You are on page 1of 189

- 1-

‫بسم الله الرحمن الرحيم‬

‫المقـــدمة‬

‫إن الحمد لله‪ ،‬نحمده‪ ،‬ونستعينه‪ ،‬ونستغفره‪ ،‬ونعوذ بالله‬


‫من شرور أنفسنا‪ ،‬ومن سيئات أعمالنا‪ ،‬من يهده الله‬
‫فل مضل له‪ ،‬ومن يضلل فل هادي له‪ ،‬وأشهد أن ل إله‬
‫إل الله وحده ل شريك له‪ ،‬وأشهد أن محمدا ً عبده‬
‫ورسوله‪.‬‬
‫َ‬
‫ن‬ ‫ممموت ُ ّ‬ ‫قممات ِهِ وَل َ ت َ ُ‬ ‫ح مقّ ت ُ َ‬ ‫ه َ‬ ‫قوا ْ الل ّ َ‬ ‫مُنوا ْ ات ّ ُ‬ ‫نآ َ‬ ‫ذي َ‬ ‫قال تعالى‪َ " :‬يا أي َّها ال ّ ِ‬
‫َ‬
‫ن" )آل عمران ‪ ،‬آية ‪.(102 :‬‬ ‫مو َ‬ ‫سل ِ ُ‬‫م ْ‬ ‫إ ِل ّ وَأنُتم ّ‬
‫خل َ َ‬ ‫َ‬
‫س‬
‫ف ٍ‬ ‫من ن ّ ْ‬‫كم ّ‬ ‫ق ُ‬ ‫ذي َ‬ ‫م ال ّ ِ‬ ‫قوا ْ َرب ّك ُ ُ‬ ‫س ات ّ ُ‬ ‫وقال تعالى‪َ " :‬يا أي َّها الّنا ُ‬
‫ه‬‫قوا ْ الل ّ َ‬ ‫ساء َوات ّ ُ‬ ‫جال ً ك َِثيًرا وَن ِ َ‬ ‫ما رِ َ‬ ‫من ْهُ َ‬‫ث ِ‬ ‫جَها وَب َ ّ‬ ‫من َْها َزوْ َ‬ ‫خل َقَ ِ‬ ‫حد َةٍ وَ َ‬
‫َوا ِ‬
‫َ‬ ‫ّ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫ال ّ ِ‬
‫م َرِقيًبا" )النساء ‪،‬‬ ‫ن ع َلي ْك ُ ْ‬ ‫كا َ‬ ‫ه َ‬ ‫ن الل َ‬ ‫م إِ ّ‬ ‫حا َ‬ ‫ن ب ِهِ َوالْر َ‬ ‫ساءلو َ‬ ‫ذي ت َ َ‬
‫آية ‪.(1 :‬‬
‫َ‬
‫دا *‬ ‫دي ً‬
‫سمم ِ‬ ‫ه وَُقوُلوا قَوًْل َ‬ ‫قوا الل ّ َ‬ ‫مُنوا ات ّ ُ‬ ‫نآ َ‬ ‫ذي َ‬ ‫وقال تعالى‪َ" :‬يا أي َّها ال ّ ِ‬
‫يصل ِح ل َك ُ َ‬
‫قد ْ‬‫ه فَ َ‬ ‫سول َ ُ‬ ‫ه وََر ُ‬‫من ي ُط ِعْ الل ّ َ‬ ‫م وَ َ‬ ‫م ذ ُُنوب َك ُ ْ‬ ‫فْر ل َك ُ ْ‬ ‫م وَي َغْ ِ‬ ‫مال َك ُ ْ‬ ‫م أع ْ َ‬ ‫ْ‬ ‫ُ ْ ْ‬
‫ما" )الحزاب ‪ ،‬الية ‪ 70 :‬م ‪.(71‬‬ ‫ظي ً‬ ‫َفاَز فَوًْزا ع َ ِ‬
‫يا رب‪ ،‬لك الحمد كما ينبغي لجلل وجهك‪ ،‬وعظيم‬
‫سلطانك‪ ،‬لك الحمد حتى ترضى‪ ،‬ولك الحمد إذغ رضيت‪،‬‬
‫ولك الحمد بعد الرضا‪.‬‬

‫أما بعد‪:‬‬

‫طلب مني الخ الدكتور سيف السلم معمر القذافي‬


‫تقديم دراسة لليات القرآنية الكريمة التي تحدثت عن‬
‫الشورى‪ ،‬ومع الحوار تطورت فكرة البحث حتى شملت‬
‫الممارسة التاريخية لقيمة الشورى في تاريخ المة‪،‬‬
‫وأبعادها الفكرية‪ ،‬فكان هذا الكتاب‪.‬‬

‫‪- 2-‬‬
‫إن الشورى قيمة إنسانية مارستها الجماعات والقبائل‬
‫والشعوب والمم على مر تاريخها الطويل‪ ،‬كل بطريقته‬
‫وثقافته وعقيدته وأعرافه وتقاليده‪ ،‬سواء في سهول‬
‫سيبيريا‪ ،‬أو أدغال أفريقيا‪ ،‬أو صحراء الجزيرة العربية‪،‬‬
‫أو هضاب آسيا‪ ،‬أو مروج أوربا‪ ،‬أو غيرها من بلد الله‬
‫الواسعة‪ ،‬إل إن السلم أضاف لها بعدا ً تعبديا ً وجعلها‬
‫من القيم النسانية الرفيعة‪ ،‬ومن المقاصد الكبرى لهذا‬
‫الدين‪ ،‬ورتب على العمل بها ثوابًا‪ ،‬وعلى تركها عقابًا‪.‬‬

‫والشورى كانت مع بداية خلق النسان‪ ،‬قال تعالى‪" :‬وَإ ِذ ْ‬


‫َ‬ ‫َ‬
‫ل ِفيَها‬‫جعَ ُ‬‫ة َقاُلوا ْ أت َ ْ‬ ‫ف ً‬‫خِلي َ‬‫ض َ‬ ‫ل ِفي الْر ِ‬ ‫ع ٌ‬ ‫مل َئ ِك َةِ إ ِّني َ‬
‫جا ِ‬ ‫ك ل ِل ْ َ‬‫ل َرب ّ َ‬ ‫َقا َ‬
‫ك‬‫س لَ َ‬ ‫قد ّ ُ‬ ‫ك وَن ُ َ‬ ‫مد ِ َ‬ ‫ح ْ‬‫ح بِ َ‬ ‫سب ّ ُ‬ ‫ن نُ َ‬ ‫ح ُ‬‫ماء وَن َ ْ‬ ‫ك الد ّ َ‬ ‫ف ُ‬ ‫س ِ‬ ‫سد ُ ِفيَها وَي َ ْ‬ ‫ف ِ‬ ‫من ي ُ ْ‬ ‫َ‬
‫ّ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫ّ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫م‬
‫ضه ُ ْ‬‫م ع ََر َ‬ ‫ُ‬
‫ماء كلَها ث ّ‬ ‫س َ‬ ‫م ال ْ‬ ‫م آد َ َ‬ ‫ن * وَع َل َ‬ ‫مو َ‬ ‫ما ل ت َعْل ُ‬ ‫م َ‬‫َقال إ ِّني أع ْل ُ‬ ‫َ‬
‫ن * َقاُلوا ْ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫صاد ِِقي َ‬ ‫م َ‬ ‫ؤلء ِإن ُ‬
‫كنت ُ ْ‬ ‫هم ُ‬‫ماء َ‬ ‫ل أنب ُِئوِني ب ِأ ْ‬
‫س َ‬ ‫قا َ‬‫مل َئ ِك َةِ فَ َ‬ ‫ع ََلى ال ْ َ‬
‫عل ْم ل َنا إل ّ ما ع َل ّمتنا إن َ َ‬
‫م" )البقرة‪،‬‬ ‫كي ُ‬ ‫ح ِ‬ ‫م ال ْ َ‬ ‫ت ال ْعَِلي ُ‬ ‫ك أن َ‬ ‫ْ ََ ِّ‬ ‫ك لَ ِ َ َ ِ َ‬ ‫حان َ َ‬ ‫سب ْ َ‬
‫ُ‬
‫الية ‪ 30 :‬م ‪.(32‬‬

‫وهذه المحاورة تنطوي على نوع من المشاورة‪ ،‬اريد بها‬


‫أن تكون في بدء الخليقة لتكون هديا ً ملزما ً لبني آدم‬
‫منذ الخلق الول‪ ،‬وليكون كالستشارة للملئكة وتكريما ً‬
‫لهم فيكون تعليما ً في قالب تكريم وليسن الستشارة‬
‫في المور‪ ،1‬فالشورى هي أول سنة اجتماعية سنها‬
‫الله لخلقه ولعباده ليقتدوا بها ويهتدوا ُبهداها‪.‬‬

‫في هذا الكتاب يجد القارئ الكريم دراسة موضوعية‬


‫لليات المتعلقة بالشورى كالشورى عند إبراهيم عليه‬
‫السلم‪ ،‬والشورى العائلية والشورى التي لها علقة‬
‫بالحياة العامة كقوله تعالى‪":‬وأمرهم شورى بينهم"‬
‫)الشورى ‪ ،‬آية ‪ ،(36 :‬فالية الكريمة وردت في سورة‬
‫تحمل اسم الشورى وهي سورة الشورى وتسمية إحدى‬
‫سور القرآن الكريم باسم الشورى هو في حد ذاته‬
‫تشريف لمر الشورى وتنويه بأهميتها ومنزلتها وجاءت‬
‫الشورى في هذه الية وصفا ً تقريريًا‪ ،‬ضمن صفات‬
‫أساسية لجماعة المؤمنين المسلمين فهم بعد إيمانهم‬
‫متوكلون على ربهم‪ ،‬مجتنبون لكبائر الثام والفواحش‪،‬‬
‫الشورى في معركة البناء صم‪.15‬‬ ‫‪1‬‬

‫‪- 3-‬‬
‫مستجيبون لمر ربهم‪ ،‬مقيمون لصلتهم‪ ،‬وأمرهم‬
‫شورى بينهم ويزكون أموالهم وينفقون منها في سبيل‬
‫الله‪.‬‬

‫ـ وهي آية مكية مما يدل على أن الشورى في السلم‬


‫ممارسة اجتماعية قبل أن تكون من الحكام السلطانية‪.‬‬

‫ـ وهي تصف حال المسلمين في كل زمان ومكان فهي‬


‫ليست طارئة ول مرحلية‪ ،‬ولقد جعل الله سبحانه‬
‫‪1‬‬
‫احترام الشورى من أثمن خصال المؤمنين وصفاتهم ‪.‬‬
‫ُ‬
‫عند َ‬ ‫ما ِ‬ ‫حَياةِ الد ّن َْيا وَ َ‬ ‫مَتاع ُ ال ْ َ‬ ‫يٍء فَ َ‬ ‫ش ْ‬ ‫من َ‬ ‫ما أوِتيُتم ّ‬ ‫قال تعالى‪ ":‬فَ َ‬
‫ن‬
‫جت َن ُِبو َ‬
‫ن يَ ْ‬‫ذي َ‬‫ن * َوال ّ ِ‬ ‫م ي َت َوَك ُّلو َ‬ ‫مُنوا وَع ََلى َرب ّهِ ْ‬ ‫نآ َ‬ ‫قى ل ِل ّ ِ‬
‫ذي َ‬ ‫خي ٌْر وَأ َب ْ َ‬
‫الل ّهِ َ‬
‫ن‬ ‫ن * َوال ّ ِ‬
‫ذي َ‬ ‫فُرو َ‬ ‫م ي َغْ ِ‬
‫ضُبوا هُ ْ‬ ‫ما غ َ ِ‬
‫ذا َ‬‫ش وَإ ِ َ‬
‫ح َ‬ ‫وا ِ‬ ‫ف َ‬‫ك ََبائ َِر اْل ِث ْم ِ َوال ْ َ‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫ما َرَزقَْناهُ ْ‬
‫م‬ ‫م ّ‬‫م وَ ِ‬ ‫شوَرى ب َي ْن َهُ ْ‬ ‫مُره ُْ ُ‬ ‫صَلة َ وَأ ْ‬‫موا ال ّ‬ ‫م وَأَقا ُ‬ ‫جاُبوا ل َِرب ّهِ ْ‬ ‫ست َ َ‬‫ا ْ‬
‫ن" ) الشورى ‪ ،‬آية ‪ 36 :‬م ‪.(38‬‬ ‫قو َ‬ ‫ف ُ‬‫ُين ِ‬

‫م تقسيم الكتاب إلـى مبـاحث‪ ،‬ففـي المبحـث‬ ‫هذا وقد ت ّ‬


‫الول كــان الحــديث عــن الشــورى فــي عهــد النبــوة‬
‫والخلفاء الراشدين وعمــر بــن عبــد العزيــز ونــور الــدين‬
‫محمود زنكي وفي المبحــث الثــاني‪ ،‬أشــرت إلــى فــوائد‬
‫الشورى وأحكامها ومجالتها ولخصت أهم فوائدها؛ مــن‬
‫إصابة الحق‪ ،‬وكونها طاعة الله وقربــة‪ ،‬وتلقــح للفكــار‬
‫وتبادل للخبرة والطلع على ما عنــد الخريــن‪ ،‬وإعطــاء‬
‫قــوة للمجتمــع فــي أكــثر مــن مجــال إنســاني‪ ،‬وإشــعار‬
‫المشــاركين بالمســؤولية‪ ،‬وتولــد الثقــة بيــن الحــاكم‬
‫والمحكوم‪ ،‬ومن فوائدها‪ ،‬الوقاية من الســتبداد وتزويــد‬
‫الدولــة بالكفــاءات والقــدرات المتميــزة‪ ،‬وبهــا تنحصــر‬
‫عيــوب التفــرد بــالقرار وبهــا يضــيق هــوة الخلف بيــن‬
‫الراعي ورعيته‪ ،‬والشورى تفجر الطاقــات الكامنــة فــي‬
‫أفــراد الشــعب وتشــجع ذوي الخــبرات‪ ،‬وتكافــح نزعــات‬
‫التطرف والعنف‪ ،‬وتسدد النظر إلى المشكلة مــن زوايــا‬
‫متباينــة‪ ،‬وبهــا تتجــاوز الخطــوب الــتي تشــل التفكيــر‬
‫الفردي‪.‬‬

‫الشورى‪ ،‬أحمد المام صم‪.15‬‬ ‫‪1‬‬

‫‪- 4-‬‬
‫وأما حكم الشورى فقد بينــت بأنهــا واجبــة بــالنظر إلــى‬
‫طبيعـــة الحكـــم فـــي الســـلم‪ ،‬وأن قواعـــد السياســـة‬
‫الشــرعية تســتلزم عــدم النفــراد بــالرأي‪ ،‬ل ســيما فــي‬
‫أمور المسلمين العامة‪.‬‬

‫وبحثــــت مســـألة مهمـــة‪ ،‬هـــــل الشــــورى معلمـــة أم‬


‫ملـــزمة؟‪ ،‬وانتصــرت لكونهــا ملــــزمة‪ ،‬واســتدليت علــى‬
‫ذلـــك بــأقوال كوكبــة مــــن علمـــاء المــــة‪ ،‬فالقــــول‬
‫بالزامية الشورى هـــو ما ندين الله به‪ ،‬ونرى ضـــرورته‬
‫وجــدواه‪ ،‬وبدونــــه ل يمكـــن تفعيــــل الشــــورى علــى‬
‫المستوى الدستورى للشــعب‪ ،‬فالدولــة الســلمية دولــة‬
‫مدنية‪ ،‬تؤمن بالمؤسسات‪ ،‬وتــرى فصل السلطات‪ ،‬وأن‬
‫تكــون مرجعيتهــا الســلم‪ ،‬فهــي ليســت دولــة أســــرار‬
‫ثيوقراطية مغلقة يديرها رجـــال الديـــن‪ ،‬وإنمـــا دولـة‬
‫لشــعب يســـعى بذمتــه أدنـــاه مــن مــواطنيه‪ ،‬ولــــذا‬
‫ل بــــد أن يتــاح للكــل أن يســهم فــــي أمــــر النصــح‬
‫والشـــورى‪ ،‬وأن يلـــتزم ولة المـــور بحكـــم الغلبيـــة‪،‬‬
‫كشورى ملزمة‪ ،‬فهذا‪ ،‬المر من الهميــة بمكــان‪ ،‬ول بــد‬
‫مــن أن يســتبين تمامــا ً قبــل الشــروع فــي أي محاولــة‬
‫جــــدية لتطــبيق الشــورى فــــي النظــــام السياســي‬
‫الســلمي‪ ،‬وأمــــا مجــــالت الشــورى فهــي متعــددة‪،‬‬
‫فالمجــــال السياســي الــدنيوي‪ ،‬وفــــي القضــاء وفــــي‬
‫تنزيــل الحكــام القطعيــة‪ ،‬وفــــي الحكــام الجتهاديــة‬
‫والخلفيــة وفـــــي تنظيــم الشــــورى‪ ،‬وتحــدثت عـــــن‬
‫جــواز مشاركة المــرأة فــي الشــــأن العـــــام‪ ،‬وبينــت‬
‫مـــا قصــــه علينــا القــرآن الكريــم‪ ،‬مـــــن حالــة المــرأة‬
‫وهـــي تستشير غيرهــا‪ ،‬وحـــــالة المــرأة وهــــي تشــير‬
‫على غيرها‪ ،‬وكــل ذلك فـــي سياق التنــويه والقـــــرار‬
‫والرضى‪ ،‬فــأما الحــالة الولى‪ .‬قـــوله تعـــــالى عـــــن‬
‫ُ‬ ‫َ‬
‫ه‬
‫م * إ ِن ّم ُ‬ ‫ري م ٌ‬‫ِ‬ ‫ب كَ‬ ‫ي ك َِتا ٌ‬ ‫ي إ ِل َ ّ‬ ‫ق َ‬ ‫مَل ُ إ ِّني أل ْ ِ‬ ‫ت َيا أي َّها ال َ‬ ‫ملكة ســـبأ‪َ" :‬قال َ ْ‬
‫ْ‬ ‫َ‬
‫ي وَأُتوِني‬ ‫حيم ِ * أّل ت َعُْلوا ع َل َ ّ‬ ‫ن الّر ِ‬ ‫ِ‬ ‫م‬
‫ح َ‬ ‫سم ِ الل ّهِ الّر ْ‬ ‫ه بِ ْ‬ ‫ن وَإ ِن ّ ُ‬‫ما َ‬ ‫سل َي ْ َ‬
‫من ُ‬ ‫ِ‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬
‫مًرا‬ ‫ةأ ْ‬ ‫ت َقاط ِعَ ً‬ ‫كن ُ‬ ‫ما ُ‬ ‫ري َ‬ ‫م ِ‬ ‫مَل أفُْتوِني ِفي أ ْ‬ ‫ت َيا أي َّها ال َ‬ ‫ن * َقال َ ْ‬ ‫مي َ‬ ‫سل ِ ِ‬‫م ْ‬ ‫ُ‬
‫َ‬ ‫ْ‬ ‫ُ‬ ‫ُ‬
‫م مُر‬ ‫ديد ٍ َواْل ْ‬ ‫شم ِ‬ ‫س َ‬ ‫ُ‬
‫ن أوْلمموا قُموّةٍ وَأولمموا ب َمأ ٍ‬
‫ُ‬ ‫ح ُ‬ ‫ن * َقاُلوا ن َ ْ‬ ‫دو ِ‬ ‫شه َ ُ‬ ‫حّتى ت َ ْ‬ ‫َ‬
‫ُ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬
‫ة‬ ‫خلمموا قَْري َم ً‬ ‫ذا د َ َ‬‫ملمموك إ ِ َ‬ ‫ن ال ُ‬ ‫ت إِ ّ‬ ‫ن * قَممال ْ‬ ‫ري َ‬‫م ِ‬ ‫ذا ت َمأ ُ‬ ‫ممما َ‬
‫ري َ‬ ‫ك فَممانظ ِ‬ ‫إ ِلي ْم ِ‬
‫س مل َ ٌ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫ة‬ ‫مْر ِ‬ ‫ن * وَإ ِن ّممي ُ‬ ‫فعَل ُممو َ‬ ‫ك يَ ْ‬ ‫ة وَك َمذ َل ِ َ‬ ‫عّزة َ أهْل َِها أذ ِل ّ ً‬ ‫جعَُلوا أ ِ‬ ‫ها وَ َ‬ ‫دو َ‬ ‫س ُ‬ ‫أفْ َ‬

‫‪- 5-‬‬
‫ن" )النمل ‪ ،‬آيــة ‪ 29 :‬ـ ـ‬ ‫سممُلو َ‬‫مْر َ‬ ‫جعُ ال ْ ُ‬ ‫إ ِل َي ِْهم ب ِهَد ِي ّةٍ فََناظ َِرة ٌ ب ِ َ‬
‫م ي َْر ِ‬
‫‪.(35‬‬
‫وأما الحالة الثانية فقول إحدى المرأتين الخــتين لبيهــا‬
‫ْ‬ ‫َ‬
‫ن‬
‫جْره ُ إ ِ ّ‬
‫س مت َأ ِ‬
‫تا ْ‬
‫ما َيا أب َ ِ‬
‫داهُ َ‬
‫ح َ‬ ‫عن موسى عليه السلم‪َ " :‬قال َ ْ‬
‫ت إِ ْ‬
‫ْ‬
‫ن" )القصص ‪ ،‬آية ‪.(26‬‬ ‫مي ُ‬ ‫قوِيّ اْل َ ِ‬ ‫ت ال ْ َ‬ ‫جْر َ‬
‫ست َأ َ‬
‫نا ْ‬ ‫م ِ‬ ‫خي َْر َ‬ ‫َ‬
‫وقد نتــج عــن هــذه المشــورة المباركــة اســتقرار وأمــن‬
‫وراحة كبيرة لموسى عليه السلم‪.‬‬
‫ووضحت أن قيمة الشورى تتسع لسائر المـواطنين فـي‬
‫كل شأن يمس المصلحة العامة‪ ،‬فل يتــدخل المواطنــون‬
‫المسلمون فيما يجريه المواطنون غيــر المســلمين مــن‬
‫شـــورى فـــي شـــئون عقيـــدتهم ول المواطنـــون غيـــر‬
‫المســلمين فيمــا يمارســه المســلمون مــن شــورى فــي‬
‫شؤون عقيدتهم إل ما كان أدخل في القواعد المشتركة‬
‫بينهما من قيم إنسانية‪ ،‬وقواعد أخلقيــة وشــؤون فنيــة‬
‫وإدارية‪.‬‬
‫وتحدثت عن أهل الشورى وصفاتهم وطريقة اختيــارهم‬
‫وذكرت أهم صفاتهم كالعلم‪ ،‬المانة‪ ،‬والخبرة‪ ،‬ولخصــت‬
‫أهم صلحيات مجلس الشــورى ووظــائفه وتكلمــت عــن‬
‫الصول والقواعد الشرعية التي تؤيد تطــوير المؤسســة‬
‫الشــورية‪ ،‬كقاعــدة ســدّ الــذرائع‪ ،‬والمصــالح المرســلة‬
‫والقتباس لما فيه مصلحة وخير ‪.‬‬
‫وسألت هل يمكننا الستفادة من الديمقراطية؟ وما هي‬
‫آفاتهــا ومــا هــي الفــروق بينهــا وبيــن الشــورى وأوجــه‬
‫التفاق معها؟‪.‬‬
‫وركزت على العلقة بين الصــلح والشــورى‪ ،‬فمشــاريع‬
‫الصلح التي تدندن حولها الحزاب والدول والمنظمــات‬
‫والمؤسســـات ودعـــاة الصـــلح فـــي عالمنـــا العربـــي‬
‫والسلمي الكبير مرتبطة جذريا ً بالشورى‪.‬‬
‫فالصــلح الــداخلي‪ ،‬هــو النــابع مــن المــة ذاتهــا مــن‬
‫عقيــــدتها وثقافتهــــا‪ ،‬ومــــن شخصــــيتها الحضــــارية‬
‫واستعداداتها النهضوية‪ ،‬وهو الصلح الــتي تكــون المــة‬
‫مؤمنة به متفاعلة معه‪ ،‬متشجعة له‪ ،‬داخلة فيه‪ ،‬أو علــى‬
‫القل ل ترفضه‪ ،‬بل تتجاوب معه ولو نسبيًا‪.‬‬
‫وأشرت إلى أهمية الحرية للشــورى وكونهــا ل تنجــح ول‬
‫تســتمر إل فــي ظــل الحريــة‪ ،‬وأجــواء الحريــة‪ ،‬وحريــة‬

‫‪- 6-‬‬
‫الضمير‪ ،‬وحرية التفكير‪ ،‬وحرية التعبير‪ ،‬فالشورى بــدون‬
‫حرية حقيقية ل يمكن أن تتــم‪ ،‬وإذا تمــت فلــن تســتمر‪،‬‬
‫وإذا اســتمرت فليســت هــي هــي‪ ،‬وإنمــا هــي أســماء‬
‫وأشكال ورسوم‪.1‬‬
‫تعرضــت لهميــة تفعيــل حقيقــة الشــوى فــي الشــعوب‬
‫الســلمية وأهــم الوســائل والــرؤى الــتي تســاعد علــى‬
‫عودة الشورى إلــى حيــاتهم‪ ،‬كتفعيــل المجتمــع المــدني‬
‫والمؤسسات الشعبية‪ ،‬ورفــض الهــالت والقداســة عــن‬
‫الرؤساء والحكام‪ ،‬والصــرار علــى أن الحكــم الســلمي‬
‫مــدني ل عســكري‪ ،‬ومواجهــات التحــديات الحضــارية‪،‬‬
‫والحـــرص علـــى حريـــة البحـــث العلمـــي وإســـتقلليته‬
‫والستجابة لمتطلبات الشــعوب والتغيــرات الــتي تحــدث‬
‫في المجتمعات وفق مقاصــد الشــريعة‪ ،‬وإشــاعة ثقافــة‬
‫لســر والمــدارس‪ ،‬والنــوادي والجامعــات‪،‬‬ ‫الشورى في ا ُ‬
‫والروابط والنقابات‪ ،‬ومحاربــة الســتبداد والتصــدي لــه‪،‬‬
‫فالستبداد ل ينتمي إلى الســلم البتــة‪ ،‬بــل أنــه نقيــض‬
‫الشورى حتما ً وفيه من الصــفات والوصــاف مــا يعكــس‬
‫خلف الشورى في كل صغيرة وكبيرة وعلى حد توصيف‬
‫الكواكبي له‪ ،‬حيث يقول‪ :‬إذا أراد الســتبداد أن يحتســب‬
‫وينتسب‪ ،‬لقال‪ :‬أنا الشر‪ ،‬وأبــي الظلــم وأمــي الســاءة‪،‬‬
‫وأخي الغدر‪ ،‬وأخــتي المســكنة‪ ،‬وعمــي الضــرر‪ ،‬وخــالي‬
‫الذل‪ ،‬وابني الفقــر‪ ،‬وبنــتي البطالــة‪ ،‬ووطنــي الخــراب‪،‬‬
‫وعشيرتي الجهالة‪.2‬‬
‫قلت ولو احتسبت الشورى وانتسبت لقالت‪ :‬أنــا الخيــر‪،‬‬
‫وأبــي العــدل‪ ،‬وأمــي الحســان‪ ،‬وأخــي الوفــاء‪ ،‬وأخــتي‬
‫العــزة‪ ،‬وعمــي النفــع‪ ،‬وخــالي الرفعــة‪ ،‬وابنــي الغنــى‪،‬‬
‫وبنتي العمل‪ ،‬ووطني العمار‪ ،‬وعشيرتي العلم‪.‬‬
‫إن تقــدم الشــعوب وقــدرتها علــى مواجهــة التحــديات‬
‫الحضــارية يعتمــد علــى نشــر العــدل وإعطــاء الحقــوق‬
‫السياســية لفرادهــا وجماعاتهــا‪ ،‬بكافــة أنواعهــا‪ ،‬ولقــد‬
‫عاشــت أمتنــا الســلمية فــي أوج حضــارتها وتقــدمها‪،‬‬
‫عندما كانت تحافظ على هذه الحقــوق وتعطــي كــل ذي‬
‫حق حقه وهوت وسقطت لما تجاوزت تلك الحقوق‪.‬‬

‫الشورى للريسوني صم‪.175‬‬ ‫‪1‬‬

‫طبائع الستبداد ومصارع الستعباد صم‪.71‬‬ ‫‪2‬‬

‫‪- 7-‬‬
‫إن فلســفة الحكــم فــي الدولــة المدنيــة الحديثــة الــتي‬
‫مرجعيتها السلم ترتكز على الشورى‪ ،‬التي ذكرت فــي‬
‫القرآن الكريم ومارسها الرسول صلى الله عليه وســلم‬
‫والخلفاء الراشــدين‪ ،‬فقــد عرفــت طريقهــا إلــى الحيــاة‬
‫السياسية وأصبحت مــن ركــائز الدولــة فــي عصــر صــدر‬
‫السلم‪.‬‬
‫وهنــاك أصــول شــرعية تلزم الشــورى كمبــدأ إســلمي‬
‫أصيل من أهمها‪:‬‬
‫ـ إن السلم اعتبر الشورى منهج حيــاة إنســاني‪ ،‬فضــل ً‬
‫عن كونها ضرورية في نظام الحكم‪.‬‬
‫ـ إن طبيعة الحكــم الســلمي علــى مــدار العهــد النبــوي‬
‫ومرورا ً بخير القرون كان حكما ً شوريا ً علــى الرغــم مــن‬
‫شخصية الرسول صلى اللــه عليــه وســلم بيــن أصــحابه‪،‬‬
‫ومكانة الخلفاء الراشدين بين عموم الصحابة رضي اللــه‬
‫عنهم‪.‬‬
‫ـ إن تشــريع الشــورى بــذاته قــائم علــى المصــلحة ودرء‬
‫المفسدة‪ ،‬وهــذا ل ينحصــر فــي الشــورى‪ ،‬فالتشــريعات‬
‫السلمية كلها قائمة على ذلك مــن جلــب مصــلحة ودرء‬
‫مفسدة‪ ،‬كما يقول العز بن عبد الســلم‪ :‬الشــريعة كلهــا‬
‫نصائح‪ ،‬إما بدرء مفاسد أو بجلب مصالح‪.1‬‬
‫ـ إن الشورى تتلحــم وتنصــبغ بفكــرة مقاصــد الشــريعة‬
‫الكلية‪ ،‬ولها علقــة وثيقــة الصــلة بالضــروريات الخمــس‬
‫التي تناولها الصوليون بالتحليــل والدراســة والبيــان‪ ،‬إذ‬
‫مـــن الطـــبيعي فـــي أي نظـــام شـــوري‪ ،‬أن تتحقـــق‬
‫الضروريات الخمــس‪ ،‬وأن تحفــظ بعمومهــا‪ ،‬وهــذا ليــس‬
‫خاصا ً بالمسلمين على التحديد‪ ،‬بل يشمل غيرهم وعلــى‬
‫توصيف ابن عبد السلم‪.‬‬
‫وكذلك اتفقــت الشــرائع علــى تحريــم الــدماء والبضــاع‬
‫والموال والعراض‪ ،‬وعلى تحصـيل الفضـل‪ ،‬فالفضـل‬
‫من القوال والعمال‪.2‬‬
‫ول شك أن أي نظام ديكتاتوري أو تسلطي أو إستبدادي‬
‫يقضي على هذه الضروريات‪ ،‬وتضيع في ظل إجراءاته‬
‫المستبدة‪ ،‬والتاريخ يصدق هذا‪.‬‬

‫قواعد الحكام في إصلح النام صم‪.1‬‬ ‫‪1‬‬

‫قواعد الحكام في إصلح النام )‪.(8 / 1‬‬ ‫‪2‬‬

‫‪- 8-‬‬
‫ومن المؤكد أن تحفظ الضروريات في ظل وجــود حالــة‬
‫مــن النزاهــة والعدالــة‪ ،‬وفصــل الســلطات‪ ،‬ومحاكمــة‬
‫الحــاكم وخضــوعه عنــد رأي الشــعب‪ ،‬فتنــوع الحريــات‬
‫لتطال أفعال الحاكم وتصرفاته‪ ،‬وتحصيل المساواة بيـن‬
‫الجميـع‪ ،‬فل سـلطة إل للشـريعة وقانونهـا النافـذ علـى‬
‫الجميع‪ ،‬ونشر العدل في انحاء الدولة‪.‬‬
‫في ظل الحكم الديكتاتوري تغيــب الشــورى‪ ،‬ول يســمح‬
‫بالتعبير عن حريــة الــرأي‪ ،‬ويكــون الحــاكم مســتبدا ً فــي‬
‫تصرفاته ويعاقب بالقتل والسجن لمــن أبــدى رأيــه فــي‬
‫أعمــاله أو أخطــاء ابنــائه أو حاشــيته‪ ،‬وتضــيع الحريــة‬
‫والمساواة والعدالــة بيــن عامــة الشــعب‪ ،‬ولقــد ســفكت‬
‫صــودرت أمــوال‪ ،‬وقتــل علمــاء‬ ‫دمــاء وهتكــت اعــراض‪ ،‬و ُ‬
‫وســجن مفكــرون ومثقفــون فــي ظــل هــذه الــدول‬
‫الظالمــة‪ ،‬فل ديــن‪ ،‬ول نفــس ول مــال‪ ،‬ول عقــل‪ ،‬ول‬
‫نســل‪ ،‬يمكــن أن يســتقيم أو يحفــظ فــي ظــل النظمــة‬
‫الستبدادية والقمعية‪.‬‬
‫وقد إنتهيت من هذا الكتاب )الشورى في السلم( يــوم‬
‫الثلثاء الساعة الحاديــة عشــر إل ربــع صــباحا ً ‪24‬شــوال‬
‫‪1430‬هـ ‪2009 /10 /13‬م‪.‬‬
‫والفضل لله من قبل ومن بعد‪ ،‬وأسأله سبحانه وتعالى‬
‫أن يتقبل هذا العمل ويشرح صدور العباد للنتفاع به‬
‫ح الل ّ ُ‬
‫ه‬ ‫فت َ ِ‬
‫ما ي َ ْ‬ ‫ويبارك فيه بمنه وكرمه وجوده‪ ،‬قال تعالى‪َ ":‬‬
‫ه‬
‫من ب َعْد ِ ِ‬ ‫ه ِ‬ ‫ل لَ ُ‬‫س َ‬ ‫ك فََل ُ‬
‫مْر ِ‬ ‫س ْ‬
‫م ِ‬ ‫ك ل ََها وَ َ‬
‫ما ي ُ ْ‬ ‫س َ‬
‫م ِ‬ ‫مةٍ فََل ُ‬
‫م ْ‬ ‫ح َ‬‫من ّر ْ‬ ‫س ِ‬ ‫ِللّنا ِ‬
‫م" )فاطر ‪ ،‬آية ‪.(2 :‬‬ ‫كي ُ‬
‫ح ِ‬‫زيُز ال ْ َ‬
‫وَهُوَ ال ْعَ ِ‬
‫ول يسعني في نهاية هذا الكتاب إل أن اقف بقلب‬
‫خاشع منيب أمام خالقي العظيم وإلهي الكريم معترفا ً‬
‫بفضله وكرمه وجوده متبرئا ً من حولي وقوتي ملتجئا ً‬
‫إليه في كل حركاتي وسكناتي وحياتي ومماتي‪ ،‬فالله‬
‫خالقي هو المتفضل‪ ،‬وربي الكريم هو المعين‪ ،‬وإلهي‬
‫العظيم هو الموفق‪ ،‬فلو تخلى ووكلني إلى عقلي‬
‫ونفسي‪ ،‬لتبلد مني العقل‪ ،‬ولغابت الذاكرة‪ ،‬وليبست‬
‫الصابع‪ ،‬ولجفت العواطف‪ ،‬ولتحجرت المشاعر‪ ،‬ولعجز‬
‫القلم عن البيان‪ ،‬اللهم بصرني بما يرضيك واشرح له‬
‫صدري وجنبني اللهم ما ل يرضيك وأصرفه عن قلبي‬
‫وتفكيري‪ ،‬وأسألك بأسمائك الحسنى وصفاتك العل أن‬

‫‪- 9-‬‬
‫تجعل عملي لوجهك خالصا ً ولعبادك نافعا ً وأن تثيبني‬
‫على كل حرف كتبته وتجعله في ميزان حسناتي‪ ،‬وأن‬
‫تثيب إخواني الذين أعانوني على اتمام هذا الجهد الذي‬
‫لولك ما كان له وجود ول انتشار بين الناس ونرجو من‬
‫كل مسلم يطلع على هذا الكتاب أل ينسى العبد الفقير‪،‬‬
‫إلى عفو ربه‪ ،‬ومغفرته ورحمته ورضوانه من دعائه‪،‬‬
‫َ‬ ‫ن أَ ْ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫ت ع َل َ ّ‬
‫ي‬ ‫م َ‬ ‫ك ال ِّتي أن ْعَ ْ‬ ‫مت َ َ‬ ‫شك َُر ن ِعْ َ‬ ‫ب أوْزِع ِْني أ ْ‬ ‫قال تعالى‪َ":‬ر ّ‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫ك ِفي‬ ‫مت ِ َ‬ ‫ح َ‬ ‫خل ِْني ب َِر ْ‬ ‫ضاه ُ وَأد ْ ِ‬‫حا ت َْر َ‬‫صال ِ ً‬ ‫ل َ‬ ‫م َ‬
‫ن أع ْ َ‬ ‫وَع ََلى َوال ِد َيّ وَأ ْ‬
‫ن" )النمل ‪ ،‬آية ‪.(19 :‬‬ ‫حي َ‬ ‫صال ِ ِ‬
‫ك ال ّ‬ ‫عَباد ِ َ‬‫ِ‬
‫وان َِنا‬
‫خ َ‬ ‫َ‬
‫فْر لَنا وَِل ِ ْ‬ ‫وأختم هذا الكتاب بقول الله تعالى‪َ ":‬رب َّنا اغ ْ ِ‬
‫مُنوا َرب َّنا إ ِن ّ َ‬
‫ك‬ ‫نآ َ‬ ‫ل ِفي قُُلوب َِنا ِغّل ل ّل ّ ِ‬
‫ذي َ‬ ‫جعَ ْ‬ ‫ن وََل ت َ ْ‬‫ما ِ‬ ‫لي َ‬‫قوَنا ِبا ْ ِ‬ ‫سب َ ُ‬
‫ن َ‬ ‫ذي َ‬‫ال ّ ِ‬
‫م" )الحشر ‪ ،‬آية ‪.(10 :‬‬ ‫حي ٌ‬ ‫ف ّر ِ‬
‫ؤو ٌ‬ ‫َر ُ‬
‫"ســـبحانك اللهـــم وبحمـــدك أشـــهد أن ل إلـــه إل أنـــت‬
‫استغفرك وأتوب إليك"‪.‬‬
‫الفقير إلى عفو ربه ومغفرته ورحمته ورضوانه‪.‬‬

‫صّلب ّ‬
‫ي‬ ‫علي محمد محمد ال ّ‬

‫غفـــر اللـــه لـــه ولوالـــديه ولجميـــع‬


‫المسلمين‬

‫‪-10-‬‬
‫المبحث الول‪ :‬الشورى في القرآن الكريم والتاريخ‬
‫السلمي‪:‬‬
‫إن الشورى قيمة إنسانية مارستها الشعوب والقبائل‬
‫والمم والجماعات البشرية على مر تاريخها الطويل كل‬
‫بطريقته الخاصة سواء في سهول سيبريا‪ ،‬أو أدغال‬
‫إفريقيا‪ ،‬أو صحراء الجزيرة العربية أو هضاب آسيا‪ ،‬أو‬
‫مروج أوروبا أو غيرها إل أن السلم أضاف لها بعدا ً‬
‫تعبديا ً وجعلها من القيم النسانية السلمية الرفيعة‬
‫ورتب على العمل بها ثوابا ً وعلى تركها عقابًا‪.‬‬

‫ل‪ :‬الشورى في القرآن الكريم‪:‬‬‫أو ً‬


‫‪ -1‬في البدء كانت الشورى‪:‬‬
‫اعتاد العلماء والكتاب حين يتحدثون عن الشورى وأدلتها‬
‫الشرعية أن يركزوا على اليتين الكريمتين من سورتي‬
‫الشورى وآل عمران وهما فعل ً آيتـان مركـزيتان في‬
‫الموضـوع سـآتي – بعون الله تعالى – على ذكرهما‬
‫)‪(1‬‬
‫وبيانهما إل أنني أجعلهما المنتهى وليسس المبتدى ‪.‬‬

‫ل‬ ‫ع ٌ‬ ‫مل َئ ِك َةِ إ ِّني َ‬


‫جا ِ‬ ‫ك ل ِل ْ َ‬ ‫ل َرب ّ َ‬
‫وأبدا من قوله سبحانه ‪" :‬وَإ ِذ ْ َقا َ‬
‫َ‬ ‫ِفي ال َْر‬
‫ماء‬ ‫ف ُ‬
‫ك الد ّ َ‬ ‫س ِ‬‫سد ُ ِفيَها وَي َ ْ‬ ‫من ي ُفْ ِ‬ ‫ل ِفيَها َ‬ ‫جعَ ُ‬ ‫ة َقاُلوا ْ أت َ ْ‬ ‫ف ً‬ ‫خِلي َ‬ ‫ض َ‬ ‫ِ‬
‫َ‬
‫ن*‬ ‫مو َ‬ ‫ما ل َ ت َعْل َ ُ‬ ‫م َ‬ ‫ل إ ِّني أع ْل َ ُ‬ ‫ك َقا َ‬ ‫س لَ َ‬‫قد ّ ُ‬ ‫ك وَن ُ َ‬ ‫مد ِ َ‬‫ح ْ‬ ‫ح بِ َ‬ ‫سب ّ ُ‬ ‫ن نُ َ‬ ‫ح ُ‬ ‫وَن َ ْ‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫ل أنب ُِئوِني‬ ‫قا َ‬ ‫مل َئ ِك َةِ فَ َ‬ ‫م ع ََلى ال ْ َ‬ ‫ضه ُ ْ‬ ‫م ع ََر َ‬ ‫ماء ك ُل َّها ث ُ ّ‬ ‫س َ‬ ‫م ال ْ‬ ‫م آد َ َ‬ ‫وَع َل ّ َ‬
‫َ‬
‫م ل ََنا إ ِل ّ َ‬
‫ما‬ ‫عل ْ َ‬
‫ك لَ ِ‬ ‫حان َ َ‬ ‫سب ْ َ‬‫ن * َقاُلوا ْ ُ‬ ‫صاد ِِقي َ‬ ‫م َ‬ ‫ؤلء ِإن ُ‬
‫كنت ُ ْ‬ ‫هم ُ‬ ‫ماء َ‬ ‫س َ‬ ‫ب ِأ ْ‬
‫ع َل ّمتنا إن َ َ‬
‫م" )البقرة‪ ,‬آية‪.(٣٢ – ٣٠ :‬‬ ‫كي ُ‬
‫ح ِ‬ ‫م ال ْ َ‬ ‫ت ال ْعَِلي ُ‬ ‫ك أن َ‬ ‫ْ ََ ِّ‬
‫وهذه المحاورة تنطوي على نوع من المشاورة‪،‬‬
‫مشاورة أريد لها أن تكون في بدء الخليقة لتكون هديا‬
‫ملزما ً لبني آدم منذ الخلق الول‪ ،(2) ،‬وليكون‬
‫كالستشارة للملئكة وتكريما ً لهم فيكون تعليما ً في‬
‫قالب تكريم وليسن الستشارة في المور ولتنبيه‬
‫الملئكة على مادق وما خفي من حكمة خلق ادم كذا‬
‫ذكر المفسرون )‪ (3‬فالشورى هي أول سنه اجتماعيه‬

‫‪()1‬الشورى في معركة البناء د‪ .‬أحمد الريسوني ص ‪.15‬‬


‫‪()2‬المصدر نفسه ص ‪.15‬‬
‫‪()3‬التحرير والتنوير لمحمد الطاهر بن عاشور ص ‪.16‬‬

‫‪-11-‬‬
‫سنها الله لخلقه ولعباده ليقتدوا بها ويهتدوا بهداها‬
‫كما يستفاد من هذا النازلة أن الشورى مسنونة حتى‬
‫في القضايا المحسوسة والمعروفة‪ ،‬على أساس أن‬
‫هذا النوع من أنواع الشورى له مقاصده وفوائده‬
‫المذكورة أو المذكور بعضها‪ ،‬كالتعليم والتكريم ثم‬
‫الحث على التأسي والتأدب )‪.(1‬‬
‫‪ -2‬الشورى عند إبراهيم عليه السلم‪:‬‬
‫َ‬
‫ي إ ِّني أَرى ِفي‬ ‫ل َيا ب ُن َ ّ‬ ‫ي َقا َ‬ ‫سعْ َ‬ ‫ه ال ّ‬ ‫معَ ُ‬ ‫ما ب َل َغَ َ‬ ‫قال تعالى‪ ":‬فَل َ ّ‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫ل‬‫ذا ت ََرى َقا َ‬ ‫ما َ‬ ‫ك َفانظ ُْر َ‬ ‫ح َ‬ ‫مَنام ِ أّني أذ ْب َ ُ‬ ‫ال ْ َ‬
‫َ‬
‫ن")‬ ‫ري َ‬ ‫صاب ِ ِ‬ ‫ن ال ّ‬ ‫م َ‬ ‫ه ِ‬ ‫شاء الل ّ ُ‬ ‫جد ُِني ِإن َ‬ ‫ست َ ِ‬ ‫مُر َ‬ ‫ما ت ُؤ ْ َ‬ ‫ل َ‬ ‫ت افْعَ ْ‬ ‫َيا أب َ ِ‬
‫الصافات‪.(١٠٢ :‬‬
‫فالمسألة محسومة معزومة ومع ذلك يقول إبراهيم‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫مَنام ِ أّني‬ ‫ي إ ِّني أَرى ِفي ال ْ َ‬ ‫ل َيا ب ُن َ ّ‬ ‫ي َقا َ‬ ‫سعْ َ‬ ‫ه ال ّ‬ ‫معَ ُ‬ ‫ما ب َل َغَ َ‬ ‫لولده ‪":‬فَل َ ّ‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫شاء‬ ‫جد ُِني ِإن َ‬ ‫ست َ ِ‬‫مُر َ‬ ‫ما ت ُؤ ْ َ‬ ‫ل َ‬ ‫ت افْعَ ْ‬ ‫ل َيا أب َ ِ‬ ‫ذا ت ََرى َقا َ‬ ‫ما َ‬ ‫ك َفانظ ُْر َ‬ ‫ح َ‬ ‫أذ ْب َ ُ‬
‫َ‬
‫مُر‬‫ما ت ُؤ ْ َ‬ ‫ل َ‬ ‫ت افْعَ ْ‬ ‫ن "‪ ،‬فيجيب الولد" َيا أب َ ِ‬ ‫ري َ‬ ‫صاب ِ ِ‬ ‫من ال ّ‬ ‫ه ِ‬ ‫الل ّ ُ‬
‫ن"{الصافات‪.(١٠٢ :‬‬ ‫ري َ‬ ‫صاب ِ ِ‬ ‫ن ال ّ‬ ‫م َ‬ ‫ه ِ‬ ‫شاء الل ّ ُ‬ ‫جد ُِني ِإن َ‬ ‫ست َ ِ‬ ‫َ‬
‫وهذه اليات تبين لنا بأنه ل يمنع العزم عن إنفاذ الرأي‬
‫وظهور جوابه عن الستشارة‪ ،‬أل ترى أن إبراهيم عليه‬
‫السلم أمر بذبح ابنه عزمة ل مشورة فيها فحمله حسن‬
‫الدب وعلمه بموقعه في النفوس على الستشارة فيه‬
‫ك َفانظ ُْر‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫ح َ‬ ‫مَنام ِ أّني أذ ْب َ ُ‬ ‫ي إ ِّني أَرى ِفي ال ْ َ‬ ‫فقال لبنه قال‪َ ":‬يا ب ُن َ ّ‬
‫ذا ت ََرى ‪.(2)"...‬‬ ‫ما َ‬ ‫َ‬
‫إن من يعتاد المشاورة حتى فيما هو واضح جلي ل‬
‫يمكن أن يتنكبها فيما هو غامض وخفي‪ ،‬فكون الشورى‬
‫مسنونة ومحمودة ومفيدة في قضايا قطعية‬
‫ومحسوسة‪ ،‬إنما هو إيذان بمدى ضرورتها ولزومها‬
‫وأولويتها فيما تتعدد فيه الوجوده والشكالت وتتضارب‬
‫فيه النظار والحتمالت)‪.(3‬‬
‫‪ -3‬الشورى العائلية‪:‬‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫ن أن‬ ‫ضُلوهُ ّ‬ ‫ن فَل َ ت َعْ ُ‬ ‫جل َهُ ّ‬ ‫نأ َ‬ ‫ساء فَب َل َغْ َ‬ ‫م الن ّ َ‬ ‫قت ُ ُ‬ ‫ذا ط َل ّ ْ‬ ‫قال تعالى‪" :‬وَإ ِ َ‬
‫ك ُيوع َ ُ‬ ‫ينكح َ‬
‫من‬ ‫ظ ب ِهِ َ‬ ‫ف ذ َل ِ َ‬ ‫معُْرو ِ‬ ‫ضوْا ْ ب َي ْن َُهم ِبال ْ َ‬ ‫ذا ت ََرا َ‬ ‫ن إِ َ‬ ‫جه ُ ّ‬ ‫ن أْزَوا َ‬ ‫َ ِ ْ َ‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫م وَأط ْهَُر َوالل ّ ُ‬
‫ه‬ ‫كى ل َك ُ ْ‬ ‫م أْز َ‬ ‫خرِ ذ َل ِك ُ ْ‬ ‫ن ِبالل ّهِ َوال ْي َوْم ِ ال ِ‬ ‫م ُ‬ ‫م ي ُؤ ْ ِ‬ ‫منك ُ ْ‬‫ن ِ‬ ‫كا َ‬ ‫َ‬

‫‪()1‬الشورى في معركة البناء د‪ .‬أحمد الريسوني ص ‪.16‬‬


‫‪()2‬سراج الملوك للطرطوشي ص ‪.132‬‬
‫‪()3‬الشورى في معركة البناء ص ‪.17‬‬

‫‪-12-‬‬
‫كا ِ َ‬‫ن َ‬ ‫ن َ َ‬ ‫يعل َم وَأنتم ل َ تعل َمون * وال ْوال ِدات يرضع َ‬
‫ن‬‫ملي ْ ِ‬ ‫حوْلي ْ ِ‬ ‫ن أوْل َد َهُ ّ‬ ‫َ َ َ ُ ُْ ِ ْ َ‬ ‫َْ ُ َ‬ ‫َْ ُ َ ُ ْ‬
‫َ‬ ‫ُ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ل ِم َ‬
‫ن‬
‫سوَت ُهُ ّ‬‫ن وَك ِ ْ‬ ‫ه رِْزقُهُ ّ‬ ‫موْلود ِ ل ُ‬ ‫ة َوعلى ال َ‬ ‫ضاع َ َ‬‫م الّر َ‬ ‫ن أَراد َ أن ي ُت ِ ّ‬ ‫َ ْ‬
‫ُ‬
‫موْلود ٌ‬ ‫َ‬
‫ها وَل َ‬ ‫َ‬
‫ضآّر َوال ِد َة ٌ ب ِوَلد ِ َ‬ ‫َ‬
‫سعََها ل ت ُ َ‬ ‫ّ‬
‫س إ ِل وُ ْ‬ ‫ف ٌ‬ ‫ف نَ ْ‬ ‫ّ‬ ‫َ‬
‫ف ل ت ُكل ُ‬ ‫َ‬ ‫معُْرو ِ‬ ‫ِبال ْ َ‬
‫َ‬
‫ما‬‫من ْهُ َ‬‫ض ّ‬ ‫عن ت ََرا ٍ‬ ‫صال ً َ‬ ‫دا فِ َ‬ ‫ن أَرا َ‬ ‫ل ذ َل ِ َ‬
‫ك فَإ ِ ْ‬ ‫مث ْ ُ‬
‫ث ِ‬ ‫وارِ ِ‬ ‫ه ب ِوَل َد ِهِ وَع ََلى ال ْ َ‬ ‫لّ ُ‬
‫ما")البقرة‪ ،‬آية ‪.(223-232 :‬‬ ‫ح ع َل َي ْهِ َ‬ ‫جَنا َ‬ ‫شاوُرٍ فَل َ ُ‬ ‫وَت َ َ‬
‫في الية الولى‪ ،‬إذا وقع التفاهم والتراضي بين‬
‫الزوجين المطلقين من أجل التراجع والمراجعة‪،‬‬
‫واستئناف علقتهما الزوجية‪ ،‬فل يجوز للولي أن يمنع‬
‫ذلك‪.‬‬
‫وفي الية الثانية‪ ،‬أن الرضاع المحدد في حولين كاملين‬
‫يمكن تخفيض مدته‪ ،‬لكن على أن يتم الفطام بتشاور‬
‫وتراضي ل أن يستبد به أحد البوين‪ .‬وهذا يعني أن‬
‫تدبير أمر الولد هو حق وواجب مشترك بين الوالدين‪،‬‬
‫وأنه يجب أن يتم بالتراضي والتشاور‪ ،‬لختيار أفضل ما‬
‫يصلح للولد وينفعه مما هو ممكن‪.‬‬
‫فكون المرأة هي التي تمارس الرضاع‪ ،‬ل يخولها‬
‫التفرد بقرار توقيفه أو تمديده‪ ،‬وكذلك الزوج‪ ،‬باعتباره‬
‫صاحب القوامة والنفقة‪ ،‬ل يحق له الستبداد بأمر‬
‫أولده‪ ،‬فالم شريكة له في تدبير شؤونهم‪ ،‬فلبد أن‬
‫يكون ذلك كله ناشئا ً "عن تراض منهما وتشاور )‪."(1‬‬
‫وعلى هذا‪ ،‬فالقرارات المتعلقة بتعليم البناء الصغار‪،‬‬
‫من حيث مكانه ونوعه ومدته‪ ،‬واستمراره وانقطاعه أو‬
‫المتعلقة بصحتهم وبإقامتهم وسفرهم‪ ،‬وسائر‬
‫انشطتهم‪ ،‬ما يقبل منها ومال يقبل‪ ،‬وما يشجع منهما‬
‫ومال يشجع وكذلك المتعلقة بتوجيهم المهني أو‬
‫بتزويجهم إذا كانوا متوقفين على التوجيه والمساعدة‬
‫من آبائهم وأمهاتهم ‪ ،..‬كل هذا وغيره يحتاج إلى تدبير‬
‫شورى مشترك بين الوالدين‪ ،‬أو بينهما وبين الولد‬
‫نفسه إذا أصبح له تميز ونظر وتستحسن مشاورة‬
‫الصغار أنفسهم لجل تعليمهم وتدريبهم وتأديبهم بأدب‬
‫المشاورة )‪.(2‬‬
‫وقد جاءت الحاديث النبوية حاثة على استئمار البنات‬
‫في شأن زواجهن والحاديث في ذلك كثيرة‪ ،‬منها عن‬

‫‪()1‬الشورى في معركة البناء ص ‪.18 ، 17‬‬


‫‪()2‬الشورى في معركة البناء ص ‪.19‬‬

‫‪-13-‬‬
‫عائشة رضي الله عنها قالت‪ :‬سألت رسول الله صلى‬
‫الله عليه وسلم عن الجارية ينكحها أهلها‪ ،‬أتستأمر أم ل‬
‫؟ قال ‪ :‬نعم تستأمر )‪.(1‬‬
‫‪ -4‬حال التنازع والخصام‪:‬‬
‫َ‬
‫من َْها‬‫ة وَك ُل َ ِ‬ ‫ك ال ْ َ‬
‫جن ّ َ‬ ‫ج َ‬ ‫ت وََزوْ ُ‬ ‫ن أن َ‬ ‫سك ُ ْ‬ ‫ما ْ‬ ‫قال تعالى ‪":‬وَقُل َْنا َيا آد َ ُ‬
‫ن‬‫مي َ‬ ‫ظال ِ ِ‬‫ن ال ْ ّ‬ ‫م َ‬‫كوَنا ِ‬ ‫جَرة َ فَت َ ُ‬ ‫ش َ‬ ‫همذ ِهِ ال ّ‬ ‫قَرَبا َ‬ ‫ما وَل َ ت َ ْ‬ ‫شئ ْت ُ َ‬ ‫ث ِ‬ ‫غدا ً َ‬
‫حي ْ ُ‬ ‫َر َ‬
‫")النساء ‪ ،‬آية ‪.(٣٥ :‬‬
‫فها هنا أمر ضمني بالشورى‪ ،‬فما دام هناك حكمان فل‬
‫يمكن أن يكون تقدير الحالة واعتماد الحل الممكن إل‬
‫شورى وائتمارا ً بينهما‪ ،‬ثم اتفاقا ً وتراضيا على الحل‬
‫والمخرج )‪.(2‬‬
‫‪ -5‬رسول الله يحث زوجاته على مشاورة آبائهن‬
‫وأمهاتهن‪ ،‬حين وقعت بينه وبينهن جفوة لكثرة ما كان‬
‫يحرجنه به من طلبات النفقة فأنزل الله في ذلك قوله‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫حَياة َ الد ّن َْيا‬ ‫دن ال ْ َ‬ ‫كنت ُن ّت ُرِ ْ‬ ‫ك ِإن ُ‬ ‫ج َ‬ ‫ي ُقل ّلْزَوا ِ‬ ‫تعالى‪َ" :‬يا أي َّها الن ّب ِ ّ‬
‫ميًل *وَِإن ُ‬ ‫ُ‬ ‫وزينتها فَتعال َي ُ‬
‫ن‬
‫ن ت ُرِد ْ َ‬ ‫كنت ُ ّ‬ ‫ج ِ‬‫حا َ‬ ‫سَرا ً‬ ‫ن َ‬ ‫حك ُ ّ‬ ‫سّر ْ‬ ‫ن وَأ َ‬ ‫مت ّعْك ُ ّ‬‫نأ َ‬ ‫ََ ْ َ‬ ‫َ ِ َََ‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫جًرا‬‫نأ ْ‬ ‫منك ُ ّ‬ ‫ت ِ‬ ‫سَنا ِ‬
‫ح ِ‬ ‫م ْ‬ ‫ه أع َد ّ ل ِل ْ ُ‬ ‫ن الل ّ َ‬ ‫خَرة َ فَإ ِ ّ‬ ‫داَر اْل ِ‬ ‫ه َوال ّ‬ ‫سول َ ُ‬
‫ه وََر ُ‬ ‫الل ّ َ‬
‫ما" )الحزاب ‪ ,‬آية‪.(٢9 – ٢٨ :‬‬ ‫ظي ً‬
‫عَ ِ‬
‫فقد عرض رسول الله صلى الله عليه وسلم المر على‬
‫نسائه‪ ،‬وخيرهن بما نصت عليه اليتان وبدأ بعائشة‬
‫رضي الله عنهما وقال لها‪ .‬فل عليك أن تستعجلي حتى‬
‫تستأمري )‪ (3‬وفي رواية أحب أن ل تعجلي حتى‬
‫تستشيري أبويك ‪ ...‬فقالت ‪ :‬أفيك يا رسول الله‬
‫‪4‬‬
‫استشير أبوي‪ ،‬بل أختار الله ورسوله والدار الخرة ) (‪.‬‬

‫ثانيًا‪ :‬الشورى في المجال العام في القرآن الكريم‪:‬‬


‫إذا ثبتت الشورى ولزمت القضايا الخاصة والحياة‬
‫الخاصة للفرد مع نفسه‪ ،‬وللفرد مع مثله من الفراد‬
‫وثبتت ولزمت للزوج مع زوجه والب مع أبنائه‪ ،‬فكيف‬
‫تكون ضرورتها وأولويتها في الشؤون العامة والقضايا‬
‫الكبرى؟‬

‫‪()1‬الشورى في معركة البناء ص ‪.19‬‬


‫‪()2‬الشورى في معركة البناء ص ‪.19‬‬
‫‪()3‬البخاري‪ ،‬كتاب التفسير‪ ،‬سورة الحزاب‪.‬‬
‫‪()4‬صحيح مسلم‪ ،‬كتاب الطلق‪.‬‬

‫‪-14-‬‬
‫جواب ذلك وبيانه في آيتي الباب وعمدته )‪.(5‬‬
‫‪ -1‬الية الولى "وأمرهم شورى بينهم"‪:‬‬
‫ُ‬
‫يٍء‬
‫ش ْ‬‫من َ‬ ‫ما أوِتيُتم ّ‬ ‫وهي في سياق قوله تعالى‪" :‬فَ َ‬
‫مُنوا وَع ََلى َرب ّهِ ْ‬
‫م‬ ‫نآ َ‬ ‫ذي َ‬‫قى ل ِل ّ ِ‬ ‫خي ٌْر وَأ َب ْ َ‬‫عند َ الل ّهِ َ‬ ‫ما ِ‬ ‫حَياةِ الد ّن َْيا وَ َ‬ ‫عال ْ َ‬
‫مَتا ُ‬‫فَ َ‬
‫م‬‫ضُبوا هُ ْ‬ ‫ما غ َ ِ‬‫ذا َ‬ ‫ش وَإ ِ َ‬ ‫ح َ‬ ‫وا ِ‬ ‫ن ك ََبائ َِر اْل ِث ْم ِ َوال ْفَ َ‬ ‫جت َن ُِبو َ‬‫ن يَ ْ‬‫ذي َ‬ ‫ن * َوال ّ ِ‬ ‫َت َوَك ُّلو َ‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫شوَرى‬ ‫مُره ُْ ُ‬‫صَلة َ وَأ ْ‬ ‫موا ال ّ‬ ‫م وَأَقا ُ‬ ‫جاُبوا ل َِرب ّهِ ْ‬‫ست َ َ‬‫نا ْ‬ ‫ذي َ‬ ‫ن * َوال ّ ِ‬ ‫فُرو َ‬ ‫ي َغْ ِ‬
‫ن " )الشورى‪ ,‬آية‪.(٣٨ – ٣٦ :‬‬ ‫قو َ‬‫م ُينفِ ُ‬ ‫ما َرَزقَْناهُ ْ‬ ‫م ّ‬‫م وَ ِ‬ ‫ب َي ْن َهُ ْ‬
‫وهناك دللت لطيفه لقيمه الشورى في السلم‪ ،‬في‬
‫ضوء تفسير هذه الية منها ما يلي‪:‬‬
‫‪ -‬فالية وردت في سورة تحمل اسم الشورى وهي‬
‫سورة الشورى وتسمية إحدى سور القرآن الكريم باسم‬
‫الشورى هو في حد ذاته تشريف لمر الشورى وتنويه‬
‫بأهميتها ومنزلتها‪.‬‬
‫‪ -‬جاءت الشورى في هذه الية وصفا ً تقريريًا‪ ،‬ضمن‬
‫صفات أساسية لجماعة المؤمنين المسلمين‪ ،‬فهم بعد‬
‫إيمانهم متوكلون على ربهم‪ ،‬مجتنبون لكبائر الثام‬
‫والفواحش‪ ،‬مستجيبون لمر ربهم‪ ،‬مقيمون لصلتهم‪،‬‬
‫وأمرهم شورى بينهم ويزكون أموالهم وينفقون منها‬
‫في سبيل الله )‪.(2‬‬
‫‪ -‬وهي آية مكية مما يدل على أن الشورى في السلم‬
‫ممارسة اجتماعية قبل أن تكون من الحكام السلطانية‪.‬‬
‫‪ -‬وهي نصف حال المسلمين في كل زمان ومكان‪،‬‬
‫فهي ليست طارئة ول مرحلية‪ ،‬ولقد جعل الله سبحانه‬
‫احترام الشورى من أثمن خصال المؤمنين وصفاتهم‪.‬‬
‫‪ -‬وهي تجعل جميع أمر المسلمين‪ ،‬فيما لم ينزل فيه‬
‫وحي‪ ،‬شورى بينهم‪ ،‬فهي حق لهم جميعًا‪ ،‬إل ما كان‬
‫من شأن أهل العلم والتخصص فإن المؤمنين يحملهم‬
‫إيمانهم أن يردوا ما أشكل عليهم إلى من يعلم كيف‬
‫يستنبط الحكام من النصوص )‪.(3‬‬
‫‪ -‬وقد انتبه عدد من العلماء إلى وقوع هذه الية الكريمة‬
‫د‬
‫"وأمرهم شورى بينهم"‪ ،‬كصفة من ضمن صفات تع ّ‬
‫من المقومات والركان الساسية في الدين وهو ما‬

‫‪()5‬الشورى في معركة البناء ص ‪.20‬‬


‫‪()2‬المصدر نفسه ص ‪.21‬‬
‫‪()3‬الشورى مراجعات في الفقه والسياسية د‪ .‬أحمد المام ص ‪.15‬‬

‫‪-15-‬‬
‫يعني أنها واحدة من تلك الفرائض والركان وقال‬
‫صلة وأمرهم‬ ‫تعالى "والذين استجابوا لربهم وأقاموا ال ّ‬
‫ما رزقناهم ينفقون" يدل على جللة‬ ‫شورى بينهم وم ّ‬
‫موقع المشورة لذكره‪ ،‬لها مع اليمان وإقامة الصلة‬
‫ويدل على أنهم مأمورون بها )‪.(1‬‬
‫‪ -2‬الية الثانية ‪" :‬وشاورهم في المر"‪:‬‬
‫وقد وقعت خطابا ً لرسول الله صلى الله عليه وسلم‬
‫م وَل َ ْ‬
‫و‬ ‫ت ل َهُ ْ‬ ‫ن الل ّهِ ِلن َ‬
‫م َ‬ ‫مة ٍ ّ‬ ‫ح َ‬‫ما َر ْ‬ ‫في سياق قوله تعالى‪" :‬فَب ِ َ‬
‫فْر‬ ‫ست َغْ ِ‬‫م َوا ْ‬ ‫ك َفاع ْ ُ‬
‫ف ع َن ْهُ ْ‬ ‫حوْل ِ َ‬‫ن َ‬ ‫م ْ‬‫ضوا ْ ِ‬ ‫ف ّ‬ ‫ب َ‬
‫لن َ‬ ‫قل ْ ِ‬
‫ظ ال ْ َ‬
‫ظا غ َِلي َ‬‫ت فَ ّ‬ ‫كن َ‬ ‫ُ‬
‫َ‬
‫ب‬
‫ح ّ‬ ‫ه يُ ِ‬ ‫ن الل ّ َ‬ ‫ل ع ََلى الل ّهِ إ ِ ّ‬ ‫ت فَت َوَك ّ ْ‬ ‫م َ‬ ‫ذا ع ََز ْ‬‫مرِ فَإ ِ َ‬
‫م ِفي ال ْ‬ ‫شاوِْرهُ ْ‬‫م وَ َ‬ ‫ل َهُ ْ‬
‫ن " )آل عمران ‪ ،‬آية ‪.(١٥٩ :‬‬ ‫ال ْ ُ‬
‫مت َوَك ِّلي َ‬
‫وهذه الية جاءت خطابا ً لرسول الله صلى الله عليه‬
‫وسلم بصفته داعيا ً وهاديًا‪ ،‬ومرشدا ً مربيا ً وأميرا ً قائدًا‪،‬‬
‫وهذا ما يقتضيه أن يكون رفيقا ً بالناس متلطفا ً معهم‬
‫رحيما لهم عفوًا‪ ،‬عنهم متسامحا ً معهم‪ ،‬بل مستغفرا ً‬
‫لهم في أخطائهم وذنوبهم ومستشيرا ً لهم مراعيا ً‬
‫لرائهم‪ .‬وهذا المر لرسول الله صلى الله عليه وسلم‬
‫الله بمشاورة أصحابه هو أمر لكل من يقوم مقامة من‬
‫الدعاة والقادة والمراء‪ ،‬بل إن العلماء والمفسرين‬
‫يعتبرون أن هؤلء مأمورون من باب أولى وأحرى‪ ،‬فهم‬
‫الحوج إلى هذا المر وبفارق كبير جدا ً عن رسول الله‪.‬‬
‫دت هذه الية قاعدة كبرى في الحكم‬ ‫ع ّ‬‫ومن هنا ُ‬
‫والمارة وعلقة الحاكم بالمحكومين‪ ،‬فالشورى من‬
‫قواعد الشريعة وعزائم الحكام ومن ل يستثير أهل‬
‫العلم والدين – وأهل التخصص في فنون العلوم –‬
‫فعزله واجب وهذا ما ل خلف فيه )‪.(2‬‬

‫ثالثًا‪ :‬الشورى في عهد النبوة‪:‬‬


‫إن السنة والسيرة النبوية مستفيضة بأمر الشورى‪،‬‬
‫فقد شاور النبي صلى الله عليه وسلم أصحابه في أمور‬
‫كثيرة منها ما يتعلق بشأن الدولة ومنها ما يتعلق ببعض‬

‫‪()1‬أحكام القرآن للجصاص ص ‪.21‬‬


‫‪()2‬المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز لبن عطية )‪.(3/397‬‬

‫‪-16-‬‬
‫المور الجتماعية؛ كحادثة الفك التي شاور فيها عليا ً‬
‫وأسامة مشاورة خاصة ثم استثار المة بشكل عام )‪.(1‬‬
‫وقد أسس النبي صلى الله عليه وسلم للشورى نظاما ً‬
‫يحتذى‪ ،‬وسنة عملية ُتتبع وعرف ذلك عنه أصحابه ومن‬
‫ذلك‪:‬‬
‫‪ -‬قال أبو هريرة‪ :‬ما رأيت أحدا ً أكثر مشورة لصحابه‬
‫من رسول الله صلى الله عليه وسلم )‪.(2‬‬
‫‪ -‬وعن النبي صلى الله عليه وسلم قال له أبو بكر‬
‫وعمر‪ :‬إن الناس ليزيدهم حرصا ً على السلم أن يروا‬
‫عليك زّيا حسنا ً من الدنيا فقال‪ :‬وأيم الله لو أنكما‬
‫تتفقان على أمر واحد‪ ،‬ما عصيتكما في مشورة أبدا ً )‪.(3‬‬
‫وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يستشير حتى‬
‫المرأة فتشير عليه بالشيء فيأخذ به )‪.(4‬‬
‫ه في‬ ‫وقد ثبتت مشاورته صلى الله عليه وسلم لصحاب ّ‬
‫عدة أمور متباينة‪ ،‬منها‪:‬‬
‫‪ -1‬الشورى في يوم بدر‪:‬‬
‫أ‪ -‬مشاورته في الخروج للقتال‪:‬‬
‫لما بلغ النبي صلى الله عليه وسلم نجاة القافلة‪،‬‬
‫وإصرار زعماء مكة على قتال النّبي صلى الله عليه‬
‫وسلم‪ ،‬استشار رسول الله صلى الله عليه وسلم‬
‫أصحابه في المر )‪ ،(5‬وأبدى بعض الصحابة عدم‬
‫ارتياحهم لمسألة المواجهة الحربية مع قريش‪ ،‬حيث‬
‫دوا لها‪ ،‬وحاولوا‬ ‫إنهم لم يتوقعوا المواجهة‪ ،‬ولم يستع ّ‬
‫إقناع الرسول صلى الله عليه وسلم بوجهة نظرهم‪،‬‬
‫صور القرآن الكريم موقفهم وأحوال الفئة‬ ‫وقد ّ‬
‫َ‬
‫من ب َي ْت ِ َ‬
‫ك‬ ‫ك ِ‬ ‫ك َرب ّ َ‬‫ج َ‬ ‫خَر َ‬‫ما أ ْ‬ ‫المؤمنة عمومًا‪ ،‬في قوله تعالى‪" :‬ك َ َ‬
‫ق‬
‫ح ّ‬ ‫ك ِفي ال ْ َ‬ ‫جاد ُِلون َ َ‬ ‫ن * َ‬ ‫هو َ‬ ‫كارِ ُ‬ ‫ن لَ َ‬ ‫مِني َ‬ ‫مؤ ْ ِ‬ ‫ن ال ْ ُ‬‫م َ‬‫ريقا ً ّ‬ ‫ن فَ َ ِ‬ ‫حقّ وَإ ِ ّ‬ ‫ِبال ْ َ‬
‫م الل ّ ُ‬
‫ه‬ ‫ن * وَإ ِذ ْ ي َعِد ُك ُ ُ‬ ‫م َينظ ُُرو َ‬ ‫موْت ِوَهُ ْ‬ ‫ن إ َِلى ال ْ َ‬ ‫ساُقو َ‬ ‫ما ي ُ َ‬‫ن ك َأن ّ َ‬ ‫ما ت َب َي ّ َ‬
‫ب َعْد َ َ‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫م‬ ‫ن ل َك ُ ْ‬ ‫كو ُ‬ ‫شوْك َةِ ت َ ُ‬ ‫ت ال ّ‬ ‫ذا ِ‬ ‫ن غ َي َْر َ‬ ‫نأ ّ‬ ‫دو َ‬ ‫م وَت َوَ ّ‬ ‫ن أن َّها ل َك ُ ْ‬‫فت ِي ْ ِ‬
‫طائ ِ َ‬‫دى ال ّ‬ ‫ح َ‬ ‫إِ ْ‬
‫داب َِر ال ْ َ‬ ‫َ‬
‫ق‬
‫ح ّ‬ ‫ن * ل ِي ُ ِ‬ ‫ري َ‬‫كافِ ِ‬ ‫قط َعَ َ‬ ‫مات ِهِ وَي َ ْ‬ ‫حقّ ب ِك َل ِ َ‬ ‫حقّ ال َ‬ ‫ه أن ي ُ ِ‬ ‫ريد ُ الل ّ ُ‬ ‫وَي ُ ِ‬

‫‪()1‬فقه الشورى للغامدي ص ‪.121‬‬


‫‪()2‬الشورى د‪ .‬أحمد المام ص ‪ 21‬سنن الترمذي رقم ‪.1636‬‬
‫‪()3‬فتح الباري شرح صحيح البخاري )‪.(13/341‬‬
‫‪()4‬الشورى د‪ .‬أحمد المام ص ‪.201‬‬
‫‪()5‬البخاري‪ ،‬ك المغازي رقم ‪.3952‬‬

‫‪-17-‬‬
‫ن" )النفال ‪ ،‬آية ‪– ٥ :‬‬ ‫مو َ‬ ‫جرِ ُ‬ ‫م ْ‬‫ل وَل َوْ ك َرِه َ ال ْ ُ‬ ‫ل ال َْباط ِ َ‬ ‫حقّ وَي ُب ْط ِ َ‬‫ال ْ َ‬
‫‪.(٨‬‬
‫وقد أجمع قادة المهاجرين على تأييد فكرة التقدم‬
‫لملقاة العدو )‪ ،(1‬فقام أبوبكر الصديق‪ ،‬فقال وأحسن‪،‬‬
‫ثم قام عمر بن الخطاب‪ ،‬فقال وأحسن‪ ،‬ثم قام‬
‫المقداد بن عمرو فقال‪ :‬يا رسول الله‪ ،‬امضي لما أراك‬
‫الله فنحن معك‪ ،‬والله ل نقول لك كما قالت بنو‬
‫إسرائيل لموسى "أذهب أنت وربك فقاتل" "المائدة‪،‬‬
‫آية‪ ."24 :‬ولكن نقاتل عن يمينك‪ ،‬وعن شمالك وبين‬
‫يديك وخلفك‪ ،‬فرأيت النبي صلى الله عليه وسلم أشرق‬
‫سره يعني ‪ :‬قوله )‪ (2‬وفي رواية ‪ :‬قال المقداد‪:‬‬ ‫وجهه و ّ‬
‫يا رسول الله‪ ،‬إنا ل نقول لك كما قالت بنو إسرائيل‬
‫َ‬
‫ب‬‫موا ْ ِفيَها َفاذ ْهَ ْ‬‫دا ُ‬
‫ما َ‬ ‫خل ََها أب َ ً‬
‫دا ّ‬ ‫سى إ ِّنا َلن ن ّد ْ ُ‬ ‫مو َ‬ ‫لموسى‪َ" :‬قاُلوا ْ َيا ُ‬
‫ن ") المائدة ‪ ،‬آية ‪(٢٤ :‬‬ ‫هاهَُنا َقا ِ‬ ‫ك فَ َ‬ ‫ت وََرب ّ َ‬ ‫َ‬
‫دو َ‬ ‫ع ُ‬ ‫قاِتل إ ِّنا َ‬ ‫أن َ‬
‫سّـري عن رسول الله‬ ‫ولكن‪ :‬أمض ونحن معك‪ ،‬فكأنه ُ‬
‫صلى الله عليه وسلم )‪.(3‬‬
‫وبعد ذلك عاد رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال ‪:‬‬
‫ي أيها الناس وكان إّنما يقصد النصار‪ ،‬لنهم‬ ‫أشيروا عل ّ‬
‫غالبية جنده‪ ،‬ولن بيعة العقبة الثانية‪ ،‬لم تكن ظاهرها‬
‫ملزمة لهم بحماية الرسول صلى الله عليه وسلم خارج‬
‫المدينة‪ ،‬وقد أدرك الصحابي سعد بن معاذ – وهو حامل‬
‫ي صلى الله عليه وسلم من‬ ‫لواء النصار – مقصد النب ّ‬
‫ذلك‪ ،‬فنهض قائل ً ‪ :‬والله لكاّنك تريدنا يا رسول الله ؟‬
‫قال صلى الله عليه وسلم ‪" :‬أجل" فقال‪ :‬لقد آمّنا بك‪،‬‬
‫دقناك‪ ،‬وشهدنا أن ما جئت به هو الحق وأعطيناك‬ ‫وص ّ‬
‫على ذلك عهودنا ومواثيقنا على السمع والطاعة‪،‬‬
‫فامض يا رسول الله؛ لما أردت فنحن معك‪ ،‬فو الذي‬
‫بعثك بالحق؛ لو استعرضت بنا هذا البحر‪ ،‬فخضته‬
‫لخضناه معك‪ ،‬ما تخّلف منا رجل واحد‪ ،‬وما نكره أن‬
‫صدُقٌ عند‬ ‫صب ُّر في الحرب‪ُ ،‬‬ ‫ونا غدًا‪ ،‬إنا ل ُ‬ ‫تلقى بنا عد ّ‬
‫سر على‬ ‫ل الله يريك منا ما تقّر به عينك ف ِ‬ ‫اللقاء‪ ،‬ولع ّ‬
‫بركة الله )‪.(4‬‬
‫‪()1‬موسوعة نضرة النعيم )‪.(1/288‬‬
‫‪()2‬البخاري رقم ‪.3952‬‬
‫‪()3‬البخاري رقم ‪.4609‬‬
‫‪()4‬مسلم رقم ‪.1179‬‬

‫‪-18-‬‬
‫سّر النبي صلى الله عليه وسلم من مقالة سعد بن‬ ‫و ُ‬
‫شطه ذلك‪ ،‬فقال صلى الله عليه وسلم ‪ :‬سيُروا‬ ‫معاذ‪ ،‬ون ّ‬
‫وأبشروا‪ ،‬فإن الله تعالى قد وعدني إحدى الطائفتين‪،‬‬
‫والله لكأني الن انظر إلى مصارع القوم )‪.(1‬‬
‫كانت كلمات سعد مشجعة لرسول الله صلى الله عليه‬
‫وسلم وملهبة لمشاعر الصحابة‪ ،‬فقد رفعت معنوياتهم‬
‫ي صلى الله عليه‬ ‫وشجعتهم على القتال‪ ،‬إن حرص النب ّ‬
‫وسلم على استشارة أصحابه في الغزوات‪ ،‬يدل على‬
‫لن‬‫تأكيد أهمّية الشورى في الحروب بالذات ذلك ّ‬
‫ما تحت‬ ‫ما إلى العلياء‪ ،‬وإ ّ‬ ‫قرر مصير المم‪ ،‬فإ ّ‬ ‫الحروب ت ّ‬
‫الغبراء )‪.(2‬‬
‫حباب بن المنذر في بدر‪:‬‬ ‫ب‪ -‬مشورة ال ُ‬
‫بعد أن جمع صلى الله عليه وسلم معلومات دقيقة عن‬
‫قوات قريش‪ ،‬سار مسرعا ً ومعه أصحابه إلى بدر؛‬ ‫ّ‬
‫ليسبقوا المشركين إلى ماء بدر‪ ،‬وليحولوا بينهم وبين‬
‫ء من مياه بدر‪ ،‬وهنا‬ ‫الستيلء عليه فنزل عند أدنى ما ٍ‬
‫حباب بن المنذر‪ ،‬وقال‪ :‬يا رسول الله أرأيت هذا‬ ‫قام ال ُ‬
‫دمه‪ ،‬ول‬ ‫المنزل‪ ،‬أمنزل أنز لكه الله‪ ،‬ليس لنا أن نتق ّ‬
‫نتأخر عنه؟ أم هو الّرأي‪ ،‬والحرب والمكيدة؟ قال‪ :‬بل‬
‫هو الّرأي‪ ،‬والحرب‪ ،‬والمكيدة قال‪ :‬يا رسول الله؛ فإن‬
‫هذا ليس بمنزل‪ ،‬فانهض يا رسول الله بالناس حتى‬
‫ء من القوم – أي ‪ :‬جيش المشركين –‬ ‫تأتي أدنى ما ٍ‬
‫ور – نخّرب – ما وراءه من البار‪ ،‬ثم نبني‬ ‫فنزله‪ ،‬ونغ ّ‬
‫م نقاتل القوم‪ ،‬فنشرب ول‬ ‫عليه حوضا ً فنملؤه ماء‪ ،‬ث ّ‬
‫يشربون‪ ،‬فأخذ النبي صلى الله عليه وسلم برأيه‪،‬‬
‫و‪ ،‬فنزل عليه‪،‬‬ ‫ونهض بالجيش حتى أقرب ماء من العد ّ‬
‫)‪(3‬‬
‫وروا ما عداها من البار ‪.‬‬ ‫حَياض‪ ،‬وغ ّ‬ ‫م ضعوا ال ِ‬ ‫ث ّ‬
‫صور مثل ً من حياة الرسول صلى الله عليه وسلم‬ ‫وهذا ي ّ‬
‫ي فرد من أفراد ذلك المجتمع‬ ‫مع أصحابه حيث كان أ ّ‬
‫دلي برأيه حتى في أخطر القضايا‪ ،‬ول يكون في‬ ‫يُ ْ‬
‫شعوره احتمال غضب القائد العلى صلى الله عليه‬
‫ب على ذلك من غضب من‬ ‫وسلم‪ ،‬ثم حصول ما يترت ّ‬

‫‪()1‬سيرة ابن هشام )‪.(2/267‬‬


‫‪()2‬غزوة بدر الكبرى‪ ،‬لبي فارس ص ‪.37‬‬
‫‪()3‬سيرة ابن هشام )‪.(2/272‬‬

‫‪-19-‬‬
‫دني سمعة ذلك المشير بخلف رأي القائد‪ ،‬وتأخره في‬ ‫ت ّ‬
‫الرتبة‪ ،‬وتضرره في نفسه أو ماله إن هذه الحرية‪ ،‬التي‬
‫رّبى عليها رسول الله صلى الله عليه وسلم أصحابه‬
‫مكنت مجتمعهم من الستفادة من عقول جميع أهل‬
‫الرأي السديد‪ ،‬والمنطق الرشيد‪ ،‬فالقائد فيهم ينجح‬
‫ن‪ ،‬لنه لم يكن يفكر‬ ‫س ّ‬ ‫نجاحا ً باهرًا‪ ،‬وإن كان حديث ال ّ‬
‫ة مهيمنة عليه‪ ،‬قد تنظر‬ ‫برأيه المجّرد‪ ،‬أو آراء عصب ٍ‬
‫صة‪ ،‬قبل أن تنظر لمصلحة المسلمين‬ ‫لمصالحها الخا ّ‬
‫ة‪ ،‬وإنما يفكّر بآراء جميع أفراد جنده وفد يحصل له‬ ‫العام ّ‬
‫هم سمعة وأبعدهم منزلة من ذلك‬ ‫الرأي السديد من أقل ّ‬
‫القائد؛ لنه ليس هناك ما يحول بين أي فرٍد منهم‬
‫والوصول برأيه إلى قائد جيشه)‪.(1‬‬
‫ونلحظ عظمة التربية النبوية التي سرت في شخص‬
‫حباب بن المنذر فجعلته يتأدب أمام رسول الله صلى‬ ‫ال ُ‬
‫الله عليه وسلم فتقدم دون أن ُيطلب رأيه‪ ،‬ليعرض‬
‫ؤال العظيم‪ ،‬الذي‬ ‫س ُ‬
‫الخطة التي لديه‪ ،‬لكن هذا ّتم بعد ال ّ‬
‫دمه بين يدي الرسول صلى الله عليه وسلم‪ :‬يا رسول‬ ‫ق ّ‬
‫الله أرأيت هذا المنزل‪ ،‬أمنزل ً أنزلكه الله‪ ،‬ليس لنا أن‬
‫نتقدمه‪ ،‬ول نتأخر عنه؟ أم هو الّرأي‪ ،‬والحرب‪،‬‬
‫والمكيدة؟‬
‫ي الف ّ‬
‫ذ‪،‬‬ ‫سؤال يوضح عظمة هذا الجوهر القياد ّ‬ ‫إن هذا ال ّ‬
‫م بين يدي قائده‪ ،‬فإن‬ ‫الذي يعرف أين يتكلم ومتى يتكل ّ‬
‫كان الوحي هو الذي اختار هذا المنزل‪ ،‬فلن يقدم‪،‬‬
‫ب إليه من أن يلفظ بكلمة واحدة وإن‬ ‫فتقطع عنقه أح ّ‬
‫ي فلديه خطة جديدة كاملة‬ ‫كان الرأي البشر ّ‬
‫بإستراتيجية جديدة‪.‬‬
‫إن هذه النفسية الّرفيعة‪ ،‬عرفت أصول المشورة‪،‬‬
‫مع والطاعة‪،‬‬ ‫وأصول إبداء الّرأي‪ ،‬وأدركت مفهوم الس ّ‬
‫ومفهوم المناقشة‪ ،‬ومفهوم عرض الّرأي المعارض‬
‫لرأي سّيد ولد آدم صلى الله عليه وسلم‪.‬‬
‫وتبدو عظمة القيادة النبوية من استماعها للخطة‬
‫الجديدة‪ ،‬وتبني الخطة المطروحة من جندي من‬
‫قوادها )‪.(2‬‬‫جنودها‪ ،‬أو قائد من ّ‬

‫‪()1‬التاريخ السلمي للحميدي )‪.(4/110‬‬


‫‪()2‬التربية القيادية لمنير الغضبان )‪.(3/31‬‬

‫‪-20-‬‬
‫ج‪ -‬مشاورته صلى الله عليه وسلم في أسرى بدر‪:‬‬
‫ما أسروا السارى‪،‬‬ ‫قال ابن عباس رضي الله عنه‪ :‬فل ّ‬
‫قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لبي بكر وعمر‬
‫رضي الله عنهما‪ :‬ما ترون في هؤلء السارى؟ فقال‬
‫عم‪،‬‬ ‫ي الله؛ هم بنو ال ّ‬ ‫أبو بكر رضي الله عنه‪ :‬يا نب ّ‬
‫قوة‬ ‫والعشيرة‪ ،‬أرى أن تأخذ منهم فدية‪ ،‬فتكون لنا ّ‬
‫على الكفار‪ ،‬فعسى الله أن يهديهم إلى السلم‪ ،‬فقال‬
‫رسول الله صلى الله عليه وسلم‪ :‬ما ترى يا بن‬
‫الخطاب؟ قال ‪ :‬ل والله يا رسول الله ما أرى الذي يراه‬
‫مك ِّنا منهم‪ ،‬فنضرب أعناقهم‪،‬‬ ‫ي أرى أن ت ُ َ‬ ‫أبو بكر ولكن ّ‬
‫ي من فلن‬ ‫ن علي ّا ً من عقيل‪ ،‬فيضرب عنقه‪ ،‬وتمكن َ‬ ‫فتمك ّ ٍ‬
‫مة الكفر‪،‬‬ ‫ن هؤلء أئ ّ‬ ‫"نسيبا ً لعمر" فأضرب عنقه‪ ،‬فإ ّ‬
‫وصناديدها‪ ،‬فهوى رسول الله صلى الله عليه وسلم ما‬
‫ما كان من الغد جئت‪،‬‬ ‫و ما قلت فل ّ‬ ‫ه َ‬ ‫قال أبو بكر‪ ،‬ولم ي َ ْ‬
‫فإذا رسول الله صلى الله عليه وسلم‪ ،‬وأبو بكر قاعدان‬
‫ي شيء تبكي‬ ‫يبكيان‪ ،‬قلت‪ :‬يا رسول الله أخبرني من أ ّ‬
‫ء‪ ،‬بكيت‪ ،‬وإن لم أجد بكاء‪،‬‬ ‫أنت وصاحُبك‪ ،‬فإن وجدت بكا ً‬
‫تباكيت لبكائكما؟ فقال رسول الله صلى الله عليه‬
‫ي أصحابك من أخذهم‬ ‫وسلم‪ :‬أبكي للذي عرض عل ّ‬
‫ي عذابهم أدنى من هذه الشجرة‪.‬‬ ‫الفداء‪ ،‬لقد عرض عل ّ‬
‫شجرة قريبة من رسول الله صلى الله عليه وسلم‬
‫كون ل َ َ‬ ‫َ‬
‫ن‬
‫خ َ‬‫حّتى ي ُث ْ ِ‬ ‫سَرى َ‬ ‫هأ ْ‬ ‫ي أن ي َ ُ َ ُ‬ ‫ن ل ِن َب ِ ّ‬
‫كا َ‬ ‫ما َ‬ ‫وأنزل عز وج ّ‬
‫ل‪َ " :‬‬
‫م‬
‫كي ٌ‬‫ح ِ‬‫زيٌز َ‬ ‫خَرة َ َوالل ّ ُ‬
‫ه عَ ِ‬ ‫ريد ُ ال ِ‬ ‫ض الد ّن َْيا َوالل ّ ُ‬
‫ه يُ ِ‬ ‫ن ع ََر َ‬ ‫دو َ‬‫ري ُ‬
‫ض تُ ِ‬
‫ِ‬ ‫ِفي ال َْر‬
‫")النفال ‪ ،‬آية‪.(1)( ٦٨-٦٧ :‬‬
‫دولة حينما تكون‬ ‫مة في بناء ال ّ‬ ‫وهذه الية تضع قاعدة ها ّ‬
‫في مرحلة التكوين والعداد‪ ،‬وكيف ينبغي أل تظهر‬
‫ل أعـدائها وفي سـبيل‬ ‫قت َ ِ‬‫بمظهر الّلين‪ ،‬حتى ت ُْرهب من ِ‬
‫هـذه الكليـة ُيطرح الهتمام بالجزئّيات – حتى ولو كانت‬
‫الحاجة ملحة إليها)‪.(2‬‬
‫وقد أفادت الرواية أن القول الذي أخذ به رسول الله‬
‫صلى الله عليه وسلم – هو الفدية – وكان رأي أبي بكر‬
‫رضي الله عنه‪ ،‬وأوضحت الرواية أن أكثر الصحابة كانوا‬
‫عليه ولذلك قال‪ :‬أبكي للذي عرض علي أصحابك من‬

‫‪()1‬صحيح مسلم رقم ‪.1763‬‬


‫‪()2‬من معين السيرة‪ ،‬صالح الشامي ص ‪.209‬‬

‫‪-21-‬‬
‫أخذهم الفداء‪ ،‬لقد عرض علي عذابهم أدنى من هذه‬
‫الشجرة‪.‬‬
‫فالرسول صلى الله عليه وسلم قد أخذ في هذه النازلة‬
‫برأي الغلبية من أصحابه‪ ،‬ولذلك جاء اللوم عاما ً من‬
‫ب‬ ‫م عَ َ‬
‫ذا ٌ‬ ‫خذ ْت ُ ْ‬‫ما أ َ َ‬‫م ِفي َ‬ ‫سك ُ ْ‬ ‫م ّ‬ ‫سب َقَ ل َ َ‬ ‫ن الل ّهِ َ‬ ‫م َ‬ ‫ب ّ‬ ‫الله تعالى‪" :‬ل ّوْل َ ك َِتا ٌ‬
‫فوٌر‬‫ه غَ ُ‬ ‫ن الل ّ َ‬ ‫قوا ْ الل ّ َ‬
‫ه إِ ّ‬ ‫حل َل ً ط َي ًّبا َوات ّ ُ‬‫م َ‬ ‫ما غ َن ِ ْ‬
‫مت ُ ْ‬ ‫م * فَك ُُلوا ْ ِ‬
‫م ّ‬ ‫ظي ٌ‬‫عَ ِ‬
‫م " ) النفال ‪ ،‬آية ‪.(٦٩ -٦٧ :‬‬ ‫حي ٌ‬‫ّر ِ‬
‫في قوله " تريدون" للفريق الذين أشاروا بأخذ الفداء‬
‫وفيه إشارة إلى أن رسول الله صلى الله عليه وسلم‬
‫غير معاتب‪ ،‬لنه أخذ برأي الجمهور )‪ ،(1‬وروي أن ذلك‬
‫كان رغبة أكثرهم )‪(2‬واللوم الذي وجهه الله تعالى‬
‫للصحابة لم يكن بسبب الرأي الذي أشاروا به في حد‬
‫ذاته ولكن بسبب الدافع الذي وراءه وهو الكسب‬
‫الدنيوي الذاتي "تريدون عرض الدنيا" ولذلك ل يدخل‬
‫فيه منهم إل من تحكمت هذه الرغبة في الرأي الذي‬
‫أشار به )‪.(3‬‬
‫‪ -2‬الشورى في غزوة أحد‪:‬‬
‫بعد أن جمع صلى الله عليه وسلم المعلومات الكاملة‬
‫فار قريش‪ ،‬جمع أصحابه رضي الله عنهم‪،‬‬ ‫عن جيش ك ّ‬
‫صن فيها‪ ،‬أو‬ ‫وشاورهم في البقاء في المدينة والتح ّ‬
‫الخروج لملقاة المشركين وكان رأي النبي صلى الله‬
‫جّنة‬ ‫عليه وسلم البقاء في المدينة‪ ،‬وقال‪ :‬إّنا في ُ‬
‫وهم حيث نزلوا‬ ‫دع ُ‬ ‫حصينة‪ ،‬فإن رأيتهم أن تقيموا‪ ،‬وت َ َ‬
‫مقام‪ ،‬وإن دخلوا علينا‪،‬‬ ‫شر ُ‬ ‫فإن أقاموا‪ ،‬أقاموا ب ّ‬
‫‪4‬‬
‫ي بن سلول‬ ‫قاتلناهم فيها ) (‪ .‬وكان رأي عبدالله بن أب ّ‬
‫مع رأي رسول الله صلى الله عليه وسلم )‪ .(5‬إل أ ّ‬
‫ن‬
‫من فاتتهم بدر قالوا ‪ :‬يا رسول‬ ‫رجال ً من المسلمين م ّ‬
‫الله؛ أخرج بنا إلى أعدائنا وأبى كثير من الناس إل‬
‫و‪ ،‬ولم يتناهو إلى قول رسول الله‬ ‫الخروج إلى العد ّ‬
‫ضو بالذي أمرهم‬ ‫صلى الله عليه وسلم‪ ،‬ورأيه‪ ،‬ولو ر ُ‬
‫مة من أشار‬ ‫كان ذلك‪ ،‬ولكن غلب القضاء والقدر‪ ،‬وعا ّ‬
‫‪()1‬التحرير والتنوير للطاهر بن عاشور )‪.(10/75‬‬
‫‪()2‬الشورى في معركة البناء ص ‪.88‬‬
‫‪()3‬المصدر نفسه ص ‪.900‬‬
‫‪()4‬تاريخ الطبري )‪.(2/60‬‬
‫‪()5‬غزوة ُأحد دراسة دعوية لمحمد عيظة ص ‪.82‬‬

