Professional Documents
Culture Documents
حكِيمًا ()165
ل َوكَانَ اللّهُ عَزِيزًا َ
سِحجّةٌ َب ْعدَ الرّ ُ
رُسُلًا مُبَشّرِينَ َومُنْذِرِينَ لِئَلّا َيكُونَ لِلنّاسِ عَلَى اللّهِ ُ
نعرف أن البشارة تكون بأمر سار يأتي من بعد .والنذارة هي إخبار بأمر مسيء يأتي من بعد.
والعزيز سبحانه ل يُغلب .والحكيم سبحانه وضع كل شيء في موضعه ،لماذا؟ .لن الرسل
يبشرون وينذرون بأن هناك جنة ونارا وحسابا ،فإياكم أن تظنوا أن الذي كفر بقادر على أن
يصنع شيئا لنفسه؛ وال عزيز وغنيّ عن خلقه جميعا.
ونعلم أن الحق ل يجرم سلوكا إل بنص ،وقبل أن يعاقب فهو يضع القواعد التي ل يصح الخروج
حكِيما } فعزته وحكمته هي التي أتاحت لنا أن نعرف
عنها .وحين يقول الحقَ { :وكَانَ اللّهُ عَزِيزا َ
شهَدُ} ...
منهجه .ويقول الحق من بعد ذلك { :لّـاكِنِ اللّهُ َي ْ
()652 /
شهِيدًا ()166
ن َوكَفَى بِاللّهِ َ
شهَدُو َ
شهَدُ ِبمَا أَنْ َزلَ إِلَ ْيكَ أَنْ َزلَهُ ِبعِ ْلمِ ِه وَا ْلمَلَا ِئكَةُ َي ْ
َلكِنِ اللّهُ يَ ْ
http://www.daardesign.com/forum
منتدى دارنا
ونجد النسان منا يذهب بساعته إلى عامل إصلح الساعات فيكشف عليها ويقرر ما فيها من
فساد ،فما بالنا بخالق النسان .إنّ العبث الذي يوجد في العالم سببه أن الناس قد استقبلوا خلق ال
لهم ،ولم يدع أحد أنه خلق نفسه أو خلق غيره ،ومع ذلك يحاولون أن يقننوا قوانين صيانة
للنسان خارجة عن منهج ال.
ونقول :دعوا خالق النسان ،يضع لكم قانون صيانة النسان بـ " افعل " ول " تفعل " وإن أردتم
أن تشرّعوا ،فلتشرعوا في ضوء منهج ال ،وإن حدث أي عطب في النسان فلنرده إلى قانون
صيانة الصانع الول وهو القرآن؛ لن المتاعب إنما تنبع من أن النسان يتناسى في بعض
الحيان أنه من صنعة ال ،ويحاول أن يصنع لنفسه قانون صيانة بعيدا عن منهج ال ،والذي يزيل
متاعب النسانية هو أن تعود إلى قانون صيانتها الذي وضعه الخالق تبارك وتعالى.
شهَدُونَ } والملئكة تشهد لنها نالت
ش َهدُ ِبمَآ أَن َزلَ إِلَ ْيكَ أَنزَلَهُ ِبعِ ْل ِم ِه وَا ْلمَل ِئكَةُ يَ ْ
{ لّـاكِنِ اللّهُ يَ ْ
شرف أن يكون المبلغ لرسول ال منهم وهو جبريل عليه السلم ،وهم أيضا الذين يحسبون
حسابات العمل الصالح أو الفاسد للنسان ويكتبونها في صحيفته ،وهم كذلك الذين حملوا ما في
شهِيدا } لماذا لم يقل ال
اللوح المحفوظ وبلغوا ما أمروا بتبليغه وهم يعرفون الكثير { َوكَفَىا بِاللّهِ َ
هنا وكفى بال وبالملئكة شهودا؟ .لن الحق سبحانه وتعالى ل يأخذ شهادة الملئكة تعزيزا
لشهادته.
ونحن ل نأخذ شهادة الملئكة تعزيزا لشهادة ال وإل كانت الملئكة أوثق عندنا من ال .وسبحانه
يؤرخ شهادة الناس وشهادة الملئكة ،لكنك يا رسول ال تكفيك شهادة ال.
ومن بعد ذلك يقول الحق { :إِنّ الّذِينَ َكفَرُواْ} ...
()653 /
إِنّ الّذِينَ َكفَرُوا َوصَدّوا عَنْ سَبِيلِ اللّهِ قَ ْد ضَلّوا ضَلَالًا َبعِيدًا ()167
إنّ كُفر الكافر إنما يعود عليه ،وهو يملك الختيار بين الكُفر واليمان ،لكن أن يصد الكافر غيره
عن اليمان فهذا ضلل متعدّ؛ لقد ضل في نفسه ،وهو يحاول أن يضل غيره؛ لذلك ل يحمل
وزره فقط ولكن يحمل أوزار من يضلّهم.
وكيف يكون الصدّ عن سبيل ال؟ .بمحاولة أهل الضلل أن يمنعوا آيات الهُدى من أن تصل إلى
س َمعُواْ ِلهَـاذَا ا ْلقُرْآنِ وَا ْلغَوْاْ فِيهِ َلعَّلكُمْ َتغْلِبُونَ }
آذان الناس ،فيقولوا ما رواه الحق عنهم {:لَ تَ ْ
[فصلت]26 :
ن وَا ْل َغوْاْ فِيهِ }
س َمعُواْ ِلهَـاذَا ا ْلقُرْآ ِ
ولو فهموا معنى هذه الية لما قالوا ما جاء فيها ،فقولهم { :لَ تَ ْ
http://www.daardesign.com/forum
منتدى دارنا
أي اصنعوا ضجة تشوّش على سماع القرآن ،وهم قد علموا أن هذا القرآن عندما يصل إلى
السماع فإنه يبلغ الهداية ،ولو كان القرآن غير مؤثر لما قالوا ذلك ،إذن هم يعترفون بأنهم يُغلَبُون
عندما يصل صوت القرآن إلى آذان البشر المدعوين إلى الهداية.
{ إِنّ الّذِينَ َكفَرُواْ وَصَدّواْ عَن سَبِيلِ اللّهِ َق ْد ضَلّواْ ضَلَالً َبعِيدا } .كان يكفي أن يقول الحق { َقدْ
ضَلّواْ } ،لكنه جاء بالمصدر التأكيدي { قَ ْد ضَلّو ْا ضَلَالً َبعِيدا } أي إنه الضلل بعينه ،وهو فوق
ذلك ضلل بعيد.
وعندما ننظر في كلمة " بعيد " ،نعرف أن الشيء البعيد هو الذي بينه وبين مصدره مسافة زمنية
طويلة .والذي يضل قصارى ضلله أن ينتهي بانتهاء حياته ،لكن الذي يعمل على إضلل غيره
فهو يجعل الضلل يمتد ،أي أن الضلل سيأخذ في هذه الحالة زمنا أكبر من حياة المُضل،
ويتوالى الضلل عن المضلين أجيالً ،وهكذا يصبح الضلل ممتدا.
والضلل المعروف في الماديات البشرية هو -على سبيل المثال -أن يسير النسان إلى طريق
فيضل إلى طريق آخر .وقصارى ما يضل فيه هو أن يذهب إلى مفازه -أي صحراء -ول يجد
ماء ول طعاما فيموت .لكن الضال المضل يجعل ضلله يأخذ زمن الدنيا والخرة وبذلك يكون
ضلله ممتدا.
ومن بعد ذلك يقول الحق { :إِنّ الّذِينَ َكفَرُواْ} ...
()654 /
جهَنّمَ خَالِدِينَ
إِنّ الّذِينَ َكفَرُوا وَظََلمُوا لَمْ َيكُنِ اللّهُ لِ َي ْغفِرَ َلهُ ْم وَلَا لِ َي ْهدِ َيهُمْ طَرِيقًا ( )168إِلّا طَرِيقَ َ
فِيهَا أَبَدًا َوكَانَ َذِلكَ عَلَى اللّهِ يَسِيرًا ()169
والحديث هنا يبدأ عن الكفر والظلم { إِنّ الّذِينَ َكفَرُو ْا وَظََلمُواْ } .والكفر هو ستر الوجود العلى،
والظلم معناه أنهم عاشوا بمنهج بشري ل يؤدي لهم متاعا ول سعادة في حياتهم الدنيا ،وبذلك
يكونون قد ظلموا أنفسهم .ومن بعد ذلك يقودهم هذا المنهج إلى عذاب الخرة .والذي كفر ستر
وجود ال وحرم نفسه بستر الوجود العلى من المنهج الذي يأتي به ال إنه بذلك قد ضل ضللً
شقَىا }[طه]123 :
ضلّ َولَ يَ ْ
بعيدا .وسبحانه القائل {:فَِإمّا يَأْتِيَ ّنكُم مّنّي ُهدًى َفمَنِ اتّبَعَ ُهدَايَ فَلَ َي ِ
خ ْوفٌ عَلَ ْيهِ ْم َولَ هُمْ َيحْزَنُونَ }[البقرة]38 :
وهناك آية أخرى يقول فيها الحقَ {:فمَن تَبِعَ ُهدَايَ فَلَ َ
والذي يأخذ بهوى نفسه وبمنهج البشر فإن له معيشة ضنكا ضيقة شديدة .ول يظنن ظان أن الذي
يأخذ ويتناول المور بهواه قد أخذ انطلقا بل حدود وراحة ل نهاية لها ،ل؛ لن الذي يفعل ذلك
قد يرتاح مرة لكنه يقابل التعب ويعيش فيه ول ينفك عنه من بعد ذلك ،وهكذا يظلم نفسه.
http://www.daardesign.com/forum
منتدى دارنا
وقد يقول قائل :لقد ظلموا أنفسهم ،ومعنى ذلك أنه ل بد من وجود ظالم ومظلوم .فمن هو الظالم
ومن هو المظلوم؟ .كل واحد منهم الظالم .وكل واحد منهم المظلوم؛ لن النسان مركب من
ملكات متعددة ،ملكة شهوات تريد أن تنطلق إلى الشهوات ،وملكة قيم تريد أن يحفظ النسان نفسه
ويسير على صراط القيم المستقيم.
وفي حالة من يكفر ول يتبع منهج ال إنما يترك الفرصة لملكة الشهوات أن تظلم ملكة القيم.
والسلم إنما جاء ليوازي بين الملكات لتتساند في النفس البشرية ،فل يطغى سيال ملكة على
ظَلمُواْ َلمْ َيكُنِ اللّهُ لِ َي ْغفِرَ َل ُه ْم َولَ لِ َي ْهدِ َيهُمْ طَرِيقا * ِإلّ طَرِيقَ
سيال ملكة أخرى {.إِنّ الّذِينَ َكفَرُواْ وَ َ
جهَنّمَ خَاِلدِينَ فِيهَآ أَبَدا َوكَانَ ذاِلكَ عَلَى اللّهِ َيسِيرا }[النساء]169-168 :
َ
هذا هو حكم الحق في الذين يكفرون ويظلمون أنفسهم ،لن ينالوا مغفرة ال وليس أمامهم إل
طريق جهنم خالدين فيها أبدا .ويقول الحق بعد ذلك { :ياأَ ّيهَا النّاسُ} ...
()655 /
يَا أَ ّيهَا النّاسُ َقدْ جَا َءكُمُ الرّسُولُ بِا ْلحَقّ مِنْ رَ ّب ُكمْ فََآمِنُوا خَيْرًا َل ُك ْم وَإِنْ َت ْكفُرُوا فَإِنّ لِلّهِ مَا فِي
حكِيمًا ()170
سمَاوَاتِ وَالْأَ ْرضِ َوكَانَ اللّهُ عَلِيمًا َ
ال ّ
فبعد أن وصف لنا -بإيجاز محكم -سلسلة المعارك التي نشأت بين الرسول واليهود مرة ،ومرة
أخرى بينه وبين المشركين ،وها هوذا سبحانه يخاطب الناس جميعا ،ليصفي مركز منهج ال في
الرض ،فيقول منبها كل الناس :لقد جاءت رسالة محمد عليه الصلة والسلم تصفية لكل
الرسالت التي سبقت ،وعلى الناس جميعا أن يميزوا ،ليختاروا الحياة اليمانية الجديدة؛ لن
الرسول قد جاء بالنور والبرهان ،الذي يرجح ما هو عليه صلى ال عليه وسلم على ما هم عليه،
والنور الذي يهديهم سواء السبيل.
لقد كان الناس قبل رسول ال على مَِللٍ وعلى أديان ونحل شتى ،فجاء البرهان بأن السلم قد
جاء ناسخا وخاتما .والبرهان هو تعاليم هذا الدين وأدلته ،فل حجة لحد أن يتمسك بشيء مما كان
عليه .وجاء محمد بالنور الذي يهدي النسان إلى سواء السبيل ،وهذه تصفية عقدية شاملة ،أو كما
نقول بالعامية " أوكازيون إيماني " تتخلص به البشرية من كل ما يشوب عقائدها ،ولتبدأ مرحلة
جديدة.
حقّ مِن رّ ّبكُمْ } والحق هو الشيء الثابت الذي ل يتغير مهما
{ ياأَ ّيهَا النّاسُ قَدْ جَآ َءكُمُ الرّسُولُ بِالْ َ
تغيرت عليه الظروف؛ لن الحق صدق له لون واحد ،فإذا ما رأيتم جميعا حادثة واحدة ،ثم جاء
كل واحد منكم فأخبر بها إخبار صدق فلن تختلف رواية الحادثة من واحد لخر .أما إن سولت
http://www.daardesign.com/forum
منتدى دارنا
نفس بعض الناس لهم أن يتزيدوا في الحادثة فكل واحد سيحكي الحادثة على لون مختلف عن بقية
اللوان ،وقد يسافر خيال أحدهم في شطحة الكذب ويسترسل فيه.
إذن فالذي ل يتغير في الحق هو أن يحكوا جميعا الرواية الواحدة بصدق ولو كانوا مليين الناس،
لكن إن سولت نفوس بعضهم الكذب وحسنته له وأغرته به لختلفت الرواية؛ لن الكذب مشاع
أوهام ول حقيقة له .والحق سبحانه وتعالى يوضح لنا :لقد جاءكم الرسول بالحق مهما تغيرت
الظروف والحوال ،ومهما جئتم إليه من أي لون ،سواء في العقديات أو في العباديات أو في
الخلق أو في السلوك .وستجدون كل شيء ثابتا لنّه الحق.
سمَآءِ مَآءً َفسَاَلتْ َأوْدِيَةٌ ِبقَدَرِهَا
ويضرب الحق سبحانه وتعالى لنا مثلً في هذا الحق {:أَنَ َزلَ مِنَ ال ّ
فَاحْ َت َملَ السّ ْيلُ زَبَدا رّابِيا َو ِممّا يُوقِدُونَ عَلَ ْيهِ فِي النّارِ ابْ ِتغَآءَ حِلْيَةٍ َأوْ مَتَاعٍ زَبَدٌ مّثْلُهُ كَذاِلكَ َيضْ ِربُ
طلَ }[الرعد]17 :
ق وَالْبَا ِ
حّاللّهُ الْ َ
كل وادٍ يأخذ ماء على قدر حجمه ،وساعة ينزل السيل من الجبال يحمل معه التراب والقش
والشياء التي ل لزوم لها ،وهو ما نسميه " الريم " وهو الزّبَد الرابي .وكذلك الحديد أو النحاس
أو الذهب الذي نصنع منه الحلي أو أدوات المتاع ،وعندما نضع هذه المعادن في النار ،نجد الزّبَد
يفور على سطح هذه المعادن عندما تنصهر ،وتسمى هذه الشياء الخبث.
http://www.daardesign.com/forum
منتدى دارنا
بأمر خالقها ،وكل شيء في الكون منتظم الحركة ،اللهم إل الشياء التي يتدخل فيها النسان ،فإذا
كان قد دخلها بمواصفات منهج ال فهي منسجمة مع نفسها ومع الكون ،وإن دخلها بغير
مواصفات منهج ال فلن تستقيم ،بل تفسد.
سهِمْ }[الرعد]11 :
ولذلك قال الحق {:إِنّ اللّ َه لَ ُيغَيّرُ مَا ِب َقوْمٍ حَتّىا ُيغَيّرُواْ مَا بِأَ ْنفُ ِ
إن المر الفاسد إنما يأتي من داخل نفوس البشر عندما يضلون عن منهج ال ،ولذلك نقول :أشَكى
الناس أزمة ضوء؟ .ل؛ لن الشمس ليست في متناولنا ،وكذلك لم يشك الناس أزمة هواء ،لكنهم
ل فل يعمل ،وإما أن
يشكون أزمة طعام؛ لن الطعام ينبت من الرض ،فإما أن يكسل النسان مث ً
يعمل ويخرج ثمرا فيأخذه بعضهم ويضنوا ويبخلوا ول يعطوه لغيرهم ،وهذا سبب من أسباب
الفساد الناشئ في الكون.
وجاء الحق لهم بما يمكن أن يكون فتحا يدخلون فيه باليمان بمنهج الرسول الخاتم ،ويكفرون عن
أخطائهم مع أنبيائهم ومع محمد صلى ال عليه وسلم ،يقول سبحانه } :ياَأ ْهلَ ا ْلكِتَابِ لَ َتغْلُواْ فِي
دِي ِنكُمْ{ ...
()656 /
يبدأ الحق بأمر موجه لهل الكتاب { :لَ َتغْلُواْ فِي دِي ِنكُمْ } والغلو هو الخروج عن حد العتدال في
الحكم ،لن كل شيء له وسط وله طرفان ،وعندما يمسك شخص طرفا نطلب منه أل يكون هناك
إفراط أو تفريط .وقد وقع أهل الكتاب في هذا المأزق ،فلم يأخذوا المر بالعتدال دون إفراط أو
تفريط ،لقد كفر اليهود بعيسى واتهموا مريم بالزنا ،وهذا غلو في الكُرْه ،وغالى النصارى في
الحب لعيسى فقالوا :إنه إله أو ابن إله أو ثالث ثلثة؛ وهذا غلو ،ويطلب الحق منهم أن يقفوا من
أمر الدين موقف العتدال { :لَ َتغْلُواْ فِي دِي ِنكُ ْم َولَ َتقُولُواْ عَلَى اللّهِ ِإلّ ا ْلحَقّ }.
إن أمر المنهج ل يحتاج إلى غلو ،ولذلك جاء محمد صلى ال عليه وسلم من عند ال بالدين
الوسط الذي يضع كل أمر في نصابه .وشرح لنا بإخبارات النبوة وإلهامها ما سوف يحدث للمام
علي بن أبي طالب -رضي ال عنه ،-وقد حدث ما تنبأ به رسول ال صلى ال عليه وسلم،
فالخوارج كفّروا عليا ،والمسرفون بالتشيع قالوا :إنه نبي ،وبعضهم زاد السراف فجعله إلها.
قال رسول ال صلى ال عليه وسلم لعليّ -كرم ال وجهه :-
http://www.daardesign.com/forum
منتدى دارنا
" إن فيك من عيسى مثل .أبغضته اليهود حتى بهتوا ُأمّهُ ،وأحبته النصارى حتى انزلوه المنزل
الذي ليس له ".
وكما قال سيدنا علي -كرم ال وجهه " :-أل وإنه يهلك فيّ اثنان :محبٌ يقرظني بما ليس فيّ،
ومبغض يحمله شنآني على أن يبهتني ،أل إني لست بنبيّ ول يوحى إليّ ،ولكني أعمل بكتاب ال
وسنة نبيه -صلى ال عليه وسلم -ما استطعت ،فما أمرتكم من طاعة ال فحق عليكم طاعتي
فيما أحببتم وكرهتم ".
وقد أخبر الرسول صلى ال عليه وسلم عليّا أن المحب الذي يغالي في حبه ليس مع عليّ وكذلك
الكاره المبغض؛ فالذي يحب عليا بغلو جعل منه إلها أو رسولً ،والذي أبغض عليا جعله كافرا.
وكذلك النصارى من أهل الكتاب جاءوا إلى عيسى فأحبوه بغلو وجعلوه إلها أو ابن إله أو ثالث
حقّ إِ ّنمَا ا ْلمَسِيحُ عِيسَى ابْنُ
ثلثة ،فيقول لهم الحق { :لَ َتغْلُواْ فِي دِي ِنكُ ْم َولَ َتقُولُواْ عَلَى اللّهِ ِإلّ الْ َ
مَرْيَمَ رَسُولُ اللّهِ } .وقوله الحق { :عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ رَسُولُ اللّهِ } رد على غلو اليهود الذين
رفضوا اليمان بعيسى ،وقالوا في عيسى وأمه البهتان العظيم.
وقوله الحق عن عيسى ابن مريمَ { :رسُولُ اللّ ِه َوكَِلمَتُهُ أَ ْلقَاهَا إِلَىا مَرْيَ َم وَرُوحٌ مّنْهُ } رد على
غلو النصارى الذين نصبوه إلها أو جعلوه ابنا ل أو ثالث ثلثة ،فعيسى عليه السلم هو ابن مريم
وعندما بشرها به الحق وقالت:
{ أَنّىا َيكُونُ لِي وَلَ ٌد وَلَمْ َيمْسَسْنِي بَشَرٌ }[آل عمران]47 :
قالت ذلك بفطنة الصديقية التي جعلتها تنبه إلى أنها لم يمسسها بشر ،ومادام الحق قد نسبه إليها
فليس له أب ،سيولد عيسى دون أن يمسسها بشر ،ويوضح سبحانه ذلك عندما يقول } :إِ ّنمَا
ا ْلمَسِيحُ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ رَسُولُ اللّهِ َوكَلِمَتُهُ أَ ْلقَاهَا إِلَىا مَرْيَ َم وَرُوحٌ مّنْهُ { .فعيسى روح من الحق؛
لنه سبحانه قال {:فَ َنفَخْنَا فِيهَا مِن رّوحِنَا }[النبياء]91 :
وما معنى " كلمته "؟ .هذا القول يدل على أن الروح نفخت ثم جاءت كلمة " كن " التي قال عنها
سبحانهِ {:إذَا َقضَىا َأمْرا فَإِ ّنمَا َيقُولُ لَهُ كُنْ فَ َيكُونُ }[آل عمران]47 :
لقد احتاج وجود عيسى إلى أمرين " :روح " و " كن " .والشبهة عند النصارى مردها إلى أن
عنصر الذكورة لم يلمس مريم؛ وقالوا :مادام ال قد قال :إن عيسى روح منه فهو جزء من ال،
جمِيعا
سمَاوَاتِ َومَا فِي الَ ْرضِ َ
ونسوا أن كل شيء من ال ،وسبحانه القائل {:وَسَخّرَ َلكُمْ مّا فِي ال ّ
مّنْهُ }[الجاثية]13 :
فهل هذا يعني أن " الرض " قطعة من ال وكذلك الشمس؟ .ل .فإذا كانت الشبهة قد جاءت من
غياب عنصر الذكورة مع وجود عنصر النوثة لكان من الواجب منطقيا أن تكون الشبهة في آدم
قبل أن تكون الشبهة في عيسى؛ لن آدم جاء من غير ذكورة ول أنوثة؛ فل أب ول أم له؛ لقد
http://www.daardesign.com/forum
منتدى دارنا
قال القرآن بمنتهى البساطة ومنتهى الوسع {:إِنّ مَ َثلَ عِيسَىا عِندَ اللّهِ َكمَ َثلِ ءَادَمَ خََلقَهُ مِن تُرَابٍ
ثُمّ قَالَ لَهُ كُن فَ َيكُونُ }[آل عمران]59 :
ول يملك أحد القيد على فضل ال ووسعه ،ومسألة آدم كانت أدق ،لكن ال بتفضله يساوي بين
خلق عيسى وخلق آدم ،وهذا هو التلطف في الجدل .وأخبرنا سبحانه عن عيسى أنه جاء بأمر
ختُ فِيهِ مِن رّوحِي }[الحجر]29 :
سوّيْتُ ُه وَ َنفَ ْ
منه ،وقال في آدم {:فَإِذَا َ
إذن فآدم قد احتاج إلى المرين نفسيهما " :كن " ،و " النفخ فيه من الروح " ،وعندما ننظر إلى
هذه المسألة نجد أننا ل بد أن نتعرض لقضية خلق آدم ،حتى نعرف كيف تسلسلت مسألة الخلق،
سواء أكان الخلق ملئكة أم خلق آدم أم خلق حواء أو غيرهم من الخلق ،كذلك خلق عيسى .لقد
كان خلق آدم غيبا عن آدم ،وليس لدم نفسه ول لمن جاء بعده أن يتكلم كيف خُلق؛ لن هذه
المسألة ل دخل لحد بها ،ويقول لنا الخلق محذرا من أن نستمع إلى قوم يقولون بغير ذلك عن
سهِ ْم َومَا كُنتُ مُتّخِذَ ا ْل ُمضِلّينَ
ت وَالَ ْرضِ َولَ خَ ْلقَ أَ ْنفُ ِ
سمَاوَا ِ
شهَدّت ُهمْ خَ ْلقَ ال ّ
الخلق فقال {:مّآ أَ ْ
عضُدا }[الكهف]51 :
َ
ول يمكن -إذن -أن نستمع إلى هؤلء الذين افترضوا أن أصل النسان قرد أو غير ذلك؛ لن
الذي يتكلم عن الخلق بغير علم من عند ال ،فهو يتكلم في أمر لم يشهده.
والخلق الول أمر ل يمكن أن يدخل المعمل التجريبي؛ لن المعمل التجريبي إنما يحلل مواد
موجودة بالفعل .إذن فالحكم على أمور بغَير ما أخبرنا بها ال أمر باطل .ولم يكن هناك أحد مع
ال ساعة خلق الخلق ليقول لنا كيف تم ذلك .وعَِلمْنا هذه المسائل بإخبار الخالق لنا فهو العلم بنا،
والخالق أخبرنا أنه خلقنا من ماء وتراب وطين وحمأ مسنون وصلصال كالفخار ،وحدثنا بذلك في
آيات متعددة .والذين يريدون أن يكذبوا القرآن يقولون :إن القرآن لم يأت بخبر واحد عن خلق
الخلق ،فمرة يقول إن الخلق كان من ماء ومرة كان من تراب ،ومرة كان من طين ،ومرة كان
من صلصال.
ونقول :أحين يتكلم الحق عن مراحل الخلق فهل في هذا تضاد؟ .اصل الخلق ماء ،خلطه الحق
بتراب ،وبعد وضع الماء على التراب صار الثنان طينا ،ثم إذا تركنا الطين إلى أن يختمر،
يصير حمأ مسنونا ،وبعد ذلك يصير صلصالً ،ومن بعد ذلك خلق منه الحق آدم .إذن فكل شيء
تكلم عنه سبحانه في خلق آدم إنما يتفق مع كل اليات التي جاءت عن هذا الخلق .وهو القائل عن
ختُ فِيهِ مِن رّوحِي }[الحجر]29 :
سوّيْتُهُ وَنَفَ ْ
آدم {:فَِإذَا َ
وبعد صنع ال القالب الذي يشبه التمثال الذي نراه ،ولكن تنقصه الحركة ولحياة ،فيأتي النفخ في
الروح بكلمة " كن " .إذن نحن نحتاج إلى روح وإلى كلمة .والروح عنصر وجودي .وعندما
تختلط بالقالب تحدث الحياة ،ول بد من بعد ذلك من الرادة بكلمة " كن " .ولذلك نجد النسان قد
http://www.daardesign.com/forum
منتدى دارنا
يصنع نفس خلطة النسان الكيماوية لكنها ل تصير إنسانا؛ لن المر ينقص الذْن بميلد النسان.
وساعة يتكلم الحق عن خلق آدم وهو أمر لم نشهده ،فذلك من رحمته بنا ،ويترك لنا سبحانه في
الكون دليلً على صدقه عن خلق آدم ،فإذا كنا لم نشهد خلق الحياة فنحن نشهد نقيض الحياة وهو
الموت ،الذي يحدث فيه أولً خروج الروح ،ومن بعد ذلك ينتفخ الجسم كأنه الحمأ المسنون ،ثم
يتبخر الماء ،وبعد ذلك يتحلل إلى تراب .هذه هي مراحل الموت التي تبدأ من خروج الروح
ويتصلب الجسم إلى أن يَرِم ثم يتبخر الماء ،وتبقى العناصر في الرض.
وإذا كنا لم نعرف كيف بدأت الحياة ،فنحن نعرف كيف انتهت الحياة أمامنا بالمر المشهدي،
وجعل سبحانه أمر انتهاء الحياة أمامنا دليلً على صدقة في إخبارنا بالحياة وكيف بدأت؛ لن
نقض الحياة يكون بالموت ،ونقض أي شيء إنما يتم على عكس طريقة بنائه .وآخر أمر دخل في
النسان هو الروح ،ولذلك فهي أول ما يخرج من النسان عند الموت.
وبعد ذلك يتصلب الجسم ،وبعد ذلك يصير رمة وهي الحمأ المسنون .وبعد ذلك يتبخر الماء
ويبقى أخيرا التراب.
وقد حللوا النسان حديثا .فوجدوا فيه عناصر كثيرة ،ثم حللوا طينة الرض الخصبة التي يخرج
منها الزرع الذي يقتات منه النسان ،فوجدوا هذه الطينة مكونة من هذه العناصر.
ومن العجيب أن العناصر المكونة للنسان هي نفسها المكونة لطين التربة الخصبة ،مما يدل على
تأكيد الصدق في أن ال خلقنا من طين ،وجعل استبقاء حياتنا مما يخرج من هذا الطين بعناصره
المختلفة ،جتى يمد كل عنصر من الطين كل عنصر من الوجود النساني .ولما قاموا بتحليل
النسان مقارنا بتحليل التربة وجدوا أن أضخم عنصر في تكوين النسان هو الوكسجين ونسبته
على ما أذكر سبع وستون بالمائة ،وبعده عنصر الكربون ،ونسبته على ما أذكر تسع عشرة
بالمائة ،إلى أن تنتهي العناصر المكونة للنسان والتربة إلى المنجنيز ونسبته تقل عن واحدة
بالمائة ،وأهم هذه العناصر هو:
الوكسجين ،الكربون ،الهيدروجين ،النتروجين ،الكلور ،الكبريت ،الكالسيوم ،والفوسفور،
والبوتاسيوم ،الصوديوم ،الحديد ،اليود ،والسيلوز ،والمنجنيز .هذه هي أهم وأكثر العناصر
المكونة لتركيب النسان وهي العناصر نفسها الموجودة في تركيبة الطين وبعضها عناصر مكونة
للمركبات العضوية وبعضها عناصر غير عضوية وبعضها عناصر وظائفها ثابتة ومعروفة،
ويسأل أهل الذكر في تفاصيل ذلك.
وبطبيعة الحال فالذين قاموا بتحليل التربة وعناصر النسان لم يكونوا علماء دين ،ولم يكن في
بالهم إقامة الدليل على صدق ال في القرآن ،ذلك أن بعضهم يجهل مسألة القرآن كلها ،ولكن
الحق سبحانه وتعالى أجرى على لسان رسوله حديثا يشرح لنا حقيقة إثبات صحة كل ما فيه ولو
http://www.daardesign.com/forum
منتدى دارنا
جاء على لسان رجل فاجر ،فقد قال رسول ال صلى ال عليه وسلم:
" إن ال ليؤيد هذا الدين بالرجل الفاجر "
فسبحانه -إذن -أراد أن ينصر الدين بالكافرين ،وجعل بعضا منهم يصلون إلى أشياء لو أنهم
علموا أنها ستخدم قضايا الهدى لما أعلنوها .ومن حكمة ال أن جعل الكافرين غير قادرين على
إغفال نصرة الدين ،وجعل سبحانه بعضا منهم يخدمون الدين على رغم أنوفهم .ونريد أن نأخذ
من هذه المسألة فهما عميقا ،يتسم باللطف والسماحة ،فإذا كان ال قد خلق النسان الول من
ختُ فِيهِ مِن رّوحِي }[الحجر]29 :
سوّيْتُ ُه وَ َنفَ ْ
طين ،وهناك آية أخرى قال عنها الحق {:فَإِذَا َ
وآية ثالثة قال فيها سبحانه {:كُنْ فَ َيكُونُ }[آل عمران]47:
إذن فخلق آدم احتاج إلى أمرين :النفخ من روح الحق ،والمر " كن " ،وهما المران أنفسهما في
مسألة خلق عيسى ،روح من الحق ،وكلمته التي ألقاها إلى مريم ،وهذه دليل صدق لقوله الحق{:
إِنّ مَ َثلَ عِيسَىا عِندَ اللّهِ َكمَ َثلِ ءَادَمَ }[آل عمران]59 :
والحق قد قص لنا أنه خلق آدم من طين وصنع القالب وسواه بيديه:
خَلقْتُ بِيَ َديّ َأسْ َتكْبَ ْرتَ َأمْ كُنتَ مِنَ ا ْلعَالِينَ * قَالَ أَنَاْ خَيْرٌ مّنْهُ
جدَ ِلمَا َ
{ قَالَ ياإِبْلِيسُ مَا مَ َن َعكَ أَن َتسْ ُ
خََلقْتَنِي مِن نّا ٍر وَخََلقْتَهُ مِن طِينٍ }[ص]76-75 :
فإذا كان الهيكل الذي خلقه ال ونفخ فيه الروح ،ودبت فيه الحياة ثم تناسل النسل من آدم إلى أن
تقوم الساعة ،فهل مجيء عيسى على الصورة التي جاء بها يكون أمرا عسيرا على ال؟ .ل.
وساعة أنجب آدم أول ذرية له؛ ألم يخرج لحظتها حيوان منوي من آدم إلى البويضة في رحم
حواء؛ وأراد به ال ميلد أول نسل من آدم وهو جزء من آدم ،وهذا الحيوان المنوي له مادة وله
حياة ،ومادته معروفة ،وحياة هذا الحيوان المنوي هي التي تسمح له بالحركة لتلقيح البويضة ،هذه
المادة مخلوقة من آدم ،والحياة التي فيه من روح آدم ،وآدم نفسه خلقه ال بيديه ،وهذا إثبات أن
الحيوان المنوي هو جزء مما خلقه ال بيديه وهو آدم ،وفي الحيوان المنوي حياة مما نفخه ال من
روحه ،وانتقل إلى رحم حواء وأخصب البويضة وولدته حواء ،واستمر ميلد حيوانات منوية حية
تخصب بويضات حية ليستمر الخصب والنسل والحفاد.
إننا إذا سلسلنا نسل آدم إلى أن تقوم الساعة ،فكل ذرة من ذرات من يوجد آخر الدنيا مكونة من
شيء به خلق من خلق ال في القالب ،وفيه شيء من نفخ ال في الروح؛ ولم يطرأ عليه موت
أبدا؛ فلو طرأ عليه موت أو فناء لما صلح أن ينجب مثله .وهكذا نعلم أن كل واحد فينا به جزء
من القالب الذي صنعه ال بيديه ،وفيه جزء من نفخ الروح.
وأكرر المثل الذي أضر به دائما ليستقر في أذهان الناشئة؛ لو جئنا بسنتيمتر مكعب من سائل
ملون مركز ،وأضفناه إلى لتر من الماء ،ثم أخذنا قطرة من لتر الماء سنجد بها جزءا ضئيلً من
http://www.daardesign.com/forum
منتدى دارنا
السنتيمتر المكعب الملون .وإذا أخذنا هذه القطرة وأضفناها إلى برميل من المياه فيصير في
البرميل جزء من السنتيمتر المكعب الملون .وإذا أخذنا من البرميل قطرة من المياه ،وأضفناها إلى
البحر فإن جزءا من السنتيمتر الملون يصير بالبحر .إذن فكل نسل آدم -إلى أن تقوم الساعة -
فيه جُ َزيْء -من آدم عليه السلم.
ونلحظ أن كثيرا من المفكرين والمثقفين في الغرب صاروا يبتعدون عن فكرة بنوة عيسى ل.
وعندما يدخلون في نقاش حول هذه المسألة يقولون :إنها بنوة حب .وإذا كانت المسألة بنوة حب،
فال يحب جميع عباده ونصير نحن مثل المسيح ويصير المسيح مثلنا .فالخلق كلهم عيال ال،
والحديث القدسي يقول:
" الناس كلهم عيال ال وأحبهم إلى ال أنفعهم بعياله "
ولو أخذنا هذا القول بالدقة التجريبية المعملية نجد أن هذا القول صدق وحق؛ لننا جميعا قد
صدرنا عن قدرة ال وإرادته وكل منا فيه شيء من صنع ال منذ بداية خلق آدم ،إذن هو بشر
مثلنا ويتميز عنا بأن السماء اختارته رسولً.
أما القول بالثالوث .فبعضهم يقول :نقصد بالثالوث ثالوث الصفات .وهل ثالوث الصفات تأتي فيه
إضافيات؟ .كالقول " بالب والبن والروح القدس "؟ لن يوجد أب إل إذا وُجد ابن ،ولن يوجد ابن
إل إذا وجد أب.
إننا نعلم أن هناك حقائق ثابتة وهناك حقائق إضافية؛ فالنسان يكون ابنا وأبا ،فهو ابن بالنسبة
لوالده ،وهو أب بالنسبة لبنه ،وكل هذه صفات إضافية ،وصفات الحق يُفترض فيها أنها تجتمع ل
أن تكون إضافية ،وعندما يقال " :الب والبن والروح القدس " فهذا القول ل يحمل صفات إلهية،
بل صفات إضافية ،وحاول بعضهم أن يقول " :إن فاتحة الكتاب يوجد فيها التثليث؛ لنكم تقولون
بسم ال الرحمن الرحيم ،أنتم تفتتحون القرآن بثلث صفات هي ال والرحمن والرحيم " وقلت
لهم :نحن نقول " بسم ال الرحمن الرحيم " ول نقول " بسم ال والرحمن والرحيم ".
وما الذي يجعل الحق يُنجب ابنا منذ أكثر من ألف وتسعمائة سنة؟ .ثم يترك سبحانه الزمان
السابقة على ميلد المسيح محرومة من ميلد ابن له؟ .لماذا يترك ال الزمان كلها بدون ابن ل،
ويختص البشرية بابن له منذ حوالي عشرين قرنا فقط؟ .ثم ما المدة الزمنية التي شرفها ال بابنه
بأن أوجده فيها؟
أتكفي ثلثة وثلثون عاما فقط -وهي عمر المسيح -لتشريف البشرية بوجود ابن ال؟ .ولماذا
يحرم ال -إذن -بقية الزمان من بدء الخليقة إلى يوم القيامة من هذا الشرف؟.
ونسأل أيضا لماذا يريد أي كائن إنجاب ابن؟ .إنه يرغب ذلك ليضمن استبقاء الحياة؛ لن النسان
يعرف أنه سيموت ،والحق سبحانه وتعالى هو الذي خلق الموت والحياة وهو الباقي أبدا ،وليس
http://www.daardesign.com/forum
منتدى دارنا
في حاجة لستبقاء حياته في أحد من البشر ويؤكد لنا ذلك في سورة الخلصُ {.قلْ ُهوَ اللّهُ أَحَدٌ
صمَدُ * َلمْ يَلِ ْد وََلمْ يُولَدْ * وَلَمْ َيكُنْ لّهُ ُكفُوا أَحَدٌ }[الخلص]4-1 :
* اللّهُ ال ّ
وهم يقولون " :إله واحد " ،ومرة أخرى يقولون " :إله أحد " .وواحد ل تساوي " أحد "
والدارسون للغة والمنطق يعرفون أن هناك شيئا اسمه " الكل " وشيئا اسمه " الجزء " وشيئا اسمه
" الكلي " وشيئا اسمه " الجزئي ".
" فالكلي " يطلق على ماله أفراد مثل النسان :كخالد ومحمد وعليّ ،و " الكل " يُطلق على ماله
أجزاء ،مثال ذلك الكرسي نجده مكونا من أشياء؛ كالخشب والغراء والمسامير وغير ذلك من
مواد.
فالكرسي -إذن ُ " -كلّ " لنه مصنوع من مواد كثيرة .وحقيقة الخشب تختلف عن حقيقة
المسمار؛ لذلك فالكرسي " ُكلّ " لنه مكون من أشياء كثيرة مختلفة الحقائق .ول يصح أن نطلق
على أي شيء من مكونات الكرسي اسم " كُل " .فل نقول " :المسمار كرسي " أو " الخشب
كرسي "؛ لن الكرسي يُطلق على مجموع الخشب والمسامير والغراء والطلء في شكل وترتيب
معين.
ومثال آخر ،كلمة " إنسان " وهي كلمة تطلق على كثيرين ،ولن الحقائق متفقة نطلق على
النسان كلمة " كُلّي ".
ويصح أن نطلق على أي كائن يتمتع بالصفات المتفق عليها للنسان لقب إنسان ،فنقول محمد
إنسان وزيد إنسان ،وعليّ إنسان " .فالكل " له أجزاء ،وللـ " كلي " جزئيات ،ويكون الكل شيئا
واحدا ولكنه ذو أجزاء ،فقد يكون عندنا كرسي واحد .ولكن لهذا الكرسي أجزاء.
وهل نقول على الحق سبحانه وتعالى :انه " كل " أو " كلي "؟ .ل نقول على اسم الحق " كل " أو
" كلي "؛ لنه اسم ل يطلق على كثيرين فليس كليا لنه واحدٌ ،وليس له أجزاء؛ لنه أحد ،وليس له
أفراد لنه واحد .فل يقال ل سبحانه وتعالى " كل " أو " جزء " أو " كلي " أو " جزئي " ،فلو
كان كُلّيا لكان -كما قلنا -له أفراد ولو كان " كُلّ " لكان له أجزاء ،ولكن ال واحد ل أفراد له،
وأحد ل أجزاء له.
ولذلك يَرُدّ القرآن على أي قائل بغير هذا ،فيقولُ {:قلْ ُهوَ اللّهُ َأحَدٌ }[الخلص]1 :
حدٌ }[البقرة]163 :
ويقول أيضا {:وَإِلَـا ُهكُمْ إِلَـا ٌه وَا ِ
حقّ
ب لَ َتغْلُواْ فِي دِي ِن ُك ْم َولَ َتقُولُواْ عَلَى اللّهِ ِإلّ الْ َ
وقد قلت كل ذلك لنفهم قوله الحق {:ياأَ ْهلَ ا ْلكِتَا ِ
إِ ّنمَا ا ْلمَسِيحُ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ رَسُولُ اللّهِ َوكَِلمَتُهُ أَ ْلقَاهَا إِلَىا مَرْيَ َم وَرُوحٌ مّنْهُ فَآمِنُواْ بِاللّ ِه وَرُسُِلهِ
وَلَ َتقُولُواْ ثَلَ َثةٌ ان َتهُواْ خَيْرا }[النساء]171 :
وقوله الحق " :انتهوا " أي اقضوا على كلمات الباطل ،و " خيرا لكم " أي تمسكوا بكلمات الحق،
http://www.daardesign.com/forum
منتدى دارنا
وفي قوله " :ان َتهُواْ خَيْرا ّلكُمْ { تخلية وإبعاد لكلمات الباطل ،نأخذ ذلك من قوله( :انتهوا) وتحلية
لكلمات الحق ونأخذها من قوله -سبحانه } :-خَيْرا ّلكُمْ {.
حدٌ { أي أنه سبحانه ل أفراد له ،ويضيف } :سُ ْبحَانَهُ أَن َيكُونَ َلهُ
ويقول الحق } :إِ ّنمَا اللّهُ إِلَـا ٌه وَا ِ
وَلَدٌ { ،وساعة نسمع كلمة " سبحانه " فلنفهم أنها تنزيه للذات الخالقة.
ولذلك نجد كلمة " سبحانه " تأتي في المور العجيبة التي يقف فيها العقل ،وعلى الرغم من وجود
كفار في هذا الوجود ،وعلى الرغم من وجود مجترئين على ال في هذا العالم ،وعلى الرغم من
وجود من ينعتون البشر بألفاظ اللوهية ،إلأن إنسانا واحدا لم يجترئ على أن يقول لمخلوق
كلمة " :سبحانك " ،ولذلك نقول ل عز وجل " سبحانك أيضا في سبحانك ".
كذلك لم نجد أحدا من أي ملة أو عقيدة أو دين قد سمى نفسه باسم " ال " ،وهو سبحانه يتحدى
به حتى الكفرة والملحدة أن يسمى هذا السم لمسمى أي مسمى .وبال هل يوجد واحد من
المتبجحين الكافرين يسمي ابنا له " ال "؟.
حتى هذه لم توجد؛ لن هذا الكافر غير واثق أنه على حق .ومن الجائز أن يفعل ذلك فتحدث له
كارثة .ولو كان هناك كافر واحد مؤمن بما يقول بأنه ل إله لهذا الكون لسمّى ابنا له " ال " .لكن
سمِيّا }[مريم]65 :
أحدا ل يجترئ على هذهَ {:هلْ َتعَْلمُ لَهُ َ
وكان هذا التحدي موجودا من قبل أن تنزل هذه الية .فماذا عن الذي جاء بعدها بزمن؟ وهل
اجترأ أحد على أن يسمي ابنا له " ال "؟ لم يجترئ أحد على هذه أيضا على الرغم من أنهم
يسمون بكل شيء؛ وكان عندنا في القرية واحد أطلق على ابنته اسما طويلً عجيبا .لقد سمّاها "
ورد انتشي في دندشة روح الفؤاد والملك وفا " وهو حرّ في ذلك ،لكن لم يجرؤ أحد على الطلق
أن يسمي ابنه " ال " ،وهذا دليل على أن الملحدة والكفار على باطل .ويخاف أي منهم أن
يجترئ على هذه المسألة ،ويتحدى الحق بسبحانك ويتحدى بالذات " ال " ،ولذلك فليقل كل واحد
" سبحانك " وهو مطمئن " ،ول تقال إل لك " ،واستقرئوا وتتبعوا المدائح التي قيلت للناس جميعا،
أقال واحد من البشر لواحد من البشر " سبحانك "؟
ما قالها أحد قط .وهكذا يتحكم ال في أمر للنسان اختيار فيه ،ول يجرؤ إنسان على إطلق هذه
سمَاوَاتِ
حدٌ سُ ْبحَانَهُ أَن َيكُونَ َل ُه وَلَدٌ لّهُ مَا فِي ال ّ
السماء على أحد من البشر } .إِ ّنمَا اللّهُ إِلَـا ٌه وَا ِ
َومَا فِي الَ ْرضِ { و " الولد " كما نعلم يكون مما في السموات أو مما في الرض؛ فكيف يكون له
وملكه ،وهو ابنه؟ إن هذا الدعاء ل يستقيم أبدا ،ولذلك يذيل الحق اليةَ } :وكَفَىا بِاللّهِ َوكِيلً {.
ويقول الحق بعد ذلك } :لّن َيسْتَن ِكفَ ا ْل َمسِيحُ{ ...
()657 /
http://www.daardesign.com/forum
منتدى دارنا
لَنْ يَسْتَ ْن ِكفَ ا ْلمَسِيحُ أَنْ َيكُونَ عَ ْبدًا لِلّهِ وَلَا ا ْلمَلَا ِئكَةُ ا ْل ُمقَرّبُونَ َومَنْ يَسْتَ ْن ِكفْ عَنْ عِبَادَ ِت ِه وَيَسْ َتكْبِرْ
جمِيعًا ()172
حشُرُهُمْ إِلَيْهِ َ
فَسَيَ ْ
مصدر الشرف للنسان أن يحس ويشعر بتجلي ال عليه بعبوديته له ،وسبحانه عندما أراد أن
يتجلى على نبينا الخاتم صلى ال عليه وسلم ويسري به إلى المسجد القصى؛ قال {:سُ ْبحَانَ الّذِي
حوْلَهُ }[السراء]1 :
ل ْقصَى الّذِي بَا َركْنَا َ
ج ِد ا َ
جدِ ا ْلحَرَامِ ِإلَىا ا ْلمَسْ ِ
أَسْرَىا ِبعَبْ ِدهِ لَيْلً مّنَ ا ْلمَسْ ِ
ولم يقل " :سبحان الذي أسرى برسوله " ولكنه قال { :سُبْحَانَ الّذِي أَسْرَىا ِبعَبْ ِدهِ }؛ لن " العبودية
" عطاء علوي من ال ،فكأن سيدنا محمدا صلى ال عليه وسلم عندما تناهى في العبودية ل نال
تناهي الخير ،فمن إذن يستنكف أن يكون عبدا ل؟ ل يستنكف المسيح ذلك ،وكذلك الملئكة ل
تستنكف أن تكون عبيدا ل { .وَلَ ا ْلمَل ِئكَةُ ا ْلمُقَرّبُونَ } ويسمون ذلك ارتقاء في النفي ،مثلما يقول
فلح :ل يستطيع شيخ الخفر أن يقف أمامي ول العمدة.
إذن فالملئكة في الخلق أحسن من البشر .ولذلك قال الحق { :لّن َيسْتَن ِكفَ ا ْل َمسِيحُ أَن َيكُونَ عَبْدا
للّ ِه َولَ ا ْلمَل ِئكَةُ ا ْل ُمقَرّبُونَ } وقال بعض العلماء :إن خواص البشر أفضل من خواص الملئكة،
وعوام الملئكة أفضل من عوام البشر والصل في اللغات أن توضع اللفاظ أولً لمحسّات ،ثم
تنتقل من المحسّات إلى المعنويات؛ لن إلف النسان في أول تكوين المدركات له إنما يكون
سمْعَ
ج َعلَ َلكُمُ الْ ّ
جكُم مّن بُطُونِ ُأ ّمهَا ِتكُ ْم لَ َتعَْلمُونَ شَيْئا وَ َ
بالحسّ ،كما قال الحق {:وَاللّهُ َأخْرَ َ
شكُرُونَ }[النحل]78 :
لفْئِ َدةَ َلعَّلكُمْ تَ ْ
وَالَبْصَا َر وَا َ
إذن مادام سبحانه قد قال { :لَ َتعَْلمُونَ شَيْئا } فالذي يأتي من بعدها إنما يأتي كوسيلة للعلم ،وهي
حواس السمع والبصار والقدرة على تكوين الخبرة .ومثال ذلك عندما ندرس في الفقه موضوع
الغصب .والغصب هو أن يأخذ أحد حق غيره قهرا وعلنية ،وهو غير السرقة التي يأخذها
السارق خفية .وغير الخطف؛ لن الخطف هو أن تمتد يد لتشد شيئا من أمام صاحبه ويجري
الخاطف بعيدا ،أما الغصب فهو الخذ عنوة.
وكلها -الغصب ،والسرقة ،والخطف -هي أخذ لغير الحق ،والغصب مأخوذ من امر حسيّ هو
س ّميَ أخذ الحق من صاحبه غصبا ،كأنه أخذ للجلد .ونُقل المعنى من
سلخ الجلد عن الشاة .و ُ
المُحسّات إلى المعنويات .وفي الية التي نحن بصددها يقول الحق { :لّن يَسْتَن ِكفَ ا ْلمَسِيحُ أَن
َيكُونَ عَبْدا للّ ِه وَلَ ا ْلمَل ِئكَةُ ا ْلمُقَرّبُونَ } .و " يستنكف " مثلها مثل " يستفهم " ،ومثل " يستخرج ".
إذن فهناك مادة اسمها " نكف " ،و " ال ّنكْف " عملية حسّية تتمثل في أن يزيل النسان دمعة العين
بأصبعه .ولنفرض أن إنسانا يعلم أن له كرامة في البيت وجاء له ظرف نفسي جعله يبكي ،فدخل
عليه ابنه أو زوجته ،فهو يحاول إزالة الدمع بأصبعه " .واستنكف " معناها أزال " ال ّنكْف ".
http://www.daardesign.com/forum
منتدى دارنا
والنكف معناه أن يزيل الدمع بأصبعه .وإزالة الدمع بالصبع تعني أن صاحب الدمع يستكبر أن
يراه أحد باكيا لنه مقهور على أمر قد كان ،وهذه العملية ل تحدث إل عندما يريد النسان أن
يستر بكاءه عن أحد.
وانتقلت هذه الكلمة من المعنى الحسيّ إلى أي مجال فيه استعلء ،مثلما يستنكف إنسان أن يسير
في طريق إنسان آخر ،أو أن يجلس مع آخر ،أو يجلس في مقعد أقل من مقعد آخر.
ويشرح ذلك المعنى الدارج بأن المسيح ل يجد غضاضة أن كان عبدا ل ،ول يستكبر على ذلك
بل هو يُشرف به .والملئكة المقربون أيضا تشرف بهذا المر ،والملئكة المقربون هم الذين ل
يعلمون شيئا عن هذا العالم وليس لهم عمل إل التسبيح ل؛ لنهم عرفوا العبودية ل .وهي عبودية
ليست لمن يَسْ َتذِل ،لكنها لمن يُعزّ ،وليست عبودية للذي يأخذ ولكنها للذي يعطي .والذي يستنكف
من ذلك ل يعرف قيمة العبودية ل؛ لذلك ل يستنكف المسيح أن يكون عبدا ل ،ول الملئكة
المقربون.
جمِيعا { المستنكفون؛ أو
ويضيف الحقَ } :ومَن َيسْتَ ْن ِكفْ عَنْ عِبَادَتِ ِه وَيَسْ َتكْبِرْ َفسَيَحْشُ ُرهُمْ إِلَيهِ َ
الذين على طريقة الستنكاف ،ومن يشجعهم على ذلك ،كل هؤلء يصيرون إلى جهنم.
ويقول الحق بعد ذلك } :فََأمّا الّذِينَ آمَنُواْ{ ...
()658 /
عمِلُوا الصّاِلحَاتِ فَ ُي َوفّيهِمْ ُأجُورَهُ ْم وَيَزِي ُدهُمْ مِنْ َفضْلِهِ وََأمّا الّذِينَ اسْتَ ْن َكفُوا
فََأمّا الّذِينَ َآمَنُوا وَ َ
جدُونَ َلهُمْ مِنْ دُونِ اللّ ِه وَلِيّا وَلَا َنصِيرًا ()173
عذَابًا أَلِيمًا وَلَا يَ ِ
وَاسْ َتكْبَرُوا فَ ُيعَذّ ُبهُمْ َ
لماذا لم يأت ال بشرط الية الثاني الذي يتحدث عن المستنكفين والمستكبرين مقدما على شطر
الية الول؟ .ولماذا لم يواصل الحديث عن الذين استنكفوا واستكبروا ليستكمل ما جاء بشأنهم في
الية السابقة ويبينْ كيف أن مصيرهم إلى العذاب حيث ل يجدون من دون ال وليا ول نصيرا ،ثم
بعد ذلك يحدثنا عن الذين آمنوا وعملوا الصالحات؟.
ذلك أن الحق ساعة يتكلم عن جماعة خرجت عن المنهج فهو ل يمنحهم ثواب هؤلء الذين لم
يخرجوا عن المنهج ،فيأتي أ ّولً بثواب الطائعين ليستشرف إليه الخارجون عن طاعة ال ،ثم
يحرمهم من هذا الثواب لتكون حسرة الخارجين عن المنهج أشد " .والضد يظهر حسنه الضد ".
عمِلُواْ الصّالِحَاتِ فَ ُي َوفّيهِمْ ُأجُورَهُ ْم وَيَزيدُ ُهمْ مّن َفضْلِهِ } ونعلك
لقد قال الحق { :فََأمّا الّذِينَ آمَنُو ْا وَ َ
أن الجر على العمل .لماذا الفضل إذن؟ .لقد عرفنا من قبل أن العمل جاء فيه حديث شريف:
" لن يُدخل أحدا عمله الجنة ،قالوا :ول أنت يا رسول ال؟ قال :ل ،ول أنا إل أن يتغمدني ال
http://www.daardesign.com/forum
منتدى دارنا
بفضل ورحمة ،فسددوا وقاربوا ول يتمنين أحدكم الموت ،إما محسنا فلعله أن يزداد خيرا ،وإما
مسيئا فلعله أن يستعتب "
حمَتِهِ فَ ِبذَِلكَ فَلْ َيفْرَحُواْ }[يونس]58 :
والحق قد قالُ {:قلْ ِب َفضْلِ اللّ ِه وَبِرَ ْ
وفطن الناس إلى ذلك فقالوا " :اللهم بالفضل ل بالعدل "؛ لن الفضل هو الذي يعطينا المنازل
المتميزة ،وقد يضيعنا العدل.
عمِلُواْ
ويقول الحق مرة أخرى عن هؤلء الذين استنكفوا واستكبروا { :فََأمّا الّذِينَ آمَنُو ْا وَ َ
الصّالِحَاتِ فَ ُي َوفّيهِمْ ُأجُورَهُ ْم وَيَزيدُ ُهمْ مّن َفضْلِ ِه وََأمّا الّذِينَ اسْتَن َكفُواْ وَاسْ َتكْبَرُواْ فَ ُيعَذّ ُب ُهمْ عَذَابا أَلِيما
وَلَ َيجِدُونَ َلهُمْ مّن دُونِ اللّ ِه وَلِيّا َولَ َنصِيرا } أي أنهم لن يجدوا من يشفع لهم عند ال ،ول من
ينصرهم ول أحد بقادر أن يرد عنهم العذاب.
وبعد ذلك يقول الحق { :يَا أَ ّيهَا النّاسُ} ...
()659 /
يَا أَ ّيهَا النّاسُ َقدْ جَا َءكُمْ بُرْهَانٌ مِنْ رَ ّبكُ ْم وَأَنْزَلْنَا إِلَ ْيكُمْ نُورًا مُبِينًا ()174
والبرهان هو العجاز الدال على صدق المبلغ الخير عن ال ،وهو الحجة الدامغة.
وقد يقول قائل :ما هو البرهان وما هو النور؟ .ونعلم أن كل رسول يأتي بمعجزة تثبت صدق
بلغه عن ربه قد تكون المعجزة بعيدة عن المنهج ،ثم يعطيهم الرسول المنهج ببلغ من ال؛ مثال
ذلك أن معجزة سيدنا موسى كانت العصا لكن منهجه هو التوراة .إذن فالمعجزة هي البرهان على
صدق الرسول فيما بلغ عن ربه ،وقد ل يكون للمعجزة صلة بالمنهج ،فعيسى عليه السلم كانت
معجزته إبراء الكمه والبرص وإحياء الموتى بإذن ال ومنهجه النجيل.
اما رسولنا محمد صلى ال عليه وسلم وهو النبي الخاتم فقد تجلت معجزته في أنها عين منهجه،
إنّها القرآن ولم تنفصل المعجزة عن المنهج؛ لنه رسول عام إلى الناس كافة وإلى أن تقوم
الساعة .هذا هو البرهان .أما " النور " فقد جاء أيضا من أمر حسيّ؛ لن النور يمنع النسان من
أن يتعثر في مشيته أو أن يخطئ الطرق أو أن يصطدم بالشياء فيؤذيها أو تؤذيه .إذن النور
الموجود في القرآن هو حقائق القيم ،أما نور ال في الماديات فهو أمر معروف للكافة.
ومن بعد ذلك يقول الحق { :فََأمّا الّذِينَ آمَنُواْ} ...
()660 /
http://www.daardesign.com/forum
منتدى دارنا
ضلٍ وَ َيهْدِيهِمْ إِلَيْهِ صِرَاطًا مُسْ َتقِيمًا
حمَةٍ مِنْ ُه َو َف ْ
صمُوا ِبهِ فَسَ ُيدْخُِلهُمْ فِي َر ْ
فََأمّا الّذِينَ َآمَنُوا بِاللّ ِه وَاعْ َت َ
()175
لقد آمنوا بال واعتصموا به ،ما معنى العتصام؟ .قديما كان الرجل عندما يقع في هوة يصرخ
ليحذبه إنسان خارج الهوة بيده ،وهذا هو الصل في العتصام ،أي يستمسك النسان بمن ينقذه
من هاوية أو كارثة ،والحق يعطي السباب ،فإذا جاءت الشمس وسار فيها إنسان فقد أعطاه ال
الشجرة ليستظل بها .وإذا ما نزل المطر فيمكن أن نستتر منه بمظلة ،وإذا عطش إنسان فال
يعطيه سببا ليأخذ كوب ماء ،والعاقل هو الذي يذكر عند كل سبب من أوجد السبب.
فإياك أيها المؤمن أن تغتر بالسباب؛ لن عدم الغترار بالسباب يحمي النسان .فعندما تأتيه
أمور في ظاهرها شر ،فمادام مجريها هو ال فهي خير بالتأكيد ،لكنك ل تعلم.
وما أضل علم النسان في كثير من المسائل؛ فالنسان قد يحسب أمرا أنّه هو الحسن ،فيظهر له
بعد حين أنه السوء ،وقد يعتبر إنسان أمرا هو السيئ ،فيظهر له بعد حين أنه الحسن ،ول يوجد
واحد منا إل وفي حياته أشياء كان يظنها خيرا؛ فإذا بها شر ،أو كان يظنها شرا فإذا بها خير.
والشر هو ما يأتيه النسان لنفسه بعمله ،أما المور التي تقع على النسان فحكمتها تمشي على
مقتضى علم ال ل على مقتضى هوى البشر.
إننا نجد من يقول :إنني أدعو ال بكذا ول يستجيب لي .ونقول :أنك تدعو بأشياء تظنها الخير لك؛
لكن ال يعلم أن هذه الشياء ليست هي الخير؛ لذلك ل يعطيها لك ،فإن كنت مؤمنا بال ومعتصما
به فأنت تهمس لنفسك :أَِليَ في هذا المر مدخل أم ل مدخل لي فيه؟ .فإذا كان لك فيه مدخل
حظّي من
فاللوم على نفسك .وإن كان المر قد أجراه عليك فهو خير لك ول حكمة في ذلك.و َ
الدنيا سواء لنني رضيت بحكم ال في العسر واليسرفإن أقبلت كان الجزاء على النجا وإن أدبرت
ضلٍ
ح َمةٍ مّنْ ُه َو َف ْ
صمُواْ بِهِ فَسَيُ ْدخُِلهُمْ فِي رَ ْ
كان الجزاء على الصبر{ فََأمّا الّذِينَ آمَنُواْ بِاللّ ِه وَاعْ َت َ
وَ َيهْدِيهِمْ إِلَ ْي ِه صِرَاطا مّسْ َتقِيما } .وماداموا قد آمنوا بال واعتصموا بال واعتصموا به فسيهديهم
صراطه المستقيم ،وعاقبة الهداية وثمرتها فسرها وبيّنها قوله الحق {:وَالّذِينَ اهْ َت َدوْاْ زَادَ ُهمْ ُهدًى
وَآتَاهُمْ َتقُوَا ُهمْ }[محمد]17 :
وقال لنا الرسول صلى ال عليه وسلم:
" من عمل بما عَلِم ورّثه ال عِ ْلمَ ما لم يعلم "
أي يصير مأمونا على العلم؛ لن العلم الذي أخذه عن ال وظّفه في خدمة غيره ،ولم يدخره أو
يعطله .ويختتم الحق سبحانه وتعالى سورة النساء بقوله { :يَسْ َتفْتُونَكَ ُقلِ اللّهُ ُيفْتِيكُمْ} ...
()661 /
http://www.daardesign.com/forum
منتدى دارنا
ك وَ ُهوَ
صفُ مَا تَ َر َ
ختٌ فََلهَا ِن ْ
يَسْ َتفْتُو َنكَ ُقلِ اللّهُ ُيفْتِيكُمْ فِي ا ْلكَلَاَلةِ إِنِ امْ ُرؤٌ هََلكَ لَ ْيسَ لَ ُه وَلَدٌ وَلَهُ أُ ْ
خ َوةً ِرجَالًا وَنِسَاءً
ك وَإِنْ كَانُوا ِإ ْ
يَرِ ُثهَا إِنْ لَمْ َيكُنْ َلهَا وَلَدٌ فَإِنْ كَانَتَا اثْنَتَيْنِ فََل ُهمَا الثّلُثَانِ ِممّا تَ َر َ
شيْءٍ عَلِيمٌ ()176
حظّ الْأُنْثَيَيْنِ يُبَيّنُ اللّهُ َل ُكمْ أَنْ َتضِلّوا وَاللّهُ ِب ُكلّ َ
فَلِل ّذكَرِ مِ ْثلُ َ
والستفتاء هو طلب الفتيا .ومعناها إرادة معرفة حكم شرعي ل في أمر ل يجد السائل علما له
فيه .وكان الصحابة يستفتون رسول ال ،مع أنه صلى ال عليه وسلم قال لهم:
" ذروني ما تركتكم فإنما هلك من كان قبلكم بكثرة سؤالهم واختلفهم على أنبيائهم ،فإذا أمرتكم
بشيء فأتوا منه ما استطعتم ،وإذا نهيتكم عن شيء فدعوه "
وجاء القرآن في كثير من اليات بـ " يسألونك " .كأن الحق يعلمنا أن الصحابة أرادوا أن يثبتوا
أنهم أحبوا منهج ال فأرادوا أن يبنوا حياتهم كلها على منهج ال ،ولو كانوا قد كرهوا منهج ال لما
سألوا ،لقد وجدوا أن السلم قد جاء ،ووجد أشياء الجاهلية وأقرها ،ووجد أشياء قام بتغييرها؛ ولم
يرد الصحابة أن يصنعوا الشياء على أنّها امتداد لصنع الجاهلية ،بل أرادوا أن يصنعوها على
أنها حكم للسلم؛ لذلك جاءت أسئلتهم الكثيرة .والفتوى تكون في حكم .والسؤال يكون في حكم
وفي غير حكم .وهم يطلبون الفتوى في الكللة ،ودقة القرآن في إيجاز السؤال { :يَسْ َتفْتُو َنكَ ُقلِ
جلٌ يُو َرثُ كَلَلَةً }
اللّهُ ُيفْتِيكُمْ فِي ا ْلكَلَلَةِ } وقد تقدم من قبل الحديث عن الكللة {:وَإِن كَانَ َر ُ
[النساء]12 :
إل أن الذي تقدم هناك كان عن الصلة من ناحية الم ،وسؤال جابر بن عبدال كان عن الصلة من
ناحية الب.
فعن جابر بن عبدال -رضي ال عنه -قال:
(مرضت مرضا فأتاني النبيّ -صلى ال عليه وسلم -وأبو بكر وهما ماشيان فوجداني أغمي
عليّ ،فتوضا النبيّ -صلى ال عليه وسلم -ثم صبّ وَضوءه عليّ فأفقت فإذا النبيّ -صلى ال
عليه وسلم -فقلت يا رسول ال كيف أصنع في مالي؟ كيف أقضي في مالي؟ فلم يجبني بشيء
حتى نزلت آية الميراث ".
وفي رواية أخرى عن المام أحمد فقلت :إنه ل يرثني إل كللة ،فكيف الميراث؟ فأنزل ال آية
الفرائض .وبعض العلماء قال :إن كلمة " كللة " مأخوذة من كلل التعب؛ لن الكللة في الشرع
هو من ليس له ولد ول والد ،والنسان بين حياتين؛ حياة يعولها والد ،وعندما يكبر ويضعف
تصير حياته يعولها ولد؛ لذلك فالذي ليس له والد ول ولد يعيش مرهقا؛ فليس له والد سبق
بالرعاية ،وليس له ولد يحمله في الكبر؛ لذا سمي بالكللة.
وبعضهم قال :إنها من الكليل؛ أي التاج .وهو محيط بالرأس من جوانبه والمقصود به القارب
http://www.daardesign.com/forum
منتدى دارنا
المحيطون بالنسان وليس لهم به صلة أعلى أي من الباء ،أو من أدنى أي من البناء.
ك وَ ُهوَ يَرِ ُثهَآ إِن لّمْ َيكُنْ ّلهَآ وَلَدٌ } أي أن
ختٌ فََلهَا ِنصْفُ مَا تَ َر َ
{ إِن امْ ُرؤٌ هََلكَ لَيْسَ لَهُ وَلَ ٌد وَلَهُ ُأ ْ
الكللة هي أن يموت أحد وله أخت شقيقة أو أخت من أب فهي ترث النصف؛ وإذا ماتت هذه
الخت فالخ يرثها سواء أكان شقيقا أم أخا لب.
وإن ترك الرجل الكلل أختين أو أكثر فلهما الثلثان مما ترك ذلك الخ .وإن كان له إخوة من
ظ الُنثَيَيْنِ { .أي
خ َوةً رّجَالً وَنِسَآءً فَلِل ّذكَرِ مِ ْثلُ حَ ّ
رجال ونساء ،فها هوذا قول الحق } :وَإِن كَانُواْ إِ ْ
أن للذكر من الخوة مثل حظ النثيين.
شيْءٍ عَلِيمٌ {.
ويختم الحق الية } :يُبَيّنُ اللّهُ َل ُكمْ أَن َتضِلّو ْا وَاللّهُ ِب ُكلّ َ
أي أنه الحق يبين أحكامه خشية أن يصيب القوم الضلل .وقد علم سبحانه أزلً بكل سلوك ،وكل
خافية ،وهو العليم أبدا بما ينفع الناس جميعا .وبذلك انتهينا بعون ال من خواطرنا في سورة
النساء.
()662 /
يَا أَ ّيهَا الّذِينَ َآمَنُوا َأ ْوفُوا بِا ْلعُقُودِ ُأحِّلتْ َلكُمْ َبهِيمَةُ الْأَ ْنعَامِ إِلّا مَا يُتْلَى عَلَ ْيكُمْ غَيْرَ مُحِلّي الصّيْ ِد وَأَنْ ُتمْ
ح ُكمُ مَا يُرِيدُ ()1
حُ ُرمٌ إِنّ اللّهَ يَ ْ
البداية -إذن -عن ضرورة الوفاء بالعقود وتحليل تناول بهيمة النعام كطعام .وسورة المائدة -
كما نعلم -جاءت في الترتيب المصحفي بعد سورة النساء التي تتضمن الكثير من العقود
اليمانية؛ فقد تضمنت سورة النساء عقود النكاح والصداق والوصية والدّين والميراث ،وكلها
أحكام لعقود ،فكأن الحق سبحانه وتعالى من بعد سورة النساء يقول لنا :لقد عرفتم ما في سورة
النساء من عقود ،فحافظوا عليها وأوفوا بها.
ونلحظ أن سورة البقرة جاءت بعدها سورة آل عمران ،وفي كلتيهما حديث عن الماديين من
اليهود ،وسورة النساء والمائدة تواجه أيضا المجتمع المدني بالمدينة بعد أن كان القرآن بمكة
يواجه مسألة تربية وغرس العقيدة اللهية الواحدة والنبوات .وقد خدمت سورة البقرة وسورة آل
عمران مسألة العقيدة المنهجية والنبياء ،وسورة النساء تتضمن حسم العقيدة الحكمية.
وها نحن أولء أمام سورة المائدة التي يقول فيها الحق { :يَا أَ ّيهَا الّذِينَ آمَنُواْ َأ ْوفُواْ بِا ْل ُعقُودِ }
والحق يخاطب المؤمنين بالسم الموصول ،ولم يقل :يا أيها المؤمنون " ،وهذا يدل على أن
اليمان ليس أمرا عابرا يمر بالنسان فترة من الزمن؛ ولكن اليمان يتجدد بتجدد الفعل حتى ينفذ
http://www.daardesign.com/forum
منتدى دارنا
المؤمن الحكام التي جاء بها العقد اليماني .وحين يتوجه الحق بخطابه للذين آمنوا ،إنما يؤكد لنا
أنه ل يقتحم على أحد حياته ليكلفه ،وإن كان سبحانه كرب للعالمين قد خلق الخلق وأوجد الوجود
وسخّره للخلق.
ال -سبحانه وتعالى -لم يستخدم هذا الحق ليأمر البشر باليمان ،بل دعا الناس جميعا أولً إلى
اليمان ،فمن آمن ينزل إليه التشريف بالتكليف ويكون القول الحق { :يَا أَ ّيهَا الّذِينَ آمَنُواْ } أي يا
من آمنتم بال إلها .والله لبد له من صفات تناسب اللوهية ،كطلقة القدرة والجاه والحكمة
والقهر .وسبحانه ل يكلف مَن لم يؤمن به ،بل يدعو من لم يؤمن إلى اليمان ،ولذلك نجد أن كل
آيات الحكام تبدأ بالقول الحق { :ياأَ ّيهَا الّذِينَ آمَنُواْ كُ ِتبَ عَلَ ْيكُمُ }؛ لن لكل إيمان تبعة.
{ يَا أَ ّيهَا الّذِينَ آمَنُواْ َأ ْوفُواْ بِا ْل ُعقُودِ } ونعرف أن اللغة بها أسرة ألفاظ؛ فـ " أوفوا " على سبيل
المثال فيها " وفى " .والمصارع هو " يفي " ،وفي أفعالها " أوفى " و " َوفّى " ،حسب المراحل
المختلفة قوة وضعفا وكثرة وقلة ،مثال ذلك قوله الحق {:وَإِبْرَاهِيمَ الّذِي َوفّىا }[النجم]37 :
وقد قام سيدنا إبراهيم عليه السلم بالكثير من النجاز {:وَإِذِ ابْتَلَىا إِبْرَاهِيمَ رَبّهُ ِبكَِلمَاتٍ فَأَ َت ّمهُنّ }
[البقرة]124 :
ول بد أن يكون قوله الحق { :وَإِبْرَاهِيمَ الّذِي َوفّىا } شرحا لما قام به إبراهيم من مواجهة
البتلء ،فالتوفية هي التمام .والحق يقول { :يَا أَ ّيهَا الّذِينَ آمَنُواْ َأ ْوفُواْ بِا ْل ُعقُودِ } أي عليكم يا من
آمنتم بال أن تتموا العقود.
والتمام إما أن ينطلق إلى الفراد ويشملها فل ينقص فرد ،وإما أن يلتفت إلى الكيفيات فل تختل
كيفية ،هذا هو التمام .وقد يأتي إنسان بكل فصول الكتاب ويقرأها ،فيكون قد وفى قراءة كل
الجزاء ،ولكن الحق يريد أن يتقن النسان تنفيذ كل جزئية في كتاب التكليف .وسبحانه طلب منا
أن نشهد أن ل إله إل ال وأن محمدا رسول ال وأن نقيم الصلة وأن نؤتي الزكاة وأن نصوم
رمضان وأن نحج البيت إن استطعنا إلى ذلك سبيل ،وقد يؤدي شخص كل هذه العمال وبذلك
يكون قد قام بآداء التكليف ،لكن هناك إنسان آخر يؤدي كل جزئية بتمامها فل يختصر شيئا منها
بل إنّه يوفيها بل تدليس.
والحق هنا يخاطب المؤمنين } :يَا أَ ّيهَا الّذِينَ آمَنُواْ َأ ْوفُواْ بِا ْل ُعقُودِ { أي أننا أمام " إيمان " و " عقد
" .وشرحنا معنى اليمان ،أما العقد فهو العلقة الموثقة بين طرفين ،وعلى كل طرف أن يلتزم بما
عليه وأن يأخذ ما له .وسمي العقد عقدا؛ لن العقد هو الربط ،أي شيء ل ينحل من بعد ذلك.
ولذلك نسمي ما يستقر في مواجيد الناس ونفوسهم " عقيدة " .لنها المر المعقود ،وليس المر
الطارئ الذي يأتي اليوم وينتهي غدا .والشيء المعقود في نظر الفقه هو المر الذي ل يطفو إلى
العقل ليُبحث من جديد ،بل إنه مستقر وثابت في القلب .ويأمر سبحانه بالوفاء بالعقود .والعقود -
http://www.daardesign.com/forum
منتدى دارنا
كما نعلم -هي جمع لـ " عقد " وبالسلم عقود كثيرة ،تبدأ بالعقد الول وهو عقد الذر {:وَإِذْ
ستُ بِرَ ّبكُمْ قَالُواْ بَلَىا }
سهِمْ أََل ْ
شهَدَ ُهمْ عَلَىا أَنفُ ِ
ظهُورِهِمْ ذُرّيّ َت ُه ْم وَأَ ْ
خذَ رَ ّبكَ مِن بَنِي ءَا َدمَ مِن ُ
أَ َ
[العراف]172 :
ويريد سبحانه الوفاء بهذا العهد الول فل يأتي النسان ساعة التطبيق ويفر منها ،ثم نأتي إلى عهد
الستخلف في الرض وبه استخلف فيها آدم وذريته من بعده ،وإياك أن تظن أنك الصيل في
الكون حين تدوم لك السباب وتدين لك بعض الوقت .ل تظن أن الشياء قد دانت لك بمهارتك
أنت فقط ،وحين تبذر البذور في الرض وتروي الرض فاعلم أن الزرع ينبت بتسخير ال
أَ ْرضَه لك.
وإياك من الظن لحظة تركب المهر أنك الخيال الفارس الذي روّض المهر ،ل ،إنه تسخير الحق
للفرس .ونجد الفرس في بعض الحايين يجمح ليقع الفارس من فوق ظهره ،لعلنا ننتبه إلى
الجزئية التي ل يصح أن تغيب عنا ،فلو لم يذلل ال الخيل لنا لما استطعنا أن نركبهاَ {.أوَلَمْ يَ َروْاْ
عمَِلتْ أَ ْيدِينَآ أَنْعاما َفهُمْ َلهَا مَاِلكُونَ * وَذَلّلْنَاهَا َلهُمْ َفمِ ْنهَا َركُو ُبهُ ْم َومِ ْنهَا يَ ْأكُلُونَ }
خَلقْنَا َلهُم ِممّا َ
أَنّا َ
[يس]72-71 :
وعلى المؤمن أن يتذكر أيضا أن الحق سبحانه ذلل الجمل لصاحبه ،وجعل الطفل الصغير يأمر
الجمل فيرقد على الرض؛ ليضع عليه الحمال الثقيلة ،ويأمره فيقوم.
أما إن واجه الثعبان أو الحية فهو ل يجرؤ على تذليلهما ،وهذا لفت من الحق للخلق لقدرته
المطلقة؛ فقد ذلل لهم الكبير ،وأفزعهم أضعاف ذلك من الثعبان ذي الجسم الصغير {.وَذَلّلْنَاهَا َل ُهمْ
َفمِ ْنهَا َركُو ُبهُ ْم َومِ ْنهَا يَ ْأكُلُونَ }[يس]72 :
ومن التذليل يأتي رضوخ بقية الكائنات للنسان؛ فالحمار عند الفلح يحمل السماد للرض من
بقايا فضلت النسان والحيوان ،ول ينطق الحمار معترضا ،ويأتي الفلح ليرتقي في حياته
ويصير شيخا للخفر ،فيأمر أن يستحم الحمار ،ويشتري له السرج ليركبه وهو ذاهب للقاء المأمور
في المركز ،ولم يعص الحمار في الحالتين .إنه التذليل.
إياك أن تظن أن مهارتك وحدها أيها النسان هي التي ذللت لك الكائنات ،فلو اعتمد المر على
المهارة وحدها ،لذلل النسان البرغوث الصغير الذي يهاجمه في أي وقت ،وقد يفزعك ذلك
ض ُعفَ
البرغوث الصغير طوال الليل .وقد تسهر أسرة بأكملها من أجل قتل برغوث واحدَ {.
طلُوبُ }[الحج]73 :
ب وَا ْلمَ ْ
الطّاِل ُ
ولذلك أمرنا الحق أن نقول قبل البدء في أي عمل " بسم ال الرحمن الرحيم " .وإياك أن تقبل على
العمل بقوتك وحدها .فالعمل إنما ينفعل لك لنه سبحانه قد أخضعه لك .وأنت تبدأ العمل باسم ال
لنه سبحانه الذي استخلفك وأخضع لك الكائنات المذللة.
http://www.daardesign.com/forum
منتدى دارنا
شقَىا }[طه]123 :
ضلّ َولَ يَ ْ
ثم هناك ذلك العهد الذي قال فيه الحق لدمَ {:فمَنِ اتّ َبعَ ُهدَايَ فَلَ َي ِ
خ ْوفٌ عَلَ ْي ِه ْم وَلَ ُهمْ يَحْزَنُونَ }[البقرة]38 :
والعهد الذي قال فيه الحقَ {:فمَن تَبِعَ هُدَايَ فَلَ َ
وهذا عهد لكل البشر ،والمسلمون عاهدوا رسول ال صلى ال عليه وسلم في العقبة بأن ينصروه
ويمنعوا عنه ما يمنعون عن أنفسهم .وعاهدوا الرسول في الحديبية.
إن الحق سبحانه يأمر بالوفاء بكل العقود ،وكل ما نتج عن قمة العقائد وهو اليمان بال؛ فما جاء
من ال الذي آمنت به يُعتبر عقدا أنت شريك فيه ،لن العقد يكون دائما بين طرفين ،ولم يرغم ال
أحدا على اليمان به ،ولكن النسان يؤمن بال اختيارا .ومادام المؤمن قد آمن بال من طوع
اختياره ،فل بد أن يتبع منهجه.
ومن آمن هو الذي يذهب إلى الحق قائلً :يارب إن ما تأمر به سأفعله .وهذا اعتراف بالعقد.
وكتابة أي عقد إيماني هو تنفيذ لهذا العقد والتوقيع مع ال ،وبذلك يشترك العبد مع ال في هذا
التعاقد؛ لن إيمان العبد بال يجعله طرفا في العقد .والله يشرع له ،وينفذ العبد التشريع ليلتقي
الجزاء الوفى.
العقد إذن قد يكون بين العبد وربّه ،أو بين العبد وخلق ال المساوين له ،أو بين العبد ونفسه ،لكنهم
أطلقوا على العقد الذي بين النسان ونفسه اسما هو " العهد " وهو النذر ،كأن ينذر العبد الصيام
أو الصلة ،ويجب على العبد تنفيذ ما نذر به مادام عاهد ال على ذلك.
والعقد الذي بين العبد وغيره من البشر وكذلك العقد بينه وبين نفسه إنما ينبعان من العقد الساسي
وهو العقد الول ..إنّه اليمان بال.
إذن فقول الحقَ } :أ ْوفُواْ بِا ْل ُعقُودِ { أي نفذوا ما أمر ال به حللً ،وامتنعوا عن الشيء الذي جعله
الحق حراما .ول داعي -إذن -للختلف في معنى " العقود " والتساؤل :هل هي العقود التي
بين العبد وربه ،أو بين العبد والناس ،أو بين العبد ونفسه ،فكل ما نبع من العقد القمة هو عقد
على المؤمن وإلزام عليه أن يوفي به.
} يَا أَ ّيهَا الّذِينَ آمَنُواْ َأ ْوفُواْ بِا ْل ُعقُودِ أُحِّلتْ َل ُكمْ َبهِيمَ ُة الَ ْنعَامِ { سبحانه يستهل السورة بالوفاء
بالعقود ،ثم إعلن تحليل بهيمة النعام .ونعرف أن النسان قد طرأ على الكون ،وأنه سبحانه قد
خلق الكون أولً .ثم خلق النسان فيه ،وهذا من رحمة ال بالنسان فلم يخلق النسان أولً ،بل
خلق له الشمس وأعد الكون قبل أن يخلق النسان ،وحين طرأ النسان على الكون وجد فيه قوام
الحياة من الجماد ومن النبات ومن الحيوان.
وقمة المسخرات للنسان هي الحيوان؛ لن الجماد والنبات يخدمان الحيوان ،ويشترك الحيوان مع
النسان في أنّ له حياة ودماء وجوارح .وجاء الحق عنا بالعلن عن أعلى المنزلة في خدمة
النسان وهو بهيمة النعام } أُحِّلتْ َلكُمْ َبهِيمَةُ الَ ْنعَامِ { ويأمرنا بأن نوفي بالعقود ،وله سبحانه
http://www.daardesign.com/forum
منتدى دارنا
وتعالى كل الحق فقد قدم لنا الثمن بخلق الكون مسخرا لنا وقمة المخلوقات المسخرة هي النعام.
كأن } ُأحِّلتْ َلكُمْ َبهِيمَ ُة الَ ْنعَامِ { حيثية مقدمة من الحق .ونلحظ أنه جاء هنا بصيغة المبنى
للمجهول في " أحلت "؛ لن اليمان جعلنا طرفا في أن تكون بهيمة النعام حِلً لنا.
ووقف العلماء عند " بهيمة النعام " .وفي اللغة العربية نجد صيغة " فعيل " التي تأتي بمعنى "
فاعل " وتأتي بمعنى " مفعول " ،مثلما نقول " ال رحيم " أي أنه راحم؛ هو " فاعل " ،ونقول "
فلن قتيل " أي مقتول أي مفعول به .و " بهيمة النعام " هنا تأتي بأي معنى ،أهي بمعنى فاعل أو
بمعنى مفعول؟ ،و " بهيمة " إن نظرنا إلى أنّها مبهمة؛ لن أمورها مجهولة يصعب إدراكها علينا
ول نعرف حركتها أو إشارتها أو لغاتها التي تتفاهم بها فتكون فعيلة بمعنى مفعولة .وتصلح أن
تكون فعيلة بمعنى فاعل؛ لنها ل تفهم ،ونحن المبهمون عليها .ونقول :هي محكومة بالتسخير.
ولم يصنف النسان طعامها وهو العلف إل بعد أن رآها وهي سائبة حرة تتجه إلى العلف لتأكله،
إذن فهي التي علمت النسان صنف علومها .فل يقولن إنسان :إنها بهيمة ل تفهم ،وليعرف أنها لم
تخلق لتفهم مسائل النسان ،لنها مسخرة له وقد يتعلم هو منها.
ودليلنا أن ال امتن على بعض المصطفين من خلقه بأن علمهم منطق الطير ،فقد حزّ في نفس
الهدهد أن رأى ملكة سبأ وقومها يسجدون للشمس من دون ال ،وهو الطائر فقد فهم أن السجود ل
يكون إلّ ل الواحد القهار ل للشمس ،وهكذا نرى النسان يتعلم الكثير من أخلق الحيوانات
وعاداتها؛ ولذلك نجد هواة تربية الحيوانات يتعرفون على طعام هذه الحيوانات بعد أن يتتبعوها
ويعرفوا ماذا تأكل ،وعن أي شي تبتعد ،والفلح يقدم البرسيم للجاموس ول يقدم له النعناع؛ لنه
رأى الجاموس وهو ح ّر ل يأكل النعناع بل يأكل البرسيم ،وقال الحق على لسان النمل {:ا ْدخُلُواْ
سلَ ْيمَانُ وَجُنُو ُدهُ }[النمل]18 :
طمَ ّنكُمْ ُ
حِمَسَاكِ َنكُ ْم لَ يَ ْ
نحن إذن الذين ل نفهم لغة النمل ،ونجد البهيمة محكومة بالغريزة ،لكن النسان يملك العقل ،لكنه
يغطي عقله بالهوى.
وقول الُ } :أحِّلتْ َلكُمْ { دليل على أن الذي أحلها ،جعل التحليل لها في التسخير بدليل أن الحبل
إن التف حول رقبة جاموسة أو رقبة خروف وقبل أن يختنق نجد الحيوان يمد رقبته ،فيقول
الناس :لقد طلب الحلل ،فنادوا الجزار .وكأنه -وهو الحيوان -يطلب الذبح لينتفع الناس به،
وكأنه يحس بالخسارة إن ضاع لحمه بل فائدة ،وهذا دليل على أنه مذلل ،أما الحيوان غير المحلل
فمن العجيب أنه لو حدث معه ذلك لما مد رقبته.
والنعام هي المذكورة في قوله الحقَ {:ثمَانِيَةَ أَ ْزوَاجٍ مّنَ الضّأْنِ اثْنَيْنِ َومِنَ ا ْل َمعْزِ اثْنَيْنِ }[النعام:
]143
ن الِ ْبلِ اثْنَيْنِ َومِنَ الْ َبقَرِ اثْنَيْنِ }[النعام]144 :
وكذلك قول الرحمنَ {:ومِ َ
http://www.daardesign.com/forum
منتدى دارنا
إنها ثمانية أزواج؛ ثم ألحق رسول ال صلى ال عليه وسلم الظباء وحمر الوحش ،ولم يحرم إل
كل ذي ذنب كالسباع وكل ذي مخلب من الطير ،ولو لم يقيد ال هذا التحليل لنصرف بدون قيد،
ولسأنا إلى أنفسنا بأكل الميتة والموقوذة والمتردية ،ولكن الحق أنقذنا من ذلك وحرم علينا تلك
الشياء الضارة.
} يَا أَ ّيهَا الّذِينَ آمَنُواْ َأ ْوفُواْ بِا ْل ُعقُودِ { إذن فمن حق ال عليكم أيها المؤمنون أن توفوا بالعقود؛ لنه
قدم لكم الكون بكل أجناسه وكل عناصره لخدمتكم .وأحلّ أقرب الجناس إلى النسان لما فيه من
ح ُكمُ مَا يُرِيدُ { ولو لم يضع
حياة وحس وحركة ،فيقول } :غَيْرَ مُحِلّي الصّيْ ِد وَأَنْ ُتمْ حُ ُرمٌ إِنّ اللّهَ يَ ْ
الحق ذلك التشريع لكَل النسان -وهو مُحْ ِرمٌ -بهيمة النعام ،وقد حرم سبحانه الصيد في اثناء
الحرام ،وكذلك في حمى الحرم .والحَرَم -كما نعلم -مركزه الكعبة ،وحول الكعبة المسجد.
وتختلف مناطق الحرام وتسمى الميقات المكاني ،فالميقات المكاني للحج والعمرة لمن كان خارج
الحرم (ذو الحليفة) وذلك للمتوجه من المدينة وهي (آبار علي) ،والجحفة وهي الن (رابغ)
للمتوجه من مصر والشام المغرب ،و(يََلمْلَم)للمتوجه من تهامة ،و(قَرْن المنازل) للمتوجه من نجد
اليمن ونجد الحجاز ،و(ذات عرق) للمتوجه من المشرق والعراق وغيره.
أما الميقات المكاني للحج لمن بمكة فهو مكة نفسها ،أما ميقات العمرة المكاني لمن بالحرم فهو
الخروج لدنى الحل وهي الجعرانة ثم التنعيم (مسجد عائشة) ثم الحديبية.
والميقات الزماني للحج شوال وذو القعدة وعشر ليال من ذي الحجة ،أما ميقات العمرة الزماني
فهو جميع السنة إلّ إذا كان محرما بحج أو بعمرة أخرى أو كان ذلك قبل النفر لنشغاله بالرمي
والمبيت فيمتنع الحرام بها .والتنعيم والجعرانة والحديبية ،تلك هي حدود الحرم .والصيد في
حدود الحرم حرم ،وفي كل زمان وعلى كل إنسان ،أما في غير الحرم ،فالصيد حرام لمن كان
محرما فقط ،وغير المحرم من حقه الصيد.
وبذلك يؤدب الحق سبحانه وتعالى خلقه ويجعلهم على ذكر دائم للمنهج فيأتي لهم في مكان ويقول
لهم :الصيد محرم في هذا المكان ،والطعام والشراب محرم في هذا الزمان؛ كصوم رمضان.
وعدة الشهور عندنا كمسلمين اثنا عشر شهرا .أربعة منها حُرُم .ذو القعدة وذو الحجة والمحرم
ورجب.
وفي الميقات يحرم الصيد على الحاج فقط ،وهذا انضباط إيماني .وعندما يأتي النسان إلى
الميقات فهو يحرم ،أي يغير وضعه ويلبس لباسا خاصا بالحج ،يلبسه كل الناس ليكون الكل
سواسية؛ لن الناس إنما يميزون بهندامهم وهيئاتهم ،فيأمر سبحانه أن يطرح النسان هذا التمايز
من فور الحرام .وما كان من الحلل أن يفعله المسلم قبل الميقات وقد منعه السلم منه ل يجرؤ
على أن يفعله بعد الميقات والحرام.
http://www.daardesign.com/forum
منتدى دارنا
ويستطيع المسلم قبل الميقات أن يحلق ويتطيب ويصطاد ويقطع من النبات؛ لكنه ما إن يبدأ
الحرام يمتنع عن ذلك حتى يستعد لما يشحن أعماقه بالوجود مع المنعم ل مع النعمة ،هذا هو
التهيؤ للدخول إلى بيت المنعم ،ولذلك يضع المسلم النعمة على جانب ليبقى مع المنعم .ويمنع
النسان أن يصيد في الحرم محرما كان أو غير محرم ليشعر الكل أن الحرم ل فقط .وتستعد كل
النفوس للقاء المهابة .ويمتنع النسان من أول الميقات عن أشياء كثيرة بداية من الصيد
والستمتاع بالحقوق الزوجية؛ ثم يدخل منطقة يحرم فيها الصيد على كل الناس كرمز للمهابة.
ويحج المسلم في حياته مرة واحدة كأداء الفريضة؛ وفي كل مرة تحج وتقصد بيت ربّك يوضح
ال لك فيها :ل تنشغل بالنعم لنك ذاهب إلى المنعم ،ويمحو سبحانه بالحج كل الذنوب } .غَيْرَ
مُحِلّي الصّيْ ِد وَأَنْ ُتمْ حُ ُرمٌ { فإن أردناها محرمين فهي صحيحة ،وإن أردناها للحرم فهي صحيحة؛
لن الصيد محرم في منطقة الحرم للحاج أو لغيره.
حكُمُ مَا يُرِيدُ { وسبحانه بدأ الية بقوله } :يَا أَ ّيهَا الّذِينَ آمَنُواْ { هكذا
ويذيل الحق الية } :إِنّ اللّهَ يَ ْ
نرى أن التذييل منطقي يتفق فيه آخر الية مع صدرها؛ لن ال حين يخاطب المؤمنين الذين
آمنوا به ،فمن لوازم اليمان أن ينفذوا حكم ال الذي آمنوا به ومادام المؤمن قد آمن بال إلها
فليتجه إلى ما يريده ال من أحكام ليفعلها لكن عمومية الية قد تجعل واحدا يعزل الية عن
صدرها ،رغبة في التشكيك في السلم ،فيقول :إن ال يقول إنه يحكم ما يريد ،وقد أراد من
ح ُكمُ مَا يُرِيدُ { ،بينما ل يؤمن الكل؟.
الناس من يؤمن ومن ل يؤمن ،فكيف يقول } :يَ ْ
ونقول :ل تعزل الية عن صدرها؛ لن ال إنما يخاطب في هذه الية من آمن به ربا ،ومن آمن
بالله يعمد ويقصد ويتجه إلى ما يريده ال من حكم ليطبقه .ول يعتقدَنّ أحد أنّ الكافرين خارجون
حكُمُ مَا يُرِيدُ { فالذي تمرد على حكم ال يقتضيه المنطق
عن إرادته سبحانه في قوله } :إِنّ اللّهَ يَ ْ
أن يظل متمردا على حكم الله.
لكن المتمرد على حكم ال التكليفي الشرعي ل يجرؤ ول يملك أن يكون منطقيا مع نفسه ،فإن
حكم ال عليه بالضعف .فليقل للضعف :ل ،أنا لن أضعف وأنا قوي .ل أحد يملك من مثل هذا
المر شيئا .المتمرد يأخذه ملك الموت وهو غير مريض ،فماذا إذن يصنع تمرد المتمرد إزاء
الموت؟
إذن هناك أمور يخضع فيها النسان -كل إنسان -لحكم ال .وخضوع النسان لحكم ال في
بعض المور أقوى من خضوع المؤمن لها؛ لن المؤمن حين آمن بال يستقبل الموت -على
سبيل المثال -كحكم من ال ،أما المتمرد الذي ل يصلي ول يؤدي أي أمر تكليفي ،ويتعرض
للغيار بما فيها الموت ،فهو يعاني من كل ذلك مشقّة وَحِدّة تفوق حدة استقبال المؤمن للغيار أو
الموت.
http://www.daardesign.com/forum
منتدى دارنا
ح ُكمُ مَا يُرِيدُ { هو قضية عامة؛ لن الذي تمرد على حكمه سبحانه
إذن فقوله الحق } :إِنّ اللّهَ يَ ْ
فيما له فيه اختيار ،كان من الواجب أن يكون منطقيا مع نفسه ،فيتمرد على حكم يجريه ال عليه،
وذلك بعكس كثير من الحكام الوضعية فإنها ل تقوى على هذا التمرد ،ويكون هنا حكم ال أقوى؛
لن المتمرد لن يجرؤ على الرد على أمر ال .فل يظنن ظان أن ال جعل للختيار في العبد
طلقة ،لكنه جعل للختيار في العبد تقييدا ،وللقدرة القادرة طلقة ،فإن تمرد متمرد على اليمان؛
فلن يجرؤ على التمرد في أشياء أخرى .إذن فال يحكم ما يريد.
ومن بعد ذلك يقول الحق } :يَا أَ ّيهَا الّذِينَ آمَنُواْ{ ...
()663 /
http://www.daardesign.com/forum
منتدى دارنا
معنى ذلك أننا إذا رأينا الشعار نعرف البلد .وكذلك أعلم الدول ،فهذا علم لمصر ،وذاك علم
لنجلترا ،وثالث علم لفرنسا ،وكل محافظة في مصر -على سبيل المثال -تضع لنفسها شعارا
وعلما ،إذن فالشعار هو ال َمعْلَم الذي يدل على الشيء .وشعائر ال هي معالم دين ال المتركزة في
" افعل " و " ل تفعل " زمانا ومكانا ،عقائد وأحكاما.
لكن الشعائر غلبت على ما نسميه مناسك الحج ،وأول عملية في مناسك الحج هي الحرام ،أي ل
نهمل الحرام .ومن شعائر الحج الطواف ،فل تحل شعائر ال ،ووجب عليك أن تطوف حول
البيت ،وكذلك السعي بين الصفا والمروة ،والوقوف بعرفات ،ورمي الجمار ،كل هذه شعائر ال
التي أمر أل يحلها المؤمنون ،أي أمر -سبحانه -أل يتهاونوا فيها؛ لن هذه الشعائر هي
الضابط اليماني .وأن ننظر إلى أن أمر ال لكل حاج أو معتمر بالحرام هو أمر بالعزلة لبعض
الوقت عن النعمة؛ لن النسان يذهب للحج في رحلة إلى المنعم .وأن النسان يغير ملبسه
بملبس موحدة ول يتفاضل فيها أحد على أحد؛ لن الناس في الحياة اليومية تتفاضل بهندامهم،
وتدل الملبس على مواقعهم الجتماعية.
وعندما يخلعون جميعا ملبسهم ويرتدون لباسا جديدا موحدا ،تكون السمة المميزة هي إعلن
الولء ل.
وكذلك عندما يأتي المر بأل يقص النسان شعرة منه سواء أكان عظيما في مجتمعه أم فقيرا
ويتراءى الناس جميعا وينظر بعضهم إلى بعض فيجدون أنهم على سواء على الرغم من اختلف
منازلهم وأقدارهم وتكون ذلة الكبير مساوية لذلة الصغير .وذلك انضباط إيماني ل بين النسان
والمساوي له ،ولكنه النضباط مع الكون كله ،بكل أجناسه .فالشجرة بجانب الحرم محرم على كل
إنسان أن يقطعها أو يقطع جزءا منها .وبذلك يأمن النبات في الحرم ،وكذلك الحمام والحيوانات
وأيضا يأمن لنسان؛ لن الجميع في حَرمِ رب الجميع ،وتلك مسألة تصنع رعشة ورهبة إيمانية
في النفس البشرية .وتكون فترة الحج هي فترة النضباط اليماني .وتتوافق فيها كل أجناس
الوجود .فالنسان يتساوى مع النسان ول يلمس الحيوانَ كذلك النباتَ ،ويبقى الجماد وهو خادم
الجميع من أجناس الكون؛ لن الحيوان يخدم النسان ،والنبات يخدم الحيوان ،والجماد يخدم الكل،
وهو خادم غير مخدوم .ويصنع الحق حماية للجماد في الكعبة نفسها ،فيأمر الناس باستلم الحجر
السود أو بتقبيله إذا تيسر ذلك أو بالشارة إليه.
فهذا السيد العالي -النسان -على النبات والحيوان يأتي إلى جماد فيعظمه ويوقره ،فالذي ل
يستطيع تقبيل الحجر السود عليه تحيته بأن يشير إليه بيده ،حتى يكون الحج مقبولً منه؛ لذلك
يتزاحم الناس للذهاب إلى الحجر السود ،وهكذا يكون الجماد مصونا في بيت ال الحرام.
ويعوضه ال بأن جعله منسكا ،وجعله شعيرة وجعل الناس تزدحم عليه وتقبله بينما ل يقبل
http://www.daardesign.com/forum
منتدى دارنا
النسان الحيوان أو النبات ،لكنه يقبّل الجماد أدنى الجناس .وهذه قمة التوازن الوجودي .فالنسان
المختار المتعالي على الجناس يذهب صاغرا لتقبيل أو استلم الحجر السود بأمر ال.
ويرجم النسان حجرا آخر هو رمز إبليس ،وذلك حتى يعرف النسان أن الحجرية ليست قيمة في
حد ذاتها ،ولكنها أوامر المر العلى ،حتى ل يستقر في ذهن النسان تعظيم الحجر ،فالحاج يقبل
حجرا ويرجم ويرمي حجرا آخر.
شعَآئِرَ اللّهِ {؛ لن ال جعل الشعائر لتحقق النضباط اليماني ،وبقاء
} يَا أَ ّيهَا الّذِينَ آمَنُواْ لَ ُتحِلّواْ َ
ذكر الستخلف ل فل يدعي أحد أنه أصيل في الكون ،بل الكل عبيد ل .والوجود كله هو سلسلة
من الخدمة؛ فالنسان يخدم النسان ،والحيوان يخدم النسان ،والنبات يخدم النسان والحيوان،
والجماد يخدم الكل؛ لكن ل أحد أفضل من أحد ،بل الجماد نفسه مسبح بحمد ال ،وقد ل يسبح
ش َفقْنَ مِ ْنهَا
حمِلْ َنهَا وَأَ ْ
ت وَالَ ْرضِ وَا ْلجِبَالِ فَأبَيْنَ أَن يَ ْ
سمَاوَا ِ
لمَانَةَ عَلَى ال ّ
النسان {.إِنّا عَ َرضْنَا ا َ
جهُولً }[الحزاب]72 :
حمََلهَا الِنْسَانُ إِنّهُ كَانَ ظَلُوما َ
وَ َ
وهذا المر بعدم الحل لشعائر ال جعل كل عشيرة تأخذ حقا من التقدير والحترام ،ول يظنن ظان
أن شعيرة من الشعائر ستأخذ لذاتها تقديسا ذاتيا ،بل كله تقديس موهوب من ال ويسلبه ال.
http://www.daardesign.com/forum
منتدى دارنا
عن غيّه وظلمه فأوجد أماكن محرمة ،وأزمنة محرمة ،والماكن المحرمة هي التي عند الحرم{:
َومَن دَخََلهُ كَانَ آمِنا }[آل عمران]97 :
حيث ُي َؤمّن النسان أخاه النسان إذا ما دخل الحرم .وكذلك في الزمان جعل سبحانه الشهر
الحرم.
