Professional Documents
Culture Documents
تندرج هذه الدراسة في سياق الكشف عن خصائص البنية الخطابية للحجاج من منظور ثلة من الدارسين الذين عنوا
بتوصيف الحجاج كعملية لسانية عقلية متعددة الغراض والنساق ،مع تبيان أنواع الحجج ،وكيفية بنائها وترتيبه لتحقيق
الترابط النصي ،وتفسير بياناتها؛ والفرق بين الحجاج السليم والمغالط ،وهذا قصد تحقيق أغراض المحاجج في المجادلة أو
المحاورة أو المناظرة أو الخطبة أو أي نمط لساني يعتمد على الحجاج طلبًا للقناع أو التأثير في الخر ،ولعل التصور
التالي يعكس هذا المبتغى:
مقدمة وتعريف
تطلق لفظة حجاج ومحاججة Argumentationعند بريلمان وتيتيكاه على العلم وموضوعه ،ومؤداها درس تقنيات
الخطاب التي تؤدي بالذهن إلى التسليم بما يعرض عليه من أطروحات ،أو أن تزيد في درجة التسليم 1وربما كانت وظيفته
محاولة جعل العقل يذعن لما يطرح عليه من أفكار ،أو يزيد في درجة ذلك الذعان إلى درجة تبعث على العمل المطلوب
،2على أن الحجاج مثلما أنه ليس موضوعيًا محضًا فإنه ليس ذاتيًا محضًا؛ ذلك أن من مقوماته حرية الختيار على أساس
عقلي ،وعلى صعيد آخر يمكن القول بأن الحجاج في ارتباطه بالمتلقي يؤدي إلى حصول عمل ما أو العداد له ،ومن ثّم
سيكون فحص الخطابات الحجاجية المختلفة بحثًا في صميم الفعال الكلمية وأغراضها السياقية ،وعلقة الترابط بين
القوال والتي تنتمي إلى البنية اللغوية الحجاجية ،3وسيكون الحجاج مؤطرًا بالخاصية اللسانية الشكلية ،وليس بالمحتوى
الخبري للقول الذي يربط القول بالمقام ،ولما كان المر كذلك فإن تركيز التداولية ينصب على العلقات الترابطية بين أجزاء
الخطاب والدوات اللسانية المحققة له ،ومن خصائص الخطاب الحجاجي الذي يميزه عن البرهان أو الستنتاج إمكان
النقض أو الدحض مما يجعل من إمكانية التسليم بالمقدمة المعطاة أمرًا نسبيًا بالنسبة إلى المخاطب .وتتصدر المحاججة
كوظيفة لسانية قائمة الوظائف اللغوية بالرغم من عدم إشارة الدارسين الذين تناولوا موضوع وظيفة اللغة إليها كبوهار
وجاكبسون وغيرهما ..الخ.
الحجاج والبلغة
جعل أرسطو )ت 322ق م( السؤال تابعًا للجدل ووجها من وجوهه المتعددة ،كما أنه المكانية الوحيدة التي تضفي سمة
الفعل ) (lacteعلى التفكير ،وهذا ما يعرف في التفكير الفلسفي بـ )الفعل التفكيري( ،lacte depencer 5والذي يقوم على
ثلث علقات أساسية هي :اليتوس والباتوس واللوغوس.
إن مفهوم الحجاج متصل بتحديد طبيعة الكلم في وظيفته التساؤلية ،le questionnementذلك أن المساءلة من حيث هي
عملية فكرية مؤسسة على سؤال وجواب تستدعي نقاشًا يولد حجاجًا ،ويبدو أن المحاججة موجودة بالقوة في التداول اللغوي،
إذ ل يخلو خطاب منها سواء كان شفويًا أم كتابيًا ،وربما قدم الحجاج على مظهرين لغويين أحدهما مصرح به وهو السؤال،
ل تعبيريًا
وثانيهما ضمني تعبر عنه المكانات المقترحة كإجابات قابلة للستبدال فيما بينها ،6وتأخذ هذه الجابات شك ً
مميزًا له ،وقعه وأثره البلغي على السامع ،فقد ترد الجابة في شكل صورة مجازية لها وقعها على المتلقي ،وهنا يحدث
التقاطع بين البلغة والحجاج ،فلو أخذنا قول النابغة:
فإننا سنواجه مشكلة مطابقة الملفوظ للواقع في الحقيقة ،وعندها يتساءل المخاطب عن قصد المتكلم ،وسبب اقتران الممدوح
بالشمس والملوك بالكواكب؟ ويعزى هذا التساؤل إلى الختلف القائم بين المسند والمسند إليه ،ول يكون الحل إل في
الجواب المفسر للتماهي البلغي بين الطرفين في ظل استتار الطرف الثالث الذي يمثله وجه الشبه بين المشبه والمشبه به،
والذي يمثل وحدة معجمية صغرى تظهر في الحقل الدللي للممدوح ،والحقل الدللي لكل من الشمس والكوكب وهي
الضاءة ،وهذه الوحدة تلعب دورًا أساسًا في إقامة الترابط والنسجام الدللي في التركيب اللغوي .هذا وأوضح بريلمان في
كتابه البلغة الجديدة أن نقطة التقاطع بين البلغة القديمة ونظرية المحاججة إنما هي المستمع.
الحجاج الخاطئ:
يبنى هذا النوع على المغالطة في تقديم الحجة ،ويعبر عنه باللغة الفرنسية بمصطلح ) (Paralogismeالمتكون من جزأين
هما paraونعني به خاطئ و logismeبمعنى الحجة ،وربما أضاف بعضهم صفة النية الحسنة لهذا النوع؛ ليتميز في
التفكير الفلسفي عن مصطلح .sophisme 8
إن الحجاج الخاطئ يقدم على المقايسة الواهمة ،كما تسبب في حدوثه عيوب بنويه أثناء تأسيس المحاججة كالمصادرة على
المطلوب ،أو الخطاء الناجمة عن تعدد السئلة؛ وربما أمكننا التمثيل للمغالطة الحجاجية بقولنا :إن إسرائيل دولة نووية
وقوة عسكرية فهي إذن على حق ،إذ يشمل هذا النوع من المغالطة الحجاج بالسلطة.
ومن أنواع الحجاج الخاطئ أيضًا المغالطة المنطقية؛ ونزعم التمثيل لها بمناظرة الشاعر العباسي "أبي العتاهية" لثمامة بين
الشرس ،9والمغالطة العلمية التي تشخص في تناقض أقوال المتكلم وأفعاله ،وربما مثلنا لها في النص القرآني بقولـه
تعالى ) :أتأمرون الناس بالبر وتنسون أنفسكم) )البقرة ،(44/وأما الحجاج المبني على التناقض الثباتي فتبينه الية من
سورة مريم )إني نذرت للرحمن صومًا فلن أكلم اليوم إنسيا)) ،مريم (19/فقد ذهب بعض المفسرين إلى أنها لم تنذر في
الحال بل صبرت حّتى أتاها القوم فذكرت لهم كونها نذرت ،فيكون هذا منها تناقضًا فقد تكلمت من حيث نذرت عدم الكلم،
بينما ذهب آخرون إلى إمساكها وإكتفائها باليماء وبالرأس ،ومن أدوات الحجاج اعتماد التهديد والترهيب كأسلوب للقناع
الخطابي في النصوص الدينية والسياسية ،ويمكن أن نجد لهذا النوع من القناع الذي ينحو منحى استسلميًا أمثلة متعددة في
الخطابة العربية كخطبة زياد بن أبيه لهل البصرة ،وخطبة الحجاج لهل العراق ،وخطبة زيد بن المقنع العذري الذي سعى
ل:
في ضمان ولية العهد إلى يزيد بن معاوية ،فخطب في حضرة معاوية )ض( قائ ً
"هذا أمر أمير المؤمنين وأشار إلى معاوية ،فإن هلك ..وأشار إلى ولده يزيد فان أبيتم فهذا ..وأشار إلى سيفه .10
"من حسن إسلم المرء تركه ما ل يعنيه" إذ يكن أن نقول بأن المتعلم كشخص في جوهره ليس فضوليًا ،وعمل ترك ما ل
يعنيه من تجليات حسن السلم.
-4الججة الرمزية :للرمز قوة تأثيرية في الذين يقرون بوجود علقة بين الرامز والمرموز إليه كدللة العلم في نسبته إلى
وطن معين ،والهلل بالنسبة إلى حضارة السلم ،والصليب بالنسبة إلى المسيحية ،والميزان إلى العدالة.
-6الستشهاد :غايته توضيح القاعدة ،وتكثيف حضور الفكار في الذهن ،وربما كان الستشهاد أداة لتحويل القاعدة من
طبيعة مجردة إلى أخرى محسوسة ،ولعل القرآن الكريم فيما يقدم لنا من أمثلة حجاجية أهم مصدر لهذه الشكال الحجاجية،
على أن العناية بالستشهاد القائم على التمثيل مقيد بجملة من القيود لعل أهمها؛ عدم إطنابه.
