‫الفوضى والعنف وبقايا النظام السابق وميليشياته للتحرك تحت غطاء سياسي يتميز بارتباك االوضاع‬
‫وحدة الصراع بين الفرقاء والمشاريع المختلفة وضعف اجهزة الدولة ‪ .‬ان هذا االلتقاء الموضوعي في‬
‫المصالح جعل من هته االحزاب دون وعي منها خدما الدعياء الفوضى واالرهاب االجتماعي والسياسي‪ ‬‬
‫بما يعادي السلم االهلية واالستقرار االجتماعي ويقطع الطريق امام العملية الديمقراطية التي انطلق‬
‫مسارها بمدفع ومساندة من العديد من القوى الديمقراطية والتقدمية بتونس وانصار الجمهورية عموما ‪،‬‬
‫والذين يمثلون الفريق الثالث ‪.‬‬

‫لقد كانت الحركة الديمقراطية والتقدمية في تونس –وال زالت – تعاني من ارتباك في مستوى تصوراتها‬
‫البرنامجية وضبط تحالفاتها السياسية وخطط عملها ‪،‬تتجابها من ناحية محوالت االصطفاف خلف‬
‫اندفاعات وميوالت الشارع او بعض القوى المحددة في حركته (أجنبية كانت او داخلية ) ومن ناحية‬
‫اخرى مقوالت الحفاظ على الهوية والعمق التاريخي والمزاوجة بين الخصوصية والكونية (بين االنفتاح‬
‫على الىخر واالنغالق على الذات) ولم تتمكن قبال من بلورة مشروع مجتمعي ديمقراطي واضح وصريح‬
‫تتوجه به الى مختلف قوى وشرائح الشعب التونسي للنهوض به من البحث في أوهام الماضي والخنوع‬
‫للديكتاتورية والتقدم لبناء مستقبل دولة ديمقراطية كاملة ذات سيادة وطنية ‪ ،‬لن اكرر هنا ما قيل عن‬
‫تضحيات الشعب التونسي ونهوضه البطولي العارم في وجه نظام القمع وسقوط الطاغية ‪ ،‬واحداث‬
‫االشهر الماضية ‪...‬الخ ولكني الفت االنتباه الى مدى صحية ظاهرة تنامي تأسيس االحزاب السياسية‬
‫والجممعيات وبعث الصحف واالنفتاح السياسي والفكري الذي شهدته البالد ‪ ،‬والذي توج بفصل سياسي‬
‫على مستوى المشاريع ليفرز لنا مبادرات عدة للدفاع عن المواطنة والديمقراطية والحداثة والعلمانية‬
‫والجمهورية ‪..‬الخ تجمع بعضها او كاد في مشروع سياسي وطني لتأصيل النظام الجمهوري وقيم‬
‫المواطنة والمساواة بوصفها مكاسب حداثية تونسية بامتياز والدفع الى ضمان اقترانها بشكل ديمقراطي‬
‫للحكم يؤسس للتداول السلمي على السلطة والغاء القيود على حرية التفكير والتعبير واالبداع ‪.‬‬

