Professional Documents
Culture Documents
كثرت النقاشات السياسية ،والمنابر اإلعالمية ،وحتى األحاديث بين المواطنين في المقاهي والشوارع ،
في الفترة األخيرة (بعد هروب بن علي ) في تونس حول مستقبل البالد تراوح بين مطالب باإلصالحات
االجتماعية والسياسية واالقتصادية ،والقطع الكامل مع ما سبق بما فيها الدعوات إلى رفض النظام
الجمهورية والديمقراطية وإقامة الخالفة اإلسالمية ...الخ
ولئن ظهرت الغلبة لصالح نظام جمهوري مدني في أوساط النخب السياسية والمثقفة وشريحة واسعة من
المواطنين ،إال أن المشاريع المعادية للديمقراطية والحداثة صراحة ظلت تستقطب المؤيدين واألنصار ،
تساندها في ذلك األحزاب الرافعة لشعارات الديمقراطية علنا وإعالميا والمرتكزة على مرجعيات شوفينية
ودينية من ناحية او تلك التي لم تستطع تحديد تكتيكات واضحة تتعلق باالنتقال السلمي من الديكتاتورية الى
الديمقراطية ،فظلت تراوح بين الدعوة الى إبقاء حالة توتر في الشارع لم تستطع تأطيرها وتوجيهها ،
فمثلت أرضية خصبة لتنامي مشاريع التطرف والفوضى .
لن أضيف الى واقع االمر شيئا ان قلت ان الحالة التونسية اآلن تعاني من فوضى على المستوى االمني
( االجرام) واالجدتماعي والسياسي ،تميزت بتنامي النزعات االجرامية واالنفالت على مستوى جزء من
المؤسسة االمنية ( خاصة المافيات التي ارتبطت بالفساد والتهريب في المظام السابق ) ،من ناحية وم
ناحية اخرى تراجع االستثمار الوطني واالجنبي ومعه تراجع الطاقة الوطنية لخلق مواطن شغل دائمة
وقارة تزامنت مع االزمة الليبية التي باتت تهدد امننا الوطني في كل مستوياته خاصة على حدودنا الشرقية
..الخ
ان المشهد الحالي الذي تمر به تونس كان يمكن ان بعتبرعاديا ومن افرازات الوضع االنتقالي لتحقيق
الديمقراطية المنشودة والسلم االجتماعي ،لو انه تميز بالجنوح نحو االستقرار ،ولكن الذي يتهددنا حقا هو
تلك الفورات من التوتر التي تعقب كل فترة للتهدئة السياسية والتي تنذر بتقويض العملية السياسية ككل
وتفتح على امكانيات وسيناريوهات جد سيئة وخطيرة .
لن انساق في خطاب الحكومة االنتقالية بازمة اقتصادية حادة ،والذي في تقديري يغالي في استعمال
المقارانات الكمية بين السابق والحالي ،خاصة فيما يتعلق بتدهور نسبة النمو مع مثيلتها في السنة الفارطة
،واعتقد ان ما تصرح به الحكومة ال يخرج عن كونه محاولة خاطئة لدفع الناس الى التهدئة باالعتماد على
المعطى االقتصادي ( امكانية عدم صرف االجور ،والسياحة ...اتلخ) ،الن الحكم على المعطى الكمي
وحده يغفل جوانب عديدة من بينها التدهور الوقتي لقيمة الدينار ،وخصوصية ختم السنة المالية في
ديسمبر واالمكانيات المتاحة للقاتصاد الوطني وميزانية الدولة بعد مصادرة امالك مافيات الطرابلسية
والحد من التفويت في موارد الدولة والسرقة والفساد المالي ...الخ والتي ان اتخذناها مجمعة قد تفتح على
مرحلة من الرخاء والوفرة في الموارد الوطنية ،ال أجزم هنا بان االقدم افضل ولكني ال اجنح الى السواد
الذي تروج له الحكومة المؤقتة .
ولكن تبقى االشارة الى انه في ظل تواصل الوضع االمني الرديئ فاننا حتما سائرون من سيئ الى اسوا
وال يمكن للمجموعة الوطنية بأي حال من االحوال انقاذ الوضع االجتماعي واالقتصادي دون االتفاق على
ضرورة استعادة االستقرار االمني الذي يمهد له ويفتح عليه اتفاق سياسي حول الخطوط العريضة
لمستقبل النظام السياسي الذي يمكن ان يضمن التعايش السلمي بين التونسيين على مختلف مشاربهم
ومعتقداتهم وانتمائاتهم ،ومنه مستقبل الدولة ونمط الحكم الذي نريده أن يتأسس عبر السلطة االصلية التي
نسعى الرسائها .