أّما الطريقة النفصالية فتقوم على وجود وحدة ومفهوم واحد بين العناصر الحجاجية وإنما فصل بينها لغاية حجاجية،
وللسائل أن يسأل عن طريقة الفصل بين القوال في الخطاب وعلى هذا ستكون الصورة المجازية بخاصة ،والصور
البلغية بعامة في الخطاب أداة مهمة لتحقيق الغرض الحجاجي فيه ،وكما اقترنت الحاجة بالغراب وأسلوب الشارة فإن
الخطاب الحجاجي غالبًا ما يشكل في جنس الخطبة التي تكرس مبدأ المفاوضة بين المتكلم والسامعين .12
تطرح هذه النظرية تصورًا لعمل المحاججة من حيث هو تلزم بين قول الحجة ونتيجتها ،لكن قول الحجة والنتيجة في
تلزمها تعكس تعددًا للحجة في مقابل النتيجة الواحدة على أن هناك تفاوتا من حيث القوة فيما يخص بناء هذه الحجج ،كما
أن الحجج قد تنتمي إلى قسم واحد كقولنا :الطالب مجتهد )ن( فقد نجح في المسابقة بامتياز )ق (1وتحصل على جائزة
الجامعة )ق .(2
إن مفهوم السلم الحجاجي في الخطاب من حيث تركيزه على مبدأ التدرج في توجيه الحجج يبين أن المحاجة اللغوية ل
ترتبط بالمحتوى وإحالة هذا المحتوى على مرجع محدد بل هي رهينة القوة والضعف الذي ينفي عنها الخضوع لمنطق
الصدق والكذب ،ومما تجدر الشارة إليه أن المتكلمين يختلفون في بناء منظومة السللم إذ أنها متسمة بالخصوصية
والذاتية ،فالبعض يلخص موقف خصومه ،والبعض الخر يدمجه في برهانه ويتبناه مؤقتًا.
الربط الحجاجي:
يميز محللو الخطاب الحجاجي بين نوعين من الدوات اللسانية التي تحقق الوظيفة الحجاجية والترابط داخل النص
الحجاجي؟ فأما النوع الول فتمثله عناصر نحوية في طبيعتها مثل الواو والفاء ولكن وإذن ،..وأما الثاني فتمثله جملة من
الساليب المتضمنة داخل الملفوظ الحجاجي كالنفي والحصر ،ويلحق بها عوامل حجاجية ذات وظيفة محددة دلليًا مثل:
"تقريبًا" و"على القل" و"منذ" "قصا" "وأبدا" وغيرها.
ن المحاججة موجودة في كل مكان في حواراتنا اليومية ومرافعات المحامين وخطب الساسة ودروس المعلمين ومناقشة إّ
الرسائل العلمية بشتى أشكالها ،ومن هنا ركز الباحثون جهودهم في تأسيس نظرية تصف أدواته وتقنياته وأغراضه وتحليل
بنيته ببناء نحو خاص بالخطاب الحجاجي ينطلق من مبادئ التداولية ونظرية الفعل الكلمي ،وهذا ما حاولت الدراسة
إبرازه.
الهوامش:
-3شكري المبخوت ،الحجاج في اللغة ،ضمن أعمال مخبر البلغة والحجاج ،جامعة منوبة ،تونس ،ص .352
-6محمد علي القارصي ،البلغة والحجاج من خلل نظرية المساءلة لمشال ميار ،ضمن فرقة البلغة والحجاج ،منشورات
جامعة منوية ،ص .395وانظر محمد يحياتن ،نظريات المحاجة ،مجلة اللغة والدب ،جامعة الجزائر ،عدد ،1997 ،11
ص .280
-7صلح فضل ،بلغة الخطاب وعلم النص ،سلسلة عالم المعرفة ،عدد ،164المجلس الوطني للثقافة والفنون والداب،
الكويت ،ص 80وما بعدها.
تعود الجذور التاريخية لعلم الحجاج أو المحاججة) ( Argumentationإلى الدولة اليونانية القديمة ،وخاصة إلى
الفيلسوف أرسطو الذي تناول الكثير من الظواهر المرتبطة بالممارسات الحجاجية بدرجة عالية من الدقة والشمول .إل أن
الحجاج قد عاني حالة من الركود في السياق الفكري الغربي على امتداد قرون متتالية فكان اهتمام الباحثين منصرًفا خلل
هذه الفترة إلى دراسة الجوانب البلغية والسلوبية للحجج مستندين في ذلك علي علمي المنطق والبيان مع إهمال واضح
للفعالية الحجاجية البرهانية )] ,([8أما الجذور الحديثة لنظرية المحاججة فتعود إلى خمسينيات القرن العشرين حيث
ظهرت توجهات نظرية متعددة في تناول الحجاج) ، (Argumentationفكان بعضها يعالج الحجاج من منظور لساني,
والبعض ينحو بالحجاج إلى التفسيرات المنطقية ,والبعض الخر يري الحجة من خلل تحليل البلغة البرهانية ,
ونتعرض لتلك التوجهات بإيجاز كالتالي _ :
الذي ينظر إلى الحجاج من منظور اللغة باعتباره ظاهرة لغوية ؛ فالحجاج هنا فعل لغوي ووظيفة أساسية للغة ،ثم إن هناك
أدوات وروابط وعبارات لغوية يتمثل دورها الساسي في القيام بالعمليات الحجاجية )].([9
طا منطقًيا خطابًيا ،تستخدم فيه اللغة كوسيلة للتواصل ،ويتمثل هذا النشاط في مجموعة من
ينظر إلى الحجاج باعتباره نشا ً
العمليات الذهنية ، ،و يري أصحاب هذا التوجه الحجاج كمجموعة من الستراتيجيات الخطابية لمتكلم ما ،يتوجه بخطابه
إلى مستقبل معين ،من أجل إقناعه بفكره محدد ،ولكن ليس بالضرورة أن يكون لكل خطاب غاية حجاجية)].([10
يري أن الحجاج عملية تغطي حقل الخطاب بأكمله ،وتستهدف القناع والستمالة ,وتعد عملية المحاججة وطرح الحجج في
عا من النشاط الجتماعي الذي يوجه للتواصل والحوار والتفاعل مع الخرين بهدفين فقط هما والجدل والقناع أي خطاب نو ً
،وهي عملية تفكير واستدلل منطقي فيما يطرحه الخطاب من وجهات نظر تقبل الجدل بشأن ما تقدمه من أدلة وبراهين
سواء بالرفض أو التفاق ,والحجج ما هي إل تقنيات الخطاب التي تؤدي بالذهن إلى التسليم بما يعرض عليه من أطروحات
وتعتمد قوة الحجة أو ضعفها علي براعة البلغة البرهانية للحجة .
من أبرز أصحاب هذا التوجه )شايم بيرلمان ,( Chaim Perelmanو)لوسي تاتيكا , ( Lucie Olbrechts-Tyteca
بالضافة إلى) ستيفن تولمان (Stephen Toulminالذي يعتبر من اكثر الكتاب تأثيرًا في علم المحاججة في فترتي
الستينات والسبعينات .
وضع تولمن نظريته عن المحاججة ) ( The Uses of Argumentفي عام 1958م )] ,([11ثم ادخل عليها تعديلت
في عام 1969م )] , ([12أما الحقول المعرفية التي استخدم فيها الحجاج فقد تعددت وتنوعت ,وإن اختلفت أنماط هذا
الستخدام باختلف ذلك الحقل المعرفي فظهر الحجاج في الفلسفة ,واللغويات ,والقانون ,والسياسة ,و التصالت ,
ضا علم الذكاء الصناعي)].([13وأي ً
تستند نظرية المحاججة علي مجموعة من الفرضيات الرئيسية تتضح فيما يلي)]: ([14
.1تتطلب عملية المحاججة وجود فكرة رئيسية لدي المرسل يحاول إقناع المستقبل بها ,وعادة ما تتفاوت مساحة التفاق
عا من النشاط
علي تلك الفكرة بين طرفي العملية التصالية ,وتعد عملية المحاججة وطرح الحجج في أي خطاب نو ً
الجتماعي الذي يوجه للتواصل والحوار والتفاعل مع الخرين فل يمكن أن تتم عملية المحاججة في سياق فردي .
.2تستمد الحجة قيمتها ومعناه ودرجة فعاليتها الحجاجية من خصوصية الحقل التواصلي الذي تظهر فيه والمرجعية
الخطابية التي تستند إليها ,أي أن ممارسة عملية سوق الحجة وصياغتها وتدعيمها في خطاب ما هي أساس عملية القناع
والمحاججة لحداث التأثير المستهدف ويظل هذا التأثير رهين الجماع والنخراط في سياق الفكار والقيم الداعمة لتلك
الحجة.
.3هدف أي محاججة هو الجدل و القناع ،وهي عملية تفكير واستدلل منطقي فيما يطرحه الخطاب من وجهات نظر
تقبل الجدل بشأن ما تقدمه من أدلة وبراهين سواء بالرفض أو القبول ,وتتعدد في سبيل ذلك أشكال الحجاج وتتنوع فهناك
الحجاج ) الصريح ,و الضمني ,والجدلي ,و التبريري ,و ، (..وتتعدد استخدامات الحجاج وتتباين مرجعياتها وتأويلتها
تبًعا لنوع هذا الحجاج .ففي النهاية هدف كل خطاب هو القناع والتأثير من خلل ما يسوقه من حجج ) للتأثير والستمالة( ,
وأدوات إقناعية )أدلة وبراهين ( .وغاية الفعل الحجاجي بدوره كما أسلف هي القناع ومن ثم فقد ارتبط هذا الفعل بالمتلقي
وبالخر ,فهو يسوغ ويبرر ويدعم ويكشف ,وإن كانت حدوده مقيدة بقيود الحتمالية والنسبية.
أسباب اختيار نموذج تولمن في الدراسة . ج.