‫‪-22-‬‬
‫عليه بالخروج رجال لم يشهدوا بدرًا‪ ،‬قد علموا الذي‬
‫سبق لهل بدر من الفضيلة )‪.(1‬‬
‫ولم يزل الناس برسول الله صلى الله عليه وسلم‬
‫ب لقاء القوم‪ ،‬حتى دخل رسول‬ ‫ح ّ‬‫الذين كان من أمرهم ُ‬
‫‪2‬‬
‫ه‪ ،‬فتلوم‬ ‫مت َ ُ‬
‫الله صلى الله عليه وسلم بيته‪ ،‬فلبس ) ( ل َ‬
‫ي الله صلى الله عليه وسلم‬ ‫القوم فقالوا‪ :‬عرض نب ّ‬
‫بأمر وعرضتهم بغيره‪ ،‬فأذهب يا حمزة فقل لنبي صلى‬
‫ع‪ ،‬فأتى حمزة‪ ،‬فقال‬ ‫الله عليه وسلم ‪ :‬أمرنا لمرك ت َب َ ُ‬
‫له ‪ :‬يا نبي الله ‪ :‬إن القوم تلوموا فقالوا‪ :‬أمرنا لمرك‬
‫ي‬
‫فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم ‪ :‬إّنه ليس لنب ّ‬
‫إذا لبس لمته أن يصنعها‪ ،‬حتى يقاتل )‪.(3‬‬
‫كان رأي من يرى الخروج إلى خارج المدينة مبني ّا ً على‬
‫أمور منها‪:‬‬
‫ن النصار قد تعاهدوا في بيعة العقبة الثانية‪ ،‬على‬ ‫‪-‬أ ّ‬
‫نصرة الرسول صلى الله عليه وسلم‪ ،‬فكان أغلبهم يرى‬
‫‪ :‬أن المكوث داخل المدينة‪ ،‬تقاعس عن الوفاء بهذا‬
‫العهد‪.‬‬
‫‪ -‬أن القلية من المهاجرين‪ ،‬كانت ترى ‪ :‬أنها أحق من‬
‫دها‬
‫دفاع عن المدينة‪ ،‬ومهاجمة قريش‪ ،‬وص ّ‬ ‫النصار بال ّ‬
‫عن زروع النصار‪.‬‬
‫حرقون شوقا ً من‬ ‫ن الذين فاتتهم غزوة بدر كانوا يت ّ‬ ‫‪-‬أ ّ‬
‫أجل ملقاة العداء؛ طمعا ً في الحصول على الشهادة‬
‫في سبيل الله‪.‬‬
‫ن في محاصرة قريش‬ ‫‪ -‬أن الكثرين كانوا يرون ‪ :‬أ ّ‬
‫ن وقت‬ ‫للمدينة‪ ،‬ظفرا ً يجب أل تحلم به‪ ،‬كما توقعوا‪ :‬أ ّ‬
‫هددين بقطع‬ ‫الحصار سيطول أمده‪ ،‬فيصبح المسلمون م ّ‬
‫المؤن عنهم )‪.(4‬‬
‫أما رأي من يرى البقاء في المدينة فهو مبني على‬
‫ي التي‪:‬‬
‫التخطيط الحرب ّ‬
‫حدَ العناصر‪ ،‬وبذلك يستحيل‬ ‫ن جيش مكة لم يكن مو ّ‬ ‫‪-‬إ ّ‬
‫ل‪ ،‬إذ لّبد من ظهور‬ ‫على هذا الجيش البقاء زمنا ً طوي ً‬
‫ل‪.‬‬ ‫الخلف بينهم‪ ،‬إن عاجل ً أو آج ً‬
‫‪()1‬البداية والنهاية )‪.(4/14‬‬
‫دتها‪.‬‬
‫‪()2‬لمة الحرب ‪ :‬ع ّ‬
‫‪()3‬مصنف عبدالرزاق )‪.(365-5/364‬‬
‫‪()4‬غزوة أحد‪ ،‬لحمد عز الدين ص ‪.52 - 51‬‬

‫‪-23-‬‬
‫دفاع عن حياضها‪،‬‬ ‫ممة على ال ّ‬ ‫‪ -‬إن مهاجمة المدن المص ّ‬
‫وقلعها‪ ،‬وبيضتها أمر يعيد المنال‪ ،‬وخصوصا ً إذا تشابه‬
‫كل الجيشين‪ ،‬وقد كان يوم أحد متشابهًا‪.‬‬ ‫سلح عند ِ‬ ‫ال ّ‬
‫‪ -‬إن المدافعين إذا كانوا بين أهليهم‪ ،‬فإّنهم يستبسلوا‬
‫في الدفاع عن أبنائهم وحماية نسائهم‪ ،‬وبناتهم‪،‬‬
‫وأعراضهم‪.‬‬
‫‪ -‬مشاركة النساء والبناء في القتال‪ ،‬وبذلك يتضاعف‬
‫عدد المقاتلين استخدام المدافعين أسلحة لها أثر في‬
‫صفوف العداء‪ ،‬مثل الحجار وغيرها‪ ،‬وتكون إصابة‬
‫المهاجمين في متناولهم )‪ (1‬ومن الواضح‪ :‬أن الرسول‬
‫ود أصحابه على التصريح‬ ‫صلى الله عليه وسلم‪ ،‬ع ّ‬
‫ى ولو خالفت رأيه‪ ،‬فهو‬ ‫بآرائهم عند مشاورته لهم؛ حت ّ‬
‫ص فيه‪ ،‬تعويدا ً لهم على التفكير‬ ‫إّنما يشاورهم فيما ل ن ّ‬
‫مة‪ ،‬فل فائدة‬ ‫مة‪ ،‬ومعالجة مشكلت ال ّ‬ ‫في المور العا ّ‬
‫من المشورة إذا لم تقترن بحرية إبداء الّرأي‪ ،‬ولم‬
‫يحدث أن لم الّرسول صلى الله عليه وسلم أحدًا‪ ،‬لنه‬
‫فق في رأيه‪ ،‬وكذلك فإن‬ ‫أخطأ في اجتهاده‪ ،‬ولم يو ّ‬
‫الخذ بالشورى ملزم للمام‪ ،‬فلّبد أن ُيطّبق الرسول‬
‫ن الل ّهِ‬‫م َ‬‫مة ٍ ّ‬‫ح َ‬‫ما َر ْ‬ ‫صلى الله عليه وسلم التوجيه القرآني "فَب ِ َ‬
‫ف‬‫ك َفاع ْ ُ‬ ‫حوْل ِ َ‬ ‫ن َ‬ ‫م ْ‬‫ضوا ْ ِ‬ ‫ف ّ‬ ‫ب َ‬
‫لن َ‬ ‫قل ْ ِ‬‫ظ ال ْ َ‬ ‫ظا غ َِلي َ‬ ‫ت فَ ّ‬ ‫كن َ‬ ‫م وَل َوْ ُ‬ ‫ت ل َهُ ْ‬ ‫ِلن َ‬
‫ل ع ََلى‬ ‫َ‬
‫ت فَت َوَك ّ ْ‬ ‫م َ‬ ‫ذا ع ََز ْ‬‫مرِ فَإ ِ َ‬ ‫م ِفي ال ْ‬ ‫شاوِْرهُ ْ‬ ‫م وَ َ‬ ‫فْر ل َهُ ْ‬‫ست َغْ ِ‬‫م َوا ْ‬ ‫ع َن ْهُ ْ‬
‫ن" )آل عمران ‪ ،‬آية ‪ (١٥٩ :‬لتعتاد‬ ‫ب ال ْ ُ‬
‫مت َوَك ِّلي َ‬ ‫ح ّ‬ ‫ه يُ ِ‬‫ن الل ّ َ‬‫الل ّهِ إ ِ ّ‬
‫المة على ممارسة الشورى‪ ،‬وهنا يظهر الوعي‬
‫السياسي عند الصحابة رضي الله عنهم فزعم أن لهم‬
‫إبداء الّرأي‪ ،‬إل أن ليس لهم فرضه على القائد‬
‫فحسبهم أن يبينوا رأيهم ويتركوا للقائد حرية اختيار ما‬
‫ما رأوا أنهم ألحوا في الخروج‬ ‫جح لديه من الراء‪ ،‬فل ّ‬ ‫يتر ّ‬
‫وأن الرسول صلى الله عليه وسلم عزم على الخروج‬
‫بسبب إلحاحهم‪ ،‬عادوا فاعتذروا إليه‪ ،‬لكن الرسول‬
‫مهم درسا ً آخر هو من‬ ‫الكريم صلى الله عليه وسلم عل ّ‬
‫صفات القيادة الناجحة‪ ،‬وهو عدم الترد بعد العزيمة‬
‫والشروع في التنفيذ‪ ،‬فإن ذلك يزعزع الثقة بها‬
‫ويغرس الفوضى بين التباع )‪.(2‬‬

‫‪()1‬القيادة العسكرية للرشيد ص ‪.374‬‬


‫‪()2‬السيرة النبوية الصحيحة د‪ .‬أكرم العمري )‪.(2/380‬‬

‫‪-24-‬‬
‫كان النبي صلى الله عليه وسلم قد عزم على الخروج‪،‬‬
‫مة‪ ،‬وتجهّز الجميع للقتال‪،‬‬ ‫وقد أعلن حالة الطوارئ العا ّ‬
‫ل يصحب سلحه‪ ،‬ول يفارقه‬ ‫وأمضوا ليلتهم في حذر‪ ،‬ك ّ‬
‫حتى عند نومه‪ ،‬وأمر صلى الله عليه وسلم بحراسة‬
‫شداء المسلمين‬ ‫المدينة‪ ،‬واختار خمسين من أ ّ‬
‫ومحاربيهم بقيادة محمد بن مسلمة رضي الله عنه‬
‫واهتم الصحابة بحراسة رسول الله صلى الله عليه‬
‫وسلم‪ ،‬فبات سعد بن معاذ‪ ،‬وأسيد بن حضير‪ ،‬وسعد بن‬
‫عبادة‪ ،‬في عدة من الصحابة رضي الله عنهم ليلة‬
‫سلح على باب المسجد يحرسون‬ ‫ججين بال ّ‬‫مدَ ّ‬
‫الجمعة‪ُ ،‬‬
‫)‪(1‬‬
‫رسول الله صلى الله عليه وسلم ‪.‬‬
‫ونستطيع أن نقول – إن قرار الخروج قد أدى إلى نصر‬
‫مبين وسريع وهذا مفصل في كتب السيرة والحديث ثم‬
‫دارت الدائرة بعد ذلك بسبب الخطأ الجسيم الذي وقعت‬
‫فيه فرقة الرماة الذين كانوا على موقع كبير من‬
‫الهمية والخطورة‪ ،‬فلما أخلوه انقلبت المور‪ ،‬وكل ذلك‬
‫مفصل في كتابي عن غزوة أحد )‪ (2‬فل أطيل بسرده‪.‬‬
‫‪ -3‬الشورى في غزوة الحزاب‪:‬‬
‫أ‪ -‬في حفر الخندق‪:‬‬
‫تشاور الرسول صلى الله عليه وسلم مع أصحابه في كيفية‬
‫المواجهة للحزاب وكان رأي سلمان الفارسي رضي الله عنه بأن‬
‫يحفر خندقا ً حول المدينة لمواجهة الحزاب‪ ،‬فأخذ النبي صلى الله‬
‫عليه وسلم برأيه وأمر بحفره واختار مكانا ً مناسبا ً لذلك وهي‬
‫السهول الواقعة شمال المدينة‪ ،‬إذ كانت هي الجهة الوحيدة‬
‫مة‪ ،‬فقد‬ ‫المكشوفة أمام العداء‪ ،‬واقترن حفر الخندق بصعوبات ج ّ‬
‫كان الجو باردا ً والريح شديدة‪ ،‬والحالة المعيشية صعبة بالضافة‬
‫إلى الخوف من قدوم العدو الذي يتوقعونه في كل لحظة ويضاف‬
‫إلى ذلك العمل المضني حيث كان الصحابة يحفرون بأيديهم‬
‫وينقلون التراب على ظهورهم‪ ،‬ولشك في هذا أن هذا الظرف –‬
‫ي‬
‫بطبيعة الحال – يحتاج إلى قدر كبير من الحزم والجد ولكن النب ّ‬
‫صلى الله عليه وسلم في هذا الظرف‪ :‬يعلم أن هؤلء الجند إنما‬
‫س بحاجة إلى الّراحة من عناء العمل‪،‬‬ ‫هم بشر كغيرهم‪ ،‬لهم نفو ٌ‬
‫سرور عليها حتى تنسى تلك اللم‬ ‫كما أنها بحاجة إلى من يدخل ال ّ‬

‫ص ّ‬
‫لبي )‪.(2/79‬‬ ‫‪ 1‬السيرة النبوية لل ّ‬
‫)(‬

‫‪()2‬المصدر نفسه )‪ (2/279‬الشورى في معركة البناء ص ‪.92‬‬

‫‪-25-‬‬
‫التي تعانيها فوق معاناة العمل الرئيسي ولهذا نجد ‪ :‬أن النبي‬
‫صلى الله عليه وسلم كان يرتجز بكلمات ابن رواحة وهو ينقل‬
‫التراب‪:‬‬
‫اللهم لول أنت ما اهتدينا‬

‫صّلينا‬
‫ول تصدقنا و َ‬

‫فأنزل سكينة علينا‬

‫وثبت القدام إن لقينا‬


‫إن ا ُ‬
‫للى قد بغوا علينا‬

‫وإن أرادوا فتنة َأبينا‬

‫ثم يمد صوته بآخرها )‪.(1‬‬


‫وعن أنس رضي الله عنه‪ :‬أن أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم‬
‫كانوا يقولون يوم الخندق‪:‬‬

‫نحن الذين بايعوا محمدا ً‬

‫على السلم ما بقينا أبدا ً‬

‫لقد كان لهذا التبسط‪ ،‬والمرح في ذلك الوقت أثره في التخفيف‬


‫ما يعانونه نتيجة للظروف الصعبة التي يعيشونها‪،‬‬ ‫عن الصحابة م ّ‬
‫مة والنشاط بإنجاز العمل الذي‬‫وكما كان له أثره في بعث اله ّ‬
‫)‪(2‬‬
‫فوا بإتمامه‪ ،‬قبل وصول عدّوهم ولقد نال صحاب فكرة‬ ‫ُ‬
‫كل ّ‬
‫مر الدهور لم يفصلها عنا‬‫الخندق وساما ً عظيما ً بقي خالد على ّ‬
‫حواجز الزمن ول أسوار القرون‪ ،‬فقد قال المهاجرون يوم الخندق‬
‫سلمان مّنا‪ ،‬وقالت النصار‪ :‬سلمان مّنا فقال رسول الله صلى‬
‫الله عليه وسلم ‪ :‬سلمان منا أهل البيت )‪ .(3‬وهذا الوسام النبوي‬
‫‪()1‬البخاري رقم ‪.2834‬‬
‫‪()2‬القيادة العسكرية في عهد الرسول ص ‪.48‬‬
‫‪()3‬مستدرك الحاكم )‪.(3/598‬‬

‫‪-26-‬‬
‫ن أهل البيت‬
‫الخالد لسلمان يشعر بأن سلمان من المهاجرين؛ ل ّ‬
‫من المهاجرين )‪.(1‬‬

‫ب‪ -‬الشورى في محاولة الصلح مع غطفان‪:‬‬


‫دة حصار الحزاب‬ ‫حاول النبي صلى الله عليه وسلم تخفيف ح ّ‬
‫للمدينة بعقد صلح مع غطفان بالذات لمصالحتها على مال يدفعه‬
‫إليها على أن تترك محاربته‪ ،‬وترجع إلى بلدها فهو يعلم صلى الله‬
‫عليه وسلم‪ :‬أن غطفان وقادتها ليس لهم من وراء الشتراك من‬
‫هذا الغزو أيّ هدف سياسي يريدون تحقيقه أو باعث عقائدي‬
‫يقاتلون تحت رايته‪ ،‬وإنما كان هدفهم الّول والخير من الشتراك‬
‫في هذا الغزو الكبير هو الحصول على المال بالستيلء عليه من‬
‫خيرات المدينة عند احتللها‪ ،‬ولهذا لم يحاول الّرسول صلى الله‬
‫عليه وسلم التصال بقيادة الحزاب من اليهود‪ ،‬كحيي بن أخطب‬
‫وكنانه بن الربيع أو قادة قريش كأبي سفيان بن حرب‪ ،‬لن هدف‬
‫أولئك الّرئيسي لم يكن المال‪ ،‬وإنما كان هدفهم هدفا ً سياسي ًّا‪،‬‬
‫وعقائديا يتوقف تحقيقه والوصول إليه على هدم الكيان السلمي‬
‫من الساس‪ ،‬لذا فقد كان اتصاله "فقط" بقادة عطفان الذين‬
‫ددوا في قبول العرض الذي عرضه عليهم النبي صلى‬ ‫"فع ً‬
‫ل" لم يتر ّ‬
‫)‪(2‬‬
‫الله عليه وسلم ‪ .‬فقد استجاب القائدان الغطفانيان "عيينه بن‬
‫حصن‪ ،‬والحارث بن عوف" لطلب النبي صلى الله عليه وسلم‪،‬‬
‫وحضرا مع بعض أعوانهما إلى مقّر قيادة النبي صلى الله عليه‬
‫وسلم‪ ،‬واجتمعا به وراء الخندق مستخفين دون أن يعلم بهما أحد‪،‬‬
‫وشرع رسول الله صلى الله عليه وسلم في مفاوضتهم وكانت‬
‫تدور حول عرض تقدم به رسول الله صلى الله عليه وسلم يدعو‬
‫م البنود التي‬‫فيه إلى عقد صلح منفرد بينه‪ ،‬وبين غطفان‪ ،‬وأه ّ‬
‫جاءت في هذه التفاقية المقترحة‪.‬‬
‫‪ -‬عقد صلح منفرد بين المسلمين وغطفان الموجودين ضمن‬
‫جيوش الحزاب‪.‬‬
‫ي‬
‫‪ -‬توادع غطفان المسلمين‪ ،‬وتتوقف عن القيام بأيّ عمل حرب ّ‬
‫ضدهم‪.‬‬
‫‪ -‬يدفع المسلمون لغطفان "مقابل ذلك" ثلث ثمار المدينة كّلها‬
‫من مختلف النواع‪.‬‬

‫‪()1‬التاريخ السلمي للحميدي )‪.(6/108‬‬


‫ص ّ‬
‫لبي )‪.(2/185‬‬ ‫‪ 2‬السيرة النبوية لل ّ‬
‫)(‬

‫‪-27-‬‬
‫وقبل عقد الصلح مع غطفان شاور رسول الله صلى الله عليه‬
‫وسلم الصحابة في هذا المر‪ ،‬فكان رأيهم عدم إعطاء غطفان‬
‫سعدان‪ :‬سعد بن معاذ‪ ،‬وسعد بن‬ ‫شيئا ً من ثمار المدينة‪ ،‬وقال ال ّ‬
‫عبادة؛ يا رسول الله؛ أمرا ً تحبه‪ ،‬فتضعه أم شيئا ً أمرك الله به لبد ّ‬
‫لنا من العمل به‪ ،‬أم شيئا ً تصنعه لنا؟ فقال ‪ :‬بل شيٌء أصنعه لكم‪،‬‬
‫والله ما أصنع ذلك إل لّني رأيت العرب رمتكم عن قوس واحدة‪،‬‬
‫ل جانب‪ ،‬فأردت أن أكسر‬ ‫وكالبوكم – أي‪ :‬اشتدوا عليكم – من ك ّ‬
‫عنكم من شوكتهم إلى أمر ما‪ .‬فقال له سعد بن معاذ ‪ :‬يا رسول‬
‫الله‪ ،‬قد كّنا وهؤلء على الشرك بالله‪ ،‬وعبادة الوثان‪ ،‬ل نعبد الله‪،‬‬
‫ول نعرفه‪ ،‬وهم ل يطمعون أن يأكلوا منها ثمرة واحدة إل قرىً –‬
‫طعام الذي ُيضع للضيف – أو بيعًا‪ ،‬أفحين أكرمنا الله‬ ‫أي ‪ :‬ال ّ‬
‫بالسلم‪ ،‬وهدانا له‪ ،‬وأعّزنا بك‪ ،‬وبه‪ ،‬نعطيهم أموالنا؟ مالنا بهذا‬
‫سيف‪ ،‬حتى يحكم الله بيننا وبينهم‪،‬‬ ‫من حاجة‪ ،‬والله ل نعطيهم إل ال ّ‬
‫فقال النبي صلى الله عليه وسلم‪ :‬أنت وذاك‪.‬‬
‫فتناول سعد بن معاذ الصحيفة‪ ،‬فمحا ما فيها من الكتاب‪ ،‬ثم قال ‪:‬‬
‫جهدوا )‪ (1‬علينا كان رد زعيمي النصار‪ :‬سعد بن معاذ وسعد بن‬ ‫لي َ ْ‬
‫عبادة في غاية الستسلم لله تعالى‪ ،‬والدب مع النبي صلى الله‬
‫عليه وسلم وطاعته‪ ،‬فقد جعلوا أمر المفاوضة مع غطفان ثلثة‬
‫أقسام‪.‬‬
‫الول‪ :‬أن يكون هذا المر من عند الله تعالى‪ ،‬فل مجال لبداء‬
‫الّرأي بل‪ ،‬لبد ّ من التسليم‪ ،‬والّرضا‪.‬‬
‫الثاني‪ :‬أن يكون شيئا ً يحّبه رسول الله صلى الله عليه وسلم‪،‬‬
‫م وله الطاعة في ذلك‪.‬‬ ‫باعتباره رأيه الخاص‪ ،‬فرأيه مقد ّ ُ‬
‫الثالث‪ :‬أن يكون شيئا ً عمله الّرسول صلى الله عليه وسلم‬
‫لمصلحة المسلمين من باب الرفاق بهم‪ ،‬فهذا هو الذي يكون‬
‫مجال ً للّرأي‪.‬‬
‫ولما تبين للسعدين من جواب الرسول صلى الله عليه وسلم ‪ :‬أنه‬
‫أراد‬
‫ي‪ ،‬كبت به زعيمي‬ ‫القسم الثالث‪ :‬أجاب سعد بن معاذ بجواب قو ّ‬
‫غطفان‪ ،‬حيث بّين أن النصار لم يذّلوا لولئك المعتدين في‬
‫ي‬
‫عجب النب ّ‬ ‫الجاهلية‪ ،‬فكيف وقد أعّزهم الله تعالى بالسلم؟ وقد أ ُ‬
‫صلى الله عليه وسلم بجواب سعد‪ ،‬وتّبين له منه‪ ،‬إرتفاع معنوّية‬

‫‪()1‬سيرة ابن هشام )‪.(3/234‬‬

‫‪-28-‬‬
‫النصار‪ ،‬واحتفاظهم بالّروح المعنوّية العالية فألغى بذلك ما بدأ من‬
‫صلح مع غطفان )‪.(1‬‬ ‫ال ّ‬
‫ن العرب قد‬ ‫وفي قوله صلى الله عليه وسلم‪ :‬إني قد علمت ‪ :‬أ ّ‬
‫رمتكم عن قوس واحدة )‪.(2‬‬
‫دليل على أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يستهدف من‬
‫عمله أل يجتمع العداء عليه صفا ً واحدًا‪ ،‬وهذا يرشد المسلمين‬
‫دة أمور منها‪:‬‬
‫إلى ع ّ‬
‫‪ -‬أن يحاول المسلمون التفتيش عن ثغرات القوى المعادية‪.‬‬
‫‪ -‬أن يكون الهدف الستراتيجي للقيادة المسلمة تحييد من‬
‫تستطيع تحييده‪ ،‬ول تنسى القيادة الفتوى‪ ،‬والشورى والمصلحة‬
‫النية والمستقبلية للسلم )‪.(3‬‬
‫صحابة يتبين لنا‬ ‫وفي استشارة رسول الله صلى الله عليه وسلم لل ّ‬
‫ل أمر‬‫أسلوبه في القيادة‪ ،‬وحرصه على فرض الشورى في ك ّ‬
‫ى‬
‫عسكري يتصل بالجماعة‪ ،‬فالمر شورى‪ ،‬ول ينفرد به فرد حت ّ‬
‫ولو كان هذا الفرد رسول الله صلى الله عليه وسلم ما دام المر‬
‫في دائرة الجتهاد‪ ،‬ولم ينزل به وحي )‪ (4‬إن قبول الرسول صلى‬
‫الله عليه وسلم رأي الصحابة في رفض هذا الصلح يدل على أن‬
‫القائد الناجح هو الذي يربط بينه وبين جنده رباط الثقة‪ ،‬حيث‬
‫يعرف قدرهم ويدركون قدره‪ ،‬ويحترم رأيهم ويحترمون رأيه‪،‬‬
‫ومصالحة النبي صلى الله عليه وسلم مع قائدي غطفان تعد من‬
‫باب السياسة الشرعية التي تراعي فيها المصالح والمفاسد حسب‬
‫ما تراه القيادة الرشيدة )‪ (5‬للشعوب‪.‬‬
‫ففي هذه النازلة نجد النبي صلى الله عليه وسلم قد فكر ودبر‪،‬‬
‫وهيأ حل ً يخفف به محنة المسلمين‪ ،‬وفاوض وانتهى إلى اتفاق‬
‫أولي مع زعماء غطفان لكنه‪ ،‬قبل إمضائه وتنفيذه‪ ،‬عرضه‬
‫للشورى‪ ،‬وانتهى به المر إلى التخلي عن رأيه وتدبيره‪ ،‬والخذ‬
‫برأي مستشاريه الذين يمثلون جمهور المسلمين من أهل المدينة‬
‫)‪.(6‬‬
‫‪ -4‬الشورى في صلح الحديبية‪:‬‬

‫‪()1‬التاريخ السلمي للحميدي )‪.(6/125‬‬


‫‪()2‬سيرة ابن هشام )‪.(3/234‬‬
‫‪()3‬الساس في السنة‪ ،‬سعيد حوى )‪.(2/687‬‬
‫لبي )‪.(2/271‬‬‫ص ّ‬
‫‪ 4‬السيرة النبوية لل ّ‬
‫)(‬

‫‪()5‬المصدر نفسه )‪.(2/271‬‬


‫‪()6‬الشورى في معركة البناء ص ‪.93‬‬

‫‪-29-‬‬
‫استشار النبي صلى الله عليه وسلم أصحابه في الخروج إلى‬
‫البيت معتمرين‪ ،‬فإن صدتهم قريش قاتلوهم فأشاروا بالخروج‬
‫وفرحوا بمقدمهم على البيت‪ ،‬ولكن الله تعالى أراد ما هو خير لهم‬
‫فجرت مفاوضات طويلة حتى كتب الصلح بين رسول الله صلى‬
‫الله عليه وسلم وبين قريش يمثلهم سهيل بن عمرو وكان ذلك‬
‫في صالح المسلمين وجعل الله لهم من دونه فتحا ً قريبًا‪ ،‬ولعل‬
‫الصحابة رضوان الله عليهم تأثروا بصد قريش لهم ثم الصلح معهم‬
‫على أن يرجعوا هذا العام ويأتوا العام القادم في عمرة القضاء‬
‫صلح‬‫ولما فرغ رسول الله صلى الله عليه وسلم من قضية كتابة ال ّ‬
‫م احلقوا‪ ..‬حتى قال ذلك ثلث‬ ‫قال لصحابه ‪ :‬قوموا‪ ،‬فانحروا ث ّ‬
‫م سلمة‪ ،‬فذكر لها ما‬ ‫ما لم يقم منهم أحد؛ دخل على أ ّ‬ ‫مّرات‪ ،‬فل ّ‬
‫ب ذلك؟‬ ‫لقي من الناس‪ ،‬فقالت أم سلمة‪ :‬يا نبي الله‪ ،‬أتح ّ‬
‫دنك‪ ،‬وتدعو حالقك‬ ‫أخرج‪ ،‬ثم ل تكّلم أحدا ً منهم كلمة‪ ،‬حتى تنحر ب ُ‬
‫فيحلقك فخرج‪ ،‬فلم يكّلم أحدا ً منهم حتى فعل ذلك‪ :‬نحر ُبدنه‪،‬‬
‫ما رأوا ذلك؛ قاموا فنحروا وجعل بعضهم يحلق‬ ‫ودعا حالقه‪ ،‬فل ّ‬
‫بعضًا‪ ،‬حتى كاد بعضهم يقتل بعضا ً غما وقد حلق رجال يوم‬
‫صر آخرون‪ ،‬فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم ‪:‬‬ ‫الحديبية‪ ،‬وق ّ‬
‫صرين يا رسول الله ؟ قال‪:‬‬ ‫يرحم الله المحلقين‪ .‬قالوا ‪ :‬والمق ّ‬
‫صرين يا رسول الله؟ قال ‪ :‬يرحم‬ ‫يرحم الله المحلقين قالوا‪ :‬والمق ّ‬
‫الله المحلقين‪ .‬قالوا ‪ :‬والمقصرين يا رسول الله ؟ قال‬
‫والمقصرين )‪.(1‬‬
‫م سلمة سديدًا‪ ،‬ومباركًا؛ حيث فهمت رضي الله‬ ‫فقد كان رأي أ ّ‬
‫عنها عن الصحابة‪ :‬أنه وقع في أنفسهم أن يكون النبي صلى الله‬
‫مر‬‫عليه وسلم أمرهم بالّتحلل أخذا ً بالّرخصة في حقهم‪ ،‬وأنه يست ّ‬
‫على الحرام أخذا ً بالعزيمة في حق نفسه‪ ،‬فأشارت على النبي‬
‫ل لينتفي عنهم هذا الحتمال‪ ،‬وعرف‬ ‫صلى الله عليه وسلم أن يتحل ّ‬
‫ي صلى الله عليه وسلم صواب ما أشارت به‪ ،‬ففعله‪ ،‬فلما رأى‬ ‫النب ّ‬
‫الصحابة ذلك بادروا إلى فعل ما أمرهم به‪ ،‬فلم يبق بعد ذلك غاية‬
‫ُتنتظر‪ ،‬فكان ذلك رأيا سديدًا‪ ،‬ومشورة مبماركة وفي ذلك دليل‬
‫على استحسان مشاورة المرأة الفاضلة ما دامت ذات فكرة‬
‫صائبة‪ ،‬ورأي سديد )‪ ،(2‬كما أنه ل فرق في السلم بين أن تأتي‬
‫المشورة من رجل‪ ،‬أو امرأة ما دامت مشورة صائبة‪ ،‬وهذا عين‬
‫قها‬ ‫التكرين للمرأة التي يزعم أعداء السلم ‪ :‬أنه غمطها ح ّ‬

‫‪()1‬البخاري رقم ‪.1727‬‬


‫‪()2‬ملمح الشورى في الدعوة السلمية عدنان النحوى ص ‪.281‬‬

‫‪-30-‬‬
‫وتجاهل وجودها‪ ،‬وهل هناك اعتراف واحترام لرأي المرأة أكثر من‬
‫أن تشير على نبي مرسل‪ ،‬ويعمل النبي صلى الله عليه وسلم‬
‫بمشورتها لحل مشكلة اصطدم بها‪ ،‬وأغضبته )‪(1‬؟‬
‫‪ -5‬الشورى في غزوة تبوك‪:‬‬
‫مارس رسول الله صلى الله عليه وسلم في هذه الغزوة الشورى‪،‬‬
‫وقبل مشورة الصديق‪ ،‬والفاروق في بعض الّنوازل التي حدثت‬
‫في هذه الغزوة ومن هذه النوازل ‪.‬‬
‫دعاء‪:‬‬ ‫أ‪ -‬قبول مشورة أبي بكر الصديق في ال ّ‬
‫قال عمر بن الخطاب رضي الله عنه‪ :‬خرجنا إلى تبوك في قيظ‬
‫ش‪ ،‬حتى ظنّنا‪ :‬أن رقابنا‬ ‫ل‪ ،‬وأصابنا فيه عط ٌ‬ ‫شديد‪ ،‬فنزلنا منز ً‬
‫ن الّرجل لينحر بعيره‪ ،‬فيعتصر فْرثه فيشربه‪ ،‬ثم‬ ‫ستنقطع؛ حتى إ ّ‬
‫يجعل ما بقي على كبده‪ ،‬فقال أبو بكر الصديق‪ :‬يا رسول الله‪ ،‬إن‬
‫ب ذلك؟ قال‪:‬‬ ‫ودك في الدعاء خيرًا‪ ،‬فادع الله‪ ،‬قال ‪ :‬أتح ّ‬ ‫الله ع ّ‬
‫ت ثم‬ ‫دهما حتى حالت السماء‪ ،‬فأظل ّ‬ ‫نعم‪ ،‬فرفع يديه‪ ،‬فلم ير ّ‬
‫سكبت فملؤ ما معهم‪ ،‬ثم ذهبنا ننظر فلم نجدها جاوزت العسكر‬
‫)‪.(2‬‬
‫ب‪ -‬قبول مشورة عمر بن الخطاب في ترك نحر البل‪:‬‬
‫أصابت جيش العسرة مجاعة أثناء سيرهم إلى تبوك‪ ،‬فاستأذنوا‬
‫وعتهم‪،‬‬ ‫ج ْ‬‫دوا َ‬‫النبي صلى الله عليه وسلم في نحر إبلهم حتى يس ّ‬
‫ما أذن لهم النبي صلى الله عليه وسلم في ذلك‪ ،‬جاءه عمر‬ ‫فل ّ‬
‫رضي الله عنه‪ ،‬فأبدى مشورته في هذه المسألة وهي‪ :‬أن الجند‬
‫إن فعلوا ذلك نفذت رواحلهم وهم أحوج ما يكونون إليها في هذا‬
‫طويل ثم ذكر رضي الله عنه حل ً لهذه المعضلة‪ ،‬وهو‪:‬‬ ‫الطريق ال ّ‬
‫جمع أزواد القوم‪ ،‬ثم الدعاء لهم بالبركة فيها‪ ،‬فعمل صلى الله‬
‫عليه وسلم بهذه المشورة حتى صدر القوم عن بقّية من هذا‬
‫الطعام‪ ،‬بعد أن ملؤوا أوعيتهم منه‪ ،‬وأكلوا حتى شبعوا )‪.(3‬‬
‫ج‪ -‬قبول مشورة عمر رضي الله عنه في ترك اجتياز‬
‫شام‬‫حدود ال ّ‬
‫والعودة إلى المدينة ‪:‬‬
‫ن‬
‫عندما وصل النبي صلى الله عليه وسلم إلى منطقة تبوك‪ ،‬وجد أ ّ‬
‫الروم فّروا خوفا ً من جيش المسلمين‪ ،‬فاستشار أصحابه في‬
‫اجتياز حدود الشام‪ ،‬فأشار عليه عمر بن الخطاب رضي الله عنه‬

‫ص ّ‬
‫لبي )‪.(2/382‬‬ ‫‪ 1‬السيرة النبوية لل ّ‬
‫)(‬

‫‪()2‬مجمع الزوائد للهيثمي )‪ (195 – 6/194‬السيرة النبوية )‪.(2/633‬‬


‫لبي )‪.(2/633‬‬‫ص ّ‬‫‪ 3‬السيرة النبوية لل ّ‬
‫)(‬

‫‪-31-‬‬
‫ل رأيه بقوله‪ :‬إن للروم جموعا ً‬ ‫بأن يرجع بالجيش إلى المدينة‪ ،‬وعل ّ‬
‫كثيرة‪ ،‬وليس بها أحد من أهل السلم ولقد كانت مشورة مباركة‪،‬‬
‫ب تكتيكا ً‬‫ن القتال داخل بلد الرومان ُيعد أمرا ً صعبًا؛ إذ إّنه يتطل ّ‬ ‫فإ ّ‬
‫صا‪ ،‬لن الحرب في الصحراء تختلف في طبيعتها عن الحرب‬ ‫ً‬ ‫خا ّ‬
‫في المدن‪ ،‬بالضافة إلى أن عدد الّرومان في الشام يقرب من‬
‫ن تجمع هذا العدد الكبير في‬ ‫مئتين وخمسين ألفًا‪ ،‬ولشك في أ ّ‬
‫صنه داخل المدن يعّرض جيش المسلمين للخطر )‪ (1‬إن‬ ‫تح ّ‬
‫ممارسة الشورى في حياة المة في جميع شؤونها السياسية‬
‫والعسكرية والجتماعية‪ ،‬منهج تربوي كريم‪ ،‬سار عليه الحبيب‬
‫المصطفى صلى الله عليه وسلم في حياته )‪.(2‬‬
‫وتتضح قواعد الشورى النبوية على صاحبها أفضل الصلة والسلم‬
‫في أمور جليلة أظهرها‪:‬‬
‫‪ -‬إتباع الصواب من الرأي الفني‪ ،‬كما حدث في بدر بغض النظر‬
‫عن الكثرية حيث نزل على رأي الحباب ابن المنذر؛ بل هو الرأي‬
‫والحرب والمكيدة" والحباب يمثل أهل الخبرة والختصاص وأهل‬
‫الذكر)‪.(3‬‬
‫الخذ برأي الكثرية عند ترجيح المواقف‪:‬‬
‫كما في يوم أحد ‪،‬وان خالف رأيهم القيادة وعليه إذا كانت‬
‫الشورى في المور التشريعية فالحجة لقوة الدليل‪ ،‬وإذا كانت‬
‫الشورى في المور الفنية فالحجة لهل الخبرة والختصاص‪ ،‬أما‬
‫في طلب الرأي الذي يرشد إلى القيام بعمل من العمال الكبيرة‪،‬‬
‫ل‪ ،‬أو إقرار مشروع فيرجح رأي الكثرية لن‬ ‫كانتخاب رئيس‪ ،‬أو وا ٍ‬
‫الكثرة يحصل بها الترجيح وهكذا تقدم لنا السيرة النبوية معالم‬
‫أساسيه لفقه الشورى كأمر رباني ‪،‬وسنة نبوية‪،‬وقيمة أخلقيه‪،‬‬
‫وحكمه بالغة في سياسة المة وإدارة أمور الدولة وهى ملزمة‬
‫للحاكم ومفتوحة للمشاركة ولهل الخبرة الفنية وأهل الختصاص‬
‫مكانة خاصة في الشورى وتمتد قيمه الشورى إلى سائر ضروب‬
‫النشاط النساني وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يلزم‬
‫الشورى ابتداًء وانتهاًء )‪.(4‬‬
‫وما ذكرناه من السيرة النبوية غيض من فيض‪ ،‬وقليل من كثير‪.‬‬

‫رابعًا‪ :‬الشورى في عهد الصديق‪:‬‬


‫‪()1‬المصدر نفسه )‪.(2/634‬‬
‫‪()2‬الشورى د‪ .‬أحمد المام ص ‪.31‬‬
‫‪()3‬المصدر نفسه‪.‬‬
‫‪()4‬الشورى د‪.‬أحمد المام ص ‪.33‬‬

‫‪-32-‬‬
‫كانت الشورى مكثفة في هذه المرحلة‪ ،‬وكانت تشمل عظائم‬
‫المور وصغارها‪ ،‬من قضايا المة في السلم والحرب‪ ،‬والخلفة‬
‫والتشريعات العامة‪ ،‬إلى نوازل الفراد في زواجهم وطلقهم‬
‫وميراثهم‪ ،‬ومنازعتهم حول البئر والنخلة‪ ،‬والناقة‪ ،‬وأهم شيء في‬
‫هذه المشاورات المكثفة هو أنها كانت تحقق جوهرها ومقصودها‬
‫ت كثيرا ً لما سوى ذلك‪ ،‬ويمكن أن‬ ‫على أكمل الوجوه‪ ،‬ثم ل ُيلْتف ُ‬
‫نلخص طبيعة مشاوراتهم بعبارة ‪ :‬الشورى بمقاصدها ل بشكلياتها‪،‬‬
‫فلم يكن عندهم كبير التفات إلى من استشير ومن لم ُيستشر‪،‬‬
‫وإلى من حضر ومن غاب‪ ،‬إذا كان الذين استشيروا أهل ً لتلك‬
‫المشورة‪ ،‬وكان من غاب عنها ل يضر غيابه‪ ،‬ولم ُيقصد تغييبه ولم‬
‫يكن عندهم كبير التفات إلى عدد المستشارين في القضية‪ ،‬وهل‬
‫هم آحاد‪ ،‬أو عشرات أو مئات‪ ،‬إذا كان من استشيروا يقومون‬
‫مقام غيرهم ويعبرون بصدق عن آرائهم ومصالحهم‪.‬‬
‫ولم يكن عندهم كبير التفات وتدقيق في عدد الذين أيدوا والذين‬
‫عارضوا‪ ،‬إذا ظهر بوضوح التوجه العام الغالب في المسألة أو‬
‫حصل فيها نوع من التراضي والتطاوع والتسامح وإذا خالفهم أحد‬
‫منهم ثم رأوا في لهجته صدقا ً وفي حجته قوة ووثوقًا‪ ،‬لم يلبسوا‬
‫أن يضعوا ثقتهم في صدقة وعلمه وما يعرفونه من خبرته وحسن‬
‫تقديره‪ ،‬فينقلب رأي الواحد المنفرد إلى إجماع أو شبه إجماع‪.‬‬
‫وكانت المشاورات تتم في جو من الحرية والمن والجرأة؛ فل أحد‬
‫يحابي أحدا ً ول أحد يخادع أحدا ً ول أحد يخاف من أحد‪ ،‬ول أحد‬
‫يطمع في أحد‪.‬‬
‫في هذه الجواء‪ ،‬وبهذه السمات لم تكن شوراهم بحاجة إلى‬
‫قوانين معضلة وإلى ضوابط مدققة‪ ،‬ول إلى ضمانات واحتياطات‪،‬‬
‫فالتعقيد التنظيمي حين ل يكون ضروريا ً يصبح عبثا ً وعائقًا‪ ،‬أو على‬
‫القل‪ ،‬قد تكون كلفته أكثر من فائدته لقد كانت الشورى في‬
‫التجربة السلمية الولى خفيفة في تنظيمها وطرق إجرائها‪،‬‬
‫ولكنها كانت ثقيلة بجديتها وأخلقيتها )‪ (1‬وإليك بعض ملمح‬
‫وسمات التجربة الشورية في عهد أبي بكر الصديق رضي الله‬
‫عنه‪:‬‬
‫‪ -1‬بيعة الصديق‪:‬‬
‫صحابة – رضي الله عنهم – بوفاة رسول الله صلى الله‬ ‫لما علم ال ّ‬
‫عليه وسلم اجتمع النصار في سقيفة بني ساعدة في اليوم نفسه‪،‬‬
‫وهو يوم الثنين الثاني عشر من شهر ربيع الول من السّنة‬

‫‪()1‬الشورى في معركة البناء ص ‪.107‬‬

‫‪-33-‬‬
‫الحادية عشر للهجرة‪ ،‬وتداولوا المر بينهم في اختيار من يلي‬
‫ف النصار حول زعيم الخزرج سعد بن‬ ‫الخلفة من بعده )‪ ،(1‬والت ّ‬
‫عباده – رضي الله عنه – ولما بلغ خبر اجتماع النصار في سقيفة‬
‫ديق –‬ ‫ص ّ‬
‫بني ساعدة إلى المهاجرين‪ ،‬وهم مجتمعون مع أبي بكر ال ّ‬
‫رضي الله عنه – لترشيح من يتولى الخلفة )‪ ،(2‬قال المهاجرون‬
‫ن لهم في هذا‬ ‫لبعضهم ‪ :‬انطلقوا بنا إلى إخواننا من النصار‪ ،‬فإ ّ‬
‫الحقّ نصيبًا‪ ،‬قال عمر رضي الله عنه ‪ : -‬فانطلقنا نريدهم‪ ،‬فل ّ‬
‫ما‬
‫دنونا منهم لقينا منهم رجلن صالحان‪ ،‬فذكر ما تمال عليه القوم‪،‬‬
‫فقال‪ :‬أين تريدون يا معشر المهاجرين؟ قلنا‪ :‬نريد إخواننا هؤلء‬
‫من النصار‪ ،‬فقال‪ :‬ل عليكم أل تقربوهم‪ ،‬اقضوا أمركم‪ .‬فقلت‪:‬‬
‫والله لنأتيّنهم )‪ ،(3‬فانطلقنا حّتى أتيناهم في سقيفة بني ساعدة‪،‬‬
‫ل بين ظهرانيهم فقلت‪ :‬من هذا ؟ فقالوا‪ :‬هذا سعد‬ ‫م ُ‬‫فإذا رجل مز ّ‬
‫بن عبادة‪ ،‬فقلت‪ :‬ماله ؟ قالوا‪ُ :‬يوعك‪ .‬فّلما جلسنا قليل ً تشّهد‬
‫ما بعد فنحن أنصار‬ ‫م قال‪ :‬أ ّ‬ ‫خطيبهم فأثنى على الله بما هو أهله‪ ،‬ث ّ‬
‫الله‪ ،‬وكتيبة السلم‪ ،‬وأنتم – معشر المهاجرين – رهط‪ ،‬وقد دّفت‬
‫دافة من قومكم )‪ ،(4‬فإذا هم يريدون أن يختزلونا من أصلنا وأن‬
‫كلم – وكنت قد زّورت‬ ‫يحضنونا )‪(5‬من المر فلما سكت أردت أن أت ّ‬
‫دمها بين يدي أبي بكر – وكنت أداري‬ ‫)‪(6‬مقالة أعجبتني أريد أن أق ّ‬
‫ده‪ ،‬فلما أردت أن أتكلم قال أبو بكر ‪ :‬على رسلك‬ ‫منه بعض الح ّ‬
‫فكرهت أن أغضبه‪ ،‬فتكّلم أبو بكر‪ ،‬فكان هو أحلم مّني وأوقر‪،‬‬
‫والله ما ترك كلمةٍ أعجبتني في تزويري إل ّ قال في بديهته مثلها؛‬
‫أو أفضل منها حتى سكت‪ ،‬فقال‪ :‬ما ذكرتكم فيكم من خير فأنتم‬
‫ي من قريش‪ ،‬هم أوسط‬ ‫له أهل ولن ُيعرف هذا المر إل لهذا الح ّ‬
‫العرب نسبًا‪ ،‬ودارًا‪ ،‬وقد رضيت لكم أحد هذين الّرجلين فبايعوا‬
‫أّيهما شئتم‪ ،‬فأخذ بيدي‪ ،‬ويد أبي عبيدة بن الجراح وهو جالس‬
‫دم فتضرب عنقي ل‬ ‫ما قال غيرها‪ ،‬والله أن أق ّ‬ ‫بيننا‪ ،‬فلم أكره م ّ‬
‫مر على قوم فيهم أبو‬ ‫ي من أن أتأ ّ‬‫ب إل ّ‬‫ُيقربني ذلك من إثم أح ّ‬
‫ول إلى نفسي عند الموت شيئا ً ل أجده الن‪.‬‬ ‫س ّ‬
‫بكر؛ اللّهم إل أن ت ُ َ‬

‫‪()1‬التاريخ السلمي )‪.(9/21‬‬


‫‪()2‬عصر الخلفة الراشدة للعمري ص ‪.40‬‬
‫‪()3‬الّرجلن هما ‪ :‬عويم بن ساعدة ومعن بن عدي‪.‬‬
‫‪()4‬أي‪ :‬عدد قليل‪.‬‬
‫‪()5‬أي ‪ :‬يخرجوننا من أمر الخلفة‪.‬‬
‫‪()6‬أعددت في نفسي‪.‬‬

‫‪-34-‬‬
‫جب )‪،(1‬‬ ‫قها المر ّ‬ ‫عذي ُ‬ ‫كك و ُ‬ ‫جذيلها المح ّ‬ ‫فقال قائل من النصار‪ :‬أنا ُ‬
‫منا أمير‪ ،‬ومنكم أمير يا معشر قريش‪ ،‬فكثر الّلغط وارتفعت‬
‫الصوات‪ ،‬حتى فرقت من الختلف فقلت ‪ :‬ابسط يدك يا أبو بكر‪،‬‬
‫م بايعته النصار)‪.(2‬‬ ‫فبسط يده‪ ،‬فبايعته‪ ،‬وبايعه المهاجرين‪ ،‬ث ّ‬
‫وفي رواية ‪ ...‬فتكلم أبو بكر – رضي الله عنه – فلم يترك شيئا ً‬
‫أنزل في النصار‪ ،‬ول ذكره رسول الله صلى الله عليه وسلم من‬
‫شأنهم إل وذكره‪ ،‬وقال‪ :‬ولقد علمتم ‪ :‬أن رسول الله صلى الله‬
‫عليه وسلم قال ‪ :‬لو سلك الناس واديًا‪ ،‬وسلكت النصار واديا ً‬
‫ن رسول الله صلى‬ ‫سلكت وادي النصار‪ ،‬ولقد علمت يا سعد )‪ (3‬أ ّ‬
‫الله عليه وسلم قال وأنت قاعد‪ :‬قريش ولة هذا المر فَب َّر الناس‬
‫تبع ل ِب َّرهم وفاجرهم الناس تبعٌ لفاجرهم‪ ،‬قال‪ :‬فقال له سعد‪:‬‬
‫صدقت‪ ،‬نحن الوزراء‪ ،‬وأنتم المراء )‪.(4‬‬
‫ونلحظ مجموعة من الدروس والفوائد والعبر منها‪:‬‬
‫أ‪ -‬الصديق وتعامله مع النفوس وقدرته على القناع‪:‬‬
‫استطاع أبوبكر الصديق أن يدخل إلى نفوس النصار‪ ،‬فأثنى على‬
‫النصار ببيان ما جاء في فضلهم من الكتاب والسنة والثناء على‬
‫المخالف منهج إسلمي يقصد منه ‪ :‬إنصاف المخالف وامتصاص‬
‫ة في نفسه‪ ،‬ليكون مهّيأ لقبول‬ ‫غضبه‪ ،‬وانتزاع بواعث الثرة والناني ّ‬
‫ي صلى الله عليه وسلم‬ ‫الحق إذا تبّين له‪ ،‬وقد كان في هدي النب ّ‬
‫صل أبوبكر من ذلك‬ ‫الكثير من المثلة التي تدل على ذلك‪ ،‬ثم تو ّ‬
‫ن فضلهم وإنه كان كبيرا ً ل يعني أحقيتهم في الخلفة؛ لن‬ ‫إلى أ ّ‬
‫ن المهاجرين من قريش‬ ‫ص على أ ّ‬ ‫النبي صلى الله عليه وسلم قد ن ّ‬
‫دمون في هذا المر)‪.(5‬‬ ‫ق ّ‬ ‫هم الم َ‬
‫ن أمر الخلفة في قريش بوصية رسول الله‬ ‫واستدل أبوبكر على أ ّ‬
‫صلى الله عليه وسلم ‪ :‬بالنصار خيرًا‪ ،‬وأن يقبلوا من محسنهم‬
‫ج أبوبكر على النصار بقوله‪ :‬إن الله‬ ‫ويتجاوزوا عن مسيئهم‪ ،‬واحت ّ‬
‫ن‬‫ري َ‬ ‫ج ِ‬ ‫مَها ِ‬ ‫قَراء ال ْ ُ‬ ‫ماكم "المفلحين" إشارة إلى قوله تعالى ‪ ":‬ل ِل ْ ُ‬
‫ف َ‬ ‫س ّ‬
‫َ‬ ‫ُ‬
‫واًنا‬‫ض َ‬‫ن الل ّهِ وَرِ ْ‬ ‫م َ‬ ‫ضًل ّ‬ ‫ن فَ ْ‬ ‫م ي َب ْت َُغو َ‬‫وال ِهِ ْ‬
‫م َ‬‫م وَأ ْ‬ ‫من ِديارِه ِ ْ‬ ‫جوا ِ‬ ‫خرِ ُ‬ ‫نأ ْ‬ ‫ذي َ‬ ‫ال ّ ِ‬
‫ؤوا‬‫ن ت َب َوّ ُ‬
‫ذي َ‬ ‫ن * َوال ّ ِ‬ ‫صاد ُِقو َ‬ ‫م ال ّ‬ ‫ك هُ ُ‬ ‫ه أ ُوْل َئ ِ َ‬‫سول َ ُ‬ ‫ه وََر ُ‬‫ن الل ّ َ‬ ‫صُرو َ‬ ‫وََين ُ‬
‫ن ِفي‬ ‫دو َ‬ ‫ج ُ‬‫م وََل ي َ ِ‬ ‫جَر إ ِل َي ْهِ ْ‬ ‫ها َ‬‫ن َ‬ ‫م ْ‬‫ن َ‬ ‫حّبو َ‬ ‫م يُ ِ‬ ‫من قَب ْل ِهِ ْ‬ ‫ن ِ‬ ‫ما َ‬ ‫داَر َوا ْ ِ‬
‫لي َ‬ ‫ال ّ‬
‫جذيل‪ :‬عود ينصب للبل الجربي لتحت ّ‬
‫ك به‪.‬‬ ‫‪()1‬ال ُ‬
‫‪()2‬المحكك ‪ :‬الذي يحتك به كثيرًا‪ ،‬أراد أنه يستشفي برابة‪ ،‬والعذيق‪ :‬الن ّ‬
‫خلة‪ ،‬أي‪:‬‬
‫الذي يعتمد عليه‪.‬‬
‫‪()3‬البخاري‪ : ،‬ك الحدود رقم ‪.6830‬‬
‫‪()4‬مسند أحمد )‪ (1/5‬الخلفة والخلفاء البهنساوي ص ‪.50‬‬
‫‪()5‬التاريخ السلمي )‪.(9/24‬‬

‫‪-35-‬‬
‫م‬ ‫ن ب ِهِ ْ‬ ‫م وَل َوْ َ‬
‫كا َ‬ ‫سه ِ ْ‬ ‫ف ِ‬ ‫ن ع ََلى َأن ُ‬ ‫ُ‬
‫ما أوُتوا وَي ُؤ ْث ُِرو َ‬ ‫م ّ‬
‫ة ّ‬ ‫ج ً‬ ‫حا َ‬ ‫م َ‬ ‫دورِه ِ ْ‬ ‫ص ُ‬ ‫ُ‬
‫ْ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬
‫ن " )الحشر‪,‬‬ ‫حو َ‬ ‫فل ِ ُ‬‫م ْ‬‫م ال ُ‬ ‫سهِ فَأوْلئ ِك هُ ُ‬ ‫ف ِ‬‫ح نَ ْ‬‫ش ّ‬ ‫من ُيوقَ ُ‬ ‫ة وَ َ‬ ‫ص ٌ‬
‫صا َ‬ ‫خ َ‬ ‫َ‬
‫َ‬
‫آية‪) ٩ - ٨ :‬وقد أمركم أن تكونوا معنا حيثما كنا‪ ،‬فقال ‪َ ":‬يا أي َّها‬
‫ن " )التوبة‪ ,‬آية‪.(١١٩ :‬‬ ‫صاد ِِقي َ‬ ‫معَ ال ّ‬ ‫كوُنوا ْ َ‬ ‫ه وَ ُ‬ ‫قوا ْ الل ّ َ‬‫مُنوا ْ ات ّ ُ‬‫نآ َ‬ ‫ذي َ‬ ‫ال ّ ِ‬
‫إلى غير ذلك من القوال المصيبة‪ ،‬والدلة القوية‪ ،‬فتذكرت النصار‬
‫هلت القوم‬ ‫ن مؤ ّ‬ ‫ذلك‪ ،‬وانقادت إليه )‪(1‬وبين الصديق في خطابه أ ّ‬
‫سيادة‪،‬‬ ‫من يدين لهم العرب بال ّ‬ ‫حون للخلفة أن يكونوا م ّ‬ ‫الذين يرش ّ‬
‫وتستقّر بهم المور حتى ل تحدث الفتن فيما إذا توّلى غيرهم‪،‬‬
‫سيادة إل للمسلمين من قريش؛‬ ‫وأبان‪ :‬أن العرب ل يعترفون بال ّ‬
‫لكونه النبي صلى الله عليه وسلم منهم‪ ،‬ولما استقر في أذهان‬
‫العرب في تعظيمهم واحترامهم وبهذه الكلمات النّيرة التي قالها‬
‫معينين وجنودا ً مخلصين‪،‬‬ ‫الصديق اقتنع النصار بأن يكونوا وزراء ُ‬
‫ف‬‫حد ص ّ‬ ‫كما كانوا في عهد النبي صلى الله عليه وسلم وبذلك تو ّ‬
‫المسلمين )‪.(2‬‬
‫ب‪ -‬حرص الجميع على وحدة المة‪:‬‬
‫إن الحوار الذي دار في سقيفة بني ساعدة يؤكد حرص النصار‬
‫على مستقبل الدعوة السلمية‪ ،‬واستعدادهم المستمر للّتضحية‬
‫في سبيلها‪ ،‬فما أطمأّنوا على ذلك حتى استجابوا سراعا ً لبيعة أبي‬
‫بكر‪ ،‬الذي قبل البيعة لهذه السباب‪ ،‬وإل فإن نظرة الصحابة‬
‫من خالفوا المنهج العلمي‬ ‫مخالفة لرؤية الكثير ممن جاء بعدهم م ّ‬
‫والدراسة الموضوعية‪ ،‬بل كانت دراستهم متناقضة مع روح ذلك‬
‫العصر‪ ،‬وآمال وتطلعات أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم‬
‫دى إلى انشقاق‬ ‫من النصار‪ ،‬وغيرهم‪ ،‬وإذا كان اجتماع السقيفة أ ّ‬
‫بين المهاجرين والنصار كما زعم البعض )‪ ،(3‬فكيف قبل النصار‬
‫بتلك النتيجة‪ ،‬وهم أهل الديار وأهل العدد والعدة؟ وكيف انقادوا‬
‫لخلفة أبي بكر‪ ،‬ونفروا في جيوش الخلفة شرقا ً وغربا ً مجاهدين‬
‫لتثبيت أركانها؟ لو لم يكونوا متحمسين لنصرتها )‪.(4‬‬
‫فالصواب اتضح من حرص النصار على تنفيذ سياسة الخلفة‬
‫دين‪ ،‬وأّنه لم يتخّلف أحد من النصار عن‬ ‫والندفاع لمواجهة المرت ّ‬
‫خوة‬ ‫بيعة أبي بكر فضل ً عن غيرهم من المسلمين‪ ،‬وأن أ ّ‬

‫‪()1‬العواصم من القواصم لبن العربي المالكي ص ‪.10‬‬


‫‪()2‬التاريخ السلمي )‪.(9/24‬‬
‫‪()3‬السلم وأصول الحكم محمد عمارة ص ‪.74 - 71‬‬
‫‪()4‬النصار في العصر الراشدي‪ ،‬د‪ .‬حامد الخليفة ص ‪.109‬‬

‫‪-36-‬‬
‫طروا الخلف بينهم‬ ‫المهاجرين والنصار أكبر من تخّيلت الذين س ّ‬
‫في رواياتهم المغرضة )‪.(1‬‬
‫ولقد بايع سعد بن عبادة سيد النصار في حينه أبا بكر الصديق‬
‫بالخلفة في أعقاب النقاش الذي دار في سقيفة بني ساعدة‬
‫ونزل عن مقامه الّول في دعوى المارة‪ ،‬وأذعن للصديق بالخلفة‬
‫وكان ابن عمه بشير بن سعد النصاري أّول من بايع الصديق في‬
‫اجتماع السقيفة )‪.(2‬‬
‫ولقد جرت المشاورة بشأن اختيار خليفة للمسلمين بين الفراد‬
‫والمجموعات الصغيرة‪ ،‬وجرت فيما بين النصار وجرت فيما بين‬
‫المهاجرين‪ ،‬ثم التأم الجميع في سقيفة بني ساعدة وجرت‬
‫المشاروة الكبرى والنقاش العام بين المهاجرين والنصار – في‬
‫مسجد الرسول الكريم بعد ذلك – وأسفر ذلك كله عن مبايعة أبي‬
‫بكر الصديق )‪.(3‬‬
‫وإن الباحث ليلمس عظمة تربية رسول الله لصحابه ونضجهم‬
‫مما لشك فيه أن وفاة النبي صلى الله عليه‬ ‫السياسي الكبير ف ّ‬
‫وسلم كان حدث جلل‪ ،‬وترك فراغا ً عظيما ً في المة ومع هذا‬
‫استطاع أهل الحل والعقد أن يتجاوز تلك المحنة الكبرى بوعي‬
‫وفقه‪ ،‬وتقدير للمور على أسس رشيدة انعدم نظيرها في تاريخ‬
‫البشرية‪.‬‬
‫صعب الذي نشأ‬ ‫لقد كان على المة السلمية أن تواجه الموقف ال ّ‬
‫عن انتقال الّرسول صلى الله عليه وسلم إلى الرفيق العلى‪ ،‬وأن‬
‫تحسم أمورها بسرعة‪ ،‬وحكمة وأل تدع مجال ً لنقسام قد يتسرب‬
‫ل إلى أركان‬ ‫منه الشك إلى نفوس أفرادها‪ ،‬أو للضعف أن يتسل ّ‬
‫ده رسول الله صلى الله عليه وسلم‪.‬‬ ‫البناء الذي شي ّ‬
‫ج‪ -‬منصب الخلفة والخليفة‪:‬‬
‫اختارت المة منصب الخلفة السلمية وأجمعت عليه طريقة‬
‫وأسلوبا ً للحكم‪ ،‬تنظم من خلله أمورها وترعى مصالحها‪ ،‬وقد‬
‫مة لها واقتناعها بها‪ ،‬ومن ثم كان‬ ‫ارتبطت نشأة الخلفة بحاجة ال ّ‬
‫إسراع المسلمين في اختيار خليفة لرسول الله صلى الله عليه‬
‫وسلم )‪.(4‬‬
‫مدت أصولها‬ ‫ولما كانت الخلفة نظام حكم المسلمين‪ ،‬فقد است ّ‬
‫من دستور المسلمين‪ ،‬من القرآن الكريم‪ ،‬ومن سنة النبي صلى‬
‫لبي ص ‪.128‬‬‫ص ّ‬‫‪ 1‬أبوبكر الصديق لل ّ‬
‫)(‬

‫‪()2‬المصدر نفسه ص ‪.128‬‬


‫‪()3‬الشورى في معركة البناء ص ‪.109‬‬
‫لبي ص ‪.141‬‬‫ص ّ‬‫‪ 4‬أبو بكر الصديق لل ّ‬
‫)(‬

‫‪-37-‬‬
‫الله عليه وسلم )‪ ،(1‬وقد تحدث الفقهاء عن أسس الخلفة‬
‫السلمية فقالوا بالشورى والبيعة وهما – أصل ً – قد أشير إليهما‬
‫في القرآن الكريم )‪ ،(2‬ومنصب الخلفة أحيانا ً يطلق عليه لفظ‬
‫المامة أو المارة وقد أجمع المسلمون على وجوب الخلفة وأن‬
‫مة‪ ،‬ويقيم‬ ‫تعيين الخليفة فرض على المسلمين يرعى شؤون ال ّ‬
‫دعوة السلمية‪ ،‬وعلى حماية الدين‪،‬‬ ‫الحدود ويعمل على نشر ال ّ‬
‫والمة بالجهاد‪ ،‬وعلى تطبيق الشريعة وحماية حقوق الناس‪ ،‬ورفع‬
‫المظالم‪ ،‬وتوفير الحاجات الضرورية لكل فرد‪.‬‬
‫وقد أطلق المسلمون هذه اللقاب‪ :‬الخليفة‪ ،‬المام‪ ،‬أمير المؤمنين‬
‫في تاريخهم السياسي وهذه ليست من المور التعبدية‪ ،‬وإنما هي‬
‫مصطلحات وجدت بعد وفاة الرسول صلى الله عليه وسلم‬
‫واصطلح الناس عليها‪ ،‬وقد أطلق المسلمون غير هذه اللقاب في‬
‫وقت لحق‪ ،‬كلقب المير‪ ،‬كما كان الحال في الندلس‪ ،‬وكذلك‬
‫لقب السلطان‪ ،‬كما تسمى بذلك الحكام في التاريخ السلمي‪،‬‬
‫لقبا ً من هذه اللقاب‪ ،‬إذ المهم في هذا المجال أن يكون‬
‫المسلمون ورئيسهم خاضعين للتشريع السلمي عقيدة وشريعة‪،‬‬
‫بغض النظر عن اللقاب التي يمكن أن تطلق على هذا الرئيس‬
‫سواء كان لقبه الخليفة أم أمير المؤمنين أم رئيس الدولة أم‬
‫رئيس الجمهورية‪ ،‬فيمكن إطلق أحد هذه اللقاب أو غيرها وهذا‬
‫يرجع إلى ما يتعارف عليه الناس )‪.(3‬‬
‫س‪ -‬مجموعة من المبادئ السياسية من سقيفة بني‬
‫ساعدة‪:‬‬
‫أفرز ما دار في سقيفه بني ساعدة مجموعة من المبادئ ‪ :‬منها‬
‫مة ل تقام إل بالختيار‪ ،‬وأن البيعة هي أصل من أصول‬ ‫أن قيادة ال ّ‬
‫الختيار وشرعية القيادة‪ ،‬وأن الخلفة ل يتولها إل الصلب دينا‪،‬‬
‫والكفأ إدارة‪ ،‬فاختيار الخليفة ّتم وفق مقومات إسلمية وشخصية‪،‬‬
‫وأخلقية‪ ،‬وأن الخلفة ل تدخل ضمن مبدأ الوراثة النسبّية‪ ،‬أو‬
‫القبلية وأن إثارة "قريش" في سقيفة بني ساعدة باعتباره واقعا ً‬
‫يجب أخذه في الحسبان‪ ،‬ويجب اعتبار أي شيٍء مشابه مالم يكن‬
‫ن الحوار الذي دار في سقيفة بني‬ ‫متعارضا ً مع أصول السلم‪ ،‬وأ ّ‬
‫ساعدة قام على قاعدة المن النفسي السائد بين المسلمين حيث‬
‫ل هرج ول مرج‪ ،‬ول تكذيب‪ ،‬ول مؤامرات ول نقض للتفاق‪ ،‬ولكن‬

‫‪()1‬عصر الخلفاء الراشدين فتحية النبراوي ص ‪.23‬‬


‫‪()2‬المصدر نفسه ص ‪.23‬‬
‫لبي ص ‪.193‬‬ ‫ص ّ‬
‫‪ 3‬علي بن أبي طالب لل ّ‬
‫)(‬

‫‪-38-‬‬
‫تسليم للّنصوص التي تحكمهم حيث المرجعية في الحوار إلى‬
‫النصوص الشرعية )‪ (1‬ومن المثلة التي صدرت بالشورى الجماعية‬
‫من حادثة السقيفة‪.‬‬
‫‪ -‬أّول ما قرره اجتماع يوم السقيفة هو أن نظام الحكم ودستور‬
‫قرر بالشورى الحّرة‪ ،‬تطبيقا ً لمبدأ الشورى الذي نص عليه‬ ‫الدولة ي ّ‬
‫ل إجماع وسند هذا الجماع‬ ‫القرآن‪ ،‬ولذلك كان هذا المبدأ مح ّ‬
‫النصوص القرآنية التي فرضت الشورى أي أن هذا الجماع كشف‬
‫كد أّول أصل شرعي لنظام الحكم في السلم‪ ،‬وهو الشورى‬ ‫وأ ّ‬
‫الملزمة‪ ،‬وهذا أول مبدأ دستورئّ تقّرر بالجماع بعد وفاة رسولنا‬
‫م إن هذا الجماع لم يكن إل تأييدًا‪،‬‬ ‫الكريم صلى الله عليه وسلم‪ ،‬ث ّ‬
‫سّنة التي أوجبت الشورى‪.‬‬ ‫وتطبيقا ً لنصوص الكتاب‪ ،‬وال ّ‬
‫‪ -‬تقرر يوم السقيفة أيضًا‪ :‬أن اختيار رئيس الدولة‪ ،‬أو الحكومة‬
‫حرة‬ ‫م بالشورى أي البيعة ال ّ‬ ‫السلمية وتحديد سلطاته يجب أن يت ّ‬
‫منها‬‫التي تمنحه تفويضا ً ليتولى الولية بالشروط والقيود التي يتض ّ‬
‫حرة – الدستور في النظم المعاصرة –‬ ‫عقد البيعة الختيارية ال ّ‬
‫وكان هذا ثاني المبادئ الدستورية التي أّقرها الجماع‪ ،‬وكان قرارا ً‬
‫إجماعيا ً كالقرار السابق‪.‬‬
‫‪ -‬تطبيقا ً للمبدأين السابقين‪ ،‬قّرر اجتماع السقيفة اختيار أبي بكر‪،‬‬
‫ليكون الخليفة الّول للدولمة السملمية )‪.(2‬‬
‫ح نهائيا ً إل بعد أن ّتمت له البيعة العامة‪،‬‬ ‫ثم إن هذا الترشيح لم يص ّ‬
‫أي ‪ :‬موافقة جمهور المسلمين في اليوم التالي بمسجد الرسول‬
‫م قبوله لها بالشروط التي ذكرها في‬ ‫صلى الله عليه وسلم‪ ،‬ث ّ‬
‫خطابه الذي ألقاه )‪.(3‬‬
‫ع‪ -‬البيعة العامة‪:‬‬
‫صة في‬ ‫مت بيعة أبي بكر – رضي الله عنه – البيعة الخا ّ‬ ‫بعد أن ت ّ‬
‫سقيفة بني ساعدة‪ ،‬كان لعمر رضي الله عنه – في اليوم التالي‬
‫موقف في تأييد أبي بكر‪ ،‬وذلك في اليوم التالي حينما اجتمع‬
‫المسلمون للبيعة العامة‪ ،‬ومما قاله عمر في حق أبي بكر ‪... :‬‬
‫وإن الله قد أبقى فيكم كتابه الذي به هدي الله ورسوله صلى الله‬
‫عليه وسلم‪ ،‬فإن اعتصمتم به‪ ،‬هداكم الله لما كان هداه له‪ ،‬وإن‬
‫الله قد جمع أمركم على خيركم صاحب رسول الله صلى الله‬
‫عليه وسلم‪ ،‬وثاني اثنين إذ هما في الغار‪ ،‬فقوموا فبايعوه‪ ،‬فبايع‬

‫‪()1‬دراسات في عهد النبوة والخلفة الراشدة د‪ .‬عبدالرحمان الشجاع ص ‪.256‬‬


‫‪()2‬فقه الشورى والستشارة د‪ .‬توفيق الشاوي ص ‪.140‬‬
‫‪()3‬المصدر نفسه ص ‪.142‬‬

‫‪-39-‬‬
‫الناس أبابكر بعد بيعة السقيفة ثم تكلم أبو بكر فحمد الله‪ ،‬وأثنى‬
‫عليه بالذي هو أهله‪ ،‬ثم قال ‪ :‬أما بعد أّيها الناس‪ ،‬فإني قد وليت‬
‫عليكم ولست بخيركم‪ ،‬فإن أحسنت؛ فأعينوني‪ ،‬وإن أسأت‬
‫وموني‪ ،‬الصدق أمانة والكذب خيانة‪ ،‬والضعيف فيكم قويّ عندي‬ ‫فق ّ‬
‫حتى أُرجع عليه حقه إن شاء الله‪ ،‬والقويّ فيكم ضعيف عندي‬
‫حتى آخذ الحقّ منه إن شاء الله‪ ،‬ل يدع قوم الجهاد في سبيل الله‬
‫إل خذلهم الله بالذل‪ ،‬ول تشيع الفاحشة في قوم إل عمّهم الله‬
‫بالبلء‪ ،‬أطيعوني ما أطعت الله‪ ،‬ورسوله‪ ،‬فإذا عصيت الله‬
‫)‪(1‬‬
‫ورسوله‪ ،‬فل طاعة لي عليكم قوموا إلى صلتكم يرحمكم الله ‪.‬‬
‫وتعتبر هذه الخطبة الرائعة من عيون الخطب السلمية على‬
‫إيجازها‪ ،‬وقد قّرر الصديق فيها قواعد‪ ،‬العدل والرحمة في التعامل‬
‫كز على أن طاعة ولي المر مترتبة على‬ ‫بين الحاكم والمحكوم‪ ،‬ور ّ‬
‫طاعة الله ورسوله‪ ،‬ونص على الجهاد في سبيل الله لهميته في‬
‫مة‪ ،‬وعلى اجتناب الفاحشة لهمية ذلك في حماية‬ ‫إعزاز ال ّ‬
‫)‪(2‬‬
‫المجتمع من النهيار والفساد ‪.‬‬
‫‪ -2‬الشورى في قتال مانعي الزكاة والمرتدين‪:‬‬
‫لما كانت الّردة؛ قام أبو بكر – رضي الله عنه في الناس خطيبا ً‬
‫فحمد الله‪ ،‬وأثنى عليه‪ ،‬ثم قال ‪ :‬الحمد الله الذي هدى فكفى‪،‬‬
‫وأعطى فأغنى‪ ،‬إن الله بعث محمدا ً صلى الله عليه وسلم والعلم‬
‫خلق ثوبه وضل أهله‬ ‫ث حبله‪ ،‬و ِ‬ ‫شريد والسلم غريب طريد‪ ،‬قد ر ّ‬
‫منه‪ ،‬ومقت الله أهل الكتاب‪ ،‬فل يعطيهم خيرا ً لخير عندهم‪ ،‬ول‬
‫شر عندهم‪ ،‬وقد غيّروا كتابهم وألحقوا فيه ما‬ ‫يصرف عنهم شرا ً ل ّ‬
‫ليس منه‪ ،‬والعرب المنون يحسبون ‪ :‬أنّهم في منعة من الله‪ ،‬ل‬
‫يعبدونه‪ ،‬ول يدعونه فأجهدهم عيشا ً وأظلهم دينًا‪ ،‬في ظلف من‬
‫سحاب‪ ،‬فختمهم الله بمحمد‪ ،‬وجعلهم المة‬ ‫الرض مع ما فيه من ال ّ‬
‫الوسطى ونصرهم بمن اّتبعهم ونصرهم على غيرهم‪ ،‬حتى قبض‬
‫الله نبّيه‪ ،‬فركب منهم الشيطان مركبه الذي أنزل عليه وأخذ‬
‫من قَب ْل ِ ِ‬
‫ه‬ ‫ت ِ‬ ‫خل َ ْ‬‫ل قَد ْ َ‬‫سو ٌ‬ ‫مد ٌ إ ِل ّ َر ُ‬
‫ح ّ‬ ‫م َ‬‫ما ُ‬ ‫بأيديهم‪ ،‬وبغى هلكتهم‪" :‬وَ َ‬
‫ت أ َوْ قُت ِ َ‬
‫ل‬ ‫ما َ‬ ‫ل أفَِإن ّ‬
‫الرس ُ َ‬
‫ّ ُ‬
‫َ‬
‫شي ًْئا‬ ‫ه َ‬ ‫ضّر الل ّ َ‬‫قب َي ْهِ فََلن ي َ ُ‬
‫ى عَ ِ‬ ‫َ‬
‫ب ع َل َ‬ ‫قل ِ ْ‬‫من َين َ‬ ‫م وَ َ‬ ‫م ع ََلى أع ْ َ‬
‫قاب ِك ُ ْ‬ ‫قل َب ْت ُ ْ‬
‫ان َ‬
‫ن" ) عمران‪ ,‬آية‪.(١٤٤ :‬‬ ‫ري َ‬ ‫شاك ِ ِ‬ ‫ه ال ّ‬ ‫زي الل ّ ُ‬ ‫ج ِ‬‫سي َ ْ‬ ‫وَ َ‬
‫ن من حولكم من العرب قد منعوا شاتهم‪ ،‬وبعيرهم‪ ،‬ولم يكونوا‬ ‫إ ّ‬
‫في دينهم – وإن رجعوا إليه – أزهد منهم يومهم هذا‪ ،‬ولم تكونوا‬

‫‪()1‬البداية والنهاية لبن كثير )‪ (306 ، 6/305‬إسناده صحيح‪.‬‬


‫‪()2‬التاريخ السلمي )‪.(9/28‬‬

‫‪-40-‬‬
‫في دينكم أقوى منكم يومكم هذا على ما تقدم من بركة نبّيكم‬
‫كلكم إلى المولى الكافي الذي وجده ضال ً فهداه‪ ،‬وعائل‬ ‫وقد و ّ‬
‫ة الل ّ ِ‬
‫ه‬ ‫م َ‬‫فّرُقوا ْ َواذ ْك ُُروا ْ ن ِعْ َ‬ ‫ميًعا وَل َ ت َ َ‬ ‫ج ِ‬‫ل الل ّهِ َ‬ ‫ح َب ْ ِ‬‫موا ْ ب ِ َ‬ ‫ص ُ‬ ‫فأغناه ‪َ" :‬واع ْت َ ِ‬
‫َ‬ ‫ُ‬ ‫ّ‬ ‫كنت َ‬
‫واًنا‬ ‫خ َ‬
‫مت ِهِ إ ِ ْ‬ ‫حُتم ب ِن ِعْ َ‬ ‫م فَأ ْ‬
‫صب َ ْ‬ ‫ن قُلوب ِك ُ ْ‬ ‫َ‬ ‫ف ب َي ْ‬ ‫داء فَأل َ‬ ‫م أع ْ َ‬ ‫م إ ِذ ْ ُ ُ ْ‬ ‫ع َل َي ْك ُ ْ‬
‫ه ل َك ُ ْ‬
‫م‬ ‫ن الل ّ ُ‬ ‫ك ي ُب َي ّ ُ‬ ‫من َْها ك َذ َل ِ َ‬ ‫كم ّ‬ ‫قذ َ ُ‬‫ن الّنارِ فََأن َ‬ ‫م َ‬ ‫فَرةٍ ّ‬ ‫ح ْ‬ ‫فا ُ‬ ‫ش َ‬ ‫ى َ‬ ‫كنت ُ ْ َ‬
‫م ع َل َ‬ ‫وَ ُ‬
‫ن" ) آل عمران‪ ,‬آية‪.(١٠٣ :‬‬ ‫دو َ‬ ‫م ت َهْت َ ُ‬ ‫آَيات ِهِ ل َعَل ّك ُ ْ‬
‫والله ل أدع أن أقاتل على أمر الله حتى ينجز الله وعده‪ ،‬ويوفي‬
‫لنا عهده وُيقتل من قتل منا شهيدا ً من أهل الجنة‪ ،‬ويبقى من بقي‬
‫منا خليفته‪ ،‬وذريته في أرضه‪ ،‬قضاء الله الحق وقوله الذي ل خلف‬
‫له‪:‬‬
‫فن ُّهم ِفي‬ ‫خل ِ َ‬ ‫ست َ ْ‬ ‫ت ل َي َ ْ‬ ‫حا ِ‬ ‫صال ِ َ‬ ‫مُلوا ال ّ‬ ‫م وَع َ ِ‬ ‫منك ُ ْ‬ ‫مُنوا ِ‬ ‫نآ َ‬ ‫ذي َ‬ ‫ه ال ّ ِ‬ ‫" وَع َد َ الل ّ ُ‬
‫خل َ َ‬ ‫َْ‬
‫ف‬ ‫ست َ ْ‬ ‫ما ا ْ‬ ‫ض كَ َ‬ ‫الْر ِ‬
‫م وَل َي ُب َد ّل َن ُّهم‬ ‫ضى ل َهُ ْ‬ ‫ذي اْرت َ َ‬ ‫م ال ّ ِ‬ ‫م ِدين َهُ ُ‬ ‫ن ل َهُ ْ‬ ‫مك ّن َ ّ‬ ‫م وَل َي ُ َ‬ ‫من قَب ْل ِهِ ْ‬ ‫ن ِ‬ ‫ذي َ‬ ‫ال ّ ِ‬
‫من ك َ َ‬ ‫شرِ ُ‬ ‫دون َِني َل ي ُ ْ‬ ‫خوفه َ‬
‫فَر ب َعْد َ‬ ‫شي ًْئا وَ َ‬ ‫ن ِبي َ‬ ‫كو َ‬ ‫مًنا ي َعْب ُ ُ‬ ‫مأ ْ‬ ‫من ب َعْد ِ َ ْ ِ ِ ْ‬ ‫ّ‬
‫ن ") النور‪ ,‬آية‪ .(٥٥ :‬وقد أشار بعض‬ ‫)‪(1‬‬
‫م ال ْ َ‬ ‫ُ‬
‫ك فَأوْل َئ ِ َ‬ ‫ذ َل ِ َ‬
‫قو َ‬ ‫س ُ‬‫فا ِ‬ ‫ك هُ ُ‬
‫الصحابة‪ ،‬ومنهم عمر على الصديق بأن يترك مانعي الزكاة‬
‫كون‪،‬‬ ‫ويتألفهم حتى يتمكن اليمان من قلوبهم‪ ،‬ثم هم بعد ذلك يز ّ‬
‫صدّيق عن ذلك وأباه )‪.(2‬‬ ‫فامتنع ال ّ‬
‫فعن أبي هريرة – رضي الله عنه – قال ‪ :‬لما توفي رسول الله‬
‫صلى الله عليه وسلم وكان أبو بكر – قد تولى الخلفة – وكفر من‬
‫كفر من العرب‪ ،‬فقال عمر رضي الله عنه – كيف تقاتل الناس‬
‫وقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ‪ :‬أمرت أن أقاتل‬
‫الناس حتى يقولوا إل إله إل الله‪ ،‬فمن قالها‪ ،‬فقد عصم مني ماله‬
‫ن من فّرق‬ ‫قه‪ ،‬وحسابه على الله‪ ،‬فقال‪ :‬والله؛ لقاتل ّ‬ ‫ونفسه إل بح ّ‬
‫عناقا ً )‪ (3‬كانوا‬ ‫صلة والّزكاة حقّ المال‪ ،‬والله لو منعني َ‬ ‫بين ال ّ‬
‫دونها إلى رسول الله؛ لقاتلتهم على منعها‪ .‬وفي رواية ‪ :‬والله لو‬ ‫يؤ ّ‬
‫)‪(4‬‬
‫دونه إلى رسول الله صلى الله عليه‬ ‫عقال ‪ ،‬كانوا يؤ ّ‬ ‫منعوني ِ‬
‫وسلم‪ ،‬لقاتلتهم على منعه‪ ،‬قال عمر‪ :‬فوالله ما هو إل أن قد شرح‬
‫)‪(5‬‬
‫م قال عمر بعد ذلك‪:‬‬ ‫الله صدر أبي بكر‪ ،‬فعرفت ‪ :‬أنه الحق ‪ ،‬ث ّ‬
‫مة جميعا ً في قتال‬ ‫والله لقد رجح إيمان أبي بكر بإيمان هذه ال ّ‬

‫‪()1‬البداية والنهاية )‪.(6/316‬‬


‫‪()2‬البداية والنهاية )‪.(6/315‬‬
‫‪()3‬عناقا ً ‪ :‬النثى من ولد الماعر‪.‬‬
‫عقا ً‬
‫ل‪ :‬هو الحبل الذي يعقل به البعير‪.‬‬ ‫‪ِ ()4‬‬
‫‪()5‬البخاري رقم ‪ 1400‬مسلم رقم ‪.20‬‬

‫‪-41-‬‬
‫دة )‪ ،(1‬وبذلك يكون أبوبكر قد كشف لعمر – وهو يناقشه –‬ ‫أهل الر ّ‬
‫عن ناحية فقهية مهمة أجلها له‪ ،‬وكانت قد غابت عنه‪ ،‬وهي أن‬
‫ملة جاءت في الحديث النبوي الشريف الذي احتج به عمر هي‬ ‫ج ّ‬
‫دليل على وجوب محاربة من منع الزكاة حتى وإن نطق‬ ‫ال ّ‬
‫بالشهادتين‪ ،‬وهي قول النبي صلى الله عليه وسلم فإذا قالوها؛‬
‫قها )‪ .(2‬وفعل ً كان رأي أبي‬ ‫ي دماءهم‪ ،‬وأموالهم إل بح ّ‬ ‫عصموا من ّ‬
‫ً‬ ‫ً‬
‫بكر في حرب المرتدين رايا مسددا‪ ،‬وهو الرأي الذي تمليه طبيعة‬
‫الموقف لمصلحة السلم والمسلمين‪ ،‬وأي موقف غيره سيكون‬
‫فيه الفشل‪ ،‬والضّياع والهزيمة والرجوع إلى الجاهلية‪ ،‬ولول الله‪،‬‬
‫حولت‬ ‫ثم هذا القرار الحاسم من أبي بكر لتغير وجه التاريخ‪ ،‬وت ّ‬
‫مسيرته‪ ،‬ورجعت عقارب الساعة إلى الوراء‪ ،‬ولعادت الجاهلّية‬
‫تعيث في الرض فسادا ً )‪.(3‬‬
‫دة غيرته على هذا الدين‪،‬‬ ‫لقد تجلى فهمه الدقيق للسلم وش ّ‬
‫وبقاؤه على ما كان عليه في عهد نبّيه في الكلمة التي فاض بها‬
‫لسانه ونطق بها جنانه‪ ،‬وهي الكلمة التي تساوي خطبة بليغة‬
‫ل‪ ،‬وهي قوله عندما امتنع كثير من قبائل العرب‬ ‫طويلة‪ ،‬وكتابا ً حاف ً‬
‫أن يدفعوا الزكاة إلى بيت المال أو منعوها مطلقًا‪ ،‬وأنكروا‬
‫ي؟ )‪.(4‬‬‫م الدين أينقص وأنا ح ّ‬ ‫فرضيّتها ‪ :‬قد انقطع الوحي‪ ،‬وت ّ‬
‫وفي رواية ‪ :‬قال عمر‪ :‬فقلت‪ :‬يا خليفة رسول الله تأّلف الناس‬
‫خوار في السلم قد‬ ‫فأرفق بهم‪ .‬فقال لي‪ :‬أجبار في الجاهلية ّ‬
‫)‪(5‬‬
‫ي ؟ لقد سمع أبو بكر‬ ‫دين أينقص وأنا ح ّ‬ ‫انقطع الوحي‪ ،‬وّتم ال ّ‬
‫دين‪ ،‬وما عزم على خوض‬ ‫صحابة في حرب المرت ّ‬ ‫وجهات نظر ال ّ‬
‫الحرب إل بعد أن سمع وجهات النظر بوضوح إل أّنه كان سريع‬
‫صواب له‪،‬‬ ‫دد لحظة بعد ظهور ال ّ‬ ‫القرار‪ ،‬حاسم الرأي‪ ،‬فلم يتر ّ‬
‫دد كان سمة بارزة من سمات أبي بكر هذا الخليفة‬ ‫وعدم التر ّ‬
‫حة رأيه‪،‬‬ ‫العظيم – في حياته كّلها‪ ،‬ولقد اقتنع المسلمون بص ّ‬
‫ورجعوا إلى قوله‪ ،‬واستصوبوه لقد كان أبو بكر – رضي الله عنه –‬
‫أبعد الصحابة نظرًا‪ ،‬وأحقهم فهمًا‪ ،‬وأربطهم جنانا ً في هذه الطامة‬
‫العظيمة )‪ ،(6‬والمفاجأة المذهلة‪.‬‬
‫‪ -3‬الشورى في جمع القرآن‪:‬‬
‫‪()1‬حروب الردة‪ ،‬محمد أحمد باشميل ص ‪.24‬‬
‫‪()2‬مسلم رقم ‪.21‬‬
‫‪()3‬الشورى بين الصالة والمعاصرة للتميمي ص ‪.86‬‬
‫‪()4‬المرتضى لبي الحسن الّندوي ص ‪.70‬‬
‫لبي‪.‬‬‫ص ّ‬
‫‪ 5‬أبو بكر الصديق لل ّ‬
‫)(‬

‫‪()6‬حركة الردة د‪ .‬علي الغنوم ص ‪.165‬‬

‫‪-42-‬‬
‫كان من ضمن شهداء المسلمين في حرب اليمامة كثير من‬
‫حفظه القرآن‪ ،‬وقد نتج عن ذلك أن قام أبوبكر – رضي الله عنه‬
‫بمشورة عمر بن الخطاب رضي الله – بجمع القرآن حيث جمع‬
‫سعف‪ ،‬ومن صدور الّرجال )‪ ،(1‬وأسند‬ ‫من الّرقاع‪ ،‬والعظام‪ ،‬وال ّ‬
‫صحابي الجليل زيد بن ثابت‬ ‫الصديق هذا العمل العظيم إلى ال ّ‬
‫ي‬
‫النصاري – رضي الله عنه – يروي زيد بن ثابت فيقول‪ :‬بعث إل ّ‬
‫أبو بكر – لمقتل أهل اليمامة )‪ ،(2‬فإذا عمر بن الخطاب عنده‪،‬‬
‫قال أبو بكر رضي الله عنه ‪ : -‬إن عمر أتاني فقال ‪ :‬إن القتل قد‬
‫حر القتل‬ ‫ي أخشى أن يست ّ‬ ‫حر يوم القيامة بقّراء القرآن وإن ّ‬ ‫)‪(3‬است ّ‬
‫‪4‬‬
‫ي أرى‬ ‫بالقّراء في المواطن ) (‪ ،‬كلّها فيذهب كثير من القرآن وإن ّ‬
‫أن تأمر بجمع القرآن‪ ،‬فقال لعمر‪ :‬كيف أفعل شيئا ً لم يفعله‬
‫رسول الله صلى الله عليه وسلم )‪ (5‬فقال عمر‪ :‬هذا والله خير‪،‬‬
‫فلم يزل عمر يراجعني حّتى شرح الله صدري للذي شرح له صدر‬
‫عمر‪ ،‬ورأيت في ذلك الذي رأى عمر‪ .‬قال زيد‪ :‬قال أبوبكر ‪ :‬وإنك‬
‫رجل شاب عاقل ل نتّهمك‪ ،‬وقد كنت تكتب الوحي لرسول الله‬
‫صلى الله عليه وسلم فتتّبع القرآن‪ ،‬فاجمعه‪ .‬قال زيد فوالله لو‬
‫ما كلفني به من‬ ‫يم ّ‬ ‫كلفوني نقل جبل من الجبال ما كان بأثقل عل ّ‬
‫سب )‪ (6‬والّلخاف ) ( وصدور‬
‫‪7‬‬
‫جمع القرآن؛ فتتبعت القرآن من العَ َ‬
‫الّرجال‪ ،‬والّرقاع‪ ،‬والكتاف )‪ (8‬قال حتى وجدت آخر سورة التوبة‬
‫مع أبي خزيمة النصاري لم أجده مع أحد غيره قال تعالى ‪ " :‬ل َ َ‬
‫قد ْ‬
‫كم‬‫ص ع َل َي ْ ُ‬
‫ري ٌ‬‫ح ِ‬
‫م َ‬ ‫زيٌز ع َل َي ْهِ َ‬
‫ما ع َن ِت ّ ْ‬ ‫م عَ ِ‬‫سك ُ ْ‬
‫ف ِ‬ ‫ن َأن ُ‬‫م ْ‬‫ل ّ‬‫سو ٌ‬ ‫م َر ُ‬ ‫جاءك ُ ْ‬ ‫َ‬
‫م "التوبة‪ ،‬آية‪ "128 :‬حتى خاتمة براءة‬ ‫حي ٌ‬‫ف ّر ِ‬ ‫ؤو ٌ‬ ‫ن َر ُ‬ ‫مؤ ْ ِ‬
‫مِني َ‬ ‫ْ‬
‫ِبال ُ‬
‫وكانت الصحف عند أبي بكر في حياته‪ ،‬حتى توّفاه لله‪ ،‬ثم عند‬
‫عمر في حياته‪ ،‬حتى توّفاه الله‪ ،‬ثم عند حفصة بنت عمر رضي‬
‫الله عنهم )‪.(9‬‬
‫وهكذا فجمع القرآن الكريم فيه دليل عملي على ممارسة‬
‫الشورى الجماعية‪ ،‬فقد اتسع نطاق الشورى‪ ،‬وتبادل الرأي‪،‬‬

‫‪()1‬حروب الردة وبناء الدولة السلمية‪ ،‬أحمد سعيد ص ‪.145‬‬


‫ذاب وأعوانه‪.‬‬ ‫‪()2‬يعني واقعة يوم اليمامة ضد ّ مسيلمة الك ّ‬
‫‪()3‬استحّر ‪ :‬كثر واشتد‪.‬‬
‫‪()4‬أي في الماكن التي يقع فيها القتال مع الكفار‪.‬‬
‫ص ّ‬
‫لبي‪.‬‬ ‫‪ 5‬أبوبكر الصديق لل ّ‬
‫)(‬

‫‪()6‬العسب جريد النخل‪.‬‬


‫‪()7‬الّلخاف ‪ :‬جمع لخفة وهي صفائح الحجارة‪.‬‬
‫‪()8‬الكتاف ‪ :‬جمع كتف وهو العظم الذي للبعير‪.‬‬
‫‪()9‬البخاري رقم ‪.4986‬‬