لقد أخذ الحق الحدث للزمان والمكان .وكان القوي قديما يحارب ويقترب من النصر .وعندما يهل
الشهر الحرام يستمر في الحرب ،ثم يعلن أن الشهر الحرام هو الذي سيأتي بعد الحرب ،ولذلك
يأمر سبحانه بعدم تغيير زمان الشهر الحرام؛ لن ال يريد بالشهر الحرام أن ينهي سعار الحرب.
وبعد ذلك يقول الحقَ } :ولَ ا ْلهَ ْديَ { والهدي هو ما يهدي إلى الحرم؛ وهو جمع هدية ،وهناك من
يقدم للكعبة هدية ،ومجموع الهدايا تسمى هديا .وهدي الحرم إنما جعله ال للحرم؛ فالحرم قديما
كان بوادٍ غير ذي زرع ،ولم تكن به حيوانات كثيرة.
وكانوا يأتون بالهدي معهم عندما يحجون ،لذلك حرم ال القتراب من الهدي لنها هدايا إلى
الحرم .والحجيج أفواج كثيرة ،وعندما يأتي أناس كثيرون في واد غير ذي زرع يحتاجون إلى
الطعام ،ول يصح أن يجعل المؤمن الهدي لغير ما أهدي إليه ،فقد يشتاق إنسان صحب معه الهدي
إلى أكل اللحم وهو في الطريق إلى الكعبة فيذبحه ليأكل منه؛ وهذا الفعل حرام؛ لن الهدي إنما
جاء إلى الحرم ويجب أن يُهدى ويقدم إلى الحرم .وعلى النسان أن يصون هدي غيره أيضا.
} َولَ ا ْلقَلئِدَ { وهي جمع " قلدة " والقلدة هي ما تعلق بالرقبة .وقديما كان الذاهب إلى الحج
يخاف على الهدي أن يشرد منه؛ لذلك كانوا يضعون حول عنق الهدي قلدة حتى يعرف من يراه
أنه " هدي " ذاهب إلى الحرم .والهدي الول هو الهدي العام الذي ل قلئد حول عنقه ،والقلئد
تعبر عن الهدي الذي توجد حول رقابه قلئد وتدل عليه وتكون علمة على أنه مهدي إلى الحرم،
وقد يكون النهي هنا حتى عن استحلل القلدة التي حول رقبة الهدي حتى ل تضيع الحكمة.
والحق سبحانه وتعالى حين يعبر بعبارة ما فهو يعبر بعبارة تؤدي المعنى ببلغة.
وكانوا قديما عندما ل يجدون قلدة يأخذون لحاء الشجر وقشره ويقطعون منه قطعة ويربطونها
حول رقبة الهدي ،وذلك حتى يعرف الناس أن هذا هدي ذاهب إلى الحرم .ويضمن سبحانه اقتيات
الوافد إليه .ل من القوت العادي ولكن يطعمه من اللحم أيضا ،ويجعل ذلك من ضمن المناسك.
أليس هو من دعا هؤلء الناس إلى الحج؟ أليس هؤلء هم ضيوف الرحمن؟!
إن النسان منا يقوم بذبح الذبائح لضيوفه ،فما بالنا بالحق العلى سبحانه وتعالى؟ لذلك جعل
الهدي طعاما لضيوفه .وتزدحم الناس في منى وعرفات بكثرة ل حدود لها ،ولبد أن يكرمهم ال
بألذ وأطيب الطعام ،والفقير يذهب إلى المذبح ويأخذ من اللحم أطيبه ويقوم بتجفيفه في الهواء
والشمس ويخزنه ليطعم منه طويل وهو ما يعرف ويسمى بالقديد .والحق سبحانه وتعالى يأتي
http://www.daardesign.com/forum
منتدى دارنا
بالحكم بطريقة لها منتهى البلغة ،فهو يحرم حتى قلدة الهدي أن يلمسها أحد.
ي َولَ ا ْلقَلئِ َد وَل آمّينَ الْبَ ْيتَ الْحَرَامَ يَبْ َتغُونَ َفضْلً
شهْرَ ا ْلحَرَا َم َولَ ا ْلهَ ْد َ
ويقول سبحانهَ } :ولَ ال ّ
ضوَانا { أي ل تمنعوا أناسا ذاهبين إلى بيت ال الحرام ول تصدوهم عن السبيل ،فهم
مّن رّ ّبهِ ْم وَ ِر ْ
جسٌ }[التوبة]28 :
وفد ال .وقد جاء هذا القول قبل أن يُنَزّل الحق قوله {:إِ ّنمَا ا ْلمُشْ ِركُونَ نَ َ
وكان غير المسلمين يحجون بيت ال الحرام من قبل نزول هذه الية ،فلم يكن الحكم قد صدر.
ونتساءل :هل الكافرون بال يبتغون فضلً من ال؟ .نعم ففضل ال يغمر الجميع حتى الكافر ،لكن
رضوان ال ل يكون على الكافر.
والفضل من التجارة التي كانوا يتاجرون بها ،وفضل ال موجود حتى في أيامنا هذه على الكفار
أيضا.
لكن كيف يتأتى رضوان ال على الكافر؟ .إنه رضوان ال المتوهم في معتقدهم .فهم يعتقدون أنهم
ضوَانا { ،فلم يقل:
يفعلون ذلك إرضاءً ل .وتتجلى دقة القرآن حين يقولَ } :فضْلً مّن رّ ّبهِ ْم وَ ِر ْ
فضلً من ال ورضوانا؛ لن العبد المؤمن هو من يختص بتنفيذ التكاليف اليمانية.
ول عطاءان :عطاء الربوبية ،فهو المربي الذي استدعى إلى الكون المؤمن والكافر -وسبحانه -
سخر السباب للكل؛ هذا هو عطاء الربوبية ،فالشمس تشرق على المؤمن والكافر ،والسباب قد
تعطي المؤمن والكافر ،أما عطاء اللوهية فيتمثل في " افعل " و " ل تفعل " .ويقول الحق هنا} :
يَبْ َتغُونَ َفضْلً مّن رّ ّبهِمْ { .إذن فجناحا المنهج اليماني -افعل ول تفعل -ليست في بالهم .ومن
بعد ذلك يقول الحق } :وَِإذَا حََللْتُمْ فَاصْطَادُواْ { أي إذا انتهى الحرام ،وبعد أن يخرج الحاج من
الحرم ويتحلل من إحرامه فمن حقه أن يصطاد.
سجِدِ ا ْلحَرَامِ { وقبل أن ينزل تحريم زيارة المشركين
صدّوكُمْ عَنِ ا ْلمَ ْ
} َولَ يَجْ ِرمَ ّنكُمْ شَنَآنُ َقوْمٍ أَن َ
للبيت الحرام كان من حسن المعاملة أل يأخذ المؤمنون الكفار الذين يزورون البيت الحرام فيعتدوا
عليهم انتقاما لما فعله الكفار من قبل؛ لذلك أمر الحق المؤمنين أل يقولوا :ها هم أولء قد جاءوا
لنا فلنرد لهم الصاع صاعين مثلما فعلوا معنا في صلح الحديبية عندما منعونا من البيت الحرام.
لنكم أيها المؤمنون قد أخذتم من ال القوامة على منهجه في الرض ،والقائم على منهج ال في
الرض يجب أل تكون له ذاتية ول عصبية أسرية ،ول عصبية قبلية؛ لنه جاء ليهيمن على الدنيا
كلها ،ومن الصّغار أن ينتقم المؤمن من الكافر عندما يأتي إلى بيت ال .ول يليق ذلك بمهمة
القوامة على منهج ال.
ح ُكمَ بَيْنَ النّاسِ ِبمَآ أَرَاكَ اللّ ُه َولَ َتكُنْ
حقّ لِتَ ْ
ولذلك قال الحق لرسوله {:إِنّآ أَنْزَلْنَا إِلَ ْيكَ ا ْلكِتَابَ بِالْ َ
خصِيما }[النساء]105 :
لّلْخَآئِنِينَ َ
وحينما أمر الحق رسوله أن يحكم بين الناس فذلك الحكم يقتضي عدم تمييز المؤمن على الكافر؛
http://www.daardesign.com/forum
منتدى دارنا
لن المسلمين هم ال ُقوّام ،وهم خير أمة أخرجها ال للناس كافة .ولو فهم الناس أن خير المة
السلمية عائد عليهم لما حاربوها.
فنحن -المسلمين -لسنا خيرا لنفسنا فقط ،ولكننا أمة لخير الناس جميعا .ولذلك قال الحق } :لَ
سجِدِ ا ْلحَرَامِ أَن َتعْتَدُواْ { أي ل يصح أن يحملكم الغضب
صدّوكُمْ عَنِ ا ْلمَ ْ
يَجْ ِرمَ ّنكُمْ شَنَآنُ َقوْمٍ أَن َ
على قوم أن تعتدوا عليهم لنهم صدوكم عن المسجد الحرام عام الحديبية .وعندما يسمع الكافر أن
ال سبحانه وتعالى يوصي من آمن به على من كفر به ماذا يكون موقفه؟ إنّه يلمس رحمة الرب.
وفي ذلك لذع للكافر لنه لم يؤمن ،لكن لو اعتدى المؤمن على الكافر ردا على العدوان السابق،
لقال الكافر لنفسه :لقد رد العدوان.
أما حين يرى الكافر أن المؤمن لم يعتد امتثالً لمر ال بذلك ،عندئذ يرى أن السلم أعاد صياغة
أهله بما يحقق لهم السمو النفسي الذي يتعالى عن الضغن والحقد والعصبية ،ويعبر الداء القرآني
عن ذلك بدقة ،فلم يأت الدين ليكبت عواطف أو غرائز ول يجعل النسان أفلطونيا كما يدعون.
ولم يقل :اكتموا بغضكم ،ولكنه أوضح لنا أي :ل يحملكم كرههم وبغضهم على أن تعتدوا عليهم.
فسبحانه ل يمنع الشنآن ،وهو البغض ،لنه مسألة عاطفية.
فسبحانه يعلم أن منع ذلك إنما يكبت المؤمنين وكأنه يطلب منهم المر المحال .لذلك فالبغض من
حرية النسان .ولكن إياك أن يحملك البغض أو الكره على أن تعتدي عليهم.
ونرى سيدنا عمر يمر عليه قاتل أخيه زيد بن الخطاب ،يقول له أحدهم :هذا قاتل زيد ،فيقول
عمر :وماذا أصنع به وقد هداه ال إلى السلم ،فإذا كان السلم جبّ الكفر أل يجب دم أخٍ
لعمر؟ ولكن عمر -رضي ال عنه -يقول لقاتل أخيه:
عندما تراني نحّ وجهك عني .قال ذلك لنه يعرف دور العاطفة ويعرف أنه ل يحب قاتل أخيه،
فقال قاتل أخي عمر :وهل عدم حبك لي يمنعني حقا من حقوقي؟ فقال غمر :ل .بل تأخذ حقوقك
كلها .فقال قاتل أخي عمر :ل ضير؛ إنما يبكي على الحب النساء .فاليمان هو الذي منع عمر من
أن ينتقم من قاتل أخيه.
سجِدِ ا ْلحَرَامِ أَن َتعْتَدُواْ { اي أنه سبحانه ل يمنع
صدّوكُمْ عَنِ ا ْلمَ ْ
} َولَ يَجْ ِرمَ ّنكُمْ شَنَآنُ َقوْمٍ أَن َ
مواجيد المؤمنين ووجدانهم وضمائرهم وقلوبهم التي تنفعل بالبغض والكره؛ لنه يعلم أن ذلك ل
يطيقه النسان؛ لنها أمور عاطفية .والعواطف ل يقنن لها بتشريع .ولكن اعلموا أن هذه
العواطف ل تبيح لكم العتداء.
وهكذا يتدخل السلم في الحركة النسانية ليفعل النسان أمرا أو يتجنب فعل أمر ما؛ فالسلم ل
يتدخل إل في النزوع وهي تعبير عن مرحلة لحقة للدراك الذي يسبب للنسان العاطفة محبة أو
كراهية ،ثم يعبر النسان عن هذه العاطفة بالنزوع؛ لن مظاهر الشعور ثلثة :إدراك ،ووجدان،
http://www.daardesign.com/forum
منتدى دارنا
ونزوع ،فحين يمشي إنسان في بستان فيه أزهار ويرى الوردة فهذا إدراك ،ول يمنع السلم هذا
الدراك .وعندما يعجب النسان بالوردة ويحبها فهذه حرية ،لكن أن تمتد اليد لتقطف الوردة فهذا
ممنوع.
إن التشريع ل يتدخل في العملية النزوعية فقط إل في مجال واحد وهو ما يتعلق بالمرأة .إن
السلم يتدخل من أولى المراحل من مرحلة الدراك .فالرجل حين يرى امرأة جميلة فهذا إدراك،
وعندما ينشغل قلبه بحبها فهذا وجدان ،لكن أن يقترب منها النسان فهذا نزوع.
لقد رأف الحق بالرجل ان أمره أن يغض البصر من البداية؛ لن النسان لن يستطيع مطلقا أن
يفصل بين الدراك والوجدان والنزوع.
فكل من الدراك والوجدان يصنعان تفاعلً في التركيب الكيماوي للرجل .فإما أن يعف النسان
نفسه ويكبت أحاسيسه ،وإما أل يعف فيلغ في أعراض الناس؛ لذلك يخدم الشرع النسان من أول
جهُمْ ذاِلكَ
حفَظُواْ فُرُو َ
المر حين يأمره بغض البصرُ {:قلْ لّ ْل ُم ْؤمِنِينَ َي ُغضّواْ مِنْ أَ ْبصَارِ ِه ْم وَيَ ْ
جهُنّ
حفَظْنَ فُرُو َ
ن وَيَ ْ
ضضْنَ مِنْ أَ ْبصَارِهِ ّ
أَ ْزكَىا َلهُمْ إِنّ اللّهَ خَبِيرٌ ِبمَا َيصْ َنعُونَ * َوقُل لّ ْل ُم ْؤمِنَاتِ َي ْغ ُ
}[النور]31-30 :
هنا يتدخل الشرع من أول مرحلة الدراك ،فبعدها ل يمكن فصل النزوع عن المواجيد؛ لن رؤية
المرأة تحدث تفاعلً كيماويا في نفس الرجل ،وكذلك الرجل يحدث تفاعلً كيماويا في نفس المرأة.
أما الوردة فل تحدث مثل هذا التفاعل .ويستطيع النسان اقتناء زهرية للورود.
إذن فالمراد أن الحق سبحانه وتعالى لم يمنع المؤمن أن تجيش عواطفه البشرية بالبغض وبالكره؛
لن ذلك انفعال مطلوب لليمان .وبعض من أعداء السلم يقول :آيات القرآن تتعارض؛ لنه
جدُ َقوْما ُي ْؤمِنُونَ بِاللّ ِه وَالْ َيوْمِ الخِرِ ُيوَآدّونَ مَنْ حَآدّ اللّ َه وَرَسُولَ ُه وََلوْ كَانُواْ آبَآ َءهُمْ َأوْ
يقول {:لّ تَ ِ
أَبْنَآءَ ُهمْ }[المجادلة]22 :
والنسب اليماني يمنع ذلك.
ط ْع ُهمَا
ويقول القرآن في موضع آخر{ وَإِن جَا َهدَاكَ عَلَىا أَن تُشْ ِركَ بِي مَا لَيْسَ َلكَ بِهِ عِ ْلمٌ فَلَ تُ ِ
َوصَاحِ ْب ُهمَا فِي الدّنْيَا َمعْرُوفا }[لقمان]15 :
والذي يتعمق جيدا يعرف أن المعروف يصنعه النسان مع من يحب ومن ل يحب .أما الودّ فهو
عمل القلب ،وهذا ما نهى عنه ال بالنسبة للمشركين به ،أما المعروف فالمسلم مطالب أن يفعله
حتى بالنسبة لمن يكرهه.
سجِدِ ا ْلحَرَامِ { إذن فالحق لم يمنع البغض .ولكنه منع
صدّوكُمْ عَنِ ا ْلمَ ْ
} َولَ يَجْ ِرمَ ّنكُمْ شَنَآنُ َقوْمٍ أَن َ
النزوع المترتب على الشنآن ولو وُجد سبب من السباب كما حدث في صلح الحديبية .وبعد ذلك
يأمر } :وَ َتعَاوَنُواْ عَلَى الْب ّر وَال ّت ْقوَىا {.
http://www.daardesign.com/forum
منتدى دارنا
وهذه الية هي التي تجعل مسألة اليمان قضية عالمية ،وكلمة " تعاون " على وزن " تفاعل " ،
والتفاعل يأتي من اثنين؛ مثلما نقول " تشارك "؛ فهي تقتضي اثنين؛ كأن نقول :تشارك زيد
وعمرو أو :شارك زيد عمرا أو شارك عمرو زيدا .وكلهما متساو ..اللهم إل تغليب واحد بأن
يأتي فاعل مرة ومفعول مرة ثانية ،والفاعل في هذه الحالة فاعل ومفعول في آن واحد ،والمفعول
أيضا فاعل في الوقت نفسه.
ومثال ذلك قولنا " قاتل فلن فلنا " أي أن الثنين اشتبكا في قتال أي مفاعلة .وساعة يأتي اثنان
في فعل واحد ،فهناك فاعل ومفعول .وهناك فرق بين أن تقول :أعن فلنا ،فالمطلوب هنا أمر
لواحد بالمعاونة لخر.
وهذا يختلف عن القول :تعاون مع فلن ،أي أن تتشاركا معا في المعاونة .ومسائل الحياة أكثر
من أن تستوعبها موهبة واحدة .فأنت حين تبني بيتا تحتاج إلى من يحفر الساس ويبني الجدران.
ومن يصنع الطوب ومن يصنع السمنت ومن يصنع الحديد ،ول يستطيع إنسان واحد أن يتعلم كل
هذه الحرف ليبني بيتا .لكن التعاون خصص لكل إنسان عمل يقوم به ،فهناك متخصص في كل
جزئية يحتاج إليها النسان في حياكة الملبس ،والطب ،والصيدلة وغيرها من أوجه احتياجات
الحياة ،والحق يأمر " :وتعاونوا " ليسير دولب الحياة ويستفيد النسان من كل المواهب لقاء
إخلصه في أداء عمله ،و " تعاونوا " هي أن تأتي بشيء فيه تفاعل ما ،ومعنى الشيء الذي فيه
تفاعل أنه يوجد " مُعين " و " مُعان ".
ولكن المعين ل يظل دائما معينا ،بل سينقلب في يوم ما إلى أن يكون مُعانا ،والمعان ل يظل
مُعانا ،بل سيأتي وقت يصير فيه مُعينا ،وهذا هو التفاعل الذي تحتاج إليه أقضية الحياة التي
شاءها ال للنسان الخليفة في الرض والمطالب أن يعبد ال الذي ل شريك له ،وأن يعمر هذه
الرض .ول تتأتى عمارة الرض إل بالحركة فيها ،والحركة في الرض أوسع من أن تتحملها
الطاقة النفسية لفرد واحد ،بل ل بد أن تتكاتف الطاقات كلها لنشاء هذه العمارة.
إننا حين نبني عمارة واحدة نستخدم أجهزة كثيرة لطاقات كثيرة بداية من المهندس الذي يرفع
مساحة القطعة من الرض ويرسمها ،وإن شاء الترقي في صنعته يصنع نموذجا مجسدا لما
يرغب في بنائه ،وبعد ذلك يأتي الحافر ليحفر في الرض ثم من يضع الساس ،ومن يضع
الحديد .ومن يصنع " الخرسانة " المسلحة.
ثم يأتي من يرفع البناء ،ومن يقوم بالعمال الصحية من توصيلت للمياه والمجاري ،ثم يأتي من
يصمم التوصيلت الكهربائية ،وهكذا تتعاون طاقات كثيرة لبناء واحد ،ول تتحمله طاقة إنسان
واحد.
إذن فالتعاون أمر ضروري للستخلف في الحياة .ومادام الستخلف في الحياة بقتضي من
http://www.daardesign.com/forum
منتدى دارنا
النسان عمارة هذه الحياة ،وعمارة الحياة تقتضي أل نفسد الشيء الصالح بل نزيده صلحا،
وحين يقول الحق } :وَ َتعَاوَنُواْ عَلَى الْب ّر وَال ّت ْقوَىا َولَ َتعَاوَنُواْ عَلَى الِثْ ِم وَا ْلعُ ْدوَانِ { أي انه يريد
كونا عامرا ل كونا خربا .والشيء الصالح في ذاته يبقيه على صلحه .إذن فعمارة الحياة تتطلب
منا أن نتعاون على الخير ل على الثم.
والبر ،ما هو؟ البر هو ما اطمأنت إليه نفسك؛ والثم ما حاك في صدرك وخشيت أن يطلع عليه
أحد ،فساعة يأتي إليك أمر تريد أن تفعله وتخاف أن يراك غيرك وأنت ترتكبه فهذا هو الثم؛ لنه
لو لم يكن إثما لحببت أن يراك الناس وأنت تفعل ذلك .إذن قوله الحق } :وَ َتعَاوَنُواْ عَلَى الْبرّ
وَال ّتقْوَىا وَلَ َتعَاوَنُواْ عَلَى الِثْمِ وَا ْلعُ ْدوَانِ { هو أمر لكل جماعة أن تتعاون على الخير ،وهذه
مناسبة لقول لكل جماعة:
تعاونوا معا بشرط أل تجعلوا لجمعياتكم نشاطا يُنسب إلى غير دينكم.
مثال ذلك الجمعيات المسماة بـ " الروتاري " أو " الماسونية " ويقال :إن نشاطها خيري .ونقول:
كل جمعية خيرية على العين والرأس ولكن لماذا تكونونها وأنتم تقلدون فيها الغرب؟ لماذا ل
تصنعون الخير باسم دينكم فيعرف العالم أن هذا خير قادم من بلد مسلمة .والخير كل الخير أل
نأخذ هذه السماء الجنبية ونطلقها على جمعياتنا حتى ل يظنن ظان أن الخير يصنعه غيرنا .وإن
كان للواحد منا طاقة على العمل الخيري؛ فليعمل من خلل الدين السلمي .وليعلم كل إنسان أن
الدين طلب منا أن تكون كل حياتنا للخير .وهذا ما يجب أن يستقر في الذهان حتى ل يأخذ الظن
الخاطئ كل من يصيبه خير من هذه الجمعيات بأن الخير قادم من غير دين السلم.
إننا مكلفون بنسبة الخير الذي يقوم به إلى ديننا؛ لن ديننا أمرنا به وحثنا عليه ،وليعلم كل مسلم
أنه ليس فقيرا إلى القيم حتى يتسولها من الخارج ،بل في دين السلم ما يغنينا جميعا عن كل
هؤلء .وإذا كنا نفعل الخير ونقدم الخدمة الجتماعية للناس فلماذا نسميها هذا السم وننسبها إلى
عمِلَ
قوم آخرين ،ولنقرأ جميعا قول الحق سبحانه وتعالىَ {:ومَنْ َأحْسَنُ َق ْولً ّممّن دَعَآ إِلَى اللّهِ وَ َ
صَالِحا َوقَالَ إِنّنِي مِنَ ا ْلمُسِْلمِينَ }[فصلت]33 :
فعلى النسان منا أن يعمل الخير وهو يعلن أن السلم يأمره بذلك ،ول ينسب عمل الخير إلى "
الروتاري " أو غير ذلك من الجمعيات .فنسبة الخير من المسلم إلى جمعيات خارجة عن السلم
حرام على المسلم؛ لنه تعاون ليس ل ،والحق يقول } :وَ َتعَاوَنُواْ عَلَى الْب ّر وَال ّت ْقوَىا َولَ َتعَاوَنُواْ
عَلَى الِثْ ِم وَا ْلعُ ْدوَانِ { هو يريد منا أن نبني الخير وأن نمنع الهدم ،وعلى كل منا أن يعرف أنه ل
يستطيع وحده أن يقيم كل أبنية الخير.
وقد نسأل الفقير صاحب الثوب الواحد من أين أتى برغيف الخبز ،فيشير إلى بقال أعطاه هذا
الرغيف .ونلتفت إلى أن ال قد سخر هذا البقال أن يأتي بالخبز ليشتري منه كل الناس ،ويتصدق
http://www.daardesign.com/forum
منتدى دارنا
ببعضه على الفقير .وهذا تيسير أراده ال .وعندما نذهب إلى المخبز ،نجد أن الدقيق جاء إلى
المخبز من المطحن ،وفي المطحن نجد عشرات العمال والمهندسين يعملون من أجل طحن الدقيق
الذاهب للمخبز ليعجنه واحد ،ويخبزه آخر ،ويبيعه ثالث.
ويجب أن نلتفت هنا إلى قدرة ال الذي سخر بعضا من الممولين الذين فكروا في خير أنفسهم
واشتروا هذه اللت الضخمة للطحين وإنضاج الخبز ،وهي آلت ل يستطيع الفرد أن يشتريها
بمفرده ،لرتفاع ثمنها وتأتي من الدول الجنبية ،وتلك الدول فيها من المعامل والعلماء الذين
يدرسون الحركة والطاقة من أجل تصميم هذه الجهزة ،ليأكل النسان رغيفا واحدا.
هذه هي مشيئة الحق من أجل أن تنتظم كل حركة الحياة؛ فالرغيف يعرضه البقال ،وعمل فيه
الخباز ومن قبله الطحان ،والعجان ومن استورد اللة؛ ومن صممها ،وشاركت فيه المدرسة التي
علمت المهندس الذي صمم اللة؛ كل ذلك عمل فيه تعاون من أجل خدمة رغيف الخبز ،على
الرغم من أن النسان منا ل يفكر في رغيف الخبز إل ساعة أن يجوع.
إذن فحركة الحياة كلها تم بناؤها على التعاون .لكن ماذا إن تعاون الناس على الثم؟ إنهم إن فعلوا
ذلك يهدمون الخير؛ لن التعاون على الثم إنما يبدأ من كل من يعين على أمر يخالف أمر ال،
وأوامر ال تنحصر في " افعل " و " ل تفعل " ،ما ليس فيه " افعل " و " ل تفعل " فهو مباح ،إن
شئت فعلته وإن شئت ل تفعله .والذي يأمر بتطبيق " افعل " ويحزم المر مع " ل تفعل " وينهى
عنه ويجرّم من يفعله هو متعاون على البر والتقوى.
ومن يعمل ضد ذلك؛ يتعاون على الثم والعدوان؛ لنه ينقل الفعال من دائرة " افعل " إلى دائرة "
ل تفعل " .وينقل النواهي من " ل تفعل " إلى دائرة " افعل "؛ هذا هو التعاون على الثم.
ضمِن عمارة الكون
علَى الِثْمِ وَا ْلعُ ْدوَانِ { َ
علَى الْبرّ وَالتّ ْقوَىا وَلَ َتعَاوَنُواْ َ
وقوله الحق } :وَ َتعَاوَنُواْ َ
وضَمِن منع الفساد في الكون .فالذي يرتشي والذي يسهل عملية الرشوة ،وهو الوسيط والسفير
بين الراشي والمرتشي ويُسمّى الرائش والذي يحمل الخمر والذي يدلس ،كل هؤلء متعاونون
على الثم والعدوان ،حتى البواب الذي يجلس على باب عمارة ويعلم أن بها شقة تدار لعمال
مشبوهة ويأخذ ثمن ذلك هو متعاون على الثم.
نقول لكل هؤلء :إياكم أن تفتنوا بما يدره عليكم فعل الثم؛ لكن لننظر مصير كل منكم فلن يترك
ال أمثالكم دون أن ينهي الواحد منكم حياته بمأساة ،حتى المرأة التي استنزفت الناس بجمالها،
تنتهي حياتها بالضنك من العيش ثم ل تجد مأوى إل القلوب الرحيمة التي لم تفتتن بهذا الجمال
ولم تتمتع به في الحرام؛ لن الرجل إن نظر إلى امرأة أعانته على أفثم سيتذكر كل المصائب
التي جاءته منها فيكرهها.
لقد أراد الحق بهذا عدالة في الكون ليستقيم ،وكل من يأخذ شيئا من إثم يكتوي بنار هذا الثم في
http://www.daardesign.com/forum
منتدى دارنا
الحياة ،وكل فرد فيكم مطالب بعمل حصر وإحصاء للمال الذي جاءه من عرقه وحلله ويكتبه،
والقرش الذي جاءه من حرام .وبعد ذلك يقوم بعمل حصر وإحصاء للكوارث التي أصابته .وكم
كلفته من مصاريف.
إنه لو فعل ذلك لوجد أن الكوارث تأخذ كل الحرام وتجوز على المال الذي كسبه من حلل .ول
تختلف هذه المسألة أبدا ول يتركها ال للخرة؛ فسبحانه يريد أن يعدل نظام الكون ،وإل كيف
يشهد من ل يؤمن بيوم الحساب قدرة ال على إجراء التوازن في كونه؟ إن الحق أراد الحساب في
الدنيا حتى ل يعربد من ل يؤمن بيوم الحساب في كون ال.
إن كل معربد سوف يرى مصير معربد سبقه .كذلك الذين يتمتعون بثمرات الثم في هذه الدنيا
يجب أن يفطنوا إلى نفوسهم قبل أن يفوتهم الوان ،المعذور فقط هم الطفال الذين ل نضج لهم
ول دراية؛ لنهم يعيشون من أموال الثم .لكن ما إن يبلغ الولد الرشد وكذلك البنت ثم ترى مال
يتدفق عليها من مصادر غير حل ،عليها أن تستحي من شراء " فستان " من هذا المال أو أن تأكل
منه لقمة خبز ،وليفطن النسان أن ال قد أباح للنسان أن يسأل عن مصدر المال حتى ل يأخذ
لنفسه من المال الموبوء الخبيث .وأن يسأل النسان الصدقة خير من أن يصرف على نفسه مالً
موبوءا .ولن يترك الحق مثل هذا النسان سائل أبدا.
وليكتب كل واحد منكم هذا القول الكريم أمامه } :وَ َتعَاوَنُواْ عَلَى الْبرّ وَالتّ ْقوَىا وَلَ َتعَاوَنُواْ عَلَى
الِثْ ِم وَا ْلعُ ْدوَانِ { .وليجعلها ميزانا يزن بها صور الذين يراهم في الكون؛ حتى ولو كانت صورة
سائق التاكسي الذي يدلس على رجل وامرأة في طريق مظلم ويأخذ أجرا على هذا ،ليحسب هذا
الرجل النقود التي سـتأتي من هذا الباب ،وليحسب النقود التي ستخرج على ألم فيه ،أو ألم فيمن
يرعى من ولد أو بنت.
} وَ َتعَاوَنُواْ عَلَى الْبرّ وَالتّ ْقوَىا وَلَ َتعَاوَنُواْ عَلَى الِثْ ِم وَا ْل ُع ْدوَانِ { وصور العدوان شتى يعاني منها
المجتمع وتهزه بعنف ،عدوان على الوقت لن النسان يأخذ أجرا على العمل ول يقوم به،
وعدوان يضرّ به إنسانا بأن يأخذ حقه أو أن يرتشي ،كل ذلك عدوان .وحتى يصير المجتمع
مجتمعا إيمانيا سليما ل بد أن يحافظ على قضية الستخلف في الرض ،وأن يعلم أن هذا يقتضي
عمارة الكون وعدم الفساد فيه.
شدِيدُ ا ْلعِقَابِ { فكأن هذه المخالفات السابقة
ن وَا ّتقُواْ اللّهَ إِنّ اللّهَ َ
} َولَ َتعَاوَنُواْ عَلَى الِثْ ِم وَا ْلعُ ْدوَا ِ
التي تحدث هي نتيجة عدم التعاون على البر ،ونتيجة التعاون على الثم والعدوان ،ولهذه المخالفة
عقاب شديد ،أما التقوى فمعناها أن نفعل ما أمر به ال أن نفعله ،وأن ننتهي عما نهى ال عنه،
فل ننقل فعلً من دائرة " ل تفعل " إلى دائرة " افعل " وكذلك العكس .وبذلك نجعل بيننا وبين
الجبار وقاية.
http://www.daardesign.com/forum
منتدى دارنا
وبعض السطحيين قد ينظر إلى بعض من آيات القرآن ويقول :إن بها تناقضا؛ فيقولون :بعض من
آيات القرآن تقول } :ا ّتقُواْ النّارَ { ،وبعض اليات تقول } :ا ّتقُواْ اللّهَ { فهل للنار وقاية؟ وهل ل
وقاية؟ وهؤلء ل يفهمون أن " اتقوا " تعني :اجعل وقاية بينك وبين ما يؤذيك ويتعبك ،فـ } ا ّتقُواْ
اللّهَ { تعني اجعل بينك وبين عقاب ال وقاية وهي الدرع التي يقيمها النسان بتنفيذ أوامر ال بـ
" افعل " والمتثال لنواهي ال بـ " ل تفعل ".
وعندما تجعل بينك وبين ال وقاية ،فأنت تجعل بينك وبين غضب ال وقاية ،وهكذا تتساوى "
تقوى ال " مع " اتقاء النار ".
ويذيل الحق الية } إِنّ اللّهَ شَدِيدُ ا ْل ِعقَابِ { .إنّ ما يجعل الناس تتهاون في التعاون على البر
ويجترئون على الثم أنهم ل يجدون من مجتمعاتهم رادعا ،ولو وجدوا الردع من المجتمع لحمى
المجتمع أفراده من الثم .وإن صار للمجتمع وعي إيماني لقاطع المخالفين وأشعرهم بأنهم
منبوذون ،وساعة يرى أمثال هؤلء الناس أنهم منبوذون من المجتمع اليماني فهم يرجعون إلى
المنهج الحق.
فما يغري الناس على الجرائم الكبيرة إلّ تهاون المجتمع في الجرائم الصغيرة .ولذلك يلفتنا الحق
أنه لن يترك المر كما تركه بعض من خلقه؛ لن الخلق قد يجاملون وقد ل يقفون أمام ما يفعله
بعضهم من آثام ،لكن ال شديد العقاب ،سيأتي العقاب في وقت ليس للفرد فيه جاه من مال أو
حسب أو نسب يحميه من ال ،فإن أطمعك ضعف المجتمع في أن تتعاون على الثم فعليك أن
تخاف ال؛ لن عقابه شديد.
وكيف يأتي العقاب إلى المذنب؟ ل نعرف؛ لننا لسنا آلهة ،ونجد العقاب يتسلل إلى المذنب في
نفسه كمرض مؤلم ل يصرف المذنب فيه ما عنده من مال فقط ،لكنه قد يسأل الناس ليعالج نفسه،
أو يعالج من يحب .وجنود عقاب ال قد ل تتأخر للخرة بل تتسلل إلى حياة المذنب دون أن
يعرفها وهذه هي شدة العقاب.
وبعد ذلك يأتي الحق بأمر تحريم أشياء بعد أن حلل ال أشياء في قوله } :أُحِّلتْ َل ُكمْ َبهِيمَ ُة الَ ْنعَامِ
{ .لقد أراد الحق سبحانه وتعالى أن يبين تخصيصا لما أحل من النعام ..فقد حلل ال من الضأن
اثنين ومن المعز اثنين ومن البل اثنين ومن البقر اثنين .وألحق الرسول بها الظباء وبقر الوحش،
وكل ذات أربع من حيوان البحر ،وكان قول الِ } :إلّ مَا يُتْلَىا عَلَ ْيكُمْ { مؤذنا بأن هناك تحريما
قادما سيأتي ،ويبين الحق بالقرآن ما يحرمه ال } :حُ ّر َمتْ عَلَ ْيكُمُ ا ْلمَيْتَةُ{ ...
()664 /
http://www.daardesign.com/forum
منتدى دارنا
حُ ّر َمتْ عَلَ ْيكُمُ ا ْلمَيْتَ ُة وَالدّ ُم وَلَحْمُ الْخِنْزِي ِر َومَا أُ ِهلّ ِلغَيْرِ اللّهِ بِهِ وَا ْلمُنْخَ ِنقَ ُة وَا ْل َموْقُو َذ ُة وَا ْلمُتَرَدّ َيةُ
سقٌ الْ َيوْمَ
سمُوا بِالْأَزْلَامِ ذَِل ُكمْ فِ ْ
صبِ وَأَنْ َتسْ َتقْ ِ
وَالنّطِيحَ ُة َومَا َأ َكلَ السّبُعُ ِإلّا مَا َذكّيْتُمْ َومَا ذُبِحَ عَلَى الّن ُ
علَ ْيكُمْ ِن ْعمَتِي
شوْنِ الْ َيوْمَ َأ ْكمَ ْلتُ َلكُمْ دِي َنكُ ْم وَأَ ْت َم ْمتُ َ
شوْهُ ْم وَاخْ َ
يَئِسَ الّذِينَ َكفَرُوا مِنْ دِي ِن ُكمْ فَلَا َتخْ َ
غفُورٌ رَحِيمٌ ()3
خ َمصَةٍ غَيْرَ مُتَجَا ِنفٍ لِإِثْمٍ فَإِنّ اللّهَ َ
وَ َرضِيتُ َلكُمُ الْإِسْلَامَ دِينًا َفمَنِ اضْطُرّ فِي َم ْ
الية تبدأ بقوله { :حُ ّر َمتْ عَلَ ْيكُمُ ا ْلمَيْتَةُ } ونلحظ أن البداية فعل مبني للمجهول .على الرغم من أن
الفاعل في التحريم واضح وهو ال .ولم يقتحم سبحانه على أحد ،فالنسان نفسه اشترك في العقد
اليماني مع ربّه فألزمه -سبحانه -والعبد من جانبه التزم؛ لذلك يقول الحق " :حرمت " ،
حرمها سبحانه كإله وشاركه في ذلك العبد الذي آمن بال إلها.
والميتة هي التي ذهبت منها الحياة أو خرجت منها الروح بدون نقض للبنية ،أي ماتت حتف
أنفها ،فذهاب الحياة له طريقان :طريق هو الموت أي بدون نقض بنية ،وطريق بنقض البنية؛
فعندما يخنق النسان كائنا آخر يمنع عنه النفس وفي هذا إزهاق للروح بنقض شيء في البنية؛
لن التنفس أمر ضروري ،وقد يزهق النسان روحا آخر يضربه بالرصاص؛ لن الروح ل تحل
إل في جسد له مواصفات خاصة.
لكَن هناك جوارح يمكن أن تبقى الروح في الجسم دونها ،والمثال على ذلك اليد إن قطعت ،أما إن
توقف قلب النسان فقد يشقون صدره ويدلكون هذا القلب فينبض مرة أخرى بشرط أن يكون المخ
مازال حيا ،وأقصى مدة لحياة المخ دون هواء سبع دقائق في حالت نادرة .فما أن يصاب المخ
بالعطب حتى يحدث الموت .ولذلك عرف الطباء الموت الكلينيكي بأنه توقف المخ .إذن فهناك
موت ،وهناك قتل ،وفي كليهما ذهاب للروح.
وفي الموت تذهب الروح أولً ،وفي القتل تذهب الروح بسبب نقض البنية .والميتة هي التي
ذهبت منها الحياة بدون نقض البنية ،ومن رحمة ال أن حرم الميتة؛ لنها ماتت بسبب ل نراه في
عضو من أعضائها ،حتى ل نأكلها بدائها.
وكذلك حرم الدم ،وهو السائل الذي يجري في الوردة والشرايين ويعطي الجسم الدفء والحرارة
وينقل الغذاء ،وللدم مجالن في الجريان؛ فهو يحمل الفضلت من الكلى والرئة ،وهناك دم نقي
يحمل الغذاء ،والوعية الدموية بها لونان من الدم :دم فاسد ودم صالح .وعندما نأخذ هذا الدم قد
يكون فيه النوع الصالح ويكون فيه أيضا النوع الذي لم تخرج منه الشوائب التي في الكلى
والرئة ،ولذلك يسمونه الدم المسفوح ،أي الجاري؛ وكانوا يأخذونه قديما ويملون به أمعاء الذبائح
ويقومون بشيه ويأكلونه.
وهناك دم غير فاسد ،مثال ذلك الكبد ،فهو قطعة متوحدة ،وكذلك الطحال ،والنبي صلى ال عليه
وسلم قال:
http://www.daardesign.com/forum
منتدى دارنا
" أحلت لكم ميتتان ودمان ،فأما الميتتان :فالسمك والجراد ،وأما الدمان :فالكبد والطحال "
إذن فالكبد والطحال مستثنيان من الدم ،لكن إذا جئنا للدم المسفوح فهو حرام .والحكمة في تحليل
السمك والجراد هي عدم وجود نفس سائلة بهما ،فليس في لحمها دم سائل ،وعندما نقطع سمكة
كبيرة ل ينزل منها دم.
بل يوجد فقط عند الغشية التي في الرأس ول يوجد في شعيراته .وعندما يموت السمك ويؤكل
فل خطر منه ،وكذلك الجراد.
ويأتي بعد ذلك في سلسلة المحرمات } وَلَحْمُ الْخِنْزِيرِ { .ول يقولن مؤمن :لماذا حرم ال لحم
الخنزير؟ لقد ذهب العلم إلى كل مبحث ليعرف لماذا حرم ال الميتة وكذلك الدم حتى عرف
العلماء أن ال ل يريد أن ينقل داء من حيوان ميت إلى النسان ،وكذلك حرم ال الدم لن به
فضلت سامة " كالبولينا " وغيرها.
ولكل تحريم حكمة قد تكون ظاهرة ،وقد تكون خافية .والقرآن قد نزل على رسول أمي في أمة
أمية ل تعرف المسائل العلمية الشديدة التعقيد ،وطبق المؤمنون الوائل تعاليم القرآن لن ال الذي
آمنا به إلها حكيما هو قائلها ،وهو يريد صيانة صنعته؛ وكل صانع من البشر يضع قواعد صيانة
ما صنع .ولم نجد صانع أثاث -مثل -يحطم دولب ملبس ،بل نجده باذل الجهد ليجمل
الصنعة ،ومادام ال هو الذي خلقنا وآمنا به إلها؛ فل بد لنا أن ننفذ ما يأمرنا به ،وأن نتجنب ما
نهانا عنه ،ول يمنع ذلك أن نتلمس أسباب العلم ،رغبة في ازدياد أسباب اليمان بال ومن أجل أن
نرد على أي فضولي مجادل ،على الرغم من أنه ليس من حق أحد أن يجادل في دين ال؛ لن
الذي يرغب في الجدال فليجادل في القمة أولً؛ وهي وجود ال ،وفي البلغ عن ال بواسطة
الرسول؛ فإن اقتنع ،فعليه أن يطبق ما قاله ال .فالدين ل يمكن أن نبحثه من أذنابه ،ولكن يبحث
الدين من قمته .ونحن ننفذ أوامر ال .ولذلك نجد أول حكم يأتي لم يقل الحق فيه :يا أيها الناس
كتب عليكم كذا ،ولكن سبحانه يقول } :يَا أَ ّيهَا الّذِينَ آمَنُواْ { أي يا من آمنت بي خذ الحكم مني.
وأكرر المثل الذي ضربته سابقا :أثمن ما عند النسان صحته ،فإذا تعرضت صحته للختلل فهو
يدرس السباب؛ إن كان يرهقه الطعام يختار طبيبا على درجة علم عالية في الجهاز الهضمي،
ويكتب الطبيب الدواء ،ول يقول المريض للطبيب :أنا لن أتناول هذا الدواء إل إذا قلت لي لماذا
وماذا سيفعل هذا الدواء.
إذن فالعقل مهمته أن ينتهي إلى الطبيب الذي اقتنع به ،وما كتبه الطبيب من تعاليم فعليك تنفيذها،
وكذلك اليمان بال ،فمادام النسان قد آمن بال إلها فعليه أن ينفذ الوامر في حركة الحياة بـ "
افعل " و " ل تفعل " ،والمريض ل يناقش طبيبا ،فكيف يناقش أي إنسان ربه " :لم كتبت علي
هذا "؟
http://www.daardesign.com/forum
منتدى دارنا
والطبيب من البشر قد يخطئ؛ وقد يتسبب في موت مريض ،وعندما نشك في قدرة طبيب ما
نستدعي عددا من الطباء لستشارة كبيرة.
وننفذ أوامر الطباء ،ول يجرؤ أحد أن يناقش ال سبحانه وتعالى بل نقول :كل أوامرك مطاعة.
إننا ننفذ أوامر الطباء فكيف ل ننفذ أوامر ال؟ إن النسان يضع ثثقته في البشر الخطائين ،ول
يمكن -إذن -أن تعلو على الثقة في رب السماء؛ لذلك فالعاقلون هم الذين أخذوا أوامر ال
وطبقوها جون من مناقشة؛ لن العقل كالمطية يوصل النسان إلى عتبة السلطان ،ولكن ل يدخل
معك عليه ،وحين تسمع من ال فأنت تنفذ ما أمر به.
علَ ْيكُمُ ا ْلمَيْتَ ُة وَا ْلدّ ُم وََلحْمُ ا ْلخِنْزِيرِ { وقد أثبتت التحليلت أن بلحم الخنزير دودة شريطية
} حُ ّر َمتْ َ
ودودة حلزونية وعددا آخر من الديدان التي ل يقهرها علج.
والمحرمات من بعد ذلك } َومَآ أُ ِهلّ ِلغَيْرِ اللّهِ بِهِ { أي رفع الصوت به لغير ال كقولهم :باسم
اللت والعزى عند ذبحه ،ول يقال عند ذبحه " :ال أكبر بسم ال "؛ لن النسان منتفع في الكون
الذي يعيش فيه بالجناس التي طرأ عليها ،لقد وجد النسان هذه الجناس في انتظاره لتخدمه لنه
خليفة ال في الرض ،والحيوان له روح ولكنه يقل عن النسان بالتفكير ،والنبات تحت الحيوان،
والجماد أقل من النبات .وساعة يأخذ النسان خدمة هذه المسخرات ،فعليه أن يذكر الخالق المنعم،
وعندما يذبح النسان حيوانا ،فهو يذبحه بإذن الكبر من النسان والحيوان والكون كله ،يذبحه
باسم الخالق.
إن هناك من ينظر إلى اللحم قائلً :أنا ل آكل لحم الحيوانات لني ل أحب الذبح للحيوان شفقة
ورحمة ،لكن آكل النبات .ونقول :لو أدركت ما في النبات من حياة أكنت تمتنع عن أكله؟ لقد ثبت
في عصرنا أن للنبات حياة ،بل وللجماد حياة أيضا؛ لنك عندما تفتت حصوة من الصوان أو أي
نوع من الحجار ،فأنت تعاند بدقات المطرقة ما في تلك الحصوة من تعانق الجزيئات المتماسكة،
حمْ ِدهِ }[السراء]44 :
شيْءٍ ِإلّ يُسَبّحُ ِب َ
وقد تفعل ذلك وأنت ل تدري أن فيها حياة {.وَإِن مّن َ
والصالحون من عباد ال يعرفون ذلك ويديرون لعمالهم وتعاملهم مع ما سواهم من المخلوقات
جميعا -حيوان أو جماد -على أنها مسبّحة لذلك ل يمتهنون الشياء ول يحتقرونها مهما دقت
وحقرت وإنما يتلطفون معها حتى لو ذبحوا حيوانا فإنهم يرحمون ذلك الحيوان فل يشحذون ول
يسنون السكين أمامه ول يذبحون حيوانا أمام حيوان آخر فضل على أنهم يطعمون ويسقون ما
يرديون ذبحه لنهم يعلمون أنه مسبح ولكنهم فعلوا فيه ما فعلوا لن ال أباح لهم ذلك ليستديموا
حياتهم بأكله فهم أهل تكليف من ال ،أما ما عداهم فهم أهل تسخير.
} َومَآ أُ ِهلّ ِلغَيْرِ اللّهِ بِهِ { تشرح لنا أن الحق هو الذي حلل لنا أن نأكل من الذي له حس وحركة،
كالحيوان الذي يتطامن للنسان فيذبحه ،ول بد للنسان أن يعرف الشكر لواهب النعمة ،فـ " بسم
http://www.daardesign.com/forum
منتدى دارنا
ال ال أكبر " تؤكد أنك لم تذبحه إل باسم من أحله لك.
عمَِلتْ أَ ْيدِينَآ أَنْعاما َفهُمْ َلهَا مَاِلكُونَ * وَذَلّلْنَاهَا َلهُمْ َفمِ ْنهَا َركُو ُبهُمْ
{ َأوََلمْ يَ َروْاْ أَنّا خََلقْنَا َلهُم ِممّا َ
َومِ ْنهَا يَ ْأكُلُونَ }[يس]72-71 :
إذن فالكل من ضمن التذليل ،وعندما تذبح الحيوان ل بد أن تذكر من ذلل لك ذلك .ويحرم الحق
أكل المنخنقة ،أي الحيوان الذي مات خنقا؛ لن قوام الحياة ثلثة؛ طعام ،شراب ،هواء ،وهذا من
حكمة الخالق الذي خلق الصنعة ورتب المر حسب الهم والمهم ،فالنسان قد يصبر على الجوع
إلى ثلثين يوما؛ لن ربنا سبحانه وتعالى قدر لك -أيها النسان -ظروف الغيار ،فجعل في
جسمك مخزونا لزمن قد تجوع فيه ،وجعل للنسان شهوة إلى الطعام ،وغالبا ل يأكل النسان
ليسد الرمق فقط ،ولكن بشهوة في الكل.
إن ربنا يوضح لنا :أنا أحترم شهوتك للطعام ،ولتأخذ حركتُك الضروريّ لها من الطاقة ،والزائد
سيُخزن في الجسم كدهون ولحم ،فإن جاء يوم ل تجد فيه طعاما أخذت من الدهون المخزونة
طاقة لك .وهذه من دقة الصنعة ،وإن قارنتها بسيارة صنعها النسان إذا ما فرغ منها الوقود فإنها
تقف ول تسير ،أما صنعة الخالق فهي ل تقف إن توقف الطعام بل تستمر إلى ثلثين يوما ،وربما
حن على النسان قلب إنسان آخر فأحضر له الطعام ،وربما احتال النسان ليخرج من مأزق عدم
وجود الطعام.
إن المرأة العربية وصفت الشدة والعوز فقالت " :سنة أذابت الشحم ،وسنة أذهبت اللحم ،وسنة
محت العظم " أي أن المر درجات ،فالنسان يتغذى من دهنه ثم من لحمه ثم من عظامه ،ويصبر
النسان على الماء مدة تترواح ما بين ثلثة ،وعشرة أيام ،حسب كمية المياه المخزونة في الجسم.
أما الهواء فل يصبر عنه النسان إل بمقدار الشهيق والزفير ،فإن حُبس الهواء عن النسان مات.
فال َنفَس هو أهم ضرورة للحياة ،ولذلك نجد من حكمة الحق سبحانه أنه لم يملّك الهواء لحد؛ لن
أحدا لو امتلك الهواء بالنسبة لنسان آخر فقد يمنع عنه الهواء لحظة غضب فتنتهي منه الحياة.
واللغة العربية فيها من السعة ومن دقة الداء ما يدل على أن هناك أسرارا للمعاني ،تلتقي عند
شيء ما ،فمثلً إذا قلتَ :نفْس ،أو نفيس ،أو نفَس ،نجد أنها ثلث كلمات مكونة من مادة واحدة
هي " النون والفاء والسين " ،النفْس هي اتصال الروح بالمادة فتنشأ الحياة بها ،ويلهم ربنا النفس
فجورها وتقواها ،وال ّنفَس :وهو الريح تدخل وتخرج من فم وأنف الحي ذي الرئة حال التنفس ول
تدوم الحياة إل به ،ومادام أساس الحياة هو النفَس فيجب أل تكون حياتك إل من أجل نفيس،
ويجب أن تحترم خلق ال لك وأل يكون سعيك في الدنيا إل من أجل نفيس ،ول نفيس إل اليمان.
وفي اللغة العربية أمثلة كثيرة لما يسمى بالجناس ،فنحن نسمي الكل في الميعاد " وجبة " ،
http://www.daardesign.com/forum
منتدى دارنا
ونسمي المسئولية " واجبا " ونسمي دقة القلب " الوجيب " .ولذلك عندما أراد الشعراء أن يتفننوا
جاء واحد منهم بلفظين متماثلين ولكل منهما معنى مختلف فقال:رحلت عن الديار لكم أسير وقلبي
في محبتكم أسيرفأسير في الشطر الول يمعنى أمشي ،وأسير في الشطر الثاني من البيت بمعنى
مأسور ومقيد.
فالمنخنقة إذن هي التي منع عنها النفس ،ومادام مَنْع النفس أوصلها إلى الخنق فهي إلى الموت،
فلماذا جاء ذكرها مرة أخرى بعد الميتة؟ لقد جاء ذكر المنخنقة لن النسان قد يلحقها بالذبح ،فإن
سال منها دم ،وطرفت فيها عين أو تحرك الذيل فهي حلل .أما إن لم يلحقها النسان وذبحها ولم
يسل منها دم فهي حرام ،ويحرم الحق الموقوذة ،وهي البهيمة التي يتم ضربها بأي شيء إلى أن
تصل للموت ،فهي قد ماتت ،بنقض بنية وكذلك المتردية التي وقعت من ارتفاع حتى ماتت،
وكذلك } وَالنّطِيحَةُ { أي التي نطحها حيوان آخر إلى أن ماتتَ } .ومَآ َأ َكلَ السّبُعُ { وهو ما يبقى
من أكل السبع من لحم ما افترسه من حيوان مأكولِ } ،إلّ مَا َذكّيْتُمْ { ،والذكاة هي الذبح الذي
يسيل منه الدم وتأتي بعده حركة من المذبوح .والمقصود بقوله } ِإلّ مَا َذكّيْتُمْ { هو المنخنقة
والموقوذة والمتردية والنطيحة ،فإن أدركها النسان وذبحها وسال منها دم وصدرت منها حركة
فهي حلل.
هذا هو رأي علي بن أبي طالب -كرم ال وجهه -وهو مفتي اليمان .وابن عباس -رضي ال
عنه -وهو حَبْر المة قال -أيضا -في قوله الحقِ } :إلّ مَا َذكّيْتُمْ { هو استثناء لغير الميتة
والدم ولحم الخنزير ومقصود به المنخنقة والموقوذة والمتردية والنطيحة .وهذا يوضح لنا أن
هناك حيوانات شرسة قد ل يقوى النسان عليها .وأحيانا قد يقدر النسان عليها فيقوم بتكتيفها
بالحبال ،وأحيانا يضربها بآلة لتختل وتضعف قليل ويتملكها الجزار ليذبحها.
ونلحظ أن الحق لم يحدد الحيز من الجسم الذي أصيبت فيه الموقوذة سواء أكان البطن أم الرأس
أم الظهر ،فالحيوان المضروب رميا بالحجارة قد تأتي الحجار في الرأس أو البطن أو الظهر،
فمن الجائز أن يضرب النسان الحيوان الشرس ليستطيع أن يذبحه.
والحجة عندنا في التحليل أو التحريم هي :أيسيل منها الدم ساعة الذبح أم ل؟ وهل يصدر عن
جسمها حركة ولو طرفة عين؟ فإن توافر ذلك في الذبيحة فهي حلل ،وهكذا نعرف أن قوله
الحقِ } :إلّ مَا َذكّيْتُمْ { هو استثناء لغير الثلثة الول وهي :الميتة والدم ولحم الخنزير ومعها ما
أهل لغير ال به لنه محرم بطبيعة اليمان العقدي.
} َومَآ َأ َكلَ السّبُعُ ِإلّ مَا َذكّيْتُ ْم َومَا ذُبِحَ عَلَى الّنصُبِ { ويحرم الحق ما أكله السبع إل إذا كان
الحيوان الذي أكله السبع لم يمت واستطاع واحد أن يذبحه الذبح الشرعي .وسبحانه يحريم ما لم
يذبح بالسلوب الشرعي ،فل يحل ذَبْح بعظم أو بِسِنّ والذي ذبح على النصب ،أي المذبوح على
http://www.daardesign.com/forum
منتدى دارنا
الحجار المنصوبة كالصنام فهو حرام ،والكلم هنا عقدي ،والتحريم هنا بعارض عقدي.
و " الّنصُب " من اللفاظ التي وردت مفردا ووردت جمعا .فـ " نصُب " هي جمع ،مثلما نجمع
حمُر " ،وفي هذه الحالة يكون مفردها " نِصاب " ،ومرة تكون " نصب "
كلمة " حمار " ونقول " ُ
مفردا ،مثلها مثل " طُنُب " وهو الحبل وجمعها " أطناب " أي حبال ،وفي هذه الحالة يكون جمع "
ُنصُب " هو " أ ْنصَاب ".
والّنصُب هي حجارة كانت منصوبة حول الكعبة يذبح عليها المشركون الذبائح تقربا لللهة.
والتحريم هنا بسبب عقدي مثله مثل تحريم ما أهل لغير ال به ،فما أهل لغير ال فيه شرك بال
فافتقد ذكر ال الذي ذلل للنسان هذا الحيوان القريب من النسان في الحس والحركة وغير ذلك.
وكذلك أيضا ما ذبح على النصب محرم؛ لن النصب غير واهب ول معط ،والواجب أن نتقرب
إلى الواجد الواهب.
سمُواْ بِالَ ْزلَمِ { واستسقم أي طلب القسمة ،وكانت القسمة في بعض الحيان عملية
} وَأَنْ َتسْ َتقْ ِ
محرجة فيريدون إلصاقها بعيرهم ،وهنا يقال " :إن الزلم هي التي أمرتني " .والزلم هي قداح
من الخشب مكتوب على بعضها " :أمرني ربي " ومكتوب على البعض الخر " :نهاني ربي "
وبعض من هذه القداح غفل بغير كتابة .وكان المشرك إذا أراد السفر فهو يذهب إلى سادن الكعبة
أو الكاهن ،ويخرج السادن أو الكاهن الزلم من الكيس ،ويحرك القداح ويختار المشرك قِدْحا،
فإن قرأ عليه " أمرني ربي " يسافر إلى المهمة التي يريدها ،وإن لم يقرأ عليه ووجده غفل فهو
يعيد الكَ ّرةَ؛ فإن وجد " نهاني ربي " ل يسافر.
ونسأل :من هو الرب الذي أمر؟ هل هو الرب العلى ،أو الرب الذي كانوا يعبدونه؟ أي إله كانوا
يقصدون؟ إن كان المقصود به الله العلى ،فمن أدراهم أن ال أمر بهذا السفر أو نهى عن ذلك
السفر؟ إن ذلك كذب على ال .وإن كان الذي أمر هو الرب الذي يعبدونه ،فهذا أمر باطل من
أساسه ،إذن فـ " استقسم " أي أنّه طلب حظه وقسمته بواسطة القداح .وكان الستقسام يتم في
مسائل الزواج أو عدم الزواج ،والكلم هنا في هذه الية عن الكل؛ فالسياق عن تحليل ألوان
الطعام فلماذا هذا الستقسام؟
من هذا نعرف أنهم كانوا في الجاهلية يخضعون للون من الستقسام بالزلم ،كانت عندهم عشرة
قداح وكان مكتوبا عليها أسماء ،فواحد على سبيل المثال مكتوب عليه " الفذ " وعليه علمة
واحدة.
أي أن الذي يسحب هذا القدح يأخذ نصيبا واحدا؛ أما المكتوب عليه " التوأم " فيأخذ نصيبين،
والمكتوب عليه " الرقيب " يأخذ ثلثة أنصباء ،والمكتوب عليه " الحِلس " يأخذ أربعة أنصباء،
والمكتوب عليه " النافر " يأخذ خمسة أنصباء؛ والمكتوب عليه " المُسْبل " يأخذ ستة أنصبة،
http://www.daardesign.com/forum
منتدى دارنا
ووالمكتوب عليه " المُعلّي " يأخذ سبعة أنصبة ،والباقي ثلثة أنواع مكتوب على كل واحد منها إما
" المنيح " وإمّا " السفيح " وإمّا " الوغد ".
وعندما يقومون بذبح الجمل كانوا يقسمونه إلى ثمانية وعشرين نصيبا بعدد النصبة التي ينالها
الشخاص السبعة الوائل ،أما من خرج لهم " المنيح " أو " السفيح " أو " الوغد " فل نصيب لهم
ويدفعون ثمن الذبيحة.
سمُواْ بِالَزْلَمِ { أي أن مسألة طلب القسمة بواسطة الزلم هو
إذن فقوله الحق } :وَأَنْ تَسْ َتقْ ِ
أسلوب مجحف وحرام ،وهو لون من الميسر ،والستقسام بالزلم خلف القرعة ،فالقرعة تكون
بين اثنين متساويين ول يريد أحدهما أن يظلم الخر ،فيخرجا الهوى من الختيار.
مثال ذلك :اثنان من البشر يملكان بيتا ،وتحري كل منهما العدل في القسمة ويلجآن إلى القرعة
بأن يكتب كل منهما اسمه في ورقة ثم يضعا الورقتين في إناء ضيق ويحضر طفل صغير ل
يعرف المسألة ويغمض عينيه ويشد ورقة من الثنتين ،فيأخذ كل واحد النصيب الذي حددته
القرعة.
ومثال آخر :الرجل المتزوج بأكثر من واحدة ،عليه أن يقرع بين النساء إن أراد صحبة إحداهن
في سفر ،والقرعة هنا حتى ل تغضب واحدة من الزوجات ،وحتى ل يكون الهوى هو الحكم،
وبذلك يخرج من دائرة لوم مَن ل تخرج قرعتها.
ولنا في رسول ال صلى ال عليه وسلم السوة الحسنة ،فعندما أراد صلى ال عليه وسلم أل يكسر
خاطر أي واحد من النصار عندما هاجر إلى المدينة ،وتطلع كل واحد من النصار إلى أن ينزل
رسول ال في بيته ،وحاول كل واحد أن يمسك بزمام الناقة وأن يجعلها تقف أمام بيته ،فقال لهم
رسول ال صلى ال عليه وسلم:
" خلوا سبيلها فإنها مأمورة "
فعندما تميل الناقة وتقف عند أي بيت لن يقول أحد :إن النبي آثر فلنا على فلن .جعلها الرسول
في يد من ل يقدر أحد على ان يخالفه عليه ،وكذلك فالستخارة غير الستقسام .إذن فالستقسام
بالزلم هو المحرم شرعا؛ لنها عملية غير مناسبة وهي ظالمة ،ووردت هنا في سياق ألوان
الطعام.
http://www.daardesign.com/forum
منتدى دارنا
ال يسمونه فاسقا؛ تماما مثل الرطبة ،وفي هذا رمزية تدل على أن شرع ال سياج يحيط
بالنسان؛ فالذي يخرج عن منهج ال يكون فاسقا .وإياك أيها المسلم أن تخرج عن شرع ال؛ لن
الرطبة عندما تخرج عن القشرة فالذباب يحوم حولها ويصيبها التراب وتعافها النفسَ ،فكَان دين
ال كإطار يحمي النسان باليمان.
وهذه الحكام كلها تبني قضية الدين ،قضية عقدية في اللوهية ،قضية البلغ عن اللوهية
بواسطة الرسالة .وأحكام تنظم حركة المجتمع بالعقود والمانات والنكحة وغيرها ،كل هذه
الحكام تصنع هيكل الدين العام .وقد مر هيكل الدين العام بمرحلتين :المرحلة المكية وكان كل
هدفها التركيز على العقيدة واليمان بوحدانية ال والنبوات والبلغ عن ال ،وبعد ذلك في المرحلة
المدنية جاءت سورة النساء وسورة المائدة لتتكلما عن الحكام.
وبالعقيدة وبالبلغ عن ال وبالحكام يكتمل الدين؛ لذلك يقول الحق } :الْ َيوْمَ يَئِسَ الّذِينَ َكفَرُواْ مِن
دِي ِنكُمْ { كأن الكافرين كان لهم أمل في أن يحبطوا هذا الدين وأن يبطلوه وأن ينقضوه ،وكذلك
المؤمنون بأديان سابقة أو بكتب سابقة كانوا يحبون أن يطرأ على القرآن الفعال التي مارسوها
مع كتابهم من النسيان والترك والتحريف ،وسبحانه هو القائل عن أصحاب الكتب السابقة {:وَنَسُواْ
حظّا ّممّا ُذكِرُواْ بِهِ }[المائدة]13 :
َ
إذن فقد أرادوا أن ينسى المسلمون -أيضا -حظا من القرآن ،لكن الحق يخبر بأنهم يئسوا أن
ينسى المسلمون حظا مما ذكروا به؛ لن الصحابة حفظوا القرآن في الصدور وكتبوه في السطور
ومن لسان الرسول مباشرة .ولم يحدث مثلما حدث مع الرسل السابقين .فقد تم تسجيل هذه الكتب
المنزلة عليهم بعد ثلثة أو أربعة قرون ،بل أمر الرسول صلى ال عليه وسلم بكتابة القرآن من
فور نزول كل نجم من اليات ،وكان يأمر بوضع اليات بترتيب معين.
إن على الذين كفروا أن ييأسوا من أن ينسى المسلمون حظا مما ذكروا به .وهؤلء القوم من أهل
الكتاب لم ينسوا حظا مما ذكروا به فقط ،ل أيضا حرفوا الكتاب عن مواضعه وكتموا ما أنزل
ب وَيَشْتَرُونَ بِهِ َثمَنا قَلِيلً أُولَـا ِئكَ مَا يَ ْأكُلُونَ فِي
ال {:إِنّ الّذِينَ َيكْ ُتمُونَ مَآ أَن َزلَ اللّهُ مِنَ ا ْلكِتَا ِ
بُطُو ِنهِمْ ِإلّ النّارَ }[البقرة]174 :
وهم يئسوا من أن يكتم المسلمون ما أنزل ال ،بدليل أن رسول ال صلى اله عليه وسلم كان يأتي
بحكم في شيء ،ثم يغير ال ذلك الحكم ،فل يستحي رسول ال أن يبلغ :أن الحكم الذي قلته لكم قد
غيره ال لي.
وهل يستنكف أن يعدل ال له؟ وهذا دليل على أمانة البلغ عن ال؛ لذلك يئس الكافرون بألوانهم
المختلفة من أن ينسى المؤمنون حظا مما ذكروا به؛ لن تسجيل القرآن كان أمينا بصورة ل نهاية
لها ،وظل القرآن مكتوبا في السطور ومحفوظا في الصدور.
http://www.daardesign.com/forum
منتدى دارنا
والحق يعلن عن يأس الكفار من مشركين وأهل كتاب بقوله } :الْ َيوْمَ يَئِسَ الّذِينَ َكفَرُواْ مِن دِي ِنكُمْ {
يئسوا لن المراحل التي مرت بالكتب السابقة لن تمر بهذا الدين .وقد توهم أهل الكتاب أن
السلم سيمر بما طرأ عليهم ،وظن بعضهم أن المسلمين سيصيرون إلى ما صار إليه أهل الكتاب
من ترك لدينهم وإهدار له .وكذلك ظن بعض كفار قريش أن المسلمين سيصيرون إلى ما صار
إليه أهل الكتاب ،فقد كانت عندهم التوراة وهم مع ذلك ل يتبعون كتابهم ،فيرد الحق على كل
هؤلء } :الْ َيوْمَ يَئِسَ الّذِينَ َكفَرُواْ مِن دِي ِن ُكمْ {.
وقوله " :اليوم " يعني الزمان الذي مضى والزمان المستبقل ،فقد أتم ال دين السلم ورضيه لنا
وفتحت مكة للمسلمين ودخل الناس في دين ال أفواجا .وصار القرآن مكتوبا ومحفوظا .وبذلك
تأكد يأس الكافرين والمشركين أن يُنسى القرآن أو أن يُكتم القرآن؛ لن من أنزل عليه الكتاب،
كان إذا جاء أمر يتعلق به فهو يقوله .وعندما مال قلب المسلمين ذات مرة إلى تبرئة المسلم الذي
حقّ
سرق وأن تلصق التهمة باليهودي البريء ،هنا نزل من القرآن قوله {:إِنّآ أَنْزَلْنَا إِلَ ْيكَ ا ْلكِتَابَ بِالْ َ
خصِيما }[النساء]105 :
ح ُكمَ بَيْنَ النّاسِ ِبمَآ أَرَاكَ اللّ ُه َولَ َتكُنْ لّلْخَآئِنِينَ َ
لِتَ ْ
لقد أمر الحق أن يكون النبي هو الحكم العدل حتى ولو كان حكما ضد مسلم ,ويأمر الحق رسوله
أن يستغفر ال إن كان قد ألم به خاطر أن ينصر المسلم الخائن على اليهودي الذي لم يسرق ،إنها
سماحة دين السلم.
} الْ َي ْومَ يَئِسَ الّذِينَ َكفَرُواْ مِن دِي ِن ُكمْ { .ولقد تم دين ال .ودخل الناس إلى السلم أفواجا .ولن
يُنسى القرآن .ولن يكتم القرآن أحد .ولن يحرف القرآن أحد .ولن يحدث للقرآن ما حدث للكتب
السابقة من نسيان وكتمان وتحريف ،أو التيان بأشياء أخرى والقول والزعم بأنها من عند ال،
وهي ليست من عند ال .إذن فقد يئس الذين كفروا من أن يتزيد المسلمون في دينهم .ولن توجد
بين المسلمين تلك المثالب والعيوب التي ظهرت في القوام السابقة.
} الْ َي ْومَ يَئِسَ الّذِينَ َكفَرُواْ مِن دِي ِن ُكمْ { لقد يئسوا من أن يُغلب السلم ،بل إن السلم سَ َيغْلب.
وأرادوا أن يطفئوا نور ال بأفواههم ويأبى ال إل أن يتم نوره.
http://www.daardesign.com/forum
منتدى دارنا
أنهم كانوا مسلمين منسوبين للسلم بينما هم يخالفون عن أمر رسول ال صلى ال عليه وسلم.
إذن فل خشية من المسلمين لعدائهم .ولكن الخشية تكون ل ،فإن خفتم فخافوا ال وحافظوا على
تنفيذ منهج ال .ومادام سبحانه هو المر :ل تخش أعداء ال لنه زرع في قلوبهم اليأس من أن
ينسى المسلمون المنهج ،او أن يتزايدوا في الدين ،أو يكتموا الدين ،فهم ل يحرفونه ول يزيدون
فيه .إذن فالعيب كل العيب أل تطبقوا منهج ال.
خ َمصَةٍ
} الْ َي ْومَ َأ ْكمَ ْلتُ َل ُكمْ دِي َن ُك ْم وَأَ ْت َممْتُ عَلَ ْيكُمْ ِن ْعمَتِي وَ َرضِيتُ َلكُمُ الِسْلمَ دِينا َفمَنِ اضْطُرّ فِي مَ ْ
غفُورٌ رّحِيمٌ { والكمال هو أن يأتي الشيء على كماله ،وكمال الشيء
ف لِثْمٍ فَإِنّ اللّهَ َ
غَيْرَ مُتَجَا ِن ٍ
باستيفاء أجزائه ،واستيفاء كل جزء للمراد منه .وقد أتم ال استمرار النعمة بتمام المنهج.
لقد رضي الحق السلم دينا للمسلمين .ومادام رضي سبحانه السلم منهجا ،فإياكم أن يرتفع
رأس ليقول :لنستدرك على ال؛ لن ال قال " :أكملت " فل نقص .وقال " :أتممت " فل زيادة.
وعندما يأتي من يقول :إن التشريع السلمي ل يناسب العصر .نرد :إن السلم يناسب كل
عصر ،وإياك أن تستدرك على ال؛ لنك بمثل هذا القول تريد أن تقول :إن ال قد غفل عن كذا
وأريد أو أصوب ل ،وسبحانه قال " :أكملت " فل تزيد ،وقال " :أتممت " فل استدراك ،وقال" :
ورضيت " فمن خالف ذلك فقد غَلّب رضاه على رضا ربه.
إن الخالق سبحانه هو أعلم بخلقه تمام العلم ،ويعلم جل وعل أن الخلق ذو أغيار ،وقد تطرأ عليهم
ظروف تجعل تطبيق المنهج بحذافيره عسيرا عليهم أو معتذرا فل يترك لهم أن يترخصوا هم ،بل
هو الذي يرخص ،فل يقولن أحد :إن هذه مسألة ليست في طاقتنا .فساعة علم الحق أن هناك أمرا
ليس في طاقة المسلم فقد خففه من البداية .وما دمنا ذوي أغيار ،وصاحب الغيار ينتقل مرة من
قوة إلى ضعف ،ومن وجود إلى عدم ،ومن عزة إلى ذلة؛ لذلك قدر سبحانه أن يكون من المؤمنين
بهذا المنهج الكامل من ل يستطيع القيام لمرض أو مخمصة ،فرخص لنا سبحانه وتعالىَ } :فمَنِ
غفُورٌ رّحِيمٌ {.
خ َمصَةٍ غَيْرَ مُ َتجَا ِنفٍ لِثْمٍ فَإِنّ اللّهَ َ
اضْطُرّ فِي مَ ْ
إذن فالحق قد ذكر أن شيئا من الغيار قد يطرأ على النفس البشرية ،وما دام استبقاء الحياة
يتطلب القوت ،والنسان قد يمر بمخمصة وهي المجاعة التي تسبب الضمور في البطن ،هنا
يرخص الحق للجائع في مخمصة أن يأكل الميتة أو ما في حكمها بشرط الضطرار لستبقاء
الحياة ،فل يقول واحد على سبيل المثال:
أنا مضطر أن أتعامل مع البنك بالربا لني أريد أن أتاجر في مائة ألف جنيه وليس معي إل ألف
جنيه .وهذا ما هو حادث في كل الناس .هنا أقول :ل .عليك بالتجارة في اللف التي تملكها ول
تقل أنا مضطر للتعامل في الربا .فالمضطر هو الذي يعيش في مجاعة وإن لم يفعل ذلك يموت أو
يموت من يعول .وقد رخص الشرع للنسان الذي ل يملك مالً أن يقترض من المرابي إن لم يجد
http://www.daardesign.com/forum
منتدى دارنا
من يقرضه ليشتري دواء أو طعاما أو شيئا يضطر إليه لنفسه أو لمن يعول .والثم هنا يكون على
المرابي ،ل على المقترض لنه مضطر.
خ َمصَةٍ غَيْرَ مُ َتجَا ِنفٍ لِثْمٍ { ،أي أنه كاره للثم وإن ذهب
ضطُرّ فِي مَ ْ
ولذلك قال الحقَ } :فمَنِ ا ْ
إليه .ولذلك يباح للمضطر على قدر الضرورة .لدرجة أن رجال الشريعة قالوا :إن على النسان
المضطر أل يأكل من الميتة أو ما في حكمها بالقدر الذي يشبع ،بل يأخذ أقل الطعام الذي يمسك
عليه رمقه ويبقى حياته فقط .فإذا كان يسير في الصحراء فعليه أل يأخذ من الميتة أو ما في
حكمها إلّ قدرا يسيرا لنه ل يجد شيئا يتقوت به.
إذن فمعنى اضطر في مخمصة شرط أن يكون غير متجانف لثم ،أي ل يكون مائلً إلى الثم
فرحا به ،فعليه أل يأخذ إل على قدر الضرورة .ومادام على قدر الضرورة فهو لن يحمل معه من
هذه الشياء المحرمة إل ما يقيم أوده ويمسك روحه .والمضطر هو من فقد السباب البشرية.
وسبحانه وتعالى قد بسط أسبابه في الكون ومد بها يديه إلى خلقه ،وأمر السباب :استجيبي لهم
مؤمنين كانوا أو كافرين ،فالذي يزرع ويحسن الزراعة والري والبذر والحرث فال يعطيه ،والذي
يتقن عمله كتاجر تتسع تجارته وتزيد أرباحه {.مَن كَانَ يُرِيدُ حَ ْرثَ الخِ َرةِ نَزِدْ لَهُ فِي حَرْ ِث ِه َومَن
كَانَ يُرِيدُ حَ ْرثَ الدّنْيَا ُنؤْتِهِ مِ ْنهَا }[الشورى]20 :
إن عطاء السباب هو عطاء الربوبية .والمضطر هو من فقد أسبابه .ولذلك فالحق يجيب
المضطر إذا دعاه .وقد يقول قائل :إنني أدعو ال ول يجيبني .ونقول :إنك غير مضطر لنك
تدعو -على سبيل المثال -بأن تسكن في قصر بدلً من الشقة التي تسكنها ،وأنت تدعو بأن
يعطيك ال سيارة فارهة وأنت تملك وسيلة مواصلت عادية.
http://www.daardesign.com/forum
منتدى دارنا
العقاب عنه ،وقد يكون الغفر سترَ الذنب عن العبد لن ال رحيم .وهذا ما يشرح لنا ما قاله الحق
لرسوله {:لّ َي ْغفِرَ َلكَ اللّهُ مَا َتقَدّمَ مِن ذَن ِبكَ }[الفتح]2 :
فسبحانه يغفر بستر العقاب ،ويقدم الغفر لستر الذنب فل يفارقه النسان ويقول الحق بعد ذلك} :
حلّ{ ...
يَسْأَلُو َنكَ مَاذَآ أُ ِ
()665 /
فبعد أن بين الحق ما حرم وما أحل ،نجد أن المحَّللَ غير محصور ،بل المحصور هو المحرم؛
لن الحق حرم عشرة أشياء ،فإن هذه الشياء العشرة ليست هي كل الموجودات في الكون،
فالموجودات في الكون كثيرة .وسبحانه وتعالى حين خلق آدم وجعله يتناسل ويتكاثر للخلفة في
الرض؛ قدر في هذه الرض مقومات استبقاء الحياة لذلك النوع.
والستبقاء نوعان :استبقاء حياة الذات للنسان ،واستبقاء حياة نوع النسان ،واستبقاء حياة الذات
تكون بالتنَفس والشراب والطعام ،واستبقاء حياة النوع تكون بالنكاح والتناسل.
إذن يوجد بقاءان لستمرار الخلفة :البقاء الول :أن تبقى الحياة وذلك بمقوماتها ،والبقاء الثاني:
أن يبقى نوع الحي وذلك بالتكاثر .وحتى تبقى الحياة ويتكاثر النسان ل بد من وجود أشياء
وأجناس تخدم النسان وتعطيه الطاقة.
ق الَ ْرضَ فِي َي ْومَيْنِ
وطمأننا سبحانه وتعالى على الرزق حينما قالُ {:قلْ أَإِ ّنكُمْ لَ َت ْكفُرُونَ بِالّذِي خََل َ
سيَ مِن َف ْوقِهَا وَبَا َركَ فِيهَا َوقَدّرَ فِيهَآ
ج َعلَ فِيهَا َروَا ِ
جعَلُونَ لَهُ أَندَادا ذَِلكَ َربّ ا ْلعَاَلمِينَ * وَ َ
وَتَ ْ
سمَآ ِء وَ ِهيَ دُخَانٌ َفقَالَ َلهَا وَلِلَرْضِ ائْتِيَا
سوَآءً لّلسّآئِلِينَ * ثُمّ اسْ َتوَىا إِلَى ال ّ
َأ ْقوَا َتهَا فِي أَرْ َبعَةِ أَيّامٍ َ
طوْعا َأوْ كَرْها قَالَتَآ أَتَيْنَا طَآ ِئعِينَ }[فصلت]11-9 :
َ
وهو بذلك يخبرنا بأنه قدر في الرض أقواتها ،وقدر هذه القوات للنسان الخليفة في الرض،
لتقيت النسان لهذه الحياة ،ويُبقي النسان نوعه بالنكاح .وحين يعد العبد النعم التي وفرها له
الحق يجدها ل تحصى .ولم يحاول النسان على طول تاريخه أن يحسب ويحصي نعم ال في
الرض؛ لن القبال على الحصاء يكون نتيجة المظنة بالقدرة على الحاطة بالنعم .وقد عرف
النسان بداية أنه ل يقدر على الحاطة بنعم ال؛ فلم يجرؤ أحد على أن يعدها .ولذلك قال الحق
حصُوهَا }[إبراهيم]34 :
سبحانه {:وَإِن َت ُعدّواْ ِن ْع َمتَ اللّ ِه لَ ُت ْ
وقد استخدم " إن " وهي للمر المشكوك فيه .إذن فهي نعم كثيرة ل نقدر على إحصائها .ونسأل:
http://www.daardesign.com/forum
منتدى دارنا
أيقول الحق لنا النعم المحللة أو الشياء المحرمة؟ وبما أن المحلل كثير ل نهاية له ،وبما أن
المحرم محصور؛ لذلك يورد لنا الشياء المحرمة .وقد بين لنا الحق عشرة أشياء محرمة من
النعم .ونلحظ أن الحق سبحانه وتعالى حينما تكلم عن عدم قدرة النسان على إحصاء نعمه
ظلُومٌ َكفّارٌ }[إبراهيم:
حصُوهَا إِنّ النْسَانَ لَ َ
سبحانه وتعالى قال في آية {:وَإِن َتعُدّواْ ِن ْع َمتَ اللّ ِه لَ ُت ْ
]34
حصُوهَآ إِنّ اللّهَ َل َغفُورٌ رّحِيمٌ }[النحل]18 :
وقال في آية أخرى {:وَإِن َتعُدّواْ ِن ْعمَةَ اللّهِ لَ ُت ْ
وظاهر كلم الناس يقول :إنها عبارات تقال وتتكرر ،ولكننا نقول :يجب أن ننتبه إلى أن النعمة
تحتاج إلى من يعطيها وهو المُنعِم ،ومن تعطى له وهو المنعم عليه .إذن فنحن أمام ثلثة عناصر:
نعمة ،ومُنعِم ،ومُنْعَمِ عليه.
أما من جهة النعمة وأفرادها فلن يقدر البشر على إحصائها لنها فوق الحصر .ومن جهة المنعم
فهو غفور رحيم .ومن جهة المنعم عليه فهو ظلوم كفار .لماذا يأتي ال لنا بمثل هذه الحقائق؟
إنه سبحانه لو عاملنا بكفرنا وجحودنا وظلمنا لمنع النعمة ،ولكن استدامة نعمة ال علينا فضل منه
ورحمة لنها تشملنا حتى ولو كنا ظالمين وكنا كفارا؛ لذلك كان من اللزم أن يأتي بهاتين اليتين،
فمن ناحية النعمة لن نقدر على حصرها .ومن ناحية المنعم فهو غفور رحيم .ومن ناحية المنعم
عليه فهو ظلوم كفار .ولذلك فعندما يرتكب النسان ذنبا فإن أهل اليمان يقولون له :ل تيأس؛
فربك هو ،هو ،إنه غفور رحيم .ولذلك ل تستحي أيها العبد أن تطلب من ربك شيئا على الرغم
من معصيتك ،فال غفور رحيم .وعندما ننظر إلى مقومات الشياء ،فإننا نعرف المقوم الساسي.
لكن هناك مقومات تخدم المقوم الساسي .ومثال ذلك نحن نأخذ القمح وندرسه ،ونصنع من حبوب
القمح دقيقا لنصنع منه خبزا .ويحتاج القمح إلى مقومات كثيرة حتى يخرج من الرض -وهو
مقوم أساسي -إن القمح يحتاج إلى ري منتظم وحرث وخلف ذلك ،إذن فالذي خلقنا قدر لنا هذه
الشياء ،ومادام قد قدر لنا كل هذه الشياء ،فعلينا أن نسمع تعاليمه .وهو قد أوضح :إياك أن تظن
أن كل ما خلقت من خلق فأنا مُحِلّه لك؛ لني قد أخلق خلقا ليس من طبيعته أن تتناوله ،وليس من
طبيعتك أن تتناوله ،ولكن لهذا المخلوق عمل فيما تتناوله كالحرث والري والتسميد للقمح ،إنها
وسائل وأسباب للحصول عليه .فإذا ما قال قائل :مادام هو سبحانه قد خلق هذه المحركات فلماذا
حرمها؟
ونقول :هذه الشياء ليس لها عمل مباشر فيك ولكن لها عمل آخر في الكون .وإذا كنا نحن البشر
نصنع آلة ما ،ويقول المخترع لنا :قد صممت هذه اللة -على سبيل المثال -لتدار بالديزل،
وآلة أخرى تدار البنزين ،والبنزين أنواع ،ولو جئنا لللة التي تدار ببنزين ووضعنا لها سولرا،
ما الذي يحدث لها؟ إنها تفسد ،هذا في المجال البشري فما بالنا بخالق البشر؟
http://www.daardesign.com/forum
منتدى دارنا
لقد صنع الحق صنعته وهي النسان ووضع المواصفات التي تسير هذه اللة ،وعلينا أن نخضع
لتعاليمه حتى ل تفسد حياتنا فل نخرج عن تلك التعاليم؛ لنك عندما تخالف وتخرج عما وصفته
لصنعتك من نظام ،فاللة التي من صناعتك تفسد.
وفي حياتنا آلف المثلة ..فالذي صنع الكهرباء ووضع العلمات للسلك السالبة والسلك
الموجبة ،لنأخذ الضوء أو الحركة .وإذا ما حدث خطأ في هذه التوصيلت الكهربية؛ نفاجأ بحدوث
قطع في الكهرباء ،وقد تحدث حرائق نتيجة شرارة من التصال الخاطئ.
إذن فكل تكاثر وإنجاب من كل سالب وموجب أي ذكر وأنثى ل بد أن يكون على مواصفات من
صنعه وإل يحدث قطع ودمار ،فإن تزوجنا بشرع ال ورسوله ،استقامت الحياة ،وإن حدث شيء
على غير شرع ال ،تشتعل الحرائق في الكون.
ولذلك تجد العجب أمامك عندما تشهد عقد قران ،تجد ولي الزوجة وهو مبتسم منشرح يوجه
الدعوات للناس لن شابا جاء يتزوج ابنته ويقدم الحلوى ،لكن لو كانت هذه العروس تجلس في
المنزل وحاول شاب أن يتلصص لرؤيتها ،فما الذي يحدث في قلب والدها؟ إنه يغلي من الضيق
والغضب والتوتر ومن الذي يتلصص لنه ذهب إلى الفتاة بغير ما أحل الخالق .لكن عندما يدق
الباب ويخطبها من أبيها؛ فالب يفرح ،فقد جاء في الثر( :جدع الحلل أنف الغيرة).
ونجد الب ينتقل من موقف الغيرة إلى موقف الفرح يوم زفاف ابنته ،وتذهب الم صباح اليوم
التالي للزفاف لترى حالة ابنتها ولتطمئن ،هل البنة سعيدة أو ل؟ إذن .فل يقولن أحد :إن ال
خلق أشياء فلماذا حرمها؟ ،لن ال خلق تلك الشياء ولها عمل فيما أحل ،ومادام سبحانه قد جعل
لهذه الشياء عملً فيما أحل .فليس لك دخل إل بالحلل.
حلّ َلكُمُ الطّيّبَاتُ { أي
حلّ َلهُمْ ُقلْ ُأ ِ
ولذلك يقول الحق ردا على تساؤل المؤمنين } :يَسْأَلُو َنكَ مَاذَآ أُ ِ
أن كل طيب قد حلله ال ،وكل خبيث حرمه ال ،فل تقولن :هذا طيب فيجب أن يكون حللً،
وهذا خبيث فيجب أن يكون حراما ،ولكن قل :هذا خلل فيجب أن يكون طيبا ،وهذا حرام فيجب
أن يكون خبيثا .وإياك أن تحكم أول بأن هذا طيب وهذا خبيث ثم تبنى على ذلك التحريم
والتحليل ،فأنت ل تعرف مثلما يعرف خالقك عن كيفية وجدوى ترتيب الشياء بالنسبة لك ،حتى
ل تقع في دائرة الذين يستطيبون المسائل الضارة؛ كهؤلء الذين يتناولون المخدرات والسموم
والخمور ،بل يجب أن تحرص على فهم ما أحل ال فستراه طيبا ،وترفض ما حرم ال لنه
خبيث ،فل تظن أبدا أن كل طيب ظاهريا محلل لك؛ لن هذا الشيء الطيب في ظاهره قد يكون
خبيثا.
وعليك أن تترك تحديد الطيب والخبيث لخالقك ،فهو أدرى بك وبالمناسب لك .امّا أنت فتعرف
الشيء الطيب من تحليل ال له .وتعرف الخبيث من تحريم ال له .والحكم هنا يكون للتكليف ،فال
http://www.daardesign.com/forum
منتدى دارنا
هو الذي خلق ،وال هو الذي يعلم الصالح للنسان .فالمسألة إذن ليست العناصر؛ ولكنها إرادة
الخالق لتلك العناصر ،فهو الذي قدر فهدى.
الخلصة إذن في هذا الموضوع هي :أن الحق أحل للمؤمنين الطيبات وكل شيء أحله ال يكون
طيبا ،وكل شيء حرمه ال يكون خبيثا ،فل تنظر أنت إلى الراء البشرية التي يقول بعضها على
شيء إنه طيب فيكون حللً ،وإن ذلك الشيء خبيث فيكون حراما ،فأنت وغيرك من البشر ل
يعرفون ترتيب الشياء ول فائدتها ول مضرتها بالنسبة لك.
والدليل :أن البشر يتدخلون في بعض الحيان في تحريم أشياء بالنسبة لبعضهم البعض ،فنجد
الطبيب يقول للمريض :أنت مريض بالسكر فل يصح أن تتناول النشويات والسكريات.
فإذا كنا نسمع كلم الطبيب وهو من البشر ،أفل يجدر بنا أن نستحي ونستمع لمر الخالق؟! بل
نتجاسر ونسأل :لماذا حرمت علينا يا رب الشيء الفلني؟ وقد يخطئ الطبيب لكن ال ل يمكن أن
يخطئ .فهو ربنا المأمون علينا ،فما أحله ال يكون الطيب وما حرمه يكون الخبيث ،وهذه قضية
يتعرض لها أناس كثيرون ،فعلى سبيل المثال نسمع من يستشهد الستشهاد الخاطئ وفي غير
س َعهَا }[البقرة]286 :
ل وُ ْ
موضوعه بقول الحق {:لَ ُيكَّلفُ اللّهُ َنفْسا ِإ ّ
ويقول :إن عملي يأخذ كل وقتي .ول فسحة عندي لقامة الصلة ،وال لم يكلفنا إل ما في الوسع.
ونقول :وهل أنت تقدر الوسع وتبني التكليف عليه؟ ل .عليك أن تسأل نفسك :أكلفك ال بالصلة
أم ل؟ .فإذا كان الحق قد كلفك بالصلة ،وغيرها من أركان السلم فهو الذي علم وسع النسان
في العمل .ويجب أن تقدم التكليف أولً لتعرف طاقة الوسع من بعد ذلك .وكذلك أسأل نفسك عما
حلله ال واعرف أنه طيب وما حرمه ال فهو خبيث.
حلّ َل ُكمُ الطّيّبَاتُ { وإذا سألنا ما تلك الطيبات؟ عرفنا أنها غير ما
حلّ َلهُمْ ُقلْ أُ ِ
} َيسْأَلُو َنكَ مَاذَآ ُأ ِ
حرم ال ،فكل غير محرم طيب ،أو أنهم سألوا عن أشياء سيكون الجواب السابق هو الجابة
الطبيعية لها ،وقدم ال الجمال الذي سبق أن شرحناه .وبعد ذلك يكون المسئول عنه في مسألة
الصيد بالكلب ،فجاء لهم بالبيان في مسألة الصيد بالكلب ،وكانت تلك مسألة مشهورة عند
جوَارِحِ { فقد
حلّ َلكُمُ الطّيّبَاتُ َومَا عَّلمْ ُتمْ مّنَ الْ َ
العرب بالجاهلية ،وكذلك صيد الطيور .فقالُ } :قلْ ُأ ِ
وضع الحق القضية العامة أولً ،ثم خصص بعد ذلك.
لقد كانت مسألة صيد الجوارح موضوع سؤال من عدي بن حاتم -رضي ال عنه -عن الصيد
بالكلب وبالطيور .وعلينا أن نحسن الفهم عن القرآن بحسن الفهم عن النص ،فالحق يقول هنا} :
جوَارِحِ { فهل الكلب والفهود والنمور التي تصطاد
ت َومَا عَّلمْتُمْ مّنَ ا ْل َ
حلّ َلكُمُ الطّيّبَا ُ
ُقلْ أُ ِ
حلّ َلكُمُ الطّيّبَاتُ { هي قضية منتهية.
بواسطتها هي المحللة لنا لننا علمناها الصيد؟ لُ } .قلْ ُأ ِ
جوَارِحِ ُمكَلّبِينَ ُتعَّلمُو َنهُنّ ِممّا عَّل َمكُمُ اللّهُ َفكُلُواْ
وبعد ذلك فهنا كلم جديد هوَ } :ومَا عَّلمْ ُتمْ مّنَ الْ َ
http://www.daardesign.com/forum
منتدى دارنا
سكْنَ عَلَ ْيكُمْ {.
ِممّآ َأمْ َ
إذن فالذي أُحل هو ما أمسكت ما علمت من الجوارح ،وليست الجوارح التي يعلمها النسان ،اي
أن الحق أحل لنا الطيبات وأكل ما أمسكت علينا الكلب التي علمناها الصيد .و " الجوارح "
مفردها " جارح " ومعناها " كاسب " ،ولذلك تسمى أيدينا جوارح ،وعيوننا جوارح ،وآذاننا
جوارح؛ لننا نكسب بها المدركات.
فالعين جارحة تكسب المرئي ،والذن جارحة تكسب المسموع .والنف جارحة تكسب المشموم.
واللمس جارحة لننا نكسب بها الملموس .ويقول الحق سبحانه وتعالى {:وَ ُهوَ الّذِي يَ َت َوفّاكُم بِاللّ ْيلِ
وَ َيعْلَمُ مَا جَ َرحْتُم بِال ّنهَارِ }[النعام]60 :
جوَارِحِ
و " ما جرحتم " أي ما كسبتم ،إذن فالجارحة هي الكاسبة .وقوله الحقَ } :ومَا عَّلمْتُمْ مّنَ الْ َ
{ مقصود به الحيوانات التي نعلمها كيف تصطاد لنا ،وسميت جوارح ،لنها كاسبة لصحابها
الصيد ،فالنسان يطلقها لتكسب له الصيد ،أو أنها في الغالب تجرح ما اصطادته .وكل المعنيين
يصح ويعبّر.
والصل في ما عَلّم النسان من الجوارح هو الكلب ،وألحق بالكلب غيرها مثل الفهود والنمور
جوَارِحِ ُمكَلّبِينَ ُتعَّلمُو َنهُنّ ِممّا عَّل َمكُمُ اللّهُ { أي ما بذلتم
عّلمْتُمْ مّنَ ا ْل َ
والصقور .والحق قالَ } :ومَا َ
من جهد في تدريب هذه الجوارح للصيد ،فالنسان ل يطلق الكلب أو الصقر ليصطاد ،لكنه يقوم
-أولً -بتدريب الحيوان على ذلك.
ومثال ذلك :عندما يقوم مدرب القرود بتدريب كل قرد عل اللعاب المختلفة ،وكذلك مدرب "
السيرك " الذي يقوم بتدريب السود والفيلة ،فهذا الفيل الضخم يقف بأربعة أرجل على اسطوانة
قطرها متر واحد ،وذلك كله ممكن بالتدريب بما علمكم ال وألهمكم أيها البشر وبما أعطاكم من
طول البال وسعة الحيلة.
وننتبه هنا إلى نقطة هامة :إن النسان يقوم بتدريب الحيوان على ألعاب ومهام مختلفة ولكن الفيل
-على سبيل المثال -ل يقدر على تدريب ابنه الفيل الصغير على اللعاب نفسها .وهذا هو
الفارق بين النسان والفيل ،فابن النسان يتعلم من والده وقد يتفوق عليه ،لكن تدريب الحيوان
مقصور على الحيوان نفسه ول يتعداه إلى غيره من الحيوانات من الجنس نفسه أو الذرية فل
يستطيع الحيوان الذي درّبته ورّوضته وعلمته أن ينقل ذلك إلى ذريته ونسله فل يستطيع أن يعلم
ابنه.
وكلمة " مكلب " تعني النسان الذي يعلم الكلب ويدربها على عملية الصيد .وقال البعض :إن "
مكلب " أي الرجل الذي يقتني الكلب؛ لكنا نقول :إن النسان قد يقتني الكلب لكنه ل يقوم
بتدريبها ،إذن المكلب هو الذي يحترف تدريب الكلب ،ومثله مثل سائس الخيل الذي يدرب
http://www.daardesign.com/forum
منتدى دارنا
الخيل؛ فالحصان يحتاج إلى تدريب قبل أن يمتطيه النسان أو قبل أن يستخدمه في جر العربات.
ولماذا ذكر ال " المكلبين " ولم يذكر مدربي الفهود؟ .لن الغالب أن الكلب شبه مستأنس ،أما
استئناس الفهد فأمر صعب بعض الشيء .و " مكلبين " تعني المنقطعين لتعليم الكلب عملية
الصيد .ويعرف معلم الكلب أن الكلب قد تعلم الصيد بأنه إذا ما أغراه بالصيد فإن الكلب يذهب
إليه .وإذا ما زجره المدرب فهو يرجع من الطريق .وإذا ما ذهب الكلب إلى الصيد بعد تعليمه
وتدريبه وأمره المدرب أن يحمل الصيد ويأتي؛ فالكلب يطيع المر.
ويأتي بالصيد سليما ول يأكل منه .فهذه أمارة وعلمة على أن الكلب تعلم الصيد ويمكن تلخيصها
في هذه الخطوات :إذا أرسلته للصيد ذهب ،وإذا زجرته انزجر ،وإذا استدعيته جاء ويأتي بالصيد
سليما ل يأكل منه .فإن أكل الكلب من الصيد فهو غير معلم؛ لنه أمسك الصيد على نفسه ،ولم
يمسكه على صاحبه .ولذلك حدد الحق عملية الصيد بقوله عن الحيوانات التي تؤدي هذه
علَ ْيكُمْ {.
سكْنَ َ
المهمةِ } :ممّآ َأمْ َ
ومن ضمن عملية التدريب هناك إطار إيماني ،فالتدريب العضلي هو عملية يعلمها المكلّب للكلب,
أما الطار اليماني فهو ذكر اسم ال على الصيد } :وَا ْذكُرُواْ اسْمَ اللّهِ عَلَيْهِ { وذلك حتى يكون
الصيد حللً ،ول يقع في دائرة } َومَآ أُ ِهلّ ِلغَيْرِ اللّهِ بِهِ { .وإذا ما هجم الكلب على الصيد وقتله،
يكون الصيد حللً ،إن كان صاحب الكلب قد قال " :بسم ال وال أكبر " قبل أن يرسل الكلب إلى
الصيد .وإن لم يذكر اسم ال فعليه أن ينتظر إلى أن يعود الكلب بالصيد ،فإن كان في الصيد
الحياة فليذكّه أي يذبحه ،ويذكر اسم ال ،وإن مات الصيد قبل ذلك فل يأكل منه .وكذلك إذا
ل وقبل أن يطلق الرصاصة فليأكل من الصيد.
اصطاد النسان بالبندقية ..إن ذكر اسم ال أو ً
حلّ َل ُكمُ الطّيّبَاتُ { هذه هي القضية العامة ،ومن بعد ذلك يحدد لنا
حلّ َلهُمْ ُقلْ أُ ِ
} َيسْأَلُو َنكَ مَاذَآ ُأ ِ
الحق أل نأكل الكلب ،ولكن هذه الكلب التي نعلمها الصيد وتصطاد لنا ما نأكله بشرط أن تذكر
اسم ال على الصيد قبل إطلق الكلب للصيد ،أو بعد أن تذبح الصيد الذي اصطاده الكلب ،فذكر
اسم ال مسألة أساسية في تناول النعم ،لننا نذكر المذلل والمسخر ،ول يصح أن نأخذ النعمة من
وراء صاحبها دون أن نتذكره بكلمة.
ب { وتقوى ال في هذا المجال تعني أل
ويذيل الحق الية بقوله } :وَا ّتقُواْ اللّهَ إِنّ اللّهَ سَرِيعُ ا ْلحِسَا ِ
يؤدي النسان هذه المور شكليا ،وعلى المؤمن أن يتقي ال في تنفيذ أوامره بنية خالصة ودقة
سلوك؛ لنه سبحانه سريع الحساب بأكثر من معنى ،فمهما طالت دنياك فهي منتهية .ومادام
الموت هو نهاية الحياة فالحياة قصيرة بالنسبة للفرد .وإياك أن تستطيل عمر الدنيا؛ لن عمر الدنيا
لك ولغيرك فل تحسب المر بالنسبة إليك على أساس عمر غيرك الذي قد يطول عن عمرك .إذن
مدة الحياة محدودة ،ومادام الموت قد جاء ،فعلى المؤمن أن يتذكر قول رسول ال صلى ال عليه
http://www.daardesign.com/forum
منتدى دارنا
وسلم:
" إذا مات أحدكم فقد قامت قيامته ".