استخدمت الدراسة بالتحديد نموذج تولمن لتحليل الحجة Toulmin model of argumentفي تحليل بعض نصوص
الخطاب الصحفي المتعلق بالحركات السلمية ,حيث تنطبق مفاهيم هذا النموذج علي أي حجة في أي مجال أو حقل
معرفي ،والذي يختلف هو فقط محتوى أو مضمون الحجة من مجال معرفي إلى آخر ) الخطب السياسية والقانونية
والعلمية…( )] , ([15لن هذا التكنيك يعد أكثر ملئمة لتحليل وتفسير الحجج المتعلقة بالقضايا التي تقل فيها مساحات
التفاق ويتزايد تنافر الرؤى حولها ,وتتشعب الطروحات المقدمة عنها بين التأييد والمعارضة وما بينهما ,وفي هذا السياق
تعد القضايا المتعلقة بالحركات السلمية من أكثر القضايا إثارة للجدل وتعدد الرؤى نظًرا للختلف الشديد بين تلك
الحركات ذات المرجعيات السلمية فيما بينها سواء في الطر الفكرية أو في الممارسات ,بالضافة إلى اختلف وتباعد
زوايا الرؤى التي يتناول الكتاب منها القضايا المتعلقة بالحركات السلمية كل حسب نظرته ,بالضافة إلى كون معظمها
تنظيمات سرية يحيط الغموض بأهدافها وممارساتها واستراتيجياتها ذلك الغموض الذي يلعب دورًا محوريًا في تزايد
الختلف حول هذه الهداف أو تلك الممارسات .
يتكون هذا النموذج من ستة مفاهيم تحليلية ثلثة مفاهيم منها أساسية وثلثة ثانوية)]: ([16
حجة أو ادعاء أو قضية أو موضوع ما ،وهو ترجمة لما يريد قائل الخطاب إثباته .ويمثل هذا المفهوم الطرح الرئيسي أو
الفكرة المسيطرة على الخطاب .وقد يعبر عنها من خلل البيانات والمعلومات المتوافرة لهذا الخطاب ,و تتعدد أنواع
الحجج الرئيسية المستخدمة في الخطاب كما يلي _:
· الحجج التوضيحية _:وهي الحجة المستمدة من تعريفات قانونية أو سياسية أو اقتصادية أو تبعا لوثائق محلية أو إقليمية
أو عالمية أو لمواثيق دولية أو سوابق تاريخية .
· الحجج المتعلقة بالسباب _:وهي الحجة التي ترتبط بوقائع ومشكلت معينة وأسبابها وتأثيراتها .
· الحجج المعيارية أو المتعلقة بالقيمة _:وهي الحجة التي تنبع من العرف أو الدين أو القانون أو القيم أو الفضائل
الخلقية والحكام المعيارية والمستمدة من الوقائع المحيطة
· حجج السياسات _:وهي التي تتعلق بما يجب القيام به وكيف يعمل وأي الليات تجري لتنفيذه.
وقد تقترب أي فكرة أو حجة من النماط الخمسة المختلفة بصورة أو بأخرى .
.2المسوغات _ :
حجج الدعم أو المبررات والدلئل أو الدوافع والسباب ،بمعنى السباب المعطاة من أجل دعم ومساندة وتشجيع الفكرة
الرئيسية أي ما الذي ساقه قائل الخطاب ليقنع المتلقين بالفكرة أو الموضوع الرئيسي للخطاب.
ومما سبق يتضح أن المسوغات )المبررات( وحجج الدعم التي أشار إليها النموذج تعمل في الخطاب عمل مسارات البرهنة
التي يستخدمها الكاتب لقناع المستقبل بفكرة الخطاب الرئيسية ,وبناء علي ذلك فقد رأت الباحثة أن يتم تكييف النموذج طبقا
لمقتضيات الدراسة بان يتم استخراج مسارات البرهنة المستخدمة في الخطاب وتحليلها كحجج دعم للحجة الرئيسية ,وقد
تأتي مسارات البرهنة في الشكال التالية -:
منطقية الستشهاد) الستشهاد المنطقي ( -الوقائع التاريخية -الحداث المعاصرة -الرقام والحصائيات -آراء
المسئولين -آراء الخبراء -الكتب و الدراسات -المثلة التطبيقية .
.3الضمانات _:
الكفالت والرخص المتمثلة في المعتقدات السائدة والقيم والراء المشتركة والرؤى الثقافية والجتماعية المتعارف عليها
وهي التي تؤكد أو تعبر ضمنا عن الحجة .بعبارة أخرى ما الذي يدعو هذا الخطاب لتعهد وضمان ما جاء في الخطاب من
أفكار وموضوعات ،أو ما هو مصدر هذا الخطاب ومن أين تأتي سلطته وهنا ل بد للخطاب أن يشترك مرسله ومتلقيه في
هذه القيم والمعايير والمعتقدات التي هي أقرب إلى العرف منها إلى أشياء مفروضة أو منتظمة أو محددة ,وتعبر تلك
الضمانات عما هو حاصل بشأنه إجماع أو الرضية المشتركة بين المرسل والمتلقي ،لنه في حالة الشتراك في تلك القيم
والمعايير والعراف فهي تدعو متلقي الخطاب للمشاركة بشكل غير متعمد وبدون وعي في ذلك المطلب أو الحجة أو
الفكرة الرئيسية ,وهنا تربط تلك الضمانات بين الفكرة الرئيسية الخطاب وبين أسباب ومبررات دعمها أو تأييدها.
أما المفاهيم التحليلية الثانوية التي قد تتضمنها الحجة أو ل تتضمنها فيشير إليها النموذج فيما يلي-:
تخضع الحجة في التحليل في إطار هذا النموذج إلي احتمالية الحجة وليس إطلقها والتأكيد عليها ،فتحليل أي حجة هو نوع
من المشروطية المؤكدة.
.5العون _:
المساندة التي يقدمها الخطاب للمتلقي لكي يجعل العراف والقيم والمعتقدات الضامنة والكفيلة لحجة أكثر قبول ومصداقية
من خلل جماعات المؤيدين اتجاهات الرأي العام مقالت الرأي التي يشير إليها الخطاب لمساندة حجته الرئيسية.
.6دفاعات _:
ردود الخطاب على التحفظات ووجهات النظر المعارضة والبديلة والمتنافسة أو المتصارعة للمطلب أو الحجة الرئيسية
سواء تم الشارة إليها من داخل الخطاب نفسه أو وجهت للخطاب من خطابات المعارضة .ويتوقع من الخطاب أن يتعامل
ضا أن يتضمن إجابات على السئلة والعتراضات التي يمكن بشكل منصف مع وجهات النظر المختلفة ،وعلى الخطاب أي ً
أن ترد في ذهن متلقي هذا الخطاب ،وإل سيضعف هذا من حجة الخطاب ويجعلها عرضة للهجوم من حجج أخرى مضادة ,
ومن ثم تصبح هذه الدفاعات بمثابة رد مباشر للحجج المضادة أو المعارضة.
سوف تتعامل الدراسة في إطار التكنيك المنهجي المستخدم مع معارضة الخطاب لنفسه بنفسه ومدى نجاحه أو إخفاقه
في تقديم حجج وأدلة وبراهين مقنعة وملئمة وصادقة .ويتم هذا من خلل الكشف عن الحجج والستدللت الضعيفة أو
المغلوطة التي يستخدمها الخطاب الصحفي بشأن المضامين المتعلقة بالحركات السلمية .
.1مغالطات الغموض واللتباس :ومنها المراوغة والمواربة في استخدام الكلمات والعبارات بمعان متعددة والتلعب
باللفاظ والبهام وعدم التأكيد والقتباس في غير موضعه والتعميم غير الموضوعي وسحب الجزء على الكل.
عا وانتشاًرا في الخطابات ذات الصلة بالقضايا السياسية ,ويتضمن هذا .2مغالطات التساق :وهذا النوع هو الكثر ذيو ً
ضا
النوع اللجوء إلى القوة أو إلى أمر ضمني أو تهديد غير مشروع وهذا على عكس التحذير والتوضيح المشروع ،أي ً
ضا اللجوء
الهجوم الشخصي على أشخاص يتناولها الخطاب وليس على حججهم وأقوالهم ،ومن هذا النوع من المغالطات أي ً
ضا إلى استجداء التعاطف ,و يدخل ضمن إلى مخاطبة المشاعر الجماهيرية أو الشعبية واللعب على أوتارها ،واللجوء أي ً
ضا العتماد على الصور النمطية في صياغة وتقديم الحجج وتشكيل رؤية هذا الخطاب بشكل عام ،ومن هذه هذا النوع أي ً
ضا ما يطلق عليه النسان القش ويقصد وهن أو ضعف الحجة وكذلك الحجة المشوشة ،وأخيًرا النتيجة غير المغالطات أي ً
المتسقة مع المقدمات المطروحة .
.3مغالطات الحتمالت المسبقة :ومن أشهر هذا النوع من المغالطات تداخل المقدمات مع النتائج الوقائع مع التقويم ،
التغاضي عن الدلة التي هي ضد موقف الخطاب أو التحيز لوجهة نظر الخطاب ،أو طرح تساؤلت في صورة إجابات
ضا ما يسمى بالثنائية الخاطئة أو منطق إما وإما.
نهائية ،وأي ً
.4مغالطات الستنتاجات الضعيفة :وتظهر هذه المغالطات نتيجة للستخدام الخاطئ لي نوع من أنواع السلطة المادية
ضا السلطة الرمزية كالعادات والتقاليد المشتركة والرأي السائد ،.أو اللجوء إلى أسباب واهية ووهمية لثبات شئ ،
وأي ً
ضا العتماد على تعميمات غير موضوعية ونتائج متسرعة وأدلة غير وافية ،وتبرير الخطأ بخطأ الغير ،ومن هذا وأي ً
ضا النزلق في سلسلة من السباب والنتائج الخاطئة المترتبة عليها.النوع من المغالطات أي ً
ثانيا :المدخل المنهجي للدراسة
-المشكلة البحثية :تحددت المشكلة البحثية في التعرف علي اتجاهات الخطاب الصحفي نحو الحركات السلمية ,دراسة
تحليلية مقارنة على عينة من موقعي صحيفتي الهرام المصرية ,و الهيرالدتربيون المريكية ,في الفترة من 11سبتمبر
2001م حتى 16مارس 2006م .