‫‪-43-‬‬
‫والمراجعة العلمية وذلك مما كان سببا ً في القناع وإجتماع الرأي‬
‫)‪(1‬على إنجاز هذا المشروع الحضاري العظيم‪.‬‬
‫‪ -4‬الشورى في القضاء‪:‬‬
‫كان أبو بكر – رضي الله عنه‪ ،‬إذا ورد عليه حكم‪ ،‬نظر في كتاب‬
‫الله تعالى‪ ،‬فإن وجد فيه ما يقضي به؛ قضى فإن لم يجد في‬
‫كتاب الله‪ ،‬نظر في سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم‪ ،‬فإن‬
‫وجد فيها ما يقضي به‪ ،‬قضى به‪ ،‬فإن أعياه ذلك‪ ،‬سأل الناس‪ :‬هل‬
‫علمتم ‪ :‬أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قضى فيه بقضاء‪،‬‬
‫فرّبما قام إليه القوم فيقولون ‪ :‬قضى فيه بكذا أو بكذا‪ ،‬فيأخذ‬
‫بقضاء رسول الله صلى الله عليه وسلم ويقول عندئذ‪ :‬الحمد لله‬
‫الذي جعل فينا من يحفظ عن نبّينا‪ ،‬وإن أعياه ذلك‪ ،‬دعا رؤوس‬
‫المسلمين‪ ،‬وعلماءهم‪ ،‬استشارهم فإذا اجتمع رأيهم على المر‬
‫قضى به)‪.(2‬‬
‫ويظهر ‪ :‬أن الصديق يرى الشورى ملزمة إذا اجتمع رأي أهل‬
‫الشورى على أمر‪ ،‬إذ ل يجوز للمام مخالفتهم )‪.(3‬‬
‫‪ -5‬الشورى في الجهاد‪:‬‬
‫دعا عمر‪ ،‬وعثمان‪ ،‬وعليا وطلحة‪ ،‬والزبير‪ ،‬وعبدالرحمن بن عوف‪،‬‬
‫وسعد بن أبي وقاص‪ ،‬وأبا عبيدة بن الجّراح ووجوه المهاجرين‬
‫ن الله تبارك‬ ‫والنصار من أهل بدر‪ ،‬وغيرهم‪ ،‬فدخلوا عليه فقال‪ :‬إ ّ‬
‫وتعالى ل تحصى نعمه ول تبلغ العمال جزاءها‪ ،‬فله الحمد كثيرا ً‬
‫على ما اصطنع عندكم من جمع كلمتكم‪ ،‬وأصلح ذات بينكم‪،‬‬
‫وهداكم إلى السلم ونفى عنكم الشيطان‪ ،‬فليس يطمع أن‬
‫خذ إلها ً غيرها‪ ،‬فالعرب أمة واحدة‪ ،‬بنو أب‬ ‫تشركوا بالله‪ ،‬ول أن تت ّ‬
‫شام‪ ،‬فمن هلك؛ هلك‬ ‫م وقد أردت أن ستفزكم إلى الّروم بال ّ‬ ‫وأ ّ‬
‫شهيد‪ ،‬وما عند الله خير للبرار‪ ،‬ومن عاش‪ ،‬عاش مدافعا ً عن‬
‫الدين‪ ،‬مستوجبا ً على الله عز وجل ثواب المجاهدين‪ ،‬هذا رأيي‬
‫ل امرىِء بمبلغ رأيه )‪(4‬وقد أجمع‬ ‫يك ّ‬‫الذي رأيت‪ ،‬فليشر عل ّ‬
‫الصحابة على موافقة الصديق في غزو الروم وإنما تنوعت وجهات‬
‫نظر بعضهم في كيفية هذا الغزو‪ ،‬فكان رأي عمر إرسال الجيوش‬
‫شام فتكون ّقوة كبيرة تستطيع أن‬ ‫تلو الجيوش حتى تتجمع في ال ّ‬
‫قوات‬ ‫تعمد للعداء وكان رأي عبدالرحمن بن عوف أن يبدأ الغزو ب ّ‬
‫صغيرة‪ ،‬تغير على أطراف الشام ثم تعود إلى المدينة‪ ،‬حتى إذا ّتم‬
‫‪()1‬الشوري د‪ .‬أحمد المام ص ‪.40‬‬
‫‪()2‬موسوعة فقه أبي بكر الصديق قلعجي ص ‪.155‬‬
‫لبي ص ‪.173‬‬ ‫ص ّ‬
‫‪ 3‬أبوبكر الصديق لل ّ‬
‫)(‬

‫لبي‪.‬‬‫ص ّ‬
‫‪ 4‬أبو بكر الصديق ص ‪ 370‬لل ّ‬
‫)(‬

‫‪-44-‬‬
‫إرهاب العدوّ وإضعافه؛ تبعث الجيوش الكبيرة وقد أخذ أبوبكر‬
‫برأي عمر في هذا المر‪ ،‬واستفاد من رأي عبدالرحمن بن عوف‬
‫صة أهل‬ ‫فيما يتعلقّ بطلب المدد بالجيوش من قبائل العرب وخا ّ‬
‫اليمن )‪.(1‬‬
‫وفي وصيته ليزيد بن أبي سفيان قائد أول جيش أرسل إلى بلد‬
‫الشام لفتح دمشق‪ ،‬أشار الصديق إلى أمور مهمة في الجهاد‪،‬‬
‫وأسباب النصر على العداء‬
‫لما أراد أبوبكر – رضي الله عنه – أن يجّهز الجنود إلى الشام وقد‬
‫أوصاه بأهمية الشورى فقال له‪ :‬وإذا استشرت فاصدق الحديث‪،‬‬
‫وتي من قبل‬ ‫ُتصدق المشورة‪ ،‬ول تحزن عن المشير؛ خبرك‪ ،‬فت ُ ْ‬
‫نفسك )‪.(2‬‬
‫م من‬ ‫فبين الصديق ليزيد بن أبي سفيان‪ ،‬بأن إتقان المشورة أه ّ‬
‫النظر في نتائجها‪ ،‬فإن المستشار وإن كان حصيف الرأي‪ ،‬ثاقب‬
‫الفكر‪ ،‬فإّنه ل يستطيع أن يفيد من استشاره حتى ينكشف له أمره‬
‫بغاية الوضوح‪ ،‬فإذا أخفى المستشير بعض تفاصيل القضّية‪ ،‬فإّنه‬
‫يكون قد جنى على نفسه‪ ،‬حيث قد يتضرر بهذه المشورة )‪.(3‬‬
‫وقال الصديق لعمرو بن العاص في وصيته له لما أرسله على‬
‫رأس جيش لفتح فلسطين ببلد الشام‪ .. :‬ول تدخر عنهم صالح‬
‫ب رأي محمود في الحرب‪ ،‬مبارك في عواقب المور‬ ‫ة‪ ،‬فر ّ‬
‫مشور ِ‬
‫)‪.(4‬‬

‫خامسًا‪ :‬الشورى في عهد الفاروق‪:‬‬


‫أ‪ -‬بيعة عمر بن الخطاب‪:‬‬
‫لما اشتد المرض بأبي بكر جمع الناس إليه فقال‪ :‬إنه قد نزل بي‬
‫ما قد ترون ول أظنني إل ميتا ً لما بي‪ ،‬وقد أطلق الله إيمانكم من‬
‫بيعتي‪ ،‬وحل عنكم عقدتي‪ ،‬ورد عليكم أمركم فأمروا عليكم من‬
‫)‪(5‬‬
‫أحببتم؛ فإنكم إن أمرتم في حياتي كان أجدر أل تختلفوا بعدي ‪،‬‬
‫وتشاور الصحابة رضي الله عنهم‪ ،‬وكل يحاول أن يدفع المر عن‬
‫نفسه ويطلبه لخيه إذ يرى فيه الصلح والهلية؛ لذا رجعوا إليه‬
‫فقالوا‪ :‬رأينا يا خليفة رسول الله رأيك‪ ،‬قال فأمهلوني حتى أنظر‬
‫لله ولدينه ولعباده‪ ،‬فدعا أبوبكر عبدالرحمن بن عوف فقال له‪:‬‬
‫‪()1‬المصدر نفسه ص ‪ 372‬التاريخ السلمي للحميدي )‪.(9/188‬‬
‫‪()2‬الكامل في التاريخ لبن الثير )‪.(65 ،2/64‬‬
‫‪()3‬التاريخ السلمي )‪.(197 – 9/192‬‬
‫لبي ص ‪.382‬‬ ‫ص ّ‬
‫‪ 4‬أبوبكر الصديق لل ّ‬
‫)(‬

‫‪()5‬البداية والنهاية )‪ (7/18‬تاريخ الطبري )‪.(4/238‬‬

‫‪-45-‬‬
‫أخبرني عن عمر بن الخطاب فقال له‪ :‬ما تسألني عن أمر إل‬
‫وأنت أعلم به مني‪ ،‬فقال أبوبكر‪ :‬وإن فقال عبدالرحمن ‪ :‬هو والله‬
‫أفضل من رأيك فيه‪ ،‬ثم‪ ،‬على ذلك يا أبا عبدالله‪ ،‬فقال عثمان‪:‬‬
‫اللهم علمي به أن سريرته خير من علنيته‪ ،‬وأنه ليس فينا مثله‪.‬‬
‫فقال أبوبكر ‪ :‬يرحمك الله‪ ،‬والله لو تركته ما ع َد َوُْتك ثم دعا أسيد‬
‫بن حضير فقال له مثل ذلك‪ ،‬فقال أسيد‪ :‬اللهم أعلمه الخيرة‬
‫بعدك يرضى للرضا‪ ،‬ويسخط للسخط‪ ،‬والذي يسر خير من الذي‬
‫يعلن‪ ،‬ولن يلي هذا المر أحد أقوى عليه منه‪ ،‬وكذلك استشار‬
‫سعيد بن زيد وعددا ً من النصار والمهاجرين‪ ،‬وكلهم تقريبا ً كانوا‬
‫برأي واحد في عمر إل طلحة بن عبيد الله خاف من شدته‪ ،‬فقال‬
‫لبي بكر‪ :‬ما أنت قائل لربك إذا سألك عن استخلفك عمر علينا‬
‫وقد ترى غلظته؟ فقال أبوبكر ‪:‬أجلسوني أبالله تخوفونني؟ خاب‬
‫من تزود من أمركم بظلم‪ ،‬أقول اللهم استخلف عليهم خير أهلك‬
‫)‪ ،(1‬وبين لهم سبب غلظة عمر وشدته فقال‪ :‬ذلك لنه يراني رقيقا ً‬
‫ولو أفضى المر إليه لترك كثيرا ً مما عليه )‪ ،(2‬ثم كتب عهدا ً مكتوبا ً‬
‫يقرأ على الناس في المدينة وفي المصار عن طريق أمراء‬
‫الجناد‪ ،‬فكان نص العهد‪ :‬بسم الله الرحمن الرحيم‪ ،‬هذا ما عهد‬
‫أبوبكر بن أبي قحافة في آخر عهده بالدنيا خارجا ً منها‪ ،‬وعند أول‬
‫عهده بالخرة داخل ً فيها حيث يؤمن الكافر‪ ،‬ويوقن الفاجر‪ ،‬ويصدق‬
‫الكاذب‪ ،‬إني لم آل الله ورسوله ودينه ونفسي وإياكم خيرًا‪ ،‬فإن‬
‫عدل فذلك ظني به وعلمي فيه وإن بدل فلكل امرى‪ .‬ما اكتسب‬
‫ن‬
‫ذي َ‬‫والخير أردت ول أعلم الغيب ‪ ":‬إ ِّل ال ّ ِ‬
‫ما‬
‫من ب َعْد ِ َ‬ ‫ه ك َِثيًرا َوانت َ َ‬
‫صُروا ِ‬ ‫ت وَذ َك َُروا الل ّ َ‬ ‫حا ِ‬
‫صال ِ َ‬ ‫مُلوا ال ّ‬ ‫مُنوا وَع َ ِ‬ ‫آ َ‬
‫َ‬
‫ن " )الشعراء‪ ,‬آية‪:‬‬ ‫قل ُِبو َ‬
‫ب َين َ‬‫قل َ ٍ‬ ‫من َ‬ ‫موا أيّ ُ‬ ‫ن ظ َل َ ُ‬‫ذي َ‬ ‫م ال ّ ِ‬
‫سي َعْل َ ُ‬
‫موا وَ َ‬ ‫ظ ُل ِ ُ‬
‫‪.(٢٢7‬‬
‫وأراد الصديق أن يبلغ الناس بلسانه واعيا ً مدركًا‪ ،‬حتى ل يحصل‬
‫أي لبس‪ ،‬فأشرف أبوبكر على الناس وقال لهم‪ :‬أترضون بمن‬
‫استخلف عليكم‪ ،‬فإني والله ما ألوت من جهد الرأي‪ ،‬ول وليت ذا‬
‫قرابة وإني قد استخلفت عليكم عمر بن الخطاب‪ ،‬فاسمعوا له‬
‫وأطيعوا‪ .‬فقالوا سمعنا وأطعنا )‪.(3‬‬
‫وتوجه الصديق رضي الله عنه بالدعاء إلى الله يناجيه ويبثه كوامن‬
‫نفسه‪ ،‬وهو يقول‪ :‬اللهم وليته بغير أمر نبيك ولم أرد بذلك إل‬

‫‪()1‬الكامل في التاريخ )‪ (2/79‬التاريخ السلمي محمود شاكر ص ‪.101‬‬


‫‪()2‬الكامل لبن الثير )‪.(2/79‬‬
‫‪()3‬تاريخ الطبري )‪.(4/248‬‬

‫‪-46-‬‬
‫وليت عليهم‬ ‫صلحهم‪ ،‬وخفت عليهم الفتنة‪ ،‬واجتهدت لهم رأيي‪ ،‬ف ّ‬
‫خيرهم‪ ،‬وأحرصهم على ما أرشدهم‪ ،‬وقد حضرني من أمرك ما‬
‫حضر فاخلفني فيهم فهم عبادك )‪.(1‬‬
‫وكلف أبوبكر عثمان رضي الله عنهما‪ :‬بأن يتولى قراءة العهد على‬
‫الناس وأخذ البيعة لعمر قبل موت أبي بكر‪ ،‬بعد أن ختمه لمزيد‬
‫من التوثيق والحرص على إمضاء المر‪ ،‬دون أي آثار سلبية وقال‬
‫عثمان للناس‪ :‬أتبايعون لمن في هذا الكتاب؟ قالوا‪ :‬نعم فأقروا‬
‫بذلك جميعا ً ورضوا به )‪ ،(2‬فبعد أن قرأ العهد على الناس ورضوا به‬
‫أقبلوا عليه وبايعوه )‪ ،(3‬واختلى الصديق بالفاروق وأوصاه‬
‫بمجموعة من التوصيات لخلء ذمته من أي شي؛ حتى يمضي إلى‬
‫ربه خاليا ً من أي تبعة بعد أن بذل قصارى جهده واجتهاده )‪.(4‬‬
‫وقد جاء في الوصية‪ :‬اتق الله يا عمر‪ ،‬وأعلم أن لله عمل ً بالنهار ل‬
‫يقبله بالليل‪ ،‬وعمل ً بالليل ل يقبله بالنهار‪ ،‬وأنه ل يقبل نافلة حتى‬
‫تؤدي فريضة وإنما ثقلت موازين من ثقلت موازينه يوم القيامة‬
‫باتباعهم الباطل غدا ً أن يكون خفيفًا‪ ،‬وأن الله تعالى‪ ،‬ذكر أهل‬
‫الجنة فذكرهم بأحسن أعمالهم وتجاوز عن سيئه‪ ،‬فإذا ذكرتهم‬
‫قلت‪ :‬إني أخاف أل ألحق بهم‪ ،‬وإن الله – تعالى – ذكر أهل النار‪،‬‬
‫فذكرهم بأسوأ أعمالهم‪ ،‬ورد ّ عليهم أحسنه‪ ،‬فإذا ذكرتهم‪ ،‬قلت ‪:‬‬
‫إني لرجوا أل أكون مع هؤلء ليكون العبد راغبا ً راهبًا‪ ،‬ل يتمنى‬
‫على الله ول يقنط من رحمة الله‪ ،‬فإن أنت حفظت وصيتي فل يك‬
‫غائب أبغض إليك من الموت ولست ُتعجزه )‪.(5‬‬
‫وباشر عمر بن الخطاب رضي الله عنه أعماله بصفته خليفة‬
‫للمسلمين فور وفاة أبي بكر )‪ ،(6‬كما أن ترشيح أبي بكر الصديق‬
‫رضي الله عنه لعمر بن الخطاب‪ ،‬لم يأخذ قوته الشرعية إل بعدما‬
‫وافق المسلمون على ذلك‪ ،‬وهذا ما تحقق حين طلب أبوبكر من‬
‫الناس أن يبحثوا لنفسهم عن خليفة من بعده‪ ،‬فوضعوا المر بين‬
‫قرر أبو بكر الترشيح إل‬ ‫يديه‪ ،‬وقالوا له‪ :‬رأينا إنما هو رأيك)‪،(7‬ولم ي ّ‬
‫بعد أن استشار أعيان الصحابة فسأل كل واحد على انفراد‪ ،‬ولما‬
‫ترجح لديه اتفاقهم أعلن ترشيحه لعمر‪ ،‬فكان ترشيح أبي بكر‬

‫‪()1‬طبقات ابن سعد )‪.(3/200‬‬


‫‪()2‬طبقات ابن سعد )‪.(3/200‬‬
‫‪()3‬دراسات في عهد البنوة والخلفة الراشدة ص ‪.272‬‬
‫‪()4‬المصدر نفسه ص ‪.272‬‬
‫‪()5‬صفة الصفوة لبن الجوزي )‪.(265 ، 2/264‬‬
‫‪()6‬دراسات في عهد النبوة والخلفة الراشدة ص ‪.272‬‬
‫‪()7‬القيود الواردة على سلطة الدولة د‪ .‬عبدالله الكيلني ص ‪.172‬‬

‫‪-47-‬‬
‫صادرا ً عن استقراء لراء المة من خلل أعيانها‪ ،‬على أن هذا‬
‫الترشيح ل يأخذ قوته الشرعية إل بقبول المة به؛ ذلك أن اختيار‬
‫الحاكم حق للمة‪ ،‬والخليفة يتصرف بالوكالة عن المة‪ ،‬ولبد من‬
‫رضا الصيل؛ ولهذا توجه أبوبكر إلى المة‪ :‬أترضون بمن استخلف‬
‫عليكم؟ فإني والله ما ألوت من جهدي الرأي ول وليت ذا قرابة‪،‬‬
‫وإني قد استخلفت عمر بن الخطاب‪ ،‬فاسمعوا له وأطيعوا‪،‬‬
‫فقالوا‪ :‬سمعنا وأطعنا )‪ ،(1‬وفي وقول أبي بكر ‪ :‬أترضون بمن‬
‫استخلف عليكم إشعار بأن المر للمة وأنها هي صاحبة العلقة‬
‫والختصاص )‪.(2‬‬
‫إن عمر رضي الله عنه ولي الخلفة باتفاق أهل الحل والعقد‬
‫وإرادتهم؛ فهم الذين وضعوا لبي بكر انتخاب الخليفة وجعلوه نائبا ً‬
‫عنهم في ذلك‪ ،‬فشاور ثم عين الخليفة ثم عرض هذا التعيين على‬
‫الناس فأقروه‪ ،‬وأمضوه ووافقوا عليه‪ ،‬وأصحاب الحل والعقد في‬
‫المة هم النواب "الطبيعيون" عن هذه المة‪ ،‬وإذن فلم يكن‬
‫استخلف عمر رضي الله عنه إل على أصح الساليب الشورية‬
‫وأعدلها )‪.(3‬‬
‫إن الخطوات التي سار عليها أبوبكر الصديق في اختيار خليفته من‬
‫بعده ل تتجاوز الشورى بأي حال من الحوال‪ ،‬وإن كانت‬
‫الجراءات المتبعة فيها غير الجراءات المتبعة في تولية أبي بكر‬
‫نفسه‪ ،‬وهكذا تم عقد الخلفة لعمر رضي الله عنه بالشورى‬
‫والتفاق‪ ،‬ولم يورد التاريخ أي خلف وقع حول خلفته بعد ذلك‪ ،‬ول‬
‫أن أحدا ً نهض طول عهده لينازعه المر‪ ،‬بل كان هناك إجماع على‬
‫خلفته وعلى طاعته في أثناء حكمه‪ ،‬فكان الجميع وحدة واحدة‬
‫)‪.(4‬‬
‫‪ -2‬الشورى في أراضي الخراج‪:‬‬
‫الخراج له معنيان ‪ :‬عام وهو كل إيراد وصل إلى بيت مال‬
‫المسلمين من غير الصدقات‪ ،‬فهو يدخل في المعنى العام للفيء‬
‫ويدخل فيه إيراد الجزية وإيراد العشور وغير ذلك وله معنى خاص‪:‬‬
‫وهو إيراد الرض التي افتتحها المسلمون عنوة وأوقفها المام‬
‫لمصالح المسلمين على الدوام كما فعل عمر بأرض السواد من‬

‫‪()1‬المصدر نفسه‪.‬‬
‫‪()2‬المصدر نفسه‪.‬‬
‫ص ّ‬
‫لبي ص ‪.79‬‬ ‫‪ 3‬عمر بن الخطاب لل ّ‬
‫)(‬

‫‪()4‬المصدر نفسه ص ‪.79‬‬

‫‪-48-‬‬
‫العراق والشام والخراج‪ ،‬ل يقاس بإجارة ول ثمن‪ ،‬بل هو أصل‬
‫ثابت بنفسه ل يقاس بغيره)‪.(1‬‬
‫عندما قويت شوكة السلم بالفتوحات العظيمة وبالذات بعد‬
‫القضاء على القوتين العظيمتين الفرس والروم‪ ،‬تعددت موارد‬
‫المال في الدولة السلمية وكثرة مصارفه وللمحافظة على كيان‬
‫هذه الدولة المترامية الطراف وصون عزها وسلطانها وضمان‬
‫مصالح العامة‪ ،‬والخاصة كان لبد من سياسة مالية حكيمة رشيدة‪،‬‬
‫فكر لها عمر رضي الله عنه‪ ،‬أل وهي إيجاد مورد مالي ثابت ودائم‬
‫للقيام بهذه المهام‪ ،‬وهذا المورد هو‪ :‬الخراج فقد أراد الفاتحون أن‬
‫تقسم عليهم الغنائم من أموال وأراض وفقا ً لما جاء في القرآن‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫ن ل ِل ّ ِ‬
‫ه‬ ‫يٍء فَأ ّ‬ ‫ش ْ‬‫من َ‬ ‫مُتم ّ‬ ‫ما غ َن ِ ْ‬ ‫موا ْ أن ّ َ‬ ‫صا بالغنائم‪َ " :‬واع ْل َ ُ‬ ‫الكريم خا ّ‬
‫ل‬
‫سِبي ِ‬ ‫ن ال ّ‬ ‫ن َواب ْ ِ‬‫كي ِ‬
‫سا ِ‬ ‫م َ‬ ‫مى َوال ْ َ‬ ‫قْرَبى َوال ْي ََتا َ‬ ‫ذي ال ْ ُ‬ ‫ل وَل ِ ِ‬
‫سو ِ‬ ‫ه ِللّر ُ‬ ‫س ُ‬‫م َ‬ ‫خ ُ‬ ‫ُ‬
‫ْ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫ّ‬ ‫ِإن ُ‬
‫قى‬ ‫م الت َ َ‬ ‫ن ي َوْ َ‬‫فْرَقا ِ‬ ‫م ال ُ‬ ‫ما أنَزلَنا ع َلى ع َب ْد َِنا ي َوْ َ‬ ‫م ِباللهِ وَ َ‬ ‫منت ُ ْ‬
‫مآ َ‬ ‫كنت ُ ْ‬
‫ديٌر" ( النفال‪ ,‬آية‪.(٤١ :‬‬ ‫يٍء قَ ِ‬ ‫ش ْ‬ ‫ل َ‬ ‫ه ع ََلى ك ُ ّ‬ ‫ن َوالل ّ ُ‬‫مَعا ِ‬ ‫ج ْ‬‫ال ْ َ‬
‫وقد أراد عمر رضي الله عنه في بداية المر تقسيم الرض بين‬
‫الفاتحين‪ ،‬ولكن علي بن أبي طالب رضي الله عنه رأى عدم‬
‫)‪(2‬‬
‫ذر عمر من ذلك ‪ .‬وقد‬ ‫ح ّ‬‫التقسيم‪ ،‬وشاركه الرأي معاذ بن جبل و ُ‬
‫ل‪ :‬قدم عمر الجابيه فأراد قسم الراضي بين‬ ‫روى أبو عبيدة قائ ً‬
‫المسلمين فقال معاذ‪ :‬والله إذن ليكونن ما تكره‪ ،‬إنك إن قسمتها‬
‫صار الريع العظيم في أيدي القوم ثم يبيدون فيصير ذلك إلى‬
‫الرجل الواحد أو المرأة‪ ،‬ثم يمأتي ممن بعدهم قوم ُيسدون من‬
‫السلم مسد ًّا‪ ،‬وهم ل يجدون شيئا ً فانظر أمرا ً يسع أولهم وآخرهم‬
‫)‪ (3‬لقد نبه معاذ بن جبل رضي الله عنه أمير المؤمنين عمر رضي‬
‫الله عنه إلى أمر عظيم‪ ،‬جعل يتتبع آيات القرآن الكريم‪ ،‬ويتأملها‬
‫مفكرا ً في معنى كل كلمة يقرؤها حتى توقف عند آيات تقسيم‬
‫الفيء في سورة الحشر‪ ،‬فتبين له أنها تشير إلى الفيء‬
‫للمسلمين في الوقت الحاضر‪ ،‬ولمن يأتي بعدهم‪ ،‬فعزم على‬
‫تنفيذ رأي معاذ رضي الله عنه‪ ،‬فانتشر خبر ذلك بين الناس ووقع‬
‫خلف بينه وبين بعض الصحابة ومنهم بلل بن رباح والزبير بن‬
‫العوام يرون تقسيمها‪ ،‬كما تقسم غنيمة العسكر‪ ،‬كما قسم النبي‬
‫صلى الله عليه وسلم خيبر‪ ،‬فأبى عمر رضي الله عنه التقسيم وتل‬
‫ما‬
‫عليهم اليات الخمسة من سورة الحشر من قوله تعالى ‪" :‬وَ َ‬

‫‪()1‬المصدر نفسه ص ‪.248‬‬


‫‪()2‬سياسة المال في السلم ص ‪ 103‬عبدالله جمعان‪.‬‬
‫ص ّ‬
‫لبي‪.‬‬ ‫‪ 3‬الموال لبي عبيد ص ‪ 75‬عمر بن الخطاب ص ‪ 248‬لل ّ‬
‫)(‬

‫‪-49-‬‬
‫ل وََل رِ َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫ب‬‫كا ٍ‬ ‫خي ْ ٍ‬ ‫ن َ‬ ‫م ْ‬ ‫م ع َل َي ْهِ ِ‬ ‫فت ُ ْ‬
‫ج ْ‬ ‫ما أوْ َ‬ ‫م فَ َ‬ ‫من ْهُ ْ‬ ‫سول ِهِ ِ‬ ‫ه ع ََلى َر ُ‬ ‫أَفاء الل ّ ُ‬
‫ديٌر"‬ ‫يٍء قَ ِ‬ ‫ش ْ‬ ‫ل َ‬ ‫ه ع ََلى ك ُ ّ‬ ‫شاء َوالل ّ ُ‬ ‫من ي َ َ‬ ‫ه ع ََلى َ‬ ‫سل َ ُ‬ ‫ط ُر ُ‬ ‫سل ّ ُ‬ ‫ه يُ َ‬ ‫ن الل ّ َ‬ ‫وَل َك ِ ّ‬
‫ما أ ََفاء‬ ‫)الحشر‪ ,‬آية‪ ( ٦:‬حتى فرغ من شأن بني النضير ثم قال‪ّ " :‬‬
‫ذي ال ْ ُ‬ ‫الل ّه ع ََلى رسول ِه م َ‬
‫قْرَبى‬ ‫ل وَل ِ ِ‬ ‫سو ِ‬ ‫قَرى فَل ِل ّهِ وَِللّر ُ‬ ‫ل ال ْ ُ‬ ‫ن أهْ ِ‬ ‫َ ُ ِ ِ ْ‬ ‫ُ‬
‫َ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬
‫ن الغن َِياء‬‫ْ‬ ‫ة ب َي ْ َ‬ ‫دول ً‬ ‫ن ُ‬ ‫ُ‬
‫ي ل ي َكو َ‬ ‫لك ْ‬‫َ‬ ‫سِبي ِ‬ ‫ن ال ّ‬ ‫ن َواب ْ ِ‬ ‫كي ِ‬ ‫سا ِ‬ ‫م َ‬ ‫مى َوال َ‬ ‫َوال ْي ََتا َ‬
‫قوا الل ّ َ‬
‫ه‬ ‫ه َفانت َُهوا َوات ّ ُ‬ ‫م ع َن ْ ُ‬ ‫ما ن ََهاك ُ ْ‬ ‫ذوه ُ وَ َ‬ ‫خ ُ‬ ‫ل فَ ُ‬ ‫سو ُ‬ ‫م الّر ُ‬ ‫ما آَتاك ُ ُ‬ ‫م وَ َ‬ ‫منك ُ ْ‬ ‫ِ‬
‫ب" )الحشر‪ ,‬آية‪ ) ٧ :‬فهذه عامة في القرى‬ ‫قا ِ‬ ‫ْ‬
‫ديد ُ العِ َ‬ ‫ش ِ‬ ‫ه َ‬ ‫ّ‬
‫ن الل َ‬ ‫إِ ّ‬
‫ُ‬
‫م‬
‫من ِديارِه ِ ْ‬ ‫جوا ِ‬ ‫خرِ ُ‬ ‫نأ ْ‬ ‫ذي َ‬ ‫ن ال ّ ِ‬ ‫ري َ‬ ‫ج ِ‬ ‫مَها ِ‬ ‫قَراء ال ْ ُ‬ ‫ف َ‬ ‫كلها ثم قال‪ " :‬ل ِل ْ ُ‬
‫َ‬
‫سول َ ُ‬
‫ه‬ ‫ه وََر ُ‬ ‫ن الل ّ َ‬ ‫صُرو َ‬ ‫واًنا وََين ُ‬ ‫ض َ‬ ‫ن الل ّهِ وَرِ ْ‬ ‫م َ‬ ‫ضًل ّ‬ ‫ن فَ ْ‬ ‫م ي َب ْت َُغو َ‬ ‫وال ِهِ ْ‬ ‫م َ‬ ‫وَأ ْ‬
‫ن " )الحشر‪ ,‬آية‪ ) ٨ :‬ثم لم يرضى حتى خلط‬ ‫صاد ُِقو َ‬ ‫م ال ّ‬ ‫ك هُ ُ‬ ‫أ ُوْل َئ ِ َ‬
‫ن ِفي‬ ‫دو َ‬ ‫ج ُ‬ ‫م وََل ي َ ِ‬ ‫جَر إ ِل َي ْهِ ْ‬ ‫ها َ‬ ‫ن َ‬ ‫م ْ‬ ‫ن َ‬ ‫حّبو َ‬ ‫بهم غيرهم فقال‪ " :‬ي ُ ِ‬
‫م وَل َوْ َ‬ ‫َ‬
‫ن ع ََلى أن ُ‬ ‫ُ‬
‫م‬‫ن ب ِهِ ْ‬ ‫كا َ‬ ‫سه ِ ْ‬ ‫ف ِ‬ ‫ما أوُتوا وَي ُؤ ْث ُِرو َ‬ ‫م ّ‬ ‫ة ّ‬ ‫ج ً‬‫حا َ‬ ‫م َ‬ ‫دورِه ِ ْ‬ ‫ص ُ‬ ‫ُ‬
‫ن " )الحشر‪,‬‬ ‫ْ‬ ‫َ‬
‫سهِ فَأوْلئ ِ َ‬ ‫ُ‬ ‫من ُيوقَ ُ‬
‫حو َ‬ ‫فل ِ ُ‬ ‫م ْ‬ ‫م ال ُ‬ ‫ك هُ ُ‬ ‫ف ِ‬ ‫ح نَ ْ‬ ‫ش ّ‬ ‫ة وَ َ‬ ‫ص ٌ‬‫صا َ‬ ‫خ َ‬ ‫َ‬
‫آية‪ .(٩ :‬فهذا في النصار خاصة ثم لم يرض حتى خلط بهم غيرهم‬
‫وان َِنا‬ ‫خ َ‬ ‫فْر ل ََنا وَِل ِ ْ‬ ‫ن َرب َّنا اغ ْ ِ‬ ‫قوُلو َ‬ ‫م يَ ُ‬ ‫من ب َعْد ِه ِ ْ‬ ‫ؤوا ِ‬ ‫جا ُ‬ ‫ن َ‬ ‫ذي َ‬ ‫فقال‪َ ":‬وال ّ ِ‬
‫مُنوا َرب َّنا إ ِن ّ َ‬
‫ك‬ ‫نآ َ‬ ‫ذي َ‬ ‫ل ِفي قُُلوب َِنا ِغّل ل ّل ّ ِ‬ ‫جعَ ْ‬ ‫ن وََل ت َ ْ‬ ‫ما ِ‬ ‫لي َ‬ ‫قوَنا ِبا ْ ِ‬ ‫سب َ ُ‬ ‫ن َ‬ ‫ذي َ‬ ‫ال ّ ِ‬
‫م" )الحشر‪ ,‬آية‪.(١٠ :‬‬ ‫حي ٌ‬ ‫ف ّر ِ‬ ‫ؤو ٌ‬ ‫َر ُ‬
‫فكانت هذه عامة لمن جاء بعدهم‪ ،‬فما من أحد من المسلمين إل‬
‫له في هذا الفيء حتى قال عمر لئن بقيت ليبلغن الراعي بصنعاء‬
‫نصيبه من هذا الفيء ودمه في وجهه )‪.(1‬‬
‫وفي رواية أخرى جاء فيها قال عمر‪ :‬فكيف بمن يأتي من‬
‫المسلمين فيجدون الرض بعلوجها قد اقتسمت وورثت عن الباء‬
‫وحيزت ما هذا برأي فقال عمر ‪ :‬ما هو إل كما تقول ولست أرى‬
‫ذلك والله ل يفتح بعدي بلد فيكون فيه كبير نيل بل عسى أن‬
‫يكون ك َل ّ على المسلمين‪ ،‬فإذا قسمت أرض العراق بعلوجها‪،‬‬
‫وأرض الشام بعلوجها‪ ،‬فما يسد به الثغور؟ وما يكون للذرية‬
‫والرامل لهذا البلد وبغيره من أراضي الشام والعراق؟ فأكثروا‬
‫على عمر وقالوا‪ :‬تقف ما أفاء الله علينا بأسيافنا على قوم لم‬
‫يحضروا ولم يشهدوا‪ ،‬ولبناء القوم وأبناء أبنائهم ولم يحضروا‪،‬‬
‫فكان عمر رضي الله عنه ل يزيد على أن يقول‪ :‬هذا رأيي‪ ،‬قالوا‪:‬‬
‫فاستشر‪ ،‬فأرسل إلى عشرة من النصار من كبراء الوس‬
‫والخزرج وأشرفهم فخطبهم وكان مما قال لهم‪ :‬إني واحد‬
‫كأحدكم‪ ،‬وأنتم اليوم تقرون بالحق خالفني من خالفني‪ ،‬ووافقني‬
‫من وافقني‪ ،‬ولست أريد أن تتبعوا هذا الذي هواي‪ ،‬ثم قال‪ :‬قد‬
‫ص ّ‬
‫لبي ص ‪.249‬‬ ‫‪ 1‬الخراج لبي يوسف ص ‪ 67‬عمر بن الخطاب لل ّ‬
‫)(‬

‫‪-50-‬‬
‫سمعتم كلم هؤلء القوم الذين زعموا أني أظلمهم حقوقهم‪،‬‬
‫ولكن رأيت أنه لم يبق شيء يفتح بعد أرض كسرى‪ ،‬وقد غنمنا‬
‫الله أموالهم وأرضهم وعلوجهم فقسمت ما غنموا من أموال بين‬
‫أهله‪ ،‬وأخرجت الخمس فوجهته على وجهه‪ ،‬وقد رأيت أن أحبس‬
‫الرضين بعلوجها واضعا ً عليهم فيها الخراج وفي رقابهم الجزية‬
‫يؤدونها فتكون فيئا ً للمسلمين المقاتلة والذرية‪ ،‬ولمن يأتي من‬
‫بعدهم‪ ،‬أرايتم هذه الثغور لبد لها من رجال يلزمونها أرايتم هذه‬
‫المدن العظام ل بدلها من أن تشحن بالجيوش‪ ،‬وإدرار العطاء‬
‫عليهم فمن أين ُيعطي هؤلء إذا قسمت الرض والعلوج؟ فقالوا‬
‫جميعًا‪ :‬الرأي رأيك فنعم ما رأيت‪ ،‬إن لم تشحن هذه الثغور وهذه‬
‫وون به رجع أهل الكفر إلى‬ ‫المدن بالرجال وتجري عليهم ما يتق ّ‬
‫مدنهم )‪ ،(1‬وقد قال عمر فيما قاله‪ :‬لو قسمتها بينهم لصارت دولة‬
‫بين الغنياء منكم‪ ،‬ولم يكن لما جاء بعدهم من المسلمين شيء‪،‬‬
‫وقد جعل الله لهم فيها الحق بقوله تعالى ‪" :‬فاستوعبت الية‬
‫الناس إلى يوم القيامة‪ ،‬وبعد ذلك استقر رأي عمر وكبار الصحابة‬
‫رضي الله عنهم على عدم قسمة الرض )‪ (2‬وفي حواره مع‬
‫الصحابة يظهر أسلوب الفاروق في الجدل وكيف جمع فيه قوة‬
‫الدليل وروعة الصسورة واستمالة الخصم في مقالته التي قال‬
‫للنصار‪ ،‬عند المناقشة في أمر أرض السواد‪ ،‬ولو أن رئيسا ً ناشئا ً‬
‫في السياسة‪ ،‬متمرسا ً بأساليب الخطب البرلمانية أراد أن يخطب‬
‫النواب "لينال موافقتهم" على مشروع من المشروعات لم يجئ‬
‫بأرقّ من هذا المدخل أو أعجب من هذا السلوب‪ ،‬وامتاز عمر‬
‫فوق ذلك بأنه كان صادقا ً فما يقول‪ ،‬ولم يكن فيه سياسيا ً مخادعا ً‬
‫وأنه جاء به في نمط من البيان يسمو على الشباه والمثال )‪ (3‬لم‬
‫يكن الفاروق مخالفا ً للهدي النبوي في عدم تقسيمه للراضي‬
‫المفتوحة‪ ،‬وقد كان سنده‪ ،‬فيما فعل – أمورا ً منها‪:‬‬
‫‪ -‬آية الفيء في سورة الحشر‪.‬‬
‫‪ -‬عمل النبي صلى الله عليه وسلم حينما فتح مكة عنوة فتركها‬
‫لهلها ولم يضع عليها خراجًا‪.‬‬
‫‪ -‬قرار مجلس الشورى الذي عقده عمر بهذه المسألة بعد الحوار‬
‫والمجادلة وقد أصبح سنة متبعة في أرض يظهر عليها المسلمون‬
‫ويقرون أهلها عليها‪ ،‬وبهذا يظهر أن عمر حينما ميز بين الغنائم‬

‫‪()1‬الخراج لبي يوسف ص ‪.67‬‬


‫‪()2‬سياسة المال في السلم في عهد عمر بن الخطاب‪ ،‬عبدالله جمعان ص ‪.105‬‬
‫‪()3‬أخبار عمر‪ ،‬للطنطاوي ص ‪.210‬‬

‫‪-51-‬‬
‫المنقولة وبين الراضي كان متمسكا ً بدلئل النصوص‪ ،‬وجمع بينها‬
‫وأنزل كل ً منها منزلته التي يرشد إليها النظر الجامع السديد‪،‬‬
‫يضاف إلى ذلك أن عمر كان يقصد أن تبقي لهل البلد ثرواتهم‬
‫وأن يعصم الجند السلمي من فتن النزاع على الرض والعقار‪،‬‬
‫ومن فتن الدعة والنشغال بالثراء والحطام )‪.(1‬‬
‫إن الفاروق رضي الله عنه كان يلجأ إلى القرآن الكريم يتلمس‬
‫منه الحلول ويطوف بين مختلف آياته‪ ،‬ويتعمق في فهم منطوقها‬
‫ومفهومها‪ ،‬ويجمع بينها ويخصص بعضها ببعض حتى يصل إلى نتائج‬
‫تحقق المصالح المرجوة منها‪ ،‬مستلهما ً روح الشريعة غير واقف‬
‫مع ظواهر النصوص وقد أسعفه في قطع هذه المراحل إدراكه‬
‫الدقيق لمقاصد الشريعة بتلكم النصوص‪ ،‬وهي عملية مركبة‬
‫ومعقدة ل يحسن الخوض فيها إل من تمرس على الجتهاد وأعطي‬
‫فيها فهما ً سديدا ً وجرأة على القدام حيث يحسن القدام‪ ،‬حتى‬
‫خيل للبعض أن عمر كان يضرب بالنصوص ع ُْرض الحائط في‬
‫بعض الحيان‪ ،‬وحاشا أن يفعل عمر رضي الله عنه ذلك لكنه كان‬
‫مجتهدا ً ممتازا ً اكتسب حاسة تشريعية ل تضاهي حتى كان يرى‬
‫الرأي فينزل القرآن على وفقه‪ ،‬والنتيجة التي نخرج بها من هذه‬
‫القضية هي أن القرآن يفسر بعضه بعضا‪ ،‬ومثله في السنة )‪.(2‬‬
‫ما هي القيم والمصالح في عدم تقسيم أراضي‬
‫الخراج؟‬
‫هناك جملة من المصالح التي استند إليها عمر بن الخطاب –‬
‫والذين وافقوه على رأيه – في اتخاذ هذا القرار يمكنني تصنيفها‬
‫إلى صنفين ‪ :‬أولهما ‪ :‬المصالح الداخلية وأهمها سد الطريق على‬
‫الخلف والقتال بين المسلمين‪ ،‬وضمان توافر مصادر ثابته‬
‫لمعايش البلد والعباد‪ ،‬وتوفير الحاجات المادية اللزمة للجيال‬
‫اللحقة من المسلمين‪.‬‬
‫وثانيهما‪ :‬المصالح الخارجية والتي يتمثل أهمها في توفير ما يسد‬
‫سد حاجتها من الرجال والمؤن‪ ،‬والقدرة على‬ ‫ثغور المسلمين وي ّ‬
‫تجهيز الجيوش‪ ،‬بما يستلزمه ذلك من كفالة الرواتب وإدرار‬
‫العطاء وتمويل النفاق على العتاد والسلح وترك بعض الطراف‬
‫لتتولى مهام الدفاع عن حدود الدولة وأراضيها اعتمادا ً على ما‬
‫لديها من خراج‪ ،‬والذي يجب ملحظته في هذه المصالح أن‬
‫الخليفة أراد أن يضع بقراره دعائم ثابتة لمن المجتمع السياسي‬

‫‪()1‬الجتهاد في الفقه السلمي للسليماني ص ‪.131‬‬


‫‪()2‬الجتهاد في الفقه السلمي ص ‪.252‬‬

‫‪-52-‬‬
‫ليس في عصره فقط‪ ،‬بل وفيما يليه من عصور بعده وعباراته من‬
‫مثل "فكيف بمن يأتي من المسلمين" "وكرهت أن يترك‬
‫المسلمون" التي توخي بنظرته المستقبلية لهذا المن الشامل‬
‫تشهد على ذلك‪ ،‬وقد أثبت تطور الحداث السياسية في عصر‬
‫عمر بن الخطاب صواب وصدق ما قرره‪.‬‬
‫أ‪ -‬إن تعدد أطوار اتخاذ القرار بعدم تقسيم الراضي قد أكد‬
‫أمرين‪ :‬أولهما‪ :‬أن بعض القرارات المهمة التي تمس المصالح‬
‫الجوهرية للمسلمين قد تأخذ من الجهد والوقت الكثير‪ ،‬كما أنها‬
‫قد تتطلب قدرا ً من الناة في تبادل الحجج والبراهين دون أن يتيح‬
‫ذلك مجال ً للخلف وتعميق هوة النقسام أحيانا ً أو يفوت بابا من‬
‫أبواب تحقيق بعض المصالح الخاصة بأمن المة في حاضرها‬
‫ومستقبلها‪ ،‬والمر الثاني‪ :‬أن بعض القرارات المهمة التي قد‬
‫تخرج بعد عسر النقاش والحوار‪ ،‬والبداية المتعثرة لها‪ ،‬يفرض‬
‫على الحاكم الشرعي أن يكون أول المسلمين وآخرهم جهدا ً في‬
‫السعي إلى تضييق هوة الخلف‪ ،‬والتقريب بين وجهات النظر‬
‫المتعارضة لكي يصل بالمسلمين إلى الحكم الشرعي فيما هو‬
‫متنازع بشأنه )‪.(1‬‬
‫ب‪ -‬إن تبادل الرأي والجتهاد بين الخليفة والصحابة الذين لم‬
‫يوافقوه على رأيه واستناد الكل في ذلك إلى النصوص المنزلة في‬
‫الجتهاد يثبت أن الفيصل في إبداء الراء في القرارات السياسية‬
‫عامة والتي تمس مصالح المسلمين بصفة مباشرة خاصة‪ ،‬هو أن‬
‫تجيء هذه الراء مستندة إلى النصوص المنزلة‪ ،‬أو ما ينبغي أن‬
‫يتفرع عنها من مصادر أخرى ل تخرج عن أحكامها في محتواها‬
‫ومبرراتها‪.‬‬
‫ج‪ -‬إن لجوء الخليفة إلى استشارة أهل السابقة من كبار الصحابة‬
‫العلماء في فقه الحكام ومصادر الشرع‪ ،‬واستجابتهم بإخلص‬
‫النصح له‪ ،‬يؤكد أن أهل الشورى لهم مواصفات خاصة تميزهم‬
‫فالذين يستشارون هم أهل الفقه والفهم والورع والدراية الواعون‬
‫لدورهم‪ ،‬إنهم بعبارة أدق الذين ل إمعية في آرائهم‪ ،‬ومن دأبهم‬
‫توطين أنفسهم على قول الحق وفعله غير خائفين في ذلك لومة‬
‫لئم من حاكم أو غيره‪.‬‬
‫س‪ -‬ثم يبقى القول‪ :‬إن ما حدث بصدور قرار عدم تقسيم‬
‫الراضي يظل نموذجا ً عاليا ً سار عليه الصحابة في كيفية التعامل‬
‫وفق آداب الحوار وأخلقيات مناقشة القضايا‪ ،‬وتقليب أوجهها‬

‫‪()1‬البعاد السياسية لمفهوم المن في السلم مصطفى منجود ص ‪.318 ، 317‬‬

‫‪-53-‬‬
‫المختلفة ابتداًء بمرحلة التفكير في اتخاذ القرار بعدم تقسيم‬
‫الراضي – بصفة مباشرة‪ ،‬أو غيمر مباشرة – وعلى رأسهم الخليفة‬
‫الذي لم يخرج عن هذه الداب رغم اختلف اجتهاداتهم بشأنه )‪.(1‬‬
‫بل إن الفاروق بين أن الحاكم مجرد فرد في هيئة الشورى‪ ،‬وأعلن‬
‫الثقة في مجلس شورى المة‪ ،‬خالفته أو وافقته‪ ،‬والرد إلى كتاب‬
‫الله‪ ،‬فقد قال رضي الله عنه‪ :‬إني واحد منكم‪ ،‬كأحدكم‪ ،‬وأنتم‬
‫اليوم تفرون بالحق‪ ،‬خالفني من خالفني‪ ،‬ووافقني من وافقني‪،‬‬
‫ومعكم من الله كتاب ينطق بالحق )‪.(2‬‬
‫‪ -3‬الشورى في بدء التاريخ الهجري‪:‬‬
‫يعد التاريخ بالهجرة تطورا ً له خطره في النواحي الحضارية‪ ،‬وكان‬
‫أول من وضع التاريخ بالهجرة عمر‪ ،‬ويحكى في سبب ذلك عدة‬
‫دفع إلى عمر‬ ‫روايات‪ ،‬فقد جاء عن ميمون بن مهران أنه قال‪ُ :‬‬
‫ك محله في شعبان‪ ،‬فقال عمر‪ :‬شعبان هذا‬ ‫ص ّ‬
‫رضي الله عنه َ‬
‫ت أو الذي نحن فيه‪ ،‬ثم جمع أصحاب‬ ‫الذي مضى أو الذي هو آ ٍ‬
‫رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال لهم‪ :‬ضعوا للناس شيئا ً‬
‫يعرفونه فقال قائل ‪ :‬اكتبوا على تاريخ الروم‪ ،‬فقيل‪ :‬إنه يطول‬
‫وإنهم يكتبون من عند ذي القرنين‪ ،‬فقال قائل‪ :‬اكتبوا تاريخ‬
‫الفرس قالوا‪ :‬كلما قام ملك طرح ما كان قبله‪ ،‬فاجتمع رأيهم على‬
‫أن ينظروا كم أقام رسول الله صلى الله عليه وسلم بالمدينة‬
‫فوجدوه أقام عشر سنين‪ ،‬فكتب أو كتبوا التاريخ على هجرة‬
‫رسول الله صلى الله عليه وسلم )‪(3‬وعن عثمان بن عبيدالله قال‬
‫سمعت سعيد بن المسيب يقول ‪ :‬جمع عمر بن الخطاب رضي‬
‫الله عنه المهاجرين والنصار رضي الله عنهم فقال‪ :‬متى نكتب‬
‫التاريخ؟ فقال له علي بن أبي طالب‪ :‬منذ خرج النبي صلى الله‬
‫عليه وسلم من أرض الشرك‪ ،‬من يوم هاجر قال‪ ،‬فكتب ذلك عمر‬
‫بن الخطاب‪ ،‬وعن ابن المسيب قال‪ :‬أول من كتب التاريخ عمر بن‬
‫الخطاب رضي الله عنه لسنتين ونصف من خلفته‪ ،‬فكتب لست‬
‫عشرة من المحرم بمشورة على بن أبي طالب رضي الله عنه )‪،(4‬‬
‫وقال أبو الزناد )‪ :(5‬واستشار عمر في التاريخ‪ ،‬فأجمعوا على‬
‫الهجرة )‪ ،(6‬وروى ابن حجر في سبب جعلهم بداية التاريخ في شهر‬
‫‪()1‬البعاد السياسية لمفهوم المن في السلم ص ‪.318 ، 317‬‬
‫‪()2‬الدور السياسي للصفوة ص ‪ 185‬للسيد عمر‪.‬‬
‫‪()3‬محض الصواب لبن عبدالهادي )‪.(1/316‬‬
‫‪()4‬تاريخ السلم للذهبي ص ‪.163‬‬
‫‪()5‬عبدالله بن ذكوان القرشي‪ ،‬ثقة فقيه‪.‬‬
‫‪()6‬محض الصواب )‪.(1/317‬‬

‫‪-54-‬‬
‫محرم وليس في ربيع الول الشهر الذي تمت فيه هجرة النبي‬
‫صلى الله عليه وسلم أن الصحابة الذين أشاروا على عمر وجدوا‬
‫أن المور التي يمكن أن يؤرخ بها أربعة‪ ،‬هي مولده ومبعثه‬
‫وهجرته ووفاته‪ ،‬ووجدوا أن المولد والمبعث ل يخلون من النزاع‬
‫في تعيين سنة حدوثهما وأعرضوا عن التاريخ بوفاته لما يثيره من‬
‫الحزن والسى عند المسلمين‪ ،‬فلم يبق إل الهجرة وإنما أخروه‬
‫في ربيع الول إلى المحرم‪ ،‬لن ابتداء العزم على الهجرة كان من‬
‫المحرم؛ إذ وقعت بيعة العقبة الثانية في ذي الحجة‪ ،‬وهي مقدمة‬
‫الهجرة فكان أول هلل استهل بعد البيعة والعزم على الهجرة هو‬
‫جعل مبتدأ ‪ ..‬ثم قال ابن حجر‪ :‬وهذا‬ ‫هلل محرم‪ ،‬فناسب أن ي ُ‬
‫)‪(1‬‬
‫أنسب ما وقعت عليه من مناسبة البتداء بالمحرم ‪.‬‬
‫وبهذا الحدث الداري المتميز أسهم الفاروق في إحداث وحدة‬
‫شاملة بكل ما تحمله من معنى في شبه الجزيرة‪ ،‬حيث ظهرت‬
‫وحدة العقيدة بوجود دين واحد ووحدة المة‪ ،‬بإزالة الفوارق‪،‬‬
‫ووحدة التجاه باتخاذ تاريخ واحد‪ ،‬فاستطاع أن يواجه عدوه وهو‬
‫واثق من النصر)‪.(2‬‬
‫‪ -4‬لقب أمير المؤمنين‪:‬‬
‫لما مات أبوبكر رضي الله عنه وكان يدعى خليفة رسول الله‬
‫صلى الله عليه وسلم قال المسلمون‪ :‬من جاء بعد عمر قيل له‪:‬‬
‫خليفة خليفة رسول الله صلى الله عليه وسلم فيطول هذا‪ ،‬ولكن‬
‫أجمعوا على اسم تدعون به الخليفة‪ُ ،‬يدعى به من بعده من‬
‫الخلفاء فقال بعض أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ‪:‬‬
‫نحن المؤمنون وعمر أميرنا‪ ،‬فدعي عمر أمير المؤمنين‪ ،‬فهو أول‬
‫من سمي بذلك )‪.(3‬‬
‫‪ -5‬المشورة في اختيار الولة‪:‬‬
‫)‪(4‬‬
‫كان اختيار الولة يتم بعد مشاورة الخليفة لكبار الصحابة ‪ ،‬فقد‬
‫قال رضي الله عنه لصحابه يومًا‪ :‬دلوني على رجل إذا كان في‬
‫القوم أميرا ً فكأنه ليس بأمير‪ ،‬وإذا لم يكن بأمير فكأنه أمير‪،‬‬
‫فأشاروا إلى الربيع بن زياد )‪ ،(5‬وقد استشار عمر رضي الله عنه‬
‫الصحابة في من يولي على أهل الكوفة فقال لهم‪ :‬من يعذرني‬
‫من أهل الكوفة ومن تجنيهم على أمرائهم‪ ،‬إن استعملت عليهم‬
‫‪()1‬فتح الباري )‪ (7/268‬الخلفة الراشدة يحي اليحي ص ‪.286‬‬
‫‪()2‬جولة تاريخية في الخلفاء الراشدين محمد الوكيل ص ‪.90‬‬
‫‪()3‬الطبقات الكبري لبن سعد )‪.(3/281‬‬
‫لبي ص ‪.315‬‬ ‫ص ّ‬
‫‪ 4‬عمر بن الخطاب لل ّ‬
‫)(‬

‫‪()5‬المصدر نفسه ص ‪.315‬‬

‫‪-55-‬‬
‫جروه )‪ ،(1‬ثم قال‪:‬‬ ‫عفيفا ً استضعفوه‪ ،‬وإن استعملت عليه قويا ً ف ّ‬
‫أيها الناس ما تقولون في رجل ضعيف غير أنه مسلم تقي وآخر‬
‫قوي مشدد ّ أيهما الصلح للمارة ؟ فتكلم المغيرة بن شعبة فقال‪:‬‬
‫يا أمير المؤمنين إن الضعيف المسلم إسلمه لنفسه وضعفه عليك‬
‫شدد فشداده على نفسه وقوته لك‬ ‫وعلى المسلمين والقوي الم ّ‬
‫وللمسلمين فاعمل في ذلك رأيك‪ .‬فقال عمر‪ :‬صدقت يا مغيرة‪،‬‬
‫ثم وله الكوفة وقال له‪ :‬انظر أن تكون ممن يأمنه البرار ويخافه‬
‫الفجار فقال المغيرة‪ :‬أفعل ذلك يا أمير المؤمنين )‪.(2‬‬
‫وشدد عمر على الولة في استشارة أهل الرأي في بلدهم‪ ،‬وكان‬
‫الولة يطبقون ذلك ويعقدون مجالس للناس لخذ آرائهم وكان‬
‫يأمر ولته باستمرار بمشاورة أهل الرأي )‪ ،(3‬وطلب من ولته‬
‫إنزال الناس منازلهم‪ ،‬فقد كتب عمر إلى أبي موسى الشعري ‪:‬‬
‫ما غفيرًا‪ ،‬فإذا جاءك كتابي هذا فأذن لهل‬ ‫بلغني أنك تأذن للناس ج ّ‬
‫الشرف وأهل القرآن والتقوى والدين فإذا أخذوا مجالسهم فأذن‬
‫للعامة‪ ،‬وكتب إليه أيضًا‪ :‬لم يزال للناس وجوه يرفعون حوائج‬
‫الناس فأكرموا وجوه الناس‪ ،‬فإنه بحسب المسلم الضعيف أن‬
‫ينتصف في الحكم والقسمة )‪.(4‬‬
‫‪ -6‬تدوين الدواوين‪:‬‬
‫استشار عمر المسلمين في تدوين الدواوين‪ ،‬فأشار بعضهم بما‬
‫يراه إل أن الوليد‪ ،‬بن هشام بن المغيرة‪ ،‬قال‪ :‬جئت الشام فرأيت‬
‫ملوكها قد دّونوا ديوانا ً وجندوا جندًا‪ ،‬فدّون ديوانًا‪ ،‬وجند جندًا‪ ،‬وفي‬
‫بعض الروايات أن الذي قال ذلك هو خالد بن الوليد )‪ ،(5‬وذكر بعض‬
‫المؤرخين أنه كان بالمدينة بعض مرازبة الفرس‪ ،‬فلما رأى حيرة‬
‫عمر قال له ‪ :‬يا أمير المؤمين ‪ :‬إن للكاسرة شيئا ً يسمونه ديوانا ً‬
‫جميع دخلهم وخرجهم مضبوطة فيه ل يشذ منه شيء‪ ،‬وأهل‬
‫العطاء مرتبون فيه مراتب ل يتطرق عليها خلل‪ ،‬فتنبه عمر وقال‪:‬‬
‫صفه لي‪ ،‬فوصفه المرزبان‪ ،‬فدون الدواوين وفرض العطاء )‪ (6‬وقد‬
‫حبذ عثمان التدوين فأشار برأيه ‪ :‬أرى مال ً كثيرا ً يسع الناس وإن‬
‫لم يحصلوا حتى ُيعرف من أخذ ممن لم يأخذ‪ ،‬خشية أن ينتشر‬

‫‪()1‬أي اتهموه بالفجور‪.‬‬


‫‪()2‬الولية على البلدان للعمري )‪.(1/28‬‬
‫‪()3‬المصدر نفسه )‪(2/80‬‬
‫‪()4‬نصيحة الملوك للماوردي ص ‪.207‬‬
‫لبي ص ‪.260‬‬‫ص ّ‬‫‪ 5‬عمر بن الخطاب لل ّ‬
‫)(‬

‫‪()6‬المصدر نفسه ص ‪.260‬‬

‫‪-56-‬‬
‫المر )‪ ،(1‬هذه بعض الروايات التي حدثت بناًء على استشارة عمر‬
‫رضي الله عنه في مرات متعددة لمن يحضرون عنده )‪.(2‬‬
‫‪ -7‬الحجر الصحي‪ :‬خرج عمر بن الخطاب رضي الله عنه إلى‬
‫الشام‪ ،‬حتى إذا كان بسرغ لقيه أمراء الجناد ‪ :‬أبو عبيدة بن‬
‫الجراح وأصحابه‪ ،‬فأخبروه أن الوباء قد وقع بأرض الشام‪ ،‬قال ابن‬
‫عباس‪ :‬فقال عمر‪ :‬أدع لي المهاجرين فدعاهم فاستشارهم‪،‬‬
‫وأخبرهم أن الوباء قد وقع بالشام‪ ،‬فاختلفوا فقال بعضهم‪ :‬قد‬
‫خرجنا لمر ول نرى أن نرجع عنه‪ ،‬وقال بعضهم‪ :‬معك بقية الناس‬
‫وأصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم وآله وسلم ول نرى أن‬
‫تقدمهم على هذا الوباء فقال‪ :‬ارتفعوا عني‪ ،‬ثم قال ‪ :‬أدع لي‬
‫النصار‪ ،‬فدعوتهم‪ ،‬فاستشارهم فسلكوا سبيل المهاجرين‪،‬‬
‫واختلفوا كاختلفهم فقال‪ :‬ارتفعوا عني‪ ،‬ثم قال‪ :‬أدع لي من كان‬
‫هنا من مشيخة قريش‪ ،‬من مهاجرة الفتح فدعوتهم فلم يختلف‬
‫منهم عليه رجلن‪ ،‬فقالوا ‪ :‬نرى أن ترجع بالناس ول تقدمهم على‬
‫هذا الوباء‪ ،‬فنادى عمر في الناس ‪ :‬إني مصبح على ظهر فأصبحوا‬
‫عليه‪ ،‬فقال أبو عبيدة ‪ :‬أفرارا ً من قدر الله ؟ فقال عمر رضي الله‬
‫عنه ‪ :‬لو غيرك قالها يا أبا عبيدة‪ ،‬نعم نفر من قدر الله إلى قدر‬
‫الله‪ ،‬أرأيت لو كان لك‪ :‬إبل هبطت واديا ً له عدوتان إحداهما خصبة‬
‫والخرى جدبة أليس إن رعيت الخصبة رعيتها بقدر الله‪ ،‬وإن‬
‫رعيت الجدبة رعيتها بقدر الله؟ قال ‪ :‬فجاء عبدالرحمن بن عوف‬
‫وكان متغيبا ً في بعض حاجته فقال‪ :‬إن عندي في هذا علمًا‪،‬‬
‫سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول‪ :‬إذا سمعتم به‬
‫بأرض فل تقدموا عليه‪ ،‬وإذا وقع بأرض وأنتم بها فل تخرجوا فرارا ً‬
‫منه‪ .‬قال‪ :‬فحمد الله عمر ثم انصرف )‪.(3‬‬
‫وفي مشورة عمر رضي الله عنه أصحابه في هذه الحادثة فوائد‬
‫منها‪:‬‬
‫‪ -‬حرص ولي المر على مصالح المسلمين العامة وعدم إقدامه‬
‫على إتخاذ قرار لم يتبين له فيه وجه الصواب لما في ذلك من‬
‫المخاطرة بالمسلمين‪.‬‬
‫‪ -‬مشاورة كل من أمكن حضوره من أهل الحل والعقد لما في‬
‫ذلك من تمحيص الراء والوصول إلى رأي مفيد عن طريق قدح‬
‫عقول كثيرة – وهذا موضع الشاهد من القصة‪.‬‬
‫‪()1‬سياسة المال في السلم ص ‪.158‬‬
‫ص ّ‬
‫لبي ص ‪.261‬‬ ‫‪ 2‬عمر بن الخطاب لل ّ‬
‫)(‬

‫‪()3‬البخاري‪ ،‬ك الطب‪ ،‬باب من خرج من أرض ل تلئمه )‪ (7/21‬مسلم رقم‬


‫‪.2219‬‬

‫‪-57-‬‬
‫‪ -‬جواز اجتماع ولي المر برعيته على فئات متجانسة كما فعل‬
‫عمر رضي الله عنه هنا حيث قسمهم إلى ثلث فئات ‪ :‬فئة‬
‫النصار‪ ،‬وفئة المهاجرين‪ ،‬وفئة مشيخة قريش‪ ،‬من مهاجرة الفتح‪،‬‬
‫لنه كلما كان العدد المشاور أقل كان النقاش أوسع لسعة الوقت‪.‬‬
‫‪ -‬الستئناس برأي كبار السن ذوي الرأي والتجربة‪.‬‬
‫‪ -‬الستئناس بالرأي الموحد‪ ،‬كما استأنس عمر برأي مشيخة الفتح‬
‫لعدم اختلفهم‪.‬‬
‫‪ -‬فتح الباب لمن أراد أن يستفسر لزالة شبهة عنده ولو كان ولي‬
‫المر قد انتهى إلى الخذ بأحد الراء‪ ،‬لن إزالة الشبه من نفوس‬
‫الرعية تأليفا ً لقلوبهم واطمئنانا ً يجعلهم يشاركون إخوانهم في‬
‫الرأي وتنفيذه‪ ،‬كما أنه ينبغي أن يكون عند ولي المر القدرة على‬
‫إيراد الحجج المقنعة ولكن ذلك ل يبيح للرعية أو بعضهم أن يقفوا‬
‫موقف المعارضين‪ ،‬لما تم التوصل إليه من الشورى وبعد عزم‬
‫ولي المر على انفاذه " فإذا عزمت فتوكل على الله"‪.‬‬
‫‪ -‬أن الله تعالى يوفق ولي المر ورعيته للصواب إذا أخلصوا في‬
‫مشاورتهم وقصدوا المصلحة العامة‪.‬‬
‫‪ -‬أن أهل الشورى مهما كثروا قد يغيب عنهم الدليل على المسألة‬
‫من الكتاب أو السنة‪ ،‬ولو كانوا علماء مجتهدين مع وجوده عند من‬
‫غاب من مجلسهم كما دلت على ذلك تلك المناقشة الطويلة ولو‬
‫كان عند أحدهم دليل لذكره ولما كان هناك حاجة للمناقشة‪ ،‬حتى‬
‫جاء عبدالرحمن بن عوف فذكر الدليل فحمد الله عمر على‬
‫موافقته )‪.(1‬‬
‫ويؤخذ من هذا أنه يجب على ولي المر أن يحرص على الكثار من‬
‫العلماء في مجلس شوراه‪ ،‬لما في ذلك من إمكان استحضار‬
‫بعضهم الدليل الذي يغني عن الشورى ويقطع الطريق من أول‬
‫الطريق )‪.(2‬‬
‫‪ -8‬توسع نطاق الشورى في عهد عمر بن الخطاب‪:‬‬
‫توسع نطاق الشورى في خلفة عمر رضي الله عنه لكثرة‬
‫المستجدات والحداث‪ ،‬وامتداد رقعة السلم إلى بلد ذات‬
‫حضارات وتقاليد ونظم متباينة‪ ،‬فولدت مشكلت جديدة احتاجت‬
‫إلى الجتهاد الواسع مثل معاملة الرض المفتوحة‪ ،‬وتنظيم العطاء‬
‫وفق قواعد جديدة لتنفق أموال الفتوح على الدولة‪ ،‬فكان عمر‬

‫‪()1‬فقه الشورى للغامدي ص ‪.154‬‬


‫‪()2‬فقه الشورى للغامدي ص ‪.154‬‬

‫‪-58-‬‬
‫يجمع للشورى أكبر عدد من الصحابة الكبار )‪ ،(1‬وكان لشياخ بدر‬
‫مكانتهم الخاصة في الشورى‪ ،‬لفضلهم وعلمهم وسابقتهم‪ ،‬إل أن‬
‫عمر رضي الله عنه أخذ يشوبهم بشباب‪ ،‬فإنهم على دربهم‬
‫ماضون والدولة لبد لها من تجديد رجالتها‪ ،‬وكان عمر العبقري‬
‫الفذ قد فطن إلى هذه الحقيقة‪ ،‬فأخذ يختار من شباب المة من‬
‫علم منهم علما ً وورعا ً وتقى‪ ،‬فكان عبدالله بن عباس من أولهم‪،‬‬
‫وما زال عمر يجتهد متخيرا ً من شباب المة مستشارين له متخذا ً‬
‫القرآن فيصل ً من التخير حتى قال عبد الله بن عباس‪ :‬وكان القراء‬
‫أصحاب مجلس عمر ومشاورته كهول ً كانوا أو شبانا ً )‪ ،(2‬وقد قال‬
‫الزهري لغلمان أحداث‪ :‬ل تحتقروا أنفسكم لحداثة أسنانكم‪ ،‬فإن‬
‫عمر بن الخطاب رضي الله عنه كان إذا نزل به المر المعضل دعا‬
‫الفتيان فاستشارهم يبتغي حدة عقولهم )‪ .(3‬وقال محمد بن‬
‫سيرين‪ :‬إن كان عمر رضي الله عنه يستشير في المر‪ ،‬حتى إن‬
‫كان ليستشير المرأة فربما أبصر في قولها الشيء يستحسنه‬
‫فيأخذه‪ ،‬وقد ثبت أنه استشار مرة أم المؤمنين حفصة رضي الله‬
‫عنها )‪ ،(4‬وقد كان لعمر رضي الله عنه خاصة من علية الصحابة‬
‫وذوي الرأي‪ ،‬منهم العباس بن عبدالمطلب وابنه عبدالله وكان ل‬
‫يكاد يفارقه في سفر ول حضر‪ ،‬وعثمان بن عفان وعبدالرحمن بن‬
‫عوف وعلي بن أبي طالب)‪ ،(5‬ومعاذ بن جبل‪ ،‬وأبي بن كعب وزيد‬
‫بن ثابت‪ ،‬ونظراؤهم‪ ،‬فكان يستشيرهم ويرجع )‪ (6‬إليهم‪.‬‬
‫وكان المستشارون يبدون آراءهم بحرية تامة وصراحة كاملة‪ ،‬ولم‬
‫يتهم عمر رضي الله عنه أحدا ً منهم في عدالته وأمانته وكان عمر‬
‫رضي الله عنه يستشير في المور التي ل نص فيها من كتاب أو‬
‫صا‬
‫سنة‪ ،‬وهو يهدف إلى معرفة إن كان بعض الصحابة يحفظ فيها ن ّ‬
‫من السنة‪ ،‬فقد كان بعض الصحابة يحفظ منها مال ً يحفظه‬
‫الخرون‪ ،‬وكذلك كان يستشير في فهم النصوص المحتملة لكثر‬
‫من معنى‪ ،‬لمعرفة المعاني والوجه المختلفة‪ ،‬وفي هذين المرين‬
‫قد يكتفي باستشارة الواحد أو العدد القليل‪ ،‬وأما في النوازل‬

‫‪()1‬عصر الخلفة الراشدة للعمري ص ‪.95‬‬


‫لبي ص ‪.92‬‬ ‫ص ّ‬‫‪ 2‬عمر بن الخطاب لل ّ‬
‫)(‬

‫‪()3‬عصر الخلفة الراشدة ص ‪.90‬‬


‫‪()4‬المصدر نفسه ص ‪.90‬‬
‫‪()5‬السنن الكبرى للبيهقي )‪.(9/29‬‬
‫لبي ص‪.92‬‬ ‫ص ّ‬‫‪ 6‬عمر بن الخطاب لل ّ‬
‫)(‬

‫‪-59-‬‬
‫العامة فيجمع الصحابة‪ ،‬ويوسع النطاق ما استطاع كما فعل عند‬
‫وقوع الطاعون بأرض الشام متوجها إليها )‪.(1‬‬
‫وكانت مجالت الشورى في عهد عمر متعددة‪ ،‬منها في المجال‬
‫الداري والسياسي‪ ،‬كاختيار العمال والمراء‪ ،‬والمور العسكرية‪،‬‬
‫ومنها في المسائل الشرعية المحضة‪ ،‬كالكشف في الحكم‬
‫الشرعي من حيث الحل والحرمة والمسائل القضائية والذي نحب‬
‫أن نؤكد عليه أن الخلفة الراشدة كانت قائمة على مبدأ الشورى‬
‫المستمدة من كتاب الله وسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم‬
‫ولم تكن في عهد عمر فلتة استنبطها ول بدعة أتى بها‪ ،‬ولكنها‬
‫قاعدة من قواعد المنهج الرباني )‪.(2‬‬
‫ولقد اعتمد عمر رضي الله عنه مبدأ الشورى في دولته‪ ،‬فكان‬
‫رضي الله عنه ل يستأثر بالمر دون المسلمين ول يستبد عليهم‬
‫في شأن من الشؤون العامة‪ ،‬فإذا نزل به أمر ل يبرمه حتى يجمع‬
‫المسلمين ويناقش الرأي معه فيه ويستشيرهم )‪ (3‬ومن أقوال‬
‫عمر بن الخطاب في الشورى ‪ :‬ل خير في أمر أبرم من غير‬
‫شورى )‪ .(4‬وقوله‪ :‬الرأي الفرد كالخيط السحيل‪ ،‬والرأيان‬
‫كالخيطين والمبرمين والثلثة مرار ل يكاد ينتقض )‪ (5‬قوله ‪ :‬شاور‬
‫في أمرك من يخاف الله )‪.(6‬‬
‫وكان يحث قادة حربه على الشورى‪ ،‬فعندما بعث أبا عبيد الثقفي‬
‫لمحاربة الفرس بالعراق قاله له‪ :‬أسمع وأطع من أصحاب رسول‬
‫الله صلى الله عليه وسلم وأشركهم في المر وخاصة من كان‬
‫منهم من أهل بدر )‪ (7‬وكان يكتب إلى قادته بالعراق بأمرهم أن‬
‫يشاوروا في أمورهم العسكرية عمرو بن معد يكرب وطلحة‬
‫ل‪ :‬استشيروا واستعينوا في حربكم بطلحة السدي‬ ‫السدي قائ ً‬
‫وعمرو بن معد يكرب ول تولهما من المر شيئا ً فإن كل صانع‬
‫أعلم ببضاعته)‪ ،(8‬وكتب إلى سعد بن أبي وقاص‪ :‬وليكن عندك من‬
‫العرب أول من أهل الرض من تطمئن إلى نصحه وصدقه‪ ،‬فإن‬
‫الكذوب ل ينفعك خبره وإن صدقك في بعضه‪ ،‬والغاش عين عليك‬

‫لبي ص ‪.92‬‬‫ص ّ‬
‫‪ 1‬عمر بن الخطاب لل ّ‬
‫)(‬

‫‪()2‬المصدر نفسه ص ‪.93‬‬


‫‪()3‬المصدر نفسه ص ‪.90‬‬
‫‪()4‬المصدر نفسه ص ‪.90‬‬
‫‪()5‬المصدر نفسه ص ‪.90‬‬
‫‪()6‬المصدر نفسه ص ‪.90‬‬
‫‪()7‬المصدر نفسه ص ‪.90‬‬
‫‪()8‬سير أعلم النبلء للذهبي )‪.(1/317‬‬

‫‪-60-‬‬
‫وليس عينا ً لك )‪ ،(1‬ومما قاله عمر رضي الله عنه لعتبة بن غزوان‬
‫حين وجهه إلى البصرة‪ :‬قد كتبت إلى العلء بن الحضرمي أن‬
‫يمدك بعرفجة بن هرشمة )‪ ،(2‬ذو مجاهدة للعدو ومكايدة‪ ،‬فإذا قدم‬
‫عليك فاستشره وقربه )‪ ،(3‬وكان مسلك الفاروق في الشورى‬
‫ل‪ :‬فإنه كان يستشير العامة أول أمره فيسمع منهم‪ ،‬ثم يجمع‬ ‫جمي ً‬
‫مشايخ أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم أصحاب الرأي‬
‫منهم‪ ،‬ثم يفضي إليهم بالمر ويسألهم أن يخلصوا فيه إلى رأي‬
‫محمود فما استقر عليه رأيه أمضاه‪ ،‬وعمله هذا يشبه النظمة‬
‫الدستورية في كثير من الممالك النظامية‪ ،‬إذ بعرض المر على‬
‫ل‪ ،‬ثم بعد أن يقرر بالغلبية يعرض على مجلس‬ ‫مجلس النواب مث ً‬
‫آخر يسمى في بعضها مجلس الشيوخ وفي بعضها مجلس‬
‫اللوردات‪ ،‬فإذا انتهى المجلس من تقريره أمضاه الملك )‪ ، 4‬وكثيرا ً‬
‫(‬

‫ما كان عمر بن الخطاب يجتهد في الشيء ويبدي رأيه فيه ثم يأتي‬
‫أضعف الناس فيبّين له وجه الصواب وقوة الدليل‪ ،‬فيقبله ويرجع‬
‫عن خطأ ما رأى إلى الصواب ما استبان له )‪.(5‬‬

‫سادس ًَا‪ :‬الشورى في عهد عثمان بن عفان رضي الله‬


‫عنه‪:‬‬
‫‪ -1‬بيعة عثمان بن عفان رضي ا لله عنه‪:‬‬
‫استمر اهتمام الفاروق رضي الله عنه بوحدة المة ومستقبلها‬
‫حتى اللحظات الخيرة من حياته رغم ما كان يعانيه من آلم‬
‫جراحاته البالغة‪ ،‬وهي بل شك لحظات خالدة‪ ،‬تجلى فيها إيمان‬
‫الفاروق العميق وإخلصه وإيثاره )‪ ،(6‬وقد استطاع الفاروق في‬
‫تلك اللحظات الحرجة أن يبتكر طريقة جديدة لم يسبق إليها في‬
‫اختياره الخليفة الجديد وكانت دليل ً ملموسًا‪ ،‬ومعلما ً واضحا ً على‬
‫فقهه في سياسة الدولة السلمية‪ ،‬لقد مضى قبله الرسول صلى‬
‫الله عليه وسلم ولم يستخلف بعده أحدا ً بنص صريح‪ ،‬ولقد مضى‬
‫أبوبكر الصديق واستخلف الفاروق بعد مشاورة كبار الصحابة ولما‬
‫طلب من الفاروق أن يستخلف وهو على فراش الموت‪ ،‬فكر مليا ً‬
‫وقرر أن يسلك مسلكا ً آخر يتناسب مع المقام فرسول الله صلى‬
‫لبي ص ‪.91‬‬‫ص ّ‬‫‪ 1‬عمر بن الخطاب لل ّ‬
‫)(‬

‫‪()2‬المصدر نفسه ص ‪.91‬‬


‫‪()3‬الدارة العسكرية‪ ،‬سليمان آل كمال )‪.(1/275‬‬
‫‪()4‬الخلفاء الراشدون للنجار ص ‪.246‬‬
‫لبي ص‪.91‬‬ ‫ص ّ‬‫‪ 5‬عمر بن الخطاب لل ّ‬
‫)(‬

‫‪()6‬الخليفة الفاروق عمر بن الخطاب للعاني ص ‪.161‬‬

‫‪-61-‬‬
‫الله عليه وسلم ترك الناس وكلهم مقر بأفضلية أبي بكر وأسبقيته‬
‫عليهم‪ ،‬فاحتمال الخلف كان نادرا ً وخصوصا ً أن النبي صلى الله‬
‫عليه وسلم وجه المة قول ً وفعل ً إلى أن أبابكر أولى بالمر من‬
‫بعده‪ ،‬والصديق استخلف عمر وكان يعلم أن عند الصحابة قناعة‬
‫بأن عمر أقوى وأفضل من يحمل المسؤولية بعده‪ ،‬فاستخلفه بعد‬
‫مشاورة كبار الصحابة ولم يخالف رأيه أحد منهم‪ ،‬وحصل الجماع‬
‫على بيعة عمر )‪ ،(1‬وأما طريقة انتخاب الخليفة الجديد فتعتمد على‬
‫جعل الشورى في عدد محصور‪ ،‬وقد حصر ستة من صحابة رسول‬
‫الله صلى الله عليه وسلم كلهم يصلحون لتولي المر ولو أنهم‬
‫يتفاوتون وحدد لهم طريقة النتخاب ومدته‪ ،‬وعدد الصوات الكافية‬
‫لنتخاب الخليفة‪ ،‬وحدد الحكم في المجلس‪ ،‬والمرجح إن تعادلت‬
‫الصوات وأمر مجموعة من جنود الله لمراقبة سير النتخابات في‬
‫المجلس وعقاب من يخالف أمر الجماعة ومنع الفوضى بحيث ل‬
‫يسمحون لحد يدخل أو يسمع ما يدور في مجلس أهل الحل‬
‫والعقد )‪ ،(2‬وهذا بيان ما أجمل في الفقرات السابقة‪.‬‬
‫أ‪ -‬العدد الذي حدده للشورى وأسماؤهم‪:‬‬
‫أما العدد فهو ستة وهم ‪ :‬علي بن أبي طالب‪ ،‬وعثمان بن عفان‪،‬‬
‫وعبدالرحمن بن عوف‪ ،‬وسعد بن أبي وقاص‪ ،‬والزبير بن العوام‬
‫وطلحة بن عبيدالله رضي الله عنه جميعًا‪ ،‬وترك سعيد بن زيد وهو‬
‫من العشرة المبشرين بالجنة ولعله تركه لنه من قبيلته بن عدي‬
‫)‪ ،(3‬وكان رضي الله عنه حريصا ً على إبعاد إمارة أقاربه‪ ،‬مع أن‬
‫فيهم من هو أهل لها‪ ،‬فهو يبعد قريبه سعيد بن زيد عن قائمة‬
‫المرشحين للخلفة )‪.(4‬‬
‫ب‪ -‬طريقة اختيار الخليفة‪:‬‬
‫أمرهم أن يجتمعوا في بيت أحدهم ويتشاوروا وفيهم عبدالله بن‬
‫عمر يحضر معهم مشيرا ً فقط وليس له من المر شيء‪ ،‬ويصلي‬
‫بالناس أثناء التشاور صهيب الرومي وقال له أنت أمير الصلة في‬
‫هذه اليام الثلثة حتى ل يولي إمامة الصلة أحدا ً من الستة فيصبح‬
‫هذا ترشيحا ً من عمر له بالخلفة )‪ ،(5‬وأمر المقداد بن السواد وأبا‬
‫طلحة النصاري أن يرقبا سير النتخابات )‪.(6‬‬
‫‪()1‬أوليات الفاروق د‪ .‬غالب القرشي ص ‪.122‬‬
‫‪()2‬أوليات الفاروق د‪.‬غالب القرشي ص ‪.124‬‬
‫‪()3‬البداية والنهاية )‪.(4/142‬‬
‫‪()4‬الخلفاء الراشدون للخالدي ص ‪.98‬‬
‫‪()5‬الخلفة والخلفاء الراشدون للبهنساوي ص ‪.213‬‬
‫‪()6‬أشهر مشاهير السلم في الحرب والسياسة ص ‪ 648‬رفيق العظم‪.‬‬

‫‪-62-‬‬
‫ج‪ -‬مدة النتخابات أو المشاورة‪:‬‬
‫حددها الفاروق رضي الله بثلثة أيام وهي فترة كافية وإن زادوا‬
‫عليها‪ ،‬فمعنى ذلك شقة الخلف ستتسع ولذلك قال لهم‪ :‬ل يأتي‬
‫اليوم الرابع إل وعليكم أمير )‪.(1‬‬
‫س‪ -‬عدد الصوات الكافية لختيار الخليفة‪:‬‬
‫أخرج ابن سعد بإسناد رجاله ثقات أن عمر رضي الله عنه قال‬
‫ل بالناس ثلثا ً وليخل هؤلء الرهط في بيت فإذا‬ ‫لصهيب‪ :‬ص ّ‬
‫)‪(2‬‬
‫اجتمعوا على رجل‪ ،‬فمن خالفهم فاضربوا رأسه ‪ ،‬فعمر رضي‬
‫الله عنه أمر بقتل من يريد أن يخالف هؤلء الرهط وشق عصا‬
‫المسلمين ويفرق بينهم عمل ً بقوله صلى الله عليه وسلم‪ :‬من‬
‫أتاكم وأمركم جمع على رجل منكم يريد أن يشق عصاكم أو يفرق‬
‫جماعتكم فاقتلوه )‪ ،(3‬وما جاء في كتب التاريخ أن عمر رضي الله‬
‫عنه أمرهم بالجتماع والتشاور وحدد لهم أنه إذا اجتمع خمسة‬
‫منهم على رجل وأبى أحدهم فليضرب رأسه بالسيف‪ ،‬وإن اجتمع‬
‫أربعة وفرضوا رجل ً منهم وأبى اثنان فاضرب رؤوسهما )‪(4‬وهذه من‬
‫الروايات التي ل تصح سندا ً فهي من الغرائب التي ساقها أبو‬
‫مخنف – الشيعي – مخالفا ً فيها النصوص الصحيحة وما عرف من‬
‫سير الصحابة‪.‬‬
‫ش‪ -‬الحكم في حال الختلف‪:‬‬
‫لقد أوصى بأن يحضر عبدالله بن عمر معهم في المجلس‪ ،‬وأن‬
‫ليس له من المر شيء‪ ،‬ولكن قال لهم‪ :‬فإن رضي ثلثة رجل ً‬
‫موا عبدالله بن عمر فأي الفريقين‬ ‫منهم وثلثة رجل ً منهم‪ ،‬فحك ّ‬
‫حكم له‪ ،‬فليختاروا رجل ً منهم‪ ،‬فإن لم يرضوا بحكم عبدالله بن‬
‫عمر فكونوا مع الذين فيهم عبدالرحمن بن عوف‪ ،‬ووصف‬
‫عبدالرحمن بن عوف بأنه مسدد رشيد فقال عنه‪ :‬ونعم ذوي الرأي‬
‫عبدالرحمن بن عوف مسدد رشيد له من الله حافظ فاسمعوا منه‬
‫)‪.(5‬‬
‫ع‪ -‬جماعة من جنود الله تراقب الختيار وتمنع الفوضى‪:‬‬
‫طلب عمر أبا طلحة النصاري وقال له‪ :‬يا أبا طلحة إن الله عز‬
‫وجل أعز السلم بكم فاختر خمسين رجل ً من النصار فاستحث‬

‫‪()1‬الطبقات لبن سعد )‪.(3/164‬‬


‫‪()2‬الطبقات لبن سعد )‪.(3/342‬‬
‫‪()3‬مسلم )‪.(3/1480‬‬
‫‪()4‬تاريخ الطبري )‪.(58/226‬‬
‫‪()5‬المصدر نفسه )‪.(5/325‬‬

‫‪-63-‬‬
‫هؤلء الرهط حتى يختاروا رجل ً منهم )‪ ،(1‬وقال للمقداد بن السود‪:‬‬
‫إذا وضعتموني في حفرتي فاجمع هؤلء الرهط في بيت حتى‬
‫يختاروا رجل ً منهم )‪.(2‬‬
‫غ‪ -‬جواز تولية المفضول مع وجود الفضل‪:‬‬
‫ومن فوائد قصة الشورى؛ جواز تولية المفضول مع وجود الفضل‪،‬‬
‫لن عمر جعل الشورى في ستة أنفس مع علمه أن بعضهم كان‬
‫أفضل من بعض ويؤخذ هذا من سيرة عمر في أمرائه الذين كان‬
‫يؤمرهم في البلد حيث كان ل يراعي الفصل في الدين فقط بل‬
‫م إليه مزيد المعرفة بالسياسة مع اجتناب ما يخالف الشرع‬ ‫يض ّ‬
‫منها‪ ،‬فاستخلف معاوية والمغيرة بن شعبة وعمرو بن العاص مع‬
‫وجود من هو أفضل من كل منهم في أمر الدين والعلم كأبي‬
‫الدرداء في الشام وابن مسعود في الكوفة )‪.(3‬‬
‫د‪ -‬جمع عمر بين التعيين وعدمه‪:‬‬
‫جمع عمر بين التعيين‪ ،‬كما فعل أبوبكر – أي تعيين المرشح – وبين‬
‫عدم التعيين‪ ،‬كما فعل الرسول صلى الله عليه وسلم‪ ،‬فعّين ستة‬
‫وطلب منهم التشاور في المر )‪.(4‬‬
‫ل‪ -‬الشورى ليست بين الستة فقط‪:‬‬
‫عرف عمر أن الشورى لن تكون بين الستة فقط‪ ،‬وإنما ستكون‬
‫في أخذ رأي الناس في المدينة‪ ،‬فيمن يتولى الخلفة حيث جعل‬
‫لهم أمد ثلثة أيام فيمكنهم من المشاورة والمناظرة لتقع ولية‬
‫من يتولى بعده عن اتفاق من معظم الموجودين حينئذ ببلده التي‬
‫هي دار الهجرة‪ ،‬وبها معظم الصحابة وكل من كل ساكنا ً في بلد‬
‫غيرها كان تبعا ً لهم فيما يتفقون عليه‪ ،‬فما زالت المدينة حتى سنة‬
‫‪23‬ه مجمع الصحابة فيها‪ ،‬حيث استبقاهم عمر بجانبه ولم يأذن‬
‫لهم بالهجرة إلى القاليم المفتوحة )‪.(5‬‬
‫ه ‪ -‬أهل الشورى أعلى هيئة سياسية‪:‬‬
‫إن عمر رضي الله عنه أناط بأهل الشورى وحدهم اختيار الخليفة‬
‫من بينهم‪ ،‬ومن المهم أن نشير أن أحدا ً من أهل الشورى لم‬
‫يعارض هذا القرار الذي اتخذه عمر‪ ،‬كما أن أحدا ً من الصحابة‬
‫الخرين لم يشر أي اعتراض عليه‪ ،‬ذلك ما تدل عليه النصوص‬
‫التي بين أيدينا‪ ،‬فنحن ل نعلم أن اقتراحا ً آخر قد صدر عن أحد من‬
‫‪()1‬تاريخ الطبري )‪.(5/225‬‬
‫‪()2‬المصدر نفسه )‪.(5/225‬‬
‫‪()3‬المدينة النبوية فجر السلم‪ ،‬محمد ّ‬
‫شراب )‪.(2/97‬‬
‫‪()4‬المصدر نفسه‪.‬‬
‫‪()5‬المصدر نفسه‪.‬‬

‫‪-64-‬‬
‫الناس في ذلك العصر‪ ،‬أو أن معارضة شارت حول أمر عمر‪ ،‬خلل‬
‫الساعات الخيرة من حياته‪ ،‬أو بعد وفاته‪ ،‬وإنما رضى الناس كافة‬
‫هذه التدابير‪ ،‬ورأوا فيه مصلحة لجماعة المسلمين‪ ،‬وفي وسعنا أن‬
‫نقول إن عمر قد أحدث هيئة سياسية عليا‪ ،‬مهمتها انتخاب رئيس‬
‫الدولة‪ ،‬أو الخليفة‪ ،‬وهذا التنظيم الدستوري الجديد‪ ،‬الذي أبدعته‬
‫عبقرية عمر ل يتعارض مع المبادىء الساسية التي أّقرها السلم‪،‬‬
‫ولسيما فيما يتعلق بالشورى‪ ،‬لن العبرة من حيث النتيجة للبيعة‬
‫العامة التي تجري في المسجد الجامع وعلى هذا ل يتوجه السؤال‬
‫الذي قد يرد على بعض الذهان هو‪ :‬من أعطى عمر هذا الحق؟ ما‬
‫هو مستند عمر في هذا التدبير؟ ويكفي أن نعلم أن جماعة من‬
‫المسلمين قد أّقرت هذا التدبير ورضيت به‪ ،‬ولم يسمع صوت‬
‫اعتراض عليه‪ ،‬حتى يتأكد أن الجماع – هو من مصادر التشريع –‬
‫قد انعقد على صحته ونفاذه )‪ ،(1‬ول ننسى أن عمر خليفة‪ ،‬راشد‪،‬‬
‫كما ينبغي أن نؤكد على هذا المبدأ – أهل الشورى أعلى هيئة‬
‫سياسية – قد أقّره نظام الحكم في السلم في العهد الراشدي‪،‬‬
‫ماها عمر‪ ،‬تمتعت بمزايا لم يتمتع بها غيرها‬‫كما أن الهيئة التي س ّ‬
‫من جماعة المسلمين‪ ،‬وهذه المزايا منحت لها من الله‪ ،‬وبلّغها‬
‫الرسول؛ فل يمكن عند المؤمنين أن يبلغ أحد من المسلمين مبلغ‬
‫هؤلء العشرة من التقوى والمانة )‪ (2‬هكذا ختم عمر رضي الله‬
‫عنه حياته ولم يشغله ما نزل به من البلء ول سكرات الموت عن‬
‫تدبير أمر المسلمين‪ ،‬وأرسى نظاما ً للشورى لم يسبقه إليه أحد‪،‬‬
‫ول يشك أن أصل الشورى مقرر في القرآن الكريم والسنة‬
‫القولية والفعلية‪ ،‬وقد عمل بها رسول الله صلى الله عليه وسلم‬
‫وأبوبكر‪ ،‬ولم يكن عمر مبتدعا ً بالنسبة للصل ولكن الذي عمله‬
‫عمر هو تعيين الطريقة التي يختار بها الخليفة‪ ،‬وحصر عدد معين‬
‫جعلها فيهم وهذا لم يفعله الرسول صلى الله عليه وسلم ول‬
‫الصديق رضي الله عنه بل أول من فعل ذلك عمر‪ ،‬ونعم ما فعل‪،‬‬
‫فقد كانت أفضل الطرق المناسبة لحال الصحابة في ذلك الوقت‬
‫)‪(3‬‬

‫‪ -‬منهج عبدالرحمن بن عوف في إدارة الشورى‪:‬‬


‫أ‪ -‬اجتماع الرهط للمشاورة‪:‬‬

‫‪()1‬نظام الحكم والتشريع ظافرا ً القاسمي )‪.(1/227‬‬


‫‪()2‬المصدر نفسه )‪.(1/229‬‬
‫‪()3‬أوليات الفاروق ص ‪.127‬‬

‫‪-65-‬‬
‫لم يكد يفرغ الناس من دفن عمر بن الخطاب رضي الله عنه حتى‬
‫أسرع رهط الشورى وأعضاء مجلس الدولة العلى إلى الجتماع‬
‫في بيت عائشة أم المؤمنين رضي الله عنها‪ ،‬وقيل إنهم اجتمعوا‬
‫في بيت فاطمة بنت قيس الفهرية أخت الضحاك بن قيس‪،‬‬
‫ليقضموا في أعظمم قضية عرضت في حياة المسلمين – بعد وفاة‬
‫عمر – وقد تكلم القوم وبسطوا آراءهم واهتدوا بتوفيق الله إلى‬
‫كلمة سواء رضيها الخاصة والكافة من المسلمين )‪.(1‬‬
‫ب‪ -‬عبدالرحمن يدعو إلى التنازل‪:‬‬
‫عندما اجتمع أهل الشورى قال لهم عبدالرحمن بن عوف‪ :‬اجعلوا‬
‫ي )‪،(2‬‬
‫أمركم إلى ثلثة منكم‪ .‬فقال الزبير‪ :‬جعلت أمري إلى عل ّ‬
‫وقال طلحة ‪ :‬جعلت أمري إلى عثمان‪ .‬وقال سعد‪ :‬جعلت امري‬
‫ي بن أبي‬ ‫إلى عبدالرحمن بن عوف‪ .‬وأصبح المرشحون الثلثة عل ّ‬
‫طالب‪ ،‬وعثمان بن عفان‪ ،‬وعبدالرحمن بن عوف‪ ،‬فقال‬
‫عبدالرحمن‪ :‬أيكما تبرأ من هذا المر فنجعله إليه والله عليه‬
‫والسلم لينظرن أفضلهم في نفسه‪ ،‬فأسكت الشيخان‪ ،‬فقال‬
‫ي أن ل آلو عن‬ ‫ي والله عل ّ‬
‫عبدالرحمن بن عوف أفتجعلونه إل ّ‬
‫أفضلكما قا ً‬
‫ل‪ :‬نعم )‪.(3‬‬
‫ت‪ -‬تفويض ابن عوف بإدارة عملية الشورى‪:‬‬
‫بدأ عبدالرحمن بن عوف رضي الله عنه اتصالته ومشاوراته فور‬
‫انتهاء اجتماع المرشحين الستة صباح يوم الحد واستمرت‬
‫مشاوراته واتصالته ثلثة أيام كاملة‪ ،‬حتى فجر يوم الربعاء الرابع‬
‫من محرم‪ ،‬وهو موعد انتهاء المهلة التي حددها لهم عمر‪ ،‬وبدأ‬
‫عبدالرحمن بعلي بن أبي طالب فقال له‪ :‬إن لم أبايعك فأشر‬
‫ي‪ ،‬فمن ترشح للخلفة؟ قال علي‪ :‬عثمان بن عفان‪ ،‬وذهب‬ ‫عل ّ‬
‫عبدالرحمن إلى عثمان وقال له‪ :‬إن لم أبايعك فمن ترشح‬
‫للخلفة؟ فقال عثمان ‪ :‬علي بن أبي طالب ‪ ...‬وذهب ابن عوف‬
‫بعد ذلك إلى الصحابة الخرين واستشارهم‪ ،‬وكان يشاور كل من‬
‫يلقاه في المدينة من كبار الصحابة وأشرافهم ومن أمراء الجناد‪،‬‬
‫ومن يأتي للمدينة وشملت مشاورته النساء في خدورهن وقد‬
‫أبدين رأيهن‪ ،‬كما شملت الصبيان والعبيد في المدينة وكانت نتيجة‬
‫مشاورات عبدالرحمن بن عوف‪ ،‬أن معظم المسلمين كانوا‬
‫يشيرون بعثمان بن عفان ومنهم من كان يشير بعلي بن أبي‬