والنسان منا يعرف من خبر القرآن أن الموت مثل النوم .ل يعرف النسان منا كم ساعة قد
نامها ،ونعرف من خبر أهل الكهف أنهم تساءلوا فيما بينهم:
{ َوكَذاِلكَ َبعَثْنَا ُهمْ لِيَتَسَآءَلُوا بَيْ َنهُمْ قَالَ قَا ِئلٌ مّ ْنهُمْ كَم لَبِثْ ُتمْ قَالُواْ لَبِثْنَا َيوْما َأوْ َب ْعضَ َيوْمٍ قَالُواْ رَ ّبكُمْ
أَعْلَمُ ِبمَا لَبِثْتُمْ }[الكهف]19 :
إذن هم لم يتبينوا أنهم ناموا ثلثمائة عام وتسعة أعوام إل بعد أن سألوا ،وكذلك من يموت فهو لن
يدري كم مات إل يوم البعث .أو أنه سبحانه سريع الحساب أي أن له حسابا قبل حساب الخرة،
وهو حساب الدنيا .فعندما يرتكب العبد المخالفات التي نهى عنها ال ،ويأكل غير ما حلل ال ،فهو
سبحانه قادر على أن يجازي العبد في الدنيا في نفسه بالمراض أو التعب أو المرض النفسي،
ويقف الطباء أمام حالته حائرين .وقوله الحق } :إِنّ اللّهَ سَرِيعُ ا ْلحِسَابِ { يصح ان تكون السرعة
في الحساب في الدنيا ويصح أن تكون في الخرة.
أو أنه سبحانه سريع الحساب بمعنى أنه يحاسب الجميع في أقل من لمح البصر ،فالبعض يظن
ظنا خاطئا أنهم سيقفون يوم القيامة في طابور طويل ليتلقى كل واحد حسابه .ل ،هو سبحانه
يحاسب الجميع بسرعة تناسب طلقة قدرته .ولذلك عندما سئل المام علي -كرم ال وجهه :-
كيف سيحاسب ال كل الناس في وقت واحد ويقال إن مقداره كنصف يوم من أيام البشر؟ .فقال
المام علي :فكما يرزقهم جميعا في وقت واحد هو قادر على حسابهم في وقت واحد.
فسبحانه لم يجعل البشر تقف طابورا في الرزق ،بل كل واحد يتنفس وكل واحد يأكل ،وكل إنسان
يسعى في أرض ال لينال من فضله .ول أحد بقادر على أن يحسب الزمن على ال؛ لن الزمن
إنما يُحسب على الذي يحدث الحدث وقدرته عاجزة ،لذلك يحتاج إلى زمن.
إننا عندما ننقل حجرا متوسط الحجم من مكانه فإن ذلك ل يكلف الرجل القوي إل بعضا من ُقوّته،
لكن هذا العمل بالنسبة لطفل صغير يحتاج إلى وقت طويل ،فما بالنا بخالق النسان والكون؟ وما
بالنا بالفاعل الذي هو قوة القوى؟ هو ل يحتاج إلى زمن ،وهو سريع الحساب بكل المعاني.
حلّ َلكُمُ الطّيّبَاتُ{ ...
ومن بعد ذلك يقول الحق } :الْ َيوْمَ أُ ِ
()666 /
http://www.daardesign.com/forum
منتدى دارنا
حصَنَاتُ مِنَ
حلّ َلهُ ْم وَا ْلمُ ْ
طعَا ُمكُمْ ِ
حلّ َلكُ ْم وَ َ
طعَامُ الّذِينَ أُوتُوا ا ْلكِتَابَ ِ
حلّ َلكُمُ الطّيّبَاتُ وَ َ
الْ َيوْمَ ُأ ِ
حصِنِينَ غَيْرَ
حصَنَاتُ مِنَ الّذِينَ أُوتُوا ا ْلكِتَابَ مِنْ قَبِْلكُمْ إِذَا آَتَيْ ُتمُوهُنّ أُجُورَهُنّ ُم ْ
ت وَا ْلمُ ْ
ا ْل ُم ْؤمِنَا ِ
عمَلُ ُه وَ ُهوَ فِي الْآَخِ َرةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ ()5
ن َومَنْ َي ْكفُرْ بِالْإِيمَانِ َفقَدْ حَ ِبطَ َ
ن وَلَا مُتّخِذِي َأخْدَا ٍ
مُسَافِحِي َ
http://www.daardesign.com/forum
منتدى دارنا
بِ َنصْرِ اللّهِ يَنصُرُ مَن َيشَآ ُء وَ ُهوَ ا ْلعَزِيزُ الرّحِيمُ }
[الروم]5-1 :
وتبدأ هذه اليات بخبر عن هزيمة الروم ،ثم نبوءة من الحق بأنهم سيغلبون في بضع سنين .ويوم
نصرهم سيفرح المؤمنون بنصر ال .وتنظر القوة السلمية التي جاءت لتؤسس دينا واسعا جامعا
مانعا إلى معركة بين دولتين عظيمتين كلتيهما على أقصى ما يكون من الرقي الحضاري ،هذه
القوة السلمية تتعاطف مع الروم وتحزن -القوة السلمية -لن الفرس قد غَلَبت .فيأتي الحق
بالخبر اليقين وهو سَ َتغِْلبُ الروم.
وبال من الذي يستطيع أن يحكم في نهاية معركة بين قوتين عظيمتين؟ إنه حكم ل يستغرق يوما،
حتى ولو كان قائله عرف أن هناك مددا قادما للقوة التي ستنتصر ،إنه حكم يستغرق بضع سنين.
فمن الذي يستطيع أن يتحكم في معركة ستحدث بعد بضع سنين؟ ل يستطيع الرسول صلى ال
عليه وسلم أن يجازف بهذا الحكم ،وهو ل يعرف استعدادات كل قوة وحجم قواتها وأسلحتها ،لكن
المر يأتي كخبر موثق من ال {:وَهُم مّن َبعْدِ غَلَ ِبهِمْ سَ َيغْلِبُونَ * فِي ِبضْعِ سِنِينَ }[الروم]4-3 :
وهذا كلم موثق ،لنه قرآن مسطور يقرأه المؤمنون تعبدا .وعندما سمع أبو بكر الصديق هذه
الية ،قال لقد أقمت رهانا بأن الروم ستنتصر بعد ثلث سنين ،وطالبه الرسول صلى ال عليه
وسلم أن يمد مدة الرهان لن ال قال } :فِي ِبضْعِ سِنِينَ { والبضع ما بين الثلث إلى التسع،
ولذلك قال النبي صلى ال عليه وسلم لسيدنا أبي بكر -رضي ال عنه -فزايده في الخطر ومادّه
في الجل فجعلت مائة قلوص (ناقة) إلى تسع سنين .كأن هذا المر قد لقي الوثوق الكامل من
المؤمنين؛ لن ال سبحانه وتعالى قد أخبر بالنصر.
لقد أوردنا ذلك هنا حتى نفهم أن عواطف الرسول صلى ال عليه وسلم كانت مع الذين يؤمنون
بكتاب وبرسول .ونحن هنا نجد الحق يحلل لنا مطاعمة أهل الكتاب حتى تكون هناك صلة بيننا
حلّ ّلهُمْ {.
طعَا ُمكُمْ ِ
حلّ ّلكُ ْم وَ َ
طعَامُ الّذِينَ أُوتُواْ ا ْلكِتَابَ ِ
وبين من يؤمن بإله وبمنهج السماء } :وَ َ
وأوضح الحق سبحانه ذلك في آيات أخرى حينما قال {:لّ يَ ْنهَاكُمُ اللّهُ عَنِ الّذِينَ لَمْ ُيقَاتِلُوكُمْ فِي
سطِينَ * إِ ّنمَا يَ ْنهَاكُمُ
حبّ ا ْل ُمقْ ِ
ن وََلمْ يُخْ ِرجُوكُمْ مّن دِيَا ِر ُكمْ أَن تَبَرّوهُ ْم وَ ُتقْسِطُواْ ِإلَ ْيهِمْ إِنّ اللّهَ يُ ِ
الدّي ِ
جكُمْ أَن َتوَّلوْهُ ْم َومَن
ن وَأَخْ َرجُوكُم مّن دِيَا ِركُمْ وَظَاهَرُواْ عَلَىا ِإخْرَا ِ
اللّهُ عَنِ الّذِينَ قَاتَلُوكُمْ فِي الدّي ِ
يَ َتوَّلهُمْ فَُأوْلَـا ِئكَ هُمُ الظّاِلمُونَ }[الممتحنة]9-8 :
فسبحانه يريد أن نوازن في أسلوب تعاملنا فل نساوي بين ملحد مشرك ومؤمن بصلة السماء
بالرض وإن كفر برسول ال .وأن يكون هناك قدر محدود من التواصل النساني .فالذي يحل
للمؤمنين من طعام أهل الكتاب هو الذي يكون حلل في منهج السلم .ويجب أن ينتبه المسلم إلى
أن بعض أطعمة أهل الكتاب تدخلها الخمور وعليه المتناع عن كل ما هو محرم في ديننا ولياكل
http://www.daardesign.com/forum
منتدى دارنا
من طعامهم ما هو حلل لدينا.
http://www.daardesign.com/forum
منتدى دارنا
ولكن ل أقدر على نفسي ".
ففي هذه الحالة يكون النسان مؤمنا عاصيا يستغفر ال أو يتوب ،أما الكفر فل :والكفر باليمان
يؤدي إلى حبط العمل .وهذا دليل على أن الحق يخاطب إنسانا يلتزم في بعض الشياء ول يلتزم
في البعض الخر .وهنا يوضح الحق للنسان :إن ما أديت من خير في أعمالك سيذهب بثوابه
ويحبط جزاءه ما منعت تنفيذه من أحكام ال ،وجاء الحق بكلمة " حبط " التي تدل على أن العمل
بطل وذهب ذهابا ل يعود .فالماشية حين تأكل طعاما لم ينضج بعد وإن كان من جنس ما تطعم
مثل البرسيم في بدايته ويسمى " الرّبة " ،هذا اللون من الطعام عندما ترعى فيه البهائم يحدث لها
انتفاخ في البطن وتموت.
والعرب تسمي هذا الداء الحُباط .فالحَبَط إذن هو انتفاخ البطن في الماشية التي تأكل أكل غير
مناسب لها .ويظن صاحبها أنها قد سمنت بينما هي تموت في الواقع .وكذلك يكون العمل على
غير ما شرع ال .والحق بدأ قضايا اليمان في هذه السورة بقوله {:يَا أَ ّيهَا الّذِينَ آمَنُواْ َأ ْوفُواْ
بِا ْل ُعقُودِ }[المائدة]1 :
فكل عقد إيماني يتعلق بالوحدانية ل وبالبلغ عن ال ،وكل عقد عُقد بين المؤمنين بعضهم بعضا،
وكل عقد عقده النسان بينه وبين نفسه؛ هذه العقود مطلوب الوفاء بها ،ومن يكفر بهذه الشياء فقد
حبط عمله .وحبط العمل يأتي نتيجة أن النسان أنهى عمله وختمه بهذا اللون من الكفر وظن أنه
عمل عمل صالحا .لكن العمل يحبط تماما كما تذهب البهيمة لترعى شيئا ل يتناسب معها فينتفخ
بطنها .فيخيل للرائي أن ذلك شبع وأن ذلك عافية ،ثم ل تلبث أن تنفق وتموت .كذلك عمل الذي
يكفر باليمان ،يظن أنه عمل شيئا ولكن ذلك الشيء متلف له .واليات القرآنية تكلمت عن هذا
ظمْآنُ مَآءً حَتّىا ِإذَا
عمَاُلهُمْ َكسَرَابٍ ِبقِيعَةٍ َيحْسَ ُبهُ ال ّ
المعنى كثيرا؛ فالحق يقول عن الكافرين بال {:أَ ْ
جَآ َءهُ لَمْ َيجِ ْدهُ شَيْئا }[النور]39 :
ونعلم أن السراب هو شيء من انعكاسات الضوء يخدع الرائي السائر في الصحراء فيظن أنه
ماء ،ويسير إليه النسان فل يجده ماء ،هكذا يكون عمل الذي يكفر بآيات ال .إنها أعمال تبدو
متوهمة النفع .وقول الحق سبحانهَ } :ووَجَدَ اللّهَ عِن َدهُ { أي أن مثل هذا النسان يفاجأ بوجود ال،
كأن مسألة وجود الله لم تكن بخياله من قبل ،والنسان ل يأخذ أجره إل لمن عمل به .فهل عمل
الواحد من هؤلء ل حتى يأخذ منه أجرا؟ .ل .لم يعمل ل ،ولذلك نجد أن بعض السطحيين في
الفهم يقولون :كيف ل يجزي ال الجزاء الحسن هؤلء العلماء الذين اخترعوا العلجات
للمراض ،والعلماء الذين ابتكروا الشياء التي تنفع الناس؟ كيف ل يحسن ال جزاءهم في
الخرة؟
ونقول :لقد فعلوا ذلك ولم يكن ال في بالهم ،كان في بالهم النسانية ،وقد أعطتهم الخلود في
http://www.daardesign.com/forum
منتدى دارنا
الذكرى وأقامت لهم التماثيل ومنحتهم أوسمة ووضعت فيهم المؤلفات لتمدحهم.
هم قد عملوا للناس فأعطاهم الناس .وهؤلء الكافرون بتقدمهم في العلوم؛ مسخرون للنسان
المؤمن؛ فالمؤمن يستفيد من الكهرباء ،وينتفع بها المسلمون ليقرأوا القرآن والعلم والذكر .ويستفيد
المسلم من الطائرات فيذهب بها إلى الحج وزيارة المدينة المنورة ،وينتفع بها كذلك في شئون
دنياه ،وعلى المؤمنين أن يأخذوا بالسباب حتى ل يكونوا أذلة وعالة على غيرهم .والحق يسخر
علم الكفار للمؤمنين ،ول يثاب الكفار على هذا العمل من ال .ولذلك يقول الحق عن أعمالهم
جدَ
ظمْآنُ مَآءً حَتّىا إِذَا جَآ َءهُ لَمْ َيجِ ْدهُ شَيْئا وَوَ َ
حسَبُهُ ال ّ
عمَاُلهُمْ كَسَرَابٍ ِبقِيعَةٍ يَ ْ
مرة {:وَالّذِينَ َكفَرُواْ أَ ْ
اللّهَ عِن َدهُ َف َوفّاهُ حِسَا َب ُه وَاللّهُ سَرِيعُ ا ْلحِسَابِ }[النور]39 :
صفٍ
عمَاُلهُمْ كَ َرمَادٍ اشْتَ ّدتْ بِهِ الرّيحُ فِي َي ْومٍ عَا ِ
ومرة أخرى يقول الحق {:مّ َثلُ الّذِينَ َكفَرُواْ بِرَ ّبهِمْ أَ ْ
للُ الْ َبعِيدُ }[إبراهيم]18 :
شيْءٍ ذاِلكَ ُهوَ الضّ َ
لّ َيقْدِرُونَ ِممّا كَسَبُواْ عَلَىا َ
سعْ ُيهُمْ فِي الْحَيَاةِ
ضلّ َ
ن َ
عمَالً * الّذِي َ
وها هوذا سبحانه وتعالى يقولُ {:قلْ َهلْ نُنَبّ ُئكُم بِالَخْسَرِينَ أَ ْ
طتْ
ن صُنْعا * ُأوْلَـا ِئكَ الّذِينَ َكفَرُواْ بِآيَاتِ رَ ّبهِمْ وَلِقَائِهِ َفحَبِ َ
حسَبُونَ أَ ّنهُمْ ُيحْسِنُو َ
الدّنْيَا وَ ُهمْ يَ ْ
عمَاُلهُمْ فَلَ ُنقِيمُ َل ُهمْ َيوْمَ ا ْلقِيَامَ ِة وَزْنا }[الكهف]105-103 :
أَ ْ
إذن فالنسان الذي يستر اليمان بعضه أو كله ،هو إنسان حابط العمل ،وهو في الخرة من
الخاسرين؛ لن النجاح في الخرة نتيجة لعمل الدنيا .ومادام قد عمل لغير ال في الدنيا فل بد أن
يكون من الخاسرين في الخرة.
وقوله الحق } :وَ ُهوَ فِي الخِ َرةِ مِنَ ا ْلخَاسِرِينَ { يوضح لنا ضرورة أل نخدع ويغرر بنا لن
بعضا من الكافرين يكسب بعضا من الشهرة والجاه والثروة نتيجة اختراعاتهم؛ فكل ذلك أمور
فانية ،وهم مستسلمون لسنة ال ،فإما أن يفوتهم النعيم وإما أن يفوتوا النعيم .والحساب الختامي
يكون في الخرة ،فالكافر وإن أخذ شيئا من الكسب في ظاهر هذه الحياة الدنيا فهو خاسر في
الخرة.
وبعد ذلك ينتقل الحق ليربط لنا كل قضايا الدنيا رباطا وافيا .فبعد أن يتكلم عن مقومات الحياة
وعن مقومات النوع بالنكاح وغيره ،يوضح :كل هذه نعم أعطيتها لكم وأريد أن آخذ بأيديكم بعد
أن بينت لكم فضل هذه النعم عليكم؛ لتلتقوا بصاحب كل هذه النعم .هو سبحانه يريد أن يأخذنا من
مشاغل الدنيا لنلقى المنعم .وحتى تلقى أيها المسلم الله المنعم -سبحانه -فل بد أن تعد نفسك
لهذا اللقاء؛ لنها ليست مسألة طارئة؛ فل بد من العداد الروحي والعداد البدني والعداد
المكاني والعداد الزماني.
إن العداد البدني يكون بالطهارة .والعداد الزماني هو مواقيت الصلة .والعداد المكاني هو
وجود مكان طاهر لقامة الصلة وإعداد اتجاهي بتحديد وجهة الصلة إلى القبلة.
http://www.daardesign.com/forum
منتدى دارنا
وهذه كلها مواصفات تهيئ النفس البشرية للوقوف بين يدي من أنعم على النسان بكل النعم.
ولذلك نقول :إن الصلة إعلن استدامة الولء اليماني للخالق الممد المنعم؛ فهو الذي خلق من
عدم وأمد من عدم .وقد فرض الحق سبحانه وتعالى الصلة خمس مرات في اليوم؛ ليقطع على
النسان سبيل الغفلة عنه .وإذا ما أراد النسان أن يلقى ال في الوقات التي بين الصلوات؛ وأراد
أن يعلن استدامة اليمان وهو يقوم بأي عمل غير الصلة فليذكر ال؛ لننا نعرف القاعدة الشرعية
القائلة:
[ما ل يتم الواجب إل به فهو واجب].
مثال ذلك أن النسان حين يصلي فهو يحتاج إلى قوة .والقوة تتولد في الجسم نتيجة تناول الطعام.
إذن عملية صناعة الطعام أمر واجب وكل ما يترتب على ذلك عملية واجبة .ولذلك عندما يأتي
واحد ويقول :أريد أن أنقطع للعبادة وأعتزل حركة الحياة .لنقل له :افعل ذلك بشرط واحد هو أل
تنتفع بحركة متحرك واحد في الحياة ،ول تتناول أي طعام ،ذلك أن الرغيف الذي يقدمه لك إنسان
هو من عمل بشر كثيرين لم ينقطعوا عن الحياة .ولنقل أيضا :لماذا ترتدي هذا الجلباب؟ .إنه
نتيجة حركة حياة بشر آخرين ،فهناك من زرع القطن وآخر حلج هذا القطن وثالث حوله إلى
غزل ورابع نسجه وخامس قام بتفصيل هذا الجلباب .ولتنظر إلى ما خَلْف كل واحد من آلت.
وإياك أن تنتفع بحركة واحد مشغول بالسباب مادمت قد قررت النقطاع عن حركة الحياة.
إن الشغل بالسباب عبادة؛ لن العبادة ل تتم إل به .وما ل يتم الواجب إل به فهو واجب .ولذلك
فَ َتعَلّم المهارات المفيدة للحياة هو فرض كفاية؛ والفرض الواجب على النسان :احد اثنين :إما
فرض عين وهو المر المكلف به الفرد ولبد أن يؤديه ول يجوز أن يؤديه أحدٌ نيابة عنه؛
كالصلة ،وإنا فرض كفاية :وهو ما ل يتم الواجب إل به لذلك كان واجبا ،فكل منا يريد الطعام.
لذلك ل بد من تقسيم العمل ،فهذا يزرع وهذا يصنع ،فل بد من زراعة القمح ول بد من إقامة
المطاحن ول بد من إقامة الفران .ول بد من مهندسين يصممون هذه اللت .وكل ذلك أمور
تسهل للنسان أن يمتلك القوة لداء الصلة؛ وأن يقف بين يدي الحق ليؤدي الصلة .إذن فكل
ذلك أمر واجب ،وهو فرض كفاية .أي أنه فرض إذا قام به البعض سقط عن الباقين ،وإن لم يقم
به بعضنا يكون الثم على الجميع.
ومثال آخر هو الصلة على الميت هي فرض كفاية ،فمن يصلي على الميت فهو يؤدي عنا ،وإن
لم يصل أحد على الميت يكون الثم على كل مسلم ،هكذا تتسع رقعة الثم.
وكل العمال التي ل يتم الواجب إل لها فهي واجب ،ولذلك فهي فرض كفاية ،إن قام به البعض
سقط الطلب عن الباقين ،وإن لم يقم به البعض فالثم على الجميع.
http://www.daardesign.com/forum
منتدى دارنا
وما موقف ولي المر في هذا؟ .على ولي المر أن يفرض القيام بفرض الكفاية على أحد الناس،
وإل تعطلت الواجبات التي نقول عنها :إنها واجبات دينية .فحين يذهب المسلم إلى السوق فل يجد
خبزا؛ يضعف ول يملك الفكاك من المجاعة؛ ولن يقدر على الصلة أو العمل لينتج أو يجد ادخارا
يكفيه أن يحج إذن :ما ل يتم الواجب إل به فهو واجب؛ لذلك نجد الحق سبحانه وتعالى حينما حثنا
ج ُمعَةِ
لةِ مِن َيوْمِ الْ ُ
على أداء الصلة في يوم الجمعة يقول {:ياأَ ّيهَا الّذِينَ آمَنُواْ إِذَا نُو ِديَ لِلصّ َ
س َعوْاْ إِلَىا ِذكْرِ اللّ ِه وَذَرُواْ الْبَيْعَ ذَِلكُمْ خَيْرٌ ّل ُكمْ إِن كُنتُمْ َتعَْلمُونَ }[الجمعة]9 :
فَا ْ
هو سبحانه يخرجنا من العمل إلى الصلة ،ولم يخرجنا إلى الصلة من فراغ ،لنلتفت إلى دقة
الداء القرآني حين يقول الحق } :وَذَرُواْ الْبَيْعَ { وحين يذر النسان البيع ،فهو يذر الشراء من
باب أولى؛ لن البيع والشراء وجهان لعملية واحدة .والخلف فقط أن المشتري قد يشتري السلعة
وهو كاره لن يشتري؛ لنه يستهلك نقوده فيما يشتريه ،أما البائع فيريد أن يحصل على ثمن البيع
فورا ،وغالبا ما يحصل على ربح من وراء ذلك ،وتلك هي قمة الكسب .فكسب الزارع -على
سبيل المثال -يأتيه بعد شهور من الزراعة .وكسب الموظف يأتيه أول الشهر .لكن البائع يحصل
على الكسسب فورا .ولذلك يأمرنا الحق أن نذر البيع إذا سمعنا نداء الصلة يوم الجمعة ،وماذا
بعد انتهاء الصلة؟.
ضلِ اللّهِ وَا ْذكُرُواْ اللّهَ
ض وَابْ َتغُواْ مِن َف ْ
لةُ فَان َتشِرُواْ فِي الَ ْر ِ
ها هوذا الحق يقول {:فَِإذَا ُقضِ َيتِ الصّ َ
كَثِيرا ّلعَّلكُمْ ُتفْلِحُونَ }[الجمعة]10 :
إذن فل يقولن أحد أنا منقطع طوال حياتي للصلة .فلن يستطيع أحد أن يذهب إلى الصلة ما لم
يكن يملك مقومات حياته .ومقومات الحياة تقتضي أن يضرب النسان في الرض .ول بد أن
يبتغي النسان من فضل ال .إذن ،فالسعي في الرض هو عبادة؛ لن ما ل يتم الواجب إل به
فهو واجب .ويريد الحق سبحانه وتعالى أل يعزل قضية تتعلق بمقومات الحياة طعاما وإنكاحا عن
الصلة .فيأتي الحق سبحانه وتعالى بشروط الوضوء استعدادا للصلة بعد أن يتحدث عن أحكام
تحليل الطعمة وتحريم بعضها ،وبعض من أحكام النكاح ،وذلك لنعرف أن مسئوليات اليمان
ل ونقول :هذا عمل تعبدي وذاك عمل غير تعبدي.
كلها مترابطة ،فل يصح أن نعزل عم ً
والمؤلفون عندما يضعون الكتب في الفقه ويخصصون أقساما في هذه الكتب للعبادات وأقساما
للمعاملت ،فهذا التقسيم تقسيم تصنيفي تأليفي ،لكن كل ما يطلبه الكون لينصلح فهو عبادة لخالق
س َعوْاْ إِلَىا ِذكْرِ اللّ ِه وَذَرُواْ الْبَيْعَ { وهذا أمر.
هذا الكون ،بدليل أنه قال } :فَا ْ
http://www.daardesign.com/forum
منتدى دارنا
التي أنعم بها علينا -بما أحل لنا من بهيمة النعام ،وبما قص علينا من الزواج من المحصنات؛
ها هوذا يدخلنا إلى رحابه بالستعداد للصلة لنه واهب كل النعم .ويأمرنا بالستعداد للصلة وأن
يعد كل واحد منا نفسه لها.
وهذا العداد يؤهل المسلم ليلقى الحق فقال } :يَا أَ ّيهَا الّذِينَ آمَنُواْ{ ...
()667 /
سكُمْ
ق وَامْسَحُوا بِ ُرءُو ِ
يَا أَ ّيهَا الّذِينَ َآمَنُوا إِذَا ُقمْتُمْ إِلَى الصّلَاةِ فَاغْسِلُوا وُجُو َه ُك ْم وَأَيْدِ َيكُمْ إِلَى ا ْلمَرَا ِف ِ
حدٌ مِ ْنكُمْ مِنَ
سفَرٍ َأوْ جَاءَ أَ َ
طهّرُوا وَإِنْ كُنْ ُتمْ مَ ْرضَى َأوْ عَلَى َ
وَأَرْجَُلكُمْ إِلَى ا ْل َكعْبَيْنِ وَإِنْ كُنْ ُتمْ جُنُبًا فَا ّ
سحُوا ِبوُجُو ِهكُ ْم وَأَيْدِي ُكمْ مِنْهُ مَا يُرِيدُ
صعِيدًا طَيّبًا فَامْ َ
جدُوا مَاءً فَتَ َي ّممُوا َ
ا ْلغَائِطِ َأوْ لَا َمسْتُمُ النّسَاءَ فََلمْ تَ ِ
شكُرُونَ ()6
طهّ َركُ ْم وَلِيُتِمّ ِن ْعمَتَهُ عَلَ ْيكُمْ َلعَّلكُمْ َت ْ
ج وََلكِنْ يُرِيدُ لِ ُي َ
ج َعلَ عَلَ ْيكُمْ مِنْ حَرَ ٍ
اللّهُ لِيَ ْ
سبحانه يأمرنا بوضوح محدد :إذا أردتم القيام إلى الصلة فل بد لكم من تنفيذ عملية الوضوء.
وتتعرض الية إلى الركان الساسية في الوضوء .وقد يلتبس المر على بعض الناس ول
يستطيع أن يميز بين سنن الوضوء وأركان الوضوء؛ لن السنن تقتضي أن يغسل النسان يديه ثم
يتمضمض ،ثم يستنشق الماء وهكذا .هذه هي السنن التي تمتزج بالركان الساسية للوضوء.
غسِلُواْ وُجُو َهكُمْ } والغسل يتطلب إسالة الماء على
ويبدأ الحق أركان الوضوء الساسية بقوله { :فا ْ
العضو وأن يقطر منه الماء بعد ذلك .والمسح هو اللمس بالماء ليصيب العضو ول يتقطر منه
الماء؛ إنه مجرد بلولة بالماء .والحق سبحانه وتعالى حينما تكلم في هذه الية عن الوضوء ،تكلم
عن أشياء تُغسل وعن شيء يُمسح .فالمر بالغسل يشمل الوجه واليدين إلى المرافق والرجلين إلى
الكعبين .والمر بالمسح يشمل بعض الرأس .والغسل قد يكفي مرة أو اثنتين أو ثلثا ليتأكد
النسان تماما من الغسل ،ولكن إذا كانت المياه قليلة فيكفي أن يغسل الجزاء المطلوبة مرة وأن
يتأكد أنه قد غسل المساحات المطلوبة.
إن الزيادة على المرة الواحدة إل ثلث مرات أمر مسنون ل واجب وغسل الوجه معروف تماما
للجميع ،فالوجه هو ما به المواجهة .والمواجهة تكون من منبت الشعر إلى الذقن ،وتحت منتهى
لحييه وهما العظمان اللذان تنبت عليهما السنان السفلى ،هذا في الطول ،وفي العرض يشمل
الوجه ما بين شحمتي الذنين .ول أحد يختلف في تحديد الوجه ،ولذلك أطلق الحق الوجه ولم
يعينه بغاية ،فلم يقل :اغسل وجهك من كذا إلى كذا؛ ولكنه أمر بغسل الوجه ،فل اختلف في
مدلول الوجه لدى الجميع .والكل متفق عليه ،هذا إذا ما بدأنا بالفروض الساسية .لكن إذا ما بدأنا
بالسنن فنحن نغسل الكفين إلى الرسغين أول ثم نتمضمض ونستنشق.
http://www.daardesign.com/forum
منتدى دارنا
وبعض العارفين بال يقول عن هذه المقدمات التي هي من السنن :إنها لم تأت اعتباطا؛ لن
تعريف الماء هو :السائل الذي ل لون له ول طعم ول رائحة ،وإن تغير أي وصف من هذه
الوصاف يكون السائل قد خرج عن المائية .فساعة تأخذ الماء بيديك ستطمئن على لون الماء،
وتعرف أنه ل لون له ،وعندما تتمضمض فأنت تطمئن إلى أنه ل طعم له؛ وعندما تستنشق فأنت
تطمئن على أن الماء ل رائحة له ،وبذلك تطمئن إلى أن الماء الذي تستعمله في الوضوء يكون قد
استوفى الوصاف قبل أن تبدأ في عمل المطلوب من أركان الوضوء التي يطلبها ال ،والسنة
تقدمت هنا على الركان لحكمة هي أن توفر للنسان الثقة في الماء الذي يتوضأ منه .وبعد ذلك
يغسل النسان الوجه من منابت شعر الرأس وتحت منتهى لحييه وذلك طول وما بين شحمتي
الذنين عرضًا.
وبعد غسل الوجه قال الحق } :وَأَ ْيدِ َيكُمْ إِلَى ا ْلمَرَافِقِ { وميز الحق هنا اليدي بتحديد المساحة
المطلوب غسلها بأنها إلى المرافق ،أي أنه زاد غاية لم توجد في الوجه ،ولكن جاء المر بغسل
اليدين إلى المرافق؛ لن اليد تطلق في اللغة ويراد بها الكف ،مثال ذلك في حكم الحق على
طعُواْ أَيْدِ َي ُهمَا }[المائدة]38 :
السارق والسارقة {:فَاقْ َ
وتطلق اليد أيضا ويراد بها الكف والساعد إلى المرفق .وتطلق اليد أيضا ويراد بها إلى الكتف.
فلليد ثلث إطلقات .ولو أن الحق قد أمر بغسل اليد ولم يحدد الغسل بـ " إلى المرافق " لغسل
البعض كفيه فقط ،وغسل البعض يديه إلى المرافق ،ولغسل البعض يديه إلى الكتفين؛ ولن الحق
يريد غسل اليد على وجه واحد محدد؛ لذلك قال } :وَأَيْدِ َيكُمْ إِلَى ا ْلمَرَا ِفقِ {.
إذن فساعة يريد الحق شيئا محددا ،فهو يأتي بالسلوب الذي يحدده تحديدا يقطع الجتهاد في هذا
الشيء .وكلمة " إلى " تحدد لنا الغاية ،كما أن " مِن " تحدد البتداء ،ولكن هل تدخل الغاية هنا أم
ل؟ هل تدخل المرافق في الغسل أم ل؟ إن " إلى " قد تدخل الغاية ومرة أخرى ل تدخل الغاية.
جدِ
جدِ ا ْلحَرَامِ إِلَىا ا ْلمَسْ ِ
فمثال إدخالها الغاية قوله تعالى {:سُ ْبحَانَ الّذِي أَسْرَىا ِبعَبْ ِدهِ لَيْلً مّنَ ا ْلمَسْ ِ
حوْلَهُ }[السراء]1 :
ل ْقصَى الّذِي بَا َركْنَا َ
اَ
هل أسرى الحق برسوله صلى ال عليه وسلم إلى المسجد القصى ولم يدخله؟ ل أحد يعقل ذلك.
إن " إلى " هنا تقتضي أن تدخل الغاية؛ لن الرسول صلى ال عليه وسلم كان قد ذهب إلى
المسجد القصى بمراد السراء إليه والدخول والصلة فيه .ويقول سبحانهُ {:ثمّ أَ ِتمّواْ الصّيَامَ ِإلَى
الّل ْيلِ }[البقرة]187 :
فهل يدخل الليل في الصيام؟ ل ،لننا لو أدخلنا الليل في الصوم لصار في الصيام وصالٌ أي
نصل الليل بالنهار صائمين .إذن فمع " إلى " تجد الغاية تدخل مرة ،وتجدها ل تدخل مرة أخرى.
واختلف بعض العلماء حول المرفق هل يدخل في الغسل أو ل؟ وصار في عموم التفاق أن يدخل
http://www.daardesign.com/forum
منتدى دارنا
المرفق في الغسل احتياطيا؛ لن أحدا ل يستطيع تحديد المرفق من أين وإلى أين .ونعرف أن
هناك احتياطات للتعقل ،فمرة نحتاط بالتساع ومرة نحتاط بالتضييق.
مثال ذلك عندما نصلي في البيت الحرام .ونحن نعرف أن الكعبة بناء واضح الجدران ،وبجانب
جدار من جدران الكعبة يوجد الحطيم وهو حجر إسماعيل وهو جزء من الكعبة يحيطه قوس.
وعندما يصلي إنسان حول الكعبة ،هل يتجه إلى الحطيم أم إلى بناء الكعبة؛ لنه مقطوع بكعبيته،
والحتياط هنا احتياط بالنقص ،فنتوجه إلى الكعبة وهي البناء العالي فقط ،ولكن عند الطواف.
فإننا نطوف حول الكعبة والحطيم ،أي أن الحتياط هنا يكون بالزيادة؛ لننا إذا ما طفنا حتى من
وراء المسجد فهو طواف حول البيت الحرام.
إذن فالحتياط يكون مرة بالنقص ومرة يكون بالزيادة .وفي مجال الوضوء يكون غسل المرافق
هو احتياط بالزيادة؛ ذلك أن " إلى " تكون الغاية بها مرة داخلة ،ومرة تكون الغاية بها غير داخلة.
سكُمْ { السلوب هنا يختلف؛
ثم يقول الحق سبحانه وتعالى من بعد ذلك } :وَامْسَحُواْ بِ ُرؤُو ِ
فالمطلوب هو المسح .كان المطلوب أولً هو الغسل للوجه على اطلقه؛ لنه ل خلف على
الوجه ،ثم غسل اليدين إلى المرافق ،وتم تحديد الغاية لن الحق يريد الغسل لليدين على لون يقطع
الجدل والجتهاد فيه .ولو قال الحق " :امسحوا رءوسكم " مثلما قال " :اغسلوا وجوهكم " لما كان
هناك خلف .لكن لو قال " :امسحوا بعض رؤوسكم " فهل يوجد خلف؟ نعم فذلك البعض لم
يحدد .ولو قال " :امسحوا ربع رءوسكم " فهل يوجد خلف؟ نعم قد يوجد خلف لن تحديد الربع
عسير وشاق.
سكُمْ { مع أن في الية أساليب كثيرة ،منها
لماذا إذن اختار الحق هنا هذا السلوب } امْسَحُواْ بِ ُرؤُو ِ
أسلوب مجرد عن الغاية ،وأسلوب موجود به الغاية ،وهذا السلوب ل هو مجرد ول هو موجود
سكُمْ { ولنا أن نبحث عن كيفية استعمال حرف (الباء) التي
سحُواْ بِ ُرؤُو ِ
به الغاية؟ وقال الحق } :امْ َ
تسبق " رءوسكم ".
إن " الباء " في اللغة تأتي بمعان كثيرة .قال ابن مالك في اللفية:بالباء استعن وعد عوض الصق
ومثل " مع " و " من " و " عن " بها انطقومقصود بها أن تعطي الحرية للمشرع؛ لن الباء تأتي
لمعان كثيرة ،للستعانة مثل :كتبت بالقلم ،ولتعدية الفعل اللزم نحو :ذهبت بالمريض إلى
الطبيب ،وللتعويض مثل :اشتريت القلم بعشرين جنيها ،واللتصاق نحو :مررت بخالد ،وتأتي
بمعنى " مع " مثل :بعتك البيت بأثاثه أي مع أثاثه ،وبمعنى " من " مثل :شرب بماء النيل أي من
ب وَاقِعٍ { ،وتأتي أيضا للظرفية
ماء النيل ،وبمعنى " عن " مثل قوله تعالى } سََألَ سَآ ِئلٌ ِبعَذَا ٍ
نحو :ذهبت إلى فلن بالليل أي في الليل ،وتكون السببية نحو :باجتهاد محمد منح الجائزة أي
حمْدِ رَ ّبكَ { أي سبح مصاحبا حمد
بسبب اجتهاده ،إلى غير ذلك من المصاحبة نحو } :فَسَبّحْ ِب َ
http://www.daardesign.com/forum
منتدى دارنا
ربك.
إن الذي يقول :امسحوا بعض رءوسكم ولو شعرة ،فهذا أمر يصلح ويكفي وتسعفه الباء لغة،
والمسح يقتضي اللصاق ،واللة الماسحة هي اليد .وهناك من يقول :نأخذ على قدر الداة
الماسحة وهي اليد أي مسح مقدار ربع الرأس.
إذن كل حكم من هذه الحكام يصلح لتمام تنفيذ حكم مسح الرأس ،ولو أن ال يريدها على لون
غسِلُواْ
واحد لوضح ما أراد ،فإن أراد كل الرأس لقال " :امسحوا رءوسكم " كما قال } :فا ْ
وُجُو َهكُمْ { ،وإن كان يريد غاية محددة ،لحدد كما حدد غسل اليدين إلى المرفقين.
ومادام سبحانه قد جاء بالباء ،والباء في اللغة تحتمل معاني كثيرة؛ لذلك فمن ذهب إلى واحدة منها
تكفي ،لن أي غاية محتملة بالباء أمر صحيح.
طئَ الحكم الخر .بل عليه أن يقول :هذا هو
والمر هنا أن يتفهم كل منفذ لحكم محتمل أل ُيخَ ّ
مقدار فهمي لحكم ال .وال ترك لنا أن نفهم بمدلول الباء كما أرادها في اللغة .وقد خلقك الحق
أيها النسان مقهورا لشياء ل قدرة لك فيها؛ كحركة الجوارح ،وكالشياء التي تصيب النسان
كالموت.
إن هناك أشياء أنت مخير فيها ،ولذلك كان تكليف الحق لك مبنيا على هذا؛ ففي أشياء يقول لك" :
افعل كذا " أو " ل تفعل كذا " وفي أشياء أخرى يترك لك حرية التصرف في أدائها .وذلك حتى
يتسق التكليف مع طبيعة التكوين النساني .فلم َيصُب ال النسان في قالب حديدي .ولنا في سلوك
الرسول صلى ال عليه وسلم القدوة الحسنة؛ هذا الرسول الذي أوكل إليه الحق إيضاح كل ما
غمض من أمور الدين؛ فقال له الحق {:وَأَنْزَلْنَا ِإلَ ْيكَ ال ّذكْرَ لِتُبَيّنَ لِلنّاسِ مَا نُ ّزلَ إِلَ ْيهِ ْم وََلعَّلهُمْ
يَ َت َفكّرُونَ }[النحل]44 :
وحينما كان الرسول صلى ال عليه وسلم مع المؤمنين في غزوة الحزاب التي قال عنها الحق{:
شدِيدا }[الحزاب]11 :
هُنَاِلكَ ابْتُِليَ ا ْل ُم ْؤمِنُونَ وَزُلْزِلُواْ زِلْزَالً َ
هذه المعركة كانت قاسية ،حرك الحق فيها الريح وتفرق فيها أعداء السلم ،وصرف الحق
الحزاب ورجع الرسول صلى ال عليه وسلم إلى المدينة .وكان من المفروض أن يرتاح
المؤمنون المقاتلون .لكن قبل أن يخلعوا ملبس الحرب جاء جبريل إلى الرسول صلى ال عليه
وسلم وقالَ :أوَ قد وضعت السلح يا رسول ال؟ قال :نعم :فقال جبريل :فما وضعت الملئكة
السلح بعد ،وما رجعت الن إل من طلب القوم ،إن ال عز وجل يأمرك يا محمد بالمسير إلى
بني قريظة فإني عامد إليهم فمزلزل بهم .فـ (أمر رسول ال -صلى ال عليه وسلم -مؤذنا
ضهّم العصرُ في الطريق،
فأذن في الناس " :ل يصلين أحدٌ العصرَ إل في بني قُريظة فأدرك َب ْع ِ
فقال بعضهم ل نصلي العصرَ حتى نأتيها وقال بعضهم بل نصلي لم يُردْ منا ذلك فذُكر للنبي
http://www.daardesign.com/forum
منتدى دارنا
صلى ال عليه وسلم فلم ُيعَنّف أحدًا منهم ".
هي مسألة كبرى إذن .والتزاما بأمر النبوة خرج الصحابة إلى مواقع بني قريظة .وكادت الشمس
تغرب وهم في الطريق؛ وانقسموا إلى قسمين؛ قسم قال :ستغيب الشمس ولم نصل العصر فلنصله
قبل أن تغيب الشمس .وقال القسم الثاني :لقد أمرنا النبي أل نصلي العصر إل في بني قريظة،
ولن نصليه إل هناك وإن غابت الشمس .وصلى القسم الول ولم يصل القسم الثاني.
وعندما ذهبوا إلى المشرع وهو رسول ال صلى ال عليه وسلم وذكروا له المر لم يعب على أي
جانب منهم شيئا ،وأقر هذا وأقر ذاك .وتلك فطنة النبوة ،فالنبي صلى ال عليه وسلم يعلم أن كل
حدث من الحداث يتطلب زمانا ويتطلب مكانا ،والذين صلوا نظروا إلى عنصرية الزمن ،وخافوا
أن تغيب الشمس قبل ذلك .والذين لم يصلوا نظروا إلى عنصرية المكان فلم يصلوا العصر إل في
مواقع بني قريظة .وأقر رسول ال المرين معا.
إن هذا يدلنا على أن هناك أشياء يتركها الحق قصدا دون تحديد قاطع لنه يحبها على أي لون،
مثال ذلك أن فعل من يمسح ربع رأسه في الوضوء جائز ،وفعل من يمسح رأسه كلها جائز،
وجاء الحق بالباء الصالحة لي وجه من وجوه مسح الرأس ،وكذلك شأن الخلفات في المور
الجتهادية .وإذا كانت القاعدة الشرعية تقول " :ل اجتهاد مع النص " فهذا ل يكون إل مع النص
الذي ل يحتمل الجتهاد.
وليس كل التشريع هكذا؛ لنه سبحانه أوضح ما ل يحتمل الجتهاد ،وأوضح ما يحتمل الجتهاد؛
وحينما كلف ال عبده النسان بتكليفات ،إنما كلفه بما يتناسب وتكوينه ،وكما أن تكوين النسان
فيه أشياء هو مقهور عليها .فهناك الحكام التي ل اختيار له فيها ،وهناك أمور اختيارية ،وما
وصل إليه المجتهد هو حق وصواب يحتمل الخطأ ،وما وصل إليه غيره خطأ يحتمل الحق
والصواب .وكل ما وصل إليه طرف من الجتهاد حق لن النبي صلى ال عليه وسلم صوّب من
صلى العصر قبل أن يصل إلى أرض بني قريظة ،وصوب كذلك من صلى العصر بعد أن وصل
إلى مواقع بني قريظة .فالرسول -صلى ال عليه وسلم -اعتبر فعل كل فريق منهما صوابا.
ويقول الحق من بعد المر بمسح الرأس " :وأرجلكم " .وكان سياق النص يقتضي كسر اللم في "
أرجلكم " ولكن الحق جاء بالرجل معطوفة على غسل الوجه واليدين .وغير معطوفة على "
برءوسكم " وهذا يعني أن الرجلين ل تدخلن في حيز المسح؛ إنما تدخلن في حيز الغسل.
ونبه الحق بالحركة العرابية على أنها ليست معطوفة على الجزء المصرح بمسحه ،ولكنّها
معطوفة على العضاء المطلوب غسلها .ولم يأت الحق بالممسوح في جانب والمغسول في جانب
ليدل على أن الترتيب في هذه الركان أمر تعبدي وإل لجاء بالمغسول معا والممسوح معا ،ويحدد
الحق أيضا غسل الرجلين إلى الكعبين } :وَأَرْجَُلكُمْ إِلَى ا ْل َكعْبَينِ { .والرجل تطلق على القدم،
http://www.daardesign.com/forum
منتدى دارنا
وتطلق على القدم والساق إلى أصل الفخذ .ويريد سبحانه غسل الرجلين محدودا إلى الكعبين.
وحتى نعلم أن هذه مسائل تعبدية؛ عرفنا أن اليد تطلق على الكف ،ومن أطراف الصابع إلى
الكتف يطلق عليه " يد " أيضا ،والمرفق في اليد هو الحد الوسط ،و " الكعبين " هو الحد الول في
الساق؛ لن الوسط بعد الساق هو الركبة.
إذن .ترتيب المسألة في اليدين كف وساعد وعضد؛ والمرفق في وسط اليد ،وفي الرجلين يقف
المر عند الحد الول وهو الكعبان .هي -إذن -مسألة تعبدية وليست مسألة قياسية.
ويبين الحق لنا أنه إذا أراد أمرا بدقة فهو يحدده بل تدخل أو خلف .أما إذا جاء بأمر غير
واضح فهو إِذْنٌ منه سبحانه أن نجتهد فيه لنشعر أن لنا بعض الختيار في بعض ما تعبدنا ال به،
وكله داخل في مرادات ال؛ لن إيراد النص -شامل -لكل المفهومات هو ِإذْنٌ بهذا المفهوم
وإِذْنٌ بذلك المفهوم.
ن وَإِن كُنتُمْ جُنُبا
سكُمْ وَأَرْجَُلكُمْ ِإلَى ا ْل َكعْبَي ِ
سحُواْ بِ ُرؤُو ِ
ق وَامْ َ
غسِلُواْ وُجُو َهكُ ْم وَأَيْدِ َيكُمْ إِلَى ا ْلمَرَافِ ِ
} فا ْ
ح ِدثُ حدثا أصغر .وهناك فرق بين
طهّرُواْ { .إنّ الوضوء شرع لغير الجنب .أي أنه لمن يُ ْ
فَا ّ
إخراج ما ينقض الوضوء وهو ما يؤذي ،وبين إخراج ما يُمتع ،فإنزال المني أو حدوث الجماع
يقتضي الطهارة بالغتسال .ونعلم أن النسان حين يستمتع بطعام؛ أو يستمتع برائحة ،أو بأي
شيء هو محدود بوسيلة الستمتاع به ،أما الستمتاع بالجماع فل يعرف أحد بأي عضو أدرك
لذته .وهي مسألة معقدة إلى الن .ول يعرف أحد كيف تحدث ،مما يدل على أن جميع ذرات
التكوين النساني مشتركة فيها .ومادام المر كذلك فالطهور يقتضي أن يغسل النسان كل جسمه:
لمَسْتُمُ
سفَرٍ َأوْ جَآءَ َأحَدٌ مّ ْنكُمْ مّنَ ا ْلغَائِطِ َأ ْو َ
طهّرُواْ وَإِن كُنتُم مّ ْرضَى َأوْ عَلَىا َ
} وَإِن كُنتُمْ جُنُبا فَا ّ
صعِيدا طَيّبا فَامْسَحُواْ ِب ُوجُو ِهكُ ْم وَأَيْدِيكُمْ {.
النّسَآءَ فَلَمْ َتجِدُواْ مَآءً فَتَ َي ّممُو ْا َ
وقد يقول قائل :أليست " لمستم النساء " كالجنابة؟
ونقول :إن الذي يجيء هنا هو حكم ثان يوضح لنا ما ينوب عن المياه ،لن الحق يرتب لِعبادة ل
تسقط عن المكلف أبدا؛ لذلك لن يكلفه بشيء قد ل يجده ،فقد ل يجد النسان المياه ،وعليه إذن
بالتيمم؛ لن الصلة عبادة ل تسقط أبدا عن المكلف حتى في حالة مرضه الذي ل يستطيع أن
يحرك معه أي عضو من جسمه ،هنا يسمح سبحانه للمريض أن يصلي جالسا ،أو مستلقيا أو
يصلي باليماء برأسه ،أو يصلّي بأهداب عينيه ،وحتى مريض الشلل عليه إجراء خواطر الصلة
وأركانها على قلبه؛ لن فرض الصلة عبادة ل تسقط أبدا عن النسان مادام فيه عقل.
إننا نعرف أن الصلة هي الركن الوحيد من أركان السلم الذي يتطلب الستدامة ،فيكفي المرء
أن يقول الشهادة مرة واحدة في العمر ،ويسقط الصوم عن النسان إن كان مريضا ،ويطعم غيره،
أو يؤديه في أوقات أخرى إن كان مريضا مرضا مؤقتا أو على سفر .وقد ل يؤدي النسان الزكاة
http://www.daardesign.com/forum
منتدى دارنا
لنه فقير ،وكذلك الحج ل يجب على من لم يملك الستطاعة من مال أو عافية ،ول تبقى من
أركان السلم غير الصلة فإنها ل تسقط أبدا.
إن عظمة الصلة توضحها كيفية تشريعها؛ لن تشريعات أركان السلم كانت بالوحي ،أما
تشريع الصلة فقد جاء وحده بالمباشرة ولم يقل ال لجبريل " :قل للنبي التكليف بالصلة " .بل
استدعى ال النبي صلى ال عليه وسلم إليه وكلفه بالصلة.
وقلنا من قبل -ول المثل العلى -حين يريد النسان أن يقدم أمرا لمرءوسيه ،فالموضوع قد
يأخذ دوره في الوراق اليومية التي تنزل منه إليهم .أما إذا كان الموضوع مُهمّا فهو يتصل بالقائد
التنفيذي للمرءوسين ويوضح مدى أهمية الموضوع ،أما إذا كان الموضوع غاية في الهمية
فالرئيس يستدعي القائد التنفيذي للمرءوسين ويبلغه أهمية الموضوع .إذن فكيفية إنزال التكليف
تكون على قدر أهمية الموضوعات فما بالنا -إذن -بركن استدعى ال فيه محمدا إلى السماء
ليكلفه به؟
وقد رأينا أن بعض التكليفات تجيء إلى رسول ال باللهام أن يفعله ،وبعضها جاء بالوحي من
جبريل أن يفعله ،أما الصلة فقد فرضها ال عندما استدعى محمدا إلى السماء إلى الرفيق العلى
وفرض ال عليه الصلة بالمباشرة ،وعلى أمة محمد أن تؤدي هذا الفرض خمس مرات في اليوم،
ول تسقط أبدا .ولذلك جعلها الحق فارقة بين المسلم والكافر ،إن المسلم ساعة أذان الصلة يقوم
إلى الصلة ،وهي استدعاء من الخالق لمن خلقه ليحضر في حضرته كل يوم خمس مرات .وأنت
حر بعد ذلك أل تبرح لقاء ربك؛ ول يمل ال حتى يمل العبد.
وإياكم أن تجعلوا للزمان مع ال تخطيطا؛ فتقولوا :هذا للعمل والضرب في الرض ،وذلك لذكر
ال؛ فمع ضربكم في الرض لتبتغوا من فضل ال ،إياكم أن تنسوا ال؛ لن ذكر ال أمر دائم في
كل حركة يقصدها النسان لعمارة هذا الوجود ،وقد أراد الحق منا بوجودنا أن نعبده وحده ل
شريك له {:وَإِلَىا َثمُودَ أَخَاهُ ْم صَالِحا قَالَ يا َقوْمِ اعْبُدُواْ اللّهَ مَا َلكُمْ مّنْ ِإلَـاهٍ غَيْ ُرهُ ُهوَ أَنشََأكُمْ مّنَ
الَ ْرضِ وَاسْ َت ْعمَ َركُمْ فِيهَا فَاسْ َتغْفِرُوهُ ثُمّ تُوبُواْ إِلَيْهِ إِنّ رَبّي قَرِيبٌ مّجِيبٌ }[هود]61 :
إذن فكل ما يؤدي إلى عمارة الكون والرتقاء به هو أمر عبادي ،والحق سبحانه وتعالى يربط "
العبادة " الصطلحية في الفقه بحركة الحياة كلها .ونجد مثال لذلك حيما تكلمنا في سورة البقرة
عن السرة كما جاء في قوله تعالى {:لّ جُنَاحَ عَلَ ْيكُمْ إِن طَّلقْتُمُ النّسَآءَ مَا لَمْ َتمَسّوهُنّ َأوْ َتفْ ِرضُواْ
حسِنِينَ
حقّا عَلَى ا ْلمُ ْ
َلهُنّ فَرِيضَ ًة َومَ ّتعُوهُنّ عَلَى ا ْلمُوسِعِ قَدَ ُر ُه وَعَلَى ا ْل ُمقْتِرِ َقدَ ُرهُ مَتَاعا بِا ْل َمعْرُوفِ َ
ن َوقَدْ فَ َرضْتُمْ َلهُنّ فَرِيضَةً فَ ِنصْفُ مَا فَ َرضْتُمْ ِإلّ أَن َي ْعفُونَ
* وَإِن طَّلقْ ُتمُوهُنّ مِن قَ ْبلِ أَن َتمَسّوهُ ّ
ضلَ بَيْ َن ُكمْ إِنّ اللّهَ ِبمَا
سوُاْ ا ْل َف ْ
ح وَأَن َت ْعفُواْ َأقْ َربُ لِل ّت ْقوَىا َولَ تَن َ
عقْ َدةُ ال ّنكَا ِ
َأوْ َيعْ ُفوَاْ الّذِي بِ َي ِدهِ ُ
َت ْعمَلُونَ َبصِيرٌ }
http://www.daardesign.com/forum
منتدى دارنا
[البقرة]237-236 :
ذلك أمر الدنيا ومصالح السرة ،وهو كلم في شئون تنظيم السرة ،ثم ينقلنا من بعد الكلم في
لةِ
تنظيم السرة إلى أمر نقول عنه إنه العبادة وهو قوله الحق {:حَافِظُواْ عَلَى الصَّلوَاتِ والصّ َ
خفْتُمْ فَرِجَالً َأوْ ُركْبَانا فَإِذَآ َأمِنتُمْ فَا ْذكُرُواْ اللّهَ َكمَا عَّل َمكُم مّا لَمْ
ا ْلوُسْطَىا َوقُومُواْ للّهِ قَانِتِينَ * فَإنْ ِ
َتكُونُواْ َتعَْلمُونَ }[البقرة]239-238 :
ثم يعود بعد ذلك إلى شئون تنظيم السرة فيقول سبحانه {:وَالّذِينَ يُ َت َوفّوْنَ مِنكُ ْم وَيَذَرُونَ أَ ْزوَاجا
ح ْولِ غَيْرَ ِإخْرَاجٍ }[البقرة]240 :
ج ِهمْ مّتَاعا إِلَى الْ َ
َوصِيّةً لَزْوَا ِ
إذن فقد أخرجنا من كلم في نظام السرة إلى الصلة ،ثم عاد بنا مرة أخرى إلى نظام السرة
حتى تتداخل كل المور لتكون عبادة متماسكة متحدة فل تقول " :هذه عبادة وتلك ليست عبادة " ،
وأيضا؛ لن الكلم في الصلة وسط كلمه عن أمور السرة ينبهنا :إذا ذهبت إلى الصلة فربما
هدّأت الصلة من شِرة غضبك وحماسك ونزلت عليك سكينة تعينك أل تنسى الفضل بينك وبين
زوجك.
في هذه السورة -سورة المائدة -صنع الحق معنا مثلما صنع في سورة البقرة؛ فبعد أن تكلم في
أشياء وقص علينا أمر النعمة ،ها هوذا يدخل بنا إلى رحاب المنعم ،إل إنه سبحانه لم يدخلنا على
المنعم إل بتهيئة طهورية .طهارة أبعاض؛ كالوضوء بأن نغسل الوجه ونغسل اليدين إلى المرفقين
ونمسح على الرأس ونغسل الرجلين إلى الكعبين .وأحكم في أشياء وترك للجتهاد مدخل في
أشياء ،أحكمها في ثلثة؛ غسل الوجه ،وغسل اليدين إلى المرفقين ،وغسل الرجلين إلى الكعبين،
لكنه حينما تكلم عن الرءوس لم يقل " :امسحوا رءوسكم " ول " :امسحوا ربع رءوسكم " ،ول "
امسحوا بعض رءوسكم " مما يدل على أن للمجتهد أن يفهم في " الباء " ما تُتيحهُ اللغة من " الباء
" .إذن أعطانا الحق أشياء محكمة وأشياء للجتهاد .وبعد طهارة البعاض يذكرنا بطهارة البدن
من الجنابة.
ونلتفت إلى الكلم الذي تقدم حيث أورد الحق فيه ما أحل لنا من بهيمة النعام من طعام وشراب،
ثم تكلم في النكاح حتى أنه وسع لنا دائرة الستمتاع ودائرة النسال بأن أباح لنا أن نتزوج
الكتابيات ،وفي هذا توسيع لرقعة الزواج فلم يقصر الزواج على المسلمات.
ولما كان الطعام الذي أحله ال ينشأ عنه ما يخرج منا من بول وغائط ،والنكاح الذي أحله ال
يغير كيماوية الجسد؛ لذلك جعل ال الوضوء لشيء ،والجنابة لها شيء آخر؛ فعن الطعام ينشأ
الخبثان ،وعن الجماع أو خروج المني ينشأ الحدث الكبر؛ فكان ول بد بعد أن يتكلم عن طهارة
البعاض في الحدث الصغر أن يتكلم عن التطهير الكلي في الحدث الكبر؛ فقال } :وَإِن كُن ُتمْ
طهّرُواْ {.
جُنُبا فَا ّ
http://www.daardesign.com/forum
منتدى دارنا
ال سبحانه وتعالى يريد لنا أن نستديم اتصالتنا به ولم يشأ أن يجعل الوسيلة للصلة بأمر الماء
فقط؛ لننا قد نفقد الماء وقد يوجد الماء ول نقدر على استعماله؛ فلم يشأ الحق أن يقطع الصلة بأن
يجعل الوسيلة الوحيدة للتطهر هي الماء ،فأوجد وسيلة أخرى .فإن فقدت الماء أيها النسان فل بد
ان تدخل إلى لقاء ال بينة تطهير آخر وهو التيمم .هذا أمر ل يفقده من عاش على الرض .إذن
طهّر بالتراب .لذلك يقول سبحانه:
طهّر بالماء وعندنا َت َ
فعندنا َت َ
جدُواْ مَآءً
لمَسْتُمُ النّسَآءَ فََلمْ تَ ِ
حدٌ مّ ْنكُمْ مّنَ ا ْلغَا ِئطِ َأ ْو َ
سفَرٍ َأوْ جَآءَ أَ َ
} وَإِن كُنتُم مّ ْرضَى َأوْ عَلَىا َ
صعِيدا طَيّبا { فإن كان النسان مريضا ل يقدر على استعمال الماء ،أو كان على سفر ول
فَتَ َي ّممُو ْا َ
يجد الماء؛ أو جاء أحد من الغائط ،أي من قضاء الحاجة في مكان غويط وهو الوطئ المنخفض
من الرض ،وكانت العرب قديما تفعل ذلك حتى ل يراهم أحد ويكونوا في ستر ،رجالً أو نساءً،
وحتى بعد ملمسة النساء .إن لم يجد النسان بعدها ماء فالتيمم هو البديل ،وإياكم أن تقولوا إن
الماء هو الوسيلة الوحيدة للتطهر ،فقد جعل للماء أيضا خليفة وهو التراب .والتراب أوسع دائرة
من الماء .فكأنه سبحانه وتعالى يريد أن يديم علينا نعمة البقاء به .ولكي يديم علينا نعمة اللقاء به
جعل للماء -الذي يكون محصورا -خليفة وهو التراب وهو غير محصور.
ول نريد أن ندخل في متاهات الخلف عن الطهارة من ملمسة النساء ،بين اللمس والملمسة؛
فاللمس ل يقتضي المفاعلة ،أما الملمسة فتقتضي المفاعلة .واقتضاء المفاعلة ينقل المسألة من
مجرد اللمس إلى معنى آخر هو الجماع.
صعِيدا { و " الصعيد " هو ما
وفي حالة الجنابة وعدم وجود الماء فالتيمم هو البديل } فَتَ َي ّممُو ْا َ
صعد على وجه الرض من جنس الرض بحيث ل تدخله صناعة النسان كالتراب والحجر ،لكن
الطوب الحمر (الجُرّ) الذي نصنعه نحن فليس من الصعيد الصالح للتيمم؛ لن صنعة النسان قد
دخلته.
والركان المفروضة في طهارة البعاض أربعة ،أما طهارة الجسم فهي طهارة واحدة تشمل كل
الجسم .وفي حالة التيمم جعل الحق الطهارة استعدادا للصلة عوضا عن الوضوء بمسح الوجه
واليدين ،وكذلك في الطهارة من الجنابة .ونلحظ أنه سبحانه جاء بالمسح في الوضوء على بعض
من الرأس كإيناس متقدم ،وذلك حتى يكون لنا إلف بالمسح حينما نتيمم.
ج َعلَ عَلَ ْيكُم مّنْ حَرَجٍ { وجعل الحق الطهارة
سحُواْ ِبوُجُو ِهكُ ْم وَأَيْدِي ُكمْ مّنْهُ مَا يُرِيدُ اللّهُ لِيَ ْ
} فَامْ َ
بالماء أو التراب إزالة للحرج؛ فالنسان الذي لن يجد ماء سيقع في الحرج بالتأكيد؛ لنه يريد أن
يصلي ول يجد وسيلة للطهارة .وإذا كان عنده القليل من الماء ليشرب فهل يتوضأ أو يستديم
الحياة ويُبقي على نفسه بشرب الماء؟.
http://www.daardesign.com/forum
منتدى دارنا
ول يريد ال أن ُيعْنت خلقه ول أن يوقعهم في الحرج ،بل خفف عليهم وجعل عنصر التراب يكفي
طهّ َركُمْ {.
كبديل للماء } .وَلَـاكِن يُرِيدُ لِ ُي َ
وإياك أن تفهم أن الطهارة هي للتنظيف؛ لن معنى الطهارة لو اقتصر على التنظيف لكانت
الطهارة بالماء فقط ،فلماذا إذن نمسح وجوهنا بالتراب؟ إن هذا يوضح أن الطهارة غير النظافة،
فلو قال قائل :سأنظف نفسي بـ " الكولونيا " .نقول له :ل .ليس هذا هو المطلوب .وال ل يطلب
نظافة بهذا المعنى ،ولكن يطلب التطهير .والتطهير يكون بشرط من تدخل عليه -وهو ال
سبحانه -وقد وضع الحق لذلك أمرين :إما بالماء وإما بالتيمم بالتراب .فالطهارة تجعل المرء
صالحا ليستقبل ربه على ضوء ما شرع به .والذي يضع الشرط لذلك هو ال وليس أنت أيها
العبد .وسبحانه قد أوضح أو العبد يكون طاهرا بالماء أو بالتراب ،وبهذه الطهارة يكون صالحا
لستقبال ال له .وأعاد ال النسان في قربه منه إلى أصل إيجاده وهو الماء والتراب.
} وَلِيُتِمّ ِن ْعمَتَهُ عَلَ ْيكُمْ { والنسان مغمور بنعم كثيرة .فهب أن إنسانا غاب عنه أبوه لكن خير الب
يصله كل يوم من مال وطعام وشراب ووسائل ترفيه ،وبذلك يأخذ النسان نعمة الغاية من وجود
أب له .ومع ذلك يشتاق هذا النسان المستمتع بنعمة والده الغائب إلى أن يكون مع والده ،هذا هو
تمام النعمة بين الب والبن وكلهما مخلوق ل ،فما بالنا بتمام النعمة من الخالق لعباده؟
إن العبد الصالح يتمنى أن يرى مَن أنعم عليه؛ لذلك وضع الحق شرط الطهارة للقائه .وعندما
يحضر النسان لحضرة ربه بالصلة ويكبر " :ال أكبر " فهو منذ تلك اللحظة يوجد في حضرة
ال .وإذا كانت الفيوضات تتجلى على النسان من نعمة مخلوق مثله سواء أكان أخا أم أبا أم قريبا
وهي نعمة مادية يراها النسان سواء أكانت طعاما أم شرابا أم لباسا .فما بالنا بفيوضات المنعم
الخالق الذي أنعم على النسان ،إنها فيوضات من غيب؛ فكرمه لك غيب كالعتدال في المزاج
والعافية ورضا النفس وسمو الفكر.
إذن فقوله الحق } :وَلِيُتِمّ ِن ْعمَتَهُ عَلَ ْي ُكمْ { أي أنكم عشتم قبل ذلك مع نعمة المنعم ،وسبحانه يدعوكم
إلى لقاء المنعم ،ذلك تمام النعمة .وأضرب هذا المثل -ول المثل العلى -إننا نجد البن ينظر
إلى هدايا الب الغائب ويقول :أنا ل أريد هذه الشياء ولكني أريد أبي.
إن تمام النعمة -في المستوى البشري -أن يرى النسانُ المنعِمَ عليه وهو إنسان مثله ،أما تمام
النعمة على المخلوق من الخالق فيستدعي أن يتطهر النسان بما حدده له ال وأن يصلي فيلقى
ال.
شكُرُونَ { ساعة نسمع :أنا فعلت ذلك وذلك لعلك تشكر ،فهذا يعني أنك
} وَلِيُتِمّ ِن ْعمَتَهُ عَلَ ْيكُمْ َلعَّل ُكمْ تَ ْ
إن فعلت ما آمرك به فستجد أمرا عظيما.
شكُر عليه كأن ما فعله ال للنسان يوجب عند النسان نعمة أخرى
والمر الطبيعي يقتضي أن تَ ْ
http://www.daardesign.com/forum
منتدى دارنا
جكُم مّن بُطُونِ ُأ ّمهَا ِتكُ ْم لَ َتعَْلمُونَ شَيْئا
ل يمكن أن يستقبلها إل بالشكر ،مثلما قال ال {:وَاللّهُ َأخْرَ َ
شكُرُونَ }[النحل]78 :
لفْئِ َدةَ َلعَّلكُمْ َت ْ
سمْ َع وَالَبْصَا َر وَا َ
ج َعلَ َلكُمُ ا ْل ّ
وَ َ
إنّ السمع والبصار والفئدة هي منافذ الدراك .ومادام الحق قد خلقنا ول نعلم شيئا ،وجعل لنا
أدوات الدراك .وأوضح :أنا خلقت لك هذه الدوات للدراك لعلك تشكر ،أي تلمح آثارها في
نفسك مما يربي عندك ملكة الدراك للمدركات.
ويقول الحق بعد ذلك } :وَا ْذكُرُواْ ِن ْعمَةَ{ ...
()668 /
وللنسان أن يسأل :وما هو الذكر؟ .الذكر هو حفظ الشيء أو استحضاره ،فإذا كان حفظ الشيء
فهو حفظ لذاته ،لكن الستحضار يكون لمعنى الشيء .إذن فهناك فرق بين حفظ الشيء
واستحضار الشيء ،هذا هو معنى الذكر .وقد يكون الذكر بمعنى القول؛ لنك ل تقول الشيء إل
بعد أن تستحضره .ولذلك نجد في تكوين الجهاز العصبي العلى ذاكرة ،وحافظة ،ومخيلة.
ومن عجيب أمر التكوين الخلقي أن تمر أحداث على النسان في زمن مضى ول يذكرها النسان
لمدة طويلة تصل إلى سنوات ،ثم يأتي للننسان ظرف من تداعي المعاني فيذكر النسان هذا
الشيء الذي حدث منذ عشرين عاما.
إذن فالشيء الذي أدركه النسان منذ عشرين سنة على سبيل المثال لم يذهب ،ولو ذهب ما ذكره
النسان ،لكنه غاب فقط عن الذهن عشرين عاما أو أكثر؛ فلما تداعت المعاني تذكره النسان.
ومعنى ذلك أن هذا الشيء كان محفوظا عند النسان وإن توارى عنه مدة طويلة.
فالذاكرة -إذن -معناها أن يستدعي النسان المحفوظ ليصير في بؤرة شعوره .مثال ذلك:
حادث وقع بين إنسان وآخر منذ أكثر من عشرين عاما .ونسي النسان هذا الحادث .فلما التقى
بصديقه ،وجلسا يتذاكران الماضي تذكر الصديق الحادث الذي حدث له منذ أكثر من عشرين
عاما.
إذن فالحادثة لم تذهب من الذاكرة ،ولكنها محفوظة موجودة في حواشي الشعور البعيدة ،وكلما بعد
النسان في الزمن يبدو وكأنه نسي الحادثة ،لكن عندما يأتي تداعي المعاني فالحادثة تأتي في
بؤرة الشعور .فإذا ما جاءت في بؤرة الشعور من حواشي الشعور حيث مخزن الحافظة ،يتذكرها
النسان .وهذه هي قوة الخالق جل وعل.
http://www.daardesign.com/forum
منتدى دارنا
وقد يسجل أحدنا على شريط تسجيل بعضا من الكلم .ومن بعد ذلك يجب أن يسجل كلما آخر
على الشريط نفسه فيمسح الكلم الذي سجله أولً ،ولكن ذاكرة النسان تختلف ،فساعة تأتي
المسائل في بؤرة شعوره فالنسان يتذكرها .وإذا ما جاءت مسألة أخرى بعدها فل بد أن تتزحزح
المسألة الولى من بؤرة الشعور إلى حاشية الشعور؛ لن بؤرة الشعور ل تستقبل إل خاطرا
واحدا ،فإن شغلت بؤرة الشعور بخاطر آخر فهي تحفظ الخاطر الول في حواشي الحافظة .ول
يمسح خاطر خاطرا آخر .فإن أراد النسان أن يستدعي الخاطر القديم ،كان ذلك في مقدوره،
وهذا هو الفارق بين تسجيل الخالق وتسجيل المخلوق.
وبعد ذلك نجد ان التذكر يكون للمعاني ،فالذي يخزن في ذاكرة النسان ليس َأجْرَاما ،فلو كانت
أجراما لما وسعها المخ .ولهذا فالمعاني ل تتزاحم فيه ،بل تتراكم بحيث إذا ما جاء تداعي المعاني
فالنسان يتذكر ما يريد أن يذكره ،وذلك ل يمكن أن يحدث إل إذا كان المخ من صنع الخالق
العلى.
ومادامت المعاني ليس لها حيز فالنسان يقدر على حفظها في الذاكرة.
النسان قد يجلس ليتذكر أسماء الجبال في العالم فيقول :من جبال العالم قمة " إفريست " ،وجبال
" الهماليا " ،وجبل " أحد " وجبل " ثور " .وساعة يتذكر هذه السماء فهو يتصور معانيها،
فالموجود في ذهن النسان معاني هذا الكلمات وليس أجرام هذه الكائنات؛ لذلك فل تزاحم أبدا في
المعاني بل تظل موجودة ومختزنة في الذاكرة وحاشية الشعور.
وإياكم أن تفهموا أن إنسانا يملك من الذكاء ما يحفظ به الشيء من مرة واحدة :وآخرَ أقل ذكاء
يحفظ بعد قراءة الشيء مرتين ،وثالثا يحفظ عن ثلث مرات ل ،لن النسان يملك ذهنا كآلة
التصوير يلتقط من مرة واحدة ،لكن لو أخذ النسان صورة لمكان وجاء شيء يضبب عدسة
الصورة فهو يعيد التصوير ،وكذلك الذهن إن أراد النسان أن يأخذ لقطة لشيء ما لتستقر في
بؤرة الشعور وفي بؤرة الشعر شيء آخر ،فالشيء ل يستقر في الذهن ،بل ل بد من قراءة
مضمون اللقطة مرة ثانية ليؤكد النسان المعلومات لتنطبع في بؤرة الشعور.
ومثال ذلك الطالب الذي يدخل ساحة المدرسة التي يُعقد بها المتحان .وقبل أن يدق جرس
المتحان بخمس دقائق يأتي له واحد من زملئه ويقول له :ها ذاكرت الموضوع الفلني .فيقول
الطالب :ل لم استذكره .فيقول الصاحب :هذا الموضوع سيأتي منه سؤال في المتحان .فيخطف
الطالب كتابا ويقرأ فيه هذا الموضوع لمرة واحدة .هذا الطالب في هذه اللحظة ل يتذكر ماذا
سيأكل على الغداء هذا اليوم ،أو من سيقابل .بل يعرف أنه بصدد أمر فرصته ضيقة ،ويركز كل
ذهنه ليستقبل ما يقرأه .وفي لحظة واحدة يحفظ هذا الموضوع .وإذا جاء المتحان ووجد السؤال
فهو يجيب عليه بأدق التفاصيل .وقد نجد طالبا آخر جلس ليام يحاول استذكار هذا الدرس بل
http://www.daardesign.com/forum
منتدى دارنا
طائل.
إذن فالذهن يلتقط مرة واحدة ،شريطة أل يستقبل النسان ما يقرأه أو يسمعه من معلومات والذهن
مشغول بأشياء أخرى .والدليل على ذلك :أن النسان قد يسمع القصيدة مرة واحدة أو يسمع
الخطبة مرة واحدة فيحفظ من القصيدة أكثر من بيت ،أو يحفظ من الخطبة أكثر من مقطع؛ لن
ذهن النسان في تلك اللحظة كان خياليا فالتقط البيات التي حفظها ،وكذلك الخطبة ،أما بقية
أجزاء القصيدة أو الخطبة فقد يكون الذهن شرد إلى أشياء أخرى .ولذلك يحاول النسان أن يكرر
الستماع والصغاء والقراءة أكثر من مرة ليهيئ ويعد بؤرة الشعور ،فيحفظ النسان ما يريد.
إذن فالذهن يلتقط مرة واحدة ،أما الذاكرة فهي تتذكر أي تستحضر المعاني التي قد تختفي في
الحافظة ،ول شيء يضيع في الحافظة أبدا ،بحيث إذا جاء الستدعاء طفت المعاني على السطح.
كأن انطباعات النسان في نعم ال ل تُنسى أبدا .وهي موجودة عند النسان ،ولكنها تريد من
النسان أن يستدعيها من الحافظة ويطلبها.
ولنر دقة الداء القرآني } :وَا ْذكُرُواْ ِن ْعمَةَ اللّهِ عَلَ ْي ُكمْ { سبحانه يقول هنا " نعمة " مع ان نعم ال
كثيرة ،ولكن ال قد آثر أن يأتي بالمفرد ولم يأت بالجمع .وذلك ليبين للنسان أن أية نعمة في أية
زاوية من حياة النسان تستحق أن يذكرها النسان؛ فنعم ال كثيرة ،ولكن ليتذكر النسان ولو
نعمة واحدة هي نعمة اليجاد من عدم ،أو نعمة البصر ،أو السمع .وكل نعمة من هذه النعم
تستحق من النسان أن يتذكرها دائما ،ول تطرد نعمة نعمة أخرى ،فما بالنا إذا كانت النعم كثيرة؟
ولو تمعن النسان في كل نعمة لحتاجت إلى أن يتذكرها دائما ،أو أن النعمة اسم للجنس كله؛ لن
المفرد يطلق على كل الجنس ،مثل النسان فإنها تطلق على كل فرد من أفراده مثل محمد وعلي
وخالد.
وكلمة " النعمة " قد تُنسب إلى سببها كنعمة سببها مروءة واحد من البشر ،وهي محدودة بمقدار
الثر الذي أحدثته .لكن نحن هنا أمام نعمة المسبب وهو ال ،ول بد أن تناسب نعمة ال جلل
وجمال عظمته وعطائه.
} وَا ْذكُرُواْ ِن ْعمَةَ اللّهِ عَلَ ْيكُمْ َومِيثَاقَهُ الّذِي وَا َث َقكُم بِهِ { و " واثق " تقتضي امرين :فالنسان طرف
الحتياج والفقر والخذ ،والرب صاحب الفضل والعطاء والغنى ،إنه هو الربوبية وأنت العبودية،
وهو الحق القائل {:وََأوْفُواْ ِب َعهْدِي أُوفِ ِب َع ْه ِدكُمْ }[البقرة]40 :
علَ
علَ " ،ول بد في " فا َ
إذن فـ " واثقكم " تعني التأكيد من طرفين؛ لن " واثق " على وزن " فا َ
" أن تكون من اثنين .ومثال ذلك " شارك " تقولها لثنين أو أكثر؛ فنقول " :شارك زيد عمرا "؛
وكذلك " قاتل زيد عمرا " .وحين يقول الحق :إنه " واثق عباده " أي أنه شاركهم في هذا الميثاق
وقبله منهم .لكن أي ميثاق هذا؟
http://www.daardesign.com/forum
منتدى دارنا
ظهُورِهِمْ ذُرّيّ َتهُمْ
ونحن نعرف الميثاق الول الذي هو ميثاق الذر {:وَإِذْ َأخَذَ رَ ّبكَ مِن بَنِي ءَادَمَ مِن ُ
ش ِهدْنَآ أَن َتقُولُواْ َيوْمَ ا ْلقِيَامَةِ إِنّا كُنّا عَنْ هَـاذَا
ستُ بِرَ ّبكُمْ قَالُواْ بَلَىا َ
سهِمْ أََل ْ
شهَدَ ُهمْ عَلَىا أَنفُ ِ
وَأَ ْ
غَافِلِينَ }[العراف]172 :
وهو ميثاق الفطرة قبل أن توجد النفس وشهواتها .وبعد ذلك هناك ميثاق العقل الذي نظر به
النسان إلى الوجود واستطاع أن يخرج من تلك الرؤية بأن الوجود محكم ومنظم وواسع ،ول بد
لهذا الوجود من واجد وهو ال .وبعد ذلك ميثاق اليمان بال ،فالرسول صلى ال عليه وسلم حينما
عرض منهج السلم آمن به بعض الناس ،أي أخذ منهم عهدا على أن ينفذوا مطلوبات ال ،ألم
يأخذ الرسول عهدا في العقبة حين قالوا له:
خذ لنفسك ولربّك ما أحببت.
فتكلم -رسول ال صلى ال عليه وسلم -فتل القرآن ودعا إلى ال ورغّب في السلم ثم قال" :
أبايعكم على أن تمنعوني مما تمنعون منه نساءكم وأبناءكم " فأخذ البراء بن معرور بيده ثم قال:
نعم والذي بعثك بالحق لنمنعنّك مما نمنع منه أُزُرنا فبايعنا يا رسول ال فنحن أبناء الحرب وأهل
الحلقة (السلح) ورثناها كابرا عن كابر.
وحدث هذا -أيضا -عند بيعة الرضوان تخت الشجرة .إذن فمعنى " واثقكم به " إما أن يكون
العهد العام اليماني في عالم الذر ،وإما أن يكون العهد اليماني الذي جاء بواسطة الرسل.
طعْنَا { وحين يؤمن النسان يقول :سمعت وأطعت،
س ِمعْنَا وََأ َ
} َومِيثَاقَهُ الّذِي وَا َثقَكُم ِبهِ إِذْ قُلْتُمْ َ
وهكذا تنتهي مسألة التعاقد .ويتبع الحق ذلك بقوله } :وَا ّتقُواْ اللّهَ إِنّ اللّهَ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصّدُورِ {.
واتقوا أي اجعلوا بينكم وبين صفات الجلل من ال وقاية ،فالمطلوب منا أن نلتحم بمنهج ال
إلتحاما كامل ،وعلينا كذلك أن نجعل بيننا وبين صفات غضب ال وقاية .وعرفنا أن قوله الحق" :
اتقوا ال " متساوٍ مع قوله " :اتقوا النار " ،وقد يقول قائل :وهل للنار أوامر ونواه؟
ونقول :أحسن الفهم عن ربك واجعل بينك وبين غضب ال وقاية ،فالنار جند من جنود ال.
وسبحانه يوضح :اجعلوا بينكم وبين صفات الجلل وقاية؛ لن الحق له صفات جلل هي
الجبروت والنتقام والقهر ،وللحق صفات جمال فهو الغفور الرحيم المغني ،الحكيم إلى غير ذلك
من صفات الجمال ،إذن فلنجعل بيننا وبين صفات الجلل وقاية تقينا من جنود صفات الجلل
ومنها النار.
وقلنا من قبل :إن الرسول صلى ال عليه وسلم أبلغنا أنه في الليلة الخيرة من رمضان يتجلى
الجبار بالمغفرة .والنظرة السطحية تتساءل :ولماذا لم يقل :يتجلى الغفار بالمغفرة؟ ذلك أن
(الجبار) صفة من صفات الجلل التي تقتضي معاقبة المذنب ،والذنب متعلق بصفات الجلل ل
بصفات الجمال ،إذن فالمنطق يقتضي أن يقف المذنب أمام شديد النتقام؛ لن المقام يناسب صفات
http://www.daardesign.com/forum
منتدى دارنا
الجلل ،ولكن علينا أن نتذكر جيدا أن ال يرخي العِنان للمذنب لعله يتوب،وأن ال يفرح بتوبة
عبده وأن رحمته َتغْلب غضبه.
ويذيل الحق الية } :إِنّ اللّهَ عَلِيمٌ ِبذَاتِ الصّدُورِ { والتقوى -كما نعلم -ل تنشأ من الفعال
المحسة المدركة فقط ،بل تنشأ أيضا في الحوال الدخيلة المضمرة .ومثال ذلك نية سيئة ونية
حسنة .فالحقد ،الحسد ،التبييت ،المكر ،كل ذلك صفات سيئة؛ فإياكم أن تقولوا إن التقوى
للمدركات فقط؛ بل للمحسات أيضا .وعمل القلوب له دخل في تقوى ال .ومن بعد ذلك يقول
الحق } :يَا أَ ّيهَآ الّذِينَ آمَنُواْ{ ...
()669 /
عدِلُوا
ط وَلَا َيجْ ِرمَ ّنكُمْ شَنَآَنُ َقوْمٍ عَلَى أَلّا َتعْدِلُوا ا ْ
شهَدَاءَ بِا ْلقِسْ ِ
يَا أَ ّيهَا الّذِينَ َآمَنُوا كُونُوا َقوّامِينَ لِلّهِ ُ
ُهوَ َأقْ َربُ لِل ّتقْوَى وَا ّتقُوا اللّهَ إِنّ اللّهَ خَبِيرٌ ِبمَا َت ْعمَلُونَ ()8
إنّ الحق -كما علمنا -حين ينادي المؤمنين بقوله { :يَا أَ ّيهَآ الّذِينَ آمَنُواْ } إنه سبحانه لم يقتحم
على الناس تصرفاتهم الختيارية لمنهجه ،بل يلزم ويأمر من آمن به ويوجب عليه؛ فيوضح :يا
من آمنت بي إلها حكيما قادرا خذ منهجي .ولكن الحق يقول { :يا أيها الناس } حين يريد أن يلفت
كل الخلق إلى العتقاد بوجوده ،أما من يؤمن به فهو يدخل في دائرة قوله الحق { :يَا أَ ّيهَآ الّذِينَ
آمَنُواْ } وهذا النداء يقتضي بأن يسمع المؤمن التكليف ممن آمن بوجوده.
ونعلم أننا جميعا عبيد ال ،لكن لسنا جميعا عباد ال .وهناك فرق بين " عبيد " و " عباد " .فالعبيد
هم المرغمون على القهر في أي لون من ألوان حياتهم ،ول يستطيعون أن يدخلوا اختيارهم فيه.
قد نجد متمردا يقول " :أنا ل أؤمن بإله " ولكن هل يستطيع أن يتمرد على ما يقضيه ال فيما
يجريه ال عليه قهرا؟ فإذا مرض وادعى أنه غير مريض فما الذي يحدث له؟ أيجرؤ واحد من
هؤلء المتمردين على أل يموت؟!! ل أحد يقدر على ذلك.
إذن فكل عبد مقهور ل ،وكلنا عبيد ال يستدعينا وقتما يريد ويجري علينا ما يريد بما فوق
الختيارات .أما " العباد " فهم الذين يأتون إلى ما فيه اختيار لهم ويقولون ل :لقد نزعنا من أنفسنا
صفة الختيار هذه ورضينا بما تقوله لنا " افعل كذا " و " ل تفعل كذا " .إذن فالعبيد مقهورون بما
يجريه عليهم الحق بما يريد ،والعباد هم الذين يرضون ويكون اختيارهم وفق ما يحبه ال
ويرضاه؛ إنهم أسلموا الوجه ل .فهم مقهورون بالختيار ،أمّا العبيد فمقهورون بالجبار.
{ يَا أَ ّيهَآ الّذِينَ آمَنُواْ كُونُواْ َقوّامِينَ للّهِ } .و " قوام " صفة مبالغة والصل فيها قائم ،فإن أكثر
القيام نطلق عليه " قوام " .ومثال ذلك رجل ل يحترف النجارة وجاء بقطعة من الخشب وأراد أن
http://www.daardesign.com/forum
منتدى دارنا
يسد بها ثقبا في باب بيته؛ هذا الرجل يقال له " :ناجر " ول يقال له " :نجار " ،ذلك أن تخصصه
في الحياة ليس في النجارة .وكذلك الهاوي الذي يخرج بالسنارة إلى البحر؛ واصطاد سمكتين؛
يقال له " :صائد " لكنه ليس صيادا؛ لن الصيد ليس حرفته.
إن الحق يطلب من كل مؤمن أل يكون قائما ل فقط ،ولكن يطلب من كل مؤمن أن يكون قواما؛
أي مبالغ في القيام بأمر ال .والقيام يقابله القعود .وبعد القعود الضطجاع وهو وضع الجنب على
الرض ثم الستلقاء ،وبعد ذلك ينام النسان .ونحن أمام أكثر من مرحلة :قائم وقاعد ومستلق،
ونائم.
والنائم ليس عليه تكليف .والمستلقي هو المستريح على ظهره والحق يقول {:فَا ْذكُرُواْ اللّهَ قِيَاما
َو ُقعُودا وَعَلَىا جُنُو ِبكُمْ }[النساء]103 :
أي اجعلوا ال دائما على بالكم؛ فالنسان يملك في حالته الطبيعية نشاطا يمكنه أن يقوم ويقعد؛ فإن
قيل " :قال فلن بأمر القوم " أي أنه بذل كل جهد لدارة أمور الناس ،والقيام في حركات الناس
أصعب شيء .وسبحانه ل يريد منا أن نكون قائمين فقط؛ بل يريد أن نكون قوامين .ومادمنا
قوامين فلن تخلو لحظة من قيامنا أن نكون ل؛ ل توجها .ل نفعا؛ لن أية حركة من أي عبد ل
تفيد ال في شيء؛ فال خلق خلقه بمجموع صفات الكمال فيه ،ولم ينشئ خلقه له صفة جمال أو
كمال جديدة .وعندما يؤدي النسان أي عمل ل فهو يؤديه طاعة وتقربا ل .وإذا أراد ال من
المؤمنين أن يكونوا قوامين ل ،عندئذ تكون كل حركات المجتمع اليماني حركات ربانية متساندة
متصاعدة .وإذا كانت حركات المجموع اليماني متساندة فسوف تكون النتيجة لهذه الحركة سعادة
البشرية؛ فالنسان إذا ما كان قواما فهو قوام لنفسه وللخرين.
والمراد أن نكون مداومين على قيامنا في كل أمر ل .ول تعتقد أيها المؤمن أنك تعامل خلق ال،
إنما تعامل ال الذي شرع لك ليضمن لك ويضمن منك ،فأنت إن طولبت بالمانة ،فقد طولب كل
الناس بالمانة فيما هو خاص بك ل بغيرك ،وحين ينهاك ال عن الخيانة فقد أمر الحق الناس
جميعا بالنتهاء عن الخيانة لك.
إذن إن نظرت إلى تكليفات ال لوجدتها لصالحك أنت فل يظنن ظان أن الدين إنما جاء ليقف أمام
نفسه هو ،فالدين وقف أمام النفس لدى الناس جميعا ،فحين يأمرك :ألّ تمد يدك إلى مال غيرك
فأنت واحد من الناس ،وفي هذا القول أمر موجه لكل الناس :ل تمدوا أيديكم إلى مال فلن
لتسرقوه .فانظر إلى أن الحق حين شرع عليك شرع لك .ولذلك يجب أن يكون كل قيامك ل
سبحانه .ولذلك يظهر الحق سبحانه وتعالى في بعض خلقه أشياء وأحداثا تُفهم الناس أن الذي
يعمل لخلق ال مسلوب النعيم ،والذي يعمل ل يكون موصول النعيم؛ فنجد الواحد من الناس يقول:
" لقد صنعت لفلن كذا وكذا وكذا وأنكرني " .نقول له :أنت تستحق لنك صنعت له ،ولكنك لو
http://www.daardesign.com/forum
منتدى دارنا
جدُ ُكلّ َنفْسٍ
صنعت ل لكفاك ال كل أمر .ولذلك يقول الحق عن هؤلء الذين صنعوا لَ {:يوْمَ تَ ِ
حضَرا }[آل عمران]30 :
عمَِلتْ مِنْ خَيْرٍ مّ ْ
مّا َ
إذن فالمؤمن يجب أن يوضح حركة قيامه وينميها ،بمعنى أن يجعل كل حركته ل؛ فإن كانت كل
حركته ل ،فال سبحانه ل يضيع أجر من أحسن عمل .والخاسرون هم الذين يعملون للناس؛ لن
الناس ل يملكون لهم نفعا وربما تخلوا عنهم وربما أضمرت وحملت قلوبهم الضغن والحقد لمن
أحسن إليهم ،وربما تحولوا إلى أعداء لهم ،فالمصنوع له الجميل قد يعطيه ال بعضا من الجاه،
وحين يلقى صانع الجميل بعد ذلك قد تتخاذل نفسه وتذل ،ونرى في بعض الحيان واحدا يجلس
بين الناس وقد أخذته العزة ،ثم يدخل عليه إنسان كان له فضل عليه ،وساعة يراه يكره وجوده في
مجلسه ،ويتمنى أل يحدث هذا اللقاء؛ وإذا ما لقيه بعد ذلك في طريق فهو يشيح بوجهه؛ لن الذي
صنع الجميل يسبب حرجا له ،ويجعل نفسه تتضعضع ،وهو يريد أن يستكبر على الناس.
إذن فال يوضح :اعملوا ل؛ لنه ل يضيع عنده شيء .واعلموا أن ال رقيب عليكم ولن يضيع
عملٌ عنده.
وعندما سئل رسول ال -صلى ال عليه وسلم -عن الحسان قال " :أن تعبد ال كأنك تراه فإن
لم تكن تراه فإنه يراك "
أتستطيع أنت أيها النسان أن تصنع في إنسان آخر ما يسوؤه أمامه؟ .أنت تسيء إلى ألخر من
وراء ظهره .فلماذا إذن يُسيء الواحد منكم إلى ال بالعصيان ،وهو الناظر إليكم جميعا؟
إذن حين يريد الحق سبحانه وتعالى أن تحسن معاملة نفسك وغيرك فعليك أن تحتسب كل عمل
لك عند ال .فقد سخر لنا الحق كل الوجود وأعطانا كل مقومات الحياة ,ويوضح لكل واحد منا :يا
عبدي اجعل كل قيامك ل؛ ول تكن قائما فقط ولكن كن قوّاما ..بمعنى أنه مادامت فيك بقية من
العافية للعمل فاعمل ،ول تعمل على قدر حاجتك فقط ،ولكن اعمل على قدر طاقتك؛ لنك لو
عملت على قدر حاجتك فإن الذي ل يقدر على العمل لن يجد ما يعيش به.
إذن فاعمل على قدر طاقتك لتتسع حركتك للناس جميعا .ويكون الفائض من عملك لغيرك .وحين
شهَدَآءَ بِا ْلقِسْطِ { يعلمنا أل نضيع مجهودنا هباء ،بل نوجه
يقول سبحانه } :كُونُواْ َقوّامِينَ للّهِ ُ
المجهود للعمل ونقوم به لوجه ال ،لنه سبحانه ل ينسى أبدا جزاء عبده ،وهو الذي يرد كل
ل الِحْسَانُ {.
حسَانِ ِإ ّ
جميل .إنه -سبحانه -يقولَ } :هلْ جَزَآ ُء الِ ْ
ويقول أيضا {:إِنّ اللّ َه لَ ُيضِيعُ أَجْرَ ا ْلمُحْسِنِينَ }[التوبة]120 :
وحين يكون الواحد منا قوّاما ل يكون قد استغل حركة وجوده لخير خلق ال ،وهذا العمل مطلوب
منك .ول يكفي أن تكون حركتك محصورة في ذلك ،بل يجب أن تمتد أيضا حركة حياتك لتكون
شاهدا بالعدل .وكذلك توجه للعدل من تحدثه نفسه أن ينحرف .وحين تكون قوّاما ل فهذا أمر
http://www.daardesign.com/forum
منتدى دارنا
حسن ،وعليك أن تحاول إقناع غيرك بأن يكون قيامه ل بأن تكون شاهدا بالقسط والعدل .وحين
تكون شاهدا بالقسط والعدل ل يتمادى ظالم في ظلمه .فالذي يجعل الظالم يشتد ويستشري ظلمه
ويتفاقم شره هو أنه يجد من يدلسون على العدالة ويسترون ويخفون العيوب ويخادعون الناس.
لكن لو وُجِد النسان الذي ينير الطريق أمام العدالة لما وجد ظلم .لكن الظالم يحب من يدلس
عليه؛ فيقول لنفسه :إن فلنا ارتكب جريمة مثل جريمتي ونال البراءة .وتدليس الشهادة يقود إلى
خراب المجتمعات .ولو أن المجتمع حينما يرى أن شهادة أفراده هي شهادة بالقسط وشهادة
بالعدل ،فإن كل فرد في المجتمع إذا َهمّ بظلم يرتدع قبل أن يفعل الظلم ،ولكان الظالم ينال عقابه
ويصير مثالً لرتداع غيره .والمؤمن مطالب بالقيام ل بإصلح ذاته ،ومطالب ثانيا أن يشهد
بالقسط والعدل لصلح غيره.
وكلمة " القسط " تأتي منها اشتقاقات كثيرة ،وهي من اللفاظ التي قد تدل على العدل وقد تدل على
الجور ،وهي من اللفاظ التي تستعمل في المر وفي نقيضه .وهذا من محاسن اللغة .ويتطلب ذلك
أن يمحص السامع الكلمة ويتعرف على معناها بما يتطلبه السياق.
" وقَسَطَ " معناها " عدل " .والفعل المضارع لها هو يقسط .والمصدر " قِسطا " ،ومرة يكون
المصدر " قُسوطا " .والمصدر هو الذي قد يحول المعنى من العدل إلى الجور .فالقِِسط بمعنى
سطُ قُسُوطا .أي جار وظلم .هنا نجد الفعل يأتي بالمعنى وضده؛ حتى يمتلك
العدل .وقَسَطَ َيقْ ِ
السامع اليقظة والفطنة التي تجعله يعرف التمييز بين معنى العدل ومعنى الجور.
ع ْدلٍ يأتي من
وحين نقول " أقسط " فإنها بمعنى عدل ،وهنا ننتبه إلى ما يلي :أن هناك فرقا بين َ
أول المر وذلك هو القِسط ،وهناك حكم ظالم يحتاج إلى حكمٍ آخر يزيل الظلم .وذلك الذي
نستعمل له " أقسط " أي أزال الظلم .فكأن جورا كان موجودا وأزاله الحكم .فالقِسط -إذن -هو
جهَنّمَ حَطَبا }
سطُونَ َفكَانُواْ ِل َ
العدل البتدائي .ولذلك نسمع قول الحق سبحانه وتعالى {:وََأمّا ا ْلقَا ِ
[الجن]15 :
والقاسطون هنا هم الظالمون ،فالقسط هنا من قسط يقسط قُسوطا.
شهَدَآءَ بِا ْلقِسْطِ { أي شهداء بالعدل.
وفي الية التي نحن بصدد خواطرنا عنها يقول الحقُ } :
واللباقة في السامع هي التي توجه اللفظ إلى معناه المراد من خلل السياق ،فالسامع للقرآن
ُيفْترض فيه الريحية اللغوية بحيث يستطيع أن يفرق بين الشيء والمشابه له من شيء آخر .إذن
فهناك قسط وأقسط ،قسط بمعنى عدل ،وأقسط بمعنى أقام القسط بإزالة الجور .والقسوط معناه
الجور.
حبّ ا ْل ُمقْسِطِينَ { و " المقسطين " هي جمع " مُقسط "؛ من :أقسط أي أزال
والحق يقول } :إِنّ اللّهَ ُي ِ
الظلم والجور ,إذن فالذي يرجح المعنى هنا سياق الكلمة ومصدرها .وقد يراد بالكلمة المعنى
http://www.daardesign.com/forum
منتدى دارنا
المصدري .والمعنى المصدري ل يختلف باختلف منطوقه ،فيقال " :رجل عدل " ويقال " :امرأة
عدل " .ويقال " :رجلن عدل " ،ويقال " :امرأتان عدل " ،و " رجال عدل " ،و " نساء عدل ".
إذن فإن أردنا بالكلمة المصدر فهي ل تتغير في المفرد والمثنى وجمع المذكر وجمع المؤنث.
سطَ }[النبياء]47 :
والقرآن الكريم يقول {:وَنَضَعُ ا ْل َموَازِينَ ا ْلقِ ْ
سطَاسِ ا ْلمُسْ َتقِيمِ }[الشعراء]182 :
وهنا قول آخر {:وَزِنُواْ بِا ْلقِ ْ
وفي الريف المصري نجد أن التاجر يصنع لنفسه الموازين من الحجار ،فيعاير قطعة من الحجر
بوزن الكيلو جرام ،ويعاير قطعا أخرى لجزاء الكيلو جرام؛ ومن كثرة الستعمال وملمسة
الحجر يعرف التاجر أن الحجر يتآكل ،لذلك يعيد وزن الحجار التي يستعملها في الميزان كل
فترة متقاربة من الزمن .ويقال :إنه يعاير الوزان .وسمي القسطاس؛ فالقسطاس هو الذي تعاير
به الموازين ،فإذا صنع النسان شيئا للميزان مما يتآكل أو يتأثر باللمس فيجب عليه أن يعايره كل
فترة حتى ل يظلم أحدا ولو بمقدار اللمسة الواحدة .ولذلك يقول الحق } :ذَِلكُمْ َأقْسَطُ عِندَ اللّهِ { "
أقسط " هنا معناها " أعدل " .فموازين ال غير موازين البشر ،فموازين البشر قد يحدث فيها
اختلف .ونرى بعض التجار ينقضون الميزان بأن يضعوا شيئا تحت كفة الميزان أو غير ذلك
سطُ
من الخدع ،لكن الحق هو العادل الحق .وهو صاحب الميزان العدل وهو القائل } :ذَِلكُمْ َأقْ َ
عِندَ اللّهِ {.
جاءت هذه الية لن رسول ال صلى ال عليه وسلم أصدر حكما؛ وهو حكم صحيح وعادل
بقواعد البشر ،فأوضح الحق له الحكم القسط ،صحيح أن عدلك يا رسول ال ل يدخله هوى ول
يميل به غرض أو شهوة .ولكن العدل عند ال أكثر دقة وله مطلق الدقة .وقد قال الرسول صلى
ال عليه وسلم هذا الحكم بمنطق القسط البشري في أمر زيد بن حارثة وكان مولى لرسول ال
صلى ال عليه وسلم ،كان عبدا لخديجة -رضي ال عنها -وهبته لرسول ال صلى ال عليه
وسلم ،وبعد فترة علم أهل زيد بخبر اختطافه وبيعه كعبد وكيف آل إلى رسول ال صلى ال عليه
وسلم ،فجاء أهل زيد إلى رسول ال وطالبوا بابنهم .ورفض زيد أن يعود معهم وأراد أن يبقى مع
رسول ال ،وأراد رسول ال أن يكرم زيدا الذي فضله على أبيه وأهله مصداقا لقول ال {:النّ ِبيّ
سهِمْ }[الحزاب]6 :
َأوْلَىا بِا ْل ُمؤْمِنِينَ مِنْ أَ ْنفُ ِ
لذلك كان ل بد للنبي صلى ال عليه وسلم أن يقدر زيد بن حارثة؛ فأعتقه ودعاه " زيد بن محمد "
ج َعلَ
تكريما له ،على عادة العرب في تلك اليام .لكن ال يريد أن يلغي مسألة التبنّيَ {:ومَا َ
أَدْعِيَآ َءكُمْ أَبْنَآ َء ُكمْ }[الحزاب]4 :
وأجرى ال الحداث ليصحح مسألة التبني لكل العرب ،وكان بداية تطبيق ذلك على سيدنا رسول
سطُ عِندَ اللّهِ }
ال صلى ال عليه وسلم ،وينزل القول الحق {:ادْعُو ُه ْم لبَآ ِئهِمْ ُهوَ َأقْ َ
http://www.daardesign.com/forum
منتدى دارنا
[الحزاب]5 :
لم ينف ال القسط عن محمد ،ولكن القسط يأتي من عند ال .ويطيب ال خاطر زيد بعد أن عاد
إليه اسمه الفعلي منسوبا لبيه ل إلى رسول ال صلى ال عليه وسلم ،ويكافئ ال زيدا بأن يجعل
اسمه هو السم الوحيد في السلم الذي يذكر في القرآن ويتعبد المؤمنون بتلوته إلى أن تقوم
الساعة {:فََلمّا َقضَىا زَيْدٌ مّ ْنهَا وَطَرا }[الحزاب]37 :
لقد صار اسمه في القرآن يتلوه المسلمون إلى قيام الساعة .وفي ذلك كل السلوى .إذن فـ " }
سطُ عِندَ اللّهِ { جاءت في محلها ،وإذا كان الحق سبحانه وتعالى قد طلب منا أن يكون قيامنا
َأقْ َ
مبالغا فيه؛ أي أل نترك فرصة لعمل الخير وأن نبالغ في الدقة في أداء العمل ،وأن َنعْدل في
المجتمع بأن نكون شهداء بالقسط .وبذلك يأخذ كل إنسان حقه فل يقدر قوي أن يظلم ضعيفا؛ لن
الضعيف سيجد أناسا يشهدون معه بالحق.