‫ان هذا التمشي الذي يسعى الى عقلنة حركة الشارع وترشيد الممارسة السياسية ورفع االمية السياسية عن‬
‫التونسي ‪ ،‬ويسعى الى اعتبار السلطة االنتقالية شريكا سياسيا وجهازا الدارة االزمة تنتهي مهامه بمجرد‬
‫الوصول الى مجلس تاسيسي يحدد اعضاؤه التونسيون عبر االقتراع العام الطوعي والحر ‪ ،‬الذي سيقطع‬
‫مع الديمقراطية االنتقالية والوضع االستثنائي ليعيد السيادة والسلطة الحقيقية للشعب دون سواه ‪ ،‬وان قطع‬
‫خطواة هامة في هذا االتجاه لكنه ال زال يعاني من قيود فكرية وايديولوجية وحزبية ‪ ،‬يمكن تلخيصها في‬
‫نقطتين ‪ :‬االولى تتمثل في كون جزء من هذه القوى راهن على تحالفات أجنبية واخرى من بقايا األجهزة‬
‫البائدة ليضمن الغلبة على معارضيه والملتقين معه على حد السواء ‪ ،‬فكان ان اثرت مطامعه الحزبية في‬
‫تصوره لحدود تحالفاته السياسية ليبقيها في مستوى االلتقاء السياسي الفكري او في مستوى االطروحة‬
‫رافضا الخوض في مستقبل انتخابات المجلس التاسيسي ‪.‬واما الثانية ‪ :‬فتميزت خصوصا بتعويم أطروحة‬
‫الهوية والتهرب من طرحها علنا بشكل بحوث علمية‪ ،‬سوسيولوجية وانتروبولوجية وفلسفية ‪،‬والقبول‬
‫باقحام توصيف مكونات الهوية ومحدداتها في الصراع حول شكل الدولة وشكل النظام السياسي بشكل‬
‫خاطئ أدخلنا في دائرة صراعات جانبية وهامشية واحدث خلطا لدى المتابع والمواطن التونسي ‪.‬‬

‫لئن كانت مسالة الهوية التونسية مسألة معقدة طرحت نقاشا حادا ابان االستقالل والمجلس التاسيسي‬
‫االول ‪ ،‬ولئن كان تناولها بالبحث والتحليل مهما بمكان ‪ ،‬اال ان محاولة استسهال البحث حولها وحصرها‬
‫في مرحلة تاريخية أو مكونة ثقافية دون غيرها من مكوناتنا الحضارية والتاريخية الغنية بمصادرها ‪ ،‬ال‬
‫يقل خطورة عن محاولة اعتمادها في النقاش السياسي الدائر حول مستقبل المجتمع الذي نسعى اليه ‪،‬‬
‫بوصفها احدى ادواة الصراع الستمالة المشاعر الدينية أو القومية للناس بعيدا عن مطامحهم الحقيقية في‬
‫الديمقراطية والتنمية العادلة والعدالة االجتماعية وبلغة اخرى في الكرامة االنسانية ‪...‬الخ‬

‫الجمهورية الديمقراطية‬

‫ان االخطار التي تحدق بالجمهورية التونسية وباالنتقال الديمقراطي والتي تهدد السلم االهلية واالستقرار‬
‫االجتماعي متعددة ومتشعبة ‪ ،‬يلتقي بعضها موضوعيا ويرتبط بعضها وفق برامج واتفاقات مسبقة وهي ال‬
‫تنحصر قطعا في التنافس للوصول الى السلطة أو في محاولة المافيات وبقايا النظام السابق وغالة‬
‫بيروقراطيو الدولة واألجهزة األمنية لإلبقاء على حالة الفوضى أو في أطماع الرأسمال العالمي مسنودا‬
‫من الدول االمبريالية لالستحواذ على االرادة السياسية لدول المنطقة لفرض مشروع السوق االقتصادية‬
‫الموحدة والمفتوحة والخاضعة إلرادته وال ننسى الخطر العسكري واالنساني الذي يحاصر حدودنا‬
‫الشرقية‪ ...‬ان جملة هذه االخطار تدفعنا الى دق نواقيس الخطر والتمترس خلف مشروع وطني ديمقراطي‬
‫موحد يجمع كل القوى المؤمنة بمستقبل تونسي قائم على نظام جمهوري يضمن ديمقراطية السلطة‬
‫السياسية والتنافس السياسي يكفل الحريات العامة والفردية ويفصل بين مجاالت فعلها ‪ ،‬يرتكز على إعالء‬
‫السيادة الوطنية ويرفض كل أشكال الخضوع والهيمنة ‪ ،‬يعتز بانتمائنا االقليمي دون مغاالت ويفتح على‬
‫القيم والعالقات الكونية القائمة على اإلخاء بين الشعوب والندية في التعامل بين الدول والمؤسسات‬
‫الرسمية دون تبعية ‪ ،‬واألهم من ذلك ارساء نظام اقتصاد واجتماعي تنموي يضمن الحد االدنى من العدالة‬
‫في توزيع الثروات الوطنية بين الجهات والمناطق الداخلية وبين األجراء والعمال (منتجي الثروة )‬
‫وأصحاب رأسالمال ‪ .‬ان هكذا إصالحات هي وحدها الكفيلة بصد أخطار الردة والهيمنة وسحب البساط‬
‫من تحت اقدام اعداء الديمقراطية خاصة واإلنسانية عموما‪.‬‬