‫‪()1‬عثمان بن عفان‪ ،‬صادق عرجون ص ‪.63 ، 62‬‬


‫‪()2‬البخاري‪ ،‬ك فضائل أصحاب النبي رقم ‪.3700‬‬
‫‪()3‬البخاري‪ ،‬ك فضائل أصحاب النبي رقم ‪.3700‬‬

‫‪-66-‬‬
‫طالب رضي الله عنه وفي منتصف ليلة الربعاء‪ ،‬ذهب عبدالرحمن‬
‫بن عوف إلى بيت ابن أخته ‪ :‬المسور بن مخرمة‪ ،‬فطرق البيت‪،‬‬
‫فوجد المسور )‪(1‬نائمًا‪ ،‬فضرب الباب حتى استيقظ فقال أراك‬
‫نائما ً فوالله ما أكتحلت هذه الليلة بكثير نوم‪ ،‬انطلق فادع الزبير‬
‫وسعدا ً فدعوتهما له‪ :‬فشاورهما ثم دعاني فقال‪ :‬ادع لي عليا ً‬
‫)‪(2‬‬
‫ي من عنده ‪ ..‬ثم قال‬ ‫فدعوته فناجاه حتى إبهاّر الليل ثم قام عل ّ‬
‫‪ :‬ادع لي عثمان فدعوته فناجاه حتى فرق بينهما المؤذن بالصبح‬
‫)‪.(3‬‬
‫ج‪ -‬التفاق على بيعة عثمان‪:‬‬
‫وبعد صلة صبح يوم البيعة اليوم الخير من شهر ذي الحجة‬
‫‪23/644‬م" وكان صهيب الرومي المام إذ أقبل عبدالرحمن بن‬
‫عوف‪ ،‬وقد اعتم بالعمامة التي عمه بها رسول الله صلى الله عليه‬
‫وسلم‪ ،‬وكان قد اجتمع رجال الشورى عند المنبر أرسل إلى من‬
‫كان حاضرا ً من المهاجرين والنصار وأمراء الجناد منهم‪ :‬معاوية‬
‫أمير الشام‪ ،‬وعمر بن سعد أمير حمص‪ ،‬وعمرو بن العاص أمير‬
‫وه إلى المدينة )‪ (4‬وجاء في‬ ‫جة مع عمر وصاحب ّ‬ ‫مصر‪ ،‬وافوا تلك الح ّ‬
‫رواية البخاري ‪ :‬فلما صلى للناس الصبح واجتمع أولئك الّرهط عند‬
‫المنبر‪ ،‬فأرسل إلى من كل حاضر من المهاجرين والنصار وأرسل‬
‫ما اجتمعوا‬ ‫إلى أمراء الجناد وكانوا وافوا تلك الحجة مع عمر‪ ،‬فل ّ‬
‫ي إني قد نظرت في أمر‬ ‫ما بعد يا عل ّ‬
‫م قال‪ :‬أ ّ‬‫تشهد عبدالرحمن ث ّ‬
‫الناس فلم أراهم يعدلون بعثمان فل تجعلن على نفسك سبيل‬
‫فقال )‪ :(5‬أبايعك على سنة الله ورسوله والخليفتين من بعده‪،‬‬
‫فبايعه عبدالرحمن وبايعه الناس المهاجرين والنصار وأمراء الجناد‬
‫والمسلمون )‪ ،(6‬وجاء في رواية صاحب التمهيد والبيان أن علي بن‬
‫أبي طالب أول من بايع بعبدالرحمن بن عوف )‪.(7‬‬
‫س‪ -‬حكمة عبدالرحمن بن عوف في تنفيذ خطة‬
‫الشورى‪:‬‬
‫نفذ عبدالرحمن بن عوف خطة الشورى بما دل على شرف عقله‪،‬‬
‫ونبل نفسه وإيثاره مصلحة المسلمين العامة على مصلحته‬

‫‪()1‬الخلفاء الراشدون للخالدي ص ‪.107 ، 106‬‬


‫‪()2‬إنهاّر ‪ :‬أي انتصف‪.‬‬
‫‪()3‬البخاري‪ ،‬كتاب الحكام رقم ‪.7207‬‬
‫‪()4‬شهيد الدار عثمان بن عفان‪ ،‬أحمد الخروف ص‪.37‬‬
‫‪()5‬قوله ‪ :‬فقال أي عبدالرحمن مخاطبا ً عثمان‪.‬‬
‫‪()6‬البخاري‪ ،‬كتاب الحكام رقم ‪.7207‬‬
‫‪()7‬التمهيد والبيان ‪ ،‬محمد الملقي الندلسي ص ‪.26‬‬

‫‪-67-‬‬
‫الخاصة ونفعه الفردي‪ ،‬وترك عن طواعية ورضا أعظم منصب‬
‫يطمع إليه النسان في الدنيا‪ ،‬ليجمع كلمة المسلمين‪ ،‬وحقق أول‬
‫مظهر من مظاهر الشورى المنظمة في اختيار من يجلس على‬
‫عرش الخلفة‪ ،‬ويسوس أمور المسلمين؛ فهو قد اصطنع من الناة‬
‫والصبر والحزم وحسن التدبير ما كفل له النجاح في أداء مهمته‬
‫العظمى وقد كانت الخطوات التي اتخذها كالتي‪:‬‬
‫‪ -‬بسط برنامجه في أول جلسة عقدها مجلس الشورى في دائرة‬
‫الزمن الذي حدده لهم عمر؛ وبذلك أمكنه أن يحمل جميع أعضاء‬
‫مجلس الشورى على أن ُيدلوا برأيهم‪ ،‬فعرف مذهب كل واحد‬
‫منهم ومرماه‪ ،‬فسار في طريقه على بينة من أمره‪.‬‬
‫‪ -‬وخلع نفسه وتنازل عن حقه في الخلفة ليدفع الظنون‬
‫ويستمسك بعروة الثقة الوثقى‪.‬‬
‫‪ -‬أخذ في تعرف نهاية ما يصبوا إليه كل واحد من أصحابه وشركائه‬
‫في الشورى‪ ،‬فلم يزل يقلب وجوه الرأي معهم حتى انتهى إلى‬
‫شبه انتخاب جزئي‪ ،‬فاز فيه عثمان برأي سعد بن أبي وقاص‪،‬‬
‫ورأى الزبير بن العوام‪ ،‬فلحت له أغلبية آراء الحاضرين معه‪.‬‬
‫‪ -‬عمد إلى معرفة كل واحد من المامين ‪ :‬عثمان‪ ،‬وعلي في‬
‫صاحبه بالنسبة لوزنه في سائر الرهط رشحهم عمر‪ ،‬فعرف من‬
‫كل واحد منهما أنه ل يعدل صاحبه أحدا ً إذا فاته المر‪.‬‬
‫‪ -‬أخذ في تعرف رأي من وراء مجلس الشورى من خاصة المة‬
‫وذوي رأيها‪ ،‬ثم من عامتها وضعفائها‪ ،‬فرأى أن معظم الناس ل‬
‫يعدلون أحدا ً بعثمان‪ ،‬فبايع له وبايعه عامة الناس )‪ (1‬لقد تمكن‬
‫عبدالرحمن بن عوف بكياسته وأمانته واستقامته ونسيانه نفسه‬
‫بالتخلي عن الطمع في الخلفة والزهد بأعلى منصب في الدولة‪،‬‬
‫أن يجتاز هذه المحنة وقاد ركب الشورى بمهارة وتجرد‪ ،‬مما‬
‫يستحق أعظم التقدير )‪.(2‬‬
‫قال الذهبي‪ :‬ومن أفضل أعمال عبدالرحمن عزله نفسه من المر‬
‫وقت الشورى‪ ،‬واختياره للمة من أشار به أهل الحل والعقد‬
‫فنهض في ذلك أتم نهوض على جمع المة على عثمان ولو كان‬
‫لها ابن عمه وأقرب الجماعة إليه‬ ‫محابيا ً فيها‪ ،‬لخذها لنفسه‪ ،‬أو لو ّ‬
‫سعد بن أبي وقاص )‪.(3‬‬

‫‪()1‬عثمان بن عفان‪ ،‬صادق عرجون ص ‪.71 ، 70‬‬


‫‪()2‬مجلة البحوث السلمية العدد ‪ 10‬ص ‪.278‬‬
‫‪()3‬سير أعلم النبلء للذهبي )‪.(1/86‬‬

‫‪-68-‬‬
‫وبهذا تحققت صورة أخرى من صور الشورى في عهد الخلفاء‬
‫الراشدين ‪ :‬وهي الستخلف عن طريق مجلس الشورى ليعينوا‬
‫أحدهم بعد أخذ المشورة العامة‪ ،‬ثم البيعة العامة )‪.(1‬‬
‫‪ -2‬أول قضية واجهت عثمان قضية قتل‪:‬‬
‫أول قضية حكم فيها عثمان قضية عبيد الله بن عمر‪ ،‬وذلك أنه غدا ً‬
‫على ابنة أبي لؤلؤة قاتل عمر فقتلها‪ ،‬وضرب رجل ً نصرانيا ً يقال‬
‫له جفينة بالسيف فقتله وضرب الهرمزان الذي كان صاحب تستر‬
‫فقتله‪ ،‬وكان قد قيل إنهما مال أبا لؤلؤة على قتل عمر فالله أعلم‬
‫)‪ ،(2‬وكان عمر قد أمر بسجنه ليحكم فيه الخليفة من بعده‪ ،‬فلما‬
‫ولي عثمان وجلس للناس كان أول ما تحوكم إليه في شأن عبيد‬
‫الله‪ ،‬فقال علي‪ :‬ما من العدل تركه وأمر بقتله وقال بعض‬
‫المهاجرين ‪ :‬أيقتل أبوه بالمس ويقتل هو اليوم؟ فقال عمرو بن‬
‫العاص ‪ :‬يا أمير المؤمنين قد برأك الله من ذلك‪ ،‬قضية لم تكن‬
‫في أيامك فدعها عنك فودي )‪(3‬عثمان أولئك القتلى من ماله‪ ،‬لن‬
‫أمرهم إليه‪ ،‬إذ ل وارث لهم إل بيت المال‪ ،‬والمام يرى الصلح في‬
‫ى سبيل عبيد الله )‪ ،(4‬وقد جاءت رواية في الطبري تفيد‬ ‫ذلك وخل ّ‬
‫‪ .‬بأن الهاذبان بن الهرمزان قد عفا عن عبيد الله‬ ‫)‪(5‬‬

‫‪ -3‬الشورى في فتح إفريقية‪:‬‬


‫ولما استأذن عبدالله بن سعد الخليفة عثمان بن عفان في غزو‬
‫إفريقية جمع الصحابة واستشارهم في ذلك فأشاروا عليه بفتحها‪،‬‬
‫إل أبو العور سعيد بن زيد‪ ،‬الذي خالفه متمسكا ً برأي عمر بن‬
‫الخطاب في أل يغزو أفريقية أحد من المسلمين‪ ،‬ولما أجمع‬
‫الصحابة على ذلك دعا عثمان للجهاد‪ ،‬واستعدت المدينة عاصمة‬
‫الخلفة السلمية لجمع المتطوعين وتجهيزهم‪ ،‬وترحيلهم إلى‬
‫مصر‪ ،‬لغزو إفريقية تحت قيادة عبدالله بن سعد وقد ظهر الهتمام‬
‫بأمر تلك الغزوة جليًا‪ ،‬فهذا يتضح من الذين خرجوا إليها من كبار‬
‫الصحابة‪ ،‬ومن خيار شباب آل البيت وأبناء المهاجرين الوائل‬
‫وكذلك النصار‪ ،‬فقد خرج في تلك الغزو‪ ،‬الحسن والحسين‪ ،‬وابن‬
‫عباس وابن جعفر وغيرهم)‪.(6‬‬
‫‪ -4‬الشورى في جمع القرآن في عهد عثمان‪:‬‬
‫‪()1‬دراسات في عهد النبوة والخلفة الراشدة ص ‪.278‬‬
‫‪()2‬البداية والنهاية )‪.(7/154‬‬
‫‪()3‬ودى‪ :‬دفع دية القتلى‪.‬‬
‫‪()4‬البداية والنهاية )‪.(7/154‬‬
‫لبي ص ‪.146‬‬ ‫ص ّ‬
‫‪ 5‬عثمان بن عفان لل ّ‬
‫)(‬

‫‪()6‬ليبيا من الفتح العربي د‪.‬صالح المزيني ص ‪.49‬‬

‫‪-69-‬‬
‫إن السبب الحامل لعثمان على جمع القرآن مع أنه كان مجموعا ً‬
‫مرتبا ً في صحف أبي بكر الصديق‪ ،‬إنما هو اختلف قراء المسلمين‬
‫في القراءة اختلفا ً أوشك أن يؤدي بهم إلى أخطر فتنة في كتاب‬
‫الله تعالى‪ ،‬وهو أصل الشريعة‪ ،‬ودعامة الدين‪ ،‬وأساس بناء المة‬
‫الجتماعي والسياسي والخلقي‪ ،‬حتى إن بعضهم كان يقول لبعض‪:‬‬
‫إن قراءتي خير من قراءتك فأفزع ذلك خليفة المسلمين وإمامهم‪،‬‬
‫وطلب إليه أن يدرك المة قبل أن تختلف فيستشري بينهم‬
‫حرف‬ ‫الختلف ويتفاقم أمره‪ ،‬ويعظم خطبه‪ ،‬فيمس نص القرآن وت ّ‬
‫عن مواضعها كلماته وآياته )‪ ،(1‬فجمع عثمان المهاجرين والنصار‬
‫وشاورهم في المر‪ ،‬وفيهم أعيان المة‪ ،‬وأعلم الئمة‪ ،‬وعلماء‬
‫الصحابة وفي طليعتهم علي بن أبي طالب رضي الله عنه وعرض‬
‫عثمان هذه المعضلة على صفوة المة وقادتها الهادين المهديين‬
‫ودارسهم ودارسوه‪ ،‬وناقشهم فيها وناقشوه‪ ،‬حتى عرف رأيهم‬
‫وعرفوا رأيه‪ ،‬فأجابوه إلى رأيه في صراحة ل تجعل للريب إلى‬
‫ل‪ ،‬وظهر للناس في أرجاء الرض ما انعقد‬ ‫قلوب المؤمنين سبي ً‬
‫عليه إجماعهم‪ ،‬فلم يعرف قط يومئذ لهم مخالف‪ ،‬ول عرف عند‬
‫أحد نكير‪ ،‬وليس شأن القرآن الذي يخفي على آحاد المة فضل ً‬
‫عن علمائها وأئمتها البارزين )‪.(2‬‬
‫لقد اتفق الصحابة على جمعه بما صح وثبت من القراءة‬
‫المشهورة عن النبي صلى الله عليه وسلم واطراح ما سواها‪،‬‬
‫واستصوبوا رأيه‪ ،‬وكان رأيا سديدا ً موفقا ً )‪.(3‬‬
‫وقال علي رضي الله عنه‪ :‬لو وليت لعملت بالمصاحف التي عمل‬
‫بها عثمان )‪.(4‬‬
‫لقد ظلت الصحف في رعاية الخليفة الول أبي بكر الصديق‪ ،‬ثم‬
‫انتقلت بعده إلى رعاية الخليفة الثاني عمر بن الخطاب‪ ،‬ثم لما‬
‫عرف عمر حضور أجله ولم يول عهده أحدا ً معينا ً في خلفة‬
‫المسلمين وإنما جعل شورى في الستة أوصى بحفظ الصحف‪،‬‬
‫وعنها نقل مصحفه " الرسمي" وأنه أمر أربعة من أشهر قراء‬
‫الصحابة إتقانا لحفظ القرآن ووعيا ً لحروفه وأداء لقراءته وفهما ً‬
‫لعرابه ولغته وهم زيد بن ثابت النصاري‪ ،‬وعبدالله بن الزبير‬

‫‪()1‬عثمان بن عفان صادق عرجون ص ‪.171‬‬


‫‪()2‬المصدر نفسه ص ‪.230‬‬
‫‪()3‬الجامع لحكام القرآن للقرطبي )‪.(1/88‬‬
‫ص ّ‬
‫لبي ص ‪.231‬‬ ‫‪ 4‬عثمان بن عفان صادق عرجون ص ‪ 178‬عثمان بن عفان لل ّ‬
‫)(‬

‫‪-70-‬‬
‫وسعيد بن العاص وعبدالرحمن بن الحارث بن هشمام وهمؤلء من‬
‫قريش )‪.(1‬‬
‫هط القرشيين الثلثة‪ :‬إذا اختلفتم أنتم وزيد بن‬ ‫وقال عثمان للر ّ‬
‫ثابت في شيء من القرآن فاكتبوه بلسان قريش‪ ،‬فإنما نزل‬
‫بلسانهم‪ ،‬ففعلوا‪ ،‬حتى إذا نسخوا الصحف في المصاحف‪ ،‬رد ّ‬
‫ل أفق بمصحف مما‬ ‫عثمان الصحف إلى حفصة‪ ،‬فأرسل إلى ك ُ ّ‬
‫نسخوا‪ ،‬وأمر بما سواه‪ ،‬وأمر بما سواه من القرآن في كل صحيفة‬
‫حرق )‪ (2‬والفرق بين جمع أبي بكر وعثمان أن جمع‬ ‫أو مصحف أن ي ُ‬
‫أبي بكر كان لخشيته أن يذهب شيء من القرآن بذهاب حملته‪،‬‬
‫لنه لم يكن مجموعا ً في موضع واحد‪ ،‬فجمعه في صحائف مرتبا ً‬
‫ليات سوره على ما وقفهم عليه النبي صلى الله عليه وسلم‪،‬‬
‫وجمع عثمان كان لما كثر الختلف في وجوه القراءة حتى قرأوه‬
‫بلغاتهم على اتساع اللغات‪ ،‬فأدى ذلك بعضهم إلى تخطئة بعض‬
‫فخشي من تفاقم المر في ذلك‪ ،‬فنسخ تلك الصحف في مصحف‬
‫واحد مرتبا ً لسوره واقتصر من سائر اللغات على لغة قريش‬
‫محتجا ً بأنه نزل بلغتهم‪ ،‬وإن كان قد وسع في قراءته بلغة غيرهم‬
‫دفعا ً للحرج والمشقة في ابتداء المر‪ ،‬فرأى أن الحاجة قد انتهت‬
‫فاقتصر على لغة واحدة )‪.(3‬‬
‫‪ -5‬الشورى في أحداث الفتنة‪:‬‬
‫سمع بعض الصحابة الشاعات التي بثها عبدالله بن سبأ في‬
‫المصار دخل محمد بن مسلمة وطلحة بن عبيد الله وغيرهما على‬
‫عثمان على عجل وقالوا يا أمير المؤمنين أياتيك عن الناس الذي‬
‫يأتينا ؟ قال‪ :‬ل والله ما جاءني إل السلمة قالوا‪ :‬فإنا أتانا‪ ،‬وأخبروه‬
‫بما تناهي لسمعهم عن الفتنة التي تموج بها المصار السلمية‪،‬‬
‫وعن الهجوم الشرس على ولته في كل صقع‪ ،‬وقال‪ :‬أنتم‬
‫شركائي وشهود المؤمنين‪ ،‬فأشميروا علي ؟ قالوا‪ :‬نشير عليك أن‬
‫تبعث رجال ً ممن تثق بهم إلى المصار حتى يرجعوا إليك بخبرهم‬
‫)‪ ،(4‬فقام عثمان بإجراء سديد عظيم‪ ،‬وتخيّر نفرا ً من الصحابة ل‬
‫يختلف اثنان في صدقهم وتقواهم وورعهم‪ ،‬ونصحهم‪ ،‬اختار محمد‬
‫بن مسلمة الذي كان عمر يأتمنه على محاسبة ولته‪ ،‬والتفتيش‬
‫عليهم في القاليم‪ ،‬وأسامة بن زيد حب رسول الله صلى الله‬
‫حّبه‪ ،‬وأمير الجيش الذي أوصى النبي صلى الله‬ ‫عليه وسلم وابن ِ‬
‫‪()1‬البخاري رقم ‪.4987‬‬
‫‪()2‬المصدر نفسه ص ‪.4987‬‬
‫ص ّ‬
‫لبي ص ‪.231‬‬ ‫‪ 3‬عثمان بن عفان لل ّ‬
‫)(‬

‫‪()4‬تاريخ الطبري )‪.(5/348‬‬

‫‪-71-‬‬
‫عليه وسلم بإنفاذه في آخر عهده بالدنيا فقال‪ :‬أنفذوا بعث أسامة‪،‬‬
‫وعمار بن ياسر‪ ،‬السّباق إلى السلم والمجاهد العظيم‪ ،‬وعبدالله‬
‫بن عمر‪ ،‬التقي الفقيه الورع‪ ،‬فأرسل محمد بن مسلمة إلى‬
‫الكوفة وأسامة إلى البصرة‪ ،‬وعمارا ً إلى مصر‪ ،‬وابن عمر إلى‬
‫الشام‪ ،‬وكانوا على رأس جماعة‪ ،‬فأرسلهم إلى تلك المصار‬
‫الكبيرة فمضوا جميعا ً إلى عملهم الشاق المضني الخطير العظيم‬
‫ثم عادوا جميعا ً عدا عمار بن ياسر الذي استبطأ في مصر ثم عاد‪،‬‬
‫وقدموا بين يدي أمير المؤمنين ما شاهدوه وسمعوه وسألوا‬
‫الناس عنه )‪ ،(1‬وكان ما جاء به هؤلء واحدا ً في كل المصار‪،‬‬
‫وقالوا‪ :‬أيها الناس‪ ،‬ما أنكرنا شيئًا‪ ،‬ول أنكر المسلمون‪ ،‬إل أن‬
‫أمراءهم يقسطون بينهم ويقومون عليهم )‪ (2‬وأما ما روي عن‬
‫اتهام عمار بن ياسر رضي الله عنه بالتأليب على عثمان رضي الله‬
‫عنه‪ ،‬أسانيد الروايات التي تتضمن هذه التهمة ضعيفة ل تخلوا من‬
‫علة‪ ،‬كما أن في متونها نكارة )‪.(3‬‬
‫رجع مفتشو المصار واتضح بأنه ليس هناك ما يوجب على الخليفة‬
‫أن يعزل واحدا ً من ولته والناس في عافية وعدل وخير ورحمة‬
‫وأطمئنان‪ ،‬وأمير المؤمنين يعدل في القضية‪ ،‬ويقسم بالسوية‪،‬‬
‫ويرعى حق الله وحقوق الرعية‪ ،‬وما يثار هو شكوك وأراجيف‬
‫وأكاذيب يبثها الحاقدون في الظلمات لكي ل يعرف مصدرها‪،‬‬
‫ولكن الخليفة البار الراشد العظيم لم يكتف بهذا‪ ،‬بل كتب إلى‬
‫أهل المصار )‪.(4‬‬
‫أما بعد ‪ :‬فإني آخذ العمال بموافاتي في كل موسم‪ ،‬وقد سلطت‬
‫المة منذ وليت على المر بالمعروف والنهي عن المنكر‪ ،‬فل ُيرفع‬
‫على شيء ول على أحد من عمالي إل أعطيته‪ ،‬وليس لي ولعيالي‬
‫ي أهل المدينة أن‬‫حق ِقبل الرعية إل متروك لهم‪ ،‬وقد رفع إل ّ‬
‫أقواما ً ُيشتمون‪ ،‬وآخرون يضربون‪ ،‬فيا من ضرب سرا ً وشتم سرا ً‬
‫من أدعى شيئا ً من ذلك فليواف الموسم فليأخذ بحقه حيث كان‪،‬‬
‫مني أو من عمالي‪ ،‬أو تصدقوا فإن الله يجزى المتصدقين‪ ،‬فلما‬
‫قرئ في المصار أبكى الناس‪ ،‬ودعوا لعثمان وقالوا ‪ :‬إن المة‬
‫خص بشر )‪.(5‬‬ ‫لتم ّ‬

‫لبي ص ‪.361‬‬ ‫ص ّ‬
‫‪ 1‬عثمان بن عفان لل ّ‬
‫)(‬

‫‪()2‬تاريخ الطبري )‪.(5/348‬‬


‫‪()3‬فتنة مقتل عثمان د‪ .‬محمد الغبان )‪.(1/17‬‬
‫‪()4‬تاريخ الطبري )‪.(1/349‬‬
‫ص ّ‬
‫لبي ص ‪.362‬‬ ‫‪ 5‬المصدر نفسه )‪ (1/349‬عثمان بن عفان لل ّ‬
‫)(‬

‫‪-72-‬‬
‫حزم وعزم أعلى وأشمخ من هذا الحزم‬ ‫فهل تريد الدنيا أن تسمع ب ِ‬
‫والعزم من رجل زاد سّنه عن اثنتين وثمانين سنة‪ ،‬وهو في هذه‬
‫الفورة والقوة من المتابعة والتنقيب عن المظالم ؟ أم هل يريد‬
‫الناس أن يروا عدل ً أرفع وأسمى من هذا العدل‪ ،‬والنصاف‪ ،‬حتى‬
‫إن حق أمير المؤمنين الشخصي متروك لرعيته‪ ،‬ما دام حق الله‬
‫قائما ً وحدوده مرعّية؟ نعم عند عثمان الذي لم يقف عند ذلك‪ ،‬ولم‬
‫يكتف بأن أرسل أمناءه للتفتيش عن أحوال الناس‪ ،‬وكتابته من ثم‬
‫إلى أهل المصار‪ ،‬بأن يأتوا موسم الحج ليرفعوا شكاتهم – إن‬
‫كانت لهم – أمام جموع الحجيج‪ ،‬ولم يكتف عثمان بذلك كله‪ ،‬بل‬
‫بعث إلى عمال المصار أنفسهم ليواجهوا الناس عندما يرفعون‬
‫مظالمهم – إن وجدت – ثم ليسألهم أمير المؤمنين عما يتناقله‬
‫الناس‪ ،‬ليشيروا عليه بالرأي الناصح السديد الرشيد )‪.(1‬‬
‫‪ -6‬مشورة عثمان لولة المصار‪:‬‬
‫بعث عثمان رضي الله عنه إلى ولة المصار واستدعاهم على‬
‫عجل‪ :‬عبدالله بن عامر‪ ،‬ومعاوية بن أبي سفيان‪ ،‬وعبدالله بن‬
‫سعد‪ ،‬وأدخل معهم في المشورة سعيد بن العاص‪ ،‬وعمرو بن‬
‫العاص وهم من الولة السابقين وكانت جلسة مغلقة وخطيرة‬
‫جرت فيها البحاث التالية التي تقرر خطة العمل الجديد على ضوء‬
‫الخبار المتناهية إلى المدينة عاصمة دولة السلم )‪ ،(2‬قال عثمان ‪:‬‬
‫ويحكم ما هذه الشكاية؟ وما هذه الذاعة؟ إني والله لخائف أن‬
‫يكون مصدوقا ً عليكم وما يعصب )‪ (3‬هذا إل بي فقالوا له‪ :‬ألم‬
‫تبعث؟ ألم يرجع إليك الخبر عن القوم؟ ألم يرجعوا ولم يشافههم‬
‫أحد بشيء ؟ ل والله ما صدقوا ول بروا ول نعلم لهذا المر أص ً‬
‫ل‪،‬‬
‫وما كنت لتأخذ به أحدا ً فيضمنك على شيء‪ ،‬وما هي إل إذاعة ل‬
‫ي فقال سعيد بن‬ ‫يحل الخذ بها‪ ،‬ول النتهاء إليها‪ .‬قال‪ :‬فأشيروا عل ّ‬
‫صنع في السر فُيلقي به غير ذي معرفة‬ ‫العاص‪ :‬هذا أمر مصنوع ي ُ‬
‫فيخبر به فيتحدث به في مجالسهم‪ ،‬قال ‪ :‬فما دواء ذلك؟ قال‪:‬‬
‫طلب هؤلء القوم‪ ،‬ثم قتل هؤلء الذين يخرج هذا من عندهم‪.‬‬
‫وقال عبدالله بن سعد‪ :‬خذ من الناس الذي عليهم إذا أعطيتهم‬
‫الذي لهم‪ ،‬فإنه خير من أن تدعهم‪ .‬قال معاوية ‪ :‬قد وليتني فوليت‬
‫قوما ً ل يأتيك عنهم إل الخير‪ ،‬والرجلن أعلم بناحيتها‪ ،‬قال‪ :‬فما‬
‫الرأي ‪ :‬قال‪ :‬حسن الدب‪ ،‬قال‪ :‬فما ترى يا عمرو؟ قال‪ :‬أرى أنك‬

‫‪()1‬عثمان بن عفان‪ ،‬عبدالستار الشيخ ص ‪.212‬‬


‫لبي ص ‪.362‬‬ ‫ص ّ‬‫‪ 2‬عثمان بن عفان لل ّ‬
‫)(‬

‫‪()3‬يعصب بي ‪ :‬يناط بي‪.‬‬

‫‪-73-‬‬
‫قد لنت لهم‪ ،‬وتراضيت عنهم وزدتهم عما كان يضع عمر‪ ،‬فأرى أن‬
‫تلزم طريقة صاحبك فتشد في موضع الشدة وتلين في موضع‬
‫اللين ‪ :‬إن الشدة تنبغي لمن ل يألو الناس شرًا‪ ،‬واللين لمن يخلف‬
‫الناس بالنصح وقد فرشتهما جميعا ً اللين‪ ،‬وقام عثمان فحمد الله‬
‫ي قد سمعت ولكل أمر‬ ‫وأثنى عليه وقال‪ :‬كل ما أشرتهم به عل ّ‬
‫خاف على هذه المة كائن‪ ،‬وإن‬ ‫باب يؤتي منه‪ ،‬إن هذا المر الذي ي ُ‬
‫بابه الذي ُيغلق عليه فُيكفكف به اللين والمؤاتاة والمتابعة‪ ،‬إل في‬
‫حدود الله تعالى ذكره‪ ،‬التي ل يستطيع أحد أن يبادي بعيب‬
‫ن وليست لحد‬ ‫أحدهما‪ ،‬فإن سده شيء فرفق‪ ،‬فذاك والله لُيفتح ّ‬
‫على حجة حق وقد علم الله آني لم آل الناس خيرًا‪ ،‬ول نفسي‬
‫والله إن رحى الفتنة لدائرة‪ ،‬فطوبى لعثمان إن مات ولم يحركها‬
‫كفكفوا الناس‪ ،‬وهبوا لهم حقوقهم‪ ،‬واغتفروا لهم‪ ،‬وإذا تعوطيت‬
‫دهنوا فيها )‪.(1‬‬
‫حقوق الله فل ت ُ ِ‬
‫كان عثمان بن عفان رضي الله عنه واضحا ً صريحا ً فيما ل هوادة‬
‫فيه‪ ،‬وهي حدود الله فل مداهنة فيها وما غير ذلك فالرفق أولى‬
‫والمغفرة أفضل ولبد من تأدية الحقوق كلها )‪ (2‬وقد جاءت روايات‬
‫بسند فيه ضعف ومجهولون تشوه العلقة بين عمرو بن العاص‬
‫وعثمان رضي الله عنهما‪ ،‬وساهمت روايات ساقطة في مسخ‬
‫صورة عمرو بن العاص رضي الله عنه وتحويل علقته بعثمان إلى‬
‫علقة فاتك خطط لقتل أميره‪ ،‬ثم عاد بانتهازية ليطالب بدمه )‪،(3‬‬
‫وهذه الرواية ضعيفة ومرفوضة عند أهل التاريخ وأهل الحديث )‪.(4‬‬
‫وقد جاء في رواية بسند فيه ضعفاء ومجهولون أيضا ً بأن عمرو بن‬
‫العاص قال‪ :‬يا عثمان ‪ :‬إنك قد ركبت الناس بمثل بني أمية فقلت‬
‫وقالوا وزغت وزاغوا‪ ،‬فاعتدل أو اعتزل‪ ،‬فإن أبيت فاعتزم عزما ً‬
‫ى قدما )‪(5‬وجاء في نفس الرواية أن عبدالله بن عامر قال‪:‬‬ ‫وأمض ِ‬
‫)‪(6‬‬
‫أرى لك أن تجمرهم في هذه البعوث حتى يهم كل رجل منهم‬
‫قمل فروة رأسه ودبر دابته وتشغلهم عن الرجاف بك )‪ (7‬إن‬
‫عثمان رضي الله عنه منع الولة من التنكيل بمثيري الشغب‪،‬‬

‫‪()1‬تاريخ الطبري )‪.(5/351‬‬


‫‪()2‬عمرو بن العاص المير المجاهد‪ ،‬منير الغضبان ص ‪.447‬‬
‫ص ّ‬
‫لبي ص ‪.364‬‬ ‫‪ 3‬المصدر نفسه ص ‪ 448‬عثمان بن عفان لل ّ‬
‫)(‬

‫‪()4‬عمرو بن العاص المير المجاهد‪ ،‬منير الغضبان ص ‪.448‬‬


‫لبي ص ‪.364‬‬ ‫ص ّ‬
‫‪ 5‬تاريخ الطبري )‪ (5/340‬عثمان لل ّ‬
‫)(‬

‫‪()6‬تجمرهم ‪ :‬يبقوا في الثغور لفترة طويلة من الزمن‪.‬‬


‫لبي ص ‪.364‬‬ ‫ص ّ‬‫‪ 7‬عثمان لل ّ‬
‫)(‬

‫‪-74-‬‬
‫حبسهم أو قتلهم‪ ،‬وقّرر أن يعاملهم بالحسن واللين)‪ ،(1‬وطلب من‬
‫عماله أن يعودوا إلى أعمالهم‪ ،‬وفق ما أعلنه لهم من أسلوب‬
‫مواجهة الفتنة التي كان كل بصير يرى أنها قادمة )‪.(2‬‬
‫‪ -7‬الحوار المباشر مع المعارضين في عهد عثمان‪:‬‬
‫وهنا تتجلى الشورى في أعظم معانيها في إعطاء المعارضين حق‬
‫الحديث والتكلم بما يريدون أمام الناس‪ ،‬فقد دعا عثمان القوم‬
‫السبئيين إلى عرض ما عندهم من شبهات وإظهار ما يرونه من‬
‫أخطاء وتجاوزت ومخالفات‪ ،‬وقع هو فيها وكانت جلسة مصارحة‬
‫ومكاشفة في المسجد على مرأى ومسمع من الصحابة‬
‫والمسلمين‪ ،‬فتكلم السبئيون وعرضوا الخطاء التي ارتكبها عثمان‬
‫– على حذر عمهم – وقام عثمان رضي الله عنه بالبيان واليضاح‬
‫دم حججه وأدلته فيما فعل‪ ،‬والمسلمون المنصفون يسمعون‬ ‫وق ّ‬
‫هذه المصارحة والمحاسبة والمكاشفة وأورد عثمان ما أخذوه‬
‫حسن فعله وأشهد معه‬ ‫عليه‪ ،‬ثم بين حقيقة المر ودافع عن ُ‬
‫الصحابة الجالسين في المسجد )‪.(3‬‬
‫أ‪ -‬قال‪ :‬قالوا ‪ :‬إني أتممت الصلة في السفر‪ ،‬وما أّتمها قبلي‬
‫رسول الله ول أبو بكر ول عمر‪ ،‬لقد أتممت الصلة لما سافرت‬
‫من المدينة إلى مكة‪ ،‬ومكة بلد فيه أهلي‪ ،‬فأنا مقيم بين أهلي‬
‫ولست مسافرا ً أليس كذلك؟ فقال الصحابة‪ :‬اللهم نعم‪.‬‬
‫ت على المسلمين‪ ،‬وجعلت‬ ‫ب‪ -‬وقالوا ‪ :‬إني حميت حمى‪ ،‬وضّيق ُ‬
‫أرضا ً واسعة خاصة لرعي إبلي‪ ،‬ولقد كان الحمى قبلي‪ ،‬لبل‬
‫ل من رسول الله وأبوبكر‬ ‫الصدقة والجهاد‪ ،‬حيث جعل الحمى ك ّ‬
‫وعمر‪ ،‬وأنا زدت فيه لما كثرت إبل الصدقة والجهاد‪ ،‬ثم لم نمنع ما‬
‫شية فقراء المسلمين من الرعي في ذلك الحمى‪ ،‬وما حميت لما‬
‫شيتي؛ ولما وليت الخلفة كنت من أكثر المسلمين إبل ً وغنما ً وقد‬
‫انفقتها كلها‪ ،‬ومالي الن ثاغية ول راغية‪ ،‬ولم يبق لي إل بعيرات‪،‬‬
‫جي؛ أليس كذلك؟ فقال الصحابة ‪ :‬اللهم نعم‪.‬‬ ‫صصتهما لح ّ‬ ‫خ ّ‬
‫ج‪ -‬وقالوا ‪ :‬إني أبقيت نسخة واحدة من المصاحف‪ ،‬وحّرقت ما‬
‫سواها‪ ،‬وجمعت الناس على مصحف واحد؟ أل إن القرآن كلم‬
‫الله من عند الله وهو واحد ولم أفعل سوى أن جمعت المسلمين‬
‫على القرآن ونهيتهم عن الختلف فيه‪ ،‬وأنا في فعلي هذا تابع لما‬

‫سلمي ص ‪.77‬‬‫‪ 1‬خلفة عثمان لل ّ‬


‫)(‬

‫‪()2‬الخلفاء الراشدون للخالدي ص ‪.151‬‬


‫‪()3‬المصدر نفسه‪.‬‬

‫‪-75-‬‬
‫فعله أبوبكر‪ ،‬لما جمع القرآن! أليس كذلك ؟ فقال الصحابة‪ :‬اللهم‬
‫نعم‪.‬‬
‫س‪ -‬وقالوا‪ :‬إني رددت الحكم بن أبي العاص إلى المدينة‪ ،‬وقد‬
‫كي‪،‬‬‫ن الحكم بن العاص م ّ‬ ‫كان رسول الله نفاه إلى الطائف‪ ،‬إ ّ‬
‫وليس مدنيًا‪ ،‬وقد سيره رسول الله صلى الله عليه وسلم من مكة‬
‫إلى الطائف‪ ،‬وأعاده الرسول صلى الله عليه وسلم إلى مكة‬
‫ضي عنه فالرسول صلى الله عليه وسلم سّيره إلى‬ ‫بعدما َر ِ‬
‫ده وأعاده أليس كذلك؟ فقال الصحابة ‪ :‬اللهم‬ ‫الطائف وهو الذي ر ّ‬
‫نعم وقالوا ‪ :‬إني استعملت الحداث‪ ،‬ووليت الشباب صغار السن‪،‬‬
‫ل إل رجل ً فاضل ً محتمل ً مرضيًا‪ ،‬وهؤلء الناس أهل عملهم‪،‬‬ ‫ولم أو ّ‬
‫سلوهم عنهم‪ ،‬ولقد ولى الذين من قبلي من هم أحدث منهم‬ ‫ف َ‬
‫ى رسول الله صلى الله عليه وسلم‬ ‫ً‬
‫وأصغر منهم سنا‪ ،‬ولقد ول ّ‬
‫أسامة بن زيد‪ ،‬وهو أصغر ممن وليته‪ ،‬وقالوا لرسول الله صلى‬
‫الله عليه وسلم أشد مما قالوا لي أليس كذلك ؟ قال الصحابة‪:‬‬
‫سرونه ول‬‫اللهم نعم؛ إن هؤلء الناس يعيبون للناس مال ً يف ّ‬
‫يوضحونه‪.‬‬
‫وقالوا ‪ :‬إني أعطيت عبدالله بن سعد بن أبي سرح ما أفاء الله به‪،‬‬
‫خمس الخمس‪ ،‬وكان مئة ألف‪ ،‬لما فتح إفريقية‪،‬‬ ‫وإنما أعطيته ُ‬
‫جزاء جهاده وقد قلت له‪ :‬إن فتح الله عليك إفريقية فلك خمس‬
‫ل‪ ،‬وقد فعلها قبلي أبوبكر وعمر رضي الله‬ ‫الخمس من الغنيمة نق ً‬
‫عنه ومع ذلك قال لي الجنود المجاهدون ‪ :‬إنا نكره أن تعطيه‬
‫خمس الخمس – ول يحق لهم العتراض والرفض – فأخذت خمس‬
‫الخمس من ابن سعد ورددته على الجنود وبذلك لم يأخذ ابن سعد‬
‫شيئًا‪ ،‬أليس كذلك؛ قال الصحابة‪ :‬اللهم نعم‪.‬‬
‫ي لهل بيتي‪ ،‬فإنه‬ ‫ب أهل بيتي وأعطيهم‪ ،‬فأما حب ّ‬ ‫ٍوقالوا ‪ :‬إني أح ّ‬
‫لم يحملني على أن أميل معهم إلى جور وظلم الخرين‪ ،‬بل أحمل‬
‫عطيهم من‬ ‫الحقوق عليهم وآخذ الحق منهم وإما إعطاؤهم فإني أ ُ‬
‫ل أموال‬ ‫مالي الخاص‪ ،‬وليس من أموال المسلمين‪ ،‬لني ل استح ّ‬
‫المسلمين‪ ،‬ول لحد من الناس‪ ،‬ولقد كنت أعطي العطية الكبيرة‬
‫صلب مالي‪ ،‬أزمان رسول الله صلى الله عليه وسلم‬ ‫الرغيبة من ُ‬
‫وأبي بكر وعمر رضي الله عنه‪ ،‬وأنا يومئذ شحيح حريص أفحين‬
‫أتيت على أسنان أهل بيتي‪ ،‬وفنى عمري‪ ،‬وجعلت مالي الذي لي‬
‫لهالي وأقاربي‪ ،‬قال الملحدون ما قالوا ؟ وإني والله ما أخذت‬
‫ل‪ ،‬ولقد رددت على‬ ‫من مصر من أمصار المسلمين مال ً ول فض ً‬
‫حضروا إلى المدينة إل الخماس من‬ ‫تلك المصار الموال ولم ي ُ‬

‫‪-76-‬‬
‫الغنائم‪ ،‬ولقد تولى المسلمون تقسيم تلك الخماس ووضعها في‬
‫أهلها؛ ووالله ما أخذت من تلك الخماس وغيرها فلسا ً فما فوقه‪،‬‬
‫وإنني ل أكل إل من مالي‪ ،‬ول أعطي أهلي إل من مالي‪.‬‬
‫وقالوا‪ :‬إني أعطيت الرض المفتوحة لرجال معينين‪ ،‬وإن هذه‬
‫الرضين المفتوحة‪ ،‬قد اشترك في فتحها المهاجرون والنصار‬
‫سمت هذه الراضي على‬ ‫وغيرهم من المجاهدين‪ ،‬ولما ق ّ‬
‫المجاهدين الفاتحين منهم من أقام بها واستقّر فيها‪ ،‬ومنهم من‬
‫رجع إلى أهله في المدينة أو غيرها‪ ،‬وبقيت تلك الرض ملكا ً له‪،‬‬
‫وقد باع بعضهم تلك الراضي‪ ،‬وكان ثمنها في أيديهم وبذلك أورد‬
‫ى‬
‫العتراضات التي أثيرت عليه‪ ،‬وتول ّ‬ ‫عثمان رضي الله عنه أهم‬
‫)‪(1‬‬
‫توضيحها وبيان وجه الحق فيها ‪.‬‬
‫وترى من ذلك الدفاع المحكم الذي دافع به عثمان بن عفان رضي‬
‫الله وساجل الصحابة فيه وذاكرهم إياه صورة لما كان يجرى من‬
‫مر العنيف له رضي الله عنه‪ ،‬وما كان يشيعه السبئيون من‬ ‫النقد ال ّ‬
‫قالة السوء‪ ،‬وما يعملون على ترويجه من باطل مزيف‪ ،‬فقد أجمل‬
‫ن‬
‫رضي الله ذكر العتراضات التي كانوا يعترضون بها عليه‪ ،‬وبي ّ‬
‫وجه الحق يريدون رشادًا‪ ،‬ول يبغون سدادًا‪ ،‬فمجادلته لهم مجادلة‬
‫رجل مخلص مع آخر يتربص به الدوائر‪ ،‬ويتسقط هفواته لينفذ‬
‫أغراضا ً ويلقي في نفوس الناس عنه إعراضًا‪ ،‬ومن كان شأنه‬
‫كذلك ول تقنعه الحجة‪ ،‬ول يهديه الدليل‪ ،‬ومن يضلل الله فل هادي‬
‫له )‪.(2‬‬
‫وقد سمع كلمه وتوضيحه زعماء أهل الفتنة الذين بجانب المنبر‪،‬‬
‫كما سمعه الصحابة الكرام‪ ،‬ومن معهم من المسلمين الصالحين‪،‬‬
‫دقوه فيما قال‪،‬‬ ‫وتأّثر المسلمون بكلم عثمان وبيانه وتوضيحه وص ّ‬
‫وازدادوا له حبًا‪ ،‬وأما السبئيون دعاة الفتنة والفرقة‪ ،‬فلم يتأثروا‬
‫بذلك‪ ،‬ولم يتراجعوا‪ ،‬لنهم لم يكونوا باحثين عن حق‪ ،‬ول راغبين‬
‫في خير‪ ،‬إنما كان هدفهم الفتنة‪ ،‬والكيد للسلم والمسلمين‪ ،‬وقد‬
‫أشار الصحابة والمسلمون على عثمان بقتل زعماء الفتنة بسبب‬
‫ما ظهر من كذبهم وتزويرهم‪ ،‬وحقدهم‪ ،‬بل أصروا عليه في قتلهم‪،‬‬
‫ص المسلمون من شرهم‪ ،‬وتستقر بلد المسلمين‪ ،‬وُيقضى‬ ‫ليتخل ّ‬
‫على الفتنة التي يثيرها هؤلء‪ ،‬ولكن عثمان كان له رأي آخر‪،‬‬
‫وتحليل مغاير‪ ،‬فآثر أن يتركهم‪ ،‬ورأى عدم قتلهم‪ ،‬محاولة منه‬
‫لتأخير وقوع الفتنة ولم يتخذ عثمان ضد السبئيين القادمين من‬

‫‪()1‬العواصم من القواصم لبن العرين ص ‪ (111-61‬تاريخ الطبري )‪.(5/356‬‬


‫‪()2‬تاريخ الجدل لمحمد أبو زهرة ص ‪.99 ، 98‬‬

‫‪-77-‬‬
‫مصر والكوفة والبصرة أي إجراء مع علمه بما يخططون ويريدون‪،‬‬
‫وتركهم يغادرون المدينة ويعودون إلى بلدهم )‪.(1‬‬

‫سابعًا‪ :‬الشورى في عهد أمير المؤمنين علي بن أبي‬


‫طالب رضي الله عنه‪:‬‬
‫‪ -1‬بيعة علي بن أبي طالب رضي الله عنه‪:‬‬
‫تمت بيعة علي رضي الله عنه بطريقة الختيار وذلك بعد أن‬
‫استشهد الخليفة الراشد عثمان بن عفان رضي الله عنه‪ ،‬على‬
‫أيدي الخارجين المارقين الشذاذ الذين جاؤوا من الفاق‪ ،‬ومن‬
‫أمصار مختلفة‪ ،‬وقبائل متباينة ل سباقة لهم‪ ،‬ول أثر خير في‬
‫الدين‪ ،‬فبعد أن قتلوه رضي الله عنه زورا ً وعدوانا‪ ،‬يوم الجمعة‬
‫لثماني عشرة ليلة مضت من ذي الحجة سنة خمس وثلثين )‪.(2‬‬
‫قام كل من بقي بالمدينة من أصحاب رسول الله صلى الله عليه‬
‫ي رضي الله عنه بالخلفة وذلك لنه لم يكن أحد‬ ‫وسلم بمبايعة عل ّ‬
‫أفضل منه على الطلق في ذلك الوقت‪ ،‬فلم ّيدع المامة لنفسه‬
‫أحد بسعد عثمان رضي الله عنه‪ ،‬ولم يكن أبو السبطين رضي الله‬
‫عنه‪ ،‬حريصا ً عليها‪ ،‬ولذلك لم يقبلها إل بعد إلحاح شديد من بقي‬
‫بالمدينة من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم بمبايعة‬
‫علي رضي الله عنه بالخلفة وذلك لنه لم يكن أحد أفضل منه‬
‫على الطلق في ذلك الوقت‪ ،‬فلم ّيدع المامة لنفسه أحد بعد‬
‫عثمان رضي الله عنه ولم يكن أبو السبطين رضي الله عنه‪،‬‬
‫حريصا ً عليها‪ ،‬ولذلك لم يقبلها إل بعد إلحاح شديد ممن بقى من‬
‫الصحابة بالمدينة‪ ،‬وخوفا ً من ازدياد الفتن وانتشارها ومع ذلك لم‬
‫يسلم من نقد بعض الجهال إثر تلك الفتن كموقعة الجمل وصفين‬
‫التي أوقد نارها وأنشبها الحاقدون على السلم كابن سبأ وأتباعه‬
‫الذين استخفهم فأطاعوه لفسقهم ولزيغ قلوبهم عن الحق‬
‫والهدى‪ ،‬وقد روى الكيفية التي تم بها اختيار علي رضي الله عنه‬
‫للخلفة بعض أهل العلم )‪ ،(3‬فقد روى أبوبكر الخلل بإسناده إلى‬
‫محمد بن الحنفية قال‪ :‬كنت مع علي رحمه الله وعثمان محصر‬
‫قال‪ :‬فأتاه رجل فقال‪ :‬إن أمير المؤمنين مقتول الساعة‪ ،‬قال‪:‬‬
‫كنت مع علي رحمه الله وعثمان محصر قال ‪ :‬فأتاه رجل فقال‪:‬‬
‫إن أمير المؤمنين مقتول الساعة‪ ،‬قال‪ :‬فقام علي رحمه الله‪ :‬قال‬
‫‪()1‬الخلفاء الراشدون للخالدي ص ‪.159 ، 158‬‬
‫‪()2‬الطبقات لبن سعد)‪.(3/31‬‬
‫‪()3‬عقيدة أهل السنة في الصحابة الكرام‪ ،‬ناصر علي عايض حسن الشيخ )‬
‫‪.(2/677‬‬

‫‪-78-‬‬
‫م لك‪ ،‬قال‪ :‬فأتى‬ ‫للأ ّ‬ ‫محمد‪ :‬فأخذت بوسطه تخوفا ً عليه فقال خ ّ‬
‫علي الدار‪ ،‬وقد قتل الرجل رحمه الله‪ ،‬فأتى داره فدخلها فأغلق‬
‫بابه‪ ،‬فأتاه الناس فضربوا عليه الباب فدخلوا عليه فقالوا‪ :‬إن هذا‬
‫قد قتل‪ ،‬ولبد للناس من خليفة ول نعلم أحدًا‪ ،‬أحق بها منك‪ ،‬فقال‬
‫لهم علي‪ :‬ل تريدوني فإني لكم وزير خير مني لكم أمير فقالوا‪ :‬ل‬
‫والله ل نعلم أحمد أحمق بها منك قال‪ :‬فإن أبيتم علي فإن بيعتي ل‬
‫تكون سرا ً ولكن أخرج إلى المسجد فبايعه الناس)‪ ،(1‬وفي رواية‬
‫أخرى عن سالم بن أبي الجعد عن محمد بن الحنفية ‪ :‬فأتاه‬
‫أصحاب رسول الله فقالوا‪ :‬إن هذا الرجل قد قتل ولبد للناس من‬
‫إمام ول نجد أحدا ً أحق بها منك أقدم مشاهد‪ ،‬ول أقرب من رسول‬
‫الله صلى الله عليه وسلم فقال علي‪ :‬ل تفعلوا فإني وزير خير‬
‫مني أمير‪ ،‬فقالوا‪ :‬ل والله ما نحن بفاعلين حتى نبايعك‪ ،‬قال‪ :‬ففي‬
‫المسجد‪ ،‬فإنه ينبغي أل تكون خفيا ً ول تكون إل عن رضا‬
‫المسلمين قال‪ :‬فقال سالم بن أبي الجعد‪ :‬فقال عبدالله بن‬
‫عباس‪ :‬فلقد كرهت أن يأتي المسجد كراهية أن يشمغب عليه‪،‬‬
‫وأبي هو إل المسجد‪ ،‬فلما دخل المسجد جاء المهاجرين والنصار‬
‫فبايعوا وبايع الناس )‪.(2‬‬
‫ومن هذه الثار الصحيحة بعض الدروس والعبر والفوائد منها‪:‬‬
‫أ‪ -‬نصرة على بن أبي طالب رضي الله عنه لعثمان رضي الله عنه‬
‫ودفاعه عنه‪ ،‬وهذا متواتر عن علي رضي الله عنه بل كان أكثر‬
‫الناس دفاعا ً عن عثمان رضي الله عنه‪ ،‬جاء بأسانيد كثيرة‪ ،‬وشهد‬
‫بذلك مروان بن الحكم حيث قال‪ :‬ما كان في القوم أدفع عن‬
‫صاحبنا من صاحبكم يعني عليا ً عن عثمان )‪.(3‬‬
‫ب‪ -‬زهد علي رضي الله عنه في الخلفة وعدم طلبه لها أو طمعه‬
‫فيها‪ ،‬واعتزاله في بيته حتى جاءه الصحابة يطلبون البيعة‪.‬‬
‫ج‪ -‬إجماع الصحابة من المهاجرين والنصار والناس عامة في‬
‫المدينة على بيعته‪ ،‬ويدخل في هؤلء أهل الحل والعقد‪ ،‬وهم الذين‬
‫قصدوا علي ّا ً وطلبوا منه أن يوافق على البيعة وألحوا عليه حتى‬
‫قبلها‪ ،‬وليس للغوغاء وقتلة عثمان كما في بعض الروايات الضعيفة‬
‫والموضوعة‪.‬‬

‫‪()1‬كتاب السنة لبي بكر الخلل ص ‪.415‬‬


‫‪()2‬كتاب السنة لبي بكر الخلل ص ‪.416‬‬
‫‪()3‬بيعة علي بن أبي طالب‪ ،‬مالك الخالدي ص ‪ 2‬اسناده قوي‪.‬‬

‫‪-79-‬‬
‫ح‪ -‬إن عليا ً كان أحق الناس بالخلفة يؤمئذ‪ ،‬ويدل على ذلك قصد‬
‫الصحابة له‪ ،‬وإلحاحهم عليه‪ ،‬ليقبل البيعة‪ ،‬وتصريحهم بأنهم ل‬
‫يعلمون أحق بالخلفة منه يؤمئذ‪.‬‬
‫س‪ -‬أهمية الخلفة‪ ،‬ولذلك رأينا أن الصحابة أسرعوا في تولية‬
‫علي‪ ،‬وكان يقول‪ :‬لول الخشية على دين الله لم أجبهم )‪.(1‬‬
‫ش‪ -‬إن الشبهة التي أدخلوها على بيعة علي‪ ،‬كون الخوارج الذين‬
‫حاصروا عثمان وشارك بعضهم في قتله‪ ،‬كانوا في المدينة وأنهم‬
‫أول من بدؤوا بالبيعة وأن طلحة والزبير بايعا مكرهين‪ ،‬وهذه‬
‫أقاويل المؤرخين‪ ،‬ل تقوم على أساس وليس لها سند صحيح‪،‬‬
‫والصحيح أنه لم يجد الناس بعد أبي بكر وعمر وعثمان‪ ،‬كالرابع‬
‫قدرا ً وعلما ً وتقى ودينا ً وجهادًا‪ ،‬فعزم عليه المهاجرين والنصار‪،‬‬
‫ورأى ذلك فرضا ً عليه‪ ،‬فانقاد إليه‪ ،‬ولول السراع بعقد البيعة لعلي‪،‬‬
‫لدى ذلك إلى فتن واختلفات في جميع القطار السلمية‪ ،‬فكان‬
‫من مصلحة المسلمين أن يقبل علي البيعة مهما كانت الظروف‬
‫المحيطة بها‪ ،‬ولم يتخلف عن علي أحد من الصحابة الذين كانوا‬
‫بالمدينة‪ ،‬وقد خلط الناس بين تخلف الصحابة عن المسير معه‬
‫إلى البصرة وبين البيعة‪ :‬أما البيعة فلم يختلفوا عنها‪ ،‬وأما المسير‬
‫معه فتخلفوا عنه لنها كانت مسألة اجتهادية )‪ ،(2‬كما أن عليا ً لم‬
‫يلزمهم بالخروج معه وقبل عذر من اعتذر عن ذلك‪.‬‬
‫ع‪ -‬لبد من الحذر من مبالغات الخباريين التي تزعم أن المدينة‬
‫بقيت خمسة أيام بعد مقتل عثمان وأميرها الغافقي بن حرب‬
‫يلتمسون من يجيبهم إلى القيام بالمر فل يجدونه )‪ ،(3‬وتزعم أن‬
‫الغوغاء من مصر عرضت المر على علي فرفضه‪ ،‬وأن خوارج‬
‫الكوفة عرضوا الخلفة على الزبير‪ ،‬فل يجدونه‪ ،‬ومن جاء من‬
‫البصرة عرضوا على طلحة البيعة‪ ،‬فهذا ل يثبت أمام الروايات‬
‫الصحيحة ول يصح إسناده)‪ ،(4‬كما أن المعروف تمكن الصحابة من‬
‫المدينة وقدرتهم على القضاء على الغوغاء لول طلب عثمان رضي‬
‫الله عنه‪ ،‬بالكف عن استخدام القوة ضدهم وقد فصلت ذلك في‬
‫كتابي ‪ :‬تيسير الكريم المنان في سيرة عثمان بن عفان‪ ،‬والصحيح‬
‫أن بيعة على كانت عن طواعية واختيار من المسلمين وليس لهل‬
‫الفتنة دور في مبايعة علي‪ ،‬وإنما كل من كان من الصحابة في‬
‫المدينة هم الذين اختاروا أمير المؤمنين عليا ّ رضي الله عنه‪.‬‬
‫‪()1‬فتح الباري )‪ (13/75‬اسناده صحيح‪.‬‬
‫سراب )‪.(2/311‬‬ ‫‪ 2‬المدينة النبوية‪ ،‬محمد ّ‬
‫)(‬

‫‪()3‬تاريخ الطبري )‪.(4/432‬‬


‫‪()4‬استشهاد عثمان ووقعة الجمل د‪ .‬خالد الغيث ص ‪.140 - 126‬‬

‫‪-80-‬‬
‫ك‪ -‬بلغت الروايات الصحيحة والشواهد في بيعة علي رضي الله‬
‫عنه إحدى عشرة رواية )‪.(1‬‬
‫‪ -2‬انعقاد الجماع على خلفة علي بن أبي طالب رضي‬
‫الله عنه‪:‬‬
‫كانت بيعة علي بالخلفة عقب قتل عثمان في أوائل ذي الحجة‬
‫سنة خمس وثلثين‪ ،‬فبايعه المهاجرون والنصار وكل من حضر‪،‬‬
‫وكتب بيعته إلى الفاق فأذعنوا كلهم إل معاوية في أهل الشام‬
‫فكان بينهما بعد ما كان )‪.(2‬‬
‫إن خلفة علي رضي الله عنمه محل إجماع على أحقيتها وصحتها‬
‫في وقت زمانها‪ ،‬وذلك بعد قتل عثمان – رضي الله عنه حيث لم‬
‫يبق على الرض أحق بها منه رضي الله عنه‪ ،‬فقد جاءته رضي الله‬
‫عنه على قدر في وقتها ومحلها )‪.(3‬‬
‫اعترض بعض الناس على الجماع على خلفة علي فقالوا‪:‬‬
‫)‪(4‬‬
‫‪ -‬أن أهل الشام – معاوية ومن معه – لم يبايعوه بل قاتلوه ‪.‬‬
‫والجواب‪ :‬أن معاوية – رضي الله عنه – لم يقاتل عليا ً على‬
‫الخلفة ولم ينكر إمامته‪ ،‬وإنما كان يقاتل من أجل إقامة الحد‬
‫الشرعي على الذين اشتركوا في قتل عثمان مع ظنه أنه مصيب‬
‫في اجتهاده ولكنه كان مخطئا ً في اجتهاده ذلك‪ ،‬فله أجر الجتهاد‬
‫فقط )‪ ،(5‬وقد ثبت بالروايات الصحيحة أن خلفه مع علي – رضي‬
‫الله عنه – كان في قتل قتلة عثمان ولم ينازعه في الخلفة‪ ،‬بل‬
‫كان يقر له بذلك‪ ،‬فعن أبي مسلم الخولني أنه جاء وأناس معه‪،‬‬
‫إلى معاوية وقالوا‪ :‬أنت تنازع عليّا‪ ،‬هل أنت مثله؟ فقال‪ :‬ل والله‪،‬‬
‫وإني لعلم أنه أفضل مني‪ ،‬وأحق بالمر منى‪ ،‬ولكن ألستم‬
‫تعلمون أن عثمان قتل مظلومًا‪،‬وأنا ابن عمه والطالب بدمه؟‬
‫ي قتلة عثمان وأسلم له‪ ،‬فأتوا عليا ّ‬ ‫فأتوه فقولوا له‪ :‬فليدفع إل ّ‬
‫فكلموه فلم يدفعهم إليه)‪.(6‬‬
‫ويروي ابن كثير من طرق بسنده إلى أبي الدرداء وأبي أمامة –‬
‫رضي الله عنهما – أنهما دخل على معاوية فقال له‪ :‬يا معاوية علم‬
‫تقاتل هذا الرجل؟ فوالله إنه أقدم منك ومن أبيك إسلمًا‪ ،‬وأقرب‬
‫منك إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وأحق بهذا المر منك‪،‬‬
‫‪()1‬بيعة علي بن أبي طالب ص ‪.122‬‬
‫‪()2‬فتح الباري )‪.(7/72‬‬
‫‪()3‬عقيدة أهل السنة والجماعة في الصحابة )‪.(2/693‬‬
‫‪()4‬المصدر نفسه )‪.(2/695‬‬
‫ص ّ‬
‫لبي ص ‪.286‬‬ ‫‪ 5‬العواصم من القواصم ص ‪ 150‬علي بن أبي طالب لل ّ‬
‫)(‬

‫‪()6‬البداية والنهاية )‪ (7/265‬تحقيق مواقف الصحابة )‪.(2/147‬‬

‫‪-81-‬‬
‫فقال‪ :‬أقاتله على دم عثمان‪ ،‬وإنه آوى قتلته‪ ،‬فاذهبا إليه فقول‬
‫له‪ ،:‬فليقدنا من قتلة عثمان‪ ،‬ثم أنا أول من أبايعه من أهل‬
‫الشام)‪.(1‬‬
‫والروايات معاوية لعلي – رضي الله عنهما – في الخلفة‪ .‬ولهذا‬
‫نص المحققون من أهل العلم على هذه المسألة وقرروها )‪،(2‬‬
‫يقول إمام الحرمين الجويني ‪ :‬إن معاوية وإن قاتل عليا ً فإنه ل‬
‫ينكر إمامته‪ ،‬ول يدعيها لنفسه وإنما كان يطلب قتلة عثمان ظنا ً‬
‫منه أنه مصيب وكان مخطئا ً )‪.(3‬‬
‫وكان أمير المؤمنين علي موافقا ً من حيث المبدأ على وجوب‬
‫ى القتصاص‬ ‫القتصاص من قتلة عثمان‪ ،‬وإنما كان رأيه أن يرج ْ‬
‫من هؤلء إلى حين استقرار الوضاع وهدوء المور واجتماع الكلمة‬
‫)‪.(4‬‬
‫‪ -3‬حقيقة الشورى في بيعة علي بن أبي طالب رضي‬
‫الله عنه‪:‬‬
‫إن البيعة للخليفة الرابع علي رضي الله عنه لم تختلف من حيث‬
‫مبدأ الشورى عن مثيلتها السابقة بالرغم من الزمة التي ألمت‬
‫بالمة‪ ،‬والحوال‪ ،‬المدلهمة والمشكلت المتتابعة‪ ،‬فلم تتم البيعة‬
‫على أساس عشائري‪ ،‬أو أسري‪ ،‬أو قبلي‪ ،‬أو على أساس عهد‬
‫ووصية من رسول الله صلى الله عليه وسلم‪ ،‬ولو وجد شيء من‬
‫هذا القبيل لما حصل هذا الحوار الطويل‪ ،‬ولما رفض أمير‬
‫المؤمنين‪ ،‬ولكان أول من يطالب بحقه‪ .‬بينما كان الناس هم الذين‬
‫يدفعونه إلى البيعة دفعا ً ويلحون عليه في الطلب إلحاحًا‪ ،‬وهو‬
‫يروغ منهم متخلصا ً لعله يحدث ما يمنعه من ذلك إلى أن قبل على‬
‫كره منه‪ ،‬ولم يطالبوه بهذا على أساس وصية من رسول الله له –‬
‫ولو وجدوا شيئا ً من ذلك لما ترددوا في تنفيذه – ول على أساس‬
‫أنه من عبد مناف أو لنه من قريش فحسب‪ ،‬بل لنه من‬
‫السابقين ومن العشرة المبشرين بالجنة‪ ،‬ولنه الثاني بعد عثمان‬
‫في اختيار الناس لهما عند تطبيق عملية الشورى بعد مقتل عمر‬
‫بن الخطاب‪ ،‬فكان عبدالرحمن بن عوف ل يشير عليه أحد بتنصيب‬
‫عثمان خليفة بعد عمر إل سأله ‪ :‬ولو لم يكن عثمان موجودا ً فمن‬
‫تختار ؟ فيقول‪ :‬علي رضي الله عنه )‪.(5‬‬
‫‪()1‬البداية والنهاية )‪.(7/270‬‬
‫ص ّ‬
‫لبي ص ‪.186‬‬ ‫‪ 2‬علي بن أبي طالب لل ّ‬
‫)(‬

‫‪()3‬المصدر نفسه ص ‪.186‬‬


‫‪()4‬المصدر نفسه ص ‪.293‬‬
‫ص ّ‬
‫لبي ص ‪.188‬‬ ‫‪ 5‬علي بن أبي طالب لل ّ‬
‫)(‬

‫‪-82-‬‬
‫‪ -4‬من أقوال أمير المؤمنين علي بن أبي طالب في‬
‫الشورى‪:‬‬
‫كان أمير المؤمنين علي بن أبي طالب رضي الله عنه حريصا ً على‬
‫التزام منهج الشورى في تصرفاته وأعماله وقراراته‪ ،‬فمن ذلك أنه‬
‫حينما وصل إليه كتاب من قائده معقل بن قيس الرياحي المكلف‬
‫بمحاربة الخريث بن راشد الخارجي جمع أصحابه وقرأ عليهم كتابه‬
‫واستشارهم وطلب منهم الرأي حيث اجتمع رأي عامتهم على‬
‫قول واحد وهو‪ :‬نرى أن تكتب إلى معقل بن قيس فيتبع أثر‬
‫الفاسق فل يزال في طلبه حتى يقتله أو ينفيه‪ ،‬فإنا ل نأمن أن‬
‫يفسد عليك الناس )‪(1‬ومما روي عن أمير المؤمنين علي رضي‬
‫الله عنه في الشورى قوله‪ :‬الستشارة عين الهداية وقد خاطر من‬
‫استغنى برأيه )‪ (2‬وقوله نعم المؤازرة المشاورة وبئس الستعداد‬
‫الستبداد )‪ (3‬وقوله‪ :‬رأي الشيخ خير من مشهد الغلم )‪ ،(4‬ومما‬
‫أوصى به أمير المؤمنين علي مالك بن الحارث الشتر حين بعثه‬
‫إلى مصر في الشورى قوله‪ :‬ول تدخلن في مشورتك بخيل ً فيعدل‬
‫بك عن الفضل ويعدك الفقر‪ ،‬ول جبانا فيضعفك عن المور‪ ،‬ول‬
‫حريصا ً فيزين لك الشرة بالجور‪ ،‬فإن البخل والجبن والحرص‬
‫غرائز شتى يجمعها سوء الظن بالله )‪ ،(5‬وكان علي رضي الله عنه‬
‫يعلم أن الحاكم إذا لم يكن له مستشارون فل يعلم محاسن دولته‬
‫ول عيوبها وسوف يغيب عنه الكثير في شؤون الدولة وقضايا‬
‫الحكم‪ ،‬وكان يعلم أن الشورى تعرفه ما يجهله‪ ،‬وتضع أصابعه على‬
‫مال يعرفه‪ ،‬وتزيل شكوكه في كل المور التي يقدم عليها‪ ،‬فها هو‬
‫يقول للشتر النخعي عندما وله مصر‪ :‬انظر في أمور عمالك‬
‫الذين تستعملهم‪ ،‬فليكن استعمالك إياهم اختيارا ً ول يكن محاباة‬
‫ول إيثارًا‪ ،‬فإن الثرة بالعمال – أي الستبداد بل مشورة –‬
‫والمحاباة بها جماع من شعب الجور والخيانة لله‪ ،‬وإدخال الضرر‬
‫على الناس‪ ،‬وليست تصلح أمور الناس‪ ،‬ول أمور الولة إل‬
‫بالصلح من يستعينون به على أمورهم‪ ،‬ويختارونه لكفاية ما غاب‬
‫غيهم‪ ،‬فاصطف لولية أعمالك أهل الورع والعفة والسياسة‬
‫والصق بدوي التجربة والعقول والحياء من أهل البيوتات الصالحة‬
‫وأهل الدين والورع‪ ،‬فإنهم أكرم أخلقا ً وأشد لنفسهم صونا ً‬
‫‪()1‬تاريخ الطبري )‪.(6/39‬‬
‫‪()2‬أدب الدنيا والدين للماوردي ص ‪ ، 89‬علي بن أبي طالب ص ‪.225‬‬
‫‪()3‬الدارة العسكرية‪ ،‬آل كمال )‪.(1/279‬‬
‫‪()4‬علي بن أبي طالب ص ‪.225‬‬
‫‪()5‬الدارة العسكرية في الدولة السلمية )‪.(1/279‬‬

‫‪-83-‬‬
‫وإصلحا ً وأقل في المطامع إسرافًا‪ ،‬وأحسن في عواقب المور‬
‫نظرا ً من غيرهم فليكونوا عمالك وأعوانك )‪.(1‬‬

‫ثامنًا‪ :‬الشورى في عهد الحسن بن علي بن أبي طالب‪:‬‬


‫‪ 1‬ـ بيعة الحسن بن علي رضي الله عنه!‬
‫كانت بيعة الحسن بن علي رضي الله عنه فممي شممهر رمضممان ممن‬
‫سنة ‪ 40‬هم وذلك بعد استشهاد أمير المؤمنين علي بن أبي طممالب‬
‫رضي الله عنه على يد الخارجي عبد الرحمن بن ملجم المممرادي‪،2‬‬
‫وقد أختار الناس الحسن بعد والده ولم يعين أمير المممؤمنين أحممدا ً‬
‫من بعده ‪ ,‬فعن عبدالله بن سبع قال‪ :‬سمعت عليا ً يقول‪ :‬لتخضممبن‬
‫هذه من هذا فما ينتظممر بممي الشممقى‪ ,3‬قممالوا‪ :‬يمما أميممر المممؤمنين‪,‬‬
‫فأخبرنا به نبير عترته‪ ,4‬قال‪ :‬إذن تالله تقتلون بي غير قاتلي‪ :‬قالوا‬
‫فاستخلف علينا قال‪ :‬ل ولكن أترككم إلى ممما ترككممم إليممه رسممول‬
‫الله صلى الله عليه وسلم قالوا‪ :‬فمما تقمول لربممك إذا أتيتممه‪ ,‬قممال‪:‬‬
‫أقول‪ :‬اللهم تركتني فيهم ما بدا لك‪ ,‬ثم قبضتني إليك وأنممت فيهممم‬
‫فإن شممئت أصمملحتهم‪ ,‬وإن شممئت أفسممدتهم‪ 5,‬وفممي روايممة أقممول‪:‬‬
‫اللهم استخلفتني فيهم ما بدا لك‪ ,‬ثم قبضتني وتركتك فيهم‪ 6,‬وبعد‬
‫مقتل أمير المؤمنين علي بن أبي طممالب صمملى عليممه الحسممن بممن‬
‫علي وكبر عليه أربع تكبيرات‪ ,‬ودفن بالكوفة‪ ,‬وكممان أول ممما بممايعه‬
‫قيس بن سعد‪ :‬قال له‪ :‬ابسممط يممدك أبايعممك علممى كتمماب اللممه عممز‬
‫محّلين‪ ,‬فقال له الحسن رضممي اللمه عنممه‪:‬‬ ‫وجل وسنة نبيه وقتال ال ُ‬
‫على كتاب الله وسنة نمبيه‪ ,‬فممإن ذلمك يممأتي مممن وراء كممل شممرط‪:‬‬
‫فبايعه وسكت‪ ,‬إنكم سممامعون مطيعممون‪ ,‬تسممالمون مممن سممالمت‪,‬‬
‫وتحاربون من حاربت‪7,‬وفي رواية ابن سعد‪ :‬إن الحسممن بممن علممي‬
‫بن أبي طالب بايع أهل العراق بعد علي على بيعتين‪ ,‬بايعهم علممى‬
‫المرة‪ ,‬وبايعهم على ان يدخلوا فيما دخل فيه‪ ,‬ويرضوا بممما رضممي‬
‫‪8‬‬
‫به‬
‫‪ -2‬بطلن قضية النص على خلفة الحسن‪:‬‬

‫‪()1‬الشورى بين الصالة والمعاصرة‪ .‬عز الدين التميمي ص ‪ ،102‬علي بن أبي‬


‫لبي ص ‪.226‬‬ ‫ص ّ‬
‫طالب لل ّ‬
‫الطبقات )‪ 3/35‬م ‪ (38‬تحقيق د‪ .‬إحسان عباس‪.‬‬ ‫‪2‬‬

‫مجمع الفوائد )‪ (9/139‬مسند أحمد )‪ (2/325‬حسن لغيره‬ ‫‪3‬‬

‫نبير عترته‪ :‬نهلك أقرباءه لسان العرب )‪(4/538) (4/5‬‬ ‫‪4‬‬

‫مسند أحمد )‪ (2/325‬حسن لغيره الموسوعة الحديثة‬ ‫‪5‬‬

‫كشف الستتار عن فوائد البزار )‪(3/24‬‬ ‫‪6‬‬

‫الطبقات تحقيق د‪.‬محمد السلمي )‪(287 , 1/286‬‬ ‫‪7‬‬

‫الطبقات تحقيق السلمي ص‪172‬‬ ‫‪8‬‬

‫‪-84-‬‬
‫عند حديثنا عن بيعة الحسن رضي الله عنه تبرز أمامنا قضية يروج‬
‫لها الشيعة المامية بقوة أل وهي قضية النص على خلفممة الحسممن‬
‫رضي الله عنه‪ 1‬وهذا المر يعد من المفتريات‪ ،‬حيث لم يصح النقل‬
‫في ذلك شيئًا‪.‬‬
‫إن الشيعة يعتقدون أن المامة كالنبوة ل تكون إل بالنص مممن اللممه‬
‫عز وجل‪ ,‬على لسان رسوله صمملى اللممه عليممه وسمملم وأنهمما مثلهمما‬
‫لطف من الله عز وجل‪ ,‬ول يجب أن يخلو عصر مممن العصممور مممن‬
‫إمام مفروض الطاعة منصوب من الله تعالى‪ ,‬وليممس للبشممر حممق‬
‫اختيار المام وتعيينه‪ ,‬بل وليس للمام نفسه حق تعييممن مممن يممأتي‬
‫بعده‪ ,‬وقد وضعوا على لسان أئمتهم عشرات الروايمات فمي ذلمك‪,‬‬
‫منها مانسبوه إلى المام محمد الباقر رحمه الله أنممه قممال‪ :‬أتممرون‬
‫أن هذا المر إلينا نجعله حيث نشماء؟ ل واللمه مما همو إل عهمد ممن‬
‫‪2‬‬
‫رسول الله رجل فرجل مسمى حتى تنتهي إلى صاحبها‬
‫ويعتقد الشيعة المامية أن الرسول صلى الله عليه وسلم قد نص‬
‫على الئمة من بعممده وعينهممم بأسمممائهم وهممم اثنمما عشممر إمامما ً ل‬
‫ينقصون ول يزيدون‪:‬‬
‫و أساس عقيدة الوصية هو ابن سبأ وكان ينتهي بأمر الوصممية عنممد‬
‫علي رضي الله عنه ولكن جاء فيمن بعده من عممها في مجموعة‬
‫من أولده وكانت الخليا الشمميعية الماميممة تعمممل بصمممت وسممرية‬
‫وكان أئمة أهل البيت ينفون ذلك نفيا ً قاطعًا‪ ,‬كما فعل جدهم أميممر‬
‫المؤمنين علي بن أبي طالب رضي الله عنه‪ ,‬ولممذلك أخممترع أولئك‬
‫القوام من الشيعة على أهل البيت الطهار ))عقيدة التقية(( حممتى‬
‫يسهل نشر أفكارهم وهم في مأمن من تأثر التبمماع بمواقممف أهممل‬
‫‪3‬‬
‫البيت الصادقة والمعلنة للناس‬
‫إن من أخطر المور التي أبتدعها الشيعة الوصية وهممي أن رسممول‬
‫الله صلى الله عليه وسلم أوصى بالخلفة بعد وفاته مباشممرة إلممى‬
‫علي رضي الله عنه أن من سممبقه مغتصممبين لحقممه كممما جمماء فممي‬
‫كتابهم ))الكافي(( ‪ :‬من مات ولم يعرف إمامه مات ميتممة جاهليممة‪,‬‬
‫ولكن الستقراء التاريخي لتاريخ الخلفاء الراشدين‪ ,‬ل نجد للوصممية‬
‫ذكرا ً في خلفة أبي بكر ول في عمر رضي الله عنهما‪ ,‬وإنما ل نجد‬
‫بداية ظهورها في السنوات الخيرة من خلفممة عثمممان رضممي اللممه‬
‫عنه‪ ,‬عند بزوغ قرن الفتنة‪ ,‬وقد استنكر الصحابة هذا القول‪ ,‬عندما‬
‫وصل إلى أسماعهم‪ ,‬وبينوا كذبه‪ ,‬ومن أشهر هممؤلء علممي بممن أبممي‬
‫فرق الشيعة النوبختي ص‪34‬‬ ‫‪1‬‬

‫المامة والنص‪ ,‬فيصل نور ص‪.8‬‬ ‫‪2‬‬

‫أصول الشيعة المامية للقفاري))‪.((2/800/‬‬ ‫‪3‬‬

‫‪-85-‬‬
‫طالب‪ ,‬وأم المؤمنين عائشة رضي الله عنهما‪ ,‬ثم نرى هممذا القممول‬
‫يتبلور في فكرة موجهة‪ ,‬وعقيدة تممدعو إلممى اليمممان بهمما والممدعوة‬
‫إليها‪ ,‬وذلك في خلفة علي رضممي اللممه عنممه‪ ,‬وهممذه الوصممية الممتي‬
‫تدعيها الشيعة فقد أثبت علماؤهم أنها من وضع عبممدالله بممن سممبأ‬
‫كما ذكر ذلممك النوبخممتي و الكشممي‪ ,‬وقممد فصمملت ذلممك فممي كتممابي‬
‫)أسمى المطالب في سيرة أمير المؤمنين علي بممن طممالب رضممي‬
‫الله عنه‪.1‬‬

‫تاسعًا‪ :‬الشورى في دولة عمر بن عبد العزيز‪:‬‬


‫وقد اهتم عمر بن عبد العزيز بتفعيممل مبممدأ الشممورى فممي خلفتممه‪,‬‬
‫ومن أقواله فممي الشممورى‪ :‬إن المشممورة و المنمماظرة بمماب رحمممة‬
‫ومفتاح بركة ل يضل معهما رأي‪ ,‬ول يفقد معهما حزم‪ ,2‬وكممان أول‬
‫قرار اتخذه عمر بعدما ولي أمممر المدينممة للوليممد ابممن عبممد الملممك‪,‬‬
‫يتعلق بتطبيق مبدأ الشورى وجعله أساسما ً فممي إمممارته‪ ,‬حيممن دعمما‬
‫ً‪3‬‬
‫من فقهاء المدينة وكبار علمائها‪ ,‬وجعمل منهمم مجلسما ً استشماريا‬
‫دائمًا‪.‬‬
‫فعندما جاء الناس للسلم على المير الجديد بالمدينممة وصمملى دعمما‬
‫عشرة من فقهاء المدينة وهم‪ :‬عروة بن الزبير‪ ,‬وعبيد الله بن عبد‬
‫الله بن عتبة‪ ,‬و أبوبكر بن عبدالرحمن بممن الحممارث ابممن هشممام‪ ,‬و‬
‫أبوبكر بن سليمان بن أبي خيثمة‪ ,‬وسليمان بن يسار‪ ,‬والقاسم بن‬
‫محمد‪ ,‬وسالم ابن عبد الله بن عمر‪ ,‬و أخوه عبد الله بن عبممد اللممه‬
‫بن عمر‪ ,‬وعبد الله بن عامر بن ربيعة‪ ,‬وخارجة بن زيممد بممن ثممابت‪,‬‬
‫فدخلوا عليه فجلسوا فحمدا الله وأثنى عليه بما هو أهله‪ ,‬ثم قممال‪:‬‬
‫إني دعوتكم لمر تؤجرون عليه‪ ,‬وتكونون فيه أعوان ما ً علممى الحممق‪,‬‬
‫إني ل أريد أن أقطع أمرا ُ إل برايكم أو برأي من حضر منكممم‪ ,‬فممإن‬
‫حرج الله علممى‬ ‫رأيتم أحدا ً يتعدى‪ ,‬أو بلغكم عن عامل لي ظلمة فا ّ‬
‫من بلغه ذلك إل أبلغني‪ 4‬فقد أحممدث عمممر بمن عبمدالعزيز مجلسمًا‪,‬‬
‫دد صلحياته بأمرين‪:‬‬ ‫ح ّ‬
‫‪1‬م أنهم أصحاب الحق قي تقرير الرأي‪ ,‬وأنه ل يقطع أمرا ً إل برأيهم‪,‬‬
‫وبذلك يكون المير قد تخلى عن اختصاصاته إلى هذا المجلس‪ ,‬الذي‬
‫نسميه مجلس العشرة‪.‬‬

‫خامس الخلفاء الراشدين الحسن بن علي بن أبي طالب ص ‪.174‬‬ ‫‪1‬‬

‫أدب الدنيا والدين للماوردي ص ‪.189‬‬ ‫‪2‬‬

‫النموذج العدادي المستخلص من إدارة عمر بن عبد العزيز ص ‪.283‬‬ ‫‪3‬‬

‫موسوعة فقه عمر بن عبدالعزيز‪ ,‬قلعجي ص ‪.548‬‬ ‫‪4‬‬

‫‪-86-‬‬
‫‪-2‬انه جعلهم مفتشين علممى العمممل‪ ,‬ورقبماء علممى تصمرفاتهم فممإذا‬
‫مااتصل بعلمهم أو بعلم أحدهم أن عامل ً ارتكب ظلمة‪ ,‬فعليهم أن‬
‫يبلغوه وإل فقد استعدى الله على كاتم الحق‬
‫ونلحظ كذلك على هذا التدبير قد تضمن أمرين‪:‬‬
‫‪-1‬أن الميممر عمممر بممن عبممدالعزيز لممم يخصممص تعويض ما ً لمجلممس‬
‫العشرة لنهم كانوا مممن أصممحاب العطمماء‪ ,‬وبممما أنهممم فقهمماء‪ ,‬فممما‬
‫ندبهم إليه داخل في صلب اختصاصهم‬
‫‪ -2‬ان عمر افترض ‪ -‬غياب أحدهم عن الحضور لعممذر مممن العممذار‬
‫ولهذا لم يشترط في تدبيره حضممورهم كلهمم‪ ,‬وإنمما قمال‪ :‬أوبمرأي‬
‫‪1‬‬
‫من حضر منكم‬
‫إن هذا المجلــس كــان يستشــار فــي جميــع المــور دون‬
‫‪2‬‬
‫استثناء‬
‫ونستنتج من هذه القصة أهمية العلماء الربانيين وعلو مكانتهم وأنه‬
‫يجب على صاحب القرار أن يدنيهم ويقربهممم منممه ويشمماورهم فممي‬
‫أمور الرعية‪ ,‬كممما أنممه علممى العلممماء أن يلتفمموا حممول الصممالح مممن‬
‫أصحاب القرار من أجل تحقيق أكبر قدر ممكممن للمصممالح وتقليممل‬
‫ما يمكن من المفاسد‪ ,‬كما أن عمر بن عبدالعزيز لممم يختصممر فممي‬
‫شواره على هؤلء فحسب‪ ,‬بممل كممان يستشممير غيرهممم مممن علممماء‬
‫المدينة‪ ,‬كسعيد بن المسيب‪ ,‬والزهري وغيرهم وكان ليقضي فممي‬
‫قضاء حتى يسأل سعيد‪ ,‬وفي المدينممة أظهممر عمممر بممن عبممدالعزيز‬
‫إجلله للعلماء وإكباره لهم‪.‬‬
‫وقممد حممدث أن أرسممل رحمممه اللممه تعممالى رسممول إلممى سممعيد بممن‬
‫المسّيب فأخذ سعيد نعليه وقام إليه في وقته‪ ,‬فلما رآه عمممر قممال‬
‫له‪ :‬عزمت عليك يا أبا محمد إل رجعت إلمى مجلسمك حمتى سمألك‬
‫رسولنا عممن حاجتنمما‪ ,‬فإنمما لممم نرسممله ليممدعوك‪ ,‬ولكنممه أخطممأ أنممما‬
‫‪3‬‬
‫أرسلناه ليسألك‬
‫وفي إمارته على المدينة المنورة وسع مسممجد رسممول اللممه صمملى‬
‫الله عليه بأمر الوليد بن عبدالملك‪ ,‬حممتى جعلممه مممائتي ذراع ما ً فممي‬
‫مائتي ذراع‪ ,‬ذخرفة بأمر الوليد بن عبد الملك مع أنه م رحمه الله م‬
‫كان يكره ذخرفة المساجد ويتضح من موقف عمر بممن العزيممز هنمما‬
‫أنه قد يضطر الوالي للتجاوب مع قرارات ممن هو أعلى منه حممتى‬
‫وإن كان غير مقتنع بها إذا قدر أن المصمملحة فممي ذلممك مممن وجمموه‬
‫أخرى‪ ،‬وفي إمارته على المدينة في سنه ‪91‬هم حج الخليفة الوليممد‬
‫نظام الحكم في الشريعة والتاريخ السلمي )‪.(1/562‬‬ ‫‪1‬‬

‫نظام الحكم في السلم بين النظرية والتطبيق ص ‪.391‬‬ ‫‪2‬‬

‫سيرة عمر بن عبدالعزيز ومناقبه ص ‪ 23‬لبن عبدالحكم‪.‬‬ ‫‪3‬‬

‫‪-87-‬‬
‫بن عبدالملك فاستقبله عمر بن عبدالعزيز أحسن استقبال‪ ,‬وشاهد‬
‫الوليممد بممأم عينيممه الصمملحات العظيمممة الممتي حققهمما عمممر بممن‬
‫‪1‬‬
‫عبدالعزيز في المدينة المنورة‬
‫* في خلفته‪:‬‬
‫كان خطابه عندما تولي الخلفة كالتي‪ :‬أيها الناس‪ ,‬إني قد ابتليممت‬
‫بهذا المر‪ ,‬من غير رأي كان مني فيه ول طلبة له ول مشممورة مممن‬
‫المسلمين‪ ,‬واني قد خلعت مافي أعنمماقكم مممن بيعممتي ))فاختمماروا‬
‫لنفسممكم(( فصمماح النمماس صمميحة واحممدة‪ ,‬قممد اخترنمماك يمما أميممر‬
‫‪2‬‬
‫المؤمنين ورضينا بك فول أمرنا باليمن والبركة‬
‫وبذلك خرج عمر من مبدا توريث الولية الذي تبنمماه معظممم خلفمماء‬
‫بني أمية إلى مبدأ الشورى والنتخمماب‪ ,‬ولممم يكتممف عمممر باختيمماره‬
‫ومبايعة الحاضرين‪ ,‬بل يهمه رأي المسلمين فممي المصممار الخممرى‬
‫ومشورتهم‪ ,‬فقال في خطبته الولى‪-‬عقب تمموليه الخلفممة‪ .. :-‬وإن‬
‫من حولكم من المصار والمدن إن أطمماعوا كممما أطعتممم‪ ,‬وإن هممم‬
‫ل‪ ,‬ثم نزل‪.3‬‬‫أبوا فلست لكم بوا ٍ‬
‫وقد كتب إلي المصار السلمية فبايعت كلها‪ ,‬وممن كتب لهم يزيد‬
‫بن المهلب يطلب إليه البيعة بعد أن أوضح له إنه في الخلفة ليس‬
‫براغب‪ ,‬فدعا يزيد الناس إلى البيعة فبايعوا‪ 4,‬وبذلك يتضج أنممه لممم‬
‫يكتممف بمشممورة مممن حمموله بممل امتممد المممر إلممى جميممع أمصممار‬
‫المسلمين ونستنتج من موقف عمر هذا ما يلي ‪:‬‬
‫أن عمر كشف النقاب عن عدم موافقممة الصممول الشممرعية‬ ‫‪-1‬‬
‫في تولي معظم الخلفاء المويين‪.‬‬
‫‪ -2‬حرص عمر على تطبيق الشورى فممي أمممر يخصممه هممو‪ ,‬أل وهممو‬
‫توليه الخلفة‪.‬‬
‫م أن من طبق مبدأ الشورى في أمر مثل تولي الخلفة حري‬ ‫‪3‬‬
‫بتطبيقه فيما سواه‪.‬‬
‫وكان عمر يستشير العلماء‪ ,‬ويطلب نصحهم في كممثير مممن المممور‬
‫أمثال سالم بن عبدالله‪ ,‬ومحمد بن كعب القرظي ورجاء بن حيمموة‬
‫‪5‬‬
‫ي‪ .‬كممما كممان‬‫وغيرهم‪ ,‬فقال‪ :‬إني قد ابتليت بهذا المر فأشيروا عل ّ‬
‫يستشير ذوي العقول الراجحة من الرجال‪ 6‬وقد حرص عمممر علممى‬
‫إصلح بطانته لما تولى الخلفة‪ ,‬فقرب إلى مجلسه العلممماء وأهممل‬
‫موسوعة عمر بن عبدالعزيز ص‪.20‬‬ ‫‪1‬‬

‫سيرة مناقب عمر بن عبدالعزيز بن ص‪.65‬‬ ‫‪2‬‬

‫البداية والنهاية )‪.(12/657‬‬ ‫‪3‬‬

‫والنموذج الداري المستخلص من إدارة عمر ص ‪.285‬‬ ‫‪4‬‬

‫سيرة ومناقب عمر بن عبدالعزيز ص ‪16‬‬ ‫‪5‬‬

‫صلبي )‪(2/125‬‬‫الدولة الموية لل ّ‬


‫‪6‬‬

‫‪-88-‬‬
‫الصلح‪ ,‬وأقصى عنه أهل المصالح الدنيوية والمنافع الخاصممة‪ ,‬ولممم‬
‫يكتف رحمه الله بانتفاء بطانته‪ ,‬بل كان زيادة علممى ذلممك يوصمميهم‬
‫ويحثهم على تقويمه ‪ ,‬فقال لعمر بن مهمماجر‪ :‬اذا رأيتنممي قممد ملممت‬
‫عن الحق فضع يمدك فمي تلبمابي ثمم هزنمي ثمم قمل ‪ :‬يما عممر مما‬
‫تصنع‪1‬؟‪ ,‬وقد كان لهذا المسلك أثر في تصحيح سياسممته التجديديممة‬
‫ونجاحهمما ‪ ,‬حيممث كممان لبطممانته أثممر فممي شممد أزره ‪ ,‬وسممداد رأيممه‬
‫وصواب قراره‪ ,2‬فمن أسمباب نجماح عممر بمن عبمد العزيمز تقريبمه‬
‫لهل العلم والصلح وانشراح صدره لهم ومشاركتهم معممه لتحمممل‬
‫‪3‬‬
‫المسؤلية فنتج عن ذلك حصول الخير العميم للسلم والمسلمين‬

‫عاشرًا‪ :‬الشورى في عهد نور الدين زنكي‪:‬‬

‫تولى حركة المقاومة السلمية ضد الصممليبيين فممي عهممد الحممروب‬


‫الصليبية بعد عماد الدين عام ‪541‬هم ابنه نور الدين محمممود زنكممي‬
‫وقممد تميممزت شخصمميته بمجموعممة ممن الصممفات الرفيعممة والخلق‬
‫الحميدة التي ساعدته م بعممد توفيممق اللممه مم علممى تحقيممق انجممازاته‬
‫العظيمة والممتي مممن أهمهمما ‪ :‬الجديممة والممذكاء المتوقممد ‪ ,‬والشممعور‬
‫بالمسؤولية ‪ ,‬وقدرته على مواجهممة المشمماكل والحممداث ‪ ,‬ونزعتممه‬
‫للبناء والعمار ‪ ,‬وقوة الشخصية ومحبممة المسمملمين لممه ‪ ,‬واللياقممة‬
‫البدانيممة العاليممة ‪ ,‬وتجممرده وزهممده الكممبير ‪ ,‬وشممجاعته الفائقممة ‪,‬‬
‫ومفهومة للتوحيد وتضممرعه ودعمماؤه ‪ ,‬ومحبتممه للجهمماد والشممهادة ‪,‬‬
‫وعبادته وانفاقه وكرمه واتخذ نور الدين محممود زنكمي ممن سميرة‬
‫عمر بن عبد العزيز رحمه الله نموذجا ً يقتدي به فممي دولتممه ‪ ,‬فقممد‬
‫كتب الشيخ العلمة أبو حفص معين الدين عمر بن محمود الربلممي‬
‫سيرة عمر بن عبد العزيز لكي يستفيد نممور الممدين منهمما فممي ادارة‬
‫دولته ولقد آتت معالم الصلح والتجديد الراشدي في عهد عمر بن‬
‫عبد العزيز ثمارها في الدولة الزنكية ‪ ,‬فقد اقننع نور الدين بأهميممة‬
‫التجارب الصلحية فى تقوية واثممراء المشممروع النهضمموي وأهميتممه‬
‫فممي ايجمماد وصممياغة الرؤيممة اللزمممة فممي نهمموض المممة وتسمملمها‬
‫القيادة ‪ ,‬فللتجارب التاريخية دور كممبير فممي تطمموير الممدول وتجديممد‬
‫معاني اليمان في المة وكانت أهم معالم التجديمد والصملح المتي‬
‫قام بها نور الدين محمممود ‪ ,‬الحممرص علممى تطممبيق الشممريعة ولقممد‬