وإياكم أن تأخذوا الهوى في مقاييس العدل .وهب أن المسألة تتعلق بعدوكم أو بخصومكم فالعدل
هنا أكثر أهمية وأكثر وجوبا.
} َولَ يَجْ ِرمَ ّنكُمْ شَنَآنُ َقوْمٍ عَلَى َألّ َتعْدِلُواْ { .أي ل يحملنكم بغض قوم على أل تعدلوا فتعتدوا
عليهم ،فمن له حق يجب أن يأخذه .ونعرف القصة التي حدثت ،عندما سرق مسلم درع مسلم آخر
وأراد السارق وأهله أن يلصقوا التهمة بيهودي وأن يبرئ نفسه ،ولكن ال أنزل قرآنا {:إِنّآ أَنْزَلْنَا
خصِيما }[النساء]105 :
حكُمَ بَيْنَ النّاسِ ِبمَآ أَرَاكَ اللّهُ وَلَ َتكُنْ لّ ْلخَآئِنِينَ َ
حقّ لِ َت ْ
إِلَ ْيكَ ا ْلكِتَابَ بِالْ َ
أي ل تكن يا محمد لصالح الخائنين مخاصما للبرآء .وقوله الحق هنا } :وَلَ يَجْ ِرمَ ّن ُكمْ شَنَآنُ َقوْمٍ
عَلَى َألّ َت ْعدِلُواْ { أي ل يحملنكم بغض قوم على أل تعدلوا ،وإل سيكون البغض لصالح عدوكم،
وبغض المؤمن إذا حمله على اتباع هواه سيكون لصالح العدو؛ لن ال سيعاقب المؤمن لو أدخل
الهوى والبغض في إقامة الميزان العادل .فتحكيم البغض والعِداء والهوى يكون لصالح الخصوم؛
لذلك ل يحملنكم أيها المؤمنون شنآن -أي بغض -قوم على أل تعدلوا.
ويضيف الحق } :اعْدِلُواْ ُهوَ َأقْ َربُ لِل ّت ْقوَىا { والعدالة حين تُطلب مع الخصم هي تقريع لذلك
الخصم لنه خالف اليمان .ومن المؤكد أن الخصم يقول لنفسه :إن عدالة هذا المسلم لم تمنعه من
أن يقول الحق ول بد أن عقيدته تجعل منه إنسانا قويا ،وأن دينه الذي أمره بذلك هو نعم الدين.
إذن ساعة تحكم أيها المؤمن بالعدل لخصمك فأنت تقرعه لنه ليس مؤمنا ،لكن لو رأى خصمك
أنك قد جُرت ولم تذهب إلى الحق ،فأنت بذلك تشجعه على أن يبقى كافرا؛ لنه سيعرف أنك تتبع
الهوى .أما إذا رآك وأنت تقف موقفا يرضي ال مع أنه خصم لك ،فهو يستدل من ذلك على أن
العقيدة التي آمنت بها هي الحق ،وأنك تقيم الحق حتى في أعدائك.
http://www.daardesign.com/forum
منتدى دارنا
وهكذا يقرع الخصمُ العقدي نفسَه ،وقد يلفته ذلك إلى اليمان.
عدِلُواْ ُهوَ َأقْ َربُ لِل ّت ْقوَىا { أقرب إلى أي تقوى؟ أأقرب إلى تقوى المؤمن؟ أم أن الخصم يكون
}اْ
أقرب إلى التقوى حين يرى المؤمن مقيما للعدل والحق ،فلعله يرتدع نفسه ويقول :إن اليمان قد
جعل هذا المسلم يتغلب على البغض وحكم بالحق على الرغم من أنه يعلم أنني عدو له.
ولنا في قصة سيدنا إبراهيم عليه السلم السوة الحسنة ،فقد جاءه رجل غريب يسأله طعاما أو
مبيتا ،فسأله إبراهيم عن دينه .فوجده كافرا ،فلم يجب مسألته.وسار الرجل بعيدا ،فأنزل ال
سبحانه على إبراهيم وحيا :أنا قبلته كافرا بي ومع ذلك ما قبضت نعمتي عنه .وسألك الرجل لقمة
أو مبيتَ ليلةٍ فلم تجبه .وجرى سيدنا إبراهيم خلف الرجل واستوقفه ،فسأل الرجل سيدنا إبراهيم؛
ما الذي حدث لتغير موقفك ،فقال سيدنا إبراهيم :إن ربي عاتبني في ذلك .فقال الرجل :نعم الرب
إله يعاتب أحبابه في أعدائه ،وآمن الرجل.
وهذا يوضح لنا معنى } َأقْ َربُ لِل ّت ْقوَىا { فقد صار الرجل الكافر أقرب للتقوى .إذن :فالمعنى
النفسي الذي يصيب خصمك أو من يغضبك أو من بينك وبينه شنآن ،حين يراك آثرت الحق على
بغضك له ،يجعله يلتفت إلى اليمان الذي جعل الحق يعلو الهوى ويغلبه ويقهره ،ويصير أقرب
للتقوى .وأيضاَ من يشهد بالقسط هو أقرب للتقوى.
ويذيل الحق الية بقوله } :وَا ّتقُواْ اللّهَ إِنّ اللّهَ خَبِيرٌ ِبمَا َت ْعمَلُونَ { فهو -سبحانه -الخبير بما
نعمل .وإياك أيها المؤمن أن تصنع ذلك لشهرة أن يُقال عنك إنك رجل حكمت على نفسك .ولكن
اعمل من أجل ال حتى وإن كان الموقف يستحق منك الفخر.
إن كثيرا من الناس يحكمون بالظلم ليشتهروا بين الناس بالعدل ،كيف؟ لنفرض أنه قد عُرضت
عليك قضية هي خصومة بين ابنك وابن جارك؛ الشجاعة الولى تفرض أن تحكم لبن جارك
وهو غير محق على ابنك ،لكن الشجاعة القوى أن يكون الحق لبنك وتحكم له ،أما إن حكمت
لبن جارك -وهو غير محق -في هذه الحالة تكون قد حكمت بالظلم لتشتهر بين الناس بالعدل!
يجب أن يكون الحق أعز عليك من ابنك وابن جارك ،وإياكم أن تعملوا أعمالً ظاهرها عدل
وباطنها رياء؛ لننا نعلم أن لكل جارحة من الجوارح مجالً تؤدي فيه وظيفتها؛ فاللسان أداؤه
ووظيفته القول ،والذن فعلها أن تسمع ،والنف أداؤه أن يشم ،ويجمع الجميع العمل .فالعمل إما
ل وإما أن يكون فعل.
أن يكون قو ً
قال تعالى {:ياأَ ّيهَا الّذِينَ آمَنُواْ لِمَ َتقُولُونَ مَا لَ َت ْفعَلُونَ * كَبُرَ َمقْتا عِندَ اللّهِ أَن َتقُولُواْ مَا لَ
َت ْفعَلُونَ }[الصف]3-2 :
إذن فالقول محله اللسان ،والفعل محله بقية الجوارح ،والثنان يجمعهما العمل.
ومن بعد ذلك يقول الحق } :وَعَدَ اللّهُ الّذِينَ آمَنُواْ{ ...
()670 /
http://www.daardesign.com/forum
منتدى دارنا
عمِلُوا الصّاِلحَاتِ َلهُمْ َم ْغفِ َرةٌ وَأَجْرٌ عَظِيمٌ ()9
وَعَدَ اللّهُ الّذِينَ َآمَنُوا وَ َ
وعندما نتأمل كلمة " وعد " نجدها تأتي ،وتأتي أيضا كلمة " أوعد " و " وعد " وكذلك أوعد إذا لم
تقترن بالموعود به ،تكون وَعَد للخير ،و " َأوْعَد " للشر .ولكن لو حدث غير ذلك وجئت
بالموعود به ،فالثنان متساويان ،فيصح أن تقول " وعدته بالخير " ويصح أيضا أن تقول" :
وعدته بالشر " .لكن إن لم تذكر المتعلق ،فإن " وعد " تستعمل في الخير .و " أوعد " تستعمل في
الشر .والشاعر يقول:وإنّي إنْ أوعدته أو وعدته لُمخِْلفُ إِبعادي ومُنْجِزُ موعديوحين يقول " :وعد
ال " فهذا وعد مطلق ل إخلل به؛ لن الذي يخل بالوعد هو النسان الذي تعتريه الغيار؛ فقد
يأتي ميعاد الوفاء بالوعد ويجد النسان نفسه في موقف العاجر أو موقف المتغير قلبيا ،لكن ساعة
يكون ال هو الذي وعد فسبحانه الذي ل تداخله الغيار ،بل هو الذي يُجري الغيار ،لذلك يكون
وعده هو الوعد الخالص الذي ل توجد قوة أخرى تحول دون أن ينفذ ال وعده .أما وعد البشر
فقد تأتي قوة أخرى تعطل الوعد.
عمِلُواْ الصّالِحَاتِ َلهُم ّمغْفِ َرةٌ } سبحانه وتعالى يوضح أن مغفرته لكل
{ وَعَدَ اللّهُ الّذِينَ آمَنُو ْا وَ َ
عباده ول يختص فقط الصالحين الورعين بل إنه يوجد حديثه إلى هؤلء الذين ارتكبوا المعاصي
فإن تابوا ،فلهم مغفرة؛ لن ردء المفسدة مقدم على جلب المصلحة؛ فأنت قد تكون جالسا ويأتي
واحد جهة اليمين ليقدم لك تفاحة ،وفي اللحظة نفسها التي تمتد يدك لتأخذ التفاحة تلتفت لتجد
إنسانا آخر يريد أن يصفعك ،أي اتجاهات سلوكك تغلب؟ .ل بد أنك سترد على من يضربك أول.
ل بالمغفرة .ونجده سبحانه وتعالى يأتي بأشياء تلفت القلب فهو يقولَ {:فمَن
والحق يزيل الذنوب أو ً
خلَ الْجَنّةَ فَقَدْ فَازَ }[آل عمران]185 :
زُحْزِحَ عَنِ النّا ِر وَأُ ْد ِ
فالخطوة الولى للفوز هي الزحزحة عن النار ،والخطوة التالية بعد ذلك هي دخول الجنة.
فسبحانه يمنع المفسدة ويقدم دفعها ودرأها على جلب المنفعة؛ لذلك يقول الحق بدايةَ { :لهُم
ّمغْفِ َرةٌ } .والنسان منا ساعة تأتي له الخواطر يفكر في أشياء يطمح إليها ،وهناك أشياء يخاف
منها .وينشغل الذهن أولً بما يخاف منه ،يخاف من المفسدة ،يخاف من عدم تحقيق المال .إذن
فدرء المفسدة مقدم على جلب المصلحة.
عظِيمٌ } .وكل أجر على عمل يأخذ عمره بقدر حيزه الزمني ،فأجر النسان
{ َلهُم ّمغْفِ َر ٌة وَأَجْرٌ َ
على عمله في الدنيا يذهب ويزول؛ لن النسان نفسه يذهب إلى الموت ،أما أجر الخرة فهو
الباقي أبدا ،وهو أجر ل يفوت النسان ول يفوته النسان ،ذلك هو الجر العظيم.
وحين يتكلم الحق عن معنى من المعاني يتعلق باليمان والعمل الصالح تكون النفس مستعدة؛ لن
http://www.daardesign.com/forum
منتدى دارنا
هناك تأميل في الخير وترهيبا من الشر؛ لذلك يتبع الحق هذه الية بآية أخرى فيقول { :وَالّذِينَ
َكفَرُواْ} ...
()671 /
جحِيمِ ()10
صحَابُ الْ َ
وَالّذِينَ َكفَرُوا َوكَذّبُوا بِآَيَاتِنَا أُولَ ِئكَ َأ ْ
()672 /
يَا أَ ّيهَا الّذِينَ َآمَنُوا ا ْذكُرُوا ِن ْعمَةَ اللّهِ عَلَ ْيكُمْ إِذْ َهمّ َقوْمٌ أَنْ يَ ْبسُطُوا إِلَ ْي ُكمْ أَيْدِ َي ُهمْ َف َكفّ أَ ْيدِ َيهُمْ عَ ْنكُمْ
وَاتّقُوا اللّهَ وَعَلَى اللّهِ فَلْيَ َت َو ّكلِ ا ْل ُم ْؤمِنُونَ ()11
والذكر -كما عرفنا -يعني استحضار الشيء إلى الذهن؛ لن الغفلة تطرأ على النسان وعليه
ال يستمر فيها .وبعض أهل الشراق والشطح يتلعبون بالمواجيد النفسية فيقول واحد منهم :يعلم
ال أني لست أذكره .وحين يسمع النسان مثل هذا القول قد يوجه لصاحبه التأنيب والنقد العنيف،
لكن القائل يحلل المر التحليل العرفاني فيكمل بيت الشعر بالشطر الثاني ":إذْ كيف أذكره إذْ لست
أنساه " .وهنا ترتاح النفس ،ويقول الحق هنا أيضاِ { :ن ْع َمتَ اللّهِ } ولم يقل " :نعم "؛ لن كل نعمة
على انفراد تستحق أن نشكر ال عليها؛ فكل نعمة مفردة في عظم وضخامة تستحق الشكر عليها،
أو أن نعمة ال هي كل فيضه على خلقه ،فأفضل النعمة أنه ربنا ،وسبحانه يقول { :ا ْذكُرُواْ ِن ْع َمتَ
سطُواْ إِلَ ْيكُمْ أَ ْيدِ َيهُمْ َف َكفّ أَيْدِ َيهُمْ عَنكُمْ } .ومادام قد جاء بـ " إذ " فالمراد
علَ ْيكُمْ إِذْ هَمّ َقوْمٌ أَن يَبْ ُ
اللّهِ َ
نعمة بخصوصها؛ لن " إذ " تعني " حين " فالحق يوضح :اذكروا نعمة ال عليكم في ذلك الوقت
http://www.daardesign.com/forum
منتدى دارنا
الذي حدثت فيه هذه المسألة؛ لنه جاء بزمن ويطلب أن نذكر نعمته في هذا الموقف ،إنه يذكرنا
بالنعمة التي حدثت عندما همّ قوم ببسط أيديهم إليكم.
وهناك " قبض " لليد و " بسط " لليد .والبسط المنظور أن ترى النعمة .وفي الية تكون النعمة هي
كف أيدي الكافرين ،ذلك أن أيديهم كانت ممدودة بالسوء والشر .ولو وقفنا عند بسط اليد؛ لظننا
أنه سبحانه قد جعل من أسباب خلقه معبرا للنعم علينا أي أن نعم ال تعبر وتصل إلينا عن
طريقهم وبأيديهم ،لكن هذا ليس مراد من النص الكريم؛ لننا حين نتابع قراءة الية ،نعرف أن
كف أيديهم هو النعمة ،فهؤلء القوم أرادوا أن يبسطوا أيديهم باليذاء .ويقولون عن بذاءة اللسان:
" بسط لسانه " ويقولون أيضا " :بسط يده باليذاء ".
ونعرف أن الحق جاء بـ " إليكم " أو " عنكم " وكلهما فيه ضمير يعود على المؤمنين مع النبي
صلى ال عليه وسلم ،فالمؤمنون ملتحمون بمنهج النبي صلى ال عليه وسلم ،فإذا همّ قوم أن
يبسطوا أيديهم إلى رسول ال ،ففي ذلك إساءة للمؤمنين برسول ال؛ لن كل شيء يصيب رسول
ال ،يصيب المؤمنين أيضا .وكانت هناك واقعة حال في زمن مقطوع وسابق ،فهل يعني الحق
سبحانه وتعالى بحادثة بني النضير ،وكان بين رسول ال صلى ال عليه وسلم وبني النضير
معاهدة أل يعينوا عليه خصوم السلم وإذا حدث قتل من جهة المسلمين فعلى بني النضير
المعاونة في الدية ،وكان النبي قد أرسل مسلما في سرية فقتل اثنين من المعاهدين خطأ ،فطالبوا
بدية للقتيلين.
ولم يكن عند النبي؛ مالٌ فذهب إلى بني النضير كي يساعدوه بدية القتيلين ،فقالوا له " :مرحبا "
نطعمك ونسقيك وبعد ذلك نعطيك ما تريد ،ثم سلطوا واحدا ليرمي الرسول بحجر .فصعد الرجل
ليلقي على الرسول صخرة ورسول ال -صلى ال عليه وسلم -قاعد إلى جانب جدار من
بيوتهم فأخبر الحق رسوله فقام خارجا ،ولم ينتظر شيئا.
} ِإذْ َهمّ َقوْمٌ أَن يَ ْبسُطُواْ إِلَ ْيكُمْ أَيْدِ َيهُمْ َف َكفّ أَيْدِ َي ُهمْ عَنكُمْ { لقد أخبر الحق نبيه بما يبيتون قبل أن
يتمكنوا من الفعل .و " الهمّ " هو حديث النفس ،فإذا ما خرج إلى أول خطا النزوع فذلك هو
القصد ،و " الهم " هو الشيء الذي يغلب على فكر النسان في نفسه ويكون مصحوبا بغم.
وفي اللغة الدارجة نسمع من يقول " :أنا في هم وغم "؛ لن " الهم " هو المر الذي ل يبارح
النفس حديثا ويسبب الغم .فالهم هو العدو الذي ل يقدر أن يقهره أحد؛ لنه يتسرب إلى القلب ،أما
أي عدو آخر فالنسان قد يدفعه ،ونعرف عن سيدنا المام علي -رضوان ال عليه وكرم ال
وجهه -أنه كان مشهورا بأنه المفتي؛ فهو يُستفتى في الشيء فيجيب عليه ،لدرجة أن سيدنا عمر
نفسه يقول " :قضية ول أبا حسن لها " أي أنها تكون قضية معضلة إذ لم يوجد أبو حسن لها
فيحلها ،وكان سيدنا عمر يستعيذ من أن يوجد في مكان ل يوجد به سيدنا علي .وعندما عرف
http://www.daardesign.com/forum
منتدى دارنا
الناس عنه ذلك تساءلوا :من أين يأتي بهذا الكلم؟ .فجاءوا بلغز وانتظروا كيف يخرج منه.
فقالوا :إن الكون متسع وفيه أشياء أقوى من كل الشياء ،وقوى تتسلط على قوى ،وحاولوا التفاق
على شيء اقوى من كل الشياء؛ فقال واحد :الجبل هو أقوى الشياء .وقال الخر :لكنا نقطع منه
الحجار بالحديد .وبينما هم يسلسلون هذه السلسلة جاء سيدنا علي فقالوا له :يا أبا الحسن ما أشد
جنود ال؟.
فأجاب سيدنا علي -كرم ال وجهه -كأنه يقرأ من كتاب بدليل أنه عرف جنود ال وعرف
القوى وحصر عددهم ،وقال سيدنا علي :أشد جنود ال عشرة.
وكأنه انشغل بهذه المسألة من قبل ،ودرسها.
قال :الجبال الرواسي والحديد يقطع الجبال ،والنار تذيب الحديد ،والماء يطفئ النار ،والسحاب
المسخر بين السماء والرض يحمل الماء ،والريح يقطع السحاب ،وابن آدم يغلب الريح يستتر
سكْر يغلب ابن آدم ،والنوم يغلب السكر ،والهم يغلب النوم،
بالثوب أو الشيء ويمضي لحاجته؛ وال ّ
فأشد جنود ال الهم .ول يمكننا أن نمر على كلمة " الهم " في القرآن إل أن نستعرض مواقعها في
كتاب ال.
وأهم موقع من مواقعها تتعرض له من أسئلة الكثيرين في رسائلهم وفي لقاءاتنا معهم هو مسألة
يوسف عليه السلم حينما قال الحق سبحانه وتعالى بخصوص مراودة امرأة العزيز له {:وََلقَدْ
َه ّمتْ بِ ِه وَهَمّ ِبهَا َلوْل أَن رّأَى بُ ْرهَانَ رَبّهِ }[يوسف]24 :
ولنحقق هذه المسألة ،فالذين يستبعدون على سيدنا يوسف عليه السلم هذا المر ،يستبعدون على
صاحب العصمة أن يُفكر في نفسه ،وإن كان التفكير في النفس لم يبلغ العمل النزوعي فهو
محتمل .بل قد يكون التفكير في الشيء ثم عدول النفس عنه أقوى من عدم التفكير فيه؛ لن شغل
النفس بهذا المر ثم الكف يعني مقاومة النفس مقاومة شديدة .ولكنهم يُجِلّون ويعظمون -أيضا -
سيدنا يوسف عن أن يكون قد مر بخاطره هذا المر فضلً على أن يوسف -عليه السلم -لم
يكن قد أرسل إليه ،أي أنه لم يكن رسول آنذاك.
الية تقول {:وََلقَدْ َه ّمتْ بِ ِه وَ َهمّ ِبهَا }[يوسف]24 :
أي أن امرأة العزيز هي التي بدأت المراودة ليوسف عليه السلم فهل تم نزوع إلى العمل؟ .ل،
لن النزوع إلى العمل يقتضي أن يشارك فيه سيدنا يوسف .إذن فـ " همت به " أي صارت تحب
أن تصنع العملية النزوعية وجاء المانع من سيدنا يوسف .وبالنسبة للمُرَاوَدِ وهو سيدنا يوسف،
قال الحق {:وَهَمّ ِبهَا َلوْل أَن رّأَى بُ ْرهَانَ رَبّهِ }[يوسف]24 :
ونصرب لذلك مثلً حتى نفهم هذا؛ إذ قال لك قائل :أزورك لول وجود فلن عندك ،هذا يعني أن
القائل لم يزرك ،وبالقياس نجد أن يوسف عليه السلم رأى البرهان فلم يهم .فمن أراد أن ينزه
http://www.daardesign.com/forum
منتدى دارنا
يوسف حتى عن حديث نفسه نقول :المر بالنسبة لها أنها همت به ،وحتى يتحقق الفعل كان ل بد
من قبول لهذا المر ،وصار المتناع لكنّه ليس من جهتها بل جاء المتناع من جهته .وهو قد همّ
بها لول أن رأى برهان ربه.
لماذا جاء الحق :بأنه همّ بها لو أن رأى برهان ربه؟ جاء الحق بتلك الحكاية ليدلنا على احكمة في
امتناع يوسف عن موافقته على المراودة ،فلم يكن ذلك عن وجود نقص طبعي جسدي فيه ،ولول
برهان ربه لكان من الممكن أن يحدث بينهما كل شيء .وأراد الحق أن يخبرنا أن رجولته كاملة
وفحولته غير ناقصة واستعداده الجنسي موجود تماما ،والذي منعه من التيان لها هو برهان ربه،
إنه امتناع ديني .ل امتناع طبيعي .وبذلك يكون إشكال الفهم لمسألة الهم عند امرأة العزيز
ويوسف قد وضح تماما.
ونعود إلى الية التي نحن بصددها } :إِذْ هَمّ َقوْمٌ أَن يَبْسُطُواْ إِلَ ْي ُكمْ أَيْدِ َي ُهمْ َف َكفّ أَ ْيدِ َيهُمْ { وكلمة "
قوم " إذا سمعتها ففيها معنى القيام ،والقيام هو أنشط حالت النسان .وكما أوضحنا من قبل نجد
أن النسان إما أن يكون قائما وإما أن يكون قاعدا وإما مضطجعا وإما مستلقيا وإما نائما.
ونجد أن الراحات على مقدار هذه المسألة ،فالقائم هو الذي يتعب أكثر من الخرين؛ لن ثقل
جسمه كله على قدميه الصغيرتين ،وعندما يقعد فإن الثقل يتوزع على المقعدة .وإذا اضطجع
فرقعة الحتمال تتسع .ولذلك يطلقونها على الرجال فقط؛ لن من طبيعة الرجل أن يكون قواما،
ومن طبيعة المرأة أن تكون هادئة وديعة ساكنة مكنونة .فالقوم هم الرجال .ومقابل القوم هنا "
النساء " .إذن فالنساء ليس من طبيعتهن القيام.
والشاعر يقول:وما أدري ولست إخال أدري أقوم آل حصن أم نساءوحين يقول الحقِ } :إذْ َهمّ
سطُواْ إِلَ ْيكُمْ أَيْدِ َيهُمْ { فمعنى ذلك أنه لم يكن هناك نساء قد فكرن في أن يؤذين رسول ال
َقوْمٌ أَن يَبْ ُ
صلى ال عليه وسلم ،ونجد هنا أيضا أن البسط مجال تساؤل ،هل البسط يعني الذى أو الكرم؟.
والحق يقول {:وََلوْ بَسَطَ اللّهُ الرّزْقَ ِلعِبَا ِدهِ لَ َب َغوْاْ فِي الَ ْرضِ }[الشورى]27 :
هذا (في مجال العطاء) أما في مجال الذى فالحق يقول على لسان ابن آدم لخيه {:لَئِن بَسَطتَ
لقْتَُلكَ }[المائدة]28 :
ك َ
سطٍ يَ ِديَ إِلَ ْي َ
إَِليّ يَ َدكَ لِ َتقْتُلَنِي مَآ أَنَاْ بِبَا ِ
واليدي لتطلق إل إذا أردنا حركة نزوعية تترجم معنى النفس سبق أَن م ّر على العقل من قبل،
فمد اليدي يقتضي التبييت بالفكر ،وهكذا نعرف أن القوم قد بسطوا أيديهم إلى رسول ال
والمؤمنين.
وعندما ننظر في التاريخ المحمدي مع أعدائه ،نجد الحق سبحانه وتعالى يقول {:وَإِذْ َي ْمكُرُ ِبكَ
الّذِينَ َكفَرُواْ لِيُثْبِتُوكَ َأوْ َيقْتُلُوكَ َأوْ يُخْ ِرجُوكَ وَ َي ْمكُرُونَ وَ َي ْمكُرُ اللّهُ وَاللّهُ خَيْرُ ا ْلمَاكِرِينَ }[النفال:
]30
http://www.daardesign.com/forum
منتدى دارنا
أي أنهم قعدوا للتبييت .ونحن ل نعرف ذلك التبييت إل إذا امتدت اليدي للعمل ،فقد مكروا وبيتوا
للشر وأرادوا أن يثبتوا رسول ال أي أرادوا تحديد إقامته بحبسه أو تقييده أو إثخانه بالجراح حتى
يوهنوه ويعجزوه فل يستطيع النهوض والقيام أو يقتلوه أو يخرجوه من بلده .بإثباته ومنعه فل
يبرح ،أو يخرجوه من المكان كله أو يقتلوه ،فماذا كان الموقف؟
لقد هموا أن يبسطوا إليه أيديهم .وبسط اليد إلى رسول ال صلى ال عليه وسلم يؤذي المؤمنين
كلهم ،لنه ل يستقيم أمر المؤمنين إل برسول ال ،فلو بسط الكفار أيديهم إلى النبي صلى ال عليه
وسلم ،لكان معنى ذلك بسط أيديهم على الكل .ويأتي التاريخ المحمدي بأمور يبسط فيها الكافرون
أيديهم بالذى إلى رسول ال وإلى المؤمنين ويكف ال أيديهم ويمكر بهم أي يجازيهم على ذلك
بالعقاب.
والمكر -كما نعلم -هو الشجر الملتف بعضه على بعضه الخر حيث ل نعرف أي ورقة تنمو
من أي جذع أو فرع .والمكر في المعاني هو التبييت في خفاء .وهو دليل ضعف ل دليل قوة.
فالقوياء يواجهون ول يبيتون؛ ولذلك يقال :إن الذي يكيد لغيره إنما هو الضعيف؛ لن النسان
الواضح الصريح القادر على المواجهة هو القوي.
ونجد البعض يجعل ضعف النساء دافعا لهن على قوة المكر استنادا لقول الحق {:إِنّ كَيْدَ الشّيْطَانِ
ضعِيفا }[النساء]76 :
ن َ
كَا َ
وإلى قول الحق {:إِنّ كَيْ َدكُنّ عَظِيمٌ }[يوسف]28 :
فل يكيد إل الضعيف .ومن ل يقدر على المواجهة فهو يبيت ،ولو كان قادرا على المواجهة لما
احتاج إلى ذلك .وقد يمكر البشر ويبيتون بخفاء عن غيرهم .لكنهم ل يقدرون على التبييت بخفاء
عن ال ،لنه عليم بخفايا الصدور .وأمر الحق في التبييت أقوى من أمر الخلق؛ لذلك نجد قوله
سبحانه {:وَ َي ْمكُرُونَ وَ َيمْكُرُ اللّ ُه وَاللّهُ خَيْرُ ا ْلمَاكِرِينَ }[النفال]30 :
ولنلحظ أن تبييت ال خير .وقد أراد الحق سبحانه وتعالى أن يُعلم أعداء السلم أنه بعد هذا
التبييت لن تنالوا من رسولي ،لن تنالوا منه بكل وسائلكم سواء أكانت تعذيبا لقومه أم تبييتا له.
وعلى الرغم من أنهم بيتوا كثيرا إل أن رسول ال صلى ال عليه وسلم خرج من بيته في مكة
إلى المدينة وهم نائمون {:فَأغْشَيْنَاهُمْ َفهُ ْم لَ يُ ْبصِرُونَ }[يس]9 :
ونجد العجب في كف أيدي الكافرين عن رسول ال .فكل أجناس الوجود قد اشتركت في عملية
كف أيدي الكافرين عن رسول ال صلى ال عليه وسلم سواء أكانت تلك الجناس جمادا أم نباتا أم
حيوانا أم إنسانا ،نثر رسول ال التراب وهو جماد فأغشي به الكافرين ،وصار التراب من جنود
ال.
وها هي ذي أسماء بنت أبي بكر تحمل الطعام لهم في الغار وهي ترعى الغنم ،والغنام تجد
http://www.daardesign.com/forum
منتدى دارنا
الحشائش فترعاها وتزيل الثر الذي أحدثه ركب رسول ال صلى ال عليه وسلم.
لقد اشترك النبات في كف أيدي الكافرين عن رسول ال ،وكذلك الغنام وهي من الحيوان ،وكذلك
فرس سراقة التي ساخت وغاصت قوائمها في الرض ،ثم الحمامة التي بنت عشها على الغار،
وكذلك العنكبوت الذي بنى بيته على الغار ،ورضخت كل جنود ال لمر ال فشاركت في عملية
كف أيدي الكافرين عن رسول ال صلى ال عليه وسلم.
والعجب من ذلك أن الحق سبحانه وتعالى قد كف أيدي الكافرين بالكافرين ،فالرسول الذي جاء
ليهدي الخلق ويسير بهم إلى النور من الظلمات ،نجد الذي يهديه في طريقه إلى المدينة هو أحد
الكفار .وهكذا نرى أن هداية المعاني تستخدم هداية المادة ،والرسول هو الحامل لهداية المعاني
يستخدم هداية المادة ممثلة في ذلك الكافر .ونعرف أن من جنود السلم في دار الهجرة كان
اليهود -برغم أنوفهم -ألم يقولوا للوس والخزرج :سيأتي من بينكم نبي نتبعه ونقتلكم معه قتل
عاد وإرم؟ فلما سمع الوس والخزرج أن نبيا ظهر في مكة ،قالوا :هذا هو النبي الذي توعدتنا به
اليهود ،فل يسبقنكم إليه ،فسبقوا إليه وأسلموا وبايعوه ،فقد ورد أن يهودا كانوا يستفتحون على
الوس والخزرج برسول ال -صلى ال عليه وسلم -قبل مبعثه ،فلما بعثه ال من العرب كفروا
به وجحدوا ما كانوا يقولون فيه.
فقال لهم معاذ بن جبل وبشر بن البراء بن معرور وداود بن سلمة :يا معشر يهود اتقوا ال
وأسلموا فقد كنتم تستفتحون علينا بمحمد صلى ال عليه وسلم ونحن أهل شرك وتخبروننا بأنه
مبعوث وتصفونه بصفته ،فقال سلم بن مشكم أخو بني النضير :ما جاءنا بشيء نعرفه وما هو
بالذي كنا نذكر لكم.
ثم كانت المدينة دارا للهجرة.
هكذا نرى الباطل يخدم الحق ،والكفر يخدم اليمان ،فها هوذا عبدال بن أريقط -وكان كافرا -
جعْل الذي رصدته قريش لمن
يضع نفسه كدليل للرسول وصاحبه أثناء الهجرة ول ينظر إلى ال ُ
يأتيها بمحمد .هكذا نجد أن كف اليدي كانت له صور كثيرة.
وقد تعرض رسول ال صلى ال عليه وسلم لشياء ومواقف رآها الصحابة ،ونشأت له خوارق
من الحق سبحانه وتعالى تؤيد صدقه ،وشاهد تلك الخوارق بعض الصحابة ول نقول عنها
معجزات؛ لن معجزة السلم إلى قيام الساعة هي القرآن .ولكن رسول ال لم تخل حياته من
بعض المعجزات الكونية مثل التي حدثت لغيره من الرسل .وأرادها الحق ل للمسلمين عموما
ولكن شاهدها بعضهم كما شاهدها بعض الكفار؛ لن رسول ال كان في حاجة إلى أن يؤكد له ال
أنه رسول ال .فها هوذا سيدنا جابر بن عبدال يقول:
" كان بالمدينة يهودي وكان يسلفني في تمري إلى الجذاذ ،وكان لجابر الرض التي بطريق رومة
http://www.daardesign.com/forum
منتدى دارنا
فجلست فخل عاما فجاءني اليهودي عند الجذاذ ولم أجذ منها شيئا ،فجعلت استنظره إلى قابل
فيأبى فأخبر بذلك النبي صلى ال عليه وسلم فقال لصحابه :امشوا نستنظر لجابر من اليهودي،
فجاءوني في نخلي فجعل النبي -صلى ال عليه وسلم -يكلم اليهودي فيقول :أبا القاسم ل
أُنظره ،فلما رأى النبي صلى ال عليه وسلم قام فطاف في النخل ثم جاءه فكلمه فأبى؛ فقمت فجئت
بقليل رطب فوضعته بين يدي النبي -صلى ال عليه وسلم -فأكل ثم قال :أين عريشك يا جابر،
فأخبرته فقال :افرش لي فيه ففرشته ،فدخل فرقد ثم استيقظ فجئته بقبضة أخرى فأكل منها ثم قام
فكلم اليهودي فأبى عليه ،فقام في الرطاب في النحل الثانية ثم قال :يا جابر ،جذ واقض؛ فوقف في
الجذاذ فجذذت منها ما قضيته وفضل منه فخرجت حتى جئت النبي صلى ال عليه وسلم فبشرته
فقال :أشهد أني رسول ال ".
مثال آخر :كان الماء قليلً عند قوم من الصحابة فيغمس رسول ال يده في الماء ويشرب كل
الناس .وهل يجرؤ أحد من الذين رأوا تلك المعجزة أن يجادل فيها؟ طبعا ل ،لكن هل هذه
المعجزة لنا؟ إن وثقنا فيمن أخبر فلن نستكثر على ال أن يكثر الماء لرسوله محمد صلى ال عليه
وسلم ،ولكن نحن نعلم أن ال قد تكفل بحفظ القرآن ليكون هو المعجزة الباقية فقال تعالى } :إِنّا
طلُ مِن بَيْنِ يَدَ ْي ِه َولَ مِنْ خَ ْلفِهِ تَنزِيلٌ مّنْ
نَحْنُ نَزّلْنَا ال ّذكْ َر وَإِنّا َلهُ لَحَا ِفظُونَ { وقال } :لّ يَأْتِيهِ الْبَا ِ
حمِيدٍ {.
حكِيمٍ َ
َ
وقد ثبت أن رسول ال جمع قليل من الزاد ودعا ما شاء ال أن يدعو وأطعم به جيشا .والذي
عاش بعد رسول ال صلى ال عليه وسلم له أن يصدق تلك المعجزات أو ل يصدقها ،ولكن على
المؤمن الذي علم مقام ومكانة الرسول عند ربه ،أن يصدق تلك الخوارق متى ثبت ذلك بطريق
يقيني قطعي ،ولذلك ل ضرورة لقامة الجدل مع هؤلء الذين ينكرون المعجزات الكونية .ونقول
لهم :ليس أحدكم مسئول بهذه المعجزات ،أنت مسئول بمعجزة القرآن فقط .والخوارق التي وقعت
إما أن تكون بغرض تثبيت رسول ال مصداقا لقوله الحق {:لِنُثَ ّبتَ بِهِ ُفؤَا َدكَ }[الفرقان]32 :
وإما أن تكون لتثبيت أصحاب رسول ال؛ فقد كانت الهوال تمر عليهم وتزلزلهم {:هُنَاِلكَ ابْتُِليَ
ن وَزُلْزِلُواْ زِلْزَالً شَدِيدا }[الحزاب]11 :
ا ْل ُم ْؤمِنُو َ
وكان ل بد أن ترسل السماء لهم أيات لتثبت أقدامهم في اليمان.
والخلصة أن كل الخوارق الكونية التي حدثت لرسول ال صلى ال عليه وسلم ليس المقصود بها
عامة المسلمين ،ولكن المقصود بها من وقعت له أو وقعت أمامه ،ونفض بذلك أي نزاع حول تلك
الخوارق؛ لن المعجزة الملزمة للجميع هي كتاب ال سبحانه وتعالى.
وقد همّ بالذى كثير من أعداء الرسول صلى ال عليه وسلم .ألم ترد امرأة من اليهود أن تسمّه
وكف ال يديها؟ وحكاية بني النضير الذين أرادوا أن يلقوا عليه الحجر ،فقام قبل أن يلقى مندوب
http://www.daardesign.com/forum
منتدى دارنا
بني النضير الحجر عليه صلى ال عليه وسلم.
" وها هوذا صفوان بن أمية له ثأر عند رسول ال من غزوة بدر يستأجر عمير ابن وهب
الجمحي ويقول له :اذهب إلى المدينة واقتل محمدا وعليّ دينك ،أنا أقضيه عنك وعيالك مع عيالي
أواسيهم ما بقوا.
ويذهب عمير إلى المدينة ويدخل على رسول ال صلى ال عليه وسلم .فقال له النبي صلى ال
عليه وسلم " :ما جاء بك يا عمير؟ قال :جئت لهذا السير الذي في أيديكم فأحسنوا إليه -وكان له
ابن أسير لدى المسلمين -قال :فما بال السيف في عنقك؟ فقال :قبحها ال من سيوف وهل أغنت
عنا شيئا؟ قال :أصدقني ما الذي جئت له؟ قال :ما جئت إل لذلك .فقال له النبي صلى ال عليه
وسلم :بل قعدت أنت وصفوان بن أمية في الحِجر فذكرتما أصحاب القليب من قريش ثم قلت لول
دين عليّ وعيال عندي لخرجت حتى أقتل محمدا فتحمل صفوان بدينك وعيالك على أن تقتلني له،
وال حائل بينك وبيني فقال عمير .أشهد أنك رسول ال .قد كنا يا رسول ال نكذبك بما كنت تأتينا
به من خبر السماء وما ينزل عليك من الوحي.
وهذا أمر لم يحضره إل أنا وصفوان ،فوال إني لعلم ما آتاك به إل ال ،فالحمد ل الذي هداني
للسلم ".
ومثال آخر :ما رواه سيدنا جابر -رضي ال عنه -في غزوة ذات الرقاع " .قال :جاء رجل
يقال له غورث بن الحارث فقام على رأس رسول ال صلى ال عليه وسلم بالسيف فقال :من
يمنعك مني؟ قال :ال .فسقط السيف من يده فأخذ رسول ال صلى ال عليه وسلم السيف وقال:
(ومن يمنعك مني)؟ فقال :كن خير آخذ .قال :تشهد أن ل إله إل ال؟ قال :ل ،ولكن أعاهدك على
أل أقاتلك ول أكون مع قوم يقاتلونك .فخلى سبيله فأتى أصحابه وقال :جئتكم من عند خير الناس
".
وعندما سمع الرجل لول مرة أن ال هو الذي يمنع الرسول منه وقع السيف من يده ،ذلك أن
ذرات الكفر في الرجل تزلزلت وعاد إلى إيمان الفطرة ،وعندما أمسك النبي بالسيف وسأل
الرجل :من يمنعك مني؟ لم يقل الرجل " :هبل " أو " اللت " أو " العزى " فالرجل يعلم أن مسألة
الصنام كذب في كذب ،ولو كان مؤمنا بآلهته لقال أحد أسمائها .وعندما تزلزلت ذرات الكفر في
كيانه عاد إلى الفطرة الولى التي ل تكذب أبدا .وإن كذب النسان على الناس جميعا ل يكذب
على نفسه .وكلمة " ال " هي التي زلزلت كفر الرجل وأعادته إلى الحق.
وفي معركة بدر نجد أن سيدنا أبا بكر الصديق كان مع رسول ال صلى ال عليه وسلم بينما ابنه
عبد الرحمن كان مع الكفار ،وبعد أن أسلم ابنه بفترة جلس الولد مع أبيه يتسامران ،فقال البن:
http://www.daardesign.com/forum
منتدى دارنا
لقد رأيتك يوم أحد فصدفت عنك فقال أبو بكر :لكني لو رأيتك ما صدفت عنك .فقد رأى ابن أبي
بكر والده ولم يقتله ،ولشك أن مقارنة نفسية باطنية فكرية قد حدثت بين معزة أبيه وبين مكانة
هبل أو تلك الحجارة ،وعرف ابن أبي بكر أن والده أفضل بكثير من تلك الحجار .ولكن أبا بكر
حينما يقول :ولو كنت رأيتك لقتلتك ،فالمقارنة النفسية هنا تكون بين اليمان بال وبين البن ،ومن
المؤكد أن اليمان يغلب في نفس أبي بكر .وكل من أبي بكر وابنه كان منطقيا مع نفسه.
ومثال آخر " :عن جابر بن عبدال أنه غزا مع رسول ال صلى ال عليه وسلم -قبل نجد فلما
قفل رسول ال صلى ال عليه وسلم -قفل معه فأدركتهم القائلة -شدة الحر في وسط النهار -
في وادٍ كثير العضاة -شجر عظيم له شوك -فنزل رسول ال ،وتفرق الناس في العضاة
سمُرَة فعلق بها سيفه ،قال
يستظلون بالشجر ونزل رسول ال -صلى ال عليه وسلم -تحت َ
جابر :فنمنا نومة فإذا رسول ال يدعونا فجئناه فإذا عنده أعرابي جالس فقال رسول ال -صلى
ال عليه وسلم -إن هذا اخترط سيفي وأنا نائم فاستيقظت وهو في يده صلتا فقال لي :من يمنعك
مني؟ فقلت له :ال .فها هوذا جالس ثم لم يعاقبه رسول ال -صلى ال عليه وسلم
." -
ولماذا حدث ذلك؟ لن الفطرة المستلهمة بدون تدخل من أحد تنضح باليمان .وها نحن أولء
نرى الصحابة في العهد الول حينما اضطهدوا في مكة وهاجروا هحرتهم الولى إلى الحبشة؛
هل ذهبوا إليها خبط عشواء؟ أو ذهبوا بتخطيط نبوي كريم؟ لقد درس النبي أولً الرض التي
تصلح لستقبالهم ويقبلهم فيها أهلها كمهاجرين .ودرس النبي أوضاع الجزيرة العربية ووجد أن
قريشا تتمكن من كل قبيلة في الجزيرة العربية عندما يأتي موسم الحج؛ لذلك لن توجد القبيلة التي
تحمي المهاجرين فيقول لهم رسول ال صلى ال عليه وسلم:
" لو خرجتم إلى أرض الحبشة فإن بها ملكا ل يظلم عنده أحد وهي أرض صدق ،حتى يجعل ال
لكم فرجا مما أنتم فيه ".
وبالفعل ذهب المسلمون إلى الحبشة مهاجرين .وحاولت قريش أن تسترد المسلمين من أرض
النجاشي .وأرسلت قريش بعثة لستردادهم ورفض النجاشي .وسمع النجاشي عن النبي صلى ال
عليه وسلم وعلم أنه النبي الذي بشر به النجيل .ولشك أن النجاشي قد أسلم لن النبي صلى ال
عليه وسلم صلى على النجاشي عندما مات .وكان إسلم النجاشي مكافأة له من ال؛ لنه حمى
المؤمنين بال وبرسوله عنده .وما أعظم المكافأة التي نالها النجاشي أن يموت على السلم وأن
يصلي عليه سيدنا رسول ال صلة الغائب.
إن كل هذا من كف أيدي الكافرين عن المؤمنين وعن رسول ال ،ومن أجل أن يثبت الحق للجميع
أن المؤمنين على حق وأن ال لن يخذلهم ،فل يخطر ببال المؤمنين أن عدوهم أقوى منهم؛ فال
http://www.daardesign.com/forum
منتدى دارنا
أقوى من خلقهَ } :ف َكفّ أَيْدِ َي ُهمْ عَنكُمْ { وكف أيدي الكافرين عن المؤمنين لنه -سبحانه -يعد
المؤمنين ليكونوا حملة منهجه إلى الخلق .ولذلك يجب أن يداوم المؤمنون على تكاليف اليمان
وتقوى ال ليكف ال أيدي الكافرين عنهم ،فل يتغلب كافر على مؤمن في لحظة من اللحظات إل
إذا كان المؤمن قد تخلى عن شيء في منهج ال؛ لن الحق ل يقول قضية قرآنية ثم يترك القضايا
الكونية التي تحدث في الحياة لتنسخ هذه القضية القرآنية.
http://www.daardesign.com/forum
منتدى دارنا
ويرى أبو بكر الكفار وهم يمرون أمام الغار فيقول لرسول ال " :لو أن أحدهم نظر تحت قدميه
لبصرنا ،فقال النبي صلى ال عليه وسلم " :ما ظنك يا أبا بكر باثنين ال ثالثهما ".
وفي ذلك رد كامل؛ لن الثنين في معية ال ،ومادام المؤمن في معية من ل تدركه البصار فلن
تدركه البصار ،كيف؟ .نحن ل نعرف كل أسرار ال ولكنه القادر العلى.
وفي حياة البشر نجد الطفل الصغير قد يخرج بمفرده فيصيبه غيره من الطفال بالضرر؛ ولكن
إذا خرج الطفل مع عائله ،مع أبيه مثلً أو مع أخيه الكبر ،فالطفال ل يقتربون منه؛ فما بالنا
ونحن جميعا عيال ال؛ وماذا يحدث عندما نتشبث بمعية ال؟ .إذن فتقوى ال هي التي تجعل
المؤمن في معية ربه طَوال الوقت .ومن يُرِدِ المؤمن بسوء فإن جنود ال تحمي المؤمن .ويذيل
الحق الية } :وَعَلَى اللّهِ فَلْيَ َت َو ّكلِ ا ْل ُم ْؤمِنُونَ { .وإياكم أن تقولوا :إننا بل عَدَد أو عُدّة .إنك مسئول
طعْ ُتمْ مّن ُق ّوةٍ َومِن رّبَاطِ
أن تعد ما تقدر عليه وتستطيعه وأترك الباقي ل {:وَأَعِدّواْ َلهُمْ مّا اسْتَ َ
الْخَ ْيلِ }[النفال]60 :
ويقول التاريخ اليماني لنا إنه كم من فئة قليلة غلبت فئة كثيرة بإذن ال .وقد يقول قائل :هذه
المسألة مادية تحتاج إلى عدد وعُدد .ونرد :إن الحق قد طالب بأن نعد ما نستطيعه ل فوق ما
نستطيعه .وهو سبحانه عنده من الجند اللطيف الخفيّ الدقيق الذي ل يُرى {:سَأُ ْلقِي فِي قُلُوبِ الّذِينَ
عبَ }[النفال]12 :
َكفَرُواْ الرّ ْ
ومادام ال قد ألقى الرعب في قلوب العداء فالمسألة تنتهي ول تفلح عُدد أو عَدَد .ويكون التوكل
على ال بعد أن يعد النسان ما يستطيعه وهو الستكمال ال َفعّال للنصر ،ولنعلم أن التوكل غير
التواكل .إن المتوكل على ال يقتضي أن يعلم النسان أن لكل جارحة في النسان مهمة إيمانية،
أن تطبق ما شرع ال؛ فالذن تسمع ،فإن سمعت أمرا من الحق فأنت تنفذه ،وإن سمعت الذين
يلحدون في آيات ال فأنت تعرض عنهم .واللسان يتكلم ،لذلك ل تقل به إل الكلمة الطيبة؛ فلكل
جارحة عمل ،وعمل جارحة القلب هو اليقين والتوكل ،ولنتذكر أن السعي للقدم ،والعمل لليد
والتوكل للقلب ،فل تنقل عمل القلب إلى القدم أو اليد؛ لن التوكل الحقيقي أن تعمل الجوارح
وتتوكل القلوب ،وكم من عاملٍ بل توكل فتكون نتيجة عمله إحباطا.
إننا نجد الزارع الذي ل يتوكل على ال ينمو زرعه بشكل جيد ومتميز ثم تهب عليه عاصفة أو
يتغير الجو فيصيبه الهلك وتكون النتيجة الحباط .واحذر إهمال السباب؛ أو أن تفتنك السباب؛
لنك إن أهملت السباب فأنت غير متوكل بل متواكل .تنقل عمل القلب إلى الجوارح .وإذا قال
لك واحد :أنا ل أعمل بل أتوكل على ال ،قل له :هيا نر كيف يكون التوكل .وأحضر له طبق
طعام يحبه .وعندما يمد يده إلى الطعام ،قل له :اترك الطعام يقفز من الطبق إلى فمك.
http://www.daardesign.com/forum
منتدى دارنا
ويجعل الحق سبحانه وتعالى من قصص الرسل على رسول ال صلى ال عليه وسلم تثبيتا
لليمان وتربية للسوة وإنماء لها ،حتى ل يضيق صدر الرسول صلى ال عليه وسلم بما يفعله
اليهود أو المشركون ،فإن كان قد حدث معك -يا محمد -شيء من هذا النكار واليلم ،فقد
حدث الكثير من تلك الحداث مع الرسل من قبلك ،فيقول سبحانه } :وََلقَدْ َأخَذَ اللّهُ{ ...
()673 /
ل وَ َبعَثْنَا مِ ْنهُمُ اثْ َنيْ عَشَرَ َنقِيبًا َوقَالَ اللّهُ إِنّي َم َعكُمْ لَئِنْ َأ َقمْ ُتمُ الصّلَاةَ
خذَ اللّهُ مِيثَاقَ بَنِي إِسْرَائِي َ
وَلَقَدْ أَ َ
حسَنًا لَُأ َكفّرَنّ عَ ْن ُكمْ سَيّئَا ِتكُمْ
وَآَتَيْتُمُ ال ّزكَاةَ َو َآمَنْتُمْ بِرُسُلِي وَعَزّرْ ُتمُوهُ ْم وََأقْ َرضْتُمُ اللّهَ قَ ْرضًا َ
سوَاءَ السّبِيلِ ()12
ضلّ َ
وَلَأُدْخِلَ ّن ُكمْ جَنّاتٍ َتجْرِي مِنْ تَحْ ِتهَا الْأَ ْنهَارُ َفمَنْ َكفَرَ َبعْدَ ذَِلكَ مِ ْنكُمْ َفقَ ْد َ
يُ َذكّر الحق هنا رسوله بالميثاق الذي أخذه من بني إسرائيل .وقد يكون المقصود هو ميثاق الذر أو
خذَ اللّهُ مِيثَاقَ النّبِيّيْنَ }[آل عمران]81 :
يكون المراد بالميثاق ما جاء في قوله تعالى {:وَِإذْ أَ َ
خذُواْ مَآ ءَاتَيْنَاكُم ِب ُق ّوةٍ }[البقرة]63 :
أو أن يكون المراد بالميثاق هو ما بينه بقوله سبحانهُ {:
ويقول سبحانه { :وَ َبعَثْنَا مِنهُمُ اثْ َنيْ عَشَرَ َنقِيبا } ولنر " التكتيك " الديني الذي أراده الحق ،فهو ل
يجمع أجناس الخلق المختلفة على واحد من نوع منها؛ لن ذلك قد يعرض الدعوة لعصبية؛
فاختار سبحانه اثني عشر نقيبا على عدد السباط حتى ل يقولن سبط :كيف ل يكون لي نقيب؟.
وحسم ال المر ،ولم يجعله محلً للنزاع؛ فجعل لكل سبط نقيبا منهم .والنقيب هو الذي يدير
حركتهم العقدية والدينية .وساعة نسمع كلمة " نقيب " نعرف أنها من مادة " النون والقاف والباء "
" ،والنقب " هو إحداث فجوة لها عمق في أي جسم صلب.
إن إختيار الحق لكلمة نقيب ،يَدل على أن النقيب الصادق ينبغي أن يكون صاحب عينين في
منتهى اليقظة حتى يختار لكل فرد المهمة التي تناسبه ويركز على كل فرد بما يجعله يؤدي عمله
بما ينفع الحركة الكاملة .وبذلك يكون كل فرد في البسط له عمله ومكانه المناسب .ول يتأتى ذلك
إل بالتنقيب ،أي معرفة حالة كل واحد وميوله فيضعه في المكان المناسب.
إذن فالنقيب هو المنقب الذي ل يكتفي بظواهر المور بل ينقبها ليعرف ظروف وأسباب كل
واحد .واختار الحق من كل سبط نقيبا ،ولم يجعل لسبط نقيبا من سبط آخر حتى يمنع السيطرة من
سبط على سبط ،ويمنع أن يكون النقيب على جهالة بمن يريد حركتهم من السباط الخرين.
ونحن نسمع في حياتنا اليومية وصفا لنسان :فلن له مناقب كثيرة ،أي أن له فضائل يذكرها
الناس ،كأنّ على صاحب الفضائل أل يتباهى بها بنفسه بل عليه أن يترك الناس لينقبوا عن
فضائله ،ولذلك كانت كنوز الرض وكنوز الحضارات مدفونة ننقب عليها ،أما ما يظهر على
http://www.daardesign.com/forum
منتدى دارنا
سطح الرض فتذروه الرياح وعواملُ التعرية ول يبقى منه شيء.
إذن فكلمة " نقيب " في كل مادتها تدور حول الدخول إلى العمق ،لذلك تصف الرجل الفاضل:
فلن له مناقب أي أن نقبت وجدت له فضائل تذكر ،وقد أعطاه ال موهبة الخير ول يتعالم بها،
بل يدع الناس هم الذين يحكمون ويذكرون هذه الصفات .ومن نفس المادة " النقاب " أي أن تغطي
المرأة وجهها.
وقوله الحق { :إِنّي َم َعكُمْ } يعطيهم خصلة إيمانية ،فل يظنن أحد أنه يواجه أعداء منهج ال بذاته
الخاصة بل بمعونة ال فل يضعف أحد أو يهن مادام مؤمنا ،وكما قال الحق:
http://www.daardesign.com/forum
منتدى دارنا
حذَرْوالقسم قد تقدم في هذا الية ،لذا نجد الجواب هنا
وقَبْلُ ذو خبر فالشرط َرجّحْ مطلقا بل َ
لكَفّرَنّ عَ ْنكُمْ سَيّئَا ِت ُكمْ {.
جواب القسم ،وهو } ُ
لةَ { يوضح أن القامة تحتاج إلى أمرين؛ فروض تؤدى ،وكل فرض
وقوله الحقَ } :أ َقمْ ُتمُ الصّ َ
فيها يأخذ حقه في القيام به .وبعد ذلك } وَآتَيْتُمُ ال ّزكَاةَ { وفي كتب الفقه نضع الصلة ،والزكاة في
باب العبادات .وجاء التقسيم الفقهي لتسهيل إيضاح الواجبات ،لكن كل مأمور به من ال عبادة؛
لن العبادة هي أن تطيع مَن تعبد في كل أمر به ،وأن تجتنب ما نهى عنه ،فكل أمر إلهي هو
عبادة.
http://www.daardesign.com/forum
منتدى دارنا
حياتك على قدر طاقتك ،وخذ منها ما يكفيك ويكفي مَن تعول ،والباقي ُردّه على مَن لم يقدر .ولو
جعل كل إنسان حركة حياته على قدر حاجته ،فلن يجد من ل يقدر على الحركة ما يعيش به.
ولنذكر جيدا أن الحق سبحانه وتعالى قد قال:
http://www.daardesign.com/forum
منتدى دارنا
ويصف الحق القرض بأنه حسن حتى ل يكون فيه مَنّ ،أو منفعة تعود على المقرض وإل صار
في القرض ربا .ولنا السوة الحسنة في أبي حنيفة عندما يجلس في ظل بيتِ صاحبٍ له.
واقترض صاحب هذا البيت من أبي حنيفة بعض المال .وجاء اليوم التالي للقرض وجلس ابو
حنيفة بعيدا عن ظل البيت ،فسأله صاحب البيت لماذا؟ أجاب أبو حنيفة :خفت أن يكون ذلك لونا
من الربا.
فقال صاحب البيت :لكنك كنت تقعد قبل أن تقرضني .فقال أبو حنيفة :كنت أقعد وأنت المتفضل
علي بظل بيتك فأخاف أن أقعد وأنا المتفضل عليك بالمال.
والقرض الحسن هو الذي ل يشوبه مَنّ أو اذًى أو منفعة؛ ولن القرض دَيْنٌ ،وضع الحق
سمّى فَاكْتُبُوهُ }[البقرة]282 :
جلٍ مّ َ
القواعدِ {:إذَا تَدَايَنتُم بِدَيْنٍ إِلَىا أَ َ
فالحق يحمي المقترض من نفسه؛ لنه إذا علم أن الدين مكتوب ،يحاول جاهدا أن يتحرك في
الحياة ليسد هذا الدين ،ويستفيد المجتمع من حركته أيضا.
وعندما يُكتب القرض فهذا أمرٌ دافع للسداد وَحّاثّ عليه .لكن إن لم يكتب القرض فقد يأتي ظرف
من الظروف ويتناسى القرض؟ولو حدث ذلك من شخص فلن تمتد له يد من بعد ذلك بالمعاونة في
أي أزمة ،فيريد الحق أن يديم السباب التي تتداول فيها الحركة ،ولذلك يقال في المثلة العامية:
من يأخذ ويعطي يصير المال ماله .ويكون مال الدنيا كلها معه ،ولذلك يقول الحقَ {:ولَ تَسَْأمُواْ
أَن َتكْتُبُوهُ }[البقرة]282 :
ضكُم
وفي ذلك حماية للنفس من الغيار ،ولم يمنع الحق الريحية اليمانية فقال {:فَإِنْ َأمِنَ َب ْع ُ
َبعْضا فَلْ ُي َؤدّ الّذِي اؤْ ُتمِنَ َأمَانَتَهُ }[البقرة]283 :
وهكذا يحمي ال الحركة القتصادية .ونجد رسول ال صلى ال عليه وسلم وهو الرحيم
بالمؤمنين ،وقد بلغه أن واحدا قد مات وعليه دين ،فقال للصحابة :صلوا على أخيكم .لكنه لم
يصل على الميت .وتساءل الناس لماذا لم يصل رسول ال على هذا الميت وما ذنبه؟ كأن رسول
ال أراد أن يعلم المؤمنين عن دين المدين فلم يمنع الصلة ،ولكنه لم يصل عليه حفزا للناس و َدفْعا
لهم إلى أن يبرئوا ذمتهم بسداد وأداء ما عليهم من دين .وقال:
" من أخذ أموال الناس يريد أداءها ،أدى ال عنه .ومن أخذها يريد إتلفها أتلفه ال ".
فمادام قد مات وهو مدين وليس عنده ما يسد الدين؛ فربما كان ل ينوي رد الدين ،وأن نفسه قد
حدثته بأل يرد الدين.
وفي فلسفة هذا المر نفسيا نجد أن المقترض عندما يقترض شيئا كبيرا ل يستطيع أن يتجاهله أو
ينساه ،ثم ل يمر بذهن الذي أقرض أن فلنا مدين ،بل وقد تبلغ الحساسية بالذي قدم القرض أل
يمر على المقترض يريد أن يسدد القرض .أما إن تحرك قلب الدائن على المدين ،وجلس يفكر في
http://www.daardesign.com/forum
منتدى دارنا
قيمة الدين ،فليُفهم أن عند الذي اقترض بعض ما يسدد به الدين ،أي أن المدين عنده القدرة على
الوفاء بالدّيْن أو ببعضه ،ذلك أن ال ل يُحرج من يَجِد ويجتهد في السعي لسداد دينه.
حسَنا { .وقد يقول قائل :كان السياق اللفظي يقتضي أن يقول " :أقرضتم
} وََأقْ َرضْتُمُ اللّهَ قَرْضا َ
ال إقراضا "؛ لكن الحق جاء بالقرض الحسن؛ لن القراض هو العملية الحادثة بين الطالب
للقرض والذي يقرض.
وسبحانه يضع القرض الحسن في يده ،ولنا أن نتصور ما في يد ال من قدرة على العطاء .ومثل
ن الَ ْرضِ نَبَاتا }[نوح]17 :
ذلك قوله الحق {:وَاللّهُ أَنبَ َتكُمْ مّ َ
و " أنبتكم " تعبر عن عملية النبات ،والرض تخرج نباتا ل إنباتا .فمرة يأتي ال بالفعل ويأتي
من بعد ذلك بالمصدر من الفعل؛ لنه يريد به السم .و " أنبت " يدل على معنى وينشئ ال لكم
منها نباتا.
لكَفّرَنّ عَ ْنكُمْ سَيّئَا ِتكُمْ { وفي ذلك جواب
حسَنا ُ
وهكذا قال ال عن القرض } :وََأقْ َرضْتُمُ اللّهَ قَرْضا َ
للقسم ،ومن بعد ذلك يقول سبحانه } :وَلُ ْدخِلَ ّنكُمْ جَنّاتٍ تَجْرِي مِن َتحْ ِتهَا الَ ْنهَارُ { وقد تكلمنا من
سوَآءَ
ضلّ َ
قبل كثيرا عن الجنات .ويذيل الحق الية الكريمة بقولهَ } :فمَن َكفَرَ َبعْدَ ذاِلكَ مِ ْنكُمْ َفقَ ْد َ
السّبِيلِ { ألم يكن الذي كفر من قبل ذلك قد ضل سواء السبيل؟ بلى ،إنه قد ضل فعل ،ولكن الذي
ضل بعد أن جاء ذكر تلك النعم والثواب فيها فالضلل أكثر .وكلمة " سواء " نقرأها في القرآن
سوَآءً }[آل عمران]113 :
ونراها في الستعمالت اللغوية؛ كمثل قوله الحق {:لَ ْيسُواْ َ
وسواء معناها وسط ،ومتساوون .والمعاني ملتقية؛ لنه عندما يكون هناك وسط فمعنى ذلك أن
هناك طرفين .ومادام الشيء في الوسط فالطرفان متساويان ،وعندما نقول :وسط ،فهذا يقتضي أن
نجعل المسافة بينه وبين كل طرف متساوية ,.ولذلك يجب أن ننتبه إلى أن كثيرا من اللفاظ
تستعمل في شيء وفي شيء آخر ،وهذا ما يسمى بالمشترك اللفظي ..أي اللفظ واحد والمعنى
جوِ َهكُمْ شَطْ َرهُ }[البقرة]144 :
متعدد ،مثال ذلك قوله الحقَ {:فوَلّو ْا وُ ُ
والشطر هو الجهة .والشطر هو النصف .النصف هو الجهة بمعنى أن توجه إنسان ما إلى الكعبة
يقتضي أن يكون النسان واقفا في نقطة هي مركز بالنسبة لدائرة الفق .وهذه النقطة بالنسبة
لمحيط الفق تقطع كل قطر من أقطارها في المنتصف تماما .إذن .فعندما يقول :الجهة ،نقول:
صدقت ،وعندما يقول النصف .نقول :صدقت.
سوَآءَ السّبِيلِ { والقرآن قد نزل على أمة تعيش في البادية وطرقها بين الجبال ،وقد
ضلّ َ
} َفقَ ْد َ
يكون الطريق معبّدا من ناحية ،وقد يكون الطريق بين هاويتين .وقد يكون الطريق بين جبلين،
ومن يأخذ بالحوط فهو يمسي في الوسط .ولذلك قال المام علي -كرم ال وجهه :-اليمين
والشمال مضلة وخير المور الوسط؛ لن النسان قد يتجه يمينا فيقع .أو يتجه شمالً فيقع؛ أو تقع
http://www.daardesign.com/forum
منتدى دارنا
عليه صخرة .ونجد الوالد ينصح ابنه فيقول له :امش ول تلتفت يمينا أو يسارا واتجه إلى
سوَآءِ
مقصدك .ونجد الحق يصف الطريق الذي يمشي عليه المؤمن يوم القيامة {:فَاطّلَعَ فَرَآهُ فِي َ
جحِيمِ }[الصافات]55 :
الْ َ
وسواء الجحيم هو نقطة المنتصف في النار؛ أي أنه ل يستطيع الذهاب يمينا أو شمالً .ويقول
ضهِم مّيثَا َقهُمْ{ ...
الحق من بعد ذلك } :فَ ِبمَا َن ْق ِ
()674 /
حظّا ِممّا
ضعِ ِه وَنَسُوا َ
جعَلْنَا قُلُو َبهُمْ قَاسِيَةً ُيحَ ّرفُونَ ا ْلكَلِمَ عَنْ َموَا ِ
ضهِمْ مِيثَا َقهُمْ َلعَنّاهُ ْم وَ َ
فَ ِبمَا َنقْ ِ
حبّ
صفَحْ إِنّ اللّهَ ُي ِ
عفُ عَ ْنهُ ْم وَا ْ
ُذكّرُوا بِ ِه وَلَا تَزَالُ َتطّلِعُ عَلَى خَائِنَةٍ مِ ْنهُمْ إِلّا قَلِيلًا مِ ْنهُمْ فَا ْ
حسِنِينَ ()13
ا ْلمُ ْ
وساعة يقول الحق " :ميثاقا " فالميثاق يتطلب الوفاء .فهل وفوا بهذا الميثاق؟ .ل ،لقد نقضوا
المواثيق فلعنهم ال .واللعن هو الطرد والبعاد ،والحق في ذلك يقول { :فَ ِبمَا َن ْقضِهِم مّيثَا َقهُمْ
لَعنّاهُمْ } أي بسبب نقضهم الميثاق لعنهم ال .لقد أثار وجود " ما " هنا بعض التفسيرات ،فهناك
من العلماء من قال :إنها زائدة ،وهناك آخرون قالوا :إنها " صلة " .ولكن الزيادة تكون عند البشر
ل عند ال .ول يمكن أن يكون بالقرآن شيء زائد؛ لن كل كلمة في القرآن جاءت لمقتضى حال
يحتم أن تكون في هذا الموضع .فها هوذا الحق يخبرنا بما وصى به لقمان ابنه {:وَاصْبِرْ عَلَىا مَآ
لمُورِ }[لقمان]17 :
َأصَا َبكَ إِنّ ذَِلكَ مِنْ عَ ْز ِم ا ُ
لمُورِ }[الشورى]43 :
غفَرَ إِنّ ذَِلكَ َلمِنْ عَزْمِ ا ُ
وفي آية أخرى يقول سبحانه {:وََلمَن صَبَ َر وَ َ
في الية الولى لم يورد " اللم " لتسبق " مِن " ،وفي الية الثانية أورد " اللم " لتسبق " مِن " ،
وليس ذلك من قبيل التفنن في العبارات ،فقوله { :وَاصْبِرْ عَلَىا مَآ َأصَا َبكَ إِنّ ذَِلكَ مِنْ عَزْمِ
لمُورِ } دعوة للصبر على مصيبة ليس للنسان غريم فيها ،كالمرض ،أو موت أحد القارب،
اُ
غفَرَ إِنّ ذَِلكَ َلمِنْ
وهذه الدعوة للصبر تأتي هنا كعزاء وتسلية ،أما قوله الحق { :وََلمَن صَبَ َر وَ َ
لمُورِ } فالدعوة للصبر هنا مع الغفران تقتضي وجود غريم يسبب للنسان كارثة.
عَزْ ِم ا ُ
هنا يطلب ال من المؤمن أن يغفر لمن أصابه وأن يصبر .ومادام هناك غريم؛ فالنفس تكون
متعلقة بالنتقام ،وهذا موقف يحتاج إلى جرعة تأكيدية أكثر من الولى؛ فليس في الموقف الول
غريم واضح يُطلب منه النتقام ،أما وجود غريم فهو يحرك في النفس شهوة النتقام ،ولذلك
لمُورِ } .ويقول سبحانه في موقع آخر {:مَا
يؤكدها الحق سبحانه وتعالى { :إِنّ ذَِلكَ َلمِنْ عَ ْز ِم ا ُ
جَآءَنَا مِن بَشِيرٍ }[المائدة]19 :
http://www.daardesign.com/forum
منتدى دارنا
وعندما يقوم النحاة بإعراب " بشير " فهم يقولون " :إنها فاعل مرفوع بضمة مقدرة على آخرة
منع من ظهورها حركة حرف الجر الزائد .إنه التفاف طويل ،ول يوجد حرف زائد ،فالنسان
يقول :ما عندي مال .وهذا القائل قد يقصد أنه ل يملك إل القليل من المال ل يعتد به .وعندما
يقول النسان " ما عندي من مال " فـ " من " هنا تعني أنه ل يملك أي مالٍ من بداية ما يقال له
مال .ولذلك فـ " مِن " هنا ليست زائدة ،ولكنها جاءت تعني لمعنى .إذن " ما جاءنا من بشير "
أي لم يأت لنا بداية من يقال له بشير.
حمَةٍ مّنَ اللّهِ لِنتَ َلهُمْ }[آل عمران]159 :
وها هوذا قول الحق {:فَ ِبمَا َر ْ
وقد يحسب البعض أن " ما " هنا حرف زائد ،ولكنا نقول :ما الصل في الشتقاق؟.
إن الصل الذي نشتق منه هو المصدر .ومرة يأتي المصدر ويراد به الفعل ،كقول القائل" :
ضربا زيدا " أي " اضرب زيدا " .ومجيء المصدر هنا قول مقصود به الفعل ،وكذلك قوله الحق:
ضهِم مّيثَا َقهُمْ لَعنّا ُهمْ {.
} فَ ِبمَا َن ْق ِ
مادام النقض مصدرا فمن الممكن أن يقوم مقام الفعل .ومادام المصدر قد قام مقام الفعل فمن
ضهِم مّيثَا َقهُمْ لَعنّاهُمْ { .إذن " ما " تدل هنا
الجائز أن يأتي فعل آخر ،فيصبح معنى القول } :فَ ِبمَا َن ْق ِ
على أن المصدر قد جاء نيابة عن فعل .وبقيت " ما " لتدل على أن المصدر من الفعل المحذوف،
أو أن " ما " جاءت استفهامية للتعجيب ..أي فبأي نقض من ألوان وصور نقضهم للعهد لعناهم؟
وذلك لكثرة ما نقضوا من العهود على صور وألوان شتى من النقض للعهد.
ضهِم مّيثَا َقهُمْ لَعنّا ُهمْ { .والنقض هو ضد البرام؛ لن البرام هو إحكام
وقوله الحق } :فَ ِبمَا َن ْق ِ
الحكم بالدلة .والنقض هو حل عناصر القضية ،كأن العهد الموثق الذي أخذه ال عليهم قد
نقضوه .ونحن نسمي العقيدة اليمانية عقيدة ،لماذا؟؛ لنها مأخوذة من عقد الشيء بحيث ل يطفو
ليناقش من جديد في الذهن .كذلك الميثاق إنه عهد مثبت ومؤكد .وعندما ينقضونه فهم يقومون
بحله ،أي أنهم أخرجوا أنفسهم عن متطلبات ذلك العقد .وجاء اللعن لنهم نقضوا الميثاق.
جعَلْنَا قُلُو َبهُمْ قَاسِيَةً { وهم عندما نقضوا المواثيق ،طبع ال على قلوبهم؛ لنه لم يطبع على
} وَ َ
قلوبهم بداية؛ فقد كفروا أولً ،وبعدذ لك تركهم ال في غيهم وضللهم وطبع على القلوب َفمَا فيها
من كفر ليخرج ،والخارج عنها ل يدخل إليها .و " قاسية " تعني صُلبة .وفيها شدة .والصلبة
مذمومة في القلوب وليست مذمومة في الدفاع عن الحق؛ لننا نقيس كل موجود على مهمته.
فعندما يكون كل موجود على مهمته يكون كل الكون جميلً .مثال ذلك؛ نحن ل نقول عن
خطّاف ل بد له من العوج؛ لن ذلك العوج مناسب لمهمته ،إذن
الخُطاف ذمّا فيه إنه أعوج .فال ُ
فعوج الخطاف استقامة له .وكذلك القسوة غير مذمومة شريطة أن تكون في محلها ،أما إن جاءت
في غير محلها فهي مذمومة .إن القلوب القاسية مذمومة؛ لن الحق يريد للقلوب أن تكون لينة{:
http://www.daardesign.com/forum
منتدى دارنا
ثُمّ تَلِينُ جُلُودُ ُه ْم َوقُلُو ُبهُمْ إِلَىا ِذكْرِ اللّهِ }[الزمر]23 :
والقسوة مأخوذة من القَسيّ وهو الصلب الشديد ،ونعرف أن الدنانير كانت تضرب من الذهب
والدراهم تضرب من الفضة .وعندما يفحصها الصيرفي قد يُخرج واحدا منها ويقول :هذا زيف
أو زائف لنه قد سمع رنينها ،أهي صلبة في الواقع أم ل؟ .وعندما تكون صلبة يقال لها :دراهم
قاسية.
إنّ الذهب لين .والفضة لينة.
فعندما نقول :إن هذا ذهب عيار أربعة وعشرين أي ذَ َهبٌ ليس به نسبة من المواد الخرى التي
تجعله قابلً للتشكيل؛ لنه عندما يكون ذهبا صافيا على إطلقه فلن يستطيع الصائغ أن يصوغ منه
الحلي؛ لذلك يخلطه الصائغ بمعدن صُلب ،حتى يعطيه المعدن درجة الصلبة التي تتيح له تشكيل
الحلي منه .وتختلف نسبة الصلبة من عيار إلى عيار في الذهب وكذلك الفضة .والمصوغات
المصنوعة من عيار مرتفع من الذهب ليست عرضة للتداول ،كالسبائك الذهبية.
وإذا ما دخل المعدن الصلب إلى الذهب أو الفضة جعلها قاسية؛ أي صلبة .الصلبة -إذن -فيما
يناسبها محمودة .وفيما ل يناسبها مذمومة كصلبة القلوب وقسوتها.
ضعِهِ { مثل ذلك نقلهم أمر ال الذي طلب منهم أن يقولوا" :
ويقول الحقُ } :يحَ ّرفُونَ ا ْلكَلِمَ عَن ّموَا ِ
حظّا ّممّا ُذكِرُواْ بِهِ { وكانت وسائل النسخ في الكتب التي سبقت
حطة " فقالوا " :حنطة " } وَنَسُواْ َ
القرآن هي نسيان حظّ مما ذكروا به ،والنسيان قد يكون عدم قدرة على الستيعاب ،لكنه أيضا
دليل على أن المنهج لم يكن على بالهم .فلو كانت كتب المنهج على بالهم لظلوا على ذكر منه،
كما أنهم كتموا ما لم ينسوه ،والذي لم ينسوه ولم يكتموه حرّفوه ولووا ألسنتهم به .وياليت المر
اقتصر على ذلك ،ولكنهم جاءوا بأشياء وأقاويل وقالوا إنها من عند ال وهي ليست من عند ال{:
َفوَيْلٌ لّلّذِينَ َيكْتُبُونَ ا ْلكِتَابَ بِأَ ْيدِيهِمْ ُثمّ َيقُولُونَ هَـاذَا مِنْ عِنْدِ اللّهِ لِيَشْتَرُواْ ِبهِ َثمَنا قَلِيلً َفوَ ْيلٌ ّل ُهمْ
ّممّا كَتَ َبتْ أَ ْيدِيهِ ْم َووَ ْيلٌ ّل ُهمْ ّممّا َيكْسِبُونَ }[البقرة]79 :
هي أربعة ألوان من التغيير ،النسيان ،والكتم ،والتحريف ،ودسّ أشياء على أنها من عند ال وهي
ليست من عند ال.
ولنا أن نتأمل جمال القول الحكيم } :وَنَسُواْ حَظّا ّممّا ُذكِرُواْ بِهِ { فهم على قدر كبير من السوء
بدرجة أنستهم الشيء الذي يأتي لهم بالحظ الكبير ،مثل نسيانهم البشارات بمحمد عليه الصلة
والسلم وكتمانها ،ولو كانوا قد آمنوا بها ،لكان حظهم كبيرا؛ ذلك أنهم نسوا أمرا كان يعطيهم
جزاء حسنا ،إذن فقد جنوا على أنفسهم؛ لن السلم لن يستفيد لو كانوا مهتدين أو مؤمنين
والخسار عليهم هم ،ولم يدعهم ال ويتركهم على نسيانهم ليكون لهم بذلك حجة ،بل أراد أن
يذكرهم بما نسوه .وكان مقتضى ذلك أن ينصفوا أنفسهم بأن يعودوا إلى اليمان؛ لن الحق
http://www.daardesign.com/forum
منتدى دارنا
ذكرهم بما نسوا ليحققوا لنفسهم الحظ الجميل .وقد يراد أنّهم تركوا ذلك عامدين معرضين عنه
ُمغْفِلين له عن قصد.
عفُ عَ ْن ُه ْم وَاصْفَحْ إِنّ
ويقول الحق من بعد ذلكَ {:ولَ تَزَالُ َتطّلِعُ عَلَىا خَآئِنَةٍ مّ ْنهُمْ ِإلّ قَلِيلً مّ ْنهُمُ فَا ْ
حسِنِينَ }[المائدة]13 :
حبّ ا ْلمُ ْ
اللّهَ ُي ِ
أي أن خيانتهم لك يا رسول ال ولتباعك ولمنهج ال الحق في الرض ستتوالى ،ولأدل على
ذلك مما حدث منهم ضد رسلهم أنفسهم مع أنهم من بني جلدتهم ومن عشيرتهم ،إنهم من بني
إسرائيل مثلهم ،فما بالك بنبي جاء من جنس آخر ليقتحم عليهم سلطتهم الزمنية؟
إذن فخيانتهم ل متصورة.
و " خائنة " بمعنى " خيانة " مثلها مثل " قائلة " وهي القيلولة أي المسافة الزمنية بعد الظهر،
وفعلها :قال يقيل أي نام وسط النهار أو " خائنة " أي " نفس خائنة " .أو " خائنة " مثل امرأة
خائنة " أو " خائنة " مبالغة كما نقول " راوٍ " و " راوية " ونحن نعني رجلً ،أو نقول " جماعة
خائنة ".
إذن فالكلمة الواحدة هنا مستوعبة لكل مصادر الخيانة منهم ،رجل أو امرأة أو جماعة أو كل
هؤلء .والذي يتكلم هنا هو رب العالمين ،ويتكلم للعرب وهم أهل فصاحة ،إنه أداء لغوي عال.
ومن فرط دقة القرآن وصدقه يأتي الحق بقولهِ } :إلّ قَلِيلً مّ ْنهُمُ { طبقا لقانون صيانة الحتمال.
فحين يخاطب ال رسوله صلى ال عليه وسلم ليبين له موقف اليهود منه ،أل يُحتمل أن يُوجد قوم
من اليهود يغلبهم الفهم العميق فيفكروا في أن يؤمنوا بهذا الرسول ،ويهدئوا من شراسة ظنهم به؟
وقد فكر بعضهم وأعلن السلم.
وهؤلء القوم عندما يسمعون أحكام ال على اليهود أجمعين ،أل يقولون :وما لنا ندخل في هذه
الزمرة؛ ونفكر في أن ننطق باليمان؟ فكأن قولهِ } :إلّ قَلِيلً مّ ْنهُمُ { صان قانون الحتمال أن
يكون إنسان منهم فكر في اليمان .ومن فكر في اليمان فسوف يجد قوله الحقِ } :إلّ قَلِيلً مّ ْنهُمُ {
وسيرى هذا النسان في نفسه أن القرآن دليل نزل على نور .وقد كان وأعلن قليل منهم إسلمه،
وماذا يكون موقفه صلى ال عليه وسلم بعد أن يخبره الحق :بأنك ستتعرض مستقبل لخيانتهم؟ أل
يحرك ذلك نفسية رسول ال صلى ال عليه وسلم والمؤمنين عليهم ،فإذا فعل اليهود خائنة فل بد
أن ينتقموا منهم ،وتطبيقا للقاعدة الساسية في رد العدوان بأن من يعتدي عليك فاعتد عليه.
عفُ عَ ْن ُه ْم وَاصْفَحْ إِنّ
لم يشأ -سبحانه -أن يترك الموقف لعواطف البشر مع البشر بل قال } :فَا ْ
حسِنِينَ { والعفو هو كما نقول :فلن عفّى على آثاري ،أي أن آثارك تكون واضحة
حبّ ا ْلمُ ْ
اللّهَ ُي ِ
على الرض وتأتي الريح لتمسحها فتعفي على الثر .والمر بالعفو أي امسح الثر لذنب فعلوه.
والخطيئة التي ارتكبوها عليك أن تعتبرها كأنها لم تحدث ،ولكن أيظل أثرها باقيا عند رسول ال؟
http://www.daardesign.com/forum
منتدى دارنا
ل ،فالمر بالصفح يأتي وهناك فرق بين أن تمحو الخطيئة وتبقى أثرها في نفسك وتظل في حالة
من الغيظ والحقد.
والحق هنا يأمر بالعفو أي إزالة أثرها ويأمر بالصفح أي أن ُتخْرِجَ أثر الخطيئة من بالك؛ لن
النسان منا له مراحل؛ المرحلة الولى بعد أن يرتكب أحدهم ذنبا في حقه ،فل يقابل العدوان
بمثله ،وهذا هو العفو ،والمرحلة الثانية :أل يترك أثر هذا الذنب يعمل في قلبه بل يأتي الصفح
حتى ل ينشغل قلب المؤمن بشيء قد عفا عنه ،والمرحلة الثالثة :فرصة مفتوحة لمن يريد أن
يتمادى في مرتبة الحسان وترقي اليقين واليمان بأن يحسن النسانُ إلى من أساء إليه.
حبّ
س وَاللّهُ يُ ِ
ظ وَا ْلعَافِينَ عَنِ النّا ِ
ظمِينَ ا ْلغَيْ َ
وهذه المراحل الثلث يوضحها قوله الحق {:وَا ْلكَا ِ
حسِنِينَ }[آل عمران]134 :
ا ْلمُ ْ
وعملية الحسان مع المسيء أو المعتدي :أهي عملية منطقية مع النفس النسانية؟ قد تكون غير
منطقية مع النفس النسانية ،ولكنك أيها النسان ل تشرع لنفسك ،إنما الذي يشرع لك هو العلى
من النفس النسانية .والخالق يقول لك :لو علمت ما قدّمه لك من أساء إليك لحسنت إليه .لنك
إن أسأت إلى خلق من خلق ال فالذي يثأر ويأخذ الحق لمن أسيء إليه هو رب هذا المخلوق.
ويأتي ال في صف الذي تحمل الساءة.
إذن فإساءة العدو لك جعلت ال في صفك وفي جانبك ،أل يستحق ذلك المسيء أن نشكره؟ أل
تقول لنفسك القول المأثور :أل تحسن إلى من جعل ال في جانبك .إذن هذا هو التشريع } :إِنّ اللّهَ
حبّ ا ْل ُمحْسِنِينَ { والحسان هنا خرج بالترقي اليماني عن مرحلةَ {:فمَنِ اعْ َتدَىا عَلَ ْيكُمْ فَاعْ َتدُواْ
يُ ِ
علَ ْيكُمْ }[البقرة]194 :
عَلَيْهِ ِبمِ ْثلِ مَا اعْتَدَىا َ
والحسان أن تفعل شيئا فوق ما افترضه ال ،ولكن من جنس ما افترضه ال؛ والمحسن الذي
يدخل في مقام الحسان هو من يعبد ال كأنه يراه فإن لم يكن يراه فهو سبحانه وتعالى يرى كل
ت وَعُيُونٍ * آخِذِينَ مَآ آتَاهُمْ رَ ّبهُمْ
خلقه .ونعرف قول الحق سبحانه وتعالى {:إِنّ ا ْلمُتّقِينَ فِي جَنّا ٍ
إِ ّنهُمْ كَانُواْ قَ ْبلَ ذَِلكَ ُمحْسِنِينَ }[الذاريات]16-15 :
جعُونَ }[الذاريات]17 :
ما الذي جاء بالحسان هنا؟ وتكون الجابة {:كَانُواْ قَلِيلً مّن اللّ ْيلِ مَا َي ْه َ
وهل يكلف ال خلقه أل يهجعوا إل قليل من الليل؟ ل .فقد كلف ال المسلم بالصلةن وأعلمه بأنه
حر بعد صلة العشاء ،وله الحق أن ينام إلى الفجر ،فإن سمع أذان الفجر فليقم إلى صلة الفجر.
لكن المحسن يريد الرتقاء بإيمانه فيزيد من صلواته في الليل .ويضيف الحق مذكرا لنا بصفات
المحسنين {:وَبِالَسْحَارِ هُمْ يَسْ َت ْغفِرُونَ }[الذاريات]18 :
أكلف ال الخلق بأن يستغفروا بالسحار؟ ل .بل إن الرسول يجيب على رجل سأله عن الفروض
الساسية المطلوبة منه ،فذكر له أركان السلم ومن بينها الصلوات الخمس المكتوبة ،فقال
http://www.daardesign.com/forum
منتدى دارنا
الرجل :وال ل أزيد على هذا ول أنقص فقال الرسول صلى ال عليه وسلم " :أفلح إن صدق ".
ل وَا ْلمَحْرُومِ }[الذاريات:
حقّ لّلسّآ ِئ ِ
ويضيف الحق في استكمال صفات المحسنينَ {:وفِي َأ ْموَاِلهِمْ َ
]19
ونلحظ أن الحق هنا لم يقل " :حق معلوم " إنما قال } :حَقّ لّلسّآ ِئلِ وَا ْلمَحْرُومِ { فالحق المعلوم هو
الزكاة ،أما المحسن فللسائل والمحروم في ماله حق غير معلوم ،وذلك ليفسح سبحانه المجال
للطموحات اليمانية ،فمن يزد في العطاء فله رصيد عند ال.
http://www.daardesign.com/forum
منتدى دارنا
ما عاملناه به ،ويعترفون به نبيا رحيما رءوفا كريما ،ول يقفون في وجه دعوته .لكن أيظل العفو
والصفح هما كل التعليمات الصادرة من الحق إلى نبيه محمد صلى ال عليه وسلم؟ ل .فقد مر
المر اللهي بمرحليات متعددة؛ فالرسول يستقطب النفس النسانية بأن يستعبدها بالحسان ،فإن لم
يستعبدها الحسان فل بد أن يشمر النبي عن الساعد ويفعل ما يأمره به ال ،ولنقرأ قوله الحق:
()675 /
لقد قالوا إنهم نصارى .وأخذ الحق الميثاق منهم ،إما ميثاق الذر وإما ميثاقهم لنبيهم عيسى ابن
مريم ،فنسوا حظا مما ذكروا به وتركوا ما أمرهم به النجيل ونقضوا الميثاق ،فتفرقوا في عداء
ملحوظ فِرَقا شتى ،وجاء أمر ال كما وعد { :يَا أَ ْهلَ ا ْلكِتَابِ} ...
()676 /
http://www.daardesign.com/forum
منتدى دارنا
خفُونَ مِنَ ا ْلكِتَابِ وَ َيعْفُو عَنْ كَثِيرٍ قَدْ
يَا أَ ْهلَ ا ْلكِتَابِ قَدْ جَا َءكُمْ رَسُولُنَا يُبَيّنُ َلكُمْ كَثِيرًا ِممّا كُنْ ُتمْ تُ ْ
جَا َءكُمْ مِنَ اللّهِ نُورٌ َوكِتَابٌ مُبِينٌ ()15
كأن الحق سبحانه وتعالى يعطيهم الفرصة والعذر حتى ل يقولن واحد منهم :لم يبلغني عن
ل لمنهج
رسولي شيء .وهناك فترة لم يأت فيها رسول .وها هوذا رسول من ال يأتي حام ً
متكامل .ومجيء الرسول يمنحهم ويعطيهم فرصة لتجديد ميثاق اليمان .وهم قد أخفوا من كتبهم
بعض الحكام .مثل الرجم والربا ،وقال بعض من بني إسرائيل في الربا ما ذكره القرآن عنهم{:
لمّيّينَ سَبِيلٌ }[آل عمران]75 :
لَيْسَ عَلَيْنَا فِي ا ُ
أي أنهم أقروا القراض بالربا لمن هم على غير دينهم ،ولكن ل ربا في تعاملهم مع أبناء دينهم.
وأراد رسول ال صلى ال عليه وسلم أن يلم الشمل وأن يجمع أيديهم مع يده؛ لنه نبي انتظروه
ولهم في كتبهم البشارة به .وأن يقف الجمع المؤمن أمام موجة اللحاد في الرض حتى يسيطر
نظام السماء على حركة الرض؛ لذلك قال الحق { :قَدْ جَآ َء ُكمْ مّنَ اللّهِ نُورٌْ } .ومعنى ذلك ان
كتمانهم لبعض منهج ال قد صنع ظلمة في الكون .ومادامت قد حدثت ظلمانية في الكون ،وخاصة
ظلمانية القيم ،إذن فالكون صار في حاجة إلى من ينير له الطريق .ونعرف أن النور هو ما نتبين
به الشياء.
وحين يعرض الحق لنا قضية النور الحسي يريد أن يأخذ بيدنا من النور الحسي إلى النور
المعنوي؛ فالنور الحسي يبدد ظلم الطريق حتى ل نصطدم بالشياء أو نقع في هوة أو نكسر
شيئا ،لكن عندما يحمل النسان نورا فهو يمشي على بينة من أمره .والنور الحسي يمنع من
تصادم الحركات في المخلوقات ،حتى ل تبدد الطاقة ،فتبديد الطاقة يرهق الكون ول يتم إنجاز ما.
إن الشمس في أثناء النهار تضيء الكون ،ثم يأتي القمر من بعد الشمس ليلقي بعضا من الضوء،
وكذلك النجوم بمواقعها تهدي الناس في ظلمات البر والبحر .وجعل ال هذه الكائنات من أجل أل
تتصادم الحركة المادية للموجودات ،فإذا كان ال قد صنع نورا ماديا حتى ل يصطدم مخلوق
بمخلوق ،فهو القادر على أل يترك القيم والمعاني والموازين بدون نور ،لذلك خلق الحق نور القيم
ليهدي النسان سواء السبيل ،فإذا كان الكافر أو الملحد يتساوى مع المؤمن في الستفادة بالنور
المادي لحماية الحركة المادية في الرض ،ولم نجد أحدا يقول :أنا في غير حاجة للنتفاع بالنور
المادي ،ونقول للكافرين والملحدة :مادمتم قد انتفعتم بهذا النور فكان يجب أن تقولوا :إن ل نورا
في القيم يجب أن نتبعه .ويلخص المنهج هذا النور بـ " افعل ول تفعل ".
ت وَالَرْضِ }[النور]35 :
سمَاوَا ِ
فالمنهج -إذن -نور من ال .ولنقرأ {:اللّهُ نُورُ ال ّ
إنه يأخذ بيدنا في الطريق بالنور المادي الذي يستفيد منه الكل ،سواء من كان مؤمنا أو غير ذلك،
ويضرب سبحانه لنا مثل النور.
http://www.daardesign.com/forum
منتدى دارنا
شكَاةٍ فِيهَا ِمصْبَاحٌ }[النور]35 :
{ مَ َثلُ نُو ِرهِ َكمِ ْ
والمشكاة هي الطاقة التي توجد في الجدار وهي غير النافذة ،إنّها كوة في الجدار يوضع فيها
المصباح الزيتي أو " الكيروسيني " وتوجد في المباني البدائية قبل أن يخترع النسان المصابيح
الكهربية والثريات .ول تتجاوز مساحة الكوة ثلثين سنتيمترا ،وطولها أربعون سنتيمترا ول يزيد
عمقها على خمسة عشر سنتيمترا؛ أما الحجرة فمساحتها تزيد أحيانا على ثلثة أمتار في الطول
والعرض والرتفاع.
ويتحدث الحق عن الكوة فقط ول يتحدث عن الحجرة .وأي مصباح في الكوة قادر على إنارة
الحجرة .ولننتبه إلى أن هذا المصباح غير عادي ،فهو مصباح في زجاجة .ونعرف أن المصباح
الذي في زجاجة هو من الرتقاءات الفكرية للبشر .فالمصابيح قديما كانت بدون زجاجة وكان
يخرج منها ألسنة من السّناج " الهباب " الذي يُسوّد ما حولها ،فالسّناج أثر دخان السراج في
الحائط وغيره .وقد ينطفئ المصباح لن الهواء يهب من كل ناحية ،ثم وضع النسان حول شعلة
المصباح زجاجة تحمي النار وتركز النور وتعكس الشعة ويأخذ المصباح من الهواء من خلل
شكَاةٍ فِيهَا ِمصْبَاحٌ ا ْل ِمصْبَاحُ فِي زُجَاجَةٍ }[النور]35 :
الزجاجة على قدر احتياج الشتعالَ {.كمِ ْ
أي أن النور من هذا المصباح أشد قوة؛ لن الزجاجة تعكس أشعة المصباح وتنشر الضوء في كل
المكان .والزجاجة التي يوجد فيها هذا المصباح ليست عادية {:الزّجَاجَةُ كَأَ ّنهَا َك ْو َكبٌ دُ ّريّ }
[النور]35 :
والكوكب نفسه مضيء ،وتكون الزجاجة كأنها هذا الكوكب الدري في ضيائه ولمعانه .والمصباح
شجَ َرةٍ مّبَا َركَةٍ زَيْتُونَةٍ }[النور]35 :
يوقد من ماذا؟ {.يُوقَدُ مِن َ
وهذا ارتقاء في إضاءة المصباح من زيت شجرة زيتون ،والشجرة غير عادية {:لّ شَ ْرقِيّ ٍة َولَ
غَرْبِيّةٍ }[النور]35 :
فهي شجرة يتوافر لها أدق أنواع العتدال {:نّورٌ عَلَىا نُورٍ }[النور]35 :
ذلك هو من قدرة ال في نور الكونيات المادية ،ولذلك فليس من المعقول أن يترك القيم
والمعنويات بدون نور .فكما اهتدى النسان في الماديات فينبغي أن يفطن إلى قدرة الحق في
هداية المعنويات ،بدليل أن ال قالَ {:يهْدِي اللّهُ لِنُو ِرهِ مَن يَشَآءُ }[النور]35 :
يهدي ال بنور القيم والمنهج والمعاني من يريد .وقد يهتدي الملحد بنور الشمس المادي إلى
الماديات ولكن بصره أعمى عن رؤية نور المنهج والقيم؛ لذلك يوضح سبحانه أن هناك نورا إلهيا
هو المنهج .وضرب هذا المثل ليوضح المعاني الغيبية المعنوية بالمعاني الحسية .ونحن على
مقاديرنا نستضيء ،فالفقير أو البدائي يستضيء بمصباح غازي صغير ،والذي في سعة من العيش
قد يشتري مولدا كهربيا .وكل إنسان يستضيء بحسب قدرته .ولكن عندما تشرق الشمس في
http://www.daardesign.com/forum
منتدى دارنا
الصباح ما الذي يحدث؟.
يطفئ النسان تلك المصابيح ،فالشمس هي نور أهداه ال لكل بني النسان ،ولكل الكون .كذلك إذا
فكرنا بعقولنا فيما ينير حياتنا فكل منا يفكر بقدرة عقله.
ولكن إذا ما نزل من عند ال نور فهو يغني عن كل نور أخر .وكما نفعل في الماديات نفعل في
لمْثَالَ لِلنّاسِ }[النور]35 :
المعنويات {:نّورٌ عَلَىا نُورٍ َيهْدِي اللّهُ لِنُو ِرهِ مَن يَشَآ ُء وَ َيضْرِبُ اللّ ُه ا َ
والذي يدلنا على أن النور الثاني هو نور القيم الذي يكشف لنا بضوء " افعل ول تفعل " أن ال
سمُهُ }[النور]36 :
قال بعد ذلك {:فِي بُيُوتٍ أَذِنَ اللّهُ أَن تُ ْرفَ َع وَيُ ْذكَرَ فِيهَا ا ْ
ولوبحثت عن متعلق الجار والمجرور لم تجده إل في قوله( :في بيوت أذن ال أن ترفع) كأن
النور على النور يأتي من مطالع الهدى في مساجده .فهي بيوت ال نقبل عليها ليفيض منها نور
سمُهُ يُسَبّحُ لَهُ فِيهَا بِا ْلغُ ُد ّو وَالصَالِ *
الحق على الخلق {.فِي بُيُوتٍ أَذِنَ اللّهُ أَن تُ ْر َف َع وَيُ ْذكَرَ فِيهَا ا ْ
ل لّ تُ ْلهِيهِمْ ِتجَا َر ٌة وَلَ بَيْعٌ عَن ِذكْرِ اللّهِ }[النور]37-36 :
رِجَا ٌ
وكلمة } لّ تُ ْلهِيهِمْ ِتجَا َرةٌ { ل تعني تحريم التجارة ،فالنسان الصادق ل تلهيه التجارة عن ذكر
ال .وليكن ال على بال المؤمن دائما ،فعندما يكون النسان على ذكر ل فال يعطيه من مدده.
إذن يا أهل الكتاب قد جاءكم النور ،وبين لكم الرسول كثيرا مما تختلفون فيه .وتسامح عن كثير
من خطاياكم ،ويريد أن يجري معكم تصفية شاملة .فعليكم أن تلتفتوا وتنتبهوا و ُتعَدّلوا من موقفكم
من هذا الدين الجديد .ولتبحثوا ماذا يريد ال بهذا المنهج .وال قد ضرب المثل بالنور ،وهذا النور
يهدي إلى " افعل ول تفعل " .ومن الذي يقول لنا إن هذا النور قادم من ال؟ إنه الرسول ،ومن
الذي يدلنا على أن الرسول صادق في البلغ عن ال؟ الذي يدل على صدقه هو قول ال {:يَا أَ ّيهَا
النّاسُ َقدْ جَآ َءكُمْ بُرْهَانٌ مّن رّ ّب ُك ْم وَأَنْزَلْنَآ إِلَ ْيكُمْ نُورا مّبِينا }[النساء]174 :
فالذي جاء أول من ربكم هو البرهان على أن رسول ال صادق في البلغ عن ال ،وليبلغنا أن
الكتاب قد جاء بالمنهج .والقرآن يتميز بأنه البرهان على صدق النبي وهو المنهج النوراني؛ لن
البرهان هو الحجة على صدق الرسول في البلغ عن ال.
ونعرف البرهان في حياتنا التعليمية أثناء دراسة مادة الهندسة عندما نقابل تمرينا هندسيا فنأخذ
المعطيات وبعد ذلك ننظر إلى المطلوب إثباته .ونعيد النظر في المعطيات لنأخذ منها قوة للبرهنة
على إثبات المطلوب .وإن كانت المعطيات ل تعطي ذلك فإننا نتجه إلى خطوة أخرى هي العمل
على إثبات المطلوب .وهذا الكون فيه معطيات ،وهو كون محكم ،ونلمس إحكامه فيما ل دخل
ك ال َقمَرَ َولَ الْلّ ْيلُ سَا ِبقُ ال ّنهَارِ }[يس]40 :
شمْسُ يَن َبغِي َلهَآ أَن تدْ ِر َ
لحركتنا فيه {:لَ ال ّ
كون موزون بالسماء والرض وحركة الرياح وغير ذلك ،وتلك المور التي ل دخل للنسان فيها
نجد القوانين فيها مستقيمة تمام الستقامة وكمالها .فإن أراد النسان أن يأخذ المعطيات من الكون،
http://www.daardesign.com/forum
منتدى دارنا
فليأخذ في اعتباره النظر إلى المور التي للنسان دخل فيها ولسوف يجدها تتعرض للفساد؛ لن
الهوى في البشر له مدخل على هذه الشياء.
سمَآءَ َر َف َعهَا
لكن الخالق العلى ل تطوله ول تتناوله أمور الهوى .ولذلك يقول سبحانه {:وَال ّ
َووَضَعَ ا ْلمِيزَانَ }[الرحمن]7 :
فل السماء تنطبق على الرض ،ول كوكب يزاحم كوكبا آخر .ويبين لنا الحق كيفية السير بنظام
ط َغوْاْ فِي ا ْلمِيزَانِ }[الرحمن]8 :
الكونَ {:ألّ تَ ْ
فإن أردتم أن تكون حركتكم منتظمة فانظروا إلى ما ليديكم دخل فيه واصنعوه كصنع ال فيما
ط َولَ ُتخْسِرُواْ ا ْلمِيزَانَ }[الرحمن]9 :
سِليس ليديكم مدخل فيه {.وََأقِيمُواْ ا ْلوَزْنَ بِا ْلقِ ْ
فإن كنتم معجبين باتزان الكون العلى فذلك لنه مصنوع بنظام دقيق .وإذا كان الحق قد وضع لنا
نظاما دقيقا هو المنهج بـ " افعل كذا ول تفعل كذا " فذلك حتى ل تفسد حركتك الختيارية إن
اتبعت المنهج ،وتصرفت في حياتك بمنهج ال ويكون الميزان معتدلً .إذن فقد أعطانا الحق
معطيات عندما ينظر النسان فيها نظرا فطريا بدون هوى فإنها تأخذ بيده إلى اليمان .وهذه
الكائنات الموزونة ل بد لها من خالق؛ لن النسان طرأ عليها ولم تأت هي من بعد خلق النسان.