-عينة الدراسة :تم سحب عينة الدراسة من الرشيف الصحفي لموقعي صحيفتي الهرام المصرية النترناشيونال
هيرالدتربيون المريكية باستخدام أسلوبي السبوع الصناعي المركب ,والعينة العمدية وقد اعتمدت الدراسة في سحب
العينة علي الرشيف الزمني والموضوعي لصحيفتي الدراسة باستخدام محرك البحث الخاص بكل صحيفة ,وقد تم سحب
العينة في الفترة من 11سبتمبر 2001حتى 16مارس . 2006
مقدمة وتعريف
• تطلق لفظة حجاج ومحاججة Argumentationعند بريلمان وتيتيكاه على العلم وموضوعه ،ومؤداها درس تقنيات
الخطاب التي تؤدي بالذهن إلى التسليم بما يعرض عليه من أطروحات ،أو أن تزيد في درجة التسليم 1وربما كانت وظيفته
محاولة جعل العقل يذعن لما يطرح عليه من أفكار ،أو يزيد في درجة ذلك الذعان إلى درجة تبعث على العمل المطلوب
،2على أن الحجاج مثلما أنه ليس موضوعيًا محضًا فإنه ليس ذاتيًا محضًا؛ ذلك أن من مقوماته حرية الختيار على أساس
عقلي ،وعلى صعيد آخر يمكن القول بأن الحجاج في ارتباطه بالمتلقي يؤدي إلى حصول عمل ما أو العداد له ،ومن ثّم
سيكون فحص الخطابات الحجاجية المختلفة بحثًا في صميم الفعال الكلمية وأغراضها السياقية ،وعلقة الترابط بين
القوال والتي تنتمي إلى البنية اللغوية الحجاجية ،3وسيكون الحجاج مؤطرًا بالخاصية اللسانية الشكلية ،وليس بالمحتوى
الخبري للقول الذي يربط القول بالمقام ،ولما كان المر كذلك فإن تركيز التداولية ينصب على العلقات الترابطية بين أجزاء
الخطاب والدوات اللسانية المحققة له ،ومن خصائص الخطاب الحجاجي الذي يميزه عن البرهان أو الستنتاج إمكان
النقض أو الدحض مما يجعل من إمكانية التسليم بالمقدمة المعطاة أمرًا نسبيًا بالنسبة إلى المخاطب .وتتصدر المحاججة
كوظيفة لسانية قائمة الوظائف اللغوية بالرغم من عدم إشارة الدارسين الذين تناولوا موضوع وظيفة اللغة إليها كبوهار
وجاكبسون وغيرهما ..الخ.
• يهدف الحجاج إلى إقناع شخص ما لعتناق فكرة معينة,و تقوم باختيار البراهين حسب الشخص المراد إقناعه.
الحجاج والبلغة
جعل أرسطو )ت 322ق م( السؤال تابعًا للجدل ووجها من وجوهه المتعددة ،كما أنه المكانية الوحيدة التي تضفي سمة
الفعل ) (lacteعلى التفكير ،وهذا ما يعرف في التفكير الفلسفي بـ )الفعل التفكيري( ،lacte depencer 5والذي يقوم على
ثلث علقات أساسية هي :اليتوس والباتوس واللوغوس.
إن مفهوم الحجاج متصل بتحديد طبيعة الكلم في وظيفته التساؤلية ،le questionnementذلك أن المساءلة من حيث هي
عملية فكرية مؤسسة على سؤال وجواب تستدعي نقاشًا يولد حجاجًا ،ويبدو أن المحاججة موجودة بالقوة في التداول اللغوي،
إذ ل يخلو خطاب منها سواء كان شفويًا أم كتابيًا ،وربما قدم الحجاج على مظهرين لغويين أحدهما مصرح به وهو السؤال،
ل تعبيريًا
وثانيهما ضمني تعبر عنه المكانات المقترحة كإجابات قابلة للستبدال فيما بينها ،6وتأخذ هذه الجابات شك ً
مميزًا له ،وقعه وأثره البلغي على السامع ،فقد ترد الجابة في شكل صورة مجازية لها وقعها على المتلقي ،وهنا يحدث
التقاطع بين البلغة والحجاج ،فلو أخذنا قول النابغة:
أنت شمس والملوك كواكب
فإننا سنواجه مشكلة مطابقة الملفوظ للواقع في الحقيقة ،وعندها يتساءل المخاطب عن قصد المتكلم ،وسبب اقتران الممدوح
بالشمس والملوك بالكواكب؟ ويعزى هذا التساؤل إلى الختلف القائم بين المسند والمسند إليه ،ول يكون الحل إل في
الجواب المفسر للتماهي البلغي بين الطرفين في ظل استتار الطرف الثالث الذي يمثله وجه الشبه بين المشبه والمشبه به،
والذي يمثل وحدة معجمية صغرى تظهر في الحقل الدللي للممدوح ،والحقل الدللي لكل من الشمس والكوكب وهي
الضاءة ،وهذه الوحدة تلعب دورًا أساسًا في إقامة الترابط والنسجام الدللي في التركيب اللغوي .هذا وأوضح بريلمان في
كتابه البلغة الجديدة أن نقطة التقاطع بين البلغة القديمة ونظرية المحاججة إنما هي المستمع.
الحجاج الخاطئ:
يبنى هذا النوع على المغالطة في تقديم الحجة ،ويعبر عنه باللغة الفرنسية بمصطلح ) (Paralogismeالمتكون من جزأين
هما paraونعني به خاطئ و logismeبمعنى الحجة ،وربما أضاف بعضهم صفة النية الحسنة لهذا النوع؛ ليتميز في
التفكير الفلسفي عن مصطلح .sophisme 8
إن الحجاج الخاطئ يقدم على المقايسة الواهمة ،كما تسبب في حدوثه عيوب بنويه أثناء تأسيس المحاججة كالمصادرة على
المطلوب ،أو الخطاء الناجمة عن تعدد السئلة؛ وربما أمكننا التمثيل للمغالطة الحجاجية بقولنا :إن إسرائيل دولة نووية
وقوة عسكرية فهي إذن على حق ،إذ يشمل هذا النوع من المغالطة الحجاج بالسلطة.
ومن أنواع الحجاج الخاطئ أيضًا المغالطة المنطقية؛ ونزعم التمثيل لها بمناظرة الشاعر العباسي "أبي العتاهية" لثمامة بين
الشرس ،9والمغالطة العلمية التي تشخص في تناقض أقوال المتكلم وأفعاله ،وربما مثلنا لها في النص القرآني بقولـه
تعالى ) :أتأمرون الناس بالبر وتنسون أنفسكم) )البقرة ،(44/وأما الحجاج المبني على التناقض الثباتي فتبينه الية من
سورة مريم )إني نذرت للرحمن صومًا فلن أكلم اليوم إنسيا)) ،مريم (19/فقد ذهب بعض المفسرين إلى أنها لم تنذر في
الحال بل صبرت حّتى أتاها القوم فذكرت لهم كونها نذرت ،فيكون هذا منها تناقضًا فقد تكلمت من حيث نذرت عدم الكلم،
بينما ذهب آخرون إلى إمساكها وإكتفائها باليماء وبالرأس ،ومن أدوات الحجاج اعتماد التهديد والترهيب كأسلوب للقناع
الخطابي في النصوص الدينية والسياسية ،ويمكن أن نجد لهذا النوع من القناع الذي ينحو منحى استسلميًا أمثلة متعددة في
الخطابة العربية كخطبة زياد بن أبيه لهل البصرة ،وخطبة الحجاج لهل العراق ،وخطبة زيد بن المقنع العذري الذي سعى
ل:
في ضمان ولية العهد إلى يزيد بن معاوية ،فخطب في حضرة معاوية )ض( قائ ً
"هذا أمر أمير المؤمنين وأشار إلى معاوية ،فإن هلك ..وأشار إلى ولده يزيد فان أبيتم فهذا ..وأشار إلى سيفه .10
هذا ويمكن الحديث على أنواع أخرى للحجج منها:
-1حجة التبرير ،argument de gaspillageوأداتها "بما أن".
-2حجة التجاه ،directionوغرضها التحذير من انتشار شيء ما.
-3الحجة التواجدية ،تبنى على علقة الشخص بعمله ،ويمكن أن نمثل لها بقوله )ص(:
"من حسن إسلم المرء تركه ما ل يعنيه" إذ يكن أن نقول بأن المتعلم كشخص في جوهره ليس فضوليًا ،وعمل ترك ما ل
يعنيه من تجليات حسن السلم.
-4الججة الرمزية :للرمز قوة تأثيرية في الذين يقرون بوجود علقة بين الرامز والمرموز إليه كدللة العلم في نسبته إلى
وطن معين ،والهلل بالنسبة إلى حضارة السلم ،والصليب بالنسبة إلى المسيحية ،والميزان إلى العدالة.
ن الغاية من اعتماده حجاجيًا هو التأسيس للقاعدة ،والبرهنة على صحتها.-5المثل :إ ّ
-6الستشهاد :غايته توضيح القاعدة ،وتكثيف حضور الفكار في الذهن ،وربما كان الستشهاد أداة لتحويل القاعدة من
طبيعة مجردة إلى أخرى محسوسة ،ولعل القرآن الكريم فيما يقدم لنا من أمثلة حجاجية أهم مصدر لهذه الشكال الحجاجية،
على أن العناية بالستشهاد القائم على التمثيل مقيد بجملة من القيود لعل أهمها؛ عدم إطنابه.