‫‪ -‬أثر العلماء في الحياة السياسية ص ‪ 175‬إلى ‪ 177‬للخرعان‪.‬‬ ‫‪1‬‬

‫‪ -‬المصدر نفسه ص ‪.178‬‬ ‫‪2‬‬

‫‪ -‬الدولة الموية )‪ (126\2‬للصلبي‪.‬‬ ‫‪3‬‬

‫‪-89-‬‬
‫تحققت في دولة نور الدين محمممود آثممار تحكيممم شممرع اللممه ‪ ,‬مممن‬
‫التمكين والمن والستقرار والنصر والفتح المبين والعممز والشممرف‬
‫وبركة العيش ورغد الحيمماة فممي عهممده وانتشممار الفضممائل وانممزواء‬
‫الرذائل ‪.‬‬

‫وكان نور الدين محمود قدوة في عدله ‪ ,‬أسر القلوب وبهر العقول‬
‫‪ ,‬فقد كانت سياسته تقوم على العدل الشممامل بيممن النمماس ‪ ,‬وقممد‬
‫نجح في ذلك على صعيد الواقع والتطبيق نجاح ما َ منقطممع النظيممر ‪,‬‬
‫حتى اقترن اسمه بالعدل وسمي بالملك العادل ‪ ,‬وكان من أسباب‬
‫نصر الله لهذا الملك العادل على الباطنية والصليبيين اقامته للعدل‬
‫فممي الرعيممة وايصممال الحقمموق الممى أهلهمما ‪ ,‬فالعممدل فممي الرعيممة‬
‫وانصمماف المظلمموم يبعممث فممي المممة العممزة والكرامممة ويولممد جيل َ‬
‫محاربا وأمة تحررت ارادتها بدفع الظلم عنها ‪ ,‬وقممد سممجل التاريممخ‬
‫بأن نور الدين محمود ساد العدل فممي دولتممه ‪ ,‬وتممم ايصممال حقمموق‬
‫الناس اليهم فنشطوا الممى الجهمماد والممدفاع عممن دينهممم وعقيممدتهم‬
‫وأوطانهم وأعراضهم ومن أبرز أعممماله التجديديممة اقممامته للعممدل ‪,‬‬
‫وقد أولى نور الدين المؤسسة القضائية اهتماما َ كبيرا َ وجعلها قمممة‬
‫أجهزته الداريممة وخممول القضمماة علممى اختلف درجمماتهم فممي سمملم‬
‫المناصب القضائية صلحيات واسعة ‪ ,‬ان لم نقل مطلقممة ومنحهممم‬
‫استقلل َ تاما َ ‪ ,‬لكونهم الداة التنفيذية لقرار مبادى الحق والعممدل ‪,‬‬
‫وتحويل قيم الشريعة ومبادائها الى واقع ملتزم ‪ ,‬وتمموجت جهمموده‬
‫بٍانشاء دار العدل التي كممانت بمثابممة محكمممة عليمما لمحاسممبة كبممار‬
‫الموظفين ‪ ,‬وٍارغامهم علممى سمملوك المحجممة البيضمماء‪ ,‬أو طردهممم‬
‫واستبدالهم بغيرهم إن اقتضي المر ولم يترك نور الممدين فممي بلممد‬
‫مممن بلده ضممريبة ولمكس ما ً ولعشممرا ً إلورفعهمما جميعهمما مممن بلد‬
‫الشام والجزيرة وديار مصر وغيرها مما كممان تحممت حكمممه وكممانت‬
‫النتيجممة الطبيعيممة لممذلك أن نشممط النمماس للعمممل‪ ,‬فممأخرج التجممار‬
‫أموالهم ومضوا يتاجرون‪ ,‬وجاءت الجبايمات الشمرعية بأضمعاف مما‬
‫كان يجبى ممن وجموه الحمرام‪ ,‬يقمول ابمن خلمدون‪ :‬العمدوان علمى‬
‫الناس في أموالهم ذاهب بآمالهم في تحصيلها واكتسابها لما يرونه‬
‫حينئذ من أن غايتها ومصيرها انتهابها من أيديهم‪ ,‬وإذا ذهبت آمالهم‬
‫في اكتسابها وتحصيلها‪ ,‬وانقبضت أيممديهم عممن السممعي فممي ذلممك‪,‬‬
‫وعلى قدر العتداء ونسبته‪ ,‬يكون انقباض أيممديهم عممن المكاسممب‪,‬‬
‫كسدت أسواق العمران وانتقصت الحوال‪ ,‬ويقول‪ :‬العممدوان علممى‬

‫‪-90-‬‬
‫الناس في أموالهم وحرمهم ودمائهم وأسرارهم وأعراضهم يفضي‬
‫إلى الخلل والفساد دفعة‪ ,‬وتنتقض الدولة سريعا ً‪.1‬‬

‫الشورى في القضايا العامة‪:‬‬ ‫‪-1‬‬

‫اهتم الملك العادل نور الدين محمود زنكي بالشورى‪ ,‬فقد رأى‬
‫أهميتها في حيوية المة وأمنها واستقرارها والهم من ذلك كله أن‬
‫الله أنزل فيها سورة في القرآن الكريم حملت اسمها‪ ,‬وهو مبدأ‬
‫أرشد إليه القرآن الكريم‪ ,‬وهو يمثل أرقى أشكال التعاون قال‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫شوَرى‬‫م ُ‬ ‫مُره ُْ‬ ‫صَلة َ وأ ْ‬‫موا ال ّ‬ ‫م وَأَقا ُ‬ ‫جاُبوا ل َِرب ّهِ ْ‬‫ست َ َ‬‫نا ْ‬ ‫ذي َ‬ ‫تعالى‪َ " :‬وال ّ ِ‬
‫ن " )الشورى‪ ,‬آية‪.(38 :‬‬ ‫قو َ‬ ‫م ُينفِ ُ‬ ‫ما َرَزقَْناهُ ْ‬ ‫م ّ‬ ‫م وَ ِ‬‫ب َي ْن َهُ ْ‬
‫كما أمر الله تعالى رسول الله صلى الله عليه وسلم بمشاورة‬
‫م ِفي‬‫شاوِْرهُ ْ‬ ‫أصحابه بشكل ل يقبل التأويل في قوله تعالى " وَ َ‬
‫َ‬
‫ن " ) ال‬ ‫مت َوَك ِّلي َ‬ ‫ب ال ْ ُ‬
‫ح ّ‬ ‫ن الل ّ َ‬
‫ه يُ ِ‬ ‫ل ع ََلى الل ّهِ إ ِ ّ‬ ‫ت فَت َوَك ّ ْ‬
‫م َ‬ ‫ذا ع ََز ْ‬ ‫مرِ فَإ ِ َ‬
‫ال ْ‬
‫عمران‪ ,‬اية‪.(159 :‬‬
‫قال الشاعر‪:‬‬

‫إذا بملمغ الرأي الممشورة فاستعمن‬

‫برأي لبيب أو مشورة حازم‬

‫ول تجعل الشورى عليك غضاضة‬

‫فمإن الحموافمي قمموة‬


‫‪2‬‬
‫للقمموادم‬

‫وكان نور الدين زنكي يممرى أن الشممورى واجبممة علممى الحمماكم فممي‬
‫الشممريعة السمملمية‪ ,‬وإلممى هممذا القممول ذهممب كممثير مممن العلممماء‬
‫والفقهاء‪ ,‬فل يحل للحاكم أن يتركها‪ ,‬وأن ينفرد برأيه دون مشممورة‬
‫المسمملمين مممن أهممل الشممورى‪ ,‬كممما ل يحممل للمممة السمملمية أن‬
‫تسكت على ذلك ‪ ,‬وأن تتركه ينفممرد بممالرأي دونهمما ويسممتبد بممالمر‬
‫دون أن يشركها‪ 3‬فيه فالمة لتنهض ٍال ٍاذا أخممذت بفقممه النهمموض ‪,‬‬
‫‪- 1‬الدولة الزنكية للصلبي ص ‪.636 , 635‬‬
‫‪ - 2‬فقة النصر والتمكين في القرآن الكريم الدولة‪.‬‬
‫‪ -23‬الزنكية ص ‪ 254‬للصلبي‪..‬‬

‫‪-91-‬‬
‫والذي منه ممارسة الشورى في نطاقهمما الواسممع ‪ ,‬ولقممد اعتمممدها‬
‫نور الدين محمود ولم ينفرد باتخاذ القممرارات بممل تبممادل الراء فممي‬
‫كل أمور الدولة ‪ ,‬فكان له مجلس فقهاء يتألف مممن ممثلممي سممائر‬
‫المذاهب وأهل الختصاص في شؤون الحياة يبحث معهم في أمور‬
‫الدارة والنوازل والميزانية وثمة وثيقة قيمة يثبتها أبو شامة بنصممها‬
‫عن احممدى المحاضممر الممتي دونممت بصممدد عممدد مممن قضممايا الوقممف‬
‫والملك ‪ ,‬كانت قد أدخلت ضمن أوقاف الجممامع الممموي بدمشممق‬
‫وسعى نور الدين ‪ ,‬الى فصلها واعادتها الى قطمماع المنممافع العامممة‬
‫وبخاصممة مسممائل الممدفاع والمممن ‪ ,‬وقممد تمثلممت فممي تلممك الوثيقممة‬
‫بوضوح الرغبممة الجممادة لممدى نممور الممدين السمملوب الشمموري الحممر‬
‫باعتباره الطريق الذي ل طريق غيممره للوصممول الممى الحق‪ ,1‬ففممي‬
‫تاسع عشر صفر سنة أربع وخمسين وخمسمائة أحضر نممور الممدين‬
‫أعيان دمشق من القضاة ومشايخ العلم والرؤساء‪ ,2‬وسممألهم عممن‬
‫المضاف الى أوقاف الجامع بدمشق من المصالح ليفصلوها منهمما ‪,‬‬
‫وقال لهم‪ :‬ليس العمل ال ماتتفقون عليه وتشهدون به ‪ ,‬وعلى هذا‬
‫كان الصحابة رضوان الله عليهم يجتمعون ويتشاورون في مصممالح‬
‫المسلمين ‪ ,‬وليجوز لحد منكم أن يعلم من ذلك شمميئا َ ال ويممذكره‬
‫ولينكر شيئا َ مما يقوله غيره ال وينكره ‪ ,‬والسمماكت منكممم مصممدق‬
‫للناطق ومصوب له ‪ ,‬فشكروه على ما قال ودعوا له ‪ ,‬وفصلوا لممه‬
‫المصالح من الوقف ‪ ,‬فقال نور الدين‪ :‬ان أهم المصالح سممد ثغممور‬
‫المسلمين وبناء السور المحيط بدمشق والفضيل والخندق لصمميانة‬
‫المسلمين وحريمهم وأموالهم ثم سألهم عن فواضل الوقاف هممل‬
‫يجوز صرفها في عمارة السوار وعمل الخندق للمصلحة المتوجهة‬
‫للمسلمين‪ ,3‬فأفتى شرف الدين الممالكي بجمواز ذلمك ومنهمم ممن‬
‫رّوى في مهلة النظر ‪ ,‬وقال الشيخ ابن عصرون الشافعي‪ :‬ل يجوز‬
‫أن يصرف وقف مسجد الى غيره ‪ ,‬ول وقف معين الممى جهممة غيممر‬
‫تلك الجهة وإذا لم يكن بد من ذلممك فليممس طريقممه إل أن يقترضممه‬
‫من إليه الممر ممن بيمت ممال المسملمين فيصمرفه فمي المصمالح‬
‫ويكون القضاء واجبا َ من بيممت المممال ‪ ,‬فمموافقه الئمممة الحاضممرون‬
‫معه على ذلك ‪ ,‬ثم سأل ابن ابي عصممرون نممور الممدين‪ :‬هممل أنفممق‬
‫شئ قبل اليوم على سور دمشق وعلممى بنمماء ))بعممض(( العمممارات‬
‫المتعلقة بالجامع المعمممور بغيممر إذن مولنما ؟ وهممل كممان إل مبلغما َ‬

‫‪ -31‬نور الدين محمود الرجل والتجربة ص ‪..80‬‬


‫‪ -4‬نور الدين محمود الرجل والتجربة ص ‪.80‬‬
‫‪2‬‬

‫‪ -‬كتاب الروضتين نقل عن نور الدين محمود ص ‪.81‬‬ ‫‪3‬‬

‫‪-92-‬‬
‫للمر في عمل ذلك ؟ فقال نور الدين لم ينفق ذلك ولشئ منه إل‬
‫بإذني وأنا أمرت به‪.1‬‬

‫‪ -2‬مجالس متخصصة‪:‬‬

‫كممان مجلسممه نممدوة كممبيرة يجتمممع إليهمما العلممماء والفقهمماء للبحممث‬


‫والنظر‪ ,2‬ولم تكن المناظرات التي شهدتها مجالسه تزجية للوقت‪,‬‬
‫وتخريجا ً نظري ما ً للفممروع علممى الصممول‪ ,‬ونزف ما ً فكري مًا‪ ,‬إنممما كممانت‬
‫نشمماطا جممادا ً مممن أجممل مجابهممة المشمماكل والتجممارب المتجممددة‬
‫المتغيرة‪ ,‬بالحلول المستمدة من شريعة السمملم وفقههمما الواسممع‬
‫الكبير‪ ,‬مادام الرجل يسعى إلى إعادة صياغة الحيمماة فممي ميادينهمما‬
‫كافة‪ ,‬وعلى مدى مساحاتها بما ينسممجم وعقيممدة السمملم و رؤيمماه‬
‫لموقع النسان في العالم ومن ثم فإن ندوات كهذه أشبه بمجالس‬
‫أو ))لجان برلمانيممة(( متخصصممة تجتمممع بيممن الحيممن والحيممن لحم ّ‬
‫ل‬
‫مشكلة ما‪ ,‬أو استعداد تشممريع‪ ,‬أو إقممرار قممانون‪ ,‬ونحممن نممذكر هنمما‬
‫سع الذي مّر ذكره مع حشد مممن العلممماء الممذين‬ ‫ذلك الجتماع المو ّ‬
‫اختيروا لكي يمثلوا المذاهب الفقهية كافة من أجل النظر في عدد‬
‫من قضايا الوقت والمصالح العامة‪ ،3‬وقد شمبه ابممن الثيممر مجلسمه‬
‫بمجلس رسول الله صلى الله عليممه وسمملم‪ :‬مجلممس حلممم وحيمماء‪,‬‬
‫لتؤبن فيه الحرم وليذكر فيه إل العلم والدين وأحمموال الصممالحين‪,‬‬
‫والمشورة في أمر الجهاد وقصد بلد العدو ول يتعدى هذا‪. 4‬‬

‫وقد بين ابن الثير رواية أخممرى تحممدث فيهمما عممن قيممام نمور الممدين‬
‫باستحضار عدد من الفقهاء واستفتائهم في أخذ ما يح م ّ‬
‫ل لهممم مممن‬
‫الغنيمة‪ ,‬ومن الموال المرصده لمصالح المسلمين‪ ,‬فأخذ ما أفتوه‬
‫ده إلى غيره البتة‪ 5‬فممما يصممدر عممن ممثلممي الشممريعة‬ ‫بحّله ولم يتع ّ‬
‫الغراء يتوجب أن يكون ملزما ً لكل إنسان سواء كان في القمممة أم‬
‫في القاعدة‪ ,‬وقولهم هو قول الفصل‪ ,‬لن نور الدين – ما كان يريد‬
‫أن يمارس الستشارات القانونية المزدوجة يبرز للناس أنه ليقممدم‬
‫علممى عمممل إل بعممد الطلع علممى رأي قممادة فكرهممم ومشممّرعي‬
‫قوانينهم‪ ,‬ويسعى في الخفاء إلى تنفيذ ما كان قد اعتزمه مسممبقًا‪,‬‬
‫مهممما كممانت درجممة تناقضممه مممع طروحممات اللجممان الستشممارية‬
‫‪ -‬المصدر نفسه ص ‪.82‬‬ ‫‪1‬‬

‫‪ -‬الدولة الزنكية ص ‪.255‬‬ ‫‪2‬‬

‫نورى الدين محمود الرجل والتجربة ص ‪.133‬‬ ‫‪3‬‬

‫الباهر ص‪173‬‬ ‫‪4‬‬

‫المصدر نفسه ص‪.71,173‬‬ ‫‪5‬‬

‫‪-93-‬‬
‫والتشريعية والبرلمانية التي ستكون بمثابة الممرداء الخممارجي الممذي‬
‫يحمي فمي داخلمه مضمامين وممارسمات ل تمتممد إلمى لمون المرداء‬
‫ونسيجه في شئ‪ ,1‬وكان يكاتب العلماء للستشارة‪ ,‬فقد ذكممر ابممن‬
‫الجوزي أن نور الدين كاتبه مرارًا‪ ,‬وكان نور الممدين يسممأل العلممماء‬
‫والفقهمماء عممما ُيشممكل عليممه مممن المممور الغامضممة وكممان يقممول‬
‫لمستشاريه من العلماء والفقهاء‪ :‬بالله انظروا أي شيء علمتممموه‬
‫ونا عليه‪ ,‬وأشركونا في الثممواب‪ ,‬فقممال لممه‬ ‫من أبواب البر والخير دل ّ‬
‫شرف الدين بن أبممي عصممرون‪ :‬واللممه مما تممرك المممولى شمميئا ً مممن‬
‫أبواب البر إل وقد فعله ولممم يممترك لحممد بعممده فعممل خيممر إل وقممد‬
‫سبقه إليه‪ 2‬لقممد مممارس الملممك العممادل نممور الممدين محمممود زنكممي‬
‫الشورى على أسس صحيحة في دولته وكانت له مجممالس شممورية‬
‫يلتقي فيها القممادة العسممكريون والداريممون مممع العلممماء والفقهمماء‪,‬‬
‫فكل حاكم يريد لحكمه أن يستمر ولنظام دولته أن يستقر عليه أن‬
‫يكون حريصا ً على اللمام بحقيقممة الوضمماع ببلده‪ ,‬والشممورى خيممر‬
‫سبيل لتحقيق هذه الغاية‪.‬‬

‫ومممع تطممور أمممور الحيمماة لغنممى لمممه تريممد أن تنهممض عممن مبممدأ‬
‫الشممورى‪ ,‬ول مممانع مممن ضممبط ممارسممة الشممورى وفممق نظممام أو‬
‫منشور أو قانون يعرف فيه ولي المر حممدود ممما ينبغممي أن يشمماور‬
‫فيه ومتى وكيممف؟ وتعممرف المممة حممدود ممما تستشممار فيممه ومممتى؟‬
‫وكيف؟ لن الشكل الذي تتم به الشورى ليس مصممبوبا ً فممي قممالب‬
‫حديدي‪ 3,‬فأشممكال الشممورى وأسمماليب تطبيقهمما ووسممائل تحقيقهمما‬
‫وإجراءاتها ليست من قبيل العقائد وليست من القواعممد الشممرعية‬
‫المحكمممة الممتي يجممب التزامهمما بصممورة واحممدة فممي كممل العصممور‬
‫والزمنة‪ ,‬وإنما هي متروكة للتحري والجتهاد والبحث والختيار‪ ,‬أما‬
‫أصل الشورى فإنه من قبيل المحكم الثابت الممذي ل يجمموز تجمماهله‬
‫أو إهممماله لن الشممورى فممي جميممع الزمنممة مفيممدة ومجديممة‪,‬‬
‫والدكتاتوريممة أو حكممم الفممرد فممي جميممع المكنممة والزمنممة كريهممة‬
‫ومخربة‪.4‬‬

‫نور الدين محمود الرجل والتجربة ص ‪.134‬‬ ‫‪1‬‬

‫المنتظم لبن الجوزي )‪.(10/249‬‬ ‫‪2‬‬

‫صلبي ص‪.464‬‬ ‫فقه النصر والتمكين لل ّ‬


‫‪3‬‬

‫لبي ص ‪.257‬‬ ‫ص ّ‬
‫الدولة الزنكية لل ّ‬
‫‪4‬‬

‫‪-94-‬‬
‫المبحث الثاني‪ :‬فوائد الشورى وأحكامها ومجالتها‪.‬‬
‫ل‪ :‬فوائد الشورى‪:‬‬ ‫أو ً‬
‫إن التعريممف الصممطلحي للشممورى‪ :‬رجمموع الحمماكم أو القاضممي أو‬
‫آحاد المكلفين في أمر لممم ُيسمَتبن حكمممه بنممص قرآنممي أو سممنة أو‬
‫ثبوت إجماع إلى من ُيرجى منهم معرفتممه بالممدلئل الجتهاديممة مممن‬
‫العلماء المجتهدين ومن قد ينضم إليهم في ذلك من أولممي الدرايممة‬
‫والختصاص‪.1‬‬
‫وهكذا فإن الشورى في الصطلح الذي يقضي بممه السمملم يمكممن‬
‫أن تتسممع لُتعب ّممر عممن‪ :‬اسممتخلص الممرأي الجممامع مممن خلل الحمموار‬
‫الجامع‪ ,‬وهذا هو مطلوب الشورى‪ ,‬فإن لم يكممن رأي جممامع فممرأي‬
‫راجح لدى استصدار القرار‪ ,‬ممما ينعقمد عليمه العممل الجمامع لمدى‬
‫التطبيق والتنفيذ‪.2‬‬
‫ومن فوائد الخذ بالشورى أمور كثيرة منها‪:‬‬
‫‪-1‬إصابة الحق في الغالب‪ ,‬فإن الراء إذا عرضت بحريممة تامممة‬
‫ل بحجته‪ ,‬وكانت النية صحيحة والهممدف هممو الوصممول إلممى‬ ‫وأدلى ك ّ‬
‫الحق‪ ,‬وقدمت المصلحة العامة‪ ,‬وتجممرد المتشمماورون عممن الهممواء‬
‫والدوافع السيئة مع التوكل علممى اللممه تعممالى فل أشممك أن النتممائج‬
‫تكون سليمة والعواقب حميدة والتسديد والتوفيق يتنمزل ممن اللمه‬
‫تعالى‪ ,‬وهذا واضح فيما وقع في عهد الصحابة رضوان الله عليهم‪.3‬‬
‫‪ -2‬أن العمل بالشورى قربة وطاعة لله عــز وجــل‪ ,‬ففيممه‬
‫اجتماع الرأي في تحصمميل الخيممر‪ ,‬وتهممذيب رأي صمماحب المممر مممع‬
‫المتثال لمر الله سبحانه وتعالى‪ ,‬ومما ورد في شأن ذلك ما قاله‪:‬‬
‫بشار بن برد‪:‬‬
‫إذا بلغ الرأي المشورة فاستعن‬
‫‪4‬‬
‫بحزم نصيح أو نصيحة حازم‬
‫ـ من أعظم فوائد الشــورى تلقــح الفكــار‪ ,‬وتكامممل‬ ‫‪3‬‬
‫الثقة‪ ,‬وتبادل الخبرة والطلع علممى ممما عنممد الخريممن‪ ,‬والسممتفادة‬
‫من الخبرات المتنوعة وبعبارة أخممرى حصممول التكامممل بيممن أفممراد‬
‫المجتمع‪.5‬‬

‫الشورى‪ ,‬احمد المام ص‪.13‬‬ ‫‪1‬‬

‫المصدر نفسه ص‪.13‬‬ ‫‪2‬‬

‫فقه الشورى للغامدي ص‪.212‬‬ ‫‪3‬‬

‫الشورى د‪.‬سامي محمد الصلحات ص‪.51‬‬ ‫‪4‬‬

‫فقه الشورى للغامدي ص ‪.212‬‬ ‫‪5‬‬

‫‪-95-‬‬
‫‪ -4‬الشورى تعطي قوة للمجتمع في أكثر من مجال إنساني‬
‫فعلى سبيل المجال النفسي‪ ,‬فممأن الشممورى طريممق للتخلممص مممن‬
‫الظواهر المرضية غيمر الصممحية‪ ,‬مثمل قلممة الخلص وضممعف الداء‬
‫الوظيفي‪ ,‬وإهدار الطاقات المفيدة‪.‬‬
‫يقول الشعبي‪ :‬الرجال ثلثممة‪ ,‬فرجممل ونصممف رجممل ولشمميء فأممما‬
‫الرجل التممام‪ ,‬فالممذي لممه رأي وهممو يستشممير‪ ,‬وأممما نصممف الرجممل‪,‬‬
‫فالذي ليس له رأي ‪ ,‬وهو يستشير وأما الذي ل شيء‪ ،‬فالذي ليس‬
‫له رأي‪ ،‬ول يستشير‪. 1‬‬
‫‪-5‬الشــورى تشــعر المشــاركين بالمســؤولية وأنهممم مممع‬
‫المسؤول يسعون إلى تحقيق المصالح العامة‪ ,‬ودرء المفاسممد فممي‬
‫عملية تكاملية‪.‬‬
‫‪-6‬الشــورى تولــد الثقــة بيــن الحــاكم والمحكــوم وتطيممب‬
‫القلوب‪ ,‬وتجعل من رأي الخليفة أو الحمماكم رأى جميممع المسمملمين‬
‫بعد التشاور‪.‬‬
‫‪ -7‬في الشورى وقاية من الستبداد وتزود الدولة بالكفاءات‬
‫والقدرات المتميزة وبها تنحصر عيوب التفرد بالقرار‪.2‬‬
‫‪ -8‬تضيق هوة الخلف بيــن الراعــي ورعيتــه الخلف جممائز‬
‫الوقمموع‪ ,‬ولكممل واحممد قنمماعته‪ ,‬ولكممن مممع مناقشممة الراء وتممداولها‬
‫وظهور الحق يرجع بعض المخالفين عن رأيممه وينصمماع إلممى الحممق‪,‬‬
‫وتتقارب وجهات النظر ويعممذر بعضممهم بعضمًا‪ ,‬ويتعمماونون علممى ممما‬
‫‪3‬‬
‫اتفقوا عليه‪ ,‬ويتنممازل البعممض ويقضممي علممى وسمماوس الشمميطان‪,‬‬
‫وتتممآلف القلمموب ويتوحممد الممرأي العممام وتضممعف حممدة الخصمموم‬
‫والمنافسين‪.4‬‬
‫‪ -9‬الشورى تفجــر الطاقــات الكامنــة فــي أفــراد المــة‪,‬‬
‫وتشجع ذوي الخبرات وتفسح المجال لكل من لديه خيممر للمممة أن‬
‫يدلي برأيه وهو آمممن فممإن قبممل فممذاك‪ ,‬وإن رد فقممد أدى ممما عليممه‬
‫وأعذر ول تمس كرامته ول ينال منه‪.5‬‬
‫ول غنى لولي المر عن المشاورة‪ ,‬فإن الله أمر بها نبيه صلى الله‬
‫عليه وسلم وليقتدي به من بعده وليستخرج منهم الممرأي فيممما لممم‬
‫ينزل فيه وحي من أمر الحرب والمور الجزئية وغيممر ذلممك‪ ,‬فغيممره‬
‫صلى الله عليه وسلم أولى بالمشاورة‪.6‬‬
‫سنن البهمقي الكبرى‪ ,‬ك آواب القاضي )‪.(10/188‬‬ ‫‪1‬‬

‫الشور د‪ .‬سامي الصلحات ص‪.52‬‬ ‫‪2‬‬

‫فقه الشورى للغامدي ص‪.212‬‬ ‫‪3‬‬

‫الشورى د‪ .‬سامي الصلحات ص‪.52‬‬ ‫‪4‬‬

‫فقه الشورى ص ‪.213‬‬ ‫‪5‬‬

‫السياسة الشرعية لبن تيمية ص ‪.157‬‬ ‫‪6‬‬

‫‪-96-‬‬
‫وينبني على هذه الشورى‪ ,‬طاعة المة للحاكم فيما يصدر عنه مممن‬
‫القرارات تهم الصالح العام‪.1‬‬
‫والشممورى مممن قواعممد الحكممم فممي السمملم وصممفة مممن صممفات‬
‫المؤمنين سمواء الحماكم أو المحكموم فقمد وصمف اللمه الممؤمنين‬
‫بقوله‪" :‬وأمرهم شورى بينهم" وبهمذا ينقممص اليممان عنمد الراعممي‬
‫لعدم امتثاله "وشاورهم في المر" وعنممد الرعيممة كممذلك‪ ,‬كممما فممي‬
‫تركهمما مجافمماة للسممنة والطريقممة الممتي سممار عليهمما أفضممل الخلممق‬
‫والخلفاء الراشدين وأصممحابه الميممامين والقممادة الفمماتحين‪ ,‬وكبممار‬
‫المصلحين والعلماء الراسخين والدعاة المخلصين‪.‬‬
‫‪10‬ـ مكافحه نزعات التطرف والعنف‪:‬‬
‫أن محصمملة الجتهمماد الجممماعي تقممود إلممى قممرارات معتدلممة فممي‬
‫الغالب‪ ,‬فالتشدد ل يصدر إل من أفممراد ذوي دوافممع ومنممازع وعقممد‬
‫تحممدوهم وتنممزع بهممم إلممى اتخمماذ قممرارات متطرفممة أو متعسممفة أو‬
‫مفارقة لخطة الحكمة والحسنى‪ ,‬ولكن تبممادل الراء الصممادرة مممن‬
‫أفممراد كممثر وأصممحاب دوافممع متباينممة يتجممه بممالقرار إلممى العتممدال‬
‫والواقعيممة فممي إطممار ))فممن الممكممن والمفيممد(( هممذا إذا لممم يصممل‬
‫بالناس إلى غاية المراد‪ ,‬كما تفسح الشورى مجال خصبا لمناقشممة‬
‫آراء أهل التطرف والعنف الذيين يتصممورون دائمما ً أن آراءهممم هممي‬
‫الراء النهاية فممي الموضموع‪ ,‬أي موضمموع‪ ,‬ويعزفممون بطبعهممم عممن‬
‫التعرف على آراء الخرين‪ 2,‬ولكن بجّر هؤلء إلى مجالت الشورى‬
‫ومشاركة الخرين لهممم فممي الممرأي تتضممح لهممم القيمممة المرجوحممة‬
‫لفكارهم التي يقدسونها ‪ ،‬ولممذلك فممإن الشممورى هممي أجممدى علج‬
‫لحماقات التطرف وشططه فيجب إعطاء ))الكل(( متنفسا ً لبممداء‬
‫الفكر والرأي‪ ,‬حممتى يختفممي التشممنج والشممعور بالحرمممان والكبممت‬
‫والضطهاد ولذا يحسن البحث عن هذه الطائفممة مممن النمماس علممى‬
‫الدوام وإعطاؤها حق القول مهما كان معيبًا‪ ,‬فممإخراج آرائهممم إلممى‬
‫الضوء هو المقدمة الولممى لدحضممها وهزيمتهمما‪ ,‬فإنهمما ل تعيممش ول‬
‫تنتعش إل في سراديب الظلم‪.3‬‬
‫‪ -11‬تسديد النظر إلى المشكلة من زوايا متباينة‪:‬‬
‫إن إخضاع أي مشكلة للتداول الشوري الحر يمك ّممن أهممل الشممورى‬
‫من رؤيتها من زوايمما واتجاهممات متباينممة متقاطعممة‪ ,‬وبممذلك تنضمماف‬
‫م وتتكامممل قممدر المكممان‪,‬‬ ‫الرؤى الجزئية بعضها إلى بعممض‪ ,‬وتتضمما ّ‬
‫ل مرئي للجميع ثم تتنسق وتتوحد محاولت التحليل‬ ‫وتتشكل في ك ُ ّ‬
‫الشورى د‪ .‬سامي ص ‪.53‬‬ ‫‪1‬‬

‫الشورى د‪ .‬محمد وقيع الله ص‪.55‬‬ ‫‪2‬‬

‫المصدر نفسه ص ‪.56‬‬ ‫‪3‬‬

‫‪-97-‬‬
‫والتشممخيص والسممهامات فممي اقممتراح الحلممول ول يتمماح ذلممك إل‬
‫للجماعممة المتوحممدة لن العقممل الواحممد مهممما كممان كممبيرا ً نافممذا ً ل‬
‫م بجميع المعلومممات المتعلقممة بكممل المشمماكل الممتي‬ ‫يستطيع أن ُيل ّ‬
‫يتعرض لها‪ ,‬ويفهمها‪ ,‬ويحللها ويشخصها‪ ,‬ويقترح الحلممول المجديممة‬
‫في شأنها‪.‬‬
‫ولعمل همذا مما عمبر عنمه بلغمة مختلفمة الخليفمة الراشمد عممر بمن‬
‫الخطمماب‪ ,‬رضممي اللممه عنممه‪ ,‬إذا قممال‪ :‬الممرأي كممالخيط السممحيل‪,‬‬
‫والرأيان كالخيطين المبرمين والثلثة مرار ول يكاد ينتقض‪.1‬‬
‫وأورد المام الماوردي في هذا المعنى قوله‪ :‬لم يزل أهممل العقممول‬
‫يفزعممون إلممى الشمورى فممي كممل ممايقع بينهممم‪ ,‬ويمممدحون فمماعله‪,‬‬
‫ويذمون المسممتبد برايممه‪ ,‬والمرتكممب لهمموائه‪ ,‬وقممد قممال فيممه أحممد‬
‫الشعراء‪:‬‬
‫خليلي ليس الرأي في صدر واحد ٍ‬
‫‪2‬‬
‫ي اليوم ما تريان‬ ‫أشيرا عل ّ‬
‫وقال ابن قتيبة‪ :‬وقرأت في كتمماب للهنممد أن ملك ما ً استشممار وزراء‬
‫له‪ ,‬فقال أحدهم‪ :‬الملك الحازم يممزداد بممرأي المموزراء الحزمممة كممما‬
‫يزداد البحر بموارده من النهمار‪ ,‬وينمال بمالحزم والممرأي ممال ينماله‬
‫بالقوة والجنود‪ ,‬والمستشير وإن كان أفضل رأيا من المشير‪ ,‬فممإنه‬
‫يزداد برأيه رأيا كما تزداد النار بالسليط ضوءا ً‪.3‬‬
‫‪ -12‬تكامل المعرفة النظرية والعملية‪:‬‬
‫سمه بمالواقع المعماش‪،‬‬ ‫في أحيان كثيرة يأتي امتيماز المرأي ممن تما ّ‬
‫ويتفوق بتلممك الميممزة علممى الممرأي النظممري‪ ،‬وإن كممان هممذا الخيممر‬
‫صحيحا ً في إطاره النظري‪ ،‬وحين يكتمل هممذان الجانبممان الركينممان‬
‫للعلم‪ :‬الجممانب النظممري والجممانب العملممي‪ ،‬أو جممانب فقممه الوراق‬
‫وفقه الواقممع‪ ،‬يممأتي القممرار أصمموب ممما يكممون‪ ،‬وهنالممك مممن أخبممار‬
‫الشورى في تاريخ الحضارة السلمية الكثيرة مما يكشمف عممن أن‬
‫تكامل هذين الجانبين كان من أهممم عوامممل اتخمماذ القممرار الصممحيح‬
‫منها م على سبيل المثال م ما يرويممه القلقشممندي عممن واقعممة غممزو‬
‫المسلمين لصقلية فيقول‪ :‬ان أحد أمرائها التجأ إلمى دولمة الغالبمة‬
‫بتونس‪ ،‬وطلب منهم العون لرفع الحيف الذي لحق بممه مممن أمممراء‬
‫آخرين ببلده‪ ،‬وجمع أمير بني الغلب المسمى زيممادة اللممه مجلممس‬
‫شوراه من فقهاء القيروان وقضاتها وأعيانهمما وبحثمموا المممر ملي ما ً‪،4‬‬

‫عيون الخبار )‪ (1/31‬لبن قتيبة ‪.‬‬ ‫‪1‬‬

‫الشورى د‪ .‬محمد وقيع ص ‪.52‬‬ ‫‪2‬‬

‫عيون الخبار )‪.(30-1/29‬‬ ‫‪3‬‬

‫نهاية الدب في معرفة أنساب العرب للقلقشندي صم ‪.428 ، 427‬‬ ‫‪4‬‬

‫‪-98-‬‬
‫ومال بعض أهل الفقه بمن فيهم المام سحنون إلى عدم مهاجمممة‬
‫صقلية لبعدها ولن بينها وبين المسلمين هدنممة وعهممدًا‪ ،‬بينممما مممال‬
‫آخرون من أهل القضاء وفيهم القاضي أسد بن الفرات لستقصمماء‬
‫الواقع‪ ،‬كما هو شأن القضمماة دائم مًا‪ ،‬فممأمر باسممتدعاء بعممض رسممل‬
‫الصممقليين واسممتنطقهم إن كمان لممدى حكومممة صممقلية أسممرى مممن‬
‫المسلمين فممأقروا بممذلك‪،‬فاتخممذت تلممك حجممة علممى الصممقليين لن‬
‫شممروط الهدنممة نصممت علممى أن تمكممن حكومممة صممقلية أسممرى‬
‫المسلمين من الرجمموع إلممى بلدهممم إن أرادوا‪ ،‬فاتخممذ حينهمما قممرار‬
‫الغزو‪.1‬‬
‫فهذا يممدل علممى الشممورى هممي الممتي مهممدت إلممى القممرار الصمموب‬
‫بجمعها بيممن الفقهيممن النظممري والعملممي علممى صممعيد واحممد‪ ،‬وهممذا‬
‫مجرد مثال من أمثلة كثيرة لتفعيل الشورى في فقه الممرأي وفقممه‬
‫الواقع معا ً في تاريخ حضارتنا السلمية التليدة‪.2‬‬
‫‪ 13‬ـ تجاوز الخطوب التي تشل التفكير الفردي‪:‬‬
‫وتتجلى فضائل الشورى في وقت الخطوب والكممروب الممتي تلحممق‬
‫بالمم‪ ،‬وتكاد تعصف بهمما عصممفا ً فيقممف النمماس منهمما ثلث مواقممف‬
‫متباينة‪ ،‬فمممن النمماس مممن يهزمهممم الخمموف ويشممل قممدراتهم علممى‬
‫التفكير والتحليل واتخاذ القرار‪ ،‬إي قرار‪ ،‬ومنهم مممن يممثير الخمموف‬
‫مشمماعرهم باتجمماه التحممدي وإثبممات الممذات والنممدفاع الهمموج فممي‬
‫المواجهة‪ ،‬فيميلون إلى اتخاذ الحلممول القصموى فممي ذلممك التجمماه‪،‬‬
‫ومنهم من يدعوهم الخوف إلى التراجع والتهادن وربما الستسمملم‬
‫فيقبلون بالدنية من دينهم ودنياهم معًا‪.‬‬
‫فهذه أصناف ثلث من المواقف تجلب خلل الرأي وتقود إلى أسوأ‬
‫العواقب‪ ،‬ولكن اجتماع الناس بمختلف توجهاتهم على صعيد واحممد‬
‫في أوقات المحن والدواهي يؤدي إلى تعممادل المواقممف والوصممول‬
‫إلى الرأي الصوب قدر المكان‪.3‬‬
‫هذه من أهم فوائد الشورى التي ذكرها العلماء‪.‬‬
‫ثانيًا‪ :‬حكم الشورى‪:‬‬
‫هناك اختلف بين العلماء والباحثين حممول الممرأي الفقهممي المتعلممق‬
‫بحكم الشورى‪ ،‬هل هي واجبة أم منممدوب إليهمما‪ ،‬وأغلممب الظممن أن‬
‫الحكم يتأرجح ما بين الوجوب والندب‪.4‬‬

‫رياض النفوس لبي عبد الله المالكي )‪.(1/186‬‬ ‫‪1‬‬

‫الشورى د‪ .‬الصلحات صم ‪.54‬‬ ‫‪2‬‬

‫المصدر صم‪.54‬‬ ‫‪3‬‬

‫تفسير الطبري )‪.(3/192‬‬ ‫‪4‬‬

‫‪-99-‬‬
‫‪ 1‬ـ ـ مــن رأى بوجــوب الشــورى وفرضــيتها‪ ،‬وهممم جمهممور‬
‫الفقهاء‪ ،‬منهم الحنفيممة والمالكيممة‪ ،‬والقممول الصممحيح مممن المممذهب‬
‫الشافعي‪ ،‬وينسب هذا القول أيضا ً للّنوويّ وابن عطية وابممن خممويز‬
‫منداد والرازي‪ ،‬وبعممض المعاصممرين كأمثممال محمممد عبممده‪ ,‬محمممد‬
‫شلتوت و محمد أبو زهرة وعبد الوهاب خلف و عبد القادر عممودة‪,‬‬
‫نظرا ً للنصوص الشرعية الواردة في هذا الشأن‪ ,‬وعلي ولي المممر‬
‫العمل بالشورى وما يصدر عنها من نتائج ورؤى‪ ,‬ويممأثم إذا أعممرض‬
‫عنها‪ ,‬وترك العمل بها‪ ,‬بل يرى ابن عطية ‪541‬هم أن‪ :‬الشورى من‬
‫قواعد السلم وعزائم الحكام‪ ,‬من ل يستشير أهل العلممم والممدين‬
‫ر‬ ‫َ‬ ‫فعزله واجب‪ 1‬و الدلة على ذلك قوله تعالى‪ " :‬وَ َ‬
‫م ِ‬‫م ِفي ال ْ‬‫شاوِْرهُ ْ‬
‫" )ال عمران‪ ,‬اية‪ (159 :‬ولن الصوليين يقولممون أن صمميغة المممر‬
‫تشير إلممى الوجمموب مممالم تصممرفه قرينممة‪ ,2‬ول قرينممة صمارفة عممن‬
‫الوجوب ‪ .‬و ظاهر المر يدل على الوجوب‪ ,‬وإنما أمممر اللممه تعممالى‬
‫نبيه بالمشاورة ليقتدي به المسمملمون‪ ,‬فل غنممى لممولي المممر علممى‬
‫المشاورة‪ ,‬فإن الله تعالى أمر به نبيه صلى الله عليه وسلم‪.3‬‬
‫ومن الحاديث ما يشير إلى وجوب الشورى في حيمماة المسمملمين‪,‬‬
‫ما روي عن أبي هريرة رضي الله عنه‪ ,‬أنه قال‪ :‬ما رأيت أحدا ً أكثر‬
‫مشاورة لصحابه من رسول الله صلى الله عليه وسلم‪.4‬‬
‫ى‬
‫وكان من عممادته ‪5‬صمملى اللمه عليمه وسملم أن يقمول‪ :‬أشمميروا علم ّ‬
‫معشر المسلمين ‪ ,‬والشورى في السلم نص قماطع ل يمدع للممة‬
‫المسلمة شكا ً في أن الشورى مبدأ أساسي‪ ,‬ل يقوم نظام السلم‬
‫على أساس سواه‪.6‬‬
‫إن الشورى من لمموازم اليمممان‪ ,‬حيممث جعلهمما صممفة مممن الصممفات‬
‫اللصممقة بممالمؤمنين المميممزة لهممم عممن غيرهممم‪ ,‬فل يكمممل إيمممان‬
‫المسلمين إل بوجود صفة الشورى فيهم‪ ,‬ول يجوز لجماعة مسلمة‬
‫أن تقيم أو ترضى إقامة أمرها على غير الشورى‪ ,‬و إل كانت آثمممة‬
‫مضيعة لمر الله‪.7‬‬
‫‪2‬ـ من رأى الندب في الشورى؟ وينسممب هممذا القممول لقتممادة‬
‫شافعي والّربيع وابن حزم وابن القيم‪ ,‬ورجحه ابممن‬ ‫وابن إسحاق وال ّ‬
‫حجممر‪ ,‬وقممد ورد هممذا ضمممن كلم بعممض السمملف وقياس ما ً علممى أن‬
‫الرسممول صمملى اللممه عليممه وسمملم لممم تجممب عليممه الشممورى أو‬
‫الجامع لحكام القرآن للقرطي )‪(4/249‬‬ ‫‪1‬‬

‫الموافقات للشاطي )‪(4/115‬‬ ‫‪2‬‬

‫المفصل في أحكام المرأة والبيت المسلم د‪.‬عبدالكريم زيدان)‪(4/327‬‬ ‫‪3‬‬

‫سنن البيهقي‪ ,‬ك أداب القاضي)‪(10/186‬‬ ‫‪4‬‬

‫تفسير ابن كثير)‪(2/192‬‬ ‫‪5‬‬

‫في ظلل القران )‪ (1/501‬سيد قطب‪.‬‬ ‫‪6‬‬

‫السلم وأوضاعنا السياسية عبدالقادر عقوده ص ‪.91‬‬ ‫‪7‬‬

‫‪-100-‬‬
‫المشاورة وبالتالي يقاس عليه وضممع الخليفممة المسمملم‪ ,‬إذ ل تجممب‬
‫عليه المشاورة‪ ,‬لن السلطات الدينية والسياسية من صلحياته لممه‬
‫أن يتولها بنفسه أو أن يفوض فيها البعض باختياره‪ ,‬من دون إلزام‬
‫أو فرض عليه‪.‬‬
‫‪ -3‬الراجح‪:‬‬
‫أن الشورى واجبممة بممالنظر إلممى طبيعممة الحكممم فممي السمملم‪ ,‬وأن‬
‫قواعد السياسة الشرعية تستلزم عدم النفراد بالرأي‪ ,‬لسيما في‬
‫ى‬
‫صممل ّ‬
‫أمور المسلمين العامة‪ ,‬أما ربط مقام الخليفة بمقممام النممبي َ‬
‫الله عليه وسلم‪ ,‬فالظاهر أنه ربط فممي غيممر موضممعه‪ ,‬إذ أن مقممام‬
‫ى الله عليه وسمملم أوجممه وأحكممم مممن مقممام الخليفممة‪,‬‬ ‫الرسول صل ّ‬
‫فالرسول كان يجمع أكثر من وظيفة دينيممة ودنيويممة فممي آن واحممد‪,‬‬
‫وليس من العجيب أن يكون الرسول‪ :‬صلى الله عليممه وسمملم فممي‬
‫بعض المواضمميع مسممتغنيا عممن آراء النمماس وأحكممامهم نظممرا ً لقمموة‬
‫المصدر الذي يعود إليه‪ ,‬وهو الوحي‪ ,‬وفي مسائل الدنيا‪ ,‬كممان مممن‬
‫عادته صلى الله عليه وسلم التشاور مممع أصممحابه‪ ,‬وهممذا واضممح بل‬
‫منازع‬
‫أما الخليفة – والحماكم – فهمو غالبما ً مما يشمكل رممزا ً لهمذه الممة‪,‬‬
‫وسلطاته تعود بالساس إلى المممة بعمومهمما‪ ,‬وسمملطانها العممام ‪- ,‬‬
‫والحاكم‪ -‬يستمد سمملطانه مممن المممة ل مممن ذاتممه ولعممل المصمملحة‬
‫الشرعية التي تعود بالشورى والمشاورة أكثر من تلك الممتي تؤخممذ‬
‫من النفراد والتحكم بالرأي‪ ,‬ولغنممى لممولي المممر عممن المشمماورة‪,‬‬
‫ى اللممه عليممه وسمّلم‪ ,‬فقممال تعممالى ‪..‬‬ ‫فممإن اللممه أمممر بهمما نممبيه صممل ّ‬
‫"وشاورهم في المر" وقممد قيممل‪ :‬إن أمممر بهمما نممبيه لتممأليف قلمموب‬
‫أصحابه‪ ,‬وليقتدي به من بعده وليستخرج بها منهم الرأي فيما ينزل‬
‫فيه وحي من أمر الحروب‪ ,‬والمور الجزئية‪ ,‬وغير ذلك‪ ,‬فغير صلى‬
‫‪1‬‬
‫الله عليه وسلم )) أولى بالمشورة ((‬
‫فإذا كانت الشورى في حممق رسممول )) ص مّلى اللممه عليممه وسمملم((‬
‫المعصوم الذي يوحى إليه‪ ,‬فهو شأن سممائر أئمممة المسمملمين مممن‬
‫باب أولى‪.2‬‬
‫ثم إن الشورى واجبة بناء علممى قواعممد ودللت اللفمماظ فممي علممم‬
‫ممرِ " )آل‬ ‫َ‬ ‫أصول الفقه‪ ,‬ففي قول اللممه تعممالى‪" :‬وَ َ‬
‫م فِممي ال ْ‬
‫شمماوِْرهُ ْ‬
‫عمران‪ ,‬أية ‪ , (195 :‬لفظة )) وشمماورهم (( تشممير إلممى الوجمموب‪،‬‬

‫السياسة الشرعية لبن تميمة ص ‪.157‬‬ ‫‪1‬‬

‫من أصول الفكر السياسي السلمي محمد عثمان ص‪.156‬‬ ‫‪2‬‬

‫‪-101-‬‬
‫لن حقيقممة المممر عنممد الصمموليين تنصممرف إلممى الوجمموب ممما لممم‬
‫تصرفها قرينة‪.1‬‬
‫وليس في القرآن أو السنة ممما يشممير خلف ذلممك‪ ,‬فمممن الممدللت‬
‫القرآنية إلى الحاديث النبوية ما يشممير إلممى الوجمموب والعمممل بهمما‬
‫ومنها ما يشير إلى الندب والمممدح للعمماملين بهمما‪ ,‬وهممذه الخيممرة ل‬
‫تخالف الولى في الحكم ‪ ,‬بل تعززها وبالتالي الذي نذهب إليممه أن‬
‫الشورى كحكم شرعي واجبة لسيما وأنها كنظممام إنسمماني أو آليممة‬
‫حكم واجبة بوجوب موضوعها ابتداًء وإنتهاًء‪.2‬‬
‫ثالثًا‪ :‬الشورى المعلمة والشورى الملزمة‪:‬‬
‫ل ريب أن هناك تسليما ً تاما ً بأهمية الشورى ومحوريتها في النظام‬
‫السياسمممي السممملمي‪ ،‬لكمممن تختلمممف آراء الفقهممماء والمفكريمممن‬
‫السلميين حول ما يتبع الرأي الشوري من نتائج أي مممدى إعلميممة‬
‫تلك النتائج وإلزاميتها للحاكم أو بمعنى آخر‪ :‬هممل يجمموز للحمماكم أن‬
‫يستمع إلى آراء أعضاء مجلس الشورى ثم يرفض ما أجمعوا عليممه‬
‫أو اتفقوا عليه بالغلبية البسيطة أو العظمى‪ ,‬أم أنممه ملممزم بقبممول‬
‫ذلك الرأي ولو اختلف مع رأيه الخاص‪.3‬‬
‫والذي أميل إليه وينسجم مع فطرتي‪ ,‬وممموازين عقلممي‪ ,‬ومحاكمممة‬
‫قلبي‪ ,‬وأعتقممد أن الدلممة الشممرعية تؤيمده هممو أن الشمورى ملزممة‬
‫للحاكم‪ ,‬لئن ذلك يمنعه مممن السممتبداد وفممي قصممة الشممورى خلل‬
‫غزوة الخندق و عرضه صمملى اللممه عليممه وسمملم مصممالحة غطفممان‬
‫على ثلث المدينة‪ ,‬واعتراض زعماء النصار عليممه وقبممول الرسممول‬
‫صلى الله عليه وسلم العتراض تممدلنا هممذه الحادثممة علممى إلزاميممة‬
‫الشورى للحاكم و تضع تقليدا ً دستوريا ً هاممًا‪ ,‬وهممو أن الحمماكم ولممو‬
‫كان رسول ً معصوما ً يجممب عليممه أل يسممتبد بممأمر المسمملمين ول أن‬
‫يقطع برأي في شأن هام ‪ ,‬ول أن يعقممد معاهممدة تلممزم المسمملمين‬
‫بأي إلتزام دون مشورتهم وأخذ أرائهم‪ ,‬فإن فعممل كممان للمممة حممق‬
‫إلغاء كل ما استبد به من دونهم‪ ,‬و تمزيق كل معاهدة لم يكن لهم‬
‫فيهمما رأي‪ .4‬فهممذا رأي واضممح قمماطع فممي تقريممر إلزاميممة الشممورى‬
‫وممن يقولون بإلزامية الشورى الفقيه المعاصر‪:‬‬
‫‪ -‬الدكتور توفيق الشاوي‪ ,‬فبعد حديث لممه عممن ظممروف نممزول‬
‫آية )) آل عمران‪ ((159 :‬علق على قوله تعممالى‪ ":‬وشمماورهم فممي‬
‫المر" قائل‪ :‬ومعنى ذلك أن الشورى واجبة و ملزمة‪ ,‬حتى لو كممان‬

‫الموافقات )‪ (4/115‬للشاطبي‪.‬‬ ‫‪1‬‬

‫خصائص التشريع السلمي فتحي الدريني صم‪.477‬‬ ‫‪2‬‬

‫الشورى ومعاودة اخراج المة و محمد وقيع الله ص ‪.87‬‬ ‫‪3‬‬

‫من توجيهات السلم‪ ,‬محمود شلتوت ص )‪(522/523‬‬ ‫‪4‬‬

‫‪-102-‬‬
‫هناك احتمال في أن يكون رأي الغلبية خاطئا ً أو ضارًا‪ ,‬لن الضرر‬
‫الناتج عن خطأ الغلبية أخف من الضرر الناتج عممن تممرك الشممورى‬
‫واسمممتبداد الحكمممام بمممالرأي دون اللمممتزام بمممرأي عاممممة النممماس‬
‫وجمهورهم‪ ,1‬وهو رأي مستمد عن عبر التاريخ الطويل‪ ,‬حيث تممرك‬
‫المر للحكام ولم يبرهنوا على أنهم أرشد دائما ً وأهممدى مممن عامممة‬
‫الناس‪.2‬‬
‫‪ -‬وقال الدكتور رحيــل محمــد غرابيــه الخممذ بمبممدأ إلزاميممة‬
‫الشورى بناء على الحيثيات التالية‪:‬‬
‫‪ -1‬تعارفت المم والشعوب على مدار الزمان بالميل نحو الكثرية‬
‫واعتبار الغالبية في معظم الحوال دليل صممواب ‪ ..‬وتواطممأ النمماس‬
‫قديما ً وحديثًا‪ ,‬مسمملمين وغيممر مسمملمين‪ ,‬علممى إقممرار مبممدأ رضممى‬
‫القلية برأي الغلبية فيمكن الستئناس بهذه التجربة العالمية علممى‬
‫إقرار هذا المبدأ‪ ,‬من منطلق توجه العقل النساني العممام بمجملممه‬
‫في هذا التجاه‪.‬‬
‫‪ -2‬يقتضي العقل والمنطق أن يكون رأي المجموعة أقوم وأصوب‬
‫وأقرب إلى الحقيقة من رأي الواحد‪ ،‬مهما عظمت وطالت خبرته‪.‬‬
‫‪ 3‬م المام أو الخليفة هو فرد من المة‪ ،‬ل يتميز عن آحادها بشمميء‬
‫سوى أنه أثقل حمل ً وأعظم مسؤولية‪ ،‬كما روي هممذا عممن الخليفممة‬
‫عمر بن الخطاب‪ ،‬رضي الله عنه‪ ،‬وهذا يقتضمي أن يكمون اجتهماده‬
‫مثل اجتهاد غيره من المجتهدين‪ ،‬وإذا كان هذا يصممح إطلقممه علممى‬
‫عمر والخلفاء الراشدين فهو أكثر صحة وأقوم بالنسبة إلى غيرهم‪.‬‬
‫‪ 4‬م إن إلزام المير م الحاكم م بإتباع رأي الغلبية يعتبر ضمانة على‬
‫عدم الستبداد بالرأي ومنع التسلط الفردي الذي عانت منممه المممة‬
‫فترات طويلة‪.‬‬
‫‪ 5‬م إن اللتزام برأي الغلبية أكثر تحقيقا ً لمبدأ سلطة المة والذي‬
‫هو محل اتفاق ول نزاع فيه‪ ،‬وإن تفرد الميممر برأيممه‪ ،‬وعممدم نزولممه‬
‫على رأي أهل الشورى أنما هو نقض لسلطة المة‪ ،‬واعتممداء علممى‬
‫حقها الممنوح لها شرعًا‪.‬‬
‫‪ 6‬م إن اللتزام برأي الغلبية أكثر انسجاما ً مع روح الشريعة وأكممثر‬
‫تحقيقا ً لمقاصد النصوص التي جاءت تأمر بالشورى وتحض عليها‪.‬‬
‫‪ 7‬م تقتضي ظروف العصر أن ل يبقى المر بالشورى عاممما ً غائمممًا‪،‬‬
‫بل ل بد ممن تحمويله إلممى مبمدأ دسمتوري وقاعمدة تشممريعية قابلمة‬
‫للتطبيق الجرائي الواضح المحدد الحاسم عند الختلف‪.3‬‬
‫قصه الشورى و الستشارة‪ ,‬توفيق الشاوي ص‪52‬‬ ‫‪1‬‬

‫الشورى ومعاودة اخراج المة ص‪99‬‬ ‫‪2‬‬

‫الحقوق والحريات في الشريعة السلمية صم‪.328‬‬ ‫‪3‬‬

‫‪-103-‬‬
‫ول منمماص مممن أن نقممرر أن اللممتزام بالشممورى العاصممم البشممري‬
‫الممكن من خيانة المانة وإتباع الهوى وغفوة وازع اليمان‪.1‬‬
‫* الدكتور أكرم ضياء العمري‪:‬‬
‫وبعد أن ذكر الدكتور أكرم ضياء العمري آيمتي سمورة الشمورى ))‬
‫‪ ((38‬وآل عمران ))‪ ((159‬استدل على وجوب الشورى بقوله‪ :‬إن‬
‫الخبر إذ أريد به النشاء الطلبي فهمو أقموى ممن الممر‪ ،‬وأمما اليمة‬
‫الثانية فهي بصيغة المر‪ ،‬وليس فممي القممرآن قرينممة تصممرف المممر‬
‫عن الوجوب إلى الندب فلم يبق إل أن نفتش في السنة ولممم أجممد‬
‫– حسب جهدي – في أحداث السيرة النبوية نصا ً صحيحا ً يدل على‬
‫صرف المر بالشممورى عممن الوجمموب إلممى النممدب‪ .2‬وقممال الممدكتور‬
‫العمري مؤكدًا‪ :‬لم أقف على مايدل على عدم إلزاميممة الشممورى‪.3‬‬
‫فهو قد أكد رأيه بأدلة من أصول الفقه عممزز بهمما رأيممه فممي وجمموب‬
‫الشورى وإلزاميتها في الوقت نفسه‪.4‬‬
‫إن موضوع الشورى تحديدا ً مثار بحث وقراءة في الفكر‬
‫السياسي السلمي منذ أن كان الخلف بين المسلمين على‬
‫موضع المامة والخلفة ولضبط العلقة مابين الحاكم والمحكوم‬
‫في تحصيل المصالح ودرء المفاسد عنهما ‪ ,‬وتنظيم طبيعة العلقة‬
‫بينهما ‪ ,‬كان لبد من وسيلة فعالة أو إجراءات مناسبة لذلك ‪,‬‬
‫وهذا ليتحقق إل بالشورى لن فيها ضمانة لمقاصد الشريعة في‬
‫الحكم والسياسة ‪ ,‬توفير المزيد من المقاصد الجتماعية كحرية‬
‫الرأي والمساواة بين المواطنين ‪ ,‬مما يعني ترسيخ مبدأ الحوار‬
‫وتعميق مضمون التنمية في البلد ولعل من مرجحات كون‬
‫الشورى إلزامية أنها حاجزة لحالت التسلط في الحكم والقمع‬
‫للرأي الخر ‪ ,‬وإذا خول الحاكم في العتداد برايه دائما ً ‪ ,‬كان ذلك‬
‫وبال ً عليه وعلى المة وعلى طريقة الحكم ‪ ,‬بل قد يصل به المر‬
‫إلى الدخول في العقائد والتشريعات برأيه وفكره ‪ ,‬كما قال‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫شاد ِ " )غافر ‪,‬‬ ‫ل الّر َ‬‫سِبي َ‬‫م إ ِّل َ‬
‫ديك ُ ْ‬
‫ما أهْ ِ‬
‫ما أَرى وَ َ‬
‫فرعون لقومه " َ‬
‫َ‬
‫ما‬
‫ه وَ َ‬ ‫ن قَوْ َ‬
‫م ُ‬ ‫ض ّ‬
‫ل فِْرع َوْ ُ‬ ‫آية‪ (29:‬لذا كانت النتيجة قوله تعالى‪ " :‬وَأ َ‬
‫دى " )طه ‪ ,‬آية‪.(79:‬‬‫هَ َ‬
‫بل في الظممن الغممالب علممى الممرأي‪ ،‬أن لممولم تكممن مممن مرجحممات‬
‫القممول بلممزوم الشممورى للحمماكم أو الرئيممس سمموى منممع حممالت‬
‫الستبداد بالرأي وقمع الخصوم لكفى وأقنممع‪ ،‬إذ ل قداسممة لممرأي‪,5‬‬
‫النظام السياسي للدولة السلمية محمد الغواص ‪.211‬‬ ‫‪1‬‬

‫‪ -‬الشورى ومعاودة إخراج المة ص ‪. 102‬‬ ‫‪2‬‬

‫‪ -‬المصدر بنفسه ص ‪.102‬‬ ‫‪3‬‬

‫‪ -‬المصدر نفسه ص ‪.102‬‬ ‫‪4‬‬

‫‪ -‬السلم والستبداد السياسي محمد الغزالي ص ‪.137‬‬ ‫‪5‬‬

‫‪-104-‬‬
‫سمميما فممي بعممض تجممارب الحكممم فممي تاريخنمما السمملمي القممديم‬
‫والمعاصر‪ ،‬إذ أن هناك نماذج وتطبيقات يسممتحيل معهمما أن نوصممي‬
‫بعدم لزوم نتيجة الشورى للحاكم ‪.‬‬
‫وتزداد أهمية ذلك في نوعية القرار الصادر عممن مجلممس الشممورى‪،‬‬
‫خصوصا ً إذا كان متعلقا بمصممالح المسمملمين العامممة‪ ،‬فممأمر العامممة‬
‫ليربممط بممرأي الفممرد‪ ،‬وإن كممان لممه مممن الصممفات القياديممة الشممئ‬
‫الكثير ‪.‬‬
‫ولعتبار تقني أكثر منممه شممرعي ‪ ,‬فممإن علممم الشممورى علممم إداري‬
‫سياسي قائم في جميع مجلت الحياة‪ ،‬بل ويعتبر الجانب السلوكي‬
‫في عمل الحاكم أو المسؤول عمليممة تعليميممة‪ ،‬وتدريبيممة للخريممن‪،‬‬
‫بل هو على حد تعبير أحدهم بالمعلم الكبير‪.1‬‬
‫وهممذا يتممم مممن خلل تحفيممز المرؤوسممين والمحكممومين بمعرفممة‬
‫احتياجاتهم ورفع روحهم المعنوية‪ ،‬أو جعممل القيممادة لهممم بالمبممادأة‬
‫والقممدوة الحسممنة‪ ،‬واختيممار السمماليب الفعالممة‪ ،‬أو بالتصممال بهممم‪،‬‬
‫وإعطاء التوجيهات والتعليمات لرائهم‪ ،‬على أن شخصية الحاكم أو‬
‫الرئيس‪ ،‬تلزمه أن يجمع مابين الكفمماءة والكاريزممما وهممي بل شممك‬
‫ضرورية في تفعيل العمل المؤسسي عند الرعية‪ .2‬فالسلم ينشئ‬
‫المممة ويربيهمما‪ ،‬ويعممدها للقيممادة الراشممدة ولوكممان وجممود القيممادة‬
‫الراشدة يمنع الشورى ‪ ,‬ويمنممع تممدريب المممة عليهمما تممدريبا ً عملي ما ً‬
‫واقعيا ً في أخطر الشؤون‪ ،‬لكان وجود محمد صلى الله عليه وسلم‬
‫ومعممه المموحي مممن اللممه سممبحانه وتعممالى كافيمما لحرمممان الجماعممة‬
‫المسلمة يومها من حق الشورى ولكن ومممع وجممود محمممد رسممول‬
‫الله صلى الله عليه وسلم ومعه الوحي اللهي‪ ،‬لم يلغ هذا الحق‪.3‬‬
‫هذا النهج الشمورى ‪ ,‬سيشمكل بل شمك مموظفين متخصصمين فمي‬
‫عملهم ‪ ,‬يساعدون الحاكم أو – الرئيس – في تقممديم الستشممارات‬
‫والممرؤى حممول المواضمميع المتعلقممة بتحقيممق مصمملحة المجتمممع أو‬
‫الدولة‪ ،‬وهذا مايجعلنا نؤكد علمى أن الحماكم ل يحكمم النماس ‪ ,‬بمل‬
‫المهمة قيادة ‪ 4‬الناس ‪.‬‬
‫من هذا النهج الشورى ‪ ,‬سيتحقق فمي أفمراد المجتممع مبمدأ إداري‬
‫مهم ‪ ,‬وهو مبدأ إرساء قاعدة التميز بين صفوف النخب السياسممية‬
‫والجتماعية وهنا يلزم البيان بممأن طبيعممة المؤسسممة الحاكمممة فممي‬
‫السمملم أن ترفممض الفرديممة أو المركزيممة فممي اتخمماذ القممرارات ‪,‬‬

‫أصول الدارة والتنظيم ‪ ,‬عمر الجوهري ص ‪.18‬‬ ‫‪-‬‬ ‫‪1‬‬

‫الشورى د‪ .‬سامي الصلحات ص ‪.138‬‬ ‫‪-‬‬ ‫‪2‬‬

‫في ظلل القرآن )‪ (502\1‬سيد قطب‪.‬‬ ‫‪-‬‬ ‫‪3‬‬

‫الشورى ‪ ,‬د‪ .‬سامي الصلحات ص ‪.138‬‬ ‫‪-‬‬ ‫‪4‬‬

‫‪-105-‬‬
‫لسيما السلطة المركزية النابعة من فردية الحاكم أو دعم بطممانته‬
‫لقراراته وكما هو متبممع فممي علممم الدارة فممإن هنمماك مزايمما للعمممل‬
‫المؤسسي أو الشوري ‪ ,‬من أهمها‪:‬‬
‫ً‬
‫‪ -‬أن وضع سلطة اتخاذ القرارات سيكون قريب ما مممن القواعممد مممما‬
‫يعني سلمة القرارات المتخذة ‪.‬‬
‫‪ -‬تخفيض أعباء القيممادات نظممرا ً لتفممويض السمملطة وتخلممق روابممط‬
‫وثيقة ‪ ,‬ويزيد التعاون والتنسيق ‪.‬‬
‫‪ -‬تساعد علممى سممرعة اتخمماذ القممرارات ‪ ,‬وسممهولة تحديممد منمماطق‬
‫الضعف ‪ ,‬وسرعة علجها‪ ،1‬كما ل يسممتطيع الشممخص الواحممد إدارة‬
‫عمل متميز ‪ ,‬أو على أبعممد تقممدير إحممداث تغييممرات علممى مسممتوى‬
‫المؤسسة بممدون فريممق عمممل متميممز‪ ،‬لن خلممق منظمممة مبدعممة‪،2‬‬
‫بحاجة إلى عمل جماعي متناسق ‪ ,‬أي أن علم الدارة الحديث في‬
‫الحكم والقيممادة يمدعم بضممرورة دعممم الشمورى وآلياتهمما واعتبارهمما‬
‫مصممدر قمموة للحمماكم والمحكمموم ‪ ,‬لكممن مممع تأكيممدنا علممى ضممرورة‬
‫احترام قممرار الشممورى المؤسسممي مممن أهممل الحممل والعقممد‪ ،‬نممرى‬
‫بضرورة احترام رأي الحاكم‪ ،‬أو احترام حقممه فممي العممتراض علممى‬
‫رأي مجلس الشورى‪ ،‬ل سيما إذا كان لممه وجاهممة وإصممابة ‪ ,‬بحيممث‬
‫يثبت رأيه ويقنع غيره به ‪ ,‬ويقرر بالمصلحة العامة‪.3‬‬
‫إن القول بإلزامية الشورى هممو ممما نممدين اللممه بممه ونممرى ضممرورته‬
‫وجمممدواه ‪ ,‬وبمممدونه ل يمكمممن تفعيمممل الشمممورى علمممى المسمممتوى‬
‫الدسمممتوري للممممة ‪ ,‬فالدولمممة السممملمية دولمممة مدنيمممة‪ ،‬تمممؤمن‬
‫بالمؤسسات‪ ،‬وترى فصل السلطات‪ ،‬وأن تكون مرجعيتها السمملم‬
‫فهي ليست دولة أسرار ثيوقراطيممة مغلقممة يممديرها رجممال الممدين ‪,‬‬
‫وإنما دولة لشعب يسعى بذمته أدناه مممن مممواطنيه‪ ،‬ولممذا ل بممد أن‬
‫يتمماح للكممل أن يسممهم فممي أمممر النصممح والشممورى وأن يلممتزم ولة‬
‫المور بحكم الغلبية كشورى ملزمة‪ ،‬فهذا المر من الهمية بمكان‬
‫‪ ,‬ول بد من أن يستبين تماما قبممل الشممروع فممي أي محاولممة جديممة‬
‫لتطبيق الشورى في النظام السياسي السلمي‪.4‬‬
‫رابعًا‪ :‬مجلت الشورى‪:‬‬
‫تتعدد مجلت تطبيق الشورى ‪ ,‬فيممما لممم ينممزل فيممه حكممم شممرعي‬
‫بالوحي ‪ ,‬وذلك بيمن الشمورى الجماعيمة والشمورى الخاصمة وذلمك‬
‫على النحو التالي‪:‬‬

‫‪ -‬المصدر نفسه ص ‪. 139‬‬ ‫‪1‬‬

‫‪-‬الشورى ‪ ,‬سامي الصلحات ص ‪. 139‬‬ ‫‪2‬‬

‫‪ -‬المصدر نفسه ص ‪. 140‬‬ ‫‪3‬‬

‫‪-‬الشورى ومعاودة إخراج المة ص ‪. 108‬‬ ‫‪4‬‬

‫‪-106-‬‬
‫‪1‬ـ المجال السياسي الدينوي‪ :‬هذا هو المجال المعروف‬
‫للعمل بالشورى ‪ ,‬ويقترن ذكره بذكرها قال الحافظ ابن حجر‬
‫وقد اختلف في متعلق المشاورة ‪ :‬فقيل في كل شئ ليس فيه‬
‫نص وقيل في المر الدنيوي فقط وقال الداودي ‪ :‬إنما كان‬
‫يشاورهم في أمر الحرب مما ليس فيه حكم ‪ ,‬لن معرفة‬
‫‪1‬‬
‫الحكم إنما تلتمس منه‬
‫وقال القاضي ابن عطية‪ :‬ومشاورته عليه السلم إنما هي في‬
‫أمور الحروب والبعوث ونحوه من أشخاص النوازل‪ ،‬وأما في حلل‬
‫أو حرام أو حد فتلك قوانين شرع‪.2‬‬
‫وعلى العموم فإن من أبرز المجممالت الشممورية الممتي يكممثر ذكرهمما‬
‫وذكممر أمثلتهمما مجممالين اثنيممن هممما‪ :‬المجممال السياسممي والمجممال‬
‫العسممكري أو الحربممي ‪ ,‬ويمكممن جمعهمما مع ما ً تحممت اسممم التممدبير‬
‫السياسي ‪ ,‬بشقيه المدني والعسممكري ويممدخل فممي ذلممك التشمماور‬
‫لختيممار الخليفممة أو الحكممام عموم ما ً ‪ ,‬ثممم تشمماور الحكممام والقممادة‬
‫السياسيين والعسكريين مع مستشمماريهم ومسمماعديهم فممي رسممم‬
‫الخطممط وتنفيممذها ‪ ,‬واتخمماذ القممرارات فممي مختلممف الشممكالت‬
‫والنوازل السياسية والحربية بما فممي ذلممك عقممد السمملم ‪ ,‬أو إعلن‬
‫الحرب ‪ ,‬أو إجراء الصلح‪.3‬‬
‫‪2‬ـ الشورى في القضــاء‪ :‬القاضممي يظممل يحكممم فممى الممموال‬
‫والممدماء والفممروج وغيرهمما مممن المصممالح والتظلمممات والنزاعممات‬
‫ويحكم على الفراد والجماعات وربما على الدول والحكومات وإذا‬
‫كممان الفقيممه أو المفممتي يجتهممد لسممتنباط الحكممم مممن أدلتممه فممإن‬
‫القاضي يفعل هذا ‪ ,‬ثم يجتهد مممرة أخممرى فممي النازلممة المعروضممة‬
‫عليممه وفممي أدلممة كممل طممرف مممن أطرافهمما ‪ ,‬وحقيقممة خفاياهمما‬
‫وملبساتها ‪ ,‬فهو يجتهد مرتين ‪ ,‬ولهذا فحاجته إلمى المشماورة فمي‬
‫حكمه ‪ ,‬هي أشد وآكد مممن حاجممة الفقيممه فممي فتممواه وخاصممة فممي‬
‫القضايا المعقدة والنوازل الكبيرة ‪ ,‬فما يروى من الحاديث والثممار‬
‫في المشاورة للنمموازل الممتي ليممس فيهمما كتمماب ول سممنة ‪ ,‬منطبممق‬
‫بالضمرورة وبالدرجمة الولمى علمى النموازل المتي كمانت تمرد علمى‬
‫الخلفاء وغيرهم من الصحابة للفصل فيها بين المتنممازعين وهممو ممما‬
‫ينطبق على جميع المنتصبين للحكممم والقضمماء بيممن الناسم‪ ,4‬وعممن‬
‫عمر بن عبممدالعزيز قممال‪ :‬لينبغممي للقاضممي أن يكممون قاضمميا حممتى‬

‫فتح الباري )‪.(184\15‬‬ ‫‪-‬‬ ‫‪1‬‬

‫المحرر الوجيز )‪. (398\3‬‬ ‫‪-‬‬ ‫‪2‬‬

‫الشورى في معركة البناء ص ‪.25‬‬ ‫‪-‬‬ ‫‪3‬‬

‫الشورى في معركة البناء ص ‪.32‬‬ ‫‪-‬‬ ‫‪4‬‬

‫‪-107-‬‬
‫يكممون فيممه خمممس خصممال عفيممف‪ ،‬حممالم‪ ،‬عممالم بممما كممان قبلممه ‪,‬‬
‫يستشير ذوي الرأي ‪ ,‬ل يبالي بملمة الناس‪ ,1‬وفي كتاب عمممر بممن‬
‫عبد العزيز إلى عروة‪ :‬كتبت إلي تسألني عممن القضمماء بيممن النمماس‬
‫وإن رأس القضاء اتباع مافي كتاب الله ثممم القضمماء بسممنة رسممول‬
‫الله صلى الله عليه وسلم ثممم بحكممم أئمممة الهممدى ‪ ,‬ثممم استشممارة‬
‫ذوي العلم والرأي‪ ،2‬وإذا كان بعممض الفقهمماء قممد جعلمموا المشمماورة‬
‫للقاضي على الندب ل علممى الوجموب ‪ ,‬فهممذا يمكممن أن يقبممل فممي‬
‫القضممايا البسمميطة ‪ ,‬الواضممحة والمتكممررة ‪ ,‬أممما القضممايا المعقممدة‬
‫والملتبسة والجسيمة فل يصح فيها ال القممول بممالوجوب وهممو قممول‬
‫جمهور الفقهاء‪.‬‬
‫وهكممذا يظهممر جليمما أن اشممتراط صممفة المشمماورة فممي القضمماة‬
‫وإلزامهم بها ليس شيئا ً عارضا ً أو طارئا ‪ ,‬أو دخيل ً‪.3‬‬
‫‪ -3‬الشورى في تنزيل الحكام القطعية‪:‬‬
‫علممى أن الحكممم الشممرعي القطعممي – رغممم ذلممك – يبقممى محل ً‬
‫للشورى من حيث التنزيل والتنفيذ وممما يتصممل بممذلك مممن شممروط‬
‫وكيفيات وآجال وعوائق أو موانع ‪ ,‬فيمكن التشاور بشأنه من هممذه‬
‫النواحي ل من حيث المبدأ وهذا مانبه عليه أبممو عبممدلله بممن الرزق‬
‫في النوع الثاني مما يستشار فيه بقوله‪ :‬المستشار فيممه أي ممماتقع‬
‫فيه المشاورة نوعان‪:‬‬
‫‪ :-‬ماهو من أمور الدنيا وخفي وجممه الصممواب فيممه فيطلممب العثممور‬
‫عليه بالمشورة‪.‬‬
‫‪ :-‬ماهو من مقاصد الدين ‪ ,‬ولم يتعين فممي الحممال ‪ ,‬أو أشممكل فيممه‬
‫التلبس بالعمل به باعتبار أمر خارج عن ذاته‪.4‬‬
‫ويمكن أن نجد أنفسنا بحاجة إلممى الجتهمماد والتشمماور فممي مسممائل‬
‫تتعلق بالجهاد والمر بالمعروف والنهي عن المنكر ‪ ,‬وبعض أحكممام‬
‫الحج والصيام ومصارف الزكاة وإقامة الحدود‪ ...‬مممع أن هممذه كلهمما‬
‫أحكممام منصوصممه قطعيممة ولكنهمما – وغيرهمما – قممد تعممتري تطبيقهمما‬
‫ملبسات واشكالت وموانع ومستجدات ‪ ,‬تحتاج إلى نظر وتناظر ‪,‬‬
‫وموازنه وحسن تدبير‪.5‬‬
‫‪ -4‬الشورى في الحكام الجتهادية والخلفية‪:‬‬
‫ومما يحتاج إلى نظر وتناظر وتشاور – وهو غير بعيممد عممما سممبق –‬
‫الحكام الشممرعية القائمممة أصمل ً علممى السممتنباط ‪ ,‬والترجيممح بيممن‬
‫فتح الباري )‪.(50\15‬‬ ‫‪-‬‬ ‫‪1‬‬

‫جامع بيان العلم لبن عبد البر )‪.(30\2‬‬ ‫‪-‬‬ ‫‪2‬‬

‫المصدر نفسه )‪.(101\2‬‬ ‫‪-‬‬ ‫‪3‬‬

‫بدائع السلك في طبائع )‪.(317-316\1‬‬ ‫‪-‬‬ ‫‪4‬‬

‫الشورى في معركة البناء ص ‪.28‬‬ ‫‪-‬‬ ‫‪5‬‬

‫‪-108-‬‬
‫مقتضيات الدلة ودللتها ويدخل كذلك في مجالت الشورى م ومن‬
‫باب أولى م الجتهماد فمي أحكمام مما ليمس فيمه نمص ‪ ,‬ممما سمبيله‬
‫القياس والستحسان والستصلح فهذه كلها مجلت دينية شرعية ‪,‬‬
‫ومع ذلك فالشورى فيها بين أهل العلم والنظر والجتهاد هممي سممنة‬
‫الصحابة والخلفاء الراشدين ‪ ,‬بل هي سنة النممبي صمملى اللممه عليممه‬
‫وسلم القولية والفعلية‪ .1‬إن الذين يقصرون الشورى م م أو يركممزون‬
‫فيهام علممى الشممؤون السياسممية والدنيويمة ويمتركون شمؤون المدين‬
‫وأحكامه لحاد الفقهماء والمفممتين والمولة والقضمماة‪ ،‬إنممما هممم فمي‬
‫النهاية يعظمون الولى ويهونممون أمممر الثانيممة‪ ،‬فممالمر الممذي يسممند‬
‫النظر فيه إلى جماعة يتباحثون ويتناظرون ويتشاورون قبممل البممث‬
‫فيه يكونممون مم بممدون شممك مم أكممثر حرمممة وأعلممى منزلممة وأحظممى‬
‫بالسداد والرشاد من الذي يوكل للفراد واجتهادهم الفردي‪.2‬‬
‫‪ 5‬ـ الشورى في تنظيم الشورى‪ :‬من القضايا الممتي أصممبحت‬
‫جلية ومسلمة‪ ،‬كون السلم أرسى مبدأ الشممورى وأمممر بممه وحممث‬
‫وه بفضله وأهميته‪ ،‬ثم ترك تنزيله وتنظيمه مرسل ً مفوض ما ً‬ ‫عليه‪ ،‬ون ّ‬
‫للجتهمماد والتممدبير والتكييممف‪ ،‬بممما يناسممب كممل زمممان أو مكممان أو‬
‫مجال‪ ،‬أو ظرف‪ ،‬وبهذا نستطيع أن نقول إن التفاصمميل والكيفيممات‬
‫التطبيقية للشورى هي نفسها مجال من مجممالت الشممورى ومثلهمما‬
‫كافة الشؤون التنظيميممة والداريممة للدولمة والمجتمممع والجماعممات‪،‬‬
‫فهي داخلة في قوله تعالى‪" :‬وأمرهم شورى بينهم"‪ ،‬فهي كلها من‬
‫دلها ونلئمهما شمورى‬ ‫ث فيهما وننظمهما ونعم ّ‬ ‫أمورنا التي يجب أن نبم ّ‬
‫بيننمما‪ ،‬وإجمممال ً فممإن كممل ممما يتطممرق إليممه الحتمممال والستشممكال‪،‬‬
‫ويدخله الجتهاد البشرى وكل ما يثير عممادة الخلف والتنممازع‪ ،‬وكممل‬
‫ما سكت عنه الوحي وكل ما هو مشترك بين النمماس مممن واجبممات‬
‫وحقوق ومصالح‪ ،‬ففيه مجال للشورى‪ ،‬وجوبا ً أو ندبا ً حسب أهميممة‬
‫كممل مسممألة وحجممم انعكاسمماتها علممى النمماس فممي دينهممم ودنيمماهم‬
‫وعلقاتهم‪.3‬‬
‫خامسًا‪ :‬المرأة والشورى‪:‬‬
‫ومما يدل على جواز مشاركة المرأة في الشأن العام قوله تعالى‪:‬‬
‫ْ‬ ‫" وال ْمؤ ْمنون وال ْمؤ ْمنات بعضه َ‬
‫ف‬
‫معُْرو ِ‬‫ن ِبال ْ َ‬‫مُرو َ‬ ‫ض ي َأ ُ‬‫م أوْل َِياء ب َعْ ٍ‬ ‫َ ُ ِ ُ َ َ ُ ِ َ ُ َْ ُ ُ ْ‬
‫هّ‬
‫ن الل َ‬‫طيُعو َ‬ ‫َ‬
‫ن الّزكاة َ وَي ُ ِ‬ ‫صل َة َ وَي ُؤ ُْتو َ‬ ‫ن ال ّ‬ ‫مو َ‬‫قي ُ‬ ‫ن ال ْ ُ‬
‫منك َرِ وَي ُ ِ‬ ‫ن عَ ُ ِ‬ ‫وَي َن ْهَوْ َ‬
‫م " )التوبة ‪،‬‬ ‫كي ٌ‬ ‫ح ِ‬ ‫زيٌز َ‬‫ه عَ ِ‬‫ن الل ّ َ‬ ‫م الل ّ ُ‬
‫ه إِ ّ‬ ‫مه ُ ُ‬
‫ح ُ‬‫سي َْر َ‬‫ك َ‬ ‫ه أوَْلمئ ِ َ‬ ‫سول َ ُ‬‫وََر ُ‬
‫آية ‪.(71 :‬‬
‫‪ -‬المصدر نفسه ص ‪.28‬‬ ‫‪1‬‬

‫‪ -‬الشورى في معركة البناء ص ‪.32‬‬ ‫‪2‬‬

‫‪ -‬المصدر نفسه ص ‪.34‬‬ ‫‪3‬‬

‫‪-109-‬‬
‫ويرى العلمة السممتاذ علل الفاسمي أن اليممة الكريممة‪ :‬قممد أثبتمت‬
‫الولية المطلقة للمؤمنات كما أثبتتها للمؤمنين‪ ،‬وتدخل فيهمما وليممة‬
‫النصرة‪ ،‬كما يدخل فيها الحضور في المساجد والمشمماهد ومعممارك‬
‫الجهاد والمر بالمعروف والنهي عن المنكر‪ ،‬ثم أضاف رحمه اللممه‪:‬‬
‫وقد نص القممرآن علممى التشمماور بيممن الرجممل وزوجتممه فممي شممؤون‬
‫شمماوُرٍ فَل َ‬ ‫الزوجية فقال‪ " :‬فَمإ َ‬
‫ممما وَت َ َ‬
‫من ْهُ َ‬ ‫صممال ً ع َممن ت َمَرا ٍ‬
‫ض ّ‬ ‫دا فِ َ‬ ‫ن أَرا َ‬
‫ِ ْ‬
‫ما " )البقرة‪ ،‬آية ‪.(233 :‬‬ ‫ح ع َل َي ْهِ َ‬
‫جَنا َ‬
‫ُ‬
‫وإذا كانت الشورى مطلوبة لهذا الحد في أمممر السممرة‪ ،‬فممما بالممك‬
‫بأمر السر الكبرى وهي المة والدولة‪ ،‬وكما أن الشارع لممم يحممرم‬
‫نصف السرة م الذي هو المرأة م من حق الشورى‪.1‬‬
‫م " )الشممورى‪ ،‬آيممة ‪(38 :‬‬ ‫م ُ‬ ‫مُره ُْ‬ ‫َ‬
‫شمموَرى ب َي ْن َهُ م ْ‬ ‫وفي قوله تعالى " وأ ْ‬
‫فقوله أمرهم‪ ،‬شاملة الرجال والنساء معًا‪ ،‬ول مجممال لحصممر ذلممك‬
‫على الرجال دون النساء‪.2‬‬
‫وقوله صلى الله عليه وسلم‪" :‬إنما النساء شقائق الرجال"‪.3‬‬
‫فالرجل والمرأة في الحقوق تجاه المجتمع والدولة علممى السممواء‪،‬‬
‫فكما يحق للرجل الترشيح لعضوية مجلس الشممورى يحممق للمممرأة‬
‫كذلك الترشيح ودخول مجلممس الشمورى‪ ،‬ول اعتبمار أن المشماركة‬
‫السياسية التي تقوم بها المرأة هي أفعال قانونية وشممرعية تهممدف‬
‫للتأثير على الخرين أو أفعممالهم‪ .4‬والدلممة الممتي تشممير إلممى دخممول‬
‫المرأة واجهة العمل السياسي وإبداء رأيها في المور العامة كثيرة‬
‫منها ما رواه البخاري‪ ،‬عن استفادة النممبي صمملى اللممه عليممه وسمملم‬
‫من رأي زوجته أم سلمة في مصمملحة عامممة‪ ،‬ففممي صمملح الحديبيمة‬
‫حيث جاء فيه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قممال لصممحابه‪:‬‬
‫"قوموا فانحروا‪ ،‬ثم أحلقوا‪ ،‬قال‪ :‬فوالله ما قام منهممم رجممل حممتى‬
‫قال ذلك ثلث مرات‪ ،‬فلما لم يقم منهم أحد دخل علممى أم سمملمة‬
‫فذكر لها من لقي من الناس‪ ،‬فقالت أم سلمة‪ :‬يا نبي اللممه أتحممب‬
‫ذلك‪ ،‬أخرج ثم ل تكلم أحممدا ً منهممم كلمممة حممتى تنحممر ب ُممدنك وتممدعو‬
‫حالقك فيحلقك‪ ،‬فخرج فلم يكلم أحدا ً منهم حتى فعممل ذلممك‪ ،‬نحممر‬
‫بدنه‪ ،‬ودعمما حممالقه فحلقممه‪ ،‬فلممما رأوا ذلممك قمماموا فنحممروا‪ ،‬وجعممل‬
‫بعضهم يحلق بعضا ً حتى كاد بعضهم يقتل بعضا ً غما‪.5‬‬

‫مدخل في النظرية العامة لدراسة الفقة السلمي ص ‪.101‬‬ ‫‪-‬‬ ‫‪1‬‬

‫الشورى ‪ ,‬د‪ .‬سامي الصلحات ص ‪.81‬‬ ‫‪-‬‬ ‫‪2‬‬

‫صحيح سنن الترمزي اللبالي )‪.(80\1‬‬ ‫‪-‬‬ ‫‪3‬‬

‫الشورى د‪ .‬سامي الصلحات ص ‪.81‬‬ ‫‪-‬‬ ‫‪4‬‬

‫فتح الباري شرح صحيح البخاري ‪ ,‬ك الشروط )‪.(403\5‬‬ ‫‪-‬‬ ‫‪5‬‬

‫‪-110-‬‬
‫وفيه دليل على جواز أن يستشير المرأة الفاضلة العالمة الحكيمة‪،‬‬
‫وكان لعمر بن الخطاب رضي الله عنه قريبممة تسمممى الشممفا بنممت‬
‫عبد الله العدوية يستشيرها وقد كلفها بالشراف على السوق‪.1‬‬
‫وكانت المرأة تقف في وجه الخلفاء وتعترض على آرائهم ويقبل‬
‫الخلفاء لهذه المشاركة السياسية من ذلك ما ورد في تفسير‬
‫ْ‬ ‫ْ‬
‫ه‬ ‫خ ُ‬
‫ذون َ ُ‬ ‫شي ًْئا أ َت َأ ُ‬‫ه َ‬ ‫ذوا ْ ِ‬
‫من ْ ُ‬ ‫خ ُ‬‫طاًرا فَل َ ت َأ ُ‬ ‫ن ِقن َ‬ ‫داهُ ّ‬ ‫ح َ‬ ‫م إِ ْ‬‫قوله تعالى‪َ " :‬وآت َي ْت ُ ْ‬
‫مِبينا ًً" )النساء‪ ،‬آية ‪ ،(20 :‬فقد خطب عمر بن‬ ‫ب ُهَْتانا ً وَإ ِْثما ً ّ‬
‫الخطاب رضي الله عنه فقال‪ :‬أل ل تغالوا في صدقات النساء‬
‫فإنها لو كانت مكرمة في الدنيا أو تقوى عند الله لكان أولكم بها‬
‫رسول الله صلى الله عليه وسلم‪ ،‬ما أصدق قط امرأة من نسائه‬
‫ول بناته فوق إثنتي عشرة أوقية‪ ،‬فقامت إليه امرأة فقالت‪ :‬يا‬
‫عمر يعطينا الله وتحرمنا أليس الله سبحانه وتعالى يقول‪" :‬وآتيتم‬
‫إحداهن قنطارا ً فل تأخذوا منه شيئًا" فقال عمر‪ :‬أصابت امرأة‬
‫وأخطأ عمر‪ ،‬وفي رواية فأطرق عمر ثم قال‪ :‬كل الناس أفقه‬
‫منك يا عمر‪ ،‬وفي أخرى‪ :‬امرأة أصابت ورجل أخطأ‪.2‬‬
‫م وقد ورد في حق عمر بن الخطاب رضي الله عنه‪ :‬كان يستشممير‬
‫النساء في المر‪ ،‬حتى أنه كان يستشممير المممرأة فربممما أبصممر فممي‬
‫قولها الشيء‪ ،‬يستحسنه فيأخذ به‪.3‬‬
‫وكانت السيدة عائشممة رضممي اللممه عنهمما وعممن أبيهمما‪ ،‬تفممتي بممأمور‬
‫النساء‪ ،‬بل في أمممور الممدين والممدنيا‪ ،‬وكممان لهما آراء فممي المصمالح‬
‫العامة‪ ،‬حتى قال ابن حزم ‪456‬هم أنه يمكممن أن يجمممع مممن فتمموى‬
‫عائشة سفر ضخم‪ ،‬وقال عطاء‪ :‬كانت عائشة أفقه الناس‪ ،‬وأعلممم‬
‫الناس‪ ،‬وكانت ذا رأي قوي في الشؤون العامة‪.4‬‬
‫م وكان النبي صلى الله عليه وسلم يستقبل آراء الناس‪ ،‬من رجممال‬
‫ونساء معًا‪ ،‬فهذه المرأة التي جاءت إلى الرسول صلى اللممه عليممه‬
‫وسلم‪ :‬تقول لممه‪ :‬ممما أرى كممل شمميء إل للرجممال وممما أرى النسمماء‬
‫ت‬ ‫مسمِلما ِ‬ ‫ن َوال ُ‬ ‫مي َ‬ ‫س مل ِ ِ‬
‫م ْ‬ ‫ن ال ُ‬ ‫يممذكرن بشمميء‪ ،‬فنممزل قمموله تعممالى‪" :‬إ ّ‬
‫ت‬ ‫صمماد َِقا ِ‬ ‫ن َوال ّ‬ ‫صمماد ِِقي َ‬ ‫ت َوال ّ‬ ‫قان َِتا ِ‬‫ن َوال َ‬‫قان ِِتي َ‬
‫ت َوال َ‬ ‫مَنا ِ‬ ‫مؤ ْ ِ‬‫ن َوال ُ‬ ‫مِني َ‬ ‫مؤ ْ ِ‬‫َوال ُ‬
‫ن‬‫صممد ِِقي َ‬ ‫مت َ َ‬
‫ت َوال ُ‬ ‫شممَعا ِ‬ ‫خا ِ‬ ‫ن َوال َ‬ ‫شممِعي َ‬ ‫خا ِ‬‫ت َوال َ‬ ‫صمماِبرا ِ‬ ‫ن َوال ّ‬ ‫ري َ‬ ‫صمماب ِ ِ‬ ‫َوال ّ‬
‫م‬ ‫جُهممم ْ‬ ‫ن فُُرو َ‬ ‫ظي َ‬‫حمممافِ ِ‬ ‫ت َوال َ‬ ‫ما ِ‬ ‫صمممآئ ِ َ‬ ‫ن َوال ّ‬ ‫مي َ‬ ‫صمممآئ ِ ِ‬ ‫ت َوال ّ‬ ‫صمممد َّقا ِ‬ ‫مت َ َ‬ ‫َوال ُ‬
‫مغْفِممرةً‬ ‫ت أع َد ّ اللممه لهُممم ّ‬ ‫كرا ِ‬ ‫ذا ِ‬ ‫ن الله ك َِثيرا ً َوال ّ‬ ‫ري َ‬‫ذاك ِ ِ‬ ‫ت َوال ّ‬ ‫ظا ِ‬ ‫حافِ َ‬ ‫َوال َ‬
‫ظيما ً" )الحزاب‪ ،‬آيممة ‪ .(35 :‬إل دليممل علممى مممدى الحريممة‬ ‫جرا ً ع َ ِ‬ ‫وأ ْ‬