ول أحد من البشر يدعي أنه صنع هذا الكون.
إذن ل بد من البحث عمن صنع هذا الكون الدقيق ،والدعوى حين تسلم من الضعف ،أتكون
صادقة أم غير صادقة؟ تكون صادقة تماما .وال هو الذي قال إنه خلق السماء والرض والكون.
ولم يأت مدعٍ آخر يقول لنا :إنه الذي خلق .إذن يثبت المر ل إلى أن يوجد مدعٍ .ومع توالي
الزمنة وتطاولها لم يدع ذلك أحد.
وكان ل بد أن تكون مهمة العقل البشري أن يفكر ويقدح الذهن ليتعرف على صانع هذا الكون،
وكان ل بد أن يتوجه بالشكر لمن جاء ليحل له هذا اللغز.
وقد جاءت الرسل لتحل هذا اللغز ولتدلنا على مطلوب عقلي فطري ،ولو أننا سلسلنا الوجود
لوجدنا أن النسان هو سيد هذا الوجود؛ لن كل الكائنات تعمل وتجهد في خدمته .وأجناس
الوجود كما نعرفها التي تخدم النسان هي الحيوان ويتميز عنه النسان بالعقل ،وهناك جنس تحت
الحيوان هو النبات فيه النمو ،وهناك جنس أدنى وهو الجماد .وكل هذه الجناس مهمتها خدمة
النسان .والجماد ليس هو الشيء الجامد ،بل الهواء جماد والشمس جماد والتربة جماد ،وكل ذلك
يمارس مهمته في الوجود لخدمة الجناس العلى منها ويستفيد النسان منها جميعا والحيوان
يستفيد من الجماد وكذلك النبات يستفيد من الجماد ،والحيوان يستفيد من النبات والجماد،
والمحصلة النهائية لخدمة النسان.
أليس من اللئق والواجب -إذن -أن يسأل النسان نفسه من الذي وهبه هذه المكانة؟ فإذا جاء
http://www.daardesign.com/forum
منتدى دارنا
الرسول ليحل هذا اللغز ويبلغنا أن الذي خلق الكون هو ال وهذه صفاته ،ويبلغنا أن هذا المنهج
جاء من ال ويحمل معه معجزةً هي دليل صدقِ البلغِ عن ال ،وهي معجزة ل يقدر عليها
البشر ،ويتحدى الرسول البشر أن يأتوا بمثل معجزته.
http://www.daardesign.com/forum
منتدى دارنا
فكأننا أفسدنا المسألة ..أخذنا ما اتفقنا فيه لنفرض ما اختلفنا عليه.
إن الحق سبحانه وتعالى أعطانا كل هذه المسائل كي تستقيم الحياة ،ول تستقيم الحياة إل إن كان
الحق سبحانه وتعالى هو الذي يحسم في مسائل الهوى ،ولذلك حتى في الريف يقولون " :من
يقطع إصبعه الشرع لن يسيل منه دم "؛ لن الذي يقول ذلك مؤمن ،أي أن الحكم حين يأتي من
أعلى فل غضاضة في أن نكون محكومين بمن خلقنا وخلق لنا الكون ،وتدخلت السماء في مسألة
الهواء بالمنهج :افعل هذا ول تفعل هذا ،لكن ما ليس فيه أهواء أوضح سبحانه :أنتم ستتفقون فيها
غصبا عنكم ،بل ستسرقونها من بعضكم ،إذن فل خطر منها.
إن الخطر في أهوائكم .ولذلك اذكروا :أن رسول ال صلى ال عليه وسلم في أمهات المسائل التي
يترتب عليها حسن نظام المجتمع كما يريده ال كان -عليه الصلة والسلم -يتحمل هو التجربة
في نفسه ،ول يجعل واحدا من المؤمنين به يتحمل التجربة ،فمسألة التبني حين أراد ربنا أن ينهيها
حتى ل يدعي واحد آخر أنه ابنه وهو ليس أباه ،أنهاها ال في رسوله صلى ال عليه وسلمِ {:ل َكيْ
لَ َيكُونَ عَلَى ا ْل ُم ْؤمِنِينَ حَرَجٌ فِي أَ ْزوَاجِ أَدْعِيَآ ِئ ِهمْ }[الحزاب]37 :
وفي مسألة الماديات والهواء يقول أنس بن مالك رضي ال عنه :إن النبي صلى ال عليه وسلم
مر بقوم يلقحون فقال " :لو لم تفعلوا لصلح " قال :فخرج شيصا ،فمر عليهم فقال " :ما لنخلكم "
قالوا :قلت كذا وكذا قال " :أنتم أعلم بأمر دنياكم " إنه -صلى ال عليه وسلم -تركهم لتجربتهم.
السماء -إذن -ل تتدخل في المسائل التجريبية؛ لنه سبحانه وهب العقل ووهب المادة ووهب
التجربة ،ورأينا رسول ال يتراجع عما اجتهد فيه بعد أن رأى غيره خيرا منه كي يثبت قضية
هامة هي أن المسائل المادية المعملية الخاضعة للتجربة ليس للدين شأن بها فل ندخلها في شئوننا،
فل نقول مثلً :الرض ليست كروية ،أو أن الرض ل تدور .فما لهذا بهذا؛ لن الدين ليس له
شأن بها أبدا ،وهذه مسائل خاضعة للتجربة وللمعمل وللبرهان وللنظرية ،بل دخل الدين ليحمينا
من اختلف أهوائنا؛ فالمر الذي نختلف فيه يقول فيه :افعل كذا ول تفعل كذا بحسم ،والمر الذي
لم يتدخل فيه بـ " افعل ول تفعل " أوضح لك :سواء فعلته أم لم تفعله ل يترتب عليه فساد في
الكون ،وخذوا راحتكم فيما لم يرد فيه " افعل ول تفعل " ،وأريحوا أنفسكم واختلفوا فيه؛ لن
الخلف البشري مسألة في الفطرة والجبلّة والخلقة.
وهنا يقول " :قد جاءكم من ال نور وكتاب مبين " و " النور " أهو الكتاب أم غيره؟.
وفي آية أخرى يقول {:يَا أَ ّيهَا النّاسُ قَدْ جَآ َءكُمْ بُ ْرهَانٌ مّن رّ ّبكُ ْم وَأَنْزَلْنَآ إِلَ ْي ُكمْ نُورا مّبِينا }[النساء:
]174
وهذا القول يدل على أن النور هنا هو " القرآن " وجمع بين أمرين؛ برهان ..أي معجزة ،ونور
http://www.daardesign.com/forum
منتدى دارنا
ينير لنا سبيلنا.
} فَآمِنُواْ بِاللّهِ وَرَسُولِ ِه وَالنّورِ الّذِي أَنزَلْنَا { واليمان بال مسألة تطبيقية مرحلية " .ال " هو قمة
اليمان و " رسوله " هو المبلغ عن ال؛ لنه جاء لنا بالنور .إل أن أهل الشطح يقولون :النور
مقصود به النبيّ صلى ال عليه وسلم ،ونقول :نحن ل نمانع أنه نور ،وإن كان النص يحتمل أن
يكون عطف تفسير ،وحتى ل ندخل في متاهة مع بعض من يقولون :ل ليس الرسول نورا؛ لنه
مأخوذ من المادة وسنجد من يرد عليهم بحديث جابر :ما أول ما خلق ال يا رسول ال؟ قال له:
نور نبيك يا جابر.
فعن جابر بن عبدال قال :قلت يا رسول ال بأبي أنت وأمي أخبرني عن أول شيء خلقه ال
تعالى قبل الشياء .قال " :يا جابر إن ال خلق قبل الشياء نور نبيّك من نوره فجعل ذلك النور
يدور بالقدرة حيث شاء ال ولم يكن في ذلك الوقت لوح ول قلم ول جنّة ول نار ول مَلَك ول
سماء ول أرض ول شمس ول قمر ول جني ول إنسي ".
وحتى ل ندخل في مسألة غيبية ل تستوي الذهان في استقبالها ونفتن بعضنا .ويقول فلن كذا
ويقول علن كذا .هنا نقول :من تجلى له أن يقنع بها أحدا كي ل ندخل في متاهة ،وعندما
يتعرض أحد لحديث جابر -رضي ال عنه -نسأل :أهو قال :أول خلق ال نبيك يا جابر أم نور
نبيك يا جابر؟ .قال الحديث :نور نبيك ولم يقل النبي نفسه الذي هو من لحم ودم ،فمحمد صلى ال
عليه وسلم من آدم وآدم من تراب؛ لذلك ليس علينا أن نتناول المسائل التي ل يصل إليها إل أهل
الرياضيات المتفوقة ،حتى ل تكون فتنة؛ لن من يقول لك :أنت تقول :النور هو رسول ال،
ونقول :على العين والرأس،فرسول ال نور ولشك؛ لن النور يعني أل نصطدم ،وجاء محمد
صلى ال عليه وسلم بالمنهج كي ينير لنا الطريق ،والقرآن منهج نظامي ،والرسول منهج تطبيقي،
حسَنَةٌ }
س َوةٌ َ
فإن أخذت النور كي ل نصطدم ،فالحق يقولّ {:لقَدْ كَانَ َلكُمْ فِي رَسُولِ اللّهِ أُ ْ
[الحزاب]21 :
إذن فسنأخذ بالمنهج النظري الذي هو القرآن ،ونأخذ بالمنهج التطبيقيَ } .قدْ جَآ َءكُمْ مّنَ اللّهِ نُورٌ
َوكِتَابٌ مّبِينٌ { و " مبين " أي محيط بكل أمر وكل شيء مصداقا لقوله الحق {:مّا فَرّطْنَا فِي
شيْءٍ }
الكِتَابِ مِن َ
[النعام]38 :
أي مما تختلف فيه أهواؤكم .وسُئل المام محمد عبده ،وهو في باريس :أنتم تقولون } مّا فَرّطْنَا
شيْءٍ { فكم رغيفا في أردب الدقيق؟ .فقال :انتظروا :واستدعى خبازا وسأله :كم
فِي الكِتَابِ مِن َ
رغيفا في أردب القمح؟ .فقال له :كذا رغيف .فقالوا له :أنت تقول إنه في الكتاب .فقال لهم:
الكتاب هو الذي قال لي {:فَاسْأَلُواْ َأ ْهلَ ال ّذكْرِ إِن كُنْتُم لَ َتعَْلمُونَ }[النحل]43 :
http://www.daardesign.com/forum
منتدى دارنا
شيْءٍ { أي مما تختلف فيه الهواء أو تفسد فيه حركة الحياة
إن قوله } :مّا فَرّطْنَا فِي الكِتَابِ مِن َ
في الرض .فربنا هو -سبحانه -جعل أناسا تتخصص في الموضوعات المختلفة.
} َقدْ جَآ َءكُمْ مّنَ اللّهِ نُورٌ َوكِتَابٌ مّبِينٌ { يعني :يا أهل الكتاب انتبهوا إلى أن هذه فرصتكم لنصفي
مسألة العقيدة في الرض وننهي الخلف الذي بين الدينين السابقين ونرجع إلى دين عام للناس
جميعا ،ول تبقى في الرض هذه العصبية حتى تتساند الحركات النسانية ول تتعاند ،ولذلك يقول
حمَآءُ بَيْ َنهُمْ }[الفتح]29 :
شدّآءُ عَلَى ا ْل ُكفّارِ ُر َ
حمّدٌ رّسُولُ اللّ ِه وَالّذِينَ َمعَهُ أَ ِ
الحق سبحانه وتعالى {:مّ َ
انظر كيف يجمع السلم بين أمرين متناقضين :فلم يجيء السلم كي يطبع النسان ليكون
شديدا؛ لن هناك مواقف شتى تتطلب الرحمة ،ولم يطبعه على الرحمة المطلقة لن هناك مواقف
تتطلب الشدة ،فلم يطبع النسان في قالب ،ولكنه جعل المؤمن ينفعل للحدث.
ويقول الحقَ {:أذِلّةٍ عَلَى ا ْل ُم ْؤمِنِينَ أَعِ ّزةٍ عَلَى ا ْلكَافِرِينَ }[المائدة]54 :
أي ل تقل إنّه طبع المؤمن على أن يكون ذليلً ول طبعه ليكون عزيزا ،بل طبعه ليكيّف نفسه
التكييف الذي يتطلبه المقام ،فيكون مرة ذليلً للمؤمن وعزيزا على الكافر .وقال السلم لنا{:
جعَلْنَاكُمْ ُأمّ ًة وَسَطا }[البقرة]143 :
َوكَذَِلكَ َ
أي ل بد أن تعرف الطرفين أولً ،ثم تحدد ،لن الوسط ل يعرف إل بتحديد الطرفين؛ فاليهودية
بالغت في المادية ،والنصرانية بالغت في الروحانية والبرهانية {:وَرَهْبَانِيّةً ابتَدَعُوهَا }[الحديد]27 :
وعندما سئل سيدنا عيسى عن مسألة ميراث قال " :أنا لم أبعث مورثا "؛ لنه جاء ليجدد الشحنة
للطاقة الدينية ،وبرغم الخلف العميق بين اليهودية والنصرانية جاء أهل الفكر عندهم ليضعوا
العهد القديم والعهد الجديد في كتاب واحد ،ومع ذلك فقد جاء من اعتبر السلم خصما عنيفا
عليهم على رغم أن السلم ليس خصما إنما جاء ليمنح الناس حرية الختيار ،وعندما ننظر إلى
المنهج المادي والمنهج الروحاني تجد أن اليهود أسرفوا في المادية وقالوا {:لَن ّن ْؤمِنَ َلكَ حَتّىا
جهْ َرةً }[البقرة]55 :
نَرَى اللّهَ َ
لقد أسرفوا في المادية لدرجة أن المسألة المتعلقة بقُوتِهم حينما كانوا في التيه وأنزل ربنا عليهم
المن والسلوى ،و " المن " كما نعرف طعام مثل كرات بيضاء ينزل من السماء على شجر أو
حجر ينعقد ويجف جفاف الصمغ وهو حلو يؤكل وطعمه يقرب من عسل النحل ،وجاء لهم
بالسلوى وهو طائر يشبه الدجاج وهو السّماني فقالوا:
http://www.daardesign.com/forum
منتدى دارنا
فأنزل منهجية روحانية متمثلة في منهج عيسى عليه السلم ،وشحنهم بمواجيد دينية ليس فيها حكم
مادي ،كي تلتحم هذه بتلك ويصير المنهج مستقيما ،لكن الخلف دب بينهم ،فكان ول بد أن يأتي
دين جديد يجمع المادية المتعلقة الرزينة المتأنية ،والروحانية المقسطة التي ل تفريط فيها ول
إفراط ،إنها الروحانية المتلقاة من السماء دون ابتداع دين يأتي بالثنتين في صلب دين واحد .فقال
حمَآءُ بَيْ َن ُهمْ تَرَاهُمْ ُركّعا سُجّدا يَبْ َتغُونَ
حمّدٌ رّسُولُ اللّهِ وَالّذِينَ َمعَهُ َأشِدّآءُ عَلَى ا ْل ُكفّارِ ُر َ
لنا {:مّ َ
ضوَانا سِيمَاهُمْ فِي وُجُو ِه ِهمْ مّنْ أَثَرِ السّجُودِ }[الفتح]29 :
َفضْلً مّنَ اللّ ِه وَ ِر ْ
وهذه كلها قيم تعبدية .فيكون هؤلء ماديين وروحانيين في آن واحد .ويتابع الحق {:ذَِلكَ مَثَُل ُهمْ فِي
ال ّتوْرَاةِ }[الفتح]29 :
كأن ال ضرب في التوراة مثلً لمة محمد صلى ال عليه وسلم :يا من أسرفتم في المادية سيأتي
رسول ليعدل ميزان العقائد والتشريع ،فتكون أمته مخالفة لكم تماما .فأنتم ماديون وقوم محمد ركع
سجد ،يبتغون فضلً من ال ورضوانا سيماهم في وجوههم من أثر السجود .أي :ما فقدتموه أنتم
شطَْأهُ فَآزَ َرهُ
في منهجكم سيوجد في أمة محمد .ويقول الحقَ {:ومَثَُلهُمْ فِي الِنجِيلِ كَزَ ْرعٍ َأخْرَجَ َ
جبُ الزّرّاعَ لِ َيغِيظَ ِبهِمُ ا ْل ُكفّارَ }[الفتح]29 :
علَىا سُوقِهِ ُيعْ ِ
فَاسْ َتغْلَظَ فَاسْ َتوَىا َ
فمثلهم في التوراة ما فُقد عند اليهود؛ ومثلهم في النجيل ما فُقد عند النصارى .إذن فدين محمد
صلى ال عليه وسلم جمع بين القيم المادية والقيم الروحية فكان دينا وسطا بين الثنين .فقالَ } :قدْ
جَآ َءكُمْ مّنَ اللّهِ نُورٌ َوكِتَابٌ مّبِينٌ { أي انتهزوا الفرصة لتصححوا أخطاءكم ولتستأنفوا حياة صافية
تربطكم بالسماء رباطا يجمع بين دين قيمي يتطلب حركة الدنيا ويتطلب حركة الخرة.
ويقول الحق بعد ذلكَ } :يهْدِي ِبهِ اللّهُ{ ...
()677 /
ومادام ال هو الذي يهدي فسبحانه منزه عن الهواء المتعلقة بهم ،وهكذا نضمن أن السلم ليس
له هوى .لن آفة من يشرع أن يذكر نفسه أو ما يحب في ما يشرع ،فالمشرع يُشترط فيه أل
ينتفع بما يشرع ،ول يوجد هذا الوصف إل في ال لنه يشرع للجميع وهو فوق الجميع.
ضوَانَهُ } إنّ من اتبع رضوانه
{ َقدْ جَآ َءكُمْ مّنَ اللّهِ نُورٌ َوكِتَابٌ مّبِينٌَ ،يهْدِي بِهِ اللّهُ مَنِ اتّ َبعَ ِر ْ
يهديه ال لسبل السلم ،إذن ففيه رضوان متبع ،وفيه سبل سلم كمكافأة .وهل السلم طرق
وسبل؟ .نعم؛ لن هناك سلم نفس مع نفسها ،وهناك سلم نفس مع أسرتها ،هناك سلم نفس مع
http://www.daardesign.com/forum
منتدى دارنا
جماعتها ،هناك سل نفس مع أمتها وهناك سلم نفس مع العالم ،وسلم نفس مع الكون كله،
وهناك سلم نفس مع ال ،كل هذا يجمع السلم .إذن فسُبل السلم متعددة ،والسلم مع ال بأن
تنزه ربك أيها العبد فل تعبد معه إلها آخر ،ول تلصق به أحدا آخر ..أي ل تشرك به شيئا ،أو ل
تقل :ليوجد إله.
ولذلك نجد السلم جاء بالوسط حتى في العقيدة؛ جاء بين ناس تقول :ل يوجد إله ،وهذا نفي؛
وناس تقول :آلهة متعدة؛ الشّر له إله ،والخير له إله ،والظلمة لها إله ،والنور له إله ،والهواء له
إله ،والرض لها إله!!
إن الذين قالوا باللهة المتعددة :استندوا على الحس المادي ونسي كل منهم أن النسان مكون من
مادة وروح ،وحين تخرج الروح يصبح الجثمان رمّة؛ ولم يسأل أحدهم :نفسه ويقول :أين روحك
التي تدير نفسك وجسمك كله هل تراها؟ ،وأين هي؟ .أهي في أنفك أم في أذنك أو في بطنك أين
هي؟ ،وما شكلها؟ .وما لونها؟ .وما طعمها؟ .أنت لم تدركها وهي موجودة .إذن فمخلوق ل فيك
ل تدركه فهل في إمكانك أن تدرك خالقه؟ .إن هذا هو الضلل .فلو أُدْرِك إِلهٌ لما صار إلها؛ لنك
إن أدركت شيئا قدرت على تحديده ببصرك ،ومادام قد قدرت على تحديده يكون بصرك قد قدر
عليه ،ول ينقلب القادر العلى مقدورا للدنى أبدا.
سكُمْ َأفَلَ تُ ْبصِرُونَ }[الذاريات]21 :
وحينما أراد ال أن يذلل على هذه الحكاية قالَ {:وفِي أَنفُ ِ
انظر في نفسك تجد روحك التي تدير جسدك ل تراها ول تسمعها ومع ذلك فهي موجودة فيك،
فإن تخلت عنك صرت رمة وجيفة ،فمخلوق ل فيك ل تقدر أن تدركه ،أبعد ذلك تريد أن تدرك
مَنْ خََلقَ؟ إن هذا كلم ليس له طعم! والتجاه الخر يقول بآلهة متعددة؛ لن هذاالكون واسع ،وكل
شيء فيه يحتاج إلى إله بمفرده ،فيأتي السلم بالمر الحق ويقول :هناك إله واحد؛ لنه إن كان
هناك آلهة متعددة كما تقولون ،فيكون هناك مثل.
إله للشمس وإله للسماء وإله للرض وإله للماء وإله للهواء ،حينئذ يكون كل إله من هذه اللهة
عاجزا عن أن يدير ويقوم على أمر آخر غير ما هو إله وقائم عليه ولنشأ بينهم خلف وشقاق
ضهُمْ عَلَىا َب ْعضٍ }[المؤمنون]91 :
يوضح ذلك قوله تعالى {:لّ َذ َهبَ ُكلّ إِلَـاهٍ ِبمَا خَلَقَ وََلعَلَ َب ْع ُ
فإله الشمس قد يفصلها عن الكون ،وإله الماء قد يمنعه عن بقية الكائنات ،ويحسم الحق المر
فيقولُ {:قلْ ّلوْ كَانَ َمعَهُ آِلهَةٌ َكمَا َيقُولُونَ إِذا لّبْ َت َغوْاْ إِلَىا ذِي ا ْلعَرْشِ سَبِيلً }[السراء]42 :
ويقول سبحانه( :لو كان فيهما آلهة إل ال لفسدتا).
إذن فالنواميس التي تراها أيضا محكومة بالله الواحد ،ويأتي الرسول ليقول لك :هناك إله واحد،
ويبلغنا رسول ال صلى ال عليه وسلم :ل إله إل ال ،و " ل إله " نفت أنه ل آلهة أبدا .وبعدها
قال :إل ال ،وهذه من مصلحة النسان حتى ل يكون ذليلً وخاضعا وعبدا لله الشمس أو لله
http://www.daardesign.com/forum
منتدى دارنا
الهواء أو لله الماء .وقال الحق {:ضَرَبَ اللّهُ مَثَلً رّجُلً فِيهِ شُ َركَآءُ مُ َتشَاكِسُونَ وَرَجُلً سَلَما
جلٍ َهلْ َيسْ َتوِيَانِ مَثَلً }[الزمر]29 :
لّرَ ُ
فربنا يريد أن يريحنا من " الخيْلة " ،والوهم والضطراب والتردد ..إنه إله واحد ،وعندما يحكم
ال حكما فل أحد يناقضه ،وسبحانه يهدينا بما يشرعه لنا؛ لنه سبحانه ليس له هوى فيما يشرع؛
لن معنى الهوى أن تجعل الحركة التي تريدها خادمة لك في شيء ،وال ل يحتاج إلى أحد لنه
خلق الوجود مله قبل أن يخلق الخلق ،وليس لحد ممن خلق -مهما أوتي من العلم ورجاجة
العقل أن تكون له قدرة أو أي دخل في عملية الخلق أو تنظيمه.
ضوَانَهُ { ،مادام قد اتبع رضوانه فيهديه إلى سبل السلم ،إذن فإن هناك
} َي ْهدِي بِهِ اللّهُ مَنِ اتّبَعَ ِر ْ
هدايتين اثنتين :يهدي به ال من اتبع رضوانه سبل السلم ،وقال في آية أخرى {:وَالّذِينَ اهْتَ َدوْاْ
زَادَ ُهمْ ُهدًى وَآتَاهُمْ َتقُوَا ُهمْ }[محمد]17 :
فإياك أن تظن أن التقوى لن تنال ثوابها وجزاءها إل في الخرة؛ لنه كلما فعلت أمرا وتلتفت
خفّت عن نفسك ،فل ترتكب السيئة في غفلة من
وجدت آثاره في نفسك ،تصلي تجد أمورك َ
الناس ،قلبك ل يكون مشغولً بأي شيء ،ويحيا المؤمن في سلم مع نفسه أبدا .إذن فسبل السلم
متعددة :سبل السلم مع ال ،سبل السلم مع الكون كله ،سبل السلم مع مجتمعه ،سبل السلم مع
أسرته ،سبل السلم مع نفسه.
ويقول الحق {:وَأَنّ هَـاذَا صِرَاطِي مُسْ َتقِيما فَاتّ ِبعُو ُه َولَ تَتّ ِبعُواْ السّ ُبلَ فَ َتفَرّقَ ِبكُمْ عَن سَبِيلِهِ }
[النعام]153 :
إذن فهناك سبل سلم وسبل ضلل.
ج ُهمْ مّنِ الظُّلمَاتِ إِلَى النّورِ بِِإذْنِ ِه وَ َيهْدِيهِمْ إِلَىا صِرَاطٍ مّسْ َتقِيمٍ
وفي هذه الية يقول الحق } :وَيُخْرِ ُ
{ ،والظلمات هي محل الصطدام ،وعندما يخرجهم من الظلمات إلى النور يرون الطريق
الصحيح الموصل إلى الخير ،والطريق الموصل إلى غير الخير .وبعدما يخرجون من الظلمات
إلى النور تكون حركاتهم متساندة وليست متعاندة ،ول يوجد صدام ول شيء يورثهم بغضاء
وشحناء ،أو المراد أنّه يهديهم إلى الصراط المستقيم وهو الجنة.
ويقول الحق من بعد ذلكّ } :لقَدْ َكفَرَ الّذِينَ{ ...
()678 /
َلقَدْ َكفَرَ الّذِينَ قَالُوا إِنّ اللّهَ ُهوَ ا ْلمَسِيحُ ابْنُ مَرْيَمَ ُقلْ َفمَنْ َيمِْلكُ مِنَ اللّهِ شَيْئًا إِنْ أَرَادَ أَنْ ُيهِْلكَ
ت وَالْأَ ْرضِ َومَا بَيْ َن ُهمَا َيخْلُقُ مَا
سمَاوَا ِ
جمِيعًا وَلِلّهِ مُ ْلكُ ال ّ
ا ْلمَسِيحَ ابْنَ مَرْ َي َم وَُأمّ ُه َومَنْ فِي الْأَ ْرضِ َ
شيْءٍ قَدِيرٌ ()17
يَشَاءُ وَاللّهُ عَلَى ُكلّ َ
http://www.daardesign.com/forum
منتدى دارنا
وقال سبحانه من قبل {:فَأَغْرَيْنَا بَيْ َنهُمُ ا ْلعَدَا َوةَ }[المائدة]14 :
فمن اتبعوا اليعقوبية قالوا شيئا ،والنصرانية قالت شيئا ،والملكانية قالت شيئا ثالثا؛ فجاء بالقمة:
{ ّلقَدْ َكفَرَ الّذِينَ قَآلُواْ إِنّ اللّهَ ُهوَ ا ْلمَسِيحُ ابْنُ مَرْ َيمَ }.
ويأتي قوله سبحانه " :قل " ،ردا عليهمَ { :فمَن َيمِْلكُ مِنَ اللّهِ شَيْئا } أي من يمنع قدر ال أن ينزل
جمِيعا }.
بمن جعلتموه إلها { إِنْ أَرَادَ أَن ُيهِْلكَ ا ْلمَسِيحَ ابْنَ مَرْ َي َم وَُأمّ ُه َومَن فِي الَ ْرضِ َ
لقد زعموا أن ال هو المسيح عيسى ابن مريم وفي هذا اجتراء على مقام اللوهية المنزهة عن
التشبيه وعن الحلول في أي شيء .وفي هذا القول الكريم بلغ لهؤلء أن أحدا ل يستطيع أن يمنع
إهلك ال لعيسى وأمه وجميع من في الرض .فهو الحق الملك الخالق للسموات والرض .وما
بينهما يخلق ما يشاء كما يريد .فإن كان قد خلق المسيح دون أب؛ فقد جاءنا البلغ من قبل بأنه
سبحانه خلق آدم بدون أب ول أم ،وخلق حواء دون أم ،جلت عظمته وقدرته ل يعجزه شيء .إن
عيسى عليه السلم من البشر قابل للفناء ككل البشر.
ض َومَا بَيْ َن ُهمَا َيخْلُقُ مَا َيشَآءُ } جاء الحق هنا بالسماء كنوع علوي
سمَاوَاتِ وَالَ ْر ِ
{ وَللّهِ مُ ْلكُ ال ّ
والرض كنوع سفلي ،وقولهَ { :يخْلُقُ مَا َيشَآءُ } يرد على الشبهة بإيجاز دقيقَ { :يخْلُقُ مَا
يَشَآءُ }؛ لن الفتنة جاءت من ناحية أن عيسى عليه السلم مُيّز في طريقة خلقه بشيء لم يكن في
عامة الناس؛ فأوضح الحق :ل تظنوا أن الخلق الذي أخلقه يشترط عليّ أن تكون هناك ذكورة
وأنوثة ولقاح ،هذا في العرف العام الذي يفترض وجود ذكورة وأنوثة ،وإل لكان يجب أن تكون
الفتنة قبل عيسى في آدم؛ لنه خلق من غير أب ول أم .إذن فالذي يريد أن يفتتن بأنه من أم دون
أب ،كان يجب أن يفتتن في آدم لنه ل أب ول أم .ويوضح لهم :ال يخلق ما يشاء فل يتحتم أو
يلزم أن يكون من زوجين أو من ذكر فقط أو من أنثى فقط.
إن ربنا سبحانه وتعالى له طلقة القدرة في أن يخلق ما يشاء ،وقد أراد خلقه على القسمة العقلية
المنطقية الربعة :إما أن يكون من أب وأم مثلنا جميعا ،وإما أن يكون بعدمهما مثل آدم ،وإما أن
يكون بالذكر دون النثى كحواء ،وإما أن يكون بالنثى دون الذكر كعيسى عليه السلم ،فأدار ال
الخلق على القواعد المنطقية الربعة كي ل تفهم أن ربنا يريد مواصفات خاصة كي يخلق بل هو
جبُ
يخلق ما يشاء .والدليل على ذلك أن الزوجين يكونان موجودين مع بعضهما ومع ذلك ل يُنْ َ
سمَاوَاتِ وَالَ ْرضِ يَخُْلقُ مَا يَشَآءُ َي َهبُ ِلمَن
منهما ،فهل هناك اكتمال أكثر من هذا؟!{ لِلّهِ مُ ْلكُ ال ّ
عقِيما }[الشورى:
ج َعلُ مَن َيشَآءُ َ
جهُمْ ُذكْرَانا وَإِنَاثا وَ َي ْ
يَشَآءُ إِنَاثا وَ َيهَبُ ِلمَن َيشَآءُ ال ّذكُورَ * َأوْ يُ َزوّ ُ
]50-49
إذن فالمسألة أل يُفرض على ربنا عناصر تكوين ،ل ،بل هي إرادة ُم َكوّن ل عنصرية َمكَوّن .إنه
{ َيخْلُقُ مَا يَشَآءُ } ،ومشيئته مطلقة وقدرته عامة .ولذلك ل بد أن يأتي القول { :وَاللّهُ عَلَىا ُكلّ
http://www.daardesign.com/forum
منتدى دارنا
شيْءٍ قَدِيرٌ }.
َ
ويقول الحق بعد ذلكَ { :وقَاَلتِ الْ َيهُو ُد وَال ّنصَارَىا} ...
()679 /
َوقَاَلتِ الْ َيهُو ُد وَال ّنصَارَى َنحْنُ أَبْنَاءُ اللّ ِه وَأَحِبّا ُؤهُ ُقلْ فَلِمَ ُي َعذّ ُبكُمْ بِذُنُو ِبكُمْ َبلْ أَنْ ُتمْ بَشَرٌ ِممّنْ خَلَقَ
ت وَالْأَ ْرضِ َومَا بَيْ َن ُهمَا وَإِلَيْهِ ا ْل َمصِيرُ ()18
سمَاوَا ِ
َي ْغفِرُ ِلمَنْ َيشَا ُء وَ ُيعَ ّذبُ مَنْ يَشَا ُء وَلِلّهِ مُ ْلكُ ال ّ
وهل كل اليهود قالوا :نحن أبناء ال؟ هل كل النصارى قالوا :نحن أبناء ال؟ ل .فبعض من
اليهود قال :إن عزيرا ابن ال وبعض النصارى قالوا :إن عيسى ابن ال ،وجاء مسيلمة الكذاب
وادّعى النبوة ،وكان كل أهل مسيلمة يقولون :نحن النبياء ،أي منا النبياء حتى أنصار سيدنا عبد
ال بن الزبير أبي خبيب ،قال أنصاره :نحن الخبيبيون أي نحن أتباع ابن الزبير الذي هو أبو
خبيب ،فكانوا ينسبون لنفسهم ما لغيرهم .فمعنى { َنحْنُ أَبْنَاءُ اللّهِ } يعني :نحن أشياع العزير،
الذي هو ابن ال؛ ونحن أشياع عيسى الذي هو ابن ال .هذه نأخذ لها دليلً من القرآن ،نعرف
عوْنَ َيكْتُمُ إِيمَا َنهُ أَ َتقْتُلُونَ َرجُلً أَن َيقُولَ رَ ّبيَ
جلٌ ّم ْؤمِنٌ مّنْ آلِ فِرْ َ
قصة مؤمن آل فرعونَ {:وقَالَ َر ُ
اللّ ُه َوقَدْ جَآ َء ُكمْ بِالْبَيّنَاتِ مِن رّ ّبكُ ْم وَإِن َيكُ كَاذِبا َفعَلَيْهِ كَذِبُهُ وَإِن َيكُ صَادِقا ُيصِ ْبكُمْ َب ْعضُ الّذِي
َيعِ ُدكُمْ إِنّ اللّ َه لَ َيهْدِي مَنْ ُهوَ ُمسْ ِرفٌ َكذّابٌ * ياقَومِ َلكُمُ ا ْلمُ ْلكُ الْ َيوْمَ ظَاهِرِينَ فِي الَ ْرضِ }[غافر:
]29-28
والقوم جماعة .بال أكان القوم كلهم ملوكا؟ .ل ،فالذي كان ملكا هو فرعون فقط .لكن مادام
فرعون هو الملك ،فيكون كل الذين كانوا أتباعا وأنصارا له ومن شيعته ملوكا لنهم يعيشون في
جعََلكُمْ مّلُوكا } ،ولذلك عندما أرادوا أن يحددوا معنى
كنف ورعاية الملك .وأيضا قال اليهود { :وَ َ
" ملك " قالوا :إن " الملك " هو الرجل الذي عنده دار واسعة وفيها ماء يجري ،وواحد آخر قال" :
الملك " هو الذي يكون عنده حياة رتيبة وعنده من يخدمه ول ينشغل بخدمة نفسه في بيته ،وفي
الخارج يخدم نفسه .وقال آخر :من عنده مال ل يحوجه للعمل الشاق ،فهو ملك ،ولذلك قال سيدنا
الشيخ عبد الجليل عيسى في هذه المسألة :ل تستعجبوا ذلك فالميون ينطقون وبلسانهم يقولون:
هذا ملك زمانه ،أي رجل مرتاح ل يعمل أعمال شاقة وعنده النقود يصرفها كما يريد .إذن فأبناء
ال يعني ليس كلهم أبناءه ،ولذلك قال ال لرسوله صلى ال عليه وسلم " :قل " ردا عليهم { :فَلِمَ
ُيعَذّ ُبكُم ِبذُنُو ِبكُم َبلْ أَنتُمْ َبشَرٌ ِممّنْ خََلقَ } ،وستدخلون في مشيئة المغفرة.
{ َي ْغفِرُ ِلمَن يَشَآ ُء وَ ُيعَ ّذبُ مَن َيشَآءُ } ،ولن تخرجوا عن المشيئة الغافرة أو المشيئة المعذبة،
http://www.daardesign.com/forum
منتدى دارنا
ض َومَا بَيْ َن ُهمَا وَإِلَيْهِ ا ْل َمصِيرُ }.
سمَاوَاتِ وَالَ ْر ِ
{ وَللّهِ مُ ْلكُ ال ّ
ويقول الحق تصفية للمسألة العقدية في الرض { :يَا أَ ْهلَ ا ْلكِتَابِ} ...
()680 /
ل وما
ورسولنا هو محمد صلى ال عليه وسلم ويبين لكم -يا أهل الكتاب -ما اختلفتم فيه أو ً
يجب أن تلتقوا عليه ثانيا ،وما زاده السلم من منهج فإنّما جاء به ليناسب أقضية الحياة التي
يواجهها إلى أن تقوم الساعة .وقد جاء رسول ال صلى ال عليه وسلم على فترة من الرسل،
ومعنى الفترة :النقطاع .وفترة من الرسل أي على زمن انقطعت فيه الرسالت ،وهي الفترة التي
بينه صلى ال عليه وسلم وبين أخيه عيسى عليه السلم ،وقام الناس بحسابها فقال بعضهم :إنها
ستمائة سنة وقال البعض :خمسمائة وستون سنة عاما .ول يهمنا عدد السنين ،إنما الذي يهمنا هو
وجود فترة انقطعت فيها الرسل ،اللهم إل ما كان من قول الحق سبحانه {:وَاضْ ِربْ َل ُهمْ مّثَلً
سلْنَآ إِلَ ْيهِمُ اثْنَيْنِ َفكَذّبُو ُهمَا َفعَزّزْنَا بِثَاِلثٍ َفقَالُواْ إِنّآ إِلَ ْي ُكمْ
ب القَرْيَةِ ِإذْ جَآءَهَا ا ْلمُرْسَلُونَ * ِإذْ أَرْ َ
َأصْحَا َ
شيْءٍ إِنْ أَنتُمْ ِإلّ َتكْذِبُونَ * قَالُواْ
حمَـانُ مِن َ
مّرْسَلُونَ * قَالُواْ مَآ أَنتُمْ ِإلّ َبشَرٌ مّثْلُنَا َومَآ أَنَزلَ الرّ ْ
سلُونَ }[يس]16-13 :
رَبّنَا َيعْلَمُ إِنّآ إِلَ ْيكُمْ َلمُرْ َ
هؤلء المرسلون أهم مرسلون من قبل ال بين عيسى وبين محمد صلى ال عليه وسلم؟ .أم هم
مرسلون من قبل عيسى عليه السلم إلى أهل أنطاكية؟ .وقد كفر الناس أولً بهذين الرسولين،
فعززهم الحق بثالث.
شيْءٍ إِنْ أَن ُتمْ ِإلّ َتكْذِبُونَ }
حمَـانُ مِن َ
وقال الناس لهم {:قَالُواْ مَآ أَن ُتمْ ِإلّ بَشَرٌ مّثْلُنَا َومَآ أَنَزلَ الرّ ْ
[يس]15 :
وهنا قال الرسل {:قَالُواْ رَبّنَا َيعَْلمُ إِنّآ إِلَ ْيكُمْ َلمُرْسَلُونَ }[يس]16 :
سلُونَ }؟ .إن الَخْبار دائما
فما الفرق بين { إِنّآ إِلَ ْيكُمْ َلمُرْسَلُونَ } وبين { رَبّنَا َيعْلَمُ إِنّآ إِلَ ْيكُمْ َلمُرْ َ
تُلقى من المتكلم للسامع لتعطيه خبرا ،فإن كان السامع خالي الذهن من الخبر ،أُلقي إليه الكلم
بدون تأكيد .وأما إن كان عنده شبه إنكار ،ألقى إليه الكلم بتأكيد على قدر إنكاره .فإن زاد في
لجاج النكار يزيد له التأكيد .فأصحاب القرية أرسل ال إليهم اثنين فكذبوهما ،فعززهما بثالث،
وهذا تعزيز رسالي ،فبعد أن كانا رسولين زادهما ال ثالثا ،وقال الثلثة {:إِنّآ إِلَ ْيكُمْ مّ ْرسَلُونَ }
[يس]14 :
http://www.daardesign.com/forum
منتدى دارنا
صحيح ثمة تأكيد هنا .لن الجملة إسمية ،وسبقتها " إنّ " المؤكذة؛ فلما كذبوهم وقالوا لهم { :مَآ
شيْءٍ } وكان هذا لجاجا منهم من النكار فماذا يكون
حمَـانُ مِن َ
أَنتُمْ ِإلّ َبشَرٌ مّثْلُنَا َومَآ أَنَزلَ الرّ ْ
موقف الرسل؟ أيقولون { :إِنّآ إِلَ ْيكُمْ مّرْسَلُونَ } كما قيل أولً؟ .ل .إن النكار هنا ممعن في
اللجاجة والشدة ،فيأتي الحق بتأكيد أقوى على ألسنة الرسل:
{ رَبّنَا َيعَْلمُ }.
وذلك القول في حكم القسم؛ هذا هو التأكيد الول ،والتأكيد الثاني:
{ إِنّآ إِلَ ْيكُمْ َلمُرْسَلُونَ }.
وكما نعلم فـ " إن " هنا مؤكِدّة ،واللم التي في أول قوله " :لمرسلون " لزيادة التأكيد.
وحين تأتي كلمة تدور على معانٍ متعددة ،فالمعنى الجامع هو المعنى الصلي ،وكذلك كلمة " فترة
" ،فالفترة هي النقطاع .فإن قلت مثلً :ماء فاتر ،أي ماء انقطعت برودته ،فالماء مشروط فيه
البرودة حتى يروي العطش .وعندما يقال :ماء فاتر أي ماء فتر عن برودته ،ولذلك يكون قولنا" :
ماء فاتر " أي ماء دافئ قليلً؛ أي ماء انقطعت عنه البرودة المرغبة فيه.
ويقال أيضا في وصف المرأة :في جفنها فتور أي أنها تغض الطرف ول تحملق بعينيها باجتراء.
بل منخفضة النظرة .إذن فالفترة هي النقطاع .ولقد انقطعت مدة من الزمن وَخََلتْ من الوحي
ومن الرسل .وكان مقتضى هذا أن يطول عهد الغفلة ،ويطول عهد انطماس المنهج ،ويعيش أهل
الخير في ظمأ وشوق لمجيء منهج جديد ،فكان من الواجب -مادام قد جاء رسول -أن يرهف
الناس آذانهم لما جاء به ،فيوضح الحق أنه أرسل رسولً جاء على فترة ،فإن كنتم أهل خير فمن
الواجب أن تلتمسوا ما جاء به من منهج ،وأن ترهفوا آذانكم إلى ما يجيء به الرسول صلى ال
عليه وسلم لسماع مهمته ورسالته.
وقد أرسل ال إليهم الرسول على فترة حتى يقطع عنهم الحجة والعذر فل يقولوا } :مَا جَآءَنَا مِن
بَشِي ٍر َولَ نَذِيرٍ { فقد جاءهم -إذن -بشير وجاءهم نذير .والبشير هو المعلم أو المخبر بخير
يأتي زمانه بعد الخبار .ومادام القادم بشيرا فهو يشجع الناس على أن يرغبوا في منهج ال
ليأخذوا الخير .ول بد من وجود فترة زمنية يمارس فيها الناس المنهج ،ول بد أيضا أن توجد
فترة ليمارس من لم يأخذ المنهج كل ما هو خارج عن المنهج ليأتي لهم الشر.
مثال ذلك قول الستاذ :بَشّرْ الذي يذاكر بأنه ينجح .وعند ذلك يذاكر من الطلب من يرغب في
النجاح ،أي لبد من وجود فترة حتى يحقق ما يوصله إلى ما يبشر به .وكذلك النذارة ل بد لها
من فترة حتى يتجنب النسان ما يأتي بالشر.
سلِ أَن َتقُولُواْ مَا جَآءَنَا مِن بَشِي ٍر َولَ نَذِيرٍ َفقَدْ
} َقدْ جَآ َءكُمْ رَسُولُنَا يُبَيّنُ َلكُمْ عَلَىا فَتْ َرةٍ مّنَ الرّ ُ
جَا َءكُمْ بَشِي ٌر وَ َنذِيرٌ { .ومجيء " أن تقولوا " إيضاح بأنه ل توجد فرصة للتعلل بقول " } مَا جَآءَنَا
http://www.daardesign.com/forum
منتدى دارنا
مِن بَشِي ٍر َولَ نَذِيرٍ {.
شيْءٍ قَدِيرٌ { وسبحانه وتعالى القدير أبدا.
ويقول الحقَ } :فقَدْ جَا َءكُمْ َبشِي ٌر وَنَذِي ٌر وَاللّهُ عَلَىا ُكلّ َ
فقد جعل الخلق يطرأون على كون منظم بحكمة وبكل وسائل الخير والحياة على أحسن نظام قبل
أن يطرأ هؤلء الخلق على هذا الكون ،فإذا ما طرأ الخلق على هذا الخير ،أيتركهم الخالق بدون
هداية؟ .ل .فسبحانه قد قدر على أن يُوجد خلقه كلهم ،ويعطي لهم ما يحفظ لهم حياتهم ويحفظ لهم
نوعهم.
أل يعطي الحق الخلق إذن ما يحفظ لهم قيمهم؟.
إنه قادر على أن يعطي رزق القوت ورزق المبادئ والقيم وأن يوفي خلقه رزقهم في كل عطاء.
وإرسال الرسل من جملة عطاءات الحق لعلج القيم .ثم يرجع ثانية إلى قوم موسى ولكنه في هذه
المرة يجعل المتكلم رسولهم } :وَِإذْ قَالَ مُوسَىا ِل َق ْومِهِ{ ...
()681 /
وساعة تسمع " إذ " فاعلم أنها ظرفية تعني " حين " كأن الحق يقول :اذكر حين قال موسى لقومه
اذكروا نعمة ال عليكم .ويقول الحق لرسوله ذلك لن هذا اللون من الذكر يعين الرسول صلى ال
عليه وسلم على تحمل ما يتعرض له في أمر الدعوة والرسالة سواء من ملحدة أو من أهل
كتاب.
إن الحق حينما قال { :وَإِذْ قَالَ مُوسَىا ِل َق ْومِهِ } أي اذكر يا محمد ،أو أذكر يا من تتبع محمدا ،أو
اذكر يا من تقرأ القرآن إذ قال موسى لقومه :يا قوم اذكروا نعمة ال عليكم .ول يقول موسى
لقومه { :يَا َقوْمِ ا ْذكُرُواْ ِن ْعمَةَ اللّهِ عَلَ ْيكُمْ } إل إذا كان قد رأى منهم عملً ل يتناسب مع النعم التي
أنعم ال يها عليهم ،وذلك -ول المثل العلى -كما يقول الواحد منا لولد عاق :اذكر ما فعله
والدك معك .ول يقولن الواحد منا ذلك إل وقد بدرت من البن بوادر ل تتناسب مع مقدمات النعم
ومقدمات الفضل عليه .فكأن قوم موسى قد أرهقوه وتحمل منهم الكثير؛ لدرجة أنه قال لهم على
سبيل الزجر ما قد يجعلهم يفيقون وينتبهون ويفطنون إلى ذكر نعمة ال عليهم ،ومعنى ذكر النعمة
هو الستماع إلى منهج ال وتنفيذ أوامر الحق واجتناب النواهي.
{ وَإِذْ قَالَ مُوسَىا ِل َق ْومِهِ يَا َقوْمِ ا ْذكُرُواْ ِن ْعمَةَ اللّهِ عَلَ ْيكُمْ } وعرفنا أن " النعمة " يقصد بها الجنس
والمراد بها النعم كلها ،أو كأن كل نعمة على انفرادها خليقة وجديرة أن تُذكر وتُشكر ،والدليل
http://www.daardesign.com/forum
منتدى دارنا
حصُوهَا } [إبراهيم]34 :
على أن النعمة يراد بها كل النعم أن ال قال { :وَإِن َتعُدّواْ ِن ْع َمتَ اللّ ِه لَ تُ ْ
ومادام عدّ النعمة ل نستطيع معه أن نعرف إحصاءها؛ فهي نعم متعددة .إذن فالمراد بالنعمة كل
النعم لنها اسم جنس.
{ وَإِذْ قَالَ مُوسَىا ِل َق ْومِهِ يَا َقوْمِ ا ْذكُرُواْ ِن ْعمَةَ اللّهِ عَلَ ْيكُمْ } وذكر النعمة يؤدي إلى شكر المنعم
ويؤدي أيضا إلى الستحياء من أن نعصي من أنعم ،ويجعلنا نستحي أن نأخذ نعمته لتكون معينا
لنا على معصيته { .ا ْذكُرُواْ ِن ْعمَةَ اللّهِ عَلَ ْي ُكمْ } وهي نعم كثيرة تمتعوا بها ،ألم يفلق الحقُ لهم
البحرَ {:اضْرِب ّب َعصَاكَ الْ َبحْرَ }[الشعراء]63 :
طوْدِ ا ْل َعظِيمِ }[الشعراء]63 :
وبعد أن ضرب الماء بالعصا {:فَانفَلَقَ َفكَانَ ُكلّ فِرْقٍ كَال ّ
فقد صار الماء السائل جبالً .وضرب لهم الحجر؛ بأمر ال فانفجرت منه المياه {:اضْرِب ّب َعصَاكَ
عشْ َرةَ عَيْنا }[البقرة]60 :
حجَرَ فَانفَجَ َرتْ مِنْهُ اثْنَتَا َ
الْ َ
إنها عجائب كثيرة تتجلى فيها قدرة الخالق العظم ،وتبين القدرة مجالت تصرفها ،فقد ضرب
موسى البحر فصار كل فرق كالطود العظيم ،وكأن الماء صار صخرا .وضرب موسى الصخر
فتفجرت المياه .إنها عجائب القدرة .ألم يظللكم بالغمام؟ ألم ينزل عليكم في التيه المن والسلوى؟
وكل هذه النعم أل تستحق الذكر ل والشكر ل والستحياء من أن تعصوه أو أن ترهقوا الرسول
الذي جاء لهدايتكم؟
إن كل هذه النعم تستحق الشكر ،والشكر ذكر.
http://www.daardesign.com/forum
منتدى دارنا
المزرعة ،وعنده أكثر من سائق ،وعنده أناس كثيرون يأتمرون بأمره ول يدخلون عليه إل بإذنه
ول يتكلف في لقائهم أي حرج أو مشقة ،هذا الرجل ل بد أن يكون ملكا .إذن فقد أعطاهم الحق
نعمة وفيرة.
والنبي صلى ال عليه وسلم يحدد الملكية الواسعة التي تحدد الفرد تحديدا إيمانيا فقال " :من أصبح
منكم آمنا في سربه معافىً في جسده ،عنده قوت يومه فكأنما حيزت له الدنيا بحذافيرها ".
ومادام قد حيزت له الدنيا بحذافيرها بهذه الشياء فهو ملك .وقد أعطاهم هذه المسائل أي جعلهم
ملوكا } .وَآتَاكُمْ مّا َلمْ ُي ْؤتِ أَحَدا مّن ا ْلعَاَلمِينَ { أي أنه سبحانه أعطاهم ما لم يعده لحد ِممّن
حولهم؛ ووالى عليهم ذلك العطاء ،ألم يعط -سبحانه -نبي ال سيدنا سليمان وهو من بني
إسرائيل مُلْكا ل ينبغي لحد من بعده؟ تلك الواقعة لم يقلها موسى عليه السلم لنها حدثت من بعد
موسى بأحد عشر جيلً.
ويقول الحق بعد ذلك } :يَا َقوْمِ ادْخُلُوا الَ ْرضَ{ ...
()682 /
سةَ الّتِي كَ َتبَ اللّهُ َل ُك ْم وَلَا تَرْتَدّوا عَلَى أَدْبَا ِر ُكمْ فَتَ ْنقَلِبُوا خَاسِرِينَ ()21
يَا َقوْمِ ادْخُلُوا الْأَ ْرضَ ا ْل ُمقَدّ َ
وهذا بلغ من موسى بما أوحى ال به إليه ،ومتى حدث ذلك؟ نعرف أن صلة بني إسرائيل
بمصر كانت منذ أيام يوسف عليه السلم ،وعندما جاء يوسف بأبيه وإخوته وعاشوا بمصر
وكونوا شيعة بني إسرائيل ،ومكن ال ليوسف في الرض وعاشوا في تلك الفترة .والعجيب أن
المس القرآني للحداث التاريخية فيه دقة متناهية ،ولم نعرف نحن تلك الحداث إل بعد مجيء
الحملة الفرنسية إلى مصر .فعندما جاءت تلك الحملة صحبت معها بعثة علمية .وكانت تلك البعثة
تنقب عن المعلومات الثرية ليتعرفوا على سر حضارة المصريين ،وسر تقدم العرب القديم ،الذي
سبق أوربا بقرون ،وأخذت منه أوربا العلوم والفنون ،في حين صار هذا العالم العربي إلى غفلة.
إن العرب المسلمين هم الذين اخترعوا أشياء ذهل لها العالم الغربي ،ويحكي لنا التاريخ عن هدية
من أحد ملوك العرب إلى شارلمان ملك فرنسا وكانت الساعة دقاقة ،وظن الناس من أهل فرنسا
أن بهذه الساعة الدقاقة شيطانا .وفكرة تلك الساعة أن العالم الذي صممها وضع فيها إناء من الماء
به ثقب صغير تنزل منه القطرة بثقلها على شيء يشبه عقرب الساعة ،فتتحرك الساعة دقيقة
واحدة من الزمن .وكانت الساعة تسير بنقطة الماء .وكان ضبطها في منتهى الدقة .وحين رآها
الناس في بلط شارلمان ملك فرنسا ظنوا أن بداخلها شياطين .وهذا نموذج من نماذج كثيرة ل
سهِمْ حَتّىا يَتَبَيّنَ
ق َوفِي أَنفُ ِ
حصر لها ول عدد تدخل في نطاق قوله الحق {:سَنُرِي ِهمْ آيَاتِنَا فِي الفَا ِ
http://www.daardesign.com/forum
منتدى دارنا
حقّ }[فصلت]53 :
َلهُمْ أَنّهُ الْ َ
وحينما جاء الفرنسيون إلى القاهرة كان معهم تلك البعثة العلمية ومعهم مطبعة ،وعرض هؤلء
العلماء الفانوس السحري ،وجعلوا الناس البسطاء يذهلون من تقدمهم العلمي .واستترت تلك الحملة
بعروض أقرب إلى " الكروبات " .وكان عمل العلماء هو البحث عن سر حضارة المصريين
والمسلمين؛ لنهم يعلمون أن الحضارة السلمية انتقلت إلى مصر بالضافة إلى حضارة
المصريين القدماء.
لقد كانوا يعرضون ألعابهم السحرية العلمية بدرب الجماميز ،وذلك حتى ينبهر الناس بالحضارة
الفرنسية .وكان علماؤهم في الوقت نفسه يكتشفون ما نقش على حجر رشيد ،وهو الحجر الذي
اكتشفه ضابط فرنسي شاب اسمه شامبليون ،وعلى هذا الحجر كتبت الكلمات الهيروغليفية.
واستطاع شامبليون أن يفصل أسماء العلم الهيروغليفية ومن خلل ذلك استطاع أن يصل
إلىأبجدية تلك اللغة .وكأن ال أراد أن يسخر الكافرين بمنهج ال ليؤيدوا منهج ال.
إن في كل لغة شيئا اسمه " منطق العل َم " ومثال ذلك أن يوجد اسم رجل أو أمير أو إنسان ،فهذا
السم مكون من حروف ل تتغير ،مثال ذلك نأخذه من اللغة النجليزية؛ كان اسم رئيس وزراء
انجلترا في وقت من الوقات هو " تشرشل " هي كلمة إذا ترجمناها ترجمة حرفية لم تدل على
صاحبها ولم تعرفنا به لننا عندما نترجمها نكتفي بكتابة السم بالحروف العربية بدلً من
اللتينية.
http://www.daardesign.com/forum
منتدى دارنا
ثم جاء بحضارة ثمود {.وَ َثمُودَ الّذِينَ جَابُواْ الصّخْرَ بِا ْلوَادِ }[الفجر]9 :
وقد رأينا هذه الحضارة التي كان الناس أثناءها ينحتون البيوت في الصخر ،كما رأينا حضارة
مصر .وحضارة عاد هي التي لم نرها حتى الن؛ ول بد أن تكون مطمورة تحت الرض.
ونعرف أن الهبة الرملية الواحدة عندما تهب في تلك المناطق تطمر القافلة كلها ،فما بالنا بالقرون
الطويلة التي مرت وهبت فيها آلف العواصف الرملية ،إذن ل بد أن ننقب كثيرا لنكتشف حضارة
عاد .والحق تكلم عن موسى عليه السلم ،تكلم _ أيضا -عن المعاصرين له وكان أحد هؤلء
طغَىا }
عوْنَ إِنّهُ َ
الفراعنة ،فقال سبحانه لموسى ولخيه هارون عليهما السلم {:اذْهَبَآ إِلَىا فِرْ َ
[طه]43 :
ويذهب موسى إلى فرعون حتى يخلص بني إسرائيل من ظلم فرعون .ولماذا ظلمهم فرعون؟
نحن نعرف أن كل سياسة تعقب سياسة سابقة عليها تحاول أن تطمس السياسة الولى ،وتعذب من
نصروا السياسة الولى ،وتلك قضية واضحة في الكون .وهذا ما يتضح لنا من سيرة سيدنا
يوسف الذي صار وزيرا للعزيز ودعا أباه وأمه وشيعته إلى مصر ،ولن تأت سيرة فرعون في
سورة يوسف.
وعندما تكلم القرآن على رأس الدولة في أيام يوسف قالَ {:وقَالَ ا ْلمَِلكُ ائْتُونِي بِهِ }[يوسف]54 :
لم يقل الحق " :فرعون " على الرغم من أنه قال قبل ذلك عنه إنه " :فرعون " وأيام موسى ذكر
فرعون ،لكن في أيام يوسف لم يأت بسيرة فرعون إنما جاء بسيرة مَلِك.
وعندما جاء اكتشاف حجر رشيد ،ظهر لنا أن فترة وجود يوسف عليه السلم في مصر هي فترة
ملوك الرعاة أي الهكسوس الذين غَ َزوْا مصر وأخذوا ا ْلمُ ْلكَ من المصريين وحكموهم وصاروا
ملوكا ،وسمي عصرهم بعصر الملوك.
وقال القرآنَ } :وقَالَ ا ْلمَِلكُ ائْتُونِي بِهِ { .ولم يأت بذكر لفرعون .وعندما استرد الفراعنة ملكهم
وطردوا الرعاة ،استبد الفراعنة بمن كانوا يخدمون الملوك وهم بنو إسرائيل .وهكذا تتأكد دقة
القرآن عندما ذكر فرعون لنه كان الحاكم أيام موسى ،لكن في زمن يوسف سمي حاكم مصر
باسم الملك .وتلك أمور لم نعرفها إل حديثا .ولكن القرآن عرفنا ذلك .وكانت تحتاج إلى استنباط.
ق َوفِي
وهي تدخل ضمن اليات التي ل حصر لها في قوله الحق {:سَنُرِي ِهمْ آيَاتِنَا فِي الفَا ِ
سهِمْ }[فصلت]53 :
أَنفُ ِ
خلُوا
فسبحانه وتعالى بعد أن أيد موسى باليات وأغرق فرعون ،هنا قال لهم موسى {:يَا َقوْمِ ادْ ُ
الَ ْرضَ ال ُمقَدّسَةَ الّتِي كَ َتبَ اللّهُ َل ُك ْم َولَ تَرْ َتدّوا عَلَىا أَدْبَا ِركُمْ فَتَ ْنقَلِبُوا خَاسِرِينَ }[المائدة]21 :
فقد انتهت المهمة بتخليص بني إسرائيل من فرعون ،وخلصوا أهل مصر من فرعون .وكانت
الدعوة لدخول الرض المقدسة .وكلمة الرض إذا أطلقت صارت علما على الكرة الجامعة.
http://www.daardesign.com/forum
منتدى دارنا
ووردت كلمة " الرض " في قصة بني إسرائيل في مواضع متعددة لمواقع متعددة.
سكُنُو ْا الَ ْرضَ }
فها هوذا قول ال في آخر سورة السراءَ {:وقُلْنَا مِن َب ْع ِدهِ لِبَنِي إِسْرَائِيلَ ا ْ
[السراء]104 :
فهل هناك سكن إل الرض؟ إن أحدا ل يقول :اسكن كذا إل إذا حدد مكانا من الرض؛ لن
سكُنُو ْا الَ ْرضَ {؟ والشائع أن يقال :اسكن
السكن بالقطع سيكون في الرض ،فكيف يأتي القول } :ا ْ
سكُنُواْ الَ ْرضَ
المكان الفلني من المدن ،مثل :المنصورة أو أريحا ،أو القدس .وقوله الحق } :ا ْ
{ هو لفتة قرآنية ،ومادام الحق لم يحدد من الرض مسكونا خاصا ،فكأنه قال :ذوبوا في الرض
فليس لكم وطن ،وانساحوا في الرض فليس لكم وطن ،أي ل توطن لكم أبدا ،وستسيحون في
طعْنَا ُهمْ فِي الَرْضِ ُأمَما }[العراف]168 :
الرض مقطعين ،وقال سبحانهَ {:وقَ ّ
وحين يأتي القرآن بقضية قرآنية فلنبحث أايدتها القضايا الكونية أم عارضتها؟ القضية القرآنية هنا
هي تقطيع بني إسرائيل في الرض أمما ،أي تفريقهم وتشتيتهم ولم يقل القرآن " :أذبناهم " بل
قال " :قطعناهم " وتفيد أنه جعل بينهم أوصالً ولكنهم مفرقون في البلد .وعندما نراهم في أي بلد
نزلوا فيها نجد أن لهم حيا مخصوصا ،ول يذوبون في المواطنين أبدا ،ويكون لهم كل ما يخصهم
من حاجات يستلقون بها ،فكأنهم شائعون في الرض وهم مقطعون في الرض ولكنهم أمم ،فهناك
" حارات " وأماكن خاصة لليهود في كل بلد.
حدث ذلك من بعد موسى عليه السلم ،لكن ماذا كان المر في أيام موسى؟ قال لهم الحق} :
ا ْدخُلُوا الَ ْرضَ ال ُمقَدّسَةَ الّتِي كَ َتبَ اللّهُ َل ُكمْ { أي بعد رحلتكم مع فرعون اذهبوا إلى الرض التي
كتبها ال لكم.
ونلحظ هنا أن كلمة " الرض المقدسة " فيها تحييز وتحديد للرض.
ولكن ما معنى " مقدسة "؟ المادة كلها تدل على الطهر والتطهير .فـ " قَدّس " أي طهّر ونزّه،
ومقدسة يعني مطهرة .واللفاظ حين تأتي تتوارد جميع المادة على معانٍ متلقية .ففي الريف
المصري نجد ما نسميه " القَدَس " أو " القادوس " وهو الناء الذي يرفع به الماء من الساقية،
وكانوا يستعملونه للتطهير ،فالقادوس في الريف المصري هو وعاء الماء النظيف .وعندما يقال" :
مقدسة " أي مطهرة.
إن من أسماء الحق " القُدّوس " ،ويقال " :قُدّس ال " أي نزه " ،فال ذات وليست كذات النسان،
وله سبحانه صفات منزهة أن تكون كصفاتك ،وهو سبحانه له أفعال ،ولكن قدسه وطهره منزهة
أن تكون كأفعالك .فذات الحق واجبة الوجود وذات النسان ممكنة الوجود؛ لن ذات النسان طرأ
عليها عدم أول ،ويطرأ عليها عدم ثانٍ ،وهو سبحانه واجب الوجود لذاته ،والنسان واجب لغيره
وهو قادر سبحانه أن ينهي وجود العبد .ول حياة وللنسان حياة ،لكن أحياتك أيها النسان كحياة
http://www.daardesign.com/forum
منتدى دارنا
ال؟ ل.
إن حياته سبحانه منزهة وذاته ليست كذاتك ،وصفاته ليست كصفاتك ،فأنت قادر قدرة محدودة
وله سبحانه طلقة القدرة ،وهو سبحانه سميع والعبد سميع؛ لكن سمع البشر محدود وسمعه
سبحانه ل حدود له.
إذن فصفاته مقدسة ،ولذلك فعندما تسمع أنه سبحانه سميع عليم فليس سمعه كسمعنا ،وله فعل غير
فعلنا .وعندما يقول الحق :إنه فعل ،ففعله منزه عن التشبيه بفعل البشر؛ لن البشر من خلق ال،
وفعل البشر معالجة ،ويكون للفعل بداية ووسط ونهاية ويفرغ من الحداث على قدر الزمن.
ونحن نحمل الشياء في أزمان متعددة ويحتاج من يحمل الشياء إلى قوة .ولكن فعل الحق
ض َومَا بَيْ َن ُهمَا فِي سِتّةِ أَيّامٍ َومَا
سمَاوَاتِ وَالَ ْر َ
مختلف ،إنه فعل بـ " كن " لذلك قال {:وَلَقَدْ خََلقْنَا ال ّ
مَسّنَا مِن ّلغُوبٍ }[ق]38 :
أي أنه سبحانه وتعالى منزه عن التعب ،فهو يقول } :كُنْ فَ َيكُونُ { ولذلك قلنا في مسألة السراء:
إننا يجب أن ننسب الحدث إلى ال ل إلى محمد صلى ال عليه وسلم ،حتى نعرف أن الذين
عارضوا رسول ال في مسألة السراء كانوا على خطأ فقد قالوا :أنضرب لها أكباد البل شهرا
وتدعي أنك أتيتها في ليلة؟!
إن رسول ال لم يدع لنفسه هذا المر ،لنه لم يقل :سريت من مكة إلى بيت المقدس " حتى
تقولوا :أنضرب لها أكباد البل شهرا وتدعي أنك أتيتها في ليلة ".
ي بي .أي أنه صلى ال عليه وسلم ليس له فعل في
لكن الرسول صلى ال عليه وسلم قالُ :أسْ ِر َ
الحدث.
والفعل إذن ل .ومادام هو من فعل ال فهو ل يحتاج إلى زمن؛ لذلك كان يجب أن يفهموا على
أي شيء يعترضون .ولكنا نعرف أن ال سبحانه وتعالى أراد لهم أن يفهموا على تلك الطريقة؛
لنه سيأتي أناس من المتحذلقين المعاصرين ويقولون " :إن السراء كان بالروح " نقول لهم :بال
لو قال محمد للعرب :أنا سريت بروحي أكانوا يكذبونه؟ تماما مثلما يقول لنا قائل " :أنا كنت في
نيويورك الليلة ورأيتها في المنام " فهل سيكذبه أحد؟ ل .إذن لقد كذب العرب لنهم فهموا أنه
أُسْ ِريَ به بمعنى كامل ..أي كان السراء بالجسد والروح معا ،بدليل أنهم قارنوا فعلً بفعل ،وحدثا
بحدث ،ونقلة بنقلة ،وقالوا قولهم السابق .لقد جاءت هذه المسألة لتخدم السلم.
إذن فـ " قدوس " يعني مطهر ومنزه .وساعة ترى شيئا مخالفا لقضية العقل اقرنه بفعل ال،ول
تقرنه بفعلك أنت أيها العبد؛ لن الفعل يتناسب مع قوة الفاعل طردا أو عكسا .فإن كان الفاعل
صاحب قدرة قوية .فزمنه أقل .مثال ذلك :نقل أردب من القمح من مكان إلى مكان ،فإن كان
الذي يحمل الردب طفلً فلن ينقل الردب إل قدحا بقدح؛ وإن كان رجل ناضجا سينقل الردب "
http://www.daardesign.com/forum
منتدى دارنا
كيلة بكيلة " .وإن كان صاحب قوة كبيرة قد ينقل الردب كله مرة واحدة .إذن فالزمن يتناسب مع
القوة تناسبا عكسيا .فإن كثرت القوة قل الزمن .وهات أي فعل بقدرة ال فلن يستغرق أي زمن.
إذن قدس ال في كل شيء .والرض المقدسة هي المطهرة ،وذلك بإرادة الحق سبحانه ،تماما كما
أراد سبحانه أن تكون بقعة من الرض هي الحرم ،ل يتم فيها العتداء على صيد أو نبات أو
جعَلْنَا حَرَما
اعتداء بعضكم على بعض ،وهل ذلك كلم كوني أو كلم تشريعي؟{ َأوَلَمْ يَ َروْاْ أَنّا َ
آمِنا }[العنكبوت]67 :
لو كانت المسألة إرادة كونية ،فكان ل بد أل يحدث خلل أبدا وأل يعتدي أحد على أحد .وما الفرق
بين الكوني والتشريعي؟ إن الكوني يقع لنه ل معارض في المور القهرية ،فالحق يريد أن يكون
عبدا طويل القامة ،فتلك إرادة كونية تحدث ول دخل للعبد بها .ولكن إن أراد الحق أن تكون
طائعا مصليا ،فتلك إرادة تشريعية .والرادة تكون تشريعية فيما إذا كان للمريد اختيار ،يصح أن
يفعلها ويصح أل يفعلها؛ لكن الرادة الكونية هي فيما ل إرادة للنسان فيه وواقع على رغم أنف
النسان.
وال سبحانه وتعالى يريد الحرم آمنا .وتلك إرادة تشريعية لنه حدث أن أهيج فيه أناس ولم
يأمنوا .ولو كانت إرادة كونية لما حدثت أبدا .لذلك فهي إرادة تشريعية ،فإن أطعنا ربنا جعلنا
الحرم آمنا ،وإن لم نطعه فالذي ل يطيع يهيج فيه الناس ويفزعهم ويخيفهم.
http://www.daardesign.com/forum
منتدى دارنا
أي أنه سبحانه يجمعهم من كل بلد ويجيء بعد ذلك وعد الخرة الذي جاء في أول سورة
عُلوّا كَبِيرا }
السراءَ {:وقَضَيْنَآ إِلَىا بَنِي إِسْرَائِيلَ فِي ا ْلكِتَابِ لَ ُتفْسِدُنّ فِي الَ ْرضِ مَرّتَيْنِ وَلَ َتعْلُنّ ُ
[السراء]4 :
ل ْقصَى
سجِ ِد ا َ
سجِدِ ا ْلحَرَامِ إِلَىا ا ْلمَ ْ
لن الحق حينما قال {:سُبْحَانَ الّذِي أَسْرَىا ِبعَ ْب ِدهِ لَيْلً مّنَ ا ْلمَ ْ
حوْلَهُ }[السراء]1 :
الّذِي بَا َركْنَا َ
أي أنه سبحانه وتعالى يدخل بهذه الية المسجد القصى في مقدسات السلم .وأوضح الحق لهم:
يا أيها اليهود أنتم ستعيشون في مكان بعهد من رسولي ،ولكنكم ستفسدون في المكان الذي
تعيشون فيه وسيتحملكم القوم مرة أو اثنيتن وبعد ذلك يسلط ال عبادا له يجوسون خلل دياركم
ويشردونكم من هذه البلد.
والحق يبلغنا :نحن أعلمنا بني إسرائيل في كتابهم ما سيحدث لهم مع السلمَ {:و َقضَيْنَآ إِلَىا بَنِي
ن وَلَ َتعْلُنّ عُُلوّا كَبِيرا * فَِإذَا جَآ َء وَعْدُ أُول ُهمَا َبعَثْنَا
إِسْرَائِيلَ فِي ا ْلكِتَابِ لَ ُتفْسِدُنّ فِي الَ ْرضِ مَرّتَيْ ِ
ن وَعْدا ّم ْفعُولً }[السراء]5-4 :
للَ الدّيَا ِر َوكَا َ
شدِيدٍ َفجَاسُواْ خِ َ
عَلَ ْيكُمْ عِبَادا لّنَآ ُأوْلِي بَأْسٍ َ
وبعض الناس يقولون :إن هذا كان أيام بختنصر؛ ونقول لهم :افهموا قول الحق } :فَإِذَا جَآ َء وَعْدُ
أُول ُهمَا { وكلمة " وعد " ل تأتي لشيء يسبق الكلم بل الشيء يأتي من بعد ذلك .إذن فلم يكن
ذلك في زمان بختنصر .فـ " إذا " الموجودة أولً هي ظرف لما يُستقبل من الزمان ،أي بعد أن
جاء هذا الكلم .ثم هل كان بختنصر يدخل ضمن عباد ال؟ .إن قوله الحق } :عِبَادا لّنَآ { مقصود
به الجنود اليمانيون ،وبختنصر هذا كان فارسيا مجوسيا.
وهذا القول الحكيم يشير إلى الفساد الول مع رسول ال بعد العهد الذي أعطاه رسول ال صلى
ال عليه وسلم ،ثم أجلهم.
http://www.daardesign.com/forum
منتدى دارنا
المؤمنين :ولماذا تجعل يا ال الكّرّة لبني إسرائيل؟ .تكون الجابة :لنكم أيها الناس قد تخلفتم عن
مطلوب العبودية الخالصة ل .ومادمنا قد تخلفنا عن مفهوم " عباد ال " فل بد أن تحدث لنا تلك
السلسلة الطويلة التي نعرفها من عدوان بني إسرائيل .ونحن الن في مواجهة اليهود في مرحلة
قوله الحق {:ثُمّ َردَدْنَا َلكُمُ ا ْلكَ ّرةَ عَلَ ْيهِمْ }[السراء]6 :
فإذا كنا عبادا ل فلن يتمكنوا منا .وال سبحانه وتعالى حينما يتكلم بقضية قرآنية فل بد أن تأتي
القضية الكونية مصدقة لها.
ولو استمر المر دون كرّة من اليهود علينا ،بينما نحن قد ابتعدنا عن منهجنا وأصبح كل يتبع
هواه ،لكانت القضية القرآنية غير ثابتة .ولكن ل بد من أن تأتي أحداث الكون مطابقة للقضية
القرآنية .ولذلك رأينا أن بعض العارفين الذين نعتقد قربهم من ال حينما جاء أحدهم خبر دخول
اليهود بيت المقدس سجد ل.
فقلنا " :أتسجد ل على دخول اليهود بيت المقدس " .فقال :نعم .صدق ربنا لنه قد قال } :وَلِيَدْخُلُواْ
سجِدَ َكمَا َدخَلُوهُ َأ ّولَ مَ ّرةٍ { هكذا قال الحق ،وهل يكون دخول لثاني مرة إل إذا كان هناك
ا ْلمَ ْ
خروج من أول مرة؟ .لقد حمد ذلك العارف بال ربنا لن قضايا القرآن تتأكد بالكونيات ،فإذا ما
قال الحقَ {:ردَدْنَا َلكُمُ ا ْلكَ ّرةَ }[السراء]6 :
فليست المسألة أنهم لكونهم يهودا ل يعطيهم ال الكّ ّرةَ .ولكن القضية هي أننا عندما نكون عبادا ل
حقيقة ..اعتقادا وسلوكا ..قول وعمل ننتصر عليهم {.ثُمّ رَدَدْنَا َلكُمُ ا ْلكَ ّرةَ عَلَ ْي ِه ْم وََأمْدَدْنَاكُم بَِأ ْموَالٍ
جعَلْنَاكُمْ َأكْثَرَ َنفِيرا }[السراء]6 :
وَبَنِينَ وَ َ
وهم أغنياء لنهم يديرون معظم حركة المال في العالم المعاصر.
ولنهم جميعا في الجيش المدافع عن دولتهم .وذلك معنى بنين وأكثر نفيرا .النفير هو ما يستنفره
النسان لنجدته؛ لن قوة ذاته قاصرة عن الفعل .واليهود ليسوا قوة ذاتية بمفرد دولتهم ،ولكن
وراءهم أهم قوى في العالم المعاصر.
إذن فقوله الحق {:وََأمْدَدْنَاكُم بَِأ ْموَالٍ }[السراء]6 :
قول صدق وحق.
وقوله الحق {:وَبَنِينَ }[السراء]6 :
قول صدق وحق.
جعَلْنَا ُكمْ َأكْثَرَ َنفِيرا }[السراء]6 :
وقوله الحق {:وَ َ
قول صدق وحق.
سكُ ْم وَإِنْ َأسَأْتُمْ فََلهَا }[السراء:
حسَنْتُ ْم لَ ْنفُ ِ
ثم بعد ذلك يحسم ال قضيته ويقول لليهود {:إِنْ َأحْسَنْ ُتمْ أَ ْ
]7
http://www.daardesign.com/forum
منتدى دارنا
وهل تستمر الكرّة يا رب؟.
عدُ الخِ َرةِ لِيَسُوءُو ْا وُجُو َه ُكمْ }[السراء]7 :
ل .فها هوذا الحق سبحانه يقول {:فَإِذَا جَآ َء وَ ْ
كأن الحق يعطينا البشارة بأننا سننتصر؛ ويكون النتصار مرهونا بتنفيذ القاعدة التي شرعها ال
بأن نكون عبادا ل حقا ،عندئذ سَ َي ِكلُ ال لنا تنفيذ وعده لليهود {:لِيَسُوءُو ْا وُجُو َهكُمْ }[السراء]7 :
وأشرف ما في النسان هو الوجه ،وعندما نكون عبادا ل سنسوء وجوههم ،وفوق ذلك {:وَلِيَدْخُلُواْ
سجِدَ َكمَا َدخَلُوهُ َأ ّولَ مَ ّر ٍة وَلِيُتَبّرُواْ مَا عََلوْاْ تَتْبِيرا }[السراء]7 :
ا ْلمَ ْ
ولم يأت الحق بذكر المسجد من قبل ،فها هوذا قوله الكريمَ {:و َقضَيْنَآ إِلَىا بَنِي إِسْرَائِيلَ فِي ا ْلكِتَابِ
ن وَلَ َتعْلُنّ عُُلوّا كَبِيرا * فَإِذَا جَآ َء وَعْدُ أُول ُهمَا َبعَثْنَا عَلَ ْيكُمْ عِبَادا لّنَآ ُأوْلِي
لَ ُتفْسِدُنّ فِي الَ ْرضِ مَرّتَيْ ِ
ن وَعْدا ّم ْفعُولً }[السراء]5-4 :
للَ الدّيَا ِر َوكَا َ
شدِيدٍ َفجَاسُواْ خِ َ
بَأْسٍ َ
إذن فالحق هنا لم يأت بذكر المسجد في أول مرة .فكيف يكون دخولنا المسجد إذن؟ .لقد دخلنا
المسجد القصى أول مرة في المتداد السلمي في عهد عمر بن الخطاب -رضي ال عنه.
والمسجد القصى أيام عمر بن الخطاب لم يكن في نطاق بني إسرائيل ،ولكن كان في نطاق
الدولة الرومانية ،فدخولنا المسجد أول مرة لم يكن نكاية فيهم .ولكن الحق جاء بالمرة الثانية هنا
جدَ َكمَا َدخَلُوهُ َأ ّولَ مَ ّرةٍ }[السراء]7 :
والمسجد في نطاق سيطرة بني إسرائيل {.وَلِيَ ْدخُلُواْ ا ْلمَسْ ِ
سنكون نحن إذن عبادا لَلّهِ ذوي البأس الشديد الذين سندخل المسجد القصى كما دخلناه أول مرة،
وجاء الحق سبحانه بالمسجد هنا؛ لن دخول المسجد أول مرة لم يكن إذللً لليهود ،فقد كانت
السلطة السياسية في ذلك الزمن تتبع -كما قلنا -الدولة الرومانية.
ويضيف الحق من بعد ذلك {:وَلِيُتَبّرُواْ مَا عََلوْاْ تَتْبِيرا }[السراء]7 :
وحتى نتبر ما ُيعْلُونه -أي نجعله خرابا -لبد أن تمر مدة ليعلوا في البينان.
وعلينا أن نعد أنفسنا لتكون عبادا ل لنعيش وعد الخرة وقد جعلها ال وعدا تشريعيا ،فإذا عدنا
عبادا ل فسندخل المسجد ونتبر ما علوا تتبيرا ،والحق سبحانه وتعالى في آيات سورة المائدة التي
نحن بصدد خواطرنا عنها يأتي بلقطة عن بلغه لسيدنا موسى بعد خروجه مع قومه من مصر،
سةَ الّتِي كَ َتبَ اللّهُ َلكُمْ وَلَ تَرْتَدّوا عَلَىا أَدْبَا ِركُمْ فَتَ ْنقَلِبُوا
خلُوا الَ ْرضَ ال ُمقَدّ َ
فقال {:يَا َقوْمِ ادْ ُ
خَاسِرِينَ }[المائدة]21 :
وقلنا إن الكتابة هنا تشريعية وليست كونية ،فلو كان المر كونيا لدخلوا الرض المقدسة بدون
عقبات وبدون صراع وبدون قتال.
والدليل على أن الكتابة تشريعية هو قوله الحقَ } :ولَ تَرْتَدّوا عَلَىا َأدْبَا ِركُمْ فَتَ ْنقَلِبُوا خَاسِرِينَ { أي
أنكم إن ارتددتم على أدباركم انقلبتم خاسرين .فإن أطعتم ال ودخلتم الرض دون إدبار،
فستدخلون الرض ،وإن لم تفعلوا فلن تدخلوها .إذن ليست كتابة الرض هنا كونية ،ولكنها
http://www.daardesign.com/forum
منتدى دارنا
تشريعية.
وقوله الحقَ } :ولَ تَرْتَدّوا عَلَىا َأدْبَا ِركُمْ { يشرح لنا طبيعة مواجهة الخصم؛ فالنسان حين يواجه
خصمه فهو يواجهه بوجهه .فإن فرّ الخصم من أمامه فهو يولي أدباره .والتولي على الدبار
يكون على لونين :لون هو الدبار من أجل أن ينحرف النسان إلى جماعة وفئة لتشتد قوتهم
ويقووا على هزيمة العدو أو يصنع مكيدة؛ ليعيد مواجهة الخصم ،ولون آخر وهو الفرار وذلك
مذموم ،ومن المعاصي الموبقات المهلكات .وفي ذلك يقول الحق سبحانهَ {:ومَن ُيوَّلهِمْ َي ْومَئِذٍ دُبُ َرهُ
ضبٍ مّنَ اللّهِ }[النفال]16 :
ِإلّ مُتَحَرّفا ّلقِتَالٍ َأوْ مُ َتحَيّزا إِلَىا فِئَةٍ َفقَدْ بَآءَ ِب َغ َ
فالرتداد على الدبار ليس مذموما إن كان من أجل حيلة أو صنع كمين للعدو .وفي هذه الحالة ل
بأس أن يرتد النسان ،أما خلف ذلك فهو مذموم .وهل الرتداد على الدبار رجوع بالظهر إلى
الوراء مع الحتفاظ بالوجه في مواجهة الخصم؟ .أو هو التفات بالوجه ناحية الدبر وفرار من
العدو؟ .كل المرين يصح .وقد جاء المر إلى بني إسرائيلَ بعدم الفِرار ليدخلوا الرض فماذا
كان موقفهم مادامت الكتابة لهذا المر تشريعية؟.
()683 /
ن وَإِنّا لَنْ نَ ْدخَُلهَا حَتّى َيخْرُجُوا مِ ْنهَا فَإِنْ َيخْرُجُوا مِ ْنهَا فَإِنّا
قَالُوا يَا مُوسَى إِنّ فِيهَا َقوْمًا جَبّارِي َ
دَاخِلُونَ ()22
كيف إذن يعلنون هذا التمرد على امر الحق؟ .وكيف علموا أن فيها قوما جبارين؟ .ولنا أن ننتبه
عشَرَ َنقِيبا }[المائدة]12 :
إلى أن الحق قد قال من قبل {:وَ َبعَثْنَا مِنهُمُ اثْ َنيْ َ
فقد ذهب النقباء أولً وتجسسوا ونقبوا وعرفوا قصة هذه الرض المقدسة ،وأن فيها جماعة من
العمالقة الكنعانيين .وساعة رأوا هؤلء القوم ،قالوا لنفسهم :هل سنستطيع أن نقاوم هؤلء الناس؟
إن ذلك أمر ل يصدق؛ لذلك لن ندخلها ما داموا فيها .إذن فقد تخاذلوا وارتدوا على أدبارهم.
{ قَالُوا يَامُوسَىا إِنّ فِيهَا َقوْما جَبّارِينَ }.
وساعة أن تسمع كلمة " جَبّار " تجدها أمرا معنويا أُخذ من المحسات؛ فالجبارة هي النخلة التي ل
تطولها يد النسان إذا أراد أن يجني ثمارها .وعندما تكون ثمار النخلة في متناول يد النسان حين
يجني ثمارها فهي دانية القطوف ،أما التي ل تطولها يد النسان لحظة الجني للثمار فهي جَبّارة؛
لذلك أخذ هذا المعنى ليعبر عن الذي ل يقهر فسمي جبارا ،وقد يكون الجبار مُكرِها ولكن على
الصلح ،وفي بلدنا نطلق على من يصلح كسور العظام " المجبراتي ".
أي أنه يجبر العظام على أن تعود إلى مكانها الطبيعي .وقد يتألم النسان من ذلك ،ولكن في هذا
http://www.daardesign.com/forum
منتدى دارنا
إصلح لحياة النسان .و " الجَبّار " اسم من أسماء ال؛ لنه سبحانه َي ْقهَر ول يُقهَر .وقد يُكرهنا
سبحانه وتعالى حتى يصلحنا .ويخنبرنا بالبتلءات حتى يمحصنا وتستوي حياتنا.
إذن فـ " الجبار " صفة كمال في الحق لنه يستعمل جبروته في الخير ويقهر الظالمين والمعاندين
والمكابرين ،وذلك لمصلحة الخيار الطيبين .وهو سبحانه وتعالى ل يُقهَر .فعندما يكون في صف
جماعة فإن أحدا ل يغلبهم ،أما الجبار كصفة في الخلق فعي مذمومة؛ لن التجبر هنا بدون أصالة
كالبناء الجوف .فالمتجبر قد يصيبه قليل من الصداع فيرقد متوجعا.
إننا نرى أمثلة لذلك في حياتنا ،نجد المتجبر يصاب بأزمة قلبية فيحمل على نقالة إلى المستشفى،
ونجد جبارا آخر يصاب بقليل من المغص ،فيجري وهو ممسك ببطنه فيضحك عليه الطفال.
ويقولون له ما معناه :العب بعيدا فلست جبارا ول فتوة ول أي شيء .والجبار إن أراد أن يكون
كذلك فعليه أن يكون صاحب رصيد مستمر ،فل تراه يوما غير جبار .ول يكون التجبر صفة
ذاتية إل ل سبحانه وتعالى.
ويقول الحق { :وَإِنّا لَن نّدْخَُلهَا حَتّىا يَخْ ُرجُواْ مِ ْنهَا } وساعة نسمع " لن " تسبق الفعل فلنعرف أنها
للنفي .والنفي قد يأخذ زمنا طويلً ،وقد يأخذ زمنا تأبيديا .والفرق بين الدخول فقط والدخول
التأبيدي ،أن الدخول الول له زمن ينهيه ،والدخول الثاني ل زمن له لينهيه كدخول المؤمنين
الجنة.
وإذا عين الدخول بغاية كقولهم { :وَإِنّا لَن نّدْخَُلهَا حَتّىا يَخْ ُرجُواْ مِ ْنهَا } أي أن النفي التأبيدي
مرتبط بغاية وهي خروج القوم الجبارين .والتأبيد هنا إضافي لنهم قالوا :إنهم لن يدخلوا الرض
في مدة وجود الجبارين.
{ فَإِن َيخْرُجُواْ مِ ْنهَا فَإِنّا دَاخِلُونَ } ونقول :وهل المم التي تخطو إلى الشر وتمارسه يمتنع فيها
وجود عناصر الخير؟ .ل؛ لن الحق يبقي بعضا من عناصر الخير حتى ل ينطمس الخير ،وهذا
ما يوضحه الحق في بني إسرائيل عندما قالوا لموسى هذا القول ،فقد خالفهم رجلن منهم { :قَالَ
رَجُلَنِ مِنَ الّذِينَ} ...
()684 /
ن وَعَلَى
علَ ْي ِهمَا ادْخُلُوا عَلَ ْي ِهمُ الْبَابَ فَإِذَا دَخَلْ ُتمُوهُ فَإِ ّنكُمْ غَالِبُو َ
قَالَ َرجُلَانِ مِنَ الّذِينَ يَخَافُونَ أَ ْن َعمَ اللّهُ َ
اللّهِ فَ َت َوكّلُوا إِنْ كُنْتُمْ ُمؤْمِنِينَ ()23
وهما رجلن يخالفان النكوص عن أمر ال ،بينما بنو إسرائيل -كمجموع -لم يفهموا عن ال
حق الفهم؛ لنهم لو نفذوا أمر ال لهم بالدخول إلى الرض المقدسة ولم ينكصوا لمكنهم ال من
http://www.daardesign.com/forum
منتدى دارنا
ذلك .لكن لم يفهم عن ال فيها إل رجلن .وهما كالب ،ويوشع بن نون ،أحدهما من سبط يهوذا
والخر من سبط افرايم ،وهما ابنا يوسف عليه السلم ،فقد قال :مادام ال قد كتب لكم الدخول،
فهو ل يطلب منا إل قليلً من الجهاد.
فحين يأمر ال النسان بعمل من العمال ،فيكفيه أن يتوجه إلى العمل اتجاها والمعونة من ال.
وسبحانه يقول للعبد " :أنا عند ظن عبدي بي وأنا معه إذا ذكرني .فإن ذكرني في نفسه ذكرته في
نفسي ،وإن ذكرني في ملٍ ،ذكرته في مل خير منهم ،وإن تقرّب إليّ بشبر تقربت إليه ذراعا،
وإن تقرب إليّ ذراعا تقربت إليه باعا ،وإن أتاني يمشي أتيته هرولة ".
فإذا كان الشأن في المشي أن يتعب الذاهب والسائر ،فال ل يرد أن يرهق بالمشي من يقصده
ويطلبه؛ لذلك يُهرول فضله ورحمته -سبحانه -إلى العبد .فالرغبة الولى أن يكون العمل لك
أنت أيها العبد .ومن عظائم فضل ال أنه فعل ونسب إليك .وسبحانه يسعد بالعبد الساعي إليه.
وأضرب هذا المثل -ول المثل العلى -لنفترض أنك أردت أن تمسك سيفا ،لماذا ل تحلل
المسألة؟ .السيف الذي تمسكه ،صنعته من الحديد ،والحديد استخرجته من الرض.
حدِيدَ فِيهِ بَأْسٌ شَدِيدٌ َومَنَافِعُ لِلنّاسِ }[الحديد]25 :
والحق قال {:وَأَنزَلْنَا الْ َ
إن الحق هو الذي أنزل الحديد ،وهو الذي علمنا كيف نصقل الحديد ونشكله بالنار {:وَعَّلمْنَاهُ
س ُكمْ }[النبياء]80 :
حصِ َنكُمْ مّن بَأْ ِ
صَ ْنعَةَ لَبُوسٍ ّلكُمْ لِ ُت ْ
وأنا أريد من علماء وظائف العضاء أن يحددوا لنا ساعة أن يمسك النسان بشيء وليكن السيف.
فبأي عضلة يمسك النسان السيف؟ .وكيف يأمرها النسان بذلك؟ .وكم عضلة وكم خلية عصبية
تحركت من أجل أداء هذا الفعل؟ .على الرغم من أن النسان بمجرد إرادته أن يمسك شيئا .فهو
يمسك به .والنسان إذا ما مشى خطوة واحدة ،فبأي العضلت بدأ المشي.
إن النسان عندما يحرك ذراعا آليا في جهاز آلي؛ يصمم عشرات الوصلت والدوات والدورات
الكهربية من أجل تحريك ذراع آلي ،فكم إذن من عضلت في النسان تتحرك بالسير لخطوة
واحدة؟ إن الكثير جدا من أجهزة النسان تتحرك بالسير لخطوة واحدة .إن الكثير جدا من أجهزة
النسان تتحرك لمجرد الرادة منه!! .فإذا كانت إرادة النسان تفعل لمجرد أن يريد سواء أكانت
هذه الرادة هي المساك بالسيف أم حتى المشي لخطوة واحدة ،أم حتى المساك بالقلم بين
الصابع للكتابة.
فليعلم النسان أن الرادة عطاء من ال والنسان ل يستطيع تحديد مواقع إرادته من جسده فما
بالنا بالحق حين يريد أمرا؟
ولنعد إلى الية التي نحن بصدد خواطرنا عنها الن {:قَالَ َرجُلَنِ مِنَ الّذِينَ َيخَافُونَ أَ ْنعَمَ اللّهُ
عَلَ ْي ِهمَا ا ْدخُلُواْ عَلَ ْيهِمُ الْبَابَ فَإِذَا َدخَلْ ُتمُوهُ فَإِ ّنكُمْ غَالِبُونَ وَعَلَى اللّهِ فَ َت َوكّلُواْ إِن كُنتُم ّم ْؤمِنِينَ }[المائدة:
http://www.daardesign.com/forum
منتدى دارنا
]23
لقد أنعم ال على هذين الرجلين بحسن الفهم عن ال ،فقال لبني إسرائيل :ساعدوا أنفسكم بدخول
هذه الرض وسينصركم ال .ومثل الرجلين كمثل الم التي طلب منها ابنها أن تدعو له بالنجاح،
فقالت الم لبنها :سأدعو لك ولكن عليك فقط أن تساعد الدعاء بالقبال على الستذكار .وكأن
الخوف من مخالفة أمر ال نعمة على هذين الرجلين ،وكأن الفهم عن ال لعباراته نعمة.
} ادْخُلُواْ عَلَ ْي ِهمُ الْبَابَ فَإِذَا دَخَلْ ُتمُوهُ فَإِ ّنكُمْ غَالِبُونَ { كأنهم بمجرد الدخول سيغلبون هؤلء العمالقة.
فلم يطلب منهم قتال هؤلء العمالقة .بل ساعة يراهم القوم الجبارون يدخلون عليهم فجأة فسوف
يذهلهم الرعب.
وهم عندما نسجوا الساطير حول هذه القصة قالوا :إن أحد هؤلء العمالقة واسمه عوج بن عناق
خرج إلى بستان خارج المدينة ليقطف بعض الثمار لرئيسه؛ فخطف اثنين من هؤلء الناس
وخبأهما في كمّه ،وألقاهما أمام رئيسه وهو يقدم الفاكهة إليه وقال الرجل العملق لرئيسه :هذان
من الجماعة التي تريد أن تدخل مدينتنا .هذه هي المبالغة التي صنعها خوفهم من هؤلء العمالقة،
برغم أن رجلين منهما أحسنا الفهم عن اللّه بقولهما } :ا ْدخُلُواْ عَلَ ْيهِمُ الْبَابَ {؛ لن هذا هو مراد
ال ،وهو الذي يحقق لهم النصر.
وبعض المفسرين قالوا في شرح هذه الية :إن الرجلين اللذين قال ذلك ليسا من بني إسرائيل؛ لن
هؤلء المفسرين فهموا القول الحكيم } :قَالَ رَجُلَنِ مِنَ الّذِينَ َيخَافُونَ { قالوا هما رجلن من الذين
يخاف منهم بنو إسرائيل ،وقال لبني إسرائيل :ل يُخيفكم ول يُرهبكم عظم أجسام هؤلء فإن جنود
ال ستنصركمَ {:ومَا َيعَْلمُ جُنُودَ رَ ّبكَ ِإلّ ُهوَ }[المدثر]31 :
ويختتم الحق الية بهذا التذييل } :وَعَلَى اللّهِ فَ َت َوكّلُواْ إِن كُنتُم ّم ْؤمِنِينَ { أي ل تتوقفوا عند حساب
العدد في مواجهة العدد ،والعُدة في مواجهة العُدة ،ولكن احسبوا المر إيمانيا لن اللّه معكم } إِن
تَنصُرُواْ اللّهَ يَنصُ ْركُمْ {.
وهو سبحانه القائل {:وَإِنّ جُندَنَا َلهُمُ ا ْلغَالِبُونَ }[الصافات]173 :
وعلى المؤمن باللّه أن يضع هذا اليمان في كف قوته .فإن كان هؤلء الناس من بني إسرائيل
المأمورين بدخول تلك الرض مؤمنين بحق فليتوكلوا على اللّه.
فماذا قال هؤلء القوم } :قَالُواْ يَامُوسَى{ ...
()685 /
عدُونَ ()24
ت وَرَ ّبكَ َفقَاتِلَا إِنّا هَاهُنَا قَا ِ
قَالُوا يَا مُوسَى إِنّا لَنْ نَ ْدخَُلهَا أَبَدًا مَا دَامُوا فِيهَا فَاذْ َهبْ أَ ْن َ
http://www.daardesign.com/forum
منتدى دارنا
كأن خلصة قولهم لموسى عليه السلم :ل ترهق نفسك معنا ووفّر عليك جهدك فنحن لن ندخل
هذه الرض ،مادام هؤلء العمالقة فيها .وإن كانت مصرّا على دخولنا هذه الرض فاذهب أنت
وربك فقاتل ونحن بانتظاركما هنا قاعدون .هكذا بلغ بهم الخوف أن سخروا من موسى وربّ
موسى .وهكذا وصل بهم الستهزاء إلى تلك الدرجة المُزرية .ولم يكن ذلك بالمر الجديد عليهم
جهْ َرةً }[النساء]153 :
فقد قالوا من قبل {:أَرِنَا اللّهَ َ
ومن قبل ذلك أيضا عبدوا العجل .فماذا يقول موسى { :قَالَ َربّ إِنّي ل} ...
()686 /
سقِينَ ()25
قَالَ َربّ إِنّي لَا َأمِْلكُ ِإلّا َنفْسِي وََأخِي فَافْ ُرقْ بَيْنَنَا وَبَيْنَ ا ْل َقوْمِ ا ْلفَا ِ
وكان هارون أخا لموسى عليه السلم ومُرسلً مثله؛ فكأن موسى عليه السلم قد أعلن عدم ثقته
في هؤلء القوم الذين أرسله اللّه إليهم؛ حتى ول يوشع بن نون ول كالب ،وهما الرجلن اللذان
قال لبني إسرائيل :إنه يكفي دخول الباب لتهزموا هؤلء الناس العمالقة .لكن أكانت نفس أخيه
مملوكة له؟ أم أنه قال ما فحواه :إني ل أملك إل نفسي وكذلك أخي ل يملك إل نفسه ،أما بقية
القوم فقد سمعت منهم يارب أنهم لم يدخلوا هذه الرض مادام بها هؤلء العمالقة .إذن فأنا وأخي
في طرف وبقية القوم في طرف آخر؛ لذلك افصل بيننا وبين هؤلء القوم الفاسقين.
والحق سبحانه وتعالى في هذا التعبير القرآني يأتي بهذه الكلمات على لسان سيدنا موسى والتي
تحتمل أن يرقّ لها قلب واحد من أتباع موسى عليه السلم فيقول لموسى :إنني معك .ولذلك جاء
سقِينَ } .ومعنى الفاسقين -كما عرفنا -هم من خرجوا
قول موسى { :فَافْ ُرقْ بَيْنَنَا وَبَيْنَ ا ْل َقوْمِ ا ْلفَا ِ
عن اليمان ،كما تفسق الرطبة؛ فالبلحة عندما ترطّب فإن قشرتها تتسع عن حجمها؛ فتخرج
الرطبة من قشرتها؛ ويقال فسقت الرطبة؛ فكأن اليمان كالجلد والجلد كالقشرة .وهو كغلف يحيط
بالنسان .وعندما يفسق النسان عن اليمان فهو يخرج عن قانون الصيانة ،وكذلك كان فسق بني
إسرائيل؛ لذلك قال الحق { :قَالَ فَإِ ّنهَا مُحَ ّرمَةٌ} ...
()687 /
سقِينَ ()26
قَالَ فَإِ ّنهَا ُمحَ ّرمَةٌ عَلَ ْيهِمْ أَرْ َبعِينَ سَنَةً يَتِيهُونَ فِي الْأَ ْرضِ فَلَا تَأْسَ عَلَى ا ْل َقوْمِ ا ْلفَا ِ
http://www.daardesign.com/forum
منتدى دارنا
فهل كان التحريم مدته أربعون عاما؟ أو أنه قال " :إنها مُحرّمة عليهم " وانتهى المر لنهم تَأَبّوا
على أن يدخلوها؟ .ولذلك فكل الذين قالوا " :لن ندخلها أبدا ماداموا فيها " لم يعش منهم أحد ليدخل
هذه الرض .وبعد ذلك صدر الحكم التي { :أَرْ َبعِينَ سَ َنةً يَتِيهُونَ فِي الَ ْرضِ } فهل هذا القول هو
استئناف للقول السابق فيكون ظرفا لـ " مُحرّمة " .أو هو حكم منفصل؟.
تصح هذه ،وتصح تلك .والتيه هو كما نقول :فلن تاه أي سار على غير هدى ول يعرف لنفسه
مدخلً ول مخرجا ،والواحد عندما يدخل في مجال متشعب المسالك ومتعرج الطرقات ،فهو ل
يعرف كيفية الخروج منه ،هذا هو التيه .ولكن كم فرسخا هي مساحة التيه؟ .حدّدها العلماء بستة
فراسخ [والفرسخ قدر ثلثة أميال] .كيف يتيهون في تلك المساحة الضيقة من الرض؟
لقد أراد ال ذلك؛ لنهم ساعة يمشون ويرهقون فينامون ويأتي عليهم الصباح ليجدوا أنفسهم عند
النقطة التي بدأوا منها ،وكانوا يضعون العلمات ليضاح الطريق ،لكنهم كل صباح كانوا يجدون
العلمات قد انتقلت من مكانها .وظلّوا على هذا الوضع وفي هذا التيه إلى المد والوقت الذي
حدده ال وهو أربعون سنة يتيهون في الرض .وحين يؤدبّ ال عاصيا يحفظ له من القوت
والرزق ما يبقى به حياته ولو كان كافرا؛ لنه سبحانه هو الذي استدعاهم إلى الوجود ،ولهذا لم
يضنّ عليهم في التيه بما لم يضنّ به على الكافرين به سبحانه.