أّما الطريقة النفصالية فتقوم على وجود وحدة ومفهوم واحد بين العناصر الحجاجية وإنما فصل بينها لغاية حجاجية،
وللسائل أن يسأل عن طريقة الفصل بين القوال في الخطاب وعلى هذا ستكون الصورة المجازية بخاصة ،والصور
البلغية بعامة في الخطاب أداة مهمة لتحقيق الغرض الحجاجي فيه ،وكما اقترنت الحاجة بالغراب وأسلوب الشارة فإن
الخطاب الحجاجي غالبًا ما يشكل في جنس الخطبة التي تكرس مبدأ المفاوضة بين المتكلم والسامعين .12
نظرية السللم الحجاجية:
تطرح هذه النظرية تصورًا لعمل المحاججة من حيث هو تلزم بين قول الحجة ونتيجتها ،لكن قول الحجة والنتيجة في
تلزمها تعكس تعددًا للحجة في مقابل النتيجة الواحدة على أن هناك تفاوتا من حيث القوة فيما يخص بناء هذه الحجج ،كما
أن الحجج قد تنتمي إلى قسم واحد كقولنا :الطالب مجتهد )ن( فقد نجح في المسابقة بامتياز )ق (1وتحصل على جائزة
الجامعة )ق .(2
أهمية نظرية السللم الحجاجية:
إن مفهوم السلم الحجاجي في الخطاب من حيث تركيزه على مبدأ التدرج في توجيه الحجج يبين أن المحاجة اللغوية ل
ترتبط بالمحتوى وإحالة هذا المحتوى على مرجع محدد بل هي رهينة القوة والضعف الذي ينفي عنها الخضوع لمنطق
الصدق والكذب ،ومما تجدر الشارة إليه أن المتكلمين يختلفون في بناء منظومة السللم إذ أنها متسمة بالخصوصية
والذاتية ،فالبعض يلخص موقف خصومه ،والبعض الخر يدمجه في برهانه ويتبناه مؤقتًا.
الربط الحجاجي:
يميز محللو الخطاب الحجاجي بين نوعين من الدوات اللسانية التي تحقق الوظيفة الحجاجية والترابط داخل النص
الحجاجي؟ فأما النوع الول فتمثله عناصر نحوية في طبيعتها مثل الواو والفاء ولكن وإذن ،..وأما الثاني فتمثله جملة من
الساليب المتضمنة داخل الملفوظ الحجاجي كالنفي والحصر ،ويلحق بها عوامل حجاجية ذات وظيفة محددة دلليًا مثل:
"تقريبًا" و"على القل" و"منذ" "قصا" "وأبدا" وغيرها.
ن المحاججة موجودة في كل مكان في حواراتنا اليومية ومرافعات المحامين وخطب الساسة ودروس المعلمين ومناقشة إّ
الرسائل العلمية بشتى أشكالها ،ومن هنا ركز الباحثون جهودهم في تأسيس نظرية تصف أدواته وتقنياته وأغراضه وتحليل
بنيته ببناء نحو خاص بالخطاب الحجاجي ينطلق من مبادئ التداولية ونظرية الفعل الكلمي
حج ،حجا حجه :غلبه بالحجة .
حاج حجاجا ومحاجة ،حاجه :خاصمه فحجه -تحاجا تحاجا :تخاصما
احتج :ادعى وأتى بالحجة .واحتج بالشيء :جعله حجة وعذرا له.استحج :طلب الحجة وأبداها .
الحجة جمع حجج وحجاج :البرهان – الحجيج :المغالب بإظهار الحجة.
المحجوج :المغلوب بالحجة.
وتقابلها في الفرنسية كلمة Argumentالتي تعني حجة ،دليل برهان
النص الحجاجي هو قرين التدليل والستدلل والبرهنة والقناع يكتب لتغيير وتصحيح بعض المفاهيم والفكار الخاطئة
الراسخة في أذهان القراء من أجل تغيير سلوكهم وتقويم تصرفاتهم مؤيدا بأمثلة وأدلة وحجج دامغة..
مثال) (1ذلك النص الذي يتحدث عن وجوب حماية الغابة لنها مصدر الحطب والخشب .ولنها مورد اقتصادي وسياحي
هام .
مثال ) :(2التدخين مضر بالصحة.
مثال ) :(3هل تعتقد أن الشباب يكفي ليكون النسان سعيدا؟ .
مثال ) :(4هل التدخين مضر بالصحة؟.
النماط الحجاجية
و تحدد في نمطين :المحاورة الجدلية)المناظرة( و المحاورة الخطابية)الخطابة( الخطابة خطاب حجاجي :مداره قول
للقناع في مجال المحتمل و المسائل الخلفية القابلة للنقاش و أهم اسسها أ -المقدمة و تتجلى اهميتها في جعل القارئ او
السامع منتبها متقبل .ب -السرد)الحكي( و فيه تقدم الوقائع إلى القارئ او المستمع تقديما مركزا واضحا و مقبول .ج-
الحجاج تبرير يتميز بالموضوعية و النفعال تبعا للتأثير الذي يرغب الخطيب في احداثه .د -النهاية تضم ملخصا موجزا
للبرهنة المقدمة .المناظرة آلية حجاجية :و هي كل خطاب استدللي يقوم على المقابلة و التفاعل الموجه و هي نوع من
الجدال بالتي هي احسن بين فريقين وصول للق و الصواب من شروطها العامة 1وجود متناظرين 2وجود دعوى او ادعاء
3ل بد من مال يكون بعجز أحد المتناظرين او غلبة أطروحة على اخر بناءا على قوة السلم الحجاجي و يتبين من خلل هذه
القواعد الشكلية للمناظرة وجود 3مفاهيم هي .الدعاء و يسمى عرض الدعوى .المنع و هو العتراض على الدعوى.
التدليل و من أهم شروطه صدق العرض و المعترض فيما يدعيانه.
ينتمي النص الواحد نفسه إلى أنماط نصية مختلفة:فنص سردي يحتوي ،غالبا ،مقاطع وصفية,تفسيرية...
آليات الحجاج
1الخبار من الخبر و هو ما يصح ن يدخله الصدق او الكذب و هو لفظ يدل على علم في نفس المخبر.
2التفسير .يحتاج الموضوع الذي يطرح إشكالية أو قضية كما هو الشأن في المناظرة أو الخطبة في انجازه إلى أساليب
للتفسير تساهم في توضيح أبعاده و دللته و تجعل المتكلم قادرا على الشرح و التوضيح لخصمه أو من يناظره لغرض
القناع و أهم أساليبه التعريف الوصف المقارنة و السرد.
3القناع و بواسطته تستخدم حجج و براهين للدللة على صحة الموقف الذي يدافع عنه المتناظرون و الخطيب اعتمادا
على أدلة ملموسة من الشواهد أو أدلة تعتمد على مبادئ منطقية .و للقناع ضوابط بدونها ل يحصل التسليم بالرأي .و من
وسائل القناع و سائل لغوية و وسائل منطقية دللية .الوسائل المنطقية الدللية و أهم عناصرها القياس المنطقي الذي يعتبر
بنية أساسية في الحجاج و وظيفته النتقال مما هو مسلم إلى ما هو مشكل .و كذلك من عناصرها الحاديث النبوية أو اليات
القرآنية أو المقولت الفلسفية أو العلمية و حجج واقعية .الوسائل اللغوية و من أهمها التوكيد و الشرط و النفي و التكرار
اللفظي و المعنوي و السجع و التوازن الصوتي و الطباق ...إلى أخره.
محمد العمري
تعريف :
"الحوار ،في معناه العام :خطاب )أوتخاطب( يطلب القناع بقضية أو فعل .وفي معناه الخاص :كل خطاب يتوخى تجاو َ
ب
ق ُمعين ،ويأخذ رده بعين العتبار من أجل تكوين موقف في نقطة غير معينة سلفا بين المتحاورين؛ قريبة من هذا
متل ّ
الطرف أو ذاك ،أو في منتصف الطريق بينهما.
صورُته الُمثلى مناقشٌة بين طرفين أو أكثر ،وقد يكون تعقيبا بعد حين على صفحات الجرائد أو غيرها من وسائط التصال
التي تتيح فرصة للتعليق على رأي الخرين ،وقد يكون في أي صيغة أخرى")(.
الذي يشغلني ،وأنا أقترح هذا التعريف التقريبي ،هو الخطاب السياسي في معناه العام ،أي الخطاب الذي يتناول تدبير
الختلف في الحياة المدنية .ولذلك لم أعتمد تعريفا سابقا يقيدني بمرجعيته أو مجال تطبيقه .وأحيل ،قصد الستئناس
والمقارنة ،على تعريف دوكلس والتون وهو يهتم بالنماط الحافة بالحوار النقدي المتداخلة معه ،مثل :المناقشات
والمفاوضات والتحقيقات والمشاحنات)( .كما أحيل على بيرلمان وأولبريشت تيتيكا ،وهما يهتمان ،في الطرف المقابل،
بالحجاج الجدلي ضمن هم منطقي فلسفي ،اختارا له اسم البلغة الجديدة ،وسنورده لحقا .فبين هذ العريف والتعريفات
الخرى تداخل في الجوهر واختلف في التفاصيل .وأستبعُد ،من باب أولى وأحرى ،المفهوم النقدي الدبي لكلمة "حوار"
مما يتصل بالتناص ،أو حوار النصوص.