‫الشورى د‪ .‬سامي الصلحات ص ‪.82‬‬ ‫‪-‬‬ ‫‪1‬‬

‫الجامع لحكام القرآن للقرطي )‪.(99\5‬‬ ‫‪-‬‬ ‫‪2‬‬

‫سنن البيهقي ‪ ,‬ك آداب القاضي )‪.(193\10‬‬ ‫‪-‬‬ ‫‪3‬‬

‫الشورى د‪ .‬سامي الصلحات ص ‪.83‬‬ ‫‪-‬‬ ‫‪4‬‬

‫‪-111-‬‬
‫التي امتازت بها المرأة في عهد النبوة في إبداء رأيها أمممام رئيممس‬
‫الدولة‪. 1‬‬
‫ويرى العلمة الدكتور يوسف القرضمماوي أن المصمملحة الجتماعيممة‬
‫تقتضي مشاركة المرأة فممي أعمممال هممذه المجممالس‪ ،‬وأن القوامممة‬
‫قررت في الحياة الزوجية وحديث أبي بكرة قوله صلى اللممه عليممه‬
‫وسلم‪" :‬لن يفلح قوم ولوا أمرهم امرأة‪ ،2‬فممي الوليممة العامممة‪ ،‬أي‬
‫رئاسة الدولة‪ ،‬أما بعض المر فل مانع لذلك كالقضاء والفتوى‪ ،‬وقد‬
‫أجاز ذلك بعض الفقهاء مثل ابن حزم مع ظاهريته‪ ،‬وهذا يدل علممى‬
‫عدم وجود دليل شرعي صريح يمنع من توليها القضمماء إل لتمسممك‬
‫به ابن حزم وجمد عليه‪ ،‬وقاتل دونه كعادته‪. 3‬‬
‫م ومممما قصممه علينمما القممرآن الكريممم‪ :‬حالممة المممرأة وهممي تستشممير‬
‫غيرها‪ ،‬وحالة المرأة وهي تشير على غيرها وكممل ذلممك فممي سممياق‬
‫التنويه والقرار والرضى‪.4‬‬
‫ت َيا أ َي َّها‬ ‫فأما الحالة الولى‪ :‬ففي قوله تعالى عن ملكة سبأ "َقال َ ْ‬
‫ن * َقاُلوا‬ ‫كنت َقاطع ً َ‬ ‫َ‬ ‫ال ُ َ‬
‫ِ‬ ‫دو‬
‫شه َ ُ‬ ‫حّتى ت َ ْ‬ ‫مًرا َ‬ ‫ةأ ْ‬ ‫ِ َ‬ ‫ما ُ ُ‬ ‫ري َ‬ ‫ِ‬ ‫مَل أفُْتوِني ِفي أ ْ‬
‫م‬ ‫َ‬
‫ْ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫ْ‬ ‫ُ‬ ‫ُ‬ ‫ُ‬ ‫ُ‬
‫ن‬
‫ري َ‬ ‫م ِ‬ ‫ذا ت َأ ُ‬
‫َ‬
‫ما َ‬ ‫ري َ‬
‫َ‬ ‫ك َفانظ ِ‬ ‫مُر إ ِلي ْ ِ‬ ‫ديد ٍ َوال ْ‬
‫َ‬
‫ش ِ‬ ‫س َ‬ ‫ن أوْلوا قُوّةٍ وَأولوا ب َأ ٍ‬ ‫ح ُ‬ ‫نَ ْ‬
‫عّزة َ أهْل َِها‬ ‫جعَُلوا أ ِ‬ ‫ها وَ َ‬ ‫دو َ‬ ‫س ُ‬‫ة أفْ َ‬ ‫خُلوا قَْري َ ً‬ ‫ذا د َ َ‬ ‫ك إِ َ‬ ‫مُلو َ‬ ‫ن ال ْ ُ‬ ‫ت إِ ّ‬ ‫* َقال َ ْ‬
‫ع‬
‫ج ُ‬ ‫م ي َْر ِ‬ ‫ة إ ِل َي ِْهم ب ِهَد ِي ّةٍ فََناظ َِرة ٌ ب ِ َ‬ ‫سل َ ٌ‬ ‫مْر ِ‬ ‫ن * وَإ ِّني ُ‬ ‫فعَُلو َ‬ ‫ك يَ ْ‬ ‫ة وَك َذ َل ِ َ‬ ‫أ َذ ِل ّ ً‬
‫ن" )النمل ‪ ،‬آية ‪ 29 :‬م ‪.(35‬‬ ‫سُلو َ‬ ‫مْر َ‬ ‫ال ْ ُ‬
‫وأما الحالة الثانية‪ :‬فقول إحدى المرأتين الختين لبيهما عن‬
‫ْ‬ ‫َ‬
‫ن‬‫م ِ‬ ‫خي َْر َ‬ ‫ن َ‬ ‫جْره ُ إ ِ ّ‬ ‫ست َأ ِ‬ ‫تا ْ‬ ‫ما َيا أب َ ِ‬ ‫داهُ َ‬ ‫ح َ‬‫ت إِ ْ‬ ‫موسى عليه السلم‪َ" :‬قال َ ْ‬
‫ْ‬
‫ن " )القصص ‪ ،‬آية ‪ ،(26 :‬وقد نجم عن‬ ‫مي ُ‬ ‫قوِيّ اْل َ ِ‬ ‫ت ال ْ َ‬ ‫جْر َ‬ ‫ست َأ َ‬ ‫ا ْ‬
‫‪5‬‬
‫هذه المشورة السديدة خير كثير ‪,.‬‬
‫إن الصل في استخلف النسان‪ ،‬أنه يشمل الرجال والنساء معًا‪،‬‬
‫والعمل السياسي هو بذاته عمل صالح إذا كانت النية خالصة في‬
‫هذا‪ ،‬وكان فيه فائدة المسلمين وللبشرية بصورة عامة لقوله‬
‫من ُ‬ ‫ُ‬ ‫تعالى‪َ " :‬فاستجاب ل َهم ربه َ‬
‫من‬ ‫كم ّ‬ ‫ل ّ‬ ‫م ٍ‬ ‫عا ِ‬ ‫ل َ‬ ‫م َ‬‫ضيعُ ع َ َ‬ ‫م أّني ل َ أ ِ‬ ‫ْ َ َ َ ُ ْ َ ُّ ْ‬
‫ض ُ‬ ‫َ ُ‬
‫ض " )آل عمران ‪ ،‬آية ‪.(195 :‬‬ ‫ٍ‬ ‫من ب َعْ‬ ‫كم ّ‬ ‫ذ َك َرٍ أوْ أنَثى ب َعْ ُ‬
‫َ ُ‬
‫ن‬‫م ٌ‬ ‫مؤ ْ ِ‬‫من ذ َك َرٍ أوْ أنَثى وَهُوَ ُ‬ ‫حا ّ‬ ‫صال ِ ً‬ ‫ل َ‬ ‫م َ‬ ‫ن عَ ِ‬ ‫م ْ‬ ‫م وقال تعالى‪َ " :‬‬
‫م‬
‫جزِي َن ّهُ ْ‬ ‫ة وَل َن َ ْ‬ ‫حَياة ً ط َي ّب َ ً‬ ‫ه َ‬ ‫حي ِي َن ّ ُ‬‫فَل َن ُ ْ‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫ن " )النحل ‪ ،‬آية ‪.(97 :‬‬ ‫مُلو َ‬ ‫كاُنوا ْ ي َعْ َ‬ ‫ما َ‬ ‫ن َ‬ ‫س ِ‬ ‫ح َ‬ ‫هم ب ِأ ْ‬ ‫جَر ُ‬ ‫أ ْ‬

‫الشورى د‪ .‬سامي الصلحات ص ‪.83‬‬ ‫‪-‬‬ ‫‪1‬‬

‫صحيح سنن الترمذي لللبالي )‪.(506\2‬‬ ‫‪-‬‬ ‫‪2‬‬

‫تحرير المرأة في عصر الرسالة ‪ ,‬عبد الحليم ابو شقه )‪.(449\2‬‬ ‫‪-‬‬ ‫‪3‬‬

‫الشورى د‪ .‬سامي الصلحات ص ‪.83‬‬ ‫‪-‬‬ ‫‪4‬‬

‫الشورى في معركة البناء ص ‪.60‬‬ ‫‪-‬‬ ‫‪5‬‬

‫‪-112-‬‬
‫بل إن النص القرآني واضح في أن المرأة مطلوب منها العمل‬
‫على جلب المعروف في نفسها ومجتمعها‪ ،‬فقد قال تعالى‪َ" :‬يا‬
‫ن ِبالل ّ ِ‬
‫ه‬ ‫شرِك ْ َ‬ ‫ك ع ََلى َأن ّل ي ُ ْ‬ ‫ت ي َُباي ِعْن َ َ‬ ‫مَنا ُ‬ ‫مؤ ْ ِ‬‫ك ال ْ ُ‬ ‫جاء َ‬ ‫ذا َ‬ ‫ي إِ َ‬ ‫ّ‬ ‫أي َّها الن ّب ِ‬
‫َ‬
‫ْ‬ ‫قتل ْ َ‬
‫ن‬ ‫ن وََل ي َأِتي َ‬
‫ن ب ِب ُهَْتا ٍ‬ ‫ن أوَْلد َهُ ّ‬ ‫ن وََل ي َ ْ ُ َ‬ ‫ن وََل ي َْزِني َ‬ ‫سرِقْ َ‬ ‫شي ًْئا وََل ي َ ْ‬ ‫َ‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫ف فََباي ِعْهُ ّ‬
‫ن‬ ‫معُْرو ٍ‬ ‫ك ِفي َ‬ ‫صين َ َ‬‫ن وََل ي َعْ ِ‬ ‫جل ِهِ ّ‬ ‫ن وَأْر ُ‬ ‫ديهِ ّ‬ ‫ن أي ْ ِ‬ ‫ه ب َي ْ َ‬‫رين َ ُ‬
‫فت َ ِ‬
‫يَ ْ‬
‫م" )الممتحنة ‪ ،‬آية ‪.(12 :‬‬ ‫حي ٌ‬ ‫فوٌر ّر ِ‬ ‫ه غَ ُ‬ ‫ن الل ّ َ‬ ‫ه إِ ّ‬‫ن الل ّ َ‬ ‫فْر ل َهُ ّ‬ ‫ست َغْ ِ‬‫َوا ْ‬
‫والشممورى مممن العمممل السياسممي‪ ،‬بممل هممي مممن صممميمه والمممرأة‬
‫مطالبة به‪ ،‬كما أن الرجممل مطممالب بممه‪ ،‬فقمموله‪" :‬وأمرهممم شممورى‬
‫بينهم" والنص يشمل مدح الرجممال والنسمماء مع مًا‪ ،‬وقممول الرسممول‬
‫صلى الله عليه وسلم وفعله يؤيد هذا الحق العام للنسمماء‪ ،1‬فقمموله‬
‫أشيروا علي أيهمما النمماس‪ ،‬والنسمماء كالرجممال تممدخل لفظممة النمماس‬
‫وفعله في استشارة زوجته أم المؤمنين أم سلمة لدليل قوي على‬
‫ذلك‪ ،‬وفي رواية أخرى ما يشير إلممى ذلممك بقمموة‪ ،‬فعممن أم سمملمة‪:‬‬
‫كنت أسمع الناس يذكرون الحوض ولم أسمع ذلك من رسول الله‬
‫صلى الله عليه وسلم‪ ،‬فلما كان يوما ً من ذلك والجارية تمشممطني‪،‬‬
‫فسمعت رسول الله صمملى اللممه عليممه وسمملم يقممول‪ :‬أيهمما النمماس‪،‬‬
‫فقلت للجارية إستأخري عني‪ ،‬قممالت‪ :‬إنممما دعمما الرجممال ولممم يممدع‬
‫النساء فقلت إني من الناس‪. 2‬‬
‫سادسًا‪ :‬الشورى والقليات‪:‬‬
‫لقد كان شأن السلم إكرام القليات وحفظ حقوقها وإشراكها في‬
‫الشأن العام فيما يخصها ويخممص مصممائر المموطن السمملمي‪ ،‬ففممي‬
‫أول قراءة لهذا الشأن ما ورد في الدستور السياسي المذي وضمعه‬
‫النبي صلى الله عليه وسلم‪ ،‬إذا أعطى حممق المواطنممة لليهممود وأن‬
‫ليهود بني عوف أمة من المؤمنين لليهود دينهم وللمسلمين دينهممم‬
‫والحاديث في حرمة التعرض لهم أو النتقاص من حقهم واقع فممي‬
‫أقوال النممبي صمملى اللممه عليممه وسمملم حيممث يقممول‪" :‬أل مممن ظلممم‬
‫معاهدا ً وإنتقصه وكلفه فوق طمماقته أو أخممذ منممه شمميئا ً بغيممر طيممب‬
‫نفممس منممه‪ ،‬فأنمما حجيجممه يمموم القيامممة‪ .3‬إن غيممر المسمملمين فممي‬
‫المجتمعممات السمملمية الحاضممرة وإن كممانوا فممي الحقيقممة مممن‬
‫القليات‪ ،‬إل أنهم يمكن أن يعدوا مواطنين مثلهم مثل المسمملمين‪،‬‬
‫لهم ما لهم وعليهم ما عليهمم‪ ،‬ولكمن ل يعنمي ذلمك بحمال أن لغيمر‬
‫المسلمين أي حق فممي أن يعطلمموا إرادة الغلبيممة المسمملمة‪ ،‬أو أن‬
‫يعترضوا على مبممدأ إقامممة دولممة مدنيممة حديثممة مرجعيتهمما السمملم‪،‬‬
‫‪ -‬الشورى ‪ ,‬د‪ .‬سامي الصلحات ص ‪.85‬‬ ‫‪1‬‬

‫‪ -‬شرح صحيح مسلم للنووي )‪.(47\1‬‬ ‫‪2‬‬

‫‪ -‬سنن أبي داود ‪ ,‬ك الخراج والمارة )‪.(222\3‬‬ ‫‪3‬‬

‫‪-113-‬‬
‫وإنفاذ التشريعات السلمية‪ ،‬وإنما عليهم أن يقبلوا بخيممار الغلبيممة‪،‬‬
‫وليس في ذلك قهر أو إرغممام لهممم علممى قبممول السمملم كممدين ول‬
‫التنازل عن معتقداتهم السممابقة وفممي المموقت نفسممه فليممس علممى‬
‫المسلمين أن يتخلوا عن معتقداتهم وقمموانينهم فممي سممبيل إرضمماء‬
‫القليات غير السلمية‪.1‬‬
‫إن قيمة الشورى تتسع لسائر المواطنين‪ ،‬في كل شأن عام يمس‬
‫المصلحة العامممة‪ ،‬فل يتممدخل المواطنممون المسمملمون فيممما يجريممه‬
‫المواطنون غير المسمملمين مممن شممورى فممي شممؤون عقيممدتهم ول‬
‫يتدخل المواطنون غيممر المسمملمين فيممما يمارسممه المسمملمون مممن‬
‫شورى في شؤون عقيدتهم‪ ،‬اللهم إل ما كممان أدخممل فممي القواعممد‬
‫المشتركة بينهما من قيم إنسانية‪ ،‬وقواعممد أخلقيممة وشممؤون فنيممة‬
‫وإدارية‪.‬‬
‫والدولة التي مرجعيتها السلم حصن حصين للقليات التي تعيش‬
‫في كنفها وبين مواطنيها‪ ،‬لسيما حين تكون هذه القليات أهل‬
‫كتاب أو أهل ذمة‪ ،‬كما يسميهم السلم‪ ،‬وأهل الذمة من غير‬
‫المسلمين هم من كانت حقوقهم مصانة في ذمة المسلمين‪،‬‬
‫والمسلمون مأمورون بحماية الحرية الدينية والدفاع عنها‬
‫لنفسهم ولغيرهم‪ ،‬وهو أمر منصوص عليه فيما يقرءونه في كتاب‬
‫َ‬ ‫ُ‬
‫ن‬
‫موا وَإ ِ ّ‬ ‫م ظ ُل ِ ُ‬ ‫ن ب ِأن ّهُ ْ‬ ‫قات َُلو َ‬
‫ن يُ َ‬ ‫ذي َ‬ ‫ن ل ِل ّ ِ‬ ‫الله تعالى قال عز وجل‪ " :‬أذ ِ َ‬
‫حقّ إ ِّل‬ ‫م ب ِغَي ْرِ َ‬ ‫من د َِيارِه ِ ْ‬ ‫جوا ِ‬ ‫خرِ ُ‬ ‫ن أُ ْ‬ ‫ذي َ‬ ‫ديٌر * ال ّ ِ‬ ‫م لَ َ‬
‫ق ِ‬ ‫صرِه ِ ْ‬‫ه ع ََلى ن َ ْ‬ ‫الل ّ َ‬
‫ت‬ ‫م ْ‬ ‫ض ل ّهُد ّ َ‬ ‫ضُهم ب ِب َعْ ٍ‬ ‫س ب َعْ َ‬‫ه وَل َوَْل د َفْعُ الل ّهِ الّنا َ‬ ‫قوُلوا َرب َّنا الل ّ ُ‬ ‫َأن ي َ ُ‬
‫ن‬
‫صَر ّ‬ ‫م الل ّهِ ك َِثيًرا وَل ََين ُ‬ ‫س ُ‬ ‫جد ُ ي ُذ ْك َُر ِفيَها ا ْ‬ ‫سا ِ‬ ‫م َ‬ ‫ت وَ َ‬ ‫وا ٌ‬ ‫صل َ َ‬
‫معُ وَب ِي َعٌ وَ َ‬ ‫وا ِ‬ ‫ص َ‬ ‫َ‬
‫‪2‬‬
‫زيٌز " )الحج ‪ ،‬آية ‪ 39 :‬م ‪. (40‬‬ ‫قوِيّ ع َ ِ‬ ‫َ‬
‫هل َ‬ ‫ّ‬
‫ن الل َ‬ ‫صُره ُ إ ِ ّ‬ ‫من َين ُ‬ ‫ه َ‬ ‫ّ‬
‫الل ُ‬
‫وهذا عهد عمر بن الخطاب لنصارى المدائن وفارس‪:‬‬
‫أما بعد‪ ،‬فإني أعطيتكم عهد الله وميثاقه على أنفسكم وأموالكم‬
‫وعيالكم ورجالكم‪ ،‬وأعطيتكم أماني من كل أذى‪ ،‬وألزمت نفسي‬
‫أن أكون من ورائكم ذآبا ً عنكم كل عدو يريدني بسوء وإياكم ‪,‬‬
‫وأن أعزل عنكم كل أذى ‪ ,‬ول يغير أسقف من أساقفتكم ول‬
‫رئيس من رؤسائكم ول يهدم بيت من بيوت صلواتكم ول يدخل‬
‫شئ من بنائكم إلى بناء المساجد ول إلى منازل المسلمين ‪ ,‬ول‬
‫تكلفوا الخروج مع المسلمين إلى عدوهم لملقاة الحرب ‪ ,‬ول‬
‫يجبر أحد من النصارى على السلم عمل ً بما أنزل الله في كتابه‬
‫ي"‬ ‫ن ال ْغَ ّ‬ ‫م َ‬ ‫شد ُ ِ‬ ‫ن الّر ْ‬ ‫ن َقد ت ّب َي ّ َ‬ ‫دي ِ‬ ‫قال تعالى " ل َ إ ِك َْراه َ ِفي ال ّ‬
‫) البقرة ‪ ,‬آية‪.(256 :‬‬
‫‪ -‬الشورى ومعاوده إخراج المة ص ‪.188‬‬ ‫‪1‬‬

‫‪ -‬الشورى مراجعات في الفقة والسياسة والثقافة د‪ .‬احمد المام ص ‪.130‬‬ ‫‪2‬‬

‫‪-114-‬‬
‫ولي شرط عليهم‪ :‬أل يكون أحد منهم عينا ً لهل الحرب علممى أحممد‬
‫من المسلمين فممي سممر ول علنيممة ‪ ,‬ول يممؤوا فممي منممازلهم عممدوا ً‬
‫للمسلمين ‪ ,‬ول يدلوا أحدا ً من العداء وليكاتبوه‪. 1‬‬
‫‪2‬ـ دورهم السياسي والستشاري في الدولة‪:‬‬
‫اختلف الفقهاء حول مدى مشروعية مشاركة غيممر المسمملمين فممي‬
‫أعمال السياسة المتعلقة بالمسلمين ‪ ,‬ل سيما في أعمال الشورى‬
‫ومجالسممها داخممل الدولممة والممذي أميممل إليممه جممواز استشممارتهم‬
‫ودخولهم مجالس الشورى وينسب القول بممالجواز للحنفيممة وبعممض‬
‫المالكية وللعديد من الباحثين المعاصرين وممما دام أنهممم قممد أقممروا‬
‫بشممرعية السمملطة السمملمية الحاكمممة ‪ ,‬وبالدسممتور السمملمي ‪,‬‬
‫والقيم السلمية العليا في المجتمع ‪ ,‬فإنه ل مممانع مممن مشمماركتهم‬
‫سياسممية ‪ ,‬فلهممم أن يمارسمموا حقمموقهم السياسممية فممي ظممل هممذه‬
‫السمملطة وأن يعممبروا عممن آرائهممم وطروحمماتهم ضمممن نسممق هممذه‬
‫السلطة التي جعلوها لهم مرجحا ً ‪ ,‬بل ولهممم المشمماركة فممي إبممداء‬
‫صوتهم في التصويت والنتخاب للحاكم ولهذا أجاز الفقهمماء النكممار‬
‫والحتساب على أهل الذمة أو غير المسلمين في الدولة السلمية‬
‫إذا وجد منهم مخالفات لطبيعممة ديممن الدولممة أو معتقممدها ‪ ,‬لعتبممار‬
‫أنهم إن أقاموا مع المسلمين في – بلد – واحد فإنه يحتسب عليهم‬
‫في كل مايحتسب فيه على المسلمين ‪ ,‬ولكن ل يتعرض لهم فيممما‬
‫ل يظهرونممه فممي كممل ممما اعتقممدوا حلممه فممي دينهممم مممما ل أذى‬
‫للمسلمين فيه مممن الكفممر وشممرب الخمممر واتخمماذه ‪ ,‬ونكمماح ذوات‬
‫المحارم فل تعرض لهم فيما التزمنا تركه ‪ ,‬وما أظهممروه مممن ذلممك‬
‫تعين إنكاره عليهم ‪ ,‬ويمنعون من إظهار مايحرم على المسلمين‪.2‬‬
‫وأما اليات الواردة في النهي عن موالة اليهود والنصارى ‪ ,‬كقوله‬
‫صاَرى أ َوْل َِياء‬ ‫ذوا ْ ال ْي َُهود َ َوالن ّ َ‬ ‫مُنوا ْ ل َ ت َت ّ ِ‬
‫خ ُ‬ ‫نآ َ‬
‫َ‬
‫تعالى‪َ ":‬يا أي َّها ال ّ ِ‬
‫ذي َ‬
‫بعضه َ‬
‫دي‬ ‫ه ل َ ي َهْ ِ‬ ‫ن الل ّ َ‬
‫م إِ ّ‬‫من ْهُ ْ‬
‫ه ِ‬ ‫منك ُ ْ‬
‫م فَإ ِن ّ ُ‬ ‫من ي َت َوَل ُّهم ّ‬ ‫ض وَ َ‬‫م أوْل َِياء ب َعْ ٍ‬ ‫َْ ُ ُ ْ‬
‫ن" )المائدة ‪ ,‬آية‪.(51 :‬‬ ‫مي َ‬ ‫م ال ّ‬
‫ظال ِ ِ‬ ‫ال ْ َ‬
‫قو ْ َ‬
‫فهي واردة ضمن حالة الحرب والعممداوة الظمماهرة‪ ,3‬وليممس ضمممن‬
‫حالة السلم والتعايش الهلي ما بين الناس جميعا ً ‪ ,‬وإل لكممان مممن‬
‫النبي صلى الله عليه وسلم عند دخول المدينة وإقامة دولته فيهما ‪,‬‬
‫أن يبدأ بقتال اليهود وطردهم من بيوتهم وهذا مالم يحممدث البتممة ‪,‬‬
‫وإنما قام النبي صلى الله عليه وسملم‪ :‬بجعممل الدسممتور السياسمي‬
‫الذي يشمل جميع المواطنين هو الحكمم ‪ ,‬وممن ثمم لمما اتضمح لمه‬
‫‪ -‬مجموعة الوثائق السياسية في العهد النبوي والخلفة الراشدة ‪ ,‬د‪ .‬محمد حميد الله ص ‪.488‬‬ ‫‪1‬‬

‫‪ -‬الشورى د‪.‬الصلحات ص ‪.107‬‬ ‫‪2‬‬

‫‪ -‬الجامع لحكام القرآن للقرطي )‪.(216\6‬‬ ‫‪3‬‬

‫‪-115-‬‬
‫خيانة اليهود وعذرهم المعتاد قام ‪ ,‬بممإجلء بعضممهم ‪ ,‬وقتممل البعممض‬
‫الخر‪.‬‬
‫ومما يؤيد جواز استشارتهم أن الرسول صلى الله عليه وسملم قمد‬
‫جعل الشورى بين جميع أصحابه ‪ ,‬حتى من علم منهم نفاقه وكيده‬
‫للسلم والمسلمين ‪ ,‬كإبن سلول واستشارهم في مواضممع عديممدة‬
‫منها الخروج يوم أحمد ‪ ,‬يقمول العلممة ابمن عاشمور التونسمي فمي‬
‫شأن مشاورة الرسول للمنافقين‪ :‬ويحتمل أن يراد استشممارة عبممد‬
‫الله بن أبممي وأصممحابه ‪ ,‬فممالمراد الخممذ بظمماهر أحمموالهم وتممأليفهم‬
‫لعلهم أن يخلصوا السلم أو ل يزيدوا نفاقا ً وقطعا ً لعممذارهم فيممما‬
‫يستقبل‪ .1‬فإذا كان هذا حال الرسول مع أعدائه المواطنين ‪ ,‬الذين‬
‫يسكنون معه ‪ ,‬ويقيمون بين ظهرانيه فكيف الحال مع أهل الذمة ‪,‬‬
‫الذين أسلموا أمرهم في احترام قيم الدولة السلمية‪.2‬‬
‫وإذا أجاز بعض الفقهاء ‪ ,‬منهم الحنفية والحنابلة في الصحيح من‬
‫‪3‬‬
‫المذهب والشافعية ما عدا ابن المنذر ‪ ,‬وابن حبيب من المالكية ‪,‬‬
‫إلى جواز الستعانة بأهل الكتاب في القتال عند الحاجة ‪ ,‬فمن‬
‫باب أولى أن يستعان بهم في الستشارة المدنية المتعلقة‬
‫بمصالح العامة من المواطنين أو الرعية وهنا يجدر التنبيه ‪ ,‬على‬
‫أن المجلس العلى للدولة ‪ ,‬وهو مايعرف اليوم بمجلس المن‬
‫القومي الذي يتبع كل دولة ‪ ,‬فالصل فيه أن ينحصر في‬
‫المسلمين خاصة ‪ ,‬إذ به أسرار الدولة المتعلقة بالسلم والحرب ‪,‬‬
‫ومخططات الدولة ‪ ,‬فهنا نميل إلى قصره على المواطنين‬
‫المسلمين لدواع المن والستقرار ويحظر على هؤلء المواطنين‬
‫تسلم مواقع قيادية أو سيادية داخل الدولة السلمية‪ , 4‬وممن‬
‫قرروا في غير مواربة منح القليات حق الشورى الدكتور يوسف‬
‫القرضاوي حيث قال‪ :‬وإن كان غير المسلمين من أهل دار‬
‫السلم وبالتعبير الحديث ))المواطنون(( في الدولة السلمية ‪,‬‬
‫فل يوجد مانع شرعي لتمكينهم من دخول هذه المجالس لُيمثلوا‬
‫فيها بنسبة معينة ‪ ,‬مادام المجلس في أكثريته الغالبة من‬
‫م‬‫ن لَ ْ‬ ‫ن ال ّ ِ‬
‫ذي َ‬ ‫م الل ّ ُ‬
‫ه عَ ِ‬ ‫المسلمين‪ ..‬وإن القرآن الكريم قال‪َ ":‬ل ي َن َْهاك ُ ُ‬
‫كم من ديارك ُ َ‬
‫م‬‫م أن ت َب َّروهُ ْ‬ ‫َِ ِ ْ‬ ‫جو ُ ّ‬ ‫خرِ ُ‬
‫م يُ ْ‬ ‫ن وَل َ ْ‬‫دي ِ‬
‫م ِفي ال ّ‬ ‫قات ُِلوك ُ ْ‬ ‫يُ َ‬
‫ن" )الممتحنة ‪ ,‬آية‪.(8 :‬‬ ‫طي َ‬‫س ِ‬
‫ق ِ‬ ‫ب ال ْ ُ‬
‫م ْ‬ ‫ح ّ‬ ‫ن الل ّ َ‬
‫ه يُ ِ‬ ‫م إِ ّ‬‫طوا إ ِل َي ْهِ ْ‬
‫س ُ‬ ‫ق ِ‬ ‫وَت ُ ْ‬

‫تفسير التحرير والتنوير لبن عاشور )‪.(150\3‬‬ ‫‪-‬‬ ‫‪1‬‬

‫الشورى د‪ .‬سامي الصلحات ص ‪.108‬‬ ‫‪-‬‬ ‫‪2‬‬

‫المصدر نفسه ص ‪.109‬‬ ‫‪-‬‬ ‫‪3‬‬

‫المصدر نفسه ص ‪.109‬‬ ‫‪-‬‬ ‫‪4‬‬

‫‪-116-‬‬
‫ومن برهم والقساط إليهممم‪ :‬أن ُيمثلمموا فممي هممذه المجممالس حممتى‬
‫يُعبروا عن مطالب جماعتهم ‪ ,‬وأل يشعروا بالعزلة عن بني وطنهم‬
‫‪ ,‬ويستغل ذلك أعممداء السمملم والمسمملمين ليغرسمموا فممي قلمموبهم‬
‫العداوة والبغضاء للمسلمين ‪ ,‬وفي هذا ممما فيممه مممن ضممرر وخطممر‬
‫على مجموع المة مسلمين وغير مسلمين‪.1‬‬
‫ومن الفقهاء الذين لم يتحفظوا في إباحة الشممتراك فممي الشممورى‬
‫لهل الكتاب الدكتور عبممد الكريممم زيممدان حيممث قممال‪ :‬أممما انتخمماب‬
‫ممثليهم في مجلس المة وترشيح أنفسممهم لعضممويته فنممرى جممواز‬
‫ذلك لهم أيضا ً ‪ ,‬لن العضوية في مجلس المة تعتبر من قبيل إبداء‬
‫الرأي وتقديم النصح للحكومة وعرض مشاكل الناخبين ونحممو ذلممك‬
‫وهذه أمور ل مانع من قيام الذميين بها ومساهمتهم فيها‪.2‬‬

‫سابعًا‪ :‬أهل الشورى صفاتهم وطريقة اختيارهم‪:‬‬


‫أهل الشورى وصفاتهم‪:‬‬ ‫‪-1‬‬
‫توارد عند الفقهاء وعلماء السياسة الشرعية مفهوم أهل الشممورى‬
‫أو أهل الختيار أو أهل الحل والعقد وإن كانت الخيرة أكثر تممداول ً‬
‫واستعمال عندهم ولكن عند التممدقيق نممرى أن كممل هممذه المفمماهيم‬
‫تستعمل في وظيفة واحدة وهي الدعامة الساسية لولة المور‪.3‬‬
‫إن أهل الشورى في عهد النبي صلى الله عليه وسمملم والراشممدين‬
‫فيما بعد هم كبار الصحابة الذين كممانوا يمثلممون أقمموامهم وُيحظممون‬
‫بثقتهم وهؤلء كانوا يكونون مايشبه مجلسا ً للشممورى ‪ ,‬وقممد شمممل‬
‫هذا المجلس في عهد النبي صلى الله عليه وسلم كبممار السممابقين‬
‫جربمموا فحممازوا الثقممة العامممة ‪ ,‬ثممم بعممد‬
‫الولين من الذين امتحنوا و ُ‬
‫الهجرة أضيف إليهم زعماء النصار ‪ ,‬ثممم بممرز فممي عهممد الراشممدين‬
‫عنصران آخران ‪ ,‬وهما عنصر من الذين قاموا بأعمممال جليلممة فممي‬
‫الشؤون العامة وفي الدعوة إلى الدين ‪ ,‬وعنصممر مممن الممذين نممالوا‬
‫شهرة عظيمة بين الناس من حيث علم القرآن والفقة فممي الممدين‬
‫وهؤلء كانوا يستشارون في المسممائل العامممة ‪ ,‬ولكممن إلممى جممانب‬
‫هذا كان هناك بعض المسائل التي تهم الناس مباشرة‪ ،‬وهذه ل بممد‬
‫من معرفة رأي جمهور الحاضرين وقت المشاورة‪ ،‬وهناك مسممائل‬
‫أكثر عمومية تعرض على جمهور المة كافة ونستطيع أن نميز فمي‬
‫هذه المرحلة ثلث درجات من الشورى‪.‬‬
‫ـ مسائل فنية خالصة‪ ،‬يؤخذ فيها برأي الفنيين‪.‬‬
‫‪ -‬ترشيح غير المسلمين للمجالس النيابية ‪ ,‬مجلة الصلح العدد ‪ 366‬تاريخ ‪997\9\30‬م ص ‪.45‬‬ ‫‪1‬‬

‫‪ -‬أحكام الذميين والمستأمنين ص ‪ 84‬الشورى ومعاودة اخراج المة ص ‪.194‬‬ ‫‪2‬‬

‫‪ -‬الشورى د‪ .‬سامي الصلحات ص ‪.55‬‬ ‫‪3‬‬

‫‪-117-‬‬
‫ـ مسائل تشريعية عامة‪ ،‬يؤخذ فيها برأي أهل الشورى المكون من‬
‫كبار القوم الممثلين لهم‪ ،‬وهؤلء هم الذين يسمون أهل الشورى‪.‬‬
‫ل‪ ،‬كاختيممار الحمماكم وإعلن الحممرب‬ ‫ـ مسائل أكممثر عموميممة وشمممو ً‬
‫وغير ذلك من القضايا العامة التي تحتمماج إلممى معرفممة رأي النمماس‬
‫جميعًا‪ ،‬وهذه ل بد فيها من معرفة رأي الكافة عن طريممق اسممتفتاء‬
‫عام‪.1‬‬
‫إن المراد بأهممل الشممورى الن‪ ،‬مممن تجممب استشممارتهم‪ ،‬ويكونممون‬
‫مؤهلين بصفاتهم وشروطهم‪ ،‬أو معينين بأشخاصهم وأسمائهم‪ ،‬أي‬
‫الذين يجب أن يستشيرهم المسؤولون وولة الشؤون العامة وأبرز‬
‫ما يتبادر إلى الذهن في هذا المقام هو ))مجلس الشممورى(( الممذي‬
‫يكممون بجممانب رئيممس الدولممة وحكممومته‪ ،‬أي ممما يعممرف فممي تراثنمما‬
‫السلمي بأهل الحل والعقد‪ ،‬ويممدخل فممي هممذا البمماب كممل الهيئات‬
‫الشورية العليا‪،‬التي تحتاج إلى مستشارين كبار‪ ،‬وبغض النظر عممن‬
‫اختلف السماء وتفاوت الصلحيات لهذه المجالس من بلممد لخممر‪،‬‬
‫ومن مجلس‪ ،‬لخر‪ ،‬فقد أصبحت هذه المجممالس مممن المؤسسممات‬
‫الرئيسية القائمة في معظم دول العالم‪ ،‬وأيضا ً قي معظممم الممدول‬
‫السلمية‪.‬‬
‫وبجممانب هممذه المجممالس الرئيسممية العامممة ل تسممتغنى دولممة عممن‬
‫مجالس ومؤسسات شممورية تقريريممة أخممرى‪ ،‬تكممون أضمميق مجممال ً‬
‫وأكثر اختصاصا ً وربما تكون أسرع انعقادا ً أو حسما ً في المور‪.2‬‬
‫فمن هم هؤلء المستشارون الكبار الذين يحق لهم أن يكونمموا فممي‬
‫مثل هذه المجالس؟ وما همي صمفاتهم وشمروطهم؟ وممما ل شمك‬
‫فيممه أن هممذه المسممألة متروكممة للنظممر والتقممدير وضممبط المعممايير‬
‫بحسممب الحممالت والظممروف‪ ،‬وطبيعممة المجممالس والختصاصممات‬
‫المنوطة بها‪ ،‬غير أن هذا ل ينفي وجود صفات وشروط عامة ل بممد‬
‫من توفرها ومراعاتها فيمممن يتولممون النظممر والتشمماور والبممث فممي‬
‫القضايا العامة للمة والمجتمع‪.3‬‬
‫ومن هذه الصفات المحبذة في مثل هذه المواضع‪ ،‬الفطنة والذكاء‬
‫والمانة والصدق والبتعاد عن التحاسد والتنممافس‪ ،‬وإزالممة العممداوة‬
‫والشحناء مع الناس‪ ،‬وأل يكونوا من أهممل الهممواء وأن يكونمموا مممن‬
‫رجال الدولة المشهود لهم بالصلح والخيممر والحكمممة‪ ،4‬وقممد فصممل‬
‫علماء السياسة الشرعية وفقهاء السلم في صفات وشروط أهممل‬

‫الشورى وأثرها في الديمقراطية‪ ،‬عبد الحميد النصاري صم ‪ 226‬م ‪.227‬‬ ‫‪1‬‬

‫الشورى في معركة البناء صم ‪.66‬‬ ‫‪2‬‬

‫المصدر نفسه صم ‪ 66‬إلى ‪.68‬‬ ‫‪3‬‬

‫‪4‬‬

‫‪-118-‬‬
‫الشورى بطريقممة التممدقيق والستقصمماء والتشممعيب إل أن العلمممة‬
‫المقاصدي الكمبير المدكتور أحممد الريسموني أرجمع همذه الشمروط‬
‫وغيرها إلى أصول جامعة أهمها‪ :‬العلم والمانة والخبرة‪.‬‬
‫أ ـ فالعلم يدخل فيه أول ً العلم بالدين‪ ،‬باعتباره الطار المرجعممي‬
‫للمسلم في كل ما يصدر عنه من فكر ورأي‪ ،‬ومممن تقممدير وتممدبير‪،‬‬
‫ومن ترجيممح واختيممار كممما يممدخل فيممه الرصمميد العلمممي والمعرفممي‬
‫العام‪ ،‬فالمستشار أو المتشاور كلما ازداد رصيده العلمممي‪ ،‬واتسممع‬
‫أفقه المعرفي‪ ،‬كان ذلك أنفع وأرشد له ولغيره ممممن يستشمميرونه‬
‫أو يتشاورون معه‪.‬‬
‫ب م المانة‪ :‬فيدخل فيها الدين‪ ،‬وخلوص النصيحة والبراءة من‬
‫الهوى والغرض‪ ،‬والسلمة من غائلة الحسد أو مراعاة مصلحة‬
‫القريب والحبيب وكتمان السر والنسان إذا فقد المانة يمكن أن‬
‫يضر بعلمه أكثر مما ينفع‪ ،‬ويمكن أن يقدم التدليس والتضليل في‬
‫س‬‫سو َ َ‬ ‫ثوب النصح والنفع‪ ،‬كما في نصيحة إبليس لدم وزوجه" فَوَ ْ‬
‫ما‬‫ل َ‬ ‫ما وََقا َ‬ ‫سوَْءات ِهِ َ‬ ‫من َ‬ ‫ما ِ‬ ‫ما ُوورِيَ ع َن ْهُ َ‬ ‫ما َ‬ ‫ن ل ِي ُب ْد ِيَ ل َهُ َ‬ ‫طا ُ‬ ‫شي ْ َ‬ ‫ما ال ّ‬ ‫ل َهُ َ‬
‫َ‬
‫ن أوْ ت َ ُ‬ ‫كوَنا َ َ‬ ‫َ‬
‫ن‬‫م َ‬ ‫كوَنا ِ‬ ‫ملك َي ْ ِ‬ ‫جَرةِ إ ِل ّ أن ت َ ُ‬ ‫ش َ‬ ‫همذ ِهِ ال ّ‬ ‫ن َ‬ ‫ما ع َ ْ‬ ‫ما َرب ّك ُ َ‬ ‫ن ََهاك ُ َ‬
‫ما ب ِغُُروٍر‬ ‫ن * فَد َل ّهُ َ‬ ‫حي َ‬ ‫ص ِ‬ ‫ن الّنا ِ‬ ‫م َ‬ ‫ما ل َ ِ‬ ‫ما إ ِّني ل َك ُ َ‬ ‫مه ُ َ‬ ‫س َ‬‫ن * وََقا َ‬ ‫دي َ‬ ‫خال ِ ِ‬ ‫ال ْ َ‬
‫من‬ ‫ما ِ‬ ‫ن ع َل َي ْهِ َ‬ ‫فا ِ‬ ‫ص َ‬‫خ ِ‬ ‫قا ي َ ْ‬ ‫ف َ‬ ‫ما وَط َ ِ‬ ‫سوَْءات ُهُ َ‬ ‫ما َ‬ ‫ت ل َهُ َ‬ ‫جَرة َ ب َد َ ْ‬ ‫ش َ‬ ‫ذاَقا ال ّ‬ ‫ما َ‬ ‫فَل َ ّ‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫جَرةِ وَأُقل‬ ‫ش َ‬ ‫ما ال ّ‬ ‫عن ت ِل ْك ُ َ‬ ‫ما َ‬ ‫م أن ْهَك ُ َ‬ ‫ما أل َ ْ‬ ‫ما َرب ّهُ َ‬ ‫داهُ َ‬ ‫جن ّةِ وََنا َ‬ ‫ق ال ْ َ‬ ‫وََر ِ‬
‫ن " )العراف ‪ ،‬آية ‪ 20 :‬م ‪.(22‬‬ ‫مِبي ٌ‬ ‫ما ع َد ُوّ ّ‬ ‫ن ل َك ُ َ‬ ‫طآ َ‬ ‫شي ْ َ‬ ‫ن ال ّ‬ ‫ما إ ِ ّ‬ ‫ل ّك ُ َ‬
‫ج ـ الخبرة‪ ،:‬فأعني بها المعرفة الميدانية‪ ،‬معرفة الواقع ومعرفة‬
‫الوقممائع وحقائقهمما‪ ،‬ومعرفممة النمماس وأحمموالهم ومعرفممة المشمماكل‬
‫وحلولهمما‪ ،‬ومعرفممة الدواء وأدويتهمما وهممذا ممما يعممرف عنممد العلممماء‬
‫بالعقل الكامل بطول التجربة مع الفطنة والممذكاء‪ ،‬فالشممورى إنممما‬
‫تكون في الواقع ونوازله ومشاكله ومتطلباته‪ ،‬فهي ليسممت نقاشمما ً‬
‫فكريا ً أو بحثا ً عمليا ً ولذلك فالعلم النظممري وحممده ل يكفممي ممما لممم‬
‫يتنممزل علممى فهممم صممحيح ودقيممق للواقممع والوقممائع‪ ،‬فالصممل فممي‬
‫المستشار أن يكممون جامعما ً بيممن العلممم النظممري والخممبرة العمليممة‬
‫وخاصة حينما يتعلق المر بالمستشار الفرد ولكن بممما أن الشممرط‬
‫الول ))العلم(( والشرط الثالث ))الخبرة(( يتداخلن ويتكاملن فل‬
‫بأس إن كان في المجلس من أصحاب العلم مممن لهممم نقممص فممي‬
‫بعض الخبرات‪ ،‬ومممن أصممحاب الخممبرة مممن لهممم نقممص فممي بعممض‬
‫جمموانب العلممم‪ ،‬فممإن الصممنفين يتكمماملن‪ ،‬ويأخممذ هممؤلء مممن هممؤلء‬
‫وهؤلء من هؤلء‪،1‬ومن هذا الباب دعا المفكر خير الدين التونسممي‬

‫الشورى في معركة البناء صم ‪.69‬‬ ‫‪1‬‬

‫‪-119-‬‬
‫إلممى ضممرورة الختلط والتعمماون والتكامممل بيممن أهممل العلممم وأهممل‬
‫السياسممة ‪ ,‬إذ ل تسممتقيم المممور لحممد الطرفيممن دون الخممر قممال‪:‬‬
‫وأنممت إذا أحطممت بممما قررنمماه ‪ ,‬علمممت مخالطممة العلممماء لرجممال‬
‫السياسة بقصد التعاضد علممى المقصممد المممذكور ))تحقيممق مصممالح‬
‫المة(( ‪ ,‬من أهم الواجبممات شممرعا ً ‪ ..‬وبيممان ذلممك أن إدارة أحكممام‬
‫الشريعة كما تتوقف علممى العلممم بالنصمموص تتوقممف علممى معرفممة‬
‫الحوال التي تعتممبر فممي تنزيممل تلمك النصمموص ‪ ,‬فالعممالم إذا اختمار‬
‫العزلة والبعد عن أربمماب السياسممة ‪ ,‬فقممد سممد عممن نفسممه أبممواب‬
‫معرفة الحوال المشار إليها‪.1‬‬
‫فهذه الصممفات الثلثممة ))العلممم والمانممة والخممبرة(( هممي الشممروط‬
‫الساسممية اللزمممة لمممن يتولممون النظممر والمشمماورة فممي الشممؤون‬
‫العامة الدينية والدنيوية وقد جمعها المام البخمماري بقمموله‪ :‬وكممانت‬
‫الئمة بعد النبي صلى الله عليه وسلم يستشيرون المناء من أهممل‬
‫العلم‪ .2‬على اساس أن أهل العلم يممومئذ هممم أيضما ً أهممل ممارسممة‬
‫عملية وخبرة ميدانية وهي الوصاف المضمنة كذلك في قممول ابممن‬
‫جماعممة‪ :‬وكممذلك ينبغممي للسمملطان مشمماورة العلممماء العمماملين ‪,‬‬
‫الناصحين لله ورسوله والمؤمنين‪.3‬‬
‫اختيار أهل الشورى‪:‬‬ ‫‪-2‬‬
‫ل مناص من قيام المة بانتخمماب مممن يمثلونهمما وينوبممون عنهمما فممي‬
‫مباشرة هذا النتخاب ‪ ,‬ومن تنتخبهم المة لهذه المهمممة يمكممن أن‬
‫يوصفوا بأنهم أهل الحل والعقد لمشايعة المة لهممم ومتابعتهمما لهممم‬
‫ورضاها بنيابتهم وعلى الدولممة أن تضممع النظممام اللزم لجممراء هممذا‬
‫النتخمماب وضمممان سمملمته وأن تعيممن فممي هممذا النظممام الشممروط‬
‫الواجب توفرها – في ضوء ماذكره الفقهاء – في من تنتخبهم المة‬
‫لتكوين جماعة أهل الحل والعقد ومثل هذا النتخاب ضرورى ولزم‬
‫ليجاد أهل الحل والعقد وإثبات وكالتهم عن المة بالتوكيل الصريح‬
‫‪ ,‬لن التوكيل الضمني يتعممذر حصمموله فممي المموقت الحاضممر لكممثرة‬
‫أفراد المة ولن إجازة مثل هذا التوكيل الضمني يفتممح باب ما ً خطممرا ً‬
‫على المة ويؤذن بفوضى وشر مستطير ‪ ,‬إذ يسممتطيع كممل عاطممل‬
‫عن شروط أهل الحل والعقد أن يجعل نفسه منهم وينصب نفسممه‬
‫ممثل ً عن المة بحجة أنها ترضى بنيابته عنها ضمنا ً وهذا مال تجوزه‬
‫الشريعة ول يستسيغه عقل‪.4‬‬

‫أقوم المسالك في معرفة أحوال الممالك ص ‪.176 , 175‬‬ ‫‪-‬‬ ‫‪1‬‬

‫البخاري ‪ ,‬ك العتصام ‪ ,‬باب وأمرهم شورى بينهم‪.‬‬ ‫‪-‬‬ ‫‪2‬‬

‫تحرير الحكام في تدبير أهل السلم ص ‪.72‬‬ ‫‪-‬‬ ‫‪3‬‬

‫حقوق الفراد في دار السلم عبد الكريم زيدان ص‪.14‬‬ ‫‪-‬‬ ‫‪4‬‬

‫‪-120-‬‬
‫ولضمممان سمملمة انتخمماب مجلممس الشممورى ‪ ,‬انتخمماب الكفمماء‬
‫المخلصين لعضويته ل يكفي وضع نظام لهذا النتخاب ‪ ,‬بل لبد من‬
‫إشاعة المفاهيم السلمية ‪ ,‬ورفع المستوى الخلقممي فممي المممة ‪,‬‬
‫وتربية الفراد على مخافة اللمه وتقمواه حمتى ل ينتخبموا إل الصملح‬
‫وليقوم من تنتخبه المة بواجبه كما يأمر السلم‪.1‬‬
‫إن طريقة النتخاب المباشر هي الكثر اعتمادأ في السيرة النبويممة‬
‫وفي سيرة الخلفاء الراشدين ‪ ,‬ففي هممذه الحقبممة النموذجيممة كممان‬
‫الزعماء والوجهاء والمستشممارون والمقممدمون هممم الممذين ينبثقممون‬
‫ويقدمون في أقوامهم وعشائرهم ومدنهم وقراهم بشممكل طممبيعي‬
‫طوعي ‪ ,‬وهم الذين يحظون بالتقممدير التلقممائي والختيمماري لعممموم‬
‫الناس ‪ ,‬فيكون جمهور الناس هو الذي انتخبهممم ورضممي بهممم فقممد‬
‫كان النبي صلى اللممه عليممه وسمملم يتعامممل مممع الزعممماء والوجهمماء‬
‫والنقباء الذين اختارهم أقوامهم وتبوؤوا مكانتهم تلك برضاهم بهممم‬
‫وتقديمهم إياهم‪.2‬‬
‫ففي بيعة العقبة الثانية قال عليه الصلة والسلم للوس والخزرج‪:‬‬
‫اخرجوا لي اثني عشر نقيبا ً منكم يكونون على قممومهم ‪ ,‬فممأخرجوا‬
‫منهم اثني عشر نقيبا ً منهم تسعة من الخزرج وثلثة من الوس‪.3‬‬
‫‪ -‬ونلحظ أن الرسول صلى الله عليه وسلم لم يعيممن النقبمماء ‪ ,‬إنممما‬
‫ترك طريق اختيممارهم إلممى الممذين بممايعوا فممإنهم سمميكونون عليهممم‬
‫مسممؤولين وكفلء‪ ،‬والولممى أن يختممار النسممان مممن يكفلممه ويقمموم‬
‫بأمره‪ ،‬وهذا أمر شوري‪ ،‬وأراد الرسول صلى اللمه عليمه وسملم أن‬
‫يمارسوا الشورى عمليا من خلل اختيارهم نقبائهم‪.‬‬
‫‪ -‬التمثيل النسبي فممي الختيممار ‪ ,‬فمممن المعلمموم أن الممذين حضممروا‬
‫البيعة من الخزرج ‪ ,‬أكممثر مممن الممذين حضممروا البيعممة مممن الوس ‪,‬‬
‫ثلثة أضعاف من الوس ‪ ,‬بل يزيدون ولذلك كان النقباء ثلثممة مممن‬
‫الوس ‪ ,‬وتسعة من الخزرج‪. 4‬‬
‫وفي غزوة حنين حينممما أراد عليممه الصمملة والسمملم أن يمممن علممى‬
‫قبيلة هوازن ‪ ,‬ويممرد عليهممم سممبيهم‪ ،‬دعمما أصممحابه المقمماتلين معممه‬
‫ل‪ :‬أما بعد فإن إخوانكم قد جاؤونمما تممائبين ‪,‬‬‫وعرض عليهم المر قائ ً‬
‫وإني قد رأيت أن أرد إليهم سبيهم ‪ ,‬فمن أحممب منكممم أن يطيممب‬
‫ذلك فليفعل ومن أحب أن يكون على حظه حتى نعطيه إيماه‬
‫من أول ما يضئ الله علينا فليفعمل فقمال النماس‪ :‬قمد طبنما بمذلك‬

‫المصدر نفسه ص ‪.21‬‬ ‫‪-‬‬ ‫‪1‬‬

‫الشورى في معركة البناء ص ‪.72‬‬ ‫‪-‬‬ ‫‪2‬‬

‫السيرة النبوية للصلبي)‪.(426\1‬‬ ‫‪-‬‬ ‫‪3‬‬

‫المصدر نفسه )‪.(430,431\1‬‬ ‫‪-‬‬ ‫‪4‬‬

‫‪-121-‬‬
‫يارسول الله ‪ ,‬فقمال رسمول اللمه صملى اللمه عليمه وسملم ‪ :‬إنما ل‬
‫ندري من أذن منكم في ذلك ممن لم يأذن ‪ ,‬فممارجعوا حممتى يرفممع‬
‫إلينا عرفاؤكم أمركم ‪ .‬فرجع الناس فكلمهم عرفمماؤهم ثممم رجعمموا‬
‫إلى رسول الله صلى اللممه عليممه وسمملم فممأخبروه أنهممم قممد طيبمموا‬
‫وأذنوا‪.1‬‬
‫والذي يعنينا – في هذا المقام – هو أن هؤلء النقباء والعرفاء كانوا‬
‫نتيجة انتخاب اجتماعي تلقائي ‪ ,‬ناجم عممن مكممانتهم وأهليتهممم مممن‬
‫جهة وعن رضى الناس بهم من جهة أخرى فلم يكن أحممد يرسمملهم‬
‫إليهم أو يفرضهم عليهممم ‪ ,‬بممل كممانوا هممم الممذين يخرجممونهم منهممم‬
‫وجاءت سنة الخلفاء الراشدين وفقا ً للسنة النبوية ‪ ,‬فكان الخلفمماء‬
‫إذا أرادوا أن يستشيروا في أمر ديني أو دنيوي جمعوا وجوه الناس‬
‫ورؤوسهم‪.2‬‬
‫على أن تفضيل هذه الطريقة واعتمادها طريقممة أصمملية ‪ ,‬ل ينبغممي‬
‫أن يكون مانعا ً من اعتماد طريقة التعييممن علممى سممبيل السممتدراك‬
‫وسد النقص ‪ ,‬فهذه الطريقة أيض ما ً يمكممن العمممل بهمما وفممق حممدود‬
‫وضوابط تحقق فائدتها دون أن تتحول طريقا ً للسممتبداد والتحكممم ‪,‬‬
‫كما أن طريقة التعيين قد تكون في بعممض الحممالت هممي الطريقممة‬
‫السليمة والمثلي كممما فممي اختيممار خممواص المستشممارين‪ ,‬وأعضمماء‬
‫بعض المجالس – أو اللجان – الستشارية المتخصصة فممي شممؤون‬
‫أمنيممة أو عسممكرية أو اقتصمماديه ‪ ..‬أو نحممو ذلممك مممن الختصاصممات‬
‫الصرفة‪.3‬‬
‫إن شؤون الحياة متعددة ‪ ,‬ولكل شأن منها أنمماس هممم المختصممون‬
‫فيه وهم أهل معرفته ‪ ,‬ومعرفة مايجب أن يكون عليه ‪ ,‬ففي المة‬
‫جانب القوة وفي المممة جممانب القضمماء وفممض المنازعممات وحسممم‬
‫الخصومات ‪ ,‬وفيها جانب المال والقتصاد ‪ ,‬وفيها جانب السياسممية‬
‫وتدبير الشؤون الداخلية والخارجية ‪ ,‬وفيها جممانب الفنممون الداريممة‬
‫وفيها جانب التعليم والتربية ‪ ,‬وفيها جانب الهندسممة ‪ ,‬وفيهمما جممانب‬
‫العلوم والمعارف النسممانية وفيهمما غيممر ذلممك مممن الجمموانب ولكممل‬
‫جانب أناس عرفوا فيه بنضح الراء وعظيم الثار وطممول الخممبرة ‪,‬‬
‫والمران هؤلء هم أهل الشورى في الشؤون المختلفة وهم الممذين‬
‫يجب على المة أن تعرفهم بآثارهم وتمنحهمما ثقتهمما ‪ ,‬وتنيبهممم عنهمما‬
‫في الرأي وهم الذين يرجع إليهم الحاكم لخذ رأيهم واستشارتهم ‪,‬‬
‫وهم الوسيلة الدائمة في نظر السلم لمعرفة ما تسوس به المممة‬
‫‪ -‬الشورى في المعركة البناء ص ‪.72‬‬ ‫‪1‬‬

‫‪ -‬المصدر نفسه ص ‪.73‬‬ ‫‪2‬‬

‫‪ -‬المصدر نفسه ص ‪.74‬‬ ‫‪3‬‬

‫‪-122-‬‬
‫أمورها ‪ ,‬مما لم يرد في المصادر الشرعية ويحتاج إلممى اجتهمماد‪, 1‬‬
‫ولممذلك ينبغممي أن يعتمممد فممي الشممورى علممى أصممحاب الختصمماص‬
‫والخبرة في المسائل المعروضة التي تحتاج إلى نوع من المعرفممة‬
‫ففي شؤون الدين والحكممام يستشممار علممماء الممدين وفممي شممؤون‬
‫العمران والهندسة يستشممار المهندسممون ‪ ,‬وفممي شممؤون الصممناعة‬
‫يستشممار خممبراء الصممناعة ‪ ,‬وفممي شممؤون التجممارة يستشممار خممبراء‬
‫التجارة ‪ ,‬وفي شؤون الزراعة يستشار خبراء الزراعة وهكممذا وهنمما‬
‫لبد من توجيه النظار إلى أنه من الضروري أن يكون علماء الدين‬
‫قاسما ً مشتركا ً في هذه الشؤون ‪ ,‬حتى ل يخرج المستشارون من‬
‫تقرير السياسات المتنوعة عن حدود الشريعة‪.‬‬
‫‪ -3‬نموذج للمشورة وللمستشير والمستشار‪:‬‬
‫عن ابن عباس رضي الله عنهما قال‪ :‬قدم عيينة بن حصن بن‬
‫حذيفة ‪ ,‬فنزل على ابن أخيه الحر بن قيس ‪ ,‬وكان من النفر‬
‫الذين يدنيهم عمر وكان القراء أصحاب مجالس عمر ومشاورته‬
‫كهول كانوا أو شبانا فقال عيينة لبن أخيه‪ :‬ياابن أخي ‪ ,‬لك وجه‬
‫عند هذا المير ‪ ,‬فاستأذن لي عليه ‪ ,‬قال فأستأذن لك عليه‪ :‬قال‬
‫ابن عباس‪ :‬فاستأذن الحر لعيينة ‪ ,‬فأذن له عمر ‪ ,‬فلما دخل عليه‬
‫ي ياابن الخطاب ‪ ,‬فو الله ماتعطينا الجزل ول تحكم بيننا‬ ‫قال‪ :‬ه ِ ْ‬
‫بالعدل ‪ ,‬فغضب عمر حتى هم به فقال له الحر‪ :‬يا أمير‬
‫خذ ِ‬
‫المؤمنين ‪ ,‬إن الله تعالى قال لنبيه صلى الله عليه وسلم " ُ‬
‫َ‬ ‫ْ‬
‫ن" وإن هذا من الجاهلين‬ ‫ن ال ْ َ‬
‫جاه ِِلي َ‬ ‫ِ‬ ‫ض عَ‬ ‫مْر ِبال ْعُْر ِ‬
‫ف وَأع ْرِ ْ‬ ‫ال ْعَ ْ‬
‫فوَ وَأ ُ‬
‫والله ماجاوزها عمر حين تلها عليه وكان وقافا ً عند كتاب الله‪.2‬‬
‫من العبر والدروس والفوائد من هذا النص‪:‬‬
‫‪ -1‬بعض صفات أهل الشورى ‪ ,‬كالعلم والحلم ‪ ,‬والنصح والتنبيه‬
‫لولي المر‪.‬‬
‫ب‪-‬أن المستشار – وغيممره مممن أهممل البطانممة – يكممون فممي خدمممة‬
‫عامة الناس ‪ ,‬ويكون همممزة وصممل – لهمممزة قطممع – بينهممم وبيممن‬
‫ولتهم‪.‬‬
‫ج‪ -‬ومنهمما أن المستشممار يلتمممس العممذار والمخممارج للنمماس مممن‬
‫إساءتهم وسوء أدبهم ويدفع المير إلى التجاوز والعفو عنهم ‪ ,‬بممدل‬
‫دفعه إلى معاقبتهم والنتقام منهم‪.‬‬
‫س‪ -‬ومنها أن هذا العفو وعممدم الزجممر ول العقوبممة ‪ ,‬يشممجع عامممة‬
‫النممماس علمممى الكلم ‪ ,‬وعلمممى تقمممديم شمممكاويهم وملحظممماتهم‬
‫وانتقماداتهم ونصمائحهم دون رعمب أو خموف ‪ ,‬ممع العلمم أن سموء‬
‫‪ -‬الدولة الزنكية للصلبي ص ‪.258‬‬ ‫‪1‬‬

‫‪ -‬البخاري ‪ ,‬ك التفسير باب خذ العفو وأمر بالمعروف‪.‬‬ ‫‪2‬‬

‫‪-123-‬‬
‫ت‬‫س مَنا ِ‬ ‫ن ال ْ َ‬
‫ح َ‬ ‫الدب سمميزول إذ ُقوبممل بحسممن الدب قممال تعممالى‪":‬إ ِ ّ‬
‫ت" ) هود ‪ ,‬آية‪.(114 :‬‬‫سمي َّئا ِ‬ ‫ي ُذ ْه ِب ْ َ‬
‫ن ال ّ‬
‫وتشجيع الناس على الحرية والصراحة – ولو مع قلممة أدب أحيان ما ً –‬
‫أولى من تشجيعهم على التملق والنفاق ‪.‬‬
‫ش‪ -‬ومنها أن عمر رضي اللممه عنممه كممانت لممه مجممالس للشممورى ‪,‬‬
‫وكان أهلها وأعضاؤها من أهل العلم كهول وشبابًا‪.‬‬
‫ك‪ -‬ومنهما أن عمممر كممان يختممار بطممانته مممن الناصممحين المخلصممين‬
‫وُيدنيهم ويحيط نفسه بهم‪.‬‬
‫ل‪ -‬ومنها أن المير يقبل من مستشاره وناصحه ‪ ,‬بل تردد ول تمنممع‬
‫ول تكبر ‪ ,‬خاصة إذا كانت نصيحته له ونابعة من كتاب الله‪.1‬‬

‫ثامنًا‪ :‬الشورى ومأسستها‪:‬‬


‫إن اعادة العتبار للشورى وبناء قضايا الشورى وقواعدها على‬
‫نحو متكامل فعال واستكمال مايلزم من ذلك من أجل مواجهة‬
‫التطورات ومتطلباتها ‪ ,‬كل ذلك يجد أسسه المرجعيه ومادته‬
‫البنائية في الرصيد النظري والتطبيقي للمرحلة التأسيسية –‬
‫النبوة والخلفة الراشدة – وفي قواعد الشرع ومقاصده وفي‬
‫النظم والخطط التى عمل بها المسلمون عبر تاريخهم وفي‬
‫مختلف دولهم ونقطة النطلق في تأسيس الشورى هو النظر‬
‫إليها على أنها دين ووحي وشرع من الله تعالى ‪ ,‬فهي جزء من‬
‫الشريعة ‪ ,‬بل قاعدة كبرى من قواعدها ‪ ,‬فتطبيقها تطبيق‬
‫للشريعة ‪ ,‬وتعطيلها هو تعطيل للشريعة ‪ ,‬ثم بعد ذلك هي الداة‬
‫الرئيسية – بعد الوحي – لتحقيق الهداية والسداد والرشاد في‬
‫التصرفات الفردية والجماعية ‪ ,‬فالمسلمون يهتدون ويترشدون‬
‫بالوحي أول ً ‪ ,‬وبالشورى ثانيا وفي ثناياهما وبعدهما أو معهما يأتي‬
‫مطلق العلم والعقل وتأتي التجربة والجتهاد وسواء تعلق المر‬
‫بمقتضيات الوحي أوبمقتضيات الشورى فيما ليس وحيا ً ‪ ,‬فإن‬
‫ل فَيتبعو َ‬ ‫ن ال ْ َ‬
‫ه"‬‫سن َ ُ‬
‫ح َ‬ ‫نأ ْ‬ ‫قو ْ َ َ ّ ِ ُ َ‬ ‫مُعو َ‬‫ست َ ِ‬
‫المؤمنين موصوفون بأنهم " ي َ ْ‬
‫ن‬
‫ذي َ‬ ‫)الزمر ‪ ,‬آية‪ (18:‬تماما ً مثلما هم موصوفون بأنهم "َوال ّ ِ‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫ما‬
‫م ّ‬‫م وَ ِ‬ ‫شوَرى ب َي ْن َهُ ْ‬‫م ُ‬ ‫مُره ُْ‬‫صَلة َ وأ ْ‬ ‫م وَأَقا ُ‬
‫موا ال ّ‬ ‫جاُبوا ل َِرب ّهِ ْ‬
‫ست َ َ‬
‫ا ْ‬
‫ن " )الشورى ‪ ,‬آية‪.(38 :‬‬ ‫قو َ‬ ‫م ُينفِ ُ‬ ‫َرَزقَْناهُ ْ‬
‫إن مشاورة المسلمين في أمورهم العامممة ومصممالحهم المشممتركة‬
‫هو حق لهم ل يجوز غصمبه منهمم وإذا كمان إشمراك النماس أو ممن‬
‫يقوم مقممامهم فممي الشممورى وفممي تممدبير أمممورهم ‪ ,‬هممو حممق مممن‬

‫‪ -‬الشورى للريسولي ص ‪.177 , 176‬‬ ‫‪1‬‬

‫‪-124-‬‬
‫حقوقهم ‪ ,‬فل شك أن غصبهم هممذا الحممق وإسممقاطه وتعطيلممه هممو‬
‫ظلم لهم وهذا الظلم يتفاقم ويتفاحش بعدد أصحاب الحق‪ ،‬وبقممدر‬
‫استمرار هذا الغصب وسيئ آثاره‪ 1‬المتراكمممة " فَمماع ْت َب ُِروا َيما ُأول ِممي‬
‫َ‬
‫اْلب ْ َ‬
‫صاِر" )الحشر ‪ ,‬آية ‪.(2 :‬‬
‫يقول ابن خلدون‪ :‬ول تحسبن الظلم إنما هو أخممذ المممال أو الملممك‬
‫من يد مالكه من غير عمموض ول سممبب ‪ ,‬كممما فممي المشممهور ‪ ,‬بممل‬
‫الظلم أعم من ذلك وكل من أخذ من ملك أحد أو غصبه في عمله‬
‫أو طالبه بغير حق أوفرض عليه حق لم يفرض الشرع فقممد ظلمممه‬
‫ووبال ذلممك كلممه عممائد علممى الدولممة بخممراب العمممران‪ .2‬فالشممورى‬
‫المصدر الثاني لهداية الناس ورشدهم وصلح أمورهم ‪ ,‬بعد الوحي‬
‫‪ ,‬وعلى أنها حق من حقوق المسلمين وأن غصبه وتعطيله هو مممن‬
‫أعظم المظالم والمفاسمد المتي حماقت بالمسملمين ‪ ,‬وأن تصمحيح‬
‫هذا الوضع وإعادة الشورى إلى نصابها هو أحد الشروط الضرورية‬
‫وأحد المسالك الساسية لكل إصلح ونهوض ديني ودنيوي‪.‬‬
‫‪ -1‬الفراغ التنظيمي والفقهي في إدارة الشورى‪:‬‬
‫إن الفراغ التنظيمي والفقهي فممي مسممألة إدارة الشممورى ‪ ,‬وإدارة‬
‫الختلفات السياسية قد شممكل علممى الممدوام سممببا ً لتحكممم منطممق‬
‫القوة والغلبممة بكممل مممايعنيه ذلممك مممن فتممن وصممراعات وتصممفيات‬
‫دموية وقد وردت أحاديث وآثار صحيحة كانت تقتضي المبادرة إلى‬
‫وضع قواعد مضبوطة ومتعممارف عليهمما لفممض النزاعممات وتجاوزهمما‬
‫وصد الفتن وتجنبها بدل السقوط فيها ومعالجتها بالسيوف‪.3‬‬
‫أ‪ -‬عن عامر بن سعد عن أبيــه أن رســول اللــه صمملى اللممه‬
‫عليه وسلم أقبل ذات يوم من العالية ‪ ,‬حممتى إذا مممر بمسممجد بنممي‬
‫معاويممة دخممل فركممع ركعممتين وصمملينا معممه ودعمما ربممه طممويل ً ‪ ,‬ثممم‬
‫إنصرف إلينا ‪ ,‬فقال صمملى اللممه عليممه وسمملم ‪ ,‬سممألت ربممي ثلثما ً ‪,‬‬
‫فأعطاني اثنممتين ومنعنممي واحممدة ‪ ,‬سممألت ربممي أن ل يهلممك أمممتي‬
‫بالسنة فأعطانيها وسألته أل يهلك أمتي بالغرق فأعطانيهمما وسممألته‬
‫أن ل يجعل بأسهم بينهم فمنعنيها‪.4‬‬
‫نلحظ أن الطلممبين الول والثمماني يتعلقممان بأسممباب قدريممة صممرفة‬
‫ليس للمة مسؤولية فيها وليس من كسبها ول من صنع يممدها ‪ ,‬ول‬
‫يمكن أن يدفعها من هلكها إل قدر الله تعالى‪.‬‬

‫الشورى في معركة البناء ص ‪.132,133‬‬ ‫‪-‬‬ ‫‪1‬‬

‫تاريخ ابن خلدون المجلد الول المقدمة ص ‪.510‬‬ ‫‪-‬‬ ‫‪2‬‬

‫الشورى في معركة البناء ص ‪.136‬‬ ‫‪-‬‬ ‫‪3‬‬

‫مسلم ك واشراط الساعة‪,‬‬ ‫‪-‬‬ ‫‪4‬‬

‫‪-125-‬‬
‫وأما الطلب الثالث فمتعلمق بعممل النماس واجمتراحهم واجتنمابه أو‬
‫علجهم بأيديهم وقد أرشدهم إلى أسباب الخوة والوحدة وحذرهم‬
‫من أسباب العداوة والفرقة فلن يكممون بأسممهم بينهممم إل بمخالفممة‬
‫أحكام دينهم وتفريطهم فيما فرض عليهممم ‪ ,‬فليممس أمممامهم إل أن‬
‫يحلمموا مشمماكلهم الناجمممة عممن أفعممالهم بأنفسممهم ‪ ,‬وأن يحتمماطوا‬
‫ويسممدوا أبممواب الفتممن والصممراعات وإل فليتحملمموا نتممائج الخلل‬
‫والتفريط ونتائج التعدي لحدود الله‪.‬‬
‫ومممن التحصممينات السمملمية ضممد التصممارع والتفممرق والفتنممة ‪ ,‬أن‬
‫م"‪.‬‬ ‫مُره ُْ‬
‫م ُ‬ ‫َ‬
‫شوَرى ب َي ْن َهُ ْ‬ ‫فرض على المسلمين أن يكون " وأ ْ‬
‫والشورى تفضمي إلمى تحكيمم الشمرع ‪ ,‬وتحكيمم العقمل ‪ ,‬وتحكيمم‬
‫المنطق ‪ ,‬وتحكيم المصلحة ‪ ,‬والشورى حوار وتفاهم وتوافق حيث‬
‫يأخذ كل ذي حق حقه ‪ ,‬والشورى استدلل واحتجمماج وإقنمماع وفممي‬
‫الجهة الخرى يوجد الستبداد والنانية والمغالبة بكل وسائلها ‪ ,‬من‬
‫مكر وسيف وبأس وتآمر‪ 1‬وقوله صلى الله عليه وسلم‪ :‬وسألته أن‬
‫ل يجعل بأسهم بينهم فمنعنيها ‪ ,‬ليممس معنمماه أن ))بأسممهم بينهممم((‬
‫مفروض عليهم ‪ ,‬ول محيد عنه ول مخرج منه ‪ ,‬بل معنمماه فقممط أن‬
‫هذا الطلب غير مجاب وغير مضمون لهم ‪ ,‬وأنه مممتروك لتصممرفهم‬
‫وتدبيرهم وسلوكهم ‪ ,‬وأن عليهممم أن يحتمماطوا لنفسممهم بأنفسممهم‬
‫ومن الحتياطات التي يلزم تحقيقها تجنبا ً للفتن والصراعات اعتماد‬
‫الشورى‪ ،‬وتنظيممم إدارة الشممورى‪ ،‬وتنظيممم الشممورى فممي مممواطن‬
‫النزاع ومظان الصممراع ‪ ,‬بصممفة خاصممة ‪ ,‬وفممي هممذا المعنممى يقممول‬
‫العلمة الفقيه محمد الحجوي الثعالبي‪ :‬ولعممدم الشممورى المنظمممة‬
‫في السلم وقع ماوقع من الفتن والحروب بعد عمر ‪ ,‬ليقضي الله‬
‫أمره ‪ .‬ول أزال أقوال‪ :‬إنه كان يجول في فكر عمر شئ من ذلك ‪,‬‬
‫بدليل تنظيمه لمجلس شورى الخلفة‪. 2‬‬
‫ب‪ -‬الفتنة التي تموج كموج البحر‪:‬‬
‫سأل عمر بن الخطاب بعض الصحابة عن حديث الفتنة التي تممموج‬
‫كموج البحر ‪ ,‬فقال له حذيفة بن اليمان رضممي اللممه عنممه‪ :‬يمما أميممر‬
‫المؤمنين ‪ ,‬ل بأس عليممك منهمما ‪ ,‬إن بينممك وبينهمما بابمما مغلق ما ً قممال‪:‬‬
‫أفيكسر الباب أم يفتح ؟ قال‪ :‬قلت‪ :‬ل بل يكسر قال ذلممك أحممرى‬
‫أن ل يغلق ‪.‬‬
‫وللدكتور أحمد الريسوني تعليق جميل علممى هممذا الحممديث ‪ ,‬حيممث‬
‫يقول‪ :‬فنحن أمام إخبار نبوي عن فتنة آتية ‪ ,‬تموج كممموج البحممر ‪,‬‬
‫وأن هذه الفتنه دونهمما بمماب مغلممق إلممى حيممن وأنهمما سممتدخل علممى‬
‫‪ -‬الشورى في معركة البناء ص ‪.137‬‬ ‫‪1‬‬

‫‪ -‬الفكر السامي في تاريخ الفكر السلمي )‪ (239\1‬لمحمد الحجوى ‪.‬‬ ‫‪2‬‬

‫‪-126-‬‬
‫المسمملمين عنممد زوال ذلممك البمماب ‪ ,‬وهنمما سممأل عمممر ‪ ,‬بحنكتممه‬
‫وبصيرته وبعد نظره ‪ ,‬أفيكسر الباب أم يفتح ؟ فيأتي جواب حذيفة‬
‫ل بل يكسر ‪ ,‬فيقول عمر ذلك أحرى أن ل يغلممق‪ ,‬فالبمماب المغلممق‬
‫إذا تم فتحه بكيفية طبيعيممة ‪ ,‬يمكممن إعممادة غلقممه بكيفيممة طبيعيممة ‪,‬‬
‫ولكن إذا كسر وحطم ‪ ,‬بقي مشرعا ً ‪ ,‬علممى القممل إلممى حيممن ‪ ,‬أي‬
‫إلى أن يعاد الباب إلى وضعه السوي وإلى إغلقه المعتمماد وأممما أن‬
‫كان كسره وتحطيمممه نتيجممة خصممام وتنممازع فقممد ل يتمأتى إصمملحه‬
‫وإعادته إل بعد إنهاء الخصومة والنزاع ومعالجه أسبابهما‪.1‬‬
‫والمخرج هو إعادة بناء البواب‪ ,‬وإغلقها في وجه الفتممن وأصممحاب‬
‫الفتممن‪ ,‬فحيممن تكممون عنممدنا أبمموب وتكممون عنممدنا مممداخل ومخممارج‬
‫ويكون عندنا حراس وبوابون‪ ,‬وعنممدنا مفاتيممح‪ ,‬لكممل بمماب مفتمماحه‪,‬‬
‫ويكممون عنممدنا قواعممد ))أو قمموانين (( للممدخول والخممروج والفتممح‬
‫والغلق‪ ,‬حينئذ ل خوف من الفتن‪ ,‬حممتى لممو أطلممت أو تسممللت أو‬
‫تسربت‪.‬‬
‫إن هذا بعض ما أعنيه بتنظيم الشورى ومأسسة الشممورى وتنظيممم‬
‫إدارة الشورى‪ ,‬أي لبد من مؤسسات للشورى ولبممد مممن قمموانين‬
‫تنظيمية للشورى‪ ,2‬والسلم أعطانا مجال ً واسعا ً لتنظيممم مؤسسممة‬
‫الشورى وجعل ذلك اجتهادا ً منوطا ً بأهل الختصاص في هذه المممة‬
‫وهذا من مراعاته للمجالت المتحركة والمتغيرة‪ ,‬فهو مثل ً قممد أمممر‬
‫بالعلم والتعليم والتعلم‪ ,‬ولم يضع لذلك تنظيما ً محددا ً وهو قد أمممر‬
‫بالحكم والقضاء بين الناس وأن يكون ذلك بالعدل وبما أنممزل اللممه‬
‫ولكنه لم يضع لنا نظاما ً قضائيا ً وأمر بالجهاد‪ ,‬ولم يضع لنمما تنظيم ما ً‬
‫لذلك وكلفنا بالمر بالمعروف والنهي عن المنكر ولم يفرض نظاما ً‬
‫أو طريقة مفصلة لذلك وحث على الوقف والتحبيس ولم يرسم لنا‬
‫نظاما ً لتسيير الوقاف المتراكمة عبر العصور‪.3‬‬
‫فالجراءات والقوانين والوسممائل التنظيميممة‪ ,‬هممي بمثابممة الملبممس‬
‫ضرورية ول غنى عنها ولكنها تفصل بحسب الجسام وتفاوتهمما فممي‬
‫الحجام والزمان وبحسب أحوال الطقس مممن بممرد وحممر واعتممدال‬
‫وبحسب حالة الجسم من صحة واعتلل‪ ,‬وبحسب طبيعممة العمممال‬
‫والممارسات المختلفة ولتوضيح المسألة أكثر‪ ,‬أصنع أمممام القممارى‬
‫الكريم نموذجا ً واحدا ً للوظممائف والتكمماليف الشممرعية الممتي أخممذت‬
‫مممايلزم مممن التنظيممم والتقنيممن والمأسسممة وهممو العلممم والتعليممم‬
‫للمقارنممة مممع الشممورى ومآلهمما‪ ,‬ففممي العلممم والتعليممم – كممما فممي‬
‫‪ -‬الشورى في معركة البناء ص ‪.138‬‬ ‫‪1‬‬

‫‪ -‬الشورى في معركة البناء ص ‪.139‬‬ ‫‪2‬‬

‫‪ -‬المصدر نفسه ص ‪.140‬‬ ‫‪3‬‬

‫‪-127-‬‬
‫الشورى – وردت آيات وأحاديث تحث وترغممب وتممأمر وتشممجع‪ ,‬ثممم‬
‫فممي المريممن مع ما ً نجممد ممارسممة تطبيقيممة‪ ,‬تتسممم بكامممل الجديممة‬
‫والفاعلية أيضا ً تتسم – مممن حيممث تنظيمهمما – بالبسمماطة والعفويممة‬
‫والمرونة‪ ,‬ولم يختلف المر كثيرا ً على عهد الخلفاء الراشمدين بعممد‬
‫ذلك دخلت المسألة العلميممة والتعليميممة فممي مسممار متواصممل مممن‬
‫التنظيم والضبط والمأسسة والتوسيع والتفريع‪ ,‬حمتى انتهمى المممر‬
‫سريعا ً إلى المدارس والجامعممات النظاميممة ذات البنيممات الداريممة‪,‬‬
‫والبنايات العمرانية والموارد الماليممة‪ ,‬فض مل ً عممن نظمهمما التعليميممة‬
‫بموادهمما وبرامجهمما ومسممتوياتها وأسمماليبها وأصممبحنا ً أمممام مممدارس‬
‫وجامعات‪ ,‬أهلية لتعد ول تحصى ورسمية حكومية لتعمد ولتحصمى‬
‫وكل هذه النظممم والمؤسسممات والمناهممج والتخصصممات والشمواهد‬
‫والجازات والموارد والميزانيات‪ ,‬لم يفعلها رسول الله صمملى اللممه‬
‫عليه وسلم ول أمر بها‪ ،‬ومع ذلممك بممادر إليهمما المسمملمون وتنممافس‬
‫فيها العلماء والمراء والغنياء والفقراء ولو ل ذلك لبقيممت الحركممة‬
‫العلمية ضئيلة وبدائية ولما أمكنها الستجابة للمتطلبات والتحديات‬
‫الجديممدة للمجتمعممات السمملمية‪ ,‬وللممدعوة السمملمية‪ ,‬وللدولممة‬
‫السلمية‪ ,‬ولبقيت هي نفسها عرضة للتلشي والندثار‪.1‬‬
‫وإذا كانت هذه التدابير التنظيميممة ليممس لهمما وضممع شممرعي محممدد‪,‬‬
‫وليست منصوصا ً عليها ول مأمورا ً بها على وجه التفصيل والتعيين‪,‬‬
‫فإن الشرع قد تضمن عددا ً من القواعد العامة الحاكمة والموجهممة‬
‫في كل مجال وفي كل وظيفة شممرعية ففممي الممارسممة الشممورية‬
‫هنالك عدد من المبممادئ والقواعممد المؤسسممة والهاديممة للممارسممة‬
‫الشورية وهي مستوحاة من القرآن والسنة ومن التجربممة العلميممة‬
‫للنبي صلى الله عليه وسلم وخلفائه الراشدين‪.2‬‬
‫إن الشورى تستوجب وضع القواعممد المنظمممة لممارسممتها وكممذلك‬
‫تبرز الحاجة إلى الطر المؤسسية والجرائية التي تواكب متغيرات‬
‫العصر وتحافظ على مقتضيات الصل‪ ,‬وهي مما يممدخل فممي دائرة‬
‫الجتهممادات المشممروعة الممتي تتصممل بتطمموير الوسممائل نحممو بلمموغ‬
‫الغايات ولبد من عنايممة بهمما‪ ,‬لن تنظيممم شممكل ممارسممة الشممورى‬
‫يضمن لها الفعالية‪ ,‬وغياب هذا التنظيم قد يحولها إما إلممى شممورى‬
‫صورية لحقيقة لها‪ ,‬وإما إلى فوضى في الرأي ل غنى لها‪.‬‬
‫والتنظيم المقصود للشورى يرتكز على أن القرار بحق الفرد فممي‬
‫الشورى يجب أن يقمابله اللممتزام بمواجب الفممرد فمي اللممتزام أول ً‬
‫بممارسممتها فممي محلهمما وأخيممرا ً بممما تسممفر عنممه مممن رأي إن كممان‬
‫‪ -‬الشورى في معركة البناء ص ‪.140‬‬ ‫‪1‬‬

‫‪ -‬الشورى في المعركة البناء ص ‪.141‬‬ ‫‪2‬‬

‫‪-128-‬‬
‫مخالفا ً لمما همو عليمه ممن رأي‪ .‬والمدرس الشمورى المسمتفاد ممن‬
‫العمل برأي الكثريممة أن تتحممل نتمائج تبعممة العمممل واتخماذ القمرار‬
‫ولحسم التردد بعد اتخاذ القرار‪.1‬‬
‫ويجيء المر بالتزام الشورى كمنهممج مهممما كممانت النتممائج والمممراد‬
‫تربية المة على الشورى‪.‬‬
‫إن مكتبتنا في هذا الجانب فقيرة إلى كتاب أصلى لتنظيم إجراءات‬
‫الجتماع والتداول وإبداء الرأي‪ ,‬كما أن قوانيننا التي تنظم مجالت‬
‫القول والتعممبير وإبممداء الممرأي فقيممرة أيض ما ً إلممى مرجعيممة تأصمميلية‬
‫تراعي مقتضيات الممارسة الحرة المسؤولة ولكننا هنا نشممير إلممى‬
‫جوامع من الفكار التي يمكن أن ت ُممترجم إلممى قمموانين حاكمممة فممي‬
‫المجالت المشار إليها آنفًا‪.‬‬
‫وهكذا لبد للشورى – في كل عصر ومصر أو بحسب الظروف‬
‫المكانية والزمانية – من مؤسسات وإجراءات تناسبها من حيث‬
‫هي مناهج لتحقيق المقاصد مع احتفاظ الشورى بجوهرها في‬
‫كونها ممارسة حرة لبداء الرأي وتبادله بغية الوصول لجماع أو ما‬
‫يقاربه وهذه الوسائل من الجتهادات المشروعة في إعمال أحكام‬
‫الشورى على متغيرات العصر‪ ,‬ويمكن استخلص الجتهاد في‬
‫استحداث مجالس الشورى التشريعية والرقابية‪ 2‬من الية الكريمة‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫م‬ ‫صَلة َ وأ ْ‬
‫مُره ُْ‬ ‫م وَأَقا ُ‬
‫موا ال ّ‬ ‫جاُبوا ل َِرب ّهِ ْ‬ ‫ست َ َ‬
‫نا ْ‬‫ذي َ‬‫قال تعالى‪َ" :‬وال ّ ِ‬
‫ن" )الشورى ‪ ,‬آية‪ (38 :‬وذلك‬ ‫قو َ‬ ‫م ُينفِ ُ‬‫ما َرَزقَْناهُ ْ‬‫م ّ‬ ‫م وَ ِ‬ ‫ُ‬
‫شوَرى ب َي ْن َهُ ْ‬
‫على النحو التالي‪:‬‬
‫‪ -1‬يؤخذ من لفظ ))وأمرهم((‪ ,‬أي‪ :‬المر الموكول إلى النمماس ‪,‬‬
‫وليس أمر الله الذي نزل به الوحي الثابت النممص والدللممة ‪ ,‬اللهممم‬
‫إل ما كان من الشورى حول وسائل تنفيذ هذا المر اللهي‪.‬‬
‫ب‪ -‬كما يؤخذ من لفظ ))بينهم((‪ ,‬أي بين العامممة والخاصممة وذلممك‬
‫حول اختيار إمممام المسمملمين مممن خلل البيعممة الخاصممة ثممم البيعممة‬
‫العامة‪ ,‬وربما كان كما أسمملفنا بمثلهمما فممي هممذا العصممر النتخابممات‬
‫الرئاسية علوة على الشورى في المور العامة بين ممثلممي المممة‪,‬‬
‫مما يقتضي اختيار مجالس الشورى بالنتخاب العام‪ ,‬وهي مجالس‬
‫للتشريع والرقابة تحول دون استبداد الحكم الفردي ‪.‬‬
‫ج‪ -‬ويمكن أن ُيتوخى في النتخابات الرئاسية والتشريعية الجممماع‪,‬‬
‫وإل فممالرأي العممام الغممالب والراجممح وكممذلك المممر فممي مجممالس‬

‫‪ -‬الشورى مراجعات في الفقة والسياسة والثقافة د‪ .‬احمد المام ص ‪.123‬‬ ‫‪1‬‬

‫‪ -‬الشورى ‪ ,‬د‪ .‬أحمد المام ص ‪.124‬‬ ‫‪2‬‬

‫‪-129-‬‬
‫الشورى التشريعية والتنفيذية لقوله صلى الله عليه وسلم‪ :‬عليكممم‬
‫بالسواد العظم‪.1‬‬
‫‪ -2‬صلحيات مجلس الشورى ووظائفه‪:‬‬
‫‪ -‬الرقابممة علممى شممرعية النظممم والحكممام ودسممتورية القمموانين‬
‫وشرعيتها وهي مهمة العلماء وأهل الختصاص‪.‬‬
‫‪ -‬المحاسبة وأداء واجب النصيحة وفقا ً للمشروعية وممارسممة حممق‬
‫الرقابة‪.‬‬
‫‪ -‬إظهار عدم الرضا عن المعاونين والولة‪.‬‬
‫‪ -‬حق حصر المرشحين للرئاسة وغيرها من المناصب‪.‬‬
‫وأما وظائف الشورى‪:‬‬
‫كما يستفاد من العرض السابق كله فإن للشورى وظائف أساسممية‬
‫نستطيع إجمالها فيما يلي‪:‬‬
‫‪ -‬اختيار من يلي أمور البلد والعباد وليممة ))الرئاسممة(( ومممن يقمموم‬
‫مقامه في مستويات أدنى‪.‬‬
‫‪ -‬اختيار مجلممس التشممريع والرقابممة العامممة علممى كممل المسممتويات‬
‫))المستوى الوطني ‪ ,‬والمستوى المحلي((‪.‬‬
‫‪ -‬إقرار أو تعديل عقد الحكم العام ))الدستور((‪.‬‬
‫‪ -‬التوصممل إلممى قممرار فممي القضممايا المصمميرية للبلد وهممذه المممور‬
‫الربعة تفرض للشورى العامة‪.‬‬
‫‪2‬‬
‫‪ -‬الوصول إلى قرار داخل جميع الجهزة ‪.‬‬
‫‪ -3‬من قواعد الشورى المؤسسية‪:‬‬
‫أ‪ -‬التزام القلية برأي الغلبية في التخطيط والتنفيممذ اتباع ما ً للسممنة‬
‫النبوية وسنة الخلفة الراشدة‪.‬‬
‫‪3‬‬
‫ب‪ -‬ثم إن الحاكم مسؤول عن أخطائه يحاسب عليها ‪.‬‬
‫‪ -4‬من المؤسسات الشورية المعاصرة‪:‬‬
‫أما الطر المؤسسية التي تقتضي ممارسة الشورى‪:‬‬
‫أ‪ -‬المجلممس التشممريعي الرقممابي المموطني مهممما كممان اسمممه ثممم‬
‫المجالس المحلية وهذه هي المحال الساسية للشورى في الشأن‬
‫العام‪.‬‬
‫‪ -‬والمجالس التنفيذية من حيث التداول والنظر وتبادل الراء يجممب‬
‫أن تكون محكومة بأدب الشورى ومنهجها‪.‬‬
‫‪ -‬مجلس الخبراء التي تجتمع – أو يجب أن يكون الشممأن جمعهمما –‬
‫للتداول حول أمر من أمممور السياسممات العامممة صممفته التخصممص ‪,‬‬
‫‪ -‬مسند أحمد رقم ‪ 17722‬الشورى ص ‪.125‬‬ ‫‪1‬‬

‫‪ -‬الشورى ‪ ,‬د‪ .‬احمد المام ص ‪.126‬‬ ‫‪2‬‬

‫‪ -‬المصدر نفسه ص ‪.132‬‬ ‫‪3‬‬

‫‪-130-‬‬
‫ولكن آراء الخبراء وأهل الدراية فيه مختلفة‪ ,‬وهذه شورى علماء ل‬
‫تلجأ إلى عد الصوات ولكنها تؤدي إلى التمهيد لتبني سياسة عامممة‬
‫في الدولة أو المجتمع‪.‬‬
‫‪ -‬المؤتمرات التي ُتدعى لشؤون التخطيط والسياسة‪.‬‬
‫‪ -‬الجمعيات‪ ,‬سياسة كانت أو اجتماعية‪ ,‬أحزابا أو مؤسسات للنفممع‬
‫العام‪ ,‬أو تجمعممات مفتوحممة للراغممبين مممن أهممل فممن معيممن أو هممم‬
‫مشترك‪.‬‬
‫ومما يتضح أن هنالك أطرا ً للشورى على الدولة إنشاؤها وإعمارها‬
‫بالعضوية بشكل منتظم‪ ,‬وإلزامها بالتشمماور وأن يلممتزم أولممو المممر‬
‫من بعد نشرها‪.1‬‬
‫‪ -5‬النظم الجرائية لعملية الشورى‪:‬‬
‫هنالك نظم إجرائية تجعل عمليممة الشمورى ميسمورة وفعالمة‪ ,‬منهما‬
‫مايلي‪:‬‬
‫‪ -‬إتاحة الفرصة كاملة لرأي القلية ليجد حظه من النظر والنقاش‪.‬‬
‫‪ -‬جعممل الجممراءات فممي خدمممة الممرأي‪ ,‬تمهممد لممه العممرض السممليم‬
‫والنقاش المفيد ل س مّيدة عليممه تمنعممه إذا شمماءت أو تتحايممل علممى‬
‫حجبه متى شاءت‪.‬‬
‫‪ -‬إبطال هيمنة القيد الزمني علممى حممق إبممداء الممرأي‪ ,‬وذلممك بإتمماحه‬
‫الفرصة كاملة للعضاء للتعرف على المعروض عليهم مممن قضممايا‪,‬‬
‫يهيأ لها قبل وقت كاف من لحظة اتخاذ القرار‪.‬‬
‫‪ -‬ترشيد المؤسسات الممهدة للشورى ‪,‬وأهمها الصحافة حتى تكون‬
‫عونا ً للداء الشورى السليم‪ ,‬بأدائها للدور التمهيدي المنوط بها من‬
‫تعريف بالراء والقضايا‪ ,‬بممدون تزييممف أو تضممليل‪ ,‬أو إخفمماء وإبممداء‬
‫حسب المصلحة‪.‬‬
‫‪ -‬البتعاد فيما يوضممح مممن لمموائح مممن أيممة بنممود أو مممواد لعلء كفممة‬
‫الرؤساء وأهل النفوذ المؤسسي علممى سممائر العضمماء إل الصمموت‬
‫المرجح وإل بالفرصة الرحب في العرض‪.‬‬
‫‪ -‬إتاحة ما من شأنه أن يعين العضو على الجهر برأيه الخاص ويجنبه‬
‫التسليم برأي العصبية‪ ,‬من شاكلة سرية التصويت‪ ,‬أو علنيته وعدم‬
‫إفضاء أية محاسبة أو عقوبة تترتب على محض إبداء الرأي‪.‬‬
‫‪ -‬إقامة دوائر الشورى الممهدة للتداول الشوري القويم‪.2‬‬
‫‪ -6‬الصول والقواعــد الشــرعية تؤيــد تطــوير المؤسســة‬
‫الشورية‪:‬‬