إذن حفظ الحياة أمر ضروري .وعنما يرتكب إنسانٌ مَا ذنبا كبيرا في حق المجتمع فإننا نضعه في
السجن ،ولكننا نطعمه ونسقيه ،وعندما يرتقي المجتمع النساني ،فهو يوفّر للسّجين عملً يتناسب
مع مواهبه ويحبس عنه حُرية الحركة في المجتمع ،والسجين المذنب يظل في السجن ،ولكنه يأكل
ويشرب وينام ويعمل ،فقط تختلف المسألة في النقطة المهمة في الحياة وهي أن يتحرك المتحرك
وفق حريته ،فما بالنا بالحق العظم عندما سجنهم في التيه؟ .لقد أطعمهم ال وسقاهم وأنزل عليهم
المَنّ والسّلوى.
وقد يقول قائل :إن ال قد أنزل عليهم المَنّ والسّلوى ليعيشوا كُسَالى وغّرقى في التَكبر والغرور.
ونقول :ل .فذلك الجراء اللهي من ضمن حكمه البالغة أن يطيل عليهم الوقت .فلو أنه سبحانه
وتعالى قد جعلهم يزرعون ويحرثون لنشغلوا بأمور الحياة اليومية ،لكن الحق أراد أن يُطيل
عليهم الحساس بالزمن .فالمسألة ليست طعاما وشرابا .ولكن هناك كرامة فوق الطعام وفوق
الشراب.
إننا نرى ذلك عندما نسمع عن اعتقالت لبعض الفراد الذين أساءوا للمجتمع .وتسمح لهم
ن هؤلء المعتقلين يشعرون بالضيق من تقييد
السلطات بالطعام الذي يأتيهم من منازلهم .ولك ّ
الحركة.
http://www.daardesign.com/forum
منتدى دارنا
إذن أراد الحق لهم عقابا صارما في فترة التيه .ولذلك نجد بعضهم يحسب المسألة والزمن في
فترة التيه ،فيقول الواحد منهم ما ذكره الحقَ {:ووَاعَدْنَا مُوسَىا ثَلَثِينَ لَ ْيلَ ًة وَأَ ْت َممْنَاهَا ِبعَشْرٍ فَ َتمّ
مِيقَاتُ رَبّهِ أَرْ َبعِينَ لَيْلَ ًة َوقَالَ مُوسَىا لَخِيهِ هَارُونَ اخُْلفْنِي فِي َق ْومِي }[العراف]142 :
وبعد أن رحل موسى عن القوم عبدوا العجل الذي صنعه لهم موسى السامريّ ،وعاد إليهم موسى
وعاتب أخاه هارون العتاب القاسي ،وعاقبهم ربهم على كفرهم أربعين سنة .كأن كل يوم من
عبادة العجل صار سنة من العقاب في التيه .ولنه َربّ ورحيم لم يتركهم دون أن يحفظ لهم
حياتهم بالقوت ،فكان القوت هو المَنّ والسّلوى .هل كان موسى عليه السلم معهم في التيه أم ل؟
وهل مات معهم في التيه أم ل.؟ تلك أسئلة ل تهمنا الجابة عنها بالرغم من أن بعض العلماء قد
شغلوا أنفسهم بها؛ فتلك أمور ل تنفع ول تضر .المهم أن بني إسرائيل لم يدخلوا أريحا إل على يد
يوشع بن نون بعد الربعين سنة {:قَالَ َربّ إِنّي ل َأمِْلكُ ِإلّ َنفْسِي وَأَخِي فَافْرُقْ بَيْنَنَا وَبَيْنَ ا ْلقَوْمِ
سقِينَ }
سقِينَ * قَالَ فَإِ ّنهَا ُمحَ ّرمَةٌ عَلَ ْيهِمْ أَرْ َبعِينَ سَنَةً يَتِيهُونَ فِي الَ ْرضِ فَلَ تَأْسَ عَلَى ا ْلقَوْمِ ا ْلفَا ِ
ا ْلفَا ِ
[المائدة]26-25 :
ولنا أن نقرأ هذا القول الحكيم كما يلي } :قَالَ َربّ إِنّي ل َأمِْلكُ ِإلّ َنفْسِي وَأَخِي فَافْرُقْ بَيْنَنَا وَبَيْنَ
سقِينَ * قَالَ فَإِ ّنهَا مُحَ ّر َمةٌ عَلَ ْيهِمْ { .وهذا الوقف يعطينا الفهم بأن الرض المقدسة صارت
ا ْل َقوْمِ ا ْلفَا ِ
مُحّرمة عليهم إلى البد .وبعد ذلك يأتي أمر ال بعقابهم في التيه أربعين سنة } :أَرْ َبعِينَ سَ َنةً
سقِينَ { .أما لو قرأنا هذا القول الحكيم كما يلي } :قَالَ
يَتِيهُونَ فِي الَ ْرضِ فَلَ تَأْسَ عَلَى ا ْل َقوْمِ ا ْلفَا ِ
سقِينَ * قَالَ فَإِ ّنهَا ُمحَ ّرمَةٌ عَلَ ْيهِمْ
َربّ إِنّي ل َأمِْلكُ ِإلّ َنفْسِي وَأَخِي فَافْرُقْ بَيْنَنَا وَبَيْنَ ا ْل َقوْمِ ا ْلفَا ِ
سقِينَ { فهذه القراءة تتيح لنا الفهم بأن مدة
أَرْ َبعِينَ سَنَةً يَتِيهُونَ فِي الَ ْرضِ فَلَ تَأْسَ عَلَى ا ْل َقوْمِ ا ْلفَا ِ
العقوبة لهؤلء القوم الفاسقين أربعون سنة في التيه .ودخلوا بعدها مدينة أريحا.
ويأمر الحق موسى ألّ يحزن على هؤلء القوم الفاسقين ،ذلك أن موسى عليه السلم عندما دعا
ال بقوله } :فَافْرُقْ بَيْنَنَا { انتابه قدرٌ من الضّيق من هذا الدّعاء وقال لنفسه :لماذا لم أدعُ لهم
سقِينَ { أي فل
بالهداية بدلً من أن أدعو بالفراق؟ ،ولذلك قال له الحق } :فَلَ تَأْسَ عَلَى ا ْل َقوْمِ ا ْلفَا ِ
تحزن عليهم لنهم ّأوْلَى بالعذاب لفسقهم ومخالفاتهم.
ومن بعد ذلك يقول الحق } :وَا ْتلُ عَلَ ْيهِمْ نَبَأَ{ ...
()688 /
حدِ ِهمَا وَلَمْ يُ َتقَ ّبلْ مِنَ الْآَخَرِ قَالَ لََأقْتُلَ ّنكَ قَالَ
وَا ْتلُ عَلَ ْي ِهمْ نَبَأَ ابْ َنيْ َآدَمَ بِا ْلحَقّ إِذْ قَرّبَا قُرْبَانًا فَ ُتقُ ّبلَ مِنْ أَ َ
إِ ّنمَا يَ َتقَبّلُ اللّهُ مِنَ ا ْلمُ ّتقِينَ ()27
http://www.daardesign.com/forum
منتدى دارنا
وساعة يتلو النسان -أي يقرأ -فهو يتكلم بترتيب ما رآه من صُور؛ ذلك أن النسان عندما
يرى أمرا أو حادثة فهو يرى المجموع مرة واحدة ،أو يرى كل صورة مكّونة للحدث منفصلة عن
غيرها .وعندما يتكلم النسان فهو يرتّب الكلمات ،كلمة من بعد كلمة ،وحرفا من بعد حرف؛ إذن
فالمتابعة والتلوة أمر خاص بالكلم { .وَا ْتلُ عَلَ ْي ِهمْ نَبَأَ ابْ َنيْ ءَادَمَ بِا ْلحَقّ } والنبأ هو الخبر المهم،
فنحن ل نطلق النبأ على مطلق الخبر .ولكن النبأ هو الخبر اللفت للنظر .مثال ذلك قوله الحق{:
عَمّ يَ َتسَآءَلُونَ * عَنِ النّبَإِ ا ْلعَظِيمِ }[النبأ]2-1 :
إذن فكلمة " نبأ " هي الخبر المهم الشديد الذي وقع وأثر عظيم.
حقّ } وساعة نسمع قوله الحق " :بالحق " فلنعلم أن ذلك أمر نزل
{ وَا ْتلُ عَلَ ْيهِمْ نَبَأَ ابْ َنيْ ءَا َدمَ بِالْ َ
حقّ نَ َزلَ }[السراء:
من الحق فل تغيير فيه ول تبديل .ولذلك قال سبحانه {:وَبِالْحَقّ أَنْزَلْنَا ُه وَبِالْ َ
]105
أي أن ما أُنزل من عند ال لم يلتبس بغيره من الكلم ،وبالحق الجامع لكل أوامر الخير والنواهي
حقّ } فسبحانه يحكي قصة
عن الشّر نزل .وعندما يقول سبحانه { :وَا ْتلُ عَلَ ْيهِمْ نَبَأَ ابْ َنيْ ءَا َدمَ بِالْ َ
قرآنية تحكي واقعة كونية .ومادام ال هو الذي يقصّ فهو سيأتي بها على النموذج الكامل من
حقّ }[آل
صصُ الْ َ
الصدق والفائدة .ولذلك يسمّيه سبحانه " القصص الحق " {:إِنّ هَـاذَا َل ُهوَ ا ْلقَ َ
عمران]62 :
صصِ }[يوسف]3 :
حسَنَ ا ْل َق َ
ويُسمّيه سبحانه {:نَحْنُ َن ُقصّ عَلَ ْيكَ أَ ْ
حقّ إِذْ قَرّبَا قُرْبَانا فَ ُتقُبّلَ مِن َأحَدِ ِهمَا وَلَمْ يُ َتقَبّلْ مِنَ
وسبحانه يقول { :وَا ْتلُ عَلَ ْيهِمْ نَبَأَ ابْ َنيْ ءَا َدمَ بِالْ َ
الخَرِ } ونعرف أن آدم هو أول الخلق البشري ،وأن ابني آدم هما هابيل وقابيل ،كما قال
المفسرون .وقد قرّب كل منهما قربانا .والقُربان هو ما يتقرب به العبد إلى ال ،و " قربان " على
غفَر غُفرانا " .وهي صيغة مبالغة في الحدث .وهل قدّم
وزن " فعلن " .فيقالَ " :كفَر كُفرانا " و " َ
الثنان قربانا واحدا؛ أم أن كل منهما قدّم قربانا خاصّا به؟ مادام الحق قد قبل من واحد منهما ولم
يتقبّل من الخر فمعنى ذلك أن كلّ منهما قدّم قربانا منفصلً عن الخر؛ لن ال قبل قربان واحد
منهما ولم يتقبل قربان الخر.
و " القربان :مصدر .والمصادر في التثنية وفي الجمع وفي التذكير والتأنيث ل يتغير نطقها أو
كتابتها .فنحن نصف الرجل بقولنا " :رجل عدل " وكذلك " امرأة عدل " و " رجلن عدل " و "
امرأتان عدل " و " رجال عدل " و " نساء عدل " .إذن فالمصدر يستوي فيه المفرد والمثنى
والجمع والمذكر والمؤنث.
ونعلم أن آدم هو أول الخلق الدمي ،وجاءت له حواء؛ وذلك من أجل اكتمال زوجية التكاثر؛ لن
http://www.daardesign.com/forum
منتدى دارنا
شيْءٍ خََلقْنَا َز ْوجَيْنِ }[الذاريات]49 :
التكاثر ل يأتي إل من ذكر وأنثىَ {:ومِن ُكلّ َ
فكل موجود أراد له الحق التكاثر فهو يخلق منه زوجين {.سُبْحَانَ الّذِي خَلَق الَ ْزوَاجَ كُّلهَا ِممّا
سهِمْ }[يس]36 :
ض َومِنْ أَنفُ ِ
تُن ِبتُ الَرْ ُ
ونرى ذلك حين نقوم بتلقيح النخلة من طلع ذكر النخل .وهناك بعض الكائنات ل نعرف لها ذكرا
وأنثى؛ إما لن الذكر غير موجود تحت أعيننا ،ولكن يوجد على بعد والريح هي التي تحمل
سمَآءِ مَاءً }[الحجر]22 :
حبوب التلقيح {:وَأَرْسَلْنَا الرّيَاحَ َلوَاقِحَ فَأَنزَلْنَا مِنَ ال ّ
فتأتي الريح بحبوب التلقيح من أي مكان لتخصب النبات ،وإما أن الذكورة والنوثة يوجدان معا
في شيء واحد أو حيز واحد ،مثال ذلك عُود الذّرة؛ حيث نجد ذكروته وأنوثته في شيء واحد؛
فقمّة العود فيها الذكورة ويخرج من كل " كوز " ذرة قدرا من الخيوط الرفيعة التي نسمّيها "
الشّوشة " .وهذه هي حبال النوثة .وينقل الهواء طلع الذكورة من سنبلة الذرة إلى " الشوشة " ،
وكل شعرة تأخذ من حبوب اللقاح كفايتها لتنضج الحبوب ،وعندما تلتصق أوراق كوز الذرة ول
تسمح بخروج الخيوط الرفيعة لحبال النوثة ،ول تصلها حبوب اللقاح ،فيخرج كوز الذرة بل
نضج وبل حبوب ذرة .وعندما نمسك بكوز الذرة ونفتحه قد نجد بعضا من حبوبه ميتة وهي تلك
التي لم تصلها حبوب اللقاح؛ لنها لم تملك خيطا من الحبال الرفيعة لتلتقط به حبوب اللقاح .وحبّة
الذّرة التي لم يخرج لها خيط رفيع للتقاط حبوب اللقاح ل تنضج .إذن فكل شيء فيه الذكورة
والنوثة {.سُبْحَانَ الّذِي خَلَق الَ ْزوَاجَ كُّلهَا }[يس]36 :
وكذلك قوله :وَأَنّهُ خَلَقَ ال ّز ْوجَيْنِ ال ّذكَ َر وَالُنثَىا {.
وكل ما يقال له شيء ل بد له من ذكر وأنثى ،حتى المطر ل بد أن يلقح فلو لم يتم تلقيح المطر
بالذرات لما نزل المطر ،وحتى الحصى فيه ذرات موجبة وذرات سالبة .وعندما اخترعنا
شيْءٍ خََلقْنَا َزوْجَيْنِ
الكهرباء واكتشفنا الموجب والسالب ارتحنا .إذن فعندما يقول الحقَ {:ومِن ُكلّ َ
َلعَّلكُمْ َت َذكّرُونَ }[الذاريات]49 :
سهِ ْم َو ِممّا لَ َيعَْلمُونَ }
ض َومِنْ أَنفُ ِ
ت الَ ْر ُ
وقوله سبحانه {:سُبْحَانَ الّذِي خَلَق الَ ْزوَاجَ كُّلهَا ِممّا تُن ِب ُ
[يس]36 :
وهذا أول علم للعرب ،فلم يكونوا من قبل القرآن أمّة علم.
وقد أوصل القرآن كل العلم للعرب حتى فاقوا غيرهم ،عندما أحذوا بأسباب ال ،لكن عندما
تراخوا وواصل غيرهم الخذ بالسباب تقدمت الكتشافات ،وهذه الكتشافات نجدها مطمورة في
سهِ ْم َو ِممّا لَ َيعَْلمُونَ }[يس:
ض َومِنْ أَنفُ ِ
ت الَ ْر ُ
القرآن {:سُبْحَانَ الّذِي خَلَق الَ ْزوَاجَ كُّلهَا ِممّا تُن ِب ُ
]36
إذن فكل ما يج ّد ويحدث ويكتشف من شيء فيه موجب وسالب أي ذكورة وأنوثة؛ يدخل في
نطاقَ {:و ِممّا لَ َيعَْلمُونَ }[يس]36 :
http://www.daardesign.com/forum
منتدى دارنا
والنسان سيد الوجود ل بد له من زوجين ذكر وأنثى للتكاثر ل لليجاد ،أما اليجاد فهو ل
سبحانه وتعالى الذي أوجد كل شيء مَِن ل شيء.
وعندما جاء آدم وحواء وبدأ اللقاح والتكاثر أخذ عدد سكان الرض في النمو .ولو أننا رجعنا
بالنسال في العالم كله رجعة متأخرة نجد العدد يقل إلى أن يصل إلى آدم وحواء .مثال ذلك لو
عدنا إلى الوراء مائة عام لوجدنا تعداد مصر ل يتجاوز خمسة مليين نسمة على الكثر ،ولو
عدنا إلى الوراء قرونا أكثر فإن التعداد يقل ،إلى أن نصل إلى الخلق الول الذي خلقه ال وهو
آدم وخلق له حواء .فالنسان بمفرده ل يأتي بنسل.
إذن عندما نجري عملية الحصاء النسالي في العالم ونرجع بها إلى الوراء ،نعود إلى الخلق
الول .وكذلك كل شيء متكاثر سواء أكان حيوانا أم نباتا .وعندما نسير بالحصاء إلى المام
س واحدةٍ وخلق
سنجد العداد تتزايد ،وتكون القفزة كبيرة .وعندما يبلغنا الحق أنه خلقنا من نف ٍ
منها زوجها وبثّ منهُما رجالً كثيرا ونساء ،فإن عِلم الحصاء إنما يؤكد ذلك .والتكاثر إنا يأتي
بالتزاوج .والتزاوج جاء من آدم وحواء .وأراد الحق أن يرزق آدم بتوائم ليتزوج كل توأم بالتوأم
المخالف له في النوع من الحمل المختلف .أي يتزوج الذكر من النثى التي لم تولد معه في بطن
واحدة.
وجاء ربّنا لنا بهذه القصة كي يبين لنا أصل التكاثر بيانا رمزيا .أوضح سبحانه :أن التباعد
الزوجي كان موجودا ،ولكنه التباعد الضافي ،صحيح سيكون هذا الولد أخا للبنت هذه ،وهذه
البنت أخته؛ لكن حين تكون مولودة مع هذا ،وتأتي بطن ثانٍ فيها ذكر وأنثى ،فسيكون فيها بُعد
إضافي ،فتتزوج البنت لهذا البطن بالذكر في البطن الثاني .والذكر للبطن الثاني للبنت في البطن
الخر ،وهذا هو البُعد الضافي الذي كان مُتاحا في ذلك الوقت؛ لن العالم كان ل يزال في بداية
طفولته الواهية.
ونلحظ مثل هذا المر في الريف ،حين يقول فلح آخر " :الذرة بتاعك خايب " ،يقول الفلح
الثاني :إني آخذ من الرض التي أخذت منها الذرة وأعطيها تقاوى منها ،فأنا قد زرعت فدانا من
ذرة ،وأحجز كيلتين أو ثلثا أستخدمها تقاوى لزرعها ،فتخرج الذرة ضعيفة ،فيقول الفلح
الناضج :يا شيخ هات من ذرة جارك .فيكون ذرة جاري فيه شيء من البُعد .وبعد ذلك تصير
النوعية واحدة ،فيقول الفلح الناضج :هات من بلد أخرى .وبعد ذلك من بلد ثالثة ،ولذلك
فالتهجين والتكاثر كيف نشأ؟ من أين نأتي بالتقاوى؟ كلما جئنا بها من الخارج يكون الناتج قويا.
كذلك التزاوج ليكون في هذه الزوجية مواهب ،ولذلك فطن العربي قديما لها ،ومن العجيب أن هذا
العربي البدوي الذي لم يشتغل بثقافة ولم نعرف له تعليما ول علما ،يهتدي إلى مثل هذه الحقيقة
اهتداءً يجعلها قضية عامة فطرية.
http://www.daardesign.com/forum
منتدى دارنا
ل بالفتوة ،فيقول عنه:فتى لم تلده بنتُ ع ٍم فيضوي وقد يضوي سليل
ويريد أن يمدح رج ً
القاربكيف اهتدى هذا الشاعر لهذه؟! وبعد ذلك يقول:تجاوزت بنت العّمِ وهي حبيبة إليّ مخافة أن
يضوي على سليلهاأي هو يحبها ،لكنه تجتوزها ،حتى ل يضوي سليلها.
ولذلك يقول الشاعر في هذه القضية:أنصح من كان بعيد الهم تزويج أولد بنات العمفليس ينجو
من ضوى وسقم الشاعر العربي الذي ليس في أمة مثقفة ول تعرف التهجين ول تعرف هذه
الشياء ،انتبه إلى هذه المسألة ،كيف؟ إما أن يكون قد اهتدى إليها في واقع الكون فوجد أن زواج
ل ضعيفا ،وإما أن يكون ذلك من رواسب الديانات السابقة القديمة والعظات
القريبات يُنشئ م ً
الولى التي ظل النسان محتفظا بها ،فإذا أراد ال أن يبدأ تكاثر فل بد أن يتزوج أخ بأخته ،ولكن
سبحانه يريد أن نتباعد ،نعم أخ وأخت لكن نتباعد فنأخذ البطن المختلف ،ولذلك حينما جاءوا
سفْر التكوين " تكلم ،ونحن نأخذ من "
لينسبوا قصة ابني آدم قابيل وهابيل ،صحيح اختلفوا .مثل " ِ
سفر التكوين " لن التغيير فيه ل يهمهم .فقد كان التغيير في المسائل التي تهمهم ،كمسألة نبوّة
محمد صلى ال عليه وسلم ،إنما المسائل الخرى ل تهم ،ومع ذلك ففيها أيضا الكثير.
إنهم يقولون :إن هابيل هو أول قتيل في النسانية وقتله " قابيل " وبعض القصص تقول :لم يكن
يعرف كيف يُميته أو يقتله ،فالشيطان مَثّل له بأنه جاء بطير ووضع رأسه على حجر ثم أخذ
حجرا آخر فضرب به رأسه حتى قتله ،فعلّمه كيف يقتل ،مثلما سيأتي الغراب ويعلّمه كيف يدفن،
حثُ
أما مسألة كيف يقتل هذه لم تأت عندنا ،إنما كيف يدفن فقد جاءت عندنا {.فَ َب َعثَ اللّهُ غُرَابا يَبْ َ
سوْ َءةَ َأخِيهِ }[المائدة]31 :
فِي الَ ْرضِ لِيُرِيَهُ كَيْفَ ُيوَارِي َ
فهذا هو أول من توفّى وقتل ،لكن كيف تقولون :إنه لم يكن يعرف القتل حتى جاءه الشيطان
وعلّمه كيف يقتل أخاه؟ نقول :أنتم لم تنتبهوا .فالحق قال } :لَئِن بَسَطتَ إَِليّ َي َدكَ{ ...
()689 /
طتَ إَِليّ يَ َدكَ لِ َتقْتُلَنِي مَا أَنَا بِبَاسِطٍ يَ ِديَ إِلَ ْيكَ لَِأقْتَُلكَ إِنّي َأخَافُ اللّهَ َربّ ا ْلعَاَلمِينَ ()28
س ْ
لَئِنْ بَ َ
فقابيل -إذن -فاهم للقتل ،فل تقل إنه تعلم القتل ،صحيح مسألة الدفن هذه جديدة ،والقصة جاءت
لتثبت لنا كيف بدأ التكاثر ،ليجمع ال فيه بين الزوجين البُعد الضافي؛ لن البُعد غير الضافي
غير مُمكن في هذا الوقت فتكون هذه بالنسبة لهذا أجنبية ،وهذا بالنسبة لهذه أجنبي إلى أن يتوسع
المر ،وبعد ذلك يُعاد التشريع بأن الخت من أي بطن محرّمة على أخيها تحريما أبديّا ،وبعد ذلك
نتوسع في المر وننقله إلى المحرمات الخريات من النسب والرضاع فل بد أن لهذه القصة
http://www.daardesign.com/forum
منتدى دارنا
أصل .هم قالوا نقرب قربانا ..لماذا؟ " إذ قربا قربانا فتقبل من أحدهما ولم يتقبل من الخر ".
لماذا يريدان أن يُقرّبا قُربانا؟ قالوا :إن أخت قابيل التي كانت في بطن معه كانت حلوة وجميلة،
وأخت هابيل لم تكن جميلة ،فطبقا لقواعد التباعُد في الزوجية كان على هابيل أن يأخذ أخت
قابيل ،وقابيل يأخذ أخت هابيلَ ،فحَسد قابيل أخاه وقال :كيف يأخذ الحلوة ،أنا أولى بأختي هذه.
وكان سيدنا آدم مازال قريب العهد بالوحي ،فقال :قربوا قربانا وانظروا .لنه يعلم جيدا أن
القربان سيكون في صف التباعد { .إِذْ قَرّبَا قُرْبَانا فَ ُتقُبّلَ مِن َأحَدِ ِهمَا وَلَمْ يُ َتقَبّلْ مِنَ الخَرِ }.
وبعض المفسرين يقول :وال نحن لم نعرف طريقة التقبّل هذه .نقول له :فلنبحث عن " قُربان "
في القرأن .ننظر ما هو القُربان؟ قد وردت هذه الكلمة في القرآن في أكثر من موضع .قال{:
ع ِهدَ إِلَيْنَا َألّ ُن ْؤمِنَ لِرَسُولٍ حَتّىا يَأْتِيَنَا ِبقُرْبَانٍ تَ ْأكُلُهُ النّارُ }[آل عمران]183 :
الّذِينَ قَالُواْ إِنّ اللّهَ َ
ت وَبِالّذِي قُلْ ُتمْ }[ " آل عمران:
سلٌ مّن قَبْلِي بِالْبَيّنَا ِ
والحق يقول لهم ردّا عليهمُ {:قلْ َقدْ جَآ َءكُمْ ُر ُ
]183
{ وَبِالّذِي قُلْ ُتمْ } ما هو؟ إنه القُربان الذي تأكله النار .إذن كان القُربان معروفا والحتكام إلى
قربان وتأكله النار علمة التقبّل من السماء ويكون صاحبه هو المُقرّب ،والقُربان في مسألة هابيل
وقابيل لكي يعرف كل منهما من يتزوج الحلوة ومن يتزوج الخرى ،وتقبل ال قربان هابيل .لكن
حدِ ِهمَا
حسَده ،وهذا أول تأب على مُرادات الحق في تكليفه { .فَتُقُ ّبلَ مِن أَ َ
أرضِي المهزوم؟ ل ،بل َ
ن الخَرِ } .وقالت لنا القصص :إن هابيل كان صاحب ضرع أي ماشية وبذلك يكون
وَلَمْ يُ َتقَ ّبلْ مِ َ
عنده زبْد ولبن وجبن ،وحيوانات للحم ،والثاني صاحب زرع وقالوا :إن قابيل قدّم شِرار زرعه،
لقْتُلَنّكَ } وسبحانه
ن الخَرِ } { .قَالَ َ
وهابيل قدّم خيار ماشيته { .فَ ُتقُ ّبلَ مِن أَحَ ِد ِهمَا وَلَمْ يُ َتقَ ّبلْ مِ َ
حدِ ِهمَا وَلَمْ يُ َتقَ ّبلْ مِنَ الخَرِ }.
قالَ { :أحَدِ ِهمَا } ولم يقل قابيل أو هابيل { ،إِذْ قَرّبَا قُرْبَانا فَتُقُ ّبلَ مِن أَ َ
لقْتُلَ ّنكَ } من الذي قال؟ الذي قال هو من لم يتقبل قربانه؛ لنه لم يحقق مُراده
فقوله { :قَالَ َ
وغرضه.
لقْتُلَ ّنكَ قَالَ إِ ّنمَا يَ َتقَ ّبلُ اللّهُ مِنَ ا ْلمُ ّتقِينَ { .وهل هذا الرّد مُناسب لقوله " :لقتلنك "؟ نعم؛ لن
ل َ
} قَا َ
" لقتلنك " بسبب أن قربانك قُبِل وقرباني لم يُقبَل .قال :فما دخلي أنا بهذه العملية؟ الدخل في
العملية للقابل للقربان ،فأنا ليس لي دخل فيها ،وربّنا لم يتقبله لن ال ل يتقبل إل من المتقين.
وهو يعلم أنك لست بمتقٍ؛ فلن يتقبل منك لنك تأبيت عن حكاية الزواج بابنة البطن المخالف،
وهذا أول تمرّد على منهج ال وعلى أمره لذلك قال هابيل :ل تلُمني فأنا ل دخل لي في القربان
المتقبل؛ لن هذا من عند ال .وال لم يظلمك؛ لن ربنا يتقبل من المتقين .وأنت لست بمتقٍ؛ لنك
لم تَ ْرضَ بالحكم الول في أن تبتعد البطون } إِ ّنمَا يَ َتقَ ّبلُ اللّهُ مِنَ ا ْلمُ ّتقِينَ { {.لَئِن بَسَطتَ إَِليّ َي َدكَ
لقْتَُلكَ إِنّي َأخَافُ اللّهَ َربّ ا ْلعَاَلمِينَ }[المائدة]28 :
ك َ
لِ َتقْتُلَنِي مَآ أَنَاْ بِبَاسِطٍ َي ِديَ إِلَ ْي َ
http://www.daardesign.com/forum
منتدى دارنا
وكلمة " البسط " ضد " القبض " ،وهناك " :بسط له " ،و " بسط إليه ".
وتجد " بسط له كأن البسط لصالح المبسوط له {.وََلوْ َبسَطَ اللّهُ الرّ ْزقَ ِلعِبَا ِدهِ }[الشورى]27 :
ولم يقل " :إلى عباده " بل قال " :لعباده " ،إذن فالبسط لصالح المبسوط له ولذلك ل يكون بإلى
سطُواْ إِلَ ْيكُمْ أَ ْيدِ َيهُمْ }
إلّ في الشر ،وشرحنا من قبل هذه المسألة وفي قوله الحقِ {:إذْ هَمّ َقوْمٌ أَن يَبْ ُ
[المائدة]11 :
إذن فالذي يبسط لك يعطيك نفعا والذي يبسط إليك يكون النفع له هو.
لقْتَُلكَ { .وبيّنت " لتقتلني " مدلول " إليّ ".
ك َ
} لَئِن بَسَطتَ إَِليّ َي َدكَ لِ َتقْتُلَنِي مَآ أَنَاْ بِبَاسِطٍ َي ِديَ إِلَ ْي َ
والعلة ل عجز عن مقابلة قوّتك بقوة ،ل ،وإنما لنني أخاف ال ،فليس في هذا تقصير في الدفاع
عن نفسي لنني أريد أن أُحَنّنِك تَحنينا يرجعك إلى صَوابك .وساعة يأتي واحد يريد أن يقتل
واحدا يقول له :وال لن أقاتلك لنني أخاف ربنا.
إذن فبيّن له أن خَوفه من ال مسألة مُستقرة في الذهن حتى ولو كانت ضد استبقاء الحياة ،وقد
يعرفها في نفسه لن أخاه كان يستطيع أن يقدّم دفاعا قويا ،لقد ر ّد المر إلى الحقّ العلى .فل
تقل كان هابيل سَلبيّا ل .إنه صعّد المر إلى القوى
ويقول الحق } :إِنّي أُرِيدُ{ ...
()690 /
و " تبوء " أي ترجع من صفقة قتلى بأن تحمل إثم تلك الفعلة وتنال عقوبتها و " إثمك " وكذلك
الثم الذي كان من أجله أنك أردت أن تقتلني؛ لنك تأبيت على المنهج ،حين لم يتقبل ربنا
قربانك .فقد أثمت في عدم قبولك التباعُد المطلوب في الزوجية .إذن فأنت عندك إثمان :الثم
الول :وهو رفضك وعدم قبولك حكم ال ومنهجه وهو الذي من أجله لم يَقبل ال قربانك ،والثم
الثاني :هو قتلي وأنا ل دخل لي في هذه المسألة؛ لن الظالم ل بد أن يأخذ جزاءه.
إن هابيل يقول { :إِنّي أُرِيدُ أَن تَبُوءَ بِإِ ْثمِي وَإِ ْث ِمكَ } لم يتمن أن يكون أخوه عاصيا .بل قال :إن
كان يعصي بهذه يبوء بإثمي ويأخذ جزاءه؛ فيكون قد تمنى وأراد له أن يعود إلى العقاب ويناله إن
فعل وهو ل يريده أن يفعل.
{ إِنّي أُرِيدُ أَن تَبُوءَ بِإِ ْثمِي وَإِ ْث ِمكَ فَ َتكُونَ مِنْ َأصْحَابِ النّا ِر َوذَِلكَ جَزَآءُ الظّاِلمِينَ } وجزاء
الظالمين تربية عاجلة للوقوف أمام سُعارات الظلم من الظالمين؛ لن الحق لو تركها للخرة
لستشرى الظُلم ،والذي ل يؤمن بالخرة يصبح مُحترفا للظُلم ،ولذلك قلنا من قبل :إن الحق
http://www.daardesign.com/forum
منتدى دارنا
سبحانه وتعالى ضرب لنا ذلك المثل في سورة " الكهف " حينما ذكر لنا قصة ذي القرنين :الذي
آتاه ال من كل شيء سببا فأتبع سببا ،وبعد ذلك بين لنا مُهمة من أوتي السباب واتبع السباب،
وجعل قضيته في الرض لعمارة الكون وصلحه ،وتأمين المجتمع .ماذا قال {:حَتّىا ِإذَا بَلَغَ
حمِئَةٍ }[الكهف]86 :
س وَجَ َدهَا َتغْ ُربُ فِي عَيْنٍ َ
شمْ ِ
َمغْ ِربَ ال ّ
هذا في رأي العين ،فحين تكون راكبا البحر .ترى الشمس تغرب في الماء ،هي ل تغرب في
حمِئَةٍ
شمْسِ وَجَدَهَا َتغْ ُربُ فِي عَيْنٍ َ
الماء؛ لن الماء هو نهاية امتداد أُفقك {.حَتّىا ِإذَا بَلَغَ َمغْ ِربَ ال ّ
خذَ فِيهِمْ حُسْنا }[الكهف]86 :
َووَجَدَ عِندَهَا َقوْما قُلْنَا ياذَا ا ْلقَرْنَيْنِ ِإمّآ أَن ُتعَ ّذبَ وَِإمّآ أَن تَتّ ِ
س ْوفَ ُنعَذّبُهُ }[الكهف]87 :
إذن فقد خيره :إمأ ان تعمل هذا وإما أن تعمل ذاك {.قَالَ َأمّا مَن ظََلمَ فَ َ
ذلك هو القانون الذي يجب أن يسير في المجتمع .جتى ل أترك لمن ل يؤمن بإله ول يؤمن بآخرة
عذَابا دُونَ ذَِلكَ }[الطور]47 :
أن يستشري في الظلم .فَلْيأخذ عقابه في الدنيا {.وَإِنّ لِلّذِينَ ظََلمُواْ َ
أي قبل الخرة لهم عذاب .ولذلك حين يرى الناس مصرع الظالم ،أو ترى الخيبة التي حدثت لهم
فهم يأخذون من ذلك العظة ،وجيلنا نحن عاصر ظالمين كثيرين نكل بعضهم ببعض؛ ولو ُمكّن
المظلومون منهم ما فعلوا بهم ما فعله بعضهم ببعض ،وأراد الحق أن يجري عذابهم أمامنا لتتضح
س ْوفَ ُنعَذّبُهُ }[الكهف]87 :
المسألة {.قَالَ َأمّا مَن ظََلمَ فَ َ
ول ينتهي أمره بذلك ،وبعد ذلك يُردّ لمن؟ يُردّ لُ {:ثمّ يُرَدّ ِإلَىا رَبّهِ فَ ُيعَذّ ُبهُ عَذَابا ّنكْرا }[الكهف:
]87
يعني عذاب الدنيا؛ إن عذابها سيكون محتمل لنه عذاب منوط بقدرة العاجزين ،إنما العذاب في
حسْنَىا وَسَ َنقُولُ لَهُ مِنْ
ع ِملَ صَالِحا فَلَهُ جَزَآءً الْ ُ
ن وَ َ
الخرة فهو بقوة القادر العلى {:وََأمّا مَنْ آمَ َ
َأمْرِنَا يُسْرا }[الكهف]88 :
تلك هي مهمة ال القوي المتين :إنّ الذي يظلم يضربه على يده ،والذي يحسن عمله يعطيه
الحوافز.
عتْ لَهُ َنفْسُهُ} ...
طوّ َ
والحق يقول هنا في الية التي نحن بصدد خواطرنا عنها { :فَ َ
()691 /
عتْ لَهُ َنفْسُهُ قَ ْتلَ َأخِيهِ َفقَتَلَهُ فََأصْبَحَ مِنَ ا ْلخَاسِرِينَ ()30
طوّ َ
فَ َ
ول يقال :طوعت الشيء إل إذا كان الشيء متأبيا على الفعل ،فل تقل :أنا طوّعت الماء ،وإنما
عتْ لَهُ َنفْسُهُ قَ ْتلَ َأخِيهِ } فهل نفسه هي التي ستقتل وهي نفسه
طوّ َ
تقول :طوّعت الحديد ،وقوله { :فَ َ
التي طوّعَت؟
http://www.daardesign.com/forum
منتدى دارنا
ولننتبه هنا أن النسان فيه ملَكتان اثنتان؛ ملكة فطرية تُحبّ الحق وتُحبّ الهير ،وَمَلكَة أهوائية
خاضعة للهوى ،فالملكتان تتصارعان.
عتْ َلهُ َنفْسُهُ قَ ْتلَ أَخِيهِ } كأن النفس الشريرة الهوائية تغلبت على الخيّرة ،فكأن هناك
طوّ َ
{ َف َ
تجاذبا وتصارعا وتدافعا؛ لن النسان ل يحب الظلم إن وقع عليه .لكن ساعة يتصور أنه هو
الذي يظلم غيره فقد يقبل على ذلك.
عتْ َلهُ َنفْسُهُ } إنه ل يزال فيه بقيّة من آثار النّبوة؛ لنه قريب من آدم ،ولتزال المسألة
طوّ َ
{ َف َ
تتأرجح معه ،والشر من الخيار ينحدر ،والشر في الشرار يصعد .فقد تأتي لرجل طيب وتثير
أعصابه فيقول :إن رأيته لضربنه رصاصة أو أصفعه صفعتين ،أو أوبّخه ،والشرّير يقول :وال
إن قابلته أبصق في وجهه ،أو أضربه صفعتين ،أو أضربه رصاصة .إذن فالشر عند الشرّير
يتصاعد ،ويجد العملية ل تكفي للغضب عنده فيصعدها .إنما نفس الخير تُنفّس عن غضبها وبعد
حبّ
ف وَأَخُوهُ أَ َ
س ُ
ذلك ينزل عنها بكلمة ،ولذلك نلحظ في سورة سيدنا " يوسف "ِ {:إذْ قَالُواْ لَيُو ُ
عصْ َبةٌ }[يوسف]8 :
إِلَىا أَبِينَا مِنّا وَنَحْنُ ُ
والعجيب أنهم جاءوا بالتعليل الذي ضدّهم؛ كي يعرفك أن الهوى والغضب والحسد والحقد تقلب
عصْ َبةٌ } هذه تدل على أنهم أقوياء .وهي التي جعلت أباه يعقوب يعطف على
الموازين { ،وَنَحْنُ ُ
حبّ إِلَىا أَبِينَا مِنّا } نعم؛ لنه صغير ،وسألوا العربي:
سفُ وَأَخُوهُ أَ َ
الضمير .أنتم تقولون { :لَيُو ُ
مالك تُحب الولد الصغير ،قال :لن أيامه أقصر اليام معي ،البكر مكث معي طويلً ،فأنا أعوض
عصْبَةٌ } هذه ضدهم،
للصغير اليام التي فاتته ببعض الحب وأعطيه بعض الحنان ،قولهمَ { :نحْنُ ُ
حجّة التي ضده ويظن أنها معه!
مما يدل على أن الرجل ساعة تختلط عليه موازين القيم ،يأتي بال ُ
وبعد ذلك يقولون {:إِنّ أَبَانَا َلفِي ضَلَلٍ مّبِينٍ }[يوسف]8 :
سفَ }[يوسف]9 :
واتفقوا .فبدأوا بقولهم {:اقْتُلُواْ يُو ُ
وقالواَ {:أوِ اطْ َرحُوهُ أَرْضا }[يوسف]9 :
ولنهم أسباط وأولد يعقوب تنازلوا عن القتل والطرح في الرض وقال قائل منهم {:لَ َتقْتُلُواْ
طهُ َب ْعضُ السّيّا َرةِ }[يوسف]10 :
جبّ يَلْ َتقِ ْ
سفَ وَأَ ْلقُوهُ فِي غَيَا َبةِ الْ ُ
يُو ُ
وهل يرتب أحد النجاة لمن يكرهه؟
سفَ } هذه شدة الغضب .أو { اطْ َرحُوهُ
كأن النفس مازال فيها خير ،فأول قالوا { :اقْتُلُواْ يُو ُ
أَرْضا } يطرحونه أرضا فقد يأكله حيوان مفترس ،فقال واحد :نلقيه في غيابة الجب ويلتقطه
بعض السيارة ،إذن فالخيار تتنازل.
عتْ َلهُ َنفْسُهُ قَ ْتلَ أَخِيهِ َفقَتَلَهُ فََأصْبَحَ مِنَ الْخَاسِرِينَ } .ونعرف الخسران قضية التجارة؛ أن
طوّ َ
{ َف َ
هناك مكسبا وهناك خسارة ،و " مكسب " أي جاء رأس المال بزيادة عليه ،و " الخسارة " أي أن
رأس المال قد قلّ ،فلماذا قتل أخاه وكان أخوه الوحيد وكان يأنس به في الدنيا؟ إن هذا حدث من
http://www.daardesign.com/forum
منتدى دارنا
حكاية البنت .فقد أراد أن يأخذ أخته الحلوة ويترك الخرى ،ولما قدّما القربان ولم يقبل منه
تصاعد الخلف وقتل أخاه ،إذن َففَقد رأس المال ،بينما كان يريد أن يكسب { فََأصْبَحَ مِنَ
الْخَاسِرِينَ }.
ويقول الحق بعد ذلك { :فَ َب َعثَ اللّهُ غُرَابا} ...
()692 /
ونعرف السوءة وهي ما تَتَكرّهه النفس .وهي من " ساء ،يسوء ،سوءا " أي يتكره ،وسمينا "
سوْءَة؛ لنها تتكره.
العَورة " َ
حثُ فِي الَ ْرضِ } .هل بعث ال حتى يُرِي قابيل كيف يواري سوءة هابيل،
{ فَ َب َعثَ اللّهُ غُرَابا يَبْ َ
أم أن الغراب هو الذي سيقول له؟ كل المرين متساوٍ؛ لن ربنا هو الذي بعث ،فإن كنت ستنظر
للوسيلة القريبة فيكون الغُراب ،وإن كنت ستنظر لوسيلة الباعث يكون هو ال؛ فالمسألة كلها
واصلة ل ،وأنت حين تنسب السباب تجدها كلها من ال.
{ قَالَ يَاوَيْلَتَا } .ساعة تسمع كلمة " يا ويلتي " يكون لها معنيان في الستعمال :المعنى الول
للويل :هو الهلك ،وإن أردنا المبالغة في الهلك نأتي بتاء التأنيث ونقول :ويلة ،ولذلك عندما
نحب أن نبالغ في وصف عالم نقول :فلن عالم وفلن علّم وفلن عَلّمة ،وتأتي التاء هنا لتؤكد
المعنى ،إذن فالويل :الهلك ،و " ويلة " تعني أيضا الهلك ،وماذا تعني " يا ويلتي "؟
إننا نعرف أن النداء يكون بـ " يا " فكيف نُنادي الويل والهلك؟ وهل يُنادي غير العاقل؟ نعم،
يُنادي؛ لنه مادام " الويل " و " الويلة " :الهلك .كأنك تقول :أنا لم أعد أطيق ما أنا فيه من الهم
والغم ،ول يُخلصني فيه إل الهلك ،يا هلكي تعال فهذا وقتك! إذن فقوله " :يا ويلتي " يعني يا
هلك تعال ،والمتنبي فطن لهذه المسألة وقال:كفى بك داء أن ترى الموت شافيا وحسب المنايا أن
يكنّ أمانيافأي داء هذا الذي تقول فيه :يارب أرحني بالموت!! إذن فالذي يراه من ينادي الهلك
هو أكثر من الموت .المعنى الول :أنك تنادي الهلك أن يحضر؛ ولذلك يقول الحقَ {:ووُضِعَ
صغِي َرةً َولَ
ش ِفقِينَ ِممّا فِيهِ وَيَقُولُونَ ياوَيْلَتَنَا مَالِ هَـاذَا ا ْلكِتَابِ لَ ُيغَادِرُ َ
ا ْلكِتَابُ فَتَرَى ا ْلمُجْ ِرمِينَ مُ ْ
حصَاهَا }[الكهف]49 :
كَبِي َرةً ِإلّ أَ ْ
إنهم يتمنّون الموت؛ وكذلك قال قابيل " يا ويلتي ".
وهل تأتيه الويلة عندما يطلبها؟ ل ،فقد انتهت المسألة وصار قاتلً لخيه.
http://www.daardesign.com/forum
منتدى دارنا
والمعنى الثاني :أن تأتي " يا ويلتنا " بمعنى التعجب من أمر ل تعطيه السباب ،وهناك فرق بين
عطاء السباب وبين عطاء المُسبّب .فلو ظل عطاء السباب هو المُتحكّم في نواميس الكون ،لكان
معنى هذا أن الحق سبحانه قد زاول سلطانه في مُلْكه مرة واحدة ،وكأنه خلق السباب والنواميس
وتركها تتحكم ونقول :ل .فبطلقة القدرة خلقت السباب ،وهي تأتي لتثبيت ذاتية القدرة
وقيّوميّتها ،فيقول الحق حينما يشاء :توقفي يا أسباب.
إذن فهناك أسباب وهناك مُسبّب .والمر العجيب ل تعطيه السباب .وحين ل يعطى السبب
يتعجب النسان ،ولذلك يَ ُر ّد المر إلى الصل الذي ل يتعجب منه.
وها هو ذا سيدنا إبراهيم عليه السلم عندما جاءه الضيوف وقدم لهم الطعام ورأى أيديهم ل تصل
إليه نكرهَم ونفر منهم ولم يأنس إليهم وأوجس منهم خِيفة .ويقول الحق عن هذا الموقف {:فََأوْجَسَ
ج َههَا َوقَاَلتْ
ص ّكتْ َو ْ
علَيمٍ * فََأقْبََلتِ امْرَأَتُهُ فِي صَ ّرةٍ َف َ
خفْ وَبَشّرُوهُ ِبغُلَمٍ َ
مِ ْنهُمْ خِيفَةً قَالُو ْا لَ َت َ
عقِيمٌ }[الذاريات]29-28 :
عَجُوزٌ َ
ق َومِن وَرَآءِ ِإسْحَاقَ
ح َكتْ فَبَشّرْنَاهَا بِإِسْحَا َ
وقال الحق أيضا في هذا الموقف {:وَامْرَأَتُهُ قَآ ِئمَةٌ َفضَ ِ
َي ْعقُوبَ }[هود]71 :
شيْءٌ
عجُو ٌز وَهَـاذَا َبعْلِي شَيْخا إِنّ هَـاذَا لَ َ
وهنا قالت امرأة سيدنا إبراهيم {:يَاوَيْلَتَىا أَأَلِدُ وَأَنَاْ َ
عَجِيبٌ }[هود]72 :
أي أن السباب ل تعطى ،ورُدّت إلى المُسبّب( .أتعجبين من أمر ال)؟ كان لك أن تتعجبي من
السباب لنها تعطلت ،أما حين تصل السباب إلى ال ،فل عجب.
وقال سيدنا زكريا عليه السلم مثل قولها؛ فحين رأى السيدة مريم وهو الذي كَفلها ،وكان يجيء
لها بمطلوبات مقومات حياتها ،وفُوجئ بأن عندها رزقا من طعامٍ وفاكهة .فسألها {:يامَرْيَمُ أَنّىا
َلكِ هَـاذَا }[آل عمران]37 :
كيف يقول لها ذلك؟ ل بد أنه رأى شيئا عندها لم يأتِ هُو به ،وهنا ردّت عجبه لتنبهه بالحقيقة
الخالدةُ {:هوَ مِنْ عِندِ اللّهِ إِنّ اللّهَ يَرْزُقُ مَن َيشَآءُ ِبغَيْرِ حِسَابٍ }[آل عمران]37 :
وبشاء الحق أن تقولها سيدتنا مريم وهي صغيرة السن ،وكأنها تقول ذلك كتمهيد؛ لنها -كما قلنا
سابقا -ستتعرض لمسألة ل يمكن أن يحلها إل المُسبّب ،فسوف تلدِ بدون رُجولة ،وهي مسألة
عجيبة ،لذلك كان ل بد أن تفهم هي وأن تنطقُ {:هوَ مِنْ عِندِ اللّهِ إِنّ اللّهَ يَرْزُقُ مَن َيشَآءُ ِبغَيْرِ
حسَابٍ }[آل عمران]37 :
ِ
وكأن الحق ينبئها ضمنا بأن عليها أن تتذكّر أنها هي التي قالت هذه الكلمة؛ لن المستقبل سوف
يأتي بك بأحداث تحتاج إلى تذكُر هذا القول .وهي التي تُذكِرّ سيدنا زكريا عليه السلم بهذه
الحقيقية .ولنر ِدقّة إشارة القرآن إلى الموقع الذي ذكرت له مريم فيه تلك الحقيقة {:هُنَاِلكَ دَعَا
http://www.daardesign.com/forum
منتدى دارنا
َزكَرِيّا رَبّهُ }[آل عمران]38 :
كأن ساعة سمع هذه المسألة قرّر أن يدعو ال بأمنيته في المحراب نفسه .وهل كان سيدنا زكريا
ل يعرف تلك الحقيقة؟ كان يعرفها ،ولكن هناك فرق بين حكم يكون في حاشية الشعور ،وبين
حكم يكون في بؤرة الشعور.
حسَابٍ { جعل القضية تنتقل
وقول مريم لزكرياُ } :هوَ مِنْ عِندِ اللّهِ إِنّ اللّهَ يَرْ ُزقُ مَن يَشَآءُ ِبغَيْرِ ِ
من حاشية الشعور إلى بؤرة الشعور {.هُنَاِلكَ دَعَا َزكَرِيّا رَبّهُ }[آل عمران]38 :
لماذا لم يدعُ ربّه من البداية؟ .كان سيدنا زكريا سائرا مع السباب ورتابة السباب قد تذهل
حسَابٍ { أراد أن يدخل من
وتُشغل عن المُسبّب ،وعندما سمع من مريم } :يَرْ ُزقُ مَن يَشَآءُ ِبغَيْرِ ِ
هذا الباب ،فدعا ربه؛ وبشّره الحق بأنه سيأتي له بذريّة ،وتعجّب زكريا مرّة أخرى من هذا المر
شارحا حالته:
http://www.daardesign.com/forum
منتدى دارنا
حدود ال وشرب الخمر بالنقود التي كان عليه أن يشتري بها طعام السرة .وعندما عاد إلى
منزله ووجد أهله في انتظار الطعام ،ندم لنه شرب الخمر ،فهل كان ندم الرجل على أنه عصى
ال ،أو ندم لنه لم يشتر الطعام لهله؟ .لقد ندم على عدم شراء الطعام وذلك ندم مرفوض ،ليس
من التوبة.
وقد يكون هذا الشارب للخمر قد ارتدى أفخر ثيابه وخرج فشرب الخمر ووقع على الرض ،وهنا
ندم لن شُرب الخمر أوصله إلى هذا الحال؛ فهل ندم لنه عصى ربه؟ .أو ندم لنه صار هُزْأة
بين الناس؟ .وكذلك كان ندم قابيل ،لقد ندم على خيبته؛ لنه لم يعرف ما عرفه الغراب.
جلِ ذاِلكَ{ ...
ويقول الحق بعد ذلك } :مِنْ َأ ْ
()693 /
جلِ ذَِلكَ كَتَبْنَا عَلَى بَنِي ِإسْرَائِيلَ أَنّهُ مَنْ قَ َتلَ َنفْسًا ِبغَيْرِ َنفْسٍ َأوْ فَسَادٍ فِي الْأَ ْرضِ َفكَأَ ّنمَا قَ َتلَ
مِنْ أَ ْ
جمِيعًا وَلَقَدْ جَاءَ ْتهُمْ رُسُلُنَا بِالْبَيّنَاتِ ُثمّ إِنّ كَثِيرًا مِ ْنهُمْ
جمِيعًا َومَنْ َأحْيَاهَا َفكَأَ ّنمَا َأحْيَا النّاسَ َ
النّاسَ َ
َبعْدَ ذَِلكَ فِي الْأَ ْرضِ َل ُمسْ ِرفُونَ ()32
نجد الحق قال :إنه قد كتب على بني إسرائيل ما جاء بهذه الية من قانون واضح؛ لن معنى كلمة
" من أجل " هو " بسبب "؛ و " ًأجْل " مِن أَجَل شرا عليهم يَ ْأجُلُه ،أي جنى جناية؛ أي من جريرة
ذلك.
أو من هذه الجناية شرعنا هذا التشريع { :مَن قَ َتلَ َنفْسا ِبغَيْرِ َنفْسٍ َأوْ فَسَادٍ فِي الَ ْرضِ َفكَأَ ّنمَا قَ َتلَ
جمِيعا } .إذن فساعة تسمع " من أجل " فاعرف أنها تعني " بسبب ذلك " أو " بوقوع ذلك "
النّاسَ َ
أو " بجريرة ذلك " أو " بهذه الجناية كان ذلك ".
ولكن هل هذا الكَتْب خاص ببني إسرائيل؟ .بعض العلماء قال :إن ابني آدم ليس ابني آدم مباشرة؛
ولكنهما من ذُرّية آدم وهما من بني إسرائيل .ونَردّ :من هو إسرائيل أولً الذي نُسب إليه أبناء
إسرائيل؟ .إنه يعقوب بن إسحاق؛ بن إبراهيم ،وإبراهيم يصل إلى نوح بأحد عشر أبا ويصل نوح
إلى شيث ،وبعد ذلك إلى آدم؛ فهل كانت كل هذه السلسلة ل تعرف كيف تدفن الميت إلى أن جاء
بنو إسرائيل؟
طبعا ل؛ ومادام الحق أوضح أنه سبحانه قد بعث غُرابا يبحث في الرض ليُرِيَه كيف يُواري
سوْءَة أخيه ،فهذا دليل على أن هابيل هو أول إنسان َتمّ دفنه ،ومن غير المقبول -إذن -أن
َ
نقول :إن النسان لم يعرف كيف يواري جثمان الميّت إلى أن وصلت البشرّية إلى زمن بني
إسرائيل ،وأنهم هم الذين علموا البشرية ذلك!
http://www.daardesign.com/forum
منتدى دارنا
ولماذا جاء الحق هنا ببني إسرائيل؟ .سبب ذك أن بني إسرائيل اجترأوا ل على قتل النفس فقط بل
اجترأوا على قتل النفس الهادية ،وهي النفس التي تحمل رسالة النّبوة ،ولذلك كان التخصيص ،فقد
قتلوا أنبيائهم الذين حملوا لهم المنهج التطبيقي؛ لن النبياء يأتون كنماذج تطبيقية للمناهج حتى
يلفِتوا الناس إلى حقيقة تطبيق منهج ال .النبياء -إذن -ل يأتون بشرع جديد،ولكنهم يسيرون
على شرع من قبلهم .فلماذا قتل بنو إسرائيل بعضا من النبياء؟ لقد تولّدت لدى بني إسرائيل
حفيظة ضد هؤلء النبياء.
ونعلم أن النسان الخيّر حين يصنع الخير ويراه الشرّير الذي ل يقدر على صناعة الخير فتتولد
في نفس الشرّير حفيظة وحقد وغضب على فاعل الخير .ففاعل الخير كلما فعل خيرا إنما يلدغ
الشرّير ،ولذلك يحاول الشرّير أن يُزيح فاعل الخير من أمامه .وكان النبياء هم القدوة السلوكية،
وقد قال الحق عن بني إسرائيل {:فَلِمَ َتقْتُلُونَ أَنْبِيَآءَ اللّهِ مِن قَ ْبلُ }[البقرة]91 :
وجاء الحق هنا بـ " من قبل " هذه لحكمة؛ لن رسول ال صلى ال عليه وسلم كان في عداءٍ مع
اليهود ،وقد تَهبّ عليهم الخواطر الشرّيرة فيحاولون قتل النّبي.
وقد حاولوا ذلك .مثلما أرادوا أن يلقوا عليه حجرا ،ودسّوا له السّم ،ولذلك قال ال " :من قبل " أي
إن قدرتكم على قتل النبياء كانت في الماضي؛ أما مع محمد المصطفى فلن تُمكّنُوا منه.
جلِ ذاِلكَ كَتَبْنَا عَلَىا بَنِي إِسْرَائِيلَ أَنّهُ مَن قَ َتلَ َنفْسا ِبغَيْرِ َنفْسٍ َأوْ َفسَادٍ فِي
ويقول سبحانه } :مِنْ َأ ْ
جمِيعا { .وهذا توضيح لرادة الحق في تأسيس الوحدة اليمانية ليجعل
الَ ْرضِ َفكَأَ ّنمَا قَ َتلَ النّاسَ َ
من المجتمع اليماني رابطة يوضحها قول رسول ال فيما رواه أبو موسى الشعري عنه:
" المؤمن للمؤمن كالبنيان يشد بعضه بعضا "
وإياك أن تنظر إلى مجترئ على غيرك ،بالباطل ،وتقف مكتوف اليدين؛ لن الوحدة اليمانية
تجعل المؤمنين جميعا كالجسد الواحد ،إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر العضاء بالسّهر
والحُمى .فإن قَتل إنسان إنسانا آخر ووقف المجتمع اليماني موقف العاجز .فهذا إفسادٌ في
الرض ،ولذلك يجب أن يقابل المجتمع مثل هذا الفعل ل على أساس أنه قتل نفسا واحدة ،بل كأنه
قتلٌ للناس جميعا ما لم يكن قتل النفس لقصاص أو إفساد في الرض.
جمِيعا
ويكمل الحق سبحانه الشق الثاني من تلك القضية اليمانيةَ } :ومَنْ أَحْيَاهَا َفكَأَ ّنمَا أَحْيَا النّاسَ َ
{ ،وهذه هي الوحدة اليمانية ،فمن يعتدي على نفس واحدة بريئة ،كمن يعتدي على كل الناس،
والذي يسعف إنسانا في مهلكه كأنه أنقذ الناس جميعا.
وفي التوقيع التكليفي يكون التطبيق العملي لتلك القاعدة ،فالذي يقتل بريئا عليه لعنة ال وغضبه
ويعذبه ال ،وكأنه قتل الناس أجمعين ،وإن نظرنا إليها من ناحية الجزاء فالجزاء واحد.
جمِيعا { .وسبحانه وتعالى يريد أل يستقبل المجتمع اليماني
} َومَنْ َأحْيَاهَا َفكَأَ ّنمَا أَحْيَا النّاسَ َ
http://www.daardesign.com/forum
منتدى دارنا
مجترئا بباطل على حق إل أن يقف كل المجتمع أمامه ،فل يقف المعتدَى عليه بمفرده؛ لن الذي
يُجرّئ أصحاب الشرّ هو أن يقول بعض الناس كلمة " وأنا مَالِي ".
و " النا مالية " هي التي تُجرّئ أصحاب الشرور ،ولذلك اقرأوا قصة الثيران الثلثة :الثور
السود والثور الحمر والثور البيض ،فقد احتال أسد على الثورين الحمر والسود ،فسمحا له
بأكل الثور البيض .واحتال على الثور السود فسمح الثور السود للسد بأكل الثور الحمر؛
وجاء الدور على الثور السود؛ فقال للسد:
ُ -أكِلتُ يوم ُأ ِكلَ الثور البيض .كأن الثور التفت إلى أن " أنا ماليته " جعلته ينال مصرعه .لكن
لو كان الثيران الثلثة اجتمعوا على السد لقتلوه.
وهاهوذا الحديث النبوي الشريف الذي يمثل القائم على حدود ال والواقع فيها:
عن النعمان بن بشير رضي ال عنه عن النبي صلى ال عليه وسلم قال " :مثل القائم في حدود
ال والواقع فيها كمثل قوم استهموا على سفينة فصار بعضهم أعلها وبعضهم أسفلها وكان الذين
في أسفلها إذا استقوا من الماء مرّوا على من فوقهم فقالوا :لو أنا خرقنا في نصيبنا خرقا ولم نؤذ
جوْا ونجوا جميعا "
من فوقنا .فإن تركوهم وما أرادوا هلكوا جميعا وإن أخذوا على أيديهم ن َ
كذلك مثل القائم على حدود ال ومثل الواقع فيها ،فكأن الحق سبحانه وتعالى يقول لنا :ل تنظر
إلى أن نفسا قتلت نفسا بغير حق ،ولكن انظر إليها كأن القاتل قتل الناس جميعا؛ لن الناس جميعا
متساوون في حق الحياة .ومادام القاتل قد اجترأ على واحد فمن الممكن أن يَجترئ على الباقين.
سوَة لغيره ،ومادام قد اسْتَن مثل هذه السّنة ،سنجد كل من يغضب من آخر
أو أن يكون فعله أُ ْ
يقتله ،وتظل السلسلة من القتلة والقتلى تتوالى.
والحديث النبوي يقول:
" من سن في السلم سنة حسنة فله أجرها وأجر من عمل بها من بعده من غير أن ينقص من
أجورهم شيء ،ومن سن في السلم سنة سيئة كان عليه وزرها ووزر من عمل بها من بعده من
غير أن ينقص من أوزارهم شيء ".
إنه الحتياط والدقة والقيد } :مَن قَ َتلَ َنفْسا ِبغَيْرِ َنفْسٍ َأوْ فَسَادٍ فِي الَ ْرضِ { .فكأن من قتل نفسا
بنفس أو بفساد في الرض ،ل يقال عليه :إنه قتل الناس جميعا ،بل أحيا الناس جميعا؛ لن
التجريم لي فعل يعني مجيء النص الموضح أن هذا الفعل جريمة ،وبعد ذلك نضع لهذه الجريمة
ل وتقول له :أنا أؤاخذك به وأُعاقبك عليه بغير أن
عقوبة .ول يمكن أن تأتي لواحد ارتكب فع ً
يوجَد نص بتجريم هذا الفعل.
وهناك توجد قاعدة شرعية قانونية تقول " :ل تجريم إلّ بنص ول عُقوبة إلّ بتجريم " .أي أننا
http://www.daardesign.com/forum
منتدى دارنا
نُرتّب العقوبة على الجريمة ،أو ساعة يُجرّم فعل يُذكر بجانب التجريم العقوبة ،فعل القصد هو
عقاب مُرتكب الجُرم .ل إنما القصد هو تفظيع العقاب حتى يراه كل إنسان قبل أن يرتكب
الجريمة ،والهدف هو منع الجريمة ،ولذلك تجد الحكمة البشرية القائلة " :القتل أنفى للقتل " ،
وبطبيعة الحال ل يمكن أن ترقى تلك الحكمة إلى قول الحق {:وََلكُمْ فِي ا ْل ِقصَاصِ حَيَاةٌ ياأُولِي
الَلْبَابِ }[البقرة]179 :
لننا يمكن أن نتساءل :أيّ قتل أنفى للقتل؟ .وسنجد أن المقصود بالحكمة ليس القتل البتدائي
ولكن قتل القتصاص .وهكذا نجد السلوب البشري قد فاتته اللمحة الفعّالة في منع القتل الموجودة
جمِيعا َومَنْ َأحْيَاهَا
في قوله الحق } :مَن قَ َتلَ َنفْسا ِبغَيْرِ َنفْسٍ َأوْ فَسَادٍ فِي الَ ْرضِ َفكَأَ ّنمَا قَ َتلَ النّاسَ َ
جمِيعا { .وكلمة " أحياها " لها أكثر من معنى .وبالتحديد لها معنيان :المعنى
َفكَأَ ّنمَا أَحْيَا النّاسَ َ
الول :أنه أبقى فيها الروح التي تحرك المادة ،والمعنى الثاني :إحياء الروح اليمانية ،مصداقا
لقول الحق:
http://www.daardesign.com/forum
منتدى دارنا
يستوفي في حقه بيده بل ل بد من حاكم يقوم بذلك كي ينضبط المر ويستقيم ،إنه يخرج على
الشريعة فقط في حالة العُدوان.
أما الذي يذهب للعتداء على الناس ولم يكن بينه وبينهم عداء؛ فهذه هي الحرابة .كأن يخرج
ليقطع الطريق على الناس ويخيف كل من يلقاه ويُسبّب له القلق والرّعب والخوف عللى نفسه
وماله ،والمال قد يكون من جنس الحيوان أو جنس النبات أو جنس الجماد .وذلك ما يسميه الشرع
حرابة وستأتي لها آية مخصوصة.
إذن .فالفساد في الرض معناه إخراج صالح عن صلحه مظروف في الرض ،والمظروف في
الرض سيده النسان ،والفساد فيه إما بقتله أو إهاجته وإشاعة الرّعب فيه ،وإما بشيء مملوك له
من الشياء التي دونه في الجنسية مثل الزروع أو النباتات أو الحيوانات .فكأن الفساد في الرض
-أيضا -يؤهل لقتل النفس:
جمِيعا {.
} مَن قَ َتلَ َنفْسا ِبغَيْرِ َنفْسٍ َأوْ فَسَادٍ فِي الَ ْرضِ َفكَأَ ّنمَا قَ َتلَ النّاسَ َ
أي أن القتل بغير إفساد في الرض؛ هو القتل الذي يستحق العقاب .أما القتل بإفساد في الرض
فذلك أمر آخر؛ لن هناك فارقا بين أن يُقتل قِصاصا أو أن يقتل حدّا من المُشرّع؛ وحتى عفو
صاحب الدم عن القاتل في الحرابة وقطع الطريق ل يشفع في ذلك ول يسقط الحد عن الذي فعل
ذلك؛ لنها جريمة ضد المجتمع كله.
ويتابع سبحانه } :وَلَقَدْ جَآءَ ْت ُهمْ رُسُلُنَا بِالّبَيّنَاتِ ُثمّ إِنّ كَثِيرا مّ ْنهُمْ َب ْعدَ ذاِلكَ فِي الَ ْرضِ َلمُسْ ِرفُونَ
{ والمُسرف هو المُتجاوز للحَد ،وهو من ل يأخذ قدر تكوينه وموقعه في الوجود ،بل يحاول أن
يخرج عن قدر إمكاناته في الوجود.
مثال ذلك :رجل حاول أن يسطو على حق غيره في الوجود؛ متخطيا منزلة العتدال فل يأخذ
حقه فقط .مثل قطاع الطريق أو النهابين يأخذون عرق غيرهم وتعودوا أن يعيشوا كذلك وبراحة.
والمصيبة ل تكون في قاطع الطريق وحده ،ولكن تتعداه إلى المجتمع .فيقال :إن فلنا يجلس في
منزله براحة وتكفيه ساعة بالليل ليسرق الناس.
إن المر ل يقف عند حدود ذلك النسان إنما يتعدّاه إلى غيره .ويحيا من يملك مالً في رُعب،
وعندما يُفجَع في زائد ماله ،يفقد الرغبة في أن يتحرك في الحياة حركة زائدة تُنتج فائضا لنه ل
يشعر بالمن والمان .وعندئذ يفقد العاجز عن الحركة في المجتمع السند والعون من الذي كان
يتحرك حركةً أوسع .إذن من رحمة ال أنه فتح أمام البشر أبواب المال في التملّك ،مادام السعي
إلى ذلك يتم بطرق مشروعة.
ونضرب هذا المثل -ول المثل العلى :-الرجل المُرابي الذي يُقرض مُحتاجا مائة جنيه ،كيف
يطلب المرابي زيادة ِممّن ل يجد شيئا يقيم به حياته؟ إنه بذلك يكون قد أعطى مَن وجد أزيد مما
http://www.daardesign.com/forum
منتدى دارنا
أخذ منه مع فقره وعجْزه .إن ذلك هو السراف عينه.
ويقول الحق من بعد ذلك } :إِ ّنمَا جَزَآءُ الّذِينَ{ ...
()694 /
س َعوْنَ فِي الْأَ ْرضِ َفسَادًا أَنْ ُيقَتّلُوا َأوْ ُيصَلّبُوا َأوْ ُتقَطّعَ
إِ ّنمَا جَزَاءُ الّذِينَ يُحَارِبُونَ اللّ َه وَرَسُولَ ُه وَيَ ْ
أَيْدِيهِمْ وَأَرْجُُلهُمْ مِنْ خِلَافٍ َأوْ يُ ْنفَوْا مِنَ الْأَ ْرضِ ذَِلكَ َلهُمْ خِ ْزيٌ فِي الدّنْيَا وََلهُمْ فِي الَْآخِ َرةِ عَذَابٌ
عَظِيمٌ ()33
أول شيء في الحرب هو الستيلء؛ فمعنى أن يحارب قوم قوما غيرهم أي يرغبون في الستيلء
على خيرات أو ممتلكات الطرف الخر .فكيف يحارب قومٌ اللّهَ وهو غيب؟ .وأول حرب للّه هي
محاولة الستيلء على سلطانه ،وهو تشريعه .فإن حاولت أيها النسان أن تشرع أنت على غير
منهج ال فأنت تريد أن تستولي على حق ال في التشريع .وهذه أول حرب ل.
والذين يحاربون ال أَهُمُ الذين يريدون أن يستولوا على ملك ال؟ ل؛ لن يد ال في مُلكه أزل،
وستبقى أبدًا وسبحانه لن يسلّمه لحد من عباده .فعلى ماذا -إذن -يريدون الستيلء؟ .إنهم
يريدون تزييف تشريعات ال ،بينما سبحانه هو المُشرّع وحده .والتشريع -كما قلنا -هو قانون
صيانة للصّنعة .إذن لماذا ل نترك خالق النسان ليضع القواعد التي تصون البشر؛ لذلك فأول
افتيات يفعله الناس أنهم يُشرّعون لنفسهم؛ لن قانون صيانة النسان يضعه خالق النسان ،فإذا
ما جاء شخص وأراد أن يضع للنسان -الذي هو منه -قانون صيانة نقول له :إنك تستولي
على حق ال.
وكيف يحاربون الرسول؟.
نعرف أن الرسول صلى ال عليه وسلم له وضعان؛ فال غيب؛ لكن الرسول كان مشهدا من
مشاهدنا في يوم من اليام ،وقد حورب بالسيف ،وعندما انتقل الرسول إلى الرفيق العلى
أصبحت حربه كحرب ال ،فنأخذ سلطته في التشريع ،وهي السلطة الثانية ونقول لها :نحن
سنشرع لنفسنا ول ضرورة لهذا الرسول ،أو أن يقول نظام ما :سنأخذ من كلم ال فقط وذلك ما
ينتشر في بعض البلدان .ونقول لكل واحد من هؤلء :أتؤدي الصلة؟ .فيقول :نعم .نسأله :كم
ركعة صليت المغرب؟ .فيجيب ثلث ركعات .نسأله :من أين أتيت بذلك؟ .ومن أين عرفت أن
صلة المغرب ثلث ركعات وهي لم تذكر في القرآن الكريم؟ .هنا سيصمت.
ونسأله :كيف تخرج الزكاة وبأي حساب تحسبها؟ فيقول :اخرج الزكاة بقدر اثنين ونصف بالمائة
في النقدين والتجارة مثل.
http://www.daardesign.com/forum
منتدى دارنا
نقول له :كيف -إذن -عرفت ذلك؟ .وأيضا كيف عرفت الحج؟ .إذن فللرسول صلى ال عليه
وسلم مهمة ،وحرب النبي تكون في ترك قول أو فعل أو تقرير له عليه الصلة والسلم.
ومثال ذلك هؤلء الذين يقولون :إن أحاديث رسول ال كثيرة .ونقول لهم :كانت مدة رسالة
رسول ال صلى ال عليه وسلم ثلثة وعشرين عاما وكل كلمه حديث ،فكل كلمة خرجت من
فمه حديث شريف ،ولو كنا سنحسب الكلم فقط لكان مجلدات ل يمكن حصرها ،وكل كلم سمعهُ
وأَقرّه من غيره حديث ،وكل فعل فعله غيره أمامه وأقرّه ولم يعترض عليه حديث ،فكم تكون
أحاديث رسول ال صلى ال عليه وسلم؟.
وكيف يستكثر بعض الناس قدرا من الحاديث التي وصلتنا بعد قدر هائل من التنقية البالغة؟؛
لنهم قالوا :لن نبعد عن رسول ال ما قاله خير من أن ندخل على رسول ال ما لم يفعله .إنهم
يدعون أن هذا حفظ للسلم ولكن فاتهم أن ال حافظ دينه ،وأن رسول ال صلى ال عليه وسلم قد
وضع القواعد لغربلة الحاديث فقال:
" من كذب على مُتعمدا فليتبوّأ مقعده من النار ".
وها هوذا البخاري ينقل عن المعاصرين لرسول ال صلى ال عليه وسلم والذين قابلوه ،وسيدنا
مُسلم يعتبر المعاصرة كافية لنّها مظنّة المقابلة وتحري كل منهما الدقة الفائقة .وأي شخص كان
به خدشة سلوكية ل يؤخذ بقوله ،ولذلك عندما حاول البعض أن ينال من الحاديث وقال أحدهم" :
أنا يكفيني أو أقول ل إله إل ال " ،تساءلت :كيف ل يذكر أن محمدا رسول ال؟ وكيف يمكن أن
يؤدي الذان للصلة؟ وكيف يؤدي الصلة " وكيف يمكن أن يفهم قول الحقَ {:ومَآ آتَاكُمُ الرّسُولُ
خذُوهُ }[الحشر]7 :
فَ ُ
وهذا تفويض من ال في أن يكون لمحمد صلى ال عليه وسلم تشريع.
وكذلك الجتراءات على الئمة ،هم يجترئون أولً على النبي ثم يزحفون على الدين كله .وجاء
س َعوْنَ فِي الَ ْرضِ فَسَادا { أي
فيهم قول الحق } :إِ ّنمَا جَزَآءُ الّذِينَ يُحَارِبُونَ اللّهَ وَرَسُولَ ُه وَيَ ْ
يخرجون الصالح بذاته عن صلحه ليكون فاسدا .الجزاء أن ُيقَتّلوا أو ُيصَلّبُوا ،وهذا التفعيل في
قوله } :أَن ُيقَتّلُواْ َأوْ ُيصَلّبُواْ { جاء للشدة والتقوية؛ حتى يقف منهم المجتمع اليماني العام موقف
القائم على هذا المر ،والسلطة الشرعية قامت عن الجميع في هذا المر ،كما يقال :إن النائب
العام نائب عن الشعب في أن يرفع الدعوى ،حتى ل ينتشر التقتيل بين الناس ،دون أن يفهموا
حكمة كل أمر.
ن الَ ْرضِ { .وهل " أو " هنا
} أَن ُيقَتّلُواْ َأوْ ُيصَلّبُواْ َأوْ ُتقَطّعَ أَ ْيدِيهِ ْم وَأَرْجُُلهُم مّنْ خِلفٍ َأوْ يُنفَوْاْ مِ َ
تخييرية ،أو أنّ هنا -كما يقال " -لف ونشر "؟ واللف هو الطي .والنشر هو أن تبسط الشيء
وتفرقه.
http://www.daardesign.com/forum
منتدى دارنا
فما اللف ،وما النشر -إذن -؟ مثل ذلك ما يقوله الشاعر:قلبي وجفني واللسان وخالقي ..لقد ذُكر
مُتَعدّد ولكن الحكام غير مذكورة ،هذا هو اللف؛ فجمع المبتداءت دون أن يذكر لكل واحد منها
ض وباكٍ شاكرٌ
خبره؛ ثم جاء بالحكام على وفق المحكوم عليه .فأكمل بيت الشعر بقوله:را ٍ
ض وباكٍ شاك ٌر وغفورُوالحق يقول{:
وغفور ولنقرأ البيت كاملً:قلبي وجفني واللسان وخالقي را ٍ
سكُنُواْ فِي ِه وَلِتَب َتغُواْ مِن َفضْلِهِ }[القصص]73 :
ل وَال ّنهَارَ لِتَ ْ
ج َعلَ َل ُكمُ الْلّ ْي َ
حمَتِهِ َ
َومِن رّ ْ
سكُنُواْ فِيهِ { راجع إلى الليل ،وقوله } :وَلِتَب َتغُواْ مِن َفضْلِهِ { راجع إلى النهار .وهنا جاء
فقوله } :لِتَ ْ
باللف .ثم جاء بالنشر.
والفساد -كما نعلم -له صُور متعددة ،فالفساد في النسان قد يعني قتله.
أو قتله وأخذ ماله .أو الستيلء على ماله دون قتله .أو إثارة الرعب في نفس النسان دون أخذ
ماله أو قتله .فكأن كلمة الفساد طوي فيها ألوان الفساد ،نفس القتل ،أو نفس تقتل مع مال يُسلب
ويؤخذ ،أو مال يُؤخذ دون نفس تقتل ،أو تخويف وتفزيع.
ويقول الحقَ } :أوْ يُن َفوْاْ مِنَ الَرْضِ { ،والنفي معناه الطرد والبعاد ،والطرد ل يتأتى إل لثابت
مُستقر ،والبعاد ل يتأتى إل لمُتمكن .إذن ،فقبل أن يُنفى ل بد أن يكون له ثبًوت وتمكّن في
موضع ما ،وهو ما نسميه اصطلحا السكن ،أو الوطن ،أو المكان الذي يقيم به النسان لنه ثابت
فيه .ومعنى ثابت فيه .أي له حركة في دائرته ،إل أنه يأوي إلى مكانٍ مُستقر ثابت ،ولذلك سُمي
سكنا؛ أي يسكن فيه من بعد تحركه في مجالته المختلفة .ومعنى النفي على هذا هو إخراجه من
مسكنه ومن وطنه الذي اتخذه موطنا له وكان مجالً للفساد فيه .ولكن إلى أي مكان نُخرج إليه
هذا الذي نحكم عليه بالنفي؟ قد يقول قائل :أنت إن أخرجته من مكان أفسد فيه وذهبت به إلى
مكان آخر فقد تشيع فساده!
ل؛ لن النفي ل يتيح له ذلك الفساد ،ذلك أن التوطن الول يجعل له إلفا بجغرافية المكان ،إلفا
بمن يخيفهم؛ فهو يعرف سلوك جيرانه ويعرف كيف يخيف فلنا وكيف يغتصب بضاعة آخر
وهكذا .ولكنه إن خرج إلى مكان غير مستوطن فيه فسوف يحتاج إلى وقت طويل حتى يتعرف
إلى جغرافية المكان ومواقع الناس فيه ،ومواطن الضعف فيهم .وعلى ذلك يكون النفي هو منعٌ
لفساد الفاسد.
ن الَ ْرضِ { نعرف أن كلمة " الرض " لها مدلول ونسمي
وحين يقول سبحانهَ } :أوْ يُنفَوْاْ مِ َ
الرض الن :الكرة الرضية .وكانوا قديما يفهمونها على أنها اليابسة وما فيها من مياه ،وبعد أن
جوّ الرض منها صار جو الرض جزءا من الرض .ولذلك قلنا في المقدسات
عرفنا أن َ
المكانية :إن كل جو يأخذ التقديس من مكانه؛ فجو الكعبة كعبة؛ بدليل أن الذي يصلي في الدور
الثالث من الحرم؛ ويتجه إلى الكعبة .يصلي متجها إلى جو الكعبة .ومن يستقل طائرة ويرغب في
http://www.daardesign.com/forum
منتدى دارنا
إقامة الصلة يتجه إلى جو الكعبة ،وعندما ازدحم الحجيج وصار المسعى ل يتسع لكل الحجيج
أقاموا دورا ثانيا حتى يسعى الناس فيه .إذن فالمسعى ليس هو المكان المحدد فقط ،ولكن جوه
أيضا له قدسية؛ فإن بنينا كذا طابقا فهي تصلح أيضا كمسعى.
إذن فجو الرض ينطبق عليه ما ينطبق على الرض .ولذلك كانوا يُحرمون -قبل أن يوجد
حوّم في جو الحرم طيار غير مسلم؛ لن الطيار غير المسلم مُحرم عليه
طيارون مسلمون -أن ُي َ
أن يدخل الكعبة والحرم.
جوّ الكعبة.
ومادام هناك إنسان ممنوع من دخول الكعبة فهو أيضا ممنوع من الطيران في َ
جوّ من الرض ،ونعرف أن الغلف الجوي يدور
جوّ المكان يأخذ قُدسية المكان أو حكمه؛ فال َ
أن َ
مع الرض .ومن هذا نعرف العطاءات القرآنية من القائل لكلمه وهو سبحانه الخالق لكونه.
ومادام القائل للقرآن هو الخالق للكون ،إذن ل يوجد تضارب بين حقيقة كونية وحقيقة قرآنية.
وإنما يوجد التضارب من أحد أمرين :إما أن نعتبر المر الذي ل يزال في طور النظرية حقيقة
في حين أنها لم تصبح حقيقة بعد؛ وإما أن نفهم أن هذا حقيقة قرآنية ،على الرغم من أنه ليس
كذلك ،فإذا كان المر هو حقيقة كونية بحق وحقيقة قرآنية بحق ،فل تضارب على الطلق.
ودليل ذلك على سبيل المثال قول الحق سبحانه {:وَ َيعْلَمُ مَا فِي الَرْحَامِ }[لقمان]34 :
ويأتي العلم الحديث بالبحث والتحليل ،ويقول بعض السطحيين:
ل ،إن العلم يعرف ما في الرّحم من ذكر أو أنثى .ونقول :نحن ل نناقش ذلك؛ لنها حقيقة كونية
وهي ل تتصادم مع الفهم الصحيح للحقيقة القرآنية؛ لكننا نسأل :متى يعرف العلماء ذلك؟ هم ل
يعرفون هذا المر إل بعد مُضي مُدة زمنية ،ولكن الحق يعلمه قبل مرور أية مدة زمنية .ثم مَن
قال :إن الحق يقصد بـ } وَ َيعْلَمُ مَا فِي الَرْحَامِ { ذكرا أو أنثى فحسب؟ وهل لمدلولها وجه واحد؟
ل ،بل له وجوه متعددة فلن يعرف أحد أن ما في الرحم سيكون من بعد إنسانا طويلً أو قصيرا؛
ذكيا أو غبيّا؛ شقيّا أو سعيدا؛ طويل العمر أو قصير العمر؛ حليما أو غضوبا .فلماذا نحصر " ما "
في مسألة الذكر والنثى فقط؟
إنه هو سبحانه يعلم المستقبل أزلً قبل أن يعلم أي عالم وقبل أن يحصل العالم على أية عينة .ثم
هل تذهب كل حامل إلى الطبيب ليفحص معمليا ما الذي تحمله في بطنها؟ طبعا ل ،ونحن ل نعلم
ماذا في بطنها ولكن الخالق العظم يعلم .ثم هل تذهب كل النساء الحوامل في العالم لطبيب
واحد؟ بالطبع ل ،ولكن الخالق العظم يعلم ما في كل الرحام.
إذن فالحقيقة القرآنية لم تصطدم بأية حقيقة كونية ،لكن الصدام يحدث عندما نفهم فهما خطأ أن
الحقيقة القرآنية في قوله الحق } :وَ َيعْلَمُ مَا فِي الَرْحَا ِم { مقصود به العلم بالذكر والنثى فقط.
ومثال آخر ،يقول الحق {:وَالَرْضَ مَ َددْنَاهَا }[الحجر]19 :
http://www.daardesign.com/forum
منتدى دارنا
ويُخطئ البعض الفهم عن ال فيظن أن المقصود بذلك أن الرض بساط أمام النسان .وقد ثبتت
للبشر حقيقة كونية هي ان الرض كروية بالدلة خلل رحلة ماجلن ثم بالقواعد الخاصة بوضع
العمدة؛ وظهور أعالي الشياء قبل أسافلها وغير ذلك ،ثم صارت في عصرنا مُشاهدة من
القمار الصناعية .إذن هذه الحقيقة الكونية ل كلم فيها ،وكان الخطأ هو فهم مدلول الحقيقة
القرآنية والفهم الصواب في مدلول الحقيقة القرآنية الخاصة بقوله تعالى } :وَالَ ْرضَ مَ َددْنَاهَا {؛إننا
كلما وقفنا في مكان نجد أرضا ،أي أن الرض ل نهاية لها وليس لها حافة.
إذن فسبحانه قد مَد الرض أمام النسان بحيث إذا سار النسان في أي اتجاه؛ يجد أرضا .ول
يتأتى ذلك إل إذا كانت الرض كروية .لهذا كان الخطأ في فهم مدلول الحقيقة القرآنية؛ لن
التضارب إنما ينشأ من فهم أنها حقيقة كونية وهي ليست كذلك ،أو من فهم أنها حقيقة كونية وهي
ليست كذلك ،أو من فهم أنها حقيقة قرآنية على نحو خاطئ ،إنهما ل تتعارضان ،فالقائل هو
الخالق عينه .ولهذا عرفنا متأخرا أن الجو من الرض وأن الغلف الجوي يدور مع الرض،
وكنا نقول :سرنا على الرض لكنه سبحانه قال وهو العليم {:سِيرُواْ فِي الَ ْرضِ }[النعام]11 :
وهو سبحانه علم أزلً أن الجو جزء من الرض .فمهما سار النسان على اليابسة ففوقه الغلف
الجوي .إذن فالنسان إنما يمشي في الرض وليس على الرض .أما إن سار النسان فوق
الغلف الجوي فهو يسير فوق الرض.
ن الَ ْرضِ { وقد عرفنا أن النفي هو الطرد والبعاد ،فأي
ونعود إلى قوله الحقَ } :أوْ يُن َفوْاْ مِ َ
أرض ينفون منها وإلى أي أرض؟ ول يكون الطرد إل لمستقر ول البعاد إل لثابت .وحتى في
اللغة نعرف ما يسمى النفي والثبات .وكل ذلك مأخوذ من شيء حِسي؛ فعندما نأخذ الماء من
البئر نُنزل إلى قاع البئر دلوا ،وكل دلو ينزل إلى البئر له " رِشاء " وهو الحبل الذي نُنزل
بواسطته الدلو.
إننا ساعة نُخرج الدلو من البئر ،يكون قد أخذ من الماء على قدر سعته وحجمه .فهل لدينا حركة
ثابتة نستطيع بها المحافظة على استطراق الماء إلى تمام حافة الدلو؟ طبعا هذا أمر غير ممكن؛
بل نجد قليل من الماء يتساقط من حوافي الدلو ،وهذا الماء المتساقط يُسمى " ال ّنفِي "؛ لننا ل
نستطيع استخراج الدلو وهو ملن لخره بحركة ثابتة مستقرة بحيث تحافظ على استطراق الماء.
إن الماء -كما نعلم -له استطراق دقيق إلى الدرجة التي جعلت البشر يصنعون منه ميزانا
للستواء .ومن " ال َنفْي " تؤخذ معان كثيرة ،فهناك " النفاية " وهي الشيء الزائد .إذن كيف يكون
النفي من الرض؟ وهل نأخذ الرض بمفهومها العام أو بمعناها الخاص؟ أي الرض التي حدث
فيها قطع الطريق؟
إن أخذناها بالمعنى الخاص فالنفي يكون لي أرض أخرى .وإن أخذنا الرض بالمعنى العام
http://www.daardesign.com/forum
منتدى دارنا
فكيف يكون النفي؟ ونرى أن الحق سبحانه قد قال في موضع آخر من القرآنَ {:وقُلْنَا مِن َبعْ ِدهِ
سكُنُو ْا الَ ْرضَ }[السراء]104 :
لِبَنِي إِسْرَائِيلَ ا ْ
هم بل جدال يسكنون في الرض.
وجاء هذا القول لمعنى مقصود ونعرف أننا ل نذكر السكن إل ويكون المقصود تحييز مكان في
الرض ،كأن يقول قائل " :اسكن ميت غمر " أو " اسكن الدقهلية " أو " اسكن طنطا " ،وهذا
تحديد لموقع من الرض للستقرار ،والمعنى المقصود إذن أن الحق يبلغنا أنه سيقطعهم في
طعْنَا ُهمْ فِي الَ ْرضِ
الرض تقطيعا بحيث ل يستقرون في مكان أبدا .وذلك مصداقا لقول الَ {:وقَ ّ
ُأمَما }[العراف]168 :
فليس لهم وطن خاص .وتمت ًبعْثَرَتُهم في كل الرض ،وهذا هو الواقع الذي حدث في الكون.
َأوُجِدَ لبني إسرائيل استقرار في أي وطن؟ .ل .وحتى الوطن الذي أقاموه بسبب وعد بلفور لم
يترك الحق أمره .بل أعطى وعده للمؤمنين بأن يدخلوا المسجد إذا ما أحسنوا العمل لسترداده.
ومازال اليهود بطبيعتهم شتاتا في أنحاء الرض .ولهم في كل وطن حيّ خاص بهم .وتحتفظ كل
سكُنُواْ
جماعة منهم في أي بلد بذاتيتهم ول يذوبون في غيرهمَ {:وقُلْنَا مِن َبعْ ِدهِ لِبَنِي ِإسْرَائِيلَ ا ْ
الَ ْرضَ فَِإذَا جَآ َء وَعْدُ الخِ َرةِ جِئْنَا ِبكُمْ َلفِيفا }[السراء]104 :
لمّة المؤمنة حين يقوّيها
وحين يأتي بهن الحق في الجولة الخرة سيأتون لفيفا أي مجتمعين؛ لن ا ُ
ال لتضرب على هؤلء القوم ضربة ل بد أن يكونوا مُجتمعين .وكأن ال قد أراد أن يكون هذا "
الوطن القومي " حتى يتجمعوا فيه وبعد ذلك يرسل الضربة عليهم لنه جاء بهم لفيفا؛ لذلك ل
نحزن لنه قد صار لهم وطن ،فقد جاء بهم لفيفا.
ونعود إلى الية التي نحن بصددها .كيف يكون النفي من الرض؟ حين يرد ال تَحييز مكان فهو
يقول على سبيل المثال {:ا ْدخُلُوا الَ ْرضَ المُقَدّسَةَ }[المائدة]21 :
ضكُمْ }[العراف]110 :
جكُمْ مّنْ أَ ْر ِ
إذن فقد نفى غيرها .وهو يقول أيضا {:يُرِيدُ أَن يُخْ ِر َ
وكان المقصود بها مصر.
فإذا أخذنا الرض بالمعنى العام فحكمها حُكم " اسكنوا الرض " .والنفي هو صورة من صور
العقوبات للفساد ،والفساد في الرض ينقسم إلى أربعة أقسام؛ قتل ،قتل وأخذ مال ،أخذ مال
فقط ،ترويع .وقد زاد رسول ال صلّى ال عليه وسلم شيئا وفعله في سيرته ،فقد جاء بنا بأمر
جديد في أمر الفساد .وكان على العلماء أن ينتبهوا له ،فأول نفي حصل في السلم كان نفي
حكَم بن أبي العاص من المدينة إلى الطائف؛ لن الحكم -والعياذ بال -كان يُقلّد
رسول ال ال َ
مِشّيَة النبيّ باستهزاء ،وكان النبي صلّى ال عليه وسلم إذا مشى تكفأ تكفؤا كأنما يَتَحدّر من
حكَمَ يقلد
صَ َببٍ .فقد كانت مشية النبي مشية خاصة .وعلم رسول ال صلى ال عليه وسلم أن ال َ
http://www.daardesign.com/forum
منتدى دارنا
مِشيته في استهزاء والتفت النبي -ذات مرة -فجأة ،فوجد الحكم يقلده في مِشيته فنفاه من المدينة
إلى الطائف ،وظل الحكم في الطائف طوال حياة رسول ال صلّى ال عليه وسلم.
http://www.daardesign.com/forum
منتدى دارنا
صاحب النفير ،ولكن لو قلت غنيمات وشويهات وجبيلت وذكرت الطائف ورحم ال عثمان لكان
أولى.
وأسكته.
حكَم " يُعتبر
إذن .فالنفي كان أول عقاب أنزله الرسول صلّى ال عليه وسلم ،فهل ما فعله " ال َ
فسادا؟ .ونقول :إن كل فساد غنما يترتب على الفساد الذي يمس رسول ال صلى ال عليه وسلم.
حكَم يستهزئ بمِشية رسول ال صلى ال عليه وسلم.
وكان ال َ
وقد يقول مُشرّع ما :إن السجن يقوم مقام النفي ونقول :ل ،إن السجن الن فيه الكثير من
الرفاهية .فقد كان السجن قديما أكثر قسوة .والهدف من السجن البعاد لتخفيف شرور المُفسِد وإن
كان ل يبعده عن مستقره ووطنه .وذلك أمر متروك للحاكم يفعله كيف يشاء وخاصة إذا لم يكن
هناك أرض إسلمية متعددة .بحيث يستطيع أن ينفيه من أرض إلى أرض أخرى.
عذَابٌ عَظِيمٌ { وهذا القول
ويتبع الحق هذا بقوله } :ذاِلكَ َلهُمْ خِ ْزيٌ فِي الدّنْيَا وََلهُمْ فِي الخِ َرةِ َ
لحق لعقاب محدد للمفسدين في الرض المحاربين ل ورسوله وهو } :أَن ُيقَتّلُواْ َأوْ ُيصَلّبُواْ َأوْ
ن الَ ْرضِ { .وهذه العقوبات خزي لهم.
ُتقَطّعَ أَ ْيدِيهِ ْم وَأَرْجُُلهُم مّنْ خِلفٍ َأوْ يُن َفوْاْ مِ َ
إن كلمة " خزي " ترد في اللغة بمعنيين؛ مرة بمعنى الفضيحة " ،خَ ِزيََ ،يخْزِي ،خِزيا " ،أي
انفضح ،ومرة ثانية هي " خَزِي ،يَخْزَي ،خَزاية وَخَزّي " بمعنى استحى .والمعنيان يلتقيان ،فمادام
قد افتضح أمر عب ٍد فهو يستحي مما فعل .وتلك الفعال خزي ،كالذي قطع طريقا على أناس
آمنين ،ونقول لمثل صاحب هذا الفعل :إن قوّتك ليست ذاتية بل قوّة اختلسية؛ فلو كانت ُقوّتك
ذاتية لستطعت أن تتأبّى لحظة أن يأخذوك ليقتلوك أو يصلبوك أو يقطعوا يدك ورجلك .فقد
اجترأت على العُزّل الذين ليست لهم استطاعة الدفاع عن أنفسهم ،وفي هذا خزي لك .خصوصا
وأنت ترى من كانوا يخافونك وأنت تنال العقاب .وخزيك الن هو مقدمة لعذاب آخر في الخرة،
فسوف تنال عذابا عظيما.
عذَابٌ عَظِيمٌ { .وكل جزاء في الدنيا إنما يأتي على
} ذاِلكَ َلهُمْ خِ ْزيٌ فِي الدّنْيَا وََلهُمْ فِي الخِ َرةِ َ
قدر طاقات البشر في العقاب ،ولكن ماذا إذا وكُّلوُا إلى طاقة الطاقات؟ .ها هي ذي عدالة الحق
تتجلّى فهو سبحانه وتعالى يفسح المجال للمُسرفين على أنفسهم؛ أولً بالتوبة؛ لن ال الرّحيم
بعباده لو أخذ كل إنسان بجريرة فعلها أو عاقب كل صاحب ذنب بذنبه لستشرى في الرض
فساد كل من ارتكب ذنبا لنه يئس من رحمة ال فتشتد ضرواته وقسوته .وسبحانه فتح باب التوبة
حكْم ،أما إن تاب
لكل من الذين فعلوا ذلك استيقظ ضميره ،فإن تاب قبل أن تقدروا عليه فهناك ُ
بعد أن يقدر عليه المجتمع فل توبة له.
ويقول الحقِ } :إلّ الّذِينَ تَابُواْ{ ...
http://www.daardesign.com/forum
منتدى دارنا
()695 /
ومادام النسان قد تاب وقام بتسليم نفسه دون أن يقدر عليه المجتمع فقبول التوبة حَقّ له ،ويجب
غفُورٌ رّحِيمٌ } في نطاق ما جعله ال لنفسه ،أما ما جعله ال لولياء المُعتدى
أن نأخذ { أَنّ اللّهَ َ
عليهم فل بد من العقاب للمعتدي إن طلبه أصحابه.
غفُورٌ رّحِيمٌ } .والقرآن يجعل من
{ ِإلّ الّذِينَ تَابُواْ مِن قَ ْبلِ أَن َتقْدِرُواْ عَلَ ْيهِمْ فَاعَْلمُواْ أَنّ اللّهَ َ
المنهج اليماني عجينة واحدة .لذلك يُقسّم المسائل إلى فصول كالتقنيات البشرية التي تُبوّب؛ لذلك
نجد القرآن يعامل القضية وكأنها فُرص استيقاظ للنفس؛ لذلك يأخذ النفس إلى أمرٍ توجيهي
بالطاعة.
وضربنا من قبل المثل حينما تكلم القرآن عن مسائل السرة في سورة البقرة {:وَإِن طَّلقْ ُتمُوهُنّ مِن
عقْ َدةُ
ن َوقَدْ فَ َرضْتُمْ َلهُنّ فَرِيضَةً فَ ِنصْفُ مَا فَ َرضْتُمْ ِإلّ أَن َي ْعفُونَ َأوْ َي ْع ُفوَاْ الّذِي بِ َي ِدهِ ُ
قَ ْبلِ أَن َتمَسّوهُ ّ
سوُاْ ا ْل َفضْلَ بَيْ َنكُمْ إِنّ اللّهَ ِبمَا َت ْعمَلُونَ َبصِيرٌ }[البقرة]237 :
ح وَأَن َت ْعفُواْ َأقْ َربُ لِل ّت ْقوَىا َولَ تَن َ
ال ّنكَا ِ
سطَىا َوقُومُواْ للّهِ قَانِتِينَ
ومن بعد ذلك يأتي إلى أمر الصلة {:حَافِظُواْ عَلَى الصَّلوَاتِ والصّلَةِ ا ْلوُ ْ
خفْتُمْ فَرِجَالً َأوْ ُركْبَانا فَإِذَآ َأمِنتُمْ فَا ْذكُرُواْ اللّهَ َكمَا عَّل َمكُم مّا َلمْ َتكُونُواْ َتعَْلمُونَ }[البقرة:
* فَإنْ ِ
]239 - 238
وضع ال -إذن -الصلة بين أمرين من أمور السرة ،حيث قال من بعد أمره بالحفاظ على
حوْلِ
جهِمْ مّتَاعا إِلَى ا ْل َ
الصلة حتى أثناء القتال {:وَالّذِينَ يُ َت َوفّوْنَ مِنكُ ْم وَيَذَرُونَ أَ ْزوَاجا َوصِيّ ًة لَزْوَا ِ
غَيْرَ إِخْرَاجٍ فَإِنْ خَ َرجْنَ فَلَ جُنَاحَ عَلَ ْيكُمْ }[البقرة]240 :
وجاء بأمر الحفاظ على الصلة بين المشكلت السرية ،وذلك ليجعل الدين لبنة واحدة ،وأيضا
لن النفس المشحونة بالبغضاء وزِحام أمور الزواج والوصيّة والطلق؛ هذه النفس عندما تقوم
إلى الصلة ل فهي تهدأ .ولنا في رسول ال صلّى ال عليه وسلم أُسوةٌ حسنة .فقد كان إذا حَزَبَه
أمرٌ واشتد عليه قام إلى الصلة.
إذن فالحق سبحانه وتعالى ل يأتي بأمور الدين كأبواب منفصلة ،باب الصلة ،وآخر للصوم،
وثالث للزكاة ،ل .بل يمزج كل ذلك في عجينة واحدة .ولذلك فعندما أنزل بالمفسدين المحاربين ل
عقاب التقتيل والتصليب والتقطيع والنفي .كان ذلك لتربية مهابة الرّعب في النفس البشرية.
وساعة يستيقظ الرّعب في النفس البشرية يقول الحق { :يَا أَ ّيهَا الّذِينَ آمَنُواْ} ...
()696 /
http://www.daardesign.com/forum
منتدى دارنا
يَا أَ ّيهَا الّذِينَ َآمَنُوا ا ّتقُوا اللّ َه وَابْ َتغُوا إِلَيْهِ ا ْلوَسِيلَ َة وَجَا ِهدُوا فِي سَبِيلِهِ َلعَّل ُكمْ ُتفْلِحُونَ ()35
جوّ صارمٍ وحديث في عقوبات إلى تقوى ال .والتقوى -كما نعرف -أن يجعل
لقد أخرجنا من َ
النسان بينه وبين ما يؤذيه وقاية.
وعرفنا أن الحق سبحانه الذي يقول { ا ّتقُواْ اللّهَ } هو بعينه الذي يقول " اتقوا النار " ،وعرفنا
كيف نفهم تقوى ال .بأن نجعل بيننا وبين ال وقاية .وإن قال قائل:
إن الحق سبحانه يطلب منا أن نلتحم بمنهجه وأن نكون دائما في معيّته .فلنجعل الوقاية بيننا وبين
عقابه .ومن عقابه النار.
إذن فقوله الحق { :يَا أَ ّيهَا الّذِينَ آمَنُواْ ا ّتقُواْ اللّهَ } أي أن نتقي صفات الجلل ،والنار من خلق ال
وجنده .وقوله سبحانه { :وَابْ َتغُواْ إِلَيهِ ا ْلوَسِيَلةَ } أي نبحث عن ال ُوصْلة التي تُوصّلنا إلى طاعته
ورضوانه وإلى محبّته .وها هناك وسيلة إل ما شرّعه ال سبحانه وتعالى؟ وهل يتقرّب إنسان إلى
أي كائن إل بما يعلم أنه يُحبّه؟.