تجاذبات سياسية
تشهد الساحة السياسية تجاذبات عدة يمكن تقسيمها الى ثالث استقطابات كبرى تتميز كل منها عن االخرى
بنمط الحكم المراد ارسائها ،وتختلف كل منهاداخليا عبر المشروع المجتمعي الذي يسعى كل حزب او
مجموعة سياسية تطبيقه بما يخدم تصوره لمصالح المجموعة الوطنية عموما والمصالح الخاصة للطبقة
او الفئة االجتماعية التي يعتقد انه يمثلها .
لنجد مجموعة من االحزاب والتجمعات الرافضة لنظام الحكم الجمهوري والدولة المدنية اصال ،مرتكزة
على مرجعية دينية سلفية متطرفة تطمح الى اقامة خالفة اسالمية تندرج ضمن رؤية شاملة
لالمبراطورية االسالمية ،تغيب كل امكانية لالختالف ،والتالقح الحضاري تسعى الى اغراقنا في
خصوصية تاريخية مشوهة ومزيفة ،تعادي االنفتاح على اآلخر والقيم الكونية لحقوق االنسان ،بل
وترفض صراحة قيم الديمقراطية والمساواة ،ان هته المجموعة أو الفئة السياسية غلب على تحركاتها
وتنظيمها االسلوب التآمري والدفع بالشارع التونسي الى الفوضى والضرب عرض الحائط بكل القوانين
والنواميس المجتمعية مستغلة في ذلك حالة االحتقان االجتماعي والسياسي من ناحية ،وانهيار السلطة
المركزية والرمزية السياسية للدولة واجهزتها من ناحية اخرى ،في محاولة منها لفرض تصوراتها
المتطرفة ( دول الخالفة ) الحامية لمصالح جزء من الرأسمال الريعي الخليجي والرأسمال الشرقي
المتراكم عبر قنواة تبييض االموال واالتجار في الممنوعات واالسلحة والذي يسعى الى االندماج في دورة
المال واالعمال عبر أجهزة سلطوية تدعمه .
واما المجموعة الثانية فاغلبها يتشكل من أحزاب وشخصيات" مهاجرة" نشطت في أزمنة القمع البورقييبة
والبنعليية تحت مرجعيات وايديولوجيات متطرفة متدينة-أو معقلنة ،عانت من التضضيق ومصادرة حق
الننشاط وحتى من الموالحقات والمحاكمات الجائرة والتعذيب والنفي ،وقد ساهمت ظروفها تلك اضافة
الى كون جزء من قيادتها احتمى بالمجتمعات الغربية الديمقراطية (فرنسا وبريطانيا) وارتكز على دعم
منظماتها وحتى حكوماتها لتخفيف الخناق حولها ،والى جناب تحالفات والتقائات سياسية وطبقية دولية
واقليمية ،ساهمت في دفعها الى الظهور بمظهر من غير من اطروحاته وشعاراته عبر تبنيها لخطابات
ديمقراطية ورفع شعارات حداثية ومدنية معلنة تسوقها اعالميا ،ولكنها في عمقها االيديلوجي وفي
مرجعياتها لم تتخلى عن اطروحاتها المغالية والمتطرفة ولم تقدم نقدا جديا الدبياتها التاسيسية ،وبل
وذهبت اكثر من ذلك في تهديها للسيادة الوطنية واستقالل القرار السياسي ( مثال التقاء أمين عام حركة
النهضة مع مسؤولين في االدارة االمريكية االمبريالية وشيطان الشر ) وتعبير احد قادتها عن التقائهم في
المرجعية مع تنظيم القاعدة (صحيفة الصباح) ورفضهم مراجعى كتبهم التاسيسية ومنها كتاب (الحرياة
العامة في الدولة االسالمية )...الخ ان ازداوجية الخطاب والمرجعية لم تتوقف عند هته الحركة بل
تجاوزتها الى مجموعات واحزاب سياسية "معقلنة " تتبنى مقوالت وشعارات الديمقراطية وتستهلكها
اعالميا ولكنها مرتبكة في سلوكاتها ازاء تحافالتها وتنظيم الشارع والتحركات فهي تدعو تارة الى القطع
مع السلطة المؤقتة وضرورة انتخاب مجلس تأسيسي واطوارا اخرى ندفع في حاة االحتقان وتروج
لالسلطة وتسعى الى فرض وجودها فيهاخارج صندوق االقتراع او تحاول االستيالءعليها ،عبر محاولة
فرض منطق شرعية ثورية غير حقيقية ( لم تقد ثورة ولم تصنعها) ،وهو ما فتح المجال امام دعاة
الفوضى والعنف وبقايا النظام السابق وميليشياته للتحرك تحت غطاء سياسي يتميز بارتباك االوضاع
وحدة الصراع بين الفرقاء والمشاريع المختلفة وضعف اجهزة الدولة .ان هذا االلتقاء الموضوعي في
المصالح جعل من هته االحزاب دون وعي منها خدما الدعياء الفوضى واالرهاب االجتماعي والسياسي
بما يعادي السلم االهلية واالستقرار االجتماعي ويقطع الطريق امام العملية الديمقراطية التي انطلق
مسارها بمدفع ومساندة من العديد من القوى الديمقراطية والتقدمية بتونس وانصار الجمهورية عموما ،
والذين يمثلون الفريق الثالث .