‫ان بحث هذه اإلصالحات وتطويرها وضمان تحققها ال يمكن حصره في مهام المجلس التأسيس ‪ ،‬رغم انه‬
‫الوحيد الكفيل بضمان ديمومتها‪ ،‬ولكنها يجب ان تكون محل اجماع او اتفاق وطني سياسي بين مجموع‬
‫األحزاب النشطة في تونس تصوغها في عهد او ميثاق سياسي ملزم بينها يوحد بينها في االعداد النتخابات‬
‫المجلس التأسيسي وفي وضع وثيقة الدستور المقبل ‪.‬‬

‫الديمقراطية والعلمانية‬

‫ان اعتماد الديمقراطية كآلية للتسيير وإدارة الصراع تستوجب إيجاد قوانين ونواميس تضبط عالقة التعامل‬
‫في ما بيننا ننتجها ونبتدعها على أرضية النقاش الحر ( أي االختالف والتعارض ثم االتفاق) لنحتكم إليها فيما‬
‫بعد فال حديث عن التسيير الديمقراطي خارج اطر تضبطه وال حديث عن ديمقراطية –برجوازية ‪،‬شعبية او‬
‫اشتراكية ثورية – خارج إطار فكري وحضاري وإجماع حول ماهيتها ( إجماع أقلية في األولى وإجماع‬
‫أغلبية في الثانية )‪ .‬أما العلمانية فهي الحاضنة الفكرية والفلسفية لهذا المشروع السياسي ‪ ،‬إنها بالتحديد وبكل‬
‫بساطة بديل مجتمعي وسياسي أنتجته اإلنسانية في إطار الرد على الدولة اإلقطاعية األوتوقراطية وأقامت‬
‫على أساسه البرجوازية دولتها السياسية الموحدة والكاملة ‪،‬فالعلمانية ال تعادي األديان وال تسعى للقضاء‬
‫عليها كما يروج بل هي تنادي بالفصل بين المجالين الخاص والعام ‪،‬بتحرير السياسة والدولة من الدين‬
‫وتحرير الدين بدوره من السياسة وتخليص كل منهما من نقائص اآلخر ‪ ،‬إن الدولة العلمانية تحترم حرية‬
‫المعتقد وال تميز بين الناس على قاعدة الدين او العرق أو الجنس أو اللون ‪ ،‬أنها دولة المواطنة بامتياز‬
‫تتعامل معهم وفق القوانين والعالقات الوضعية التي اقروها بشكل جماعي ومشترك فهي ال تستعمل الدين‬
‫ألغراض تعبوية وترويج الوهم والفرقة بين مواطنيها وهي بنفس الصرامة تصارع دعاة مشروع إقامة‬
‫الدولة الدينية (يهودية – صهيونية ‪ ،‬إسالمية‪-‬سنية أو شيعية أو مسيحية أو مهما كان دينها‪ ، )..‬فالدولة‬
‫الدينية ( التيوقراطية) هي نقيض للدولة العلمانية وهي عدو لإلنسانية وقيم الحرية والديمقراطية مهما تغلفت‬
‫بشعارات حول االعتدال ‪ ،‬التسامح والتعايش السلمي ‪ ،‬ألنها في جوهرها تقوم على التمييز وعلى عدم أهلية‬
‫اإلنسان‪ -‬المواطن وعلى سيادة أهل الحل والربط ووزراء هللا وخلفائه في األرض‪...‬الخ‬