‫‪ -‬الشورى ‪ ,‬د‪ .‬احمد المام ص ‪.121‬‬ ‫‪1‬‬

‫‪ -‬الشورى ‪ ,‬د‪ .‬احمد المام ص ‪.123‬‬ ‫‪2‬‬

‫‪-131-‬‬
‫إن الصول والقواعممد الشممرعية تؤيممد تطمموير المؤسسممة الشممورية‬
‫ومن هذه القواعد‪.‬‬
‫ث للناس أقضية بقدرما أحدثوا من فجور‪:‬‬ ‫أ‪ُ -‬تحدَ ُ‬
‫هذه القاعدة وإن كانت بهذه الصيغة منسوبة للخليفة عمر بن عبممد‬
‫العزيز رضي الله عنه‪ ,‬فإنها قاعممدة معمممول بهمما قبلممه وبعممده عنممد‬
‫الفقهاء والولة والقضاة‪.1‬‬
‫وإذا انتقلنا بهذه القاعدة إلى موضوع الشمورى‪ ,‬فممإن أفضممل مثمال‬
‫أبدأ به هو ماذهب إليه عمر رضي الله عنه حين بلغه أن هناك مممن‬
‫يتحين فرصة وفاته ليبادر إلى بيعة من يريد ويضع المسلمين أمممام‬
‫المر الواقممع وأمممام هممذا التطلممع الخطيممر لممم يكتممف عمممر بالبيممان‬
‫والتحذير‪ ,‬ول بالحكم ببطلن هذه البيعة‪ ,‬إذا تمت بغير مشورة من‬
‫المسلمين بل هدد بالقتل لمن يبادر إليها ولمن يقبلها لنفسه‪ ,‬وهذا‬
‫حكم ل وجود له ول نظير له في الكتاب ول في السممنة‪ ,‬ومممع ذلممك‬
‫لم ينكره أحد من الصممحابة علممى عمممر ولممم يعممترض عليممه – فيممما‬
‫أعلم – أحد من العلماء إلى الن فما سند هممذا الحكممم مممن عمممر؟‬
‫إنها هذه القاعدة الجليلة تحدث للناس أقضية بقدر ما أحممدثوا مممن‬
‫فجور‪ ,‬وأي فجور أكبر من هذا التهور والستخفاف والتلعممب بحممق‬
‫المة ومصيرها؟ فهذا أمر ل بد فيه من حكم رادع ومكافئ والعبرة‬
‫التي نأخذها ليومنا وغمدنا همي أن كمل تطمور فمي النماس وحيماتهم‬
‫ومجتمعهم وخاصة التطور السلبي‪ ,‬يحتاج إلممى الجتهمماد المناسممب‬
‫والحكام الملئمممة وفممق الدلممة الشممرعية‪ ,‬ووفممق قواعممد التشممريع‬
‫ومقاصده لكي يتخذ من التدابير ومن النتظيمات ومن المؤسسات‬
‫كل مايحفظ على المسلمين دينهم ومصالحهم‪ ,‬وممما يمنممع أو يممدفع‬
‫الفتن والنحرافات عنهم‪.2‬‬
‫ب‪ -‬قاعدة سد الذرائع‪:‬‬
‫وفممي موضمموع الشممورى‪ ,‬نجممد عمممر أيضما ً أول مممن اسممتعمل سممد‬
‫الذرائع وذلك حين رفممض اسممتخلف ولممده عبممد اللممه‪ ,‬وحممتى حيممن‬
‫أدخله للحضور مع الستة أصحاب الشورى اشترط أل يكون له من‬
‫المر شميء وإنمما لمجمرد المرأي والترجيمح عنمد القتضماء وكمذلك‬
‫اسممتبعد مممن هممذا المممر ابممن عمممه سممعيد بممن زيممد رغممم أنممه مممن‬
‫المبشرين بالجنة مثل الستة أصحاب الشممورى‪ ,‬فعمممر رضممي اللممه‬
‫عنه‪ ,‬كان يخشى إن يتولى بعده أحد قرابته‪ ,‬رغممم أهليتممه أن يتخممذ‬
‫ذلك ذريعة لتوريث الخلفة‪ ,‬وجعلها دولة بين الباء والبناء والجداد‬
‫والحفاد ومع هذا فإن المحذور حصل ولو بعد حين‪ ,‬ولو أن قاعدة‬
‫‪ -‬الشورى في معركة البناء ص ‪.141‬‬ ‫‪1‬‬

‫‪ -‬الشورى في معركة البناء ص ‪.144 , 443‬‬ ‫‪2‬‬

‫‪-132-‬‬
‫سد الذرائع قد أعملمت فمي مجمال النظممام السياسمي ومؤسسماته‬
‫وتدبير شمؤونه‪ ,‬لغلقممت البماب علمى كمثير ممما أصمماب الممارسممة‬
‫السياسية في تاريخنا من التلعممب والتعطيممل والتضممليل والفسمماد‬
‫والستبداد‪.1‬‬
‫ج‪ -‬المصالح المرسلة‪ :‬وهممذا أصممل كممبير مممن أصممول التشممريع‬
‫السلمي‪ ,‬وهو يقوم على أساس أن الشريعة وأحكامها‪ ,‬إنممما هممي‬
‫لمصلحة العباد في دينهم ودنياهم وأن مدار أحكامها على جلب ممما‬
‫فيه مصلحة حقيقية لهم ودرء ما فيه مفسدة حقيقيممة لهممم‪ ,‬عاجلممة‬
‫أو آجلة‪ ,2‬كما يقول ابن القيم‪ :‬فإن الشريعة مبناها وأساسها علممى‬
‫الحكممم ومصممالح العبمماد فممي المعمماش والمعمماد‪ ,‬وهممي عممدل كلهمما‪,‬‬
‫ورحمه كلها‪ ,‬ومصالح كلها‪ ,‬وحكمة كلها‪ ,‬فكل مسألة خرجممت عممن‬
‫العدل إلى الجور‪ ,‬وعن الرحمممة إلممى ضممدها‪ ,‬وعممن المصمملحة إلممى‬
‫المفسدة وعمن الحكممة إلمى العبمث‪ ,‬فليسمت ممن الشمريعة‪ ,‬وإن‬
‫أدخلت فيها بالتأويل‪.3‬‬
‫ويمكننا اعتماد جميع التدابير والحكام التي تحقق وتخدم الشورى‪,‬‬
‫ومصلحة ممارسة الشورى‪ ,‬ومصلحة إقامة حياة شممورية وعلقممات‬
‫شورية‪ ,‬فكل ما يدخل في هذا البمماب فهممو واجممب أو منممدوب لنممه‬
‫مصلحة مرسلة‪ ,‬فتحديممد المستشممارين‪ ,‬وتحديممد شممروطهم بدقممة‪,‬‬
‫ومراجعة هممذا وذاك علممى فممترات زمنيممة محممددة‪ ,‬وتحديممد مواعيممد‬
‫دورية للشورى‪ ,‬وتأسيس هيئات شورية متعممددة‪ ,‬علميممة وقضممائية‬
‫وسياسية وعسكرية ومالية والتحديد المسبق لمن يختارون المام‪.‬‬
‫وطريقة تشاورهم واختيارهم له وكذلك كيفية عزله وشروط ذلممك‪,‬‬
‫وجعل رواتب لهل الشورى‪ ,‬إذا شممغلهم ذلممك عممن مكاسممبهم كممل‬
‫هذه وأشياء غيرها‪ ,‬تدخل في باب المصممالح المرسمملة الممتي يتعيممن‬
‫الخذ بها كلما دعت الحاجة إلى ذلك‪.4‬‬
‫س‪ :‬القتباس لما فيه مصلحة وخير‪:‬‬
‫كان المسلمون يقتبسون من غيرهم كل ما ينفعهم ويصلح لهم‬
‫مما ل يتعارض مع دينهم‪ ,‬بل إن القرآن الكريم يعلمنا أن نقتبس‬
‫ونستفيد حتى من غير النسان‪ ,‬فقد استفاد نبي الله سليمان عليه‬
‫السلم من الهدهد وكان في ذلك فتح مبين وخير عميم قال‬
‫ح ْ‬ ‫قا َ َ‬
‫ن"‬‫قي ٍ‬
‫سب َإ ٍ ب ِن َب َإ ٍ ي َ ِ‬
‫من َ‬ ‫جئ ْت ُ َ‬
‫ك ِ‬ ‫ط ب ِهِ وَ ِ‬ ‫ما ل َ ْ‬
‫م تُ ِ‬ ‫ت بِ َ‬
‫حط ُ‬‫لأ َ‬ ‫تعالى‪ " :‬فَ َ‬
‫) النمل ‪ ,‬آية‪ (22 :‬وكانت عاقبة هذا النبأ اليقين‪ ,‬هي إعلن‬

‫الشورى في معركة البناء ص ‪.146‬‬ ‫‪-‬‬ ‫‪1‬‬

‫المصدر نفسه ص ‪.147‬‬ ‫‪-‬‬ ‫‪2‬‬

‫أعلم الموقعين )‪.(3\3‬‬ ‫‪-‬‬ ‫‪3‬‬

‫الشورى في معركة البناء ص ‪.149‬‬ ‫‪-‬‬ ‫‪4‬‬

‫‪-133-‬‬
‫الملكة بلقيس إيمانها وإسلمها مع كل ما يستتبع ذلك من تحول‬
‫ت‬ ‫م ُ‬‫ب إ ِّني ظ َل َ ْ‬ ‫ت َر ّ‬ ‫تاريخي في ملكها ومملكتها قال تعالى‪َ " :‬قال َ ْ‬
‫َ‬
‫ن " ) النمل ‪ .‬آية‪:‬‬ ‫مي َ‬ ‫ب ال َْعال َ ِ‬‫ن ل ِل ّهِ َر ّ‬ ‫ما َ‬ ‫سل َي ْ َ‬ ‫معَ ُ‬ ‫ت َ‬ ‫م ُ‬ ‫سل َ ْ‬ ‫سي وَأ ْ‬ ‫ف ِ‬ ‫نَ ْ‬
‫‪. (44‬‬
‫‪ -‬كما قص علينا القرآن الكريم استفادة ولد آدم من الغراب‬
‫ولومه لنفسه لنه لم يهتد إلى ما اهتدى إليه الغراب قال تعالى‪" :‬‬
‫َ‬
‫ث‬‫ن * فَب َعَ َ‬ ‫ري َ‬ ‫س َِ‬‫خا ِ‬‫ن ال ْ َ‬‫م َ‬ ‫ح ِ‬ ‫ه فَأ ْ‬
‫صب َ َ‬ ‫قت َل َ ُ‬‫خيهِ فَ َ‬ ‫ل أَ ِ‬ ‫ه قَت ْ َ‬ ‫س ُ‬‫ف ُ‬ ‫ه نَ ْ‬ ‫ت لَ ُ‬ ‫فَط َوّع َ ْ‬
‫ل َيا‬‫خيهِ َقا َ‬ ‫وءة َ أ ِ‬ ‫س ْ‬‫واِري َ‬ ‫َ‬ ‫ف يُ‬‫ه ك َي ْ َ‬ ‫ض ل ِي ُرِي َ ُ‬‫ِ‬ ‫ث ِفي ال َْر‬ ‫ح ُ‬ ‫ه غ َُراًبا ي َب ْ َ‬ ‫الل ّ ُ‬
‫ُ‬
‫خي‬ ‫وءة َ أ َ ِ‬ ‫س ْ‬‫ب فَأَوارِيَ َ‬ ‫ذا ال ْغَُرا ِ‬ ‫هم َ‬ ‫ل َ‬ ‫مث ْ َ‬ ‫ن ِ‬ ‫كو َ‬ ‫ن أَ ُ‬ ‫تأ ْ‬
‫َ‬
‫جْز ُ‬
‫َ‬
‫وَي ْل ََتا أع َ َ‬
‫َ‬
‫ن " ) المائدة ‪ ,‬آية‪ .(31-30 :‬فإذا كان هذا مع‬ ‫مي َ‬ ‫ن الّناد ِ ِ‬ ‫م َ‬ ‫ح ِ‬ ‫فَأ ْ‬
‫صب َ َ‬
‫الهدهد والغراب ‪ ,‬فكيف بنا مع النسان بكل ما وهبه الله من‬
‫قدرات عقلية وفكرية‪ ,‬ومن قدرة على تطوير التجارب والخبرات‪,‬‬
‫وبما هو مثبوت فيه وفي تاريخه من تراث النبياء وآثارهم ومن‬
‫حكمة الحكماء وآرائهم‪.1‬‬
‫‪ -‬حفر الخندق‪:‬‬
‫وفي السيرة النبوية ‪ ,‬لما اجتمعت الحممزاب – فممي غممزوة الخنممدق‬
‫على غزو المسلمين واستئصالهم ‪ ,‬جاءت فكرة حفر الخندق حممول‬
‫المدينة ‪ ,‬لمنممع الجيمموش الغازيممة مممن دخولهمما وهممذا أسمملوب كممان‬
‫يستعمله الفممرس ‪ ,‬وكممان الممذي أشممار بممذلك سمملمان – فيممما ذكممر‬
‫أصحاب المغازي – فقد قال لرسول الله صلى عليه وسلم‪ :‬إنا كنمما‬
‫بفارس إذا حوصممرنا خنممدقنا علينمما ‪ ,‬فممأمر النممبي صمملي اللممه عليممه‬
‫وسلم بحفر الخندق حول المدينة ‪ ,‬وعمل فيه بنفسه‪.2‬‬
‫ولم يقل رسول الله صلى اللممه عليممه وسمملم‪ :‬دعونمما مممن فممارس ‪,‬‬
‫ودعونا من أساليب المجوس المشركين‪.3‬‬
‫وفي الصحيحين أن رسول الله صلى الله عليه وسمملم لممما أراد أن‬
‫يكتب إلى ملوك زمانه )) قيصر ‪ ,‬وكسرى والنجاشممي (( قيممل لممه‪:‬‬
‫إنهم ل يقبلون كتابا ً إل بخاتم ‪ ,‬فصاغ رسول اللممه صمملى اللممه عليممه‬
‫وسلم خاتما ً حلقته فضة ونقش فيه )) محمد رسول الله((‪.4‬‬
‫وفي صحيح مسمملم ‪ ,‬مممن نممماذج هممذا التمموجه والنفتمماح الحضمماري‬
‫والستفادة من الشعوب الخرى ‪.‬‬
‫ما قاله المستورد القرشي عند عمرو بن العمماص‪ :‬سمممعت رسممول‬
‫اللممه صمملى اللممه عليممه وسمملم يقممول‪ :‬تقمموم السمماعة والممروم أكممثر‬

‫‪ -‬المصدر نفسه ص ‪.150‬‬ ‫‪1‬‬

‫‪ -‬فتح الباري )‪.(148\8‬‬ ‫‪2‬‬

‫‪-‬الشورى للريسوني ص ‪.151‬‬ ‫‪3‬‬

‫‪-‬مسلم والبخاري‪.‬‬ ‫‪4‬‬

‫‪-134-‬‬
‫الناس ‪ ,‬فقال له عمرو‪ :‬أبصر ما تقول‪ :‬قال أقول ما سمممعت مممن‬
‫رسول الله صلى الله عليه وسلم قال‪ :‬لئن قلت ذلك ‪ ,‬فممإن فيهممم‬
‫لخصال ً أربعًا‪ :‬إنهم لحلم الناس عند فتنممة ‪ ,‬وأسممرعهم إفاقممة عنممد‬
‫مصيبة ‪ ,‬وُأوشكهم كرة بعد فره ‪ ,‬وخيرهم لمسكين ويتيم وضعيف‬
‫‪ ,‬وخامسة حسنة جميلة‪ :‬وأمنعهم من ظلم الملوك‪ 1‬وكلها صممفات‬
‫مدح وثناء والدعوة إلى القتداء ‪ ,‬وأقربها إلى دراستنا همذه الصمفة‬
‫الخامسممة )) وأمنعهممم مممن ظلممم الملمموك (( فالنهممج السمملمي‬
‫الصحيح‪ ,‬جواز التأسي بكل من أحسن في إحسانه ‪ ,‬وكل من أجاد‬
‫في إجادته وكل من أصاب في إصممابته ‪ ,‬والميمزان هممو‪ :‬مما يوافممق‬
‫السلم ويخدمه وما ينفع المسلمين ويخدم مصالحهم‪.‬‬
‫وعلى هذا الساس صار الصحابة والخلفمماء الراشممدون ‪ ,‬فاقتبسمموا‬
‫واستفادوا ‪ ,‬بل تحرج ول تنطع والمثلة كثيرة في هذا المجال‪.2‬‬
‫لقد عرف العصر الحديث تطورات هائلة وتجارب غنية مممن النظممم‬
‫السياسية والدارية وخاصة في مجال تشكيل المؤسسات المكلفة‬
‫بتدبير الشؤون العامة وتسييرها ومجمل هذه التطورات والتجممارب‬
‫والنماط التنظيميممة يمكممن دراسممتها والسممتفادة منهمما وننظممر فممي‬
‫جدواها ونتائجها ‪ ,‬ثم نأخممذ منهمما كممثيرا ً أو قليل ً واسمموا سمممي ذلممك‬
‫ديمقراطية أو أساليب ديمقراطية ‪ ,‬أو اقتباسا ً ديمقراطيا ً ‪ ,‬أو نهجا ً‬
‫ديمقراطيممما ً ‪ ,‬فمممالعبرة بالمسمممميات ‪ ,‬ل بالسمممماء وبالمعممماني ل‬
‫باللفمماظ وبالمحتويممات ل بالمصممطلحات ‪ ,‬وبالمقاصممد والجممواهر ل‬
‫بالوسائل والمظاهر ‪ ,‬كما يقول ابن القيم‪ :‬فإن العتبممار بالمقاصممد‬
‫والمعاني في القوال والفعال‪. 3‬‬
‫‪ -‬هل نستفيد من الديمقراطية‪:‬‬
‫إن الوسائل والموازين والطرق إنما تكتسب مشممروعيتها وأهميتهمما‬
‫ومكانتها من خلل ما تحققه وتفضي إليه‪.‬‬
‫قال ابن القيم‪ :‬فإن الله أرسممل رسممله وأنممزل كتبممه ليقمموم النمماس‬
‫بالقسممط ‪ ,‬وهممو العممدل الممذي قممامت بممه السممماوات والرض فممإذا‬
‫ظهرت أمممارات الحممق ‪ ,‬وقممامت أدلممة العقممل وأسممفر صممبحه بممأي‬
‫طريق كان ‪ ,‬فثم شرع الله ودينه ورضمماه وأمممره واللممه تعممالى لممم‬
‫يحصر طرق العدل وأدلته أماراته في نوع واحد وأبطممل غيممره مممن‬
‫الطرق التي هي أقوى منه وأدل وأظهممر بممل بيممن بممما شممرعه مممن‬
‫الطرق أن مقصودة إقامة الحق والعممدل وقيممام النمماس بالقسممط ‪,‬‬
‫فممأي طريممق اسممتخرج بممه الحممق ومعرفممة العممدل ‪ ,‬وجممب الحكممم‬
‫‪ -‬مسلم ‪,‬ك الفتن وأشراط الساعة‪.‬‬ ‫‪1‬‬

‫‪ -‬الشورى للريسوني ص ‪.153‬‬ ‫‪2‬‬

‫‪ -‬أعلم الموقعين)‪.(181\3‬‬ ‫‪3‬‬

‫‪-135-‬‬
‫بموجبها ومقتضاها والطرق أسممباب ووسممائل ل ت ُممرد لممذواتها وإنممما‬
‫المراد غاياتها‪.1‬‬
‫إن الخممذ مممن النظممم الديمقراطيممة‪ ،‬أو الخممذ بالديمقراطيممة مممع‬
‫تهذيبها وترشيدها‪ ،‬وإنما هو من باب طلب الحكمة أنى وجدت وهو‬
‫من باب السياسمة الشمرعية الرشميدة والسياسمة الشمرعية ‪ ,‬كمما‬
‫يقول ابن عقيل – هي ما كان من الفعال بحيث يكون الناس معممه‬
‫أقرب إلى الصمملح وأبعممد مممن الفسمماد‪ ،‬وإن لممم يشممرعه الرسممول‬
‫صلى الله عليه وسلم ول نزل به وحي‪.2‬‬
‫وحينما نقرر الستفادة من التجارب والنظم الديمقراطيممة ‪ ,‬فليممس‬
‫لحممد أن يقممول لنمما خممذوا الديمقراطيممة جملممة أو دعوهمما أو اقبلمموا‬
‫الديمقراطية على ع ّ‬
‫لتهمما أو ))خممذوا هممذا النممموذج بحممذافيره((‪ .‬أو‬
‫))خذوا الديمقراطية الغربية بحلوها ومّرها‪ 3‬لئن الديمقراطيممة عنممد‬
‫أهلها إنما هممي تجربممة إنسممانية قابلممة للنقممد والخممذ والعطمماء وهممم‬
‫معترفون بأن فيها عيوب ونقائص وآفات‪.4‬‬
‫* من آفات الديمقراطية‪:‬‬
‫فمن أكبر الفمات المتي تعماني منهما الديمقراطيممة اليموم‪ ،‬سميطرة‬
‫أرباب المال على مقاليممدها‪ ,‬بممدءا ً مممن السمميطرة علممى المؤسسمة‬
‫السياسية بما يتبعها من مؤسسممات متحكمممة وموجهممة ثممم التحكممم‬
‫في تأسيس الحزاب الكبرى وتمويلها ثم تمويل الحملت النتخابية‬
‫الباهظة التكاليف‪ ،‬بطرق قانونية وغير قانونيممة‪ ،‬ثممم امتلك وسممائل‬
‫العلم الكبرى والتحكم فيها وتوجيههما لصممالح مممن يريممدون‪ ،‬وضممد‬
‫من يريدون‪ ،‬وهكمذا نصمل فمي النهايمة إلمى أغلبيمة برلمانيمة تابعمة‬
‫للقلية‪ ،‬أو نصل إلى حكومة القلية المسماة بحكومة الغلبية‪.5‬‬
‫‪ 7‬ـ من الفروق بين الشورى والديمقراطية‪:‬‬

‫إذا اعتبرنا الديمقراطية مذهبا ً اجتماعيا ً قائم ما ً بممذاته فليممس لنمما أن‬
‫نقول إنها من السلم‪ ،‬أو أن السلم يقبلها ويستسيغها ويتضمممنها‪،‬‬
‫إذ هما مذهبان مختلفممان فممي أصممولهما وجممذورهما‪ ،‬أو فلسممفتهما‪،‬‬
‫ونتممائج تطبيقهمما ولكننمما إذا نظرنمما إليهمما علممى أنهمما اتجمماه يحممارب‬
‫الفردية‪،‬والستبداد والستئثار‪ ،‬والتمييز‪ ،‬ويسعى في سبيل جمهممرة‬
‫الشعب ويشركه في الحكم‪ ،‬وفي مراقبممة الحكممام‪ ،‬وسممؤالهم عممن‬
‫أعممالهم ومحاسمبتهم عليهما‪ ،‬فالسملم ذو نزعمة ديمقراطيمة بهمذا‬
‫أعلم الموقعين )‪ (373\4‬الطرق الحكمية ص ‪.21‬‬ ‫‪-‬‬ ‫‪1‬‬

‫أعلم الموقعين )‪.(372\4‬‬ ‫‪-‬‬ ‫‪2‬‬

‫الشورى للريسوني ص ‪.167‬‬ ‫‪-‬‬ ‫‪3‬‬

‫المصدر نفسه ص ‪.167‬‬ ‫‪-‬‬ ‫‪4‬‬

‫الشورى ومعاودة أخراج المة ص ‪.242‬‬ ‫‪-‬‬ ‫‪5‬‬

‫‪-136-‬‬
‫المعنى بل جدال‪ ،‬أو أن للسلم ديمقراطيته الخاصة به أي نظممامه‬
‫يمنع استبداد الحكام واسممتئثارهم‪ ،‬ويمك ّممن الشممعب مممن مراقبتهممم‬
‫ومحاسبتهم‪.1‬‬

‫يقول الدكتور محمد ضياء الريس‪ :‬إن ثمة أوجها ً للتفاق كممثيرة ممما‬
‫بيممن السمملم والديمقراطيممة‪ ،‬لكممن أوجممه الختلف أكممبر‪ ،‬وعليممه‬
‫سنحصممر الخلف فممي أهممم النقمماط المركزيممة ‪ ,‬علم ما ً أن البعممض‬
‫أوصلها إلى أكثر من خمممس وعشممرين نقطممة وجعممل منهمما حمماجزا َ‬
‫للفصل مابين الشورى والديمقراطية ‪ ,‬لعتبار أنممه مهممما يكممن مممن‬
‫التقمماء فممي بعممض الجممراءات ‪ ,‬فممإن هممذا الفممارق الضممخم يصممعب‬
‫تجاهله‪.2‬‬

‫‌أ ‪ -‬أن الديمقراطية غالبا َ ما كانت تمارس في أنظمة سياسممية لدينيممة ‪,‬‬
‫لسيما في الغرب ‪ ,‬لن العتقاد كان سائدا َ أن الحكم الممديني ينتممج‬
‫طبقممة كهنوتيممة ويجعممل الحمماكم مقدس ما َ ‪ ,‬وبالتممالي حصممر العلقممة‬
‫ويصادر الرأي المخالف ‪ ,‬ويتم إصدار أحكممام الكفممر والزندقممة ضممد‬
‫المعارضين ‪ ,‬كما حدث في أزمة الكنيسة والعلم في أوروبا‪.3‬‬

‫في حين أن الشورى تنبع عن مجتمع يممؤمن بممأن السمملم ل يحكممم‬


‫بعيدا َ عن معاني اليمان المرتبطة بالحياة بكافة أشممكالها وصممورها‬
‫ويجعل الدين منهاجا َ للحياة ‪ ,‬ول يحصر العبادة في طائفة أو فرقممة‬
‫وإن كانت حاكمة أو عالمة‪.4‬‬

‫إذا تم حصر أهداف الديمقراطية في القضايا الماديممة البحتممة ‪,‬‬ ‫ب‪-‬‬


‫‌‬
‫أوعزلها بالسياسممة والحكممم ‪ ,‬فهممذا تجميممد لمعناهمما وقممدرتها علممى‬
‫النسجام مع تطور المجتمعات ‪ ,‬في حين أن الشورى تسممعى الممى‬
‫بحممث كممل المسممائل والقضممايا ذات صمملة الماديممة أو الروحيممة ‪,‬‬
‫فالشممورى تبممدأ مممن النطمماق السممري الصممغير إلممى دائرة القبيلممة‬
‫والعشيرة والمجتمع والدولة ‪ ,‬وبالتالي تتحقق المشمماركة الشممعبية‬
‫فضل َ عن مشاركة النخب السياسية في إدارة الدولة والحكم‪.5‬‬

‫المصدر نفسه ص ‪.276‬‬ ‫‪-‬‬ ‫‪1‬‬

‫الشورى ‪ ,‬د‪.‬سامي الصلحات ص ‪.318‬‬ ‫‪-‬‬ ‫‪2‬‬

‫مذاهب فكرية معاصرة ‪ ,‬محمد قطب ص ‪.70 – 9‬‬ ‫‪-‬‬ ‫‪3‬‬

‫الشورى ‪ ,‬د‪.‬سامي الصلحات ص ‪.318‬‬ ‫‪-‬‬ ‫‪4‬‬

‫المصدر نفسه ص ‪.319‬‬ ‫‪-‬‬ ‫‪5‬‬

‫‪-137-‬‬
‫ج ‪ -‬أن مفهوم المة ليتحدد في السلم بجنس أو عممرق أو أرض ‪,‬‬
‫بل بمفهوم المة الوسع وبالتالي روح العقيدة السمملمية ومفهمموم‬
‫الوحممدة بيممن المسمملمين هممي الصممل ‪ ,‬فممي ظممل وجممود مفارقممات‬
‫سياسية ‪ ,‬في حين أن النظام الممديمقراطي يحممدد ذلممك فممي قطممر‬
‫معين ‪ ,‬مع وجود المشاحنات والتنافر بين أبناء القطر الواحد ‪.‬‬

‫س‪ -‬في النظام الممديمقراطي يكممون الشممعب هممو مصممدر التشممريع‬


‫وبالتحديد في إيكال أمر التمثيل إلممى فئة تمثلهممم فممي البرلمممان أو‬
‫المجلس النيابي ‪ ,‬علما ان أرادة الشعب تتمثل غالب ما َ فممي الغلبيممة‬
‫أو الكثريممة ‪ ,‬كممما أن النظممام النيممابي أو البرلممماني الممديمقراطي‬
‫يعوزه نوع من الدقة في مسألة التمثيل النسبي وهو أن ينممال كممل‬
‫حزب سياسي نصمميبا َ مممن مقاعممد الهيئة التشممريعية ‪ ,‬يتناسممب مممع‬
‫ماناله من مجمل الصوات التي أدلي بها في النتخابات وهممو يتيممح‬
‫أيضا َ فرصا َ لمرشحي أحزاب القلية في النتخابات للحصممول علممى‬
‫مقاعد فى المجلس ‪ ,‬إلى ضبابية البرامج النتخابية والدعائيممة ‪ ,‬أي‬
‫أن الذين يمثلمون الشمعب ليمس بالتأكيمد همم الشمرعية وإن كمانوا‬
‫حاصلين على تفويض بناَء على إجراءات النظام البرلماني ‪.‬‬

‫في حين أن في نظام الشورى يكون التشريع فيه للممه ‪ ,‬عممز وجممل‬
‫وحده والحاكميممة لممه سممبحانه‪ ،‬وحممتى فممي المسممائل الجتهاديممة أو‬
‫الخلفية‪ ،‬الصل أن لتخرج عن مقممررات الشممريعة وهممذا مممايوازيه‬
‫في النظام الديمقراطي السيادة في الفكر الغربي ‪ ,‬بيد أن سلطة‬
‫الشعب في ظل النظام السلمي ليس مطلقممة ‪ ,‬بممل هممي مقيممدة‬
‫بمقرارات الشريعة وأحكامها أو بصورة أوضممح ‪ ,‬أن الديمقراطيممة‬
‫تتجاهل المبادئ العليا والشرائع السماوية ‪ ,‬بل قد تكون في بعممض‬
‫الحيان في حال رفض وازدراء لكل المعتقدات السماوية‪.1‬‬

‫ج‪ -‬أن الشممورى مرتبطممة بالنظممام السمملمي الممذي يجمممع مممابين‬


‫الخلق والتشريع والعمل السياسي السلمي‪ ،‬ل يخممرج عممن إطممار‬
‫العمل الخلقي‪ ،‬لن الغاية من هذا النظام هو العمل علممى كسممب‬
‫الممدنيا والخممرة مع مَا‪ ،‬مممن خلل تحقيممق مصممالح الفممراد والدولممة‬
‫بصورة فيها صلح وعمران لمفهوم الستخلف في الرض ‪.‬‬

‫فممي حيممن أن الديمقراطيممة تخضممع غالب ما َ فممي الفكممر الغربممي إلممى‬


‫تحصيل المنافع والقيم النسبية ‪ ,‬حسممب رأي الغلبيممة ‪ ,‬لسمميما إذا‬
‫‪ -‬فقه الشورى والستشارة ‪ ,‬توفيق الواعي ص ‪.86‬‬ ‫‪1‬‬

‫‪-138-‬‬
‫كانت الغلبية مطلقة وعليه قد تقع الحيل والمخادعات وسياسممات‬
‫مكيا فيللي‪ "،‬الغايممة تممبرر الوسمميلة"‪ ،‬مممما يوقممع الفسمماد الخلقممي‬
‫والصلحي بإسم الديمقراطية ‪.‬‬

‫سيما إذا كممان الدسممتور والقيممم تنحصممر فممي هممذه الغلبيممة ‪ ,‬فمممن‬
‫الممكن أن تنحصر القيم التي تحكم الجراءات الديمقراطية ‪ ,‬وأن‬
‫يقممرر النمماخبون القممانون والقيمممة ‪ ,‬بممدون أي مرجعيممة أخلقيممة أو‬
‫معرفية ‪ ,‬كما فعل هتلر بعد حصوله على الغلبية من خلل العملية‬
‫الديمقراطيممة فقممام بتصممفية القليممات العرقيممة والدينيممة بموافقممة‬
‫الغلبية اللمانية ‪ ,‬وهذا النوع من الديمقراطية هممو الممممارس فممي‬
‫الغرب‪ ،‬إذ بهذا النظام القائم على تحصمميل المنفعممة واللممذة يمكممن‬
‫إجممازة الممزواج المثلممي‪ ،‬أو السممحاق أو الجهمماض‪ ،‬وغيممر ذلممك مممن‬
‫الفعال المخالفة للقيم النسانية بحجج تحصيل الغلبية من النواب‬
‫‪ ,‬إذ يكون بعضهم مرشحا َ من قبل هذه الجمعيممات الشمماذة أخلقيمما‬
‫وهذا مايجعلنا نؤكد على أن النظمة الغربيممة تقمموم علممى منظومممة‬
‫قيم تختلف جذريا عن تلك القائمة عند المسلمين وليس المشممكلة‬
‫فممي النظممام السياسممي فقممط ‪ ,‬بممل إجممراءات تحصمميل المصمملحة‬
‫للشعوب وهذا يعود بالساس إلى فلسفة القيم والخلق‪.1‬‬

‫أن قيمة الشورى كمفهوم شرعي لها من الدللت والمعاني‬


‫اليمانية ما هو أشمل وأوسع استخداما ً واستعمال ً من المقيدات‬
‫والمحددات في العملية الديمقراطية‪ ,‬إذ أن المواطن في الدولة‬
‫السلمية يستشعر مدى المسؤولية الشرعية أمام الله في إنكار‬
‫المنكر‪ ,‬وفي حمل الغير على ذلك‪ ,‬أي أن المسؤولية الشرعية‬
‫أقوى من المسؤولية القانونية في النظام الديمقراطي‪ ،2‬عن ابن‬
‫مسعود رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم‪ :‬أنه قال‪:‬‬
‫إن أول مادخل النقص على بني إسرائيل كان الرجل يلقى الرجل‪,‬‬
‫فيقول ياهذا اتق الله ودع ماتصنع‪ ,‬فإنه ل يحل لك‪ ,‬ثم يلقاه من‬
‫الغد فل يمنعه ذلك أن يكون أكيله وشريبه وقعيده‪ ,‬فلما فعلوا‬
‫فُروا ْ‬
‫ن كَ َ‬ ‫ذي َ‬ ‫ن ال ّ ِ‬ ‫ذلك‪ ,‬ضرب الله قلوب بعضهم ببعض‪ ,‬ثم قال " ل ُعِ َ‬
‫ما‬‫ك بِ َ‬‫م ذ َل ِ َ‬‫مْري َ َ‬ ‫ن َ‬ ‫سى اب ْ ِ‬ ‫عي َ‬ ‫داُوود َ وَ ِ‬ ‫ن َ‬ ‫سا ِ‬ ‫ل ع ََلى ل ِ َ‬ ‫سَراِئي َ‬ ‫من ب َِني إ ِ ْ‬ ‫ِ‬
‫ما‬
‫س َ‬‫منك َرٍ فَعَُلوه ُ ل َب ِئ ْ َ‬ ‫عن ّ‬ ‫ن َ‬ ‫كاُنوا ْ ل َ ي َت ََناهَوْ َ‬ ‫ن* َ‬ ‫دو َ‬ ‫كاُنوا ْ ي َعْت َ ُ‬ ‫صوا وّ َ‬ ‫عَ َ‬
‫ما‬‫س َ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬
‫فُروا لب ِئ ْ َ‬ ‫ن كَ َ‬ ‫ذي َ‬ ‫ّ‬
‫ن ال ِ‬ ‫ّ‬
‫م ي َت َوَلوْ َ‬ ‫من ْهُ ْ‬‫ن * ت ََرى ك َِثيًرا ّ‬ ‫ُ‬
‫فعَلو َ‬ ‫ْ‬
‫كاُنوا ي َ ْ‬ ‫َ‬
‫م وَِفي ال ْعَ َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫م‬
‫ب هُ ْ‬ ‫ذا ِ‬ ‫ه ع َل َي ْهِ ْ‬‫ط الل ّ ُ‬
‫خ َ‬ ‫س ِ‬‫م أن َ‬ ‫سه ُ ْ‬ ‫ف ُ‬ ‫م أن ُ‬ ‫ت ل َهُ ْ‬ ‫م ْ‬ ‫قَد ّ َ‬
‫‪ -‬الشورى د‪.‬سامي الصلحات ص ‪.321‬‬ ‫‪1‬‬

‫‪ -‬الشورى تنمية مؤسسية ونهوض حضاري ص ‪.321‬‬ ‫‪2‬‬

‫‪-139-‬‬
‫م‬ ‫خ ُ‬
‫ذوهُ ْ‬ ‫ما ات ّ َ‬ ‫ما ُأنزِ َ‬
‫ل إ ِل َي ْهِ َ‬ ‫ي وَ َ‬
‫ن ِبالله والن ّب ِ ّ‬‫مُنو َ‬ ‫ن * وَل َوْ َ‬
‫كاُنوا ي ُؤ ْ ِ‬ ‫دو َ‬
‫خال ِ ُ‬‫َ‬
‫َ‬
‫ن " )المائدة‪ ,‬اية‪78:‬م ‪ .( 81‬ثم‬ ‫قو َ‬
‫س ُ‬‫م َفا ِ‬‫من ْهُ ْ‬ ‫أوْل َِياء وََلمك ِ ّ‬
‫ن ك َِثيًرا ّ‬
‫قال‪ :‬كل والله لتأمرن بالمعروف ولتنهون عن المنكر‪ ,‬ولتأخذن‬
‫على يدي الظالم‪ ,‬ولتأطرنه على الحق أطرا‪ ,‬ولتقصرنه على‬
‫الحق قصرا ً‪ .1‬بل أجمع الفقهاء على وجوب طاعة الئمة والولة‬
‫في غير معصية‪ ,‬وعلى تحريمها من المعصية‪.2‬‬
‫‪-8‬أوجه التفاق بين الشورى والديمقراطية‪:‬‬

‫أم أن المساواة وحريممة الفكممر والعقيممدة والعدالممة الجتماعيممة فممي‬


‫الشورى والديمقراطية ل تنحصر بالنظام السياسي والحكممم‪ ,‬بقممدر‬
‫ماتؤكد على البعد الجتماعي بين أفراد المجتمع الواحد لسيما وأن‬
‫‪ :‬يعيش الشعب في ظل كيممان إنسمماني متعمماون‪ ,‬وفممي إطممار مممن‬
‫‪3‬‬
‫راحة العيش‬

‫والتكافل الجتماعي من خلل فرض الزكاة والصدقات فرض‬


‫الخراج على الغنياء إذا احتاجت الدولة للمال من أجل الدفاع عن‬
‫البلد وكفاية الفقراء والمحتاجين والمساكين‪ ,‬كما قال تعالى‪":‬‬
‫ن"‬‫وى وَل َ ت ََعاوَُنوا ْ ع ََلى ال ِث ْم ِ َوال ْعُد َْوا ِ‬ ‫وَت ََعاوَُنوا ْ ع ََلى اْلبّر َوالت ّ ْ‬
‫ق َ‬
‫) المائدة‪ ,‬آية ‪(2 :‬‬
‫وقضية العدالة بصورة عامة تدخل في كل شؤون الدين وتفاصيله‪,‬‬
‫كما يقمول ابمن عبدالسمملم‪ :‬العدالمة شممرط فممي معظممم الوليمات‪,‬‬
‫لتكون وازعة عن الخيانة والتقصير‪.4‬‬

‫وينطبممق هممذا أيض ما ً علممى الحريممة القتصممادية كممما روى جممابر بممن‬
‫‪5‬‬
‫عبدالله عن النبي صلى الله عليه وسلم قوله‪ :‬دعوا النماس يمرزق‬
‫الله بعضهم من بعض‪ ,‬فإذا استنصمح أحممدكم أخماه فلينصمحه وقممد‬
‫أكد الدكتور وهبة الزحيلي‪ :‬أن الديمقراطية الجتماعية في السلم‬
‫كممانت أبعممد مممدى بكممثير فممي حيمماة المسمملمين الوائل منهمما فممي‬
‫الممديمقراطيات الحديثممة‪ ,‬كممما كممانت الديمقراطيممة السياسممية فممي‬
‫السلم أكثر عنايممة وتحقيقما ً لهممداف الديمقراطيممة منهمما بأسمماليب‬
‫‪6‬‬
‫وشكليات تلك الديمقراطية‬

‫سنن أبي داود ‪ ,‬ك الملحم )‪.(160\4‬‬ ‫‪-‬‬ ‫‪1‬‬

‫الشورى تنمية مؤسسية ص ‪.322‬‬ ‫‪-‬‬ ‫‪2‬‬

‫السلم دين الشورى والديمقراطية للزحيلي ص ‪.96‬‬ ‫‪-‬‬ ‫‪3‬‬

‫قواعد الحكام في إصلح النام )‪. (109\1‬‬ ‫‪-‬‬ ‫‪4‬‬

‫سنن البيهقي ‪,‬ك البيوع )‪. (568\5‬‬ ‫‪-‬‬ ‫‪5‬‬

‫السلم دين الشورى والديمقراطية ص ‪.103‬‬ ‫‪-‬‬ ‫‪6‬‬

‫‪-140-‬‬
‫فهممما يتفقممان علممى تمكممن الفممرد مممن المشمماركة فممي القممرارات‬
‫المصيرية التي تهمه‪ ,‬وتهم المجتمع كله‪ ,‬كما أن الفرد يحصل على‬
‫نصيب عادل من ثروة بلده‪.‬‬

‫ب‪-‬أن المة أو الشعب هي التي تختار ممثليها أو حكامها فالشورى‬


‫والديمقراطية تدعوان لتوسيع مشمماركة النمماس فممي مجممال العمممل‬
‫السياسي‪ ,‬أو بصممورة أخممرى بنمماء المممة سياسمميا ً ويعممد هممذا واجبما ً‬
‫وطنيًا‪ ,‬وهناك اتفاق علممى رفممض أي نمموع مممن السممتبداد والنفممراد‬
‫بالرأي‪.1‬‬

‫لعل في تنبيهات الصديق )) رضي الله عنه((عند تسلمه الحكم ممما‬


‫يشير إلى أس الديمقراطية والشورى‪ ,‬عندما قال‪ :‬أيها الناس‪ :‬إني‬
‫ُوليت عليكم ولسممت بخيركممم‪ ,‬إن أحسممنت فممأعينوني‪ ,‬وإن أسممأت‬
‫فقوممموني‪ ,‬أطيعمموني ممما أطلعممت اللممه ورسمموله‪ ,‬فممإذا عصمميت فل‬
‫‪2‬‬
‫طاعة لي عليكم‬

‫هممذا المفهمموم الصمميل الممذي ذكممره الصممديق يوضممح مممدى غرابممة‬


‫وبشاعة الستبداد والمستبدين عن واقع المنهج الربمماني‪ ,‬بممل كممان‬
‫من أهداف بعث النبياء والرسل محاربة الستبداد في واقع القوام‬
‫والجماعممات سممواء أكممانت علممى نطمماق الفممراد فرعممون نمممرود‬
‫قارون ‪ ..‬أو على نطاق الجماعات‪ .‬قوم نوح‪ ,‬قمموم هممود‪ ,‬مشممركي‬
‫قريش‪ ,‬هذا الستبداد لون واحد ولكنه بشكل متعدد‪.3‬‬

‫وعلى توصميف الكواكمبي ت ‪1320‬همم أن )) المسمتبد يتحكمم فمي‬


‫شؤون النمماس بمإرادته ل بممإرادتهم‪ ,‬ويحمماكمهم بهمواه ل بشممريعتهم‬
‫ويعلم من نفسه أنمه الغاصممب المعتممدي‪ ,‬فيضممع كعممب رجلممه علممى‬
‫أفواه المليين مممن النمماس يسممدها عممن النطممق بممالحق‪ ,‬والتممداعي‬
‫بمطممالبته‪ , 4‬فالمسممتبد ل يمكممن أن يكممون رجممل دولممة‪ ,‬ورجممل‬
‫سياسة ‪ ,‬فقط رجل لتلبية الملذات التي تعتريه‪.5‬‬

‫الشورى د‪ .‬سامي الصلحات ص ‪. 315‬‬ ‫‪-‬‬ ‫‪1‬‬

‫صلبي ص ‪.150‬‬ ‫ابو بكر الصديق لل ّ‬ ‫‪-‬‬ ‫‪2‬‬

‫الشورى د‪ .‬سامي الصلحات ص ‪.315‬‬ ‫‪-‬‬ ‫‪3‬‬

‫طبائع الستبداد ومصارع الستعباد ص ‪.33‬‬ ‫‪-‬‬ ‫‪4‬‬

‫الشورى د ‪.‬سامي الصلحات ص ‪.315‬‬ ‫‪-‬‬ ‫‪5‬‬

‫‪-141-‬‬
‫ج‪ -‬عدم جمواز مخالفمة مصمالح الممة المتي تعقمد فمي الشمورى أو‬
‫الديمقراطيممة‪ ,‬لن هممذه المصممالح تصممدر عممن طريممق الموافقممة‬
‫الجماعية وليس عن طريق الهواء أو النفراد بالرأي‪.1‬‬

‫س‪ :‬هناك مقاربة فيممما يسمممى فممي النظمممة الديمقراطيممة بحكممم‬


‫الغلبية‪ ,‬أي أكممثر مممن نصممف الصمموات الممتي أدلممى بهمما‪ ,‬وبهمما يتممم‬
‫انتخاب الهيئات التشريعية بطريقممة التمثيممل النسممبي حيممث يعطممى‬
‫التمثيل النسبي الحزب السياسممي نسممبة مئويممة مممن مقاعممد الهيئة‬
‫التشريعية‪ ,‬تتناسب مع نصبيه من جملممة الصمموات الممتي أدلممى بهمما‬
‫في النتخابات‪ ,‬أي أن النظام يوجب أن توافق الغلبية على القرار‬
‫البرلماني حتى يعتمد‪ ,‬ويصبح القرار نافذ المفعول‪.2‬‬

‫في حين أن مبدأ الغلبية أو الكثرية معمول به ‪ ,‬لو تجاوزنمما بعممض‬


‫الملحظات على استعمال مصطلح الغلبية في نظام الديمقراطية‬
‫‪ ,‬وإن كان أمر القلية معتبرا ً‪.3‬‬

‫ولقممد اعتمممد فقهمماء السياسممة الشممريعة هممذا المبممدأ‪ ,‬وهممو العمممل‬


‫بالكثريممة ومصممطلح الكثريممة أو الكممثرة معمممول بممه فممي مبمماحث‬
‫التعممارض والترجيممح ومممن ذلممك قممول المممدي ‪631‬هممم‪ :‬إن الكممثرة‬
‫يحصممل بهمما الممترجيح‪ , 4‬ثممم انتقممل للعمممل بممه فممي مسممالك الحكممم‬
‫والسياسة ‪ ,‬كممما يممرى ذلممك العلممماء منهممم الغزالممي ‪505‬همم وابممن‬
‫تميمة ‪728‬هم وعلى لسان الماوردى ‪450‬هم م قمموله ‪ :‬ويكممون أهممل‬
‫المسجد أحق بالختيار‪ ,‬وإذا اختلف أهل المسجد فممي اختيممار إمممام‬
‫‪5‬‬
‫عمل على قول الكثرين‬

‫وكذلك ُيعمل به فممي مبممدأ الشممورى‪ ,‬كممما يممرى ذلممك السممتاذ عبممد‬
‫القادر عودة ‪1383‬هم والواقع أن الشورى لن يكممون لهمما معنممى إذا‬
‫لم يؤخذ برأي الكثرية ‪ ,‬ووجوب الشورى على المة يقضي التزام‬
‫رأي الكثرية‪.6‬‬

‫المصدر نفسه ص ‪.315‬‬ ‫‪-‬‬ ‫‪1‬‬

‫الشورى د‪.‬سامي الصلحات ص ‪.316‬‬ ‫‪-‬‬ ‫‪2‬‬

‫المصدر نفس ص ‪. 316‬‬ ‫‪-‬‬ ‫‪3‬‬

‫المصدر نفس ص ‪. 316‬‬ ‫‪-‬‬ ‫‪4‬‬

‫الحكام السلطانية ص ‪. 182‬‬ ‫‪-‬‬ ‫‪5‬‬

‫الشورى د‪.‬سامي الصلحات ص ‪. 317‬‬ ‫‪-‬‬ ‫‪6‬‬

‫‪-142-‬‬
‫والملحظة لقوال الفقهاء واختلفهم أن استعمالهم عبارة ما ذهب‬
‫إليه الجمهور وهم يعنون به‪ :‬الكثرية من الفقهاء سواء تعلق المممر‬
‫بالفقه أو السياسة‪.‬‬

‫والمشكلة التي يلتفت إليها هنا‪ ,‬هو اعتبممار الغلبيممة فمموق القممانون‪,‬‬
‫كممما كممان يحكممم الفلسممفة وأن غالبيممة الشممعب هممي الحاكمممة ل‬
‫القانون‪ ,1‬فهنمما ل نسممتطيع أن نجعممل هممذا وجممه اتفمماق لكممن وجممه‬
‫اختلف أساسي مابين الديمقراطية والشورى‪ ,‬بيد أن تعممويل ً علممى‬
‫أن الغلبية الواقعممة هنمما أغلبيممة اجتهاديممة فممي المصممالح العامممة‪ ،‬ل‬
‫أغلبية في أحكام التشريع والقانون‪.‬‬

‫ش‪ -‬أن عضوية المجلس النيابة تقارب عضمموية مجممالس الشممورى‬


‫فممي العديممد مممن الشممكال والصممور‪ ،‬فالعضمموية تشممترط أن يكممون‬
‫العضو قد بلغ سنا ً معينة‪ ,‬وأن ل يكون أقترف جرما ً يخل بالشرف‪,‬‬
‫وأن يكممون حسممن السمميرة والسمملوك‪ ,‬فممي حيممن أن المجممالس‬
‫الشورية تشترط ما هممو أقممرب إلمى هممذا‪ ,‬وأحكممم بالشمرع ‪ ,‬حيمث‬
‫تشترط أن يكون العضو ملتزما ً بممدين وأخلق السمملم‪ ,‬ذوي خممبرة‬
‫وممارسة وحنكة وأن يكون أهل ً للمسؤولية‪.2‬‬

‫‪ -9‬الديمقراطية كمنهج إجرائي‪:‬‬

‫يمكممن السممتفادة مممن الخممبرات المتعلقممة بممالنظم الديمقراطيممة‪,‬‬


‫كمنهج إجرائي وليست كعقيدة‪ ,‬بمعنى أنها منهج القممرارات العامممة‬
‫المتعلق بمصالح أفراد المجتمع منهج يشير إلممى ضممرورة التعممايش‬
‫مابين الفراد ولو اختلفوا في الممدين والعممرق واللممون‪ ,‬وأن يركممزوا‬
‫على فوائد الديمقراطية‪ ,‬كمنهج وآلية لفرز الصالح وطممرح الفاسممد‬
‫والمتسلط والناني ل أن ننظر إلممى ممما طرحممه ميكمما فيللممي حيممث‬
‫أشار إلى أن الحكومات يجب أل تكون تحت القيود الخلقيممة مثممل‬
‫الفراد‪ ,‬لنها ل تسمتطيع ذلمك‪ ,‬أو دعمموى أن الوسميلة تمبرر الغايممة‪,‬‬
‫وجعل الذرائعيممة المتلخصممة فممي قيمممة الفكممرة مممدخل ً لقبممول كممل‬
‫شيء‪ ,3‬ول شك أن الدول السلمية ملزمة دينيًا‪ ,‬أن تنص علممى أن‬
‫كل ما يتناقض مع السلم فهو باطممل وغيممر دسممتوري‪ ,‬وغيممر قابممل‬
‫للتنفيممذ ففممي أي مجتمممع إسمملمي يتكممون مممن أفممراد مسمملمين‪ ,‬ل‬
‫يتصور أن ينعقد بالغلبية أو الكثرية على تحريمهم ما أحل الله‪ ,‬أو‬
‫‪ -‬الشورى وأثرها في الديمقراطية ‪ ,‬النصاري ص ‪.33‬‬ ‫‪1‬‬

‫‪ -‬الشورى ‪ ,‬د‪.‬سامي صلحات ص ‪.317‬‬ ‫‪2‬‬

‫‪ -‬المصدر نفسه ص ‪.322‬‬ ‫‪3‬‬

‫‪-143-‬‬
‫تحليلهم ما حرم الله‪ ,‬ولو حممدث هممذا فلممن ينعقممد كممدليل أو إثبممات‬
‫شرعي وذلك لسببين‪ ,‬هما‪:‬‬

‫أن الصل في التحريم والتحليل أنه حق خممالص للممه عممز وجممل‬ ‫‪-‬‬
‫ً‬
‫وبالتالي ل يملك أحد من المسلمين جماعة أو فردا أن يتممولى هممذا‬
‫الحق‪.‬‬

‫ولو حدث هذا فرضا ً في مجتمممع مسمملم‪ ,‬فممالقول الشممرعي أن‬ ‫‪-‬‬
‫هذا الجتماع أو الحصول على أغلبيممة الصمموات فممي حكممم يخممالف‬
‫الشريعة ل ُيعتد به لمرين‪:‬‬

‫أن الحكممام الشممرعية ل تعقممد فممي مثممل هممذه المجممالس إذ أن‬ ‫‪-‬‬
‫الصممل فممي مناقشممات الحكممام الشممرعية أن تؤخممذ مممن أصممحابها‬
‫وليس من النواب أو البرلمانيين أو أعضاء المجالس النيابيممة‪ ,‬فهممم‬
‫ُرشممحوا أو اخممتيروا مممن أجممل إصمملح أوضمماع النمماس السياسممية‬
‫والقتصادية‪ ,‬ل العمل على تغير الحكام الشرعية‪.‬‬

‫ولممو حممدثت هممذه الغلبيممة فرضمما ُ فممي مجتمممع مسمملم باسممم‬ ‫‪-‬‬
‫الديمقراطية‪ ,‬فهذا ل يتعدى أن يكممون إجماعما ً سياسمميا ً أو اسممتفتاء‬
‫الرأي العام الشعبي‪ ,‬ل إجماعا ً شرعيا ً والفرق بينهما كبير‪.‬‬

‫ولو كانت الغلبية البرلمانية تريد أن تغير من أحكام الشريعة فإنها‬


‫كممذلك ل تسممتطيع‪ ,‬لن‪ ,‬أغلبيممة ل تسممتطيع فممي ظممل الحكومممة‬
‫السلمية أن تتعممدى حكمما ً شممرعيًا‪ ,‬علممى حيممن أنممه لتوجممد حممدود‬
‫شرعية في الحكومة غير السلمية لدرجة إباحة الزنما بمل الشمذوذ‬
‫وهو ما ل ُيطرح أساسا ً للبحث في إطممار الدولممة السمملمية مممادام‬
‫هناك نص‪.1‬‬

‫وبالتممالي فممالخوف مممن تغيممر الحكممام القطعيممة فممي الشممرائع أو‬


‫المعتقدات ل يكون‪ ,‬لن ذلك سيخالف الدستور المجمع عليممه عنممد‬
‫كافة الفئات والحزاب في الدولة‪ ,‬ولعتبار أن الشممعب هممو مصممدر‬
‫السمملطات‪ ,‬وبممما أن الشممعب اتفممق علممى هممذا الدسممتور وأقممره‪,‬‬
‫فالصل أن ل يخرج عنه قيد أنملة‪ ,‬وإل لم تكن هممذه الديمقراطيممة‬
‫ما يبحث عنها الفرد في مجتمعه‪ ,‬إذا كانت تخالف دينممه ومعتقممداته‬
‫وتراثمممه وأعرافمممه‪ ,‬ولن الشمممورى بمممذاتها وأصمممولها عنمممد علمممماء‬
‫‪ -‬الشورى ‪ ,‬د‪.‬سامي الصلحات ص ‪.324‬‬ ‫‪1‬‬

‫‪-144-‬‬
‫المسلمين‪ ,‬لم تكن مطلقه العنان بل كانت مقيدة بضوابط وأصول‬
‫دوه ُ إ َِلى الل ّهِ‬
‫يٍء فَُر ّ‬ ‫من أهمها قول الله تعالى‪ ":‬فَِإن ت ََناَزع ْت ُ ْ‬
‫م ِفي َ‬
‫ش ْ‬
‫ل " )النساء‪ ,‬آية‪.(59 :‬‬ ‫سو ِ‬
‫َوالّر ُ‬

‫فإذا كان هذا حال الشورى‪ ,‬فمن باب أولى أن تكون الديمقراطيممة‬
‫التي يريد المسلمون تطبيقها مقيده بدستور وأصول تعامليمة وهمذا‬
‫لن يتحقق إل بشرطين‪:‬‬

‫قبممول مجتمعممي لمبممدأ المسمماواة السياسممية بيممن المممواطنين فل‬ ‫‌أ‪-‬‬


‫سيادة لفممرد أو عائلممة أو حممزب علممى النمماس‪ ,‬كممما قممال عمممر بممن‬
‫الخطمماب رضممي اللممه عنممه‪ :‬مممتى اسممتعبدتم النمماس وقممد ولممدتهم‬
‫أمهمماتهم أحممرارا ً‪ ,1‬وهممذا يتحقممق لكافممة المممواطنين داخممل الدولممة‬
‫السلمية أو خارجها ‪ ,‬للمسلمين أو لغير المسلمين‪ ،‬وهذا ممما يعممبر‬
‫عنه بالمواطنممة‪ ،‬أي لكممل مممواطن حقمموق وواجبممات‪ ،‬وهممي حقمموق‬
‫وواجبات متسمماوية أمممام القممانون‪ ،‬وتعتممبر المسمماواة فممي الحقمموق‬
‫والواجبات حصانه من انفلت شعبي ضد السمملطة‪ ،‬أو قيممام حممرب‬
‫أهلية أو تناحر فئوي داخل المجتمع الواحد في حممال ضممياع حقمموق‬
‫فئة دون أخرى ‪ ,‬أو جماعة دون أختها ‪ ,‬وبهذا الشرط يمكننا حصممر‬
‫الختلف الطائفي والعرقي داخل المجتمع الواحد‪.2‬‬

‫ب‪ -‬التواصل إلى صيغة دستور ديمقراطممي ُيراعممي اعتبممارات مختلممف‬ ‫‌‬
‫الجماعات وشروط انخراطهمما فممي الممارسممة الديمقراطيممة وبهممذا‬
‫الدستور يمكن التحكم برغبات وتحكمات الفممراد والحممزاب داخممل‬
‫الدولممة بنمماًء علممى هممذا الدسممتور المتفممق عليممه‪ ,‬بممل سممتكون كممل‬
‫القرارات والقوانين الصادرة عن السلطات في الدولة خاضعة لممه‪,‬‬
‫وهو الذي يضمن حقوق وحريات كافة الممواطنين‪ ,‬ممع وضمع قيمود‬
‫دسممتورية لكممل ممارسممات السمملطة‪ ,‬لبممد أن يحمموي الدسممتور‬
‫الديمقراطي مبادئ منها‪:‬‬

‫سيطرة أحكام الشريعة السلمية‪.‬‬ ‫‪-‬‬

‫ل سيادة لفرد ول لقلة على الشعب‪.‬‬ ‫‪-‬‬

‫عدم الجمع بين السلطات‪.‬‬ ‫‪-‬‬

‫‪ -‬الشورى د‪.‬سامي الصلحات ص ‪.325‬‬ ‫‪1‬‬

‫‪ -‬الشورى د‪ .‬سامي الصلحات ص ‪.325‬‬ ‫‪2‬‬

‫‪-145-‬‬
‫ضمان الحقوق والحريات العامة‪.‬‬ ‫‪-‬‬

‫تداول السلطة‪.‬‬ ‫‪-‬‬

‫وبهذا نضمن الحقوق والحريممات لكافممة المممواطنين بكافممة أنواعهمما‬


‫ومجالتها الحياتية ضمن إطار الشريعة السلمية‪ 1‬العظيمة‪.‬‬

‫‪ 10‬ـ القيم النسانية في الشورى‪:‬‬

‫أن شريعة السلم قّررت الشورى النسانية في أبهى حلة عرفهمما‬


‫بني البشر من حيث الشكل والمضمون فقد ركز الممدين السمملمي‬
‫علي أهمية الموازنة بين حقوق المواطن السياسممية والقتصممادية ‪,‬‬
‫وجعل المر وسطا ‪ ,‬فأكد على حق النسممان فممي الحيمماة ‪ ,‬واعتممبر‬
‫المجتمع مسؤول ً عن توفير الحاجات الضرورية لفراده ‪ ,‬كممما ركممز‬
‫على حرية النسان وكرامته ‪ ,‬واعتبره مسؤول ً عن أفعاله أمام الله‬
‫وأمممام الشممرع مسممتهدفا ً بممذلك حمايممة النفممس والمممال والعممرض‬
‫والكرامة النسانية بشكل متوازن‪.2‬‬

‫وإن كانت لفظة الحرية لم ترد في القرآن الكريم ولكن وردت‬


‫ن‬
‫كا َ‬ ‫ما َ‬ ‫على اشتقاقات متعددة مثل تحرير‪ ,‬كقوله تعالى‪ " :‬وَ َ‬
‫ريُر‬ ‫ِ‬ ‫خط ًَئا فَت َ ْ‬
‫ح‬ ‫مًنا َ‬‫مؤ ْ ِ‬
‫ل ُ‬ ‫خط ًَئا وَ َ‬
‫من قَت َ َ‬ ‫مًنا إ ِل ّ َ‬
‫مؤ ْ ِ‬‫ل ُ‬ ‫ن َأن ي َ ْ‬
‫قت ُ َ‬ ‫مؤ ْ ِ‬
‫م‬ ‫لِ ُ‬
‫رقَبة ٍمؤ ْمنة " )النساء ‪ ,‬آية‪ (92 :‬ولفظة محررًا" إذ ْ َقال َت امرأةَُ‬
‫ِ ْ َ‬ ‫ِ‬ ‫َ َ ٍ ّ ِ َ ٍ‬
‫مّني إ ِن ّ َ‬
‫ك‬ ‫ل ِ‬ ‫حّرًرا فَت َ َ‬
‫قب ّ ْ‬ ‫ما ِفي ب َط ِْني ُ‬
‫م َ‬ ‫ك َ‬‫ت لَ َ‬ ‫ب إ ِّني ن َذ َْر ُ‬ ‫ن َر ّ‬‫مَرا َ‬ ‫ع ْ‬ ‫ِ‬
‫َ‬
‫م " ) ال عمران ‪ ,‬آية‪.(35 :‬‬ ‫ميعُ ال ْعَِلي ُ‬ ‫س ِ‬
‫ت ال ّ‬ ‫أن َ‬
‫ولهذا جاء السلم محاربا ً كل أشكال التمييز والتفرقة بيممن النمماس‪,‬‬
‫وقممد حممارب السمملم الممرق )) التمييممز العنصممري(( السممائد آنممذاك‬
‫بحكمه‪.3‬‬

‫والحريممة أنممواع تشمممل الفممرد والجماعممة فممي النظممام السياسممي‬


‫السلمي من أبرزها‪.‬‬

‫‪ -‬الحرية الشخصية‪ :‬وهي إمكانية الفرد فعل ما يريد بشرط‬


‫أن ل يضر بالخرين وقد كفل السلم حرية الفراد في العتقاد‬
‫ن ال ْغَ ّ‬
‫ي‬ ‫م َ‬
‫شد ُ ِ‬ ‫ن َقد ت ّب َي ّ َ‬
‫ن الّر ْ‬ ‫والفكر قال تعالى‪ ":‬ل َ إ ِك َْراه َ ِفي ال ّ‬
‫دي ِ‬
‫‪ -‬المصدر نفسه ص ‪.325‬‬ ‫‪1‬‬

‫‪ -‬الشورى د‪ .‬سامي الصلحات ص ‪.329‬‬ ‫‪2‬‬

‫‪ -‬المصدر نفسه ص ‪.330‬‬ ‫‪3‬‬

‫‪-146-‬‬
‫ى‬
‫ق َ‬‫ك ِبال ْعُْروَةِ ال ْوُث ْ َ‬
‫س َ‬
‫م َ‬
‫ست َ ْ‬ ‫من ِبالل ّهِ فَ َ‬
‫قد ِ ا ْ‬ ‫ت وَي ُؤ ْ ِ‬ ‫غو ِ‬ ‫فْر ِبال ّ‬
‫طا ُ‬ ‫ن ي َك ْ ُ‬‫م ْ‬‫فَ َ‬
‫م " ) البقرة ‪ ,‬آية‪.(256 :‬‬ ‫ميعٌ ع َِلي ٌ‬ ‫س ِ‬‫ه َ‬‫م ل ََها َوالل ّ ُ‬
‫صا َ‬ ‫ف َ‬ ‫ل َ ان ِ‬
‫ولقد كان النبي صلى الله عليه وسلم سياسمميا ً محنك ما ً فممي إعطمماء‬
‫الحرية للمسلمين وغيممر المسمملمين مممن خلل دسممتور جممامع لكممل‬
‫المواطنين عنمدما أراد اسممتيعاب اليهمود كسممكان للمدينممة المنممورة‬
‫تحت رايته وحكمه‪ ,‬ولم ينشأ صلى الله عليه وسلم اتخمماذ سياسممة‬
‫الستئصال أو التطهير الديني ضد غيممر المسمملمين‪ ,‬بممل كممان نهجممه‬
‫إعطمماء هممامش أوسممع للحريممات الدينيممة‪ 1‬دلممت الصممحيفة بوضمموح‪,‬‬
‫وجلء على عبقرية الّرسممول صمملى اللممه عليممة وسمملم فممي صممياغة‬
‫دهمما‬
‫دها وتحديد علقات الطراف بعضها ببعض ‪ ,‬فقد كممانت موا ّ‬ ‫موا ّ‬
‫مترابطة ‪ ,‬وشاملة وتصلح لعلج الوضاع في المدينة آنذاك‪ ،‬وفيهمما‬
‫من القواعد والمبادئ ما يحقق العدالة المطلقة‪ ،‬والمساواة التامة‬
‫بين البشر‪ ,‬وأن يتمتع بنو النسان علممى اختلف ألمموانهم‪ ،‬ولغمماتهم‪،‬‬
‫حريات بأنواعها‪.2‬‬ ‫وأديانهم‪ ،‬بالحقوق وال ّ‬

‫ول تزال المبادئ التي تضمّنها الدستور‪ -‬في جملتهمما – معمممول بهمما‬
‫والغلب أّنها ستظل كذلك في مختلف ُنظم الحكم المعروفممة إلممى‬
‫اليوم‪ ...‬وصل إليها الناس بعد قرون من تقريرها ‪ ,‬فممي أول وثيقممة‬
‫سياسممّية دّونهمما الّرسممول صمملى اللممه عليممه وسمملم‪ 3‬فقممد أعلنممت‬
‫صحيفة‪ :‬أن الحريات مصممونة ‪ ,‬كحريممة العقيممدة والعبممادة ‪ ,‬وحممق‬ ‫ال ّ‬
‫المن‪ ...‬الممخ‪ ,‬فحريممة الممدين مكفولممة‪ :‬للمسمملمين دينهممم‪ ،‬ولليهممود‬
‫صحيفة بإنزال الوعيد‪ ،‬وإهلك من يخممالف هممذا‬ ‫دينهم وقد أنذرت ال ّ‬
‫صممت الوثيقممة علممى تحقيممق‬‫المبدأ‪ ،‬أو يكسر هذه القاعممدة ‪ ,‬وقممد ن ّ‬
‫‪4‬‬
‫العدالة بين الناس وعلى تحقيق مبدأ المساواة ‪.‬‬

‫إن الدولة السلمية واجب عليها أن تقيم العدل بين الناس‪,‬‬


‫ل إنسان – يطلب حقه – أن‬ ‫سر السبل أمام ك ّ‬
‫وتفسح المجال وتي ّ‬
‫يصل إلى حقه بأيسر السبل وأسرعها ‪ ,‬دون أن يكلفه ذلك جهدا ً ‪,‬‬
‫أو مال‪ , 5‬وعليها أن تمنع أي وسيلة من الوسائل ‪ ,‬التي من شأنها‬
‫أن تعوق صاحب الحقّ من الوصول إلى حقه ‪ ,‬لقد أوجب السلم‬
‫على الحكام أن يقيموا العدل بين الناس دون النظر إلى لغاتهم أو‬
‫أوطانهم ‪ ,‬أو أحوالهم الجتماعية‪ ,‬فهو يحكم بين المتخاصمين‬
‫المصدر نفسه ص ‪.331‬‬ ‫‪-‬‬ ‫‪1‬‬

‫دولة الرسول من التكوين إلى التمكين ص ‪.420‬‬ ‫‪-‬‬ ‫‪2‬‬

‫النظام السياسي لبي فارس ص ‪.65‬‬ ‫‪-‬‬ ‫‪3‬‬

‫لبي)‪.(575\1‬‬‫ص ّ‬
‫السيرة النبوية لل ّ‬ ‫‪-‬‬ ‫‪4‬‬

‫المصدر نفسه )‪.(576\1‬‬ ‫‪-‬‬ ‫‪5‬‬

‫‪-147-‬‬
‫مه أن يكون المحكوم لهم أصدقاء‪ ،‬أو أعداء‪،‬‬ ‫ويحكم بالحقّ ول يه ّ‬
‫َ‬
‫ن‬
‫ذي َ‬ ‫أغنياء‪ ،‬أو فقراء‪ ،‬عمال ً أو أصحاب عمل قال تعالى‪َ ":‬يا أي َّها ال ّ ِ‬
‫ن قَوْم ٍ‬ ‫شَنآ ُ‬ ‫م َ‬ ‫من ّك ُ ْ‬ ‫جرِ َ‬ ‫ط وَل َ ي َ ْ‬ ‫س ِ‬ ‫ق ْ‬ ‫داء ِبال ْ ِ‬ ‫شه َ َ‬ ‫ن ل ِل ّهِ ُ‬ ‫مي َ‬ ‫وا ِ‬ ‫كوُنوا ْ قَ ّ‬ ‫مُنوا ْ ُ‬ ‫آ َ‬
‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫ُ‬ ‫ْ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫خِبيٌر‬ ‫ه َ‬ ‫ن الل َ‬ ‫ه إِ ّ‬ ‫قوا الل َ‬ ‫وى َوات ّ ُ‬ ‫ق َ‬ ‫ب ِللت ّ ْ‬ ‫ع َلى أل ّ ت َعْد ِلوا اع ْد ِلوا هُوَ أقَْر ُ‬
‫ن" )المائدة ‪ ,‬آية‪ (8:‬والمعنى ‪ :‬ل يحملنكم ُبغض قوم‬ ‫مُلو َ‬ ‫ما ت َعْ َ‬ ‫بِ َ‬
‫ب قوم على‬ ‫على ظلمهم ‪ ,‬ومقتضى هذا أنه ل يحملنكم ح ّ‬
‫محاباتهم والميل إليهم‪.1‬‬
‫َ‬ ‫ك َفادع ُ واستقم ك َ ُ‬
‫م‬
‫واءهُ ْ‬ ‫ت وََل ت َت ّب ِعْ أهْ َ‬ ‫مْر َ‬ ‫ما أ ِ‬ ‫ْ َ ْ َِ ْ َ‬ ‫وقال تعالى‪ ":‬فَل ِذ َل ِ َ‬
‫ت ِل َع ْد ِ َ‬ ‫ُ‬ ‫ما َأنَز َ‬
‫ه َرب َّنا‬ ‫م الل ّ ُ‬ ‫ل ب َي ْن َك ُ ُ‬ ‫مْر ُ‬ ‫ب وَأ ِ‬ ‫من ك َِتا ٍ‬ ‫ه ِ‬ ‫ل الل ّ ُ‬ ‫ت بِ َ‬ ‫من ُ‬ ‫لآ َ‬ ‫وَقُ ْ‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫ع‬
‫م ُ‬ ‫ج َ‬ ‫ه يَ ْ‬ ‫م الل ّ ُ‬ ‫ة ب َي ْن ََنا وَب َي ْن َك ُ ُ‬ ‫ج َ‬ ‫ح ّ‬‫م َل ُ‬ ‫مال ُك ُ ْ‬ ‫م أع ْ َ‬ ‫مال َُنا وَل َك ُ ْ‬ ‫م ل ََنا أع ْ َ‬ ‫وََرب ّك ُ ْ‬
‫صيُر " )الشورى‪ ,‬آية‪ : (15:‬يعني أنني مأمور‬ ‫م ِ‬ ‫ب َي ْن ََنا وَإ ِل َي ْهِ ال ْ َ‬
‫ضد‬ ‫صب لحد أو ّ‬ ‫بالنصاف دون عداوة‪ ,‬فليس من شأني أن أتع ّ‬
‫أحد ‪ ,‬وعلقتي بالناس كّلهم سواء ‪ ,‬وهي علقة العدل‪ ،‬والنصاف‬
‫فأنا نصير من كان الحق في جانبه وخصيم من كان الحق ضده‬
‫وليس في ديني أيّ امتيازات ليّ فرد كائنا ً من كان وليس لقاربي‬
‫ميزات ل‬ ‫حقوق ‪ ,‬وللغرباء حقوق أخرى ‪ ,‬ول للكابر عندي م ّ‬
‫ق‬
‫يحصل عليها الصاغر‪ ,‬والشرفاء والوضعاء عندي سواء‪ ،‬فالح ّ‬
‫حق للجميع والذنب والجرم ذنب للجميع ‪ ,‬والحرام حرام على‬
‫ل ‪ ,‬حتى أنا‬ ‫ل والفرض فرض على الك ّ‬ ‫ل حلل للك ّ‬ ‫ل ‪ ,‬والحل ٍ‬ ‫الك ّ‬
‫َ‬
‫لست مستثنى من سلطة القانون اللهي ‪ .‬وقال تعالى‪َ ":‬يا أي َّها‬ ‫‪2‬‬
‫فسك ُم أوَ‬ ‫َ‬
‫داء ل ِل ّهِ وَ َل َوْ ع ََلى أن ُ ِ ْ ِ‬ ‫شه َ َ‬ ‫ط ُ‬ ‫س ِ‬
‫َ‬
‫ق ْ‬‫ن ِبال ْ ِ‬ ‫مي َ‬ ‫وا ِ‬ ‫كوُنوا ْ قَ ّ‬ ‫مُنوا ْ ُ‬ ‫نآ َ‬ ‫ذي َ‬ ‫ال ّ ِ‬
‫ما فَل َ ت َت ّب ُِعوا ْ‬ ‫َ‬
‫ه أوَْلى ب ِهِ َ‬ ‫قيًرا َفالل ّ ُ‬ ‫ن غ َن ِّيا أوْ فَ َ‬ ‫ن ِإن ي َك ُ ْ‬ ‫ن َوالقَْرِبي َ‬ ‫ِ‬ ‫وال ِد َي ْ‬ ‫ال ْ َ‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫ن‬‫مُلو َ‬ ‫ما ت َعْ َ‬ ‫ن بِ َ‬ ‫كا َ‬ ‫ه َ‬ ‫ن الل ّ َ‬ ‫ضوا ْ فَإ ِ ّ‬ ‫ووا ْ أوْ ت ُعْرِ ُ‬ ‫وى أن ت َعْد ُِلوا ْ وَِإن ت َل ْ ُ‬ ‫ال ْهَ َ‬
‫خِبيًرا " ) النساء ‪ ,‬أية‪.(135 :‬‬ ‫َ‬
‫إن في فقه أهل الذمة عند علماء الشريعة والسياسة الشرعية ممما‬
‫يشير إلى أن علماءنا كانوا‪ ,‬منصممفين وعممادلين لهممل الذمممة وكممان‬
‫لهم حقوق على أساس المواطنة والحرية الكاملة لهم وليس على‬
‫أساس الدين والقومية لهم ولم يشممهد عصممر إسمملمي علممى مممدار‬
‫الحضارة السلمية أي عملية تطهير عرقي أو استئصممال دينممي لي‬
‫جماعة دينية أو عرقية‪ ,‬بل كممانت الممديار السمملمية دائممما الحاضممنة‬
‫الولى لى جماعة تريممد أن ‪ ،‬تحتفممظ لكينونتهمما الدينيممة والثقافيممة ‪,‬‬
‫كما كان الحال مع اليهود وهروبهم من النممدلس ))أسممبانيا(( جممراء‬

‫لبي )‪.(576\1‬‬‫ص ّ‬
‫‪ -‬السيرة النبوية لل ّ‬
‫‪1‬‬

‫‪ -‬الحكومة السلمية لبي العلي المودودي ص ‪.202‬‬ ‫‪2‬‬

‫‪-148-‬‬
‫القمممع الصممليبي والتطهيممر الممديني إلممى دار السمملم‪ ،‬ولممم تكممن‬
‫العنصرية يوما ً من اليام دائرة في دعوة السلم‪.1‬‬

‫وهناك حرية العمل ‪ ,‬وحرية التعليم‪ ،‬وحرية التظلم ضد من يسممبب‬


‫له الذى ولو كان حاكما أو مسممؤول فممي السمملطة وحريممة السممكن‬
‫والقامة ‪ ..‬الخ‬

‫فحرية الفرد في الدولة السمملمية فممي إبممداء رأيممه والتعممبير عنممه ‪,‬‬
‫وحريتممه فممي النتمماء الفكممري لي جماعممة تحممت مظلممة السمملم ‪,‬‬
‫مادامت هذه الجماعة تتخذ من السلم منهجا ً فكريا‪ ،‬ومممن أصمموله‬
‫العقائدية قواعد في التفكير‪ ,‬ل حرج على الفرد في هممذا النتممماء ‪,‬‬
‫إذ أن الطبائع تختلف في الوسمميلة وتتفممق فممي المممآل والمصممير‪ ,‬ل‬
‫سيما إذا كان الطريق واحدًا‪ ،‬وهو طريق السلم‪.‬‬

‫إن دعامة العمدل والحريمة ‪ ,‬أصملن فممي شمريعتنا ول يخفممى أنهمما‬


‫ملك القوة والستقامة في جميع الممالك‪.2‬‬

‫‪-‬المساواة‪:‬‬

‫يعد ّ مبدأ المساواة أحد المبادئ العامة التي أقّرها السلم وهو من‬
‫المبادئ التي تساهم في بناء المجتمع المسلم ولقد أقّر هذا المبدأ‬
‫ما ورد في‬ ‫‪ ,‬وسبق به تشريعات ‪ ,‬وقوانين العصر الحديث وم ّ‬
‫َ‬
‫القرآن الكريم تأكيدا ً لمبدأ المساواة قوله تعالى‪َ ":‬يا أي َّها الّنا ُ‬
‫س‬
‫ُ‬
‫ن‬‫ل ل ِت ََعاَرُفوا إ ِ ّ‬‫شُعوًبا وَقََبائ ِ َ‬‫م ُ‬ ‫جعَل َْناك ُ ْ‬ ‫من ذ َك َرٍ وَأنَثى وَ َ‬ ‫كم ّ‬ ‫قَنا ُ‬‫خل َ ْ‬‫إ ِّنا َ‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫خِبيٌر " ) الحجرات ‪ ,‬آية‪:‬‬ ‫م َ‬‫ه ع َِلي ٌ‬ ‫ن الل ّ َ‬‫م إِ ّ‬ ‫عند َ الل ّهِ أت ْ َ‬
‫قاك ُ ْ‬ ‫م ِ‬ ‫مك ُ ْ‬ ‫أك َْر َ‬
‫‪.(13‬‬
‫وفي حجة الوداع قال رسول اللممه صمملى اللممه عليممه وسمملم‪ :‬ياأيهمما‬
‫الناس ‪ ,‬أل إن ربكم واحممد ‪ ,‬وإن أبمماكم واحممد ‪ ,‬أل ل فضممل لعربممي‬
‫على أعجمي‪ ,‬ول لعجمى على عربممي ‪ ,‬ول لحمممر علممى أسممود ول‬
‫أسود على أحمر إل بالتقوى ‪ ,‬أبلغت؟ قالوا‪ :‬بلغ رسول اللممه صمملى‬
‫اللممه عليممه وسمملم‪ ,‬ثممم قممال‪ :‬فممإن اللممه قممد حممرم بينكممم دممماءكم‬
‫وأموالكم‪ ..‬أبلغت؟ قالوا‪ :‬بلغ رسول الله صمملى اللممه عليممه وسمملم‪,‬‬
‫وقال‪ :‬ليبلغ الشاهد الغائب‪.3‬‬

‫‪ -‬الشورى ‪ ,‬د‪.‬سامي صلحات ص ‪.322‬‬ ‫‪1‬‬

‫‪ -‬المصدر نفسه ص ‪.333‬‬ ‫‪2‬‬

‫‪ -‬مسند أحمد )‪.(411\5‬‬ ‫‪3‬‬

‫‪-149-‬‬
‫وقد ورد عن الرسول صلى الله عليه وسلم قوله‪ :‬المؤمنون تكافؤ‬
‫دماؤهم ‪ ,‬وهم يد على من سممواهم ‪ ,‬ويسممعى بممذمتهم أدنمماهم‪ 1‬إن‬
‫هذا المبدأ كان من أهم المبادئ التي جممذبت الكممثير مممن الشممعوب‬
‫قديما ً نحو السلم‪ ،‬فكممان هممذا المبممدأ مصممدرا ً مممن مصممادر الق م ّ‬
‫وة‬
‫للمسلمين الّولين‪.2‬‬

‫مممة(( بيممن النمماس‬


‫وليس المقصود بالمساواة هنا ‪)) ,‬المسمماواة العا ّ‬
‫جميعا ً في أمور الحياة كافة‪ ،‬كما ينممادى بعممض المخممدوعين ويممرون‬
‫ذلك عممدل‪ ,3‬فممالختلف فممي المممواهب ‪ ,‬والقممدرات والتفمماوت فممي‬
‫ن المقصود المساواة ‪ ,‬الممتي‬ ‫الدرجات غاية من غايات الخلق ‪ ,‬ولك ّ‬
‫دعممت إليهمما الشممريعة السمملمية ‪ ,‬مسمماواة مقيممدة بممأحوال فيهمما‬
‫التساوى ‪ ,‬وليست مطلقة في جميع الحوال‪ ,4‬فالمساواة تأتي في‬
‫معاملة الناس أمممام الشممرع والقضمماء‪ ،‬والحكممام السمملمية كافممة‪،‬‬
‫الحقوق العامة دون تفريق بسبب الصمل أو الجنمس‪ ،‬أو اللمون‪ ،‬أو‬
‫الثروة‪ ،‬أو الجاه‪ ،‬أو غير ذلك‪.5‬‬

‫ن الناس جميعا ً في نظر السلم سواسممية‪ ،‬الحمماكم‪ ،‬والمحكمموم ‪,‬‬ ‫إ ّ‬


‫الّرجممال والنسمماء‪ ،‬والعممرب والعجممم البيممض والسممود‪ ،‬لقممد ألغممى‬
‫السلم الفوارق بين الناس بسممبب الجنممس‪ ،‬واللممون‪ ،‬أو الّنسممب‪،‬‬
‫كام والمحكمون كلهم في نظر الشممرع سممواء ولممذا‬ ‫أوالطبقة‪ ،‬والح ّ‬
‫كانت الدولة السلمية الولى ‪ ,‬تعمل على تطبيق هممذا المبممدأ بيممن‬
‫الناس وكانت ترعي التي ‪:‬‬

‫إن مبدأ المساواة أمر تعبممديّ ‪ ,‬تممؤجر عليممه مممن خممالق الخلممق‬ ‫‪-‬‬
‫سبحانه وتعالى‪.‬‬

‫إسممقاط العتبممارات الطبقيممة‪ ،‬والعرفيممة‪ ،‬والقبليممة‪ ،‬والعنصممرية‬ ‫‪-‬‬


‫والقومية‪ ،‬والوطنية‪ ،‬والقليمية‪ ،‬وغير ذلك من الشعارات الماحقممة‬
‫ي بممدل ً عنهمما‬
‫لمبممدأ المسمماواة النسممانية ‪ ,‬وإحلل المعيممار اللهمم ّ‬
‫للتفاضل‪ ,‬أل وهو الّتقوى‪.‬‬

‫‪ -‬سنن أبي داود ‪ ,‬ك الديان )‪.(238\4‬‬ ‫‪1‬‬

‫‪-‬مبادىء نظام الحكم في السلم عبد الحميد متولى ص ‪.185‬‬ ‫‪2‬‬

‫‪ -‬الخلق السلمية ‪ ,‬حبنكة الميداني )‪.(624\1‬‬ ‫‪3‬‬

‫‪ -‬مبادىء علم الدارة ‪ ,‬لمحمد نور الدين ص ‪.116‬‬ ‫‪4‬‬

‫صلبي ص ‪.463‬‬ ‫‪ -‬فقه التمكين في القرآن الكريم لل ّ‬


‫‪5‬‬

‫‪-150-‬‬
‫ضرورة مراعمماة مبممدأ تكمافؤ الفممرص للجميممع‪ ,‬ول ُيراعممى أحممد‬ ‫‪-‬‬
‫لجاهه أو سلطانه‪ ,‬أو حسممبه ونسممبه‪ ,‬وإّنممما الفممرص للجميممع وك م ّ‬
‫ل‬
‫على حسب قدرته‪ ,‬وكفاءاته‪ ,‬ومواهبه‪ ,‬وطاقته‪ ,‬وإنتاجه‪.‬‬

‫وى‬ ‫إن تطبيق مبدأ المساواة بيممن رعايما الدولممة السمملمية تقم ّ‬ ‫‪-‬‬
‫حد كلمتها وينتممج عنممه مجتمممع متماسممك مممتراحم يعيممش‬ ‫فها‪ ,‬ويو ّ‬‫ص ّ‬
‫‪1‬‬
‫لعقيدة‪ ,‬ومنهج‪ ,‬ومبدأ كانت الوثيقة بالمدينة في عهد رسممول اللممه‬
‫وماتهمما‬‫م ممما قممد تحتمماجه الدولممة‪ ,‬مممن مق ّ‬‫قممد اشممتملت علممى أتمم ّ‬
‫الدستورية ‪ ,‬والدارية ‪ ,‬وعلقة الفراد بالدولة وظل القممرآن يتنممزل‬
‫في المدينة عشر سنين‪ ,‬يرسم للمسمملمين خللهمما مناهممج الحيمماة ‪,‬‬
‫ويرسممي مبممادئ الحكممم ‪ ,‬وأصممول السياسممة ‪ ,‬وشممؤون المجتمممع‪،‬‬
‫وأحكام الحرام والحلل‪ ،‬وأسس الّتقاضي‪ ،‬وقواعد العدل‪ ،‬وقوانين‬
‫سممنة الشممريفة تممدعم‬ ‫داخل ‪ ,‬والخممارج وال ّ‬‫دولة المسمملمة فممي الم ّ‬ ‫ال ّ‬
‫صله في تنوير وتبصره ‪ ,‬فالوثيقة خطت خطوطا ً‬ ‫هذا ‪ ,‬وتشيده وتف ّ‬
‫عريضة في الترتيبات الدستورية‪ ,‬وُتعد ّ فممي قمممة المعاهممدات الممتي‬
‫دد صلة المسلمين م بغير المسلمين‪ -‬المقيمين معهم في شمميء‬ ‫تح ّ‬
‫‪2‬‬
‫كثير من التسامح ‪ ,‬والعدل ‪ ,‬والمساواة ‪.‬‬

‫كانت هذه الوثيقة‪ ,‬فيها من المعاني الحضارية الشيء الكثير وما‬


‫‪3‬‬
‫توافق الّناس على تسميته اليوم بحقوق النسان‬

‫وفي تطبيقات الصحابة وعلماء السلم ما يشممهد لمبممدأ المسمماواة‬


‫بممالقوة والظهممور‪ ,‬ل سمميما فممي تطممبيق هممذا السمماس علممى غيممر‬
‫المسلمين داخل الدولة السلمية ‪ ,‬والثار في هممذا متعممددة ‪ ,‬منهمما‬
‫على سبيل المثال قول عمر لبن عمرو بممن العمماص عنممدما ضممرب‬
‫القبطي بمصر‪ :‬متى استعبدتم الناس وقد ولدتهم أمهاتهم أحرارا ً‪.4‬‬

‫وفي المساواة في سلطة القضاء نجمد أن الفصمل بيمن السملطات‬


‫كان قائما ً في نظام الحكم السلمي على أوسممع نطمماق‪ ,‬فالحمماكم‬
‫قد يقف أمام قاضى معين من قبله إذا اقتضى المر ذلك‪ ,‬كوقوف‬
‫علي بن أبي طالب عند القاضي شريح بن هانئ عندما وجممد درعممه‬
‫الذي فقده في معركة صفين عند يهودي‪ ,‬فيجلس بجانب اليهودي‪,‬‬
‫‪ -‬فقه التمكين في القرآن الكريم ص ‪.466‬‬ ‫‪1‬‬

‫صلبي )‪.(581\1‬‬
‫‪ -‬السيرة النبوية لل ّ‬
‫‪2‬‬

‫المصدر نفسه )‪ 1‬م ‪.(581‬‬ ‫‪3‬‬

‫‪ -‬الشورى ‪ ,‬د‪ .‬سامي الصلحات ص ‪.334‬‬ ‫‪4‬‬

‫‪-151-‬‬
‫مقابل القاضي‪ ,‬والخير يممدير الجلسممة وأمممامه الحمماكم والمحكمموم‬
‫سواء‪ .1‬وكان حرص النبي صلى الله عليه وسلم فممي تطممبيق مبممدأ‬
‫المساواة واضحا ً ‪ ,‬فعن عائشة رضي الله عنها أن قريشمما ً أهمتهممم‬
‫المرأة المخزومية التي سرقت‪ ,‬فقالوا من يكلم رسول الله‪ ,‬صّلى‬
‫الله عليه وسّلم‪ ,‬ومن يجترئ عليه إل أسامة بن زيممد حممب رسممول‬
‫الله صّلى اللمه عليممه وسمّلم‪ ,‬فكلممم رسمول اللممه صملى اللممه عليممه‬
‫م‪ ,‬فقال‪ :‬أتشفع فممي حممد مممن حممدود اللممه‪ ,‬ثممم قممام فخطممب‪,‬‬ ‫سل ّ َ‬
‫و َ‬
‫فقال‪ :‬يا أيها النمماس إنممما ضممل مممن قبلكممم‪ ,‬أنهممم كممانوا إذا سممرق‬
‫الشريف تركوه‪ .‬وإذا سرق الضعيف فيهم أقاموا عليه الحممد‪ ,‬وايممم‬
‫الله لو أن فاطمة بنت محمد صلى الله عليه وسلم سرقت لقطممع‬
‫محمد يدها‪.2‬‬

‫ونص عمر بن الخطاب ))رضي الله عنه(( في رسالته لبي موسي‬


‫الشعري واضح‪ :‬أما بعد فإن القضاء فريضة محكمة وسنة متبعممة ‪,‬‬
‫فافهم إذا أدلى إليك فإنه ل ينفممع تكلممم بحممق ل نفمماذ لممه‪ ,‬آس بيممن‬
‫الناس في مجلسك‪ ,‬ووجهممك وعمدلك‪ ,‬حممتى ل يطمممع شمريف فمي‬
‫حيفك‪ ,‬ول يخاف ضعيف جورك‪ ,‬البينممة علممى مممن ادعممى‪ ,‬واليميممن‬
‫على من أنكر‪ ,‬الصلح جائز بين المسلمين‪ .‬إل صلحا ً أحل حرام ما ً أو‬
‫حرم حلل‪ ,‬ل يمنعمك قضماء قضميته بمالمس راجعمت فيمه نفسمك‪,‬‬
‫وهديت فيه لرشدك أن تراجع الحممق‪ ,‬وإن الحممق ل يبطلممه شمميء ‪,‬‬
‫ومراجعة الحق خير من التمادي فمي الباطمل‪ ,‬الفهمم الفهممم فيمما‬
‫تلجلج في صدرك‪.3‬‬

‫* وفي المساواة في التوظيف والعمل العام‪:‬‬

‫نجد أن النصوص الشرعية تشمميد بضممرورة اختيممار الكفمماء والقممدر‬


‫على تحمل المسؤولية في قوله صلى اللممه عليممه وسمملم‪ :‬يمما أبمماذر‬
‫أنك ضعيف ‪ ,‬وإنها أمانة ‪ ,‬وإنها يوم القيامة خزي وندامممة ‪ ,‬إل مممن‬
‫أخذها بحقها ‪ ,‬وأدى الذي عليه فيها‪. 4‬‬

‫‪ 11‬ـ أ‪ -‬الشورى والصلح‪:‬‬

‫الحكام السلطانية ‪ ,‬أبو يعلى الفراء ص ‪.66‬‬ ‫‪-‬‬ ‫‪1‬‬

‫فتح الباري بشرح صحيح البخاري )‪.(106\12‬‬ ‫‪-‬‬ ‫‪2‬‬

‫سنن الدارقطنى )‪.(447\3‬‬ ‫‪-‬‬ ‫‪3‬‬

‫شرح النووي على صحيح مسلم )‪.(177\12‬‬ ‫‪-‬‬ ‫‪4‬‬

‫‪-152-‬‬
‫إن الحممديث عممن الشممورى مرتبممط جممذريا ً بمشمماريع الصمملح الممتي‬
‫تدندن حولهمما الحممزاب والممدول والمنظمممات والمؤسسممات ودعمماة‬
‫الصلح في عالمنمما العربممي والسمملمي الكممبير ‪ ,‬فالصمملح الممذاتي‬
‫الداخلي مطلب جوهري لشعوب المسلمين ‪.‬‬

‫والصلح الذاتي الداخلي – حقيقة – هو النابع من المممة ذاتهمما مممن‬


‫عقيدتها وثقافتها ‪ ,‬ومن شخصيتها الحضارية واستعداداتها النهضوية‬
‫‪ ,‬وهو الصلح الذي تكون المة مؤمنة به متجاوبة معه ‪ ,‬متحمسممة‬
‫له ‪ ,‬منخرطة فيه ‪ ,‬أو على القل عندها القابليممة والسممتعداد لممذلك‬
‫كله‪.1‬‬

‫والشعوب السلمية في أشد الحاجة لثقافة الشورى ونشرها عممبر‬


‫الطرق والوسائل الممكنة ‪ ,‬من إعلم ‪ ,‬وتعليممم ‪,‬ووعممظ وإرشمماد ‪,‬‬
‫وخطابة وإفتماء ‪ ,‬كمما أن ثقافمة الشمورى تعنمي تعميمم الممارسمة‬
‫الشورية في جميع شؤون المجتمع ومرافقه ‪ ,‬حتى يعيشمها النماس‬
‫ويتدربوا عليها ويدركوا قيمتها ومردوديتها‪.‬‬

‫فالشورى ليست خاصة بالرؤساء والمراء وليسممت خاصممة باختيممار‬


‫الخلفيمممة ‪ ,‬وليسمممت خاصمممة بمممالحروب ومعاركهممما ‪ ,‬والسياسمممة‬
‫وقضاياها ‪.‬‬

‫الشممورى منهممج حيمماة ومنهمماج تفكيممر وتممدبير ‪ ,‬ومنهممج علقممات‬


‫ومعمماملت ول يسممتغني عممن الشممورى أحممد فهممذا هممو سمميد البشممر‬
‫رسول الله صلى الله عليممه وسمملم ‪ ,‬كممان يستشممير فممي الصممغيرة‬
‫م والخاص‪ ,‬وفممي الممديني والممدنيوي والشممورى‬ ‫والكبيرة ‪ ,‬وفي العا ّ‬
‫نهج لترشيد العلقات العائلية‪ ,‬بين الزوجين ‪ ,‬وبين البمماء والبنمماء ‪,‬‬
‫فهي تقوي العلقات الحميمة القائمة على التحاور والتفاهم ‪ ,‬وهي‬
‫تجنبنا القرارات النفرادية وما تجلبه من أضرار وحزازات ‪ ,‬وتجنبنمما‬
‫ذلك الفهم الرديء الممذي يجعممل مممن قوامممة الرجممال علممى النسمماء‬
‫مجرد تسلط وتحكم ومنع وإلزام لكي تصبح قوامة تشمماور وتفمماهم‬
‫وتراضى وتعاون ‪.‬‬