لقد كانت الحركة الديمقراطية والتقدمية في تونس –وال زالت – تعاني من ارتباك في مستوى تصوراتها
البرنامجية وضبط تحالفاتها السياسية وخطط عملها ،تتجابها من ناحية محوالت االصطفاف خلف
اندفاعات وميوالت الشارع او بعض القوى المحددة في حركته (أجنبية كانت او داخلية ) ومن ناحية
اخرى مقوالت الحفاظ على الهوية والعمق التاريخي والمزاوجة بين الخصوصية والكونية (بين االنفتاح
على الىخر واالنغالق على الذات) ولم تتمكن قبال من بلورة مشروع مجتمعي ديمقراطي واضح وصريح
تتوجه به الى مختلف قوى وشرائح الشعب التونسي للنهوض به من البحث في أوهام الماضي والخنوع
للديكتاتورية والتقدم لبناء مستقبل دولة ديمقراطية كاملة ذات سيادة وطنية ،لن اكرر هنا ما قيل عن
تضحيات الشعب التونسي ونهوضه البطولي العارم في وجه نظام القمع وسقوط الطاغية ،واحداث
االشهر الماضية ...الخ ولكني الفت االنتباه الى مدى صحية ظاهرة تنامي تأسيس االحزاب السياسية
والجممعيات وبعث الصحف واالنفتاح السياسي والفكري الذي شهدته البالد ،والذي توج بفصل سياسي
على مستوى المشاريع ليفرز لنا مبادرات عدة للدفاع عن المواطنة والديمقراطية والحداثة والعلمانية
والجمهورية ..الخ تجمع بعضها او كاد في مشروع سياسي وطني لتأصيل النظام الجمهوري وقيم
المواطنة والمساواة بوصفها مكاسب حداثية تونسية بامتياز والدفع الى ضمان اقترانها بشكل ديمقراطي
للحكم يؤسس للتداول السلمي على السلطة والغاء القيود على حرية التفكير والتعبير واالبداع .
ان هذا التمشي الذي يسعى الى عقلنة حركة الشارع وترشيد الممارسة السياسية ورفع االمية السياسية عن
التونسي ،ويسعى الى اعتبار السلطة االنتقالية شريكا سياسيا وجهازا الدارة االزمة تنتهي مهامه بمجرد
الوصول الى مجلس تاسيسي يحدد اعضاؤه التونسيون عبر االقتراع العام الطوعي والحر ،الذي سيقطع
مع الديمقراطية االنتقالية والوضع االستثنائي ليعيد السيادة والسلطة الحقيقية للشعب دون سواه ،وان قطع
خطواة هامة في هذا االتجاه لكنه ال زال يعاني من قيود فكرية وايديولوجية وحزبية ،يمكن تلخيصها في
نقطتين :االولى تتمثل في كون جزء من هذه القوى راهن على تحالفات أجنبية واخرى من بقايا األجهزة
البائدة ليضمن الغلبة على معارضيه والملتقين معه على حد السواء ،فكان ان اثرت مطامعه الحزبية في
تصوره لحدود تحالفاته السياسية ليبقيها في مستوى االلتقاء السياسي الفكري او في مستوى االطروحة
رافضا الخوض في مستقبل انتخابات المجلس التاسيسي .واما الثانية :فتميزت خصوصا بتعويم أطروحة
الهوية والتهرب من طرحها علنا بشكل بحوث علمية ،سوسيولوجية وانتروبولوجية وفلسفية ،والقبول
باقحام توصيف مكونات الهوية ومحدداتها في الصراع حول شكل الدولة وشكل النظام السياسي بشكل
خاطئ أدخلنا في دائرة صراعات جانبية وهامشية واحدث خلطا لدى المتابع والمواطن التونسي .