‫لقد مكنتنا قوى الشعب التونسي من فرصة تاريخية الستكمال بن‪OO‬اء الدول‪OO‬ة الديمقراطي‪OO‬ة الحديث‪O‬ة بش‪OO‬كل س‪O‬لمي‬
‫والتحرر السياسي النهائي من قيود الرجعي‪OO‬ة والديكتاتوري‪OO‬ة فاتح‪OO‬ة أمامن‪OO‬ا إمكاني‪OO‬ات النض‪OO‬ال من أج‪OO‬ل تحقي‪OO‬ق‬
‫االنعتاق االجتماعي واالقتصادي ‪ ،‬ولكن المشروع الديمقراطي خصوصا وإمكانيات االنتقال السلمي كك‪OO‬ل ‪،‬‬
‫تواجه أخطارا عدة تعيق تحققها‪ O‬ب‪OO‬ل وته‪OO‬دد ب‪OO‬التراجع عنه‪OO‬ا ‪ ،‬ولن يتمكن من الثب‪OO‬ات إالّ إذا تأص‪OO‬ل في الفك‪OO‬ر‬
‫والممارسة وأغلق الباب نهائيا أمام مشروع الدولة الدينية ‪.‬وذلك عبر الدفاع عن النظام الجمهوري و تأص‪OO‬يل‬
‫المبادئ والقيم الديمقراطية واآلليات التي تقوم عليها مؤسساته‪ ،‬والتي تتمثل في‪:‬‬

‫‪ -‬فصل الدين عن السياسة وضمان حياد الدولة تجاه المعتقد‪.‬‬


‫‪ -‬احترام الحريات العامة والفردية وحرية المعتقد وحقوق اإلنسان‪.‬‬

‫‪ -‬المساواة التامة بين المرأة والرجل وإزالة كل مظاهر التمييز بين الجنسين‪.‬‬

‫‪ -‬قيام الجمهورية الديمقراطية على المواطنة الكاملة‪.‬‬

‫‪ -‬اعتبار االقتراع العام المباشر المصدر الشرعي الوحيد للحكم‪.‬‬

‫‪ -‬احترام المجتمع المدني باعتباره فضاء للمواطنة والحرية والتعاقد ومجاال من مجاالت السلطة المضادة‪.‬‬

‫‪ -‬حياد اإلدارة تجاه المواطنين بقطع النظر عن معتقدهم وانتم‪O‬ائهم السياس‪OO‬ي وتحج‪O‬ير ك‪O‬ل مظ‪OO‬اهر الت‪O‬دين في‬
‫المؤسسات العمومية واإلدارة‪.‬‬

‫‪ -‬التداول على الحكم والفصل بين السلطات‪.‬‬

‫وألختم هذه العجالة وجب ان أشير إلى أن شعار الجمهورية وحده ال يعتبر كافيا في ظل ه‪OO‬ذه الظ‪OO‬روف ال‪OO‬تي‬
‫نحياها ‪ ،‬وهو ال يتع‪O‬دى المغازل‪O‬ة السياس‪O‬ية والفكري‪O‬ة لش‪O‬ريحة من ش‪O‬رائح البرجوازي‪O‬ة والجمه‪O‬وريين ‪ ،‬على‬
‫قوى اليسار أن ال تتوتقف عنده كثيرا وان تدفع في اتجاه ربطه ربطا وثيقا بالممارسة والثقاف‪OO‬ة الديمقراطي‪OO‬ة ‪،‬‬
‫وان تعلن تمسكها بحاضنتها الحضارية الشرعية وهي العلمانية ‪ ،‬وتستميت في طبعها بطابع اجتماعي يجع‪OO‬ل‬
‫من قوانينها في صف من هم أكثر فقرا وعجزا ‪.‬‬

‫محمد نجيب وهيبيي‬

‫ناشط بالحزب االشتراكي اليساري‬

You might also like