وبلغة الحوار هي العلم الذي يتناول مكونات الحوار وأخلقياته وآليات اشتغاله .وهي تنتمي إلى النظرية العامة للقناع
التي هي فرع من البلغة العامة) ،أو البلغة ،دون زيادة( ،في مقابل فرع التخييل)( .وقد اقترحنا تصورا لـ"دائرة الحوار"
في كتابنا المعنون بهذا السم مشفوعة بالتعليق التالي:
"دائرة الحوار هي… دائرُة الممكن ،دائرة ما يتطلب إنجازه أخذ "الخر" بعين العتبار .متعاونا )مشاورات( أو منازعا
)مناظرات( ،أو منقادا دون روية )استهواء( .وخارج هذه الدائرة توجد دائرة المطلق )أو المطلقات( .لكل صيغة من صيغ
الحوار ،أو جنس من أجناسه امتداد :ففي امتداد التشاور توجد المعرفة في بعدها التخزيني ،أي نشاط الذاكرة بشكل أساسي،
وفي امتداد المناظرة يوجد التأمل والعتبار والمعرفة المنطقية والبرهانية ،أي نشاط العقل بصفة أساسية .وفي امتداد
الستهواء يوجد العنف السيكولوجي والرمزي ،أي نشاط الوجدان بشكل أساسي".
وهكذا فإن الحوار يجري داخل دائرة الممكن ،ولكنه قد ينزلق خارج الدائرة حين يصادر أحد الطرفين حق الخر في
المعرفة أو النظر أو العتبار )حيث يستغفله أو يستخف به( .وقد يتم النزلق من مقام إلى مقام فيختل الحوار أو يضطرب،
كما يحدث حين القفز من المشاورة إلى المنازعة ،أو من المناظرة إلى الستهواء.
نحيل الراغب في مزيد بيان على المرجع المذكور .ونخصص هذه المناسبة لمعالجة ثلث نقط وهي (1 :مجال الحوار ،و
(2الفرق بين الحوار والحجاج ذي التوجه المنطقي )أو الستهواء الحواري والحجاج المنطقي( ،ثم (3الفرق بين نقد
الخطاب الحواري وإبداء الرأي )أو نهاية العلم وبداية الرأي في بلغة الحوار( .وقد بدت لي هذه القضايا ـ عند تأليف كتاب
دائرة الحوار ـ بديهية ،ثم تبين أن عدم وضع النقط على الحروف بصددها يعوق الفهم والتفاهم في هذا المجال.
يلتقي منظرو بلغة القناع من أفلطون إلى بيرلمان في التأكيد بأن مجال التخاطب الحواري )أو الحجاج( هو مجال القيم.
ج .وذلك في مسعى منها عمقت هذه القناعة ،حديثا ،من طرف نظرية الحجا ٍ فهنا يتدخل الرأي وتؤثر المقامات الخطابية .وقد ُ
لبناء منطق غير شكلي يهتم بالقناع في مجالت متعددة .يقول ج.مورو في مقال له بعنوان "البلغة والجدل وأولى
الضرورات:
"قال سقراط لوطيفرون : Euthephronإذا اختلف رأينا ،أنا وأنت ،حول العدد )عدد الشياء الموجودة في سلة( ،أو حول
الطول )طول قطعة من نسيج( ،أو حول الوزن )وزن كيس من قمح( ،فلن نتنازع من أجل هذا؛ ولن ندخل في نقاش؛
سيكفينا أن نُعَد أونقيس أو نزن وسيسوى الخلف .إن الختلفات ل تتسع وتتسمم إل حين ل تكون هناك إجراءات للقياس
من هذا القبيل ،حين تغيب المقاييس الموضوعية .وهذا هو الشأن ،حسب سقراط ،حين نختلف حول المصيب والمخطئ
والجميل والقبيح والخيّـر والشرير ،وبكلمة واحدة :حول القيم ."(Platon.Euthephron.7d) .وعليه فإذا أردنا ،في مثل
هذه الحالت تلفي تحول الخلف إلى أزمة ،وتلفي الحل المعتِمد على العنف فليس هناك من سبيل غيَر الرجوع إلى نقاش
عقلني .ويبدو الجدل ،باعتباره فنا للمناقشة ،المنهج الملئم لحل المشاكل التطبيقية ،تلك التي ُتعنى بالغراض العملية حيث
تتدخل القيم")(.
وما دام الحوار أو الجدل )ل فرق في هذا المستوى( ل يتصور إل في مستَمعات )مستمعون في مكان وزمن محددين( فقد
ثار الصراع منذ القديم بين الفلسفة والبلغيين حول هوية الميدان :طبيعة الحقيقة الممكنة ،ومن هو أجدر بالوصول إليها.
فأية حقيقة يقيمها الفيلسوف في هذا المجال تصبح ،من غدها ،موضوع خلف يقتضي المجادلة والقناع ،أي استعمال
الدوات البلغية المرصودة لمعالجة الرأي وما هو نسبي في إطار المقامات.
بناء عليه فإن الحوار يغطي ،عندنا ،كل المجال الذي يفلت من الصرامة البرهانية المعتمدة على البداهة )أي مجال القيم كما
تقدم( ،غير أن الحديث عن القيم يطرح إشكال النسبية والطلق.
فحين يقال بأن القيم هي مجال القناع يتبادر إلى ذهن غير المختص العتراض بكونية القيم الكبرى مثل الحق والخير
والحرية والجمال… وهي كذلك )أي كونية( بالنسبة لكل العقلء المندمجين في المسار الحضاري للنسانية ،بل حتى الطغاة
ليتنكرون لها بصريح اللفظ .غير أن إطلقية هذه القيم وكونيتها ل تتجاوز مستوى النظر والشعار الذي ينبغي رفعه والذود
عنه على الدوام .فبمجرد ما نحاول تنزيل هذه القيم على الواقع فإنها تصبح موضوع أخذ ورد حسب المستَمعات )les
(auditoiresعير تدرج من المستوى التشريعي إلى المستوى العملي الحياتي .فما تراه الطبقات الفقيرة عدل )توزيع
الثروات( تراه الطبقات المتحكمة في الثروة مصادرة لحرية الكسب والمبادرة )أي ظلما لها( .وليس من حل في هذه الحال
غير الحوار العقلني الذي يحتكم لترتيب الضرار والمنافع بالنسبة للمجموعة ككل حسب موازين القوى النية .قد تتغير
هذه الموازين لحقا فيستأنف الحوار من أجل تراتبية جديدة حسب السبقيات أو الضغوط .ومع عملية الترتيب تبدأ
التنازلت :يتنازل كل طرف عن جوانب لتحصيل جوانب أخرى يتنازل عنها الطرف الخر راغبا أو مضطرا .ويتم هذا
الحوار ضمن عملية تنظيم المجتمع ككل لسبقياته حسب المكانيات والكراهات.
ولذلك اعتبر بلغيو الحجاج ترتيب القيم أهم من معرفتها وتمجيدها .قال بيرلمان" :ل شك أن تراتبيات القيم ،منظورا إليها
من وجهة نظر البنية الحجاجية ،هي أكثر أهمية من القيم نفسها .فالواقع أن أكثر القيم مشترك بين عدد كبير من المستَمعات.
وتكمن خصوصية كل مستَمع في الطريقة التي يرتب بها هذه القيم أكثر مما هي كامنة في القيم التي يقبلها()” .والبلغة هي
العلم المؤهل لتحقيق تخاطب إيجابي في مثل هذه المقامات الملتبسة .ليس ببيان كيفية الدفاع عن الحقوق فحسب ،كما كان
مبتدأ أمرها عند اليونان ،ولكن بكشف أساليب التضليل والمغالطة الهادفة إلى سلبها أيضا.
فمن القيم النبيلة التي تغتال بها حرية الشعوب في العصر الحديث مفهوم المواطنة .وذلك حين يختزله المستبدون في ضمير
"نا" .موهمين الشتراك في السراء والضراء ،والحال أنه أشبه بحصان طروادة الذي يقتحم به المستغلون قلعة
المستضعفين .وهذه هي المعركة البلغية اليوم بين الشعوب العربية وحكامها :معركة "نا" ،حيث نجد الصوت العالي اليوم
هو :اخرجوا من طريقنا لنواجه أعداءنا .وهذا أمر وعاه البعض وبحث عن مخرج وتجاهله البعض فوقع في الحرج.
وفي خضم الصراع العملي أفرزت المجتمعات هيئات تحكيمية انبثقت عنها مؤسسات تشريعية .تمثل هذه الهيئات الصمام
الول بين المطلق والعابر .فالتداول أو الحوار بين المشرعين ليس من أجل الوصول إلى الحقيقة المطلقة ،بل من أجل ضبط
الحوار الدني )أي التطبيقي السياسي( موقتا في انتظار أن تتغير معطيات الحياة أو يختل التوازن بين المتحاورين وهذا ما
يجري عادة في تجديد الدساتير والقوانين والمدونات ،حيث ُيلتجأ في الخير إلى الستفتاء ،ليسلم المر للغلبية ،وليس
للحقيقة المطلقة التي ل وجود لها إل في أذهان الطغاة .وقد قضى المغاربة نصف قرن من الصراع من أجل حق الحوار
حول الدستور.
وكما يستعمل المتداولون في شأن القوانين والدساتير كل كفاءاتهم القناعية في التقريب بين آرائهم ،مؤولين وموجهين
للمرجعيات المعتمدة لديهم سيقوم المطبقون في المستوى العملي )السياسي( بجهد مماثل في تأويل النصوص التشريعية
وتوجيهها طالبين التسليم والقبول من محاوريهم في المقامات الخاصة ،ثم متتبعيهم في المقام التحكيمي ،أي المصوتون.