لئن كانت مسالة الهوية التونسية مسألة معقدة طرحت نقاشا حادا ابان االستقالل والمجلس التاسيسي
االول ،ولئن كان تناولها بالبحث والتحليل مهما بمكان ،اال ان محاولة استسهال البحث حولها وحصرها
في مرحلة تاريخية أو مكونة ثقافية دون غيرها من مكوناتنا الحضارية والتاريخية الغنية بمصادرها ،ال
يقل خطورة عن محاولة اعتمادها في النقاش السياسي الدائر حول مستقبل المجتمع الذي نسعى اليه ،
بوصفها احدى ادواة الصراع الستمالة المشاعر الدينية أو القومية للناس بعيدا عن مطامحهم الحقيقية في
الديمقراطية والتنمية العادلة والعدالة االجتماعية وبلغة اخرى في الكرامة االنسانية ...الخ
الجمهورية الديمقراطية
ان االخطار التي تحدق بالجمهورية التونسية وباالنتقال الديمقراطي والتي تهدد السلم االهلية واالستقرار
االجتماعي متعددة ومتشعبة ،يلتقي بعضها موضوعيا ويرتبط بعضها وفق برامج واتفاقات مسبقة وهي ال
تنحصر قطعا في التنافس للوصول الى السلطة أو في محاولة المافيات وبقايا النظام السابق وغالة
بيروقراطيو الدولة واألجهزة األمنية لإلبقاء على حالة الفوضى أو في أطماع الرأسمال العالمي مسنودا
من الدول االمبريالية لالستحواذ على االرادة السياسية لدول المنطقة لفرض مشروع السوق االقتصادية
الموحدة والمفتوحة والخاضعة إلرادته وال ننسى الخطر العسكري واالنساني الذي يحاصر حدودنا
الشرقية ...ان جملة هذه االخطار تدفعنا الى دق نواقيس الخطر والتمترس خلف مشروع وطني ديمقراطي
موحد يجمع كل القوى المؤمنة بمستقبل تونسي قائم على نظام جمهوري يضمن ديمقراطية السلطة
السياسية والتنافس السياسي يكفل الحريات العامة والفردية ويفصل بين مجاالت فعلها ،يرتكز على إعالء
السيادة الوطنية ويرفض كل أشكال الخضوع والهيمنة ،يعتز بانتمائنا االقليمي دون مغاالت ويفتح على
القيم والعالقات الكونية القائمة على اإلخاء بين الشعوب والندية في التعامل بين الدول والمؤسسات
الرسمية دون تبعية ،واألهم من ذلك ارساء نظام اقتصاد واجتماعي تنموي يضمن الحد االدنى من العدالة
في توزيع الثروات الوطنية بين الجهات والمناطق الداخلية وبين األجراء والعمال (منتجي الثروة )
وأصحاب رأسالمال .ان هكذا إصالحات هي وحدها الكفيلة بصد أخطار الردة والهيمنة وسحب البساط
من تحت اقدام اعداء الديمقراطية خاصة واإلنسانية عموما.
ان بحث هذه اإلصالحات وتطويرها وضمان تحققها ال يمكن حصره في مهام المجلس التأسيس ،رغم انه
الوحيد الكفيل بضمان ديمومتها ،ولكنها يجب ان تكون محل اجماع او اتفاق وطني سياسي بين مجموع
األحزاب النشطة في تونس تصوغها في عهد او ميثاق سياسي ملزم بينها يوحد بينها في االعداد النتخابات
المجلس التأسيسي وفي وضع وثيقة الدستور المقبل .