وعلى المستوى البشري نحن نجد من يتساءل :ماذا يُحب فلن؟ .فيقال له :فلن يُحب ربطات
العنق؛ فيُهديه عددا من ربطات العُنق .ويقال أيضا :فلن يحب المسبحة الجيدة ،فيحضر له
مسبحة رائعة .إذن كل إنسان يتقرّب إلى أي كائن بما يُحب ،فما بالنا بالتقرب إلى ال؟ .وما يُحبه
سبحانه أوضحه لنا في حديثه القدسي:
ي مما افترضته عليه،
ب إل ّ
" من عادى لي وليّا فقد آذنته بالحرب ،وما تقرّب إليّ عبدي بشيء أَح ّ
وما يزال عبدي يتقرّب إليّ بالنوافل حتى أحبّه ،فإذا أحببته كنت سمعه الذي يسمع به وبصره
الذي يبصر به ويده التي يبطش بها ورجله التي يمشي بها ،وإن سألني لعطينه ولئن استعاذني
لعيذنه "
فالحق سبحانه وتعالى يفسح الطريق أمام العبد ،فيقول سبحانه في الحديث القدسي:
" ما يزال عبدي يتقرب إليّ بالنوافل "
أي أن العبد يتقرب إلى ال بالمور التي لم يلزمه الحق بها ولكنها من جنس ما افترضه سبحانه،
فل ابتكار في العبادات .إذن فابتغاء الوسيلة من ال هي طاعته والقيام على المنهج في " افعل " و
" لتفعل ".
والوسيلة عندنا أيضا هي منزلة من منازل الجنة .والرسول صلّى ال عليه وسلم طلب منا أن
نسأل ال له الوسيلة فقال:
ي صلة صلى ال عليه
" إذا سمعتم المؤذن فقولوا مثل ما يقول ثم صلّوا عليّ فإنه من صلّى عل ّ
بها عشرا ثم سلوا ال لي الوسيلة فإنها منزلة في الجنة ل تنبغي إل لعبدٍ من عباد ال وأرجو أن
http://www.daardesign.com/forum
منتدى دارنا
أكون أنا هو فمن سأل ال لي الوسيلة حلّت له الشّفاعة "
ول نريد أن ندخل هنا في مجال التوسل بالنبي أو الولياء؛ لنها مسألة ل يصح أن تكون مثار
خلف من أحد.
http://www.daardesign.com/forum
منتدى دارنا
وبذلك نخلص من الخلف ول ندخل في متاهات.
} يَا أَ ّيهَا الّذِينَ آمَنُواْ ا ّتقُواْ اللّ َه وَابْ َتغُواْ إِلَيهِ ا ْلوَسِيلَةَ وَجَاهِدُواْ فِي سَبِيِلهِ َلعَّلكُمْ ُتفْلِحُونَ { ولنر اليثار
اليماني الذي يريد الحق أن يُربّيه في النفس المؤمنة بتقوى ال التي تتمثل في البتعاد عن
مَحارِمه ،وابتغاء الوسيلة إلى ال في اتباع أوامرِه.
إن الدّين لم يأ ِتكَ من أَجل نفسك فحسب ،ولكن إيمانك لن يصبح كاملً إل أن تُحب لخيك ما تحبه
لنفسك ،فإن كنت قد أحببت لنفسك أن تكون على المنهج فاحرص جيدا على أن يكون ذلك
لخوانك أيضا .وإخوانك المؤمنون ليسوا هم فقط الذين يعيشون معك ،ولكن هم المقدر لهم أن
يوجدوا من بعد ذلك .ولذلك عليك أن تجاهد في سبيل ال لتعلو كلمة ال .وهكذا تتّسع ال ِهمّةُ
اليمانية ،فل تنحصر في النفس أو المعاصرين للنسان المؤمن .ولذلك يضع لنا الحق الطريق
المستقيم ويوضحه ويبيّنه لنا.
وكانت بداية الطريق أن المؤمن بال حينما وثق بان ل نعيما وجزاءً في الخرة هو خير مما
يعيشه قدّم دمه واستشهد؛ لذلك قال صحابي جليل :أليس بيني وبين الجنة إل أن أدخل هذه
المعركة فإما أن أقتلهم وإما أن يقتلوني .فقال رسول ال صلى ال عليه وسلم :نعم.
وألقى الصحابي تمرات كان يأكلها ودخل المعركة.
ل بد إذن أنه قد عرف أن الحياة التي تنتظره خير من الحياة التي يعيشها؛ ومع ذلك لم يضع ال
الجهاد كوسيلة في أول المر ،بل طل يأمرهم بالنتظار والصبر حتى يُرَ ّبيَ من يحملون الدعوة.
فلن يجعلها سبحانه عملية انتحارية.
وبعد ذلك نرى أثناء رحلة الدعوة للسلم أن صحابيا يحزن لنه في أثناء القتال قد أفلت منه
عمرو بن العاص ،وأن خالد بن الوليد قد هرب .وتثبت اليام أن البشر ل يعرفون أن علم ال قد
ادّخر خالدا وأنجاه من سيف ذلك الصحابي من أجل أن ينصر السلم بخالد .وكذلك عمرو بن
العاص قد ادّخره ال إلى نصرٍ آخر للسلم.
ن للمؤمن أن يظل المنهج الذي آمن به موصولً إلى أن تقوم
إذن فالجهاد في سبيل ال ضما ٌ
الساعة ،وذلك ل يتأَتّى إل بإشاعة المنهج في العالم كله .والنفس المؤمنة إذا وقفت نفسها على أن
تجاهد في سبيل ال كان عندها شيء من اليثار اليماني .وتعرف أنها أخذت خير اليمان وتُحب
أن توصّله إلى غيرها ،ول تقبل أن تأخذ خير اليمان وتحرم منه المعاصرين لها في غير ديار
السلم ،وتحرص على أن يكون العالم كله مؤمنا ،وإذا نظرنا إلى هذه المسألة نجدها تمثل الفهم
العميق لمعنى الحياة ،فالناس إذا كانوا أخيارا استفاد النسان من خيرهم كله ،وإذا كانوا أشرارا
يناله من شرّهم شيء.
إذن فمن مصلحة الخيّر أن يشيع خيره في الناس؛ لنه إن أشاع خيره فهو يتوقع أن ينتفع بجدوى
http://www.daardesign.com/forum
منتدى دارنا
هذا الخير وأن يعود عليه خيره؛ لن الناس تأمن جانب الرجل الطيب ول ينالهم منه شر.
لنه يحب أن يكون كل الناس طيبين وعلى ميزان اليمان؛ لنهم إن كانوا على ميزان اليمان
فالطيب يستفيد من خيرهم .أما إن بقي الناس على شرّهم وبقي النسان الطيب على خيره ،فسيظل
خير الطيب مبذولً لهم ويظل شرّهم مبذولً للطيب.
إذن من حكمة اليمان أن " يعدّي " النسان الخير للغير .وإن دعوة المؤمن إلى سبيل ال ،ومن
أجل انتشار منهج ال ل بد من العداد لذلك قبل اللقاء في ساحات المعارك؛ فقبل اللقاء مع
الخصم في ساحة المعركة ل بد من حُسْنِ العداد .وعندما يعدّ المؤمن نفسه يجد أن حركة الحياة
كلها تكون معه؛ لن الدعوة إلى ال تقتضي سُلوكا طيبا ،والسُلوك الطيب ينتشر بين البشر ،وهنا
يقوى معسكر اليمان ،فيرتقي سلوكا وعملً ،وعندما يقوى معسكر اليمان يمكنه أن يستخرج
كنوز الرض ويحمي أرض اليمان بالتقدم الصناعي والعلمي والعسكري .والحق يقول {:وَأَنزَلْنَا
شدِي ٌد َومَنَافِعُ لِلنّاسِ }[الحديد]25 :
حدِيدَ فِيهِ بَأْسٌ َ
الْ َ
سبحانه أنزل القرآن وأنزل الحديد ،ويتبع ذلك {:وَلِ َيعْلَمَ اللّهُ مَن يَنصُ ُر ُه وَرُسَُلهُ بِا ْلغَ ْيبِ }[الحديد:
]25
وجاء معنى البأس من أجل ذلك ،وهذا هو السبب الثاني الذي أوصانا به الحق:
إياكم أن تأخذوا منهج ال فقط الذي ينحصر في " افعل ول تفعل " ولكن خذوا منهج ال بما يحمي
منهج ال وهو التقدم العلمي باستخراج كنوز الرض وتصنيعها كالحديد مثلً ،فسبحانه كما أنزل
القرآن يحمل المنهج ،فقد أنزل الحديد وعلى النسان مهمة استنباط الحديد والمواد الخام التي
سهّل لنا صناعة الجهزة العلمية ونقيم المصانع التي تنتج لنا من الحديد فولذا ،ونحوّل الفولذ
تُ َ
إلى دروع ،ونصنع أدق الجهزة التي ُتهّيئ للمقاتل فُرصة النصر .وكذلك َندّخر المواد الغذائية
لتكفي في أيام الحرب.
إذن حركة الحياة كلها جهاد ،وإياك أن تقصر فكرة الجهاد عندك على ساحة المعركة ،ولكن أعدّ
نفسك للمعركة؛ أنك إن أعددت نفسك جيّدا وعلم خصمك أنك أعددت له ،ربما امتنع عن أن
يحاربك .والذي يمنع العالم الن من معركة ساخنة تدمره هو الخوف من قِبَل الكتل المتوازنة لن
كل دولة تُعدّ نفسها للحرب .ولو أن قوة واحدة في الكون لهدمت الدنيا.
وقول الحق } :وَجَاهِدُواْ فِي سَبِيِلهِ { نأخذه على أنه جهاد في سبيل منهج ال؛ وندرس هذا المنهج
ونفهمه وبعد ذلك نجاهد فيه باللسان وبالسّنان ،ونجاهد فيه بالكتاب ونجاهد فيه بالكتيبة.
إذن فقوله الحق } :وَجَا ِهدُواْ فِي سَبِيلِهِ { يصنع أمة إيمانية مُتحضرة ،حتى ل تترك الفرصة للكافر
بال ليأخذ أسباب ال وأسراره في الكون .فمن يعبد الله الواحد أولى بسرّ ال في الوجود ،ولو
فرضنا أنه لن تقوم حرب ،لكننا نملك المصانع التي تنتج ،وعندنا الزراعة التي تكفي حاجات
http://www.daardesign.com/forum
منتدى دارنا
الناس ،عندئذ سنحقق الكفاية .وما ل تستعمله في الحرب سيعود على السلم .ويجب أن تفهموا أن
كل اختراعات الحياة التقدمية تنشأ أولً لقصد الحرب ،وبعد ذلك تهدأ النفوس وتأخذ البشرية هذه
النجازات لصالح السلم.
ومن بعد ذلك يقول الحق سبحانه } :إِنّ الّذِينَ َكفَرُواْ{ ...
()697 /
الحق سبحانه تحدث من قبل عن العقوبات والقصاص والتقتيل والتقطيع ،ثم ينقلنا من هذا الجو
إلى أن نتقي ال ونبتغي إليه الوسيلة ونجاهد في سبيله حتى نفلح ،وكان ل بد أن يأتي لنا الحق
بالمقابل ،فالعقاب الذي جاء من قبل كقصاص وقتل هو عقاب دنيوي .ولكن ما سيأتي في الخرة
عذَابِ َيوْمِ
جمِيعا َومِثْلَهُ َمعَهُ لِ َيفْتَدُواْ بِهِ مِنْ َ
أدهى وأمرّ {.إِنّ الّذِينَ َكفَرُواْ َلوْ أَنّ َلهُمْ مّا فِي الَ ْرضِ َ
عذَابٌ أَلِيمٌ }[المائدة]36 :
ا ْلقِيَامَةِ مَا ُتقُبّلَ مِ ْنهُ ْم وََلهُمْ َ
ولنا أن نتصور الجماعة الكافرة التي تتكبر في الدنيا ويعتلون ويرتفعون بالجبروت ،فماذا عن
موقفهم يوم القيامة؟ .لقد اقمتم الجبروت بقوّتكم على غيركم ،وها هي ذي ال ُقوّة تضيع وتفلت .لقد
كانت القوة تعيش معكم في الدنيا بالسباب الممنوحة من ال لكم .ولم تَضنّ عليكم سُننْ ال أن
ترتقوا ،وسبحانه قد خلق السُنَن ومن يبحث في أسباب ال ،ينلْ نتيجة ما بذل من جهد ،لكن ها
هوذا يوم القيامة ،وها أنتم أولء تعرفون أن السباب ليست ذاتية .وأن قوّتكم لم تكن إل عطاءٌ
من ال .ها أنتم أولء أمام المشهد الحيّ ،فلو أن ما في الدنيا جميعا معكم وحتى ولو كان ضعف
ما في الدنيا وتريدون أن تقدّموه فِدْيَةً لكم من عذاب جهنم فال ل يتقبله ،وتلك ِقمّة الخِزْي ،ولن
يستطيعوا تخليص أنفسهم من عذاب جهنم.
جدّ.
وهذا المشهد يجعل النفس تستشعر أن المسألة ليست لعبا ول هزلً ،ولكن هي جِدّ في منتهى ال ِ
وعلى النسان أن يقدّر العقوبة قبل أن يستلذّ بالجريمة .والذي يجعل النس تستَشري في السراف
على أنفسهم ،أن الواحد منهم يعزل الجريمة عن عقوبة الجريمة .ولو قارن النسان قبل أن
يسرف على نفسه العقوبة بالجريمة لما ارتكبها .وكذلك الذي يكسل عن الطاعة؛ لو يقارن الطاعة
بجزائها لسرع إليها.
وأضرب هذا المثل -ول المثل العلى -نفترض أن إنسانا في صحراء نظر إلى أعلى الجيل
ورأى شجرة تفاح ،واسْتَ َدلّ على التفاح بأن رأى تُفاحة عَطبة واقعة على الرض ،وقال الرجل
http://www.daardesign.com/forum
منتدى دارنا
لنفسه :هأنذا أرى مصارع الناس؛ فهذا يصعد إلى الجبل فيقع من على حافته .وذلك تهاجمه
الذئاب .وثالث يتوه عن الطريق .كل ذلك على أمل أن في الشجرة ثمارا .ول بد لي من أن أختار
الطريق السليم إلى الثمار .والطريق إلى ثمار الدنيا الطاعة لمنهج ال ،وهو الطريق إلى ثمار
الخرة.
وأيضا :الطالب المجتهد الذي يتغلب على النعاس ويتوضأ ويًصلّي ويخرج إلى مدرسته في برد
الشتاء ليحصل الدروس .ويعود إلى المنزل لتقدّم له أمه الطعام ،ولكنه مشغول بالدرس .إن هذا
الشاب يستحضر نتيجة هذا الجُهد؛ لذلك فكل تعب في سبيل التعلّم صار سهلً عليه ،ولو أهمل
ونام ولم يقم مبكرا إلى المدرسة ،وإن استيقظ وخرج من المنزل ليتسكع في الطرقات مع أمثاله؛
صعْلَكة.
يكون في مثل هذه الحالة غير مُقدّر للنتيجة التي تقوده إليها ال ّ
والعيب في البشر أنهم يعزلون العمل عن نتيجته ،ويفصلون بين الجريمة وعقوبته ،والطاعة عن
ثوابها .إنّنا لو وضعنا النتيجة مقابل العمل لما ارتكب أحد معصية ول أهمل أحد في طاعة.
ولنا أن نتصور مشهد الجبارين في الدنيا وهم في نار الخرة ،عم بطشوا في الدنيا ونهبوا،
ولنفترض أن الواحد منهم قد امتلك كل ما في الدنيا -على الرغم من أنّ هذا مستحيل -وفوق
ذلك أخذ مثل ما في الدنيا معه ويريد أن يقدمه افتداء لنفسه من عذاب جهنم فيرفضه الحق منه }
عذَابٌ أَلِيمٌ { وتلك هي قمة الخزي التي يجب أن يبتعد عنها النسان.
مَا ُتقُبّلَ مِ ْنهُ ْم وََلهُمْ َ
وبعد ذلك يقول الحق } :يُرِيدُونَ أَن يَخْ ُرجُواْ{ ...
()698 /
وكلما مَسّهم لفحُ النار يريدون أن يخرجوا منها ،لكن كيف تأتي لهم إرادة الخروج من النار .ل بد
-إذن -أن لحظة لفحها عليهم وتقبلهم هنا وهناك تدفعهم ألسنة اللهب إلى القرب من الخارج
فيظنون أن العذاب قد انتهى .ألم يقل الحق سبحانه من أجل أن يضع أمامنا التجسيد الكامل لبشاعة
الجحيم {:وَإِن يَسْ َتغِيثُواْ ُيغَاثُواْ }[الكهف]29 :
هذا القول يُوحى أولً بأن رحمةً ما ستصل إليهم ،ولكن ما يأتي بعد هذا القول يرسم الهول الكامل
شوِي الْوجُوهَ }[الكهف]29 :
ويجسدهُ {:يغَاثُواْ ِبمَآءٍ كَا ْل ُم ْهلِ يَ ْ
وهذه قمة الهول .وهناك فرق بين البتداء المُطمع والنتهاء المُوئِس.
مثال ذلك السجين العطشان الذي يطلب كوب ماء .ويستطيع السجّأن أن يقول له :ل .ليس هناك
http://www.daardesign.com/forum
منتدى دارنا
ماء .أما إذا أراد السجان تعذيبه بأكثر من ذلك فهو يقول له :سآتي لك بالماء ويحضر له كوبا من
ماء زلل ،ويمد السجين يده لكوب الماء ،لكن السجان يسكب كوب الماء أرضا .هذا هو البتداء
المُطْمع والنتهاء المُوئِس .وكذلك رغبتهم في الخروج من النار؛ فل إرادة لَهم في الخروج إل إذا
كانت هناك مظنة أن يخرجوا نتيجة تقليب ألسنة اللهب لهم ،ولذلك يقول الحق أيضا عن هؤلء{:
فَبَشّرْهُم }[آل عمران]21 :
وتثير البُشرى في النفس المل في العفو ،فيفرحون ولكن تكون النتيجة هيِ {:بعَذَابٍ أَلِيمٍ }[آل
عمران]21 :
وهكذا يريد لهم الحق صدمة اللم الموئس بعد الرجاء المطمع {.يُرِيدُونَ أَن يَخْ ُرجُواْ مِنَ النّا ِر َومَا
هُم بِخَا ِرجِينَ مِ ْنهَا وََلهُمْ عَذَابٌ ّمقِيمٌ }[المائدة]37 :
ق وَالسّا ِر َقةُ} ...
وبعد ذلك ينقلنا الحق إلى قوله سبحانه { :وَالسّا ِر ُ
()699 /
حكِيمٌ ()38
طعُوا أَ ْيدِ َي ُهمَا جَزَاءً ِبمَا كَسَبَا َنكَالًا مِنَ اللّ ِه وَاللّهُ عَزِيزٌ َ
وَالسّارِقُ وَالسّا ِرقَةُ فَاقْ َ
جاء الحق من قبل بعقاب قطاع الطريق والمفسدين في الرض ،وهنا يأتي بقضية أخرى يريد أن
يصون بها ثمرة حركة المؤمن في مجتمعه؛ لن اليمان يحب من المؤمن أن يتحرك ،وحتى
يتحرك النسان ل بد أن يضمن النسان ثمرة حركته .أما إن تحرك النسان وجاءت الثمرة ثم
جاء من يأخذها فل بد أن يزهذ المتحرك في الحركة ،وحين يزهد النسان في الحركة يتوقف تقدم
الوجود؛ لذلك من حظنا أن تستمر حركة الحياة ،ول تستمر حركة الحياة إل إذا أمن النسان على
حركته ،وأن تكون حركته فيما شرع ال.
وحين يتحرك النسان فيما شرع ال ويكسب من حلل؛ فليس لحد دخل؛ لن حركة هذا النسان
تفيد المجتمع سواء أكان ذلك في باله أم لم يكن.
وقلنا من قبل :إن الرجل الذي يملك مالً يكتنزه يجد الحق يأمره بأن يستثمر هذا المال؛ لنه
سبحانه أمر بفتح أبواب الخير لمن يجد المال ،فيدفع بخاطر بناء عمارة شاهقة في قلب صاحب
المال ،فيقول الرجل لنفسه :إن المال عندي مكتنز فلبني لنفسي عمارة ،ويزين له الحق هذا
المر .ويفكر الرجل في أن يبني عمارة من عشرة طوابق وفي كل طابق أربع شقق ،وليكن
إيجار كل شقة مائة جنيه .وهو حصيلة شهرية ل بأس بها.
لقد حسب الرجل المسألة وهو ل يدري أن ال سبحانه وتعالى يقذف في باله الخواطر ،فيُسرع
ليشتري قطعة الرض .وبعد ذلك يأتي بمن يُصمّم بنيان العمارة ومن يقوم بالبناء ،وتخرج النقود
http://www.daardesign.com/forum
منتدى دارنا
المكتنزة .وهكذا نرى أن الثرى قبل أن ينتفع بعمارته كان غيره قد انتفع بماله حتى أكثر طبقات
المجتمع فقرا .ويحدث كل ذلك بمجرد الخاطر .ولكل إنسان خواطره ،فالبخيل له من يسرف في
ماله ،والكريم له من يكتنز من ماله .وإياك أن تظن أن هناك حركة في الوجود خارجة عن إرادة
ك وََأصْلَحُواْ }[آل عمران]89 :
ال .فالحق يقولِ {:إلّ الّذِينَ تَابُواْ مِن َبعْدِ ذاِل َ
وهم يفعلون ذلك لن الذنوب تطاردهم ،فيعوضون ذلك بإصلح أعمالهم .ولذلك نجد أن الخير
إنما يأتي من المسرفين على أنفسهم فيريدون إصلح أمورهم وليس هناك من يستطيع أن يأخذ
شيئا من وراء ال {.إِنّ ا ْلحَسَنَاتِ يُ ْذهِبْنَ السّـيّئَاتِ }[هود]114 :
كأن الحق سبحانه وتعالى بمجرد الخواطر يدفع الناس إلى ما يريد .نعم .فهو غيب قيّوم؛ ولذلك
يكون تدبيره في الكون غيبا .وفي قرانا يخصّصون يوما للسّوق ونرى ساحته في اليوم المُخصص
ونتأملها فنتعجب من إبداع مُحرّك الكون؛ ففي الصباح يسير رجال إلى السوق ومعهم عصيّهم ول
يحملون شيئا .وهؤلء ذاهبون لشراء ما يحتاجون إليه ،وآخرون يسوقون أمامهم العجول أو
الحمير ،وهؤلء يذهبون لبيع بضائعهم .ونرى نساء تحمل كل واحدة منهُن صنفا من الخضار
فنعرف أنهن يذهبن للبيع في السوق.
ونرى أخريات يحملن سِللً فارغة ،ونعرف أن كلً منهن ذاهبة للشراء .وفي آخر النهار نرى
المسألة معكوسة ،من كان يحمل في الصباح شيئا حمله غيره ،فمن الذي هيّج الخواطر ليذهب من
يرغب في البيع إلى السوق ليبيع؟
من الذي حرّك الشاري للشراء؟ هو الحق سبحانه يحقق للرّاغب في البيع أن يوجد المشتري،
ويحقق للراغب في الشراء أن يوجد البائع .إنه ترتيب الحيّ القيّوم .ونسمع من يقول :لقد أنزلنا
في السوق اليوم عشرين طنا من الطماطم وأربعين طنا من الكوسة .وغيرها من الطنان .ونجد
آخر النهار أن كل شيء قد بيع .إنها خواطر ال المتوازنة في الناس والتي توازن المجتمع.
إذن الحق سبحانه وتعالى يريد أن يحمي حركة المُتحرّك .ويُريد أيضا ألّ يقتات النسان أو يتمتّع
بغير مجهود؛ لن من يسرق إنما يأخذ مجهود غيره .وهذا الفعل يُ َزهّ ُد الغير في العمل.
إن في السلم قاعدة هي :عندما تكثر البطالة يقال لك ل تتصدق على الناس بنقود من ملكك،
ولكن افتح أي مشروع ولو لم تكن في حاجة إليه كأن تحفز بئرا وتردمها بعد ذلك وأعط الجير
أجره حتى ل يتعوّد النسان على الكسل ،بل يجب تعويده على العمل ،ومن ل يقدر على العمل
فل بد له من ضمان .فضمان النسان لقوته يكون من عمله أولً ،فإن لم يكن قادرا على العمل،
فضمانه من أسرته وقرابته ،فإن لم توجد له أسرة أو قرابة ،فأهل محلّته مسئولون عنه ،وإن لم
يستطع أهل القرية أو المحلّة أن يوفّروا له ذلك ،فبيت المال عليه أن يتكفّل بالفقراء.
إذن فالرضية اليمانية تَحثّنا على أن نضمن للنسان العمل ،أو نعوله ونقوم بما يحتاج إليه إن
http://www.daardesign.com/forum
منتدى دارنا
كان عاجزا .ولكن الفة أن بعضا من الناس يحبّون عملً بذاته ،فهذا يرغب في التوظّف في
وظيفة ل عمل فيها ،ونقول له:
في العالم المعاصر أزمة عمالة زائدة فتعلّم أي مهارة؛ فما ضنت الحياة أبدا على طالب قوت من
عمل.
سوَة حين أقام أول مزادٍ في السلم .عندما جاء له
ولنا في رسول ال صلّى ال عليه وسلم الُ ْ
رجلٌ من النصار يسأله ،فقال له:
" أما في بيتك شيء .قال الرجل :بلى ،حِلْسٌ نلبس بعضه ونبسط بعضه ،و َقعْبٌ -أي قدح -
نشرب فيه من الماء .قال :إيتني بهما .فأتاه بهما .فأخذهما رسول ال صلّى ال عليه وسلم بيده
وقال :من يشتري هذين؟ قال رجل :أنا آخذهما بدرهم .قال :من يزيد على درهم؟ -مرتين أو
ثلثا -ثال رجل :أنا آخذهما بدرهمين .فأعطاهما إياه ،وأخذ الدرهمين وأعطاهما للنصاري
وقال :اشتر بأحدهما طعاما فنبذه -أي أَ ْلقِهِ -إلى أهلك ،واشتر بالخر قَدُوما فائتني به "
إذن أشار النبي صلّى ال عليه وسلم على الرجل وأمره بأن يحضر الحِلْس الذي ينام عليه والقدح
الذي يشرب فيه ،حتى يعرف الرجل أنه تَاجَر في شيء يملكه ،ل في عطاء من أحد .وجاء
الرجل إلى حضرة النبي عليه الصلة والسلم ووجد أن النبي قد سوّى له يدا لقدوم وقال للرجل:
" اذهب فاحتطب وبعْ ،ول أرينّك خمسة عشر يوما "
ل لمر النبي صلّى ال عليه وسلم وجاء بعد خمسة عشر يوما
وذهب الرجل يحتطب ويبيع امتثا ً
وقد أصاب عشرة دراهم ،فاشترى ببعضها ثوبا وببعضها طعاما.
فقال النبي صلّى ال عليه وسلم:
" هذا خير لك من أن تجيء المسألة نكتة في وجهك يوم القيامة "
هذه هي التربية.
إذن فالغرض الساسي أن يحمي السلم أفراد المجحتمع ،فالذي ل يجد قُوتَه نساعده بالرأي
وبالعلم والقدرة والقوة .والخير أن نعلّمهم أن يعملوا لنفسهم .ولذلك جاء الحق لنا بقصة ذي
القرنين المليئة بالعِبَر {:حَتّىا ِإذَا بَلَغَ بَيْنَ السّدّيْنِ وَجَدَ مِن دُو ِن ِهمَا َقوْما لّ َيكَادُونَ َيفْ َقهُونَ َق ْولً }
[الكهف]93:
ج َومَأْجُوجَ ُمفْسِدُونَ فِي
أي أنه ل توجد صلة للتفاهم .ولكنهم قالوا {:قَالُواْ ياذَا ا ْلقَرْنَيْنِ إِنّ يَأْجُو َ
سدّا }[الكهف]94 :
ج َعلَ بَيْنَنَا وَبَيْ َنهُمْ َ
ج َعلُ َلكَ خَرْجا عَلَىا أَن تَ ْ
الَ ْرضِ َف َهلْ نَ ْ
وها هو ذو القرنين يعلن أنه في غير حاجة إليهم ،ولكن يكلفهم بعمل حتى يحقق لهم مُرادهم{:
جعَلَهُ نَارا قَالَ آتُونِي ُأفْ ِرغْ
ل انفُخُواْ حَتّىا إِذَا َ
حدِيدِ حَتّىا إِذَا سَاوَىا بَيْنَ الصّ َدفَيْنِ قَا َ
آتُونِي زُبَرَ الْ َ
http://www.daardesign.com/forum
منتدى دارنا
عَلَيْهِ ِقطْرا }[الكهف]96 :
ومن العجيب أن القرآن عندما يحكي أمرا فهو ل يحكيه إل لهدف ،هم طلبوا من ذي القرنين أن
سدّ قد تحدث
يبني سدّا ،لكنه اقترح أن يجعل لهم رَدما ،ما الفرق؟ لقد تبين من العلم الحديث أن ال َ
له هزّة من أي جانب فينهدم كله ،أما ال ّردْم فإن حدثت له هزّة يزددْ تماسكا .ولم يعمل ذو القرنين
لهم ،ولكن علّمهم كيف يصنعون الرّدْم ،وذلك حتى ل يعيشوا مع الحساس بالعجز .وهكذا يُعلّمنا
القرآن أن النسان ل بد له من عمل .لكن ماذا إن سَرَق؟.
أولً ما هي السّرقة؟ إنها أَخ ُذ مالٍ مقوّم خفية .فإن لم يكن الخذ خفية فهو اغتصاب ،ومرة أخرى
يكون خطفا ،ومرة رابعة يكون اختلسا.
ل صغير وخطف
فالَخْذُ له أنواع مُتعددة؛ فالتاجر الذي يقف في دكانه ليبيع أي شيء ،وجاء طف ٌ
قطعةً من الحلوى وجرى ول يستطيع التاجر أن يطول الطفل أو أن يقدر على المساك به ،هذا
خطْف .أما الذي يغتصب فهو الذي قهر صاحب الشيء على أن يتركه له .أما الختلس فهو أن
َ
يكون هناك إنسان أمين على مال فيأخذ منه ،أما السرقة فهي أخذ لمال مقوّم خفية وأن يكون في
حرز مثله؛ أي يكون في مكان ل يمكن لغير المالك أن يدخله أو يتصرف فيه إل بإذنه.
أما الذي يترك بابه مفتوحا أو يترك بضاعته في الشارع فهو المُقصّر ،فكما يأمرنا الشرع بأل
يسرق أحد أحدا ،كذلك يأمر بعد الهمال ،بل لبد للنسان أن يعقل أشياءه ويتوكّل .وسبحانه هو
المُشرّع العَدْل الذي يُقيم اليقظة علىالجانبين .حدّد الشّرع السرقة بما قيمته ربع دينار .وربع
الدينار في ذلك الزمن كان كفي لن يأكل إنسان هو وعياله ويزيد ،بل إن الدرهم كان يكفي أن
يقيم أود أسرة في ذلك الوقت.
وكيف نقوّم ربع الدينار في زماننا؟ .لن كان ل يكفي لمعيشة ،فيجب أن ترفع النصاب إلى ما
يُعيش ،ومادام الدينار كان في ذلك الزمان ذهبا؛ فربع الدينار ترتفع قيمته .وقديما كان الجنيه
الذهب يساوي سبعة وتسعين قرشا ونصف القرش .أما الجنيه الذهب حاليا فهو يساوي أكثر من
مائتين وسبعين جنيها ،وقد يكون هناك إنسان يسرق لنه محتاج أو جائع ،ولذلك وضع الشرع له
قدرا ل يتجاوزه المحتاج لحفظ حياته وحياة من يعول هو الدرهم .وسرقة الدرهم ل حد فيها كما
ل إثم فيها ،وذلك إذا استنفذ كل الطرق المشروعة في الحصول على القوت ،ونعرف أن رسول
ال صلى ال عليه وسلم أعطى الدرهم للرجل وقال:
" اشتر طعاما لك ولسرتك "
وكان الدرهم -كما قلنا -يكفي في ذلك الزمن .والدرهم جزء من اثني عشر جزءا من الدينار،
فربع الدينار ثلثة دراهم ،والدرهم يساوي في زمننا هذا أكثر من عشرين جنيها.
حدّ السّرقة في عام الرّمادة؛ ونقول لهم :ل ،لم يسقط
والسطحيون يقولون :إن سيدنا عمر ألغى َ
http://www.daardesign.com/forum
منتدى دارنا
عمر بن الخطاب الحد ،فالحد باقٍ ولكنه لم يدخل الحادثة التي حصلت فيما يوجب الحد .والحادثة
التي حدثت في عام الرمادة أو عام الجوع هي وجود الشبهة .وبفطنته كأول أمير للمؤمنين ،لم
يدخل الحوادث فيما يوجب الحد .وفي مسألة عبدالرحمن بن حاطب بن أبي بلتعة .عندما سرق
غلمانه ،فماذا حدث؟ قال الغلمان لعمر :كنا جوعى ولم يكن ابن أبي بلتعة يعطينا الطعام .ودرأ
حدّ بالشّبهة.
سيدنا عمر ال َ
إذن الحق سبحانه وتعالى يريد أن يحمي حركة المتحرك وثمرة حركة المتحرك ،.لكن بعض
السطحيين في الفهم يقولون مثل ما قال المعرّي:يد بخمس مئين عسجد وُدِ َيتْ ما بالها قطعت في
ربع دينارتناقضْ ما لنا إل السكوت له وأن نعوذ بمولنا من الناروهنا ردّ عليه العالِم المؤمن
فقال:
أنت تعترض لننا نعطي ديِة اليَد خمسمائة دينار ،وعندما يسرق إنسان .نقطع يد السارق لنها
أخذت ربع دينار.
وقال العالم المؤمن:عِز المانة أغلها وأرخصها ذُل الخيانة فافهم حكمة الباريونلحظ أن
التشريعات الجنائية وتشريعات العقوبات ليست تشريعات بشرية ،لكنها تشريعات في منتهى الدقة.
بال لو أن مُقنّنا يقنن للسارق أو السارقة ،و ُيقَنّن للزاني والزانية ماذا يكون الموقف؟
طعُواْ أَيْدِ َي ُهمَا جَزَآءً ِبمَا َكسَبَا
ق وَالسّا ِرقَةُ فَاقْ َ
إن الذي يتكلم هو رب العالمين ،فقال هنا } :وَالسّا ِر ُ
حكِيمٌ { .والسرقة عادة ما تكون رغبة في الحاجة وهي غالبا ما تكون
َنكَالً مّنَ اللّ ِه وَاللّهُ عَزِيزٌ َ
من عمل الرجل .أما في الزاني والزانية ،فلو أن الرجل لم ُيهّيج ويستثر بجمال امرأة لما فكر في
الزّنا .إذن فهي صاحبة البداية .وينص سبحَانه على العقوبة وجاء بالحكمة .وعندما يُشرع
شيْءٌ فَاتّبَاعٌ
عفِيَ َلهُ مِنْ أَخِيهِ َ
للقصاص وهي الحالة التي يغلي فيها دم أقارب القتيل ،فيقولَ {:فمَنْ ُ
ف وَأَدَآءٌ إِلَيْهِ بِإِحْسَانٍ }[البقرة]178 :
بِا ْل َمعْرُو ِ
ولنر الحَنانَ الموجود في كلمة " أخيه " .ول نجد تقنينا يدخل التحنين بين سطوره ،إل تقنين الرّب
الذي خلق النسان وهو أعلم به.
طعُواْ أَيْدِ َي ُهمَا { .هذا ما انتهى إليه حَد السّرقة في تشريعات السماء ،وحتى
ق وَالسّا ِر َقةُ فَاقْ َ
} وَالسّا ِر ُ
في زمن سيدنا موسى كان السّارق يُستَرَق بسرقته؛ أي يتحوّل الحُرّ إلى عَبد نتيجة سرقته .ولذلك
حلِ َأخِيهِ }
سقَايَةَ فِي رَ ْ
ج َعلَ ال ّ
جهَازِهِمْ َ
جهّ َزهُمْ ِب َ
نلحظ ونحن نقرأ سورة سيدنا يوسف {:فََلمّا َ
[يوسف]70 :
و " السقاية " هي الناء الذي كان يشرب فيه الملك ،وكان اسمها " صواع الملك " وأخذوها ليكيلوا
بها .وبعد أن جعل السقاية في رحل أخيه ،ماذا حدث؟{ ُثمّ أَذّنَ ُمؤَذّنٌ أَيّ ُتهَا ا ْلعِيرُ إِ ّنكُمْ َلسَا ِرقُونَ *
ح ْملُ َبعِي ٍر وَأَنَاْ بِهِ زَعِيمٌ }
صوَاعَ ا ْلمَِلكِ وَِلمَن جَآءَ ِبهِ ِ
قَالُواْ وََأقْبَلُواْ عَلَ ْي ِهمْ مّاذَا َت ْفقِدُونَ * قَالُواْ َنفْقِ ُد ُ
http://www.daardesign.com/forum
منتدى دارنا
[يوسف]72-70 :
وهنا قال إخوة يوسف بأنهم لم يأتوا ليفسدوا في الرض ،لذلك ترك لهم يوسف السلوب في
تحديد الجزاء ،ولم يحاكمهم بشرع الملك {:قَالُواْ جَزَآ ُؤهُ مَن ُوجِدَ فِي رَحِْلهِ َف ُهوَ جَزَا ُؤهُ كَذاِلكَ
نَجْزِي الظّاِلمِينَ }[يوسف]75 :
لقد جعلهم يعترفون ،ويحاكمهم حسب شريعتهم لن شرع الملك أن من يسرق شيئا عليه أن يغرم
ضعفي ما أخذ.
سفَ }[يوسف]76 :
وهذا ما يوضح معنى قول الحق سبحانه وتعالى {:كَذاِلكَ ِكدْنَا لِيُو ُ
أي أنها حياة ليستبقي يوسف أخاه معه .ولو استعمل قانون مصر في ذلك الزمن لما أخذ أخاه
معه .وهذا كيد لصالح يوسف؛ لن " اللم " تفيد الملكية أو النفعية .وأضاف إخوة يوسف قائلين{:
سفُ فِي َنفْسِهِ }[يوسف]77 :
قَالُواْ إِن يَسْ ِرقْ َفقَدْ سَ َرقَ أَخٌ لّهُ مِن قَ ْبلُ فََأسَرّهَا يُو ُ
ولماذا قالوا ذلك؟ أصل هذه المسألة أن يوسف كان يحيا عند عمته .وعندما كبر وأرادوا أن
يأخذوه أرادات العمة أن تستبقيه فدست في متاعه تمثالً .أو منطقة كانت لها من أبيها إسحاق
وادعت أنها فقدت ذلك؛ ففتشوا الولد فعثروا معه على الشيء الذي ادعت عمته سرقته فاستبقته
بشرع بني إسرائيل .وكان جزاء السرقة في الشريعة هو السترقاق .ونُسِخ هذا الشرع وجاءت
آية حد السرقة تأكيدا للنسخ.
http://www.daardesign.com/forum
منتدى دارنا
الكل مثل وهو قادر على ذلك فإنه يكون مخالفا لسنة رسول ال -صلى ال عليه وسلم -
ومجافيا للفطرة.
طعُواْ أَ ْيدِ َي ُهمَا جَزَآءً ِبمَا كَسَبَا َنكَالً { وإذا سمعنا كلمة " كسب " فهي تعني الخذ لكثر من
} فَا ْق َ
رأس المال .والسارق يكسب السيئة لنه أخذ ما فوق الضرورة .والنكال :العقاب أو هو العبرة
المانعة من وقوع الجرم سواءً لمن ارتكب الجريمة وكذلك لمن يراها .والحق يقول عن بعض
ش َهدْ عَذَا َب ُهمَا طَآ ِئفَةٌ مّنَ ا ْل ُم ْؤمِنِينَ }[النور]2 :
المور {:وَلْيَ ْ
وضرورة العلن عن تنفيذ عقوبة الفعل المؤَثّم من أجل العتبار والعظة ،فالتشريع ليس من بشر
لبشر ،إنما تشريع خالق لمخلوق .والخالق هو الذي صنع الصنعة فل تتعالم على خالق الصنعة.
والشريعة ل تقرر مثل هذا العقاب رغبة في قطع اليدي ،بل تريد أن تمنع قطع اليادي.
وإن ظل التشريع على الورق دون تطبيق فلن يرتدع أحد .والذين قالوا " قطع اليدي فعل وحشي
" ،نقول لهم :إن يدا واحدة قطعت في السعودية فامتنعت كل سرقة .وإذا كان القتل أنفى للقتل؛
فالقطع أنفى للقطع ،أما عن مسألة التشويه التي يطنطنون بها فحادثة سيارة واحدة تشوه عددا من
الناس وكذلك حادثة انفجار لنبوبة " بوتوجاز " تفعل أكثر من ذلك.
فل تنظروا إلى القصاص مفصول عن السرقة إن انتشرت في المجتمع .وإبطاء القائمين على
المر للجراءات التي يترتب عليها العقوبات ينسي المجتمع بشاعة الجريمة الولى ،وعندما يحين
وقت محاكمة المُجرم تكون الرحمة موجودة.
لكن إن ُوقّ َع العقاب سَاعَة الجُرم تنته المسألة .وساعة يسمع اللصوص أننا سنقطع يد السارق،
سيفكر كل منهم قبل أن يسرق ول يرتكب الجُرم؛ لن المُراد من الجزاء العبرة والعِظة ومقصد
من مقاصد التربية وتذكرة للنسان بمطلوبات ال عنده إن أخذته الغفلة في سياسة الحياة فالجزاء
هنا نكال أي عقابا و " نكول " وهو الرجوع عن فعل الذنب أي العبرة المانعة من وقوع الجُرم.
فكأن الجزاء كان المقصود منه أن يرى النسان من قطعت يده فيمتنع عن التفكير في مثل ما آلت
إليه هذه الحالة.
أو أن يحافظ الذي قُطعت يده على ما تبقى من جوارحه الباقية؛ لنه قد قُطِعت يمينه وإن عاد
قُطِعت يساره ،فإن عاد قُطِعت رجله اليمنى ثم إن عاد قطعت رجله اليسرى ويكون النكال لمنع
الرجوع للجريمة ،وهو إما رجوع ممن رأى العقوبة تقع على السارق أو الرجوع من السارق
نفسه إن رأى أي جارحة من جوارحه قد نقصت .فيحرص أن تظل الجوارح الباقية له .ويعامل
الحق خلقه بسُنة كونية هي :أن من يأخذ غير حقّه ُيحَرم من حَقه .ومثال ذلك قوم من بني
إسرائيل قال ال حكما فيهم :لقد استحللتم ما حرمته عليكم فل جزاء لكم إل أن أضيق عليكم
وأحرم عليكم ما أحللت لكم .فقال {:فَبِظُ ْلمٍ مّنَ الّذِينَ هَادُواْ حَ ّرمْنَا عَلَ ْيهِمْ طَيّبَاتٍ ُأحِّلتْ َلهُمْ }[النساء:
http://www.daardesign.com/forum
منتدى دارنا
]160
إذن ليس في قدرة أحد أن يضحك على ال أو أن يخدع ال أو أن يأخذ ما ليس حقا له .فإن
أسرف النسان في تعاطي أشياء حرمها ال عليه فسيأتي وقت يحرمه ال فيه من أشياء حللها له
كالذي أسرف في شُرب الخمر أو في تناول المواد المخدّرة التي تغيب عن الوعي ،يبتليه الحق
بما يجعله محروما من مُتع أخرى كانت حلل .وإن أسرف النسان مثل في تناول الحلوى .فإن
المرض يأتيه ،ويحرم ال عليه أشياء كثيرة.
ولو قاس المسرف على نفسه ما أحله لنفسه بما حرمه ال عليه لوجد الصفقة بالنسبة له خاسرة.
فالذي أسرف بغير حق في أن يأكل مال احد ،يرى ماله وهو يضيع أمام عينيه .ولنا في ذلك
المثل .كان السادة في الريف -قديما -يقومون بتنقية الدقيق إلى درجة عالية حتى يصبح في
لمَة " وكانوا يأكلون منه
تمام النقاء من " الردة " .ويسمون هذا النوع من الدقيق " الدقيق العَ َ
ويتركون البقية من الدقيق مختلطا بالردة ليأكله الخدم أو الفقراء ،فتأتي فترة يُحرم الطباء عليهم
هذا الدقيق البيض ،ول يجد الواحد منهم طعاما إل الدقيق " السّن " الذي كان يرفضه قديما فعلينا
-إذن -أن ننظر إليها كقضية سائدة في الكون كله ،ولنجعل قول ال أمامنا:
{ فَ ِبظُلْمٍ مّنَ الّذِينَ هَادُواْ حَ ّرمْنَا عَلَ ْي ِهمْ طَيّبَاتٍ ُأحِّلتْ َلهُمْ }[النساء]160 :
فأنت إن أخذت كسب يد واحدة يحرمك الحق من يدٍ ل من كسب .فإن زدت حرمك ال من
جارحة أخرى ،وهكذا .وتلك سُنّة كونية تعدل نظام الكون بالنسبة للناس ،وخصوصا من
يستبطئون جزاء الخرة ،ومن ُيغْريهم و َيغُرهم ويطمعهم حِلْم ال عليهم.
وأنت إذا ما نظرت وصنعت لنفسك رُقعة جغرافية في البيئة التي تعيش فيها في أسرتك ،أو حيك،
أو بلدك أو أمتك ،فأنت تجد قوما قد حرموا بأنفسهم من غير أن يحرم عليهم أحد ،فتجد واحدا
مصابا -والعياذ بال -بالبولينا :ول يقدر أن يأكل قطعة من اللحم ،أو آخر مصابا بمرض
السكر؛ وتراه غير قادر على أن يأكل قطعة من الحلوى ،أو ملعقة من العسل .لن أحدا لن
يستطيع أن يأخذ شيئا بدون علم ال .وصنع ال ذلك لنه عزيز ل يُغلَب .فإياك أن تظن أن
بإمكانك أخذ شيء من وراء شرع ال أو تظن انك خدعت شَرع ال ،فهو سبحانه عزيز ل يُغلَب
أبدا .ونرى في حياتنا الذين يأخذون أموالً بغير حق رشوة أو سرقةً أو اختلسا ،نرى مصارف
هذه الشياء أو الرشاوي أو الموال قد ذهبت وأنفقت في مهالك ومصائب؛ إننا نجدها قد أخذت ما
أخذوه من حرام ،ومالت وجارت على ما كسبوه من حلل .وأريد من المسرفين على أنفسهم أن
يضعوا لنفسهم كشف حساب ،فيكتبوا في ناحية القرش الذي كسبوه من حرام ،ويكتبوا في ناحية
أخرى كل قرش كسبوه من حلل .وليشاهد كل مسرف على نفسه في أكل حقوق الناس المصائب
التي سيبتليه ال بها ،ولسوف يجد أنه قد صرف لمواجهة المصائب كل الحرام وبعضا من
http://www.daardesign.com/forum
منتدى دارنا
الحلل .ولذلك قال الثر الصالح " :من أصاب مال من نهاوش أذهبه ال في نهابر ".
وكنت أعرف اثنين من الناس ،ولكل واحد منهما ولد في التعليم .وكنت أجد أحدهما يعطي ولده
خمسة قروش .فيقول البن لبيه :معي مصروف المس " .وكان الخر يعطي ولده عشرة قروش
فيقول البن له " :إنها ل تكفي شيئا " .وشاء الحق أن يجمعنا نحن الثلثة في مكتب وزارة الري
بالزقازيق ،فلما جئنا لنخرج إذا برئيس كتاب تلك المصلحة يأتي بظرف أصفر كبير به أشياء
كثيرة ويناوله لواحد منهما ،فسألته :ما هذا؟ فقال :بعض من الورق البيض وبعض من ورق
النشاف وعدد من القلم حتى يكتب الولد واجبهم المدرسي .فقلت له :هذا سر خيبة أولدك
الدراسية وإسرافهم والدروس الخصوصية التي تدفع فيها فوق ما تطيق وسر قول ابنك لك :إن
القروش العشرة ل تكفي شيئا.
أما الشخص الخر فابنه يقول له :ل أريد مصروف يد اليوم لن معي خمسة قروش هي
مصروف أمس ول أريد أن آخذ دروسا خصوصية لني أحب العتماد على نفسي.
وسبحانه الحق القيوم ل تأخذه سنة ول نوم .ويقول لنا بلغا:
قال أبو الجلد " :أوحى ال تعالى إلى نبي من النبياء :قل لقومك :ما بالكم تسترون الذنوب من
خلقي وتظهرونها لي؟ إن كنتم ترون أني ل أراكم فأنتم مشركون بي ،وإن كنتم ترون أني أراكم
قَلِمَ تجعلونني أهون الناظرين إليكم ".
إذن قوله الحق } :جَزَآءً ِبمَا كَسَبَا َنكَالً مّنَ اللّهِ { واضح تماما ،ويردف الحق قوله هذا } :وَاللّهُ
حكِيمٌ { .وسبحانه عزيز ل يغلبه أحد ،حتى الذي يسرق ،إنما يسرق الرزق المكتوب له؛
عَزِيزٌ َ
لن العلماء اتفقوا على أن الشيء المسروق رزق أيضا لنه يُنتفَع به .ووال لو صبر لجاءه
وطرق عليه بابه .فإياكم أن تحتالوا على قدر ال؛ لنه حكيم في تقديره.
وكلمة " حكيم " لها في حياتنا قصة ،كنا ونحن في مقتبل حياتنا التعليمية نحب الدب والشعر
والشعراء ،وبعد أن قرأنا للمعري وجدنا عنده بعضا من الشعر يؤول إلى اللحاد ،فزهدنا فيه
وخصوصا عندما قرأنا قوله في قصيدته:تحطمنا اليام حتى كأننا زجاج ولكن ل يعاد لنا
سبكوأخذنا من ذلك القول أنّه ينكر البعث؛ فقلنا :يغنينا ال عنه .ولكن صديقنا الشيخ فهمي
عبداللطيف -رحمه ال -رأى المعري في الرؤيا وكان مولعا بالمعري ،فجاء إلى ذات صباح
ونحن في الزقازيق وقال لي :يا شيخ لقد رأيت المعري الليلة في الرؤيا وهو غاضب منك أنت
لنك جفوته .فقلت :أنا جفوته لكذا وكذا وأنت تعلم السبب في ذلك .وقال الشيخ فهمي عبداللطيف:
هذا ما حصل.
وقلت لنفسي :يجب أن أعيد حسابي مع المعري ،وجئنا بدواوينه " سقط الزند " و " لزوم ما ل
يلزم " .ووجدنا أن للرجل عُذرا في أن يعتب علينا؛ لن آفة الناس الذين يسجلون خواطر أصحاب
http://www.daardesign.com/forum
منتدى دارنا
الفكر أنهم ل ينظرون إلى تأريخ مقولتهم ،وقد قال المعري قوله الذي أنكره عليه وقت أن كان
شابا مفتونا بفكره وعندما نضج قال عكسه .وكثير من المفكرين يمرون بذلك ،مثل طه حسين
والعقاد ،بدأ كل منهما الحياة بكلم قد يؤول إلى اللحاد ولكنهما كتبا بعد النضج ما يحمل عطر
اليمان الصحيح؛ لذلك ل يصح لمن يحكم عليهم أن يأخذهم بأوليات خواطرهم التي بدأوها بالشّك
حتى يصلوا إلى اليقين .وجلست أبحث في المعري الذي قال:تحطمنا اليام حتى كأننا زجاج ولكن
ل يعاد لنا سبكفوجدته هو نفسه الذي قال بعد أن ذهبت عنه المراهقة الفكرية:
زعم المنجم والطبيب كلهما ل تحشر الجساد قلت إليكماإن صح قولكما فلست بخاسر أو صح
قولي فالخسار عليكماكأنه عاد إلى حظيرة اليمان:
طعَت في ربع ديناروقال بعد
وكذلك قال المعري:يد بخمس مئين عسجد وُدِ َيتْ ما بالها قُ ِ
ذلك:تناقض مالنا إل السكوت له وأن نعوذ بمولنا من الناروقلت للشيخ فهمي عبداللطيف :للمعري
حق في العتاب وسأحاول أن أعاود قراءة شعره ،والبيات التي أرى فيها خروجا سأعد لها قليل.
وعندما جئت إلى ذلك البيت .قلت :لو أنه قال -وأنا أستأذنه :-لحكمةٍ ما لنا إل الرضاء بها وأن
نعوذ بمولنا من النارفَلكل شيء حكمة .وحين نرى طبيبا يمسك طفل قلبه ل يتحمل المُرِقد -أي
البنج -أثناء إجراء عملية جراحية ،فهل يظن ظان أن الطبيب ينتقم من هذا الطفل؟ طبعا ل ،إذن
فلكل شيء حكمة ،ويجب أن ننظر إلى الشيء وأن نربطه بحكمته .وال عزيز أي ل يغلبه أحد
ول يحتال عليه أحد .وهو حكيم فيما يضع من عقوبات للجرائم؛ لنه يزن المجتمع نفسه بميزان
العدالة .ومن بعد ذلك يفتح الحق سبحانه باب التوبة رحمة لمن يتوب ورحمة للمجتمع؛ لذلك يقول
الحقَ } :فمَن تَابَ مِن َب ْعدِ{ ...
()700 /
والسارق ظالم؛ لنه أخذ حق غيره ،فإن تاب أي ندم على الفعل وعزم على أل يعود شريطة أل
تكون التوبة بالكلم فقط ،بل يصلح ما أفسده ،هنا تُقبَل التوبة .ولكن كيف يفعل ذلك؟
إذا كان الشيء المسروق في حوزته فعليه أن يرده إلى صاحبه .وإن كان قد تصرف فيه فعليه أن
يأتي لصاحب الشيء ويستحله ويقول له :كنت في غفلة نفسي وفي زهوة الشيطان مني ففعلت كذا
وكذا .وأعتقد أن أي إنسان سرق من إنسان آخر وبعد فترة اعترف له وطلب العفو منه فأنا أقسم
بال أنه سيعفو عنه راضيا .وبذلك يستحل الشيء الذي أخذه .لكن ماذا إن كان السارق ل يعرف
http://www.daardesign.com/forum
منتدى دارنا
صاحب الشيء المسروق .كلص " التوبيسات "؟
إن كان قد سرق محفظة نقود من شخص ووجد العنوان يستطيع أن يرد الشيء المسروق بحوالة
بريدية من مجهول تحمل قيمة المبلغ المسروق ويطلب فيها السماح عن السرقة .وإن لم يعرف
من سرقة فعليه أن يقول :ال أعلم بصاحب هذا المبلغ وأنا سأتصدق به في سبيل ال وأقول :يا
رب ثوابه لصاحبه.
إذن فوجوه الصلح كثيرة .وإن كان يخجل من رد الشيء المسروق فليقلُ :فضُوح الدنيا أهون
من ُفضُوح الخرة .وفي القرآن تأتي آيات كثيرة عن التوبة {:ثُمّ تَابَ عَلَ ْيهِمْ لِيَتُوبُواْ }[التوبة:
]118
كأن توبة ال مكتوبة أول؛ ثم يتوب العبد من بعد ذلك .وسبحانه يقول {:وَإِنّي َلغَفّارٌ ّلمَن تَابَ }
[طه]82 :
وللتوبة -كما نعلم -ثلث مراحل .فالحق حين شرع التوبة كان ذلك إذنا بها .وبعد ذلك يتوب
العبد ،فيتوب ال عليه ويمحو عنه الذنب ويكون الغفران بقبول ال للتوبة .ولذلك يقول الحق:
غفُورٌ رّحِيمٌ }.
{ فَإِنّ اللّهَ يَتُوبُ عَلَيْهِ إِنّ اللّهَ َ
صفَةُ الرحمة كل في مطلقها َتكُون ل وحده ،وهي توبة للجاني ورحمة للمجني
َوصِفَ ُة المغفرة و ِ
غفُورٌ رّحِيمٌ } توضح لنا أنه سبحانه له طلقة القدرة في أن يغفر وأن
عليه .وكلمة { إِنّ اللّهَ َ
يرحم .فإياك أن تقول :إن فلنا ل يستحق المغفرة والرحمة؛ لنه سبحانه مالك السماء والرض،
وهو الذي أعطى للبشر ما يستحقون بالحق الذي أوجبه على نفسه ،وله طلقة القدرة في الكون؛
ولذلك يقول الحق من بعد ذلك { :أَلَمْ َتعَْلمْ أَنّ اللّهَ} ...
()701 /
شيْءٍ
سمَاوَاتِ وَالْأَ ْرضِ ُيعَ ّذبُ مَنْ َيشَا ُء وَ َي ْغفِرُ ِلمَنْ َيشَا ُء وَاللّهُ عَلَى ُكلّ َ
أَلَمْ َتعَْلمْ أَنّ اللّهَ لَهُ مُ ْلكُ ال ّ
قَدِيرٌ ()40
ويستخدم الحق سبحانه من أساليب البيان ما يخرجنا عن الغفلة ،فلم يقل " :ال له ملك السماوات
والرض " ،ولو كان قد قال ذلك لكان المر خَبَرا من المتكلم وهو ال ،ولكنه يريد أن يكون
الخبر من المُخَاطَب إقرارا من العبد .ول يخرج الخَبَر مَخرج الستفهام إل وقائل الخبر واثِقٌ من
أن جواب الستفهام في صالحه؛ والمثال على هذا هو أن يأتيك إنسان ويقول " :انت تهملني ".
فتقول :أنا أحسنت إليك.
حسِن إليك؟ وبذلك تستفهم منه ،والستفهام
ولكن إن أردت أن تستخرج الخَبَر منه فأنت تقول :ألم أُ ْ
http://www.daardesign.com/forum
منتدى دارنا
يريد جوابا .فكأن المسئول حين يجيب عليه أن يدير ذهنه في كل مجال ول يجد إل أن يقول :نعم
أنت أحسنت إليّ .ولو جاء ذلك من المتكلم لكانت دعوى ،لكن إن جاءت من المُخاطَب فهي
ك صَدْ َركَ }[الشرح]1 :
إقرار ،ومثال ذلك قول الحق {:أَلَمْ نَشْرَحْ َل َ
إنه خَبرٌ من المتكلم والقرار من المتلقي .وقد يقول قائل ولماذا لم يقل الحق " :أشرحنا لك
صدرك "؟ كان من الممكن ذلك ،ولكن الحق لم يقلها حتى ل يكون في السؤال إيحاء بجواب
الثبات بل جاءت بالنفي.
سمَاوَاتِ وَالَ ْرضِ ُيعَ ّذبُ مَن يَشَآ ُء وَ َيغْفِرُ ِلمَن يَشَآءُ
وفي قوله الحق {:أَلَمْ َتعْلَمْ أَنّ اللّهَ َلهُ مُ ْلكُ ال ّ
شيْءٍ َقدِيرٌ }[المائدة]40 :
وَاللّهُ عَلَىا ُكلّ َ
نجد منطوق الية ليس دعوى من الحق ،ولكنه استفهام للخلق ليديروا الجواب على هذا ،فل يجدوا
سمَاوَاتِ وَالَ ْرضِ } .وهذا أسلوب لثبات الحجة والقرار من
جوابا إل أن يقولوا { :للّهِ مُ ْلكُ ال ّ
سمَاوَاتِ وَالَ ْرضِ } ،وقد يقول إنسان :إن
العباد ،ل إخبارا من الحق { :أَلَمْ َتعَْلمْ أَنّ اللّهَ لَهُ مُ ْلكُ ال ّ
هناك أجزاء من الرض ملكا للبشر .ونقول :صحيح أن في الرض أجزاء هي ملك للبشر ،ولكن
هناك فرق بين أن يملك إنسان ما ل يقدر على الحتفاظ به ..كملك البيت والرض ،إنه مِلْك -
بكسر الميم -لمالك .وهناك " مُلْك " -بضم الميم ِ -لمَِلكٍ هو ال .وفي الدنيا نجد أن لكل إنسان
ملكية ما .ولكن المَلِك في الرض يملك القرار في أملك شعبه ،وهذا في دنيا السلوب ،أما في
الخرة فالسباب كلها تمتنعّ {:لمَنِ ا ْلمُ ْلكُ الْ َي ْومَ لِلّهِ ا ْلوَاحِدِ ا ْلقَهّارِ }[غافر]16 :
فل أحد له مُلكٌ يوم القيامة.
ت وَالَ ْرضِ ُيعَ ّذبُ مَن َيشَآ ُء وَ َي ْغفِرُ ِلمَن َيشَآءُ } والقارئ بإمعان
سمَاوَا ِ
{ أََلمْ َتعْلَمْ أَنّ اللّهَ لَهُ مُ ْلكُ ال ّ
للقرآن يجد فيه عبارات تجمع بين أمرين أحدهما يتقدم ،والخر يتأخر .ويأتي المر في أحيان
أخرى بالعكس .ولكن هذا القول هو الوحيد في القرآن الذي يأتي على هذا النسق ،فكل ما جاء في
القرآن يكون الغفران مقدّما على العذاب؛ لن الحق سبحانه قال في الحديث القدسي:
http://www.daardesign.com/forum
منتدى دارنا
واحدا .فليس في قدرة المرحوم أن يقول " :ل أريد الرحمة " .وحين يعذب واحدا لن يقول المعذّب
-بفتح الذال " :-ل داعي للعذاب " .فسيطرة القدرة تؤكد أنه ل قدرة لحد على رَدّ العذاب أو
الرحمة .إذن فالية قد جاءت لتخدم أغراضا مُتعددة .فإن حسبناها في ميزان الحداث فللحق كل
القدرة .وإن حسبناها في ميزان الزمن ،فكيف يكون المر؟.
نعرف أن التعذيب للسّرقة قسمان ..تعذيب بإقامة الحَدّ ،وفي الخرة تكون المغفرة .إذن فالكلم
منطقي مُتّسق.
إنني أقول دائما :إياكم أن تُخدَعوا بأن الكافر يكفر ،والعاصي يعصى دون أن ينال عقابه؛ لن من
تعوّد أن يتأبَى على منهج ال ،فيكفر أو يعصي ل بد له من عقاب .لقد تمرّدَ على المنهج ،ولكنه
ل يجرؤ على التَمرّد على ال.
إن النسان قد يتمرد على المنهج فل يؤمن أو ل يقيم الصلة ،لكن ل قدرة لنسان أن يتمرد على
ال ،لنه ل أحد يقدر على أن يقف في مواجهة الموت ،وهو بعضٌ من قُدْرةِ ال .وسبحانه وتعالى
يحكم ما يريد .وقد أراد أن يوجِد للنسان اختيارا في أشياء ،وأن يقهر النسان على أشياء ،فيا
من مرّنت نفسك على التمرّد على منهج ال عليك أن تحاول أن تتمرّد على صاحب المنهج وهو
ال .ولن تستطيع ل في شكلك ول لونك ول صحتك ول ميعاد موتك .وليفتح كل مُتَمرّد أذنيه،
وليعرف أنه لن يقدر على أن يَتمرّد على صاحب المنهج وهو ال .إذن صدق قول ال } :وَاللّهُ
شيْءٍ قَدِيرٌ {.
عَلَىا ُكلّ َ
ومن بعد ذلك يقول الحق } :ياأَ ّيهَا الرّسُولُ{ ...
()702 /
يَا أَ ّيهَا الرّسُولُ لَا َيحْزُ ْنكَ الّذِينَ ُيسَارِعُونَ فِي ا ْل ُكفْرِ مِنَ الّذِينَ قَالُوا َآمَنّا بَِأ ْفوَا ِههِ ْم وََلمْ ُت ْؤمِنْ قُلُو ُبهُمْ
ضعِهِ
سمّاعُونَ ِل َقوْمٍ َآخَرِينَ لَمْ يَأْتُوكَ ُيحَ ّرفُونَ ا ْلكَلِمَ مِنْ َبعْدِ َموَا ِ
سمّاعُونَ لِ ْلكَ ِذبِ َ
َومِنَ الّذِينَ هَادُوا َ
حذَرُوا َومَنْ يُ ِردِ اللّهُ فِتْنَتَهُ فَلَنْ َتمِْلكَ َلهُ مِنَ اللّهِ شَيْئًا
َيقُولُونَ إِنْ أُوتِيتُمْ هَذَا َفخُذُو ُه وَإِنْ لَمْ ُتؤْ َت ْوهُ فَا ْ
عظِيمٌ ()41
عذَابٌ َ
طهّرَ قُلُو َبهُمْ َلهُمْ فِي الدّنْيَا خِ ْزيٌ وََلهُمْ فِي الْآَخِ َرةِ َ
أُولَ ِئكَ الّذِينَ َلمْ يُرِدِ اللّهُ أَنْ يُ َ
نأتي في النّداء بحرف القبال وهو " يا " وندخله على " المُنادى " أي أنك تطلب إقباله .فهل نطلب
إقباله لمجرد القبال أو لشيء آخر؟ مثال ذلك قول الحقُ {:قلْ َتعَاَلوْاْ أَ ْتلُ مَا حَرّمَ رَ ّبكُمْ عَلَ ْي ُكمْ }
[النعام]151 :
إذن النّداء هنا لتلوة التكليف عليهم .وحين يُنادي الحق سبحانه وتعالى أشرف من ناداهم وهم
رُسُله ،ونجد أنه نادى كل الرّسل بمُشخّصاتِهم العََلمِيّة( .يا آدم) ،والمُشَخّص العَلمَي هو السم،
http://www.daardesign.com/forum
منتدى دارنا
وهو ل يعطي وصفا إل تشخيص الذات بدون صفاتها.
وكذلك نادى الحق إبراهيم عليه السلم {:ياإِبْرَاهِيمُ * قَ ْد صَ ّد ْقتَ ال ّرؤْيَآ }[الصافات]105-104 :
لمٍ }[هود]48 :
وكذلك نادى الحق نوحا {:يانُوحُ اهْ ِبطْ بِسَ َ
وكذلك نادى الحق موسى عليه السلم {:يامُوسَىا إِنّي أَنَا اللّهُ }[القصص]30 :
وكذلك نادى الحق عيسى ابن مريم عليه السلم {:ياعِيسَى ابْنَ مَرْ َيمَ أَأَنتَ قُلتَ لِلنّاسِ }[المائدة:
]116
كُل الرّسُل ناداهم الحق بال ُمشَخّص العَلَمي الذي ل يعطي إل التشخيص ،ولكن رسول ال صلّى
ال عليه وسلم خاتم الرّسُل ما ناداه ال باسمه أبدا ،إنما ناداه ال بالوصف الزائد عن ُمشَخّصات
الذات فيقول { :ياأَ ّيهَا الرّسُولُ } ،ويقول { :يَاأَ ّيهَا النّ ِبيّ }.
حقّا إنّ الجميع رُسُل ،ولكنه سبحانه يريد أن يبلغنا أن محمدا صلّى ال عليه وسلم هو الرسول
الذي جاء ناسخا ومؤمنا بال ُكلّ ،هو الذي يستحق النّداء بالوصف الزائد عن مُشَخّصات الذات:
{ ياأَ ّيهَا الرّسُولُ } .وهو الرسول الذي تقوم عليه الساعة .ولذلك نجد خطاب الحق لرسوله دائما:
{ ياأَ ّيهَا الرّسُولُ } أو { :يَاأَ ّيهَا النّ ِبيّ } ،وهذا نوع من التكريم.
ل لَ َيحْزُنكَ الّذِينَ يُسَارِعُونَ فِي ا ْل ُكفْرِ } .أي ل تحزن يا رسول
والحق يقول هنا { :ياأَ ّيهَا الرّسُو ُ
ال من الذين يسارعون في الكفر .وحين يخاطب الحق رسوله في أل يحزن ،علينا أن نعرف
على ماذا يكون الحزن؟ سبحانه يوضح لرسوله :إياك أن تحزن لني معك فلن ينالك شر
خصومك ول يمكن أن أختارك رسولً وأخْذُلَك ،إنهم لن ينالوا منك شيئا.
وقد يكون حزن النبي صلى ال عليه وسلم حزنا من لون آخر ،اسمه الحزن المُ َتسَامِي الذي قال
حدِيثِ َأسَفا }[الكهف]6 :
علَىا آثَارِ ِهمْ إِن لّمْ ُي ْؤمِنُواْ ِبهَـاذَا الْ َ
سكَ َ
فيه الحق {:فََلعَّلكَ بَاخِعٌ ّنفْ َ
لن الحق لو شاء أن يجعلهم مؤمنين لما جعل لديهم القدرة على الكفر {.إِن نّشَأْ نُنَ ّزلْ عَلَ ْيهِمْ مّنَ
ضعِينَ }[الشعراء]4 :
سمَآءِ آيَةً َفظَّلتْ أَعْنَا ُقهُمْ َلهَا خَا ِ
ال ّ
وهل ال يريد أعناقا؟ ل .بل يريد قلوبا؛ لن سيطرة القُدرة بإمكانها أن تفعل ما تريد ،بدليل أن
السماء والرض والجبال وكل الكائنات أتت للخالق طائعة .فل يمكن أن يتأبّى الكون على خالقه.
والقدرة أفادت القهر وأفادت السيطرة والعزة والغلبة في سائر الكون ،ولكن ال أحَب أن يأتي
عبده -وهو السيد -لليمان مختارا؛ لن اليمان الول هو إيمان القهر والقدرة ،ولكن اليمان
الثاني هو إيمان المحبة.
وقد ضربنا من قبل المثل على ذلك ولنوضحه :هب أن عندك خادمين ربطت أحدهما في سلسلة
ل يهرب ،وعندما تريده تجذب السلسلة فيأتي ،إنه يأتي لسيطرة قُدرتك عليه
لنك إن تركته قلي ً
والقهر منك ،أما الخادم الخر فأنت تتركه حُرّا ويأتيك من فور النداء .فأيهما أحب إليك؟ ل شك
http://www.daardesign.com/forum
منتدى دارنا
أنك تحب الذي يجيء عن حُب ل عن قهر .وكل أجناس الكون مُسخّرة بالقدرة ،وشاء الحق أن
سمَاوَاتِ وَالَ ْرضِ وَا ْلجِبَالِ فَأبَيْنَ أَن
علَى ال ّ
لمَانَةَ َ
يجعل النسان مُختارا لذلك قال {:إِنّا عَ َرضْنَا ا َ
حمََلهَا الِنْسَانُ }[الحزاب]72 :
ش َفقْنَ مِ ْنهَا وَ َ
حمِلْ َنهَا وَأَ ْ
يَ ْ
إذن فقد رفضت كل الجناس حمل المانة .خوفا وإشفاقا من أنها قد ل تستطيع القيام بذلك.
والحق يقول لرسوله } :لَ يَحْزُنكَ { فأمّا إذا كان الحزن بسبب الخوف على المنهج منهم ،فالحق
ينصره ولن يمكنهم منه .وأما إن كان الخوف عليهم فل؛ لنه سبحانه خلق النسان مختارا غير
مقهور على القيام بتعاليم المنهج ،وسبحانه يُحب أن يعرف من يأتيه حُبا وكرامة.
ويقول الحق لرسوله محمد صلّى ال عليه وسلم } :لَ َيحْزُنكَ الّذِينَ يُسَارِعُونَ فِي ا ْلكُفْرِ {.
وهذه رُبوبية التعبير ،فنحن نعلم أن السرعة تكون إلى الشيء ،ل في الشيء كما قال الحق{:
وَسَارِعُواْ إِلَىا َمغْفِ َرةٍ }[آل عمران]133 :
ولكن هنا نجده يقولُ } :يسَارِعُونَ فِي ا ْل ُكفْرِ { .ولو قال الحق " :يسارعون إلى الكفر " لكان قد
ثبت لهم إيمان وبعد ذلك يذهبون إلى الكُفر ،ل .الحق يريد أن يوضح لنا :أنهم يسارعون في
دائرة الكفر .ويعلمنا أنهم في البداية في الكفر ،ويسارعون إلى كفر أشد .ونعرف أن " في " في
القرآن نستطيع أن نضع من أجلها المجلدات .فقد قلنا من قبل قال ال تعالى } :سِيرُواْ فِي الَ ْرضِ
{.
ولم يقل سبحانه سيروا على الرض.
س َفهَآءَ َأ ْموَاَلكُمُ }[النساء]5 :
والحق سبحانه :وتعالى يقول {:وَلَ ُتؤْتُواْ ال ّ
وهي ليست أموال المخاطبين ،ولكنها في الصل أموال السفهاء .ولكن سبحانه يبلغنا أن السّفهاء
ي والقيّن على المال ويأمره أن يعتبر المال ماله
صّغير مأمونين على المال ،ولذلك يأتي الحق بالو َ
حتى يحافظ عليه .ويأمره بأل يخزن المال ليأكل منه السّفيه؛ لن المال إن أكل منه السّفيه ودفع
ج َعلَ اللّهُ َل ُكمْ قِيَاما }
سفَهَآءَ َأ ْموَاَلكُمُ الّتِي َ
له الزكاة ،قد ينضب وَينْفذ .لذلك قال الحقَ {:ولَ ُتؤْتُواْ ال ّ
[النساء]5 :
ومن بعد ذلك يقول الحق {:وَارْ ُزقُوهُمْ فِيهَا }[النساء]5 :
لم يقل ارزقوهم منها ،ذلك أنه سبحانه شاء أن يعلمنا أن الرزق مطمور في رأس المال ويجب أن
يتحرك رأس المال في الحياة حتى ل ينقص بالنفقة ،وحتى ل تستهلكه الزكاة ،وحتى يبلغ السّفيه
رُشده ويجد المال قد نما .هذه بعض من معطيات " في " .وهنا آية الصّلبَ {:ولُصَلّبَ ّنكُمْ فِي
خلِ }[طه]71 :
جذُوعِ النّ ْ
ُ
خلِ { ونقول :إن الذين قالوا ذلك
بعض المفسرين يقولون في هذه الية } :لُصَلّبَ ّنكُمْ فِي جُذُوعِ النّ ْ
لم يُفسّروا هذه الية وكان يجب أن يقولوا في تفسير ذلك:
لصلبنكم على جذوع النخل تصليبا قويا يدخل المصلوب في المصلوب فيه.
http://www.daardesign.com/forum
منتدى دارنا
ومثال ذلك لو جئنا بعدو ثقاب وربطناه على الصبع بخيط رفيع وأوثقنا الربط ،فعود الثقاب
جذُوعِ
لصَلّبَ ّنكُمْ فِي ُ
يغوص في الصبع حتى يصير وكأنه داخل الصبع .وعندما يقول الحقُ } :
خلُ
خلِ { فيجب أل نفهم هذا القول إل على أساس أنه تصليب على جذوع النخل تصليبا قويا يُ ْد ِ
النّ ْ
المصلوب في المصلوب فيه .وتلك هي العِلّة في وجود " في " وعدم وجود " على ".
والحق يقول هنا } :لَ َيحْزُنكَ الّذِينَ يُسَارِعُونَ فِي ا ْلكُفْرِ { فكأن المسارعة إما أن تكون بـ " إلى "
وإما أن تكون بـ " في " .فإن كانت بـ " إلى " فهي انتقال إلى شيء لم يكن فيه ساعة بدْء
السرعة ،وإن كانت بـ " في " فهي انتقال إلى عمق الشيء الذي كان فيه قبل أن يبدأ المسارعة.
} لَ َيحْزُنكَ الّذِينَ ُيسَارِعُونَ فِي ا ْل ُكفْرِ مِنَ الّذِينَ قَالُواْ آمَنّا بَِأ ْفوَا ِههِ ْم وَلَمْ ُت ْؤمِن قُلُو ُبهُمْ { فاليمان
ت الَعْرَابُ آمَنّا قُل لّمْ ُت ْؤمِنُواْ
محلّه القلب ،والسلم محلّه الجوارح؛ ولذلك قال سبحانه {:قَاَل ِ
وَلَـاكِن قُولُواْ أَسَْلمْنَا }[الحجرات]14 :
إنهم يسارعون إلى الصف الول في الصلة وهذا إسلم ،أما اليمان فمحلّه القلب .إذن فالذين
قالوا بأفواههم آمنا ،لهم أن يعرفوا أن منطقة اليمان ليست الفواه ولكنها القلوب .وهم قالوها
بأفواههم وما مرّت على قلوبهم .وماداموا قد قالوا بأفواههم آمنا وما مرّت على قلوبهم فهؤلء هم
المنافقون ،ومعنى ذلك أنهم في كل يوم ستظهر منهم أشياء تُدخِلهم في الكفر؛ لنهم من البداية قد
أبطنوا الكفر ،وبعد ذلك يسارعون في مجال الكفر.
} مِنَ الّذِينَ قَالُواْ آمَنّا بَِأ ْفوَا ِه ِه ْم وَلَمْ ُت ْؤمِن قُلُو ُبهُ ْم َومِنَ الّذِينَ هَادُواْ { هم إذن صنفان اثنان يسارعان
سمّاعُونَ
في الكفر؛ المنافقون الذين قالوا بأفواههم آمنا ،والذين هادوا .ويصفهم الحق بقولهَ } :
لِ ْلكَ ِذبِ { وساعة تسمع مادة " السين والميم والعين " فهذا يعني أن الذن قد استقبلت صوتا من
ُمصَوّت ،هذا المُصوّت إما أن يكون مُتكلما بالكلم الحقّ فيجذ من الذن اليمانية استماعا
بإنصات؛ ثم يتعدى الستماع إلى القبول؛ فيقول المؤمن :أنا استمعت إلى فلن ،ل يقصد أنه سمع
منه فقط ولكن يقصد أنه سمع وقبل منه ما قال.
إننا نعلم أن كثيرا من الورعين يسمعون كذبا ،لكن الفيصل هو قبول الكذب أو رفضه .وليس
المهم أن يكون النسان سامعا فقط ،ولكن أن يصدق ما يسمع .ونرى في الحياة اليومية إنسانا
يريد أن يصلح شيئا من أثاث منزله فيأتي بالدوات اللزمة لذلك ،ويقال هنا عن هذا الرجل" :
نجر فهو ناجر " ول يقال له " :نجّار "؛ لن النجار هو من تكون حرفته النّجارة.
إذن كلمة :سامع للكذب ل تؤدي المعنى ،ولكن " سمّاع " تؤدي المعنى ،أي أن صناعته هي
سمّاعُونَ ِلقَوْمٍ آخَرِينَ لَمْ يَأْتُوكَ { أي أِلفُوا أن يقبلوا
سمّاعُونَ لِ ْل َك ِذبِ َ
التسمّع ،وعندما يقول الحقَ } :
الكذب .وكيف يكون مزاج من يقبل الكذب؟ .ل بد أن يكون مزاجا مريضا بالفطرة.
http://www.daardesign.com/forum
منتدى دارنا
وما معنى الكذب هنا ومن هم السمّاعون؟ إما أن يكون المقصود بهم الحبار والرهبان الذين قالوا
لتباعهم كلما غير ذي سندٍ من واقع من أجل الحفاظ على مراكزهم .وإما أن يكونوا سماعين
للكذب ل لصالحهم هم ،ولكن لصالح قوم آخرين .كأنهم يقومون بالتجسس .والتجسس -كما نعلم
-يكون بالعين أو بالذن .وتقدمت هذه الوسائل في زماننا حتى صار التجسس بالصوت
والصورة .وكأن الحق يريد أن يبلغنا أنهم سماعون للكذب ،أي أنهم يسمعون لحساب قوم آخرين.
والقوم الخرون الذي يسمعون لهم هم القوم الذين أصابهم الكبر والغرور واستكبروا أن يحضروا
مجلس رسول ال صلى ال عليه وسلم .وهم في الوقت نفسه ل يطيقون النتظار ويريدون معرفة
ماذا يقول رسول ال ،لذلك يرسلون الجواسيس إلى مجلس النبي صلى ال عليه وسلم لينقلوا لهم.
أولئك السماعون للكذب هم سماعون لحساب قوم آخرين لم يأتوا إلى مجلس رسول ال صلى ال
عليه وسلم تكبّرا .وهؤلء المتكبرون هم كبار اليهود ،وهم ل يذهبون إلى مجلس رسول ال حتى
ل يضعف مركزهم أمام أتباعهم .وعندما يُنقَل إليهم الكلم يحاولون تصويره على الغرض الذي
يريدون ،ولذلك يقول عنهم الحقُ } :يحَ ّرفُونَ ا ْلكَلِمَ مِن َب ْعدِ َموَاضِعِهِ { .أي أنهم يُحرّفون الكلم
بعد أن استقر في مَواضعه ويستخرجونه منها فيهملونه ويزيلونه عن مواضعه بعد ان وضعه ال
ضعِهِ }
فيها وذلك بتغيير أحكام ال ،وقال الحق فيها أيضا من قبل ذلكُ {:يحَ ّرفُونَ ا ْلكَِلمَ عَن ّموَا ِ
[المائدة]13 :
سمّاعُونَ ِل َقوْمٍ آخَرِينَ لَمْ يَأْتُوكَ ُيحَ ّرفُونَ
سمّاعُونَ لِ ْلكَ ِذبِ َ
أي أنهم حَ ّرفُوا الكلم قبل أن يستقرَ } .
خذُوهُ { وهم الذين يقولون لتباعهم من جواسيس
ا ْلكَلِمَ مِن َب ْعدِ َموَاضِعِهِ َيقُولُونَ إِنْ أُوتِيتُمْ هَـاذَا فَ ُ
خذُوهُ وَإِن لّمْ ُتؤْ َت ْوهُ فَاحْذَرُواْ { .فكأنهم أقبلوا
الستماع إلى مجلس رسول ال } :إِنْ أُوتِيتُمْ هَـاذَا فَ ُ
على النبي بهذا ،فإن أخذوا من رسول ال معنى يستطيعون تحريفه فعلوا .وإن لم يجدوا ما
يحرفونه فعليهم الحذر.
ومن دراسة تاريخ القوانين الوضعية نعرف معنى السلطة الزمنية .فالقوانين التي تواضع عليها
بشر ليحكموا بها نظام الحياة تأخرت في الظهور إلى الواقع عن نظام الكهنة ،فقد كان الكهنة
يَدّعُون أن لهم صلة بالسماء ولذلك كان الحكم لهم ،أي أن التقنين في الصل هو حكم السماء
والذي جعل الناس تتجه إلى وضع قوانين خاصة بهم أنهم جربوا الكهنة فوجدوهم يحكمون في
حكْما آخر.
حكْما .وفي القضية المشابهة يحكمون ُ
قضية ما ُ
لقد كان كلم الكهنة مقبول عندما ادعوا لنفسهم النتساب إلى أحكام السماء .لكن عندما تضاربت
أحكامهم خرج الناس على أحكام الكهنة ورفضوها لنفسهم قوانين أخرى.
والحكاية التاريخية توضح لنا ذلك :فقد زَنَى أحد أتباع ملك في العصر القديم وحاولوا أن يقيموا
عليه الحد الموجود بالتوراة .لكن الملك قال للكهنة ل أريد أن يُرجَم هذا الرجل وابحثوا عن حكم
http://www.daardesign.com/forum
منتدى دارنا
آخر.
سوّد وجْهه بالحُمم وهو الفحم -
حمّم وجه الزّاني -أي نُ َ
ورضخ الكهنة لمر الملك وقالوا :نُ َ
ونجعله يركب حمارا ووجه إلى الخلف ونطوف به بين الناس بدلً من الرّجم .وهكذا أعطت
السلطة الزمنية السياسية المر للسلطة الزمنية الدينية ليُغيّروا في القوانين .فلما جاء رسول ال
صلى ال عليه وسلم إلى المدينة حاولوا أن يستغلوا وجوده في استصدار أحكام فيها هوادة ولين.
وعرضوا عليه بعضا من القضايا من أجل ذلك ،فإن جاء الحكم بالتخفيف قبلوه ،وإن كان الحكم
مُشدّدا لم يقبلوه .وتكررت مسألة الزّنا .وحاولوا الحصول على حكم مخفف من سيدنا رسول ال
صلى ال عليه وسلم.
وجاء رسول ال بالحكم الذي نزل من السماء وهو الرّجم .ولكنهم قالوا للرّجم ل .يكفي أن نجلده
أربعين جلدة وأن نُسَود وجهه وأن نجعله يركب حمارا ووجهه للخلف ويُطاف به .وهنا سأل
رسول ال صلى ال عليه وسلم:
أليس عندكم رجل صالح له علم بالكتاب؟ وهنا صمتوا .وقال رسول ال صلى ال عليه وسلم :هل
تعرفون شابا أمرد أبيض أعور يسكن " فدك " يقال له " :ابن صوريا " .فقالوا :نعم ،هو أعلم يهود
على وجه الرض .فأمر الرسول بإحضاره ليرى الحُكم النازل في الزّنا بالتوراة ،وجاء الرجل
وناشده رسول ال بالذي ل إله إل هو وبحق من أرسل موسى ،وبحق من أنزَل التوراة على
موسى ،وبحق من فلق البحر ،وبحق من أغرق فرعون ،وبحق من ظللهم بالغمام .وأراد صلى
ال عليه وسلم أن يُزلزل فيه كل باطل وأن يشحنه بالطاعة حتى ينطق الحق ،فقال ابن صوريا:
سبّ اليهود الرجل الصالح.
نعم نجد الرّجم للزّنا .وهنا َ
لقد أرادوا أن يحصلوا على حُكم مُخفف من رسول ال ليُنقذوا الزاني صاحب المقام العالي،
وكذلك الزانية ذات الحسب والنسب؛ لذلك قال الحق على لسانهم } :إِنْ أُوتِيتُمْ هَـاذَا { .أي
التخفيف المراد فخذوه ،وإن وجدتم العقاب القاسي فاحذروه ول تقبلوه.
إذن فهم لم يذهبوا إلى الرسول صلى ال عليه وسلم ابتغاء الحق ولكنهم يبتغون التخفيف .فإن
حكَم ،ومن العجيب أنهم أعداء لمحمد وكافرون به.
وافق الحكم هواهم قالوا :إن محمدا هو الذي َ
وبرغم ذلك يُحكّمونه.
هذه الواقعة يرويها المام مسلم رضي ال عنه وهي " :أن رسول ال صلى ال عليه وسلم أتى
يهودي ويهودية قد زنيا فانطلق رسول ال صلى ال عليه وسلم حتى جاء يهود فقال :ما تجدون
في التوراة على مَنْ زنى؟ قالوا :نسوّد وجوههما ونحمّمهما ونحملهما ونخالف بين وجوههما،
ويُطاف بهما ،قال( :فأتوا بالتوراة فاتلوها إن كنتم صادقين) قال :فجاءوا بها ،فقرأوها ،حتى إذا
مرّ بآية الرجم وضع الفتى الذي يقرأ يده على آية الرجم وقرأ ما بين يديها وما وراءها ،فقال له
عبد ال بن سلم وهو مع رسول ال صلى ال عليه وسلم :مُ ْرهُ فليرفع يده ،فرفع يده فاذا تحتها
http://www.daardesign.com/forum
منتدى دارنا
آية الرجم ،فأمر بهما رسول ال صلى ال عليه وسلم فرُجما ،قال عبد ال بن عمر :كنت فيمن
رجمهما فلقد رأيته يقيها من الحجارة بنفسه ".
إنهم يريدون الحُكم السهل الهين اللين .وقال البعض :إن سبب نزول هذه الية هي قصة القَوَد.
والقود هو القصاص.
وقصة القود في إيجاز هي -كما رواها المام أحمد وأبو داود وغيرهما عن ابن عباس رضي
ال عنه -أن طائفتين من اليهود هما بنو النضير وبنو قريظة كانتا قد تحاربتا في الجاهلية،
فقهرت بنو النّضير بني قريظة ،فكانت النّضير وهي العزيزة إذا قتلت أحدا من بني قُريظة وهي
الذّليلة لم ُيقِيدوهم أي لم يعطوهم القاتل ليقتلوه بقتيلهم .إنما يعطونهم الديّة .وكانت قُريظة إذا قَتَلت
أحدا من بني النّضير لم يرضُوا منهم إل بالقود .فلما قدم النبي صلى ال عليه وسلم المدينة
حكَم بالتّسوية بينهم ،فسَاءَهم ذلك ولم يقبلوا .وأي قصة منها هي
تحاكموا إليه في هذا المر ف َ
مؤكّدة للمعنى.
ومن بعد ذلك يقول الحقَ } :ومَن يُرِدِ اللّهُ فِتْنَتَهُ فَلَن َتمِْلكَ لَهُ مِنَ اللّهِ شَيْئا { والفتنة هي التعذيب
بالنار ،وسبحانه يقولَ {:يوْمَ هُمْ عَلَى النّارِ ُيفْتَنُونَ }[الذاريات]13 :
والفتنة أيضا هي البتلء والختبار ،ويقال " :فتنت الذهب " أي وضعت الذهب في بوتقة وحوّلته
بالحرارة العالية من جسم صُلب إلى سائل حتى تستخلصه من المواد العالقة الشائبة التي فيه
ليصير نقيا .والفتنة في ذاتها ليست مذمومة .ولكن المذموم منها هو النتيجة التي تصل إليها؛
اينجح النسان فيها أم يرسُب؛ لن الختبارات التي يمر بها النسان كلها هي فتنة ،والذي ينجح
تكون الفتنة بالنسبة إليه طيبة .والذي يرسُب ويفشل فالفتنة بالنسبة إليه سيئة .وعندما يريد ال فتنة
بشر أي يرد اختبارهم :أيأتون طوعا واختيارا أم ل؟
ومادام الحق سبحانه وتعالى أعطى للنسان قدرة الختيار حتى يُثبت صفة المحبوبية فسبحانه
أراد ذلك ،ول أحد بقادر أن يجعل النسان مقهورا .وقد أراده ال مُختارا وأن يبتلى وأن يختبر.
أينجح أم يرسُب ،أيكون مُؤمنا أم كافرا:
} َومَن يُرِدِ اللّهُ فِتْنَ َتهُ فَلَن َتمِْلكَ لَهُ مِنَ اللّهِ شَيْئا { .وجعل سبحانه ذلك قانونا لخلقه بمنتهى
سخّر ،وجانب آخر مُخيّر.
الوضوح ،وهناك جانب في النسان مُ َ
} َومَن يُرِدِ اللّهُ فِتْنَ َتهُ فَلَن َتمِْلكَ لَهُ مِنَ اللّهِ شَيْئا { .أي أن أحدا ل يجرؤ أن يغير نواميس الكون
ولن يغير ال نواميس الكون من أجل أي أحد؛ لن النواميس ل بد أن تسير كما أرادها ال حتى
على رسول ال صلى ال عليه وسلم.
http://www.daardesign.com/forum
منتدى دارنا
وقد عرفنا ما حدث في ُأحُد؛ عندما تخاذل الرّماة ولم يستمعوا إلى نصيحة القائد العلى سيدنا
محمد صلى ال عليه وسلم؛ أَغَيّر ال سُنّته من أجل وجود حبيبه معهم؟ ل ،وانهزموا على رغم
وجود رسول ال معهم؛ لن ال أراد للسّنة الكونية أن تسير كما هي من أجل إصلح المر .فلو
فُرِض أنهم انتصروا من أجل خاطر النبي ،ماذا يكون الموقف في أوامره صلى ال عليه وسلم
فيما بعد؟ كان من الممكن أن يقول شخص منهم " :خالفناه وانتصرنا " .إذن ل بد لسُنّة ال أن
طهّرَ قُلُو َبهُمْ َلهُمْ
تُ َنفّذَ {.ومَن يُرِدِ اللّهُ فِتْنَتَهُ فَلَن َتمِْلكَ لَهُ مِنَ اللّهِ شَيْئا ُأوْلَـائِكَ الّذِينَ لَمْ يُرِدِ اللّهُ أَن ُي َ
عظِيمٌ }[المائدة]41 :
فِي الدّنْيَا خِ ْزيٌ وََلهُمْ فِي الخِ َرةِ عَذَابٌ َ
لماذا لم يرد ال أن يُطهّر قلوبهم؟ لنهم منافقون .وفي قلب المنافق مرض .وعندما تأتي أحداث
ينتفع بها المسلمون فالمنافق يزداد حِقدا ومَرضا لنّ قلبه مُمتلئ بالغل ،ول يريد ال تطهير قلب
إنسان إل أن يقبل على ال ولذلك قال تعالى {:وَاللّ ُه لَ َيهْدِي ا ْل َقوْمَ ا ْلكَافِرِينَ }[البقرة]264 :
وقال سبحانه {:وَاللّ ُه لَ َيهْدِي ا ْل َقوْمَ الظّاِلمِينَ }[آل عمران]86 :
فهل عدم هداية ال لهم نشأت أولً ،ثم نشأ الكُفر ،أو نشأ الكُفر منهم فجاء عدم الهداية؟ نعلم أن
عدم الهداية مرتبة على أنه ظالم أو كافر ،وقلنا من قبل :إن هناك إرادة كونية وإرادة شرعية.
والرادة الكونية هي ما يحدث في كون ال .ول شيء قد حدث في كون ال غصبا عن ال.
والختيار خلقه ال في النسان ليصير النسان مُخيرا بين الكُفر واليمان .ومادام الحق قد خلق
النسان مُختارا لهذا أو لذلك إذن فهو سبحانه مُريد َكوْنِيّا ما يصدر عن النسان اختيارا كفرا أو
هدايةً .لكن َأمُريد هو سبحانه ذلك شرعا؟ ل.
إن الشرع أمر سماوي إما أن يُنفّذه العبد وإما أن يعصيه .ونعرف أن هناك أشياء مُرادة كونيا
وأشياء مُرادة شرعيا .والمُراد الكوني هو الذي يكون :أما النسان فقد خلقه ال وله الختيار،
فالذي يسرق ل يسرق غصبا عن ال ولكن ما أعطاه له ال من اختيار ومن طاقة ،إما أن يوجهها
إلى الخير وإما إلى الشر.
ونحن حين ننظر إلى الساعة التي نضعها حول المعصم وقد صنعها الصانع صالحة لن يديرها
النسان على توقيت أي بلد ،فهل هذا يتم غصبا عن الصانع؟ ل .وكذلك جهاز " التليفزيون "؛ إن
أذعنا فيه برامج دينية فهو صالح للهدف ،وإن أذعنا فيه حفلة راقصة فهو صالح لذلك أيضا.
والذي صنع التليفزيون جعله صالحا لهذا ولذاك ،المهم هو توجيه الطاقة وكذلك النسان .والرادة
الكونية هي كل ما يكون في ملك ال ،والرادة الشرعية هي كل ما يكون في شرع ال " افعل ول
تفعل " .ومادام هناك أم ٌر كوني شرعي فالكون قد أوجده ال لخدمة المؤمن والكافر والعاصي،
لكن المر الشرعي جعله ال للمؤمن.
إذن فإيمان المؤمن أراده ال كونا؛ لنه سبحانه قد وضع اليمان منهجا ،وأراد ال إيمان المؤمن
http://www.daardesign.com/forum
منتدى دارنا
شرعا .وكفر الكافر لم يتم غصبا عن ال .ولكن النسان بخ ْلقِه مختارا .صار كُفره أمرا كونيا،
ولكنه غير مُراد شرعا ,فكفر الكافر مُراد كونا غير مُراد شرعا .وإيمان الكافر غير مُراد كونا
وكفر المؤمن غير مُراد كونا .وبهذا نكون أمام أربعة أقسام في المُراد كونا وشرعا .وهذه هي
القسمة العقلية.
إذن من يُرِد ال فتنته كونا فل راد لرادة ال؛ فإذا لم يطع الشرع ،فذلك لنه مخلوق صالح
للطاعة وصالح للمعصية.
وأضرب هذا المثل -ول المثل العلى -الوالد يعطي لبنه جنيها ويقول له :أنت حُر في هذا
المبلغ فإن اشتريت مصحفا أو كتاب دين أو شيئا تأكله أنت وإخوتك فسأكافئك وأستأمنك على
أشياء كثيرة .أما إن اشتريت ورق اللعب المُسمّى " كوتشينة " فسأغضب منك.
وحين يذهب الولد ليشتري ورق اللعب المُسمّى " كوتشينة " ،هل اشترى ذلك غصبا عن أبيه؟
ل .لكن الولد يصبح غير محبوب من أبيه .هذا هو الفارق بين المُراد كونا والمُراد شرعا .وبين
المُراد كونا ل شرعا .والمُراد شرعا ل كونا.
طهّرَ قُلُو َبهُمْ { كان ذلك كونا؛ لنه سبحانه خلقهم قابلين للتطهير
} ُأوْلَـا ِئكَ الّذِينَ لَمْ يُ ِردِ اللّهُ أَن يُ َ
وقابلين لغيره ،فإن فعلوا أي شيء فهم لن يفعلوه غَصبا عن ال؛ لذلك يذيل الحق اليةَ } :لهُمْ فِي
عظِيمٌ { فكأن معنى ذلك أن في قلوبهم أشياء ضد الطهارة،
ي وََلهُمْ فِي الخِ َرةِ عَذَابٌ َ
الدّنْيَا خِ ْز ٌ
ولهم في الدنيا خزي .والخزي يطلق على الفضيحة ويطلق على الستحياء ،والمعنيان يلتقيان.
وهنا في مجال هذه الية :أي خزي وأي فتنة؟ إنهما فئتنا؛ المنافقون واليهود .وكان المنافقون كلما
فعلوا شيئا ينفضح .وعندما يبيّتون أي شيء فإن ال يخبر رسوله بما يبيّتون {.وََلوْ نَشَآ ُء لَرَيْنَاكَهُمْ
فََلعَ َرفْ َتهُم بِسِيمَا ُه ْم وَلَ َتعْ ِرفَ ّنهُمْ فِي لَحْنِ ا ْل َق ْولِ }[محمد]30 :
وكذلك الذين هادوا :يأتيهم الخزي أي الفتضاح ،أي أن يصيروا إلى المُسترذل بعد أن كانوا في
المُستحسن .والرسول صلى ال عليه وسلم دخل المدينة واليهود سادة هذه البقعة؛ سادتها علما
لنهم أهل كتاب ،أما الوس والخزرج فأُميون ل يعرفون شيئا .وكان اقتصاد المدينة في أيدي
اليهود ،من مال وصنعة وزراعة .وعنجهية الجاه .وعندما يأتي الرسول صلى ال عليه وسلم إلى
المدينة يجدهم السادة ،ثم ينفضح أمرهم وكذبهم ،ويتم إجلؤهم،وتُسبى نساؤهم ويُقتل بعضهم.
وعندما يدبرون كيدا لرسول ال ،يفضحهم ال ،وكل ذلك خزي ،وليس الخزي هو الجزاء الوحيد
لهم ،بل يلقون في الخرة عذابا أليما.
سمّاعُونَ لِ ْل َك ِذبِ{ ...
ويقول الحق من بعد ذلكَ } :
()703 /
http://www.daardesign.com/forum
منتدى دارنا
حكُمْ بَيْ َنهُمْ َأوْ أَعْ ِرضْ عَ ْن ُه ْم وَإِنْ ُتعْ ِرضْ عَ ْن ُهمْ فَلَنْ
حتِ فَإِنْ جَاءُوكَ فَا ْ
سمّاعُونَ لِ ْلكَ ِذبِ َأكّالُونَ لِلسّ ْ
َ
حبّ ا ْل ُمقْسِطِينَ ()42
حكُمْ بَيْ َن ُهمْ بِا ْلقِسْطِ إِنّ اللّهَ ُي ِ
ح َك ْمتَ فَا ْ
َيضُرّوكَ شَيْئًا وَإِنْ َ
وفي اللغة ألفاظ مفردة ،مثال " :سجنجل " وتفتح القاموس فتجد معناها " البلور " ،وكذلك الصفا
والمروة؛ وعندما تبحث في القاموس عن كلمة " مروة " تعرف أن معنى اللفظ بعيد عن النسبة،
فأول عمل للغة أن تعرف معنى اللفاظ بعيدا عن نسبتها .ومهمة القاموس أن يشرح لك معنى
اللفظ بعيدا عن النسبة دون إثبات أو نفي ،مثال ذلك " الجو " معناها هو ما يحيط بك من هواء أو
غير ذلك ،لكن القاموس ل يشرح هل الجو مُكفهر أو صافٍ أو باردٌ.
وإن تقدمنا مرحلة أخرى وأخذنا اللفظ لنصنع له نسبته ،كأن نقول " :الجو صحو " ،هنا ننتقل من
جوّ " ،إلى أننا نسبنا الصحو إليه .والكلم المفيد يأتي في النِسب .ول تأتي
فهم معنى كلمة " َ
النِسب إل بعد معرفة معاني اللفاظ .والنِسب تعني أن ننسب شيئا إلى شيء ،كأن نقول " :محمد
مجتهد " هنا نسبنا لمحمد الجتهاد ،وذلك بعد أن عرفنا معنى كلمة " محمد " بمفردها ،ومعنى "
مجتهد " بمفردها.
إذن الكلم المفيد يتأتى في النسب .وقد تكون الفادة بضميمة كلمة إلى ما سبقها ،فعندما يسألك
إنسان " :من عندك "؟ فتقول " :محمد "؛ هذا القول أفاد؛ لنه انضم إلى كلمة أخرى فصار
المعنى " :محمد عندي ".
إذن هناك نسب ،والنسب هي أن تنسب حكما إلى شيء إما إيجابا ,وإما نفيا.
والنسبة تنقسم إلى قسمين؛ نسبة واقعة ،ونسبة غير واقعة .وإن كانت النسبة واقعة فهل تعتقدها؟
وهل تستطيع أن تقيم عليها دليلً؟ إن كانت النسبة الواقعة ومقام عليها الدليل تكون علما .وإن
كانت نسبة وواقعة وأنت تعتقدها ول تستطيع أن تدلل عليها ،فهذا تقليد ،مثل الطفل الذي يقلد أباه
فيقول " :ال أَحد " ،والطفل في هذه الحالة ل يستطيع أن يقيم على هذه النسبة دليلً.