إن هذه العملية التحويلية القناعية )من المطلق إلى النسبي( عملية معقدة يلتبس فيها الفكر باللغة والحقيقة بالخير .ورفض
هذا المسلسل أو التحايل عليه طريق معبد نحو العنف المادي.
قد يؤدي حديثنا عن الستهواء في الخطاب الحواري القناعي إلى الرتياب ،خاصة إذا ما وقف نظر المتلقي عند النظرية
الحجاجية الفلسفية المدعوة "البلغة جديدة" التي نستفيد منها إلى أقصى الحدود ،ولذلك لزم توضيح المقصود منه ووجه
العناية به.
لعل القارئ ل يجد صعوبة في فهم المقصود عامة من الستشارة والمناظرة؛ فل مانع من الربط ـ موقتا ـ بين ما يلوح من
مفهوميهما هنا وبين الخطابة الستشارية والقضائية )الحتكامية( عند أرسطو .كما أنه ل مانع من انصراف الذهن مؤقتا إلى
مفهوم المناظرة في التراث العربي وعلقتها بالجدل ،ل مانع من كل ذلك ما لم يفكر في المطابقة بين هذا وذاك ،وإل
صارت تلك الُملِبسات )بالكسر( عائقًا للفهم .فنحن نهتم بالنزلقات في الخطاب السياسي أساسا.
لقد حاولنا ،بعد عمل تطبيقي موسع على النص الخطابي الحديث )في دائرة الحوار( ،أن نجد كلمة تستوعب ما ل يستوعُبه
ت المشتركة للطرفين ،من جهة أخرى، حجاجية المحتكمة إلى العقل والمسلما ِالستعلُم والتشاور ،من جهة ،والمنازعُة ال ِ
فكاد ذلك يتعذر .وترجع هذه الصعوبة إلى أن مكونات المنطقة التي ل ُيغطيها التشاوُر والتناظر مختلفٌة في طبيعتها ،متباينة
في قيمتها الوجدانية والخلقية؛ الستمالة والمشاحنة والمغالطة )يستقر طرف منها داخل دائرة الحوار ويمتد طرف آخر
خارج الدائرة( .وبعد تأمل طويل استقر رأينا على كلمة "استهواء" من الهوى أي الميل النفسي ،خيرا أو شرا ،دون احتكام
إلى العقل والعرف وما هو مشترك .والمجال الثير للستهواء هو الشهار؛ إشهار البضائع والمواقف والفكار…الخ
وبهذا المتداد الستهوائي ينزاح تصورنا للحوار عن نظرية الحجاج الفلسفية ذات الهم المنطقي )كما نبين في الفقرة
الموالية( ،مع اعترافنا بعظيم الفائدة التي تقدمها لنا هذه النظرية سواء في التأطير النظري أو في وصف التقنيات الحجاجية
وتصنيها؛ إننا معها وضدها في الوقت نفسه.
لقد ميز بيرلمان وأولبريشت تيتيكا فعل بين مستويين من التسليم )أو القبول بالرأي المعروض( :التسليم التي من الخارج
حسب المقام وتترجمه كلمة ، persuasionوالتسليم المنبعث من داخل النفس باطمئنان وتترجمه كلمة . convictionوهذا
النوع الثاني هو الذي َينتج عن مخاطبة مستمع كوني حيث تلتقي أفهام العقلء .وهو موضوع الحجاج بمعناه الحق في
نظرهما؛ ففي إطاره تتحقق الحرية) ،أي الفلت من الكراهات الخارجية( .ونص كلمهما في ذلك" :إن الحجاج غير
الملزم Non contraignantوغير العتباطي هو وحده القمين بأن يحقق الحرية النسانية من حيث هي ممارسة لختيار
عاقل .فأن تكون الحرية تسليما اضطراريا ]إلزاميا[ بنظام طبيعي معطى سلفا معناه انعدام كل إمكان للختيار .فإذا لم تكن
ممارسة الحرية منبنية على العقل فإن كل اختيار يكون ضربا من الخور ،ويستحيل إلى حكم اعتباطي يسبح في فراغ
فكري")(.
غير أن صواب هذا النظر الفلسفي )وهو يدمج العلمي والخلقي( ل يمكن أن يشغل البلغي )والبلغي الواصف على وجه
التحديد( عن واقع إنتاج الخطاب وأحوال متلقيه ،ويظل الحوار النقدي الذي يجري في المقام الكوني حيث تلتقي العقول غاية
يسعى البلغي نحوها دون أن يرتهن بها وجودا وعدما .فقديما لحظ أرسطو أن الحاجة إلى السلوب نابعة من أن عامة
الناس "يتأثرون بمشاعرهم اكثر مما يتاثرون بعقولهم")(.
ويرجع هذا التقارب والتباعد إلى اللتقاء في الموضوع والغرض)القناع( ،والختلف في مجال التطبيق .فمن حيث
المنطلق نلتقي في استلهام خطابة أرسطو .فقد قادت طبيعة الموضوع هؤلء المناطقة ـ كما قادتنا النصوص الخطابية
المختلفة ـ إلى رحاب البلغة الرسطية .يقول بيرلمان في كتابه :حقل الحجاج" :موضوع نظرية الحجاج هو دراسة
التقنيات الخطابية الهادفة إلى حث النفوس على التسليم بالطروحات المعروضة عليها ،أو تقوية ذلك التسليم .كما تفحص
أيضا الشروط التي تسمح بانطلق الحجاج ونموه ،وكذا الثار المترتبة عنه().
فهذا التعريف يستلهم التعريف الرسطي المشهور الذي نلتقي حوله .وهو ،حسب الترجمة العربية القديمة" :الريطورية قوة
تتكلف القناع الممكن في كل واحد من المور المفردة")(" .غير أننا في الوقت الذي نسعى فيه نحن إلى استيعاب كل
الخطابات الشفوية والكتابية ومراعاة خصوصياتها ،وكذا الهتمام أكثر ب"الكوارث" الخطابية ،فإن البلغة الحجاجية
تقلص موضوعها بحسب الهموم المنطقية ،وهذا ما صرح به بيرلمان رابطا لحق كلمه بسابقه:
"إن نظريًة للحجاج من هذا القبيل توجه الذهن ،حين النظر إلى موضوعها ،إلى البلغة القديمة ،ولكنني إذ أعالجها من
زاوية هموم عالم المنطق سأضطر لتقليص مباحثي من جانب وتوسيعها من جانب آخر")(.
ل خصوصيات الخطاب فمن الجوانب التي تتضمن توسيعا وتضييقا في الوقت نفسه المتن )أو المدونة( ،حيث يتم إهما ُ
الشفوي واستيعاب الخطاب المكتوب اقتصاًرا على الحجج المقنعة فيهما معا الموصلة إلى الذعان .ويكمن وراء هذا
الجراء عدم إيلء أهمية كبيرة للمحافل الخطابية في مقابل المتداد إلى المحاججة الخاصة؛ مع شخص واحد أو حتى مع
الذات؛ يتداول المرء مع نفسه حول ال"مع" و "الضد" لختبار مدى قيمة أطروحة وصلبة حجة.
وبهذا التوجه تقترب نظرية الحجاج الحديثة من مبحث الجدل أكثر من قربها من مبحث البلغة ببعديها الشعري والتداولي،
وذلك برغم اختيار النتماء لما سمي بلغة جديدة .يقول":من هنا احتلت الطوبيقات الرسطية )باعتبارها صياغة للجدل
السوقراطي القائم على السؤال الجواب والنقد والدحض( حيزا من النظرية الفلسفية للحجاج .فمن الملحظ ،أن فن الحجاج
)كما نما وتطور مع جورجياس ،وبروطاغوراس وزينون( يهتم دائما بإحداث التسليم بأطروحات توجد في حالة تعارض
)ص .(13.فُيقوي هذا التسليم أو ُينقص من قوته بواسطة حجج متنوعة ،إذ يعتمد التأثير على الشخص في كليته ليدفعه نحو
الفعل" ،ففي الحجاج ل يفرق بين الرادة والفعل ،ول بين النظرية والتطبيق") .نفسه .ص.(14-13.
من البين إذن أننا نلتقي مع البلغة الجديدة في توسعها نحو المقامات المختلفة ،ونبتعد عنها فيما تقلصه ،فنعتني بالخطاب
الشفوي سواء في المحافل الخطابية من النمط القديم أو المنقولة على الشاشات .ومن هنا يصبح لدينا امتداد ثالث نحو
الصورة باعتبارها عنصرا أساسيا في بلغة الحوار ،وبالموسيقى أيضا كما هو الحال في الخطاب الشهاري .وعموما فإن
الحديث عن الستهواء يستعيد بعدا غائبا عن "البلغة الجديدة" وعن علم المناظرة السلمي على حد سواء ،وهو البعد
التخييلي الشعري .وهو استرجاع طبيعي بحسب اختلف الستراتيجيات الموجهة؛ ففي المناظرة والحجاج يحضر التشريع
والمنطق ويغيب التخييل ،والتخييل عندنا قسيم التداول في امتلك أرض البلغة .فهما يشتركان في ملكية أرض المحتمل
كما بينا في مقال سابق بعنوان :البلغة العامة والبلغة المعممة)(.
وبقدر ما تجذب الحجاجية المنطقية نحو الجدل بقدر تستحضر بلغة الحوار الفاق السفسطائية مؤمنة بأن الوقاية ل تغني
دائما عن العلج :ل يكفي أن تعلم الناس كيف يتحاورون ،بل ل بد أن تبين العقاب الذي ينتظرهم حين يخطئون.