الديمقراطية والعلمانية
ان اعتماد الديمقراطية كآلية للتسيير وإدارة الصراع تستوجب إيجاد قوانين ونواميس تضبط عالقة التعامل
في ما بيننا ننتجها ونبتدعها على أرضية النقاش الحر ( أي االختالف والتعارض ثم االتفاق) لنحتكم إليها فيما
بعد فال حديث عن التسيير الديمقراطي خارج اطر تضبطه وال حديث عن ديمقراطية –برجوازية ،شعبية او
اشتراكية ثورية – خارج إطار فكري وحضاري وإجماع حول ماهيتها ( إجماع أقلية في األولى وإجماع
أغلبية في الثانية ) .أما العلمانية فهي الحاضنة الفكرية والفلسفية لهذا المشروع السياسي ،إنها بالتحديد وبكل
بساطة بديل مجتمعي وسياسي أنتجته اإلنسانية في إطار الرد على الدولة اإلقطاعية األوتوقراطية وأقامت
على أساسه البرجوازية دولتها السياسية الموحدة والكاملة ،فالعلمانية ال تعادي األديان وال تسعى للقضاء
عليها كما يروج بل هي تنادي بالفصل بين المجالين الخاص والعام ،بتحرير السياسة والدولة من الدين
وتحرير الدين بدوره من السياسة وتخليص كل منهما من نقائص اآلخر ،إن الدولة العلمانية تحترم حرية
المعتقد وال تميز بين الناس على قاعدة الدين او العرق أو الجنس أو اللون ،أنها دولة المواطنة بامتياز
تتعامل معهم وفق القوانين والعالقات الوضعية التي اقروها بشكل جماعي ومشترك فهي ال تستعمل الدين
ألغراض تعبوية وترويج الوهم والفرقة بين مواطنيها وهي بنفس الصرامة تصارع دعاة مشروع إقامة
الدولة الدينية (يهودية – صهيونية ،إسالمية-سنية أو شيعية أو مسيحية أو مهما كان دينها ، )..فالدولة
الدينية ( التيوقراطية) هي نقيض للدولة العلمانية وهي عدو لإلنسانية وقيم الحرية والديمقراطية مهما تغلفت
بشعارات حول االعتدال ،التسامح والتعايش السلمي ،ألنها في جوهرها تقوم على التمييز وعلى عدم أهلية
اإلنسان -المواطن وعلى سيادة أهل الحل والربط ووزراء هللا وخلفائه في األرض...الخ
لقد مكنتنا قوى الشعب التونسي من فرصة تاريخية الستكمال بنOOاء الدولOOة الديمقراطيOOة الحديثOة بشOOكل سOلمي
والتحرر السياسي النهائي من قيود الرجعيOOة والديكتاتوريOOة فاتحOOة أمامنOOا إمكانيOOات النضOOال من أجOOل تحقيOOق
االنعتاق االجتماعي واالقتصادي ،ولكن المشروع الديمقراطي خصوصا وإمكانيات االنتقال السلمي ككOOل ،
تواجه أخطارا عدة تعيق تحققها OبOOل وتهOOدد بOOالتراجع عنهOOا ،ولن يتمكن من الثبOOات إالّ إذا تأصOOل في الفكOOر
والممارسة وأغلق الباب نهائيا أمام مشروع الدولة الدينية .وذلك عبر الدفاع عن النظام الجمهوري و تأصOOيل
المبادئ والقيم الديمقراطية واآلليات التي تقوم عليها مؤسساته ،والتي تتمثل في:
-المساواة التامة بين المرأة والرجل وإزالة كل مظاهر التمييز بين الجنسين.
-احترام المجتمع المدني باعتباره فضاء للمواطنة والحرية والتعاقد ومجاال من مجاالت السلطة المضادة.
-حياد اإلدارة تجاه المواطنين بقطع النظر عن معتقدهم وانتمOائهم السياسOOي وتحجOير كOل مظOOاهر التOدين في
المؤسسات العمومية واإلدارة.
وألختم هذه العجالة وجب ان أشير إلى أن شعار الجمهورية وحده ال يعتبر كافيا في ظل هOOذه الظOOروف الOOتي
نحياها ،وهو ال يتعOدى المغازلOة السياسOية والفكريOة لشOريحة من شOرائح البرجوازيOة والجمهOوريين ،على
قوى اليسار أن ال تتوتقف عنده كثيرا وان تدفع في اتجاه ربطه ربطا وثيقا بالممارسة والثقافOOة الديمقراطيOOة ،
وان تعلن تمسكها بحاضنتها الحضارية الشرعية وهي العلمانية ،وتستميت في طبعها بطابع اجتماعي يجعOOل
من قوانينها في صف من هم أكثر فقرا وعجزا .