‫‪ -‬الشورى للريسوني ص ‪.155‬‬ ‫‪1‬‬

‫‪-153-‬‬
‫وإذا كممانت الشممورى – طبق ما ً للقممرآن والسممنة – جاريممة فممي حيمماة‬
‫الفراد وبين الزواج ‪ ,‬وبيممن البنمماء والبمماء ‪ ,‬فهممي مممن بمماب أولممى‬
‫جارية في جميع المصالح العامة والقضايا المشتركة‪.2‬‬

‫ومن ثقافة الشورى‪ ،‬إقامممة علقممات شممورية وتممدبير شمموري علممى‬


‫صممعيد الوحممدات الجتماعيممة الصممغرى ‪ ,‬كالوحممدات السممكانية ‪,‬‬
‫والوحممدات المهنيممة‪ ,‬فعلممى صممعيد الحممي ‪ ,‬أو القريممة ‪ ,‬أو جمهممور‬
‫مسجد من المساجد أو سوق من السواق ‪ ,‬أو على صممعيد حرفيممة‬
‫معينممة ‪ ,‬أو مصممنع ‪ ,‬أو نطمماق فلحممي ‪ ...‬علممى كممل هممذه الصممعدة‬
‫وأمثالهممما هنممماك قضمممايا مشمممتركة ومصمممالح مشمممتركة ومشممماكل‬
‫مشتركة ‪ ,‬وهي كلها تحتاج إلمى تشماور وتفماهم وتمدبير تشماوري ‪,‬‬
‫سواء مباشرة بيمن المعنييمن بهما ‪ ,‬أو بواسمطة نقبمائهم وعرفمائهم‬
‫ووكلئهممم وأمنممائهم والعلممماء أيضمما ً ‪ ,‬فممي اجتهمماداتهم الشممرعية‬
‫والفقهية ‪ ,‬ومواقفهم مممن مختلممف النمموازل والمشمماكل ‪ ,‬يجممب أن‬
‫يصدروا عن تحاور وتشاور واتفمماق ‪ ,‬ممما أمكنهممم ذلممك ‪ ,‬وقممد رأينمما‬
‫أصالة هذا المسلك وعراقته منذ رسول الله صلى الله عليه وسلم‬
‫وصحابته ‪ ,‬ولقد كانت أهم مشاورات الصحابة وأشممهرها هممي تلممك‬
‫المتعلقة بالجتهاد وتقرير الحكمام لمما جمد ّ ممن الحموال والفعمال‬
‫والخلفات وكذلك كان يفعل قضمماة السمملم وفقهمماؤه فممي عصممور‬
‫مختلفة‪.‬‬

‫والخلصة في هذه النقطة هي أن الشممورى يجممب أن تكممون ثقافممة‬


‫عامة وسلوكا ً عاما ً ‪ .‬وأن تكون خلقا ً وأدب ما ً ‪ ,‬قبممل أن تكممون قانون ما ً‬
‫ونظاما ً ‪ ,‬وإنما تنجح القوانين والنظمة أو تفشل بقدر ماتحتها وممما‬
‫حولها من ثقافة تؤسس لها ثم تغذيها وتقويهمما ‪ ,‬ثممم تحميهمما وتمنممع‬
‫انتهاكتهمما ‪ ,‬فممإذا كممانت هممذه الثقافممة سممائدة وفاعلممة فممي عممموم‬
‫المجتمع وعامة شمؤونه ومرافقممه نسممتطيع حينئذ أن نمضممي قممدما ً‬
‫في إقامممة الشممورى وتنظيمهمما علممى مسممتوى الدولممة ومؤسسمماتها‬
‫ومرافقها‪.2‬‬

‫‪ - 12‬الشورى جزء من الدين السلمي‪:‬‬

‫إن الشممورى جممزء مممن الممدين ‪ ,‬وجممزء مممن الشممريعة ‪ ,‬وجممزء مممن‬
‫المنظومة السلمية المتكاملة ‪ ,‬ولن تحقق هذه المنظومة أهدافها‬
‫‪ -‬الشورى للريسوني ص ‪.157‬‬ ‫‪2‬‬

‫‪ -‬الشورى للريسوني ص ‪.160‬‬ ‫‪2‬‬

‫‪-154-‬‬
‫على الشكل الكمل والمثل إل بتشغيل جميممع أجزائهمما أو أنظمتهمما‬
‫الجزئية وكما أن الختلل في أي جزء ينعكممس سمملبا ً علممى فاعليممة‬
‫الجزاء الخرى ‪ ,‬والعكس بالعكس أيضًا‪.‬‬

‫فالشممورى حيممن يتممم تطبيقهمما وممارسممتها ضمممن منظومممة مممن‬


‫جنسها ‪ ,‬وضمن أجممواء ملئمممة لهمما ومسمماعدة علممى حسممن أدائهمما‬
‫وتحقيممق مقاصممدها‪ ,‬هممي غيرهمما حيممن تتممم ممارسممتها فممي أجممواء‬
‫معاكسة أو معيقة أو غير مساعدة ‪ ,‬ففي غياب الخلق وضمموابطها‬
‫فل يستبعد أن يتحول النظام الشورى إلممى مجممرد أداة للصممراعات‬
‫والمناورات وميدانا للشد والجذب والجدل العقيم‪.‬‬

‫وهنا يمكن أن نضيف إلى الشورى المعلمة والشورى الملزمة‬


‫صنفا ً ثالثا ً هو الشورى المؤلمة ‪ ,‬وهي التي ل تنتج إل الخصومات‬
‫والحزازات والوجاع وقد تتحول الشورى والمؤسسات الشورية‬
‫وسيلة للمكاسب والمناصب قضاء المآرب وقد تتخذ مجرد غطاء‬
‫أو وسيلة للستبداد والستعباد والتلعب والتآمر وحتى فرعون‬
‫وملؤه كانوا يتشاورون في بغيهم وفسادهم‪ , 1‬كما حكى القرآن‬
‫من‬ ‫مل ُ ِ‬ ‫ل ال ْ َ‬ ‫الكريم ذلك في غير موضع منه ‪ ,‬كما قال تعالى‪َ ":‬قا َ‬
‫َ‬ ‫ريد ُ َأن ي ُ ْ‬
‫ضك ُ ْ‬
‫م‬ ‫ن أْر ِ‬ ‫م ْ‬ ‫كم ّ‬ ‫ج ُ‬ ‫خرِ َ‬ ‫م * َي ُ ِ‬ ‫حٌر ع َِلي ٌ‬ ‫سا ِ‬ ‫ذا ل َ َ‬ ‫هم َ‬ ‫ن َ‬ ‫ن إِ ّ‬ ‫قَوْم ِ فِْرع َوْ َ‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫فَما َ ْ‬
‫ن*‬ ‫ري َ‬ ‫ش ِ‬ ‫حا ِ‬ ‫ن َ‬ ‫دآئ ِ ِ‬ ‫م َ‬ ‫ل ِفي ال ْ َ‬ ‫س ْ‬ ‫خاه ُ وَأْر ِ‬ ‫ه وَأ َ‬ ‫ج ْ‬ ‫ن * َقاُلوا ْ أْر ِ‬ ‫مُرو َ‬ ‫ذا ت َأ ُ‬ ‫َ‬
‫حرٍ ع َِليم ٍ " )العراف ‪ ,‬آية‪ 109:‬إلى ‪ (112‬وفي‬ ‫سا ِ‬ ‫ل َ‬ ‫ك ب ِك ُ ّ‬ ‫ي َأ ُْتو َ‬
‫ريد ُ َأن‬ ‫م * يُ ِ‬ ‫حٌر ع َِلي ٌ‬ ‫سا ِ‬ ‫ذا ل َ َ‬ ‫ن هَ َ‬ ‫ه إِ ّ‬ ‫حوْل َ ُ‬ ‫مَل ِ َ‬ ‫ل ل ِل ْ َ‬ ‫موضع آخر‪َ ":‬قا َ‬
‫ْ‬ ‫ض ُ‬ ‫كم م َ‬
‫ن " )الشعراء ‪ ,‬آية‪-34 :‬‬ ‫مُرو َ‬ ‫ذا ت َأ ُ‬ ‫ما َ‬ ‫حرِهِ فَ َ‬ ‫س ْ‬ ‫كم ب ِ ِ‬ ‫ن أْر ِ‬ ‫ج ُ ّ ْ‬ ‫خرِ َ‬ ‫يُ ْ‬
‫‪.(35‬‬
‫وحتى إخوة يوسف ‪ ,‬فإنهم تشاوروا ‪ ,‬ولكن ليتأمروا قال‬
‫ن * إ ِذ ْ َقاُلوا ْ‬ ‫سائ ِِلي َ‬ ‫ت ّلل ّ‬ ‫خوَت ِهِ آَيا ٌ‬ ‫ف وَإ ِ ْ‬ ‫س َ‬ ‫ن ِفي ُيو ُ‬ ‫كا َ‬ ‫قد ْ َ‬ ‫تعالى‪ { ":‬ل ّ َ‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ف وَأ َ ُ‬
‫ل‬‫ضل َ ٍ‬ ‫في َ‬ ‫ن أَباَنا ل َ ِ‬ ‫ة إِ ّ‬ ‫صب َ ٌ‬‫ن عُ ْ‬ ‫ح ُ‬ ‫مّنا وَن َ ْ‬ ‫ب إ َِلى أِبيَنا ِ‬ ‫ح ّ‬ ‫خوه ُ أ َ‬ ‫س ُ‬ ‫ل َُيو ُ‬
‫ل ل َك ُم وج َ‬ ‫َ‬ ‫مبين * اقْتُلوا ْ يوس َ َ‬
‫م‬ ‫ه أِبيك ُ ْ‬ ‫ْ َ ْ ُ‬ ‫خ ُ‬ ‫ضا ي َ ْ‬ ‫حوه ُ أْر ً‬ ‫ف أوِ اط َْر ُ‬ ‫ُ ُ‬ ‫ُ‬ ‫ّ ِ ٍ‬
‫ف‬‫س َ‬ ‫قت ُلوا ُيو ُ‬ ‫ْ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬
‫م ل تَ ْ‬ ‫من ْهُ ْ‬ ‫ٌ‬
‫ن * قال قآئ ِل ّ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫حي َ‬ ‫صال ِ ِ‬ ‫ما َ‬ ‫َ‬
‫من ب َعْد ِهِ قوْ ً‬ ‫ْ‬
‫كوُنوا ِ‬ ‫وَت َ ُ‬
‫ن*‬ ‫عِلي َ‬ ‫م َفا ِ‬ ‫كنت ُ ْ‬ ‫سّياَرةِ ِإن ُ‬ ‫ض ال ّ‬ ‫ه ب َعْ ُ‬ ‫قط ْ ُ‬ ‫ب ي َل ْت َ ِ‬ ‫ج ّ‬ ‫قوه ُ ِفي غ ََياب َةِ ال ْ ُ‬ ‫وَأ َل ْ ُ‬
‫َ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬
‫سل ْ ُ‬
‫ه‬ ‫ن * أْر ِ‬ ‫حو َ‬ ‫ص ُ‬ ‫ه ل ََنا ِ‬ ‫ف وَإ ِّنا ل َ ُ‬ ‫س َ‬ ‫مّنا ع ََلى ُيو ُ‬ ‫ك ل َ ت َأ َ‬ ‫ما ل َ َ‬ ‫َقاُلوا ْ َيا أَباَنا َ‬
‫حُزن ُِني َأن‬ ‫ل إ ِّني ل َي َ ْ‬ ‫ن * َقا َ‬ ‫ظو َ‬ ‫حافِ ُ‬ ‫ه لَ َ‬ ‫ب وَإ ِّنا ل َ ُ‬ ‫دا ي َْرت َعْ وَي َل ْعَ ْ‬ ‫معََنا غ َ ً‬ ‫َ‬
‫َ‬ ‫ْ‬ ‫ُ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬
‫ن * َقالوا لئ ِ ْ‬
‫ن‬ ‫غافِلو َ‬ ‫ه َ‬ ‫م ع َن ْ ُ‬ ‫ب وَأنت ُ ْ‬ ‫ه الذ ّئ ْ ُ‬ ‫ف أن ي َأك ُل ُ‬ ‫خا ُ‬ ‫ت َذ ْهَُبوا ب ِهِ وَأ َ‬
‫مُعوا ْ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫ج َ‬ ‫ما ذ َهَُبوا ْ ب ِهِ وَأ ْ‬ ‫ن * فَل َ ّ‬ ‫سُرو َ‬ ‫خا ِ‬ ‫ذا ل ّ َ‬ ‫ة إ ِّنا إ ِ ً‬ ‫صب َ ٌ‬ ‫ْ‬ ‫ن عُ‬ ‫ُ‬ ‫ح‬
‫ب وَن َ ْ‬ ‫ه الذ ّئ ْ ُ‬ ‫أك َل َ ُ‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫م‬ ‫ذا وَهُ ْ‬ ‫هم َ‬ ‫م َ‬ ‫مرِه ِ ْ‬ ‫حي َْنآ إ ِل َي ْهِ ل َت ُن َب ّئ َن ُّهم ب ِأ ْ‬ ‫ب وَأوْ َ‬ ‫ج ّ‬ ‫جعَُلوه ُ ِفي غ ََياب َةِ ال ْ ُ‬ ‫أن ي َ ْ‬
‫‪ -‬الشورى للريسوني ص ‪.174‬‬ ‫‪1‬‬

‫‪-155-‬‬
‫ن " ) يوسف ‪ ,‬آية‪ .(15 -7 :‬والشورى كذلك ل تنجح ول‬ ‫ل َ يَ ْ‬
‫شعُُرو َ‬
‫تستمر إل في ظل الحرية ‪ ,‬وأجواء الحرية‪ ،‬حرية الضمير‪ ،‬وحرية‬
‫التكفير ‪ ,‬وحرية التعبير ‪.‬‬
‫والشورى بدون حرية حقيقية ‪ ,‬ل يمكن أن تتم وإذا تمت فل يمكن‬
‫أن تستمر ‪ ,‬وإذا استمرت فليست هي ‪ ,‬وإنما هي أسماء وأشممكال‬
‫ورسوم‪. 1‬‬

‫تاسعًا‪ :‬أزمة الشورى في واقع المسلمين‪:‬‬

‫إن الستبداد ينتج من تخلف المجتمع ككل ‪ ,‬ورسوبه عميقا ً في‬


‫قاع التاريخ‪ ،‬وفقدانه لرادة ممارسة الشورى ذلك كما استخف‬
‫فرعون قومه فأطاعوه ‪ ,‬فالوزر هنا هو وزر القوم قبل أن يكون‬
‫م‬
‫عوه ُ إ ِن ّهُ ْ‬ ‫ه فَأ َ َ‬
‫طا ُ‬ ‫ف قَوْ َ‬
‫م ُ‬ ‫خ ّ‬ ‫وزر فرعون كما أشار القرآن‪َ ":‬فا ْ‬
‫ست َ َ‬
‫ن " ) الزخرف ‪ ,‬آية‪.(54 :‬‬ ‫قي َ‬ ‫ما َفا ِ‬
‫س ِ‬ ‫َ‬
‫كاُنوا قَوْ ً‬
‫وتحرر مجتمع ما من سلطة الستبداد أو منح حاكم مسممتبد لشممعبه‬
‫حق الشورى ‪ ,‬ل يعني نجاح ذلك الشعب في ممارسة الشممورى إذ‬
‫لم تكن فضيلة الشورى من طبع ذلك المجتمع ومزيته ولنشممر روح‬
‫الشورى في نسيج المجتمع العام ل يكفممى إعممداد دسممتور يتضمممن‬
‫المبادئ الساسية الولية التي تتبنى المفاهيم الشممورية‪ ،‬ول يكفممى‬
‫الستشهاد لتلك المفاهيم بالنصوص القرآنية والسممنية وإنممما يتعيممن‬
‫لنجاز تلك المهمة الصعبة تربية الشعب كلممه علممى تلممك المعمماني ‪,‬‬
‫وغرس توجيهات تلك النصوص الكريمة ‪ ,‬وبعث روحهما فمي ضممير‬
‫الفرد المسلم ‪ ,‬حتى يممدرك قيمممة الشممورى ويتصممرف شمموريا ً فممي‬
‫مجممالت سمملوكه جميعما ً وبالتممالي يتعمّزز وجممود الثقافممة السياسممية‬
‫الشورية في قاعدة المجتمع المسلم‪ ,‬وتصبح تلك الثقافممة أساسمما ً‬
‫تقوم عليممه أركممان النظممام السياسممي الممواقعي‪ ,‬فالبنيممة السياسممية‬
‫تقوم على أساس من الثقافة السياسية للمجتمممع ول تنهممض علممى‬
‫محض الماني والوهام‪.2‬‬

‫وقممد قممام علممماء الجتممماع والعلمموم السياسممية مثممل تممالكوت ‪,‬‬


‫بارسوتر‪ ,‬وإدوارد شيلز‪ ,‬وجبرائيل الموند ‪ ,‬وبننغهام باول ببيممان أن‬
‫ثقافة المجتمع السياسية‪ ,‬تتكون من ثلثة جوانب مهمة وهي‪:‬‬
‫‪ -‬الشورى للريسوني ص ‪.175‬‬ ‫‪1‬‬

‫‪ -‬الشورى ومعاودة اخراج المة ص ‪.145‬‬ ‫‪2‬‬

‫‪-156-‬‬
‫الجانب "المعرفي" الذي يشمل ما يعرفه الناس في عممامتهم عممن‬ ‫‪-1‬‬
‫النظام السياسي السائد فممي بلدهممم وممما يعرفممونه عممن أشممخاص‬
‫الحكام والمشاكل السياسية التي تواجه المة ككل‪.‬‬

‫الجممانب "العمماطفي" وهممو يشمممل عواطممف النمماس تجمماه النظممام‬ ‫‪-2‬‬


‫السياسممي إن كممانت حيممادا ً أو تأييممدا ً أو رفضمما ً أو معارضممة وهممذه‬
‫العواطف في عمومها ُتسهم في تحديد طريقة تعامممل كممل شممعب‬
‫مع مطالب نظامه السياسي‪ ,‬مممن حيممث السممتجابه أو التجاهممل أو‬
‫التنفيذ أو الرفض أو التمرد‪.‬‬

‫صدر الناس وصممفا ً عام ما ً علممى نظممامهم‬


‫الجانب "التقويمي" حيث ي ُ‬ ‫‪-3‬‬
‫السياسي‪ ,‬على أنه ديمقراطي أو اسممتبدادي أو انممه يخممدم الصممالح‬
‫العام أم ل‪. 1‬‬

‫ولشك أن السلوك السياسي للمة "حكاما ً ومحكومين" ينبثق من‬


‫التقاليد الثقافية السياسية الذاتيممة للمممة وفممي ذلممك ممما يفسممر لنمما‬
‫قضايا من مثل‪ :‬لماذا اختار الشعب البريطاني النظام الديمقراطي‬
‫ذا الواجهممة الملكيممة‪ ,‬ولممماذا اختممار الشممعب المريكممي النظممام‬
‫الديمقراطي الرئاسي ذا الفصل الحاد بين السلطات‪ ,‬ولماذا اختار‬
‫الشممعب الفرنسممي نظام ما ً وسممطا ً يممن هممذين النظممامين ؟ ولممماذا‬
‫نجحت هذه النظمة في تلك الممبيئات الثقافيممة نجاحما ً بين مًا؟ ولممماذا‬
‫ستورد أو ُتسممتزرع فممي بيئات ثقافيممة سياسممية‬ ‫تفشل دائما ً عندما ت ُ‬
‫مخالفة‪.2‬‬

‫وقبل أن يتصدى علماء الجتماع والسياسة المحدثون ممممن أوردنمما‬


‫ذكرهم سالفا ً لتفسير السلوك السياسي لبعض الشعوب بناء علممى‬
‫نوعية خصائصها النفسية والثقافية كان الفقيه السياسي السمملمي‬
‫أبو الحسن الماوردي يتحدث في هذا المعنمي فيقمول‪ :‬وممما يجمب‬
‫أن يكون معلوما ً أن زينة الملك بصلح الرعية‪ ,‬والرعية كلما كممانت‬
‫أغنى وأثرى وأجل حال في دين ودنيا‪ ,‬ومملكتممه كلهمما كممانت أعمممر‬
‫وأوسع‪ ,‬كان الملك أعظم سلطانا وأجل شأنا‪ ,‬وكلممما كممانت أوضممع‬
‫حال وأخس حال كان الملك أخس مملكة وأنزر دخل ً وأقل فخرا‪.3‬‬

‫‪ -11‬المصدر نفسه ص ‪.147‬‬


‫‪ - 2‬الشورى ومعاودة إخراج المة ص ‪.147‬‬
‫‪ - 3‬نصيحة الملوك للماوردي ص ‪.196‬‬

‫‪-157-‬‬
‫ون الهممم فممي التركيبممة‬ ‫وهذا هو عين السداد في النظر إلممى المك م ّ‬
‫ون الشعب وثقافته الذاتية ول يمكممن لحمماكم أن‬ ‫السياسية‪ ,‬وهو مك ّ‬
‫يصلح أوضاع الرعية مالم تسهم هي بممدورها فممي ذلممك مممن ناحيممة‬
‫استعدادها لقبول الصلح على أقل تقدير ثم مشمماركتها فممي تنفيممذ‬
‫برامجه ‪ ,‬لن المر بالشورى ينفذ نفمماذه حيممن يوجممد معممه صمماحب‬
‫الحق الذي يطالب به من ينساه ويرد إليه من يحيد عنه‪ .1‬فالمممة –‬
‫قبل حاكميها – هي التي ُتخرج مبدأ الشورى مممن حيممز المبممدأ إلممى‬
‫حيز الممارسة‪.2‬‬

‫وقد انتبه العلمة ابن خلدون إلى هممذا الجممانب الثقممافي فممي حيمماة‬
‫خلممق‬ ‫المجتمع وإن كان قد نعته باسم آخر فدعاه بوازع الدين فممي ُ‬
‫المة وأسلوب تعاملها مع حكمها واستنبط ذلممك مممن الثممر التممالي‪:‬‬
‫سأل رجل عليا ‪ ,‬رضي الله عنه ما بال المسمملمون اختلفمموا عليممك‬
‫ولم يختلفوا على أبي بكر وعمممر؟ فقممال‪ :‬إن أبمما أبكممر وعمممر كانمما‬
‫ل على مثلك‪. 3‬‬ ‫واليين على مثلي ‪ ,‬وأنا اليوم وا ٍ‬
‫وقد علل ابن خلممدون التغيممر فممي نظممم الحكممم بممالنقص فممي وازع‬
‫ون قموي فممي‬ ‫الدين في الرعية ‪ ,‬وهمو تعليممل صمحيح ‪ ,‬فالممدين مكم ّ‬
‫ون فيها ‪ ,‬ومتى‬ ‫الثقافة السياسية للمة المسلمة ‪ ,‬بل هو أقوى مك ّ‬
‫ضعف أثره ضعفت الثقافة الذاتيمة للممة قاطبممة ولممما ضمعف همذا‬
‫الثر ترسبت في ثقافة المة المسلمة عممبر عصممور تممدهورها كممثير‬
‫من الفات التي اعتنى بفحصها وتحليلها الستاذ مالك بن بني ‪ ,‬في‬
‫دها مممن المعوقممات‬ ‫سياق ابحمماثه عممن ))مشممكلت الحضممارة(( وعم ّ‬
‫الخطيرة الكامنة فممي المجتمممع السمملمي‪ ,‬والممتي لتممزال تعممترض‬
‫بشدة سبيل استعادة المسمملمين لعممافيتهم ونهوضممهم لداء دورهممم‬
‫في التاريخ‪ ,‬لقد عمل مالك بن نممبي رحمممه اللممه علممى تحليممل آثممار‬
‫كثيرة من الفكار الميتة والمميتة في ثقافة المجتمعممات السمملمية‬
‫انطلقا ً من نظريته الكبرى عن القابلية للستعمار ‪ ,‬فقد آشار إلممى‬
‫مجموعة من الفات النفسية والجتماعية المتوطنة من قممديم فممي‬
‫العممالم السمملمي والممتي هيممأت للسممتعمار الغربممي أن ينفممذ إليممه‬
‫ويقهره ويذله ويخضعه لشروطه ويكيممف أوضمماعه بممما يجعلممه دائم‬
‫الذعممان وهممذه المممراض النفسممية والجتماعيممة شممبيهة بممالجراثيم‬
‫والمراض العضوية التي تلم بالجسام وحسممب تحليلت مالممك بممن‬

‫‪ -‬أثر العرب على الحضارة الوربية ‪ ,‬عباس العقاد ص ‪.145‬‬ ‫‪1‬‬

‫‪ -‬الشورى ومعاودة إخراج المة ص ‪.148‬‬ ‫‪2‬‬

‫‪ -‬مقدمة اين خلدون ص ‪.211‬‬ ‫‪3‬‬

‫‪-158-‬‬
‫نممبي فممإن قابليممة العممالم السمملمي للسممتعمار هممي الممتي جلبممت‬
‫الستعمار الغربي إليه‪ .1‬وانطلقا ً مممن نظريممة مالممك بممن نممبي هممذه‬
‫نممرى أن مممن أخطممر الفكممار الميتممة فممي بيئاتنمما الجتماعيممة فكممرة‬
‫الستبداد التربوي التي تحكم مؤسستي السرة والمدرسة ‪ ,‬حيممث‬
‫تتولد طباع الخنمموع والتقليممد والحجممام عممن التفكيممر وإبممداء الممرأي‬
‫وهذه من أشد الطباع مناهضمه لمسماعي اسمتعادة خلمق الشمورى‬
‫في المجتمع ‪ ,‬حيث ُتجتث جذور الشورى من العماق ‪ ,‬ولممذلك فل‬
‫بد ‪ ,‬من معالجة هذا الشممأن علجما ً جممديا ً جممذريا ً قبممل التفكيممر فممي‬
‫توطين الشورى في البنية السياسية العليا للمجتمع ‪.‬‬

‫وثمة أسباب عديدة أسهمت في تغيممب الشممورى عممن المجتمعممات‬


‫السلمية عبر العصور من أهمها‪:‬‬

‫* إيقاف آلية الشورى عمليا ً وتمثل هذا في جعل ولية العهد الليممة‬
‫الوحيدة في نقل السلطة من السلف إلى الخلف ‪.‬‬

‫* تعممزز وتطممور ملمممح التسمملط والدكتاتوريممة فممي الشخصمميات‬


‫الحاكمة لغياب المؤسسات الرقابية الجادة‪.‬‬

‫*العمل على تأويل النصوص الدينية لصالح السلطة الحاكمة‪.‬‬

‫* التركيز على جعل القيادات في المجلت السياسية و الجتماعيممة‬


‫والقتصممادية ‪ ..‬الممخ علممى الممولء للنظممام ودعمممه ل علممى الكفمماءة‬
‫والقدرة‪.‬‬

‫* إضعاف وتهميش مبدأ المر بالمعروف والنهي عن المنكر‪.‬‬

‫* التحكم في ممموارد وأممموال المممة مممما فمماقم مممن حممالت البممذخ‬


‫والسراف بين الطبقة الحاكمة وأعوانهم‪.‬‬

‫* ممارسة الظلم والقهر على عامة الناس مممن الحكممام وأعمموانهم‬


‫وعمالهم‪.‬‬

‫* نمو ظاهرة العزلة الجتماعية‪.‬‬

‫* بروز ظاهرة القداسة والتبجيل للحكام والولة‪.‬‬


‫‪ -‬الشورى ومعاودة اخراج المة ص ‪.149‬‬ ‫‪1‬‬

‫‪-159-‬‬
‫* التعرض والتطاول علممى مؤسسممات المجتمممع المممدني‪ ,‬كممالوقف‬
‫مثل ً تأثير النحلل الخلقي والفساد الداري على القرار السياسممي‬
‫والشورى‪.1‬‬

‫وبالرغم من تطممور الحيمماة السمملمية بكافممة الميممادين‪ ,‬القتصممادية‬


‫والجتماعية والثقافية والتعليمية إل أن المنحنى السياسي لم يكممن‬
‫كبمماقي الميممادين السممابقة ‪ ,‬لعتبممار أن جمموهر الحكممم السمملمي‬
‫غيبممت لعتبممارات عديممدة أبرزهمما ديمومممة الحكممم‬ ‫الشمموري قممد ُ‬
‫الوراثي‪ ,2‬وابتداء مممن الدولممة المويممة مممع وفمماة معاويممة بممن أبممي‬
‫سفيان وتوريث ابنه يزيد واستمر الحكم الوراثي في بنممي العبمماس‬
‫يقول الشيخ محمد رشيد رضا‪ .. :‬ثممم رسممخت السمملطة الشخصممية‬
‫في زمن العباسيين ‪ ,‬لما كان للعاجم من السلطان فممي ملكهممم ‪,‬‬
‫وجرى سائر ملمموك المسمملمين علممى ذلممك ‪ ,‬وجممازهم عليممه علممماء‬
‫الممدين بعممدما كممان لعلممماء السمملف الصممالح النكممار الشممديد علممى‬
‫الملوك والمراء في زمن بني أمية‪ ,‬وأوائل زمن العباسيين‪ ,‬فظممن‬
‫البعيممد عممن المسمملمين والقريممب منهممم أن السمملطة فممي السمملم‬
‫استبدادية شخصية‪ ,‬وأن الشورى مجمدة اختياريممة فيممالله العجممب‪:‬‬
‫أيصرح كتاب الله بأن المر شورى‪ ,‬فيجعل ذلك أمممر ثابتما ً مقممررا ً ‪,‬‬
‫ويأمر بنيه المعصوم من اتبمماع الهموى فممي سياسممته وحكمممه ‪ ,‬بممأن‬
‫يستشير حتى بعد أن كان ما كان مممن خطممأ مممن غلممب رأيهممم فممي‬
‫الشورى يوم أحد ثم يترك المسلمون الشورى ل يطالبون بها وهم‬
‫المخاطبون في القرآن بالمور العامة‪.3‬‬

‫والمر ذاته يمكن أن يشار له إلى عصر العثمانيين حيممث الشممورى‬


‫معطلة في ظل ترامي الدولة السلمية وتوزع الجند على مراميهمما‬
‫‪4‬‬
‫م توضيح مسممار الشممورى فممي هممذا‬ ‫لحمايتها ‪ ،‬وبناء على هذا فقد ت ّ‬
‫الكتاب من عهمد النبموة والخلفمة الرشمدة ورأينما كيمف كمان مبمدأ‬
‫الشورى أصيل في الحكم مهيمن على الحياة العامة بصممورة قويممة‬
‫وكيممف ضممعف هممذا المبممدأ فممي المجممال السياسممي مممرورا ً بعصممر‬
‫المويين والعباسميين والعثممانيين ‪ ,‬وانتهماء إلمى عصمرنا الحاضمر ‪,‬‬
‫عصر القرن الحادي والعشرين ‪.‬‬

‫الشورى د‪ .‬الصلحات ص ‪ 219‬إلى ‪.264‬‬ ‫‪-‬‬ ‫‪1‬‬

‫المصر نفسه ص ‪.266‬‬ ‫‪-‬‬ ‫‪2‬‬

‫تفسير المنار )‪.(172\4‬‬ ‫‪-‬‬ ‫‪3‬‬

‫الشورى د‪ .‬الصلحات ص ‪.267‬‬ ‫‪-‬‬ ‫‪4‬‬

‫‪-160-‬‬
‫ومع حالة الضعف والوهن السياسي‪ ,‬وغياب الشورى‪ ,‬كانت هنمماك‬
‫إضاءات وأنوار مشعه‪ ,‬كما كان الحال مع أنممموذج عصممر عمممر بممن‬
‫عبد العزيز الموي فقد كان غّره في جبين ذلك العصر ‪ ,‬وكعهد نور‬
‫الدين محمود زنكي في عهد الخلفاء العباسيين ومحمد الفاتح فممي‬
‫عهد العثمانيين ‪ ,‬فقد كانت عهود نهوض حضاري اسلمي عظيم‪.‬‬

‫وكانت في عهود المويين والعباسيين والعثمانيين تطبيقممات جزئيممة‬


‫لمفهوم الشورى‪ ,‬شكلت مجالس شورية وكانت تعقد في الوليات‬
‫ومراكممز العواصممم ولشممك أن غيمماب النهممج الشممورى مممن أسممباب‬
‫الزمات والمصائب التي تعيشها الشعوب السلمية‪ ,‬إذ يغلب علممى‬
‫هذه الدول أو المممم غيمماب النهممج الشمموري‪ ,‬وبممروز نمممط الفرديممة‬
‫والستبدادية في انظمة الحكم‪ ,1‬فالستبداء كممما يقممول الكواكممبي‪:‬‬
‫داء تبتلى به بعض الشعوب في بعض مراحممل التاريممخ‪ ,‬وهممو أسمموأ‬
‫أنواع السياسة وأكثرها فتكا ً بالنسان‪.2‬‬

‫عاشرًا‪ :‬تفعيل حقيقة الشورى في الشعوب السلمية‪:‬‬

‫من أهم الوسائل والرؤى الممتي تسمماعد علممى عممودة الشممورى إلممى‬
‫حياة المسلمين‪:‬‬

‫‪ -1‬جعل الشورى الطريقة الوحيدة لكسب أي نظام حكم‬


‫الشرعية من الشعب أو المجتمع أو المة‪:‬‬

‫لبد من الرفض الجمعي لكممل أنممواع القمموة‪ ,‬مممن قمموة فممي فممرض‬
‫الرأي إلى قوة السلح والنقلب العسممكري‪ ,‬لكممي تأخممذ الشممعوب‬
‫حقهمما الطممبيعي فممي اختيممار الحمماكم أو القممائد وفممق آليممه شممورية‬
‫وانتخاب صحيح‪.3‬‬

‫يقول عبد القادر عودة‪ :‬ولقممد قبممل الفقهمماء إمامممة المتغلممب اتقمماء‬
‫للفتنة وخشية للفرقة‪ ,‬ولكنهمما أدت إلممى أشممد الفتممن وإلممى تفريممق‬
‫الجماعة السلمية وإضعاف المسلمين‪ ,‬وهدم قواعد السلم‪ ,‬ولممو‬
‫علم الفقهاء الذين أجازوا ما سوف تؤدي إليه لممما أجازوهمما لحظممة‬
‫واحدة‪. 4‬‬
‫الشورى المصدر السابق ص ‪.269‬‬ ‫‪-‬‬ ‫‪1‬‬

‫طبائع الستبداد ومصارع الستعباد ص ‪.5‬‬ ‫‪-‬‬ ‫‪2‬‬

‫الشورى د‪ .‬الصلحات ص ‪.355‬‬ ‫‪-‬‬ ‫‪3‬‬

‫السلم وأوضاعنا السياسية ص ‪.170‬‬ ‫‪-‬‬ ‫‪4‬‬

‫‪-161-‬‬
‫يقول محمد الغزالممي‪ :‬إنممي ل أعممرف دين ما ً صممب علممى المسممتبدين‬
‫سمموط عممذاب وأسممقط اعتبممارهم ‪ ,‬وأغممرى الجممماهير بمنمماوأتهم‬
‫والنتفاض عليهم كالسلم‪.1‬‬

‫ونحن من أنصار الكفاح والجهاد السلمي ضد السممتبداد والمظممالم‬


‫ومع وعي الجماهير وتثقيفها لكي يرجع إليها حقها فممي اختيممار مممن‬
‫يقودها‪.‬‬

‫‪ -2‬الدور الجتماعي في تنمية الشورى‪:‬‬

‫فمممن أهممم الخطمموات الساسممية فممي مفهمموم الحممراك الجتممماعي‬


‫التنشئة الجتماعية للفرد والسرة والعائلة الكممبيرة‪ ,‬فمممن القضممايا‬
‫المهمة للمجتمع اشاعة ثقافة الشورى في السرة والعائلة‪.2‬‬

‫إن أصغر وحدات المة تكوينا ً وتأثيرا ً قي ثقافتها السياسممية هممي بل‬
‫شك خليممة السممرة الممتي يتلقممى فيهمما النسممان التوجيهممات الولممى‬
‫للممتزم المثممل العليمما فممي الطاعممة والنضممباط والتضممحية وأداء‬
‫الواجبات‪ ,‬والتسامح‪ ,‬والتعمماون‪ ,‬والتشمماور‪ ,3‬فالسممرة فممي الرؤيممة‬
‫السمملمية ‪ ,‬نممموذج مصممغر للمممة والدولممة ‪ ,‬تقابممل القوامممة فيهمما‬
‫المامة أو الخلفة على مستوى الدولممة‪ ,‬وتحكمهمما الشممريعة وتممدار‬
‫بالشورى‪ ,‬ويشبه عقد الزواج فيها عقممد البيعممة‪ ,‬ويتممم اللجمموء عنممد‬
‫النزاع إلى الليممات نفسممها الممتي يلجممأ إليهمما فممي حممل النممزاع علممى‬
‫مستوى المة‪ ,‬أي الصلح والتشاور والتحكيم‪ , 4‬فإذا أردنمما مجتمعمما ً‬
‫شوريا ً حقيقيا فلبد أن نهتم بأساليب التربية السرية ونقومها حتى‬
‫نسهم في توجيه النشء إلى السلوك الشوري السوي‪.5‬‬

‫فالشورى على نطاق المجتمع فممي أسممرة وعمموائله تسممبق العمممل‬


‫السياسي وهممي لتمأتي اعتباطما ً أو نسممخا ً فوريما ممن حضمارة إلمى‬
‫حضارة أخرى ‪ ,‬بل هي عملية تراكمية تكاملية في الفكر والوجدان‬
‫الشعبي والرسمي معمًا‪ ,‬وهممذا مايشممكل قمموى اجتماعيممة ضمماغطة‪,‬‬
‫وكمؤسسممات المجتمممع المممدني وغيرهمما ضممد أي تسمملط فممردي أو‬
‫حزبي في المجتمع فالشورى ليسممت عمليممة الكترونيممة أو عضمموية‬

‫السلم والستبداد السياسي ص ‪.69‬‬ ‫‪-‬‬ ‫‪1‬‬

‫الشورى د‪ .‬الصلحات ص ‪.359‬‬ ‫‪-‬‬ ‫‪2‬‬

‫الشورى ومعاودة اخراج المة ص ‪.153‬‬ ‫‪-‬‬ ‫‪3‬‬

‫المصدر نفسه ص ‪.153‬‬ ‫‪-‬‬ ‫‪4‬‬

‫المصدر نفسه ص ‪.154‬‬ ‫‪-‬‬ ‫‪5‬‬

‫‪-162-‬‬
‫ارتجالية‪ ,‬أو هي نتاج عملية زرع في أنبمموب اختبممار وتحممت مراقبممة‬
‫الخبراء والعلماء والحكماء ‪ ,‬وليس من الصحيح القول بأن الشمعب‬
‫غيممر مهيممأ لقبممول الشممورى أو ليسمموا أهل ً لممذلك‪ ,‬أوهممم كممالخراف‬
‫الضالة‪ ,‬والتي جاء الحاكم ليقودها بمهارته وقدراته الفائقممة أو أننمما‬
‫فممي حالممة حممرب وطممواريء وأحكممام عرفيممة أو لبممد مممن تحريممر‬
‫فلسممطين أو قيممام الوحممدة العربيممة أو السمملمية أول ً حممتى نطبممق‬
‫الشورى مما يلزم إلغاء الشورى لتنفرد بممالقرار جماعممة أو حمماكم‪,‬‬
‫فكل هذا ليصممح شممرعا ً ول قانونما ً ول عرفما ً‪ 1‬ول عقل ً فهنمماك تحممد‬
‫يلزم الشعب والجمهور في إقرار الشورى في أنفسهم وعقممولهم‪,‬‬
‫كما كان يواجه الحماكم تحمدي الذعممان والنصممياع لممرأي الجمهمور‪,‬‬
‫والشكالية تتحد في معرفة كيفية تحويل قيممة الشمورى ‪ -,‬كتموجه‬
‫مؤثر ‪ -‬علممى النخممب الحاكمممة إلممى اختيممار واع‪ ,‬قممائم علممى بلممورة‬
‫خيارات اقتصادية وسياسية واجتماعية قوية متماسكة‪.2‬‬

‫‪ -3‬وعــي سياســي للفــرد والرعيــة والحــاكم لهميــة‬


‫الشورى‪:‬‬

‫فالشورى ل تنمو في مجتمع أو شعب أو أمة ل تعي معنممى وقيمممة‬


‫الشورى‪ ,‬أو ل ينظر بعين العتبار والهتمممام للوضممع السياسممي‪ ,‬أو‬
‫مصاب بداء عدم الكتراث السياسممي فالصممل أن يكممون النمماس أو‬
‫الرعية على درجة عالية من الوعي والدراك لهمية الشممورى فممي‬
‫تسيير حياتهم وخطورة السممتبداد أو الحكممم المطلممق كممما يسممميه‬
‫الشيخ محمد الغزالي‪ ,3‬فممي إيقمماف تطممورهم ونممموهم‪ ,‬ولممن تنمممو‬
‫الشورى أو تتطور في ظممل جهممل النمماس بهمما ‪ ,‬أو بقيمهمما العليمما‪, 4‬‬
‫وكما يقول الكواكبي‪ :‬المممة الممتي ل يشممعر كلهمما‪ ,‬أو أكثرهمما‪ ,‬بممالم‬
‫الستبداد ول تستحق الحرية‪.5‬‬

‫‪ -4‬تفعيل المجتمع المدني والمؤسسات الشعبية‪:‬‬

‫وجعل الممال والتنميمة والحركمة القتصمادية حمرة‪ ,‬لن فمي هيمنمة‬


‫المؤسسة السياسية الرسمية عليها هيمنة علممى الجممو الشمموري أو‬
‫الديمقراطي داخل الدولة‪ ,‬فإذا تحقق وجممود مجتمممع مممدني قمموي‪,‬‬

‫الشورى د‪ .‬الصلحات ص ‪.363‬‬ ‫‪-‬‬ ‫‪1‬‬

‫الشورى د‪ .‬سامي الصلحات ص ‪.364‬‬ ‫‪-‬‬ ‫‪2‬‬

‫السلم والستبداد السياسي ص ‪.34‬‬ ‫‪-‬‬ ‫‪3‬‬

‫الشورى المصدر السابق ص ‪.364‬‬ ‫‪-‬‬ ‫‪4‬‬

‫طبائع الستبداد ومصارع الستبداد ص ‪.140‬‬ ‫‪-‬‬ ‫‪5‬‬

‫‪-163-‬‬
‫فالنظام الشوري يفترض وجود مجتمع مدني له بنية قويممة‪ ,‬يرتبممط‬
‫بمجتمع سياسي متكامل‪ ,‬كلهما مستقل بقدر المكان عن الدولة‪,‬‬
‫باعتبارها السلطة التي تعمممل باسممم المممة‪ ,‬فالنظمممة الدكتاتوريممة‬
‫تعتاش على معولين أساسين في استعباد الناس‪.‬‬

‫أ‪ -‬القوة‪ :‬وهي بذاتها ليست مذمومة‪ ,‬إذ لبد من استعمال القمموة‬
‫للمحافظة على القانون‪ ,‬وطرد الشرار‪ ,‬ولن الحكم أو الولية كما‬
‫يقول ابن تيمية لهمما ركنممان‪ :‬القمموة والمانممة القمموة فممي كممل وليممة‬
‫بحسبها‪ ,‬فالقوة في إمارة الحرب ترجع إلى شجاعة القلممب‪ ,‬وإلممى‬
‫الخبرة بالحروب والمخادعة فيها فممإن الحممرب خدعممة والقمموة فممي‬
‫الحكم بين الناس‪ ,‬ترجع إلى العدل الذي دل عليه الكتاب والسممنة‪,‬‬
‫وإلى القدرة على تنفيذ الحكام والمانة ترجع إلى خشية اللممه‪ ,‬وال‬
‫يشترى بآياته ثمنا ً قليل ً ‪ ,‬وترك خشية الناس‪.1‬‬

‫لكن الحاكم المستبد يجعل من حكمه بوسيلة القوة حكما ً دهماويًا‪,‬‬


‫أجهممزة أمنيممة وعسممكرية واسممتخبارية‪ ,‬أو هممي بممالحرى النظمممة‬
‫العسكرية المطلقة‪ ,‬لعتبار أنها أنظمة جاءت عن طريق الثممورة أو‬
‫السممتقلل الممزائف‪ ,‬هممذا السممتقلل الممذي اعتمممد علممى الثممورة‬
‫الشعبية ‪ ,‬ثم حولها إلى جيش عسممكري لحمايممة النظممام ‪ ,‬وبعبممارة‬
‫أخرى أن يتحول الجيش مممن أداة لخدمممة الشممعب ومصممالحه ضممد‬
‫العداء‪ ,‬إلى أداة لخدمة النظام الحاكم‪ ,‬وقمع أي ثروة‪ ,‬أو محاولة‬
‫للمطالبة بالحقوق الشرعية للرعية‪ ,‬عن طريق قمموات الجيممش‪ ,‬أو‬
‫قوات مكافحة الشغب‪.2‬‬

‫ويتحكمممم الرئيمممس وأعممموانه بالمؤسسمممات الماليمممة والتجاريمممة‬


‫والقتصمادية وتعمود كمل أصمولها ومنافعهما علمى الحماكم وحاشميته‬
‫وهكذا‪ ,‬مما يعني فشل تجربة المجتمممع المممدني‪ ,‬وجعممل الشممعوب‬
‫تترقب وتخاف مممن تحركممات الحمماكم ضممدها باسممتمرار‪ ,‬ومممن هنمما‬
‫تكمن خطورة الحاكم على مؤسسات المجتمع المدني‪.3‬‬

‫كما أن من القضايا التي تؤخذ على مؤسسات المجتمع المدني أن‬


‫تنحصر في تبعية الحزاب السياسية وهممذا ممما أكممده تقريممر التنميممة‬
‫النسانية برعاية المم المتحدة في العالم العربي ‪5‬إبريممل ‪2005‬م‬
‫بنقده دور بعض منظمات المجتمع الممدني الممتي قممال إنهما‪ :‬تعمماني‬
‫‪ -‬السياسة الشرعية في إصلح الراعي والرعية ص ‪.14‬‬ ‫‪1‬‬

‫‪ -‬الشورى ‪ ,‬د‪ .‬الصلحات ص ‪.367‬‬ ‫‪2‬‬

‫‪ -‬المصدر نفسه ص ‪.369‬‬ ‫‪3‬‬

‫‪-164-‬‬
‫من تبعيتها للحزاب السياسية التي تتخذها واجهة لتوسمميع نفوذهمما‪,‬‬
‫ولم تحقق المال المعلقة عليها في تجاوز الزمة السياسية‪ ,‬بممل ؟‬
‫أصبحت بدورها أسيرة لها‪.‬‬

‫إن نفوذ المجتمع المدني في مزاحمتممه لنفمموذ الدولممة الرسمممية أو‬


‫أجهزتها المتسلطة سيؤدي إلى إيجاد توازن وأرضية صلبة للجمهور‬
‫والرعية في الوقوف ضد تعسف الدولة ضدهم‪.1‬‬

‫‪ -5‬رفــض الهــالت والقداســة عــن الرؤســاء والحكــام‪:‬‬


‫فالسلم ل يقدس الحكام أو الرؤوساء أو أهواء المممراء أو الممولة‪,‬‬
‫وبعبارة أوضح وأعم‪ ,‬السلم ل يقدس الشخاص‪ ,‬أو أهممواءهم‪ ,‬فل‬
‫عممبرة لممذلك البتممة‪ ,‬فالصممل فممي الشممريعة أن‪ :‬المصمالح المجتلبممة‬
‫شرعا ً والمفاسد المستدفعة‪ ,‬إنما تعتبر من حيث ُتقام الحياة الدنيا‬
‫للحيمماة الخممرة ل مممن حيممث أهممواء النفمموس فممي جلممب مصممالحها‬
‫‪2‬‬
‫ى اللممه عليممه‬
‫العادية‪ ,‬أو درء مفاسدها العادية ‪ ,‬حتى أن النبي صممل ّ‬
‫وسلم على كرامة منزلته كان يقممول فممي حممق تقممديس الشممخاص‬
‫والفراد ولو كان هممو ذاتمه‪ ,‬ل تطرونمي كمما أطمرت النصمارى ابمن‬
‫مريم ‪ ,‬فإنما أنا عبده ‪ ,‬فقولوا عبد الله ورسوله‪.3‬‬

‫وهممذا التقممديس أو الطممراء قممد يصممل إلممى مرحلممه عبوديممة الفممرد‬


‫الحمماكم أو ممما يمكممن أن نسممميه حكممم المطلممق‪ ,‬وأن يصممل حممال‬
‫الحاكم المعبود إلى وثن وصنم يعبد من دون الله‪ ,‬بعدما تم تركيممز‬
‫السلطة عسكريا ً وسياسيا ً وأمنيا ً في شخص رئيممس الدولممة يقممول‬
‫السممتاذ محمممد قطممب‪ :‬فأممما الحقمموق السياسممية الممتي تفمماخر بهمما‬
‫الديمقراطية‪ ,‬فقد كان السلم أول من أزال القداسة عن الحاكم‪,‬‬
‫بإفراد الله باللوهية والربوبية‪ ,‬فل يعبد إل الله‪ ...‬ولحمماكم لممه حممق‬
‫التشريع إل الله‪.4‬‬

‫فطبيعة الحكم في السلم أن يرفممض أن يعطممي طممابع الشخصممية‬


‫للمؤسسة الحاكمة‪ ,‬فهي مؤسسة ل شخصنة بها وهذا يساعد على‬
‫محاسبة الحكام والحكومة والنظممام بأسمره‪ ,‬إذا كمان هنماك خممروج‬
‫عن الشرع‪ ,‬وعن الدستور المتفق عليممه‪ ,‬بممل لبممد أن يكممون هنمماك‬
‫إحساس بخطر المسؤولية الملقاه على عاتق الحاكم أو الحكومممة‪,‬‬
‫الشورى ‪ ,‬د‪ .‬الصلحات ص ‪.370‬‬ ‫‪-‬‬ ‫‪1‬‬

‫الموافقات في أصول الشريعة للشاطبي )‪.(351\1‬‬ ‫‪-‬‬ ‫‪2‬‬

‫فتح الباري بشرح صحيح البخاري )‪.(583\6‬‬ ‫‪-‬‬ ‫‪3‬‬

‫مذاهب فكرية معاصرة ص ‪.242‬‬ ‫‪-‬‬ ‫‪4‬‬

‫‪-165-‬‬
‫ولعل قول عمر بن الخطاب رضي الله عنه‪ :‬لممو ممماتت شمماة علممى‬
‫شاطئ الفرات ضمائعة‪ ,‬لظننمت اللمه عمز وجمل سمائلي عنهما يموم‬
‫القيامة‪ 1‬مايوضح ذلك‪.‬‬

‫‪ -6‬الحكم السلمي مدني ل عسكري‪:‬‬

‫لقد جسد الخلفاء الراشدون رضي الله عنهممم مممدى مدنيممة الحكممم‬
‫في السلم ‪ ,‬وأن العسكر ما هم إل موضع خدمممة للشممعب والمممة‬
‫والسمملطة الشممرعية وليممس مممن الصممحيح أن قممائد الجيممش بقمموته‬
‫وسلطانه يمكن أن يكممون رئيسما ً للدولممة عممبر قمموة السمملح‪ 2‬وفممي‬
‫قصة عزل عمر بن الخطاب للقائد العسكري للمسمملمين خلممد بممن‬
‫الوليد ‪ ,‬ما يدل على ماذهبت إليه وقد ذكرت في كتممابي عممن عمممر‬
‫الخطاب رضي الله عنه اسباب عزل خالد وملخصها‪.‬‬

‫‌أ‪ -‬حماية التوحيد‪:‬‬

‫ففي قول عمر رضي الله عنه‪ :‬ولكن الناس فتنوا بممه ‪ ,‬فخفممت أن‬
‫يوكلوا إليه ويبتلوا به‪ ,‬يظهممر خشممية عمممر مممن فتنممة النمماس بخالممد‬
‫وظنهم أن النصر يسير في ركابه‪ ,‬فيضعف اليقين بممأن النصممر مممن‬
‫عند الله سواء كممان خالممد علممى رأس الجيمموش أم ل وهممذا المموازع‬
‫يتفق مع حرص عمر على صممبغ إدارتممه للدولممة العقائديممة الخالصممة‬
‫وبخاصة وهي تحارب أعدائها حربا ً ضروسا ً متطاولة باسم العقيممدة‬
‫وقوتها‪ ,‬وقد يقود الفتتان بقائد كبير مثل خالد نفسه إلممى الفتتممان‬
‫بالرعية وأن يرى نفسه يوما فمي مركمز قموة ل يرتقمي إليهما أحمد‪,‬‬
‫وبخاصة أنه عبقري حرب ومنفق أموال‪ ,‬فيجر عليه وعلممى الدولممة‬
‫سممر‪ ,‬وهممو إن كممان احتمممال ً بعيممدا ً فممي ظممل ارتبمماط النمماس‬
‫خ ْ‬
‫أمممر ُ‬
‫بخليفتهم عمر وإعجابهم بممه‪ ,‬وفممي ظممل انضممباط خالممد العسممكري‬
‫وتقممواه‪ ,‬فقممد يحممدث يومما ً ممما بعممد عمممر‪ ,‬ومممع قممائد كخالممد‪ ,‬مممما‬
‫ل أحسممن‬ ‫يستدعي التأصيل لها من الخوف من قممائد صممغير لممم ي ُب ْم ِ‬
‫البلء ولم تتساير بذكره النباء‪.3‬‬

‫وقد أشار شاعر النيل حافظ إبراهيم إلى تخمموف عمممر فقممال فممي‬
‫عمريته في الديوان‪:‬‬

‫‪-‬مناقب عمر بن الخطاب لبن الجوزي ص ‪.190‬‬ ‫‪1‬‬

‫‪ -‬الشورى د‪ .‬الصلحات ص ‪.378‬‬ ‫‪2‬‬

‫‪ -‬عبقرية عمر للعقاد ص ‪.158‬‬ ‫‪3‬‬

‫‪-166-‬‬
‫وقيل خالفت يا فاروق صاحبنا‬

‫فيه وقد كان أعطى القوس باريها‬

‫فقال خفت افتتان المسلمين به‬

‫وفتنمة النفمس أعميمت ممن يداويمها‬

‫ب ـ اختلف النظر في صرف المال‪:‬‬

‫كان عمممر يممرى أن فممترة تممأليف القلمموب وإغممراء ضممعفاء العقيممدة‬


‫بالمال والعطاء قد انتهت‪ ,‬وصار السلم في غير حاجة إلى هممؤلء‪,‬‬
‫وأنه يجمب أن يوكممل النماس إلمى إيممانهم وضممائرهم حممتى تمؤدي‬
‫التربية السلمية رسالتها في تخريج نماذج كاملة‪.‬‬

‫لمدى تغلغل اليمان في القلوب بينما يرى خالد أن ممن معممه مممن‬
‫ذوي البأس و المجاهدين في ميدانه ممما لممم تخلممص نيتهممم لمحممض‬
‫ثواب الله وأن أمثال هؤلء في حاجة إلى ما يقوي عزيمتهممم ويممثير‬
‫حماستهم من هذا المال‪ ,1‬كما أن عمر رضي الله عنه كان يرى أن‬
‫ضعفة المهاجرين أحق بالمال من غيرهم‪ ,‬فعندما اعتذر إلى الناس‬
‫بالجابية من عزل خالد قال أمرته أن يحبس هذا المال على ضعفه‬
‫المهاجرين فأعطاه ذا البأس‪ ,2‬ول شك أن عمممر وخالممدا ً مجتهممدان‬
‫فيما ذهبا‪ 3‬إليه ولكن عمر أدرك أمورا ً لم يدركها خالممد رضممي اللممه‬
‫عنه‪.‬‬

‫ج‪ -‬اختلف منهــج عمــر مــن منهــج خالــد فــي السياســة‬


‫العامة ‪:‬‬

‫فقد كان عمر يصر على أن يسممتأذن الممولة منممه فممي كممل صممغيرة‬
‫وكبيرة‪ ,‬بينما يرى خالد أن من حقه أن ُيعطممى الحريممة كاملممة مممن‬
‫غيممر الرجمموع لحممد فممي الميممدان الجهممادي وتطلممق يممده فممي كممل‬
‫التصرفات إيمانا ً منه بأن الشاهد يرى ما ل يراه الغائب ولعممل مممن‬
‫السباب أيضًا‪ ,‬إفسماح المجمال لطلئع جديمدة ممن القيمادات حمتى‬
‫تتوفر في المسلمين نماذج كثيرة من أمثال خالد والمثنممى وعمممرو‬
‫‪ -‬أباطيل يجب أن تمحى من التاريخ ‪ ,‬شعوط ص ‪.134‬‬ ‫‪1‬‬

‫‪ -‬البداية والنهاية )‪.(115\7‬‬ ‫‪2‬‬

‫‪ -‬التاريخ السلمي للحميدي )‪.(147\11‬‬ ‫‪3‬‬

‫‪-167-‬‬
‫بن العاص‪ ,‬ثم ليدرك النمماس أن النصممر ليممس رهنمما برجممل واحممد‪,1‬‬
‫مهما كان هذا الرجل‪.2‬‬

‫س‪ -‬موقف المجتمع السلمي من قرار العزل ‪:‬‬

‫تلقى المجتمع السلمي قرار العزل بالتسممليم لحممق الخليفممة فممي‬


‫التوليممة والعممزل‪ ,‬فلممم يخممرج أحممد مممن مقتضممى النظممام والطاعممة‬
‫والقرار للخلفة بحقها في التولية والعزل‪ , 3‬فأختيار المة لعمر بن‬
‫الخطاب‪ ,‬كخليفة أعطته حق العزل للقادة الكبار‪ ,‬وأن العسكر ممما‬
‫هم إل بتصرف من السلطة الشرعية‪.‬‬

‫والشمممورى ل تنممممو فمممي ظمممل أنظممممة عسمممكرية أو انقلبيمممة‪ ,‬أو‬


‫ديمقراطية النقلبات والتي آمنت أن السيف هو الطريق للحكممم ‪,‬‬
‫فهذا معاوية بن يزيد)) ‪64 _ 41‬هم (( المكنى‪ ,‬بأبي ليلى‪ُ ,‬بويع بعد‬
‫وفاة أبيه ‪ ,‬ومكث في الحكم أربعين يوما ً ‪ ,‬يقول للناس لممما قممرب‬
‫أجلممه ‪ ,‬فممإني ضممعفت عممن أمركممم‪ ,‬فممابتغيت لكممم مثممل عمممر بممن‬
‫الخطاب ‪ ,‬حين استخلفه أبوبكر‪ ,‬فلم أجد‪ ,‬فابتغيت ستة مثل سممتة‬
‫الشورى‪ ,‬فلم أجد‪ ,‬فأنتم أولى بأمركم‪ ,‬فأختمماروا لممه مممن أحببتممم ‪,‬‬
‫وفيه يقول الشاعر‪:‬‬

‫إني أرى فتنة تغلي مراجلها‬

‫فالملك بعد أبي ليل لمن غلبا‬

‫وكما ذكر التاريخ‪ ,‬وقعممت معممارك داميممة بيممن المممويين وحلفممائهم‪,‬‬


‫حتى انتقل الحكم إلى المروانيين من بني أميه ولبد قبل المطالبة‬
‫بالشورى أو الديمقراطية أن تكون هناك حركة اجتماعية تغييريممة ‪,‬‬
‫أو ممممما يسمممممى بممممالتحول الجتممممماعي نحممممو تقبممممل الشممممورى‬
‫والديمقراطية‪.4‬‬

‫‪ -7‬الستجابة لمتطلبات الشعوب والتغيرات التي تحــدث‬


‫في المجتمعات وفق مقاصد الشريعة‪:‬‬

‫أباطيل يجب أن تمحى من التاريخ ص ‪.134‬‬ ‫‪-‬‬ ‫‪1‬‬

‫لبي ص ‪.350‬‬ ‫ص ّ‬
‫عمر بن الخطاب لل ّ‬ ‫‪-‬‬ ‫‪2‬‬

‫المصدر نفسه ص ‪.350‬‬ ‫‪-‬‬ ‫‪3‬‬

‫الشورى د‪ .‬سامي ص ‪.379‬‬ ‫‪-‬‬ ‫‪4‬‬

‫‪-168-‬‬
‫كما فعل عمر بن الخطاب بأرض السواد من العراق والشام حيممث‬
‫جعلهمما أراضممي خممراج فجعممل عليهمما إيممراد للرضممي الممتي افتتحهمما‬
‫المسلمون عنوة وأوقفها لمصالح المسلمين على الدوام ‪ ,‬فعنممدما‬
‫قويت شوكة السلم بالفتوحات العظيمة وبالذات بعد القضاء على‬
‫القمموتين العظيمممتين الفممرس والممروم وتعممددت ممموارد المممال فممي‬
‫الدولممة السمملمية وكممثرت مصممارفه وللمحافظممة علممى كيممان هممذه‬
‫الدولممة المتراميممة الطممراف وصممون عزهمما وسمملطانها ‪ ,‬وضمممان‬
‫مصممالح العامممة ‪ ,‬والخاصممة كممان لبممد مممن سياسممة ماليممة حكيمممة‬
‫ورشيدة فكر لها عمر رضي الله عنه‪ ,‬أل وهممي إيجمماد مممورد مممالي‬
‫ثابت ودائم للقيام بهذه المهام‪ ,‬وهذا المورد هو ‪ :‬الخراج فقممد أراد‬
‫الفاتحون أن تقسم عليهم الغنائم من أممموال وأراضممي وقممام عمممر‬
‫رضي الله عنه بحوارا ً شوريا ً موسعا ً مممع كبممار الصممحابة ظهممر فيممه‬
‫أسلوبه في الجدل جمع فيه قمموة الممدليل وروعممة البيممان واسممتماله‬
‫المخالف وانتهى المممر بكبممار الصممحابة ورجممال الحممل والعقممد إلممى‬
‫إقممرار رأي الخليفممة رضمي اللمه عنمه بتحممبيس الرض علمى أهلهما‪,‬‬
‫وتقسيم الموال المنقولة على الفاتحين‪.1‬‬

‫وفممي هممذا نظممر عميممق إلممى التطممبيق العملممي لممروح الشممريعة‬


‫ومقاصدها العظيمة ومراعاة المتغيرات الكبيرة التي تحمدث علمى‬
‫الحياة بمختلف مجالتها‪ ,‬أي أن النظر الصلحي يجممب أن يصممحب‬
‫الحاكم وأعضاء مجلسه الشوري‪ ,‬الذين هم في الحقيقممة مسممتودع‬
‫للفكممار فممي دعممم وإسممناد الحمماكم فممي نظرتممه لتطبيقممات روح‬
‫‪2‬‬
‫الدستور‪ ,‬وفعاليته في المجتمع والدولة‬

‫وقد بين الفاروق في حادثة أراضي السواد في العراق والشام بأنه‬


‫مجرد فرد فممي هيئة الشممورى‪ ,‬وأعلممن الثقممة فممي مجلممس شممورى‬
‫المة‪ ,‬سواء خالفه أو وافقه والرد إلى كتاب الله‪ ,‬فقد قممال رضممي‬
‫الله عنه‪ :‬إنمي واحمد منكمم‪ .‬كأحمدكم وأنتمم اليموم تقمرون بمالحق‪,‬‬
‫خالفني من خالفني‪ ,‬ووافقني من وافقني ومعكممم مممن اللممه كتمماب‬
‫ينطق بالحق‪.3‬‬

‫‪ -8‬الحــرص علــى حريــة البحــث العلمــي واســتقلليته‪:‬‬


‫فممالبحث العلمممي ل ينمممو فممي ظممل أنظمممة دكتاتوريممة ل تممؤمن‬

‫ص ّ‬
‫لبي ص ‪.252‬‬ ‫‪ -‬عمر بن الخطاب لل ّ‬
‫‪1‬‬

‫‪ -‬الشورى د‪ .‬الصلحات ص ‪.283‬‬ ‫‪2‬‬

‫لبي ص ‪.254‬‬‫ص ّ‬‫‪ -‬عمر بن الخطاب لل ّ‬


‫‪3‬‬

‫‪-169-‬‬
‫بالشورى وما حدث في أوربا من تعسف وقتل ضد العلماء في ممما‬
‫يسمي بالصراع مابين العلم والكنيسة والتي نتممج عنممه ممما يسمممى‬
‫بالعلمانية خير دليل على ما ذهبنا إليه يقممول الكواكممبي‪ :‬ليممس مممن‬
‫غرض المستبد أن تتنور الرعية بالعلم‪ ,‬ولن للعلممم سمملطانا ً أقمموى‬
‫من كل سلطان‪ ,‬لذا فإن بين الستبداد والعلم حربا ً دائمة وطممرادا ً‬
‫مستمرا‪. 1‬‬

‫وفي هممذه الدراسممة نؤكممد علممى دور البممداع والتجديممد فممي الفكممر‬
‫بصورة عامة‪ ,‬والفكر السياسي بصممورة خاصممة‪ ,‬إذا أردنمما الوصممول‬
‫إلى خلق نظممام إبممداعي تنممموي فممي دولنمما وأنظمتنمما الحاكمممة مممع‬
‫البتعاد قدر المكان عن الخوض في المسائل التي ل فممائدة فيهمما‪,‬‬
‫والتوجه بالكلية إلى البحث والدراسة في المسائل المجديممة‪ ,2‬كممما‬
‫يقول الشاطي‪ :‬من العلم ما هو من صلب العلم‪ ,‬ومنه ما هو ملممح‬
‫العلم ل من صلبه ‪ ,‬ومنه ما ليس من صلبه ول ملحممه والممذي عليممه‬
‫مدار الطلب ‪ .‬وإليه تنتهي مقاصد الراسخين ‪ ,‬والشريعة المباركممة‬
‫المحمدية منزلة على هذا الوجه ولذلك كانت محفوظة في أصولها‬
‫وفروعها‪ ,‬لنها ترجممع إلممى حفممظ المقاصممد الممتي بهمما يكممون صمملح‬
‫الدارين‪. 3‬‬

‫‪ -9‬مواجهة التحديات الحضارية‪:‬‬

‫إن حقيقة النظمة المستبدة أنها أنظمة غير شجاعة ول تقدر علممى‬
‫مواجهة التحديات الحضارية‪ ,‬وأن الحتلل الخارجي لن يكون منقذا ً‬
‫للشعوب أو داعمما ً لمنهممج الشممورى ولقممد أثبممت التاريممخ أكممثر مممن‬
‫حادثة وواقعة من أن المستجير من ظلم الحمماكم إلممى المسممتعمر‪,‬‬
‫كالمستجير من النار بالرمضمماء والسممتبداد ل ينتمممي إلممى السمملم‬
‫البتة‪ ,‬بل أن نقيض الشورى حتما هو الستبداد ‪ ,‬وهممذا الخيممر فيممه‬
‫من الصفات والوصاف ما يعكس خلف الشورى فمي كمل صمغيرة‬
‫وكبيرة وعلى حد توصيف الكواكبي له‪ ,‬يقول إذا أراد السممتبداد أن‬
‫يحتسب وينتسب‪ ,‬لقممال‪ :‬أنمما الشممر‪ ,‬وأبممي الظلممم‪ ,‬وأمممي السمماءة‬
‫وأخي الغدر‪ ,‬واختي المسكنة‪ ,‬وعمي الضرر‪ ,‬وخالي الذل ‪ ,‬وابنممي‬
‫الفقر‪ ,‬وبنتي البطالة ‪ ,‬ووطني الخراب ‪ ,‬وعشيرتي الجهالة‪.4‬‬

‫الستبداد ومصارع الستعباد ص ‪ 50‬ص ‪.52‬‬ ‫‪-‬‬ ‫‪1‬‬

‫الشورى د‪ .‬سامي الصلحات ص ‪.387‬‬ ‫‪-‬‬ ‫‪2‬‬

‫الموافقات في أصول الشريعة ))‪.((52\1‬‬ ‫‪-‬‬ ‫‪3‬‬

‫طبائع الستبداد ومصارع الستعباد ص ‪.71‬‬ ‫‪-‬‬ ‫‪4‬‬

‫‪-170-‬‬
‫إن تقدم الشعوب وقدرتها على مواجهة التحديات الحضارية يعتمممد‬
‫على نشر العدل وإعطاء الحقمموق السياسممية لفرادهمما وجماعاتهمما‪,‬‬
‫بكافممة أنممواع الحقمموق الفرديممة والجماعيممة‪ ,‬ولقممد عاشممت أمتنمما‬
‫السلمية في أوج حضارتها وتقدمها‪ ,‬عندما كانت تحافظ على هذه‬
‫الحقوق وتعطي كل ذي حق حقه‪ ,‬وهمموت وسممقطت لممما تجمماوزت‬
‫تلك الحقوق‪ , 1‬فعلى سبيل المثال جاء عصر صمملح الممدين‪ ,‬الفاتممح‬
‫العظيم للقدس ومحررها بعد عصممور مممن الذلممة والهمموان‪ ,‬والقهممر‬
‫السياسي بين المسلمين وحكامهم فيروى ابن الثير‪ ,‬عممن عصممره‪,‬‬
‫فيقول‪ :‬قد طالعت تواريممخ الملمموك المتقممدمين مممن قبممل السمملم‬
‫ومنه إلى يومنا هذا‪ ,‬فلم أر فيه بعد الخلفاء الراشممدين‪ ,‬وعمممر بممن‬
‫عبد العزيز ملكا ً أحسن سيرة من الملك العادل نور الدين‪ ,‬ول أكثر‬
‫تحريا ً للعممدل والنصمماف منممه ‪ ,‬قممد قصممر ليلممه ونهمماره علممى عممدل‬
‫ينشممره‪ ,‬وجهمماد يتجهممز لممه‪ ,‬ومظلمممة يزيلهمما‪ ,‬وعبممادة يقمموم بهمما‪,‬‬
‫وإحسان يوليه‪ ,‬وإنعممام يسممديه‪ ,‬فلممو كممان فممي أمممة لفتخممرت بممه‪,‬‬
‫فكيف ببيت واحد‪ 2‬فقد قام صلح الدين ونور الدين والشعوب التي‬
‫التفممت حممولهم بمواجهممة التحممديات الحضممارية ومممن أراد التوسممع‬
‫فليراجع كتابي عن صمملح الممدين اليمموبي‪ ,‬وكتممابي عممن نممور الممدين‬
‫محمود الشهيد‪ ,‬ففيها تفاصيل مهمة فممي نهضممة المممة‪ ,‬ومقاومتهمما‬
‫للمشاريع الغازية‪.‬‬

‫‪ -‬الشورى المصر السابق ص ‪.289‬‬ ‫‪1‬‬

‫‪ -‬التاريخ الباهر ص ‪.163‬‬ ‫‪2‬‬

‫‪-171-‬‬
-172-
‫الخلصة‬

‫منها هممذا‬
‫وبعد‪ :‬فهذا ما يسره الله لي من حديث عن الشممورى تض م ّ‬
‫الكتمماب وقمد سمميته "الشمورى فممي السمملم" فممما كمان فيممه ممن‬
‫ي‪ ،‬فله الحمد والمن ّممة‪ ،‬وممما كممان‬
‫صواب‪ ،‬فهو محضى فضل الله عل ّ‬
‫فيه من خطأ‪ ،‬فأستغفر الله تعالى‪ ،‬وأتوب إليه‪ ،‬والله ورسوله برئٌ‬
‫منه‪ ،‬وحسبي أّني كنت حريضا ً أل ّ أقع في الخطأ‪ ،‬وعسى أل ُأحممرم‬
‫من الجر‪.‬‬

‫وأدعو الله تعالى أن ينفع بهذا الكتاب إخواني المسلمين‪ ،‬وأن‬


‫يذكرني من يقرؤه في دعائه‪ ،‬فإن دعوة الخ لخيه بظهر الغيب‬
‫مستجابة إن شاء الله تعالى‪ ،‬وأختم بهذا الكتاب بقول الله‬
‫ل ِفي‬ ‫ن وََل ت َ ْ‬
‫جعَ ْ‬ ‫ما ِ‬ ‫قوَنا ِبا ْ ِ‬
‫لي َ‬ ‫سب َ ُ‬
‫ن َ‬
‫ذي َ‬ ‫وان َِنا ال ّ ِ‬
‫خ َ‬ ‫فْر ل ََنا وَِل ِ ْ‬ ‫تعالى‪َ ":‬رب َّنا اغ ْ ِ‬
‫قُُلوب َِنا‬
‫م " )الحشر‪ ،‬آية ‪.(10 :‬‬ ‫حي ٌ‬ ‫ف ّر ِ‬‫ؤو ٌ‬ ‫ك َر ُ‬ ‫مُنوا َرب َّنا إ ِن ّ َ‬ ‫نآ َ‬ ‫ِغّل ل ّل ّ ِ‬
‫ذي َ‬
‫ويقول الشاعر‪:‬‬

‫واتق الله فتقوى الله ما‬

‫جاوزت قلب امرئ إل ّ وصل‬

‫ليس من يقطع طرقا ً بطل ً‬

‫إنما من يتقي الله البطل‬

‫وأهجر الخمر إن كنت فتى‬

‫كيف يسعى في جنون من عقل‬

‫كتب الموت على الخلق فكم‬

‫ف ّ‬
‫ل من جمع وأفنى من دول‬

‫أين نمرود وكنعان ومن‬

‫‪-173-‬‬
‫ى وعزل‬
‫ملك المر وول ّ‬
‫أين عاد أين فرعون ومن‬

‫رفع الهرام من يسمع يخل‬

‫أين من سادوا وشادوا وبنوا‬

‫هلك الك ّ‬
‫ل ولم تغن القلل‬

‫أين أرباب الحجا أهل الّنهى‬

‫أين أهل العلم والقوم الول‬

‫سيعيد الله كل ً منهم‬

‫وسيجزي فاعل ً ما قد فعل‬

‫أيّ بني أسمع وصايا جمعت‬

‫حكما ً خصت بها خير الملل‬

‫أطلب العلم ول تكسل فما‬

‫أبعد الخير على أهل الكسل‬

‫وأحتفل للفقه في الدين ول‬

‫ول‬
‫خ َ‬
‫تشتغل عنه بمال أو َ‬

‫صله فمن‬
‫م وح ّ‬
‫وأهجر النو َ‬

‫يعرف المطلوب يحقر ما بذل‬

‫ل تقل قد ذهبت أربابه‬

‫كل من سار على الدرب وصل‬

‫‪-174-‬‬
‫في ازدياد العلم إرغام الِعدى‬

‫وجمال العلم يا صاح العمل‬

‫أنا ل اختار تقبيل يد‬

‫قطعها أجمل من تلك القبل‬

‫واترك الدنيا فمن عادتها‬

‫تخفض العالي وتعلي من سفل‬

‫قيمة النسان ما يحسنه‬

‫أكثر النسان منه أو أقل‬

‫إن نصف الناس أعداء لمن‬

‫ولي الحكام هذا إن عدل‬

‫صر المال في الدنيا تفز‬


‫ق ّ‬
‫فدليل العقل تقصير المل‬

‫)سبحانك اللهم وبحمدك أشهد أن ل إله إل أنت أسممتغفرك وأتمموب‬


‫إليك(‪.‬‬

‫‪-175-‬‬
‫فهرس الكتاب‬

‫‪1‬‬ ‫المقدمة‪:‬‬

‫المبحث الول‪ :‬الشورى في القرآن الكريم والتاريخ‬


‫‪10‬‬ ‫السلمي‬

‫أو ً‬
‫ل‪ :‬الشورى في القرآن الكريم‬
‫‪10‬‬

‫‪1‬ـ في البدء كانت الشورى‬


‫‪10‬‬

‫‪2‬ـ الشورى عند إبراهيم عليه السلم‬


‫‪11‬‬

‫‪11‬‬ ‫‪3‬ـ الشورى العائلية‬

‫‪12‬‬ ‫‪4‬ـ حال التنازع والخصام‬

‫‪5‬ـ رسول يحث زوجاته على مشاورة آبائهن وأمهاتهن‬


‫‪13‬‬

‫ثانيًا‪ :‬الشورى في المجال العام في القرآن الكريم‬


‫‪13‬‬

‫‪1‬ـ الية الولى" وأمرهم شورى بينهم"‬


‫‪13‬‬

‫‪2‬ـ الية الثانية" وشاورهم في المر"‬


‫‪14‬‬

‫ثالثًا‪ :‬الشورى في عهد النبوة‪.‬‬


‫‪15‬‬

‫‪1‬ـ الشورى في يوم بدر‪.‬‬


‫‪15‬‬

‫‪-176-‬‬
‫أ ـ مشاورته في الخروج للقتال‪.‬‬
‫‪15‬‬

‫حباب بن المنذر في بدر‪.‬‬


‫ب ـ مشورة ال ُ‬
‫‪17‬‬

‫ج ـ مشورته صلى الله عليه وسلم في أسرى بدر‪.‬‬


‫‪18‬‬

‫‪2‬ـ الشورى في غزوة ُأحد‪.‬‬


‫‪19‬‬

‫‪3‬ـ الشورى في غزوة الحزاب‪.‬‬


‫‪22‬‬

‫أ ـ في حفر الخندق‪.‬‬
‫‪22‬‬

‫ب ـ الشورى في محاولة الصلح في غطفان‪.‬‬


‫‪23‬‬

‫‪4‬ـ الشورى في صلح الحديبية‪.‬‬


‫‪26‬‬

‫‪5‬ـ الشورى في غزوة تبوك‪.‬‬


‫‪26‬‬

‫أ ـ قبول مشورة أبي بكر الصديق في الدعاء‪.‬‬


‫‪27‬‬

‫ب ـ قبول مشورة عمر بن الخطاب في ترك نحر البل‪.‬‬


‫‪27‬‬

‫ج ـ قبول مشورة عمر رضي الله عنه في ترك اجتياز‬


‫حدود الشام‪27 .‬‬

‫‪-177-‬‬
‫رابعًا‪ :‬الشورى في عهد الصديق‪.‬‬
‫‪28‬‬

‫‪1‬ـ بيعة الصديق‪.‬‬


‫‪29‬‬

‫أ ـ الصديق وتعامله مع النفوس وقدرته على القناع‪.‬‬


‫‪30‬‬

‫ب ـ حرص الجميع على وحدة الصف‪.‬‬


‫‪31‬‬

‫ج ـ منصب الخلفة والخليفة‪.‬‬


‫‪32‬‬

‫س ـ مجموعة من المبادئ السياسية من سقيفة بني‬


‫‪33‬‬ ‫ساعدة‪.‬‬

‫ع ـ البيعة العامة‪.‬‬
‫‪34‬‬

‫‪2‬ـ الشورى في قتال مانعي الزكاة والمرتدين‪.‬‬


‫‪35‬‬

‫‪3‬ـ الشورى في جمع القرآن‪.‬‬


‫‪37‬‬

‫‪4‬ـ الشورى في القضاء‪.‬‬


‫‪38‬‬

‫‪5‬ـ الشورى في الجهاد‪.‬‬


‫‪38‬‬

‫خامسًا‪ :‬الشورى في عهد الفاروق‪.‬‬


‫‪39‬‬

‫‪-178-‬‬
‫‪1‬ـ بيعة عمر بن الخطاب‪.‬‬
‫‪39‬‬

‫‪2‬ـ الشورى في أراضي الخراج‪.‬‬


‫‪42‬‬

‫*ما هي القيم والمصالح في عدم تقسيم أراضي‬


‫‪46‬‬ ‫الخراج؟‬

‫‪3‬ـ الشورى في بدء التاريخ الهجري‪.‬‬


‫‪47‬‬

‫‪4‬ـ لقب أمير المؤمنين‪.‬‬


‫‪48‬‬

‫‪5‬ـ المشورة في اختيار الولة‪.‬‬


‫‪48‬‬

‫‪49‬‬ ‫‪6‬ـ تدوين الدواوين‪.‬‬

‫‪7‬ـ الحجر الصحي‪.‬‬


‫‪50‬‬

‫‪8‬ـ توسع نطاق الشورى في عهد عمر بن الخطاب‪.‬‬


‫‪51‬‬

‫سادسًا‪ :‬الشورى في عهد عثمان بن عفان رضي الله‬


‫‪54‬‬ ‫عنه‪.‬‬

‫‪1‬ـ بيعة عثمان بن عفان رضي الله عنه‪.‬‬


‫‪54‬‬

‫أ ـ العدد الذي حدد للشورى وأسمائهم‪.‬‬


‫‪54‬‬

‫ب ـ طريقة اختيار الخليفة‪.‬‬


‫‪55‬‬

‫‪-179-‬‬
‫ج ـ مدة النتخابات أو المشاورة‪.‬‬
‫‪55‬‬

‫س ـ عدد الصوات الكافية لختيار الخليفة‪.‬‬


‫‪55‬‬

‫ش ـ الحكم في حال الختلف‪.‬‬


‫‪55‬‬

‫ع ـ جماعة من جنود الله تراقب الختيار وتمنع‬


‫‪56‬‬ ‫الفوضى‪.‬‬

‫غ ـ جواز تولية المفضول مع وجود الفضل‪.‬‬


‫‪56‬‬

‫د ـ جمع عمر بين التعيين وعدمه‪.‬‬


‫‪56‬‬

‫ل ـ الشورى ليست بين الستة فقط‪.‬‬


‫‪56‬‬

‫هـ ـ أهل الشورى أعلى هيئة سياسية‪.‬‬


‫‪57‬‬

‫*منهج عبد الرحمن بن عوف في إدارة الشورى‪.‬‬


‫‪58‬‬

‫أ ـ اجتماع الرهط للمشاورة‪.‬‬


‫‪58‬‬

‫ب ـ عبد الرحمن يدعو إلى التنازل‪.‬‬


‫‪58‬‬

‫ت ـ تفويض ابن عوف بإدارة عملية الشورى‪.‬‬


‫‪58‬‬

‫‪-180-‬‬
‫ج ـ التفاق على بيعة عثمان‪.‬‬
‫‪59‬‬

‫س ـ حكمة عبد الرحمن بن عوف في تنفيذ خطة‬


‫‪59‬‬ ‫الشورى‪.‬‬

‫‪2‬ـ أول قضية واجهت عثمان قضية قتل‬


‫‪60‬‬

‫‪3‬ـ الشورى في فتح إفريقية‪.‬‬


‫‪61‬‬

‫‪4‬ـ الشورى في جمع القرآن في عهد عثمان‪.‬‬


‫‪61‬‬

‫‪5‬ـ الشورى في أحداث الفتنة‪.‬‬


‫‪63‬‬

‫‪6‬ـ مشورة عثمان لولة المصار‪.‬‬


‫‪64‬‬

‫‪7‬ـ الحوار المباشر مع المعارضين في عهد عثمان‪.‬‬


‫‪66‬‬

‫سابعًا‪ :‬الشورى في عهد أمير المؤمنين علي بن ابي‬


‫طالب رضي الله عنه‪.‬‬
‫‪68‬‬

‫‪1‬ـ بيعة علي بن أبي طالب رضي الله عنه‪.‬‬


‫‪68‬‬

‫‪2‬ـ انعقاد الجماع على خلفة علي بن أبي طالب رضي‬


‫الله عنه‪71 .‬‬

‫‪3‬ـ حقيقة الشورى في بيعة علي بن أبي طالب رضي‬


‫الله عنه‪72 .‬‬

‫‪-181-‬‬
‫‪4‬ـ من أقوال أمير المؤمنين علي بن ابي طالب رضي‬
‫الله عنه‪72 .‬‬

‫ثامنًا‪ :‬الشورى في عهد الحسن بن علي بن أبي طالب‪.‬‬


‫‪73‬‬

‫‪1‬ـ بيعة الحسن بن علي رضي الله عنه‪.‬‬


‫‪73‬‬

‫‪2‬ـ بطلن قضية النص على خلفة الحسن‪.‬‬


‫‪74‬‬

‫تاسعًا‪ :‬الشورى في دولة عمر بن عبد العزيز‪.‬‬


‫‪75‬‬

‫*في خلفته‪.‬‬
‫‪77‬‬

‫عاشرًا‪ :‬الشورى في عهد نور الدين زنكي‪.‬‬


‫‪78‬‬

‫‪1‬ـ الشورى في القضايا العامة‪.‬‬


‫‪79‬‬

‫‪2‬ـ مجالس متخصصة‪.‬‬


‫‪81‬‬

‫المبحث الثاني‪ :‬فوائد الشورى وأحكامها ومجالتها‪.‬‬


‫‪84‬‬

‫أو ً‬
‫ل‪ :‬فوائد الشورى‪.‬‬
‫‪84‬‬

‫ثانيًا‪ :‬حكم الشورى‪.‬‬


‫‪88‬‬

‫‪-182-‬‬
‫ثالثًا‪ :‬الشورى المعلمة والشورى الملزمة‪.‬‬
‫‪90‬‬

‫رابعًا‪ :‬مجالت الشورى‪.‬‬


‫‪95‬‬

‫‪1‬ـ المجال السياسي الدنيوي‪.‬‬


‫‪95‬‬

‫‪2‬ـ الشورى في القضاء‪.‬‬


‫‪95‬‬

‫‪3‬ـ الشورى في تنزيل الحكام القطعية‪.‬‬


‫‪96‬‬

‫‪4‬ـ الشورى في الحكام الجتهادية والخلفية‪.‬‬


‫‪96‬‬

‫خامسًا‪ :‬المرأة والشورى‪.‬‬


‫‪97‬‬

‫سادسًا‪ :‬الشورى والقليات‪.‬‬


‫‪101‬‬

‫سابعًا‪ :‬أهل الشورى صفاتهم وطريقة اختيارهم‪.‬‬


‫‪105‬‬

‫‪1‬ـ أهل الشورى وصفاتهم‪.‬‬


‫‪105‬‬

‫‪2‬ـ اختيار أهل الشورى‪.‬‬


‫‪107‬‬

‫‪3‬ـ نموذج للمشورة وللمستشير والمستشار‪.‬‬


‫‪110‬‬

‫‪-183-‬‬
‫ثامنًا‪ :‬الشورى ومأسستها‪.‬‬
‫‪111‬‬

‫‪1‬ـ الفراغ التنظيمي والفقهي في إدارة الشورى‪.‬‬


‫‪112‬‬

‫أ ـ عن عامر بن سعد عن أبيه أن الرسول‪.‬‬


‫‪112‬‬

‫ب ـ الفتنة التي تموج كموج البحر‪.‬‬


‫‪113‬‬

‫‪2‬ـ صلحيات مجلس الشورى ووظائفه‪.‬‬


‫‪116‬‬

‫‪3‬ـ من قواعد الشورى المؤسسية‪.‬‬


‫‪116‬‬

‫‪4‬ـ من المؤسسات الشورية المعاصرة‪.‬‬


‫‪117‬‬

‫‪5‬ـ النظم الجرائية لعملية الشورى‪.‬‬


‫‪117‬‬

‫‪6‬ـ الصول والقواعد الشرعية تؤيد تطوير المؤسسة‬


‫الشورية‪118.‬‬

‫أ ـ تحدث للناس أقضية بقدر ما أحدثوا من فجور‪.‬‬


‫‪118‬‬

‫ب ـ قاعدة سد الذرائع‪.‬‬
‫‪118‬‬

‫ج ـ المصالح المرسلة‪.‬‬
‫‪119‬‬

‫‪-184-‬‬
‫س ـ القتباس لما فيه مصلحة وخير‪.‬‬
‫‪119‬‬

‫‪120‬‬ ‫ـ حفر الخندق‪.‬‬

‫ـ هل نستفيد من الديمقراطية‪.‬‬
‫‪121‬‬

‫ـ من آفات الديمقراطية‪.‬‬
‫‪122‬‬

‫‪7‬ـ من الفروق بين الشورى والديمقراطية‪.‬‬


‫‪122‬‬

‫‪8‬ـ أوجه التفاق بين الشورى والديمقراطية‪.‬‬


‫‪125‬‬

‫‪9‬ـ الديمقراطية كمنهج إجرائي‪.‬‬


‫‪128‬‬

‫‪10‬ـ القيم النسانية في الشورى‪.‬‬


‫‪130‬‬

‫‪131‬‬ ‫ـ الحرية الشخصية‪.‬‬

‫ـ المساواة‪.‬‬
‫‪134‬‬

‫‪137‬‬ ‫‪11‬ـ الشورى والصلح‪.‬‬

‫‪12‬ـ الشورى جزء من الدين السلمي‪.‬‬


‫‪138‬‬

‫تاسعًا‪ :‬أزمة الشورى في واقع المسلمين‪.‬‬


‫‪140‬‬

‫‪-185-‬‬
‫عاشرًا‪ :‬تفعيل حقيقة الشورى في الشعوب السلمية‪.‬‬
‫‪144‬‬

‫‪1‬ـ جعل الشورى الطريقة الوحيدة لكسب أي نظام حكم‬


‫الشرعية من الشعب أو المجتمع أو المة‪.‬‬
‫‪144‬‬

‫‪2‬ـ الدور الجتماعي في تنمية الشورى‪.‬‬


‫‪145‬‬

‫‪3‬ـ وعي سياسي للفرد والرعية والحاكم لهمية‬


‫الشورى‪146 .‬‬

‫‪4‬ـ تفعيل المجتمع المدني والمؤسسات الشعبية‪.‬‬


‫‪147‬‬

‫‪5‬ـ رفض الهالت والقداسة عن الرؤساء والحكام‪.‬‬


‫‪148‬‬

‫‪6‬ـ الحكم السلمي مدني ل عسكري‪.‬‬


‫‪149‬‬

‫‪149‬‬ ‫أ ـ حماية التوحيد‪.‬‬

‫ب ـ اختلف النظر في صرف المال‪.‬‬


‫‪149‬‬

‫ج ـ اختلف منهج عمر من منهج خالد في السياسة‬


‫العامة‪150 .‬‬

‫س ـ موقف المجتمع السلمي في قرار العزل‪.‬‬


‫‪150‬‬

‫‪7‬ـ الستجابة لمتطلبات الشعوب والتغيرات التي تحدث‬


‫في المجتمعات وفق مقاصد الشريعة‪.‬‬
‫‪151‬‬

‫‪-186-‬‬
‫‪8‬ـ الحرص على حرية البحث العلمي وإستقلليته‪.‬‬
‫‪152‬‬

‫‪9‬ـ مواجهة التحديات الحضارية‪.‬‬


‫‪152‬‬

‫‪154‬‬ ‫الخلصة‪.‬‬

‫الفهارس‪.‬‬
‫‪157‬‬

‫‪-187-‬‬
‫كتب صدرت للمؤلف‬

‫‪1‬ـ السيرة النبوية‪ :‬عرض وقائع وتحليل وأحداث‪.‬‬


‫‪2‬ـ سيرة الخليفة الول أبو بكر الصديق رضي الله عنه‪:‬‬
‫شخصيته وعصره‪.‬‬
‫‪3‬ـ سيرة أمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضي الله‬
‫عنه‪ :‬شخصيته وعصره‪.‬‬
‫‪4‬ـ سيرة أمير المؤمنين عثمان بن عفان رضي الله عنه‬
‫شخصيته وعصره‪.‬‬
‫‪5‬ـ سيرة أمير المؤمنين علي بن أبي طالب رضي الله‬
‫عنه شخصيته وعصره‪.‬‬
‫‪6‬ـ سيرة أمير المؤمنين الحسن بن علي بن أبي طالب‬
‫رضي الله عنه شخصيته وعصره‪.‬‬
‫‪7‬ـ الدولة العثمانية‪ :‬عوامل النهوض والسقوط‪.‬‬
‫‪8‬ـ فقه النصر والتمكين في القرآن الكريم‪.‬‬
‫‪9‬ـ تاريخ الحركة السنوسية في أفريقيا‪.‬‬
‫‪10‬ـ تاريخ دولتي المرابطين والموحدين في الشمال‬
‫الفريقي‪.‬‬
‫‪11‬ـ عقيدة المسلمين في صفات رب العالمين‪.‬‬
‫‪12‬ـ الوسطية في القرآن الكريم‪.‬‬
‫‪13‬ـ الدولة الموية‪ ،‬عوامل الزدهار وتداعيات النهيار‪.‬‬
‫‪14‬ـ معاوية بن أبي سفيان‪ ،‬شخصيته وعصره‪.‬‬
‫‪15‬ـ عمر بن عبد العزيز‪ ،‬شخصيته وعصره‪.‬‬
‫‪16‬ـ خلفة عبد الله بن الزبير‪.‬‬
‫‪17‬ـ عصر الدولة الزنكية‪.‬‬
‫‪18‬ـ عماد الدين زنكي‪.‬‬
‫‪19‬ـ نور الدين زنكي‪.‬‬
‫‪20‬ـ دولة السلجقة‪.‬‬
‫‪21‬ـ المام الغزالي وجهوده في الصلح والتجديد‪.‬‬
‫‪22‬ـ الشيخ عبد القادر الجيلني‪.‬‬
‫‪23‬ـ الشيخ عمر المختار‪.‬‬
‫‪24‬ـ عبد الملك بن مروان بنوه‪.‬‬
‫‪25‬ـ فكر الخوارج والشيعة في ميزان أهل السنة‬
‫والجماعة‪.‬‬
‫‪26‬ـ حقيقة الخلف بين الصحابة‪.‬‬

‫‪-188-‬‬
‫‪27‬ـ وسطية القرآن في العقائد‪.‬‬
‫‪28‬ـ فتنة مقتل عثمان‪.‬‬
‫‪29‬ـ السلطان عبد الحميد الثاني‪.‬‬
‫‪30‬ـ دولة المرابطين‪.‬‬
‫‪31‬ـ دولة الموحدين‪.‬‬
‫‪32‬ـ عصر الدولتين الموية والعباسية وظهور فكر‬
‫الخوارج‪.‬‬
‫‪33‬ـ الدولة الفاطمية‪.‬‬
‫‪34‬ـ حركة الفتح السلمي في الشمال الفريقي‪.‬‬
‫‪35‬ـ صلح الدين اليوبي وجهوده في القضاء على‬
‫الدولة الفاطمية وتحرير البيت المقدس‪.‬‬
‫‪36‬ـ إستراتيجية شاملة لمناصرة الرسول صلى الله عليه‬
‫وسلم دروس مستفادة من الحروب الصليبية‪.‬‬
‫‪37‬ـ الشيخ عز الدين بن عبد السلم سلطان العلماء‪.‬‬
‫‪38‬ـ الحملت الصليبية )الرابعة والخامسة والسادسة‬
‫والسابعة( واليوبيون بعد صلح الدين‪.‬‬
‫‪39‬ـ المشروع المغولي عوامل النتشار وتداعيات‬
‫النكسار‪.‬‬
‫‪40‬ـ سيف الدين قطز ومعركة عين جالوت في عهد‬
‫المماليك‪.‬‬
‫ل جلله‪.‬‬‫‪41‬ـ اليمان بالله ج ّ‬
‫‪42‬ـ اليمان باليوم الخر‪.‬‬
‫‪43‬ـ الشورى في السلم‪.‬‬

‫‪-189-‬‬

You might also like