إن العلم أعلى مراتب النسب لنه نسبة معتقدة وواقعة وعليها دليل .أما إذا كانت نسبة معتقدة
وغير واقعة ،فهذا هو الجهل؛ لن الجاهل هو الذي يعرف الشيء على غير وجهه الصحيح .أما
المي فهو الذي ل يعرف شيئا ونجد صعوبة في الشرح للجاهل ،مثال ذلك الذي يقول الرض
مبسوطة ويدافع عنها ،إنه يقول نسبة يعتقدها ،ولكنها غير الواقع لنها كروية.
والجهل -إذن -أن تعرف نسبة تعتقدها وهي غير واقعة .ول يرهق الدنيا غير الجاهل ،ل
المي؛ لن المي له عقل فارغ يكفي أن تقول له الحقيقة فيصدقها ،أما الجاهل فيحتاج إلى أن
نخلع من أفكاره الفكر الخاطئ ونضع له الفكر الصحيح.
أما إن كانت النسبة غير واقعة .فالنفي فيها يساوي الثبات ،وهذا هو الشك .وإن كانت هناك نسبة
http://www.daardesign.com/forum
منتدى دارنا
راجحة فهو الظن .والنسبة المرجوحة هي الوهم .إذن هناك عدد من النسب :نسبة علم ،نسبة
تقليد ،نسبة جهل ،نسبة شك ،نسبة ظن ،نسبة وهم .وعلى ذلك يكون الكذب نسبة غير واقعة ،فإن
كنت تعتقدها فأنت من الجاهلين.
سمّاعُونَ لِ ْلكَ ِذبِ { .فالنسبة هنا غير مطابقة للواقع.
ويقابل الكذب الصدق ،وعندما يقول الحقَ } :
ويقتنص الملبّسون بعض النسب التي تأتي في بعض من أسلوب القرآن ويقولون :في القرآن كلم
شهَدُ إِ ّنكَ لَرَسُولُ اللّ ِه وَاللّهُ
لو مَحّصناه لوجدناه غير دقيق .مثال ذلكِ {:إذَا جَآ َءكَ ا ْلمُنَا ِفقُونَ قَالُواْ نَ ْ
َيعْلَمُ إِ ّنكَ لَ َرسُولُهُ }[المنافقون]1 :
شهَدُ إِنّ
كلم المنافقين هنا قد طابق كلم ال ،ولكن لماذا يقول الحق من بعد ذلك {:وَاللّهُ َي ْ
ا ْلمُنَا ِفقِينَ َلكَاذِبُونَ }[المنافقون]1 :
شهَدُ إِ ّنكَ لَرَسُولُ اللّهِ
النسبة واحدة ،لكن ال يكذب المنافقين .وإن فطنا إلى قول ال حكاية عنهم {:نَ ْ
}[المنافقون]1 :
أي أن ال يُكذّب شهادتهم ،لن محمدا رسول ال بالفعل ،ولكنهم كاذبون لنهم ل يعتقدون ذلك،
فالشهادة هي ما يوافق اللسان ما في القلب.
حتِ { أي أن عملهم الستماع للكذب ،وأكل السّحت
سمّاعُونَ ِل ْلكَ ِذبِ َأكّالُونَ لِلسّ ْ
إذن قوله الحقَ } :
وكأنهم يرهقون إن أكلوا حللً ،وأكّال صيغة للمبالغة؛ وتكون إما في الحدث ،وإما في تكرار
أنواع الحدث .فيقال " :فلن أكال " ،و " فلن أكول " وهو النسان الذي يأكل بشراهة أو يأكل
كثيرا ،والمبالغة -إذن -إما أن تكون في الحدث وإما في تكرير الحدث.
حتِ { ومادة " سَحت " تعني " استأصل ومحا " ،ولكنها تزيد أنها استأصلته
} َأكّالُونَ لِلسّ ْ
استئصالً لم يبق له أثرا وتعدى الستئصال إلى ظرفه .مثال ذلك عند ظهور بقعة من زيت أو
طعام على ثوب ،نستطيع استئصال البقعة ،ونستطيع المبالغة في استصالها إلى أن تنحت من
الثوب .والسّحت استئصال مبالغ فيه لدرجة الجوْر على الصل قليلً .أي يستأصل الذي جاء
ومعه بعض من الصل أيضا؛ لذلك جاء المفسرون إلى هذا المعنى في شرح الرّبا لن ال يصفه
حقُ اللّهُ الْرّبَا }[البقرة]276 :
بالقولَ {:يمْ َ
والربا في مفهومنا أنه زيادة ،ولكن الحق أوضح لنا أنه ليس بزيادة؛ لنه يَدْخل ويستأصل ويأكل
ويكحت أصل المال .وظاهر الرّبا وباطنه محق واستئصال.
أما الزكاة فظاهرها نقص ،ولكنها نماء ،وبذلك نرى اختلف مقاييس الخلق عن مقاييس الحق.
والمثل الواضح :أن النفس تلتفت دائما إلى رزق اليجاب ،ول تلتفت إلى رزق السلب .فرجل
راتبه خمسمائة جنيه ،وآخر راتبه مائة جنيه ،صاحب الراتب البالغ الخمسمائة فتح ال عليه أبوابا
سدّ الحق عنه أبوابا ل تأخذ منه كل راتبه بل
تحتاج إلى ألفٍ من الجنيهات ،والذي يأخذ مائة جنيه َ
يتبقى له عشرة جنيهات.
http://www.daardesign.com/forum
منتدى دارنا
هناك -إذن -رزق إيجاب يزيد الدخل ،ورزق سلب أن يسلب الحق عنك المصارف في
المصائب والمهالك ويبارك لك فيما أعطاك.
والسّحْت هو كل شيء تأخذه من غير طريق الحلل؛ كالرشوة أو الربا أو السرقة أو الختلس أو
الخطف .وكل أنواع المقامرة والمراهنة ،كل ذلك اسمه سُحْت.
حتِ { وهذا القول دليل على أن أُذَ َنهُم اعتادت سماع الكذب ويقبلون
سمّاعُونَ لِ ْل َك ِذبِ َأكّالُونَ لِلسّ ْ
} َ
عليه .وعندما نقول نحن في الصلة " :سمع ال لمن حمده " ،أي أننا ندعو ال أن يقبل الحمد.
وهم سماعون للكذب أي يقبلون الكذب .والسماع جارحة ،والكل بناء ما به الجارحة لنه مقوم
لها .مثلما يأكل لينمو ،وإن كان ناضجا يحفظ له الطاقة والقدرة.
فالنّمو -إذن -معناه أن يدخل جوفه أكثر مما يخرج منه .وبعد فترة يدخل إلى جسمه على قدر
ما يخرج منه ،ثم الشيخوخة نجد فيها أن ما يخرج أكثر مما يدخل .وماداموا سماعين للكذب
أكّالين للسّحت ،فهم في بوارٍ دائم ،لن أكل السّحْت حيثية من حيثيات الستماع المصدّق للكذب؛
لنهم قد بنوا ذرات أجسادهم من حرام ،فكيف ترفض آذانهم الكذب؟ بل آذانهم تستدعي الكذب،
وألسنتهم تحترفه .وعيونهم تستدعي المحارم ،وأيديهم تستدعي السرقة ،إنها البعاض التي بناها
أصحابها من حرام.
ولم يقل عنهم " :سامعون " ،بل قال " :سماعون " أي جعلوا صناعتهم أن يتسمعوا ،وهم
الجواسيس ،وإل فإذا كان المر غير ذلك لكان كل من سمع كذبا ُيعَد من هؤلء .والقول مقصود
به من جعل السماع صنعة له ،ول يجعل إنسان السماع صنعة له إل إذا كان عينا لغيره ،والعين
للغير يتلصص على أمانة المجالس ،ولكل مجلس أمانة .فإذا ما حضر إنسان مجلسا فليس له أن
ينقل ما في ذلك المجلس إلى غيره إل أن يكون ذلك هو صناعته ،وتلك هي مهمته.
حتِ { وهنا قضيتان .فعل السماع للكذب سببه أكل السّحت ،أم أكل
سمّاعُونَ لِ ْل َك ِذبِ َأكّالُونَ لِلسّ ْ
} َ
السّحت سببه السماع للكذب؟
إن الحق سبحانه وتعالى حينما خلق النسان من طينة الرض وصوره على شكل آدم نفخ فيه من
روحه ،وحين صوره من طينة الرض جعل كل مقومات حركة حياته من طبيعة طينة الرض،
حلّ ،اعتدلت الذرات في نفسه على الهيئة التي خلقها ال .وإن تدخل
فإذا ما أخذ النسان شيئا من ِ
فيها بحرام جعل في الذرات اختلل تكوينيا .وهذا الختلل التكويني هو الذي جعل آكل الحرام
سماعا للكذب .ولو لم يكن فيه ذلك الختلل التكويني الذي صنعه بنفسه لما سمع الكذب أبدا.
أو أنه عندما أكل السّحْت صار سماعا للكذب .أو سمع كذبا فصار أكّالً للسّحْت .ولنلحظ أن
سمّاعُونَ لِ ْلكَ ِذبِ َأكّالُونَ
الحق لم يقل " :آكل للسّحْت " ،ولم يقل " :سامع للكذب "؛ ولكنه قالَ } :
حتِ { أي أنهم تعودوا سماع الكذب وتعودوا أكل السّحت ،فالواحد منهم أخذ حراما من أول
لِلسّ ْ
http://www.daardesign.com/forum
منتدى دارنا
المر ،وعندما صار أكال وسمّاعًا للكذب في آن واحد ،اختلت ذرّات تكوينه ،ولم يعد في أعماقه
نور ليرفض الكذب.
بل أقبل عليه ،ويغريه الكذب ثانية بأن يأكل السّحْت ،والمر دائر بين سماع كذب وأكل سحت.
وقضية الكذب هي قضية صراع الباطل مع الحق .ومادام الكذب غير مطابق لوازع كوني أو
ل في الكون .وحينما أراد الحق سبحانه وتعالى أن يضرب لنا
لواقع منهجي تكليفي فهذا يصنع خل ً
سمَآءِ مَآءً فَسَاَلتْ َأوْدِ َيةٌ
المثل في ذلك جاء بالمثل في أمرٍ حسي حتى نراه جميعا {:أَنَ َزلَ مِنَ ال ّ
ِبقَدَرِهَا }[الرعد]17 :
أي أن كل وادٍ تحمّل على قدر طاقته .ومن بعد ذلك يقول الحق {:فَاحْ َت َملَ السّ ْيلُ زَبَدا رّابِيا }
[الرعد]17 :
فقبل أن ينزل السيل من على الجبال إلى الوديان ،يأخذ كل الشياء التي تصادفه على الجبل من
آثار الرياح ،ومن أوراق النبات ،فينزله إلى الوادي ،وتلك هي الشياء التي تصنع الزّبَد ونقول
سمَآءِ مَآءً َفسَاَلتْ َأوْدِيَةٌ ِبقَدَرِهَا فَاحْ َت َملَ السّ ْيلُ زَبَدا
عنه في لغتنا العامية " :الرّغاوي " {.أَنَ َزلَ مِنَ ال ّ
رّابِيا }[الرعد]17 :
و " رابيا " أي غائما وعاليا وطافيا فوق المياه ،لماذا؟ لنه مادام زبدا ففيه فقاقيع هواء تجعل
حجمه أكبر من وزنه .وتصبح كثافته أقل من المياه؛ لذلك يطفو فوقها .وماذا يكون الموقف بعد
ذلك؟{ فَاحْ َت َملَ السّ ْيلُ زَبَدا رّابِيا َو ِممّا يُوقِدُونَ عَلَ ْيهِ فِي النّارِ ابْ ِتغَآءَ حِلْيَةٍ َأوْ مَتَاعٍ زَبَدٌ مّثُْلهُ }
[الرعد]17 :
ومن العجيب أنه سبحانه جعل المثلين في الماء والمضاد له وهو النار ،فالماء يأتي بزبد وغثاء
يطفو على المياه ،وكذلك النار حين ندخل فيها المعادن .ومن رأى الحداد ينفخ في كيره على
قطعة من الحديد يرى الخبث ،والمواد الغريبة الممتزجة بالحديد والتي تنفصل أثناء الصهر عن
الحديد ليصير صافيا .إذن فهناك زبد في الحديد تخرجه النار عند صهره ،وزبد يطفو فوق الماء{.
طلَ }
ق وَالْبَا ِ
حَّو ِممّا يُوقِدُونَ عَلَيْهِ فِي النّارِ ابْ ِتغَآءَ حِلْيَةٍ َأوْ مَتَاعٍ زَبَدٌ مّثْلُهُ كَذاِلكَ َيضْ ِربُ اللّهُ الْ َ
[الرعد]17 :
ولهذا نرى الباطل وقد أتى عليه زمن ليطفو فوق السطح ،ويخرج الخَبَث طافيا على أصيل
جفَآءً
الحديد .لكن أيظل الباطل كذلك؟ يُطمئِنُنا الحق أنه يحمي الحق فيقول {:فََأمّا الزّبَدُ فَ َيذْ َهبُ ُ
وََأمّا مَا يَنفَعُ النّاسَ فَ َي ْم ُكثُ فِي الَ ْرضِ }[الرعد]17 :
وحين نرى الباطل وقد طفا على السطح نفاجأ بعد وقت من الزمن أن الزبد ينتهي صافيا .فإذا
رأينا الباطل مرة يعلو ،فلنعلم أنه ل بقاء لهذا العُلو؛ لن ما ينفع الناس يمكث في الرض.
ولماذا ل يُعلن الحق عن نفسه من البداية؟ أراد ال ذلك ليجعل الباطل من جنود الحق ،ولو لم
http://www.daardesign.com/forum
منتدى دارنا
َيعَض الباطل الناس ويُتعبهم أيتجهون إلى الحق؟ ل؛ لذلك كان ل بد أن يأتي إليهم الباطل الناس
ويُتعبهم ليبحثوا عن الحق.
وهكذا نرى الباطل كجندي من جنود الحق .وضربنا المثل من قبل وعرفنا أن اللم عند المريض
من جنود العافية ،فلول ذلك اللم لستشرى الداء دون أن يشعر المريض ،فكأن اللم يلفته إلى
موضع الداء ويدفعه للبحث عن وسائل الشفاء .وبذلك يتعرف على حلوة العافية.
إذن فالباطل من جنود الحق واللم من جنود الشفاء؛ لن أمور الحياة لو سارت على وتيرة واحدة
لما عرف النسان أوجه الحياة ،فلو لم يأتِ اللم إلى المريض لكله المرض .فإذا كان اللم من
جنود الشفاء ،فالكفر أيضا من جنود اليمان؛ لننا عندما نرى الكُفر ونشهد آثار الكُفر فسادا في
المجتمع ،نتساءل :ما الذي يخلّصنا من ذلك؟ ونعرف أن الذي يخلصنا من الفساد هو اليمان.
وأُكرّر دائما :كلمة الكُفر بذاتها هي الدليل الول على اليمان؛ لن الكُفر هو السّتْر ،ومادام الكفر
هو السّتر ،والكافر يستر اليمان ،وظهور الكفر على السطح دليل وجود اليمان في الصل.
حتِ { فل بد بعد هذا التشخيص أن يرسم
سمّاعُونَ ِل ْلكَ ِذبِ َأكّالُونَ لِلسّ ْ
ومادام الحق قد قالَ } :
حكُمْ بَيْ َنهُمْ َأوْ أَعْ ِرضْ عَ ْن ُه ْم وَإِن ُتعْ ِرضْ عَ ْن ُهمْ فَلَن
لرسوله أسلوب التعامل معهم } :فَإِن جَآءُوكَ فَا ْ
َيضُرّوكَ شَيْئا { .فأنت يا رسول ال بالخيار بين أن تحكم بينهم في القضية التي جاءوا من أجلها
أو تعرض عنهم ،فليس عليك تجاههم إلزام ما؛ لنهم السماعون للكذب الكّالون للسّحْت .وهم
حينما يأتونك يا رسول ال طلبا لحكم إنما يفعلون ذلك ل رغبة في معرفة الحق ول هم يلتمسون
العدل .بل جاءوك مظنة تيسير امر الباطل وأكل السّحت لنفوسهم .وقد طلبوا الحكم في قضية
الزّنا وعندهم في التوراة كان الرّجم عقابا للزنا.
لقد ذهبوا لرسول ال لنهم أرادوا أن يستروا حكم الزّنا في التوراة ،والكتفاء بالجلد وتسويد وجه
الزاني وركوبه حمارا في الوضع العكسي بحيث يكون وجهه في اتجاه الذيل وقفاه في اتجاه رأس
الحمار ،وأن يطوفوا بالزاني وهو على هذه الهيئة حول البلدة .ولما لم يسمعوا ذلك الحكم من
الرسول ابتعدوا عنه .إذن هم يطلبون التخفيف لنهم كانوا سماعين للكذب واكّالين للسّحت .ولن
الذي سيطبق عليه الحد رجل له جاه وله مكانة وهم يريدون التقرب إليه بتخفيف العقاب عنه.
وهل هناك تعارض بين قول الحق في الية التي نحن بصدد خواطرنا عنها وبين قول الحق{:
حكُم بَيْ َنهُم ِبمَآ أَن َزلَ اللّهُ }[المائدة]48 :
فَا ْ
حكُم بَيْ َنهُم ِبمَآ أَن َزلَ اللّهُ { إلزاما .ونقول:
ل تعارض .والبعض يقول :إن في قوله الحق } :فَا ْ
المعنى الواضح هو أنك يا رسول ال ،إن رجحت جانب أن تحكم وتقضي بينهم فاحكم بما أنزل
حكُمْ بَيْ َنهُمْ َأوْ أَعْ ِرضْ عَ ْن ُهمْ
ال ،ولننظر إلى الداء القرآني لن المتكلم إله وحكيم } :فَإِن جَآءُوكَ فَا ْ
{.
http://www.daardesign.com/forum
منتدى دارنا
ونلحظ أن المر هنا جاء بطريقة تؤكد أن العراض ممكن؛ لنهم أرادوا أن يحكم لهم رسول ال
على هواهم ،وطمأنه ال بأنه سيحميه من شرهم إن أعرض عنهم ،وكأن الحق يقول لرسوله:
إياك أن تفكر حين تعرض عنهم أنهم سينالونك بالشر لنك لم تحقق لهم التيسير الذي ابتغوه عندك
} وَإِن ُتعْ ِرضْ عَ ْنهُمْ فَلَن َيضُرّوكَ شَيْئا { وإياك أن تجعل الضرر منهم مُرجّحا للحكم؛ فأنت
بالخيار؛ إما أن تحكم وإما أن تعرض .ول تخش من شرهم لن الذي أرسلك يحميك.
سطِينَ { والحكم في هذه الية يأتي كالقوس في
حبّ ا ْلمُقْ ِ
حكُمْ بَيْ َنهُمْ بِا ْلقِسْطِ إِنّ اللّهَ ُي ِ
ح َك ْمتَ فَا ْ
} وَإِنْ َ
البداية وفي النهاية ،والحكم بينهم يكون بالقسط؛ أي بالعدل .والعدل ليس كما يراه الهوى ولكن
حسب ما أنزل ال .أي أن ال يحب الذين يزيلون الجوْر .ومادام الحكم بالعدل يأتي ليزيل الجور،
فكأنه كان من قبل جوْرٌ مُقنن؛ إذن فـ " أقْسَط " أي أزال جورا مقننا وأعاد توازن الميزان ليعود
النسجام بين النسان والكون .والكون كله يسير بميزان؛ الرض تدور والشمس تؤدي مهمتها،
ول كوكب يصطدم بكوكب آخرَ {:و ُكلّ فِي فََلكٍ يَسْ َبحُونَ }[يس]40 :
فإن أردتم أن تستقيم لكم أموركم الختيارية ،فانظروا إلى المور الجبارية التي حولكم ،فإن كانت
بنظام وميزان واعتدلت المور ،اعدلوا -إذن -في إدارة شئونكم حتى تنسجموا كما انسجم
سمَآءَ
جدَانِ * وَال ّ
ج ُم وَالشّجَرُ يَسْ ُ
س وَا ْل َقمَرُ بِحُسْبَانٍ * وَالنّ ْ
شمْ ُ
الكون ،ولذلك نقرأ قوله تعالى {:ال ّ
ط َغوْاْ فِي ا ْلمِيزَانِ }[الرحمن]8-5 :
َر َف َعهَا َو َوضَعَ ا ْلمِيزَانَ * َألّ َت ْ
أمامكم الموازين العليا في الكون ،ول تستطيعون إفسادها لنها تسير بنظام ل دخل لكم به؛ لذلك
عليكم أن تتعلموا منها وأن تديروا أمور حياتكم بميزان حتى تستقيم أموركم الختياريةَ {.ألّ
ط َولَ ُتخْسِرُواْ ا ْلمِيزَانَ }[الرحمن]9-8 :
ط َغوْاْ فِي ا ْلمِيزَانِ * وََأقِيمُواْ ا ْلوَزْنَ بِا ْلقِسْ ِ
تَ ْ
فإن رأيت حولك كونا غير مُضطرب ،وغير مُتصادم ،ويؤدي حركته دون تعارض أو تصادم،
فافهم أنه قائم على ميزان الحق ،ووضع سبحانه لك ميزانا في المور الختيارية ،والمرجحات
الختيارية هي أحكام التكليف من ال ،فإن أردت أن تستقيم لك المور الختيارية فسر بها على
الميزان الذي وضعه ال.
ح ّكمُو َنكَ{ ...
ثم يلفتنا الحق سبحانه وتعالى بعد ذلك بقولهَ } :وكَ ْيفَ ُي َ
()704 /
يوضح سبحانه :كيف يأتون طلبا للحكم منك وعندهم التوراة ،وهم لم يؤمنوا بك يا محمد رسولً
http://www.daardesign.com/forum
منتدى دارنا
حكَما؟ ل بد أن في ذلك مصلحة مناقضة لما في التوراة،
من ال ،فكيف يرضاك من لم يؤمن بك َ
ولو لم تكن تلك المصلحة مناقضة لنفذوا الحكم الذي عندهم ،وهم إنما جاءوا إليك يا رسول ال
طمعا في أن تعطي شيئا من التسهيل وظنوا -والعياذ بال -أنك قد توفر لهم أكل السّحت وسماع
الكذب.
ح ّكمُو َنكَ وَعِنْ َدهُمُ ال ّتوْرَاةُ } وهي مسألة عجيبة يجب أن يُفظن إليها؛ لن عندهم التوراة
{ َوكَ ْيفَ يُ َ
فيها حكم ال ،فلو حكموك في أمر ليس في التوراة لكان المر مقبولً ،لكن أن يحكموك في أمر
له حكم في التوراة ،وبعد ذلك يطلعك ال عليه لتكشفه فتقول يا رسول ال :هاتوا ابن صوريا
ليأتي بحكم التوراة .ويعترف ابن صوريا بوجود حكم الرّجم في التوراة .إذن هم رغبوا في
الحتيال ،وأراد ال أن يثبت لرسوله صلى ال عليه وسلم لونا في العلم عن هؤلء المارقين
على أحكام ال ،هم يعلمون أن الرسول ُأمّي ،لم يقرأ ولم يكتب ،فمن الذي أخبره بالحكم الموجود
بالتوراة؟
إذن أخبره من أرسله ،وإذا كانوا قد أرادوا البحث عن حكم مُخفّف فالحق أراد ذلك ليكون سَببا
حكْمُ اللّهِ ثُمّ يَ َتوَّلوْنَ مِن َبعْدِ ذاِلكَ
ح ّكمُو َنكَ وَعِنْدَهُمُ ال ّتوْرَاةُ فِيهَا ُ
من أسباب الخزي لهمَ {.وكَ ْيفَ يُ َ
َومَآ ُأوْلَـا ِئكَ بِا ْل ُم ْؤمِنِينَ }[المائدة]43 :
وهذا دليل على أن الرسول عندما حكم بغير مطلوب تيسيرهم .أعرضوا عن الحكم .ولو كانوا
طالبين للحكم بادئ ذي بدء لقبلوا الحكم بالرجم كما قاله لهم رسول ال ،لكنهم غير مؤمنين حتى
بتوراتهم.
ويقول سبحانه من بعد ذلك { :إِنّآ أَن َزلْنَا ال ّتوْرَاةَ} ...
()705 /
الهدى هو الطريق أو الدرب المُوصّل للغاية .وتأتي على الطريق أحقاب الليل والنهار ،فالطريق
مُظلم ليلً ،وقد تعترض السائر فيه عقبات ،أو قد ل يمشي السائر في سواء السبيل أي وسط
الطريق ،فيقع في حفرة أو يصطدم بحجر.
ويوضح الحق هنا :لقد صنعت لكم الدرب وأَنرته لكم حتى ل تصطدموا بشيء أو تأتي لكم
عقبات ،وتمثّل ذلك في المنهج الذي جاء به موكب الرّسل كلهم .وقديما كان العالم مفككا ،متناثر
http://www.daardesign.com/forum
منتدى دارنا
الجماعات ،فل توجد مواصلت ،وتعيش كل جماعة في انعزال وشبه استقلل ،فإن حصلت
داءات في بقعة ما تظل محصورة في هذه البقعة ،ويأتي رسول ليعالج هذه الداءات ،فهذا يعالج
أمر عبادة الصنام ،وذلك يعالج مسألة الكيل والميزان ،وثالث يعالج المور المنظمة للحياة
الزوجية عند اليهود.
هذه الداءات كانت متعددة بتعدد الجهات ،وعندما أراد الحق سبحانه أن يبصر الناس بأسرار كونه
ليستنبطوا منها ما يقرب المسافات ويمنع المشقات لتلتقي المم .وعندما تلتقي المم ل يوجد فصل
بين الداءات ،فالداء الواحد يحصل في الشرق لينتقل إلى الغرب .وكأن الداءات تتحد في العالم
أيضا.
إذن ل بد أن يجيء الرسول الجامع ليعالج الداءات كلها ،فيأتي صلّى ال عليه وسلم الجامع
المانع ،فإذا ما قال الحق :إنه أنزل التوراة فيها هدى ونور ،فالنجيل أيضا فيه هدى ونور ،وكل
هدى ونور في أي كتاب إنما هو للداءات الموجودة في البيئة المنعزلة .مثال ذلك أن سيدنا إبراهيم
كان موجودا ،ومعه في الزمن نفسه سيدنا لوط .وها هوذا سيدنا موسى كان موجودا .وكذلك
سيدنا شعيب ،إذن كانت الرّسل تتعاصر في بعض الحيان لن كل منهم يعالج داء معينا .وهكذا
كانت الرسالت تأتي محدودة الزمان ومحدودة المكان.
أما محمد صلى ال عليه وسلم فقد بعثه ال للناس كافة بكل أجناسهم وتقوم على منهجه الساعة؛
لذلك لم تعد الرض في حاجة إلى رسول آخر ،وصار من المنطقي أن يكون هو الرسول الخاتم.
ح ُكمُ ِبهَا النّبِيّونَ الّذِينَ أَسَْلمُواْ } لماذا إذن يأتي الحق بإسلم
{ إِنّآ أَنزَلْنَا ال ّتوْرَاةَ فِيهَا هُدًى وَنُورٌ يَ ْ
النبياء هنا؟ جاء سبحانه بأمر إسلم النبياء تشريفا للسلم لنه جوهر منهج كل نبي.
إننا نجد الشعراء يتفننون في هذا المعنى:ما إن مدحت محمدا بمقالتي لكن مدحت مقالتي
بمحمدٍوالشاعر الخر يقول:قالوا أبو الصقر من شيبان قلت لهم كل لعمري ولكن منه شيبانفالقبيلة
بالنسبة لبي الصقر هي التي تنتسب إليه وليس هو الذي ينتسب إليها.
ف كما عل برسول ال عدنانإذن فالنبيون عندما يصفهم
ويردف قائل:وكم أبٍ قد عل بابن ذُرَا شر ٍ
الحق بأنهم أسلموا ،إنما يريد الحق أن يشرف السلم بأن النبيين أسلموا قيادهم وزمامهم إلى ال
لنهم وجدوه الخير لهم.
وإسلم النبيين هو السلم بمعناه الكامل ،أي هو النصياع لوامر ال ،فكلما فكر نبي منهم في أن
هناك شرا سيأتي له بسبب دعوته ،أو أن يضطهده أحد ،أو يحلو لحدٍ أن يسيء إليه فهو يسلم
أمره ل؛ لن الرسول منهم إنما يقول كلمة الحق ول يبالي بما يحدث بعدها.
حكُمُ ِبهَا النّبِيّونَ الّذِينَ أَسَْلمُواْ لِلّذِينَ هَادُواْ { وهم يحكمون بالتوراة بين الذين هادوا ،أي من
} َي ْ
يهود ،وكذلك يحكم بها الربانيون والحبار .والرباني منسوب للرب ،اي أن كل تصرفاته منسوبة
http://www.daardesign.com/forum
منتدى دارنا
إلى ال .والحبار هم العلماء حملة أوعية العلم ،لكن هل ينفذونه أو ل ينفذونه فهذا شيء آخر.
صحيح أن كل عالم وعاءُ علم ،لكن قد ينتفع هو بعلمه ،وقد ل ينتفع ،لكنه ينقل علمه إلى من
ينتفع به .ولذلك يقول أحد العلماء:فخذ بعلمي ولتركن إلى عملي وأجْنِ الثمار وخلّ العود للنارفل
تقل :إن هذا العالم يقول لنا كذا وكذا ،ونراه في تصرفاته عكس ما يقول :لن عليك أن تأخذ ثمرة
العلم ،واترك العود للنار .ولكن على العالم أن يكون أول من يمتثل ويطبق ما يقوله حتى ل يعذب
ول يدخل تحت قوله تعالى } :ياأَ ّيهَا الّذِينَ آمَنُواْ لِمَ َتقُولُونَ مَا لَ َت ْفعَلُونَ * كَبُرَ َمقْتا عِندَ اللّهِ أَن
َتقُولُواْ مَا لَ َتفْعَلُونَ {.
حفِظُواْ مِن كِتَابِ اللّهِ { وعرفنا أن التوراة فيها نور وهدى ويحكم
ن وَالَحْبَارُ ِبمَا اسْ ُت ْ
} وَالرّبّانِيّو َ
بها النبيون والربانيون والحبار بالوسيلة التي طلب ال منهم أن يحفظوها ،وبما طلبه رسولهم
منهم أن يحفظوا هذه التوراة .وقال الحق " :استحفظوا " ولم يقل " :حفظوا " ليبين لنا الفارق بين
كل كتاب سابق للقرآن وبين القرآن؛ لننا عرفنا أن كل رسول قد جاء بمعجزة تدل على أنه
صادق البلغ عن ال.
ولكل الرسل من السابقين على رسول ال معجزة منفصلة عن المنهج ،مثال ذلك سيدنا موسى
فمعجزته العصا وفلق البحر ،أما منهجهه فهو التوراة .وسيدنا عيسى معجزته إبراء الكمه
والبرص ،والمنهج الذي جاء به هو النجيل .أما سيدنا رسول ال فمعجزته هي عين منهجه،
وهي القرآن .وكان المر الموجود بالنسبة لكل رسولٍ مرتبطا بزمانه وجماعته ومحتاجا إلى
معجزة مناسبة ومنهج مناسب ،لكن الرسول الذي أرسله ال إلى الناس جميعا وخاتما للنبياء ل بد
أن تظل معجزته عين منهجهه بحيث يستطيع أي مسلم أن يقول حتى قيام الساعة :محمد رسول
ال وهذه معجزته وهي عين منهجهه.
وسيظل القرآن معجزة ظاهرة إلى أن تقوم الساعة؛ لن ال أرادها مختلفة عن بقية المناهج
والمعجزات .فالمعجزات السابقة كانت كعود الثقاب الذي يشعل مرةً واحدة؛ فمن رآه لحظة
الشتعال فالمر بالنسبة إليه واضح ،أما من لم يره فهو لن يصدق تلك المعجزة إل ان يخبره من
يصدقه.
وقد استحفظ ال الربانيين والحبار بالتوراة ،أي طلب منهم أن يحفظوها ،وكان هذا أمرا تكليفيا،
والمر التكليفي عُرضة لن يُطاع وعُرضة لن يُعصى .واستحفظهم ال التوراة والنجيل {:فَنَسُواْ
حظّا ّممّا ُذكِرُواْ بِهِ }[المائدة]14 :
َ
وصار أمر المنهج منسيا .وليس على بالهم كثيرا؛ لن المر إذا توارد على البال واستقر دائما في
بؤرة الشعور يظل في الذهن ،لكن النسيان يأتي عندما يكون المر بعيدا عن البال.
والحق طلب منهم أن يحفظوا المنهج ،ولكنهم -ما عدا النبيين -لم ينفذوا ،وكل أمر تكليفي يدخل
http://www.daardesign.com/forum
منتدى دارنا
في دائرة الختيار ،ولذلك نجد أن الحبار والربانيين قد نسوا ،وما لم ينسوه كتموه .وأول مرحلة
من مراحل عدم الحفظ أنهم نسوا،والمرحلة الثانية هي كتمان ما لم ينسوه ،والثالثة هي :ما لم
يكتموه حرّفوه ولووا به ألسنتهم .وياليتهم اقتصروا على هذه المراحل فقط ،ولكنهم جاءوا بأشياء
وقالوا :هي من عند ال وهي ليست من عند الَ {:فوَ ْيلٌ لّلّذِينَ َيكْتُبُونَ ا ْلكِتَابَ بِأَ ْيدِيهِمْ ُثمّ َيقُولُونَ
هَـاذَا مِنْ عِ ْندِ اللّهِ }[البقرة]79 :
إذن فالحفظ منهم لم يتم؛ لذلك لم يدع ال القرآن للحفظ بطريق التكليف؛ لنه سبحانه اختبر البشر
من قبل ،ولنه أراد القرآن معجزة باقية؛ لذلك لم يكل ال سبحانه أمر حفظه إلى الخلق ،ولكنه
تكفل -سبحانه -بأمر حفظ القرآن {:إِنّا َنحْنُ نَزّلْنَا ال ّذكْرَ وَإِنّا لَهُ َلحَافِظُونَ }[الحجر]9 :
ومصداق هذا النص ،أن بعضا من المسلمين أسرفوا على أنفسهم في هجر منهج السلم ومنهج
القرآن إل أنك تجد عجبا ،فبمقدار بُعدهم عن منهج السلم تطبيقا يحافظون على القرآن تحقيقا،
فيكتبون القرآن بكل ألوان الكتابة وبكافة الحجام ،فهناك حجم ذهبي ترتديه النساء في صدورهن،
وحجم يوضع في اليد ،وبعد ذلك نجد الكفرة أنفسهم يخترعون طريقة لكتابة القرآن في صفحة
واحدة.
إذن فال يُسخر لحفظ القرآن حتى من لم يكن مسلما .وتلك خواطر من ال .ونحن نرى كل يوم
من يبتعدون بسلوكهم عن المنهج لكنهم يرصدون المال لحفظ القرآن .ونجد القرآن محققا بألف
وسيلة حفظ :الرجل يضع في سيارته مصحفا ،وفي حجرة نومه مصحفا ،وقد تكون المرأة سافرة
وصدرها مكشوف ولكنها تعلق مصحفا ذهبيا .وهذا يثبت لنا أن حفظ القرآن ليس أمرا تكليفيا .بل
هو إرادة ال.
فلو كان المر تكليفيا لكان نسيان القرآن واردا؛ لن المسلمين ابتعدوا في بعض أمورهم عنه
كمنهج ،ويناسب ذلك أن ينفصلوا عنه حفظا .ولكن المر صار بالعكس .فعلى الرغم من بُعد
المسلمين عن المنهج ،ولكن حفظ القرآن ل يقل أبدا ،ومن العجيب أن الكثيرين من المسرفين على
أنفسهم ،إن سمع واحد منهم أنّ شيئا يمس المصحف ،يقيم الدنيا ويقعدها ،فالمسألة ليست مسألته،
ولكنها مسألة الحافظ جل شأنه .وإن حدث أي تحريف يسير في القرآن من أعداء السلم ،نجد
أمة السلم تقف وقفة رجل واحد.
ولقد أراد بعض المدلسين أن يدسوا على القرآن ما ليس فيه وجاءوا إلى آية في سورة الفتح
حمَآءُ بَيْ َنهُمْ }[الفتح]29 :
حمّدٌ رّسُولُ اللّ ِه وَالّذِينَ َمعَهُ أَشِدّآءُ عَلَى ا ْل ُكفّارِ رُ َ
وهي {:مّ َ
وقالوا " :محمد رسول ال صلى ال عليه وسلم " وكأنهم يرغبون في زيادة التكريم لرسول ال،
فلما عرف المسلمون ذلك قامت ضجة وأحرقوا تلك المصاحف .ومنع المسلمون التحريف مهما
كان باب الدخول إليه.
http://www.daardesign.com/forum
منتدى دارنا
شوْنِ { والخشية :خوف متوَهّم ممن تظن أنه قادر على الضر ،ول أحد
شوُاْ النّاسَ وَاخْ َ
} فَلَ َتخْ َ
غير ال قادر على النفع والضر؛ لذلك ل يصح أن يخاف النسانُ مِن سواه ،أما أن تظن أن
السلطان أو القريب منه قادر على الضر ،فهذا أمر غير صحيح ،وليخشَ كل إنسان الحق سبحانه
وهو جل وعل نصحنا أن تكون الخشية منه دون سواه.
وإن غيّر أحد أحكام المنهج من أجل السلطان أو أقارب السلطان أو أصدقاء السلطان فذلك عين
الفساد .والفات والشرور تأتي من ذلك .بل قد ل يدري السلطان شيئا عن ذلك ،وقد يتدخل قريب
للسلطان -دون علم السلطان -ليطلب من العلماء تغيير بعض من المنهج ول يستسلم له إل
الضعاف منهم ،وقد فطن سيدنا عمر رضي ال عنه إلى هذا المر فقال :إن الفساد قد ل يأتي من
السلطان ،ولكن من الذين حول السلطان.
والخشية هنا تكون من غير ال ،ولذلك كان سيدنا عمر يجمع أقاربه والملتفين حوله ويقول لهم:
لقد اعتزمت أن أصدر كذا وكذا فوالذي نفسي بيده من خالفني منكم إلى شيء من هذا جعلت نكالً
للمسلمين.
هذا هو أسلوب من أداء أن يخدم ويحكم ول يحمل أوزارا ،ونرى صور الفساد غنما جاءت نتيجة
شوْنِ {.
س وَاخْ َ
شوُاْ النّا َ
مخالفة القاعدة الحكيمة } :فَلَ تَخْ َ
ويتابع الحق من بعد ذلك } :وَلَ تَشْتَرُواْ بِآيَاتِي َثمَنا قَلِيلً { وثمن آيات ال مهما بولغ في تقييمها
فلن يتجاوز نفعه هذه الدنيا؛ لن الدنيا -كما قلنا سابقا -ل تقاس بعمرها الحقيقي أي إلى أن
يُفني ال البشر ،وإنما دنيا كل حيّ تقاس بعمره فيها.
فهب أن الحياة طالت لمليين السنين فما نفع الفرد المحدود العمر بهذه المليين من السنين؟ إذن
فدنيا كل إنسان هي مقدار عمره في الحياة .وعمر الفرد في الدنيا له حد محدود غير معروف
لحد غير ال ،فلكل أجل كتاب .ولذلك تجد واحدا يعيش متوسط العمار وهو سبعون عاما.
ويختلف العمر من إنسان لخر ،وقد يموت آخر عند الستين وثالث يموت في الربعين ورابع
يموت في المائة ،وخامس يموت وهو طفل رضيع.
إذن فدنيا الفرد قد تكون لحظة .ومادامت مسألة العمر ل يحكمها زمن ول يحكمها سبب فهي -
إذن -بإرادة الحق غيب.
وأقضية الموت في الوجود جعلها ال شائعة في كل زمن ولم يجعلها الحق بعد الميلد .بمعنى أن
يولد النسان ليموت من بعد ذلك ،ل ،فقد يموت الكائن البشري وهو جنين في بطن أمه؛ فهذا
حمل يسقط من بعد ساعة ،وذاك حمل يسقط من بعد شهر أو شهور ،وجعل الحق لنا ذلك لنأخذ
من المر الغيبي وهو الجنين في البطن مراحلَ تكوينه .إنه يعطينا شكل الجنين بعد نصف ساعة
من التكوين ،ويعطينا شكل الجنين من بعد ساعة .وكل الزمنة في الحياة والموت موجودة.
http://www.daardesign.com/forum
منتدى دارنا
وعندما نحلل تلك الشكال نجد أمامنا كل أطوار الجنين ،وكل أطوار الحياة ليكون ذلك واضحا
جليا حتى ل يحسب أحد لنفسه عمرا في هذه الدنيا.
ومادام الثمن الذي يأخذه المرتشون ليغيّروا آيات ال وأحكامه سينفعهم في هذه الدنيا ،وأعمارهم
في هذه الدنيا محدودة ،كان عليهم أن يتذكروا أن حياتهم زمنيا قليلة بالنسبة لعمر الدنيا .وحتى
يقوم النسان بعملية اقتصادية ل بد أن يتعرّف إلى أن عمره محدود بقدر سنوات مجهولة بالنسبة
له في هذه الحياة ،وهو عمر محدود مهما طال .وإن قارنها النسان بالحياة في العالم الخر
فسيجد أن عمره الدنيوي منهي ،فإن قايضه بعمر غير منهي هو عمره في الخرة ،فذلك هو الفوز
العظيم؛ لن وجود النسان في الدنيا مظنون ،ووجود النسان بالنسبة للخرة متيقن .ونعيم الفرد
في الدنيا هو على قدر إمكاناته ولو في السلب .ونعيم النسان في الخرة ينسب إلى طلقة قدرة
ال سبحانه وتعالى.
إذن فأي صفقة تكون هي الرابحة؟ محدود مقابل غير محدود ،ومظنون مقابل متيقن ،ونعيم على
قدر مكنة وسلطان الفرد ولو بالسلب مقابل نعيم على قدر طلقة قدرة الحق ،أي صفقة هي
الرابحة؟ إذن فصفقة الدنيا قليلة بالنسبة لما وعد ال به المتقين .ومن بعد ذلك يقول الحقَ } :ومَن
حكُم ِبمَآ أَن َزلَ اللّهُ فَُأوْلَـا ِئكَ هُمُ ا ْلكَافِرُونَ {.
لّمْ َي ْ
ماذا يعني الحكم بما أنزل ال؟.
نعلم أن الحق سبحانه وتعالى جعل لكل قضية مخالفة في الكون حكما ،فإذا أردت أيها النسان أن
تحكم في أمرٍ فعليك أن تبحث عن جوهره بسلسلة تاريخ هذا المر .ونجد أن قمة كل المور هي
العقيدة ،وهو وجود الواحب العلى وهو ال ،فإن حكمت بأنه غير موجود فذلك هو الكفر.؟ وإن
آمن النسان بال ثم جاء إلى أحكام ال التي أنزلها وقال :ل ليس من المعقول أن يكون الحكم هو
هكذا .فهذا لون من رد الحكم على ال وهو لون من الكفر.
أما إن آمن النسان بالحكم وقال :إنني أصدق حكم ال ،ولكن ل أقدر على نفسي فهل هذا كفر؟ أم
هذا ظلم؟ .إنه ليس كفرا ،ويكون ظلما إن كان حكما بين اثنين .وهو فسق إن كان بين النسان
وبين نفسه؛ لنه يفسق عن الحكم كما تفسق الرطبة عن قشرتها.
فالفاسق هو من له إطار من التكليفات ويخرج عن هذا الطار كالرطبة التي خرجت من قشرتها.
ومادامت الرطبة قد خرجت من قشرتها فهي عرضة للتلوث.
حكُم ِبمَآ أَن َزلَ اللّهُ فَُأوْلَـا ِئكَ هُمُ ا ْلكَافِرُونَ }[المائدة]44 :
إذن فإن سمعت قول الَ {:ومَن لّمْ َي ْ
حكُم ِبمَآ أن َزلَ اللّهُ فَُأوْلَـائِكَ ُهمُ الظّاِلمُونَ }[المائدة]45 :
وعندما تسمعَ {:ومَن لّمْ َي ْ
سقُونَ }[المائدة]47 :
حكُم ِبمَآ أَن َزلَ اللّهُ فَُأوْلَـائِكَ ُهمُ ا ْلفَا ِ
وعندما نسمعَ {:ومَن لّمْ َي ْ
فتذكر أحكام ال وحاول أن تقدر على نفسك .وقيل :إن ذلك لليهود؛ لن الحق قال {:إِنّآ أَن َزلْنَا
http://www.daardesign.com/forum
منتدى دارنا
ال ّتوْرَاةَ فِيهَا هُدًى وَنُورٌ }[المائدة]44 :
وقيل :إن الثانية جاءت للنصارى الذين لم يحكموا بالنجيل.
ولنا أن نقول ردا على مثل هذه القوال :امن الممكن أن يكون ذلك للديان السابقة على السلم
وليس موجودا بالسلم؟ ذلك أمر ل يقبله العقل أو المنطق ،فهي آيات نزلت في مناط الحكم
عامة .فإن حكم إنسان في قضية القمّة وهي العقيدة بغير الحق ،فذلك هو الكفر .وإن ردّ النسان
الحكم على منشئه -وهو الحق العلى -فهذا لون من الكفر .وإن آمن النسان بالقضية وهو
مؤمن بالله فغلبته نفسه فهذا هو الفسق .وإن حكم إنسان بين اثنين وحاد ومال عن حكم ال فهذا
هو الظلم.
إذن فـ " كافرون " و " ظالمون " و " فاسقون " تقول لنا :إن اللفاظ اختلفت باختلف المحكوم
به .فل يقولن أحد :إن تلك آية نزلت لتلك الفئة ،وتلك الية نزلت لفئة أخرى ،وثالثة نزلت لفئة
ثالثة ،ولكنها أحكام عامة لمناط التكليف عامة .والحق قال في بداية كل حكم " ومَن " ومَن كما
نعلم كلمة عامة .والدليل على ذلك أن من يحكم بغير ما أنزل ال إنما هو يشتري بآيات ال ثمنا
قليلً ورد الحكم على ال .وقال الحق في الية اللحقةَ {:وكَتَبْنَا عَلَ ْيهِمْ فِيهَآ أَنّ ال ّنفْسَ بِال ّنفْسِ }
[المائدة]45 :
إنها أحكام تتعلق بجرائم ،وعقوبات على جرائم ،وهنا يكون الحكم بغير ما أنزل ال ظلما .إذن
فالمر يختلف حسب المحكوم عليه.
وحينما تعرضنا لقضية الخلق الول وهو خلق آدم ،وطلب ال من الملئكة المكلفين بتدبير أمور
الخلق في الرض أن يسجدوا لدم .وقلنا إن هذا السجود هو رمزية لن يكونوا في خدمة آدم؛
لن كل مظهر من مظاهر القوة في الكون ل نرى الملك الذي يديره ،فكل قوة لها ملك معين،
ولن ذلك المر من الغيب فنحن ل نراه ،إنها ملئكة مدبرات أمر .وحين يبلغهم الحق أن
الطارش علىالكون وهو آدم ،وأنهم في خدمته ،ومن أجل ذلك أمرهم بالسجود لدم .ولذلك نجد
أن بعضا من الملئكة الذين ليسوا من المدبرات أمرا لم يشملهم المر .ويكلم الحق إبليس عندما
رفض السجود قال سبحانه:
http://www.daardesign.com/forum
منتدى دارنا
وفي القرآن نص صريح يثبت جنسية إبليس .وهو من الجن .وكان من المختارين ،له أن يطيع أو
أن يعصي .لن الجن داخلون في قانون الختيار .فإن ألزم الجنّي نفسه بمنهج ال إلزاما يتساوى
به مع الملئكة وجب عليه أن يقوم بذلك .ولكنه لم يفعل .وكان من الواجب أن يطيع إبليس المر.
ومادام الحق هو الذي أمر بالسجود ،فالدنى وهو إبليس كان عليه أن يسجد؛ لن المراتب
محفوظة كما نعلم ،فرئيس الجمهورية عندما يدخل على الوزراء فهم يطيعون أمره ،وإن كان
يجلس مع الوزراء بعض وكلء الوزارات فهم يطيعون أوامره؛ ذلك أنهم يدخلون في المر من
باب أولى .ولو كان إبليس أعلى من الملئكة لكان أولى له أن يستجيب لمر الخالق العلى ول
يعصى ويتأبى ،أما وإنّه كان أقل من الملئكة فكان ل بد من باب أولى -أن ينصاع لمر ال.
خَلقْتَهُ مِن طِينٍ }
لكن إبليس علل أمر عدم السجود ،فقال {:أَنَاْ خَيْرٌ مّنْهُ خََلقْتَنِي مِن نّا ٍر وَ َ
[العراف]12 :
سجُدُ ِلمَنْ خََل ْقتَ طِينا }[السراء]61 :
وفي آية أخرى قال سبحانه {:أَأَ ْ
وحين يتأبّى كائن على الحكم ،أيتأبّى على الحكم الصم ،أي على الحكم من حيث هو حكم دون
النظر إلى الحاكم ،أم على مَن حكم بالحكم وهو العلى سبحانه؟ .تأبى إبليس على من حكم
بالحكم ،ولذلك طرده الحق من الجنة وصار ملعونا .لكن آدم عصى ربه وقرب من الشجرة التي
نهاه ال عنها .ومن رحمة ال تعالى أنه جعل في التكليفات مقدمات تنطبق على حالة المكلف
نفسه ،فلم يقل الحق لدم :ل تأكل من الشجرة .ولكنه قالَ {:ولَ َتقْرَبَا هَـا ِذهِ الشّجَ َرةَ }[البقرة:
]35
لن الحق علم أن آدم إنسان ،والنسان من الغيار ،وهو عندما يرى الشجرة بثمارها قد ل يقدر
على نفسه ،ولذلك كان من الفضل أل يقرب من هذه الشجرة .وسبحانه يريد أن يحمي النسان؛
لن التكليفات التشريعية ل يرفعها الحق ،ول يُعفى المكلف من القيام بها إل في المر الذي ليس
للنسان فيه اختيار ،ولذلك أراد الحق أن يحمي النسان من القتراب من تلك الشجرة حتى ل
تغريه وجاء الحق بمثل هذا المر في الخمر فلم يقل :ل تشربوا الخمر .ولكنه قال:
http://www.daardesign.com/forum
منتدى دارنا
الحقَ {:ولَ يَجْ ِرمَ ّنكُمْ شَنَآنُ َقوْمٍ عَلَى َألّ َتعْدِلُواْ }[المائدة]8 :
أي ل يحملنكم بغض قوم أل تعدلوا .إذن فالحق لم يحرم البغض لنه مسألة عاطفية .ولكن
التحريم ينحصر على القدام على عمل يخل بميزان العدل مع من تكره .ويجب أن يؤمن النسان
إيمانا جازما بأن من ظلمه بمعصية ،فل يجازيه النسان إل بطاعة ال .وآدم أكل من الشجرة،
فهو -إذن -قد تجاوز مسألة القتراب إلى مسألة الكل من الشجرة؛ لنه لو قرب منها لكان
مخالفا ،فما بالنا وهو قد أكل منها أيضا؟ إذن فقد أوغل آدم في المعصية ،لكنه قال( :ظلمنا
أنفسنا).
وهذا اعتراف واضح بأن حكمك يا ال هو الحكم الحق ،لكني لم أقدر على نفسي يا ربي .إذن فهو
لم يَ ُردّ الحكم على ال ،ولكنه اعترف بأنه لم يقدر على تنفيذ الحكم ،لذلك أعطاه ال كلمات ليقولها
فيتوب عليه .وسبحانه هو الذي علم آدم كيف تكون التوبة .فآدم -إذن -ليس كإبليس الذي رد
الحكم على ال؛ لن آدم قال :أنا لم أقدر على نفسي.
إذن فمن لم يحكم بما أنزل ال رادّا للحكم على ال ومخطّئا ل -سبحانه -فهو كافر .وإن كان
حكما بين اثنين وحكم بغير ما أنزل ال فهو ظالم .أما إن كان حكما علىالنفس ولم يقدر عليه
النسان فهذا فسق .وكل وصف جاء حسب حكمه .ول داعي -إذن -للجدل ول للخلف ول
ادعاء أن هناك قولً يقصد به اليهود ،وآخر ورد في النصرانية ،ول يصح أن يزين النسان
الباطل لحد ،لن ورود الحكم بما أنزل ال في السلم أمر جازم يوجب اللتزام به.
ويقول الحق من بعد ذلكَ } :وكَتَبْنَا عَلَ ْيهِمْ فِيهَآ{ ...
()706 /
ن وَالسّنّ بِالسّنّ
ن وَالْأَ ْنفَ بِالْأَ ْنفِ وَالُْأذُنَ بِالْأُذُ ِ
س وَا ْلعَيْنَ بِا ْلعَيْ ِ
َوكَتَبْنَا عَلَ ْي ِهمْ فِيهَا أَنّ ال ّنفْسَ بِال ّنفْ ِ
حكُمْ ِبمَا أَنْ َزلَ اللّهُ فَأُولَ ِئكَ ُهمُ الظّاِلمُونَ (
صدّقَ ِبهِ َف ُهوَ َكفّا َرةٌ لَ ُه َومَنْ لَمْ يَ ْ
وَالْجُرُوحَ ِقصَاصٌ َفمَنْ َت َ
)45
لقد كتب الحق على اليهود في التوراة التي وصفها من قبل بأنها هدى ونور ،كتب وأوجب عليهم
أن النفس بالنفس ،وعلينا أن نأخذ كل أمر وما يناسبه من الحدث .أي أن النفس تُقتل بالنفس.
ولكن عندما يقول الحق { :وَا ْلعَيْنَ بِا ْلعَيْنِ } ،فهل يعني ذلك أن تقتل العين؟ ل .ولكن العين نقلع
مقابل عين .وكذلك { وَالَ ْنفَ بِالَنْفِ } .أي النف المجدوعة ،مقابل جدع أنف أخرى .وكذلك
قوله الحق { :وَالُذُنَ بِالُذُنِ } أي إصابة اذن بالصمم مقابل إصابة أذن بالصمم .إذن فلكل ما
يقابله .فهناك النفس تقتل بالنفس وهناك العين تفقأ بالعين ،وكذلك المر في جدع النف ،وصلم
http://www.daardesign.com/forum
منتدى دارنا
الذن.
إن تعبيرات اللغة واسعة تعطي لكل وصف ما يناسبه .فالنسان مثلً قد يكون جائعا .ولكن إلى
ماذا؟ إن كان جائعا لطعام فهو جوعان .وإن أراد خصوصية أكل ويشتهيه كاللحم فل يقال له:
جوعان ،ولكن يقال " قَرِم " .وإن كان يشتهي اللبن يقال له " :عَيْمان " ،وإن كان في حاجة للماء
يقال له " :عطشان " .وإن كان جائعا للجنس فهو " شَبِق ".
وذلك يكشف لنا أن النسانية تحتاج إلى أمور متعددة ،وكل أمر له اسم .وكل شيء له تعبير.
ومثال آخر :يقال :فلن جلس ،أي قعد .وهذا في المعنى العام .ولكن الجلوس يكون عن
اضطْجاعٍ .أما قعد ،فهي عن قيام ،أي كان قائما وقعد .ولذلك قال الحق { :قِيَاما َو ُقعُودا }.
ومثال آخر :يقال " :نظر " و " رمق " و " لمح "؛ وكل كلمة لها موقفها؛ فالنظر يكون بجميع
عينيه .و " َرمِق " أي لحظ لحظا خفيفا .و " َلمَح " أي اختلس النظر إليه .وكذلك قوله الحق
معناه :أننا كتبنا عليهم فيها أن النفس مقتولة بالنفسن والعين مفقوءة بالعين ،والنف مجدوعة
بالنف ،والذن مصلومة بالذن ،والسن مخلوعة بالسن .وبعد ذلك يقول الحق عن الجروح:
{ وَا ْلجُرُوحَ ِقصَاصٌ } لن الجرح قد يكون في أي مكان .والقصاص يكون بمثله ومساويا للشيء،
وهو مأخوذ من قص الثر؛ أي السير تبعا لما سارت عليه القدم السابقة دون انحراف .ولما كان
القصاص هو أمر مطلوب فيه المماثلة فذلك أمر صعب ،صحيح أن الحق قالَ {:فمَنِ اعْتَدَىا
علَيْهِ ِبمِ ْثلِ مَا اعْتَدَىا عَلَ ْي ُكمْ }[البقرة]194 :
عَلَ ْيكُمْ فَاعْ َتدُواْ َ
لكن القصاص أمر صعب ،فالصفعة من يد جائع متهافتة بعكس الصفعة التي تأتي من يدٍ صاحبُها
في منتهى النشاط والقوة .فكيف يكون القصاص مناسبا لقوة الذي فعل الفعل؟
إذن ل يصح أن يدخل النسان في متاهة .ويمكنه أن يتصدق بالقصاص فل يأخذه .ونحن نعلم
حكاية " تاجر البندقية " ذلك المرابي اليهودي الذي أقرض نقودا مقابل رطل من لحم صاحب
القرض ،وكتب الثنان لتعاقد وجاءا بالشهود ولم يستطع الرجل أن يُسدّد المال في الميعاد ولكن
القاضي أنار ال بصيرته.
فقال :خذ الرطل من لحم الرجل ولكن إن أنقصت أوقية فسنأخذها منك أو إن زدت أوقية
فسنأخذها منك .فقال المرابي :ل أريد.
صدّقَ ِبهِ َف ُهوَ
وقد قنن الحق للجريمة ،ولم يغلق سبحانه باب الطموحات اليمانية ،فقالَ } :فمَن َت َ
َكفّارَةٌ لّهُْ { .ومعنى " تصدق " أنه دفع وأعطى شيئا غير مستحق ،ول واجب عليه أي تبرع به
ابتغاء وجه ال .إن الذي يتعب البشر في تقنيناتهم أنهم يطلبون إجراءات التقاضي ،فساعة تقع
جريمة يستمر التحقيق فيها بواسطة القضاء لكثر من عام فتنبهت بشاعة الجريمة في النفس
البشرية .ومن الواجب كذلك أن يكون المر لولي القصاص؛ لنك إن مكنته أرضيت نفسه بأول
http://www.daardesign.com/forum
منتدى دارنا
شفاء .وساعة يُعطي النسان ذلك الحكم فقد يزهد فيه؛ لن المر حين يكون في يده ويقدر على
القصاص فمن المحتمل أن يعفو.
وسيظل المتصدّق عليه طيلة حياته يدين بحياته أو بجارحة من جوارحه لصاحب القصاص .وبدلً
من إيعازات الثأرات تنشأ المودة .وحين يشرع المشرع العلى يوضح لنا :ل تحكم بأنك دائما
معتدى عليك ،بل تصور مرة أنك معتد ،أل تحب في مثل هذه الحالة أن يتصدق عليك صاحب
القصاص؟ فإذا أرادت الحكومات لن تنهي الثأرات فلهم في التشريع العلى الحكم الواضح.
وفي صعيد مصر ،ساعة يُقتل إنسان نجد الذي عليه الثأر يأخذ كفته ويذهب إلى العائلة الطالبة
للثأر ،ولحظة يدخل عليهم حاملً كفنه بيديه ،تشفي النفوس من طلب الثأر .ويحيا ،وصاحب الثأر
متفضل عليه بالعيش } َفمَن َتصَدّقَ بِهِ َف ُهوَ َكفّا َرةٌ لّهُ { تكون الصدقة هنا من ولي القصاص.
والفعل " تصدق " يحتاج إلى اثنين هما " :متصدّق " و " متصدّق عليه " .وسبحانه الحق يكفر عن
المتصدق من الذنوب بقدر ما تسامح فيه لخيه ،وهنا يحنن ال الخلق بعضهم على بعض؛ لذلك
تأتي المسألة هنا من ناحية صاحب القصاص لترغبه في التصدق.
حكُم ِبمَآ أن َزلَ اللّهُ فَُأوْلَـائِكَ ُهمُ الظّاِلمُونَ { وعرفنا من قبل
وينهي الحق الية بقولهَ } :ومَن لّمْ َي ْ
ضرورة الحكم بما أنزل ال .وبعد ذلك يقول الحق سبحانهَ } :و َقفّيْنَا عَلَىا آثَارِهِم{ ...
()707 /
َوقَفّيْنَا عَلَى آَثَارِ ِهمْ ِبعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ ُمصَ ّدقًا ِلمَا بَيْنَ يَدَ ْيهِ مِنَ ال ّتوْرَا ِة وَآَتَيْنَاهُ الْإِ ْنجِيلَ فِيهِ ُهدًى وَنُورٌ
َومُصَ ّدقًا ِلمَا بَيْنَ يَدَيْهِ مِنَ ال ّتوْرَاةِ وَهُدًى َو َموْعِظَةً لِ ْلمُ ّتقِينَ ()46
وقفينا أي اتبعنا ،فعيسى جاء من بعد موسى ،فعندما يمشي رجل خلف رجل نجد أن قفا الول
يكون في وجه الثاني .وعندما يقول الحقَ { :و َقفّيْنَا عَلَىا آثَارِهِم ِبعَيسَى ابْنِ مَرْيَمَ ُمصَدّقا ّلمَا بَيْنَ
يَدَيْهِ } أي مصدقا لموسى الذي جاء بالتوراة { .وَآتَيْنَا ُه الِنجِيلَ فِيهِ هُدًى وَنُورٌ } .وعرفنا أن "
الهدى والنور " يناسبان البيئة التي نزلت إليها تلك الهداية وذلك النور.
إن هناك مقولت اسمها " المقولت الضافية " ،كأن يقول إنسان في قرية لبنه :أشعل الضوء.
ويشعل الولد المصباح الكيروسيني؛ أما إذا قال إنسان في مدينة لبنه :أضيء النور ،فالبن
يضغط على الزر ليضيء المصباح الكهربائي .وهذه الضافات قد تجعل اللفظ يحمل معنيين.
ومثال آخر أكثر وضوحا :يسكن النسان في منزل ما ،ويعرف أن السقف عال بالنسبة له ،ولكنه
أرض بالنسبة لصحاب الدور الثاني ،إنه علو وسفل وهذا هو المعنى الضافي .وكذلك عندما
نقول :فلن ابن فلنن فهذا ل يمنع أن هذا البن يكون أبا بالنسبة لبنه.
http://www.daardesign.com/forum
منتدى دارنا
إذن { ُهدًى وَنُورٌ } هي معان إضافية .وكل " هدى ونور " يناسب البيئة التي نزل يفيها .فالبيئة
المادية الولى كانت في حاجة إلى تقنين؛ لذلك جاءت التوراة ،ومن بعد ذلك صارت هذه البيئة
المادية في حاجة إلى طاقة روحية؛ لذلك جاء النجيل بكل الروحانيات ،وعندما سئل عيسى ابن
مريم عليه السلم في قضية الميراث قال :أنا لم أرسل مورثا ،فهو يعلم أنه جاء بشحنة روحية
فيها مواجيد ومواعظ.
حكُمْ َأ ْهلُ الِ ْنجِيلِ} ...
ويتابع الحق من بعد ذلك { :وَلْيَ ْ
()708 /
سقُونَ ()47
حكُمْ ِبمَا أَنْ َزلَ اللّهُ فَأُولَ ِئكَ هُمُ ا ْلفَا ِ
حكُمْ َأ ْهلُ الْإِنْجِيلِ ِبمَا أَنْ َزلَ اللّهُ فِي ِه َومَنْ لَمْ َي ْ
وَلْيَ ْ
والحق أنزل في النجيل أن الحكام تؤخذ من التوراة .أي أن النجيل تضمن إلى جانب روحانياته
أسس الحكام الموجودة في التوراة .ولذلك أوضح الحق :من لم يحكم بما أنزل ال فهو فاسق
مادام قد خرج على الطاعة .فإن خرج أحد على الطاعة في أمر اللوهية والربوبية فهو كافر.
ومن خرج على الحكام بالنسبة للحكم بين الناس فهو ظالم .إذن فالمسألة كلها متداخلة ،فالشرك
ظلم عظيم أيضا.
وبعد أن تكلم الحق عن التوراة والنجيل ،جاء بما نزل إلى النبي الخاتم { :وَأَنزَلْنَآ إِلَ ْيكَ ا ْلكِتَابَ...
}
()709 /
وساعة نسمع كلمة " أنزلنا " نعرف أن هناك تشريعا جاء من أعلى .وهناك من يريد أن يلبس
الناس أهواءه ،فيقول :إن السلم دين تقدمي ،أو يقول :السلم دين رجعي ،وكلهما يحاول أن
يلبس السلم بما ليس فيه ،ونقول :ل تقولوا ذلك ولكن قولوا السلم فوقي؛ أنه جاء من ال ،فإن
http://www.daardesign.com/forum
منتدى دارنا
كان للتقدمية مزايا فهو تقدمي ،وإن كان للرجعية مزايا فهو رجعي ،وإن كان لليمين مزايا فهو
يميني وإن كان لليسار مزايا فالسلم يساري؛ فقد جاء السلم بالستطراق الجتماعي والتقدم
العلمي الصيل؛ لن مفهوم التقدم هو أن يرتقي النسان بنفيه ارتقاءً متقدما يجعل الناس متكافئين.
إن السلم ليس تقدميا فقط بالنسبة للحياة الدنيا ولكن بالنسبة لحياة أخرى خالدة فوق هذه الحياة.
إن الذين يناقشون تلك الفكار ل يحسنون فهم أفكارهم سواء أكانت تقدمية أم رجعية أم يمينية أم
يسارية .ونرى أن المناهج المعاصرة التي تسبب كل هذا الصراع في الدنيا من شرق وغرب
هي :الرأسمالية والشيوعية والشتراكية والوجودية وغيرها.
وعندما ننظر -على سبيل المثال -إلى القائمين على أمر الثورة الشيوعية عام ،1917نجد
قولهم :إنهم مازالوا في بداية الطريق إلى الشيوعية ،ولكنه اختيار الطريق الشتراكي.
كان يجب أن يتجهوا إلى ما نادوا به ،ولكن ها نحن أولء نرى أنهم كلما تقدموا في الزمن
تراجعوا عن أفكارهم الولى .حتى انقلبوا على أنفسهم .وذلك دليل على أن المنهج الذي اتخذوه
لنفسهم غير صحيح.
والمنهج الرأسمالي أظل كما هو؟ ل؛ لن الحداث قد اضطرت الرأسمالية أن تعطي العمال حقوقا
وبذلك لم تبق لرأس المال شراسته .كما سارت الشيوعية إلى معظم أساليب الرأسمالية.
والرأسمالية سارت إلى بعض من أساليب الشتراكية وهما -إذن -يريدان أن يلتقيا .ولكن
السلم أوجد هذا اللقاء من البداية ،فاحترم رأس المال ،واحترم العمل .وكل إنسان لزم حدوده.
وضمن وجود واستمرار حركة الحياة .ولذلك نجد أن الرأسمالية تقول :يجب أن توفر الحوافز
للعمل .ولم تصل الشيوعية أيضا إلى مداها ،بل قامت لهدار حقوق الناس ،ثم ماذا عن الذين لم
تمتد إليهم يد الشيوعية -قبل أن توجد -وكان فيهم من يستغل الناس؟
كان العقل يحتم أن تؤمن الشيوعية بان هناك آخرة يعاقب فيها من استغلوا الناس من قبل ،ومن
مصلحتهم إذن أن توجد آخرة .وكان من اللزم أن يكونوا متدينين .وكذلك الرأسمالية التي ل
تعترف إل بالربح المادي ،امتلت مجتمعاتها بالضحايا الذين فقدوا المعنويات .وقول الحق" :
أنزلنا " يعتبر أن هناك منهجا نزل من أعلى .وحين نأخذ معطيات البيان القرآني ،نجده سبحانه
يبلغنا تعاليمهُ { :قلْ َتعَاَلوْاْ } .أي ارتفعوا إلى مستوى السماء ول تهبطوا إلى حضيض الرض.
http://www.daardesign.com/forum
منتدى دارنا
الذي يقيم منطق الحق في كل نفس وكل مكان ،ويَضمن كل حق يقيم حركة الحياة.
وهنا أجملت الية ،فقالت } :وَأَنزَلْنَآ إِلَ ْيكَ ا ْلكِتَابَ بِا ْلحَقّ ُمصَدّقا ّلمَا بَيْنَ يَدَيْهِ مِنَ ا ْلكِتَابِ { أي أن
القرآن مصدق للكتب السماوية السابقة .وما الفارق بين كلمة " الكتاب " الولى التي جاءت في
صدر الية ،وكلمة " الكتاب " الثانية؟
إننا نعلم أن هناك " ال " للجنس ،و " ال " للعهد ،فيقال " لقيت رجل فأكرمت الرجل " ،أي
الرجل المعهود الذي قابلته .فكلمة الكتاب الولى اللم فيها للعهد أي الكتاب المعهود المعروف
وهو القرآن ،وكلمة الكتاب الثانية يراد بها الجنس أي الكتب المنزلة على النبياء قبله ،فالقرآن
مهيمنٌ رقيبٌ عليها؛ لنها قد دخلها التحريف والتزييف.
كلمة " الحق " -إذن -تعني أن كتاب ال الخاتم لكتبه المنزلة وهو القرآن قد نزل بالحق الثابت
في كل قضايا الكون ومطلوب حركة النسان .ونزل بالحق بحيث لم يصبه تحريف ول تغيير.
إذن فالحق هو في مضمونه وفي ثبوت نزوله .وقد نزل القرآن بعد كتب أنزلها ال متناسبة مع
الزمنة التي نزلت فيها؛ لنه سبحانه خلق الخلق لمهمة أن يشهدوا أن ل إله إل ال ،وأن يعمروا
هذا الكون بما أمدّهم به من عقل يفكر ،وطاقات تنفّذ ،ومادة في الكون تنفعل ،فإن أرادوا أصل
الحياة مجردا عن أي ترقٍ أو إسعاد فلهم في مقومات الرض ما يعطيهم ،وإن أرادوا أن يرتقوا
بأنفسهم فعليهم أن يُعملوا العقل الذي وهبه ال ليخدم الطاقات التي خلقها ال في المادة التي خلقها
ال ،وحينئذ يأخذون أسرار ال من الوجود.
إن أسرار ال في الوجود كثيرة ،وتفعل لنا وإن لم نعرف نحن السر .فنجد الجاذبية التي تمسك
الفلك تفعل لنا ،وإن لم نكن قد اكتشفنا الجاذبية إل أخيرا .والكهرباء السارية في الكون سلبا
وإيجابا تعمل لنا وإن لم نعرف ما تنطوي عليه من سرّ
إن الحق سبحانه حين يريد ميلد سر في الكون سبحانه يمد الخلق بأسباب بروز هذا
السر.واعلموا أن كل سر من أسرار الكون المسخر للنسان له ميلد كميلد النسان نفسه ،إما أن
يصادف -هذا الميلد -عمل العقل في مقدمات تنتهي إليه ،وحينئذ يأتي الميلد مع مقدمات
استعملها البشر فوصلوا إلى النتيجة ،تماما مثل التمرين الهندسي الذي يقوم الطالب بحله بعد أن
يعطيه الستاذ بعضا من المعطيات ،ويستخدمها التلميذ كمقدمات ليستنبط ما يريد المدرس أن
يستنبطه من مطلوب الثبات.
فإن صادف أن العقل بحث في الشيء معمليا وتجريبيا وصل ميلد السر مع البحث .وإن جاء
ميلد السر في الكون ،ولم يشغل النسان نفسه ببحث مقدمات توصل إليه ،وأراد ال ذلك الميلد
للسر فماذا يكون الموقف؟
أيمنع ال ميلد السر لننا لم نعمل؟ .ل .بل يخرج سبحانه السر إلى الوجود كما نسمع دائما عن
http://www.daardesign.com/forum
منتدى دارنا
مصادفة ميلد شيء على يد باحث كان يبحث في شيء آخر ،فنقول :إن هذا السر خرج إلى
الوجود مصادفة.
وإذا نظرت إلى البتكارات والختراعات وأمهات المسائل التي اكتشفت لوجدتها من النصف
الثاني ،ونجد المفكر أو العالم وقد غرق في بحث ما ،ثم يعطيه ال سرا من أسرار الكون لم يكن
يبحث عنه ،فيقال عن الكتشاف الجديد :إنه جاء مصادفة ،وحينما جعل ال لكل سر ميلدا ،فهو
قد أعطى خلقه حياة من واسع فضله ،وأعطاه قدرة من فيض قدرته وأعطاه علما من عنده }
ح ْكمَةَ َفقَدْ أُو ِتيَ خَيْرا كَثِيرا
وَعَّلمْنَاهُ مِن لّدُنّا عِلْما { ،ووهبه حكمة يُؤتى بها خيرا } َومَن ُي ْؤتَ الْ ِ
{ .وهو سبحانه وتعالى يريد من خلقه أن يتفاعلوا مع الكون ليبرزوا الشياء ،وإذا كان سبحانه
يريد منا أن ننفعل هذا النفعال فل بد أن يضع المنهج الذي صون طاقاتنا وفكرنا مما يبددهما.
والذي يبدد أفكار الناس وطاقاتهم هو تصارع الهواء ،فالهوى يصادم الهوى ،والفكرة قد تصادم
فكرة ،وأهواء الناس مختلفة؛ لذلك أراد الحق سبحانه وتعالى أن يضمن لنا اتفاق الهواء حتى
نصدر في كل حركاتنا عن هوى واحد؛ وهو ما أنزله الخالق العلى الذي ل تغيره تلك الهواء.
أما ما ل تختلف فيه الهواء فتركنا لكي نبحث فيه؛ لننا سنتفق فيه قهرا عنا .ولذلك نقول دائما:
ل توجد اختلفات في الفكار المعملية التجريبية المادية ،فما وجدنا كهرباء روسية ،وكهرباء
أمريكية لن المعمل ل يجامل .والمادة الصماء ل تحابي .والنتيجة المعملية تخرج بوضوحها
واحدة.
إننا نرى اتفاق العلماء شرقا وغربا في معطيات المادة التجريبية وتحاول كل بلد أن يسرق من
البلد الخر ما انتهى إليه من نتائج لتدخلها على حضارتها ،بينما يختلف المر في الهواء
البشرية ،فكل بلد يحاول أن يبعد هوى الخر عن حدوده؛ لن الهواء ل تلتقي أبدا ،والحق قد
وضع حركة الحياة لتنفعل بـ " افعل كذا " و " ل تفعل كذا " مما تختلف فيه الهواء ليضمن
سمَاوَاتُ
س َدتِ ال ّ
حقّ أَ ْهوَآ َءهُمْ َلفَ َ
اتحادنا وعدم تعاند الطاقات فينا .بل تتساند معا {.وََلوِ اتّبَعَ الْ َ
ض َومَن فِيهِنّ }
وَالَرْ ُ
[المؤمنون]71 :
إذن فمنهج ال في كونه إنما جاء لينظم حركة النسان فيما تختلف فيه الهواء .أما الحركة فيما ل
تختلف فيه الهواء فقد تركها سبحانه حرة طليقة :لن البشر يتفقون فيها قهرا عنهم ،لن المادة ل
تجامل والمعمل ل يحابي.
ولذلك قلنا :إن رسول ال صلى ال عليه وسلم حين بعثه ال نبيا خاتما أعطى بـ " افعل ول تفعل
" .أما بالنسبة للمر المادي المعملي فقد جعل أمره في ذات النبي صلى ال عليه وسلم " .فعندما
قَدِمَ النبي صلى ال عليه وسلم المدينة كان أهلها يأبرون النخل؛ أي يلقّحونه ليثمر .فمر النبي
http://www.daardesign.com/forum
منتدى دارنا
صلى ال عليه وسلم بقو ٍم يلقحون فقال " :لو لم تفعلوا لصلح ".
فلم يأْبُروا النخل ،فخرج شيصا؛ أي ُبسْرا رديئا ،وخاب النخل .ومرّ بهم رسول ال صلى ال عليه
وسلم فقال :ما لنخلكم؟ قالوا :قلت كذا وكذا .فقال صلى ال عليه وسلم " :إن كان ينفعهم ذلك
فليصنعوه ،فإني إنما ظننت ظنا فل تؤاخذوني بالظن ولكن إذا حدثتكم عن ال شيئا فخذوا به فإني
لن أكذب على ال عز وجل ".
وفي رواية أنه صلى ال عليه وسلم قال:
" إنما أنا بشر ،إذا أمرتكم بشيءٍ من دينكم فخذوا به وإذا أمرتكم بشيء من رأيي فإنما أنا بشر "
ثم قال رسول ال صلى ال عليه وسلم ليعلنها قضية كونية مادية تجريبية معملية " :أنتم أعلم بأمر
دنياكم "
أي أنه صلى ال عليه وسلم ترك للمة إدارة شئونها التجريبية ،ولم يكن ذلك القول تركا للحبل
على الغارب في شئون المنهج ،فقد وضع رسول ال صلى ال عليه وسلم الفيصل فيما تتدخل فيه
السماء ،وفيما تتركه السماء للبشر ،وأعمار الناس -كما نعلم -تختلف ،فنحن نقول للنسان
طفولة ،وله فتوة ،وشباب ،وله اكتمال رجولة ونضج؛ لذلك يعطي الحق من الحكام ما يناسب
هذا المجتمع؛ يعطي أولً الحتياج المادي للطفولة ،وعند عصر الفتوة يعطيه المسائل الدراكية،
وعندما يصل إلى الرشد يعطيه زمام الحركة في الكون على ضوء المنهج ،فكانت رسالة السلم
على ميعاد مع رشد الزمان ،فََأمِن الحق سبحانه أتباع محمد صلى ال عليه وسلم ،أن يقفوا ليحموا
حركة النسان من أهواء البشر .وكانت الرسل تأتي من عند ال بالبلغ للمجتمعات البشرية
السابقة علىالسلم .وكانت السماء هي التي تؤدب .ولكن عندما اكتمل رشد النسانية ،رأينا
الرسول يبلغ ،ويوكّله ال في أن يؤدب من يخرج على منهج ال في حركة الحياة ،لنه صلى ال
عليه وسلم أصبح مأمونا على ذلك.
وإذا نظرت إلى الكون قديما لوجدته كونا انعزاليا ،فكل جماعة في مكان ل تعلم شيئا عن الجماعة
الخرى ،وكل جماعة لها نظامها وحركتها وعيشها وداءاتها.
والسلم جاء على اجتماع للبشر جميعا .فقد علم ال أزلً أن السلم سيجيء على ميعاد مع إلغاء
فوارق الزمن والمسافات ،وأن الداء يصبح في الشرق فل يبيت إل وهو في الغرب ،وكذلك ما
يحدث في الغرب ل يبيت إل وهو في الشرق.
إذن فقد اتحدت الداءات ول بد أن يكون الدواء واحدا فكان رسول ال صلى ال عليه وسلم جامعا
للزمان وجامعا للمكان ومانعا أن يجيء رسول آخر بعده ،وأن العالم قد وصل إلى قمة نضجه.
فإذا ما جاء النسان ليعلم منهج ال بـ " افعل " ول " تفعل " ،وجد أن المنهج محروس بالمنهج،
بمعنى أن الكتب السابقة على القرآن فيها " افعل " و " لتفعل " ،والقرآن أيضا فيه " افعل " و "
http://www.daardesign.com/forum
منتدى دارنا
ل تفعل " لكن المنهج السابق على القرآن كان مطلوبا من المنزل إليهم أن يحافظوا عليه ،ومادام
قد طلب الحق منهم ذلك فكان من الواجب أن يتمثلوا لطاعته لكنهم تركوا المنهج .فكل منهج
عرضة لن يطاع وعرضة لن يعصى ،ولم يحفظوا الكتب وحدث فيها التحريف بمراحله
حظّا ّممّا ُذكِرُواْ
المختلفة والتي سبق أن ذكرناها وهي النسيان وهو متمثل في قوله الحق {:وَنَسُواْ َ
بِهِ }[المائدة]13 :
ت وَا ْلهُدَىا مِن
وما لم ينسوه كتموا بعضه ،فقال الحق فيهم {:إِنّ الّذِينَ َيكْ ُتمُونَ مَآ أَنزَلْنَا مِنَ الْبَيّنَا ِ
َبعْدِ مَا بَيّنّاهُ لِلنّاسِ فِي ا ْلكِتَابِ أُولَـا ِئكَ يَلعَ ُنهُمُ اللّهُ }[البقرة]159 :
وما لم يكتموه حرفوه ولووا ألسنتهم به وقال الحق {:وَإِنّ مِ ْنهُمْ َلفَرِيقا يَ ْلوُونَ أَلْسِنَ َتهُمْ بِا ْلكِتَابِ }[آل
عمران]78 :
ولم يقتصروا على ذلك بل وضعوا من عندهم أشياء وقالوا إنها من عند ال .وكان أمر حفظ كتب
حفِظُواْ مِن كِتَابِ اللّهِ }[المائدة]44 :
المنهج السابقة موكولً لهم وبذلك قال الحق عنهمِ {:بمَا اسْتُ ْ
أي أن الحق طلب منهم أن يحافظوا على المنهج ،وكان يجب أن يطيعوه ولكن أغلبهم آثر
العصيان .فلما عصى البشر المنهج ،لم يأمن ال البشر من بعد ذلك على أن يستحفظهم على
القرآن ،وكأنه قال :لقد جُرّبْتم فلم تحافظوا على المنهج ،ولن القرآن منهج خاتم لن يأتي له تعديل
من بعد ذلك فسأتولى أنا أمر حفظه {:إِنّا َنحْنُ نَزّلْنَا ال ّذكْ َر وَإِنّا لَهُ َلحَافِظُونَ }[الحجر]9 :
ومادام الحق هو الذي يحفظ المنهج فالقرآن مهيمن على كل الكتب؛ لنه سبحانه وتعالى قد ضمن
عدم التحريف فيه .إذن فالكتاب المهيمن هو القرآن ،ومادام القرآن هو المهيمن فهو حقيقة ما
يسمى بالكتاب.
ودليل العهد هو قول الحق } :وَأَنزَلْنَآ إِلَ ْيكَ ا ْلكِتَابَ { أما قولهُ } :مصَدّقا ّلمَا بَيْنَ َيدَيْهِ مِنَ ا ْلكِتَابِ
{ فالمقصود به الزبور والتوراة والنجيل وصحف إبراهيم وموسى ،ثم جاء القرآن مهيمنا على
كل هذه الكتب.
وساعة نجد وصفا وصف به غير ال وسمى به ال نفسه فما الموقف؟ نعرف أن ل صفات بلغت
في تخصصها به مقامها العلى بال ،مثل قولنا " :ال سميع " والنسان يسمع ،و " ال غني "
ويقال " :فلن غني "؛ فإذا سمي الحق باسم وجد في الخلق ،فليس من المتصور أن يكون هذا
شيْءٌ {.
صفة مشتركة بين العبد والرب ،ولكننا نأخذ ذلك في ضوء } :لَيْسَ َكمِثْلِهِ َ
إن أي اسم من هذه الصفات على إطلقه ل ينصرف إل ل ،فإن قلت " :الغني " على إطلقه فهو
اسم ل ،وإن قلت " :الرحيم " على إطلقه فهو اسم ل .فإذا أطلق اللفظ من أسماء ال على اطلقه
فهو ل ،واسم " المهيمن " يطلق هنا على القرآن وهو اسم من أسماء ال .ومن معنى " مهيمن "
أنه مسيطر.
http://www.daardesign.com/forum
منتدى دارنا
ومن أمثلة الحياة أننا نرى صاحب مصنع يطلق يد مدير في شئون العمل ،وهذا يعني أنه مؤمن
ومسيطر وأمين ،ول بد أن متنبه ،أي رقيب ،وهو شهيد ،إذن فالذين فسروا كلمة " مهيمن " على
أنه مؤمن قول صحيح.
والذين فسروا كلمة " :مهيمن " على أنه " مؤتمن " قول صحيح .والذين فسروا كلمة " :مهيمن "
بأنه " رقيب " قول صحيح .والذين فسروا كلمة " :مهيمن " بأنه " شهيد " قول صحيح .والذين
فسروا كلمة " :مهيمن " بأنه قائم على كل أمر قول صحيح .وإذا رأيت الختلفات في تفسير اسم
واحد من أسمائه -سبحانه -فلتعلم أن الحق بصدق عليه كل ذلك ،وباللزم ل يكون " رقيبا " إل
إذا كان " شهيدا " ،ول يكون شهيدا إل إذا كان قائما على المر ،ول يكون كل ذلك إل إذا كان
مؤمنا ومؤتمنا.
إذن فـ " مهيمن " هو قيم وشاهد ورقيب .ومادام القرآن قد جاء مصدقا لما بين يديه من الكتاب
فعلى أي مجال يهيمن؟ نحن نعرف مدلول الكتاب بأنه نزل من عند ال ،فإن بقي الكتاب الذي من
عند ال كما هو فالقرآن مصدق لما به ،أما إن لعبت في ذلك المنهج أهواء البشر فالقرآن مهيمن
حكُم بَيْ َنهُم ِبمَآ أَن َزلَ اللّهُ { .و " احكم " مأخوذة من
لنه يصحح المنهج وينقيه من أهواء البشر } .فَا ْ
حكَمة " هي قطعة الحديد التي توضع في فم الحصان ونربطها باللجام؛ حتى
مادة " حكم " ،و " ال َ
نتحكم في الحصان .والحكمة هي ال تدع المحكوم يفلت من إرادة الحاكم.
حكُم بَيْ َنهُم ِبمَآ أَن َزلَ اللّهُ { فهل يحدث ذلك أيضا مع غير المؤمنين؟ نعم.
وحين يقول الحق } :فَا ْ
فإذا ما جاء إليك يا رسول ال أناس غير مؤمنين وطلبوا أن تحكم بينهم فاحكم بما أنزل ال.
ولذلك قال الحق:
http://www.daardesign.com/forum
منتدى دارنا
بعضهم أن يضع يده على السطور التي بها الحكم؛ فالحكم بما أنزل ال يكون من التوراة إن لم
حكُم بَيْ َنهُم
يبدل ،أما إذا كان الحكم قد بدله الناس فالحكم من القرآن؛ لن القرآن هو المهيمن } .فَا ْ
ِبمَآ أَن َزلَ اللّ ُه َولَ تَتّبِعْ َأ ْهوَآءَ ُهمْ { لنهم بهذه الهواء يريدون أن ييسروا على أنفسهم ليستبقوا
لنفسهم السلطة الزمنية ،ووصفهم الحق {:اشْتَ َروْاْ بِآيَاتِ اللّهِ َثمَنا قَلِيلً }[التوبة]9 :
هم -إذن -يريدون أن يستبدلوا بآيات ال مصلحتهم في الحكم .ويقول الحقَ } :ولَ تَتّبِعْ
ع ًة َومِ ْنهَاجا { ،وإن افترضنا أن بعضا من
جعَلْنَا مِنكُمْ شِرْ َ
عمّا جَآ َءكَ مِنَ ا ْلحَقّ ِل ُكلّ َ
أَ ْهوَآ َءهُمْ َ
التوراة لم يحرف ،وبه حكم أراد السلم أن يبدله ،فأي أمر يتبع؟ إن التباع هنا يكون للقرآن لنه
هو المهيمن ،فسبحانه أراد بالقرآن أن يصحح ويعدل ويغير.
إن مناهج الديان في العقائد ثابتة ل تغيير فيهان وأما ما يتصل بالحكام التي تحكم أفعال النسان
فال سبحانه وتعالى ينزل حكما لقوم يلئمهم ثم ينزل حكما آخر يلئم قوما آخرين .ولذلك نجد أن
حلّ َلكُم َب ْعضَ الّذِي حُرّمَ عَلَ ْي ُكمْ }[آل عمران]50 :
سيدنا عيسى قالَ {:ولُ ِ
أي أن هناك أشياء كانت محرمة في دين اليهود .وجاء عيسى عليه السلم ليحلل بعضا من هذه
المحرمات ،وكان التحريم مناسبا بني إسرائيل في بعض المور ،وجاء المسيح عيسى ابن مريم
ليحلل لهم بعضا من المحرمات ،وكان تحريم بعض المور لبني إسرائيل بهدف التأديب {:فَ ِبظُلْمٍ
مّنَ الّذِينَ هَادُواْ حَ ّرمْنَا عَلَ ْيهِمْ طَيّبَاتٍ ُأحِّلتْ َلهُمْ }[النساء]160 :
إذن فقد يكون تحريم الشيء بسبب الضرر الناشئ منه ،أو بهدف التأديب؛ لن النسان أحل لنفسه
ما حرمه ال عليه.
http://www.daardesign.com/forum
منتدى دارنا
الذي وضع لنا المنهاج الذي نسير عليه في زماننا .إذن فالمران متساويان .والمهم هو وحدة
المصدر المشرّع.
جعََلكُمْ ُأمّ ًة وَاحِ َدةً { .فلو شاء لجعل " افعل " ول " تفعل " واحدة في
ويقول الحق } :وََلوْ شَآءَ اللّهُ َل َ
كل المناهج ،ولكن ذلك لم يكن متناسبا مع اختلف الزمان والقوام النعزالية قبل السلم
جعََلكُمْ
بداءاتها المختلفة؛ لذلك كان من المنطقي أن تأتي الحكام مناسبة للداءات {.وََلوْ شَآءَ اللّهُ َل َ
جمِيعا }[المائدة]48 :
ج ُعكُمْ َ
ح َد ًة وَلَـاكِن لّيَبُْل َوكُمْ فِي مَآ آتَاكُم فَاسْتَ ِبقُوا الخَيْرَاتِ إِلَىا ال مَرْ ِ
ُأمّ ًة وَا ِ
وسبحانه وتعالى لو شاء لجعلنا أمة واحدة في " افعل " و " ل تفعل " ولكنه -سبحانه -لم يرد
ذلك حتى ل يألف الناس العبادة وتصير كالعادة عندهم ،فحينما يألف الناس أداء العبادات ،فهم
بذلك يحرمون لذة التكليف واليمان ،فكان ل بد أن يأتي التشريع مناسبا لكل زمان .وذلك ليفرق
بين قوم وقوم ففي الصوم -على سبيل المثال -نجد أن الحق يسمح لنا بالطعام والشراب
والجنس في الفترة ما بين الفطار والسحور؛ فالحق يأتي إلى الشيء الرتيب ويأتي فيه أمر ال
بالمتناع عنه لفترة زمنية معينة .ول يقرب المؤمن هذه المحرمات في زمان معين ،ول يقرب
غيرها في أي زمان ومكان .مثل شرب الخمر ،أو أكل لحم الخنزير .والمؤمن ل يقرب هذه
الشياء بطبيعة اختياره .ويأتيه الصوم ليعلمه ويدربه على النصياع للتكليف فيحرمه الحق من
الطعام طول نهار شهر رمضان وكذلك الشراب والجنس.
المسألة -إذن -ليست رتابة أبدا .بل هي ابتلء واختبار البشر } وَلَـاكِن لّيَبُْل َوكُمْ فِي مَآ آتَاكُم
{ والبتلء -كما نعلم -ليس أمرا مذموما في ذاته ،هو مذموم باعتبار ما تؤول إليه نهايته،
ومادام سبحانه يبتلينا فيما آتانا فيجب أن نكون حكماء وأن نتسابق إلى الخير:
http://www.daardesign.com/forum
منتدى دارنا
جمِيعا { والكل يرجع إلى ال سواء الملتزم أو المنحرف ،وأمام الحق نرى
ج ُعكُمْ َ
} إِلَىا ال مَرْ ِ
القول الفصل } :فَيُنَبّ ُئكُم ِبمَا كُنتُمْ فِيهِ تَخْتَِلفُونَ { .ومادام هناك اختلف فل بد أن يوجد من أخذ
جانب الخير ومن أخذ جانب الشر ،ولو أن ال قال لنا " :ستأخذون الخير " وسكت عن الشر لكان
حكُم{ ...
ذلك كافيا ،لكنه يعطينا الصورة الكاملة .ويتبع ذلك قول الحق } :وَأَنِ ا ْ
()710 /
حكُمْ بَيْ َنهُمْ ِبمَا أَنْ َزلَ اللّ ُه وَلَا تَتّبِعْ أَ ْهوَا َءهُ ْم وَاحْذَرْ ُهمْ أَنْ َيفْتِنُوكَ عَنْ َب ْعضِ مَا أَنْ َزلَ اللّهُ إِلَ ْيكَ
وَأَنِ ا ْ
سقُونَ ()49
فَإِنْ َتوَّلوْا فَاعَْلمْ أَ ّنمَا يُرِيدُ اللّهُ أَنْ ُيصِي َبهُمْ بِ َب ْعضِ ذُنُو ِبهِ ْم وَإِنّ كَثِيرًا مِنَ النّاسِ َلفَا ِ
وقد يقول قائل :إن ال سبحانه وتعالى قال من قبل {:وَأَنزَلْنَآ ِإلَ ْيكَ ا ْلكِتَابَ بِا ْلحَقّ ُمصَدّقا ّلمَا بَيْنَ
يَدَيْهِ مِنَ ا ْلكِتَابِ َو ُمهَ ْيمِنا عَلَيْهِ }[المائدة]48 :
وتكون الجابة :أن الحق بيّن إن القرآن قد نزل مهيمنا ،وعلى الرسول أن يباشر مهمة التنفيذ؛
حكُم بَيْ َنهُمْ ِبمَآ أَن َزلَ اللّهُ } بلغا للرسول وإيضاحا :أنا أنزلت إليك
لذلك يأتي هنا قوله { :وَأَنِ ا ْ
الكتاب مصدقا لما بين يديه من الكتب السابقة ومهيمنا فاحكم ،فإذا جاءك قوم بشيء مخالف لما
نزل من القرآن ،فاحكم بينهم بالقرآن .والذي زاد في هذه الية هو قوله الحق { :وَاحْذَ ْرهُمْ أَن
َيفْتِنُوكَ } والحذر هو احتياط النسان واحترازه ِممّن يريد أن يوقع به ضررا في أمر ذي نفع،
والذي يرغب الضر قد يزين لنفسه ولغيره الذر كأنه الخير ،على الرغم من أن ما في باطنه هو
كل الشر.
إذن فالحذر هو ضرورة النتباه لمن يريد بالنسان شرا حتى ل يدخل عليه ضُرّا في صورة نفع،
كأن يأتي خصم ويقول لك :سأضع لك كذا وافعل من أجلك كذا وكذا .يجب عليك هنا أن تقول له:
ل.
والحذر -إذن -يقتضي عقلً مركبا ،ولذلك كانوا يعرفون الحذر من الغراب .فها هوذا الغراب
يعلم ابنه في قصة شعبية فيقول الغراب لبنه:
احذر النسان؛ لن النسان عندما ينحني ليلتقط شيئا من الرض فهو يلتقط قطعة من الطوب
ليرميك بها .وهنا يقول الغراب الصغير لوالده :وماذا أفعل لو كان هذا النسان يخبئ قطعة
الطوب في جيبه؟ إنها قصة توحي بأن الغراب حذر بفطرته.
ونرى مثل ذلك في مظاهر الشياء كالمرابي الذي يزين للناس أن يضعوا أموالهم عنده ويعطيهم
فائدة تبلغ عشرين بالمائة ،هذه صورة شيء ينفع ولكنها ضارة بالفعل؛ لنها تزيد المال ظاهرا
حقُ اللّهُ الْرّبَا }.
ولكن ينطبق عليها قول الَ { :يمْ َ
http://www.daardesign.com/forum
منتدى دارنا
وهذا أمر ضار يزينه الخصم وكأنه أمر نافع .والحق يطلب من رسول ال صلى ال عليه وسلم
ج َههُ ال
أن يكون حذرا ،فماذا يكون المطلوب من التباع؟ .إنه الحذر نفسه؛ لن أفضل البشر وَ ّ
إلى الحذر { :وَاحْذَرْ ُهمْ أَن َيفْتِنُوكَ } لن الصورة التي دخلوا بها هي صورة تزين الخداع ،فقد
قالوا :نحن جئناك لتحكم لنا ،فإن حكمت لصالحنا فلسوف نتبعك ،وهذا أمر يبدو في صورة شيء
نافع .وجاء القول الحق ليحسم هذه المسألة { :وَاحْذَ ْرهُمْ أَن َيفْتِنُوكَ عَن َب ْعضِ مَآ أَن َزلَ اللّهُ إِلَ ْيكَ }
وهنا يحذر ال ورسوله من الفتنة عن بعض ما أنزله إليه سبحانه.
ويتابع الحق { :فَإِن َتوَّلوْاْ فَاعَْلمْ أَ ّنمَا يُرِيدُ اللّهُ أَن ُيصِي َبهُم بِ َب ْعضِ ذُنُو ِبهِ ْم وَإِنّ كَثِيرا مّنَ النّاسِ
سقُونَ } وهم إن تولوا ،فاعلم أن ال يحميك أن تنزلق إلى شبهة باطل .فهم قد اختاروا أن
َلفَا ِ
يوغلوا في الكفر ،وفي البتعاد عن منهج ال ،وسيصيبهم ببعض عذابه مقابل ذنوبهم ،وسبحانه ل
يصيبهم ظلما ،بل يصيبهم ببعض الذنوب التي ارتكبوها.
http://www.daardesign.com/forum
منتدى دارنا
فقال عمر بن الخطاب -رضي ال عنه -:وكيف ذلك يا ابن سلم؟.
قال عبدال بن سلم :لني أشهد أن محمدا رسول ال حقا ويقينا وأنا ل أشهد بذلك على ابني لني
ل أدري ،أحداث النساء .فقال عمر بن الخطاب:
-وفقك ال يا ابن سلم.
ولكن بعض علماء بني إسرائيل وأحبارهم كتموا البشارة برسول ال صلى ال عليه وسلم ،فقد
كانوا يرجون الرئاسة والطمع في الهدايا التي كان يقدمها الناس إليهم .لذلك عمدوا إلى صفة
رسول ال محمد صلى ال عليه وسلم وكتموها .وماداموا قد فعلوا ذلك فلنعلم أن ال يريد أن
يصيبهم ببعض ذنوبهم.
ونلحظ أن الحق حين أجرى على لسان رسوله خطابا إلى اليهود .ولم يأت على لسانه صلى ال
عليه وسلم اتهام شامل لليهود ،بل اتهام لبعضهم فقط ،وإن كان هذا البعض كثيرا ،فلنعلم أن ذلك
هو أسلوب صيانة الحتمال؛ لن بعضهم يدير أمر اليمان بقلبه.
صحيح أن كثيرا منهم فاسقون ،ولكن القليل منهم غير ذلك .فها هوذا أبو هريرة رضي ال عنه
ينقل لنا ما حدث " :زنى رجل من اليهود بامرأة وقال بعضهم لبعض اذهبوا بنا إلى هذا النبي فإنه
نبي مبعوث للتخفيف فإن أفتانا بفتيا دون الرجم قبلناها واحتججناها عند ال وقلنا فتيا نبي من
أنبيائك .فأتوا رسول ال صلى ال عليه وسلم وهو جالس في المسجد مع أصحابه فقالوا :يا أبا
القاسم ما ترى في امرأة ورجل زنيا؟ .فلم يكلمهم حتى ذهب إلى ِمدْراسهم.
وهناك طلب رسول ال صلى ال عليه وسلم من شاب رفض أن يتكلم بالكلم غير الصدق الذي
يتكلمه قومه .وقال الشاب :إنا نجد في التوراة الرجم .وحكم رسول ال صلى ال عليه وسلم
بالرجم ".
حمّما مجلودا ،فدعاهم
" عن البراء بن عازب قال :مُرّ على النبي صلى ال عليه وسلم بيهودي مُ َ
فقال :هكذا تجدون الزاني في كتابكم؟ قالوا :نعم ،فدعا رجل من علمائهم فقال رسول ال صلى
ال عليه وسلم :أنشدك بال الذي أنزل التوراة على موسى أهكذا تجدون حدّ الزاني في كتابكم.
قال :ل ،ولول أنك نشدتني بهذا لم أخبرك ،نجده الرجم ولكنه كثر في أشرافنا فكنا إذا أخذنا
الشريف تركناه ،وإذا أخذنا الضعيف أقمنا عليه الحدّ ،فقلنا :تعاَلوْا فلنجتمع على شيء نقيمه على
الشريف والوضيع فاجتمعنا على التحميم والجلد مكان الرجم ،فقال رسول ال صلى ال عليه
ل لَ
وسلم( :اللهم إني أول من أحيا أمرك إِذْ َأمَاتُوه) ،فأمر به فرُجم فأنزل ال } :ياأَ ّيهَا الرّسُو ُ
خذُوهُ { َيقُولون ائتوا محمدا فإن
يَحْزُنكَ الّذِينَ يُسَارِعُونَ فِي ا ْل ُكفْرِ { إلى قوله } :إِنْ أُوتِيتُمْ هَـاذَا فَ ُ
أمركم بالتحميم والجلد فخذوه ،وإن أفتاكم بالرجم فاحذروا ".
إذن فالكثير منهم فاسقون ،والقليل منهم غير فاسق لنهم يديرون فكرة اليمان برسول ال صلى
http://www.daardesign.com/forum
منتدى دارنا
ال عليه وسلم .فلو أن التهام كان شاملً للكل بأنهم فاسقون؛ لما أحس الذين يفكرون في أن
يؤمنوا بمحمد صلى ال عليه وسلم وبالنور الذي جاء به .وعندما قال الحق } :وَإِنّ كَثِيرا مّنَ
سقُونَ { يعني أن الذين يديرون في رؤوسهم فكرة اليمان برسول ال سيجدون النور
النّاسِ َلفَا ِ
واضحا في كلماته.
ونتساءل :لماذا أرادوا أن يلووا أحكام ال ليحققوا لنفسهم سلطة زمنية وثمنا تافها من تلك الشياء
التي يتقاضونها ،لماذا يفعلون ذلك؟
حكْمَ ا ْلجَاهِلِيّةِ{ ...
ها هوذا قول الحق سبحانهَ } :أ َف ُ
()711 /
http://www.daardesign.com/forum
منتدى دارنا