من القضايا التي تعتبر بديهية في المجال التداولي الحجاجي التباس الداة بالموضوع ،فهذا أمر معروف عند المنظرين
والمؤرخين على حد سواء .ويرجع ذلك ،في الساس ،إلى التباس اللغة بالفكر ،والتباس الخطاب بالقصد والفعل .ول يتسع
المقام هنا للخوض في إشكال اللوغوس اليوناني والمنطق )من النطق( العربي ،فضل عن "الكلم" ملفوظا وعلما للحجاج
)علم الكلم( ،كما ل يتسع للحديث عن تغير التراكيب حسب المقاصد كما هو معلوم في مبحث "علم المعاني" .فقد تجاوز
المنظرون هذا الشكال بوضع الحدود بين الحقول .ولذلك فقد كان يبدو بديهيا أثناء )تاليف كتاب دائرة الحوار( ،أن القراء
المستهدفين سيميزون تلقائيا بين التحليل البلغي العلمي والموقف السياسي ،غير أنني فوجئت بوجود من التبست عليه هذه
الحدود ،أو فرضت عليه الظروف تجاهلها تمثل بالحكمة" :الباب اللي يجيك منو الريح سدو واستريح" ،فوجب البيان)(.
صور التعرض لِـ "نقد الخطاب الحجاجي" متعددة يمكن إجمالها في منحيين كبيرين :التعرض من الداخل والتعرض من
الخارج:،
أي من داخل منطق الخطاب ،وهذا يكون من زاويتين :أولهما :مناقشة المستندات النظرية ،والثانية :مناقشة الجراءات
التطبيقية .وهذا هو الطريق القويم الذي ل اعتراض عليه ،ومن أجل التفاهم فيه كانت الجتهادات التنظيرية في مجال
البلغة والقناع .فينبغي ،في نظري ،أن يتوجه النقد إلى صريح دعوى الخطاب ،فالذي يقدم دعوى علمية أو فرضية
واضحة ،أو يشغل آليات معروفة في منطق الجدل والمناظر والنظرية الحجاجية عامة ُيناقش من خلل هذه النظرية؛
بدحضها أو التشكيك في ملءمتها ،أو بيان الخلل في تطبيقها ،وما سوى ذلك هروب .ومن المؤسف أن هذا النوع من النقد
غائب ،ولذلك لن نطيل الحديث فيه ،إلى حين ظهوره.
وهو الذي يشغنا هنا؛ لنه يشكل عائقا علميا .ونقصد به التعرض باعتبارات من خارج منطق الخطاب ،مع عدم إنكار ذلك
المنطق ،بل مع التنويه به أحيانا .وقد ظهر لنا منه صورتان ،أو عاينا من صورتين :التعرض بالمقاصد ،والتعرض بالمثيل.
أ . 1.التعرض بالمقاصد
صورته:
يقول الخطيب )أو من ينوب عنه( :انتقدت منطق خطابي لنك تخالفني الرأي!
فيجيب البلغي :رأيك خاص وقواعد البلغة عامة ،فهي تتناول رأيك ورأيي ورأي غيرنا ،على حد سواء.
صوره الهروب إلى المقاصد السياسية جلى ُالتعرض بالمقاصد هو المستوى الدنى من مستويات التعرض من الخارج ،وأ ْ
والمواقع الفئوية .كأن يقال -وهذا مثال حي -بأن فحص الخطاب الدائر حول الخطة ،فيما سميته" :العنات والمغالطة ،في
مقام الخذ والعطاء" ينطوي على رأي ،أي على موقف فكري ،ثم َينـزلق العتراض في حمأة السجال من كلمة "ينطوي"
إلى عبارٍة حاسمة ،وهي" :ليس إل !"..وشتان ما بين الصيغتين؛ ما بين وجود موقف مطوي ،أي "كامن" ل يطغى على
"الحكم" )المفترض بناؤه على قواعد عامة مسلمة( ،وببن أن يحل الموقف محل "الحكم" .فالقاضي نفسه قد يتعرض للتنازع
بين رأيه الشخصي وميله العاطفي ،وبين القواعد العامة التي ارتضت المجموعة الحتكام إليها ،فيختار الحكم بحسب
القواعد المشتركة إخلصا لصفته)حكم( ،وقد ُيضيع صفته بالميل مع هواه.
ب )أو أصحاب(فعلى فرض صحة ادعاء وجود اعتبارات خارج نصية فالمر ليعدو محاسبة النوايا ،ول يعفي صاح َ
طب اليجابي في تدبير الختلف يقتضي حتمًا الرتقاء الخطاب المختل حجاجيا من المآخذ المتعلقة ببناء الخطاب .فالتخا ُ
حَكم في هذه
إلى مستوى "المناظرة" لتلفي العنف القائم على التهافت والسفسطة ،وإل فل جْدوى من الحوار أصل .وال َ
حكم فهوعوقب من طرف ال َ اللعبة ككل لعبة ،هو الخبير بها ،العالم بقوانينها .وإذا ما لجأ أحد الطراف إلى استعمال العنف و ُ
المسؤول عما أصابه.
وعموما فليس من المعقول الدخول في جوهر الموقف المعبر عنه )أي موضوع الخلف( مع َمن ل يحترم المبادئ الولية
لتخاطب العقلء .ل بد من ضبط قواعد اللعبة أول .والطغاة وحدهم من يفضل اللعب بدون قواعد.
ل،
ض فْع ً
ومن الملئم جدا ـ ولغرض التقريب مع شيء من التسامح ـ تشبيه قضية الحوار بعملية التقاضي ،بل الحوار تقا ٍ
ب،
كما نص أرسطو .فمن المعروف أن الَقضاَء الذي يحترم نفسه يرفض النظر في الدعوى التي تشوب مسطرتها عيو ٌ
ب مسطري. فُيعتبر ذلك رفضا من حيث الشكل ،أو ِلعْي ٍ
فاحترام "الشكل" شرط مقدم للنظر في المضمون .إن استعمال العنف الرمزي من تهافت وسفسطة )فضل عن الكذب
والشاعة والقذف والتهديد الصريح والمبطن( يوازي استعمال العنف الجسدي والمعنوي في تكوين ملف التهام .فل فرق
بين أن ُيكرَه "الظنين" على تحّمل تهمة ملفقة عن طريق التعذيب البدني والنفسي ،وبين العنف المنطقي المضلل/المعنت
الهادف إلى الكراه لجبار الخر المخالف على قبول أفكار أو مواقف زائفة .بل يمكن الستئناس بما هو أكثر من ذلك بما
نراه في المحاكمات الجنائية حيث يعترض المحامي والتهام معا على السئلة الستدراجية الهادفة إلى اليقاع بأحد
المتقاضين أو الشهود ،وللقاضي أن يقبل العتراض وله أن يرفضه)(.
إن موضوع النظر بالنسبة إلى البلغي هو الخطاب في بنيته ،في شروط القناع المطلوبة في كل حالة ضمن إطار عام من
القيم الخلقية التي ل ينبغي أن َيتنّكر لها من َقِبل أن يعيش في الطار المدني بين بني البشر ،من عدل وحرية وكرامة
...الخ ،وتصريف ذلك هو مجال الرأي،وطريق الرأي القناع بالحوار ضمن قواعد اجتهد العقلء في بلورتها واعتبارها
مبادئ عامة منذ اقدم العصور .فما الذي يعنيه إسكات نقد الخطاب التداولي الحجاجي بشتى صور الكيد؟
قد نفهم في سياق حضاري محدد بأشراطه عدَم الحاجة إلى مناقشة "خطاب توجيهي عام" يتناول القيم المجمع عليها في
عرضة
مناسبة عاطفية دينية أو وطنية ،أما حين يدخل الخطاب في مجال تدبير الممكن فإنه ينزع عن نفسه القدسية ،ويصبح ُ
للخذ والرد.
لقد اختلف المسلمون في تنزيه النبياء والرسل وعصمتهم من الخطأ ،مع إيمانهم باتصال هؤلء االنبياء والرسل بعالم
الغيب ،واليوم -يا َللمسافة! -نتحرج من نشر مغالطات زعماء سياسيين وخطباء دين أكثرهم استهوته السهولة وطال عليه
أمد استسلم المخاطبين ،ومداهنة المقربين.
أ . 2 .التعرض بالمثيل
صورته:
يمثل التعرض بالمثيل المهرب الثاني للمتهافتين والسفسطائيين والمغرضين .ويقوم هذا الحتجاج على البحث عن المثيل في
خطاب المنتقد إن كان طرفا معروفا في القضية ،أو الجهة التي هو محسوب عليها أيديولوجيا أو سياسيا.
وقد تكون لهذا التعرض مشروعية نسبية حجاجية ِانطلقا من مبدأ "الُقدوة الحسنة" الدالة على الصدق ،في حال ما إذا عمد
المنتقد إلى مقارنة خطاب فئة ُمعينة منعوتة بالعيب بخطاب فئة أخرى ،ولكنه ،أي العتراض بالمثيل ،ل يقوم دليل على
مشروعية التهافت ،بل هو اعتراف بشمول العاقة ،والتعميم ل يهون المصاب في هذه الحالة .وقد يكون هذا المسلك بداية
لتلفي العيوب من الطرفين.
حصول غير أن الخطير في أحوال مثل هذه هو ميل الطراف المتهافتة إلى التساكت والمسالمة كتابة ونشرا معتمدْين ُ
"الغفلة بين البايع والشاري" ،ما دام الضحيُة طرفًا ثالثا؛ هو عموم الجماهير التي ينظر إليها المتهافتون المغالط ون كدهماء
عاجزة عن النقد ،حظها النقياد .وقد يعدو المر ذلك إلى ما هو أشنع :الصمت الكيدي )النتقام بوسائل أخرى(.